Professional Documents
Culture Documents
العزيز املليباري
الشافعي
احلمدُ هلل الفتّاحِ ،اجلواد املعني على التفقه يف الدين من اختاره من العباد .وأشهد
أن ال إله إال اهلل شهادة تدخلنا دار اخللود .وأشهد أن سيدنا حممدا عبده ورسوله
صاحب املقام احملمود صلى اهلل وسلم عليه ،وعلى آله وأصحابه األجماد ،صالة
وسالما أفوز هبما يوم املعاد.
(وبعد) :فهذا شرح مفيد على كتايب املسمى ب"قرة العني مبهمات الدين" ،يبني
املراد ويتمم املفاد وحيصل املقاصد ويربز الفوائد ،ومسيته ب"فتح املعني بشرح قرة
العني مبهمات الدين" ،وأنا أسأل اهلل الكرمي املنان أن يعم اإلنتفاع به للخاصة والعامة
من اإلخوان ،وأن يسكنين به الفردوس يف دار األمان ،إنه أكرم كرمي وأرحم رحيم.
(بسم اهلل الرمحن الرحيم) أي أؤلف .واالسم مشتق من السمو ،وهو العلو ،ال
من الوسم ،وهو العالمة .واهلل علم للذات الواجب الوجود ،وأصله إله ،وهو اسم
جنس لكل معبود ،مث عرّف بأل وحذفت اهلمزة مث استعمل يف املعبود حبق .وهو
االسم األعظم عند األكثر ،ومل يسم به غريه ولو تعنتا .والرمحن الرحيم صفتان بنيتا
للمبالغة من رحم .والرمحن أبلغ من الرحيم ،ألن زيادة البناء تدل على زيادة املعىن،
ولقوهلم" :رمحن الدنيا واآلخرة ،ورحيم اآلخرة".
(احلمد هلل الذي هدانا) أي دلنا (هلذا) التأليف (وما كنا لنهتدي لوال أن هدانا
اهلل) إليه .واحلمد هو الوصف باجلميل (والصالة) وهي من اهلل الرمحة املقرونة
بالتعظيم (والسالم) أي التسليم من كل آفة ونقصٍ (على سيدنا حممد رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم) لكافة الثقلني ،اجلن واإلنس إمجاعاً ،وكذا املالئكة على ما قاله
مجعٌ حمققون .وحممدٌ عَلمٌ منقول من اسم املفعول املضعف ،موضوعٌ ملن كثرت
خصاله احلميدة ،مسي به نبينا صلى اهلل عليه وسلم بإهلامٍ من اهلل جلده .والرسول من
البشر ذكر حُرٌّ أوحي إليه بشرع وأُمر بتبليغه ،وإن مل يكن له كتاب وال نسخ،
كيوشع عليه السالم ،فإن مل يؤمر بالتبليغ فنيب .والرسول أفضل من النيب إمجاعا.
وصح خرب أن عدد األنبياء عليهم الصالة والسالم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً،
وأن عدد الرسل ثالمثائة ومخس عشر( .وعلى آله) أي أقاربه املؤمنني من بىن هاشم
واملطلب ،وقيل :هم كل مؤمن أي يف مقام الدعاء وحنوه ،واخْتِيْر خلرب ضعيف فيه،
وجزم به النووي به النووي يف شرح مسلم( .وصحبه) وهو اسم مجع لصاحب مبعىن
الصحايب ،وهو من اجتمع مؤمنا بنبينا صلى اهلل عليه وسلم ولو أعمى وغري مميز (
الفائزين برضااهلل) تعاىل ،صفة ملن ذكر.
(وبعد) :أي بعد ما تقدم من البسملة واحلمدلة والصالة والسالم على من ذكر
(فهذا) املؤلف احلاضر ذهنا (خمتصر) قل لفظه وكثر معناه من اإلختصار (يف الفقه)
هو :لغة الفهم واصطالحا العلم باألحكام الشرعية العمليّة املكتسبُ من أدلتها
1
التفصيلية .واستمداده :من الكتاب والسنة واإلمجاع والقياس .وفائدته :امتثال أوامر
اهلل تعاىل واجتناب نواهيه (على مذهب اإلمام) اجملتهد أيب عبد اهلل حممد بن إدريس
(الشافعي رمحه اهلل تعاىل) ورضي عنه .أي ما ذهب إليه من األحكام يف املسائل.
وإدريس والده هو اب عباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد ابن عبد يزيد
بن هاشم بن املطلب بن عبد مناف .وشافع هو الذي ينسب إليه اإلمام .وأسلم هو
وأبوه السائب يوم بدر .وولد إمامنا رضي اهلل عنه سنة مخسني ومائة ،وتويف يوم
اجلمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتني( .ومسيته بقرة العني ب) بيان (مهمات) أحكام
(الدين) انتخبته وهذا الشرحَ من الكتب املعتمدة لشيخنا خامتة احملققني شهاب الدين
أمحد بن حجر اهليتمي ،وبقيةِ اجملتهدين ،مثلُ وجيه الدين عبد الرمحن بن زياد
الزبيدي رضي اهلل عنهما ،وشَْيخَيْ مشاخينا شيخ اإلسالم اجملدد زكريا األنصاري،
واإلمام األجمد أمحد املزجّد الزبيدي رمحهما اهلل تعاىل وغريَهم من حمققى املتأخرين،
معتمدا على ما جزم به شيخا املذهب النووي والرافعي ،فمحققوا املتأخرين رضي اهلل
عنهم (راجيا من) ربنا ( الرمحن أن ينتفع به األذكياء) أي العقالء (وأن تَقِرّ بهِ) أي
بسببه (عيين غدًا) أي اليوم اآلخر (بالنظر إىل وجهه الكرمي بُكْرَةً وَ َعشِيًّا) آمني.
هي شرعاً :أقوالٌ وأفعالٌ خمصوصةٌُ ،مفْتَتحَةٌ بالتكبريِ ُمخْتَِتمَةٌ بالتسليم .وسُمِّيَت
بذلك الشتِماهلا على الصّالةِ ُلغَةً ،وهي الدُّعاءِ .واملفروضاتُ العَيْنِيّة خَمْسٌ يف كلّ
يومٍ وليلةٍ ،مَعلومَةٌ من الدِّينِ بالضرورَةِ ،فيَ ْكفُر جا ِحدُها .ومل جتَت ِمعْ هذهِ اخلمسُ لغريِ
ضتْ ليلةَ اإلِسراءِ بعد النبُوَّة بعشرِ سنني وثالثة أشهر ،ليلةَ سبعٍ نبينا حممد ،وفُرِ َ
وعشرين من رَ َجبٍ ،ومل َتجِب صُبْحَ يومِ تلك الليلِة ِل َع َدمِ العِ ْلمِ بِكَْيفِيَّتِها.
خلمْسُ (على) كل (مسلم مكلَّفٍ) أي بالغٍ جبُ املكتوبَةُ) أي الصلواتُ ا َ (إمنا َت ِ
عاقلٍَ ،ذكَرٍ أو غريه( ،طاهِرٍ) فال جتبُ على كافِرٍ أصليّ وصيبَ وجمنونٍ ومغمىً عليه
وسكرانَ بال َت َعدَِ ،ل َع َدمِ تكليفهِم ،وال على حائِضٍ ونفساء لعدم صحتها منهما ،وال
قضاءَ عليهما .بل ِجتبُ على مرَتدّ ومَُت َعدّ ِبسُكْرٍ( .وُيقْتَلُ) أي (املسلِم) املكلَّفُ
الطاهِرُ َح ّداً ِبضَرْبِ عُُنقِهِ (إن أخرَجَها) أي املكتوبةَ ،عامداً (عن وقتِ َج ْمعٍ) هلا ،إن
كان َكسَالً مع اعتقادِ وُجوبِها (إن مل يَُتبْ) بعد االستِتابَةِ ،وعلى َندْبِ االستِتابة ال
ضمَنْ من قَتَلَهُ قبلَ َّالتوْبَة لكنَّه يَأْثَم .وُيقْتَلُ ُكفْراً إن تركها جاحِداً وجوبَها ،فال َي ْ
ُيغَسَّل وال ُيصَلَّى عليه( .ويبا ِدرُ) مَنْ مَرَّ (بفائِتٍ) وجوباً ،إن فاتَ بال ُع ْذرٍ ،فيل َز ْمهُ
القضاءُ فوراً .قال شيخنا أمحد بن حجر رمحه اهلل تعاىل :والذي يظهرُ أنه يلزمهُ
صرفُ مجيعِ زمنِهِ للقضاءِ ما عدا ما حيتاج لصرفِهِ فيما ال ُبدّ منه ،وأنه َيحْ ُرمُ عليه
التَّطَوُّعَ ،ويبا ِدرْ به ندباً إن فاتَ بِعُذرٍ كنومٍ مل يَتَعَدَّ به ونسيانٍ كذلك( .وُيسَنّ
ترتيبهُ) أي الفائِت ،فيقضي الصّبحَ قبلَ الظُّهرِ ،وهكذا( .وتقدميُه على حاضِرَةٍ ال
خيافُ َفوْتَها) إن فات بعذرٍ ،وإن خشيَ َفوْتَ مجاعَتها على املعَت َمدِ .وإذا فاتَ بال
عُذرٍ فيجبُ تقدميُهُ عليها .أما إذا خاف فَوْتَ احلاضِ َرةِ بأن َي َقعَ بعضُها وإن قلَّ
خارجَ الوقتِ فيلزَمه الَبدْءُ هبا .وجيبُ تقدميُ ما فات بغريِ عُذرً على ما فاتَ ِبعُذرٍ.
وإن َف َقدَ الترتيبَ ألنه سُنّة والبَدارُ واجبٌ .ويُْندَب تأخريُ الرواتِب عن الفوائِت
بعذر ،وجيب تأخريُها عن الفواِئتِ بغريِ عُذرٍ.
[تنبيه] :من مات وعليه صالة فرض مل ُتقْضَ ومل تُ ْفدَ عنه ،ويف قول أهنا ُت ْفعَل
عنه َأ ْوصَى بِها أم ال حَكاهُ العبادي عن الشافعيّ خلربٍ فيه ،وفعلَ به السّبك ّي عن
بعضِ أقاربِهِ( .ويُؤمرُ) ذو صَباً َذكَرٌ أو انثى (مميِّز) بأن صارَ يأكل ويشرب ويستنجِي
2
وحده .أي جيبُ على كلِّ مِن أَبوَيْه وإن عال ،مث ال َوصِيّ .وعلى مالكِ الرَّقيقِ أن يأمُ َر
(هبا) أي الصَّالة ،ولو قضاءً ،وجبميعِ شروطِها (لسَْبعَ) أي بعد سبعٍ من السنني ،أي
عندَ متامها ،وإن ميَّزَ قَبْلَها .وينبغي مع صيغَةِ األمرِ التهديدُ( .وُيضْرَب) ضَرْباً غري
َرحٍ وجُوباً ممن ُذكِر (عليها) أي على تركِها ولو قضاءً أو تَرَكَ شَرْطاً من مُب َّ
شروطِها (ِل َعشْرٍ) أي بعد استِكِماهلا ،للحديثِ الصحيح" :مُرُوا الصّبِيَّ بالصَّالةِ إذا
ص ْومٍ أطاقَهُ) فإنه يُؤمَر بهِ بََلغَ سَبْع سنني ،وإذا بَلغَ َعشْرَ سنني فاضرُبوهُ عليها"َ ( .ك َ
لِسبعٍ ويضرَبَ عليه لعشرٍ كالصَّالةِ .وحِ ْكمَةُ ذلك التمرين على العبادةِ لِيَتَعوَّدها فال
يَتْرُكها .وَبحَث األذرعيّ يف قِنّ صَغريٍ كافِرٍ نَطَقَ بالشهادتني أنه يُؤمَرَ َندْباً بالصَّالةِ
حثّ عليهما من غريِ ضربٍ ليألَفَ اخلريَ بعد بُلوغه ،وإن أىب القياسُ ذلك. والصَّومُِ ،ي َ
انتهى .و ِجيبُ أيضاً على من مرّ َنهْيُه عن احملَرَّمات وتعليمُه الواجبات ،وحنوها من
سائِر الشرائِع الظاهَرةِ ،ولو سُنَّ ًة كِسوَاكٍ ،وَأمْرُهُ بذلك .وال ينتهِي وجوب ما مَرَّ على
من مَرَّ إال ببلوغِهِ رشيداً ،وأُجْرَةُ تعلي ِمهِ ذلك كالقرآن واآلداب يف ماِلهِ ُثمّ على أبيهِ
مث على أُمّه.
[تنبيه]َ :ذكَرَ السمعاينّ يف زوجةٍ صغريةٍ ذاتِ أبوين أنّ وجوبَ ما مَرّ عليهما
صرحَ مجالُ اإلِسالمِ البزريّ. فال ّزوْج ،وقضيَّته وجوب ضَرْبِها .وبه ولو يف الكبرية َّ
قال شيخنا :وهو ظاهِرٌ إنْ مل َيخْشَ نُشوزاً .وأطلَقَ الزركشي النَّدب( .وأوّل واجبٍ)
حىت على األمْرِ بالصالةِ كما قالوا (على اآلباءِ) مث على مَرّ من (تعليمُه) أي ا ُملمَيِّزِ (أن
ت هبا.نبينا حممداً ُب ِعثَ مبكة) َو ُوِلدَ هبا (و ُدفِنَ باملدينة) وما َ
صحّة الصالةِ ،وليس منها. (فصل) يف شروطِ الصَّالة .الشَّرطُ ما يتوقفُ عليه ِ
وقُدِّمتِ الشروطُ على األركانِ ألهنا َأوْىل بالتقدميِ ،إذ الشرطُ ما جيبُ تقدميُهُ على
الصَّالةِ واستمرارُه فيها( .شروطُ الصالةِ مخسَة :أحدها :طَهارَةٌ عن َحدَثٍ وجَنابةٍ
حلدَثِ الطهارةُ :لغةً) ،النظافُة واخللوصُ من الدَّنَسِ .وشَرْعاً :رفعُ املَْنعِ املُترتب على ا َ
حلدَثِ( :ال ُوضِوءُ) هو بضم الواو استعمالُ أو َّالنجَس( .فاألوىل) أي الطّهارَةُ عن ا َ
املاءِ يف أعضاء خمصوصَةٍ مفتتحاً بنيَّةٍ .وِبفَْتحِها :ما يَُتوَضَّأ به .وكان ابتداءُ وجوبِهِ مع
ابتداءِ وجوبِ املكتوبة ليلة اإلسراءِ( .وشروطُهُ) أي الوضوء كشروطِ ال ُغسْلَ مخسةٌ.
أحدها( :ماءٌ مُ ْطلَقٌ) ،فال يَ ْرَفعُ احلدَثَ وال يُزيلُ َّالنجَسَ وال حيصلُ سائَر الطهارةِ
ولو مسنونة إال املاءُ املطلق ،وهو ما َي َقعُ عليه اسمُ املاءِ بال قَْيدٍ ،وإن رَشَحَ من بُخارِ
املاءِ الطَّهورِ ا ُملغْلى ،أو اسُتهْلِكَ فيه اخلَليطُ ،أو قَْيدٌ مبوافقةِ الواقعِ كماء البحر .خبالفِ
ما ال يُذكَر إال مُقيّداً كماءِ ال َورْدِ( ،غري مستعمل يف) فرضِ طهارَةٍ ،من (رَ ْفعِ َحدَثٍ)
أصغَر أو أكْبَر ،ولو من ُطهْرِ حََنفِيَ مل يَنْوِ ،أو صيبّ مل ُيمَيِّز لِطوافٍ( .و) إزالة
(َنجَسٍ) ولو َم ْع ُف ّواً عنه( .قليالً) أي حال كون املسَت ْعمَل قليالً ،أي دون القلَّتَيْن .فإن
ُج ِمعَ املسَت ْعمَلُ فبَلَغَ قُلَّتَيْن فمُطَهِّر ،كما لو ُج ِمعَ املُتَنَجَّس فبلغ قُلَّتني ومل يتغري ،وإن
قل بعدُ بتفريقِهِ .فعُِلمَ أن االستعمال ال يثبتُ إالَّ مع قلة املاء ،أي وبعد فصلِهِ عن احمللّ َّ
املستعمَل ولو حُكماً ،كأن جاوز مِنْكب املُتَوضِّىء أو ُركْبَته ،وإن عاد حمللِّه أو انتقلَ
من يدٍ ألخرى .نعم ،ال يضُرّ يف ا ُملحْدِثِ انفصا ُل املاءِ من الكَفّ إىل السا ِعدِ ،وال يف
اجلُنُبِ انفصالُه من الرَّأس إىل حنوِ الصّدرِ ،مما يغلبُ فيه التقاذُف.
حلدَثِ أوالً بقصدٍ بعد نية [فرع] :لو أدخلَ املتوضِّىءُ يدَهُ بقصدِ ال ُغسْلِ عن ا َ
صدَ االقتصارَ عليها ،بال حدِثِ ،أو بعد الغَسلةِ األوىل ،إن َق َ اجلنب ،أو تثليثِ وجهِ ا ُمل ْ
نيةِ اغترافٍ وال قصدَ أ ْخذَ املاءِ لغرضٍ آخرَ صار مست ْعمَالً بالنسبةِ لغري َيدِهِ فلهُ أن
يغسلَ مبا فيها باقي سا ِعدَها( .و) غري (متغيِّر) تغيُّراً (كثرياً) حبيث مينع إطالقَ اسم
املاءِ عليه ،بأن تغريَ أحدُ صفاتِهِ من طعمٍ أو لونٍ أو ريحٍ ،ولو تقديرياً أو كان التغيّر
3
ضوِ املتطهِّرِ يف األصَحّ ،وإمنا يُؤثِّرُ التغيُّرُ إن كانَ (خبليطٍ) أي خمالطاً للماءِ، مبا على ُع ْ
وهو ما ال يتميَّزُ يف رَْأيِ العَيْنِ (طاهرٌ) وقد (غَنِيَ) املاء (عنه) كَزَعْفران ،وَثمَر َشجَرٍ
نَبتَ قربَ املاءِ ،وورق طُ ِرحَ مث َتفََّتتَ ،ال ترابٍ ومِلحِ ماءٍ وإن طُرِحا فيه .وال يضرُّ
تغيّرٌ ال مينعُ االسمَ لقلَّتِه ولو احتماالً ،بأن شكَّ أهو كثري أو قليل .وخرج بقولِي
خبليطِ اجملا ِورِ ،وهو ما يتميّزُ للناظِرِ ،كعود ودهن ولو مُطَيِّبنيَ ،ومنه البخورُ وإن كَثُرَ
جل ْمعٍ .ومنه أيضاً ماءٌ أغْلِيَ فيه حنو بُرّ وَتمْرٌ حيث مل ُيعْلم وظهر حنو رحيِهِ ،خالفاً َ
انفصالُ عنيٍ فيهِ مُخالِطَة ،بأن مل يصِلَ إىل حدّ حبيث له اسمٌ آخر كاملرقة ،ولو شكّ
يف شيء أخماِلطٌ هو أم جما ِورٌ ،له حُ ْكمُ اجملاوِر .وبقويل غِنِيَ عنه ما ال يُسَتغْنِى عنه،
كما يف مقرِّةِ ومَمَرِّهِ ،من َنحْو طنيٍ و ُطحُْلبٍ مَُتفَِّتتٍ وكربيت ،وكالتغري بطولِ
املكثِ أو بأوراقٍ متناثرةٍ بنفسها وإن َتفَتَّتت وَب ُعدَت الشجرةُ عن املاءِ( .أو بَِنجَسٍ)
وأن قلَّ التغيُّر( .ولو كان) املاءُ (كثرياً) أي قُلَّتني أو أكثر يف صورتَيْ التغيري بالطاهِرِ
والنجس .والقلَّتان بالوزنِ :مخسمائة رطلٍ َبغْدا ِديّ تقريباً ،وباملِساحَةِ يف املُرَبَّع :ذِراعٌ
َورُْبعٌ طوالً وعَرْضاً و ُعمْقاً ،بذراع اليدِ ا ُملعَْت ِدلَةِ .ويف املُدَوَّر :ذراعٌ من سائرِ اجلوانبِ
ع ورُْبعٌ.ع َّالنجّارِ ،وهو ذرا ٌ
بذراعِ اآلدميّ ،وذراعان عُمقاً بِذرا ِ
وال تُنَجَّس قلتا ماءٍ ولو احتماالً ،كأن شكَّ يف ماءٍ أبَل َغهُما أم ال ،وإن تيقنت
قلّته قبل مبالقاةِ َنجَسٍ ما مل يتغري به ،وإن اسُتهْلِكتِ النجاسة فيه .وال جيب التباعدُ
ال فارتف َعتْ منه رغو ٌة فهي َنجِسةٌ إن حتقَّقَ من جنس يف ماء كثري .ولو بالَ يف البحرِ مث ً
أهنا من عَيْنِ النجاسة ،أو من املتغيِّر أحدُ أوصافِهِ هبا ،وإال فال .ولو طُرِحَت فيه َبعْرَةٌ،
فوقَ َعتْ من أجلِ الطَّ ْرحِ قَطْ َرةٌ على شيءٍ مل تُنَجِّسه ،ويَُنجّس قليل املاءِ وهو ما دون
القلَّتني حيث مل يكن وارداً بوصول جنس إليه يُرَى بالَبصَرِ ا ُملعَْتدِلِ ،غري َم ْع ُفوَ عنه
يف املاء ،ولو َم ْع ُف ّواً عنه يف الصالة ،كغريِهِ من رَ ِطبٍ وماِئعٍ ،وإن كَثُر .ال بوصولِ
مَيْتَةٍ ال دمٌ ِلجِنسها سائِلٌ عندَ شَقّ عضوٍ منها ،كعقرب ووزع ،إال إن تغيَّر ما أصابَْتهُ
ولو يسرياً فحينئذٍ ينجس .ال سرطان وضفدع فينجس هبما ،خالفاً جلمع ،وال مبيتة
كان نشؤها من املاءِ كالعَلَق ،ولو طُرِح فيه ميت ٌة من ذلك جنس ،وإن كان الطا ِرحُ
غريَ مكلَّفٍ ،وال أثرَ لطرحِ احلَيّ مطلقاً .واختار كثريون من أئمتنا مذهب مالك :أن
املاءَ ال يُنَجَّس مطلقاً إال بالتغري ،واجلاري كرا ِكدٍ ويف القدمي :ال يُنَجَّس قليلُهُ بال
تغري ،وهو مذهب مالك .قال يف اجملموع :سواءٌ كانت النجاسَةُ مائِعةً أو جامِدةً.
واملاءُ القلِيلُ إذا تَنَجَّس يَ ْطهُر ببلو ِغهِ قلتني ولو مباءٍ متنجس حيث ال تغري به،
والكثري يطهرُ بزوالِ تغيّره بنفسِهِ أو مباءٍ زيدَ عليه أو نقصَ عنه وكان الباقي كثرياً.
ضوٍ) مغسول ،فال يكفي أن ميسَّه املاءُ بال جريان ألنه (و) ثانيها( :جُ ْريُ ماءٍ على ُع ْ
ضوِ (مغيّرٌ للماءِ تغرياً سمّى ُغسْالً( .و) ثالثها( :أن ال يكون عليه) أي على ال ُع ْ ال ُي َ
ضاراً) كزعفران وصَْندَلٍ ،خالفاً جلمع( .و) رابعها( :أن ال يكون على العضوِ حائِلٌ)
بني املاءِ واملَغسولِ( ،كََن ْورَة) ومشعٍ ودهن جامد وعني حرب وحناء ،خبالف دُهْن جارٍ
أي ماِئعٍ وإن مل يثبت املاءُ عليهِ وأثر حربٍ وحِنّاء .وكذا يشترط على ما جَزَم به
كثريون أن ال يكون وَسَخٌ حتتَ ظفرٍ مينع وصولَ املاءِ ملا حتته ،خالفاً جلمع منهم
الغزايل والزركشي وغريمها ،وأطالوا يف ترجيحه وصرحوا باملسامَحة عما حتتها من
ضعْفِ مقالتهم .وقد صرح يف الوَسَخ دون حنو العَجنيِ .وأشار األذرعيُّ وغريُه إىل َ
حةِ بشيء مما حتتها حيث مَنَعَ التتمة وغريها ،مبا يف الروضة وغريها ،من عدم املسا َم َ
صحّةَ الوُضوءِ، وصولَ املاءِ مبحلِّه .وأفىت الَب َغ ِويّ يف وَسَخٍ حصلَ من غبارٍ بأنه مينع ِ
خبالفِ ما نشأَ من َبدَنِهِ وهو العِرْقُ املُتجمِّد .وجزم به يف األنوار( .و) خامسها:
(دخولُ وقتٍ لدائمِ َحدَثٍ) كسَلِسٍ ومُسَتحَاضَةٍ .ويشترطُ له أيضاً ظنُّ دخولِه ،فال
4
يتوضأ كاملتيمم لفرضٍ أو نفلٍ مؤقتٍ قبل وقتِ فِعلِهِ ،ولصالةِ جنازةٍ قبلَ الغُسلِ،
وحتيّةٌ قبلَ دخولِ املسجدِ ،وللرواتب املُتأخِّرةِ قبلَ فِعلِ الفَ ْرضِ ،ولَ ِزمَ وضوآن أو
تيممان على خطيبٍ دائم احلدثِ ،أحدمها :للخطبتني واآلخر بعدمها لصالةِ ُج ُمعَة،
ويكفي واحدٌ هلما لغريِهِ ،وجيبُ عليه الوُضوءُ لكل ف ِرضٍ كالتيمم وكذا غَسْلُ الفَ ْرجِ
ضعِها .وعلى حنوِ سَلِسٍ مبا َد َرةٌ وإبدالُ القُطْنَةِ اليت ب َفمِهِ والعُصابَة ،وإن مل تُزَلْ عن مو ِ
بالصّالةِ ،فلو أخَّرَ ملصلحَتِها كانتظارِ جَماعَةٍ أو ُج ُمعَةٍ وإن أُخِّرَت عن أوَّلِ الوقتِ
وكذهابٍ إىل مسجدٍ مل َيضُرّه.
(وفروضُهُ ستة) أحدها( :نية) وضوءٍ أو أدا ِء (فَ ْرضِ وضوءٍ) أو رفعِ حَدَثٍ لغريِ
دائمِ َحدَثٍ ،حىت يف الوضوء اجملدَّدِ أو الطهارَةِ عنه ،أو الطهارة لنحوِ الصالة ،مما ال
صحَفِ .وال تكفي يباح إال بالوضوء ،أو استباحَةِ َمفَْتقِرٍ إىل وضوءٍ كالصالة ومَسِ ا ُمل ْ
نيةُ استباحَةِ ما يُْندَب لَهُ الوضوءُ ،كقراءَةِ القرآنِ أو احلديثِ ،وكدخولِ مسجدٍ
صحّتها وزيارَةِ قَبْرٍ .واألصل يف وجوبِ النيَّة خرب" ،إمنا األعمالُ بالنِّيَّاتِ" .أي إمنا ِ
إلِكماهلا .وجيبُ قَرْنُها (عندَ) أوّل (غَسلِ) جُزءٍ من (وَجْهٍ) ،فلو قَرَنَها بأثنائِهِ كفى
َووَ َجبَ إعادَةُ َغسْل ما سََبقَها .وال يكفي قَرْهنا مبا قبله حيث مل يستصحبها إىل غسل
شيء منه ،وما قارَنَها هو أوَّله ،فتفوتُ سنَّةُ املضمضة إن ان َغسَلَ معها شيء من الو ْجهِ
الشفَة بعد النية فا َألوْىل أن يُفرِّقَ النيةَ بأن ينوي عند كلّ من َغسْلِ الكفَّني حمُرَةِ َّكُ
واملضمضة واالستنشاق سَُّنةَ الوضوءِ ،مث فَ ْرضَ الوضوءِ عندَ غَسلِ الوجهِ ،حىت ال
تفوتَ فضيلةُ استصحابِ النية من أوَّله .وفضيلةُ املضمضةِ واالستنشاقِ مع انغسال
ُحمْرَةِ الشَّفة( .و) ثانيها( :غسل) ظاهر (وجهه) آلية{ :فاغْسلُوا وُجُوهَكُم} (وهو)
طُوالً (ما بني مَناِبتِ) شعرِ (رأ ِسهِ) غالباً (و) حتت (مُنَتهَى َلحْيَيْه) بفتح الالم فهو
من الوجهِ دون ما حتتِهِ ،والشَّعر النابت على ما حتته( ،و) عَرْضاً (ما بني أذنيه).
وجيبُ َغسْلُ شعرِ الوجهِ من ُهدْبٍ وحاجِبٍ وشارِبٍ وعُْن ُفقَةٍ وِلحْيَةٍ وهي ما نبت
اللحَيَيْن وعُذارِ هو ما نََبتَ على العَ ْظمِ احملاذي لألُذنِ الذقْنِ وهو جمت َمعُ َّ على َّ
الشفَتَيْن وموضِع الغَ َممِ وعا ِرضٍ وهو ما احنطَّ عنهُ إىل اللّحية .ومن الوجْهِ ُحمْرَة َّ
وهو ما نبتَ عليه الشعرُ من اجلَْبهَةِ دون حمل التحذيفِ على األصح وهو ما نبتَ عليه
الشعرُ اخلفيفُ بني ابتداءِ العُذارِ والنَّزْعَةِ ودونَ وَتَدِ األُذنِ والنَّزعتني ومها بياضان
يكتنفان الناصِيَة وموضع الصَلَعِ وهو ما بينهما إذا احنَسَرَ عنه الشعرُ .ويُسَنّ غسلُ
كل ما قيلَ إنه ليسَ من الوجْهِ .وجيبُ غسلُ ظاهر وباطن كل من الشعورِ السَّابقة
وإن كَثَفَ لَِن ْدرَةِ الكَثَافَةِ فيها ،ال باطن كثيفِ ِلحْيَةٍ وعا ِرضٍ والكثيفُ ما مل تُرَ
البشرةُ من خِاللِهِ يف جملسِ التَّخاطُبِ عُرْفاً وجيبُ غسلُ ما ال يَتَحقّقُ غسلُ مجيعِهِ إال
ب َغسْلِهِ ،ألن ما ال يتمُّ الواجبُ إال به وا ِجبٌ( .و) ثالثها( :غسلُ يديه) من كفَّْيهِ
وذراعيه (بكل مرفقٍ) لآلية .وجيبُ غسلُ مجيع ما يف حمل الفْرضِ من َشعْرً وظفرٍ،
وإن طال.
[فرع] :لو نسي ُل ْمعَةً فان َغسََلتْ يف تثليثٍ ،أو إعا َدةِ وضوءٍ لِنسيانٍ له ،ال جتديدٍ
واحتياطٍ ،أجزأه( .و) رابعهاَ ( :مسْحُ بعضِ رأسِهِ) كالنزعة والبياضِ الذي وراءُ األُذن
بشر أو شعر يف حَدِّه ،ولو بعض شعرةٍ واحدةٍ ،لآلية .قال البغوي :ينبغي أن ال
يُجزِيءَ أقلُّ من قَدرِ الناصِيَةِ ،وهي ما بني النزعتني ،ألنه مل َي ْمسَح أقلَّ منها ،وهو
روايةٌ عن أيب حنيفة رمحه اهلل تعاىل ،واملشهورُ عنه وجوبُ َمسْحِ الرّْبعِ( .و)
سحُ خُفَّْيهِما خامسها( :غسلُ رجليه) بكل كعبٍ من كل رِجلٍ ،لآلية .أو َم ْ
بشروطِهِ .وجيبُ غسلُ باطن ُث ْقبِ وشَقّ.
5
[فرع] :لو دخَلتْ شوكَةٌ يف رجِلهِ وظَهر َب ْعضُها ،وَ َجبَ ق ْلعُها و َغسْلُ حملِّها ألنه
صارَ يف حُكمِ الطَّاهِرِ ،فإن استَتَرَتْ كلّها صارَت يف حُكمِ الباطِنِ فيُصحَّ وضوؤه.
ولو تن ََّفطَ يف رِجْلٍ أو غريِه مل جيب غسلُ باطِنِهِ ما مل يَتَشقَّق ،فإن تَشقَّقَ و َجبَ غسل
باطِنِهِ ما مل يَرْتَتِقْ.
[تنبيه] :ذكروا يف الغسلِ أنه ُي ْعفَى عن با ِطنِ عقدِ الشَّعرِ أي إذا انعقَدَ بنفسِهِ
وُأْلحِقَ هبا من ابتُلِيَ بنحوِ طَبّوعِ َلصَقَ بأصولِ شعرِهِ حىت مَنعَ وصولَ املاءِ إليها ومل
ُيمْكِن إزالَتُه .وقد صرح شيخ شيوخنا زكريا األنصاري بأنه ال يلحق هبا ،بل عليه
التيمم .لكن قال تلميذه شيخنا :والذي يتّجه العفْوُ للضرورة( .و) سادسها:
(ترتيبٌ) كما ُذكِرَ من تقدميِ َغسْلِ الوَجْ ِه فاليدَيْنِ فالرَّأس فالرِّجلني لالتِّباع.
حدِثٌ ،ولو يف ماء قليلٍ بنية معتربة مما مَرّ أجزَأهُ عن الوضوءِ ،ولو ولو ان َغمَسَ ُم ِ
مل مي ُكثْ يف االنغماسِ زَمناً ُيمْكِنُ فيه الترَّتيب .نعم ،لو اغتسل بنيته فيشترط فيه
الترتيب حقيقةً ،وال َيضُرّ نِسيانُ َلمْعَةٍ أو ُل َمعٍ يف غريِ أعضاءِ الوُضوءِ ،بل لو كان
على ما عدا أعضائه ،ماِنعٌ كش ْمعٍ مل َيضُر كما استظهره شيخنا .ولو أحدَثَ
ضوِ بل يكفي وأجَنبَ أجزَأهُ ال ُغسْلُ عنهما بنيته .وال جيبُ تيقّنُ عُمومِ املاءِ مجيعَ ال ُع ْ
غلَبَ ُة الظَّنّ به.
[فرع] :لو شَكّ املتوضىءُ أو املغَتسِلُ يف تطهريِ عضو قبل الفراغِ من وضوئه أو
غسلِه طَهَّرَه ،وكذا ما بعدَه يف الوُضوءِ ،أو بعدَ الفراغِ من ُطهْ ِرهِ ،مل يُؤثِّر .ولو كان
الشَّكُّ يف النية مل يؤثِّر أيضاً على األوجه ،كما يف شرح املنهاج لشيخنا ،وقال :فيه
قياسُ ما يأيت يف الشَّكّ بعد الفاحتة وقبل الركوع :أنه لو شَكَّ بعد عضوٍ يف أصل
حمَل كال ُمهُم األوَّل على الشّك يف أصل غسله لَ ِزمَهُ إعادته ،أو بعضَه مل تَلْ َزمْه .فلُي ْ
ضوِ ال بَعضِه( .وسُنّ) للمتوضِّىءِ ولو مباءٍ مغصوبٍ على األوجَهِ (تسميةٌ أوَّله) ال ُع ْ
أي أوَّل الوضوءِ لالتّباع وأقلُّها باسم اهلل ،وأكمَلُها بسم اهلل الرمحن الرحيم .وجتبُ
عند أمحد ،وُيسَنّ قبلَها التعوُّذُ وبعدَها الشهادتان واحلمدُ هلل الذي جعلَ املاءَ طَهوراً.
وُيسَنُّ ملَنْ ت َركَها أوّله أن يأتِيَ هبا أثناءه قائالٍ :باسم اهلل أوله وآخ ِرهِ .ال بعد فراغِهِ.
وكذا يف حنوِ األكلِ والشّربِ والتأليفِ ،واالكتِحالُ مما يُسَنّ له التسميةُ .واملنقولُ عن
الشافع ّي وكثريٌ من األصحابِ أن أوّلَ السُّنَن التَّسميةُ ،وبه جزم النوويّ يف اجملموعِ
وغريِه .فينوي معها عندَ غسلِ اليدين .وقال مجع متقدمون :إن أوّهلا السِّواك مث بعدَه
التسمية.
[فرع] :تُسنّ التسميةُ لتالوَةِ القرآنِ ،ولو مِن أثناءِ سُورَةٍ يف صالةٍ أو خارِجِها،
وِل ُغسْلٍ وَتيمم وذَبْح( .ف َغسْلُ الكفّني) معاً إىل الكوعني مع التسميةِ املقتَرِنَة بالنيّة،
سوَاكٌ) عَرْضاً يف األسنانِ ظاهِراً وإن توضَّأ من حنو إبريقٍ أو عَِلمَ ُطهْرَهُما لالتّباع (ف ِ
وباطِناً وطُوالً يف اللسان ،للخربِ الصحيحَ" :لوْال أن أَشُقَّ على أمَّيت ألمَرُْت ُهمْ بالسِّواكِ
عند كلّ وُضوءٍ" .أي أمْر إجيابٍ .وحيصل (بكلّ َخشِنٍ) ولو بنحوِ خرقةٍ أو أشنانٍ،
والعَودُ أفضلُ من غريِه ،وأوْالهُ ذو الرِّيحِ الطَِّّيبِ ،وأفضَلُه األراكُ .ال بُأصَْبعِهِ ولو
َخشِنَة ،خالفاً ملا اختارَهُ النوويّ .وإمنا يَتَأ ّكدُ السِّواكُ ولو ِلمَن ال أسنانُ له لكلّ
سلمَ من كل ركعتَيْنِ أو استَاكَ ِلوُضوئها، وضوء( .ولكل صالة) فَرْضها وَنفْلها وإن َّ
حلمَيْدِي بإسنادٍ وإنْ لَم يفصُلْ بينَهُما فاصِلٌ حيثُ مل َيخُش تنجُّس َفمِهِ ،وذلك خلربِ ا ُ
جيد" :رَكعتَانِ بِسِواكٍ أفضَلُ من سبعني ر ْكعَة بال سِواك" .ولو تَرَكه أوّهلا تدا َركَه
أثناءها بفعلٍ قليل ،كالتعمم ،ويتأكّد أيضاً لتالوَةِ قرآنٍ أو حَديثٍ أو عِلمٍ شرعيّ ،أو
صفْرَةٍ ،أو استيقاظٍ من تغري َفمٍ رحياً أو لوناً بنحو َن ْومٍ أو أكلٍ كريهٍ ،أو سِنَ بنحوِ ُ
السحَرِ وعندَ االحتِضارِ ،كما دَلّ عليه خربُ نومٍ وإرادَته ،ودخول مسجدٍ ومنزلٍ ،ويف َّ
6
الصحيحني .ويقال :إنه ُيسَهِّل خروجَ الرُّوحِ .وأخذَ بعضُهم من ذلك تأكُّده
للمَريضِ .وينبغي أن ين ِويَ بالسواكِ السُّنَّة ليثابَ عليهِ ،ويبَلعَ ريقهُ أوَّل استياكِهِ ،وأن
ال َيمُصَّه .ويُْندَبُ التَّخليلُ قبلَ السِّواك أو بعده من أثرَ الطَّعامِ ،والسِّواكُ أفضَلُ منه،
خالفاً ِلمَن عَكَس .وال يُكْرَه بسواكِ غريِ أُذنِ أو عِلْم رِضاه ،وإال حَ ُرمَ ،كأخذِهِ من
مُلْكِ ال َغيْرِ ،ما مل َتجْرِ عادةٌ باإلِعراضِ عنه .ويُكْ َرهُ للصاِئمِ بعد الزَّوال ،إن مل يتغري
َفمُه بنحوِ َن ْومٍ (فمضمضة فاستنشاق) لالتّباع ،وأقلّهما إيصالُ املاءِ إىل الفمِ واألنفِ.
وال يشترطُ يف حُصولِ أصلِ السّنّة إدارَتُه يف ال َفمِ وجمّه منهُ ونثرُه من األنفِ ،بل ُتسَنّ
كاملبالغَة فيهما ملفْطِرٍ لألمْرِ هبا.
(و) ُيسَنّ مجعُهما (بثالثِ غُرَفٍ) يتمضمض مث يستنشق من كل منها( .ومسحُ
كل رأس) لالتّباع وخروجاً من خالف مالك وأمحد ،فإن اقتصَرَ على البعضِ فاألوْىل
َدمِ رأسهِ ،مُ ْلصِقاً أن يكون هو الناصِيَة ،واألوْىل يف كيفيته أن يضعَ يديهِ على ُمق َّ
مسبحَتَه باألُخْرى وإهبامَيْه على صدغيه ،مث َيذْهَب هبما مع بقيِة أصابعِهِ غريِ اإلِهبامني ِّ
ِلقَفاه ،مث يَرُدَّمها إىل املبدأ إن كان له َشعْرُ ينقَلِب وإال فليقَْتصِر على الذهابِ .وإن
كان على رأسِهِ عمامَةٌ أو قُلُنْسوةٌ َتمَّمَ عليها بعد َمسْحِ الناصِيَة لالتباع (و) مَسحُ
الرقَبَةِ إذ مل يثبتْ كلّ (األُذُنَني) ظاهراً وباطناً وصِماخَيْه لالتباع ،وال ُيسَنّ َمسْحُ َّ
فيه شيء .قال النوويّ :بل هو ِبدْعَةٌ ،وحديثُه موضوعٌ( .و َدلْكُ أعضاءٍ) وهو إمرارُ
اليدِ عليها َع ِقبَ مالقاتِها للماءِ ،خروجاً من خالف من أوْجَبَه( .وختليلُ ِلحْيَةٍ كَثّة)
واألفضل كونه بأصابع يُمناه ومن أسفل ،مع تفريقِها ،وِبغَ ْرفَةٍ مستقلة لالتّباع
ويُكرَه تركُه( .و) تَخليلُ (أصابعِ) اليدين بالتشبيك ،والرجلني بأيِّ كيفيةٍ كان.
واألفضلُ أن خيلِّلَها من أسفَل خبنصُرِ َيدِه اليُسرى ،مبتدئاً خبنصُر الرِّجل اليُمىن وخمتَتِماً
خبُْنصُرِ اليُسرى( .وإطالةُ الغُرَّة) بأن يغسلَ مع الوجِه مقدَّم رأسِه وأذنيه وصفحَتَيْ
ضدَين و َمعَ الرِّجلني بعضَ عُُنقَه( .و) إطالَةُ (حتجيلٍ) بأن يغسلَ مع اليدين بعض ال َع ُ
ضدِ والسّاق ،وذلك خلرب الشيخني" :إن أُمَّيت يُد َعوْنَ يَوم الساقني ،وغايتُه استيعابُ ال َع ُ
حجَّلني من آثارِ ال ُوضُوءَِ .فمَنِ استَطاعَ مِنْكُم أن يَطِيلَ غُرََّتهُ فَلَْي ْفعَل". القيامَةِ غَ ّراً ُم َ
حجِيلُهُ :أي ُيدْ َعوْنَ بِيضُ الوُجوهِ واأليدي واألرجُل .وحيصَل أقلّ زاد مسلم :وتَ ْ
اإلِطالة ِب َغسْلِ أدىن زيادَةٍ على الواجِبِ وكمالُها باستيعابِ ما مَرّ (وتثليثُ كل) من
سمَلَةٌ ،و ِذكْرٌ َعقِبَه ،لالتباع يف أكثر مغسولٍ وممسوحٍ ،و َدلْكٌ وَتخْلِيلٌ وسِواكٌ وَب ْ
ذلك .وحيصلُ التثليثُ ِب َغمْسِ الَيدِ مثالً ولو يف ماء قليل إذا حَرّكها مَرَّتني ،ولو رَدَّدَ
ماءَ ال َغسْلَةِ الثانيةِ َحصَلَ لهُ أصلُ سُنَّة التثليثِ كما استظهره شيخنا وال جيزىءُ
ضوٍ قبلَ إمتامِ وا ِجبِ َغسْلِهِ وال بعد تَمامِ الوُضوءِ .ويُكْرَهُ النقصُ عن الثالثِ تثليثُ ُع ْ
كالزِّيادة عليها ،أي بنية الوُضوءِ ،كما َبحَثَهُ َج ُمعٌ .وَتحْ ُرمُ من ماءٍ موقوفٍ على
التَّطَهُّر.
[فرع] :يأ ُخذُ الشَّاكُّ أثناءَ الوضوءِ يف استيعابٍ أو عددٍ باليقني ،وُجوباً يف
ب وَندْباً يف املَنْدوبِ ،ولو يف املاءِ ا َمل ْوقُوفِ .أما الشكّ بعد الفراغِ فال يؤثّر. الواجِ ِ
(وتَيَامُنٌ) أي تقدميُ مينيٍ على يسارٍ يف اليدين والرجلني ،ولَِنحْو أقطَع يف مجيعِ أعضاءِ
حبّ التَّيَمُّن يف تَطَهُّرِه وشأنِه كلّه ،أي مما هو من بابُ وُضوئه ،وذلك ألنه كان ُي ِ
التكرمي ،كاكتحالٍ ولبْسِ حنوِ قميصٍ ونعلٍ ،وتقليمِ ظفرٍ ،وحلقِ حنو رأسٍ ،وأخذٍ
وعطاءٍ ،وسواكٍ وختليلٍ ،ويُكْرَهُ تركُه ،وُيسَنّ التَياسُر يف ضدِّه وهو ما كان من بابِ
اإلهانةِ واإلذى كاستِنْجاءٍ وامتخاطٍ ،وخلع لباسٍ ونعلٍ .وُيسَنّ البداءَةُ ب َغسْلِ أعلى
وَ ْجهِهِ وأطرافِ َيدَيْه ورجليه ،وإن صبَّ عليه غريُه .وأخذُ املاءِ إىل الوجه ب َكفَّيه معاً،
ووضعُ ما َيغْتَرِف منه عن ميينه وما يَصُب منه عن يسارِه( .ووالءٌ) بني أفعالِ وُضوءِ
7
ضوٍ قبلَ جفافِ ما قَبله ،وذلك لالّتباع وخروجًا السَّليمِ بأنْ ُيشْرِعَ يف تطهري كل ُع ْ
جبُ ِلسَلِسٍ( .وَت َع ّهدٍ) عَقبٍ و ( َموْقٍ) وهو طَرَفُ العَيْنِ من خالفِ من أوجَبَه ،وَي ِ
الذي يلي األنفَ ولِحاظٍ وهو الطرف اآلخر بسبابَتَيْ ِشقّيْهما .وحملّ ندب َت َعهّدمها
إذا مل يكن فيهما َرمَصٌ ميَنعُ وصولَ املاءِ إىل حمله وإال فتعهُّدمها واجبٌ كما يف
اجملموع .وال ُيسَنّ َغسْلُ باطِنِ العَنيِ بل قال بعضهم :يُكْرَه للضَّ َررِ ،وإمنا ُي ْغسَلُ إذا
تَنَجَّسَ ِلغَِلظِ أمْرِ النَّجاسَةِ( .واستقبال) القبلَةِ يف كُلّ وُضوئه( .وتَرْكُ تَكَُّلمٍ) يف أثناءِ
وُضوئه بال حاجة بغريِ ِذكْرٍ ،وال يُكْرَه سالمٌ عليهِ وال مِنْهُ وال رَدُّه( .و) تَرْكُ
(تنشيفٍ) بال ُع ْذرٍ لالتّباعَ (والشهادتان َعقِبَه) أي الوضوءِ ،حبيثُ ال يطولُ فاصِلٌ
عنه عُرفاً ،فيقولُ مستقبالً للقِبلِة ،رافعاً يديه وبصرَهُ إىل السّماء ولو أعمىً :أشهدُ
أن ال إلهَ إال اهلل وَحدَهُ ال شريكَ له ،وأشهدُ أن حممداً عبدُهُ ورسولُه .ملا َروَى مسلم
حتْ له أبوابُ اجلَنَّة عن رسولِ اهلل" :مَنْ َتوَضَّأ فقال أشهدُ أن ال إله إال اهلل اخل فُِت َ
"الل ُهمّ اجعَلْين من َّالتوّابني وا ْجعَلْنِي مِنَ
الثمانِيَة ،يدخُل من أيِّها شَاءَ" .زاد التّرْمذيَّ :
وصححَه" :مَنْ َتوَضَّأ مث قال :سبحانَكَ الّلهُمَّ وحبَ ْمدِكَ، َّ املُتَطهِّرين" .وروى احلاكم
أ ْش َهدُ أن ال إله إال أنتَ .أسَت ْغفِرُكَ وأتوبُ إليك .كُِتبَ يف رَقَ ،مث طُِبعَ بِطابعٍ فلم
يُ ْكسَر إىل َي ْومِ القِيامَةِ" .أي مل يَتَطرَّقُ إليهِ إبْطالٌ كما صَحّ حىت يَرَى ثوابَهُ العظيم .مث
يُصلّي وُيسَلِّم على سيدنا حممدٍ وآلِ سيدِنا ُمحَمّد ،ويقرأ {إنَّا أنْ َزلْنَاهُ} ثالثاً ،كذلك
بال َر ْفعِ َيدٍ .وأما دُعاءُ األعْضاءِ املشهور فال أصْلَ له ُيعَْتدّ به فلذلكَ حَ َذفْتُه ،تِبْعاً
ضوٍ :أشهدُ حبّ أن يقولَ عند كلِّ عُ ْ لشيخِ املذ َهبِ النوويّ رضي اهلل عنه .وقيلُ :يسَْت َ
أن ال إله إالَّ اهلل وحدَهُ ال شريكَ له ،وأشهدُ أن حممداً عبدُه ورسولُه .خلرب رواهُ
املستغفري وقالَ :حسَنٌ غريب( .وشُرْبُه) مِنْ (َفضْلِ وُضوئِهِ) خلرب" :إنّ فيهِ شِفاء من
كلِّ داءٍ" وُيسَنّ رَشّ إزارِهِ به ،أي إن َتوَ ّهمَ حُصولِ مُق ّذرٍ له ،كما استظهَرَهُ شيخنا.
وعليه حيمَلُ رَشُّه إلِزارِه به .وركعتان بعدَ الوضوء أي حبيث تُْنسَبانِ إليهِ عُرْفاً،
ضهِم باإلِعْراضِ ،وبعضُهُم ِبجَفافِ فتفوتان بطولِ الفَصْلِ عُرْفاً على األ ْوجَهِ ،وعندَ بع ِ
حلدَثِ .وَيقَرأُ َندْباً يف أُوىل ركعتيه بعدَ الفاحتة{ :ولو أََّن ُهمْ إذْ األعْضاءِ ،وقيل :با َ
س ُهمْ} إىل {رَحيماً} ،ويف الثانيةَ { :ومَنْ َيعْمَلْ سُوءاً أو يَظْلِم نَ ْفسَه} إىل ظََلمُوا َأْن ُف َ
{رَحيِماً}.
[فائدة] :يُح َرمُ التَّ َطهُرُ با ُملسْبَلِ لِلشُّرب ،وكذا مباءٍ ُجهِلَ حالُهُ على ا َألوْجَهِ،
وكذا حَملُ شيءٍ من ا ُملسْبَلِ إىل غَيْرِ حمله( .وليقتصر) أي املُتَوضّىء( ،حَتْماً) أي
وُجَوباً( ،على) غَسْلٍ أو َمسْحٍ (واجبٍ) أي فال جيوزُ تثليثٌ وال إتيانُ سائِرَ السُّنَنِ
ي وغريه ،وتبعه (ِلضِيقِ وقتٍ) عن إدراكِ الصالةِ كلها فيه ،كما صرح به البغو ّ
املتأخرون .لكن أفىت يف فواتِ الصالةِ لو أ ْكمَلَ سُنَنَها بأن يأتِيَها ،ولو مل يُدرِكْ
ركعَةً .وقد ُيفَرّق بأنه مث اشتغَلَ باملقصودِ ،فكان كما لو َمدّ يف القراءة( .أو قلَّةِ ماءٍ)
حبيث ال يكفي إال الفَ ْرضَ فلو كان معه ماءٌ ال يكفيه لِتَتمّة ُطهْرِه .إن ثََّلثَ أو أتى
السُّنَنَ أو احتاجَ إىل الفاضِلِ ِلعَطشٍ مُحْتَ ِرمٍ ،حَ ُرمَ استعمالُهُ يف شيءٍ من السُّنن .وكذا
يقالُ يف ال ُغسْل( .وََندْباً) على الوا ِجبِ بِتَرْكِ السُّنَنِ( ،إلِدراكِ جَماعَةٍ) مل يَ ْرجُ غَيْرَها.
كالدلْكِ ينبغي تقدميُهُ عليها نظريَ ما مَرّ من َندْبِ تقدميِ الفاِئتِ َّ نعم ،ما قيل بوجوبه
ِبعُذرٍ على احلاضِرَةِ ،وإن فاتَت اجلَماعَةُ.
حلدَثَيْنِ ِل َف ْقدِ ماءٍ أو خوفِ حمذورٍ من استعمالِهِ بترابٍ طهورٍ َيممُ عنِ ا َ
[تتمة] :يَت َّ
له غُبار .وأركانُهُ نيّةُ استباحَةُ الصالةِ املَفروضَةِ مَقرونَةً بِنقلِ التّراب ،و َمسْحُ وَ ْجهِهِ
مث يديه .ولو تيقَّن ماءً آخر الوقتِ فانتظارُه أفضل ،وإال فتعجيلُ تيمّم .وإذا امتنعَ
استعماله يف عضوٍ وَجَب تيممٌ وغسلٌ صحيحٌ ومسحُ كلّ الساتِر الضّار نزعُه مباءٍ،
8
وال ترتيبَ بينهما جلُُنبٍ .أو عضوين فتيممان ،وال يصلِّي به إالَّ فرضاً واحداً ولو
نذراً .وصَح جنائزُ مَع فرضٍ( .ونواقِضه) أي أسباب نواقض الوضوءِ أربعة :أحدها:
(تيقّنُ خروجِ شيء) غري مَنِيّه ،عَيْنًا كان أو رحياً ،رَطِباً أو جافاً ،معتادًا كََبوْلٍ أو نادِراً
َك َدمِ باسورٍ أو غريِه ،انفصَل أو ال َكدُودَةٍ أخْرَجَت رأسَها مث رَ َج َعتْ (من أحدِ
سَبيلَيْ) املُتَوضّىء (احليّ) دُبُراً كان أو قُبُالً( .ولو) كان اخلارج (باسوراً) نابتاً داخل
الدُّبر فخرجَ أو زادَ خروجه .لكن أفىت العالّمة الكمالُ الردّادُ بعدم النقضِ خبروجِ
الباسورِ نفسه بل باخلارجِ منه كالدم .وعن مالك :ال ينتقضُ الوضوءُ بالنا ِدرِ( .و)
ثانيها( :زوالُ عقلٍ) أي متييز ،بسُكْرٍ أو جنونٍ أو إغماء أو نوم ،للخربِ الصحيح:
"َفمَنْ نامَ فَليَتَوضَّأْ" .وخرجَ بزوالِ العقِل النُّعاسُ وأوائلُ نشوَةِ السُّكر ،فال نقض هبما،
كما إذا شكّ هل نام أو َنعَس؟ ومن عال َمةِ النُّعاسِ مساعُ كالمِ احلاضرين وإن مل
َي ْف َهمْهُ( ،ال) زوالُه (بنومٍ) قاعدٍ (ممكّن َم ْق َعدَه) أي أليَيْه من مقره ،وإن استََندَ لِما لو
زالَ َس َقطَ أو احْتَبَى ،وليسَ بني مقعدِه ومقرّهِ جتافٍ .وينتقضُ وضوءُ ممكِّنٍ انتبه بعد
زوالِ َألَْيتِه عن َمقَرّه ،ال وضوءُ شاكَ هل كان ُممَكِّناً أو ال؟ أو هل زالَت أليَتُهُ قبلَ
اليَقظَةِ أو بعدَها؟ ..وتَيقُّنُ الرُّؤيا مع ع َدمِ َت َذكّر نومٍ ال أثر له خبالفه مع الشكّ فيه
ألهنا مُرَ ّجحَةٌ ألحدِ ط َرفَيه( .و) ثالثها( :مسُّ فرجِ آدميّ) أو حملُ قطعِهِ ،ولو ملّيتٍ أو
صغريٍ ،قُبُالً كان الفَ ْرجُ أو دُبُراً مُتَّصالً أو َمقْطوعاً ،إال ما قُ ِطعَ يف اخلِتانِ .والناقضُ
من الدُّبر مُلْتَقى املَْن َفذِ ،ومِن قُبُلِ املَرْأةِ مُلَْتقَى ُشفْرَيْها على املن َفذِ ال ما وراءَهُما
َك َمحَلّ خِتانِها .نعم ،يُْندَبُ الوضوءُ مِنْ مَسِّ حنوِ العانَةِ ،وباطِنِ األلْيَةِ ،واألُنْثَيَيْنِ،
صغِريةٍ وأمرد وأبرص ويهودي ،ومن حنو خذٍ ،وملسِ َ و َشعْرٍ نبتَ فوقَ َذكَرٍ ،وأصل َف ْ
ضبٍ ،ومحل ميّتٍ و َمسّه، صدٍ ،ونظرٍ بشهوةٍ ولو إىل ُمحْ َرمٍ ،وتلفُّظ مبعصيةٍ ،و َغ َ َف ْ
وقصّ ظفرِ وشارِب ،وحلقِ رأسِهِ .وخَ َرجَ بآدميّ فرجُ البهِيمَةِ إذ ال ُيشْتَهى ،ومن مث
جازَ النظر إليهِ( .بِبَطْنِ كَفَ) لقوله" :مَنْ مَسّ فَ ْرجَه" ،ويف رواية" :مَنْ مَسّ ذَكراً
فَلْيَتَوضَّأ" .وبَطْنُ الكَفّ هو بطنُ الراحتني وبطنُ األصاِبعِ واملنحرف إليهما عِند
انطباِقهِما ،مع يسريِ حتامُلٍ دون رؤوس األصَاِبعِ وما بينها وحرف الكفِّ( .و)
رابعها( :تالقي َبشْرَتَيْ َذكَرٍ وأنثى) ولو بال َش ْهوَة ،وإن كان أحدُهُما مُكْرَها أو ميتاً،
لكن ال ينقضُ وُضوءُ امليّت .واملراد بالَبشَرة هنا غري الشعر والسّ ّن والظّفرِ .قال
شيخنا :وغري باطِنِ العَيْنِ ،وذلك لقوله تعاىلَ{ :أوْ َال َمسُْتمُ النِّساءَ} أي ملستم .ولو
شكّ هل ما َل َمسَه َشعْرٌ أو بَشرة مل ينتِقضْ ،كما لو وقعتْ يدُهُ على َبشَرةٍ ال يعلم
أهِيَ َبشَرَةُ َرجُلٍ أو امرأة ،أو شكَّ :هل َلمَسَ ُمحْرَماً أو أجنبية؟ وقال شيخنا يف
شرحِ العُباب :ولو أخبَرَهُ عدلٌ بِلمْسِها لَه ،أو بنحوِ خروجِ ريحٍ منه يف حالِ نومِهِ
صغَرٍ فيهما، ُممَكّناً ،وجبَ عليهِ األخذُ بقولِهِ( .بِكِبَرٍ) فيهما ،فال نقض بتالقيهما مع ِ
صغَر :من ال ُيشَْتهَى عُرْفاً غَالِباً. ش ْهوَةِ .واملرادُ بذي ال ّ أو يف أحدمها ،النتفاءِ مظنّةِ ال ّ
سبٍ أو رَضاعٍ أو مُصاهَرَةٍ ،النتفاء (ال) تالقي َبشَرَتَيْهما) (مع َمحْ َرمِيَّةٍ) بينهُما ،بِن َ
الش ْهوَةِ .ولو اشتبهتْ َمحْ َرمُهُ بأجنبياتٍ حمصوراتٍ فلمس واحدة منهن مل مَظنِّةِ َّ
ينتقِضْ ،وكذا بغريِ حمصوراتِ على األوْجَه( .وال يرتفعُ يقنيُ وضوءٍ أو َحدَثٍ بظنّ
ضده) وال بالشك فيه املفهوم با َألوْىل فيأخذ باليقنيِ اسِتصْحابًا له.
حلدَثِ :صالةٌ وطوافٌ وسجودٌ ،و َحمْلُ مصحفٍ ،وما كُتِبَ [خامتة]َ :يحْ ُرمُ با َ
صدِ الدراسَةِ والتربُّكِ حبالَةِ الكتابَة دون ِل َدرْسِ قُرآنٍ ولو بعضَ آيةٍ كََل ْوحٍ .والعربةُ يف َق ْ
ما بعدها ،وبالكاتب لِنَفسهِ أو لغريِهِ تَبَرّعاً ،وإال فآمرُهُ ال محلُه مع متاعٍ ،واملصحفُ
غري مقصودٍ باحلملِ ومَسّ َو َرقِه ،ولو لبياضٍ أو حنوِ ظَرْفٍ أُ ِعدّ له وهو فيه ،ال قَلْبُ
َو َرقِه ِبعْودٍ إذا مل ينفصِلْ عليه ،وال مَع تفسريٍ زادَ ولو احتماالً .وال مينُع صَبِيّ ُممَيّزٌ
9
تعلمِهِ ودرسِهِ ووسيلتهما ،كحملِهِ حدِثٍ ولو جُنُباً محلُ ومَسُّ حنو مصحَفٍ حلاجةِ ُّ ُم ْ
ب واإلِتيان به لل ُمعَِّلمِ لُيعَلِّمهُ منه .وحي ُرمُ متكنيُ غريِ ا ُملمَيِّزِ من حنوِ مُصحفٍ ،ولو للمكَْت ِ
جمِيّة ،ووضعُ حنو ِدرْ َه ٍم يف مكتوبِهِ ،وعِ ْلمٍ شَرْعيّ .وكذا بعضَ آيةٍ ،وكتابتُه بال ُع ْ
ح ِوهِ، جعلُه بني أوراقِهِ خالفاً لشيخنا ومتزيقُه عَبثاً ،وبلعُ ما كُِتبَ عليه ال شربُ َم ْ
ومدّ الرجلُ للمصحفِ ما مل يكُنْ على مُرَْت َفعٍ .وُيسَنّ القِيامُ له كالعاِلمِ بل َأ ْولَى،
ويُكرَهُ حرقُ ما كُِتبَ عليه إالَّ ِلغَرَضٍ حنو صيانَةٍ ،ف َغسْلُهُ َأ ْولَى منه .وحي ُرمُ باجلَناَبةِ
جدِ وقراءَةُ قرآنٍ بقص ِدهِ ،ولو بعض آية ،حبيث يسمع نفسُهُ ولو صَبِيّاً املَ ْكثُ يف املس ِ
خالفاً ملا أفىت به النووي .وبنحوِ حيضٍ ،ال خبروجِ طَلْقٍ ،صالةٌ وقراءةٌ وصومٌ.
وجيب قضاؤه ال الصالة ،بل حي ُرمُ قضاؤها على األوْجَهِ.
(و) الطهارةُ (الثانية :ال ُغسْلُ) هو ُلغَةً :سَيَالنُ املاءِ على الشيء .وشَرْعاً :سيالُنهُ
على مجيعِ الَبدَنِ بالنية .وال جيبُ فوراً وإن َعصَى بسببه ،خبالف َنجَسٍ عصى بِسببه.
واألشه ُر يف كالمِ ال ُفقَهاء ضَمُّ غَينِه ،لكن الفتح َأفْصَح ،وبضمّها ُمشْتَرَكٌ بني الفِعلِ
وماءِ ال ُغسْلِ .
(وموجِبُه) أربعةٌ :أحدُها( :خروجُ مَنِيّه أ ّوالً) ويُعرف بأحدِ خواصِّه الثالث :مِنْ
تَلَذُّذٍ خبروجِه ،أو َتدَفُّقٍ ،أو ريحِ عجني رطباً وبياضِ بَيْضٍ جافاً .فإن ُف ِقدَت هذه
شهِي. بالت َ
اخلواصُ فال ُغسْلٍ .نعم ،لو شَكّ يف شيء َأمَنِيّ هو أو َم ْذيٌ؟ َتخَيّر ولو َّ
جفّفاً يف حنو فإن شاء َجعَلَهُ مَنياً واغَْتسَل ،أو َمذْياً وَ َغسَلَه وََت َوضّأ .ولو رأى مَنياً ُم َ
َثوْبِهِ لَ ِزمَهُ ال ُغسْلُ وإعادَةُ كلِّ صالةٍ تَيقَّنَها بعده ،ما مل حيتمِلْ عادةَ كونِهِ مِن غريِه.
شفَةٍ) أو قَدرُها من فاِقدِها ،ولو كانت من َذكَرٍ مقطوعٍ أو مِن (و) ثانيها( :دخولُ ُح ْ
هبيمةٍ أو ِّميتٍ( .فَرْجاً) قُبُالً أو دُبُراً( ،ولو لبهيمةٍ) كسمَكَةٍ أو ميت ،وال يُعادُ غسلُه
ع تكليفِهِ( .و) ثالثها( :حيضٌ) أي انقطاعُه ،وهو َدمٌ خي ُرجُ من أقْصَى رَحمِ النقطا ِ
املرأةِ يف أوقاتٍ خمصوصَةٍ( .وأقلّ سنة تِسع سنني قمرية) أي استكماهلا .نعم ،إن رَأَتْه
قبلَ تَمامِها بدونِ ستة عشرَ يوماً فهو حَيْضٌ ،وأقلّه يوم وليلة ،وأكثره مخسة عشر
يوماً ،كأقلّ ُطهْرٍ بني احليضتني .وحي ُرمُ به ما حي ُرمُ باجلَنَابَة ،ومباشرةُ ما بني سُرَّتِها
و ُركْبَتِها .وقيل :ال حي ُرمُ غري الوَطْءِ .واختاره النووي يف التحقيق ،خلرب مسلم:
طءُ، ص ْومٌ ال وَ ْ
"اصْنَعوا كلّ شيء إالّ النِّكاح" .وإذا انق َطعَ َدمُها حلّ هلا قبل ال ُغسْلِ َ
خالفاً ملا حبثه العالمة اجلالل السيوطي رمحه اهلل( .و) رابعها( :نِفاسٌ) أي انقطاعُه،
وهو َدمُ حَيْضٍ ُمجَْتمِع خي ُرجُ بعد فراغِ مجيعِ الرَّ ْحمِ ،وأقلُّه َلحْظَةٌ ،وغالِبُه أربعون
يوماً ،وأكثره ستون يوماً .وحيرُمُ به ما حي ُرمُ باحلَبْضِ ،و ِجيبُ ال َغسْلُ أيضاً بوالدَةٍ ولو
ضغَةٍ ،وِبمَوْتِ ُمسِْلمٍ غري شهيدٍ( .وفَ ْرضُهُ) أي ال ُغسْل بال بَلَلٍ ،وإلقاءِ َعَلقَةٍ و ُم ْ
شيئان :أحدمها( :نِيّةُ َرفْع اجلَنَابةِ) للجُُنبِ ،أو احلَْيضِ للحائِضِ .أي َر ْفعِ حُ ْكمِهِ( .أو)
نية (أداءِ فَ ْرضِ الغُسْلِ) أو َر ْفعَ َحدَثٍ ،أو الطهارَة عنه ،أو أداء ال ُغسْلِ .وكذا ال ُغسْل
للصالةِ ال الغُسْلُ فقط .وجيب أن تكون النيّة ( َمقْرُوَنةً بأوَّله) أي ال ُغسْل يعين بأوَّل
مغسولٍ من الَبدَنِ ،ولو من أسفَلِه .فلو َنوَى بعد َغسْلِ جُزْءٍ وَ َجبَ إعادَةُ َغسْلِهِ .ولو
َنوَى َرفْع اجلَنَابَةِ و َغسَلَ َبعْضَ الَبدَنِ مث نام فاستيْ َقظَ وأرادَ َغسْلَ الباقي مل َيحْتَجْ إىل
إعَادَةِ النيّة( .و) ثانيهماَ( :ت ْعمِيمُ) ظاهِرِ (َبدَنٍ حىت) األظفَارَ وما تَحْتَها ،و (الشَّعر)
ت َشعْ َرةٍ زالت قبل َغسْلِها ،وصُماخٍ ظاهِراً وباطِناً وإن كَثُفَ ،وما َظهَرَ مِن حنو مَنَْب ِ
وفَ ْرجِ امرَأةٍ عندَ جُلوسِها على َقدَميها ،وشُقوقٍ (وباطِنِ ُج ْد ِريّ) اْنفَتَحَ رَأْسُ ُه ال باطن
حمِ (وما حتتَ قُرْحَةٍ بَرِئتْ وارْتَفَعَ ِقشْرُها ومل يَ ْظهَرْ شيءٌ مما َتحْتَه .وَيحْ ُرمُ فَتْقُ املُلَْت ِ
حقّة اإلِزالَةِ ،ال باطنِ شعرٍ انعقَدَ جبُ َغسْلُ باطِنِها ألهنا ُمسَْت ِ قُ ْلفَةٍ) مِنَ األقْلَفِ في ِ
بنفسِهِ وإن كَثُرَ ،وال جيبُ مضمضَةٌ واستنشاقٌ بلْ يُكْرَهُ تَ ْر ُكهُما( .مباءٍ طهورٍ) ومَرَّ
10
جل ْمعٍ( .ويكفي ظَنّ عُمومِهِ) أنه َيضُرّ تغيّرُ املاءِ تَغيُّراً ضا ّراً ولو مبا على العُضوِ ،خالفاً َ
أي املاء على البشَرَةِ والشَّعر وإن مل يتيقَّنه ،فال ِجيبُ تيقُّن عمومِه بل يكفي غَلَبَةُ
الظَّنِّ به فيه كالوُضوءِ( .وسُنَّ) لِل ُغسْلِ الوا ِجبِ واملندوبِ (تسمِيَةٌ) أوّله( ،وإزالةُ قَذَرٍ
طاهِرٍ) َكمَنْيٍ ومُخاطٍ ،وَنجِسٍ َك َمذْيٍ ،وإن كفى هلما َغسْلَةٌ واحِدةٌ ،وأن يَبُولَ مَنْ
ض َمضَةٌ أنزَلَ قبلَ أن َيغَْتسِلَ لُِيخْ ِرجَ ما َبقِيَ ِب َمجْراهُ( .ف) بعدَ إزالةِ ال َق َذرِ ( َم ْ
واستِنْشاقٌ مث وُضوءٌ) كامالً لالتّباع ،رواه الشيخان .وُيسَنُّ له استصحابُه إىل
الفَراغِ ،حىت لو أ ْحدَثَ ،سُنَّ له إعادَتُهَ .وزَ ُعمَ احملامِليّ اختصاصُهُ بال ُغسْلِ الوا ِجبِ
َرحَ به يف الروضة ،وإن ضَعيفٌ ،واألفضَلُ َع َدمُ تأخريِ َغسْلِ ق َدمَيْهِ عن ال ُغسْلِ ،كما ص َّ
ثََبتَ تأخريُمها يف البخاري .ولو َتوَضَّأ أثناءَ ال ُغسْلِ أو بعدَه َحصَ َل له أصل السُّنَّةِ ،لكن
صغَرِ، األفضل تقدميُه ،ويُكرَه تَ ْركُه .وينوي به سُنَّةَ الغُسلِ إن تَجرَّدَت جَنَابَتُه عن األ ْ
صغَرِ أو حنوِه خُروجاً من خِالفِ مُوجِبِهِ القَائِلِ ِب َعدَمِ حلدَثِ األ ْ
وإال َنوَى به َر ْفعَ ا َ
االندِراجِ .ولو أحدَثَ بعد ارتفاعِ جَنَابَةِ أعْضاءِ الوُضوءِ لَ ِزمَهُ الوُضوءُ مُرَتَّباً بالنية.
َهدُ معاطِفٍ) كاألُذُنِ واإلبطِ والسُّرّةِ وا َملوْقِ َو َمحَلِّ شقَ ،وَت َعهُدُّ أصولِ َشعْرٍ ،مث (فََتع ُّ
َغسْلُ رأس باإلفاضَ ِة بعدَ تَخليلِهِ إن كان عليه شعر ،وال تيامُنٌ فيه لغريِ أقطع .مث َغسْلُ
شُقّ أْيمَنَ مث أْيسَر( ،و َدلْكٌ) ملا َتصِله َيدُهُ من َبدَنِهِ ،خروجاً من خِالف من أوجَبَه.
والذكْرُ َعقِبه ،وحيصل يف راكِدٍ (وتثليثٌ) ِل َغسْلِ مجيعِ الَبدَنِ ،والدَّلْكُ والتَّسميَةُ ِّ
ضعٍ آخَرَ ،على األوْجهِ بتحرُّكِ مجيعِ البَدنِ ثالثاً ،وإن مل يَْنقُلْ َق َدمَيهِ إىل َموْ ِ
(واستقبالٌ) لِلقِْبَلةِ و ُموَاالةٌ ،وتَرْكُ تكَُّلمٍ بال حاجةٍ ،وتنشيفٌ بال ُع ْذرٍ .وتُسَنّ
الشهادتان املتقدمتان يف الوضوء مع ما معهما عَ ِقبَ الغُسْلِ ،وأن ال َيغْتَسلَ جلنابَةٍ أو
غريِها ،كالوُضوء يف ماءٍ راكدٍ مل َيسْتَْبحِرْ كنابعٍ مِن عَيْ ٍن َغريَ جارٍ.
[فرع] :لو اغتسلَ ِلجَنابَةٍ وحنو ُجمُعة بِنِيَّتهما حَصال ،وإن كان األفضَلُ إفرادُ
كلَ ِب ُغسْلٍ ،أو ألحدِهِما حصل فقط( .ولو أ ْحدَثَ مث أَجَْنبَ كفى غُسلٌ واحدٌ) وإن
مل ينوِ مع ُه الوُضوءَ وال رََّتبَ أعضاءَه..
[فرع]ُ :يسَنّ ِلجُُنبٍ وحائِضٍ وَنفْساء بعد انقطاعِ َدمِهما َغسْلُ فَ ْرجٍ ووُضوءٌ
لنومٍ وأكلٍ وشربٍ ،ويُكْ َرهُ ِفعْلُ شيء من ذلك بال وُضوء .وينبغي أن ال يُزيلوا قبلَ
ال ُغسْلِ شعراً أو ظفراً ،وكذا دَماً ،ألن ذلك يَرِد يف اآلخرة جُنُباً(.وجاز تَكَشُّفٌ له)
أي لِلغُسل( ،يف ُخ ْلوَةٍ) أو َحبضْرَةِ من َيجُوزُ نَظَرُه إىل عورَتِه ك َزوْجَةٍ وَأمَةٍ ،والسِّتْر
أفضل .وحَ ُرمَ إن كان مث من َيحْرُم نَظرُه إليها ،كما حَرُمَ يف اخلُلْوةِ بال حاجَةٍ وحُلّ
فيها ألدىن غَ َرضٍ ،كما يأيت( .وثانيها) أي ثاين شروط الصّالة( .طهارَةُ َبدَنٍ) ومنه
داخِل ال َفمِ واألنفِ والعنيِ( .ومَلْبوسٍ) وغريِه من كل َمحْمولٍ له ،وإن مل يََتحَرَّكْ
ِبحَ َركَتِهِ( .ومكانٍ) ُيصَلَّى فيه (عن َنجَسٍ) غريَ َم ْع ُفوَ عنه ،فال تَصحّ الصالةُ معه ،ولو
ناسياً أو جاهِالً بوجودِهِ ،أو بكونِهِ مُبْطِالً ،لقوله تعاىل{ :وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} وخلرب
الشيخني .وال َيضُرُّ حماذاةُ نَجسٍ لَبدَنِه ،لكن تُكْرَه مع حماذاتِه ،كاستقبالِ نَجسٍ أو
والسقْف كذلك إن قَرُبَ منه حبيثُ ُي َعدّ حماذياً له عُرفاً( .وال جيبُ اجتنابُ مُتَنَجِّسٍَّ .
َّالنجَسِ) يف غريِ الصَّالةِ ،وحملّه يف غري التضمُّخ به يف َبدَنٍ أو ثوبٍ ،فهو حَرامٌ بال
حاجة ،وهو شَرْعاً ُمسْتَق َذرٌَ ،يمَْنعُ صِحَّة الصَّالةِ حيث ال مُرَخِّصَ ،فهو (كَ َروْثٍ
وََبوْلٍ ولو) كانا من طائرٍ و َسمَكٍ وجرادٍ وما ال َنفْسَ له سائِلَة ،أو (من مأكولٍ)
حمُه على األصح .قال اإلصطخري والروياين من أئمتنا ،كمالك وأمحد :إهنما َل ْ
طاهران من املأكول .ولو راثت أو قاءت هبيمةٌ حَيّاً ،فإن كان صَلْبا حبيث لو ُزرِعَ
نَبتََ ،فمُتَنَجِّسٌ ُي ْغسَلُ ويُؤكَل ،وإال فََنجِسٌ .ومل يبينوا حكمَ غري احلَبِّ .قال شيخنا:
والذي يظهر أنه إن تغيَّرَ عن حالِهِ قبل البَ ْلعِ ولو يسرياً فَنجِسٌ ،وإال فمُتَنَجِّس .ويف
11
حلبّ .وعن اجلويين :تشديد اجملموع عن شيخ نصر :ال َع ْفوُ عن بولِ بقرِ الدّياسَةِ على ا َ
حثِ عنه وتطهريه .وحبث الفزاري العفوَ عن بعْرِ الفَأرَةِ إذا وقعَ يف مائعٍ النكريِ على البَ ْ
و َعمّت البلوى به .وأما ما يوجدُ على َورَقِ بعضِ الشجرِ كالرّ ْغوَةِ فَنَجِسٌ ،ألنه
َيخْ ُرجُ من باطِن بعضِ الديدان ،كما شو ِهدَ ذلك وليس العَنْبَر َروْثاً ،خالفاً ملن
الذكَرِ منه ،وهو ماءٌ زعمه ،بل هو نباتٌ يف الَبحْرِ( .ومَذيٍ) ِب ُمعْجَمةٍ ،لألمرِ بغسلِ َّ
أبيضٌ أو أصفرٌ رقيقٌ ،خي ُرجُ غالباً عند ثورانِ الشَّهوَةِ بغريِ َش ْهوَةٍ قويةَ ( .ووَ ْديٍ)
ِب ُم ْهمَلَةٍ ،وهو ماءٌ أبيضٌ َك ِدرٌ ثخنيٌ ،خي ُرجُ غالباً َع ِقبَ البَوْلِ أو عند َحمْلِ شيءٍ
ثقيلٍ( .ودمٍ) حىت ما َبقِيَ على حنو عَ ْظمٍ ،لكنه معفوّ عنه .واستثنوا منه الكَبِدَ
ضغَةَ ،ولبناً خَ َرجَ بلونِ والطّحالَ وا ِملسْكَ ،أي ولو من مّيتٍ ،إن انع َقدَ .والعََلقَة وا ُمل ْ
صدِيد :وهو ماءٌ رقيقٌ خيالِ ُطهُ َدمٍ ،و َدمُ بيضَةٍ مل َتفْسد( .وقيحٍ) ألنه دَم مستحيل ،و َ
َدمٌ ،وكذا ماء جُرحٍ .وجدريّ وَنفَطٍ إن تغيَّر ،وإال فماؤها طاهِر (وقَيْءِ َم ِعدَةٍ) وإن
مل يتغري ،وهو الراجع بعد الوصولِ لل َم ِعدَةِ ولو ماء ،أما الراجعُ قبل الوصولِ إليها
يقيناً أو احتماالً فال يكونُ َنجِساً وال مُتَنَجِّساً ،خالفاً للقفال .وأفىت شيخنا أن الصيبّ
إذا ابتلي بتتاُبعِ القيءِ ُعفِيَ عن َث ْديِ أمِّه الداخِلِ يف فيه ،ال عن مُقبِّله أو مُماسَّه،
َو َكمِرَّةٍ َولَبَنٍ غري مأكولٍ إال اآل َدمِيِّ ،وجِرّةِ حنوِ بعريٍ .أما املَنِيّ فطاهِرٌ ،خالفاً ملالك.
وكذا بلغمِ غري مَعِدَةٍ من رأسِ أو صدرٍ وماء سائلٍ من فمِ نائمٍ ،ولو نَتِناً أو أصفر ،ما
مل يتحقَّقْ أنه من مَ ِعدَةٍ ،إال مِمَّنْ ابتُلِيَ به فُي ْعفَى عنه وإن كَثُرَ .ورُطُوبَةِ فَ ْرجٍ ،أي قُبُلٍ
على األصحّ .وهي ماءٌ أبيضُ مُتَرَدِّدٌ بني ا َمل ْذيِ والعِرْقِ ،خي ُرجُ من باطنِ الفَ ْرجِ الذي
ال جيبُ غسلُه ،خبالفِ ما خي ُرجُ مما جيبُ غسلُه فإنه طاهرٌ قطعاً ،وما خيرجُ من وراءِ
باطنِ الفَ ْرجِ فإنه َنجِسٌ قطعاً ،ككلِّ خارجٍ من الباطِنِ ،وكاملاءِ اخلا ِرجِ مع الوَلدِ أو
قَبْلَه ،وال فرقَ بني انفِصالِها وعَ َدمِه على ا ُملعَْت َمدِ .قال بعضُهم :الفرقُ بني الرّطوبَةِ
جسَةِ االتّصالُ واالنفِصالُ .فلو ان َفصَلتْ ،ففي الكفايَةِ عن اإلِمام أهنا والن ِ
الطَّاهِرَةِ َّ
جسَة ،وال جيبُ غسلُ َذكَرِ املُجا ِمعِ والبَيْضِ وال َوَلدِ .وأفىت شيخنا بالعفو عن رُطوَبةِ َن ِ
الباسورِ ملُبْتَلى هبا ،وكذا بيضِ غري مأكولٍ ،وحيلّ أكلُه على األصح .وشعرِ مأكولٍ
وريشِه إذا أُبِنيَ يف حياتِه .ولو شكّ يف شعرٍ أو حنوه ،أهو من مأكولٍ أو غريه؟ أو هل
َرحَ يف انفصَلَ من حيَ أو مّيتٍ؟ فهو طاهِرٌ ،وقياسُه أن الع ْظمَ كذلك .وبه ص َّ
تصلبَ طاهِر وإال فَنجِس .وسؤرُ كل حيوانٍ طاهِرٍ طاهِرٌ، اجلواهِرِ .وبيضُ املَيْتَةِ إن َّ
فلو تَنَجَّس َفمُه مث َوَلغَ يف ماءٍ قليلٍ أو مائعٍ ،فإن كان بعدَ غيبةٍ ميكنُ فيها طهارََتهُ
َجسَهُ.ِبوُلوغِهِ يف ماءٍ كثري أو جار مل ينجسه ولو هراً وإال ن َّ
قال شيخنا كالسيوطي ،تبعاً لبعضِ املتأخرين إنه ُي ْعفَى عن يسريٍ عُرْفاً ،من
شَعرٍ َنجِسٍ من غريِ ُمغََّلظٍ ،ومن دخانِ نَجاسَةٍ ،وما على رِجْلِ ذُبابٍ ،وإن رُؤيَ،
شؤُهُ من ق ط ٍري وما على َفمِهَِ ،و َروْثِ ما َن ْ وما على مَْن َفذِ غريِ آدمِيّ مما خ َرجَ منه ،وذرْ ِ
صوْنُ املاءِ أو بنيَ أوراقِ َشجَر النَّارجيلِ اليت ُتسْتَرُ هبا البيوتُ عن ا ُملفْطِرِ حيثُ َي ْعسُرُ َ
الروْثِ يف حِياضِ األخْلِيَةِ إذا عَمّ املَاءِ عنه .قال مجع :وكذا ما تُلقِيهِ الفئرانُ من َّ
االبتالءُ به ،ويؤّيدُهُ حبثُ الفزاري ،وشَرْطُ ذلك كله إذا كانَ يف املاءِ أن ال ُيغَيّر.
انتهى .والزَّبادُ طاهِرٌ وُيعْفى عن قليلِ َشعْرِهِ كالثالث .كذا أطلقوه ومل يُبَيِّنوا أن املُرادَ
القليل يف املأخوذِ لالستعمالِ أو يف اإلِناءِ املأخوذِ منه .قال شيخنا :والذي يتجه األوّل
إن كان جامداً ،ألن العبَرةَ فيه مبحلِّ النجاسَةِ فقط ،فإن كَثُرَت يف َمحَلَ واحدٍ مل
ُيعْفَ عنه ،وإال عُفِيَ ،خبالفِ املاِئعِ فإنّ مجيعَهُ كالشيء الواحد .فإن قلَّ الشعرُ فيه
حبّ الطربيّ عن ابن الصّباغ ُعفِيَ عنه وإال فال ،وال نَظَرَ للمأخوذِ حينئذ .وَنقَلَ املُ ِ
واعت َمدَه ،أنه ُيعْفى عن جِرَّةِ البعري وحنوه فال يَُنجّس ما شَرِبَ منه ،وأحلق به فم ما
12
َيجْتَرّ من َوَلدِ البقرةِ والضّأنِ إذا التقَمَ أخالفَ أمّه .وقال ابن الصالح :يُعفى عما
اتَّصل به شيء من أفواهِ الصّبيانِ مع َتحَقُّقِ جناستها ،وأحلَقَ غريه هبم أفواهَ اجملانني.
وجزم به الزركشيّ( .و َكمَيْتَةٍ) ولو حنو ذبابٍ مما ال نفسَ له سائلة ،خالفاً لل َقفّال
الدمِ املُت َعفّن ،كمالك وأيب حنيفة .فامليتةُ نَجسَةٌ وإن ومن تَِبعَهُ يف قوله بطهارتِهِ لعدمِ َّ
مل َيسَلْ َدمُها ،وكذا شَعرُها وعظمُها وقرنُها ،خالفاً أليب حنيفة ،إذا مل يكن عليها
دَسَم .وأفىت احلافظ ابن حجر العسقالين بصحة الصالة إذا َحمَلَ ا ُملصَلّي ميتةَ ذبابٍ
إن كان يف حملَ َيشُقّ االحتراز عنه( .غري بشرٍ ومسكٍ وجرادٍ) ِلحِلِّ تناوُلِ األخريينِ.
َرمْنا بَنِي آدَمَ} وقضية التكرمي أن ال ُيحْكَم وأما اآلدميّ فلقوله تعاىل{ :وَل َقدْ ك َّ
بنجاسَِتهِم باملوتِ .وغري صَْيدٍ مل ُت ْدرَكْ ذُكاتُه ،وجننيِ مُذكاة ماتَ بِذُكاتِها .وحيلّ
أكلُ دودِ مأكولٍ معه ،وال جيبُ غسلُ حنو ال َفمِ منه .ونقل يف اجلواهر عن
األصحاب :ال جيوزُ أكل مسكِ مِلحٍ ومل يُنْزَع ما يف َج ْوفِه ،أي من املسَت ْقذَراتِ.
وظاهره :ال فرقَ بني كبريه وصغريه .لكن ذكر الشيخان جوازَ أكلِ الصغريِ مع ما يف
جوفِهِ لِ ُعسْرِ تنقِيَةِ ما فيه( .وك ُمسْكِر) أي صالِحٍ لإلِسكار ،فدخلت القَطرةُ من
خمْرٍ ،وهي املتخذَةُ من العِنبِ ،ونبيذٍ ،وهو املتَّخذُ من غريه. ا ُملسْكِرِ( .مائعٍ) َك َ
وخ َرجَ باملاِئعِ حنو البنْجِ واحلَشيش .وتطهُرُ َخمْرٌ ختلَّلَت بنفسِها من غري مصاحَبَةِ عَيْنٍ
أجنبيةٍ هلا وإن مل ُتؤَثِّر يف التخليل كحَصاةٍ .ويتَبعُها يف الطهارَةِ الدّنّ ،وإن َتشَرَّبَ
منها أو غََلتْ فيه وارتفَ َعتْ بسبب الغليان مث نزلت ،أما إذا ارتفعت بال غليان بل
ب ِفعْ ِل فاعلٍ فال تَطْهُر ،وإن ُغمِ َر املرَتفِعُ قبل جفافِهِ أو بعدَه خبمرٍ أخْرى على األوْجَه.
كما جزم به شيخنا .والذي اعتمدَهُ شيخنا احملقق عبد الرمحن بن زياد أهنا تَ ْطهُر إن
صبّ مخرٌ يف إناءٍ مث أخ ِر َجتْ منه، ُغمِرَ املرتفعُ قبل اجلفافِ ال بعده .مث قال :لو ُ
وصُبَّ فيه مخرٌ أخرى بعد جفافِ اإلِناءِ وقبلَ غسلِهِ مل تَ ْطهُرْ ،وإن ختلَّلت بعد َنقْلِها
منه يف إناء آخر .انتهى .والدليلُ على كونِ اخلمر خَالًّ .احلُموضَةُ يف َط ْعمِها ،وإن مل
توجد هنايَة احلُموضَةِ ،وإن ُق ِذفَت بالزَّبد .ويَ ْطهُرُ جِلْدُ َنجِسٍ باملوتِ باندباغٍ َنقّاه
حبيث ال يعودُ إليه نَنتٌ وال فسادٌ لو ُنقِعَ يف املاء( .وككلبٍ وخنزيرٍ) وفرع كل منهما
مع اآلخر أو مع غريه ،ودود ميتَتِهما طاهِرٌ ،وكذا َنسْجُ عنكبوتٍ على املشهور .كما
قاله السبكي واألذرعي ،وجزم صاحب العِدَّة واحلاوي بنجاسَتِه .وما خي ُرجُ من جلد
حنو حَيّةِ يف حياهتا كالعِرْقِ ،على ما أفىت به بعضهم .لكن قال شيخنا :فيه نظر ،بل
َسدٌ منفصلٌ من حيّ ،فهو َكمَيْتَتِه .وقال أيضاً :لو نَزَا األقرب أنه نَجِسٌ ألنه جزءٌ مَُتج ِّ
كلبٌ أو خنزيرٌ على آدمِيّة فوَلدَت آ َدمِياً كان ال َوَلدُ نَجِساً ،ومع ذلك هو مُكلَّفٌ
بالصالة وغريها .وظاهرٌ أنه ُي ْعفَى عما يُضطَرّ إىل مال َمسَتِه ،وأنه َتجُوزُ إمامَته إذ ال
إعادة عليه ،ودخولُه املسجدَ حيث ال رطوبَةَ للجماعة وحنوها.
ويَ ْطهُرَ مُتَنَجِّسٌ ِبعَيْنيَّةٍ ب َغسْلٍ مُزيلٍ ِلصِفاتِها ،من َط ْعمٍ ولونٍ وريحٍ .وال َيضُرّ بقاءُ
لونٍ أو ريحٍ َعسُرَ زوالَه ولو من ُمغَلَّظ ،فإن بقيا معاً مل يطهر .ومتنجِّس ِبحُكمِيَّة
كَبوْلٍ جَفّ مل ُي ْدرَكْ له صفة ِبجَ ْريِ املاءِ عليه مرة ،وإن كان حَباً أو حلماً طُبِخَ
صبّ املاءِ على ظاهرها ،كسَيْفٍ سُقِيَ بِنَجسٍ ،أو ثوباً صُِبغَ بَِنجِسٍ ،فيَ ْطهَر باطنُها ِب َ
حمّى بنجسٍ .ويشترَط يف ُطهْرِ ا َملحَلّ ورود املاءِ القليلِ على احمللِّ املتنجّس، وهو ُم َ
فإن ورد متنجّسٌ على ماءٍ قليلٍ ال كثريٍ تنجَّس ،وإن مل يتغري فال يُطَهِّرْ غريه .وفارَقَ
الواردُ غريَهُ بقُوَّتِه لكونِهِ عامالً ،فلو تنجَّس َفمُه كفى أخذُ املاءِ بي ِدهِ إليه وإن مل َيعْلُها
عليه كما قال شيخنا وجيب غسلُ كل ما يف حَدِّ الظاهِرِ منه ولو باإلِدارَةِ ،كصبِّ
ماءٍ يف إناءٍ متنجسٍ وإدارَته جبوانِبِه .وال جيوزُ له ابتالعُ شيء قبل تطهريِ َفمِهِ ،حىت
بالغَرْغَرَةِ.
13
ضعِهِ ماءٌ ف َغمَره، [فرع] :لو أصابَ األرضَ حنو بولٌ وجَفََّ ،فصُبَّ على مو ِ
َطهُرَ ،ولو مل يَنْضَبْ أي يغور سواء كانت األرضُ صلبة أم رَخْوةً .وإذا كانت
تنجسَتْ به فال بدّ من إزال ِة العَيْنِ قبل صَبِّ املاءِ القليلِ عليها، األرضُ مل تتشرب ما َّ
كما لو كانت يف إناءٍ .ولو كانت النجاسَةُ جا ِمدَةً فتفتََّتتْ واختلَ َطتْ بالترابِ مل
يَطهر ،كاملختِلطِ بنحو صديد ،بإفاضَةِ املاءِ عليه .بل ال بدّ من إزالةِ مجيعِ التُّرابِ
صحَفٍ تَنَجَّسَ بغريِ َم ْع ُفوَ عنهُ بوجوبِ َغسْلِهِ وإن أدَّى املختَِلطِ هبا .وأفىت بعضهم يف ُم ْ
َستِ النَّجاسَةُ شيئاً من إىل تَلَفه ،وإن كان لِيَتِيمٍ .قال شيخنا :ويَتَعيَّن فَ ْرضُهُ فيما إذا م َّ
القرآن ،خبالفِ ما إذا كاَنتْ يف حنو اجلِ ْلدِ أو احلواشي.
[فرع] :غسالَةُ املُتَنجِّس ولو َم ْع ُف ّواً عنه ك َد ٍم قليلٍ إن انفصََلتْ وقد زالَت العَيْنِ
وصِفاتُها ،ومل تتغري ومل يَزَدْ َوزْنُها بعد اعتبارِ ما يأخذه الّثوْبُ من املاءِ واملاءُ من
الوسَخِ وقد طهَ َر املَحلّ :طاهِرَةٌ .قال شيخنا :ويظه ُر االكتِفاءُ فيهما بالظَّنِّ.
سمْنٍ فَ ْأرَةٌ مثالً فماَتتُْ ،أْلقَِيتْ وما َح ْولَها مما [فرع] :إذا َوَقعَ يف طعامٍ جا ِمدٍ َك َ
ماسَّها فقط ،والباقي طاهِرٌ .واجلا ِمدُ هو الذي إذا غُرِفَ منه ال يَترادّ على قُرْب.
[فرع] :إذا تَنَجَّسَ ماءُ البِئرِ القليلِ مبالقاةِ نَجسٍ مل يَ ْطهُرْ بالنَّ ْزحِ ،بل ينبغي أن ال
يُنْ َزحَ ليكثر املاء بنبعٍ أو صبّ ماءٍ فيه ،أو الكثري بتغيّرٍ به مل يطهر إالَّ بزواله .فإن
شعْرِ فأرَةٍ ومل يتغيَّرْ فَطهورٌ تَع ّذرَ اسِتعْماله إذ ال خيلو منه دلو بقَيتْ فيه جناسَةٌ ك َ
فليُنْزَح كله .فإن اغترَف قبل النَّ ْزحِ ومل يتيقَّن فيما اغتَ َرفَه شعراً مل َيضُرّ وإن ظنَّه،
عمالً بتقدميِ األصلِ على الظاهرِ .وال يَطْهر مُتَنَجِّس بنحوِ كَ ْلبٍ إالَّ بسبعِ َغسْالتٍ
َممٍ ممزوج باملاءِ، بعد زوال العَيْنِ ولو ِبمَراتٍ ،فمُزيلُها مَرّة واحِدة إحداهُنّ بترابِ تَي ُّ
بأن يُكَدِّر املاء حىت يَ ْظهَر أث ُرهُ فيه ويصلُ بواسِطَتِه إىل مجيع أجزاءِ احمللِّ املتنجِّسِ.
ويكفي يف الرا ِكدِ حتريكُه سبعاً .قال شيخنا :يظهر أن الذهابَ مَرّة وال َعوْدَ أخرى.
ويف اجلاري مرور سبع جَرْياتٍ ،وال تَتْريبَ يف أرضٍ تُرابية.
[فرع] :لو مَسّ كلباً داخل ماءٍ كثريٍ مل تُنَجَّسْ يَدُه ،ولو رَفعَ كلبٌ رأسَه من
َرطبٌ ،ومل ُيعْلَم مُماسَّتُه له ،مل يَُنجّس .قال مالك وداود :الكلبُ طاهرٌ ماءٍ وفَمه مُت ِّ
وال ينجّس املاءُ القليلُ بولوغِهِ ،وإمنا جيبُ َغسْلُ اإلِناءِ ِبوُلُوغِهِ تَعبُّداً( .وُيعْفى عن دَمِ
حنو برغوثٍ) مما ال َنفْسَ له سائِلَة كبعوضٍ وَقمْلٍ ،ال عن جِ ْلدِهِ( .و) َدمِ حنو (دُمَّلٍ)
الدمُ فيهما وانتشَرَ ِبعِرْقٍ ،أو فَحشَ كَبُثْرَةٍ وجُ ْرحٍ ،وعن قَْيحِهِ وصديده( ،وإن كَثُرَ) َّ
األوَّل حبيثُ طبَقَ الثوب على النُّقولِ ا ُملعَْت َمدَةِ ( بغريِ فعله) فإن كَثُرَ بفعِلهِ َقصْداً،
كأن قَتَلَ حنو بَرْغُوثٍ يف ثوبِهِ ،أو َعصَرَ حنو دُمَّلٍ أو حَمَلَ ثوباً فيه َدمُ براغيث مثالً،
وصَلَّى فيه أو فَرَشَه وصَلَّى عليه ،أو زادَ على ملبوسِهِ ال ِلغَرَضٍ كََتجَمُّلٍ ،فال ُيعْفى
الروْضة إالَّ عن القليلِ على األصَحّ كما يف التحقيق واجملموع وإن اقتضى كالمُ َّ
ال َع ْفوَ عن كثريِ َدمِ حنو الدُّمَّلِ وإن عُصِرَ .واعتمده ابن النقيب واألذرعي .وحملَّ العفو
هنا وفيما يأيت بالنسبةِ للصالةِ ال لنحو ماءٍ قليلٍ ،فيُنَجَّس به وإن قلَّ ،وال أثر ملالقاةِ
الَبدَنِ له رِطباً ،وال يكلّف تنشيف الَبدَن ِل ُعسْرِه( .و) عن (قليلِ) حنو َدمٍ (غريِه) أي
أجنيب غري ُمغَّلظٍ ،خبالف كثريه .ومنه كما قال األذرعيَ :دمٌ انفصَلَ من بدَنِهِ مث
أصابَه( .و) عن قليل (حنو دمِ حيضٍ ورُعافٍ) كما يف اجملموع .ويقاسُ هبما َدمُ سائرِ
املناِفذِ ،إالَّ اخلارِج من َم ْعدَنِ النجاسَةِ كمحلّ الغاِئطِ .واملَرْ ِجعُ يف القِلَّة والكَثْرَةِ
العُرْفُ ،وما شَكّ يف كثرتِهِ له حُ ْكمُ القَليلِ .ولو َتفَرَّقَ َّالنجَسُ يف مَحال ولو ُجمِعَ
َجحَه كَثُرَ كان له حُكْمُ القَليل عند اإلِمام ،والكثري عند املَُت َولّي والغزايل وغريمها ،ور َّ
جمٍ مبحلهما وإن كثر .وَتصُحّ صالةُ من أَدْمَى صدٍ و َح ْبعضُهم .ويُعفى عن َدمِ حنو َف ْ
لَثَّتَهُ قبل َغسْلِ ال َفمِ ،إذا مل يَبْتَِلعْ ريقَهُ فيها ،ألن َدمَ اللَّثَّةِ مَ ْعفُوٌّ عنه بالنسبةِ إىل الرّيقِ.
14
سعٌ انتظرَه ،وإالَّ حتفَّظ ولو رعَفَ قبل الصّالةِ ودامَ فإن رجا انقطاعَهُ وال َو ْقتُ مَُّت ِ
كالسَّلِس خالفاً ملن زَ ُعمَ انتظاره ،وإن خَ َرجَ الوقتُ .كما ُتؤَخَّر ِل َغسْلِ َثوْبِه املُتَنَجِّسِ
وإن خرج .ويفرق بقدرة هذا على إزالة النجس من أصله فلَ ِزمَتْه ،خبالفه يف َمسْألَتِنا.
وعن قليلِ طنيٍ حملِّ مرورٍ متيقّن جناسَته ولو ِب ُمغََّلظٍ ،لل َمشَقَّةِ ،ما مل تَبْقَ عَيْنُها مُتَميِّزَةً.
وخيتلِفُ ذلك بالو ْقتِ وحملّه من الثَّوْبِ والَبدَنِ .وإذا تعيَّنَ عَيْنُ النجاسَةِ يف الطريقِ،
ولو مَواطِىء كَلْبٍ ،فال ُي ْعفَى عنها( ،وإن عَمَّت الطريقَ على األوْجَه)( .وأفىت
شيخنا) يف طريقٍ ال طنيَ هبا بل فيها قَ َذرُ األدمّي ورَوْثُ الكالبِ والبهاِئمِ وقد
أصابَها املَطَرُ ،بال َع ْفوِ عندَ مَشقَّ ِة االحْتِراز.
َّن تَنَجُّسَهُ ِلغَلَبَةِ
[قاعدة مهمة] :وهي أن ما أصله الطهارَة وغلَبَ على الظ َّ
النَّجاسَةِ يف مثله فيه قوالن معروفان ب َق ْولَيْ األصْل .والظاهِرُ أو الغاِلبُ أرْجَحُهما أنه
طاهِرٌ ،عمالً باألصل املتيقن ،ألنه أضبط من الغاِلبِ املختلِفِ باألحوالِ واألزمانِ،
وذلك كثيابِ َخمّارٍ وحائِضٍ وصبيانٍ ،وأواين مَُتدَيِّنني بالنَّجاسَةِ ،وورقٍ يغُلبُ نَثْ ُرهُ
حمِ اخلنزيرِ ،وجنبٍ شاميّ اشُتهِر شُ على َنجَسٍ ،ولعابِ صَبِيّ ،وجوخٍ اشُتهِرَ َعمَلُه ب َ
عملُه بإْنفَحَّةِ اخلنزير .وقد جاءه جُبَْنةٌ من عندِهِم فأكلَ منها ومل يسألْ عن ذلك.
ذكره شيخنا يف شرح املنهاج( .و) ُيعْفى عن ( َمحَلّ اسِتجْمارِهِ و) عن (وَنِيمِ ذُبابٍ)
وَبوْلِ (و َروْثِ ُخفّاشٍ) يف املكانِ ،وكذا الثوبِ والَبدَنِ ،وإن كَثُرَتِْ ،ل ُعسْرِ االحتِرازِ
َمتِ البلوى به .وقضية عنها .ويُعفى عما جَفّ من َذرْقِ سائِرِ الطيورِ يف املكانِ إذا ع َّ
كالم اجملموعِ العفُو عنه يف الثوبِ والَبدَنِ أيضاً ،وال يُعفى عن َبعْرِ الفأرِ ولو يابساً
على األوجه .لكن أفىت شيخنا ابن زياد كبعض املتأخرين بالعَفوِ عنه إذا َع ّمتِ
البلوى بهَ ،ك ُعمُومِها يف َذرَقِ الطّيور .وال تصحُّ صالةُ من َحمَلَ ُمسَْتجْمراً أو حيواناً
مبن َفذِهِ َنجَسٌ ،أو ُمذَكَّى ُغسِلَ َمذَْبحُهُ دونَ َج ْوفِهِ ،أو مَيّتاً طاهراً كآدَميّ و َسمَكٍ
ُي ْغسَلْ باطِنُه ،أو بَْيضَة َم ِذرَة يف باطِنِها َدمٌ .وال صالةُ قابِض طرَفٍ مَُّتصِلٍ بنجسٍ وإن
مل يتحرَّك حبَ َركَتِه.
[فرع] :لو رأى من يريدُ صالةً وبثوبِهِ َنجَسٌ غري َم ْعفُوِّ عنه لَ ِزمَهُ إعالمُه .وكذا
يَلْزَم تَعلِيمَ مَ ْن رآهُ ُيخِلّ بوا ِجبِ عبادَةِ يف رأي ُمقََّلدِه.
[تتمة] :جيبُ االستنجاءُ من كلّ خا ِرجٍ ملوَّثٍ مباءٍ .ويكفي فيه غَلَبةُ ظَنِّ زوالَ
النَّجاسَةِ ،وال ُيسَنّ حينئذٍ َشمّ َيدِه ،وينبغي االستِرْخاءُ لئال يَبْقَى أثَرُها يف تضاعِيفِ
شَ َرجِ ا ِمل ْق َعدَةِ ،أو بثالث مسحات تعمُّ احمللّ يف كل مرّة ،مع تَْنقِيَةٍ جبا ِمدٍ قاِلعٍ .ويُْندَبُ
جدِ .ويُنْحي ما عليه سِ ُقدمَ يسارَه ،ويَمينَهُ النصِرافِهِ ،بعكْسِ ا َمل ْ لِداخِلِ اخلَالءِ أن ي ِّ
ُمعَظَّم ،من قرآنٍ واسم نَبّي أو مَلَكٍ ،ولو ُمشْتَرَكاً كعزيزٍ وأمحدَ إن قصدَ به ُمعَظَّم.
وَيسْ ُكتَ حال خروجِ خا ِرجٍ ولو عن غريِ ِذكْرٍ ويف غري حالِ اخلروجِ عن ِذكْرٍ.
ويَْب ُعدَ وِيسْتَتِر .وأن ال يقضِيَ حاجَتَه يف ماءٍ مباحٍ راكدٍ ما مل َيسْتَْبحِرْ .ومُتَحدَّثٍ غري
مملوكٍ أل َحدٍ ،وطريقٍ .وقيلَ :يحْ ُرمُ َّالتغَوُّطُ فيها .وحتتَ مُْثمِرٍ ِبمُلْكِهِ ،أو َممْلوكٍ عَِلمَ
رِضا مالكه ،وإال حَ ُرمَ .وال يستقبِلْ عَيْنُ القِبْلَةِ وال َيسَْتدْبِرها ،وحيرمان يف غري ا ُملعَدَّ
ص ْدرِه وحَوَّل فَرْجَهُ عنها مث بالَ ،مل يضر ،خبالف وحيثُ ال ساتِرَ .فلو اسَتقْبَلَها ب َ
عكسه .وال َيسْتاكَ وال يَبزُقَ يف َب ْولِه .وأن يقولَ عندَ دُخولِهِ :اللهمَّ إين أعوذُ بِكَ من
حل ْمدُ هلل الذي أذْ َهبَ عَنّي األَذَى وعافاين. اخلُُبثِ واخلَبائِث .واخلروج :غُفرانَكَ ،ا َ
وبعد االستِنْجاءِ :اللهمَّ طَهِّرْ قليب من النّفاقِ وحَصِّن فَرْجي من الفَواحِش .قال
البغوي :لو شكَّ بعد االستنجاء هل غسلَ َذكَرَهُ مل تَلْ َزمْهُ إعادَتُه( .ثالثها)( :أي
شروط الصالة) (سَتْرُ رجُلٍ) ولو صَبِياً( ،وَأمَة) ولو مكاتبة وأمّ وَلد( .ما بنيَ سُ ّرةٍ
و ُركْبةٍ) هلما ،ولو خالياً يف ظُ ْل َمةٍ .للخربِ الصَّحيح" :ال َيقْبَل اللَّهُ صَالة حائِضٍ أي
15
بالغٍ إالَّ ِبخِمارٍ" .و َجيبُ ستُر جُزءٍ منهما ليتحقَّقَ به سَتْرُ ال َع ْورَةِ( .و) سَتْرُ (حُرَّةِ)
ولو صغريةٍ (غري وَجْهٍ وَكفَّيْنِ) ظهرُهُما وبَطُْنهُما إىل الكوعَيْن (مبا ال َيصِفُ َلوْناً) أي
لَون البشرةِ يف مَجْلِس التَّخاطُب .كذا ضبطه بذلك أمحد بن موسى بن ُعجَيْل.
جمِ األعْضاءِ ،لكنه خالف األوىل ،وجيبُ السَّتْرُ من األعلى حْويكفي ما َيحْكي ِل َ
واجلواِنبِ ال من األسفَلِ (إن َق َدرَ) أي كل من الرَّجُل واحلُرَّة وا َألمَة( .عليه) أي
السَّتْرُ .أما العاجِز عما َيسْتُر ال َع ْورَةَ فَُيصَلّي وجوباً عارياً بال إعادة ،ولو مَع وجودِ
َذرَ َغسُْلهُ ،ال من أمكَنَهُ تطهريُه ،وإن خ َرجَ الوقتُ ،ولو َق َدرَ على ساتِرٍ مُتَنَجِّسٍ َتع َّ
فالدبُر ،وال يُصَلّي السوْأتني فالقُبْل ُّساتِرِ َبعْضِ العَ ْورَةُ لَ ِزمَهُ السَّتْرَ مبا وَ َجدَ ،وقدم َّ
عارياً مع وجودِ حَريرٍ بل البساً له ،ألنه يباحُ للحا َجةِ .ويلزمُ التَّطْيِنيُ لو َع ِدمَ َّالثوْبَ
أو حنوه .وجيوزُ ملُكْتَسٍ اقتداءٌ ِبعَارٍ ،وليسَ للعَارِي َغصْب َّالثوْبِ .وُيسَنّ للمُصلي أن
َممَ ويَُتقَمَّصَ ويتَطَيْلَسَ ،ولو كان عندَهُ ثوبانِ فقط يلبِسَ أ ْحسَنَ ثِيابِهِ ويرتدي ويََتع َّ
لبِسَ أحدَهُما وارتدى باآلخرَ إن كان َثمّ سُتْرَة ،وإالَّ َجعَلَهُ ُمصَلَّى .كما أفىت به
شيخنا.
[فرع] :جيبُ هذا السَّتْرُ خارجَ الصّالةِ أيضاً ،ولو بثوبٍ َنجِسٍ أو حريرٍ مل جيِدْ
غريَهُ ،حىت يف اخلُ ْلوَةِ ،لكن الواجِبُ فيها سَتْرُ َسوْأتَيْ الرَّجُل ،وما بَيْنَ سُرَّةِ و ُركَْبةِ
جدِ ،ألدىن غَ َرضٍ كتربيدٍ وصيانَةِ َثوْبٍ سِ شفُها يف اخلُ ْلوَةِ ،ولو مِنَ ا َمل ْ غريِه .وجيوزُ َك ْ
من الدَّنَسِ ،والغُبارِ عندَ كَنْسِ البَيتِ ،و َك َغسْلٍ( .ورابعهاَ :معْرفَةُ دُخولِ َو ْقتٍ) يقيناً
أو ظناً .فمن صَلّى بدوهنا مل تصحّ صالتُه وإن وق َعتْ يف الوَ ْقتِ ،ألن االعتبارَ يف
العبادات مبا يف ظَنّ املُكَلَّفِ ،ومبا يف َنفْسِ األمرِ ،ويف العُقُودِ مبا يف نفسِ األمْرِ فقط.
الشمْسِ (إىل مَصريِ ظِلِّ كلِّ شيءٍ مِثْله ،غري ظِلِّ استِواءٍ) أي (َف َو ْقتُ ُظهْرٍ من زوالِ) َّ
الظِّلِّ املوجود عندَه ،إن وُ ِجدَ .وسُمَِّيتْ بذلك ألنَّها أوَّل صَالةٍ َظهَرَت( .ف) َوقْتُ
( َعصْرِ) من آخِرِ وَ ْقتِ الظهر (إىل غروبِ) مجيعِ قرصِ َشمْسٍ( ،ف) َو ْقتُ ( َمغْرِبٍ)
الشفَقِ) األحَمرِ( ،ف) وقتُ (عِشاءٍ) من مغيبِ الشَّفَقِ .قال من الغروب (إىل مغيبِ َّ
صفَرِ واألبيَضِ ،خروجاً من خالفِ من شيخنا :وينبغي نَدْبُ تأخريُها لزوالِ األ ْ
أوْ َجبَ ذلك .وميتدُّ (إىل طُلوعِ (فجرٍ) صادِقٍ( ،ف) وقتُ (صُبْح) من طلوعِ ال َفجْرِ
شمْسِ) ،وال َعصْرُ هي الصَّالةُ الوُسْطَى، الصَّادِقِ ال الكاذِبِ (إىل طلوعِ) بعضِ (ال ّ
الظهْرُ ،مث ِلصِحَّةِ احلديثِ به .فهي أفضلُ الصَّلَوات ،وَيَليها الصُّْبحُ ،مث العِشاءُ ،مث ُّ
ا َملغْرِبُ ،كما استظهَرَهُ شيخنا من األدِلَّة .وإمنا فَضَّلوا مجاعَةَ الصُّبحِ والعِشاءِ ألهنا
فيهما أَشَقّ .قال الرافعيّ :كانت الصُّبْحُ صالةَ آدم ،والظُّهرُ صالةَ داود ،وال َعصْرُ
صالةُ سليمان ،واملغرِبُ صالةَ يعقوب ،والعشاءُ صالةَ يونُس ،عليهم الصّالة
والسّالم .انتهى.
أوِلهِ إىل َوقُتٍ واعلم أن الصّالةَ ِجتبُ بأوَّلِ الوقتِ وجوباً موسِعاً ،فلَهُ التأ ِخريُ عن َّ
سعُها بِشرْطِ أن يَعْزِم على فِعْلِها فيه ،ولو أ ْدرَكَ يف ال َوقْتِ َر ْكعَةً ال دُونَها فالكل أداءٌ َي َ
وإالَّ َفقَضاء .ويأثَم بإخراجِ بعضِها عن الوقتِ وإن أ ْدرَكَ رَكعةً .نعم ،لو شَرَعَ يف غريِ
الذكْرِ حىت َولَها بالقِراءَةِ أو ِّ
سعُها جازَ له بال كَراهَةٍ أن يُط ِّ جل ُمعَةِ وقد َبقِيَ ما َي َ اُ
َيخْ ُرجَ الوقتُ وإن مل يُوِقعْ منها رَكعةً فيه على ا ُملعْتَ َمدِ فإن مل يبقَ من ال َو ْقتِ ما
سعُها ،أو كانت ُج ُمعَةً ،مل َيجُز املَدُّ ،وال ُيسَنُّ االقِتصارُ على أركانِ الصَّالةِ إلِدراكِ َي َ
كُلّها يف ال َو ْقتِ.
[فرع] :يُْندَبُ َت ْعجِيلُ صَالةٍ ولو عِشاء ألوَّل َوقْتِهاِ ،لخَبَرَِ" :أفْضلُ األعْمالِ
الصَّالةُ ألوَّلِ َوقْتِها" .وتأخريُها عن أوَّله لِتَيقُّنِ جَماعَةٍ أثناءَه ،وإن َفحُشَ التأخريُ ما مل
َيضُقِ ال َو ْقتُ ،ولِظَنِّها إذا مل َي ْفحَشَ عُرْفاً ،ال ِلشَكَ فيها مُطْلقاً .واجلما َعةُ القليلَةُ أوَّلُ
16
الوَ ْقتِ أ ْفضَلُ من الكثريَةِ آخِرِه .ويؤخّرُ املُحرم صالةَ العِشاءِ وجوباً ألجل َخوْ ِ
ف
ص ْعبٌ .والصّالةُ فواتِ حَجَ ب َفوْتِ الوُقوفِ ِبعَ َرفَة لو صَالّها مَُتمَكِّناً ،ألن َقضَاءَه َ
خلوْفِ .ويؤخّر أيضاً وجوباً ُتؤَخَّرُ ألهنا أ ْسهَل مِن ِمشَقَّتِه ،وال ُيصَلّيها صالةَ شِدَّةِ ا َ
مَنْ رأى حنو غري ٍق أو أسريٍ لو أَْن َقذَهُ خَ َرجَ ال َو ْقتُ.
[فرع] :يُكْرَهُ َّالن ْومُ بعدَ دُخولِ وَ ْقتِ الصَّال ِة وقبلَ فِعْلِها ،حيث ظَنّ االستِيقاظِ
قب َل ضِيقِهِ ،لِعادَةٍ أو إلِيقاظِ غريِه له ،وإال حَ ُرمَ النَّ ْومُ الذي مل ُيغْلَب يف ال َوقْتِ.
كالنفْلِ املُطْلَقِ ومنه صَالةُ التَّسابِيحِ ،أو [فرع] :يُكْرَهُ تَحرمياً صَالةٌ ال سَبَب هلاَّ ،
الشمْسُ كَ ُر ْمحٍ، هلا سَببٌ متأخرٌ كَ َر ْكعَتَيْ اسْتِخارَةٍ وإحْرامٍ بعدَ أداءِ صُبْحٍ حىت تَرَْت ِفعَ َّ
جل ُمعَة .ال ما له سََببٌ متق ِدمٌ ك َر ْكعَتَيْ و َعصْرٍ حىت َتغْرُبَ ،وعندَ استواءِ غريَ َي ْومِ ا ُ
وُضوءٍ وطوافٍ وَتحِيّةٍ و ُكسُوفٍ ،وصالةِ جنازَةٍ ولو على غاِئبٍ ،وإعادَةِ مع جَماعَةٍ
ولو إماماً ،وكفائِتَةِ فَ ْرضٍ أو َنفْلٍ مل ُي ْقصَد تَأ ِخريُها للو ْقتِ املكروهِ لُِي ْقضِيها فيه أو
ُيدَا ِومُ عليه .فلو تَحَرّى إيقاعَ صالةِ غري صاحِبَةِ ال َو ْقتِ يف الو ْقتِ املَكْروهِ من حيث
كونه مَكْرُوهاً فتَحْرُم مُطْلقاً وال تَْنعَقِد ،ولو فائِتَةً جيبُ قَضاؤها فوراً ألنّه معاِندٌ
للِشَّرْعِ( .وخامسها :استقبالُ) عْنيِ (القِبْلَةِ) أي ال َكعْبَةِ ،بالصَّ ْدرِ .فال يكفي استقبالُ
ِدةِ ِجهَتِها ،خالفاً أليب حنيفة رمحه اهلل تعاىل( ،إالَّ يف) حَقِّ العاجِزِ عنه ،ويف صَالةِ (ش َّ
خوْفٍ) ولو فَرْضاً ،فُيصَلي كيف أمْكَنَه ماشياً وراكباً مُسَتقْبِالً أو ُمسَْتدْبِراً ،كهارِبٍ
من حريقٍ وسَيْلٍ وسَُبعٍ وحَيَّةٍ ،ومن دائِنٍ عندَ إعسارٍ ،و َخوْفِ حَبْسٍ( .و) ال يف (نَفْلِ
النفْلُ راكباً وماشياً فيه ولو قصرياً .نعم، َسفَرٍ مُباحٍ) لِقاصِدِ َمحَلَ ُمعَيَّنٍ ،فيجوزُ َّ
ُقررَة يف صدُهُ على مسافَةٍ ال َيسْ َمعُ النّداءَ من بَلدِه ،بشروطِهِ امل َّ يشترَطُ أن يكونَ َم ْق َ
اجلُمُعة .وخرج باملُباحِ َسفَرُ ا َمل ْعصِيَةِ فال جيوزُ تَرْ ُك القِبْلَةِ يف َّالنفْلِ ألبِقٍ ،ومسافِرٍ عليه
دَيْنٌ حالٌّ قادر علَْيهِ مِن غريِ إذنِ دائِنِهِ( .و) ِجيبُ (على ماشِ إمتامُ رُكوعٍ وسُجودٍ)
َرمٍ) وجلوسٌ بني ِلسُهولَةِ ذلكَ عليه ،وعلى راكبٍ إمياءٌ هبما( .واستقبالٌ فيهما ويف حت ُّ
َهدِ والسَّالمِ ،وحيرمُ احنرافُه عن والتش ُّ
جدَتَيْنِ ،فال ميشي إالَّ يف القيامِ واالعتدالِ َّ السَّ ْ
صدِهِ عامِداً عالِماً مُختاراً إالَّ إىل القِبلَةِ .ويشترطُ تَرْكُ فعلٍ كثريٍ استقبالِ صوب َم ْق َ
َمدِ وَطْءَ َنجَسٍ ولو يابساً وإن عَمَّ َك َع ْدوٍ وَتحْرِيكِ رِجْلٍ بال حاجة وتركُ َتع ُّ
الطريقَ وال َيضُرّ وَطْءُ يابِسٍ خَطأ ،وال يُكَلَّفُ ماشٍ التحفظَ عنه .وجيبُ االستقبالُ يف
َّالنفْ ِل لراكبِ سفينَةٍ غري مَالّح.
واعلم أيضاً أنه ُيشْتَرطُ يف صحّةِ الصالةِ العِ ْلمَ ِبفَ ْرضِيَّةِ الصالةِ .فلو َجهَلَ فَ ْرضِيَّة
أصْل الصَّالةِ ،أو صالتَهُ اليت شَرَعَ فيها ،مل َتصُحّ ،كما يف اجملموع والروضة .ومتييزُ
فُروضِها مِن سُنَنِها .نعم ،إن اعَت َقدَ العاميّ ،أو العاِلمُ على األوْجَهِ ،الكُلَّ فَرْضاً
صَحَّت ،أو سُنَّ ًة فال .والعِ ْلمُ بكيفيتها اآليت بيانُها قريباً إن شاء اهلل تعاىل.
جعْلِ(فصل) :يف صفة الصالة (أركانُ الصالةِ) أي فروضُها :أربعَةُ عَشرِ ،ب َ
الطُّمأنِينَةِ يف مَحالِّها ُركْناً واحِداً.
ب فيها) ج ُ خربِ" :إنَّما األعمَا ُل بالنِّيَّاتِ"( .فيَ ِ صدُ بالقَلْبِِ ،ل َ أحدها( :نَِّيةٌ) وهي القَ ْ
صدُ ِفعْلِها) أي الصّالة ،لتتميز عن بقية األفعال (وتعيينها) من ظهر أو أي النِيّة (قَ ْ
غريها ،لِتَتَميَّز عن غريِها ،فال يكفي نِيَّةُ فَ ْرضِ ال َو ْقتِ( .ولو) كانت الصَّالةُ ا َملفْعولةُ
(َنفْالً) غريَ مُطْلَقٍ ،كالرَّواِتبِ والسُّنَنِ املُؤقَّتَةِ أو ذاتِ السََّببِ ،فيجبُ فيها التعينيُ
الظهْرِ القَبْلِيّة أو الَب ْعدِيَّة ،وإن مل ُيؤِخِّر القَبْلِيّة .ومثلها باإلِضافَ ِة إىل ما ُيعَيِّنُها َكسُنَّةِ ُّ
ضحَى أو األكبَرِ أو الفِطْرِ أو األصغرِ، ك ّل صالةٍ هلا سُنَّةٌ قَبْلَها وسُنَّةٌ َب ْعدَها ،وكعيدِ األ ْ
فال يكفي صالةُ العيدِ والوِتْرِ سَواءٌ الوا ِحدَة والزَّاِئدَة عليها ،ويكفي نيَّة الوتِر من غريِ
َعدَدٍ .وحيملُ على ما يُرِيدُه على األَوْجَه ،وال يكفي فيه نيَّة سُنَّةِ العِشاءِ أو راتِبتها،
17
والتراويحِ والضُّحى ،وكاسِتسْقاءٍ وكُسوفِ مشس أو َقمَرٍ .أما النَّفلُ املُ ْطلَقُ فال جيبُ
التحِيَّة والوضوء واالستِخارَةِ، فيه تعينيٌ بل يكفي فيه نيَّة ِفعْلِ الصَّالةِ ،كما يف َر ْكعَتَيْ َّ
وكذا صالةِ األوَّابني ،على ما قالَه شيخنا ابن زياد والعالَّمة السُّيُوطِيّ ر ِح َمهُما اهلل
كالضحَى( .و) جتبُ تعاىل .والذي جزمَ به شيخنا يف فتاويه أنه ال بدَّ فيها من َّالتعَيُّن ُّ
(نيَّةُ فَ ْرضٍ فيه) أي يف الفَ ْرضِ ،ولو كفايةً أو َنذْراً ،وإن كان النَّاوي صَبِيّاً ،لِيَتَميَّزَ عن
َهدِها.
جل ُمعَةِ ،وإن أ ْدرَكَ اإلِمامَ يف تَش ُّ الظهْرِ) مثالً ،أو فَ ْرضَ ا ُ ض ُّ
َّالنفْلِ( .كَُأصَلِّي فَ ْر َ
(وسُنَّ) يف النِّيَّةِ (إضافَةٌ إىل اهلل) (تعاىل) ،خروجاً من خالف من أوجبها،
جبُ وإن كان عليه فائَِتةٌ َرضٌ ألداءٍ أو َقضَاءٍ) وال َي ِ حقَّقَ َمعْنَى اإلخْالصِ( .وََتع ُّ ولِيََت َ
مُماثِلَةٌ لل ُمؤَدّاةِ ،خالفاً ملا اعتمده األذرعي .واألصَحّ صحّة األداء بنية القَضاءِ،
َرضٌ (السِتقْبالٍ وعدَدِ حوِ غَْيمٍ ،وإال بَطَُلتْ قَطْعاً لِتَالعُبِهِ( ،و) َتع ُّ وعَكْسه إن ُع ِذرَ بَِن ْ
َّعرضَ هلما( .و) سُنّ (نُطْقٌ ِبمََن ِويّ) قبلَ ركعاتٍ) للخروجِ من خالفِ من أو َجبَ الت ُّ
التكبريِ ،لِيْسا ِعدَ اللِّسانُ القَ ْلبَ ،وخروجاً من خِالفِ من َأوْجَبَه .ولو شَكَّ :هل أتى
بِكَمالِ النَّيةِ أو ال؟ أو هل َنوَى ُظهْراً أو َعصْراً؟ فإن َذكَرَ بعدَ طُولِ زمانٍ ،أو َب ْعدَ
إتيانِهِ بِ ُركْنٍ ولو َقوْلياً كالقِراءَةِ بَ ُطَلتْ صالتُهُ ،أو قَبَُلهُما فال( .و) ثانيها( :تكبريُ
َتحَرُّم) ل ْلخَبَرِ املَُّتفِقَ عليهِ" :إذا ُق ْمتَ إىل الصَّالةِ فَكَبِّرْ" .سُمَّيَ بذلكَ ألن ا ُملصَلِّي
سدَاتِ الصَّالةِ ،و َجعْل فاتِحةِ الصَّالةِ َيحْ ُرمُ عليه به ما كان حَالالً له قَْبلَه من ُم ْف ِ
خ ْدمَتِهِ حىت تَتمّ له اهلَيْبَةُ حضِرَ ا ُملصَلِّي معناهُ الدَّالُّ على عَ َظمَةِ من َتهَيَّأ ِل ِ لَِيسَْت ْ
صحَابَ ذَيْنِكَ يف جَميعِ صَالتِهَِ ( .مقْرُوناً واخلُشوعُ ،ومن ثَمَّ زيدَ يف تِكرارِهِ لَِيدُومَ اسِت ْ
بِهِ) أي بالتَّكبريِ( ،النيَّة) ألن التكبريَ أوَّلُ أرْكانِ الصَّالةِ فتجِب مُقارَنَتُها به ،بل ال بُدَّ
حضِرَ كل ُمعْتَبَرٍ فيها مما مَرَّ وغريه .كال َقصْرِ للقاصِرِ ،وكونه إماماً أو مأموماً أن يسَت ْ
صحِباً لذلِكَ كلّه إىل جل ُمعَةِ ،وال ُق ْدوَةِ ِلمَأموم يف غريها ،مع ابتدائِه .مث يستمِرّ ُمسَْت ْ يف ا ُ
بأولِهِ .ويف اجملموع والتَّنقيحِ ا ُملخْتارِ ما صححَهُ الرافعيُّ ،يكفي قَرْنُها َّ الرَّاءِ .ويف قولٍ َّ
حضِراً اختَارَهُ اإلِمامُ والغزايلُّ :أنه يكفي فيها املُقارنَةُ العُ ْرفِيَّة عِْندَ ال َعوَامِ حبيثُ ُي َعدّ مُسَت ْ
الر ْفعَة :إنه احلَقّ الذي ال جيوزُ سِواهُ .وصَوَّبَهُ السَّبكيّ ،وقال :من لِلصَّالةِ .وقال ابنُ ِّ
مل يقلْ به وَقعَ يف الوَسْواسِ ا َملذْمومِ .وعند األئِمَّةِ الثالثة :جيوزُ تقدميُ النيةِ على التكبريِ
سريِ( .ويَتَعيَّنُ) فيه على القا ِدرِ لَ ْفظُ( :اهلل أكربُ) لالتِّباعِ ،أو اهلل األكرب .وال بالزمَنِ اليَ ِ
َّ
َظمُ ،وال الرَّحْمنُ أكْبَرُ .وََيضُرّ إخْاللٌ ِبحَرْفٍ يَ ْكفِي أكبِّرُ الّلهَ ،وال اللّهُ كِبريٌ ،أو أُع ِّ
مِن اللّهُ أكْبَرُ .وزِيادَةُ حَرْفٍ ُيغَيِّرِ ا َملعْىنَ ،كمَدِّ َهمْزَةِ اهلل ،وكَألِفٍ بعدَ الباءِ ،وزيادَة
َحركَةٍ بني الكَِلمَتنيِ ،وكذا زيادَةُ مَدِّ األلِفِ واوٍ قب َل اجلاللَةِ ،وَتخْلِلُ واوٍ ساكِنَةٍ ومُت ِّ
اليت بني الالّمِ واهلَاءِ إىل حَدِّ ال يَراهُ أ َحدٌ مِنَ القُرَّاءِ .وال َيضُرُّ َو ْقفَةٌ يَسريَةٌ بني كَِلمَتيْهِ،
ضمُّ الرَّاءِ.
وهي سَكْتَةُ التَّنَفُّسِ ،وال َ
[فرع] :لو كَبَّرَ مَرّاتٍ ناوياً االفْتِتاحَ بكلَ :دَخَلَ فيها بالوَتْرِ وخَ َرجَ منها
بالش ْفعِ ،ألنه ملا دَخَلَ باألوىل خَرَجَ بالثانِيَةِ ،ألن نيةَ االفتِتاحِ هبا مُتَضمِّنَة ِلقَ ْطعِ َّ
األوىل .وهكذا ،فإن مل يَْنوِ ذلك ،وال َتخَلَّلَ مُبْطِلٌ كإعادَةِ َل ْفظِ النيّة ،فما بعدَ األوىل
ِذكْرٌ ال يُؤثِّر.
صحِيحَ السَّ ْمعِ ،وال عا ِرضَ مِن (وجيبُ إمسا ُعهُ) أي التَّكبري( ،نَ ْفسَهُ) إن كان َ
َهدِ والسَّالمِ .ويعتَبَرُ إمساعُ املندوبِ والتش ُّحوِ َل َغطٍ( .كسائِرِ ُركْنٍ َق ْولِيّ) من الفاِتحَةِ َّ َن ْ
حصُول السُّنّة( .وسُنَّ جَ ْزمُ رائِهِ) أي التَّكبِري ،خُروجاً من خِالفِ من أوجبَه القَ ْولِيّ ِل ُ
و َجهْرٌ بهِ إلِمامٍ كسائِرِ تكبرياتِ االنتِقاالتِ( ،و َر ْفعُ كَفِّيْهِ) أو إحداهُما إن تَعسَّرَ
ش ِفهِما ،ويُكْرَهُ خِالفُه .ومع تفريقِ أصاِبعِهما َر ْفعُ األخرى( ،بِ َكشْفٍ) أي مع َك ْ
تفريقاً وسَطاً( ،خ ْذوَ) أي مقابِلَ (مِنْكَبَيهِ) حبيثُ حياذِي أطرافُ أصابِعه على أُذُنيْه،
18
حمَتَيْ أُذُنَيْهِ ،وراحَتاه مَنْكِبَيْه ،لالتِّباع .وهذه الكيفية ُتسَنّ (مع) جَمي ِع وإهباماهُ ُش ْ
َحرمٍ) بأن ُيقْرِنَهُ بهِ ابتداءً ويُْنهِيهِما معاً( .و) مع (ركوع) لالتِّباعِ الوارددِمن تكبريِ (ت ُّ
َهدٍ أوَّل) لالتِّباع فيهما. طُرُقٍ كثريةٍ( .ورَفعٍ منه) أي مِنَ الرُّكوعِ( .و) رفعً (من تَش ُّ
ص ْدرِهِ) وَفوْقَ سُرَّتِهِ لالتِّباع( .آخذاً بيمِينه) كُوعَ (يَسارِهِ) ورَدُّهُما ض ُعهُما حتتَ َ (وَو ْ
الر ْفعِ إىل حتت الصَّ ْدرِ َأ ْولَى من إرساِلهِما بالكُلِّيَّةِ ،مث استئنافِ َر ْف ِعهِما إىل حتت من َّ
الرفْعِ والتَّكبريِ إىل َموْضِعِ الصدر .قال املُتَولّي ،واعتمدَهُ غريُه :ينبغي أن يَنظُرَ قبل َّ
ُسجُودِهِ ويُطْرِقَ رأسَه قليالً مث يَ ْرفَع( .و) ثالثها( :قيام قا ِدرٍ) عليه بنفسه أو بغريه (يف
صبِ فِقارِ ظهرهِ أي عِظامِه اليت هي حصُل القيامُ بِنَ ْ فَ ْرضٍ) ولو مَنْدوراً أو مُعاداً .وَي ْ
مفاصِلُه ولو باستنادٍ إىل شيءٍ حبيثُ لو زالَ لَسقطَ .ويُكرَهُ االستِنادُ ال باحنناءٍ إن
كان أقْرَبُ إىل أقلِّ الرُّكوع ،إن مل َي ْعجَزْ عن متامِ االنْتِصابِ( .ولعاجِز شَقَّ عليه قيامٌ)
شقَّةٌ شديدةٌ حبيثُ ال ُتحَْتمَلُ عاد ًة وضَبَطَها اإلِمامُ بأن تكونُ حبيثُ بأن لَحقَهُ به َم َ
َيذْهبُ َمعَها خُشوعُه (صالةٌ قاعداً) كرا ِكبِ سفينةٍ خافَ حنو دورانِ رأسٍ إن قامَ،
وسَلِس ال َيسَْتمْسَك َحدََثهُ إالَّ بالقُعودِ .ويَْنحَين القا ِعدُ للرُّكوعِ حبيث حتاذي جَْبهَُتهُ
ما قُدَّا َم ُركْبَتَيْهِ.
[فرع] :قال شيخنا :جيوزُ ملريضٍ أمْكَنَهُ القيامُ بال مَشقَّةٍ لو اْنفَرَدَ ،ال إن صَلَّى
يف مجاعَةٍ إالَّ مع جُلوسٍ يف َب ْعضِها ،الصَّالةُ َم َعهُم معَ اجلُلوسِ يف َب ْعضِها ،وإن كان
األ ْفضَلُ االنفِرادُ .وكذا إذا قرَأَ الفاِتحَة فقَط مل َيقْعدْ ،أو والسُّورَةَ قَعَد فيها جازَ َلهُ
قراءَهتا مع القُعودِ ،وإن كا َن األ ْفضَلُ تَ ْركَها .انتهى.
َّربعُ ،مث التَّورُّك ،فإن عَجزَ عن الصَّالةِ قاعداً واألفضلُ للقا ِعدِ االفْتِراشُ ،مث الت ُّ
ُقدمِ َبدَنهِ ،ويُ ْكرَهُ على اجلَنْب صلَّى ُمضْ َطجِعاً على جَنْبِهُِ ،مسْتَقبالً لِلقِبلَةِ ِبوَ ْجهِهِ وم َّ
األَْيسَرِ بال ُع ْذرٍَ .ف ُمسْتَ ْلقِياً على َظهْ ِرهِ وأَ ْخمَصاهُ إىل القِبْلَةِ ،وجيبُ أن يضعَ حتتَ
رأسِه حنوَ مِخدَّةٍ ليستقبِل بوَجهِهِ القِبَلةَ ،وأن يُومىء إىل صوْب القبلةِ راكِعاً وساجِداً،
وبالسجودِ أ ْخفَضُ من اإلِمياءِ إىل الرُّكوعِ ،إن َعجَزَ عَْنهُما .فإن َعجَزَ عن اإلِمياءِ
سقُط عنه الصالةُ برأسِهِ َأوْمأَ بأجْفانِهِ .فإن َعجَزَ ،أجْرَى أفعالَ الصَّالةِ على قَلْبِه ،فال َت ْ
َدمِهِ عليهما ألهنما ُركْنانِ حىت ما دامَ َعقْلُهُ ثابتاً .وإمنا أخَّروا القِيامَ عن ساِبقَيْهِ مع تَق ُّ
يف َّالنفْلِ ،وهو رُكْنٌ يف الفَريضَة فقط( .كمُتَنَفِّلٍ) فيجوز له أن ُيصَلّيَ َّالنفْلَ قاعِداً
و ُمضْ َطجِعاً ،مع ال ُق ْدرَةِ على القِيامِ أو القُعودِ .ويَلْ َزمُ ا ُملضْ َطجِع القعود للرُّكوعِ
والسجودِ ،أما ُمسْتَ ْلقِياً فال َيصُحّ مع إمكانِ االضطجاعِ .ويف اجملموع :إطالَةُ القِيامِ
أفضَلُ من تكثريِ الرَّكعاتِ .ويف الروضة :تطويُل السُّجودِ أفضَلُ من تطويل الرُّكوع.
(و) رابعها( :قِراءَ ُة فاِتحَةِ كل َر ْكعَةٍ) يف قيامِها ،خلربِ الشيخني" :ال صال َة لِمَنْ ملْ َيقْ َرأُ
بِفاِتحَةِ الكِتابِ" .أي يف كلِّ َر ْكعَةٍ( .إالَّ َر ْكعَة َمسْبوقٍ) فال َتجِب عليهِ فيها حيثُ مل
سعُ الفَاِتحَةَ من قِيام اإلِمامِ ،ولو يف كلِّ الركعات ِلسَبقِهِ يف األوىل ُي ْدرِكْ َزمَناً يَ َ
وختلُّف املأمومِ عنه بِزَ ْحمَةٍ أو نِسيانٍ أو بُطءِ حَ َركَةٍ ،فلم َي ُقمْ من السُّجودِ يف كلّ مما
َب ْعدَها إالَّ واإلِمامُ را ِكعٍ ،فيتحَمَّلُ اإلِمامُ املُتطَهِّ ُر يف غريِ الرَّكعةِ الزائدَةِ الفاِتحَةَ أو
َبقِيَّتَها عنه .ولو تأخَّرَ َمسْبوقٌ مل َيشَْتغِلْ ِبسُنَّةٍ إلِمتامِ الفاِتحَةِ فلم ُي ْدرِكِ اإلِمامَ إالَّ وهُوَ
سمَلَةِ فإنَّها آيةٌ منها ،ألنهُ قَرأَها ثُمَّ سمَلةٍ) أي مع قراءَةِ البَ ْ ُمعَْتدِلٌ َل َغتْ َر ْكعَتُهُ( .مع َب ْ
شدِيداتٍ) فيها، الفَاِتحَةَ وَعدَّها آيةً منها .وكذا مِن كُلِّ سورَةٍ غريَ بَراءَة( .و) َمعَ (َت ْ
وهيَ أرَْبعُ َعشَرَةٍ ،ألن احلَرْفَ ا ُملشَدَّدَ ِبحَ ْرفَيْنِ.
فإذا خُفِّفَ بَطَلَ مِنها حَرْفٌ( .و) مع (رِعايَةِ حُروفٍ) فيها ،وهي على قِرا َءةِ
مَلِكِ بال ألِفٍ مائةٌ ووا ِحدٌ وأربعون حَرْفاً ،وهي مع تشديداهتا مائةٌ و َخ ْمسَةٌ
وخَمسونَ حَرْفاً( .وخمارِجُها) أي احلُروفَ ،ك َمخْ َرجٍ ضادٍ وغَريها .فلو أبْدَلَ قادِرٌ
19
أو من أمْكَنَهُ َّالتعَلُّم حَرْفاً بآخَرَ ،ولو ضاداً بِظاءٍ ،أو َلحَنَ َلحْناً يُغيِّرُ ا َملعْنَى ،كَ َكسْرِ
َمدَ ذلكَ وعَلِمَ تَحر َميهُ ضمّها ،فإن َتع َّ تاءِ أَْن َع ْمتَ أو ضَمِّها و َكسْرِ كافِ إيَّاكَ ال َ
بَطَُلتْ صَالتُه ،وإالّ فقراءَتُه .نعم .إن أعادَهُ الصَّوابِ قبلَ طُولِ ال َفصْلِ َكمّلَ عَلَيْها.
أما عاجِزٌ مل ُيمْكِنهُ َّالتعَُّلمَ فال تَبْطَلْ قِراءَتُهُ مُطْلقاً ،وكذا الحِنٌ َلحْناً ال ُيغَيِّر ا َملعْىن،
كفَتْحِ دَالِ َنعُْبدُ ،لكنهُ إنْ َت َع ّمدَ حَ ُرمَ ،وإال كُرِهَ.
َو َوَقعَ خالفٌ بني املتقدمني واملتأخرين يف ا َهل ْمدُ هلل باهلَاءِ ويف النُّطْقِ بالقافِ
املُتَرَدِّدَة بينها وبني الكافِ .وجَزمَ شيخنا يف شرحِ املِنهاجِ بالبُطالنِ فيهِما إال إن تَعذَّرَ
عليهِ َّالتعَلُّم قبلَ خروجِ الوَقتِ .لكن جَ َزمَ بالصِّحَّةِ يف الثانيةِ شيخُه زكريا ،ويف األوىل
القاضي وابنُ الرِّفعة .ولو خَفَّفَ قا ِدرٌ أو عاجِزٌ ُمقَصِّرٌ ُمشَدَّداً كأن قَ َرأَ ال رَحْمنِ
ِبفَكِّ اإلِدْغامِ بَ ُطَلتْ صَالتَهُ إن َتعَمَّد وعَِلمَ ،وإال َفقِراءَتُهُ لتلك الكَِلمَةِ .ولو خَفَّفَ
ِلسهْوِ .ولو شَدَّدَ جدَ ل َّالشمْسِ ،وإال َس َ ضوْءُ َّ إياكَ ،عامِداً عالِماً َمعْنَاهَُ ،كفَرَ ألَنَّهُ َ
ْمدُهُ َك َو ْقفَةٍ لَطِيفَةٍ بني السِّنيِ والتَّاءِ من َنسَْتعِني( .و) َمعَ رِعايَةِ ُمخَفَّفاً صَحَّ ،وََيحْ ُرمُ َتع ُّ
(مُواالةٍ) فيها بأن يأيت بِكلِماتِها على الوَالءِ بأن ال َيفْصُلَ بنيَ شيءٍ منها وما َب ْعدَهُ
بأكثَر من سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ أوِ العَيّ( ،فَُيعِيدُ) قِراءَةُ الفاِتحَةِ( ،بَِتخَلُّلِ ِذكْرٍ َأجْنَبِيّ) ال
ح ْمدِ عاطِسٍ وإن سُنَّ فيها يََتعَلَّقُ بالصَّالةِ فيها ،وإن قَلَّ ،كََبعْضِ آيَةٍ من غَيْرِها ،وكَ َ
كخارِجِها إلِشعارِهِ باإلِعراضِ( .ال) يعيدُ الفاِتحَةَ (ب) َتخَلُّل ما له َتعَلُّقٌ بالصَّالةِ،
ك (تأمِنيٍ وسُجودٍ) لتال َوةِ إما ِمهِ معه( ،ودُعاءٍ) من سُؤالِ رَ ْحمَةٍ ،واستعاذَةٍ من
عَذابٍ ،وقولُ :بَلَى وأنا على ذلِكَ من الشَّاهِدينَ (لِقِراءَةِ إما ِمهِ) الفاتِحَةَ أو آَيةَ
السَّجدَةِ ،أو اآليةَ اليت ُيسَنّ فيها ما ذُكِرَ لِكُلَ مِن القارِىءِ والسَّامِع ،مَأموماً أو غريَه،
َمدٍ مل تُْندَب يف صَالةٍ وخارِجِها .فلو قَرأَ ا ُملصَلِّي آيةً أو َس ِمعَ آيةً فيها اسمُ ُمح َّ
الصَّالةُ عليه ،كما أفىت به النووي( .و) ال (ِبفَتْحِ علَيْهِ) أي اإلمامِ إذا َتوَقَّفَ فيها
صدِ القِراءَةِ ،ولو َمعَ الفَتْحِ ،وحملّهُ كما قال شيخنا إن سَ َكتَ ،وإال قَ َطعَ املُواالةَ. ب َق ْ
وتقدميُ حنو سبحانَ اهلل قبلَ الفَتْحِ َيقْ َطعُها على ا َألوْجَهِ ،ألنه حينئذٍ َمبعْنَى تَنَبَّه( .و)
يعيدُ الفاِتحَة بَِتخَلُّلِ (سكُوتٍ طال) فيها حبيثُ زاد على سَكتَةِ االستِراحَةِ (بِال ُعذْرٍ
الذكْر األجْنَبِيّ ،أو السُّكوتُ الطَّويلُ، فيهما) ،من َجهْلٍ و َس ْهوٍ .فلو كان َتخَلُّلُ ِّ
َررَ آيةً منها يف سَهواً أو َجهْالً ،أو كانَ السُّكوتُ لَِتذَكُّر آيةٍ ،مل َيضُرّ ،كما لو ك َّ
َمحَلِّها ولو ِلغَيْرِ عُ ْذرٍ ،أو عادَ إىل ما قَرَأَهُ قَبْ ٌل واسَتمَرَّ ،على ا َألوْجَهِ.
سمَلَ أعادَ كُلَّها سمَلَ ،فأَتَمَّها مث َذكَرَ أنه َب ْ [فرع] :لو شَكَّ يف أثناءِ الفاِتحَةِ هَلْ َب ْ
على ا َألوْجَهِ( .وال أَثَرَ ِلشَكَ يف تَرْكِ حَرْفٍ) فأ ْكثَر من الفاِتحَةِ ،أو آيةٍ فأكثر منها.
(بعد متامِها) أي الفاِتحَةِ ،ألن الظاهِرَ حينئذٍ مضِيُّها تامَّةً( .واستَأْنَفَ) وجوباً إن شَكَّ
فيه (قَبْلَهُ) أي التَّمام .كما لو شَكّ هل قَرأها أو ال؟ ألن األصلَ ع َدمَ قراءَتِها.
وكالفاِتحَةِ يف ذلك سائِرِ األرْكانِ .فلو شك يف أصلٍ السُّجودِ مثالً أتى به ،أو بع َدهُ
ضعِ الَيدِ ،مل يل َزمْهُ شيء .ولو قَرَأها غافِالً َففَطِنَ عِْندَ {صِراطَ َّالذِينَ} ولَمْ يف حنو َو ْ
جبُ التَّرتيبُ يف الفَاتِحَةِ بأن يأيت هبا على نَ ْظمِها يَتََيقَّنْ قراءَتَها لَ ِز َمهُ استِئْنافُها .وَي ِ
َهدِ ما مل ُيخِلّ با َملعْنَى .لكن ُيشْتَرَطُ فيه رِعايةُ تشديداتٍ ومواالةٌ ا َملعْروفِ ال يف التَّش ُّ
كالفاِتحَةِ .ومَنْ جهلَ مجيعَ الفاِتحَةِ ومل ُيمْكِنْهُ َتعَلّمها قبلَ ضِيقِ ال َو ْقتِ ،وال قراءَهتا
صحَفٍ ،لَ ِزمَهُ قرا َءةُ سَْبعُ آياتٍ ولو متفرقةٍ ال ينقض حُروفُها عن حُروفِ يف حنوِ ُم ْ
سمَلَةِ بالتَّشديداتِ مائةٌ وسِتَّةٌ ومخسون حَرْفاً بإثباتِ َألِفِ مالِكِ الفاِتحَةِ ،وهي بالَب ْ
َررَهُ لِيَبُْلغَ َق ْدرَها ،وإن مل َي ْق ِدرْ على َبدَلٍ َفسَْبعَةُ أنواعٍ ولو قدرَ على َبعْضِ الفاِتحَةِ ك َّ
من ِذكْ ٍر كذلكَ ،فوُقوفٌ َب َق ْدرِها.
20
(وسُنّ) وقيل :جيبُ (بعد َتحَرُّم) ِبفَ ْرضٍ أو َنفْلٍ ،ما عدا صالة جَنَازَةٍ( .افتِتاحٌ)
أي دُعاؤهُ سِ ّراً إن َأمِنَ َفوْتَ ال َو ْقتِ وغََلبَ على ظَنِّ املَأمومِ إدْراكُ رُكوعِ اإلمامِ( ،ما
مل ُيشْرِعْ) يف َتعَوُّذٍ أو قراءَةٍ ولو َسهْواً( .أو َيجْلِس مَأمومٌ) مع إمامه ،وإن أَمَّنَ مع
ت ْأمِينِهِ( .وإن خافَ) أي املأمومَُ( ،فوْتَ سُورَةٍ) حيث ُتسَنّ له .كما ذكر شيخنا يف
حقَّقٌ ،وفَواتُ السُّورَةِ َموْهُومٌ ،وقد ال يَقع. شرح العُباب وقال :ألن إدراكَ االفْتِتاحِ ُم َ
َج ْهتُ وَ ْجهِيَ أي ذايت َووَرد فيه أدْعَِيةٌ كثريةٌ .وأفضَلُها ما رواه مسلم ،وهي :و َّ
لَِّلذِي فَطَرَ السَّمواتِ وا َأل ْرضَ حَنيفاً أي مائِالً عن األدْيانِ إىل الدِّينِ احلَقّ ُمسْلِماً،
وما أنا مِنَ ا ُملشْرِكني .إِنَّ صالتِي وُنسُكِي و َمحْيَايَ و َممَاتِي هلل رَبِّ العاَلمِنيَ ،ال
شَرِيكَ له ،وبذلِكَ ُأمِرْتُ ،وأَنا مِنَ ا ُملسِْلمِنيَ .وَُيسَنُّ ِلمَأمُومٍ َيسْ َمعُ قِراءَةَ إما ِمهِ
حصُورينَ غريَ أ ِرقّاءَ وال نِساءٌ مُتَزوّجات اإلِسراعُ به ،ويزيدُ َندْباً املُْنفَرِدُ ،وإمامُ َم ْ
جدُ مَطْرُوقاً.َرضُوا بالتَّطوي ِل َلفْظاً َوَلمْ يَطْرَأ غَيْرُهم ،وإن قَلَّ َحضُورُهُ .ومل يَكُن املَس ِ
اللهُمَّ باعِدْ بَيْنِي وبَيْنَ خَطايايَ كما بَا َعدْتَ بني ا َملشْرِقِ ومنه ما رواهُ الشيخانَّ :
اللهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطايَايَ كما يُنَقَّى َّالثوْبُ األبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ .اللَّهُمَّ وا َملغْرِبَّ .
ا ْغسِلْين مِن خطايايَ كما ُي ْغسَلُ الثَّوْبُ باملاءِ والثَّلْجِ والبَرَدِ )( .ب ْعدَ افتِتاحٍ وتكبريِ
جلهْرِيَّةِ .وإن صالةِ عيدٍ إنْ أَتَى هبما ُيسَنّ (َتعَوُّذٌ) ولو يف صالة اجلَنازَةِ ،سِ ّراً ولو يف ا َ
جَلَسَ مع إمامِهِ (كلَّ َر ْكعَةٍ) ما َلمْ يُشْرِعْ يف قراءَةٍ ولو َسهْواً .وهو يف األوىل آ َكدُ،
ويُكْرَهُ تَ ْر ُكهُ.
جمْعٍ سمَلةِ ،خالفاً ِل َ (و) ُيسَنّ (وقفٌ على رَأسِ كل آيةٍ) حىت على آخِرِ الَب ْ
(منها) أي مِنَ الفاِتحَةِ ،وإن َتعََّل َقتْ مبا َب ْعدَها ،لالتِّباعِ .وا َألوْىل أن ال يقِفَ على
{أَْن َع ْمتَ عَلَْي ِهمْ} ألنَّه ليسَ ِب َوقْفٍ وال مُنْتَهى آيَةٍ عِْندَنا ،فإن َوقَفَ على هذا مل ُتسَنّ
خفِيفِ واملَدِّ .و َحسُنَ بالت ْ
اإلِعادَةُ من أَوَّلِ اآليةِ( .و) ُيسَنّ (تأمِنيٌ) أي قوله :آمنيَّ .
زيادَةُ :رَبّ العاَلمِنيََ ( ،عقِبَها) أي الفاحتة ولو خارج الصالة بعد سَكْتَةٍ لطيفَةِ ،ما مل
جلهْرِيَّةِ ،حىت لِ ْلمَأمومِ ِلقِرَا َءةِ جلهْرُ ِبهِ يف ا َ
يَتَل ََّفظْ بِشيءٍ سِوَى رَبِّ ا ْغفِرْ يل .وُيسَنُّ ا َ
جلهْرِيَّةِ تَأْمنيٌ (مع) تَأمِنيِ (إما ِمهِ إن َس ِمعَ) قِراءَتَهُ، إمامٍ تبعاً له( .و) سُنَّ لِمأمومِ يف ا َ
ِلخَبَرِ الشيخني" :إذا أمَّنَ اإلمامُ أي أرادَ التَّأمني فَأَمِّنُوا .فإنّه مَنْ وافَقَ تَأمِينُهُ تَأمِني
َقدمَ مِنْ ذَنْبِهِ" .وليسَ لنا ما ُيسَنّ فيه َتحَرّي مُقارَنَة اإلمامِ إالّ املالئِكَةِ ُغفِرَ لهُ ما ت َّ
الزمَنِ املَسنونِ فيه هذا .وإذا مل يََّتفِقْ له مواَفقَته أمَّنَ عَ ِقبَ تأمِينِهِ .وإن أخَّرَ إمامُهُ عن َّ
جبْ ،مَبْنِي على الفَتْحِ ،وُيسَكَّنُ التَّأمِنيُ أَمَّنَ املأمُومُ َجهْراً .وآمني اسمُ ِفعْلٍ مبعىن اسَت ِ
عندَ ال َوقْفِ.
جلهْرِيَّة ب َق ْدرِ قراءَةِ املأمومِ الفَاِتحَةَ إن عَلِمَ [فرع]ُ :يسَنُّ لإلِمامِ أن َيسْ ُكتَ يف ا َ
أنه َيقْرَؤها يف سَكْتَةٍ كما هو ظاهِرٌ ،وأن َيشَْتغِلَ يف هذِهِ السَّكْتَةِ ِبدُعاءٍ أو قراءَةٍ،
وهِيَ َأ ْولَى .قال شيخُنا :وحينئذٍ فَيَ ْظهَرُ أنه يُراعِي التَّرْتِيبَ واملُواالةَ بينها وبني ما
َيقْرَؤها وَب ْعدَها..
[فائدة]ُ :يسَنُّ سَكَتَةٌ لَطِيفَةٌ ِب َق ْدرِ سُبْحانَ اللَّهِ ،بني آمني والسُّورَة ،وبنيَ آخِرِها
سمَلَةِ. َرمِ ودُعاءِ االفتِتاحِ وبَيْنَه وبنيَ َّالتعَوُّذِ وبينَهُ وبنيَ الَب ْوتكبريَةِ الرُّكوع ،وبني َّالتح ُّ
(و) سُنَّ آَيةٌ فأكْثَر ،وا َأل ْولَى ثالثٌ (َب ْعدَها) أي َب ْعدَ الفاِتحَةِ .وُيسَنُّ ِلمَنْ قَرَأها من
حصَلُ أصْلُ السُّنَّةِ بتكريرِ سُورَةٍ وا ِحدَةٍ يف سمَلَةِ .نَصَّ عليه الشاِفعِيّ .وَي ْ أثناءِ سُورَةِ الَب ْ
سمَلَةِ ال ِب َقصْدِ أنَّها اليت الر ْكعَتَني ،وبإعادَةِ الفاِتحَةِ إن مل َيحْ َفظْ غَيْرَها ،وبقراءَةِ البَ ْ َّ
هِيَ أوَّل الفَاِتحَةِ ،و ُسوَرةٍ كامِلَةٍ حيث مل يَرِدْ الَبعْضُ ،كما يف التَّراوِيحِ َأ ْفضَلُ مِنْ
قدمَها َبعْضِ َطوِيلةٍ وإن طالَ .ويُكْرَهُ تَ ْركُها رِعايَةً ِلمَنْ َأوْجَبَها .وخَ َرجَ بَِب ْعدِها ما َلوْ َّ
حسَب ،بل يُكْرَهُ ذلك .وينبغي أن ال َيقْرَأ غريَ الفاِتحَةِ مَنْ يَلْحَن فيه َلحْناً عَلَيها فال ُت ْ
21
ُيغَيِّرُ ا َملعْنَى .وإن َعجَزَ عن َّالتعَلُّم ،ألنه يَتَكلَّم مبا لَيْسَ ِبقُرآنٍ بال ضَرُورَة .وتَرْكُ
السُّورَةِ جائِزٌ .و ُمقَْتضَى كَالمُ اإلِمامِ :احلُ ْرمَة.
الر ْكعَتَيْنِ (األَوليَيْنِ) مِن رُباعيَّةٍ أو ثُالثِيَّةٍ وال ُتسَنُّ يف األخِريتَيْن (و) ُتسَنّ (يف) َّ
إالَّ ِل َمسْبُوقٍ بأن مل ُي ْدرِكُ األُولَيَيْنِ مع إمامِه فَيقُ َرؤُها يف باقي صَالتِهِ إذا َتدَا َركَهُ ومل
س ُقطْ عنه لِ َكوْنِهِ َمسْبُوقاً فيما أَ ْد َركَه ،ألن اإلِمامَ إذا يَكُنْ قَرَأها فِيما أَ ْدرَكه ،ما مل َت ْ
َتحَمَّلَ عنهُ الفاِتحَةَ فالسُّورَةَ َأ ْولَى .ويُسَنّ أن يُطَوِّلَ قراءَ َة األوىل على الثانيةِ ،ما مل يَرِدْ
صحَفِ ،وعلى التَّوايل ،ما مل تَكُن اليت نَصٌّ بتطويلِ الثّانِيَةِ .وأن َيقْرَأ على تَرتِيبِ ا ُمل ْ
تَلِيها أَ ْطوَلُ ولو تَعا َرضَ التَّرتِيبُ ،وتَطويلُ األوىل كأَنْ قَرَأَ اإلِخالصَ ،فهل َيقْرَأُ الفَلَقَ
نَظَراً لِلتَّرْتِيبِ؟ أو ال َكوْثَرِ نَظراً لِتَطويلِ األوىل؟ كلٌّ ُمحَْتمَلٌ ،واألقْرَبُ األوَّل .قاله
شيخنا يف شرح املنهاج .وإمنا تُسَنُّ قِراءَةُ اآلَيةِ (ل) إلِما ِم ومُنْفردٍ و (غريِ مأمومَ َس ِمعَ)
س َمعْها ،أو َس ِمعَ صَوتاً قراءَةَ إمامِهِ يف اجلَهْرِيَّةِ فتُكْرَه له .وقيلَ :تحْرُم .أما مأموم مل َي ْ
ال ُيمَيِّز حُروفَهُ ،فََيقْرَأْ سِ ّراً .لكن ُيسَنّ له كما يف أولَييِ السِّرِّيَّةِ تأخريُ فاِتحَتِهِ عن
فاِتحَةِ إمامِهِ إن ظَنَّ إ ْدرَاكَها قبلَ رُكوعِهِ ،وحينئذٍ يشتَغِل بالدُّعاءِ ال القِراءَةِ .وقال
الر ْفعَةِ :يُكْرَهُ الشُّروعُ فيها قبله ولو يف السرقة ،للخالفِ يف املَُت َولّي ،وأقرَّهُ ابنُ ِّ
االعتِدادِ هبا حينئذٍ ،وِلجَرَيا ِن َقوْ ٍل بالبُطْالنِ إن فَرَغَ مِنها قَبْلَه.
شهُّدِ األوَّلِ [فرع]ُ :يسَنُّ لِمأمومٍ فَرَغَ من الفَاِتحَةِ يف الثّالِثَةِ أو الرّاِبعَةِ ،أو مِنَ َّالت َ
قَبْلَ اإلِمامِ ،أن َيشَْتغِلَ ِبدُعاءٍ فيهما ،أو قِراءَةٍ يف األُوىل وهي َأ ْولَى( .و) ُيسَنُّ للحاضِرِ
جل ُمعَةِ واملُنافِقون أو سَبِّحْ وهَلْ أَتَاكَ و) يف (يف) صَالتِه ( ُج ُم َعةٍ وعِشائِها) سُورَة (ا ُ
جدَةِ (وَهَلْ أَتَى .و) يف الس ْ
سعَ ال َو ْقتُ (آمل َتنْزِيل) َّ (صُْبحِها) أي اجلمعة إذا َّات َ
َمغْرِبِها (الكافِرونَ وَاإلِخْالص) .وُيسَنُّ قراءَُتهُما يف صُبْحِ اجلمعة وغريها للمُسافِرِ،
ويف َر ْكعَتَيْ ال َفجْرِ وا َملغْرِبِ والطَّوافِ وا َّلتحِيَّةِ واالستِخارَةِ واإلِحْرامِ ،لالتِّباعِ يف
الكُلِّ.
[فرع] :لو تَرَكَ إِ ْحدَى ا ُملعَيَّنَتَيْنِ يف األُوىل أتى هبما يف الثانية ،أو قَرَأَ يف األُوىل ما
يف الثانية قَرَأَ فيها ما يف األُوىل .ولو شَرَعَ يف غريِ السُّورَةِ ا ُملعَيَّنة ،ولو َسهْواً ،قَ َطعَها
وقرأ ا ُملعَيَّنَة َندْباً .وعندَ ضِيقِ َو ْقتٍ :سورتان قصريتان أفضلُ من َبعْضِ الطويلتني
ا ُملعَيَّنَتَني ،خالفاً للفارقي .ولو مل َيحْفَظ إال إحدَى ا ُملعَيَّنتني قرأها ويُْبدِل االخرَى
جلمُعةِ مثالً ،وسَ ِمعَ قراءَةَ ِبسُورَةٍ َحفِظَها وإن فاتَهُ الوَالءُ .ولو اقَْتدَى يف ثانيةِ صُبْحِ ا ُ
اإلمامِ {هَلْ أَتَى} فيقْرَأ يف ثانِيَتِهِ إذا قامَ بعدَ سالمِ اإلمامِ امل تنزيل .كما أفىت به
الكمالُ الرّدادُ وتَِبعَهُ شيخنا يف فتاويه .لكن قضية كالمِهِ يف شرحِ املِنْهاجِ أنه َيقْرَأ يف
ثانيته إذا قامَ هَلْ أتَى ،وإذا قَرَأَ اإلِمامُ غريَها قرأهُما املأمومُ يف ثانيته .وإن أدرَكَ اإلِمامَ
جدَةَ وهل أَتَى يف ثانيته .كما أفىت به يف رُكوعِ الثانيةِ فكما لو مل َيقْرَأْ شيئاً فيقْرَأُ السَّ ْ
شيخنا.
جلهْرُ بالقِراءَةِ لغريِ مَأمومِ يف صُبْحِ وأُولَييْ ال ِعشَاءَيْنِ و ُج ُمعَةٍ وفيما [تنبيه]ُ :يسَنُّ ا َ
الشمْسِ وطُلوعِها ،ويف العِيدَيْن قال شيخنا :ولو َقضَاءً والتراويح َي ْقضِي بني غُروبِ َّ
جهَرُ ُمصَلَ ِلنهْي عنه .وال َي ْ جلهْرُ ،ل َّ
ووترِ رمَضانِ وخُسوفِ ال َقمَرِ .ويُكْرَهُ للمأمومِ ا َ
ضهُمُ حثَ َب ْع ُ وغريه إن شَوَّشَ على حنو ناِئمٍ أو مُصَلَ ،فَيُكْرَه .كما يف اجملموع .وَب َ
جلهُرِ ِبقُرآنٍ أو غريِهِ حبضْرَةِ ا ُملصَلِّي مُطُلَقاً ،ألن املسجدَ َوقْفٌ على ا ُملصَلِّني املَْنعَ مِنَ ا َ
جلهْرِ واإلِسْرارِ يف النَّوافِلِ املُطَْلقَةِ لَيْالً َتوسطُ بنيَ ا َ أي أصالَةً دون الوُعَّاظِ والقُراءِ ،وي َّ
(و) سُنَّ ِلمُْنفَرِدٍ وإمامٍ ومَأمومٍ (تكبريٌ يف كُلِّ َخفْضٍ ور ْفعٍ) لالتِّباع( ،ال) يف َرفْعٍ
(من رُكوعٍ) ،بل يَ ْرَفعْ منه قائالًَ :س ِمعَ اللّهُ ِلمَنْ َح ِمدَهُ( ،و) سُنَّ ( َمدّه) أي التَّكبري
إىل أن َيصِلَ إىل املُنْتَقلِ إليه ،وإن َفصَل ِبجَ ْلسَةِ االستِرا َحةِ( .و) سُنَّ ( َجهْرٌ بهِ) أي
22
وُيسَنُّ فتحُ عينيهِ حالَةَ السّجودِ كما قاله ابن عبد السالم ،وأقرَّهُ الزركشي.
ويُكْرَهُ خمالفَةُ الترتيبِ املذكورِ وعَدَمُ وضعِ األنفِ( ،وقولُ :سبحانَ ربّيَ األعلى
جدْتُ ،وبِكَ ح ْمدِه ثالثاً) يف السجودِ لالتّباع .ويزيد مَنْ مَرّ نَدباً :اللهمَّ لك َس َ وِب َ
ح ْولِهِ َورَهُ وشَقَّ َس ْمعَهُ وَبصَرَهُ ِب َ
جدَ وَ ْجهِي لَِّلذِي خََلقَهُ وص َّ آمْنتُ ،ولكَ أسَلمْتَُ .س َ
وقُوَّتِهِ ،تبارَ َك اللّهُ أحسَنُ اخلَاِلقِنيَ.
وُيسَنّ إكثارُ الدُّعاءِ فيه .ومما وَرَدَ فيه :اللهُمَّ إين أعوذُ بِرِضاكَ مِنْ َسخَطِك،
وِبمُعافاتِكَ مِنْ عُقوبَتِك .وأعوذُ بِكَ مِنْكَ ،ال أُ ْحصِي ثناءً عليكَ أنتَ كما أثْنَيْتَ
وأولَه وآخِرَه ،وعالنِيَتِه وسِرَّه .قال على نفسِكَ اللهمَّ ا ْغفِرْ يل ذَنْيب كُلَّه ِدقَّهُ وجِلَّهَّ ،
يف الروضة :تطوي ُل السجودِ أفضلُ من تطويلِ الرّكوع.
(و) ثامِنُها( :جلوسٌ بيَنهُما) أي السَّجدتَيْن ،ولو يف َنفْلٍ على ا ُملعََت َمدِ .وجيبُ أن
سعِ َعقْرَبٍ أعادَ السُّجودَ .وال َيضُرّ صدَ بر ْفعِهِ غريِه ،فلو َرَفعَ فَزِعاً من حنو لَ ْ ال َي ْق ُ
إدامَةُ َوضْع يديه على األرضِ إىل السجدَةِ الثانيةِ اتّفاقاً ،خالفاً ِلمَن وَهَم فيه( .وال
صريَيْن. يُطَوِّله ،وال اعتِداالً) ألهنما غري مقصُودَين لذاتِهما بل شُرِعا لِل َفصْلِ ،فكانا َق ِ
فإن طَوَّلَ أحدَهُما فوقَ ِذكْرِهِ ا َملشْروع فيه َقدْرَ الفاِتحَةِ يف االعتِدالِ أقلَّ التش ّهدُ يف
اجلُلوسِ عامِداً عالِماً بَطَلتْ صالتُه.
سةِ استِرا َحةٍ، (تشهدٍ أوَّل) وجَ ْل َ
ُّ (وسُنَّ فيه) اجللوسُ بني السجدتني( ،و) يف
تشهدٍ أخريٍ إن َتعَقَّبَه سجودُ َس ْهوٍ( .افتراشٌ) بأن َيجْلُسَ على كَ ْعبِ يُسراهُ وكذا يف ُّ
حبيثُ يلي َظهْرُها األرضَ( ،واضِعاً كفَّيْه) على فَخذَيْه قريباً من ُركْبَتَيه حبيث
تسامُتهُما رُؤوسُ األصابعِ ،ناشِراً أصاِبعَه( ،قائالً :ربِّ ا ْغفِرْ يل ،إىل آخره) تتمَّته:
وارْ َحمْين ،واجْبُرْين ،وا ْرَفعْين ،وارْ ُزقْين ،وا ْهدِين ،وعافِين .لالتباع .ويكرر :ا ْغفِرْ يل،
ثالثاً( .و) سُنَّ (جَلسَةُ استِراحَةٍ) ِب َق ْدرِ اجللوسِ بني السجدتني لالتباع ،ولو يف َنفْلِ،
وإن تَ َركَها اإلِمامُ خالفاً لشيخنا (لقيامٍ) أي ألجلِهِ ،عن سجودٍ لغريِ تالوَةٍ .وُيسَنُّ
اعتمادٌ على بَطْنِ كَفَّيْه يف قيامٍ من سجودٍ وقعودٍ.
(و) تا ِسعُهاُ ( :طمَأنِينَةٌ يف كُلّ) من الرُّكوعِ والسُّجودَيْنِ ،واجلُلوسُ بيَنهُما،
واالعتِدالُ ،ولو كانا يف َنفْلٍ ،خالفاً لألنوارِ .وضَابِطُها أن تسَتقِرّ أعضاوهُ حبيثُ
ينفصِ ُل ما انَتقَلَ إليه َعمّا انتقَلَ عَنْه.
َهدٌ أخريٌ ،وأقَلَّه) ما رواه الشافعي والتّرِمذيّ( :التيحاتُ هلل إىل (و) عاشِرُهاَ( :تش ُّ
آخره) تتمته :سالمٌ عليكَ أيّها النيبُّ ورمحةُ اللّهِ وبَرَكاتُه ،سالمٌ علينا وعلى عِبادِ الّلهِ
الصَّالِحني ،أش َهدُ أن ال إلهَ إالَّ اهلل وأنَّ َحممّداً رسولُ اهلل .وُيسَنُّ لِكُلِّ زيا َدةٍ:
ضعَيْن ،ال املُبارَكاتُ الصلوات الطَّيِّباتُ ،وأش ِهدُ الثَّانِي ،وتعريفُ السَّالمِ يف املَ ْو ِ
سمَلَة قَبْلَه ،وال يَجوزُ إبدالُ َل ْفظٍ من هذا األقَلّ ولو ِبمُرادفه ،كالنيبِّ بالرّسولِ البَ ْ
وعكسه ،وحممد بأمحد وغريه ،ويكفي :وأن حممداً عبدُهُ ورسولُه ،ال وأنّ حممداً
رَسولُه .وجيبُ أن يراعي هنا التشديدات ،وعدمَ إبدالِ حَرفٍ بآخَر ،واملُواالةَ ال
التَّرتيبَ إن مل ُيخِلّ با َملعْىن .فلو أ ْظهَرَ النُّونَ ا ُملدْ َغمَة يف الالمِ يف أن ال إلهَ إالَّ اهلل أبطَلَ
َمدٍ يف راءِ رَسولِ اهلل .وجيوزُ يف النيبّ لِتَ ْركِهِ شَدَّةً منه ،كما لو تَرَكَ إدغامَ دالِ ُمح َّ
اهلمزَةُ والتَّشديدُ.
تشهدٍ أخريٍ ،فال تُجزىء (و) حادي عشرها( :صالةٌ على النيبّ) (َب ْعدَهُ) أي بعدَ ُّ
بالتعْظيمِ ،أو صلّى اهلل (على قَبْلَه( .وأقلّها :اللهمَّ صلِّ) أي ارحَمْهُ رَ ْحمَةً َمقْرونَةً َّ
َمدٍ) ،أو على رسولِهِ ،أو على النيبِّ ،دون أمحد. ُمح َّ
جبُ( .صالةٌ على آلِهِ) فيحصَل أقلُّ الصالةِ تشهدٍ (أخريٍ) وقيلَ :ي ِ (وسُنّ يف) ُّ
على اآللِ بزيا َدةِ وآلِهِ ،مع أقَلِّ الصَّالةِ ال يف األوَّل على األصَحّ ،لِبنائِهِ على التَّخفِيفِ،
25
صحّةِ وألن فيها َنقْلُ رُكْنٍ َق ْولِيّ على َقوْلٍ ،وهو مُبْطِلٌ على َقوْلٍ .واختريَ مقابُِلهُ ِل ِ
أحاديث فيه( .وُيسَنّ أ ْكمَلُها يف تَشَهُّدٍ) أخري ،وهو :اللهمَّ صلِّ على مُح ّمدٍ وعلى آلِ
ح ّمدٍ ،كما صَلَّْيتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ ،وبارِكْ على حم ّمدٍ وعلى آلِ ُم َ
َدمَ حممدٍ ،كما با َركْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ ،إنك حَميدٌ مَجيدٌ .والسَّالمُ َتق َّ
َمدٍ( .و) سُنَّ سيدِنا قبلَ مُح َّ
َهدِ فليسَ هنا إفرادُ الصالةَ عنهُ ،وال بأسَ بِزيادَةِ ِّ التش ُّ
يف َّ
َهدٍ أخريٍ (دعاء) بعد ما ُذكِرَ كله. يف َتش ُّ
وأما التشهدُ األوَّلُ فيكرَهُ فيه الدُّعاءُ لبنائِهِ على التخفيفِ ،إالَّ إن فَرَغ قبلَ إمامِه
فيدعو حينئذٍ .ومأثورُهُ أفضلُ ،وآ َكدُهُ ما أوجَبَهُ بعضُ العلماءِ ،وهو :اللهمَّ إين أعوذُ
بك مِنْ عذابِ القربِ ،ومن عذابِ النارِ ،ومِن فِتْنَةِ ا َملحْيَا وا َملمَاتِ ،ومِنْ فِتْنَةِ املَسيح
َد ْمتُ وما أخَّرْتُ ،وما أسْ َررْتُ وما الدَّجّال .ويُكرهُ تَ ْركُه .ومنه :اللهمَّ اغفِرْ يل ما ق َّ
َدمُ وأنت ا ُملؤَخِّرُ ،ال إلهَ إالَّ أعْلَْنتُ ،وما أسْرَفتُ ،وما أنتَ أعَْلمُ به مين .أنعت املُق ِّ
أنتَ .روامها مسلم .ومنه أيضاً :اللهمَّ إين ظََل ْمتُ نفسي ظُلْماً كبرياً كثرياً وال َي ْغفِرُ
الذُّنوبَ إالَّ أنتَ ،فا ْغفِرْ يل َم ْغفِرَةً من عِْندِك ،إنَّكَ أنتَ الغَفُورُ الرَّحيمُ .رواه
البخاري .وُيسَنُّ أن يَْنقُصَ دعاءُ اإلِمامِ عن قدرِ أقلِ التشهُّدِ ،والصالةِ على النيب .قال
شيخنا :تُكْرَ ُه الصالةُ على النيب بعد أدْعِيَةِ َّالتشَهُّد.
للتشهدِ والصَّالةِ ،وكذا للسالمِ( .وسُنَّ تَوَرُّكٌ (و) ثاين عشرها( :قعودٌ هلما) أي ُّ
َّشهدِ األخريِ ،وهو ما َي ْعقِبُهُ سالمٌ .فال يَتَورَّكْ مسبوقٌ يف تشهد فيه) أي يف قُعودِ الت ُّ
سجُد ِلسَ ْهوٍ .وهو كاالفتِراشِ ،لكن ُيخْرِج ُيسْراهُ من ج َهةِ إمامِهِ األخري ،وال من َي ْ
َهدَيْه على طرَفِ ُركْبَتَيْهِ) يُمناهُ ويُ ْلصِق وركَهُ باألرضِ( .ووضعُ يديهِ يف) قعودِ (َتش ُّ
ضمَ هلا( ،وقابضاً) أصابِعَ حبيثُ تسامِتُهُ رؤوسُ األصاِبعِ( ،ناشراً أصاِبعَ يُسراهُ) مع َ
(يُمناهُ إالَّ ا ُملسَِّبحَة) بكسر الباء ،وهي اليت تلي اإلِهبام فيُرْسِلها( .و) سُنَّ ( َر ْفعُها)
أي ا ُملسَِّبحَة مع إمالَتِها قليالً (عند) هَمْزَةِ (إالَّ اهلل) لالتِّباعِ( .وإدامَتُه) أي الرفع .فال
ضعَ ضعْها بل تبقى مرفوعَةً إىل القِيامِ أو السالمِ ،واألفضَلُ قبضُ اإلِهبامِ ِبجَنْبِها ،بأن َي َ َي َ
رأسَ اإلِهبامِ عند أ ْسفَلِها على حَرْفِ الراحَةِ ،كعاِقدِ ثالثةٍ ومخسني .ولو َوضَعَ الُيمْىن
الركْبَةِ يُشريُ بسبّابَتِها حينئذٍ ،وال ُيسَنُّ َر ْفعُها خارجَ الصَّالةِ عند إالَّ اهلل. على غريِ ُّ
حوِ ُكمَ، (و) سُنَّ (نَظرٌ إليها) أي َقصْرُ النَّظَرِ إىل ا ُملسَِّبحَةِ حال َر ْفعِها ،ولو مَستورةً بَِن ْ
كما قال شيخنا( .و) ثالث عشرها :تسليمةٌ أُوىل( ،وأقلُّها :السالمُ علي ُكمْ) لالتِّباع،
ويكرَهُ علي ُكمُ السَّالمُ ،وال ُيجْزِىءُ سَالمٌ علَيْ ُكمْ بالتَّنْكريِ وال سَالمُ اللّهِ أو سَالمِي
َمدَ وَعَِلمَ .كما يف شرح اإلِرشادِ لشيخنا( .وسُنَّ) علي ُكمْ .بل تَبطُلُ الصَّالةُ إن َتع َّ
تسلِيمَةٌ (ثانية) وإن تَ َركَها إمامُه ،وَتحْ ُرمُ إن عَ َرضَ بعد األوىل مُنافٍَ ،كحَدثٍ
ج َوقْتِ جُ ُمعَةٍ ووجودِ عارٍ سَتْرَةً( .و) ُيسَنُّ أن يقرِنَ كالًّ من التسليمتني وخرو ِ
(بِرَ ْحمَةِ اهلل) أي معها ،دون :وَبَركاتِهِ ،على املنقولِ يف غري اجلنازَةِ .لكن اختريَ َندْبُها
لِثُبوتِها من عِدَّةِ طُرُقٍ( .و) مع (التفاتٍ فيهما) حىت يَرَى خَدَّهُ األميَنَ يف األوىل
واألْيسَرَ يف الثانِيَة.
[تنبيه]ُ :يسَنُّ لكل من اإلِمامِ واملَأمومِ واملُنْفرِدِ أن ين ِويَ السَّالمَ على من الَتفَتَ
هو إليهِ مِمَّنْ عن ميينِه بالتسليمَةِ األوىل ،وعن يسارِهِ بالتسليمَة الثانية ،من مَالئِ َكةٍ
ومؤمِين إنسٍ وجِنَ ،وبأيَّتهِما شاءَ على من خَلْفَهُ وأمامَهُ وباألوىل أفضَلُ .وللمأمومِ أن
ين ِويَ الرَّدَّ على اإلِمامِ بأيّ سالمَيْهِ شاءَ إن كان خَ ْلفَه ،وبالثانيةِ إن كان عن ميينِهِ،
وباألوىل إن كان عن يسارِهِ .وُيسَنُّ أن ين ِويَ بعضُ املأمومني الرَّدَّ على بعضٍ ،فينوِيهِ
مَنْ على مينيِ ا ُملسَلِّم بالتسليمَةِ الثانيةِ ومَنْ على يسارِهِ باألوىل ،ومَن خل َفهُ وأما َمهُ
بأيَّتِهما شاء ،وباألوىل َأوْىل.
26
[فروع]ُ :يسَنُّ نيةُ اخلُروجِ من الصالةِ بالتسلِيمَةِ األوىل خُروجاً من اخلِالفِ يف
وُجوبِها ،وأن ُيدْ ِرجَ السالمَ ،وأن يبتدِئَةُ مستقبِالً بوجْهِهِ القِبْلَة ،وأن ينهِيَهُ مع متامِ
يسلمَ املأمومُ بعد تسليمَتَي اإلِمام( .و) رابع عشرها( :ترتيبٌ بني االلتفاتِ ،وأن ِّ
َمدَ اإلخاللَ بالترتيبِ بتقدميِ رُكنٍ فِعْلِيّ ،كأن َقدمَةَ كما ُذكِرَ .فإنْ تَع َّ أركاهنا) املُت ِّ
جدَ قبل الرُّكوعِ ،بَطََلتْ صَالتُه .أما تقدميُ الرُّكنِ القويل فال يضرّ إال السالمِ. َس َ
والترتيبُ بني السُّنَنِ كالسورَةِ بعد الفاِتحَةِ ،والدُّعاءِ بعد التشهد والصالةِ ،شرط
جدَ قبل لالعتدا ِد بسنِّيَّتِها( ،ولو سَها غريُ مأمومٍ) يف الترتيبِ (بتركِ ُركْنٍ) كأن َس َ
الرُّكوعِ ،أو َر َكعَ قبل الفاِتحَة ،لغا ما فعَلَهُ حىت يأتِيَ باملَتْروكِ .فإن تَذكَّرَ قبلَ بلوغِ
مثله أتى به ،وإالَّ فسَيَأيت بيانُهُ( .أو شَكَّ) هو أي غريُ املأمومِ يف ُركْنٍ هل َفعَلَ أم
ال ،كأن شَكَّ راكِعاً هل قَرَأَ الفَاِتحَةَ ،أو ساجِداً هل َركَعَ أو اعَتدَلَ( ،أتى به) َفوْراً
وُجوباً( إن كانَ) الشَّكُّ (قبل ِفعْلِه مِثْلَه) أي مثلَ املَشْكُوكِ فيه من َر ْكعَةٍ أُخرى
(وإال) أي وإن مل يتذكر حىت فعل مثله يف ركعة أخرى (أجْزََأهُ) عن مَتروكِهِ ،ولغا ما
َوزَ أنه النِّيَّةَ أوبينهما .هذا كله إن عَِلمَ عَيْنَ املَتْرُوكِ و َمحَلَّه ،فإن َجهَلَ عَيْنَهُ وج َّ
تَكِْبريَةَ اإلِحْرامِ بطلت صالتُهُ .ومل يُشتَرطْ هنا طُولُ فَصْلٍ وال مضِيّ ُركْنٍ ،أو أنه
السالمُ يُسلِّم ،وإن طال ال َفصْلُ على ا َألوْجَهِ .أو أنه غَيْرَهُما أخذَ باألسوأ وبَنَى على
ما َفعَلَه( ،وتدارَكَ) الباقي مِن صالتِهِ .نعم ،إن مل يَكُن املِثْلُ من الصَّالةِ كسُجودِ
تِالوَةٍ مل ُيجْزِئْه .أما مأمومٌ عَِلمَ أو شَكَّ قبلَ رُكوعِهِ وبعدَ رُكوعِ إمامِهِ أنه تَرَكَ
سعَى خَ ْلفَهُ ،وبعد ركوعِهِما مل َي ُعدْ إىل القِيامِ ِلقِراءَتِهِ الفاِتحَة بل الفاِتحَةَ فيقرَؤها وَي ْ
يَتْبَع إمامَه وُيصَلِّي َر ْكعَ ًة بعد سالمِ اإلِمامِ.
[فرع]( :سُنَّ دُخولُ صالةٍ بِنَشاطٍ) ألنه تعاىل ذَمَّ تارِكيهِ بقوله{ :وإِذا قَامِوا إىل
الصَّالةِ قَامُوا كُسَالَى} وال َكسَلُ :الفُتورُ والتَّواين( .وفراغِ قَ ْلبٍ) من الشواغِلِ ألنه
ع بقلْبِهِ) بأن ال أقرَب إىل اخلُشوعِ( .و) سُنَّ (فيها) أي يف صَالِتهِ كلها( ،خُشو ٌ
حضِرَ فيه غريَ ما هو فيه وإن َتعَلَّقَ باآلخِرَةِ( .وجبوارِحِه) بأن ال َيعَْبثَ بأ َحدِها، ُي ْ
وذلك لِثَناءِ اهلل تعاىل يف كتابِهِ العزيز على فاعِلَيه بقولِهَِ{ :قدْ َأفْلَحَ ا ُمل ْؤمِنونَ َّالذِينَ ُهمْ
يف صَالِت ِهمْ خَاشِعونَ} والنْتِفاءِ ثَوابِ الصَّالةِ بانْتِفائِهِ كما دََّلتْ عليه األحاديثُ
الصَّحيحَةُ .وألنَّ لنا وَجْهاً اختارَهُ َج ْمعٌ أنَّهُ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ .ومما ُيحْصِّل اخلُشوع
اسْتِحضارُهُ أنَّه بني َي َديْ مَلَكِ املُلوكِ الذي َيعَْلمُ السِّرَّ وأَ ْخفَى .يُناجِيهِ ،وأنك رمبا
َق رُبوبِيَّتِ ِه فَرَدَّ علي ِه صَالتَه.
َتجَلّى عليه بال َقهْرِ ِل َع َدمِ القِيامِ ِبح ِّ
وقال سِيدي القُ ْطبُ العارِفُ باهلل حممد البك ِريّ رضي اهلل عنه :إن مما يُورِثُ
ع إطالَةُ الرُّكوعِ والسُّجودِ (وَتَدبُّرُ قراءَةٍ) أي تَأَمُّل معانِيها .قال تعاىلَ{ :أفَال اخلُشو َ
يَتَدبَّرُو َن القُرْآنَ} وألن به يَ ْكمَلُ َمقْصود اخلُشوعِ( .و) َتدَبُّر ( ِذكْرٍ) قياساً على
القراءَةِ( ،و) سُنَّ (إدامَةُ نَظَرٍ َمحَلّ سُجودِهِ) ألن ذلك أقرَب إىل اخلُشوعِ ،ولو
أعْمىً ،وإن كانَ عِْندَ ال َكعْبَةِ أو يف الظُّ ْلمَةِ ،أو يف صَالةِ اجلَنازَةِ .نعم ،السُّنَّةُ أن َي ْقصِرَ
نَظَرَهُ على ُمسَِّبحَِتهِ عندَ َر ْفعِها يف التشُّهدِ ِلخَبَرٍ صحيحٍ فيه ،وال يُكْرَهُ َت ْغمِيضُ عَيْنَيْه
ف ضَرراً. إن مل َيخَ ْ
الذكَرَ وغريَهُ تَرْكُ شيءٍ مِن سُنَنِ الصَّالةِ .قال شيخنا: [فائدة] :يُكْ َرهُ لِل ُمصَلِّي َّ
ف يف الوُجوبِ. خصِيصُهُ مبا َورَ َد فيه َنهْيٌ أو خِال ٌ ويف عُمومِهِ نظر .والَّذي يََّتجِهُ َت ْ
ِراً َعقِبَها) أي الصَّالةِ .أي ُيسَنُّ اإلِسرارُ هبما ِلمُْنفَرِدٍ (و) سُنَّ ( ِذكْرٌ ودُعاءٌ س َّ
ومأمومٍ وإمامٍ مل يُرِدْ َتعْلِيمَ احلاضِرِينَ وال تَ ْأمِيَن ُهمْ لِدُعائِهِ ِبسَماعِهَِ .و َورَد فيهما
أحاديثٌ كثريَةٌ َذكَرْتُ ُجمْلَةً منها يف كتايب إرْشادُ العبادِ فاطلُبْه فإنه ُمهِمٌّ .وَرَوى
ي عن أيب أُمامَةَ قال" :قيل لِرَسولِ اهلل :أَيُّ الدُّعاءِ أ ْسمَع؟ أي أقْرَب إىل التّرمِ ِذ ّ
27
اإلِجابَةِ؟ قال :جَوْفُ اللَّيْلِ ،ودُبر الصَّلواتِ املَكْتوباتِ" .وروى الشيخانِ عن أيب
مُوسَى قال" :كُنَّا مع النَّيبِّ فَكُنا إذا أشْ َرفْنا على وادٍ هَلَّلْنا وكَبَّرُنا وارَتفَ َعتْ أصْواتُنا،
فقالَ النَّيب :يأيُّها الناسُ ارْبَعوا على أْن ُفسِ ُكمْ فإنَّكُم ال َتدْعونَ َأصَمَّ وال غائِباً ،إنه
بالذكْرِ والدُّعاءِ .وقال الشَّافعيّ حَكِيمٌ سَمي ٌع قريبٌ" .احتَجَّ به البَْي َهقِ ّي وغريُهُ لإلِسْرارِ ِّ
خفِيَا يف األم :أختارُ لإلِمامِ واملَأمومِ أن َي ْذكُرَا اهلل تعاىل بعدَ السالمِ مِنَ الصَّالةِ ،وُي ْ
ُعلمَ منه مث جهَر حَتّى يَرَى أنه قد ت ِّ الذكْرَ ،إالَّ أن يكونَ إماماً يُريدُ أن يَُتعَلَّم منه في ْ ِّ
جهَرْ ِبصَالتِكَ وال تُخاِفتْ بِها} يعين واهلل أعلم ُيسِرّ ،فإن اهلل تعاىل يقول{ :وال َت ْ
سمِع نَ ْفسَكَ .انتهى. سمِع غَيْرَكَ ،وال تُخاِفتْ حَتَّى ال ُت ْ الدُّعاء ،وال جتهَرْ حَتَّى ُت ْ
حصَلُ تَشويشٌ جدِ حبَْيثُ َي ْ سِ جلهْرِ ِبهِما يف ا َمل ْ
[فائدة] :قال شيخنا :أما املُبالَغةُ يف ا َ
على ُمصَلَ فينبغي حُ ْرمَتُها. .
[فروع]ُ :يسَنُّ افتتاحُ الدُّعاءِ باحلَ ْمدِ للّهِ والصَّالة على النيب ،واخلَْتمُ هبِما وبآمني.
وتأمِنيُ مَأمومٍ َس ِمعَ دُعاءِ اإلِمامِ ،وإن َح َفظَ ذَلكَ .و َر ْفعُ َيدَيْ ِه الطّاهِرَتَيْنِ َح ْذوَ مَنْكِبَيْه،
الذكْرِ أو الدُّعاءِ ،إن كان مُنْفَرِداً أو و َمسْحُ الوَجْهِ هبما بعده .واستقبالُ القِبْلَةِ حالَةَ ِّ
مَأموماً .أما اإلِمامُ إذا تَرَكَ القِيامَ مِنْ ُمصَالَّهُ الَّذي هو أفضَلُ له فاألفضل َجعْلُ مييِنهِ
إىل املَأمومِني ويسارِه إىل القِبْلَةِ .قال شيخنا :ولو يف الدُّعاءِ .وانصرافُهُ ال ينايف َندْبُ
الذكْرِ له َعقِبَها ألنه يأيت به يف حملِّهِ الذي يَْنصَرِفُ إليه ،وال يَفوتُ بفعْلِ الرَّاتِبَةِ ،وإمنا ِّ
الذكْرِ وإن َجهَلَ معناه، الفائتُ به كمالُه ال غريُه .وقضيةُ كال ِمهِم حصولُ ثوابُ ِّ
للتعَُّبدِ بَِلفْ ِظهِ فأُثيبَ قَارِئُهُ وإن مل َيعْرِفْ ونَظَرَ فيه األسَن ِويّ .وال يأيت هذا يف القُرآنِ َّ
الذكْرِ ال بدَّ أن َيعْ ِرفَهُ وَلوْ ِبوَجْهٍ .انتهى. ف ِّ َمعْناهُ ،خبال ِ
ضعُ حيث لَمْ ش َهدَ لَهُ ا َمل ْو ِ
ضعِ صالتِهِ لَِي ْ ويُْندَبُ أن يَنَْتقِلَ ِلفَ ْرضٍ أو َنفْلٍ مِنْ مَو ِ
والنفْلُ ِلغَيْرِ حوَ صَفَ أَوَّلٍ ،فإن مل يَنتَقِ ْل َفصَلَ بكالمِ إنسانٍَّ . تُعا ِرضْهُ َفضِيلَةٌَ ،ن ْ
ج ُمعَةِ ،أو ما ف يف بيتِهِ أفضَلُ إن أَمِنَ َفوْتَه ،أو تَهاوُناً به ،إال يف نافِلَةِ املُبكرِ لِل ُ ا ُملعْتَكِ ِ
جدِ كالضُّحى ،وأن يكونَ انِتقَالُ املأمومِ بعدَ انتقالِ سُنَّ فيه اجلماعَةُ ،أو َورَدَ يف ا َملسْ ِ
حوُ جِدارٍ) أو عَمودٍ من كلّ شاخِصٍ طولُ ارتفاعِهِ إمامِهِ( .وُندِبَ) ِل ُمصَلَ (َتوَجُّهٌ لَِن ْ
ثُلُثا ذِراعٍ فأكْثَر .وما بينه وبني َعقِب املُصلِّي ثالثة أَ ْذرُع فأقَلّ ،مث إن َعجِزَ عنه (ف)
سطُ ُمصَلًّى) كَسجّادَةٍ ،مث جدْهُ ُندِبَ (َب ْ حوِ (عَصاً َمغْرُوزَة) َكمَتاعٍ( ،ف) إن مل َي ِ لَِن ْ
إن َعجِ َز عنه خَطَّ أمامَهُ خَطاً يف ثالَثةِ أ ْذرُعٍ عَرْضاً أو طُوالً ،وهو َأ ْولَىِ ،لخَبَر أيب
صبْ عَصاً ،فإنْ جدْ فَلْيَْن ِجعَلْ أمامَ وَ ْجهِهِ شَيْئاً ،فإن َلمْ َي ِ داود" :إذا صَلَّى َأ َح ُد ُكمْ فَلَْي ْ
َلمْ يَكُنْ َمعَهُ عَصاً فَلَْيخُطَّ خَطاً ،مث ال َيضُرُّهُ ما مَرَّ أمامَه" .وقِيسَ باخلَطِّ ا ُملصَلَّى،
ُدمَ على اخلَطِّ ألنَّه أظهَرُ يف املُرادِ .والتَّرتيبُ ا َملذْكورُ هو ا ُملعَْت َمدُ ،خِالفاً ملا يُوهِمهُ وق ِّ
كالمُ ابنُ ا ُملقْري .فمىت َعدَلَ عن رُتْبَةٍ إىل ما دُونَها مع ال ُق ْدرَة عليها كاَنتْ كالعَ َدمِ.
جعَلَ السُّتْرَةَ تَلْقاءَ وَ ْجهِهِ بل عَنْ يَمينِهِ أو يَسارِهِ ،وكلُّ صَفَ سُتْرَةٌ ِلمَنْ وُيسَنُّ أن ال َي ْ
خَ ْلفَه إن قَرُبَ مِْنهُ .قال الَبغَويُّ :سُتْرَةُ اإلِمامِ سُتْرَةُ مَ ْن خَ ْلفَهُ .انتهى.
ولو تعارَضَت السُّتْرَةُ والقُرْبُ من اإلِمامِ أو الصَّفِّ األوَّل فما الذي يُقَدَّم؟ قال
جدِهِ وإن كان خا ِرجَ سِ َدمُ الصَّفُّ األوَّل يف َم ْ شيخنا :كلٌّ ُمحَْتمَلٌ وظاهِرُ قوهلم ُيق َّ
جدِهِ ا ُملخْتَصّ باملُضا َعفَةِ تقدميُ حنوِ الصَّفِّ األَوَّل .انتهى. سِ َم ْ
وإذا صَلَّى إىل شيءٍ منها فُيسَنُّ لَهُ وِلغَيْرِهِ َد ْفعُ مارّ بَيْنَهُ وبَيْنَ السُّتْرَةِ ا ُملسَْت ْوفِيَةِ
للشُّروطِ ،وقد َتعَدَّى ِبمُرُورِهِ لِ َكوْنِهِ مُكَلَّفاً .وَْيحْ َرمُ املرورُ بينَهُ وبني السُّتْرَةِ حنيَ ُيسَنُّ
جدْ املارُّ سَبيالً ما مل ُيقَصِّرْ ِبوُقوفٍ يف طريقٍ أو يف صَفَ مع فُرْجَةٍ الد ْفعُ ،وإن مل َي ِ
له َّ
يف صَفَ آخَرَ بنيَ َيدَيْهِ فَلِداخِلٍ خَرْقَ الصُّفوفِ وإن كَثُرَتْ حىت َيسُدَّها( .وكُ ِرهَ
فيها) أي الصَّالةِ( ،التفاتٌ) ِبوَجْهٍ بال حاجَةٍ .وقيل :يَحْ ُرمُ .واختريَ لِلخَبِر الصَّحيحِ:
28
"ال يَزالُ اللّهُ ُمقْبِالً على العَبْدِ يف مُصَالَّه أي بِرَ ْحمَتِهِ ورِضاهُ ما مل يَلْتَ ِفتْ ،فإذا
الَْت َفتَ أَعْ َرضَ عَنْهُ" .فال يُكْ َرهُ لِحا َجةٍ ،كما ال يُكْرَهُ ُمجَرَّدُ َلمْحِ العَيْنِ (ونَظَرٌ نَحْوَ
سَماءٍ) مما يُلْهي ،كََثوْبٍ له أعْالمٌ ِلخَبَرِ البُخا ِريّ" :ما بالُ َأقْوامٍ يَ ْرفَعونَ أبصارَهُم إىل
السَّماءِ فِي صَالِتهِم" .فاشْتَدَّ َق ْولُهُ يف ذلك حىت قال" :لِيَنَْتهُنَّ عن ذِلكَ أو لَُتخْ َطفَنّ
َططٍ أو إليه أو عليه ألنه َيخِلّ باخلُشوعِ. أبْصارهُم" .ومن َثمّ كُرِ َهتْ أيضاً يف ُمخ َّ
(وَبصْقٌ) يف صَالتِهِ ،وكذا خارِجِها( ،أماماً) أي قِبَلَ وَ ْجهِهِ ،وإن مل يَكُنْ مَنْ هو
خَارِجها ُمسَْتقْبِالً ،كما أطَلقَهُ َّالن َو ِويّ (ويَميناً) ال يَساراًِ ،لخَبَر الشيخني" :إذا كان
أ َح ُد ُكمْ يف الصَّالةِ فإنَّهُ يُناجِي رَبَّهُ عزَّ وجَلَّ ،فال يَبْ ُزقَنَّ بَيْنَ َيدَيْهِ وال عَنْ َيمِينِهِ ،بل
حتَ َقدَمه الُيسْرَى أو يف َثوْبٍ مِنْ ِجهَةِ يَسارِه" .وهو َأوْىل .قال عَنْ يَسارِهِ أو تَ ْ
شيخنا :وال ُبعْدَ يف مَراعاةِ مَلَكِ اليَمنيِ دون مَلَكِ اليسارِ إظهاراً ِلشَرَفِ األَوَّل ،ولو
كان على يَسارِهِ فَقط إنسانٌ َبصَقَ عن يَمينِهِ ،إذا مل ُيمْكِْنهُ أن يُطَأطِىءَ رَأْ َسهُ ،ويَْبصُقَ
جدِ إن َبقِيَ جُ ْرمُهُ ال إن سِ ال إىل اليَمنيِ وال إىل اليَسارِ .وإمنا َيحْ ُرمُ البِصاقُ يف ا َمل ْ
ض َمضَةٍ وأصابَ جُزْءاً من أجزائِهِ دُونَ هَوائِهِ .وزَ ْعمُ حُ ْرمَتَهُ يف حوِ ماء َم ْ ك يف َن ْ
اسُْتهْلِ َ
هَوائِهِ وإن مل ُيصِبْ شيئاً من أجزاِئهِ بعيدٌ غري ُمعْوَّلٍ عليه ،ودُونَ تُرابٍ مل َيدْخُلْ يف
َو ْقفِهِ .قيل :ودُونَ ُحصُرِهِ ،لكن َيحْرُمُ عليها مِن ِجهَةِ تَ ْقذِيرِها كما هو ظاهِرٌ .اه.
صدَ إلِزالَتِهِ مَنْ يَقومَ هبا وجيبُ إخراجُ َنجَسٍ منه َفوْراً عَيْنِياً على من عَِلمَ به ،وإن َأ ْر َ
شتٍ .وإدخالُ َنعْلٍ حوِ ِط ِْب َمعْلومٍ ،كما اقتضاهُ إطالُقهُم .وحي ُرمُ َبوْلٌ فيهِ ولو يف َن ْ
َجسَ ٍة مل يَأْمَن التَّلويثََ .و َرمْيُ َنحْو َقمْلَةٍ فيه مَيْتَةٍ وقَْتلُها يف أ ْرضِهِ وإن قَلَّ َدمُها، مُتَن ِّ
وأما إلقاؤها أو َدفْنُها فيه حَيَّةً ،فظاهِرُ فتاوي َّالن َو ِويّ حِلّه ،وظاهِرُ كالمِ اجلواهِرِ
صوْتٍ ،وحنو صدٌ وحِجامَةٌ فيه بإِناءٍ ،و َر ْفعُ َ َتحْرُيمُه ،وبه صَرَّحَ ابن يونس .ويُكْ َرهُ َف ْ
بَْيعٍ و َعمْلُ صِناعَةٍ فيه( .و َكشْفُ رَأسٍ ومنكبٍ) واضْطِباعٌ ولو مِنْ َفوْق ال َقمِيصَ.
قال الغزايل يف اإلِحياءِ :ال يَرُدّ رداءَه إذا َس َقطَ ،أي إال ِل ُع ْذرٍ ،ومثله ال َعمَامَةَ وحنوها.
(و) كُرِهَ (صَالةٌ ِبمُداَفعِة َحدَثٍ) كََبوْلٍ وغاِئطٍ َورِيحٍ ،لِ ْلخَبَرِ اآليت ،وألهنا ُتخِلُّ
باخلُشوعِ .بل قال َج ْمعٌ :إن ذَ َهبَ هبا بَطََلتْ .وُيسَنّ له َتفْريغُ َن ْفسِهِ قبل الصَّالةِ وإن
فاتَت اجلَماعَةُ ،ولَيْسَ له اخلُروجُ من الف ْرضِ إذا طَرَأتْ له فيه ،وال تَأ ِخريُهُ إذا ضاقَ
َرمِ .وينَبغِي أن يلحقَ به ما لو التح ُّ
َوقْتُه .والعِربةُ يف كَراهَةِ ذلك ِبوُجودِها عندَ َّ
َرمِ فزاَلتْ وعَلِمَ مِنْ عادَتِهِ أهنا تعودُ إليه يف الصَّالةِ .وتُكْ َرهُ ضتْ له قَبْلَ َّالتح ُّ عَ َر َ
حضْ َرةِ حضْرَةِ طعامٍ أو شرابٍ ُيشْتَاقُ إليهِ ،لخَبَرِ ُمسْلِم" :ال صَالة أي كامِلَةً ِب َ ِب َ
طَعامٍ ،وال صَالةَ وهُو يُداِفعُهُ األخْبَثانِ أي الَبوْلُ والغاِئطُ ".
حقَّقْ ضعِ مَكْسٍ ،و (ِبمَقربةٍ) إن مل يََت َ (و) كُرِهَ صالةٌ يف طرِيقِ بُنْيانٍ ال بَرِّيَّةٍ ،و َم ْو ِ
نَْبشَها ،سواء صَلّى إىل القربِ أم عليه أم بِجانِبِهِ ،كما نصَّ عليه يف األم .وحت ُرمُ الصَّالةُ
نيب أو حنوَ وَلِيّ تَبَرُّكاً أو إعْظاماً .وحبثَ الزَّينُ العِراقيّ عدمَ كراهَةِ الصَّالةِ يف ِلقَبْر ِّ
جدٍ طرأَ َدفْنُ النَّاسِ َح ْولَه ويف أرضٍ َم ْغصُوبَةٍ .وَتصُحّ بال َثوْبِ كما يف َثوْبٍ مس ِ
َمغْصوبٍ ،وكذا إن شَكَّ يف رِضا مالِكِهِ ال إن ظََّنهُ ِبقَرِينَةٍ .ويف اجلِيلِيّ :لو ضاقَ
جهُ َجحَهُ الغَزِّيُّ .قال شيخنا :والذي يََّت ِ الوَ ْقتُ وهُوَ بَأرْضٍ مَ ْغصُوبَةٍ أَحْ َرمَ ماشياً .ور َّ
خلوْفِ وأَنَّهُ َيلْزَمهُ التَّرْكُ حىت َيخْ ُرجَ منها ،كما له تَ ْركُها أنه ال َيجُوز له صَالةُ شِدَّةِ ا َ
ص مالِهِ لو أُخِذ منه ،بل َأوْىل. لَِتخْلِي ِ
(فصل) يف أبعاض الصالة ومقتضى سجود السهو (ُتسَنُّ سجدتانِ قُبَيْلَ سالمٍ)
جدَتَيْها يف الس ْهوُ ،ومها واجلُلوسُ بَيَْنهُما كسجودِ الصَّالةِ واجللوسِ بني َس ْ وإن كَثُرَ َّ
كالذكْرِ فيها .وقيل :يقول فيهما :سبحانَ من ال واجِباتِها الثالثِة ومَنْدوباتِها السَّاِبقَةِّ ،
السهْوِ الس ْهوِ بأن يَقْصدَهُ عن َّ جبُ نِيّةُ سُجودِ َّ ينام وال يسهو .وهو الئِقٌ باحلَالِ .وَت ِ
29
جدَ لتركِ غري عندَ شُرو ِعهِ فيهِ( ،لِتَرْكِ َبعْضٍ) وا ِحدٍ مِنْ أبْعاضٍ ولو َعمْداً .فإن َس َ
َهدٌ أَوَّل) أي الواجب منه يف التشهد بعضٍ عالِماً عامِداً بَطََلتْ صَالتُه( .وهو َتش ُّ
األخري ،أو بعضه ،ولو كلمة( .وقُعودِهِ) وصورَ ُة تَ ْركِهِ وَ ْحدَهُ كقِيامِ القُنُوتِ أن ال
جدَ( ،وقُنوت حسَِنهُما ،إذ ُيسَنّ أن َيجْلِسَ ويَقفَ ِب َق ْدرِهِما .فإذا تَرَكَ أ َحدَهُما َس َ ُي ْ
راِتبٍ) أو ب ْعضُه ،وهو قُنوتُ الصُّبْحِ .ووتر نصف رمضان ،دون قنوت النازلة.
جدُ تارِكُ القُنوتِ تِبْعاً إلِمامِهِ احلََنفِيّ ،أو القتِدائِهِ يف صُبْحٍ ِب ُمصَلِّي سُنَّتها سُ (وقيامهُ) وَي ْ
على ا َألوْجَهِ فيهما( .وصالةٌ على النيب) (بعدَهُما) أي بعدَ التشهدِ األوَّل والقُنوتِ.
(وصالةٌ على آلِ بعد) تشهد (أخريٍ وقنوتٍ) .وصورَةُ السُّجودِ لِتَرْكِ الصَّالةِ على
التشهدِ األخريِ أن يَتََيقَّنَ تَرْكَ إمامُه هلا ،بعد أن سََّلمَ إمامُهُ وقبلَ أن ُيسَِّلمَ هو، اآللِ يف ُّ
أو بعدَ أن سََّلمَ وقَرُبَ ال َفصْلُ .وسُمَِّيتْ هذه السُّنَنُ أبْعاضاً ِلقُربِها باجلَبْرِ بالسُّجودِ
مِنَ األركانِ( ،ولِشَكَ فيه) أي يف تَرْكِ بَعضٍ مما مَرَّ ُمعَيَّن ،كالقُنوتِ هل َفعَلَه؟ ألن
كتشهدٍ أول أو قُنوتٍ( ،وتَلبَّسَ ُّ األصلَ عدمُ ِفعْلِهِ( .ولو َنسِيَ) مُنفردٌ أو إمامٌ (َبعْضاً)
ِبفَ ْرضٍ) من قيامٍ أو سُجودٍ ،مل َيجُزْ له ال َعوْدُ إليه( .فإن عادَ) له بعدَ انْتِصابٍ ،أو
ضعَ َجْبهَتَهُ عامِداً عالِماً بتحرميِهِ (بطلتْ) صَالتُهِ ،لقَ ْطعِهِ فَرْضاً لَِنفْلٍ( .ال) إن عادَ لَه َو َ
(جاهِالً) بتحرميِهِ .وإن كان مُخالِطاً لنا ألن هذا مما َيخْفَى على العَوام ،وكذا ناسِياً
سجُد) للسهوِ أنه فيها فال تبطلْ ِل ُع ْذرِهِ ،ويل َزمُهُ ال َعوْدُ عندَ َتعَلُّمه أو َتذَكُّرِهِ( .لكن َي ْ
لزيادَةِ قعودٍ أو اعتدالٍ يف غريِ َمحَلِّه( .وال) إن عادَ (مأموماً) فال تبطلْ صالته إذا
جدَ وَ ْحدَهُ (سَهواً ،بل عليه) أو على املأمومِ الناسي ( َعوْدٌ) ِلوُجوبِ انتصب أو َس َ
َمدَ ذلك فال مُتاَبعَةِ اإلِمامِ .فإن مل َي ُعدْ بطلتْ صَالتُه إن مل يِْنوِ مفارَقَتَهُ ،أما إذا َتع َّ
يَلْزَمهُ ال َعوْدُ بل يُسَنُّ له .كما إذا رَ َكعَ مثالً قبل إمامِهِ ،ولو مل َيعْلَمْ السَّاهي حىت قامَ
سبْ ما قَرَأَهُ قبلَ قِيامِهِ .وتَِبعَهُ الشيخ زكريا ،قال إمامُهُ مل َي ُعدْ .قال الَب َغ ِويّ :ومل يَحْ ِ
جدَ سَهواً أو َجهْالً وإمامُه يف القُنوتِ شيخنا يف شَ ْرحِ املِنْهاجِ :وبذلك يعلم أن مَنْ َس َ
ال ُيعْتَدُّ له مبا َفعَلَهُ فيلْ َزمْهُ ال َعوْدُ لالعتِدالِ ،وإن فارقَ اإلِمامَ ،أخذاً من قوهلم :لو ظَنَّ
سالمَ اإلِمامِ فقامَ ثُمَّ عَِلمَ يف قِيامِهِ أنه مل ُيسَِّلمْ لَ ِزمَهُ القَعودُ لِيقَومَ مِنه ،وال َيسْ ُقطُ عنه
بنيَّةِ املُفا َرقَةِ وإن جازَتْ ،ألن قِيامَهُ َوَقعَ لَغْواً ،ومن مث لو أتَمَّ جاهِالً لَغا ما أتى به
ِلسهْو .وفيما إذا مل يفا ِرقْهُ إن َتذَكَّرَ أو عَِلمَ وإمامُه يف القُنوتِ فيعيدُه وَيسْجُد ل َّ
جدَ مع اإلِمامِ ،أو فواضِحٌ أنه يعود إليه ،أو وهو يف السَّجدةِ األوىل عادَ لالعتِدالِ و َس َ
فيما بعدها .فالذي يظهَر أنه يتُاِبعَهُ ويأتِي بِ َر ْكعَ ٍة بعد سالمِ اإلِمامِ .انتهى.
قال القاضي :ومما ال خِالفَ فيه َق ْولُهم :لو َرَفعَ رأسَهُ من السجَدةِ األوىل قبل
إمامِهِ ظاناً أنه َرَفعَ ،وأتى بالثانِيَةِ ظاناً أن اإلِمامَ فيها ،مث بانَ أنه يف األُوىل مل ُيحْسبْ
جدَته الثانيةَ ويُتاِبعِ اإلِمامَ .أي فإنْ مل َيعَْلمْ بذلك إال واإلِمامُ قاِئمٌ أو له جُلوسه وال َس ْ
جالِسٌ أتى بركعَةٍ بعد سالمِ اإلِمامِ .وخرجَ ِب َق ْولِي ،وتَلبَّسَ ِبفَ ْرضٍ ما إذا لَمْ يَتَلبَّسْ به
سجُد لِلسَّهوِ ،إن ضعِ اجلَْبهَةِ ،وَي ْ
غري مأمومٍ ،فيعودُ الناسي َندْباً قبل االنْتِصابِ أو َو ْ
التشهدِ ،أو بََلغَ حَدَّ الركوعِ يف صورَةِ تَرْكِ القُنوتِ .ولو قارَبَ القيامَ يف صورَةِ تَرْكِ ُّ
تعمَّدَ غريُ مأمومٍ تَ ْركَهُ فعادَ عالِماً عامِداً بطلتْ صالتُه إن قارَبَ أو بََلغَ ما مَرّ ،خبالفِ
املأموم( .ولَِنقْلِ) مَطلوبِ (َق ْولِيّ غري مُبْطِل) نَقْلُهُ إىل غريِ َمحَلِّهِ ولو َسهْواً رُكناً كان
َهدٍ أو بعضِ أ َحدِهِما ،أو غريِ ُركْنٍ كسُورَةٍ إىل غريِ القيامِ وقنوتٍ إىل ما كفاِتحَةٍ وَتش ُّ
جدْ له .أمّا َنقْلُ قبل الرُّكوعِ أو بعده يف الوِتْرِ يف غري نصفِ رَمضانَ الثاين ،فيس ُ
التحَرُّم بأن ال ِفعْلِيّ فيُبطِلُ َت َعمُّدَهُ .وخ َرجَ ِب َقوْيل غري مُبْطِلٍ ما يُبْطِل ،كالسَّالمِ وتكبريِ َّ
س ْهوِ ما يُبْطِل َع ْمدُهُ ال هُو) أي السَّهو .كتطويلِ ُركْنٍ قَصريٍ ،وقليلِ صدِهِ( .ولِ َكَبَّرَ ِب َق ْ
ِلس ْهوِ .وقيسَ به جدَ ل َّ الظهْرَ َخمْساً و َس َكالمٍ ،وأكلٍ ،وزيادَةِ رُكنٍ ِفعْلِيَ ،ألنه صَلَّى ُّ
30
غريُهُ ،وخ َرجَ مبا يُبْطِلُ َع ْمدُهُ ما يُبْطِلُ َس ْهوُهُ أيضاً ،ككالمٍ كثريٍ .وما ال يبطِلُ َس ْه ُو ُه
س ْهوِهِ وال ِلعَ ْمدِهِ( .وِلشَكَ فيما جدُ ِل َسُ وال َع ْمدُهُ ،كال ِفعْلِ القليلِ وااللتِفاتِ ،فال َي ْ
صَالّهُ واحَْتمَلَ زِيادَةً) ألنَّه إن كان زائداً فالسجودُ للزِّيادَةِ وإال فَلِتَّرَدُّدِ املُوجِبِ
ضعْفِ النَّيِّةِ .فلو شَكَّ أَصَلَّى ثالثاً أم أربعاً مثالً أتى بِ َر ْكعَةٍ ألن األصلَ َع َدمُ ِفعْلِها، ِل ُ
سجُد لِلسَّهوِ ،وإن زالَ شَكُّهُ قبلَ سالمِهِ بأن تذكَّرَ قبلَهُ أهنا رابعة ،للتردُّدِ يف وَي ْ
زيادَتِها .وال يَرْجع يف ِفعْلِها إىل ظنِّه وال إىل قولِ غيْرِهِ أو ِفعْلِهِ ،وإن كانوا َجمْعاً
كثرياً ما مل يَبْلُغوا َعدَدَ التَّواتُرِ .وأما ال َيحَْتمِلُ زيادَةً ،كأن شَكَّ يف َر ْكعَةٍ من رُباعِية
سجُد ،ألن ما فعَلَهُ منها مع أهِ َي ثالِثَةٌ أم راِبعَةٌ؟ فَت َذكَّرَ قبلَ القِيا ِم للرابعِة أهنا ثالِثَةٌ فال َي ْ
جدَ لِتَردُّدِهِ حالَ القيامِ إليها التردُّدِ ال بُدَّ منه بكلِّ تقديرٍ ،فإن تذكَّرَ بعدَ القِيامِ هلا َس َ
يف زيادَتِها.
(و) سُنَّ لِلمأمومِ سجدتانِ (ِلسَهْو إمامٍ) مُتَطَهِّرٍ وإمامِهِ ،ولو كان َس ْهوُه قبل
ُق ْدوَتِه( ،وإن فا َرقَهُ) أو بَطَلتْ صالةُ اإلِمامِ بعدَ وقوعِ السهوِ منه( ،أو تَرَكَ) اإلِمامُ
خلَلِ احلاصِلِ يف صالتِهِ فيسجُد بعدَ سالمِ اإلِمامِ وعندَ سُجودِهِ يَلْزَم السُّجو َد جَبْراً لِل َ
املسبوقُ واملوافِقُ متاَبعَتُه ،وإن مل يعْرِفْ أنه سَها ،وإالَّ بطلت صالتُهُ إن َعِلمَ وتعمَّدَ
س ْهوَهِ) أي َسهْو املأمومِ (حال القدوة ويعيدُهُ ا َملسْبوقُ نَدْباً آخر صالةِ نفْسِه( ،ال ِل َ
حدِثَ وال ذو خََبثٍ َخفِيَ ،خبالفِ خلفَ إمامٍ) فيتحمَّلُه عندَ اإلِمامِ املُتطهر ،ال ا ُمل ْ
َس ْهوِهِ بعد سالمِ اإلِمامِ فال يتحمَّلهُ النقِضاءِ ال ُق ْدوَةِ .ولو ظنَّ املأمومُ سالمَ اإلِمامِ
فسل َم فبانَ خالفُ ظَنِّهِ سََّلمَ معه وال سجود ،ألنه َس ْهوٌ يف حالِ ال ُق ْدوَةِ. َّ
[فرع] :لو َت َذكَّرَ املأمومُ يف تشهُّدِهِ تركَ ُركْنٍ غري نية وتكبرية ،أو شكَّ فيه ،أتى
جدْ يف التَّذكُّر لوقوعِ سهوِهِ حالَ القُدوَةِ .خبالفِ بعد سالمِ إمامِهِ بركعَةٍ وال يس ُ
الشَّكِّ ِل ِفعْلِهِ بعدها زائِداً بتقديرٍ .ومِنْ ثُمَّ لو شَكَّ يف إدراكِ رُكوعِ اإلِمامِ ،أو يف أنَّه
َكهِ جدَ فيها لوجودِ ش ِّ أدرَكَ الصَّالةَ معهُ كامِلَةً أو ناِقصَةً َر ْكعَة ،أتى بركعَةٍ وس َ
ا َملقَْتضِي للسُّجودِ بعدَ ال ُق ْدوَةِ أيضاً .ويفوتُ سجودُ السهوِ إن سلَّمَ َعمْداً ،وإن قَرُبَ
جدَ صارَ عائِداً إىل الصالةِ فيجبُ أن يعُيدَ ال َفصْلُ ،أو َسهْواً وطالَ عُرْفاً .وإذا س َ
تعمدَ وعَِلمَ. السالمَ ،وإذا عادَ اإلِمامُ لَ ِزمَ املأمومُ الساهي ال َعوْد ،وإال بطلت صالتُه إن َّ
ِم فَيَلْزَمهُ ال َعوْدُ ملتاَبعَةِ إمامِ ِه إذا عادَ.
ق لِيُت َّ
ولو قامَ املسبو ُ
التشهدِ واَفقَهُ وُجوباً يف
جدَ اإلِمامُ بعدَ فراغِ املأمومِ املوافَقِ من أقلِّ ُّ [تنبيه] :لو َس َ
َشهدَه( .ولو شَكَّ بعد سالمٍ يف) إخاللِ السجودِ ،أو قبلَ أقلّهِ تاَب َعهُ وُجوباً ،مث يُتِمَّ ت ُّ
َرمٍ مل ُيؤَثِّرْ) وإال َل َعسُرَ وشَقَّ ،وألن الظاهِرَ شَرْطٍ أو تَرْكِ (فَ ْرضٍ غري نَِّيةٍ و) تكبريِ (َتح ُّ
َمضِيُّها على الصِّحَّةِ.
أما الشكُّ يف النيَّةِ وتكبريَةِ اإلِحرامِ فُيؤَثِّر على ا ُملعْتَ َمدِ ،خالفاً ملن أطالَ يف َع َدمِ
الفَرْقِ .وخرجَ بالشَّكِّ ما لو تََيقَّنَ تَرْكَ فَ ْرضٍ بعد سالمٍ فيجبُ البِناءُ ما مل يَطُل
ال َفصْلُ ،أو يَطَأ َنجِساً ،وإن اسَتدْبَرَ القِبْلَة أو تكّلمَ أو َمشَى قليالً .قال الشيخ زكريا
جدِ .واملَرْ ِجعُ يف طُولِ ال َفصْلِ وِقصَرِهِ إىل سِيف شرح الروض :وإن خ َرجَ من وا َمل ْ
العُرْفِ .وقيل :يعتبَرُ القِصَرُ بال َق ْدرِ الذي ُنقِلَ عن النيب يف خربِ ذي الَيدَيْنِ ،والطولُ مبا
جدِ ،ورا َجعَ ذا الَيدَيْن، سِزادَ عليه .واملنقولُ يف اخلَبَرِ أنه قامَ و َمضَى إىل ناحِيَةِ ا َمل ْ
وسألَ الصَّحابَةَ .انتهى .وحكى الرافِعِيّ عن الُبوَيْطِي أن ال َفصْلَ الطويلَ ما يزيدُ على
َق ْدرِ َر ْكعَةٍ ،وبه قال أبو إسحاق .وعن أيب هُرَيرة أن الطويلَ َق ْدرَ الصَّالةِ اليت كان
فيها.
صلِهِ يُرْ َجعُ به إىل األصْل ،وجُوداً كان [قاعدة] :وهي أن ما شَكَّ يف َتغَيُّرِه عن أ ْ
ح الشَّكّ ،فلذا قالواَ :ك َم ْعدُوم َمشْكُو ٌك فيه. أو َعدَماً ،ويُطْ َر ُ
31
سجُد ُمصَلَ جدَةٍ ،وَي ْجدَةُ التِّالوَةِ لقارِىءٍ وسا ِمعٍ مجيع آيَةِ َس ْ [تتمة]ُ :تسَنُّ َس ْ
جدَةِ إمامِهِ فإن سَجَد إمامُه وختلُّفَ هو عنه ،أو لقراءَتِهِ ،إال مأموماً فيسجُد هو ِلسَ ْ
جدَ هو دُونَه ،بطلتْ صالتُه ،ولو مل يعَلمْ املَأمومُ سُجودَهُ بعدَ َرفْعِ رأسِهِ من َس َ
سجُد ،بل يَنْتَظِر قائِماً .أو قبله َه ِوىَ ،فإذا َرَفعَ قبل السُّجودِ مل تَبطلْ صالتُه وال َي ْ
سجودِهِ رَفعَ معهُ وال يسجُد .وُيسَنُّ لإلِمامِ يف السِّرِّيَّة تأخريُ السجودِ إىل فراغِهِ .بل
جلهْرِيَّةِ أيضاً يف اجلوا ِمعِ العِظامِ ،ألنه خيلط على املأمومني .ولو حثَ ندبُ تأخ ِريهِ يف ا َ ُب ِ
قرأ آيَتَها فر َكعَ بأن بََلغَ أقلَّ الركوع مث بدا له السجودُ مل َيجُزْ ِلفَواتِ حملِّهِ .ولو َهوِيَ
َد الركوع ص َرفَه له مل يَ ْكفِهِ عنه. لِلسُّجو ِد فلما بََلغَ ح َّ
َرمٍ ،وسجودٌ كسجودِ وفروضُها لغريِ ُمصَلَ :نيةُ سجودَ التِّالوَةِ ،وتكبريُ َتح ُّ
َورَهُ وشَقَّ َس ْم َعهُ جدَ وَ ْجهِي لِلذي خََلقَهُ وص َّ الصالةِ ،وسالمٌ .ويقولُ فيها َندْباًَ :س َ
ح ْولِهِ وقُوَّتِهِ ،فتبارَ َك اللّهُ أ ْحسَن اخلَاِلقِنيَ.
وَبصَرَهُ ِب َ
صدِ السجودِ ف َقطْ يف صَالةٍ أو َو ْقتٍ مَكْروهٍ ،وتبطُلُ [فائدة]َ :تحْ ُرمُ القراءَةُ بق ْ
صدِ السجودِ وغريه مما يتعلَّق بالقراءَةِ فال كَراهَةَ مُطْلقاً .وال الصَّالةُ به .خبالفها بق ْ
جلهَلَة بني يَحلُّ التقرُّبُ إىل اهلل تعاىل بسجدَةٍ بال سََببٍ ،ولو بعدَ الصَّالةِ .وسجودُ ا َ
َي َديْ مشاخيهم حَرامٌ اتفاقاً.
(فصل) :يف مبطالت الصالة (تَبْطُلُ الصَّالةُ) فَ ْرضُها وَنفْلُها ال صومٌ واعتِكافٌ
(بنِيَّةِ قَ ْطعِها) وتعليقه حبصولِ شيءٍ ولو مُحاالً عادِياً( .وتردُّد فيه) أي القَطْع ،وال
مُؤا َخذَةَ ِبوَسْواسٍ َقهْ ِريّ يف الصَّالةِ كاإلِميانِ وغريه( ،وبفعلِ كثريٍ) يقيناً من غري جنسِ
أفعالِها إن صَ َدرَ ممَّنْ عَِلمَ حترميَهُ أو َجهِلَه ومل ُي ْع َذرْ حالَ كَونِهِ (والءً) عُرْفاً يف غريِ
السفَرِ ،خبالفِ القليلِ كخطوتني وإن َّاتسَعتا حيث ال وَثْبَة، خلوْفِ وَنفْلِ َّ شِدَّةِ ا َ
صدَ ثالثاً متوالِيَةً مث َفعَلَ وا ِحدَةً أو شَرَعَ فيها بطلت صالتُه، والضَّرْبَتني .نعم ،لو َق َ
والكثيُر املُتفرِّقُ حبيثُ يُعدُّ كلٌّ مُنقطِعاً عما قَبْلَه .وَحَدُّ الَب َغ ِويّ بأن يكون بينهُما قَدرُ
ركعةٍ ضَعيفٌ ،كما يف اجملموعِ( .ولو) كان ال ِفعْلُ الكثريُ ( َسهْواً) والكثريُ (كثالثِ)
ت و (خُطُواتٍ تَواَلتْ) وإن كانت بق ْد ِر خُ ْطوَةٍ ُمغْتَفرةٌ ،وكتحْريكِ رأ ِسهِ َمضْغا ٍ
ويدَيْهِ ولو معاً واخلَ ْطوَةُ بفتح اخلاءِ املَرَّةُ ،وهي هنا َنقْلُ رِجْلِ اإلِمامِ أو غريِهِ ،فإن
َنقَلَ معها األُخرى ولو بال تعاُقبٍ فَخَطْوتان .كما اعتمَدَه شيخنا يف شرحِ املِنْهاجِ.
لكن الذي جَ َزمَ به يف شرحِ اإلِرشادِ وغريِه أن َنقْلَ رِجْلٍ مع َنقْلِ األُخرَى إىل
مُحاذاتِها والءُ خَطوَةٍ فقط ،فإن َنقَلَ كالً على التَّعاُقبِ َفخَطْوتانِ بال نِزاعٍ .ولو شَكَّ
يف ِفعْلِ أقليلٍ أو كثريٍ فال بُطالنَ .وتبطل بالوَثْبَةِ وإن مل تَتعدَّدْ( .ال) تبطل (حبركاتٍ
خفيفَةٍ) وإن كَثُرَت وتواَلتْ ،بل تُكْرَه( ،كََتحْرِيكِ) أصَْبعٍ أو (أصاِبعٍ) يف حَكَ أو
سَْبحَةٍ مع قرارِ كَفِّه( ،أو جَفْنٍ) أو َشفَةٍ أو َذكْرٍ أو لِسانٍ ،ألهنا تاِبعَةً ِلمَحالِّها
حملهِ
ا ُملسَْتقِرَّةَ كاألصابعِ .ولذلك حبثَ أن ح َركَةَ اللسانِ إن كانت مع حتويلِهِ عن ِّ
أبطلَ ثالثٌ منها .قال شيخنا :وهو ُمحَْتمَلٌ .وخرجَ باألصابعِ الكَفُّ ،فتحرِيكُها
ثالثاً والءٌ مُبْطِلٌ ،إالَّ أن يكون به جَرَبٌ ال يصبِر َمعَه عادَةً على َع َدمِ احلَكِّ فال تبطل
لِلضَّرورَةِ .قال شيخنا :ويؤ َخذُ منه أن من ابْتُلِيَ حبركَةٍ اضطرارِيَّةٍ ينشأُ عنها َعمَلٌ
كثريٌ سُومِحَ فيه .وإمرارُ الَيدِ َورَدّها على التَّوالِي باحلَكِّ مرةٌ وا ِحدَةٌ ،وكذا رَ ْفعُها عن
ضعِ احلَكِّ مرةٌ واحِدةٌ .أي إن اتَّصلَ أ َحدَهُما باآلخَرِ وإال ضعُها على َم ْو ِ ص ْدرِهِ وَو ْ َ
فَكُلٌّ مَرَّةٌ ،على ما استظهَرَهُ شيخنا( .وبِنُطْقٍ) َعمْداً ولو بإكْراهٍ (ِبحَ ْرفَيْنِ) إن تواليا
صدْ هبا مُجرَّدَ التَّفهيمِ، كما استظهره شيخنا من غريِ قُرآنٍ و ِذكْرٍ أو دُعاءٍ مل ُي ْق َ
الذكْرَ صدَ القراءَة أو ِّ كقولِهِ ملن استأذنوه يف الدُّخول{ :ا ْدخُلوها ِبسَال ٍم آمِنِنيَ} فإن قَ َ
وَ ْحدَهُ أو مع التنبيهِ مل تَبْطُل ،وكذا إن أطْلَقَ .على ما قاله َج ْمعٌ مُتقدِّمون .لكن الذي
32
الص َورُ األرْبعة يف الفَتْحِ على يف التحقيق والدَّقائِقِ البُطالنُ ،وهو ا ُملعَْت َمدُ .وتأيت هذه ُّ
جلهْرِ بتكْبريِ االنْتِقالِ من اإلِمامِ واملُبَِّلغِ .وتبطُل حبَ ْرفَيْنِ، الذكْرِ ،ويف ا َ اإلِمامِ بالقُرآنِ أو ِّ
َعذرِ قِراءَةٍ واجِبَةٍ) كفاِتحَة ،ومثلَها كل وا ِجبٌ قَ ْولِيّ (ولو) ظهرا (يف تََنحْنُحٍ ِلغَيْرِ ت ُّ
لتعذرِ ُركُنٍ َقوْلِيّ( ،أو) كتشهدٍ أخريٍ وصَالةٍ فيه فال تبطل بظهورِ حَ ْرفَيْنِ يف تََنحْنُحٍ ُّ ُّ
َعذرِ قراءةٍ سعَالٍ وبُكاءٍ وعطاسٍ وضحِكٍ .وخرجَ بقويل لِغريِ ت ُّ حوِه) ك ْ َظهَرا يف (َن ْ
واجِبةٍ ،ما إذا َظهَرَ حرفانِ يف تنحنُحٍ لتعذُّرِ قراءَةٍ مَسنونَةٍ ،كالسّورَةِ أو القُنوتِ أو
جلهْرِ بالفاحتِة ،فتبطل .وحبث الزركشيّ جوازَ التنحنحِ للصاِئمِ إلِخراجِ نَخامَةٍ تُبْطِلُ اَ
ص ْومَهُ .قال ويتجِه جوازُهُ لل ُمفْطِرِ أيضًا إلِخراجِ نَخامَةٍ تُبْطِلُ َ ص ْومَهُ .قال شيخناَّ : َ
حدّ ويتجِه جوازُهُ لل ُمفْطِرِ أيضاً إلِخراجِ نَخامَةٍ تُبْطِل صالتَه بأن نَ َزَلتْ لِ َ شيخناَّ :
الظاهِرِ ومل ميكِنْهُ إخراجُها إالَّ به .ولو تنحنَح إمامُه فبانَ منه حَرْفانِ مل َيجِب مفا َرقَتَهُ
َرزُهُ عن املُبْطِلِ نعم ،إن دََّلتْ قرينَةُ حاِلهِ على ع َدمِ عُذرِهِ وَجَبَتْ ألن الظاهِرَ َتح ُّ
مفا َرقَتُهُ ،كما حبثه السبكي .ولو ابتُلِيَ شخصٌ بنحوِ سُعالٍ داِئمٍ حبيث مل َيخْلُ َزمَنٌ
سعْ الصَّالةَ بال سُعالٍ مُبْطِلٌ .قال شيخنا :الذي يظهَرُ ال َع ْفوُ عنه ،وال من ال َو ْقتِ َي َ
قضاءَ عليهِ لو ُشفِيَ( .أو) بِنُطقٍ (حبرفٍ ُم ْف ِهمٍ) ك:ف و عِ و فِ ،أو بِحرفٍ ممدودٍ،
ألن ا َملمْدودَ يف احلقيقَةِ حرفانِ .وال تبطَلُ الصَّالةُ بتلَفُّظِهِ بالعرَبِيَّةِ ِبقُرْبَةٍ توق َفتْ على
الل ْفظِ كََن ْذرٍ وعَتْقٍ ،كأن قالَ :ن َذرْتُ لِزَيدٍ بألٍف أو أعْتَ ْقتُ فالناً .وليس مثلُهُ التل َُّفظُ َّ
ص ْومٍ أو اعتكِافٍ ألهنا ال تتوقَّفُ على اللفظِ فلم َتحْتَجْ إليه ،وال ِبدُعاءٍ جائِزٍ ولو بنيةِ َ
لغريِهِ بال تعليقٍ ،وال خطابٍ ملَخلوقٍ فيهما ،فتبطلُ هبما عند التعليقِ كإن َشفَى اللّهُ
اللهُمَّ ا ْغفِرْ لِي إنْ شِْئتَ .وكذا عندَ خطابِ خملوقِ غري مَرِيضِي َفعَليَّ عَتْقُ َرقَبَةٍ ،أو َّ
النيب ولو عندَ مساعِهِ ِل ِذكْرِهِ على األوْجَهِ ،حنو َن َذرْتُ لك بكذا ،أو رَ ِحمَكَ اللّهُ ،ولو
ِلمَِّيتٍ .ويُسَنُّ لِمُصَلِّ سُِّلمَ عليهِ الرَّدُّ باإلِشارَةِ باليدِ أو الرأسِ ولو ناطِقاً ،مث بعدَ
شمِيتُ برَ ْحمَةِ اهلل .ولغريِ كالت ْ
الفَراغِ منها باللَّفظِ .وجيوزُ الرَّدُّ بقولِه :عليهِ السَّالمَُّ ،
س ِمعَ نفسَهُ( .ال) تبطُل حمَدَ وُي ْ ُمصَلَ رَدُّ سالمٍ حتلُّل ُمصَلَ ،وملن عَطَسَ فيها أن َي ْ
(بيسريِ حنوَ تََنحْنُحٍ) عُرْفاً (لغلبة) عليه( ،و) ال بِيَسريِ (كالمِ) عُرْفاً كالكَِلمَتني
س ْهوٍ) ،أي مع َس ْهوِهِ عن والثالث .قال شيخنا :ويظهَرُ ضَْبطُ الكَِلمَةِ هنا بالعُرْفِ (ِب َ
تكلمَ بقليلٍ معَتقِداً كونه يف الصالةِ بأن َنسِيَ أنه فيها ،ألنه ملا سََّلمَ من ركعتنيِ َّ
النسْخَ مث بَنَى هو وهم عليها .ولو ظَنَّ بُطالنَهُ بكال ِمهِ الفراغ وأجابوه به ُمجَوِّزينَ َّ
س ْهوٍ كثريُهُما القليلِ َسهْواً فتكلَّمَ كثرياً مل ُي ْع َذرْ .وخرج بيسريِ تنحنُحٍ لغَلَبَةٍ وكَالمٍ ِب َ
فتبطُلُ ِبكَثْرَتِهِما ،ولو معَ غَلَبَةٍ و َس ْهوٍ وغريِهِ( ،أو) مع (سَبْقِ لِسانٍ) إليه( ،أو) مع
( َجهْلِ تَحرِ ِميهِ) أي الكالم فيها (ِلقُرْبِ إسالمٍ) وإن كان بني املسلمني( ،أو ُب ْعدٍ عن
العُلَماءِ) أي عَمَّنْ ُيعِرفُ ذلك .ولو سََّلمَ ناسياً مث تكََّلمَ عامِداً أي يسرياً أو َجهَلَ
حترميَ ما أتى به مع عِ ْلمِهِ بتحرميِ جنسِ الكالمِ أو كونِ التنحنُحِ مُبْطِالً مع عِ ْل ِمهِ
ج ْوفِهِ بتحرميِ الكالمِ ،مل تبطلْ ِلخَفاءِ ذلك على العَوام( .و) تَبْطلُ (ِب ُمفْطِرٍ) وصلَ ِل َ
الص ْومُ ،فلو ابتلعَ نَخامَةً نَ َزلَتْ من رأ ِسهِ وإن قلَّ ،وأكْلُ كثريٍ َسهْواً وإن مل يَبطُلْ بهِ َّ
حمْرَةِ حنو ِلحَدِّ الظاهِرِ من َفمِهِ ،أو رِيقاً مُتَنَجِّساً بنحو َدمِ لَثَّتِه ،وإن ابْيَضَّ ،أو مُتَغيِّراً ِب ُ
سمَةٍ من ناسٍ ،أو جاهلٍ َقيدُ بنحوِ ُس ْم ُ تنبلٍ ،بطلت .أما األكلُ القليلُ عُرفاً وال يَت َّ
معذورٍ ،ومن مغلوبٍ ،كأن نزَلتْ خنامَتُه حلدِّ الظاهِرِ و َعجِزَ عَن جمَّها ،أو جَرَى ري ُقهُ
ُر لِل ُع ْذرِ.
بطعامٍ بنيَ أسنانِ ِه وقد َعجِزَ عن متييزِهِ ومَجَّهِ ،فال َيض ُّ
(و) تبطل (بزيادَةِ رُكنٍ ِفعْلِيّ عَمْداً) لغري مُتاَبعَةٍ ،كزِيادَةِ ركوعٍ أو سُجودٍ وإن
مل يَطمَئِن فيه .ومنه كما قال شيخنا :أن ينحين اجلالسُ إىل أن حتا ِذيَ جبهَتُه ما أمامَ
َركِه ،أو افتراشِهِ املندوبِ ،ألن املبطِلَ ال ُيغَْتفَرُ لِلمندوبِ. ركبتَيْهِ ولو لتحصيلِ َتو ُّ
33
ويغتفَرُ القعودُ اليسريُ بقدرِ جَ ْلسَةِ االستراحَةِ قبلَ السجودِ ،وبعد َسجْد التالوَةِ ،وبعد
تشهدِهِ .أما وقوعُ الزيادَة سهواً أو َجهْالً عُ ِذرَ به فال سالمِ إمامٍ مسبوقٍ يف غري حملِّ ُّ
َيضُرّ ،كزيا َدةِ سُنَّةٍ حنو رَ ْفعِ اليدين يف غري حملِّهِ ،أو ُركْنٍ قولِيّ كالفاِتحَةِ ،أو ِفعْلِيّ
جدَ قبل إمامِهِ مث عادَ إليه( .و) تبطلُ (باعتقادِ) أو ظنِّ للمُتاَبعَةِ ،كأن َر َكعَ أو َس َ
(فَ ْرضٍ) ُمعَيَّنٍ من فروضها (َنفْالً) لِتَالعُبِهِ ،ال إن اعَت َقدَ العامِّيُّ َنفْالً من أفعالِها فَرْضاً،
صدَ ِبفَرضٍ ُمعَيَّنِ َّالنفْلِيَّةَ ،وال إنأو عَِلمَ أن فيها فَرْضاً وَنفْالً ومل ُيمَيِّزْ بينهما ،وال ق َ
الكل فروضٌ. اعَت َقدَ أن َّ
صدٍ ،واتصالُ نَجسٍ ال ُي ْعفَى عنه إال [تنبيه] :ومن املبطِلِ أيضاً َحدَثٌ ولو بال َق ْ
شفَها ريحٌ فسَتَر حاالً ،وتركُ رُكْنٍ َعمْداً، إن َدَفعَهُ حاالً ،وانكشافُ عورَةٍ إال إن َك َ
َرمِ أو شَرْطٍ هلا مع مضِيِّ رُكنٍ َق ْولِي أو ِفعْلِي أو طولِ َزمَنٍ .وبعضُ وشَكٌّ يف نيَّةِ َّالتح ُّ
القويلّ ككُلِّه مع طو ِل َزمَنِ شَكَ ،أو مع ِقصَرِهِ ،ومل ُي ِع ْد ما قرأه فيه.
[فرع] :لو أخربَهُ َعدْلٌ روايَة بنحو َنجَسٍ أو َكشْف عورَةٍ مُبطِلٍ لَ ِزمَهُ قبولُه ،أو
بنحو كالمٍ مُبْطلٍ فال( .وُندِبَ ِلمُْنفَرِدٍ رأى مجا َعةً) مشروعَةً (أن يقِلبَ فَ ْرضَهُ)
ُسلمَ من رَكعتَني) إذا مل َي ُقمْ لِثالِثَةٍ ،مث يدخُل يف احلاضِرَ ال الفاِئتَ (نفالً) مُطْلَقاً ،وي ِّ
َممَ ركعتني اسُتحِبَّ له قَ ْطعُ الصالةِ اجلماعَةِ .نعم ،إن َخشِيَ َفوْتَ اجلماعَةِ إن ت َّ
واستئنافُها مجاعَةً .ذكرَهُ يف اجملموعِ .وحبثَ البلقيينُّ أنه يسلِّم ولو من َر ْكعَةٍ ،أما إذا
ش َفوْتَ اجلَماعَةِ مث يدخُل يف اجلَماعَةِ.قامَ لثالِثَةٍ أمتَّها َندْباً إن مل َيخْ َ
(فصلٌ) :يف األذان واإلِقامة مها ُلغَةً :اإلِعالمُ .وشرعاً :ما عُرِفَ من األلفاظِ
املَشهورَةِ فيهما .واألصلُ فيهما اإلِمجاعُ املسبوقُ برؤيَةِ عبدِ اهلل بن زيدٍ املشهورَة ليَلةَ
تشاوروا فيما َيجْمَع الناسَ ،وهي كما يف سُنَنِ أيب داود :عن عبد اهلل أنه قال" :ملا
جل ْمعِ الصالةِ ،طافَ يب وأنا ناِئمٌ رجلٌ َأمَرَ النيبُّ بالناقوسِ ُي ْعمَلَ لُِيضْرَبَ به للناسِ َ
حيمِلُ ناقوساً يف يَدِهِ فقلتُ :يا عبد اهلل أتبيعُ النَّاقوسَ؟ فقال :وما َتصَْنعْ به؟ فقلتُ:
َندْعو به إىل الصَّالةِ .قالَ :أوَ ال أدُلُّكَ على ما هو خريٌ من ذلك؟ فقلت له :بَلَى.
فقال :تقول :اللّهُ أكَبُر اللّهُ أكبَرُ ،إال آخِر األذانِ .مث استأخَرَ عين غريَ بعيدٍ مث قال:
حتُ وتقول إذا ُق ْمتَ إىل الصَّالةِ :اللّهُ أكبَرُ اللّهُ أكبَرُ ،إىل آخرِ اإلِقامَةِ ...فلما أصَْب ْ
َق إن شاءَ اللّهُُ .قمْ مع باللٍ فألْقِ عليه أتيتُ النيبَّ فأخربْتُه مبا رأيتُ فقال" :إهنَّا لرؤْيا ح ٌّ
صوْتاً مِنْكَ" .فقمتُ مع باللٍ فجَعلتُ ألقيهِ عليه فيؤذن ت فلُيؤَذِّنْ به فإنَّهُ أْندَى َ ما رأْي َ
به .فس ِمعَ ذلك عمرُ بنُ اخلطابِ وهو يف بيتِهِ فخَرَجَ َيجُرُّ رداءَهُ ويقول :والَّذِي
حل ْمدُ" .قيل :رآها َبعَثَكَ باحلَقِّ يا رسول اهلل لقدْ رأيتُ مثلَ ما رأى .فقال" :فَِللَّهِ ا َ
بضعَةُ َعشَر صحابياً .وقد ُيسَنُّ األذانُ ِلغَيْرِ الصالةِ ،كما يف أُذُنِ املَهمومِ واملَصروعِ
وال َغضْبانَ ،ومن ساءَ خُُلقَهُ من إنسانٍ أو هبيمَةٍ ،وعند احلَريقِ ،وعند َتغَوُّلِ الغِيالنِ
أي متَرُّدِ اجلِنِّ .وهو واإلِقامَةُ يف أُذُين املولودِ وخَلْف املُسافِرِ (ُيسَنُّ) على الكِفايَةِ.
وحيصَلُ ب ِفعْلِ البَعْضِ (أذانٌ وإقامَةٌ) ِلخَبَرِ الصحيحني" :إذا َحضَرَت الصالةُ فليُؤذِّنْ
لكُم أح ُد ُكمْ"( .لِ َذكَرٍ ولو) صَبِيّاً ،و (مُْنفَرِداً وإن َس ِمعَ أذاناً) من غريِهِ على ا ُملعَْت َمدِ،
خِالفاً ملا يف شرحِ مُسلِم .نعم ،إن َس ِمعَ أذانَ اجلماعَةِ وأرادَ الصالةُ مع ُهمْ مل ُيسَنُّ له
على ا َألوْجَهِ (ِلمَكتوبَةٍ) ولو فائِتَةٍ دون غريِها ،كالسُّنَنِ وصالةِ اجلنازَةِ واملَنْذورَةِ .ولو
حوِ ضِيقِ َوقْتٍ فاألذانُ َأ ْولَى به .وُيسَنُّ أذانانِ ِلصُبْحٍ واحدٍ قبلَ اقتصَرَ على أ َحدِهُما لَِن ْ
ج ُمعَةِ ،أحدُهُما بعد صُعودِ ال َفجْرِ ،وآخَرُ بعدَه ،فإن اقتصَر فاألوْىل بعدَه .وأذانان لل ُ
اخلَطيبِ املِنْبَرَ .واآلخر الذي قبلَهُ إمنا أ ْحدَثَهُ عثمانُ َرضِيَ اللّهُ عنهُ ملَّا كَثُرَ النَّاسُ،
فاسِتحْبابُه عند احلاجَةِ كأن َت َوقَّفَ حضورُهُم عليه ،وإال لكانَ االقِتصارُ على االتِّباع
أ ْفضَلُ( .و) سُنَّ (أن ُيؤَذّنَ لِألُوىل) فقط (من صَلواتٍ تَوالَت) كفواِئتَ وصالتَيْ
34
َج ْمعٍ وفائِتَةٍ ،وحاضِرَةٍ دَخَلَ َوقْتُها قبلَ شُروعِهِ يف األذانِ( .ويُقيمَ لكل) منها لالتِّباع.
(و) سُنَّ (إقامَةٌ ألنثى) سِ ّراً ،وخُنْثَى فإن أذَّنَت للنِّساءِ سِ ّراً مل يُكْرَهُ ،أو َجهْراً حُ ِرمَ.
(ويُنادَي لِجماعَةِ) مشروعَةٍ (يف َنفْلٍ) كعيدٍ وتراويح ووتر ُأفْرِدَ عنها برمضان
وكُسوفٍ( .الصَّالةُ) بَِنصِْبهِ إغراءٌ ،ور ْفعُه مُبْتَدأ( ،جا ِمعَةٌ) بَِنصْبِه حاالً ،ور ْفعُهُ خَرباً
للمَذكورِ .وُيجْزِىءُ :الصَّالةُ الصالةُ ،وهَُلمّوا إىل الصالةِ .ويُكْرَهُ :حَيَّ على الصَّالةِ.
وينبغي َندْبُهُ عند دُخولِ الو ْقتِ وعندَ الصَّالةِ ليكونَ نائِباً عن األذانِ واإلِقامَةِ وخَرَجَ
بقويل ِلجَماعَةٍ ما ال ُيسَنّ فيه اجلَماعَةُ وما فُعِلَ فَرادَى ،وبَِنفْلٍ مَنْذورَةٌ وصَالةٌ جنا َزةٌ.
ط فيهما) أي يف األذانِ واإلِقامَةِ( .ترتيبٌ) أي الترتيبُ ا َملعْروفُ فيهما، (وشُرِ َ
لالتِّباع .فإن عَكَسَ ولو ناسِياً مل َيصُح وله البِناءُ على املُنْتَظمِ منهما .ولو تَرَكَ
ضهُما أتى به مع إعادَةِ ما بعدَهُ( .ووالءٌ) بني كلماِتهِمَا .نعم ،ال َيضُرُّ يسريُ كالمٍ بع َ
ح َمدَ سِراً إذا عَطَسَ ،وأن يُؤخِّرَ ردَّ السالمِ وسُكوتٌ ولو عَمْداً .وُيسَنُّ أن يَ ْ
وتشميتَ العاطِسِ إىل الفراغِ( .وجَهْرٌ) إن أذَّ َن أو أقامَ (ِلجَماعَةٍ) ،فينبغي إمساعُ
وا ِحدٍ مجيع كلماتِهِ .أما ا ُملؤَذِّنُ أو املُقيمُ لَِن ْفسِهِ فيكفيهِ إمساعُ نفسِهِ فقط( .ووقتٌ) أي
ُح قَبْلَهُ.
دُخوله (لغري أذانِ صُبْحٍ) ألن ذلك لإلِعْالمِ ،فال جيو ُز وال َيص ُّ
أما أذانُ الصُّبْحِ فََيصُحُّ من نصفِ لَيْلٍ( .وسُنَّ تثويبٌ) ألذانَيْ (صُبْحٍ ،وهو أن
يقولَ بعدَ احلَْيعَلَتَيْنِ :الصَّالةُ خريٌ من النَّومِ ،مرَّتَيْنِ) .ويُثَوِّب ألذانِ فائِتَةِ صُبْحٍ ،وكُ ِرهَ
س ِمعَ مَنْ لغريِ صُبْحٍ( .وتَرْجِيعٌ) بأن يأتِيَ بِكَِلمَيت الشَّهادَتنيِ مرتني سِراً ،أي بِحيث ُي ْ
جلهْرِ هبما لالتِّباع ،وَيصُحّ بدونِهِ( .و َجعْلُ ْمسَِّبحَتَيْه ِبصُماخَيْه) يف قَرُبَ منه عُرْفاً قبلَ ا َ
ِلصوْتِ .قال شيخنا :إن أرادَ َر ْفعَ الصّوْتِ به ،وإن األذانِ دونَ اإلِقامَةِ ،ألنه أ ْج َمعُ ل َّ
َعذرَت يدٌ َجعَلَ األخْرَى ،أو سُبابَةٌ سُنَّ َجعْلُ غريِها من َبقِيَّةِ األصاِبعِ( .و) سُنَّ ت َّ
ضعٍ عالٍ ،ولو مل يَكُنْ (فيهما) أي يف األذانِ واإلِقامَةِ (قيامٌ) وأن يؤذّنَ على مو ِ
جدِ منارَةٌ سُنَّ ِبسَ ْطحِهِ مث بِبابِهِ( .واسِتقْبالٌ) لِ ْلقِبْلَةِ ،وكُ ِرهَ تَ ْركُه( .وحتويلُ سِ لِل َم ْ
الصدْر (فيهما يَميناً) مَرَّة (يف حَيَّ على الصّالةِ) يف املرتني ،مث يَرُدّ وَجْ َههُ وَ ْجهِهِ) ال َّ
لِلقِبلَةِ (وشِماالً) مَرَّة (يف حَيَّ على الفَالحِ) يف املرتني ،مث يَرُدُّ وَ ْجهَهُ لِلقِبلَةِ .ولو ألذانِ
اخلُطْبَةِ أو ِلمَن يؤذِّ ْن لنفسِهِ .وال يلت ِفتْ يف التَّْثوِيبِ ،على نِزاعٍ فيه.
الصوْتِ باألذانِ ِلمُْنفَرِدٍ فوقَ ما يُسمَع نفسَهُ ،وملن يُؤذن [تنبيه]ُ :يسَنُّ َر ْفعُ َّ
سمِع واحداً منهُم ،وأن يباِلغَ كلٌّ يف َجهْرٍ به لألمْرِ به ،و َخ ْفضُه به جلماعَةٍ فوق ما يُ ْ
يف ُمصَلَّى أقيمَت فيه مجاعَةٌ وانصَرَفوا ،وتَرتيلُه ،وإدراجُ اإلِقامَةِ ،وتسكنيُ راءِ التكبريِ
الضمّ .وإدغامُ دالِ حممدٍ يف راءِ رَسولِ اللّهِ ألن تَركَه األُوىل .فإن مل َيفْعَلْ فاألفصَحُ َّ
حدِثٍ وصيبَ وفاسقٍ. خلفِيّ .وينبغي النُّطْقُ هباءِ الصالةِ ،وُيكْرَهان من ُم ْ من اللَّحنِ ا َ
وال َيصُحّ َنصْبُه ،ومها أفضل من اإلمامة لقوله تعاىلَ { :ومَنْ أ ْحسَنُ َق ْوالً مِمَّنْ دَعا إىل
اللَّهِ} قاَلتْ عاِئشَةُ َرضِيَ اللَّهُ عنهاُ :همُ ا ُملؤَذِّنونَ .وقيلَ :هِي أفضَلُ مِنهُما ،وُفضَِلتْ
من أ َحدِهِما بال نِزاعٍ( .و) سُنَّ (لسا ِمعِهما) سَماعاً ُيمَيِّز احلُروفَ ،وإال مل ُيعْتَدّ
ِبسَماعِهِ كما قال شيخنا .آخراً (أن يقولَ ولو غريَ مُتَوضَّىءٍ) أو جُنُباً أو حائِضاً
خالفاً للسبكي فيهما أو ُمسْتَْنجِياً فيما يظهر( ،مثل قوهلما إن مل يَ ْلحَنا حلناً ُيغَيِّر
س َمعْه .ولو َسمِعَ ا َملعْىن) .فيأيت بِكُلِّ كلمةٍ َع ِقبَ فراغِهِ منها ،حىت يف الترَّجيعِ وإن مل َي ْ
بعضَ األذانِ أجابَ فيه وفيما مل َيسْ َمعْه .ولو تَرََّتبَ املؤذنون أجابَ الكُلَّ ولو بعدَ
والذكْرَ والدُّعاءَ .وتُكْرَهُ صالتِهِ .ويكرَهُ تَرْكُ إجابَةِ األوّل .ويَق َطعُ لإلِجابَةِ القراءَةَ ِّ
ِلمُجا ِم ٍع وقاضي حَاجَةٍ ،بل ُيجِيبان بعدَ الفراغِ ،كَ ُمصَلَ إن قَرُبَ ال َفصْلُ ،ال ِلمَنْ
ِبحَمَّامٍ ،ومن َبدَنَه ما عدا َفمِه نَجِسٌ وإن وَ َجدَ ما يتطهَّر به( .إالَّ يف حَيْعالتٍ
ح ْوقِل) املُجيبُ ،أي يقولُ فيها :ال َحوْلَ وال قُوَّة إال باللّهِ العَليِّ العظيمِ .أي ال فَُي َ
35
َتحَوُّلَ عن معصَِيةِ اهلل إال ِبهِ وال قُوَّةَ على طاعَتِهِ إال ِبمَعونَتِه( .ويُصدِّق) أي يقول:
صدَ ْقتَ وَبَ َررْتَ ،مرتني .أي صرتَ ذا بُرَ ،أي خريٍ كثريٍ( .إن ثوَّبَ) أي أتى َ
ب يف الصُّبحِ .ويقول يف كَِلمَيت اإلِقامَةِ :أقامَها اللّهُ وأدامَها و َجعَلَين من صاِلحِي بالتَّثوي ِ
أهْلِها( .و) سُنَّ (لكل) من مُؤذّنٍ ومُقيمٍ وسا َمعِهما (أن ُيصَلِّيَ) وُيسَِّلمَ (على النيب)
(بعد فَراغِهما) ،أي بعدَ فراغِ كل مِنُهما إن طالَ َفصْلٌ بيَنهُما ،وإال فيكفِي هلما دعاءٌ
وا ِحدٌ( .مث) يقولُ كلٌّ منهم رافِعاً يدَيْه( :اللهُمَّ ربّ هذهِ الدعوَة) أي األذانِ واإلِقامَةِ،
حمّداً الوَسِيلَةَ وال َفضِيلَةَ واْبعَثْهُ مَقاماً (إىل آخرِهِ) .تتمَّتُهُ :التَّامَّة والصَّالةُ القاِئمَةِ ،آتِ ُم َ
َمحْمودًا الذي وَ َعدْتَهُ .والوَسيلَةُ هي أعْلَى درَجَةٍ يف اجلنَّةِ .واملقامُ احملمودُ مقامُ
الشَّفاعَ ِة يف َفصْلِ القضاءِ َيوْم القيامَةِ.
ويُسنُّ أن يقولَ بعد أذانِ املَغرِبِ :اللهَّم هذا إقبالُ ليلِكَ وإدبارُ هنارِكَ وأصواتُ
دُعاتِكَ فا ْغفِرْ يل .وتسنُّ الصالةُ على النيبِّ قبل اإلِقامَةِ ،على ما قاله النوويُّ يف شرحِ
الوَسِيطِ ،واعت َمدَهُ شيخنا ابن زياد ،وقال :أما قبلَ األذان فلم َأرَ يف ذلكَ شيئاً .وقال
الشيخ الكبري البكري أهنا تُسَنُّ قبَلهُما ،وال ُيسَنُّ حممدٌ رسولُ الّلهِ بعدَهُما .قال
خربِ" :إنَّ مَنْ الرَّوياين يف الَبحْرُِ :يسَْتحَبُّ أن يقرَأَ بني األذان واإلِقامَةِ آيَةَ الكُرْسِيّ ِل َ
قرأَ ذلكَ بني األذانِ واإلِقامَةِ مل يُكَْتبْ عليهِ ما بني الصالتني".
[فرع] :أفىت البَلْقيين فيمَنْ وافَقَ فراغُهُ من الوُضوءِ فَراغَ املُؤذِّنِ ،بأنه يأيت ِب ِذكْرِ
الوُضوءِ ألنه للعبادَة اليت فرَغَ منها ،مث ب ِذكْرِ األذانِ .قال :و َحسُنَ أن يأتِيَ بشهادَتَي
الوُضوءِ مث ِبدُعا ِء األذا ِن لَِتعَُّلقِهِ بالنيبِّ ،مث بالدُّعا ِء لِنَفسِهِ.
(فصل) :يف صالة النفل وهو ُلغَةً :الزيادَةُ .وشَرْعاً :ما يُثابُ على ِفعْلِهِ وال يُعاَقبُ
على تَ ْركِهِ .وُيعَبَّرُ عنه بالتطوُّعِ والسُّنَّةِ وا ُملسَْتحَبِّ واملَنْدوبِ .وثوابُ الفَ ْرضِ َي ْفضُلُه
ض بل ع ليُ ْكمِلَ َنقْصَ الفرائِ ِ صححَ ُه ابنُ خُزَْيمَة .وشُرِ َ بسبعني درجَةٍ ،كما يف حديثٍ َّ
ولَِيقُومَ يف اآلخِرَةِ ال يف الدُّنيا مُقامَ ما تُرِكَ منها ِل ُع ْذرِ ،كنِسيانٍ ،كما نصَّ عليه.
والصال ُة أفضَلُ عباداتِ الَبدَنِ بعد الشهادتنيَ ،ففَ ْرضُها أفضَلُ الفروضِ ،وَنفْلُها أفضَلُ
ضهُم ،وقيل :أفضَلُها الص ْومُ ،فاحلَجُّ ،فالزَّكاةُ ،على ما جَ َزمَ به بع ُ النَّوافِلِ .ويليها َّ
الزَّكاةُ .وقيل :الصَّومُ .وقيل :احلَجُّ .وقيل غري ذلك .واخلالفُ يف اإلِكثارِ مِنْ وا ِحدٍ
صوْم َي ْومٍ أفضَلُ من َر ْكعَتَني. أي عُرْفاً مع االقِتصارِ على اآلكَدِ مِنَ اآلخَرِ ،وإال فَ َ
وصالةُ َّالنفْلِ قسمان :قسمٌ ال تُسنُّ له مجاعَةٌ كالرواِتبِ التاِبعَةِ لِلفرائِضِ ،وهي ما
تأيت آنفاًُ( .يسَنُّ) لألخبارِ الصَّحيحَةِ الثابِتَةِ يف السُّنَنِ (أرَبعُ ركعاتٍ قبلَ َعصْرٍ ،و)
أرَبعٌ قبلَ ( ُظهْرٍ و) أرَبعٌ (بعدَهُ ،وركعتان بعدَ َمغْربٍ) وُندِبَ وصُلهُما بالفَ ْرضِ .وال
الذكْرُ املأثورُ بعد املكتوبَةِ( .و) بعدَ (عِشاءٍ) ُيفَوِّت فضيلَةَ الوَصْلِ بإتيانِهِ قبَلهُما ِّ
ركعتان خفيفتان (وقبلهما) ،إن مل يشَتغِلْ هبما عن إجابَةِ ا ُملؤَذِّنِ .فإن كان بني األذانِ
واإلِقامَةِ ما يَسَعهُما َفعَلَهُما ،وإال أخَّرَهُما( .و) ركعتان قبلَ (صُبْحِ) ،وُيسَنُّ
ختفي ُفهُما .وقراءة الكافرون واإلِخالصِ فيهما ،خلربِ مسلم وغريه ،ووردَ أيضاً فيهما
أَلمْ َنشْ َرحَ لكَ وأََلمْ تَرَ كَيْفَ ،وأنَّ مِن دا َومَ على قراءَتِهما فيهما زاَلتْ عنه عَِّلةُ
حقَّقَ اإلِتيانُ بالوارِدِ ،أخذاً مما قالَهُ النووي يف: جل ْمعُ فيهما بيَنهُنّ لِتََت َ البَوا ِسريِ ،فُيسَنُّ ا َ
ُطوالً َلهُما تطويالً ُيخْ ِرجُ عن إِنِّي ظََل ْمتَ َن ْفسِي ظُلْماً كَثرياً كَبِرياً .وَلمْ يَكُنْ بذلِكَ م َّ
حَدِّ السُّنَّةِ واالتِّباعِ ،كما قاله شيخنا ابن حجر وزياد .ويُْندَبُ االضْطِجاعُ بيَنهُما
َجدٍ .واألَوْىل َكوْنُه على الشِّقِّ األميَنِ، وبنيَ الفَرْض إن مل ُيؤَخِّرْهُما عنه ،ولو غريَ مَُته ِّ
فإن مل يَرِدْ ذلك فَصَ َل بنحوِ كالمٍ أو َتحَوُّلٍ.
[تنبيه] :جيوزُ تأخريُ الرواِتبِ القبلِيَّةِ عن الفَ ْرضِ وَتكونُ أداءً .وقد يُسَنُّ كأنْ
َرمُ اإلِمام فيُكْ َرهُ
َحضَرَ والصَّالةُ تُقامُ أو قَرَُبتْ إقامَتُها حبيثُ لو اشَْتغَلَ هبا َيفُوتُه َتح ُّ
36
الشروع فيها ،ال تقدمي الَب ْعدِيّة عليه ِل َع َدمِ دُخولِ َوقْتِها ،وكذا بعد خُروجِ الوَ ْقتِ على
َكدُ من الرَّواتِبِ َعشْرٌ ،وهو رَكعتان قبلَ صُبْحٍ و ُظهْرٍ وبعدَهُ وب ْعدَ ا َألوْجَهِ .وا ُملؤ َّ
َمغْربٍ وعِشاءٍ( .وِتْرٌ) (و) ُيسَنُّ أي صَالتُهُ ،بعد العِشاءِِ ،لخَبَرِ" :الوِتْرُ حَقٌّ على كُلِّ
مُسلِم" .وهو أفضَلُ من مجيعِ الرَّواِتبِ لِلخِالفِ يف وُجوبِهِ( .وأقلُّهُ َر ْكعَةٌ) ،وإن مل
يَتَق َّدمْها َنفْلٌ من سُنَّةِ العِشاءِ أو غريِها .قال يف اجملموع :وأدْىن ال َكمَال ثالث ،وأكمَلُ
سعٌ( .وأكثرُهُ إحدَى عشرة) َر ْكعَة .فال جيوزُ الزِّيادَةُ عليها بِنّيةِ منه مخسٌ فسَْبعٌ فَِت ْ
الوِتْرِ ،وإمنا َي ْفعَلَ الوِتْرُ أوتاراً .ولو أح َرمَ بالوِتْرِ ومل يَ ْنوِ عدداً صَحَّ ،واقَتصَرَ على ما
بالنفْلِ املُطْلَقِ من أن لهضهِم إحلاقُ ُه َّحثَ بع ِ شاءَ منه على ا َألوْجَهِ .قال شيخنا :وكأنَّ َب ْ
إذا َنوَى عدداً أن يَزيدَ ويُْنقِصَ َتوَ ّهمَهُ من ذلك ،وهو غََلطٌ صَريحٌ .وقوله :إنَّ يف
كالمِ الغزايلِّ عن ال َفوْرانِيّ ما يؤخَذ منهُ ذلك ،وَ ْهمٌ أيضاً ،كما ُيعَْلمُ من البَسيطِ.
وَيجْرِي ذلك فيمَن أح َرمَ بسَُّنةِ الظُّهرِ األرَْبعِ بنيةِ ال َوصْلِ فال جيوزُ له ال َفصْلُ بأن ُيسَلِّمَ
من رَكعتني ،وإن نَواهُ قبلَ َّالنقْص ،خالفاً ملن وَ َهمَ فيه أيضاً .انتهى .وجيوزُ ِلمَنْ زادَ
بتشهدٍ أو ُّ على ركعَةِ ال َفصْلِ بني كل ركعتني بالسالم وهو أفضَلُ من ال َوصْلِ
تشهدَين .والوصلُ تشهُّدين يف الرَّكعتني األخريتني ،وال جيوزُ ال َوصْلُ بأكثرِ من ُّ
ِلنهْيِ عنه يف خَبَرِ" :وال ُتشَِّبهُوا الوِتْرَ خِالفُ ا َألوْىل ،فيما عدا الثالث ،وفيها مَكروهٌ ل َّ
بِصالِة ا َملغْرِبِ" .وُيسَنُّ ِلمَنْ أوْتَرَ بثالثٍ أن َيقْ َرأَ يف األُوىل سَِّبحْ ويف الثانِيَةِ الكافرون،
ويف الثاِلثَةِ اإلِخالصِ وا ُملعَوِّذَتَيْن لالتِّباعِ .فلو أوْتَرَ بأكثَر من ثالثٍ فُيسَنُّ له ذلكَ يف
الثالثَةِ األخريَةِ إن َفصَل عما قَبْلَها ،وإال فال .كما أفىت به البلقيين .وِلمَنْ أوْتَرَ بأكثَر
من ثالثٍ قراءَةُ اإلِخْالصِ يف أُولييهَ ،فصَلَ أو َوصَلَ .وأن يقولَ بعدَ الوِتْرِ ثالثاً
صوْتَهُ بالثالِثَةِ ،مث يقول :اللهُمَّ إين أعوذُ بِرِضاكَ مِنْ سبحانَ املَلِكِ القُدُّوسِ ،ويَ ْرَفعُ َ
َسخَطِكَ ،وِبمُعافاتِكَ من عُقوبَتِكَ ،وبِك مِنْكَ ،ال ُأ ْحصِي ثناءً عليكَ أنتَ كما
أَثْنَْيتَ على نفسِكَ .و َو ْقتُ الوِتْرِ كالتَّراوِيحِ بني صَالةِ العِشاءِ ،ولو بعدَ املَغْرِبِ يف
َج ْمعِ التَّقدِميِ وطُلوعِ ال َفجْرِ ،ولو خَ َرجَ ال َو ْقتُ مل َيجُزْ قضاؤها قبلَ العِشاءِ كالرَّواتِبِ
ضهُم .ولو بانَ بُطالنُ عِشاِئهِ بعد ِفعْلِ الوِتْرِ أو التَّراويحِ َجحَهُ َب ْع ُ
الَب ْعدِيَّة ،خالفاً ملا ر َّ
َوَقعَ َنفْالً مُطْلَقاً.
[فرع]ُ :يسَنُّ ِلمَنْ وَثقَ بَيقْطَتِهِ قبلَ ال َفجْرِ بَِن ْفسِهِ أو غريِهِ أن ُيؤَخِّرَ الوِتْرَ كلَّهُ ال
خلربِ الشيخني: جلمَاعَةُ فيه بالتأخِريِ يف رَمضانَ ، التراوي َح عن أوَّلِ اللَّيلِ وإن فاتَت ا َ
"ا ْجعَلُوا آخِرَ صالتِ ُكمْ باللَّيْلِ وِتْراً" .وتأ ِخريُهُ عن صالةِ الليلِ الواقعَة فيه ،ولِمَنْ مل يثق
هبا أن يعجله قبل النوم .وال يندب إعادتَه .مث إنْ فعلَ الوتِرَ بعدَ النومِ حصلَ له به سنّة
التهجُّد أيضاً وإالّ كان وِتراً ال هتجُّداً .وقيلَ :األوىل أن يُوتِر قبلَ أنْ ينامَ مُطلَقاً ،مثّ
ويتهجدُ ،لقولِ أيب هُرْيْرَة رضي اهلل عَنه :أمَرَين رسول اهلل أن أُوتِرَ قبلَ أن أنام. َّ يقومُ
رواهُ الشيخان.
َهجدُ ،و َعمَرُ رضي الّلهُ وقد كان أبو بكرٍ رضيَ عنهُ يُوتِرَ قبلَ أن ينامَ ثُمَّ يَقومُ ويَت َّ
َجدُ ويُوتِرُ .فترافَعا إىل رَسولِ اهلل فقال{ :هذا أخَذَ عنه ينا ُم قَبْلَ أن يُوتِرَ ويَقومُ ويََته َّ
باحلَ ْزمِ يعين أبا بَكْرٍ وهذا أ َخذَ بالقُوَّةِ يعين ُعمَرَ } .وقد ُر ِويَ عن عثمانَ مثلُ فِعْلِ
أيب بكرٍ ،وعن عليَ مث ُل ِفعْلِ عُمر ،رضي اهلل عنهُم .قال يف الوسيطِ :واختارَ الشاِفعِيّ
ِفعْلُ أيب بكرٍ رضي اهلل عنه .وأما الرَّكعتان اللتان ُيصَلِّيهما الناسُ جُلوساً بعد الوِتْرِ
َرحَ به اجلوجري والشيخ زكريّا .قال يف اجملموعِ :وال َتغْتَرَّ فليستا من السُّنَّةِ ،كما ص َّ
ِبمَنْ َيعَْتقِد سُنِّيَّة ذلكَ وَيدْعُو إلي ِه ِلجَهالَتِهِ.
ُسبحْنَ بال َعشِيِّ واإلِشْراقِ} قال ابن عباس: (الضحَى) لِقولِهِ تعاىل{ :ي ِّ (و) ُيسَنُّ ُّ
صالةُ اإلِشراقِ صالةُ الضُّحى .روَى الشيخان ،عن أيب هُرَيْرة رضي اهلل عنه قال:
37
"َأوْصاين خَليلي بثالثٍ ،صِيامُ ثالثَة أيامٍ من كُلِّ شهرٍ ،و َر ْكعَيت الضُّحى ،وأن أُوتِ َر
الضحَى أي صَالتَها مثانِيَ َركَعاتٍ، قبلَ أن أنام" .وروى أبو داود أنه صَلَّى سُْبحَةَ ُّ
وسََّلمَ مِنْ كلِّ رَكعتني( .وأقَلّها ركعتان وأكثرها مثانٍ) كما يف التَّحقيقِ واملَجموعِ،
الر ْوضَةِ، الضحَى ،وهي أفضَلُها على ما يف َّ وعليه األكثرون .فَتحْ ُرمُ الزيادَةُ عليها بِنِيَّةِ ُّ
ُسلمَ من كل وأصْلها :فيجوزُ الزيادَةُ عليها بنيَّتِها إىل ثنيت عشرة ،ويُْندَب أن ي ِّ
لشمْسِ َقدْرَ ُرمْحٍ إىل الزَّوالِ واالخْتِيارُ ِفعْلُها عندَ مِضيِّ ركعتني .ووقْتُها مِن ارتِفاعِ ا َّ
رُْبعِ النَّهارِ ِلحَديثٍ صحيحٍ فيه ،فإن ترا َدَفتْ َفضِيلَةُ التأخريِ إىل رُْبعِ النَّهارِ وفَضيَلةُ
جدِ إن مل يُوءَخّرْها ،فا َألوْىل تأ ِخريُها إىل رُْبعِ النَّهارِ وإن فاتَ به ِفعْلُها سِ أدائَها يف ا َمل ْ
َعلقَةِ باملَكانِ .وُيسَنُّ أن َعلقَة بالوَ ْقتِ َأوْىل باملُراعاةِ من املُت ِّ
يف املسجدِ ،ألن الفضيلَةَ املُت ِّ
والضحَى .وورَدَ أيضاً قراءَة الكافِرونَ واإلِخالص .وا َألوْجَهُ يقرأَ سُورَتَيْ والشَّمْسِ ُّ
أنَّ َر َك َعتَيْ اإلِشراقِ مِنَ الضُّحَى ،خِالفاً للغَزايلّ ومن تَِبعَه( .و) ُيسَنُّ (ركعتا َتحِيّةٍ)
تكررَ دُخولُه أو مل يُرِدِ اجلُلوسَ ،خالفاً للشيخ َنصْر .وتَبِعَهُ الشيخ جدٍ وإن َّ لِداخِلِ َمسْ ِ
زكريا يف شَرْحَيْ املِْنهَجِ والتَّحريرِ بقوله :إن أرادَ اجلُلوسَ ،خلربِ الشيخني" :إذا دَخَلَ
جدَ فال َيجْلِس حىت يُصَلِّي ركعتني" .وتفوتُ َّالتحِيَّةُ باجلُلوسِ الطَّويلِ، أ َح ُدكُم املس ِ
جهَلْ .ويلحَقُ هبما على ا َألوْجَه ما لو احتاجَ لِلشُّرْبِ وكذا القصريِ إن مل َيسْهَ أو َي ْ
فيق َعدْ لَ ُه قليالً مث يأيت هبا ،ال بِطولِ قَيامٍ أو إعراضٍ عنها .وِلمَنْ أَحْ َرمَ هبا قائِماً القُعودُ
إلِتْمامِها .وكُرِهَ تَ ْركُها من غريِ عُ ْذرٍ .نعم ،إن قَرُبَ قيامُ مكتوبَةِ ُج ُمعَةٍ أو غريِها،
َرمِ انتظرَهُ قائِماً .وُيسَنُّ ِلمَنْ مل يتمكَّنْ بالتحِيَّةِ فوات فضيلَةِ َّالتح ُّ و َخشِيَ لو اشَتغَلَ َّ
حل ْمدُ للّهِ وال إلهَ إال اهلل واللّهُ أكبَرُ وال حدَثٍ أن يقول :سبحانَ اللّهِ وا َ منها ولو ِب َ
َحوْلَ وال قُوَّةَ إالَّ باللّهِ العَليِّ العَظيمِ ،أرْبَعاً .وُتكْرَهُ لِخَطيبٍ دخلَ َو ْقتُ اخلُطْبَةِ،
جدَ ،ال ِلمُدرِّسٍ ،خالفاً لَِب ْعضِهم( .و) رَكعتا (استِخارَةٍ) وِلمُريدِ طَوافٍ دَخَلَ املس ِ
وإحْرامٍ وطَوافٍ وَوُضوءٍ .وتَتأدَّى ركعتا َّالتحِيَّةِ وما بَ ْعدَها بركعتني فأكثرُ من فَ ْرضٍ
سقُط طَلَبُها بذلك .أما حُصولُ ثوابِها فالوَجْهُ أو َنفْلٍ آخَر ،وإن مل يَْنوِها معه ،أي َي ْ
خربِ" :إنَّما األعْمالُ بالنِّيَّاتِ" .كما قالَهُ َج ْمعٌ متأخِّرون ،واعت َمدَهُ َتوَُّقفُه على النِّيَّةِِ ،ل َ
شيخُنا .لكن ظاهِر كالمِ األصحاب حصولُ ثوابِها وإن مل يَنْوها معه ،وهو ُمقْتَضى
كالمُ اجملموعِ .وَيقْرَأُ َندْباً يف أُوىل رَ ْكعَتَي الوُضو ِء بعد الفاِتحَةَِ { :وَلوْ َّأن ُهمْ إِذْ ظََلمُوا
س ُهمْ} إىل { َرحِيماً} والثانِيَة{ :ومَنْ َي ْعمَل سُوءاً أو يَظْلِم َن ْفسَهُ} إىل {رَحِيماً}. أَْن ُف َ
ومنه صالةُ األوَّابني ،وهي عشرونَ َر ْكعَة بني ا َملغْرِبِ والعِشاءِ ،و ُروَِيتْ سِتاً وأرْبَعاً،
و َر ْكعَتَني ،وَهُما األقلّ .وتَتَأدَّى بفوائِت وغريها ،خِالفاً لشيخنا ،وا َألوْىل ِفعْلُها بعد
الفَراغِ من أَذكارِ ا َملغْرِبِ .وصالةُ التَّسبيحِ وهي أرَبعُ َركَعاتٍ بَِتسْلِيمَةٍ أو تسليمتني.
وحَديثُها َحسَنٌ لِكَثْرَةِ طُ ُرقِهِ ،وفيها ثوابٌ ال يَتَنَاهَى .ومن مث قال َبعْضُ ا ُملحَقِّقني :ال
سمَع ِبعَظيمِ َفضْلِها ويَتْ ُركُها إال مُتهاوِنٌ بالدِّين .ويقولُ يف كلِّ َر ْكعَةٍ منها َخ ْمسَةِ َي ْ
حل ْمدُ للّهِ وال إلهَ إالَّ اللّهُ واللّهُ أكْبَرُ ،خَمسَةَ عَشرَ بعدَ القِراءَةِ وسبعني سبحانَ اللّهِ وا َ
و َعشْراً يف كلَ مِنَ الرُّكوعِ ،واالعتِدالِ ،والسُّجودَيْن ،واجلُلوسِ بينهما بعد ال ّذكْرِ
سةِ االستراحَةِ .ويُكَبِّر عندَ ابتدائِها دونَ القيامِ منها ،ويأيت هبا يف حملِّ الوارِدِ فيها ،وج ْل َ
التشهدِ قبله .وجيوزُ جَعلُ اخلمسةَ عشَرَ قبلَ القراءَةِ ،وحينئذٍ يكونُ عشْرُ االسترا َحةِ ُّ
بعدَ القِراءَةِ .ولو َت َذكَّرَ يف االعتِدالِ تَرْكَ تَسبيحاتِ الرُّكوعِ مل َيجُزْ ال َعوْدُ إليه وال
ِفعْلُها يف االعتِدال ألنَّه ُركْنٌ قصريٌ ،بل يأيت هبا يف السُّجودِ .وُيسَنُّ أن ال ُيخْلي
األسبوعَ منها أو الشَّهرَ.
والقِسمُ الثاين ما ُتسَنُّ فيه اجلَماعَةُ( ،و) هو( :صالةُ العيدَيْن) أي العيد األ َكربِ
صغَرِ ،بني طلوعِ َشمْسٍ وزَوالِها .وهي ركعتان ،ويُكَبِّر َندْباً يف أُوىل َر ْكعَيت واأل ْ
38
العِيدَيْن ولو َمقْضِيَّةً على ا َألوْجَه بعد افْتِتاحٍ سَبْعاً ،ويف الثانية مخساً ،قبل َتعَوُّذ
فيهما ،رافِعاً يدَيْهِ مع كلِّ تكب َريةٍ ما مل ُيشْرِعْ يف قِراءَةٍ .وال يَتَدارَك يف الثانية إن تَرَ َكهُ
صوْتٍ، يف األُوىل .ويف ليلَتِهما من غروبِ الشَّمس إىل أن ُيحْ ِرمَ اإلِمامُ مع َر ْفعِ َ
و َع ِقبَ كل صَالةٍ ،ولو جَنازَةٍ ،من صُبْحِ عَ َرفَة إىل َعصْرِ آخِرِ أيامِ َّالتشْريقِ ،ويف عشر
سمَع صَوْتَها( .و) صالةُ (الكُسوفَيْنِ) ذي احلجَّةِ حني يرى شيئاً من َبهِيمَةِ األنْعامِ أو َي ْ
أي كُسوف الشَّمسِ وال َقمَرِ .وأقَلّها ركعتان كسُنَّة الظُّهرِ ،وأَدْىن كمالِها زيادَةُ قيامٍ
وقراءَةٍ ورُكوعٍ يف كل َر ْكعَةٍ ،وا َألكْمَلُ أن َيقْرَأ بعدَ الفاِتحَةِ يف القيامِ األوَّل البَقرَةَ أو
َق ْدرَها ،ويف الثاين كمائيت آيةٍ منها ،والثالث كمائِة وخَمْسني ،والرابع كمائة .وأن
ُيسَبِّحَ يف أوَّل ركوعٍ وسجودٍ كمائِة من الَبقَرةِ ،ويف الثاين من كل منهما كثمانني،
والثالث منهما كَسَبْعني ،والرابع كخمسنيِ( .بخُطْبَتَيْن) أي َم َعهُما (بعدَهُما) أي
ُيسَنُّ خطبتان بعد ِفعْلِ صالةِ العيدَيْن ولو يف َغدٍ فيما يَ ْظهَر والكُسوفَيْن ويفتَتِحُ أُوىل
خُطْبَتَي العِيدَيْنِ ال الكُسوف بِتِسعِ تكبرياتٍ ،والثانية ِبسَْبعِ والءٍ .وينبغي أن َيفْصلَ
بني اخلُطبتني بالتَّكبريِ ،ويكثرَ منه يف فُصولِ اخلُطبَةِ .قاله السَّبْكيّ .وال ُتسَنّ هذه
التَّكبرياتِ لِلحاضِرينَ( .و) صَالةُ (اسِتسْقاءٍ) عن َد احلا َجةِ للماءِ ِل َف ْقدِهِ أو مُلوحَتِهِ أو
قِلَّتِهِ حبيثُ ال يكفي .وهي كَصالةِ العيدِ ،لكن َيسَْتغْفِر اخلَطيبُ َبدَلَ التكبريِ يف
اخلُطْبَةِ ،ويستقبِل القِبلَةَ حالة الدُّعاءِ بعد صَ ْدرِ اخلُطْبَةِ الثانِيَةِ ،أي حنو ثُلُثها( .و) صَالةُ
(التَّراوِيحِ) ،وهي عشرونَ َر ْكعَةً ب َعشْرِ تَسلِيماتٍ ،يف كلِّ ليلةٍ مِن رمضانِ ،لخَرب:
جبُ التسليمُ من كلِّ "مَنْ قامَ رمضان إمياناً واحْتِساباً ُغفِرَ له ما َتقَدَّمَ من ذَنْبِهِ" .وَي ِ
والضحَى الظهْرِ وال َعصْرِ ُّ ركعتني ،فلو صلَّى أربعاً منها بتسليمَةٍ مل َتصُحّ ،خبالفِ سُنَّةِ ُّ
والوتْرِ .وينوي هبا التراويحَ أو قيامَ رمضان ،وِفعْلُها أوَّلُ ال َو ْقتِ أفضَلُ من ِفعْلِها أثنا َءهُ
ألن ُهمْ كانوا يَسترحيُونَ لِطولِ بعدَ النَّومِ ،خالفاً ملا وَ َهمَهُ احلليمِيّ .وسُمَِّيتْ تروايحُ َّ
َكدَةَ يف غريِ َرمَضان َعشْرٌ قيامِهم بعد كُلِّ تَسليمَتَني ،وسِرُّ العِشرين أن الرَّواِتبَ ا ُملؤ َّ
َفضُو ِعفَتْ فيه ألنه َوقْتُ ِجدَ وتَشْ ِمريٍ .وتكريرُ قُلْ ُهوَ اللّهُ أحد ثالثاً ثالثاً يف
الرَّكعات األخريَةِ من رَكعاتِها ِبدْعَةٌ غريُ َحسَنَةٍ ألن فيه إخْالالً بالسُّنَّةِ ،كما أفىت به
شيخنا.
الن ْومِ .قال اهلل تعاىلَ { :ومِنَ اللَّيْلِ وُيسَنُّ التَّ َهجُّدُ إمجاعاً ،وهو التَّنَفُّلُ لَيْالً بعدَ َّ
َجدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ} ووَردَ يف فضلِهِ أحاديثٌ كثريَةٌ وكُرِهَ ِل ُمعْتادِهِ تَ ْركُهُ بال ضَرورَةٍ. فََته َّ
ويتأكَّد أن ال َيخِلّ بِصالةٍ يف اللَّيْل بعدَ َّالن ْومِ ولو ركعتني ِلعِ َظمِ َفضْلِ ذلك .وال حَدَّ
ِل َعدَدِ َركَعاتِهِ ،وقيل :حَدُّها ثنتا عشرة ،وأن يُكْثِرَ فيه مِنَ الدُّعاءِ واالسِتغْفارِ .ونصفُهُ
السحَرِ لقولِهِ تعاىل{ :وباألَسْحارِ ُهمْ َيسْتَ ْغفِرونَ} وأن األخريُ آكدٌ ،وأفضلَهُ عندَ َّ
ُؤقتٍ إذا فاتَ كالعيدِ والرُّواتِبِ َجدِهِ .ويُْندَبُ قضاءُ َنفْلٍ م َّ يوِقظَ مَنْ يَ ْط َمعَ يف َته ُّ
والضحَى ،ال ذي سََببٍ ككُسوفٍ وَتحِيَّةٍ وسُنَّةِ وُضوءٍ .ومَنْ فاتَهُ ِورْدُهُ أي من ُّ
ِلنفْلِ املُطْلَقِ ،ولَهُ أنَّالنفْلِ املُطْلَقِ ُندِبَ له قَضاؤُه ،وكذا غريُ الصَّالةِ ،وال َحصْرَ ل َّ
التشهدُ يف َشهدٍ مع سالمٍ بال كَراهَةٍ ،فإن َنوَى َفوْقَ َر ْكعَةٍ فَلَهُ ُّ َيقَْتصِرَ على َر ْكعَةٍ بِت ُّ
كلِّ َر ْكعَتَيْن ويف ثالثٍ وأرَبعٍ فأكثر ،أو نوى َقدْراً فلَهُ زيادَةٌ وَنقْصٌ إن نُوِياً قبَلهُما
وإالَّ بَطلَت صَالتُه .فلو َنوَى ركعتني فقامَ إىل ثالِثَةٍ َسهْواً مث َت َذكّرَ فَي ْق ُعدَ وُجوباً ،مث
جدَ جدَ للسَّهو آخر صالتِه .وإن مل يشأ َق َعدَ وتشهَّدَ وس َ سُ
يَقومَ للزيادَةِ إن شاءَ ثُمَّ ي ْ
للس ْهوِ وسََّلمَ .ويُسَنُّ للمُتَنَفِّلِ ليالً أو هناراً أن ُيسَِّلمَ من كل ركعتني ،للخَبَرِ املَُّتفَقِ َّ
عليه" :صالةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى" .ويف روايَةٍ صحيحَةٍ" :والنَّهارِ" .قال يف اجملموع:
إطالَةُ القِيامِ أفضَلُ من تكِثريِ الرَّكعاتِ .وقال فيه أيضاً :أفضَلُ َّالنفْلِ عيدٌ أكبَرُ،
صغَرُ ،فَ ُكسُوفٌ .فخسوفٌ ،فاسْتِسقاءٌَ ،فوِتْرٌ ،فرَ ْكعَتا َفجْرٍ ،فبقيَّةُ الرَّواِتبِ، فأ ْ
39
فالضحَى ،فركعتا الطوافِ والتحِيَّةِ واإلِحرامِ، فجميعُها يف مَرْتَبةٍ وا ِحدَةٍ .فالتراويحُُّ ،
فالوُضوءِ.
[فائدة] :أما الصَّالةُ املعروفَةُ لَيْلَةَ الرَّغاِئبِ ونصف شعبان ويوم عاشوراء فِبدْعَةٌ
قَبيحةٌ ،وأحاديثُها موضوعَةٌ .قال شيخنا :كابنِ ُشْبهَة وغريه .وأقبَحُ منها ما اعتيدَ يف
جل ُمعَةِ األخريَةِ من رمضان َع ِقبَ صالتِها زاعِمني خلمْسِ يف ا ُ َبعْضِ البالدِ من صالةِ ا َ
ت العامِ أو ال ُعمُرِ املَتْرُوكَةِ ،وذلك حَرامٌ( .واهلل أعلم).أهنا تُكَفِّر صَلوا ِ
(فصل) يف صالة اجلماعة وَشُرِعَت باملدِينَةِ .وََأقَلّها إِمامٌ َومَ ْأمُوم ،وهِي يف
اجلُمعَةِ ،مث يف صُْبحِها ،ثُم الصبْحِ ،مث العِشاءِ ،مث العَصر ،مث الظُّهرِ ،ثُم املغربِ أ ْفضَل.
مؤكدَة) لِلخَبَرِ املتَّفقِ عَليه" :صَالةُ(صَالة اجلماعَة يف أداء مكتوبةٍ) ال جُمعةٍ (سُنَّة َّ
اجلماعَةِ أ ْفضَلُ مِنْ صَالة الفَذِّ ِبسَْبعٍ وَعِشرينَ َدرَجة" .واألفضَليَّة تَقتَضي النَّدْبية فقط،
وحِكْمة السَّبْع وَال ِعشْرينَ :أن فيها فواِئدَ تَزِيدُ عَلى صَالةِ الفَذِّ بِنحْو ذلِكَ .وَخَرَجَ
باألَدَاء ال َقضَاءَُ .نعَم ،إِنِ َّات َف َقتْ َم ْقضِيَّة اإلِمام واملأموم سُنَّت اجلماعة ،وإال فخالف
األوىل ،كَأداءِ خلْفَ قَضاء ،وَعَكْسهَ ،وفَ ْرضٌ خلفَ نَفلٍ ،وعكسه ،وَتَراوِيحُ خلْفَ
وِتر ،وعكسه .وَباملكتوبةِ :املَنذورةُ والنافلُة ،فال ُتسَنُّ فيهما اجلَماعَة ،وَال تُكْرهُ .قالَ
النّووي :وَاألصحُّ أهنا فَ ْرضُ كِفايَةٍ للرجال البالغنيَ األحرار املقيمنيَ يف املؤاداة فقط،
حبيث يظهر شِعارها مبحلّ إِقامَتِها ،وَقيل إهنا فَرضُ عَيْنٍ وهو مَذهبُ أمحد وَقيلَ
تأكدَهُ لِلرجال ،فلذلك يُكْرَه تَركُها يتأكدُ الندبُ لِلنساءِ ُّ
شَرطٌ لِصحة الصالة ،وال َّ
َل ُهمْ ،ال هلن .واجلماعة يف مكتوبة لذكر مبسجد أفضل ،نعم ،إن وُ ِجدَت يف بيته
فقط فهو أفضل ،وكذا لو كانت فيه أكثر منها يف املسجد على ما اعتمده األذرعي
وغريه .قال شيخنا :واألوْجَهُ خِالفه ،وَلو تعارَضت فضيلةُ الصَّالة يف املسجدِ
ُدمَ فيما يظهر ألنَّ ال َفضِيلةَ املتعَلّقة بذات العِبادِة َأوْىل مِنَ واحلضور خارِجه :ق ِّ
الفضيلة املتعلقة مبكاهنا أو زمانِها ،واملتعلقة بزماهنا َأوْىل مِن املتعلقة مبكاهنا .وَُتسَنُّ
إعادة املكتوبِة بِشرطِ أن تكون يف الوقِت ،وأن ال تُزادَ يف إعادهتا على مرة خالفاً
لشيخ شيوخنا أيب احلسن البكري رمحه اهلل تعاىل وَلو صُلَيتِ األُوىل مجاعَةً مع آخر
ولو واحداً ،إماماً كان أو مأموماً ،يف األوىل أو الثانية ،بنية فرض .وإن َوقَعتْ َنفْالً
فينوي إعادةَ الصالةِ املفروضةِ .واختار اإلمام أن ينوي الظهر أو العصر مثالً وال
الر ْوضَةِ ،لَكن األوَّل مُرَجَّح األكثرين ،والفرضُ األوىل، َجحَهُ يف َّ َرضُ لِلفرضِ ،ور َّ يََتع َّ
ولو بان فساد األُوىل مل جتْزِئهُ الثانية على ما اعتمده النووي وشيخنا ،خالفاً ملا قاله
شيخه زكريّا ،تبعًا للغزايل وابن العماد أي إذا نوي بالثانية الفَ ْرضَ
(وهي جبمع كثري أفضل) منها يف مجع قليل ،للخرب الصحيح" :وما كان أكثر،
حوِ ِبدْعَةِ إمامه) أي الكثري :كرافضي ،وفاسق ،ولو َف ُهوَ أ َحبّ إىل اهلل تعاىل" (إال لِن ْ
مبجرد التهمة .فاألقل مجاعة بل االنفراد أفضل ،كذا قاله شيخنا تبعاً لشيخه زكريا
رمحهما اهلل تعاىل .وكذا لو كان ال يعتقد وُجُوب َبعْضِ األركانِ أو الشّروطِ ،وإن
صدُ هبا النّفلية ،وهو مُبْطِلٌ عِندنا( .أو) كون القليل مبسجد مُتيقّن أَتى ِبهَا ،ألنه ُي ْق َ
حِلّ أرضه ،أو مال بانيه ،أو (تَعطُّلِ مَسجد) قرِيب أو بعِيد (منها) أي اجلماعة
بغيبته عنه لكونه إمامه ،أو حيضر الناس حبضوره ،فقليل اجلمع يف ذلك أفضل من
كثريه يف غريه .بل حبث بعضهم أن االنفراد باملتعطل عن الصالة فيه بغيبته أفضل،
واألوجه خالفه .ولو كان إمام القليل أوىل باإلمامة لنحو عِلمٍ كان احلضور عنده
َأوْىلَ .وَلوْ َتعَارَضَ اخلُشوعُ واجلماعةُ فهي َأوْىل .كما أطبقوا عليه حيث قالوا :إن
فرض الكفاية أفضل من السنة .وأفىت الغزايل ،وتبعه أبو احلسن البكري يف شرحه
الكبري على املنهاج بأولوية االنفراد ملن ال خيشع مع اجلماعة يف أكثر صالته .قال
40
شيخنا :وهو كذلك ،إن فات يف مجيعها .وإفتاء ابن عبد السالم بأن اخلُشوعَ َأوْىل
مُطْلَقاً إمنا يأيت على َقوْلِ أنّ اجلماعةَ سُنّة .وَلو تَعارضَ َفضِيلةُ سَماعِ القُرآنِ من اإلمام
مع قلةِ اجلَماعةِ وعدمِ مساعه مع كثرتِها ،كان األول أفضل .وجيوز ملنفرد أن ينوي
اقتداء بإِمام أثناء صالته ،وإن اختلفت ركعتهما لكن يُكْرَهُ ذَلكَ لَه دُونَ مَ ْأمُومٍ خَرَج
مِنَ اجلماعِة لِنحو حَدثِ إمَامِه فال يُكْرَهُ لَه الدُّخول يف مجاعة أخرى .فإِذا اقْتَدَى يف
األثناء لزمه موافقة اإلِمام .مث إن فَرَغ أ ّوالً كمسبوقٍ ،وإال فانتظاره أفضل .وجتوز
املفارقة بال عذر ،مع الكراهة ،فتفوت فضيلة اجلماعة .واملفارقة بعذر :كمرخص تَرَكَ
جَماعةً ،وتَ ْركُهُ سُنَّة مقصودة كتش ّهدٍ أوَّل ،وقُنوتٍ ،وَسْورةٍ ،وَتَطويله وباملأموم
ضعْفٌ أو شُغل ال تفوَّت َفضِيلَتُها .وقد جتب املفارقة ،كَأَن عَ َرضَ مُبطلٌ ِلصَالةِ إمامهِ َ
وقد عَلمَه فيلزمهُ نيَّتها فوراً وإال بَطُلَت ،وإن مل يُتابِعهُ اتفاقاً ،كما يف اجملموع.
(وُت ْدرَكُ مجاعة) يف غري مجعة ،أي فضيلَتُها ،للمصلي (ما مل يسلم إمام) أي مل
ينطق مبيم عَليْكُم يف التسليمةِ األَوىل ،وإن مل يَق َع ْد معه بأن سَلم َع ِقبَ حتَرُّمه إلِدراكه
رُكناً معه ،فيحصلُ لَهُ َجمِيعُ َثوَاهبا وَفضْلِها ،لكنه دون فضل من أدركها كلها .ومَنْ
أدرَكَ جُزْءاً مِن أوّهلا ،مث فارق بعذرٍ أو خرجَ اإلِمام بنحو حدثٍ ،حصلَ له فضلُ
اجلماعة .أما اجلمعة ،فال تدرك إال بركعة كما يأيت وُيسَنّ جلمعٍ َحضَروا واإلِمامُ قد
فَرَغَ من الرّكوعِ األخريِ أن يصربوا إىل أن ُيسَلم مث ُيحْرِموا ما مل يَضقِ الوقت .
وكذا ملن سُبِقَ بِبَعْضِ الصّالة َورَجا مجاعةً يُدرِك َم َعهُم الكلّ .لكن قال شيخنا إن
حمله ما مل يفت بانتظارهم فضيلة أوَّل الوقت ،أو وقت االختيار ،سواء يف ذلك
الرجاء واليقني .وأفىت بعضهم بأنه لو قصدها فلم يدركها كُِتبَ له أجرُها ،حلديثٍ
التحرمَ (واشتغالٍ بهُّ فيه( .و) ُت ْدرَكُ َفضِيلةُ (حترّم) مع إمام (حبضوره) أي املأموم
حضَرْه أو تَراخى فاتَتْهُ َفضِيلَتُه .نعمُ ،يغَْتفَر َرمِ إمامه) من غري تراخٍ ،فإن مل َي ْ عقب حت ُّ
لَه وَ ْسوَسَة خَفيفة وإِدْرَاكُ حترُّم اإلمام فضيلة مستقلة مأمور هبا لكونه صفوة الصالة،
وألن مُالزِمه أربعني يوماً يكتب له براءَةٌ مِنَ النار وبراءةٌ مِن النَّفاقِ كما يف احلديثِ
التحرمِ بإِدراكِ بعضِ القيَام .وَيُْندَبُ تركُ اإلِسراعِ وَإنْ خَافَ حصَلْ فَضيلةُ ُّ وَقيلَ :ي ْ
َرمِ ،وكذا اجلماعة على األصح إال يف اجلمعة ،فيجب طاقَتَه إن رجا َفوْتَ التح ُّ
إدراك التحرم قبل سالم اإلمام .وُيسَنّ إلمامٍ َومُنفَرِدٍ انتظارٌ داخل حمل الصَّالةِ مُريداً
َهدِ األخري هلل تعاىل بال تطويل ،ومتييزٌ بني الداخلني، االقِتدَاءِ به يف الركوع والتَّش ُّ
ولو لنحو عِلمٍ .وكذا يف السجدة الثانية ليلحق موافق ختلف إلِمتام فاحتة ،ال خارج
صغُرَ املسجد ،وال داخلٍ يعتادُ الُبطْءَ .وتأخريُ اإلِحرَام إِىل الرّكوعِ، عن حملّها ،وأن َ
بَلْ ُيسَ ّن َع َدمُهُ زجراً له .قال الفوراينُ :يحْ َرمُ االنتظارُ لِلتَّودُّدِ ،وُيسَ ّن لإلِمام ختفيفُ
الصالةِ مع أَبْعاضٍ وهَيْئاتٍ حبيث ال يقتصر على األقل ،وال يستويف األكمل ،إال أن
صدَ حلوقَ آخرينَ .ولو رأى مُصلَ َرضِيَ بتطويله حمصورون .وكُرِهَ لَهُ تَطويلٌ ،وإن َق َ
حنَو حَريقٍ َخفَّفَ ،وَهَلْ يلزم أم ال؟ وَجهان ،والذي يتجه أنه يلزمه إلِنقاذِ حَيَوانٍ
صدُه ظاملٌ أو حمتَرم ،وجيوزُ لَهُ إلِنقاذِ حنوِ مَالٍ كذلكَ ،ومَنْ رأى حيواناً حمترماً يَق ُ
َيغْرق ل ِزمَهُ ختليصه وتأخريَ صالة ،أو إِبطاهلا إن كان فيها ،أو ماالً جاز له ذلك.
وكُرِهَ لَهُ تَركه .وكُرِهَ ابتداء نفلٍ بعد شروعِ املقيم يف اإلقامة ولو بغري إذنِ اإلمام،
َمتهُ ،إن مل َيخْشَ بإِمتا ِمهِ َفوْتَ مجا َعةٍ ،وإال قَ َطعَهُ نَدباً ودخل فيها ،ما ملْ
فإن كان فيه أ َّ
يَ ْرجُ مجاعةً أخرى.
(و) تُدرَكُ ( َر ْكعَة) ملسبوقٍ أ ْدرَكَ اإلمامَ راكعاً بأمرين( :بتكبريةِ) اإلحرام ،مث
أخرى هلويّ ،فإِن اقتصر على تكبرية اشترط أن يأيت هبا (إلِحرام) فقط ،وأن يُتمّها
قبل أن يصري إىل أقلِّ الركوع ،وإال مل تَْن َعقِد إال جلاهِلٍ فَتَْن َعقِد لَهُ نَفالً ،خبالف ما لو
41
ِلتشْريكِ ،أو أَطْلَ َق َنوَى الرُّكوعَ وَ ْحدَه ،خللوِّها عَنِ التحَرُّم ،أو مع التحرُّم ل َّ
التحرمِ لَتمتازَ عما عا َرضَها مِنْ تَكبريَةِ ض قَرِينَيت االفْتِتاحِ واهلُ ِويَّ ،فوَجَبتْ نيةُ ُّ لَِتعَارُ ِ
ا ُهل ِويّ( .و) بإِدراكِ (رُكوعٍ حمسُوبٍ) لإلِمام وإن قَصَّرَ املأمومُ فلم ُيحْرِم إال وهو
رَاكِع .وخرج بالرّكوعِ غَيْرُه ،كاالعتِدالِ وباحملْسوبِ غيُره كرُكوعِ حمدِثٍَ ،ومَنْ يف
المَة أبو املسعودِ وابن ظهرية يف رَكعةٍ زاِئدَةٍَ .و َوقَعَ لِلزر َكشِيّ يف َقوَا ِعدِه ،وَنقَلَهُ العَ ّ
حاشية املنهاج :أنه ُيشْتَرطُ أيضاً أن يكون اإلمامُ أهالً لِلتحمُّلِ ،فلو كان اإلمام صَبياً
مل يكن ُمدْركاً للركعة ،ألنه ليس أهالً للتحمُّل( .تام) بأن يَطْمئن قبل ارتفاعِ
اإلمام عن أقلِّ الرُّكوعِ ،وهو بُلوغُ رَاحَتيْهِ رُكبَتيه (يقيناً) ،فََلوْ مل يَ ْطمَئِنَّ فيهِ قبِلَ
ارتفاعِ اإلمامِ مِنهَ ،أوْ شَكَّ يف ُحصُولِ الطُّمأنينَةِ ،فال ُيدْرِك الرَّكعةَ ،وَيسْجُدُ الشَّاكُّ
لِلسَّهوِ كما يف اجملموع ألنّه شَاكٌّ بَعدَ سَالمِ اإلِمامِ يف عَددِ َركَعاتِهِ ،فال يتحمل
عنه .وحبث األسنوي وُجوبَ رُكوع أ ْدرَكَ بهِ رَكعةً يف الو ْقتِ( .ويُكبِّر) ندباً
( َمسْبوقٌ انتقَلَ َمعَه) النتقالِه ،فلو أدْ َركَهُ ُمعَْتدِالً كَبَّرَ لِل ُهوِيِّ وما َبعْده ،أو ساجداً
جدَةِ تِالوةٍ مل يُكَبِّر للهويِّ إليه ،ويُوافِقه ندباً يف ذكرِ ما أ ْدرَكَهُ فيهِ من مثالً غري َس ْ
َهدِ املأمومِ َهدٍ ،ودُعاء ،وَكذا صالةٍ على اآللِ ،ولو يف َتش ُّ حتميدٍ ،وتَسبيحٍ ،وَتش ُّ
األوَّل .قاله شيخنا.
(و) يُكبِّرُ مسبوقٌ لِلقيامِ (بعد سَالمَيْهِ إن كان) احملل الذي جلس مَعه فيه (موضع
جُلو ِسهِ) لو انفَرَدَ ،كأن أَ ْد َركَه يف ثَالثةِ رُباعِيَّة ،أو ثانيِة مَغربٍ ،وَإال مل يكبَّر لِلقيام،
ويَ ْرفَع َيدَيْه تَبِعاً إلِمامِهِ القائمِ مِنْ تَشهُّده األوّل ،وإن مل يكن حمل تشهده ،وال يتورَّك
يف غريِ تشهده األَخري .وُيسَنّ له أن ال َيقُومَ ِإالّ َب ْعدَ َتسْليمَيت اإلِمام .وَحَ ُرمَ مُكثٌ بعد
تسليمَتيْه إن مل يكن حمل جلوسه فتبطل صالتُه به إن تَعمَّد وعَلمَ حترميَه .وال يَقوم
قبل سالم اإلمام ،فإن َتعَمَّده بال نيَّةِ مُفا َرقَةٍ بطُلَت .واملرادُ مُفا َرقَةُ حَدِّ القعودِ ،فإِن
سَها أو َجهَل مل ُيعْتدّ جبميع ما أتى به حىت َيجْلِسُ ،ثمّ يَقومُ بعد سَالمِ اإلِمام .ومىت
ّشهدِ األَوَّلِ عامداً، عَلمَ ومل َيجْلِس بَ َطلَت صَالتُه .وبه فارَقَ مَنْ قَام عن إمامِهِ يف الت ُّ
فإِنه يعتدّ بقراءَتِهِ قَبلَ قيام اإلِمام ألنه ال يلزمْهُ ال َعوْدُ إليه( ،وشُرِط لق ْدوَةٍ) شُروطٌ
منها( :نيةُ اقتداءٍ ،أو مجاعةٍ) ،أو ائتمامٍ باإلمام احلاضِرِ ،أو الصَّالةِ َمعَهُ ،أو َكوْنَه
مأموماً (مع حترّم) أي جيب أن تكون هذه النيّة ُمقْترِنَةً مع التحرُّم .وإذا مل تَقْتَرِنُ نيةٌ
جل ُمعَة الشتراطِ اجلَماعَةِ فيها ،وَتَْن َعقِد غَيُرها فَرَادَى. حنوَ االقِتداءِ بالتحُّرمِ مل تَْن َع ِقدِ ا ُ
فََلوْ تَرَ َك هذِهِ النيةََ ،أوْ شكِّ فيها ،وتابعَ مُصلياً يف فعلٍ ،كأن َهوَى لِلركوعِ متابعاً له،
صدَ ذلكَ مِنْ غريِ اقتداءٍ به وَطَالَ عُرْفاً انتظارُهُ لَه ،بَطَلت صالته. أو يف سالمٍ بأن َق َ
(ونية إما َمةٍ) أو جَماعَةٍ (سُنَّة إلمام يف غريِ ُج ُمعَة) لينالَ َفضْلَ اجلَماعَةَِ ،ولِلخُروجِ مِنْ
حترمِهِ وَإِنْ مل يكن خ ْلفَه أ َحدٌ ،إن وَثَقَ باجلما َعةِ خِالفَ مَنْ أَوْجَبَها .وَتصُحُّ نيَّتُها مع ُّ
على ا َألوْجَهِ ،ألنه سَيَصري إماماً ،فإن مل ينوِ ،وَلو ِل َع َدمِ عِلمِهِ باملقتدينَ ،حصَلَ هلُم
الفَضلُ دُونَه ،وَإن نَواهُ يف األثناءِ ،حَصَلَ لهُ ال َفضْلُ مِن حِينِئذٍ ،أما يف اجلمعة فتلزمه
تقد َمتْ مع التحرّم( .و) منها( :عدم تَق ّدمٍ) يف املكانِ يقيناً (على إمامٍ ِبعَقبٍ) وإن َّ
َّقدمِ فال ُيؤَثِّر وال َيضُرّ ُمسَاوَاتُهِ ،لكنها مكروهة( .وَُندِبَ أصَابِعُه .أما الشَّكّ يف الت ُّ
ني اإلِمام) وإال سُنَّ له حتْويُلهُ لالتِّباعِ حضَرْ غَريُه( ،عن مي ِ ُوقُوف َذكَرٍ) ولو صبياً مل َي ْ
(مُتَأَخِّر) عَنْهُ (قَليالً) ،بأَنْ تَتَأَخَّر َأصَاِبعُهُ عَن َعقِب ِإمَامهِ .وخَ َرجَ بالذَّكرِ األُنَثَى،
فتَقفُ خ ْلفَه ،مع مَزِيدِ تَأَخُّر( .فإِن جاء) َذكَرٌ (آخرُ ،أحْ َرمَ عن يسارِه) ،وَيتأَخَّر
قليالً( ،مث) بعد إِحرامِهِ (تأخّرَا) عَنه نَدباً ،يف قيامٍ أو ركوعٍ ،حىت يصريا صفاً وراءه.
(و) وقوف (رجلني) جاءا معاً (أو رجال) َقصَدوا االقتِدَاءَ ُمبصَلَ (خلْفه) صَفاً( ،و)
ُندِبَ وُقوف (يف صف أَوَّل) وَ ُهوَ مَا يلي اإلِمامَ ،وَإِن ختلَّلَهُ مِنْبَرٌ أو عمودُ( ،ثمّ مَا
42
يليهِ) وهكذا .وَأَ ْفضَلُ كُلّ صفٍ ميينُهَ .ولَو تَرادَفَ مينيُ اإلِمامِ وَالصَّفُّ األَوَّل قُدِّم
فيما يَظهَر وَميينُهُ َأوْىل من القُرْبِ إِليهِ يف يساره ،وإِدراكَ الصَّف األوَّل َأوْىل مِنْ
صدُ الصَّف األوّلِ فإِدراكها إِدراكِ رُكوعِ غري الركعةِ األخرية .أما هي :فإِن فَوَّتَها َق ْ
َأوْىل مِن الصَّفّ األوّل( .وكُرِهَ) ملأمومٍ (انفرادٌ) عن الصف الذي من جنسه إن وَ َجدَ
فيه َسعَة ،بَل َيدْخله( .وَشُروعٌ يف صَفَ قبل إمتام ما قبله) من الصَّف ،ووقوفُ الذَّكر
الفَرْدِ عن يساره ،ووراءه ،وحماذياً له ،ومُتأخِّراً كثرياً .وكل هذه ُتفَوِّتُ َفضِيلةَ
اجلماعَةِ كما صَرّحوا به .وُيسَنُّ أن ال يزيدَ ما بني كل صَفيْنِ واألوّل واإلِمام على
ثَالثَةِ أَ ْذرُعٍ .ويقف خلف اإلمام الرجال ،مث الصبيان ،مث النساء .وال ُيؤَخَّرُ الصبيانُ
للبالغني ،الحتاد جِنسهم( ،و) منها( :عِلمٌ بانتقالِ إمام) برؤية له ،أو لبعض صفّ ،أو
ُبلغٍ ثقة( ،و) منها (اجتماعهما) أي اإلمام واملأموم سَماعٍ لصوته ،أو صَوت م ِّ
(مبكان) كما عهد عليه اجلماعات يف العصر اخلالية( ،فإِن كانا مبسجد) ومنه جِداره
وَرحبته ،وهي ما خرج عنه ،لكن ُحجِرَ ألجله ،سواء أعُلمَ وَقفيَّتها مسجد أو ُجهِلَ
أمرُها ،عمالً بالظاهر ،وهو التحويط ،لكن ما مل يتيقن ُحدُوثها بعده ،وأهنا غري
ضعٌ اتصل به وهُيِّىءَ ملصلحتِه ،كانصبابِ ماء ،ووضعِ نِعال مسجد ال حَرميُه ،وهو َم ْو ِ
(صحَّ االقتداءُ) وإن زادَتِ املسافةُ بينهما على ثُلثمائَةُ ذِراعٍ ،أو اختلفت األبنية،
خبالف من ببناء فيه ال يُْن ُفذُ بابُه إليه :سُمِّرَ ،أو كان سَطحاً ال مَرْقى لَهُ مِنه فال َتصُحُّ
القُ ْدوَةُ ،إذْ ال اجتماعَ حينئذٍ كما لو وَقفَ مَنْ وراءَ شُباك بِجدارِ املسجدِ وَال َيصِل
إليه إال با ْزوِرار أو انعِطافٍ بأن ينحرفَ عن جِهةِ القبلةِ لو أراد الدخولَ إىل اإلِمام.
(ولو كان أ َحدُمها فيه) أي املسجد (واآلخر خارِجَه شُرط) مع قُربِ املسافةِ بأن ال
يزيد ما بينهما على ثلثمائة ذراع تقريباً ( َع َدمُ حائلٍ) بينهما مينعُ مروراً أو رؤية( ،أو
وقوفُ واحدٍ) من املأمومني (حِذاء مَن َفذٍ) يف احلائلِ إن كان ،كما إذا كانا ببناءين،
كصحن وصفةٍ من دارٍ ،أو كان أحدمها ببناء واآلخر بفضاء ،فيُشتَرطُ أيضاً هنا ما
مرّ .فإِن حَالَ ما مينعُ مُروراً كشُباكٍ ،أو رؤيةً كبابٍ مردودٍ وإن مل ُتغْلَقُ ضُبَّتُه ،ملن ِعهِ
املشاهدة ،وإن مل مينع االستطراق .ومثله السِّتر املرْخَى .أو مل يقف أحد حذاء منفذ،
مل َيصُحّ االقتداءُ فيهما .وإذا وقف واحد مِنَ املأمومني حِذاءَ املن َفذِ حىت يَرَى اإلِمام أو
بَعضَ مَن معه يف بنائه ،فحينئذ َتصُحُّ صَالةُ مَنْ باملكانِ اآلخَرِ ،تِبعاً هلذا املشاهِد ،فهو
يف حقهم كاإلِمام ،حىت ال جيوز عليه يف املوقف واإلِحرام ،وال بأس بالتقدّم عليه يف
األفعال ،وال يضرُّهم بُطالنُ صَالتِه بعد إحرامهم على ا َألوْجَهِ ،كَردِّ الريح البابَ
أثناءَها ،ألنه ُيغَْتفُر يف الدّوام ما ال ُيغْتَفَر يف االبتداء.
[فرع] :لو وقف أحدمها يف عُلوَ واآلخرُ يف سُفلٍ ،اشتُرِطَ عَدم احليلولة ،ال
حماذاة قدمِ األعْلى رَأسَ األسفلِ ،وإن كانا يف غري مسجد .على ما دل عليه كالم
الروضة وأصلها واجملموع خالفاً جلمع متأخريين .ويُكْرهُ ارتفاعُ أحدِمها على اآلخر
بال حاجة ،ولو يف املسجد(.و) منها (موافقةٌ يف سُنَنٍ َتفْحشُ خمالِف ٌة فيها) فِعالً أو
تَركاً ،فتبطُلُ صالة من َوَق َعتْ بينه وبني اإلمام خمالفة يف سُنة ،كسجدة تالوة َفعَلها
اإلمام وتَرَكها املأمومُ عامداً عاملِاً بالتحرمي ،وَتشَهَّد أوّلَ فعله اإلمامُ وتركَهُ املأمومُ ،أو
تَرَكهُ اإلمام ،وفَعلهُ املأمومُ عامداً عاملاً ،وإن حلقهُ على القُرب ،حيث مل جيلِسِ اإلمامُ
لالستراحة ِلعُدولِهِ عن فَ ْرضِ املتابعةِ إىل سُنّة .أما إذا مل تفحش املخالفة فيها فال يضر
اإلِتيان بالسُّنّة ،كقُنوتٍ أَدركَ مع اإلِتيان به اإلِمامُ يف سجدته األوىل .وفارَقَ
التشهُّد ا َألوّلَ بأنه فيه أَحدَثَ قعوداً مل يف َعلْه اإلِمام ،وهذا إمنا طَوَّل ما كان فيه
اإلِمام ،فال فُحشَ ،وكذا ال يضرّ اإلِتيان بالتشهد األوّل إن جلسَ إمامُه
لالستراحة ،ألن الضارَّ إمنا ُهوَ إحداثُ جُلوسٍ مل يفع ْلهُ اإلِمامُ ،وإال مل يَجُزْ ،وأبْطَلَ
43
ق بعذر ،فيكون َأوْىل .وإذا مل يَفرَ ِ
غ صَالةَ العَامل العا ِمدِ ،ما مل يَْنوِ مفارقَتَهُ ،وهو فُرا ٌ
املأمومُ منه مع فراغ اإلمام جاز له التخلّفُ إلمتامه ،بل ُندِبَ إن علم أنه يُدرِك الفاحتةَ
بِكماهلا قبل رُكوعُ اإلمام ،ال التخلّفُ إلمتام سُورة ،بل يُكره ،إذا مل يلحَقِ اإلمامَ يف
الركوعِ(.و) منها ( َع َدمُ ختلُّفٍ عن إمام بِ ُركْنيْن ِفعْليني) مُتواليني تامّني (بال عذر مع
َتعَمُّد وعِلم) بالتحرمي ،وإن مل يكونا طويلني .فإن ختلف هبما بطلت صالته لفحشِ
املخالفة ،كأن رَكعَ اإلِمامُ ،واعتدَلَ وَه ِويَ للسجودِ أي زالَ من َحدّ القيامِ واملأموم
قائمٌ .وخرج بال ِفعْليني القَوْليان ،والقَوْيلُّ وال ِفعْليُّ (و) َع َدمُ ختلّفٍ عنه معهما (بأكثر
من ثَالثِة أركانٍ طويلة) فال حيسب منها االعتدالُ واجللوسُ بني السجدتني (بعذرٍ
أوْجَبَه) أي اقتضى وُجوب ذلك التخلّف( ،كإِسراع إمام قراءة) واملأموم بُطيء
القراءة لعجز خلْقيّ ،ال ِلوَ ْسوَسَةٍ أو احلركات( .وانتظامُ مأمومٍ سكْتَتَه) أي سكتَةَ
اإلمام ليقرأ فيها الفاحتة ،فركع َعقِبَها ،و َس ْهوُه عنها حىت ركع اإلمام .وشَكُّهُ فيها قبل
ركوعه .أما التخلف ِلوَسْوسَة ،بأن كان يُردّد الكلمات مِن غريِ مُوجبٍ فَليس بعذرٍ.
قال شيخنا :ينبغي يف ذي وَسوسةٍ صارت كاخللقيةِ حبيث يقطع كل مَن رَآهُ أنه ال
الص َورِ املذكورة إمتامُ
ميكنهُ تَركُها أن يأيتَ فيهِ ما يف بطيءِ احلركة ،فيلزمُ املأمومَ يف ُّ
الفاحتة ،ما مل يتخلف بأكثر من ثالثة أركان طويلة ،وإن ختلف مع عذر بأكثر من
الثالثة بِأنْ ال يفرغَ مِنَ الفاحتةِ إالّ واإلمامُ قائمٌ عن السُّجودِ أو جالِسٌ للتشهّد
(فليوافِقْ) إمامَه ،وُجوباً (يف) الركن (الرابع) وهو القيام ،أو اجللوس للتشهّد ،ويترك
تَرتيبَ نفسِه( ،مث يَتدارَك) بعد سالم اإلمام ما بقيَ عليه ،فإِن مل يُوافِقهُ يف الرابعِ ،مَع
ت صَالتُه ،إن عَلم وتَ َعمّد .وإن رَكعَ املأمومُ ب املتابعةِ ومل يَْن ِو املفا َرقَة بَطَُل ْ
عِلمِهِ بوجو ِ
مع اإلمامِ فشَكَّ هل قَرَأ الفاحتةَ ،أو تَذكَّرَ أنه مل َيقْ َرأْها؟ مل َيجُزْ له ال َعوْدُ إىل القيام،
وَتَداركَ بَعدَ سالم اإلمام رَكعةً .فإن عادَ عاملاً عامِداً بَطلتْ صالتُه ،وإال فال .فلو
َك يف إِكماهلا فإِنه ال يؤثّر. تيقّنَ القراءَةَ وش َّ
سعُ الفاحتةَ بالنسبة (ولو اشتغل مسبوقٌ) وهو مَنْ مل يُدرِكْ من قيامِ اإلمام ،قدراً يَ َ
إىل القِراءةِ املعتدلة وهو ضِدُّ املوافِق .ولو شَكَّ هل أ ْدرَك زمناً َيسَعها؟ ختلف إلِمتامها،
وال يُدرِك الركعة ما مل يُد ِركْه يف الركوع (بسُنّة) كَتعَوُّذٍ ،وافتتاحٍ ،أو مل يشتغل
بشيء ،بأن سكت زمناً بعد حترُّمهِ وقبل قراءته ،وهو عَامل بأن واجِبَه الفاحتة .أو
استمعَ قراءةَ اإلِمام (قرأ) وجوباً مِنَ الفاحتةِ بعد ركوعِ اإلِمام ،سَواء أَعَلمَ أنه يُدرِك
اإلِمام قبل رَفعِهِ مِن سُجوده أم ال على األوْجَهَ( .ق ْدرَها) حُروفاً يف ظَنه ،أو َقدْرَ
َزمَنٍ من سُكوته لِتقصريِهِ ِبعُدولِهِ عن فَ ْرضٍ إىل غَريه( .و ُع ِذرَ) مَنْ ختلَّف ِلسُنّة ،كُبطْءِ
القراءِة على ما قاله الشيخان ،كالبَغ ِويّ ِلوُجوب التخلّفِ ،فيَتخلّفْ وُي ْدرِك الرَّكعةَ،
ما مل ُيسْبَق بأكثر مِن ثالثةِ أركانٍ ،خِالفاً ملا اعت َمدَهُ جَمعٌ حمقِّقونَ مِن كونِهِ غريَ
صريِهِ بالعُدولِ املذكور .وَجَ َزمَ بهِ شيخنا يف شرح املنهاج وفتاويه ،مث قال: َمعذورٍ لِتق ِ
مَن عَبَّر بعذره فعِبارتُه ُمؤَوَّلة .وعليه :إن مل يدرِكِ اإلمامَ يف الركوع فاتته الرَّكعة ،وال
سبَ له ،بل يُتابِعه يف ُهوِيّه للسجودِ ،إال بطلت صالته ،إن علم يَرْكع ،ألنه ال يُح َ
وتعمّد .مث قال :والذي يتجه أنه يتخلف لقراءة ما لَ ِزمَه حىت يريد اإلمامُ اهلُويَّ
للسجود ،فإِن كمل وافقه فيه ،وال يركع ،وإال بطلت صالته إن علم وتعمد ،وإال
فارقه بالنية .قال شيخنا يف شرح اإلِرشاد :واألقرب للمنقولِ األوّلُ ،وعليه أكثرُ
املتأخرين .أما إذا رَكع بدون قراءةِ قدرها فتبطل صالته .ويف شَ ْرحِ املنهاج له عن
ُمعْ َظمِ األصحاب :أنه يَ ْركَع ويَسقُط عنهُ بَقيةُ الفاحتة .واختري ،بل رجحه مجع
متأخرون ،وأطالوا يف االستدالل له ،وأن كالم الشيخني يقتضيه .أما إذا َجهَل أن
واجِبَهُ ذلك فهو ختّلفِه ملا لَ ِزمَهُ مُتخلّف بعذرٍ .قاله القاضي .وخرج باملسبوقِ املوافقُ،
44
فإِنه إذا مل يُتمّ الفاحتةَ الشتغالهِ ِبسُنّة ،كدُعاءِ افتتاحٍ ،وإن مل يظنّ إدراك الفاحتةَ معه،
يكون كبطيءِ القراءةِ فيما مَرّ ،بال نزاع( .وسَْب ُقهُ) أي املأموم( ،على إمام) عامِداً
عاملاً (ب) متام (ركنني فعليني) وإن مل يكونا طويلني (مُبطِلٌ) للصالة ،لِفحشِ
املخالفة .وصورة التقدّم هبما :أن يَرْكع ويعتدِلَ مث َيهْوي للسجودِ مثالً واإلمام قائم،
أو كأن يركع قبل اإلمامِ ،فلما أراد اإلمامُ أن ير َكعَ رَفَعَ ،فلما أراد اإلمامُ أن يركع
جدَ ،فَلم جيتمِع معه يف الركوعِ وال يف االعتدالِ .ولو سَبَقَ هبما سهواً أو جهالً مل َس َ
يضرّ ،لكن ال ُيعْتَدُّ له هبما .فإذا مل َيعُد لإلتيان هبما مع اإلمام سَهواً أو َجهْالً أتى بعد
سَالمِ إمامِه بِركعَةٍ ،وإال أعادَ الصالةَ( .و) سَبْقُ ُه عليه عامداً عاملاً (ب) متام (ركن
فعليَ) كأنْ َر َكعَ ورََفعَ واإلمامُ قائمٌ (حَرام) بِخالفِ التخلفِ به فإنه مَكروه كما
يأيت ،ومن تقدم بركنٍ سُنَّ له ال َعوْدُ ليوافقه إن تعمد ،وإال ختيّر بني العود والدوام.
(ومقارنته) أي مقارنة املأموم اإلمام (يف أفعال) ،وكذا أقوال غري حترّم (مكروهة:
تعمدِ أ َحدِ هذه كتخلف عنه) أي اإلمام (إىل فراغ رُكنٍ) وتقدَّم عليه بابتدائه ،وعِندَ ُّ
الثالثة تفوته فضيلة اجلماعة .فهي مجاعَةٌ صحيحة ،لكن ال ثوابَ عليها ،فيسقُط إمثُ
تَركها أو كَرَاهَته .ف َقوْل جَمعٍ انتفاءُ الفضيلةِ ،يلزمه اخلروجُ عن املتابعةِ حَىت يصريَ
جل ُمعَة ،وَ ْهمٌ ،كما بينه الزركشي وغريه .وجيري ذلك يف كلّ كاملنفر ِد وال تصحّ له ا ُ
مكروهٍ من حيث اجلماعة بأن مل يتُصوَّر وُجودُهُ يف غريها .فالسّنة للمأموم أن يتأخّرَ
ابتداءُ فعِله عن ابتداءِ فعلِ اإلمام ،ويتق ّدمَ على فراغِه منه ،واألكمل من هذا أن يتأخرَ
ابتداءُ فِعلِ املأمومِ عن مجيعِ حَركةِ اإلمامِ ،وال َيشْرَعُ حَىت يَصلَ اإلمامُ حلقيقةِ املُنَْتقِل
إليه ،فال َيهْوي لِلرّكوع والسجودِ حىت يَستوِي اإلمامُ راكعاً ،أو تَصلَ جبهتُهُ إىل
املسجدِ .ولو قارَنَهُ بالتحرمِ أو تبيَّن تَأخُّرُ حترُّم اإلمام مل تنعقدِ صَالتُه وال بأس بإِعادِتهِ
التَّكبريَ سِراً بِنيَّةٍ ثانية إن مل يشعروا ،وال باملقارنة يف السالم ،وإن سَبَقَهُ بالفاحتة أو
التشهّد ،بأن فَرَغَ من أ َحدِمها قبلَ شروع اإلمام فيه مل يَضُر .وقيلِ :جتبُ اإلعادةُ مَع
فعلِ اإلمام أو َبعْده ،وهو َأوْىلَ .فعَليه إنْ مل ُي ِعدْه بَطلتْ .وُيسَنّ مراعاةُ هَذا اخلِالف
كما يُسنّ تَأخريُ مجِيعِ فاحتتِهِ عن فاحتةِ اإلمامِ ،ولو يف أُولييِ السِّرِّيَّة إن ظَنَّ أنه يقرأ
السُّورة .ولو عَلم أن إمامَهُ َيقَْتصِرُ على الفاحتة لزمَهُ أن يقرأها مع قراءِة اإلمام( .وال
َيصُحّ قدوةٌ مبن اعتقدَ بُطالنَ صالتِه) بإن ارتَ َكبَ مُبْطِالً يف اعتِقادِ املأمومِ ،كشافعيّ
اقتدى ِبحَنَفي مَسَّ فَرْجَه ،دون ما إذا افَْتصَد نظرًا العتقاد املقَتدِي ،ألن اإلِمامَ حمِدثٌ
صدِ ،فيتعَذَّر رَبطُ صالتِه بصالةِ اإلِمامِ ،ألنه عندَهُ ليس يف صالة. عندَهُ باملسِّ دون ال َف ْ
ولو شَكّ شافعيّ يف إِتيانِ املخالِفِ بالواجبات عند املأمومِ مل يُؤثِّر يف صحة االقتداء
به ،حتسيناً للظن به يف َتوَقي اخلالف ،فال َيضُرُّ عَدمُ اعتقادِه الوُجوب.
[فرع] :لو قام إمامُه لزيادةٍ ،كخامسةٍ ،ولو سَهواً ،مل َيجُزْ له متابَعَته ،ولو
مَسبوقاً أو شاكّاً يف رَكعة ،بل يفارِقه ،ويسلم ،أو ينتظره على املعتمد ( .وال) قُدوَةَ
(مبقتدٍ) ولو احتماالً ،وإن بانَ إماماً .وخرجَ مبقتدٍ من انقط َعتْ قُدوَتُهُ ،كأن سلم
اإلمامُ فقام مسبوقٌ فاقتَدَى به آخرٌ صحّت ،أو قامَ مسبوقون فاقتدَى بعضُهُم ببعضٍ
صَحَّت أيضاً على املعتمد لكن مع الكراهة( .وال) قُدوَةُ (قارىء بأمِّي) وهو مَن
يَخلُّ بالفاحتة أو بعضها ،ولو حبرف منها ،بأن يَعجَزَ عنه بالكُلية ،أو عن إخراجِه عن
مَخرَجِه ،أو عن أصلِ تشديدةٍ ،وإن مل ميكِنهُ التعلمَ وال عَلمَ حبالِهِ ،ألنه ال َيصْلح
لتحمُّلِ القراءَةِ عنهُ لو أ ْد َركَه راكِعاً .وَيصُحّ االقتدَاءُ مبن يَجوزُ كونُه أمِّياً إال إذا مل
جيهَرْ يف َجهْرِيَّة فيلزمه مفا َرقَتهُ ،فإِن استمر جاهالً حَىت سلم لزِمتهُ اإلِعادَةُ ،ما مل يتبيّن
أنه قارِىء .وحملّ عَدم صحةِ االقتداء باألمّي :إن مل َيسَْتوِ اإلمام واملأموم يف احلرف
املعْجوزِ عنه ،بأن أحسَنَه املأمومُ فقط ،أو أحَسنَ كلّ منهما غري ما أ ْحسَنَهُ اآلخَر.
45
ومنه َأرَتّ يدغمُ يف غري حمله بإِبدالٍ ،وألَثغَ يبدلُ حرفاً بآخر .فإن أمكَنهُ التعلم ومل
صحّت كاقتدائه مبثله ،وكُرِهَ اقِتدَاءٌ بنحوِ تأتاءَ ،وفأفاءَ، يتعلم مل تَصح صالته ،وإال َ
والحِنٍ مبا ال يُغيِّر َمعْنًى ،كضَمِّ هاءِ "ِللّهِ" وفَتحِ دَال "َنعْبُدُ" ،فإن حلَنَ حلناً يغيّر املعىن
يف الفاحتة ك "أنعمتَ" بكسرٍ أو ضمَ ،أَبطَلَ صالة من أمْكَنَهُ التَّعلم وملْ يَتَعلم ،ألنه
صريِهِ .قال شيخنا :ويظهَرُ ليْسَ بِقرآنٍ .نعم ،إن ضاقَ الوقتُ صَلى حلُ ْرمَِتهِ ،وأعادَ لَِت ْق ِ
أنه ال يأيت بتلك الكلمة ،ألنه غري قرآنٍ قطعاً ،فلم تتوقف صِحةُ الصالةِ حينئذٍ عليها،
َحتّ صالتُه ،والقدوةُ بل َتعَمُّدها ولو من مثل هذا مُبْطِل .انتهى .أو يف غريها :ص َّ
به ،إال إذا قَدر وعَلمَ وتَعمّد ،ألنه حينئذٍ كالم أجنيب .وحَيثُ بَطلت صالته هنا يَبْطُلُ
االقتداءُ به .لكن للعامل حبالِه كما قاله املاوردي واختارَ السبكي ما اقتضاه قول
اإلمام ليس هلذا قراءة غري الفاحتة ،ألنه يتكلم مبا ليس بقرآن ،بال ضرورة مِنَ البُطالنِ
مُطلقاً( .ولو اقتدَى مبن ظَنَّهُ أهالً) لإلمامة (فبانَ خِالفه) كأن ظَنّه قارئاً ،أو غري
مأمومٍ ،أو رَجالً ،أو عَاقَالً فبانَ أمّياً ،أو مأموماً ،أو امرأة ،أو جمنوناً ،أعادَ الصالة
وجوباً لتقصريِهِ بِتركِ البحثِ يف ذلك (ال) إن اقتدَى مبن ظَنّه مُتَطهِّراً فبانَ (ذا َحدَثٍ)
ولو َحدَثاً أكبَرَ( ،أو) ذا (خََبثٍ) خَفيّ ،ولو يف مجعة إن زاد على األربعني :فال جتب
اإلعادة ،وإن كان اإلمامُ عاملاً النتفاءِ تقصريِ املأمومِ ،إذ ال أمارَة عليهِما ،ومِن مث
َحصَلَ له فضلُ اجلَماعَةِ .أما إذا بانَ ذا خََبثٍ ظاهِرٍ فيلزمه اإلعادَةُ على غري األ ْعمَى
لِتقصريِهِ ،وهو ما بظاهر الثَّوبِ ،وإن حال بني اإلمامِ واملأمومِ حائل .وا َألوْجَهُ يف
صحّح النوويّ يف ضبطِهِ أن يكونَ حبيثُ لو تأمَّلَهُ املأمومُ رآه ،واخلفيّ خبالفهِ .و َ
التحقيق ع َدمَ وجوبِ اإلِعادَةِ مُطلقاًَ ( .وصَحَّ اقتداءُ سليم بسَلِسٍ) لِلَبوْلِ أو ا َمل ْذيِ أو
الضُّراطِ ،وقائمٌ بقا ِعدٍ ،ومُتَوضّىءٌ مبتيممٍ ال تَل َزمْهُ إعادَةَ ( .وكُ ِرهَ) اقتِداءٌ (بفاسقٍ
ومبتَدعٍ) كرافِضيّ ،وإنْ مل يو َجدْ أحدٌ سوامها ما مل َيخْشَ فِتْنَةً وقيل :ال َيصُحّ
االقتِداء هبما .وكُرِهَ أيضاً اقتداءٌ مبوسوسٍ وأقلَفَ ،ال ِبوَلدِ الزنا ،لكنه خالف األوىل.
واختار السبكيّ ومن تبعَه انتقاءَ الكراهَةِ إذا تع ّذرَتِ اجلماعةُ إال خلفَ مَنْ تُكرَه
خلفَه ،بل هي أفضل من االنفراد .وجَزَم شيخنا بأهنا ال تزول حينئذ ،بل االنفرادُ
أفضلُ منها .وقال بعض أصحابنا :وا َألوْجَهُ عندي ما قاله السبك ّي رمحه اهلل تعاىل.
خربِ الصّحيح" :أنه أمَرَ [تتمة] :وعُذرُ اجلماعة كاجلمعة ،مطرٌ يبلُّ ثوبَه لِل َ
بالصالة يف الرّحالِ يَومَ مَطَرٍ يبلّ أسفَلَ النعالِ" خبالف ما ال يبله .نعم ،قطر املاء من
سقوف الطريق عُذرٌ ،وإن مل يَبُلّه ،لغلبة جناسَتِه أو اسِت ْقذَارِهَ .ووَحْلٌ مل يَأمَن معه
التّلوّث باملشي فيه أو الزَّلق ،وحَرّ شديدٌ ،وإن وَجَد ظِالًّ ميشي فيه ،وبَردٌ شديد،
وظُلمةٌ شديدة بالليل ،و َمشَقةُ مَ َرضٍ وإن مل تُبحِ اجللوسَ يف الفرضِ ،ال صُداعٌ يَسريُ
ومُدافَعةُ َحدَثٍ من بولً أو غائطٍ أو ريح ،فتُكْرهُ الصالةُ معها .وإن خاف َفوْتَ
اجلماعة لو فَرّغ نفسَه كما صرح به َج ْمعٌ وحُدوثها يف الفَ ْرضِ ال يُجوِّزُ قَ ْطعَه،
سعَ الوقتَ ،حبيثُ لو فَرِّغَ نفسه أدرَكَ الصالةَ كاملةً، وحملّ ما ذكر يف هذه :إن اّت َ
وإال حَ ْرمَ التّأخريُ لذلك .وَفقْدُ لباسٍ الئقٍ به وإن وَ َجدَ ساتِرَ ال َعوْرَة ،وسَيْرُ رُفقةٍ،
ملُريد سَفرٍ مُباحٍ وإن أمِنَ ،ملشَقة استيحاشِه وخَوفُ ظاملٍ على َمعْصومٍ من عَرضٍ أو
نفسٍ أو مالٍ ،وخوفٌ مِن حَبسٍ غرميٍ مُعسِرٍ ،وحُضورُ مريضٍ وإن مل يكن حنو قريبٍ
بال متعهّد له ،أو كان حنو قريب حمتضراً ،أو مل يكن حمتضراً ،لكن يأنس به ،وغَلََبةُ
نعاسٍ عند انتظارِهِ للجماعةِ ،وشدَّةُ جوعٍ ،وعطَش ،وعمى حيث مل جيد قائداً بأجْ َرةِ
املِثْلِ .وإن أحسَنَ ا َملشْيَ بالعصا.
[تنبيه] :إن هذه األعذار متنعُ كراهةَ تركِها حيثُ سُنّت ،وإمثَهُ حيثُ وَجَبَت،
وال حتصَل فضيلةُ اجلماعَةِ كما قال النوويّ يف اجملموع ،واختار غريه ما عليه مجع
46
صدَها لوال العُذر قال يف اجملموعُ :يسْتحبُّ ملن ترك متقدمون من حصوهلا إن قَ َ
جلمَعة بِال عُذرٍ أن يَتَصدّقَ بدينارٍ ،أو نصفَه ،خلربِ أيب داودَ وغريه.اُ
ضتْ مبكّة، (فصل) :يف صالة اجلمعة هي فَ ْرضُ عَيْنٍ عند اجتماعِ شَرائِطِها .وفُ ِر َ
ومل َت ُقمْ هبا ِل َف ْقدِ ال َعدَدِ ،أو ألن شَعارَها اإلظهار ،وكان ُمسْتخْفيا فيها .وأوّل من
أقامَها باملدينة قبل اهلجرةِ أس َعدُ بنُ زُرارَة ِ،بقْريةٍ على ميلٍ مِن املدينةِ .وصَالتُها
أفضَلُ الصَّلواتِ .وسُمِّيَت بذلك :الجتماعِ الناسِ هلا ،أو ألن آ َدمَ اجت َمعَ فيها مع
َحوّاءَ مِنْ مُزْ َدِلفَة ،فلذلك سُمِّيتَ ُجمُعاً( .جتبُ ُج ُمعَةٌ على) كل (مكلَّفٍ) أي باِلغٍ
عاقِلٍَ ( ،ذكَرٍ ،حُرَ) ،فال تَلزمُ على أُنثى ،وخُنْثى ،ومَنْ بهِ رِقّ إن كُوِتبَ لِنقصِهِ،
(مُتوطِنٌ) مبحلّ اجلمعِة ال يسافِرُ من حملّ إقامَتِها صيفاً وال شتاءٍ إال حلاجة،
كتجارة ،وزيارة( ،غري معذور) بنحو مرض ،من األعذار اليت مرّت يف اجلماعة ،فال
تلزمُ على مريضٍ إن مل حيضَرْ بعد الزَّوالِ حملَّ إقامتها ،وتَن َع ِقدُ مبعذورٍ (و) ِجتبُ (على
مقيمٍ) مبحلّ إقامَتها غري متوطّنٍ ،كمن أقام مبحلّ ُج ُمعَةٍ أربعة أيامٍ فأكثر ،وهو على
س َمعُ مِنهُ النّداءعَ ْزمِ ال َعوْدِ إىل وطِنِه ،ولو بعد مدة طويلة .وعلى مقيمٍ مُتوطّنٍ مبحلَ َي ْ
وال يبلُغ أهلَهُ أربَعني ،فتلزمهما اجلُمعة (و) لكن (ال تنعقد) اجلمعة (به) أي مبقيمٍ غري
متوطّنٍ ،وال مبتوطّنٍ خارجَ بَلدِ إقامَتها ،وإن وَجََبتْ عليهِ بسَماعِهِ النداءَ منها( .وال
مبن بهِ رقّ َوصَبا) ،بل َتصُحّ مِنهم ،لكن ينبغي تأخُّر إحرامِهم عن إحرامِ أربعنيَ ممّن
تنع ِقدُ به اجلمعة على ما اشترطَهُ مجعٌ حمققون ،وإن خالفَ فيه كثريون.
(وشُرِطَ) لصحة اجلمعة مع شروطٍ غريها ستة :احدها( :وقوعُها مجاعةً) بنية
إمامةٍ واقتداءٍ ،مقترنةً بتحرم (يف الركعة األُوىل) ،فال َتصُحّ اجلمعة بالعدَدِ فُرَادَى ،وال
ُتشْتَرط اجلماعة يف الركعةِ الثانيةِ .فلو صلى اإلما ُم باألربعني رَكعةً مث أحدثَ فأمتَّ كلٌّ
حدِث بل فارقوه يف الثانية ،وأمتوا منفردين ،أجزأهتم منهُم َر ْكعَةً وا ِحدَةً ،أو مل ُي ْ
اجلمعة .نعم ،يُشترَطُ بقاءُ العدَدِ إىل سالم اجلميع ،حَىت لو أحدَثَ واحدٌ من األربعني
قبل سالمه ،ولو بعد سالمٍ مَن َعدَاه منهم ،بَطلت جُمعة الكلّ .ولو أَدركَ
املسبوقُ ركوعَ الثانية واستمّر معهُ إىل أن سلم ،أتى بركعةٍ بعد سالمه َجهْراً ومتّت
ُجمُعتُه إن صَحَّت جُمعة اإلمام وكذا من اقتَدَى به وأدرَك ركعةً معه كما قاله
شيخنا .وجتبُ على من جاء بعد ركوع .الثانية :نية اجلمعة على األصح وإن
كانت الظّهر هي الالزمة له .وقيل :جتوز نيّة الظهر .وأفىت به البلقيين وأطال الكالم
فيه(.و) ثانيها :وقوعها (بأربعني) ممن تنعقد هبم اجلمعة ،ولو مرضى ،ومنهم األمام.
ولو كانوا أربعني فقط وفيهم أمّيّ واحد أو أكثر قصر يف التعلم ،مل تصح مجعتهم،
لبطالنِ صالتِه فينقصون .أما إذا مل يُقصِّر األمِّيّ يف التّعلم فتصُحّ اجلمعة به كما جزم
به شيخنا يف شرحَيْ العُبابِ واإلرشادِ ،تبعاً ملا جزم به شيخه يف شرح الروض مث
قال يف شرح املنهاج :ال فرق هنا بني أن يُقصِّرَ األمّي يف التعلم ،وأن ال يُقصّر.
حسَب والفرقُ بينهما غري قويّ .انتهى .ولو َنقَصوا فيها بَطلت ،أو يف خطبة مل ُي ْ
صهِم ،لِع َدمِ سَماعهم له .فإن عادوا قريباً عُرْفاً جازَ البِناءُ على ما رُكن فِعلٍ حالَ نَق ِ
مَضى ،وإال وَ َجبَ االستئناف ،كنَقصِهم بني اخلطبة والصّالة ،النتفاءِ املواالةِ فيهما.
[فرع] :من له مسكنان ببلدين ،فالعربة مبا كثرت فيه إقامته ،فيما فيه أهله
وماله .وإن كان بواحد أهلٌ وبآخر مال ،فبما فيه أهلُه ،فإن استويا يف الكل ،فباحملل
جلمُعة .وال تنع ِقدُ اجلُمعةُ بأقلّ من أربعني ،خالفاً أليب حنيفة الذي هو فيه حالة إقامَةِ ا ُ
رمحه اهلل تعاىل فتنعقد عندَه بأربعة ،ولو عبيداً أو مسافرين .وال يشترط عندنا إذنُ
السّلطان إلِقامتها وال كَونُ حملّها مِصرّاً ،خالفاً له فيهما .وسُئِل البلقيين عن أهلِ قريةٍ
ال يبلُغ عددُهُم أربعني ،هل ُيصَلّون اجلمعة أو الظّهر؟ فأجاب رمحه اهلل :يُصلّون
47
الظُّهرَ على مذهَب الشافعيّ .وقد أجاز مجعٌ مِن العلماءِ أن ُيصَلّوا اجلُمعة ،وهو َقوِي،
فإِذا قَلُّدوا أي مجيعهم من قال هذه املقالة ،فإِهنم يُصلون اجلمعة .وإن احتاطوا
فصلّوا اجلمعةَ مث الظّهرَ كان َحسَناً(.و) ثالثها :وقوعُها (مبحلَ معدودٍ من البلد) ولو
بفضاءٍ معدود منها ،بأن كان يف حملّ ال َت ْقصُرُ فيه الصالةُ ،وإن مل يَتّصل باألبنيةِ،
السفَرُ ال َقصْرَ منه.
خبالف حملَ غريَ معدو ٍد منها ،وهو ما جيوّز َّ
[فرع] :لو كان يف قرية أربعون كاملون لَ ِز َمْتهُم اجلُمعة ،بل َيحْرُم عليهم على
حملهِم من إقامتها ،والذهاب إليها يف بلد أخرى ،وإن سَمعوا النداء. املعتمد تَعطِيلُ ِّ
قال ابن الرِّفعِة وغريه :إهنم إذا سَمعوا النداءَ من مِصرَ ،ف ُهمْ ُمخَيّرون بني أن يَحضَروا
البلدَ للجمعة ،وبني أن يُقيموها يف قريَتِهم ،وإذا َحضَروا البلدَ ال يَ ْكمُلْ هبم العددُ
ألهنم يف حكم املسافرين ،وإذا مل يكن يف القرية مجع تنعَقِدُ بِهم اجلمعة ولو بامتناعِ
ضهِم منها يلزمُهم السّعيُ إىل بلدٍ يسمعون مِن جانبه النداءُ .قال ابن عجيل :ولو بع ِ
ضعٌ متقاربةٌ ومتيَّزَ كلٌّ باسمٍ ،فلكلَ حُك ُمهُ .قال شيخنا :إمنا يتجه ذلك تعدَّدَتْ مَوا ِ
إن عدَّ كل مع ذلك قرية مستقلة عرفاً.
[فرع] :لو َأكْرَهَ السُّلطانُ أهلَ قريةٍ إن ينَتقِلوا منها ويَبْنُوا يف مَ ْوضِعٍ آخَر،
فسَكنوا فيهِ وقَصدُهُم ال َعوْدُ إىل البلدِ األوّلِ إذا فرَّج اهلل عنهم ،ال تلزمهم اجلمعة ،بل
َصح منهم ،لع َدمِ االستيطان(.و) رابعها :وقوعها (يف وقت ظهر) فلو ضاق ال ت ُّ
الوقت عنها وعن خطبَتيْها ،أو شَكَّ يف ذلك ،صَلّوا ظهراً ،ولو خرجَ الوقتُ يقيناً ،أو
ظناً ،وهم فيها ،ولو قُبيلَ السّالم ،وإن كان ذلك بإِخبارِ عدلٍ ،على ا َألوْجَه ،وَ َجبَ
الظهرُ ،بناءً على ما مضى ،وفاَتتِ اجلمعة ،خبالفِ ما لو شَكّ يف خروجِه ،ألن
األصلَ بقاؤءُ .ومِن شروطِهما أن ال يَسبقها بتحرُّم ،وال يقارِهنا فيه مجعة مبحلها ،إال
أن كَثُرَ أَ ْهلُه ،و َعسُرَ اجتما ُعهُم مبكا ٍن واحدٍ منه ولو غري مسجد من غريِ حلوقَ مُؤذٍ
فيه ،كحرَ وبَرْدٍ شديدَيْن ،فيَجوزُ حينئ ٍذ تعدُّدُها لِلحاجَ ِة َحبسَبِها.
[فرع] :ال َيصُحّ ُظهْرُ مَنْ ال ُع ْذرَ له قبل سَالم اإلمام ،فإن صَالّها جاهالً
انعقدتْ َنفْالً ،ولو تَركَها أهْلُ بََلدٍ فصَلّوا الظّهرَ مل َيصُح ،ما مل َيضِقِ الوَ ْقتُ عن أقلِّ
واجِب اخلطبَتنيِ والصّالةِ ،وإن عُلمَ مِنْ عادَهتم أنّهم ال يُقيمون اجلمعة(.و) خامسها:
(وقوعها) أي اجلمعة( ،بعد خطبتني) بعد زَوالٍ ،ملا يف الصحيحني :أنه "مل ُيصَلِّ
اجلمعة إال ِبخُطْبَتني" (بأركاهنما) أي ُيشْتَرَطُ وُقوعُ صَالةِ اجلُمعة بعدَ خُطبتني مع
إتيانِ أركَانِهما اآلتية( ،وهي) مخسة .أحدها( :حَمدُ اهلل تعاىل)( .و) ثانيها( :صَالةٌ
على النيب) (بلفظهما) :أي َح ْمدُ اهلل والصَّالةُ على رسولَ اهلل ،كاحلمدُ هلل ،أو أ ْح َمدُ
وكاللهُمَّ
َّ اهلل ،فال يكفي :الشُّكْرُ هلل ،أو الثَّناءُ هلل ،وال :احلَمدُ للرَّمحنِ ،أو للرَّحِيمِ،
صَلِّ ،أو صَلى اهلل ،أو ُأصَلي على حممدٍ ،أو أمحد ،أو الرَّسولِ ،أو النَّيبِّ أو احلاشرِ أو
اللهُمَّ سَلم على حممدٍ وارْ َحمْ حممداً ،وال صَلى اهلل عليهِ ،بالضمري. حنوه فال يكفيَّ :
وإن تَقدّم له ِذكْرٌ يَرْ َجعُ إليه الضّمري ،كما صَ ّرحَ به مجع حمققون .وقال الكمال
الدمَيْري :وكثرياً ما يَسهو اخلطباء يف ذلك .انتهى .فال َتغْتَرّ مبا ِجتدْهُ مَسطوراً يف ُّ
َبعْضِ اخلُ َطبِ النباتيّةِ على خِالفِ ما عليه حمققو املتأخرين( .و) ثالثهاَ ( :وصِيّةٌ بَِتقْوى
اهلل) وال يََتعَيَّنُ َلفْظُها وال تَطوِيلها ،بل يكفي حنو أطيعوا اهلل مما فيه حثّ على طاعة
اهلل ،أو زَجْرٌ عن مَ ْعصِيةٍ ،ألهنا املقصودُ من اخلطبة ،فال يكفي جمرَّدُ التحذيرِ من غُرورِ
الدُّنيا ،وذِكرِ املوْتِ وما فيه من الفظاعَةِ واألَملِ .قال ابنُ الرّفعةِ :يكفي فيها ما
اشتمَلتْ على األمرِ باالستعدادِ للموت .وُيشْتَرطُ أن يأيتِ بكل من األركان الثالثة
ُرتبَ اخلطيبُ األركان الثالثة، ب أن ي ِّ(فيهما) ،أي يف كل واحدةٍ من اخلطبتني .ويُْندَ ُ
وما بعدها ،بأن يأيتَ أ ّوالً باحلمدِ ،فالصالةِ ،فالوصيةِ ،فبالقراءةِ ،فبالدعاءِ( .و)
48
رابعها( :قراءَةُ آيةٍ) مفهِّمة (يف إحدامها) ،ويف األوىل َأوْىل .وُتسَنُّ بعد فراغِها قراءَ ُة
"ق" أو بَعضها يف كل مجعة ،لالتّباع( .و) خامسها( :دُعاءٌ) أخْرَويّ للمؤمنني إن مل
اللهُمَّ يَتَعرَّض لِلمؤمنات ،خالفاً لأل ْذرُعي( ،ولو) بقوله( :رَ ِحمَكُم اهلل) ،وكذا بنحوَّ :
صدَ ختصيصَ احلاضِرين (يف) خُطبةٍ (ثانيةٍ) التِّباعِ السّلفِ أجِرْنا مِن النارِ إنْ َق َ
واخللفِ .والدُّعاء لِلسّلطانِ خبصوصِهِ ال ُيسَنّ اتفاقاً ،إال معَ َخشْيةِ فِتنةٍ ،فَيجِب ،ومَع
صفَةٍ كاذِبةٍ إال صفُه ب ِ صفِه ،وال يُجوزُ َو ْ
َعدَمها ال بأس به ،حيث ال جمازفة يف َو ْ
ِلضَرورَةٍ .وُيسَنُّ الدّعاءُ ِلوُالةِ الصّحابَةِ قَطعاً ،وكذا ِلوُالةِ املسلمني وجُيوشِهم،
بالصَّالحِ ،والنَّصرِ ،والقيامِ بالعَدل .و ِذكُر املناِقبِ ال يق َطعُ الوالة ،ما مل يعد به
مُعرِضاً عن اخلطُبة .ويف التوَسّط ُيشْتَرطُ أن ال يُطِيلَه إطالةَ تقطعُ املواالةَ ،كما يفعله
كثريٌ من اخلُطباء اجلهّال .قال شيخناَ :وَلوْ شَكَّ يف تركِ فَ ْرضِ مِن اخلُطبةِ بعدَ فراغِها
ض بعد الصالةِ ،أو الوُضوء. مل يُؤثر كما ال يُؤثّر الشَّكُّ يف تر ِك فر ٍ
(وَشُرِطَ فيهما) ،اخلُطبتني( ،إمساعُ أربعني) أي تسعةٍ وثالثني سواه ،ممن تنعقد
هبم اجلمعةُ (األركان) ال مجيع اخلطبةِ .قال شيخنا :ال جتبُ اجلمعةُ على أربعني
صمّ ،وال َتصُحُّ مع وجودِ لَ َغطٍ مينُع مساعَ رُكنِ اخلُطبةِ على املعت َمدِ فيهما، ضهُم أ َ
بع ُ
وإن خالفَ فيه َج ْمعٌ كثريون ،فلم يشترطوا إال احلضورَ فقط .وعليه يدل كالمُ
الشيخني يف بعضِ املواضِع ،وال يُشتَرَطُ كوُنهُم مبحلّ الصّالةِ ،وال فَه ُمهُم ملا
َيسْمعُونَه( .و) شُرِط فيهما (عَرَبية) التّباعِ السَّلَفِ واخللَفِ .وفائدهتا بالعربية مع
عدمِ َمعْ ِرفَتِهم هلا العِلمُ بالوَ ْعظِ يف اجلملة .قاله القاضي .وإن مل ميكنُ تعلمها بالعَرَبية
قبلَ ضِيقِ الو ْقتِ خَ َطبَ مِنهُم واحدٌ بِلِساِنهِم ،وإنْ أمْكنَ تعلمها وَ َجبَ كل على
الكِفاية( ،وقيا ُم قادرٍ عليه ،و ُطهْرٌ) من َحدَثٍ أكبَر وأصغَر ،وعن جنَسٍ غريَ مَ ْع ُفوَ عنه،
يف ثَوبهِ ،وبَدنِه ،ومكانِه( .وسَترٌ) لِلعَ ْورَةِ( .و) شُرِطَ (جُلوسٌ بينهما) بطمأنينة فيه،
وسُنَّ أن يَكونَ بق ْدرِ سُورَةِ اإلِخالص ،وأن يقرأها فيه .ومن خَ َطبَ قاعداً ِلعُذرٍ َفصَلَ
بينُهما بسَكْتَةٍ وُجوباً .ويف اجلواهر :لو مل َيجْلِس ُحسِبَتا وَا ِحدَة ،فيجْلِس ويأيت بثالثة.
(ووالءٌ) بينهما وبني أركانِهما وبينَهُما وبني الصّالةِ ،بأن ال يفصِلَ طويالً عُرفاً.
وسَيَأيت أنَّ اختِاللَ ا ُملوَاالةِ بني اجملموعتنيِ ب ِفعْلِ ر ْكعَتني ،بَل بأقلّ جمزِىءٍ ،فال يَْبعُد
الضّبطُ هبذا هنا ،ويكون بياناً للعُرْف.
(وسُنَّ ملُريدِها) أي اجلمعة ،وإن مل تلزَمه( ،غسلٌ) بِتعْميمِ الَبدَنِ والرَّأسِ باملاءِ،
فإِن عَجز ،سُنّ تيمم بُنية ال ُغسْلَِ( ،ب ْعدَ) طُلوعِ (َفجْرٍ) .وينبغي ِلصَاِئمٍ َخشِيَ مِنُه
ُمفْطِراً تَ ْركُه ،وَكذا سائِر األغْسالِ املسنونة ،وقَربهُ من ذَهابه إليها أ ْفضَل .ولو تَعارضَ
ال ُغسْلُ والتّبكريُ ،فمراعاة ال ُغسْلِ أوْىل ،لِلخالفِ يف وُجوبهِ ،ومِن مث كُ ِرهَ تَركه .ومِنَ
األغسالِ املسْنونةَِ :غسْلُ العِيدَين ،والكُسوفني ،واالسْتِسقاء ،وأغْسالُ احلجّ ،و َغسْلُ
غاسل امليِّت ،والغُسلُ لالعْتِكاف ،ولِكُلِّ ليلةٍ من َرمَضان ،وحلجامَةٍ ،ولَِتغَيُّرِ اجلسدِ،
و ُغسْلُ الكافِرِ إذا أسْلمَ لألَمر به ومل جيب ،ألنّ كثريين أسْلموا ومل يُؤمَروا به .وهذا
إذا مل َيعْرِض له يف الكُفرِ ما يُو ِجبُ الغُسلَ مِنْ جَنابَةٍ أو حنوها وإال وَ َجبَ الغُسلُ.
وإن اغَْتسَل يف الكُفرِ ،لِبُطالنِ نيّتهِ .وآكدُها غُسلُ اجلمعة مثّ مِنْ غسلِ امليِّت.
[تنبيه] :قال شيخنا :يُسنّ قَضاءً ُغسْل اجلمعة كسائر األغسالِ املسنونة وإمنا
طُِلبَ قَضاؤه ألنه إذا عُلمَ أنّه يُقضى دَا َومَ على أدائِهِ ،واجتََنبَ َت ْفوِيتَه( .وبكورٌ) لغريِ
خطيبٍ إىل املصلى مِنَ طُلوعِ الفَجرِ ،ملا يف اخل ِرب الصحيحِ" :إن لِلجائي َب ْعدَ اغتِسالِهِ
غُسلَ اجلنابَةِ أي ك ُغسْلِها ،وقيل حَقيقة بأن يكونَ جامِع ،ألنّه ُيسَنّ ليلةَ اجلمعة أو
َي ْومَها يف السّاعةِ األُوىل ُبدْنةً ،ويف الثانيةَ :بقَرَة ،ويف الثالثة :كبشاً َأقْرَنَ ،والرابعة:
دَجَاجة ،واخلامسة :عُصفوراً ،والسادسة :بْيضَة" .واملرادُ أنّ ما بنيَ ال َفجْرِ وخُروجِ
49
سمُ ستة أجزاءٍ متساوية ،سواء أطالَ اليَوم ،أم َقصُرَ .أما اإلِمام فُيسَنُّ له اخلطيبِ يَْن َق ِ
ب إىل ا ُملصَلى يف طريقٍ طويلٍ ،ماشِياً التّأخريُ إىل وقتِ اخلطبةِ ،لالتّباعِ .وُيسَنّ الذّها ُ
صريٍ ،وكذا يف كلّ عبادَة .ويُك َرهُ َع ْدوٌ إليها، ِبسَكِينَةٍ ،والرّجوعَ يف طريقٍ آخرَ َق ِ
كسائرِ العبادَات ،إال لِضيقِ وَقتٍ ،فَيجِب ،إذا مل ُي ْدرِكها إال به( .وتزيّنٌ بأحسَن
ثيابه) وأ ْفضَلُها األبيَض ،وَيلي األبيض ما صِبغَ قَبل نَسْجِه .قال شيخنا :ويُكرَهُ ما
صُِبغَ بَعدَه ،ولو بِغريِ احلُمرَةِ .اه .وُيحْ َرمُ التَزيّن باحلريرِ ،ولو قَ ّزاً ،وهو نوعٌ منه
كمد اللون ،وما أكثره وزناً مِنَ احلريرِ ،ال ما أقلّه مِنه ،وال ما استوى فيه األمران.
ك يف األكْثَرِ ،فاألصلُ احلِلُّ ،على األَوْجَهِ. ولو شَ ّ
[فرع]َ :يحِلُّ احلريرُ ِلقِتالٍ ،إن مل َيجِد غريَه ،أو مل يَ ُقمْ مُقامَه يف َد ْفعِ السِّالح.
وصَحَّحَ يف الكِفايَةِ قوَّل مجع :جيوزُ القِباءُ وغريُه مما َيصْلحُ لِلقتال وإن ُو ِجدَ غريُه،
إرهاباً للكفار ،كَتحْليةِ السّيفِ ِب ِفضّةٍ .وَحلاجَةٍ َكجَرَبٍ إن آذاه غريُه ،أو كانَ فيه َنفْعٌ
ال يو َجدُ يف غريِهِ ،وَقمل مل يَْندَفِع بغريِهِ ،والمرَأةٍ ولو بافتراشٍ ،ال لَهُ ،بال حَائِل .وحيل
صحَفِ والدّراهم ،وغَطاءُ منه حىت للرجل خَيطُ السُّْبحَةِ ،وزِرُّ اجلَْيبِ ،وكِيسُ امل ْ
العَمامَةِ ،وعَلمُ الرّمح ال الشَّرابةُ اليت برأس السُّبْحةِ .وجيب لرجلٍ لَِبسَه حيثُ مل َيجِد
سَاتِرُ ال َع ْورَة غريَه ،حىت يف اخل ْلوَة .وَيَجوزُ لِبْسُ الثَّوبِ املصْبوغ بأيّ لونٍ كان ،إال
املُزَ ْعفَر .وَلبِسُ الثوب املتنجِّس يف غريِ حنوِ الصّالة ،حيث ال رطوبَةَ ،ال جِلْد ميتة ،بال
ضرورة ،كافتراش جِلدِ سَُبعٍ كأسدٍ ،وله إطعامُ مَيْتةٍ لنحو طَيْرٍ ،ال كافِر ،ومُتَنجَّس
لِدابّة ،وحيل مع الكراهة ،استعمالُ العاج يف الرأس واللحْيةِ حيث ال رُطوبة ،وإسرَاجٌ
ُغلظٍ إال يف مسجد ،وإن قَلَّ دُخانُه خِالفاً جلمع .وتَسميدُ أرضٍ مبُتَنجَّسٍ بغريِ م َّ
بِنجسٍ ،ال اقتناءُ كلبٍ إال ِلصَْيدٍ أو ِح ْفظِ مال ويُكْرَهُ ولو المرأة تزينيُ غري
شهَد صاحل بغري حرير ،وَُيحْ َرمُ بهِ( .وتَعمم) خلرب" :إن اهلل ومالئكته الكعبة ،ك َم ْ
جل ُمعَةِ" ،وُيسَنّ لسائرِ الصّلواتِ .ووردَ يف حَديثٍ صحَابِ ال َعمَاِئمِ َيوْمَ ا ُُيصَلُّونَ على َأ ْ
ضعيفٍ ما َيدُلّ على أفضَليّةِ كِبَرِها .ويَنْبغي ضَبْطُ طُوهلا وعَ ْرضِها مبا يليقُ بِالِبسِها
عادةً ،يف َزمَانِهِ ،فإِنْ زادَ فيها على ذلكَ كُ ِرهَ ،وتَنخَ ِرمُ مُرُوأةُ فَقيهٍ بِلِبْسِ عَمامةٍ سُوقيّ
ال تَليقُ بهِ ،وعَكسه .قال احلفاظ :مل يتحرَّر شيءٌ يف طُول عَمامَتِهِ وعَ ْرضِها .قال
الشيخان :مَنْ َتعَممَ فلَهُ ِفعْلُ ال َعذْبَةِ ،وتَرْكها ،وال كراهة يف وا ِحدٍ منهما .زاد
النوويّ :ألنه مل يَصُحّ يف الّنهْيِ عَن تَرْكِ العَذبةِ شيء .انتهى .لكن َق ْد َورَدَ يف ال َعذْبَةِ
أحاديثٌ صَحيحَةٌ وَحسنَة ،وقَد صرَّحوا بأن أصلَها سُنَّة .قال شيخنا :وإرساهلا بني
الكتفني أفضل منه على األمين .وال أصْلَ يف اختيارِ إرساهلا على األيسر .وأقلّ ما َورَدَ
يف طُوهلا أرَْبعَة أصابعَ ،وأكثره ذِراع .قال ابن احلاجّ املالكي :عَليْكَ أن تَتَعممَ قائِماً،
وتََتسَ ْروَلَ قاعِداً.
قال يف اجملموع :ويُكْرَهُ أن ْميشِيَ يف نَعلٍ وا ِحدَةٍ ،ولِْبسُها قائماً ،وتَعليق جَرَسٍ
فيها .وملَن َقعَد يف مكانٍ أن يفارِقه قبل أنْ ُي ْذكَرَ اهلل تعاىل فيه( .وتَطِيبُ) ِلغَيْرِ صَائمٍ
ني ال ُغسْلِ ،ولِبْس األ ْحسَنِ ،والتَّطَيُّب،
جل ْمعَ ب َ
على األوْجَهِ ملا يف اخلربِ الصحيحِ" :أنّ ا َ
واإلِنصاتِ ،وتَرْك التخَطي ،يُكَفِّر ما بني اجلمعتني" .والتَّطَُّيبِ باملسكِ أفضل ،وال
ُتسَنّ الصّالة عليه عند َشمّه ،بل َحسُنَ االستِغفار عِنْده كما قال شيخنا ،وَندِبَ
تَزَيّن بإزالَةِ ِظفْرٍ من َيدَيْهِ ،ورِجْليهِ ،ال إحدامها ،فيُكْ َرهُ .و َشعْرِ حنْو إب ِطهِ وعانَته لغريِ
حلجّة ،وذَلك لالتّباع .وِبقَصِّ شارِبهِ حىت تَْبدُو ُحمْ َرةُ مُرِيد التَّضحِيَة يف ُعشْرِ ذي ا ِ
حةَ الشفَةِ وإزَالَةِ ريحٍ كريهٍ ،ووسخٍ .واملعتمدُ يف كيفية تقليمِ اليدين :أن يبتدىء ُمبسَِّب َ َّ
ميينِه إىل خُْنصُرِها ،مث إهبامها ،مث خنصر يسارها إىل إهبامها على التوايل ،والرِّجلني :أن
يبتدىء خبنصُر اليمىن إىل خُنصُر اليُسرى على التّوايل ،وينبغي البَدارُ ب ُغسْلِ حملّ القَلمِ،
50
جلمُعة .وكَرهَ ا ِحملبّ الطَّربيُّ نَتْفَ َشعْرِ األَنفِ، وُيسَنُّ ِفعْلُ ذلِكَ يومَ اخلميس أو بُكْرَةَ ا ُ
َمهُ، قال :بل يقصّه ،حلدِيثٍ فيه .قال الشافعيّ رضي اهلل عنه :مَنْ نَظف ثَوبَهُ قَلَّ ه ُّ
ومَن طابَ رحيُه زَادَ َعقْلُه( .و) سُنّ (إِنصاتٌ) أي سكوتٌ مع إصْغاءٍ (خلطبة) وُيسَنّ
سمَع اخلطبةَ ،نعم ،ا َألوْىل ِلغَيْرِ السَامِع أن َيشَْتغِلَ بالتّالوَةِ والذَّكرِ ذلك ،وإن مل َي ْ
سِ ّراً ،وُيكْرَهُ الكالمُ ،وال َيحْ ُرمُ ،خِالفاً لألئمة الثالثة :حالة اخلُطْبَة ،ال قبلها ،ولو بعدَ
اجللوسِ على املنبَرِ ،وال بعدَها ،وال بني اخلطبتني ،وال حالَ الدعاءِ للمملوكِ ،وال
لداخلِ مَسجدٍ ،إال إنِ اختذَ له مكاناً واستقرَّ فيهِ .ويُكرَهُ للداخلِ السالمُ ،وإن مل
يأ ُخذْ لِنفسِهِ مَكاناً ،الشتغالِ املُسلمِ عليْهم ،فإن سَلم ل ِز َمهُم الرَّدَّ ،وُيسَنُّ تَشمِيتُ
العاطِسِ ،والرّدُّ عليه ،ورَفعُ الصوتِ من غريِ مُبالغَة بالصّالة والسّالم عليه عندَ ذِكرِ
صفِهِ .قال شيخنا :وال يبعد َندْبُ التَّ َرضّي عن الصّحابة ،بال رَفعِ اخلطيب ا ْسمِه أو َو َ
ني ِلدُعا ِء اخلطيب .اه. صَوتٍ .وكذا التأم ُ
وتُكرَهُ حترمياً ولو ملن مل تلزمْهُ اجلمعة بعد جلوسِ اخلطيبِ على املنربِ :وإنْ مل يَسمَعِ
اخلطبة صالةُ فرضٍ ،ولو فائتَةٍ َت َذكَّرها اآلن ،وإن ل ِزمَتْه فوراً ،أو َنفْلٍ ،ولو يف حال
الدّعاء للسلطان .واألوْجَه أهنا ال تنعقِدُ كالصّالة بالوقتِ املكروهِ ،بل َأوْىل .وَيجِبُ
على من بِصالةٍ ختفيفُها ،بأن يقتصِر على أقلّ جمزِىءٍ عند جلوسِهِ على املِنبَرِ .وكُ ِرهَ
لداخلٍ حتيّةٌ َفوّتت تكبريَة اإلِحرامِ إن صَالّها ،إال فال تُكْرَه ،بل ُتسَنّ ،لكن يلزمهُ
ختفيفها بأن يقتصِرَ على الواجباتِ كما قاله شيخنا وكُ ِرهَ احتِباءٌ حالةَ اخلطبةِ للنَّهي
عنه ،وكَْتبُ أوراقٍ حالتُها يف آخِرِ مجعةٍ من رمضان ،بل وإن كُِتبَ فيها حنو امساء
سريانية جيهلُ معنا حَرُمَ( .و) سُنّ (قراءة) سورة ("كهف") يوم اجلمعة وليلتها،
ألحاديث فيها .وقراءهتا هناراً آكدٌ ،وَأوْاله بعدَ الصّبحِ ،مسارَعةُ لِلخريِ ،وأن يُكثِرَ
منها ،ومن سائِرِ القرآن فيهما .ويُكرَهُ اجلهرُ بقراءةِ "الكهف" وغريه إن حصل به تأذّ
ملصلّ أو نائم كما صرّح النووي يف كتبه وقال شيخنا يف شرح العباب :ينبغي
حُ ْرمَةَ اجلهرِ بالقراءة يف املسجدِ .و ُحمِلَ كالمُ النوويّ بالكراهة :على ما إذا خَفّ
التأذّي ،وعلى كون القراءة يف غري املسجدِ ،وإكثارُ صالةٍ على النيب (يومها وليلتها)
لألخبارِ الصحيحةِ اآلمرةِ بذلك ،فاإلِكثارُ منها أفضلُ من إكثارِ ذِكرٍ مل يَرِدْ
خبصوصِه .قاله شيخنا( .ودعاءٌ) يف يومِها ،رجاءَ أن يصادِف ساعةَ اإلِجاَبةِ،
وأرْجاها ،مِنْ جُلوسِ اخلطيبِ إىل آخرِ الصالة .وهي حلظةٌ لطيفةٌ .وصَحّ أهنا آخر
ساعةٍ بعد العصرِ ،ويف ليلتها ملا جاء عن الشافعي رضي اهلل عنه أنه بَلَغه أن الدعاءَ
يستجابُ فيها ،وأنه استحَبّه فيها .وسُنّ إكثارُ فعلِ اخلريِ فيهما كالصدقة وغريِها
وأن يَشتغِلَ يف طريقِهِ وحضورِهِ حملّ الصالةِ بقراءةٍ ،أَو ذِكرٍ ،أفضلُه الصالةُ على
النيبّ قبل اخلطبة ،وكذا حالة اخلطبة إن مل يس َمعْها كما مرّ لألخبار املرَغّبةِ يف ذلك.
وأن يقرَأ َع ِقبَ سالمه من اجلمعة قبل أن يُثْين رِجليْه ،ويف رواية :قبل أن يَتَكَلم
الفاحتة ،واإلِخالصَ ،واملعوِّذتني ،سبعاً سبعاً ،ملا وردَ أن "مَن قرأها ُغفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ
مِن ذنبِهِ وما تأخَّر ،وأعطِيَ من األجْرِ ِب َعدَدِ مَن آ َم َن باهلل ورسوله"..
[مهمة]ُ :يسَنُّ أن يقرأها ،وآية الكُرْسيّ و { َش ِهدَ اللَّهُ} ،بعد كل مكتوبةٍ وحنيَ
يأوي إىل فراشِهِ ،مع أواخر "البقرة ،والكافرون" ،ويقرأ خواتيم "احلشر" وأول "غافر
حسِبْتمْ أَمنا خلَقْناكُم عَبَثاً} إىل آخرها ،صباحاً ومساءً ،مع إىل إليهِ املصري" و {َأَف َ
أذكارِمها ،وأن يوا ِظبَ كلّ يومٍ على قراءةِ "آمل ،السجدة ،ويس ،والدُّخان ،والواقِعة،
وتبارَكَ ،والزّلزلةَ ،والتَّكاثُر" وعلى "اإلِخالصِ" مائيتْ مرة ،و "الفجر" يف عشر ذي
احلجة ،و "يس ،والرَّعد" عند احملَتضَر .و َورَدَتْ يف كلها أحاديثُ غريُ موضوعةٍ.
51
(وحَرُم ختَطِّ) رِقابِ الناس ،لألحاديثِ الصحيحةِ فيه ،واجلَ ْزمُ باحلرمَةِ ما نقله
الشيخُ أبو حا ِمدٍ عن نصِّ الشافعيّ ،واختارَها يف الروضة ،وعليها كثريون .لكن
َرحَ هبا يف اجملموعِ (ال ملن وَ َجدَ فُرْجَةً قدّامَه) فَلهُ قضيّة كالمِ الشيخني :الكراهَةُ ،وص َّ
جدْ طريقاً إىل احملرابِ إال بال كَراهَةٍ ختطّي صَفَ وا ِحدٍ أو اثننيٍ ،وال إلمامٍ مل َي ِ
ملعظمٍ َألِفَ َم ْوضِعاً. بِتخطّي ،وال لِغريِهِ إذا أذِنوا له فيه ال حياءً على ا َألوْ َجهِ ،وال َّ
ويُكرَهُ ختطّي اجملتمِعني لغريِ الصّالة ،وُيحْ َرمُ أن يُقيمَ أحداً بغريِ رِضاه ليجلُسَ مكانه.
ويُكْرَهُ إيثارُ غريِهِ مبحلّهِ ،إال إنْ انتقَلَ ملثلِهِ أو أقرَبَ منه إىل اإلمام .وكذا اإليثارُ
بسائِرِ القُرَبِ .ولَهُ تنحيةُ سَجا َدةَ غ ِريهِ بنحوِ رِجلِهِ والصّالة يف حملّها ،وال يَرفَعها
ولو بغ ِري َيدِهِ لِدُخوهلا يف ضمانِه( .و) حَ ُرمَ على من تَلْزَمه اجلمعة (حنو مُباَيعَةٍ)
كاشتغالٍ ِبصُنعةٍ (بعد) شروعٍ يف (أذانِ خطبةٍ) ،فإن عَقدَ صَحّ العَ ْقدُ ،ويُكْرَهُ قبل
األذانِ َب ْعدَ الزّوالِ( .و) حَ ُرمَ على من تَلْزَمه اجلمعة وإن مل تنع ِقدْ به ( َسفَرٌ) َتفُوتُ
صدِه ،ولو كان السّفرُ طاعةً به اجلُمعة ،كأن ظَنّ أنه ال ُي ْدرِكها يف طريقِهِ أو َم ْق َ
جلمُعةِ ،إِال َخشِيَ من عَ َدمِ َسفَرِه مَندوباً ،أو وَاجباً( ،بعد فَجرِها) أي فَجرَ يومِ ا ُ
ضَرراً ،كانقِطاعِه عن الرَّفقةِ ،فال َيحْرُم إن كانَ غريَ َسفَرٍ َم ْعصِيَة ،ولو َبعْدَ الزَّوالِ،
السفَرُ ليلةَ اجلُمعة ،ملا رُويَ بِسََندٍ ضعيفٍ" :مَنْ سَافَرَ ليلَتَها دَعا عليهِ مَلَكاهُ".ويُكْرَهُ َّ
جلمُعة مطلقاً .قال شيخنا :وحيثُ حَ ُرمَ عليهِ السفرُ سقُط عنهُ ا ُ
أما املسافِرِ ملعصيةٍ فال َت ْ
ت َفوْتِها.
هنا مل يَتَرخّص ما مل َت ُفتِ اجلمعة ،فُيحْسَب ابتداء َسفَرِهِ من وَق ِ
[تتمة] :يَجوزُ ملسافِرٍ سَفراً طويالً َقصْرُ رُباعِيَة ،مُؤدّاة ،وفائِتَة َسفَرٍ قَصَّر فيه،
و َجمْع ال َعصْرَيْنِ واملغرِبيْنِ تقدمياً وتأخرياًِ ،بفِراقِ سورٍ خاصٍ ببلدِ َسفَر ،وإن احتوَى
على خَرابٍ ومَزَارع .ولو جَمعَ قريَتيْن ،فال يُشتَرطُ جما َوزَتُه ،بل لِكلَ حُكْمُه ،فَبُنيان
وإن ختلََّلهُ خَرابٌ أو نَهرٌ أو مِيدانٌ .وال ُيشْتَرطُ جماوزَةُ بساتني وإن حُوِّطَت واّتصَلَت
بالبَلدِ ،والقريَتان إن اتّصلَتا عُرْفاً كَقَرية ،وإن اختلَفتا امساً ،فلو انفصلَتا ولو يَسرياً
كفى جما َوزَة قريَةِ املسافِرِ ،ال ملسافِرٍ مل يبْلُغ َسفَرُه مَسريَة يَومٍ وليلةٍ ِبسَيْرِ األثقالِ مع
النزولِ املعتادِ لِنحوِ اسْتِراحَةٍ وأكلٍ وصالةٍ ،وال آلبقٍ ،ومسافرٍ عليْهِ دَيْنٌ حالٌ قادرٌ
السفَرُ عليهِ من غريِ إذنِ دائِنِه ،وال ملن سافَرَ جملرَّدِ رؤيَةِ البالدِ على األصَحّ .وينتهي َّ
ضعٍ آخر ،وَنوَى إقامَتَه به مُطلقاً ،أو بعودِهِ إىل وطنِهِ ،وإن كان ما ّراً به ،أو إىل مو ِ
أرَبعَة أيامٍ صحاحٍ ،أو عَلم أن إرَْبهُ ال يَْن َقضِي فيها ،مث إن كان يَرجو حُصُوله كلّ
وقتَ :قصّر مثانية َعشَر يوماً .وشُرِطَ لِقصْر نيّةٍ َقصْرٌ يف حتَرّم ،وَ َع َدمُ اقتداءٍ ولو حلظة
َحترزَ عن مَنَافيها دَواماً ،و َدوَامُ َسفَرِه يف مجيعِ صَالتِهِ ،وجلمعٍ تقدميٍ، مبتمَ ولو مُسافِراً و َّ
سريٌ نية مجعٍ يف األوىل ولو مع التحلّل منها وترتيبٌ ،ووالءٌ عرفاً ،فال َيضُرّ فصلٌ ي ِ
بأن كانَ دُونَ قَدر ركعتني ،ولتأخري نية مجع يف وقت األوىل ما بقيَ قدرَ رَكعةِ،
وبقاءُ سفرٍ إىل آخر الثانية.
[فرع] :جيوزُ اجلمعُ باملرضِ تقدمياً وتأخرياً على املختار ويراعي األرفَقَ ،فإن
حمّ مثالً وقت الثانية قدَّمَها بشروطِ مج ِع التقدميِ ،أو كان يزدَاد مرضه كأن كان َي ُ
وَقتَ األوىل أخْرَها بنيةِ اجلمعِ يف وقتِ األُوىل .وضََبطَ َج ْمعٌ متأخرون املرضَ هنا بأنه
ما يشقُّ مَعه فِعلُ كلّ فرضٍ يف وقتِهِ ،كمشقّةِ املشيِ يف املطَرِ ،حبيثُ تبتلّ ثيابُه .وقال
شقَّة ظاهِرَة زيادَة على ذلِك ،حبيثُ تُبيحِ اجللوسَ يف الفرضِ. آخرونَ :ال بدّ من َم َ
وهو األوْجَه.
صحّتها مِن غريِ(خامتة) :قال شيخنا يف شرح املنهاج :مَنْ أدّى عبادَةً خمتلِفاً يف ِ
تقلي ٍد للقائلِ هبا ،لَزِمَهُ إعادَتُها ،ألن إقدامَهُ على ِفعْلِها عَبَثٌ.
52
(فصل) :يف الصالة على امليت .وَشُرِعَت باملَدينَةِ ،وقيل هي مِنْ خصائِصِ ه ِذهِ
األمّة( .صالةُ امليت) أي امليّت املُسلم غري الشهي ِد (فَ ْرضُ كفايةٍ) لإلِمجاعِ واألخبارِ،
(كغَسلِهِ ،ولو غَرِيقاً) ألنّا مأمورون بِ َغسَلِه ،فال يَسقُط الفَ ْرضُ عَنا إال بفعْلنا ،وإن
شاهَدنا املالئِ َكةَ تَ ْغسِله .ويكفي َغسْلُ كافِرٍ ،وحيصُل أقله (بتعميم َبدَنِهِ باملاءِ) مرّة
حىت ما حتت قُ ْل َفةِ ا َألقْلَفِ على األصَحّ صبياً كانَ األقْلَف أو بالِغاً .قال العباديّ
َعذرَ َغسْلُ ما ْحتتَ القُ ْلفَة وبعض احلنفية :ال جيب َغسْلُ ما حتتها .فعَلى املرجَّح لو ت َّ
وأقرهُ غريه .وأكمله: بأهنا ال تتَقلّص إال جبرحٍ ،ميمَ عما حتتَها .كما قاله شَيخناَّ ،
تَثْليثُه ،وأن يكون يف خلوةٍ ،وقميصٍ ،وعلى مرتفعٍ مباء بارِدٍ إال حلا َجةٍ كوَسَخٍ وبَرْدٍ،
فا ُملسَخَّنُ حينئذٍ َأوْىل .واملَاحلُ َأوْىل مِنَ ال َعذْبِ .ويُبادِر ب َغسْلِه إذا تيقّنَ َموْته ،ومَىت
ُشكّ يف موتِهِ وَجبَ تأ ِخريُهُ إىل اليَقنيِ ،بَتغَيّرِ رِيحٍ وحنوه .فذكرِ ِهمُ العالمات الكثرية
له إمنا تُفيدُ ،حَْيثُ مل يكن هناك شَكّ .ولو خ َرجَ مِنه بَعدَ ال ُغسْلِ جنسٌ مل ينقُضِ
الطُّهرَ ،بَلْ ِجتبُ إزالَتُهُ فقط إن خَ َرجَ قبلَ التّكفنيِ ،ال َب ْعدَه .ومَن تع ّذرَ ُغسْلُه ِل َف ْقدِ
ماءٍ أو لغريه :كاحتراقٍ ،وَلوْ ُغسِلَ َتهَرَّى ميم وُجوباً.
[فرع] :الرّجل َأوْىل ِبغُسلِ الرّجل ،واملرأةُ َأوْىل ِبغُسْلِ املرأةِ ،وَلهُ غُسلُ حَليلةٍ،
حتْ َغريَه ،بال مَسّ ،بل بلفّ خُرْقةٍ على يدٍ. ولِ َزوْجَةٍ ال َأمَةٍ ُغسْلُ َزوْجِها ،ولو نَ َك َ
فإِن خَالف صَحّ ال ُغسْلُ .فإِن مل حيضَرْ إال أجَْنيبّ يف املرأةِ أو أجنَبية يف الرجلِ ميمَ
صيبّ أو صَبيّة ،حلِلّ نَظَرِ كلّ و َمسّه .وَأوْىل امليّت .نعم ،هلما ُغسْلُ مَن ال ُيشْتَهى مِن َ
الرجال به أوْالهُم بالصّالة كما يأيت( .وتكفينُه بساتِرِ َع ْورَةٍ) خمتِلفَةٍ بالذكورَةِ
جبُ يف املرأة ولو أمَة ما يستُرُ غريَ الوجْهِ والكفني. واألنوثة ،دون الرقّ واحلُرِّية ،في ِ
ويف الرجل ما يسترُ ما بنيَ السّرة والرُّكبة .واالكتِفاء بساتِر العَ ْورَةِ هو ما صَحَّحه
النوويّ يف أكثَر كتبِه ،وَنقَله عَن األكثرين ،ألنه حَقٌّ هلل تعاىل .وقال آخرون :جيبُ
سَتْرُ مجيع الَبدَن ولو رَجالً .ولِلغرميِ منعُ الزاِئدِ على ساتِرِ كلّ الَبدَنِ ،ال الزائدُ على
للذكَرِ ثالثة ساتِرِ ال َع ْورَة ،لِتَأكّد أمْرِه ،وكونه حقاً للمَيّت بالنسبةِ للغُرَماء ،وأكملُه َّ
َي ُعمّ كل منها البَدَنَ ،وجازَ أن يَزادَ حتتَها قميصٌ وعمامَةٌ ،ولألنثى إزارٌ ،ف َقمِيصٌ،
َفخِمارٌ فلُفافَتان .ويُكفّنُ املّيتُ مبا لَه لِْبسُهُ حَياً ،فيجُوزُ حَريرٌ ومُزَ ْعفَرٌ لِلمرْأةِ والصّيب،
مع الكراهَةِ .وحمَلّ جتهيزِه :التَّ ِركَةُ ،إالّ زَوجَةٌ وخَا ِدمُها :فعَلى زَوجٍ غينّ عليه
نَفقُتهُما ،فإن مل يكُن له تَ ِركَة فعَلى مَنْ عليهِ نَفقتُه ،مِن قريبٍ ،وسَّيدٍَ ،فعَلى بيتِ
املالِ ،فعَلى مَياسِري املسلمني .وَيحْ ُرمُ التّكفنيُ يف جلدٍ إن وُجدَ غريهُ ،وكذا الطّنيُ،
واحلشيشُ ،فإِنْ مل يوجدْ ثوبٌ َو َجبَ جِ ْلدٌ ،مث حشيشٌ ،مث طنيٌ فيما استَ ْظهَ َرهُ
شيخنا .وَيحْ ُرمُ كِتابَةُ شيء مِنَ القرآن وامساء اهلل تعاىل على ال َكفَنِ .وال بأسَ
بكتابَتِهِ بالرّيقِ ،ألنه ال يُثْبُت .وأفىت ابن الصَّالح ِبحُ ْرمَةِ سَترِ اجلنازةِ حبريرٍ ولو امرأة
فجوزَ احلريرَ فيها ويف الطّفلِ، كما َيحْ ُرمُ تزيني بيتها حبريرٍ .وخَالفَهُ اجلاللُ البَلِقيينَّّ ،
واعت َمدَهُ َج ْمعٌ ،معَ أن القياسَ األوّل( .وَ َدفْنُهُ يف ُحفْرَةٍ متنعُ) بعد طَمِّها (رائحةً) أي
ضعُه ِب َوجْهِ األرضِ ظهُورُها( ،وسَبُعاً) أي نَْبشُهُ هلا ،فيأكُلَ املّيتَ .وخَ َرجَ بِحفرةٍَ :و ْ
َذرَ البَرّ حلفْرُ .نعم ،مَنْ ماتَ بِسفينةٍ وتع َّ َتعذرُ ا َ
ويُبْنِى عليهِ ما ميَنعُ ذَيْنِك ،حيث مل ي َّ
جازَ إلقاؤُه يف البَحْرِ ،وتَثْقيلُهُ ليَرْ ُسبَ ،وإال فَال .وبتمَنِّع ذَيْنِك ما مينعُ أ َحدُمها كأن
جبُ بِناءُ ال َقربِ ،حبيث مينع وُصوهلا إليهِ. اعتادَت سباعُ ذلك احملل احلفرَ عَن َموْتاه فَي ِ
وأَكملُه قرب واسعٌ ُعمُقِ أربَعة أذرُعٍ ونِصفٍ بِذراعِ اليَدِ .و ِجيبُ اضْطِجاعُهُ للقِبَلةِ.
ويُْندَبُ ا ِإلفْضاءُ خبدِّهِ األميَن بعد تَنحِيَةِ ال َكفَنِ عَنه إىل حنو تُرابٍ ،مْبالغَةً يف
االستِكانَةِ والذٌّلِّ ،ورَ ْفعُ رَأسِهِ بنحوِ لَبِنَةٍ .وكُ ِرهَ صُندوق إال لنحو نَداوَةٍ فيجِب
وَيحْ ُرمُ َدفْنُهُ بال شيء ميَْنعُ وُقوعَ التّرابِ عليه وََيحْ ُرمُ َدفْنُ اثْننيِ مِنْ جِنسَيْن بقَبْرٍ ،إن
53
ح َديْ جِنْسٍ فيهِ بال ج ْمعِ مُت ِ
مل يكن بيَنهُما حمْ َرمِيَّة ،أو َزوْجِيّة ،ومع أحدمها كُره ك َ
حاجة .وَيحْ ُرمُ أيضاً :إدخالُ مَِّيتٍ على آخر ،وإن احتَدا جِنساً ،قبل بَالءِ جَمي ِعهِ،
خلربَةِ باأل ْرضِ .ولو وُجدَ بعضُ عظمِهِ قبل متامِ احلفْرِ وَ َجبَ رَدّ ويَر َجعُ فيه ألهْلِ ا ِ
حسَنِ الَبصَريّ تُرابِه ،أو بعده فال .وجيوزُ ال ّدفْنُ َمعَه ،وال يُكْرَهُ الدَّفنُ ليالً خالفاً لل َ
والنَّهارُ أفضل للدّفن منه ويُ ْرَفعُ القَبْرُ َق ْدرَ شربٍ نَدباً ،وتسطِيحُهُ َأوْىل مِن تَسنيمِهِ.
ويُْندَبُ ملنْ عَلى شَفريِ القربِ أنْ ُيحْثي ثَالثَ حَثيَاتٍ بيَدَيْه قَائالً مع األُوىل{ :مِنها
خَلقْنَاكم} .ومع الثانية{ :وَفيها ُنعِي ُدكُم} .ومع الثالثةَ { :ومِنْها خنْرِجُ ُكمْ تَارَةً
أُخْرى}.
ضعُ جَريدَةِ خَضراءَ عَلى ال َقربِ ،لالتّباع ،وألنّه يُخفَّف عنه ِب َربكَةِ [مهمة]ُ :يسَنّ َو ْ
َتسْبيحِها .وقيسَ هبا ما اعتيدَ مِن طَ ْرحِ حنوِ الرَّحيانِ الرَّ ِطبِ .وَحي ُرمُ أخذُ شيءٍ مِنهما
ت املأثورِ عنهُ ،ويف الثانية مِن تفويتِ ما مل ييْبَسا ملا يف أ ْخذِ األُوىل مِن تفويتِ َحظَّ املّي ِ
حَقّ امليّت بارتياح املالئِكَةِ النَّازِلني لِذلكَ .قاله شيخانا ابن حجر وزياد( .وكُرِهَ بِناءٌ
خوْفِ نَبْشٍ ،أو َحفْرِ سَُبعٍ أو له) أي لِلقَبْرِ( ،أو عَليْهِ) ِلصِحَّةِ الَنهْيِ عَنْهُ بال حاجةَ ،ك َ
َه ْدمِ سَيلٍَ .وحمَلّ كَراهَةِ البِناء ،إذا كان مبُلْكِهِ ،فإن كان بِناءُ نفسِ القربِ بغريِ حاجَةٍ مما
مر ،أو حنو قُبّة عليه مبسبلة ،وهي ما اعتَادَ أهْلُ البَلدِ الدّفن فيها ،عُرِفَ أصْلُها
و ُمسْبِلُها أم ال ،أو َموْقوفَةً ،حَرُم ،وَ ُه ِدمَ وُجوباً ،ألنه يتأبَّد بعد امنحاقِ امليّت ،ففيهِ
َتضْييقٌ على املسلمني مبا ال غَ َرضَ فيه.
حلجَا َرةُ ا ُملخْرَجَةُ إىل أهْلِها إنْ عُرِفوا ،أو يُخلى بيَنهُما، [تنبيه] :وإذا ُه ِدمَ ،تُرَدُّ ا ِ
الزمْزَميّ: وإال فمالٌ ضاِئعٌ ،وحُ ْكمُهُ َمعْروفٌ كما قاله َبعْضُ أصحابِنا وقال شيخنا َّ
إذا بَليَ املّيتُ وأَعْرَض َورَثَتُهُ عنِ احلِجارَةِ ،جازَ الدّفنُ معَ بقائِها ،إذا جَرَتِ العادَةُ
باإلِعراضِ عَنْها ،كما يف السَّنابِلِ( .و) كُرِهَ (وَطْءٌ عليه) أي عَلى قربِ مُسلمٍ ،ولو
ُمهْدَراً قبلَ بَالءٍ (إال ِلضَرُورَةٍ) ،كأن مل َيصِل لِقربِ مَيْتِهِ بِدونِهِ ،وكذا ما يريد زيارَته
ولو غري قريبٍ .وجَزَم شَ ْرحُ مُسلمٍ كآخرين حبُ ْر َمةِ ال ُقعُودِ عليه والوطء ،خلربٍ فيه
يَردّهُ أنّ املرادَ باجللوسِ عليه جُلوسُه ِلقَضاءِ احلاجَةِ ،كما بيَّنَتْهُ رِوايةٌ أخرى( .ونَبْشُ)
وُجوباً قرب من ُدفِنَ بال طَهارَةٍ (ِلغُسلٍ) أو تيمم .نعم ،إن َتغَيَّر ولو بِنَتَنٍ ،حَ ُرمَ.
وألَجْلِ مالِ غريٍ ،كأن ُدفِنَ يف َثوْبٍ َم ْغصُوبٍ ،أو أ ْرضٍ مَغصوبةٍ ،إن طََلبَ املالِكُ،
ش أَو سَ َقطَ فيهِ مُتمَوِّل وإن مل يَطلُْبهُ ووُ ِجدَ ما يُكفَّن أو ُي ْدفَن فيه ،وإال مل َيجُز النَّب ُ
مَالِكُه ،ال للتَّكفني إن ُدفِنَ بِال َكفَنٍ ،وال للصَّال ِة بعدَ إهالِة التُّرابِ عليه( .وال تُدفَنُ
امرَأةٌ) ماَتتْ (يف بَطْنٌّها جَننيٌ حَىت يتحقَّقُ َموْتُه) ،أي اجلننيُ .و ِجيبُ شَقّ َجوْفها
والنَّبشُ له إن رُجِيَ حَيَاته ِب َقوْلِ ال َقوَابِلِ ،لِبلوغِهِ سِتة أشْهُرٍ فأكثَر ،فإِن مل يُ ْرجَ حَياته
حَ ُرمَ الشّقّ ،لكِن ُيؤَخَّرَ ال ّدفْنُ حَىت ميوتَ كما ذكِرَ وما قيل إنَّهُ يُوضع عَلى بَطْنِها
شَيء ليموتَ غَلَطٌ فاحِش( .وُو ِريَ) أي سُتِرَ خبَ ْرقَةٍ (سَقطٌ و َدفِنَ) وُجوباً ،كطِفلٍ
كافِرٍ نَطَقَ بالشّهادَتنيِ ،وال َيجِب َغسُْلهُما ،بَل َيجُوزُ .وخَ َرجَ بالسَّقطِ العََلقَةُ
ضغَة ،فُي ْدفَنانِ نَدباً مِن َغريِ سَترٍ .ولَو ان َفصَل بعدَ أربَعة أ ْشهُرٍ غُسِّلَ وكُفِّنَ ،ودُفِنَوا ُمل ْ
َهل بعد ان ِفصَالِه (صُليَ عليه) وُجوباً. وُجوباً( .فإن اخْتَلجَ) أو اسْت َّ
(وأرْكانُها) أي الصّالةُ على امليّت ،سَْبعَةٌ :أحَدمها( :نية) كغريِها ،ومِنْ ُثمّ
َرضِ والتع ُّ
جبُ يف نيّةِ سائِرِ الفروضِ ،مِن حنوِ اقتِرانِها بالتحَرُّمَّ ، وَ َجبَ فيها ما يَ ِ
امليتِ ،وال َمعْ ِرفَتُهُ ،بل الواجِبُ لِلفَ َرضِيّةِ ،وإن ملْ يَقُلْ فَرْض كِفايَةٍ ،وال ِجيبُ َتعْينيُ ِّ
امليتِ الغاِئبِ أدىن ممَيَّزٍ ،فيكفي ُأصَلي الفَ ْرضَ عَلى هذا املِّيت .قال جَ ْمعٌِ :جيبُ تعينيُ ِّ
حوِ امسِهِ( .و) ثانيها( :قيامٌ) لِقادرٍ عليهِ ،فالعَاجِزُ َي ْقعَدُ ،ثمّ يضطَجِع( .و) ثالثها: بِن ْ
(أربع تكبرياتٍ) مع تكبرية التحرّم لالتّباع ،فإن خَمَّسَ ،مل تَبْطُل صَالتُه .وُيسَنّ َر ْفعُ
54
ضعُهما ْحتتَ صَدْرِه بني كل تكبريتني( .و) َيدَيْهِ يف التَّكْبريات َح ْذوَ مِنْكَبيْهِ ،وَ َو ْ
رابعها( :فاحتة) ،فََبدَهلا ،فوقوقٌ ب َق ْدرِها .واملعَتمد أهنا جتزىءُ َب ْعدَ َغريِ األُوىل خِالفاً
للحاوي ،كاحملرَّر وإن لَ ِزمَ عَليهِ مجعُ رُكنني يف تكبريَةٍ وخلوِّ األُوىل عَن ذِكْرٍ .وُيسَنُّ
إِسرارٌ بِغريِ التكبريات ،والسَّالمُ ،وَت َعوّذٌ ،وتَرْكُ افتِتاحٍ ،وسُورة ،إال على غائبٍ أو
قرب( .و) خامسها( :صالةٌ على النيبّ) (بعد تكبريةٍ ثانيةٍ) أي َعقِبها ،فال جتزىء يف
ضمّ السّالمِ للصَّالةِ ،والدُّعاءِ للمؤمنني واملؤمنات عَقبها ،واحلمدُ غريها .ويُْندَبُ َ
اللهُمَّ ا ْغفِرْ لَهُ وَارْ َحمْهُ،
قبلها( .و) سادسها( :دُعَاءٌ ملّيتٍ) خبصوصِهِ ولو طِفالً ،بنحوَّ :
(بعد ثالثة) ،فال جيزىء بعد غريِها قطعاً.
وُيسَنّ أن يُكْثِرَ مِنَ الدُّعاء له ،ومأثُورُهُ أفضَل ،وَأوْالهُ ما َروَاهُ ُمسْلمٌ عنه وهو:
َسعْ َمدْخلَهُ ،وا ْغسِلْهُ باملاءِ"اللهُمَّ ا ْغفِرْ له وارْ َحمْهُ ،واعْفُ عنه وعافِهِ ،وأكْ ِرمْ نُ ُزَلهُ ،وو ِّ
َّ
والثّلجِ والبَرَدِ ،ونَقِّهِ مِنَ اخلطايا كما يُنَقى الثَّوبُ األبيضُ من الدَّنَسِ ،وأَْب ِدلْهُ داراً خرياً
من دَارِهِ ،وأهْالً خرياً من أهلِهِ ،و َزوْجاً خرياً مِن زو ِجهِ ،وأدْخلْهُ اجلنَّة ،وأ ِعذْهُ مِن
عَذابِ القربِ وفتنَتِهِ ومِن عذابِ النار" .ويزيد عليه ،ندباً" :اللهمّ اغفِرْ حليِّنا ومَيِّتنا" إىل
"اللهُم ا ْجعَلْهُ فِرْطاً ألَبوَيْهِ ،وسَلَفاً وذُخْراً وَعِ َظةً آخِ ِرهِ .ويقول يف الطفل مع هذاَّ :
واعْتِباراً وشَفيعاً ،وَثقّلْ بهِ موازينَهُما ،وَأفْرِغْ الصَّربَ على قلوِبهِما ،وال َتفْتِْنهُما بعدَه،
وال حت ِرمْهُما أجْرَه" .قال شيخنا :وليس قوله :اللهمَّ اجعَلْه فرطاً إىل آخره مغنياً عن
ال ِزمِ ،وهو ال يكفي ،ألنه إذا مل يكفِ الدّعاء له بالعمومِ الدعاءِ له ،ألنه دُعاء بال ّ
الشاملِ كلّ فَرْدٍ ،فَأوْىل هذا .ويؤنَّثِ الضمائِرَ يف األنثى ،وَيجُوزُ تذكِريُها بإِرادةِ
امليتِ أو الشَّخصِ ،ويقول يف ولدِ الزِّنا" :اللهُمَّ اجعَلْهُ فِرطاً ألمِّهِ" .واملرادُ باإلِبدالِ ِّ
حلقْنَا ِب ِهمْ ذُرِّيََّتهُم}
يف األهْلِ والزوجَةِ ،إِبدالُ األوصافِ ال الذواتِ ،لقوله تعاىل{ :أ ِ
وخلربِ الطَّبَراينّ وغريه" :إن نساءَ اجلنة من نساءِ الدنيا أفضل من احلورِ العِنيِ" .انتهى.
(و) سابعها( :سالمٌ) كغريِها (بعد رابعة) ،وال جيبُ يف هذه ذِكرُ غريِ السّالمِ لكن
الل ُهمّ ال حت ِرمْنا أجْرَه أي أجْرَ الصّالةِ عليهِ ،أو أجْرَ املصيبةِ وال تفْتِنّا بعدَه ُيسَنَّّ :
أي بارتكابِ املعاصي واغفِرْ لنا وله .ولو ختلَّفَ عن إِمامِهِ بال عُذرٍ بتكبريةٍ حَىت
شَرَعَ إما ُمهُ يف أخرى بَطلت صالتُه .ولو كَبَّرَ إمامُهُ تكبريَةً أخرَى قبل قراءةِ املسبوقِ
الفاحتةَ تاَبعَهُ يف تكبريِهِ ،وسقَ َطتْ القراءَةُ عنه .وإذا سَلم اإلِمامُ تدارَك املسبوقُ ما بقيَ
عليهِ َمعَ األذْكارِ .وُيقَدَّمُ يف اإلِمامَةِ يف صَالةِ املّيتِ ولو امرأة :أبٌ ،أو نائبُهُ ،فأبوهُ،
مث ابنٌ فابنُه ،مث أخٌ ألَبوَيْن فألَبٍ ،مث ابُنهُما ،ثُم ال َعمّ كذلك ،مث سائِرُ ال ُعصُباتِ ،مث
ُمعْتَقٌ ،ثُم ذُو رَحِمٍ ،مث َز ْوجٌ (وشُرِطَ هلا) أي للصالة على امليت مع شروطِ سائِرِ
َدمُ ُطهْرِهِ) أي امليت مباءٍ فترابٍ ،فإِن وقعَ ُحبفْرَةٍ أو حبرٍ وتع ّذرَ الصّلوات (َتق ُّ
إخراجُه و ُطهْرُه مل يصلَّ عليه على املعت َمدِ (وأن ال يُتَقدّم) املُصلى (عليه) أي امليت
،إن كان حاضِراً ،ولو يف قربٍ ،أما امليّت الغائبُ فال يَضُرُّ فيه كَونُه وراءَ املُصلي.
وُيسَنّ َجعْلُ صُفوفِهمْ ثالثة فأكثر ،للخربِ الصّحيحِ" :مَنْ صَلى عَليهِ ثالثةُ صفوفٍ
فقدْ َأوْ َجبَ" أي ُغفِرَ له وال يُْندَبُ تأخريُها لزيَادَةِ املصَلني ،إال ِل َويلّ .واختارَ بعضُ
احملققني أنه إذا مل ُيخْشَ تغيُّرُه ،يَنْبَغي انتظاره مائة أو أربعني رُجِيَ حُضورُهم قريباً،
للحديث .ويف ُمسْلم" :ما مِنْ مُسلمٍ ُيصَلي عَليهِ َأ َمةٌ مِنَ املسلمنيَ يبلغون مائة كلّهم
حضَرَ مَنْ مل ُيصَلُِّ ،ندِبَ له الصَّالةُ يشفعون له ،إال شُفِّعوا فيه" ولو صُليَ عليه ف َ
عليه ،وَت َقعُ فَرْضاً ،فينويه ،ويثابُ ثوابُه .واألفضَلُ له ِفعْلُها بعدَ الدّفن ،لالتّباع .وال
يُْندَب ملن صَالّها ولو مُنفَرِداً إِعادهتا مع مجاعة .فإِن أعادَها وَق َعتْ نَفْالً .وقال
ضهُم :اإلِعادَةُ خِالفُ ا ُألوْىل( .وتَصحُّ) الصَّالة (على) مّيتٍ (غائبٍ) عن بلدٍ ،بأن بع ُ
سبُ إليها عُرْفاً ،أخذاً من قولِ يكونَ امليّت مبحلٍ بعيدٍ عنِ البلدِ حبيث ال يُْن َ
55
الزّركشيّ :إن خا ِرجَ السّورِ القريبِ منهُ كداخلَهُ( .ال) على غائبٍ عن جملِسه (فيها)
وإن كَبُرَت .نعم ،لو تَع ّذرَ احلضورُ هلا بنحوِ حَبْسٍ أو مَ َرضٍ :جازت حينئذٍ على
صحّ على قربِ األوْجَه (و) َتصُحّ على حاضِرٍ (مَدفونٍ) ولو َب ْعدَ بالئِهِ (غري نيبّ) فال َت ُ
صحّ مِن كافِرٍ وحائِضٍ يومئذٍ، نيب ،خلرب الشيخني( .مِن أهلِ فَ ْرضِها وَقتَ َموْتِهِ) فال َت ُ
كمن بََلغَ أو أفاقَ بعد املوتِ ،ولو قبلَ ال ُغسْلِ ،كما اقتضَاهُ كالمُ الشيخني( .و َس َقطَ
الفَ ْرضُ) فيها (بِذَكَرٍ) ولو صَبياً مميّزاً ،ولو مَع وجودِ بالغٍ ،وإن مل حيفَظ الفاحتةَ ،وال
غريها ،بل وَقفٌ ِب َق ْدرِها ،ولو َمعَ وُجودِ مَن يَحفَظها ،ال بأنثى مع وجودِهِ .وجتوزُ
على جَنَائِزَ صَالةٌ واحدةٌ ،فيَْنوِي الصَّالةَ عليهِم إمجاالً .وحَ ُرمَ تأخريُها عَنِ الدَّفنِ ،بل
س ُقطُ الفَرْضُ بالصَّالةِ على القربِ( .وحتْ ُرمُ صالةُ) على كافِرٍ ،حلُرمَةِ الدّعاءِ له َي ْ
باملغفرةِ .قال تعاىل{ :وَال ُتصَلِّ على أ َحدٍ مِنهُم ماتَ أبداً} .ومنهم أطفالُ الكُفار،
سواء أَنَطقُوا بالشّهادتنيِ أم ال فتحْ ُرمُ الصّالةُ عليهِم.
و (عَلى شهيدٍ) وهو ِبوَزنِ فَعيلٍ ،مبعىن مفعولٍ ،ألنّه َمشْهودٌ له باجلنّةِ ،أو فاعِلٍ،
ألن رُوحَهُ تشْ َهدُ اجلنّة قبلَ غريِهِ .ويُطْلَقُ لفظُ الشّهيدِ على مَنْ قَاتَلَ لِتَكونَ كَلمَةُ اهلل
حوِ َحمِيَّةٍَ ،ف ُهوَ شَهيدُ الدّنيا. هي العُلياَ ،ف ُهوَ َشهِيدُ الدّنيا واآلخِرَةِ .وعَلى مَنْ قَاتَلَ لِن ْ
وعلى َمقْتُولٍ ظُلماً وغَرِيقٍ ،وحَرِيقٍ ،ومَبْطُونٍ أي مَنْ قَتَلَه بَطْنُهُ كاسِتسْقاءٍ أو
إِسهالٍَ .ف ُهمُ الشّهداء يف اآلخِرَةِ فَقط( .كَغسلِهِ) أي الشهيد ،ولو جُنُباً ،ألنه مل يغسِلْ
قَتْلى أُحُد .وَيحْ ُرمُ إزالَة َدمِ شَهيدٍ( .وهو مَن ماتَ يف قِتالِ كُفارٍ) أو كافِرٍ وا ِحدٍ،
قبلَ انقِضائِهِ ،وإنْ قُتِلَ ُمدْبِراً (ِبسَبَبِهِ) أي القِتالُ ،كأَن َأصَابَهُ سِالحُ مُسلمٍ آخَرَ خطأ،
أو قَتََلهُ ُمسْلمٌ اسْتعانُوا بهِ ،أو تَردَّى بِبِئْر حالَ قِتالٍ ،أو جُهِلَ ما مَاتَ بهِ ،وإن مل يكُن
بهِ أَثَرُ َدمٍ (ال أسريَ قُتِل صَبْراً) فإِنه ليسَ ِبشَهيدٍ على األصَحّ ،ألن قَتْلَهُ ليسَ مبُقاتَلةٍ.
وال مَن ماتَ بَعدَ انقِضائِهِ ،وقد بَقيَ فيهِ حَياةٌ ُمسْتِقرّةٌ ،إن قُ ِطعَ مبوتِهِ بعد مَنْ جُرْحٍ
بهِ .أما مَنْ حَ َركَتُه حَرَكةُ َمذْبُوحٍ عِندَ انقِضائِهِ َفشَهيدٌ جَزْماً .واحلياةُ املسَتقِرّة ما جتَوَّزَ
أن يَبْقى َيوْماً أو َي ْومَنيِ على ما قاله الّن َو ِويّ والعمراينّ .وال مَنْ َوَقعَ بني كفارٍ
فهرَبَ منهم فقتلوه ،ألن ذلكَ ليسَ بقِتالٍ كما أفىت به شيخنا ابن زياد رمحه اهلل
تعاىل .وال مَنْ قَتَلَهُ اغتياالٍ حَرْيبٌّ دخلَ بينَنا .نعم ،إن قتَلَهُ عن مُقاِتلَةٍ كانَ شهِيداً
س ْمهُو ِديّ عن اخلادمِ (و ُكفّنَ) نَدباً (شهيدٌ يف ثيابِهِ) اليت ماتَ كما نقله السيّد ال ّ
َطخَةُ بال ّدمِ َأوْىل ،لالتّباعِ ،ولو مل تَ ْكفِهِ بأن مل تستُرْ كل بدنِه متمَت وُجوباً، فيها ،واملُل َّ
(ال) يف (حريرٍ) لَبِسَهُ لضرورَةِ احلربِ ،فيَنزَع وُجوباً( .ويُْندَب) أن يلقَّنَ حمَْتضِرٌ ولو
مميَّزاً على ا َألوْجَه الشّهادَةُ :أي ال إله إال اهلل ،فقط خلربِ ُمسْلمٍ" :لَقِّنُوا َموْتاكُم أي
مَنْ حَضرَهُ املوتُ ال إله إال اهلل" مع اخلربِ الصحيحِ" :مَن كانَ آخِر كالمِهِ ال إلهَ إال
اهلل ،دخلَ اجلنّة" ،أي مع الفائزين .وإال فكلٌّ مُسلم ولو فاسِقاً َيدْخلها ،ولو بعد
صدَ موتُهُ على عذابٍ ،وإن طال .وقولُ َج ْمعٌ :يلقَّن "حممدٌ رسولُ اهلل" أيضاً ،ألن ال َق ْ
صدُ خَتمُ كالمِهِ بال اإلِسالم ،وال ُيسَمّى مسلماً إال هبما مَردودٌ بأنه ُمسْلمٌ ،وإمنا ال َق ْ
حثَ تلقينُهُ الرفيقُ األعلى ،ألنّه آخِر ما تَكلمَ به إله إال اهلل ليحصَل له ذلك الثوابَ .وُب ِ
رسولُ اهلل ،مردودٌ بأن ذلك لسبب مل يوجد يف غريه ،وهو أن اهلل خيَّرَهُ فاختارَه.
وأما الكافِر فيلقَّنُهما قطعاً ،مع لفظِ أَ ْش َهدُِ ،لوُجُوبِهِ أيضاً على ما سيأيت فيه إذ
الدفْنِ عند ال َقربِ ساعةً َيسْأَلونَ لَهُ ص ُري مسلماً إال هبما .وأن يَقف مجاعةٌ بعدَ َّ ال َي ِ
التثبيتَ ويَستغفرون لَه ،و (تلقنيُ بالغٍ ،ولو شهيداً) كما اقتضَاهُ إطْالقُهم خالفاً
للزرْكشيّ (بعد) متامِ (دفنٍ) فيقعد رجلٌ قُبالَةَ وَ ْجهِهِ ويقول" :يا عبدَ اللّهِ ابنَ أمةِ َّ
اهلل :ا ْذكُرْ ال َعهْدَ الذِي خَرَ ْجتَ عليهِ مِنَ الدُّنيَا :شهادَةُ أنْ ال إلهَ إال اهلل وحده ال
شريك له ،وأن حممداً رسول اهلل ،وأن اجلنّة حَقّ ،وأن النار حقّ ،وأن البعثَ حقّ،
56
وأن الساعَةَ آتيَةٌ ال رَْيبَ فيها ،وأن اهلل يَبعثُ مَنْ يف القبورِ ،وأنّكَ رَضيتَ باللّهِ رَبّاً،
وباإلِسالمِ دِيناً ،ومبحمدٍ نبياً ،وبالقُرآنِ إماماً ،وبال َكعْبَةِ قِبلَةً ،وباملؤمنني إخواناً .رَيب
اهلل ،ال إله إال هو ،عليه توكلتُ ،وهو ربُّ العرشِ العظيم" .قال شيخنا :وُيسَنّ
تِكرَارهُ ثالثاً ،واألَوْىل لِلحاضرين الوُقوفُ ،ولِلمُلقَّنِ القَعودُ .ونداؤهُ باألُمِّ فيه أي إن
حوّاءَ ال ينايف دُعاءَ الناسِ َي ْومَ القيامَةِ بآبائهم ،ألن كليهما َتوْقيفٌ ،ال عُ ِرفَت ،وإال فِب َ
جمالَ للرّأيِ فيه .والظاهِر أنه يُبْدل العبدَ باألمَةِ يف األنثى ،ويؤَنْث الضّمائِرَ .انتهى.
(و) يُندَبُ (زيارة قبورٍ لرجُلٍ) ال ألنثى ،فتُكْ َرهُ هلا .نعمُ ،يسَنّ هلا زيارَة قربِ النيبّ .قال
بعضهم :وكذا سائِرَ األنبياءِ ،والعُلماءِ ،وا َألوْلياء .وُيسَنّ كما نص عليه أن يقرأ من
القرآن ما تيَسَّر على القربِ ،فيدعُو لهُ ُمسَْتقْبِالً لِلقبلة( .وسَالمٌ) لزائرٍ على أهْلِ املقَربةِ
عُموماً ،مث خُصوصاً ،فيقول :السالمُ عليْكُم دار قومٍ مؤمنني عند أوّلِ املقربة .
ويقول عند قربِ أبيهِ مثالً :السالمُ عليكَ يا والدي .فإِن أرادَ االقتصارَ على أحدِهِما
أتى بالثانية ،ألنه أخصّ مبقصودِهِ ،وذلكَ خلربِ مُسلم" :أنه قال :السّالمُ عليْكُم دارَ
قومٍ مؤمنني ،وإنّا إن شاء الّلهُ بِكُم الحِقون" .واالستثناءُ للتَّبَرُّكِ ،أو للدَّفنِ بتلكَ
البقعةِ ،أو للموتِ على اإلِسالمِ.
[فائدة]َ :ورَدَ أن {مَنْ ماتَ يومَ اجلمعةِ أو ليلَتها أمِنَ مِنْ عذابِ القربِ وفِتْنَتِهِ}.
وورد أيضاً" :مَنْ قرأَ قُلْ ُهوْ اللّهُ أحَد ،يف مرض موتِهِ مائةَ مرّة ،مل ُيفْتَنْ يف قَبْرِهِ،
ضغْطَةِ القربِ ،وجَا َوزَ الصّراطِ على أكُفِّ املالئِكَةِ" .وورد أيضاً" :مَنْ قال: وأمِنَ مِنْ َ
ضهِ فماتَ فيه، ال إلهَ إالّ أنتَ سُبْحانَكَ إين كنتُ مِنَ الظّاملني أربعني مرة يف مَر ِ
أُعطِيَ أجرَ شهيدٍ ،وإن بَرِىءَ بَرِىءَ مَ ْغفُوراً له" .غفر اهلل لنا ،وأعاذَنا مِنْ عَذابِ القبْرِ
وفِتْنَتِهِ.
هي لُغةً :التَّطْ ِهريُ والنماءُ .وشَرْعاً :اسمٌ ملا يَخرُجُ عَنْ مالٍ ،أو َبدَنٍ ،على الوَجْ ِه
ضتْ زَكاةُ املالِ يف السَّنَةِ الثانيةِ مِنَ ا ِهلجْرَةِ بعدَ صَدَقةِ الفِطْرِ .وَوَجََبتْ يفاآليت .وفُ ِر َ
مثانيةِ أَصنافٍ مِنَ املالَِّ :الن ْقدَيْنِ ،واألنعام ،والقُوت ،والتمر ،والعِنب لِثمانيةِ أصنافٍ
مِنَ الناس .ويَ ْكفُرُ جَا ِحدُ وُجُوهبا ،ويقاتلُ املمْتَِنعُ عَنْ أدائِها ،وتُؤ َخذُ مِنه وإنْ ملْ
يُقاتِل قَهراً ( ِجتبُ عَلى) كلِّ ( ُمسْلمٍ )ولو غريَ مكلّفٍ ،فعَلى ال َويلّ إخْراجُها مِنْ
مالِهِ .وخَ َرجَ باملسلمِ الكافِرُ األصْليّ ،فال يلْ َزمُه إخراجُها ،ولو بعدَ اإلِسالم (حُرّ)
مُعيّن ،فال جتبُ على رَقيقٍ لعدم مُلكِهِ ،وكذا املكاتب ِلضُعفِ مُلكه ،وال تَلْزَم سيِّده،
ألنه غري مالِكٍ يف (ذهبٍ) ولو غريَ مَضْروبٍ ،خالفاً ملن زَ ُعمَ اختصاصها باملضروبِ
ص يف ميزانٍ ومتّ يف آخر (بََلغَ) َق ْدرَ خاِلصِهِ (عشرينَ مثقاالً) بوزنِ مَكّةَ حتديداً .فلو َنقَ َ
فال زكاةَ ،لِلشَّك .واملثقالُ :اثنانِ وسبعونَ حبَّةَ شَعريٍ متوسّطة .قال الشيخ زكريا:
سعٍ .وقال تلميذه وَوزنُ نِصابِ الذهبِ باألش َريفّ :خَمسةٌ وعشرون وسُبُعانِ وُت ُ
شيخنا واملرادُ باألشريفّ :القايِتْباييّ( .و) يف (فضةٍ بلغتْ مائيت درهم) بوزن مكة:
وهو مخسون حبّة و ُخمُسا حَبَّةٍ .فال َعشَرة دراهم :سَبْعة مثاقيل وال وَقَصَ فيهما
كاملعشرات ،فيجب يف العشرين ،واملائتني ،وفيما زاد على ذلك ،ولو ببعض حبة:
(رُْبعُ ُعشْرٍ) للزكاة ،وال يُكْمل أحدُ النقدَيْنِ باآلخَر ،ويُكْمل كل نوعٍ من جنسٍ
بآخر منه .وجيزىء جَِّيدٍ ،وصحيح عن رديءٍ و ُمكَسَّر ،بل هو أفضل ،ال عكسهما.
صهُ نِصاباً( .ك) ما جيبُ رُبْعُ وخرجَ باخلالصِ املغشوشُ ،فال زكاةَ فيه حىت يبُلغَ خاِل ُ
حلوْلِ ،وإن مَلِكَه بدون ب يف آخرِ ا َ ُعشْرِ قيمةِ العَرْضِ يف (مالِ جتارةٍ) بلغ النِّصا َ
حلوْلِ إن مل يَنِضّ ،أما إذا
حلوْلِ إىل األصلِ يف ا َ ضمّ الربحُ احلاصلُ يف أثناءِ ا َ نِصابٍ .وُي َ
57
ضمّ إىل األصلِ ،بل يُزَكِّي نَضّ بأن صار ذهباً أو ِفضّة وأ ْمسَكَهُ إىل آخِرِ احلول فال ُي َ
األصلَ َحب ْولِهِ ،وُيفْرِدُ الرِّبحَ َحبوْلٍ ويصري عرضَ التجارة للقَنيَةِ بنيتها ،فينقَ ِطعُ احلوْلُ
مبجرّدِ نية القِنيَة ،ال عكسه .وال يُ َكفّر مُنْكِرُ وجوبِ زكاةِ التجارةِ للخالف فيه .
(وشُرِطَ) لوجوبِ الزكاة يف الذهب والفضةِ ،ال التجارَة (متام نِصابٍ) هلما (كل
حلوْلِ) بأن ال يَْنقُصَ املالُ عنه يف جزءٍ من أجزاء احلول .أما زكاة التجارة فال اَ
ُيشْتَرَطُ فيها متامُه ،إالّ آخره ،ألنه حالة وجوب( .وينق ِطعُ) احلولُ (بتخلّل زوال
مُلكٍ) أثناءه مبعاوضَةٍ أو غريها .نعم ،لو مَلَكَ نِصاباً مث أقْ َرضَهُ آخر بعد سِتّة أشهر مل
حلوْلُ .فإِن كان مَليّاً أو عادَ إليه أخرَجَ الزكاةَ آخِرَ احلوْلِ ،ألن املُلْكَ مل يَزَلْ ينقطِع ا َ
بالكلية ،لِثُبوتِ َب َدلِهِ يف ذمّةِ املقترضَِ ( .وكُرِهَ) أن يزيلَ ُملْكَهُ ببيعٍ أو مبادلةٍ عما جتِبُ
صدَ به دَفَع وجوب الزّكاةِ ،ألنه فِرارٌ مِنَ القُرْبَةِ .ويف فيه الزكاةُ (حلِيلةٍ) بأن َي ْق ِ
الوجيزَ :يحْ ُرمُ .وزادَ يف اإلحياءِ :وال يربىء الذمّة باطناً ،وأنّ هذا من ال ِفقِه الضَّارّ.
صدَهُ ال حليلةٍ ،بل وقال ابن الصّالحِ :يأَثمُ بقَصدِهِ ،ال بِفعْلِهِ .قال شيخنا :أما لو َق َ
حلاجةٍ ،أو هلا وللفَرارِ ،فال كراهة.
[تنبيه] :ال زكاةَ على صَيْ َريفّ بادَلَ ولو للتجارة يف أثناءِ احلَول مبا يف يدِهِ من
النقدِ غريَهُ من جِْنسِهِ أو غريَه .وكذا ال زكاةَ على وارِثٍ ماتَ مُورِثُهُ عَنْ عروضِ
التجارَةِ حىت يتصّرف فيها بِنيتِها ،فحينئذ يستأنفُ َح ْولَها( .وال زكاةَ يف حُليّ مُباحٍ،
ولو) اختذَهُ الرجلُ بال قصدِ لبْسٍ أو غريِه ،أو اختذَهُ (إلِجارَةٍ) ،أو إعارةٍ المرأة( ،إال)
إذا اختذَهُ (بنية كَنْزٍ) فتجبُ الزكاةُ فيهِ.
[فرع] :جيوزُ للرجلِ ختَتمٌ خبامتِ فِضة ،بل ُيسَنّ يف خُْنصُرِ ميينِهِ أو يَسارِهِ،
لالتّباع .ولِْبسُهُ يف اليمني أفضَل .وصَوَّبَ األذْرعيّ ما اقتضاهُ كالمُ ابنُ الرِّفعةِ من
وجوبِ َن ْقصِهِ عن مثقالٍ للنّهي عن اختاذِهِ مِثْقاالً ،وسَندُه َحسَنٌ ،لكن ض ََّعفَه النوويّ.
فاألوْجَه أنه ال يضَبطَ مبثقالٍ بل مبا ال ُيعَدُّ إسرافاً عُرفاً .قال شيخنا :وعليه ،فالعربةُ
جل ْمعٍ ،حيثُ مل ُيعَدُّ إسرافاً.
بعُرْفِ أمثال الالبِسِ .وال جيو ُز تعدُّدُه ،خِالفاً َ
وحتْليَتُه آلَةَ حَرْبٍ ،كسَيْفٍ ورُمحٍ ،وتُرْسٍ ،ومِنْ َطقَةٍ وهي ما ُيشَدُّ هبا الوسط
وسِكنيُ احلربِ دون سكني املِهنَةِ وا ِملقْلمَةُ :ب ِفضّة ،بال سَرَفٍ ،ألن ذلك إرهاباً
ضع َفهُ ابنُ القَطّان ،وإنللكُفارِ ،ال بذَهبٍ ،لزيا َدةِ اإلِسرافِ واخلُيَالءِ .واخلربُ املبيحُ لَهُ َّ
صحَفاً .قال شيخنا :أي ما فيه قرآن ،ولو للتَّبَرُّكِ ،كغِالِفهِ َحسّنَهُ التِّرمذيُّ .وحتْليَتُهُ ُم ْ
ِب ِفضّة .وللمرأة حتليَتُهُ بذَ َهبٍ إكراماً فيهما .وكَتْبُ ُه بالذَّهب َحسَنٌ .ولو مِنْ رَجُلٍ ،ال
حتليَةُ كتابٍ غريه ،ولو بفضةٍ .والتمويه حرامٌ قَطعاً مُطلقاً .مث إن َحصَلَ منه شيء
بالعَ ْرضِ على النَّار حَ ُرمَت استِدامَتُه ،وإال فال ،وإن اتَّصل بالَبدَنِ ،خالفاً جلمع.
وحيلّ الذهب والفضة بال سَرَف المرأة ،وصيبّ إمجاعاً يف حنو السّوار،
والطوْق .وعلى األصحّ يف املنسوجِ هبما .وحيلّ هل ّن التَّاجُ وإن مل واخللخالِ ،والنَّعلَِّ ،
يعَتدْنَه وقِالدَةٍ فيها دَنانريُ ُمعَرّاة قطعاً ،وكذا مَثْقوبة ،وال جتِبُ الزكاةُ فيها .أما مع
السَرَفِ :فال حيلّ شيء من ذلك ،كخلخال وزنُ جمموعِ فردَتيْه مائتا مِثقال ،فتجِبُ
الزكاةُ فيه( .و) جتبُ على من مرّ (يف قُوتٍ) اختياريّ من حبوب (كَبُرَ) ،وشعريٍ،
(وأ ُرزّ) ،و ُذ ّرةٍ ،وحِمص ،و ُدخْن ،وباقِالءُ ،ودقسة( .و) يف (مترٍ وعَِنبٍ) من مثار
(بلغ) قدر كل منهما (مخسة أوسُقٍ) وهي بالكيل :ثلثمائة صاع .والصّاعُ :أربعةُ
أمدادٍ .واملدّ :رَطلٌ وثُلُث (مُنقى) من تِنبٍ) وقِشرٍ ال يؤكل معه غالباً .واعلمْ أن األرُزَّ
مما يُدَّخَر يف قشرِهِ وال يؤكل معه ،فتجبُ فيه إن بلغ عشرةَ أوسُقٍ (عشر) للزكاة.
(إن سُقيَ بال ُمؤَْنةٍ) كمطَرٍ( ،وإال) أي وإن سُقيَ مبؤْنَة كنضْحٍ (فنِصفُه) أي نصفُ
ال ُعشْرِ .وسَبَب التفرقةِ :ثقَلُ املؤنة يف هذا ،و ِخفّتها يف األوّل ،سَواءٌ أزُرِعَ ذلك
58
قصداً ،أم نََبتَ اتفاقاً كما يف اجملموع حاكياً فيه االتّفاق ،وبه ُيعْلم ضِعفُ قو ِل
الشيخ زكريا يف حتريرِه تبعاً ألصلهُ :يشُتَرطُ لوجوبِها أن يزرَعَهُ مالِكه أو نائِبُه ،فال
ضمّ جِنْسٌ إىل آخَر لتكميلِ زكاة فيما انزرَعَ بنفسِهِ ،أو َزرَعَه غريُه بغري أذنِهِ .وال ُي َ
ضمّان إن َوَقعَ حصادِمها يف النصابِ ،خبالف أنواع اجلنسِ ،فُتضَم .و َزرْعا العام يُ َ
عام.
[فرع] :ال جتبُ الزكاةُ يف مالِ بيتِ املالِ ،وال يف رَْيعٍ موقوفٍ من خنلٍ أو أرضٍ
على جهةٍ عامة كالفقراء والفقهاء واملساجد لعدم تَعيُّن املالِك .وجتبُ يف موقوفٍ
ضهُم يف على معيَّن واحدٍ ،أو مجاعَةٍ معيَّنة كأوالدِ زيد َ ،ذكَرَهُ يف اجملموعِ .وأفىت بع ُ
موقوفٍ على إمامِ املسجدِ أو املدرِّس بأنه يلزمه زكاتُه كاملعيَّن .قال شيخنا:
واألوجَ ُه خالفه ،ألن املقصو َد بذلك :اجلهةَ :دون شخصٍ ُمعّنيٍ.
[تنبيه] :قال اجلالل البلقيينّ يف حاشيةِ الرَّوضَةِ ،تبعاً للمجموع :إن ُغلَّة األرضِ
اململوكةِ أو املوقوفةِ على ُمعَيّن ،إن كان البَذرُ من مالِ مالِكِها أو املوقوفِ عليه:
َوزْنا فتجبُ عليه الزكاةُ فيما أخرَجَتْهُ األرضُ .فإن كان البَ ْذرُ من مالِ العاملِ وج َّ
املخابَرةَ ،فتجبُ الزكاةُ على العامِلِ ،وال شيء على صا ِحبِ األرضِ ،ألن احلاصِلَ لَه
أجْ َرةُ أرضِه .وحيثُ كان البَذرُ مِن صاحِب األرضِ ،وأعطِيَ منهُ شيءٌ للعاملِ ،ال
شيءَ على العاملِ ،ألنه أجْرَةَ عملِه .اه.
وجتبُ الزكاة لنباتِ األرضِ املستأج َرةُ مع أجْرَتِها على الزارِع .و ُمؤْنَةُ احلَصادِ
والدّياس على املالك( .و) جتبُ على من مرّ لِلزّكاة (يف كلّ مخس إبلٍ شاةٌ) َجذِ َعةُ
ضَأْنٍ هلا سَنَة ،أو ثنية معزٍ هلا سنتان ،وجيزىء الذَّكر ،وإن كانتْ إِبله إناثاً ،ال املريضَ
إن كانت إبله صِحاحاً (إىل مخسٍ وعشرينَ) منها .ففي عشر شاتان ،ومخسةَ عشر
ثالثٌ ،وعشرين إىل اخلمس والعشرين أربعٌ ،فإِذا َكمَُلتْ اخلمسَ والعشرون (فبنتُ
خماضٍ) هلا سَنة ،هي واجِبُها إىل ِستّ وثالثني .سُمِّيَت بذلك ألن أمّها آن هلا أن
تصريَ مِن املخاضِ أي احلوامِل ( .ويف ستّ وثالثني) إىل ست وأربعني (بنتٌ لبونٍ)
هلا سنتانُ .سمّيَت بذلك ألن هلا أمها آن هلا أن تَضع ثانياً ،وتصريَ ذات لنبٍ( .و) يف
(ست وأربعني) إىل إِحدى وستنيِ ( :ح ّقةٌ) هلا ثالث سنني ،ومسيت بذلك ألهنا
حمَلَ عليها ،أو أن يَطْ ُرقَها الفحلُ( .و) يف (إحدى وستني: حقّت أن تُركبَ ،وُي ْ است َ
مقدمُ أسناهنا ،أي يسقط( .و) يف جذَعُ َّ َجذِعَة) هلا أربع سننيُ .سمّيَت بذلك ألهنا ُي ْ
(ست وسبعني :بِنْتا لَبونٍ .و) يف (إحدى وتسعنيِ :حقّتان .و) يف (مائة وإحدى
وعشرين ثالثُ بناتٍ لبونٍ .مث) الوا ِجبُ (يف كل أربعني بنتٌ لبون .و) يف كل
(مخسني ِحقّة .و) جيبُ (يف ثالثني َبقَرةٌ إىل أربعني تبيعٌ) له سنةُ ،سمّيَ بذلك ألنه
يتبع أمّه( .و) يف (أربعني) إىل ستنيُ ( :مسِنّةٌ) هلا سنتان ،مسيت بذلك لتكامُلِ أسناهنا.
(و) يف (ستني :تَبيعانِ ،مث يف كل ثالثني :تبيعٌ .و) يف كل (أربيعنُ :مسِنّةٌ .و) جيبُ
(يف أربعني غنماً) إىل مائة وإحدى وعشرين( :شاةٌ .و) يف (مائة وإحدى وعشرين)
إىل مائتني وواحدة (شاتان .و) يف (مائتني وواحدة) إل ثلثمائة (ثالث) من الشياه.
(و) يف (أربعمائة :أربعٌ) منها( ،مث يف كل مائة :شاةٌ) َجذِعَةٌ ضَأْنٍ هلا سَنة ،أو ثَنية
معز هلا سنتان .وما بني الّنصَابيْنِ يُسمَّى َوقْصاً .وال يُؤْ َخذُ خيارٌ كحاملٍ و ُمسَمَّنةٍ
لألكل .ورُىب وهي حَديثةُ العهدِ بالنَّتاجِ بأن ميضي هلا من والدَهتا نصفُ شهرٍ إال
برضا مالك.
(وجتبُ الفطرةُ) أي زكاةُ الفطرِ .مسيت بذلك ألن وجوهبا به .وفُ ِرضَت
كرمضان يف ثاين سِين اهلِجرةِ .وقولُ ابن اللبان بعدمِ وجوبِها غلطٌ كما يف الروضَة
قال وكيعُ :زكاةُ الفطرِ لشهرِ رمضان كسجدةِ السّهو للصالةِ جتبُرُ نقصَ الصَّومِ،
59
الل ْغوِ كما َيجْبُر السجودُ نقصَ الصَّالةِ ويؤّيدُهُ ما صَحّ أهنا "طُهرَةٌ للصائِمِ مِنَ َّ
سهِ ،بل تلزَم سيِّده عنه ،وال عن والرَّفثِ"( .على حُرَ) فال تلزَمُ على رقيقٍ عن نف ِ
زوجَتِهِ ،بل إن كانتْ أمَة فعلى سَيّدها ،وإال َفعَليْها كما يأيت .وال على مُكاَتبٍ
لضعفِ مُلكِهِ ،ومن مث مل تلزمُهُ زكاةُ مالِهِ وال نفقَةُ أقارِبهِ ،والستقالله مل تل َزمْ سيدَه
عنه( ،بغروب) مشسِ (ليلِة فطرٍ) من رمضان ،أي بإِدراكِ آخر جزء منه وأوّل جزء
من شوَّال .فال جتبُ مبا َحدَثَ بعد الغروبِ من وَلدٍ ،ونِكاحٍ ،ومُلْكِ قِنّ ،وغِىنً،
وإسالم .وال تسقُطُ مبا حيدُثُ بعده من َموْتٍ ،وعَتْقٍ ،وطالق ،ومُزيل مُلكٍ .ووقتُ
أدائِها من وقتِ الوجوبِ إىل غروبِ مشسِ يومِ الفِطْرِ .فيلزم احلرّ املذكور أن يؤدّيها
قبل غروب مشسِه( ،عمن) أي عن كل مسلمٍ (تلزمهُ نفقتُه) بزوجِيَّة ،أو مُلْكٍ ،أو
قرابة ،حني الغروب( .ولو رَ ْجعِيَّةً) أو حامالً بائناً ،ولو أمَةً ،فيلزم فطرهتما كنفقتهما.
وال جتب عن زوجَةٍ ناشِ َزةٍ ،لسقوطِ نفقِتها عنهُ ،بل جتبُ عليها إن كانت غنية .وال
حرةٍ غنّيةٍ غريَ ناشزةٍ حتت ُم ْعسَرٍ ،فال تلزم عليهِ النتفاءِ يسارِهِ ،وال عليْها لكمالِ عن َّ
تسليمِها نفسِها له .وال عن وََلدٍ صغريٍ غينّ ،فتجبُ من مالِه ،فإِن أخ َرجَ األبُ عنه
من مالِهِ جازَ ،ور َجعَ إن نوى الرجوعَ .وفِطرةُ ولدِ الزِّنا على أمّه .وال عن وَلدٍ كبريٍ
سبٍ .وال جتبُ الفطرةُ عن قِنَ كافرٍ ،وال عن مُرَْتدّ ،إال أن عاد لإلِسالم. قادرٍ على َك ْ
وتلزم على الزوج فطرةُ خادمِة الزوجة ،إن كانت أمَتَه ،أو أمَتَها وأخْ َدمَها إياها ،ال
السيدِ فطرةُ أمَِتهِ املزوَّجَة
صحِبَتْها ،ولو بأذنِهِ ،على املعت ِمدِ .وعلى ِّ ُمؤَجَّرةٌ ،ومَنْ َ
ُملعْسرٍ ،وعلى احلرّة الغنيّة املزوَّجة لعبدٍ ال عليه ولو غنياً .قال يف البحر :ولو غابَ
الزوجُ ،فللزوجةِ اقتراضُ َن َفقَتِها للضّرورة ،ال ِفطرهتا ،ألنه املطالبَ ،وكذا َب ْعضُه
احملتاج .وجتب الفطرةُ على من مرّ ،عمن ُذكِر (إن َفضُلَ عن قوتٍ مموَّن) له تلزمهُ
سهِ وغريِهِ (يوم عيدٍ وليلِته) وعن مَلَبسٍ ،ومسكَنٍ ،وخادَمٍ حيتاجُ إليهما مؤنتةٌ من نف ِ
هو أو مموِّنَه( .وعن دَيْن) على املعتمد ،خالفاً للمجموع ولو ُمؤَجالً ،وإن َرضِيَ
صاحِبُه بالتأخري( .ما خيرِجَهُ فيها) أي الفطرةُ( .وهي) أي زكاةُ الفِطرِ (صاعٌ) وهو
أربعةُ أمدادٍ ،واملدّ ،رَطلٌ ،وثُُلثٍ وقدَّرَهُ مجاعةٌ ُحبفَْنةٍ بِكفيْنِ ُمعَْتدِليْن عن كل واحدٍ
(من غالبِ قوتِ بََلدِهِ) أي بََلدَ املؤدَّى عنه .فال جتزىء من غريِ غالبِ قوتِهِ ،أو قوتِ
ُمؤَدَ ،أو بلدِهِ ،لتشوُّفِ النفوسِ لذلك .ومن مث وجبَ صرفُها لفقراءِ بلده مؤدّى عنه.
فإن مل ُيعْرَف كآبقٍ ففيهِ آراءٌ :منها :إخراجُها حاالً .ومنها :أهنا ال جتب إال إذا
عاد .ويف قولٍ :ال شيء.
سوّسٌ ومَبلولٌ أي إال إن جَفّ وعاد [فرع] :ال جتزىءُ قيمةٌ وال مُعيبٌ و ُم َ
ِلصَالحيّة االدّخارِ واالقْتيات ،وال اعتبار القتياتِهِم املبلولَ إال أن َفقَدوا غريَه ،فيجوز.
(وحَ ُرمَ تأ ِخريُها عن يومِهِ) أي العبدِ بال عذر ،كغَيْبَةِ مالٍ أو ُمسْتحِقّ .وجيبُ القضاءُ
فوراً لعِصيانِهِ.
وجيوزُ تعجِيلها من أوّل رمضان ،وُيسَنّ أن ال تؤخَّر عن الصالةِ العيدِ ،بل يُكْرَه
الشمْسُ.
ذلك .نعمُ ،يسَنّ تأخريُها النتظار حنو قريبٍ أو جارٍ ما مل َتغْرُب َّ
جبُ أداءُها) أي الزكاةُ ،وإن كانَ عليهِ دَيْنٌ مستغرقٌ (فصل) :يف أداء الزكاة (َي ِ
حالٌّ هلل أو آلدميّ ،فال مينعُ الدِّينُ وجوبَ الزكاةِ يف األ ْظهَرِ (فوراً) ولو يف مالِ
ضمِنَ ،إن صيبّ وجمنون ،حاجة املستحقني إليها (بتمَكُّنٍ) مِن األدَاءِ .فإِن أخَّر أَِثمَ ،و َ
تَلَفَ بعده .نعم ،إن أخَّر النتظارِ قريبٍ ،أو جارٍ ،أو أ ْحوَج ،أو أصْلح ،مل يأمث ،لكنّه
ضعَهُ يف َغريِ حِرْ ِزهِ
ضمَنْهُ إن َتلَفَ ،كمن أتَلفَه ،أو قَصَّرَ يف دفعِ مُتْلَفٍ عنه ،كأن َو ََي ْ
حلوْل ،وقبل التمكّنِ .وحيصلُ التمكّن (حبضورِ مالٍ) غائبٍ سائرٍ أو قارَ مبحلِ بعد ا َ
َوزْنا نقلَ الزّكاةِ عسُرَ الوصولُ إليهِ ،فإِن مل حيضَر مل يلزمْهُ األداءُ من حمل آخَرَ ،وإن ج َّ
60
(و) حضور (مستحقيها) أي الزكاةِ ،أو بعضهم ،فهو مُتمَكّن بالنسبةِ حلصِّتهِ ،حىت لو
ضمِنَها .ومع فراغٍ من مُهمّ ديينّ أو دنيويّ كأكلٍ ،ومحّامٍ (وحُلولُ دينٍ) من تلفت َ
نقدٍ ،أو عَ َرضِ جتارةٍ (مع َق ْدرَةٍ) على استيفائِه ،بأن كان على مَلىءٍ حاضِرٍ باذِلٍ ،أو
جا ِحدٍ عليهِ بيَّنةٌ ،أو َيعْلمْهُ القاضي ،أو َق ِدرَ هو على خالصِهِ ،فيجبُ إخراجُ الزكاةِ
يف احلال ،وإن مل يقَبضْهُ ،ألنهُ قادرٌ على قبضِهِ .أما إذا تع ّذرَ استيفاؤُهُ بإعسارٍ ،أو
مُطْلٍ ،أو غَيْبَةٍ ،أو جُحودٍ وال بيّنة ،فكمغصوب فال يلزمه اإلِخراجُ إال إن قبضَهُ.
وجتبُ الزكاةُ يف مغصوب وضالّ ،لكن ال ِجيبُ د ْفعُها إال بعد متكّن بعو ِدهِ إليه( .ولو
ص َدقَها نِصابَ نقدٍ) وإن كان يف الذّمّة ،أو ساِئمَة ُمعَيِّنة (زَكَّتُه) وُجوباً ،إذا متّ َحوْلٌ أ ْ
من اإلصداق ،وإن مل تقبضْه وال وَطِئها .لكن يُشترطُ إن كان النقدُ يف الذمّة إمكان
قبضِهِ ،بكونِ ِه موسراً حاضراً.
[تنبيه] :األظهر أنّ الزكاةُ تتعلقُ باملالِ تعلّقَ شركةٍ .ويف قولٍ قدميٍ اختارهُ الرميّي
:ألهنا تتعلق بالذمّة ،ال بالعَيْنِ .فعلى األوّل أن املستحِقّ للزكاةِ شريكٌ بق ْدرِ
الواجبِ ،وذلك ألنه لو امتَنعَ من إخراجها أ َخذَها اإلِمامُ منه قَهراً .كما يُقسم املالُ
سمَتِه .ومل ُيفَرّقوا يف الشركةِ بني العَيْنِ املشترَكُ قَهراً إذا امتنع بعضُ الشركاءِ مِن ِق ْ
والدَّيْنِ ،فال جيوز لربّه أن َيدّعي ُملْكَ مجيعِهِ ،بل إنه يستحِقّ قبضه .ولو قال :بعد
َحوْلٍ إن أبرأتين من صَداقِكِ فأنتِ طالِقٌ ،فأبْرَأَتْهُ منه مل تَطْلُق ،ألنه مل يربأْ من مجيعه،
بل مما عدا قَدر الزكاة ،فطريقها أن يعطِيَها مث تُبْرِئه .ويبطل البيعُ ،والرهنُ يف قدرِ
حلوْل صح ال يف قدرِ الزّكاة ضهِ بعد ا َ
الزكاةِ فقط ،فإِن فعلَ أحدمها بالنِّصاب ،أو ببع ِ
كسائرِ األموالِ املشترَكة على األظهر .نعم ،يصح يف قدرُها يف مالِ التجارةِ ال اهلِبةُ
يف قدرِها فيه.
َدمُ الزَّكاةُ وحنوها من تركةِ مديونٍ ضاَقتْ عن وفاءِ ما عليه من [فرع]ُ :تق َّ
حقوقه اآلدميّ وحقوقِ اهلل كالكَفارة ،واحلجّ والنّذرِ والزّكاةِ .كما إذا اجتمعتا على
ُدمَت الزكاةُ إن َتعَلّقت حجَر عليهِ .ولو امجتعت فيها حقوقُ اللّهِ فقط ق ِّ حيّ مل ُي ْ
بالعَيْنِ ،بأن بَقيَ النِّصابُ ،وإال بأن َتلَفَ بعد الوجوب والتمكّن اسَْتوَتْ مع غريها،
فيوزّع عليها.
(وشُرِطَ له) أي أداء الزكاة ،شرطان .أحدمها( :نية) بقلب ،ال نُطقٍ (كهذا
صدَقةً َمفْروضةً) .أو هذا زكاةُ) مايل .ولو بدونِ فرضٍ ،إذ ال تكونُ إال فَرْضاً (أو َ
ص ْدقِهِ بالكَفارة والنَّذر .وال جيبُ زكاةُ مايل املفروضَة .وال يكفي :هذا فرضُ مايلِ ،ل ِ
َتعْينيُ املالِ املخ َرجِ عنه يف النيّة .ولو عُيّن مل َي َقعْ عن غريِه ،وإن بانَ املُعيّنُ تالِفاً ،ألنه
مل ينوِ ذلك الغري .ومن مثّ لو َنوَى إن كانَ تالِفاً َفعَنْ غريِهِ فبانَ تالِفاً وَقعَ عن غريهِ.
صدِ صدَقةٌِ ،ل َع َدمِ اجلزمِ بِق ْ
خبالف ما لو قال :هذهِ زكاةُ مايل الغائب إن كان باقياً ،أو َ
الفَ ْرضِ .وإذا قال فإِن كان تالِفاً فصَدقَةٌ .فبانَ تالِفاً ،وَقعَ صَدقةً ،أو باقياً ،وَقعَ زكاةٌ.
ولو كانَ عليهِ زكاةً وشَكَّ يف إخراجِها ،فأخرجَ شيئاً وَنوَى :إن كان عليَّ شيءٌ من
الزّكاةِ فهذا عنه ،وإال فَتَطَوُّعٌ .فإِن بانَ عليه زكاةٌ أجزأهُ عنها ،وإال وَقعَ لَهُ تطَوُّعاً
كما أفىت به شيخنا .وال جيزىء عن الزّكاة قَطعاً ،إعطاءُ املالِ للمستحقني بال نيّة.
(ال مقارنتها) أي النية (للدّفع) فال ُيشْتَرَطُ ذلك( ،بل تكفي) النيّة قبلَ األداءِ إن
وُ ِجدَتْ (عند عَزْلِ) َق ْدرِ الزكاةِ عنِ املالِ (أو إعطاءِ وكيلٍ) أو إِمامٍ ،واألفضل هلما
أن ينويا أيضاً عند َّالتفْ ِرقَة( ،أو) وُجِدَت (بعد أحدمها) أي بعد عَزْلِ َق ْدرِ الزّكاة أو
التّوكِيل (وقبلَ التفرقةِ) ِل ُعسْرِ اقتِراهنا بأدَاءِ كُلّ ُمسْتحِقَ .ولو قال لغريه :تَصدّقَ هبذا.
َدقِه بذلك ،أجزأه عن الزّكاة .ولو قال آلخر :اقبضْ دَيْين مِن مث َنوَى الزَّكاةَ قبل َتص ُّ
فالنٍ ،وهو لك زكاة ،مل يكفِ ،حىت يَْنوِي هو بعد قبضِهِ ،مث يأذَن لهُ يف أ ْخذِها
61
وأفىت َب ْعضُهم أنّ التوكيلَ املطلَقَ يف إخراجِها يستلزمُ التوكيلَ يف نيّتها .قالَ شيخنا:
وفيه نظرٌ ،بل املُتجَهُ أنه ال بدّ من نيّة املالك ،أو تفويضها للوكيل .وقال املتوَيل
وغريُه :يتعيّن نيّةُ الوكيلِ إذا وقعَ الفرضُ مبالِه ،بأن قال له موكلُه أدِّ زكايت من مالِكَ،
لينصرفَ فعلُه عنه .وقوله له ذلك مُتضمِّنٌ لإلِذنِ له يف النيّة .وقال القفال :لو قال
لغريه أقْ ِرضْين مخسةً أؤَدِّها عن زكايت ،ففعلَ ،صحّ .قال شيخنا :وهو مبينّ على رأيه
ِبجَوازِ احتادِ القابضِ واملُقبِّضِ.
(وجازَ لكل) من الشريكني (إخراجُ زكاةِ) املالِ (املشترَكِ بغريِ إذنِ) الشريكِ
(اآلخَرِ) كما قاله اجلرجاين ،وأقَرَّه غريُه ،إلِذنِ الشّرعِ فيه .وتَكفي نيّة الدافِعِ منهما
عن نيّة اآلخَر على األوْجَه( .و) جازَ (توكيلُ كافِرٍ ،وصيبّ يف إعطائِها املعَيَّنِ) أي إن
عُيِّنَ املدفُوع إليهِ ،ال مُطلقاً ،وال تفويض النيّة إليهما لع َدمِ األهْليّة .وجازَ توكيلُ
غريمها يف اإلِعطاء والنيّة معاً .وجتبُ نيّة الويل يف مالِ الصّيبّ واجملنونِ ،فإن صَرَفَ
ضمِنَها لتقصريِهِ .ولو َدَفعَها املُزَكِّي لإلِمام بال نيّة وال إذنٍ منه له ال َويلّ الزكاةَ بال نيّة َ
فيها مل جتزئهُ نيّته .نعم ،جتزىءُ نيّةُ اإلِمام عندَ أخذِها قهراً من املمتَِنعِ ،وإن مل ينوِ
ب املالِ( .جازَ للمالِكِ) دون الوَيلِّ (تعجيلُها) أي الزكاة (قبل) متامِ ( َحوْلٍ)، صاح ُ
ال قبلَ متامِ نِصابٍ يف غريِ التجارة ،و (ال) تَعجيلها (لعامَيْن) يف األصَحّ .وله تعجيلُ
الفِطرَةِ من أول رمضان .أما يف مالِ التجارة فيجزىء التعجيلُ ،وإن مل ميلكْ نِصاباً.
وينوي عند التعجيل :كهذه زكايت املعجَّلة.
ضمِنَ إن تَلَف بعد (وحَ ُرمَ) تأخريُها أي الزكاة (بعد متام احلول والتملكّ) و َ
متكن ،حبضورِ املالِ واملستحِقّ ،أو أتلفَهُ بعدَ َح ْولِ ولو قبل التمكن .كما مرّ بيانه.
(و) ثانيهما( :إعطاؤها ملستحقيها) أي الزّكاة .يعين من وُ ِجدَ مِنَ األصنافِ الثمانيةِ
املذكورةِ يف آية{ :إِمنا الصَّدقَاتُ للفقراءِ واملسَاكني والعامِلني عَليها وا ُملؤََّلفَةِ قلوبِهم
ني ويف سبي ِل اللّهِ ،واب ِن السَّبيلِ}. ويف الرِّقابِ والغارم ِ
سبٌ الئقٌ ،يقعُ مَوقِعاً من كفايَِتهِ وكفايةِ مموِّنه، والفقريُ :من ليس له مالٌ وال َك ْ
وال مين ُع ال َفقْرََ ،مسْكَنُه وثيابُه ولو للتجَمُّل يف بعضِ أيامِ السَّنَةِ وكُُتبٌ حيتاجُها،
وعبدُه الذي حيتاجُ إليه للخدمَةِ ،ومالُه الغائبُ مبرحلتيْن ،أو احلاضِرُ وقد حِيلَ بينه
سبُ الذي ال يليق به .وأفىت بعضهم أن حُليَّ املرأة الالئق وبينه والدَّيْنُ املؤجَّلُ وال َك ْ
هبا احملتاجَة للتزيّن به عادة ال مينع َفقْرَها .وصَوَّبَه شيخنا.
واملسكنيُ :مَنْ ق َدرَ على مالٍ أو كسبٍ يقعُ َموْقِعاً من حاجَِتهِ وال يكْفيه كمن
حيتاجُ لعشرةٍ وعندَهُ مثانية وال يكفيهِ الكِفاية السابقَة ،وإن مَلَكَ أكثرَ من نِصابٍ،
حىت أنّ لإلِمامِ ،أن يأ ُخذَ زَكاتَهُ ويدَفعُها إليه فُيعْطَى كل منهما إن تعوَّدَ جتارةً رأسَ
حسِنْ حِرفة وال جتارَة ُيعْطَى كفايَةَ مالٍ يكفيهِ رحبُهُ غالباً ،أو حِ ْرفَةُ آلتها .ومَنْ مل ُي ْ
سبٍ ولو َقوِياً جَلِداً بال ال ُعمُرِ الغاِلبَ .وصُدِّقَ مُدَّعي َفقْرٍ ،و َمسْكَنَةٍ ،و َعجْزٍ عن كُ ْ
ميني ،ال مُدَّعي تَلفِ مالٍ عُرِفَ بال بيّنَة.
والعامِلُ كساعٍ :وهو من يبعَثُهُ اإلِمامُ ألخذِ الزكاة ،وقا ِسمٍ وحاشِرٍ ،ال
قاضٍ.
َوقعُ بإِعطائه إِسالمُ غريِه. واملؤلَّفةُ :مَن أَسلمَ ونيّته ضعيفةٌ ،أو لَه شرفٌ يُت َّ
سيدُهُ بإِذنِه دَيْنَه إن والرِّقابُ :املكاتَبون كتابةً صحيحة ،فُيعْطَى املكاَتبُ أو ِّ
َعجِزَ عَ ِن الوَفاء ،وإن كان َكسُوباً ،ال مِ ْن زَكاةِ سَِّيدِ ِه لِبَقائِهِ على مُلْكِهِ.
والغَا ِرمُ :مَنْ استدانَ لنفسِهِ لغريِ َم ْعصِيَةٍ ،فيُعطي له إن َعجِزَ عن وفاء الدَّين ،وإن
سبُ ال يدفعُ حاجَتَهُ َلوَفائه إن حَلّ الدَّين .مث إن مل يكن معه كان كسوباً ،إذ ال َك ْ
شيء أعطِيَ الكل ،وإال فإن كان حبيثُ لو قضَى دينَه مما معَهُ َمتسْكَنَ ،تُرِكَ له مما معه
62
ما يكفيه أي العمرَ الغالبَ .كما استظهَرَهُ شيخنا .وأعطيَ ما َيقْضي به باقي دينَه،
أو إلصالحِ ذاتِ البيْنِ ،فيُعطَى ما استدانه لذلك ولو غنياً .أما إذا مل يستدِن بل أعطي
ذلك من مالِهِ ،فإنه ال يعطاه .وُيعْطَى املستدِينُ ملصلحَةٍ عامّة َكقَرْي ضَيْفٍ ،وفَكّ
أسريٍ ،وعمارَةِ حنو مسجدٍ وإن غنياً .أو للضّمانِ .فإِن كان الضامِن واألصيلُ ُم ْعسَرَيْن
ضمِنَ بال إذنِ ،أو أعطيَ الضامِنُ وفاءَهُ .أو األصيلُ موسِراً دونَ الضَّامِن ،أعطِيَ إن َ
عكسه أعطيَ األصيلُ ،ال الضّامن ،وإذا وىف مِن َس ْهمِ الغا ِرمِ مل يُرْجَع على األصيلِ
صدّق ضمِنَ بإِذنهِ .وال يُصرَفُ من الزكاةِ شيءٌ لِ َكفَنٍ ميِّتٍ ،أو بناءِ مسجدٍ .وُي َ وإن َ
مدّعي كتابةٍ أو غُ ْرمٍ بإِخبارِ َعدْلٍ وتصديقِ سَيّد ،أو رَب دين ،أو اشتهار حالٍ بني
الناس.
[فرع] :من دفعَ زكاتَه ملدِينِه بشرط أن يردَّها له عن ديْنِه ،مل َيجُزْ ،وال يصح
قضاء الدين هبا .فإِن نويا ذلك بال شرط ،جاز وصحّ ،وكذا إن وَ َعدَهُ ا َملدِينُ بِال
شَرْطٍ ،فال يلْزَمْهُ الوَفاءُ بالوَ ْعدِ .ولو قال لغرميِه :جعلتُ ما عَليكَ زكاةً ،مل جيزىء
على األوْجَه إال إن قبضَهُ مث رَدَّهُ إليه .ولو قال :اكتَلْ من َطعَامِي عندَكَ كذا .وَنوَى
به الزكاةَ ،ففعلَ فهل ُيجْزىء؟ وَجْهانِ ،وظاهرُ كالم شيخنا ترجيحُ عدمِ
اإلِجزاءِ.
وسبيلُ اهلل :وهو القائمُ باجلهادِ متطوّعاً ،ولو غنياً .وُيعْطَى اجملا ِهدُ النفقةَ
والكسوَة لهُ ولعيالِهِ ذهاباً وإياباً ،ومثن آلة احلربِ.
وابنُ السّبيل :وهو مسافِرٌ جمتازٌ ببلدِ الزَّكاةِ ،أو مُنشِىءُ سفرٍ مباحٍ منها ،ولو
لنزهةٍ ،أو كانَ كَسوباً خبالفِ املسافِرِ ملعصيةٍ إال إن تابَ ،واملسافرُ لغريِ مقصَدٍ
صحيحٍ كاهلائم وُيعْطَى كفايَتُهُ ،وكفايةُ من معه من مموِّنه أي مجيعُها نفقةً،
ص ِدهِ مالٌ ،وُيصَدَّقُ يف دَ ْعوَى وكسوةً ،ذهاباً ،وإياباً ،إن مل يكن له بطريقِهِ أو مق َ
السفَرِ ،وكذا يف دَ ْعوَى الغَ ْزوِ ،بال مينيٍ .وُيسْتَرَدّ منه ما أخذَهُ إن مل خيرُج .وال ُيعْطَى َّ
أحدٌ ِب َوصْفيْن .نعم إن أخ َذ فق ٌري بالغُ ْرمِ فأعطاه غرميُهُ ،أعْطِ َي بال َفقْرِ ،ألنه اآلن حمتاج.
[تنبيه] :ولو فرَّق املالكُ الزكاةَ َس َقطَ َس ْه ُم العاملِ ،مث إن احنصَرَ املستحِقونَ،
َووَىف هبم املال ،لزم تعميمهم ،وإال مل جيب ،ومل يُنْدب .لكن يلزمهُ إعطاءُ ثالثَةٍ من
كل صنفٍ ،وإن مل يكونوا بالبلدِ وقتَ الوجوبِ ،ومِنَ املتَوطّنني َأوْىل .ولو أعْطَى
اثنني من كل صنف ،والثالث موجودٌ ،لزمَهُ أقلُّ متموّلٍ غُرْماً له من مالِهِ ،ولو فُقِدَ
بعضُ الثالثة رَدَّ حِصَّتَه على باقي صُْنفِهِ ،إن احتاجَهُ ،وإال َفعَلى باقي األصنافِ.
ويلزمُ التسويةُ بني األصنافِ ،وإن كانت حا َجةُ بعضِهم أشدّ ،ال التسوية بني آحادِ
الصّنفِ ،بل تُندَب.
واختارَ مجاعةٌ من أئمتنا جوازَ صَرْفِ الفِطرة إىل ثالثة مساكني ،أو غريهم من
املستحقني ،ولو كان كل صنفٍ أو بعض األصنافِ وقتَ الوجوبِ حمصوراً يف
ثالثةٍ فأقلّ ،استحقوها يف األُوىل .وما خيصّ احملصورين يف الثانية من وقتِ الوجوبِ،
فال َيضُرّ حدوثُ ِغىنً أو َموْتُ أ َحدِهِم ،بل َحقّه باقٍ حبالِهِ ،فيدَفعُ نصيبُ املّيتِ
لوارثِهِ ،وإن كان هو املُ َزكّي .وال يشا ِركُهم قادِمٌ عليهِم وال غائبٌ عنهم وقتَ
سمَةِ .وال يَجوزُ ملالكِ نَقلُ الزّكاةِ الوجوبِ .فإِن زادوا على ثالثة ،مل ْميلُكُوا إال بال ِق ْ
عن بلدِ املالِ ،ولو إىل مسافةٍ قريبةٍ ،وال جتزىء ،وال دفعُ القيمةِ يف غري مالِ التجارِة،
وال دفعُ عينه فيه.
وُنقِلَ عن عمر وابن عباس و ُحذَْيفَة رضي اهلل عنهم جوازُ صَرْفِ الزكاةِ إىل
صَنفٍ واحدٍ وبه قال أبو حنيفة ،وجيوزُ عنده نق ُل الزكاةِ مع الكراهَةِ ودفُع قيمتها.
وعنيُ مالِ التجارِة( .ولو أعطاها) أي الزكاةَ ولو الفِطرَة (لكافرٍ ،أو مَنْ به رِقّ)
63
ولو مُبَعَّضاً غري مكاتَب (أو هاشِميّ ،أو مُطَِّليبّ) ،أو مَ ْوىلً هلما ،مل َي َقعْ عن الزكاةِ،
ألن شَرْطَ اآلخذ اإلِسالمُ ،ومتامُ احلرية ،وعدمُ كونه هاشِمياً ،وال مُطَّلِبياً ،وإن انق َطعَ
الزكَوات إمنا هي أوساخُ النّاسِ، عنهُم ُخمُسُ اخلمسِ خلرب" :إِنّ هذهِ الصَّدقات أي َّ
وإهنا ال حتِلّ حملمدٍ ،وال آللِهِ" .قال شيخنا :وكالزّكاة :كل واجبٍ كالنّذرِ ،والكفارَةِ
خبالفِ التطوّعِ واهلدِيّة( .أو غين) وهو من له كِفاية العمر الغالب على األصَحّ .
وقيل :من له كفايَة سنة .أو الكسب احلالل الالئق (أو مكفيّ بنفقةِ قريب) من
أصلٍ ،أو فرعٍ ،أو زوجٍ ،خبالف املكفيّ بنفقِة متربَّعٍ (مل جيزىء) ذلك عن الزَّكاةِ،
وال تتأدَّى بذلك إن كان الدافِع املالك وإن ظَنَّ استحقاقَهم .مث إن كانَ الدافعُ يظنّ
استردهَُّ ضمَنُ اإلِمامُ ،بَلْ يُستَردّ املدفوع ،وما االستحقاقَ اإلمام :برىء املالِكَُ ،والَ َي ْ
صَ َرفَهُ لِل ُمسْتحِقنيَ .أما مَنْ مل يكتَفِ بالنفقَةِ الواجِبةِ له من َز ْوجٍ ،أو قريبٍ فيعْطِيهِ
املْنفِقُ و َغريُهُ ،حَىت بال َفقْرِ .وجيوز للمَكْفيّ هبا األخْذُ ِبغَيْ ِر املسْكَنَةِ وَال َفقْرِ إنْ وُ ِج َد فيه،
حَىت ممّن تلزمه َن َفقَتُه.
ويُْندَبُ لِل ّزوْجَةِ إِعْطاءُ َزوْجها مِنْ زَكاهتا ،حىت بالفقرِ واملسكنة وإن أْن َفقَها
عَليها .قال شيخنا :والذي يظهرُ أنّ قَرِيبهُ املوسِر َلوْ امتََنعَ مِنَ اإلِنفاقِ عَليهِ و َعجَزَ عنه
حقّق َفقْرِهِ أو َمسْكَنَتِهِ اآلنَ.
باحلَا ِكمِ ،أُعطِ َي حينئذ ،لت َ
[فائدة] :أفىت َّالن َو ِويّ يف بالغٍ تارِكاً لِلصّالةِ كَسالً أنه ال يقبَضها له إال وَليّه أي
صيبّ وجمنونٍ فال ُتعْطَى له ،وإن غابَ وَليّه ،خالفاً ملن زَ ِعمَه :خبالفِ ما لو طَرأ كَ
حجَر عليه :فإِنه يقَبضَها .وجيوزُ َد ْفعُها لفاسِقٍ إال إن عُلمَ أنه تَ ْركُهُ هلا أو تَبذِي ُرهُ ومل ُي ْ
يَستعنيُ هبا على َم ْعصِيَ ٍة فَيحْ ُرمُ وإن أجزَأَ.
[تتمة] :يف قِسمَةِ الغَنيمَةِ .ما أخَذناهُ من أهلِ حربٍ قهراً :فهو غنيمةٌ ،وإال فهو
يفْءٌ ،ومن األوَّلِ :ما أخذناه من دارِهِم اخْتِالساً ،أو سَرِقةً على األصح خالفاً
للغزايل وإمامه :حيث قاال إنه خمتصّ باآل ِخذِ بال ختميسٍ ،وادَّعى ابن الرِّفعة اإلِمجاعَ
عليه ،ومن الثاين :جِزْيَة و ُعشْر جتارَةٍ وتَ ِركَة مُرَْتدّ ،ويبدأ يف الغنيمة بالسّلبِ للقاتلِ
املسلمِ بال ختميسٍ ،وهو ملبوسُ القتيل ،وسالحُه ،ومركوبه ،وكذا سِوارٌ ،ومِنْطَقةٌ،
وخامت ،و َطوْق .وباملؤنِ :كأجْرَةِ َحمّال .مث ُيخَمَّس باقيها ،فأربعة أمخاسها ،ولو
حل َقهُم بعد عقاراً ،ملن َحضَرَ ال َو ْقعَةِ ،وإن مل يقاتِل ،فما أحدٌ َأوْىل به من أحدٍ ال ملن ِ
انقضائها ،ولو قَبْل مجعِ املالِ ،وال ملن ماتَ يف أثناءِ القتالِ قبل احلِيازةَ على املذهب.
صدِين للجهادِ و ُخمُسهما ُيخَمَّسَ :س ْهمٌ للمَصاحل :كسدِّ وأربعةُ أمخاسِ الفيْءِ للمُ ْر َ
ثَغرٍ ،وعَمارَة ِحصْنٍ ،ومسجدٍ ،وأرزاقُ القُضاةِ ،واملشتغلني بعلومِ الشّرعِ وآالهتا ولو
مبتدئني وحفْاظِ القرآنِ واألئمةِ ،واملؤذّنني .وُيعْطَى هؤالءِ مع الغىن ما رآهُ اإلِمام.
وجيبُ تقدميُ األ َهمّ مما ذكر وأمهها :األوَّل .ولو مُنِع هؤالء حقوُقهُم من بيتِ املال
وأُعْطِيَ أحدُهم منه شيئاً :جازَ لَهُ األخْذ ،ما مل يزِدْ على كفايَتِه على املعتمد و َس ْهمٌ
للهامشيّ واملطليبّ :لل ّذكَرِ مِنهما مثل حظّ االنثينيِ ،ولو أغنياءَ .و َس ْهمٌ للفقراءَ،
اليتامى ،وسهمٌ للمسكني ،و َس ْهمٌ البنِ السّبيلِ الفقريِ .وجيبُ تعميمُ األصنافِ األربعةِ
بالعَطاءِ حاضرهم ،وغائبهم عن احمللّ نعم ،جيوزُ التفاوتُ بني آحادِ الصِّنفِ غري
قل احلاصِلُ ،حبيث لو عمّ مل يسدَّ مس ّداً :خُصّ به ذوي القُرىب ،ال بني األصنافِ ،ولو َّ
األ ْح َوجُ ،وال يعمّ للضرورة .ولو فُ ِقدَ بعضُهم :وُزِّعَ سهمُه على الباقني .وجيوزُ عند
األئمّة الثالثة صرفُ مجيعِ مخس الفيءِ إىل املصاحل .وال يصحّ شرطُ اإلِمام :مَنْ أخذَ
صحّ .وعليه األئمّةُ الثالثة .وعند أيب حنيفة ومالك :جيوزُ شيئاً فهو له .ويف قولٍَ :ي ُ
لإلِمامِ أن يفض َل بعضاً.
64
[فرع] :لو َحصَل ألحدٍ من الغامنني شيء مما غنموا قبل التخميس والقسمة
الشرعية :ال جيوزُ التصرُّف فيه ،ألنه مُشتَرَكٌ بينهم وبني أهل اخلمس .والشريك ال
جيوزُ له التصرّف يف املشترَكَ بغريِ إذ ِن شريكه.
(وُيسَنّ صدقةُ تطوّع) آلية{ :مَنْ ذَا اّلذِي ُيقْ ِرضُ اللّهَ قَرْضاً حسَناً} ولِألَحاديثِ
الكثريةِ الشهريةِ .وقد ِجتبُ :كأن جيدَ مضطراً ومعه ما يط ِعمُه ،فاضِالً عنه ،ويُكْ َرهُ
برَدِيءٍ ،وليس منه :التصدُّق بالفلوسِ ،والثوبِ اخللِقِ ،وحنومها بل ينبغي أن ال يأنفَ
من التّصدّقِ بالقليلِ .والتصدُّقُ باملاءِ أفضل :حيث كثُرَ االحتياجُ إليه وإال فالطّعام.
ولو تعا َرضَ الصَّدقةَ حاالً ،والوَقف .فإِن كان الوقتُ وقتَ حاجةٍ و ِشدّة :فاألوَّل
َأوْىل ،وإِال فالثاين لكثرَةِ َجدْواهُ .قاله ابن عبد السّالم وتبعه الزركشيّ ،وأطلقَ ابنُ
الرّفعة ترجيحَ األوّل ،ألنّه ق َطعَ حظَّه من املتصدَّقِ به حاالً وينبغي للراغب يف اخلري
أن ال يُخلي (كلّ َي ْومٍ) مِنَ األيّامِ مِنَ الصَّدقَةِ (مبا تيَسَّر) وإن قلَّ ،وإعطاؤها (سِرّاً)
أفضلُ مِنهُ َجهْراً .أما الزّكاة :فإِظهارُها أفضل إمجاعاً (و) إعطاؤها (برمضان) :أي
فيه ال سيما يف عَشرِهِ األواخِر أفضلُ ،ويتأ ّكدُ أيضاً :يف سائرِ األزمِنَةِ ،واألمكِنَةِ،
الفاضِلةَ :ك َعشْرِ ذي احلجة ،والعيدين ،واجلمعة .وكمكة ،واملدينة (و) إعطاؤها
(لقريبٍ) ال تَلْ َزمْه َن َفقَتُه َأوْىل ،األقربُ فاألقربُ منَ احملا ِرمِ ،مث الزوج أو الزوجة ،مث
غري احملرم والرّحِم من جهةِ األب ومن جهةِ األمّ سواء ،مث حمْرَم الرَّضاعِ ،مث املُصاهَرَة
أفضل( .و) صَ ْرفُها بعدَ القريبِ إىل (جارٍ ،أفضلُ) منه لغريه .فعُلم أنّ القريبَ البعيدَ
الدارِ يف البلدِ :أفضلُ من اجلارِ األجنيبّ( ،ال) ُيسَنّ التصدّق (مبا حيتاجه) ،بل َيحْ ُرمُ مبا
حيتاجُ إليه :لنفقةٍ ،و ُمؤْنَةٍ .من تلزمه نفقتُهُ يومُه وليلته ،أو ِلوَفاءِ دَيْنِه ولومُؤجّالً ،وإن
مل يطلبْ منه ما مل يغلِب على ظنّه حُصولُه من جِهةٍ أخرى ظاهرة ألن الواجبَ ال
جيوزُ تركُه ِلسُنّة ،وحيثُ حَ ُر َمتِ الصّدقةُ بشيء مل ميلكه املتصدَّق عليه على ما أفىت
به شيخنا احملقق ابن زياد رمحه اهلل تعاىل .لكن الذي جزم به شيخنا يف شرح املنهاجِ
بالصدَقةِ حَرا ٌم حمبِط لألَجْرِ كاألَذَى.
أنه ميلكه .واملنّ َّ
[فائدة] :قال يف اجملموع :يُكْرَهُ األخذُ ممن بَيدِهِ حَالل وحَرامٌ كالسلطانِ اجلائرِ.
ف الكراهةُ بِقلَّة الشَُّبهَة وكثْرَهتا ،وال َيحْرُم إال إن تيقّنَ أنّ هذا مِنَ احلرام .وقول وختتل ُ
الغزايل :يَحرُم األخذُ ممن أكثَرُ ماله حرا ٌم وكذا معاملَتِه :شاذّ.
وهو ُلغَةً :اإلِمساكُ .وشرعاً :إمساكٌ عن مُفطِرٍ ِبشُروطِهِ اآلتيَة .وفُرِض يف
شعبان ،يف السَّنَةِ الثانية مِن اهلِجرة .وهو مِنْ خَصاِئصِنا ،ومِنَ املعْلومِ مِنَ الدّين
بالضَّرورةِ( .جيبُ صومُ) شهر (رمضان) إمجاعاً ،بكمالِ َشعْبان ثالثني يوماً ،أو رؤية
َعدْلٍ واحدَ ،وَلوْ َمسْتوراً هِاللَه بعد الغُروبِ ،إذا َش ِهدَ هبا عند القاضي ،ولو مع
إِطباقِ غَيمٍ ،بلفظِ :أش َهدُ أين رأيتُ اهلِاللَ ،أو َّأنهُ هَلّ .وال يكفي :قوله :أشهدُ أن
غداً من رمضان .وال ُيقْبَلُ على شهادَتِه إال بشهادة عدلني ،وبِثُبوتِ رُؤيةِ هِالل
رمضان عند القاضي بشهادةِ َعدْلٍ بني يدَيْهِ كما مرّ ومع قوله ثَبتَ عندي :جيبُ
الصوْمُ على مجيعِ أهلِ البلدِ املرئيّ فيه ،وكالثبوتِ عندَ القاضي :اخلربُ املتواترُ برؤيته،
َّ
ولو من كُفار ،إلِفادته العلم الضروريّ ،وظنّ دخوله باألمارَةِ الظاهرةِ اليت ال تتخلّفُ
عادة :كرؤيةِ القناديلِ املعلَّقةِ باملنائِر ويل َزمُ الفاسِقُ والعبدُ واألنثى :العمل برؤيةِ
صدْق حنوِ فاسقٍ ومراهِقٍ يف أخبارِهِ برؤيةِ نفسهِ ،أو ثبوهتا يف نفسِه ،وكذا من اعتقدَ ِ
بلدٍ متحِد مطَلعُه :سَواء أَوَّل رمضان وآخِره على األصح واملعتمدُ :أن له بل عليه
اعتماد العالماتِ بدخولِ شوّال ،إذا َحصَل له اعتقادٌ جا ِزمٌ بصِ ْدقِها كما أفىت به
65
ج ْمعٍ حمققني وإذا صاموا ولو برؤيةِ َعدْل أفطروا بعد شيخانا :ابن زياد وحجر ،ك َ
ثالثني ،وإن مل يَروا اهلاللَ ومل يكن غيمٌ ،لكمالِ ال ِعدّة حبُجّةٍ شرعيّة .ولو صام بقولِ
صحْو :مل َيجُزْ له الفَطرُ ،ولو رجَعَ الشاهدُ من يثِق ،مث مل يُرَ اهلاللُ بعد ثالثني معَ ال ّ
بعد شرو ِعهِم يف الصّوم :مل جيز هلم الفطر .وإذا ثَبتَ رؤيتُه ببلدٍ ،ل ِزمَ حُكمُهُ البلدَ
القريبَ دونَ البعيدِ ويثبت البعدُ باختالفِ املطاِلعِ على األصح واملرادُ باختالفِها:
أن يتبا َعدَ احملالن حبيثُ لو رُؤي يف أحدمها :مل يُرَ يف اآلخَرِ غالباً ،قاله يف األنوار.
وقال التاج التربيزي وأقرّه غريه :ال ميكنُ اختالفُها يف أقلّ من أربعة وعشرين
فَرْسخاً .ونَبَّه السّبكيّ وتبعه غريه :على أنه يلزم مِن الرؤيةِ يف البلدِ الغريب من غري
عَكْسٍ ،إذ الليلُ يدْخلُ يف البالدِ الشرقيّة قبل .وقضية كال ِمهِم أنه مىت رُؤيَ يف
ت املطَاِلعُ.
شرقي :لز َم كل غريبّ بالنسبة إليه العملُ بتلكَ الرؤية ،وإن اختل َف ِ
ص ْومُ َرمَضانَ (على) كل مُكلِّفٍ أي بالغ عاقِلٍ( ،مُطيقٍ له) أي وإمنا ِجيبُ َ
صيبّ ،وجمنونٍ ،وال على من ال يُطيقُه لِكَبِرٍ ،أو للصوم ِحسّاً ،وشَرعاً ،فال جيبُ على َ
مَ َرضٍ ال يُرْجى بَرْؤه ،ويلزمهُ ِمدّ لكل يوم :وال على حائِض ،ونفساءَ ،ألهنما ال
تُطيقانِ شَرْعاً .
(وف ْرضُه) أي الصّوم (نيّةٌ) بالقلبِ ،وال يُشترَطُ التلفظ هبا ،بل يُندب ،وال جيزىءُ
صدَ به التّقوِّي على الصّوم وال االمتناعُ مِن تناولِ ُمفْطِرٍ ،خوفَ سحّرُ وإن ُق ِ عنها الت َ
الفَجرِ ،ما مل َيخْطُر ببالهِ الصومُ بالصفات اليت جيبُ التع ّرضُ له يف النية (لكل يوم):
فلو َنوَى أوَّل ليلةِ رمضان صَ ْومَ مجيعِهِ :مل يكفِ لغريِ اليومِ األوَّل .قال شيخنا :لكن
ص ْومُ اليومِ الذي نسي النية فيه عند مالك كما ُتسَنّ له أوَّل ينبغي ذلك ،ليحصل له َ
ص ْومُه عند أيب حنيفة .وواضِح أن حملّه :إن قلَّد، حصَلُ له َاليومِ الذي َنسِيَها فيه ،لَي ْ
وإال كان مُتَلَبساً بعبادَةٍ فاسدةٍ يف اعتقادِهِ (وشُرِطَ لفرضِهِ) أي الصوم ولو َنذْراً ،أو
ص ْومَ استسقاءٍ أمَرَ بهِ اإلِمامُ (تَبييتُ) أي إيقاع النيّة ليالً :أي فيما غروبِ كَفارة ،أو َ
الشمسِ وطلوعِ الفجرِ ،ولو يف صوم املميِّزِ .قال شيخنا :ولو شكّ هل وق َعتْ نيّتُه
قبل الفجرِ أو بعدَه؟ مل تصحّ ،ألن األصل عدم وقوعِها ليالً ،إذ األصلُ يف كل حادث
تقديرُه بأقربِ زمنٍ خبالفِ ما لو نَوَى مث شكّ :هل َطَلعَ الفجرُ أو ال؟ ألنّ األصلَ
عدمُ طلوعِهِ ،لألصلِ املذكورِ أيضاً .انتهى .وال يُبطلها حنو أكلٍ ومجاعٍ بعدها وقبل
الفجرِ .نعم ،لو قطعها قبله ،احتاجَ لتجديدها قطعاً( .وتعينيٌ) ملن ِويّ يف الفَرْضِ
كرمضان ،أو نذر أو كفارة بأن ينوي كل ليلَةٍ أنه صائمٌ غداً عن رمضان ،أو النذر،
أو الكفارة وإن مل يعيِّن سَبَبَها .فلو َنوَى الصوم عن فرضِهِ ،أو فرضِ وقتِهِ :مل يَكْفِ.
نعم ،مَنْ عليه قضاءُ رمضانني ،أو نذرٌ ،أو كفارَ مِن جهات خمتلِفة :مل يشترَط التعينيُ
الحتادِ اجلُنِسِ .واحتُ ِرزَ باشتراطِ التّبييتِ يف الفرض عن َّالنفْلِ ،فتصح فيه ولو مُو َءقّتاً
النيةُ قب َل الزَّوال :للخربِ الصحيحِ ،وبالتعينيِ فيه النفل أيضاً ،فيصح ولو مؤقتاً بنية
مطلقة كما اعتمده غري واحد .نعم ،حبث يف اجملموعِ اشتراطُ التعيني يف الرواتبِ
كعَ َرفَة وما معها فال حيصَلُ غريها معها ،وإن نوى ،بل مُقَتضَى القياسُ كما قال
اإلسنَويّ أن نيتهما مبطلة ،كما لو نوى الظهر وسُنّته ،أو سُنة الظهر وسنة العصر
فأقل النية اجملزئة :نويتُ صَوْمَ رمضان ،ولو بدون الفرض على املعتمد كما صححه
يف اجملموع ،تبعاً لألكثرين ،ألن صومَ رمضان من الباِلغِ ال ي َقعُ إال فَرْضاً .ومُقتضى
كالمُ الروضة واملنهاج وجوبُه ،أو بال غدٍ كما قال الشيخان ألن لفظ الغد ،اشتهر
س مِن َحدّ التعيني ،فال جيبُ التعرّضُ يف كالمهم يف تفسري التعيني وهو يف احلقيقةِ لي َ
له خبصوصِه ،بل يكفي دخولُه يف صوم الشهرِ املنوي حلُصولِ التعيني حينئذ ،لكن
ص ْومَ َغدٍ عن أداءِ قضيةَ كالمِ شيخنا كاملزجد :وجوبه (وأَكملها) أي النيةَ( :نوَْيتُ َ
66
صحّةِ النية حينئذٍ اتفاقاً، فَ ْرضِ رمضان) باجلرِّ إلضافتِهِ ملا بعده (هذه السَنَة هلل تعاىل) ِل ِ
ّعرضُ وحبث األذرعيّ أنه لو كان عليه مثل األداء كقَضاءِ رمضان قبله :لزمَهُ الت ُّ
لألداءِ ،أو َتعْينيُ السّنة (ويَفطرُ عا ِمدٌ) ال ناسٍ للصوم ،وإن كثر منه حنو مجاعٍ وأكلٍ
(عاملٌ) ال جاهل ،بأن ما تعاطاه مفطرٌ ِلقُرْبِ إسالمِه ،أو َنشْئِهِ ببادَِيةٍ بعيدةٍ عَمّن
صدٌ ،وال فِكرٌ ،وال تلذّذ (جبماعٍ) وإن يعرِف ذلك (خمتارٌ) ،ال مكرَه مل حيصلْ منه َق ْ
مل يُنْزِل (واستمْناء) ولو بَيدِهِ أو بَيدِ حَليلَتِهِ ،أو بِلمْسٍ ملا ينقضُ ْملسُه بال حائِلٍ (ال
ضمّ) المرأة (حبائِلٍ) :أي معه ،وإن تك ّررَ بِش ْهوَةٍ ،أو كانَ احلائلُ رقيقاً، ب) قُبَلةٍ و ( َ
ضمّ امرأةً أو قَبَّلها بال مُال َمسَة بدَنٍ بال حبائِلٍ بينهما فأنْزَلَ :مل ُيفْطِرْ ،النتِفاء فلو َ
املباشَرَةِ كاالحْتِالمِ .واإلنزالِ بِنَظَرٍ وفِكْرٍ ،ولو ملَسَ حمْرَماً أو َشعْرَ امرأةٍ فأنْزَلَ :مل
ُيفْطِر ِل َع َدمِ النَّقضِ به.
وال ُيفْطِر خبروجِ مَذيٍ :خالفاً للمالكية (واستِقاءَةٌ) أي استدعاءُ قيْءٍ وإن مل َي ُعدْ
جل ْوفِهِ :بأن تَقيّأَ مُنَكّساً أو عاد بِغريِ اختيارِهِ ،فهو ُمفْطِرٌ ِلعَيْنِه ،أما إذا غَلَبَه مِنه شيءٌ َ
ومل َي ُعدْ منه أو مِ ْن رِيقِهِ املتنجِّسِ به شيء إىل َج ْوفِهِ بعد وُصولِهِ حلَدِّ الظاهِرِ ،أو عادَ
بغريِ اختيارِهِ :فال ُيفْطِرُ به للخرب الصحيح بذلك (ال ِبقَ ْلعِ خنامَةٍ) من الباطِنِ أو
الدّماغِ إىل الظاهِرِ ،فال ُيفْطِرُ به إن َلقَطَها لتكرّر احلاجة إليه ،أما لو ابتلعها مع القدرة
على لفظِها بعد وصوهلا حلدِّ الظاهر وهو َمخْ َرجُ احلاءِ ا ُمل ْهمِلة فُيفْطِر قطعاً .ولو
دخَلتْ ذبابَةٌ َج ْوفَهُ :أَفطَرَ بإِخراجِها مُطْلقاً ،وجازَ له إِن ضَرَّه بقاوها مع القضاءِ:
كما أفىت به شيخنا.
سمّى ( َجوْفاً) :أي َجوْفَ من مَرّ: (و) ُيفْطِرُ (بدخول عَيْنٍ) وإن قَلَّت إىل ما ُي َ
حلشَفة أو احلُل َمةَ كباطِنٍ أُذُنٍ ،وِإحْليلٍ ،وهو َمخْ َرجُ َبوْلٍ ولنبٍ وإن مل جيا ِوزِ ا َ
وَوصول أصبعِ املستنجِيَة إىل وراءِ ما ي ْظهَرُ مِن فَرْجِها عند جُلوسِها على َق َدمَيْها:
وقيدَهُ السّبكي مبا ُمفْطِرٌ ،وكذا وُصولُ بعضُ األمنُلَةِ إىل ا َملسْرَبَة ،كذا أطلقه القاضيَّ ،
سمّى َجوْفاً، إذا وصَلَ شيء منها إىل احمللّ اجملَوَّفِ منها ،خبالفِ أوَّهلا املنطبِق فإنه ال ُي َ
وأَحلقَ بهِ أوّل اإلِحْليل الذي يظهرُ عندَ حتريكِهِ ،بل أوْىل .قال ولده :وقول القاضي:
ط بالليلِ :مرادُه أ ّن إيقاعَ ُه فيه خريٌ منه يف النهارِ ،لئال يصلَ شيء إىل االحتياط أن يََتغَوَّ َ
جوفِ َمسْرَبَتِه ،ال أنه يؤمر بتأخ ِريهِ إىل الليلِ ،ألن أحداً ال يؤمَر مبضرِّةٍ يف َبدَنِه ،ولو
خَرَجَت َم ْق َعدَةُ مَْبسُورٍ :مل يُفطِر بعَوْدِها ،وكذا إن أعادَها بأُصبعه ،الضطراره إليه.
ومنه يؤخذ كما قال شيخنا أنه لو اضطرّ لدُخولِ األُصبعِ إىل الباطِنِ مل يفطر ،وإال
بالذوْقِ إىل حَلْقِهِ .أفطر وصول األصبع إليه .وخَ َرجَ بالعنيِ :األثرُ كوصول الطَّعمِ َّ
وخَ َرجَ مبن مرّ أي العامد العامل املختار الناسي للصّومِ ،واجلاهِلُ املعذورُ بتحرميِ
إيصالِ شيء إىل الباطِنِ ،وبِ َكوِْنهِ ُمفْطِراً واملُكْرَهُ ،فال يَفطر كل منهم بدخولِ عَيْن
َجوْفه ،وإن كَثُرَ أكلُهُ ،ولو ظَنَّ أن أكلَهُ ناسياً ُمفْطِرٌ فأكلَ جاهِالً بوجوبِ اإلِمساك:
ضعَه فيه فسَبقَهُ أفطَرَ .أو وضع يف أَفطَرَ .ولو ت َع ّمدَ فتحَ َفمِهِ يف املاءِ فدخلَ جوفَه أو و َ
فيهِ شيئًا عمداً وابتلَعه ناسياً ،فال .وال يفطر بوصول شيء إىل باطنِ َقصََبةِ أنفٍ حىت
جيا ِو َز منتهى اخلَْيشُوم ،وهو أ ْقصَى األَنْفِ.
ص ابتَلعَهُ (مِن َم ْعدَنِهِ) وهو مجيع ال َفمِ، و (ال) يفطرُ (بريقٍ طاهرٍ صَرْفٍ) أي خالِ ٍ
ولو بع َد َج ْمعِهِ على األصح ،وإن كان بنحوِ ُمصْطَكىً .أما لو ابتَلعَ رِيقاً اجت َمعَ بال
ِفعْل ،فال يضرْ قطعاً .وخَ َرجَ بالطاهر :املُتَنجِّسُ بنحوِ دَمِ لَثْتِهِ فيُفطِرُ بابتالعُه ،وإن
صفا ،ومل يبقَ فيه أثرٌ مطلقاً ،ألنه ملا حَ ُرمَ ابتالعُه لتنجّسهِ صارَ مبنزلةِ عَيْنٍ أجنبية .قال
شيخنا :ويظهرُ العَ ْفوُ عمن ابتليَ ب َدمِ لثتِه حبيثُ ال ميكِنُهُ االحترازُ عنه .وقال بعضُهم:
مىت ابتَلعَه املبتَلى بهِ مع علمِهِ به وليس له عنده بدّ ،فصومه صحيح ،وبالصرفِ
67
املختِلطِ بطاهِرٍ آخرَ ،فيفطرُ من ابتَلعَ رِيقاً مُتغيّراً ُحبمْرةَ حنو تَنْبَلٍ وإن َتعَسَّرَ إزالتُها ،أو
ِبصِْبغِ َخْيطٍ فَتَلَهُ ِب َفمِهِ ،ومبن َم ْعدَنُه ما إذا خَ َرجَ من ال َفمِ ال على لسانِهِ ولو إىل ظاهِرِ
الشَّفة مث رَدّه بلسانِه وابتلعَهُ ،أو بَلَّ خَيْطاً أو سِواكاً بري ِقهِ أو مباءٍ فرَدّهُ إىل فمِهِ وَعليهِ
رُطوبةٌ تنفصِلُ وابتلعها :فيفطر .خبالف ما لو مل يكن على اخليط ما ينفصِل ِلقِلّتِهِ أو
ِل َعصْرِهِ أو جلَفافِهِ ،فإنه ال يضرّ ،كأثرِ ماءِ املضمضة ،وإن أمكَنَ جمّهُ َل ُعسْرِ التح ّرزِ عنه،
فال يكلف تنشيف الفمِ عنه.
صدِه :مل يُفطِر إن [فرع] :لو بقي طعامٌ بني أسناِنهِ َفجَرى بهِ رِيقُهُ بطَْبعِهِ ال ِب َق ْ
ال مع علمهِ بِبقائِه وجبريا ِن رِيقِهِ به هناراً ،ألنّه عجِزَ عن متييزه وجمّه ،وإن تَرَكَ التخلّلَ لي ً
إمنا خياطب هبِما إن َقدَر عليهما حالَ الصّوم ،لكِنْ يتأكد التخلّل بعد التّسَحُّر ،أما إذا
ضهِم جيبُ َغسْلُ الفمِ مما أكَلَ مل َي ْعجَزْ أو ابتَل َعهُ قصداً :فإنه ُمفْطِرٌ جَزْماً ،وقولُ بع ِ
ليالً وإال أفطَر :رَدَّه شيخنا.
(وال ُيفْطِرُ بسبقِ ماءٍ َجوْفَ مغَتسِلٍ عن) حنو (جَنابة) كحَيْضٍ ،ونَفاسٍ إذا كان
االغتسالُ (بال انغماس) يف املاءِ ،فلو َغسَلَ أُذُني ِه يف اجلنابة َفسَبقَ املاءُ من إحدامها
جلوفه :مل يفطر ،وإن أمكنَه إمالَةُ رأ ِسهِ أو ال َغسْ ُل قبل ال َفجْرِ .كما إذا سبق املاء إىل
الداخل للمباَلغَةِ يف غسلِ الفَمِ املتنجّس لوجوهبا :خبالف ما إذا اغتسَلَ مُنغَمِساً فسَبَقَ
املاءُ إىل باطِنِ األُذُنِ أو األنْفِ ،فإِنَّهُ يَفْطَر ،ولَو يف الُغْسلِ الوَا ِجبِ ،لِكَراهَةِ االنغماس:
ض َمضَةِ باملباَلغَةِ إىل اجلَوْفِ مع تذكّرِهِ للصوم ،وعلمه بعدمِ َمشْروعَِّيتِها، كسَبْقِ ماءِ ا َمل ْ
خبالفِهِ بال مبالَغةٍ .وخرج بقويل عن حنو جنابةٍ :ال ُغسْلُ املسنون ،و ُغسْلُ التربُّد ،فيُفطِر
بسبِق ما ٍء فيه ،ولو بال انغماس.
[فروع] :جيوزُ للصَّاِئمِ ،اإلِفطارُ خبربِ عدلٍ بالغروبِ ،وكذا ِبسَماعِ أذانِه ،وَيحْ ُرمُ
للشّاكّ األكلُ آخِرَ النهار حىت جيتهد ويظن انقضاءه ،ومع ذلك األ ْحوَط :الصربُ
لِليَقنيِ .وجيوزُ األكلُ إذا ظنّ بقاءَ الليل ،باجتهادٍ أو إخبارٍ ،وكذا لو شَكّ ،ألن
األصلَ بقاءُ الليلِ ،لكن يُكره ،ولو أخربَهُ عدلٌ طلوعِ الفجرِ :اعتمدَه ،وكذا فاسقٌ
ص ْومُه ،إذ ال ِعربَةَ ص ْدقَه .ولو أكلَ باجتهادٍ أ ّوالً وآخراً فبانَ أنه أكلَ هناراً ،بطلَ َ ظَنّ ِ
بالظّنِّ البيِّن خَطؤُهُ ،فإِن مل يَبَنْ شيء :صَحَّ .ولو طََلعَ الفجَر ويف َفمِهِ طَعامٌ فَلفَظَهُ قبلَ
أن ينزِلَ منه شيء جلوفه :صحّ صومُه ،وكذا لو كان جمامعاً عند ابتداء طلوع الفجر
فنزع يف احلال أي عقب طلوعه فال يفطر وإن أنزل ،ألنّ النزع ترك للجماع .فإِن
ص ْومُ ،وعليهِ القضاءُ والكَفارَة (ويباحُ فِطْرٌ) يف صَومٍ واجبٍ مل ينزعْ حاالً :مل يَْن َع ِقدِ ال ّ
(مب َرضٍ ُمضِرّ) ضرراً يبيحُ التيمم ،كأن خشي مِنَ الصّومِ بِطء بُ ْرءٍ( ،ويف َسفَرِ َقصْرٍ)
ص ْومُ املسافِر بال ضررٍ .أ َحبّ مِنَ الفطر (وخلَوْفِ هَالكٍ) دون قصريٍ و َسفَرِ معصِيةٍ .و َ
بالصّومِ من عَطَشٍ أو جُوع وإن كان صحيحاً مقيماً .وأفىت األذرعيّ بأنه يلزمُ
حل َقهُ مِنهُم َمشَقة شديدةٌ َأفْطَرَ، احلصّادِينَ أي وحنوهم تبييتُ النية كلّ ليلةٍ ،مث مَنْ َ
وإال فال.
صوْم الواجب ،ك (رمضان) ونذرٍ (وجيب قضاءُ) ما فاتَ ولو بعذرٍ مِنَ ال ّ
وكفارَةٍ مب َرضٍ أو سفرٍ أو تركِ نيّة أو حبيضٍ أو نفاس ،ال جبنونٍ وسِكْرٍ مل يتع ّد به.
ويف اجملموع أن قضاءَ يوم الشّكّ على الفور ،لوجوب إمساكه .ونظر فيه مجعٌ بأنّ
تاركَ النيةِ يلزمهُ اإلِمساكُ مع أنّ قضاءَهُ على التّراخِي قَطعاً( .و) جيب (إمساكٌ) عن
ُمفْطِرٍ (فيه) أي رمضان فقط ،دون حنو نذر وقضاءٍ( ،إن أفطرَ بغريِ عذرٍ) مِن مرضٍ
أو سفر( ،أو بغلط) َكمَنْ أكلَ ظاناً بقاءَ الليل ،أو نسيَ تبييتَ النية ،أو أفطَرَ يومَ
الشّكّ وبانَ من رمضان ،حلُر َمةِ ال َوقْتِ .وليسَ املمسك يف صومٍ شَرعيَ ،لكنه يثابُ
عليه ،فيأمثُ جبماعٍ ،وال كفارَة .وُندِبَ إمساكٌ ملريضٍ شُفيَ ،ومسافِرٍ َق ِدمَ أثناءَ النّهار
68
ص ْومُ رمضان (جبماعٍ) س َدهُ) أي َ مفطِراً ،وحائِضٍ َطهُرَتْ أثناءَه (و) جيبُ (على مَن أف َ
ُتكررَةً بتك ّررِ اإلِفسادِ ،وإن مل أَِثمَ بهِ ألجْلِ الصومِ ،ال باستمناء وأكلٍ( :كفارَةً) م ِّ
صوْمُ يُكفِّرْ عن السّابقِ (معه) أي مع قضاءِ ذلِكَ الصَّوم .والكفارَةُ عِتقُ َرقَبةٍ مؤمِنَةٍَ ،ف َ
شَهرَيْنِ مع التَّتابُع إن َعجِزَ عنه ،فإِطعامُ سِتني ِمسْكيناً أو فَقرياً إن عجز عن الصَّوم
هل َرمٍ أو مَ َرضٍ بنيّةِ كفارَةٍ ،وُيعْطَى لكل وا ِحدٍ مُدٌّ من غالِب القوتِ ،وال جيوزُ
صَرفُ الكَفارةِ ملن تل َزمْهُ ُمؤْنَته (و) جيبُ (على مَن أفطَرَ) يف رمضان (ِلعُذرٍ ال يُرْجَى
زَوالُه) كَكِبَرٍ وم َرضٍ ال يُرْجى بَ ْرؤُه( :مدّ) لِكلّ َي ْومٍ مِنه إن كان مُوسراً حينئذ (بال
قضاء) وإن قَ ِدرَ عليه بعد ،ألنه غري خماطَبٍ بالصّومِ ،فالفِدْيَةُ يف حقه واجبةٌ ابتداءً ،ال
خوْفِ على الوََلدِ، ضعٍ ،أفْطَرَتا لِل َجبُ ا ُملدّ مع القضاءِ على :حامِلٍ ،ومُ ْر ِ َب َدالً ،وَي ِ
(و) جيبُ (على مُؤَخِّرٍ قضاءٌ) لشيءٍ من َرمَضانَ حىت دخلَ رمضانُ آخرَ (بال عُذرٍ)
يف التأخري :بأن خَال عن السّفر واملرضِ قدر ما عليه ( ُمدّ لكلّ سَنَة) فيتكرّر بتكرّرِ
السنني ،على املعتمَد .وخرج بقويل بال عُذرٍ :ما إذا كانَ التأخريُ بعذرٍ كأن استمر
َسفَرُه أو مرضُه ،أو إرضاعُها إىل قابِل فال شيء عليه ما بقي ال ُع ْذرُ ،وإن استمرّ
سنني .ومَىت أخَّر قضاء رمضان مع متكُّنِهِ حىت دخلَ آخَرُ فماتَ :أُخرجَ مِن تَ ِركَِتهِ
صمْ عنه قريبُه أو مأذونُه ،وإال لكلِّ يومٍ مدّانُ :مدّ للفواتِ ،و ُمدّ للتأخريِ إن مل َي ُ
وَ َجبَ ُمدّ وا ِحدٌ للتأخري .واجلديدَ :ع َدمُ جوازِ الصوم عنهُ مُطلقاً ،بل ُيخْرج من
ص ْومُ النَّذرِ والكَفارة ،وذَهَب النّوويّ كجَمْعٍ تَ ِركَتِهِ لكلّ يومٍ ُمدّ طعامٍ ،وكذا َ
حمققني إىل تصحيح القدمي القائِلِ :بأنه ال يتعيّنَ اإلطعامُ فيمَن ماتَ ،بل جيوزُ للوَيلّ
أن يصومَ عنه مث إن خلفَ تر َكةً ،وجب أ َحدُمها ،وإال نُدِبَ .ومَصرَفُ األمدادِ :فقريٌ،
ومسكنيٌ ،وله صرفُ أمدادٍ لواحدٍ.
[فائدة] :مَنْ ماتَ وعليهِ صَالةٌ ،فال قضاءَ ،وال فديَة .ويف قول كجمع جمتهدين
أهنا ُت ْقضَى عنه ،خلرب البخاري وغريه ،ومن مث اختاره مجع من أئمتنا ،وفعل به
السبكي عن بعض أقاربه ،ونقل ابن برهان عن القدمي أنه يلزم الويلّ إن خلف تركه
أن يُصلي عنه ،كالصوم .ويف وجه عليه كثريون من أصحابنا أنه يُ ْطعَمُ عن كلّ
صَالةٍ ُم ّداً .وقال احملبّ الطربي :يُصلّ لِلميّت كل عبادةٍ تُ ْفعَل عنه :واجبةٌ أو مندوبةٌ.
ويف شرح املختار ملؤلفه :مذهب أهل السنة أن لإلِنسان أن جيعلَ ثوابَ عمِلهِ وصالِتهِ
لغريِه وَيصِلَهُ.
سحّرٌ) ،وتأخ ُريهُ ،ما مل يقعَ يف شَكّ ،و َكوْنه (وسُنّ) لصائِمٍ رمضان وغريَه (َت َ
على متر خلربٍ فيه ،وحيصَل ولو ِبجُرْعَةِ ماءٍ ،ويدخل وقتُهُ بِنصْفِ الليل .وحِ ْكمَتُه:
تطيبٌ وقتَ َسحَرٍ( ،و) سُنّ (تعجيلُ َّالتقَوِّي ،أو خمالفة أهلِ الكتابِ؟ وجهان .وسُنّ ُّ
فطرٍ) إذا تيَقَّنَ الغروبَ .ويعرف يف العمرانِ والصَّحارى اليت هبا جبالٌ بزوالَ الشعاعِ
من أعايل احليطانِ واجلبالِ ،وتقدميُه على الصالة ،إن مل خيشَ مِن تعجيلِهِ فوات
اجلماعِة أو تكبريَةَ اإلِحرامِ( .و) كونِه (بتمرٍ) لألمرِ به ،واألكملُ أن يكون بثالثٍ،
(ف) إن مل جيدهُ فعلى حَسواتِ (ماءٍ) ،ولو مِن َزمْ َزمَ ،فلو تعارضَ التعجيلُ على املاءِ،
والتأخ ُري على التمرِ ،قُدِّم األوّل ،فيما استظهره شيخنا ،وقال أيضاً :يظهر يف مترٍ
َقوَِيتْ شُْبهَتُهُ وماءٌ َحفّت شُبهَته ،أن املاءَ أفضل .قال الشيخان :ال شيء أفضل بعد
التمرِ غري املاء ،فقول الروياين :احللوُ أفضلُ من املاء ضعيفٌ ،كقول األذرعيّ:
الزبيبُ أخو التمر ،وإمنا ذكره لتيسُّره غالباً باملدينةِ .وُيسَنّ أن يقولَ عَ ِقبَ الفطر:
ص ْمتُ ،وعلى ِر ْزقِكَ أفطَرْتُ" ويزيد مَنْ أفطَرَ باملاءِ " :ذَهَبَ الظّمأ، "اللهمّ لَكَ ُ
ت األجْرُ إن شاءَ اهلل تعاىل".وابتَّلتِ العُروقُ ،وثَب َ
69
(و) سُنّ (غسلٌ عَن حنوِ جَنابَةٍ قبلَ فَجرٍ) لئِالّ َيصَل املاءُ إىل باطِنٍ حنو أذُنِهِ أو
دُبُرِهِ .قال شيخنا :وقضيّتهُ أنّ وُصولَه لذلك ُمفْطر ،وليسَ عُمومه مراداً كما هو
ظاهر أخذاً مما مرّ :إن سَبَقَ ماء حنو املضمضَةِ املشروعِ ،أو غسلُ ال َفمِ املتنجّسِ :ال
حمَل هذا على مبالغَةِ مَنْهيّ عنها. يُفطِرِ ،لعُذرهِ ،فَلُي ْ
(و) سُنّ (كَفّ) نَفسٍ عن طعامٍ فيه شُبهةٌ ،و ( َش ْهوَةٌ) مُباحَةً .من َمسْموعٍ،
ومُْبصَرٍَ ،ومَسُّ طِيبٍ ،وشُمُّهِ .ولو تعارَضَت كراهَةُ مَسّ الطّيبِ للصّائمِ ،ورَدّ الطيب:
فاجتنابُ املسّ َأوْىل ،ألن كراهَتَه تؤدّي إىل َنقْصانِ العِبادةِ .قال يف احلِلية :ا َألوْىل
لِلصّاِئمِ تَركُ االكتحال .ويُكْ َرهُ سِواكٌ بعدَ الزّوالِ ،وقتَ غروبٍ ،وإن نامَ أو أكلَ
كرِيهاً ناسياً .وقال مجعٌ :مل يكْرَهُ ،بل ُيسَنّ إن تغيّر ال َفمُ بنحوِ َنوْمٍ .ومما يَتَأكّد
ألجْرِ ،كما حمرمٍ كَ َكذِبٍ وغَيْبَةٍ ،و ُمشَامتَةٍ ألنه حمبطٌ ل َ لِلصائمِ :كفّ اللّسانِ عن كلِّ َّ
صَرّحُوا بِهِ ،و َدلّت عليه األخبارُ الصحيحة ،ونصّ عليه الشافعيّ وَاألصحاب ،وأقرّهُم
حثُ األذرعيّ حُصولهُ وعليهِ إِمثُ َم ْعصِيَتِهِ .وقال بعضُهم :يبطُل يف اجملموعِ ،وبه يُرَدّ َب ْ
ص ْومِهِ ،وهو قياسُ َمذْهَب أمحد يف الصالة يف املغصوب .ولو شَتمَه أحدٌ فليقل أصلُ َ
ولو يف َنفْلٍ إين صائمٌ ،مرتني أو ثالثاً يف نفسه تذكرياً هلا ،وبلسانه :حيثُ مل يظن
رياءٌ ،فإ ِن اقتصَرَ على أحدهِما :فا َألوْىل بلِسانِهِ
ص َدقَةٍ) ،وَتوْ ِسعَةٌ
(و) سُنَّ مع التأكيدِ (برمضان) ،وعشره األخريِ آكد( ،إكثارُ َ
على عِيالٍ ،وإحسانٌ على األقاربِ واجلريانِ لالتّباع وأن يُفطِّرَ الصائمني أي
ُي َعشّيهم إن قَدر ،وإال فعَلى حنو شُرْبةٍ( ،و) إكثارُ (تال َوةٍ) للقرآنِ يف غريِ حنوِ احلشّ،
ولو حنو طريقٍ وأفضلُ األوقاتِ للقراءَةِ من النهارِ :بعد الصّبْحِ ،ومِنَ الليلِ :يف
سحَر ،فبيْن العشاءَين .وقراءَةُ الليل أوىل .وينبغي أن يكون شأن القاريء :التدبّر. ال ّ
قال أبو الليث يف البستانِ :ينبغي للقارىء أن خيتمَ القرآنَ يف السنة مرّتني إن مل يق ِدرَ
على الزيادة .وقال أبو حنيفة :مَنْ قرأ القرآنَ يف كل سَنَة مرتني :فقد أدّى َحقّه،
وقال أمحد :يُكْرَهُ تأخريُ خَتمَةٍ أكثر من أربعنيَ يوماً بال عذرٍ حلديث ابن عمر( .و)
إكثارُ عبادَةٍ و (اعتِكافٌ) لالتّباعِ (سِيما) بتشديدِ الياءِ ،وقد خيفف ،واألفصح جَرّ ما
بعدها ،وتقدميُ ال عليهاَ .ومَا زائدةٌ وهي دالةٌ على أن ما َب ْعدَها َأوْىل باحلكم مما قبلها
(عشر آخره) فيتأكّد له إكثارُ الثالثةِ املذكورةِ لالتّباعِ وُيسَنّ أن مي ُكثَ معتَكِفاً إىل
صَالةِ العيدِ ،وأن يَعتَكِفَ قبلَ دُخولِ ال َعشْرِ ،ويتأ ّكدُ إكثارُ العباداتِ املذكورَة فيه
رجاءَ مصا َدفَةِ ليلةِ القَ ْدرِ ،أي احلُكم والفصل أو الشرف ،والعملُ فيها خريٌ من
حصِرَة عندنا فيه ،فأرْجاها :أو تارُه، العملِ يف ألفِ شهرٍ ليسَ فيها ليلةَ القَ ْدرِ وهي من َ
وأرْجَى أوتاره عند الشافعي :ليلةَ احلادِي أو الثالثِ والعشرين ،واختارَ النووي
وغريه انتقاهلا .وهي أفضلُ ليايل السنة ،وصحّ" :مَن قامَ ليلةَ ال َق ْدرِ إمياناً أي تصديقاً
بأهنا حقّ وطاعة واحتساباً أي طلباً لرضا اهلل تعاىل وثوابه ُغفِرَ له ما تقدَّم من ذنبِه"
ويف رواية" :وما تأخَّر" .و َروَى البيْهقيّ خربَ "من صَلى املغرِبَ والعِشاءَ يف مجاعةٍ
حىت ينقضِيَ شهر رمضان :فقد أخذَ من ليلةِ القَدرِ حبَظّ وافِر" .ورَوى أيضا" :مَن
َش ِهدَ العِشاءَ األخريَة يف مجاعَةٍ مِن رمضان فقدْ أدرَكَ ليلَةَ ال َق ْدرِ" .و َشذّ مَن زَ َعمَ أهنا
ليلةَ الّنصْفِ من شعبانِ.
[تتمة]ُ :يسَنّ اعتكافُ كل وقتٍ ،وهو لبثٌ َفوْقَ َق ْدرِ طُمأنينةِ الصّالة ،ولو
مُتَردّداً يف مسجدٍ أو رَحَبَتِهِ اليت مل يتيقّن حُدوثها َبعْدَه ،وأهنا غري مسجدٍ بنيّة
اعتِكافٍ .ولو خَ َرجَ ولو خلَالءٍ مَن مل يقدِّر االعتكِافَ املندوبَ أو املنذورَ مبدّةٍ بال
عَ ْزمِ َعوْدٍ جَدَّدَ النية وجوباً إن أراده .وكذا إذا عادَ بعدَ اخلروجِ لغريِ حنو خَالءٍ مَنْ
جبْ جتديدُ النيّة .وال َيضُرّ اخلروجُ قيّده هبا ،كيوم .فلو خَ َرجَ عازِماً ِلعَوْدٍ فعادَ مل َي ِ
70
يف اعتِكافٍ نَوى تتابعه ،كأن نَوَى اعتكافَ أسبوعٍ ،أو شهرٍ متتابع ،وخرج لقضاءِ
حاجةٍ ولو بال ِشدّهتا وغُسل جَنابة ،وإزالة جنس وإن أمكنَهما يف املسجدِ ،ألنه
أصونُ ملُروءَتِهِ وحلُ ْرمَةِ املسجدِ ،أكل طعامٍ ،ألنه يستحيا منه يف املسجدِ ،وله الوضوء
بعدَ قضاءِ احلاجةِ تبعاً له .ال اخلروج له قصداً ،وال ِل ُغسْلٍ مسنون ،وال يَضرّ بُعدُ
ضعٌ أقرب منه ،أو َي ْفحَش البُعدُ ،فَيضُرّ ،ما مل يكن موضِعها ،إال أن يكونَ لذلك مو ِ
األقرَب غري الئقٍ به ،وال يكلّف املشي على غري َسجِيَّته ،وله صالةٌ على جنازَةٍ إن مل
ينتَظِر .وخيرج جوازاً يف إعتِكافٍ متتابع ملا استثناهُ من غَ َرضٍ دُنَي ِويّ :كلِقاءِ أمريٍ أو
أُخْ َر ِويّ كَوضوءٍ ،و ُغسْلٍ مسنونٍ ،وعيادَة مريضٍ ،وتعزيةِ مصابٍ ،وزيارةِ قادمٍ من
َسفَرٍ ويبطُلُ حبماعٍ وإن استثناهُ أو كان يف طريقِ قضاءِ احلاجَةِ وإنزالِ َمينّ مبباشَ َرةٍ
بشهوَةٍ كقُبلة وللمعتكِفِ اخلروجُ من التطوّعِ لنحو عيادَةِ مريضٍ .وهل هو أفضلُ،
أو تركُه ،أو سَواء؟ وُجوه ،واألوْجه كما حبث البلقيين أن اخلروجَ لعيا َدةِ حنو رَ ِحمٍ
وجارٍ وصديقٍ ،أفضل .واختارَ ابنُ الصالح الترك ،ألنه كان يعتكف ومل خيرجْ
لذلك.
[مهمة] :قال يف األنوار :يبطلُ ثوابُ االعكتافِ بشتمٍ ،أو غيبةٍ .أو أكل حرام.
(فصل) ِ:يف صوم التطوع وله مِنَ الفضائِلِ واملَثُوبَةِ ما ال يُحصيهِ إال الّلهُ تعاىل،
ومِن مث ،أضافَهُ تعاىل إليه دون غريِهِ مِنَ العَبادات ،فقال" :كل عملُ ابن آدم له إال
الصّوم ،فإنه يل ،وأنا أجزي به" .ويف الصحيحني" :من صامَ يوماً يف سبيلِ اهلل ،باعَد
اللّهُ و ْجهَهُ عن النارِ سَْبعِنيَ خَرِيفاً".
ص ْومُ يَومِ عَرفة) لغريِ حَاجّ ،ألنه يُكَفِّر السنةَ اليت هو فيها والّيت (وُيسَنّ) مُتَأكّداً ( َ
ص ْومُ الثامن مع عرفة. بعدها كما يف خرب مسلم وهو تاسع ذي احلجة ،واأل ْحوَط َ
واملُكَفَّر :الصغائر اليت ال تتعلَّقُ ِبحَقِّ اآل َدمِيّ ،إذِ الكَبائِرِ ال يُكَفِّرُها إال التّوبَةُ
الصحيحة .وحُقوقُ اآلدمي مُتَوقفة على رضاه ،فإِن مل تَكُنْ له صغَائر زيدَ يف
حسَنَاتِهِ .ويتأكد صوم الثمانية قبله :للخرب الصحيح فيها ،املقتضي ألفضلية َعشْرِها
على َعشْرِ رمضان األخري( .و) يوم (عاشوراء) وهو عاشر احملرّم ،ألنه يُ َكفّر السنة
املاضية كما يف مسلم ( .وتاسوعاء) :وهو تاسعه ،خلرب مسلم" :لئن بَقيتُ إىل قابِل
َن التاسع" .فماتَ قبله .واحلِكمة :خمالفةُ اليهود ،ومن مث سُنّ ملن مل َيصُمْه: ألَصوم َّ
صوم احلادي عشر ،بل إن صامه ،خلربٍ فيه .ويف األمّ :ال بأس أن يفرده .وأما
أحاديث االكتحال والغسل ،والتّطيُّب يف يوم عاشوراء ،فمِن وضعِ الكذَّابني (و)
ص ْومَها مع صومِ رمضان صَومُ (سِتّة) أيامٍ (من شوّال) ملا يف اخلرب الصحيح أن َ
كصيامِ الدّهر .واتصاهلا بيومِ العيدِ أفضل :مبادرةً للعبادَةِ( ،وأيامُ) الليايل (البيضِ)
وهي :الثالث عشر وتالياه ،لصحة األمر بصومها ،ألن صوم الثالثة كصوم الشهر ،إذ
حلسنةُ ِب َعشْرِ أمثالِها ،ومِن ثَم حتصَلُ السّنة بثالَثةٍ وغريها ،لكنها أفضَلُ ،ويبدل على
سقُط. األوْجَهِ ثالث عشر ذي احلجة بسادِس َعشَرِه ،وقال اجلاللُ البلقيينّ :ال بل َي ْ
ص ْومُ (االثنني واخلميس) وُيسَنّ صوم أيام السُّود :وهي الثامن والعشرون وتالياه( ،و) َ
صوْ َمهُما وقالُ" :تعْ َرضُ فيهما األعمالُ ،فأ ِحبّ أن حلسَنِ أنه كان يتحرّى َ للخرب ا َ
ُيعْ َرضَ َعمَلي وأنا صائِم" واملرادُ عَرضها على اهلل تعاىل .وأما َر ْفعُ املالئكةِ هلا :فإِنه
مرّة بالليلِ ومرّةَ بالنهارِ ،ورفعُها يف شعبانِ حممولٌ ،على رفعِ أعمالَ العامِ ْجممَلة.
وصومُ االثننيِ أفضلُ من صَومِ اخلميسِ خلصوصيات ذكروها فيه ،وعَدُّ احلليميّ
ص ْو ِمهُما مكروهٌ :شَاذّ.اعتيا َد َ
[فرع] :أفىت مجع متأخرون حبصولِ ثوابِ عَ َرفَة وما بعدَه بوقوعِ صَومِ فرضٍ
فيها ،خالف للمجموع .وتبعه األسنوي فقال :إن نوامها مل حيصل له شيء منهما.
71
قال شيخنا كشيخه والذي يتجه أن القصدَ وجودُ صومٍ فيها فهي كالتحِيّة ،فإن
نوى التطّوعَ أيضاًَ ،حصَال ،وإال َس َقطَ عن ُه الطّلب.
[فرع] :أفضل الشهورُ للصوم بعد رمضان :األشهرُ احلُرُم .وأفضُلهَا احملرَّم ،مث
رَجَب ،مث احلِجَّةِ ،مث الق ْعدَةِ ،مث شهرُ شعبانَ .وصَومُ تسع ذي احلجّة أفضلُ من صومِ
ص ْو ِمهِما.
َعشْ ِر احملَرّم اللذين يُْندَب َ
[فائدة] :من َتلَبّسَ بصومِ تَطَوُّعٍ أو صالتِه ،فله قَ ْطعُهما ال ُنسُك تَ َطوّع ومَن
تَلبَّسَ بقضاءٍ واجبٍ ،حَرُم قَطْعُه ولو مُوسِعاً ،وَيحْ ُرمُ على الزوجة أن تصوم ،تطوّعاً
أو قضا َء موسعاً وزوجُها حاضرٌ إال بإذنِهِ أو عِل ِم رِضاه.
[تتمة] :حيرُم الصومُ يف أيام التَّشريقِ والعِيدَيْنِ ،وكذا يومِ الشّكّ لغريِ ِورْدٍ ،وهو
يوم ثالثي شعبان ،وقد شاعَ اخلربُ بني الناسِ برؤية اهلاللِ ومل يَثْبُت ،وكذا بعد ِنصْف
صلْه مبا قبله ،أو مل يوافِقْ عادَتَه ،أو مل يَكُنْ عن ن ْذرٍ أو قضاءٍ ،ولو عن شعبان ،ما مل َي ِ
َنفْلٍ.
وهوِ :بفَتحِ أوَّله و َكسْرِه لُغةً :القصدُ ،أو كثرَته إىل مَنْ ُيعَظَّم .وشرعاً :قصدُ
ال َكعْبَةِ للُنسُكِ اآليت .وهو مِنَ الشّراِئعِ القدميِةَ .و ُر ِويَ أن آدمَ عليه السّالم حجَّ أربعني
حجّةً من اهلِْندِ ماشِياً ،وأنّ جربيلَ قال له :إنّ املالئِكَةَ كانُوا يَطُوفونَ قبلَكَ هبذا البيتِ
سبعةَ آالفِ سنة .قاب ابن إسحاق :مل يبعَث اللّهُ نبياً بعدَ إبراهيمَ عليهِ الصّالةُ
والسّالمُ إالّ حَجّ .والذي صَ ّرحَ بهِ غريَهُ :أنّه مَا مِن نيبَ إال حَجّ ،خِالفاً ملَنْ استَثْنَى
هُوداً وصاحلاً .والصالةُ أفضل منه ،خالفاً للقاضي.
وفُ ِرضَ يف السّنةِ السادِسِة على األصَحّ ،حَجّ قبلَ النّبوّة وَب ْعدَها وقبلَ اهلِجرةِ
ِحجَجاً ال يُ ْدرَى َعدَدُها ،وبعدها ِحجّةُ الوَدَاعِ ال غري .وورد" :من حَجّ هذا البيتِ،
خرجَ مِن ذُنوِبهِ كيومَ وَلدتُهُ أمّه" قال شيخنا يف حاشيةِ اإلِيضاحِ :قولُه :كيومَ ولَدتهُ
شمَلُ التَّبِعات .ووردَ التصريحُ به يف رواية ،وأفىت به بعضُ مشاخينا ،لكن ظاهُر أمّه َي ْ
كال ِمهِم خياِلفْه ،واألوَّل أ ْوفَق بظواهِرِ السُّنّة ،والثاين أوفق بالقواعدِ .مث رأيت بعض
احملققني نقلَ اإلِمجاعَ عليه ،وبه يَْن َدِفعُ اإلِفتاءُ املذكورُ متسكاً بالظواهر.
صدُ الكَعبةِ للنُّسُكِ اآليت. (والعمرة) وهي لغة :زيادَةُ مكانٍ عامِر .وشرعاًَ :ق ْ
(جيبان) أي احلجّ وال ُعمْرَةِ وال يغين عنها احلَج وإن اشتمَلَ عليها .وخرب :سُئِلَ عن
ال ُعمْرَةِ ،أواجِبةً هي؟ قال" :ال" ضعيفٌ اتّفاقاً ،وإن صحّحه التّرمذي( .على) كل
مُسلمٍ( ،مُكَلَّف) أي بالغٍ ،عاقلٍ( ،حُرَ) :فال جيبان على صيب وجمنونٍ ،وال على
رقيقٍ .فُنسُك غريِ املكلَّفِ ومَن فيهِ رِقّ َي َقعُ نَفالً ال فَرْضاً (مستطيعٍ) للحجّ،
بوجدا ِن الزّادِ ذهاباً وإياباً ،وأجرَةَ خَفريٍ أي جم ٍري يأمَنْ َمعَهُ والرَّاحِلَة أو مثنَها :إن
كان بينَه وبنيَ مكّة مرحلتانِ أو دونَهما وضَعفَ عن املشيِ مع نفقِة مَن جيبُ عليهِ
سوَتَه إىل الرّجوع .ويُشتَرطُ أيضاً للوجوب :أمْنُ الطّريقِ على النفسِ واملالِ، نفقَتَه و ِك ْ
ولو مِن رَص َديّ ،وإن قلّ ما يأخذه ،وغَلَبةُ السالمَةِ لراكبِ البحرِ ،فإِن غلبَ اهلَالكُ
هليجانِ األمْواجِ يف بعضِ األحوالِ أو استويا :مل جيبْ ،بل َيحْرُم الركوبُ فيه له
ولغريه.
ط للوجوبِ على املرأةِ مع ما ذكر أن خي ُرجَ معها حمْ َرمٌ ،أو زوجٌ ،أو نِسوَةٌ وشُرِ َ
ثِقاتُ ،ولو إِماءٌ ،وذلك حلُ ْرمَةِ َسفَرِها وحدَها ،وإن َقصُرَ ،أو كانت يف قافِلَةٍ عظيمةٍ،
وهلا بال وجوبٍ أن خترُج مع امرأةٍ ثقةٍ ألدَا ِء فَ ْرضِ اإلِسالمِ ،وليسَ هلا اخلُروجُ
لتطوُّعٍ ،ولو َمعَ نِسوةٍ كثريَةٍ ،وإن قَصُرَ السّفر ،أو كانت َشوْهَاء .وقد صَرّحوا بأنه
72
َيحْ ُرمُ على املكَّيَّةِ التطوُّع بال ُعمْرَةِ من التّنعِيمِ َمعَ النِّساء ،خالفاً ملَن نازَعَ فيهِ (مرّة)
واحدَةً يف ال ُعمْرِ (بتراخٍ) ال على ال َف ْورِ .نعم ،إمنا جيوزُ التأخريُ بشرطِ العزمِ على الفعلِ
يف املستقبَلِ ،وأن ال يتضيّقا عليه بنَذرٍ ،أو قضاءٍ ،أو َخوْف عضبٍ ،أو تَلَفِ مالٍ
بقرينةٍ ،ولو ضعيفةٍ .وقيل جيبُ على القا ِدرِ أن ال يَتْرُكَ احلجّ يف كل مخسِ سنني
خلربٍ فيهِ.
[فرع] :جتبُ إنابَةٌ عن ِّميتٍ عليه ُنسُكٌ مِنْ ت َركَتِهِ كما ُت ْقضَى مِنهُ ديونهُ فلو مل
تَكُنْ لهُ تَركةُ سُنّ لوارِثِهِ أن يفعَلَهُ عنه ،فلو فعلَهُ أجنيبّ ،جازَ ،ولو بال إذنٍ ،وعن
آفاقي معضوبٍ عاجِزٍ عن النسكِ بنفسه :لنحوِ َزمَانَةٍ ،أو مَ َرضٍ ال يُرْجَى بِرؤه
بأُجْرةِ مثلٍ َفضَلَتْ عما يَحتاجَه املعضوبُ يومَ االستَئْجارِ ،وعما عدا ُمؤْنَة نفسِهِ
ب بغريِ إذنِهِ ،ألن احلجّ َيفَْتقِرُ للنية، وعِيالِهِ بعدَهُ ،وال َيصُحّ أن ُيحَجّ عن م ْعضُو ٍ
واملعضوبُ أهلُ هلا ولإلِذنِ.
(أركانُه) أي احلجّ :سِتةٌ .أحدُها( :إحرامٌ) به ،أي بنيّة دُخولٍ فيه ،خلرب" :إمنا
األعمالُ بالنيات" .وال جيب تلفظ هبا ،وتلبية ،بل ُيسَنّان فيقولُ بقلبِهِ ولسانِهَِ :نوَْيتُ
احلجَّ ،وأحْ َر ْمتُ بهِ هلل تعاىل لبيك الل ُهمّ لبيك إىل آخرِه( .و) ثانيها( :وقوفٌ ِبعَ َرفَة)
أي حضورهُ بأيّ جزءٍ منها ولو حلظةً ،وإن كانَ نائماً ،أو ما ّراً ،خلربِ الترمذيّ" :احلجُّ
عَ َرفَة" وليس منها :مسجدُ إبراهيمُ عليه السّالم ،وال منِرة .واألفضَلُ للذَّكَر حترِّي
موقفُه ،وهو عندَ الصَّخرات املعروفة .وسُمَِّيتْ عرفة ،قيل :ألن آدم وحواء تعارفا هبا،
وقيل غري ذلك .ووقته (بني زوالٍ) للشمسِ يوم عرفة ،وهو تاسعُ ذي احلجّة( ،و)
بني طلوعِ (فجرِ) يومِ (حنرٍ) .وسُنَّ لهُ اجلمعُ بنيَ الليلِ والنهارِ ،وإال أراقَ َدمَ متَّتعٍ
َندْباً( .و) ثالثُها( :طوافُ إفاضَةٍ) ويدخُل وقتُه بانتصافِ ليلةِ النحرِ ،وهو أفضلُ
األركَانِ ،حىت مِن الوقوفِ ،خالفاً للزركشيّ( .و) رابعهاَ ( :سعْيٌ) بني الصّفا واملَ ْروَةِ
(سَبْعاً) يقيناً بعد طوافِ قدومٍ ما مل يقفْ بِعرَفة ،أو بعدَ طوافِ إفاضَةٍ .فلو اقتصَر
على ما دُونَ السَّبْع مل ُيجْ ِزهْ ،ولو شَكّ يف عددها قبل فراغِهِ أخذَ باألقلّ ،ألنه املُتَيقّن.
ومَنْ َسعَى بعدَ طوافِ القدومِ مل يُنْدَبْ لهُ إعا َدةُ السَّعْيِ بعدَ طوافِ اإلِفاضةِ ،بل
يُكرَه .وجيبُ أن يبدَأ فيه يف املرّة األوىل بالصّفا وخيتمَ باملَ ْروَة لالتِّباعِ فإِن بدأ باملَروَة
حسَب مُرُورُهُ مِنها إىل الصّفا وذهابُهُ من الصّفا إىل املَروة مرّة وعودُه منها إليه مل ُي ْ
مرّة أخرى .وُيسَنّ للذَّكر أن يَرْقى على الصّفا واملروة َق ْدرَ قامَةٍ .وأن ميشي أوّلَ
السعْيِ وآخِرَه ،وَي ْعدُو الذَّكرُ يف الوَسَطِ ،وَحملّهما معروف( .و) خامسها( :إزالةُ َّ
َشعْرٍ) من الرَّأسِ ،حبلق أو تقصري ،لتوقف التحلّلِ عليهِ وأقل ما جيزىء ثالثَ
َشعْرَاتٍ ،فتعميمهُ لبيانِ األفضلِ ،خالفاً ملن أ َخذَ مِنهُ وجوبَ التَّعميمِ .وتقصريُ املرأة
أوىل مِن حَ ْلقِها ،ثُم َيدْخُل مَكّة بعد َرمْيِ َجمْ َرةِ ال َعقَبَةِ واحلَلْقِ ،ويطوفُ للركنِ
فيَسعى إن مل يكنْ َسعَى بعدَ طوافِ القُدومِ كما هو األفضَلُ واحلَلْقُ والطوافُ
والسعيُ ال آخرَ لوقتِها .ويكرهُ تأخريُها عن َي ْومِ النحر ،وأشدّ منه :تأخريَها عن أيّام
التّشريقِ ،مث عن خروجهِ من مكّة( .و) سادسها( :ترتيب) بني معظمِ أركانِه بأن
ُيقَدِّم اإلِحرامَ على اجلميعِ ،والوُقوف على طوافِ الركنِ واحللقِ والطوافِ على
سعَ بعد طوافِ القدومِ ودليلُه االتّباع( .وال جتبَرُ) أي األركان، السعي إن مل َي ْ
ِب َدمٍ) .وسيأيت ما جيرب بالدَّم( .وغري وقوفٍ) من األركانِ الستة (أركان العُمرة)
لشمولِ األدلّة هلا وظاهرٌ أنّ احللقَ جيبُ تأ ِخريُهُ عن َسعْيِها ،فالترتيبُ فيها يف َجمِيعِ
األركان.
[تنبيه] :يؤدَّيان بثالثةِ أو ُجةٍ :إفراد :بأن حيجّ مث يعتمر .ومتتع :بأن يعتمِر مث حيجّ.
وقِران :بأن ُيحْ ِرمَ هبما معاً .وأفضلها :إفراد إن اعتمَر عامه مث متتّع .وعلى كل من
73
جدِ احلرامِ وهم من دون املتمتع والقارِنَ :دمٌ إن مل يَكُن مِن حاضِري املس ِ
مرحلتني.
(وشروطُ الطواف) ستة :أحدهاُ ( :طهْرٌ) عن َحدَثٍ وخََبثٍ( .و) ثانيها( :سَتْرٌ)
ِل َع ْورَةِ قا ِدرٍ ،فلو زاال فيه جَدَّد ،وبَنَى على طوافِهِ ،وإنْ َت َع ّمدَ ذلك ،وطالَ ال َفصْلُ.
(و) ثالثها( :نيُتهُ) :أي الطّواف( ،إن اسَتقَلَّ) بأن مل يشمَلْهُ ُنسُكٌ كسائِرِ العِبادات،
حلجَرِ األ ْسوَدِ حماذياً له) يف مرورِهِ (بَِبدَنِهِ) :أي وإال فهي سنة( .و) رابعها( :بَدؤه با َ
صفَةُ احملاذاة :أن يقفَ جبانبِ ِه من جِهَةِ اليماينّ حبيثُ يصريُ مجيعُ جبميعِ ِشقّهِ األَْيسَرَ .و ِ
جعَل يَسارَه احلجَرِ عن ميينِهِ مث ينوي ،مث ميشي مستقبِلَةُ حَىت جياوِزهُ ،فحينئذٍ يَْنفَتِل وَي ْ
للبيتَ ،وال جيوزُ استقبالُ البيتِ إال يف هذا( .و) خامسها( :جعلُ البيتِ عن يسارِهِ)
ما ّراً تلقاءَ وجهِهِ ،فيجبُ كونُه خارِجاً بكلّ بدَنِهِ حىت بيدِهِ عن شَا ُذرْوانه و َحجَ ِرهِ
لالتّباع فإن خالفَ شيئاً مِن ذلك مل َيصُحّ طوافُه ،وإذا استقبل الطائِف لنحو دعاء
فليحترِز عن أن ميرَّ منه أدْىن جُزءٌ قبل عوْدِهِ إىل َجعْلِ البيتِ عن يسارِه .ويلْزَم مَن
قبَّل احلجَر أن يقرّ قدمَيْهِ يف حملهما حىت يعتدل قائماً ،فإِن رأسَه حالَ التقبيل يف
جُزءٍ من البيت( .و) سادسها( :كونه سَبْعاً) يقيناً ،ولو يف الوقتِ املكروهِ ،فإِن تَرَكَ
منها شيئاً وإن قلَّ مل جيزِئه.
حلجَرِ) األسود بيدِهِ( ،و) أن (يستلمَهُ يف كل (وسُنّ أن يفتتح) الطائِفُ (باستالمِ ا َ
َط ْوفَة) ،ويف األوتارِ آكَد ،وأن يقبِّلَه ،ويضعَ جبهتَه عليه( ،و) يستلمَ (الرُّكنَ) اليماين،
الطوْفاتِ (الثالث ا ُألوَل مِنْ طوافٍ ويُقبِّلَ َيدَهُ بعدَ استالمِهِ( ،و) أنْ (يَرْمَل َذكَرٌ) يف َّ
بعدَهُ َسعْي) بإِسراعِ مشيِهِ مقارِباً خُطاهُ ،وأن ميشِي يف األربعةِ األخريةِ على هيئِتِه
الرمَلَ يف الثالثِ األول :ال يقضِيه يف البقيّة .وُيسَنّ أن يقربَ لالتّباعِ ولو تَرَكَ َّ
الذكرُ من البيتِ ،ما مل يؤذِ أو يَتَأذّ بز ْحمَةٍ ،فلو تعا َرضَ القُرُبُ منه والرَّملُ :قُدِّم،
ألن ما يتعلق بنفسِ العبادةَِ ،أوْىل من املتعلِّق مبكاهنا ،وأن يضطَبعَ يف طوافٍ يَ ْرمَلُ فيهِ،
السعْي :وهو َجعْلُ وَسَط ردائِهِ حتت مِنْكبِهِ األمينِ ،وطَرَفيْهِ على األيسَر وكذا يف َّ
لالتّباع وأن ُيصَل َي بعدَ ُه رَكعتني خلفَ املُقامِ ،ففي احلجر.
الذكَر واألُنثى بالطوافِ عندَ دخولِ املسجدِ [فرع]ُ :يسَنّ أنْ يَبَدأَ كلّ مِنَ َّ
لالتّباعِ ،رواه الشيخان إال أن جيدَ اإلِمامَ يف مكتوبةٍ ،أو خيافَ فوتَ فرضٍ ،أو راتبةٍ
مؤكدَ ٍة فيبدأ هبا ال بالطواف. َّ
(وواجباتُه) أي احلجّ مخسةٌ ،وهو ما جيبُ بتركِهِ ال ِفدْيَةُ (إحرامٌ من ميقاتٍ)
فميقاتُ احلجّ ملن مبكة :هي .وهو للحج والعمرة لِلمُتَوجِّهِ مِن املدينة :ذو احللي َفةِ
حفَةُ .ومِن هتامة اليمَنِ :يلمْلمُ، جل ْ
املسماة ببئرِ عليّ .ومِنَ الشَّامِ و ِمصْرَ وا َملغْرِبَ :ا ُ
ومن جنْد اليمَنِ واحلجازِ :قرن .ومِنَ املَشْرِق :ذات عِرْق .وميقاتُ ال ُعمْرَةِ ملن باحلرَمِ
حلدَيْبيّة .وميقاتُ من ال ميقاتَ له يف طريقه: جلعْرانَةُ ،فالتَّْنعِيمُ ،فا ُ
احلِلّ ،وأفضلُه ا ِ
حماذَاةُ امليقاتِ الوارِد إن حاذاهُ يف بَرّ أو حبرٍ ،وإال فمرحلتان من مكّة ،فيح ِرمُ اجلائي
يف البحرِ من ِجهَةِ اليمنيِ من الشِّ َعبِ احملرّم الذي حياذي يلملم ،وال جيوزُ له تأخريُ
إحرامِهِ إىل الوصولِ إىل جَدَّة ،خالفاً ملا أفىت به شيخنا مِن جوازِ تأخ ِريهِ إليها ،وعلَّل
بأن مسافَتَها إىل مكّة كمسافةِ يلمْلم إليها .ولو أحْ َرمَ من دونِ امليقاتِ لَ ِز َمهُ َدمٌ ولو
ناسياً ،أو جاهِالً ما مل َي ُعدْ إليه قبل تلَبُّسه بُِنسُكٍ ،ولو طوافَ قدومٍ ،وأُمثَ غريُمها
(ومَبيتٌ مبُزْ َدلِفة) ولو ساعَة من نُصف ثانٍ من ليلةِ النحر( ،و) مبيتٌ (مبِنَى) معظَم
ليايل أيام التشريقِ .نعم ،إن َنفَر قبلَ غُروبِ َشمْسِ اليومِ الثاين ،جاز وس َقطَ عنهُ
مبيتُ الليلةِ الثالثةِ و َرمْي يومها ،وإمنا جيبُ املبيتُ يف لياليها لغريِ الرّعاءِ وأهلِ السِّقايَةِ
(وطوافُ الوداعِ) لغري حائضٍَ ،ومَكِّيّ إن مل يفارق مكّة بعد حجّه (و َرمْيٌ) إىل
74
َجمْرَةِ ال َعقَبَةِ بعد انتِصافِ ليلةِ النحرِ ،سبعاً ،وإىل اجلمراتِ الثالثِ بعد َزوَالِ كل يومٍ
سمّى به ،ولو مِن أيام التشريقِ سبعاً سبعاً ،مع ترتيبٍ بني اجلمراتِ (حبجرٍ) أي مبا ُي َ
عقيقاً وبَِّلوْراً .ولو تَرَكَ َرمْيَ يومٍ ،تدا َركَهُ يف باقي أيام التشريقِ ،وإال لزمَهُ دمٌ ،بتركِ
سمّى هذهِ أبعاضاً. ت بدمٍ ،وُت َ ت فأكثرَ( .وجتبَرُ) أي الواجبا ُ ثالثِ رميا ٍ
(وسُنَنُه) أي احلجّ ( ُغسْلُ) ،فتيمم (إلِحرامٍ ودخولِ مكة) ولو حالالً بذي
(وتطيبُ) الَبدَن، َّ َطوًى( ،وقوفٌ) ِبعَرفَة َعشِيّتها ،ومبز َدِلفَة ،ولِ َر ْميِ أيامِ التشريق،
والثوبِ ولو مبا لَهُ جُ ْرمٌ (قُبيلَه) أي اإلِحرام وبعد الغُسْلِ ،وال َيضُ ّر استدامَتُه بعد
اإلِحرامِ ،وال انتقاله بعرقً (وتلبيةٌ) وهي :لبيكَ اللهمّ لبيْك ،ال شريكَ لكَ لبيّك ،إنّ
احلمدَ والّن ْعمَة لك ،واملُلْكَ ،ال شريكَ لكَ .ومعىن لبيك :أنا مقيمٌ على طاعَتِك.
وُيسَنّ اإلِكثارُ مِنها ،والصَّالةُ على النيب وسؤال اجلنَّةِ ،واالستعاذةُ من النار ،بعد
تكريرِ التَّلبيَة ثالثاً .وتَستمِرّ التَّلبيةُ إىل َرمْيِ َجمْ َرةِ العَقبة .لكن ال ُتسَنّ يف طوافِ
سعْي بعده ،لورود أذكارٍ خاصة فيهما( ،وطوافُ قدومٍ) ألنه حتيةُ البيتِ، القدومِ ،وال ّ
وإمنا ُيسَنُّ حلاجَ أو قارِنٍ دخَلَ مكّة قبل الوقوفِ .وال يُفَوَّتُ باجللوسِ ،وال بالتأخريِ.
نعم ،يفوتُ بالوقوفِ بعرفَة (ومبيتٍ مبنَى ليلةَ عَرَفة ،ووقوفٍ جبَمْع) املسمى اآلن
باملشعَرِ احلرام وهو جَبَلُ يف آخرِ مزدلِفة ،فيذكرون يف وقوفهم ،ويدعون إىل اإلِسفار
مستقبلنيَ القِبلة لالتّباع ( .وأذكارٌ) ،وأدعيةٌ خمصوصة بأوقاتٍ وأمكنةٍ ُمعَيَّنةَ ،وَقدْ
ف اليومِ والليلةِ فليَطْلُبْه. اسَتوْعَبَها اجلَال ُل السّيوطيّ يف وظائ ِ
[فائدة]ُ :يسَنّ متأكداً زيارةُ قربِ النيب ،ولو لغريِ حاجّ ومعتمِرٍ ،ألحاديثَ
حبّ ،ولو لغريمها .وورد أنه أفضلُ املياهِ وردت يف فضلها .وشُرْبُ ماءِ زمزم ُمسْت َ
حىت مِنَ ال َكوْثَرِ.
طءٌ) آية{ :فَال (فصل) :يف حمرمات اإلحرامَ( .يحْ ُرمُ بإِحرامٍ) على رَجُلٍ وأُنثى (وَ ْ
سدُ به احلجُّ والعُمرةُ( .وقُبلة)، َرفَث} أي ال تَرْفثوا .والرَّفثُ ُمفَسَّر بالوَطْءِ .وَي ْف َ
ومباشَرةٌ بشهوَةٍ( .واستمناءٍ بيدٍ) خبالفِ اإلِنزالِ بنَظَرٍ أو فِكرٍ (ونِكاحٍ) ،خلربِ
مسلم" :ال يَنكِحُ احملْ ِرمُ وال يُنْكِح" (وتطَيّب) يف َبدَنٍ أو ثوبٍ مبا يسمى طيباً،
ك وعنربٍ ،وكافورٍ حيّ أو ميتٍ ،وورد ومائه ،ولو بشدّ حنو مسكٍ بطرفِ كمس ٍ
ثوبِهِ ،أو جبعلِهِ يف جيبِهِ .ولو خَفَيتْ رائحَةُ الطِّيبِ ،كالكاذيّ والفاغية وهي متر
احلِنّاء فإِن كانَ حبيث لو أصابَهُ املاءَ فا َحتْ ،حَ ُرمَ ،وإال فال( ،ودَهْنُ) بفتح أوله
(شَعرِ) رأسٍ ،أو حليةٍ بدهنٍ ،ولو غري مُطَّيبٍ ،كزيت ومسن( .وإزالَتَهُ) أي الشعر ولو
واحدةً من رأسَهِ أو حليتِهِ أو َبدَنِه ،نعم ،إن احتاجَ إىل حَلْقِ َشعْرٍ بكثرةِ قملٍ أو
جِراحَةٍ فال حُ ْرمَة ،وعليهِ ال ِفدْية ،فلو نََبتَ شعْرٌ ،بعينِهِ أو غَطّاها فأزالَ ذلك ،فال
حُ ْرمَة ،وفال ِفدْيَة( .وقَلمٌ) لِ ِظفْرٍ ،ولو بعضِهِ من يدٍ أو ِرجْلٍ .نعمَ ،لهُ قَ ْطعُ مَا انكسرَ
من ِظفْرِهِ إن تأذّى بهِ ولو أدىن تأذّ( .وحي ُرمُ سَتْرُ رَجُل) ال امرأة (بعضَ رأسٍ مبا ُيعَدّ
ساتِراً) عُرْقاً من َمخِيطٍ أو غريِ كقُلُْنسُوَةٍ ،وخُ ْرقَ ٍة إمَّا ما ال ُي َعدّ ساتراً كخيطٍ رقيق،
وتوسد حنو عمامة ،ووضع يد مل يقصد هبا الستر فال َيحْرُم ،خبالفِ ما إذا َقصَده
حمَلٍ وإن صدْ بهِ ذلك أيضاً ،واستظاللٌ مب ْ حمْل حنو زِنْبيلٍ مل َي ْق ُ
على نِزاعٍ فيهِ ،وك ِ
سهُ) أي الرجُل (مَخيطاً) خبياطَةٍ :كقميصٍ ،وقِباء ،أو نسجٍ ،أو َعقْدٍ مَسّ رأسَه( ،ولِْب ُ
يف سائر َبدَنِه( ،بال عذر) فال حي ّرمُ على الرَّجلِ سَتْرُ رأسٍ لعذرٍ كحرّ وبرد ،ويَظْهَرُ
ضبطَه هنا مبا ال يطيقُ الصّبْرَ عليه ،وإنْ مل يبح التيمم ،فيحِل مع الفِدية ،قياساً على
جدْ غريَه ،وال َق َدرَ على حتصيلِهِ، وجوبِها يف احلَلْقِ مع العُذرِ .وال لِبْسُ َمخِيطٍ إن مل َي ِ
ولو بنحو استعارة .خبالف اهلِبَة ِلعِظَمِ املِنّة فَيحِلُّ سَتْرُ العَ ْورَةِ باملخِيط بال فِدية،
ولبسه يف باقي بَدَنِه حلاجَةٍ حنو حَرّ وبَرْدٍ مَع ِفدْيَةٍ .ويَحلّ االرتداءُ وااللتحافُ
75
بالقميصِ والقِباءَ ،و َع ْقدِ اإلِزارِ ،وشَدّ خيطٍ علي ِه ليثَبتَ :ال وضع َطوْقِ القِباءِ على
َرقَبتِهِ ،وإن مل ُي ْدخِل يدَه (و) َيحْ ُرمُ (سَتْرُ امرأة ال رجُلٌ بعضَ وجهٍ) مبا ُي َعدّ ساتِراً
(وِفدَيَةُ) ارتكابٍ وا ِحدٍ م (ما َيحْرُمُ) باإلِحرامِ غري اجلماعِ (ذَبْحُ شاةٍ) جمزِئَةٍ يف
صعٍ ِلسِتّةٍ) من مساكني ضحِية ،وهي َجذِعَةُ ضأنٍ ،أو ثَنية معزٍ( ،أو تصدّقٌ بثالثَةِ آ ُ ا َأل ْ
صوْم ثالثَةِ) أيام .فمُرتَ ِكبُ احلَ َرمِ الشاملنيَ للفقراءِ ،لِكلّ واحدٍ نصفَ صاعٍ( ،أو َ
احملر ِم خميَّرٌ يف ال ِفدْيَةِ بنيَ الثالث ِة املذكورَةِ.
َّ
[فرع] :لو َفعَلَ شيئاً مِن احملرَّماتِ ناسِياً أو جاهِالً بتحرميهِ ،وَجَبَت ال ِفدْيَة إن
كان إتالفاً كحَلْقِ شَعرٍ ،وقَلمِ ظِفرٍ ،وقَتلِ صيدٍ وال ِجتبُ إن كان متَتّعاً كلِبسٍ،
وتطيبٍ والوا ِجبُ يف إزالة ثالثِ شَعراتٍ أو أظفارٍ وألَ احتادِ زمانٍ ومكانٍ عُرْفاً ِفدْيةٌ ُّ
كامِلَةٌ ويف واحدةٍُ :مدّ طَعام .ويف اثنتنيُ :مدّانٍ (و َدمٌ تُرِكَ مأمورٌ) كإِحرامٍ مِن
التمتعِامليقاتِ ،ومَبيتٌ مبز َدلِفة ومِنًى ،و َرمْيُ األحجارِ ،وطوافُ الوداعِ ،كدَمِ ُّ
ضحِية يف احلَ َرمِ( ،ف) الوا ِجبُ على العاجِزِ عن والقِرانِ( .ذَبْحٌ) أي ذبحُ شاةٍ جتزىءُ أ ْ
الذّبحِ فيهِ ولو ِلغَيبةِ مالِهِ وإن وجد من يقرِضه ،أو وجده بأكثر من مثنِ املثل (صومُ)
أيامٍ (ثالثةٍ) َفوْراً بعدَ إحرامٍ( ،وقبل) يومِ (حنرٍ) ولو مسافراً فال جيوزُ تأخريُ شيءٍ
منها عَنْه ،ألهنا تصريُ قَضاءً .وال تقدميَهُ على اإلِحرامِ باحلجّ ،اآلية( .و) يلزمه أيضاً
صوم (سبعةِ بوَطَنِهِ) أي إذا رَ َجعَ إىل أهله .وُيسَنّ تواليها كالثالثة قال تعاىل{ :فمَنْ
سدٍ ُنسُكٍ) جدْ َفصِيَامُ ثالثَةِ أيامٍ يف احلجّ ،وسبعةٍ إذا رَ َجعْتم}( .و ِجيبُ على ُم ْف ِ ملْ َي ِ
ضحِية ،وإن كان النُّسكُ ،نَفالً ،والُبدْنَة ص َفةٍ األ ْمِن حَ ٍج و ُعمْرَةٍ (بوطءٍُ :بدْنَةٌ) ب ِ
املرادَةُ الواحِد من اإلِبلِ ذَكَراً كان أو أنثى فإن عجز عن الُبدْنَةِ فَبقَرَةٌ ،فإن َعجَز
عنها فسَْبعُ شِياهٍ ،مث ُيقَوِّم الُبدْنَة ،ويَتَصدَّق بقيمَتَها طعاماًُ .ثمّ يَصوم عن كل مُدَ
سدِ نُسكٍ :أنه يبطل يوماً .وال ِجيبُ شيء على املرأة ،بل تأَثمْ .وعُلمَ مِن َقوْيل مب ِ
بِوطْءٍ ،ومع ذلك جيبُ َمضِي يف فا ِسدِه( .وقضا ٌء فوراً) ،وإن كان ُنسُكَهُ َنفْالً ،ألنه
والنفْلُ من ذلكَ يصريُ بالشروع فيهِ وإن كان َوقْتُه مُوسعاً تَضيق عليه بالشروعِ فيهَّ .
فَرْضاً :أي واجبُ اإلِمتامِ كالفَ ْرضِ ،خبالفِ غريِهِ مِن َّالنفْل.
صدِ مكةَ ،ولِلحاجّ آ َكدُ أن ُيهْدِي شيئاً مِن الّنعَم يَسوقَه من [تتمة]ُ :يسَنّ لِقا ِ
بِلدِهِ ،وإال فيَشتريه من الطريقِ مث مِن مكة ،مثّ من عَرَفة ،مث من مِنًى .وكونه مسيناً
حسناً ،وال ِجيبُ إال بالنذر.
[مهمات]ُ :يسَنّ مُتأكداً حلُرّ قا ِدرٍ ،تضحيةٌ ِبذَبحِ جَذعِ ضَأْنٍ له سَنَة ،أو َسقَط
سِنُّه ولو قَبْلَ متامِها أو ثَين معزٍ أو بقرٍ هلما سَنَتانِ ،أو إِبلٍ لهُ مخسُ سنني بنيَّة أضحِيةٍ
الص َدقَةِ .ووقتُها من راتفاعِ مشسِ حنرٍ إىل آخِر عند ذبحٍ أو تعيني .وهي أفضلُ مِن َّ
أيامِ التشريق .وجيزىءُ سُْبعُ َبقَرٍ أو إِبِلٍ عن واحدٍ ،وال جيزىء َعجْفاءُ ومقطوعَةُ بعضِ
ذََنبٍ أو أُذُنِ أُبنيَ وإن قلّ وذاتَ عَ َرجٍ و َع َورٍ ومَ َرضٍ بيّنٍ ،وال َيضُرُّ شقّ أُذُنٍ ،أو
خَرْقها .واملعتمد َع َدمُ إجزاءِ التضحيةِ باحلامِلِ خالفاً ملا صَحَّحه ابن الرفعة .ولو نَذَرَ
صغِريةٍ ،أو قالَ :جعَلْتُها أضحِيةً ،فإِنَّهُ يلْزم ذَْبحُها ،وال جتزىءُ التَّضحِيَةِ مبعِيبَةٍ أو َ
ضحِية ،وجَرَتْ جمراها يف الصّرفِ .وحي ُرمُ األكلُ ضحِية ،وإن اختصّ ذحبُها بوقتِ األ ْ أ ْ
صدّقُ ولو على فقريٍ واحدٍ بشيء نيئاً من أضحيةٍ أو هَ ْديٍ وجبا بنذرِهِ .وجيبُ التّ َ
ولو يسرياً من املتطوَّع هبا .واألفضل :التصدّق بكلُّه إال ُلقَماً يَتَربَّك بأكْلِها ،وأن
تكونَ مِنَ الكِبدِ ،وأن ال يَ ْأكُل فوقَ ثالثٍ ،والّتصَدُّقُ بِج ْلدِها .وله إطعامُ أغنياءَ ال
متليكهم وُيسَنّ أن يذبَحَ الرجلُ بنفسِهِ .وأن يش َهدَها مَنْ وُكِّل به .وكُرِهَ ملُرِيدِها
إزالةَ حنوِ شَعرٍ يف َعشْرِ ذي احلجّة وأيامِ التشريقِ حَىت ُيضَحِّي .ويُْندَب ملن َتلْزَمهُ َنفَقةُ
فَرْعِهِ :أن يعقّ عنهُ مَن وضع إىل بلوغٍ ،وهي كضحية ،وال يُ ْكسَرُ عَ ْظمٌ .والتصدّق
76
مبطبوخٍ يَْبعَثه إىل الفقراءِ :أحبّ من ندائِ ِهمْ إليها ومِنَ التصّدق نيئاً .وأن يَذْبَحَ ساب َع
سمِيَةُ َس َقطٍ بَلَغ َزمَنَ َنفْخِ الرّوحِ. سمّى فيهِ ،وإن ماتَ قبلَه ،بل ُيسَنّ َت ْ وِالدَتِه ،وُي َ
وأفضلُ االمساءِ :عبدُ اللّهِ ،وعبدُ الرمحن .وال يُك َرهُ اسمُ نيبّ ،أو َملَكٍ ،بل جاء يف
التّسميةِ مبحمدٍ فضائلُ عليَّة .وحيرُمُ التسميَةُ مبَلَكِ امللوكِ ،وقاضي القُضاةِ ،وحاكِمِ
احلُكّامِ .وكذا عبدُ النيبّ ،وجا ُر اللّهِ ،والتكين بأيب القاسم.
وسُنّ أن حيلِقَ رأسَه ولو أنثى يف السابع ،ويتصدَّقَ بزِنَتِهِ ذَهَباً ،أو ِفضّة ،وأن
يؤذّنَ ،ويقرأُ سُورَة اإلِخالصِ ،وآية{ :إين أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرّجيمِ}
ضعِ .وأن الذكَر يف أُذنِهِ اليمىن ،ويقامَ يف الُيسْرَى عَ ِقبَ الوَ ْ بتأنيثِ الضمريِ ولو يف َّ
خلريِ بِتمْرٍَ ،فحُ ْلوٍ مل متسّه النّار حنيَ يولَد .ويقرأَ ُيحَنِّكَهُ رَجُلٌ ،فامرَأةٌ مِن أهلِ ا َ
عندِها وهي تَطْلُقُ آيةَ الكرسيّ و {إنّ ربَّ ُكمُ اللّهُ} اآلية ،واملعوَّذتان ،واإلِكثارَ من
دُعاءَ الكَرْبِ .قال شيخنا :أما قرا َءةَ سورِة األنعامِ ،إىل{ :رَ ِطبٍ وَال يَابِسٍ إال يف
جلهَلةِ ،فينبغي االنكِفافُ كتابٍ مُبنيٍ} يومَ يَعقّ عن املولود ،فمِن مُبْتَدعاتِ العَوامّ ا َ
س منها ما أمكن .انتهى. عنها ،وحتذيرُ النا ِ
[فرع]ُ :يسَنّ لكل أحدٍ ،االدِّهان غباً ،واالكْتحالُ باإلِْث ِمدِ وِتْراً عندَ َن ْومِهِ،
ضبُ َيدَي صفْرَة .وَيحْرُمُ حَلْقُ حلَْيةً ،وخَ ْ حمْ َرةٍ أو ُ
ضبُ شَْيبِ رأسِهِ وحليَِتهِِ :ب ُ و َخ ْ
الرَّجُلِ ورِجْليهِ حبِنَّاء ،خِالفاً جلمعٍ فيهما .وحبث األذرعي كراهَةَ حَلْقِ ما فوقَ
ضبُ لل ُمفْتَرِشَةِ ،ويكرهُ للخَلية. خل ْ
احللقومِ مِنَ الشّعر .وقال غريه إنّه مُباح .وُيسَنّ ا َ
وحي ُرمُ وَشْرُ األسنانِ و َوصْلُ الشّعرِ بشَعْرٍ جنِسٍ ،أو َشعْر آدميّ ،وربطُه به ال خبيوطِ
احلريرِ ،أو الصُّوفِ ويُستحبُّ أن يكفَّ الصِّبيانُ أوّل ساعَةٍ مِن الليل ،وأن يغطي
سمّياً اهلل فيهما ،وأن يطفى األواين ولو بنحوِ عودٍ ُيعْ َرضُ عليها وأن يَغلقَ األبوابَ ُم َ
املصابي َح عندَ النّومِ.
(واعلم) أن ذبحَ احليوانِ البَرِّيّ املقدور عليه بقطعِ كل حلقوم وهو خمرجَ النَّفس
وكل مريءٍ وهو جمْرَى الطّعامِ حتْتَ احلُلقوم بكل حمدَّد جيرح غري عظم ،وسِنّ،
صبٍ ،وزُجاجٍ ،وذَهبٍ ،وفضّةٍ حيْ ُرمُ ما ماتَ بثِقلِ ما أصابَه من وظِفرٍ كحديدٍ وَق َ
حمدَّدٍ أو غريِه كبُْن ُدقَةٍ وإن أهنَرَ الدّمَ وأبانَ الرأسَ أو ذبحَ بكالَ ال يق َطعُ إال بقُوةِ
الذابحِ ،فلذا ينبغي اإلِسراعُ بق ْطعِ احلُلقومِ حبيث ال ينتهي إىل حَرَكة املذبوحِ قبل متامِ
القَ ْطعِ.
وحيلُّ اجلَننيُ بذَبْحِ أمّه إن ماتَ يف بطنِها ،أو خَرجَ يف ح َركَةٍ مَذبوحٍ ،وماتَ
جمَلٍ ،أوحاالً .أما غري املقدور عليه بطريانِهِ أو شدَّة َع ْدوِهِ ،وَحْشياً كان أو إنْسياً ك َ
َج ْديٍ َنفَرَ شارداً ،ومل يتيسَّرْ حلُوقَه حاالً وإن كان لو صرب سَكَنَ وقدر عَليه وإن
مل يَخف عليه حنوَ سارِقٍ فيحِلّ باجلَرحِ املُزْهِقِ بنحوِ سَهمٍ أو سَيفٍ يف أي حملّ كان
مث إن أ ْدرَكه وبه حياةٌ مسَتقِرّة ،ذََبحَه فإِن َتعَذَّر ذحبُهُ من غريِ تقصريٍ منهُ حىت مات
كأن اشتغلَ بتوجيهِهِ للقِبلةِ ،أو سَلَّ السّكنيَ فماتَ قبل اإلِمكانِ ،حلّ ،وإال كأن مل
يكن معه سكنيٌ ،أو عَلَق يف الغَم ِد حبيث تعسَّرَ إخراجُه ،فال.
وحي ُرمُ قطعاً َرمْيُ الصَّيد بالبُْندُقِ املعتاد اآلن وهو ما ُيصْنَع من الطني جائزٌ
على املعت َمدِ خالفًا لبعض احملقني.
وشرْطُ الذابح أن يكون ُمسْلماً أو كِتابياً يُنكَح .وُيسَنّ أن يق َطعَ الوَ ْدجَنيِ ومها
عِرْقا صَفحيت عُنُقٍ وأن يَحدَّ َشفْرَته ،ويوجّه ذبيحَتَهُ لقبلة ،وأن يكونَ الذّابحُ رجُالً
عاقالً ،فامرأةً ،فصبياً .ويقول ندباً عند الذبح ،وكذا عند رمي الصّيد ولو مسكاً
وإرسال اجلارِحة :بِسم اهلل الرّمحن الرّحيم .اللهمّ صلّ وسلم على سيِّدنا حممد.
77
ويُشتَرطُ يف الذَّبيح غريِ املريضِ شيآنَ .أحدمها :أن يكون فيهِ حياةٌ مستقرَّةٌ أوَّل
ذحبِهِ ولو ظنّاً ،بنحوِ شدّةِ حَرَكةٍ بعدَه ،ولو وحدها على املعتمد وانفجارِ َدمٍ،
وتدفُّقه إذا غََلبَ على الظّنّ بقاؤها فيهما فإن شكّ يف استقرارِها ِل َف ْقدِ العالماتِ
حَ ُرمَ .ولو جُ ِرحَ حيوانٌ ،أو َس َقطَ عليه حنوُ سَيفٍ أو َعضّهُ حنو هِرّة فإِن بَقَيتْ فيهِ
حياةٌ مستقرّة فذَبَحهُ ،حلّ .وإن تيقَّنَ هالكَهُ بعد ساعَةٍ ،وإال مل حيلّ كما لو قُ ِطعَ
بعد رفعِ السّكني ولو ِلعُذرٍ ،ما بقيَ بعد انتهائها إىل حَركَةِ مذبوحٍ .قال شيخنا يف
شرح املنهاجِ :ويف كالم بعضهم أنه لو رفع َيدَهُ لِنحو اضطرابِهِ فأعادَها فَوراً وأمتّ
الذبح ،حلّ ،وقول بعضهم :لو رفع يده مث أعادها مل حيلّ ،مفرّع على عدم احلياة
املستقرّة ،عند إعادَتِها ،أو حممولٌ على ما إذا مل يُ ِعدْها على ال َفوْر .ويؤيّده إفتَاءُ غريُ
وا ِحدٍ فيما لو انفلَتَت َشفْرَتُه فردّها حاالً ،أنه حيل .انتهى .ولو انتَهى حلركةِ مذبوحٍ
مب َرضٍ ،وإن كانَ سَبُبه أكلُ نباتٍ مُضرَ ،كفى ذحبه يف آخر رمقه ،إذ مل يوُجد ما
يُحال عليهِ اهلالكُ من جُ ْرحٍ أو حنوِه .فإِن وُجدَ ،كأن أَكل نَباتاً يؤدّي إىل اهلالكِ،
اشتُرِطَ فيهِ وجودُ احلياةِ املستقّرةِ فيهِ عندَ ابتِداءِ الذّبحِ ،ولو بالظّن ،بالعالمة املذكورة
بعده.
[فائدة] :من ذَبَحَ تقرّياً هلل تعاىل لدفع شَرّ اجلنّ عنه مل َيحْرُم ،أو بقصدهم حَرُم.
وثانيهما :كونه مأكوالً و ُهوَ مِن احليوانِ البَرِّي :األنعامُ ،واخليلُ ،وبقرُ وَحْشٍ،
حبّ .ال ومحارُه ،وظيبٌ ،وضَُبعٌ ،وضبّ ،وأرنبٌ ،وثعَلبٌ ،وسنجابٌ ،وكل َلقّاطٍ لل َ
صقْرٌ ،وطاوُسٌ ،و َحدَأةٌ ،وبومٌ ،ودرّةٌ ،وكذا غرابٌ أسود ورمادِيّ أسدٌ ،وقِردٌ ،و َ
اللونِ ،خالفاً لبعضهم .ويُكْرَهُ جاللةٌ ولو من غري نعم كدجاجٍ إن وُ ِجدَ فيها ريحُ
النجاسَةِ .وحيلّ أكلُ بيضِ غري املأكولِ ،خالفاً جلمع .وحيرم من احليوانِ البحري:
ضِفدَعٌ ،ومتساحٌ ،وسُلحفاةٌ ،وسَرطانٌ .ال قِرْشٌ ،ودَنْليسٌ على األصح فيهما .قال يف
الض ْفدَع ،ويؤيِّده نقلُاجملموع :الصحيح املعتمدُ أنّ مجيعَ ما يف البحر حيلّ مَيْتَتُهُ إال ِّ
ابنُ الصباغ عن األصحابِ حِلّ مجيع ما فيه إال الضّفدع .وحيلّ أكلُ مَيْتَةِ اجلِرادِ
سمَكِ إال ما تغيَّرَ يف جوفِ غريِه ،ولو يف صُورَةِ كلبٍ أو خِنزيرٍ .وُيسَنّ ذبحُ وال ّ
كبريُمها الذي يطول بقاؤه .ويُكْرَهُ ذبحُ صغريِمها ،وأكلُ مشويّ َسمَكٍ قبل تطييبِ
َج ْوفِه ،وما أنتَنَ منه كاللحم وقَلي حيّ يف دهن َمغْليّ .وحلّ أكلُ دودِ حنوِ الفاكِهة
حياً كان أو ميّتاً بشرط أن ال ينفرِدَ عنه ،وإال مل حيلّ أكلُه ،ولو معه كنملِ السمن
تولدِه منه على ما قاله الردّاد خالفاً لبعض أصحابنا.وحي ُرمُ كل مجادٍ مُضرَ لعدم ِّ
حجَرٍ ،وترابٍ ،وسمَ وإن قَلّ ،إال ملن ال يضرّه ومسكر ،ككثري لبدَنٍ أو َعقْلٍ ك َ
أفيونٍ ،وحشيشٍ ،وبنجٍ.
[فائدة] :أفضل املكاسب الزراعَةُ ،مث الصَّناعةُ ،مث التجارَة .قال مجع :هي أفضلُها
وال حت ُرمُ مُعامَلةُ مَنْ أكثَر مالِهِ حرامٌ ،وال األكل مِنها كما صححه يف اجملموع .
وأنكر النّوويّ قولَ الغزايلِّ باحلُ ْرمَةِ ،مع أنه تبعَهُ يف شرح مسلم .ولو َعمّ احلرامُ
األرضَ جازَ أن يستعملَ منه ما متسّ حاجتُه إليه ،دون ما زاد .هذا إن توّقعَ معرفة
حقّه فيه كما قاله شيخنا. ت املالِ ،فيأخذُ منهُ ب َق ْد ِر ما يست ِ
أربابِهِ .وإال صارَ لبي ِ
[فرع]َ :ن ْذكُرُ فيه ما جيبُ على املكلِّف بالنذرِ .وهو قُرْبة على ما اقتضاه كالم
الشيخني ،وعليه كثريون بل بالغَ بعضُهم ،فقال :دلّ على َندْبِهِ الكتابُ ،والسُّنّة،
واإلمجاعُ ،والقياس .وقيل مكروهٌ ،للنّهي عنه .و َحمَل األكثرون النهي على َنذْرِ
اللجّاجِ ،فإنه تعليق قُرْبَةٍ بفعلِ شيءٍ أو تركِه كإن دخلتُ الدَّار ،أو إن ملْ أخْرُج
ص َدقَةٌ بكذا .فيتخيّر من دخَلَها أو مل خيرُج بني ما الت َزمَه منها ،فلّلهِ عليَّ صومٌ أو َ
78
[فرع] :ما اند َرجَ حتتَ أصلٍ وكفارة ميني .وال يتعيّن امللتزِم ولو َحجّاً .وال
كُليّ.
(النذر :التِزامُ) مسلمٍ( ،مكلَّفٍ) رَشِيدٍ( :قُرْبَةٌ مل تَتعَيَّنَ) نفالً كانت أو فَ ْرضَ
كِفايَة كإِدامة وترٍ ،وعيادةِ مريضٍ ،وزيادة رجلٍ قرباً ،وتزوّج حيث سنّ خالفاً
جلمع وصوم أيامِ البيضِ ،واألثانني .فلو وَقعت يف أيّامِ التشريقِ أو احليضِ ،أو
النفاسِ ،أو املرضِ ،مل جيبِ القضاءُ وكصالةِ جنازَةٍ ،وجتهيزِ ميّت .ولو نذر صومٍ
يوم بعينِه ،مل َيصُمْ قبله ،فإن فعلَ أمثَ كتقدمي الصّالة على وقتها املعيَّن وال جيوزُ
صوْمَ يوم مخيسٍ تأخريُه عنه َكهِيَ بال ُع ْذرٍ ،فإن فعل صحّ ،وكان قضاءً .ولو نَذرَ َ
صوْماً: ومل يعيِّن ،كفاهُ أيّ مخيسٍ .ولو نَ َذرَ صالةً :فيجبُ ركعتان بقيامِ قادرٍ .أو َ
ص ْومُ أيامٍ فثالثةٍ .أو صدقةً ،فمتموِّل ،وجيبُ صَ ْرفُهُ حلُرِّ مِسكنيٍ ما مل فصومُ يومٍ أو َ
ُيعَيّن شخصاً أو أهَلَ بلدٍ وإال َتعَيَّن صَ ْرفُه له.
صدَقَةٍ زمانٌ عَيْنُه .وخ َرجَ باملسلمِ، وال يََتعَيَّنُ لِصومٍ وصالةٍ مكانٌ عَينُه ،وال ِل َ
املكلَّفِ :الكافِرُ والصيبُّ ،واجملنونُ فال يصح َن ْذرُهُم كََن ْذرِ السَّفيه ،وقيل يصُ ّح مِنَ
الكافِرِ .وبالقربةِ :املعصيةُ كصَومِ أيامِ التشريقِ وصَالةٍ ال سَببَ هلا يف وقتٍ مكروهٍ
فال ينعقدان .وكاملُعصِيَةِ :املكروهُ كالصالةِ عند القربِ .والنذرِ ألحدِ أَبوَيْهِ أو أوال ِدهِ
صدَ تقوِيَةً على العبادَةِ ،أو فقط .وكذا املباحَ :كللَّهِ عليّ أن آكُلَ أو أنامَ .وإن ق َ
النشاطَ هلا وال كفارَة يف املباحِ ،على األصحّ .وبِلمْ تتعَيّن :ما تعَيّن عليه من فعل
واجب عيين كمكتوبة وأداء ربع عشر مال جتارة وكترك حمرم وإمنا ينعقد النذر من
املكلف (بلفظ منجز) بأن يلتزم قربة به من غري تعليق بشأ وهذا نذر تربر (كلله على
كذا) من صالة أو صوم أو نسك أو صدقة أو قراء أو اعتكاف (أو عل ّي كذا) وإن مل
يقل هلل (أو نذرت كذا) وإن مل يذكر معها هلل على املعتمد الذي صرح به البغوي
وغريه من اضطراب طويل (أو) بلفظ (معلق) ويسمى نذر جمازاة وهو أن يلتزم قربة
يف مقابلة ما يرغب يف حصوله من حدوث نعمة أو اندفاع نقمة (كان شفاين اهلل أو
سلمين اهلل فعلى كذا) أو ألزمت نفسي أو واجب على كذا وخرج بلفظ النية فال
يصح مبجرد النية كسائر العقود إال باللفظ .وقيل يصحّ بالنية وحدها( ،فيلزِم) عليه
(ما التزمه حاالً يف منج ٍز وعندَ وجودِ صفةٍ يف معلّقٍ) .وظاه ُر كالمهِم أنه يلزمُه الفورُ
بأدائِهِ َع ِقبَ وجودِ املعلَّقِ عليه خالفاً لقضية كالم ابن عبد السالم وال ُيشْتَرَطُ قُبولُ
ط عدمُ ردِّه.سمَي النذ ِر وال القبضُ ،بل يشتر ُ املنذورِ له يف ِق ْ
ويصحُّ النذرُ مبا يف ذمة ا َملدِين ولو جمهوالً فيربأُ حاالً ،وإن مل يقبلْ خالفاً
للجَالل البلقيينّ ولو َنذَرَ لغريِ أحدِ أصْليْهِ أو فروعِهِ مِن َورَثَتِه مبالِهِ قبل مَ َرضِ موتِهِ
بيومٍ مُلِكهُ كلّه من غريِ مشارِك ،لِزوال مُلْكِه عنهُ ،وال جيوزُ لألصلِ الرجوع فيه.
ضتُ فهو نذرٌ قبل مَ َرضِي بيومٍ ،ولَهُ التصرّف قبل وينعقدُ معلَّقاً يف حنو :إذا مَ ِر ْ
حصولِ املعلَّق عليه .ويلغو قوله :مىت حصل يلَ األمرُ الفالين أجيء لك بكذا ما مل
يقترِنْ به لفظُ التزامٍ ،أو نذرٍ .وأفىت مجع فيمن أراد أن يتبايعا فاتفقا على أن ينذر كل
لآلخر مبتاعه ،ففعال ،صَحّ ،وإن زاد املبتدىء :إن نذرْتَ يل مبتاعِكَ .وكثرياً ما يفعل
ذلك فيما ال يصح بيعه ويصح نذره.
ويصح إبراءُ املنذورِ له النا ِذرَ عما يف ذِمته .قال القاضِي :وال يشترطُ معرِفةُ
الناذرِ ما نذرَ به كخمسِ ما خيرج له مع معشر ،وككل ولدٍ ،أو مثرةٍ خيرج من أمّيت
أو شجريت هذه .وذكر أيضاً أنه ال زكاة يف اخلمس املنذور .وقال غريه :حمله إن نذرَ
قبل االشتِدادِ ،ويصحّ النذرُ للجننيِ كالوصية له ،بل َأوْىل ،ال للميّت إال لِقربِ الشيخ
79
حمَلُ النذرُ له على الفالين ،وأرادَ به قربةً .ثُم :كإِسراجٌ يُنت َفعُ به ،أو اطَّردَ عرفٌ فُي ْ
ذلك.
ويقعُ لبعضِ العوامُ :جعلتُ هذا للنيبِّ فيصحّ كما حبث ألنه اشتهر يف عُرِفهِم
حلجْرَةِ النّبويّة .قال السَّبكي :واألقربُ عندي يف الكعبةِ للنَّذرِ ،وُيصْرَفُ ملصاحلِ ا ُ
حلجْرَ ِة الشريفة واملساجد الثالثة ،أنّ مَن خرجَ من مالِه عن شيءٍ هلا واقَتضَى وا ُ
العُرْفُ صَرفَهُ يف ِجهَةٍ من جِهاهتا :صُرِفَ إليْها واختُصَّت به .اه .قال شيخنا :فإن مل
َيقْتَضِ العُرْف شيئاً ،فالذي يتجه أنه يُرْ َجعُ يف تعينيِ املصرفِ رأي ناظرَها .قال:
وظاهرٌ أ ّن احلكمَ كذلكَ يف النذر ملسجدٍ غريها .انتهى.
وأفىت بعضهم يف ،إن قضى اللّهُ حاجَيت فعلي للكعبةِ كذا ،بأنّه يتعيّن ملصاحلها،
وال ُيصْرَف لفقراءِ احلَرمِ كما دلَّ عليهِ كالمُ املهذّب وص ّرحَ به مجع متأخرون .ولو
َن َذرَ شيئاً للكعبة ونوى صَرْفهُ ِلقُرْبَةٍ معيَّنة كاإلِسراجِ تعيَّن صرفه فيها ،إن احتيجَ
لذلك ،وإال بيع ،وصُرِفَ ملصاحلِها كما استظَهرهُ شيخنا .ولو نذرَ إسراجَ حنوِ مشعٍ
أو زيتٍ بسمجدٍ ،صح إن كان مثّ من ينتفع به ،ولو على ندور وإال فال .ولو نَ َذرَ
إهداءَ منقولٍ إىل مكّة ،لز َمهُ نقلُه ،والتصدُّقُ ِبعَيْنِهِ على فقراءِ احلرم ما مل يعيَّن قربةً
ب الكعبةِ فيص ِرفْهُ إليها.أخرى كتَطْيي ِ
وعلى الناذر مؤنة إيصال ا َهل ْديِ إىل احلرمِ فإن كان ُمعْسراً ،باعَ بعضَهُ لنقل
الباقي .فإِن َت َعسّرَ َنقْلُه كعقارٍ ،أو حجرِ رُحًى باعَهُ ،ولو بغريِ إذنِ حاكمٍ ،ونقَلَ
مثنَه ،وتصدَّقَ به على فقراءِ احلرم .وهل له إمساكُهُ بقيمِتهِ أو ال؟ وجهان.
ولو نذرَ الصالةَ يف أحدِ املساجدِ الثالثِة ،أجزأَ بعضُها عن بعضٍ كاالعتكاف
وال جيزىء ألفُ صالةٍ يف غريِ مسجدِ املدينةِ عن صالةٍ ن َذرَها فيه ،كعكسه كما ال
جيزىء قراءَةُ اإلِخالصِ عن ثُُلثِ القرآنِ املنذورِ .ومن نذر إتيانِ سائِرِ املساجدِ وصَالةِ
ع فيه ،صَلى حيثُ شاءَ ،ولو يف بيتِه. التطّو ِ
ولو نذر التصدق بدرهم مل يُجزِىء عنه جِنسٌ آخر .ولو نَذرَ التَّصدُّقَ مبالٍ
بعينِهِ ،زالَ عَن مُلكِهِ .فلو قال :عليَّ أن أتصدَّقَ بعشرين ديناراً وعَيْنها على فالنٍ ،أو
إنْ شُفيَ مريضِي فعلي ذلك :ملِكَها وإن مل ِيقَْبضْها وال قَبلَها ،بل وإن ردّ ،فلَهُ
التَّصرُّف فيها ،وينع ِقدُ َحوْلُ زَكاتِها من حِني النَّذرِ .وكذا إن مل ُيعَيِّنها ومل يُرَدُّها
املنذورُ له فتصريُ دَيْناً له عليه ويثِبتُ هلا أحكامُ الدّيون من زكاةٍ وغريِها .ولو تلَفَ
ضمَنْهُ ،إال أن قصَّرَ على ما استظهره شيخنا .ولو َن َذرَ أن يُعَمِّرَ مسجداً املُعيَّنَ مل ي ْ
معيناً أو يف موضعٍ معيّنٍ ،مل َيجُزْ لهُ أن ُيعَمِّرَ غريَهُ ب َدالً عنه ،وال يف موضعٍ آخرَ .كما
ق بدِرْ ِه ِم ِفضَّة مل جيز التَّصدُّق ب َدلَه بدينارٍ الختالف األغراض.
لو َن َذرَ التَّصدُّ َ
[تتمة] :اختلفَ مجعٌ من مشايخِ شيوخنا يف نذر مقتَ ِرضٍ ماالً معيناً ملقرضِهِ ما
دام دَيْنُهُ يف ذِمَّته فقال بعضهم ال يصح ،ألنه على هذا الوجه اخلاصّ غري قُرْبَةٍ ،بل
يُتَوصَّل به إىل رِبا َّالنسِيئَة .وقال بعضهم يصحّ ،ألنه يف مقابلة حدوثِ نعمةِ ربح
القَ ْرضِ إن اجتَرَ بِه ،أو فيه اندفاعُ ِن ْقمَةِ املطالَبَةِ إن احتاجَ لبقائِهِ يف ذمّتِهِ إلِعسارٍ أو
إنفاقٍ ،وألنه ُيسَنّ للمقتَ ِرضِ أن يَرُدّ زيادَة عما اقتَرَضَه فإذا التزمها بَِن ْذرٍ ان َعقَد،
ول ِزمَتْهُ ،فهو حينئذ مكافأةُ إحسانٍ ،ال َوصْلة للرّبا ،إذ هو ال يكون إال يف عَ ْقدٍ كبيعٍ،
ومِنْ مثّ لو شرَطَ عليهِ النذرَ يف عقدِ القَ ْرضِ ،كانَ رِباً .وقال شيخ مشاخينا العالمة
احملقق الطنبداوي ،فيما إذا نذر املديون للدائن منفعة األرض املرهونة مدة بقاء الدين
يف ذمته :والذي رَأيتُهُ ملتأخِّري أصحابِنا اليمنيني ما هو صريحٌ يف الصّحَّةِ ،وممن أفىت
بذلك شيخ اإلِسالم حممد بنُ حسني القمّاط والعالمة احلسني بن عبد الرمحن
األَ ْهدَل( .واهلل أعلم).
80
ُهوَ لغةً :مُقابلةُ شيءٍ بشيءْ .وَشَرعاً :مقابلةُ مالٍ مبالٍ .على وَج ٍه
خمصوص.وَاألصْلُ فيه قَبْلُ اإلِمجاعِ آياتٍ كقول ِه تعاىل{ :وأحَلَّ اهلل البيعَ} وأَخبار
سبِ أَطَْيبُ؟ فقالََ :عمَلُ الرَّجُلِ بيدهِ ،وكلُّ بيعٍ مربورٍ" َكخَرب" :سُئِلَ النيبُّ :أيُّ ال َك ْ
أيْ ال غشَّ فيه وال خيانَة.
(َيصِح) البيعُ (بإجياب) من البائِع ولو هزالً وهو ما دلّ على التَّمليكِ داللةً
ظاهرة( :كبِعتك) ذا بكذا ،أو هو لك بكذا( ،وملكتك) ،أو وَهَبْتُكَ (ذا بكذا)،
وكذا جعلته لكَ بكذا .إن نوى به البيع( .وقبولٌ) منَ املشتري ولو هزالً وهو ما
دلّ على التَّملك كذلك( :كاشْتريتُ) هذا بكذا( ،وقبلتُ) ،أو رَضيتُ ،أو أخذتُ،
أو متلَّ ْكتُ (هذا بكذا) .وذلك لتتم الصيغة ،الدالّ على اشتراطها قوله" :إنَّما البيعُ
عن تراضٍ" ،والرِّضا خفِي ،فاعْتُرب ما يدلُّ عليهِ منَ اللَّفظ ،فال ينعقد باملعاطاة ،لكن
اختريَ اإلِنْعقاد بكل ما يُتعَارف البَيعُ هبا فيه :كاخلبزِ ،واللحمِ ،دونَ حنو الدَّوابْ،
واألراضي .فعلى األوّل :املقبوضُ هبا كاملقبوضِ بالبَيعِ الفا ِسدِ ،أي يف أحكامِ الدنيا.
أما يف اآلخِرَة فال مطالَبَةَ بِها .وَيجْري خِالفُها يف سائرِ العُقود .وصورَتُها :أن يََّتفِقا
على َثمَ ٍن ومُثَمَّنٍ وإن مل يوجَد لفظُ من واحِد ولو قال مُتوَسِّط للباِئعِ :بِعتُ؟ فقال:
نعم ،أو إي ،وقال للمُشتري ،إِشْترَْيتُ؟ فقال :نعم .صح .ويصح أيضاً بنعم منهما،
جلواب قول املشْتري ِب ْعتُ ،والباِئعُ اشْتَرْيتُ .ولو قَرِنَ باإلِجيابِ أو القبولِ حرفُ
استقبالْ كأَبيعُكْ مل َيصِح .قال شيخنا :ويظهر أنه يُغتَفر منَ العامي حنو فتح تاء
املتكلم.
وشرط صحة اإلِجياب والقبول كوهنما (بال فصل) ِبسُكوتٍ طَويل يقعُ بينهما
خبالفِ اليَسريَ( ،و) ال (تَخلُّل لفظ) وإن قلّ (أجنيب) عن ال َعقْد بأن مل يكن من
مُقتضاه وال مِن مَصالِحه .وُيشْتَرط أيضاً أن يتوافقا مَعنًى ال لفظاً فلو قال بِعتُكَ
بألفٍ ،فَزادَ أو نَقصَ أو بألف حالّة فأجّل ،أو عكسه ،أو مؤجَّلة بشهرٍ ،فزاد ،مل
يصح ،للمخالفة( .و) بال (تعليق) فال َيصِحُّ معهُ كإِن مات أيب فقد بعتُك هذا( ،و)
ال (تأقيت) كَبِعتُكَ هَذا شَهراً.
(وَشرْطٌ يف عاِقدْ) بائعاً كانَ أن ُمشْترِياً (تَكْليفْ) فال َيصِح َع ْقدُ صَيب
ومَجنون ،وكذا مِن مُكْرَهٍ بغريِ حَقَ لِعدَم رِضاه (وإسْالمٍ لِتَملِكْ) رقيق (مسلم) ال
يعتقُ عليه وكذا ُيشْترَطُ أيضاً :إسالمٌ لتملك مُرْتَد على املعت َمدْ .لكن الذي يف
الروضة وأصلها :صحة بيع املرتدِّ للكافر( .و) لِتَملُّك شيءٍ من (مصحف) يعين ما
كِتبَ فيه قرآن ،ولو آيةً وإِنْ أُثِْبتَ ِل َغريِ الدِّراسة ،كما قاله شيخُنا .وُيشْترطُ أيضاً
عدم حِرابَةُ من َيشْتري آلةَ حَرْبٍ ،كسَيْفٍ ،و ُرمْحٍ ،ونَشَّاب ،وتِرْس ،و ِدرْع ،وخَيْل،
بِخالف غَري آلةِ احلَرْب ،ولو مما تتأتى منه ،كاحلَديدِ ،إذ ال يتعني جعله عِدَّة حرب،
ويصح بيعها للذمِّي ،أي يف دارِنا( ،و) شَرْط (يف َمعْقودٍ) عليه ،مُثمَّناً كان أو مثناً،
(مُلِّك له) أي للعاقد (عليه) فال َيصِحُّ بيعُ فضويلَ ،ويصح بيعُ مالِ غريهِ ظاهراً ،إِن
بانَ بعد البيعِ أنهُ له ،كأن باعَ مالَ مُوَرِّثهِ ظاناً حَياتَه فبانَ ميِّتاً حينئذٍ لتبني أنه ملكه.
وال أثر لظنَّ خطأ بأن صِحَّته ،ألن االعتبار يف العقود مبا يف نفس األمر ،ال مبا يف ظن
املكلفَّ.
[فائدة] :لوْ أَخذَ مِن غَريهِ بِطَريقٍ جائِز ما ظَنَّ حلَّهُ ،وهو حرامٌ باطناً ،فإِن كان
ظاهِرَ املأخوذِ منهُ اخلريَ مل يُطاَلبْ يف اآلخِرة ،وإال طولِبَ .قالهُ البَغوي .ولو اشترى
طَعامَه يف الذِّمة وقضى من حرامٍ ،فإِن َأقْبضَهُ لهُ البائِع برضاه قبل توفية الثمن حُلَّ له
81
أكْله ،أو َب ْعدَها مع عِلمهِ أنَّه حَرامٌ حلّ أيضاً ،وإال حَرُمَ إِىل أن يُبِرْئَه أو يوفيه من
حلٍ .قاله شيئخنا( .وطهره) أو إمكان طهّره بغسل ،فال َيصِحُّ بيعُ جنَس كخمر
وجلدِ ميتَة ،وإن أمكن َطهُرها بتخلل أو دِباغ وال متنجس ال ميكن طهره ،ولو دِهناً
تنجس ،بل يصح هبته( .ورؤيته) أي املعقود عليه إن كان معيناً .فال َيصِحُّ بيعُ ُمعَيَّنٍ
ملْ يَرهُ العاقِدانِ أو أحدمها :كَرهَْنهُ ،وإِجارَتَهُ ،للغُررِ املنهي عنه ،وإِن بالغَ يف وصفِه.
وتكفي الرُّؤيةُ قبلَ العَ ْقدِ فيما ال يغلبُ تَغيُّره إىل وقتِ العَقْد ،وتكفي رُؤيةُ بَعضِ
صربْة حنو بَرّ ،وأعلى املائِع ،ومثل أُمنوجٍ متساوي املبَيعِ إنْ دَلّ على باقيه ،كظاهِر َ
األَجْزاءِ كَاحلبوبِ أو ملْ يدلَّ على باقيهِ بل كان صواناً للباقي لِبقائِه ،كقِشْر رُمانٍ
وبَيْض ،وِقشْرة سُفلى لنحو َجوْز ،فيكْفي رُؤيتَهُ ،ألن صَالحَ باطِنَه يف إبقائِه ،وإن مل
يدلّ هو عليه ،وال يكفي رُؤيةُ ال ِقشْرَةِ العُليا إِذا انْع َقدَت السُّفلى .وُيشْتَرطُ أيضاً ُق ْدرَة
تسَليمِه ،فال يصحّ بيعَ آبِقٍ ،وضالَ ،ومغصوبٍ ،لغري قادرٍ على انتزاعه ،وكذا َسمَكُ
بِركَةٍ شُقَّ تَحصيله.
[مهمة] :من َتصَرُّفٍ يف مالِ غريِ ببيع أو غريه ظاناً تَعَدِّيه فبان أن له عليه واليةً،
كأنْ كان مال مورِثَه فبانَ موتَهُ ،أو مالُ أجنيب فبان إذنه له ،أو ظاناً ُف ِقدَ شرط فبانَ
ُمسْتَوفياً للشروط ،صح تَصرُّفه ،ألن العِبْرَة يف العقودَ مبا يف نفسِ األمْرِ ،ويف العِبادات
بذلك ،ومبا يف ظن املكلف .ومِن ثَمَّ لو توضَّأ ومل يَظُنَّ أنه مُطلِق :بَطُلَ طهُورَهُ ،وإِن
بانَ مطلقاً ،ألن املدَار فيها على ظَن املُكلَّف .ومشل قولنا ببيع أو غريه :التَّزويج،
واإلِبراء ،وغريمها .فلو أبرأ من حق ظاناً أنه ال حقَّ ل ُه فبانَ له حقٌّ ،صح على املعتمد
ولو تصرَّف يف إنكاح ،فإِن كان مع الشكّ يف والية نفسه فبان ولياً هلا حينئذٍ :صحّ
اعتباراً مبا يف نفس األمر.
(وشرط يف بيع) ربوي ،وهو حمصور يف شيئني( :مطعومٌ) كالبُرِّ ،والشعري،
والتمر ،والزبيب ،وامللح ،واألرز ،والذُّرة ،والفول( ،ونقد) أي ذهب وفضة ،ولو غري
مضروبني كحُليَ ،وتَبْر (جبنسه) كربّ بربّ ،وذهب بذهب (حلول) لِل ِع َوضَيْن
(وتقابُضَ قَبل َتفَرق) .ولو تقابضا البعض :صح فيه فقط( ،ومماثلة) بني العوضني
يقيناً :بِكَيْل يف مِكْيَل ،و َوزْنٍ يف مَوْزونٍ ،وذلك لقوله" :ال تبيعوا الذَّهبَ بالذَّ َهبِ،
وال ال َورِقَ بالوَرِقِ ،وال الربّ بِالبَرّ ،وال الشَّعريَ بالشْعري ،وال التمَّر بالتمرِ ،وال املِلحَ
باملِ ْلحِ ،إال سِواءً بسواءٍ ،عَيناً ِبعَيْن ،يداً بَِيدٍ ،فإِذا اخْتَلَفت هذه األصْنافُ فبيعوا كيف
شِئْتُم إذا كان يداً بيد" أي مقابضة .قال الرافعي :ومَن الزمَه احللُول أيْ غالباً
فَيبْطُلُ بيعَ الرِّبوي جبنسه جزافاً ،أو مع ظن مماثلة ،وإن خَرَجتا سواء (و) شَرُط يف بيع
أحدمها (بغري جنسه) واحتدا يف علة الربا كَبَرَ بشعري ،وذهب بفضَّة( .حلولٌ،
وََتقَابضٌ) قبل َتفَرُّقٍ ال مماثلة فَيبْطُل بَْيعُ الرَّبوَي ِبغَيْر جِنْسِه إِن مل يقبِضا يف ا َملجْلِس،
بل يَحرُم البيعُ يف الصورتني إن اختلَّ شرطٌ من الشروط .واتفقوا على أنه من الكبائر،
لورودِ اللَّعن آلكِلِ الرِّبا ،وموكِلِه ،وكاتِبِه .وعلم مبا تقَرر أنه لو بيعَ طعامٌ ِبغَريه
كنقدٍ ،أو ثوبٍ ،أو غري طعامِ بطعامٍ :مل ُيشْتَرطْ شَيءٌ م َن الثالثة.
(و) شرط (يف بيع موصوفٍ يف ذِمَّة) ويقالُ له السَّلم ،مع الشروط املذكورة
الذمَة ،يف َمجْلِسِ خَيارٍ وهو (قبل للبيع غري الرُّوءْية( .قَبَضَ رَأسْ مالٍ) مُعيَّن ،أو يف ِّ
تفرق) مِن َمجْلِس ال َعقْد ،ولو كان رأسُ املال مَْنفَعة .وإنَّما يتَصوَّرُ َتسْليمَ املَنفَعة
بِتَسليمِ العَيْن ،كدارٍ وحَيوانٍ ،و ِملسْلِم إِليه قَبضَهُ َورَدَّهُ ملسلمَ ،ولَو عن دينه( .وكون
مسلم فيه ديناً) يف الذمة :حاالًّ كان أو مؤجَّالً ،ألنه الذي وضَع لهُ َلفْظُ السَّلم
فأسَْل ْمتُ إليك ألفاً يف هذا العني ،أو هذا يف هذا :ليس سَلماً ،النتفاء الشرط ،وال
صفَتَهُ كذا هبذه الدراهم ،فقال بيعاً ،الختالل لفظه ولو قال إِشْتَرَْيتُ مِنْكَ َثوْباً ِ
82
بعتُكَ .كان بيعاً ،عند الشيخني ،نظراً للفظ .وقيل سلم نظراً للمعىن واختاره جَمْعٌ
مُحقِّقون( .و) كونُ املسلِم فيه (مقدوراً) على تسليمه (يف حمِله) بكسر احلاء :أي
و ْقتَ حُلولِه فال َيصِحُّ السَّلم يف منقَطعٍ عند احملِل :كالرَّطب يف الشتاء( ،و) كونِه
(معلومُ قَ ْدرٍ) بِكَيْلٍ يف مِكْيَلٍ ،أو وَزْنٍ يف مَوزونٍ ،أو ذِرع يف مَذروعٍ ،أو ِعدّ يف
َم ْعدُودٍ .وصحَّ يف حنو جَوزٍ ولوزٍ ،بوزنٍ وموزون بكيل ُي َعدّ فيه ضابطاً ،ومَكيلٍ
ِزةَ بوزن ،وال جيوز فيه بيضة وحنوها ،ألنه حيتاج إىل ذِكر جُرمِها مع وزهنا ،فيورِثُ ع َّ
الوُجودِ .ويشترط أيضاً بيانُ حملِّ تسليمٍ للمُسلم فيه إن أسلم مبحل ال يصلح للتسليم،
أو حلمله إليه مؤنة .ولو ظفر املسلم باملسلم إليه بعد احملل يف غري حمل التسليم ولنقله
إِىل حمل الظفر مؤنة ،مل يلزمه أداء ،وال يُطالِبه بقيمَتِه .ويصحُّ السَّلم حاالًّ ومؤجَّالً
بأجل معلومٍ ،ال جمهول ومطلقه حال ،ومطلق املسلم فيه جيد.
(وحرم ربا) مرَّ بيانُه قرَبياً ،وَ ُهوَ أنواعٌ :رِبا َفضْلٍ ،بأن يَزيد أحدَ ال ِعوَضَني ،ومِْنهُ
رِبا القُرْض :بأن يشترط فيه ما فيه َن ْفعٌ لل ُمقْرِض ،ورِبا يَد :بأن يفارق أحدمها جملس
العقد قبل التقابُض ،وربا نِساء :بأن َيشْترِط أجَلٌ يف أحد العِ َوضَيْن ،وكلَها مُج َمعٌ
عَليها ،مث ال ِعوَضان أن اتَّفقا جِنْساً :اشتَرط ثالثَة شُروط ،تقدمت ،أو علة :وهي
الطَّعم والنقدية ،اشترط شرطان ،تقدما .قال شيخنا ابن زياد :ال يندِفعُ إِثْمُ إِعطاءِ
حصُلُ لَهُ القَرْض .إذ له الرِّبا عندَ ا ِإلقْتِراضِ للضُّرورَة ،حبُيثَ أَنه إِن مل يعطِ الرِّبا ال َي ْ
طَريق إِىل إعطاءِ الزاِئدِ بِطَريقِ َّالن ْذرِ َأوْ التَّمْلِيكِ ،السيما إذا قُلنا النَّذر ال حيتاجُ إِىل
قبولٍ لفظاً على املعتمد .وقال شيخنا :يندفع اإلِمثُ للضَّرورةِ.
[فائدة] :وَطَريقُ اخلَالصِ مِنَ َعقْدِ الرِّبَا لِمنَ يَبيعُ ذَهباً ِبذَهَب ،أو فِضَّة ِبفِضَّة ،أو
بَ ّراً بربّ ،أو َأرُزاً بَأرُز متفاضِالً ،بأن يَهب كلٌ من البائِعني حقَّه لآلخرَ ،أو يُق ِرضَ كلٌّ
صاحبه مث ُيربِئَه ويتخلّص مِْنهُ بالقَرضِ يف بيعِ الفَضة بالذَّهب أو األرزَّ بالربِّ بال قبض
قبل تفرق( ،و) حَرم (تفريقٌ بني أَمة) وإن رَضَيتْ ،أو كانت كافِرَة( ،وفرع مل مييز)
سمَة وهَدية لغري مَن يُعتق عليه ولو من زِنا اململوكَيْنِ لواحِد (بنحو بيع) َكهِبَةٍ وِق ْ
خلرب" :مَن فَرَّقَ بني الواِلدَة َو َوَلدِها :فرق اهلل بينه وبني أحَبتهُ يوم القيامَة" وبطل العقد
(فيهما) أي الرِّبا والتفريق بني األَمة والولد ،وأحلق الغزايلّ يف فتاويه وأقرَّه غريه،
التفريقُ بالسفر بالتفريق بنحو البْيعِ وطَردَه يف التفريق بني الزوجة وولدها ،وإن كانت
حرة ،خبالف املطلقة واألب وإن عال ،واجلدّة وإن علت ولو من األب ،كاألُم إذا
عدمت .أما بعد التمييز فال حيرم ،إلِسِْتغْناءِ املمُيِّز عن احلضَانَة :كالتَّفريقِ ب َوصِيَّة وعِتْقٍ
ورَهْن وجيوزُ تَفريقَ ولدِ البَهيمَة إن استغىن عن أمِّه بلنب أو غريه ،لكن يُكْره يف
الرَّضيع :كَتفْرِيق اآلدمي املميز قبلَ البلوغِ عن ا ُألمّ ،فإن مل َيسْتغنِ عن اللنب ،حَرُم
وبَطُل ،إِال إِن كان لغرضِ الذّبح ،لكن بَحث السُّبكي حُ ْرمَةَ ذبح أمه مع بقائه( .و)
حَرَّم أيضاً( :بيعَ حنو عنب ممن) عُلم أو (ظُن أنه يتخذه مسكراً) للشُرب واألمْرَد ممن
سهُ،عُرفَ بالفُجور به ،والديك للمهَارِشة ،والكَبْش ،للمناطَحة ،واحلريرَ لرَجُل يَلِْب َ
وكذا بيع حنو ا ِملسْكِ لكافرٍ يشتري لِتَطييبِ الصَّنم ،واحليوان لكافر علم أنه يأكُله بال
ذَبحْ ،ألَن ا َألصَحَّ أَنَّ الكفَّارَ خماطَبونَ بفروع الشَّريعَة كا ُملسْلمِني عندنا ،خالفاً أليب
حنيفة رضي اهلل تعاىل عنه فال جيوز اإلِعانة عليهما ،وحنو ذلك من كل تصرف
يفضي إىل معصية يقيناً أو ظناً ،ومع ذلك يصح البيعُ .ويُكْرَه بَيعُ ما ذكرَ ممن تَوهَّم
منه ذلك ،وبيع السالحِ لنحو بُغاةٍ وقُطَّاعِ طريق ،ومعامَلةَ من بيده حالل وحرام
وإن غلب احلرام احلالل .نعم :إِن عُلم حترميَ ما عقَد بِه :حَ ُرمَ ،وبَطُل.
(و) حَ ُرمَ (احتكارَ قوتٍ) كتمر ،وزبيب ،وكل مُجزىءٍ يف الفِطرَة وهو إِمساكُ
ما اشْتراهُ يف وقتَ الغَالءِ ال الرُّخص ليبيعه بأكثرَ عند اشْتِدادِ حاجة أهلِ حملهِ أو
83
صدِ ذلك .ال لِي ُمسِكَه لَِنفْسِهِ أو عِيالِه أو لِيبَيعَهُ بِثَمَ ِن غريهم إِليه ،وإن مل َيشْتَرِهِ ِب َق ْ
مِثْلِه ،وَال إمْساكَ غِلّة أرضِه ،وَأْلحَقَ الغزايل بالقوت :كل ما يعني عليه ،كا َّللحْم،
تقررِ َرحَ القاضِي بالكَراهَةِ يف الثَّوب( .وسومٌ علي سومٍ) أي سومُ غريه (بعد ُّ وص َّ
َثمَنْ) بالتراضي به ،وإن َفحُشَ نقص الثمَّنِ عن القِيمَة ،للنهي عنه ،وهو أن يَزيدَ على
آخر يف َثمَنِ ما يُريدُ شراءَه أو يُخرجَ له َأرْخَص منه ،أو يَرْغَب املالكُ يف استردا ِدهُ
ليشَترَيه بأَغلى ،وحترميَه بعد البَْيعِ .وقبل لزومه لبقاء اخلِيَارِ أَ َشدّ (وََنجَشْ) للنهَّي عنه،
ولإلِيذاءِ :وهو أَن يَزيدَ يف الثَّمنِ ،ال لرغْبتِه ،بَلْ ِلَيخْدعَ غريهُ ،وإن كانَت الزِّيادة يف
مالٍ حمجورٍ عليه ،ولو عند نقص القيمة على األوجَه .وال خيار للمُشتري إن غَبُنَ
فيه ،وإن واطأ الباِئعُ الناجِشَ لتفرِيط املشتَري حيثُ مل يتأمَّل وَيسْأل ،ومدح السِّلعة،
لري َغبَ فيها بالكَذِب كالنَجش ،وشرط التحرمي فِي الكُل :عَلِم النَّهي ،حىت يف
النُّجشْ .ويصح البيع مع التحرمي يف هذه املواضع.
(فصل) :يف خياري اجمللس والشرط وخيار العيب يثبت خيار جملس يف كل بيع
حىت يف الرِّبوي ،والسلم .وكذا يف هِبَةٍ ذات ثواب على املعتمد .وخرج بفيء :كل
بيع غري البيع :كاإلِبراء ،واهلِبة بال ثَوابْ ،وشَرِكةٌ وقِراضْ ،ورَهنٌ وحِوالَة ،وكتابَة،
وإِجارَة ،ولو يف الذِّمة ،أو ُمقَدَّرة مبدة ،فال خَيارَ يف مجيع ذلك ،ألهنا ال تسمى بيعاً.
ط خيارُ من اختار لزومَه) أي البَْيعُ من بائِع و ُمشْترٍ :كأن يقوال اخترنا لزومَه، (و َس ُق َ
سقُط أو أجَزْناه ،فيسْقط خيارَمها ،أو من أحدمها :كأن يقول اخترت لزومه :في ْ
خِيارَهُ ،ويبقى خيارُ اآلخرِ ،ولو ُمشْتَرِياً (و) َسقَط خَيارُ (كل) منهما (بفرقة بدن)
منهما ،أو من أحدمها ،ولو ناسِياً ،أو جاهِالً ،عن جملس العقد (عرفاً) فما ي ُعدّهُ الناس
فِرقة :يل َزمُ به العقد ،وما ال :فال .فإِن كانا يف دارٍ صغريةٍ ،فالفِرقة بأن خيرج أحدمها
منها ،أو يف كَبريَة :فبأَن يَنَْتقِلَ أ َحدُهُما إىل بيتٍ من بيوتِها ،أو يف صحراءٍ أو سوقٍ :
فبأنْ يويل أ َحدُمها َظهْرَه وَيمْشي قليالً وإِن َس ِمعَ اخلطاب فيبْقى خَيارُ ا َملجْلسِ ما مل
س ُقطَ مبَوتِ يَتفرَّقا ،ولو طال مُكَثهُما يف مَحل ،وإِن بَلغَ سنِني أو متاشيا منازل .وال َي ْ
أ َحدَهُما :فينتقلُ اخليارُ للوارِثِ املتأَهِّل( ،وحَلف نايف فِرقَةِ أو فَسخَ قبلها) أي قبلَ
الفِرقَة :بأن جاءآ معاً وادَّعى أحدُمها فِرقَة وأنكرها اآلخرُ لِيفْسخَ أو اتفقا عليها
صدِّق النَّايف ،ملوافقته لألصل. وادَّعى أحدمها فسخاً قبلها وأنكر اآلخر :فُي َ
(و) جيوز (هلما) أي للعاقِديْن (شرط خيار) هلما أو أل َحدِمها يف كل بيع فيه خيارُ
جمَلسٍ إال فيما يُعتَق فيه املبيعَ ،فال جيوزَ شرطُه ملشترٍ للمُنافاة ،ويف رِبوَي وسَلَم :فال
جيوز شرط فيهما ألحد ،الشْتراطِه القَبْضَ فيهما يف اجمللس (ثالثة أيام فأقل) ،خبالفِ
ما لو أطلق أو أكثر من ثالثة أيام .فإِن زاد عليها :مل َيصِحَّ ال َع ْقدُ (من) حني (الشَّرط
للخَيار) ،سِواء أُشْرِطَ يف العقد أم يف جملسه وامللك يف املبيع مع توابعه يف مدة اخليار
ملن انفرد خبيارٍ من بائعٍ ومشترٍ ،مث إِنْ كانَ هلما :فموقوفٌ ،فإِن مت البيعُ :بان أنهُ
ملشترٍ من حني العَ ْقدِ ،وإِال فلبائِع.
سخٌ) لل َع ْقدِ يف مُدَّة اخلَيارِ (بنح ِو فَسخْت البَيْع) كاسْتَرْجَعتَ املَبِيعَ. (وحيصلُ َف ْ
(وإِجازَةٌ) فيها بنحو :أجَزَتَ البَْيعَ ،كأمْضيْتَهُ ،والتَّصرُفُ يف مُدَّة اخلَيارِ ِبوَطءٍ،
وإِعْتاقٍ ،وَبَْيعٍ ،وإِجارَةٍ ،وتَزويج ،من باِئعٍ :فُسخ ،ومن ُمشْتَرٍ :إِجازة للشِّراءِ (و)
يَثُْبتُ (ملشتَرٍ جاهل) مبا يأيت (خيارٌ) يف ردُّ املَبيع (ب) ظهورِ (عَْيبٍ قَدمي) مُْنقِصٍ
قيمَة يف املبيع ،وكذا للبائِع بظهور عيب قدمي يف الثمن .وآثروا ألول :ألن الغالب يف
الثمن االنضباط ،فقيل فيه ظهور العيب .والقدمي ما قارن العَقْد ،أو حدث قبل
القبض ،وقد بقي إىل ال َفسْخ ،ولو حدث بعضُ القَبْض فال خيار للمشتري ،وهو
(كاسِْتحَاضَة) ،ونكاحَ ألَمة( ،وسَ ِرقَة ،وإِباق ،وزِنا) من رَقيق ،أي بكل منها ،وإن مل
84
يتكرَر وتابَ ،ذكراً كانَ أو أنثى (وبوَّل بفراشٍ) إن اعتادَه وبلغَ سبعَ سنني وُبخُر
وصِنانٍ ُمسَْتحْكِميْن .ومنْ عيوبِ الرَّقيقِ :كوَنَهُ نَمَّاماً ،أو شَتَّاماً ،أو كذَّاباً ،أو آكِالً
صمَ ،أو أبلَه ،أو لِطنيٍ ،أو شارِباً لنحو َخمْرٍ ،أو تارِكاً للصَّالة ،ما مل يَتُب عَنْها ،أو أ َ
ُمصْطَكِ الرُّكبتيْن ،أو رُتَقاءُ ،أو حامِالً يف آ َدمِيَّة ،ال َبهِيَمَة ،أو ال تَحيضُ من بَلغت
عِشرينَ سنة ،أو أحَد ثَديْيها أكْبَر من اآلخَر( ،وجِماحٌ) حلَيَوان( ،وعض) ،ورُمح،
وكونَ الدارِ منزِلَ اجلُندِ .أو كونَ اجلِنِّ مسَّلطنيَ على ساكِنِها بالرَّجْم ،أو القِرَدِة مثالً
يرعونَ َزرْعَ األرْض( .و) يثْبت بِتغريرٍ فِعلي .و ُهوَ حَرام للتَّدليسِ والضَّ َررِ (كََتصْرية)
لهُ :وهِيَ أن يَتْرُكَ حَلبه مُدَّةً قبل بَْيعِه ليو ِهمَ املشْتَري كَثْرَة اللبَنِ وجتعيدِ َشعْرَ اجلارِية،
(ال) خَيارَ (ِبغُبْنٍ فاحِشٍ :كظَنِّ) ُمشْتَرٍ حنو (زُجاجة :جَوْهَرة) لَِت ْقصِريه بعَملهِ ِب َقضِيَّة
وَ ْهمِهِ ،من غري بَحْث( .واخليار) بالعَيْب ،ولو بتصرية (فوري) فَيَبْطُل بالتأخري بال
ُع ْذرٍ ،وُيعْتَرب ال َفوْرُ عادَة ،فال يَضرّ صَالة وأكْل دخَل َوقْتُهُماَ ،وقَضاءُ حاجَةٍ وال
سَالمَةُ على الباِئعِ ،بِخالفِ مُحادَثَتِه ،وَلوْ عَلَيْهِ لَيْالً :فله التَّأْخريِ حىت ُيصْبِحَ ،وُيعْ َذرَ
جهْلِه جَوازَ الردِّ بالعَْيبِ ،إن قَرُبَ عهدُهُ باإلِسْالم ،أو َنشَأ بَعيداً عن يف تأخريهِ ِب َ
جهْلِ فَورِيَتهِ إِن خَفي عليهِ ،مث إن كان الباِئعُ يف البَلدِ :رَدَّهُ ا ُملشْتري العُلماءِ ،وِب َ
بنفسه ،أو وَكليهِ على البائِع أو وَكيلِه ،ولو كانَ الباِئعُ غائِباً عن البَلد ،وال وَكيلَ لهُ
هبا :رَفعَ ا َألمْر إىل احلا ِكمِ وُجوباً ،وال يُوءَخَّرُ حلضورِهِ .فإِذا عَجز عَن اإلِنْهاءِ ،لنحو
مَرضٍ ،أشهَد على ال َفسْخِ ،فإِن َعجَزَ عن اإلِشْهادِ :لَم يَلزمْهُ تلفُّظ ،وعلى ا ُملشْتَرِي
تَركَ اسِتعْمال ،فلو اسْتَخدَم رَقيقاً ،ولو بقوله ا ْسقِين ،أو نا َولْين الثَّوب ،أو أغلِقْ
البَابَ ،فال ردّ قهراً ،وإن َي ْفعَل الرَّقيقُ ما ُأمِر به ،فإِن فعل شيئاً من ذلك بال طلب :مل
َيضُرّ.
[فرع] :لو باعَ حَيواناً أو غريه بِشرط بَراءَتهُ مِن العُيوبِ يف املَبيعِ أو أن ال يُردّ
هبا :صح العقد ،وبريءٌ من عيبٍ باطنٍ باحليوان موجودٌ حالَ العقْد مل َيعْلَمْهُ الباِئعُ،
ال عَن عَْيبٍ باطنٍ يف غري احليوان ،وال ظاهر فيه .ولو اخْتَلَفا يف قَدم العَيْب ،واحتملَ
صِدقَ كل :صدَق البائعُ بيمينه يف دعْواه حدوثِه ،ألن األصْلَ :لُزومَ العقْد .وقيلَ ألَن
األصْلَ َعدَم العَيْبِ يف يَده .ولو حَدث عَْيبٌ ال يُعرفُ القَدميُ بدونه كَ َكسْرِ بَيْضٍ،
وجوز ،وتقْوير بطيخٍ مدوّد ،ردّ وال أرَش عليه للحادِثِ ،ويُتَّبعَ يف الردِّ بالعَيْب:
الزيادة املتَّصلة ،كالسَّمن ،وتعلَم الصِّنَعة ،ولو بأجْرة ،ومحل قارن بيعاً ،ال املَن َفصِلة:
حلمَل احلادِث يف مُلْكِ ا ُملشْتَرِي ،فال تُتبَّع يف الرَدِّ ،بل هي كالولد ،والثَّمر ،وكذا ا َ
لل ُمشْتَري.
(فصل) :يف حكم املبيع قبل القبض (املَبيعَ قَبلَ قَْبضِهِ منْ ضَمانِ باِئعِ) مبعْىن
اْنفِساخِ البَْيعِ بتَلفِه أو إِتالفِ بائِع ،وثَبوتِ اخلَيارِ بتعيُّبه أو َتعْييبِ بائع ،أو أجنيب،
وبإِتالف أجْنَيب .فلو تَلفَ بآفةٍ ،أو أََتَلفَهُ البائِع :انفَسخَ البَيْع (وإِتالفَ ُمشْتَرٍ قَبَضَ)
صدَقة ،وإِجا َرةِ وإِن َج ِهلَ أنهُ للبَيْع (ويَبْطُل تَصرَّفُ) ولو َمعَ بائِع (بنحو بيع) َكهِبة ،و َ
َورَهْن ،وإقْرَاضٌ( :فيما مل َيقْبِضُ ،ال بنحو إِعْتاقٍ) وتَزويجٍَ ،و َوقْف :لَتَشوَّفِ الشَّارِع
إىل العتق ،ولعدم توقفه على القدرة بدليل صحة إعتاقِ اآلبِق ،ويكونُ به ا ُملشْتَري
قابضاً وال يكون قابضاً بالتزويج (وقبضٌ غري منقول) من أرضٍ ودارٍ و َشجَرٍ (بتخِليةٍ
ملشترٍ) بأن ميكِّنه منه البائِع معْ َتسْليمِهِ املفتاح وإِفراغِه من أمتعةِ غري املشتري (و)
قبضٌ (منقولٌ) من سفينة أو حيوان (بنقله) من حملِّهِ إىل حملَ آخَرَ مع تفريغِ السفينة،
حصُ ُل القَبْضُ أيضاً ِب َوضْع البائَع للمنقولِ بني يدي املشتري حبيث لو مدّ إليه َيدَهُ وَي ْ
لَنالَهُ .وإِن قال :ال أريدَهُ وشَرْطَ يف غائبٍ عن َمحَل العَقْدِ ،مع إِذَنِ البائِع يف القَبْضِ،
مضى زَمن ميكنُ فيهِ املِضيِّ إليه عادةً .وجيوزُ ملشتَرٍ اسْتِقاللٍ بقبضٍ للمبيع إن كان
85
الثمن مؤجالً ،أو سَُّلمَ احلال( .وجاز استِْبدَالٌ) يف غري رِبَوي بيع بِمثْلِهِ من جِنْسه
(عن مثن) َنقْد أو غريه :خلرب ابن عُمر رضي اهلل عنه" :كنتُ أبيعَ اإلِبِلَ بالدنانري،
وآخذَ مكانَها الدَّار ِهمَ ،وأبيعَ بالدَّرا ِهمِ ،وآ ُخذَ مكانَها الدَّنانريَ ،فأتَْيتُ رسولَ اهلل،
فسألتهُ عن ذلك ،فقال :ال بأس إذا َتفَ ْرقْتُما وليس بينكما شيء" (و) عن (دَيْن)
قرضٍ ،وأجْرَةٍ ،وصَداقٍ ،ال عن مسلم فيه ،لعدم استقْرارِهِ .ولو استَبدلَ موافقاً يف عَِّلةِ
الرِّبا ،ك ِدرْهمٍ عن دينار ،اشترط قبض البدل يف اجمللس ،حذراً من الربا ،ال إن
استُْبدِلَ ما ال يواِفقَهُ يف العِلة ،كطعام عن درهم ،وال يُْبدِلَ نوعٌ أسلم فيه ،أو مَبيعٌ يف
الذِّمةِ َع ْقدٌ بغري لفظِ السَلمِ بنوع آخر ،ولو من جنسه :كحنظة مسراء عن بيضاء ،ألن
املَبيعَ معَ تعيُّنِهِ ال جيوزُ بَْيعُه قبل قَْبضِه ،فمع كونِه يف الذِمَّةِ .أوىل .نعم ،جيوز إِبداله
بنوعِه األ ْجوَدَ ،وكذا األردأ بالتَّراضي.
(فصل) :يف بيع األصول والثِّمار (َيدْخُل يف بَيْع َأرْض) وهِبَتَها َو َوقْفها ،وال َوصِيَّة
هبا مُطلقاً ،ال يف رَهْنها واإلِقرار هبا (ما فيها) من بناءٍ وشجَرٍ رُ َطبٍ وثَمرهُ الذي مل
يظْهرْ عند البَيْع ،وأصول َبقْلٍ ُتجَزُّ مرَة بعد أخْرى ،كقِثاء ،وبَطيخ ،ال ما يُو ْءخَذُ
َد ْفعَةً ،كبَرَ وِفجْلٍ ألنه ليس للدَّوامِ والثَّباتِ ،فهو كاملنقوالتِ يف الدارِ( .و) يدخل
(يف) بيع (بستان) ،وقرية (أرض ،وشجر ،وبِناءٍ) فيهما ،ال مزارِعَ حوهلما ،ألهنا
ليسَت ِمنْهُما( .و) يف بيعٍ (دارٍ هذهِ الثالثَةُ) أي األرضُ اململوكَة للبائِع ُحبمْلتها ،حىت
ختُومُها إىل األرضِ الساِبعَة ،والشَّجر املغروس فيها ،وإن كَثُر ،والبناءَ فيها بأنواعِه،
ب منصوبَةٍ) وأغالقُها املثْبتَة ،ال األبوابُ املقْلوعَة ،والسُررُ واحلِجارَ َة املدفونَة بال (وأبوا ٍ
بِناء( ،ال يف) بيع (قَنَ) َذكَرٍ أو غَيْره (حَلَقة) بأذنه ،أو خاتَم ،أو نَعْلِ( ،و) كذا
(َثوْبٌ) عليه خالفاً للحاوي ،كاحملرر ،وإن كان ساتِرَ عورَتِه( .ويف) بيعِ ( َشجَرِ)
رَ ُطبٍ بال أرض عِنْد اإلِطْالقِ (عرق) ولو يابِساً إِن مل يُشْرَطْ قَطعَ الشَّجرِ ،بأن شرط
الشجَر الرَّ َطبِ .ويَلزمُ املشْتَري قَ ْلعَ اليابِسِ عِنْدَإبقاوه أو أطلق ،لوُجوب َبقَاءِ َّ
اإلِطالق ،للعادة ،فإِن شَرط قَطعَه أو قَلْعهُ :عمِلَ به ،أو إِبقاؤه :بَطُلَ البَْيعُ وال يُنَْتفَع
ا ُملشْتَري َمبغْرَسِها (وغُصنٍ رُطَب) ،ال يابِسَ ،والشَّجر رْ َطبٌ ،ألن العادة قَطْعَهُ ،وكذا
َورَق رُطَب ،ال وَرَقُ حِنَّاء على األوجه( ،ال) يدخل يف بيع الشجر (مَغرُسُه) ،فال
يتبعه يف بيعه ،ألن اسم الشجر ال يتناوله (و) ال مثر (ظهر) :كطلع خنل بتَشقُّق ،ومثر
حنو عنب :بربوز ،وجوز :بانْعِقادٍ ،فما ظهَرَ منه :للباِئعْ ،وما مل يَ ْظهَر :لل ُمشْتَري.
ولو شرط الثمر ألحدمها :فهو له ،عمالً بالشَّرْط :سِواءً أظهَرَ الثمَرَ أم ال( ،ويبقيان)
أي الثَّمر الظَاهِرَ والشَّجر عند اإلِطالق ،فَيسَْتحِقُّ الباِئعَ تَبقيَة الثَّمر إِىل أوان اجلِداد،
فيأخذه دفعة ،ال تدرجياً ،وللمُشتَري تَْبقِيةَ الشجر ما دام حَيّاً ،فإِن انقلع ،فلَهُ غر َسهُ
إِن نفع ال بد له (و) يدخُل (يف) بيع (دابة َحمَلها) ا َملمْلوكَ ملالِكهَا ،فإِن مل يكن
مملوكاً ملالكها ،مل َيصِحَّ البَْيعَ ،كبَْيعِها دونَ َحمْلِها ،وكذا عكسه.
(فصل) :يف اختالف املتعاقدين (ولو اختلف مُتعَاقِدان) ولو وَكيلَيْن ،أو وارِثَيْن
صفَةِ َعقْد) مُعا َوضَةً كَبيعٍ وسََلمٍ ،وقِراضٍ ،وإِجارَةٍ ،وصَداقٍ( ،و) احلال أنه قد (يف ِ
(صح) العقد باتِّفاقِهما ،أو ميني الباِئعِ( :كقدرِ ِع َوضٍ) من حنو مَبيْع ،أو َثمَن ،أو
صفَِتهِ ،أو أجَلٌ ،أو قدرهِ( ،وال بيِّنة ألحدمها) مبا ادَّعاه ،أو كان لكل جِنْسِه ،أو ِ
منهما بينة ،ولكنْ قد تعا َرضَتا بأن أُطلقتَا ،أو أطلقت إحدامها وأرِخَّت األخرى ،أو
أُرِّخَتا بتاريخ واحد ،وإال حُ ِكمَ ُمب َقدَمِّةِ التاريخ( .حلف كل) منهما مييناً واحدة،
جتمع نفياً لقول صاحبه ،وإثباتاً لقوله ،فيقول البائع مثالً :ما ِبعْت بكذا ،ولقد ِبعْت
بكذا .ويقول املشْتري :ما اشْتَرَْيتُ بكذا ،ولقد اشْتَريْت بكذا ،ألن كالًّ :من املدعي
واملدعى عليه .واألوجه :عدم ا ِإلكْتفاء مبا ِبعْت إال بكذا ،ألَن النفي فيه :صريح
86
واإلِثبات :مَفهوم( ،فإِن) رضي أحدمها بدون ما ادعاه ،أو َسمَح لِآلخر مبا ادَّعاه،
لَزَم ال َع ْقدَ ،وال رُجوع ،فإِنْ (َأصَرّا) على اإلِختالف( :فلكلٍ) منهما (أو) للحاكم
(فسخه) أي ال َعقْدِ ،وإن مل َيسْأالهُ ،قَطْعاً ،للنِّزاع .وال جتب ال َف ْورِيَّة هنا .مث بعد
ال َفسْخِ :يُرَدُّ املبَيعْ بزيادَتِه املتَّصِلَّة ،فإِن تَلَفَ ِحسّاً أو شَرْعاً ،كأَن َوَقفَهُ أو باعَهُ ،رُدَّ
مثله إن كان مِثْلياً ،أو قِيمَتَهُ إن كان مُتَقوَّماً .ويُرَدُّ على الباِئعَ قِيمَة آبقِ فَسْخِ العقد،
وهو آبقٌ مِن عند ا ُملشْتري ،والظاهِرُ اعتبارَها بي َومِ اهلَربِ( .ولو ادعى) أحدمها (بَيْعاً،
واآلخر رَهْناً ،أو هِبَةً) :كأن قال أحدمها ِبعْتَ َكهُ بَألْف ،فقال اآلخر :بل رَهَنْتَنِيه ،أو
وَهَبْتَنِيه ،فال تَخالف إذا مل يَتَّفقا على عقد واحد ،بل (حلف كل) منهما لآلخر
(نفياً) ،أي مييناً نافيةً لدعوى اآلخر ألن األصل :عدمه ،مث يُردّ مدعى البيع األلف،
ألنه مقرّ هبا ،ويُستَردُّ العَيْنِ بِزَواِئدِها املتصلة واملُْن َفصِلة( .و) إذا اختلف العاقِدان:
سدٍ من إِخْالل ركن أو شَرْط ،كأن ادعى فادعى أحدمها اشتمالَ ال َع ْقدِ على ُم ْف ِ
أحدمها رؤيته ،وأنكرها اآلخر( :حلَفَ مُدَّعي صحة) العقد غالباً ،تقدمياً للظَّاهِر من
حال املُكَّلف ،وهو اجْتنابَهُ للفاسد ،على أصل عدمها لتشوَّفِ الشارِعِ إىل إمضاءِ
العُقود ،وقد يُصَدَّق مدّعي الفساد ،كأن قال البائع :مل أكن بالغاً حني البيع ،وأنكر
املشتري ،واحتمل ما قاله البائع :صدَق بيمينه ،ألن األصل :عَدمَ البُلوغ .وإن اختلفا:
صدُق مُدَّعي اإلِنكار :ألنه الغالب. هل وقَع الصُّلح على اإلِنْكارِ أو االعتِرافْ؟ في ْ
ومن وُهب يف مرضه شيئاً ،فادعت ورثته غيبة عقله حال اهلِبَة :مل يقبلوا ،إال إن علم
له غيبة قبل اهلبة ،وادعوا اسِتمْرارهَا إليها .ويصدق منكر أصل حنو البيع.
[فروع] :لورَدَّ ا ُملشْتَري مَبيعاً معيناً معيباً .فأنكر البائِع أنه املبيع .فيصدّق بيمينه،
ألن األصل مضيّ العقد على السالمة .ولو أتى املشتري مبا فيه فأرة ،وقال قَبضْتهُ
كذلك ،فأنكرَ املقْبض صدَق بيمينه .ولو أفرغه يف ظرف املشتري ،فظهرت فيه فأرة،
ص ْدقُه ،ألنه مدَّع صدَقَ البائع بيمينه إن أمكن ِ فادَّعى كلٌّ أهنا من عند اآلخرَ :
لِلصِّحة ،وألن األصل يف كل حادث :تقديره بِأقرب زَمن .واألصل بَراءَةُ البائع .وإن
دَفع لِدائنِه دَيْنَهُ فردّهُ ِبعَْيبٍ ،فقال الداِفعُ ليس هو الذي دفعتهُ :صدّق الدائنَ ألن
الذمِة .ويصدّق غاصب ردّ عيناً ،وقال هي املغصوبَة ،وكذا وديع. األصل :بقا ُء ِّ
(فصل) :يف القرض والرهن (اإلِقراض) وهو َتمْليكُ شيءٍ عَلى أَنْ يُرَدَّ مِثَلهُ
(سُنَّة) ،ألن فيه إعانة على َكشْفِ كُرْبة فهو من السُّنَنِ األَكيدَة ،لألحاديثِ الشَّهريَة
كخَربِ ُمسْلم "مَنْ َنفَس على أخيه كُرْبَة من كُرَبِ الدنيا ،نفسَّ اهلل عنه كُرْبةً من
كُرب يوم القيامة .واهلل يف عونِ العَْبدِ ،ما دام العَْبدُ يف عونِ أخيه" وصح خرب "من
أقرض اهلل مرّتني :كان له مثل أجر أحدمها لو تصدق به" والصَّدقة أفضل منه ،خالفاً
لَب ْعضِهم .وحملُّ نَدبه :إن مل يَكُنْ املقتَرِض ُمضْطراً ،وإال وَ َجبَ .وَيحْرَم ا ِإلقْتراض
على غري مضطر مل يُرجَ الوفاء من جهة ظاهرة فوراً يف احلال ،وعند احللول يف
املؤجَّل ،كاإلِقراض عند العلم ،أو الظن من آخذِهِ َّأنهُ يُنفِقه يف َم ْعصِيَة .وحيصل
(بإِجياب :كأقْرَضتُك) هذا ،أو ملَّكْتَكَه على أن تَرُدَّ مِثله ،أو ُخذْهُ ورُدَّ َب َدلَهُ ،أو
إصْرِفه يف حوائِجكَ ورُدَّ بدَلهَ ،فإِنَّ ُحذِفَ ورُدَّ بدلَهُ :فكناية .وخذه فقط :لغو ،إال
إِن سبقه أقرضين هذا ،فيكون قرضاً ،أو أعطين ،فيكون هبة .ولو اقتصر على
ملَّكْتَكهُ ،ومل ينوِ البدلَ :فهِبَة ،وإال فكناية .ولو اختلفا يف نية البدَلِ :صدَق الدافع،
ألنه أعْرَفَ بقصده .أو يف ذكر البدل :صدَّق اآلخِذ يف عدم الذكر ،ألنه األصل.
والصِّيغة ظاهرة فيما ادعاه .ولو قال ملضطر أ ْطعَمتُكَ ِب َع َوضْ ،فأنكر ،صدَق املُ ْطعِم،
حَمالً للناسِ على هذهِ املَكْرمة ولو قال وَهَبْتُك بِع َوضْ ،فقال جماناً :صَدق املُتَّهب.
ولو قال اشتر يل بدرمهك خبز ،فاشتُريَ له :كان الدِّرهمُ قَرْضاً ،ال هِبَةً ،على
87
ضهُ .نعم :القرضُ احلُكْمي املعتَمدَ( ،وقبول) متصل به :كََأقْ َرضْتُه ،وقَبِ ْلتُ قَ ْر َ
سوَة العاري ،ال يفتقرَ إىل إِجياب كاإلِنْفاق على اللَّقيط املُحتاجُ ،وإِطْعامَ اجلائِع ،و ِك ْ
وقبول .ومنه أمرُ غريه بإِعطاءِ مالهُ غَ َرضٌ فيه :كإِعطاءِ شاعِر ،أو ظاملٍ ،أو إطعامُ
فقريٍ ،أو فِداءَ أسريٍ وعمر داري .وقال َج ْمعٌ :ال ُيشْتَرَطُ يف القَرض :اإلِجيابَ
والقُبول واختاره األذرعي .وقال قياسَ جواز املُعاطاة يف البَيْع :جَوازَها هنا ،وإمنا
جيوز القرض من أهل تَبَرُّع :فيما يسلم فيه من حيوان وغريه ولو نقداً مغشوشاً .نعم.
جيوزُ قَ ْرضُ اخلُبْزِ ،والعَجنيِ ،واخلَمريِ احلامِض ،ال الروبة ،على األوجه ،وهي َخمِريةُ
لنب حامِض ،تُلقى على اللنب لريوب ،الختالفِ محوضَتِها امل ْقصُودَة .ولو قال أقْرضْين
عشرة ،فقال خذها من فالن ،فإِن كانت له حتت يده :جاز ،وإال فهوَ وكيلٌ يف
قَبضِها ،فال بدّ من جتديد قرضِها .وُيمْتنعُ على َولِيّ قرضِ مال موليَه بال ضرورة.
نعم :جيوز للقاضي إِقراضَ مالِ ا َملحْجورِ عليه بال ضرورة ،لكثرة أشْغالِه :إن كان
ا ُملقْتَ ِرضُ أميناً موسِراً( ،وملك مقترض بقبض) بإِذن مقرض ،وإن مل يتصرّف فيه،
كاملوهوب .قال شيخنا :واألوْجه يف النقوط املعتاد يف األفراح أنه هِبَة ،ال قرض ،وإن
اعتيد رد مثله .ولو أنفَقَ على أخِيهِ الرَّشِيدَ وعيالَهُ سِنني وهو ساكتْ :ال يرجع به،
على األوجه( ،و) جاز (ملقْرِض اسْتردادَ) حيث بقي ذلك املقَتَرض ،وإن زال عن
ملكه مث عاد على األوجه ،خبالف ما لو تعلق به حق الزم ،كرهن ،وكتابِة ،فال
يرجع فيه حينئذٍ .نعم :لو آجره رجع فيه ،وجيب على املقترض رَدُّ املِثْل يف املثلى،
وهو النقد واحلُبوب ،ولو نقداً أبطَلَه السلطان ،ألنه أقرب إىل حقه ،وردُّ املِثْل صورة
يف املتقوِّم ،وهو احليوان ،والثياب واجلواهر ،وال جيب قبول الرديء عن اجليد ،وال
قبول املثل يف غري حملّ ا ِإلقْراضِ إِن كان لهُ غرضٌ صحيح ،كأن كان لنقله مُوءْنة ،ومل
يتحمَّلها املقترض ،أو كان املوضع خموَّفاً .وال يُلزم املُقترِض الدَّفعَ يف غري حمل
اإلِقراض إال إذا مل يكن حلملة مؤنة أو له مؤنةً وحتمَّلها ا ُملقْرِض ،لكن له مطالبة يف
غري حمل اإلِقراض بقيمة مبحل اإلِقراض وقت املطالبة فيما لنقله مؤنة ومل يتحلمها
املقرِض جلوزا اإلِعتياض عنه( .و) جاز ملقْرِض (نفع) يصل له من ُمقْترِض ،كرد
الزائد قدراً أو صفة ،واألجود يف الرديء (بال شرط) يف العقد ،بل يسن ذلك
ملقترض ،لقوله" :إن خياركم :أحسنكم قضاء" وال يكره للمقرض أخذه ،كقبول
هديته ،ولو يف الربوي .واألوجه أن املقرض ميلك الزائد من غري لفظ ،ألنه وقع تبعاً،
وأيضاً فهو يشبه اهلدية ،وأن املقترض إذا دفع أكثر مما عليه ،وادعى أنه إمنا دفع ذلك
ظناً أنه الذي عليه :حلف ،ورجع فيه .وأما القرض بشرط جرّ نفع ملقرض ففاسد،
خلرب "كل قرض جرّ منفعة ،فهو ربا" وجرب ضعفه :جميء معناه عن مجع من الصحابة.
ومنه القرض ملن يستأجِر مُلكه ،أي مثالً بأكثر من قيمته ألجل القرض .إن َوَقعَ ذلِك
شَرْطاً ،إذْ ُهوَ حِينئذٍ حَرامٌ إِجْماعاً ،وإِال كَرُهَ عندنا ،وحرام عند كثري من العلماء،
قاله السَّبكي ،وجيوزُ ا ِإلقْراضَ بشرطِ الرهنِ أو الكفيل.
ولو قال أقرض هذا مائة وأنا هلا ضامِنٌ ،فأقْ َرضَهُ املائة أو بعضها كان ضامناً ،على
األوجه ،للحاجة :كألقِ متاعك يف البحر وعليّ ضماهنم وقال البغوي :لو ادَّعى
املالِكُ القَ ْرضَ ،واآلخذ الوديعة :صدقَ اآلخذ ألن األصل :عدم الضَّمان ،خالفاً
لألنوار.
(ويصح رهن) وهو جعل عني جيوز بيعها وثيقة بدين يُستوىف منها عند تعذر
وفائه ،فال َيصِحُّ رَهْنَ َوقْفٍ وأمّ ولد (بإِجياب وقبول) كرهنت ،وأرهتنُت ويشترط ما
مرّ يف البيع ،من اتصال اللفْظني ،وتوافقهما معىن ،ويأيت هنا خِالفَ املُعاطاةِ (من أهل
تربع) ،فال يُرْهَنُ ويلٌّ أباً كان ،أو جداً ،أو وصياً ،أو حاكماً مال صيب وجمنون،
88
كما ال يُرتَهن هلما إال لضرورة ،أو غطبة ظاهرة ،فيجوز له الرهن واالرهتان كأن
يرهن على ما يقترض حلاجة املؤنة ليويف مما ينتظر من الغلة أو حلول الدين ،وكأنَ
يَرَْتهِنَ على ما ُيقْ ِرضَهُ أو يَبيعَه مؤجالً لضرورة هنب أو حنوه ،للزوم ا ِإلرْهتان حينئذٍ
(ولو) كان العني املرْهونة جزءاً مشاعاً ،أو (عارية) ،وإن مل يصرِّح بلفظها ،كأن قال
له مالكها :ارْهَنْها بدينك حلصول التوثُّق هبا .ويصح إعارة النقد لذلك ،على األوجه،
وإن منعنا إعارته لغري ذلك ،فيصح رهن معارٍ بإِذن مالك بشرط معرفته املرتَهن،
وجنس الدين وقدره .نعم،د يف اجلواهر لو قال له ارهن عبدي مبا شئت :صحَّ أن
يرهنه بأكثر من قيمته .ولو عُيِّن قدراً فَرُهِنَ بدونهِ :جاز ،وال رُجوعَ للمالِك بَعدَ
قَبْضِ املُرَتهَن العارِية ،فلو تلف يف يد الراهن ،ضمن ألنه مستعري اآلن ،اتفاقاً ،أو يف
س ُقطُ احلَقُّ عن ذِمة الراهِن. يد املرهتن :فال ضمانَ عليهْما ،إذ املُرَْتهَن أمني ،ومل َي ْ
ضمِنَ بالتسَّليم ،على ما قاله غري واحد ،ويباعُ املعارَ مبراجعةِ نعم :إن رُهِنَ فاسداًُ :
مالِكِه عند حلول الدين ،مث يُرجع املالكُ على الراهن بثمنه الذي بيعَ به (ال) يصحُّ
(بشرطٍ ما يضرُّ) الراهن ،أو املرَتهَنْ( :كأن ال يُباعَ) أي املرهونَ ،عند احملل ،أي
وقتَ حلولِ الدين ،أو إال بأكثر من مثن املِثْل( ،وكشَرْطِ مَْن َفعَتِه) أي املرهون
(ملُرَْتهَنْ) كأن يُشرطا أن الزوائد احلادثة كثمر الشجر (مرهونة) فَيَبْطُل الرَّهْنَ يف
الصُّورِ الثالثِ( ،وال يَلزم) الرَّهْنَ كاهلِبَة (إال ِبقَبْضٍ) مبا مرّ يف قَبْضِ املَبيع (بإِذنٍ) من
راهِن َيصِح تَبَرُّعه ،وحيصل الرجوع عن الرهْنِ قَبْلَ قَْبضِه بتصرُّف يُزيلَ املُلكَ كاهلِبَة
والرهن آلخر ،وال ِبوَطء ،وتزويج ،وموت عاقد ،وهربَ مرهون( .والَيدَ) يف املرهونِ
(ملرهتنٍ) بعد لزوم الرهن غالباً (وهي) على الرَّهن (أمانَة) أي يدَ َأمَانة ،ولو بعد
ضمَنَهُ املرهتِن إلِ بالتَّعدِّي :كأن امتنع من الرَّد بعد سقوطِ الدَّينِ البَرَاءَة من الدَّيْن ،فال َي ْ
(وصدق) أي املرهتِن (كاملستأجر يف) دعوى (تلف) بيمينه (ال يف ردّ) ألهنما قبضا
لغرض أنفسهما ،فكانا كاملستعري ،خبالف الوَديعِ ،والوَكيل ،وال يَسقُط بتلفه شيء
من الدين .ولو غفل عن حنو كتاب ،فأكلته األرضة ،أو جعله يف حمل هو مظنتها،
ضِمنَهُ لتفريطه.
[قاعدة] :وحكم فساد العقود إذا صدر من رشيد ،حكم صحيحها يف الضمان
وعدمه ،ألن صَحيحَ ال َعقْد إذا اقْتَضى الضَّمان َب ْعدَ القَبْضِ كالبَْيعِ والقَرْض ففاسِ َدهُ
أوْىل ،أو َعدَمه كاملَرْهون ،وا ُملسْتَأجر واملوهوب ،ففا ِسدَ ُه كذلك.
[فرع] :لو رهن شيئاً وجعله مبيعاً من املرهتنِ بعد شهر ،أو عارية له بعده ،بأن
شرطا يف عقد الرَّهن مث قََبضَهُ املرتَهن :مل َيضْمنهُ قبل مضي الشهر ،وإن علم فَسادَه
ضمِنهُ بعدَهُ ألنه يصريُ بيعاً ،أو عارِية فاسدين لتعليقهما بانقضاء على املعتمد و َ
سدَ البَيْع ،ال الشهر .فإِن قال رَهَنتُك ،فإِن مل أقْض عند احلُلولِ فهو مَبيعٌ مِنْكَ :ف َ
الرهن ،على األوجه ،ألنه مل يشترط فيه شيئاً( .وله) أي للمرهتن (طلب بيعه) أي
املرهون ،أو طلب قَضاءْ دَينِه إن مل يَِبعْ .وال يُلزَم الراهِنَ البيع خبصوصه ،بل إمنا
يَطْلُب املرَتهَن أحَد ا َألمْرَين (إن حَلَّ دَيْن) ،وإمنا يَبيعُ الراهِن بإِذن املرهتنَ عند احلاجة،
ألن له فيه حقاً ويقدَّم املرهتَنَ بثمنه على سائر الغُرَماء .فإِن أىب املرهتِن اإلِذن .قال له
احلاكم ائذَنَ يف بيعه ،أو أَبْرِئهُ من الديْن( .وُيجْبِر راهِن) أي جيربه احلاكِم على أحد
األمرين إذا امْتََنعَ باحلَبْس ،وغريه( ،فإِن أصَرَّ) على االمتناعِ ،أو كان غائِباً وليسَ له
ما يوىف منه غري الرَّهْن( .باعَهُ) عَلَيه (قاضٍ) بعدَ ثُبوتِ الدَّين ،ومَلَكَ الراهِنَ والرَّهْنَ،
و َكوْنه َمبحَل واليتِه وقَضى الدَّين من مثنه ،دفعاً لضرر املرهتن ،وجيوز للمرهتن بَيعهُ يف
دَيْن حالَ بإِذن الراهن و َحضْرتِه ،خبالفه يف غيبته .نعم ،إِن قُدِّر له الثمن :صحَّ مطلقاً،
النتفاء التُّهمة ولو شرطاً أن يبيعه ثالث عند احملل :جاز بيعه بثمن مثل حالّ :وال
89
َيشْتَرِط مراجعة الراهِن يف البَيْع ،ألن األصل بقاء إِذنَه ،بل املرَتهِن ،ألنه قد ميهل ،أو
يربىء (وعلى مالِكَه) من راهِن ،أو مُعريٍ له( :مؤنة) للمَرْهونِ كَنفَقَةِ رَقيقٍ،
سوَته ،وعَلَفَ دابة ،وأجْ َرةَ ردِّ آبِقٍ ،ومكا َن ِح ْفظٍ ،وإعادَةِ ما ُيهَدَّم إِجْماعاً، و ِك ْ
خالفاً ملا شذّ به احلسَنُ .فإِن غابَ أو أ ْعسَر .را َجعَ املُرْهتْنُ احلا ِكمَ ،وله اإلِنفاق بإِذنه
ُجعَ ،وإال ليكون رَهناً بالنفقة أيضاً .فإِن تعذر استئذانه ،وأ ْشهَد باإلِنْفاقِ ليُرجَع ،ر ِّ
فال( ،وليس له) أي للمالِك بعد لزومِ الرَّهْن :بَْيعٌَ ،و َوقْفٌ ،و (رَهْنٌ آلخَر) ،لئال
يُزَا ِحمُ املُرَتهَن ( َووْطءُ) للمِرهونَة بال إذنه ،وإِن مل َتحْبل ،حسماً للباب ،خبالف سائر
التمتعات ،فتحل ،إن أمِن الوطء( ،وتزويج) األمة مرهونة ،لنقصه القيمة( ،ال) إن
كان التزويج (منه) :أي املرهتن ،أو بإِذنه ،فال ميتنع على الراهن ،وكذا ال جتوزُ
اإلِجارة ِلغَيْر املرْهتِن بال إذن إن جا َوزَت مدّهتا احملل .وجيوزُ له اإلِنتفاعَ بالرُّكوب
والسُّكىن ،ال بالبناءِ والغَرْس .نعم ،لو كان الدَين مؤجَّالً وقالَ :أنا أقلعُ عندَ األَجَل،
فله ذلك .وأما وَطْءُ املُرَْتهِنَ اجلارِيَة املرهونَة ،ولو بإِذن املالك ،فزَنا ،حيث علم
بالتحْرِميْ ،وما نسب إِىل التَّحرمي ،فعليه احلدّ ،ويلزمَهُ ا َملهْر ،ما مل تطاوِ ْعهُ ،عالِمةً َّ
عطاءٍ ،من جتويزه الوَطْءَ بإِذن املالك ،ضعيفٌ جداً ،بل قيل إِنه مَكذوبْ عليه.
(وسُئِلَ) القاضي الطَّيِّب الناشري عن احلكمِ فيما اعتاده النِّساءُ من ارْهتانِ احلِلى
معَ اإلِذْن يف لبْسها (فأجاب) ال ضمانَ على املرَتهِنة مع اللَّبس ،ألن ذلك يف حكم
إجارَةٍ فا ِسدَة معلِّالً ذلك :بأن املقرِضة ،ال ُتقْ ِرضُ ماهلا إال ألجل اإلِرهتان واللِّبس،
فجعل ذلك عوضاً فاسداً يف مقابلة اللِّبْس( .ولو اختلفا) أي الراهِن ،واملرهتِن (يف
أصل رهْن) ،كأن قال رَهَنتين كذا ،فأنكر اآلخر( ،أو) يف (قدره) :أي املرهون
كرهنتين األرض مع شجرها ،فقال :بل وحدها ،أو قدر املرهون به :كبألفني ،فقال
بل بألف( :صدق راهِن) بيمينه .وإن كان املرهون بيد املرهتِن ألن األصل عدم ما
يدعيه املرهتِن .ولو ادعى مرهتن هو بيده أنه قبضه باإلِذن ،وأنكره الراهن ،وقال بل
حدِه بيمينه. َغصَبْتَه ،أو أعَرْتَكُه ،أو آجَرْتَكُه :صدَق يف َج َ
[فرع] :من عليه ألفان بأحدمها رَهْن أو كَفيلٍ ،فأَدَّي ألفاً وقال أديته عن ألف
الرهن :صدق بيمينه ،ألن املؤدّي أعرف بقصده وكيفيته .ومن مث لو أدى لدائنه شيئاً
وقصد أنه عن دينه وَقعَ عنه ،وإن ظَنَّه الدائنَ هَديَّة ،كذا قالوه ،مث إِن مل ينوِ الدافِع،
شيئاً حالة الدَّفع :جَعله عما شاء مِْنهُما ،ألنَ التعينيَ إِليه.
حجَر عليه ،بِطَلَبه [تتمة] :املفْلِس من عليه دَيْن آلدامي حالّ زائد على مالهُ :ي ْ
حلجْرَ على نفسه ،أو طَلَب غُرماَئهُ وباحلجرِ :يتعلق حقُّ الغُرماء مباله ،فال يصح اَ
تصرفه فيه مبا يضرُّهم .كوقْفٍ ،وهِبة ،وال بيعَهُ ،ولو لغُرَمائِهِ ِبدَيْنهِم ،بغريِ إِذنِ
حلجَرِ .ويبادرُ قاضٍ يبيع القاضي .ويصحُّ إقراره بعني أو دين أسْند وجوبُه لِما قبْل ا َ
سمَ َثمَنَهُ بني غُرمائِه كبيعِ مالِ مالَه ،ولو مسَكَنه ،وخا ِدمَهَ ،حبضْرتِهِ مع غُرَمائِهِ ،وَق َ
ممتنع عن أداءِ حقَ وَ َجبَ عليه أداوه .ولقاضٍ إِكراهُ مُمتََنعٍ من األداءِ باحلَبْسِ وغَيْره
مِن أنواع التَّعزيرِ .وَيحْبِسْ مَدينٌ مَكلَّف ُع ِهدَ َلهُ املالَ ال أصْل وإن عال من جهة أب
أو أمّ بدين فرعه ،خالفاً للحاوي ،كالغزايل ،وإذا ثبت إعسار مَدين :مل َيجُزْ حَبْسهُ،
وال مال َزمَتَهُ بل يُمَهَّلْ حىت يوسِر .وللدائن مالزمةَ من مل يثُْبتْ إِعْسارَه ،ما مل خيتر
املدين احلبس ،فيجابُ إليه ،وأجْرَةَ احلَبْس ،وكذا املالزَم على املَدين .وللحا ِكمِ مَنْع
احملبوس :اإلِستئناسُ باحملادثة ،وحضور اجلُمعة ،و َعمَلُ الصِّْنعَة إن رأى املَصْلَحة فيه
وال جيوزُ للدائنِ جتويعَ املَدينَ مبنْع الطعام كما أفىت به شيخنا الزمزمي ،رمحه اهلل
تعاىل وجيوز لغرمي املفلِس احملجورِ عليه أو امليِّت :الرجوعَ فوراً إىل مَتَاعه ،إن وُ ِجدَ
يف مُلْكه ومل يتعلق به حقٌ الزم ،والعَوَض حال ،وإن تفرَّخ البيض املبيَع ،وَنَبَث البِذر
90
واشتدَّ حبّ الزرْع ،ألهنا حدثت من عني ماله .وحيصلُ الرجوعُ من البائِع ،ولو بال
قاض ،بنح ٍو فُسِخَت ،ورُجِّعت يف املَبيعِ ال بنحو بَْيعٍ وعِتقٍ فيه.
(فصل) :حيجر جبنون إىل إفاقةٍ وصِبا إىل بلوغْ بكمال مخس عشرة سنة قمرية،
حتديداً ،بشهادةِ َع ْدلَني خبريين أو خروج مينَ ،أو حَيْضٍ ،وإمكاَنهُما كمالَ تسعَ
سننيَ .ويَصدُق مدَّعي بلوغ :بإِمناءٍ ،أو حيضٍ ،ولو يف خصومَةٍ ،بال ميني .إذ ال
يعرف إال منه .ونبْت العانةِ اخلشَنة ،حبيثُ حتتاجُ إىل احللقِ يف حق كافر :ذكر أو
أنثى ،أمارةً على بلوغِه بالسِّن أو اإلِحْتالمَ .ومِْثلَهُ :وَلدُ مَنْ ُجهِلَ إِسالمه ،ال من عدم
من يعرف سنه :على األوجه ،وقيل يكون عالمة يف حق املسلم أيضاً .وأحلقوا،
بالعانة :الشَّعرَ اخلَشنَ يف اإلِبط ،وإذا بََلغَ الصَّيب رشيداً :أعطى ماله والرُّشد :صالحُ
الدِّينِ ،واملال ،بأن ال يفعل حمرّماً يبطل عدالة :من ارتكابِ كبريةٍ أو إصرارٌ على
صغريَةٍ مع عدمِ غلبةِ طاعاتهِ معاصِيه ،وبأنَّ ال يبذرَّ بتضَيْيعِ املالِ باحْتمالِ غُبْنٍ فاحِشٍ
يف املُعامَلَةِ ،وإنفاقِه ،ولو فِلْساً يف ُمحَرَّم .وأما صرفه يف الصَّ َدقَة ،ووجوهِ اخلَيْر،
واملَطاعِم ،واملالبس ،واهلدايا اليت ال تَليقُ به ،فليس بتبذير .وبعد إفاقة اجملنون وبلوغ
الصيب ولو بال رشد يصح اإلِسالم ،والطالق ،واخللع ،وكذا التصرُّف املايل بعد
الرشد .وُويلّ الصيب :أبٌ َعدْلٌ ،فأبوهُ وإن عال ،فوصي فقاضي بلد املوىل ،إن كان
عدالً أميناً ،فإِن كان ماله ببلد آخر :فويلّ ماله قاضي بَلدِ املال يف حفظِه ،وبَْيعِه،
وإِجارَتَهُ عِنْد خوفِ هالكِه فصُلَحاءُ بلده ويتَصرَّفُ الوَيلُّ با َملصَْلحَة ويلزمَهُ حِفْظُ
مالِه ،واستِنماؤُه َق ْدرَ النفقة ،والزَّكاة ،واملؤنَ ،إن أمكنه ،وله السفر به يف طريق آمن
ملقصد آمن ب ّراً ،ال حبراً ،وشِراء عقارٍ يكفيهِ غِلّتَه أوىل من التِجارة ،وال يَبيعُ عِقارَهُ إال
حلاجَةٍ أو غِبْطَةٍ ظاهِرَة وأفىت بعضهم بأن للوَيلِّ الصُّلح على بعضِ دين املويل إذا تعني
ذلك طريقاً لتخليص ذلك البعض ،كما أن له ،بل يلزمه ،دفع بعض ماله لسِالمَةٍ
باقِية .انتهى .وله بيعُ مالِه نسيئَة ملصْلحَة ،وعليه أن يَرهتِنَ بالثَّمن رَهْناً وافياً إن مل
يكن املشتري موسِراً .ولويلَ إقراضَ مالٍ حمجورٍ لضرورة .ولقاضٍ ذلك مطلقاً،
بشرط كون املقترض مليئاً أميناً ،وال والية ألمّ على األصح ،ومن أدىل هبا ،وال
لِعصْبة .نعم ،هلم اإلِنفاقَ من مالِ الطِّفلِ يف تأديبه وتعليمه ،ألنه قليل ،فسومِحَ بهِ عنْدَ
صدُق أبٌ أو جدّ يف أنه تصرفٌ ملصلح ٍة بيمينه ،وقاضٍ بال ميني، َف ْقدِ الوَيل اخلاصِّ .وَي ْ
إن كان ِثقَة عدالً ،مشهورُ العفة ،وحُسنَ السِّرية ،ال وصي ،وقيم ،وحا ِكمٌ ،وفاسِق،
بل املصَدَّق بيمينه هو احملجور ،حيث ال بينة ،ألهنم قد يُتَّهمون .ومن مث :لو كانت
األم وصية كانت كاألوّلني ،وكذا آباؤها.
[فرع] :ليسَ لويلَ أخذ شيء من مالِ موليه إن كان غنياً مطلقاً ،فإِن كان فقرياً
وانقطع بسببه عن َكسْبه :أخذ قدر نفقته ،وإذا أيسر :مل يلزمه بدل ما أخذه .قال
األسْنَوي :هذا يف وصي وأمني ،أما أب أو جدّ ،فيأخذ قدر كفايته اتفاقاً سواء
الصحيح وغريه .وقيس بويلّ اليتيم فيما ذكر :مَنْ َج َمعَ ماالً ِلفَكِّ أسريٍ ،أي مثالً ،فله
إن كان فَقرياً األكْلَ منه .ولألَبِ واجلدِّ :استخدامَ حمجورِه فيما ال يقابَل بأُجرةٍ وال
يضْرِبُه على ذلك ،خالفاً ملن جزَم بأن له ضَرْبَهُ عليه ،وأفىت النووي بأنه لو استخدم
ابن ابنته :لزمه أجرته إىل بُلوغِه ورُ ْشدْ ،وإن مل يُكْرِهه .وال جيب أجرة الرشيد إِال إن
ُأكْرِه .وجيري هذا يف غري اجلدِّ لألُم ،وقال اجلال ُل البلقيين :لو كان للصَّيب مالٌ غائبِ
فأنفقَ ولِيُّهُ عليه من مالِ َن ْفسِه بنيَّةِ الرجوع ،إِذا حضَر مالَه رَجَع ،إِن كان أباً أو
جداً ،ألنه يتولَّى الطرفني خبالف غريمها :أي حىت احلاكم ،بل يَأذَنُ ملن ينفق ،مث يوفيه
وأفىت مجع فيمن ثبت له على أبيه دين فادّعى إنفاقه عليه :بأنه يصدق هو أو وارثه
باليمني.
91
(فصل) :يف احلوالة (َتصِحُّ حَوالَةٌ بِصيغَة) وهيَ إِجيابٌ من املُحيل :كأَحَلتُكَ على
فالن بالدين الذي لَكَ عليّ ،أو نقَلتُ َحقَّكَ إىل فالن ،أو َجعَ ْلتُ مايل عَلَيْهِ لَكْ،
وقبول من املُحتال بال تعليق ،ويصح بأَحِلين( ،وبرضا حميل ،وحمتال) وال يُشتَرط رِضا
املُحال عليه( .ويُل َزمُ هبا) أي احلَوالَة (دينُ حمتالٍ حماالً عليه) فيربأ احمليلُ باحلوالة عن
دين احملتال ،واملُحالُ عليه عَن دين املُحيل ،ويتحوّل حق املُحتالِ إىل ذِمَّة احملال عليه
إجْماعاً( ،فإِن تعذَّر أخذه منه بفلس) حصل للمُحال عليه ،وإن قارَن الفلس احلوالة،
(أو َجحَد) أي إنكارٌ منه للحَوالة ،أو دَيْنُ املَحيل وحَلَف عليه ،أو بغري ذلك :كتعزُّز
احملال عليه ،وموت شهود احلوالة( :مل يرجع) احملتال (على حميل) بشيء ،وإن َجهِل
ذلك ،وال يتخري لو بان احملالَ عليه مُ ْعسِراً وإن شَرَطَ يسارَهُ .ولوْ طََلبَ املُحتالُ احملالَ
عليه فقال أبرأين املَحيلُ قبلَ احلوالَة ،وأقامَ بذلك بينةَ :س ِم ْعتُ ،وإن كان املُحيل يف
البلد .مث املتجه أن للمتحالِ :الرجوعَ بدينه على احمليل ،إال إذا استمر على تكذيب
املُحال عليه .ولو باع عبداً وأحال بثمنه ،مث اتفق املتبايعان على حريته وقت البيع ،أو
ثَبَتتْ حريته حينئذٍ ببينة شهدت حسبة ،أو أقامها العَبْد :مل َتصِحُّ احلِوالَة ،وإن
كذَّبَهُما املُحتالُ يف احلرية وال بينة فلكل منهما حتليفه على نفي العلم هبا ،وبقيت
احلوالة( .ولو اختلفا) أي الدائِن واملَدين يف أنه (هل وَكَّل أو أحال؟) بأن قال املَدينُ:
وكَّلتُكَ لتقبض يل ،فقال الدائِن :بل أحلتين ،وقال املدين :أحلتُكَ ،فقال الدائن :بل
وكَّلتين( ،صدَق منكر حوالة) بيمينه ،فيصدّق املدين يف األوىل ،والدائن يف األخرية.
ألن األصل بقاء احلق يف ذمة املستحِق عليه.
[تتمة]َ :يصِحُّ مِن مُكَلَّفٍ رشيدٍ :ضَمانٌ بدينٍ واجب ،سواء استقرَّ يف ذمَّةِ
ضمُون له :كنفَقَة اليوم وما قبله للزوجة ،أو مل يَستقرّ ،كثمن مَبيعٍ مل يقبض، امل ْ
وصداق قبل وطء ،ال مبا سيجب ،كدين قَرضٍ ،وَن َفقَةِ غَد للزوجة ،وال بنفقة
القريب مطلقاً .وال ُيشْتَرَطُ رِضا الدَّائِنِ واملَدين .وصحَّ ضمانُ الرَّقيقِ بإِذنِ سَيِّدهِ.
وَتصِحُّ منه كفالةٌ بعنيٍ مضمونَة ،كمغصوبة ،ومستعارَةٍ ،وببدَنِ من يستحقُّ حضورُه
جملِس حُكِم بإِذنه ،ويُربَّأَ الكَفيل بإِحضار مكفول ،شخصاً كان أو عيناً ،إىل املكفول
له ،وإن مل يطالبه ،وحبضوره عن جهة الكفيلِ بال حائِل :كمتغلب باملكان الذي
شُرِط يف الكفالَةِ اإلِحضارَ إليه ،وإال فحيث وقعت الكفالة فيه .فإِن غاب لَزِمه
إحضارَه ،إن عَرفَ مَحلَّه ،وأمِنَ الطَّريق ،وإِال فال .وال يطالب كفيل مبال ،وإن فاتَ
ُغرمُ املال ،ولو مع قوله إن فات التسليم التَّسليمُ مبوتٍ أو غريه .لو شرط أنه ي َّ
للمكفول ،مل َتصِح .وصيغة االلتزام فيهما :كضمنت دَينَك على فالن ،أو تَحمَّلته،
أو تكفَّلت بِبَدنه ،أو أنا باملال ،أو بإِحضار الشخص ضامن ،أو كفيل .ولو قال
أُوءَدّي املال ،أو أ ْحضَر الشخص ،فهو وعد بالتزامٍ ،كما هو صريح الصيغة ،نعم :إن
حَفَّت به قرينة تصرفه إىل اإلِنشاء :انعقد به ،كما حبثه ابن الرفعة ،واعتمده السبكي،
وال يصحانِ بِشرطِ بَراءَة أصيلٍ ،وال بتَعلُّقٍ وتوقيتٍ .ولل ُمسَْتحِق مطالبة الضامِنِ
واألصيل .ولو بريء :بُرِّيء الضَّامن .وال عكس يف اإلِبراء ،دون األداء ولو ماتَ
أحدمها والدين مُوءَجَّل :حَلَّ عليه .ولضامِن رجوعٌ على أصيل ،إن غرِّم .ولو صاحل
عن الدين مبا دونه :مل يرجع إال مبا غُرِّم ولو أدى دينَ غريه بإِذن :رَ َجعَ ،وإن مل
ُيشْرط لَه الرُّجوع ،ال إن أداه ب َقصْد التربُّع.
ضمِنَّا مالَك على فالن: [فرع] :أفىت َج ْمعٌ ُمحَقِّقونَ بأنهُ لو قال رجُالن آلخرَ :
طالب كالُّ جبميعِ الدَّيْنِ .وقال َجمْع مُت َقدّمونَ :طالبَ كالًّ بِنصْفِ الدَّيْنِ ،ومالَ إليه
األذرعي .قال شيخنا :إمنا َتقَسَّط الضمَّانَ يفَ :ألْقِ متاعُكَ يف البَحرِ وأنا َو ُركَّابَ
92
ضتْ حةٍ فاقَْت َ
السَّفينةِ ضامِنونَ ،ألنَّهُ ليسَ ضماناً حقيقةً ،بلْ اسِْتدَعاءَ إتْالفِ مالٍ ملصَْل َ
التَّوزيعَ ،لِئَالَّ يَْنفِرَ النَّاسُ عَنْها.
(واعلم) أن الصَّلح جائِزٌ مع ا ِإلقْرار ،و ُهوَ على شيءٍ غَري املدَّعي معا َوضَة كما
لو قال :صاَلحْتك عما تدَّعيه على هذا الثَّوب ،فله حُكْم البَيْع ،وعلى َبعْض املدَّعى
إِبْراءً إن كان دَينْاً ،فلو مل يَقل املدعي أبرأت ذِمَّتُكَ :مل َيضُرَّ ،ويُلغى الصلح حيث ال
حجة للمدعي مع اإلِنكار ،أو السكوتَ من املدَّعى عليه ،فال يصح الصُّلح على
اإلِنكار ،وإن فرض صدقُ املدعي ،خالفاً لألَِئمْة الثالثة .نعم ،جيوز للمُدَّعي احملق أن
يأخُذ ما ُبذِلَ له يف الصلح على اإلنكار ،مث إن وقع بغري مدعى به كان ظافراً وسيأيت
حكم الظَّفر.
[فرع] :يُحرمُ على كلِّ أحد غَرْسَ َشجَرٍ يف شارع ،ولو لعموم النفع للمسلمني،
كبناء دَكَّة ،وإن مل يضُرَّ فيه ،ولو لذلك أيضاً ،وإن انتفى الضرر حاالً ،أو كانت
ف رَْيعَهُ بل يُكره. الدَّكة بفِناء دارِه .وَيحُلُّ الغَرْسَ بِا َملسْجد للمُسلمني أو لِيَصْرُ َ
(َتصِحُّ وكالَة) َشخْصٍ مَُتمَكِّنٍ لَِن ْفسِهِ َكعَبْد ،وفَاسِقٍ يف قبولِ نِكاحٍ ،ولو بِال
إِذْنَ سَيِّد ،ال يف إجيابِه ،وهي َتفْويضُ َشخْصٍ َأمْرَهُ إىل آخَرَ فيما َيقْبَلُ النِّيابَة لَِي ْفعَلَهُ يف
حَياتِهَ ،فَتصِحُّ (يف كلِّ َع ْقدٍ) :كَبَْيعٍ ،ونِكاحٍ ،وَهِبَةَ ،ورَهْنٍ ،وطَالقٍ مُْنجِز( ،و) يف
كل (َفسْخٍ) كإِقالةٍ ،ورَدَ ِبعَْيبٍ .ويف قَبضٍ ،وإقْبَاضٍ للدَّينِ أو العَيْنِ ،وَيف إِسْتيفاءِ
صمُ ،وإِنَّما َتصِحُّ الوَكالَة فيما ُذكِرَ، خل ْ
عقوبَةَ آدَمي ،والدَّعْوى واجلوابَ ،وَإِن كَرِه ا َ
إن كا َن (عَليه واليَةً ِلمُوكِّلٍ) مبلكِه التَّصرُف فيه حني التوكيل ،فال َيصِحُّ يف بَْيعِ ما
ق من سَينْ ِكحُها ،ألنه ال والية لهُ عليهِ حينئذٍ ،وكذا لو وكل مِن يُزوِّج سََيمْلكُ ُه وطَال َ
ضتْ عِدَّتُها ،على ما قاله الشيخان هنا ،لكن رُجِّح يف موَليِّتَهُ إذا طُِل ْقتَ أو اْنقَ َ
الروضة ،يف النكاح ،الصحة .وكذا لو قالت له ،وهي يف نكاح أو عدّة ،أذنت لك
يف تزوجيي إذا حََل ْلتُ ،ولو عُلِّقَ ذلك على اإلِْنقِضاءِ أو الطَّالقََ ،فسَدت الوكالَة،
وََن َفذَ التزَّويج لإلِذْن( ،ال) يف (إقرار) أي ال يصح التوكيلُ فيه ،بأن يقول ِلغَريه:
وكَّلْتُكَ لِتُقرَّ عين لفالن بكذا ،فيقول الوكيل أقررت عنه بكذا ،ألنه إخبارٌ عن حق،
فال يقبل التوكيل ،لكن يكون املوكِل ُمقِ ّراً بالتَّوكيل( ،و) ال يف (ميني) ،ألن القَصْدَ
هبا تعظيمُ اللَّهِ تعاىل ،فأشْب َهتِ العِبادَة .ومثلهاَّ :النذْر ،وتعليق العِتْق والطَّالقِ ِبصَفة،
وال يف الشَّهادة ،إلْحاقاً هلا بالعِبادة ،والشَّهادة على الشَّهادة ليست توكيالً ،بل
احلاجَة جعلت الشاهِد املتحَمِّل عنه ،كحاكم أدّى عَنه عند حاكمٍ آخر (و) ال يف
(عِبادَة) ،إال يف حجّ ،وعُمرة ،وذَبْ ٍح حنو أضْحية ،وال تَصِحُّ الوكالَة إال (بإِجياب) وهو
شعِرُ برضا املوَكِّل الذي َيصِحُّ مباشرته املوكَل فيه يف َّالتصَرُّف( :كَوكَّلَتُكَ) يف ما ُي ْ
َوضْتُ إِلَيْكَ ،أو أَنْبَتُكَ ،أو أقْمتُكَ مَقامي فيه( ،أو ِبعْ) كذا ،أو زَوِّجْ كذا ،أو ف َّ
فُالنَة ،أو طَِّلقْها ،أو أعْطَيْتُ بَيدِكَ طَالقَها وأَعْتقْ فُالناً .قال السَّبكي :يُوءَ َخذُ مِن
كالمِهم صِحة قولُ منْ ال وَيلَّ هلا :أذِْنتُ لكلِّ عاقدٍ يف البلد أن يزوِّجين .قال
َوضْ إِال صيغَةً فقط .وبنحو ج ومل ُتف ِّ
األذْرُعي :وهذا ،إذا صحَّ َمحَلَّه ،إنْ عيّنتُ الزو َ
ذلك .أفىت ابن الصالح ،وال يشترط يف الوكالة :القبول لفظاً ،لكن يُشترَطُ َع َدمَ الرَّدّ
فقط .ولو َتصَرَّف غري عالِم بالوِكالَة :صحّ ،إن تَبنيَ وِكالتَهُ حني التصرّف ،كمن باعَ
مالَ أبيه ظاناً حياته فبانَ ميْتاً .وال َيصِحُّ تعليقُ الوِكالة ِبشَرْط :كإذا جاء رمضان فقد
وكلتك يف كذا ،فلو تصرف بعد وجود الشَّرطِ املعلَّق ،كأن وكَّلهَ بطَالق زَوجةٍ
سَيَن ِكحُها ،أو بِبَْيعِ عَْبدٍ سََيمْلِكَهُ ،أو بِتَزويجِ بَنْتهِ إذا طُِّلقْت واعتدَّت :فَطَلَقَّ َبعْد أنْ
93
َوجَ َب ْعدَ العِدَّة َن َفذَ عَمَالً بعموم اإلِذن .وإن قلنا
نَكَحَ ،أوْ باع بعد أن مَلَك ،أو ز َّ
جلعْل املسمى إن كان َووُجُوب أُجْرةِ املِثْل ،وصَحَّ ِبفَسادِ الوَكالة بالنِّسبة إىل سقوط ا ُ
تَعليقَ َّالتصَرّفْ فقط ،كِبعْه لكن َبعْدَ شَهر ،وتأقيتها :كوكلْتُك إىل شهر رمضان.
ويُشترط يف الوَكالة أن يكون املوكِل فيه معْلوماً للوَكيلَ ،ولو بوَجْهٍ ،كوكلتك يف بَيْع
جَميع أمْوايل ،وعِتْقِ أرِقائي ،وإِن مل تكن أمواله وأرقاؤه معلومة ،لقلة الغُررِ فيه،
خبالف ِبعْ هذا أو ذاك ،وفارِق إِحدى عَبيدي ،بأن األحد صادِق على كل ،وخبالف
ض مايل .نعم :يصحُّ بع ،أو هبْ منه ما شئت .وتَبطلُ يف اجملَهولِ ،كوكَّلْتُكَ يف بع بع َ
كلِّ قليلٍ وكثريٍ ،أو يف كلِّ أموري ،أو تصرُّف يف أموري كيف شئت لكثرة الغرُور
فيه (وباع) كالشَّريك (وكيل) صَحَّ مُباشَرَتَهُ َّالتصَرُّف لِنفسه (بثمن مِثْل) فأكثرَ
(حاالً) ،فال يَبيعَ نَسيئَة ،وال بغري َنقْدِ البلد ،وال بغُبْنٍ فاحِش ،بأن ال حيتمل غالباً،
فبيع ما يساوي َعشْرة بتِسعة :مُحتمل ،وبثمانِية :غري حمتمل .ومىت خالف شيئاً مما
سدَ َتصَرُّفه ،وضمن قِيمَتَّه يومَ التَّسلِيمَ ،ولو مثلياً ،إِن ُأقْبِضَ املُشتري ،فإِن بقي:
ذكر َف ُ
اسْتَردَّه ،وله حينئذٍ بَْيعَهُ باإلِذن السابق ،وقبض الثَّمن ،وال يضمَنهُ .وإن تلف ،غرم
املوكل بدله الوكيل أو املشتري والقرار عليه .وهذا كله( ،إذا أطلق املوكل) الوكالة
يف البيع ،بأن مل يقيد بثمن ،وال حلول ،وال تأجيل ،وال نقد ،وإن قيد بشيء ،اتبع.
[فرع] :لو قال لوكيله بعه بكم شئت ،فله بيعه بغنب فاحش ،ال بنسيئة ،وال بغري
نقد البلد ،أو مبا شئت ،أو مبا تراه ،فله بيعه بغري نقد البلد ،ال بغنب ،وال بنسيئة ،أو
بكيف شئت فله بيعة بنسيئة ،ال بغنب ،وال بغري نقد البلد ،أو مبا عزّ وهان ،فله بيعه
بعرض وغنب ،ال بنسيئة( ،وال يبيع) الوكيل لنفسه وموليه ،وإن أذن له يف ذلك،
وقدر له بالثمن ،خالفاً البن الرفعة ،المتناع احتاد املوجب والقابل ،وإن انتفت
التهمة ،خبالف أبيه وولده الرشيد ،وال يصح البيع بثمن املثل مع وجود راغب بزيادة
ال يتغابن مبثلها إن وثق به ،قال األذرعي :ومل يكن مماطالً ،وال ماله أو كسبه حراماً،
أي هو كله ،أو أكثره ،فإِن وجد راغب بالزيادة يف مثن خيار اجمللس أو الشرط ولو
للمشتري وحده ومل يرض بالزيادة فسخ الوكيل العقد وجوباً ،بالبيع ،للراغب
بالزيادة ،وإال انفسخ بنفسه وال يسلم الوكيل بالبيع حبالّ املبيع حىت يقبض الثمن
احلالَّ ،وإال ضمن للموكل قيمة البيع ،ولو مثلياً( ،وليس له) أي للوكيل بالشراء
(شراء معيب) القتضاء اإلِطالق عرفاً السليم (ووقع) الشراء (له) أي للوكيل (إن
علم) العيب واشتراه بثمن يف الذمة ،وإن ساوى املبيع الثمن إال إذا عينه املوكل،
وعلم بعيبه ،فيقع له ،كما إذا اشتراه بثمن يف الذمة ،أو بعني ماله جاهالً بعيبه ،وإن
مل يساوِ املبيع الثمن ،وعلم مما مرّ أنه حيث مل يقع للموكل ،فإن كان الثمن عني
ماله ،بطل الشراء ،وإال وقع للوكيل .وجيوز لعامل القراض شراؤه ،ألن القصد مث
الربح ،وقضيته أنه لو كان القصد هنا الربح جاز ،وهو كذلك ،ولكل من املوكل
والوكيل ،يف صورة اجلهل ،ردّ بعيب ،ال لوكيل إن رضي به موكل .ولو دفع موكله
إِليه ماالً للشراء ،وأمره بتسليمه يف الثمن ،فسلم من عنده ،فمتربع ،حىت ولو تعذر
مال املوكل ،لنحو غيبة مفتاح ،إذ ميكنه اإلِشهاد على أنه أدّى عنه لريجع أو إخبار
احلاكم بذلك ،فإِن مل يدفع له شيئاً ،أو مل يأمره بالتسليم فيه ،رجع للقرينة الدالة على
إذنه له يف التسليم عنه( ،وال) له (توكيل بال إذن) من املوكل (فيما يتأتى منه) ألنه مل
يرض بغريه .نعم ،لو وكله يف قبض دين فقبضه ،وأرسله مع أحد من عياله ،مل يضمن
كما قاله اجلوري ،قال شيخنا :والذي يظهر أن املراد هبم ،أوالده ومماليكه،
وزوجاته ،خبالف غريهم ،ومثله ،إرسال حنو ما اشتراه له مع أحدهم ،وخرج بقويل
فيما يتأتى منه :ما مل يتأت منه ،لكونه يتعسر عليه اإلِتيان به لكثرته ،أو لكونه ال
94
حيسنه ،أو ال يليق به ،فله التوكيل عن موكله ،ال عن نفسه ،وقضية التعليل املذكور
امتناع التوكيل عند جهل املوكل حباله .ولو طرأ له العجز لطرو حنو مرض أو سفر،
مل جيز له أن يوكِّل ،وإذا وكل الوكيل بإِذن املوكل ،فالثاين وكيل املوكل ،فال يعزله
الوكيل .فإِن قال املوكل ،وكِّل عنك ،ففعل ،فالثاين وكيل الوكيل ،ألنه مقتضي
اإلِذن ،فينعزل بعزله ،ويلزم الوكيل أن ال يوكل إِال أميناً ،ما مل يعني له غريه مع علم
املوكل حباله ،أو مل يقل له وكَّل من شئت ،على األوجه ،كما لو قالت لوليها:
زوّجين ممن شئت ،فله تزوجيها من غري الكفء أيضاً ،وقوله لوكيله يف شيء ،افعل
فيه ما شئت ،أو كُ ّل ما تفعله جائز ،ليس إذنًا يف التوكيل.
[فرع] :لو قال بع لشخص معني كزيد ،مل بيع من غريه ،ولو وكيل زيد ،أو
بشيء معني من املال ،كالدينار ،مل يبع بالدراهم ،على املعتمد ،أو يف مَكانٍ مُعيَّن،
تعني ،أو يف َزمّانٍ مُعيَّن ،كشهر كذا ،أو يوم كذاَ ،تعَيَّن ذلك ،فال يَجوزُ قبلهُ ،وال
َب ْعدَهُ ،ولو يف الطَّالقِ ،وإن مل يَتَعلَّق بِه غَ َرضٌ ،عَمالً باإلِذْن ،وفارَقَ إذا جاء رأس
الشهر فََأمْرُ زوجيت بَيدِكْ ،ومل يرد التقييد برأسه ،فله إيقا َعهُ بعده ،خبالف طَلِّقْها يومَ
جلمُعَة ،فإِنه يْقتَضي َحصَرَ الفعل فيه ،دون غريه ،وليلةَ الَيوْم ،مثله إن اسْتَوى اُ
الراغِبو َن فيهما .ولو قال يوم اجلمعة ،أو العيد مثالً ،تعني أوّل جُم َعةٍ أو عيدٍ يَلقاه،
وإمنا يتعني املكان ،إذا مل يُق َدرْ الثَّمن ،أو نَهاهُ عن غَيْره ،وإال جازَ البَيْع يف غريه.
صدُقَ ضمَنُ ما تَلَف يف يده بال تَعدَ ،وَي ْ (وهو) أي الوكيل ولو جبعل (أمني) فال َي ْ
بيمينه يف دعوى التَّلَف والرَّدِّ على املوكِل ،ألنه ائْتَمنه خبالف الردّ على غري املوكل
صدُقُ الرسولُ بيمينه ،ول َوكَّلَهُ بقضا ِء دَيْن فقال َقضْيتَهُ ،وأنكر املسُتحِقُّ كرَسولِه ،فََي ْ
َدفْعه إِليه صدق املسَتحِقُّ بيمينه ،ألن األصل عدم القضاء فيحلف ،ويطالب املوكل
فقط( .فإِن تعدّى) كأن ركب الدابة ولبس الثوب تعديّاً( :ضَمن) كسائر األُمنَاء،
ضعَهُ مبحل مث َنسِيهُ وال ومِن التَّعدِّي ،أن يضيعَ منه املال وال يدري كيف ضاعَ ،أو َو َ
يْنعَزلُ بتَعدِّيه بغري إتْالفِ املوكَّل فيه .ولو أرسل إىل بزَّازٍ ليأخذ منه ثوباً سوماً فتلف
ضمِنَه املُرْسِل ،ال الرَّسول. يف الطَّريقَ :
[فرع] :لو اختلفا يف أصل الوكالة بعد التَّصرّف ،كوكَّلتين يف كذا ،فقال ما
وكّلتُك .أو يف صفتها ،بأن قال وكَّلتَين بالبَْيعِ نسيئَة ،أو بالشِّراء بعشرين ،فقال :بل
نَقداً ،أو ب َعشَرة ،صدق املوكِل بيمينه يف الكل ألن األصْل َمعَهُ (وَيَْنعَزِلَ) الوَكيلُ
(ِبعَزْلِ أحَدمها) أي بأن َيعْزِل الوَكيلُ نَفْسه ،أو َيعْ ِزلَهُ املُوكِل ،سواء كان بِلَفظ العَزْل
ختَ الوكالة ،أو أبْطَلْتها ،أو َأ َزلَْتهَا ،وإن مل َيعْلَم املعزول( .و) ينعزل أمْ الَ ،كفَس ْ
أيضاً ،خبروج أ َحدِمها عن أهليَّة التّصرّفِ (مبوْتٍ ،أو جُنونٍ) حَصال ألَ َحدِمها ،وإن مل
يعلم اآلخر به ،ولو َقصُرَتْ مدَّة اجلنُون ،وزوالُ مُلْكِ املوكِل عما وكِّل فيه أو
مَْن َفعَتَهُ ،كأن باعَ أو وقَف أو آجَر أو رَهَن أو زوَّج أَمة .وال يصدق املوكل (بعد
تصرّف) أي تصرّف الوكيل يف قوله كْنتَ عَ َزلْتَه (إال ببينة) يُقيمُها على العَزْلِ .قال
األسنوي :وصَوَّرته إذا أنكر الوكيل العزل ،فإِن وافقه على العزل لكن ادَّعى أنه بعد
التَّصرّف فهو كدعوى الزوج تقدّم الرَّجْعة على اْنقِضاءِ العِدَّة ،وفيه تفصيلٌ معروفْ،
انتهى .ولوْ َتصَرَّفَ وَكيلٌ أو عامِلٌ بعد اْنعِزَالِه جاهِالً يف عني مالِ موكِله ،بَطُل،
ضمِنَها إن سَلَّمها ،أو يف ذِمَّته اْن َعقَد له.وَ
[فروع] :لو قال ملُدينهِ إشتر يل عبداً مبا يف ذمَّتِكََ ،ف َفعَلَ ،صحَّ للموَكِّل،
وبُرِّىء املَدين ،وإن تلف ،على األوجه ،ولو قال ملَدينهِ :أنفِق على اليَتيم الفُالين كل
يوم درمهاً من ديين الذي عليك ،ففعل ،صح ،وبرىء على ما قاله بعضهم :يوافقه
قول القاضي لو أمَرَ مدَينَهُ أن يشتري له ِبدَيْنِه طعاماً ،ففعل ،ودفع الثمن وقبض
95
الطَّعام ،فتلَفَ يف يدِه :بريءٌ من الدين .ولو قال لوكيله :بعْ هذه بِبَلدِ كذا ،واشتر يل
صدِ ،عند أمني ،من حاكم فعريه ،إذ بثمَنِها قِنّا ،جاز له إِيداعُها يف الطريق ،أو ا َمل ْق َ
العمل غري الزم له ،وال َتغْرير منه ،بل املالك هو املخاطر مباله ،ومن مث لو باعها ،مل
يل َزمْهُ شِراءُ القِنِّ ،ولو اشْتَرَاهُ ،مل يُل ِزمْهُ رَدَّه ،بل له إِيداعَه عنْد من ذكر ،وليس له ردُّ
الثَّمن ،حيث ال قرينة قوية تدلُّ على ردِّه ،كما استظهره شيخنا ،ألن املالِكَ مل يأذن
فيه فإِن َفعَل َف ُهوَ يف ضَمانِه ،حىت َيصِلَ ملالِكِهِ ومن ادَّعى أنه وكَيلٌ لقَبْضٍ ما على
زيد من عنيٍ أو دَيْن ،مل يلزمْهُ الدَّ ْفعَ إِليهِ ،إال ببيِّنةٍ بوَكالَتِه .ولكن جيوز الدفع له إن
ص َدقَهُ يف دعْواه ،أو ادّعى أنه حمتال به وصَ َدقَه ،و َجبَ الدّفعُ له ،العترافه بانْتقالِ املال َ
إليه ،وإذا دفَعَ إِىل مُدَّعي الوَكالَة فأنكر املستحق وحَلفَ أنه مل يوكّل ،فإِن كان
املدفوع هيناً ،استردّها إن بقيت ،وإال غرم من شاء منهما ،وال رُجوعَ للغارم على
اآلخَرِ ،ألنه مظْلومٌ بزعمه ،أو دَيْناً ،طاَلبَ الداِف ُع فقط ،أو إىل مدَّعي احلوالة فأنكر
الدائن احلوالة وحلف ،أخذ دَيْنِه ممن كان عليه وال يرجع املؤدّي على من دفع إليه،
ألنه اعترف بامللك له .قال الكمال الدمريي ،لو قال أنا وكيلٌ يف بيْعٍ أو نكاحٍ
وصدّقه من يعامله ،صحَّ العقد ،فلو قال بعد ال َعقْد مل يكن وكيالً :مل يلتَفِت إليه.
(وَيصِحُّ قراضٌ :وهو) أن َي ْع ِقدَ على مالٍ يدفعه لغريه ليتَّجِرَ فيه ،على أن يكون الرِّبحُ
ُمشْتَركاً بَيَْن ُهمَا (يف َن ْقدٍ خالص َمضْروب) ألنه عقد غُررٍ ،لعدم انضباط العمل
والوثوق بالربح وإمنا جوّز :للحاجة ،فاختصَّ مبا يروج غالباً ،وهو َّالن ْقدُ ا َملضْروب.
بالن ْقدِ ،العَرْضَ ،ولوْ فلوساً ،وباخلالِصِ، وجيوزُ عليه ،وإن أبْطَلهُ السُّلطان ،وخَ َرجَ َّ
ا َملغْشوشِ وإن علم َق ْدرَ غُشِّهِ ،أو اسُْتهْلِكَ ،وجاز التَّعامُلَ به .وباملضروب الترب ،وهو
ذَهبٌ أو فِضَّة مل ُيضْرَبْ ،واحلِلي فال يصح يف شيء منها ،وقيل جيوز على املغشوشِ
إن اسُتهِلِكَ غِشَّه .وجَزَم به اجلرجاين .وقيل إن راجٍ .واختاره السَّبكي وغريه .ويف
وجه ثالث يف زوائد الرضة أنه جيوز على كل مثلي ،وإمنا يصح القَراضَ (بصيغة) من
إجياب من جهة ربِّ املال :كَقا َرضْتُكَ ،أو عامَ ْلتُكَ يف كذا ،أو خُذْ هذه الدراهم
واتجِر فيها ،أو ِبعْ ،أو اشتَرِ على أن الرَّبح بيننا ،وقبول فوراً من جهة العامل لفظاً، َّ
وقيل يَكفي يف صيغَة األمر ،كخذ هذه واجتر فيها القبول بالفعل ،كما يف الوكالة،
وشرط املالِكِ والعامِلِ ،كاملوكِل والوَكيل ،صحة مباشَرتِهما التَّصرُّف (مع شَرْطِ
ربحٍ َلهُما) أي للمالِكِ والعامِلِ ،فال يصح على أن أل َحدِمها الرِّبْحَ (وُيشْتَرَطُ َكوَْنهُ)
أي الربْح ( َمعْلوماً باجلُزئِية) كنصف ،وثلث .ولو قال قا َرضْتُك على أن الرّبْح بينَنَا،
صفَةً ،أو على أن لك ربع سدس العشر ،صحَّ ،وإن مل يعلماه عند العقد، صح منا ِ
لسهُولة َمعْرِفته ،وهو جزء من مائتني وأربعني جزءاً .ولو شُرِطَ أل َحدِمها عشرة ،أو
سدَ القِراض( .ولعامِل يف) عقد قراض (فاسد :أجرة مثل) ربح صنف ،كالرَّقيق ،ف َ
وإن مل يكنْ رِبْح ،ألنه عمل طامِعاً يف املسمَّى ،ومن القِراضِ الفاسِد ،على ما أفْيت به
شيخنا ابن زياد رمحه اهلل تعاىل ،ما اعتادَهُ بعضُ الناس من َدفْعِ مال إىل آخرَ بشرط
أن يَرُدّ له لكل عشرة اثين عشر إن ربح أو خسر ،فال يَسَتحِقُّ العامِل إال أجرة املِثْل،
خلسْرانَ على املالِك ،وَيدَهُ على املالِ يَد أمانَة .فإِن َقصَر ،بأَن جاوَزَ و َجمِيعَ الرِّبحِ أو ا ِ
ضمْنَ املال .انتهى .وال أجْرةَ للعامل يف الفاسِد إن شرط املكان الذي أُذن له فيهِ ،
الربح كله للمالك ألنه مل يَ ْط َمعْ يف شيء .ويتجه أنه ال يَسَتحِقُّ شيئاً أيضاً إذا علم
الفَسادُ ،وأنهُ ال ُأجْرة له .ويصح َتصَرُّفَ العامِلِ مع فَسادِ القِراضِ ،لِكَيْ ال َيحِلُّ َلهُ
اإلِقْدامَ عَليه َب ْعدَ عِلمْ ِه بالفساد.
ويتصَرَّفُ العامِلُ ،ولو ِبعَ ْرضٍِ ،ل َمصَْلحَة ،ال ِبغُبْنٍ فاحِش ،وال بِنَسيئة ،بال إذن
خلوْفُ واملوءْنَة ،فُيضْمن السفَرُ ،وانتفى ا َ
فيهما ،وال يُسافِرُ باملالِ بال إِذن ،وإن قرُبَ َّ
96
به ،ويأمث ،ومع ذلك القِرَاضُ باقٍ على حاله ،أما باإلِذنِ ،فيجوز ،لكن ال جيوزُ
ركوبٌ يف البحر إال بنصّ عليه (وال يُموَّن) أيْ ال يُْنفِقُ منه على نفسه َحضَراً وال
َسفَراً ،ألن له نصيباً من الرِّبْح ،فال َيسَْتحِقُّ شيئًا آخر ،فلو شَرطَ املوءْنة يف ال َع ْقدِ،
سدَ (وصدَق) عامِلٌ بيمينه (يف) دَعْوى (تَلَفْ) يف كل املَالِ أو بعضَه ،ألنه مأمونٌ، َف َ
نعم ،نصّ يف البويطي ،واعت َمدَهُ جِمعٌ مُتَقدّمون ،أنه لو أ َخذَ ما ال ميكنه القِيامُ بِه،
ضمِنَه ،ألنه فَرط بِأَ ْخذِه ،ويُطَرَدُ ذلكَ يف الوَكيل ،والوَديعِ ،والوصي، فَتَلَفَ َب ْعضَه َ
ولو ادَّعى املالِكُ بعدَ التلفِ أنه قَ ْرضَ ،والعامِلُ أن ُه قِراضٌ ،حلفَ العامِل ،كما أفىت به
ابن الصالحكالبغوي ،ألن األصْلَ عدم الضَّمان ،خالفاً ملا رجَّحه الزَّركشي وغريه،
من تصديق املالك ،فإِن أقاما بَيِّنة ،قُدِّمت بيِّنة املالك ،على األوجه ،ألن مَعَها زِيا َدةَ
عِلمٍ( .و) يف (عَدمَ رِبْحٍ) ،أصالً (و) يف (َق ْدرِه) عمالً باألصْل فيهما( ،و) يف (خسر)
ممكن ،ألنه أمني .ولو قال رَ ْحبتُ كذا ،مث قال َغلِ ْطتُ يف احلِسابِ ،أو َكذَبْت ،مل
يُقبل ،ألنه أقَرَّ حبق لغريه فلم يُقبل رجوعُه عنه ،ويُقبل قوله بعد َخسِرْتُ ،إن احتمل،
كأن عرض كَساد( .و) يف (ردَ) للمال على املالِك ،ألنه ائْتمنَه كاملودع .ويصدق
العامل أيضاً يف قدر رأس املال ،ألن ا َألصْل عدمَ الزَّائِد ،ويف قوله اشْتَرَْيتَ هذا يل أو
صدِهِ ،أما لو كانَ الشِّراء ِبعَنيِ مالَ القِراضِ ،فإِنه للقِراضِ والعَقد يف الذِّمَّة ألنه أعَْلمَ ِبقَ ْ
يقع للقراض ،وإن نوى نفسه ،كما قاله اإلِمام ،وجزم به يف املطلب .وعليه فتسمع
بينة املالك أنه اشتراه بِمالِ القِراضِ .ويف قوله مل تَنْهنَي عن شِراء كذا ،ألن األصل
عدم النهي ،ولو اختلفا يف ال َقدْر املشروط له ،أهو النصف ،أو الثلث ،مثالً؟ حتالف.
وللعامل بعد ال َفسْخ أُجْرةَ املِثْل ،والرِّبح مجيعُه للمالِك ،أو يف أنه وكيلٌ أو مقارِض،
صدَق املالِكُ بيمينه ،وال أُجْرَة عليه للعامِل.
[تتمة] :الشِّرْكة نوعان :أحدمها فيما ملك اثنان مشتركاً بإِرثِ أو شراء .والثاين
ليتجِرا فيه، أربعة أقسام :منها قسم صحيح ،وهو أن يَشتَرِطَ اثنان يف مالٍ هلما َّ
وسائر األقسام باطِلة ،كأن يشْتَرِ َك اثنا ِن ليكَون كسَْبهُما بينهُما بتساو ،أو تفاوتٍ ،أو
ليكون بينهما رِبْحُ ما َيشْتَرِيانِه يف ذِمَّتِهما مبؤجل ،أو حالّ ،أو ليكون بينهما كسبهما
ورحبهما بِبدَنَهِما ،أو مالِهما ،وعليهما ما ُيعْرضُ من غرم ،وشرط فيها لفظ يدل على
اإلِذن يف التَّصرُّف بالبَيعِ والشِّراء ،فلو اقَْتصَر على اشتِرَاكِنا :مل يَكْفِ عن اإلِذْنِ فيه
وَيََتسَلَّط كلّ واحدٍ منهما على التَّصرُّف بال ضَ َررٍ أصالً ،بأن يكون فيه مِصْلحَةً ،فال
يِبيعَ بِثمَنِ مِثْل ومثَّ راغبٌ بَِأزْيد .وال يُسافِرُ به حَيْثُ َلمْ ُيضْطرَّ إليه لنحو َقحْطٍ
ضعَهُ ب َد ْف َعهِ
و َخوْفٍ ،وال يُْبضِعَهُ بغري إذنه ،فإِن سافر به ،ضَمنَ ،وصَحَّ َتصَرُّفه ،أو أْب َ
خلسْرَانُ ِبقَ ْدرِ املالَيْن،
ضمِنَ أيضاً والرِّبْحُ وا ِ
ِلمَنْ َي ْعمَل هلما فيه ،ولو تَربَّعاً بال إِذْنَِ ،
سدَ ال َعقْد ،فلِكُلَ على اآلخر أجْرَةُ َع َملِهِ لَهُ ،وََن َقدَ التَّصرُّف منهما فإِن شَرطا خِالفَهَُ ،ف َ
معَ ذلِك لإلِذن ،وتَْن َفسِخُ مبوتِ أ َحدِمها وجُنونِه ،ويصدق يف دعوى الردِّ إىل شريكه
خلسْران والتَّلف ،يف قوله اشْتَريْتهَ يل أو للشركة ،ال يف قوله اقتسمنا وصار ما يف ا ِ
بيدي يل مع قول اآلخر :ال ،بل هو مشترك ،فاملصدق املنكر ،ألن األصل عدم
القِسْمة ،ولو قبض وارثٌ حصَّته من دين مورِثه ،شاركهُ اآلخَر ولو باعَ شريكان
ص ْفقَة ،وقَبضَ أحدمها حِصَّتَه ،مل يشارِكه اآلخر. عبدمها َ
صبَ حنوَ نَ ْقدٍ أو بَرَ وخَلَطهُ مبالَهِ، [فائدة] :أفىت النووي ،كابن الصالح ،فيمن َغ ِ
ومل يتميز ،بأن له إِفراز قدرَ املغصوب ،وحيلُّ له التَّصرُّف يف الباقي.
(فصل) :يف أحكام الشفعة .إنَّما تَثْبتُ الشَّفعةَ لشرَيكٍ ال جارِ يف بَْيعِ أ ْرضٍ مَع
تابِعها كبِناء ،وشَجَرَ وَثمَرَ غري مؤبر فال ش ْف َعةَ يف شَجر أفرد بالبيع ،أو بَيْع مع مغرسه
97
بالشفْعة مَع بَذِل َّالثمَنِ
الشفِيعُ إلِ بِلفْظ ،كأخَذْتُ َّ
فقط ،وال يف بئر ،وال ميْلِكَ َّ
لل ُمشْتَري.
هِي ُلغَةً :ا ْسمٌ لألُجْرَة ،وشرْعاً ،متْليكُ مَْنفَعةٍ ِب ِع َوضٍ ِبشُروطٍ آتِيةَ( .تصِحُّ إجا َر ًة
بإجياب ،كآجَرْتُكَ) هَذا ،أو أكْرَيْتُكَ ،أو مَلَّكْتُكَ مَناِفعَهُ سَنَةً( :بِكَذا ،وقُبولٌ،
كاسْتَأَجَرْتَهُ) ،واكْتَرَْيتُ ،وقَبِ ْلتُ .قالَ النَّووي يف شرح املهذب ،إن خالف املُعاطاة
جيري يف اإلِجارَة والرَّهنِ واهلِبة ،وإمنا تصح اإلِجارَةُ( ،بأجْرٍ) صَحَّ كوْنُه مثناً ( َمعْلومٌ)
الذمَة ،وإال ك َُّفتْ معاينَتَهُ يف إجارةِ صفَةً ،إن كانَ يف ِّ للعاقِدينَ ،قدْراً ،وجِنْساً ،و ِ
العَيْن أو الذِّمة ،فال َيصِحُّ إجارَةُ دارٍ ودابَّة ِبعِمارَةٍ هلا وعَلَفٍ ،وال اسْتِْئجَارِ ِلسَلْخِ شاةٍ
َقومَة) أي هلا قيمة (معلومَة) ،عيناً، جبلدٍ ،ولِ َطحْنِ حنو بَرَ بَبعْضِ دَقيقٍ (يف مَنفعةٍ مَت ِّ
صفَةٍ (واِقعَةً للمُكْتَري غري مَُتضَمِّنٍ ،السْتِيفَاءِ عنيٍ َقصْداً) بأن ال يتضمَّنه وقدْراً ،و ِ
العقد .وخَرَج مبتقومّة ما ليسَ هلا قيمَة ،فال َيصِحُّ اكتراءُ بيَّاعٍ للتلفظ مبحض كلمة أو
كلماتٍ يسرية على األوجه ،ولو إجياباً وقبوالً ،وإن رُوِّجَت السِّلعة ،إذ ال قيمة هلا.
ومن مث اختُصَّ هذا مببَيعٍ ُمسَْتقِرِّ القِيمة يف البَلدِ ،كاخلُبْزِ ،بِخالفِ حنو عَبْد وَثوْب مِما
خيْتَلِفُ َثمَنَهُ باختالفِ مُتعاطِيه ،فََيخْتَصُّ بَْيعَه ،من البَيَّاع مبزيد َن ْفعٍ ،فََيصِحُّ استئِجارَهُ
عليه .وحيث مل يصح ،فإِن َت ِعبَ بِكَثْرَةِ تَردُّد أو كالم ،فَلهُ ُأجْ َرةَ املِثْل ،وإال فال.
وأفىت شيخنا احملقق ابن زياد حبُ ْرمَة أخْذِ القاضي األُجْرَة على مُجرَّدِ تَليقنِ اإلِجيابْ ،إذ
ال كِلفة يف ذلك ،وسَبقَة العالمة عمر الفىت ،باإلِفتاء باجلواز إن مل يكن ويلّ املرأة
والزوْج صيغَة النِّكاح ،فله أن يأخذ ما اتَّفقا عليه بالرِّضا ،وإن فقال إذا لقنَّ الوَيل َّ
كثر ،وإن مل يكن هلا ويلٌّ غريَه فليس له أخذ شَيءٍ على إجيابِ النِّكاح ،لوجوبه عليه
حينئذٍ ،انتهى .وفيه نظر ملا تقرر آنفاً ،وال اسْتِْئجَارَ دراهم ودنانري غري املعراة للتَّزين،
ألن مَنْفعَة حنو التزيني هبا ال تقابَل مبال ،وأما املِعراة :فيصح استِئْجارُها ،على ما حبثه
األذرعي ألهنا حينئذ حِلى ،واستئجار احلِلى صحيح قطعاً .ومبعلومة ،استئجار
اجملهول ،فآجرْتُكِ إحدى الدارين باطل ،وبواقعة للمُكتَري ،ما يقع نفعها لألجري ،فال
يصح االستئجار لعبادة ُتجِب فيها نِيَّة غريَ ُنسُكٍ ،كالصَّالةِ ،ألن املنعة يف ذلك
لألَجري ال ا ُملسْتَأجِر واإلِمامة ،ولو ُنقِلَ كالتَّراويحِ ،ألن اإلِمام ُمصَلَ لنفسِه ،فمن أرادَ،
اقتُدِي به ،وإن مل ينوِ اإلِمامة أمَّا ما ال حيتاجِ إىل نِيْة ،كاألَذانِ واإلِقامة فيصح
جهْيزِ املَيْتِ ،وتَعليمِ االسْتِْئجْارُ عليه ،واألُجْر ُة مقابلةً جلميعه ،مع حنو رِعاي َة ال َو ْقتِ ،وََت َ
القُرآنِ كلِّه أو َب ْعضِه ،وإن تعيَّن على املُعلِّم ،للخرب الصحيح" :إن أحق ما أخذمت عليه
أجراً :كتاب اهلل" قال شيخنا يف شرح املنهاجَ :يصِحُّ االسْتِْئجَارُ لِقراءَةِ القرآن عِْندَ
ال َقربِ أَو معَ الدُّعاءِ ِبمِثْلِ ما َحصَل لهُ مِنَ األَجْرِ لهُ أو ِل َغريِه ِعقْبَها ،عَيِّنَ زَماناً أو مَكاناً
أو ال ،ونِيَّة الثَّوابِ له غري دعاء َلغْو ،خِالفاً جلَمعٍ ،وإن اخْتارَ السَّبكي ما قالوه ،وكَذا
حضْرَةِ ا ُملسْتَأجِرِ ،أي أو حنو َوَلدِه، ت قِراءَيت أو ثَوابُها لَهُ خِالفًا لِجمعٍ أيضاً ،أو ِب َ
أ ْهدَْي ُ
ضعُها ض ُهمْ ،وذلك ألن مَو ِ فيما يظهر ومع ِذكْرِه يف القَلب حالَتُها ،كما ذكَ َرهُ َب ْع َ
ضعُ َب َركَة وتَنَزّل رحْمة ،والدعاء بعْدها أقْرَب إِجابة ،وإحضارُ املُستأْجِرُ يف القَلب َم ْو ِ
سََببٌ لِشمُولِ الرمحةِ له إذا نَزلت على قَ ْلبِ القاريء ،وأْلحَقَ هبا االسْتِْئجَارُ ِل َمحْضِ
الذكرِ ،والدعاء ِعقَبَه ،وأفىت بعضهم ،بأنه لو تَرك من القِراءَةِ ا ُملسْتأجِرَ عليها آيات،
لَ ِزمَهُ قِراءَةَ ما تَركهَ ،وال يلزمه اسْتِئْنَافَ ما َبعْده .وبأن من اسْتُوءْجِرَ ِلقَرا َءةٍ على قربٍ،
ال يَلزمَهُ عند الشُّروع أن يَنوي أن ذلك عما استؤجر عنه ،أي بل الشَّرطُ عدم
الصارف.
98
فإن قلت :صَرَّحوا يف الن ْذرِ بأنه ال بدّ أن ينوي أهنا عنه .قلت :هنا قرينة
صا ِرفَةٌ لوقوعِها عما استؤجِر له ،وال كذلك ُثمّ ،ومن مث لو استؤجِرَ هنا ِلمُطْلَقِ
حضْرَتِه مل ُيحَْتجْ َصححْناه :احْتاجَ لِلنِّية فيما يَ ْظهَرُ أوالً ِلمُطلقها ،كالقِراءة ِب َ القراءة و َّ
هلا ،ف ِذكْرُ القَبْرِ مثال ،انتهى ملخصاً .وِبغَري مُتَضَمِّنٍ السْتِيفاءِ عني ما َتضَمَّنَ
استيفاءَها ،فال يصح اكْتَراءَ بستانٍ لَثمَرَتِه ،ألن األَعيانَ ال تَملِكُ بعقد اإلِجارَة َقصْداً،
ونَقل التّاجُ السُبكي يف توشيحه اخْتِيارَ والدِه التقي السَّبكي يف آخِرَ ُعمُرهِ ،صِحَّة
إجارَة األَشْجارِ لَِثمَرِها ،وصَرَّحوا ِبصِحَّةِ اسْتِئجارِ قَناةٍ أو بِئرٍ لِإلِنِْتفَاعِ بِمائِها
للحاجَةِ .قال يف العُبابِ :ال يَجوزُ إجارَةَ األَرضِ ِل َدفْنِ املَْيتِ ِلحُرْمة نَْبشِهِ قبل بالئِه،
وجَهالةَ وقت البلى
جبُ (على مُكْرٍ َتسْليم مفْتَاحِ دارٍ) ملُكْتَرٍ ،ولو ضاعَ من املُكتري ،وجب (و) َي ِ
جبُ جدَيدَه .واملراد باملِفتاح ،مفتاحُ الغِلقِ املُثْبت .أمَّا غريه ،فال َي ِ على املُكْري َت ْ
تسْلِيمَه ،بل وال ِقفْله ،كَسائرِ املنْقوالتِ( .وعِمارَتُها) ،كبناءٍ وتَطيْني سطحٍ ،ووضْع
بابٍ ،وإصالحَ مُنْ َكسِرٍ .وليس املراد بكون ما ُذكِرَ واجباً على املُكري أنه يأمث بتَ ْركِه،
أو أنه ُيجْبَر عليه ،بل إنه إن تَركَه ،ثَبت للمُكتري اخليار ،كما بَيْنَته بقويل( :فإِن
بادر) وفَعل ما عليه ،فذاك (وإال فللمكتري خيار) إن نَقصتْه املَنْفعة( ،وعلى مُكترٍ.
تَنْظِيفَ عِ َرصَتِها) أي الدار( ،من كناسة) ،وثَلجٍ ،والعِ ْرصَة :كل ُبقْعةٍ بني الدور
واسِعة ليس فيها شيء من بِناء ،ومجعها :عَرَصات( ،وهو) أي املُكْتري (أمني) على
قدرُت بِ َزمَنٍ ،أو مُدَّة إِمكان اإلِستيفاءِ إن قدِّرت العني املكتراة (مدّة اإلِجارة) إن ِّ
ِب َمحَلِّ عمل( ،وكذا بعدها) ما مل َيسْتعملها ،اسِتصْحاباً ملا كان ،وألَنه ال يل َزمَهُ الرَّدُّ
سدَ ال َع ْقدُ .وإنَّما الذي عليهَِّ ،التخْلِيَة، وال مُوءْنَتَهُ ،بل لو شَرَطَ أ َحدُمها َعلَيْهَ ،ف َ
كالوَدِيع ،ورَجَّحَ السَّبْكي أنه كاألمانَة الشرَّعِية ،فيلْزمَه إِعالمَ مالِكها هبا أو الرَدُّ
ضمِن .واملعتمَدُ خِالفهُ .وإذا قلنا باألصَحِّ أنَّه ليسَ عليه إال التَّخليَة، فوراً ،وإال ُ
فقضيَّته أنهُ ال يَلْزَمُ إِعْالمَ املُؤجَّر بَِتفْرِيغ العَيْن ،بل الشَّرط أن ال يسْتَعمِلهَا ،وال
َيحِْبسَها لو طَلبَها .وحينئذٍ يَلْزمُ من ذلك أنَّه ال فَرْقَ بني أن ُيقْفِلَ بابٌ حنوَ احلانوتِ
بعد تفريغِه أو ال .لكن قالَ الَبغَوي :لو اسْتَأْجَر حانوتاً َشهْراً ،فأغْلَقَ باَبهُ ،وغابَ
َشهْرَيْن ،لزمه املسمى للشَّهر األول ،وأجْرة املِثْل للشَّهر الثَّاين .قال شيخنا يف شرحِ
املِنْهاج :وما ذكَره البَغوي ،يف َمسْألة الغِيبَة ،متجه ،ولو استعمل العَيْن بعد املُدَّة لَ ِزمَهُ
أُجْرةَ املِثْل (كأجري) فإِنه أمني ،ولو َب ْعدَ املدَّة أيضاً( ،فال ضَمانَ على واحدٍ منهما)
فلو اكْتَرى دابَّة ،ومل يَنَْت ِفعْ هبا فِتُِل َفتْ ،أو اكْترا ُه لِخياطَة ثوْب أو صَْبغِه فََتلَف ،فال
ضمَنُ ،سواء انْفَرد األَجريُ بالَيدِ أم ال ،كأن قَعدَ املُكْتَري معه حىت َي ْعمَل ،أو أحْضَ َرهُ ُي ْ
مَنَ ِزلَهُ لَِي ْعمَلَ( ،إال بَِت ْقصِري) كأن تَركَ املُكْتَري اإلِنِْتفَاعَ بالدَّابة فتََلفَت ِبسََببٍ ،كاْن ِهدَامِ
َسقْفِ اصْطَبْلِها عليها يف وقتٍ لو انتفعَ هبا فيه عادَة سَِلمَت ،وكأن ضرَبَها ،أو
ضمَن أجريٌ لِح ْفظِ دُكان مثالً إذا أ َخذَ غريَه ما فيها .قال أرْكبَها أثْقلَ مِنْه .وال َي ْ
خل ِفريِ ،وكأن اسْتَأَجْرَهُ لريعى دابته فأعطاها آخرَ الزرْكَشي :إنه ال ضَمانَ أيضاً على ا َ َّ
يرعاها فيضْمنَها كلٌّ مِْنهُما ،والقرار على من تُلِفَت بيده .وكأن أَسْرَفَ خَبَّازٌ يف
ضمَن ،ويَصدقُ األَجريُ يف أنه مل الوَقُودِ ،أو ماتَ املتعلِّم من ضَرْب املعلِّم ،فإِنه َي ْ
يُقصِّر ،ما مل يُشهد خبريان بِخالفه .ولو اكْتَرى دابَّة لَيَ ْركَبَها اليوم وير ِجعَ غداً ،فأقام
ضمِنَها فيه فقط ،ألنه استعملها فيه َتعَدِّياً .ولو اكْتَرَى عبداً هبا َورَجِع يف الثالثَ ،
ضمِنَهُ مع ضعَهَُ ،فذَهب به من بََلدِ العَ ْقدِ إىل آخَر ،فأبِقََ : ِلعَملٍ َمعْلوم ،ومل يُبَيِّن َم ْو ِ
األُجْرَةِ.
99
حوِ القِصارِ حَبْسَ الثَوبِ ،كرهْنِه ،بأُجرَتِه حىت َيسَْتوْفيها( .وال [فرع] :جيوزُ لَن ْ
أجْرَة) لِعملَ :كحَلْ ِق رَأْسٍ ،وخِياطَة ثَوْب ،وقِصا َرتَهُ ،وصَبغِه ِبصَْب ِغ مالِكه (بال شرط)
األجرة .فلوْ دفع ثَوْبَه إىل خَيَّاطٍ ليَخيطَ ،أو قصَّارٍ لُيقَصِّره ،أو صَبَّاغ لَيصْبغه ،ففَعل،
ومل يذكر أحدمها أُجْرَةً ،وال ما يفهمها ،فال أجْرَةَ له ،ألنه مُتَبَرِّعٌ .قالَ يف الَبحْر:
وألنه لو قال اسكنِّي دارَك َشهْراً ،فأسْكَنَه ،ال َيسَْتحِقُّ عليه أُجْرةً إِجْماعاً ،وإن عُرِفَ
بذلك العَملَ هبا ،لعدم الْتِزامِها .وال ُيسْتَثْنَى وُجوبُها على داخل محام ،أو راكب
سفينة مثالً بال إذن ،السْتِيفائِه املْنفَعة من غري أن َيصْ ِرفَها صاحِبهَا إليه بِخالفه بإِذنه.
أما إذا ُذكِرَ أُجْرَة ،فََيسَْتحِقَّها قَطْعاً إن صَحَّ العَ ْقدُ ،وإال فأُجْرة املِثْل .وأما إذا عُرِّضَ
هبا ،كُأ ْرضِيكَ ،أو ال أخيَبك ،أو ترى ما ُيسّركَ ،فيجب أجْرَة املِثْل (وَتقَرَّرَت) أي
األُجرة اليت ُسمِّيت يف ال َعقْد (عليه) أي املُكتري (مبضيِّ مدَّةٍ) يف اإلِجارَة املقدَّرة
بوقتٍ أو مضيِّ مدة إِمكانِ االستيفاء يف املقدرة بِعمَلِ (وإن مل يَستوفِ) ا ُملسْتأجِر
املَْنفَعة ،ألن املناِفعَ تَِلفَت حتت َيدِه ،وإن تُرِكَ لنحو مَريضٍ ،أو َخوْفَ طَريقٍ ،إذ ليسَ
على املُكري إال التَّمكنيَ مِن اإلِسْتِيفاءِ ،وليسَ لهِ ،بسََببِ ذلكُ ،فسِخَ وال رَ ّد إىل
تيسريِ ال َعمَل (وتَنْفَسِخُ) اإلِجارَةُ (بِتَلِفِ ُمسْتَوىف منْه ُمعَيّن) يف ال َع ْقدِ ،كموتِ حنو دابة
وأجريٍ معيَّنَيْنِ ،وانْهدام دارٍ ،ولوْ بفعل ا ُملسْتأْجِرِ (يف) زمان (مستقبل) لِفواتِ حملِّ
املنفعة فيه ،ال يف ماضٍ َب ْعدَ القَبْضِ إذا كان ِلمِثْلِهِ أُجْرَة ،السِْتقْرَارِه .بالقَبْضِ ،فيستقرّ
قسْطَهُ من املسمى باعتبار أُجْرة املِثْل ،وخَ َرجَ بِا ُملسْتَوىف منه ،غريه مما يأيت وبا ُملعَيَّن يف
العَقْد ،املُعني عما يف الذِّمة ،فإِنَّ تََل َفهُما :ال يوجبُ انْفِساخاً ،يل يُبَدَّالنِ ،ويَثْبُتَ
اخليَارُ على التَّراخي ،على املُعتمَد ،بعَيْب حنو الدابة املقارنِ إذا َجهِلَه ،واحلادِثَ
َررِه وهو ما أثَّر يف املََن َفعَة تأثرياً يَظهر به تفاوُتَ أُجْرَتَها ،وال خَيارَ يف إِجارَة الذِّمة
لَِتض ُّ
ِبعَْيبِ الدابّة ،بل يَلَ َزمَهُ اإلِبدالُ .وجيوزُ يف إِجارَةِ عَيْنٍ وذِمَّةٍ اسْتِبدالَ ا ُملسْتويف،
كالراكِب ،والسَّاكِن ،وا ُملسْتوىف به كاملَحمولِ ،وا ُملسْتَوىف فيه كالطّريق ِبمِثْلها ،أو
بدون مثلها ،ما مل َيشْتَرط عدم اإلبدالَ يف اآلخرين.
[فرع] :لو اسْتَأْجَر َثوْباً لِلَّبْسِ املطلق ،ال يَلِبسَهُ وقت النَّوم ليالً ،وإن اطَّردت
عادهتم بذلك ،وجيوز ملستَأجِر الدابَّة مثالً منْع املؤجِّر من َحمْل شيء عليها.
[فائدة] :قال شيخنا :إن الطَّبيبَ املاهِر ،أي بأن كان خَطوه نادِراً ،لو شُرِطَتْ
له أجْرةٌ ،وأُعْطِيَ مثن األدوية ،فعاجله هبا ،فلم يَبْرأ ،اسْتَحقَّ املسمى ،إن صحَّت
اإلِجارَة ،وإِال فأجْرَة املِثْل .وليس للعَليلِ الرجوعَ عليه بشيء ،ألن ا ُملسْتَأْجَرَ عليه
املعالَجة ال الشِّفاء ،بل إن شُرِطَ ،بَطُلت اإلِجارَة ،ألنه بيد اهلل تعاىل ال غري .أما غري
املاهر ،فال َيسَْتحِقَّ أُجْرةً ويرجع عليه بثمن األدوية ،لِتَقصريه مبباشَرتِه مبا ليس له
بأهل .ولو اختلفا :أي املُكري واملُكترَي (يف أجرةٍ أو مدَّة) أو قدْر مَْنفَعة ،هل هي
عشرة فَراسِخ ،أو مخسة؟ أو يف قدر املستأجر :هل هو كل الدار ،أو بيتٍ منها؟
(حتالفا ،وُفسِخْت) ،أي اإلِجارَةَ ،و َو َجبَ على املُكتري أجرَة املِثْ ِل ملا اسْتوفاه.
[فرع] :لو وُ ِجدَ ا َملحْمولُ على الدابة مثالً ناقِصاً نَقْصاً يؤثر ،وقد كالَهُ املُؤجِّر،
حُطَّ َقسْطَهُ من األجْرة ،إن كانت اإلِجارَة يف الذمة وإال مل ُيحَطَّ شيء من األجْرة.
ولو اسْتَأْجَر َسفِينَةً فدَخلها َسمَكٌ ،فهل ه َو لَهُ ،أو للمؤجَّر؟ وجهان.
[تتمة] :تَجوزُ ا ُملسَاقَاةُ وهي أن يعامل املالِكَ غريَهُ على َنخْلٍ أو َشجَرِ عِْنبٍ
َمغْروس معيّن يف العقد مرئي هلما عنده ليتعهَّده بالسَّقي والتربية ،على أن الثَّمرة
احلادِثة أو املوجودَة هلما .وإال تَجوزُ يف غري َنخْلٍ وعِنَبٍ ال تِبَعاً هلما .وجَوَّزها القدمي
يف سائِر األشْجارِ ،وبه قال مالك وأمحد ،واختارَه َج ْمعٌ من أصحابِنا ،ولو ساقاهُ على
وَديَ غري مغروسٍ ليغْرِسَهُ ويكون الشَّجر أو مثرته إذا أَثْمَرَ هلما ،مل َتجُز ،لكن قضية
100
كالمَ جَمعٍ من السَّلف ،جَوازَها ،والشَّجرُ ملالِكِه ،وعليه لذي األ ْرضِ أجْرَةَ مِثْلها،
واملُزَارعَة :هي أن يعاملَ املالِك غريَه على أ ْرضٍ ليزرَعها ِبجُزءٍ َمعْلوم مما َيخْرُج مِنْها،
والبِ ْذرُ من املالِك ،فإِن كان البِذَر من العامِل ،فهي خمابِرَة ،ومها باطالن ،للنهي
عنهما ،واختار السَّبكي ،كجَمع آخرين ،جَوازَمها ،واستدلوا بعمل عمر رضي اهلل
عنه وأهل املدية ،وعلى املرجح ،فلو أُفْرِدَت األرض باملزارَعة ،فاملغَلَّ للمالك ،وعليه
للعامِلَ أجْرَةُ عَملِه ودَوابِه وآالتِه ،وإن ُأفْرِدَتِ األَرض باملخابرة ،فاملغل للعامل ،وعليه
ملالك ا َأل ْرضِ أجْرة مثلِها وطريق جعل الغَلَّة هلما وال أُجْرة أن يَكَتري العامِل ِنصْفَ
األَ ْرضِ بِِنصْفِ البِذْر ونصف َعمَله ونصف منافِع آالته ،أو بنصف الِبذْر ويتبَرَّعَ
بالعَملِ واملنافِع إن كان البِذر منه ،فإِن كان من املالِك استأْجَرة بنصف البذر ليزرَعَ
له النصف اآلخر من الِبذْر يف ِنصْفِ األرض ،ويُعريهُ نصفها.
خفِيفِها :وهيَ اسمٌ ملا يُعارُ لل َع ْقدِ املتضمَّن إلِباحَةِ اإلِنْتفاعِ مبا بَِتشْديدِ الياءِ وَت ْ
َيحِلُّ اإلِنتفِاعُ بِه َمعَ بقاءِ عَيْنهِ لريدَّه .من عارٍ :ذَهب ،وجاء بسرعة ،ال مِن العار.
صحَّة جبُ ،كإِعارَةِ ثوبٍ توقَّفت ِ وهي ُمسْتحبَّةٌ أصالة ِلشِدَّة احلاجَةِ إليها ،وقد َت ِ
الصَّالةِ عليه ،وما يُْن ِقذُ غَريقاً ،أو ُيذْبحُ بِه حَيونٌ ُمحْتَرمٌ ُيخْشى َموْته( .صح) مِن ذي
تَبَرُّع( .إعارةِ عن) غَيْرِ ُمسَْتعَارَةٍ (النتفاع) َمعَ بقاءِ عَيْنِه (مملوك) ذلك اإلِنْتِفاع ،ولو
بِوصيَّةٍ أو إجا َرةٍ أو وقْف ،وإن مل َيمْلك العَيْن ،ألن العارِيّة تُرد على املَْنفَعة فقط.
وقيَّد ابن الرِفعة صحتها مِنَ ا َملوْقوفِ عليه ،مبا إذا كان ناظِراً .قال اإلسْنوي :جيوزُ
لإلمام إعارَةَ مال بيتِ املال (مباح) فال يصح إعارَة ما َيحْ ُرمُ اإلِنْتِفاعَ به كآلةَ هلوٍ،
خدَمةِ أَجْنَيب ،وإمنا تصح اإلِعارَةُ من أهلِ َوفَرَسٍ ،وسِالحٍ لِحَرْبِي ،وكَأَمة ُمشْتَهاة ِل ْ
شعِرُ بإِذْنٍ فيه) أي اإلِنْتِفاع( .كَأَعَرْتُكَ ،وأَبحْتُكَ) مَنْفعة ،وكارْكبْ، تربُّع( .بلفظ ُي ْ
وخُذهُ ِلتَنَْت ِفعَ به .ويَكفي لفظ أحدمها مع ِفعْل اآلخر .وال جيوزُ ُملسْتَ ِعريٍ إعارَةَ عَيْنٍ
مسْتعارة بال إذنِ مُعريٍ ،وله إنابة من يستويف املنفعة له ،كأن يَرْكب دابة استعارها
للرُّكوب من هو مثله أو دونه حلاجَتِه ،وال َيصِحُّ إعارَة ما ال يُنَْت َفعُ به مع بقاءِ عَيْنِه،
كالشَّمع للوَقود ،السْتهِالكِه .ومن ثُم ،صحَّت للتَّزيُّن به ،كالنَّقد ،وحيث مل َتصِحُّ
ضمِنَت ،ألن للفا ِسدِ ح ْكمُ صَحيحِه ،وقيل ال ضَمان ،ألن ما جرى العارِيَّة َفجَرتُ ،
بينَهما ليس بعارِية صحيحَة ،وال فاسِدة ،ولو قال ا ْحفِر يف أرْضي بِئْراً لَِن ْفسِكَ،
فحفَر ،مل يَملِكَها ،وال أُجْرَةَ لَهُ على اآلمِر ،فإِن قال أمَرْتَين بأَجْرة ،فقال مَجاناً،
صدّق اآلمر ،ووارَثه .ولو أرسل صبياً ليسَْت ِعريَ له شيئاً ،مل يصح ،فلو تَلفَ يف يَدهِ ،أو
ضمَنه هو ،وال مُرْسَِلهُ ،كذا يف اجلواهِر( .و) جيب (على ُمسَْت ِعريٍ ضَمانَ قيمَةِ أتْلفَهُ مل َي ْ
َي ْومِ تَلفْ) للمُعارِ إِن تَلفَ كلَّه أو بَ ْعضَه يف َيدِه ،ولو بآفةٍ من غري َت َقصْريَ ،ب َدالً أو
أرَشاً ،وإن شرطا عدم ضمانِه ،خلرب أيب داود وغريه :العارِيَّة َمضْمونَة ،أي بالقيَمة،
يومَ التَّلَفِ ،ال ي ْومَ القَبْضِ يف املَُتقَوِّم ،وباملِثْلِ يف املثلي على األوْجه .وجزَم يف األنوار
بلزو ِم القيمَة ،ولوْ يف املثلي :كخَشبٍ ،و َحجَر .وشَرْطُ التَّلفِ املضمَن ،أن يَحصُل (ال
باستعمالٍ) ،وإن حَصل معه ،فإِن تَلَفَ هو ،أو جُزؤهُ باستعمالِ مأذون فيه:
كركوبٍ ،أو محلٍ ،أو لبس اعْتيدَ ،فال ضمانَ لإلذن فيه ،وكذا ال ضمان على
ُمسَْت ِعريٍ من حنو مُسْتَأْجِر إجارَة صحيحة ،فال ضَمانَ عليه ،ألنه نائبٌ عنه ،وهو ال
يضمن ،فكذا هو .ويف معىن ا ُملسْتَأَجِر ،املوصى له باملنفعة ،واملوقوفَ عليه ،وكَذا
ب موقوفٌ على ضمَانَ عليه ،كالراهِن ،وكتا ٌ ُمسْتعارٌ لرَهْنِ تلَفَ يف يدِ مُرَْتهِن ال َ
101
املسلمني مثالً استعارَهُ فقيه فَتَلفَ يف َيدِه من غري َتفْرِيط ،ألنه من مجلة املوْقوفِ
عَلَْيهِم.
[فرع] :لو اختلفا يف أنَّ التلف باالسِْتعْمالِ املأذون فيه ،أو ِبغَيْره :صدَق املُعريُ،
سقِطَهُ( .و) كما قاله اجلالل البلقيين ،ألن األصل يف العارية ،الضَّمان ،حىت يثُبتَ ُم ْ
جبُ (عليه) أي على املسْتعَري (مُؤنةَ رَدّ) للمُعارِ على املالِك وخرج مبؤنة الرَّد ،مُؤنة َي ِ
املُعارِ ،فتلزم املالِك ،ألهنا من حقوق امللك .وخالفَ القاضي ،فقال إهنا على املسْتعري.
(و) جاز (لكل) من املعري واملستعري (رجوع) يف العارية ،مُطْلَقة كانَت أو مؤقتَّة ،حىت
ضعِه يف القَبْر ،ال بعد املُواراة ، يف اإلِعارَة ِلدَفنْ مَْيتٍ قَبْلَ مواراتِه بالتُّراب ،ولو َب ْعدَ َو ْ
حىت يَبْلى ،وال رُجوعَ ملستعريٍ حيث تَلْزَمه اإلِستعارَة ،كإِسْكانِ ُمعُتَدَّة ،وال ملُعريٍ يف
سفينةٍ صارَت يف اللجَّة وفيها متاعُ املستعريِ .وحبث ابن الرفعة أن له األجرة .وال يف
ِجذْع لدَعْم جدارٍ مائِل بعد استنادِه ،وله األجْرَةُ من الرُّجوع .ولو استعارَ للبِناءِ أو
الغراس ،مل َيجُزْ له ذلك إال مرَّة واحدة .فلو قَلَع ما بناهُ أو غَرَسَه ،مل َيجُز له إعادَة
إال بإِذن جَديد ،إال إذا صُرِّح له بالتَّجديد مرَّة أخرى.
[فروع] :لو اخْتَلَف مالكٌ عَيْن واملَُتصَرِّف فيه ،كأن قال املتصرف أعَرْتَين ،فقال
املالك بل آجَرْتُكَ بكذا .صدَق املتصرفُ بيمينه ،إن َبقِيتَ العَيْن ،ومل َيمْضِ مدة هلا
أجرة ،وإال حُلِّفَ املالكُ واستحقَّها ،كما لو أكل طعام غريه وقال كنت أحبتَ يل،
وأنكر املالك ،أو عَ ْكسَه ،بأن قال املتصرِّفُ آجَرْتَين بكذا ،وقال املالِكُ بل أَعرتُكَ
صدَق املالِك بيمينه ،ولو أعطى رجُالً حانوتاً ودراهم ،أو أرْضاً وِبذْراً، والعَيْن باقِيةَ ،
وقال اتِجَّر ،أو ا ْزرَعه فيها لنفسِك ،فالعقارُ عارِيَّة ،وغريَهُ قَ ْرضٌ ،على األوجه ،ال هِبَة
صدِهِ ،ولو أخذ كوزاً من َسقَّاء لَيشْرَبَ مِنْه ،فوقع من خالفاً لبَعضهم ،ويَصدُقُ يف َق ْ
ضمِنه ،دون املاء ،أو ِب ِعوَض واملاءُ يده وانكسر قِبلِ شربه أو بعده ،فإِن طلبه جماناًَ ،
قدر كفايته ،فعكسه .ولو استعارَ حِلياً ،وألْبَسهُ بِنْتَه الصغرية ،مث أمر غريه حبفْظِه يف
ُرمَ املالِكُ ا ُملسْتَعري ،وير ِجعُ على الثاين ،إن عَلِم أنه عارِية ،وإن مل بيته ،ففعل ،فسُرِق غ ِّ
يكن يعلم أنه عارِية ،بل ظنَّه لآلمِر ،مل يُضمَّن .ومن سكنَ داراً مدة بإِذنِ مالِك أهل،
ومل يذكر له أجرة ،مل تَلْزَمه.
[مهمة] :قال العبادي وغريه يف كتاب مستعار رأى فيه خطأ ال يصلحه إال
املصحف فيجب .قال شيخنا :والذي يتَّجه أن اململوكَ غري املصحف ال يصلح فيه
صحَف ،لكن إن مل ين ُقصْهُ شيء ،إال إن ظن رضا مالكه به ،وأنه جيبُ إصْالحَ ا ِمل ْ
َيقن اخلطأ فيه. خطه ،لرداءَته ،وأن الوقَف جيب إصالحَه ،إن ت َّ
(فصل) :يف بيان أحكام الغصب .ال َغصْب :استيالءٌ على حقّ غريٍ ،ولو مَْنفَعة،
جدٍ أو سوقٍ بال حَقََ ،كجْلوسِهِ على فِراشِ غريِه ،وإن مل يَْنقُله، سَ كإِقامة من قَعد بِ َم ْ
وإزْعاجَه عن دارِه ،وإن مل َيدْخُلْها ،وكرُكوبِ دابَّة غ ِريهِ ،واسْتِخدام عبْده( .وعلى
ضمَنُ ) صبٍ إىل تَلَفٍ وَي ْصبِ :ردُّ وضمَانِ متموِّل تلفَ بأقصى قيمَه من حني غ ْ الغا ِ
مِثْلي ،وهو ما حَصَرَهُ كيْلٌ ،أو َوزْنٌ .وجاز السََّلمُ فيه كقُطْنٍ ،ودَقيقٍ ،وماءٍ و ِمسْكٍ،
ونُحاسٍ ودراهمٍ ودنانريٍ ،ولو مغشوشاً ،ومترٌ ،وزبيبٌ ،وحبٌّ جافٌ ،ودهنٌ ،ومسنٌ
ضمَن بَأقْصى قِيمَ من َغصْب إىل (مبثله) يف أيّ مكانٍ حُلَّ به املِثلّي ،فإِن ُف ِقدَ املِثْل ،فََي ْ
َفقْد .ولو تَلف املِثْلي :فَلَهُ مُطالَبَتَهُ بِمثِله يف غريِ املَكانِ الذي حلَّ به املِثْلي ،إن مل يَكُن
متقومٌ أتلف ،كاملنافِع لَِنقْلِهِ مُوءْنَة ،وَأمِنَ الطَّريق وإال فبأقْصى قِيمَ املَكان .ويضْمنُ ِّ
واحليوان ،بالقيمَة .وجيوزُ أ ْخذُ القيمةِ عن املِثْلي بالتَّراضي .وإذا أخذ منه القِيمة،
فاجْتمعا ببلد التلف مل يرجعا إىل املثل ،وحيث وَجَب مثل ،فال أثَر لغَالءٍ ،أو رُخْص.
102
ضمِنَها ،أو حبادِث ريحٍ ،فال .وكذا [فروع] :لو حلَّ رِباطُ سفينةٍ َفغَ ِرَقتْ بسَبَبِهِ َ
إن مل يظهر سبب ،ولو حُلّ وثاقُ هبيمة ،أو عبدٌ ال مييِّز ،أو فَتَح قفصاً عن طَيْر،
ضمِنَ إن كان بِتَهييجه وتنفريه .وكذا إن اقُتصِر على الفتح ،إن كان فخرجَواُ ،
اخلروج حاالً ال عبداً عاقالً حلّ قيده فأَبِق ،ولو ُمعْتاداً لإلِباقِ .ولو ضربَ ظاملٌ عبدَ
ضعَها عنده ولو صبُ بِردِّ العيْن إىل املالِك ،ويكفي و ْ غريه فأبِق ،مل ُيضْمنْ .ويَبْرأُ الغَا ِ
نسيه برِّىء بالردّ إىل القاضي .ولو خلط مِثْلياً أو مُتقوِّماً مبا ال يتميز :كَدُهْنٍ ،أو
َحبَ ،وكذا ِدرْهَمٍ ،على األوجه ،جبنسه ،أو غريه ،وتعذَّر التَّمييزُ ،صار هالِكاً ،ال
صبُ ،لكن األوجه أنه حمجورٌ عليه يف التَّصرُّفِ فيه حتَّى ُيعْطى ُمشْترِكاً ،فيملكه الغا ِ
َب َدلَهُ.
ْص َدقَة وا َهلدِيَّة( .اهلِبَةَ :تمْليكُ عَيْنٍ) َيصِحُّ بَْيعُها غالِباً ،أو
أي مُطْلِقها :الشَّامِل لل َّ
دَيْنٌ من أهْلِ تَبَرُّعٍ( ،بال ِع َوضٍ) .واحْتَ ِرزُ بقولنا بِال عَوض ،عن البَْيعِ واهلِبَةِ بِثَوابٍ،
فإهنا بَْيعٌ حقيقَةً (بإِجياب :كوَهَبْتُكَ) هذا ،وملَّكَتكَهُ ،ومْنحَتَكَه( .وقبولٌ) متَّصل به،
سوَتُكَ هذا .وبا ِملعُاطَاةِ على (كقَبِ ْلتُ) ورَضيتُ وتَْن َع ِقدُ بالكِتابَةِ :كَلَكَ هذا ،أو َك ْ
ا ُملخْتار .قال :قال شيخُنا يف شرْحِ املنْهاج :وقد ال ُتشْتَرَطُ الصِّيغةُ ،كما لو كانت
ضمْنِيَّة ،كأَعْتِق عَْبدَكَ عَنِّي ،فأعْتَقهُ ،وإن مل يقل جماناً ،وكما لو زَيَّنَ ولدَه الصَّغري ِ
بِحلى ،خبالف َزوْجَتِه ،ألنه قا ِدرٌ على َتمْلِيكِه بِتَولِّي الطّرَفني .قاله القفَّال ،وأقرَّه
مجع ،لكن اعْتَرض بأنَّ كالم الشيخني خيالِفَهُ ،حيثُ اشْتَرَطا يف هِبَة ا َألصْل ،تَولِّي
الطَّرفني بإِجياب وقبول .وهبة ويلَ غ َريهُ أن يقبلها احلاكم أو نائبه .ونقلوا عن العَبادي
وأقره :أنه لو غَرَسَ أشْجاراً ،وقال عِنْد الغَرْسِ أغْرِسْها البين مثالً ،مل يكنَ إقرْاراً،
خبالف ما لو قال لعيْن يف يَدهِ اشْتَرَيْتُهَا البين ،أو لفالنٍ األجْنَبِي ،فإِنه إقرار .ولو قال
َجعَ ْلتُ هذا البين ،مل َيمْلِكْهُ إال إِنْ قبضَ له ،وضَعَّفَ السَّبكي واألذرعي وغريمها قول
اخلوارزمي وغريه ،أَن إِلباسَ األَبِ الصَّغريِ حِلياً ميلِكهُ إياه .ونقلَ مجاعَةٌ عن فتاوى
صدُقُ بيمِينِه يف أنه مل يَملِكْها ،إن ال َقفّالِ نفسه أنه لو جَهَّز بِنْتَه مع أمْتِعة بِال تَمليكَِ ،ي ْ
ادَّعته ،وهذا صريح يف رَدِّ ما سَبَقَ عنه ،وأفىت القاضي فيمَن َبعَث بِنْتَه وجِهازَها إِىل
دارِ الزَّوج ،بأنه إن قال هذا جهازُ بنيت ،فهو مالك هلا ،وإال فهو عارِيَة ،ويصدُقُ
بيمينه .وكخ ْلعِ امللوكِ ،العتيادِ َع َدمِ اللَّفظِ فيها ،انتهى .ونَقل شيخنا ابن زياد عن
فتاوى ابن اخلياط :إذا أَهْدى الزوجُ للزوَّجة بعد ال َع ْقدِ بِسبَبهِ ،فإِهنا َتمْلِكَهُ ،وال حيتاجَ
إىل إجيابٍ وقبُولٍ ومن ذلك ،ما َي ْدفَعه الرَّجلُ إىل املْرأة صُبْح الزواج مما يسمى
َزوجَ عليها ،فإِن ذلك تَملِكَهُ املرأة صُْبحِيَّة يف عُرفنا ،وما يدفعه إليها إذا ُغضِبَت ،أو ت َّ
ِبمُجرَّدِ الدَّفع إليها .انتهى .وال ُيشْتَرَطُ اإلِجيابُ والقبولُ قَطعاً يف الصَّدقة ،وهي ما
صدِ الثَّوابَ أَو غَنِياً ألجْلِ ثوابِ اآلخِرة ،بل يَكْفي فيها أعْطاهُ حمتاجاً ،وإنْ مل َي ْق ِ
اإلِعطاءُ واأل ْخذُ وال يف ا َهلدِية ولو غَيْرَ مَأْكولِ ،وهي ما نقلَهُ إىل مَكانِ املوْهوبِ له
إكراماً ،بل يَكْفي فيها البَ ْعثُ مِن هذا ،والقَبْضَ مِنْ ذاكَ ،وكُلُّها مسْنونَة ،وأفضَلُها
الصَّ َدقَةُ ،وأمَّا كِتابُ الرِّسالَة الذي مل َتدُلّ قَرينةٌ على عَوْدِه ،فقد قال املُتَويلِّ إِنه ُملْكُ
املَكْتوبِ إليه ،وقال غريه :هو باقٍ مبلكِ الكاِتبِ ،وللمَكْتوبِ إليهِ اإلِنِْتفَاعُ به على
سَبيلِ اإلِباحَة.
وَتصِحُّ اهلِبَةُ باللفظ املذْكور( :بال تعليق) ،فال َتصِحُّ مع تعليق كإِذا جاءَ رَأسُ
الشَّهرِ َف َقدْ وَهَبْتُكَ ،أو أَبْرَأتُكَ ،وال مع تَأْقيتٍ بغَري عمرى ورقىب فإِنْ َأقَّتَ الوَاهِبُ
شتُ ،صحَّت ،وإِن مل يَقُل املت َهبَِ ،كوَهَْبتُ لكَ هذا ُعمْرُعك ،أو ما ِع ْ اهلِبَة َب ُعمْرِ َّ
103
ِت فهِي ِل َورَثَتُكَ ،وكذا إن شرط َعوْدَها إىل الواهِبِ أو وارِثَهُ َب ْعدَ َموْتِ املت َهبِ فإذا م ُّ
فال تعودُ إليهِ وال إىل وارِثِهِ للخرب الصحيح وَتصِحُّ ويَلْغو الشَّرطَ .فإِذا َّأقتَ ِب ُعمْرِ
الوا ِهبِ أو األَجْنَبِي ،كأ ْعمَرتُكَ هَذا ُعمُري ،أو ُعمْر فُالن .مل َتصِحّ .ولو قال ِلغَيْره
أَْنتَ يف حِلَ مما تأ ُخذُ أو ُتعْطي أو تأكُل من مايل ،فله األَكل فقط ،ألَنه إباحَة ،وهيَ
َتصِح َمبجْهولٍ ،خبِالفِ األَ ْخذِ واإلِعطاءِ ،قاله العَبَّادي ،ولو قالَ وَهَْبتُ لَكَ جَميعَ ما
صفُه معْلوماً هلماً ،وإال فال .ويف َحتْ إن كانَ املالُ أو ِن ْ يل ،أو ِنصْفَ ما يل ،ص َّ
حتُ لَكَ ما يف داري ،أو ما يف كَرْمي ،مِنَ العَِنبِ ،فَلَهُ َأ ْكلُهُ دون األنوار :لو قالَ أَبَ ْ
بَْيعِه ،و َح ْملُهُ ،وإِطْعامُهُ ِلغَيْرِهِ ،وَتقَْتصِرُ اإلِباحَة على املوْجودِ ،أي عندها يف الدَّارِ أو
الكَ ْرمِ .ولو قال أََبحْت لكَ جَميعَ ما يف داري أكْالً واسِْتعْماالً ،ومل ُيعِْلمُ املُبيحُ
حصُلِ اإلِباحَة .اه .وجزَم بعضُهم أن اإلِباحة ال ترتَدُّ بالرَدّ .وشَرْطُ اجلميعَ ،مل َت ْ
جهُول كَبَْيعِهَ ،وَق ْد مَرَّ آنِفاً بَيانُه،ب َكوْنَهُ عَيْناً َيصِحُّ بَْيعُها ،فال َتصِحُّ هِبَةُ ا َمل ْ ا َملوْهو ِ
صحّانَ ،فيما اسْتَ ْظهَرَهُ شيخنا ،وتصِح هِبَةُ املَشاع ،كَبَْيعِه، ص َدقَتَهُ ،فَت ِ
ِبخِالفِ َهدِيَّتهُ و َ
سمَةِ :سوَاءً وهَبَهُ للشَّريك أو غَيْرِه .وقد َتصِحُّ اهلِبَةُ دون البَيْعَ ،كهِبَة حَبَّيت ولو قبلَ ال ِق ْ
بَرَ وحنومها من ا ُملحْقرات ،وجِ ْلدٍ َنجَسٍ ،على تناقض فيه يف الروضة ،وكذا دِهْنُ
مُتَنجَّس
(وتلزم) أي اهلِبَة بأنواعِها الثالثة( :بقبْض) ،فال تلْزَمُ بال َعقْد ،بل بالقَبْض على
اجلَديد ،خلرب أنه أهْدى للنجاشي ثالثني أوقِيَّة ِمسْكاً ،فماتَ قَبْلَ أن يَصِلَ ِإلَيْه،
سمَهُ بني نِسائِه ،ويقاسُ با َهلدِيَّة .الباقي ،وإمنا ُي ْعتَدُّ بالقَبْضِ إن كانَ بإِقباضِ الواهِب َف َق َ
أو بإِذنه أو إذْن وكيله فيه ،وحيتاجُ إىل إِذْنِه فيه وإن كان ا َملوْهوبُ يف يدِ املّت َهبِ .وال
ضعُ بني يَدي املَتهَب بال إذن فيه ،ألن قبضه غري ُمسَْتحِقْ له ،فاعتَرب يَكفي هنا الوَ ْ
َتحَقُّقه ،خبِالفه يف املبيع ،فلو ماتَ أحدَهُما قبل القَبْض ،قامَ مَقامَه وارِثَهُ يف القَبْضِ
وا ِإلقْباض .ولو قبضه فقال الوا ِهبُ ر ِج ْعتُ عن اإلِذْنِ قبله ،وقال املتهَب َبعْد صدَق
الواهب على ما استظهره األذرعي ،لكن ميل شيخنا إىل تصْديق املتَّهب ،ألن األصْلَ
عدَم الرُّجوعِ قَبْلَه ،وهو قَريبٌ .ويكفي ا ِإلقْرارُ بالقَبْض ،كأن قيلَ لهُ وَهَْبتُ كذا من
فالن وأقَْبضْتَهُ ،فقال نعم ،وأما اإلِقرار ،أو الشهادَة مبجرّدِ اهلِبَة .فال َيسْتَلَ ِزمُ القَبْضَ.
ضهُم :ولَيْس لِلحاكِم نعم ،يَكْفي عنه َقوْلُ الواهِب مِلْكها املتَهب مِلْكاً الزِماً .قال بع َ
سُؤالُ الشاهِد عنه ،لئال يتَنبَّه له( ،وألصل) ذكر أو أنثى من ِجهَةِ األَبِ أو األُمِّ وإن
عَال (رَجوع فيما وهب) ،أو َتصَدَّق ،أو أ ْهدَى ،ال فيما أبْرأ (لفرع) وإن سَفَل ،إن
بَقي املوْهوبُ (يف سلطنتَة بال اسْتِهالك) وإن غَرَس األرْضَ ،أو بَىن فيها ،أو ختلَّلَ
عصريٌ موهوب ،أو آجَ َرهُ ،أو َعلَّقَ عِْتقَه ،أو رَهَنَهُ ،أو وَهََبهُ بال قَبْضٍ فيهما لِبَقائِه يف
سَلْطَنَِتهِ ،فال رُجوعَ إن زالَ مِلْكَهُ ِبهِبَةٍ مع قَبْضٍ ،وإن كانَت اهلِبَةُ من اإلِبْن إلِبْنِه أو
ألَخيه ألَبيه ،أو ببيع ،ولو من الواهب ،على األوجه ،أو بوقف .وميتنع الرجوع بزوال
امللك ،وإن عاد إِليه ،ولو بإِقالة أو ردّ بعيب ،ألن امللك غري مستفاد منه حينئذٍ .ولو
وهبه الفرع لفرعه وأقبضه مث رجع فيه :ففي رجوع األب وجهان ،واألوجه منهما:
عدم الرجوع ،لزوال ملكه ،مث عوده ،وميتنع أيضاً إن تعلق به حق الزم كأن رَهََنهُ
لغري أصلٍ وأقبضَهُ ومل ينفك ،وكذا إن استهلك ،كأن تفرّخ البيضُ ،أو نََبتَ احلبُّ،
ألن املوهوبَ صار مستهلكاً.
وحيصل الرجوع (بنحو رجعت) يف اهلبة ،كنقضتها ،أو أبطلتها ،أو رددت
املوهوب إىل ملكي .وكذا بكناية ،كأخذته ،وقبضته ،مع النية ،ال بنحو بيع وإعتاقٍ
وهبةٍ لغريه ووقْفٍ ،لِ َكمَالِ مُلْكِ الفَرْعِ .وال يصحُّ تعليقُ الرُّجُوعِ ِبشَرْطٍ ،ولو زَادَ
ا َملوْهُوبَ رجع بزيادته املتّصلة ،كتعلّم الصِّنعة ،ال املنفصلة ،كاألجرة والولد واحلمل
104
احلادث على ملك فرعه .ويُكْرَهُ لألصلِ ،الرجوع يف عطيّة الفَرْعِ ،إال ِل ُعذْرٍ ،كأن
كان الولدُ عاقاً ،أو يصرفه يف معصيةٍ ،وحبث البلقيين امتناعه يف صدقةٍ واجبةٍ،
كزكاةٍ ،وَن ْذرٍ ،وكَفَّارةٍ ،ومبا ذكره َأفْتَى كثريون ممَّن سََبقَهُ وتأخَّر عنه ،ولَهُ الرُّجوع
فيما أقرّ بأنه ِلفَرْعِهِ ،كما أفىت به النووي ،واعتمده مجعٌ متأخِّرون ،قال اجلال ُل البلقيين
عن أبيه ،وفرض ذلك فيما إذا فسَّره باهلبةِ ،وهو فَرْضٌ ال بدّ منه .انتهى .وقال
النوويَ :لوْ وَهَب وَأقْبضَ ومات فادَّعى الوارِثُ َكوْنَه يف املَرضِ ،واملتهَب َكوْنَهُ يف
ُد َمتْ بَيِّنَةُ الوارِثِ ،ألن معها زيادَة عِلْمٍ صدّقَ .انتهى ولو أقاما بَيِّنتيْن ق ِّ الصِّحةَ ،
(وهِبَةَ َديْنٍ للمَديْن إِبْراءً) له عَنْه ،فال َيحْتاجُ إِىل قُبولٍ ،نظراً للمعىن( .ولغريه) أي
املُديَّن هِبَة (صحيحة) إنْ عَلِما َقدْرهُ ،كما صححه مجعٌ ،تبعاً للنصّ ،خالفاً ملا
صححه املنهاج.
[تنبيه] :ال يصِحُّ اإلِبْراءُ من ا َملجْهولِ لِلدَّائِن أو املَدينْ ،لكن فيما فيه مُعا َوضَةً،
يصح من كأن أبْرأتِين فأْنتِ طالِقٌ ،ال فيما عدا ذلك :على املعتمد ،ويف القدميُّ :
جلهْلَ :مل ُيقْبَلْ ظاهراً ،بَلْ باطِناً .ذَكره الرافعي. ا َملجْهول مُطْلقاً .ولو أَبْ َرأَ ،ثُمَّ ادَّعى ا َ
ويف اجلَواهِر عن الزبيليَ :تصْدُّق الصغرية املزوَّجة إجْباراً بِيمِينِها يف َجهْلِها ِب َمهْرِها.
قالَ الْغزيَ :وكَذا الكَبريَة ا ُملجْربة إن دلّ احلالُ على َجهْلِها ،وطَريقُ اإلِبْراء من
ا َملجْهولِ ،أن يُبْرِئَه مما يعَلمُ أنه ال يُ ْنقِصُ عن الدَّين ،كألفِ شَكَ هل دَيَْنهُ يبلغها أو
يُْنقِصُ عَنْها؟ ولو أَبْرَأَ مِن مَعنيٍ ُمعْتَقِداً أنَّه ال َيسْتَحقَّه ،فبانَ أنه يستحقَّه ،بُرِّىءَ،
ويُكْرَهُ ِل ُم ْعطٍَ :ت ْفضِيلَ يف عَطَِيةِ فروع ،وإن سفلوا ،ولو األحْفادُ مع وجودِ األوْالدِ،
صدَقةً أم َوقْفاً .أو أصولٍ ،وإن على األوجه ،سواء كانت تلك العَطِيَّةُ هِبَةً أم َهدِيَّةً أم َ
َبعُدوا ،سِواء الذكر وغريه ،إال لِتفاوت حاجَةٍ ،أو فَضْل ،على األوجه ،قال مجع:
َيحْرمُ ،ونقل يف الروضة عن الدارمي :فَإِنْ َفضْلٌ فِي األَصْلِ فَليفَضِّل األُم ،وأقَرَّه ملا يف
احلديث "أن هلا ثُلْثَي البِرِّ" ،بل يف شرح ُمسْلم عن احملاسيب ،اإلِمجاعَ على َتفْصيلها يف
الَبِرِّ على األَبِ.
[فروع] :اهلَدايَا ا َملحْمولَةُ عند اخلِتان مُلكٌ لألَب ،وقالَ جَمع :لإلبْن .فعليه يَلْزَمُ
األَبُ قبولُها ،وحملَّ اخلِالفِ إذا أ ْطلِق املهدي فلم َيقْصِد واحِداً منهما ،وإال فهي ِلمَن
َقصَده ،اتِّفاقاً ،وجيري ذلك فيما ُيعْطاهُ خا ِدمُ الصُّوفيه فهو له فقط عند اإلِطالق ،أو
صدِهِما ،أي يكونُ له النِّصف فيما يَظهر، صدِهمْ ولَهُ وَل ُهمْ عند قَ ْ َقصَده .ولَهُم عِْندَ َق ْ
وَقضِيَّة ذلك أن ما اعُتيدَ يف بعْضِ النَّواحي من وضعْ طاسَةٍ بني ي َديْ صاحِب الفَ َرحِ
سمُ على احلالِقِ أو اخلاتِنِ أو حنومهاَ ،يجْري فيه ذلك ضعَ الناسَ فيها دراهم مث ُيقْ َ لي َ
صدِ .وإن أُ ْطلِقَ،التفصيل ،فإِن قصد ذلك وحده ،أو مع نُظَرائِه املُعاونِنيَ لَه ،عَملَ بال َق ْ
كان مُلكاً لصا ِحبِ الفَ َرحُِ ،يعْطِيهِ ملن َيشَاءْ .وهبذا َيعْلمُ أنه ال نَظر هنا للعُرفِ ،أما
صدِ خِالفِه ،فواضح ،وأما مع اإلِطْالقِ ،فألن َح ْملَه على من ذكر ،من األبِ مع قَ ْ
واخلادِم وصا ِحبِ الفَ َرحِ ،نظراً للغالِب أنْ كالًّ من هؤالءِ هو ا َمل ْقصُودُ هو عُرْفُ
الشَّرْعِ ،فُيقَدَّم على العُرْفِ املخالِفِ لهِ ،بخِالفِ ما ليسَ للشَّرع فيه عُرف ،فإِنه
َتحَكَّم فيه العادة .ومن ثَمَّ لو َن َذرَ لويلّ مْيتٍ مبال ،فإِن قصد أنه َيمْلكه ،لغا ،وإن
أطْلَق ،فإِن كانَ على قَبْره ما حيتاج للصَّرفِ يف مصالِحه ،صَرَفَ َلهُ ،وإال فإِن كان
صدَ ُه ْم بالنَّذر للوَيل ،صَرْفٌ ُهلمْ ،ولو أُ ْهدِي ملن خَِلصَهُ من ظالِم لئال عْندَه قوم اعتيدَ ق ْ
يَنْقصُ ما َفعََلهُ لَم َيحِلُّ له قُبولُه ،وإال حُلَّ ،أي وإن تَعيَّن عليه ختليصَه ،ولو قال خُذْ
هذا واشتَرِ لك به كذا ،تَعيَّن ما مل يرد التَّبسُّط ،أي أو تدلُّ قرينةُ حالِه عليه .ومن
َدفَع لِمخْطوبَتِه أو وَكيلِها أو َولَيِّها طَعاماً أو غريه لِيتَزَوَّجها فَرُدَّ قبل ال َع ْقدَِ ،ر َجعَ على
105
منْ أقَْبضَهُ ،ولو َب َعثَ َهدَيَّة إىل َشخْصٍ فماتَ املُهدي إليه قبل وصوهلا ،بقيت على
ملك املُهدي ،فإِن مات املُهدى ،مل يكن للرسول حَملها إىل املُهدَى إليه.
هو ُلغَةٌ :احلَبْس .وشَرْعاً :حَبْسُ مالٍ ُيمْكِنُ اإلِنِْتفَاعُ بِه َمعَ َبقَاءِ عَيْنهِ ِبقَطْ ِع
َّالتصَرُّفِ يف َرقَبَتِهِ على َمصْرِفِ مُباحٍ وُ ِجهَة واألصْلُ فيهِ :خربِ مسلم" :إذا مات
ص َدقَة جارِيَة ،أو عِلم يُنَْت َفعُ به ،أو َوَلدٍ صالِحٍ" أي ا ُملسْلِمُ انْقطعَ َعمَلُهُ إال مِنْ ثالثَ :
حوِ الوَصِيَّةَ باملنافِع الصدَقَة اجلارِية على الوَقْف دونَ َن ْ مسلم يدعو له ،ومحل العلماءَّ :
املُباحَةَ .و َوقّفَ عمرُ رضي اهلل عنه أرضاً أصابَها خبيرب بأمْره وشَرَطَ فيها شُروط :مِنْها
أنه ال يُباعُ أصْلُها وال ُيوَرَّثُ وال يو َهبُ ،وأن من وليِّها يأكل منها باملعروف ،ويُ ْطعَمُ
صدِّيقاً غري مُتَمَوِّل .رواه الشيخان .وهوَ أول من وقّفَ يف اإلسْالم .وعن أيب يوسف
أنه ملا مسع خرب عمر أنه ال يُباعُ أصْلُها رجِع عن قول أيب حنيفة ببيع ال َوقْف ،وقال لو
َسمِعهُ لقالَ به( .صحَّ َوقْفُ عَيْن) ُمعَيَّنةً ( َممْلوكَةً) مُلْكاً يَقْبَلُ َّالنقْل (تفيد) فاِئدَةً حاالً
ع ليكونَ صدقَةً أو مآالً :كَثمَرةٍ ،أو مَْن َفعَةٍ ُيسْتأْجَرُ هلَا غالِباً (وهي باقِيَة) ألنهُ شَرْ ٌ
شمَ ورحيانٍ مَزْروع جارِيَة وذلِكَ َك َوقْفِ َشجَرٍ لِرَْيعِه وحِلى لِلَبْسٍ وحنو ِمسْكٍ ِل َ
الكِه .واملَطْعوم ،ألن َن ْفعَهُ يف إهْالكِه. بِخالفِ عودِ البُخور ،ألنَّهُ ال يُنَْت َفعُ به إال باسِْتهْ َ
وزعم ابن الصالح :صِحَّة َوقْفِ املاءِ اخْتِيَارٌ له وَيصِحُّ وَقْفَ ا َملغْصوبِ وإِنْ َعجِزَ عن
سجِداً .واألوجَه صِحَّة وقفِ املشَاع ،وإن قلَّ، َتخْليصَهُ َو َوقْفَ العُلُوِّ دونَ السُّفل مَ ْ
سجِداً .وَيَحرُم املُ ْكثُ فيه على اجلَنْبَ ،تغْليباً لِ ْلمَْنعِ ،وُيمَْنعُ إِعْتِكافٌ َوصَالَةٌ بِه مِنْ َم ْ
ستُ (كذا على كذا) أو أرْضي غَيْر إِذْ ِن ما لِكِ املْنفعة (بِ َوَق ْفتُ وسَبَّ ْلتُ) ،وحََّب ْ
ُحرمَة أو مُوءَبَّدة، موقوفةٌ ،أو َوقْفٌ عليه .ولو قال تصدَّ ْقتُ بكَذا على كذا صَ َدقَة م َّ
ص َدقَة ألَتْباع أو ال تو َهبُ أو ال تَورَّثُ :فصريح يف األصح. أو َ
صريُ به َمسْجِداً ،وإن مل سجَداً) في ِ (و) من الصُّرائح قولهَ ( :جعَ ْلتُ هذا) املَكانَ ( ُم ْ
جدَ ال يكونُ إال َوقْفاًَ .و َوقَفْتُه للصَّالةِ: سِ َيقُلْ لِلَّه ،وال أَتى بشيءٍ مِمَّا مَرَّ :ألن ا َمل ْ
جدِيَّة .فال بُدَّ مِن نِيَّتِها يف غري املُوات .نقل سِ ص امل ْصري ٌح يف الوَ ْقفِيَّة ،وكِنايَةً يف خُصو ِ
القامويل عن الرواياين وَأقَرَّهُ من أنه لو عَمَّر مسجِداً خَراباً ومل يقِف آالتَهُ :كانَتْ
جدِ مِن صِحَّة اإلِعْتِكاف سِعارِيَةً له ،يَر ِجعُ فيها مَىت شاء .انتهى .وال يَثُْبتُ حُ ْكمُ ا َمل ْ
وحُرمَةِ املُ ْكثِ للجُُنبِ ملا أُضيفَ مِنَ ا َألرْض ا َملوْقُوفَة َحوْلَه إذا احْتيجَ إىل تَوْ ِسعَتِهُ على
ما أفْىت بِه شيخنا ابن زياد وغريه .وعَِلمَ ِممّا مرَّ أنَّ الوَقْفَ ال َيصِحُّ إال بِلَ ْفظٍ ،وال
سجِد وأذَن يف إِقامَةِ الصَّالةِ فيه :مل يأيت فيهِ خِالفُ املُعاطاة .فلو بَىن بِناءً علي هَيْئَةِ َم ْ
الدفْن َيخْرجْ بذلِكَ عن مُلكِه ،كما إذا ُجعِل مَكاناً على هَيْئَةِ ا َملقْبَرة ،وأُذِنَ يف َّ
سجِداً .قال البغوي يف فَتاويه. بِخالفِ ما لو أُذِنَ يف اإلِعْتِكافِ فيهِ فإِنَّهُ يصريُ بذلكَ مَ ْ
سجِد ،فضَربه ،وبَىن بِه املسْجد ،صارَ سجِد اضْرِبْ اللِّنب مِنْ أَرْضي للم ْ لو قالَ ِلقَيِّم ا َمل ْ
سجِد وليسَ له َن ْقضَه ،وله اسْتِرْدَادَه قبل أن يُبْىن به .انتهى .وَأْلحَق البلقيين لَهُ حُ ْكمُ ا َمل ْ
سجِد يف ذلك :البئر احملفورَة للسَّبيل .واألسْنوي :املدارِسَ والرَّبط .وقال الشيخ أبو با َمل ْ
حممد :وكذا لو أخذ من الناس ليُبْىن بِه زاوِيَةً أو رِباطاً فيصري كذلك مبجرد بِنائِه .و
ض ََّعفَهُ بعضهم .ويصح وقف بقرةٍ على رباطٍ لُِيشْرَبَ لبنها من نزلِه أو ليُباعَ َنسْلها
ملصَالِحه.
(وشرط له) أي لل َوقْفِ (تأبيد) فال َيصِح تأقيتَهُ .كَوَقفْتَهُ على زَْيدٍ سَنَة.
(وتنجيز) ،فال يَصِحُّ َتعْلي َقهُ :كوقَفْتُه على زيدٍ إذا جاءَ َرأْسُ الشَّهر .نعم :يصِحُّ َتعْليقَهُ
باملَوتِ :ك َوَق ْفتُ داري بعدَ َموْيت على ال ُفقَراءَ .قال الشَّيخان :وكأنَّه َوصِيَّةُ ،لقول
106
ال َقفَّال إنه عَ َرضَها للبيع كان رُجوعاً( .وإمكان تَمليك) لل َموْقوفِ عَلَيْه العَيْنِ
ا َملوْقوفَه إِن ُوقِفَ على ُمعَيَّن واحِد ،أو َجمْع :بأن يو َجدُ خارِجاً مُتأهالً للملك .فال
َيصِحُّ ال َوقْفُ على َمعْدوم :كعلى مَسْجد سَيُبْىن ،أو على وَلدِه وال َولَد له أو على
أولِه .أو على ُفقَراءِ أوْالدِهِ وال َف َقريَ فِيهم ،أو عَلى من سيوَلدُ يل مث ال ُفقَراء .النْقطاع َّ
أن يُ ْط ِع َم املساكَنيَ رَْيعَه على رأسِ قَبْرِه خبالف قَبْرِ أَبيهِ املَيْت .وأفىت ابن الصالح بأنه
لو ُوقِفَ على من َيقْرأ على قَبْرهِ بعد َموْتِه فماتَ ومل ُيعْرَف ل ُه قَبَرٌ :بَطُلَ .انتهى.
وَيصِحُّ على ا َملعْدومِ تَبَعاً لل َموْجودَِ :ك َوَقفْتُهَ على وَلدي ثُم على َوَلدِ وََلدِي ،وال
َذرِ متليكِ جدٍ إن مل يُبَيَّنَهُ وال على نفسه :لِتَع ُّ سِ عَلى أ َحدَ هذين ،وال عَلى عمارَة مَ ْ
اإلِنسان مُلكِهِ أو مناِفعَ مُلْكِهِ لَِن ْفسِهِ .ومِنْهُ أن َيشْرِطَ حنو قَضاءَ دَْينِهِ مما َوَقفَهُ أو
انِْتفَاعَهُ بِه ،ال شرط حنو شُربه أو مُطَاَلعَتهُ مِن بِئ ٍر وكتابٍ َوَق ْفهُما على حنو الفُقراء.
كذا قاله َبعْضِ شرّاحِ املِنهاج .ولو َوقَفَ على الفُقراءِ مثالً مث صارَ فَقرياً :جازَ لهُ
األَ ْخذَ ِمنْهُ ،وكذا لوْ كانَ فقرياً حال ال َوقْف .وَيصِحُّ شَرْطَ النَّظَر لَن ْفسِهِ ولوْ مبقابِل
إن كا َن ب َق ْدرِ أُجْرَةِ مِثْلِ فََأقَل ومِن حِيْلُ صِحَّة ال َوقْفِ على َن ْفسِه :أن يَقِفَ على
أوْالدِ أبيهِ ويَذكُرَ صِفاتِ َن ْفسِهِ ،فََيصِحُّ ،كما قاله َج ْمعٌ مُتَأَخِّرونَ ،واعت َمدَهُ ابن
الرفْعة ،وكانَ يَتنا َولُهُ. الرفعة ،و َعمَلَ بهِ يف حَقِّ َن ْفسِهَ ،ف َوقَفَ على ا َأل ْفقَهِ مِن بَنَي ِّ
ويَبْطُل ال َوقْفَ يف ِجهَة ِم ْعصِيَةٍ :كعِمارَةِ الكنائِس ،وكوقْفِ سِالحٍ على قُطَاعّ طَريق،
و َوقْفٍ على عِمارَ ِة قُبورِ غري األنبياء والعُلماء والصَّالِحني.
[فرع]َ :ي َقعُ لِكَثريينَ أنَّهم َيقِفُونَ َأمْواَل ُهمْ يف صِحَِّت ِهمْ على ذكورِ أوالدِهم
َكررَ ،من غَيْرِ واحد ا ِإلفْتاءَ بِبطُالنِ ال َوقْفِ قاصدي َن بذلك حِرمانَ إناثِهم ،وقد ت َّ
حِينَِئذٍ .قال شيخنا كالطنبداوي فيه نظرٌ ظاهر ،بل الوَجْه الصِّحة( .ال قبول) فال
ُيشْتَرَطُ (ولو من معني) نَظَراً إىل أنَّه قُرْبَةً ،بَلْ الشَّرطُ َعدَمُ الرَّدّ .وما ذكَرتُه يف املعني
هو املَنْقولُ عن األكْثَرين .واختارَهُ يف الرَّوضة وَنقَلَهُ يف شَ ْرحِ الوَسيْط عن نَصِّ
الشافِعي .وقيلَ َيشْتَرِطُ مِن املعني القُبولُ ،نظراً إىل أنه تَمليك ،وهو ما رجَّحه يف
املِنهاجِ كأصله .فإِذا ردّ املعني :بَطُلَ َحقَّه سوءْا ٌء شَرطْنا قُبولُه أم ال نعم :لو َوقَفَ
جلهَة العامَّة على وا ِرثِه احلائِزِ شَيْئاً يَخ ْرجُ مِنَ الثلث :لَ ِزمَ ،وإن رَدَّه .وخَ َرجَ با ُملعَني :ا ِ
سجِد فال قُبولَ فيه جَزْماً :ولو وَقَفَ على اثْنَني مُعيَّننيْ مث ال ُفقَراء و ِجهَة التَّحرير كامل ْ
فماتَ أحدَهُما فنصيبُه ُيصْرف لآلخر ،ألنه شرطٌ يف اإلِنْتقال إىل الفقراء انقراضَهما
مجيعاً ،ومل يو َجدْ (ولو انقرض) أي املوقوفَ عليه املُعيَّن (يف مُْنقَطعٍ آخر) كأن قال
وَق ْفتُ على أوالدي ومل يذكر أحداً بعد أو على زيد مث نسْلِه وحنوهَما مما ال يدوم:
(فمصْ ِرفَه) الفَقري (األقْرب) رَحِماً ال ِإرْثاً (إىل الواقِف) َي ْومَ انِقراضِهمْ :كابْن البِْنتِ
الص َدقَةَ على األقارِبِ َأ ْفضَل ،وَأ ْفضَلَ مِنْهُ الصَّ َدقَةَ
وإن كانَ هُناكَ ابنُ أخٍ مَثَالً ،ألنَّ َّ
على أقْرَبِهمْ فََأ ْفقَرِ ِهمْ .ومن مث َيجِبُّ أن ُيخَصَّ بِه ُفقَراءَهُم فإِن مل ُيعْرَفْ أربابُ
ال َوقْفِ أو عُرِفَ وملْ يَكُنْ لَهُ أقارِبَ ُفقَراءُ بَل كانوا أغْنياء وهم من حُرِ َمتْ عليه
الزَّكاة صَ َرفَهُ اإلِمامُ يف مَصالِح املسْلمني .وقالَ مجع ُيصْرَفُ إىل ال ُفقَراءِ واملَساكِنيِ:
أي ببلدِ ا َملوْقوفِ .وال يَبْطُلَ ال َوقْفُ على كلِّ حالٍ بل يكونُ مسَْتمِراً عليه إال فيما مل
يُذكَر ا ُملصْرِفُ َك َوَق ْفتُ هذا وإن قال هلل ،ألن الوقْفَ َيقْتَضي تَمليكَ املناِفعِ ،فإِذا مل
ُيعَيِّن متَملّكاً بطل .وإمنا صَحَّ أ ْوصَْيتُ بثلُثي وصُرِفَ للمسَاكِنيِ ،ألنَّ غاِلبَ الوَصايا
حمَلَ اإلِطْالقَ عَلَْي ِهمْ ،وإال يف مُنْقطعِ األَوَّلَ :كوََقفْتَهُ على مَنْ َيقْرَأ على قَبْري َلهُم ،فَ َ
بعد َموْيت ،أو على قَبْر أيب وهو حيّ :فَيَبْطُلُ خبالف َوَقفْتَهُ اآلن ،أو بعد َموْيت على
من َيقْرأُ على قَبْري بعد مويت ،فإِنه َوصِيَّة .فإِن خَ َرجَ من الثلث أو أُجيز وعُرِفَ قربه:
َححْنا ال َوقْفَ أو ال َوصِيَّة: َحتْ ،وإال فال .وحَيْث ص َّ َحتْ ،وإال فال .وحَيْث ص َّ ص َّ
107
كفي قِراءَة شَيءٍ مِنَ القرآن بال تعينيٍ بسورةِ يس ،وإن كان غالبَ قصْدِ الواقِف
ذلك كما أفىت به شيخنا الزمْزمي وقال بعض أصْحابِنا :هذا إذا مل يُطَّرَدْ عرفٌ يف
البلد بقراءة قدرٍ معلومٍ أو ُسوَرةٍ معينة وعلمه الواقِفُ ،وإال فال بُدَّ مِنْه :إذ عُرِفَ البَلَدُ
صدُ َكشَرْطِ أن ال املُطَّرِدُ يف َزمَنِه مبنْ ِزلَةِ شَرْطِه (ولو شرط) أَي الوَاقِف (شيئاً) َي ْق ِ
يؤجِّر مُطلقاً ،أو إال كذا :كسُنّة ،أو أن ُيفَضِّل َبعْضَ املوْقوفِ عليهم على بعْض أو
جدٍ كَ ْم َدرَسَةٍ َو ِمقْبَرة بطائِفةٍ أُنثى على ذَكر أو ُيسَوَّى بينهم ،أو اخْتِصاص حنو مَسْ ِ
كشافِعيَّة( :اتبع) شرطَه يف غري حالَة الضَّرورَة كسائِر شُروطِه اليت مل ختالفْ
صَلحَة :أمَّا ما خالَف الشَّرع :كشَرْطِ العزوبة يف الشَّرْع .وذلك ملا فيه من وجوهِ ا َمل ْ
سُكان املدرسة أي مثالً فال يصح كما أفىت به البلقيين وخرج بغري حالة الضرورة،
ما مل يوجد غري املستأجر األول وقد شَرَطَ أن ال يُوءَجِّرَ إلِنسانٍ أكثَر مِنْ سَنةٍ أو أنَّ
الطَّاِلبَ ال ُيقِيمُ أكْثَرَ مِن سََنةٍ ومل يوجَد غريَه يف السَّنةِ الثانِيَة :فُي ْهمَلُ شَرْ ُطهُ حِينئذٍ
كما قاله ابن عبد السالم.
[فائدة] :الواو العاطفة للتسَّويَة بني املُتَعاطِفات :ك َوَق ْفتُ هذا على أوْالدي
وأوْالد أوْالدي ومثَّ والفاء للتَّرتيبِ ويدخل أوالدُ بناتٍ يف ذريَّةٍ وَنسْلٍ وَ َع َقبٍ وأوْالدِ
شمُل َمعْتَقاً سبُ إِيلَّ مِْنهُم ،فال َيدْخُلونَ حينئذٍ ،وا َمل ْولَى َي ْ أوالدٍ إال إنْ قال على مِن ين ِ
وعَتِيقاً.
[تنبيه] :حَْيثُ أَ ْجمَلَ الواقِفُ شَرْطَهُ ،اتُِّبعَ فيه العُرْفَ املطَّرَد يف َزمَِنهِ ألنه مبنزلة
شَرْطِهِ مثَّ ما كان أقْرَبُ إىل مقاصِد الواقفِني كما يَدلُّ عليه كالمُهم ومن مث امْتَنعَ
يف السِّقايات املسْبَلَة على الطُّرُقِ غريَ الشُّرْبِ وَنقْلِ املاءِ مِْنهَا ولو للشُّرب .وحبث
بعضهم حُ ْرمَ َة حنو بُصاقٍ و َعسْلَ وَسَخ يف ماء مُ َطهّرة املَسْجدِ ،وإن كثر.
(وسئل) العالمة الطنبداوي عن اجلوايب واجلِرارْ اليت عند املساجد فيها املاء إذا مل
ُيعْلم أهنا موقوفة للشُّرب ،أو الوُضوء أو ال ُغسْلِ الواجِب ،أو املسْنونِ ،أو ُغسْلِ
النَّجاسَةِ؟ (فأجاب) إنه إذا دلَّت قرينَة على أن املاءَ موضوعٌ لَتعْميمِ اإلِنْتِفاع :جازَ
جَميعَ ما ُذكِرَ مِنَ الشُّرب و َغسْل النَّجاسَةَ و َغسْلِ اجلِنَابَة وغريها .ومثال القرينة:
جَرَيان النَّاسَ على َت ْعمِيمٍ إلِنْتِفاعٍ من غريَ نَكريٍ من فقيهٍ وغريه ،إذا الظاهر من عدم
النَّكِري :أنَّهم أ ْقدَموا على َتعْميمِ اإلِنْتفاع باملاءِ ب َغسْلٍ وشُرْبٍ ووضوءٍ وغسلِ نَجاسَة.
المَة عبد اهلل باخمرمة يوافق ما ذكره. فمثلُ هذا إِيقاعٌ يقالُ باجلوَازِ .وقالَ إن فتوى العَ َ
انتهى .قال ال َقفَّال وتَبعوه :وجيوزُ شرطُ رَهْن من مستعريِ كتابٍ َوقْفٍ يأخذه الناظر
منه ليحمله على رَدِّهِ وأحلق به شَرْطٌ ضامِنٌ .وأفىت بعضُهم فِي ال َوقْفِ على النيب أو
النَّذْر له بأنه ُيصْرفُ ملصالِحِ ُحجْرَتِه الشَّرِيفة فقط ،أو على أهل بلد أُعْطي مقيمٌ هبا
أو غائبٌ عنها حلاجَةِ غيبَةٍ ال َتقْ َطعُ ِنسْبَتَهُ إليها عُرْفاً.
[فروع] :قال التَّاجَ الفزاري والربهان املراغي وغريمها :من شرط قراءة جزء من
القرآن كل يوم كفاه قدر جزء ،ولو مفرّقاً ونظراً ،ويف ا ُملفَرَّقِ نظر .ولو قال
لِيََتصَدَّق ِبغَلَّتهِ يف َرمَضان أو عاشوراء ففات :تصدَّق ب ْعدَه ،وال يَنْتَظِرَ مِثْله .نعم :إن
قالَ فِطْراً َلصَوامَهُ انتظره .وأفىت غري واحدٍ بأنه لو قال على من يقرأ على قرب أيب كل
مجعة يس بأنه إن حدّ القُرَّاء مبدة معينة ،أو عني لكل سَنَة غِلَّة :اتَّبعَ ،وإال بَطَل نظري
ما قالوه من بُطْالنِ ال َوصِيَّة لِزْيدٍ كل شهر بدينار إال يف دينار واحد .انتهى .وإمنا
يتجه إِحلاقُ الوقْفِ بال َوصِيَّة :إن عُلِّق با َملوْت ،ألنه حينئذٍ َوصِيَّة .وأما الوَقْفُ الذي
ليس كال َوصِيَّة :فالذي يتجه صِحََّتهُ ،إذ ال يتَرَتبْ عليه حمذورٌ بوجه ألن النَّاظِرَ إذا
َررَ الناظِرُ غَيْره،
قررَ مَن يقرأ كذلك :اسَتحَقَّ ما شَرَطَ ما دام يقرأه فإذا ماتَ مثالً :ق َّ َّ
وهكذا .ولو قال الواقِفُ َوقَ ْفتُ هذا على فُالن ليعمل كذا :قال ابن الصالح :احتمل
108
أن يكون شرطاً لإلِسْتِحقاقِ ،وأن يكونَ َت ْوصِيَةً له ألجل َو ْقفِه .فإن عَلِمَ مُرادَهُ :اتَّبعَ،
صدُ عُرْفاً صَرْفُ الغِلَّة يف وإن شك :مل َيمَْنعِ اإلِسِْتحْقاقُ .وإمنا يتَّجه فيما ال َي ْق ِ
مقابَلتِه ،وإال كلَِتقْرأَ أو تَتَعلَّم كذا :فهو شرْطٌ لإلِسْتِحقاقِ فيما اسْتَ ْظهَ َرهُ شيخنا
وِل َوقْفٍ وأوصى للضَّيْف :صَرَفَ للوارِدِ على ما َيقْتَضيهِ العُرْفُ وال يُزادُ على ثالثةِ
أيامٍ مُطْلَقاً ،وال يدَفعُ لهُ حبٌّ إالَّ إن شَرِطَه الوَاقِفُ .وهل ُيشْتَرَطُ فيه ال َفقْرُ؟ قال
شيخنا :الظاهر ال.
(وسئل) شيخنا الزمزمي عمالَ وقفٍ لَِيصْرِفَ غلَّتَه لإلِطْعام عن رسول اهلل :فهل
جيوزُ للناظر أن يُ ْط ِعمَها مَن نَزَلَ بِه من الضِّْيفَانِ يف غريِ شهرِ املَولِدِ بذلك ال َقصْد أو
الَ؟ وهل جيوزُ للقاضي أن ي ْأكُلَ مِن َذلِكَ إذا مل يكنْ له رِزقٌ من بَْيتِ املالِ وال مِنْ
مَياسريِ ا ُملسْلمني؟ (فأجاب) بأنه جيوزُ للناظر أن َيصْرِفَ الغَلَّة املذكورة يف إطعام من
ُذكِرَ ،وجيوزُ للقاضي ا َألكْلَ مِنْها أيضاً ألهنَا صَ َدقَةٌ والقاضي إذا مل َيعْ ِرفْهُ املَُتصَدِّقُ
ومل يكن القاضي عارِفاً به .قال السَّبكي ال شكّ يف جواز األَ ْخذِ له .وب َقوْله أقول:
النْتِفاءِ املعْىن املاِنعُ ،وإال َيحْتَمل أن يكونَ كا َهلدِيَة .وُيحَْتمَلُ الفَرْقُ بأنَّ املَُتصَدِّقَ إنَّما
َقصَد ثَوابَ اآلخِرَة .انتهى .وقال ابن عبد السالم :وال َيسَْتحِقُّ ذو وظيْفةٍ كقراءة
أخلَّ هبا يف بعض األيام .وقال النووي :وإن أخلَّ اسْتَنابَ لعذر كمرض ،أو حَبْس
ملدةِ اإلِسْتِنابَة .فأفَهمُ بقاء أثر أستحقاقِه لغري مدَّة بَقي اسْتِحقَاقَه ،وإال مل َيسَْتحِقُّ َّ
اإلِخْالل ،وهُوَ ما اعتمدَهُ السَّبكي كابن الصالح يف كلِّ وظيفة َتقْبلُ اإلِنابَة:
كالتَّدريس واإلِمامَة( .وِل َموْقوفٍ عليه) عُيِّن مُطْلقاً أو إلِسْتِغاللِ رَْيعِها لِغريِ َنفْعٍ
خاصّ مِنْها (ريع) وهُو فَوائِد ا َمل ْوقُوفِ َجمَيعَها :كُأجْرةٍ ودرّ ووُلدٍ حادِثٌ َب ْعدَ
ال َوقْفِ ،وثَمرٌ وغُصْنٌ َيعْتَادُ قَطْعهُ ،أو شَرُطَ ومل يُوءَدِّ قَ ْطعَهُ ِل َموْتِ أصْلِه فَيَتَصَرَّفُ يف
فوائِده َتصَرُّفَ املالكِ بَن ْفسِهِ وِبغَيْره ما مل ُيخَالَف شَرْطُ الواقِفِ ألَنَّ ذلكَ ُهوَ
ا َملقْصودُ من ال َوقْف .وأمَّا احلملَ املقارَن :فوَقْفٌ تبْعاً َأل َمةٍ .أما إذا َوَق َفتْ عليه عَيْنٌ
لِن ْفعٍ خاص كدابة للرُّكوب فَفوائِدُها من َدرَ وحنوهِ للواقِف .وال جيوزُ وطءُ أَ َمةٍ
حدّان ،ويُزَوِّجُها قاضٍ مَوقوفَةٍ ولو من واقِفٍ أو موقوفٍ عليه ِل َع َدمِ مُلْكِها ،بل ُي َ
بإِذن املوقوفِ عليْهِ ال لَهُ ،وال للواقِف.
(واعلم) أن املُلْكَ يف َرقَبَةِ ا َملوْقوفِ على ُمعَيَّنٍ أو جهَة ينَْتقِل إىل اهلل تعاىل :أي
جدَ بأمْتِعةٍ وَجََبتْ األُجْرةَ لَهُ فَُتصْرَفُ سِ يْنفَكُّ عن اخْتِصاصِ اآلدمِيني .فلو َشغَلَ امل ْ
ملَصاحلِه على األوْجُهَ.
جدٍ ِإلقْرا ِء قُرآنٍ أو حَديثٍ أو عِلمٍ شَرْعي أو [فائدة]:ومَن سَبقَ إىل حملّ من مَس ِ
َعلمِ ما ذكر أو كسَماع دَرْسٍ بني يدي مدرّس وفارَقه ليعودَ إليه ومل تَطُلْ آلة له أو لِت ُّ
مُفا َرقَتَهُ حبيث انقطع عنه ا ُألْلفَة :فحقُّه باقٍ ،ألن لَهُ غَرَضاً يف مالزمَةِ ذلك امل ْوضِع
ليَأَلفَهُ النَّاس .وقيل يَبْطُل حَقُّه بِقيامِه .وأطالوا يف تَرجيحه نقْالً و َمعْىن أو للصَّالةِ ولو
قَبْلَ دُخولِ َوقْتِها أو قراءَةٍ أو ِذكْر وفا َرقَهُ ِب ُعذْر :كقضاءِ حا َجةٍ وإِجابَة داعٍ ،فحقُّه
باقٍ ولو صَبِيّاً يف الصف األول يف تلكَ الصَّالة ،وإن مل يتْرك رِدا َءهُ فيه .فَيحْرُم
على غري العامل اجلُلوسُ فيه بغري إِذْنه ،أو ظَنّ رِضاهُ .نعم :إن أُقيمت الصالة يف غيبَتِه
واتصََلتِ الصُّفوفُ :فالوَجْهُ سدَّ الصَّفَّ مكانَه ،حلاجَةِ إتْمامِ الصُّفوفِ .ذكَرهُ َّ
األذرعي وغريه .فلو كان لهُ سِجا َدةً فيه فيُنْحيها برِجْلِه من غريِ أن يرَفعَها هبا عن
األرْض ،لئال َتدْخُل يف ضَمانِه .أما جلوسُه العْتِكافٍ فإِن مل يَْنوِ مدَّةً بَطُلَ حَقُّه
خبروجه ولو حلاجَةٍ وإال مل يَبْطل حَقُّه خبُروجه أثْناءَها حلاجةٍ .وأفْىت ال َقفَّال مبَْنعِ
جدٌ وتَعذَّرت سَِتعْليم الصِّبيان يف املساجِدِ (وال يُباعُ َموْقوفٍ وإن خرب) فلو انْه َدمَ م ْ
إعادََتهُ :مل يُبَع ،وال يعودُ ملْكاً حبالٍ إلِمكان الصَّالة واالعْتِكافِ يف أ ْرضِه أو جَفَّ
109
الشَّجرُ املوْقوفُ أو قلعَهُ ريحٌ مل يَبْطُلِ ال َوقْفُ ،فال يُباعُ وال يو َهبُ ،بل يَنَْت ِفعُ املوقوفُ
جعْلِه أبواباً ،إن مل ُيمْكِنْه إِجارَتَهُ َخشَباً بِحالِه فإِن َتعَذَّر اإلِنْتفِاعُ به إال عَليه ولو ِب َ
باسْتهالكِه :كأنْ صارَ ال يَنَْت ِفعُ به إال باإلِحْراق :اْنقَطَع ال َوقْف أي ويَملُكُه امل ْوقُوفُ
سجِد املوْقوفَةِ عليه عليه حينئذٍ على ا ُملعْتَمدِ فيَنَْتفِع ِبعَيْنِه وال يَبيعَه .وجيوزُ بَْيعُ ُحصُ ِر امل ْ
إذا بَلَِيتْ ،بأن ذَ َهبَ جَمالُها وَنَ ْفعُها وكانت ا َملصَْلحَةُ يف بَْيعِها ،وكذا جُذوعُه
سجِد إن مل ُيمْكن شِراءُ املن َكسِرَة خالفاً جلمع فيهما ويُصْرَفُ َثمَنُها لِمصالِحِ امل ْ
حَصريٍ أو جِذع به .واخلالف يف املوقوفة ولو بأن اشْتراها الناظِرُ و َوَقفَها بِخالف
سجِد ،فتُباعُ جَزْماً ،ملُجرَّدِ احلاجَة :أيْ املصْلحَة وإن مل تَبلَ املوْهوبَة وا ُملشْتَراةِ لل َم ْ
سجِد وال فِراشُهُ يف غري فَرْشِه مُطلقاً وكذا حنو القناديل .وال جيوز اسْتعمالُ حصُر امل ْ
سجِد، سواء كانت حلاجَةٍ أم ال كما أفْىت به شيخنا .ولو اشْترى النَّاظِر أخشاباً لل َم ْ
أو وُهِبَت لهُ وقَبِلها الناظر :جاز بَْيعُها ملصْلحَة كأن خافَ عليها حنو سَ ِرقَة ال إن
ح َفظُ لَهُ وجوباً .ذكره الكمال الردَّاد يف جدِ ،بل ُت ْ سِ كانت موقوفَة من أجْزاءِ امل ْ
ح َفظُ ،أو يُعمَّر به جدُ إال إذا خيفَ على نقضِه فيُنقضُ ُي ْ سِ فتاويه .وال يُْنقَضُ امل ْ
مسْجدٌ آخر إن رآه احلاكم .واألقرب إليه أوىل ،وال يعمَّرُ به غري جِْنسِه كرباطٍ وبئرٍ
كالعكس إال إذا تعذرَ جِْنسُه .والذي يتجه ترجيحُه يف رَْيعِ وقْفِ املْن َهدِمِ ،أنه إن
جدٍ آخر .فإِن تعذر :صُرِفَ لل ُفقَراء ،كما سِ توقعَ عوْدُهُ :ح ِفظَ له ،وإالَّ صُرِفَ لِ َم ْ
ُيصْرِفُ النقْضُ لنحو رباط.
جدٌ بآالت جدُد ،وبقيَت آالتُه القدمية :فهل سِ (وسئل) شيخنا عما إذا عُمِّرَ مَ ْ
جيوز عِمارَة مسجدٍ آخر قدمي هبا أو تُباعُ ويُحفَظ مثنها؟ (فأجاب) بأنه جيوز عِما َرةُ
مسجدٍ قَدميٍ وحادِثٍ هبا حيثُ قَطعَ بعدم احْتياجِ ما هي منه إليها قبل فَنائِها ،وال
سجِد وقَنادِيلِه كَنقْل آلتهِ. صريِ امل ْجيوزُ بَيْعهُ بوجه من الوجوهْ .انتهى .وَنقْل حنو حَ ِ
جدِ مُطْلقاً ،أو على عِمارَتِه يف البناء ولو ملنَارَتِه سِ
وُيصْرَفُ ريعٌ املوقوفِ على امل ْ
حلصُر والدَّهن، التجصِيصِ املُحْكَم والسلم ،ويف أجْرة القَِّيمِ ال املؤذِّن واإلِمام وا ُ ويف َّ
إِال إِن كان الوقْفُ ملصَالِحه ،فُيصْرَفُ يف ذلك ال يف التَّزويقِ والَنقْش وما ذكرته
من أنه ال ُيصْرَفُ للمُوءَذِّن واإلِمام يف الوقْفِ املُطْلَقِ هو مقتضى ما نقله النووي يف
الروضة عن البغوي ،لكنه نقل بعده عن فتاوي الغزايل أنه ُيصْرفُ هلما ،وهو األوجه
كما يف الوقف على مصالِحه ولو ُوقِفَ على َدهْنٍ إلِسْراجِ املسجِد بِه أُسْ ِرجَ كل
الليْل إن مل يكن ُمغْلقاً مهْجوراً .وأفىت ابن عبد السالم جبواز إيقاد اليسري من املَصابيحِ
فيه ليالً احترامًا مع خُلُوِّهِ من الناس ،واعتمده مجع .وجزم يف الروضة ِبحُ ْرمَةِ إسْراج
مشعِه َكحَصاهُ وتُرابُه . اخلايل .قال يف اجملموعُ :يحْرم أ ْخ ُذ شيءٍ من زيته و ْ
الشجَرِ النابِت باملقربة املُبَاحَةِ مباحٌ وص ْرفُهُ لِمصالِحها أوْىل ،ومثرُ [فرع] :ثَمرُ َّ
سجِد مَلِكَهُ إِن غُرِس له ،فُيصْرِف ملصَالِحه .وإن غُرِس ليُو ْءكَل أو ُجهِلَ س يف امل ْ املغْرو ِ
احلالُ فمُباحٌ .ويف األنوار :ليس لإلِمام إذا اْن َدرَسَت ِمقْبَرةٌ ومل يَبْقَ هبا أثَر :إِجارَتَها
للزِّراعَة أي مثالً وصَرْفَ غِلَّتها لل َمصَالِح و ُحمِل على املوْقوفَة :فا َملمْلوكة ملالِكِها إن
عُرِفَ ،وإال فمالٌ ضائِع :أي إن أَيس من معْرِفته َيعْمل فيه اإلِمام باملصَْلحَة ،وكذا
اجملْهولة.
(وسئل) العالمة الطنبداوي يف َشجَرةٍ نَبَتتْ بِمقْربَةٍ مسْبَلة ومل يكن هلا مثَرٌ يُنْتَفعُ
به إال أن هبا أخْشاباً كثريَةً َتصْلُحُ للبِناء ،ومل يكن هلا ناظِرٌ خاص ،فهل للناظر العام
أي القاضي بيعُها وقَ ْطعُها وَصرْف قيمَتها إىل مصالِح املسْلمني؟( .فأجاب) نعم:
للقاضي يف املقربة العامة املسْبلة بيعَها وصَرْفَ مثنها يف مصالِح املسْلِمني ،كَثمَر
110
الشجرة اليت هلا مثر ،فإِن صَ ْرفَها يف مصالِح املقْربةِ أوىل .هذا عند سقوطِها بنحو ريحٍ.
للرفْ ِق بالزائر واملُشيِّع.
وأما قَ ْطعُها مع سالمتها فيُظهر إبقاوها ِّ
(ولو شرط واقف نظراً له) أي لنفسه (أو لغريه اتبع) كسائر شروطه .وقبول من
شرط له النظر :كقبول الوكيل على األوجه وليسَ له عَزْلٌ مِن شَرطٍ نَظَرَهُ حالُ
ال َوقْف ولو َملصْلحَة (وإال) ُيشْرَطُ ألحَد (فهو لقاضٍ) أي قاضي بلدِ املوقوفِ
حلفْظِه وإِجارَتِه ،وقاضي بلد املوقوفِ عليه بالنسبة ملا عدا ذلك على املذهب: بالنسبة ِ
ألنه صا ِحبُ النظرِ العام ،فكان أوىل من غريه ،ولو واقِفاً أو موْقوفاً عليه .وجزَم
اخلوارِزمي بثُبوتِه للواقِف وذُريتِه بال شرطٍ ضَعيف .قال السَّبكي :ليس للقاضي أخذ
َرحَ الواقِفُ بِنظره كما أنه ليس له أخذَ شيءٍ من َسهْمِ ما شرط للناظر إال أن ص َّ
عامِل الزكاة قال ابنه التاج :ومَحلَّه يف قاضٍ له َقدْرَ ِكفَايَتِهِ .وحبث بعضهم أنه لو
ُخشِي من القاضي أكل الوقف جلورِه جاز ملن هو بيده صرفه يف مصارِفه :أي إن
عَرَفها ،وإال فَوَضَّه لفقيهٍ عارفٍ هبا أو سأله وصَ َرفَها .وشرط الناظر واقفاً كان أو
املفوضِ إِليه .وجيوزُ للنَّاظِر ما شُرِطَ له من غريه العدالة ،واإلِهْتِداءُ إىل َّالتصُرفِ َّ
األُجْرة وإن زاد على أُجْرَة مِثْله ،ما مل يكنُ الواقِفُ .فإِن مل َيشْرط له شيء فال أُجْرة
له .نعم :له رفع األمر إىل احلاكِم ليُقرِّر له األقلّ من َن َفقَتِه وُأجْرةَ مِثْلِه كويلّ اليتيم
وأفىت ابن الصباغ بأن له اإلِسْتقالل بذلك من غري حاكم ويَْنعَزِلُ النَّاظِرُ بال ِفسْق،
صبُ غريِه ،إال إن شَرط نَظَرهُ حالُ فيكونُ النظرُ للحاكِم .وللواقِفِ عَزْل من َوالّه وَن ْ
ال َوقْف.
حقّونَ من الناظِر كتابُ الوَقْفِ ليَكْتُبوا مِنه نَسْخة ِحفْظاً [تتمة] :لو طََلبَ ا ُملسَْت ِ
حقَاقِهم :لَ ِزمَه َتمْكينَهم كما أفىت به بعضَهم . الَسِْت ْ
الشخْصِ ِبحَقَ عليه .ويسمى اعْتِرافاً (يؤا َخذُ هو لغةُ اإلِثْبات ،وشَرْعاً إخْبارُ َّ
بإِقرارِ مكلَّف مُختار) فال يؤاخَذ بإِقرارِ صيب وجمنون ومُكرَهٌ بغري حق على اإلِقرار
صدُق يف َقضِيَّة ُّاتهِم فيها الصدْقِ :كأنْ ضُرِبَ لَي ْ
بأن ضُرِبَ لُِيقِرَّ ،إما مُكْرَهٌ على ِّ
فيصحُّ حالَ الضَّربِ وَب ْعدَه على إِشكالٍ قَوي فيه ،سيما إن علم أهنم ال يرفَعونَ
الضَّرْبَ إِال بأخذت مثالً .ولو ادّعى صِباً أمْكن أو حنو جنون عهد أو إِكراهاً ،ومث
وثبتَ بِبَيِّنة أو بإِقرار املقرّ له أو بيمني مردودة :صدَق بيمينه،
أمارَة كحَبْس أو تَرْسيم َّ
ما مل ُتقَم بيِّنة خبالفه .وأما إذا ادّعى الصيب بلوغاً بِإمْناء ممكن ،فيصدق يف ذلك وال
يُحلَّف عليه ،أو بِسنَ :كُلِّفَ ببنَّةٍ عليه وإن كان غريباً ال يُعرف وهي رجالن نعم:
سوَ ٍة بوالدتَهِ يوم كذا :قُبِلَن ويَثبُت هبنّ السنَّ تبعاً كما قاله شيخنا.
إن شهد أربعُ ِن ْ
(وشرط فيه) أي اإلِقرار (لفظ) ُيشْعر بالتزامٍ حبق (كعليَّ) أو (عندي كذا) لزيد،
ولو زاد :فيما أظن أو أحسب :لغا .مث إن كان املقرُّ به مُعيَّناً :كلزيد هذا الثوب ،أو
خذ به أو غريه كله ثوب أو ألف :اشترط أن يضُمَّ إليه شيء مما يأيت :كعندي ،أو
حمَل العَيْن على أدىن عليّ .وقوله عليّ أو يف ذميت للدين ،ومعي أو عندي للعني وُي ْ
املراتب ،وهو الوَديعَة ،فَُيقْبل قولُه بيمينه يف الرَّدِّ والتلَفِ (و) ك (نعم) ،وبلى
وصدقت( ،وأبرأْتَين) منه ،أو أَبرئْين منه( .وقضيته جلواب أليس يل) عليك كذا؟ (أو)
قال له (يل عليك كذا) من غري اسْتِفهام ،ألن املفهوم من ذلك :ا ِإلقْرار .ولو قال
اقْضِ األلْفَ الذي يل عليك ،أو أُخْبِرْتُ أن يل عليك ألفاً فقال نعم ،أو أمهلين ،أو ال
أنكر ما تدعيه ،أو حىت أفتح الكيس ،أو أجد املفتاح أو الدراهم مثالً :فِإقْرار حيثُ
ضحِكٍ وهزِّ ال اسِْتهْزاءُ فإِنْ اقْتَرَنَ بوا ِحدٍ مما ذكر قرينَة استهزاء :كإِيرادِ كالمِه بنحو َ
111
ت ذلك كما هو ظاهر مل يكن به رأَسِهِ مما يدل على التعْجُب واإلِنكارِ :أي وثََب َ
ُمقِ ّراً على املعتمد .وطََلبُ البَْيعِ إقرارٌ باملِلكِ والعارِيَةِ واإلِجارَةِ مبلكِ املَْنفَعة ،لكن
تعينها إىل املقرِّ .وأما قوله ليس لك عليّ أكثب من ألف ،جواباً لقوله يل عليك ألف
أو نتحاسَب أو اكتبوا لزيد علي ألف درهم أو اشْهدوا عليَّ بكذا أو مبا يف هذا
الكتاب ،فليس بإِقرار خبالف أُ ْش ِهدَكم ،مضافاً لنفسه .وقوله ملن شهد عليه هو
عدلٌ فيما شَ ِهدَ به إِقرار :كإِذا شهد عليّ فالن مبائة أو قال ذلك فهو صادق ،فإِنه
إقرار وإن مل يشهد
(و) شرط (يف مقرَ به أن ال يكون) ملكاً (ملقرّ) حني يقرّ ،ألن ا ِإلقْرارَ ليس إزالةً
عن امللكِ ،وإنَّما هو إخْبارٌ عن كونِه ملكاً لل ُمقِرّ له إذا مل يَ ْكذِبْه .فقوله داري أو
ثويب أو داري اليت اشتريتها لنفسي لزيد ،أو ديين الذي على زيد لعمرو :لغو ألن
اإلضافة إليه تقتضي امللك له ،فتناىف ا ِإلقْرارُ بِه لغَيْرِه :إذ هو إقرارٌ حبقٍ سابِق .ولو قال
َمسْكين أو ملبوسي لزيد ،فهو إقرار ،ألنه قد يسكن ويلبس ملك غريه .ولو قال:
الدين الذي كتبته أو بامسي على زيد لعمرو :صح ،أو الدين الذي يل على زيد
لعمرو :مل يصح ،إال إن قال :وامسي يف الكتاب عارِيَة .ولو أقَرَّ حبُرِّية عبْدٍ معني يف يد
غريه أو شهد هبا مث اشْتَراه لنفسه أو مَلَكَه بوجهٍ آخر :حَ َكمٍ حبُرِّيته .ولو أشهد أنه
سيُقرُّ مبا ليس عليه ،فأقرَّ أن عليه لفالن كذا :لزِمه ومل يْنفعَه ذلك اإلِشْهاد.
(وصحّ إقرارٌ من مريض) مرضَ َموْت (ولو لوارِث) بدَيْنٍ أو عَيْن ،فيُخْ ِرجُ من
صدُق فيها الكاذِب ويتوبُ رأس املال وإن كذَّبه بقية الورثة ألنه انتهى إىل حالة ي ْ
ص ْدقُه .لكنْ للوارِثِ حتليفَ املقرِّ له على االسِْتحْقاقِ فيما اسْتظهرَه الفاجِر ،فالظاهر ِ
شيخنا خالفاً للقفال .ولو أقَرّ بنحو هِبَة مع قبضٍ يف الصِّحة قبل ،وإن أَطْلَق أو قال
يف عَيْن عُرْف أهنا مِلْكه هذه ملك لوراثي نزل على حالة املرض .قاله القاضي.
فيتوقف على إجازَة بقيَّة ال َورَثة :كما لو قال وهبته يف مرضي .واختار مجع عدم قبوله
إن اهتم لفساد الزمان ،بل قد ُتقْ َطعُ القرائِن ب َكذِبه ،فال ينْبغي ملن خيشى اهلل أن يقضي
أو يفيت بالصحة ،وال شك فيه إذا علم أن قصده احلرمان .وقد صرح مجع باحلرمة
حينئذٍ ،وأنه ال حيل للمقِرِّ له أ ْخذُه ،وال يقدم إقرارِ صحةٍ على إقرارُ مرضٍ (و) صحّ
إقرارٌ (مبجهول) كشيء أو كذا ،فيطلب من املقرِّ تفسريه فلو قال له عليَّ شيءٌ أو
كذا قبل تفسريه بغري عيادة املريضِ ورَدُّ سالمٍ وجنَسٍ ال ُيقْتىن كخنزيرٍ .ولو قالَ لَهُ
عليَّ مالٌ قبل َتفْسريِه ِبمُتَموِّل وإن قال ال بَِنجِس ولو قالَ هذه الدار وما فيها لفالن
صح ،واستحقَّ مجيعَ ما فيها وقت اإلِقرارِ .فإِن اختلفا يف شيء أهو هبا وقته؟ صدّق
ا ُملقِرّ ،وعلى املقَرِّ له البيِّنة( .و) صح إقرار (بنسب أحلقه بنفسه) :كأن قال هذا ابين
(بشرط إِمكان) فيه بأن ال يكذبه الشرع واحلس بأن يكون دونه يف السن بزمن
ميكن فيه كونه ابنه ،وبأن ال يكون معروف النسب بغريه (و) مع (تصديقٍ ُمسْتَلحَق)
أهل له فإِن مل يُصدِّقه أو سَكَت :مل يثبت نسبُه إال ببيِّنة( .ولو أقرَّ ببيعٍ أو هِبَة وقبضٍ
وإقباضٍ) بعدها (فادعى فسادهُ مل يقبل) يف دعواه فسادُه .وإن قال أقْرَرْتُ لِظَنِّي
حمَلُ على الصَّحيح .نعم :إن قَطَع ظاهِرَ احلالِ الصِّحة ،ألن االسم عند اإلِطْالقَ ُي ْ
ص ْدقِه كبدَوي جَلِف فينبغي قبول قوله .كما قاله شيخنا وخرج بِإقْباضٍ :ما لو ِب ِ
اقَْتصَر على اهلِبَة ،فال يَكون ُمقِراً بِإقْباض .فإِن قال ملكها مُلكاً الزِماً وهو يعرف
معىن ذلك :كان مقراً باإلِقباض ،وله حتليفُ ا ُملقِرِّ له أنه ليسَ فاسِداً إلِمكان ما يَدَّعيه،
وال َتقَبْل ببيِّته ،ألنه كذهبا بإِقراره فإِن نكل حلف ا ُملقِرِّ أنه كان فاسداً وبطل البَيْع أو
اهلِبَة ،ألن اليمني املردودة كاإلِقرار .ولو قال هذا لزيد بل لعمرو ،أو غصَبْت من زيد
بل من عمرو :سلم لزيد سواء قال ذلك متصالً مبا قبله أم مُنْفصالً عنه ،وإن طال
112
الزمن ،المْتِناع الرُّجوع عن ا ِإلقْرارِ ِبحَقِّ آدمي وغرم بدله لعمرو .ولو أقَرَّ بِشيءٍ مث
أقَرَّ ببْعضِه دخل األقل يف األكثر .ولو أقر َبدَيْنٍ آلخَرَ مث ادَّعى أداءَه إليه وأنَّه َنسِي
ذلك حالة اإلِقرارَ :س ِم ْعتُ دعواه للتحليف فقط .فإِن أقامَ بيِّنةً باألَداء :قُبِلَت على
ما أفْىت بِه بعضهم الحْتِمال ما قاله كما لو قال ال بيِّنة يل مث أتى ببيِّنة تُسمع .ولو
قال ال حق يل على فالن ففيه خالف .والراج ُح منه أنه إن قال فيما أظن أو فيما
أعلم مث أقام بينة بأن له عليه حقاً قُبلَت ،وإن مل يقل ذلك مل ُتقْبَل ببينته إِال إن اعتذر
بنحو نِسْيانٍ أو غلطٍ ظاهر.
هي لغة اإلِيصال :من وَصَّى الشيء بكذا َوصَلَهُ به ،ألن املوصِّي وصل خري دُنيا ُه
خريِ ُعقْباه .وَشَرْعاً تَبَرُّع ِبحَقَ مضافٍ ملا بعدَ املوْت .وهي سنَّةٌ مُوءَكَّدة إجْماعاً.ِب َ
وإن كانت الصَّدقة ِبصِحَّة فمرض أفضل ،فينْبَغي أن ال ي ْغفَلَ عنْها ساعة :كما
َرحَ به اخلرب الصحيح "ما حق أمْرىءٍ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلة أو ليلتني ص َّ
إال ووصيته مكتوبة عند رأسه" أي ما احلزم أو املعْروفُ شَرْعاً إال ذلك ،ألن اإلِنسان
ال يدري مىت يفجؤه املوت .وتُكرَه الزيادة على الثلث إن مل َي ْقصِد حِرْمان ورَثَتِه،
وإال حَ ُرمَت.
(تصح وصيَّة مُكَلَّفٍ حُرَ) مُختارٍ عنْد ،الوصِيَّة ،فال تصح من صيب وجمنونٍ
ورقيقٍ ولو مكاتِباً مل يأذن له السيِّد وال مِن مُكْره والسَّكران كاملُكَلَّف .ويف قول
جدٍ ومصاحلِه ،وحتمل عليهما عند سِتصح من صيب مميِّز (جلهة حُلَّ) :كعِمارَة م ْ
اإلِطالق :بأن قال أ ْوصَْيتُ به للمسْجدِ ولو غري ضرورية عمالً بالعرف .ويصْ ِرفُه
الناظِر لألَهَم واألَصْلَحِ باجْتهادِه .وهي لل َكعْبَةِ وللضَّريح النَّبويِّ ُتصْرفُ ملصالِحهما
اخلاصَّة هبما كترميمٍ ما ،وهي من الكعبة دون بقية احلرم ،وقيل يف األوىل ملساكني
مكة .قال شيخنا :يظهر أخذاً مما قالوه يف النذر للقَبْر املعروف جبرجان صحة ال َوصِيَّة
كال َوقْفِ لضَريحِ الشيخ الفالين ،وُتصْرَفُ يف مصاحل قربِه والبناءَ اجلائز عليه ومن
خدِمونَه أو َيقْرأونَ عليه .أما إذا قال للشيخ الفالين ومل يَْنوِ ضَرحيَه وحنوه :فهي َي ْ
باطلة .ولو أوصى ملسْجدٍ سيُبىن :مل تصح ،وإن بُين قبل موته إال تبعاً ،وقيل تبْطُل
فيما لو قال أردت متليكه وكعِمارَةٍ حنو قُبَّة على َقبْر حنو عامل يف غري مسْبَلةً .ووقع يف
زيادات العبادي :ولو أوصى بأن يُدفَن يف بيته بَطُلت الوَصِيَّة .وخَ َرجَ جبهة حَل :جهة
ُحرمٍ.
املعْصية كعِمارَة كنيسة وإسْراجٍ فيها وكتابة حنو توراةٍ وعلمٍ م َّ
(و) تصح (حلمل) موجودٍ حالَ الوصيِّة يَقيناً ،فتصح حلملٍ انفصل وبه حياة
مستقِرَّة لدون ستة أشهر من الوصية أو ألربع سنني فأقل ومل تكن املَرْأة فراشاً لزوج
أو سيد وأمْكَن كونُ احلَمل منه ،ألن الظاهِرَ وجودَه عندها لُن ْدرَة وَطْء الشُّبْهة ويف
تقدير الزنا إساءَة ظَن هبا .نعم :لو مل تكنُ فِراشاً قط مل تصح ال َوصِيَّة قَطْعاً ال لِحمْلٍ
حدُث وإن حَدَث قبل موتِ املوصي :ألهنا متليك ،ومتليك املعدومِ ممتنع ،فأشْبَهت سََي ْ
ال َوقْفَ على من سَيولَد لهُ .نعم ،إن جعل املعدو َم تَبَعاً للمَوجودِ كأن أوصى ألوالدِ
زيد املوجودين ومن سيحدثُ له من األوالد صحَّت هلم تبعاً ،وال لغري معيَّن فال
تصِحُّ ألحد هذين .هذا إذا كان بلفظ الوصِيَّة ،فإِن كان بلفظٍ أعطوا هذا ألحدمها:
صح ،ألنه وصية بالتمليك من املوصى إليه.
(و) تصح (لوارث) للموصي (مع إجازة) بقية (ورثته) بعدَ موْت املوصي وإن
كانت الوصية ببعض الثلث وال أثر إلِجازهتم يف حياة املوصي :إذ ال حقّ هلم حينئذٍ،
واحليلة يف أ ْخذِه من غري توقّف على إجازَة أن يوصي لفالن بألف :أي وهو ثلثه فأقل
113
إن تربع لولده خبمسمائة ،أو بألفني كما هو ظاهر .فإِذا قبل وأدّى لإلِبن ما شرط
عليه .أ َخذَ الوصية ،ومل يشارِك بقية ال َورَثة اإلِبن فيما َحصَل له .ومن الوصِيَّة له
إِبْراؤه وهِبَتَهُ وال َوقْفُ عليه .نعم ،لو َوقَف عليهم ما َيخْ ُرجُ من الثلث على قَدْرِ
نَصيبهِم َن َفذَ من غري إجازَة ،فليس هلم َن ْقضُه .وال َوصِيَّة لكل وارثٍ ِبقَ ْدرِ حِصَِّتهِ
كنصف وثلث لغو ألنه يستحقه بغري وصية ،وال يأثَم بذلك .وبعني هي َق ْدرُ حِصَّتِه:
كأن ترك ابنني وقناً وداراً قيمتهما سواء ،فخصّ كالً بواحدٍ صحيحة إن أجازا .ولو
أوصى للفقراء بشيء مل َيجُزْ للوصِي أن يعطى منه شيئاً لورثة امليت ،ولو فقراء كما
نصّ عليه يف األم وإمنا تصح الوصية (بأعطوه كذا) ،وإن مل يقل من ما يل أو وَهَبْتَه
له أو َجعَلَْتهُ له (أو هو له بعد مويت) يف األربعة ،وذلك ألن إضافة كل منها للموت
صَيّرتْها مبعىن الوَصِيَّة (وبأ ْوصَْيتُ له) بكذا وإن مل يقل بعد مويت لوضعها شرعاً
لذلك .فلو اقتصر على حنو وهبته له :فهو هِبَةً ناجِزَة ،أو على حنو ادفعوا إليه من مايل
كذا أو أعطوا فالناً من مايل كذا :فتوكيل يرتفع بنحو املوت وليست كناية وصية،
أو على جعلته له :احْتمَلَ ال َوصِيَّة واهلِبَة ،فإِن عُِلمَت نيته ألحدَهِما ،وإال بَطُل ،أو
على ثلث مايل للفقراء مل يكن إقراراً وال َوصِيَّةً للفقراءِ .قال شيخنا :ويظهر أنه كناية
َوصِيَّة ،أو على هو له فإِقرارٌ ،فإِن زاد من مايل فكناية وصية .وصرح مجع متأخرون
بصحة قوله ملدينة إن مُتُّ فأ ْعطِ فالناً ديين الذي عليك أو فَفرِّقه على الفقراء ،وال
ُيقْبل قوله يف ذلك ،بل ال بد من بينة به .وتنعقد بالكناية :كقوله عينت هذا له ،أو
ميزته له ،أو عبدي هذا له .والكتابة كناية فتنعقد هبا مع النية ،ولو من ناطِقٍ إن
اعتَرفَ نُطقْاً ُهوَ أو وارِثهُ بنيَّةِ ال َوصِيَّة هبا وال يَكفي هذا خطي وما فيه َوصِيَّيت،
وتصح باأللْفاظِ املذكورةَ من املوصي (مع قبولِ) موصى له (معني) حمصور إن تأهل،
وإال فنحو ولِيِّه (بعد موْتِ موصٍ) ولو بتراخٍ ،فال يصح القبولُ كالردِّ قبل موت
املوصي ،ألن للموصي أن يرجع فيها .فلمن ردَّ قبل املوت القبول بعده ،وال يصح
الردّ بعد القبول .ومن صريح الرد :رددهتا ،أو ال أقبلها .ومن كنايته :ال حاجة يل
هبا ،وأنا غين عنها وال ُيشْتَرط القبول يف غري معني كالفقراء ،بل تلزم باملوت ،وجيوزُ
ا ِإلقْتصا ُر على ثالثةٍ منهم ،وال جيب َّالتسْوية بينهم .وإذا قَبِلَ املوصى له بعدَ املوْت
بأنَ به أي بالقبول امللكَ لهُ يف املوصي به من املوت :فيحكم بترتُّب أحكامَ املُلْكِ
حينئذٍ من وجوبِ َن َفقَةٍ وفِطْرة والفوز بالفوائِد احلاصِلة وغري ذلك.
(ال) تصح ال َوصِيَّة (يف زاِئدٍ على ثلث يف) َوصِيَّة َوقَعت يف (مَ َرضٍ مُخَوفٍ)
لَتوَلُّد ا َملوْت عن جنسه كثرياً (إن رده وارِث) خاص مُطْلق التصرف ،ألنه حقَّه ،فإِن
كان غري مُطْلقِ التَّصرُّفِ فإِن َتوََّقعَت أهْلَيتَّه عن قُرْبَ :وقَف إليها ،وإال بَطُلَت ،ولو
أجارَ بعض الوَرثة فقط :صحَّ يف َقدْر حِصَّته من الزائِد وإن أجازَ الوارِث األهل
فإِجازتَه تنفيذٌ للوَصيَّة بالزائِد واملخوف :كإِسْهالٍ متتابِع ،وخروجُ الطعامِ بِشدَّة
ضوٍ شريف ،كالكَبِد ،دون البَوَاسِري ،أو بال استِحالَة ،وحِمى ووَجَع ،أو مع دَم من ع َ
مُطْبقة ،وكطَلْقِ حامِل ،وإن تكَرَّرت وِالدهتاِ ،لعِ َظمِ خَطَره ،ومن مث كان موتُها منه
شهادةً وبقاء مَشيَمة والتِحامَ قتال بني متكافئني واضْطِرابَ ريح يف حقِّ راكبِ
سفينة ،وإن أحسن السباحة وقَرُب من الرب وأما َزمَنُ الوباء والطاعون فتصرف الناس
كلهم فيه حمسوبٌ من الثلث .وينْبَغي ِلمَن َورَثَتَه أغْنِياءَ أو فُقراء أن ال يوصي بزاِئدٍ
على ثلث ،واأل ْحسَنُ أن يُْنقِصَ مِْنهُ شيئاً( .ويعترب منه) أي الثُّلث أيضاً (عِتْقٌ عُلِّق
صحّة أو املَرض (و) تربع جنز يف مرضهَ ( .كوْقفٍ وَهِبَة) وإبْراء .ولو با َملوْت) يف ال ِ
اختلف الوارِثُ واملّت ِهبُ :هل اهلِبَة يف الصحة أو املرض؟ صدق املُّت ِهبُ بيمينه ألن
العني يف يده .ولو وُ ِهبَ يف الصِّحة وُأقْبِضَ يف املرض ،اعترب من الثلث .أما املُْنجَز يف
114
صحته فُيحْسب من رأس املال ،كحُجَّة اإلسالم ،وعِتْقُ ا ُملسَْت ْولَدة ،ولو ادَّعى الوارِثُ
مَوتَه يف مَرضٍ تربُّعه واملتبَرِّع عليه شفاءه وموتَه من مرضٍ آخر أو فْجأة ،فإِن كان
خموِّفاً صدَق الوارِث وإال فاآلخَر .ولو اختلفا يف وُقوعِ التَّصرفِ يف الصحة أو يف
املرض ،صدق املُتَربِّع عليه ،ألن األصل دوام الصحة ،فإِن أقاما بينتني قُدِّمت بينة
املرض.
سمُ حِصَّة كل دارٍ [فرع] :لو أوصى جلريانه فألربعني داراً من كل جانب فَُيقْ ِ
على عددِ سكاهنا ،أو للعلماءِ فلمحدِّثٍ يعرف حال الراوي قوّة أو ضدّها واملروي
صحة وضدها ،ومفسر يعرف معىن كلِّ آية وما أرُيدَ هبا ،وفقيهٍ يعرف األحكام
الشرعية نصّاً واسْتِنباطاً .واملراد هنا من حصل شيئاً من الفقه ،حبيث يتأهل به لفهم
باقيه ،وليس منهم حنويٌّ وصريفٌ وُلغَ ِويٌ ومتَكلِّم ويكفي ثالثة من أصحاب العلوم
الثالثة أو بعضها .ولو أوصى ألعلم الناس اختصّ بال ُفقْهاء ،أو للقُرَّاءِ مل ُي ْعطَ إِال من
حفَظ كلَّ القُرآن عن َظهْر قَلْب ،أو ألَ ْجهَلِ النَّاسِ صَرْف لعُبَّادِ الوَثَن ،فإن قال من َي ْ
املسْلِمني فمن يسُبُّ الصَّحابَة وَيدْخُل يف َوصِيَّة ال ُفقَراء واملساكني وعَكَسَه ،وُي ْدخُل
يف أقارِبِ زيد كلُّ قريب ،وإن كان َبعُد ،ال أصْل وفرعٍ ،وال َتدْخُل يف أقارِبِ نفسه
ع عُلِّقَ باملوْت ،سواء كان التعليق يف َورَثته (وتَبْطُلُ ال َوصِيَّة ا ُملعَلَّقة باملوت) ومِثْلُها تَبَرُّ ٌ
الصحة أو املرض ،فللموصي الرجوعُ فيها ،كاهلِبَة ،قبل القَبْض ،بل أوىل .ومن مث مل
يرجع يف تربع جنزَهُ يف مَ َرضِه ،وإن اعتَبَر من الثلث (برجوع) عَن ال َوصِيَّة (بنحو
نقضِتها) ،كأبْطَلْتُها أو رَدَدْتُها أو َأ َزلْتُها .واألوجَه صِحَّةُ تعليقِ الرُّجوع فيها على
شرط لِجوَازِ التعليق فيها ،فأوىل يف الرُّجوع عَنْها (و) بنحو (هذا لوارِثي) أو مرياثٌ
عين ،سواء أَنسِي ال َوصِيَّة أم َذكَرَها.
(وسئل) شيخنا عما لو أوصى له بثلث مالِه إال كُتُبه ،مث بعد مدّة أوصى له بثلث
مالِه ومل َيسْتثنِ :هل يعمل باألوىل أو بالثانية؟( .فأجاب) بأن الذي يظهر العمل
باألوىل ،ألهنا نصّ يف إخراج الكتب ،والثانية حمتملة إنه ترك اإلِستثناء فيها لتصرحيه به
مقدمٌ على احملتمل (و) بنحو (بيع َورَهْن) يف األوىل ،وأنه تركه إبطاالً له ،والنصب َّ
ولو بال قبولٍ (وعرضٍ عليه) وتوكيلٍ فيه( و) حنو (غِراسِ) يف أرضٍ أوصى هبا،
خبالف َزرْعِه بِها .ولو اخْتَصَّ َنحْو الغِراسِ بَِبعْضِ األ ْرضِ ،اخْتَصَّ الرَجوعَ مبَحلِّه.
وليس من الرجوع إنكارُ املوصي الوصِيَّة إن كا َن ِلغَرض .ولو أوصى بشيء لزيد مث
أوصى به لعمرو ،فليس رجوعاً ،بل يكون بينهما نصفني .ولو أوصى به لثالث كان
بينهم أثالثاً ،وهكذا .قاله الشيخ زكريا يف شرح املنهج .ولو أوصى لزيد مبائة مث
خبمسني فليس له إال مخسون ،لتضمن الثانية الرُّجوعَ عن بعض األوىل ،قاله النووي.
ص َدقَةٌ) عنْه ،ومِنْها وقفٌ (مطلب) ٌ:يف اإلِيصاء (وتَْن َفعُ مَيْتاً) مِنْ وارِثٍ وَغَيْرِهِ ( َ
جدٍ ،و َحفْرِ بِئْرٍ ،وغَرْسِ َشجَرٍ مِْنهُ يف حَيَاتِه أو من غريه عنه سِصحَفٍ وغريِه ،وبناءُ َم ْ ِمل ْ
بعد موته (ودعاء) لهُ إجْماعاً .وصحَّ يف اخلرب "أن اهلل تعاىل يرفع درجة العبد يف اجلنة
باستغفار ولده له" وقوله تعاىل{ :وأن ليس لإلِنسان إال ما سعى} عام خمصوص
بذلك وقيل منْسوخ .ومعىن نَفعِه بالصَّدقة أنه يَصريُ كأَنَّهُ َتصَدَّق .قال الشافعي رضي
اهلل عنه وواسع فضل اهلل أن يُثيبَ املتصدِّقَ أيضاً .ومن مث قال أصحابناُ :يسَنُّ له نيَّة
الصَّدقة عن أبويْه مثالً ،فإِنه تعاىل يثيبهما وال يُنقِصُ من أَجْرهِ شَيْئاً .ومعىن َن ْفعِه
بالدُّعاء ،حُصولُ ا َملدْعوُّ بِه لَهُ إذا اسْتُجيبَ ،واسْتِجابَتَهُ َمحْض فضلٌ من اهلل تعاىل .أما
نفسُ الدعاءِ وثوابُه فهو للداعي ،ألنه شفاعَة أَجْرُها للشَّافعِ ،ومقصودها لل َمشْفوع
له .نعم ،دُعاءُ الولد حيصل ثَوابهُ ،نفسه للوالد امليْت ،ألن عمل ولده لتسبُّبه يف
وجودِه من مجلة عَملِه ،كما صرح به خرب "ينقطع عمل ابن آدم إال من ثالث" مث
115
قال" :أو ولد صاحل ،أي مسلم ،يدعو له" محل دعاءه من عمل الوالد .أما القراءة فقد
قال النووي يف شرح مسلم :املشهور من مذهب الشافعي أنه ال يصل ثواهبا إىل
صدَه هبا ،ولو بعدها ،وعليه امليْت .وقال بعضُ أصْحابنا يصِل ثوابَها للميْت ُمبجَرَّد ق ْ
األئِمة الثالثة واخْتَارَهُ كثريون من أئِمَّتِنا ،واعََت َمدَهُ السَّبكي وغريِه ،فقال :والذي دَلّ
عليه اخلرب باإلِسْتِنباط أن بعضَ القُرآن إِذا قَصد به َنفْعُ امليْت َن َفعَهُ وبني ذلك ،ومحل
مجع عدم الوصول الذي قاله النووي على ما إذا قرأ ال حبضرةِ املَيْت ومل ينوِ القاريء
ثوابَ قراءَتِه له أو نواهُ ومل يدعُ .وقد نصّ الشافعي واألصحاب على ندب قراءةِ ما
تيسَّر عند امليت والدعاءِ ِعقْبَها ،أي ألنه حينئذٍ أرْجى لإلِجابة ،وألن املَْيتَ تنالَهُ برَ َكةُ
القِراءة :كاحليِّ احلاضِر قال ابن الصالح :ويَنْبَغي اجل ْزمُ بَنفْع" :اللهم أوصل ثواب ما
قرأَته" أي مثله ،فهو املراد ،وإن مل يصرح به لفالن ،ألنه إذا نفعه الدعاء مبا ليس
للداعي فماله أوىل .وجيري هذا يف سائر األعمال من صالة وصوم وغريمها.
سمَةَ املواريث َجمْع فَريضَةَ ،مبعْنَى َمفْروضَه .والفَ ْرضُ ُلغَةَ التقْدير، أي مَسائِلَ قِ ْ
َدرٌ للوارِث ،و ُهوَ مِنْ الرِّجالِ عشرة :ابن ،وابنه ،وأب ،وأبوه، وشَرْعاً هُنا نَصيبٌ ُمق َّ
وأخ مُطْلَقاً ،وابنه ،إال من األم ،وعمّ ،وابنه ،إال لألم ،وزوجٌ وذو وَالءٍ .من النساء
تسع :بنت ،وبنت ابن ،وأم ،وجدّة ،وأخت ،وزوجةٌ وذاتُ وَالءً ،ولو َفقَدْ ال َورَثَة
كلُّهم فَأصْلُ املذْهَب أنه ال ُيوَرَّث ذوو األرْحام ،وال يُرَدُّ على أهْلِ الفَرْض فيمَا إِذا
وُ ِجدَ بعضُهم ،بل املال لبْيتِ املال ،مث إن مل يَنْتَ ِظمْ املال رُدَّ ما َفضُلَ عنهم َعلَْي ِهمْ غري
الزوجني بنسبة الفروض ،مث ذوي األرحام ،وهم أحد عشر :ولد بنت ،وأخت،
وبنت أخ ،وعمّ وعمّ ألمّ ،وخال ،وخالة ،وعمة ،وأبو أمّ ،وأمّ أيب أمّ ،ووَلد أخ ألمّ.
ُقدرَة (يف كتابِ اهلل) سِتَّة :ثلثان ،ونصف ،وربع ،ومثن وثلث ،وسدس. (الفروضُ) امل َّ
فال (ثُلثانُ) فَ ْرضُ أربعة (الثنني) فأكثَر( ،من بِنْت ،وبنت ابن ،وأخت ألبوين،
وألب ،وعصب كال) من البنت وبنت األبوين ،واألخت ألبويه أو ألب (أخ ساوَى)
له يف الرتبة واإلِدْالء ،فال يعصب ابنُ اإلِبنِ البنتَ وال ابن ابن االبن بنت ابن ِل َعدَم
املُساواة يف الرُّتبة .وال يَعصب األخُ ألبوين األخت ألب وال األخ ألب األخت
ألبوين لعدم املساواة يف اإلِدالء ،وإن تساويا يف الرتبة( ،و) عصب (األُخْريَيْن) أي
األخت ألبوين أو ألب (األوْليان) ومها البنت وبنت االبن .واملعىن أن األخت ألبوين
سقُط أخت ألبوين اجْتَمعت مع أو ألب مع البنت أو بنت االبن تكون ُعصْبة ،فت ْ
سقُط األخ ألب (ونصف) فرض مخسة (هلن) أي بنت أو بنت ابن أخاً ألب ،كما َي ْ
ملن ذكرنا حال كونِهن (منفردات) عن أخَواتِهنَّ وعن َم ْعصِبِهنَّ( ،ولزوج ليس
لزوجته فَرع) وارث ،ذكراً كان أو أنثى (وربع) فَ ْرضِ اثنني (له) أي للزوج (معه)
أي مع فرعها( ،و) ربع (هلا) أي لزوجة فأكثر (دونه) أي دونَ فَرْع له( ،ومثن هلا)
أي للزَّوجة (معه) أي مع فرع لزوْجها( ،وثلث فرض اثنني ألمّ ليس مليْتِها فرع)
وارث (وال عدد) اثنان فأكثر (من إخوة) ذكراً كان أو أنثى( ،ولولديها) أي ولدي
أمّ فأكثر يستوي فيه الذكر واألنثى (وسدُس) فَ ْرضُ سبعة (ألَبٍ وجدَ مليتِهما فرع)
وارِث (وأمٌّ مليتِها ذلك أو عددٌ من إخْوةٍ) وأخَواتٍ اثنانٌ فأكثرَ (وجدّة) أمّ أب وأمّ
أمّ ،وإن علتا سواء كان معها ولد أم ال .هذا إن مل تدل ِبذَكر بَيْن أُنثيَيْن ،فإِن أدْلت
به كأم أيب أمّ مل ترث خبصوص القرابة ،ألهنا من ذوي األرحام (وبنت ابن فأكثر مع
بنت أو بنتِ ابنٍ أعلى) منها (وأختٌ فأكثر ألب مع أخت ألبوين ،وواحد من ولد
أمَ) ذكرًا كان أو غريه (وثلثٌ باقٍ) بع َد فَ ْرضِ الزوْج أو الزوْجَة (أل ّم مع أحد زوجني
116
وأب) ،ال ثلث اجلميع ليأَ ُخذَ األبُ مثلي ما تأخذه األم .فإِن كانت مع زوج وأبٌ
فاملسألة من ستة ،للزوج ثالثَةُ ،ولألَبِ اثنان ،ولألم واحد .وإن كانت مع زوجةٍ
وأب فاملسألة من أربَعة ،للزوجة واحد ،ولألمِّ واحد ،ولألبِ اثنان .واسْتَبْقوا فيهما
لفظ الثلث حمافظة على األدب يف موافقة قوله تعاىل{ :وورثه أبواه فألمه الثلث} وإال
جبُ ولد ابن بابن أو ابن ابن فما تأخذه األم يف األوىل سدُس ويف الثانية ربع( .وَيحْ ُ
أقرب منه ،و) حيجب (جدّ بأب ،و) حتجب (جدة ألمّ بأمّ) ألهنا أدلت هبا( ،و) جدة
(ألب بأب) ألهنا أدلت به( ،وأمّ باإلِمجاع( .و) حيجب (أخ ألبوين بأب وابن وابنه)
وإن نزل (و) حيجب (أخ ألب هبما) أي بأب وابن (وبأخ ألبوين) وبأخت ألبوين
معها بنت أو بنت ابن كما سيأيت( ،و) حيجب أخ (ألم بأب) وأبيه ،وإن عال،
(وفرع) وارِثٍ للميِّت ،وإِن نزل ،ذكراً كان أو غريه( ،و) حيجب (إِبن أخ ألبوين
بأب وجدّ وابن) وابنه ،وإن نزل( ،وأخ) ألبوين أو ألب (و) حيجب (ابن أخ ألب
بِهؤالءِ) السِّتة( ،وبابن أخ ألبوين) ألنه أقوى منه ،ويَحجب عمٌّ ألََبوَيْن هبوالءِ
السَّبعة ،وبابن أخ ألب وعمٌّ ألبٍ هبؤال ِء الثمانية ،وبعمٍ ألَبوَيْن وابنِ َع َم ألبوين هبؤالء
حجَبُ ابن ابن التسْعة ،وبعم ألب وابن عمّ ألب هبؤالء العشرة ،وبابن عمّ ألبوين .وُي ْ
أخ ألبوين بابن أخ ألب ألنه أقْرَبُ مِنْهُ ،وبنات اإلِبن بابن أو بنتني فأكثر للمَيِّت إن
مل ُيعَصَّب أخ أو ابن عمّ ،فإِن ُعصَِبتْ به أخَذت مَعه الباقي بعد ثلثي البنتني
بالتعْصيب واألخوات ألب بأختني ألبوين فأكثر ،إال أن يكون معهن ذكرٌ فيعَصِّبهُنَّ.
وحيجنب أيضاً بأخت ألبوين معها بنت أو بنت ابن.
(واعلم) أن إبن اإلِبن كاإلِبن إال أنه ليس له مع البنت مثالها ،واجلدّة كاألم إال
أهنا ال تَرِثُ الثُُلثُ وال ثلث الباقي ،بل فَ ْرضُها دائماً السُّدُس .واجلدُّ كاألب إال أنه ال
جبُ باإلِبْنِ واألخ حَ جبُ اإلِ ْخوَةُ ألَبوْين أو ألَبٍ ،وبنتِ اإلِبن كالبِْنتِ إال أنَّها ُت ْ حَُي ْ
ألَبٍ كاألَخِ ألبوينِ إال أنه لَيسَ لهُ معَ األَ ْختِ ألَبويْن مثالها( ،وما َفضْلٌ) من التِّ ْركَة
عَمَّن لهُ فَرضٌ من أصْحابِ الفُروضِ (أو الكل) أي كل التِّركَة إن مل يكن له ذو
سقُط عْندَ االسْتِغراقْ (وهي ابن ف) بعده (ابنه) وإن سَفُل (فأب فرض (ل ُعصْبة) .وَت ْ
فأبوه) وإن عَال (فأخ ألبوين و) أخ (ألب فبنومها) كذلك (فعمٌّ ألبويْنِ فألبٍ
فبَنوهُما) كذلك ،مث عمُّ األبِ مث بنوه مث عمُّ اجلدِّ مث بنوه .وهكذا (ف) بعد ُعصْبَةُ
سبِ ُعصْبَةُ الوَالءِ ،وهو ( ُمعْتَق) ذكراً كان أو أنثى( ،ف) بعد املُعتق (ذكورُ النَّ َ
ُعصْبَتِهِ) دون إناثِهم ويؤخَّر هُنا اجلَدُّ عن األخ وابْنَهُ ف ُمعْتَقُ املُعتَقُ ف ُعصْبَتُه .فلو اجتمع
(للذكَرِ مثل حَظُّ األُنْثيِّن) وفضل الذكر بنونٌ وبناتٌ أو إخوةٌ وأخواتٌ فالتَّركَة َل ُهمْ َّ
بذلك الخْتصاصِه بلزوم ما ال يل َزمُ األُنْثى مِنَ اجلِهادِ و َغريِه .وولدُ ابْنٍ كوَلدٍ وأخٍ
ألب كأخٍ ألبوين فيما ذُكر.
(فصلٌ) يف بيانِ أصولِ املَسائِل (أصَلُ ا َملسْأَلة عدَدُ الرُّؤوس إن كانت ال َورَثة
الذكَرُ أُنْثَيَيْن إن اجْتَمعا) أي َعصُبات) كثالثة بنني أو أعمام فأصْلُها ثَالثة (وقَدَّر َّ
سمُ املتْروكَ على ثَالثَة :لإلِبْنِ اثْنانَِ ،ولِلبِنْتِ الصِّنفان من َنسَب .ففي ابن وبنت يُ ْق َ
واحد ،وخما ِرجُ الفُروضِ اثْنانِ وثَالثة وأرْبَعةَ وسِتَّةَ ومثانِيَة واثْنا َعشَر وأرْبَعة
و ِعشْرونَ .فإِنْ كانَ يف ا َملسَْألَةِ فَرْضانِ فأكْثَر اكَْتفَى عِْندَ َتمَاثُلِ ا َملخْرَجَيْنِ بِأَ َحدِهِما،
سدُسٍ صفَيْن يف َمسَْألَةِ َز ْوجٍ وأُ ْختٍ َفهِيَ مِنَ اإلِثنيْنِ ،وعند تَداخِلَهما بَأكْثَرِمها ك ُ كِن ْ
وثُُلثٍ يف َمسْأَلَة أم َو َولَديْها وأخ ألََبوَيْن أو ألب فهي من ستة ،وكذا يكتفي يف
زوجة وأبوين .وعند توافِ ُقهِما ِب َمضْروبٍ ِوفْقَ أَ َحدِمها يف اآلخر ،كسدس وُثمُن يف
َمسْأَلة أمّ وزوْجِةٍ وابن ،فهي من أرْبعةٍ و ِعشْرين ،حاصل ضرب وفق أحدمها ،وهو
نصف الستة أو الثمانية ،يف اآلخَر ،وعند تبايُنِهما مبضروب أحدمها يف اآلخر ،كثلث
117
وربع يف مسألة أم وزوجة أخ ألبوين أو ألب ،فهي من اثين عشر حاصل ضرب
ثالثة يف أربعة (وأصل) مسألة (كل فريضة فيها نصفان) كزوج وأخت ألب (أو
نصف وما بقي) ،كزوج وأخ ألب (اثنان) خمرج النصف (أو) فيها (ثلثان وثلث)
كأختني ألب وأختني ألم (أو ثلثان وما بقي) كبنتني وأخ ألب (أو ثلث وما بقي)
كأمّ وعمّ (ثالثة) خمرج الثلث (أو) فيها (ربع وما بقي) كزوجه وعمّ (أربعة) خمرج
الربع (أو) فيها (سدس وما بقي) كأمّ وابن (أو سدس وثلث) كأم وأخوين ألمّ (أو)
سدس (وثلثان) كأمّ وأختني ألب (أو) سدس ونصف كأمّ وبنت (ستة) خمرج
السدس (أو) فيها (مثن وما بقي) كزوجة وابن (أو) ُثمُن (ونصف ما بقي) كزوجة
وبنت وأخ ألب (مثانية) خمرج الثُمن (أو) فيها (ربع وسدس) كزوجة وأخ ألم (اثنا
عشر) مضروبٌ وفقَ أحد املخرجَيْنِ يف اآلخر (أو) فيها (ثُمنٌ و ُسدُسٌ) كزو َجةٍ
وجَدَّةٍ وابْن (أربعة وعشرون) مضروب وفق أحدمها يف اآلخر (وتعول) من أُصول
مَسائِل الفَرائِض ثَالثة (سِتَّة إىل َعشْرَةَ) وتراً وشفعاً .فعوهلا إىل سَْبعَةٍ كَ َز ْوجٍ وأخْتَيْن
لغَيْر أمّ ،وإىل مثانية كهم وأم ،وإىل تسعة كهم وأخ ألمّ ،وإىل عشرة كهم وأخ آخر
ألمّ (و) تعول اثنا عشر إىل سبعة عشر وتراً فعوهلا إىل ثالثة عشر كزوجةٍ وأمٍ وأختني
لغري أمّ ،وإىل مخسةِ عشرَ كهم وأخ ألم ،وإىل سبعة عشر كهم وأخ آخر ألمّ (و)
تعول (أربعة وعشرون لسبعة وعشرين) فقط كبِنتَني وأَبوْين وزوجة ،للبِنتَني ستَّة
عشر ولألَبوْين ثَمانية وللزوجة ثالثة ،وتسمى باملنربية ،ألن علياً رضي اهلل عنه كان
خيْطُب على منربِ الكوفة قائالً :احلمد هلل الذي حيكم باحلق قطعاً وجيزي كل نفس مبا
تسعى وإليه املآل والرجعى ،فسئل حينَئذٍ عن هذه املسألة فقال ارجتاالً :صارَ ثَمنَ
املَرْأَةِ تسعاً ،ومضى يف خِطْبَِتهِ .وإمنا عالوا لَِيدْخُل النقص على اجلميع كأرْبابِ الدُّيون
ق املالُ عن َق ْدرِ حِصَّتِهم. والوَصايا إذا ضا َ
(فصل) :يف بيان أحكام الوديعة .صحّ إيداعُ مُحتَرمٍ بأوْدَعْتُكَ هذا أو
حفْ َظتَكَه ،وخبُذْهُ مع نِيَّة .وحَ ُرمَ على عاجِزٍ عن ِح ْفظِ الوَديعة أخْذِها ،وكَ ِرهَ اسَْت َ
ضمَنُ وَديعَ بإِيداع غَيْرِه ولو قاضِياً بِال إِذْنٍ من املالِك ،ال على غَيْرِ واثِقٍ بأَمانَتهِ .وَي ْ
إن كان لعذر كم َرضٍ و َسفَرٍ و َخوْفٍ حَرْقٍ وإشْرافِ حرز على خراب ،وب َوضْع يف
غري حرز مثلها ،وبنقلها إىل دون حِ ْرزِ مثلها ،وبِتَرْكِ دفع مُتْلفاتِها كَتهْوِيَة ثِيابِ
حل ْفظِ املَأْمورِ به مِنَ املالِك، صوفٍ أو تَرْكِ لِْبسِها عند حاجَتِها ،وَِبعُدولِ عَنِ ا ِ
حدِها وتأخريِ َتسْليمِها لِمالكٍ بِال ُع ْذرٍ بعدَ طَلبِ مالِكِها ،وبانتِفاع هبا كلَبْس وبِج ْ
ورُكوبٍ بِال غَ َرضِ املالِكِ ،وبأَ ْخذِ دِرْهَم مثَال مِن كيسٍ فيه درا ِهمٌ مودَعَة عنده وإن
ضمَنُ اجلَميعُ إذا مل يَتمَيَّز الدِّرهم املردودُ عن الَبقِيَّة ،ألنهُ خَلطَها مبالِ رُدَّ إليه مِثْلَه فََي ْ
ضمِنَه فقط. َنفْسه بال تَمييز ،فهو مُتَعدَ ،فإِن متيز بنحو سِكَّة أو رُدَّ إليه عني الدِّرهم َ
وصدَّق وديع َكوَكيلٍ وشَريكْ وعام ُل قِراضٍ بيمني يف دعوى رَدَّها على مُوءْمتِنه ،ال
على وارِثه .ويف قولِهِ ما لَكَ عندي وديعة ،ويف تلفها مطلقاً ،أو بسبب خفي
كسرقة ،أو بظاهر كحريق عُرف دون عمومه فإِن عُرِفَ عُمومُه مل حيَلِفْ حيث ال
هتمة.
[فائدة] :الكذب حَرام ،وقد جيب :كما إذا سأل ظالِم عن وديَعة يريدُ أخْذها
حللْفُ عليه مع الت ْورِية .وإذا ملْ يُنكِرْها ومل يَمتَِنعْ جبُ إنْكارَها وإن َكذَب ،ولهُ ا َ فَي ِ
ضمِن ،وكذا لو رَأى َمعْصوماً اختفى من ظالِم يُريدُ قَتْله .وقد من إِعالمِه بِها جهده ُ
جيوزُ كما إذا كان ال يتم مقصودَ حربٍ وإصالحَ ذاتَ البَيْنِ وإرْضاءَ َزوْجَته إال
بالكذِب فمباحٌ ،ولو كان حتت يدِه وَديعَة مل َيعْرِفْ صاحِبَها وأَيس من معْ ِرفَتَهِ بعد
الَبحْثِ التام صَ َرفَها فيما جيب على اإلِمام الصَّرفَ فيه ،وهو أهمّ مَصالِح ا ُملسْلمني
118
جدٍ فإِن جهل ما ذكر دفعه مُقدِّماً أهلُ الضرُورة وشِدَّة احلاجَة ال يف بناء حنو َمسْ ِ
لثِقة عاِلمٍ باملصالِح الواجبة التَّقدمي واأل ْروَعْ األَعَْلمْ أوْىل.
(فصل) :يف بيان أحاكم اللقطة .لو الْت َقطَ شَيْئاً ال ُيخْشى فَسادَهُ كَن ْقدٍ ونُحاسٍ
ِب ِعمَارَةٍ أو َمفَازَةٍ عرفَه سِنَة يف األَسواقِ وأبْوابِ املساجد فإِن َظهَرَ مالِكه ،وإالَّ متلكه
بَِل ْفظٍ َتمَلْكَت ،وإن شاءَ بَا َعهُ وحَفَظ َثمَنَهُ .أو ما يُخْشى فَسادُه كهريسة وبقل
وفاكهة ورُ َطبَ ال يتتمر فيتخري مُلَتقِطة بني أكله متملكاً له وُيغَرَّم قيَمته ،وبنيَ بَْيعِه،
وَيعْ ِرفَه بعد بَْيعِه ليتَملَّك ثَمنه بعد التعريف فإِن َظهَرَ مالِكَهُ أعطاهُ قَيمتَه إن أكَلَه ،أو
ثَمنُه إن باعَهُ .ويف التعريف بعد األَكْل وجْهان :أصَحُّهما يف العمارةَ وجوبه ،ويف
املفازة قال اإلِمام :والظاهر أنه ال يَجِب ،ألنه ال فائدة فيه .ولو وجد ببيته درمهاً مثالً
وجوّز أنه ملن يدخلونه عرَّفه هلم كاللَّقطة قاله القفال .ويعرّف حقري ال يعرض عنه
غالباً ،وقيل هو درهمٌ زمَناً يظن أن فاِقدَه ُيعْرضُ عنْهُ بعدَه غالباً وخيتلف ذلك
باخْتِالف املال :فدانق الفِضَّة حاالً ،والذَّهب حنو ثالثة أيام .أما ما يُعرض عنه غالباً
كحبة زبيب استبدّ به واجده بال تعريف .ومن رأي لقْطة فرَفعَها بِر ْجلِه ليعْ ِرفَها
ضمَنْها .ويَجوزُ أ ْخذُ نَحو سَنابِلَ احلَصَّادين اليت اعْتيدَ اإلِعْراضُ عَنْها، وتركها مل ي ْ
للزرْكشي وكذا بِرَادَة احلدَّادين وكسْرَةَ اخلَبْزِ من رشيد ولو مما فيه زكاة خالفاً َّ
َرفَه فيهِ أخْذاً بظاهِر أحوال وحنو ذلك مما يعرض عنه عادة ،فيمْلِكَهُ آ ِخذُه ،وينفذ َتص ُّ
السَّلف .ويَح ُرمُ أ ْخذُ َثمَرٍ تَساَقطَ إن حُوِّط عليه وسقط داخِلَ اجلِدارِ .قال يف
اجملموع :ما َس َقطَ خارِج اجلدار إن مل يُعَتدْ إباحََتهُ حَ ُرمَ ،وإن اعْتيدَت حُلَّ ،عمَالً
بالعادَة املسَتمِرَّة املغلبة على الظنَّ إباحَتَهُم لَهُ.
121
نكاحَها ألنه مِن مُقْتَضى العقد .فلو أوْ َجبَ مث ر ِجعَ عن إِجيابِه أو رَ َجعَت اآلذِنة يف
إِذَهنا قبل القبُول أو جنت أو ارَْتدَّت امتَنع القُبول.
[فرع] :لو قال الوَيل زوَّجْتكها بِمهْرِ كذا ،فقالَ الزَّوجُ قَبِ ْلتُ نِكاحَها ومل يقُل
على هذا الصَّداق :صَح النّكاح َمبهْرِ املِثْل خالفاً للبارِزي (ال) َيصِحُّ النّكاحَ مع
(تعليق) كالبَْيعِ بل أوْىل الخِتصَاصِه مبزيد االحْتياط :كأنْ يقولَ األبُ لآلخَرِ إن
كانَت بِنْيت طُلّقت أو اعْتَدَّت فقد زوّجْتَكَها فقبِل مث بانَ اْنقِضاءُ عِدَّهتا وأهنا أذَنت له:
فال يصحُّ لفِسادِ الصِّيغَة بالتَّعليق .وحبَث بعضهم الصِّحة يف إن كانت فُالنة مولييت
فقد زوّجْتَكها ويف زَوَّجتُكَ إن شِئْت كالبَيْع :إذ ال تعليقَ يف احلقيقة( ،و) ال مع
(تأَقيتٍ) للنِّكاح ِب ُمدّةٍ معلومَة أو مَجهُولة فَي ْفسُد ِلصِحَّةِ َّالنهْي عن نِكاحِ املتعْة وهو
ا ُملؤَقَّت ولوْ بألْفِ سَنَة وليسَ منْه ما لو قال زَوَّجتَكها مدّة حياتِك أو حياهتا ألنه
سبَ والعِدَّةَ، مقتضى العَقْد ،بل يَبْقى أثَرُه بعدَ املوْت ،ويلزمُه يف نكاح املتْعةِ املهْرَ و َّالن َ
سقُط احلَدُّ إن ُعقِد بويل وشاهِدَيْن فإِن ُع ِقدَ بَيْنَه وبَيْنَ املرأة وَ َجبَ احلمد إن وي ْ
وُطىء :وحيث و َجبَ احلدُّ مل يثْبُت ا َملهْرُ وال ما بَ ْعدَه ويْن َع ِقدُ النِّكاحَ بال ذِكْرِ َمهْرٍ
يف ال َعقْد بل ُيسَنُّ ِذكْرُه فيه .وكُرِهَ إخالؤه عنه .نعم ،لو زَوَّج أمتَهُ ُبعَيْده مل ُيسْتَحَب
(و) شُرِطَ (يف الزوجة) أي املنكوحَة (خُلوٌّ مِن نِكاحٍ وعِدَّةٍ) مِن غَيْرِه (وتعينيٍ) لَها.
فزوَّجْتُكَ إحْدى بَنايت باطِلٌ ولو َمعَ اإلِشارَة ،ويكفي التَّعينيُ بوصْفٍ أو إشارةٍ
كزوَّجتُكَ بِنيت وليس له غريها أو اليت يف الدَّارِ وليسَ فيها غريَها أو هذه وإن سَماها
بغري ا ْسمِها يف الكُلِّ خبالفِ زَوَّجْتُكَ فاطمة وإن كان ا ْسمَ بِنْتِه إال إن َنوَياها .ولو
قال زوَّجْتُكَ بنيت الكُبْرى ومسَاها باسم الصُّغرى صحّ يف الكُبْرى ألن الكِبَر صِفةٌ
قَائمَة بِذاتِها ،خبالفِ اإلِسْم فقُدِّمَ عليه :ولو قال :زوَّجْتُكَ بِنْيت خَدجية فبانت بنْتُ
ابْنِه صح إن نَوياهَا أو عيَّنها بإِشارَة أو مل ُيعْرَفْ لصِلْبه غريَها ،وإال فال (و) شَرَط
فيها أيضاً (عدم مَح ُرمِية) بينها وبني اخلاطب (بنسب فيحْرُم) به آخر آلية{ :حرّمت
عليكم} (نساء قرابة غري) ما دخل يف (ولد عمومة وخؤولة) فحينئذٍ َيحْرُم نِكاحَ أمّ
جلدّة من اجلهتني، وهي من ولدتْك ،أو ولدت من ولدك ذكراً كان أو أُنثى وهي ا َ
وبنت وهي من ولدهتا أو ولدت من ولدها ذكراً كان أو أنثى ال خملوقة من ماء زناه
وأخت ،وبنت أخ ،وأخت ،وعمة وهي أخت ذكر ولدك ،وخالة وهي أخت أنثى
ولدتك.
[فرع] :لو تزوَّج جمهولَة النَّسب فاستَلْحقَها أبوه ثَبَت نَسبُها وال يَْنفَسخَ النّكاحَ
إن كذَّبه الزوج ،ومثْله عكْسه بأن تَزوَّجت جمهوالً فاستلْحقه أبوها ومل تصدقه (أو
رضاع فَيحْرُم به) أي بالرِّضاع (منْ َيحْرُم بَنسَب) للخرب املتفق عليه" :وَيحْرُم من
سبٍ أو ضعَةً من َوَلدِك منْ َن َ ضعَتُها ومر ِضعَتُكَ ومُ ْر ِ سبِ" فمُ ْر ِ
الرِّضاعِ ما َيحْ ُرمُ منَ َّالن َ
ضعَتَك أو ذا لَبْنَها أمك من رضاع ،واملرتضعة بلبنك ولنب رِضاعٍ وكل منَ ولدت مر ِ
فِرْعِك َنسَباً أو رِضاعاً وبِنْتها كذلك وإن َسفَلت بنْتُك ،واملرَتضِعة بلنب أحد أبويك
نسباً أو رضاعاً أختك .وقس على هذا بقَيَّة األصناف املتقدمة .وال ُيحْرُم عليك
ضعَةِ وَلدَكَ وبنْتَها ،وكذا أخت ضعَت أخاكَ أو وَلد وَلدك وال أمَّ مر ِ برِضاع من أ ْر َ
أخيك ألبيك أو ألمك من نسب أو رضاع.
[تنبيه] :الرضاعُ ا ُملحَرَّم وصولُ لَنبَ آ ُدمِيَّة بََل َغتْ سِنَّ حيْضٍ ،ولو قطرة ،أوْ
خمتلطاً بغريه وإن قلّ جوفُ رَضيعٍ مل يبلغ حولني يقيناً مخس مرات يقيناً عرفاً ،فإِن
ضعَة ثُمَّ عَاد إليه فيهما قَ َطعَ الرَّضيعُ إعْراضاً وإن مل يشَتَغل بشيء آخر أو قَطَعتْه امل ْر ِ
فوراً فرضعتان ،أو قطعه لنحو َلهْو كََن ْومٍ خَفيف وعادَ حاالً أو طال والثَّدي بفمه أو
شغْلٍ َخفِيفٍ مث عادَتْ إليْهِ فال تعدُّد يف حتوّل ولو بتحويلها من ثَديٍ آلخر أو قَ َطعَتْهُ ِل ُ
122
ضعَةُ أُمَّه ،وذو اللَّنب أبَاه .وَتسْرِي احلُرْمة من الرَّضيع إىل مجيع ذلك ،وتَصري املُ ْر ِ
أُصولِهما وفروعِهما وحواشِيهما َنسَباً ورِضاعاً ،وإىل فروعِ الرَّضيع ال إىل أصولِه
ُرمَ
وحواشيه ولو أقرّ رَجَلٌ وامرأة قبلَ العَقْد أن بَيْنهما أُخوَّة رِضاع وأمكن ح ِّ
تنا ُكحِهما ،وإِن رَجِعا عن اإلِقرارِ أو ب ْعدَه فهو باطِل ،فيفرَّق بينهما .وإن أَقرَّ به
فأنكرت صدَق يف حقه ،ويفرق بينهما أو أَقرَّت بِه دوَنهُ .فإِن كان ب ْعدَ أن عيَّنتْهُ يف
اإلِذْن للتَّزْويجِ أو مكَّنته من وطئِه إياها مل ُيقْبَلْ قوهلا ،وإال صدَقت بيمينها وال ُتسْمع
دعوى حنو أب حمرمِيّةٍ بالرضاع بني الزوجني .ويثْبُتَ الرّضاع برجل وامرأتني ،وبأربع
ِنسْوةٍ ولو فيهن أمُّ املرضعة إن شهدت حسبة بال سبق دعوى كشهادة أب امرأة
وابنها بطالقها كذلك .وتُقبَل شَهادَةُ مُ ْرضِعة مع غريها مل تطلب أجْرَة الرضاع وإن
ضعْتُها .وشَرطَ شَهادَة الرِّضاعِ ذِكرَ وقْتَ الرِّضاع، ذكرت فعْلها كأشهد أين أرْ َ
ضعَةِ .وُيعْرفُ بنظر حَلْب و َعدَدِه ،وتفَرُّقَ املرَّات ،ووصولِ اللَّبَن إىل ج ْوفِه يف كلِّ َر ْ
وإجيار وازدراد ،وبقرائن كامِتصاصِ َثدْي وحَ َركَةِ حَلَقةٍ بعد عِلمِه أهنا ذاتَ لَنبَ وإال
مل يَحلُّ له أن يشْهد ألن األصْل عَدمَ اللَّنب .وال يكفي يف أَداءِ الشهادة ذكرَه القرائن
بل يعتمدها وجيزم بالشهادة .ولو شهد به دون النِّصاب أو َوقَع شَكٌّ يف متام
الرضعات أو احلولني أو وصول اللنب إىل َجوْفِ الرَّضيع مل َيحْ ُرمْ النّكاح ،لكن الوَرعَ
اإلِجتناب وإن مل ُتخْربه إال واحدة .نعم إن صدقها يوم األخذ بقوهلا وال يثبت اإلِقرار
بالرضاع إال برجلني عدلني (أو مصاهرة) حمرم زوجة أصل من أب أو جدّ ألب أو أم
وإن عال من َنسَب أو رِضاع( ،وفصل) من ابن وابنه وإن َسفُل مِْنهُما( ،وأصل
زوجة) أي أُمَّهاهتا بَنسَب أو رِضاعٍ وإن عَلت وإن مل يدخُلْ هبا لآلية .وحِ ْكمََتهُ
الزوْجَة فحَ ُرمَت كسابقتيها بنفس العقد ابْتِالءُ الزَّوج مبُكاملَتِها واخلُلوة لتَرتيب أمْر َّ
ليتمكن من ذلك.
(واعلم) أنه يعترب يف زوجيت األب واالبن ويف أم الزوجة عند عدم الدخول هبن
أن يكون العقد صحيحاً (وكذا فصلها) أي الزوجة بنسبٍ أو رِضاعٍ ولو بواسِطةٍ
سِواءَ بِنتَ ابنها وبنت ابنتها وإن َس ُفلَت (إن دخل هبا) بأن وَطِئَها ولو يف الدُّبُر وإن
كانَ العَ ْقدُ فاسِداً ،وإنْ مل يَطَأها مل َتحْرم بِنْتَها خبالف أمِّها .وال َتحْرُم بْنتُ زوْج
األُمِّ وال أم زوجَةِ األب واالبْنِ .ومَن وَطِىءَ امْرأةً ِبمُلْكٍ أو شُبْهَةٍ منه كأنه وَطِىءَ
بفا ِسدِ نكاحٍ أو شِراءٍ أو بِظَنِّ زوجة حرُم عليه أمَّهاتُها وبناتُها وحَرمِّت على آبائه
وأبنائه ألنَّ الوَطْءَ ِبمُلْكِ اليَمني نازِلٌ مبَنْزِلة عقد النّكاح وبشبهة يثُبتُ النَّسب والعِدَّة
الحْتِمالِ َحمْلِها منه سواء أوْجد مِنْها شُبْهة أيضاً أم ال لكن َيحْرُم على الواطِىءِ
ِبشُْبهَةِ نَظَر أم املوْطُوءة وبنتها ومَسَّهما.
سوَةٍ غري َمحْصوراتٍ بأن َي ْعسُر عَدُّهُنَّ على [فرع] :لو اختطلت ُمحَرَّمة بِن ْ
اآلحاد كألف امرأة نكح من شاء منهن إىل أَنْ تَبْقى وا ِحدَةٌ على األرْجَحِ وإنْ قُدِّرَ
ولو بسُهولةٍ على مُتَيقِّنةٍ احلَلُّ أوْ بِمحْصوراتٍ ك ِعشْرِينَ بل مائَةً مل يَنْكِح مِْنهُنَّ شيئاً.
سوْداءَ اختلَطَت مبن ال سَوادَ فيهنَّ مل َيحْرُم غَيْرها كما نعم إن قَطَع بتميُّزِها َك َ
اسْتظهره شيخنا.
[تنبيه] :اعْلم أنه ُيشْتَرطُ أيضاً يف املَنكوحَةِ َكوْنُها مُسِْلمَة أو كِتابِيَّة خاِلصَة ذِميَّة
كانت أو حربيَّة ،فَيحِلُّ مع الكَراهَة نِكاحَ االسْرائيلية بشرط أن ال يُعلمَ دُخول أوَّلَ
آبائِها يف ذلك الدين بعد بعثَة عيسى عليه السالم وإن ُعِلمَ دخوله فيه بعد التحري،
ونكاح غريها ِبشَرْطِ أن يعلمَ دُخولُ أوَّل آبائِها فيه قبْلها ولو بعد َّالتحْريف إن جتنَّبوا
ا ُملحَرَّف ،ولو أسْلم كتايبٌّ وحتته كتابية دام نِكاحُه وإن كان قبل الدخول أو وثين
وحتته وثنية فتخلَّفت قبل الدخول تنجزت الفِرقة أو بعده وأسْلمَت يف العدَّة دامَ
123
نِكاحهُ ،وإال فالفِرقَة من إسالمه .ولو أسلمت وأصَرَّ على ال ُكفْر :فإِن دخل هبا وأسلم
يف العدّة دام النِّكاح ،وإِالَّ فالفِرقَةَ من إِسْالمِها .وحيثُ أ َدمْنا ال َيضُرُّ مُقارَنَة ُمفْسدٍ
هو زائِل عِْندَ اإلِسْالم فَُتقِرُّ على نِكاح يف عِدَّةٍ هي مُْن َقضِيَةً عندَ اإلِسْالم وعلى َغصْبِ
حَريبَ ِلحَرَبيَّة إن اعتقدوه نِكاحاً .وكال َغصْب املطاوعَة .قاله شيخنا .وَنِكاحُ الكفَّارِ
صحيحٌ ،على الصحيح ،وال يصِحُّ نكاح اجلنِّيَّة كعكسه على ما عليه أكثر املتأخرين.
(و) شرط (يف الزوج تعيني) فزَوَّ ْجتُ بِنتَي أحدَكما باطِل ولو مع اإلِشارة (وعدَم
سبٍ أو رِضاع (َتحَته) أي الزوجَ ُمحرَّمة) كأ ْختٍ أو عَمَّة أو خالَة (لل َمخْطوبَة) بَِن َ
كالزوْجة بدليل التَّوارُث .فإِنْ نكحَ ُمحَرَّميْن يف ولو يف العدَّة الرَّجْعيَّة ألن الرَّجعِيَّة َّ
عقْد بَطَل فيهما :إذ ال مرجح ،أو يف عقدين بطل الثاين .وضاِبطُ من ُيحَرِّم اجلمعَ
حهِما إن فُ ِرضَت إحداهُما َذكَراً سبٌ أو رِضاع يُحرِّم تنا ُك ِ بَيَْنهُما كل امرأتني بينهما ن َ
وُيشْتَرط أيْضاً أن ال تَكونَ تَحتَه أرَْبعَ مَن الزَّوجاتِ سوى املخطوبَة ولو كان بعضهُن
يف العدّة الرَّجعيَّة ألن الرجعية يف حكم الزَّوجِة ،فلو نَكحَ احلرَّ مخساً مرتباً بَطُلَ يف
اخلامسة أو يف َعقْدٍ بطُلَ يف اجلميع أو زاد العبد على الثنتني بطل كذلك .أما إذا
الزوْجات األربعة يف العدّة البائِنِ فيصحُّ نِكاحُ كانَت احملرَّمة للمخطوبة أو إحدى َّ
حمرَّمتِها واخلَامسة ألن البائِنَة أجْنَبيَّة (و) شرطٌ (يف الشَّاهدين أهلية شَهادة) تأيت
شروطها يف باب الشهادة وهي حرية كاملة وذكورَةٌ حمققة وعَدالةٌ ومن الزَمَها
اإلِسْالمُ والتَّكليفُ و َس ِمعٍ ونُطْقٍ وبَصرٍ ملا يأيت أن ا َألقْوال ال تثبت إال باملعاينة
والسَّماع .ويف األعمى وجه ألنه أهلٌ للشَّهادة يف اجلملة ،األصح ال وإن عَرفَ
الزوْجني ،ومْثِلَه مَن بِظُ ْلمَةٍ شديدة و َمعْ ِرفَةِ لسانِ املُتعاقِدين( .وع َدمِ تَعيُّنِهما) أو َّ
أ َحدِمها (للوالية) فال يصِحُّ النِّكاحَ حبضْرَةِ عَْبدَينٍ أو امْ َرأَتَيْن أو فا ِسقَيْن أو أصَمَّيْن أو
أخْرَسَيْن أو أ ْعمَييْن أو من مل يْفهم لِسانَ املتعاِقدَيْن وال حبضْرة متعيَّن للوِالية .فلو
وكِّل األبُ أو األخُ املنفرِد يف النّكاح وحضَر مع اآلخر مل يصح ألنه ويل عاقِد فال
يكون شاهِداً .ومن مث لو شهد أخَوانِ من ثالثة وعقد الثالث بغري وكالة من أحدمها
صحَّ ،وإال فال.
[تنبيه] :ال َيشْتَرِطُ اإلِشْهادَ على إِذنِ معتربة اإلِذن ألنه ليسَ ُركْناً لل َع ْقدِ ،بل هو
شَرْطٌ فيه ،فلم جيَب اإلِشْهادَ عليه إن كان الويلّ غري حا ِكمٍ وكذا إن كان حاكِماً
صيبّ أرسَله الويلُّ إىل على األوْجُه .ونقل يف البحر عَنِ األصْحابِ أنه جيوزُ اعِْتمَادَ َ
ليزوجَ مَولِيتَه :أي إن وقع يف قلبه صدقُ اخلَرب. غريه َّ
[فرع] :لو زوَّجها وَليُّها قبل بُلوغ إذْنِها إليْه صحَّ على األوْجَهِ إن كانَ اإلِذنُ
سابِقاً على حاَلةِ التَّزْويج ،ألن العِبْرَةَ يف العُقودِ مبا يف َنفْسِ األمْر ال بِما يف ظَنِّ
املُكَلَّفِ (وصح) النِّكاحَ (مبِستوري عدالة) وهُما مَنْ مل يُعْرَف هلما م ْفسِقٌ ،كما نص
عليه ،واعت َمدَه َج ْمعٌ ،وأطالوا فيه .وبَطَل السترُ بَِتجْريحِ َعدْلٍ وإذا تابَ الفاسِقُ مل
يلَتحِقْ باملستورِ .وُيسَنُّ اسْتتابَةُ املَستورِ عند ال َع ْقدِ .ولو عَِلمَ احلا ِكمُ ِفسْقَ الشَّا ِهدَيْن
الزوْجَيْنِ ولو قبل التْرَاُفعِ ِإلَيْهِ على األوْجَهِ .ويصحُّ أيضاً بابين َلزمَهُ التفْريقَ بني َّ
الزَّوجَيْن أو َعدُوَّْيهِما .وقد َيصِحُّ كَوْنَ األب شاهِداً أيضاً :كأن تكونَ بنْتَه قِنَّة.
وظاهِرُ كالم احلناطي بل صرحيه أنه ال يَلْزمُ الزوّج البحثَ عن حال الويل والشُّهودُ.
سدٍ لِل َعقْد (وبَانْ بُطْالنَهُ) أيْ النِّكاحَ قال شيخنا :وهو كذلك إِن مل يظن وجودَ م ْف ِ
(حبُجَّةٍ فيه) أي يف النّكاحِ من بَيِّنة أو عِلْم حاكِم (أو بإِقرارِ ال ّزوْجيَنِ يف حقهِّما مبا
مينعُ صحَّتهُ) ك ِفسْقِ الشَّاهِد أو الوَيل عند العَقْد والرِّق والصِّبا هلما وكوقوعِه يف
العِدَّة .وخرج بفي حقِّهما حقُّ اهلل تعاىل كأن طلقها ثالثاً مث اتفقا على فسادِ النِّكاحِ
للت ُهمَة،ِبشَيءٍ مما ُذكِرَ وأرادَ نِكاحاً جديداً فال يُقيَلُ إقْرَارَهُما ،بل ال بدَّ منْ ُمحَلّلٍ ُّ
124
حلسْبة فُتسْمَع .نعم حمل عدم سمَع .أما بيِّنة ا ِوألنه حقُّ اهلل ،ولو أقاما عَلَيه بيِّنة مل ُت ْ
قبول إقرارمها يف الظاهر ،أما يف الباطن فالنظر ملا يف نفس األمْر وال يتبني البُطْالن
بإِقرارِ الشاهِدين مبا يَمنَع الصِّحة فال يؤثِّر يف اإلِبطال ،كما ال يؤثر فيه بعد احلُكْمِ
بشهادَتِهما ،وألن احلقَّ ليس هلما فال ُيقْبَلُ قوهلما .أما إذا َأقَرَّ به الزَّوجُ دونَ الزوْجة
فَُيفَرَّقُ بينهما مؤا َخذَة له بإِقراره وعليه نصفُ ا َملهْر إن مل يدخل هبا وإال فكُلُّه :إذ ال
صمَةَ صدُقُ هو بيمينه ألن ال ِع ْ يقبل قوله عليها يف ا َملهْرِ بِخالفِ ما إذا أقَرَّت به دونَهُ فَي ْ
طءٍ ،وَعَليه إن وَطَىءَ األقَلَّ من بَيدِه وهيَ تريدُ َرفْعَها فال تُطالِبْهُ مبَهرٍ إن طُلِّقت قبلَ وَ ْ
صفَةٍ يف الزَّوج املسمَّى و َمهْرَ املِثْل .ولو أقَرَّت باإلِذن مث ادَّعت أنَّها إمنا أذِنَت بشَرْط ِ
صدَقَتْ بيمينها فيما استَظْهرَهُ شيخنا (و) إذا اخْتََلفَا ومل توجَد ونَفى الز ْوجُ ذلك َ
صدََقتْ وبانَ بُطْالنُ فادَّعت أهنا مُحرَّمة بنحو رِضاعٍ وأنكَرَ (حََل َفتَ مَّدعِيَة حمرمية) و َ
النِّكاحِ فيُفرَّقُ بيَنهُما إن (مل تُ ْرضِه) أي الزوْج حالَ ال َع ْقدِ وال ِعقْبَه إلِجْبارِها أو أَذِنَها
يف غري مُعيَّن ومل ترض بعدَ ال َع ْقدِ بنُطْقٍ وال متْكِنيٍ الحتِمالِ ما تدَّعيه مع ع َدمِ سبق
مناَقضَه ،فهو كقوهلا ابتداء فالنَ أخي منَ الرَّضاع فال تُزَوَّج منه .فإن َرضَِيتَ ومل
سمَع دَعْواها (و) إن اعتذَرت ُس ِمعَت دعواها لل ُعذْرِ تعتذر بنحو نِسيان أو غلط مل ت َ
الزوْج (لراضِيَةٍ اعَت َذرَت) بِنسْيانٍ أو غلط (و) شرطٌ (يف الويل ولكن (حَلفَ) هو أي َّ
عدالةً وحريَّة وتكْليف) فال وِاليَة لفاسِقٍ غري اإلِمام األَعْ َظمِ ألن ال ِفسْقَ نقْصٌ َي ْق َدحُ
يف الشَّهادَة فَيمَْنعُ الوِاليَة كالرِّقِّ .هذا هو املذهب للخرب الصحيح "ال نِكاحَ إال بويل
مُرشِد" أي عدل .وقال بعضهم :إنه يلي .والذي اختارَهُ النَّووي كابن الصالح
والسَّبكي ما أفىت به الغزايل مِنْ بَقاءِ الوِاليةِ للفاسِقِ حيث تَنَْتقِلُ حلاكمٍ فاسِق .ولو
ُوجَ حاالً على ما اعتمده شيخنا كغريه ،لكن الذي قاله تابَ الفاسِقُ َتوْبَةً صحيحة ز ِّ
الشيخان إنه ال يُزَوَّج إال ب ْعدَ اإلِسْتِبْراء ،واعتمده السَّبْكي وال لرقيقٍ ُكلّه أو بعضه
صيبٍ وجمنون لِنَقصِهما أيضاً وإن تقْطع اجلنُونُ تغليباً لزَمنه ا ُملقْتَضِي لسَلب لَِنقْصه وال ل َ
العبارة فيُزَوَّج األَبْعَد زمنه فقط وال تنتظر إفاقَتَهُ .نعم :إن َقصُر َزمَن اجلنُون كيوم يف
شغَلُه عن النظرِ با َملصْلَحة ومُختَلِّ النَظَر سنة انْتُظِرَت إفاقَتَهُ ،وكَذي اجلنُونِ ذو أَمل ي ْ
بِنَحو هَ َرمٍ ومَن به بعد اإلِفاقَة آثارُ خَبَل تو ِجبُ حِدَّة يف اخلُلُقِ (وينقل ضدّ كل) من
ال ِفسْقِ والرِّقِّ والصِّبا واجلنون (واليةً ألبعد) ال حلاكمٍ ولو يف باب الوَالء حىت لَو
أَعْتَقَ َشخْصٌ َأمَةٌ ومات عن ابن صغري وأخ كبري كانت الوالية لألخ ال للحاكم على
املعتمد .وال والية أيضاً ألُنْثى فال تُزَوَّج امرأةٌ نفسَها ولو بإِذن من وليِّها وال بنَاتِها
خِالفاً أليب حنيفة فيهما.
صدْقها وإن كذَّهبا وليُّها ألن النّكاح حقّ الزَّوجيْن فيثْبُت وُيقْبَ ُل إقْرارَ مُ َكلَّفة به ل ِ
بتَصا ُدِقهِما (وهو) أي الويل (أب ف) عند عدمه حساً أو شرعاً (أبوه) وإن عال
(فيزَوَّجان) أي األب واجلدّ حيث ال عَداوَة ظاهِرَة (بِكْراً أو ثيباً بال وَطْءٍ) ِلمَنْ زالت
بِكارَتُها بنحْو ِإصَْبعٍ (ِبغَيْرِ إِذنِها) فال ُيشْتَرطُ اإلِذن منها باِلغَةً كانت أو غري بالغة
لكمال َش َفقَتِه وخلرب الدارقطين" :الثيب أحقّ بنفسها من وليها والبكر يزوّجها أبوها"
(لِكَفُءٍ) موسِر مبهْر املِثْلِ ،فإِن زوّجها اجملْبَر أي األبُ أو اجلدُّ ِلغَيْر كَفُءٍ مل َيصِحَّ
النكاح ،وكذا إن زوجها لغري موسِر باملهر على ما اعتمده الشيخان ،لكن الذي
حقّقون الصِّحة يف الثانية ،واعتمده شيخنا ابن زياد .وُيشْترَطُ جلوازِ اختارَه مجع ُم َ
لصحَته كونُه َمبهْرِ املِثْل احلال مِن نَ ْقدِ البََلدِ فإِن انَْتفَيا صَحَّ َمبهْرِ مُباشَرَتِه لذلك ال َّ
املِثْلِ مِن َن ْقدِ البََلدِ.
جربٌ بالنِكاح لكفْءٍ قبل إقْرارِه وإن أَنْكَرَتْه ألنَّ من مَلَكَ [فرع] :لو أقَرَّ ُم ْ
اإلِنْشاءَ مَلَكَ ا ِإلقْرَار ،خبالف غريه (ال) يُزَوَّجان (ثيباً بوَطْءٍ) ولو زنا وإن كانت
125
َوجُ الثِّيب ثُيوبَتَها بقوهلا إن حََلفَت (إال بإِذْنِها نُطْقاً) للخَرب السابق (باِلغَةً) فال تُز َّ
الصغريةُ العاقِلَة احلرَّة حىت تبلغَ لعَدم اعتبارِ إِذْنِها ،خِالفاً أليب حنيفة رضي اهلل عنه.
(وتصدَّق) املرأة البالِغة (يف) دَعْوى (بِكارَةٍ) بال ميني ويف ثُيوبَةٍ قبل عَ ْقدٍ عليها
(بيمينها) وإن مل تَتَزَوَّج ومل َت ْذكُر سبَباً ،فال ُتسَئَل عن السَّبب الذي صارَت بِه ثيباً.
وخَ َرجَ ب َقوْيل قَبْلَ عقْد دَ ْعوَاها الثُّيوبَة بعد أن يُزَوِّجَها األبُ بغَيْرِ إذْنِها بِظنِّه بِكْراً فال
صدِيقِها من إِبْطالِ النّكاحِ مع أن األصْلَ بقاءَ البكارَة ،بل لو صدُق هي ملا يف َت ْ َت ْ
سوَةٍ بثيُوبَتِها عْندَ العُقْد مل يبْطل الحْتِمالِ إزالَتِها بنَحْو أصُْبعٍ أو خُِلقَتْ َش ِهدَت أربعَ ِن ْ
بدوهنا .ويف فتاوى الكمال الردّاد :جيوز لألب تزويجُ صغريةٍ أخربتْهُ أن الزوْج الذي
الز ْوجُ أياماً ،وال صدَق َقوْهلا وإن عاشَرَها َّ طلقها مل يَطأْها :أي إذا غلب على ظنِّه َ
يُنْتَظَر بُلوغُه للتزويجِ .مث) بعد األصل (عصبتها وهو) من على حاشيَةِ النَّسب فيقدَّم
(أخ ألبوين فأخ ألب فبنومها) كذلك فيقدَّم بنو اإلِخوة ألبوين مث بنو اإلِخوة ألب
(ف) بعد ابن األخ (عم) ألبوين مث ألب مث بنومها كذلك مث عم األب مث بنوه كذلك
وهكذا( .مث) بعد فقد ِعصْبَةِ َّالنسَب من كان ِعصْبَة ِبوَالء كترتيب ِإرْثِهم فيُقدَّم
(معتقٌ فعصْباتَه) مث مُعتِقُ ا ُملعْتِق مث ِعصْباتَه وهكذا( ،فيُزَوَّجون) أي األوْلياء املذّكورين
طءٍ نُطْقاً)على ترتيب وال (يتهم بالغة) ال صغرية خالفاً أليب حنيفة (بإِذنِ ثَْيبٍ ِبوَ ْ
خلرب الدارقطين السابق ،ويَجوزُ اإلِذْن منها بلفظ الوكالة كوكلتك يف تزوجيي
ورَضيتُ مبن يَرْضاهُ أيب أو أمي أو مبا يفعله أيب ال مبا تفعله أمي ألهنا ال تعقد وال إن
ُزوجْ .وكذا بأذَْنتُ له رضي أيب أو أمي للتَّعليق وبِرَضيتُ فالناً زوْجاً أو رضيت أن أ َّ
أن َي ْع ِق َد يل وإن مل تذكرْ نِكاحاً على ما حبث ولو قيل هلا َأ َرضِْيتَ بالتَّزْويج؟ فقالت
فءٍ وغَيْرهِ وإن بَكَت، ص ْمتُ بِكْرٍ) ولو عَتيقَة (استُوءْذَِنتِ) يف كَ ُ َرضَيْت كفى (و َ
لكن من غريِ صياح أو ضَرب حدَ :خلرب" :والبكر ُتسْتَ ْأمَرَ ،وإِذنُها سكوتُها" وخرج
بثيب بوطء مُزالة البِكارَة بنحو إصْبَعٍ فحَكَمها حُ ْكمَ البِكْرِ يف ا ِإلكِْتفَاءِ بالسُّكوت
ب واجلدِّ استئْذانَ البِكْرِ البالِغة تَطيْيباً خلاطِرها ،أما الصَّغرية ب لأل ِ بعد اإلِسْتِْئذَان .ويُْندَ ُ
فال إذن هلا وحبث ُندْبهُ يف املميزة ولغريمها اإلِشهاد على اإلِذْن.
[فرع] :لو أَعْتَقَ َجمَاعَةٌ أمَةً اشْتُرِطَ رِضا كلِّهم فيوكِلونَ واحداً منهم أو من
غريهم .ولو أراد أحدهم أن يَتَزوَّجَها زوَّجَه الباقون مع القاضي :فإِن ماتَ مجيعُهم
كفى رضا كل واحد من عِصبَة كلِّ واحِد ،ولو اجَْتمَع عدَدٌ من ُعصْباتِ ا ِملعْتِقَ يف
درجةٍ جاز أن يُزَوِّجَها أ َحدَهُم برِضاها وإن مل يَ ْرضَ الباقونَ (مث) بعدَ فَ َقدِ ُعصْبَة
النَّسَب والوَالءِ (قاضٍ) أو نائِبه لقوله" :السُّلطانُ وَيلُّ من ال وَيلَّ هلا" واملراد من لهُ
َوجُ) أي القاضي (بكَفء) ال بغَيْرِه (بالِغة) واليَة مِنَ اإلِمام والقضاة ونوابَهم (فَيُز ِّ
كائِنَةً يف حمل واليته حالة الع ْقدِ ولو ُمجْتازَة به وإن كان إذْنُها له وهي خارجة ،أما
إذا كانت خارجة عن حملِّ واليته حالته فال يزوِّجَها وإن أذَنَت له قبل خُروجها منه
أو كان هو فيه ألنَ الوِاليَة عليها ال تتعلق باخلاطب .وخرج بالباِلغَة اليتيمة فال
يزوجها القاضي ولو حنفياً مل يَأْذَنْ له سُلْطَان حنفي فيه .وتصدق املرأة يف دعوى
البُلوغِ َبحَيْضٍ أو إمْناءٍ بال ميني :إذ ال يعْرَفُ إال منها يف دعوى البلوغ بالسن إال ببينة
خبرية تذكر عدد السنني (و َع َدمُ َولِيِّها) اخلاص بِنَسب أو وَالءٍ (أو غابَ) أَي أقْرَبُ
صدُقُ املرأة يف دعوى غيبةِ أ ْولِيائِها (مَرْحَلَتَيْن) وليسَ له وكيلٌ حاضِرٌ يف التَّزْويج وَت ْ
الويل وخُلُوِّها مِنَ النِّكاح والعِدَّة وإنْ مل ُتقِمْ بيِّنة بذلك .وُيسَنُّ طََلبُ بيِّنة بذلك
منها ،وإال فتحْليفِها .ولو زَوَّجَها لغِيبَة الوَيل فبانَ أنه قَريبٌ من بَلدِ العَقْد وَقْتَ
النِّكاح مل يْن َعقِد إن ثَُبتَ قرْبَه .فال َي َقدَح يف صحة النِّكاحِ جمر قوله كنت قريباً من
البلد ،بل ال بدّ من بيِّنة على األوجه ،خالفاً ملا نقله الزركشي والشيخ زكريا عن
126
فتاوي البغوي (أو) غاب إىل دونِهما لكن (تعذَّر وصول إليه) أي إىل الويل (خلوف)
يف الطريق من القتل أو الضرب أو أخذ املال (أو فقد) أي الويل بأن مل يعرف مكانه
وال مَوته وال حياته بعد غيبةٍ أو حُضورِ قتال أو انْكسارِ سفينة أو أسْرَ عدوّ .هذا إن
مل ُيحْ َكمْ مبوته ،وإال زوَّجها األَبْعد( .أو َعضْلُ) الويل ولو مُجرب أي منع (مكَلَّفةٍ) أي
باِلغِة عاقِلَة (دعَت إىل) تَزْوجيها من (كَفُءٍ) ولو بدون َمهْر املِثْل من تزوجيها به.
يزوجُ القاضي إن عضل ُمجْبَر من تزوجيها بكُفْءٍ عَيَّنَْتهُ وقد عيَّن [فروع] :ال ِّ
هو كفؤٌ آخر غري معينها وإن كان معيَّنةُ دون معيِّنها كفاءة .وال يزوَّج غيْرَ ا ُملجْبَر
ولو أباً أو جداً بأن كانت ثيباً إال مِمَّن عَيَّنَتْه وإال كان عاضِالً .ولو ثَبَت تواري الويل
أو َتعُزَّزه زوَّجَها احلاكِم .وكذا يزَوِّج القاضي إذا أحْرَم الويلّ أو أراد نِكاحَها كابْن
عمّ فق َد من يساويه يف الدَّرجة و ُمعْتِقٍ فال يزوَّج األَبْعدُ يف الصُّور املذكورَة لبَقاءِ
َوجُ للقاضي أو ِط ْفلَه إذا أراد نِكاح من ليسَ هلا ويل ا َألقْربِ على واليَتِه .وإمنا يُز ِّ
قاضٍ آخر مبحلِّ واليته إذا كانت املرأة يف عمله أو نائب القاضي الذي يتزوّج هو أو
طفله (مث) إن مل يوجد ويلٌّ ممن مَرَّ فيزوِّجها (حمكم عدل) حر ولته مع خاطبها أمرها
ليزوجها مِنْهُ وإنْ ملْ يَكُنْ ُمجَْتهِداً إذا مل يَكُن مث قاض ولو غري أَهْل ،وإال فُيشْتَرَطُ
َوجُ إال ِبدَراهم ،كما كَونَ احملْكم ُمجْتَهِداً .قال شيخنا :نعم إن كانَ احلا ِكمُ ال يُز َّ
سلمْنا أنه ال يَنْعزِلُ بذلك فيتجِه أن هلا أن تويل َع ْدالً مع وُجودِه وإن َّ َحدَث اآلن َّ
بأن عَلِم موليُّه ذلك منه حال َّالت ْولِية .انتهى .ولو وَطَىء يف نِكاح بال وَيلِّ كأن
زَوَّجت نفسها ومل حيْكُم حاكِمٌ بصحَّتِه وال بُبطْالنِه ل ِزمَهُ َمهْرَ املِثْلِ دون املسمى
سقُط عن َد احلدِّ( .و) جيوزُ (لقاضٍ تَزْويجَ من لفسادِ النّكاح وُيعْزرُ به ُمعَْت ِقدٌ حترميه وَي ْ
قالت أنا خليةِ عن نِكاحَ وعِدَّة) أو طلَّقين زوجي واعتدَدْت (ما مل ُيعْرف هلا َزوْجاً)
صحَّة مُعيَّناً (وإال) أي وإن عُرف هلا زوْجاً باسْمه أو شخصه أو عيّنَته (شرط) يف ِ
تَزْويج احلا ِكمِ هلا دون الويل اخلاص (إثْباتُ لفِراقِه) بَنحْو طَالقٍ أو َموْتِ سواءً
أَغَابَ أمْ َحضَر وإنَّما فَرَّقوا بَيْن املُعيَّن وغريهِ مع أن املدَارَ والعِ ْلمَ َيسْبقُ الزَّوْجيَّة أو
ِب َع َدمِه حىت ي ْعمَل با َألصْل يف كلّ مْنهُما ألن القاضي ملا تعيّن الزوْج عنْده بامسِه أو
الزوْجيَّة فاشْتَرط الثُّبوتُ ،وألنَّها ملا خصِهِ تأَكَّد له اإلِحْتِياطْ وال َعمَل بأصْلِ بقاءِ َّ شْ
ُذكِرَت معيناً باسْم العِلْم كأنَّها ادَّعت عليه ،بل صرَّحوا بأهنا دَعْوى عليه فال بدَّ من
الزوْجيّة من غري تعيني مبا ذكر فاكتُفي إِثْباتِ ذلك بِخالفِ ما إذا عُرِفَ مُطْلقُ َّ
بإِخبارِها باخللوِّ عن املوانِع .لقول األصْحابِ :إن العِبْرة يف العُقودِ ِب َقوَلِ أرْباهبا .وأما
صدَقها وإن عُرِفَ َزوْجَها األول من غَيْرِ إِثباتِ طالقٍ وال الوَيل اخلاصْ فيُزَوِّجَها إن َ
يَمنيٍ ،لكنْ يُسَنُّ له كقاضٍ مل َيعْرفْ زوْجَها طلبَتْ إِثْباتُ ذلك ،وال فَرْقَ بَيْنَ
القاضي والويل حيث فصل بني املُعيَّن وغَيْرَهُ يف ذلك دونَ هذا ألن القاضي جيبُ عليه
اإلِحْتِياط أكثر من الويلِّ (و) جيوزُ (ملُجْبِرُ) وهو األب واجلد يف البِكْر (توْكيلٍ) معيَّن
الز ْوجَ يف َت ْوكِيله (وعلى صحَّ تزوُّجه يف تزويجِ مولِيتَهِ بِغيْرِ إِذْنِها وإن مل يُعيِّن ا َملجْبِر َّ
وَكيلٍ) إن مل ُيعَيِّن الويل الزوجَ (رِعايةُ َحظَ) واحتياطٌ يف أمْرِها ،فإِن زَوَّجَها بغَيْرِ
كَفُءٍ أو بِكُفْءٍ وقد خَطَبَها أ ْكفَأُ مِنْهُ مل يصِحُّ التَّزويجُ ملخاَلفَتِه اإلِحْتِياطَ الوا ِجبَ
عليه (و) جيوزُ التَّوكيلُ (ِلغَيْرِه) أي غريَ ا ُملجْبَرِ بأن مل يكن أباً وال جداً يف البكرِ أن
كانت مولِيَتَهُ ثِيباً فَلُيوَكلْ (بعدَ إذَن) َحصَلَ مِنْها (له فيه) أي التَّزويجُ إن ملْ تَْنهَهُ عنِ
التَّوكيل .وإذا عُيِّنَت للويل رجالً فليُعيِّنهِ للوَكيلِ وإال مل يصح تَز َجيهُ .ولو ملنْ عَيَّنَْتهُ
ألن اإلِذْنَ املُطْلَقَ مع أن املطلوب ُمعَيَّن فاسِد .وخَ َرجَ بقويل بعد إذْهنا للوَيل يف
التَّزويج ما لوْ وَكَّله قبل إذهنا له فيه فال يصح التوكيل وال النّكاح .نعم :لو وُكِّل قبل
أن يعلم إذْنُها له ظانّاً جوازَ التَّوكيلَ قبل اإلِذْن فزَوَّجها الوَكيلُ صحَّ إنْ تَبَيَّنَ أنَّها
127
كانَت أذَنت قَبْلَ َّالت ْوكِيل ألنَّ العِبْرة يف العُقودِ مبا يف نفس األمْر ال مبا يف ظنِّ املُكلَّف
وإال فال.
[فروع] :لو زَوَّج القاضي امْرَأة قبْل ثُبوت ت ْوكِيله بل خببَر َع ْدلٍ نَفذَ وصَح،
لكنه غري جائِز ألنه تَعاطى َعقْداً فاسِداً يف الظاهر كما قاله بعض أصحابنا ولو
صدَقها ووكَّل القاضي فَزوَّجَها صحَّ التَّوكيل بَلغَت الويل امرأة إذن موليته فيه ف َ
والتزويج .ولو قالت امْرأةٌ لوَليِّها أَذِْنتُ لكَ يف تزوجيي لِمنْ أرادَ تزوجيي اآلن وبعدَ
طالقي واْنقِضاءِ عِدَّيت صحَّ تزوجيَهُ هبذا اإلِذن ثانياً ،فلو وكَّل الويل أجنبياً بِهذِه الصِّفة
صحَّ تزوجيُه ثانياً أيضاً ألنه وإن مل َي ْملِكْه حالُ اإلِذْنِ لكنَّه تاِبعٌ ملا مَلكَه حالَ اإلِذْنِ
كما أفْىت به الطيب الناشري ،وأقَرَّه بعض أصحابنا .ولو أمر القاضي رجالً بتَزْويجِ
من ال ويل هلا قبل استِئذانِها فيه فزَوَّجَها بإِذْهنا جازَ بناءً على األصَح إنْ اسْتَنابْتَهُ يف
ُشغْلٍ ُمعَيَّن اسِْتخْالفٌ ال َتوْكيلٌ.
[فرع] :لوْ استخلف القاضي فقيهاً يف تَزْويج امْرَأَةٍ ملْ يَكفِ الكِتابَ فقط بل
اللفْظ عليه منه ،وليس للمَكْتوبِ إليه اإلِعْتماد على اخلطِّ .هذا ما يف أصل ُيشْتَرطُ َّ
الروضة .وتضعيفِ البلقيين لهُ مردودٌ بتَصرحيِهم بأن الكتابة وحدها ال تفيد يف
اإلِسْتِخالفِ ،بل ال بدَّ من إِشهادِ شا ِهدَيْن على ذلك :قاله شيخنا يف شرحه الكبري.
(و) جيوزُ (لزوجٍ توكيل يف قبوله) أي النّكاحُ فيقول وكيلُ الويل للزوج زوَّجتُكَ
الز ْوجُ أو الشَّاهِدانِ فالنة بنت فالن ابن فالن مث يَقولُ مُوكِّلي أو وِكالَةً عَنْهُ إنْ َجهِلَ َّ
وِكالَتَهُ وإال مل ُيشْتَرِطْ ذلك وإن حَصَلَ العِ ْلمُ بأخْبارِ الوَكيل .ويقولُ الوَيلُّ لوَكيلِ
الز ْوجِ زَوَّ ْجتُ بِنْيت لفُالنِ بن فُالنٍ ،فيقولُ وَكيلُه كما يقولُ ويلُّ الصَّيب حني َيقْبَلُ َّ
النّكاحَ لهُ قَبِلتُ نِكاحَها لهُ .فإِنْ ترَكَ لفظَة لهُ فيهِما مل َيصِحَّ النّكاحَ وإن نَوى املوَكِّل
أو الطَّفل كما لو قال زَوَّجْتُكَ َبدَلَ فالنٍ لعدم التَّوافُقِ ،فإِن ترك لفظة لهُ يف هذه
انْع َقدَ للوَكيل وإن نَوى م َوكِلَهُ.
ص َدقَهُ قبُولُ النّكاحَ مِنْهُ وجيوزُ [فروع]:مَنْ قال أنا وَكيلُ يف تزويجِ فُالنَة فَِلمَنْ َ
ِلمَنْ أخْبَرهُ َعدْلٌ بِطالقِ فالن أو َموْتِه أو تَوكيلهِ أن َي ْعمَلَ بِه بالنِّسبة ملا يَتعلقُ بنفسه
وكذا خُطَّه املوثوق به ،وأما بالنِّسبة ِلحَقِّ الغَيْرِ أو لِما يتعلَّق باحلاكِم فال جيوزُ اعتمادُ
َط قاضٍ من كل ما ليس ِبحُجَّةٍ شَرْعيَّة عدْلٍ وال خ ُّ
(فرع :يزوج عتيقة امرأة حية) عدم ويل عتيقَتَها َنسَباً (وليها) أي ا ُملعْتَقة تَبْعاً
لوِاليَتِه عَلَيْها فيزَوِّجَها أبو ا ُملعِْتقَة مث جَدُّها بتَرتيب األ ْولِياء وال يُزَوِّجها ابن ا ُملعْتَقة ما
دامت حيَّة (بإِذن عتيقة) ولوْ مل تُ ْرضِ ا ُملعَْتقَة :إذ ال واليَة هلا ،فإِذا ماتَت ا ُملعَْتقَة،
َوجُ (أَمة) امْرأَة (باِلغَةً) رَشيدَة (وليُّها) أي ويلَّ السَّيِّدة (بإِذْنِها زوَّجَها ابْنُها (و) يُز ِّ
وَ ْحدَها) ألهنا املالِكة لَها فال ُيعْتَبَرُ إِذْنُ األَمة ألن ِلسَيِّدهتا إِجْبارَها على النِّكاح.
َوجُ (أَمةً صغريةً بكرٌ أو وُيشْتَرطُ أن يكونَ إِذْنُ السَّيِّدة نُطْقاً وإن كانتَ بِكْراً (و) يُز َّ
َوجُ عبْدمها) النقطاع صغريٌ أب) فأبوه (لغِبطة) وَجدت كَتحْصيلُ َمهْرٍ أو َن َفقَة (ال يُز َّ
َكسْبِه عَْنهُما خِالفاً ملالِك إن َظهَرتْ مصَْلحَة وال أَمَة ثيب صغريةٍ ألنهُ ال يلي نِكاحَ
وتضررَتَّ ُزوجَ أَمَة الغاِئبِ وإن احتاجَت إىل النّكاح مالِكَتِها .وال جيوزُ للقاضي أن ي َّ
النفَقة .نعم :إن رأى القاضي بَْيعَها ألن احلظ فيه للغائب من اإلِنْفاقِ عليْها بعدَم َّ
باعَها (و) يُزوَّج (سَيِّد) بامللك ولو فاسِقاً (أمَته) املمْلوكَة كلَّها له ال ا ُملشْتَ َركَة ولو
باغْتِنام بينهُ وبنيَ مجاعةٍ أخرى بغري رِضا مجيعهم (ولو) بكراً (صغرية) أو ثيباً غري
ضعِ وهي مملوكة له ولهُ بالغة أو كبرية بال إذن منها ألن النّكاحُ يُردُّ على مَناِفعَ البِ ْ
فءٍ ِبعَْيبٍ مُثَْبتِ للخَيارِ أو ِفسْقٍ أو حِرفة دنيئة إجْبارَها عليه لكن ال يُزوِّجها ِلغَيْر ك ُ
إال بِرِضاها ،وله تَزوجيَها بِرَقيقٍ ودينءٍ نسبَ ِل َع َدمِ النَّسب هلا .وللمكتِب ال ِلسَيِّدهِ
128
تزويجَ أمََتهُ إنْ أَذِنَ لهُ سيِّده فيه .ولو طَلَبَت األَمَة تَزْويَجها مل َيلْزَم السَّيد ألنه يَْنقُص
ُزوجُ احلاكم َأمَةَ كافرٍ أسْلمَت بإِذنهِ واملوْقوفةَ بإِذنِ املوقوفِ قيمَتَها قال شيخنا :ي َّ
عَلَْيهِم أي إن انْحصروا وإال مل تُزَوَّج فيما يَظْهر (وال يَنكَحَ عَبْد) ولو مُكاتِباً (إال
بإذن سيدِه) ولو كان السَّيد أُنْثى سِواء أَطْلق اإلِذنَ أم قُيِّد بامْرأَةٍ معيَّنة أو قَبيلةٍ فيَنْ ِكحُ
سبِ إِذْنِه .وال يَعدِلُ عما أذِنَ له فيهِ مُراعاةً حلقِّه .فإِن َعدَل عَنْهُ مل َيصِحُّ النّكاح حب َ
ولو نَكَحَ العَبْد بال إِذن سَيِّده بَطَل النّكاح .وُيفَرَّق بيَنهُما خِالفاً ملالِكٍ فإِن وَطِىءَ فال
شيءَ عليه لِرشي َدةٍ خمتارَة .أما السَّفيهة والصَّغرية فيلْزَم فيهما َمهْرُ املِثْل .وال جيوز
للعَبْد ولو مأْذوناً يف التِّجارة أو مُكاتِباً أن يتسرَّى وإن جازَ له النِّكاح باإلِذن ألن
ضعْفِ املُلْكِ يف املكاِتبِ .ولو طََلبَ العَْبدُ النّكاحَ ال جيبُ على املأذونَ له ال ميلك ول ِ
صدُقُ مدَّعي عِتْقٍ منْ عَْبدٍ أو أمَة إال بالبيِّنة املعتَبَرة السَّيد إجابَته ولو مُكاتباً :وال َي ْ
اآليت بيانُها يف باب الشَّهادة وصِدقُ مدَّعي حرية أصالةً بيمني ما مل يسبق إقرارٌ برقَ
أو مل يْثبُت ألن األصْل احلرِّية.
(فصل) :يف الكفاءة وهي معتربة يف النكاح ال لصحته ،بل ألهنا حق للمرأة
والويل فلهما إسقاطها( .ال يكاىفء حُرَّة) أصْليَّة أو عتيقَة وال من مل يَمسَّها الرِّق أو
آباءَها أو األقْرَبْ إليْها مِنْهم غريها بأن ال يكون مِثْلَها يف ذلك وال أثر ملسّ الرِّق يف
األُمَّهات (وال عفيفةٍ) وسنيَّة وغريمها من فاسقٍ ومبتدعٍ ،فالفاسقُ كفُءٌ للفا ِسقَة :أي
سقُهما (و) ال (نسيبة) من عربية وقرشِية وهاشِمية أو مَطْلبِيّة غريها يعين إن استوى ِف ْ
ال يكايفء عَربيَّة أباً غريها من ال َعجَم وإن كانت َأمَة عربية ،وال قرشِيَّة غريها من بقِيَّة
العرب ،وال هامشية أو مطلبية غريمها من بقية قريش .وصح" :حنن وبنو املطلبْ شيءٌ
واحد" فهما مُتَكافِئان .وال يكاىفء من أسلم بنفسه من هلا أَبْ أو أكثر يف اإلِسالم،
ومن له أبوان ملن هلا ثالثة آباء فيه على ما صرحوا به ،لكن حكى القاضي أبو الطيب
وغريه فيه وجهاً أهنما َكفُآن واختاره الرّوياين .وجزم به صا ِحبُ العباب( .و) ال
(سليمة من حِرَفٍ دنيئَة) ،وهي ما دلت مالبسَتَهُ على احنطَاطِ املروءَة ،غريها ،فال
يكاىفء من هو أو أبوهُ حجام أوْ كنَّاس أو راع بنت خياط وال هو بنت تاجر ،وهو
من جيلِب البضائع من غري تقييد جبنس ،أو بزَّاز ،وهو بائع البزِّ وال مها بنتَ عالِم أو
قاضٍ عادل .قال الروياين :وصوَّبه ،األذرعي وال يكاىفء عاملة جاهلٌ ،خالفاً للروضة
واألصح أن اليَسارَ ال يعترب يف الكفاءَة ألن املال ظلٌّ زائلٌ وال َيفَْتخِر أهلُ املروءاتِ
والَبصَائِرِ (و) ال سليمَة حالِ ال َع ْقدِ (من عْيبٍ) ُمثَْبتٍ خلَيارِ (نِكاح) جلاهل به حالَتهُ
كجنون ولو مُتقَطعاً ،وإن قلّ ،وهو مَرضٌ يزول به الشعور من القَلْب (وجُذامُ)
َطعُ (وبَرصٌ) ُمسْتَحَكِم وهو سوَدُّ مث يََتق َّ
مسَْتحِكْم وهي علَّة ْحيمَرُّ منها ال ُعضْوُ مث َي ْ
بياضٌ شديد يُذ ِهبُ د َموِيَّة اجلِلد ،وإن قال ،وعالمة اإلِسْتِحكام يف األول ا ْسوِداد
النفْسَ تعافُ العضو .ويف الثاين عدمُ ا ْحمِراره عند َعصْرِه (غري) مِمَّن به عيْب ألن َّ
صحْبَة من به ذلك ولو كان هبا عيب أيضاً فال كَفاءَةَ وإن اتفقا أو كان ما هبا أقْبَح. ُ
أما العُيوبُ اليت ال تُثْبِت اخلَيارَ فال تؤثِّر ،كاْل َعمَى وقَطْع الطَّرف وَتشَوُّه الصُّورة،
جمْع متقدِّمني.
خالفًا ِل َ
[تتمة] :ومِن عيوب النِّكاح رِتق وقرن فيها وجبّ وعِنةٌ فيه فلكل مِن الزَّوجَيْنِ
اخليارَ فوراً يف فسْخِ النَّكاح مبا وُ ِجدَ من العيوبِ املذكورة يف اآلخر بشرط أن يكون
حبضورِ احلاكِم .وليسَ منها اسْتِحاضَة وبُخرْ وصِنانٌ وقرُوحٌ سيَّالة وضيقُ مَْنفَذ.
وجيوزُ لكلٍ من الزوْجَيْنِ خَيارٌ خبلف شَرْطٍ وقَع يف العقد ال قَبله كأنَّ شُرِط يف أحد
الزوّجني حُرِيّة أو نسبٌ أو مجالٌ أو يسار أو بِكارَة أو شبابٌ أو سالمَة من عيوبٍ
سخٌ ولو بال كزوَّجْتُكَ بشرط أهنا بكر أو حرَّة مثالً ،فإِن بانَ أدْىن مما شُرِطَ فله َف ْ
129
قاضٍ ولو شُرِطت بِكارَة فوُجدت ثيباً وادعت ذهاهبا عنْده فأنْكَر صدَقت بِيَمينها
لِدفعِ ال َفسْخ أو ادَعت افتضاضَه هلا فأنكر فالقول قوهلا بيمينها لدفع الفَسْخِ أيضاً،
لكن َيصْدقُ هو بيمينه لَتشْطري املهْر إن طلَّق قبل الدخول (وال يقابل بعضها) أي
بعْض خِصالِ الكَفاءَة (ببعض) من تلك اخلِصال فال تُزوَّج حُرَّة عَجميَّة بِرقيقٍ عريب
وال حرَّة فاسِقة ِبعَْبدٍ عفيف .قال املتَولِّي :وليْسَ من احلِرَفِ الدَّنيئةَ خِبازَة .ولو اطَّرد
عرفُ بلدٍ بِتَفضيلِ بعض احلِرفِ الدنيئة اليت نصوا عليها مل يُعتَرب ،وُيعْتَبَرَ عُرْفُ بََلدِها
فيما مل ينُصوا عليه .وليس لألب تَزْويج ابنه الصغري أَمة ألنه مأمونَ العََنتِ (ويُزوِّجَها
سبٍ ووَالءْ (ال قاضٍ برضا كل) منها ومن وليِّها أو أوْليائِها بغري كَفُء ويل) بَِن َ
املسَْتوِين الكامِلنيَ لِزَوالِ املانِع بِرضاهُم ،أما القاضي فال يصحُّ له تزْوجيَها لغري كفءٍ
وإن رضيت به على املعتمد إن كان هلا ويل غائِب أو َمفْقودٌ ألنه كالنائِب عنه فال
يترك احلَظَّ لهُ .وَبحَث َجمْع مُتَأخِّرون أهنا لو مل تَجِد َكفُؤاً وخاَفتْ الفِتْنَة لَ ِزمَ
القاضي إجابتَها للضَّرورَة .قال شيخُنا وهو متحه .مُدرِكاً ،أما من ليس هلا ويل أصالً
فتَزْوجيَها القاضي لغريِ كَفُءٍ بطلَبها التزويج منه صحيحٌ على املختار خالفاً
للشيخني.
[فرع] :لو زُوِّجَت من غري كفء باإلِجْبارِ أو باإلِذْنِ املُطْلق عند التَّقييد بكفءٍ
أو بغريه مل يصحُّ التَّزويجُ لِعدَم رِضاها بِه ،فإِن أَ ِذنَت يف تزوجيها مبن ظنَّته َكفُؤاً فبانَ
خِالفه صحَّ النِّكاحَ وال خِيارَ هلا لَِتقْصِريِها بتَرْكِ البَحْث نعم هلا خيارٌ إن بانَ معيباً أو
رَقيقاً وهي حُرة.
[تتمة] :جيوزُ للزوج كل متتُّع منها مبا سوى حَلقةِ دُبُرِها ولو مبَصِّ بظَرِها أو
اسِْتمْنَاءٍ بِيَدها ،ال بِيَده ،وإن خافَ الزِّنا ،خالفاً ألمحد ،وال افْتِضاضَ بأصْبَع .ويُسن
مالعبَةَ الزوجة إيناساً ،وأن ال يُخليها عن اجلِماع كلُّ أرَْبعِ ليالٍ مرَّة بال ُع ْذرٍ ،وأن
السحَر ،وأن ُيمْهل لتنزل إذا تقدم إنزاله ،وأن يُجا ِمعَها عند يَتَحرّى باجلِماع و ْقتَ َّ
القُدومِ من َسفَرِه ،وأن يَتَطيَّبا للغشَيان ،وأن يقول كل ،ولو مع اليَأس من الولد ،بسم
اهلل اللهم جنِّبنا الشيطان .وجنِّب الشيطان ما َر َزقْتنا .وأن يناما يف فراش واحد
والتَّقوِّي له بأدْويَةٍ مُباحَة بقصدٍ صالِح :كعِفة ونسْل وسيلةٍ حملْبوبٍ فليَكن حمبوباً فيما
يظهر .قاله شيخنا :وَيحْرُم عليها مَْنعُه من استِمتاع جائز .ويُكْرَه هلا أن تصف
لِ َزوْجِها أو غريِه امْرأةً أخرى لغريِ حاجَة .وله الوَطْءَ يف زمن ُيعَْلمُ دخولُ وقتِ
املَكتوبَة فيه وخروجَ ُه قبل وجو ِد املاءِ وأهنا ال َتغْتسل َعقِبهُ وتفوتُ الصَّالة.
(فصلٌ) :يف نِكاح ا َألمَة (حُرّم ِلحَر) ولو عَقيماً أو آيساً من الولد (نِكاحُ َأمَة)
لغريِه ولو مُْب َعضَةً (إال) بثالثَةِ شروط :أحدَها (ب َعجْزٍ عمَّن تصْلحُ لتمتُّع) ولو أمةً أو
رَ ْجعِيَّة ألهنا يف حكْم الزوجيَّة ما مل تنقَض عِدَّهتا بدليل التَّوارُث بأن ال يكون حتته
شيء من ذلك وال قادراً على نكاح حرَّةٍ لعدمها أو فقره أو الَتسَرّي بعدم وجود أ َمةً
ض أو ي َهبُ ماالً أو جاريَة مل يلز ْمهُ يف ملكه أو مثنٌ لشِرائِها .ولو وجد من يق ِر َ
القبول ،بل حيل مع ذلك نكاحَ ا َألمَة ال ملن له ولدٌ موسِر .أما إذا كان حتته صغرية ال
حتتمل الوَطْءَ أو هَ ِرمَة أو جمنونة أو مَجْذومَة أو برْصاء أو رَُتقَاء أو قرناء فتحلُّ ا َألمَة.
وكذا إن كان حتته زانيَةً على ما أفىت به غري واحدة .ولو َق ِدرَ على غائِبَة يف مكان
قريب مل َيشَقُّ قصْدها وأمكن انْتقالُها لبلده مل حتلُّ األمَةَ ،أما لو كان حتته غائِبَة يف
حمّلَها يف طلبِ الزوجة إىل سبَ مُت َ
شقَّة ظاهِرةً بأن يَْن ِ
حقَهُ م َمكان بعيد عن بلده وَل ِ
صدِها فهي كال َعدَم كاليت ال ميكن صدِها أو خيافُ الزِّنا مدة َق ْ مُجا َوزَة احلدِّ يف َق ْ
خ ْوفِه زِنا) ِبغَلَبة َش ْهوَةٍ وضُعْفِ تقواهُ شقَّة الغُرْبَة له( .و) ثانيها (ِب َ انتقاهلا إىل وَطْئةِ ِمل َ
ض ُعفَت َش ْهوَتُه وله تقوى أَو مروءَة أو حياء يسْتقبح معه الزنا أو فتحلُّ لآلية فإِن َ
130
َقوَِيتِ شهوته وتقواه مل حتل له األمة ألنه ال يَخافُ الزنا .ولو خاف الزِّنا من أمَة
بعينِها لقوَّة ميله إليها مل حتلَّ له كما صرَّحوا به والشرط الثالث :أن تكون ا َألمَة
ُمسِْلمَة ميكن وَطَوها فال َتحِل له ا َألمَة الكتابيَّة .وعند أيب حنيفة رضي اهلل عنه جيوز
للحرِّ نكاح أمة غريه إن مل يكن حتته حرة.
[فروع] :لو نكحَ احلرُّ األمَة بشروطه مث أْيسَر أو نَكَح احلرة مل يَْنفَسِخ نِكاحُ
ا َألمَة .وولد ا َألمَة من نكاح أو غريه كزِنا أو شُبْهة بأن نَكحها وهو موسِر قِنٌّ
ملالِكها .ولو غَرَّ واحدٌ حبرَّية َأمَة وتزوَّجها فأوال ُدها احلاصلون منه أحرارٌ ما مل يعلم
برقِّها وإن كان عبْداً ويلزمه قيمتهم يومَ الوالدَة (وحُلَّ ملسلم) حُرَ (وَطْءَ) أمَته
(الكتابية) ال الوثَنيَّة واجملوسيَّة.
سيدٌ بإِذْنِه يف نكاح عْبدِه مهْراً وال مؤنة وإن شَرِط يف إذنه [تتمة] :ال يضمَنُ ِّ
ضَمان ،بل يكونان يف كسْبِه ويف مال جتارةٍ أذَن له فيها .مث إن مل يكُن مُكَتسِباً وال
مقدرٍ له ومهْرٍ وجَب بوَطْءٍ يف نكاح فاسد مل مأذوناً فهما يف ذِمَّتهِ فقط كزائد على ِّ
يأذن فيه سيده وال يثبت مهرٌ أصالً بتزويج أمَته لِعْبدِه وإن مساه ،وقيل جيب مث
سقُط. يْ
(فصل) :يف الصَّداق وهو ما وجب بنكاحٍ أو وَطْء .ومسِّي بذلك إلشعارِه
صدْقِ رَغْبَةِ باذِله يف النّكاحَ الذي هو األصل يف إِجيابِه ،ويقال له أيضاً مهْر .وقيل بِ
سمِيَتِه يف ال َعقْد .واملهْرُ ما وجب بغري ذلك (سُنَّ) ولو يف تزويج الصَّداقُ ما وَجَب بت ْ
أمَتِه بعْبدِه (ذكرُ صَداقٍ يف عَقْد) و َكوْنِه منْ فِضَّة ،لإلِتِّباعِ فيهِما ،و َعدَم زِيادةٍ على
صدَقة بناتِه أو نُقصانٍ عن عشَرة درا ِهمٍ خاِلصَة :وكرِهَ إخالوه عن مخسمائة درهم أَ َ
ِذكْره .وقد جيب لعا ِرضٍ :كَأن كانت املرأة غري جائزة التصرُّف( .وما صحَّ) كونَهُ
(مثناً صح) كونه (صَداقاً) وإن قل لصحَّة كونه ِعوَضاً فإِن ُع ِقدَ مبا ال يُتمَوَّل ،كنُواة
سدَت التَّسمِيَة خلروجه عن ال ِع َوضِيَّة (وهلا) وحَصاةٍ وقُمع باذِنْجان وتَرْكِ حدّ قذفَ ،ف ُ
وسيدٍ أمَةٍ (حبَس ن ْفسَها لِتَقْبِضَ غريَ مؤجَّل) من ا َملهْر صغَرٍ أو جنون ِّ كويل ناقِصةً ِب ُ
املعني أو احلالِ سِواءً كان بعضه أم كله ،أما لو كان مؤجَّالً فال حبْس هلا وإن حُلَّ
سقُط حقُّ احلبْسِ بوْطئِه إياها طاِئعَةً كاملة فلغريها احلبْس قبل َتسْليمَها نفسها له ،وي ْ
بعد الكمال إال أن ُيسَلِّمها الويل مبصْلَحَة ،ومتهُّل وجوباً النحو تنظف بالطَّلبِ مِنْها أو
من وليها ما يراه قاض من ثالثة أيام فأقل ،ال النقِطاع حَيْضٍ ونَفاسٍ .نعم ،لو
خشِيَت أنه يَطؤها سَلَّمت نفسَها وعليها ا ِإلمْتناع ،فإِن عَلمت أن امْتناعَها ال يُفيد
ضتِ القرائِنُ بالقَطع بأنه يَطوها مل يَْبعُد أن هلا ،بل عليها ،اإلِمتناع حينئذٍ ،على واقْتَ َ
ما قاله شيخنا( ،ولو أنْكَح) الويل (صغرية) أو جمنونة (أو رشيدة بِكْراً بال إذن بدون
مهر مثل أو عُيِّنَت له قدراً فنقص عنه) أوْ أطْلَقت اإلِذْن ومل تَتعرَّض ِملهْر فَنَقص عن
َمهْر مِثل( .صحَّ) النِّكاحُ على األصَحِّ ( َمبهْرِ مِثْلٍ) ِلفَسادِ املُسمى كما إذا قبل النَّكاحَ
لِطفلهِ بفوْقِ مهر مِثل من مالِه .ولو ذكروا مهراً سِراً وأكثر منه َجهْراً لَ ِزمَه ما عقد به
طءِ اعتباراً بالعقد .وإذا عُقدَ سِراً بألف مث أعيد جَهرًا بألفني تَجمُّالً لزم ألف (ويف و ْ
ب (مهْر مِثْل) السْتيفائِه مَنْفعَةُ الَبضْع، ج ُنكاح) أو شِراءٍ (فاسِد) كما يف وطء شُبْهة َي ِ
وال يتَعدَّد بتعدُّد الوَطْء إن اتَّحدت الشُّبهة( .ويتَقرَّر كله) أي كل الصَّداق (ِب َموْتٍ)
حلشَفَة
أل َحدِمها ،ولو قبْل الوَطْء ،إلِجْماع الصَّحابَة على ذلك (أو وطْءٍ) أي بِغيَبةِ ا َ
وإن َبقِيَت البِكارَة (ويسقط) أي كله (بِفراقٍ) َوقَع منها (قَبْله) أي قبل وَطْءٍ
سخِه ِبعَيْبِها (ويتشطَّر) املهْر :أي (كفسْخها) بِعيْبهِ أو بإِعْسارِه وكرِدَّتِها أو بِسبَبها ك َف ْ
صفُه فقط (بِطَالقِ) ولو باخْتِيارِها :كأن فَوَّض الطَّالق إليها فطَلَّقت نفسها َيجِب ن ْ
علقَه بِفعْلها َف َفعَلَت أو فورقت باخلَلْع وبإْنفِساخِ نِكاح بِردَّتِه وحده (قبله) أي أو َّ
131
حهَا الزوَجني بيمينه ألن األصْلَ َع َدمَهُ إال إذا نك َصدَق نايف وَطْء) من َّ الوْطء( .و َ
صدُق بيمينها بشَرْط البِكارَة مث قال وَجَدتُها ثيباً ومل أَطَأَها فقالت بل زالت بِوطْئِكَ فت ْ
صدُق هو لَِتشْطريِه إن طلَّق قَبْلَ وَطْءٍ (وإذا اختلفا) أي الزّوجان (يف لدفعْ ال َفسْخ ،وي ْ
قدره) أي ا َملهْر املسمَّى وكان ما يدَّعيه الزوْج أقل (أو) يف (صفته) من حنو جنس
كدنانري وحلول وقدر أجل وصحة وضدها( .وال بينة) ألحدمها أو تعا َرضَت بيِّناتُهما
(حتالفا) كما يف البَيْع( ،مث) بعد التَّحالف (ُي ْفسَ ُخ املسمى وجيب َمهْرُ املِثْل) وإن زاد
على ما ادَّعَته الزوْجة وهو ما يرغَب به عادة يف مثلها نسباً وصفة من نساء ُعصْباتِها،
فتُقدَّم أخت ألبوين فألب فبنت أخ فعمة كذلك فإِن ُجهِل مهْرَهنَّ فيعَتربُ مهر رحمٍ
هلا كجدة وخالة .قال املاوردي والروياينُ :تقَدَّم األمّ فاألخت لألم فاجلدّات فاخلالة
فبنت األخت ،أي لألم ،فبنت اخلالة .ولو اجتمع أم أب وأمّ أمّ فالذي يتجه
َعذرَت اعُتِرب مبثْلها يف الشَّبهِ من األجْنَبيَّات .وُيعَتَبَرُ مع ذلك ما اسْتِواومها ،فإن ت َّ
َيخْتَلِف به غرض كسُنَّ ويسارٌ وبِكارَة ومجالٌ وفصاحَة ،فإِن اختَصَّت عنهُنَّ ِب َفضْلٍ
أو نقص زيد عليه أو نقص منه الئق باحلال حبسب ما يراه قاض .ولو سامَحت
واحدة مل َيجِب موافقَتَها (وليسَ لويلّ عفوٌ عن َمهْرٍ) ملوليَتَه كسائِرِ ديُونِها وحقوقِها.
ووجدت من خَطِّ العالمة الطنبداوي أن احلِيلة يف براءة الزَّوج عن املهْرِ حيث كانت
املرأة صغرية أو جمنونة أو سفيهةً أن يقول الويل مثالً طَلِّق مولييت على مخسمائة درهم
مثالً عليّ فيُطَلِّق مث يقول الزوج أحِلَّت عليك مولِيتُك بالصَّداقِ الذي هلا عليّ فيقول
الويل قبلت فيربأ الزوج حينئذٍ من الصداق اه .ويصح التربُّع باملهْرِ من مُكلفة بلفظ
اإلِبْراءِ وال َعفْو واإلِسْقاطِ واإلِحْاللِ والتَّحليل واإلِباحَة واهلِبَة وإن مل حيصُل قبول.
[مهمات] :لو خطب امرأة مث أرسَل أو َدفَع بال لفظ إليها ماالً قبل العقد :أي
ومل يقصد التبْرُّع مث وقع اإلِعْراضُ منها أو منه رَجَع مبا وصَلها منه ،كما صَرَّح به
َج ْمعٌ مُحققون ،ولو أعطاها ماالً فقالت هدية وقال صَداقاً صدَق بيمينه وإن كانَ من
جبُ بالعَقْد أو من غري جِْنسِه ،ولو دفع ملخطوبَتِه وقال جعلتَهُ من الصَّداق الذي سَي ِ
والتمْكني وقالتَ بل هي هَديَّة فالذي يتجه تصديقُها ،إذ سوَة اليت ستَجِب بِالعَقْد َّ ال َك ْ
صدِه ،ولو طَلَّق يف مسألتنا بعد العقد مل يَرْجِع بشيء، ص ْدقِه يف ق ْ
ال قرينَة هنا على ِ
رجحَه األذرعي ،خالفًا للبغوي ،ألنه إمنا أعْطى ألجل العقد وقد وجد. كما َّ
[تتمة] :جتب عليه لزوجةٍ موطوءة ولو أمة مُتعة بُفراق بغري سَبَبِها وبغري موت
أ َحدِمها وهي ما يتراضى الزوْجان عليه وقيل أقل مال جيوز َجعْلُه صداقاً .ويُسَنُّ أنْ ال
ينْقص عن ثالثني درمهاً ،فإِن تَنازَعا قَدَّرها القاضي بقدرِ حالِهما مِن يسارِه وإعْسارِه
وَنسَبِها وصِفَتها.
[خامتة] :الوليمة لعُرسٍ سُنَّة مؤكدة للزوج الرشيد وويل غريه من مال نفسه وال
حدّ ألَقلها ،لكن األفضل للقادِر شاة .ووقتها األفضل بعد الدخول ،لإلِتباع ،وقبله
بعد العقد حيصل هبا أصل السنَّة .واملتجه اسْتِمرارٌ طلبها بعد الدخول وإن طال الزمن
جلمُعة وقاضٍ كالعقيقة أو طََّلقَها وهي لَيْالً أوْىل .وجتبُ على غري معذورٍ بأعذارٍ ا ُ
اإلِجابة إىل وليمة عُرسٍ ُعمِلتْ بعدَ عقدٍ ،ال قبله ،إن دعاه مسلم إليها بنفسه أو نائِبَة
الثِّقة ،وكذا مميز مل ُيعْهد منْه كذِبٌ وعمَّ بالدَّعاءِ املوصوفني يوصَف قصدَهُ كجِريانِه
وعشريَتَه أو أصدقائَه أو أهل حِرفَتِه فلو كثر حنو عشريَتَه أو عَجزَ عن اإلِستيعاب
لفقره مل ُيشْتَرط عمومُ الدعْوة على األوجه ،بل الشرط أن ال يظهر منه قصد
حضُر صفِه فال يكفي مَنْ أراد فلْي َْتخْصيصٍ لِغنَي أو غَيْره وأن يعني املدْعو بعيْنه أو َو ْ
أو ادْعُ من شِْئتَ أو لَقيتَ ،بل ال ُتسَنُّ اإلِجابة حينئذٍ .وأن ال يتَرَتَّب على إجابَتِه
132
ُحرمَةٌ فاملرأة جتيبها املرأَة إن أذن زوْجها أو سَيِّدها ال الرجل إال إن كانَ هناكَ خُل َوةٌ م َّ
ماِنعٌ خِلْوةٍ مُحرَّمة كمحُرِّم هلا أو له أو امرأة.
أما مع اخلِ ْل َوةِ فال يُجيبُها مُطْلَقاً ،وكذا مع عدمها إن كانَ الطَّعام خاصاً به :كأن
ستَ ببيت وبعثت له الطعام إىل بيت آخر من دارها خوف الفتنة .خبالف إذا مل جل ْ
ختَفْ ،فقد كان شعبان وأضرابه رابعة العدوية ويسمعون كالمها :فإِن وجد رجل
كسُفيان وامرأة كرابعة مل َتحْرم اإلِجابَة ،بل ال تُكْرَه .وأن ال يدَّعي لَِنحْوِ خَوْفٍ منه
أو طمَع يف جاهِه أو إلِعانَتِه على باطِلٍ وال إىل شبهة بأن ال ُيعَْلمَ حرامٌ يف ماله .أما
إذا كان فيه شُْبهَةٌ بأن عُِلمَ اخْتِالطُه أو طَعامُ الوليمة حبرَام ،وإن قل ،فال جتب إجابة،
بل تُكْرَ ُه إن كان أكثر ماله حَراماً ،فإِن عُلِم أن عيْن الطَّعام حَرام حُرِّمت اإلِجابة وإن
مل يُرِد األكل منه ،كما استظهره شيخنا ،وال إىل حمل فيه منكر ال يزول حبضوره.
ضحِكُ ومن املُنْكَر سَتْرُ جدارٍ حبرير وفُرشٍ مغْصوبَةٍ أو مسْروقة ووجودِ من ُي ْ
احلاضرين بال َفحْشِ والكَذب ،فإِن كان حَ ُرمَت اإلِجابَة ،ومنه صورَة حيوان مشَْتمِلَة
على ما ال ميكن بقاؤهُ بدونِه وإن مل يكن هلا نظ ٌري كفرس بأجنحةٍ وطريٍ بوجه إنسان
على سقف أو جدارٍ أو سِتْر علِّق لزينةٍ أو ثياب ملبوسة أو وسادةٍ منصوبة ألهنا تشْبِه
األصْنامَ فال َتجِبُ اإلجابة يف شيءٍ من الصُّور املذكورة بل تُحرم ،وال أثر حبمل النقد
الذي عليه صورة كاملة ألنه للحاجة وألهنا مَمتَهنة باملُعامَلة هبا .وجيوز حضورُ حملَ
كالصوَر ببساط يُداس و ِمخَدة ينام أو يُتكأ عليها وطَبَقٌ وخِوانٌ ُّ فيه صورة متَتهُن
صعَةٌ وإبريق ،وكذا إن قُطِعَ رأسُها لزوالِ ما به احلياة .وَيحْرُم ولو على حنو أرض وَق ْ
تصوير حيوان وإن مل يكن له نظري .نعم :جيوزُ تصْويرُ لُعب البنات ألن عائشة رضي
اهلل عنه كانت تل َعبُ هبا عنده ،كما يف مسلم .وحكمته تدريَبهُن أمر التربية .وال
صوْغَ حِلي ونَسْجِ حَريرٍ يُحرَّم أيضاً تصوير حيوانٍ بال رأس ،خالفاً للمتويل ،ويَحِلُّ ُ
ألنه َيحِلُّ للنِّساء .نعم :صِنعْته ملن ال حيل لهُ استعمالَه حرامٌ .ولو دعاه اثنان أجابَ
أسَب َقهُما دَ ْعوَةً فإِنْ دَعَواهُ معاً أجاب األقرب رَحِماً فداراً مث بالقُرعة .وتُسنُّ إجابةُ
سائرِ الوالئِم كما ُعمِل للخِتان والوِالدة وسَالمَة املرأة الطَلق وقدومُ املسافِر وخَتْم
القرآن ،وهي مستَحبَّة يف كلها.
[فروع] :يَْندُب ا َألكْلَ يف صومِ نفلٍ ولو مُوءَكَّداً ِإلرْضاءِ ذي الطعام بأن شُقَّ
ألمْرِ بِالفِطْر ويُثابُ على ما مَضى وقَضى َندْباً يوماً عليه ِإمْساكَهُ ولو آخِرَ النهار ل َ
مكانه ،فإِن مل يُشقُّ عليه إمساكُه مل يُنْدب اإلِفطار ،بل اإلِمساك أوىل .قال الغزايل:
يُندب أن ينوي بفِطره إدْخالَ السرورَ عليه ،وجيوزُ للضَّيف أن يأكل مما قُدِّم له بال
لفظ من املضيف .نعم .إن انتظر غريه مل َيجُز قبل حضوره إال بلفظ منه .وصرَّح
الشيخان بكراهَةِ األكْل فوقَ الشَّبعِ وآخرون حبُرمَتِه .وورد بسَندٍ ضعيف زجْرَ النيب
أن َيعْتمد الرجل على َيدِه الُيسْرى عند األكل .قال مالك :هو نوع من اإلِتِّكاء،
صبَ رجله اليمىن فالسُّنة لألكل أن جيلس جاثِياً على ركبتيه وظهورِ قدميه ،أو يُْن ِ
ْطجِعاً وجيلس على اليسرى .ويكره األكل متكئاً ،وهو املعتمد ،على وطاءٍ حتته و ُمض َّ
إال فيما يتنقل به ال قائماً والشرب قائماً خالف األوىل ويسن لآلكل أن يغسل اليدين
والفم قبل األكل وبعده ويقْرأَ سورَتَي اإلِخْالصِ وقريْش بعده وال يبتَِلعَ ما خيرج من
أسنانِه باخلَالَّل بل يرميه ،خبالف ما جيمعه بلِسانِه من بينها فإِنه يبتلعه .وحي ُرمُ أن يكرب
اللقَم مسرعاً حىت يستويف أكثر الطعام وحيرم غريه. ُّ
ولو دَخَل على آكلني فأذَنوا له مل َيجُز له ا َألكْل معهم إال إن ظنَّ أنه عن طيب
نفس ،ال لنحو حياء ،وال جيوزُ لِلضَّيْف أن يُطعِم سائِالً أو هرَّة إال إن علم رضا
َرمُ لألراذِل أكل ما الداعي .ويَكرَهُ للداعي ختصيصَ بعض الضِّيفان بطعامٍ نفيس .وُيح ِّ
133
ضمِنَه ،كما حبثه الزركشي، قدم لألماثِل .ولو تناول ضيف إناءَ طعام فانكسر منه َ
ألنه يف يده يف حكم العارَية .وجيوز لإلِنسان أخذ من حنو طعام صديقه مع ظنّ رضا
مالكه بذلك ،وخيتلف بقدر املأخوذ وجنسه وبِحالِ املُضيفِ .ومع ذلك يَنْبغي له
صفَةُ أصْحابِه فال يأ ُخذُ إال ما خيُصُّه أو يَرْضونَ به عن طيبِ نفْس ال عن مُراعاةُ ُن ْ
َرمُ األَخذَ كالتطفل حياءٍ .وكذا يقال يف قِران حنو َتمْرَتَني أما عند الشك يف الرضا فُيح َّ
ما مل يعمُ :كأن فَتَح البابَ لِيَدْخُل من شاءَ ولَ ِزمَ مالِكُ طعامٍ إطعامَ مضطرٍ َق ْدرَ سدِّ
ر َمقِه إن كانَ مَعْصوماً ُمسْلِماً أو ذِمِّياً وإن احْتا َجهُ مالِكَه مآالً ،وكذا هبيمة الغري
احملترمة ،خبالف حريب ومُرَتدّ وزانٍ مُحصَن وتاركِ صالة وكلبٍ عقور ،فإِنْ مُِنعَ فلهُ
أ ْخذَهُ َقهْراً بِ ِعوَضٍ إن َحضَرَ ،وإال فنسيئةً .ولو أ ْط َعمَهُ ومل يذكر ِعوَضاً فال ِع َوضَ لَه
صدَق املالِك بيمينه .وجيوز نثر حنو سكر وتنبل لَِتقْصريه ولو اختلفا يف ذكر ال ِع َوضِ َ
وتركه أوىل .وحيل التقاطه للعلم برضا مالكه .ويُكَره أخذه ألنه دناءة وَيحْ ُرمُ أخذُ
فرخ طريٍ عشَّش مبلكِ الغَيْرِ و َسمَكٍ دخل مع املاء يف ح ْوضِه.
سمٌ لزوْجات) إن باتَ عند ب ْعضِهنَّ بقُرْعَة (فصل) :يف ال َقسْم والنّشوز (جيب َق ْ
سمٌ ِلمَن َبقِي مِنهُنَّ ولو قامَ بِهنَّ ُع ْذرٌ كمَرضٍ وحَيْض .وُتسَنُّ أو غريها فيلْ َزمَه َق ْ
التَّسوية بينهن يف سائر أنواع اإلِسْتِمتاعِ ،وال يُوءَاخذ مبيْلِ القَ ْلبِ إىل بعضِهِنَّ ،وأن ال
الزوْجني ُيعْطِّلهُنَّ بأن يبيت عندَهُن ،وال قَسْم بنيَ إماءٍ وال إِماءٍ وزْوجَة .وجيب على َّ
أن يتعاشَرا باملعْروف ،بأن ميتَنِع كلُّ عما يكره صاحبه ويؤدي إليه حقه مع الرضا
حوِجَهُ إىل مؤنة وكلفة يف ذلك (غريٍ )معتدة عن وَطْء وطالقة الوجه من غري أن ُي ْ
شبهة لَِتحْرمي اخلِلوَة هبا وصغرية ال تطيقُ الوَطْءَ ،و (ناشِزَةٍ) أي خارِجَةٍ عن طاعَتِه
بأن خترج بغري إذنه من منزِله ،أو متَنعْه من التَّمتُّع هبا ،أو تغلق الباب يف وجهه ،ولو
جمنونة ،وغري مسافرة وحدها حلاجتها ولو بإِذنه فال قسْم هلنّ كما ال نفقة هلنّ.
[فرع] :قال األذرعي نقالً عن جتزئة الروياين :ولو َظهَر زِناها حُلَّ له مَْنعُ قَسْمها
وحقوقها لتفْتَدي منه .نصّ عليه يف األم .وهو أصحّ القولني .انتهى .قال شيخنا:
وهو ظاهِرٌ إن أراد أنه َيحِلُّ له ذلك باطناً معاقَبَ ًة له لِتَلْطيخ فراشِه ،أما يف الظاهِرِ
فدعواه عُلَيْها ذلك غري مقبولة ،بل ولو ثَبُت زِناها ال جيوز للقاضي أن ميكنه من ذلك
فيما يظهر( .وله) أي للزوج (دخول يف ليل) لواحدة (على) زوجة (أخرى لضرورة)
ال لغريها كمرضها املخوِّف ،ولو ظناً( ،وله) دخول (يف هنار حلاجة) كوضع متاع أو
أخذه وعيادةِ وتسليم نفقةٍ وتعرُّفِ خربٍ (بالّ إطالة) يف مُ ْكثٍ عُرْفاً على قدر احلاجة،
وإن أطال فوق احلاجة عصى جلوره وقضى وجوباً لذات َّالنوْبة بقدر ما مكث من
نوبة املدخول عليها .هذا ما يف املهذَّب وغريه .وقضِيَّة كالمِ املنهاج والروضة
سوِيَةٌ يف اإلِقامَة
وأصليهما خالفه فيما إذا دخل يف النهار حلاجة وإن طال فال جتب ت ْ
يف غري األصل كأن كان هناراً أي يف َق ْدرِها ،ألنه وقت التردد وهو يقل ويكثر عند
حَلِّ الدخول ،جيوز له أن يتمتع .ويَحرُم اجلِماع ،ال لذاته ،بل ألمر خارجٍ وال يُلْ َزمَه
قضا َء الوَطْءِ لتعلُّقهِ بالنشَّاطِ بل يقضي زمَنه إن طال عُرْفاً .
سمِ ليْلةً لكل واحدةٍ وهي من الغروب إىل الفجر (وأكثره (واعلم) أن أقل ال َق ْ
تفرقْن يف البالد إال برضاهِنَّ .وعليه حيمل قول األم: ثالث) فال جيوز أكثر منها وإن َّ
سمُ مشاهَرَةً ومُسانَهةً .واألصل فيه ملن عملَهُ هناراً الليل والنهار قبله أو بعده وهو ي ْق ِ
أوىل تبع .وحلرَّةٍ ليلتان وألمَةٍ سلمت له ليالً وهنارًا ليلة .ويبدأُ وجوباً يف القَسْم بقُرْعةٍ
صمَتِه َزوْجَةٌ فأكثر (بكر سبع) مِنَ األَيام يقيمُها عْندَهَا (وجلديدَة) نكحُها ويف ع ْ
جدَيدَةٍ (ثيب ثالث) والءً بال قَضاءٍ ولو َأمَة فيهما لقوله" :سبعٌ متوالِيَةً وجوباً (و) ِل َ
للبكرِ وثالثٌ للثيب" ويسن ختيري الثيب بني ثالث بال قضاء وسبع بقضاء :لإلِتباع.
134
[تنبيه] :جيب عند الشيخني ،وإن أطال األذرعي :كالزركشي يف رده ،أن
يتخلف ليايل مدة الزفاف عن حنوِ اخلروج للجماعةِ وتشْييع اجلنَائِز ،وأن يُسوِّي ليايل
القَسْم بينهُنَّ يف اخلروج لذلك أو عدمه ،فيأثَم بتخصيص ليلة واحدة باخلروج لذلك
(و) وَ ْعظِ زوجَتِه َندْباً ألجْلِ َخوْفِ وُقوع نُشوزٍ منها كاإلِعْراضِ والعُبوسِ بعد
ضجَعاً) ،مع خلشِنِ بعدَ لينِه و (هجْر) إن شاء ( َم ْ القَةِ الوَجْه والكَالم ا َ ا ِإلقْبالِ وطَ َ
وَعَظها ال يف الكالم ،بل يكره فيه ،وَيحْرُم اهلجر به ولو لغري الزوْجة فوق ثالثة أيام:
للخرب الصحيح .نعم إن قصد به رَدَّها عن امل ْعصِيَة وإصْالح دينِها جاز (وضَرَهبا)
جوازاً ضرْباً غري مربِّح وال مُ َدمٍ على غري وجهٍ و َمقْتَل إن أفاد الضرب يف ظنه ولو
سوْط وعصاً .لكن نقل الروياين تعِيينه بيده أو مبنديل (بنشوز) أي بسببه وإن مل ِب َ
يتكرر ،خالفاً للمحرر ،ويسقط بذلك القسم .ومنه امتناعهن إذا دعاهن إىل بيته ولو
الشتغاهلا حباجتها ملخالفتها .نعم ،إن ُعذِرَت لنحو مرض أو كانت ذاتَ ق َدرٍ و َخفَر
مل تعتد الربوزَ ملَ تلزمها إجابَتهُ ،وعليه أن ُيقْسم هلا يف بيتها .وجيوز له أن يؤدِّهبا على
شَْتمِها له.
[تتمة] :يعصى بطالق من مل تستوفِ حقها بعد حضور وقته وإن كان الطالق
رجعياً .قال ابن الرفعة :ما مل يكن بسؤاهلا.
(فصل) :يف اخللع بضم اخلاء من اخللع بفَتحها وهو النزع ألن كالًّ من الزَّوجني
لِباسٌ لآلخر كما يف اآلية ،وأصْله مَكُروه .وقد ُيسَْتحَبُّ كالطَّالق ويزيد هذا بَِندْبه
ملن َحلَفَ بالطَّالق الثالث على شيء ال بدَّ له من فعله قال شيخنا :وفيه نَظَر لِكَثْرة
القائلني بعَودِ الصفة .فاألوجَه أنهُ مُباحٌ لذلك ،ال منْدوبٌ ،ويف شرحي املنهاج
واإلِرشاد له :لو مَنَعَها حنو َن َفقَةٍ لُتخْتَلع منه مبال َف َفعَلت بَطُل اخلَ ْلعُ ووقَعَ رَ ْجعِيّاً كما
نقله مجعٌ متَقدِّمون عن الشيخ أيب حامد أوال بقصد ذلك وقع بائِناً .وعليهِ يُحمَلُ ما
َنقَلَهُ الشيخان عنه أنه يصِحُّ ويأَثمُ ب ِفعْله يف احلالني وإن تَحقَّق زِناها ،لكن ال يُكره
اخلَ ْلعُ حينئذٍ( .اخللع) شَرْعاً (فِ ْرقَةٌ ِب ِع َوضٍ) كميته مقصودٌ من زوْجة أو غريها راجع
(لزوج) أو سيِّدة (بلفظِ طالقٍ أو خَلع) أو مُفاداةٍ ولو كان اخللعُ يف رجعيَّة ألهنا
كالزَّوجة يف كثري من األحْكام( .فلو جرى) اخللع (بال) ذكِر ( َعوَض) معها (بِنَّية
ك ونَوى التِماسَ قُبولِها فقَبلَت (فمهرٌ التِماسِ قبول) منها :كأن قال خاَلعْتُك أو فادَيْتُ ِ
مِثْل) جيب عليها الطراد العُرف جبريان ذلك ِبعَوض ،فإن جرى مع أجنيب طُلقّت
جماناً ،كما لو كان معه والعوض فاسد .ولو أطْلَقَ فقال خاَلعْتُكِ ومل ينوِ التماسَ
الزوْج (ب) صيغة (مُعاوضة :كطلقتك) أو قبولِها وقَع ر ِجعْياً وإن قَبَلتْ (وإذا بدأ) َّ
خالعتك (بألفٍ فمعاوضَة) ألخذِه عِوَضاً يف مقابلةِ الَبضْع املسَْتحَق له وهبا شوب
تعليق لتوقف وقوع الطالق هبا على القبول (فله رجوعُ قبل قبولِها) ألن هذا شأن
ضمِنْت أو املعاوَضات (وشرط قبولِها فوراً) أي يف جملس التّوا ُجبُ بلفظ كقَبِ ْلتُ أو َ
يفعل كإِعطائها األلف على ما قاله مجع حمققون فلو حتلل بني لفظه وقبوهلا زمن أو
كالم طويل مل يُنفَّذ .ولو قال طلقتك ثالثاً بألف فقبلت واحدة بألف فتقع الثالث
وجتب األلف .فإِذا بَدأَت الزوْجَة ب َطَلبِ طالقٍ كطَلِّقين بألفٍ أو إِنَ طلقتين فلك عليّ
كذا فأجاهبا الزوج فمعا َوضَة من جانبها فلها رجوعٌ قبل جوابه ألن ذلك حكم
املعا َوضَة .وُيشْتَرَطُ الطَّالقُ بعد سُؤالِها فوراً فإِن مل يطلقها فوراً كان تطليقَه هلا ابتداءً
للطَّالق .قال الشيخ زكريا :لو ادعى أنه جواب وكان جاهِالً معذوراً صدَق بيمينه
(أو بدأ ب) صيغَة (تعليق) يف إثبات (كمىت) أو أي حني (أعطيَتين كذا فأنت طالق
الصفَة وال (رجوع) له عنه قبل فتعليق) القْتِضاءِ الصِّيغةِ له (فال) طالقَ إال بعد حتقّقُ ِّ
الصفة كسائر التعليقات (وال يشترط) فيه (قبول) لفظاً (وال إعطاء فوراً) بل يكفي
135
اإلِعطاء ولو بعد أن تفرقا عن اجمللس لداللته على استغراق كل األزمنة منه صرحياً،
وإمنا وجب الفور يف قوهلا مىت طلقتين فلك كذا ألن الغالب على جانبها املعا َوضَة فإِن
مل يُطلِّقها فوراً محل على االبتداءَ لقُدرَتِه عليه أما إذا كان التعليق يف النفي كمىت مل
تعطين ألفاً فأنتِ طالق فللفور فتُطَلَّق مبضيّ زمن ميكن فيه اإلِعطاءُ فلم تعطِه (وشرط
فور) أي اإلِعطاء يف جملس التواجب بأن ال يتخلل كالم أو سكوت طويل عرفاً من
حرة حاضرة أو غائبة علمته (يف إن) أو إذا (أعطيتين) كذا فأنت طالق ألنه مقتضى
اللفظ مع ال ِعوَض وخولف يف حنو مىت لصراحتها يف جواز التأخري لكن ال رجوع له
عنه قبله .وال يشترط القبول لفظاً.
[تنبيه] :اإلِبراء فيما ذكر كاإلِعطاء ففي إن أبرأتين ال بدّ من إبرائها فوراً براءة
صحيحة عقب علمها وإال مل يقع .وِإفْتاءُ بعضِهم بأنه يقع يف الغائبة مُطلقاً ألنه مل
يُخاطِبْها بال ِعوَض بعيد خمالَفٌ لكالمهم .ولو قال إن أبرأتين فأنت وكيل يف طالقها
فأبرأته برىء مث الوكيل خمري ،فإِن طلق َوقَع رَ ْجعِيًّا ألن اإلِبراء وقع يف مقابلة التوكيل،
ومن علَّق طالقَ زوْجَتِه بإِبرائِها إياه من صَداقها مل يقع عليه .إال إن وُجِدت براءةَ
صحيحة من مجيعه فيقع بائِناً بأن تكون رشيدة وكل منهما يعلم قدره ومل تتعلق به
زكاة خالفاً ملا أطال به الرميي أنه ال فرق بني تعلقها به وعدمه وإن نقله عن احملققني
وذلك ألن اإلِبراءَ ال يصِحُّ من ق ْدرِها وقد علق باإلِبراء من مجيعه فلم تو َجدُ الصفة
املعلَّقُ عليها وقيل يقع بائِناً مبهْرِ املثل .ولو أبرأته مث ادَّعت اجلهل بقدره .فإِن زوّجت
صغرية صدقت بيمينها أو بالغة ودلّ احلال على جهلها به لكوهنا جمربة مل تستأذن
فكذلك وإال صَدَق بيمينه :ولو قال إن أبْرأتين من مَهْرِك فأَنت طالِقٌ بعد شهر
فأبرأته ،برىء مطلقاً .مث إن عاشَ إىل مضي الشهر طلقت وإال فال .ويف األنوار يف
أبرأتك من مهري بشرط أن تطلقين فطلق وقع وال يربأ ،لكن الذي يف الكايف وأقرّه
البلقيين وغريه يف أبرأتك من صداقي بشرط الطالق أو على أن تطلقين تبني ويَبْرأ
خبالف إن طلقت ضُرَّيت فأنت بريءٌ من صَداقي فطلَّق الضُّرَّة وقع الطالق وال براءَة.
قال شيخنا :واملتجه ما يف األنوار ألن الشرط املذكور متضمن للتعليق.
[فروع] :لو قال إن أبرأتين من صَداقِك أُطلِّقك فأبرأت فطلق برىء وطلقت ومل
تكن خمالعة ولو قالت طَلَّقين وأنت بريء من َمهْري فطلقها بانت به ألهنا صيغة
التِزام ،أو قالت إن طلقتين فقد أبرأتك أو فأنت بريء من صداقي فطلقها بانت مبهر
املثل ،على املعتمد ،لِفسادِ الع َوضِ بتعليق اإلِبْراء .وأفىت أبو زرعة فيمن سأل زوْج
بنتِه قبلَ الوَطْء أن يُطَِّلقَها على مجيع صَداقها والتزم به والدُها فطَّلقها واحتالَ من
نفسه على نفسه هلا وهي َمحَجورَته بأنه خلع على نظريٍ صداقَها يف ذمة األب .نعم،
شرط صحة هذه احلِوالة أن يُحيلَه الزوج به لبِنته .إذ ال بد فيها من إجيابٍ وقبول
ومع ذلك ال تصح إال يف نصف ذلك لسُقوط نصف صَداقها عليه بِبَينونَتِها منه فيبقى
حقَّه واملستحِق على للزوج على األب نصفه ألنه ملا سأله بِنَ ِظريِ اجلميع يف ذِمَّتِه فاسَت َ
الزوج النصف ال غري فطريقه أن يسألُه اخلَ ْلعَ بنَظريِ النِّصفِ الباقي حملجورَتِه لرباءَته
حينئذٍ باحلَوالة عن مجيع دين الزوج .اه .قال شيخنا :وسيعلم مما يأيت أن الضمان
يُل ِزمْهُ به مهر املثل ،فااللتزام املذكور مثله وإن مل توجد احلِوالة .ولو اختلع األب أو
غريه بصداقها أو قال طلِّقها وأنت بريء منه وقع رجعياً ،وال يربأ من شيء منه .نعم،
الدرَك أو قال عليّ ضمانَ ذلك وقع بائِناً مبهر املثل على إن ضمن له األب أو األجنيب َّ
األب أو األجنيب .ولو قال ألجنيب سل فالناً أن يطلق زوجته بألف ،اشترط يف لزوم
األلف أن يقول عليّ .خبالف سل زوجيت أن يطلقين على كذا فإِنه توكيل وإن مل
136
تقل عليّ .ولو قال طلق زوجتك على أن أطلق زوجيت ففعال ،بانتا ،ألنه خَ ْلعٌ غَيْر
فاسِد :ألنَّ ال ِعوَض فيه مقْصود ،خالفاً لبعضهم ،فلكّل على اآلخر َمهْرُ مِثْل زوجتَّه.
[تنبيه] :الفِرْقة بلفظ اخللع طالق يُْنقِص العدَد .ويف قول نُصَّ عليه يف القدمي
واجلديد الفِ ْرقَة بِلفظ اخلَلْع إذا مل يقْصِد به طالقًا ُفسِخَ ال ينقص عدداً ،فيجوز جتديدُ
النِّكاح بعد تكرُّرِه من غري َحصْر ،واختاره كثريون من أصحابنا املتقدمني
واملتأخرين ،بل تكرر من البلقيين اإلِفتاءُ به .أما الفِرقة بلفظ الطالق بعوض فطالق
يَْنقُص قطعاً ،كما لو قصد بلفظ اخللع الطالق ،لكن نقل اإلمام عن احملققني القطع
بأنه ال يصري طالقاً بالنية.
(فصل) :يف الطالق .وهوَ ُلغَةً :حلُّ القَيْد .وشَرْعاً حلُّ َع ْقدِ النِّكاحِ باللَّفظِ اآليت
وهوَ إما واجبٌ :كطالقِ ُموَلَ مل يُرِدِ الوَطْء ،أوْ مَنْدوبٍ :كَأنْ َي ْعجَزُ عَن القِيامِ
ِبحُقوقِها َولَوْ لِ َع َدمِ املَيْلِ ِإلَْيهَا ،أو تَكونَ غري عَفيفَةٍ ما ملْ َيخْشَ الفُجورَ بِها أو سَيَِّئةِ
صربُ على ِعشْرَتِها عادةً ،فيما اسْتَ ْظهَرَهُ شيخنا ،وإال فمىت اخلُلُقِ :أيْ ِبحَْيثُ ال َي ْ
تو َجدُ امرأةً غريَ سَيِّئَةِ اخلُلقِ .ويف احلديث" :املَرَْأةُ الصَّاِلحَةُ فِي النِّساءِ كالغُرابِ
صمُ ُهوَ أبْيَضُ اجلنَاحَيْنِ ،أوْ يَ ْأمُ ُرهُ بِهِ أحَدُ صمِ" كنايةً عَنْ ُن ْدرَةِ وُجودِها :إذ األَ ْع َ األَ ْع َ
والدَيْه :أيْ مِنْ غَريِ َتعَُّنتٍ أو حَرامٍ كالبدعي ،وهوَ طَالقٌ َمدْخُولٌ بِها يف َنحْوِ حَيْضٍ
بِال عَوضٍ مِْنهَا أوْ يف ُطهْرٍ جامعَها فيه ،وكَطَالقِ منْ َلمْ َيسَْتوْفِ دَورَها من القَسَمْ
صدِ احلِ ْرمَانِ مِنَ ا ِإلرْثِ ،وَال َيحْ ُرمُ َج ْمعُ ثَالثَ طَلْقاتٍ ،بَلْ ُيسَنُّ وكَطالقِ املَريض بِ َق ْ
ا ِإلقْتِصارُ على وا ِحدَةٍ أو مَكْروهٍ بأنْ سَِلمَ احلالُ من ذلك كلُّه ،للخرب الصحيح:
"أْبغَضُ احلَاللِ إىل اللَّهِ الطَّالقْ" وإثْباتُ ب ْغضِه تَعالَى له املقصودُ مِنْهُ زِيادةَ التَّنفريِ عَنهُ
ال حَقيقَتُه ملُنافاتِها حلِلَّه إمنا (َي َقعُ ِلغَيْرِ بِائِنٍ) ولوْ رجعيةً مل تنقضِ عِدَّتَها فال َي َقعُ
ملختِلعَ ٍة ورَ ْجعَيَّةٍ ان َقضَت عِدَّتَها (طالقٌ) خمتارٌ (مكلفٌ) أي بالغٌ عاقلٌ ،فال يقعُ طالق
صيبٍ وجمنونٍ (ومُتَ َعدَ بسكرٍ) أي بشُربِ مخرٍ وأكل بنجٍ أو حشيشٍ لعصيانهِ بإِزالةِ
عقلٍ ،خبالفِ سَكْرانٍ مل يَتعَدَّ بتناولِ ُمسْكِرٍ كأَن ُأكْرِهَ َعلَيْهِ َأوْ َلمْ يَعلَم أنهُ ُمسْكِرٌ فال
يقعُ طالقهُ إذا صارَ حبيثُ ال مييز لعدم تَعدِّيهِ وصدَّق مدعي إكراه يف تناولِه بيمينهِ إن
وُ ِجدَتْ قرينةً عليه ،كحَبْسٍ وإال فال بدَّ مِنَ البَيِّنَةِ ،ويقعُ طالقُ اهلازِلِ به بأن قصَدَ
صدْ شيئاً وال أثَر حلِكايةِ طَالقِ الغَيْرِ وتصويرِ لفظهُ دونَ معناهُ أو لعبٍ به بأن مل يَ ْق ِ
س َمعُ نَ ْفسَه .واتفقوا على وقوع طَالقِ الغضبانِ ،وإن َّلفظِ به حبيثُ ال يَ ْ الفقيهِ وللت ُّ
ادَّعى زوالَ شعورَه بالغَضبِ( ،ال) طالق (مُكرهٍ) ِبغَيْرِ حَقَ (ِب َمحْذورٍ) مُنا ِسبٍ
كحَبسٍ طَويلٍ ،وكَذا قليلٌ لذِي مَروءه وصفْعةٍ لَهُ يف املَأل وكإِتالفِ مالٍ يضيقُ عَليهِ،
حقِيقِ ما ط اإلِكراهِ ُق ْدرَة املُكْرَهِ عَلى َت ْ حوِ َخ ْمسَةِ دَرا ِهمَ يف حَقّ موسِرٍ وَشَرْ ِ ف َن ْ
بِخال ِ
هُدِّدَ بِه عاجِالً بِواليَةٍ أو َتغَُّلبٍ وَ َعجْزِ املُكْرَهِ ع ْن َد ْفعِهِ ِبفَرَارٍ أوْ اسِْتغَاثَة وظَنِّهِ أَنَّهُ إِنْ
َوفَهُ بِهِ ناجِزاً فَال يََتحَقُّقُ ال َعجْزُ بِدوْنِ اجْتِماعِ ذلِكَ كلِّهَ ،والَ ُيشْتَرَطُ امْتََنعَ ِفعْلُ ما خ َّ
صدَ املُكْرَهُ اإلِيقاعَ التَّورِيَةُ بأَنْ يَنْوي غَيْرَ َزوْجَتِهِ َأوْ َيقُولُ سِ ّراً َعقْبَهُ إن شاء اهلل ،فإِذا َق َ
للطالقِ َوَقعَ ،كَما إِذَا ُأكْرِهَ ِبحَقَ :كَأَنْ قَالَ ُمسَْتحِقُّ القَوْدِ طَلِّقْ َزوْجَتَكَ وإال قَتَلْتُكَ
ِبقَتْلِكَ أيب ،أوْ قالَ رجلٌ آلخرٍ طلِّقها أو ألقتلنَّكَ غداً فطلَّقَ في َقعُ فيهما (ب) صريحٍ
جمَي عُرِفَ أنهُ وَ ُهوَ ما ال ُيحْتَملُ ظاهِرُهُ غَيْرَ الطَّالقِ ك (مشْتَقِّ طَالقٍ) وَلوْ مِنْ َع ِ
صمَةِ النِّكاحِ َأوْ ُب ْعدَهُ عَنْها وإِنْ َلمْ َيعْرِفْ َمعْناهُ ا َألصْلي ،كَما أفْىت بِه َم ْوضِوعٌ َلحِلِّ ِع ْ
َكررِها يف القَرآن كَطَِّلقْتُكَ وفا َرقْتُكَ وسَرَّحْتُكَ أو شَْيخُنا( ،وفِراقٌ وسِراحْ) لِت ُّ
زوجيت ،وكأنتِ طالِق أو مُطََّلقَة ،بتشديد الالم ،املفتوحة ومفارِق ٌة و ُمسَرَّحةٌ أما
ق أو سِراحٌ. مصادرها فَكِنايةٌ كأَْنتِ طِالقٌ أو فِرا ٌ
137
وُيشْتَرطُ ذَكر مفْعولٍ مع حنوِ طََّل ْقتُ ومبتَدأٌ مَع حنو طَالِق فَلَو نَوى أَحَدَهُما مل
يُوءْثِّرْ كما لو قال :طالِقْ ونَوى أْنتِ أو امْرأَتِي وَن ْويُ لَ ْفظِ طالِقٍ إال إن سَبَقَ ِذكْرُها
َوضْ ِإلَيْها بِطلِّقي َن ْفسَكِ فِي سؤالٍ يف حنو طلِّقْ امْرأَتَكَ فَقال :طََّل ْقتُ بِال َمفْعولٍ أو ف ِّ
جمِيَّة فقالت :طََّل ْقتُ ومل َتقُلَْ :نفْسي فََي َقعُ فيهِما (وتَرْ َجمَتَهُ) أيْ ُمشْتَقُّ ما ذُكِرَ بال َع َ
ق صَريح على ا َملذْ َهبِ وتَر َجمَةُ صاحِبَيْه صَريحٌ أيضاً على ا ُملعْتَمدِ ،وَنقَلَ فتَرْ َجمَ ُة الطال ُ
األذرُعي عن مجع اجلَ ْزمِ به (و) مِنْه (أَعْطَْيتُ) أو قُ ْلتُ (طَالقِكِ وَأ ْوَقعَت) أوْ َأْلقَْيتُ
ض ْعتُ (عَلَيْكِ الطَّالقَ) أو طَالقي ويا طالِقْ ويا مُطَلَّقة بتشديد الالم ال أنْتِ أوْ َو َ
طَالقٌ ولَكِ الطَّالقُ بل مها كنايَتانْ :كإِن فعلتِ كَذا ففيهِ طِالقُكِ أو َف ُهوَ طَالقُكِ
فيما استظهر شيخنا ألن املصدر ال ُيسَْت ْعمَل يف العَيْنِ إال توسُّعاً ،وال يضُرَّ اخلَطأُ يف
الصِّيغَةِ إذا مل خيلُّ باملعىن كَاخلَطَإِ يف اإلِعرَابِ.
[فروع] :لو قالتْ لَهُ طَلِّقين فقال :هي مُطلَّقة فال ُيقْبَل إرادةُ غَيْرها ألن تقدم
سؤاهلا يصرف اللَّفظُ إليها ،ومن ثُمَّ لو مل يتقدم هلا ِذكْر رَجَع لِنَيَّتِه يف حنو أْنتِ طَالِقٌ
وهي غائِبَة أو هي طالِقٌ وهيَ حاضِرة .قال البغوي :ولو قالَ ما ِكدْتُ أَنْ أُطَِّلقَكِ
كان إقراراً بالطَّالقِ انتهى .ولو قال لوليِّها زَوِّجها فمقرٌّ بالطالق ،قال املزجد :لو
قال :هذه زوجةُ فالنٍ حَ َكمَ بارتفاعِ نكاحِه وأفىت ابن الصَّالحِ فيما لو قال رجل :إن
الزوْجيَّةِ بعد غَيبَتِهِ السَّنةِغبتُ عنها سنة فما أنا هلا بزوجٍ بأنه إقرارٌ يف الظاهِرِ بزوالِ َّ
فلها َب ْعدَها مث ب ْع َد انقضاءِ عِدَّتِها تُزوِّج لغَيْرِه.
أطل َقتَ َزوْجَتَكَ مُلَْتمِساً اإلِنشاءَ؟ فقال :نعم أو إي َوقَعَ وكانَ ولو قالَ آلخرَّ :
وطلقْت ُمسُْتقِلَّة،صَرِحياً ،فإِذا قال :طلقت فقط كانَ كِناية ألن نعم مُتَعيِّنَةً للجَوابَِّ ،
فاحتَملَت اجلواب واإلِبتداء .أما إذا قالَ َلهُ ذلك ُمسَْتخْبِراً فأجابَ بنعم فِإقْرارٌ
بالطَّالقِ وَي َقعُ عليهِ ظاهراً إن َكذَبَ ويدين وكذا لو َجهِلَ حالَ السؤالِ .فإِن قال:
صدَقَ بيَمينِهِ الحْتماله ،ولَو قيل :ملطلِّقٍ أَطََّلقْتَ أردْتُ طَالقاً ماضِياً وراجَ ْعتُ َ
ك ثَالثاً؟ فقال طَل ْقتُ وأرادَ واحِدةً صدَقَ بَيمِينِهِ ألَنَّ طََّل ْقتُ ُمحَْتمَلٌ للجَوابِ َزوْجَتَ َ
واإلِبْتِداءَِ ،ومِنْ ثُمَّ َلوْ قالت :طََّلقَين ثالثاً فقال طََّلقْتُكِ ومل ينوِ َعدَداً فوا ِحدَة ولو قال
صدَق بيمنَه ،كما لو قال ألم زوْجَتِهِ :ابنَتُكِ طالِقٌ وقال :أردتُ بنْتُها األخْرى َ
صدْتُ األَجْنَبْيَّة لِتَردُّدِ اللَّفظِ بَيَْنهُما َفصَحَّت
لِ َزوْجَتِه :وَأجْنَبِيَّة إِحداكُما طالِقٌ َوقَالَ :ق َ
إِرادتَها خبالف ما لو قال :زينب طالِق واسم زوجتهِ زينب وقصدَ أجنبية امسها زينب
فال يقبل قولهُ ظاهراً بل يدين ولو قال عامِيّ أعطيتُ تالقٍ فالنةَ بالتاء أو طَالكها
بالكاف أو دَالقِها بالدَال وقع به الطَّالق وكانَ صرحياً يف حقِّهِ إن مل يُطاوِعْه لِسانَه
اللفْظ املُْبدِل أو كان ممن ُلغَتُه كذلك كما صرح به اجلالل البلقيين إال على هذا َّ
واعَْت َمدَ ُه َج ْمعٌ مُتَأَخِّرون ،وأفْىت به َج ْمعٌ مِن مَشاخينا ،وإال فهو كِناية ألن ذلك
اإلِبدالُ لهُ أصْلٌ يف اللغة.
(و) يقعُ (بِكنايَة) وهي ما َيحَْتمِلُ الطالقَ وغريه إن كانت (مع نَّيةِ) إلِيقاعِ
َجحَه كثريونَ، َولِها هوَ ما ر َّ َولِها) أيْ الكِنايَة وتعبريي مبقترنةٍ بأ َّ الطَّالق ( ُمقَتَرِنَةٌ بأ َّ
وَاعَْت َمدَ ُه األَسْنَوي والشيخُ زكريا تَبَعاً ِلجَ ْمعٍ مُحقّقنيَ ورجَّح يف أصْلِ الروْضةِ
اإلِكتفاءَ باملقارنةِ لِبَعضِ اللفْظِ ولوْ آلخِرِهِ وهي (كأْنتِ علي حَرام) أو حُرمَتُكِ أو
حال ُل اهلل علي حَرامٌ ولو تَعارَفوهُ طَالقاً خالفاً للرافعي ولو نوى َتحْرميَ عَيْنَها أو حنو
فَرْجِها أو وَطْئِها مل َتحْرُم ،وعليه مَثَلُ َكفَارَةِ َيمِنيٍ وإنْ مل يَطَأْ .ولو قال :هذا الثوْبَ
أو الطَّعامَ حَرامٌ عليَّ فلغوٌ ال شيءَ فيه (و) أْنتِ (خَلِيَّة) أيْ مِنْ الزوْج فَعيلَةً ِب َمعْنَى
فَاعِلَةَ أو بَرِيَئةٍ مْنهُ (وبائِنٌ) أي مُفا ِرقَة( ،و) كأْنتِ (حُرَّة) ومُطَلَّقة بتخْفيفِ الالم أو
أطْلقْتُكِ (و) أَْنتِ (كَأُمِّي) أو بِنْيت أو أخْيت (و) ك (بِنْيت) ملمكنة كوهنا بِنْتَهُ باحِْتمَالِ
138
َط ْعتُ نِكاحِك سبِ( ،و) ك (أْ ْعَتقْتُك وتَ َركْتُكِ) وق َّ السِّن وإن كانت مَعلومَةُ النَّ َ
(وَأ َزلْتُكِ وأحْلَلْتُكِ) أي لألزواجِ ،وأشْ َركْتُكِ َم َع فُالنَةٍ وقدَ طُِّل ْقتُ مِنْه أو مِنْ غَيْرهِ
(و) ك (تزوَّجي) أي ألين طََّلقْتُكِ وأنتِ حاللٌ لغيْري خبالف قوله للويل :زوِّجها فإِنه
صريح (واعتَدِّي) أي ألَين طََّلقْتُكِ وودِّعيين من الوداع :أي ألين طََّلقْتُكِ (و) ك
ستِ َزوْجَيت إن مل يقع يف القَكِ ،وال حاجَةَ يل فيكِ) أي ألين طََّلقْتُكِ ول ْ (خذي طَ َ
جواب دعوى ،وإال فإِقرار (و) ك (ذَ َهبَ طَالقُكِ أو َس َقطَ طَالقُكِ) إنْ َفعَ ْلتِ كَذا
(و) ك (طَالقُكِ وا ِحدُ) وثْنتانِ فإِنْ قَصدَ به اإلِيقاعَ وَقَعَ ،وإِال فال ،وكلك الطالق أو
طلقةً ،وكذا سالم عليك على ما قاله ابن صالح ،ونقله شيخنا يف شرح املنهاج،
(ال) مِنها (كَطَالقُكِ عَْيبٌ أو َنقْصٌ وال قلت) أو أَعْطَْيتُ (كَلِمتِكِ أو حُ ْكمُكِ) فال
ستْ مِن الكِناياتِ اليت حتَْتمِلُ َي َقعُ بهِ الطَالَقُ وَإِنْ نَوى هبا املُتَل َِّفظُ الطَّالقُ ألنَها لي َ
الطَّالقَ بال تَعسُّفٍ وال أَثَرٍ الشْتِهارِها يف الطالقِ يف بعضِ القُطْرِ ،كما أفىت بهِ َج ْمعٌ
من مُحقِّقي مَشايخِ عصرنا ،ولو نطق بلفظَ من هذه األلفاظ امللغاة عند إرادةِ الفراقِ
فقال له اآلخر :مستخرباً أطَلَّقتَ زَوْجَتُكَ؟ فقال :نعم ظانّاً وقوعَ الطَّالق باللفظِ
األولِ مل يقعْ ،كما أفىت به شيخنا.
(وسئل) البلقيين عما لوْ قال هلا :أنتِ عليَّ حرامٌ وظن أهنا طُِّل َقتْ بهِ ثالثاً فقال
هلا :أْنتِ طالِقٌ ثَالثاً ظاناً وُقوعَ الثَّالثَ بِالعِبَارةِ األوىل( .فأجاب) بِأَنَهُ ال ي َقعُ عَلَْيهِ
ش ِهدْ ص ْدقَه أن ال َي ْطالق ،مبا أخبَر بهِ ثانِياً على الظَّنِّ املَذكورِ .اه .وََيجُوزُ ِلمَنْ ظنَّ ِ
عليه.
ق فََل ْغوٌ ما مل يَتَلفظْ حالَ [فرع] :لو كَتبَ صَريحَ طَالقٍ أو كِنايتَهُ ومل يَنْو إيقاعَ الطَال ِ
الكِتابَةِ أوَ َب ْعدَها ِبصَريح ما كَتَبَهُ َن َعمَْ :يقْبل قوله َأرَدْتُ قِراءَةَ املكتوبِ ال الطَّالق
ضبٍ وال إلِحتماله ،وال يلحَقُ الكِنايَةَ بالصَّريح طََلبَ املرْأَةَ الطَّالقَ وال قَرَينَةَ غَ َ
اشْتِهارِ بعضَ ألفاظِ الكِنَايَاتِ فيه (وصدق منكر نية) يف الكناية (بيمينه) يف أنه ما
نَوى هبا طَالقاً ،فالقول يف النية :إثْباتاً ونفياً قول :النَّاوي إذ ال ُتعْرَفُ إال مِنْه ،فإِن مل
ع الطَّالقِ ألن األصْلَ بقاءَ ال ِعصْمة. متكِنْ مُرا َجعَةَ نِيَِّتهِ مبوتٍ أو فقدٍ مل َيحْكُم بوقو ِ
[فروع] :قال يف العُباب :من اسم زوجته فاطمة مثالً فقال :ابتداءً أو جواباً
لطَلَبها الطَّالق فاطمة طالق وأرَاد غريها مل يقبل ،ومَنْ قالَ المْرَأَته :يا زَيْنَب ،أَنْتِ
طالق وامسها عمرة طلقت لإلِشارة ،ولو أشار إىل أجنبية وقال :يا ُعمْرة أنتِ طالق
واسم زوجته عمرة مل تطلق ،ومن قال :امرأيت طالقٌ مشرياً ألحدى امرأتيهِ وأراد
األخْرى قبل بيمينه ،ومن له زوجتانِ اسمُ كلِّ واحدة منهما فاطمة بنتُ حممّدٍ
وعرف أحدمها بزيدٍ فقال :فاطمة بنت حممد طالقٌ ونَوى بِْنتَ زَيدٍ قبل .انتهى .قال
شيخنا :ملْ ْيقَبلْ يف املسَْألَةِ األوىل أي ظاهراً بل يدين .نعم :يتجه قبولُ إرادِتهِ ِلمُطََّل َقةٍ
لهُ امسُها فاطمة اه .ولو قال :زوجيت عائِشة بنتُ حممد طالقٌ وزوجَتُه خدجيةٌ بنتُ
حممد طلقت ألنه ال يضرّ اخلطأ فِي اإلِسم ولو قال إلِبنه املكلَّف قل ألمِّكَ :أنت
طالِق ومل يُرِد التَّوكيل َيحَْتمِل التوكيل فإِذا قاله هلا :طُِّل ْقتِ كما تُطلَّق به لو أراد
التَّوكيل ،وُيحْتَمل أهنا تُ َطلَّق وكون اإلِبن خمرباً هلا باحلال قال األسنوي :ومُدرِكٌ
التردّد أنّ األمْرَ با َألمْرِ بالشيء إن َجعَلْنَاهُ َكصُدورِ ا َألمْرِ من األوّلِ كان ا َألمْرُ
باإلِخبار مبن ِزلَةِ اإلِخبارِ من األب فيقع وإال فال .اه .قال الشيخ زكريا :وباجلملة
تعذرَ اسْتِ ْفسَارَهُ عملَ باإلِحْتِمالِ األَولِ حىت ال َيقَعُ الطالقُ فينْبغي أن ْيسََت ْفسِرَ فإِنْ َّ
ِب َق ْولِهِ :بل بقول اإلِبْنُ ألمِّه :ألن الطالقَ الَ َي َقعُ بِالشَّك( .ولو قال :طََّلقْتُكِ ونَوى
َع َداً) اثْنَتَني أو واحدة (وقعٌ منوِي) ولو يف غريِ َموْطُوءَةٍ فإِنْ مل ينوِهِ وَقعَ ط ْلقَةً واحدةً
ولو شكَّ يف ال َعدَدِ امللفوظِ أو املْنوِي فَيَأْ ُخذَ باألقل وال يَخفى ال َورَعَ.
139
[فرع] :لو قال :طلقتكِ واحدة وثنتني فيقع به الثالث كما هو ظَاهر وبهِ أفىت
بعضُ حمقِّقي عُلماءَ َعصْرِنا .ولو قالَ لِلمدْخول هبا :أَْنتِ طالِقٌ طَ ْلقَةً بل طَ ْلقَتَني في َقعُ
الروْض( ،وََي َقعُ طَالقُ ال َوكِيل) يف َرحَ بهِ الشيخُ زكريا يف شرح َّ ثالثُ ،كما ص َّ
الطالق (بطََّل ْقتُ) فُالنَة وحنوه وَإِنْ ملْ يَْنوِ عِْندَ الطَّالقِ أنه مُطَلّقٌ ملوكِّله (ولو قال
آلخر :أعْطَيتُ) أَو جَع ْلتُ بَيدِكَ (طَالقُ َزوْجَتِي) أو قال له :رح بِطالقِها وأَعِظْها
(فهُو تَوكيل) ي َقعُ الطالقُ بِتْطليقِ الوكيل ال بقول الزوج هذا اللفظ بل حتصُل الفِرقة
طل ْقتُ فالنة ال بإِعْالمِها اخلرب بأن فالناً أرْسَل بَيدِي من حِني قول الوكيل :مىت شاء َّ
طالقَكِ وال بإِعالمِها أن َزوْجَكِ طَلَّقَ ،وإذا قال له :ال تُعْطِه إال يف يوم كذا فيُطَلِّقْ يف
صدَ التقْييدَ بيَومٍ طَلَّقَ فيه ال بعده( .ولو قال اليَومِ الذي عَيَّنَهُ أو ب ْعدَه ال قَبْلَهُ ،مث إن َق ْ
ق ال تَوكيلٌ الزوْجَة املُكَلَّفة مُْنجَزاً (طَلِّقي ن ْفسِكِ إن شِْئتِ َف ُهوَ َتمْلِيكٌ) للطَّال ِ هلا) أي َّ
حثَ أن مِنْهُ قوله :طَلِّقيين فقالت :أنت طالِقٌ ثالثاً ،لكنه كِناية ،فإِن نوى بذلكَ وُب ِ
ض إليها طَلّقتْ وإال فال .وخرجَ بَِتقْييدي باملُكلَّفة غريها ِلفَسادِ عبارَتِها، التفوي َ
وِبمُنَجزِ املُعلَّق ،فلو قال :إذا جاءَ رمضانُ فطَلِّقي نفسَكِ لَغا ،وإذا قُلنا أنه متليكٌ
املفوضِ إليها (تطليقَها) ولو بكِنايةٍ (فوراً) بأن ال يَتخلَّل (فُيشْترَط) لوقوعِ الطَّالقِ َّ
فاصلٌ بني تفويضِهِ وإيقاعِها نعم ،لو قال :طلَّقي ن ْفسَكِ فقالت :كيف يكون تَطْليقُ
نفسي؟ مث قالت :طََّل ْقتُ َوَقعَ ألنه َفصْلٌ يسري (بطلقت) َنفْسي أو طَل ْقتُ فقط ال
ِبقَبِ ْلتُ ،وقال َب ْعضُهم :كمختصري الروضة ال يشترط الفور يف مىت شِئْتُ فَتُطَلِّقُ
مىت شاءت .وجزم به صاحبا التنبيه والكفاية ،لكن املعتمد ،كما قال شيخنا :أنه
ع قبل تطليقِها كسائِر العقود. يشترط الفورية وإن أتى بنحوِ مىت ،وجيوزُ لهُ الرجو َ
[فائدة] :يَجوزُ تعليقُ الطَّالقِ كالعِتق بالشروط وال يَجوزُ الرُّجوعُ فيه قبل
وجودُ الصِّفة .وال يقع قبل وجودِ الشَّرْطِ .ولو عَلَّقه بِفعِْلهِ شَيْئاً َف َفعَلَهُ ناسِياً للتعلُّق أو
جِاهالً بأنه املعلَّق عليه مل تُطلَّق .ولو عُلِّقَ الطَّالقُ على ضَرْبِ َزوْجَتِهِ ِب َغريِ ذَنْبٍ
فشََتمَتْه َفضَربَها مل َيحْنَث إن ثََبتَ ذلك ،وإال صَدقَت فَتحْلِف.
[مهمة] :جيوزُ اإلِسْتِثْناء بَِنحْو إال ِبشَرْطِ أن يَسْ َمعَ َن ْفسَه وأن يَتَّصِل بالعدَدِ
امللفوظ :كطلَّقتكِ ثالثاً إال اثنتَني فيقع طَلقُه أو إال واحدةً فَطَلْقتانِ ولو قال :أنتِ
صدَق مُدَّعي إكراهٍ) على طَالقٍ (أو إغماءٍ) حالته (أو طالقٌ إن شاء اهلل مل تَ ْطلُقْ( .و َ
سَبْقَ لِسان) إىل ل ْفظِ الطالقِ (بيمينه إن كانَ مث قرينة) كحبس وغريه يف دعوى كونه
مُكْرهاً وكمرضٍ واعتيادِ صَرَعٍ يف دعوى كونه مغشِياً عليه وككونِ امسِها طالِعاً أو
صدُق إال بيمينه. طالباً يف دعوى سبق اللسان (وإال) تَكُن هناك قرينَة (فال )َي ْ
[تتمة] :من قال لِ َزوْجَتِهِ :يا كافرة مريداً حقيقة الكفْرِ جرى فيها ما تقرر يف
صمَة ،وجَرَيان ذلك الردة أو الشتم فال طَالقَ وكذا إن مل يُرِدْ شيئاً ألصل بقاء العِ ْ
الشَّتم كثرياً مُراداً بهِ كفر النِّعمة.
[فرع] :يف حكم املطلقة بالثالث ،حرم حلرّ من طلقها) ولو قبل الوَطْءِ (ثالثاً
ولعبد من طلقها ثنتني) فِي نِكاحٍ أو أنْكَحة (حىت تَنْكحَ) زوج غريه بِنكاح صحيح مث
شفَة) مِنْهُ أو قدرها من يُطلِّقها وتنقض عِدَّتِها منه كما هو مَعلومْ (ويولِجُ) ِبقُبُلها ( َح َ
فاقدها مع افْتِضاضٍ لبكر ،وشرط كون اإلِيالج (بانتشار) للذكر ،أي معه وإن قل أو
أعني بنحو إصبع ،وال ُيشْتَرط إنزال ،وذلك لآلية .واحلكمة يف اشتراط التحليل
التنفِريُ مِنْ استيفاءِ ما ميلِكَهُ من الطالقِ (ويقبل قوهلا) أي املُطلَّقةُ (يف حتليلٍ) وانقضاءِ َّ
عِدَّةٍ عندَ إمكانِ (وإن كذهبا الثاين) يف وَطْئِه هلا لِعُسر إثباته (و) إذا ادَّعت نِكاحاً
وانقضا ِء عِدة وحَلفت عليهما جاز (ل) لزوج (األول نكاحَها) وإن ظُنَّ كذِبَها ألن
العربة يف العقودِ بقول أرْباهبا وال عربة بظن ال مسْتََندَ لَهُ .ولو ادَّعى الثاين الوَطْءَ
140
وأنْكَرتْه مل َتحِل لألولِ َوَلوْ قالت :مل أنكحْ مث َكذَّبت نَفْسها وادعت نِكاحاً بشَرطِه
جاز لألوَّل نِكاحَها إن صدَّقها (ولو أخبَرتْه) أي املُطلَّقةِ َزوْجَها األول (أهنا حتلَّلت مث
رَجِعت) وكذَّبتْ نفسها (قبِلت) دعواها (قبل َع ْقدٍ) عليها للألولِ فال جيوزُ له
نِكاحَها (ال بعده) :أي ال َيقْبَلُ إنْكارَها َّالتحْليل بعدَ َعقْدِ األول ،ألَنَّ رِضاها بِنِكا ِحهِ
يَتَضمَّنُ اإلِعْتِرافَ بِوجودِ التحَّليلِ فال ُيقْبَلُ مِنْها خِالفَهُ (وإن صدَّقها الثاين) يف عدمِ
مجعٌ اإلِصابَةِ ألن احلقَّ تعلق باألول فلم َت ْقدِرْ هي وال مُصَدِّقهَا على َر ْفعِه كما أفىت به ْ
من مشاخينا احملققني .تتمة إمنا يَثُْبتُ الطَّالق كاإلِقرارِ به بِشهادةِ رَجُلَني حرين َع ْدلَيْنِ
فال َيحْ ُكمُ بوقوعِه بِشهادةِ اإلِناث ولو مع رَجُل أو كنّ أرْبَعاً وال بالعَبيد ولو صلحاء
وال بال ُفسّاقِ ،ولو كان ال ِفسْق ،بإِخراجِ مكتوبَةٍ عن َوقْتِها بال عُذرٍ وُيشْتَرطُ لألَداء
والقبول أن يسمعاهُ ويُبصر املطلقُ حني النطقِ ب ِه فال يصح حتمُّلِها الشَّهادة اعتماداً
الز ْوجِ مِن على الصوت من غري أن يَريا املطلق جلوازِ اشتباهِ األصوات وأن يُبيِّنا َل ْفظَ َّ
املطلقَة وابْنِها إن شهدا َحسْبة .ولو تعارَضَتْ صَريح أو كِنايَةٍ وُيقْبَلُ فِيهِ شَهادة أيب َّ
بَيَّنتَا َتعْليقَ وتَْنجِي َز قدمت األوىل ألن معها زيادةَ علمٍ بِسماعِ التَّعليق.
(فصل) :يف الرَّ ْجعَة .هي لغَة املَرَّة من الرُّجوعِ وشرعاً ردّ املَرْأةِ إىل النِّكاح منْ
طالق غري بائنٍ يف العِدة (صَحَّ رُجُوع مَفارَقَة بِطَالقٍ دون أكْثَرِه) فهو ثالث حلرَ
وثنتان لعبدٍ (جماناً) بال ِع َوضٍ (بعد وَطْءٍ) أيْ يف عِدةِ وَطْءٍ (قبْل اْنقِضاءِ عِدَّة) فال
َيصِحُّ رجوعَ مفا َرقَةٍ بغري طَالقٍ َك َفسْخٍ وال مُفارَقةٍ بدونِ ثالثَ مع ِع َوضٍ كخَلع
ضتْ عِدهتا ألهنا صارت لبَيْنونَتِها ومفا َرقَة قبل وطء :إذْ ال عِدَّة علَيْها وال مَنِ ان َق َ
أجنَبِيَّة .وَيصِحُّ َتجْديدِ نِكا ِحهِنَّ بإِذنِ جَديدٍ و َولَيٍ وشهودٍ ومهرٍ آخرَ وال ُمفَا َرَقةٍ
بالطَّالقَ الثَّالث فال َيصِحُّ نِكاحَها إال َب ْعدِ التَّحليل ،وإمنا يصَحُّ الرُّجوعَ (برا َج ْعتُ) أو
رَ َج ْعتُ (زَوجيت) أو فُالنة وإن مل يقل :إيلّ نكاحي أو إيلّ لكن ُيسَنُّ أن يزيد أحدمها
مع الصيغة :ويصحُّ بردَدهتا إىل نِكاحي وبأ ْمسَكْتَها ،وأما عقْد النِّكاحِ عَلَيها بإجيابٍ
وقبولٍ فكناية حتتاج إىل نية .وال يصح تعليقها كراجعتُك إن شئت .وال ُيشْتَرَطُ
اإلِ ْشهَادَ عليها بل ُيسَن.
[فروع]َ :يحْرُم التمُتعِ برَجعية ولَو ِب ُمجَرَّدِ نَظَر وال َحدّ إن وَطِىءَ ،بل ُيعَزَّر
ضعٍ إذا أمكَنَ وإذا أنْكَرهُ ق بيَمينها يف انِقضاءِ العِدَّة ِبغَيْرِ األ ْشهُر مِنْ أقْراءٍ أوْ َو ْ صدُ َ
وَت ْ
الزَّوج أو خاَل َفتْ عَادَتَها ألنَّ النِّساءَ مُؤمتناتٍ على أرحا ِمهِنَّ ولو ادَّعى رَ ْجعَة العِدَّة
وهي مُْن َقضِيَة ومل تَنكَحْ ،فإِن اتفقَا على َو ْقتِ اإلِْنقِضاءِ كيوم اجلُمعةِ وقال :را َجعْتُ
قَبلَهُ فقاَلتْ بل َبعْدَهُ حََل َفتْ أنَّها ال تَعلم أنَّه راجعٌ فََتصْدُق ألن ا َألصْل َعدَمَ الرِّ ْجعَةَ
ضتْ يومَ اخلَميسِ وقال: قَبْلَهُ ،فلو اتَّفقَتا على وقتِ الرِّجْعة كَيَومِ اجلُمعةِ وقالت :اْن َق َ
خلمِيس التِّفاقِهما على ضتْ يَومَ ا َ صدَق بَِيمِينِهِ أنَّها ما اْن َق َ ضتْ يومَ السَّبت َ بَلْ انق َ
وقت الر ْجعَة واألصل عدم انِقضاءِ العِدَّة قَبْله( .ولو تزوج) رجل (مفارقته) ولو خبلع
(بدون ثالث ولو بعد) أن نكحت ل (زوج آخر) ودخوله هبا (عادت) إليه (بِبقيته):
أي بقية الثالث فقط من ثنتني أو واحدة.
َورُ وَطْوه عَلى امْتِناعِهِ مِنْ وَطْؤه َزوْجَتِهِ مُطْلَقاً (فصل) :اإلِيالَء خَلْفَ َز ْوجٍ .يَتص َّ
أوْ فَوْقَ َأرَْبعَةِ أَ ْشهُرٍ كَأَنَ َيقُولُ :ال أَطَوكِ أوْ ال َأطَوكِ َخ ْمسَة أَ ْشهُرٍ أو حتَّى يَموتَ
فُالنٌ ،فإِذا َمضَت أرَْبعَة أ ْشهُرٍ مِنَ اإلِيالءِ بِال وَطْ ٍء فَلهَا مُطالَبَتَهُ بالفَيْئَةِ وَهِيَ الوَطْءِ أو
بالطَّالقِ ،فَإِن أىب طَلَّقَ عليه القاضِي ويْن َع ِقدُ اإلِيالءُ بِاحلَلْفِ باللَّهِ تعاىل وبتعليق طَالقٍ
أو عِتْقٍ أو التزام قِرْبةٍ ،وإذا وَطِىءَ مُختاراً ِبمُطالَبَةٍ أوْ دُونَها لَ ِزمَتْهُ كَفَّارَةُ مينيٍ إن
حَلفَ باللَّهِ.
141
(فصل) :إمنا َيصِحُّ الظِّهارُ .مِمَّن َيصِحُّ طَالقُه وهو أن يَقولَ لِ َزوْجَتِهِ أَنتِ كَ َظهْرِ
ُأمّي ولوْ بِدونِ عليّ .وقوله أنتِ كَأُمي كِنايةً وكَا ُألمّ حمْرَمٌ مل يَطْرأ َتحْرِميَها .وتَلْ َزمُهُ
كَفَّارَة ظِها ٍر بال َعوْدِ و ُهوَ أَنْ َي ْمسِكَها َزمَناً يَمكِ ُن فِراقَها فيه.
(فصل) :يف العِدَّة .هي مَأْخوذَةٌ مِنَ ال َعدَدِ إلِشتِمالِها على َعدَدِ أقراء وأشْهر غالباً
للتعبدِ .و ُهوَ حلمْلِ أو ُّ وهي شَرْعاً مدة تَتَربَّصُ فيها املرأَةُ لِ َمعْ ِرفَةِ بَراءةِ رَمحِها مِنَ ا َ
َجعِها على َزوْج ماتَ .وشَرعت ِإصْطالحاً ما ال يعقَلُ مَعناهُ عِبادةً كانَ أو غَيْرَها ولِتف ُّ
سخِ جبُ عِدَّةٌ ِلفُرقَةِ َز ْوجٍ حيّ) بِطَالقٍ أو َف ْ سبِ عن اإلِخْتِالطِ (َت ِ صوْناً للنَّ َ
أصالَةٌ َ
نِكاحٍ حاضِرٍ أو غاِئبٍ مُدَّةً طويلةً (وطيء) يف ُقبُلٍ أو دُبُرٍ ،بِخالفِ ما إذا مل يكن
وَطِىءَ وإنْ وُ ِجدَت خَلْوةٌ (وإن تَيقَن براءةَ رَحِم) كما يف صغريةٍ وصغري( .وَلوَطْءٍ)
َحصَلَ َمعْ (شُْبهَةٍ) يف حَلهِ كما يف نِكاحٍ فاسدٍ وهو كل ما مل يوجبُ حداً على
الواطيء.
[فرع] :ال يُسَتمَْتعُ ِب َموْطُوءَةٍ ِبشُبْهَةٍ مُطْلَقاً ما دامَت يف عِدَّةِ شُْب َهةٍ َحمْالً كاَنتْ
ضعٍ أو غريه إلِختِاللِ النِّكاح بِتَعلُّقِ حق الغَري .قال شيخنا: أو غريهِ حىت تَْنقَضي ب َو ْ
جبُ ملا ُذكِرَ عِدَّةٌ ومِنْهُ يُوءَ َخذُ أنَّه ُيحَرِّم عليه نَظَرُها ولو بال َش ْهوَةٍ واخلَ ْلوَةُ هبا ،وإمنا َي ِ
(بثَالثَةِ قروءٍ) والقَرءُ هنا طُهريَيْنِ دمي حَْيضَتَيْنِ أو حَيْضٍ ونَفاسٍ فلو َطلَّقَ مَنْ مل
سبِ الزَّمنُ الذي طَلَّق فيه قُرْءاً :إذ َلمْ يَكُنْ بني َدمَيْن، ضتْ مل يُح ْ َتحِضْ أوالً مث حا َ
سبُ بَقيةُ الطُّهر ُطهْراً يف املتصِلَةِ بالطالق ويَح ِ بَلْ الَ بُدَّ مِنْ ثَالثة أطْهارٍ َبعْد احلَيضَةِ َّ
جبُ العِدَّةُ بِثَالَثةِ أقراءٍ (على حُرَّةٍ تَحيضُ) ِلقَولِهِ تعاىل{ :واملطلقاتُ غريها ،وَت ِ
يتربصْنَ بأنفسِهنَّ ثالثةَ قروءٍ} فمن طلَّقت طاهِراً وقد َبقِي من الطُّهر حلَظةً ان َقضَتْ َّ
عِدَّتَها بال َطعْنِ يف احليضَة الثالثة إلِطالقِ القرءِ على أقلِّ حلظَةٍ من الطهْرِ وإن وَطِىءَ
فيهِ أو حائِضاً وإن مل يَبْقَ من زمنِ احلَيْضِ إال حلظةً فتْنقَضي عِدَّهتا بِالطَّعن يف احليضة
الرابعة و َزمَن الطعْن يف احليضة ليس مِن العِدَّة بل يتبنيُ ِبهِ انقِضاؤها( .و) جتبُ عِدَّةً
(بثالثة أشْهر) هِالليةٍ ما مل تَطْلُق أثناءَ شهر ،وإال تَمَّم املن َكسِرُ ثالثنيَ (إن مل حتِضْ)
ضتْ أوالً مث انقَطع و (يِئسَت) من احليض بِبُلوغِها إىل سنّ أي احلرة أصالً (أو) حا َ
تيأسُ فيه النّساءُ مِنْ احلَيْضِ غالِباً ،وهُوَ اثنتان وسِتونَ سنة ،وقيل مخسون ولو حاضَت
من مل َتحِضْ قَط يف أثناءِ العِدَّة باأل ْشهُرِ اعتَدَّت باألَطْهارِ أو بعدِها أَو تستأنِفَ العِدَّة
باألَطْهارِ ،خبالفِ اآليسَةِ (ومن اْنقَ َطعَ حَْيضَها) بعد أن كانت حتيض (بال عِلَّة) ُتعْرَفُ
تتزوجْ حتَّى تَحيضَ أو تَيْأْسَ) مث تَعتَدَّ بِاألقْراءِ أو األَ ْشهُرِ ويف القدميِ وهو َمذْهَب (مل َّ
سعَةَ أشْهرٍ مث تعتدُّ بثالثة أشْهر لَِيعْرِفَ فراغٌ الدم :إذ هيَ مالِك وأمحد أهنا تَتَرَبَّصُ ِت ْ
غاِلبَ مدةِ احلمل ،وانتصرَ لَهُ الشافعي بأن عمر رضي اهلل عنه قَضى به بني املهاجِرينَ
واألَنْصارَ ومل ينكَرْ عَليْه ،ومِنْ ثُمَّ أفْتَى بِه سُلْطانُ العُلَماءِ عزِّ الدِّينِ ابنَ عبْد السَّالم
حلضْرَمي واختارَه البَلقيين وشيخنا ابن زياد رمحهم اهلل والبارِزي والرِّميي وإمساعيل ا َ
تعاىل .أما من انقطع حَيْضها ِبعِلَّة ُتعْرفُ كرضاعٍ وم َرضٍ فال تَتَّزوَج اتَفاقاً حىت حتيض
أو تَيْأسَ وإن طالَت املُدَّة (و) َتجِبُ العِدَّة (لوفاة) زوجٍ حىت (على) حرّة (رجعية
صغَرٍ أو َغريِهِ ،وإن كانت ذاتَ أقراء (بأربعةِ أشهرٍ وعشرةِ أيام) وغري َموْطوءَةٍ) ل ِ
جبُ عَلى املتوَفِّي عَنْها َزوْجَها العِدَّة مبا ُذكِرَ (مع إحْدادٍ) ولياليها للكتابِ والسنَّة .وَت ِ
صفَةٍ كانت ،للخربِ املتفق عليه" :ال َيحِلُّ المْرأَةٍ يَعين جيب اإلِحدادُ عَليْها أيضاً بأي ِ
ُت ْؤمِنُ باللَّهِ واليومِ اآلخِرِ أنْ َتحِدَّ على مَِّيتٍ فوقَ ثالثٍ إال على زوجٍ أربعة أشهرٍ
وعشراً" أي فإِنه حيل هلا اإلِحْدادُ عليه هذه املدة :أي جيب ألن ما جازَ بعدَ امْتِناعِه
واجبٌ ولإلِجْماع على إرادَتِه إال ما حُكِي عنْ احلسنِ الَبصَري ،وذكر اإلِميان للغالب
142
َيل أمْرُ أو ألنه أبعث على اإلِمتِثال وإال َفمَنْ هلا أمانٌ َيلَ َزمُها ذلك أيضاً ويَل َزمُ الو ُّ
ُموَلِّيتِه بِه.
[تنبيه] :اإلحداد الوا ِجبُ على املتَويفِّ عنْها َزوْجُها ولو صَغريَةٌ تَركَ لَبْسَ َمصْبوعٍ
َّطيبِ ولوْ لَيْالً ،والتَّحلِّي نَهاراً لزينَةٍ وإن َخشُنَ .ويُباحُ إبريسم مل ُيصَْبغْ ،وتَرْكَ الت ُّ
مموهٌِلنهْيِ عَنْه ،ومِنْهُ َّ
حوَ خاَتمٍ أو قرط أو حتتَ الثيِّابِ ل َّ بِحلِي ذَ َهبٍ أو فِضَّةَ .وَلوْ َن ْ
بِأَ َحدِمها ولُؤلُؤ وحنوه من اجلواهِر اليت تَتَحلَّى هبا ،ومنها العَقيقُ وكذا حنو نُحاس
وعاج إن كانت من قومٍ يتحَلَّونِ هبما وترك اإلِكتِحالِ بإِ َمثدٍ إال حلاجةٍ وإن كانت
سوداءَ ،ودُهْنِ َشعْرِ رأسِها ال سائر البدنِ وحِلُّ تنظف ِب ُغسْلٍ ،وَإزالةِ وَسَخٍ وَأكْل
تَنبل ونَدبُ إحدادٍ لبائِنٍ خب ْلعٍ أو فسخٍ أو طالقِ ثالث لئال يفضي تزيينُها لِفسَادِها،
املعتدةِ بالوفاةِ وبطالقٍ جبُ على َّ وكذا الرَّجعية إن مل تُرْجَ عودةً بالتزيُّن فيُْندَب .وَت ِ
بائنٍ أو فسخٍ مالزمةِ مسكنٍ كانت فيه عند املوت أو الفرقة إىل انِقضاءِ عدَّةٍ وهلا
اخلروجُ هناراً لِشراءِ حنو طعام وبيع غَزْلٍ ولنحو احْتِطابٍ ال ليالً ولو أوَّلُه ،خالفاً
لبعضهم لكن هلا خُروجٌ ليالً إىل دارِ جارِهِ املالصِقُ لغزلٍ وحديثٍ وحنومها لكن
حدّثَها ويؤنِسهَا على بشَرْطِ أن يكونَ ذلكَ بق َدرِ العادَةِ وأن ال يكونَ عِْندَهَا من ُي َ
األوجَه وأن تَر ِجعَ وتبيتَ يف بيتها .أما الرجْعية فال خترجَ إال بإِذنه أو لضرورةٍ ألن
عليهِ القيامَ جبميع مُؤنِها كالزَّوجة ،ومَثلُها بائِنٌ حامِل وتَنْتقِل من املسْكَنِ خلوَفٍ على
َن ْفسِها أو َوَلدِها أو على املالِ ولو ل َغريِها كوديعَ ٍة وإن قلَّ وخوفَ َه ْدمٍ أو حَرقٍ أو
الز ْوجِ سَكْىن املُفا َرقَة ولو بأُجْرةِ ما مل سارِق .أو تأَذَّتْ بِاجلريانِ أَ َذىً شَديداً ،وعلى َّ
تكنْ ناشِزَةً ولَيْسَ له مُساكنَتُها وال دُخولُ حملِّ هِي فيهِ َمعَ انتْفاءِ حنو احملرم فَيحْ ُرمُ
عليه ذلك ولو أعمى وإن كان الطالق رَجْعياً ألن ذلك جير إىل اخلُلوةِ املُحرَّمةِ هبا،
ومن مث لَ ِزمَها منْعُه إن َق ِدرَت عليه (و) كما تعَتدّ حرَّة مبا ذكر (تعتدُّ غريَها) أي غري
احلرَّةِ (بنصف) من عِدَّةِ احلرَّة ألَنَّها على النِّصفِ يف كَثريٍ من األحْكامِ (وكمل الطُّهر
صفُه إِالَّ بِظُهورِ كُلّهِ فال بُدَّ من اإلِنْتِظارِ إىل أَن يعودَ الدمُ الثاين) إذ ال ي ْظهُرُ ِن ْ
(وتعتدّانِ) أي احلرةَ وا َألمَة لوفاةٍ أو غريها وإن كانتا تَحيضانِ (بوضْعِ َحمْلٍ) محلتا
ضعِ عََلقَة.تتصو ُر لو بقَِيتْ ال بِو ْ
ضغَ ًة َّ لصا ِحبِ العِدةِ ولو ُم ْ
[فرع] :يلحَق ذا العِدَّة الوَلدِ إىل أرْبَع سِننيَ مِنْ وقْتِ طَالقِه ال إن أََتتْ بِه َب ْعدَ
نِكاحٍ ِلغَيْرِ ذي العِدَّةِ وِإمْكانِ ألن يكونَ مِنه بأن أَتَت به لستة أ ْشهُر َب ْعدَ نِكاحِه.
صدُقَ) املرأةُ (يف) دعوى (انِقضاءِ عدَّةِ) ِبغَيْرِ أشهر إن (أمكن) انقضاوها وإن (وَت ْ
خالفتْ عِدَّتَها أو َكذَّهبا الزوج ،إذ َيعْسُر عليها إقامَةُ البيَّنة بذلك وألهنا مُؤمتنةٌ على ما
يف رَحِمها وِإمْكان اإلِنقضاءِ بالوالدةِ ستة أشهرٍ وحلظتانِ وباألقراءِ ِلحُرةٍ طُلِّقت يف
ُطهْ ٍر اثنانِ وثالثو َن يوماً وحلظتا ِن ويف حيضٍ سبعةً وأربعو َن يوماً وحلظة.
[فائدة] :ينبغي حتليف املرأة على انقضاءِ العِدَّة (وال يُقْبَلُ دَعْواها) أي املرأة
(عَدمِ انقضائِها) أي العِدَّة (بعد تزوجِ اآلخَر) ألن رِضاها بِالنِّكاحِ يتَضمَّنُ اإلِعترافَ
بانقِضاءِ العِدَّة ،فلو ادعت بعدَ الطالقِ الدخولَ فأَنْكر صدق بيمينه ألن األصْل عدمه
وعلَيْها العِدَّة مؤاخَذَة هلا بِإقْرارِها وإن رَجَعَت وكذَّبَت نفسها يف دعوى الدخول ألن
اإلِنكارَ بعد اإلِقرار غريَ مَقبول.
[فرع] :لو انْقَضت عِدَّة الر ْجعِية مث نَكَحت آخر فادعى مُطَِّلقُها علَيْها أو على
الزَّوجِ الثاين الرجعية قبل ان ِقضْاء العِدَّة فأثْبتَ ذلك ببيِّنة أو مل يُثِْبتْ لكن أقرا :أي
الزَّوجة ،والثاين له به أَخذَها ألنه قد ثََبتَ بالبيِّنة أو اإلِقرارَ ما َيسْتَلْزِم فسادَ النكاح
وهلا عليه بالوَطْءِ َمهْرَ املِثْلِ ،فلو أنكر الثاين الرَّ ْجعَة صَدقَ بيمينه يف إنكارها ألن
النكاحَ وقع صحيحاً واألصل عدم الرجعة أو أقرت هي دون الثاين فال يأخذها لتعلق
143
صمَتِه حق الثاين حىت تبني من الثاين ،إذ ال يقبل إقرارَها عليه بالرَّجعة ما دامَت يف ِع ْ
لتعلق حقه هبا ،أما إذا بانت منه فُتسْلِم لألول بال ع ْقدٍ وأعطت وجوباً األول قبل
بينونتها مهرَ املثلِ للحيلولةِ الصادرةِ منها بينهُ وبني حقهِ بالنكاحِ الثاين حىت لو زال
أخذت املهرَ الرتفاعِ احليلولةِ ،ولو تزوجت امرأة كانت يف حيالة زوج بأن ثبت
ذلك ولو بإِقرارها به قبل نكاح الثاين فادَّعى علَيها األولُ بقاءَ نِكاحِه وأنهُ مل يُطّلقَها
وهي تدّعي أنه طلَّقها وانقضَتْ عِدَّتَها مِنْهُ قبل أن تَنْكِحَ الثاين وال بَيَّنة بالطَّالق
فحلَفَ أنه مل يُطَلِّقها أ َخذَها مِنَ الثاين ألنَّها أقرت لَهُ بالزَّوْجِيَّةِ وهو إقرارٌ صحَيح ،إذ
مل يتفَّقا على الطَّالقِ (وتنقطع عدة) بِغريِ َحمْلٍ (مبُخالَطَةِ) مفارقٍ ملفارقَةٍ (رجعية
فيها) ال بائِنَ ولو ِبخَ ْلعٍ كمخالَطَة الزَّ ْوجِ زوْجَتِه بأن كان َيخْتلي بِها ،ويتمكَّن عليها
طءٌ أم ال فال تَْنقَضي العِدَّة لكن إذا زاَلتِ املُعاشَرةُ
ولو يف الزمن اليسري سواء أ َحصَل وَ ْ
بأن نَوى أنه ال يعودُ إليها كملت على ما مضى ،وذلك لشُْبهَةِ الفِراشِ كما لو
سبُ زَمن اسْتِفراشَهُ عنها بل تنقَطِع من حني اخلِلوْة حِحهَا حائِالً يف العِدَّة فال َي ْ
نَ َك َ
سبُ األوقات املتخللةِ بني حِ
وال يبْطلُ هبا ما مضى فتبين عليه إذا زالَت وال يَ ْ
اخللواتِ( ،و) لكن (ال ر َجعْة) له عليها (بعدها) أي بعدَ العِدَّة باألقْراءِ أو األشْهرِ
على ا ُملعْتَمد وإن مل تَْنقَض عِدَّهتا لكن يلحقها الطالق إىل انقضائها ،والذي رجَّحه
البلقيين أنه ال ُمؤْنة هلا ب ْعدَها .وجَ َزمَ بِه غريه فقال :ال تَوارُثَ بينَهما وال يُحدُّ
ِبوَطْئِها.
[تتمة] :لو ا ْجمَتَع عِدَّتا شخص على امْرأةٍ بأن وطِىءَ مطلَّقته الرَّجعية مُطلقاً أو
البائِنَ ِبشَُبهْةٍ تَكْفي عِدَّةٌ أخرية منهما فتعتدُّ هي من فراغ الوَطْءِ وتْن َد ِرجُ فيها بقيَّة
األوىل فإِن كرر الوَطْءَ استَأَْنفَت أيضًا لكن ال رَ ْجعَة حيث مل يَبْقَ من األوىل بقيةً.
[فرع] :يف حكمِ اإلِسترباءِ و ُهوَ شَرْعاً تَرَبُّصٌ ِبمَنْ فيها رِقٌّ عند وجودِ سبَب مما
يَأيت للعِلم برباءة رَمحِها أو للتعبُّد( .جيب اسْتِبْراء) ِلحَلَ ُّمتتعٍ أو تزويج (مبلك أمَة) ولو
سمَةِ أو اختيارِ مُعتدَّةٍ بشراءٍ أو إرثٍ أو وصيةٍ أو هبةٍ مع قبضٍ أو سيب بشَرْطِهِ من ال ِق ْ
متلُّك (وإن تَيقَّنَ براءَة رَحِم) َكصَغريةٍ وبكرٍ وسواء أملكها من صيب أم امرأةٍ أم من
جبُ فيما ذكر بالنسبة لِحل التَمتُّع (وبزَوالِ فِراشِ) له (عنْ باِئعٍ اسْتَربأها قبل البيع فَي ِ
أمَةٍ َموْطُو َءةٍ) غري ُمسْتَولدَةٍ (أو ُمسْتَولَدَةٍ ِبعِتْقها) :أي بإِعْتاق السيِّد كل واحدةٍ منهما
أو موتِه ال إنْ اسْتربأ قبيل إِعْتاقِ غري ُمسْتَوَلدَةٍ ممن زالَ عنها الفَراش فال جيب بل
تَتَزَّوجُ حاالً .إذ ال تشبه هذه منكوحة خبالفِ ا ُملسْتَولَدة( .و) َيحْ ُرمُ بل (ال َيصِحُّ
تزويجُ َموْطُوءَتِه) أي املالِك (قبل) ِمضِي (إِسْتِبْراء) حَذَر من اختِالَطِ املاءَين أما غري
َموْطُوءَته فإِن كانت غري َموْطو َءةً إلِحَد فله تزوجيَها مطلقاً أو موطوءة غريه فله
تزوجيها ممن املاء منه وكذا من غريه إن كان املاء غري حمترم أو مضت مدة اإلِسترباءِ
منه .ولو أَعتقَ موطوءتَهُ فلهُ نِكاحَها بال استرباء (وهوَ) أي اإلِسترباء (لذاتِ أقْراء
حيضة) كاملةً فال تكفي بقيتها املوجودة حالة وجوب اإلِسترباء ولو وطئَها يف احلَيْضِ
َفحَبَلَت مِنْه ،فإِن كان قَبل مضِي أقَلِّ احلَيْض انقَ َطعَ اإلِسْتِبْراء وبقي التحْرمي إىل
ضعِ كما حَبِلَت من وَطْئِهِ وهي طاهِرَة وإِنْ حَبلَت بَعد مضِي أقله كفى يف الوَ ْ
اإلِسْترباءِ ملضِي حَيضٍ كاملٍ هلا قبل احلمل (ولذات أشهرٍ) من صغرية أو آيسة (شهر
وحلامل ال تعتد بالوضع) أي بوَضع احلمل وهي اليت محلها من الزنا أو املسبِّية احلامل
أو اليت هي حامل من السيد وزالَ عنها فراشه بعتق سواء احلامل املستولدة وغريها
(وضعه) أي احلمل.
[فرع] :لو اشْتَرى حنو وثنية أو مرتدةٍ فحاضَت مث بعد فراغِ احلَيضِ أو يف أثنائه
ومثله الشهر يف ذات األشهر أسلمت مل يكف حَْيضَها أو حنوه يف اإلِسترباء ألنه ال
144
يستعقب حلّ التمتع الذي هو القصد يف اإلِسْتِبْراء (وتصدق) ا َملمْلوكة بال ميني (يف
ضتُ ألنه ال يعْلَم إال مِنْها (وحَ ُرمَ يف غريِ مسْبِيَّة متتُّع) ولو بنحو نظرٍ بشهوةٍ قوهلا) ح ْ
ُحرمِ والحْتِمالِ أنَّها حامِلٌ حبرَ فال ومَسّ (قبل) متام (اسْترباءٍ) ألدائِه إىل الوَطْءِ امل َّ
يصِح حنو بَيْعها نعم حتل له اخلَلوَةُ هبا ،أما يف املسبيَّة فيحْ ُرمُ الوَطْءُ ال االستمتاع بغريهِ
من تقبيلٍ ومسّ ألنه مل حيرم منها غريه مع غلبة امتدادِ األعنيِ واأليدي إىل مسِّ اإلِماءِ
سيما احلِسانِ ،وألنَّ ابْنَ عمر رضِي اهلل عنه قبَّل َأ َمةً وقعَت يف َس ْهمِه من سَبايا
أوْطاس ،وأَحلقَ املاوردي وغريه باملسْبِيَّة يف حل اإلِستمتاع بغري الوطء كل من ال
ميكن محلها كصبية وآيسة وحامل من زنا.
[فرع] :ال تصري أمة فراشاً لسيدها إال بوطء منه يف قُبلها ويعلم ذلك بإِقرارِهِ بهِ
حقَهُ وإنْ ملْ يعْتَرِفْ بِه. أو ببينة ،فإِذا ولدت لإلِمكان من وطئه ولداً َل ِ
جبُ) املد اآلتِي وما عَطفَ عليه (فصل) :يف النفقة من اإلِنْفاق وهوَ اإلِخْرِاجُ (َي ِ
ع بِها ومن َنقَلَها إىل حيث شاءَ عَند (لِ َزوْجَةٍ) أو َأمَةٍ ومَرِيضَةٍ (مكَّنت) مِنَ اإلِسِْتمْتَا ِ
صدِ ولو بِركوبِ بَحرٍ غَلَبَتْ فيه السَالمة ،فال جتب بِال َع ْقدِ خالفاً أمْن الطريقِ واملقْ َ
صدُقُ هو بيمينِه يف َعدَم التمكنيِ وَهيَ يف جبُ بالتَّمكنيِ يوماً فيوْماً وَي ْ للقدمي وإمنا َت ِ
َّمتعَ بِها ولو مِن بَعْضِ الوْجِوهِ َع َدمِ النُّشوزِ واإلِْنفَاقِ عَلَيها ،وإذا مَكَّْنتَ مَنْ ُيمْكِنِ الت ُّ
الز ْوجُ ِطفْالً ال ميكِنُ جِماعُه :إِذ ال مَْنعَ مِن ِجهَتِها وإنْ وَجََبتْ مُؤنَها ولو كانَ َّ
الصغَرِ كرِتْق أو مَرَضٍ أو جنونْ ،ال إن َعجِزت طءٍ ِبسَبب غري ِّ َعجِزَت عَنْ وَ ْ
الزوْج. بالصغر ،بأن كانت ِطفْلَةً ال َتحَْتمِلُ الوَطْءَ فال َن َفقَة هلا وإن سَلَّمها ال َولِيُّ إىل َّ
حَتمِلَهُ ويثُْبتُ ذلك بإِقرارِهِ وِبشَها َدةِ إذ ال ميكنُ الَتمَتُّعَ بِها كالنَّاشِزَة ،خبالف من َت ْ
البيِّنة به أو بأهنا يف غيبَتِه باذلةً للطَّاعة مُال ِزمَةً للمسْكَنِ وحنو ذلك وهلا مطالَبتِه بِها إن
جبُ هلا ما ُذكِرَ ما عدا آلة أرادَ سفَراً طَويالً (ولو ر ْجعِيَّةً) وإن كانتْ حائِالً أَي يَ ِ
التنظيف لِبقَاءِ حَبْسه هلا وُق َدرَتِه على التَّمتُّع هبا بالرَّجْعة و ِإلمْتِناعَه عَنْها مل َيجِب هلا
آلة التَّنظيف ويُسقِط مُوءْنَتهَا ما ُيسْقِط مُوءْنة الزَّوجة كالنشوزْ وتَصدقُ يف قَدْرِ
أَقرائِها بيمنيٍ إن كذهبا وإال فال ميني ،وجتب النفقة أيضاً ملطلقةٍ حاملٍ بائنٍ بالطالقِ
الثالثِ أو اخلَلْع أو ال َفسْخِ بغريِ مقارنٍ وإنْ ماتَ الز ْوجُ قبلَ ال َوضْع ما مل تَْنشُز ولو
أنفق بظنه فبان عدمَهُ رجع عليها أما إذا بانَت احلامِل مبوته فال َنفَقة ،وكذا ال نفقة
ِدةِ شُْبهَة بأن وَطَِئتْ ِبشُْبهَة وإن مل َتحْبَل إلِنتفاءِ التمكني .إذ يُحالُ لزوجة تَلبَّست بع َّ
حوِ زوجةٍ ممن مَرَّ (مُدَّ طعام) من غالبِ بَينَهُ وبيْنَها إىل انِقضاءِ العِدَّة ،مث الوا ِجبُ لَن ْ
قوتِ حملِّ إقامَتِها ال إقامَتَهُ ويَ ْكفِي َد ْفعُه من غريِ إجيابٍ وقُبولٍ كالدَّينِ يف الذِّمة .قال
صدَ األداءِ ،خِالفاً البنِ املقري شيخنا :ومِنْهُ يؤْ َخذُ أن الوا ِجبَ هنا ع َدمِ الصَّارِف ال قَ ْ
ومن تَِبعَهُ (على معسر) ولوْ ِب َق ْولَه ما لَم يَتحقَّق له مالٌ و ُهوَ منْ ال يَملِكَ ما ُيخْ ِر َجهُ
سبٍ وا ِسعٍ (و) على ( َرقِيق) ولو مُكاتِباً عَنِ ا َملسْكََنةِ (ولو مُكَْتسِباً) وإن َق ِدرَ على ك ْ
وإن كثُرَ مالَهُ (ومُدَّانٍ على موسِر) وهو من ال يَر ِجعُ بتَكليفهِ مُدينِ ُمعْسِراً (و ُمدَ
ونصفٍ على متوسط) وهو من يرجع بذلك ُم ْعسِر ،وإمنا جتِب النَّفقةُ وقْتَ طُلوعِ
َفجْرِ كل يَومٍ في َومٍ (إنْ َلمْ َتؤْاكِلْهُ) على العادَةِ بِرِضاها وهِيَ رَشِيدَةٌ ،فَلَوْ أَكََلتْ َم َعهُ
صدُق هي يف َق ْدرِ ما َأكَلَتْهُ ولوْ دونَ الكِفايَةِ وَ َجبَ لَها تَمامَ الكِفايَةِ على األوْجَه ،وَت ْ
كلفَها مؤاكَلَتَهُ من غَيْرِ رِضاها أو وَاكَلَتْهُ غري رَشِيدَةٍ بال إذنِ ويلّ فال تَسقطُ نَفقتَها
بِه ،وحينئذٍ هو مُتَطوِّع فال رُجوعٌ له مبا َأكَلَْتهُ ،خالفاً للبلقيين ومن تَب َعهُ ،ولو زَ َع ْمتَ
صدَقَ بيمينهِ على األوْجَه .ويف شرح املنهاج :لوْ أَنهُ مُتَطوِّعٌ َوزَ َعمَ أَنَّه مُؤدّ عن النَّفقة َ
أضافَها رَجُلٌ ِإكْراماً لَهُ سَق َطتَ َن َفقَتها ويُكلَّفُ مَنْ أرادَ سفراً طَويالً طالقَها وتَوكيلَ
من يُْنفِقَ علَيها من مالٍ حاضرٍ وجيب ما ذكر (بأُدْم) أي مع أُدْم اعتيدَ وإن مل تأكله
145
َدرَهُ قاضٍ باجتها ِدهِ مُفاوِتاً يف سمْنٍ وزَْيتٍ وتَمْرٍ ولو تنازعا فيه أو يف اللَّحم اآليت ق َّ كَ
َق ْدرِ ذلك بني املوسِرِ وغريِهِ ،وتقدير احلاوي كالنصّ بأوقية زَيْت أو َسمْنٍ َتقْريبٌ
سبِ يَسارِهِ وإِعْسارِهِ وإن مل تَأكُله أيضاً ،فإِن جبُ أيضاً لَحمٌ اعتيد قدراً ووقتاً َحب َ وَي ِ
جل ُمعَةُ والثُّالثاءِ والنصُّ جلمُعة أو مرّتني فا ُ اعْتيدَ مر يف األسبوع فاألوىل كونه يومُ ا ُ
اللحْم حمٍ يف األسْبوعِ على امل ْعسِر ورَطْالنِ على املوسِر َمحْمولٌ على ِقلَّةِ َّ أيْضاً رَطْلُ َل ْ
اللحْم سبِ عادة احملل ،واألوجه أنه ال أدم يوم َّ يف أيامِه مبصر فَيُزَادُ ِبقَدرِ احلاجَةِ ِبحَ َ
إن كَفاها غِذاءً وعَشاءً وإال وَ َجبَ (و) مع ( ِملْحٍ) وحَ َطبٍ (وماءِ شُرْبٍ) لِتَوقف
احلَياةِ عَلَْيهِ (و) مَع (مُوءْنَةٍ) كأُجْرَة َطحْنٍ وعَجنٍ وخبزٍ وطَبْخٍ ما مل تَكُنْ مِنْ قَومٍ
اعْتادوا ذلك بأْنفُسِهم ،كما جَ َزمَ بِهِ ابن الرِفعة واألذرُعِي ،وجَزَم َغريَهُما بأنه ال فَرْقَ
صعَةٍ وكوزٍ وجَرةٍ وَق ْدرٍ و َمغْ َرفَةٍ وإِبْريقٍ منْ (و) َمعَ (آلةٍ) لِطَبْخٍ وَأكْلٍ وشُرْبٍ ك ِق ْ
جبُ من نُحاسٍ وصيين وإن كانت شَريفة (و) جيب خَشبٍ أو خَزَفٍ أو َحجَرٍ ،وال َي ِ
ضخَامَة.سوَةٌ تَكْفيها طوالً و َ هلا على الزَّوجِ ولو ُم ْعسِراً أَوَّ َل كُلِّ سَِّتةِ أ ْشهُ ٍر ِك ْ
فالواجبُ (قَميصٌ) ما ملْ تَكُنَ ممَّن اعَْتدْنَ اإلِزارَ والرِّداء فَيجَبان دوَنهُ على ا َألوْجَه
(وَإِزارٍ) وسَراوِيلَ (وخِمارٍ) أي مقْنَعةً ولو َألمَة (ومِكْ َعبَ) أي مَا يُلْبَس يف رِجلها
ويُعتربُ يف نوعه عُرفُ بلدها .نعم قال املاوردي إن كانت ممن يعتَدنَ أن ال يَلِبسْنَ يف
أرجلهنّ شيئاً يف البيوت ال جيب ألرجلها شيء وجيب ذلك هلا (مع حلافٍ للشتاء)
حشُوةً .أما يف َغريِ وَ ْقتِ يعين وقت الربدِ ولو يف غري الشتاء ويزيد يف الشتاء جُبّةً َم ْ
البَردِ ولو يف وقتِ الشتاءِ يف البِالدِ احلارة فيَجبُ هلا رداءٌ أو حنوه إن كانوا ممن
يعتادون فيه غطاءً غريَ لِبا ِس ِهمْ أو ينامون عرايا كما هو السُّنَّة ،فإِن مل يعتادوا لن ْومِهم
ضهُم ،وخيْتَلِفُ غطاءً مل جيب ذلك ولو اعتادوا ثوباً للنَّوم وجب ،كما جَ َزمَ به بع َ
حوِ تَكَّةِ سَراويلَ جبُ عَليه تَوابعُ ذلك من َن ْ سوَةُ وَضِدَّها بِيَسارِهِ وَضِدَّهُ وَي ِ جودَةُ ال ِك ْ
وزرَ حنو قميصٍ وخيط وأجرة خياطٍ وعليه فراشٌ لنوَمها َو َمخَدَّة ولو اعتادوا على
السرير وجب.
سوَة اليت ال تدوم سنة بأن تعطاها كلُّ سَِّتةِ أشهر مِنْ جدِيدُ ال ِك ْ [فرع] :جيبُ َت ْ
كلِّ سنَة ،ولو تَلِفَت أَثْناءَ الفصْل ولو بال َت ْقصِريٍ مل يَجبِ َتجْديدَها ،ويَجبُ كونَها
جَديدَةً (و) هلا عليه (آلة تُنظِّف) لِبَدهنا وَثوْهبا وإن غاب عنها ،الحتياجَها إليه
كاألدم ،فمنها سِ ْدرٌ وحنوه (كمشْط) وَسِواكٍ وخِاللٍ (و) عليه (دِهْنٌ) لِرَأسِها وكَذا
لَِبدَنِها إن اعْتِيدَ من شَيْرجَ أو مسنٌ فيجب الدَّهنُ كل أسبوع مرة فأكثر حبسب
العادة ،وكذا دهنٌ لسِراجِها ولَيْسَ حلامِل بائ ٍن ومَ ْن َزوْجُها غاِئبٌ إال ما يُزيلُ الشَّعثَ
جبُ عليه املاءُ لل ُغسْلِ الوا ِجبِ ِبسَبَبِهِ َك ُغسْلِ جِماعٍ ونفاسٍ والوَسَ َخ على املذ َهبِ وَي َ
ال حيضٍ واحْتِالمٍ و َغسْل نَجسٍ وال ماء وضوءٍ إال إذا نقضه بلمسه (ال) عليه (طيبٌ)
إِالَّ ِلقَ ْطعِ ريحٍ كريهٍ وال ُكحْلٍ (ودواءٍ) ملرضِها وأجْرةِ طَبيبٍ ،وهلا طعامُ أيامِ املرض
وأُدمُها وكِسوَتِها وآلة تنظفها وتصرفه للدوا ِء وغريه.
سوَةِ
[تنبيه]َ :يجِبُ هلا يف مجيع ما ذكر من الطعام واالدم وآلة ذلك وال ِك ْ
والفَرْش وآلة التَّنظِيفِ أن يكون متليكاً بالدَّفع دونَ إجيابٍ وقبولٍ ومتلكه هي بالقبضِ
س ُقطَ بِمضِيِّ الزَّمان فال جيوز أخذهُ مِنهَا إال برِضاها أما املسْكَنُ فيكون إمْتاعاً حىت َي ْ
ألنه ِلمُجرَّدِ االنتفاعِ كاخلادم وما جُعِلَ تَمليكاً يَصريُ ديْناً مبضِيِّ الزَّمانِ ويُعتاضُ عَنْهُ
وال َيسْ ُقطُ ِب َموْتٍ أثناءَ ال َفصْل( ،و) لَها (عليهِ َمسْكَنٌ) تأمنُ فيه لو خرج عنها على
نفسها وماهلا وإن قَلَّ للحاجَةِ بل للضرَّورة إليه (يليقُ هبا) عادة وإن كانت ممن ال
يعتادون السكْنَى (ولو مُعاراً) ومُكْتَرى .ولو سَكن مَعها يف منزهلا بإِذهنا أو المْتِناعِها
من النقلةِ مَعهُ أو يف منزلٍ منحو أبيها بإِذنِها مل يَلزَمْهُ أُجْ َرةً ألن اإلِذن العرى عن ذكْرِ
146
الع َوضِ ينزِل على اإلِعارَة واإلِباحَة( ،و) عليه ولو معسراً ،خالفاً جلمع ،أو قِنًا
(إخدام حرَّةٍ) بوا ِحدَةٍ ال أكثر ألنه من املُعاشَرَةَ باملعروفِ ،خبالفِ ا َألمَة وإن كان
َجميلة (ختدِم) أي خيدم مثلها عادة عند أهلها ،فال عربة بتَرفِهها يف بيت زَوْجِها ،وإمنا
جبُ عليه اإلِخدامُ ولو حبرَّة صحبتها أو مستأجَرةٍ أو َمبحْرمٍ أو مَملوكٍ هلا ولو عَبْداً َي ِ
أو ِبصَيب غري مراهِقٍ ،فالوا ِجبُ للخا ِدمِ الذي عيَّنه الزوجُ مُدُّ وثلث على موسرٍ ،ومدّ
سوَةٍ أمثال اخلادم من قيمصٍ وإزارٍ و َمقْنَعةٍ ،ويُراد للخا ِد َمةِ على معسر ومتوسطٍ مع ِك ْ
جبْ حفَةٌ إذا كانت خترجُ وإن كانت قِنَّةٌ اعتادت كشفَ الرأس ،وإمنا مل َي ِ خُفٌّ ومِل َ
حفَةَ للمخدومَةِ ،على ا ُملعَْت َمدِ ألن له مَْنعَها مِنْ اخلَروجِ واالحْتياج إليه اخلُفَّ واملِ ْل َ
حوِ احلمام نادر. لَِن ْ
حمْلِ املاءِ لل ُمسَْتحِمِّ [تنبيه] :ليس على خادمها إال ما خيصُّها وحتتاجُ إليهَ .ك َ
والشُّرْبِ وصَبِّهِ على َبدَنِها و َغسْل خَرقِ احلَيْضِ والطَْبخِ ألكْلها أما ما ال خيُصَّها
الز ْوجِ ،فيوفيهِ كالطَّبْخِ َألكْلِه و َغسْلِ ثِيابهِ فال جيب على وا ِح ٍد مِْنهُما بل هُوَ على َّ
بَِن ْفسِهِ أو بغريه.
[مهمات] :من شَرح املِنْهاجِ لشيخنا :لو اشْتَرى حلِياً أو ديباجاً لِ َزوْجَتِهِ وزَيَّنها
به ال يَصريُ مُلْكاً هلا ِب َذلِكَ ،ولو اخْتَلَ َفتْ هِيَ والزَّ ْوجُ يف اإلِهِداءِ والعارِيَةِ صدَّقَ ومَثََلهُ
وارِثَه ،ولو جَهَّزَ بِنْتَهُ بِجهازٍ مل َت ْملِكَهُ إال بإِجيابٍ وقبولٍ والقولُ قوله يف أنَّه مل
الز ْوجُ صُلحَةَ أو صَباحِيَّة ،كما اعتيد ببعضِ َيمْلِكْها .ويِؤ َخذُ مِمِا َتقَرَّر أنَّ ما ُيعْطِيهِ َّ
صدٍ إهداء ،خالفاً ملا مرّ عن فتاوى احلناطي وإفتاءً غَيْرَ البالد ،ال متلكه إال بلفظٍ أو ق ْ
واحدٍ بأنهُ لَوْ أعْطاها مَصروفاً للعُرس ودفعا وصباحِيَّةً فَنَشزَت استَرَدَّ اجلميعُ غَري
صحيح ،إذ التقييد بالنُّشوزِ ال يتأتَّى يف الصَّباحيةِ ملا قرَّرته فيها أهنا كالصُّلحة ألنه إن
تلفط بإِهداء أو قصده مَلَكَتْهُ من غري جهة الزَّوجِيَّة ،وإال فهو مُلْكَهُ وأما َمصْروفُ
العُرْسِ فليسَ بواجبٍ فإِذا صرفته بإِذنهِ ضاعَ عَلَيْهِ ،وأما الدفعَ ،أي املهر ،فإِن كان
ستَرَدُّ بالنشوز( .وتسقط) املؤنْ كلها قبلَ الدخولِ استردَّه ،وإال فال لتقرره به فال ُي ْ
(بنشوزٍ) منها إجْماعاً :أي خبروج عن طاعة الزوج وإن مل تأمث كصغريةٍ وجمنونةٍ
سوَةُ ذلِكَ ال ُفصْلُ ومُكْرَهةٍ (ولو ساعةٍ) أو ولو حلظةٍ فتسقُط َنفَقةُ ذلِكَ الَيوْهم و ِك ْ
والَ تُوزَّع على زماين الطَّاعَة والنشوزْ ،ولو ُجهِلَ سُقوطَها بالنشوزِ فأنفق ر َجعَ عليها
إنْ كان مِمَّن َيخْفى عليه ذلك ،وإمنا مل يَرجع من أنْفق يف نكاحٍ أو شراءٍ فاسدٍ وإنْ
ضمَن املُوءْنَ ِب َوضْع الَيدِ وال كذلك ههنا، َجهِلَ ذلك ألنه شرع يف َع ْقدَهُما على أن َي ْ
وكَذا من وقع عليه طالقٌ باطناً ومل َيعْلم به فأْنفَقَ مُدَّةً مث عَِلمَ فال يَرجع مبا أنف َقهُ
على األوجه وحيصل النشوزُ (مبنعِ) الزَّوجَةِ الزَّووَ (من متتع) َوَلوْ بنَحو َلمْس أو
ِبمَوضِع عَيْنِه (ال) إنْ مََنعَتْهُ عنه (لعذر) كَكِبَر آلَتِه ِبحَْيثُ ال َتحَْتمِلُهُ ومَ َرضٌ بِها َيضُرُّ
معه الوَطْء وقَ ْرحٌ يف فَرْجِها وكََنحْو حَيْضٍ ،ويَثُْبتُ ِكربَ آلَتِه بإِقرارِهِ أو بِرَجُلَيْنِ من
ُحرمٍ أو رجالِ اخلِتانِ وحيتاالنِ النْتشارِ ذكَرهُ بأيّ حيلةٍ ،غري إيالجِ ذكَرِه يف فرج م َّ
دبر أو بأربع نسوة فإِن مل يُمكِن َمعْرفتهُ إال بنظرِهنَّ إليهما مكشويف الفرجني حال
انتشار عضوه جاز ليشهدن.
[فرع] :هلا منع التَّمتُّع ِلقَبْض الصَّداقَ احلالَّ أصالةً قبل الوَطْءِ بالغةً خمتارةً .إذ هلا
س ُقطَ الَن َفقَة بذلك ،فإِن مَنَعتْ لقبضِ الصداق ا ِإلمْتِناع حينَِئذٍ فال َيحْصل النشوزُ وال َت ْ
املؤجَّل أو بعد الوَطْءِ طاِئ َعةً فتسقُط فلو مََنعَتْه لذلِك بعد وَطْئِها مُكْرَ َهةً أو صغريةً ولو
بتسليم الوَيلِّ فال .ولو ادَّعى وَطْأَها بَتمْكينِها وطََلبَ َتسْليمَها إليه فأنَكَرته وامْتََنعَت
صدقَتْ (وخروجٌ من مسْكن) أي املَحلِّ الذي رضي بإِقامَتِها فيه ولو مِنَ َّالتسْليمِ َّ
بَيْتَها أو بَْيتِ أبيها ولو لعيادَةٍ وإن كان الزوجُ غائِباً بتفصيله اآليت (بال إذنٍ) مِنْهُ وال
147
ظَنَّ لرضاهُ فخروجَها ِبغَيْرِ رضاه ولو لزيارَةِ صاحلٍ أو عيادةٍ غريَ ُمحْ ِرمٍ أو إىل جملسِ
ذكرِ ِعصْيانٍ ونُشوزٍ وأخذ األذرعي وغريه من كَالمِ اإلِمام أن هلا اعتمادُ العُرْفِ
الدالّ على رضا أمثالِه مبثل اخلروج الذي تريده قال شيخنا :وهو ُمحْتَمل ما مل تعلَم
مِنه غريه َتقْطَعه عن أمثالِه يف ذلك.
ضعَ مِنْها إذا أَشْرَفَ البيتُ على اإلِنْهدامِ ،وهل [تنبيه] :جيوزُ هلا اخلروجَ يف مَوا ِ
يكفي قوهلا َخشَْيتُ اهنِدامَه أو ال بدّ من قرينة تدل عليه عادة؟ قال شيخنا :كل
حمتمل ،واألقرب الثاين .ومنها إذا خافت على نفسها أو ماهلا من فاسقٍ أو سارقٍ،
ومنها إذا خرجت إىل القاضي لطلب حقِّها منه ،ومنها خروجها لتعلم العلوم العَيْنِيَّة
حوِ َمحْ َرمِها ،فيما اسْتَ ْظهَرَهُ شيخنا، أو لإلِسِْتفْتَاءِ حَيْثُ مل ُيغْنِها الزَّوجُ ِّالثقَةَ أو َن ْ
الز ْوجُ، سبٍ إذا أَ ْعسَرَ َّ ومِنْها إذا خَرَجْت الكْتِسابِ َن َفقَةٍ بتجارةٍ ،أو سُؤالٍ أو َك ْ
ومِْنهَا إذا خَرَ َجتْ على غَيْرِ وَجْهِ النُّشوزِ يف غيبَةِ الزَّوجِ عَنِ البََلدِ بال إذْنِه لِزيارَةٍ أو
عِيادةِ قريبٍ ال أجْنَيب أو أجْنَبِيَّةً على األوجَهْ ألن اخلروج لذلك ال ُيعَدُّ نُشوزاً عُرْفاً.
قال شيخنا :وظاهِرٌ أنَّ َمحَلَّ ذلِكَ إنْ مل َيمَْنعْها مِن اخلُروجِ أو يُرسِلْ إليْها باملِْنعِ
(وبَسفَرِها) أي خبروجِها وحْدها إىل حملّ جيوز ال َقصْرُ منْهُ للمسافِرِ ولو لزيارة أبوَيْها
أو للحَجِّ (بِال إذنٍ) مِنْه َولَو ِلغَ َرضِهِ ما لَم َتضْطَرُّ كَأَنْ جَال َجمِيعَ أَهْلِ البَلدِ وََبقِيَ مَنْ
سقُط املُو ْءنُ على األظهر ال تَ ْأمَن َمعَهُ (أو) بإِذنِه ولكِنَّ (ِلغَ َرضِها) أو ِلغَرضِ أجْنَيب فََت َ
لعدم التمكنيِ ،ولو سافَرَتْ بإِذْنِهِ ِلغَ َرضِهما معاً فمقتضى املرجَّح يف األَيْمانِ فيما إذا
قَالَ لِ َزوْجَتِهِ إن خَرَ ْجتِ لِغري احلمَّام فأنتِ طالِقٌ فخر َجتْ هلا ول َغريِها أهنا ال تَطْلق
سفَرِها (معه) أي عدم السقوط هنا لكن نصُّ األمِّ واملختصر يقتضي السقوطُ (ال) ِب َ
سفَرِها بإِذنِه حلَاجَتِه ولو َمعَ حاجَة غريِه فال تسقط الز ْوجُ بإِذنِهِ وَلوْ يف حاجَتِها وال بَ َ َّ
املؤن ألهنا ممكنة وهو ا ُملفَوِّتُ ِلحَقِّهِ يف الثانية .ويف اجلواهِر وغريها عن املاوردي
جبْ النَّفقَة إال إِن كانَ يََتمََّتعُ بِها يف زَمنِ اإلِمتِناع وغريهُ لو امْتََن َعتْ من َّالنقَلة َمعَهُ مل َت ِ
فتجبُ ويصريُ متتعهُ هبا َعفْواً عن النَّقلةِ حينئذٍ .انتهى .قال شيخنا :وَقضِيَّته جَرَيانُ
س ُقطُ املُؤنُ أيضاً بإِغْالقِها البابَ يف ذلِكَ يف سائِرِ صورِ النشوزِ وهوَ مُحْتَمل .وََت ْ
وَجْهه وبدَعْواها طَالقاً بائناً كذباً ،ولَيْسَ مِنَ النشوزِ شَْتمُه وإيذاؤه باللِّسانِ ،وإن
استحقَّت التَّأديب.
[مهمة] :لو تَزَوجتْ َزوْجَةُ املفقودِ غ َريهُ قَبْلَ احلُ ْكمِ ِبمَوتِه َسقَ َطتْ َنفَقتُها وال
تَعودُ إال بِع ْلمِه عودَها إىل طاعَتِه َبعْد التَّفريقِ بينَهما.
للزوْج مَنْعها مِنَ اخلروج من املنزل ولو َملوْتِ أ َحدِ أَبَويْها أو [فائدة] :يَجوزُ َّ
شْهودِ جَنَازَتِه ،ومن أن َتمَكُّنٍ من دُخولِ غري خادمَة واحدةٍ ملنزلِه ولو أبَويْها أو ابْنِها
من غَريه ،لكنْ يُكْرَهُ مَْنعُ أبَويْها حْيثُ ال ُع ْذرَ ،فإِن كانَ املسْكَنُ مِلْكَها ملْ مينَع شيئاً
من ذلِكَ إال عِْندَ الرِّيبة.
[تتمة] :لو نَشَزَتْ باخلرُوجِ مِنَ املنزلِ فغابَ وأطا َعتْ يف غيبتِهِ بِنَحو َعوْدِها
ُد مِنْ جبْ مُوءْنَها ما دامَ غائِباً يف األصَحِّ لِخرُوجِها عَن قَبضَتِهِ فال ب َّ للمنزِلِ مل َت ِ
حقَاقِ أنْ يَكُْتبَ َسلمٍ وال يَحصُالنِ مع الغيبَة ،فالطَّريق يف َعوْدِ االسِْت ْ تَجديدِ َتسْليم وت ُّ
احلا ِكمُ إىل قاضي بََلدِه ليُثْبَت عوْدَها للطَّاعة عنده .فإذا عَلِم وعادَ أو أرْسَلَ من
حقَاقُ ،وَقضية قولِ الشافعي يف القدمي يَتَسلَّمها له أو تَركَ ذلك ِلغَيْر عذرٍ عادَ االسِْت ْ
أن النفقةَ تعودُ عنْدَ َعوْدِها للطَّاعَة ألنَّ املو ِجبَ يف القَدمي العَ ْقدُ ال التَّمكنيُ .وبه قال
س ِقطِ ،وَأ َخذَ مِْنهُ
مالكَ .وصَرَّحوا أَنَّ نُشوزَها بالرِّدةِ يزولُ بإِسْالمِها مُطْلقاً لِزوالِ ا ُمل ْ
األَذرعي أهنا لو نَشزت يف املنزل ومل خترُج مِنه كأنْ مَنعَتْهُ َن ْفسَها فغابَ عَنْها مث
عادَت للطَّاعة عادَتَ َن َفقَتها مِن غَيْرِ قاضٍ وهو كذلك على األصَحِ ،ولو الَْتمَسَت
148
زوجة غائبٍ مِنَ القاضي أن َيفْ ِرضَ هلا فرضاً عليه اشترط ثبوتَ النِّكاحِ وإِقامَتَها يف
َمسْكَنِه وحَلفَها على استِحقاقِ النَّفقةِ وأنَّها مل َتقْبضْ مِنْهُ نَ َف َقةً مدَّةً مُستقبلةً فحينئذٍ
ُيفْ َرضُ هلا عليه َن َف َقةَ ا ُمل ْعسِر إال إن ثَُبتَ يَسارُه.
[فرع] :يف فَسْخِ النِّكاح :وشرْع دفعاً لضرر املرأة يَجوزُ (لِ َزوْجَةٍ مُكََّلفَةٍ) أيْ
بالغةً عاقلة ال لويل غريَ مكلفةً (فسخَ نِكاحِ من) أي َز ْوحٍ (أ ْعسَرُ) ماالً و َكسْباً الئقاً
جبُ َكقَميصٍ وخِمارِ وَجُّبةِ سوَةٌ) تَ ِ
جبُ وهو مَدٌّ (أوْ) أقلُّ ( ِك ْ بِه حَالالً (بأقلِّ َن َف َقةٍ) َت ِ
خدّ ٍة واألواينَّ ِل َع َدمِ َبقَاءِ َّالنفْسِ بدوِن ِهمَاشِتاء ،بِخالفِ نَحوِ سَراويلَ وَنعْلٍ وفَرْشٍ و ِم َ
سغْ القوتُ وال بَن َفقَةِ اخلا ِدمِ وال بال َعجْزِ عن َّالن َفقَةِ فال َفسْخَ باإلِ ْعسَارِ باألَ َدمِ وإن مل َي ُ
املاضية كَن َفقَةِ األَمْسِ وما قبْلَهُ لِتَنزيلِها مَنْ ِزلَةَ دينٍ آخر (أو) أ ْعسَر (مبسكن) وإن مل
َيعْتَادُوهُ (أو) أ ْعسَر ( َمبهْرٍ) وا ِجبٍ حالّ مل َتقْبِض مِنه شيئاً حال َكوْنِ اإلِعسِارِ بِه (قبلَ
وَطْءِ) طاِئعَةٍ فََلهَا ال َفسْخُ لل َعجْزِ عَنْ َتسْلِيمِ الع َوضِ مع بقاء املعوض حبالِه وخيارِها
جهْلٍ وال سقُط ال َفسْخُ بِتَأخريِه بال ُع ْذرٍ كَ َ الرفْعَ إىل القاضي فوريٌّ فَي ْ حينئذٍ َع ْقبَ َّ
َفسْخَ ب ْعدَ الوَطْء لِتَلَفِ املُع َوضِ بِهِ وصَيْرورَةِ العِ َوضِ ديناً يف الذِّمة ،فلو وَطِئَها مُكرَهة
فلَها ال َفسْخُ َب ْعدَهُ أيضاً .قال بعضهم :إال إن سلَّمها الوَيلُّ له وهي صغرية بغري مصلحة
فتحْبسُ َن ْفسَها مبجردِ بُلوغِها فَلها ال َفسْخُ حِينَِئذٍ إن عَجَزَ عَنْه ولو بَعدَ الوَطْءِ ألن
ضتُ بَ ْعضَهُ فال َفسْخَ هلا على ما أفْتَى به ابن الصالح وجودَهُ هُنا َك َعدَمه .أما إذا قََب ْ
واعتمد ُه األسنوي والزركشي وشيخنا ،وقال البارزي كاجلوهري هلا الفسخ أيضاً
واعتمده األذرعي.
[تنبيه] :يتحقَّقُ ال َعجِزُ عما مر بغيبَةِ مالهِ ملسافةِ ال َقصْرِ ،فال يَلْزَمُها الصَّرب إِال إن
قال أحضِر مدَّة ا ِإلمْهالِ أو بِتَأجيل دينِه ِب َق ْدرِ مدَّةِ إحْضارِ مالِهِ الغاِئبِ مبسَافَة ال ِقصَرِ
الزوْجةُ ألنَّها يف حالة اإلِعْسارِ ال َتصِلُ حلقِّها وال ُعسْرُ أو بِحلوله َمعْ إِعسارِ املَدينِ ولو َّ
مَنْظَرٌ وِب َعدَم وجْدانِ املُكَْتسِب من يَسْتَعمِلَه إنْ غَلبَ ذَلك أو بعروضِ ما َيمَْنعَهُ عَنِ
سبِ. الكَ ْ
[فائدة] :إذا كانَ للمَرْأة على زوْجها الغائب دينٌ حالٌ من صَداقٍ أو غريه وكان
عندها بعضُ ماله وديعةً فهل لَها أن تَستقِل بأ ْخذِهِ لدينِها بال َرفْع إىل القاضي مث
ُت ْفسَخ به أو ال؟ فأجابَ َبعْضُ أصْحابِنا لَيْسَ للمرأة املذكورَة االسْتقاللُ بأ ْخذِ حَقِّها
بل تَ َرَف ُع ا َألمْرَ إىل القاضي ألن النظر يف مال الغائبني للقاضي .نعم .إن علمت أنه ال
يأذن هلا إال بشيء يأ ُخذَهُ مِنْها جَازَ هلا االسْتقِالل باأل ْخذِ وإذا فَرغَ املالُ وأرادت
الفسخَ بإِعسارِ الغاِئبِ ،فإِن مل يعلم املالَ أَ َحدٌ ادَّعت إعْسارَهُ وأنه ال مالُ له حاضرٌ
وال تركَ َن َفقَةً وأثبَتتْ اإلِعْسارَ وحَلَ َفتْ على األخريين ناويةً بعدم تركِ النَّفقة َعدَم
وجودِها اآلن وفَسخَت ِبشُروطِه وإن عَلِم املالُ فال بدّ من بَيِّنة ِبفَراغِه أيضاً .انتهى.
(فال فَسخ) على املُعْتَمد (بامتِناع َغريِه) موسِراً أو مَُتوَسِّطاً مِن اإلِنفاقِ َحضَر أو غابَ
(إن مل يَْنقَ ِطعْ خَربه) فإِن اْنقَ َطعَ خربه وال مالَ لَهُ حاضِرٌ جازَ هلا ال َفسْخُ ألن تعذر
َذ ِررِباإلِعْسار ،كما جَ َزمَ به الشيخ زكريا ،وخالَفَه تلميذه واجِبُها بانقطاع خربه كَتع َّ
شيخنا .واخْتارَ َج ْمعٌ كثريون من حمقِّقي املتأخرينَ يف غائبِ تَعذَّر تَحصيل النَّفقة منه
ال َفسْخُ ،وقوّاه ابن الصَّالح ،وقال يف فتاويه :إذا تعذرت النَّفقة لعدم مال حاضر مع
ضعِه أو
عدم إمكانِ أ ْخذِها منه حيثُ هوَ بكتابٍ حكمي وغريهِ لكونِهِ َلمْ َيعْرِفْ مَ ْو ِ
َعذرَتْ مُطالَبَتَهُ عُرِفَ حالَهُ يف اليَسارِ واإلِعْسارِ أو مل ُيعْرفْ فلها عُرِفَ ولكن ت َّ
ال َفسْخُ باحلا ِكمِ واإلِفتاءِ بالفَسخِ هوَ الصحيح .انتهى ونَقلَ شيخنا كالمهُ يف الشَّرحِ
العالمَة احملقِّق الكبريِ ،وَقالَ يف آخِرهِ وأفْتَى مبا قالَه َج ْمعٌ مِنْ ُمتَأخِّري الَيمَن .وقال َّ
الطنبداوي يف فتاويه ،والذي خنتاره ،تَبعاً لألَئِمة املُحقِّقني ،أنه إذا مل يكُن له مال،
149
كما سبق ،هلا الفَسْخُ وإن كان ظاهِرُ املذ َهبِ خِالفَهُ لقولِه تعاىل{ :وما َجعَلَ عَلَيْ ُكمْ
ِفي الدِّينِ مِنْ حَرجْ} وِلقَولِهِ" :بعثت باحلنيفية السمحة" وألن مدارَ الفسخِ على
اإلِضرار وال شك أن الضرر موجود فيها إذا مل ميكن الوصول إىل النفقة منه وإن كان
موسراً .إذ سرّ ال َفسْخِ هوَ تَضرُّر املرأة وهو موجودٌ ،السيما مع إعسارِها فيكون
تعذر وصوهلا إىل النَّفقة حُكْمه حكم اإلِعسارِ .انتهى .وقال تلميذه شيخنا خامتة
احملقِّقني ابن زياد يف فتاويه :وباجلملة فاملَذ َهبُ الذي جرى عليه الرافعي والنووي عدمُ
جَوازِ ال َفسْخ ،كما سبق ،واملُختارْ اجلوَاز ،وجَزَم يف فُتْيا له أُخْرى باجلواز و (ال)
َفسْخَ بإِعسارٍ بن َفقَةٍ وحنوِها أوْ مبَهرٍ (قبلَ ثبوتِ إعسارِهِ) أي الزَّوجَ بإِقرارِةٍ أو بيِّنةٍ
تَذكر إعْسارَهُ اآلنَ ،وال تكفي بَيِّنة ذكرت أنه غاب معسراً .وجيوز للبينَةِ اعتمادٌ يف
الشَّهادةِ على اسْتِصْحابِ حالتِه اليت غابَ عَلَيها مِنْ إعسارٍ أو يسارٍ ،وال تُسئَلُ مِن
َرحَ مبُسْتََندِه بَطَُلتِ الشَّهادَةُ (عِْندَ قاضٍ) أوْ مُح َكمٍ فال أيْنَ لَكَ أَنَّهُ ُم ْعسِرٌ اآلن ،فلو ص َّ
سبُ عِدَّتَها إال مِنَ بُدَّ من الرفعِ إليْهِ فال يَنفذُ ظاهِراً وال بَاطِناً قبل ذلِكَ وال َيحْ َ
ال َفسْخِ .قال شيخنا :فإِن َف َقدَ قاضٍ ومُحكَم مبحَلِّها أو َعجِزَتْ عن الرَّفع إىل القاضي.
ُنفذُ ظاهِراً وكذا كأن قال ال َأ ْفسَخُ حىت ُتعْطيين ماالً اسْتقلَّت بالفَسخِ للضرورَةِ وي َّ
باطِناً ،كما هو ظاهِر ،خالفاً ملن قُِّيدَ باألوَّلِ ألن ال َفسْخَ مبينٌ على أصل صحيح وهو
ُمسْتَلْ َزمٍ للنُّفوذ باطِناً مث رأيت غريَ واحدٍ جَزموا بذلك .انتهى .ويف فتاوي شيخنا ابن
زياد :لو َعجَزَت املرأَة عن بيِّنَة اإلِعْسار جازَ هلا اإلِسِْتقْاللُ بال َفسْخ .انتهى .وقال
الشيخ عَطية املكيِّ يف فتاويه :إذا تعذر القاضي أو تعذر اإلِثباتُ عندَهُ ِل َفقْد الشهودِ
أو غيبَِت ِهمْ فلها أن َتشْهد بال َفسْخ ،وتفسخُ بَِن ْفسِها كما قالوا يف املرتَهنِ إذا غابَ
َعذرَ إثْباتُ الرَّهنِ عِْندَ القاضي أن له بَي ُع الرَّهنِ دونَ مُراجَعة قاضٍ ،بل هذا الراهنُ وت َّ
أهم .وأهمُّ وقوعاً .اه( .ف) إذا توفرت شروط الفَسخِ من مُال َزمَتِها ا َملسْكَنِ الذي
غابَ عنها وهي فيه وعدم صدورِ نشوزٍ مِْنهَا وَحََل َفتْ عَلَْيهِما وعلى أن ال مالَ لَهُ
حاضِر وال تَركَ َنفَقَةً وأثْبََتتِ اإلِعْسارُ بِنحوِ النَّفق ِة على ا ُملعَْت َمدِ أو َتعَذَّر حتْصيلها على
املختار (ميهل) القاضي أو املُحكم وجوباً (ثالثة) من األيام وإن مل يستَمْهِلْهُ الزَّوجُ
ومل يُ ْرجَ حُصولُ شَيءٍ يف املستقبل ليتَحقَّق إعْسارَهُ يف َفسْخٍ ل َغريِ إعْسارِهِ ِب َمهْرٍ فإِنَّه
على الفَورِ ،وأفْىت شيخنا أنه ال إمْهالَ يف فَسخ نِكاح الغائِب( ،مث) َب ْعدَ إمْهالِ الثَّالثِ
بِلَياليها (َي ْفسَخُ هو) أي القاضي أو املُحكَم أثناء الرابع ،خلرب الدارقطين والبيهقي يف
الرجل ال جيد شيئاً ينفق على امرأته يفرّق بينهما وقَضى به عمر وعليّ وأبو هريرة
رضي اهلل عنهم .قال الشافعي رضي اهلل عنه :وال أعلمُ أحَداً مِنَ الصَّحابة خالفهم.
ختْ باحلاكِم على غاِئبٍ فعاد وادَّعى أنَّ لَهُ ماالً بالبَلد مل يَبْطُل ،كما أفىت به وَلوْ فَس َ
الغزايل ،إال إن ثَبَتَ أنَّها تعلمه ويسهَل عليها أَ ْخذَ النَّفقة منه خبالفِ حنو عقارٍ وَعرْضٍ
سخْ (هي بإِذنه) أي القاضي بلفظ فَسخَتِ النِّكاحَ ال يتيسَّر بَْيعَهُ فإِنه كالعدم (أو) َت ْف َ
فلو سلم َن َفقَة الرابع فال َتفْسخْ مبا مَضى ألنه صارَ ديناً .ولو أعسر بعد أن سلم نفقة
الرابع بنفقةِ اخلامس بَنتْ على املدة ومل تستأنفها .وظاهر قوهلم أهنم لو أعسر بنفقة
السادس استأنفتها وهو حمتمل ،وحيتمل أنه إن ختللت ثالثة وجب االستئناف ،أو أقل
فال كما قاله شيخنا ولو تربع رجل بنفقتها مل يلزمها القبول بَلْ هلَا ال َفسْخُ.
[فرع] :هلَا يف مُدَّة اإلِمهالِ والرِّضا بِإِعسارِه اخلروجِ هناراً قَهراً عَليه لِسؤالِ نفقةٍ
أو اكْتسابِها وإن كان هلا مالٌ وأمْكَنَ َكسْبَها يف بَيْتِها ولَيْسَ له مَْنعَها ألن حَْبسَهُ هلا
إمنا هو يف مُقابَلة إنْفاقِهِ عليها ،وعليها رجُوعٌ إىل َمسْكَنِها ليالً ألنه وقتَ اإلِيواءِ دونَ
س ُقطُ َنفَقَتَها عن ذِمَّتِه مدة العْملِ ،وهلا مَْنعُه من َّالتمَتُّع هبا نَهاراً وكذلك ليالً لكن َت ْ
املَْن ِع يف اللَّيل .قال شيخنا :وقياسُه أنه ال نفقة هلا زَمنُ خرُوجها للكَسب اه.
150
[فرع] :ال َفسْخَ يف غَيْرِ َمهْرٍ ِلسَيِّد أمَةٍ ولَيْسَ له مَْنعَها من ال َفسْخِ بغريه وال
ال َفسْخُ به عِْندَ رِضاها بإِعْسارِهِ أو عَدمِ تكليفِها ألن النفقةَ يف األصْلِ هلا بل لهُ إجلاؤها
سخَي أو جوعي دَفعاً للضَّررِ عنه ،ولو زَّوج َأمََتهُ إليْهِ بِأَنْ ال يُنفِقُ عَلَْيهَا ويقول لَها ِإفْ َ
خ َدمَهُ فال َفسْخَ هلَا وال لَهُ إذ مُوءْنَتَها عَلَيه ،ولو أَ ْعسَر سيد ا ُملسْتَ ْولَدةِ عن ِبعَْبدِهِ واسَت ْ
نفقتها قال أبو زيد :أُ ْجربَ على عَتْقها أو تَزْوجيَها.
[فائدة] :لو فَقدَ الزَّوجُ قبلَ التَّمكنيِ فظاهِرُ كالمِهم أنَّه ال َفسْخَ ومذَهبِ مالك
رمحه اهلل تعاىل ال فَرْقَ بني ا ُملمَكَِّنةِ وغَيْرِها إذا تعذَّرت النَّفقة وضُرَِبتِ املُدَّةُ وهي
عِْندَهُ َشهْر للتَفحُّص عَنْهُ ثُمَّ يَجوزُ الفَسْخُ.
[تتمة] :يَجبُ على موسِرٍ ذكرٌ أو أنثى وَلوْ ب َكسْبٍ يليقُ بهِ مبا َفضُلَ عَنْ قوتِهِ
سوَةٍ َمعَ أدم ودَواءٍ وَقوتِ ممونة يومِه ولَيْلَتِه وإنْ ملْ َي ْفضُلْ عَنْ دينه كِفايَةِ نفقَةٍ و ِك ْ
َألصْلٍ وَإِنْ عَال ِذكَرٌ أَو أُنثى وفِرعٌ َوإِنْ نَزُل .كَذلَكَ إذا َلمْ يَملُكاها وَإِنْ اخْتََلفَا دَيْناً
ال إِنْ كانَ أَ َحدُمها حَربِياً أوْ مُرْتَداً .قالَ شَْيخُنا يف شرح ا ِإلرْشَادِ :وَال إِنْ كَانَ زَانِياً
حصَناً أوْ تارِكاً للصَّالةِ ،خِالفاً ملا قاله يف شَرحِ املِنْهاجِ ،وال إِن بلغَ فرع وتركَ ُم ْ
س ُقطُ َن َفقََتهَا بِالعَقْدَِ ،وفِيهِ كسباً الئِقاً وال أَثَرَ ِل ُق ْدرَةِ أمٍ أوْ بِْنتٍ على النِّكاح لَكِنْ َت ْ
الزوْج ُم ْعسِراً بالتمْكِنيِ ،كما مَرَّ ،وإن كانَ َّ جبُ َّ الز ْوجِ إنَّما تَ ِ
نَظَرْ ،ألَنَّ َن َفقَتَها عَلى َّ
ما مل تَفسخ وال تصريُ مؤن القريب بفوتِها ديناً عليه إال باقتراض قاضٍ لغيبة منفق أو
ص َدرَ منه ال بإِذنٍ منه ولو منْعِ الزَّوجِ أو القَريب اإلِنفاقَ أخذَها املسَْتحِق ولو مَْنعٍ َ
ِبغَيْرِ إِذن قاضٍ.
[فرع] :مَن َلهُ أبٌ وأمٌ فنفقته على أبٍ ،وقيل هي عليهما لبالغ ،ومن له أصلٌ
وفرعٌ فعلى الفرع وإن نزل ،أو له حمتاجونَ مِنْ أصولٍ وفروعٍ ومل يقدر على
كفايتهم قدم نفسه مث زوجتُهُ وَإِنْ تَعدَّدتْ ،ثُمَّ ا َألقْرَبُ فَا َألقْرَبَُ .ن َعمَْ ،لوْ كَانَ لَهُ أبٌ
وَأُمٌّ وابْنُ َقدَم اإلِبْنُ الصَّغري ثُمَّ األُم ثُمَّ األَبُ ثُمَّ الوََلدُ الكَبريُ .ويَجبُ على أمَ ِإ ْرضَاعُ
وَلدِها اللبَّأْ وَ ُهوَ اللنبَ أول الوِالدَة ومُدَّته يسرية ،وَقيلَ يقدَّر بِثالثَةِ أيامٍ وقيل سبعَة .مث
َبعَده إن مل توجد إال هِي أو أجْنَبِيَّة وَ َجبَ ِإ ْرضَاعَه على مَنْ وُ ِجدَتَ َولَها طَلَبُ
األُجْرَةِ ممَّن تَلْ َزمَهُ مُوءْنَتَهُ ،وَإنْ وُ ِجدَتَا َلمْ ُتجْبَر األُم خلية كانَت أو يف نكاح أبيه ،فإِن
رَغِبَت يف إرضاعِه فليس ألَبيه منعِها إال إن طَلََبتْ فَوقَ أُجرةَ املِثل ،وعلى أب أجرة
مثل ألم ِإلرْضاعِ ولدها حيث ال متربع بالرضاع ،وكمتربع راض مبا رضيت.
(فصل) :احلضانة .وا َألوْىل بِاحلضَانَة وَهيَ تَربيَةُ منْ ال َيسَْتقِلُّ إىل التَّمييزِ أُمٌّ مل
َزوجْ بآخَر ،فَأُمَّهاتُها وَإِنْ عََلتْ ،فَأَبٌ فَأَمَّهاتُه فَأُ ْختٌ َفخَالَةٌ فَبِْنتُ أُختٍ فَبِْنتُ أخٍ تَت َّ
َفعَمَّة واملميز إن افْتَرَقَ أَبَواهُ مِنَ النِّكاحِ كانَ عِْن َد مَنْ اخْتَارَهُ مِْن ُهمَا وألَبٍ اخِْتريَ مَْنعُ
األُنْثى ال الذكر زيارَةُ ا ُألمِ وال تَمَنعُ األُم عَنْ زِيارَتِها على العادَة واألُم أوْىل
بتَمرِيضِهما عِنْد األَب إنْ َرضِيَ وإال َفعِْندَها وإن اختارَها ذكَرٌ فعْندها ليالً وعنْدهُ
نَهاراً أو اختارَتْها أنثى فعندها أبداً وي ُز ّورُها األبُ على العادَة وال يُطلب إحضارُها
عْندَه ثُ َّم إنْ مل خيْتَرْ واحِداً منْهما فاألم أوىل ولَيْسَ ألَ َحدِهِما فَ ْطمَهُ قَبْلَ حَولَيْنِ مِنْ غَري
رِضا اآلخَرِ َولَهُما فَ ْطمَهُ قَبَْلهُما إن مل َيضُرُّه ،وألَ َحدِمها بَ ْعدَ حَولَيْن َولَهما الزيادَة يف
الرِّضاع على احلوْلَني حيث ال ض َررَ ،لكِن أفىت احلناطي بأنه ُيسَنُّ ع َدمُها إال حلاجَة
جبُ على مال كِفايَةُ َرقِيقة إال مُكاتباً ولو أعْمى أو زَمناً ولَو غنياً أو أكوالً َنفَقةً وَي ِ
وكِسوَةٌ مِنْ جِنْسِ املعتادِ ملثلِهِ مِنْ أرِقاءِ البَلدِ وَال يَكفي ساتِر ال َع ْورَةِ وإِنْ مل يَتَأذَّ به،
حقِريَ حينَِئذٍ وَعَلى السَّيد نعم ،إن اعتيد ولو ببالد العرب على األوجَه ،كفى :إِذ ال َت ْ
سبُ الرقيقِ لسيِّدهِ يُْن ِفقَهُ مِنْهُ إن شاء، َثمَنُ دَوائِه وأجْرَة الطَبيبِ عِْندَ احلاجَةِ ،وَك ْ
وَيسْقط ذلك مبضي الزَّما ِن كَنفقَةِ القَريبِ.
151
سوَة ،واألفضل إجالسَهُ َمعَه ويُسن أن يُنا ِولَه مما يتنَعم بِه منْ طَعامٍ وَأُدم َوكِ ْ
ألكْل ،وال يَجوزُ أن يُكلِّفه كالدَّوابِ على الدَّوامِ عَمالً ال يَطِيقَه وَإِنْ َرضِيَ .إذ لَ
َيحْرُم عليه إضْرارُ ن ْفسِه فإِن أىب السَّيِّد إال ذلك بيع عليه :أي إن تعيَّن البَْيعُ طريقاً،
وإال أوجِرَ عليه .أما يف بعْضِ األَ ْوقَاتِ فَيجْوزُ أن يكلفه عمالً شاقاً وَيَتْبعِ العادَة يف
ص ْومٍ وَصالةٍ ،وعلى مالِكٍ عَلَفُ إِراحَتِهِ وَقتَ القَيْلولَةِ وَاإلِسْتِمتَاع ولَهُ مَْنعَه مِن نَفل َ
دابتِه ا ُملحْتَ َرمَة ،ولو كلباً حمترماً ،و َسقْيَها إن لَم تَأْلف الرَّعْي ويَكْفها وَإِال كَفى
ِإرْسَالَها لِلرَّعْي والشُّرب حيثُ ال ماِنعَ ،فإِنْ مل يَ ْكفِها الرَّعْيَ لَ ِزمَهُ التَّكميل ،فإِن امتَنَع
مِنْ عَلفِها أو إرْساهلا أَجْرب على إزالَةِ مُلْكِه أو ذَْبحِ املأكولَة ،فَإِنَّ أىب َفعَل احلا ِكمُ
جبُ عَلَفُ غري املُحتَرمة ،وهيَ ا َألصْلَح من ذلكَ َورَقيقٌ كدابَّة يف ذلكَ كلِّه ،وَال َي ِ
ُرمَ ما ضَرَّ الفَواسِقُ اخلَمس ،وََيحِْلبُ مالِكُ الدَّوابّ ما ال يضُرُّ هبا وال ِب َوَلدِها ،وح ِّ
أحدمها ،ولو لقلَّة العَلَفِ ،والظَّاهِرُ ضَْبطُ الضَّررِ مبا َيمَْنعُ من ُنمُوِّ َأمْثَاِلهَما ،وضَبْطَه
حفَظَهُ عن ا َملوْتِ توقَّف فيه الرافعي ،فالواجبُ التَّركُ له قدرَ ما يُقيمَهُ حىت ال فيه مبا َي ْ
ميوت ،وُيسَنُّ أن ال يُباِلغَ احلاِلبُ يف احلَ ْلبِ بل يَْبقَى يف الضَّرْع شيئاً ،وأن َيقُصُّ
أظْفارَ َيدَيه ،وجيوز احللب إن مات الولَد بأيّ حيلة كانت .وَيحْ ُرمُ التَّهريش بَيْنَ
البَهاِئمِ وال َيجِبُّ عَمارَةُ دارِه أو قَناتِه ،بَل يُكْرَه تَ ْركَه إىل أن َتخَرب بغَيْرِ ُع ْذرٍ كَتَرْكِ
سقي زرع وشجرٍ دون ترك زارعَةِ األ ْرضِ وَغَرْسِها وال يُكْرَه عِمارَة حلاجَة وإن
طالَت ،واألخْبارِ الدالَّة على مَنْع ما زادَ على سَْب َعةِ أذْرعٍ حممولَة عَلى مَنْ َفعَلَ ذَلِكَ
لِ ْلخُيَالءِ والتَّفاخُرِ على النَّاسِ .واهلل سبحانه وتعاىل أعلم.
مِن قَتْلٍ َوقَ ْطعٍ وغَيْرِهُما .والقَتْلُ ظُلْماً أكْبَر الكَبائِر بعد ال ُكفْرِ وَبِال َقوْدِ أو ال َعفْو
ال تَبْقى مُطالَبةٌ أُخْرَويَّة .وَال ِفعْلُ املُزْهِقُ ثَالثةَُ :عمْد ،وشِبْه َعمْد ،وخَطَأ (ال قَصاصَ
إال يف َع ْمدٍ) بِخالفِ شُْبهَه واخلَطأْ (وهو َقصْد ِفعْل) ُظلْماً (و) عَيْن (شخْصِ) يعين
اإلِنْسان :إذ لَو َقصَد شخَصاً ظَنَّه ظبياً فبانَ إنساناً كان خَطأ (مبا يقتل) غالباً جارِحاً
كانَ كغَ ْرزِ إبرة مبْقتَل كدِماغٍ وعَيْنٍ وخاصِرَةٍ وإحْليلٍ ومَثانَة وعِجانٍ وهو ما بني
والشخْصُ (بغريه) أي خلصْيَة والدُبُر أو ال :كََتجْويعٍ وسَحْرٍ (وَقصْدهُما) أي ال ِفعْل َّ اَ
غري ما يقْتَلُ غالباً (شِبْه َعمْد) سواء أقُتِل كَثرياً أم نادِراً كضَرْبَة ُيمْكِن عادَة إحالة
اهلالكِ عَلَْيهَا ،خبالفِها بنحو قَلَم أو مع خِفَّتِها جداً فه ْدرٌ ولو غرز إِب َرةٍ بغري مقتل،
كألية وفخِذ ،وَتَألَّم حىت ماتَ فعَمدَ وإنْ مل يَ ْظهَرْ أَثَرٌ وماتَ حاالً فشِْبهُ َع ْمدٍ َوَلوْ
حَبسه كَأَن أَ ْغلَق باباً عليْه ومَنعَهُ الطَّعامَ والشَّرابَ أو أ َحدَهُما والطَّلبَ لذلك حىت
ماتَ جوعاً أو عَطَشاً ،فإِن َمضَت مدَّة ميوتُ مثلُه فيها غالباً جوعاً أو عَطشاً فعَمد
والزمَنِ قُوَّةً وحرّاً،
لِظُهورِ قَصْد اإلِهالك به .وخيتلف ذلك باختالف حال احملبوس َّ
وحدَّ األطباءُ اجلوعَ املُهلِكَ غالِباً باثنني وسَبْعني ساعةٍ متَّصلة ،فإِم مل تَمَضِ املدة
املذكورة ومات باجلوع :فإِن مل يكن به جوع أو عطش سابق فشِبْه َعمْد فيَجِبُ
ِنصْفُ دِيَّتِه لِحصولِ اهلالك باألمرين ،ومال ابن العماد فيمن أشار إلِنسانٍ بسِكيْن
ختويفاً له فسقَطَت عليه من غري َقصْد إىل أنه َع ْمدٌ موجبٌ لل َقوْد .قال شيخنا :وفيه
نظر ،ألنه مل يقصد عينه باآللة فالوجه أنه غري عمد .انتهى.
[تنبيه] :جيب قصاص بسبب كمُباشَرةٍ فيجب على مُكْرهٍ بغري حق بأن قال اقْتُل
هذا وإال ألَقْتُلنَّك َفقَتَله ،وعلى مُكْرهٍ أيضاً ،وعلى من ضيفٍ َمبسْمومٍ َيقْتُلُ غالباً غري
مميز ،فإِن ضيفَ به مُميزاً أو دسَّه يف طَعامِه الغالبِ َأكْلَه مِنْه فَأكَلَهُ جاهِالً َفشِبْهَ َعمْدٍ
فَيلْزمُه دِيَّتَهُ وال َقوْد لِتنَا ُولِه الطَّعامَ باخْتياره ويف قولِ قَصاصٍ لَِتغْريرهِ ويف قول ال شيء
152
تغليباً لِلمُباشَرة ،وعلى مَن ألقى يف ماءٍ ُمغْرقٍ ال ميكُنه التَّخلص مِنْه ِبعَومٍ أو غريه وإن
الَتقَمهُ حوت ولو قبل وُصولِه املاء ،فإِنْ َأمْكَنه ختلُّصُ ب َعوْم أو غريه ومَنَعهُ مِنهُ عارِضٌ
ك َم ْوجٍ وريحٍ فهلَك فشِبه َع ْمدٍ ففيه ديَّته ،وإن أمكنه فتر َكهُ خوفاً أو عناداً فال دية.
[فرع] :لو أ ْمسَكَه َشخْصٌ ولو لِ ْلقَتْل َفقَتَلَهُ آخر فالقَصاصُ على القاتِل دون
ا ُملمْسك ،وال قصاصَ على مَنْ ُأكْ ِرهَ على صُعودِ َشجَرةٍ فَزَلقَ وماتَ ،بل هو شبه
عمْد إن كاَنتْ مما يَزلَقُ على مِثْلها غالباً وإال فخَطأً (وعدم قصد أحدمها) بأن مل
صدَه فقط ،كأن رمى ِلهَدفٍ صدْ ال ِفعْل كأَن َزلَقَ فوقع على غريه فقتَلهُ أو َق َ يَق ِ
فأصابَ إنْساناً ومات (فخَطأ .ولو وُجد) بشخص (من شخصني معاً) أي حال
كوهنما مُقتَرِننيِ يف زمن اجلناية بأن تقارنا يف اإلصابة (فعالن مزهقان) للروح
(مذففان) أي مسرعانِ للقَتْل ( َكحَزِّ) للرقِبة (وقدّ) للجثة (أو ال) أي غري مذففني
(كقطع عضوين) أي جرحني أو جرح من واحد وعشرة مثالً من آخر فمات منهما
(فقاتالن) فيقتالن :إذ رب جرح له نكاية باطناً أكثر من جروح فإِن ذفف أي أسرع
للقتل أحدمها فقط فهو القاتِل فال يَقتُل اآلخر ،وإن شككنا يف تَذفيفِ جُرحِه ،ألَن
األصْلَ َع َدمُهُ ،والقَوْدَ ال جيب بالشَّكّ (أو) وُجِدا بِه مِنْهما (مرتباً ف) القاتِل (األول
إن أهناهُ إىل حركة مذبوح) بأن مل يبقَ فيه إدراكٌ وإبصارٌ ونطقٌ وحركة اخْتيارِيّات
ويُعزَّر الثاين وإن جىن الثاين قبل إهناءِ األَولِ إليْها و َذفَّف كحزَ بِه بعد جرح فالقاتل
الثاين ،وعلى األول قصاصٌ العضو أو مال حبسب احلال وإن مل يُذفِّف الثاين أيضاً
ومات اجملين باجلنايتني كأن قطع واحد من الكوع واآلخر من املِرفَق فقاتِالنِ لوجُودِ
السِّراية منهما.
[فرع] :لو اندمَلَت اجلِراحَة واستمَّرت احلِمى حىت ماتَ فإِن قال عَدال طب إهنا
من اجلرح فال َقوْد ،وإال فال ضَمان (وشرط) أيْ لِ ْل َقصَاصِ يف َّالنفْسِ يف القَتْل كونه
صمَة) بإِميانٍ أوَْعمْداً ظُلماً فال َقوْد يف اخلَطأ وَشِبْه ال َعمْد وغري الظلم و (يف قَتيلِ ِع ْ
حصَن قَتلَهُ ُمسْلم ليس أمانٍ يَحقَنُ َدمُه ِبعَ ْقدِ ذِمَّة أو َع ْهدٍ فيهدر احلريب واملرتدُّ وزانٍ ُم ْ
زانياً حمصناً سِواءً أثبتَ زِناه بِبَينِّة أم بِإقْرار مل يَرْ ِجعْ عنه .وخرج بقويل ليس زانياً
حمصناً الزاين احملصَن فيقتل به ما مل يأمُره اإلِمامُ ِبقَتْله .قال شيخنا :ويظهر أن يلحَقَ
ُتحت ٌم قَتْله.
بالزاين املُحصَن يف ذلك كل مُهدَر كتارِ ِك صالةِ وقاطع طريق م َّ
(واحلاصل) أن املُهدَر معصومٌ على مثله يف اإلِهْدارِ وإن اختلفا يف سببه ويدُ
السَّارقِ ُم ْهدَرة إال على مِثلِه سِواء املسَروق منهُ وغَريه ،ومن عليه قصاصٌ كغريه يف
صمَ بعدُ لِ َعدَمِ
العِصْمة يف حقِّ غري املسَتحِق .فيُقتَل قاتِلَه وال قِصاصَ على حريب وإن ُع ِ
التزامِه ولِما تَواتَر عَنْهُ عن أصْحابه مِن َع َدمِ ا ِإلقَادَة مِمَّن أسْلمَ كوَحشي قاتل محزة
رضي اهلل عنهما ،خبالف الذمِّي فعليه ال َقوْد وإن أسْلَم (و) شَرْطٌ يف قاتِل تَكْليفٍ فال
ُيقْتَلُ صيبٌّ وجمنونٌّ حال القَتْل واملَذهب وجوبه على السَّكران املتَعدّي بتَناوُلِ ُمسْكِرٍ
فال َقوْدَ على غري متعدّ به ،ولو قالَ كُْنتُ وَ ْقتَ القَتْلِ صَبِياً وأمكن صِباه فيه أو جمنوناً
و َعهِد جُنونه فُيصَدَّق بيمينه (ومكافأة) أي مساواة حال جناية بأن ال يفضل قتيله
حال اجلناية (بإِسالمٍ أو حُريةٍ أو أصالَةٍ) أو سيادةٍ فال يقْتلُ ُمسْلم ولوْ ُمهْدَراً بِنحو
زِنا بكافِر وال حُرَ مبن فيه رقّ وإن قلَّ وال أصلَ بِفرعِه وإِن َسفُل ،وُيقْتَل الفِرع
بأصْله( ،وُيقْتَل جَ ْمعٌ بواحِد) كأن جَرَحوه جِراحاتٍ هلا دَخل يف الزهوق وإن فَحش
َب ْعضَها أو تفاوَتوا يف َعدَدِها وإن مل يَتَواطَأوا أو كأن أل َقوْهُ من عالٍ أو يف بَحر ملا
رَوى الشافعي رَضِيَ اهلل عَنْهُ وغَريه أن عمر رضي اهلل عنه قَتلَ مخسة أو سَبْعة قتلوا
ضعٍ خالٍ وَقال َولَوْ تَماألَ عليْه أهْلُ صَنعاء لقتلهم به مجيعاً، رَجُالً غِيلة أي َخدِيعَةً مب ْو ِ
153
ومل يُنكَر عليه فصارَ إِجْماعاً .وَللويل ال َعفْو عَنْ َب ْعضِهم على حِصَّته من الدية باعتبار
عَددِ الرؤوسِ دون اجلراحات ومن قُتِل مجعاً مرتبًا قُتِل بأوَّهلم.
ضمْن بقوْد أو ديَّة كل منهما ما تولد يف اآلخر من [فرع] :لو تصارَعا مثالً ِ
الصِّراعَةِ ألن كالًّ مل يأذَن فيما يُوءْدِّي إىل حنْو قَتْلٍ أو تَلَفِ عُضوٍ ،قال شيخنا:
ويَ ْظهَرُ أنه ال أثر العِتْيادِ أنْ ال مطالبة يف ذلك بل ال بد يف انْتِفائِها من صَريحِ
اإلِذن.
جبُ قصاصٌ يف أعضاء حَْيثُ َأمْكَنَ مِنْ غَريهِ ظُلمٌ كَيدٍ ورِجْلٍ وأصابعٍ [تنبيه]َ :ي ِ
وأنامِلَ و َذكَر وأُنْثَيَنيِ وأذنُ وسِنّ ولِسان و َشفَة وعَيْن و ِجفْن ومارِن أنْفٍ وهو ما
النَ مِنْه ويشترط لِقصاصِ الطَّرف واجلَرح ما شرط للنفس وال يؤخذ ميني بيَسارٍ
وأعلى بأسفل وعكسه ،وال قصاص يف كسْرِ عظم ،ولو قُ ِطعَت يد من وَسَط ذِراع
اقتُصَّ يف الكفِّ ،ويف الباقي حكومة ،ويقطع جَمعٌ بيد حتامَلوا عليها دفعة واحدةً
مبحدَّد فأبانوها ،ومَنْ قُتِلَ ِب ُمحَدَّدٍ أوْ خَنْقٍ أو تَجويع أو َتغْرِيقٍ مباء اقتُصَّ إن شاءَ
بِمثْله ،أو بِسحَرٍ فَِبسَيْفٍ (مو ِجبِ العمْد َقوْدٌ) أي قِصاصَ ،مسي ذلك قوْداً ألهنم
يقودون اجلاين حببْل وغريه .قاله األزهري( .والدِّية) عند سقوطه بعفوٍ عَنْهُ عَلَيه أو
ِبغَيْر عفو (بدل) عنه .فلو عفا املسَتحِقُّ عَنْه جماناً أو مُطْلقاً فال شيء (وهي) أي الدية
لقتل حرّ مسلم ذكر معصوم (مائةُ بعريٍ مثلثة يف َع ْمدٍ وشبهه) أي ثالثة أقسام ،فال
نَظر لِتفَاوُتِها َعدَداً (ثالثونَ حَقَّه وثالثونَ ِجذْعَة وأرْبعونَ خِلفَة) أي حامالً بقول
خمَسةٍ يف خطأ من بنات خماض و) بنات (لبونَ وبين لبون وحقاقٍ خَبريَيْن (و َم ْ
وجذَاعٍ) من كل منها عشرون ،خلرب الترمذي وغريه( ،إال) إن وقع اخلطأ (يف) حَرَمِ
(مَكَّة أو) يف (أشهر حُرُم) ذي القعدة وذي احلجة واحملرّم ورجب (أو حمرم رحم)
باإلِضافة كأمّ وأ ْختٍ (فمثلثة) كما فعله مجعٌ من الصَّحابة رضي اهلل عنهم وأقَرَّهم
الباقون ولعِظَم حُرمة الثالثة زجر عنها بالتغليظ مِن هذا الوجه وال يَ ْلحَقُ هبا حَرَمُ
املدينَةِ وال اإلحرام وال رمضان وال أثر ملُحرم رِضاعٍ ومصاهرة .وخرج باخلطأ ضدّاه
فال يزيد واجبهما هبذه الثالثة اكتفاء مبا فيهما من التغليظِ وأما دية األنثى واخلنثى
فنصف دية الذكر (ودية عمد على جان معجلة) كسائِر أبدالِ املُتْلفاتِ (و) ديَّة
(غريه) من شبه عَمدٍ وخطأ وإن تثلثت (على عاقلة) للجاين (مؤجلة بثالثِ سنني)
َوسطُ رُْبعٌ كُلّ سنة ،فإِن مل يَفوا َفمِ ْن بيت املال فإِن على الغَنِيِّ مِْن ُهمْ نِصْفُ دينارٍ واملت ِّ
تعذرَ فعلى اجلاين خلرب الصحيحني ،واملعىن يف كون الديَّة على العاقِلَة فيهما أَن القبائل
يف اجلاهلية كانوا يقومونُ بُنصْرَةِ اجلاين مِْنهُم ويَمنَعونَ أوْلياءَ الدَّم أخْذ حقِّهم ،فأبدل
الشرع تِلكَ النصرة ببذْل املالِ وخَصَّ حتملهم باخلطأ وشِبه العمَد ألهنما مما يكثر
حسُنَت إعانته لئال يتضَرَّر مبا هو معذور فيه وأُجِّلت السيما يف متعاطي األسلحة ف َ
الدية عليهم رفقاً هبم .وعاقلة اجلاين عصباته اجملمع على إرثهم بِنَسب أو وَالءٍ إذا
كانوا ذكوراً مكلفني غري أصل وفرع ،ويقدم منهم األقرب فاألقرب ،وال يُعقَلَ فقري،
ولو كسوباً ،وامرأة خنثى وغري مكلف (ولوْ عَدمت إبل) يف ا َملحَل الذي يَجبُ
حتصيلُها منه حِساً أو شَرعاً بأنْ وُ ِجدَت فيه بأكْثَرِ مِنْ َثمَنِ املِثْل أو َب ُعدَتْ وعَ ُظ َمتِ
شقَّة (ف) الوا ِجبُ (قيمَتُها) َو ْقتَ وجوبِ التَسَّليمِ مِنْ غاِلبِ َنقْد البَلد ويف املونَة وا َمل َ
القَدميِ الوَاجِب عند َعدَمها يف النفْسِ الكامِلَة ألفَ مثقالٍ ذهباً أو اثنا عشرَ ألفِ درهم
فضَّةٍ.
ضوٍ ُمفْردٍ فيه جَمالٍ ومَْنفَعة إذا قَطَعه وَجََبتْ فيهِ دِيَّة كامِلَة مِثلُ [تنبيه] :وكُل ع ْ
ضوَيْنِ من جِنْس إذا قَ َط َع ُهمَا فَفيهما الدية دية صاحِب العضُوِ إذا قَتَله ،وكذا كَلِ ُع ْ
صفُها ،ففي قَ ْطعِ األذُنَني الدية ،ويف إحْداهِما النِّصف ،ومثِْلهِما العَيْنانُ ويف أ َحدِمها ِن ْ
154
والشَّفتانِ والكَفَّانِ بِأصَْبعِهما والقَدمانِ بَأصَْبعِهما ،وَيف كُلِّ ِإصَْبعٍ َعشَر مِنَ اإلِبِل،
سبِ ِإرِْث ِهمُ ويف كل سنّ َخمْس (و) يَثُْبتَ (ال َقوْد لِل َورَثَة) ال ُعصَبة وَذي الفُروضِ ِبحَ َ
الزوْحَيْنَ وَاملُعتَقُ
املالُ َولَو َمعْ ُب ْعدِ القَرابَةِ كذي رَحِم إن َورِثْناه أو َمعْ َع َدمِها كأَ َحدِ َّ
و ُعصْبَتَه.
[تنبيه] :يُحبَسُ اجلاين إىل كمالِ الصيبِّ مِنَ ال َورَثة بِالبلُوغِ وَحُضورِ الغاِئبِ أو
إِذْنِه ،فالَ َيخْلي بِكَفيلٍ ألنه قد يَهرُبُ فَيقوتُ احلقُّ والكَالمُ يف غريِ قاطِع الطَّريقِ ،أما
هُو إذا َتحْتَّم قَتْلَه فيقْتُلَه اإلِمام مُطْلقاً وال َيسَْتوْيف ال َقوْد إال واحدٍ مِنَ ال َورَثَة أو مِنْ
غَيْرِهم بتَراضٍ منهم أو من باقيهم ،أو بقُرعَةٍ بينَهم إذا مل يتراضَوا .ولو با َدرَ أحدُ
املسَتحِقِّني َفقَتَلَهُ عاملاً تَحرميَ املُبادرَة فال قَصاصَ عليه إن كان قبل َعفْوٍ مِْنهُ أو مِنْ
غَيْرِه ،وإال َفعَلَيْهِ ال َقصَاصُ ،ولوْ قَتَلَهُ أَجْنَيب أَ َخذَ ال َورَثَة الدِّية مِن تِ ْركَةِ اجلاين ال مِن
األجْنَيب وال يستويف املُسَتحِق ال َقوْدَ يف نفسٍ أو غريها إال بإِذنِ اإلِمام أو نائبَه فإِن
استقلَّ به عُزِّر.
جبُ عِْندَ هَيجانِ البَحر وخَوفِ الغَرقِ إلقاءَ غري احليوان من املَتاعِ [تتمة]َ :ي ِ
لسالمَة حيوانٍ مُحتَرم وإلقاءَ الدوابِّ لسالمةِ اآلدمِي احملترم إن تعيَّن لدفع الغَرق وإن
حصَن ،فال يلقى ألجله مال مطلقاً ،بل مل يَأْذَنِ املالِكُ .أما املِهدَر ،كحَرْيب وزانٍ مُ ْ
يَنَْبغِي أن يُلقى هو ألَجْلِ املالِ ،كَما قالَهُ شَيخُنا ،وَيَحرُم إِلقاءَ العَبيدِ لِألَحْرارِ
والدَّوابَ ملا ال روحَ لَهُ ،وَيضْمن ما ألقاهُ بال إِ ْذنِ مالِكهَ ،ولَو قال لِرجُلٍ أَلقِ متاعَ
زيدٍ وعليّ ضمانه إن طالبَكَ ففعَل ضَمِنَهُ املُلقْى ال اآلمِ ْر .
س ِقطَ وَلدَها ما دامَ عل َقةً
[فرع] :أفىت أبو إسحاق املروزي حبلّ سقى أمته دواء لُي ْ
ضغَةً ،وبالغَ احلنفِيَّةُ فقالوا جيوزُ مُطلقاً .وكالم اإلِحياء يدّ على التحْرمي مُطْلقاً قال أو ُم ْ
شَيخُنا و ُه َو األوْجَه.
جبُ الكَفَّارَةُ على مَن قَتلَ مَنْ َيحْرمَ قَتْلَهُ خَطأ كانَ أو َعمْداً وهي [خامتة] :تَ ِ
ج ْد َفصِيامُ َشهْرَيْنِ مُتَتَابِعيَن.
عِتْ ُق َرقَبَةٍ ،فإِنْ مل َي ِ
ِّدةُ) ُلغَةُ الرُّجوعِ ،وهي أفْحَشُ أَنْواعِ الكُفَّارِ ويَحبطُ هبا العَملُ إِن َّاتصََل ْ
ت (الر َّ
جبُ ،وَشَرْعاً( :قَ ْطعُ جبُ إِعادَة عِباداتِه اليت قَبْل الرِّدة .وقالَ أبو حَنيفَة َت ِ
بِاملوْتِ فَال َي ِ
مُكَلَّف) مُختارُ ،فتَلْغو مِنْ صَيب ومَجنونٍ ومُكْرَه عليها إذا كان قلبُه مُو ْءمِناً (إِسْالَماً
بكفرٍ عزماً) حاالً أو مآالً فيكفر به حاالً (أو قَوالً أو ِفعْالً باعْتقاد) لِذلك ال ِفعْلِ أو
ال َقوْلِ أيْ مَعه (أو) معَ (عِنادٍ) مِنَ القائِلِ أو الفاعِلِ (أو) مع (اسْتِهزاءٍ) أي
استخفاف ،خبالفِ ما لو اقْتُرِنَ بِه ما ُيخْرِجَه عن الرِّدة كسَبْقِ لِسانٍ أو حكايَة ُكفْرٍ
أو خَوفٍ قالَ شَيخُنا كشْيخِه وكَذا قولُ الويل حالَ غيبته أنا اهلل وحنوَه مما وقع ألئمة
من العارِفني كابْن عَرَيب وأتْباعِه حبقٍ وما َوقَع يف عِبارتِهم مما يو ِهمُ كفراً غري مُرادٍ به
ظاهِرَهُ كما ال خيفى على املوفَّقنيْ .نعمَ ،يحْرمُ على مَن مل يعْرف حَقيقة اصْطالحهم
وطَريقَتهم مُطالعة كتبُهم فإِهنا مزَلةُ َق َدمٍ لَهُ ،ومِ ْن مثَّ ضَلَّ كَثريون اغْتَرّوا بِظَواهِرها.
وقول ابن عبد السالم :يُعزَّر َويلّ قالَ أنا اهلل؟ فيه نظر ،ألنه إن قاله وهو مكلَّف فهوَ
كافِر ال مَحالَة ،وإن قاله حالَ الغيبَة املاِنعَة للتَّكْليف فأيُّ وجه للتَّعزير .اه .وذلك
(كنفي صانع و) نفي (نيب) أو تكذيبه (وجَحد جممع عليه) َمعْلومٌ من الدينِ
بالضَّرورَة مِن غَيْر تَأويلٍ وإن مل يَكُن فيه نَصٌّ كَوجوبِ حنو الصَّالةِ املكتوبَة وحتليلِ
نَحو البَيْع والنِّكاحِ وَتحْرمي شُرْبِ اخلمْرِ واللُّواط والزِّنا واملَكْسِ وَندْبِ الرَّواتب
والعيد خبالف ُمجْمع عليه ال يُعرفَهُ إال اخلَواصِّ وَلوْ كان فيه نصٌّ كاسْتِحقاقِ بِنْتِ
155
اإلِبْنِ السُّدس مع البِنْت وكحُرمَة نِكاح املعتدَّة للغَري ،كما قاله النووي وغريه،
وخبالف املعذور كمن قَرُب َع ْهدَه باإلِسالم (وسجودٍ ملخلوقٍ) اخْتياراً من غري
خوفٍ ولو نبياً وإن أنكر اإلِسْتِحقاقَ أو مل يُطابِقْ قَلبه جَوارِحَهُ ألن ظاهر حاله
جدَ لصََنمٍ أو تلفَّظ بكفْرٍ مث يُكَذِّبه ويف الروضة عن التهذيب من دخل دارَ احلرْبِ فس َ
ادعى إكراهاً فإِن فعله يف خِلوَته مل ُيقْبَل أو بني أيديهم وهو أسري قبل قوله أو تاجر
فال وخرج بالسُّجودِ الركوع ألن صورته تقع يف العادة للمخلوقِ كثرياً ،خبالفِ
السجود .قال شيخنا :نعم يظهر أن حملّ الفَرْقِ بَيَْن ُهمَا عِندَ اإلِطالقِ ،خبالف ما لو
َقصَد تعظيمِ َمخْلوقٍ بالركوع كما يُعظَّم اهلل تعاىل به فإِنه ال شك يف الكفر حينئذٍ.
اه .وكمشي إىل الكنائس بزيهم من زنار وغريه وكإِلقاءِ ما في ِه قُرْآنٌ يف ُمسْتَقذَر ،قال
الروياين أو علم شرعي ،ومِثْلَه باألوىل ما فيهِ ا ْسمُ معظَم (وتردد يف كفر) أَي ْفعَله أو
ال ،وكَتَكْفريِ ُمسْلِمٍ ِلذَنْبه بال تَأويلٍ ألنه سُمي اإلِسالم ُكفْراً ،وكالرِّضا بالكفْرِ :كأن
قالَ ِلمَنْ طََلبَ مِنْه تَلقني اإلِسالم اصْرب ساعة في ْكفُر يف احلال يف كل ما مرّ ملنافاتِه
صحْبةَ أيب بكر أو َقذْف اإلِسالم ،وكذا يَكْفُر مَنْ أنْكَر إِعجازَ القُرآن أو حَرْفاً مِنْه أو ُ
حلسَن عائِشة رضي اهلل عَنها ،ويَ ْكفُر يف وجه حكاه القاضي من سَبِّ الشيخني أو ا َ
واحلسني رضي اهلل عنهم ،ال من قال ملن أراد حتليفه ال أريد احللف باهلل بل بالطَّالقِ
مثالً أو قال رؤييت إيَّاك كرؤية مَلَك املوتِ.
[تنبيه] :ينْبغي للمفيت أن حيتاطَ يف التكفريِ ما أمكَنهُ لِعظَم خَطَرِه وغَلبَة عدم
قصده سيما من العوامّ ،وما زال أَئِمتُنا على ذلك قدمياً وحديثاً( .وُيسْتتابُ) وجُوباً
ضتْ له شُْبهَة فتزالُ (مرْتَد) َذكَراً كانَ أو أُنْثى ألنه كانَ مُحترماً باإلِسْالمِ ورُبَّما عَ َر َ
(مث) إن مل يَُتبْ َبعْد اإلِسْتَتابَة (قتل) أي قَتَلَهُ احلاكِم ولو بِنائِبهِ ِبضَرْبِ الرقبةِ ال بغريِه
(بال إمهالٍ) أي تكونُ اإلِستتابةُ والقتلُ حاالً خلرب البخاري" :من بدَّلَ دينَهُ فاقتلوه،
يعزرُ من فإِذا أسْلم صح إسالمهُ وتُرك" وإنْ تكررت رِدَّتهُ إلِطالقِ النصوصِ .نعم َّ
تكررتْ ردَّتهُ ال يف أول مرة إذا تابَ ،خالفاً ملا زعمَهُ جَهلَةُ القُضاةِ.
[تتمة] :إمنا يَحصُل إسْالمَ كل كافرٍ أصلي أو مرتدّ بالتلفُّظ بالشَّهادتني من
الناطق فال يكْفي ما بقَلْبه من اإلِميان ،وإنْ قالَ به الغزايل وجَمع مُحققونَ ولو
بالعجميةِ ،وإن أ ْحسَنَ العربيةِ على املنقولِ املعتمد ،ال بلغةٍ لَقَّنها بال فَهمٍ مث
باالعترافِ برسالَتِه إىل غريِ العربِ مِمَّنْ ينكِرَها فيزيد العيسَوي مِن اليهَود حممد
رسول اهلل إىل مجيع اخللق أو الرباءة من كل دينٍ خيالف دين اإلِسالم ،فيزيدُ املشْرك
َكفَرتْ مبا كْنتَ أشْ َر ْكتَ به وبرجوعه عن االعتقاد الذي ارتدَّ بِسبَبه ومن جَهْلِ
القَضاة أن مَن ادعى عليه عندهم بردَّةٍ أو جاءهم يطلب احلُ ْكمَ بإِسالمِه يقولون له
َلفظٌ مبا قُلتَ وهذا غلطٌ فاحِش ،فقد قال الشافعي رضي اهلل عنه إذا ادعى على ت ُّ
رَجُل أنه ارتَدَّ وهو مسلم مل اكشِفْ عن احلال وقلتُ له قل أشْهدُ أن ال إله إال اهلل
وأشْهد أن حممداً رسول اهلل وأنك بريءٌ من كل دينٍ خيالف دينِ اإلِسالم .اه .قال
شيخنا :ويُؤخذ من تكريرِه رضي اهلل عنه َل ْفظُ أشْهدُ أنهُ ال بدَّ منهُ يف صحةِ اإلِسالم
وهو ما يدلُّ عليهِ كالمَ الشيخني يف الكفارَة وغريها ،لكن خالَف فيه َج ْمعٌ ،ويف
األحاديث ما َيدُل لكل .اه .ويندبُ أمرُ كل من أسْلم باإلِميان بالبعثِ ويُشتَرط لَِنفْع
اإلِسالم يف اآلخرة ،مع ما مَر تصديقَ القلبِ بواحدانيةِ اهلل تعاىل .ورسلهِ وكتبهِ
واليومَ اآلخر ،فإِن اعتقد هذا ومل يأتِ مبا مرّ مل يكُن مُو ْءمِناً وَإِن أَتى به بال اعْتِقادٍ
َرتبَ عليه احلُ َكمُ الدنيوي ظاهراً.ت َّ
156
أوهلاحدُّ الزِّنا ،وهو أكْبَرُ الكبائِرَ ،ب ْعدَ القَتْلِ ،وقيلَ هو مق ِدمٌ عليهُ( .يجَْلدُ)
وجوباً (إمامٌ) أو نائِبهُ دونَ غريهِما خالفاً لل َقفَّال (ح ّراً مكلفاً زىن) بإِيالج حَشفةٍ أو
َق ْدرَها مِنْ فاِقدِها يف فَرج آدمي حي قُبُل أو دُبُر َذكَر أو أُنْثى مَع عِلْم َتحْرميِه ،فَال
حَدَّ ِبمُفاخذةٍ ومُسا َحقَةٍ واسِْتمْناءٍ بيَدِ نفسِه أو غريِ حَليلتهِ ،بل َيعْزَّر فاعِلُ ذلك.
ويُكره بنحو َيدِها كََتمْكينِها مِنَ العََبثِ ِب َذكَرِهِ حىت يَنْزِلَ ألنهُ يف معىن العَزْلِ ،وال
بإِيالج يف فرجِ هبيمةٍ أو ميت ،وال جيب ذبح البهيمة املأكولة ،خالفاً ملن وهم فيه،
ب عاماً) والءً ملسافَةِ ِقصَرٍ فََأكْثَر (إنوإمنا ُيجْلَد من ذكر (مائة) من اجلَلداتِ (وُيغْرّ ُ
كان) الواطىءُ أو املوطوءةُ حراً (بِكراً) وهو من مل يَطأ أو توطأ يف نكاح صحيح (ال)
إن زىن (مع ظنّ حلَ) بأن ادعاهُ وقد قرُبَ َعهْدهُ باإلِسْالم أو َبعُد عن أ ْهلِه (أو مع
حتليل عامل) يعتدّ خبالفهِ لشبهةِ إباحتهِ وإن مل يقلدهُ الفاعلُ كنكاحٍ بال ويل كمذهب
أيب حنيفة ،أو بال شهودٍ ،كمذهب مالك ،خبالفِ اخلايل عَنْهما ،وإن نقل عن داود.
وكنِكاحِ مُتْعة نظراً خلِالفِ ابن عباس وَلوْ مِن ُمعَْتقِد تَحرميَه .نعم :إن حَكَم حا ِكمٌ
بإِبْطالِ النِّكاحِ ا ُملخْتَلِف فيهِ حَدٌّ الرْتِفاعِ الشُّبهة حينئذٍ قاله املاوردي ،وُيحَدُّ يف
مُستَأْجَرةٍ للزِّنا هبا إذ ال شُبِهة لعدمِ اإلِعتدادِ بالعقدِ الباطلِ بوجهٍ ،وقولِ أيب حنيفة أنه
ضعْفِ ُم ْد ِركِه ومل شبهة ينافيه اإلِجْماعُ على َعدَم ثبوتِ النَّسبِ بذلك ،ومِنْ ثَمَّ ُ
حوِ بينونةٍ يراعِ خِالفهُ ،وكذا يف مبيحة ألن اإلِباحة هنا لغوٌ وحمرمة عليه لتوثُّنٍ أو لن َ
كربى وإن كان قد تزوجها خالفاً أليب حنيفةٍ ألنه ال عربةَ بالعقدِ الفاسد ،أما جموسية
تزوجها فال يُحدُّ بِوَطْئِها لإلخْتالف يف حلِّ نَكاحها ،وال يُحدُّ بإِيالجٍ يف قُبُل مملوكةٍ
حُرِّمت عليه بنحو حمرمية أو شرب لغريه فيها أو ثوثَّن أو متجَّس وال بإِيالج يف أمةٍ
فرع ولو مستولدَةٍ لشُبْهة امللك فيما عدا األخريةِ وشبهةِ اإلِعفافِ فيها ،وأما حدُّ ذي
رِقَ حمصَّن أو بكرٍ ولو مبْعضاً فنصفُ َحدّ احلُرِّ وتغَريبِه فيجْلَد مخسني ويُغرَّبُ نصف
عام ،ويُحدُّ الرقيقَ اإلِمامُ أو السَّيد (ويُرجَم) أي اإلِمامُ أو نائبهُ بأن يأمر الناس
ليحيطوا به فريموهُ من اجلوانب حبجارةٍ معتدلةٍ إن كان (حمَصناً) رجالً أو امرأةً حىت
ميوت إمجاعاً ألنه رَ َجمَ ماعِزاً والغامدية .وال ُيجْلدُ مع الرَّجْم عِْندَ جَماهري العُلماءِ،
وتُع َرضُ عَليهِ تَوبَةً لِتَكونَ خاِتمَة َأمْرِه ،ويُؤمَر بصالةٍ دَخَلَ وقْتَها ،ويُجابُ ِلشُرْبٍ ،ال
َأكْل ،وِلصَالةٍ ر ْكعَتَيْنِ ،وَيعْتَدُّ بقَتْلِهِ بالسيفِ ،لكنْ فاتَ الوَاجب واملُحصَنُ مكلفٌ
حرٌّ وطىءَ أو وُطِئت ِبقُبُلٍ يف نكاحٍ صحيح ولو يف حيْض فال إِحْصانَ لِصبَي أو
جمنون أو قنّ وطىءِ يف نكاح وال لِمنْ وَطىءَ يف ِملْكِ مينيٍ أو نكاحٍ فاسدٍ مث زَىن
(وأُخِّرَ) وجوباً (رَجمَ) َك َقوْد (ِلوَضْعِ َحمْلٍ وفِطَام) ال ِلمَرضٍ يُرْجى بَرْوهُ مِنْه وحرُّ
وبَرد مفْرِطَيْن .نعم ،يؤخَّر اجلَلْد هلما وِلمَرضِ يُرجى بَرْوهُ مِنْهُ أو لِكَونِه حامِالً ألن
القَصْد الرَّدْعَ ال القَتْل (وَيثُْبتُ) الزنا (بإِقرارٍ) حقيقي مفصَّلٍ نظري ما يف الشهادة ولو
بإِشارة أخرس إن ف ِه َمهَا كُل أ َحدٍ ولو مَرةٍ وال يُشتَرطُ تكررَهُ أربعاً خالفاً أليب
حنيفة( ،وبيّنة) فصلت بذكرِ املزين هبا وكيفيةِ اإلِدخالِ ومكانِه ووقتهِ كاشهد أنه
شفَته يف فرج فالنة مبحلِّ كذا وقتَ كذا على سبيل الزِّنا (ولو أقر) بالزنا (مث أدَخْلَ ح َ
رَجَع) عَن ذلكَ قَبْلَ الشروع يف احلَد أو َب ْعدَهُ بنحو كذبت أو ما زَنَيتْ .وإن قال
بعد كذبَت يف رجوعي أو كنت فاخَذتُ فظننتُه زِنا وإن َشهِد حالَهُ بكذبه فيما
استَظهْرَهُ شيخنا خبالفِ ما أقررْتُ به ألنهُ جمردُ تَكْذيبٍ للبيَّنةِ الشاهدةِ به (س َقطَ)
احلدُّ ألنه عرضَ ملاعزٍ بالرجوعِ فلوال أنه ال يفيد ملا عَ َرضَ له به ،ومن مثَّ سُنَّ َلهُ
الرجوعُ .وكالزِّنا يف قبولِ الرجوعِ عنْه كلَّ حدّ هلل تعاىل كشرب وسرقة بالنسبة
للقطع .وَأفْهم كال َمهُم أنهُ إذا ثََبتَ بالبَيِّنة ال يتطَرَّق إليه رُجوعٌ وهو كذلك لكنه
يتطرق إليه السُّقوط بغَريهِ كدعوى زوجيَّةٍ ومُلْكِ أمَةٍ وظَنُّ كونِها حليلَةٍ ،وثانيها حدّ
157
ال َقذْفِ وهو من السبْع املوبقاتِ (وحدّ قاذفٍ) مكلفٍ خمتارٍ ملتزم لألحكامِ عا ٌمل
بالتحرمي (حمصناً) وهو هنا مكلفٌ حرٌّ مسلمٌ عفيفٌ من زِنا َووَطء دُبر حلِيلَتِه (مثانَني)
جلدة إن كانَ القاذفُ حراً وإال فأربعني.
خمنثُ أو ِبلُطَت أو الطَ بِكِ فالنٌ أو يا ويَحصُلُ القذفُ بزَنَيتُ أو يا زاين أو يا َّ
الِئطٌ أو يا لوطي ،وكذا بياَقحْبةَ ،المرأة ،ومن صريح قذفِ املرأة أن يقول البنها من
ستَ ابْين َوَلوْ قالَ ِل َوَلدِهِ َأوْ َولَد غريهِ زيد مثالً لستَ ابنَهُ أو لستَ مِنْهُ ال قولَه البْنِه ل ْ
يا ولدَ الزِّنا كان َقذْفاً ألمِّه (وال ُيحَدُّ أصل) لِقذْفِ فَرْع بل يُعزَّر كقاذِف غريَ
مُكلف .ولو َش ِهدَ بزنا دون أرْبَعةٍ من الرجالِ أو نساءٍ أو عبيدٍ حُدَّوا ولو َتقَاذَفا مل
يتقاصَّا ،ولقاذِفٍ تَحليفُ مَقذوفِه أنه ما زىن َقطٌ .و َسقَط ِب َعفْو من مَقْذوفٍ أو ووارِثه
احلائز وال يستقِل املقذوفُ باستيفاءِ احلدِّ ،ول َز ْوجٍ َقذَفَ زَوجَتهُ اليت عُِلمَ زِناها وهي
يف نكاحِه ولو بظن ظناً مؤكداً مع قرينة ،كأن رآها وأجنبياً يف خلوة ،أو رآه خارجاً
من عندها مع شيوع بني الناس بأنه زىن هبا ،أو مع خرب ثقة أنه رآه يزين هبا أو مع
تكرر رؤيته هلما كذلك مرّات ،ووجب نفي الولد إن تيقن أنه ليس منه وحيثُ ال
وَلدَ ينفيهِ فا َألوْىل له الستر وعَلَيْها ،وأن يُطلقها إِنْ كرِهَها ،فإِن أحبَّها أمسَكَها ،ملا
صحَّ" :أن رَجُالً أتى النيبَّ فقالَ امرَأيت ال تردُّ يدَ المِس ،فقال طلِّقها ،قال :إنِّي
أُحِبُّها ،قال أ ْمسِكْها".
[فرع] :إذا سَبَّ َشخْصٌ آخ َر فَلِآلخَرِ أن َيسُبَّه ِب َق ْدرِ ما سَبَّ ُه مما ال كَذِبَ فيهِ وال
قذْف :كيا ظالِم ويا أ ْحمَقُ .وال جيوزُ سَبُّ أبيهِ وأمهِ وثالثها حدّ الشّربُ (وَيجِْلدُ)
خلمْرِ (شَرِبَ) ِلغَيْرِ تَداوٍ (خَمراً) أي اإلِمامُ أو نائَِبهُ (مكلفاً) ُمخْتاراً (عاملاً) بَِتحْرميِ ا َ
ف بالزَّبدِ فتحْرِميُ وَحَقيَتهَا عِْندَ َأكْثَرِ أصْحابِنا ا ُملسْكِرُ مِنْ عَصريِ العَِنبِ وإِنْ مل يُقذَ ْ
غريِها قياسيّ :أي ِبفَرضِ َع َدمِ ُورُودِ ما يأيت ،وإال فسيُعلم مِنْهُ أن تَحرميَ الكُلِّ
مَنْصوصٌ علَيْهِ ،وعِْندَ َأقََّلهُم كل ُمسْكِرٍ ،ولكنْ ال يكفُرَ ُمسَْتحِلّ املسْكِر منْ عَصريِ
غريِ العَِنبِ للخالف فيهِ ،أي من حيثُ اجلنْسِ ،حللِّ قليله على قولِ مجاعة .أما
َفيةُ فضالً عن غري ِهمْ خبالفِ املسْكِرُ بال ِفعْلِ فهوَ حَرامٌ إِجْماعاً ،كما حكاهُ احلَن َّ
صريِ العَِنبِ الصَّرفِ الذي مل يُطْبَخ ولو قَطْرةً ألنه ُمجْ ِمعٌ عليهِ ضروريٌّ ُمسَْتحِلِّ ِه من َع ِ
وَخَرجَ بالقيودِ املذكورَةِ فيهِ أضدادُها فال حدَّ على مَنْ َّاتصَفَ ِبشَيءٍ مِْنهَا من صَبِيً
وجمنَون ومُكْرَهٍ وجاهلٍ بَِتحْرِ ِميهِ أو بِكَونِهِ مخْراً إِن قَرُبَ إسْالمَهُ أو َب ُعدَ عن العُلماءِ.
وَال عَلى مَنْ شَرِبَ لتَداوٍ ،وإن وُ ِجدَ َغريُها ،كما َنقَلَهُ الشيخان عن مجاعَةٍَ ،وإِنْ حَرُمَ
التَّداوِي هبا.
[فائدة] :كلُّ شرَابٍ أسْكَرَ كث ُريهُ مِنْ خَمرٍ أو غَيْرِها حَرُمَ قَليَلهُ وكثريُه ،خلرب
الصحيحني" :كلُّ شرابٍ أسْكَرَ َف ُهوَ حَرامٌ" وخرب مسلم" :كلُّ ُمسْكِرٍ َخمْر ،وكلُّ
َخمْرٍ حَرامْ" وحيدّ شاربَه وإن مل َيسْكَر :أي مُتعَاطيه .وخرج بالشَّرابِ ما حَ ُرمَ مِنْ
اجلا ِمدَاتِ فال حدَّ فيها ،وإنْ حَ ُرمَت وأسْكَرَت ،بَلْ التعزيرُ :ككَثريِ البَنْجِ واحلشيشَةِ
صدِ املداومَةِ ،ويُباحُ حلا َجةِ التَّداوي وا َألفْيونِ ويُكْرَهُ أكْلُ يَسريٍ مِنْها من غريِ َق ْ
خلمْرِ باجلَريدِ (أرَبعنيَ) جَ ْلدَة (إنْ كانَ حُراً) ففي ُمسِْلمٍ عن أنَس" :كانَ َيضْرُبُ يف ا َ
والنِّعالِ أرْبَعنيَ َجلْدةٍ" وخَرَجَ بِاحلُرِّ الرَّقيقَ ولو مُْبعِضاً ،فيجَُلدُ ِعشْرينَ جَلْدةٍ ،وإمنا
خلمْرِ إنْ ثَُبتَ (بِإقْرَارِهِ أو شَهادَةِ رَجُلَنيِ) ال بريحِ َخمْرٍ وهَيَْئةِ
َيجْلدُ اإلِمامُ شارِبَ ا َ
سُكْرٍ وقَيْءٍ وحَدَّ عثمان رضي اهلل عنه بالقَيْء اجْتِهادٍ لهُ .ويُحدُّ الرقيقُ أيضاً بعلم
السيِّد دونَ غَيْرِه.
[تتمة] :جزمَ صاحبُ اإلِسِْتقْصاء ِبحَلِّ إسْقائِها للبَهائِم ،وللزركشي احْتمالُ أهنا
كاآلدمي يف حُرمَةِ إِسْقائَها هلا ،ورابعها قَ ْطعُ السَّرِقة( .وَيقْ َطعُ) أي اإلِمامُ وجوباً بعد
158
طلبِ املالِكِ وثُبوتِ السِّرقةِ (كوعَ مينيِ بالغٍ) ذكراً كانَ أو أنثى (سرَقَ) أي أخ َذ
ِخفْيةً (رُْبعَ دينارٍ) أي مِثْقالٍ ذَهَباً َمضْروباً خالِصاً وإن تَحصَّلَ مِن َمغْشوشٍ (أو
قيمَتَهُ) بالذ َهبِ املضْروبِ اخلالِص وإن كانَ الرُّبعُ جلَماعةٍ فال يقطعُ بكونِه رُُبعَ دينارٍ
ضعِ ُيحْ َرزُ فيه مثلُ ذلكَ سبيكة أو حِلياً ال يُساوي رُبعاً َمضْروباً (من حِرزٍ) أي َم ْو ِ
املسروق عرفَاً وال قطعَ مبا للسَّارِق فيه شِرْكة وال بِملْكِه وإن تعلَّقَ به حنوُ رهْنٍ ،ولو
اشْتَرَكَ اثنانِ يف إخراجِ نصابٍ فقط مل ُيقْطعْ واحدٌ مِنهما .وخرجَ بسرقِ ما لو
اخْتَلَسَ ُمعْتمِداً اهلَرَبَ أو انَْت َهبَ مُعَْتمِداً القُوَّة فال يُقْ َطعُ بِهما خلرب الصحيح به
وإلِمكانِ َد ْفعِهم بالسُّلطان وغَيْرِه ،بِخالف السَّارِقِ ألَ ْخذِهِ ِخفْيَةً َفشُرِعَ قَطْعُه زَجْراً
صبِ وإن مل يعَْلمْ أنه (ال) حالَ كونِ املالِ (مغْصوباً) فال يُقْطع سا ِرقَهُ من حِ ْرزِ الغا ِ
مغصوب ألن مالِكَه مل يرضَ بإِحْرَازِهِ بهِ (أو) حالَ كوْنِه (فيه) أي يف مكانٍ مغصوبٍ
صبَ ممنوع من اإلحرازِ به خبالفِ فال قَ ْط َع أيضاً ِبسَرِقَةٍ منْ حرزٍ مغصوبٍ ألن الغا ِ
حنو مستأجِرٍ ومعارٍ وخيتلفُ احلِرزُ باختالفِ األموالِ واألحوالِ واألوقاتِ فحرزُ
جدٍ أو شارعٍ سِالثَّوبِ والنقدِ الصَّندوقِ امل ْقفَلِ واألمْتِعةِ الدكاكنيَ ومث حارس ونومٌ مب ْ
بتوسدِه حرزٍ لهُ ال إن وضَعه بقرْبه بال مُال ِحظٍ قوي مينعُ السارِقَ بقُوةٍ على متاعٍ ولو ُّ
أو اسْتِغاثةٍ أو اْن َقَلبَ عنه ولو بق ْلبِ السَّارِقِ فليسَ حِرزاً له (ويقْ َطعُ مبالِ وَقْفٍ) أيْ
جدٍ) كبابه وسارِيَتِه وقِنْديلِ زينَةٍ (ال) سِِبسَرِقةِ مالٍ موقوفٍ على غريه (و) مالِ ( َم ْ
بَِنحْوِ ( ُحصُرِهِ) وقناديلَ ُتسْ َرجُ وهو ُمسِْلمٌ ألَنَّها أُعِدَّتْ لإلِنْتفاعِ بِها (وال بِمالِ
صَدقةٍ) أي زكاةٍ (وهو مُستحقٌ هلا) بوصفِ َفقْرٍ أو غَيْرِه ولو مل يكُن له فيهِ حقٌ
ت البَيْنِ وال غازِياً قُطِعَ النَتِفاءِ الشُّبْهةِ كغين أخذ مالَ صَدَقةٍ َولَيْسَ غارِماً ِإلصْالحِ ذا ِ
(و) الَ ِبمَالِ ( َمصَالِحَ) كَبَْيتِ املالِ وإنْ كانَ غنياً ألن لهُ فيهِ حَقاً ألن ذلِكَ قد
ُيصْرَفُ يف عِمارَةِ املسَا ِجدِ والرِّباطاتِ فينَْت ِفعُ بِه الغَنِيُّ والفَقريِ مِنَ ا ُملسْلمِني (و) ال
مبالِ (بعض) من أصل أو فِرْعٍ (وسَيِّد) ِلشُبْهةِ اسْتِحقاق النَّفقةِ يف اجلُملة (واألظهَر
قَ ْطعُ أ َحدِ الزَّوجني باآلخرِ) أي ِبسَ ِرقَة مالِه ا ُملحَرز عَنْهُ (فإِن عادَ) بعدَ قَ ْطعِ يُمناهُ إىل
السَّرِقة ثانياً (ف) ُتقْ َطعُ (ر ْجلَهُ الُيسْرى) من مِفصل السَّاقِ وال َق َدمِ (ف) إِن عادَ ثالثاً
فُتقْطعُ (يد ُه اليسرى) من كوعِها (ف) إِن عادَ رابِعًا فُتقْطَعُ (رِجْلَهُ الُيمْىن مث) إِن سَرَقَ
ُزرَ) وال يُقتَل وما ُر ِويَ من أنه قَتَله منسوخ أو مُؤوَّلٌ بقتْلِهِ بَعدَ قطعْ ما ُذكِرَ (ع ِّ
السْتِحاللٍ بل ض ََّعفَهُ الدارقطين وغريه ،وقال ابن عبد الرب أنهُ منكر ال َأصْلَ له .ومنْ
سرَقَ مِراراً بال قطْع مل يْلزمْهُ إال حدَ واحد على املعتمد فتكفي ميينَه عن الكلِّ
الحتادِ السَّبب فتداخلتْ (وتَثْبتُ) السَّرقة (برَجُلَيْنِ) كسائرِ العقوباتِ غريِ الزنا وإقرارٍ
منْ سارِقٍ بعد دعْوى عليه مع تفْصيلٍ يف الشهادَةِ واإلِقرارِ بأن تُبيِّن السرقة واملسْروقَ
منه وقدرَ املسروقِ واحلرز بتعيينهِ (و) تثْبتُ السرِقة أيضاً خِالفاً ملا اعتمدَهُ مجعٌ (بيمني
ردِّ) من املدَّعى عليه على املدعي ألهنا كإِقرارِ املدعى عليه (وقَبْلَ رُجوعِ مقرَ) بالنِّسبَةِ
ِلقَ ْطعٍ بِخالفِ املالِ فال يُقْبَلُ رجوعُه فيهِ ألنهُ حَقُّ آدَميّ (ومن أقرَ بقعوبةٍ هلل تعاىل)
أي مبو ِجبِها كَزِنا وسَ ِرقَةٍ وشُرب َخمْرٍ ولو بعدَ دعوى (فلقاضِ) أي جيوزُ لهُ ،كما يف
الروْضةِ وأصْلِها ،لكنْ َنقَلَ يف شَرح ُمسْلم اإلِجْماعِ على َندْبِه ،وحكاهُ يف الَبحْرِ عن
خصِيصهم القاضي باجلوازِ حُ ْرمََتهُ على غَريه .قال شيخنا :وهو ا َألصْحابِ وَقضِيةِ َت ْ
مُحتملٌ ،وُيحَْتمَلُ أن غريَ القاضي َأوْىل مِنْهُ المْتناعِ التَّلقنيِ عَلَيْهِ (تَعريضٌ) له
(برجُوعٍ) عنِ اإلقْرارِ أوْ باإلِنْكارِ فيقولُ لعَلَّكَ فأَخذْتَ أو أ َخذْتَ من غريِ حِرْزٍ أو ما
َرضَ ملاعِزَ وقال ِلمَنْ أقرَّ عِْندَهُ بالسَّ ِرقَةِ ما إخالُكَ س َر ْقتَ وخرج عَِلمْتَهُ َخمْراً ألنه ع َّ
حدْهُ فيأْمث به ألنهُ َأمَرَ بال َكذِبِ وَيحْ ُرمُ التَّعريضُ بالتَّعريض التصريح كارْجِع عنه أو ا ْج َ
عن َد قِيامِ البَيِّنة.
159
وَجيوزُ للقاضي أيضاً التَّعريضُ للشُّهود بالتَّوقّفِ يف حدِّ اهلل تعاىل إنْ رَأى
املصَْلحَ َة يف السَّتْرِ ،وإال فال ،وبِه ُيعَْلمُ أنهُ ال جيوزُ لَهُ التَّع ُرضُ وال لَ ُهمْ التَّوقُّف إن
ع املسْروقِ أو حدِّ الغَيْرِ كحدِّ القَذف. ترتَّب على ذلك ضَيا ُ
[خامتة] :يف قاطِع الطَّريقِ لو عَِلمَ اإلِمامُ قوماً خيُيفونَ الطريقَ ومل يأخُذوا ماالً وال
قَتَلوا َنفْساً عَزَّرهُم وجُوباً حبَبْسٍ وغريهِ وإن أخذ القا ِطعُ املالَ ومل يقتُل قطعت يده
اليمنَى ورجلهُ اليُسرى ،فإِن عادَ فرِجْلُهُ اليمىن وَيدَه اليسرى ،وإن قَتل قُتِلَ حتماً وإن
عَفا ُمسَْتحِقّ ال َقوْد وإن قَتَل وأخَذ نصاباً قُتِل مث صلِّب بعد غسْله وتَكْفينِه والصالةِ
عليه ثالثة أيام حتماً مث ينزل ،وقيل يبقى وجوباً حىت يتهرّى ويسيل صديده ،ويف
قول يصَْلبُ حيًا قليالً مث ينزل فيقتل.
ُعزرُ) أي اإلِمامُ أو نائِبهُ (ملعصِيةٍ ال َحدّ هلا وال كَفَّارَةَ) (فصل) :يف التعزير (وي َّ
سواءً كانت حقاً هلل تعاىل أم آلدمي كمباشَرةِ أجنبيَّة يف غريِ فرجٍ وستّ ليس بقذف
وضرب لغري حق (غالباً) وقد ُيشْرَعُ التعزيرُ بال م ْعصِية كمن يكتسبُ باللهوِ الذي ال
معصيةَ فيهِ ،وقد ينَتفي مع انتفاء احلدِّ والكفارة :كصغريةٍ صدرت ممن ال يُعرفُ
بالشرّ حلديثٍ صححه ابن حبان" :أقِيلوا ذوي اهليئاتِ عثرايَهم إال احلدود" ويف
رواية" :زالََّتهَم" وفسرهم الشافعي رضي اهلل عنه مبن ذُكر ،وقيل :هم أصحابُ
الصغائر ،وقيل :مَنْ يندمُ على الذنبِ ويتوبُ منه .وكقتلِ من رآه يزين بأهلهِ على ما
حكاه ابن الرفعة ألجل احلميةِ والغضب ،وحيلُّ قتلُه باطناً .وقد جيامعُ التعزيرُ الكفارةُ
كمجامع حليلتَهُ يف هنارِ رمضان وحيصلُ التعزيرُ (بضربٍ) غري مُربحٍ أو صفعٍ وهو
الضربُ جبمع الكفِ (أو حبسٍ) حىت عن اجلمعةِ أو توبيخٍ بكالم أو تغريبٍ أو إقامةٍ
املعزرُ جنساً وقداًر ال حبلقِ حليةٍ .قال شيخُنا :وظاهرُ من جملس وحنوها مما يراها َّ
حرمةِ حلقِها وهو إمنا جييءُ على حرمتهِ اليت عليها أكثر املتأخرين أما على كراهِتهِ
اليت عليها الشيخان وآخرون فال وجهَ للمنعِ إذا رآهُ اإلِمام .انتهى .وجيب أن ينقصَ
التعزيرُ عن أربعنيَ ضربةٍ يف احلرِّ وعن عشرينَ يف غريهِ (وعُزر أب) وإن عال وأَحلقَ به
الرافعي األمُّ وإن َعَلتْ (ومأذُونه) أي من أذَن لهُ يف التعزيرِ كاملعلمِ (صغرياً) وسفيهاً
بارتكابِهما ما ال يليقُ زجراً هلما عن سيءِ األخالقِ وللمعلمِ تعزيرُ املتعلمِ منهُ (و)
عزر (زوجٍ) زَوجتَهُ (حلقِّهِ) كنشوزِها ال حلقِّ اهلل تعاىل وقضيتُه أَنه ال يضرُّ هبا على
تركِ الصالة .وأفىت بعضُهم بوجوبهِ .واألوجه كما قال شيخنا جوازهُ ،وللسيد
تعزيرُ رقيقهِ حلقِّهِ ،وحقِّ اللَّهِ تعاىل وإمنا ُيعَزَّر من مرَّ بضرب غري مربح ،فإِن َيفِد
تعزيره إال مبربح تُرك ألنه مُهلكٌ وغريه ال يفيد( .وسُئِلَ) شيخنا عبدِ الرمحن بن زياد
رمحه اهلل تعاىل عن عبدٍ مملوكٍ عصى سيدَه وخالف أمرَه ومل خيدمهُ خدمة مثله .هل
لسيدِه أن يضربَه ضرباً غري مربح أم ليسَ له ذلك؟ وإذا ضَربه سيدَهُ ضرباً مربحاً،
ورفع به إىل أحد حكام الشريعة ،فهل للحاكم أن مينَعه عن الضربِ املربحِ أم ليس له
ذلك؟ وإذَا مَنعَهُ احلاكمُ مثالً ومل ميتنع ،فهل للحاكمِ أن يبيعَ العبدَ ويسلمَ مثنَهُ إىل
سيدهِ أم ليسَ له ذلك؟ ومباذا يبيعَهُ ،مبثل الثمنِ الذي اشتراهُ بِهِ سيدُه ،أو مبا قاله
املقوّمون ،أو مبا انتهت إليهِ الرغباتُ يف الوقت؟ (فأجاب) إذا امتنع العبدُ من خدمةِ
سيدهِ اخلدمةَ الواجبة عليهِ شرعاً فللسيدِ أن يضربَه على اإلمتناعِ ضرباً غري مُربحٍ إن
أفاد الضَربُ املذكورُ ،وليس له أن يضربَه ضرباً مُربحاً ،ومينعُهُ احلاكمُ من ذلك ،فإِن
مل ميتنعْ منَ الضرب املذكورِ فهوَ كما لو كلَّفهُ منَ العملِ ما ال يطيق ،بل أوىل إذ
الضرب املربح رمبا يؤدي إىل الزهوقِ جبامعِ التحرمي .وقد أفىت القاضِي حسني بأنهُ إذا
كلَّفَ مملوكهُ ما ال يطيقُ أنه يباعُ عليه بثمنِ املثلِ ،وهوَ ما انتهت إليهِ الرغبات يف
ذلكِ الزمان واملكان .انتهى.
160
(فصلٌ) :يف الصيالِ .وهو اإلستطالةُ والوثوبُ على الغريِ (جيوزُ) للشخص (دفعُ)
كلِّ (صائلٍ) ،مسلمٍ وكافرٍ ،مكلفٍ وغريه (على معصوم) من نفسٍ أو طرفٍ أو
منفعةٍ أو بضعٍ ومقدماته كتقبيلٍ ومعانقةٍ ،أو مالٍ وإن مل يُتموّل على ما اقتضاه
إطالقهم كحبةِ برَ ،أو اختصاصٍ كجلدِ ميتةٍ سواءً كانت للدافعِ أم لغريهِ وذلكَ
للحديثِ الصحيح أن" :من قُتلَ دونَ دمِهِ أو مالِهِ أو أهِلهِ فهو شَهيدٌ" ويلزمُ منهُ أن له
القتلُ والقتال :أي وما يسريي إليهما كاجلرحِ (بل جيبُ) عليهِ إن مل خيَفْ على نفسهِ
أو عضوِهِ الدفع (عن بضعٍ) ومقدَماته ولو من غري أقاربهِ (ونفسٍ) ولو مملوكةٍ
(قصدها كافرٌ) أو هبيمةٌ أو مسلمٌ غري حمقونِ الدم كزانٍ حمصنٍ ،وتاركُ صالةٍ ،وقاطعُ
طريقٍ حتتم قتلُه ،فيحرم اإلستسالمُ هلم فإِن قصدَها مسلمٌ حمقونُ الدم مل جيب الدفعُ،
بل جيو ُز اإلستسالمُ له ،بل يسنُّ لألَمرِ بهِ وال جيبُ الدفعُ عن مالٍ ال رَوحَ فيه لنفسهِ
(وليدفعِ) الصائلِ املعصوم (باألخف) فاألخف (إن أمكنَ) كهربٍ فزجرٍ بكالم
فاستغاثةٍ أو حتصن حبصانة فضرب بيده فَبِسوطٍ فبعصا فقطعٍ فقتلٍ ألن ذلك جُوِّزَ
للضرورةِ وال ضرورةَ لألثقل مع إمكان األخف ،فمىت خالفَ وعدل إىل رتبةٍ مع
إمكان اإلِكتفاءِ بدوهنا ضمن بالقَودِ وغريه .نعم :لو التحم القتالُ بينهما واشتدَّ األمرُ
عن الضبطِ سقطَ مراعاةُ الترتيبِ وحملُ رعايةِ الترتيبِ أيضاً يف غريِ الفاحشةِ فلو رآهُ
قد أَولَج يف أجنبيةٍ فلهُ أن يبدأَهُ بالقتلِ وإنِ اندفعَ بدونهِ ألنهُ يف كلِ حلظةٍ مواقعٌ ال
يُستدر ُك باألناةِ قاله املاوردي والرَوياين والشيخ زكريا .وقالَ شيخُنا :وهو ظاهر يف
حصَنِ ،أما غريُه فاملتجهُ أنهُ ال جيوزُ قتلهُ إال إن أدّى الدفعُ بغريهِ إىل مضي زمنٍ وهو ا ُمل ْ
متلبسٌ بالفاحشة .انتهى .وإذا مل ميكن الدفعُ باألخفّ كأن مل جيد إال حنو سيفٍ
فيضربُ به ،أما إذا كا َن الصائلُ غري معصو ٍم فله قتلهُ بال دف ٍع باألخف لعدمِ حرمتهِ.
[فرع] :جيبُ الدفعُ عن منكرٍ كشرب مسكرٍ وضربِ آلةِ هلوٍ وقتلِ حيوانٍ ولو
للقاتلِ( .ووَ َجبَ ختانٌ) للمرأةِ والرجلِ حيث مل يولدا خمتوننيِ لقولهِ تعاىل{ :أن اتبع
ملةَ إبراهيم} ومنها اخلتان ،إختنتَ وهو إبنُ مثاننيَ سنةٍ ،وقيل واجبٌ على الرجالِ،
وسنةٌ للنساءِ .ونُقلَ عن أكثرِ العلماءِ( .ببِلوغٍ) وعقلٍ إذ ال تكليفَ قبلَهما فيجبُ
بعدمها فوراً .وحبثَ الزركشيُّ وجوبَهُ على ويلٍ مميزٍ وفيهِ نظر .فالواجبُ يف ختانِ
شفََتهُ حىت تنكشفَ كلها ،واملرأةِ قطعُ جزءٍ يقعُ عليه اإلسمُ الرجلِ قطعُ ما يغطي َح ْ
من اللحمةِ املوجودةِ بأعلى الفرجِ فوق ثقبةِ البولِ تُشبهُ عُرفَ الديكِ وتسمى البظر
مبوحدة مفتوحة فمعجمة ساكنة ونقلَ األردبيلي عن اإلِمام ولَو كان ضعيفَ اخلِلقةِ
حبيث لو خُنتَ خِيفَ عليهِ مل يُخنتْ إال أن يَغُلبَ على الظنّ سالمَتهُ ،ويندبُ تعجيُلهُ
سابعَ يومِ الوالدةِ لإلِتِّباعِ ،فإِن أُخر عنه ففي األربعني ،وإال ففي السنةِ السابعةِ ألهنا
وقتُ أمرهِ بالصالةِ ومَن ماتَ بغريِ خِتانٍ لن يُخنتْ يف األصحِ .ويُسنُّ إظهارُ ختانِ
الذكرِ وإخفاءُ خِتانِ األُنثى ،وأمَا مؤنةِ اخلتانِ يف مالِ املختونِ ولو غريَ ملَّف ،مث على
مَنْ تلز ُمهُ نفقتُهُ .وجيبُ أيضاً قطعُ سرةِ املولودِ بعدَ والدتِهِ بعدُ حنوَ ربطِها لتُوقف
إمساكِ الطعامِ عليه( .وحرمَ تثقيبُ) أنفٍ مطلقاً (وأذنُ) صيبّ قطعاً ،وصبِيةٍ على
األوجهِ لتعليقِ احللَقِ كما صرحَ به الغزايل وغريُه ألنهُ إيالمٌ مل تدعُ إليهِ حاجةٌ
ع يف الصحيح ،ويف فتاوى قاضيخان وجوزهُ الزركشي واستدلَّ مبا يف حديثِ أمِّ زر ٍ
مِنَ احلنفيةِ أنهُ ال بأسَ بهِ ألهنم كانوا يفعلونَهُ يف اجلاهليةِ فلمْ يُنكِرْ عليهم رسولُ اهلل،
ويف الرعايةِ للحنابلةِ جيوزُ يف الصبيةِ لغرضِ الزينةِ .وَيُكرهُ يف الصيب .انتهى .ومقتضى
كالمُ شيخنا يف شرح املنهاج جوازُهُ يف الصبيةِ ال الصيب ملا عُرِفَ أنهُ زينةٌ مطلوبةٌ يف
الل ِعبَ هلنَّ مبا فيهِ صورةٌ للمصلحةِ ،فكذا حقهنَّ قدمياً وحديثاً يف كلِّ حملّ .وقد ج ّوزَ َّ
161
هذا أيضاً .والتعذيبُ يف مثلِ هذهِ الزينةِ الداعيةِ لرغبةِ األزواجِ إليهنَّ سهل حمتملٌ
ك فإِنهُ مهمٌّ.
ومغتفَ ٌر لتلكَ املصلحةِ .فتأملْ ذل َ
[تتمة] :مَنْ كانَ مع دابةٍ يضمَنُ ما أتَلفَْتهُ ليالً وهناراً .وإنْ كانتْ وحدَهَا
ضمَنَ إال أن ال يُفرِّطَ يف فأتََل َفتْ زرعاً أو غريَهُ هناراً مل يضمَنْ صاحُبهَا.أو ليالً َ
رب ِطهَا .وإتالفُ حنوِ ه ّرةٍ طرياً أو طعاماً عَهدَ إتالفها ضمنَ مالِكُها ليالً وهناراً إن قصَّرَ
يف ربطِهِ ،وتُدفعُ اهلرّةُ الضاريَةُ على حنوِ طريٍ أو طعامٍ لتأكُلَهُ كصائلٍ برعايةِ الترتيبِ
السابقِ .وال تقت ُل ضاريةً ساكنةً خالفاً جلم ٍع إلِمكانِ التحرزِ عن شرِّها .
(هُوَ فَرضُ كفايةٍ كلَّ عامٍ) وَلو مرّةً إذا كان الكفارُ ببالدِهم ،ويتعنيُ إذا دَخلوا
بالدَنا كما يأيت :وحُ ْكمُ فرضِ الكفايةِ أنه إذا فعلهُ من فيهم كفايةً سقطَ احلرجُ عنه
وعن الباقني .ويأمثُ كلُّ من ال عُذرَ لهُ مِنَ املسلمنيَ إنْ تركوهُ وإن َجهِلُوا .وفروضُها
كثريةٌ (كقيامٍ حبججٍ دينيةٍ) وهي الرباهنيُ على إثباتِ الصانعِ سبحانهُ وما يَجبُ لهُ من
الصفَاتِ ويستحيلُ عليهِ منها وعلى إثباتِ النبواتِ وما وردَ بهِ الشرعُ مِنَ املَعادِ
حلسَابِ وغريِ ذلك( .وعلومٍ شرعيةٍ) كتفسريٍ وحديثٍ وفِقهٍ زائدٍ على ما ال بدّ منه وا ِ
وما يتعلقُ هبا حبَيثُ يصلحُ للقضاءِ واإلِفتاءِ للحاجةِ إليهِما (ودفعِ ضررٍ معصومٍ) مِنْ
مسلمٍ وذمِي َومُستأمنٍ جائعٍ مل يصِلْ حلالةِ اإلضطرارِ أو عارٍ أو حنو ِهمَا .واملخاطبُ
بهِ كُلُّ موسرٍ مبا زادَ على كفايةِ سنةٍ له وملمونةٍ عندَ احتاللِ بيتِ املالِ وعدمِ وفاءِ
ف عن حمرماتِه فشملَ النهي عن منكر زكاةٍ (وأَمرٍ مبعروفٍ) أي واجباتِ الشرعِ والك ِ
احملر ِم لكنَّ حملَّهُ يف واجبٍ أو حرامٍ مُجمعٍ عليهِ ،أو يف اعتقادِ الفاعلِ واملخاطبُ ي َّ
بهِ كل مُكَلَّفٍ مل َيخَفْ على حنوِ عضوٍ ومالٍ وإن قلَّ ومل يغلبْ على ظِنهِ أن فاعَلهُ
يزيدُ فيهِ عناداً وإن علمَ عادةً أنه ال يفيدَهُ بأن يُغريَهُ بكلِ طريقٍ أمكَنهُ من يدٍ فلسانٍ
فاستغاثة بالغريِ فإِن عجزَ أنكرهُ بقلِبهِ .وليسَ ألحدٍ البحثَ والتجسسَ واقتحامَ الدورِ
بالظنونِ .نعم :إن أخربَهُ ثقةٌ مبن اختفى مبنكرٍ ال يتداركُ كالقتلِ والزنا لزمهُ ذلك.
ولو توقفَ اإلِنكارُ على الرفعِ للسلطانِ مل جيبْ ملا فيهِ من هتكِ حرمةٍ وتغرميِ مالٍ.
قاله ابن القشريي .قال شَيخُنَا :وله احتمالٌ بوجوبهِ إذا مل ينزحِرْ إال بهِ هوَ األوجهُ،
وكالمُ الروضةِ وغريِها صريحٌ فيهِ .انتهى( .وتَحمُلُ شهادةٍ) على أهل له حضرَ إليهِ
املشهودُ عليهِ أو طلبَهُ إن ُع ِذرَ بعذرِ جُمعةٍ (وأدائِها) على مِنْ حيملُها إن كان أكثرَ
من نصابٍ وإال فهوَ فرضُ عنيٍ (وكإِحياءِ كعبةٍ) حبجٍ وعمرةٍ كل عامٍ وتشييعِ جنازةٍ
(وردِّ سالمٍ) مسنونٍ (عنْ مجعٍ) أي إثننيِ فأكثرَ ،فيسقطُ الفَرضُ عن الباقني وخيتصُّ
بالثوابِ ،فإِن رُدّوا كلهم ولو مرتباً أُثيبُوا ثوابَ الفرضِ كاملصلنيَ على اجلنازةِ .ولو
سلمَ مجعٌ مرتبونَ على واحدٍ فردَّ مرّةً قاصداً مجيعهم ،وكذا لو أطلقَ على األوجهِ
أجزأَهُ ما مل حيصل فصلٌ ضارّ .ودخلَ يف قويل مسنونٌ سالمُ امرأةِ على امرأةٍ أو حنوِ
َمحْرمٍ أو سيدٍ أو زوجٍ وكذا على أجنيبّ وهي عجوزٌ ال تُشتهى .ويلزمها يف هذهِ
الصورةِ ردُّ سالمِ الرجلِ .أما مشتهاةٌ ليس معها امرََأةٌ أخرى فيحرمُ عليها ردُّ سالمِ
أجنيب ،ومثلُه ابتداؤه ويُكرهُ ردُّ سالمِها ،ومثلُهُ ابتداؤهُ أيضاً .والفرقُ أن ردَّها
سلمَ على وابتداءَها يُ ْط ِمعُهُ لطمعِهِ فيها أكثر خبالفِ ابتدائِ ِه وردهِ .قالَهُ شيخنا .ولو َّ
مجعِ نسوةٍ وجبَ ردُّ إحداهنَّ إذ ال خيشى فتنةً حينئذٍ .وخرجَ بقويل عن مجع الواحد
فالردُّ فرضُ عنيٍ عليهِ ولو كانَ املسلمُ صبياً مميزاً .وال بدَّ يف اإلبتداءِ والردِّ من رفع
الصوتِ بقدرِ ما حيصلُ بهِ السماعُ احملققُ ولَو يف ثقيل السمع .نعم :إنْ مرَّ عليهِ
سريعاً حبَيثُ مل يبلغْهُ صوتَهُ فالذي يظهر كما قالَهُ شيخُنا أنهُ يلزمه الرفعُ وسعيُهُ
162
دونَ العدو خَلفَهُ .وجيبُ اتصالُ الردِّ بالسالمِ كاتصالِ قبولِ البيعِ بإِجيابِهِ .وال بأ َ
س
بتقدميِ عليكَ يف ردِ سالمِ الغائبِ ألنَّ الفصلَ ليسَ بأجنيب .وحيثُ زالتِ الفوريَّةُ فال
قضاء خالفاً ملا يُومهُهُ كالمُ الروياين .وَيَجبُ يف الردِّ على األصمِّ أن جيمعَ بنيَ اللفظِ
واإلِشارةِ وال يلزمهُ الردُّ إال إن مجعَ لهُ املسّلمُ علي ِه بنيَ اللفظِ واإلِشارة (وابتداؤهُ) أي
السالمُ عندَ إقبالِهِ أو انصرافِهِ على مُسَِّلمٍ غري حن ِو فاسقٍ أو مبتدع حىت الصيبَّ املميزَ
وإن ظن عدمَ الردِّ (سنةٌ) عيناً للواحدِ وكفايةً للجماعةِ كالتمسيةِ لألكل خلرب" :أنَّ
أوىل الناسِ باللَّهِ مَنْ بَدأ ُهمْ بالسالمِ" .وأفىت القاضي بأن اإلِبتداءَ أفضلُ كما أن إِبراءَ
املعسرِ أفضلُ مِنْ إِنظارهِ وصيغةُ ابتدائهِ السالمُ عليكم أو سالمٌ عليكمُ ،وكذا عليكمُ
السالمُ أو سالمُ ،لكنهُ مكروهٌ للنهي عنهُ ومع ذلكَ جيبُ الرد فيهِ خبالفِ وَعليكمُ
السالمُ بالواو إذْ ال يصلحُ لإلبتداءِ واألفضلُ يف اإلبتداءِ والردِّ اإلتيانُ بصيغةِ اجلمعِ
حىت يف الواحدِ ألَجلِ املالئكةِ وَالتعظيمِ وزيادةُ ورمحةُ اللَّهِ وبركاتُه ومغفرتُهُ .وال
يكفي اإلِفرا ُد للجماع ِة ولو سلمَ كلٌ على اآلخ ِر فإِن ترتبا كانَ الثاين جواباً :أي ما مل
يقصدْ ب ِه اإلبتداءُ وحدَ ُه كما حبثَهُ بَعضهُم وإال لزمَ كالًّ الردُّ.
[فروع] :يُسنُ إرسالُ السالمِ للغائبِ ويلزمُ الرسولُ التبيلغُ ألنهُ أمانةٌ وجيبُ
أداؤها .وحملُّهُ مَا إذا رَضيَ بتحمل تلكَ األمانةِ .أما لو ردَّها فال وكذا إن س َكتَ.
ضهُم :جيبُ على املوصى بهِ تَبليغهُ وحملَّ ُه كما قالَ شيخنا إن قَبِلَ الوصيةَ وقال بع ُ
بلفظٍ يدلُّ على التحملِ ويلزمُ املُرسل إليهِ الردَّ فوراً باللفظِ يف اإلِرسالِ وبهِ أو
بالكتابةِ فيها .وَيُنَدبُ الردُّ أيضاً على املبلِّغ والبداءةُ بهِ فيقولُ عليكَ وعليهِ السالمُ،
ضهُم نَدبَ البدِاءَةِ باملرسِلِ .وَحيرمُ أن يبدأ بهِ ذمياً للخربِ املشهورِ فيهِ .وحكى بع ُ
ويستثنيه وجُوباً بقلبهِ إن كانَ مع مسلمٍ .ويسنُّ ملنْ دخلَ حمالًّ خالياً أنْ يقولَ السالمُ
علينا وعلى عبادِ اللَّهِ الصاحلنيَ .وال يندبُ السالمُ على قاضي حاجةِ بولٍ أو غائطٍ أو
مجاعٍ أو استنجاءٍ وال على شاربٍ وآكلٍ يف فمِهِ اللقمةُ لشغلِهِ وال على فاسقٍ بَلْ
يُسنُّ تركَهُ على جماهرٍ بفسقِهِ ومرتكبِ ذنبٍ عظيمٍ مل يتبْ مِنهُ ومبتدعٍ إال لعذرٍ أو
خوفِ مفسدةٍ وال على مُصلًّ وسا ِجدٍ ومُؤذنٍ َومُقيمٍ وخطيبٍ َومُسَت ِمعِهِ وال ردَّ
عليهم إال مُستَ ِمعَ اخلطيبِ فإِنهُ جيبُ عليهِ ذلكَ بل يكرهُ الردُّ لقاضي احلاجةِ واجلامعِ
واملستنجي وَُيسَنُّ لآلكلِ وإنْ كانت اللقمةُ بفِيهِ .نعم :يُسنُّ السالمُ عليهِ بعد البلعِ
وقبلَ وضعِ اللقمةِ بفيهِ ،ويلزمُهُ الردُّ وُيسَنُّ الردُّ ملن يف احلمامِ وملبّ باللفظِ وملصلَ
ومؤذنٍ ومقيمٍ باإلِشارةِ ،وإال فبعدَ الفراغِ أي إنْ قَرب الفَصل ،وال جيبُ عليهم.
ويُسنُّ عندَ التالقي سالمُ صغريٍ على كبريٍ وماشٍ على واقفٍ وراكبٍ عليهم وقليلني
على كثريينَ.
[فوائد] :وحىت الظهرَ مكروهٌ .وقالَ كثريونَ حرامٌ .وأفىت النووي بكراهةِ
اإلحنناءِ بالرأسِ وتقبيلِ حنوِ رأسٍ أو يدٍ أو رجلٍ ال سيما لِنحوِ َغينٍ حلديثِ" :مَنْ
ضعَ لغَين ذَ َهبَ ثُلثا دينَهُ" .وَيُندبُ ذلك لنحوِ صالحٍ أو علمٍ أو شرفٍ ألن أبا توا َ
عبيدةً قبَّل َيدَ ُعمَر رضي اللَّهُ عنهما .وَيسنُّ القيامُ ملنْ فيهِ فضيلةً ظاهرةً مِنْ حنوِ
صالحٍ أو عِلمٍ أو والدةٍ أو والَيةٍ مصحوبةٍ بصيانةٍ .قال ابنُ عبدِ السالمِ أو ملن يُرجى
خريُه أو يُخشَى شَرُّهُ ولو كافراً خُشيَ مِنهُ ضرراً عظيماً .وَيَح ُرمُ على الرجل أن حيب
قيا َمهُم لهُ .وَيُسنُّ تقبيلُ قادمٍ منْ سفرٍ ومعانقتُه لإلِتباعِ (كتشميتِ عاطسٍ) بالغٍ
(حَمدَ اللَّهَ تعاىل) بريمحُكَ اهلل أو رَحَمكُم اللَّهُ وصغريٍ مميزٍ َح َمدَ اللَّهَ بنحوِ أصلحَكَ
اللهَ اللَّهُ فإِنهُ سُنةٌ على الكفايةِ إن َس ِمعَ مجاعةً وسُن ُة عنيٍ إنْ َس ِمعَ واحدٌ إذا َح َمدَ َّ
العاطسُ املميزُ عقبَ عُطَاسِهِ بأَنْ مل يتخللْ بينهما فَوقَ سكتةِ تنفسٍ أوعَىَ فإِنهُ يُسنُ
له أن يقولَ عقبَهُ احلمدُ للَّهِ وأفضلُ منهُ احلمدُ للَّهِ ربّ العاملنيَ ،وأفضلُ منهُ احلمدُ للَّهِ
163
على كلِ حالٍ .وخرج بقولِي حَمد اللَّه مَنْ مل حيمدُه عقبه فال يُسنُّ التشميتُ له.
شمّتهُ فإِن شَك قال يَرحمُ اللَّهُ من حَمدَهُ .ويُسنُّ تذكريُهُ احلمد وعندَ توايل العطاسِ ُي َ
لثالثٍ مث يَدعو له بالشفاءِ ويُسرُّ بهِ املصلِي وحيمدُ يف نفسهِ إن كانَ مشغوالً بنحوِ
بولٍ أو جَماعٍ وَيشترطُ رَفعٌ بكلّ حبيثُ يسمعُه صاحبُهُ .وَيُسنُّ للعاطسِ وضعُ شيءٍ
شمّتِهِ بِنحوِ يهدي ُكمُ اللَّهُ ويُصلحُ بَالَكم على وجههِ وخفضُ صوتِهِ ما أمكنَه ،وإجابةُ ُم َ
ب طاقتهُ وَسَت ُر فِيهِ ولو يف الصالةِ أو يَغف ُر اللَّهُ لكم لألمرِ بهِ ويسنُّ للمتثائبِ ردُّ التثاؤ َ
بيدِهِ اليُسرى .ويُسنُّ إجابةُ الداعِي بلبيكَ( .واجلهادُ) فرضَ كفايةٍ (على) كلّ مسلمٍ
(مكلَّفٍ) أي بالغٍ عاقلٍ لرفعِ القلمِ عن غريِمها (ذكرٍ) لضعفِ املرأةِ عنه غالباً (حُرّ)
فال جيبُ على ذي رقَ ولو مكاتباً ومُبعضاً وإن أذنَ لهُ سيدُهُ لنقصِهِ (مُستطيعٍ لَهُ
سالحٌ) فال جيبُ على غريِ مستطيعٍ كأقطعٍ وأعمى وفاقدٍ معظمَ أصابعَ يدهِ ،ومَنْ بهِ
عرجٌ بيِّن أو مرضٌ تعظم مشقتهُ ،وكعادمِ مؤنٍ ومَركبٍ يف سَفرِ قصرٍ فاضلٌ ذلكَ
عن مؤنةِ مَنْ تلزمُهُ مُؤنتُهُ كما يف احلجِ وال عَلى مَنْ ليسَ لهُ سالحٌ ألنَّ عا ِدمُ ذلكَ
ال نُصر َة بهِ (وحَ ُرمَ) على مدينٍ مُوسَرٍ عليهِ دي ٌن حالَ مل يوكِلْ من يقضي عنهُ من
مالهِ احلاضِر (سَفرٌ) جلهادٍ وغريِه ،وإن َقصُرَ وإن مل يكن خموفاً أو كانَ لطلبِ علمٍ
رعايةً حلقّ الغريِ ،ومن مث جاءَ يف مُسلم :القتلُ يف سبيلِ اللَّهِ يُكفِّرُ كلَّ شيءٍ إال
الدَّيْن( .بال إذنِ غَرميٍ) أو ظنَّ رضاهُ وهوَ من أهلِ اإلِذنِ .ولو كان الغرميُ ذمياً أو
كانَ بالدَّينِ رَهنٌ وثيق أو كفيلٌ مُوسَر .قال األَسنوي يف املهماتِ :أنَّ سكوتَ ربّ
الدينِ ليسَ بكافٍ يف جوازِ السفرِ ،معتمداً يف ذلِك على ما فُهمَ من كالمِ الشيخنيِ
الطيبِ والبندنيجي والقزويين :ال بدَّ يف احلرمةِ مِنَ هنا .وقالَ ابنُ الرفعةِ والقاضي أبو َّ
التصري ِح باملنعِ ،وَنقلَهُ القاضي إبراهيمُ بن ظهريةَ وال حيرمُ السفرُ ،بل وال مينعُ منهُ إن
كانَ معسراً أو كانَ الدَّينُ مُؤجَالً وإنْ قَرُبَ حُلولهُ بشرطِ وصولِهِ ملا حيلُّ له فيه
القصرُ وهوَ مُؤجلٌ (و) حرمَ السفرُ جلهادٍ وَحجّ تطوّعٍ بال إذنِ (أَصلٍ) مسلمٍ أبٍ وأمّ
وإن علِيا ولو أذنَ من هو أقربُ مِنهُ ،وكذا حيرمُ بال إذنِ أصلٍ سفرٌ مل تغلبْ فيهِ
السالمةَ لتجارةٍ (ال) سفرٌ (لتعلمِ فرضٍ) ولو كفايةٍ كطلبِ النحوِ ودرجةِ الفتوى فال
حيرمُ عليهِ وإنْ مل يأذنْ أصلُهُ (وإنْ دخلوا) أي الكفارُ (بلدةً لنا تَعيَّنَ) اجلهادُ (على
أهْلِها) أي يتعيَّنُ على أهلِها الدفعُ مبا أمكَنهُم وللدفع مَرتبتانِ .إحداهُما أن حيتمَلَ
احلال اجتما َعهُم وتأهَبهُم للحربِ فوجبَ الدفعُ على كلّ من ُهمْ مبا يقدرُ عليهِ حىت
على مَنْ ال يلزمه اجلهادُ حنوَ فقريٍ وولدٍ ومدينٍ وعبدٍ وامرأةٍ فيها قوّة بال إذن ممن مرَّ.
وَيغتفرُ ذلكَ هلذا اخلطبِ العظيمِ الذي ال سبيل إلمهالِهِ .وَثَانِيتُهما أنْ يغشا ُهمُ الكفارُ
وال يتمكنونَ من اجتاعٍ وتأهبٍ فمن قصدَهُ كافرٌ أو كفارٌ وعَِلمَ أنهُ يُقتلُ إن أخ َذهُ
فعليهِ أن يدفعَ عن نفسهِ مبا أمكنَ وإن كان ممن ال جهادَ عليهِ إلمتناعِ اإلستسالمِ
لكافرٍ.
[فروع] :وإذا مل يُمكنْ تأهبٌ لقتالٍ وج ّو َز أسراً وقتالً فله قتا ٌل واستسالمٌ إن
عَِلمَ أنه إنْ امتنعَ منهُ قُتِل وأمِنتِ املرأةُ فاحشةً إن أخذت وإالَّ تعني اجلهادُ ،فمنْ عَلِمَ
أو ظنَّ أنه إنْ أخذَ قتل عيناً امتنعَ عليهِ اإلستسالمُ كما مرّ آنفاً .ولو أسروا مسلماً
جيبُ النهوضُ إليهم فوراً على كلِّ قادررٍ خلالصِهِ إن رجى .ولو قال لكافرٍ أطلِقْ
أَسريَكَ وعليَّ كذا فأطلقَهُ لَ ِزمَهُ وال يرجعُ بهِ على األسريِ إالَ إنْ أذنَ لهُ يف مُفاداتِهِ
فريجعُ عليهِ وإن مل يشترطْ له الرجوعَ (و) تعنيَ على (مَنْ دونَ مسافةِ قصرٍ منها) أي
من البلدةِ اليت دخلوا فيها وإنْ كانَ يف أهِلهِم كفايةً ألهنم يف حكمِهم ،وكذا مَنْ
حق منكانَ على مسافَةِ القصرِ إن مل يكفِ أهلَها ومن يلَي ِهمْ ،فيصريُ فرضَ عنيٍ يف ِّ
قَرُبَ وفرضَ كفايةٍ يف حقِّ من َب ُعدَ( .وَحَ ُرمَ) على مَنْ هُو مِنْ أهلِ فرضِ اجلهادِ
164
(انصرافٌ عنْ صفّ) بعدَ التالقي وإن غلبَ على ظنِّهِ أنهُ إذا ثبتَ قُتِلَ لعدِّهِ الفرار مِنَ
الزَحفِ مِنَ السَبْعِ املوبقاتِ .ولو ذهبَ سالحُهُ وأمكنَ الرميُ باحلجارةِ مل جيزْ لَهُ
ضهُم بأنه إذا غلبَ ظَنُّ اهلالكِ بالثباتِ من غريِ اإلنصراف على تَناقضٍ فيهِ .وجزمَ بع ُ
نكايةٍ فيهم وجبَ الفرارُ (إذا مل يزيدوا) أي الكفارُ (على مثلينا) لآلية .وحكِمةُ
وجُوب ُمصَابرةِ الضَعفِ أنَّ املُسِلمَ يقاتلُ على إحدى احلُسنينيِ :الشهادةُ والفوزُ
بالغنيمةِ معَ األجرِ ،والكافرُ يُقاتلُ على الفوزِ بالدنيا فَقَط .أما إذا زَادوا على املِثلَنيِ
َرمَ جَمعٌ جمتهدونَ اإلنصرافَ كمائتنيِ وواحدٌ عنِ مائةٍ فيجوزُ اإلِنصرافُ مُطلقاًَ .وح َّ
مطلقاً إذا بَلغَ املسلمونَ اثين عشرَ ألفاً خلرب" :لَنْ يُغَلبَ إثنا عشرَ ألفاً مِنْ قِلةٍ" وبهِ
أن الغالبَ على هذا العددِ ال َظفَرُ فال خصتِ اآليةِ .ويُجابُ بأن املرادَ مِنَ احلديثِ َّ
تعرض فيهِ حلرمةِ فرارٍ وال لعدمِها كما هوَ واضحٌ وإمنا يَح ُرمُ اإلِنصرافُ إن
قاومناهم إال متحرفاً لِقتالٍ أو متحيزاً إىل فئةٍ يستنجدُ هبا على العدوِّ ولو بعيدة (وَيُرقُّ
ذراري كفارٍ) وعَبيدهَم ولو مسلمنيَ كاملنيَ (بأسرٍ) كما يرقُّ حريبٌّ مقهورٌ حلريب
بالقهرِ أي يصريونَ بنفسِ األسرِ أرقاءَ لنا ويكونونَ كسائرِ أموالِ الغنيمةِ .ودخلَ يف
الذراري الصبيانِ واجملاننيَ والنسوانَ وال حدَّ إنْ وطىءَ غَامنٌ أو أبوه أو سيدهُ أمةً يف
الغنيمةِ ولو قبلَ اختيارِ التملكِ ألن فيها شُبهةَ مُلْكٍ ويُعزرُ عاملٌ بالتحرميِ ال جاهلٌ بهِ
إن ُع ِذرَ لقربِ إسالمِهِ أو َب ُع َد حملهُ عن العلماءِ.
[فرع] :يُحكمُ بإِسالمِ َغريَ بالغٍ ظاهراً وباطناً :إما تبعاً للسايب املسلم ولو
شا َركَهُ كافِرٌ يف سَبيِهِ ،وإما تبعاً ألحدِ ُأصُولِهِ وإن كانَ إسال ُمهُ قَبَلَ عُلوِقهِ فَلو أقرَّ
أحدُهُما بالكفرِ بعدَ البلوغ فهو مرتدٌّ مِنَ اآلنَ (وإلِمامٍ) أو أمريٍ (خَيارٌ يف) أسريٍ
(كاملٍ) ببلوغٍ وعقلٍ وذكورةٍ وحريةٍ (بنيَ) أرَبعِ خِصالٍ مِنْ (قتلٍ) بضربِ الرقبةِ ال
غري (وَمنَّ) عليه بِتخليةِ سبيلِهِ ( َوفِداءٍ) بأسرَى مِنَّا أو مالٍ فيخمسُ وجوباً أو بنحو
سِالحاً ويفادى سِال ُحهُم بأَسرانا على األوجهِ ال مبالٍ (واسترقاقٍ) فيفعلُ اإلِمامُ أو
نائِبُهُ وجوباً األحظُّ للمسلمنيَ الجتهادِهِ َومَنْ قتلَ أسرياً غريَ كاملٍ لزمتْهُ قِيمَتَهُ أو
صمُ دَمَهُ) مِنَ
ُزرَ فقط (وإسالمُ كافرٍ) كاملٍ (بعدَ أسرٍ يَع ِ كامالً قبلَ التخيريِ فيهِ ع ِّ
القتلِ خلربِ الصحيحنيُ" :أمِرْتُ أَنْ ُأقَاتِلَ الناسَ حىت يشهدوا أَنْ ال إلهَ إال اهلل ،فإذا
صمُوا مِين دماءَهُم وأمواهلُم إال حبقّها" ومل يذكُرْ هُنا ومالَهُ ألنهُ ال يعصمهُ .إذا قالوا عَ َ
اختارَ اإلِمامُ ِرقَّهُ وال صغارَ أوالدِهِ للعلمِ بإِسال ِمهِم تِبعاً لَهُ وإِن كانوا بدَارِ احلربِ أَوْ
أَرقاءَ وإذا تَبعُوهُ يف اإلِسالمِ وهم أَحرارٌ مل يُرقُّوا المتناع طروِّ الرقِّ على مَنْ قارنَ
إِسالمَهُ حُريََتهُ .ومِنْ مثَّ أمجعُوا على أنَّ احلرَّ املسلمَ ال يُسىب وال يُستَرقُّ أو أرقاءٌ مل
ينقص رُِّقهُم .ومن مث لو مَلَكَ حريبٌ صغرياً مث حُ ِكمَ بإِسالمهِ تبعاً ألصلِهِ جاز سبيُه
واسترقاقُهُ ويبقى اخليارُ يف باقي اخلصالِ السابقةِ مِن املِنِّ أو الفداءِ أو الرِقِّ .ومَحلُّ
جوازِ املفاداةَ مع إرادةِ اإلِقامةِ يف دارِ الكفرِ إن كان له مثَّ عشريةَ يَأْمنُ معها على
صمُ دماً) أي نفساً نفسِهِ ودينِهِ (و) إسالمُهُ (قبلَهُ) أي قبل أسرٍ بوضعِ أيدينا عليهِ (يَع ِ
عن كل ما مرّ (وماالً) أي مجي َعهُ بدارنا أو دارهم وكذا فرعُه احلرُّ الصغريُ واجملنونُ
عندَ السيب عن اإلسترقاق ال زوجتُهُ فإِذا سُبيتْ ولو بَعدَ الدخولِ انقطعَ نِكاحُهُ حاالً.
وإذا سُبَي زوجانِ أو أحدَهُما انفسخَ النكاحُ بيَنهُما ملا يف خربِ مسلمٍ أهنم ملَّا امتنعوا
يومَ أوطاسَ مِنْ وطءِ املَسبّياتِ املتزوّجات نَزلَ {وَاملُحصَنَاتُ} أي املُتزوجاتُ {مِنَ
النساءِ إال مَا مَلَكَتْ أميَانُ ُكمْ} .فحرَّم اللَّهُ تعاىل املتزوّجات إال املسبياتَ.
[فرع] :لو ادَّعَى أسريٌ َقدْ ُأرِقّ إسالمَهُ قبلَ أسرِهِ مل يُقبَلْ يف الرقّ ويُجعَلُ مُسلماً
من اآلنَ ويثبتُ بشاهدٍ وامرأتنيِ ولو ادَّعَى أسريٌ أنه مسلمٌ ،فإِن أُخذَ من دارِنا صُدِّقَ
بِيمينِهِ أو مِنْ دَارِ احلربِ فَال (وَإذا أَرقَّ) احلريبُّ (وعليهِ دينٌ) ملسلِم أو ذمِيٍ (مل
165
يَس ُقطْ) وسقطَ إن كانَ حلريبّ ،ولو اقترضَ حَريبٌّ من حريبّ أو غ ِريهِ أو اشترى مِن ُه
ُم أسلما أو أحَدهُما يَسقُط إلِلتزامِه بعقدٍ صحيحٍ .ولو أتلفَ حريبٌّ على شيئاً ث َّ
حربكي شيئاً أو غصبَهُ مِنهُ فأسلما أو أسلمَ املُتلِفُ فال ضمانَ ألنهُ مل يلتزمْ شيئاً بعقدٍ
حىت يستدامَ حُكمَهُ وألَنَّ احلريبَّ لو أتلفَ مالَ مسلمٍ أو ذميٍ مل يضمنُهُ فَأَوىل مال
احلريب.
[فرع] :لو قَهرَ حريبٌّ دائَِنهُ أو سيدَهُ أو زوجَهُ ملكه ارتفعَ الدينُ والرِقُّ والنِّكاحُ
وإن كانَ املقهورُ كامالً ،وكذا إن كانَ القاهِرُ بعضاً للمقهورِ ولكنْ ليسَ للقاهرِ بَيعَ
مقهورِ ِه البعض لعتقِهِ عليهِ خالفاً للسمهودي.
[مهمة] :قال شيخُنا يف شرح املنهاجَ :قدْ كَثُرَ اختالفُ الناسِ وتألي ُفهُم يف
السراري واألرِقاءِ اجمللوبنيَ مِنَ الرومِ واهلندِ .وحاصلُ معتمدِ مذهبنَا فيهِم أنَّ مَنْ مل
يعلمْ كونَهُ غنيمةً مل تتخَمسْ ومل تُقسمْ َيحِلُّ شراوه وسائرُ التصرفاتِ فيهِ الحتمالِ أنَّ
آسِرَهُ البائعُ له أوالً حريبٌّ أو ذميٌّ فإِنه ال يُخمسُ عليهِ وهذا كثريٌ ال نادرٌ ،فإِنْ حتقَّقَ
أَنَّ آخذَهُ مسلمٌ بنحوِ سرقةٍ أو اختالسٍ مل جيزْ شراوهُ إال على الوجْهِ الضعيفِ أنه ال
يُخمَّسُ عليهِ فقولُ مجعٍ متقدمنيَ ظاهرُ الكتابِ والسنةِ واإلِمجاعِ على منعِ وطءِ
السراري اجمللوبةِ من الرومِ واهلندِ إال أنْ يُنصبَ مَنْ يقسمُ الغنائمَ وال حيفَ يتعنيُ
محلَهُ على ما عُِلمَ أن الغامن له املسلمون وإنه مل يسبق من أمريِهِم قبلَ اإلغتنامِ مَنْ أَخَذَ
شيئاً َف ُهوَ لَهُ جلوازِهِ عِندَ األَئِمةِ الثالثةِ .ويف قولِ الشافعي بل زَ َعمَ التاجُ الفزاري أنهُ
ردهُ
سهَا ،وله أن يُح ّرمُ بعضَ الغامننيَ ،لكن َّ ال يلزمُ اإلِمامُ قسمةَ الغنائمِ وال ختمي َ
املصنفُ وغريُهُ بأنه خمالفٌ لإلِمجاعِ وطريقُ من َوَقعَ بيدِهِ غنيمة مل تُخمَّسْ ردَّها
ملستحقّ علمٍ ،وإال فللقاضي كاملالِ الضائعِ أي الذي مل يقعِ اليأسُ من صاحبِهِ وإال
حق الظفرِ بهِ على املعتمدَِ .ومِنْ َّمث كان املُعتمدُ كما ك بيتِ املا ِل فَِلمَن لَهُ فيهِ ُّ
كانَ ملَ َ
مرَّ أن مَنْ َوصَلَ َلهُ شيءٌ يستحقُّهُ منهُ حلَّ لَهُ أ َخ َذهُ وإن ظلمَ الباقونََ .ن َعمْ :الورعُ
ملريدِ التسري أن يشتري ثانياً مِنْ وَكيلِ بيتِ املا ِل ألن الغالبَ عَدمَ التخميسِ واليأسَ
ت املالِ .انتهى. مِنْ معرف ِة مالِكِها فيكون مُلكاً لبي ِ
[تتمة] :يُعتقُ رَقيقٌ حريب إذا هَربَ مث أسََلمَ ولو بعدَ اهلدنَةِ أو أسلمَ مث هرَب
قبْلَها وإن ملْ يُهاجرْ إلينا ال عكسَهُ بأن أسلمَ بعدَ هدنةٍ مث هربَ فال يُعتق لكن ال يُردُّ
إىل سيدِهِ فإِنْ مل يعتقه با َعهُ اإلِمامُ مِنْ مُسلمٍ أو َدَفعَ لسيدِهِ قيمتَهُ مِنْ مالِ املصاحلِ
وأعتقَهُ عنِ املسلمنيَ والوالَءُ هلُم وإن أتانا بعد اهلُدنةِ .وَشرط ردُّ من جاءَ مِنهُم إلينا
حرٌّ ذكرٌ مكلفٌ مسلماً ،فإِن مل تَكُنْ لَهُ ثَمَّ عشريةٌ تَحميهِ مل يُردّ وإالَّ رُدَّ عليهِم
بطلبهِم بالتخليةِ بيَنهُ وبنيَ طالبَهُ بال إجبارٍ على الرجوعِ مَعَ طالبِهِ .وكذا ال يُردُّ صيبٌّ
وجمنونٌ وصفَا اإلِسالم أمْ ال وامرأةٌ وخُنثَى أسلمتا :أي ال جيوزُ ردَّهُم ولو لنحوِ األبِ
لضعفِهِم وَيُغرمونَ لنا قيم َة رقيقٍ ارتدَّ دونَ احلرِّ املرتدِّ.
باملدِّ :أي احلكمُ بنيَ الناسِ .واألصلُ فيهِ قبلَ اإلِمجاعِ قولُهُ تعاىل{ :وأَنِ اح ُكمْ
اللهُ} وقولُهُ{ :فاحكُمْ بيَنهُم بالقسطِ} وأخبارٌ كخربِ الصحيحني: بين ُهمْ مبا أنزلَ َّ
"إذا حَ َكمَ حا ِكمٌ أي أراد احلُ ْكمَ فاجتهدَ مث أصابَ فلهُ أجرانِ ،وإذا حَ َكمَ فاجتهدَ
مث أخطأ فََلهُ أجرٌ" .ويف روايةٍ بدل األوىل" :فََلهُ عشرةُ أجورٍ" قالَ يف شرحِ مُسلِمٍ:
أمجعَ املسلمونَ على أنَّ هذا يف حاكمٍ عاملٍ مُجتهدٍ .أَما غريه فآمثٌ جبميعِ أحكامِهِ ،وإن
وافقَ الصوابَ ألن إصابتَهُ إتفاقية .وصَحَّ خرب" :القضاةُ ثالثةٌ :قاضٍ يف اجلنة،
وقاضيان يف النارِ" َوُفسّرَ األولُ بأنهُ عَرَفَ احلقَّ وقضى بِهِ ،واألخريانِ ِبمَنْ عرَفَ
166
وَجَار يف احلُ ْكمِ َومَنْ قضى على جهلٍ .وما جَاءَ يف التحذيرِ عنهُ كخربِ" :مَنْ جُعِ َل
قاضياً فَ َقدْ ذُبِحَ بغريِ سكِني" مَحمولٌ على عِ َظمِ اخلَطرِ فيهِ ،أو على من يُكَرَهُ لهُ
ني لَهُ (فرضُ كفايةٍ) يف الناحيةِ بل القضاءُ ،أو يُح ُرمُ ( ُهوَ) أي قبولُهُ مِنْ متعددينَ صاحل َ
أسىن فروضِ الكفاياتِ حىت قالَ الغزايلُ :أنه أَفضلُ مِنِ اجلهادِ ،فإِنِ امتنعَ الصاحلونَ لَهُ
منهُ أمثوا .أما توليةُ اإلِمامِ أو نائبِهِ ألحدِهِم يف إقليمٍ ففَرضُ عنيٍ عليه ،مث على ذي
شوكةٍ .وال جيوزُ إخالءُ مسافةِ العدوى عن قاضٍ.
[فرع] :ال بدَّ مِنْ توليةٍ مِنَ اإلِمامِ أو مأذونِهِ َوَلوْ ملنْ تَعنيَ للقضاءِ ،فإِنْ ُفقِدَ
اإلِمامُ فتوليةُ أهلِ احللّ والعقدِ يف البلدِ أو بعضهِم مَع رضا الباقِنيَ ولو والهُ أهلُ
جانبٍ مِنَ البلدِ صحَّ فيه دونَ اآلخرَ .ومِنْ صَريحِ التوليةِ وَليتُكَ أو قَلدتُكَ القَضاء.
ومن كفايتها عوَّلتُ واعتمدْتُ عليك فيهِ .ويُشترطُ القبولُ لفظاً وكذا فوراً يف
احلاضرِ .وعندَ بلوغِ اخلربِ يف غريِه .وقالَ مجعٌ حمققونَ :الشرطُ عَدمُ الردِّ ومَنْ تعنيَ يف
ناحيةٍ لَ ِزمَه قبولَهُ وكذا طلبُهُ ولو ببذلِ مالٍ وإن خافَ من نفسِهِ امليلَ فإِن مل يتعنيْ
فيها كُرِهَ للمفضولِ القبولَ والطلبُ إن مل ميتنعْ األفضلُ ،ويَح ُرمُ طَلبُهُ بعزلِ صاحلٍ له
ولو مفضوالً (وَشُرِطَ قاضٍ كونُهُ أهالً للشهاداتِ) كُلَّها بأنْ يكونَ مُسلِماً مكلفاً حرّاً
ذكراً عدالً مسيعاً ولَو بالصياح بصرياً ،فال يُويل من لَيسَ كَذلكَ وال أَ ْعمَى و ُهوَ من
يَرى الشبحَ وال مييزُ الصورةَ وإن قَرُبَت خبالفِ مَنْ مييزَها إذا قَرَُبتْ حبيثُ يعرفُها ولو
بتكلفٍ ومزيدِ تأملٍ ،وإن عجز عن قراءةِ املكتوبِ .واختريَ صحةُ واليةِ األعمى
(كافياً) للقيامِ مبنصبِ القضاءِ ،فال يُولَّى مُغفلٌ وخمتلٌّ نظرٍ بكربٍ أو مرضٍ (جمتهداً) فال
يصحُّ تولِيةُ جاهلٍ ومقلدٍ وإن حفظ مذهبَ إمامِهِ لعجزِ ِه عن إدراكِ غوامضِهِ .واجملتهدُ
من يعرفُ بأحكامِ القرآنِ مِنَ العامِّ واخلاصِّ واجململِ واملبنيِ واملطلقِ واملقيدِ والنصِّ
والظاه ِر والناسخِ واملنسوخِ واملُح َكمِ واملُتشَابِهِ وبأحكامِ السنةِ مِنَ املُتواترِ وهوَ ما
تَعددتْ طُرقُهُ وَاآلحادِ وَ ُهوَ بِخالفِهِ واملتصل باتصالِ رواتِهِ إليهِ صلى اللَّهُ عليهِ
وسلم ويُسمى املرفوعُ ،أو إىل الصحايب فقط ويُسمى املوقوفُ .واملرسلُ وهو قولُ
التابعي قالَ رسولُ اللَّهِ كَذا ،أو فعلَ كذا ،أو بِحالِ الرواةِ قوَّةً وضعفاً وما تَواتَرَ
ناقِلُوه .وَأَمجعَ السلفُ على قَبولِهِ .ال يُبحثُ عَنْ عَدالةِ ناقِليهِ ولهُ اإلِكتفاءُ بتعديلِ إمامٍ
ض اخلاصِّ على العامّ ،واملقيدُ عُرفَ صح ُة مذهبِهِ يف اجلرحِ والتعديلِ وَيُقدمُ عِندَ التعار ِ
على املطلقِ ،والنصُّ على الظاهرِ ،واملْحكمُ على املَُتشَابِهِ ،والناسخُ واملتصلُ والقويُ
على مقابِلِها .وال تنحصرُ األحكامُ يف خُمسُمائةِ آيةٍ وال خُمسُمائةِ حديثٍ خالفاً
لِزاعمهُما وبالقياسِ بأنواعِهِ الثالثةِ مِنَ اجلَلِي وَهُو ما يُقطعُ فيهِ بَِنفْي الفَارقِ كقياسِ
ضربِ الولدِ على تأفيفِهِ ،أو املساوي وَهُو ما يَبعُد فيهِ إنتفاءُ الفارقِ كقياسِ إحراقِ
مالِ اليتيمِ على أكْلِهِ ،أو األدون وَ ُهوَ ما ال يبعُد فيهِ إنتفاءُ الفارقِ كقياسِ ال ُذرَةِ على
الربِّ يف الرِبا جبامعِ الطعمِ وبلسانِ العربِ لغةً وحنواً وصرفاً وبالغةً وبأقوالِ العلماءِ مِنَ
الصحابةِ َفمَنْ بَعدَهُم ولو فيما يُتكلَّم فيهِ فقط لئال يُخاَلفَ ُهمْ .قالَ ابنُ الصالح:
إجتماعُ َذلِكَ كله إمنا ُهوَ شَرطٌ للمجتهدِ املطلقِ الذي يُفيت يف مجيعِ أبوابِ الفِقهِ ،أما
ُمقَيدٌ ال يعدو مذهبَ إمامٍ خاصٍ فليسَ عليهِ غَريَ معرفةَ قوا ِعدِ إمامِهِ ولرياعِ فيها ما
يراعيه املطلقُ يف قواننيِ الشرعِ فإِنَّهُ مع اجملتهدِ كاجملتهدِ َمعَ نُصوصِ الشرعِ ،ومِنْ ثُمَّ
مل يكُنْ لَهُ عُدولٌ عنْ نصّ إمامِهِ كما ال جيوزُ اإلِجتهادُ َمعَ النصِ .انتهى( .فإِنْ ولَّى
سُلطانٌ) ولوَ كافراً أو (ذو شوكةٍ) غَريهُ يف بلدٍ بأن احنصَرَتْ قوتُها فيهِ (غريَ أهلٍ)
للقضاءِ كمقلدٍ وجاهلٍ وفاسقٍ ،أي َمعَ عِلمِهِ بِنحوِ فِسقِهِ وإال بأن ظنَّ عدالتَهُ مثالً،
ولو عَلمَ فِسقِهِ مل يُولِّهِ فالظاهرُ كما جزمَ بهِ شيخُنا ال ينفذُ حُكمَهِ وكذا لو زادَ
ضهُم بنفوذِ توليتِهِ وإنفِسقُهُ أو ارتكبَ مفسقاً آخرَ على تردّدٍ فيهِ .انتهى .وَجَ َزمَ بع ُ
167
والَّهُ غريَ عاملٍ ِبفِسقِهِ وكعبدٍ وامرأةٍ وأعمى (َن َفذَ) ما فعلَهُ مِنَ التوْليةِ وإن كانَ هناكَ
جمتهدٌ عدلٌ على املعتمدِ فينفذُ قضاءُ مَنْ َوالَّهُ للضروةِ ولئال تتعَطلَ مصاحلُ الناسِ وإنْ
صوّبَهُ الزركشي .قالَ شيخُنا :وما ُذكِر نازعَ كثريونَ فيما ُذكِرَ يف الفاسِقِ َوأَطَالُوا َو َ
املقلدِ ولو مِنْ َغريِ ذي شوكةٍ ،وكذا يف املقلدِ حمُلهُ إن كانَ مثَّ جمتهدٌ وإال نفذتْ تَوليةُ ِّ
الفاسقُ.
فإِن كانَ هناكَ َعدْلٌ أُشتُرِ َطتْ شَوكةٌ وإال فال كما يفيدُ ذلكَ قولُ ابنُ الرفعةِ
احلقُّ أنه إذا مل يكن مثَّ مَنْ يُصلحُ للقضاءِ َنفَذتْ تَوليةُ غري الصاحلِ قطعاً ،واألوجهُ أن
قاضي الضرورةِ يقضي بعلمِهِ وحيفظُ مالَ اليتيمِ وَيكتبُ لقاضٍ آخرَ خالفاً للحضرميَ
وصرحَ مجعٌ متأخرونَ بأن قاضي الضرورةِ يلزمُ ُه بيانُ مستندِهِ يف سائرِ أحكامِهِ وال َّ
يُقبَلُ قَولُ حكمتُ بكذا مِنْ غريِ بيانِ مستندِهِ فيهِ وَلو طََلبَ اخلَصمُ من القاضي
الفاسقِ تبينيَ الشهو ِد اليت ثبتَ فيها األم ُر لَ َز َم القاضي بيانَهُم وإال َلمْ ينفذْ حُكمَهُ.
[فرع] :يُندبُ لإلِمامِ إذا ولَّى قاضياً أن يأذنَ لَهُ يف اإلِستخالفِ وإنْ أطلقَ
التوليةَ إستخلفَ فيما ال يقدرُ عليه ال غريَ ُه يف األصح.
[مهمة] :يَح ُكمُ القاضي باجتهادِهِ إن كان مُجتهداً أو باجتهادِ مُقلِّده إن كان
املقلدَ ال حيكمُ بغريِ مذهبِ ُمقَلدِهِ .وَقالَ املَاوردي مُقلِّداً .وَقضيةُ كَالمِ الشيخنيِ أنَّ ِّ
وَغريُهُ :جيوزُ .وجَمعَ ابنُ عبدِ السالمِ واألذرعي وغريمها حبملِ األولِ على مَنْ مل ينَتهِ
لرتبةِ اإلجتهادِ يف مذهبِ إمامِهِ وهو املقَِّلدُ الصرفُ الذي مل يتأهلْ للنظر وال للترجيح
َقلدَ إذا والثاين على مَنْ لَهُ أهليةٌ .لذلِكَ .ونقلَ ابنُ الرفعةِ عنِ األصحابِ أن احلاكم امل ِّ
بانَ حُكمُه على خالفِ نصِّ مقلِّدِهِ نَقضَ حُكمُهِ ووافقَهُ النووي يف الروضَةِ
والسُبكي ،وقال الغزَّايل :ال ينقُضُ ،وتَبعَهُ الرافعي حبثاً يف موضع .وشيخَنَا يف بعضِ
كتبهِ.
[فائدة] :إذا تَمسَّكَ العاميُّ مبذهبٍ لزمَهُ موافَقتَهُ ،وإال لزمَهُ التمذهُبَ مبذهَبٍ
مُعنيٍ مِنَ األربعةِ ال غريِها ثُم لَهُ وإنْ عملَ باألولِ اإلنتقالُ إىل غريِهِ بالكُليةِ ،أو يف
املسائلِ بشرطِ أن ال يتَتََّبعَ الرخصَ بأن يأَ َخذَ مِنْ كلِّ مذهبٍ باألسهلِ منهُ فيفسقُ بهِ
على األوجهِ .ويف اخلا ِدمِ عن بعضِ احملتاطنيَ .ا َأل ْولَى ملنْ ابتُلي بوسواسٍ األخذ
باألخفِ والرخصِ لئال يزدادَ فيخرجُ عن الشرعِ ،ولضدِهِ األخذُ باألثقلِ لئال خيرجَ
عن اإلِباحةِ .وأنْ ال يلفِّقَ بني قولَنيِ يتولَّدُ منهما حقيقةً مركبةً ال يقولُ هبا كلٌّ
منهما .ويف فتاوي شيخِنَا :مَنْ قََّلدَ إماماً يف مسأل ٍة لز َمهُ أن جيريَ على قضي ِة مذهبهِ يف
ف عن عنيِ الكعبةِ وصلى إىل جهتهَا تلك املسألةِ ومجيعَ ما يتعلقُ هبا ،فيلزمُ مَنِ احنر َ
مقلداً أليب حنيفة مثالً أن ميسحَ يف وضوئِهِ مِنَ الرأسِ قدرَ النَاصيةِ وَأَن ال يسيلَ مِنْ
َبدَنِهِ بعدَ الوضوءِ َدمٌ وما أشبهَ ذلك ،وإال كانت صالتُهُ باطلةً باتفاقِ املذهبنيِ
فَلْيُتفَطَّنْ لذلكَ .انتهىَ .ووَافقَه العالمةُ عبدُ اللَّهِ أبو خمرمة العدين وزادَ فقالَ :قَد صرحَ
هبذا الشرطَ الذي ذكرناه غريَ واحدٍ منَ احملققنيَ من أهلِ األصولِ والفِقهِ :من ُهمْ ابنُ
دقيقِ العِيدِ والسُبكي ،ونقله األسنوي يف التمهيد عن العراقي .قلتُ :بَلْ نَقلَهُ الرافعي
يف العزيزِ عَنِ القاضي حُسني .انتهى .وقالَ شيخُنا احملقق ابنُ زيادٍ رمحهُ اهلل تعاىل يف
فتاويهِ :إنَّ الذي فَهِمناهُ من أمثلَِتهِم أنَّ التركيبَ القادحَ إمنا ميتنعُ إذا كانَ يف قضيةٍ
صدَ تَقليداً للشافعي مثَّ واحدةٍَ .فمِنْ أَمثِلَِتهِم .إذا تَوضأ َولَمَسَ تقليداً أليب حَنيفةَ واقَتَ َ
َس بال صلَّى َفصَالتُهُ باطلةً إلتفاقِ اإلِمامِنيِ على بُطالنِ َذلِكََ .وكَ َذلِكَ إذا تَوضأ َوم َّ
شهوةٍ تقليداً لإلِمامِ مالكٍ ومل يُدلِكْ تقليداً للشافعي مثَّ صلَّى فصالتُهُ باطِلَة إلتفاقِ
اإلمامنيِ على بطالنِ طهارتِهِ خبالفِ ما إذا كانَ التركيبُ مِنْ قضيتنيِ ،فالذي يظهرُ
أنَّ ذلكَ غري قادحٍ يف التقليدِ ،كما إذا توضأَ وَ َمسَحَ بعضَ رأسِهِ ثُمَّ صلَّى إىل اجلهةِ
168
تقليداً أليب حنيفة فالذي يظهرُ صحةُ صالتِهِ ألنَّ اإلِمامنيِ مل يتفقا على بُطال ِن
طهارتِهِ ،فإِنَّ اخلالفَ فيها حبالِهِ ،ال يقالُ اتفقا على بطالنِ صالتِهِ ألنَّا نقولُ هذا
اإلتفاق ينشأ مِن التركيبِ يف قضيتني .والذي فهمناهُ أنهُ غريُ قادحٍ يف التقليدِ ومثلُهُ ما
إذا قََّلدَ اإلِمامَ أمحدَ يف أنَّ العورةَ السوأتانِ وكأنَّ تَرَكَ املضمضةَ واإلستنشاقَ أو
التسميةَ الذي يقولُ اإلِمامُ أمحدُ بوجوبِ ذلكَ ،فالذي يظهرُ صحةَ صالتِهِ إذا قلدَهُ يف
قدرِ ال َعوَرةِ ألهنما مل يتفقا على بطالنِ طهارتِهِ اليت هي قضيةِ واحدة ،وال يقدحُ يف
ذلِكَ إِتفاَقهُما على بطالنِ صالتِهِ فإِنهُ تركيبٌ مِنْ قضيتنيِ و ُهوَ غريُ قادحٍ يف التقليدِ
كما يفهمُهُ متثيُل ُهمْ .وقد رأيتُ يف فتاوي البلقيين ما يقتضي أنَّ التركيبَ بنيَ القضيتنيِ
غري قادحٍ .انتهى .ملخصاً.
[تتمة] :يَلزمُ مُحتاجاً إستفتاءُ عاملٍ عدلٍ عرف أهليتَهُ مث إن وَ َجدَ مُفتِينيِ فإِنِ
اعت َقدَ أَحدَهُما أعلم تَعيَّنَ تقدميَهُ .قال يف الروضةِ :ليسَ ُمل ْفتٍ وعاملٍ على مذهبِنَا يف
مسألةٍ ذاتِ وجهنيِ أو قولنيِ أنْ يعتمدَ أ َحدُهُما بال نظرٍ فيهِ فال خِالفَ ،بل يبحثُ
حهِما بنحوِ تأخرِهِ وإنْ كانا لواحدٍ .انتهى( .وَيَجوزُ حتكيمُ اثننيِ) َولَو مِنْ عن أَرج ِ
غريِ خُصومَةٍ كما يف النكاحِ (رجالً أهالً لقضاءٍ) أي من له أَهليةَ القضاءِ املطلقةِ ال يف
خصوصِ تلكَ الواقعةِ فقط .خالفاً جلمعٍ متأخرينَ ولو َمعَ وجودِ قاضٍ أهلٍ خالفاً
للروضَةِ .أما َغريُ األهلِ فال جيوزُ حتكيمُهُ أي معَ وجودِ األهلِ وإال جازَ ،ولو يف
النكاحِ ،وإ ْن كانَ ثَمَّ جمتهدٌ ،كما جَزمَ بهِ شيخُنَا يف شرح املنهاجِ تبعًا لشيخِهِ زكريا.
ُزوجُ إال مَعَ َف ْقدِ القاضي َولَو َغريَ أهْلٍ .وال جيوزُ احملكمَ العدلَ ال ي ِّ
لكن الذي أفتاهُ أن ِّ
حتكيمُ َغريُ ال َعدْلِ مطلقاً وال يفيدُ حُ ْكمُ احملكِّم إال برضاهِما بِهِ لفظاً ال سكوتاً فيعتربُ
رِضا الزوجنيَ معاً يف النكاحِ ،نعم :يكفي سكوتُ البكرِ إذا استُؤذَِنتْ يف التحكيمِ
وال جيوزُ التحكيمُ معَ غَيبةِ الويلِّ ولو إىل مسافةِ القصرِ إِنْ كانَ ثَم قاضٍ خالفاً البنِ
احملكمِ :وجيوزُ لَهُ أن يَح ُكمَ بعلمِهِ على األو َجهِ. ب خبالفِ ِّ العمادِ ألنهُ ينوبُ عن الغاِئ ِ
(وينعزلُ القاضي) أي يُح َكمُ بانعزالِهِ ببلوغِ َخربِ العزلِ لَهُ ولو مِنْ عَدلٍ (و) ينعزلُ
(نائِبُهُ) يف عامٍ أو خاصٍ بأن يبُلغَهُ خربُ عزلِ مستخلفِهِ لهُ أو اإلِمامُ ملستخلفِهِ إن أذِن
له أن يَستخلفَ عن نفسِهِ أو أطلَقَ (ال) حالَ كونَ النائبِ نائباً (عن إمامٍ) يف عامٍ أو
خاصٍ بأن قال للقاضي إِستخلف عين فال ينعزلُ بذلك وإمنا انعزلَ القاضي ونائبَهُ
(خبربِهِ) أي ببلوغ َخربِ العزلِ املفهومِ مِنْ ينعزلُ ال قَبلَ بلوغِهِ ذلكَ لعظمِ الضررِ يف
نقضِ أقضيتِهِ لو انعَزلَ ،خبالفِ الوكيلِ فإِنهُ ينعزلُ من حنيِ العزلِ ولو قبلَ بلوغِ
َخربِهِ .ومَنْ عَِلمَ عَزلَهُ مل ين َفذْ حكمُهُ لَهُ إال أن يرضَى حبكمِهِ فيما جيوزُ التحكيمُ فيهِ
(و) ينعزلُ أيضاً كلٌ مِنهُما بأحدِ أمور (عَزلِ نفسِهِ) كالوكيلِ (وجنونٍ) وإغماءٍ وإن
قلَّ زمنهما (وفِسقٍ) أي ينعزلُ بفسقٍ مَنْ َلمْ يَعلْم مُوليهِ بفسقِهِ األصلي أو الزائدِ على
ما كانَ حالَ توليتِهِ وإذا زالتْ هذهِ األحوالُ مل تعدْ واليتُه إال بتوليةٍ جديدةٍ يف
األصحِّ .وجيوزُ لإلمامِ عَزلُ قاضٍ مل يتعنيْ بظهورِ خللٍ ال يقتضي إنعزاَلهُ ككث َرةِ
الشكاوي فيهِ وبأفضلِ مِنهُ ومبصلحةٍ كتسكنيِ فتنةٍ سواءَ أعَزلَهُ مبثِِلهِ أو بدونِهِ وإنْ مل
يَكُنْ شيءٌ منْ ذلكَ مل جيزْ عزلَه ألنهُ عبثٌ ولكنْ ينفذُ العزلُ .أما إذا تعنيَ بأن مل
َم مَنْ يَصلُح غريِه فيحْ ُرمُ على مُوليهِ عَزلُه وال ينفذُ ،وكذا عَ ْزلَهُ لنفسِهِ حينئذٍ
يكن ث َّ
خبالفِهِ يف غريِ هذهِ احلالةِ فينفذُ عزله لنفسِهِ وإنْ َلمْ يعلمْ مُولِّيهِ (وال ينعزلُ قاضٍ مبوتِ
إمامٍ) أعظمٍ وال بانعزالِهِ ِلعِظمِ شدةِ الضررِ بتعطيلِ احلوادثِ وخرجَ باإلمامِ القاضي
فينعزلُ نوابُهُ مبوِتهِ (وال يُقبلُ قول متولّ يف غريِ حملِ واليتِهِ) و ُهوَ خارجَ عملِهِ
(حَكَمتُ ب َكذَا) ألنهُ ال ميلكُ إنشاءَ احلكمِ حينئذٍ فال ينفذُ إقرارُهُ بِهِ وأ َخذَ الزركشي
مِنْ ظَاهرِ كال ِمهِمْ أنَّه إذا وُلِّي بِبلدٍ مل يتناولْ مَزارعَها وبساتينَها فلو زَوَّج وَ ُهوَ
169
بأحدِمها مَنْ هي بالب ْلدِ أو عكسه مل َيصُحَّ ،قيلَ ،وفيهِ نظرَ قالَ شيخُنا والنظرُ واضحٌ
بلِ الذي يتجهُ أنهُ إن عُلمت عادةٌ بتبعيةٍ أو عدمها فذلَك وإال اجتهَ ما ذكرَهُ اقتصاراً
على ما نصَّ َلهُ عَليهِ وأف َهمَ قولُ املنهاجِ أَنهُ يف غريِ حملِّ واليتِهِ كمعزولٍ أن ال ينفذَ
منهُ فيهِ تصرفٌ استباحَهُ بالواليةَ كإِجيارِ وَقفٍ نظرهُ للقاضي وبيعِ مالِ يتيمٍ وتقريرٍ يف
وظيفةٍ.
قال شيخنا وهو ظاهرٌ (ك) ما ال يقبلُ قولُ (معزولٍ) بعدَ انعزالِهِ وحمكم بعد
ك إنشاءَ احلكمِ حينئذٍ فال يُقبلُ إقرا ُرهُ مفارقَةِ مَجلسَ حكمِهِ حكمتُ بكذا ألنهُ ال ميل ُ
بهِ وال يُقبلُ أيضاً شهادةُ كلٍ منهما حبكمِهِ ألنهُ يشهدُ بفعلِ نفسِهِ إال إن شَهدَ حبكم
حاكمٍ وال يعلمُ القاضي أنه حُ ْكمَهُ فتقبلُ شهادتُهُ إن مل يكُن فاسقاً ،فإِنْ عَلمَ القاضي
أنه حكمَهُ مل تقبلْ شهادتُهُ كما لو صرحَ بهِ ويُقبلُ قولُه مبحلّ حكمِهِ قبلَ عزِلهِ
ت بكذا ،وإن قالَ بعلمي لقدرتِهِ على اإلِنشاءِ حينئذٍ حىت لو قالَ على سبيلِ حكم ُ
احلكمِ نساءُ هذهِ القريةِ :أي احملصوراتِ طوالقٌ مِنَ أزوا ِجهِنَّ قُبِلَ إن كانَ جمتهداً ولو
يف مذهبِ إمامِهِ وال جيوزُ لقاضٍ أن يتبعَ حُ ْكمَ قاضٍ قبلَهُ صاحلٍ للقضاءِ (وليسوِّ
القاضي بنيَ اخلصمنيِ) وجوباً يف إكرا ِمهِما وإنْ اختلفا شرفاً وَجوابُ سال ِمهِما
والنظرُ إِليهِما واإلِستماعُ للكالمِ وطالقةُ الوجهِ والقيامُ فال خيصُّ أحدمها بشيءٍ مما
ذُكر .ولو سلمَ أحدمها انتظرَ اآلخرُ ويُغتفرُ طولُ الفصلِ للضرورةِ أو قالَ لَهُ سلم
سهُما بنيَ يَديهِ.
ح معَهُ وإنْ شرفَ بعلمٍ أو حريةٍ واألوىل أن جيل َ ليجيبهما معًا وال ميز ُ
ُدمَ األسبقُ فاألسبقُ وجوباً كمفتٍ ومدرِّسٍ فيُقدمانِ [فرع] :لو ازدحَم مدَّعونَ ق ِّ
وجوباً بسبقٍ ،فإِن استووا أو ُجهِلَ سابقٌ ُأقْرِعَ وقالَ شيخُنا ،وظاهر أن طالبَ فرضَ
العنيِ معَ ضيقِ الوقتِ يُقدمُ كاملسافرِ .ويستحبُّ كونَ جملسِهِ الذي يقضي فيهِ فسيحاً
بارزاً ويكرهُ أن يتخذَ املسجدَ جملساً للحكمِ صوناً لهُ عنِ اللغطِ وارتفاعِ األصواتِ.
(وحرمَ قبولَهُ) أيّ
ِّ نعم إن اتفقَ عند جلو ِسهِ فيهِ قضيةٌ أو قضيتانَ فال بأس بفصْلِها
القاضي (هديةَ من ال عادةَ لَهُ ِبهَا قبلَ واليةٍ) أو كانَ له عادةٌ هبا لكنهُ زادَ يف القدرِ أو
ف (إن كانَ يف حملِهِ) أي حملِ واليتِهِ (و) هديةُ (مَنْ لَهُ خصومةٌ) عندَه أو مَنْ الوص ِ
صمُ وإنِ اعتادَها قبلَ واليتِهِ ألهنا يف األخريةِ تدعو إىل امليلِ إليهِ أحسَّ مِنهُ بأنه سَيُخا ِ
ويف األوىل سَبَبُها الوالَيةُ وقد صحتِ األخبارُ الصحيحةُ بتحرميِ هدايا العمال (وإال)
بأنْ كَا َن من عادتِه أَنه يُهدى إليهِ قبلَ الواليةِ ولو مرةً فقط أو كانَ يف غريِ حملّ واليتِهِ
أو مل يزدْ املهدي على عادتِهِ وال خُصومَة لَهُ حاضرة وال مترقبة جازَ قبولَهُ ولو
جهَّزها لَهُ مع رسولِهِ وليسَ لَهُ حماكمةٌ ففي جوازِ قبولِهِ وجهان :رَجَّحَ بعضُ شَراحِ
املنهاجِ احلرمةَ وعُلمَ مما مرّ أنه ال يَح ُرمُ عليهِ قبوهلا يف غريِ عملِهِ وإن كان املُهدي من
أهلِ عمِلهِ ما ملْ يستشعْر بأهنا مُقدَّمةٌ خلصومةٍ .ولو أهدى لَهُ بعدَ احلُ ْكمِ حرمَ القبولُ
أيضاً إن كان مَجازاةً لَه وإال فال .كذا أطلقَهُ بعضُ شراحِ املنهاجِ .قال شيخُنا:
ويتعنيُ محلُهُ على مهدٍ معتادٍ أهدى إليهِ بعدَ احلُ ْكمِ وحيثُ حرمَ القبولُ أو األخذُ مل
ميلكْ ما أخذه فريده ملالكِهِ إن وُ ِجدَ وإال فلبيتِ املالِ وكاهلديةِ اهلِبَةِ والضِيافةِ وكذا
الصَدَقة على األو َجهِ وجوزَ لَهُ السُبكي يف حَلبياِتهِ قبولَ الصدقةِ ممن ال خصومةَ لهُ وال
عادةَ وَخَصَّهُ يف تفسريِهِ مبا إذا مل يعرفِ املُتَصدِّقُ أنهُ القاضي ،وحبثَ غريُهُ القطعَ حبلّ
أخذِهِ الزكاةَ .قالَ شَيخُنا :وينبغي تقييدُهُ مبا ُذكِر .وتردَّد السُبكيُ يف الوقفِ عليهِ من
أهلِ عملِهِ والذي يتجهُ فيهِ ،ويف النذرِ أنهُ إن عيََّن ُه بامسِهِ وشرطنَا القبولَ كانَ كاهلديةِ
لهُ .ويصحُّ إبراؤهُ عن ديِنهِ .إذ ال يُشترطُ فيهِ قبولٌ .وَيُكرهُ للقاضي ُحضُورَ الوليمةِ
اليت خُصَّ هبا وحدَهُ وقالَ مجعٌ :حيرمُ أو مع مجاعةٍ آخرينَ ومل يعتد ذلكَ قبلَ الواليةِ
خبالفِ ما إذا ملْ يُقصدْ هبا خصوصاً كما لو اختذتْ للجريانِ أو العلماءِ و ُهوَ منهمْ أو
170
لعمومِ الناسِ .قالَ يف العُبابِ :جيوزُ لغريِ القاضي أخذُ هديةٍ بسببِ النكاحِ إن مل
ط وال طََلبَ .اه .وفيه نظر. يشترطْ ،وكذا القاضي حيثُ جا َز لَهُ احلضورُ ومل يَشتر ْ
[تنبيه] :جيوزُ ملنْ ال رِزقَ لَهُ يف بيتِ املالِ وال يف غريِهِ وهوَ غريُ متعنيٍ للقضاءِ
وكانَ عملُهُ مما يُقابَلُ بأُجرةٍ أن يقولَ ال أح ُكمُ بينكما إال بأجرةٍ أو رزقٍ على ما قَالَهُ
مجعٌ وقال آخرونَ يَح ُرمُ و ُهوَ األحوطُ لكنَّ األولَ أقربُ (وَنقْضُ) القاضي وجوباً
(حكماً) لنفسِهِ أو غريِهِ إنْ كانَ ذلكَ احلكْمُ (خبالفِ نصّ) كتابٍ أو سُنةٍ أو نصّ
مقلدِهِ أو قياسٍ جليَ وهو ما قُ ِطعَ فيهِ بإِحلاقِ الفرعِ لألصلِ (أو إمجاعٍ) ومنه ما
خالفَ شرطَ الواقفِ .قالَ السُبكيُ :وما خالفَ املذاهبَ األربعةَ كاملخالفِ لإلمجاعِ
(أو مبرجوحٍ) مِنْ مذهبِهِ فيُظهِرُ القاضي بطُالنَ ما خَالَفَ ما َذكَرَ وإن مل يُرَفعْ إليهِ
بنحوِ َنقِضتُهُ أو أبطلتُهُ.
[تنبيه] :نقلَ العراقيُ وابنُ الصالح اإلمجاعَ على أنهُ ال جيوزُ احلكمُ ،خبالفِ
ضعَ مِنْ فتاوِيهِ وأطالَ وجعلَ ذلكَ وصرحَ السُبكيُ بذلك يف موا ِ الراجح يف املذهبَّ ،
من احلكمِ خبالفِ ما أنزلَ اللَّهُ ألنَّ اللَّهَ تعاىل أوجبَ على اجملتهدينَ أن يأخذوا
بالراجحِ وأوجبَ على غريهِم تقليدَهُم فيما جيبُ عليهِم العملُ بِهِ .ونقلَ اجلاللُ
البلقيين عنْ والدِهِ أنهُ كانَ يُفيت أنَّ احلا ِكمَ إذا حَ َكمَ بِغريِ الصحيحِ من مذهبِهِ َنقَضَ.
وقالَ الربهانُ بن ظَهرية :وقضيتُهُ واحلالةُ هذهِ أنهُ ال فَرقَ بنيَ أن يعضدَهُ اختيارٌ لبعضِ
املتأخري َن أو حبثٌ.
[تنبيه] :ثان :إعلمْ أنَّ املعتمدَ يف املذهبِ للحكمِ والفتوى ما اتفقَ عليهِ
رجحَهُ األكْثَرُ فاألعلمُ فاألورعُ .قالَ الشيخانُ ،كما جَزمَ بهِ النو ِويُ فالرافعي فما َّ
شَيخُنا :هذا ما أطلقَ عليهِ حم ِققُو املتأخِرينَ والذي أوصَى باعتمادِهِ مشاخيُنَا ،وقالَ
السمهوديُ :ما زالَ مشاخيُنَا يُوصُونَنَا باإلِفتاءِ مبا عليهِ الشيخَانِ وأن نُع ِرضَ عَنْ أكثرِ
رجحَهُ الشيخانُ وإن ما خولِفا بهِ .وقالَ شيخُنَا ابنُ زياد :جيبُ علينا يف الغالبِ ما َّ
ُنقِلَ ع ِن األكثرينَ خالفُهُ (وال يقضي) القاضي أي ال جيوزُ لهُ القضاءُ (خبالفِ علمِهِ)
وإن قامتْ بهِ بينةٌ كما إذا شَهدتْ برقّ أو نكاحٍ أو ملكِ مَنْ يُعلمُ حريتُهُ أو بينونتها
أو عدمُ ملكِهِ ألنهُ قاطعٌ ببطالنِ احلكمِ بهِ حينئذٍ واحلكمُ بالباطلِ حم ّر ٌم (ويَقضي) أي
القاضي ولو قاضي ضَرورَة على األوجهِ (بعل ِمهِ) إن شاءَ :أي بظنِهِ املؤكدِ الذي
ُجوزُ ل ُه الشهادةُ مستنداً إليهِ وإن استفادَ قبلَ واليتِهِ .نعم ال يَقضي بهِ يف حدودٍ أو ي ِّ
تعزيرِ للَّهِ تعاىل كحدّ الزنا أو سرقةٍ أو شربٍ لندبِ السترِ يف أسباهبا .أما حدودُ
ني فيقضي فيها بهِ َسوَاءٌ املالُ وال َقوَدُ وحَدُّ القذفِ .وإذا حَكم بعِلمِهِ ال بدَّ أن اآلدمي َ
يصرح مبستندِهِ فيقولُ علمتُ أن لهُ عليك ما ادَّعاهُ وقضَيتُ أو حكمتُ عليكَ
بعلمي .فإِن تركَ أحدَ هذينِ اللفظنيِ ملْ ينفذْ حكمُهُ كما قاله املاوردي وتبعُوهُ( .وال)
يقضي لِنفسِهِ وال (لبعضٍ) من أصلِهِ وفرعِهِ وال لشريكِهِ يف املشتركِ ويَقضي لكلٍ
منهم غريَهُ من إمامٍ وقاضٍ آخَر ولو نائباً عنهُ دفعاً للتهمةِ (ولو رأى) قاضٍ وكذا
شاهدٍ (وَرقةٌ فيها حُكْمهُ) أو شَهادََتهُ (مل يعملْ بهِ) يف إمضاءِ حكمٍ وال أداءِ شهادةٍ
خلطّ وال يَكفي ت َذكّرهُ (حىت يتذكرَ) ما حكَم أو َش َهدَ بهِ إلِمكانِ التزويرِ ومشاهبةِ ا َ
أن هذا خطَّهُ فقط .وفيهما وجهٌ إن كانَ احلُكمُ والشهادةُ مكتوبنيِ يف ورقةٍ مصونةٍ
عندهُما ووثقَ بأنه خَطَّهُ ومل يداخلْهُ فيه ريبةٌ أَنه يعمِلُ به (ولهُ) أي الشخصُ (حلفٌ
على استحقاقِ) حقّ له على غريِهِ أو أدائِهِ لغريِهِ (إعتماداً) على إخبارِ عدلٍ و (على
َخطّ) نفسِهِ على املتعمدِ وعلى خطِّ مأذونِهِ َووَكيلِهِ وشريكِهِ و (مورثِهِ إن وثَقَ
بأمانتِهِ) بأن علمَ منهُ أنهُ ال يتساهلُ يف شيءٍ مِنْ حقوقِ النَّاسِ إعتضادًا بالقرينةِ.
171
[تنبيه] :والقضاءُ احلاصِلُ على أصلٍ كاذبٍ ينفذُ ظاهراً ال باطناً فال يُحلُّ حراماً
وال عكسَهُ .فلو حَكمَ بشاهدي زورٍ بظاهِرِ العدالَةِ مل حيصلْ حبكمِهِ احلِلُّ باطناً سواء
املالُ والنكاحُ .أما املرّتبُ على أصلٍ صادقٍ فينف ُذ القضاءُ فيهِ باطناً أيضاً قطعاً .وجاءَ
يف اخلربُ :أمِرتُ أن أحكمَ بالظاهرِ واللَّهُ يتولَّى السرائرَ .ويف شرحِ املنهاجِ لشيخِنا:
ويلزمُ املرأة احملكُومَ عليها بنكاحٍ كاذبٍ اهلربُ بَلْ والقَتلُ وإنْ قدرتْ عليهِ كالصائلِ
ت فال إثَم (والقضاءُ على غائبٍ) على البُضعِ وال نظرَ لكونِهِ يعتقدُ اإلِباحةَ ،فإِنْ أُكرِ َه ْ
عَنْ البلدِ وإنْ كانَ يف غريِ عمِلهِ أو عنِ اجمللس بتوارٍ أو تعززٍ (جائزٌ) يف غريِ عُقوبةِ
اللَّهِ تعاىل (إن كان ملدعِ حجةٍ ومل يقلْ ُهوَ) أي الغائبُ (مقرٌّ) باحلقّ بل ادعى
ك فإِنْ قالَ هو مقرٌّ وأنا أُقيمُ احلجةَ جُحودَهُ وأنه يلزمهُ تسليمُهُ لهُ اآلنَ وأنه مطالبُ ُه بذل َ
استظهاراً خمافةَ أنْ يُنكرَ أو ليكُتبَ هبا القاضي إىل قاضي بلدِ الغائبِ مل تُسمعْ حجُتهُ
لتصرحيِهِ باملنايف لسماعِها ،إذ ال فائدةَ فيها مع اإلِقرارِ نَعمْ لو كانَ للغائبِ مالٌ حضرَ
وأقامَ البينةَ على دينِهِ ال ليكتبَ القاضي بهِ إىل حاكمِ بلدِ الغائبِ ،بل ليوفيهِ منهُ
فتُسمعُ وإن قالَ هو مقرٌّ وتُسمعُ أيضاً إن أطلقَ ( َووَ َجبَ) إن كانتِ الدعوى بدَينٍ أو
عنيٍ أو بصِحةِ عقدٍ أو إبراءٍ كأن أحالَ الغائبُ على مدينٍ لهُ حاضرٌ فادعى إبرا َءهُ
(حتليفُهُ) أي املُدعي مينيَ اإلستظهارِ إن مل يكنِ الغائبُ متوارياً وال متعززاً (بعدَ) إقامةٍ
(بنيةِ أن احلقَّ) يف الصور ِة األوىل ثابتٌ (يف ذمتِهِ) إىل اآلن احتياطًا للمحكومِ علي ِه ألنه
لو حضرَ لرمبا ادعى مبا يربَئهُ .ويشترطُ مع ذلكَ أن يقولَ أنه يلزمُهُ تسلي ُمهُ إيلَّ وأنَّهُ ال
يعلمُ يف شهو ِدهِ قادحاً كفِسقٍ وعَداوةٍ .قالَ شيخُنا يف شرحِ املنهاجِ ،وظاهرٌ كما قالَ
البلقيين أنَّ هذا ال يأيت يف الدعوى بعنيٍ بل يَحلفُ فيها على ما يليقُ هبا وكذا حنوَ
اإلِبراءِ ،أما لو كانَ الغائبُ متوارياً أو مُتعززاً فيقضي عليهما بال مينيٍ لتقصريِمها قال
ضهُم :لو كانَ للغائب وكيلٌ حاضرٌ مل يكنْ قضاءٌ عَلى غائبٍ ومل جيبْ مينيٌ (كما بع ُ
ث خاصٌّ حاضرٌ لو ادعى) شخصٌ (على) حنوِ (صيب) ال ويلَّ لهُ (وميتٍ) ليسَ لهُ وار ٌ
فإِنهُ حيلفُ ملا مرَّ .أما لو كان لنحوِ الصيب ويلٌّ خاصٌّ أو للميتِ وارثٌ خاصُّ حاضرٌ
كاملٌ إعتربَ يف وجوبِ التحليفِ طلُبهُ ،فإِن سكتَ عن طلبها جلهلِ عرفه احلاكمُ مث
إن مل يطلبها قضى عليهِ بدونِها.
[فرع] :لو ادعى وكيلُ الغائبِ على غائبٍ أو حنو صيب أو ميتٍ فال حتليفَ بل
حيكمُ بالبينةِ ألن الوكيلَ ال يُتصورُ حلفهُ على استحقاقِهِ وال علىَ أن موكّلَهُ يستحقُّهُ
ولو وقفَ األمرُ إىل حضورِ املوكلِ لتعذرِ استيفاءِ احلقوقِ بالوكالءِ .ولو حضرَ
الغائبُ وقالَ للوكيلِ أبرأَين موكلُكَ أو وفيتُهُ فأخرَّ الطلبَ إىل حضورِهِ ليحلفَ يل أنهُ
ما أبرأين مل جيب .وُأمِرَ بالتسليمِ له مث يثبتُ اإلِبراءُ بعدُ إن كانَ له بهِ حجةٌ ألنهُ لو
وقفَ لتعذرِ اإلستيفاءِ بالوكالءِ .نعم .لهُ حتليفُ الوكيلِ إذا ادعى عليهِ علمه بنحوِ
اإلِبراءِ أنه ال يعلمُ أنَّ موكلَه أبرأه مثالً لصحةِ هذه الدعوى عليهِ (وإذا ثبتَ) عندَ
حاكمٍ (مالٌ على الغائبِ) أو امليتِ وحكمَ بهِ (ولهُ مالٌ) حاضرٌ يف عملِهِ أو دَيْنٌ
ثابتٌ على حاضرٍ يف عملِهِ (قضاهُ) احلاكمُ (منهُ إذا طلبَهُ املدعي) ألن احلاكمَ يقومُ
مقامَهُ ولو باعَ قاضٍ مالَ غائبٍ يف دينهِ فقدمَ وأَبطلَ الدَّينَ بإِثباتِ إيفائِهِ أو بنحوِ
فسقِ شاهدٍ إستردَّ من اخلصم ما أ َخذَهُ وبَطلَ البيعُ للدينِ على األوجَهِ خالفاً للروياين
(وإال) يكنْ له مالٌ يف عملِهِ ومل حيكمْ (فإِنْ سألَ املدعي إهناءَ احلالِ إىل قاضي بلدِ
الغائبِ أجابَهُ) وجوباً وإن كانَ املكتوبُ إليهِ قاضي ضرورةٍ مسارعةً بقضاءِ ح ّقهِ
(فينهي إليهِ مساعَ بينتِهِ) مث إن عدَّهلا مل حيتج املكتوبُ إليهِ إىل تعديلها وإال احتاجَ إليهِ
ليح ُكمَ هبا مث يستويف احلقَّ وخرجَ هبا علمه فال يكتبُ بهِ ألنه شاهدٌ اآلن ال قاضٍ.
ذكرَهُ يف العدةِ وخالفَهُ السرخسي واعتمدهُ البلقيين ألن علمَهُ كقيامِ البينةِ ولهُ على
172
األوجَهِ أن يكُتبَ مساعَ شاهدٍ واحدٍ ليسمعَ املكتوبُ إليهِ شاهداً آخر أو حيلِّفهُ وحيكمُ
لهُ (أو) يَنهي إليهِ (حكماً) إن حكمَ (ليستويف) احلقَ ألنَّ احلاجةَ تدعو إىل ذلكَ
(واإلِهنا ُء أنْ يُشهدَ) ذَكرَين ( َع ْدلَنيِ بذلكَ) أي مبا جرى عندَهُ من ثبوتٍ أو حكمٍ وال
يكفي غري رجلنيِ ولو يف مالٍ أو هاللِ رمضانَ .ويستحبُّ كتابٌ به يَذكُرُ فيهِ ما
يَتميزُ ب ِه احملكومُ عليهِ من إسمٍ أو نسبٍ وأمساءِ الشهودِ وتارخيِهِ واإلِهناءُ باحلكمِ من
احلاكمِ ميضي مع قربِ املسافةِ وبُعدِها ومساعُ البينةِ ال يُقبلُ إال فوقَ مسافةِ العدوى.
إذ يسهُل إحضارُها مع القربِ وهي اليت يرجعُ منها مبكراً إىل حمله ليالً فلو تعسرَ
ض قُبلَ اإلِهناءُ.
إحضا ُر البين ِة م َع القربِ بنحو مر ٍ
[فرع] :قال القاضي وأقرَّهُ لو حضرَ الغرميُ وامتنعَ مِن بيعِ مالِهِ الغائبِ لوفاءِ دَينِهِ
بهِ عندَ الطلبِ ساغَ للقاضي بيعُهُ لقضاءِ الدَّينِ وإن مل يكنِ املالُ مبح ّل واليتِهِ ،وكذا
إن غابَ مبحلِّ واليتِهِ كما ذكرهُ التاجُ السُّبكيُ والغَزي وقاال خبالفِ ما لو كان بغريِ
حملِّ واليتِهِ ألنهُ ال ميكنُ نيابتهُ عنهُ يف وفاءِ الدينِ حينئذٍ وحاصلُ كال ِمهِما جوازُ البيع
إذا كانَ هوَ أو مالُهُ يف حملّ واليتِ ِه ومَْنعَهُ إذا خرجا عنها.
[مهمة] :لو غابَ إنسانٌ من غريِ وكيلٍ ولهُ مالٌ حاضرٌ فأهنى إىل احلاكمِ أنه إن
مل يبعْهُ اختلَّ معظمُهُ لزمَهُ بيعَهُ إن تعنيَ طريقاً لسالمتِهِ وقد صرحَ األصحابُ بأن
القاضي إمنا يتسلطُ على أموالِ الغائبنيَ إذا أشرفت على الضياعِ أو مستِ احلاجةُ إليها
يف استيفاءِ حقوقٍ ثَبَتتْ على الغائبِ وقالوا مث يف الضياعِ تفصيلٌ فإن امتدتِ الغيبةُ
وعسرت املراجعةُ قبلَ وقوعِ الضياعِ ساغَ التصرفُ وليس مِنَ الضياعِ اختاللُ ال
حةِ واإلختالَلِ يؤدي لتلفِ املعظمِ ومل يكن سارياً إلمتناعِ بيعِ مالِ الغائبِ جملردِ املصل َ
املؤدي لتلفِ املعظمِ ضياعٌ نعم احليوانُ يُباعُ جملردِ تطرقِ اختاللٍ إليهِ .حلرمةِ الروحِ
وألنهُ يباعُ على مالِكِه حبضرتِهِ إذا مل ينفقْ عليهِ ولو نُهيَ عن التصرُفِ يف مالِهِ امتنعَ
إال يف احليوانِ.
[فرع] :يَحبسُ احلاكمُ اآلبقَ إذا وجدَهُ انتظاراً لسيدِهِ فإِن أبطأَ سيدُهُ با َعهُ
س لَهُ غريُ الَثمَنِ.احلاكمُ وحفظَ مثن ُه فإِذا جاءَ سَيدُ ُه فلي َ
الدعوى لغةً ،الطلبُ وأِلفُها للتأنيثِ وشرعاً :إخبارٌ عَنْ وجوبِ حقّ على غ ِريهِ
عند حاكمٍ .ومجعُها دعاوي بفتحِ الواوِ وكسرِهَا كفتاوى .والبينةُ شهودٌ مسوا هبا ألنَّ
هبم يتبنيُ احلقُّ ومجعوا الختالفِ أنوا ِعهِم .واألصلُ فيها خربُ الصحيحني :وَلو يُعطى
الناسُ بدعواهُم الدَّعى أناسٌ دماءَ رِجالٍ وأموالِهم لكنَّ اليمنيَ على املدعى عليه .ويف
روايةٍ :البينةُ على املُدعي واليمنيُ عَلَى مَنْ أنكرَ (املُدعي مَنْ خَالفَ قولُهُ الظاهر) و ُهوَ
براءةُ الذِمَّةِ (واملُدَّعى عَليهِ مَنْ وافقَهُ) أي الظاهرُ .وشَرطُهُما تكليفٌ والتزامٌ لألَحكامِ
فليسَ احلريبُ مُلتزماً لألحكامِ خبالفِ الذمي .مثَّ إن كانت الدعوى قَوداً أو حَدَّ قذفٍ
أو تعزيراً وجبَ رفعُها إىل القاضي وال جيوزُ للمستحقّ االستقاللُ باستيفائِها لعظمِ
اخلطرِ فيها وكذا سائرَ العقودِ والفسوخِ كالنكاحِ والرجعةِ وعيبِ النكاحِ والبيعِ.
واستثىن املاورديُ مَنْ َب ُعدَ عنِ السلطانِ فلهُ استيفاءُ حدِّ قذفٍ أو تعزيرٍ (ولَهُ) أي
للشخصِ (بال خوفِ فتنةٍ) عليهِ أو على غريِهِ (أخذُ مالِهِ) إستقالالً للضرورةِ (منْ)
مالِ مُدينٍ لهُ مقرّ (مماطلٍ) بهِ أو جاحدٍ لَهُ أو مُتوارٍ أو متعززٍ وإن كانَ على اجلاحِد
بينةٌ أو رجا إقرارُهُ لو رفعَهُ للقاضي إلِذنِهِ هلندٍ ملا ش َكتْ إليهِ شحَّ أيب سفيانَ أن تأخذ
ما يكفيها وولدَهَا باملعروفِ وألنَّ يف الرفعِ للقاضي مشقةً ومؤنةً وإمنا جيوزُ لهُ األخذُ
من جنسِ حقّهِ مثَّ عِندَ تعذرِ جنسِهِ يأخذُ غريَهُ .ويتعنيُ يف أخذِ غريِ اجلنسِ تقدميُ النقدِ
173
على غريِهِ مث إن كانَ املأخوذُ من جنسِ مالِهِ يتملكُه ويتصرفُ فيه بدالً عنْ حقّهِ فإِنْ
سهِ فيبيعُهُ الظافرُ بنفسِهِ أو مأذوِنهِ للغريِ ال لنفسِهِ إتفاقاً وال حملجورِهِ كانَ مِنْ غريِ جن ِ
إلمتناعِ تويل الطرفني وللتهمةِ .هذا إن مل يتيسر علمُ القاضي بهِ لعدمِ علمِهِ وال بينةٍ
أو مع أحدِمها لكنهُ حيتاجُ ملؤنةٍ ومشقةٍ وإال اشترطَ إذنُهُ والببيعُهُ إال بنقدِ البلدِ (مث إن
كانَ جنسُ حقّهِ متلكَهُ) وإال اشترطَ جنسُ ح ّقهِ وملكِهِ ولو كانَ املدينُ حمجوراً عليهِ
بفلسٍ أو ميتاً وعليهِ دَينٌ مل يأخذ إذ ق ّدرَ حصتِهِ باملضاربةِ إن عِلمَها وإال احتاطَ ولهُ
األخذُ من مالِ غرميِ غرميِهِ إن مل يظفرْ مبالِ الغرميِ وجحدَ غرميُ الغرميِ أو ماطل وإذا
جازَ األخذُ ظَفراً جازَ له كسرُ بابٍ أو قفلٍ ونقبُ جدارٍ للمُدينِ إنْ تعنيَ طريقاً
للوصو ِل إىل األخذِ وإن كانَ معهُ بينةً فال يضمنهُ كالصائلِ وإن خافَ فتنةً أي
مفسدةَ تفضي إىل مُحرمٍ كأخذِ مالِهِ لو اطلعَ عليهِ وجبَ الرفعُ إىل القاضي أو حن ِوهِ
لتمكنَهُ مِنَ اخلالصِ بهِ ولو كانَ الدَّينُ على غريِ ممتنعٍ من األداءِ طالبَهُ ليؤدِي ما عليهِ
ردهُ وضَمنَهُ فال حيلُّ أخذُ شيءٍ له ألنَّ لهُ الدفعُ من أي ماِلهِ شاءَ فإِنْ أخذَ شيئاً لَز َمهُ ُّ
إن تلفَ ما مل يوجدْ شرطُ التقاصِ.
[فرع] :له استيفاءُ دَينٍ لهُ على آخر جاحدٍ له بشهودِ دينٍ آخرَ لهُ عليهِ قضى
من غريِ علمهِم ولهُ جحدُ من جحدَهُ إذا كانَ له على اجلاحدِ مثلَ مالِهِ عليهِ أو أكثرَ
فيحص ُل التقاصُ للضرورةِ فإِن كانَ لهُ دونَ ما لآلخرِ عليهِ ُجحِدَ مِن حقّهِ بقدرِهِ
(وشُرِط للدعوى) أي لصحتِها حىت تسمعَ وحتوجَ إىل جوابٍ (بنقدٍ) خالصٍ أو
مغشوشٍ (أو دَينٍ) مثلي أو متقومٍ (ذِكرُ جنسٍ) مِنْ ذهبٍ أو فِضةٍ (ونوعٍ) وصحةٍ
وتكسرٍ إن اختلفَ هبما غرضٌ (وقدرٌ) كمائةِ درهمٍ فضةٍ خالصةٍ أو مغشوشةٍ أشرفيةٍ
أطالبُهُ هبا اآلنَ ألنَّ شرطَ الدعوى أنْ تكونَ معلومةً وما عُِلمَ وزنُهُ كالدينارِ ال يُشترطُ
التعرضَ لوزنِهِ وال يشترطُ ذِكرُ القيمةِ يف املغشوشِ وال تُسمعُ دعوى دائنٍ مفلسٍ
ثبتَ فلسُهُ أنه وجدَ ماالً حىت يبنيَ سببُهُ كإِرثٍ واكتسابٍ وقدره (و) يف الدعوى
صفَةٍ) بأنْ يَصفَها املدَعي بصفاتِ (بعنيٍ) تنضبطُ بالصفاتِ كحبوبٍ وحيوانٍ ذكرُ ( ِ
سلمٍ وال جيبُ ذكرُ القيمةِ فإِن تلفتِ العنيُ وهي متقومةٌ وَ َجبَ ذكر القيمةِ معَ اجلنسِ
كعبدٍ قيمتُهُ كذا (و) يف الدعوى (بعقارٍ) ذكرُ (جهةٍ) وحملةٍ (وحدودٍ) أربعةٍ فال
يكفي ذكرُ ثالثةٍ منها إذا ملْ يُعلم إال بأربعةٍ فإِن عُلم بواحدٍ منها كفى بل لو أغَنتْ
شهرتُهُ عن حتديدِهِ مل جيبْ (و) يف الدعوى (بنكاحٍ) على امرأةٍ ذِكرُ صحِتهِ وشرو ِطهِ
مِنْ حنوِ (ويلٍ وشاهدينِ عُدولٍ) ورضاها إن شرط بأن كانتْ غريَ مُجربةٍ فال يكفي
فيهِ اإلطالقُ فإِنْ كانت الزوجةُ أمةً وجبَ ذِكرُ العجزِ عن مهرِ حرةٍ وخوفِ العنتِ
وأنه ليسَ حتتَهُ حرةً (و) يف الدعوى (بعقدٍ مايل) كبيعٍ وهبةٍ ذكرُ صحتِهِ وال حيتاجُ
إىل تفصيلٍ كما يف النكاحِ ألنه أحوطُ حُكماً منهُ (وتلغو) الدعوى (بتناقضٍ) فال
يُطلبُ من املُدَّعى عليه جواَبهَا (كشهادةٍ خالَفتِ) الدعوى كأن ادعى مُلكاً بسببٍ
فذكَر الشاهدُ سبباً آخرَ فال تسمعُ ملنافاتِها الدعوى وقضيتُهُ أنهُ لو أعادَها على وفقِ
الدعوى قُبلتْ وبهِ صرَّح احلضرمي واقتضاهُ كالمُ غريِهِ وال تُبطلُ الدعوى بقولِهِ
شُهودي فسقةٌ أو مبطلونَ فلهُ إقامةُ بينةٍ أخرى واحللفُ (ومَنْ قا َمتْ عليهِ بينةٌ) حبقّ
(لَيسَ ل ُه حتليفُ املُدَّعِي) على استحقاقِ ما ادَّعاهُ حبقّ ألنهُ تكليفُ حجةٍ بعدَ حجةٍ
فهو كالطعنِ يف الشهودِ نعم له حتليفُ املُدينِ َمعَ البينةِ بإِعسارِهِ جلوازِ أنَّ لهُ ماالً باطناً
ولو ادعى خصمُهُ مُسقِطاً له كأداءٍ لَهُ أو إبراءٍ منهُ أو شرائِهِ منهُ فَيَحلفُ على نفي ما
ادعاهُ اخلصمُ الحتمالِ ما يدعيهِ وكذا لو ادّعَى خصمُهُ عليهِ عِلمَهُ بفسقِ شَاهدِهِ أو
كذبِهِ وال يتوجهُ حلفٌ على شاهدٍ أو قاضٍ ادَّعَى كذبُهُ قطعاً ألنه يؤدي إىل فسادٍ
عامٍ .ولو نكَل عَنْ هذِهِ اليمني حلفَ ا ُملدّعى عليهِ وبَطلتِ الشهادةُ (وإذا) طلبَ
174
اإلِمهالَ مَنْ قامتْ عليهِ البينةُ (أمهَلهُ) القاضي وجوباً لكن بكفيلٍ وإال فبالترسيم علي ِه
إن خيفَ هربُهُ (ثالثةً) من األيامِ (ليأيت بدافعٍ) من نَحوِ أداءٍ أو إبراءٍ ومُكنَ من سف ِرهِ
ليحضرَهُ إنْ مل تزدْ املدَّةُ على الثالثِ ألهنا ال يعظمُ الضررُ فيها (ولو ادّعى رقَّ بالغٍ)
عاقلٍ جمهولِ النسبِ (فقالَ أنا حرٌ أصالةً) ومل يكنْ قَد أقرَّ لَهُ بامللِكِ قبلُ وَهو رشِيدٌ
( َحلَفَ) فَيصدقُ بيمينِهِ وإِن استخدمَهُ قبلَ إنكارِ ِه وَجَرى عليهِ البيعُ مراراً أو تداولتْهُ
األيدي ملواَفقَتِهِ األصلَ وَ ُهوَ احلريةُ ومِنْ ثُمَّ قُدمتْ بينةُ الرقِّ على بينةِ احلريةِ ألنَّ
األوىل معها زيادةُ علم بنقلِها عنَ األصلِ وخَرجَ بقويل أصالةً ما لو قال أعتقتين ،أو
أعتقين مَنْ باعين لكَ فال يُصدَّقُ إال ببينةٍ وإذا ثبَتتْ حريُتهُ األصليةُ بقولِهِ ر َجعَ مشتريه
على باِئعِهِ بثمنِهِ وإن أقرَّ لهُ بامللكِ ألنهُ بَنَاهُ على ظاهرِ اليدِ (أو) ادعى رقَّ (صيبّ) أو
جمنونٍ كبريٍ (ليسَ يف يدِهِ) َوكَذبَهُ صاحبُ اليدِ (ملْ يُصدَّقْ إال حبجةٍ) من بينةٍ أوْ علمِ
قاضٍ أو مينيٍ مردودةٍ ألنَّ األصلَ َع َدمَ املُلكِ .فلو كانَ الصيبُّ بيدِهِ أو بيدِ غريِهِ
َدقَهُ صاحبُ اليدِ حَلَفَ خلطرِ شأنِ حلريةِ ما مل يَعرف لَقطه وال أثرَ إلِنكارِهِ إذا َوص َّ
ف لَقطَه َلمْ يُصدَّقْ إال ببينةٍ.
ألن اليدَ حجةٌ فإِن عر َ
بَل َغ َّ
[فرع] :ال تُسمعُ الدعوى ِبدَينٍ مؤجلٍ إذ ملْ يتعلقْ هبا إلزامٌ ومطالبةٌ يف احلالِ
وَيُسمعُ قولُ البائعِ املبيعُ َوقْفٌ وكذا ببينة .إن مل يصرْح حالَ البيعِ مبلكِهِ وإال ُسمِعتْ
ف املشتري أنه باعَهُ وهو ملكَهُ. دعواهُ لتحلي ِ
(فصل) :يف جوابِ الدعوى وما يتعلقُ بِهِ (إذا أقرَّ املُدعى عَلَيهِ ثَبتَ احلقُّ) بال
حُكمٍ (وإنْ سَكَتَ عن اجلوابِ أمرَهُ القاضي بِهِ) وإنْ مل يسألْ املُدعي (فإِنْ سكتَ
فكمنكرٍ) فَتُعرضُ عليهِ اليمنيُ( ،فإِنْ سَ َكتَ) أيضاً ومل يُظهر سبََبهُ (فناكِلٌ) فيحلفُ
املُدعي وإنْ أنكرَ اشترطَ إنكارَ ما ادعى عليهِ وأَجزائِهِ إنْ تَجزأَ (فإِنّ ادَّعى) عليهِ
(عَشرَةً) مثالً (مل يكفِ) يف اجلوابِ (ال تلزمين) ال َعشَرةُ (حىت يقولَ وال بعضها وكذا
توج َهتِ اليمنيُ عليهِ ألنَّ مُدَّعيها مُدَّعٍ لكلِ جزءٍ منها فال بدَّ أنْ يطابقَيَحلِفُ) إنْ َّ
اإلِنكارَ واليمنيَ دعواه ،فإِنْ حلَفَ على نفي ال َعشَرَةِ واقتصرَ عليهِ فناكلٌ عما دونِها
فيحلفُ املُدَّعي على استحقاقِ ما دونَ العشر ِة ويَأخذَه ألَنَّ النكولَ عنِ اليمنيِ
كاإلِقرا ِر (أو) ادَّعى (ماالً) مضافاً لسببٍ كأقرضتُكَ كذا (كفاهُ) يف اجلوابِ (ال
تَسَتحِقُّ) أنتَ (عليَّ شيئاً) أو ال يلزمُين تسليمُ شيءٍ إليكَ ،ولو اعترفَ بهِ وادّعى
مُسقطاً طَوِلبَ بالبينةِ .ولو ادَّعى عليهِ وَديعةً فال يكفي يف اجلوابِ ال يَلزمين التسليمُ
بلْ ال تستحقُّ عليَّ شيئاً وحيلفُ كما أجابَ ليطابقَ احللفُ اجلوابَ .ولو ادَّعى عليهِ
ماالً فأنكَرَ وَطََلبَ منهُ اليمنيَ فقالَ ال أحلفُ وأَعطى املالَ مل يلزمْهُ قبولَهُ من غريِ إقرارٍ
وَلهُ حتليفَهُ.
[فرع] :لو ادَّعى عليهِ عيناً فقالَ ليستْ يل أو هي لرجلٍ ال أعرفهُ أو إلبين الطفل
أو وقفٌ على الفقراءِ أو مسجدِ كذا وهوَ ناظرٌ فيهِ فاألصحُّ أنهُ ال تنصرفُ اخلصومةُ
عنهُ وال تُنزَعُ العنيُ منهُ بلْ حيُلفهُ املُدعي أنهُ ال يلزمهُ التسليمُ للعنيِ رجاءَ أنْ يقرَّ أو
ينكلَ فيحلفُ املُدَّعي وتثبتُ لهُ العنيُ يف األولنيِ والبدلُ للحيلولة يف البقيةِ أو يقيمَ
املُدعي بينةً أهنا لهُ .ولو أصرَّ املُدعى عليه على سكوتٍ عن جوابٍ للدعوى فناكلٌ إن
حَ َكمَ القاضي بنكولِهِ (وإذا ادَّعيا) أي إثنانِ أي كلٌ منهما (شيئاً يف يدِ ثالثٍ) مل
يُسندْهُ إىل أحدِمها قبلَ البينةِ وال ب َعدَها (وأَقاما) أي كلٌ منِهما (بينة) به ( َسقَطتا)
ضهِما وال مُرجِّحُ فكانَ كما ال بينة فإِنْ أقرَّ ذو اليدِ ألحدِمها قبلَ البينةِ أو بَعدهَا لتعار ِ
رُجِّحتْ بينتُهُ (أو) ادَّعيا شيئاً (بيدِهِما) وأقاما بينتنيِ (فهوَ هلما) إذ ليسَ أحدُهُما أوىل
بهِ مِنَ اآلخرِ أما إذا مل يكُنْ بيدِ أَحدٍ وَ َش ِهدَتْ بينةُ كلّ لَهُ بالكلّ فَيُجعلُ بينهما.
وَحملُّ التساقطِ إذا وقعَ تعارضٌ حيُث مل يتميز أحدُهُما مبُرجحٍ وإال قدَم و ُهوَ بيانُ نقلِ
175
امللكِ مث اليدُ فيهِ للمُدعي أو ملنْ أقرَّ لهُ بهِ أو انتقلَ لهُ منه مث شاهدان مثالً على شا ِهدٍ
ومينيٍ مث سبَقَ مُلكُ أحدِهِما بذكرِ زمنٍ أو بيانِ أنهُ ُوِلدَ يف مُلكِهِ مثالً ثُمَّ بذكرِ سببِ
امللكِ (أو) ادعيا شيئاً (بيدِ أَ َحدِهِما) تصرفاً أو إمساكاً (ُقدِمتْ بينتُهُ) مِنْ غريِ مينيٍ
وإنْ تأخرَ تارخيُها أو كاَنتْ شاهداً ومييناً وبينةُ اخلارجِ شَاهدينِ أو مل تُبيَّن سببَ
امللكِ مِنْ شِراءٍ و َغريِهِ ترجيحاً لبينةِ صاحبِ اليدِ بيدِهِ ويُسمَّى الداخلُ وإن حكم
ب مُلكِهِ .نَعمْ لو ش َهدَتْ بينةُ اخلارجِ باألوىل قبلَ قيامِ الثانيةِ أو بينت بينةُ اخلارجِ سَب َ
بأنَّهُ أشتراهُ مِنهُ أو مِنْ باِئعِهِ مثالً قُدِّمتْ لبطالنِ اليدِ حينئذٍ ولو أقامَ اخلارِجُ بينةً بأنَّ
ك قُدِّمتْ ومل تنفعْهُ بينتُهُ باملُلكِ إال إ ْن ذكرتْ إنتقاالً ممكناً من املقرِّ الداخلَ أقرّ لهُ باملل ِ
لهُ إليهِ (هذا إنْ أقامَها بعدَ بينةِ اخلارجِ) خبالفِ ما لو أقامَها قَبْلَها ألهنا إمنا تُسمعُ
ت كافيةً.
ألن األصلَ يف جانبِ ِه اليمنيَ فال يعدلُ عَنْها ما دام ْ بعدَها َّ
[فروع] :لو أزيلتْ يدُهُ ببينةٍ مثَّ أقامَ بينةً مبلكِهِ مستنداً إىل ما قبلَ إزالةِ يدِهِ
واعتذرَ بغيبةِ شهودِهِ أو جهلِهِ ِبهِم ُس ِم َعتْ وُقدّ َمتْ إذْ ملْ تزلْ إال ِل َع َدمِ احلجةِ وقد
ظَهرتْ فينقضُ القضاءُ ،لكنْ لو قالَ اخلا ِرجُ هو مُلكي اشتريتُهُ منكَ فقالَ الداخلُ بلْ
هوَ ملكي وأقاما بينتني مبا قاال قُدم اخلارجُ لزيادةِ علم بينتِهِ بانتقالِ امللكِ وكذا
قُدِّمت بينتُهُ لو شَ ِهدَتْ أنهُ ملكهُ وإمنا أودَعَهُ أو أجرَهُ أو أعارَهُ للداخل أو أنهُ أو بائعُهُ
غصبَهُ منهُ وَأُطلِقتْ بينةُ الداخلِ .ولوْ تَدَاعيا دابةً أو أرضاً أو داراً ألحدهِما متاعٌ فيها
أو احلملُ أو الزرعُ قدمتْ بينتُهُ على البينةِ الشاهدةِ بامللكِ املطلقِ إلنفرادِهِ باإلنتفاعِ
فاليدُ لَهُ فإِن اختصَّ املتاعُ ببيتٍ فاليدُ لَهُ فيهِ فقط .ولو اختلفَ الزوجانِ يف أمتعةِ
البيتِ ولو بَعدَ الفُرقةِ وال بينةَ وال اختصاصَ ألحدِمها بيدٍ فلكلّ تَحلِيفُ اآلخر ،فإِذا
حَلفا ُجعِل بينهُما وإنْ صلحَ ألحدِهِما فقط أو حَلَفَ أحدُهُما قضَى لَهُ كما لو
اختصَّ باليدِ وحَلَفَ (وتُرجحُ) البينةُ (بتاريخٍ سابِقٍ) فلو َشهَدتْ البينةُ ألَحدِ املتنازِعَنيِ
ني بيدِهِما أو يدِ ثالثٍ أو ال بيدِ أحدٍ مبلكٍ مِنْ سنةٍ إىل اآلنَ وَشَهدتْ بَينةٌ أُخرى يف ع ٍ
لآلخر مبلكٍ هلا مِنْ أكثرَ مِنْ سنةٍ إىل اآلن كسنتنيِ فترجِعُ بينةُ ذي األكثرِ ألهنا أَثبَتتِ
ضهَا فيه األخرى ولصاحبِ التاريخِ السابقِ أجر ٌة وزيادةٌ حادثةٌ امللكَ يف وقتٍ ال تُعار ُ
من يومِ مل ِكهِ بالشهادةِ ألهنا فوائدُ ملكِهِ وإذا كانَ لصاحبِ متأخرةِ التاريخِ يدٌ مل
يُعلمْ أهنا عادية قُدمتْ على األصحِ .ولو ادَّعى يف عنيٍ بيدِ غريِهِ أنهُ اشتراها مِنْ زيدٍ
مِنْ منذُ سنتنيِ فأقامَ الداخلُ بينةً أنهُ اشتراهَا مِنْ زيدٍ منْ منذُ سَنةٍ قُد ِمتْ بينةُ اخلارجِ
ألهنا أَثبَتتْ أنَّ يدَ الداخلِ عادِيةٌ بِشراِئهِ مِنْ زيدٍ ما زالَ ملكَهُ عنهُ ولو احتدَ تار ُخيهُما
ُدمَ ذو اليدِ ولو شهدتْ بينةً مبلكٍ أمسَ ومل تتعرضْ للحالِ مل أو أُطِلقَتَا أو إحداهُما ق ِّ
تُس َمعْ كما ال تُس َمعُ دعواهُ بذلكَ حَتَى نقولَ ومل يزلْ ملكُهُ أو ال نعلمُ لَهُ مُزيالً أو
تَبنيَ سَبَبُهُ كأن تقولَ اشترَاهَا مِنْ خصمِهِ أو أقرَّ لَهُ بهِ أمسُ ألنَّ دعوى املُلكِ السابقِ
ال تُس َمعُ فكذا البينةُ .ولو قالَ مَنْ بيدِهِ عَنيٌ اشتريتُها مِنْ فالنٍ منْ منذُ شهرٍ وَأقامَ بهِ
بينةً فقالتْ زوجةُ الباِئعِ مِنهُ هي ملكي تَعوضتُها منهُ من منذُ شهرينِ وأقامتْ بهِ بينةً،
فإِن ثبتَ أَهنا بيدِ الزوجِ حالَ التعويضِ حُ ِكمَ هبا هلا وإال بقيتْ بيدِ مَنْ هي بِيدهِ اآلنَ
(و) ترجحُ (بشاهدينِ) وشاهدٍ وامرأتنيِ وأرَبع ِنسَوةٍ فيما يُقبَلنَ فيهِ (على شاهدٍ َمعَ
مينيٍ) لإلِمجاعِ على قبولِ مَنْ ُذكِرَ دُونَ الشا ِه ِد واليمني (ال) تُرجَّحُ (بزيادةٍ) حنوَ
قدرَهُ الشرعُ ال خيتلفُ بالزيادةِ والنقصِ عدالةٍ أو َعدَدِ (شُهودٍ) بل تتعارضانِ ألنَّ ما َّ
وال برجلنيِ على رجلٍ وامرأتنيِ وال على أربعِ نِسوةٍ (وال) بينةٍ (مؤرخةٍ على) بينةٍ
(مُطلقةٍ) مل تَتَعرْض لزمنِ امللكِ حيثُ ال يدَ ألحدِهِما واستويَا يف أنَّ لكل شاهدينِ
ومل تُبنيْ الثَانيَة سََببَ امللكِ فتَتَعارضانِ .نعم لو َش ِهدَتْ إحداهُما بدَينٍ واألُخرى
حتْ بينةُ اإلِبراءِ ألهنا إمنا تكونُ بعدَ الوجوبِ .واألصلُ عدمَ تعددِ الدَّين باإلِبراءِ رُج َ
176
جبُ ألفَانِ ولو أثبتَ إقرارُ زيدٍ لَهُ بدَينٍ فأثبَت ولو شَهدَتْ بينةٌ بألفٍ وَبينَةٌ بألفَنيِ َي ِ
ث الدَي ِن بعدُ.
زَيدٌ إقرارَهُ بأنه ال شي َء لَهُ عليهِ مل يؤثرْ إلحتمالِ حدو ِ
[فروع] :لو أقامَ بينةً مبلكِ دَابةٍ أو شجرةٍ مِنْ غريِ تعرضٍ مبلكٍ سابقٍ بتاريخٍ مل
يستحَقَّ مثرةً ظاهرةً وال ولداً منفصالً عِندَ الشهاد ِة ويستحقُّ احلَملُّ والَثمَر غريَ الظاهرِ
ضتْ مللكٍ سابقٍ على حُدوثِ ما ذُكرَ فيستَحقُهُ عِندَها تبعاً لألم واألصلِ ،فإِذا تَعر َ
ولو اشترى شيئاً فأخذَ منهُ حبجةٍ غريَ إقرارٍ رجع على بائعِهِ الذي مل يُصدِقهُ وال أقامَ
بَينةً بأن ُه اشتراهُ مِنَ املُدعي ولو بَعدَ احلُكمِ بِهِ بالثمنِ خبالفِ ما لو أ َخذَ مِنهُ بإِقرارِهِ أو
حبلفِ املدعي بعدَ نكولِهِ ألنهُ املقصرُ ولو اشترى قِناً وأقرَّ بأنهُ قنٌّ مث ادَّعى حبريةِ
األصلِ وحُكمَ لَهُ هبا رجعَ بثمنِهِ على بائعِهِ ومل يضرّ اعترافُهُ برقّهِ ألنهُ مُعتمدٌ فيهِ على
الظاهِرِ .ولو ادعى شراءَ عنيٍ فش َهدَتْ بَينةٌ مبلكٍ مطلقٍ قُبِلتْ ألهنا شَهدتْ باملقصودِ
وال تناقضَ على األصحّ .وكذا لو ادَّعى ملكاً مُطلقاً فشهدَتْ لهُ بهِ معَ سَبَبِهِ ملْ َيضُرَّ
ني الدعوى والشهادةِ. وإنْ ذكرَ سبباً وَ ُهمْ سبباً آخرَ ضرَّ ذلك للتناقضِ ب َ
[فرع] :لو باعَ داراً مث قامتْ بينةٌ حسبةٌ أنَّ أباه َوقَفها عليهِ مث على أوال ِدهِ
انتز َعتْ مِنَ املُشتري وَرجعَ بثمنِهِ على البائعِ ويصرفُ لهُ ما حصلَ يف حياتِهِ مِنَ الغلةِ
إِن صدَقَ البائعُ الشهودَ وإالَ وُقِّفَتْ ،فإِنْ ماتَ مُص ّراً صُ ِرَفتْ ألقربِ الناسِ إىل
الواقفِ .قَالَهُ الرَافعي كالقفالِ.
[فرع] :جتوزُ الشهادةُ بل جتبُ إن احنصرَ األمرُ فِيهِ مبلكٍ اآلنَ للعنيِ املدعاةِ
استصحاباً ملا سبَقَ منْ إرثٍ وشراءٍ وغريِهِما إعتماداً علي اإلستصحابِ ألنَّ األصلَ
البقاءَ وللحاجةِ لذلكَ وإال لتعسرَتْ الشهادةُ على األمالكِ السابقةِ إذا تطاولَ الزمنُ
وحملُّهُ إن مل يُصرحْ بأنهُ اعتمدَ اإلِستصحابَ وإال مل تسمع عندَ األكثرينَ (ولو ادعيا)
أي كلٌ مِن اثننيِ (شيئاً بيدِ ثالثٍ) فإِنْ أقرَّ بهِ ألحدِمها ُسّلمَ إليهِ ولآلخرِ حتليفَهُ (و)
إنْ ادعيا شيئاً على ثالثٍ و (أقامَ كلٌ) مِنهُما (بينَةً أنهُ اشتراهُ) مِنهُ وسلمَ مثنَهُ (فإِنْ
اختلِفَ تار َخيهُما حُ ِكمَ لألَسبقِ) مِنهُما تارخياً ألنَّ َمعَها زيادة علمٍ (وإال) خيتلفُ
تارخيُهُما بأَنْ أُطلِقتا أو إحداهُما أو أرِّخَتا بتاريخٍ مُتحدٍ ( َسقَطتا) إلستحالةِ أَعماهلُما
ثُمَّ إنْ أقرَّ هلما أو ألحدِهِما فواضحٌ وإال حلفَ لِكُلٍ مييناً ويرجعانِ عليهِ بالثمنِ لثبوِتهِ
بالبينةِ ولو قالَ كُلٌّ منهُما واملبيعُ يف يدِ املدعى عليهِ بعِتَكَهُ بكذا وهو ملكي وإال مل
تُسمعْ الدعوى فَأَنكرَ وأقاما بيننتِ مبا قااله وطلباهُ بالثمنِ فإِن احتدَ تارخيُهما سقَطَتَا
وإنْ اختلفَ لزمَهُ الثمنانِ .ولو قالَ أجرتُكَ البيتَ بعشرةٍ مثالً فقالَ بلْ أجرتَين مجيعَ
الدارِ بعشرةٍ وأقاما بَينتنيِ تَساقطَتا فيتحالفانِ مثَّ يُفس ُخ العقدُ.
[تنبيه] :ال يكفي يف الدعوى كالشهادةِ ذِك ُر الشراءِ إال معَ ذِكرِ ملكِ البائعِ إذا
كانَ غريَ ذي يدٍ أو مَع ذَكرِ يدِهِ إذا كانتِ اليدُ ل ُه ونُزعَتْ مِنهُ تَعدياً (ولو ادعُوا) أي
ضهُم (ماالً) عيناً أو ديناً أو منفعةً (ملورِثهِم) الذي ماتَ (وأقاموا كلهُم أو بع ُ
الورثةُ ُّ
ضهُم على استحقاقِ مورثِهِ الكُلَّ (أَ َخذَ َنصِيبَهُ وال شاهداً) باملالِ (وحَلفَ) معهُ بع ُ
يُشارِكُ فيهِ) مِنْ جهةِ البقيةِ ألنَّ احلجَّةَ متت يف حقّهِ وحدهُ وغريِهِ قادرٌ عليها باحللفِ
وأن مينيَ اإلِنسانِ ال يُعطى هبا غريُه فلو كانَ بعضُ الورثَةِ صبياً أو غائباً حَلفَ إذا بلغَ
أو حضرَ وأخذَ نصيبَهُ بال إعادةِ دعوى وشهادةٍ ولو أقرَّ بدَينٍ مليتٍ فأخذ بعضُ ورثتِهِ
قدَر حصتِهِ ولو بغريِ دعوى وال إذنَ منْ حاكمٍ فللبقيةِ مشاركتَهُ ولو أخذَ أحدُ
شُركائِهِ يف دارٍ أو منفَعتِها ما خيصُّهُ من أجرتِها مل يشاركهُ فيهِ بقيةُ الورثَةِ كما قالهُ
شيخُنا.
(فَصلٌ) :يف الشهاداتِ جَمعُ شَهادةٍ .وهي إخبارُ الشخصِ حبقٍ على غريِهِ بلفظٍ
خاصٍ( .الشهادةُ لرمضانَ) أي لثبوتِهِ بالنسبةِ للصومِ فقط( .رَجُلٌ) وا ِحدٌ ال امرأةٌ
177
وخُنثى (ولزِنا) ولواطٍ (أربعةٌ) مِنَ الرجالِ يشهدونَ أهنُم رأوهُ أدخلَ ملكفاً خمتاراً
شفَتَهُ يف فَرجها بالزِنا .قَالَ شَيخُنَا :والذي يتجهُ أنهُ ال يُشترطُ ذِكرُ زمانٍ ومكانٍ حَ
إال نْ َذكَرَهُ أحدَهُم فيجبُ سؤالُ الباقنيَ إلِحتمالِ وقُوعِ تناقضٍ يُسقطُ الشهادةَ وال
ذكَرَ رَأينَا كاملرودِ يف املكحلةِ بل يُسنُّ ويكفي لإلِقرارِ بهِ إثنانِ كغريِهِ (وملالٍ) عيناً
صدَ بهِ مالٌ) من عقدٍ مايل أو حَقّ مايل (كبيعٍ) و َحوَالةٍ كانَ أو ديناً أو منفعةً (وما ُق ِ
َوضَمانٍ َووَقفٍ وقَرضٍ وإبراءٍ ( َورَهنٍ) َوصُلحٍ وخيارٍ وأَجَلٍ (رَجالنِ أو رجلٌ
وامرأتانِ أو رجلٌ ومينيٌ) وال يثبتُ شيءٌ بامرأتنيِ ومينيٍ (ولغريِ ذلكَ) أي ما ليسَ مبالٍ
وال يُقصدُ منهُ مالٌ من عُقوبةٍ للَّهِ تعاىل كحدِّ شُربٍ وسَرِقةٍ أو آلدمِيٍ َكقَودٍ وحدِّ
قدفٍ ومنعِ إرثٍ بأنِ ادَّعَى بقيةُ الورثَةِ على الزوجةِ أن الزوجَ خَاَلعَها حىت ال تَرثَ
منهُ (وملا يظهرُ للرجالِ غالباً كنكاحٍ) ورَجعةٍ (وطالقٍ) مُنجزٍ أو مُعلقٍ وَفسخِ نكاحٍ
وبلوغٍ (وعتقٍ) وموتٍ وإعسارٍ وقراضٍ ووكال ٍة وكفالةٍ وشركةٍ ووديعةٍ ووصايةٍ
وردةٍ وانقضاءِ عدّةٍ بأشهرٍ ورؤيةِ هاللٍ غري رمَضانَ وَشَهادة على شهادةٍ وإقرارٌ مبا ال
يثبتُ إال برجلنيِ (رَجُالنِ) ال رجلٌ وامرأتانِ ملا روى مالكٌ عنِ الزُهري :مَضتِ
السُنةُ مِنْ رسولِ اللَّهِ أنهُ ال جيوزُ شهادةُ النساءِ يف احلدودِ وال يف النكاحِ وال يف
الطالقِ وقِيسَ باملذكوراتِ َغريَها مما يُشاركُها يف املعىن (وملا يظهرُ للنساءِ) غالباً
(كوِالدةٍ وحَيضٍ) وبَكارةٍ وثيابةٍ ورضاعٍ وعيبِ امرأةٍ حتتَ ثيابِها (أربعٌ) مِنَ النساءِ
ضتِ السنةُ بأنهُ (أو رَجُالنِ أو رجلٌ وامرأَتانِ) ملا روى ابنُ أيب شَيبةَ عنِ الزُهريَ :م َ
جيوزُ شهادةُ النساءِ فيما ال يطلعُ عليهِ غريهُنَّ من والدَةِ النساءِ وعيوِبهِن وقِيسَ بذلكَ
غريَهُ وال يثبتُ ذلكَ برجلٍ ومينيٍ.
(وسُئِلَ) بعضُ أصحابنا عمَّا إذا شهدَ رَجُالنِ أنَّ فالناً بلغَ عم ُرهُ ستَ َعشَرَةَ سنةً
فشهدَتْ أربعُ نسوةٍ أنَّ فالنةَ يتيمةً ُولِدتْ شهرَ موِلدِهِ أو قبلَهُ أو بعدَهُ بشهرٍ مثالً
سهَا برَجُلَنيِ.
فهل جيوزُ تزوجيُها إعتماداً على قوهلنَّ أو ال جيوزُ إال بعدَ ثبوتِ بلوغِ نف ِ
اللهُ بهِ :نعم يثبتُ ضمناً بلوغُ م ْن شَهدنَ بوالدَتِها كما يثبتُ النسبُ (فأجاب) َن َفعَنَا َّ
ضمناً بشهادةِ النساءِ بالوالدَ ِة فيجوزُ تزوجيُها بإِذنِها للحكمِ ببلوغِها شرعاً .اه.
[فرع] :لو أقا َمتْ شاهداً بإِقرارِ زوجِها بالدُخولِ كَفى حَلفُها َم َعهُ ويثبتُ املهرُ
أو أقامَ ُه ُهوَ على إقرارِها بهِ مل يكفِ احللفُ معهُ ألن قصدَهُ ثُبوتَ العدةِ والرجعةِ
وليسا مبالٍ (وشُرِطَ يف شا ِهدٍ تَكليفٌ وحُريةٌ ومُروءةٌ وعدالةٌ) وتيقظٌ فال تُقبلُ مِنْ
صَيب وجمنونٍ وال ممنْ بهِ رِقٌ لنقصِهِ وال مِنْ َغريِ ذي مروءةٍ ألنهُ ال حياءَ لهُ َومَنْ ال
حَياءَ لَهُ يقولُ ما شاءَ وهي توقى األدناسُ عُرفاً فيُسقِطُها األكلَ والشُّربَ يف السوقِ
واملشيَ فيهِ كاشفاً رأسَهُ أو َبدَنَهُ لغريِ سُوقِي َوقِبلةَ احلليةِ بِحضرةِ الناسِ وإكثارَ ما
ف قليلِ الثالثةِ وال مِنْ فَاسقٍ واختارٍ يُضحكَ بينهُم أو لعبَ شطرنجٍ أو رقصٍ خبال ِ
ت العدال ُة وعمَّ الفسقُ مجعٌ مِن ُهمْ األذرعي والغزي وآخرون قولَ بعضَ املالكيةِ إذا فقد ِ
قضى احلاكمُ بشهادةِ األمثلِ فاألمثلِ للضرورةِ والعدالةُ تتحققُ (باجتنابِ) كُلِ
(كبريةٍ) مِنْ أنواعِ الكبائرِ كالقتلِ والزِنا والقذفِ بِهِ وَأَكلِ الرِبا ومالِ اليتيمِ واليمنيِ
الغموسِ وشَهادةِ الزُورِ وَبُخسِ الكيلِ أوِ الوزنِ وقطعِ الرَّحمِ والفَرارِ مِنَ الزَحفِ بال
عُذرٍ وعُقوقِ الوالدينِ وغَصبِ قدرَ رُبعِ دينارٍ وتفويتِ مَكتوبةٍ وتأخريِ زكاةٍ عدواناً
ومنيمةٍ وغريِها من كُلِّ جرميةٍ تُؤذنُ بقلةِ اكتراثِ مُرتكِبِها بالدِينِ وَ َرقَةِ الديانةِ (و)
اجتنابِ (إصرارٍ على صغريةٍ) أو صغائرٍ بأن ال تغُلبَ طاعاتُهُ صغائرَهُ فمىت ارتكبَ
كبريةً بطَلتْ عدالتُهُ مطلقاً .أو صغريةً أو صغائرَ دَاومَ عليها أوالً خِالفاً ملن فرَّقَ .فإِنْ
غلبتْ طاعَتُهُ صغائِرَهُ فهوَ عدلٌ ،ومَتَى استوَيا أو غَلَبَتْ صغائرُهُ طاعاَتهُ فهوَ فاسقٌ.
والصغريةُ كنظَرِ األجنبيةِ وملسِها ووطءِ رجعيةٍ وهجرِ املسلمِ فوقَ ثالثٍ وبيعِ مخرٍ
178
ولبسِ رجُلٍ ثَوبَ حريرٍ وكذبٍ ال حدَّ فيهِ وََلعْ ٍن ولو لبهيمةٍ أو كافرٍ وبَيعِ مَعيبٍ ال
ذكرِ عيبٍ وبيعِ رقيقٍ مُسلمٍ لكافرٍ وحماذاةِ قاضي احلاجهة الكعبة بفرجِهِ و َكشْفِ
العورةِ يف اخلَلوةِ عبثاً َوَل ِعبٍ بنردٍ حلصةِ النهي عنهُ وغيبةٍ وسكوتٍ عليها.
ضهُم اإلِمجاعَ على أنَّها كبريةٌ ملا فيها مِنَ الوعيدِ الشَديدِ حممولٌ على ونقلَ بع ُ
غيبةِ أهلِ العِلمِ وَحَملةِ القرآن لعمومِ البَلوى هبا ،وهي ذِكرُكَ ولو حنو إشارة غريُكَ
احملصورُ املعَيَّنُ ولو عِندَ بعضِ املخاطبنيَ مبا يَكرَهُ عرفاً .واللعبُ بالشطرنجِ بِكسرِ أوله
وفتحه معجماً ومهمالً مكروهٌ إنْ ملْ يكنْ فيهِ شرطُ مالٍ مِنَ اجلانبنيِ أو أ َحدِهِما أو
تَفويتُ صالةٍ ولو بنسيانٍ باالشتغالِ بهِ أو لعبٌ معَ مُعتقدٍ حترميَهُ وإال فحرامٌ ،وَيُحملُ
ما جاءَ يف ذمّهِ مِنَ األحاديثِ واآلثارِ على ما ُذكِرَ وتس ُقطُ مروءةُ منْ يداومْهُ فتُردُّ
شهادتُهُ وهو حرامٌ عندَ األئمةِ الثالثةِ مُطلقاً .وال تُقبلُ الشهادةُ مِنْ مُغفَّلٍ ومُختَلّ نظرٍ
وال أَصمّ يف مسموعٍ وال أعمى يف مُْبصَرٍ كما يأيت .ومن التيقظِ ضَبط ألفاظِ املشهودِ
عليهِ حبروفِها من غريِ زيادةٍ فيها وال نقصٍ .قال شيخُنَا :ومِنْ مث ال جتوزُ الشهادةُ
باملعىن .نعم :ال يبعدُ جوازُ التعبريِ بأحدِ الرديفنيِ عنِ اآلخرِ حيثُ ال إهبامَ (و) شُرِطَ
يف الشاهدِ أيضاً (عدمُ هتمةٍ) جبَرِّ نفع إِليهِ أو إىل مَنْ ال تُقبلُ شهادتُهُ لهُ أو دفعِ ضرّ
عنهُ هبا (فتُردُّ) الشهادةُ (لرقيقِهِ) ولو مكاتباً ولغرميٍ لهُ ماتَ وإنْ ملْ تَسغرقْ تركُتهُ
الديونَ خبالفِ شهادتِهِ لغرميِهِ املوسرِ وكذا املعسَرِ قبلَ موتِهِ فتَقبلُ هلُما (و) تُردُّ
(لبعضِهِ) من أصلٍ وإنْ عَالَ أو فرع له وإن سفلَ( .ال) تُردُّ الشهادَةُ (عليهِ) أي ال
على أحدِمها بشيءٍ إذ ال تُهمةَ .وال على أبيهِ بطالقِ ضرةِ أمّهِ طالقاً بائناً وأمُّهُ حتَتهُ،
أما رجعيٌ فتُقبلُ قطعاً .هذا كُلُه يف شهادةِ حسبةٍ أو بَعدَ دعوى الضُرةِ .فإِن ادعاهُ
األبُ لعدمِ نفقةٍ مل تُقبلْ شهادتُهُ للتهمةِ وكذا لو ادعتْهُ ُّأمهُ .قالَ ابنُ الصالحِ :لو
ادعى الفرعُ على آخر بدَينٍ ملوكِلهِ فأنكرَ فش َهدَ بِهِ أبو الوكيلِ قُبِلَ وإن كانَ فيهِ
تصديقُ ابنِهِ .وتُقبلُ شهادة كُلّ مِنَ الزوجنيِ واألَخوينِ والصَديقنيِ لآلخَرَ (و) تُردُّ
تصرفِهِ) كأنْ وكَّلَ أو أوصَى فيهِ ألنهُ يثبتُ بشهادَتِهِ واليةٌ لهُ الشهادةُ (مبا ُهوَ حملُّ ُّ
صمَ قبلَهُ قُبلتْ ،وكذا ال تُقبَلُ على املشهودِ بهِ نعم :لو شهدَ بهِ بعدَ عزلِهِ ومل يكنْ خا َ
شهادَةُ وديعٍ ملود ِعهِ ومرهتنٍ لراهنِهِ لتهمةِ بقاءِ يدِمها .أما ما ليسَ وكيالً أو وَصيِّاً فيهِ
فتقبلَُ .ومِنْ حِيَلِ شهادةِ الوكيلِ ما لو باعَ فأَنكَر املشتري الثمننَ أو اشترى فادَّعى
أجنيبٌ باملبيعِ فلهُ أنْ يَشهدَ ملوكلِهِ بأَن له عليهِ كذا أو بأنَّ هذا ملكَهُ إن جازَ لهُ أَنْ
حلهُ باطناً ألنَّ فيهِ توصالً للحقّ يَشهَد ب ِه للبائعِ وال يذكُر أنهُ وَكيلٌ وصوّبَ األذرعي َّ
بطريق مُباحٍ .وكذا ال تُقبلُ برباءةِ مَنْ ضمنَهُ الشاهدُ أو أصلُهُ أو فرعُهُ أو عبدُهُ ألنَّهُ
يدفعُ بهِ الغرمَ عن نفسِهِ أو عمَّن ال تُقبلُ َشهَادَةٌ لهُ (و) تُردُّ الشهادةُ (من عدوَ) على
عدوّهِ عَدواةً دُنيويةً ال لهُ .وهوَ من يَحزَنُ بفرحِهِ وعكسَهُ .فلو عادَى من يُريدُ أن
يَشهدَ عليهِ وباِلغَ يف خُصومتِهِ فلم جيْب ُه قُبِلتْ شهادتُهُ عليهِ.
[تنبيه] :قالَ شيخُنا ظَاهرُ كالمِهِ قبولُها من ولدِ العدوِّ ويوجَّهُ بأنهُ ال يلزمُ مِنْ
عَداو ِة األبِ عداوةُ اإلبنِ.
[فائدة] :حَاصلُ كالمِ الروضةِ وأصلِها أنَّ منْ قذفَ آخرَ ال تُقبلُ شهادةُ كلٍ
مِنهُما على اآلخرِ وإن ملْ يطلبِ املقذوفُ حدَّهُ وكذا من ادَّعى على آخرٍ أنهُ قطعَ
عليهِ الطريقَ وأخذَ مالَهُ فال تُقبلُ شهادةُ أحدِهِما على اآلخرِ .قالَ شيخُنا :يُؤخذُ من
سبَ آخَر إىل فسقٍ اقتضى وُقُوعَ عداوةٍ بينهما فال تُقبلُ الشهادةُ ذلكَ أنَّ كلَّ مَنْ َن َ
من أحدِهِما على اآلخرِ .نعم يَترددُ النظرُ فيمن اغتابَ آخرَ مبفسقٍ جيوزُ لهُ غيبتُهُ بهِ
ّز لذلكَ. ت السَببَ اجملو َّوإن أثب َ
179
[فرع] :تُقبلُ شهادةُ كلِّ مبتدعٍ ال نُكفِرُهُ ببدعَتِهِ وإنْ سبَّ الصحابةَ رضوانُ اللَّهِ
عليهم كما يف الروضةِ وادَّعى السُبكيُ واألذرعيُ أنهُ غلطٌ( .و) تُردُّ (مِنْ مُبا ِدرٍ)
بشهادتِهِ قبلَ أن يسألَها بَعدَ الدعوى ألنهُ مُتَّهمٌ نعم لو أعادَها يف اجمللسِ ولو بعدَ
صدَ هبا وجهَ اللَّهِ فتُقبلُ قبلَ اإلستشهادِ قُبلتْ (إال) يف شهادة حسبةٍ وهي ما ُق ِ
اإلستشهادِ ولو بال دعوى (يف حقٍ مؤكدٍ للَّهِ) تعاىل و ُهوَ ما ال يتأثرُ برضا اآلدمي
(كطالقٍ) رَجعيٍ أو بائنٍ (وعتقٍ) واستيالدٍ ونَسبٍ وعفوٍ عن قودٍ وبقاءِ عدةٍ
وانقضائِها وبلوغٍ وإسالمٍ وكفرٍ ووصيةٍ ووقفٍ لنحوِ جهةٍ عامةٍ وحقٍ ملسجدٍ وتَركِ
ع ومصاهرةٍ. صالةٍ وصومٍ وزكاةٍ بأن يشهدَ بتركِها وحتر ِمي رضا ٍ
[تنبيه] :إمنا تُسمعُ شهاد ُة احلسبةِ عندَ احلاجةِ إليها فلو شهدَ إثنانِ أن فالناً أعتقَ
عبدَهُ أو أنهُ أخو فالنةٍ منَ الرضاعِ مل يكفِ حىت يقوال أنه يَسترقُّهُ أو أنهُ يريدُ
نكاحَها .وخَرجَ بقويل يف حقٍ للَّهِ تعاىل حَقُّ اآلدمي كقَودٍ وحدّ قذفٍ وبيعٍ فال تُقبلُ
فيهِ شهادةُ احلسبةِ وتُقبلُ يف حدّ الزنا وقطعِ الطريقِ والسَرِقةِ (وتُقبلُ) الشهادةُ (مِنْ
فاسقٍ بَعدَ توبةٍ) حاصلةٍ قبلَ الغَرغرةِ وطلوعِ الشمسِ مِنْ مَغرِبِها (وهي ندمٌ) على
معصيةٍ مِنْ حيثُ أهنا معصية ال خلوفِ عقابٍ ولو اطلعَ عليهِ أو لغرَامةِ مالٍ (ب)
شرطِ (إقالعِ) عنها حاالً إن كانَ متلبساً أو مُص ّراً على معاودَتِها .ومن اإلِقالعِ ردُّ
املغصوبِ (وَعَزمٍ أنْ ال يعودَ) إليها ما عاشَ (وخروجٍ عن ظَالمةِ آدميّ) مِنْ مالٍ أو
غريِهِ فيؤدي الزكاةَ ملستحقيها ويَردُّ املغصوبَ إن بقيَ وبدَّلَهُ إن تلفَ ملستحقِهِ ويُمكَّنُ
مُستح ُق القَودِ وحدّ القذفِ منَ اإلستيفاءِ أو يُربئُ ُه منهُ املستحقُ للخربِ الصحيحِ" :مَنْ
كانت ألَخِيهِ عندَهُ مظلمَةٌ يف عُرضٍ أو مالٍ فليستحلُهُ اليومَ قبلَ أن ال يكونَ دينارٌ وال
درهمٌ ،فإِن كانَ لَهُ عملٌ يؤخذُ منهُ بقدرِ مظلمتِهِ وإال أَخذَ من سَيئاتِ صاحِبهِ"
فحملَ عليهِ و َشمَلَ العملُ الصومَ كما ص ّرحَ بهِ حديثُ مُسلمٍ خالفاً ملن استثناهُ ،فإِذا
رد الظالمةِ على املالكِ أو وارثِهِ سلمَها لقاضٍ ثقةً ،فإِن تعذَّر صرفُها فيما شاءَ َذرَ ُّ
َتع َّ
مِنَ املصاحلِ عندَ انقطاعِ َخربِهِ بنيةِ الغرمِ لهُ إذا وجدهُ فإِنْ أعسرَ عزمَ على األَداءِ إذا
أَيسرَ فإِنْ ماتَ قبَلهُ انقطعَ الطلب عنهُ يف اآلخرةِ إن مل يَعصِ بالتزامِهِ .فاملرجو من
فضلِ اللَّهِ الواسعِ تعويضُ املستحقّ .ويُشترطُ أيضاً يف صحةِ التوبةِ عن إخراجِ صالةٍ
أو صو ٍم أو وقتِهما قضاومها وإنْ كثر وعن القذفِ أن يقولَ القاذفُ قذيف باطلٌ وأنا
نادمٌ عليهِ وال أعودِ إليهِ وعَنِ الغيبةِ أن يستحلَّها مِنَ املغتابِ إن بلغَتْهُ ومل يتع ّذرْ مبوتٍ
مجعٌ مُتقدِمونَ أنهُ الأو غيبةٍ طويلةٍ وإال كفى الندمُ واإلستغفارُ لهُ كاحلا ِسدِ واشترَطَ َ
ضهُم بدَ يف التوبةِ منْ كلِّ معصيةٍ مِنَ اإلستغفارِ أيضاً واعتمدَهُ البلقيين .وقالَ بع ُ
يتوقفُ يف التوبةِ يف الزنا على استحاللِ زوجِ املزين هبا إن مل خيفْ فتنةً ،وإال فليتضرّعْ
ضهُم الزِنا مما ليس فيهِ حقُّ آدمي فال يُحتاجُ إىل اللَّهِ تعاىل يف إرضائِهِ عنهُ .وجَعلَ بع ُ
فيهِ إىل اإلستحاللِ واألوجهُ األولَ .وَيُسنُّ للزاين ككلِ مرتَ ِكبِ معصيةٍ السترُ على
ث هبا تفكهاً أو جماهرةً فإِنَّ هذا حرامٌ نفسِهِ بأن ال يُظهرها ليحدَّ أو يع ّزرَ ال أن يتحد َ
قطعاً ،وكذا يسنُّ ملن أقرَّ بشيءٍ من ذلكَ الرجوعُ عن إقرارهِ بِهِ قالَ شيخُنا :مَنْ ماتَ
ولهُ دَينٌ مل يستوفِهِ َورَثَتهُ يكونُ هوَ املطالبُ يف اآلخرةِ على األصح (و) بعدَ (استرباءِ
سَنَةٍ) من حنيِ توبةِ فاسقٍ ظهرَ فسقُهُ ألنَّها قَلبي ٌة وهو متهمٌ لقبولِ شهادِتهِم وَعودُ
واليتِهِ فاعتُبِرَ ذلكَ لتقوّي دَعواهُ ،وإمنا قدَّرهَا األكثرونَ بسنَةٍ ألنَّ الفصولَ األربعَةَ يف
ضتْ و ُهوَ على حالِهِ أشعَرَ بذلكَ حبُسنِ سَريرتِهِ،هتييجِ النفوسِ ِبشَوَاتِها أثراً بيناً فإذا مَ َ
وكذا ال بدَّ يف التوبةِ من خَارمِ املروءة اإلسترباءُ كما ذكرَهُ األصحابُ.
[فروع] :ال يَقدحُ يف الشهادةِ جهلَهُ بفروضٍ حنوَ الصالةِ والوضوءِ اللذينِ
يوءَديهما وال توقفَهُ يف املشهودِ بهِ إن عادَ وجزمَ بهِ فيُعيدُ الشهادةَ وال قولُهُ ال شهادةَ
180
يل يف هذا إن قالَ نسيتُ أو أمكنَ حدوثَ املشهودِ بهِ بعدَ قولِهِ وقدْ اشتهرتْ ديانُت ُه
وال يلز ُم القاضي استفسارَهُ إنْ اشتهرَ ضبطُهُ وديانتُهُ بَلْ ُيسَنُّ كتفرقةِ الشُهودِ وإال لزمَ
اإلستفسارُ (وشُرطَ لشهادةٍ بفعلٍ كزِنا) وغَصبٍ ورضاعٍ ووالدةٍ (إبصارٌ) لهُ معَ
فاعلِهِ فال يكفي فيهِ السماع مِن الغريِ وجيوزُ تعمدُ نظرِ فرجِ الزانينيِ لتحملِ شهادةٍ،
وكذا امرأةٍ تلدُ ألجلِها (و) لشهادةٍ (بقولٍ كعقدٍ) وفسخٍ وإقرارٍ ( ُهوَ) أي إبصارٌ
(ومسعٌ) لقائِلِهِ حالَ صدورِهِ فال يُقبلُ فيهِ أصمٌّ ال يس َمعُ شيئاً وال أعمى يف مرئيٍ
النسدا ِد طُرقِ التمييزِ معَ اشتباهِ األصواتِ وال يكفي سَماعُ شاهدٍ منْ وراءِ حجابٍ
وإنْ عُِلمَ صوتُهُ ألن ما أمكنَ إدراكُهُ بإِحدى احلواسّ ال جيوزُ أن يُعملَ فيهِ بغلبةِ ظَنٍ
جلوازِ اشتباهِ األصواتِ قالَ شيخُنا :نعم لو علمهُ ببيتٍ وحدَهُ وعُِلمَ أن الصوتَ ممنْ
يف البيتِ جازَ اعتمادُ صوتِهِ وإن مل يرَهُ وكذا لو عَِلمَ اثننيِ ببيتٍ ال ثالثَ هلما
و َس ِمعُهما يتعاقدانِ وعَِلمَ املوجبَ منهما مِنَ القابِل لعلمِهِ مبالكِ املبيعِ أو حنوِ ذلكَ فَلهُ
الشهادةُ مبا مسعَهُ منهُما .اه .وال يَصحُ حتملُ شهادةٍ على منتقبَةٍ إعتماداً على صوتِها
كما ال يتحملُ بصريٌ يف ظلمةٍ اعتماداً عليهِ الشتباهِ األصواتِ .نعم ،لو مس َعهَا فتعلقَ
هبا إىل القاضي وشَهدَ عليها جازَ كاألعمى بشرطِ أنْ تَكشفَ نقاَبهَا ليعرفَ القاضي
صورتَها .وقال جَمعٌ ال ينعقدُ نكاحُ مَُنقَبَةٍ إال إن عرفَها الشاهدان إمساً وَنَسباً وصورةً
(ولهُ) أي للشخصِ (بال معارضٍ شهادةٌ على نسبٍ) ولو مِنْ أمّ أو قبيلةٍ (وعَتْقٍ)
َووَقفٍ ومَوتٍ ونكاحٍ (وملكٍ بتسامعٍ) أي استفاضةٍ (مِنْ مجعٍ يؤمنُ كذُبهُم) أي
تواطؤهُم عليه لكثرِتهِم فيقعُ العلمُ أو الظنُّ القويّ خبربِهِم وال يُشترطُ حريتُهُم وال
ذكورتُهُم وال يكفي أن يقولَ مسعتُ الناسَ يقولونَ كذا بل يقولُ أَشهدُ أنهُ ابنَهُ مثالً
(و) لَهُ الشهادةُ بال معارضٍ (على ملكٍ بهِ) أي بالتسامخِ ممن ُذكِر (أو بيدٍ وتصرُّفٍ
تصرُّفَ مَالكٍ) كالسُكىن والبناءِ والبَيعِ والرهنِ واإلِجارةِ (مدةً طويلةً) عرفاً فال تكفي
الشهادةُ مبجردِ اليدِ ألهنا ال تستلزمُهُ وال مبجردِ التصرفِ ألنَّهُ َقدُ يكونُ بنيابةٍ وال
تصرفَ مب ّدةٍ قصريةٍ نعم إن انضمَ للتصرفِ استفاضةٌ أَنَّ امللكَ َلهُ جازَتِ الشهادةُ بهِ
وإنْ قصرتِ املدّةُ وال يكفي قولُ الشَاهدِ رأيتُ ذلكَ سِننيَ .واستثنوا مِنْ ذلكَ الرقيقُ
فال جتوزُ الشهادةُ مبجردِ اليدِ والتصرُّفِ يف املدةِ الطويَلةِ إال إن انضمَّ لذلكَ السماعُ
من ذي اليدِ أنهُ لهُ كما يف الروضةِ لإلحتياطِ يف احلريةِ وكثرةِ استخدامِ األحرارِ
واستصحابٍ ملا سبقَ مِنْ حنوِ إرثٍ وشراءٍ وإن احتمل زوالَهُ للحاجةِ الداعيةِ إىل ذلِكَ
وألن األصلَ بقاءُ امللكِ ،وَشَرَطَ ابنُ أيب الدمِ يف الشهادةِ بالتسامعِ أن ال يصرحَ بأنَّ
مستندَهُ اإلستفاضةُ ،ومثُلهُا اإلستصحابُ مثَّ اختارَ وتِبعَهُ السُبكيُ وغريُهُ أنهُ إن ذكَ َرهُ
تقويةً لعلمِهِ بأنْ جزمَ بالشهادةِ .ثُمَّ قالَ مُستندي اإلستفاضةُ أوِ اإلستصحابُ سُمعتْ
شهادتُهُ وإال كأن قالَ شَهدتُ باإلستفاضَةِ بكذا فال ،خالفاً للرافعي واحترزَ بقويل
بال مُعارضٍ عما إذا كانَ يف النسبِ مثالً طعنٌ منْ بعضِ الناسِ مل جتزْ الشهادةُ
بالتسام ِع لوجو ِد معارضٍ.
[تنبيه] :يتعنيُ على املؤدي لفظَ أَشهدُ فال يكفي مرادفُهُ كأَعلمُ ألنهُ أبلغِ يف
الظهورِ ولو عَرف الشاهدُ السببَ كَاإلِقرارِ هلْ لَهُ أنْ يَشهدَ باإلستحقاق؟ وَجهانِ
أشهرهُما ال ،كما نقلَهُ ابنُ الرفعةِ عنِ ابنِ أيب ال َدمِ .وقالَ ابنُ الصباغِ كغريِهِ تُس َمعُ
وهوَ مُقتضى كالمِ الشيخني (وتُقبلُ شهادةٌ على شهادةِ) مقبولٍ شهادتِهِ (يف غري
عقوبةٍ هلل) تعاىل ماالً كانَ أو غريَهُ كعقدٍ وفسخٍ وإقرارٍ وطالقٍ ورجعةٍ ورضاعٍ
وهاللِ رَمضانَ ووقفٍ على مسجدٍ أو جهةٍ عامةٍ وقودٍ وقذفٍ خبالفِ عقوبةٍ َّللهِ
تعاىل .كحدّ زِناً وشربٍ وسرقةٍ وإمنا جيوزُ التحملُ (ب) شروطِ (َتعَسُّرِ أداءِ أصلٍ)
بغيبةٍ فوقَ مسافةِ العدوى أو خوفِ حبسٍ مِنْ غرميٍ وهوَ مُعسرٍ أو مرضٍ يشقُّ َم َعهُ
181
حضورُ ُه وكذا بتعذرِهِ مبوتٍ أو جنونٍ (و) ب (استرعاِئهِ) أي األصل أي التماسه من ُه
رعايةَ شهادتِهِ وضبطَها حىت يؤديَها عنهُ ألنَّ الشهادةَ على الشهادةِ نيابةً فاعتُبِرَ فيها
إذنُ املنوبِ عنهُ أو ما يقومُ مقامَهُ (فيقولُ أنا شاهدٌ بكذا) فال يكفي أنا عاملٌ ِبهِ
(وأُشهدُكَ) أو أَشهدتُكَ أو أُشهدُ (على َشهَاديت) بهِ فلو أمهلَ األصلُ لفظ الشهادةِ
فقالَ أُخربُكَ أو أُعِلمُكَ بكذا فال يكفي كما ال يكفي ذلك يف أداءِ الشهادةِ عند
القاضي ،وال يكفي يف التحمُّلِ مساعُ قولِهِ لفالنٍ على فالنٍ كذا أو عندي شهادةٌ
بكذا (و) ب (تبيني فرعٍ) عندَ األداءِ (جهةً حتملٍ) كأَش ِهدُ أنَّ فالناً شَهدَ بكذا
وأَشهدَين على شهادتِهِ أو مسعتُهُ يشهدُ بهِ عندَ قاضٍ ،فإِذا مل يبنيْ جهةَ التحملِ ووثقَ
احلاكمُ بعلمِهِ مل حيبْ البيانُ فيكفي أَشهدُ على شهادةِ فالنٍ بكذا حلصولِ الغَرضِ
(وبتسميتِهِ) أي الفرعُ (إياه) أي األصلُ تسميةً متيزُهُ وإنْ كانَ عدالً لتعرفَ عدالتُهُ،
فإِنْ ملْ يُسمِهِ مل يكفِ ألنَّ احلاكِمَ قد يعرفُ جرحَهُ لو مسَّاهُ .ويف وجوبِ تسميةِ
قاضٍ شهدَ عليهِ وجهانِ ،وصَوَّبَ األذرعيُ الوجوبَ يف هذهِ األزمنَةِ ملا غلبَ على
القضاةِ مِنَ اجلهلِ والفسقِ .ولو حدثَ باألصلِ عداوةٌ أو فِسقٌ مل يشهدِ الفَرعُ .فلو
زالتْ هذهِ املوانعُ احتيجَ إىل حتمُّلٍ جديدٍ.
[فرع] :ال يصحُ حتملُ النسوةِ ولو على مثلهنَّ يف حنوِ والدةٍ ألن الشهادةَ مما
يطلعُ عليهِ الرجالُ غالباً (ويكفي فرعانِ ألصلنيِ) أي لكلٍ منهُما فال يُشترطُ لكلٍ
منهُما فرعانِ ،وال تكفي شهادةُ واحدٍ على هذا وواحدٍ على آخرَ ،وال واحدٍ على
واحدٍ يف هاللِ رمضان.
[فرع] :لو رجعوا عنِ الشهادةِ قَبلَ احلُكمِ منعَ احلكمُ أو بعدَهُ مل ينقضْ ولو
شهدوا بطالقٍ بائنٍ أو رضاعٍ حمرمٍَ .وفَرَّقَ القاضي بنيَ الزوجنيِ فَرجعوا عن
شهادِتهِم دامَ الفراقُ ألنَّ قوَلهُما يف الرجوعِ مُحتملٌ والقضاءُ ال يُردُّ مبحتملٍ وجيبُ
على الشُهودِ حيثُ مل يصدقهُم الزوجُ مهرَ مثلٍ ولو قبلَ وَطءٍ أو بَعدَ إبراءِ الزوجةِ
زوجَها عنِ املهر ألنهُ بدلُ البضعِ الذي فَوَّتُوهُ عليهِ بالشهادةِ إال أن ثبتَ أن ال نِكاحَ
بينهُما بنحوِ رضاعٍ فال غرَم إذْ ملْ يُفوتُوا شيئاً ولو رجَع شهودُ مالٍ غُرِموا للمحكومِ
عليهِ البدلَ بعد غرمِهِ ال قبلَهُ وإنْ قالوا أخطأنا مُوزعاً عليهم بالسوية.
[تتمة] :قالَ شيخُ مشاخيِنا زكريا كالغزي يف تلفيقِ الشهادةِ لو شَ ِهدَ واحدٌ
بِإقَرارِهِ بأنهُ وكلَّهُ يف كذا وآخرَ بأنهُ أذنَ لَهُ يف التصرفِ فيهِ أو ف ّوضَهُ إليهِ لُفقتِ
الشهادتانِ ألنَّ النقلَ باملعىن كالنقلِ باللفظِ ،وخبالفِ ما لو شهد واحدٌ بأنهُ قالَ
َوكَّلْتُكَ يف كذا وآخرٌ قالَ بأنهُ قالَ فوضتَهُ إليكَ أو شهدَ واحد باستيفاءِ الدَّينِ
واآلخ ُر باإلِبراءِ من ُه فال يلفقانِ .انتهى .قالَ شيخُ مشاخيِنَا أمح ُد املزجدِ :لو شهدَ واحدٌ
ببيعٍ واآلخرُ بإِقرارٍ بِهِ أو واحدٌ مبلكِ ما ادعا ُه وآخرٌ بإِقرار الداخلِ بهِ مل تلفقْ
شهادَُتهُما ،فلو رَ ِجعَ أحدُهُما وشَهدَ كاآلخرَ قُبِ َل ألنهُ جيوزُ أنْ حيضُرَ األَمرَينِ .ومن
ادعى ألفنيِ وأطلقَ فش ِهدَ لهُ واحدٌ وأَطلَق وآخرٌ أنهُ مِنْ قَرضٍ ثبتَ أو فشهدَ لهُ واحدٌ
بألفٍ مثنَ مبيعٍ وآخر بألفٍ قرضاً مل تلفقْ ولهُ احللفُ معَ كل منهما .ولو شهدَ واحدٌ
باإلِقرارِ وآخ ٌر باإلستفاضةِ حيثُ تُقب ُل لفقَا .انتهى.
(وسُئلَ) الشيخُ عطية املكي نفعنَا اللَّهُ بهِ عنِ رجلنيِ مسعَ أحدُهُما تطليقَ شخصٍ
ثالثاً واآلخرُ اإلقرارَ بهِ فهلْ يلفقانِ أو ال؟( .فأجابَ) بأنهُ جيبُ على سامعي الطالقَ
واإلِقرارَ بهِ أن يشهدا عليهِ بالطالقِ الثالثِ بتاً وال يتعرضا إلِنشاءِ وال إقرارٍ وليسَ
هذا من تلفيقِ الشهادةِ منْ كل وجهٍ ،بلْ صورةُ إنشاءِ الطالقِ واإلِقرارِ بهِ وَاحِدة يف
ف كانَ وللقاضي بل عليهِ مساعُها .انتهى. ت بذلكَ كي َ اجلمل ِة واحلكم يُثب ُ
182
[خامتة] :يف األَميانِ .ال ينعقدُ اليمنُ إال باسمٍ خاصّ باللَّهِ تعاىل أو صفةٍ من
صفاتِهِ :كوَاللَّهِ والرَ ْحمَنِ واإللهِ وربِ العاملني وخالِق اخللَقِ .ولو قالَ وكالمِ اللَّهِ أو
وكتابِ اللَّهِ أو وقرآنِ اللَّهِ أو والتوارةِ أو واإلِجنيلِ فيمنيٌ .وكذا واملصحفِ إنْ مل ينوِ
باملصحفِ الورقِ واجللدِ .وإن قالَ وريب وكانَ عرُفهُم تَسمِيَةُ السيدِ رباً فكنايةٌ ،وإال
اللهِ وال ينعقدُ مبخلوقٍ كالنيب والكَعبةِ للنهي الصحيحِ عن فيمنيٌ ظاهراً إنْ مل يردْ غريَ َّ
احللفِ باآلباءِ ولألمرِ باحللفِ باللَّهِ وروى احلاكمُ خرباً" :من حَلفَ بغريِ اللَّهِ فقدْ
َكفَر" ومحلُوهُ على ما إذا قصدَ تعظيمَهُ كتعظيمِ اللَّهِ تعاىل ،فإِنْ ملْ يقصدْ ذلكَ أَمثَ عندَ
أكثرِ العلماءِ أي تبعاً لنصّ الشافعي الصريحِ فيهِ كذا قالَهُ بعضُ شراحِ املنهاجِ.
والذي يف شرحِ مُسلمٍ عنْ أكثر األصحابِ الكراهة ،و ُهوَ املعتدُّ ،وإن كانَ الدليلُ
ظاهراً يف اإلِمثِ .قالَ بعض ُهمُ وهو الذي ينبغي العملُ بهِ يف غالبِ األعصارِ لقصدِ
غالبهم بهِ إعظام املخلوقِ بهِ ومضاهاتِهِ َّللهِ تعاىل اللَّهُ عنْ ذلكَ عل ّواً كبرياً وإذا
حَلَفَ مبا ينعقدُ بهِ اليمنيُ مث قالَ مل أردْ بهِ اليمنيَ مل يقبلْ ،ولو قالَ بعدَ مييِنهِ إن شاءَ
اللَّهُ وقصدَ اللفظَ واإلستثناءَ قبلَ فراغِ اليمنيِ واتصلَ اإلستثناءُ هبا مل تنعقدِ اليمنيُ فال
حنث وال كفارةَ .وإن مل يتلفظْ باإلستثناءِ بل نَواهُ مل يندفعْ احلنثُ وال الكفارةُ ظاهراً
بل يُدين .ولو قال لغريِهِ أقسمتُ عليكَ باللَّهِ أو أَسألُكَ باللَّهِ لتفعلنَّ َكذَا وأرادَ مينيَ
ني ومىت مل يقصد مينيَ نفسِهِ بل الشفاعةَ أو مينيَ املخاطبِ أو أطلَقَ فال تنعقدُ نفسِ ِه فيم ٌ
ألنهُ مل حيلفْ ُهوَ وال املخاطبُ ويُكرَهُ ردُّ السائلِ باللَّهِ تعاىل أو بوج ِههِ يف غريِ املكروهِ
وكذا السؤالَ بذلكَ ولو قالَ إن فعلتُ كذا فأنا يهوديٌّ أو نَصراينٌ فليسَ بيمنيٍ
ك كغريِهِ وال يَكفُرُ بل إنْ ث نعمْ حيرمُ ذل َ إلنتفاءِ إس ِم اللَّهِ أو صِفتِهِ وال كفارةٌ وإن حََن َ
قصدَ تبعيدَ نفسِهِ عن احمللوفِ أو أطلقَ حَرُمَ ويلز َمهُ التوبةَ فإِنْ علقَ أو أرادَ الرضا
بذلكَ إنْ فعلَ َكفَرَ حاالً وحيثُ مل يَكفْر سُنِّ لهُ أن يستغفر اللَّهَ تعاىل ويقولُ ال إلهَ
إال اهلل حممدٌ رسولُ اللَّهِ وأوجبَ صاحبُ اإلستقصاءِ ذلكَ ومَنْ سبقَ لسانُهُ إىل لفظِ
اليمنيِ بال قصدٍ كال واللَّهِ وبال واللَّهِ يف حنو غضبٍ أو صلةِ كالمٍ مل ينعقدْ واحللفُ
مكروهٌ إال يف بيعةِ اجلهادِ واحلثّ على اخلريِ والصادقُ يف الدعوى ولو حلفَ يف تركِ
واجبٍ أو فعلِ حرامٍ عصَى ول ِزمَهُ حنثٌ وكفارةٌ أو تركِ مستحبّ أو فعلِ مكروهٍ
سُنَّ حنُثهُ وعليهِ كفارةٌ أو على تركِ مُباحٍ أو فعِلهِ كدخولِ دارٍ وأكلِ طعامٍ كال آكله
أنا فاألفضلُ تر ُك احلنثِ إبقاءاً لتعظيمِ اإلِسمِ.
[فرع] :يُسنُّ تغليظُ مينيٍ مِنَ املُدعي واملُدعَى عليه وإن مل يطلْبهُ اخلصمُ يف نكاحٍ
وطالقٍ ورجعةٍ وعتقٍ ووكالةٍ ويف مالٍ بلغَ عشرينَ ديناراً ال فيما دونَ ذلكَ ألنهُ
حقريٌ يف نظرِ الشرعِ نعمْ لو رآهُ احلاكمُ لنحوِ جراءةِ احلالفِ فعلَهُ .والتغليظُ يكونُ
بالزمانِ وَ ُهوَ بعدَ العصرِ وعصرِ اجلمعةِ أوىل وباملكانِ وهوَ للمسلمنيَ عندَ املنربِ
وصعودِهِما عليهِ أوىل وبزيادةِ األمساءِ والصِفاتِ ويُسنُّ أنْ يقرأَ على احلالِفِ آيةَ آلِ
عِمرانَ{ :إنَّ الذينَ يَشترونَ بعهدِ اللَّهِ وأمياِنهِم مثناً قليالً} .وأنْ يوضعَ املصحفُ يف
حجرِهِ ولو اقتصرَ على قولِهِ وَاللَّهِ كفى .ويعتربُ يف احللفِ نيةُ احلاكمِ املستحلِفِ فال
يدفعُ إ َمث اليمنيِ الفاجرةِ بنحوِ توريةٍ كاستثناءٍ ال يَسمعُهُ احلا ِكمُ إن مل يظلمْه خص َمهُ
كما حبثَهُ البلقيين أما منْ ظلمَهُ خصمُهُ يف نفسِ األمر كأنْ ادّعى على معسر فيحلف
ال تَستحقُّ عليَّ شيئاً أي تسليمهُ اآلنَ فتنفعُ ُه التوريةُ والتأوي ُل ألنَّ خصمَهُ ظاملٌ إن علمَ
أو مُخطِيءٌ إن جهلَ فلو حلفَ إنسانٌ ابتداءً أو حلفَهُ غريُ احلاكمِ اعتربَ نيةُ احلالِفِ
ونفعته التورية وإنْ كانت حراماً حيثُ يبطلُ هبا حقُّ املستحقِ واليمنيُ يقطعُ اخلصومةَ
حاالً ال احلقَّ فال تَربأُ ذمتَهُ إن كانَ كاذِباً فلو حَلفَّهُ مث أقامَ بينةً مبا ادعاهُ حكمَ هبا
كما لو أقرَّ اخلصمُ بعدَ حلفِهِ والنكولُ أن يقولَ أنا ناكلٌ أو يقولُ لهُ القاضي إحلفْ
183
فيقولُ ال أحلفُ .واليمنيُ املردودةُ وهي مينيُ املدعي بعدَ النكولِ كإِقرارِ املدعَى علي ِه
ال كالبينةِ فلو أقامَ املدعَى عليهِ بعدَهَا بينةً بأداءٍ أو إبراءٍ مل تُسمعْ لتكذيبِهِ هلا بإِقرَارِهِ
وقالَ الشيخانِ يف حملٍ تُسمعُ وصححَ اإلِسنوي األولُ والبلقيين الثاين وقالَ شيخُنَا
واملتحه األولُ.
[فرع] :يتخريُ يف كفارةِ اليمنيِ بنيَ عتقِ رَقب ٍة كَامِلةٍ مُؤمِنةٍ بال عيبٍ خيلُّ بالعَملِ
سبِ ولو حنوَ غَائبٍ عُل ِمتْ حياتُهُ .أو إطعامِ عشرةِ مَساكني كلُّ مسكنيٍ مدَّ أو ال َك ْ
حبَ من غالبِ قوتِ البلدِ .أو كسوِتهِم مبا يُسمى كسوةً كقميصٍ أو إزارٍ أو مقنعةٍ
أو منديلٍ يُحملُ يف اليدِ أو الكُمِّ ال خفَ فإن عجزَ عن الثالثةِ لزمهُ صومُ ثالثةِ أَيامٍ
وال جيبُ تَتَابُعَها خِالفاً لكثريين.
ُهوَ إزالةُ الرقِّ عنِ اآلدمِي واألصلُ فيهِ قولهُ تعاىل{ :فَكُّ رَقبةٍ} و َخربُ الصحيحنيِ
أنهُ قالَ" :مَنْ أعتقَ رقبةً مؤمنةً ويف روايةٍ امرأً مسلماً أعتقَ اللَّهُ بكلّ عضوٍ منها
عضواً من أعضائِهِ منَ النارِ حىت الفِرجَ بالفرجِ" وَعتقُ الذكرِ أفضلُ .ورويَ أنَّ عبدَ
الرمحنِ بن عوفٍ رضي اهلل عنهُ أعتقَ ثالثنيَ ألفَ نَسمةٍ أي رقبةٍ وختمنا كاألصحابِ
ببابِ العَتقِ تفاؤالً (صحَّ عتقُ مطلقِ تصرفٍ) له واليةً ولو كافراً فال يصحُّ من صيبٍ
وجمنونٍ وحمجورٍ بسفهٍ أو فلسٍ وال من غريِ مالكٍ بغري نيابةٍ( :بنحو أعتقتُكَ أو
حَررتُكَ) كَفكَكْتُكَ وَأَنتَ حرٌ أو عَتِيقٌ وبكناي ٍة َمعَ نيةٍ كال مُلكَ أو ال سبيلَ يل
عليكَ أو أَزْلتُ ملكي عنكَ وَأَنتَ موالي وكَذا يا سيدي على املُرجَّح وقولُهُ أنتَ
إبين أو هَذا أو هُو إبين أو أيب أو أمي إعتاقٌ إنْ أمكنَ مِنْ حيثُ السنِّ وإن عرفَ
صدَ بهِ العتقُ نسبُهُ مؤاخذةً لهُ بإقرارِهِ أو يا ابين كنايةً فال يُعتقُ يف النداءِ إال إن َق َ
الختصاصِهِ بأنهُ يُستعملُ يف العادة كثريَ املالطفةِ وحسنَ املعاشرةِ كما صرحَ بهِ
شيخُنَا يف شرحِ املنهاجِ واإلِرشادِ وليسَ من لفظِ اإلِقرارِ بهِ قولُه ال عتق لعبدِ فالنٍ
ألنهُ ال يصلحُ موضُوعُهُ إلِقرارٍ وال إنشاءٍ وإنْ استعملَ عرفاً يف العتقِ كما أفىت به
اللهُ تعاىل (ولو بعوضٍ) أي معَهُ فلو قالَ أعتقتُكَ على ألفٍ أو بعتُكَ شيخُنَا رمحهُ َّ
نفسَكَ بألفٍ فقبلَ فوراً عُتقَ ولزمهُ األَلفُ يف الصورتنيِ والوالءُ للسيدِ في ِهمَا (ولو
أعتقَ حامالً) مملوكةً لَهُ هيَ وحَملهَا (تَب َعهَا) أي احلملُ يف العتقِ وإنِ استثناهُ ألنهُ
كاجلزءِ منها ،ولو أعتقَ احلملَ عتقَ إنْ نفختْ فيهِ الروحُ دونَها ،ولو كانتْ لرجلٍ
واحلملُ آلخ َر بنحو وصيةٍ مل يُعتقْ أحدُهُما بعتق اآلخَر (أو) أَعتقَ (مشتركاً) بينه وبنيَ
غريِهِ أي كلَّهُ (أو) أعتقَ (نصيبَهُ) منهُ كنصييب منكَ حرٌّ (عُتِقَ نصيبُهُ) مطلقاً (وسَرَى
اإلِعتاقُ) مِنَ مُوس ٍر ال مُعسرٍ ملا أيسرَ بهِ منْ نصيبِ الشريكِ أو بعضِهِ وال مينعُ السرايةَ
دينٌ مستغرقٌ بدونِ حجرِ واستيالدِ أحدِ الشريكنيِ املوسرِ يسري إىل حصةِ شري ِكهِ
كالعتقِ وَعَلَيه قيمة نصيبِ شريكِهِ وحصتُهُ من مَهرِ املثلِ ال قيمةَ الولدِ أي ِحصَتهُ وال
يسري التدبريُ (ولو مَلكَ) شخصٌ (بعضَهُ) من أصلٍ أو فرعٍ وإن بعدَ (عُتِقَ عليهِ) خلربِ
مسلمٍ.
وخرجَ بالبعضِ غريُهُ كاألخِ فال يُعتقُ مبلكٍ (ومَنْ قالَ لعبدِهِ أنتَ حُرٌ بعد مويت)
أو إذا متُّ فأنتَ حُرٌّ أو أَعتقتُكَ بعدَ مويت وكذا إذا متُّ فأنت حرامٌ أو مسيبٌ مَعَ
نيةٍ (فهو مُدبرٌ يُعتقُ بَعدَ وفاتِهِ) مِنْ ثلثِ مالِهِ بَعدَ الدَّيْنِ (وبَطَلَ) أي التدبريُ (بنحوِ
بيعٍ) للمدبرِ فال يَعُودُ وإنْ ملكَهُ ثانياً وَيَصحُّ بيعُ ُه (ال برجوعٍ) عنه (لفظاً) كفسختُهُ
أو عقصُتهُ وال بإِنكارٍ للتدبريِ وجيوزُ لهُ وطءُ املدبرةِ ولو وَلدتْ مدبرةٌ ولداً مِنْ نكاحٍ
أو زنا ال يثبتُ للولدِ حكمُ التدبريِ .فلو كانت حامالً عندَ موتِ السيدِ فيتبعُها جَزماً،
184
ولو دبرَ حامالً ثبتَ التدبريُ للحملِ تبعاً هلا إن مل يَستثِنهِ وإن انفصلَ قبلَ موتِ سيدِهَا
ال إنْ أبطلَ قبلَ انفصالِهِ تدبريها واملدبرُ كعبدٍ يف حياةِ السيدِ .ويصحُّ تدبريُ مكاتبٍ
ق املدبرُ بيمنيٍ فيما وُجدَ معهُ وقالَ وعكسهِ ،كما يصحُّ تعليقُ عتقِ مكاتبٍ وَيُصد ُ
كسبتَهُ بعدَ املوتِ وقالَ الوارثُ بل قبلَهُ ألنَّ اليدَ لهُ (الكتابةُ) شرعاً عقدُ عتقٍ بلفظِها
معلقٌ مبالٍ منجمٍ بنجمنيِ فأكثرَ وهي (سُنَّةٌ) ال واجبةٌ وإن طلبَها الرقيقُ كالتدبريِ
(بطلبِ عبدٍ أمنيٍ مكتسبٍ) مبا يفي مؤنتَهُ وجنومَهُ فإِن فُقدَتْ الشروطُ أو أحدُها
فمباحةٌ (وشُرطَ يف صحتِها لفظٌ يُشعرُ هبا) أي بالكتَابةِ (إجياباً كَكاتبتُكَ) أو أنتَ
مكاتبٌ (على كذا) كمائةٍ (منجماً َمعَ) قولِهِ (إذا أديتَهُ فأنتَ حرٌّ وقبوالً كقبلتُ)
ذلكَ (و) شُرطَ فيها (عوضٌ) مِنْ دَينٍ أو منفعةٍ( .مؤجلٌ) هنا ليحصلَهُ ويؤديهِ (منجمٌ
بنجمنيٍ فأكثرَ) كما جرى عليهِ أكثرُ الصحابةِ رضوانُ اللَّهِ عليهم ولو يف مُبعضٍ (مَعَ
صفَتِهِ) وعددِ النجومِ وقسطِ كلِ جنمٍ (ولزمَ سيداً) يف كتابةٍ بيانِ قدرِهِ) أي العوضِ (و ِ
اللهِ صحيح ٍة قبلَ عتقٍ (حطَّ متموّلٍ منهُ) أي العَوضِ لقولهِ تعاىل{ :وآتوهُم من مالِ َّ
الذي آتاكم} فُسِّرَ اإلِيتاء مبا ذكرَ ألنَّ القصدَ مِنهُ اإلِعانةُ على العتقِ وكونُهُ ربعاً
فسبعاً أوىل (وال يَفسخُها) أي جيوزُ فسخُ السي ِد الكتابةَ (إال إنْ عجزَ مُكاَتبٌ عن
أداءِ) عندَ احمللِ لنجمٍ أو بعضِهِ (أو امتَنعَ عنهُ) عندَ ذلكَ َمعَ القدرةِ عليهِ (أو) غابَ
خهَا عندَ ذلكَ وإن َحضَرَ مالُهُ أو كَانتْ غيبةُ املكاتبِ دونَ مسافةِ القصرِ فله فَس ُ
بنفسِهِ وحباكمٍ مىت شاءَ لتعذرِ العوضِ عليهِ وليسَ للحاكمِ األداءُ مِنْ مالِ املكاتبِ
الغائبِ (ولَهُ) أي للمكاتبِ (فَسخٌ) كالرهنِ بالنسبةِ للمرهتنِ فلهُ تركُ األداءِ والفسخِ
وإنْ كانَ َمعَهُ وفاءٌ (وَح ِرمَ عليهِ متتعٌ مبكاتبةٍ) إلختاللِ ملكِهِ وجيبُ بوطئِهِ هلا مهرٌ ال
حدٌّ والولدُ حرٌّ (ولهُ) أي للمكاتبِ (شراءُ إماءٍ لتجارةٍ ال تزوجٍ إال بإذنِ سيدِهِ وال
تَسرّ) ولو بإِذِنهِ يَعين ال جيوزُ وطءُ مملوكتَهُ وما وقعَ للشيخنيِ يف موضعٍ مما يقتضي
جوازه باإلِذنِ مبينٌ على الضعيفِ أن القنَّ َغريَ املكاتبِ يُملكُ بتمليكِ السيدِ .قالَ
شيخُنَا :ويظهرُ أنهُ ليسَ لهُ اإلستمتاعُ مبا دونَ الوطءِ أيضاً وجيوزُ للمكاِتبِ بيعٌ
وشراءٌ وإجار ٌة ال هبةٌ وصدقةٌ وقرضٌ بال إذنِ سيدِهِ.
[فرع] :لو قالَ السيدُ بعدَ قبضِهِ املالَ كنتُ فسختُ الكِتابةَ فأنكرَ املكاتبُ
صدقَ بيمينِهِ ألنَّ األصلَ ع َدمِ الفسخِ وعلى السيدِ البينةَ .ولو قالَ كاتبتُكَ وأنا صيبٌّ
أو جمنونٌ أو حمجورٌ عليّ فأنكرَ املكاتبُ حلفَ السيدُ إنْ عرفَ لهُ ذلكَ وإال فاملكاتبُ
ألنَ األصلَ عدمُ ما ادعاهُ السيدُ (إذا أحبلَ حرٌّ أمتَهُ) أي مَنْ َلهُ فِيها ملكٌ وإن قلَّ ولو
كانتْ مزوّجةً أو حمرّمةً ال إنْ أحبلَ أمةَ تركة مدينٍ وارثٍ معسرٍ (فولَدتْ) حياً أو
ميتاً أو مضغةً مصوّرةً بشيءٍ مِنْ خلقِ اآلدمينيَ (عُتقتْ مبوتِهِ) أي السيدُ من رأسِ املالِ
مُقدماً على الديونِ والوصايا وإنْ حبلتْ يف مرضِ موتِهِ (كولدِها) احلاصل (بنكاحٍ أو
زنا بعدَ وَض ِعهَا) ولداً للسيدِ فإِنهُ يُعتقُ مِنْ رأسِ املالِ مبوتِ السيدِ وَإِنْ كانت أمُّهُ قبلَ
ذلكَ (وَلهُ وطءُ أمّ ولدٍ) إمجاعاً واستخدامُها وَإجارُتهَا وكذا تزو ُجيهَا بغريِ إذنِها (ال
متلي ُكهَا) لغريِهِ ببيعٍ أو هبةٍ فَيحرمُ ذلكَ وال يصحُّ وكذا رهنُها (كولدِها متابعٌ هلا) يف
العتقِ مبوتِ السيدِ فال يصحُّ متليكُهُ مِنْ غريِهِ كاألمّ بلْ لو حكمَ بهِ قاضٍ نقضَ على ما
حَكاهُ الروياين عَنِ األصحابِ وتصحُّ كتابتُها وبي ُعهَا مِنْ نفسها ولو ادعى ورثةُ
صدّقتْ بيمِينِها كما نقَلهُ سيدِها ماالً لهُ بيدِها قبلَ موتِهِ فادَّعَتْ تل َفهُ أي قبلَ املوتِ ُ
اللهُ تعاىل رمحةً األذرعيُ فإِنْ ادعتْ تلفَهُ بعدَهُ مل تصدقْ فيهِ كما قالَهُ شيخنا رمحهُ َّ
وَاسِعةً وأَفىت القاضي فِيمَنْ أقرَّ بِوط ِء أَمتِهِ فادعتْ أنَّها أَسقطتْ مِنهُ ما تصريُ بهِ ُّأم ولدٍ
بأهنا تُصدقُ إن أمكنَ ذلكَ بيمينِها فإِذا ماتَ عُتقتْ أَعتقَنَا اللَّهُ تعاىل مِنَ النارِ،
وَ َحشَرَنا يف زمرةِ املُقرَّبنيَ األخيارِ األبرارِ وأسكَنَنَا الفردَوسَ مِنْ دارِ القرارَِ ،ومَنَّ عليَّ
185
يف هذا التأليفِ وغريِهِ بقبولِهِ وعمومِ النفعِ بهِ وباإلِخالصِ فيهِ ليكونَ ذخريةً يل إذا
جَاءتِ الطامةُ وسبباً لرمحةِ اللَّهِ اخلاصةِ والعامةِ .احلمدُ للَّهِ محداً يوايف نعمَهُ ويكاىفءُ
مَزيدَهُ .وصلى اللَّهُ وسلمَ أَفضلَ صالةٍ وأكملَ سالمٍ على أشرفِ خملوقاتِهِ حممدٍ وآلِهِ
وأصحابِهِ وأزواجِهِ عَددَ معلوماتِهِ ومدادَ كلماتِهِ وحسبُنا اللَّهُ وَنِعمَ الوَكيلِ وَال حَولَ
العلي العظيمِ.
وال قوةَ إال باللَّ ِه ِّ
يقولُ املؤلفُ َعفَا اللَّهُ عنهُ وعَنْ آبائِهِ ومشاخيِهِ :فَرغتُ منْ تبييضِ هذا الشرحِ
املعظمِ قدرُهُ سنةَ اثنتنيِ ومثاننيَ
ضحوةَ يومِ اجلُمعَةِ الرابعِ والعشرينِ مِنْ شهرِ رَمضانَ َّ
وتسعمائةٍ وأرجو اللَّهَ سُبحانَهُ وتَعاىل أنْ يقبلَهُ وأنْ يعمَّ النفعَ بِهِ ويَرزقنا اإلِخالصَ فيهِ
وَيُعيذَنا بهِ من اهلاويةِ ،ويدخلنا به يف جنةٍ عاليةٍ ،وأنْ يرحَم امرءاً نظرَ بعنيِ اإلنصافِ
إليهِ ،ووقفَ على خطأٍ فأطلعين عليهِ أو أصلحَهُ احلمدُ للَّهِ ربِ العاملنيَ .اللهمَّ صلّ
وسَلم على سيدِنا حممدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ كلما ذكركَ و ِذكْرِهِ الذاكرونَ ،وَ َغفَلَ عن
ذكرِكَ وذِكرِه الغافلونَ .وعلينا مع ُهمْ بِرَمحتِكَ يا أر َح َم الرامحنيَ.
AHNAF SAQUAFI
PALLIKKUNNU
MANNARKKAD
ppahnaf@gmail.com
186