You are on page 1of 184

‫للشيخ زين الدين بن عبد‬

‫العزيز املليباري‬
‫الشافعي‬

‫احلمدُ هلل الفتّاحِ‪ ،‬اجلواد املعني على التفقه يف الدين من اختاره من العباد‪ .‬وأشهد‬
‫أن ال إله إال اهلل شهادة تدخلنا دار اخللود‪ .‬وأشهد أن سيدنا حممدا عبده ورسوله‬
‫صاحب املقام احملمود صلى اهلل وسلم عليه‪ ،‬وعلى آله وأصحابه األجماد‪ ،‬صالة‬
‫وسالما أفوز هبما يوم املعاد‪.‬‬
‫(وبعد)‪ :‬فهذا شرح مفيد على كتايب املسمى ب"قرة العني مبهمات الدين"‪ ،‬يبني‬
‫املراد ويتمم املفاد وحيصل املقاصد ويربز الفوائد‪ ،‬ومسيته ب"فتح املعني بشرح قرة‬
‫العني مبهمات الدين"‪ ،‬وأنا أسأل اهلل الكرمي املنان أن يعم اإلنتفاع به للخاصة والعامة‬
‫من اإلخوان‪ ،‬وأن يسكنين به الفردوس يف دار األمان‪ ،‬إنه أكرم كرمي وأرحم رحيم‪.‬‬
‫(بسم اهلل الرمحن الرحيم) أي أؤلف‪ .‬واالسم مشتق من السمو‪ ،‬وهو العلو‪ ،‬ال‬
‫من الوسم‪ ،‬وهو العالمة‪ .‬واهلل علم للذات الواجب الوجود‪ ،‬وأصله إله‪ ،‬وهو اسم‬
‫جنس لكل معبود‪ ،‬مث عرّف بأل وحذفت اهلمزة مث استعمل يف املعبود حبق‪ .‬وهو‬
‫االسم األعظم عند األكثر‪ ،‬ومل يسم به غريه ولو تعنتا‪ .‬والرمحن الرحيم صفتان بنيتا‬
‫للمبالغة من رحم‪ .‬والرمحن أبلغ من الرحيم‪ ،‬ألن زيادة البناء تدل على زيادة املعىن‪،‬‬
‫ولقوهلم‪" :‬رمحن الدنيا واآلخرة‪ ،‬ورحيم اآلخرة‪".‬‬
‫(احلمد هلل الذي هدانا) أي دلنا (هلذا) التأليف (وما كنا لنهتدي لوال أن هدانا‬
‫اهلل) إليه‪ .‬واحلمد هو الوصف باجلميل (والصالة) وهي من اهلل الرمحة املقرونة‬
‫بالتعظيم (والسالم) أي التسليم من كل آفة ونقصٍ (على سيدنا حممد رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم) لكافة الثقلني‪ ،‬اجلن واإلنس إمجاعاً‪ ،‬وكذا املالئكة على ما قاله‬
‫مجعٌ حمققون‪ .‬وحممدٌ عَلمٌ منقول من اسم املفعول املضعف‪ ،‬موضوعٌ ملن كثرت‬
‫خصاله احلميدة‪ ،‬مسي به نبينا صلى اهلل عليه وسلم بإهلامٍ من اهلل جلده‪ .‬والرسول من‬
‫البشر ذكر حُرٌّ أوحي إليه بشرع وأُمر بتبليغه‪ ،‬وإن مل يكن له كتاب وال نسخ‪،‬‬
‫كيوشع عليه السالم‪ ،‬فإن مل يؤمر بالتبليغ فنيب‪ .‬والرسول أفضل من النيب إمجاعا‪.‬‬
‫وصح خرب أن عدد األنبياء عليهم الصالة والسالم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً‪،‬‬
‫وأن عدد الرسل ثالمثائة ومخس عشر‪( .‬وعلى آله) أي أقاربه املؤمنني من بىن هاشم‬
‫واملطلب‪ ،‬وقيل‪ :‬هم كل مؤمن أي يف مقام الدعاء وحنوه‪ ،‬واخْتِيْر خلرب ضعيف فيه‪،‬‬
‫وجزم به النووي به النووي يف شرح مسلم‪( .‬وصحبه) وهو اسم مجع لصاحب مبعىن‬
‫الصحايب‪ ،‬وهو من اجتمع مؤمنا بنبينا صلى اهلل عليه وسلم ولو أعمى وغري مميز (‬
‫الفائزين برضااهلل) تعاىل‪ ،‬صفة ملن ذكر‪.‬‬
‫(وبعد)‪ :‬أي بعد ما تقدم من البسملة واحلمدلة والصالة والسالم على من ذكر‬
‫(فهذا) املؤلف احلاضر ذهنا (خمتصر) قل لفظه وكثر معناه من اإلختصار (يف الفقه)‬
‫هو‪ :‬لغة الفهم واصطالحا العلم باألحكام الشرعية العمليّة املكتسبُ من أدلتها‬
‫‪1‬‬
‫التفصيلية‪ .‬واستمداده‪ :‬من الكتاب والسنة واإلمجاع والقياس‪ .‬وفائدته‪ :‬امتثال أوامر‬
‫اهلل تعاىل واجتناب نواهيه (على مذهب اإلمام) اجملتهد أيب عبد اهلل حممد بن إدريس‬
‫(الشافعي رمحه اهلل تعاىل) ورضي عنه‪ .‬أي ما ذهب إليه من األحكام يف املسائل‪.‬‬
‫وإدريس والده هو اب عباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد ابن عبد يزيد‬
‫بن هاشم بن املطلب بن عبد مناف‪ .‬وشافع هو الذي ينسب إليه اإلمام‪ .‬وأسلم هو‬
‫وأبوه السائب يوم بدر‪ .‬وولد إمامنا رضي اهلل عنه سنة مخسني ومائة‪ ،‬وتويف يوم‬
‫اجلمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتني‪( .‬ومسيته بقرة العني ب) بيان (مهمات) أحكام‬
‫(الدين) انتخبته وهذا الشرحَ من الكتب املعتمدة لشيخنا خامتة احملققني شهاب الدين‬
‫أمحد بن حجر اهليتمي‪ ،‬وبقيةِ اجملتهدين‪ ،‬مثلُ وجيه الدين عبد الرمحن بن زياد‬
‫الزبيدي رضي اهلل عنهما‪ ،‬وشَْيخَيْ مشاخينا شيخ اإلسالم اجملدد زكريا األنصاري‪،‬‬
‫واإلمام األجمد أمحد املزجّد الزبيدي رمحهما اهلل تعاىل وغريَهم من حمققى املتأخرين‪،‬‬
‫معتمدا على ما جزم به شيخا املذهب النووي والرافعي‪ ،‬فمحققوا املتأخرين رضي اهلل‬
‫عنهم (راجيا من) ربنا ( الرمحن أن ينتفع به األذكياء) أي العقالء (وأن تَقِرّ بهِ) أي‬
‫بسببه (عيين غدًا) أي اليوم اآلخر (بالنظر إىل وجهه الكرمي بُكْرَةً وَ َعشِيًّا) آمني‪.‬‬

‫هي شرعاً‪ :‬أقوالٌ وأفعالٌ خمصوصةٌ‪ُ ،‬مفْتَتحَةٌ بالتكبريِ ُمخْتَِتمَةٌ بالتسليم‪ .‬وسُمِّيَت‬
‫بذلك الشتِماهلا على الصّالةِ ُلغَةً‪ ،‬وهي الدُّعاءِ‪ .‬واملفروضاتُ العَيْنِيّة خَمْسٌ يف كلّ‬
‫يومٍ وليلةٍ‪ ،‬مَعلومَةٌ من الدِّينِ بالضرورَةِ‪ ،‬فيَ ْكفُر جا ِحدُها‪ .‬ومل جتَت ِمعْ هذهِ اخلمسُ لغريِ‬
‫ضتْ ليلةَ اإلِسراءِ بعد النبُوَّة بعشرِ سنني وثالثة أشهر‪ ،‬ليلةَ سبعٍ‬ ‫نبينا حممد‪ ،‬وفُرِ َ‬
‫وعشرين من رَ َجبٍ‪ ،‬ومل َتجِب صُبْحَ يومِ تلك الليلِة ِل َع َدمِ العِ ْلمِ بِكَْيفِيَّتِها‪.‬‬
‫خلمْسُ (على) كل (مسلم مكلَّفٍ) أي بالغٍ‬ ‫جبُ املكتوبَةُ) أي الصلواتُ ا َ‬ ‫(إمنا َت ِ‬
‫عاقلٍ‪َ ،‬ذكَرٍ أو غريه‪( ،‬طاهِرٍ) فال جتبُ على كافِرٍ أصليّ وصيبَ وجمنونٍ ومغمىً عليه‬
‫وسكرانَ بال َت َعدَ‪ِ ،‬ل َع َدمِ تكليفهِم‪ ،‬وال على حائِضٍ ونفساء لعدم صحتها منهما‪ ،‬وال‬
‫قضاءَ عليهما‪ .‬بل ِجتبُ على مرَتدّ ومَُت َعدّ ِبسُكْرٍ‪( .‬وُيقْتَلُ) أي (املسلِم) املكلَّفُ‬
‫الطاهِرُ َح ّداً ِبضَرْبِ عُُنقِهِ (إن أخرَجَها) أي املكتوبةَ‪ ،‬عامداً (عن وقتِ َج ْمعٍ) هلا‪ ،‬إن‬
‫كان َكسَالً مع اعتقادِ وُجوبِها (إن مل يَُتبْ) بعد االستِتابَةِ‪ ،‬وعلى َندْبِ االستِتابة ال‬
‫ضمَنْ من قَتَلَهُ قبلَ َّالتوْبَة لكنَّه يَأْثَم‪ .‬وُيقْتَلُ ُكفْراً إن تركها جاحِداً وجوبَها‪ ،‬فال‬ ‫َي ْ‬
‫ُيغَسَّل وال ُيصَلَّى عليه‪( .‬ويبا ِدرُ) مَنْ مَرَّ (بفائِتٍ) وجوباً‪ ،‬إن فاتَ بال ُع ْذرٍ‪ ،‬فيل َز ْمهُ‬
‫القضاءُ فوراً‪ .‬قال شيخنا أمحد بن حجر رمحه اهلل تعاىل‪ :‬والذي يظهرُ أنه يلزمهُ‬
‫صرفُ مجيعِ زمنِهِ للقضاءِ ما عدا ما حيتاج لصرفِهِ فيما ال ُبدّ منه‪ ،‬وأنه َيحْ ُرمُ عليه‬
‫التَّطَوُّعَ‪ ،‬ويبا ِدرْ به ندباً إن فاتَ بِعُذرٍ كنومٍ مل يَتَعَدَّ به ونسيانٍ كذلك‪( .‬وُيسَنّ‬
‫ترتيبهُ) أي الفائِت‪ ،‬فيقضي الصّبحَ قبلَ الظُّهرِ‪ ،‬وهكذا‪( .‬وتقدميُه على حاضِرَةٍ ال‬
‫خيافُ َفوْتَها) إن فات بعذرٍ‪ ،‬وإن خشيَ َفوْتَ مجاعَتها على املعَت َمدِ ‪ .‬وإذا فاتَ بال‬
‫عُذرٍ فيجبُ تقدميُهُ عليها‪ .‬أما إذا خاف فَوْتَ احلاضِ َرةِ بأن َي َقعَ بعضُها وإن قلَّ‬
‫خارجَ الوقتِ فيلزَمه الَبدْءُ هبا‪ .‬وجيبُ تقدميُ ما فات بغريِ عُذرً على ما فاتَ ِبعُذرٍ‪.‬‬
‫وإن َف َقدَ الترتيبَ ألنه سُنّة والبَدارُ واجبٌ‪ .‬ويُْندَب تأخريُ الرواتِب عن الفوائِت‬
‫بعذر‪ ،‬وجيب تأخريُها عن الفواِئتِ بغريِ عُذرٍ‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬من مات وعليه صالة فرض مل ُتقْضَ ومل تُ ْفدَ عنه‪ ،‬ويف قول أهنا ُت ْفعَل‬
‫عنه َأ ْوصَى بِها أم ال حَكاهُ العبادي عن الشافعيّ خلربٍ فيه‪ ،‬وفعلَ به السّبك ّي عن‬
‫بعضِ أقاربِهِ‪( .‬ويُؤمرُ) ذو صَباً َذكَرٌ أو انثى (مميِّز) بأن صارَ يأكل ويشرب ويستنجِي‬
‫‪2‬‬
‫وحده‪ .‬أي جيبُ على كلِّ مِن أَبوَيْه وإن عال‪ ،‬مث ال َوصِيّ‪ .‬وعلى مالكِ الرَّقيقِ أن يأمُ َر‬
‫(هبا) أي الصَّالة‪ ،‬ولو قضاءً‪ ،‬وجبميعِ شروطِها (لسَْبعَ) أي بعد سبعٍ من السنني‪ ،‬أي‬
‫عندَ متامها‪ ،‬وإن ميَّزَ قَبْلَها‪ .‬وينبغي مع صيغَةِ األمرِ التهديدُ‪( .‬وُيضْرَب) ضَرْباً غري‬
‫َرحٍ وجُوباً ممن ُذكِر (عليها) أي على تركِها ولو قضاءً أو تَرَكَ شَرْطاً من‬ ‫مُب َّ‬
‫شروطِها (ِل َعشْرٍ) أي بعد استِكِماهلا‪ ،‬للحديثِ الصحيح‪" :‬مُرُوا الصّبِيَّ بالصَّالةِ إذا‬
‫ص ْومٍ أطاقَهُ) فإنه يُؤمَر بهِ‬ ‫بََلغَ سَبْع سنني‪ ،‬وإذا بَلغَ َعشْرَ سنني فاضرُبوهُ عليها"‪َ ( .‬ك َ‬
‫لِسبعٍ ويضرَبَ عليه لعشرٍ كالصَّالةِ‪ .‬وحِ ْكمَةُ ذلك التمرين على العبادةِ لِيَتَعوَّدها فال‬
‫يَتْرُكها‪ .‬وَبحَث األذرعيّ يف قِنّ صَغريٍ كافِرٍ نَطَقَ بالشهادتني أنه يُؤمَرَ َندْباً بالصَّالةِ‬
‫حثّ عليهما من غريِ ضربٍ ليألَفَ اخلريَ بعد بُلوغه‪ ،‬وإن أىب القياسُ ذلك‪.‬‬ ‫والصَّومِ‪ُ ،‬ي َ‬
‫انتهى‪ .‬و ِجيبُ أيضاً على من مرّ َنهْيُه عن احملَرَّمات وتعليمُه الواجبات‪ ،‬وحنوها من‬
‫سائِر الشرائِع الظاهَرةِ‪ ،‬ولو سُنَّ ًة كِسوَاكٍ‪ ،‬وَأمْرُهُ بذلك‪ .‬وال ينتهِي وجوب ما مَرَّ على‬
‫من مَرَّ إال ببلوغِهِ رشيداً‪ ،‬وأُجْرَةُ تعلي ِمهِ ذلك كالقرآن واآلداب يف ماِلهِ ُثمّ على أبيهِ‬
‫مث على أُمّه‪.‬‬
‫[تنبيه]‪َ :‬ذكَرَ السمعاينّ يف زوجةٍ صغريةٍ ذاتِ أبوين أنّ وجوبَ ما مَرّ عليهما‬
‫صرحَ مجالُ اإلِسالمِ البزريّ‪.‬‬ ‫فال ّزوْج‪ ،‬وقضيَّته وجوب ضَرْبِها‪ .‬وبه ولو يف الكبرية َّ‬
‫قال شيخنا‪ :‬وهو ظاهِرٌ إنْ مل َيخْشَ نُشوزاً‪ .‬وأطلَقَ الزركشي النَّدب‪( .‬وأوّل واجبٍ)‬
‫حىت على األمْرِ بالصالةِ كما قالوا (على اآلباءِ) مث على مَرّ من (تعليمُه) أي ا ُملمَيِّزِ (أن‬
‫ت هبا‪.‬‬‫نبينا حممداً ُب ِعثَ مبكة) َو ُوِلدَ هبا (و ُدفِنَ باملدينة) وما َ‬
‫صحّة الصالةِ‪ ،‬وليس منها‪.‬‬ ‫(فصل) يف شروطِ الصَّالة‪ .‬الشَّرطُ ما يتوقفُ عليه ِ‬
‫وقُدِّمتِ الشروطُ على األركانِ ألهنا َأوْىل بالتقدميِ‪ ،‬إذ الشرطُ ما جيبُ تقدميُهُ على‬
‫الصَّالةِ واستمرارُه فيها‪( .‬شروطُ الصالةِ مخسَة‪ :‬أحدها‪ :‬طَهارَةٌ عن َحدَثٍ وجَنابةٍ‬
‫حلدَثِ‬ ‫الطهارةُ‪ :‬لغةً)‪ ،‬النظافُة واخللوصُ من الدَّنَسِ‪ .‬وشَرْعاً‪ :‬رفعُ املَْنعِ املُترتب على ا َ‬
‫حلدَثِ‪( :‬ال ُوضِوءُ) هو بضم الواو استعمالُ‬ ‫أو َّالنجَس‪( .‬فاألوىل) أي الطّهارَةُ عن ا َ‬
‫املاءِ يف أعضاء خمصوصَةٍ مفتتحاً بنيَّةٍ‪ .‬وِبفَْتحِها‪ :‬ما يَُتوَضَّأ به‪ .‬وكان ابتداءُ وجوبِهِ مع‬
‫ابتداءِ وجوبِ املكتوبة ليلة اإلسراءِ‪( .‬وشروطُهُ) أي الوضوء كشروطِ ال ُغسْلَ مخسةٌ‪.‬‬
‫أحدها‪( :‬ماءٌ مُ ْطلَقٌ)‪ ،‬فال يَ ْرَفعُ احلدَثَ وال يُزيلُ َّالنجَسَ وال حيصلُ سائَر الطهارةِ‬
‫ولو مسنونة إال املاءُ املطلق‪ ،‬وهو ما َي َقعُ عليه اسمُ املاءِ بال قَْيدٍ‪ ،‬وإن رَشَحَ من بُخارِ‬
‫املاءِ الطَّهورِ ا ُملغْلى‪ ،‬أو اسُتهْلِكَ فيه اخلَليطُ‪ ،‬أو قَْيدٌ مبوافقةِ الواقعِ كماء البحر‪ .‬خبالفِ‬
‫ما ال يُذكَر إال مُقيّداً كماءِ ال َورْدِ‪( ،‬غري مستعمل يف) فرضِ طهارَةٍ‪ ،‬من (رَ ْفعِ َحدَثٍ)‬
‫أصغَر أو أكْبَر‪ ،‬ولو من ُطهْرِ حََنفِيَ مل يَنْوِ‪ ،‬أو صيبّ مل ُيمَيِّز لِطوافٍ‪( .‬و) إزالة‬
‫(َنجَسٍ) ولو َم ْع ُف ّواً عنه‪( .‬قليالً) أي حال كون املسَت ْعمَل قليالً‪ ،‬أي دون القلَّتَيْن‪ .‬فإن‬
‫ُج ِمعَ املسَت ْعمَلُ فبَلَغَ قُلَّتَيْن فمُطَهِّر‪ ،‬كما لو ُج ِمعَ املُتَنَجَّس فبلغ قُلَّتني ومل يتغري‪ ،‬وإن‬
‫قل بعدُ بتفريقِهِ‪ .‬فعُِلمَ أن االستعمال ال يثبتُ إالَّ مع قلة املاء‪ ،‬أي وبعد فصلِهِ عن احمللّ‬ ‫َّ‬
‫املستعمَل ولو حُكماً‪ ،‬كأن جاوز مِنْكب املُتَوضِّىء أو ُركْبَته‪ ،‬وإن عاد حمللِّه أو انتقلَ‬
‫من يدٍ ألخرى‪ .‬نعم‪ ،‬ال يضُرّ يف ا ُملحْدِثِ انفصا ُل املاءِ من الكَفّ إىل السا ِعدِ‪ ،‬وال يف‬
‫اجلُنُبِ انفصالُه من الرَّأس إىل حنوِ الصّدرِ‪ ،‬مما يغلبُ فيه التقاذُف‪.‬‬
‫حلدَثِ أوالً بقصدٍ بعد نية‬ ‫[فرع]‪ :‬لو أدخلَ املتوضِّىءُ يدَهُ بقصدِ ال ُغسْلِ عن ا َ‬
‫صدَ االقتصارَ عليها‪ ،‬بال‬ ‫حدِثِ‪ ،‬أو بعد الغَسلةِ األوىل‪ ،‬إن َق َ‬ ‫اجلنب‪ ،‬أو تثليثِ وجهِ ا ُمل ْ‬
‫نيةِ اغترافٍ وال قصدَ أ ْخذَ املاءِ لغرضٍ آخرَ صار مست ْعمَالً بالنسبةِ لغري َيدِهِ فلهُ أن‬
‫يغسلَ مبا فيها باقي سا ِعدَها‪( .‬و) غري (متغيِّر) تغيُّراً (كثرياً) حبيث مينع إطالقَ اسم‬
‫املاءِ عليه‪ ،‬بأن تغريَ أحدُ صفاتِهِ من طعمٍ أو لونٍ أو ريحٍ‪ ،‬ولو تقديرياً أو كان التغيّر‬
‫‪3‬‬
‫ضوِ املتطهِّرِ يف األصَحّ‪ ،‬وإمنا يُؤثِّرُ التغيُّرُ إن كانَ (خبليطٍ) أي خمالطاً للماءِ‪،‬‬ ‫مبا على ُع ْ‬
‫وهو ما ال يتميَّزُ يف رَْأيِ العَيْنِ (طاهرٌ) وقد (غَنِيَ) املاء (عنه) كَزَعْفران‪ ،‬وَثمَر َشجَرٍ‬
‫نَبتَ قربَ املاءِ‪ ،‬وورق طُ ِرحَ مث َتفََّتتَ‪ ،‬ال ترابٍ ومِلحِ ماءٍ وإن طُرِحا فيه‪ .‬وال يضرُّ‬
‫تغيّرٌ ال مينعُ االسمَ لقلَّتِه ولو احتماالً‪ ،‬بأن شكَّ أهو كثري أو قليل‪ .‬وخرج بقولِي‬
‫خبليطِ اجملا ِورِ‪ ،‬وهو ما يتميّزُ للناظِرِ‪ ،‬كعود ودهن ولو مُطَيِّبنيَ‪ ،‬ومنه البخورُ وإن كَثُرَ‬
‫جل ْمعٍ‪ .‬ومنه أيضاً ماءٌ أغْلِيَ فيه حنو بُرّ وَتمْرٌ حيث مل ُيعْلم‬ ‫وظهر حنو رحيِهِ‪ ،‬خالفاً َ‬
‫انفصالُ عنيٍ فيهِ مُخالِطَة‪ ،‬بأن مل يصِلَ إىل حدّ حبيث له اسمٌ آخر كاملرقة‪ ،‬ولو شكّ‬
‫يف شيء أخماِلطٌ هو أم جما ِورٌ‪ ،‬له حُ ْكمُ اجملاوِر‪ .‬وبقويل غِنِيَ عنه ما ال يُسَتغْنِى عنه‪،‬‬
‫كما يف مقرِّةِ ومَمَرِّهِ‪ ،‬من َنحْو طنيٍ و ُطحُْلبٍ مَُتفَِّتتٍ وكربيت‪ ،‬وكالتغري بطولِ‬
‫املكثِ أو بأوراقٍ متناثرةٍ بنفسها وإن َتفَتَّتت وَب ُعدَت الشجرةُ عن املاءِ‪( .‬أو بَِنجَسٍ)‬
‫وأن قلَّ التغيُّر‪( .‬ولو كان) املاءُ (كثرياً) أي قُلَّتني أو أكثر يف صورتَيْ التغيري بالطاهِرِ‬
‫والنجس‪ .‬والقلَّتان بالوزنِ‪ :‬مخسمائة رطلٍ َبغْدا ِديّ تقريباً‪ ،‬وباملِساحَةِ يف املُرَبَّع‪ :‬ذِراعٌ‬
‫َورُْبعٌ طوالً وعَرْضاً و ُعمْقاً‪ ،‬بذراع اليدِ ا ُملعَْت ِدلَةِ‪ .‬ويف املُدَوَّر‪ :‬ذراعٌ من سائرِ اجلوانبِ‬
‫ع ورُْبعٌ‪.‬‬‫ع َّالنجّارِ‪ ،‬وهو ذرا ٌ‬
‫بذراعِ اآلدميّ‪ ،‬وذراعان عُمقاً بِذرا ِ‬
‫وال تُنَجَّس قلتا ماءٍ ولو احتماالً‪ ،‬كأن شكَّ يف ماءٍ أبَل َغهُما أم ال‪ ،‬وإن تيقنت‬
‫قلّته قبل مبالقاةِ َنجَسٍ ما مل يتغري به‪ ،‬وإن اسُتهْلِكتِ النجاسة فيه‪ .‬وال جيب التباعدُ‬
‫ال فارتف َعتْ منه رغو ٌة فهي َنجِسةٌ إن حتقَّقَ‬ ‫من جنس يف ماء كثري‪ .‬ولو بالَ يف البحرِ مث ً‬
‫أهنا من عَيْنِ النجاسة‪ ،‬أو من املتغيِّر أحدُ أوصافِهِ هبا‪ ،‬وإال فال‪ .‬ولو طُرِحَت فيه َبعْرَةٌ‪،‬‬
‫فوقَ َعتْ من أجلِ الطَّ ْرحِ قَطْ َرةٌ على شيءٍ مل تُنَجِّسه‪ ،‬ويَُنجّس قليل املاءِ وهو ما دون‬
‫القلَّتني حيث مل يكن وارداً بوصول جنس إليه يُرَى بالَبصَرِ ا ُملعَْتدِلِ‪ ،‬غري َم ْع ُفوَ عنه‬
‫يف املاء‪ ،‬ولو َم ْع ُف ّواً عنه يف الصالة‪ ،‬كغريِهِ من رَ ِطبٍ وماِئعٍ‪ ،‬وإن كَثُر‪ .‬ال بوصولِ‬
‫مَيْتَةٍ ال دمٌ ِلجِنسها سائِلٌ عندَ شَقّ عضوٍ منها‪ ،‬كعقرب ووزع‪ ،‬إال إن تغيَّر ما أصابَْتهُ‬
‫ولو يسرياً فحينئذٍ ينجس‪ .‬ال سرطان وضفدع فينجس هبما‪ ،‬خالفاً جلمع‪ ،‬وال مبيتة‬
‫كان نشؤها من املاءِ كالعَلَق‪ ،‬ولو طُرِح فيه ميت ٌة من ذلك جنس‪ ،‬وإن كان الطا ِرحُ‬
‫غريَ مكلَّفٍ‪ ،‬وال أثرَ لطرحِ احلَيّ مطلقاً‪ .‬واختار كثريون من أئمتنا مذهب مالك‪ :‬أن‬
‫املاءَ ال يُنَجَّس مطلقاً إال بالتغري‪ ،‬واجلاري كرا ِكدٍ ويف القدمي‪ :‬ال يُنَجَّس قليلُهُ بال‬
‫تغري‪ ،‬وهو مذهب مالك‪ .‬قال يف اجملموع‪ :‬سواءٌ كانت النجاسَةُ مائِعةً أو جامِدةً‪.‬‬
‫واملاءُ القلِيلُ إذا تَنَجَّس يَ ْطهُر ببلو ِغهِ قلتني ولو مباءٍ متنجس حيث ال تغري به‪،‬‬
‫والكثري يطهرُ بزوالِ تغيّره بنفسِهِ أو مباءٍ زيدَ عليه أو نقصَ عنه وكان الباقي كثرياً‪.‬‬
‫ضوٍ) مغسول‪ ،‬فال يكفي أن ميسَّه املاءُ بال جريان ألنه‬ ‫(و) ثانيها‪( :‬جُ ْريُ ماءٍ على ُع ْ‬
‫ضوِ (مغيّرٌ للماءِ تغرياً‬ ‫سمّى ُغسْالً‪( .‬و) ثالثها‪( :‬أن ال يكون عليه) أي على ال ُع ْ‬ ‫ال ُي َ‬
‫ضاراً) كزعفران وصَْندَلٍ‪ ،‬خالفاً جلمع‪( .‬و) رابعها‪( :‬أن ال يكون على العضوِ حائِلٌ)‬
‫بني املاءِ واملَغسولِ‪( ،‬كََن ْورَة) ومشعٍ ودهن جامد وعني حرب وحناء‪ ،‬خبالف دُهْن جارٍ‬
‫أي ماِئعٍ وإن مل يثبت املاءُ عليهِ وأثر حربٍ وحِنّاء‪ .‬وكذا يشترط على ما جَزَم به‬
‫كثريون أن ال يكون وَسَخٌ حتتَ ظفرٍ مينع وصولَ املاءِ ملا حتته‪ ،‬خالفاً جلمع منهم‬
‫الغزايل والزركشي وغريمها‪ ،‬وأطالوا يف ترجيحه وصرحوا باملسامَحة عما حتتها من‬
‫ضعْفِ مقالتهم‪ .‬وقد صرح يف‬ ‫الوَسَخ دون حنو العَجنيِ‪ .‬وأشار األذرعيُّ وغريُه إىل َ‬
‫حةِ بشيء مما حتتها حيث مَنَعَ‬ ‫التتمة وغريها‪ ،‬مبا يف الروضة وغريها‪ ،‬من عدم املسا َم َ‬
‫صحّةَ الوُضوءِ‪،‬‬ ‫وصولَ املاءِ مبحلِّه‪ .‬وأفىت الَب َغ ِويّ يف وَسَخٍ حصلَ من غبارٍ بأنه مينع ِ‬
‫خبالفِ ما نشأَ من َبدَنِهِ وهو العِرْقُ املُتجمِّد‪ .‬وجزم به يف األنوار‪( .‬و) خامسها‪:‬‬
‫(دخولُ وقتٍ لدائمِ َحدَثٍ) كسَلِسٍ ومُسَتحَاضَةٍ‪ .‬ويشترطُ له أيضاً ظنُّ دخولِه‪ ،‬فال‬
‫‪4‬‬
‫يتوضأ كاملتيمم لفرضٍ أو نفلٍ مؤقتٍ قبل وقتِ فِعلِهِ‪ ،‬ولصالةِ جنازةٍ قبلَ الغُسلِ‪،‬‬
‫وحتيّةٌ قبلَ دخولِ املسجدِ‪ ،‬وللرواتب املُتأخِّرةِ قبلَ فِعلِ الفَ ْرضِ‪ ،‬ولَ ِزمَ وضوآن أو‬
‫تيممان على خطيبٍ دائم احلدثِ‪ ،‬أحدمها‪ :‬للخطبتني واآلخر بعدمها لصالةِ ُج ُمعَة‪،‬‬
‫ويكفي واحدٌ هلما لغريِهِ‪ ،‬وجيبُ عليه الوُضوءُ لكل ف ِرضٍ كالتيمم وكذا غَسْلُ الفَ ْرجِ‬
‫ضعِها‪ .‬وعلى حنوِ سَلِسٍ مبا َد َرةٌ‬ ‫وإبدالُ القُطْنَةِ اليت ب َفمِهِ والعُصابَة‪ ،‬وإن مل تُزَلْ عن مو ِ‬
‫بالصّالةِ‪ ،‬فلو أخَّرَ ملصلحَتِها كانتظارِ جَماعَةٍ أو ُج ُمعَةٍ وإن أُخِّرَت عن أوَّلِ الوقتِ‬
‫وكذهابٍ إىل مسجدٍ مل َيضُرّه‪.‬‬
‫(وفروضُهُ ستة) أحدها‪( :‬نية) وضوءٍ أو أدا ِء (فَ ْرضِ وضوءٍ) أو رفعِ حَدَثٍ لغريِ‬
‫دائمِ َحدَثٍ‪ ،‬حىت يف الوضوء اجملدَّدِ أو الطهارَةِ عنه‪ ،‬أو الطهارة لنحوِ الصالة‪ ،‬مما ال‬
‫صحَفِ‪ .‬وال تكفي‬ ‫يباح إال بالوضوء‪ ،‬أو استباحَةِ َمفَْتقِرٍ إىل وضوءٍ كالصالة ومَسِ ا ُمل ْ‬
‫نيةُ استباحَةِ ما يُْندَب لَهُ الوضوءُ‪ ،‬كقراءَةِ القرآنِ أو احلديثِ‪ ،‬وكدخولِ مسجدٍ‬
‫صحّتها‬ ‫وزيارَةِ قَبْرٍ‪ .‬واألصل يف وجوبِ النيَّة خرب‪" ،‬إمنا األعمالُ بالنِّيَّاتِ"‪ .‬أي إمنا ِ‬
‫إلِكماهلا‪ .‬وجيبُ قَرْنُها (عندَ) أوّل (غَسلِ) جُزءٍ من (وَجْهٍ)‪ ،‬فلو قَرَنَها بأثنائِهِ كفى‬
‫َووَ َجبَ إعادَةُ َغسْل ما سََبقَها‪ .‬وال يكفي قَرْهنا مبا قبله حيث مل يستصحبها إىل غسل‬
‫شيء منه‪ ،‬وما قارَنَها هو أوَّله‪ ،‬فتفوتُ سنَّةُ املضمضة إن ان َغسَلَ معها شيء من الو ْجهِ‬
‫الشفَة بعد النية فا َألوْىل أن يُفرِّقَ النيةَ بأن ينوي عند كلّ من َغسْلِ الكفَّني‬ ‫حمُرَةِ َّ‬‫كُ‬
‫واملضمضة واالستنشاق سَُّنةَ الوضوءِ‪ ،‬مث فَ ْرضَ الوضوءِ عندَ غَسلِ الوجهِ‪ ،‬حىت ال‬
‫تفوتَ فضيلةُ استصحابِ النية من أوَّله‪ .‬وفضيلةُ املضمضةِ واالستنشاقِ مع انغسال‬
‫ُحمْرَةِ الشَّفة‪( .‬و) ثانيها‪( :‬غسل) ظاهر (وجهه) آلية‪{ :‬فاغْسلُوا وُجُوهَكُم} (وهو)‬
‫طُوالً (ما بني مَناِبتِ) شعرِ (رأ ِسهِ) غالباً (و) حتت (مُنَتهَى َلحْيَيْه) بفتح الالم فهو‬
‫من الوجهِ دون ما حتتِهِ‪ ،‬والشَّعر النابت على ما حتته‪( ،‬و) عَرْضاً (ما بني أذنيه)‪.‬‬
‫وجيبُ َغسْلُ شعرِ الوجهِ من ُهدْبٍ وحاجِبٍ وشارِبٍ وعُْن ُفقَةٍ وِلحْيَةٍ وهي ما نبت‬
‫اللحَيَيْن وعُذارِ هو ما نََبتَ على العَ ْظمِ احملاذي لألُذنِ‬ ‫الذقْنِ وهو جمت َمعُ َّ‬ ‫على َّ‬
‫الشفَتَيْن وموضِع الغَ َممِ‬ ‫وعا ِرضٍ وهو ما احنطَّ عنهُ إىل اللّحية ‪ .‬ومن الوجْهِ ُحمْرَة َّ‬
‫وهو ما نبتَ عليه الشعرُ من اجلَْبهَةِ دون حمل التحذيفِ على األصح وهو ما نبتَ عليه‬
‫الشعرُ اخلفيفُ بني ابتداءِ العُذارِ والنَّزْعَةِ ودونَ وَتَدِ األُذنِ والنَّزعتني ومها بياضان‬
‫يكتنفان الناصِيَة وموضع الصَلَعِ وهو ما بينهما إذا احنَسَرَ عنه الشعرُ ‪ .‬ويُسَنّ غسلُ‬
‫كل ما قيلَ إنه ليسَ من الوجْهِ‪ .‬وجيبُ غسلُ ظاهر وباطن كل من الشعورِ السَّابقة‬
‫وإن كَثَفَ لَِن ْدرَةِ الكَثَافَةِ فيها‪ ،‬ال باطن كثيفِ ِلحْيَةٍ وعا ِرضٍ والكثيفُ ما مل تُرَ‬
‫البشرةُ من خِاللِهِ يف جملسِ التَّخاطُبِ عُرْفاً وجيبُ غسلُ ما ال يَتَحقّقُ غسلُ مجيعِهِ إال‬
‫ب َغسْلِهِ‪ ،‬ألن ما ال يتمُّ الواجبُ إال به وا ِجبٌ‪( .‬و) ثالثها‪( :‬غسلُ يديه) من كفَّْيهِ‬
‫وذراعيه (بكل مرفقٍ) لآلية‪ .‬وجيبُ غسلُ مجيع ما يف حمل الفْرضِ من َشعْرً وظفرٍ‪،‬‬
‫وإن طال‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو نسي ُل ْمعَةً فان َغسََلتْ يف تثليثٍ‪ ،‬أو إعا َدةِ وضوءٍ لِنسيانٍ له‪ ،‬ال جتديدٍ‬
‫واحتياطٍ‪ ،‬أجزأه‪( .‬و) رابعها‪َ ( :‬مسْحُ بعضِ رأسِهِ) كالنزعة والبياضِ الذي وراءُ األُذن‬
‫بشر أو شعر يف حَدِّه‪ ،‬ولو بعض شعرةٍ واحدةٍ‪ ،‬لآلية‪ .‬قال البغوي‪ :‬ينبغي أن ال‬
‫يُجزِيءَ أقلُّ من قَدرِ الناصِيَةِ‪ ،‬وهي ما بني النزعتني‪ ،‬ألنه مل َي ْمسَح أقلَّ منها‪ ،‬وهو‬
‫روايةٌ عن أيب حنيفة رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬واملشهورُ عنه وجوبُ َمسْحِ الرّْبعِ‪( .‬و)‬
‫سحُ خُفَّْيهِما‬ ‫خامسها‪( :‬غسلُ رجليه) بكل كعبٍ من كل رِجلٍ‪ ،‬لآلية‪ .‬أو َم ْ‬
‫بشروطِهِ‪ .‬وجيبُ غسلُ باطن ُث ْقبِ وشَقّ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو دخَلتْ شوكَةٌ يف رجِلهِ وظَهر َب ْعضُها‪ ،‬وَ َجبَ ق ْلعُها و َغسْلُ حملِّها ألنه‬
‫صارَ يف حُكمِ الطَّاهِرِ‪ ،‬فإن استَتَرَتْ كلّها صارَت يف حُكمِ الباطِنِ فيُصحَّ وضوؤه‪.‬‬
‫ولو تن ََّفطَ يف رِجْلٍ أو غريِه مل جيب غسلُ باطِنِهِ ما مل يَتَشقَّق‪ ،‬فإن تَشقَّقَ و َجبَ غسل‬
‫باطِنِهِ ما مل يَرْتَتِقْ‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬ذكروا يف الغسلِ أنه ُي ْعفَى عن با ِطنِ عقدِ الشَّعرِ أي إذا انعقَدَ بنفسِهِ‬
‫وُأْلحِقَ هبا من ابتُلِيَ بنحوِ طَبّوعِ َلصَقَ بأصولِ شعرِهِ حىت مَنعَ وصولَ املاءِ إليها ومل‬
‫ُيمْكِن إزالَتُه‪ .‬وقد صرح شيخ شيوخنا زكريا األنصاري بأنه ال يلحق هبا‪ ،‬بل عليه‬
‫التيمم‪ .‬لكن قال تلميذه شيخنا ‪ :‬والذي يتّجه العفْوُ للضرورة‪( .‬و) سادسها‪:‬‬
‫(ترتيبٌ) كما ُذكِرَ من تقدميِ َغسْلِ الوَجْ ِه فاليدَيْنِ فالرَّأس فالرِّجلني لالتِّباع‪.‬‬
‫حدِثٌ‪ ،‬ولو يف ماء قليلٍ بنية معتربة مما مَرّ أجزَأهُ عن الوضوءِ‪ ،‬ولو‬ ‫ولو ان َغمَسَ ُم ِ‬
‫مل مي ُكثْ يف االنغماسِ زَمناً ُيمْكِنُ فيه الترَّتيب‪ .‬نعم‪ ،‬لو اغتسل بنيته فيشترط فيه‬
‫الترتيب حقيقةً‪ ،‬وال َيضُرّ نِسيانُ َلمْعَةٍ أو ُل َمعٍ يف غريِ أعضاءِ الوُضوءِ‪ ،‬بل لو كان‬
‫على ما عدا أعضائه‪ ،‬ماِنعٌ كش ْمعٍ مل َيضُر كما استظهره شيخنا ‪ .‬ولو أحدَثَ‬
‫ضوِ بل يكفي‬ ‫وأجَنبَ أجزَأهُ ال ُغسْلُ عنهما بنيته‪ .‬وال جيبُ تيقّنُ عُمومِ املاءِ مجيعَ ال ُع ْ‬
‫غلَبَ ُة الظَّنّ به‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو شَكّ املتوضىءُ أو املغَتسِلُ يف تطهريِ عضو قبل الفراغِ من وضوئه أو‬
‫غسلِه طَهَّرَه‪ ،‬وكذا ما بعدَه يف الوُضوءِ‪ ،‬أو بعدَ الفراغِ من ُطهْ ِرهِ‪ ،‬مل يُؤثِّر‪ .‬ولو كان‬
‫الشَّكُّ يف النية مل يؤثِّر أيضاً على األوجه‪ ،‬كما يف شرح املنهاج لشيخنا‪ ،‬وقال‪ :‬فيه‬
‫قياسُ ما يأيت يف الشَّكّ بعد الفاحتة وقبل الركوع‪ :‬أنه لو شَكَّ بعد عضوٍ يف أصل‬
‫حمَل كال ُمهُم األوَّل على الشّك يف أصل‬ ‫غسله لَ ِزمَهُ إعادته‪ ،‬أو بعضَه مل تَلْ َزمْه‪ .‬فلُي ْ‬
‫ضوِ ال بَعضِه‪( .‬وسُنّ) للمتوضِّىءِ ولو مباءٍ مغصوبٍ على األوجَهِ (تسميةٌ أوَّله)‬ ‫ال ُع ْ‬
‫أي أوَّل الوضوءِ لالتّباع وأقلُّها باسم اهلل‪ ،‬وأكمَلُها بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ .‬وجتبُ‬
‫عند أمحد‪ ،‬وُيسَنّ قبلَها التعوُّذُ وبعدَها الشهادتان واحلمدُ هلل الذي جعلَ املاءَ طَهوراً‪.‬‬
‫وُيسَنُّ ملَنْ ت َركَها أوّله أن يأتِيَ هبا أثناءه قائالٍ‪ :‬باسم اهلل أوله وآخ ِرهِ‪ .‬ال بعد فراغِهِ‪.‬‬
‫وكذا يف حنوِ األكلِ والشّربِ والتأليفِ‪ ،‬واالكتِحالُ مما يُسَنّ له التسميةُ‪ .‬واملنقولُ عن‬
‫الشافع ّي وكثريٌ من األصحابِ أن أوّلَ السُّنَن التَّسميةُ‪ ،‬وبه جزم النوويّ يف اجملموعِ‬
‫وغريِه‪ .‬فينوي معها عندَ غسلِ اليدين‪ .‬وقال مجع متقدمون‪ :‬إن أوّهلا السِّواك مث بعدَه‬
‫التسمية‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬تُسنّ التسميةُ لتالوَةِ القرآنِ‪ ،‬ولو مِن أثناءِ سُورَةٍ يف صالةٍ أو خارِجِها‪،‬‬
‫وِل ُغسْلٍ وَتيمم وذَبْح‪( .‬ف َغسْلُ الكفّني) معاً إىل الكوعني مع التسميةِ املقتَرِنَة بالنيّة‪،‬‬
‫سوَاكٌ) عَرْضاً يف األسنانِ ظاهِراً‬ ‫وإن توضَّأ من حنو إبريقٍ أو عَِلمَ ُطهْرَهُما لالتّباع (ف ِ‬
‫وباطِناً وطُوالً يف اللسان‪ ،‬للخربِ الصحيح‪َ" :‬لوْال أن أَشُقَّ على أمَّيت ألمَرُْت ُهمْ بالسِّواكِ‬
‫عند كلّ وُضوءٍ"‪ .‬أي أمْر إجيابٍ‪ .‬وحيصل (بكلّ َخشِنٍ) ولو بنحوِ خرقةٍ أو أشنانٍ‪،‬‬
‫والعَودُ أفضلُ من غريِه‪ ،‬وأوْالهُ ذو الرِّيحِ الطَِّّيبِ‪ ،‬وأفضَلُه األراكُ‪ .‬ال بُأصَْبعِهِ ولو‬
‫َخشِنَة‪ ،‬خالفاً ملا اختارَهُ النوويّ‪ .‬وإمنا يَتَأ ّكدُ السِّواكُ ولو ِلمَن ال أسنانُ له لكلّ‬
‫سلمَ من كل ركعتَيْنِ أو استَاكَ ِلوُضوئها‪،‬‬ ‫وضوء‪( .‬ولكل صالة) فَرْضها وَنفْلها وإن َّ‬
‫حلمَيْدِي بإسنادٍ‬ ‫وإنْ لَم يفصُلْ بينَهُما فاصِلٌ حيثُ مل َيخُش تنجُّس َفمِهِ‪ ،‬وذلك خلربِ ا ُ‬
‫جيد‪" :‬رَكعتَانِ بِسِواكٍ أفضَلُ من سبعني ر ْكعَة بال سِواك"‪ .‬ولو تَرَكه أوّهلا تدا َركَه‬
‫أثناءها بفعلٍ قليل‪ ،‬كالتعمم‪ ،‬ويتأكّد أيضاً لتالوَةِ قرآنٍ أو حَديثٍ أو عِلمٍ شرعيّ‪ ،‬أو‬
‫صفْرَةٍ‪ ،‬أو استيقاظٍ من‬ ‫تغري َفمٍ رحياً أو لوناً بنحو َن ْومٍ أو أكلٍ كريهٍ‪ ،‬أو سِنَ بنحوِ ُ‬
‫السحَرِ وعندَ االحتِضارِ‪ ،‬كما دَلّ عليه خربُ‬ ‫نومٍ وإرادَته‪ ،‬ودخول مسجدٍ ومنزلٍ‪ ،‬ويف َّ‬
‫‪6‬‬
‫الصحيحني‪ .‬ويقال‪ :‬إنه ُيسَهِّل خروجَ الرُّوحِ‪ .‬وأخذَ بعضُهم من ذلك تأكُّده‬
‫للمَريضِ‪ .‬وينبغي أن ين ِويَ بالسواكِ السُّنَّة ليثابَ عليهِ‪ ،‬ويبَلعَ ريقهُ أوَّل استياكِهِ‪ ،‬وأن‬
‫ال َيمُصَّه‪ .‬ويُْندَبُ التَّخليلُ قبلَ السِّواك أو بعده من أثرَ الطَّعامِ‪ ،‬والسِّواكُ أفضَلُ منه‪،‬‬
‫خالفاً ِلمَن عَكَس‪ .‬وال يُكْرَه بسواكِ غريِ أُذنِ أو عِلْم رِضاه‪ ،‬وإال حَ ُرمَ‪ ،‬كأخذِهِ من‬
‫مُلْكِ ال َغيْرِ‪ ،‬ما مل َتجْرِ عادةٌ باإلِعراضِ عنه‪ .‬ويُكْ َرهُ للصاِئمِ بعد الزَّوال‪ ،‬إن مل يتغري‬
‫َفمُه بنحوِ َن ْومٍ (فمضمضة فاستنشاق) لالتّباع‪ ،‬وأقلّهما إيصالُ املاءِ إىل الفمِ واألنفِ‪.‬‬
‫وال يشترطُ يف حُصولِ أصلِ السّنّة إدارَتُه يف ال َفمِ وجمّه منهُ ونثرُه من األنفِ‪ ،‬بل ُتسَنّ‬
‫كاملبالغَة فيهما ملفْطِرٍ لألمْرِ هبا‪.‬‬
‫(و) ُيسَنّ مجعُهما (بثالثِ غُرَفٍ) يتمضمض مث يستنشق من كل منها‪( .‬ومسحُ‬
‫كل رأس) لالتّباع وخروجاً من خالف مالك وأمحد‪ ،‬فإن اقتصَرَ على البعضِ فاألوْىل‬
‫َدمِ رأسهِ‪ ،‬مُ ْلصِقاً‬ ‫أن يكون هو الناصِيَة‪ ،‬واألوْىل يف كيفيته أن يضعَ يديهِ على ُمق َّ‬
‫مسبحَتَه باألُخْرى وإهبامَيْه على صدغيه‪ ،‬مث َيذْهَب هبما مع بقيِة أصابعِهِ غريِ اإلِهبامني‬ ‫ِّ‬
‫ِلقَفاه‪ ،‬مث يَرُدَّمها إىل املبدأ إن كان له َشعْرُ ينقَلِب وإال فليقَْتصِر على الذهابِ‪ .‬وإن‬
‫كان على رأسِهِ عمامَةٌ أو قُلُنْسوةٌ َتمَّمَ عليها بعد َمسْحِ الناصِيَة لالتباع (و) مَسحُ‬
‫الرقَبَةِ إذ مل يثبتْ‬ ‫كلّ (األُذُنَني) ظاهراً وباطناً وصِماخَيْه لالتباع ‪ ،‬وال ُيسَنّ َمسْحُ َّ‬
‫فيه شيء‪ .‬قال النوويّ‪ :‬بل هو ِبدْعَةٌ‪ ،‬وحديثُه موضوعٌ‪( .‬و َدلْكُ أعضاءٍ) وهو إمرارُ‬
‫اليدِ عليها َع ِقبَ مالقاتِها للماءِ‪ ،‬خروجاً من خالف من أوْجَبَه‪( .‬وختليلُ ِلحْيَةٍ كَثّة)‬
‫واألفضل كونه بأصابع يُمناه ومن أسفل‪ ،‬مع تفريقِها‪ ،‬وِبغَ ْرفَةٍ مستقلة لالتّباع‬
‫ويُكرَه تركُه‪( .‬و) تَخليلُ (أصابعِ) اليدين بالتشبيك‪ ،‬والرجلني بأيِّ كيفيةٍ كان‪.‬‬
‫واألفضلُ أن خيلِّلَها من أسفَل خبنصُرِ َيدِه اليُسرى‪ ،‬مبتدئاً خبنصُر الرِّجل اليُمىن وخمتَتِماً‬
‫خبُْنصُرِ اليُسرى‪( .‬وإطالةُ الغُرَّة) بأن يغسلَ مع الوجِه مقدَّم رأسِه وأذنيه وصفحَتَيْ‬
‫ضدَين و َمعَ الرِّجلني بعضَ‬ ‫عُُنقَه‪( .‬و) إطالَةُ (حتجيلٍ) بأن يغسلَ مع اليدين بعض ال َع ُ‬
‫ضدِ والسّاق‪ ،‬وذلك خلرب الشيخني‪" :‬إن أُمَّيت يُد َعوْنَ يَوم‬ ‫الساقني‪ ،‬وغايتُه استيعابُ ال َع ُ‬
‫حجَّلني من آثارِ ال ُوضُوءِ‪َ .‬فمَنِ استَطاعَ مِنْكُم أن يَطِيلَ غُرََّتهُ فَلَْي ْفعَل"‪.‬‬ ‫القيامَةِ غَ ّراً ُم َ‬
‫حجِيلُهُ‪ :‬أي ُيدْ َعوْنَ بِيضُ الوُجوهِ واأليدي واألرجُل‪ .‬وحيصَل أقلّ‬ ‫زاد مسلم‪ :‬وتَ ْ‬
‫اإلِطالة ِب َغسْلِ أدىن زيادَةٍ على الواجِبِ وكمالُها باستيعابِ ما مَرّ (وتثليثُ كل) من‬
‫سمَلَةٌ‪ ،‬و ِذكْرٌ َعقِبَه‪ ،‬لالتباع يف أكثر‬ ‫مغسولٍ وممسوحٍ‪ ،‬و َدلْكٌ وَتخْلِيلٌ وسِواكٌ وَب ْ‬
‫ذلك‪ .‬وحيصلُ التثليثُ ِب َغمْسِ الَيدِ مثالً ولو يف ماء قليل إذا حَرّكها مَرَّتني‪ ،‬ولو رَدَّدَ‬
‫ماءَ ال َغسْلَةِ الثانيةِ َحصَلَ لهُ أصلُ سُنَّة التثليثِ كما استظهره شيخنا وال جيزىءُ‬
‫ضوٍ قبلَ إمتامِ وا ِجبِ َغسْلِهِ وال بعد تَمامِ الوُضوءِ‪ .‬ويُكْرَهُ النقصُ عن الثالثِ‬ ‫تثليثُ ُع ْ‬
‫كالزِّيادة عليها‪ ،‬أي بنية الوُضوءِ‪ ،‬كما َبحَثَهُ َج ُمعٌ‪ .‬وَتحْ ُرمُ من ماءٍ موقوفٍ على‬
‫التَّطَهُّر‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬يأ ُخذُ الشَّاكُّ أثناءَ الوضوءِ يف استيعابٍ أو عددٍ باليقني‪ ،‬وُجوباً يف‬
‫ب وَندْباً يف املَنْدوبِ‪ ،‬ولو يف املاءِ ا َمل ْوقُوفِ‪ .‬أما الشكّ بعد الفراغِ فال يؤثّر‪.‬‬ ‫الواجِ ِ‬
‫(وتَيَامُنٌ) أي تقدميُ مينيٍ على يسارٍ يف اليدين والرجلني‪ ،‬ولَِنحْو أقطَع يف مجيعِ أعضاءِ‬
‫حبّ التَّيَمُّن يف تَطَهُّرِه وشأنِه كلّه‪ ،‬أي مما هو من بابُ‬ ‫وُضوئه‪ ،‬وذلك ألنه كان ُي ِ‬
‫التكرمي‪ ،‬كاكتحالٍ ولبْسِ حنوِ قميصٍ ونعلٍ‪ ،‬وتقليمِ ظفرٍ‪ ،‬وحلقِ حنو رأسٍ‪ ،‬وأخذٍ‬
‫وعطاءٍ‪ ،‬وسواكٍ وختليلٍ‪ ،‬ويُكْرَهُ تركُه‪ ،‬وُيسَنّ التَياسُر يف ضدِّه وهو ما كان من بابِ‬
‫اإلهانةِ واإلذى كاستِنْجاءٍ وامتخاطٍ‪ ،‬وخلع لباسٍ ونعلٍ‪ .‬وُيسَنّ البداءَةُ ب َغسْلِ أعلى‬
‫وَ ْجهِهِ وأطرافِ َيدَيْه ورجليه‪ ،‬وإن صبَّ عليه غريُه‪ .‬وأخذُ املاءِ إىل الوجه ب َكفَّيه معاً‪،‬‬
‫ووضعُ ما َيغْتَرِف منه عن ميينه وما يَصُب منه عن يسارِه‪( .‬ووالءٌ) بني أفعالِ وُضوءِ‬
‫‪7‬‬
‫ضوٍ قبلَ جفافِ ما قَبله‪ ،‬وذلك لالّتباع وخروجًا‬ ‫السَّليمِ بأنْ ُيشْرِعَ يف تطهري كل ُع ْ‬
‫جبُ ِلسَلِسٍ‪( .‬وَت َع ّهدٍ) عَقبٍ و ( َموْقٍ) وهو طَرَفُ العَيْنِ‬ ‫من خالفِ من أوجَبَه‪ ،‬وَي ِ‬
‫الذي يلي األنفَ ولِحاظٍ وهو الطرف اآلخر بسبابَتَيْ ِشقّيْهما‪ .‬وحملّ ندب َت َعهّدمها‬
‫إذا مل يكن فيهما َرمَصٌ ميَنعُ وصولَ املاءِ إىل حمله وإال فتعهُّدمها واجبٌ كما يف‬
‫اجملموع ‪ .‬وال ُيسَنّ َغسْلُ باطِنِ العَنيِ بل قال بعضهم‪ :‬يُكْرَه للضَّ َررِ‪ ،‬وإمنا ُي ْغسَلُ إذا‬
‫تَنَجَّسَ ِلغَِلظِ أمْرِ النَّجاسَةِ‪( .‬واستقبال) القبلَةِ يف كُلّ وُضوئه‪( .‬وتَرْكُ تَكَُّلمٍ) يف أثناءِ‬
‫وُضوئه بال حاجة بغريِ ِذكْرٍ‪ ،‬وال يُكْرَه سالمٌ عليهِ وال مِنْهُ وال رَدُّه‪( .‬و) تَرْكُ‬
‫(تنشيفٍ) بال ُع ْذرٍ لالتّباعَ (والشهادتان َعقِبَه) أي الوضوءِ‪ ،‬حبيثُ ال يطولُ فاصِلٌ‬
‫عنه عُرفاً‪ ،‬فيقولُ مستقبالً للقِبلِة‪ ،‬رافعاً يديه وبصرَهُ إىل السّماء ولو أعمىً ‪ :‬أشهدُ‬
‫أن ال إلهَ إال اهلل وَحدَهُ ال شريكَ له‪ ،‬وأشهدُ أن حممداً عبدُهُ ورسولُه‪ .‬ملا َروَى مسلم‬
‫حتْ له أبوابُ اجلَنَّة‬ ‫عن رسولِ اهلل‪" :‬مَنْ َتوَضَّأ فقال أشهدُ أن ال إله إال اهلل اخل فُِت َ‬
‫"الل ُهمّ اجعَلْين من َّالتوّابني وا ْجعَلْنِي مِنَ‬
‫الثمانِيَة‪ ،‬يدخُل من أيِّها شَاءَ"‪ .‬زاد التّرْمذي‪َّ :‬‬
‫وصححَه‪" :‬مَنْ َتوَضَّأ مث قال‪ :‬سبحانَكَ الّلهُمَّ وحبَ ْمدِكَ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫املُتَطهِّرين"‪ .‬وروى احلاكم‬
‫أ ْش َهدُ أن ال إله إال أنتَ‪ .‬أسَت ْغفِرُكَ وأتوبُ إليك‪ .‬كُِتبَ يف رَقَ‪ ،‬مث طُِبعَ بِطابعٍ فلم‬
‫يُ ْكسَر إىل َي ْومِ القِيامَةِ"‪ .‬أي مل يَتَطرَّقُ إليهِ إبْطالٌ كما صَحّ حىت يَرَى ثوابَهُ العظيم‪ .‬مث‬
‫يُصلّي وُيسَلِّم على سيدنا حممدٍ وآلِ سيدِنا ُمحَمّد‪ ،‬ويقرأ {إنَّا أنْ َزلْنَاهُ} ثالثاً‪ ،‬كذلك‬
‫بال َر ْفعِ َيدٍ‪ .‬وأما دُعاءُ األعْضاءِ املشهور فال أصْلَ له ُيعَْتدّ به فلذلكَ حَ َذفْتُه‪ ،‬تِبْعاً‬
‫ضوٍ‪ :‬أشهدُ‬ ‫حبّ أن يقولَ عند كلِّ عُ ْ‬ ‫لشيخِ املذ َهبِ النوويّ رضي اهلل عنه‪ .‬وقيل‪ُ :‬يسَْت َ‬
‫أن ال إله إالَّ اهلل وحدَهُ ال شريكَ له‪ ،‬وأشهدُ أن حممداً عبدُه ورسولُه‪ .‬خلرب رواهُ‬
‫املستغفري وقال‪َ :‬حسَنٌ غريب‪( .‬وشُرْبُه) مِنْ (َفضْلِ وُضوئِهِ) خلرب‪" :‬إنّ فيهِ شِفاء من‬
‫كلِّ داءٍ" وُيسَنّ رَشّ إزارِهِ به‪ ،‬أي إن َتوَ ّهمَ حُصولِ مُق ّذرٍ له‪ ،‬كما استظهَرَهُ شيخنا‪.‬‬
‫وعليه حيمَلُ رَشُّه إلِزارِه به‪ .‬وركعتان بعدَ الوضوء أي حبيث تُْنسَبانِ إليهِ عُرْفاً‪،‬‬
‫ضهِم باإلِعْراضِ‪ ،‬وبعضُهُم ِبجَفافِ‬ ‫فتفوتان بطولِ الفَصْلِ عُرْفاً على األ ْوجَهِ‪ ،‬وعندَ بع ِ‬
‫حلدَثِ‪ .‬وَيقَرأُ َندْباً يف أُوىل ركعتيه بعدَ الفاحتة‪{ :‬ولو أََّن ُهمْ إذْ‬ ‫األعْضاءِ‪ ،‬وقيل‪ :‬با َ‬
‫س ُهمْ} إىل {رَحيماً}‪ ،‬ويف الثانية‪َ { :‬ومَنْ َيعْمَلْ سُوءاً أو يَظْلِم نَ ْفسَه} إىل‬ ‫ظََلمُوا َأْن ُف َ‬
‫{رَحيِماً}‪.‬‬
‫[فائدة]‪ :‬يُح َرمُ التَّ َطهُرُ با ُملسْبَلِ لِلشُّرب‪ ،‬وكذا مباءٍ ُجهِلَ حالُهُ على ا َألوْجَهِ‪،‬‬
‫وكذا حَملُ شيءٍ من ا ُملسْبَلِ إىل غَيْرِ حمله‪( .‬وليقتصر) أي املُتَوضّىء‪( ،‬حَتْماً) أي‬
‫وُجَوباً‪( ،‬على) غَسْلٍ أو َمسْحٍ (واجبٍ) أي فال جيوزُ تثليثٌ وال إتيانُ سائِرَ السُّنَنِ‬
‫ي وغريه‪ ،‬وتبعه‬ ‫(ِلضِيقِ وقتٍ) عن إدراكِ الصالةِ كلها فيه‪ ،‬كما صرح به البغو ّ‬
‫املتأخرون‪ .‬لكن أفىت يف فواتِ الصالةِ لو أ ْكمَلَ سُنَنَها بأن يأتِيَها‪ ،‬ولو مل يُدرِكْ‬
‫ركعَةً‪ .‬وقد ُيفَرّق بأنه مث اشتغَلَ باملقصودِ‪ ،‬فكان كما لو َمدّ يف القراءة‪( .‬أو قلَّةِ ماءٍ)‬
‫حبيث ال يكفي إال الفَ ْرضَ فلو كان معه ماءٌ ال يكفيه لِتَتمّة ُطهْرِه‪ .‬إن ثََّلثَ أو أتى‬
‫السُّنَنَ أو احتاجَ إىل الفاضِلِ ِلعَطشٍ مُحْتَ ِرمٍ‪ ،‬حَ ُرمَ استعمالُهُ يف شيءٍ من السُّنن‪ .‬وكذا‬
‫يقالُ يف ال ُغسْل‪( .‬وََندْباً) على الوا ِجبِ بِتَرْكِ السُّنَنِ‪( ،‬إلِدراكِ جَماعَةٍ) مل يَ ْرجُ غَيْرَها‪.‬‬
‫كالدلْكِ ينبغي تقدميُهُ عليها نظريَ ما مَرّ من َندْبِ تقدميِ الفاِئتِ‬ ‫َّ‬ ‫نعم‪ ،‬ما قيل بوجوبه‬
‫ِبعُذرٍ على احلاضِرَةِ‪ ،‬وإن فاتَت اجلَماعَةُ‪.‬‬
‫حلدَثَيْنِ ِل َف ْقدِ ماءٍ أو خوفِ حمذورٍ من استعمالِهِ بترابٍ طهورٍ‬ ‫َيممُ عنِ ا َ‬
‫[تتمة]‪ :‬يَت َّ‬
‫له غُبار‪ .‬وأركانُهُ نيّةُ استباحَةُ الصالةِ املَفروضَةِ مَقرونَةً بِنقلِ التّراب‪ ،‬و َمسْحُ وَ ْجهِهِ‬
‫مث يديه‪ .‬ولو تيقَّن ماءً آخر الوقتِ فانتظارُه أفضل‪ ،‬وإال فتعجيلُ تيمّم‪ .‬وإذا امتنعَ‬
‫استعماله يف عضوٍ وَجَب تيممٌ وغسلٌ صحيحٌ ومسحُ كلّ الساتِر الضّار نزعُه مباءٍ‪،‬‬
‫‪8‬‬
‫وال ترتيبَ بينهما جلُُنبٍ‪ .‬أو عضوين فتيممان‪ ،‬وال يصلِّي به إالَّ فرضاً واحداً ولو‬
‫نذراً‪ .‬وصَح جنائزُ مَع فرضٍ‪( .‬ونواقِضه) أي أسباب نواقض الوضوءِ أربعة‪ :‬أحدها‪:‬‬
‫(تيقّنُ خروجِ شيء) غري مَنِيّه‪ ،‬عَيْنًا كان أو رحياً‪ ،‬رَطِباً أو جافاً‪ ،‬معتادًا كََبوْلٍ أو نادِراً‬
‫َك َدمِ باسورٍ أو غريِه‪ ،‬انفصَل أو ال َكدُودَةٍ أخْرَجَت رأسَها مث رَ َج َعتْ (من أحدِ‬
‫سَبيلَيْ) املُتَوضّىء (احليّ) دُبُراً كان أو قُبُالً‪( .‬ولو) كان اخلارج (باسوراً) نابتاً داخل‬
‫الدُّبر فخرجَ أو زادَ خروجه‪ .‬لكن أفىت العالّمة الكمالُ الردّادُ بعدم النقضِ خبروجِ‬
‫الباسورِ نفسه بل باخلارجِ منه كالدم‪ .‬وعن مالك‪ :‬ال ينتقضُ الوضوءُ بالنا ِدرِ‪( .‬و)‬
‫ثانيها‪( :‬زوالُ عقلٍ) أي متييز‪ ،‬بسُكْرٍ أو جنونٍ أو إغماء أو نوم‪ ،‬للخربِ الصحيح‪:‬‬
‫"َفمَنْ نامَ فَليَتَوضَّأْ"‪ .‬وخرجَ بزوالِ العقِل النُّعاسُ وأوائلُ نشوَةِ السُّكر‪ ،‬فال نقض هبما‪،‬‬
‫كما إذا شكّ هل نام أو َنعَس؟ ومن عال َمةِ النُّعاسِ مساعُ كالمِ احلاضرين وإن مل‬
‫َي ْف َهمْهُ‪( ،‬ال) زوالُه (بنومٍ) قاعدٍ (ممكّن َم ْق َعدَه) أي أليَيْه من مقره‪ ،‬وإن استََندَ لِما لو‬
‫زالَ َس َقطَ أو احْتَبَى‪ ،‬وليسَ بني مقعدِه ومقرّهِ جتافٍ‪ .‬وينتقضُ وضوءُ ممكِّنٍ انتبه بعد‬
‫زوالِ َألَْيتِه عن َمقَرّه‪ ،‬ال وضوءُ شاكَ هل كان ُممَكِّناً أو ال؟ أو هل زالَت أليَتُهُ قبلَ‬
‫اليَقظَةِ أو بعدَها؟‪ ..‬وتَيقُّنُ الرُّؤيا مع ع َدمِ َت َذكّر نومٍ ال أثر له خبالفه مع الشكّ فيه‬
‫ألهنا مُرَ ّجحَةٌ ألحدِ ط َرفَيه‪( .‬و) ثالثها‪( :‬مسُّ فرجِ آدميّ) أو حملُ قطعِهِ‪ ،‬ولو ملّيتٍ أو‬
‫صغريٍ‪ ،‬قُبُالً كان الفَ ْرجُ أو دُبُراً مُتَّصالً أو َمقْطوعاً‪ ،‬إال ما قُ ِطعَ يف اخلِتانِ‪ .‬والناقضُ‬
‫من الدُّبر مُلْتَقى املَْن َفذِ‪ ،‬ومِن قُبُلِ املَرْأةِ مُلَْتقَى ُشفْرَيْها على املن َفذِ ال ما وراءَهُما‬
‫َك َمحَلّ خِتانِها‪ .‬نعم‪ ،‬يُْندَبُ الوضوءُ مِنْ مَسِّ حنوِ العانَةِ‪ ،‬وباطِنِ األلْيَةِ‪ ،‬واألُنْثَيَيْنِ‪،‬‬
‫صغِريةٍ وأمرد وأبرص ويهودي‪ ،‬ومن حنو‬ ‫خذٍ‪ ،‬وملسِ َ‬ ‫و َشعْرٍ نبتَ فوقَ َذكَرٍ‪ ،‬وأصل َف ْ‬
‫ضبٍ‪ ،‬ومحل ميّتٍ و َمسّه‪،‬‬ ‫صدٍ‪ ،‬ونظرٍ بشهوةٍ ولو إىل ُمحْ َرمٍ‪ ،‬وتلفُّظ مبعصيةٍ‪ ،‬و َغ َ‬ ‫َف ْ‬
‫وقصّ ظفرِ وشارِب‪ ،‬وحلقِ رأسِهِ‪ .‬وخَ َرجَ بآدميّ فرجُ البهِيمَةِ إذ ال ُيشْتَهى‪ ،‬ومن مث‬
‫جازَ النظر إليهِ‪( .‬بِبَطْنِ كَفَ) لقوله‪" :‬مَنْ مَسّ فَ ْرجَه"‪ ،‬ويف رواية‪" :‬مَنْ مَسّ ذَكراً‬
‫فَلْيَتَوضَّأ"‪ .‬وبَطْنُ الكَفّ هو بطنُ الراحتني وبطنُ األصاِبعِ واملنحرف إليهما عِند‬
‫انطباِقهِما‪ ،‬مع يسريِ حتامُلٍ دون رؤوس األصَاِبعِ وما بينها وحرف الكفِّ‪( .‬و)‬
‫رابعها‪( :‬تالقي َبشْرَتَيْ َذكَرٍ وأنثى) ولو بال َش ْهوَة‪ ،‬وإن كان أحدُهُما مُكْرَها أو ميتاً‪،‬‬
‫لكن ال ينقضُ وُضوءُ امليّت‪ .‬واملراد بالَبشَرة هنا غري الشعر والسّ ّن والظّفرِ‪ .‬قال‬
‫شيخنا‪ :‬وغري باطِنِ العَيْنِ‪ ،‬وذلك لقوله تعاىل‪َ{ :‬أوْ َال َمسُْتمُ النِّساءَ} أي ملستم‪ .‬ولو‬
‫شكّ هل ما َل َمسَه َشعْرٌ أو بَشرة مل ينتِقضْ‪ ،‬كما لو وقعتْ يدُهُ على َبشَرةٍ ال يعلم‬
‫أهِيَ َبشَرَةُ َرجُلٍ أو امرأة‪ ،‬أو شكَّ‪ :‬هل َلمَسَ ُمحْرَماً أو أجنبية؟ وقال شيخنا يف‬
‫شرحِ العُباب‪ :‬ولو أخبَرَهُ عدلٌ بِلمْسِها لَه‪ ،‬أو بنحوِ خروجِ ريحٍ منه يف حالِ نومِهِ‬
‫صغَرٍ فيهما‪،‬‬ ‫ُممَكّناً‪ ،‬وجبَ عليهِ األخذُ بقولِهِ‪( .‬بِكِبَرٍ) فيهما‪ ،‬فال نقض بتالقيهما مع ِ‬
‫صغَر‪ :‬من ال ُيشَْتهَى عُرْفاً غَالِباً‪.‬‬ ‫ش ْهوَةِ‪ .‬واملرادُ بذي ال ّ‬ ‫أو يف أحدمها‪ ،‬النتفاءِ مظنّةِ ال ّ‬
‫سبٍ أو رَضاعٍ أو مُصاهَرَةٍ‪ ،‬النتفاء‬ ‫(ال) تالقي َبشَرَتَيْهما) (مع َمحْ َرمِيَّةٍ) بينهُما‪ ،‬بِن َ‬
‫الش ْهوَةِ‪ .‬ولو اشتبهتْ َمحْ َرمُهُ بأجنبياتٍ حمصوراتٍ فلمس واحدة منهن مل‬ ‫مَظنِّةِ َّ‬
‫ينتقِضْ‪ ،‬وكذا بغريِ حمصوراتِ على األوْجَه‪( .‬وال يرتفعُ يقنيُ وضوءٍ أو َحدَثٍ بظنّ‬
‫ضده) وال بالشك فيه املفهوم با َألوْىل فيأخذ باليقنيِ اسِتصْحابًا له‪.‬‬
‫حلدَثِ‪ :‬صالةٌ وطوافٌ وسجودٌ‪ ،‬و َحمْلُ مصحفٍ‪ ،‬وما كُتِبَ‬ ‫[خامتة]‪َ :‬يحْ ُرمُ با َ‬
‫صدِ الدراسَةِ والتربُّكِ حبالَةِ الكتابَة دون‬ ‫ِل َدرْسِ قُرآنٍ ولو بعضَ آيةٍ كََل ْوحٍ‪ .‬والعربةُ يف َق ْ‬
‫ما بعدها‪ ،‬وبالكاتب لِنَفسهِ أو لغريِهِ تَبَرّعاً‪ ،‬وإال فآمرُهُ ال محلُه مع متاعٍ‪ ،‬واملصحفُ‬
‫غري مقصودٍ باحلملِ ومَسّ َو َرقِه‪ ،‬ولو لبياضٍ أو حنوِ ظَرْفٍ أُ ِعدّ له وهو فيه‪ ،‬ال قَلْبُ‬
‫َو َرقِه ِبعْودٍ إذا مل ينفصِلْ عليه‪ ،‬وال مَع تفسريٍ زادَ ولو احتماالً‪ .‬وال مينُع صَبِيّ ُممَيّزٌ‬
‫‪9‬‬
‫تعلمِهِ ودرسِهِ ووسيلتهما‪ ،‬كحملِهِ‬ ‫حدِثٍ ولو جُنُباً محلُ ومَسُّ حنو مصحَفٍ حلاجةِ ُّ‬ ‫ُم ْ‬
‫ب واإلِتيان به لل ُمعَِّلمِ لُيعَلِّمهُ منه‪ .‬وحي ُرمُ متكنيُ غريِ ا ُملمَيِّزِ من حنوِ مُصحفٍ‪ ،‬ولو‬ ‫للمكَْت ِ‬
‫جمِيّة‪ ،‬ووضعُ حنو ِدرْ َه ٍم يف مكتوبِهِ‪ ،‬وعِ ْلمٍ شَرْعيّ‪ .‬وكذا‬ ‫بعضَ آيةٍ‪ ،‬وكتابتُه بال ُع ْ‬
‫ح ِوهِ‪،‬‬ ‫جعلُه بني أوراقِهِ خالفاً لشيخنا ومتزيقُه عَبثاً‪ ،‬وبلعُ ما كُِتبَ عليه ال شربُ َم ْ‬
‫ومدّ الرجلُ للمصحفِ ما مل يكُنْ على مُرَْت َفعٍ‪ .‬وُيسَنّ القِيامُ له كالعاِلمِ بل َأ ْولَى‪،‬‬
‫ويُكرَهُ حرقُ ما كُِتبَ عليه إالَّ ِلغَرَضٍ حنو صيانَةٍ‪ ،‬ف َغسْلُهُ َأ ْولَى منه‪ .‬وحي ُرمُ باجلَناَبةِ‬
‫جدِ وقراءَةُ قرآنٍ بقص ِدهِ‪ ،‬ولو بعض آية‪ ،‬حبيث يسمع نفسُهُ ولو صَبِيّاً‬ ‫املَ ْكثُ يف املس ِ‬
‫خالفاً ملا أفىت به النووي ‪ .‬وبنحوِ حيضٍ‪ ،‬ال خبروجِ طَلْقٍ‪ ،‬صالةٌ وقراءةٌ وصومٌ‪.‬‬
‫وجيب قضاؤه ال الصالة‪ ،‬بل حي ُرمُ قضاؤها على األوْجَهِ‪.‬‬
‫(و) الطهارةُ (الثانية‪ :‬ال ُغسْلُ) هو ُلغَةً‪ :‬سَيَالنُ املاءِ على الشيء‪ .‬وشَرْعاً‪ :‬سيالُنهُ‬
‫على مجيعِ الَبدَنِ بالنية‪ .‬وال جيبُ فوراً وإن َعصَى بسببه‪ ،‬خبالف َنجَسٍ عصى بِسببه‪.‬‬
‫واألشه ُر يف كالمِ ال ُفقَهاء ضَمُّ غَينِه‪ ،‬لكن الفتح َأفْصَح‪ ،‬وبضمّها ُمشْتَرَكٌ بني الفِعلِ‬
‫وماءِ ال ُغسْلِ ‪.‬‬
‫(وموجِبُه) أربعةٌ‪ :‬أحدُها‪( :‬خروجُ مَنِيّه أ ّوالً) ويُعرف بأحدِ خواصِّه الثالث‪ :‬مِنْ‬
‫تَلَذُّذٍ خبروجِه‪ ،‬أو َتدَفُّقٍ‪ ،‬أو ريحِ عجني رطباً وبياضِ بَيْضٍ جافاً‪ .‬فإن ُف ِقدَت هذه‬
‫شهِي‪.‬‬ ‫بالت َ‬
‫اخلواصُ فال ُغسْلٍ‪ .‬نعم‪ ،‬لو شَكّ يف شيء َأمَنِيّ هو أو َم ْذيٌ؟ َتخَيّر ولو َّ‬
‫جفّفاً يف حنو‬ ‫فإن شاء َجعَلَهُ مَنياً واغَْتسَل‪ ،‬أو َمذْياً وَ َغسَلَه وََت َوضّأ‪ .‬ولو رأى مَنياً ُم َ‬
‫َثوْبِهِ لَ ِزمَهُ ال ُغسْلُ وإعادَةُ كلِّ صالةٍ تَيقَّنَها بعده‪ ،‬ما مل حيتمِلْ عادةَ كونِهِ مِن غريِه‪.‬‬
‫شفَةٍ) أو قَدرُها من فاِقدِها‪ ،‬ولو كانت من َذكَرٍ مقطوعٍ أو مِن‬ ‫(و) ثانيها‪( :‬دخولُ ُح ْ‬
‫هبيمةٍ أو ِّميتٍ‪( .‬فَرْجاً) قُبُالً أو دُبُراً‪( ،‬ولو لبهيمةٍ) كسمَكَةٍ أو ميت‪ ،‬وال يُعادُ غسلُه‬
‫ع تكليفِهِ‪( .‬و) ثالثها‪( :‬حيضٌ) أي انقطاعُه‪ ،‬وهو َدمٌ خي ُرجُ من أقْصَى رَحمِ‬ ‫النقطا ِ‬
‫املرأةِ يف أوقاتٍ خمصوصَةٍ‪( .‬وأقلّ سنة تِسع سنني قمرية) أي استكماهلا‪ .‬نعم‪ ،‬إن رَأَتْه‬
‫قبلَ تَمامِها بدونِ ستة عشرَ يوماً فهو حَيْضٌ‪ ،‬وأقلّه يوم وليلة‪ ،‬وأكثره مخسة عشر‬
‫يوماً‪ ،‬كأقلّ ُطهْرٍ بني احليضتني‪ .‬وحي ُرمُ به ما حي ُرمُ باجلَنَابَة‪ ،‬ومباشرةُ ما بني سُرَّتِها‬
‫و ُركْبَتِها‪ .‬وقيل‪ :‬ال حي ُرمُ غري الوَطْءِ‪ .‬واختاره النووي يف التحقيق‪ ،‬خلرب مسلم‪:‬‬
‫طءُ‪،‬‬ ‫ص ْومٌ ال وَ ْ‬
‫"اصْنَعوا كلّ شيء إالّ النِّكاح"‪ .‬وإذا انق َطعَ َدمُها حلّ هلا قبل ال ُغسْلِ َ‬
‫خالفاً ملا حبثه العالمة اجلالل السيوطي رمحه اهلل‪( .‬و) رابعها‪( :‬نِفاسٌ) أي انقطاعُه‪،‬‬
‫وهو َدمُ حَيْضٍ ُمجَْتمِع خي ُرجُ بعد فراغِ مجيعِ الرَّ ْحمِ‪ ،‬وأقلُّه َلحْظَةٌ‪ ،‬وغالِبُه أربعون‬
‫يوماً‪ ،‬وأكثره ستون يوماً‪ .‬وحيرُمُ به ما حي ُرمُ باحلَبْضِ‪ ،‬و ِجيبُ ال َغسْلُ أيضاً بوالدَةٍ ولو‬
‫ضغَةٍ‪ ،‬وِبمَوْتِ ُمسِْلمٍ غري شهيدٍ‪( .‬وفَ ْرضُهُ) أي ال ُغسْل‬ ‫بال بَلَلٍ‪ ،‬وإلقاءِ َعَلقَةٍ و ُم ْ‬
‫شيئان‪ :‬أحدمها‪( :‬نِيّةُ َرفْع اجلَنَابةِ) للجُُنبِ‪ ،‬أو احلَْيضِ للحائِضِ‪ .‬أي َر ْفعِ حُ ْكمِهِ‪( .‬أو)‬
‫نية (أداءِ فَ ْرضِ الغُسْلِ) أو َر ْفعَ َحدَثٍ‪ ،‬أو الطهارَة عنه‪ ،‬أو أداء ال ُغسْلِ‪ .‬وكذا ال ُغسْل‬
‫للصالةِ ال الغُسْلُ فقط‪ .‬وجيب أن تكون النيّة ( َمقْرُوَنةً بأوَّله) أي ال ُغسْل يعين بأوَّل‬
‫مغسولٍ من الَبدَنِ‪ ،‬ولو من أسفَلِه‪ .‬فلو َنوَى بعد َغسْلِ جُزْءٍ وَ َجبَ إعادَةُ َغسْلِهِ‪ .‬ولو‬
‫َنوَى َرفْع اجلَنَابَةِ و َغسَلَ َبعْضَ الَبدَنِ مث نام فاستيْ َقظَ وأرادَ َغسْلَ الباقي مل َيحْتَجْ إىل‬
‫إعَادَةِ النيّة‪( .‬و) ثانيهما‪َ( :‬ت ْعمِيمُ) ظاهِرِ (َبدَنٍ حىت) األظفَارَ وما تَحْتَها‪ ،‬و (الشَّعر)‬
‫ت َشعْ َرةٍ زالت قبل َغسْلِها‪ ،‬وصُماخٍ‬ ‫ظاهِراً وباطِناً وإن كَثُفَ‪ ،‬وما َظهَرَ مِن حنو مَنَْب ِ‬
‫وفَ ْرجِ امرَأةٍ عندَ جُلوسِها على َقدَميها‪ ،‬وشُقوقٍ (وباطِنِ ُج ْد ِريّ) اْنفَتَحَ رَأْسُ ُه ال باطن‬
‫حمِ (وما حتتَ‬ ‫قُرْحَةٍ بَرِئتْ وارْتَفَعَ ِقشْرُها ومل يَ ْظهَرْ شيءٌ مما َتحْتَه‪ .‬وَيحْ ُرمُ فَتْقُ املُلَْت ِ‬
‫حقّة اإلِزالَةِ‪ ،‬ال باطنِ شعرٍ انعقَدَ‬ ‫جبُ َغسْلُ باطِنِها ألهنا ُمسَْت ِ‬ ‫قُ ْلفَةٍ) مِنَ األقْلَفِ في ِ‬
‫بنفسِهِ وإن كَثُرَ‪ ،‬وال جيبُ مضمضَةٌ واستنشاقٌ بلْ يُكْرَهُ تَ ْر ُكهُما‪( .‬مباءٍ طهورٍ) ومَرَّ‬
‫‪10‬‬
‫جل ْمعٍ‪( .‬ويكفي ظَنّ عُمومِهِ)‬ ‫أنه َيضُرّ تغيّرُ املاءِ تَغيُّراً ضا ّراً ولو مبا على العُضوِ‪ ،‬خالفاً َ‬
‫أي املاء على البشَرَةِ والشَّعر وإن مل يتيقَّنه‪ ،‬فال ِجيبُ تيقُّن عمومِه بل يكفي غَلَبَةُ‬
‫الظَّنِّ به فيه كالوُضوءِ‪( .‬وسُنَّ) لِل ُغسْلِ الوا ِجبِ واملندوبِ (تسمِيَةٌ) أوّله‪( ،‬وإزالةُ قَذَرٍ‬
‫طاهِرٍ) َكمَنْيٍ ومُخاطٍ‪ ،‬وَنجِسٍ َك َمذْيٍ‪ ،‬وإن كفى هلما َغسْلَةٌ واحِدةٌ‪ ،‬وأن يَبُولَ مَنْ‬
‫ض َمضَةٌ‬ ‫أنزَلَ قبلَ أن َيغَْتسِلَ لُِيخْ ِرجَ ما َبقِيَ ِب َمجْراهُ‪( .‬ف) بعدَ إزالةِ ال َق َذرِ ( َم ْ‬
‫واستِنْشاقٌ مث وُضوءٌ) كامالً لالتّباع ‪ ،‬رواه الشيخان‪ .‬وُيسَنُّ له استصحابُه إىل‬
‫الفَراغِ‪ ،‬حىت لو أ ْحدَثَ‪ ،‬سُنَّ له إعادَتُه‪َ .‬وزَ ُعمَ احملامِليّ اختصاصُهُ بال ُغسْلِ الوا ِجبِ‬
‫َرحَ به يف الروضة‪ ،‬وإن‬ ‫ضَعيفٌ‪ ،‬واألفضَلُ َع َدمُ تأخريِ َغسْلِ ق َدمَيْهِ عن ال ُغسْلِ‪ ،‬كما ص َّ‬
‫ثََبتَ تأخريُمها يف البخاري‪ .‬ولو َتوَضَّأ أثناءَ ال ُغسْلِ أو بعدَه َحصَ َل له أصل السُّنَّةِ‪ ،‬لكن‬
‫صغَرِ‪،‬‬ ‫األفضل تقدميُه‪ ،‬ويُكرَه تَ ْركُه‪ .‬وينوي به سُنَّةَ الغُسلِ إن تَجرَّدَت جَنَابَتُه عن األ ْ‬
‫صغَرِ أو حنوِه خُروجاً من خِالفِ مُوجِبِهِ القَائِلِ ِب َعدَمِ‬ ‫حلدَثِ األ ْ‬
‫وإال َنوَى به َر ْفعَ ا َ‬
‫االندِراجِ‪ .‬ولو أحدَثَ بعد ارتفاعِ جَنَابَةِ أعْضاءِ الوُضوءِ لَ ِزمَهُ الوُضوءُ مُرَتَّباً بالنية‪.‬‬
‫َهدُ معاطِفٍ) كاألُذُنِ واإلبطِ والسُّرّةِ وا َملوْقِ َو َمحَلِّ شقَ‪ ،‬وَت َعهُدُّ أصولِ َشعْرٍ‪ ،‬مث‬ ‫(فََتع ُّ‬
‫َغسْلُ رأس باإلفاضَ ِة بعدَ تَخليلِهِ إن كان عليه شعر‪ ،‬وال تيامُنٌ فيه لغريِ أقطع‪ .‬مث َغسْلُ‬
‫شُقّ أْيمَنَ مث أْيسَر‪( ،‬و َدلْكٌ) ملا َتصِله َيدُهُ من َبدَنِهِ‪ ،‬خروجاً من خِالف من أوجَبَه‪.‬‬
‫والذكْرُ َعقِبه‪ ،‬وحيصل يف راكِدٍ‬ ‫(وتثليثٌ) ِل َغسْلِ مجيعِ الَبدَنِ‪ ،‬والدَّلْكُ والتَّسميَةُ ِّ‬
‫ضعٍ آخَرَ‪ ،‬على األوْجهِ‬ ‫بتحرُّكِ مجيعِ البَدنِ ثالثاً‪ ،‬وإن مل يَْنقُلْ َق َدمَيهِ إىل َموْ ِ‬
‫(واستقبالٌ) لِلقِْبَلةِ و ُموَاالةٌ‪ ،‬وتَرْكُ تكَُّلمٍ بال حاجةٍ‪ ،‬وتنشيفٌ بال ُع ْذرٍ‪ .‬وتُسَنّ‬
‫الشهادتان املتقدمتان يف الوضوء مع ما معهما عَ ِقبَ الغُسْلِ‪ ،‬وأن ال َيغْتَسلَ جلنابَةٍ أو‬
‫غريِها‪ ،‬كالوُضوء يف ماءٍ راكدٍ مل َيسْتَْبحِرْ كنابعٍ مِن عَيْ ٍن َغريَ جارٍ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو اغتسلَ ِلجَنابَةٍ وحنو ُجمُعة بِنِيَّتهما حَصال‪ ،‬وإن كان األفضَلُ إفرادُ‬
‫كلَ ِب ُغسْلٍ‪ ،‬أو ألحدِهِما حصل فقط‪( .‬ولو أ ْحدَثَ مث أَجَْنبَ كفى غُسلٌ واحدٌ) وإن‬
‫مل ينوِ مع ُه الوُضوءَ وال رََّتبَ أعضاءَه‪..‬‬
‫[فرع]‪ُ :‬يسَنّ ِلجُُنبٍ وحائِضٍ وَنفْساء بعد انقطاعِ َدمِهما َغسْلُ فَ ْرجٍ ووُضوءٌ‬
‫لنومٍ وأكلٍ وشربٍ‪ ،‬ويُكْ َرهُ ِفعْلُ شيء من ذلك بال وُضوء‪ .‬وينبغي أن ال يُزيلوا قبلَ‬
‫ال ُغسْلِ شعراً أو ظفراً‪ ،‬وكذا دَماً‪ ،‬ألن ذلك يَرِد يف اآلخرة جُنُباً‪(.‬وجاز تَكَشُّفٌ له)‬
‫أي لِلغُسل‪( ،‬يف ُخ ْلوَةٍ) أو َحبضْرَةِ من َيجُوزُ نَظَرُه إىل عورَتِه ك َزوْجَةٍ وَأمَةٍ‪ ،‬والسِّتْر‬
‫أفضل‪ .‬وحَ ُرمَ إن كان مث من َيحْرُم نَظرُه إليها‪ ،‬كما حَرُمَ يف اخلُلْوةِ بال حاجَةٍ وحُلّ‬
‫فيها ألدىن غَ َرضٍ‪ ،‬كما يأيت‪( .‬وثانيها) أي ثاين شروط الصّالة‪( .‬طهارَةُ َبدَنٍ) ومنه‬
‫داخِل ال َفمِ واألنفِ والعنيِ‪( .‬ومَلْبوسٍ) وغريِه من كل َمحْمولٍ له‪ ،‬وإن مل يََتحَرَّكْ‬
‫ِبحَ َركَتِهِ‪( .‬ومكانٍ) ُيصَلَّى فيه (عن َنجَسٍ) غريَ َم ْع ُفوَ عنه‪ ،‬فال تَصحّ الصالةُ معه‪ ،‬ولو‬
‫ناسياً أو جاهِالً بوجودِهِ‪ ،‬أو بكونِهِ مُبْطِالً‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} وخلرب‬
‫الشيخني‪ .‬وال َيضُرُّ حماذاةُ نَجسٍ لَبدَنِه‪ ،‬لكن تُكْرَه مع حماذاتِه‪ ،‬كاستقبالِ نَجسٍ أو‬
‫والسقْف كذلك إن قَرُبَ منه حبيثُ ُي َعدّ حماذياً له عُرفاً‪( .‬وال جيبُ اجتنابُ‬ ‫مُتَنَجِّسٍ‪َّ .‬‬
‫َّالنجَسِ) يف غريِ الصَّالةِ‪ ،‬وحملّه يف غري التضمُّخ به يف َبدَنٍ أو ثوبٍ‪ ،‬فهو حَرامٌ بال‬
‫حاجة‪ ،‬وهو شَرْعاً ُمسْتَق َذرٌ‪َ ،‬يمَْنعُ صِحَّة الصَّالةِ حيث ال مُرَخِّصَ‪ ،‬فهو (كَ َروْثٍ‬
‫وََبوْلٍ ولو) كانا من طائرٍ و َسمَكٍ وجرادٍ وما ال َنفْسَ له سائِلَة‪ ،‬أو (من مأكولٍ)‬
‫حمُه على األصح‪ .‬قال اإلصطخري والروياين من أئمتنا‪ ،‬كمالك وأمحد‪ :‬إهنما‬ ‫َل ْ‬
‫طاهران من املأكول‪ .‬ولو راثت أو قاءت هبيمةٌ حَيّاً‪ ،‬فإن كان صَلْبا حبيث لو ُزرِعَ‬
‫نَبتَ‪َ ،‬فمُتَنَجِّسٌ ُي ْغسَلُ ويُؤكَل‪ ،‬وإال فََنجِسٌ‪ .‬ومل يبينوا حكمَ غري احلَبِّ‪ .‬قال شيخنا‪:‬‬
‫والذي يظهر أنه إن تغيَّرَ عن حالِهِ قبل البَ ْلعِ ولو يسرياً فَنجِسٌ‪ ،‬وإال فمُتَنَجِّس‪ .‬ويف‬
‫‪11‬‬
‫حلبّ‪ .‬وعن اجلويين‪ :‬تشديد‬ ‫اجملموع عن شيخ نصر‪ :‬ال َع ْفوُ عن بولِ بقرِ الدّياسَةِ على ا َ‬
‫حثِ عنه وتطهريه‪ .‬وحبث الفزاري العفوَ عن بعْرِ الفَأرَةِ إذا وقعَ يف مائعٍ‬ ‫النكريِ على البَ ْ‬
‫و َعمّت البلوى به‪ .‬وأما ما يوجدُ على َورَقِ بعضِ الشجرِ كالرّ ْغوَةِ فَنَجِسٌ‪ ،‬ألنه‬
‫َيخْ ُرجُ من باطِن بعضِ الديدان‪ ،‬كما شو ِهدَ ذلك وليس العَنْبَر َروْثاً‪ ،‬خالفاً ملن‬
‫الذكَرِ منه‪ ،‬وهو ماءٌ‬ ‫زعمه‪ ،‬بل هو نباتٌ يف الَبحْرِ‪( .‬ومَذيٍ) ِب ُمعْجَمةٍ‪ ،‬لألمرِ بغسلِ َّ‬
‫أبيضٌ أو أصفرٌ رقيقٌ‪ ،‬خي ُرجُ غالباً عند ثورانِ الشَّهوَةِ بغريِ َش ْهوَةٍ قوية‪َ ( .‬ووَ ْديٍ)‬
‫ِب ُم ْهمَلَةٍ‪ ،‬وهو ماءٌ أبيضٌ َك ِدرٌ ثخنيٌ‪ ،‬خي ُرجُ غالباً َع ِقبَ البَوْلِ أو عند َحمْلِ شيءٍ‬
‫ثقيلٍ‪( .‬ودمٍ) حىت ما َبقِيَ على حنو عَ ْظمٍ‪ ،‬لكنه معفوّ عنه‪ .‬واستثنوا منه الكَبِدَ‬
‫ضغَةَ‪ ،‬ولبناً خَ َرجَ بلونِ‬ ‫والطّحالَ وا ِملسْكَ‪ ،‬أي ولو من مّيتٍ‪ ،‬إن انع َقدَ‪ .‬والعََلقَة وا ُمل ْ‬
‫صدِيد‪ :‬وهو ماءٌ رقيقٌ خيالِ ُطهُ‬ ‫َدمٍ‪ ،‬و َدمُ بيضَةٍ مل َتفْسد‪( .‬وقيحٍ) ألنه دَم مستحيل‪ ،‬و َ‬
‫َدمٌ‪ ،‬وكذا ماء جُرحٍ‪ .‬وجدريّ وَنفَطٍ إن تغيَّر‪ ،‬وإال فماؤها طاهِر (وقَيْءِ َم ِعدَةٍ) وإن‬
‫مل يتغري‪ ،‬وهو الراجع بعد الوصولِ لل َم ِعدَةِ ولو ماء‪ ،‬أما الراجعُ قبل الوصولِ إليها‬
‫يقيناً أو احتماالً فال يكونُ َنجِساً وال مُتَنَجِّساً‪ ،‬خالفاً للقفال‪ .‬وأفىت شيخنا أن الصيبّ‬
‫إذا ابتلي بتتاُبعِ القيءِ ُعفِيَ عن َث ْديِ أمِّه الداخِلِ يف فيه‪ ،‬ال عن مُقبِّله أو مُماسَّه‪،‬‬
‫َو َكمِرَّةٍ َولَبَنٍ غري مأكولٍ إال اآل َدمِيِّ‪ ،‬وجِرّةِ حنوِ بعريٍ‪ .‬أما املَنِيّ فطاهِرٌ‪ ،‬خالفاً ملالك‪.‬‬
‫وكذا بلغمِ غري مَعِدَةٍ من رأسِ أو صدرٍ وماء سائلٍ من فمِ نائمٍ‪ ،‬ولو نَتِناً أو أصفر‪ ،‬ما‬
‫مل يتحقَّقْ أنه من مَ ِعدَةٍ‪ ،‬إال مِمَّنْ ابتُلِيَ به فُي ْعفَى عنه وإن كَثُرَ‪ .‬ورُطُوبَةِ فَ ْرجٍ‪ ،‬أي قُبُلٍ‬
‫على األصحّ‪ .‬وهي ماءٌ أبيضُ مُتَرَدِّدٌ بني ا َمل ْذيِ والعِرْقِ‪ ،‬خي ُرجُ من باطنِ الفَ ْرجِ الذي‬
‫ال جيبُ غسلُه‪ ،‬خبالفِ ما خي ُرجُ مما جيبُ غسلُه فإنه طاهرٌ قطعاً‪ ،‬وما خيرجُ من وراءِ‬
‫باطنِ الفَ ْرجِ فإنه َنجِسٌ قطعاً‪ ،‬ككلِّ خارجٍ من الباطِنِ‪ ،‬وكاملاءِ اخلا ِرجِ مع الوَلدِ أو‬
‫قَبْلَه‪ ،‬وال فرقَ بني انفِصالِها وعَ َدمِه على ا ُملعَْت َمدِ‪ .‬قال بعضُهم‪ :‬الفرقُ بني الرّطوبَةِ‬
‫جسَةِ االتّصالُ واالنفِصالُ‪ .‬فلو ان َفصَلتْ‪ ،‬ففي الكفايَةِ عن اإلِمام أهنا‬ ‫والن ِ‬
‫الطَّاهِرَةِ َّ‬
‫جسَة‪ ،‬وال جيبُ غسلُ َذكَرِ املُجا ِمعِ والبَيْضِ وال َوَلدِ‪ .‬وأفىت شيخنا بالعفو عن رُطوَبةِ‬ ‫َن ِ‬
‫الباسورِ ملُبْتَلى هبا‪ ،‬وكذا بيضِ غري مأكولٍ‪ ،‬وحيلّ أكلُه على األصح‪ .‬وشعرِ مأكولٍ‬
‫وريشِه إذا أُبِنيَ يف حياتِه‪ .‬ولو شكّ يف شعرٍ أو حنوه‪ ،‬أهو من مأكولٍ أو غريه؟ أو هل‬
‫َرحَ يف‬ ‫انفصَلَ من حيَ أو مّيتٍ؟ فهو طاهِرٌ‪ ،‬وقياسُه أن الع ْظمَ كذلك‪ .‬وبه ص َّ‬
‫تصلبَ طاهِر وإال فَنجِس‪ .‬وسؤرُ كل حيوانٍ طاهِرٍ طاهِرٌ‪،‬‬ ‫اجلواهِرِ‪ .‬وبيضُ املَيْتَةِ إن َّ‬
‫فلو تَنَجَّس َفمُه مث َوَلغَ يف ماءٍ قليلٍ أو مائعٍ‪ ،‬فإن كان بعدَ غيبةٍ ميكنُ فيها طهارََتهُ‬
‫َجسَهُ‪.‬‬‫ِبوُلوغِهِ يف ماءٍ كثري أو جار مل ينجسه ولو هراً وإال ن َّ‬
‫قال شيخنا كالسيوطي‪ ،‬تبعاً لبعضِ املتأخرين إنه ُي ْعفَى عن يسريٍ عُرْفاً‪ ،‬من‬
‫شَعرٍ َنجِسٍ من غريِ ُمغََّلظٍ‪ ،‬ومن دخانِ نَجاسَةٍ‪ ،‬وما على رِجْلِ ذُبابٍ‪ ،‬وإن رُؤيَ‪،‬‬
‫شؤُهُ من‬ ‫ق ط ٍري وما على َفمِهِ‪َ ،‬و َروْثِ ما َن ْ‬ ‫وما على مَْن َفذِ غريِ آدمِيّ مما خ َرجَ منه‪ ،‬وذرْ ِ‬
‫صوْنُ‬ ‫املاءِ أو بنيَ أوراقِ َشجَر النَّارجيلِ اليت ُتسْتَرُ هبا البيوتُ عن ا ُملفْطِرِ حيثُ َي ْعسُرُ َ‬
‫الروْثِ يف حِياضِ األخْلِيَةِ إذا عَمّ‬ ‫املَاءِ عنه‪ .‬قال مجع‪ :‬وكذا ما تُلقِيهِ الفئرانُ من َّ‬
‫االبتالءُ به‪ ،‬ويؤّيدُهُ حبثُ الفزاري‪ ،‬وشَرْطُ ذلك كله إذا كانَ يف املاءِ أن ال ُيغَيّر‪.‬‬
‫انتهى‪ .‬والزَّبادُ طاهِرٌ وُيعْفى عن قليلِ َشعْرِهِ كالثالث‪ .‬كذا أطلقوه ومل يُبَيِّنوا أن املُرادَ‬
‫القليل يف املأخوذِ لالستعمالِ أو يف اإلِناءِ املأخوذِ منه‪ .‬قال شيخنا‪ :‬والذي يتجه األوّل‬
‫إن كان جامداً‪ ،‬ألن العبَرةَ فيه مبحلِّ النجاسَةِ فقط‪ ،‬فإن كَثُرَت يف َمحَلَ واحدٍ مل‬
‫ُيعْفَ عنه‪ ،‬وإال عُفِيَ‪ ،‬خبالفِ املاِئعِ فإنّ مجيعَهُ كالشيء الواحد‪ .‬فإن قلَّ الشعرُ فيه‬
‫حبّ الطربيّ عن ابن الصّباغ‬ ‫ُعفِيَ عنه وإال فال‪ ،‬وال نَظَرَ للمأخوذِ حينئذ‪ .‬وَنقَلَ املُ ِ‬
‫واعت َمدَه‪ ،‬أنه ُيعْفى عن جِرَّةِ البعري وحنوه فال يَُنجّس ما شَرِبَ منه‪ ،‬وأحلق به فم ما‬
‫‪12‬‬
‫َيجْتَرّ من َوَلدِ البقرةِ والضّأنِ إذا التقَمَ أخالفَ أمّه‪ .‬وقال ابن الصالح‪ :‬يُعفى عما‬
‫اتَّصل به شيء من أفواهِ الصّبيانِ مع َتحَقُّقِ جناستها‪ ،‬وأحلَقَ غريه هبم أفواهَ اجملانني‪.‬‬
‫وجزم به الزركشيّ‪( .‬و َكمَيْتَةٍ) ولو حنو ذبابٍ مما ال نفسَ له سائلة‪ ،‬خالفاً لل َقفّال‬
‫الدمِ املُت َعفّن‪ ،‬كمالك وأيب حنيفة‪ .‬فامليتةُ نَجسَةٌ وإن‬ ‫ومن تَِبعَهُ يف قوله بطهارتِهِ لعدمِ َّ‬
‫مل َيسَلْ َدمُها‪ ،‬وكذا شَعرُها وعظمُها وقرنُها‪ ،‬خالفاً أليب حنيفة‪ ،‬إذا مل يكن عليها‬
‫دَسَم‪ .‬وأفىت احلافظ ابن حجر العسقالين بصحة الصالة إذا َحمَلَ ا ُملصَلّي ميتةَ ذبابٍ‬
‫إن كان يف حملَ َيشُقّ االحتراز عنه‪( .‬غري بشرٍ ومسكٍ وجرادٍ) ِلحِلِّ تناوُلِ األخريينِ‪.‬‬
‫َرمْنا بَنِي آدَمَ} وقضية التكرمي أن ال ُيحْكَم‬ ‫وأما اآلدميّ فلقوله تعاىل‪{ :‬وَل َقدْ ك َّ‬
‫بنجاسَِتهِم باملوتِ‪ .‬وغري صَْيدٍ مل ُت ْدرَكْ ذُكاتُه‪ ،‬وجننيِ مُذكاة ماتَ بِذُكاتِها‪ .‬وحيلّ‬
‫أكلُ دودِ مأكولٍ معه‪ ،‬وال جيبُ غسلُ حنو ال َفمِ منه‪ .‬ونقل يف اجلواهر عن‬
‫األصحاب‪ :‬ال جيوزُ أكل مسكِ مِلحٍ ومل يُنْزَع ما يف َج ْوفِه‪ ،‬أي من املسَت ْقذَراتِ‪.‬‬
‫وظاهره‪ :‬ال فرقَ بني كبريه وصغريه‪ .‬لكن ذكر الشيخان جوازَ أكلِ الصغريِ مع ما يف‬
‫جوفِهِ لِ ُعسْرِ تنقِيَةِ ما فيه‪( .‬وك ُمسْكِر) أي صالِحٍ لإلِسكار‪ ،‬فدخلت القَطرةُ من‬
‫خمْرٍ‪ ،‬وهي املتخذَةُ من العِنبِ‪ ،‬ونبيذٍ‪ ،‬وهو املتَّخذُ من غريه‪.‬‬ ‫ا ُملسْكِرِ‪( .‬مائعٍ) َك َ‬
‫وخ َرجَ باملاِئعِ حنو البنْجِ واحلَشيش‪ .‬وتطهُرُ َخمْرٌ ختلَّلَت بنفسِها من غري مصاحَبَةِ عَيْنٍ‬
‫أجنبيةٍ هلا وإن مل ُتؤَثِّر يف التخليل كحَصاةٍ‪ .‬ويتَبعُها يف الطهارَةِ الدّنّ‪ ،‬وإن َتشَرَّبَ‬
‫منها أو غََلتْ فيه وارتفَ َعتْ بسبب الغليان مث نزلت‪ ،‬أما إذا ارتفعت بال غليان بل‬
‫ب ِفعْ ِل فاعلٍ فال تَطْهُر‪ ،‬وإن ُغمِ َر املرَتفِعُ قبل جفافِهِ أو بعدَه خبمرٍ أخْرى على األوْجَه‪.‬‬
‫كما جزم به شيخنا‪ .‬والذي اعتمدَهُ شيخنا احملقق عبد الرمحن بن زياد أهنا تَ ْطهُر إن‬
‫صبّ مخرٌ يف إناءٍ مث أخ ِر َجتْ منه‪،‬‬ ‫ُغمِرَ املرتفعُ قبل اجلفافِ ال بعده‪ .‬مث قال‪ :‬لو ُ‬
‫وصُبَّ فيه مخرٌ أخرى بعد جفافِ اإلِناءِ وقبلَ غسلِهِ مل تَ ْطهُرْ‪ ،‬وإن ختلَّلت بعد َنقْلِها‬
‫منه يف إناء آخر‪ .‬انتهى‪ .‬والدليلُ على كونِ اخلمر خَالًّ‪ .‬احلُموضَةُ يف َط ْعمِها‪ ،‬وإن مل‬
‫توجد هنايَة احلُموضَةِ‪ ،‬وإن ُق ِذفَت بالزَّبد‪ .‬ويَ ْطهُرُ جِلْدُ َنجِسٍ باملوتِ باندباغٍ َنقّاه‬
‫حبيث ال يعودُ إليه نَنتٌ وال فسادٌ لو ُنقِعَ يف املاء‪( .‬وككلبٍ وخنزيرٍ) وفرع كل منهما‬
‫مع اآلخر أو مع غريه‪ ،‬ودود ميتَتِهما طاهِرٌ‪ ،‬وكذا َنسْجُ عنكبوتٍ على املشهور‪ .‬كما‬
‫قاله السبكي واألذرعي‪ ،‬وجزم صاحب العِدَّة واحلاوي بنجاسَتِه‪ .‬وما خي ُرجُ من جلد‬
‫حنو حَيّةِ يف حياهتا كالعِرْقِ‪ ،‬على ما أفىت به بعضهم‪ .‬لكن قال شيخنا‪ :‬فيه نظر‪ ،‬بل‬
‫َسدٌ منفصلٌ من حيّ‪ ،‬فهو َكمَيْتَتِه‪ .‬وقال أيضاً‪ :‬لو نَزَا‬ ‫األقرب أنه نَجِسٌ ألنه جزءٌ مَُتج ِّ‬
‫كلبٌ أو خنزيرٌ على آدمِيّة فوَلدَت آ َدمِياً كان ال َوَلدُ نَجِساً‪ ،‬ومع ذلك هو مُكلَّفٌ‬
‫بالصالة وغريها‪ .‬وظاهرٌ أنه ُي ْعفَى عما يُضطَرّ إىل مال َمسَتِه‪ ،‬وأنه َتجُوزُ إمامَته إذ ال‬
‫إعادة عليه‪ ،‬ودخولُه املسجدَ حيث ال رطوبَةَ للجماعة وحنوها‪.‬‬
‫ويَ ْطهُرَ مُتَنَجِّسٌ ِبعَيْنيَّةٍ ب َغسْلٍ مُزيلٍ ِلصِفاتِها‪ ،‬من َط ْعمٍ ولونٍ وريحٍ‪ .‬وال َيضُرّ بقاءُ‬
‫لونٍ أو ريحٍ َعسُرَ زوالَه ولو من ُمغَلَّظ‪ ،‬فإن بقيا معاً مل يطهر‪ .‬ومتنجِّس ِبحُكمِيَّة‬
‫كَبوْلٍ جَفّ مل ُي ْدرَكْ له صفة ِبجَ ْريِ املاءِ عليه مرة‪ ،‬وإن كان حَباً أو حلماً طُبِخَ‬
‫صبّ املاءِ على ظاهرها‪ ،‬كسَيْفٍ سُقِيَ‬ ‫بِنَجسٍ‪ ،‬أو ثوباً صُِبغَ بَِنجِسٍ‪ ،‬فيَ ْطهَر باطنُها ِب َ‬
‫حمّى بنجسٍ‪ .‬ويشترَط يف ُطهْرِ ا َملحَلّ ورود املاءِ القليلِ على احمللِّ املتنجّس‪،‬‬ ‫وهو ُم َ‬
‫فإن ورد متنجّسٌ على ماءٍ قليلٍ ال كثريٍ تنجَّس‪ ،‬وإن مل يتغري فال يُطَهِّرْ غريه‪ .‬وفارَقَ‬
‫الواردُ غريَهُ بقُوَّتِه لكونِهِ عامالً‪ ،‬فلو تنجَّس َفمُه كفى أخذُ املاءِ بي ِدهِ إليه وإن مل َيعْلُها‬
‫عليه كما قال شيخنا وجيب غسلُ كل ما يف حَدِّ الظاهِرِ منه ولو باإلِدارَةِ‪ ،‬كصبِّ‬
‫ماءٍ يف إناءٍ متنجسٍ وإدارَته جبوانِبِه‪ .‬وال جيوزُ له ابتالعُ شيء قبل تطهريِ َفمِهِ‪ ،‬حىت‬
‫بالغَرْغَرَةِ‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫ضعِهِ ماءٌ ف َغمَره‪،‬‬ ‫[فرع]‪ :‬لو أصابَ األرضَ حنو بولٌ وجَفَّ‪َ ،‬فصُبَّ على مو ِ‬
‫َطهُرَ‪ ،‬ولو مل يَنْضَبْ أي يغور سواء كانت األرضُ صلبة أم رَخْوةً‪ .‬وإذا كانت‬
‫تنجسَتْ به فال بدّ من إزال ِة العَيْنِ قبل صَبِّ املاءِ القليلِ عليها‪،‬‬ ‫األرضُ مل تتشرب ما َّ‬
‫كما لو كانت يف إناءٍ‪ .‬ولو كانت النجاسَةُ جا ِمدَةً فتفتََّتتْ واختلَ َطتْ بالترابِ مل‬
‫يَطهر‪ ،‬كاملختِلطِ بنحو صديد‪ ،‬بإفاضَةِ املاءِ عليه‪ .‬بل ال بدّ من إزالةِ مجيعِ التُّرابِ‬
‫صحَفٍ تَنَجَّسَ بغريِ َم ْع ُفوَ عنهُ بوجوبِ َغسْلِهِ وإن أدَّى‬ ‫املختَِلطِ هبا‪ .‬وأفىت بعضهم يف ُم ْ‬
‫َستِ النَّجاسَةُ شيئاً من‬ ‫إىل تَلَفه‪ ،‬وإن كان لِيَتِيمٍ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬ويَتَعيَّن فَ ْرضُهُ فيما إذا م َّ‬
‫القرآن‪ ،‬خبالفِ ما إذا كاَنتْ يف حنو اجلِ ْلدِ أو احلواشي‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬غسالَةُ املُتَنجِّس ولو َم ْع ُف ّواً عنه ك َد ٍم قليلٍ إن انفصََلتْ وقد زالَت العَيْنِ‬
‫وصِفاتُها‪ ،‬ومل تتغري ومل يَزَدْ َوزْنُها بعد اعتبارِ ما يأخذه الّثوْبُ من املاءِ واملاءُ من‬
‫الوسَخِ وقد طهَ َر املَحلّ‪ :‬طاهِرَةٌ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬ويظه ُر االكتِفاءُ فيهما بالظَّنِّ‪.‬‬
‫سمْنٍ فَ ْأرَةٌ مثالً فماَتتْ‪ُ ،‬أْلقَِيتْ وما َح ْولَها مما‬ ‫[فرع]‪ :‬إذا َوَقعَ يف طعامٍ جا ِمدٍ َك َ‬
‫ماسَّها فقط‪ ،‬والباقي طاهِرٌ‪ .‬واجلا ِمدُ هو الذي إذا غُرِفَ منه ال يَترادّ على قُرْب‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬إذا تَنَجَّسَ ماءُ البِئرِ القليلِ مبالقاةِ نَجسٍ مل يَ ْطهُرْ بالنَّ ْزحِ‪ ،‬بل ينبغي أن ال‬
‫يُنْ َزحَ ليكثر املاء بنبعٍ أو صبّ ماءٍ فيه‪ ،‬أو الكثري بتغيّرٍ به مل يطهر إالَّ بزواله‪ .‬فإن‬
‫شعْرِ فأرَةٍ ومل يتغيَّرْ فَطهورٌ تَع ّذرَ اسِتعْماله إذ ال خيلو منه دلو‬ ‫بقَيتْ فيه جناسَةٌ ك َ‬
‫فليُنْزَح كله‪ .‬فإن اغترَف قبل النَّ ْزحِ ومل يتيقَّن فيما اغتَ َرفَه شعراً مل َيضُرّ وإن ظنَّه‪،‬‬
‫عمالً بتقدميِ األصلِ على الظاهرِ‪ .‬وال يَطْهر مُتَنَجِّس بنحوِ كَ ْلبٍ إالَّ بسبعِ َغسْالتٍ‬
‫َممٍ ممزوج باملاءِ‪،‬‬ ‫بعد زوال العَيْنِ ولو ِبمَراتٍ‪ ،‬فمُزيلُها مَرّة واحِدة إحداهُنّ بترابِ تَي ُّ‬
‫بأن يُكَدِّر املاء حىت يَ ْظهَر أث ُرهُ فيه ويصلُ بواسِطَتِه إىل مجيع أجزاءِ احمللِّ املتنجِّسِ‪.‬‬
‫ويكفي يف الرا ِكدِ حتريكُه سبعاً‪ .‬قال شيخنا‪ :‬يظهر أن الذهابَ مَرّة وال َعوْدَ أخرى‪.‬‬
‫ويف اجلاري مرور سبع جَرْياتٍ‪ ،‬وال تَتْريبَ يف أرضٍ تُرابية‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو مَسّ كلباً داخل ماءٍ كثريٍ مل تُنَجَّسْ يَدُه‪ ،‬ولو رَفعَ كلبٌ رأسَه من‬
‫َرطبٌ‪ ،‬ومل ُيعْلَم مُماسَّتُه له‪ ،‬مل يَُنجّس‪ .‬قال مالك وداود‪ :‬الكلبُ طاهرٌ‬ ‫ماءٍ وفَمه مُت ِّ‬
‫وال ينجّس املاءُ القليلُ بولوغِهِ‪ ،‬وإمنا جيبُ َغسْلُ اإلِناءِ ِبوُلُوغِهِ تَعبُّداً‪( .‬وُيعْفى عن دَمِ‬
‫حنو برغوثٍ) مما ال َنفْسَ له سائِلَة كبعوضٍ وَقمْلٍ‪ ،‬ال عن جِ ْلدِهِ‪( .‬و) َدمِ حنو (دُمَّلٍ)‬
‫الدمُ فيهما وانتشَرَ ِبعِرْقٍ‪ ،‬أو فَحشَ‬ ‫كَبُثْرَةٍ وجُ ْرحٍ‪ ،‬وعن قَْيحِهِ وصديده‪( ،‬وإن كَثُرَ) َّ‬
‫األوَّل حبيثُ طبَقَ الثوب على النُّقولِ ا ُملعَْت َمدَةِ ( بغريِ فعله) فإن كَثُرَ بفعِلهِ َقصْداً‪،‬‬
‫كأن قَتَلَ حنو بَرْغُوثٍ يف ثوبِهِ‪ ،‬أو َعصَرَ حنو دُمَّلٍ أو حَمَلَ ثوباً فيه َدمُ براغيث مثالً‪،‬‬
‫وصَلَّى فيه أو فَرَشَه وصَلَّى عليه‪ ،‬أو زادَ على ملبوسِهِ ال ِلغَرَضٍ كََتجَمُّلٍ‪ ،‬فال ُيعْفى‬
‫الروْضة‬ ‫إالَّ عن القليلِ على األصَحّ كما يف التحقيق واجملموع وإن اقتضى كالمُ َّ‬
‫ال َع ْفوَ عن كثريِ َدمِ حنو الدُّمَّلِ وإن عُصِرَ‪ .‬واعتمده ابن النقيب واألذرعي‪ .‬وحملَّ العفو‬
‫هنا وفيما يأيت بالنسبةِ للصالةِ ال لنحو ماءٍ قليلٍ‪ ،‬فيُنَجَّس به وإن قلَّ‪ ،‬وال أثر ملالقاةِ‬
‫الَبدَنِ له رِطباً‪ ،‬وال يكلّف تنشيف الَبدَن ِل ُعسْرِه‪( .‬و) عن (قليلِ) حنو َدمٍ (غريِه) أي‬
‫أجنيب غري ُمغَّلظٍ‪ ،‬خبالف كثريه‪ .‬ومنه كما قال األذرعي‪َ :‬دمٌ انفصَلَ من بدَنِهِ مث‬
‫أصابَه‪( .‬و) عن قليل (حنو دمِ حيضٍ ورُعافٍ) كما يف اجملموع‪ .‬ويقاسُ هبما َدمُ سائرِ‬
‫املناِفذِ‪ ،‬إالَّ اخلارِج من َم ْعدَنِ النجاسَةِ كمحلّ الغاِئطِ‪ .‬واملَرْ ِجعُ يف القِلَّة والكَثْرَةِ‬
‫العُرْفُ‪ ،‬وما شَكّ يف كثرتِهِ له حُ ْكمُ القَليلِ‪ .‬ولو َتفَرَّقَ َّالنجَسُ يف مَحال ولو ُجمِعَ‬
‫َجحَه‬ ‫كَثُرَ كان له حُكْمُ القَليل عند اإلِمام‪ ،‬والكثري عند املَُت َولّي والغزايل وغريمها‪ ،‬ور َّ‬
‫جمٍ مبحلهما وإن كثر‪ .‬وَتصُحّ صالةُ من أَدْمَى‬ ‫صدٍ و َح ْ‬‫بعضُهم‪ .‬ويُعفى عن َدمِ حنو َف ْ‬
‫لَثَّتَهُ قبل َغسْلِ ال َفمِ‪ ،‬إذا مل يَبْتَِلعْ ريقَهُ فيها‪ ،‬ألن َدمَ اللَّثَّةِ مَ ْعفُوٌّ عنه بالنسبةِ إىل الرّيقِ‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫سعٌ انتظرَه‪ ،‬وإالَّ حتفَّظ‬ ‫ولو رعَفَ قبل الصّالةِ ودامَ فإن رجا انقطاعَهُ وال َو ْقتُ مَُّت ِ‬
‫كالسَّلِس خالفاً ملن زَ ُعمَ انتظاره‪ ،‬وإن خَ َرجَ الوقتُ‪ .‬كما ُتؤَخَّر ِل َغسْلِ َثوْبِه املُتَنَجِّسِ‬
‫وإن خرج‪ .‬ويفرق بقدرة هذا على إزالة النجس من أصله فلَ ِزمَتْه‪ ،‬خبالفه يف َمسْألَتِنا‪.‬‬
‫وعن قليلِ طنيٍ حملِّ مرورٍ متيقّن جناسَته ولو ِب ُمغََّلظٍ‪ ،‬لل َمشَقَّةِ‪ ،‬ما مل تَبْقَ عَيْنُها مُتَميِّزَةً‪.‬‬
‫وخيتلِفُ ذلك بالو ْقتِ وحملّه من الثَّوْبِ والَبدَنِ‪ .‬وإذا تعيَّنَ عَيْنُ النجاسَةِ يف الطريقِ‪،‬‬
‫ولو مَواطِىء كَلْبٍ‪ ،‬فال ُي ْعفَى عنها‪( ،‬وإن عَمَّت الطريقَ على األوْجَه)‪( .‬وأفىت‬
‫شيخنا) يف طريقٍ ال طنيَ هبا بل فيها قَ َذرُ األدمّي ورَوْثُ الكالبِ والبهاِئمِ وقد‬
‫أصابَها املَطَرُ‪ ،‬بال َع ْفوِ عندَ مَشقَّ ِة االحْتِراز‪.‬‬
‫َّن تَنَجُّسَهُ ِلغَلَبَةِ‬
‫[قاعدة مهمة]‪ :‬وهي أن ما أصله الطهارَة وغلَبَ على الظ َّ‬
‫النَّجاسَةِ يف مثله فيه قوالن معروفان ب َق ْولَيْ األصْل‪ .‬والظاهِرُ أو الغاِلبُ أرْجَحُهما أنه‬
‫طاهِرٌ‪ ،‬عمالً باألصل املتيقن‪ ،‬ألنه أضبط من الغاِلبِ املختلِفِ باألحوالِ واألزمانِ‪،‬‬
‫وذلك كثيابِ َخمّارٍ وحائِضٍ وصبيانٍ‪ ،‬وأواين مَُتدَيِّنني بالنَّجاسَةِ‪ ،‬وورقٍ يغُلبُ نَثْ ُرهُ‬
‫حمِ اخلنزيرِ‪ ،‬وجنبٍ شاميّ اشُتهِر‬ ‫شُ‬ ‫على َنجَسٍ‪ ،‬ولعابِ صَبِيّ‪ ،‬وجوخٍ اشُتهِرَ َعمَلُه ب َ‬
‫عملُه بإْنفَحَّةِ اخلنزير‪ .‬وقد جاءه جُبَْنةٌ من عندِهِم فأكلَ منها ومل يسألْ عن ذلك‪.‬‬
‫ذكره شيخنا يف شرح املنهاج‪( .‬و) ُيعْفى عن ( َمحَلّ اسِتجْمارِهِ و) عن (وَنِيمِ ذُبابٍ)‬
‫وَبوْلِ (و َروْثِ ُخفّاشٍ) يف املكانِ‪ ،‬وكذا الثوبِ والَبدَنِ‪ ،‬وإن كَثُرَتْ‪ِ ،‬ل ُعسْرِ االحتِرازِ‬
‫َمتِ البلوى به‪ .‬وقضية‬ ‫عنها‪ .‬ويُعفى عما جَفّ من َذرْقِ سائِرِ الطيورِ يف املكانِ إذا ع َّ‬
‫كالم اجملموعِ العفُو عنه يف الثوبِ والَبدَنِ أيضاً‪ ،‬وال يُعفى عن َبعْرِ الفأرِ ولو يابساً‬
‫على األوجه‪ .‬لكن أفىت شيخنا ابن زياد كبعض املتأخرين بالعَفوِ عنه إذا َع ّمتِ‬
‫البلوى به‪َ ،‬ك ُعمُومِها يف َذرَقِ الطّيور‪ .‬وال تصحُّ صالةُ من َحمَلَ ُمسَْتجْمراً أو حيواناً‬
‫مبن َفذِهِ َنجَسٌ‪ ،‬أو ُمذَكَّى ُغسِلَ َمذَْبحُهُ دونَ َج ْوفِهِ‪ ،‬أو مَيّتاً طاهراً كآدَميّ و َسمَكٍ‬
‫ُي ْغسَلْ باطِنُه‪ ،‬أو بَْيضَة َم ِذرَة يف باطِنِها َدمٌ‪ .‬وال صالةُ قابِض طرَفٍ مَُّتصِلٍ بنجسٍ وإن‬
‫مل يتحرَّك حبَ َركَتِه‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو رأى من يريدُ صالةً وبثوبِهِ َنجَسٌ غري َم ْعفُوِّ عنه لَ ِزمَهُ إعالمُه‪ .‬وكذا‬
‫يَلْزَم تَعلِيمَ مَ ْن رآهُ ُيخِلّ بوا ِجبِ عبادَةِ يف رأي ُمقََّلدِه‪.‬‬
‫[تتمة]‪ :‬جيبُ االستنجاءُ من كلّ خا ِرجٍ ملوَّثٍ مباءٍ‪ .‬ويكفي فيه غَلَبةُ ظَنِّ زوالَ‬
‫النَّجاسَةِ‪ ،‬وال ُيسَنّ حينئذٍ َشمّ َيدِه‪ ،‬وينبغي االستِرْخاءُ لئال يَبْقَى أثَرُها يف تضاعِيفِ‬
‫شَ َرجِ ا ِمل ْق َعدَةِ‪ ،‬أو بثالث مسحات تعمُّ احمللّ يف كل مرّة‪ ،‬مع تَْنقِيَةٍ جبا ِمدٍ قاِلعٍ‪ .‬ويُْندَبُ‬
‫جدِ‪ .‬ويُنْحي ما عليه‬ ‫سِ‬ ‫ُقدمَ يسارَه‪ ،‬ويَمينَهُ النصِرافِهِ‪ ،‬بعكْسِ ا َمل ْ‬ ‫لِداخِلِ اخلَالءِ أن ي ِّ‬
‫ُمعَظَّم‪ ،‬من قرآنٍ واسم نَبّي أو مَلَكٍ‪ ،‬ولو ُمشْتَرَكاً كعزيزٍ وأمحدَ إن قصدَ به ُمعَظَّم‪.‬‬
‫وَيسْ ُكتَ حال خروجِ خا ِرجٍ ولو عن غريِ ِذكْرٍ ويف غري حالِ اخلروجِ عن ِذكْرٍ‪.‬‬
‫ويَْب ُعدَ وِيسْتَتِر‪ .‬وأن ال يقضِيَ حاجَتَه يف ماءٍ مباحٍ راكدٍ ما مل َيسْتَْبحِرْ‪ .‬ومُتَحدَّثٍ غري‬
‫مملوكٍ أل َحدٍ‪ ،‬وطريقٍ‪ .‬وقيل‪َ :‬يحْ ُرمُ َّالتغَوُّطُ فيها‪ .‬وحتتَ مُْثمِرٍ ِبمُلْكِهِ‪ ،‬أو َممْلوكٍ عَِلمَ‬
‫رِضا مالكه‪ ،‬وإال حَ ُرمَ‪ .‬وال يستقبِلْ عَيْنُ القِبْلَةِ وال َيسَْتدْبِرها‪ ،‬وحيرمان يف غري ا ُملعَدَّ‬
‫ص ْدرِه وحَوَّل فَرْجَهُ عنها مث بالَ‪ ،‬مل يضر‪ ،‬خبالف‬ ‫وحيثُ ال ساتِرَ‪ .‬فلو اسَتقْبَلَها ب َ‬
‫عكسه‪ .‬وال َيسْتاكَ وال يَبزُقَ يف َب ْولِه‪ .‬وأن يقولَ عندَ دُخولِهِ‪ :‬اللهمَّ إين أعوذُ بِكَ من‬
‫حل ْمدُ هلل الذي أذْ َهبَ عَنّي األَذَى وعافاين‪.‬‬ ‫اخلُُبثِ واخلَبائِث‪ .‬واخلروج‪ :‬غُفرانَكَ‪ ،‬ا َ‬
‫وبعد االستِنْجاءِ‪ :‬اللهمَّ طَهِّرْ قليب من النّفاقِ وحَصِّن فَرْجي من الفَواحِش‪ .‬قال‬
‫البغوي‪ :‬لو شكَّ بعد االستنجاء هل غسلَ َذكَرَهُ مل تَلْ َزمْهُ إعادَتُه‪( .‬ثالثها)‪( :‬أي‬
‫شروط الصالة) (سَتْرُ رجُلٍ) ولو صَبِياً‪( ،‬وَأمَة) ولو مكاتبة وأمّ وَلد‪( .‬ما بنيَ سُ ّرةٍ‬
‫و ُركْبةٍ) هلما‪ ،‬ولو خالياً يف ظُ ْل َمةٍ‪ .‬للخربِ الصَّحيح‪" :‬ال َيقْبَل اللَّهُ صَالة حائِضٍ أي‬
‫‪15‬‬
‫بالغٍ إالَّ ِبخِمارٍ"‪ .‬و َجيبُ ستُر جُزءٍ منهما ليتحقَّقَ به سَتْرُ ال َع ْورَةِ‪( .‬و) سَتْرُ (حُرَّةِ)‬
‫ولو صغريةٍ (غري وَجْهٍ وَكفَّيْنِ) ظهرُهُما وبَطُْنهُما إىل الكوعَيْن (مبا ال َيصِفُ َلوْناً) أي‬
‫لَون البشرةِ يف مَجْلِس التَّخاطُب‪ .‬كذا ضبطه بذلك أمحد بن موسى بن ُعجَيْل‪.‬‬
‫جمِ األعْضاءِ‪ ،‬لكنه خالف األوىل‪ ،‬وجيبُ السَّتْرُ من األعلى‬ ‫حْ‬‫ويكفي ما َيحْكي ِل َ‬
‫واجلواِنبِ ال من األسفَلِ (إن َق َدرَ) أي كل من الرَّجُل واحلُرَّة وا َألمَة‪( .‬عليه) أي‬
‫السَّتْرُ‪ .‬أما العاجِز عما َيسْتُر ال َع ْورَةَ فَُيصَلّي وجوباً عارياً بال إعادة‪ ،‬ولو مَع وجودِ‬
‫َذرَ َغسُْلهُ‪ ،‬ال من أمكَنَهُ تطهريُه‪ ،‬وإن خ َرجَ الوقتُ‪ ،‬ولو َق َدرَ على‬ ‫ساتِرٍ مُتَنَجِّسٍ َتع َّ‬
‫فالدبُر‪ ،‬وال يُصَلّي‬ ‫السوْأتني فالقُبْل ُّ‬‫ساتِرِ َبعْضِ العَ ْورَةُ لَ ِزمَهُ السَّتْرَ مبا وَ َجدَ‪ ،‬وقدم َّ‬
‫عارياً مع وجودِ حَريرٍ بل البساً له‪ ،‬ألنه يباحُ للحا َجةِ‪ .‬ويلزمُ التَّطْيِنيُ لو َع ِدمَ َّالثوْبَ‬
‫أو حنوه‪ .‬وجيوزُ ملُكْتَسٍ اقتداءٌ ِبعَارٍ‪ ،‬وليسَ للعَارِي َغصْب َّالثوْبِ‪ .‬وُيسَنّ للمُصلي أن‬
‫َممَ ويَُتقَمَّصَ ويتَطَيْلَسَ‪ ،‬ولو كان عندَهُ ثوبانِ فقط‬ ‫يلبِسَ أ ْحسَنَ ثِيابِهِ ويرتدي ويََتع َّ‬
‫لبِسَ أحدَهُما وارتدى باآلخرَ إن كان َثمّ سُتْرَة‪ ،‬وإالَّ َجعَلَهُ ُمصَلَّى‪ .‬كما أفىت به‬
‫شيخنا‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬جيبُ هذا السَّتْرُ خارجَ الصّالةِ أيضاً‪ ،‬ولو بثوبٍ َنجِسٍ أو حريرٍ مل جيِدْ‬
‫غريَهُ‪ ،‬حىت يف اخلُ ْلوَةِ‪ ،‬لكن الواجِبُ فيها سَتْرُ َسوْأتَيْ الرَّجُل‪ ،‬وما بَيْنَ سُرَّةِ و ُركَْبةِ‬
‫جدِ‪ ،‬ألدىن غَ َرضٍ كتربيدٍ وصيانَةِ َثوْبٍ‬ ‫سِ‬ ‫شفُها يف اخلُ ْلوَةِ‪ ،‬ولو مِنَ ا َمل ْ‬ ‫غريِه‪ .‬وجيوزُ َك ْ‬
‫من الدَّنَسِ‪ ،‬والغُبارِ عندَ كَنْسِ البَيتِ‪ ،‬و َك َغسْلٍ‪( .‬ورابعها‪َ :‬معْرفَةُ دُخولِ َو ْقتٍ) يقيناً‬
‫أو ظناً‪ .‬فمن صَلّى بدوهنا مل تصحّ صالتُه وإن وق َعتْ يف الوَ ْقتِ‪ ،‬ألن االعتبارَ يف‬
‫العبادات مبا يف ظَنّ املُكَلَّفِ‪ ،‬ومبا يف َنفْسِ األمرِ‪ ،‬ويف العُقُودِ مبا يف نفسِ األمْرِ فقط‪.‬‬
‫الشمْسِ (إىل مَصريِ ظِلِّ كلِّ شيءٍ مِثْله‪ ،‬غري ظِلِّ استِواءٍ) أي‬ ‫(َف َو ْقتُ ُظهْرٍ من زوالِ) َّ‬
‫الظِّلِّ املوجود عندَه‪ ،‬إن وُ ِجدَ‪ .‬وسُمَِّيتْ بذلك ألنَّها أوَّل صَالةٍ َظهَرَت‪( .‬ف) َوقْتُ‬
‫( َعصْرِ) من آخِرِ وَ ْقتِ الظهر (إىل غروبِ) مجيعِ قرصِ َشمْسٍ‪( ،‬ف) َو ْقتُ ( َمغْرِبٍ)‬
‫الشفَقِ) األحَمرِ‪( ،‬ف) وقتُ (عِشاءٍ) من مغيبِ الشَّفَقِ‪ .‬قال‬ ‫من الغروب (إىل مغيبِ َّ‬
‫صفَرِ واألبيَضِ‪ ،‬خروجاً من خالفِ من‬ ‫شيخنا‪ :‬وينبغي نَدْبُ تأخريُها لزوالِ األ ْ‬
‫أوْ َجبَ ذلك‪ .‬وميتدُّ (إىل طُلوعِ (فجرٍ) صادِقٍ‪( ،‬ف) وقتُ (صُبْح) من طلوعِ ال َفجْرِ‬
‫شمْسِ)‪ ،‬وال َعصْرُ هي الصَّالةُ الوُسْطَى‪،‬‬ ‫الصَّادِقِ ال الكاذِبِ (إىل طلوعِ) بعضِ (ال ّ‬
‫الظهْرُ‪ ،‬مث‬ ‫ِلصِحَّةِ احلديثِ به‪ .‬فهي أفضلُ الصَّلَوات‪ ،‬وَيَليها الصُّْبحُ‪ ،‬مث العِشاءُ‪ ،‬مث ُّ‬
‫ا َملغْرِبُ‪ ،‬كما استظهَرَهُ شيخنا من األدِلَّة‪ .‬وإمنا فَضَّلوا مجاعَةَ الصُّبحِ والعِشاءِ ألهنا‬
‫فيهما أَشَقّ‪ .‬قال الرافعيّ‪ :‬كانت الصُّبْحُ صالةَ آدم‪ ،‬والظُّهرُ صالةَ داود‪ ،‬وال َعصْرُ‬
‫صالةُ سليمان‪ ،‬واملغرِبُ صالةَ يعقوب‪ ،‬والعشاءُ صالةَ يونُس‪ ،‬عليهم الصّالة‬
‫والسّالم‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫أوِلهِ إىل َوقُتٍ‬ ‫واعلم أن الصّالةَ ِجتبُ بأوَّلِ الوقتِ وجوباً موسِعاً‪ ،‬فلَهُ التأ ِخريُ عن َّ‬
‫سعُها بِشرْطِ أن يَعْزِم على فِعْلِها فيه‪ ،‬ولو أ ْدرَكَ يف ال َوقْتِ َر ْكعَةً ال دُونَها فالكل أداءٌ‬ ‫َي َ‬
‫وإالَّ َفقَضاء‪ .‬ويأثَم بإخراجِ بعضِها عن الوقتِ وإن أ ْدرَكَ رَكعةً‪ .‬نعم‪ ،‬لو شَرَعَ يف غريِ‬
‫الذكْرِ حىت‬ ‫َولَها بالقِراءَةِ أو ِّ‬
‫سعُها جازَ له بال كَراهَةٍ أن يُط ِّ‬ ‫جل ُمعَةِ وقد َبقِيَ ما َي َ‬ ‫اُ‬
‫َيخْ ُرجَ الوقتُ وإن مل يُوِقعْ منها رَكعةً فيه على ا ُملعْتَ َمدِ فإن مل يبقَ من ال َو ْقتِ ما‬
‫سعُها‪ ،‬أو كانت ُج ُمعَةً‪ ،‬مل َيجُز املَدُّ‪ ،‬وال ُيسَنُّ االقِتصارُ على أركانِ الصَّالةِ إلِدراكِ‬ ‫َي َ‬
‫كُلّها يف ال َو ْقتِ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬يُْندَبُ َت ْعجِيلُ صَالةٍ ولو عِشاء ألوَّل َوقْتِها‪ِ ،‬لخَبَرِ‪َ" :‬أفْضلُ األعْمالِ‬
‫الصَّالةُ ألوَّلِ َوقْتِها"‪ .‬وتأخريُها عن أوَّله لِتَيقُّنِ جَماعَةٍ أثناءَه‪ ،‬وإن َفحُشَ التأخريُ ما مل‬
‫َيضُقِ ال َو ْقتُ‪ ،‬ولِظَنِّها إذا مل َي ْفحَشَ عُرْفاً‪ ،‬ال ِلشَكَ فيها مُطْلقاً‪ .‬واجلما َعةُ القليلَةُ أوَّلُ‬
‫‪16‬‬
‫الوَ ْقتِ أ ْفضَلُ من الكثريَةِ آخِرِه‪ .‬ويؤخّرُ املُحرم صالةَ العِشاءِ وجوباً ألجل َخوْ ِ‬
‫ف‬
‫ص ْعبٌ‪ .‬والصّالةُ‬ ‫فواتِ حَجَ ب َفوْتِ الوُقوفِ ِبعَ َرفَة لو صَالّها مَُتمَكِّناً‪ ،‬ألن َقضَاءَه َ‬
‫خلوْفِ‪ .‬ويؤخّر أيضاً وجوباً‬ ‫ُتؤَخَّرُ ألهنا أ ْسهَل مِن ِمشَقَّتِه‪ ،‬وال ُيصَلّيها صالةَ شِدَّةِ ا َ‬
‫مَنْ رأى حنو غري ٍق أو أسريٍ لو أَْن َقذَهُ خَ َرجَ ال َو ْقتُ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬يُكْرَهُ َّالن ْومُ بعدَ دُخولِ وَ ْقتِ الصَّال ِة وقبلَ فِعْلِها‪ ،‬حيث ظَنّ االستِيقاظِ‬
‫قب َل ضِيقِهِ‪ ،‬لِعادَةٍ أو إلِيقاظِ غريِه له‪ ،‬وإال حَ ُرمَ النَّ ْومُ الذي مل ُيغْلَب يف ال َوقْتِ‪.‬‬
‫كالنفْلِ املُطْلَقِ ومنه صَالةُ التَّسابِيحِ‪ ،‬أو‬ ‫[فرع]‪ :‬يُكْرَهُ تَحرمياً صَالةٌ ال سَبَب هلا‪َّ ،‬‬
‫الشمْسُ كَ ُر ْمحٍ‪،‬‬ ‫هلا سَببٌ متأخرٌ كَ َر ْكعَتَيْ اسْتِخارَةٍ وإحْرامٍ بعدَ أداءِ صُبْحٍ حىت تَرَْت ِفعَ َّ‬
‫جل ُمعَة‪ .‬ال ما له سََببٌ متق ِدمٌ ك َر ْكعَتَيْ‬ ‫و َعصْرٍ حىت َتغْرُبَ‪ ،‬وعندَ استواءِ غريَ َي ْومِ ا ُ‬
‫وُضوءٍ وطوافٍ وَتحِيّةٍ و ُكسُوفٍ‪ ،‬وصالةِ جنازَةٍ ولو على غاِئبٍ‪ ،‬وإعادَةِ مع جَماعَةٍ‬
‫ولو إماماً‪ ،‬وكفائِتَةِ فَ ْرضٍ أو َنفْلٍ مل ُي ْقصَد تَأ ِخريُها للو ْقتِ املكروهِ لُِي ْقضِيها فيه أو‬
‫ُيدَا ِومُ عليه‪ .‬فلو تَحَرّى إيقاعَ صالةِ غري صاحِبَةِ ال َو ْقتِ يف الو ْقتِ املَكْروهِ من حيث‬
‫كونه مَكْرُوهاً فتَحْرُم مُطْلقاً وال تَْنعَقِد‪ ،‬ولو فائِتَةً جيبُ قَضاؤها فوراً ألنّه معاِندٌ‬
‫للِشَّرْعِ‪( .‬وخامسها‪ :‬استقبالُ) عْنيِ (القِبْلَةِ) أي ال َكعْبَةِ‪ ،‬بالصَّ ْدرِ‪ .‬فال يكفي استقبالُ‬
‫ِدةِ‬ ‫ِجهَتِها‪ ،‬خالفاً أليب حنيفة رمحه اهلل تعاىل‪( ،‬إالَّ يف) حَقِّ العاجِزِ عنه‪ ،‬ويف صَالةِ (ش َّ‬
‫خوْفٍ) ولو فَرْضاً‪ ،‬فُيصَلي كيف أمْكَنَه ماشياً وراكباً مُسَتقْبِالً أو ُمسَْتدْبِراً‪ ،‬كهارِبٍ‬
‫من حريقٍ وسَيْلٍ وسَُبعٍ وحَيَّةٍ‪ ،‬ومن دائِنٍ عندَ إعسارٍ‪ ،‬و َخوْفِ حَبْسٍ‪( .‬و) ال يف (نَفْلِ‬
‫النفْلُ راكباً وماشياً فيه ولو قصرياً‪ .‬نعم‪،‬‬ ‫َسفَرٍ مُباحٍ) لِقاصِدِ َمحَلَ ُمعَيَّنٍ‪ ،‬فيجوزُ َّ‬
‫ُقررَة يف‬ ‫صدُهُ على مسافَةٍ ال َيسْ َمعُ النّداءَ من بَلدِه‪ ،‬بشروطِهِ امل َّ‬ ‫يشترَطُ أن يكونَ َم ْق َ‬
‫اجلُمُعة‪ .‬وخرج باملُباحِ َسفَرُ ا َمل ْعصِيَةِ فال جيوزُ تَرْ ُك القِبْلَةِ يف َّالنفْلِ ألبِقٍ‪ ،‬ومسافِرٍ عليه‬
‫دَيْنٌ حالٌّ قادر علَْيهِ مِن غريِ إذنِ دائِنِهِ‪( .‬و) ِجيبُ (على ماشِ إمتامُ رُكوعٍ وسُجودٍ)‬
‫َرمٍ) وجلوسٌ بني‬ ‫ِلسُهولَةِ ذلكَ عليه‪ ،‬وعلى راكبٍ إمياءٌ هبما‪( .‬واستقبالٌ فيهما ويف حت ُّ‬
‫َهدِ والسَّالمِ‪ ،‬وحيرمُ احنرافُه عن‬ ‫والتش ُّ‬
‫جدَتَيْنِ‪ ،‬فال ميشي إالَّ يف القيامِ واالعتدالِ َّ‬ ‫السَّ ْ‬
‫صدِهِ عامِداً عالِماً مُختاراً إالَّ إىل القِبلَةِ‪ .‬ويشترطُ تَرْكُ فعلٍ كثريٍ‬ ‫استقبالِ صوب َم ْق َ‬
‫َمدِ وَطْءَ َنجَسٍ ولو يابساً وإن عَمَّ‬ ‫َك َع ْدوٍ وَتحْرِيكِ رِجْلٍ بال حاجة وتركُ َتع ُّ‬
‫الطريقَ وال َيضُرّ وَطْءُ يابِسٍ خَطأ‪ ،‬وال يُكَلَّفُ ماشٍ التحفظَ عنه‪ .‬وجيبُ االستقبالُ يف‬
‫َّالنفْ ِل لراكبِ سفينَةٍ غري مَالّح‪.‬‬
‫واعلم أيضاً أنه ُيشْتَرطُ يف صحّةِ الصالةِ العِ ْلمَ ِبفَ ْرضِيَّةِ الصالةِ‪ .‬فلو َجهَلَ فَ ْرضِيَّة‬
‫أصْل الصَّالةِ‪ ،‬أو صالتَهُ اليت شَرَعَ فيها‪ ،‬مل َتصُحّ‪ ،‬كما يف اجملموع والروضة‪ .‬ومتييزُ‬
‫فُروضِها مِن سُنَنِها‪ .‬نعم‪ ،‬إن اعَت َقدَ العاميّ‪ ،‬أو العاِلمُ على األوْجَهِ‪ ،‬الكُلَّ فَرْضاً‬
‫صَحَّت‪ ،‬أو سُنَّ ًة فال‪ .‬والعِ ْلمُ بكيفيتها اآليت بيانُها قريباً إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫جعْلِ‬‫(فصل)‪ :‬يف صفة الصالة (أركانُ الصالةِ) أي فروضُها‪ :‬أربعَةُ عَشر‪ِ ،‬ب َ‬
‫الطُّمأنِينَةِ يف مَحالِّها ُركْناً واحِداً‪.‬‬
‫ب فيها)‬ ‫ج ُ‬ ‫خربِ‪" :‬إنَّما األعمَا ُل بالنِّيَّاتِ"‪( .‬فيَ ِ‬ ‫صدُ بالقَلْبِ‪ِ ،‬ل َ‬ ‫أحدها‪( :‬نَِّيةٌ) وهي القَ ْ‬
‫صدُ ِفعْلِها) أي الصّالة‪ ،‬لتتميز عن بقية األفعال (وتعيينها) من ظهر أو‬ ‫أي النِيّة (قَ ْ‬
‫غريها‪ ،‬لِتَتَميَّز عن غريِها‪ ،‬فال يكفي نِيَّةُ فَ ْرضِ ال َو ْقتِ‪( .‬ولو) كانت الصَّالةُ ا َملفْعولةُ‬
‫(َنفْالً) غريَ مُطْلَقٍ‪ ،‬كالرَّواِتبِ والسُّنَنِ املُؤقَّتَةِ أو ذاتِ السََّببِ‪ ،‬فيجبُ فيها التعينيُ‬
‫الظهْرِ القَبْلِيّة أو الَب ْعدِيَّة‪ ،‬وإن مل ُيؤِخِّر القَبْلِيّة‪ .‬ومثلها‬ ‫باإلِضافَ ِة إىل ما ُيعَيِّنُها َكسُنَّةِ ُّ‬
‫ضحَى أو األكبَرِ أو الفِطْرِ أو األصغرِ‪،‬‬ ‫ك ّل صالةٍ هلا سُنَّةٌ قَبْلَها وسُنَّةٌ َب ْعدَها‪ ،‬وكعيدِ األ ْ‬
‫فال يكفي صالةُ العيدِ والوِتْرِ سَواءٌ الوا ِحدَة والزَّاِئدَة عليها‪ ،‬ويكفي نيَّة الوتِر من غريِ‬
‫َعدَدٍ‪ .‬وحيملُ على ما يُرِيدُه على األَوْجَه‪ ،‬وال يكفي فيه نيَّة سُنَّةِ العِشاءِ أو راتِبتها‪،‬‬
‫‪17‬‬
‫والتراويحِ والضُّحى‪ ،‬وكاسِتسْقاءٍ وكُسوفِ مشس أو َقمَرٍ‪ .‬أما النَّفلُ املُ ْطلَقُ فال جيبُ‬
‫التحِيَّة والوضوء واالستِخارَةِ‪،‬‬ ‫فيه تعينيٌ بل يكفي فيه نيَّة ِفعْلِ الصَّالةِ‪ ،‬كما يف َر ْكعَتَيْ َّ‬
‫وكذا صالةِ األوَّابني‪ ،‬على ما قالَه شيخنا ابن زياد والعالَّمة السُّيُوطِيّ ر ِح َمهُما اهلل‬
‫كالضحَى‪( .‬و) جتبُ‬ ‫تعاىل‪ .‬والذي جزمَ به شيخنا يف فتاويه أنه ال بدَّ فيها من َّالتعَيُّن ُّ‬
‫(نيَّةُ فَ ْرضٍ فيه) أي يف الفَ ْرضِ‪ ،‬ولو كفايةً أو َنذْراً‪ ،‬وإن كان النَّاوي صَبِيّاً‪ ،‬لِيَتَميَّزَ عن‬
‫َهدِها‪.‬‬
‫جل ُمعَةِ‪ ،‬وإن أ ْدرَكَ اإلِمامَ يف تَش ُّ‬ ‫الظهْرِ) مثالً‪ ،‬أو فَ ْرضَ ا ُ‬ ‫ض ُّ‬
‫َّالنفْلِ‪( .‬كَُأصَلِّي فَ ْر َ‬
‫(وسُنَّ) يف النِّيَّةِ (إضافَةٌ إىل اهلل) (تعاىل)‪ ،‬خروجاً من خالف من أوجبها‪،‬‬
‫جبُ وإن كان عليه فائَِتةٌ‬ ‫َرضٌ ألداءٍ أو َقضَاءٍ) وال َي ِ‬ ‫حقَّقَ َمعْنَى اإلخْالصِ‪( .‬وََتع ُّ‬ ‫ولِيََت َ‬
‫مُماثِلَةٌ لل ُمؤَدّاةِ‪ ،‬خالفاً ملا اعتمده األذرعي‪ .‬واألصَحّ صحّة األداء بنية القَضاءِ‪،‬‬
‫َرضٌ (السِتقْبالٍ وعدَدِ‬ ‫حوِ غَْيمٍ‪ ،‬وإال بَطَُلتْ قَطْعاً لِتَالعُبِهِ‪( ،‬و) َتع ُّ‬ ‫وعَكْسه إن ُع ِذرَ بَِن ْ‬
‫َّعرضَ هلما‪( .‬و) سُنّ (نُطْقٌ ِبمََن ِويّ) قبلَ‬ ‫ركعاتٍ) للخروجِ من خالفِ من أو َجبَ الت ُّ‬
‫التكبريِ‪ ،‬لِيْسا ِعدَ اللِّسانُ القَ ْلبَ‪ ،‬وخروجاً من خِالفِ من َأوْجَبَه‪ .‬ولو شَكَّ‪ :‬هل أتى‬
‫بِكَمالِ النَّيةِ أو ال؟ أو هل َنوَى ُظهْراً أو َعصْراً؟ فإن َذكَرَ بعدَ طُولِ زمانٍ‪ ،‬أو َب ْعدَ‬
‫إتيانِهِ بِ ُركْنٍ ولو َقوْلياً كالقِراءَةِ بَ ُطَلتْ صالتُهُ‪ ،‬أو قَبَُلهُما فال‪( .‬و) ثانيها‪( :‬تكبريُ‬
‫َتحَرُّم) ل ْلخَبَرِ املَُّتفِقَ عليهِ‪" :‬إذا ُق ْمتَ إىل الصَّالةِ فَكَبِّرْ"‪ .‬سُمَّيَ بذلكَ ألن ا ُملصَلِّي‬
‫سدَاتِ الصَّالةِ‪ ،‬و َجعْل فاتِحةِ الصَّالةِ‬ ‫َيحْ ُرمُ عليه به ما كان حَالالً له قَْبلَه من ُم ْف ِ‬
‫خ ْدمَتِهِ حىت تَتمّ له اهلَيْبَةُ‬ ‫حضِرَ ا ُملصَلِّي معناهُ الدَّالُّ على عَ َظمَةِ من َتهَيَّأ ِل ِ‬ ‫لَِيسَْت ْ‬
‫صحَابَ ذَيْنِكَ يف جَميعِ صَالتِهِ‪َ ( .‬مقْرُوناً‬ ‫واخلُشوعُ‪ ،‬ومن ثَمَّ زيدَ يف تِكرارِهِ لَِيدُومَ اسِت ْ‬
‫بِهِ) أي بالتَّكبريِ‪( ،‬النيَّة) ألن التكبريَ أوَّلُ أرْكانِ الصَّالةِ فتجِب مُقارَنَتُها به‪ ،‬بل ال بُدَّ‬
‫حضِرَ كل ُمعْتَبَرٍ فيها مما مَرَّ وغريه‪ .‬كال َقصْرِ للقاصِرِ‪ ،‬وكونه إماماً أو مأموماً‬ ‫أن يسَت ْ‬
‫صحِباً لذلِكَ كلّه إىل‬ ‫جل ُمعَةِ‪ ،‬وال ُق ْدوَةِ ِلمَأموم يف غريها‪ ،‬مع ابتدائِه‪ .‬مث يستمِرّ ُمسَْت ْ‬ ‫يف ا ُ‬
‫بأولِهِ‪ .‬ويف اجملموع والتَّنقيحِ ا ُملخْتارِ ما‬ ‫صححَهُ الرافعيُّ‪ ،‬يكفي قَرْنُها َّ‬ ‫الرَّاءِ‪ .‬ويف قولٍ َّ‬
‫حضِراً‬ ‫اختَارَهُ اإلِمامُ والغزايلُّ‪ :‬أنه يكفي فيها املُقارنَةُ العُ ْرفِيَّة عِْندَ ال َعوَامِ حبيثُ ُي َعدّ مُسَت ْ‬
‫الر ْفعَة‪ :‬إنه احلَقّ الذي ال جيوزُ سِواهُ‪ .‬وصَوَّبَهُ السَّبكيّ‪ ،‬وقال‪ :‬من‬ ‫لِلصَّالةِ‪ .‬وقال ابنُ ِّ‬
‫مل يقلْ به وَقعَ يف الوَسْواسِ ا َملذْمومِ‪ .‬وعند األئِمَّةِ الثالثة‪ :‬جيوزُ تقدميُ النيةِ على التكبريِ‬
‫سريِ‪( .‬ويَتَعيَّنُ) فيه على القا ِدرِ لَ ْفظُ‪( :‬اهلل أكربُ) لالتِّباعِ‪ ،‬أو اهلل األكرب‪ .‬وال‬ ‫بالزمَنِ اليَ ِ‬
‫َّ‬
‫َظمُ‪ ،‬وال الرَّحْمنُ أكْبَرُ‪ .‬وََيضُرّ إخْاللٌ ِبحَرْفٍ‬ ‫يَ ْكفِي أكبِّرُ الّلهَ‪ ،‬وال اللّهُ كِبريٌ‪ ،‬أو أُع ِّ‬
‫مِن اللّهُ أكْبَرُ‪ .‬وزِيادَةُ حَرْفٍ ُيغَيِّرِ ا َملعْىن‪َ ،‬كمَدِّ َهمْزَةِ اهلل‪ ،‬وكَألِفٍ بعدَ الباءِ‪ ،‬وزيادَة‬
‫َحركَةٍ بني الكَِلمَتنيِ‪ ،‬وكذا زيادَةُ مَدِّ األلِفِ‬ ‫واوٍ قب َل اجلاللَةِ‪ ،‬وَتخْلِلُ واوٍ ساكِنَةٍ ومُت ِّ‬
‫اليت بني الالّمِ واهلَاءِ إىل حَدِّ ال يَراهُ أ َحدٌ مِنَ القُرَّاءِ‪ .‬وال َيضُرُّ َو ْقفَةٌ يَسريَةٌ بني كَِلمَتيْهِ‪،‬‬
‫ضمُّ الرَّاءِ‪.‬‬
‫وهي سَكْتَةُ التَّنَفُّسِ‪ ،‬وال َ‬
‫[فرع]‪ :‬لو كَبَّرَ مَرّاتٍ ناوياً االفْتِتاحَ بكلَ‪ :‬دَخَلَ فيها بالوَتْرِ وخَ َرجَ منها‬
‫بالش ْفعِ‪ ،‬ألنه ملا دَخَلَ باألوىل خَرَجَ بالثانِيَةِ‪ ،‬ألن نيةَ االفتِتاحِ هبا مُتَضمِّنَة ِلقَ ْطعِ‬ ‫َّ‬
‫األوىل‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن مل يَْنوِ ذلك‪ ،‬وال َتخَلَّلَ مُبْطِلٌ كإعادَةِ َل ْفظِ النيّة‪ ،‬فما بعدَ األوىل‬
‫ِذكْرٌ ال يُؤثِّر‪.‬‬
‫صحِيحَ السَّ ْمعِ‪ ،‬وال عا ِرضَ مِن‬ ‫(وجيبُ إمسا ُعهُ) أي التَّكبري‪( ،‬نَ ْفسَهُ) إن كان َ‬
‫َهدِ والسَّالمِ‪ .‬ويعتَبَرُ إمساعُ املندوبِ‬ ‫والتش ُّ‬‫حوِ َل َغطٍ‪( .‬كسائِرِ ُركْنٍ َق ْولِيّ) من الفاِتحَةِ َّ‬ ‫َن ْ‬
‫حصُول السُّنّة‪( .‬وسُنَّ جَ ْزمُ رائِهِ) أي التَّكبِري‪ ،‬خُروجاً من خِالفِ من أوجبَه‬ ‫القَ ْولِيّ ِل ُ‬
‫و َجهْرٌ بهِ إلِمامٍ كسائِرِ تكبرياتِ االنتِقاالتِ‪( ،‬و َر ْفعُ كَفِّيْهِ) أو إحداهُما إن تَعسَّرَ‬
‫ش ِفهِما‪ ،‬ويُكْرَهُ خِالفُه‪ .‬ومع تفريقِ أصاِبعِهما‬ ‫َر ْفعُ األخرى‪( ،‬بِ َكشْفٍ) أي مع َك ْ‬
‫تفريقاً وسَطاً‪( ،‬خ ْذوَ) أي مقابِلَ (مِنْكَبَيهِ) حبيثُ حياذِي أطرافُ أصابِعه على أُذُنيْه‪،‬‬
‫‪18‬‬
‫حمَتَيْ أُذُنَيْهِ‪ ،‬وراحَتاه مَنْكِبَيْه‪ ،‬لالتِّباع‪ .‬وهذه الكيفية ُتسَنّ (مع) جَمي ِع‬ ‫وإهباماهُ ُش ْ‬
‫َحرمٍ) بأن ُيقْرِنَهُ بهِ ابتداءً ويُْنهِيهِما معاً‪( .‬و) مع (ركوع) لالتِّباعِ الوارددِمن‬ ‫تكبريِ (ت ُّ‬
‫َهدٍ أوَّل) لالتِّباع فيهما‪.‬‬ ‫طُرُقٍ كثريةٍ‪( .‬ورَفعٍ منه) أي مِنَ الرُّكوعِ‪( .‬و) رفعً (من تَش ُّ‬
‫ص ْدرِهِ) وَفوْقَ سُرَّتِهِ لالتِّباع‪( .‬آخذاً بيمِينه) كُوعَ (يَسارِهِ) ورَدُّهُما‬ ‫ض ُعهُما حتتَ َ‬ ‫(وَو ْ‬
‫الر ْفعِ إىل حتت الصَّ ْدرِ َأ ْولَى من إرساِلهِما بالكُلِّيَّةِ‪ ،‬مث استئنافِ َر ْف ِعهِما إىل حتت‬ ‫من َّ‬
‫الرفْعِ والتَّكبريِ إىل َموْضِعِ‬ ‫الصدر‪ .‬قال املُتَولّي‪ ،‬واعتمدَهُ غريُه ‪ :‬ينبغي أن يَنظُرَ قبل َّ‬
‫ُسجُودِهِ ويُطْرِقَ رأسَه قليالً مث يَ ْرفَع‪( .‬و) ثالثها‪( :‬قيام قا ِدرٍ) عليه بنفسه أو بغريه (يف‬
‫صبِ فِقارِ ظهرهِ أي عِظامِه اليت هي‬ ‫حصُل القيامُ بِنَ ْ‬ ‫فَ ْرضٍ) ولو مَنْدوراً أو مُعاداً‪ .‬وَي ْ‬
‫مفاصِلُه ولو باستنادٍ إىل شيءٍ حبيثُ لو زالَ لَسقطَ‪ .‬ويُكرَهُ االستِنادُ ال باحنناءٍ إن‬
‫كان أقْرَبُ إىل أقلِّ الرُّكوع‪ ،‬إن مل َي ْعجَزْ عن متامِ االنْتِصابِ‪( .‬ولعاجِز شَقَّ عليه قيامٌ)‬
‫شقَّةٌ شديدةٌ حبيثُ ال ُتحَْتمَلُ عاد ًة وضَبَطَها اإلِمامُ بأن تكونُ حبيثُ‬ ‫بأن لَحقَهُ به َم َ‬
‫َيذْهبُ َمعَها خُشوعُه (صالةٌ قاعداً) كرا ِكبِ سفينةٍ خافَ حنو دورانِ رأسٍ إن قامَ‪،‬‬
‫وسَلِس ال َيسَْتمْسَك َحدََثهُ إالَّ بالقُعودِ‪ .‬ويَْنحَين القا ِعدُ للرُّكوعِ حبيث حتاذي جَْبهَُتهُ‬
‫ما قُدَّا َم ُركْبَتَيْهِ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬قال شيخنا‪ :‬جيوزُ ملريضٍ أمْكَنَهُ القيامُ بال مَشقَّةٍ لو اْنفَرَدَ‪ ،‬ال إن صَلَّى‬
‫يف مجاعَةٍ إالَّ مع جُلوسٍ يف َب ْعضِها‪ ،‬الصَّالةُ َم َعهُم معَ اجلُلوسِ يف َب ْعضِها‪ ،‬وإن كان‬
‫األ ْفضَلُ االنفِرادُ‪ .‬وكذا إذا قرَأَ الفاِتحَة فقَط مل َيقْعدْ‪ ،‬أو والسُّورَةَ قَعَد فيها جازَ َلهُ‬
‫قراءَهتا مع القُعودِ‪ ،‬وإن كا َن األ ْفضَلُ تَ ْركَها‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫َّربعُ‪ ،‬مث التَّورُّك‪ ،‬فإن عَجزَ عن الصَّالةِ قاعداً‬ ‫واألفضلُ للقا ِعدِ االفْتِراشُ‪ ،‬مث الت ُّ‬
‫ُقدمِ َبدَنهِ‪ ،‬ويُ ْكرَهُ على اجلَنْب‬ ‫صلَّى ُمضْ َطجِعاً على جَنْبِهِ‪ُ ،‬مسْتَقبالً لِلقِبلَةِ ِبوَ ْجهِهِ وم َّ‬
‫األَْيسَرِ بال ُع ْذرٍ‪َ .‬ف ُمسْتَ ْلقِياً على َظهْ ِرهِ وأَ ْخمَصاهُ إىل القِبْلَةِ‪ ،‬وجيبُ أن يضعَ حتتَ‬
‫رأسِه حنوَ مِخدَّةٍ ليستقبِل بوَجهِهِ القِبَلةَ‪ ،‬وأن يُومىء إىل صوْب القبلةِ راكِعاً وساجِداً‪،‬‬
‫وبالسجودِ أ ْخفَضُ من اإلِمياءِ إىل الرُّكوعِ‪ ،‬إن َعجَزَ عَْنهُما‪ .‬فإن َعجَزَ عن اإلِمياءِ‬
‫سقُط عنه الصالةُ‬ ‫برأسِهِ َأوْمأَ بأجْفانِهِ‪ .‬فإن َعجَزَ‪ ،‬أجْرَى أفعالَ الصَّالةِ على قَلْبِه‪ ،‬فال َت ْ‬
‫َدمِهِ عليهما ألهنما ُركْنانِ حىت‬ ‫ما دامَ َعقْلُهُ ثابتاً‪ .‬وإمنا أخَّروا القِيامَ عن ساِبقَيْهِ مع تَق ُّ‬
‫يف َّالنفْلِ‪ ،‬وهو رُكْنٌ يف الفَريضَة فقط‪( .‬كمُتَنَفِّلٍ) فيجوز له أن ُيصَلّيَ َّالنفْلَ قاعِداً‬
‫و ُمضْ َطجِعاً‪ ،‬مع ال ُق ْدرَةِ على القِيامِ أو القُعودِ‪ .‬ويَلْ َزمُ ا ُملضْ َطجِع القعود للرُّكوعِ‬
‫والسجودِ‪ ،‬أما ُمسْتَ ْلقِياً فال َيصُحّ مع إمكانِ االضطجاعِ‪ .‬ويف اجملموع‪ :‬إطالَةُ القِيامِ‬
‫أفضَلُ من تكثريِ الرَّكعاتِ‪ .‬ويف الروضة‪ :‬تطويُل السُّجودِ أفضَلُ من تطويل الرُّكوع‪.‬‬
‫(و) رابعها‪( :‬قِراءَ ُة فاِتحَةِ كل َر ْكعَةٍ) يف قيامِها‪ ،‬خلربِ الشيخني‪" :‬ال صال َة لِمَنْ ملْ َيقْ َرأُ‬
‫بِفاِتحَةِ الكِتابِ"‪ .‬أي يف كلِّ َر ْكعَةٍ‪( .‬إالَّ َر ْكعَة َمسْبوقٍ) فال َتجِب عليهِ فيها حيثُ مل‬
‫سعُ الفَاِتحَةَ من قِيام اإلِمامِ‪ ،‬ولو يف كلِّ الركعات ِلسَبقِهِ يف األوىل‬ ‫ُي ْدرِكْ َزمَناً يَ َ‬
‫وختلُّف املأمومِ عنه بِزَ ْحمَةٍ أو نِسيانٍ أو بُطءِ حَ َركَةٍ‪ ،‬فلم َي ُقمْ من السُّجودِ يف كلّ مما‬
‫َب ْعدَها إالَّ واإلِمامُ را ِكعٍ‪ ،‬فيتحَمَّلُ اإلِمامُ املُتطَهِّ ُر يف غريِ الرَّكعةِ الزائدَةِ الفاِتحَةَ أو‬
‫َبقِيَّتَها عنه‪ .‬ولو تأخَّرَ َمسْبوقٌ مل َيشَْتغِلْ ِبسُنَّةٍ إلِمتامِ الفاِتحَةِ فلم ُي ْدرِكِ اإلِمامَ إالَّ وهُوَ‬
‫سمَلَةِ فإنَّها آيةٌ منها‪ ،‬ألنهُ قَرأَها ثُمَّ‬ ‫سمَلةٍ) أي مع قراءَةِ البَ ْ‬ ‫ُمعَْتدِلٌ َل َغتْ َر ْكعَتُهُ‪( .‬مع َب ْ‬
‫شدِيداتٍ) فيها‪،‬‬ ‫الفَاِتحَةَ وَعدَّها آيةً منها‪ .‬وكذا مِن كُلِّ سورَةٍ غريَ بَراءَة‪( .‬و) َمعَ (َت ْ‬
‫وهيَ أرَْبعُ َعشَرَةٍ‪ ،‬ألن احلَرْفَ ا ُملشَدَّدَ ِبحَ ْرفَيْنِ‪.‬‬
‫فإذا خُفِّفَ بَطَلَ مِنها حَرْفٌ‪( .‬و) مع (رِعايَةِ حُروفٍ) فيها‪ ،‬وهي على قِرا َءةِ‬
‫مَلِكِ بال ألِفٍ مائةٌ ووا ِحدٌ وأربعون حَرْفاً‪ ،‬وهي مع تشديداهتا مائةٌ و َخ ْمسَةٌ‬
‫وخَمسونَ حَرْفاً‪( .‬وخمارِجُها) أي احلُروف‪َ ،‬ك َمخْ َرجٍ ضادٍ وغَريها‪ .‬فلو أبْدَلَ قادِرٌ‬
‫‪19‬‬
‫أو من أمْكَنَهُ َّالتعَلُّم حَرْفاً بآخَرَ‪ ،‬ولو ضاداً بِظاءٍ‪ ،‬أو َلحَنَ َلحْناً يُغيِّرُ ا َملعْنَى‪ ،‬كَ َكسْرِ‬
‫َمدَ ذلكَ وعَلِمَ تَحر َميهُ‬ ‫ضمّها‪ ،‬فإن َتع َّ‬ ‫تاءِ أَْن َع ْمتَ أو ضَمِّها و َكسْرِ كافِ إيَّاكَ ال َ‬
‫بَطَُلتْ صَالتُه‪ ،‬وإالّ فقراءَتُه‪ .‬نعم‪ .‬إن أعادَهُ الصَّوابِ قبلَ طُولِ ال َفصْلِ َكمّلَ عَلَيْها‪.‬‬
‫أما عاجِزٌ مل ُيمْكِنهُ َّالتعَُّلمَ فال تَبْطَلْ قِراءَتُهُ مُطْلقاً‪ ،‬وكذا الحِنٌ َلحْناً ال ُيغَيِّر ا َملعْىن‪،‬‬
‫كفَتْحِ دَالِ َنعُْبدُ‪ ،‬لكنهُ إنْ َت َع ّمدَ حَ ُرمَ‪ ،‬وإال كُرِهَ‪.‬‬
‫َو َوَقعَ خالفٌ بني املتقدمني واملتأخرين يف ا َهل ْمدُ هلل باهلَاءِ ويف النُّطْقِ بالقافِ‬
‫املُتَرَدِّدَة بينها وبني الكافِ‪ .‬وجَزمَ شيخنا يف شرحِ املِنهاجِ بالبُطالنِ فيهِما إال إن تَعذَّرَ‬
‫عليهِ َّالتعَلُّم قبلَ خروجِ الوَقتِ‪ .‬لكن جَ َزمَ بالصِّحَّةِ يف الثانيةِ شيخُه زكريا‪ ،‬ويف األوىل‬
‫القاضي وابنُ الرِّفعة‪ .‬ولو خَفَّفَ قا ِدرٌ أو عاجِزٌ ُمقَصِّرٌ ُمشَدَّداً كأن قَ َرأَ ال رَحْمنِ‬
‫ِبفَكِّ اإلِدْغامِ بَ ُطَلتْ صَالتَهُ إن َتعَمَّد وعَِلمَ‪ ،‬وإال َفقِراءَتُهُ لتلك الكَِلمَةِ‪ .‬ولو خَفَّفَ‬
‫ِلسهْوِ‪ .‬ولو شَدَّدَ‬ ‫جدَ ل َّ‬‫الشمْسِ‪ ،‬وإال َس َ‬ ‫ضوْءُ َّ‬ ‫إياكَ‪ ،‬عامِداً عالِماً َمعْنَاهُ‪َ ،‬كفَرَ ألَنَّهُ َ‬
‫ْمدُهُ َك َو ْقفَةٍ لَطِيفَةٍ بني السِّنيِ والتَّاءِ من َنسَْتعِني‪( .‬و) َمعَ رِعايَةِ‬ ‫ُمخَفَّفاً صَحَّ‪ ،‬وََيحْ ُرمُ َتع ُّ‬
‫(مُواالةٍ) فيها بأن يأيت بِكلِماتِها على الوَالءِ بأن ال َيفْصُلَ بنيَ شيءٍ منها وما َب ْعدَهُ‬
‫بأكثَر من سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ أوِ العَيّ‪( ،‬فَُيعِيدُ) قِراءَةُ الفاِتحَةِ‪( ،‬بَِتخَلُّلِ ِذكْرٍ َأجْنَبِيّ) ال‬
‫ح ْمدِ عاطِسٍ وإن سُنَّ فيها‬ ‫يََتعَلَّقُ بالصَّالةِ فيها‪ ،‬وإن قَلَّ‪ ،‬كََبعْضِ آيَةٍ من غَيْرِها‪ ،‬وكَ َ‬
‫كخارِجِها إلِشعارِهِ باإلِعراضِ‪( .‬ال) يعيدُ الفاِتحَةَ (ب) َتخَلُّل ما له َتعَلُّقٌ بالصَّالةِ‪،‬‬
‫ك (تأمِنيٍ وسُجودٍ) لتال َوةِ إما ِمهِ معه‪( ،‬ودُعاءٍ) من سُؤالِ رَ ْحمَةٍ‪ ،‬واستعاذَةٍ من‬
‫عَذابٍ‪ ،‬وقولُ‪ :‬بَلَى وأنا على ذلِكَ من الشَّاهِدينَ (لِقِراءَةِ إما ِمهِ) الفاتِحَةَ أو آَيةَ‬
‫السَّجدَةِ‪ ،‬أو اآليةَ اليت ُيسَنّ فيها ما ذُكِرَ لِكُلَ مِن القارِىءِ والسَّامِع‪ ،‬مَأموماً أو غريَه‪،‬‬
‫َمدٍ مل تُْندَب‬ ‫يف صَالةٍ وخارِجِها‪ .‬فلو قَرأَ ا ُملصَلِّي آيةً أو َس ِمعَ آيةً فيها اسمُ ُمح َّ‬
‫الصَّالةُ عليه‪ ،‬كما أفىت به النووي‪( .‬و) ال (ِبفَتْحِ علَيْهِ) أي اإلمامِ إذا َتوَقَّفَ فيها‬
‫صدِ القِراءَةِ‪ ،‬ولو َمعَ الفَتْحِ‪ ،‬وحملّهُ كما قال شيخنا إن سَ َكتَ‪ ،‬وإال قَ َطعَ املُواالةَ‪.‬‬ ‫ب َق ْ‬
‫وتقدميُ حنو سبحانَ اهلل قبلَ الفَتْحِ َيقْ َطعُها على ا َألوْجَهِ‪ ،‬ألنه حينئذٍ َمبعْنَى تَنَبَّه‪( .‬و)‬
‫يعيدُ الفاِتحَة بَِتخَلُّلِ (سكُوتٍ طال) فيها حبيثُ زاد على سَكتَةِ االستِراحَةِ (بِال ُعذْرٍ‬
‫الذكْر األجْنَبِيّ‪ ،‬أو السُّكوتُ الطَّويلُ‪،‬‬ ‫فيهما)‪ ،‬من َجهْلٍ و َس ْهوٍ‪ .‬فلو كان َتخَلُّلُ ِّ‬
‫َررَ آيةً منها يف‬ ‫سَهواً أو َجهْالً‪ ،‬أو كانَ السُّكوتُ لَِتذَكُّر آيةٍ‪ ،‬مل َيضُرّ‪ ،‬كما لو ك َّ‬
‫َمحَلِّها ولو ِلغَيْرِ عُ ْذرٍ‪ ،‬أو عادَ إىل ما قَرَأَهُ قَبْ ٌل واسَتمَرَّ‪ ،‬على ا َألوْجَهِ‪.‬‬
‫سمَلَ أعادَ كُلَّها‬ ‫سمَلَ‪ ،‬فأَتَمَّها مث َذكَرَ أنه َب ْ‬ ‫[فرع]‪ :‬لو شَكَّ يف أثناءِ الفاِتحَةِ هَلْ َب ْ‬
‫على ا َألوْجَهِ‪( .‬وال أَثَرَ ِلشَكَ يف تَرْكِ حَرْفٍ) فأ ْكثَر من الفاِتحَةِ‪ ،‬أو آيةٍ فأكثر منها‪.‬‬
‫(بعد متامِها) أي الفاِتحَةِ‪ ،‬ألن الظاهِرَ حينئذٍ مضِيُّها تامَّةً‪( .‬واستَأْنَفَ) وجوباً إن شَكَّ‬
‫فيه (قَبْلَهُ) أي التَّمام‪ .‬كما لو شَكّ هل قَرأها أو ال؟ ألن األصلَ ع َدمَ قراءَتِها‪.‬‬
‫وكالفاِتحَةِ يف ذلك سائِرِ األرْكانِ‪ .‬فلو شك يف أصلٍ السُّجودِ مثالً أتى به‪ ،‬أو بع َدهُ‬
‫ضعِ الَيدِ‪ ،‬مل يل َزمْهُ شيء‪ .‬ولو قَرَأها غافِالً َففَطِنَ عِْندَ {صِراطَ َّالذِينَ} ولَمْ‬ ‫يف حنو َو ْ‬
‫جبُ التَّرتيبُ يف الفَاتِحَةِ بأن يأيت هبا على نَ ْظمِها‬ ‫يَتََيقَّنْ قراءَتَها لَ ِز َمهُ استِئْنافُها‪ .‬وَي ِ‬
‫َهدِ ما مل ُيخِلّ با َملعْنَى‪ .‬لكن ُيشْتَرَطُ فيه رِعايةُ تشديداتٍ ومواالةٌ‬ ‫ا َملعْروفِ ال يف التَّش ُّ‬
‫كالفاِتحَةِ‪ .‬ومَنْ جهلَ مجيعَ الفاِتحَةِ ومل ُيمْكِنْهُ َتعَلّمها قبلَ ضِيقِ ال َو ْقتِ‪ ،‬وال قراءَهتا‬
‫صحَفٍ‪ ،‬لَ ِزمَهُ قرا َءةُ سَْبعُ آياتٍ ولو متفرقةٍ ال ينقض حُروفُها عن حُروفِ‬ ‫يف حنوِ ُم ْ‬
‫سمَلَةِ بالتَّشديداتِ مائةٌ وسِتَّةٌ ومخسون حَرْفاً بإثباتِ َألِفِ مالِكِ‬ ‫الفاِتحَةِ‪ ،‬وهي بالَب ْ‬
‫َررَهُ لِيَبُْلغَ َق ْدرَها‪ ،‬وإن مل َي ْق ِدرْ على َبدَلٍ َفسَْبعَةُ أنواعٍ‬ ‫ولو قدرَ على َبعْضِ الفاِتحَةِ ك َّ‬
‫من ِذكْ ٍر كذلك‪َ ،‬فوُقوفٌ َب َق ْدرِها‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫(وسُنّ) وقيل‪ :‬جيبُ (بعد َتحَرُّم) ِبفَ ْرضٍ أو َنفْلٍ‪ ،‬ما عدا صالة جَنَازَةٍ‪( .‬افتِتاحٌ)‬
‫أي دُعاؤهُ سِ ّراً إن َأمِنَ َفوْتَ ال َو ْقتِ وغََلبَ على ظَنِّ املَأمومِ إدْراكُ رُكوعِ اإلمامِ‪( ،‬ما‬
‫مل ُيشْرِعْ) يف َتعَوُّذٍ أو قراءَةٍ ولو َسهْواً‪( .‬أو َيجْلِس مَأمومٌ) مع إمامه‪ ،‬وإن أَمَّنَ مع‬
‫ت ْأمِينِهِ‪( .‬وإن خافَ) أي املأمومُ‪َ( ،‬فوْتَ سُورَةٍ) حيث ُتسَنّ له‪ .‬كما ذكر شيخنا يف‬
‫حقَّقٌ‪ ،‬وفَواتُ السُّورَةِ َموْهُومٌ‪ ،‬وقد ال يَقع‪.‬‬ ‫شرح العُباب وقال‪ :‬ألن إدراكَ االفْتِتاحِ ُم َ‬
‫َج ْهتُ وَ ْجهِيَ أي ذايت‬ ‫َووَرد فيه أدْعَِيةٌ كثريةٌ‪ .‬وأفضَلُها ما رواه مسلم‪ ،‬وهي‪ :‬و َّ‬
‫لَِّلذِي فَطَرَ السَّمواتِ وا َأل ْرضَ حَنيفاً أي مائِالً عن األدْيانِ إىل الدِّينِ احلَقّ ُمسْلِماً‪،‬‬
‫وما أنا مِنَ ا ُملشْرِكني‪ .‬إِنَّ صالتِي وُنسُكِي و َمحْيَايَ و َممَاتِي هلل رَبِّ العاَلمِنيَ‪ ،‬ال‬
‫شَرِيكَ له‪ ،‬وبذلِكَ ُأمِرْتُ‪ ،‬وأَنا مِنَ ا ُملسِْلمِنيَ‪ .‬وَُيسَنُّ ِلمَأمُومٍ َيسْ َمعُ قِراءَةَ إما ِمهِ‬
‫حصُورينَ غريَ أ ِرقّاءَ وال نِساءٌ مُتَزوّجات‬ ‫اإلِسراعُ به‪ ،‬ويزيدُ َندْباً املُْنفَرِدُ‪ ،‬وإمامُ َم ْ‬
‫جدُ مَطْرُوقاً‪.‬‬‫َرضُوا بالتَّطوي ِل َلفْظاً َوَلمْ يَطْرَأ غَيْرُهم‪ ،‬وإن قَلَّ َحضُورُهُ‪ .‬ومل يَكُن املَس ِ‬
‫اللهُمَّ باعِدْ بَيْنِي وبَيْنَ خَطايايَ كما بَا َعدْتَ بني ا َملشْرِقِ‬ ‫ومنه ما رواهُ الشيخان‪َّ :‬‬
‫اللهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطايَايَ كما يُنَقَّى َّالثوْبُ األبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ‪ .‬اللَّهُمَّ‬ ‫وا َملغْرِب‪َّ .‬‬
‫ا ْغسِلْين مِن خطايايَ كما ُي ْغسَلُ الثَّوْبُ باملاءِ والثَّلْجِ والبَرَدِ‪ )( .‬ب ْعدَ افتِتاحٍ وتكبريِ‬
‫جلهْرِيَّةِ‪ .‬وإن‬ ‫صالةِ عيدٍ إنْ أَتَى هبما ُيسَنّ (َتعَوُّذٌ) ولو يف صالة اجلَنازَةِ‪ ،‬سِ ّراً ولو يف ا َ‬
‫جَلَسَ مع إمامِهِ (كلَّ َر ْكعَةٍ) ما َلمْ يُشْرِعْ يف قراءَةٍ ولو َسهْواً‪ .‬وهو يف األوىل آ َكدُ‪،‬‬
‫ويُكْرَهُ تَ ْر ُكهُ‪.‬‬
‫جمْعٍ‬ ‫سمَلةِ‪ ،‬خالفاً ِل َ‬ ‫(و) ُيسَنّ (وقفٌ على رَأسِ كل آيةٍ) حىت على آخِرِ الَب ْ‬
‫(منها) أي مِنَ الفاِتحَةِ‪ ،‬وإن َتعََّل َقتْ مبا َب ْعدَها‪ ،‬لالتِّباعِ‪ .‬وا َألوْىل أن ال يقِفَ على‬
‫{أَْن َع ْمتَ عَلَْي ِهمْ} ألنَّه ليسَ ِب َوقْفٍ وال مُنْتَهى آيَةٍ عِْندَنا‪ ،‬فإن َوقَفَ على هذا مل ُتسَنّ‬
‫خفِيفِ واملَدِّ‪ .‬و َحسُنَ‬ ‫بالت ْ‬
‫اإلِعادَةُ من أَوَّلِ اآليةِ‪( .‬و) ُيسَنّ (تأمِنيٌ) أي قوله‪ :‬آمني‪َّ .‬‬
‫زيادَةُ‪ :‬رَبّ العاَلمِنيَ‪َ ( ،‬عقِبَها) أي الفاحتة ولو خارج الصالة بعد سَكْتَةٍ لطيفَةِ‪ ،‬ما مل‬
‫جلهْرِيَّةِ‪ ،‬حىت لِ ْلمَأمومِ ِلقِرَا َءةِ‬ ‫جلهْرُ ِبهِ يف ا َ‬
‫يَتَل ََّفظْ بِشيءٍ سِوَى رَبِّ ا ْغفِرْ يل‪ .‬وُيسَنُّ ا َ‬
‫جلهْرِيَّةِ تَأْمنيٌ (مع) تَأمِنيِ (إما ِمهِ إن َس ِمعَ) قِراءَتَهُ‪،‬‬ ‫إمامٍ تبعاً له‪( .‬و) سُنَّ لِمأمومِ يف ا َ‬
‫ِلخَبَرِ الشيخني‪" :‬إذا أمَّنَ اإلمامُ أي أرادَ التَّأمني فَأَمِّنُوا‪ .‬فإنّه مَنْ وافَقَ تَأمِينُهُ تَأمِني‬
‫َقدمَ مِنْ ذَنْبِهِ"‪ .‬وليسَ لنا ما ُيسَنّ فيه َتحَرّي مُقارَنَة اإلمامِ إالّ‬ ‫املالئِكَةِ ُغفِرَ لهُ ما ت َّ‬
‫الزمَنِ املَسنونِ فيه‬ ‫هذا‪ .‬وإذا مل يََّتفِقْ له مواَفقَته أمَّنَ عَ ِقبَ تأمِينِهِ‪ .‬وإن أخَّرَ إمامُهُ عن َّ‬
‫جبْ‪ ،‬مَبْنِي على الفَتْحِ‪ ،‬وُيسَكَّنُ‬ ‫التَّأمِنيُ أَمَّنَ املأمُومُ َجهْراً‪ .‬وآمني اسمُ ِفعْلٍ مبعىن اسَت ِ‬
‫عندَ ال َوقْفِ‪.‬‬
‫جلهْرِيَّة ب َق ْدرِ قراءَةِ املأمومِ الفَاِتحَةَ إن عَلِمَ‬ ‫[فرع]‪ُ :‬يسَنُّ لإلِمامِ أن َيسْ ُكتَ يف ا َ‬
‫أنه َيقْرَؤها يف سَكْتَةٍ كما هو ظاهِرٌ‪ ،‬وأن َيشَْتغِلَ يف هذِهِ السَّكْتَةِ ِبدُعاءٍ أو قراءَةٍ‪،‬‬
‫وهِيَ َأ ْولَى‪ .‬قال شيخُنا‪ :‬وحينئذٍ فَيَ ْظهَرُ أنه يُراعِي التَّرْتِيبَ واملُواالةَ بينها وبني ما‬
‫َيقْرَؤها وَب ْعدَها‪..‬‬
‫[فائدة]‪ُ :‬يسَنُّ سَكَتَةٌ لَطِيفَةٌ ِب َق ْدرِ سُبْحانَ اللَّهِ‪ ،‬بني آمني والسُّورَة‪ ،‬وبنيَ آخِرِها‬
‫سمَلَةِ‪.‬‬ ‫َرمِ ودُعاءِ االفتِتاحِ وبَيْنَه وبنيَ َّالتعَوُّذِ وبينَهُ وبنيَ الَب ْ‬‫وتكبريَةِ الرُّكوع‪ ،‬وبني َّالتح ُّ‬
‫(و) سُنَّ آَيةٌ فأكْثَر‪ ،‬وا َأل ْولَى ثالثٌ (َب ْعدَها) أي َب ْعدَ الفاِتحَةِ‪ .‬وُيسَنُّ ِلمَنْ قَرَأها من‬
‫حصَلُ أصْلُ السُّنَّةِ بتكريرِ سُورَةٍ وا ِحدَةٍ يف‬ ‫سمَلَةِ‪ .‬نَصَّ عليه الشاِفعِيّ‪ .‬وَي ْ‬ ‫أثناءِ سُورَةِ الَب ْ‬
‫سمَلَةِ ال ِب َقصْدِ أنَّها اليت‬ ‫الر ْكعَتَني‪ ،‬وبإعادَةِ الفاِتحَةِ إن مل َيحْ َفظْ غَيْرَها‪ ،‬وبقراءَةِ البَ ْ‬ ‫َّ‬
‫هِيَ أوَّل الفَاِتحَةِ‪ ،‬و ُسوَرةٍ كامِلَةٍ حيث مل يَرِدْ الَبعْضُ‪ ،‬كما يف التَّراوِيحِ َأ ْفضَلُ مِنْ‬
‫قدمَها‬ ‫َبعْضِ َطوِيلةٍ وإن طالَ‪ .‬ويُكْرَهُ تَ ْركُها رِعايَةً ِلمَنْ َأوْجَبَها‪ .‬وخَ َرجَ بَِب ْعدِها ما َلوْ َّ‬
‫حسَب‪ ،‬بل يُكْرَهُ ذلك‪ .‬وينبغي أن ال َيقْرَأ غريَ الفاِتحَةِ مَنْ يَلْحَن فيه َلحْناً‬ ‫عَلَيها فال ُت ْ‬
‫‪21‬‬
‫ُيغَيِّرُ ا َملعْنَى‪ .‬وإن َعجَزَ عن َّالتعَلُّم‪ ،‬ألنه يَتَكلَّم مبا لَيْسَ ِبقُرآنٍ بال ضَرُورَة‪ .‬وتَرْكُ‬
‫السُّورَةِ جائِزٌ‪ .‬و ُمقَْتضَى كَالمُ اإلِمامِ‪ :‬احلُ ْرمَة‪.‬‬
‫الر ْكعَتَيْنِ (األَوليَيْنِ) مِن رُباعيَّةٍ أو ثُالثِيَّةٍ وال ُتسَنُّ يف األخِريتَيْن‬ ‫(و) ُتسَنّ (يف) َّ‬
‫إالَّ ِل َمسْبُوقٍ بأن مل ُي ْدرِكُ األُولَيَيْنِ مع إمامِه فَيقُ َرؤُها يف باقي صَالتِهِ إذا َتدَا َركَهُ ومل‬
‫س ُقطْ عنه لِ َكوْنِهِ َمسْبُوقاً فيما أَ ْد َركَه‪ ،‬ألن اإلِمامَ إذا‬ ‫يَكُنْ قَرَأها فِيما أَ ْدرَكه‪ ،‬ما مل َت ْ‬
‫َتحَمَّلَ عنهُ الفاِتحَةَ فالسُّورَةَ َأ ْولَى‪ .‬ويُسَنّ أن يُطَوِّلَ قراءَ َة األوىل على الثانيةِ‪ ،‬ما مل يَرِدْ‬
‫صحَفِ‪ ،‬وعلى التَّوايل‪ ،‬ما مل تَكُن اليت‬ ‫نَصٌّ بتطويلِ الثّانِيَةِ‪ .‬وأن َيقْرَأ على تَرتِيبِ ا ُمل ْ‬
‫تَلِيها أَ ْطوَلُ ولو تَعا َرضَ التَّرتِيبُ‪ ،‬وتَطويلُ األوىل كأَنْ قَرَأَ اإلِخالصَ‪ ،‬فهل َيقْرَأُ الفَلَقَ‬
‫نَظَراً لِلتَّرْتِيبِ؟ أو ال َكوْثَرِ نَظراً لِتَطويلِ األوىل؟ كلٌّ ُمحَْتمَلٌ‪ ،‬واألقْرَبُ األوَّل‪ .‬قاله‬
‫شيخنا يف شرح املنهاج‪ .‬وإمنا تُسَنُّ قِراءَةُ اآلَيةِ (ل) إلِما ِم ومُنْفردٍ و (غريِ مأمومَ َس ِمعَ)‬
‫س َمعْها‪ ،‬أو َس ِمعَ صَوتاً‬ ‫قراءَةَ إمامِهِ يف اجلَهْرِيَّةِ فتُكْرَه له‪ .‬وقيل‪َ :‬تحْرُم‪ .‬أما مأموم مل َي ْ‬
‫ال ُيمَيِّز حُروفَهُ‪ ،‬فََيقْرَأْ سِ ّراً‪ .‬لكن ُيسَنّ له كما يف أولَييِ السِّرِّيَّةِ تأخريُ فاِتحَتِهِ عن‬
‫فاِتحَةِ إمامِهِ إن ظَنَّ إ ْدرَاكَها قبلَ رُكوعِهِ‪ ،‬وحينئذٍ يشتَغِل بالدُّعاءِ ال القِراءَةِ‪ .‬وقال‬
‫الر ْفعَةِ‪ :‬يُكْرَهُ الشُّروعُ فيها قبله ولو يف السرقة‪ ،‬للخالفِ يف‬ ‫املَُت َولّي‪ ،‬وأقرَّهُ ابنُ ِّ‬
‫االعتِدادِ هبا حينئذٍ‪ ،‬وِلجَرَيا ِن َقوْ ٍل بالبُطْالنِ إن فَرَغَ مِنها قَبْلَه‪.‬‬
‫شهُّدِ األوَّلِ‬ ‫[فرع]‪ُ :‬يسَنُّ لِمأمومٍ فَرَغَ من الفَاِتحَةِ يف الثّالِثَةِ أو الرّاِبعَةِ‪ ،‬أو مِنَ َّالت َ‬
‫قَبْلَ اإلِمامِ‪ ،‬أن َيشَْتغِلَ ِبدُعاءٍ فيهما‪ ،‬أو قِراءَةٍ يف األُوىل وهي َأ ْولَى‪( .‬و) ُيسَنُّ للحاضِرِ‬
‫جل ُمعَةِ واملُنافِقون أو سَبِّحْ وهَلْ أَتَاكَ و) يف‬ ‫(يف) صَالتِه ( ُج ُم َعةٍ وعِشائِها) سُورَة (ا ُ‬
‫جدَةِ (وَهَلْ أَتَى‪ .‬و) يف‬ ‫الس ْ‬
‫سعَ ال َو ْقتُ (آمل َتنْزِيل) َّ‬ ‫(صُْبحِها) أي اجلمعة إذا َّات َ‬
‫َمغْرِبِها (الكافِرونَ وَاإلِخْالص)‪ .‬وُيسَنُّ قراءَُتهُما يف صُبْحِ اجلمعة وغريها للمُسافِرِ‪،‬‬
‫ويف َر ْكعَتَيْ ال َفجْرِ وا َملغْرِبِ والطَّوافِ وا َّلتحِيَّةِ واالستِخارَةِ واإلِحْرامِ‪ ،‬لالتِّباعِ يف‬
‫الكُلِّ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو تَرَكَ إِ ْحدَى ا ُملعَيَّنَتَيْنِ يف األُوىل أتى هبما يف الثانية‪ ،‬أو قَرَأَ يف األُوىل ما‬
‫يف الثانية قَرَأَ فيها ما يف األُوىل‪ .‬ولو شَرَعَ يف غريِ السُّورَةِ ا ُملعَيَّنة‪ ،‬ولو َسهْواً‪ ،‬قَ َطعَها‬
‫وقرأ ا ُملعَيَّنَة َندْباً‪ .‬وعندَ ضِيقِ َو ْقتٍ‪ :‬سورتان قصريتان أفضلُ من َبعْضِ الطويلتني‬
‫ا ُملعَيَّنَتَني‪ ،‬خالفاً للفارقي‪ .‬ولو مل َيحْفَظ إال إحدَى ا ُملعَيَّنتني قرأها ويُْبدِل االخرَى‬
‫جلمُعةِ مثالً‪ ،‬وسَ ِمعَ قراءَةَ‬ ‫ِبسُورَةٍ َحفِظَها وإن فاتَهُ الوَالءُ‪ .‬ولو اقَْتدَى يف ثانيةِ صُبْحِ ا ُ‬
‫اإلمامِ {هَلْ أَتَى} فيقْرَأ يف ثانِيَتِهِ إذا قامَ بعدَ سالمِ اإلمامِ امل تنزيل‪ .‬كما أفىت به‬
‫الكمالُ الرّدادُ وتَِبعَهُ شيخنا يف فتاويه‪ .‬لكن قضية كالمِهِ يف شرحِ املِنْهاجِ أنه َيقْرَأ يف‬
‫ثانيته إذا قامَ هَلْ أتَى‪ ،‬وإذا قَرَأَ اإلِمامُ غريَها قرأهُما املأمومُ يف ثانيته‪ .‬وإن أدرَكَ اإلِمامَ‬
‫جدَةَ وهل أَتَى يف ثانيته‪ .‬كما أفىت به‬ ‫يف رُكوعِ الثانيةِ فكما لو مل َيقْرَأْ شيئاً فيقْرَأُ السَّ ْ‬
‫شيخنا‪.‬‬
‫جلهْرُ بالقِراءَةِ لغريِ مَأمومِ يف صُبْحِ وأُولَييْ ال ِعشَاءَيْنِ و ُج ُمعَةٍ وفيما‬ ‫[تنبيه]‪ُ :‬يسَنُّ ا َ‬
‫الشمْسِ وطُلوعِها‪ ،‬ويف العِيدَيْن قال شيخنا‪ :‬ولو َقضَاءً والتراويح‬ ‫َي ْقضِي بني غُروبِ َّ‬
‫جهَرُ ُمصَلَ‬ ‫ِلنهْي عنه‪ .‬وال َي ْ‬ ‫جلهْرُ‪ ،‬ل َّ‬
‫ووترِ رمَضانِ وخُسوفِ ال َقمَرِ‪ .‬ويُكْرَهُ للمأمومِ ا َ‬
‫ضهُمُ‬ ‫حثَ َب ْع ُ‬ ‫وغريه إن شَوَّشَ على حنو ناِئمٍ أو مُصَلَ‪ ،‬فَيُكْرَه‪ .‬كما يف اجملموع‪ .‬وَب َ‬
‫جلهُرِ ِبقُرآنٍ أو غريِهِ حبضْرَةِ ا ُملصَلِّي مُطُلَقاً‪ ،‬ألن املسجدَ َوقْفٌ على ا ُملصَلِّني‬ ‫املَْنعَ مِنَ ا َ‬
‫جلهْرِ واإلِسْرارِ يف النَّوافِلِ املُطَْلقَةِ لَيْالً‬ ‫َتوسطُ بنيَ ا َ‬ ‫أي أصالَةً دون الوُعَّاظِ والقُراءِ‪ ،‬وي َّ‬
‫(و) سُنَّ ِلمُْنفَرِدٍ وإمامٍ ومَأمومٍ (تكبريٌ يف كُلِّ َخفْضٍ ور ْفعٍ) لالتِّباع‪( ،‬ال) يف َرفْعٍ‬
‫(من رُكوعٍ)‪ ،‬بل يَ ْرَفعْ منه قائالً‪َ :‬س ِمعَ اللّهُ ِلمَنْ َح ِمدَهُ‪( ،‬و) سُنَّ ( َمدّه) أي التَّكبري‬
‫إىل أن َيصِلَ إىل املُنْتَقلِ إليه‪ ،‬وإن َفصَل ِبجَ ْلسَةِ االستِرا َحةِ‪( .‬و) سُنَّ ( َجهْرٌ بهِ) أي‬
‫‪22‬‬
‫وُيسَنُّ فتحُ عينيهِ حالَةَ السّجودِ كما قاله ابن عبد السالم‪ ،‬وأقرَّهُ الزركشي‪.‬‬
‫ويُكْرَهُ خمالفَةُ الترتيبِ املذكورِ وعَدَمُ وضعِ األنفِ‪( ،‬وقولُ‪ :‬سبحانَ ربّيَ األعلى‬
‫جدْتُ‪ ،‬وبِكَ‬ ‫ح ْمدِه ثالثاً) يف السجودِ لالتّباع‪ .‬ويزيد مَنْ مَرّ نَدباً‪ :‬اللهمَّ لك َس َ‬ ‫وِب َ‬
‫ح ْولِهِ‬ ‫َورَهُ وشَقَّ َس ْمعَهُ وَبصَرَهُ ِب َ‬
‫جدَ وَ ْجهِي لَِّلذِي خََلقَهُ وص َّ‬ ‫آمْنتُ‪ ،‬ولكَ أسَلمْتُ‪َ .‬س َ‬
‫وقُوَّتِهِ‪ ،‬تبارَ َك اللّهُ أحسَنُ اخلَاِلقِنيَ‪.‬‬
‫وُيسَنّ إكثارُ الدُّعاءِ فيه‪ .‬ومما وَرَدَ فيه‪ :‬اللهُمَّ إين أعوذُ بِرِضاكَ مِنْ َسخَطِك‪،‬‬
‫وِبمُعافاتِكَ مِنْ عُقوبَتِك‪ .‬وأعوذُ بِكَ مِنْكَ‪ ،‬ال أُ ْحصِي ثناءً عليكَ أنتَ كما أثْنَيْتَ‬
‫وأولَه وآخِرَه‪ ،‬وعالنِيَتِه وسِرَّه‪ .‬قال‬ ‫على نفسِكَ اللهمَّ ا ْغفِرْ يل ذَنْيب كُلَّه ِدقَّهُ وجِلَّه‪َّ ،‬‬
‫يف الروضة‪ :‬تطوي ُل السجودِ أفضلُ من تطويلِ الرّكوع‪.‬‬
‫(و) ثامِنُها‪( :‬جلوسٌ بيَنهُما) أي السَّجدتَيْن‪ ،‬ولو يف َنفْلٍ على ا ُملعََت َمدِ‪ .‬وجيبُ أن‬
‫سعِ َعقْرَبٍ أعادَ السُّجودَ‪ .‬وال َيضُرّ‬ ‫صدَ بر ْفعِهِ غريِه‪ ،‬فلو َرَفعَ فَزِعاً من حنو لَ ْ‬ ‫ال َي ْق ُ‬
‫إدامَةُ َوضْع يديه على األرضِ إىل السجدَةِ الثانيةِ اتّفاقاً‪ ،‬خالفاً ِلمَن وَهَم فيه‪( .‬وال‬
‫صريَيْن‪.‬‬ ‫يُطَوِّله‪ ،‬وال اعتِداالً) ألهنما غري مقصُودَين لذاتِهما بل شُرِعا لِل َفصْلِ‪ ،‬فكانا َق ِ‬
‫فإن طَوَّلَ أحدَهُما فوقَ ِذكْرِهِ ا َملشْروع فيه َقدْرَ الفاِتحَةِ يف االعتِدالِ أقلَّ التش ّهدُ يف‬
‫اجلُلوسِ عامِداً عالِماً بَطَلتْ صالتُه‪.‬‬
‫سةِ استِرا َحةٍ‪،‬‬ ‫(تشهدٍ أوَّل) وجَ ْل َ‬
‫ُّ‬ ‫(وسُنَّ فيه) اجللوسُ بني السجدتني‪( ،‬و) يف‬
‫تشهدٍ أخريٍ إن َتعَقَّبَه سجودُ َس ْهوٍ‪( .‬افتراشٌ) بأن َيجْلُسَ على كَ ْعبِ يُسراهُ‬ ‫وكذا يف ُّ‬
‫حبيثُ يلي َظهْرُها األرضَ‪( ،‬واضِعاً كفَّيْه) على فَخذَيْه قريباً من ُركْبَتَيه حبيث‬
‫تسامُتهُما رُؤوسُ األصابعِ‪ ،‬ناشِراً أصاِبعَه‪( ،‬قائالً‪ :‬ربِّ ا ْغفِرْ يل‪ ،‬إىل آخره) تتمَّته‪:‬‬
‫وارْ َحمْين‪ ،‬واجْبُرْين‪ ،‬وا ْرَفعْين‪ ،‬وارْ ُزقْين‪ ،‬وا ْهدِين‪ ،‬وعافِين‪ .‬لالتباع‪ .‬ويكرر‪ :‬ا ْغفِرْ يل‪،‬‬
‫ثالثاً‪( .‬و) سُنَّ (جَلسَةُ استِراحَةٍ) ِب َق ْدرِ اجللوسِ بني السجدتني لالتباع‪ ،‬ولو يف َنفْلِ‪،‬‬
‫وإن تَ َركَها اإلِمامُ خالفاً لشيخنا (لقيامٍ) أي ألجلِهِ‪ ،‬عن سجودٍ لغريِ تالوَةٍ‪ .‬وُيسَنُّ‬
‫اعتمادٌ على بَطْنِ كَفَّيْه يف قيامٍ من سجودٍ وقعودٍ‪.‬‬
‫(و) تا ِسعُها‪ُ ( :‬طمَأنِينَةٌ يف كُلّ) من الرُّكوعِ والسُّجودَيْنِ‪ ،‬واجلُلوسُ بيَنهُما‪،‬‬
‫واالعتِدالُ‪ ،‬ولو كانا يف َنفْلٍ‪ ،‬خالفاً لألنوارِ‪ .‬وضَابِطُها أن تسَتقِرّ أعضاوهُ حبيثُ‬
‫ينفصِ ُل ما انَتقَلَ إليه َعمّا انتقَلَ عَنْه‪.‬‬
‫َهدٌ أخريٌ‪ ،‬وأقَلَّه) ما رواه الشافعي والتّرِمذيّ‪( :‬التيحاتُ هلل إىل‬ ‫(و) عاشِرُها‪َ( :‬تش ُّ‬
‫آخره) تتمته‪ :‬سالمٌ عليكَ أيّها النيبُّ ورمحةُ اللّهِ وبَرَكاتُه‪ ،‬سالمٌ علينا وعلى عِبادِ الّلهِ‬
‫الصَّالِحني‪ ،‬أش َهدُ أن ال إلهَ إالَّ اهلل وأنَّ َحممّداً رسولُ اهلل‪ .‬وُيسَنُّ لِكُلِّ زيا َدةٍ‪:‬‬
‫ضعَيْن‪ ،‬ال‬ ‫املُبارَكاتُ الصلوات الطَّيِّباتُ‪ ،‬وأش ِهدُ الثَّانِي‪ ،‬وتعريفُ السَّالمِ يف املَ ْو ِ‬
‫سمَلَة قَبْلَه‪ ،‬وال يَجوزُ إبدالُ َل ْفظٍ من هذا األقَلّ ولو ِبمُرادفه‪ ،‬كالنيبِّ بالرّسولِ‬ ‫البَ ْ‬
‫وعكسه‪ ،‬وحممد بأمحد وغريه‪ ،‬ويكفي‪ :‬وأن حممداً عبدُهُ ورسولُه‪ ،‬ال وأنّ حممداً‬
‫رَسولُه‪ .‬وجيبُ أن يراعي هنا التشديدات‪ ،‬وعدمَ إبدالِ حَرفٍ بآخَر‪ ،‬واملُواالةَ ال‬
‫التَّرتيبَ إن مل ُيخِلّ با َملعْىن‪ .‬فلو أ ْظهَرَ النُّونَ ا ُملدْ َغمَة يف الالمِ يف أن ال إلهَ إالَّ اهلل أبطَلَ‬
‫َمدٍ يف راءِ رَسولِ اهلل‪ .‬وجيوزُ يف النيبّ‬ ‫لِتَ ْركِهِ شَدَّةً منه‪ ،‬كما لو تَرَكَ إدغامَ دالِ ُمح َّ‬
‫اهلمزَةُ والتَّشديدُ‪.‬‬
‫تشهدٍ أخريٍ‪ ،‬فال تُجزىء‬ ‫(و) حادي عشرها‪( :‬صالةٌ على النيبّ) (َب ْعدَهُ) أي بعدَ ُّ‬
‫بالتعْظيمِ‪ ،‬أو صلّى اهلل (على‬ ‫قَبْلَه‪( .‬وأقلّها‪ :‬اللهمَّ صلِّ) أي ارحَمْهُ رَ ْحمَةً َمقْرونَةً َّ‬
‫َمدٍ)‪ ،‬أو على رسولِهِ‪ ،‬أو على النيبِّ‪ ،‬دون أمحد‪.‬‬ ‫ُمح َّ‬
‫جبُ‪( .‬صالةٌ على آلِهِ) فيحصَل أقلُّ الصالةِ‬ ‫تشهدٍ (أخريٍ) وقيل‪َ :‬ي ِ‬ ‫(وسُنّ يف) ُّ‬
‫على اآللِ بزيا َدةِ وآلِهِ‪ ،‬مع أقَلِّ الصَّالةِ ال يف األوَّل على األصَحّ‪ ،‬لِبنائِهِ على التَّخفِيفِ‪،‬‬
‫‪25‬‬
‫صحّةِ‬ ‫وألن فيها َنقْلُ رُكْنٍ َق ْولِيّ على َقوْلٍ‪ ،‬وهو مُبْطِلٌ على َقوْلٍ‪ .‬واختريَ مقابُِلهُ ِل ِ‬
‫أحاديث فيه‪( .‬وُيسَنّ أ ْكمَلُها يف تَشَهُّدٍ) أخري‪ ،‬وهو‪ :‬اللهمَّ صلِّ على مُح ّمدٍ وعلى آلِ‬
‫ح ّمدٍ‪ ،‬كما صَلَّْيتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ‪ ،‬وبارِكْ على حم ّمدٍ وعلى آلِ‬ ‫ُم َ‬
‫َدمَ‬ ‫حممدٍ‪ ،‬كما با َركْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ‪ ،‬إنك حَميدٌ مَجيدٌ‪ .‬والسَّالمُ َتق َّ‬
‫َمدٍ‪( .‬و) سُنَّ‬ ‫سيدِنا قبلَ مُح َّ‬
‫َهدِ فليسَ هنا إفرادُ الصالةَ عنهُ‪ ،‬وال بأسَ بِزيادَةِ ِّ‬ ‫التش ُّ‬
‫يف َّ‬
‫َهدٍ أخريٍ (دعاء) بعد ما ُذكِرَ كله‪.‬‬ ‫يف َتش ُّ‬
‫وأما التشهدُ األوَّلُ فيكرَهُ فيه الدُّعاءُ لبنائِهِ على التخفيفِ‪ ،‬إالَّ إن فَرَغ قبلَ إمامِه‬
‫فيدعو حينئذٍ‪ .‬ومأثورُهُ أفضلُ‪ ،‬وآ َكدُهُ ما أوجَبَهُ بعضُ العلماءِ‪ ،‬وهو‪ :‬اللهمَّ إين أعوذُ‬
‫بك مِنْ عذابِ القربِ‪ ،‬ومن عذابِ النارِ‪ ،‬ومِن فِتْنَةِ ا َملحْيَا وا َملمَاتِ‪ ،‬ومِنْ فِتْنَةِ املَسيح‬
‫َد ْمتُ وما أخَّرْتُ‪ ،‬وما أسْ َررْتُ وما‬ ‫الدَّجّال‪ .‬ويُكرهُ تَ ْركُه‪ .‬ومنه‪ :‬اللهمَّ اغفِرْ يل ما ق َّ‬
‫َدمُ وأنت ا ُملؤَخِّرُ‪ ،‬ال إلهَ إالَّ‬ ‫أعْلَْنتُ‪ ،‬وما أسْرَفتُ‪ ،‬وما أنتَ أعَْلمُ به مين‪ .‬أنعت املُق ِّ‬
‫أنتَ‪ .‬روامها مسلم‪ .‬ومنه أيضاً‪ :‬اللهمَّ إين ظََل ْمتُ نفسي ظُلْماً كبرياً كثرياً وال َي ْغفِرُ‬
‫الذُّنوبَ إالَّ أنتَ‪ ،‬فا ْغفِرْ يل َم ْغفِرَةً من عِْندِك‪ ،‬إنَّكَ أنتَ الغَفُورُ الرَّحيمُ‪ .‬رواه‬
‫البخاري‪ .‬وُيسَنُّ أن يَْنقُصَ دعاءُ اإلِمامِ عن قدرِ أقلِ التشهُّدِ‪ ،‬والصالةِ على النيب‪ .‬قال‬
‫شيخنا‪ :‬تُكْرَ ُه الصالةُ على النيب بعد أدْعِيَةِ َّالتشَهُّد‪.‬‬
‫للتشهدِ والصَّالةِ‪ ،‬وكذا للسالمِ‪( .‬وسُنَّ تَوَرُّكٌ‬ ‫(و) ثاين عشرها‪( :‬قعودٌ هلما) أي ُّ‬
‫َّشهدِ األخريِ‪ ،‬وهو ما َي ْعقِبُهُ سالمٌ‪ .‬فال يَتَورَّكْ مسبوقٌ يف تشهد‬ ‫فيه) أي يف قُعودِ الت ُّ‬
‫سجُد ِلسَ ْهوٍ‪ .‬وهو كاالفتِراشِ‪ ،‬لكن ُيخْرِج ُيسْراهُ من ج َهةِ‬ ‫إمامِهِ األخري‪ ،‬وال من َي ْ‬
‫َهدَيْه على طرَفِ ُركْبَتَيْهِ)‬ ‫يُمناهُ ويُ ْلصِق وركَهُ باألرضِ‪( .‬ووضعُ يديهِ يف) قعودِ (َتش ُّ‬
‫ضمَ هلا‪( ،‬وقابضاً) أصابِعَ‬ ‫حبيثُ تسامِتُهُ رؤوسُ األصاِبعِ‪( ،‬ناشراً أصاِبعَ يُسراهُ) مع َ‬
‫(يُمناهُ إالَّ ا ُملسَِّبحَة) بكسر الباء‪ ،‬وهي اليت تلي اإلِهبام فيُرْسِلها‪( .‬و) سُنَّ ( َر ْفعُها)‬
‫أي ا ُملسَِّبحَة مع إمالَتِها قليالً (عند) هَمْزَةِ (إالَّ اهلل) لالتِّباعِ‪( .‬وإدامَتُه) أي الرفع‪ .‬فال‬
‫ضعَ‬ ‫ضعْها بل تبقى مرفوعَةً إىل القِيامِ أو السالمِ‪ ،‬واألفضَلُ قبضُ اإلِهبامِ ِبجَنْبِها‪ ،‬بأن َي َ‬ ‫َي َ‬
‫رأسَ اإلِهبامِ عند أ ْسفَلِها على حَرْفِ الراحَةِ‪ ،‬كعاِقدِ ثالثةٍ ومخسني‪ .‬ولو َوضَعَ الُيمْىن‬
‫الركْبَةِ يُشريُ بسبّابَتِها حينئذٍ‪ ،‬وال ُيسَنُّ َر ْفعُها خارجَ الصَّالةِ عند إالَّ اهلل‪.‬‬ ‫على غريِ ُّ‬
‫حوِ ُكمَ‪،‬‬ ‫(و) سُنَّ (نَظرٌ إليها) أي َقصْرُ النَّظَرِ إىل ا ُملسَِّبحَةِ حال َر ْفعِها‪ ،‬ولو مَستورةً بَِن ْ‬
‫كما قال شيخنا‪( .‬و) ثالث عشرها‪ :‬تسليمةٌ أُوىل‪( ،‬وأقلُّها‪ :‬السالمُ علي ُكمْ) لالتِّباع‪،‬‬
‫ويكرَهُ علي ُكمُ السَّالمُ‪ ،‬وال ُيجْزِىءُ سَالمٌ علَيْ ُكمْ بالتَّنْكريِ وال سَالمُ اللّهِ أو سَالمِي‬
‫َمدَ وَعَِلمَ‪ .‬كما يف شرح اإلِرشادِ لشيخنا‪( .‬وسُنَّ)‬ ‫علي ُكمْ‪ .‬بل تَبطُلُ الصَّالةُ إن َتع َّ‬
‫تسلِيمَةٌ (ثانية) وإن تَ َركَها إمامُه‪ ،‬وَتحْ ُرمُ إن عَ َرضَ بعد األوىل مُنافٍ‪َ ،‬كحَدثٍ‬
‫ج َوقْتِ جُ ُمعَةٍ ووجودِ عارٍ سَتْرَةً‪( .‬و) ُيسَنُّ أن يقرِنَ كالًّ من التسليمتني‬ ‫وخرو ِ‬
‫(بِرَ ْحمَةِ اهلل) أي معها‪ ،‬دون‪ :‬وَبَركاتِهِ‪ ،‬على املنقولِ يف غري اجلنازَةِ‪ .‬لكن اختريَ َندْبُها‬
‫لِثُبوتِها من عِدَّةِ طُرُقٍ‪( .‬و) مع (التفاتٍ فيهما) حىت يَرَى خَدَّهُ األميَنَ يف األوىل‬
‫واألْيسَرَ يف الثانِيَة‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ُ :‬يسَنُّ لكل من اإلِمامِ واملَأمومِ واملُنْفرِدِ أن ين ِويَ السَّالمَ على من الَتفَتَ‬
‫هو إليهِ مِمَّنْ عن ميينِه بالتسليمَةِ األوىل‪ ،‬وعن يسارِهِ بالتسليمَة الثانية‪ ،‬من مَالئِ َكةٍ‬
‫ومؤمِين إنسٍ وجِنَ‪ ،‬وبأيَّتهِما شاءَ على من خَلْفَهُ وأمامَهُ وباألوىل أفضَلُ‪ .‬وللمأمومِ أن‬
‫ين ِويَ الرَّدَّ على اإلِمامِ بأيّ سالمَيْهِ شاءَ إن كان خَ ْلفَه‪ ،‬وبالثانيةِ إن كان عن ميينِهِ‪،‬‬
‫وباألوىل إن كان عن يسارِهِ‪ .‬وُيسَنُّ أن ين ِويَ بعضُ املأمومني الرَّدَّ على بعضٍ‪ ،‬فينوِيهِ‬
‫مَنْ على مينيِ ا ُملسَلِّم بالتسليمَةِ الثانيةِ ومَنْ على يسارِهِ باألوىل‪ ،‬ومَن خل َفهُ وأما َمهُ‬
‫بأيَّتِهما شاء‪ ،‬وباألوىل َأوْىل‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫[فروع]‪ُ :‬يسَنُّ نيةُ اخلُروجِ من الصالةِ بالتسلِيمَةِ األوىل خُروجاً من اخلِالفِ يف‬
‫وُجوبِها‪ ،‬وأن ُيدْ ِرجَ السالمَ‪ ،‬وأن يبتدِئَةُ مستقبِالً بوجْهِهِ القِبْلَة‪ ،‬وأن ينهِيَهُ مع متامِ‬
‫يسلمَ املأمومُ بعد تسليمَتَي اإلِمام‪( .‬و) رابع عشرها‪( :‬ترتيبٌ بني‬ ‫االلتفاتِ‪ ،‬وأن ِّ‬
‫َمدَ اإلخاللَ بالترتيبِ بتقدميِ رُكنٍ فِعْلِيّ‪ ،‬كأن‬ ‫َقدمَةَ كما ُذكِرَ‪ .‬فإنْ تَع َّ‬ ‫أركاهنا) املُت ِّ‬
‫جدَ قبل الرُّكوعِ‪ ،‬بَطََلتْ صَالتُه‪ .‬أما تقدميُ الرُّكنِ القويل فال يضرّ إال السالمِ‪.‬‬ ‫َس َ‬
‫والترتيبُ بني السُّنَنِ كالسورَةِ بعد الفاِتحَةِ‪ ،‬والدُّعاءِ بعد التشهد والصالةِ‪ ،‬شرط‬
‫جدَ قبل‬ ‫لالعتدا ِد بسنِّيَّتِها‪( ،‬ولو سَها غريُ مأمومٍ) يف الترتيبِ (بتركِ ُركْنٍ) كأن َس َ‬
‫الرُّكوعِ‪ ،‬أو َر َكعَ قبل الفاِتحَة‪ ،‬لغا ما فعَلَهُ حىت يأتِيَ باملَتْروكِ‪ .‬فإن تَذكَّرَ قبلَ بلوغِ‬
‫مثله أتى به‪ ،‬وإالَّ فسَيَأيت بيانُهُ‪( .‬أو شَكَّ) هو أي غريُ املأمومِ يف ُركْنٍ هل َفعَلَ أم‬
‫ال‪ ،‬كأن شَكَّ راكِعاً هل قَرَأَ الفَاِتحَةَ‪ ،‬أو ساجِداً هل َركَعَ أو اعَتدَلَ‪( ،‬أتى به) َفوْراً‬
‫وُجوباً( إن كانَ) الشَّكُّ (قبل ِفعْلِه مِثْلَه) أي مثلَ املَشْكُوكِ فيه من َر ْكعَةٍ أُخرى‬
‫(وإال) أي وإن مل يتذكر حىت فعل مثله يف ركعة أخرى (أجْزََأهُ) عن مَتروكِهِ‪ ،‬ولغا ما‬
‫َوزَ أنه النِّيَّةَ أو‬‫بينهما‪ .‬هذا كله إن عَِلمَ عَيْنَ املَتْرُوكِ و َمحَلَّه‪ ،‬فإن َجهَلَ عَيْنَهُ وج َّ‬
‫تَكِْبريَةَ اإلِحْرامِ بطلت صالتُهُ‪ .‬ومل يُشتَرطْ هنا طُولُ فَصْلٍ وال مضِيّ ُركْنٍ‪ ،‬أو أنه‬
‫السالمُ يُسلِّم‪ ،‬وإن طال ال َفصْلُ على ا َألوْجَهِ‪ .‬أو أنه غَيْرَهُما أخذَ باألسوأ وبَنَى على‬
‫ما َفعَلَه‪( ،‬وتدارَكَ) الباقي مِن صالتِهِ‪ .‬نعم‪ ،‬إن مل يَكُن املِثْلُ من الصَّالةِ كسُجودِ‬
‫تِالوَةٍ مل ُيجْزِئْه‪ .‬أما مأمومٌ عَِلمَ أو شَكَّ قبلَ رُكوعِهِ وبعدَ رُكوعِ إمامِهِ أنه تَرَكَ‬
‫سعَى خَ ْلفَهُ‪ ،‬وبعد ركوعِهِما مل َي ُعدْ إىل القِيامِ ِلقِراءَتِهِ الفاِتحَة بل‬ ‫الفاِتحَةَ فيقرَؤها وَي ْ‬
‫يَتْبَع إمامَه وُيصَلِّي َر ْكعَ ًة بعد سالمِ اإلِمامِ‪.‬‬
‫[فرع]‪( :‬سُنَّ دُخولُ صالةٍ بِنَشاطٍ) ألنه تعاىل ذَمَّ تارِكيهِ بقوله‪{ :‬وإِذا قَامِوا إىل‬
‫الصَّالةِ قَامُوا كُسَالَى} وال َكسَلُ‪ :‬الفُتورُ والتَّواين‪( .‬وفراغِ قَ ْلبٍ) من الشواغِلِ ألنه‬
‫ع بقلْبِهِ) بأن ال‬ ‫أقرَب إىل اخلُشوعِ‪( .‬و) سُنَّ (فيها) أي يف صَالِتهِ كلها‪( ،‬خُشو ٌ‬
‫حضِرَ فيه غريَ ما هو فيه وإن َتعَلَّقَ باآلخِرَةِ‪( .‬وجبوارِحِه) بأن ال َيعَْبثَ بأ َحدِها‪،‬‬ ‫ُي ْ‬
‫وذلك لِثَناءِ اهلل تعاىل يف كتابِهِ العزيز على فاعِلَيه بقولِهِ‪َ{ :‬قدْ َأفْلَحَ ا ُمل ْؤمِنونَ َّالذِينَ ُهمْ‬
‫يف صَالِت ِهمْ خَاشِعونَ} والنْتِفاءِ ثَوابِ الصَّالةِ بانْتِفائِهِ كما دََّلتْ عليه األحاديثُ‬
‫الصَّحيحَةُ‪ .‬وألنَّ لنا وَجْهاً اختارَهُ َج ْمعٌ أنَّهُ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ‪ .‬ومما ُيحْصِّل اخلُشوع‬
‫اسْتِحضارُهُ أنَّه بني َي َديْ مَلَكِ املُلوكِ الذي َيعَْلمُ السِّرَّ وأَ ْخفَى‪ .‬يُناجِيهِ‪ ،‬وأنك رمبا‬
‫َق رُبوبِيَّتِ ِه فَرَدَّ علي ِه صَالتَه‪.‬‬
‫َتجَلّى عليه بال َقهْرِ ِل َع َدمِ القِيامِ ِبح ِّ‬
‫وقال سِيدي القُ ْطبُ العارِفُ باهلل حممد البك ِريّ رضي اهلل عنه‪ :‬إن مما يُورِثُ‬
‫ع إطالَةُ الرُّكوعِ والسُّجودِ (وَتَدبُّرُ قراءَةٍ) أي تَأَمُّل معانِيها‪ .‬قال تعاىل‪َ{ :‬أفَال‬ ‫اخلُشو َ‬
‫يَتَدبَّرُو َن القُرْآنَ} وألن به يَ ْكمَلُ َمقْصود اخلُشوعِ‪( .‬و) َتدَبُّر ( ِذكْرٍ) قياساً على‬
‫القراءَةِ‪( ،‬و) سُنَّ (إدامَةُ نَظَرٍ َمحَلّ سُجودِهِ) ألن ذلك أقرَب إىل اخلُشوعِ‪ ،‬ولو‬
‫أعْمىً‪ ،‬وإن كانَ عِْندَ ال َكعْبَةِ أو يف الظُّ ْلمَةِ‪ ،‬أو يف صَالةِ اجلَنازَةِ‪ .‬نعم‪ ،‬السُّنَّةُ أن َي ْقصِرَ‬
‫نَظَرَهُ على ُمسَِّبحَِتهِ عندَ َر ْفعِها يف التشُّهدِ ِلخَبَرٍ صحيحٍ فيه‪ ،‬وال يُكْرَهُ َت ْغمِيضُ عَيْنَيْه‬
‫ف ضَرراً‪.‬‬ ‫إن مل َيخَ ْ‬
‫الذكَرَ وغريَهُ تَرْكُ شيءٍ مِن سُنَنِ الصَّالةِ‪ .‬قال شيخنا‪:‬‬ ‫[فائدة]‪ :‬يُكْ َرهُ لِل ُمصَلِّي َّ‬
‫ف يف الوُجوبِ‪.‬‬ ‫خصِيصُهُ مبا َورَ َد فيه َنهْيٌ أو خِال ٌ‬ ‫ويف عُمومِهِ نظر‪ .‬والَّذي يََّتجِهُ َت ْ‬
‫ِراً َعقِبَها) أي الصَّالةِ‪ .‬أي ُيسَنُّ اإلِسرارُ هبما ِلمُْنفَرِدٍ‬ ‫(و) سُنَّ ( ِذكْرٌ ودُعاءٌ س َّ‬
‫ومأمومٍ وإمامٍ مل يُرِدْ َتعْلِيمَ احلاضِرِينَ وال تَ ْأمِيَن ُهمْ لِدُعائِهِ ِبسَماعِهِ‪َ .‬و َورَد فيهما‬
‫أحاديثٌ كثريَةٌ َذكَرْتُ ُجمْلَةً منها يف كتايب إرْشادُ العبادِ فاطلُبْه فإنه ُمهِمٌّ‪ .‬وَرَوى‬
‫ي عن أيب أُمامَةَ قال‪" :‬قيل لِرَسولِ اهلل‪ :‬أَيُّ الدُّعاءِ أ ْسمَع؟ أي أقْرَب إىل‬ ‫التّرمِ ِذ ّ‬
‫‪27‬‬
‫اإلِجابَةِ؟ قال‪ :‬جَوْفُ اللَّيْلِ‪ ،‬ودُبر الصَّلواتِ املَكْتوباتِ"‪ .‬وروى الشيخانِ عن أيب‬
‫مُوسَى قال‪" :‬كُنَّا مع النَّيبِّ فَكُنا إذا أشْ َرفْنا على وادٍ هَلَّلْنا وكَبَّرُنا وارَتفَ َعتْ أصْواتُنا‪،‬‬
‫فقالَ النَّيب‪ :‬يأيُّها الناسُ ارْبَعوا على أْن ُفسِ ُكمْ فإنَّكُم ال َتدْعونَ َأصَمَّ وال غائِباً‪ ،‬إنه‬
‫بالذكْرِ والدُّعاءِ‪ .‬وقال الشَّافعيّ‬ ‫حَكِيمٌ سَمي ٌع قريبٌ"‪ .‬احتَجَّ به البَْي َهقِ ّي وغريُهُ لإلِسْرارِ ِّ‬
‫خفِيَا‬ ‫يف األم‪ :‬أختارُ لإلِمامِ واملَأمومِ أن َي ْذكُرَا اهلل تعاىل بعدَ السالمِ مِنَ الصَّالةِ‪ ،‬وُي ْ‬
‫ُعلمَ منه مث‬ ‫جهَر حَتّى يَرَى أنه قد ت ِّ‬ ‫الذكْرَ‪ ،‬إالَّ أن يكونَ إماماً يُريدُ أن يَُتعَلَّم منه في ْ‬ ‫ِّ‬
‫جهَرْ ِبصَالتِكَ وال تُخاِفتْ بِها} يعين واهلل أعلم‬ ‫ُيسِرّ‪ ،‬فإن اهلل تعاىل يقول‪{ :‬وال َت ْ‬
‫سمِع نَ ْفسَكَ‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫سمِع غَيْرَكَ‪ ،‬وال تُخاِفتْ حَتَّى ال ُت ْ‬ ‫الدُّعاء‪ ،‬وال جتهَرْ حَتَّى ُت ْ‬
‫حصَلُ تَشويشٌ‬ ‫جدِ حبَْيثُ َي ْ‬ ‫سِ‬ ‫جلهْرِ ِبهِما يف ا َمل ْ‬
‫[فائدة]‪ :‬قال شيخنا‪ :‬أما املُبالَغةُ يف ا َ‬
‫على ُمصَلَ فينبغي حُ ْرمَتُها‪. .‬‬
‫[فروع]‪ُ :‬يسَنُّ افتتاحُ الدُّعاءِ باحلَ ْمدِ للّهِ والصَّالة على النيب‪ ،‬واخلَْتمُ هبِما وبآمني‪.‬‬
‫وتأمِنيُ مَأمومٍ َس ِمعَ دُعاءِ اإلِمامِ‪ ،‬وإن َح َفظَ ذَلكَ‪ .‬و َر ْفعُ َيدَيْ ِه الطّاهِرَتَيْنِ َح ْذوَ مَنْكِبَيْه‪،‬‬
‫الذكْرِ أو الدُّعاءِ‪ ،‬إن كان مُنْفَرِداً أو‬ ‫و َمسْحُ الوَجْهِ هبما بعده‪ .‬واستقبالُ القِبْلَةِ حالَةَ ِّ‬
‫مَأموماً‪ .‬أما اإلِمامُ إذا تَرَكَ القِيامَ مِنْ ُمصَالَّهُ الَّذي هو أفضَلُ له فاألفضل َجعْلُ مييِنهِ‬
‫إىل املَأمومِني ويسارِه إىل القِبْلَةِ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬ولو يف الدُّعاءِ‪ .‬وانصرافُهُ ال ينايف َندْبُ‬
‫الذكْرِ له َعقِبَها ألنه يأيت به يف حملِّهِ الذي يَْنصَرِفُ إليه‪ ،‬وال يَفوتُ بفعْلِ الرَّاتِبَةِ‪ ،‬وإمنا‬ ‫ِّ‬
‫الذكْرِ وإن َجهَلَ معناه‪،‬‬ ‫الفائتُ به كمالُه ال غريُه‪ .‬وقضيةُ كال ِمهِم حصولُ ثوابُ ِّ‬
‫للتعَُّبدِ بَِلفْ ِظهِ فأُثيبَ قَارِئُهُ وإن مل َيعْرِفْ‬ ‫ونَظَرَ فيه األسَن ِويّ‪ .‬وال يأيت هذا يف القُرآنِ َّ‬
‫الذكْرِ ال بدَّ أن َيعْ ِرفَهُ وَلوْ ِبوَجْهٍ‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫ف ِّ‬ ‫َمعْناهُ‪ ،‬خبال ِ‬
‫ضعُ حيث لَمْ‬ ‫ش َهدَ لَهُ ا َمل ْو ِ‬
‫ضعِ صالتِهِ لَِي ْ‬ ‫ويُْندَبُ أن يَنَْتقِلَ ِلفَ ْرضٍ أو َنفْلٍ مِنْ مَو ِ‬
‫والنفْلُ ِلغَيْرِ‬ ‫حوَ صَفَ أَوَّلٍ‪ ،‬فإن مل يَنتَقِ ْل َفصَلَ بكالمِ إنسانٍ‪َّ .‬‬ ‫تُعا ِرضْهُ َفضِيلَةٌ‪َ ،‬ن ْ‬
‫ج ُمعَةِ‪ ،‬أو ما‬ ‫ف يف بيتِهِ أفضَلُ إن أَمِنَ َفوْتَه‪ ،‬أو تَهاوُناً به‪ ،‬إال يف نافِلَةِ املُبكرِ لِل ُ‬ ‫ا ُملعْتَكِ ِ‬
‫جدِ كالضُّحى‪ ،‬وأن يكونَ انِتقَالُ املأمومِ بعدَ انتقالِ‬ ‫سُنَّ فيه اجلماعَةُ‪ ،‬أو َورَدَ يف ا َملسْ ِ‬
‫حوُ جِدارٍ) أو عَمودٍ من كلّ شاخِصٍ طولُ ارتفاعِهِ‬ ‫إمامِهِ‪( .‬وُندِبَ) ِل ُمصَلَ (َتوَجُّهٌ لَِن ْ‬
‫ثُلُثا ذِراعٍ فأكْثَر‪ .‬وما بينه وبني َعقِب املُصلِّي ثالثة أَ ْذرُع فأقَلّ‪ ،‬مث إن َعجِزَ عنه (ف)‬
‫سطُ ُمصَلًّى) كَسجّادَةٍ‪ ،‬مث‬ ‫جدْهُ ُندِبَ (َب ْ‬ ‫حوِ (عَصاً َمغْرُوزَة) َكمَتاعٍ‪( ،‬ف) إن مل َي ِ‬ ‫لَِن ْ‬
‫إن َعجِ َز عنه خَطَّ أمامَهُ خَطاً يف ثالَثةِ أ ْذرُعٍ عَرْضاً أو طُوالً‪ ،‬وهو َأ ْولَى‪ِ ،‬لخَبَر أيب‬
‫صبْ عَصاً‪ ،‬فإنْ‬ ‫جدْ فَلْيَْن ِ‬‫جعَلْ أمامَ وَ ْجهِهِ شَيْئاً‪ ،‬فإن َلمْ َي ِ‬ ‫داود‪" :‬إذا صَلَّى َأ َح ُد ُكمْ فَلَْي ْ‬
‫َلمْ يَكُنْ َمعَهُ عَصاً فَلَْيخُطَّ خَطاً‪ ،‬مث ال َيضُرُّهُ ما مَرَّ أمامَه"‪ .‬وقِيسَ باخلَطِّ ا ُملصَلَّى‪،‬‬
‫ُدمَ على اخلَطِّ ألنَّه أظهَرُ يف املُرادِ‪ .‬والتَّرتيبُ ا َملذْكورُ هو ا ُملعَْت َمدُ‪ ،‬خِالفاً ملا يُوهِمهُ‬ ‫وق ِّ‬
‫كالمُ ابنُ ا ُملقْري‪ .‬فمىت َعدَلَ عن رُتْبَةٍ إىل ما دُونَها مع ال ُق ْدرَة عليها كاَنتْ كالعَ َدمِ‪.‬‬
‫جعَلَ السُّتْرَةَ تَلْقاءَ وَ ْجهِهِ بل عَنْ يَمينِهِ أو يَسارِهِ‪ ،‬وكلُّ صَفَ سُتْرَةٌ ِلمَنْ‬ ‫وُيسَنُّ أن ال َي ْ‬
‫خَ ْلفَه إن قَرُبَ مِْنهُ‪ .‬قال الَبغَويُّ‪ :‬سُتْرَةُ اإلِمامِ سُتْرَةُ مَ ْن خَ ْلفَهُ‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫ولو تعارَضَت السُّتْرَةُ والقُرْبُ من اإلِمامِ أو الصَّفِّ األوَّل فما الذي يُقَدَّم؟ قال‬
‫جدِهِ وإن كان خا ِرجَ‬ ‫سِ‬ ‫َدمُ الصَّفُّ األوَّل يف َم ْ‬ ‫شيخنا‪ :‬كلٌّ ُمحَْتمَلٌ وظاهِرُ قوهلم ُيق َّ‬
‫جدِهِ ا ُملخْتَصّ باملُضا َعفَةِ تقدميُ حنوِ الصَّفِّ األَوَّل‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫سِ‬ ‫َم ْ‬
‫وإذا صَلَّى إىل شيءٍ منها فُيسَنُّ لَهُ وِلغَيْرِهِ َد ْفعُ مارّ بَيْنَهُ وبَيْنَ السُّتْرَةِ ا ُملسَْت ْوفِيَةِ‬
‫للشُّروطِ‪ ،‬وقد َتعَدَّى ِبمُرُورِهِ لِ َكوْنِهِ مُكَلَّفاً‪ .‬وَْيحْ َرمُ املرورُ بينَهُ وبني السُّتْرَةِ حنيَ ُيسَنُّ‬
‫جدْ املارُّ سَبيالً ما مل ُيقَصِّرْ ِبوُقوفٍ يف طريقٍ أو يف صَفَ مع فُرْجَةٍ‬ ‫الد ْفعُ‪ ،‬وإن مل َي ِ‬
‫له َّ‬
‫يف صَفَ آخَرَ بنيَ َيدَيْهِ فَلِداخِلٍ خَرْقَ الصُّفوفِ وإن كَثُرَتْ حىت َيسُدَّها‪( .‬وكُ ِرهَ‬
‫فيها) أي الصَّالةِ‪( ،‬التفاتٌ) ِبوَجْهٍ بال حاجَةٍ‪ .‬وقيل‪ :‬يَحْ ُرمُ‪ .‬واختريَ لِلخَبِر الصَّحيحِ‪:‬‬
‫‪28‬‬
‫"ال يَزالُ اللّهُ ُمقْبِالً على العَبْدِ يف مُصَالَّه أي بِرَ ْحمَتِهِ ورِضاهُ ما مل يَلْتَ ِفتْ‪ ،‬فإذا‬
‫الَْت َفتَ أَعْ َرضَ عَنْهُ"‪ .‬فال يُكْ َرهُ لِحا َجةٍ‪ ،‬كما ال يُكْرَهُ ُمجَرَّدُ َلمْحِ العَيْنِ (ونَظَرٌ نَحْوَ‬
‫سَماءٍ) مما يُلْهي‪ ،‬كََثوْبٍ له أعْالمٌ ِلخَبَرِ البُخا ِريّ‪" :‬ما بالُ َأقْوامٍ يَ ْرفَعونَ أبصارَهُم إىل‬
‫السَّماءِ فِي صَالِتهِم"‪ .‬فاشْتَدَّ َق ْولُهُ يف ذلك حىت قال‪" :‬لِيَنَْتهُنَّ عن ذِلكَ أو لَُتخْ َطفَنّ‬
‫َططٍ أو إليه أو عليه ألنه َيخِلّ باخلُشوعِ‪.‬‬ ‫أبْصارهُم"‪ .‬ومن َثمّ كُرِ َهتْ أيضاً يف ُمخ َّ‬
‫(وَبصْقٌ) يف صَالتِهِ‪ ،‬وكذا خارِجِها‪( ،‬أماماً) أي قِبَلَ وَ ْجهِهِ‪ ،‬وإن مل يَكُنْ مَنْ هو‬
‫خَارِجها ُمسَْتقْبِالً‪ ،‬كما أطَلقَهُ َّالن َو ِويّ (ويَميناً) ال يَساراً‪ِ ،‬لخَبَر الشيخني‪" :‬إذا كان‬
‫أ َح ُد ُكمْ يف الصَّالةِ فإنَّهُ يُناجِي رَبَّهُ عزَّ وجَلَّ‪ ،‬فال يَبْ ُزقَنَّ بَيْنَ َيدَيْهِ وال عَنْ َيمِينِهِ‪ ،‬بل‬
‫حتَ َقدَمه الُيسْرَى أو يف َثوْبٍ مِنْ ِجهَةِ يَسارِه"‪ .‬وهو َأوْىل‪ .‬قال‬ ‫عَنْ يَسارِهِ أو تَ ْ‬
‫شيخنا‪ :‬وال ُبعْدَ يف مَراعاةِ مَلَكِ اليَمنيِ دون مَلَكِ اليسارِ إظهاراً ِلشَرَفِ األَوَّل‪ ،‬ولو‬
‫كان على يَسارِهِ فَقط إنسانٌ َبصَقَ عن يَمينِهِ‪ ،‬إذا مل ُيمْكِْنهُ أن يُطَأطِىءَ رَأْ َسهُ‪ ،‬ويَْبصُقَ‬
‫جدِ إن َبقِيَ جُ ْرمُهُ ال إن‬ ‫سِ‬ ‫ال إىل اليَمنيِ وال إىل اليَسارِ‪ .‬وإمنا َيحْ ُرمُ البِصاقُ يف ا َمل ْ‬
‫ض َمضَةٍ وأصابَ جُزْءاً من أجزائِهِ دُونَ هَوائِهِ‪ .‬وزَ ْعمُ حُ ْرمَتَهُ يف‬ ‫حوِ ماء َم ْ‬ ‫ك يف َن ْ‬
‫اسُْتهْلِ َ‬
‫هَوائِهِ وإن مل ُيصِبْ شيئاً من أجزاِئهِ بعيدٌ غري ُمعْوَّلٍ عليه‪ ،‬ودُونَ تُرابٍ مل َيدْخُلْ يف‬
‫َو ْقفِهِ‪ .‬قيل‪ :‬ودُونَ ُحصُرِهِ‪ ،‬لكن َيحْرُمُ عليها مِن ِجهَةِ تَ ْقذِيرِها كما هو ظاهِرٌ‪ .‬اه‪.‬‬
‫صدَ إلِزالَتِهِ مَنْ يَقومَ هبا‬ ‫وجيبُ إخراجُ َنجَسٍ منه َفوْراً عَيْنِياً على من عَِلمَ به‪ ،‬وإن َأ ْر َ‬
‫شتٍ‪ .‬وإدخالُ َنعْلٍ‬ ‫حوِ ِط ْ‬‫ِب َمعْلومٍ‪ ،‬كما اقتضاهُ إطالُقهُم‪ .‬وحي ُرمُ َبوْلٌ فيهِ ولو يف َن ْ‬
‫َجسَ ٍة مل يَأْمَن التَّلويثَ‪َ .‬و َرمْيُ َنحْو َقمْلَةٍ فيه مَيْتَةٍ وقَْتلُها يف أ ْرضِهِ وإن قَلَّ َدمُها‪،‬‬ ‫مُتَن ِّ‬
‫وأما إلقاؤها أو َدفْنُها فيه حَيَّةً‪ ،‬فظاهِرُ فتاوي َّالن َو ِويّ حِلّه‪ ،‬وظاهِرُ كالمِ اجلواهِرِ‬
‫صوْتٍ‪ ،‬وحنو‬ ‫صدٌ وحِجامَةٌ فيه بإِناءٍ‪ ،‬و َر ْفعُ َ‬ ‫َتحْرُيمُه‪ ،‬وبه صَرَّحَ ابن يونس‪ .‬ويُكْ َرهُ َف ْ‬
‫بَْيعٍ و َعمْلُ صِناعَةٍ فيه‪( .‬و َكشْفُ رَأسٍ ومنكبٍ) واضْطِباعٌ ولو مِنْ َفوْق ال َقمِيصَ‪.‬‬
‫قال الغزايل يف اإلِحياءِ‪ :‬ال يَرُدّ رداءَه إذا َس َقطَ‪ ،‬أي إال ِل ُع ْذرٍ‪ ،‬ومثله ال َعمَامَةَ وحنوها‪.‬‬
‫(و) كُرِهَ (صَالةٌ ِبمُداَفعِة َحدَثٍ) كََبوْلٍ وغاِئطٍ َورِيحٍ‪ ،‬لِ ْلخَبَرِ اآليت‪ ،‬وألهنا ُتخِلُّ‬
‫باخلُشوعِ‪ .‬بل قال َج ْمعٌ‪ :‬إن ذَ َهبَ هبا بَطََلتْ‪ .‬وُيسَنّ له َتفْريغُ َن ْفسِهِ قبل الصَّالةِ وإن‬
‫فاتَت اجلَماعَةُ‪ ،‬ولَيْسَ له اخلُروجُ من الف ْرضِ إذا طَرَأتْ له فيه‪ ،‬وال تَأ ِخريُهُ إذا ضاقَ‬
‫َرمِ‪ .‬وينَبغِي أن يلحقَ به ما لو‬ ‫التح ُّ‬
‫َوقْتُه‪ .‬والعِربةُ يف كَراهَةِ ذلك ِبوُجودِها عندَ َّ‬
‫َرمِ فزاَلتْ وعَلِمَ مِنْ عادَتِهِ أهنا تعودُ إليه يف الصَّالةِ‪ .‬وتُكْ َرهُ‬ ‫ضتْ له قَبْلَ َّالتح ُّ‬ ‫عَ َر َ‬
‫حضْ َرةِ‬ ‫حضْرَةِ طعامٍ أو شرابٍ ُيشْتَاقُ إليه‪ِ ،‬لخَبَرِ ُمسْلِم‪" :‬ال صَالة أي كامِلَةً ِب َ‬ ‫ِب َ‬
‫طَعامٍ‪ ،‬وال صَالةَ وهُو يُداِفعُهُ األخْبَثانِ أي الَبوْلُ والغاِئطُ "‪.‬‬
‫حقَّقْ‬ ‫ضعِ مَكْسٍ‪ ،‬و (ِبمَقربةٍ) إن مل يََت َ‬ ‫(و) كُرِهَ صالةٌ يف طرِيقِ بُنْيانٍ ال بَرِّيَّةٍ‪ ،‬و َم ْو ِ‬
‫نَْبشَها‪ ،‬سواء صَلّى إىل القربِ أم عليه أم بِجانِبِهِ‪ ،‬كما نصَّ عليه يف األم‪ .‬وحت ُرمُ الصَّالةُ‬
‫نيب أو حنوَ وَلِيّ تَبَرُّكاً أو إعْظاماً‪ .‬وحبثَ الزَّينُ العِراقيّ عدمَ كراهَةِ الصَّالةِ يف‬ ‫ِلقَبْر ِّ‬
‫جدٍ طرأَ َدفْنُ النَّاسِ َح ْولَه ويف أرضٍ َم ْغصُوبَةٍ‪ .‬وَتصُحّ بال َثوْبِ كما يف َثوْبٍ‬ ‫مس ِ‬
‫َمغْصوبٍ‪ ،‬وكذا إن شَكَّ يف رِضا مالِكِهِ ال إن ظََّنهُ ِبقَرِينَةٍ‪ .‬ويف اجلِيلِيّ‪ :‬لو ضاقَ‬
‫جهُ‬ ‫َجحَهُ الغَزِّيُّ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬والذي يََّت ِ‬ ‫الوَ ْقتُ وهُوَ بَأرْضٍ مَ ْغصُوبَةٍ أَحْ َرمَ ماشياً‪ .‬ور َّ‬
‫خلوْفِ وأَنَّهُ َيلْزَمهُ التَّرْكُ حىت َيخْ ُرجَ منها‪ ،‬كما له تَ ْركُها‬ ‫أنه ال َيجُوز له صَالةُ شِدَّةِ ا َ‬
‫ص مالِهِ لو أُخِذ منه‪ ،‬بل َأوْىل‪.‬‬ ‫لَِتخْلِي ِ‬
‫(فصل) يف أبعاض الصالة ومقتضى سجود السهو (ُتسَنُّ سجدتانِ قُبَيْلَ سالمٍ)‬
‫جدَتَيْها يف‬ ‫الس ْهوُ‪ ،‬ومها واجلُلوسُ بَيَْنهُما كسجودِ الصَّالةِ واجللوسِ بني َس ْ‬ ‫وإن كَثُرَ َّ‬
‫كالذكْرِ فيها‪ .‬وقيل‪ :‬يقول فيهما‪ :‬سبحانَ من ال‬ ‫واجِباتِها الثالثِة ومَنْدوباتِها السَّاِبقَة‪ِّ ،‬‬
‫السهْوِ‬ ‫الس ْهوِ بأن يَقْصدَهُ عن َّ‬ ‫جبُ نِيّةُ سُجودِ َّ‬ ‫ينام وال يسهو‪ .‬وهو الئِقٌ باحلَالِ‪ .‬وَت ِ‬
‫‪29‬‬
‫جدَ لتركِ غري‬ ‫عندَ شُرو ِعهِ فيهِ‪( ،‬لِتَرْكِ َبعْضٍ) وا ِحدٍ مِنْ أبْعاضٍ ولو َعمْداً‪ .‬فإن َس َ‬
‫َهدٌ أَوَّل) أي الواجب منه يف التشهد‬ ‫بعضٍ عالِماً عامِداً بَطََلتْ صَالتُه‪( .‬وهو َتش ُّ‬
‫األخري‪ ،‬أو بعضه‪ ،‬ولو كلمة‪( .‬وقُعودِهِ) وصورَ ُة تَ ْركِهِ وَ ْحدَهُ كقِيامِ القُنُوتِ أن ال‬
‫جدَ‪( ،‬وقُنوت‬ ‫حسَِنهُما‪ ،‬إذ ُيسَنّ أن َيجْلِسَ ويَقفَ ِب َق ْدرِهِما‪ .‬فإذا تَرَكَ أ َحدَهُما َس َ‬ ‫ُي ْ‬
‫راِتبٍ) أو ب ْعضُه‪ ،‬وهو قُنوتُ الصُّبْحِ‪ .‬ووتر نصف رمضان‪ ،‬دون قنوت النازلة‪.‬‬
‫جدُ تارِكُ القُنوتِ تِبْعاً إلِمامِهِ احلََنفِيّ‪ ،‬أو القتِدائِهِ يف صُبْحٍ ِب ُمصَلِّي سُنَّتها‬ ‫سُ‬ ‫(وقيامهُ) وَي ْ‬
‫على ا َألوْجَهِ فيهما‪( .‬وصالةٌ على النيب) (بعدَهُما) أي بعدَ التشهدِ األوَّل والقُنوتِ‪.‬‬
‫(وصالةٌ على آلِ بعد) تشهد (أخريٍ وقنوتٍ)‪ .‬وصورَةُ السُّجودِ لِتَرْكِ الصَّالةِ على‬
‫التشهدِ األخريِ أن يَتََيقَّنَ تَرْكَ إمامُه هلا‪ ،‬بعد أن سََّلمَ إمامُهُ وقبلَ أن ُيسَِّلمَ هو‪،‬‬ ‫اآللِ يف ُّ‬
‫أو بعدَ أن سََّلمَ وقَرُبَ ال َفصْلُ‪ .‬وسُمَِّيتْ هذه السُّنَنُ أبْعاضاً ِلقُربِها باجلَبْرِ بالسُّجودِ‬
‫مِنَ األركانِ‪( ،‬ولِشَكَ فيه) أي يف تَرْكِ بَعضٍ مما مَرَّ ُمعَيَّن‪ ،‬كالقُنوتِ هل َفعَلَه؟ ألن‬
‫كتشهدٍ أول أو قُنوتٍ‪( ،‬وتَلبَّسَ‬ ‫ُّ‬ ‫األصلَ عدمُ ِفعْلِهِ‪( .‬ولو َنسِيَ) مُنفردٌ أو إمامٌ (َبعْضاً)‬
‫ِبفَ ْرضٍ) من قيامٍ أو سُجودٍ‪ ،‬مل َيجُزْ له ال َعوْدُ إليه‪( .‬فإن عادَ) له بعدَ انْتِصابٍ‪ ،‬أو‬
‫ضعَ َجْبهَتَهُ عامِداً عالِماً بتحرميِهِ (بطلتْ) صَالتُه‪ِ ،‬لقَ ْطعِهِ فَرْضاً لَِنفْلٍ‪( .‬ال) إن عادَ لَه‬ ‫َو َ‬
‫(جاهِالً) بتحرميِهِ‪ .‬وإن كان مُخالِطاً لنا ألن هذا مما َيخْفَى على العَوام‪ ،‬وكذا ناسِياً‬
‫سجُد) للسهوِ‬ ‫أنه فيها فال تبطلْ ِل ُع ْذرِهِ‪ ،‬ويل َزمُهُ ال َعوْدُ عندَ َتعَلُّمه أو َتذَكُّرِهِ‪( .‬لكن َي ْ‬
‫لزيادَةِ قعودٍ أو اعتدالٍ يف غريِ َمحَلِّه‪( .‬وال) إن عادَ (مأموماً) فال تبطلْ صالته إذا‬
‫جدَ وَ ْحدَهُ (سَهواً‪ ،‬بل عليه) أو على املأمومِ الناسي ( َعوْدٌ) ِلوُجوبِ‬ ‫انتصب أو َس َ‬
‫َمدَ ذلك فال‬ ‫مُتاَبعَةِ اإلِمامِ‪ .‬فإن مل َي ُعدْ بطلتْ صَالتُه إن مل يِْنوِ مفارَقَتَهُ‪ ،‬أما إذا َتع َّ‬
‫يَلْزَمهُ ال َعوْدُ بل يُسَنُّ له‪ .‬كما إذا رَ َكعَ مثالً قبل إمامِهِ‪ ،‬ولو مل َيعْلَمْ السَّاهي حىت قامَ‬
‫سبْ ما قَرَأَهُ قبلَ قِيامِهِ‪ .‬وتَِبعَهُ الشيخ زكريا‪ ،‬قال‬ ‫إمامُهُ مل َي ُعدْ‪ .‬قال الَب َغ ِويّ‪ :‬ومل يَحْ ِ‬
‫جدَ سَهواً أو َجهْالً وإمامُه يف القُنوتِ‬ ‫شيخنا يف شَ ْرحِ املِنْهاجِ‪ :‬وبذلك يعلم أن مَنْ َس َ‬
‫ال ُيعْتَدُّ له مبا َفعَلَهُ فيلْ َزمْهُ ال َعوْدُ لالعتِدالِ‪ ،‬وإن فارقَ اإلِمامَ‪ ،‬أخذاً من قوهلم‪ :‬لو ظَنَّ‬
‫سالمَ اإلِمامِ فقامَ ثُمَّ عَِلمَ يف قِيامِهِ أنه مل ُيسَِّلمْ لَ ِزمَهُ القَعودُ لِيقَومَ مِنه‪ ،‬وال َيسْ ُقطُ عنه‬
‫بنيَّةِ املُفا َرقَةِ وإن جازَتْ‪ ،‬ألن قِيامَهُ َوَقعَ لَغْواً‪ ،‬ومن مث لو أتَمَّ جاهِالً لَغا ما أتى به‬
‫ِلسهْو‪ .‬وفيما إذا مل يفا ِرقْهُ إن َتذَكَّرَ أو عَِلمَ وإمامُه يف القُنوتِ‬ ‫فيعيدُه وَيسْجُد ل َّ‬
‫جدَ مع اإلِمامِ‪ ،‬أو‬ ‫فواضِحٌ أنه يعود إليه‪ ،‬أو وهو يف السَّجدةِ األوىل عادَ لالعتِدالِ و َس َ‬
‫فيما بعدها‪ .‬فالذي يظهَر أنه يتُاِبعَهُ ويأتِي بِ َر ْكعَ ٍة بعد سالمِ اإلِمامِ‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫قال القاضي‪ :‬ومما ال خِالفَ فيه َق ْولُهم‪ :‬لو َرَفعَ رأسَهُ من السجَدةِ األوىل قبل‬
‫إمامِهِ ظاناً أنه َرَفعَ‪ ،‬وأتى بالثانِيَةِ ظاناً أن اإلِمامَ فيها‪ ،‬مث بانَ أنه يف األُوىل مل ُيحْسبْ‬
‫جدَته الثانيةَ ويُتاِبعِ اإلِمامَ‪ .‬أي فإنْ مل َيعَْلمْ بذلك إال واإلِمامُ قاِئمٌ أو‬ ‫له جُلوسه وال َس ْ‬
‫جالِسٌ أتى بركعَةٍ بعد سالمِ اإلِمامِ‪ .‬وخرجَ ِب َق ْولِي‪ ،‬وتَلبَّسَ ِبفَ ْرضٍ ما إذا لَمْ يَتَلبَّسْ به‬
‫سجُد لِلسَّهوِ‪ ،‬إن‬ ‫ضعِ اجلَْبهَةِ‪ ،‬وَي ْ‬
‫غري مأمومٍ‪ ،‬فيعودُ الناسي َندْباً قبل االنْتِصابِ أو َو ْ‬
‫التشهدِ‪ ،‬أو بََلغَ حَدَّ الركوعِ يف صورَةِ تَرْكِ القُنوتِ‪ .‬ولو‬ ‫قارَبَ القيامَ يف صورَةِ تَرْكِ ُّ‬
‫تعمَّدَ غريُ مأمومٍ تَ ْركَهُ فعادَ عالِماً عامِداً بطلتْ صالتُه إن قارَبَ أو بََلغَ ما مَرّ‪ ،‬خبالفِ‬
‫املأموم‪( .‬ولَِنقْلِ) مَطلوبِ (َق ْولِيّ غري مُبْطِل) نَقْلُهُ إىل غريِ َمحَلِّهِ ولو َسهْواً رُكناً كان‬
‫َهدٍ أو بعضِ أ َحدِهِما‪ ،‬أو غريِ ُركْنٍ كسُورَةٍ إىل غريِ القيامِ وقنوتٍ إىل ما‬ ‫كفاِتحَةٍ وَتش ُّ‬
‫جدْ له‪ .‬أمّا َنقْلُ‬ ‫قبل الرُّكوعِ أو بعده يف الوِتْرِ يف غري نصفِ رَمضانَ الثاين‪ ،‬فيس ُ‬
‫التحَرُّم بأن‬ ‫ال ِفعْلِيّ فيُبطِلُ َت َعمُّدَهُ‪ .‬وخ َرجَ ِب َقوْيل غري مُبْطِلٍ ما يُبْطِل‪ ،‬كالسَّالمِ وتكبريِ َّ‬
‫س ْهوِ ما يُبْطِل َع ْمدُهُ ال هُو) أي السَّهو‪ .‬كتطويلِ ُركْنٍ قَصريٍ‪ ،‬وقليلِ‬ ‫صدِهِ‪( .‬ولِ َ‬‫كَبَّرَ ِب َق ْ‬
‫ِلس ْهوِ‪ .‬وقيسَ به‬ ‫جدَ ل َّ‬ ‫الظهْرَ َخمْساً و َس َ‬‫كالمٍ‪ ،‬وأكلٍ‪ ،‬وزيادَةِ رُكنٍ ِفعْلِيَ‪ ،‬ألنه صَلَّى ُّ‬
‫‪30‬‬
‫غريُهُ‪ ،‬وخ َرجَ مبا يُبْطِلُ َع ْمدُهُ ما يُبْطِلُ َس ْهوُهُ أيضاً‪ ،‬ككالمٍ كثريٍ‪ .‬وما ال يبطِلُ َس ْه ُو ُه‬
‫س ْهوِهِ وال ِلعَ ْمدِهِ‪( .‬وِلشَكَ فيما‬ ‫جدُ ِل َ‬‫سُ‬ ‫وال َع ْمدُهُ‪ ،‬كال ِفعْلِ القليلِ وااللتِفاتِ‪ ،‬فال َي ْ‬
‫صَالّهُ واحَْتمَلَ زِيادَةً) ألنَّه إن كان زائداً فالسجودُ للزِّيادَةِ وإال فَلِتَّرَدُّدِ املُوجِبِ‬
‫ضعْفِ النَّيِّةِ‪ .‬فلو شَكَّ أَصَلَّى ثالثاً أم أربعاً مثالً أتى بِ َر ْكعَةٍ ألن األصلَ َع َدمُ ِفعْلِها‪،‬‬ ‫ِل ُ‬
‫سجُد لِلسَّهوِ‪ ،‬وإن زالَ شَكُّهُ قبلَ سالمِهِ بأن تذكَّرَ قبلَهُ أهنا رابعة‪ ،‬للتردُّدِ يف‬ ‫وَي ْ‬
‫زيادَتِها‪ .‬وال يَرْجع يف ِفعْلِها إىل ظنِّه وال إىل قولِ غيْرِهِ أو ِفعْلِهِ‪ ،‬وإن كانوا َجمْعاً‬
‫كثرياً ما مل يَبْلُغوا َعدَدَ التَّواتُرِ‪ .‬وأما ال َيحَْتمِلُ زيادَةً‪ ،‬كأن شَكَّ يف َر ْكعَةٍ من رُباعِية‬
‫سجُد‪ ،‬ألن ما فعَلَهُ منها مع‬ ‫أهِ َي ثالِثَةٌ أم راِبعَةٌ؟ فَت َذكَّرَ قبلَ القِيا ِم للرابعِة أهنا ثالِثَةٌ فال َي ْ‬
‫جدَ لِتَردُّدِهِ حالَ القيامِ إليها‬ ‫التردُّدِ ال بُدَّ منه بكلِّ تقديرٍ‪ ،‬فإن تذكَّرَ بعدَ القِيامِ هلا َس َ‬
‫يف زيادَتِها‪.‬‬
‫(و) سُنَّ لِلمأمومِ سجدتانِ (ِلسَهْو إمامٍ) مُتَطَهِّرٍ وإمامِهِ‪ ،‬ولو كان َس ْهوُه قبل‬
‫ُق ْدوَتِه‪( ،‬وإن فا َرقَهُ) أو بَطَلتْ صالةُ اإلِمامِ بعدَ وقوعِ السهوِ منه‪( ،‬أو تَرَكَ) اإلِمامُ‬
‫خلَلِ احلاصِلِ يف صالتِهِ فيسجُد بعدَ سالمِ اإلِمامِ وعندَ سُجودِهِ يَلْزَم‬ ‫السُّجو َد جَبْراً لِل َ‬
‫املسبوقُ واملوافِقُ متاَبعَتُه‪ ،‬وإن مل يعْرِفْ أنه سَها‪ ،‬وإالَّ بطلت صالتُهُ إن َعِلمَ وتعمَّدَ‬
‫س ْهوَهِ) أي َسهْو املأمومِ (حال القدوة‬ ‫ويعيدُهُ ا َملسْبوقُ نَدْباً آخر صالةِ نفْسِه‪( ،‬ال ِل َ‬
‫حدِثَ وال ذو خََبثٍ َخفِيَ‪ ،‬خبالفِ‬ ‫خلفَ إمامٍ) فيتحمَّلُه عندَ اإلِمامِ املُتطهر‪ ،‬ال ا ُمل ْ‬
‫َس ْهوِهِ بعد سالمِ اإلِمامِ فال يتحمَّلهُ النقِضاءِ ال ُق ْدوَةِ‪ .‬ولو ظنَّ املأمومُ سالمَ اإلِمامِ‬
‫فسل َم فبانَ خالفُ ظَنِّهِ سََّلمَ معه وال سجود‪ ،‬ألنه َس ْهوٌ يف حالِ ال ُق ْدوَةِ‪.‬‬ ‫َّ‬
‫[فرع]‪ :‬لو َت َذكَّرَ املأمومُ يف تشهُّدِهِ تركَ ُركْنٍ غري نية وتكبرية‪ ،‬أو شكَّ فيه‪ ،‬أتى‬
‫جدْ يف التَّذكُّر لوقوعِ سهوِهِ حالَ القُدوَةِ‪ .‬خبالفِ‬ ‫بعد سالمِ إمامِهِ بركعَةٍ وال يس ُ‬
‫الشَّكِّ ِل ِفعْلِهِ بعدها زائِداً بتقديرٍ‪ .‬ومِنْ ثُمَّ لو شَكَّ يف إدراكِ رُكوعِ اإلِمامِ‪ ،‬أو يف أنَّه‬
‫َكهِ‬ ‫جدَ فيها لوجودِ ش ِّ‬ ‫أدرَكَ الصَّالةَ معهُ كامِلَةً أو ناِقصَةً َر ْكعَة‪ ،‬أتى بركعَةٍ وس َ‬
‫ا َملقَْتضِي للسُّجودِ بعدَ ال ُق ْدوَةِ أيضاً‪ .‬ويفوتُ سجودُ السهوِ إن سلَّمَ َعمْداً‪ ،‬وإن قَرُبَ‬
‫جدَ صارَ عائِداً إىل الصالةِ فيجبُ أن يعُيدَ‬ ‫ال َفصْلُ‪ ،‬أو َسهْواً وطالَ عُرْفاً‪ .‬وإذا س َ‬
‫تعمدَ وعَِلمَ‪.‬‬ ‫السالمَ‪ ،‬وإذا عادَ اإلِمامُ لَ ِزمَ املأمومُ الساهي ال َعوْد‪ ،‬وإال بطلت صالتُه إن َّ‬
‫ِم فَيَلْزَمهُ ال َعوْدُ ملتاَبعَةِ إمامِ ِه إذا عادَ‪.‬‬
‫ق لِيُت َّ‬
‫ولو قامَ املسبو ُ‬
‫التشهدِ واَفقَهُ وُجوباً يف‬
‫جدَ اإلِمامُ بعدَ فراغِ املأمومِ املوافَقِ من أقلِّ ُّ‬ ‫[تنبيه]‪ :‬لو َس َ‬
‫َشهدَه‪( .‬ولو شَكَّ بعد سالمٍ يف) إخاللِ‬ ‫السجودِ‪ ،‬أو قبلَ أقلّهِ تاَب َعهُ وُجوباً‪ ،‬مث يُتِمَّ ت ُّ‬
‫َرمٍ مل ُيؤَثِّرْ) وإال َل َعسُرَ وشَقَّ‪ ،‬وألن الظاهِرَ‬ ‫شَرْطٍ أو تَرْكِ (فَ ْرضٍ غري نَِّيةٍ و) تكبريِ (َتح ُّ‬
‫َمضِيُّها على الصِّحَّةِ‪.‬‬
‫أما الشكُّ يف النيَّةِ وتكبريَةِ اإلِحرامِ فُيؤَثِّر على ا ُملعْتَ َمدِ‪ ،‬خالفاً ملن أطالَ يف َع َدمِ‬
‫الفَرْقِ‪ .‬وخرجَ بالشَّكِّ ما لو تََيقَّنَ تَرْكَ فَ ْرضٍ بعد سالمٍ فيجبُ البِناءُ ما مل يَطُل‬
‫ال َفصْلُ‪ ،‬أو يَطَأ َنجِساً‪ ،‬وإن اسَتدْبَرَ القِبْلَة أو تكّلمَ أو َمشَى قليالً‪ .‬قال الشيخ زكريا‬
‫جدِ‪ .‬واملَرْ ِجعُ يف طُولِ ال َفصْلِ وِقصَرِهِ إىل‬ ‫سِ‬‫يف شرح الروض‪ :‬وإن خ َرجَ من وا َمل ْ‬
‫العُرْفِ‪ .‬وقيل‪ :‬يعتبَرُ القِصَرُ بال َق ْدرِ الذي ُنقِلَ عن النيب يف خربِ ذي الَيدَيْنِ‪ ،‬والطولُ مبا‬
‫جدِ‪ ،‬ورا َجعَ ذا الَيدَيْن‪،‬‬ ‫سِ‬‫زادَ عليه‪ .‬واملنقولُ يف اخلَبَرِ أنه قامَ و َمضَى إىل ناحِيَةِ ا َمل ْ‬
‫وسألَ الصَّحابَةَ‪ .‬انتهى‪ .‬وحكى الرافِعِيّ عن الُبوَيْطِي أن ال َفصْلَ الطويلَ ما يزيدُ على‬
‫َق ْدرِ َر ْكعَةٍ‪ ،‬وبه قال أبو إسحاق‪ .‬وعن أيب هُرَيرة أن الطويلَ َق ْدرَ الصَّالةِ اليت كان‬
‫فيها‪.‬‬
‫صلِهِ يُرْ َجعُ به إىل األصْل‪ ،‬وجُوداً كان‬ ‫[قاعدة]‪ :‬وهي أن ما شَكَّ يف َتغَيُّرِه عن أ ْ‬
‫ح الشَّكّ‪ ،‬فلذا قالوا‪َ :‬ك َم ْعدُوم َمشْكُو ٌك فيه‪.‬‬ ‫أو َعدَماً‪ ،‬ويُطْ َر ُ‬
‫‪31‬‬
‫سجُد ُمصَلَ‬ ‫جدَةٍ‪ ،‬وَي ْ‬‫جدَةُ التِّالوَةِ لقارِىءٍ وسا ِمعٍ مجيع آيَةِ َس ْ‬ ‫[تتمة]‪ُ :‬تسَنُّ َس ْ‬
‫جدَةِ إمامِهِ فإن سَجَد إمامُه وختلُّفَ هو عنه‪ ،‬أو‬ ‫لقراءَتِهِ‪ ،‬إال مأموماً فيسجُد هو ِلسَ ْ‬
‫جدَ هو دُونَه‪ ،‬بطلتْ صالتُه‪ ،‬ولو مل يعَلمْ املَأمومُ سُجودَهُ بعدَ َرفْعِ رأسِهِ من‬ ‫َس َ‬
‫سجُد‪ ،‬بل يَنْتَظِر قائِماً‪ .‬أو قبله َه ِوىَ‪ ،‬فإذا َرَفعَ قبل‬ ‫السُّجودِ مل تَبطلْ صالتُه وال َي ْ‬
‫سجودِهِ رَفعَ معهُ وال يسجُد‪ .‬وُيسَنُّ لإلِمامِ يف السِّرِّيَّة تأخريُ السجودِ إىل فراغِهِ‪ .‬بل‬
‫جلهْرِيَّةِ أيضاً يف اجلوا ِمعِ العِظامِ‪ ،‬ألنه خيلط على املأمومني‪ .‬ولو‬ ‫حثَ ندبُ تأخ ِريهِ يف ا َ‬ ‫ُب ِ‬
‫قرأ آيَتَها فر َكعَ بأن بََلغَ أقلَّ الركوع مث بدا له السجودُ مل َيجُزْ ِلفَواتِ حملِّهِ‪ .‬ولو َهوِيَ‬
‫َد الركوع ص َرفَه له مل يَ ْكفِهِ عنه‪.‬‬ ‫لِلسُّجو ِد فلما بََلغَ ح َّ‬
‫َرمٍ‪ ،‬وسجودٌ كسجودِ‬ ‫وفروضُها لغريِ ُمصَلَ‪ :‬نيةُ سجودَ التِّالوَةِ‪ ،‬وتكبريُ َتح ُّ‬
‫َورَهُ وشَقَّ َس ْم َعهُ‬ ‫جدَ وَ ْجهِي لِلذي خََلقَهُ وص َّ‬ ‫الصالةِ‪ ،‬وسالمٌ‪ .‬ويقولُ فيها َندْباً‪َ :‬س َ‬
‫ح ْولِهِ وقُوَّتِهِ‪ ،‬فتبارَ َك اللّهُ أ ْحسَن اخلَاِلقِنيَ‪.‬‬
‫وَبصَرَهُ ِب َ‬
‫صدِ السجودِ ف َقطْ يف صَالةٍ أو َو ْقتٍ مَكْروهٍ‪ ،‬وتبطُلُ‬ ‫[فائدة]‪َ :‬تحْ ُرمُ القراءَةُ بق ْ‬
‫صدِ السجودِ وغريه مما يتعلَّق بالقراءَةِ فال كَراهَةَ مُطْلقاً‪ .‬وال‬ ‫الصَّالةُ به‪ .‬خبالفها بق ْ‬
‫جلهَلَة بني‬ ‫يَحلُّ التقرُّبُ إىل اهلل تعاىل بسجدَةٍ بال سََببٍ‪ ،‬ولو بعدَ الصَّالةِ‪ .‬وسجودُ ا َ‬
‫َي َديْ مشاخيهم حَرامٌ اتفاقاً‪.‬‬
‫(فصل)‪ :‬يف مبطالت الصالة (تَبْطُلُ الصَّالةُ) فَ ْرضُها وَنفْلُها ال صومٌ واعتِكافٌ‬
‫(بنِيَّةِ قَ ْطعِها) وتعليقه حبصولِ شيءٍ ولو مُحاالً عادِياً‪( .‬وتردُّد فيه) أي القَطْع‪ ،‬وال‬
‫مُؤا َخذَةَ ِبوَسْواسٍ َقهْ ِريّ يف الصَّالةِ كاإلِميانِ وغريه‪( ،‬وبفعلِ كثريٍ) يقيناً من غري جنسِ‬
‫أفعالِها إن صَ َدرَ ممَّنْ عَِلمَ حترميَهُ أو َجهِلَه ومل ُي ْع َذرْ حالَ كَونِهِ (والءً) عُرْفاً يف غريِ‬
‫السفَرِ‪ ،‬خبالفِ القليلِ كخطوتني وإن َّاتسَعتا حيث ال وَثْبَة‪،‬‬ ‫خلوْفِ وَنفْلِ َّ‬ ‫شِدَّةِ ا َ‬
‫صدَ ثالثاً متوالِيَةً مث َفعَلَ وا ِحدَةً أو شَرَعَ فيها بطلت صالتُه‪،‬‬ ‫والضَّرْبَتني‪ .‬نعم‪ ،‬لو َق َ‬
‫والكثيُر املُتفرِّقُ حبيثُ يُعدُّ كلٌّ مُنقطِعاً عما قَبْلَه‪ .‬وَحَدُّ الَب َغ ِويّ بأن يكون بينهُما قَدرُ‬
‫ركعةٍ ضَعيفٌ‪ ،‬كما يف اجملموعِ‪( .‬ولو) كان ال ِفعْلُ الكثريُ ( َسهْواً) والكثريُ (كثالثِ)‬
‫ت و (خُطُواتٍ تَواَلتْ) وإن كانت بق ْد ِر خُ ْطوَةٍ ُمغْتَفرةٌ‪ ،‬وكتحْريكِ رأ ِسهِ‬ ‫َمضْغا ٍ‬
‫ويدَيْهِ ولو معاً واخلَ ْطوَةُ بفتح اخلاءِ املَرَّةُ‪ ،‬وهي هنا َنقْلُ رِجْلِ اإلِمامِ أو غريِهِ‪ ،‬فإن‬
‫َنقَلَ معها األُخرى ولو بال تعاُقبٍ فَخَطْوتان‪ .‬كما اعتمَدَه شيخنا يف شرحِ املِنْهاجِ‪.‬‬
‫لكن الذي جَ َزمَ به يف شرحِ اإلِرشادِ وغريِه أن َنقْلَ رِجْلٍ مع َنقْلِ األُخرَى إىل‬
‫مُحاذاتِها والءُ خَطوَةٍ فقط‪ ،‬فإن َنقَلَ كالً على التَّعاُقبِ َفخَطْوتانِ بال نِزاعٍ‪ .‬ولو شَكَّ‬
‫يف ِفعْلِ أقليلٍ أو كثريٍ فال بُطالنَ‪ .‬وتبطل بالوَثْبَةِ وإن مل تَتعدَّدْ‪( .‬ال) تبطل (حبركاتٍ‬
‫خفيفَةٍ) وإن كَثُرَت وتواَلتْ‪ ،‬بل تُكْرَه‪( ،‬كََتحْرِيكِ) أصَْبعٍ أو (أصاِبعٍ) يف حَكَ أو‬
‫سَْبحَةٍ مع قرارِ كَفِّه‪( ،‬أو جَفْنٍ) أو َشفَةٍ أو َذكْرٍ أو لِسانٍ‪ ،‬ألهنا تاِبعَةً ِلمَحالِّها‬
‫حملهِ‬
‫ا ُملسَْتقِرَّةَ كاألصابعِ‪ .‬ولذلك حبثَ أن ح َركَةَ اللسانِ إن كانت مع حتويلِهِ عن ِّ‬
‫أبطلَ ثالثٌ منها‪ .‬قال شيخنا‪ :‬وهو ُمحَْتمَلٌ‪ .‬وخرجَ باألصابعِ الكَفُّ‪ ،‬فتحرِيكُها‬
‫ثالثاً والءٌ مُبْطِلٌ‪ ،‬إالَّ أن يكون به جَرَبٌ ال يصبِر َمعَه عادَةً على َع َدمِ احلَكِّ فال تبطل‬
‫لِلضَّرورَةِ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬ويؤ َخذُ منه أن من ابْتُلِيَ حبركَةٍ اضطرارِيَّةٍ ينشأُ عنها َعمَلٌ‬
‫كثريٌ سُومِحَ فيه‪ .‬وإمرارُ الَيدِ َورَدّها على التَّوالِي باحلَكِّ مرةٌ وا ِحدَةٌ‪ ،‬وكذا رَ ْفعُها عن‬
‫ضعِ احلَكِّ مرةٌ واحِدةٌ‪ .‬أي إن اتَّصلَ أ َحدَهُما باآلخَرِ وإال‬ ‫ضعُها على َم ْو ِ‬ ‫ص ْدرِهِ وَو ْ‬ ‫َ‬
‫فَكُلٌّ مَرَّةٌ‪ ،‬على ما استظهَرَهُ شيخنا‪( .‬وبِنُطْقٍ) َعمْداً ولو بإكْراهٍ (ِبحَ ْرفَيْنِ) إن تواليا‬
‫صدْ هبا مُجرَّدَ التَّفهيمِ‪،‬‬ ‫كما استظهره شيخنا من غريِ قُرآنٍ و ِذكْرٍ أو دُعاءٍ مل ُي ْق َ‬
‫الذكْرَ‬ ‫صدَ القراءَة أو ِّ‬ ‫كقولِهِ ملن استأذنوه يف الدُّخول‪{ :‬ا ْدخُلوها ِبسَال ٍم آمِنِنيَ} فإن قَ َ‬
‫وَ ْحدَهُ أو مع التنبيهِ مل تَبْطُل‪ ،‬وكذا إن أطْلَقَ‪ .‬على ما قاله َج ْمعٌ مُتقدِّمون‪ .‬لكن الذي‬
‫‪32‬‬
‫الص َورُ األرْبعة يف الفَتْحِ على‬ ‫يف التحقيق والدَّقائِقِ البُطالنُ‪ ،‬وهو ا ُملعَْت َمدُ‪ .‬وتأيت هذه ُّ‬
‫جلهْرِ بتكْبريِ االنْتِقالِ من اإلِمامِ واملُبَِّلغِ‪ .‬وتبطُل حبَ ْرفَيْنِ‪،‬‬ ‫الذكْرِ‪ ،‬ويف ا َ‬ ‫اإلِمامِ بالقُرآنِ أو ِّ‬
‫َعذرِ قِراءَةٍ واجِبَةٍ) كفاِتحَة‪ ،‬ومثلَها كل وا ِجبٌ قَ ْولِيّ‬ ‫(ولو) ظهرا (يف تََنحْنُحٍ ِلغَيْرِ ت ُّ‬
‫لتعذرِ ُركُنٍ َقوْلِيّ‪( ،‬أو)‬ ‫كتشهدٍ أخريٍ وصَالةٍ فيه فال تبطل بظهورِ حَ ْرفَيْنِ يف تََنحْنُحٍ ُّ‬ ‫ُّ‬
‫َعذرِ قراءةٍ‬ ‫سعَالٍ وبُكاءٍ وعطاسٍ وضحِكٍ‪ .‬وخرجَ بقويل لِغريِ ت ُّ‬ ‫حوِه) ك ْ‬ ‫َظهَرا يف (َن ْ‬
‫واجِبةٍ‪ ،‬ما إذا َظهَرَ حرفانِ يف تنحنُحٍ لتعذُّرِ قراءَةٍ مَسنونَةٍ‪ ،‬كالسّورَةِ أو القُنوتِ أو‬
‫جلهْرِ بالفاحتِة‪ ،‬فتبطل‪ .‬وحبث الزركشيّ جوازَ التنحنحِ للصاِئمِ إلِخراجِ نَخامَةٍ تُبْطِلُ‬ ‫اَ‬
‫ص ْومَهُ‪ .‬قال‬ ‫ويتجِه جوازُهُ لل ُمفْطِرِ أيضًا إلِخراجِ نَخامَةٍ تُبْطِلُ َ‬ ‫ص ْومَهُ‪ .‬قال شيخنا‪َّ :‬‬ ‫َ‬
‫حدّ‬ ‫ويتجِه جوازُهُ لل ُمفْطِرِ أيضاً إلِخراجِ نَخامَةٍ تُبْطِل صالتَه بأن نَ َزَلتْ لِ َ‬ ‫شيخنا‪َّ :‬‬
‫الظاهِرِ ومل ميكِنْهُ إخراجُها إالَّ به‪ .‬ولو تنحنَح إمامُه فبانَ منه حَرْفانِ مل َيجِب مفا َرقَتَهُ‬
‫َرزُهُ عن املُبْطِلِ نعم‪ ،‬إن دََّلتْ قرينَةُ حاِلهِ على ع َدمِ عُذرِهِ وَجَبَتْ‬ ‫ألن الظاهِرَ َتح ُّ‬
‫مفا َرقَتُهُ‪ ،‬كما حبثه السبكي‪ .‬ولو ابتُلِيَ شخصٌ بنحوِ سُعالٍ داِئمٍ حبيث مل َيخْلُ َزمَنٌ‬
‫سعْ الصَّالةَ بال سُعالٍ مُبْطِلٌ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬الذي يظهَرُ ال َع ْفوُ عنه‪ ،‬وال‬ ‫من ال َو ْقتِ َي َ‬
‫قضاءَ عليهِ لو ُشفِيَ‪( .‬أو) بِنُطقٍ (حبرفٍ ُم ْف ِهمٍ) ك‪:‬ف و عِ و فِ‪ ،‬أو بِحرفٍ ممدودٍ‪،‬‬
‫ألن ا َملمْدودَ يف احلقيقَةِ حرفانِ‪ .‬وال تبطَلُ الصَّالةُ بتلَفُّظِهِ بالعرَبِيَّةِ ِبقُرْبَةٍ توق َفتْ على‬
‫الل ْفظِ كََن ْذرٍ وعَتْقٍ‪ ،‬كأن قال‪َ :‬ن َذرْتُ لِزَيدٍ بألٍف أو أعْتَ ْقتُ فالناً‪ .‬وليس مثلُهُ التل َُّفظُ‬ ‫َّ‬
‫ص ْومٍ أو اعتكِافٍ ألهنا ال تتوقَّفُ على اللفظِ فلم َتحْتَجْ إليه‪ ،‬وال ِبدُعاءٍ جائِزٍ ولو‬ ‫بنيةِ َ‬
‫لغريِهِ بال تعليقٍ‪ ،‬وال خطابٍ ملَخلوقٍ فيهما‪ ،‬فتبطلُ هبما عند التعليقِ كإن َشفَى اللّهُ‬
‫اللهُمَّ ا ْغفِرْ لِي إنْ شِْئتَ‪ .‬وكذا عندَ خطابِ خملوقِ غري‬ ‫مَرِيضِي َفعَليَّ عَتْقُ َرقَبَةٍ‪ ،‬أو َّ‬
‫النيب ولو عندَ مساعِهِ ِل ِذكْرِهِ على األوْجَهِ‪ ،‬حنو َن َذرْتُ لك بكذا‪ ،‬أو رَ ِحمَكَ اللّهُ‪ ،‬ولو‬
‫ِلمَِّيتٍ‪ .‬ويُسَنُّ لِمُصَلِّ سُِّلمَ عليهِ الرَّدُّ باإلِشارَةِ باليدِ أو الرأسِ ولو ناطِقاً‪ ،‬مث بعدَ‬
‫شمِيتُ برَ ْحمَةِ اهلل‪ .‬ولغريِ‬ ‫كالت ْ‬
‫الفَراغِ منها باللَّفظِ‪ .‬وجيوزُ الرَّدُّ بقولِه‪ :‬عليهِ السَّالمُ‪َّ ،‬‬
‫س ِمعَ نفسَهُ‪( .‬ال) تبطُل‬ ‫حمَدَ وُي ْ‬ ‫ُمصَلَ رَدُّ سالمٍ حتلُّل ُمصَلَ‪ ،‬وملن عَطَسَ فيها أن َي ْ‬
‫(بيسريِ حنوَ تََنحْنُحٍ) عُرْفاً (لغلبة) عليه‪( ،‬و) ال بِيَسريِ (كالمِ) عُرْفاً كالكَِلمَتني‬
‫س ْهوٍ)‪ ،‬أي مع َس ْهوِهِ عن‬ ‫والثالث‪ .‬قال شيخنا‪ :‬ويظهَرُ ضَْبطُ الكَِلمَةِ هنا بالعُرْفِ (ِب َ‬
‫تكلمَ بقليلٍ معَتقِداً‬ ‫كونه يف الصالةِ بأن َنسِيَ أنه فيها‪ ،‬ألنه ملا سََّلمَ من ركعتنيِ َّ‬
‫النسْخَ مث بَنَى هو وهم عليها‪ .‬ولو ظَنَّ بُطالنَهُ بكال ِمهِ‬ ‫الفراغ وأجابوه به ُمجَوِّزينَ َّ‬
‫س ْهوٍ كثريُهُما‬ ‫القليلِ َسهْواً فتكلَّمَ كثرياً مل ُي ْع َذرْ‪ .‬وخرج بيسريِ تنحنُحٍ لغَلَبَةٍ وكَالمٍ ِب َ‬
‫فتبطُلُ ِبكَثْرَتِهِما‪ ،‬ولو معَ غَلَبَةٍ و َس ْهوٍ وغريِهِ‪( ،‬أو) مع (سَبْقِ لِسانٍ) إليه‪( ،‬أو) مع‬
‫( َجهْلِ تَحرِ ِميهِ) أي الكالم فيها (ِلقُرْبِ إسالمٍ) وإن كان بني املسلمني‪( ،‬أو ُب ْعدٍ عن‬
‫العُلَماءِ) أي عَمَّنْ ُيعِرفُ ذلك‪ .‬ولو سََّلمَ ناسياً مث تكََّلمَ عامِداً أي يسرياً أو َجهَلَ‬
‫حترميَ ما أتى به مع عِ ْلمِهِ بتحرميِ جنسِ الكالمِ أو كونِ التنحنُحِ مُبْطِالً مع عِ ْل ِمهِ‬
‫ج ْوفِهِ‬ ‫بتحرميِ الكالمِ‪ ،‬مل تبطلْ ِلخَفاءِ ذلك على العَوام‪( .‬و) تَبْطلُ (ِب ُمفْطِرٍ) وصلَ ِل َ‬
‫الص ْومُ‪ ،‬فلو ابتلعَ نَخامَةً نَ َزلَتْ من رأ ِسهِ‬ ‫وإن قلَّ‪ ،‬وأكْلُ كثريٍ َسهْواً وإن مل يَبطُلْ بهِ َّ‬
‫حمْرَةِ حنو‬ ‫ِلحَدِّ الظاهِرِ من َفمِهِ‪ ،‬أو رِيقاً مُتَنَجِّساً بنحو َدمِ لَثَّتِه‪ ،‬وإن ابْيَضَّ‪ ،‬أو مُتَغيِّراً ِب ُ‬
‫سمَةٍ من ناسٍ‪ ،‬أو جاهلٍ‬ ‫َقيدُ بنحوِ ُس ْم ُ‬ ‫تنبلٍ‪ ،‬بطلت‪ .‬أما األكلُ القليلُ عُرفاً وال يَت َّ‬
‫معذورٍ‪ ،‬ومن مغلوبٍ‪ ،‬كأن نزَلتْ خنامَتُه حلدِّ الظاهِرِ و َعجِزَ عَن جمَّها‪ ،‬أو جَرَى ري ُقهُ‬
‫ُر لِل ُع ْذرِ‪.‬‬
‫بطعامٍ بنيَ أسنانِ ِه وقد َعجِزَ عن متييزِهِ ومَجَّهِ‪ ،‬فال َيض ُّ‬
‫(و) تبطل (بزيادَةِ رُكنٍ ِفعْلِيّ عَمْداً) لغري مُتاَبعَةٍ‪ ،‬كزِيادَةِ ركوعٍ أو سُجودٍ وإن‬
‫مل يَطمَئِن فيه‪ .‬ومنه كما قال شيخنا ‪ :‬أن ينحين اجلالسُ إىل أن حتا ِذيَ جبهَتُه ما أمامَ‬
‫َركِه‪ ،‬أو افتراشِهِ املندوبِ‪ ،‬ألن املبطِلَ ال ُيغَْتفَرُ لِلمندوبِ‪.‬‬ ‫ركبتَيْهِ ولو لتحصيلِ َتو ُّ‬
‫‪33‬‬
‫ويغتفَرُ القعودُ اليسريُ بقدرِ جَ ْلسَةِ االستراحَةِ قبلَ السجودِ‪ ،‬وبعد َسجْد التالوَةِ‪ ،‬وبعد‬
‫تشهدِهِ‪ .‬أما وقوعُ الزيادَة سهواً أو َجهْالً عُ ِذرَ به فال‬ ‫سالمِ إمامٍ مسبوقٍ يف غري حملِّ ُّ‬
‫َيضُرّ‪ ،‬كزيا َدةِ سُنَّةٍ حنو رَ ْفعِ اليدين يف غري حملِّهِ‪ ،‬أو ُركْنٍ قولِيّ كالفاِتحَةِ‪ ،‬أو ِفعْلِيّ‬
‫جدَ قبل إمامِهِ مث عادَ إليه‪( .‬و) تبطلُ (باعتقادِ) أو ظنِّ‬ ‫للمُتاَبعَةِ‪ ،‬كأن َر َكعَ أو َس َ‬
‫(فَ ْرضٍ) ُمعَيَّنٍ من فروضها (َنفْالً) لِتَالعُبِهِ‪ ،‬ال إن اعَت َقدَ العامِّيُّ َنفْالً من أفعالِها فَرْضاً‪،‬‬
‫صدَ ِبفَرضٍ ُمعَيَّنِ َّالنفْلِيَّةَ‪ ،‬وال إن‬‫أو عَِلمَ أن فيها فَرْضاً وَنفْالً ومل ُيمَيِّزْ بينهما‪ ،‬وال ق َ‬
‫الكل فروضٌ‪.‬‬ ‫اعَت َقدَ أن َّ‬
‫صدٍ‪ ،‬واتصالُ نَجسٍ ال ُي ْعفَى عنه إال‬ ‫[تنبيه]‪ :‬ومن املبطِلِ أيضاً َحدَثٌ ولو بال َق ْ‬
‫شفَها ريحٌ فسَتَر حاالً‪ ،‬وتركُ رُكْنٍ َعمْداً‪،‬‬ ‫إن َدَفعَهُ حاالً‪ ،‬وانكشافُ عورَةٍ إال إن َك َ‬
‫َرمِ أو شَرْطٍ هلا مع مضِيِّ رُكنٍ َق ْولِي أو ِفعْلِي أو طولِ َزمَنٍ‪ .‬وبعضُ‬ ‫وشَكٌّ يف نيَّةِ َّالتح ُّ‬
‫القويلّ ككُلِّه مع طو ِل َزمَنِ شَكَ‪ ،‬أو مع ِقصَرِهِ‪ ،‬ومل ُي ِع ْد ما قرأه فيه‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو أخربَهُ َعدْلٌ روايَة بنحو َنجَسٍ أو َكشْف عورَةٍ مُبطِلٍ لَ ِزمَهُ قبولُه‪ ،‬أو‬
‫بنحو كالمٍ مُبْطلٍ فال‪( .‬وُندِبَ ِلمُْنفَرِدٍ رأى مجا َعةً) مشروعَةً (أن يقِلبَ فَ ْرضَهُ)‬
‫ُسلمَ من رَكعتَني) إذا مل َي ُقمْ لِثالِثَةٍ‪ ،‬مث يدخُل يف‬ ‫احلاضِرَ ال الفاِئتَ (نفالً) مُطْلَقاً‪ ،‬وي ِّ‬
‫َممَ ركعتني اسُتحِبَّ له قَ ْطعُ الصالةِ‬ ‫اجلماعَةِ‪ .‬نعم‪ ،‬إن َخشِيَ َفوْتَ اجلماعَةِ إن ت َّ‬
‫واستئنافُها مجاعَةً‪ .‬ذكرَهُ يف اجملموعِ‪ .‬وحبثَ البلقيينُّ أنه يسلِّم ولو من َر ْكعَةٍ‪ ،‬أما إذا‬
‫ش َفوْتَ اجلَماعَةِ مث يدخُل يف اجلَماعَةِ‪.‬‬‫قامَ لثالِثَةٍ أمتَّها َندْباً إن مل َيخْ َ‬
‫(فصلٌ)‪ :‬يف األذان واإلِقامة مها ُلغَةً‪ :‬اإلِعالمُ‪ .‬وشرعاً‪ :‬ما عُرِفَ من األلفاظِ‬
‫املَشهورَةِ فيهما‪ .‬واألصلُ فيهما اإلِمجاعُ املسبوقُ برؤيَةِ عبدِ اهلل بن زيدٍ املشهورَة ليَلةَ‬
‫تشاوروا فيما َيجْمَع الناسَ‪ ،‬وهي كما يف سُنَنِ أيب داود‪ :‬عن عبد اهلل أنه قال‪" :‬ملا‬
‫جل ْمعِ الصالةِ‪ ،‬طافَ يب وأنا ناِئمٌ رجلٌ‬ ‫َأمَرَ النيبُّ بالناقوسِ ُي ْعمَلَ لُِيضْرَبَ به للناسِ َ‬
‫حيمِلُ ناقوساً يف يَدِهِ فقلتُ‪ :‬يا عبد اهلل أتبيعُ النَّاقوسَ؟ فقال‪ :‬وما َتصَْنعْ به؟ فقلتُ‪:‬‬
‫َندْعو به إىل الصَّالةِ‪ .‬قال‪َ :‬أوَ ال أدُلُّكَ على ما هو خريٌ من ذلك؟ فقلت له‪ :‬بَلَى‪.‬‬
‫فقال‪ :‬تقول‪ :‬اللّهُ أكَبُر اللّهُ أكبَرُ‪ ،‬إال آخِر األذانِ‪ .‬مث استأخَرَ عين غريَ بعيدٍ مث قال‪:‬‬
‫حتُ‬ ‫وتقول إذا ُق ْمتَ إىل الصَّالةِ‪ :‬اللّهُ أكبَرُ اللّهُ أكبَرُ‪ ،‬إىل آخرِ اإلِقامَةِ‪ ...‬فلما أصَْب ْ‬
‫َق إن شاءَ اللّهُ‪ُ .‬قمْ مع باللٍ فألْقِ عليه‬ ‫أتيتُ النيبَّ فأخربْتُه مبا رأيتُ فقال‪" :‬إهنَّا لرؤْيا ح ٌّ‬
‫صوْتاً مِنْكَ"‪ .‬فقمتُ مع باللٍ فجَعلتُ ألقيهِ عليه فيؤذن‬ ‫ت فلُيؤَذِّنْ به فإنَّهُ أْندَى َ‬ ‫ما رأْي َ‬
‫به‪ .‬فس ِمعَ ذلك عمرُ بنُ اخلطابِ وهو يف بيتِهِ فخَرَجَ َيجُرُّ رداءَهُ ويقول‪ :‬والَّذِي‬
‫حل ْمدُ"‪ .‬قيل‪ :‬رآها‬ ‫َبعَثَكَ باحلَقِّ يا رسول اهلل لقدْ رأيتُ مثلَ ما رأى‪ .‬فقال‪" :‬فَِللَّهِ ا َ‬
‫بضعَةُ َعشَر صحابياً‪ .‬وقد ُيسَنُّ األذانُ ِلغَيْرِ الصالةِ‪ ،‬كما يف أُذُنِ املَهمومِ واملَصروعِ‬
‫وال َغضْبانَ‪ ،‬ومن ساءَ خُُلقَهُ من إنسانٍ أو هبيمَةٍ‪ ،‬وعند احلَريقِ‪ ،‬وعند َتغَوُّلِ الغِيالنِ‬
‫أي متَرُّدِ اجلِنِّ ‪ .‬وهو واإلِقامَةُ يف أُذُين املولودِ وخَلْف املُسافِرِ (ُيسَنُّ) على الكِفايَةِ‪.‬‬
‫وحيصَلُ ب ِفعْلِ البَعْضِ (أذانٌ وإقامَةٌ) ِلخَبَرِ الصحيحني‪" :‬إذا َحضَرَت الصالةُ فليُؤذِّنْ‬
‫لكُم أح ُد ُكمْ"‪( .‬لِ َذكَرٍ ولو) صَبِيّاً‪ ،‬و (مُْنفَرِداً وإن َس ِمعَ أذاناً) من غريِهِ على ا ُملعَْت َمدِ‪،‬‬
‫خِالفاً ملا يف شرحِ مُسلِم‪ .‬نعم‪ ،‬إن َس ِمعَ أذانَ اجلماعَةِ وأرادَ الصالةُ مع ُهمْ مل ُيسَنُّ له‬
‫على ا َألوْجَهِ (ِلمَكتوبَةٍ) ولو فائِتَةٍ دون غريِها‪ ،‬كالسُّنَنِ وصالةِ اجلنازَةِ واملَنْذورَةِ‪ .‬ولو‬
‫حوِ ضِيقِ َوقْتٍ فاألذانُ َأ ْولَى به‪ .‬وُيسَنُّ أذانانِ ِلصُبْحٍ واحدٍ قبلَ‬ ‫اقتصَرَ على أ َحدِهُما لَِن ْ‬
‫ج ُمعَةِ‪ ،‬أحدُهُما بعد صُعودِ‬ ‫ال َفجْرِ‪ ،‬وآخَرُ بعدَه‪ ،‬فإن اقتصَر فاألوْىل بعدَه‪ .‬وأذانان لل ُ‬
‫اخلَطيبِ املِنْبَرَ‪ .‬واآلخر الذي قبلَهُ إمنا أ ْحدَثَهُ عثمانُ َرضِيَ اللّهُ عنهُ ملَّا كَثُرَ النَّاسُ‪،‬‬
‫فاسِتحْبابُه عند احلاجَةِ كأن َت َوقَّفَ حضورُهُم عليه‪ ،‬وإال لكانَ االقِتصارُ على االتِّباع‬
‫أ ْفضَلُ‪( .‬و) سُنَّ (أن ُيؤَذّنَ لِألُوىل) فقط (من صَلواتٍ تَوالَت) كفواِئتَ وصالتَيْ‬
‫‪34‬‬
‫َج ْمعٍ وفائِتَةٍ‪ ،‬وحاضِرَةٍ دَخَلَ َوقْتُها قبلَ شُروعِهِ يف األذانِ‪( .‬ويُقيمَ لكل) منها لالتِّباع‪.‬‬
‫(و) سُنَّ (إقامَةٌ ألنثى) سِ ّراً‪ ،‬وخُنْثَى فإن أذَّنَت للنِّساءِ سِ ّراً مل يُكْرَهُ‪ ،‬أو َجهْراً حُ ِرمَ‪.‬‬
‫(ويُنادَي لِجماعَةِ) مشروعَةٍ (يف َنفْلٍ) كعيدٍ وتراويح ووتر ُأفْرِدَ عنها برمضان‬
‫وكُسوفٍ‪( .‬الصَّالةُ) بَِنصِْبهِ إغراءٌ‪ ،‬ور ْفعُه مُبْتَدأ‪( ،‬جا ِمعَةٌ) بَِنصْبِه حاالً‪ ،‬ور ْفعُهُ خَرباً‬
‫للمَذكورِ‪ .‬وُيجْزِىءُ‪ :‬الصَّالةُ الصالةُ‪ ،‬وهَُلمّوا إىل الصالةِ‪ .‬ويُكْرَهُ‪ :‬حَيَّ على الصَّالةِ‪.‬‬
‫وينبغي َندْبُهُ عند دُخولِ الو ْقتِ وعندَ الصَّالةِ ليكونَ نائِباً عن األذانِ واإلِقامَةِ وخَرَجَ‬
‫بقويل ِلجَماعَةٍ ما ال ُيسَنّ فيه اجلَماعَةُ وما فُعِلَ فَرادَى‪ ،‬وبَِنفْلٍ مَنْذورَةٌ وصَالةٌ جنا َزةٌ‪.‬‬
‫ط فيهما) أي يف األذانِ واإلِقامَةِ‪( .‬ترتيبٌ) أي الترتيبُ ا َملعْروفُ فيهما‪،‬‬ ‫(وشُرِ َ‬
‫لالتِّباع‪ .‬فإن عَكَسَ ولو ناسِياً مل َيصُح وله البِناءُ على املُنْتَظمِ منهما‪ .‬ولو تَرَكَ‬
‫ضهُما أتى به مع إعادَةِ ما بعدَهُ‪( .‬ووالءٌ) بني كلماِتهِمَا‪ .‬نعم‪ ،‬ال َيضُرُّ يسريُ كالمٍ‬ ‫بع َ‬
‫ح َمدَ سِراً إذا عَطَسَ‪ ،‬وأن يُؤخِّرَ ردَّ السالمِ‬ ‫وسُكوتٌ ولو عَمْداً‪ .‬وُيسَنُّ أن يَ ْ‬
‫وتشميتَ العاطِسِ إىل الفراغِ‪( .‬وجَهْرٌ) إن أذَّ َن أو أقامَ (ِلجَماعَةٍ)‪ ،‬فينبغي إمساعُ‬
‫وا ِحدٍ مجيع كلماتِهِ‪ .‬أما ا ُملؤَذِّنُ أو املُقيمُ لَِن ْفسِهِ فيكفيهِ إمساعُ نفسِهِ فقط‪( .‬ووقتٌ) أي‬
‫ُح قَبْلَهُ‪.‬‬
‫دُخوله (لغري أذانِ صُبْحٍ) ألن ذلك لإلِعْالمِ‪ ،‬فال جيو ُز وال َيص ُّ‬
‫أما أذانُ الصُّبْحِ فََيصُحُّ من نصفِ لَيْلٍ‪( .‬وسُنَّ تثويبٌ) ألذانَيْ (صُبْحٍ‪ ،‬وهو أن‬
‫يقولَ بعدَ احلَْيعَلَتَيْنِ‪ :‬الصَّالةُ خريٌ من النَّومِ‪ ،‬مرَّتَيْنِ)‪ .‬ويُثَوِّب ألذانِ فائِتَةِ صُبْحٍ‪ ،‬وكُ ِرهَ‬
‫س ِمعَ مَنْ‬ ‫لغريِ صُبْحٍ‪( .‬وتَرْجِيعٌ) بأن يأتِيَ بِكَِلمَيت الشَّهادَتنيِ مرتني سِراً‪ ،‬أي بِحيث ُي ْ‬
‫جلهْرِ هبما لالتِّباع‪ ،‬وَيصُحّ بدونِهِ‪( .‬و َجعْلُ ْمسَِّبحَتَيْه ِبصُماخَيْه) يف‬ ‫قَرُبَ منه عُرْفاً قبلَ ا َ‬
‫ِلصوْتِ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬إن أرادَ َر ْفعَ الصّوْتِ به‪ ،‬وإن‬ ‫األذانِ دونَ اإلِقامَةِ‪ ،‬ألنه أ ْج َمعُ ل َّ‬
‫َعذرَت يدٌ َجعَلَ األخْرَى‪ ،‬أو سُبابَةٌ سُنَّ َجعْلُ غريِها من َبقِيَّةِ األصاِبعِ‪( .‬و) سُنَّ‬ ‫ت َّ‬
‫ضعٍ عالٍ‪ ،‬ولو مل يَكُنْ‬ ‫(فيهما) أي يف األذانِ واإلِقامَةِ (قيامٌ) وأن يؤذّنَ على مو ِ‬
‫جدِ منارَةٌ سُنَّ ِبسَ ْطحِهِ مث بِبابِهِ‪( .‬واسِتقْبالٌ) لِ ْلقِبْلَةِ‪ ،‬وكُ ِرهَ تَ ْركُه‪( .‬وحتويلُ‬ ‫سِ‬ ‫لِل َم ْ‬
‫الصدْر (فيهما يَميناً) مَرَّة (يف حَيَّ على الصّالةِ) يف املرتني‪ ،‬مث يَرُدّ وَجْ َههُ‬ ‫وَ ْجهِهِ) ال َّ‬
‫لِلقِبلَةِ (وشِماالً) مَرَّة (يف حَيَّ على الفَالحِ) يف املرتني‪ ،‬مث يَرُدُّ وَ ْجهَهُ لِلقِبلَةِ‪ .‬ولو ألذانِ‬
‫اخلُطْبَةِ أو ِلمَن يؤذِّ ْن لنفسِهِ‪ .‬وال يلت ِفتْ يف التَّْثوِيبِ‪ ،‬على نِزاعٍ فيه‪.‬‬
‫الصوْتِ باألذانِ ِلمُْنفَرِدٍ فوقَ ما يُسمَع نفسَهُ‪ ،‬وملن يُؤذن‬ ‫[تنبيه]‪ُ :‬يسَنُّ َر ْفعُ َّ‬
‫سمِع واحداً منهُم‪ ،‬وأن يباِلغَ كلٌّ يف َجهْرٍ به لألمْرِ به‪ ،‬و َخ ْفضُه به‬ ‫جلماعَةٍ فوق ما يُ ْ‬
‫يف ُمصَلَّى أقيمَت فيه مجاعَةٌ وانصَرَفوا‪ ،‬وتَرتيلُه‪ ،‬وإدراجُ اإلِقامَةِ‪ ،‬وتسكنيُ راءِ التكبريِ‬
‫الضمّ‪ .‬وإدغامُ دالِ حممدٍ يف راءِ رَسولِ اللّهِ ألن تَركَه‬ ‫األُوىل‪ .‬فإن مل َيفْعَلْ فاألفصَحُ َّ‬
‫حدِثٍ وصيبَ وفاسقٍ‪.‬‬ ‫خلفِيّ‪ .‬وينبغي النُّطْقُ هباءِ الصالةِ‪ ،‬وُيكْرَهان من ُم ْ‬ ‫من اللَّحنِ ا َ‬
‫وال َيصُحّ َنصْبُه‪ ،‬ومها أفضل من اإلمامة لقوله تعاىل‪َ { :‬ومَنْ أ ْحسَنُ َق ْوالً مِمَّنْ دَعا إىل‬
‫اللَّهِ} قاَلتْ عاِئشَةُ َرضِيَ اللَّهُ عنها‪ُ :‬همُ ا ُملؤَذِّنونَ‪ .‬وقيلَ‪ :‬هِي أفضَلُ مِنهُما‪ ،‬وُفضَِلتْ‬
‫من أ َحدِهِما بال نِزاعٍ‪( .‬و) سُنَّ (لسا ِمعِهما) سَماعاً ُيمَيِّز احلُروفَ‪ ،‬وإال مل ُيعْتَدّ‬
‫ِبسَماعِهِ كما قال شيخنا ‪ .‬آخراً (أن يقولَ ولو غريَ مُتَوضَّىءٍ) أو جُنُباً أو حائِضاً‬
‫خالفاً للسبكي فيهما أو ُمسْتَْنجِياً فيما يظهر‪( ،‬مثل قوهلما إن مل يَ ْلحَنا حلناً ُيغَيِّر‬
‫س َمعْه‪ .‬ولو َسمِعَ‬ ‫ا َملعْىن)‪ .‬فيأيت بِكُلِّ كلمةٍ َع ِقبَ فراغِهِ منها‪ ،‬حىت يف الترَّجيعِ وإن مل َي ْ‬
‫بعضَ األذانِ أجابَ فيه وفيما مل َيسْ َمعْه‪ .‬ولو تَرََّتبَ املؤذنون أجابَ الكُلَّ ولو بعدَ‬
‫والذكْرَ والدُّعاءَ‪ .‬وتُكْرَهُ‬ ‫صالتِهِ‪ .‬ويكرَهُ تَرْكُ إجابَةِ األوّل‪ .‬ويَق َطعُ لإلِجابَةِ القراءَةَ ِّ‬
‫ِلمُجا ِم ٍع وقاضي حَاجَةٍ‪ ،‬بل ُيجِيبان بعدَ الفراغِ‪ ،‬كَ ُمصَلَ إن قَرُبَ ال َفصْلُ‪ ،‬ال ِلمَنْ‬
‫ِبحَمَّامٍ‪ ،‬ومن َبدَنَه ما عدا َفمِه نَجِسٌ وإن وَ َجدَ ما يتطهَّر به‪( .‬إالَّ يف حَيْعالتٍ‬
‫ح ْوقِل) املُجيبُ‪ ،‬أي يقولُ فيها‪ :‬ال َحوْلَ وال قُوَّة إال باللّهِ العَليِّ العظيمِ‪ .‬أي ال‬ ‫فَُي َ‬
‫‪35‬‬
‫َتحَوُّلَ عن معصَِيةِ اهلل إال ِبهِ وال قُوَّةَ على طاعَتِهِ إال ِبمَعونَتِه‪( .‬ويُصدِّق) أي يقول‪:‬‬
‫صدَ ْقتَ وَبَ َررْتَ‪ ،‬مرتني‪ .‬أي صرتَ ذا بُرَ‪ ،‬أي خريٍ كثريٍ‪( .‬إن ثوَّبَ) أي أتى‬ ‫َ‬
‫ب يف الصُّبحِ‪ .‬ويقول يف كَِلمَيت اإلِقامَةِ‪ :‬أقامَها اللّهُ وأدامَها و َجعَلَين من صاِلحِي‬ ‫بالتَّثوي ِ‬
‫أهْلِها‪( .‬و) سُنَّ (لكل) من مُؤذّنٍ ومُقيمٍ وسا َمعِهما (أن ُيصَلِّيَ) وُيسَِّلمَ (على النيب)‬
‫(بعد فَراغِهما)‪ ،‬أي بعدَ فراغِ كل مِنُهما إن طالَ َفصْلٌ بيَنهُما‪ ،‬وإال فيكفِي هلما دعاءٌ‬
‫وا ِحدٌ‪( .‬مث) يقولُ كلٌّ منهم رافِعاً يدَيْه‪( :‬اللهُمَّ ربّ هذهِ الدعوَة) أي األذانِ واإلِقامَةِ‪،‬‬
‫حمّداً الوَسِيلَةَ وال َفضِيلَةَ واْبعَثْهُ مَقاماً‬ ‫(إىل آخرِهِ)‪ .‬تتمَّتُهُ‪ :‬التَّامَّة والصَّالةُ القاِئمَةِ‪ ،‬آتِ ُم َ‬
‫َمحْمودًا الذي وَ َعدْتَهُ‪ .‬والوَسيلَةُ هي أعْلَى درَجَةٍ يف اجلنَّةِ‪ .‬واملقامُ احملمودُ مقامُ‬
‫الشَّفاعَ ِة يف َفصْلِ القضاءِ َيوْم القيامَةِ‪.‬‬
‫ويُسنُّ أن يقولَ بعد أذانِ املَغرِبِ‪ :‬اللهَّم هذا إقبالُ ليلِكَ وإدبارُ هنارِكَ وأصواتُ‬
‫دُعاتِكَ فا ْغفِرْ يل‪ .‬وتسنُّ الصالةُ على النيبِّ قبل اإلِقامَةِ‪ ،‬على ما قاله النوويُّ يف شرحِ‬
‫الوَسِيطِ‪ ،‬واعت َمدَهُ شيخنا ابن زياد‪ ،‬وقال‪ :‬أما قبلَ األذان فلم َأرَ يف ذلكَ شيئاً‪ .‬وقال‬
‫الشيخ الكبري البكري أهنا تُسَنُّ قبَلهُما‪ ،‬وال ُيسَنُّ حممدٌ رسولُ الّلهِ بعدَهُما‪ .‬قال‬
‫خربِ‪" :‬إنَّ مَنْ‬ ‫الرَّوياين يف الَبحْرِ‪ُ :‬يسَْتحَبُّ أن يقرَأَ بني األذان واإلِقامَةِ آيَةَ الكُرْسِيّ ِل َ‬
‫قرأَ ذلكَ بني األذانِ واإلِقامَةِ مل يُكَْتبْ عليهِ ما بني الصالتني"‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬أفىت البَلْقيين فيمَنْ وافَقَ فراغُهُ من الوُضوءِ فَراغَ املُؤذِّنِ‪ ،‬بأنه يأيت ِب ِذكْرِ‬
‫الوُضوءِ ألنه للعبادَة اليت فرَغَ منها‪ ،‬مث ب ِذكْرِ األذانِ‪ .‬قال‪ :‬و َحسُنَ أن يأتِيَ بشهادَتَي‬
‫الوُضوءِ مث ِبدُعا ِء األذا ِن لَِتعَُّلقِهِ بالنيبِّ‪ ،‬مث بالدُّعا ِء لِنَفسِهِ‪.‬‬
‫(فصل)‪ :‬يف صالة النفل وهو ُلغَةً‪ :‬الزيادَةُ‪ .‬وشَرْعاً‪ :‬ما يُثابُ على ِفعْلِهِ وال يُعاَقبُ‬
‫على تَ ْركِهِ‪ .‬وُيعَبَّرُ عنه بالتطوُّعِ والسُّنَّةِ وا ُملسَْتحَبِّ واملَنْدوبِ‪ .‬وثوابُ الفَ ْرضِ َي ْفضُلُه‬
‫ض بل‬ ‫ع ليُ ْكمِلَ َنقْصَ الفرائِ ِ‬ ‫صححَ ُه ابنُ خُزَْيمَة‪ .‬وشُرِ َ‬ ‫بسبعني درجَةٍ‪ ،‬كما يف حديثٍ َّ‬
‫ولَِيقُومَ يف اآلخِرَةِ ال يف الدُّنيا مُقامَ ما تُرِكَ منها ِل ُع ْذرِ‪ ،‬كنِسيانٍ‪ ،‬كما نصَّ عليه‪.‬‬
‫والصال ُة أفضَلُ عباداتِ الَبدَنِ بعد الشهادتني‪َ ،‬ففَ ْرضُها أفضَلُ الفروضِ‪ ،‬وَنفْلُها أفضَلُ‬
‫ضهُم‪ ،‬وقيل‪ :‬أفضَلُها‬ ‫الص ْومُ‪ ،‬فاحلَجُّ‪ ،‬فالزَّكاةُ‪ ،‬على ما جَ َزمَ به بع ُ‬ ‫النَّوافِلِ‪ .‬ويليها َّ‬
‫الزَّكاةُ‪ .‬وقيل‪ :‬الصَّومُ‪ .‬وقيل‪ :‬احلَجُّ‪ .‬وقيل غري ذلك‪ .‬واخلالفُ يف اإلِكثارِ مِنْ وا ِحدٍ‬
‫صوْم َي ْومٍ أفضَلُ من َر ْكعَتَني‪.‬‬ ‫أي عُرْفاً مع االقِتصارِ على اآلكَدِ مِنَ اآلخَرِ‪ ،‬وإال فَ َ‬
‫وصالةُ َّالنفْلِ قسمان‪ :‬قسمٌ ال تُسنُّ له مجاعَةٌ كالرواِتبِ التاِبعَةِ لِلفرائِضِ‪ ،‬وهي ما‬
‫تأيت آنفاً‪ُ( .‬يسَنُّ) لألخبارِ الصَّحيحَةِ الثابِتَةِ يف السُّنَنِ (أرَبعُ ركعاتٍ قبلَ َعصْرٍ‪ ،‬و)‬
‫أرَبعٌ قبلَ ( ُظهْرٍ و) أرَبعٌ (بعدَهُ‪ ،‬وركعتان بعدَ َمغْربٍ) وُندِبَ وصُلهُما بالفَ ْرضِ‪ .‬وال‬
‫الذكْرُ املأثورُ بعد املكتوبَةِ‪( .‬و) بعدَ (عِشاءٍ)‬ ‫ُيفَوِّت فضيلَةَ الوَصْلِ بإتيانِهِ قبَلهُما ِّ‬
‫ركعتان خفيفتان (وقبلهما)‪ ،‬إن مل يشَتغِلْ هبما عن إجابَةِ ا ُملؤَذِّنِ‪ .‬فإن كان بني األذانِ‬
‫واإلِقامَةِ ما يَسَعهُما َفعَلَهُما‪ ،‬وإال أخَّرَهُما‪( .‬و) ركعتان قبلَ (صُبْحِ)‪ ،‬وُيسَنُّ‬
‫ختفي ُفهُما‪ .‬وقراءة الكافرون واإلِخالصِ فيهما‪ ،‬خلربِ مسلم وغريه‪ ،‬ووردَ أيضاً فيهما‬
‫أَلمْ َنشْ َرحَ لكَ وأََلمْ تَرَ كَيْفَ‪ ،‬وأنَّ مِن دا َومَ على قراءَتِهما فيهما زاَلتْ عنه عَِّلةُ‬
‫حقَّقَ اإلِتيانُ بالوارِدِ‪ ،‬أخذاً مما قالَهُ النووي يف‪:‬‬ ‫جل ْمعُ فيهما بيَنهُنّ لِتََت َ‬ ‫البَوا ِسريِ‪ ،‬فُيسَنُّ ا َ‬
‫ُطوالً َلهُما تطويالً ُيخْ ِرجُ عن‬ ‫إِنِّي ظََل ْمتَ َن ْفسِي ظُلْماً كَثرياً كَبِرياً‪ .‬وَلمْ يَكُنْ بذلِكَ م َّ‬
‫حَدِّ السُّنَّةِ واالتِّباعِ‪ ،‬كما قاله شيخنا ابن حجر وزياد‪ .‬ويُْندَبُ االضْطِجاعُ بيَنهُما‬
‫َجدٍ‪ .‬واألَوْىل َكوْنُه على الشِّقِّ األميَنِ‪،‬‬ ‫وبنيَ الفَرْض إن مل ُيؤَخِّرْهُما عنه‪ ،‬ولو غريَ مَُته ِّ‬
‫فإن مل يَرِدْ ذلك فَصَ َل بنحوِ كالمٍ أو َتحَوُّلٍ‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬جيوزُ تأخريُ الرواِتبِ القبلِيَّةِ عن الفَ ْرضِ وَتكونُ أداءً‪ .‬وقد يُسَنُّ كأنْ‬
‫َرمُ اإلِمام فيُكْ َرهُ‬
‫َحضَرَ والصَّالةُ تُقامُ أو قَرَُبتْ إقامَتُها حبيثُ لو اشَْتغَلَ هبا َيفُوتُه َتح ُّ‬
‫‪36‬‬
‫الشروع فيها‪ ،‬ال تقدمي الَب ْعدِيّة عليه ِل َع َدمِ دُخولِ َوقْتِها‪ ،‬وكذا بعد خُروجِ الوَ ْقتِ على‬
‫َكدُ من الرَّواتِبِ َعشْرٌ‪ ،‬وهو رَكعتان قبلَ صُبْحٍ و ُظهْرٍ وبعدَهُ وب ْعدَ‬ ‫ا َألوْجَهِ‪ .‬وا ُملؤ َّ‬
‫َمغْربٍ وعِشاءٍ‪( .‬وِتْرٌ) (و) ُيسَنُّ أي صَالتُهُ‪ ،‬بعد العِشاءِ‪ِ ،‬لخَبَرِ‪" :‬الوِتْرُ حَقٌّ على كُلِّ‬
‫مُسلِم"‪ .‬وهو أفضَلُ من مجيعِ الرَّواِتبِ لِلخِالفِ يف وُجوبِهِ‪( .‬وأقلُّهُ َر ْكعَةٌ)‪ ،‬وإن مل‬
‫يَتَق َّدمْها َنفْلٌ من سُنَّةِ العِشاءِ أو غريِها‪ .‬قال يف اجملموع‪ :‬وأدْىن ال َكمَال ثالث‪ ،‬وأكمَلُ‬
‫سعٌ‪( .‬وأكثرُهُ إحدَى عشرة) َر ْكعَة‪ .‬فال جيوزُ الزِّيادَةُ عليها بِنّيةِ‬ ‫منه مخسٌ فسَْبعٌ فَِت ْ‬
‫الوِتْرِ‪ ،‬وإمنا َي ْفعَلَ الوِتْرُ أوتاراً‪ .‬ولو أح َرمَ بالوِتْرِ ومل يَ ْنوِ عدداً صَحَّ‪ ،‬واقَتصَرَ على ما‬
‫بالنفْلِ املُطْلَقِ من أن له‬‫ضهِم إحلاقُ ُه َّ‬‫حثَ بع ِ‬ ‫شاءَ منه على ا َألوْجَهِ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬وكأنَّ َب ْ‬
‫إذا َنوَى عدداً أن يَزيدَ ويُْنقِصَ َتوَ ّهمَهُ من ذلك‪ ،‬وهو غََلطٌ صَريحٌ‪ .‬وقوله‪ :‬إنَّ يف‬
‫كالمِ الغزايلِّ عن ال َفوْرانِيّ ما يؤخَذ منهُ ذلك‪ ،‬وَ ْهمٌ أيضاً‪ ،‬كما ُيعَْلمُ من البَسيطِ‪.‬‬
‫وَيجْرِي ذلك فيمَن أح َرمَ بسَُّنةِ الظُّهرِ األرَْبعِ بنيةِ ال َوصْلِ فال جيوزُ له ال َفصْلُ بأن ُيسَلِّمَ‬
‫من رَكعتني‪ ،‬وإن نَواهُ قبلَ َّالنقْص‪ ،‬خالفاً ملن وَ َهمَ فيه أيضاً‪ .‬انتهى‪ .‬وجيوزُ ِلمَنْ زادَ‬
‫بتشهدٍ أو‬ ‫ُّ‬ ‫على ركعَةِ ال َفصْلِ بني كل ركعتني بالسالم وهو أفضَلُ من ال َوصْلِ‬
‫تشهدَين‪ .‬والوصلُ‬ ‫تشهُّدين يف الرَّكعتني األخريتني‪ ،‬وال جيوزُ ال َوصْلُ بأكثرِ من ُّ‬
‫ِلنهْيِ عنه يف خَبَرِ‪" :‬وال ُتشَِّبهُوا الوِتْرَ‬ ‫خِالفُ ا َألوْىل‪ ،‬فيما عدا الثالث‪ ،‬وفيها مَكروهٌ ل َّ‬
‫بِصالِة ا َملغْرِبِ"‪ .‬وُيسَنُّ ِلمَنْ أوْتَرَ بثالثٍ أن َيقْ َرأَ يف األُوىل سَِّبحْ ويف الثانِيَةِ الكافرون‪،‬‬
‫ويف الثاِلثَةِ اإلِخالصِ وا ُملعَوِّذَتَيْن لالتِّباعِ‪ .‬فلو أوْتَرَ بأكثَر من ثالثٍ فُيسَنُّ له ذلكَ يف‬
‫الثالثَةِ األخريَةِ إن َفصَل عما قَبْلَها‪ ،‬وإال فال‪ .‬كما أفىت به البلقيين‪ .‬وِلمَنْ أوْتَرَ بأكثَر‬
‫من ثالثٍ قراءَةُ اإلِخْالصِ يف أُولييه‪َ ،‬فصَلَ أو َوصَلَ‪ .‬وأن يقولَ بعدَ الوِتْرِ ثالثاً‬
‫صوْتَهُ بالثالِثَةِ‪ ،‬مث يقول‪ :‬اللهُمَّ إين أعوذُ بِرِضاكَ مِنْ‬ ‫سبحانَ املَلِكِ القُدُّوسِ‪ ،‬ويَ ْرَفعُ َ‬
‫َسخَطِكَ‪ ،‬وِبمُعافاتِكَ من عُقوبَتِكَ‪ ،‬وبِك مِنْكَ‪ ،‬ال ُأ ْحصِي ثناءً عليكَ أنتَ كما‬
‫أَثْنَْيتَ على نفسِك‪َ .‬و َو ْقتُ الوِتْرِ كالتَّراوِيحِ بني صَالةِ العِشاءِ‪ ،‬ولو بعدَ املَغْرِبِ يف‬
‫َج ْمعِ التَّقدِميِ وطُلوعِ ال َفجْرِ‪ ،‬ولو خَ َرجَ ال َو ْقتُ مل َيجُزْ قضاؤها قبلَ العِشاءِ كالرَّواتِبِ‬
‫ضهُم‪ .‬ولو بانَ بُطالنُ عِشاِئهِ بعد ِفعْلِ الوِتْرِ أو التَّراويحِ‬ ‫َجحَهُ َب ْع ُ‬
‫الَب ْعدِيَّة‪ ،‬خالفاً ملا ر َّ‬
‫َوَقعَ َنفْالً مُطْلَقاً‪.‬‬
‫[فرع]‪ُ :‬يسَنُّ ِلمَنْ وَثقَ بَيقْطَتِهِ قبلَ ال َفجْرِ بَِن ْفسِهِ أو غريِهِ أن ُيؤَخِّرَ الوِتْرَ كلَّهُ ال‬
‫خلربِ الشيخني‪:‬‬ ‫جلمَاعَةُ فيه بالتأخِريِ يف رَمضان‪َ ،‬‬ ‫التراوي َح عن أوَّلِ اللَّيلِ وإن فاتَت ا َ‬
‫"ا ْجعَلُوا آخِرَ صالتِ ُكمْ باللَّيْلِ وِتْراً"‪ .‬وتأ ِخريُهُ عن صالةِ الليلِ الواقعَة فيه‪ ،‬ولِمَنْ مل يثق‬
‫هبا أن يعجله قبل النوم‪ .‬وال يندب إعادتَه‪ .‬مث إنْ فعلَ الوتِرَ بعدَ النومِ حصلَ له به سنّة‬
‫التهجُّد أيضاً وإالّ كان وِتراً ال هتجُّداً‪ .‬وقيلَ‪ :‬األوىل أن يُوتِر قبلَ أنْ ينامَ مُطلَقاً‪ ،‬مثّ‬
‫ويتهجدُ‪ ،‬لقولِ أيب هُرْيْرَة رضي اهلل عَنه‪ :‬أمَرَين رسول اهلل أن أُوتِرَ قبلَ أن أنام‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫يقومُ‬
‫رواهُ الشيخان‪.‬‬
‫َهجدُ‪ ،‬و َعمَرُ رضي الّلهُ‬ ‫وقد كان أبو بكرٍ رضيَ عنهُ يُوتِرَ قبلَ أن ينامَ ثُمَّ يَقومُ ويَت َّ‬
‫َجدُ ويُوتِرُ‪ .‬فترافَعا إىل رَسولِ اهلل فقال‪{ :‬هذا أخَذَ‬ ‫عنه ينا ُم قَبْلَ أن يُوتِرَ ويَقومُ ويََته َّ‬
‫باحلَ ْزمِ يعين أبا بَكْرٍ وهذا أ َخذَ بالقُوَّةِ يعين ُعمَرَ }‪ .‬وقد ُر ِويَ عن عثمانَ مثلُ فِعْلِ‬
‫أيب بكرٍ‪ ،‬وعن عليَ مث ُل ِفعْلِ عُمر‪ ،‬رضي اهلل عنهُم‪ .‬قال يف الوسيطِ‪ :‬واختارَ الشاِفعِيّ‬
‫ِفعْلُ أيب بكرٍ رضي اهلل عنه‪ .‬وأما الرَّكعتان اللتان ُيصَلِّيهما الناسُ جُلوساً بعد الوِتْرِ‬
‫َرحَ به اجلوجري والشيخ زكريّا‪ .‬قال يف اجملموعِ‪ :‬وال َتغْتَرَّ‬ ‫فليستا من السُّنَّةِ‪ ،‬كما ص َّ‬
‫ِبمَنْ َيعَْتقِد سُنِّيَّة ذلكَ وَيدْعُو إلي ِه ِلجَهالَتِهِ‪.‬‬
‫ُسبحْنَ بال َعشِيِّ واإلِشْراقِ} قال ابن عباس‪:‬‬ ‫(الضحَى) لِقولِهِ تعاىل‪{ :‬ي ِّ‬ ‫(و) ُيسَنُّ ُّ‬
‫صالةُ اإلِشراقِ صالةُ الضُّحى‪ .‬روَى الشيخان‪ ،‬عن أيب هُرَيْرة رضي اهلل عنه قال‪:‬‬
‫‪37‬‬
‫"َأوْصاين خَليلي بثالثٍ‪ ،‬صِيامُ ثالثَة أيامٍ من كُلِّ شهرٍ‪ ،‬و َر ْكعَيت الضُّحى‪ ،‬وأن أُوتِ َر‬
‫الضحَى أي صَالتَها مثانِيَ َركَعاتٍ‪،‬‬ ‫قبلَ أن أنام"‪ .‬وروى أبو داود أنه صَلَّى سُْبحَةَ ُّ‬
‫وسََّلمَ مِنْ كلِّ رَكعتني‪( .‬وأقَلّها ركعتان وأكثرها مثانٍ) كما يف التَّحقيقِ واملَجموعِ‪،‬‬
‫الر ْوضَةِ‪،‬‬ ‫الضحَى‪ ،‬وهي أفضَلُها على ما يف َّ‬ ‫وعليه األكثرون‪ .‬فَتحْ ُرمُ الزيادَةُ عليها بِنِيَّةِ ُّ‬
‫ُسلمَ من كل‬ ‫وأصْلها‪ :‬فيجوزُ الزيادَةُ عليها بنيَّتِها إىل ثنيت عشرة‪ ،‬ويُْندَب أن ي ِّ‬
‫لشمْسِ َقدْرَ ُرمْحٍ إىل الزَّوالِ واالخْتِيارُ ِفعْلُها عندَ مِضيِّ‬ ‫ركعتني‪ .‬ووقْتُها مِن ارتِفاعِ ا َّ‬
‫رُْبعِ النَّهارِ ِلحَديثٍ صحيحٍ فيه‪ ،‬فإن ترا َدَفتْ َفضِيلَةُ التأخريِ إىل رُْبعِ النَّهارِ وفَضيَلةُ‬
‫جدِ إن مل يُوءَخّرْها‪ ،‬فا َألوْىل تأ ِخريُها إىل رُْبعِ النَّهارِ وإن فاتَ به ِفعْلُها‬ ‫سِ‬ ‫أدائَها يف ا َمل ْ‬
‫َعلقَةِ باملَكانِ‪ .‬وُيسَنُّ أن‬ ‫َعلقَة بالوَ ْقتِ َأوْىل باملُراعاةِ من املُت ِّ‬
‫يف املسجدِ‪ ،‬ألن الفضيلَةَ املُت ِّ‬
‫والضحَى‪ .‬وورَدَ أيضاً قراءَة الكافِرونَ واإلِخالص‪ .‬وا َألوْجَهُ‬ ‫يقرأَ سُورَتَيْ والشَّمْسِ ُّ‬
‫أنَّ َر َك َعتَيْ اإلِشراقِ مِنَ الضُّحَى‪ ،‬خِالفاً للغَزايلّ ومن تَِبعَه‪( .‬و) ُيسَنُّ (ركعتا َتحِيّةٍ)‬
‫تكررَ دُخولُه أو مل يُرِدِ اجلُلوسَ‪ ،‬خالفاً للشيخ َنصْر‪ .‬وتَبِعَهُ الشيخ‬ ‫جدٍ وإن َّ‬ ‫لِداخِلِ َمسْ ِ‬
‫زكريا يف شَرْحَيْ املِْنهَجِ والتَّحريرِ بقوله‪ :‬إن أرادَ اجلُلوسَ‪ ،‬خلربِ الشيخني‪" :‬إذا دَخَلَ‬
‫جدَ فال َيجْلِس حىت يُصَلِّي ركعتني"‪ .‬وتفوتُ َّالتحِيَّةُ باجلُلوسِ الطَّويلِ‪،‬‬ ‫أ َح ُدكُم املس ِ‬
‫جهَلْ‪ .‬ويلحَقُ هبما على ا َألوْجَه ما لو احتاجَ لِلشُّرْبِ‬ ‫وكذا القصريِ إن مل َيسْهَ أو َي ْ‬
‫فيق َعدْ لَ ُه قليالً مث يأيت هبا‪ ،‬ال بِطولِ قَيامٍ أو إعراضٍ عنها‪ .‬وِلمَنْ أَحْ َرمَ هبا قائِماً القُعودُ‬
‫إلِتْمامِها‪ .‬وكُرِهَ تَ ْركُها من غريِ عُ ْذرٍ‪ .‬نعم‪ ،‬إن قَرُبَ قيامُ مكتوبَةِ ُج ُمعَةٍ أو غريِها‪،‬‬
‫َرمِ انتظرَهُ قائِماً‪ .‬وُيسَنُّ ِلمَنْ مل يتمكَّنْ‬ ‫بالتحِيَّةِ فوات فضيلَةِ َّالتح ُّ‬ ‫و َخشِيَ لو اشَتغَلَ َّ‬
‫حل ْمدُ للّهِ وال إلهَ إال اهلل واللّهُ أكبَرُ وال‬ ‫حدَثٍ أن يقول‪ :‬سبحانَ اللّهِ وا َ‬ ‫منها ولو ِب َ‬
‫َحوْلَ وال قُوَّةَ إالَّ باللّهِ العَليِّ العَظيمِ‪ ،‬أرْبَعاً‪ .‬وُتكْرَهُ لِخَطيبٍ دخلَ َو ْقتُ اخلُطْبَةِ‪،‬‬
‫جدَ‪ ،‬ال ِلمُدرِّسٍ‪ ،‬خالفاً لَِب ْعضِهم‪( .‬و) رَكعتا (استِخارَةٍ)‬ ‫وِلمُريدِ طَوافٍ دَخَلَ املس ِ‬
‫وإحْرامٍ وطَوافٍ وَوُضوءٍ‪ .‬وتَتأدَّى ركعتا َّالتحِيَّةِ وما بَ ْعدَها بركعتني فأكثرُ من فَ ْرضٍ‬
‫سقُط طَلَبُها بذلك‪ .‬أما حُصولُ ثوابِها فالوَجْهُ‬ ‫أو َنفْلٍ آخَر‪ ،‬وإن مل يَْنوِها معه‪ ،‬أي َي ْ‬
‫خربِ‪" :‬إنَّما األعْمالُ بالنِّيَّاتِ"‪ .‬كما قالَهُ َج ْمعٌ متأخِّرون‪ ،‬واعت َمدَهُ‬ ‫َتوَُّقفُه على النِّيَّةِ‪ِ ،‬ل َ‬
‫شيخُنا‪ .‬لكن ظاهِر كالمِ األصحاب حصولُ ثوابِها وإن مل يَنْوها معه‪ ،‬وهو ُمقْتَضى‬
‫كالمُ اجملموعِ‪ .‬وَيقْرَأُ َندْباً يف أُوىل رَ ْكعَتَي الوُضو ِء بعد الفاِتحَةِ‪َ { :‬وَلوْ َّأن ُهمْ إِذْ ظََلمُوا‬
‫س ُهمْ} إىل { َرحِيماً} والثانِيَة‪{ :‬ومَنْ َي ْعمَل سُوءاً أو يَظْلِم َن ْفسَهُ} إىل {رَحِيماً}‪.‬‬ ‫أَْن ُف َ‬
‫ومنه صالةُ األوَّابني‪ ،‬وهي عشرونَ َر ْكعَة بني ا َملغْرِبِ والعِشاءِ‪ ،‬و ُروَِيتْ سِتاً وأرْبَعاً‪،‬‬
‫و َر ْكعَتَني‪ ،‬وَهُما األقلّ‪ .‬وتَتَأدَّى بفوائِت وغريها‪ ،‬خِالفاً لشيخنا‪ ،‬وا َألوْىل ِفعْلُها بعد‬
‫الفَراغِ من أَذكارِ ا َملغْرِبِ‪ .‬وصالةُ التَّسبيحِ وهي أرَبعُ َركَعاتٍ بَِتسْلِيمَةٍ أو تسليمتني‪.‬‬
‫وحَديثُها َحسَنٌ لِكَثْرَةِ طُ ُرقِهِ‪ ،‬وفيها ثوابٌ ال يَتَنَاهَى‪ .‬ومن مث قال َبعْضُ ا ُملحَقِّقني‪ :‬ال‬
‫سمَع ِبعَظيمِ َفضْلِها ويَتْ ُركُها إال مُتهاوِنٌ بالدِّين‪ .‬ويقولُ يف كلِّ َر ْكعَةٍ منها َخ ْمسَةِ‬ ‫َي ْ‬
‫حل ْمدُ للّهِ وال إلهَ إالَّ اللّهُ واللّهُ أكْبَرُ‪ ،‬خَمسَةَ عَشرَ بعدَ القِراءَةِ‬ ‫وسبعني سبحانَ اللّهِ وا َ‬
‫و َعشْراً يف كلَ مِنَ الرُّكوعِ‪ ،‬واالعتِدالِ‪ ،‬والسُّجودَيْن‪ ،‬واجلُلوسِ بينهما بعد ال ّذكْرِ‬
‫سةِ االستراحَةِ‪ .‬ويُكَبِّر عندَ ابتدائِها دونَ القيامِ منها‪ ،‬ويأيت هبا يف حملِّ‬ ‫الوارِدِ فيها‪ ،‬وج ْل َ‬
‫التشهدِ قبله‪ .‬وجيوزُ جَعلُ اخلمسةَ عشَرَ قبلَ القراءَةِ‪ ،‬وحينئذٍ يكونُ عشْرُ االسترا َحةِ‬ ‫ُّ‬
‫بعدَ القِراءَةِ‪ .‬ولو َت َذكَّرَ يف االعتِدالِ تَرْكَ تَسبيحاتِ الرُّكوعِ مل َيجُزْ ال َعوْدُ إليه وال‬
‫ِفعْلُها يف االعتِدال ألنَّه ُركْنٌ قصريٌ‪ ،‬بل يأيت هبا يف السُّجودِ‪ .‬وُيسَنُّ أن ال ُيخْلي‬
‫األسبوعَ منها أو الشَّهرَ‪.‬‬
‫والقِسمُ الثاين ما ُتسَنُّ فيه اجلَماعَةُ‪( ،‬و) هو‪( :‬صالةُ العيدَيْن) أي العيد األ َكربِ‬
‫صغَرِ‪ ،‬بني طلوعِ َشمْسٍ وزَوالِها‪ .‬وهي ركعتان‪ ،‬ويُكَبِّر َندْباً يف أُوىل َر ْكعَيت‬ ‫واأل ْ‬
‫‪38‬‬
‫العِيدَيْن ولو َمقْضِيَّةً على ا َألوْجَه بعد افْتِتاحٍ سَبْعاً‪ ،‬ويف الثانية مخساً‪ ،‬قبل َتعَوُّذ‬
‫فيهما‪ ،‬رافِعاً يدَيْهِ مع كلِّ تكب َريةٍ ما مل ُيشْرِعْ يف قِراءَةٍ‪ .‬وال يَتَدارَك يف الثانية إن تَرَ َكهُ‬
‫صوْتٍ‪،‬‬ ‫يف األُوىل‪ .‬ويف ليلَتِهما من غروبِ الشَّمس إىل أن ُيحْ ِرمَ اإلِمامُ مع َر ْفعِ َ‬
‫و َع ِقبَ كل صَالةٍ‪ ،‬ولو جَنازَةٍ‪ ،‬من صُبْحِ عَ َرفَة إىل َعصْرِ آخِرِ أيامِ َّالتشْريقِ‪ ،‬ويف عشر‬
‫سمَع صَوْتَها‪( .‬و) صالةُ (الكُسوفَيْنِ)‬ ‫ذي احلجَّةِ حني يرى شيئاً من َبهِيمَةِ األنْعامِ أو َي ْ‬
‫أي كُسوف الشَّمسِ وال َقمَرِ‪ .‬وأقَلّها ركعتان كسُنَّة الظُّهرِ‪ ،‬وأَدْىن كمالِها زيادَةُ قيامٍ‬
‫وقراءَةٍ ورُكوعٍ يف كل َر ْكعَةٍ‪ ،‬وا َألكْمَلُ أن َيقْرَأ بعدَ الفاِتحَةِ يف القيامِ األوَّل البَقرَةَ أو‬
‫َق ْدرَها‪ ،‬ويف الثاين كمائيت آيةٍ منها‪ ،‬والثالث كمائِة وخَمْسني‪ ،‬والرابع كمائة‪ .‬وأن‬
‫ُيسَبِّحَ يف أوَّل ركوعٍ وسجودٍ كمائِة من الَبقَرةِ‪ ،‬ويف الثاين من كل منهما كثمانني‪،‬‬
‫والثالث منهما كَسَبْعني‪ ،‬والرابع كخمسني‪ِ( .‬بخُطْبَتَيْن) أي َم َعهُما (بعدَهُما) أي‬
‫ُيسَنُّ خطبتان بعد ِفعْلِ صالةِ العيدَيْن ولو يف َغدٍ فيما يَ ْظهَر والكُسوفَيْن ويفتَتِحُ أُوىل‬
‫خُطْبَتَي العِيدَيْنِ ال الكُسوف بِتِسعِ تكبرياتٍ‪ ،‬والثانية ِبسَْبعِ والءٍ‪ .‬وينبغي أن َيفْصلَ‬
‫بني اخلُطبتني بالتَّكبريِ‪ ،‬ويكثرَ منه يف فُصولِ اخلُطبَةِ‪ .‬قاله السَّبْكيّ‪ .‬وال ُتسَنّ هذه‬
‫التَّكبرياتِ لِلحاضِرينَ‪( .‬و) صَالةُ (اسِتسْقاءٍ) عن َد احلا َجةِ للماءِ ِل َف ْقدِهِ أو مُلوحَتِهِ أو‬
‫قِلَّتِهِ حبيثُ ال يكفي‪ .‬وهي كَصالةِ العيدِ‪ ،‬لكن َيسَْتغْفِر اخلَطيبُ َبدَلَ التكبريِ يف‬
‫اخلُطْبَةِ‪ ،‬ويستقبِل القِبلَةَ حالة الدُّعاءِ بعد صَ ْدرِ اخلُطْبَةِ الثانِيَةِ‪ ،‬أي حنو ثُلُثها‪( .‬و) صَالةُ‬
‫(التَّراوِيحِ)‪ ،‬وهي عشرونَ َر ْكعَةً ب َعشْرِ تَسلِيماتٍ‪ ،‬يف كلِّ ليلةٍ مِن رمضان‪ِ ،‬لخَرب‪:‬‬
‫جبُ التسليمُ من كلِّ‬ ‫"مَنْ قامَ رمضان إمياناً واحْتِساباً ُغفِرَ له ما َتقَدَّمَ من ذَنْبِهِ"‪ .‬وَي ِ‬
‫والضحَى‬ ‫الظهْرِ وال َعصْرِ ُّ‬ ‫ركعتني‪ ،‬فلو صلَّى أربعاً منها بتسليمَةٍ مل َتصُحّ‪ ،‬خبالفِ سُنَّةِ ُّ‬
‫والوتْرِ‪ .‬وينوي هبا التراويحَ أو قيامَ رمضان‪ ،‬وِفعْلُها أوَّلُ ال َو ْقتِ أفضَلُ من ِفعْلِها أثنا َءهُ‬
‫ألن ُهمْ كانوا يَسترحيُونَ لِطولِ‬ ‫بعدَ النَّومِ‪ ،‬خالفاً ملا وَ َهمَهُ احلليمِيّ‪ .‬وسُمَِّيتْ تروايحُ َّ‬
‫َكدَةَ يف غريِ َرمَضان َعشْرٌ‬ ‫قيامِهم بعد كُلِّ تَسليمَتَني‪ ،‬وسِرُّ العِشرين أن الرَّواِتبَ ا ُملؤ َّ‬
‫َفضُو ِعفَتْ فيه ألنه َوقْتُ ِجدَ وتَشْ ِمريٍ‪ .‬وتكريرُ قُلْ ُهوَ اللّهُ أحد ثالثاً ثالثاً يف‬
‫الرَّكعات األخريَةِ من رَكعاتِها ِبدْعَةٌ غريُ َحسَنَةٍ ألن فيه إخْالالً بالسُّنَّةِ‪ ،‬كما أفىت به‬
‫شيخنا‪.‬‬
‫الن ْومِ‪ .‬قال اهلل تعاىل‪َ { :‬ومِنَ اللَّيْلِ‬ ‫وُيسَنُّ التَّ َهجُّدُ إمجاعاً‪ ،‬وهو التَّنَفُّلُ لَيْالً بعدَ َّ‬
‫َجدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ} ووَردَ يف فضلِهِ أحاديثٌ كثريَةٌ وكُرِهَ ِل ُمعْتادِهِ تَ ْركُهُ بال ضَرورَةٍ‪.‬‬ ‫فََته َّ‬
‫ويتأكَّد أن ال َيخِلّ بِصالةٍ يف اللَّيْل بعدَ َّالن ْومِ ولو ركعتني ِلعِ َظمِ َفضْلِ ذلك‪ .‬وال حَدَّ‬
‫ِل َعدَدِ َركَعاتِهِ‪ ،‬وقيل‪ :‬حَدُّها ثنتا عشرة‪ ،‬وأن يُكْثِرَ فيه مِنَ الدُّعاءِ واالسِتغْفارِ‪ .‬ونصفُهُ‬
‫السحَرِ لقولِهِ تعاىل‪{ :‬وباألَسْحارِ ُهمْ َيسْتَ ْغفِرونَ} وأن‬ ‫األخريُ آكدٌ‪ ،‬وأفضلَهُ عندَ َّ‬
‫ُؤقتٍ إذا فاتَ كالعيدِ والرُّواتِبِ‬ ‫َجدِهِ‪ .‬ويُْندَبُ قضاءُ َنفْلٍ م َّ‬ ‫يوِقظَ مَنْ يَ ْط َمعَ يف َته ُّ‬
‫والضحَى‪ ،‬ال ذي سََببٍ ككُسوفٍ وَتحِيَّةٍ وسُنَّةِ وُضوءٍ‪ .‬ومَنْ فاتَهُ ِورْدُهُ أي من‬ ‫ُّ‬
‫ِلنفْلِ املُطْلَقِ‪ ،‬ولَهُ أن‬‫َّالنفْلِ املُطْلَقِ ُندِبَ له قَضاؤُه‪ ،‬وكذا غريُ الصَّالةِ‪ ،‬وال َحصْرَ ل َّ‬
‫التشهدُ يف‬ ‫َشهدٍ مع سالمٍ بال كَراهَةٍ‪ ،‬فإن َنوَى َفوْقَ َر ْكعَةٍ فَلَهُ ُّ‬ ‫َيقَْتصِرَ على َر ْكعَةٍ بِت ُّ‬
‫كلِّ َر ْكعَتَيْن ويف ثالثٍ وأرَبعٍ فأكثر‪ ،‬أو نوى َقدْراً فلَهُ زيادَةٌ وَنقْصٌ إن نُوِياً قبَلهُما‬
‫وإالَّ بَطلَت صَالتُه‪ .‬فلو َنوَى ركعتني فقامَ إىل ثالِثَةٍ َسهْواً مث َت َذكّرَ فَي ْق ُعدَ وُجوباً‪ ،‬مث‬
‫جدَ‬ ‫جدَ للسَّهو آخر صالتِه‪ .‬وإن مل يشأ َق َعدَ وتشهَّدَ وس َ‬ ‫سُ‬
‫يَقومَ للزيادَةِ إن شاءَ ثُمَّ ي ْ‬
‫للس ْهوِ وسََّلمَ‪ .‬ويُسَنُّ للمُتَنَفِّلِ ليالً أو هناراً أن ُيسَِّلمَ من كل ركعتني‪ ،‬للخَبَرِ املَُّتفَقِ‬ ‫َّ‬
‫عليه‪" :‬صالةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى"‪ .‬ويف روايَةٍ صحيحَةٍ‪" :‬والنَّهارِ"‪ .‬قال يف اجملموع‪:‬‬
‫إطالَةُ القِيامِ أفضَلُ من تكِثريِ الرَّكعاتِ‪ .‬وقال فيه أيضاً‪ :‬أفضَلُ َّالنفْلِ عيدٌ أكبَرُ‪،‬‬
‫صغَرُ‪ ،‬فَ ُكسُوفٌ‪ .‬فخسوفٌ‪ ،‬فاسْتِسقاءٌ‪َ ،‬فوِتْرٌ‪ ،‬فرَ ْكعَتا َفجْرٍ‪ ،‬فبقيَّةُ الرَّواِتبِ‪،‬‬ ‫فأ ْ‬
‫‪39‬‬
‫فالضحَى‪ ،‬فركعتا الطوافِ والتحِيَّةِ واإلِحرامِ‪،‬‬ ‫فجميعُها يف مَرْتَبةٍ وا ِحدَةٍ‪ .‬فالتراويحُ‪ُّ ،‬‬
‫فالوُضوءِ‪.‬‬
‫[فائدة]‪ :‬أما الصَّالةُ املعروفَةُ لَيْلَةَ الرَّغاِئبِ ونصف شعبان ويوم عاشوراء فِبدْعَةٌ‬
‫قَبيحةٌ‪ ،‬وأحاديثُها موضوعَةٌ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬كابنِ ُشْبهَة وغريه‪ .‬وأقبَحُ منها ما اعتيدَ يف‬
‫جل ُمعَةِ األخريَةِ من رمضان َع ِقبَ صالتِها زاعِمني‬ ‫خلمْسِ يف ا ُ‬ ‫َبعْضِ البالدِ من صالةِ ا َ‬
‫ت العامِ أو ال ُعمُرِ املَتْرُوكَةِ‪ ،‬وذلك حَرامٌ‪( .‬واهلل أعلم)‪.‬‬‫أهنا تُكَفِّر صَلوا ِ‬
‫(فصل) يف صالة اجلماعة وَشُرِعَت باملدِينَةِ‪ .‬وََأقَلّها إِمامٌ َومَ ْأمُوم‪ ،‬وهِي يف‬
‫اجلُمعَةِ‪ ،‬مث يف صُْبحِها‪ ،‬ثُم الصبْحِ‪ ،‬مث العِشاءِ‪ ،‬مث العَصر‪ ،‬مث الظُّهرِ‪ ،‬ثُم املغربِ أ ْفضَل‪.‬‬
‫مؤكدَة) لِلخَبَرِ املتَّفقِ عَليه‪" :‬صَالةُ‬‫(صَالة اجلماعَة يف أداء مكتوبةٍ) ال جُمعةٍ (سُنَّة َّ‬
‫اجلماعَةِ أ ْفضَلُ مِنْ صَالة الفَذِّ ِبسَْبعٍ وَعِشرينَ َدرَجة"‪ .‬واألفضَليَّة تَقتَضي النَّدْبية فقط‪،‬‬
‫وحِكْمة السَّبْع وَال ِعشْرينَ‪ :‬أن فيها فواِئدَ تَزِيدُ عَلى صَالةِ الفَذِّ بِنحْو ذلِكَ‪ .‬وَخَرَجَ‬
‫باألَدَاء ال َقضَاءُ‪َ .‬نعَم‪ ،‬إِنِ َّات َف َقتْ َم ْقضِيَّة اإلِمام واملأموم سُنَّت اجلماعة‪ ،‬وإال فخالف‬
‫األوىل‪ ،‬كَأداءِ خلْفَ قَضاء‪ ،‬وَعَكْسه‪َ ،‬وفَ ْرضٌ خلفَ نَفلٍ‪ ،‬وعكسه‪ ،‬وَتَراوِيحُ خلْفَ‬
‫وِتر‪ ،‬وعكسه‪ .‬وَباملكتوبةِ‪ :‬املَنذورةُ والنافلُة‪ ،‬فال ُتسَنُّ فيهما اجلَماعَة‪ ،‬وَال تُكْرهُ‪ .‬قالَ‬
‫النّووي‪ :‬وَاألصحُّ أهنا فَ ْرضُ كِفايَةٍ للرجال البالغنيَ األحرار املقيمنيَ يف املؤاداة فقط‪،‬‬
‫حبيث يظهر شِعارها مبحلّ إِقامَتِها‪ ،‬وَقيل إهنا فَرضُ عَيْنٍ وهو مَذهبُ أمحد وَقيلَ‬
‫تأكدَهُ لِلرجال‪ ،‬فلذلك يُكْرَه تَركُها‬ ‫يتأكدُ الندبُ لِلنساءِ ُّ‬
‫شَرطٌ لِصحة الصالة‪ ،‬وال َّ‬
‫َل ُهمْ‪ ،‬ال هلن‪ .‬واجلماعة يف مكتوبة لذكر مبسجد أفضل‪ ،‬نعم‪ ،‬إن وُ ِجدَت يف بيته‬
‫فقط فهو أفضل‪ ،‬وكذا لو كانت فيه أكثر منها يف املسجد على ما اعتمده األذرعي‬
‫وغريه ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬واألوْجَهُ خِالفه‪ ،‬وَلو تعارَضت فضيلةُ الصَّالة يف املسجدِ‬
‫ُدمَ فيما يظهر ألنَّ ال َفضِيلةَ املتعَلّقة بذات العِبادِة َأوْىل مِنَ‬ ‫واحلضور خارِجه‪ :‬ق ِّ‬
‫الفضيلة املتعلقة مبكاهنا أو زمانِها‪ ،‬واملتعلقة بزماهنا َأوْىل مِن املتعلقة مبكاهنا‪ .‬وَُتسَنُّ‬
‫إعادة املكتوبِة بِشرطِ أن تكون يف الوقِت‪ ،‬وأن ال تُزادَ يف إعادهتا على مرة خالفاً‬
‫لشيخ شيوخنا أيب احلسن البكري رمحه اهلل تعاىل وَلو صُلَيتِ األُوىل مجاعَةً مع آخر‬
‫ولو واحداً‪ ،‬إماماً كان أو مأموماً‪ ،‬يف األوىل أو الثانية‪ ،‬بنية فرض‪ .‬وإن َوقَعتْ َنفْالً‬
‫فينوي إعادةَ الصالةِ املفروضةِ‪ .‬واختار اإلمام أن ينوي الظهر أو العصر مثالً وال‬
‫الر ْوضَةِ‪ ،‬لَكن األوَّل مُرَجَّح األكثرين‪ ،‬والفرضُ األوىل‪،‬‬ ‫َجحَهُ يف َّ‬ ‫َرضُ لِلفرضِ‪ ،‬ور َّ‬ ‫يََتع َّ‬
‫ولو بان فساد األُوىل مل جتْزِئهُ الثانية على ما اعتمده النووي وشيخنا‪ ،‬خالفاً ملا قاله‬
‫شيخه زكريّا‪ ،‬تبعًا للغزايل وابن العماد أي إذا نوي بالثانية الفَ ْرضَ‬
‫(وهي جبمع كثري أفضل) منها يف مجع قليل‪ ،‬للخرب الصحيح‪" :‬وما كان أكثر‪،‬‬
‫حوِ ِبدْعَةِ إمامه) أي الكثري‪ :‬كرافضي‪ ،‬وفاسق‪ ،‬ولو‬ ‫َف ُهوَ أ َحبّ إىل اهلل تعاىل" (إال لِن ْ‬
‫مبجرد التهمة‪ .‬فاألقل مجاعة بل االنفراد أفضل‪ ،‬كذا قاله شيخنا تبعاً لشيخه زكريا‬
‫رمحهما اهلل تعاىل ‪ .‬وكذا لو كان ال يعتقد وُجُوب َبعْضِ األركانِ أو الشّروطِ‪ ،‬وإن‬
‫صدُ هبا النّفلية‪ ،‬وهو مُبْطِلٌ عِندنا‪( .‬أو) كون القليل مبسجد مُتيقّن‬ ‫أَتى ِبهَا‪ ،‬ألنه ُي ْق َ‬
‫حِلّ أرضه‪ ،‬أو مال بانيه‪ ،‬أو (تَعطُّلِ مَسجد) قرِيب أو بعِيد (منها) أي اجلماعة‬
‫بغيبته عنه لكونه إمامه‪ ،‬أو حيضر الناس حبضوره‪ ،‬فقليل اجلمع يف ذلك أفضل من‬
‫كثريه يف غريه‪ .‬بل حبث بعضهم أن االنفراد باملتعطل عن الصالة فيه بغيبته أفضل‪،‬‬
‫واألوجه خالفه‪ .‬ولو كان إمام القليل أوىل باإلمامة لنحو عِلمٍ كان احلضور عنده‬
‫َأوْىل‪َ .‬وَلوْ َتعَارَضَ اخلُشوعُ واجلماعةُ فهي َأوْىل‪ .‬كما أطبقوا عليه حيث قالوا‪ :‬إن‬
‫فرض الكفاية أفضل من السنة‪ .‬وأفىت الغزايل‪ ،‬وتبعه أبو احلسن البكري يف شرحه‬
‫الكبري على املنهاج بأولوية االنفراد ملن ال خيشع مع اجلماعة يف أكثر صالته‪ .‬قال‬
‫‪40‬‬
‫شيخنا‪ :‬وهو كذلك‪ ،‬إن فات يف مجيعها‪ .‬وإفتاء ابن عبد السالم بأن اخلُشوعَ َأوْىل‬
‫مُطْلَقاً إمنا يأيت على َقوْلِ أنّ اجلماعةَ سُنّة‪ .‬وَلو تَعارضَ َفضِيلةُ سَماعِ القُرآنِ من اإلمام‬
‫مع قلةِ اجلَماعةِ وعدمِ مساعه مع كثرتِها‪ ،‬كان األول أفضل‪ .‬وجيوز ملنفرد أن ينوي‬
‫اقتداء بإِمام أثناء صالته‪ ،‬وإن اختلفت ركعتهما لكن يُكْرَهُ ذَلكَ لَه دُونَ مَ ْأمُومٍ خَرَج‬
‫مِنَ اجلماعِة لِنحو حَدثِ إمَامِه فال يُكْرَهُ لَه الدُّخول يف مجاعة أخرى‪ .‬فإِذا اقْتَدَى يف‬
‫األثناء لزمه موافقة اإلِمام‪ .‬مث إن فَرَغ أ ّوالً كمسبوقٍ‪ ،‬وإال فانتظاره أفضل‪ .‬وجتوز‬
‫املفارقة بال عذر‪ ،‬مع الكراهة‪ ،‬فتفوت فضيلة اجلماعة‪ .‬واملفارقة بعذر‪ :‬كمرخص تَرَكَ‬
‫جَماعةً‪ ،‬وتَ ْركُهُ سُنَّة مقصودة كتش ّهدٍ أوَّل‪ ،‬وقُنوتٍ‪ ،‬وَسْورةٍ‪ ،‬وَتَطويله وباملأموم‬
‫ضعْفٌ أو شُغل ال تفوَّت َفضِيلَتُها‪ .‬وقد جتب املفارقة‪ ،‬كَأَن عَ َرضَ مُبطلٌ ِلصَالةِ إمامهِ‬ ‫َ‬
‫وقد عَلمَه فيلزمهُ نيَّتها فوراً وإال بَطُلَت‪ ،‬وإن مل يُتابِعهُ اتفاقاً‪ ،‬كما يف اجملموع‪.‬‬
‫(وُت ْدرَكُ مجاعة) يف غري مجعة‪ ،‬أي فضيلَتُها‪ ،‬للمصلي (ما مل يسلم إمام) أي مل‬
‫ينطق مبيم عَليْكُم يف التسليمةِ األَوىل‪ ،‬وإن مل يَق َع ْد معه بأن سَلم َع ِقبَ حتَرُّمه إلِدراكه‬
‫رُكناً معه‪ ،‬فيحصلُ لَهُ َجمِيعُ َثوَاهبا وَفضْلِها‪ ،‬لكنه دون فضل من أدركها كلها‪ .‬ومَنْ‬
‫أدرَكَ جُزْءاً مِن أوّهلا‪ ،‬مث فارق بعذرٍ أو خرجَ اإلِمام بنحو حدثٍ‪ ،‬حصلَ له فضلُ‬
‫اجلماعة‪ .‬أما اجلمعة‪ ،‬فال تدرك إال بركعة كما يأيت وُيسَنّ جلمعٍ َحضَروا واإلِمامُ قد‬
‫فَرَغَ من الرّكوعِ األخريِ أن يصربوا إىل أن ُيسَلم مث ُيحْرِموا ما مل يَضقِ الوقت ‪.‬‬
‫وكذا ملن سُبِقَ بِبَعْضِ الصّالة َورَجا مجاعةً يُدرِك َم َعهُم الكلّ‪ .‬لكن قال شيخنا إن‬
‫حمله ما مل يفت بانتظارهم فضيلة أوَّل الوقت‪ ،‬أو وقت االختيار‪ ،‬سواء يف ذلك‬
‫الرجاء واليقني‪ .‬وأفىت بعضهم بأنه لو قصدها فلم يدركها كُِتبَ له أجرُها‪ ،‬حلديثٍ‬
‫التحرمَ (واشتغالٍ به‬‫ُّ‬ ‫فيه‪( .‬و) ُت ْدرَكُ َفضِيلةُ (حترّم) مع إمام (حبضوره) أي املأموم‬
‫حضَرْه أو تَراخى فاتَتْهُ َفضِيلَتُه‪ .‬نعم‪ُ ،‬يغَْتفَر‬ ‫َرمِ إمامه) من غري تراخٍ‪ ،‬فإن مل َي ْ‬ ‫عقب حت ُّ‬
‫لَه وَ ْسوَسَة خَفيفة وإِدْرَاكُ حترُّم اإلمام فضيلة مستقلة مأمور هبا لكونه صفوة الصالة‪،‬‬
‫وألن مُالزِمه أربعني يوماً يكتب له براءَةٌ مِنَ النار وبراءةٌ مِن النَّفاقِ كما يف احلديثِ‬
‫التحرمِ بإِدراكِ بعضِ القيَام‪ .‬وَيُْندَبُ تركُ اإلِسراعِ وَإنْ خَافَ‬ ‫حصَلْ فَضيلةُ ُّ‬ ‫وَقيل‪َ :‬ي ْ‬
‫َرمِ‪ ،‬وكذا اجلماعة على األصح إال يف اجلمعة‪ ،‬فيجب طاقَتَه إن رجا‬ ‫َفوْتَ التح ُّ‬
‫إدراك التحرم قبل سالم اإلمام‪ .‬وُيسَنّ إلمامٍ َومُنفَرِدٍ انتظارٌ داخل حمل الصَّالةِ مُريداً‬
‫َهدِ األخري هلل تعاىل بال تطويل ‪ ،‬ومتييزٌ بني الداخلني‪،‬‬ ‫االقِتدَاءِ به يف الركوع والتَّش ُّ‬
‫ولو لنحو عِلمٍ‪ .‬وكذا يف السجدة الثانية ليلحق موافق ختلف إلِمتام فاحتة‪ ،‬ال خارج‬
‫صغُرَ املسجد‪ ،‬وال داخلٍ يعتادُ الُبطْءَ‪ .‬وتأخريُ اإلِحرَام إِىل الرّكوعِ‪،‬‬ ‫عن حملّها‪ ،‬وأن َ‬
‫بَلْ ُيسَ ّن َع َدمُهُ زجراً له‪ .‬قال الفوراين‪ُ :‬يحْ َرمُ االنتظارُ لِلتَّودُّدِ‪ ،‬وُيسَ ّن لإلِمام ختفيفُ‬
‫الصالةِ مع أَبْعاضٍ وهَيْئاتٍ حبيث ال يقتصر على األقل‪ ،‬وال يستويف األكمل‪ ،‬إال أن‬
‫صدَ حلوقَ آخرينَ‪ .‬ولو رأى مُصلَ‬ ‫َرضِيَ بتطويله حمصورون‪ .‬وكُرِهَ لَهُ تَطويلٌ‪ ،‬وإن َق َ‬
‫حنَو حَريقٍ َخفَّفَ‪ ،‬وَهَلْ يلزم أم ال؟ وَجهان‪ ،‬والذي يتجه أنه يلزمه إلِنقاذِ حَيَوانٍ‬
‫صدُه ظاملٌ أو‬ ‫حمتَرم‪ ،‬وجيوزُ لَهُ إلِنقاذِ حنوِ مَالٍ كذلك‪َ ،‬ومَنْ رأى حيواناً حمترماً يَق ُ‬
‫َيغْرق ل ِزمَهُ ختليصه وتأخريَ صالة‪ ،‬أو إِبطاهلا إن كان فيها‪ ،‬أو ماالً جاز له ذلك‪.‬‬
‫وكُرِهَ لَهُ تَركه‪ .‬وكُرِهَ ابتداء نفلٍ بعد شروعِ املقيم يف اإلقامة ولو بغري إذنِ اإلمام‪،‬‬
‫َمتهُ‪ ،‬إن مل َيخْشَ بإِمتا ِمهِ َفوْتَ مجا َعةٍ‪ ،‬وإال قَ َطعَهُ نَدباً ودخل فيها‪ ،‬ما ملْ‬
‫فإن كان فيه أ َّ‬
‫يَ ْرجُ مجاعةً أخرى‪.‬‬
‫(و) تُدرَكُ ( َر ْكعَة) ملسبوقٍ أ ْدرَكَ اإلمامَ راكعاً بأمرين‪( :‬بتكبريةِ) اإلحرام‪ ،‬مث‬
‫أخرى هلويّ‪ ،‬فإِن اقتصر على تكبرية اشترط أن يأيت هبا (إلِحرام) فقط‪ ،‬وأن يُتمّها‬
‫قبل أن يصري إىل أقلِّ الركوع‪ ،‬وإال مل تَْن َعقِد إال جلاهِلٍ فَتَْن َعقِد لَهُ نَفالً‪ ،‬خبالف ما لو‬
‫‪41‬‬
‫ِلتشْريكِ ‪،‬أو أَطْلَ َق‬ ‫َنوَى الرُّكوعَ وَ ْحدَه‪ ،‬خللوِّها عَنِ التحَرُّم‪ ،‬أو مع التحرُّم ل َّ‬
‫التحرمِ لَتمتازَ عما عا َرضَها مِنْ تَكبريَةِ‬ ‫ض قَرِينَيت االفْتِتاحِ واهلُ ِويّ‪َ ،‬فوَجَبتْ نيةُ ُّ‬ ‫لَِتعَارُ ِ‬
‫ا ُهل ِويّ‪( .‬و) بإِدراكِ (رُكوعٍ حمسُوبٍ) لإلِمام وإن قَصَّرَ املأمومُ فلم ُيحْرِم إال وهو‬
‫رَاكِع‪ .‬وخرج بالرّكوعِ غَيْرُه‪ ،‬كاالعتِدالِ وباحملْسوبِ غيُره كرُكوعِ حمدِثٍ‪َ ،‬ومَنْ يف‬
‫المَة أبو املسعودِ وابن ظهرية يف‬ ‫رَكعةٍ زاِئدَةٍ‪َ .‬و َوقَعَ لِلزر َكشِيّ يف َقوَا ِعدِه‪ ،‬وَنقَلَهُ العَ ّ‬
‫حاشية املنهاج‪ :‬أنه ُيشْتَرطُ أيضاً أن يكون اإلمامُ أهالً لِلتحمُّلِ‪ ،‬فلو كان اإلمام صَبياً‬
‫مل يكن ُمدْركاً للركعة ‪،‬ألنه ليس أهالً للتحمُّل‪( .‬تام) بأن يَطْمئن قبل ارتفاعِ‬
‫اإلمام عن أقلِّ الرُّكوعِ‪ ،‬وهو بُلوغُ رَاحَتيْهِ رُكبَتيه (يقيناً)‪ ،‬فََلوْ مل يَ ْطمَئِنَّ فيهِ قبِلَ‬
‫ارتفاعِ اإلمامِ مِنه‪َ ،‬أوْ شَكَّ يف ُحصُولِ الطُّمأنينَةِ‪ ،‬فال ُيدْرِك الرَّكعةَ‪ ،‬وَيسْجُدُ الشَّاكُّ‬
‫لِلسَّهوِ كما يف اجملموع ألنّه شَاكٌّ بَعدَ سَالمِ اإلِمامِ يف عَددِ َركَعاتِهِ‪ ،‬فال يتحمل‬
‫عنه‪ .‬وحبث األسنوي وُجوبَ رُكوع أ ْدرَكَ بهِ رَكعةً يف الو ْقتِ‪( .‬ويُكبِّر) ندباً‬
‫( َمسْبوقٌ انتقَلَ َمعَه) النتقالِه‪ ،‬فلو أدْ َركَهُ ُمعَْتدِالً كَبَّرَ لِل ُهوِيِّ وما َبعْده‪ ،‬أو ساجداً‬
‫جدَةِ تِالوةٍ مل يُكَبِّر للهويِّ إليه‪ ،‬ويُوافِقه ندباً يف ذكرِ ما أ ْدرَكَهُ فيهِ من‬ ‫مثالً غري َس ْ‬
‫َهدِ املأمومِ‬ ‫َهدٍ‪ ،‬ودُعاء‪ ،‬وَكذا صالةٍ على اآللِ‪ ،‬ولو يف َتش ُّ‬ ‫حتميدٍ‪ ،‬وتَسبيحٍ‪ ،‬وَتش ُّ‬
‫األوَّل‪ .‬قاله شيخنا‪.‬‬
‫(و) يُكبِّرُ مسبوقٌ لِلقيامِ (بعد سَالمَيْهِ إن كان) احملل الذي جلس مَعه فيه (موضع‬
‫جُلو ِسهِ) لو انفَرَدَ‪ ،‬كأن أَ ْد َركَه يف ثَالثةِ رُباعِيَّة‪ ،‬أو ثانيِة مَغربٍ‪ ،‬وَإال مل يكبَّر لِلقيام‪،‬‬
‫ويَ ْرفَع َيدَيْه تَبِعاً إلِمامِهِ القائمِ مِنْ تَشهُّده األوّل‪ ،‬وإن مل يكن حمل تشهده‪ ،‬وال يتورَّك‬
‫يف غريِ تشهده األَخري‪ .‬وُيسَنّ له أن ال َيقُومَ ِإالّ َب ْعدَ َتسْليمَيت اإلِمام‪ .‬وَحَ ُرمَ مُكثٌ بعد‬
‫تسليمَتيْه إن مل يكن حمل جلوسه فتبطل صالتُه به إن تَعمَّد وعَلمَ حترميَه‪ .‬وال يَقوم‬
‫قبل سالم اإلمام‪ ،‬فإن َتعَمَّده بال نيَّةِ مُفا َرقَةٍ بطُلَت‪ .‬واملرادُ مُفا َرقَةُ حَدِّ القعودِ‪ ،‬فإِن‬
‫سَها أو َجهَل مل ُيعْتدّ جبميع ما أتى به حىت َيجْلِس‪ُ ،‬ثمّ يَقومُ بعد سَالمِ اإلِمام‪ .‬ومىت‬
‫ّشهدِ األَوَّلِ عامداً‪،‬‬ ‫عَلمَ ومل َيجْلِس بَ َطلَت صَالتُه‪ .‬وبه فارَقَ مَنْ قَام عن إمامِهِ يف الت ُّ‬
‫فإِنه يعتدّ بقراءَتِهِ قَبلَ قيام اإلِمام ألنه ال يلزمْهُ ال َعوْدُ إليه‪( ،‬وشُرِط لق ْدوَةٍ) شُروطٌ‬
‫منها‪( :‬نيةُ اقتداءٍ‪ ،‬أو مجاعةٍ)‪ ،‬أو ائتمامٍ باإلمام احلاضِرِ‪ ،‬أو الصَّالةِ َمعَهُ‪ ،‬أو َكوْنَه‬
‫مأموماً (مع حترّم) أي جيب أن تكون هذه النيّة ُمقْترِنَةً مع التحرُّم‪ .‬وإذا مل تَقْتَرِنُ نيةٌ‬
‫جل ُمعَة الشتراطِ اجلَماعَةِ فيها‪ ،‬وَتَْن َعقِد غَيُرها فَرَادَى‪.‬‬ ‫حنوَ االقِتداءِ بالتحُّرمِ مل تَْن َع ِقدِ ا ُ‬
‫فََلوْ تَرَ َك هذِهِ النيةَ‪َ ،‬أوْ شكِّ فيها‪ ،‬وتابعَ مُصلياً يف فعلٍ‪ ،‬كأن َهوَى لِلركوعِ متابعاً له‪،‬‬
‫صدَ ذلكَ مِنْ غريِ اقتداءٍ به وَطَالَ عُرْفاً انتظارُهُ لَه‪ ،‬بَطَلت صالته‪.‬‬ ‫أو يف سالمٍ بأن َق َ‬
‫(ونية إما َمةٍ) أو جَماعَةٍ (سُنَّة إلمام يف غريِ ُج ُمعَة) لينالَ َفضْلَ اجلَماعَةِ‪َ ،‬ولِلخُروجِ مِنْ‬
‫حترمِهِ وَإِنْ مل يكن خ ْلفَه أ َحدٌ‪ ،‬إن وَثَقَ باجلما َعةِ‬ ‫خِالفَ مَنْ أَوْجَبَها‪ .‬وَتصُحُّ نيَّتُها مع ُّ‬
‫على ا َألوْجَهِ‪ ،‬ألنه سَيَصري إماماً‪ ،‬فإن مل ينوِ‪ ،‬وَلو ِل َع َدمِ عِلمِهِ باملقتدين‪َ ،‬حصَلَ هلُم‬
‫الفَضلُ دُونَه‪ ،‬وَإن نَواهُ يف األثناءِ‪ ،‬حَصَلَ لهُ ال َفضْلُ مِن حِينِئذٍ‪ ،‬أما يف اجلمعة فتلزمه‬
‫تقد َمتْ‬ ‫مع التحرّم‪( .‬و) منها‪( :‬عدم تَق ّدمٍ) يف املكانِ يقيناً (على إمامٍ ِبعَقبٍ) وإن َّ‬
‫َّقدمِ فال ُيؤَثِّر وال َيضُرّ ُمسَاوَاتُهِ‪ ،‬لكنها مكروهة‪( .‬وَُندِبَ‬ ‫أصَابِعُه‪ .‬أما الشَّكّ يف الت ُّ‬
‫ني اإلِمام) وإال سُنَّ له حتْويُلهُ لالتِّباعِ‬ ‫حضَرْ غَريُه‪( ،‬عن مي ِ‬ ‫ُوقُوف َذكَرٍ) ولو صبياً مل َي ْ‬
‫(مُتَأَخِّر) عَنْهُ (قَليالً)‪ ،‬بأَنْ تَتَأَخَّر َأصَاِبعُهُ عَن َعقِب ِإمَامهِ‪ .‬وخَ َرجَ بالذَّكرِ األُنَثَى‪،‬‬
‫فتَقفُ خ ْلفَه‪ ،‬مع مَزِيدِ تَأَخُّر‪( .‬فإِن جاء) َذكَرٌ (آخرُ‪ ،‬أحْ َرمَ عن يسارِه)‪ ،‬وَيتأَخَّر‬
‫قليالً‪( ،‬مث) بعد إِحرامِهِ (تأخّرَا) عَنه نَدباً‪ ،‬يف قيامٍ أو ركوعٍ‪ ،‬حىت يصريا صفاً وراءه‪.‬‬
‫(و) وقوف (رجلني) جاءا معاً (أو رجال) َقصَدوا االقتِدَاءَ ُمبصَلَ (خلْفه) صَفاً‪( ،‬و)‬
‫ُندِبَ وُقوف (يف صف أَوَّل) وَ ُهوَ مَا يلي اإلِمامَ‪ ،‬وَإِن ختلَّلَهُ مِنْبَرٌ أو عمود‪ُ( ،‬ثمّ مَا‬
‫‪42‬‬
‫يليهِ) وهكذا‪ .‬وَأَ ْفضَلُ كُلّ صفٍ ميينُه‪َ .‬ولَو تَرادَفَ مينيُ اإلِمامِ وَالصَّفُّ األَوَّل قُدِّم‬
‫فيما يَظهَر وَميينُهُ َأوْىل من القُرْبِ إِليهِ يف يساره‪ ،‬وإِدراكَ الصَّف األوَّل َأوْىل مِنْ‬
‫صدُ الصَّف األوّلِ فإِدراكها‬ ‫إِدراكِ رُكوعِ غري الركعةِ األخرية‪ .‬أما هي‪ :‬فإِن فَوَّتَها َق ْ‬
‫َأوْىل مِن الصَّفّ األوّل‪( .‬وكُرِهَ) ملأمومٍ (انفرادٌ) عن الصف الذي من جنسه إن وَ َجدَ‬
‫فيه َسعَة‪ ،‬بَل َيدْخله‪( .‬وَشُروعٌ يف صَفَ قبل إمتام ما قبله) من الصَّف‪ ،‬ووقوفُ الذَّكر‬
‫الفَرْدِ عن يساره‪ ،‬ووراءه‪ ،‬وحماذياً له‪ ،‬ومُتأخِّراً كثرياً‪ .‬وكل هذه ُتفَوِّتُ َفضِيلةَ‬
‫اجلماعَةِ كما صَرّحوا به ‪ .‬وُيسَنُّ أن ال يزيدَ ما بني كل صَفيْنِ واألوّل واإلِمام على‬
‫ثَالثَةِ أَ ْذرُعٍ‪ .‬ويقف خلف اإلمام الرجال‪ ،‬مث الصبيان‪ ،‬مث النساء‪ .‬وال ُيؤَخَّرُ الصبيانُ‬
‫للبالغني‪ ،‬الحتاد جِنسهم‪( ،‬و) منها‪( :‬عِلمٌ بانتقالِ إمام) برؤية له‪ ،‬أو لبعض صفّ‪ ،‬أو‬
‫ُبلغٍ ثقة‪( ،‬و) منها (اجتماعهما) أي اإلمام واملأموم‬ ‫سَماعٍ لصوته‪ ،‬أو صَوت م ِّ‬
‫(مبكان) كما عهد عليه اجلماعات يف العصر اخلالية‪( ،‬فإِن كانا مبسجد) ومنه جِداره‬
‫وَرحبته‪ ،‬وهي ما خرج عنه‪ ،‬لكن ُحجِرَ ألجله‪ ،‬سواء أعُلمَ وَقفيَّتها مسجد أو ُجهِلَ‬
‫أمرُها‪ ،‬عمالً بالظاهر‪ ،‬وهو التحويط‪ ،‬لكن ما مل يتيقن ُحدُوثها بعده‪ ،‬وأهنا غري‬
‫ضعٌ اتصل به وهُيِّىءَ ملصلحتِه‪ ،‬كانصبابِ ماء‪ ،‬ووضعِ نِعال‬ ‫مسجد ال حَرميُه‪ ،‬وهو َم ْو ِ‬
‫(صحَّ االقتداءُ) وإن زادَتِ املسافةُ بينهما على ثُلثمائَةُ ذِراعٍ‪ ،‬أو اختلفت األبنية‪،‬‬
‫خبالف من ببناء فيه ال يُْن ُفذُ بابُه إليه‪ :‬سُمِّرَ‪ ،‬أو كان سَطحاً ال مَرْقى لَهُ مِنه فال َتصُحُّ‬
‫القُ ْدوَةُ‪ ،‬إذْ ال اجتماعَ حينئذٍ كما لو وَقفَ مَنْ وراءَ شُباك بِجدارِ املسجدِ وَال َيصِل‬
‫إليه إال با ْزوِرار أو انعِطافٍ بأن ينحرفَ عن جِهةِ القبلةِ لو أراد الدخولَ إىل اإلِمام‪.‬‬
‫(ولو كان أ َحدُمها فيه) أي املسجد (واآلخر خارِجَه شُرط) مع قُربِ املسافةِ بأن ال‬
‫يزيد ما بينهما على ثلثمائة ذراع تقريباً ( َع َدمُ حائلٍ) بينهما مينعُ مروراً أو رؤية‪( ،‬أو‬
‫وقوفُ واحدٍ) من املأمومني (حِذاء مَن َفذٍ) يف احلائلِ إن كان‪ ،‬كما إذا كانا ببناءين‪،‬‬
‫كصحن وصفةٍ من دارٍ‪ ،‬أو كان أحدمها ببناء واآلخر بفضاء‪ ،‬فيُشتَرطُ أيضاً هنا ما‬
‫مرّ‪ .‬فإِن حَالَ ما مينعُ مُروراً كشُباكٍ‪ ،‬أو رؤيةً كبابٍ مردودٍ وإن مل ُتغْلَقُ ضُبَّتُه‪ ،‬ملن ِعهِ‬
‫املشاهدة‪ ،‬وإن مل مينع االستطراق‪ .‬ومثله السِّتر املرْخَى‪ .‬أو مل يقف أحد حذاء منفذ‪،‬‬
‫مل َيصُحّ االقتداءُ فيهما‪ .‬وإذا وقف واحد مِنَ املأمومني حِذاءَ املن َفذِ حىت يَرَى اإلِمام أو‬
‫بَعضَ مَن معه يف بنائه‪ ،‬فحينئذ َتصُحُّ صَالةُ مَنْ باملكانِ اآلخَرِ‪ ،‬تِبعاً هلذا املشاهِد‪ ،‬فهو‬
‫يف حقهم كاإلِمام‪ ،‬حىت ال جيوز عليه يف املوقف واإلِحرام‪ ،‬وال بأس بالتقدّم عليه يف‬
‫األفعال‪ ،‬وال يضرُّهم بُطالنُ صَالتِه بعد إحرامهم على ا َألوْجَهِ‪ ،‬كَردِّ الريح البابَ‬
‫أثناءَها‪ ،‬ألنه ُيغَْتفُر يف الدّوام ما ال ُيغْتَفَر يف االبتداء‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو وقف أحدمها يف عُلوَ واآلخرُ يف سُفلٍ‪ ،‬اشتُرِطَ عَدم احليلولة‪ ،‬ال‬
‫حماذاة قدمِ األعْلى رَأسَ األسفلِ‪ ،‬وإن كانا يف غري مسجد‪ .‬على ما دل عليه كالم‬
‫الروضة وأصلها واجملموع خالفاً جلمع متأخريين‪ .‬ويُكْرهُ ارتفاعُ أحدِمها على اآلخر‬
‫بال حاجة‪ ،‬ولو يف املسجد‪(.‬و) منها (موافقةٌ يف سُنَنٍ َتفْحشُ خمالِف ٌة فيها) فِعالً أو‬
‫تَركاً‪ ،‬فتبطُلُ صالة من َوَق َعتْ بينه وبني اإلمام خمالفة يف سُنة‪ ،‬كسجدة تالوة َفعَلها‬
‫اإلمام وتَرَكها املأمومُ عامداً عاملِاً بالتحرمي‪ ،‬وَتشَهَّد أوّلَ فعله اإلمامُ وتركَهُ املأمومُ‪ ،‬أو‬
‫تَرَكهُ اإلمام‪ ،‬وفَعلهُ املأمومُ عامداً عاملاً‪ ،‬وإن حلقهُ على القُرب‪ ،‬حيث مل جيلِسِ اإلمامُ‬
‫لالستراحة ِلعُدولِهِ عن فَ ْرضِ املتابعةِ إىل سُنّة‪ .‬أما إذا مل تفحش املخالفة فيها فال يضر‬
‫اإلِتيان بالسُّنّة‪ ،‬كقُنوتٍ أَدركَ مع اإلِتيان به اإلِمامُ يف سجدته األوىل‪ .‬وفارَقَ‬
‫التشهُّد ا َألوّلَ بأنه فيه أَحدَثَ قعوداً مل يف َعلْه اإلِمام‪ ،‬وهذا إمنا طَوَّل ما كان فيه‬
‫اإلِمام ‪،‬فال فُحشَ‪ ،‬وكذا ال يضرّ اإلِتيان بالتشهد األوّل إن جلسَ إمامُه‬
‫لالستراحة‪ ،‬ألن الضارَّ إمنا ُهوَ إحداثُ جُلوسٍ مل يفع ْلهُ اإلِمامُ‪ ،‬وإال مل يَجُزْ‪ ،‬وأبْطَلَ‬
‫‪43‬‬
‫ق بعذر‪ ،‬فيكون َأوْىل‪ .‬وإذا مل يَفرَ ِ‬
‫غ‬ ‫صَالةَ العَامل العا ِمدِ‪ ،‬ما مل يَْنوِ مفارقَتَهُ‪ ،‬وهو فُرا ٌ‬
‫املأمومُ منه مع فراغ اإلمام جاز له التخلّفُ إلمتامه‪ ،‬بل ُندِبَ إن علم أنه يُدرِك الفاحتةَ‬
‫بِكماهلا قبل رُكوعُ اإلمام‪ ،‬ال التخلّفُ إلمتام سُورة‪ ،‬بل يُكره‪ ،‬إذا مل يلحَقِ اإلمامَ يف‬
‫الركوعِ‪(.‬و) منها ( َع َدمُ ختلُّفٍ عن إمام بِ ُركْنيْن ِفعْليني) مُتواليني تامّني (بال عذر مع‬
‫َتعَمُّد وعِلم) بالتحرمي‪ ،‬وإن مل يكونا طويلني‪ .‬فإن ختلف هبما بطلت صالته لفحشِ‬
‫املخالفة‪ ،‬كأن رَكعَ اإلِمامُ‪ ،‬واعتدَلَ وَه ِويَ للسجودِ أي زالَ من َحدّ القيامِ واملأموم‬
‫قائمٌ‪ .‬وخرج بال ِفعْليني القَوْليان‪ ،‬والقَوْيلُّ وال ِفعْليُّ (و) َع َدمُ ختلّفٍ عنه معهما (بأكثر‬
‫من ثَالثِة أركانٍ طويلة) فال حيسب منها االعتدالُ واجللوسُ بني السجدتني (بعذرٍ‬
‫أوْجَبَه) أي اقتضى وُجوب ذلك التخلّف‪( ،‬كإِسراع إمام قراءة) واملأموم بُطيء‬
‫القراءة لعجز خلْقيّ‪ ،‬ال ِلوَ ْسوَسَةٍ أو احلركات‪( .‬وانتظامُ مأمومٍ سكْتَتَه) أي سكتَةَ‬
‫اإلمام ليقرأ فيها الفاحتة‪ ،‬فركع َعقِبَها‪ ،‬و َس ْهوُه عنها حىت ركع اإلمام‪ .‬وشَكُّهُ فيها قبل‬
‫ركوعه‪ .‬أما التخلف ِلوَسْوسَة‪ ،‬بأن كان يُردّد الكلمات مِن غريِ مُوجبٍ فَليس بعذرٍ‪.‬‬
‫قال شيخنا‪ :‬ينبغي يف ذي وَسوسةٍ صارت كاخللقيةِ حبيث يقطع كل مَن رَآهُ أنه ال‬
‫الص َورِ املذكورة إمتامُ‬
‫ميكنهُ تَركُها أن يأيتَ فيهِ ما يف بطيءِ احلركة‪ ،‬فيلزمُ املأمومَ يف ُّ‬
‫الفاحتة‪ ،‬ما مل يتخلف بأكثر من ثالثة أركان طويلة‪ ،‬وإن ختلف مع عذر بأكثر من‬
‫الثالثة بِأنْ ال يفرغَ مِنَ الفاحتةِ إالّ واإلمامُ قائمٌ عن السُّجودِ أو جالِسٌ للتشهّد‬
‫(فليوافِقْ) إمامَه‪ ،‬وُجوباً (يف) الركن (الرابع) وهو القيام‪ ،‬أو اجللوس للتشهّد‪ ،‬ويترك‬
‫تَرتيبَ نفسِه‪( ،‬مث يَتدارَك) بعد سالم اإلمام ما بقيَ عليه‪ ،‬فإِن مل يُوافِقهُ يف الرابعِ‪ ،‬مَع‬
‫ت صَالتُه‪ ،‬إن عَلم وتَ َعمّد‪ .‬وإن رَكعَ املأمومُ‬ ‫ب املتابعةِ ومل يَْن ِو املفا َرقَة بَطَُل ْ‬
‫عِلمِهِ بوجو ِ‬
‫مع اإلمامِ فشَكَّ هل قَرَأ الفاحتةَ‪ ،‬أو تَذكَّرَ أنه مل َيقْ َرأْها؟ مل َيجُزْ له ال َعوْدُ إىل القيام‪،‬‬
‫وَتَداركَ بَعدَ سالم اإلمام رَكعةً‪ .‬فإن عادَ عاملاً عامِداً بَطلتْ صالتُه‪ ،‬وإال فال‪ .‬فلو‬
‫َك يف إِكماهلا فإِنه ال يؤثّر‪.‬‬ ‫تيقّنَ القراءَةَ وش َّ‬
‫سعُ الفاحتةَ بالنسبة‬ ‫(ولو اشتغل مسبوقٌ) وهو مَنْ مل يُدرِكْ من قيامِ اإلمام‪ ،‬قدراً يَ َ‬
‫إىل القِراءةِ املعتدلة وهو ضِدُّ املوافِق‪ .‬ولو شَكَّ هل أ ْدرَك زمناً َيسَعها؟ ختلف إلِمتامها‪،‬‬
‫وال يُدرِك الركعة ما مل يُد ِركْه يف الركوع (بسُنّة) كَتعَوُّذٍ‪ ،‬وافتتاحٍ‪ ،‬أو مل يشتغل‬
‫بشيء‪ ،‬بأن سكت زمناً بعد حترُّمهِ وقبل قراءته‪ ،‬وهو عَامل بأن واجِبَه الفاحتة‪ .‬أو‬
‫استمعَ قراءةَ اإلِمام (قرأ) وجوباً مِنَ الفاحتةِ بعد ركوعِ اإلِمام‪ ،‬سَواء أَعَلمَ أنه يُدرِك‬
‫اإلِمام قبل رَفعِهِ مِن سُجوده أم ال على األوْجَه‪َ( .‬ق ْدرَها) حُروفاً يف ظَنه‪ ،‬أو َقدْرَ‬
‫َزمَنٍ من سُكوته لِتقصريِهِ ِبعُدولِهِ عن فَ ْرضٍ إىل غَريه‪( .‬و ُع ِذرَ) مَنْ ختلَّف ِلسُنّة‪ ،‬كُبطْءِ‬
‫القراءِة على ما قاله الشيخان‪ ،‬كالبَغ ِويّ ِلوُجوب التخلّفِ‪ ،‬فيَتخلّفْ وُي ْدرِك الرَّكعةَ‪،‬‬
‫ما مل ُيسْبَق بأكثر مِن ثالثةِ أركانٍ‪ ،‬خِالفاً ملا اعت َمدَهُ جَمعٌ حمقِّقونَ مِن كونِهِ غريَ‬
‫صريِهِ بالعُدولِ املذكور‪ .‬وَجَ َزمَ بهِ شيخنا يف شرح املنهاج وفتاويه‪ ،‬مث قال‪:‬‬ ‫َمعذورٍ لِتق ِ‬
‫مَن عَبَّر بعذره فعِبارتُه ُمؤَوَّلة‪ .‬وعليه‪ :‬إن مل يدرِكِ اإلمامَ يف الركوع فاتته الرَّكعة‪ ،‬وال‬
‫سبَ له‪ ،‬بل يُتابِعه يف ُهوِيّه للسجودِ‪ ،‬إال بطلت صالته‪ ،‬إن علم‬ ‫يَرْكع‪ ،‬ألنه ال يُح َ‬
‫وتعمّد‪ .‬مث قال‪ :‬والذي يتجه أنه يتخلف لقراءة ما لَ ِزمَه حىت يريد اإلمامُ اهلُويَّ‬
‫للسجود‪ ،‬فإِن كمل وافقه فيه‪ ،‬وال يركع‪ ،‬وإال بطلت صالته إن علم وتعمد‪ ،‬وإال‬
‫فارقه بالنية‪ .‬قال شيخنا يف شرح اإلِرشاد‪ :‬واألقرب للمنقولِ األوّلُ‪ ،‬وعليه أكثرُ‬
‫املتأخرين‪ .‬أما إذا رَكع بدون قراءةِ قدرها فتبطل صالته‪ .‬ويف شَ ْرحِ املنهاج له عن‬
‫ُمعْ َظمِ األصحاب‪ :‬أنه يَ ْركَع ويَسقُط عنهُ بَقيةُ الفاحتة‪ .‬واختري‪ ،‬بل رجحه مجع‬
‫متأخرون‪ ،‬وأطالوا يف االستدالل له‪ ،‬وأن كالم الشيخني يقتضيه‪ .‬أما إذا َجهَل أن‬
‫واجِبَهُ ذلك فهو ختّلفِه ملا لَ ِزمَهُ مُتخلّف بعذرٍ‪ .‬قاله القاضي‪ .‬وخرج باملسبوقِ املوافقُ‪،‬‬
‫‪44‬‬
‫فإِنه إذا مل يُتمّ الفاحتةَ الشتغالهِ ِبسُنّة‪ ،‬كدُعاءِ افتتاحٍ‪ ،‬وإن مل يظنّ إدراك الفاحتةَ معه‪،‬‬
‫يكون كبطيءِ القراءةِ فيما مَرّ‪ ،‬بال نزاع‪( .‬وسَْب ُقهُ) أي املأموم‪( ،‬على إمام) عامِداً‬
‫عاملاً (ب) متام (ركنني فعليني) وإن مل يكونا طويلني (مُبطِلٌ) للصالة‪ ،‬لِفحشِ‬
‫املخالفة‪ .‬وصورة التقدّم هبما‪ :‬أن يَرْكع ويعتدِلَ مث َيهْوي للسجودِ مثالً واإلمام قائم‪،‬‬
‫أو كأن يركع قبل اإلمامِ‪ ،‬فلما أراد اإلمامُ أن ير َكعَ رَفَعَ‪ ،‬فلما أراد اإلمامُ أن يركع‬
‫جدَ‪ ،‬فَلم جيتمِع معه يف الركوعِ وال يف االعتدالِ‪ .‬ولو سَبَقَ هبما سهواً أو جهالً مل‬ ‫َس َ‬
‫يضرّ‪ ،‬لكن ال ُيعْتَدُّ له هبما‪ .‬فإذا مل َيعُد لإلتيان هبما مع اإلمام سَهواً أو َجهْالً أتى بعد‬
‫سَالمِ إمامِه بِركعَةٍ‪ ،‬وإال أعادَ الصالةَ‪( .‬و) سَبْقُ ُه عليه عامداً عاملاً (ب) متام (ركن‬
‫فعليَ) كأنْ َر َكعَ ورََفعَ واإلمامُ قائمٌ (حَرام) بِخالفِ التخلفِ به فإنه مَكروه كما‬
‫يأيت‪ ،‬ومن تقدم بركنٍ سُنَّ له ال َعوْدُ ليوافقه إن تعمد‪ ،‬وإال ختيّر بني العود والدوام‪.‬‬
‫(ومقارنته) أي مقارنة املأموم اإلمام (يف أفعال)‪ ،‬وكذا أقوال غري حترّم (مكروهة‪:‬‬
‫تعمدِ أ َحدِ هذه‬ ‫كتخلف عنه) أي اإلمام (إىل فراغ رُكنٍ) وتقدَّم عليه بابتدائه‪ ،‬وعِندَ ُّ‬
‫الثالثة تفوته فضيلة اجلماعة‪ .‬فهي مجاعَةٌ صحيحة‪ ،‬لكن ال ثوابَ عليها‪ ،‬فيسقُط إمثُ‬
‫تَركها أو كَرَاهَته‪ .‬ف َقوْل جَمعٍ انتفاءُ الفضيلةِ‪ ،‬يلزمه اخلروجُ عن املتابعةِ حَىت يصريَ‬
‫جل ُمعَة‪ ،‬وَ ْهمٌ‪ ،‬كما بينه الزركشي وغريه‪ .‬وجيري ذلك يف كلّ‬ ‫كاملنفر ِد وال تصحّ له ا ُ‬
‫مكروهٍ من حيث اجلماعة بأن مل يتُصوَّر وُجودُهُ يف غريها‪ .‬فالسّنة للمأموم أن يتأخّرَ‬
‫ابتداءُ فعِله عن ابتداءِ فعلِ اإلمام‪ ،‬ويتق ّدمَ على فراغِه منه‪ ،‬واألكمل من هذا أن يتأخرَ‬
‫ابتداءُ فِعلِ املأمومِ عن مجيعِ حَركةِ اإلمامِ‪ ،‬وال َيشْرَعُ حَىت يَصلَ اإلمامُ حلقيقةِ املُنَْتقِل‬
‫إليه‪ ،‬فال َيهْوي لِلرّكوع والسجودِ حىت يَستوِي اإلمامُ راكعاً‪ ،‬أو تَصلَ جبهتُهُ إىل‬
‫املسجدِ‪ .‬ولو قارَنَهُ بالتحرمِ أو تبيَّن تَأخُّرُ حترُّم اإلمام مل تنعقدِ صَالتُه وال بأس بإِعادِتهِ‬
‫التَّكبريَ سِراً بِنيَّةٍ ثانية إن مل يشعروا‪ ،‬وال باملقارنة يف السالم‪ ،‬وإن سَبَقَهُ بالفاحتة أو‬
‫التشهّد‪ ،‬بأن فَرَغَ من أ َحدِمها قبلَ شروع اإلمام فيه مل يَضُر‪ .‬وقيل‪ِ :‬جتبُ اإلعادةُ مَع‬
‫فعلِ اإلمام أو َبعْده‪ ،‬وهو َأوْىل‪َ .‬فعَليه إنْ مل ُي ِعدْه بَطلتْ‪ .‬وُيسَنّ مراعاةُ هَذا اخلِالف‬
‫كما يُسنّ تَأخريُ مجِيعِ فاحتتِهِ عن فاحتةِ اإلمامِ‪ ،‬ولو يف أُولييِ السِّرِّيَّة إن ظَنَّ أنه يقرأ‬
‫السُّورة‪ .‬ولو عَلم أن إمامَهُ َيقَْتصِرُ على الفاحتة لزمَهُ أن يقرأها مع قراءِة اإلمام‪( .‬وال‬
‫َيصُحّ قدوةٌ مبن اعتقدَ بُطالنَ صالتِه) بإن ارتَ َكبَ مُبْطِالً يف اعتِقادِ املأمومِ‪ ،‬كشافعيّ‬
‫اقتدى ِبحَنَفي مَسَّ فَرْجَه‪ ،‬دون ما إذا افَْتصَد نظرًا العتقاد املقَتدِي‪ ،‬ألن اإلِمامَ حمِدثٌ‬
‫صدِ‪ ،‬فيتعَذَّر رَبطُ صالتِه بصالةِ اإلِمامِ‪ ،‬ألنه عندَهُ ليس يف صالة‪.‬‬ ‫عندَهُ باملسِّ دون ال َف ْ‬
‫ولو شَكّ شافعيّ يف إِتيانِ املخالِفِ بالواجبات عند املأمومِ مل يُؤثِّر يف صحة االقتداء‬
‫به‪ ،‬حتسيناً للظن به يف َتوَقي اخلالف‪ ،‬فال َيضُرُّ عَدمُ اعتقادِه الوُجوب‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو قام إمامُه لزيادةٍ‪ ،‬كخامسةٍ‪ ،‬ولو سَهواً‪ ،‬مل َيجُزْ له متابَعَته‪ ،‬ولو‬
‫مَسبوقاً أو شاكّاً يف رَكعة‪ ،‬بل يفارِقه‪ ،‬ويسلم‪ ،‬أو ينتظره على املعتمد ‪( .‬وال) قُدوَةَ‬
‫(مبقتدٍ) ولو احتماالً‪ ،‬وإن بانَ إماماً‪ .‬وخرجَ مبقتدٍ من انقط َعتْ قُدوَتُهُ‪ ،‬كأن سلم‬
‫اإلمامُ فقام مسبوقٌ فاقتَدَى به آخرٌ صحّت‪ ،‬أو قامَ مسبوقون فاقتدَى بعضُهُم ببعضٍ‬
‫صَحَّت أيضاً على املعتمد لكن مع الكراهة‪( .‬وال) قُدوَةُ (قارىء بأمِّي) وهو مَن‬
‫يَخلُّ بالفاحتة أو بعضها‪ ،‬ولو حبرف منها‪ ،‬بأن يَعجَزَ عنه بالكُلية‪ ،‬أو عن إخراجِه عن‬
‫مَخرَجِه‪ ،‬أو عن أصلِ تشديدةٍ‪ ،‬وإن مل ميكِنهُ التعلمَ وال عَلمَ حبالِهِ‪ ،‬ألنه ال َيصْلح‬
‫لتحمُّلِ القراءَةِ عنهُ لو أ ْد َركَه راكِعاً‪ .‬وَيصُحّ االقتدَاءُ مبن يَجوزُ كونُه أمِّياً إال إذا مل‬
‫جيهَرْ يف َجهْرِيَّة فيلزمه مفا َرقَتهُ‪ ،‬فإِن استمر جاهالً حَىت سلم لزِمتهُ اإلِعادَةُ‪ ،‬ما مل يتبيّن‬
‫أنه قارِىء‪ .‬وحملّ عَدم صحةِ االقتداء باألمّي‪ :‬إن مل َيسَْتوِ اإلمام واملأموم يف احلرف‬
‫املعْجوزِ عنه‪ ،‬بأن أحسَنَه املأمومُ فقط‪ ،‬أو أحَسنَ كلّ منهما غري ما أ ْحسَنَهُ اآلخَر‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫ومنه َأرَتّ يدغمُ يف غري حمله بإِبدالٍ‪ ،‬وألَثغَ يبدلُ حرفاً بآخر‪ .‬فإن أمكَنهُ التعلم ومل‬
‫صحّت كاقتدائه مبثله‪ ،‬وكُرِهَ اقِتدَاءٌ بنحوِ تأتاءَ‪ ،‬وفأفاءَ‪،‬‬ ‫يتعلم مل تَصح صالته‪ ،‬وإال َ‬
‫والحِنٍ مبا ال يُغيِّر َمعْنًى‪ ،‬كضَمِّ هاءِ "ِللّهِ" وفَتحِ دَال "َنعْبُدُ"‪ ،‬فإن حلَنَ حلناً يغيّر املعىن‬
‫يف الفاحتة ك "أنعمتَ" بكسرٍ أو ضمَ‪ ،‬أَبطَلَ صالة من أمْكَنَهُ التَّعلم وملْ يَتَعلم‪ ،‬ألنه‬
‫صريِهِ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬ويظهَرُ‬ ‫ليْسَ بِقرآنٍ‪ .‬نعم‪ ،‬إن ضاقَ الوقتُ صَلى حلُ ْرمَِتهِ‪ ،‬وأعادَ لَِت ْق ِ‬
‫أنه ال يأيت بتلك الكلمة‪ ،‬ألنه غري قرآنٍ قطعاً‪ ،‬فلم تتوقف صِحةُ الصالةِ حينئذٍ عليها‪،‬‬
‫َحتّ صالتُه‪ ،‬والقدوةُ‬ ‫بل َتعَمُّدها ولو من مثل هذا مُبْطِل‪ .‬انتهى‪ .‬أو يف غريها‪ :‬ص َّ‬
‫به‪ ،‬إال إذا قَدر وعَلمَ وتَعمّد‪ ،‬ألنه حينئذٍ كالم أجنيب‪ .‬وحَيثُ بَطلت صالته هنا يَبْطُلُ‬
‫االقتداءُ به‪ .‬لكن للعامل حبالِه كما قاله املاوردي واختارَ السبكي ما اقتضاه قول‬
‫اإلمام ليس هلذا قراءة غري الفاحتة‪ ،‬ألنه يتكلم مبا ليس بقرآن‪ ،‬بال ضرورة مِنَ البُطالنِ‬
‫مُطلقاً‪( .‬ولو اقتدَى مبن ظَنَّهُ أهالً) لإلمامة (فبانَ خِالفه) كأن ظَنّه قارئاً‪ ،‬أو غري‬
‫مأمومٍ‪ ،‬أو رَجالً‪ ،‬أو عَاقَالً فبانَ أمّياً‪ ،‬أو مأموماً‪ ،‬أو امرأة‪ ،‬أو جمنوناً‪ ،‬أعادَ الصالة‬
‫وجوباً لتقصريِهِ بِتركِ البحثِ يف ذلك (ال) إن اقتدَى مبن ظَنّه مُتَطهِّراً فبانَ (ذا َحدَثٍ)‬
‫ولو َحدَثاً أكبَرَ‪( ،‬أو) ذا (خََبثٍ) خَفيّ‪ ،‬ولو يف مجعة إن زاد على األربعني‪ :‬فال جتب‬
‫اإلعادة‪ ،‬وإن كان اإلمامُ عاملاً النتفاءِ تقصريِ املأمومِ‪ ،‬إذ ال أمارَة عليهِما‪ ،‬ومِن مث‬
‫َحصَلَ له فضلُ اجلَماعَةِ‪ .‬أما إذا بانَ ذا خََبثٍ ظاهِرٍ فيلزمه اإلعادَةُ على غري األ ْعمَى‬
‫لِتقصريِهِ‪ ،‬وهو ما بظاهر الثَّوبِ‪ ،‬وإن حال بني اإلمامِ واملأمومِ حائل‪ .‬وا َألوْجَهُ يف‬
‫صحّح النوويّ يف‬ ‫ضبطِهِ أن يكونَ حبيثُ لو تأمَّلَهُ املأمومُ رآه‪ ،‬واخلفيّ خبالفهِ‪ .‬و َ‬
‫التحقيق ع َدمَ وجوبِ اإلِعادَةِ مُطلقاً‪َ ( .‬وصَحَّ اقتداءُ سليم بسَلِسٍ) لِلَبوْلِ أو ا َمل ْذيِ أو‬
‫الضُّراطِ‪ ،‬وقائمٌ بقا ِعدٍ‪ ،‬ومُتَوضّىءٌ مبتيممٍ ال تَل َزمْهُ إعادَة‪َ ( .‬وكُ ِرهَ) اقتِداءٌ (بفاسقٍ‬
‫ومبتَدعٍ) كرافِضيّ‪ ،‬وإنْ مل يو َجدْ أحدٌ سوامها ما مل َيخْشَ فِتْنَةً وقيل‪ :‬ال َيصُحّ‬
‫االقتِداء هبما‪ .‬وكُرِهَ أيضاً اقتداءٌ مبوسوسٍ وأقلَفَ‪ ،‬ال ِبوَلدِ الزنا‪ ،‬لكنه خالف األوىل‪.‬‬
‫واختار السبكيّ ومن تبعَه انتقاءَ الكراهَةِ إذا تع ّذرَتِ اجلماعةُ إال خلفَ مَنْ تُكرَه‬
‫خلفَه‪ ،‬بل هي أفضل من االنفراد‪ .‬وجَزَم شيخنا بأهنا ال تزول حينئذ‪ ،‬بل االنفرادُ‬
‫أفضلُ منها‪ .‬وقال بعض أصحابنا‪ :‬وا َألوْجَهُ عندي ما قاله السبك ّي رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫خربِ الصّحيح‪" :‬أنه أمَرَ‬ ‫[تتمة]‪ :‬وعُذرُ اجلماعة كاجلمعة‪ ،‬مطرٌ يبلُّ ثوبَه لِل َ‬
‫بالصالة يف الرّحالِ يَومَ مَطَرٍ يبلّ أسفَلَ النعالِ" خبالف ما ال يبله‪ .‬نعم‪ ،‬قطر املاء من‬
‫سقوف الطريق عُذرٌ‪ ،‬وإن مل يَبُلّه‪ ،‬لغلبة جناسَتِه أو اسِت ْقذَارِه‪َ .‬ووَحْلٌ مل يَأمَن معه‬
‫التّلوّث باملشي فيه أو الزَّلق‪ ،‬وحَرّ شديدٌ‪ ،‬وإن وَجَد ظِالًّ ميشي فيه‪ ،‬وبَردٌ شديد‪،‬‬
‫وظُلمةٌ شديدة بالليل‪ ،‬و َمشَقةُ مَ َرضٍ وإن مل تُبحِ اجللوسَ يف الفرضِ‪ ،‬ال صُداعٌ يَسريُ‬
‫ومُدافَعةُ َحدَثٍ من بولً أو غائطٍ أو ريح‪ ،‬فتُكْرهُ الصالةُ معها‪ .‬وإن خاف َفوْتَ‬
‫اجلماعة لو فَرّغ نفسَه كما صرح به َج ْمعٌ وحُدوثها يف الفَ ْرضِ ال يُجوِّزُ قَ ْطعَه‪،‬‬
‫سعَ الوقتَ‪ ،‬حبيثُ لو فَرِّغَ نفسه أدرَكَ الصالةَ كاملةً‪،‬‬ ‫وحملّ ما ذكر يف هذه‪ :‬إن اّت َ‬
‫وإال حَ ْرمَ التّأخريُ لذلك‪ .‬وَفقْدُ لباسٍ الئقٍ به وإن وَ َجدَ ساتِرَ ال َعوْرَة‪ ،‬وسَيْرُ رُفقةٍ‪،‬‬
‫ملُريد سَفرٍ مُباحٍ وإن أمِنَ‪ ،‬ملشَقة استيحاشِه وخَوفُ ظاملٍ على َمعْصومٍ من عَرضٍ أو‬
‫نفسٍ أو مالٍ‪ ،‬وخوفٌ مِن حَبسٍ غرميٍ مُعسِرٍ‪ ،‬وحُضورُ مريضٍ وإن مل يكن حنو قريبٍ‬
‫بال متعهّد له‪ ،‬أو كان حنو قريب حمتضراً‪ ،‬أو مل يكن حمتضراً‪ ،‬لكن يأنس به‪ ،‬وغَلََبةُ‬
‫نعاسٍ عند انتظارِهِ للجماعةِ‪ ،‬وشدَّةُ جوعٍ‪ ،‬وعطَش‪ ،‬وعمى حيث مل جيد قائداً بأجْ َرةِ‬
‫املِثْلِ‪ .‬وإن أحسَنَ ا َملشْيَ بالعصا‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬إن هذه األعذار متنعُ كراهةَ تركِها حيثُ سُنّت‪ ،‬وإمثَهُ حيثُ وَجَبَت‪،‬‬
‫وال حتصَل فضيلةُ اجلماعَةِ كما قال النوويّ يف اجملموع‪ ،‬واختار غريه ما عليه مجع‬
‫‪46‬‬
‫صدَها لوال العُذر قال يف اجملموع‪ُ :‬يسْتحبُّ ملن ترك‬ ‫متقدمون من حصوهلا إن قَ َ‬
‫جلمَعة بِال عُذرٍ أن يَتَصدّقَ بدينارٍ‪ ،‬أو نصفَه‪ ،‬خلربِ أيب داودَ وغريه‪.‬‬‫اُ‬
‫ضتْ مبكّة‪،‬‬ ‫(فصل)‪ :‬يف صالة اجلمعة هي فَ ْرضُ عَيْنٍ عند اجتماعِ شَرائِطِها‪ .‬وفُ ِر َ‬
‫ومل َت ُقمْ هبا ِل َف ْقدِ ال َعدَدِ‪ ،‬أو ألن شَعارَها اإلظهار‪ ،‬وكان ُمسْتخْفيا فيها‪ .‬وأوّل من‬
‫أقامَها باملدينة قبل اهلجرةِ أس َعدُ بنُ زُرارَة ‪ِ،‬بقْريةٍ على ميلٍ مِن املدينةِ‪ .‬وصَالتُها‬
‫أفضَلُ الصَّلواتِ‪ .‬وسُمِّيَت بذلك‪ :‬الجتماعِ الناسِ هلا‪ ،‬أو ألن آ َدمَ اجت َمعَ فيها مع‬
‫َحوّاءَ مِنْ مُزْ َدِلفَة‪ ،‬فلذلك سُمِّيتَ ُجمُعاً‪( .‬جتبُ ُج ُمعَةٌ على) كل (مكلَّفٍ) أي باِلغٍ‬
‫عاقِلٍ‪َ ( ،‬ذكَرٍ‪ ،‬حُرَ)‪ ،‬فال تَلزمُ على أُنثى‪ ،‬وخُنْثى‪ ،‬ومَنْ بهِ رِقّ إن كُوِتبَ لِنقصِهِ‪،‬‬
‫(مُتوطِنٌ) مبحلّ اجلمعِة ال يسافِرُ من حملّ إقامَتِها صيفاً وال شتاءٍ إال حلاجة‪،‬‬
‫كتجارة‪ ،‬وزيارة‪( ،‬غري معذور) بنحو مرض‪ ،‬من األعذار اليت مرّت يف اجلماعة‪ ،‬فال‬
‫تلزمُ على مريضٍ إن مل حيضَرْ بعد الزَّوالِ حملَّ إقامتها‪ ،‬وتَن َع ِقدُ مبعذورٍ (و) ِجتبُ (على‬
‫مقيمٍ) مبحلّ إقامَتها غري متوطّنٍ‪ ،‬كمن أقام مبحلّ ُج ُمعَةٍ أربعة أيامٍ فأكثر‪ ،‬وهو على‬
‫س َمعُ مِنهُ النّداء‬‫عَ ْزمِ ال َعوْدِ إىل وطِنِه‪ ،‬ولو بعد مدة طويلة‪ .‬وعلى مقيمٍ مُتوطّنٍ مبحلَ َي ْ‬
‫وال يبلُغ أهلَهُ أربَعني‪ ،‬فتلزمهما اجلُمعة (و) لكن (ال تنعقد) اجلمعة (به) أي مبقيمٍ غري‬
‫متوطّنٍ‪ ،‬وال مبتوطّنٍ خارجَ بَلدِ إقامَتها‪ ،‬وإن وَجََبتْ عليهِ بسَماعِهِ النداءَ منها‪( .‬وال‬
‫مبن بهِ رقّ َوصَبا)‪ ،‬بل َتصُحّ مِنهم‪ ،‬لكن ينبغي تأخُّر إحرامِهم عن إحرامِ أربعنيَ ممّن‬
‫تنع ِقدُ به اجلمعة على ما اشترطَهُ مجعٌ حمققون‪ ،‬وإن خالفَ فيه كثريون‪.‬‬
‫(وشُرِطَ) لصحة اجلمعة مع شروطٍ غريها ستة‪ :‬احدها‪( :‬وقوعُها مجاعةً) بنية‬
‫إمامةٍ واقتداءٍ‪ ،‬مقترنةً بتحرم (يف الركعة األُوىل)‪ ،‬فال َتصُحّ اجلمعة بالعدَدِ فُرَادَى‪ ،‬وال‬
‫ُتشْتَرط اجلماعة يف الركعةِ الثانيةِ‪ .‬فلو صلى اإلما ُم باألربعني رَكعةً مث أحدثَ فأمتَّ كلٌّ‬
‫حدِث بل فارقوه يف الثانية‪ ،‬وأمتوا منفردين‪ ،‬أجزأهتم‬ ‫منهُم َر ْكعَةً وا ِحدَةً‪ ،‬أو مل ُي ْ‬
‫اجلمعة‪ .‬نعم‪ ،‬يُشترَطُ بقاءُ العدَدِ إىل سالم اجلميع‪ ،‬حَىت لو أحدَثَ واحدٌ من األربعني‬
‫قبل سالمه ‪،‬ولو بعد سالمٍ مَن َعدَاه منهم‪ ،‬بَطلت جُمعة الكلّ‪ .‬ولو أَدركَ‬
‫املسبوقُ ركوعَ الثانية واستمّر معهُ إىل أن سلم‪ ،‬أتى بركعةٍ بعد سالمه َجهْراً ومتّت‬
‫ُجمُعتُه إن صَحَّت جُمعة اإلمام وكذا من اقتَدَى به وأدرَك ركعةً معه كما قاله‬
‫شيخنا ‪ .‬وجتبُ على من جاء بعد ركوع‪ .‬الثانية‪ :‬نية اجلمعة على األصح وإن‬
‫كانت الظّهر هي الالزمة له ‪ .‬وقيل‪ :‬جتوز نيّة الظهر‪ .‬وأفىت به البلقيين وأطال الكالم‬
‫فيه‪(.‬و) ثانيها‪ :‬وقوعها (بأربعني) ممن تنعقد هبم اجلمعة‪ ،‬ولو مرضى‪ ،‬ومنهم األمام‪.‬‬
‫ولو كانوا أربعني فقط وفيهم أمّيّ واحد أو أكثر قصر يف التعلم‪ ،‬مل تصح مجعتهم‪،‬‬
‫لبطالنِ صالتِه فينقصون‪ .‬أما إذا مل يُقصِّر األمِّيّ يف التّعلم فتصُحّ اجلمعة به كما جزم‬
‫به شيخنا يف شرحَيْ العُبابِ واإلرشادِ‪ ،‬تبعاً ملا جزم به شيخه يف شرح الروض مث‬
‫قال يف شرح املنهاج‪ :‬ال فرق هنا بني أن يُقصِّرَ األمّي يف التعلم‪ ،‬وأن ال يُقصّر‪.‬‬
‫حسَب‬ ‫والفرقُ بينهما غري قويّ‪ .‬انتهى‪ .‬ولو َنقَصوا فيها بَطلت‪ ،‬أو يف خطبة مل ُي ْ‬
‫صهِم‪ ،‬لِع َدمِ سَماعهم له‪ .‬فإن عادوا قريباً عُرْفاً جازَ البِناءُ على ما‬ ‫رُكن فِعلٍ حالَ نَق ِ‬
‫مَضى‪ ،‬وإال وَ َجبَ االستئناف‪ ،‬كنَقصِهم بني اخلطبة والصّالة‪ ،‬النتفاءِ املواالةِ فيهما‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬من له مسكنان ببلدين‪ ،‬فالعربة مبا كثرت فيه إقامته‪ ،‬فيما فيه أهله‬
‫وماله‪ .‬وإن كان بواحد أهلٌ وبآخر مال‪ ،‬فبما فيه أهلُه‪ ،‬فإن استويا يف الكل‪ ،‬فباحملل‬
‫جلمُعة‪ .‬وال تنع ِقدُ اجلُمعةُ بأقلّ من أربعني‪ ،‬خالفاً أليب حنيفة‬ ‫الذي هو فيه حالة إقامَةِ ا ُ‬
‫رمحه اهلل تعاىل فتنعقد عندَه بأربعة‪ ،‬ولو عبيداً أو مسافرين‪ .‬وال يشترط عندنا إذنُ‬
‫السّلطان إلِقامتها وال كَونُ حملّها مِصرّاً‪ ،‬خالفاً له فيهما‪ .‬وسُئِل البلقيين عن أهلِ قريةٍ‬
‫ال يبلُغ عددُهُم أربعني‪ ،‬هل ُيصَلّون اجلمعة أو الظّهر؟ فأجاب رمحه اهلل ‪ :‬يُصلّون‬
‫‪47‬‬
‫الظُّهرَ على مذهَب الشافعيّ‪ .‬وقد أجاز مجعٌ مِن العلماءِ أن ُيصَلّوا اجلُمعة‪ ،‬وهو َقوِي‪،‬‬
‫فإِذا قَلُّدوا أي مجيعهم من قال هذه املقالة‪ ،‬فإِهنم يُصلون اجلمعة‪ .‬وإن احتاطوا‬
‫فصلّوا اجلمعةَ مث الظّهرَ كان َحسَناً‪(.‬و) ثالثها‪ :‬وقوعُها (مبحلَ معدودٍ من البلد) ولو‬
‫بفضاءٍ معدود منها‪ ،‬بأن كان يف حملّ ال َت ْقصُرُ فيه الصالةُ‪ ،‬وإن مل يَتّصل باألبنيةِ‪،‬‬
‫السفَرُ ال َقصْرَ منه‪.‬‬
‫خبالف حملَ غريَ معدو ٍد منها‪ ،‬وهو ما جيوّز َّ‬
‫[فرع]‪ :‬لو كان يف قرية أربعون كاملون لَ ِز َمْتهُم اجلُمعة‪ ،‬بل َيحْرُم عليهم على‬
‫حملهِم من إقامتها‪ ،‬والذهاب إليها يف بلد أخرى‪ ،‬وإن سَمعوا النداء‪.‬‬ ‫املعتمد تَعطِيلُ ِّ‬
‫قال ابن الرِّفعِة وغريه‪ :‬إهنم إذا سَمعوا النداءَ من مِصرَ‪ ،‬ف ُهمْ ُمخَيّرون بني أن يَحضَروا‬
‫البلدَ للجمعة‪ ،‬وبني أن يُقيموها يف قريَتِهم‪ ،‬وإذا َحضَروا البلدَ ال يَ ْكمُلْ هبم العددُ‬
‫ألهنم يف حكم املسافرين‪ ،‬وإذا مل يكن يف القرية مجع تنعَقِدُ بِهم اجلمعة ولو بامتناعِ‬
‫ضهِم منها يلزمُهم السّعيُ إىل بلدٍ يسمعون مِن جانبه النداءُ‪ .‬قال ابن عجيل‪ :‬ولو‬ ‫بع ِ‬
‫ضعٌ متقاربةٌ ومتيَّزَ كلٌّ باسمٍ‪ ،‬فلكلَ حُك ُمهُ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬إمنا يتجه ذلك‬ ‫تعدَّدَتْ مَوا ِ‬
‫إن عدَّ كل مع ذلك قرية مستقلة عرفاً‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو َأكْرَهَ السُّلطانُ أهلَ قريةٍ إن ينَتقِلوا منها ويَبْنُوا يف مَ ْوضِعٍ آخَر‪،‬‬
‫فسَكنوا فيهِ وقَصدُهُم ال َعوْدُ إىل البلدِ األوّلِ إذا فرَّج اهلل عنهم‪ ،‬ال تلزمهم اجلمعة‪ ،‬بل‬
‫َصح منهم‪ ،‬لع َدمِ االستيطان‪(.‬و) رابعها‪ :‬وقوعها (يف وقت ظهر) فلو ضاق‬ ‫ال ت ُّ‬
‫الوقت عنها وعن خطبَتيْها‪ ،‬أو شَكَّ يف ذلك‪ ،‬صَلّوا ظهراً‪ ،‬ولو خرجَ الوقتُ يقيناً‪ ،‬أو‬
‫ظناً‪ ،‬وهم فيها‪ ،‬ولو قُبيلَ السّالم‪ ،‬وإن كان ذلك بإِخبارِ عدلٍ‪ ،‬على ا َألوْجَه‪ ،‬وَ َجبَ‬
‫الظهرُ‪ ،‬بناءً على ما مضى‪ ،‬وفاَتتِ اجلمعة‪ ،‬خبالفِ ما لو شَكّ يف خروجِه‪ ،‬ألن‬
‫األصلَ بقاؤءُ‪ .‬ومِن شروطِهما أن ال يَسبقها بتحرُّم‪ ،‬وال يقارِهنا فيه مجعة مبحلها‪ ،‬إال‬
‫أن كَثُرَ أَ ْهلُه‪ ،‬و َعسُرَ اجتما ُعهُم مبكا ٍن واحدٍ منه ولو غري مسجد من غريِ حلوقَ مُؤذٍ‬
‫فيه‪ ،‬كحرَ وبَرْدٍ شديدَيْن‪ ،‬فيَجوزُ حينئ ٍذ تعدُّدُها لِلحاجَ ِة َحبسَبِها‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬ال َيصُحّ ُظهْرُ مَنْ ال ُع ْذرَ له قبل سَالم اإلمام‪ ،‬فإن صَالّها جاهالً‬
‫انعقدتْ َنفْالً‪ ،‬ولو تَركَها أهْلُ بََلدٍ فصَلّوا الظّهرَ مل َيصُح‪ ،‬ما مل َيضِقِ الوَ ْقتُ عن أقلِّ‬
‫واجِب اخلطبَتنيِ والصّالةِ‪ ،‬وإن عُلمَ مِنْ عادَهتم أنّهم ال يُقيمون اجلمعة‪(.‬و) خامسها‪:‬‬
‫(وقوعها) أي اجلمعة‪( ،‬بعد خطبتني) بعد زَوالٍ‪ ،‬ملا يف الصحيحني‪ :‬أنه "مل ُيصَلِّ‬
‫اجلمعة إال ِبخُطْبَتني" (بأركاهنما) أي ُيشْتَرَطُ وُقوعُ صَالةِ اجلُمعة بعدَ خُطبتني مع‬
‫إتيانِ أركَانِهما اآلتية‪( ،‬وهي) مخسة‪ .‬أحدها‪( :‬حَمدُ اهلل تعاىل)‪( .‬و) ثانيها‪( :‬صَالةٌ‬
‫على النيب) (بلفظهما)‪ :‬أي َح ْمدُ اهلل والصَّالةُ على رسولَ اهلل‪ ،‬كاحلمدُ هلل‪ ،‬أو أ ْح َمدُ‬
‫وكاللهُمَّ‬
‫َّ‬ ‫اهلل‪ ،‬فال يكفي‪ :‬الشُّكْرُ هلل‪ ،‬أو الثَّناءُ هلل‪ ،‬وال‪ :‬احلَمدُ للرَّمحنِ‪ ،‬أو للرَّحِيمِ‪،‬‬
‫صَلِّ‪ ،‬أو صَلى اهلل‪ ،‬أو ُأصَلي على حممدٍ‪ ،‬أو أمحد‪ ،‬أو الرَّسولِ‪ ،‬أو النَّيبِّ أو احلاشرِ أو‬
‫اللهُمَّ سَلم على حممدٍ وارْ َحمْ حممداً‪ ،‬وال صَلى اهلل عليهِ‪ ،‬بالضمري‪.‬‬ ‫حنوه فال يكفي‪َّ :‬‬
‫وإن تَقدّم له ِذكْرٌ يَرْ َجعُ إليه الضّمري‪ ،‬كما صَ ّرحَ به مجع حمققون‪ .‬وقال الكمال‬
‫الدمَيْري‪ :‬وكثرياً ما يَسهو اخلطباء يف ذلك‪ .‬انتهى‪ .‬فال َتغْتَرّ مبا ِجتدْهُ مَسطوراً يف‬ ‫ُّ‬
‫َبعْضِ اخلُ َطبِ النباتيّةِ على خِالفِ ما عليه حمققو املتأخرين‪( .‬و) ثالثها‪َ ( :‬وصِيّةٌ بَِتقْوى‬
‫اهلل) وال يََتعَيَّنُ َلفْظُها وال تَطوِيلها‪ ،‬بل يكفي حنو أطيعوا اهلل مما فيه حثّ على طاعة‬
‫اهلل‪ ،‬أو زَجْرٌ عن مَ ْعصِيةٍ‪ ،‬ألهنا املقصودُ من اخلطبة‪ ،‬فال يكفي جمرَّدُ التحذيرِ من غُرورِ‬
‫الدُّنيا‪ ،‬وذِكرِ املوْتِ وما فيه من الفظاعَةِ واألَملِ‪ .‬قال ابنُ الرّفعةِ‪ :‬يكفي فيها ما‬
‫اشتمَلتْ على األمرِ باالستعدادِ للموت‪ .‬وُيشْتَرطُ أن يأيتِ بكل من األركان الثالثة‬
‫ُرتبَ اخلطيبُ األركان الثالثة‪،‬‬ ‫ب أن ي ِّ‬‫(فيهما)‪ ،‬أي يف كل واحدةٍ من اخلطبتني‪ .‬ويُْندَ ُ‬
‫وما بعدها‪ ،‬بأن يأيتَ أ ّوالً باحلمدِ‪ ،‬فالصالةِ‪ ،‬فالوصيةِ‪ ،‬فبالقراءةِ‪ ،‬فبالدعاءِ‪( .‬و)‬
‫‪48‬‬
‫رابعها‪( :‬قراءَةُ آيةٍ) مفهِّمة (يف إحدامها)‪ ،‬ويف األوىل َأوْىل‪ .‬وُتسَنُّ بعد فراغِها قراءَ ُة‬
‫"ق" أو بَعضها يف كل مجعة‪ ،‬لالتّباع‪( .‬و) خامسها‪( :‬دُعاءٌ) أخْرَويّ للمؤمنني إن مل‬
‫اللهُمَّ‬ ‫يَتَعرَّض لِلمؤمنات‪ ،‬خالفاً لأل ْذرُعي‪( ،‬ولو) بقوله‪( :‬رَ ِحمَكُم اهلل)‪ ،‬وكذا بنحو‪َّ :‬‬
‫صدَ ختصيصَ احلاضِرين (يف) خُطبةٍ (ثانيةٍ) التِّباعِ السّلفِ‬ ‫أجِرْنا مِن النارِ إنْ َق َ‬
‫واخللفِ‪ .‬والدُّعاء لِلسّلطانِ خبصوصِهِ ال ُيسَنّ اتفاقاً‪ ،‬إال معَ َخشْيةِ فِتنةٍ‪ ،‬فَيجِب‪ ،‬ومَع‬
‫صفَةٍ كاذِبةٍ إال‬ ‫صفُه ب ِ‬ ‫صفِه‪ ،‬وال يُجوزُ َو ْ‬
‫َعدَمها ال بأس به‪ ،‬حيث ال جمازفة يف َو ْ‬
‫ِلضَرورَةٍ‪ .‬وُيسَنُّ الدّعاءُ ِلوُالةِ الصّحابَةِ قَطعاً‪ ،‬وكذا ِلوُالةِ املسلمني وجُيوشِهم‪،‬‬
‫بالصَّالحِ‪ ،‬والنَّصرِ‪ ،‬والقيامِ بالعَدل‪ .‬و ِذكُر املناِقبِ ال يق َطعُ الوالة‪ ،‬ما مل يعد به‬
‫مُعرِضاً عن اخلطُبة‪ .‬ويف التوَسّط ُيشْتَرطُ أن ال يُطِيلَه إطالةَ تقطعُ املواالةَ‪ ،‬كما يفعله‬
‫كثريٌ من اخلُطباء اجلهّال‪ .‬قال شيخنا‪َ :‬وَلوْ شَكَّ يف تركِ فَ ْرضِ مِن اخلُطبةِ بعدَ فراغِها‬
‫ض بعد الصالةِ‪ ،‬أو الوُضوء‪.‬‬ ‫مل يُؤثر كما ال يُؤثّر الشَّكُّ يف تر ِك فر ٍ‬
‫(وَشُرِطَ فيهما)‪ ،‬اخلُطبتني‪( ،‬إمساعُ أربعني) أي تسعةٍ وثالثني سواه‪ ،‬ممن تنعقد‬
‫هبم اجلمعةُ (األركان) ال مجيع اخلطبةِ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬ال جتبُ اجلمعةُ على أربعني‬
‫صمّ‪ ،‬وال َتصُحُّ مع وجودِ لَ َغطٍ مينُع مساعَ رُكنِ اخلُطبةِ على املعت َمدِ فيهما‪،‬‬ ‫ضهُم أ َ‬
‫بع ُ‬
‫وإن خالفَ فيه َج ْمعٌ كثريون‪ ،‬فلم يشترطوا إال احلضورَ فقط‪ .‬وعليه يدل كالمُ‬
‫الشيخني يف بعضِ املواضِع‪ ،‬وال يُشتَرَطُ كوُنهُم مبحلّ الصّالةِ‪ ،‬وال فَه ُمهُم ملا‬
‫َيسْمعُونَه‪( .‬و) شُرِط فيهما (عَرَبية) التّباعِ السَّلَفِ واخللَفِ‪ .‬وفائدهتا بالعربية مع‬
‫عدمِ َمعْ ِرفَتِهم هلا العِلمُ بالوَ ْعظِ يف اجلملة‪ .‬قاله القاضي‪ .‬وإن مل ميكنُ تعلمها بالعَرَبية‬
‫قبلَ ضِيقِ الو ْقتِ خَ َطبَ مِنهُم واحدٌ بِلِساِنهِم‪ ،‬وإنْ أمْكنَ تعلمها وَ َجبَ كل على‬
‫الكِفاية‪( ،‬وقيا ُم قادرٍ عليه‪ ،‬و ُطهْرٌ) من َحدَثٍ أكبَر وأصغَر‪ ،‬وعن جنَسٍ غريَ مَ ْع ُفوَ عنه‪،‬‬
‫يف ثَوبهِ‪ ،‬وبَدنِه‪ ،‬ومكانِه‪( .‬وسَترٌ) لِلعَ ْورَةِ‪( .‬و) شُرِطَ (جُلوسٌ بينهما) بطمأنينة فيه‪،‬‬
‫وسُنَّ أن يَكونَ بق ْدرِ سُورَةِ اإلِخالص‪ ،‬وأن يقرأها فيه‪ .‬ومن خَ َطبَ قاعداً ِلعُذرٍ َفصَلَ‬
‫بينُهما بسَكْتَةٍ وُجوباً‪ .‬ويف اجلواهر‪ :‬لو مل َيجْلِس ُحسِبَتا وَا ِحدَة‪ ،‬فيجْلِس ويأيت بثالثة‪.‬‬
‫(ووالءٌ) بينهما وبني أركانِهما وبينَهُما وبني الصّالةِ‪ ،‬بأن ال يفصِلَ طويالً عُرفاً‪.‬‬
‫وسَيَأيت أنَّ اختِاللَ ا ُملوَاالةِ بني اجملموعتنيِ ب ِفعْلِ ر ْكعَتني‪ ،‬بَل بأقلّ جمزِىءٍ‪ ،‬فال يَْبعُد‬
‫الضّبطُ هبذا هنا‪ ،‬ويكون بياناً للعُرْف‪.‬‬
‫(وسُنَّ ملُريدِها) أي اجلمعة‪ ،‬وإن مل تلزَمه‪( ،‬غسلٌ) بِتعْميمِ الَبدَنِ والرَّأسِ باملاءِ‪،‬‬
‫فإِن عَجز‪ ،‬سُنّ تيمم بُنية ال ُغسْلِ‪َ( ،‬ب ْعدَ) طُلوعِ (َفجْرٍ)‪ .‬وينبغي ِلصَاِئمٍ َخشِيَ مِنُه‬
‫ُمفْطِراً تَ ْركُه‪ ،‬وَكذا سائِر األغْسالِ املسنونة‪ ،‬وقَربهُ من ذَهابه إليها أ ْفضَل‪ .‬ولو تَعارضَ‬
‫ال ُغسْلُ والتّبكريُ‪ ،‬فمراعاة ال ُغسْلِ أوْىل‪ ،‬لِلخالفِ يف وُجوبهِ‪ ،‬ومِن مث كُ ِرهَ تَركه‪ .‬ومِنَ‬
‫األغسالِ املسْنونةِ‪َ :‬غسْلُ العِيدَين‪ ،‬والكُسوفني‪ ،‬واالسْتِسقاء‪ ،‬وأغْسالُ احلجّ‪ ،‬و َغسْلُ‬
‫غاسل امليِّت‪ ،‬والغُسلُ لالعْتِكاف‪ ،‬ولِكُلِّ ليلةٍ من َرمَضان‪ ،‬وحلجامَةٍ‪ ،‬ولَِتغَيُّرِ اجلسدِ‪،‬‬
‫و ُغسْلُ الكافِرِ إذا أسْلمَ لألَمر به ومل جيب‪ ،‬ألنّ كثريين أسْلموا ومل يُؤمَروا به‪ .‬وهذا‬
‫إذا مل َيعْرِض له يف الكُفرِ ما يُو ِجبُ الغُسلَ مِنْ جَنابَةٍ أو حنوها وإال وَ َجبَ الغُسلُ‪.‬‬
‫وإن اغَْتسَل يف الكُفرِ‪ ،‬لِبُطالنِ نيّتهِ‪ .‬وآكدُها غُسلُ اجلمعة مثّ مِنْ غسلِ امليِّت‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬قال شيخنا‪ :‬يُسنّ قَضاءً ُغسْل اجلمعة كسائر األغسالِ املسنونة وإمنا‬
‫طُِلبَ قَضاؤه ألنه إذا عُلمَ أنّه يُقضى دَا َومَ على أدائِهِ‪ ،‬واجتََنبَ َت ْفوِيتَه‪( .‬وبكورٌ) لغريِ‬
‫خطيبٍ إىل املصلى مِنَ طُلوعِ الفَجرِ‪ ،‬ملا يف اخل ِرب الصحيحِ‪" :‬إن لِلجائي َب ْعدَ اغتِسالِهِ‬
‫غُسلَ اجلنابَةِ أي ك ُغسْلِها‪ ،‬وقيل حَقيقة بأن يكونَ جامِع‪ ،‬ألنّه ُيسَنّ ليلةَ اجلمعة أو‬
‫َي ْومَها يف السّاعةِ األُوىل ُبدْنةً‪ ،‬ويف الثانية‪َ :‬بقَرَة‪ ،‬ويف الثالثة‪ :‬كبشاً َأقْرَنَ‪ ،‬والرابعة‪:‬‬
‫دَجَاجة‪ ،‬واخلامسة‪ :‬عُصفوراً‪ ،‬والسادسة‪ :‬بْيضَة"‪ .‬واملرادُ أنّ ما بنيَ ال َفجْرِ وخُروجِ‬
‫‪49‬‬
‫سمُ ستة أجزاءٍ متساوية‪ ،‬سواء أطالَ اليَوم‪ ،‬أم َقصُرَ‪ .‬أما اإلِمام فُيسَنُّ له‬ ‫اخلطيبِ يَْن َق ِ‬
‫ب إىل ا ُملصَلى يف طريقٍ طويلٍ‪ ،‬ماشِياً‬ ‫التّأخريُ إىل وقتِ اخلطبةِ‪ ،‬لالتّباعِ‪ .‬وُيسَنّ الذّها ُ‬
‫صريٍ‪ ،‬وكذا يف كلّ عبادَة‪ .‬ويُك َرهُ َع ْدوٌ إليها‪،‬‬ ‫ِبسَكِينَةٍ‪ ،‬والرّجوعَ يف طريقٍ آخرَ َق ِ‬
‫كسائرِ العبادَات‪ ،‬إال لِضيقِ وَقتٍ‪ ،‬فَيجِب‪ ،‬إذا مل ُي ْدرِكها إال به‪( .‬وتزيّنٌ بأحسَن‬
‫ثيابه) وأ ْفضَلُها األبيَض‪ ،‬وَيلي األبيض ما صِبغَ قَبل نَسْجِه‪ .‬قال شيخنا‪ :‬ويُكرَهُ ما‬
‫صُِبغَ بَعدَه‪ ،‬ولو بِغريِ احلُمرَةِ‪ .‬اه ‪.‬وُيحْ َرمُ التَزيّن باحلريرِ‪ ،‬ولو قَ ّزاً‪ ،‬وهو نوعٌ منه‬
‫كمد اللون‪ ،‬وما أكثره وزناً مِنَ احلريرِ‪ ،‬ال ما أقلّه مِنه‪ ،‬وال ما استوى فيه األمران‪.‬‬
‫ك يف األكْثَرِ‪ ،‬فاألصلُ احلِلُّ‪ ،‬على األَوْجَهِ‪.‬‬ ‫ولو شَ ّ‬
‫[فرع]‪َ :‬يحِلُّ احلريرُ ِلقِتالٍ‪ ،‬إن مل َيجِد غريَه‪ ،‬أو مل يَ ُقمْ مُقامَه يف َد ْفعِ السِّالح‪.‬‬
‫وصَحَّحَ يف الكِفايَةِ قوَّل مجع‪ :‬جيوزُ القِباءُ وغريُه مما َيصْلحُ لِلقتال وإن ُو ِجدَ غريُه‪،‬‬
‫إرهاباً للكفار‪ ،‬كَتحْليةِ السّيفِ ِب ِفضّةٍ‪ .‬وَحلاجَةٍ َكجَرَبٍ إن آذاه غريُه‪ ،‬أو كانَ فيه َنفْعٌ‬
‫ال يو َجدُ يف غريِهِ‪ ،‬وَقمل مل يَْندَفِع بغريِهِ‪ ،‬والمرَأةٍ ولو بافتراشٍ‪ ،‬ال لَهُ‪ ،‬بال حَائِل‪ .‬وحيل‬
‫صحَفِ والدّراهم‪ ،‬وغَطاءُ‬ ‫منه حىت للرجل خَيطُ السُّْبحَةِ‪ ،‬وزِرُّ اجلَْيبِ‪ ،‬وكِيسُ امل ْ‬
‫العَمامَةِ‪ ،‬وعَلمُ الرّمح ال الشَّرابةُ اليت برأس السُّبْحةِ‪ .‬وجيب لرجلٍ لَِبسَه حيثُ مل َيجِد‬
‫سَاتِرُ ال َع ْورَة غريَه‪ ،‬حىت يف اخل ْلوَة‪ .‬وَيَجوزُ لِبْسُ الثَّوبِ املصْبوغ بأيّ لونٍ كان‪ ،‬إال‬
‫املُزَ ْعفَر‪ .‬وَلبِسُ الثوب املتنجِّس يف غريِ حنوِ الصّالة‪ ،‬حيث ال رطوبَةَ‪ ،‬ال جِلْد ميتة‪ ،‬بال‬
‫ضرورة‪ ،‬كافتراش جِلدِ سَُبعٍ كأسدٍ‪ ،‬وله إطعامُ مَيْتةٍ لنحو طَيْرٍ‪ ،‬ال كافِر‪ ،‬ومُتَنجَّس‬
‫لِدابّة‪ ،‬وحيل مع الكراهة‪ ،‬استعمالُ العاج يف الرأس واللحْيةِ حيث ال رُطوبة‪ ،‬وإسرَاجٌ‬
‫ُغلظٍ إال يف مسجد‪ ،‬وإن قَلَّ دُخانُه خِالفاً جلمع ‪ .‬وتَسميدُ أرضٍ‬ ‫مبُتَنجَّسٍ بغريِ م َّ‬
‫بِنجسٍ‪ ،‬ال اقتناءُ كلبٍ إال ِلصَْيدٍ أو ِح ْفظِ مال ويُكْرَهُ ولو المرأة تزينيُ غري‬
‫شهَد صاحل بغري حرير‪ ،‬وَُيحْ َرمُ بهِ‪( .‬وتَعمم) خلرب‪" :‬إن اهلل ومالئكته‬ ‫الكعبة‪ ،‬ك َم ْ‬
‫جل ُمعَةِ"‪ ،‬وُيسَنّ لسائرِ الصّلواتِ‪ .‬ووردَ يف حَديثٍ‬ ‫صحَابِ ال َعمَاِئمِ َيوْمَ ا ُ‬‫ُيصَلُّونَ على َأ ْ‬
‫ضعيفٍ ما َيدُلّ على أفضَليّةِ كِبَرِها‪ .‬ويَنْبغي ضَبْطُ طُوهلا وعَ ْرضِها مبا يليقُ بِالِبسِها‬
‫عادةً‪ ،‬يف َزمَانِهِ‪ ،‬فإِنْ زادَ فيها على ذلكَ كُ ِرهَ‪ ،‬وتَنخَ ِرمُ مُرُوأةُ فَقيهٍ بِلِبْسِ عَمامةٍ سُوقيّ‬
‫ال تَليقُ بهِ‪ ،‬وعَكسه‪ .‬قال احلفاظ‪ :‬مل يتحرَّر شيءٌ يف طُول عَمامَتِهِ وعَ ْرضِها‪ .‬قال‬
‫الشيخان‪ :‬مَنْ َتعَممَ فلَهُ ِفعْلُ ال َعذْبَةِ‪ ،‬وتَرْكها‪ ،‬وال كراهة يف وا ِحدٍ منهما‪ .‬زاد‬
‫النوويّ‪ :‬ألنه مل يَصُحّ يف الّنهْيِ عَن تَرْكِ العَذبةِ شيء‪ .‬انتهى‪ .‬لكن َق ْد َورَدَ يف ال َعذْبَةِ‬
‫أحاديثٌ صَحيحَةٌ وَحسنَة‪ ،‬وقَد صرَّحوا بأن أصلَها سُنَّة‪ .‬قال شيخنا‪ :‬وإرساهلا بني‬
‫الكتفني أفضل منه على األمين‪ .‬وال أصْلَ يف اختيارِ إرساهلا على األيسر‪ .‬وأقلّ ما َورَدَ‬
‫يف طُوهلا أرَْبعَة أصابعَ‪ ،‬وأكثره ذِراع‪ .‬قال ابن احلاجّ املالكي‪ :‬عَليْكَ أن تَتَعممَ قائِماً‪،‬‬
‫وتََتسَ ْروَلَ قاعِداً‪.‬‬
‫قال يف اجملموع‪ :‬ويُكْرَهُ أن ْميشِيَ يف نَعلٍ وا ِحدَةٍ‪ ،‬ولِْبسُها قائماً‪ ،‬وتَعليق جَرَسٍ‬
‫فيها‪ .‬وملَن َقعَد يف مكانٍ أن يفارِقه قبل أنْ ُي ْذكَرَ اهلل تعاىل فيه‪( .‬وتَطِيبُ) ِلغَيْرِ صَائمٍ‬
‫ني ال ُغسْلِ‪ ،‬ولِبْس األ ْحسَنِ‪ ،‬والتَّطَيُّب‪،‬‬
‫جل ْمعَ ب َ‬
‫على األوْجَهِ ملا يف اخلربِ الصحيحِ‪" :‬أنّ ا َ‬
‫واإلِنصاتِ‪ ،‬وتَرْك التخَطي‪ ،‬يُكَفِّر ما بني اجلمعتني"‪ .‬والتَّطَُّيبِ باملسكِ أفضل‪ ،‬وال‬
‫ُتسَنّ الصّالة عليه عند َشمّه‪ ،‬بل َحسُنَ االستِغفار عِنْده كما قال شيخنا ‪ ،‬وَندِبَ‬
‫تَزَيّن بإزالَةِ ِظفْرٍ من َيدَيْهِ‪ ،‬ورِجْليهِ‪ ،‬ال إحدامها‪ ،‬فيُكْ َرهُ‪ .‬و َشعْرِ حنْو إب ِطهِ وعانَته لغريِ‬
‫حلجّة‪ ،‬وذَلك لالتّباع‪ .‬وِبقَصِّ شارِبهِ حىت تَْبدُو ُحمْ َرةُ‬ ‫مُرِيد التَّضحِيَة يف ُعشْرِ ذي ا ِ‬
‫حةَ‬ ‫الشفَةِ وإزَالَةِ ريحٍ كريهٍ‪ ،‬ووسخٍ‪ .‬واملعتمدُ يف كيفية تقليمِ اليدين‪ :‬أن يبتدىء ُمبسَِّب َ‬ ‫َّ‬
‫ميينِه إىل خُْنصُرِها‪ ،‬مث إهبامها‪ ،‬مث خنصر يسارها إىل إهبامها على التوايل‪ ،‬والرِّجلني‪ :‬أن‬
‫يبتدىء خبنصُر اليمىن إىل خُنصُر اليُسرى على التّوايل‪ ،‬وينبغي البَدارُ ب ُغسْلِ حملّ القَلمِ‪،‬‬
‫‪50‬‬
‫جلمُعة‪ .‬وكَرهَ ا ِحملبّ الطَّربيُّ نَتْفَ َشعْرِ األَنفِ‪،‬‬ ‫وُيسَنُّ ِفعْلُ ذلِكَ يومَ اخلميس أو بُكْرَةَ ا ُ‬
‫َمهُ‪،‬‬ ‫قال‪ :‬بل يقصّه‪ ،‬حلدِيثٍ فيه‪ .‬قال الشافعيّ رضي اهلل عنه ‪ :‬مَنْ نَظف ثَوبَهُ قَلَّ ه ُّ‬
‫ومَن طابَ رحيُه زَادَ َعقْلُه‪( .‬و) سُنّ (إِنصاتٌ) أي سكوتٌ مع إصْغاءٍ (خلطبة) وُيسَنّ‬
‫سمَع اخلطبةَ‪ ،‬نعم‪ ،‬ا َألوْىل ِلغَيْرِ السَامِع أن َيشَْتغِلَ بالتّالوَةِ والذَّكرِ‬ ‫ذلك‪ ،‬وإن مل َي ْ‬
‫سِ ّراً‪ ،‬وُيكْرَهُ الكالمُ‪ ،‬وال َيحْ ُرمُ‪ ،‬خِالفاً لألئمة الثالثة‪ :‬حالة اخلُطْبَة‪ ،‬ال قبلها‪ ،‬ولو بعدَ‬
‫اجللوسِ على املنبَرِ‪ ،‬وال بعدَها‪ ،‬وال بني اخلطبتني‪ ،‬وال حالَ الدعاءِ للمملوكِ‪ ،‬وال‬
‫لداخلِ مَسجدٍ‪ ،‬إال إنِ اختذَ له مكاناً واستقرَّ فيهِ‪ .‬ويُكرَهُ للداخلِ السالمُ‪ ،‬وإن مل‬
‫يأ ُخذْ لِنفسِهِ مَكاناً‪ ،‬الشتغالِ املُسلمِ عليْهم‪ ،‬فإن سَلم ل ِز َمهُم الرَّدَّ‪ ،‬وُيسَنُّ تَشمِيتُ‬
‫العاطِسِ‪ ،‬والرّدُّ عليه‪ ،‬ورَفعُ الصوتِ من غريِ مُبالغَة بالصّالة والسّالم عليه عندَ ذِكرِ‬
‫صفِهِ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬وال يبعد َندْبُ التَّ َرضّي عن الصّحابة‪ ،‬بال رَفعِ‬ ‫اخلطيب ا ْسمِه أو َو َ‬
‫ني ِلدُعا ِء اخلطيب‪ .‬اه‪.‬‬ ‫صَوتٍ‪ .‬وكذا التأم ُ‬
‫وتُكرَهُ حترمياً ولو ملن مل تلزمْهُ اجلمعة بعد جلوسِ اخلطيبِ على املنربِ‪ :‬وإنْ مل يَسمَعِ‬
‫اخلطبة صالةُ فرضٍ‪ ،‬ولو فائتَةٍ َت َذكَّرها اآلن‪ ،‬وإن ل ِزمَتْه فوراً‪ ،‬أو َنفْلٍ‪ ،‬ولو يف حال‬
‫الدّعاء للسلطان‪ .‬واألوْجَه أهنا ال تنعقِدُ كالصّالة بالوقتِ املكروهِ‪ ،‬بل َأوْىل‪ .‬وَيجِبُ‬
‫على من بِصالةٍ ختفيفُها‪ ،‬بأن يقتصِر على أقلّ جمزِىءٍ عند جلوسِهِ على املِنبَرِ‪ .‬وكُ ِرهَ‬
‫لداخلٍ حتيّةٌ َفوّتت تكبريَة اإلِحرامِ إن صَالّها‪ ،‬إال فال تُكْرَه‪ ،‬بل ُتسَنّ‪ ،‬لكن يلزمهُ‬
‫ختفيفها بأن يقتصِرَ على الواجباتِ كما قاله شيخنا وكُ ِرهَ احتِباءٌ حالةَ اخلطبةِ للنَّهي‬
‫عنه‪ ،‬وكَْتبُ أوراقٍ حالتُها يف آخِرِ مجعةٍ من رمضان‪ ،‬بل وإن كُِتبَ فيها حنو امساء‬
‫سريانية جيهلُ معنا حَرُمَ‪( .‬و) سُنّ (قراءة) سورة ("كهف") يوم اجلمعة وليلتها‪،‬‬
‫ألحاديث فيها‪ .‬وقراءهتا هناراً آكدٌ‪ ،‬وَأوْاله بعدَ الصّبحِ‪ ،‬مسارَعةُ لِلخريِ‪ ،‬وأن يُكثِرَ‬
‫منها‪ ،‬ومن سائِرِ القرآن فيهما‪ .‬ويُكرَهُ اجلهرُ بقراءةِ "الكهف" وغريه إن حصل به تأذّ‬
‫ملصلّ أو نائم كما صرّح النووي يف كتبه وقال شيخنا يف شرح العباب‪ :‬ينبغي‬
‫حُ ْرمَةَ اجلهرِ بالقراءة يف املسجدِ‪ .‬و ُحمِلَ كالمُ النوويّ بالكراهة‪ :‬على ما إذا خَفّ‬
‫التأذّي‪ ،‬وعلى كون القراءة يف غري املسجدِ‪ ،‬وإكثارُ صالةٍ على النيب (يومها وليلتها)‬
‫لألخبارِ الصحيحةِ اآلمرةِ بذلك‪ ،‬فاإلِكثارُ منها أفضلُ من إكثارِ ذِكرٍ مل يَرِدْ‬
‫خبصوصِه‪ .‬قاله شيخنا‪( .‬ودعاءٌ) يف يومِها‪ ،‬رجاءَ أن يصادِف ساعةَ اإلِجاَبةِ‪،‬‬
‫وأرْجاها‪ ،‬مِنْ جُلوسِ اخلطيبِ إىل آخرِ الصالة‪ .‬وهي حلظةٌ لطيفةٌ‪ .‬وصَحّ أهنا آخر‬
‫ساعةٍ بعد العصرِ‪ ،‬ويف ليلتها ملا جاء عن الشافعي رضي اهلل عنه أنه بَلَغه أن الدعاءَ‬
‫يستجابُ فيها‪ ،‬وأنه استحَبّه فيها‪ .‬وسُنّ إكثارُ فعلِ اخلريِ فيهما كالصدقة وغريِها‬
‫وأن يَشتغِلَ يف طريقِهِ وحضورِهِ حملّ الصالةِ بقراءةٍ‪ ،‬أَو ذِكرٍ‪ ،‬أفضلُه الصالةُ على‬
‫النيبّ قبل اخلطبة‪ ،‬وكذا حالة اخلطبة إن مل يس َمعْها كما مرّ لألخبار املرَغّبةِ يف ذلك‪.‬‬
‫وأن يقرَأ َع ِقبَ سالمه من اجلمعة قبل أن يُثْين رِجليْه‪ ،‬ويف رواية‪ :‬قبل أن يَتَكَلم‬
‫الفاحتة‪ ،‬واإلِخالصَ‪ ،‬واملعوِّذتني‪ ،‬سبعاً سبعاً‪ ،‬ملا وردَ أن "مَن قرأها ُغفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ‬
‫مِن ذنبِهِ وما تأخَّر‪ ،‬وأعطِيَ من األجْرِ ِب َعدَدِ مَن آ َم َن باهلل ورسوله"‪..‬‬
‫[مهمة]‪ُ :‬يسَنُّ أن يقرأها‪ ،‬وآية الكُرْسيّ و { َش ِهدَ اللَّهُ}‪ ،‬بعد كل مكتوبةٍ وحنيَ‬
‫يأوي إىل فراشِهِ‪ ،‬مع أواخر "البقرة‪ ،‬والكافرون"‪ ،‬ويقرأ خواتيم "احلشر" وأول "غافر‬
‫حسِبْتمْ أَمنا خلَقْناكُم عَبَثاً} إىل آخرها‪ ،‬صباحاً ومساءً‪ ،‬مع‬ ‫إىل إليهِ املصري" و {َأَف َ‬
‫أذكارِمها‪ ،‬وأن يوا ِظبَ كلّ يومٍ على قراءةِ "آمل‪ ،‬السجدة‪ ،‬ويس‪ ،‬والدُّخان‪ ،‬والواقِعة‪،‬‬
‫وتبارَكَ‪ ،‬والزّلزلةَ‪ ،‬والتَّكاثُر" وعلى "اإلِخالصِ" مائيتْ مرة‪ ،‬و "الفجر" يف عشر ذي‬
‫احلجة‪ ،‬و "يس‪ ،‬والرَّعد" عند احملَتضَر‪ .‬و َورَدَتْ يف كلها أحاديثُ غريُ موضوعةٍ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫(وحَرُم ختَطِّ) رِقابِ الناس‪ ،‬لألحاديثِ الصحيحةِ فيه‪ ،‬واجلَ ْزمُ باحلرمَةِ ما نقله‬
‫الشيخُ أبو حا ِمدٍ عن نصِّ الشافعيّ‪ ،‬واختارَها يف الروضة‪ ،‬وعليها كثريون‪ .‬لكن‬
‫َرحَ هبا يف اجملموعِ (ال ملن وَ َجدَ فُرْجَةً قدّامَه) فَلهُ‬ ‫قضيّة كالمِ الشيخني‪ :‬الكراهَةُ‪ ،‬وص َّ‬
‫جدْ طريقاً إىل احملرابِ إال‬ ‫بال كَراهَةٍ ختطّي صَفَ وا ِحدٍ أو اثننيٍ‪ ،‬وال إلمامٍ مل َي ِ‬
‫ملعظمٍ َألِفَ َم ْوضِعاً‪.‬‬ ‫بِتخطّي‪ ،‬وال لِغريِهِ إذا أذِنوا له فيه ال حياءً على ا َألوْ َجهِ‪ ،‬وال َّ‬
‫ويُكرَهُ ختطّي اجملتمِعني لغريِ الصّالة‪ ،‬وُيحْ َرمُ أن يُقيمَ أحداً بغريِ رِضاه ليجلُسَ مكانه‪.‬‬
‫ويُكْرَهُ إيثارُ غريِهِ مبحلّهِ‪ ،‬إال إنْ انتقَلَ ملثلِهِ أو أقرَبَ منه إىل اإلمام‪ .‬وكذا اإليثارُ‬
‫بسائِرِ القُرَبِ‪ .‬ولَهُ تنحيةُ سَجا َدةَ غ ِريهِ بنحوِ رِجلِهِ والصّالة يف حملّها‪ ،‬وال يَرفَعها‬
‫ولو بغ ِري َيدِهِ لِدُخوهلا يف ضمانِه‪( .‬و) حَ ُرمَ على من تَلْزَمه اجلمعة (حنو مُباَيعَةٍ)‬
‫كاشتغالٍ ِبصُنعةٍ (بعد) شروعٍ يف (أذانِ خطبةٍ)‪ ،‬فإن عَقدَ صَحّ العَ ْقدُ‪ ،‬ويُكْرَهُ قبل‬
‫األذانِ َب ْعدَ الزّوالِ‪( .‬و) حَ ُرمَ على من تَلْزَمه اجلمعة وإن مل تنع ِقدْ به ( َسفَرٌ) َتفُوتُ‬
‫صدِه‪ ،‬ولو كان السّفرُ طاعةً‬ ‫به اجلُمعة‪ ،‬كأن ظَنّ أنه ال ُي ْدرِكها يف طريقِهِ أو َم ْق َ‬
‫جلمُعةِ‪ ،‬إِال َخشِيَ من عَ َدمِ َسفَرِه‬ ‫مَندوباً‪ ،‬أو وَاجباً‪( ،‬بعد فَجرِها) أي فَجرَ يومِ ا ُ‬
‫ضَرراً‪ ،‬كانقِطاعِه عن الرَّفقةِ‪ ،‬فال َيحْرُم إن كانَ غريَ َسفَرٍ َم ْعصِيَة‪ ،‬ولو َبعْدَ الزَّوالِ‪،‬‬
‫السفَرُ ليلةَ اجلُمعة‪ ،‬ملا رُويَ بِسََندٍ ضعيفٍ‪" :‬مَنْ سَافَرَ ليلَتَها دَعا عليهِ مَلَكاهُ"‪.‬‬‫ويُكْرَهُ َّ‬
‫جلمُعة مطلقاً‪ .‬قال شيخنا‪ :‬وحيثُ حَ ُرمَ عليهِ السفرُ‬ ‫سقُط عنهُ ا ُ‬
‫أما املسافِرِ ملعصيةٍ فال َت ْ‬
‫ت َفوْتِها‪.‬‬
‫هنا مل يَتَرخّص ما مل َت ُفتِ اجلمعة‪ ،‬فُيحْسَب ابتداء َسفَرِهِ من وَق ِ‬
‫[تتمة]‪ :‬يَجوزُ ملسافِرٍ سَفراً طويالً َقصْرُ رُباعِيَة‪ ،‬مُؤدّاة‪ ،‬وفائِتَة َسفَرٍ قَصَّر فيه‪،‬‬
‫و َجمْع ال َعصْرَيْنِ واملغرِبيْنِ تقدمياً وتأخرياً‪ِ ،‬بفِراقِ سورٍ خاصٍ ببلدِ َسفَر‪ ،‬وإن احتوَى‬
‫على خَرابٍ ومَزَارع‪ .‬ولو جَمعَ قريَتيْن‪ ،‬فال يُشتَرطُ جما َوزَتُه‪ ،‬بل لِكلَ حُكْمُه‪ ،‬فَبُنيان‬
‫وإن ختلََّلهُ خَرابٌ أو نَهرٌ أو مِيدانٌ‪ .‬وال ُيشْتَرطُ جماوزَةُ بساتني وإن حُوِّطَت واّتصَلَت‬
‫بالبَلدِ‪ ،‬والقريَتان إن اتّصلَتا عُرْفاً كَقَرية‪ ،‬وإن اختلَفتا امساً‪ ،‬فلو انفصلَتا ولو يَسرياً‬
‫كفى جما َوزَة قريَةِ املسافِرِ‪ ،‬ال ملسافِرٍ مل يبْلُغ َسفَرُه مَسريَة يَومٍ وليلةٍ ِبسَيْرِ األثقالِ مع‬
‫النزولِ املعتادِ لِنحوِ اسْتِراحَةٍ وأكلٍ وصالةٍ‪ ،‬وال آلبقٍ‪ ،‬ومسافرٍ عليْهِ دَيْنٌ حالٌ قادرٌ‬
‫السفَرُ‬ ‫عليهِ من غريِ إذنِ دائِنِه‪ ،‬وال ملن سافَرَ جملرَّدِ رؤيَةِ البالدِ على األصَحّ ‪ .‬وينتهي َّ‬
‫ضعٍ آخر‪ ،‬وَنوَى إقامَتَه به مُطلقاً‪ ،‬أو‬ ‫بعودِهِ إىل وطنِهِ‪ ،‬وإن كان ما ّراً به‪ ،‬أو إىل مو ِ‬
‫أرَبعَة أيامٍ صحاحٍ‪ ،‬أو عَلم أن إرَْبهُ ال يَْن َقضِي فيها‪ ،‬مث إن كان يَرجو حُصُوله كلّ‬
‫وقت‪َ :‬قصّر مثانية َعشَر يوماً‪ .‬وشُرِطَ لِقصْر نيّةٍ َقصْرٌ يف حتَرّم‪ ،‬وَ َع َدمُ اقتداءٍ ولو حلظة‬
‫َحترزَ عن مَنَافيها دَواماً‪ ،‬و َدوَامُ َسفَرِه يف مجيعِ صَالتِهِ‪ ،‬وجلمعٍ تقدميٍ‪،‬‬ ‫مبتمَ ولو مُسافِراً و َّ‬
‫سريٌ‬ ‫نية مجعٍ يف األوىل ولو مع التحلّل منها وترتيبٌ‪ ،‬ووالءٌ عرفاً‪ ،‬فال َيضُرّ فصلٌ ي ِ‬
‫بأن كانَ دُونَ قَدر ركعتني‪ ،‬ولتأخري نية مجع يف وقت األوىل ما بقيَ قدرَ رَكعةِ‪،‬‬
‫وبقاءُ سفرٍ إىل آخر الثانية‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬جيوزُ اجلمعُ باملرضِ تقدمياً وتأخرياً على املختار ويراعي األرفَقَ‪ ،‬فإن‬
‫حمّ مثالً وقت الثانية قدَّمَها بشروطِ مج ِع التقدميِ‪ ،‬أو‬ ‫كان يزدَاد مرضه كأن كان َي ُ‬
‫وَقتَ األوىل أخْرَها بنيةِ اجلمعِ يف وقتِ األُوىل‪ .‬وضََبطَ َج ْمعٌ متأخرون املرضَ هنا بأنه‬
‫ما يشقُّ مَعه فِعلُ كلّ فرضٍ يف وقتِهِ‪ ،‬كمشقّةِ املشيِ يف املطَرِ‪ ،‬حبيثُ تبتلّ ثيابُه‪ .‬وقال‬
‫شقَّة ظاهِرَة زيادَة على ذلِك‪ ،‬حبيثُ تُبيحِ اجللوسَ يف الفرضِ‪.‬‬ ‫آخرونَ‪ :‬ال بدّ من َم َ‬
‫وهو األوْجَه‪.‬‬
‫صحّتها مِن غريِ‬‫(خامتة)‪ :‬قال شيخنا يف شرح املنهاج‪ :‬مَنْ أدّى عبادَةً خمتلِفاً يف ِ‬
‫تقلي ٍد للقائلِ هبا‪ ،‬لَزِمَهُ إعادَتُها‪ ،‬ألن إقدامَهُ على ِفعْلِها عَبَثٌ‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫(فصل)‪ :‬يف الصالة على امليت‪ .‬وَشُرِعَت باملَدينَةِ‪ ،‬وقيل هي مِنْ خصائِصِ ه ِذهِ‬
‫األمّة‪( .‬صالةُ امليت) أي امليّت املُسلم غري الشهي ِد (فَ ْرضُ كفايةٍ) لإلِمجاعِ واألخبارِ‪،‬‬
‫(كغَسلِهِ‪ ،‬ولو غَرِيقاً) ألنّا مأمورون بِ َغسَلِه‪ ،‬فال يَسقُط الفَ ْرضُ عَنا إال بفعْلنا‪ ،‬وإن‬
‫شاهَدنا املالئِ َكةَ تَ ْغسِله‪ .‬ويكفي َغسْلُ كافِرٍ‪ ،‬وحيصُل أقله (بتعميم َبدَنِهِ باملاءِ) مرّة‬
‫حىت ما حتت قُ ْل َفةِ ا َألقْلَفِ على األصَحّ صبياً كانَ األقْلَف أو بالِغاً‪ .‬قال العباديّ‬
‫َعذرَ َغسْلُ ما ْحتتَ القُ ْلفَة‬ ‫وبعض احلنفية‪ :‬ال جيب َغسْلُ ما حتتها‪ .‬فعَلى املرجَّح لو ت َّ‬
‫وأقرهُ غريه‪ .‬وأكمله‪:‬‬ ‫بأهنا ال تتَقلّص إال جبرحٍ‪ ،‬ميمَ عما حتتَها‪ .‬كما قاله شَيخنا‪َّ ،‬‬
‫تَثْليثُه‪ ،‬وأن يكون يف خلوةٍ‪ ،‬وقميصٍ‪ ،‬وعلى مرتفعٍ مباء بارِدٍ إال حلا َجةٍ كوَسَخٍ وبَرْدٍ‪،‬‬
‫فا ُملسَخَّنُ حينئذٍ َأوْىل‪ .‬واملَاحلُ َأوْىل مِنَ ال َعذْبِ‪ .‬ويُبادِر ب َغسْلِه إذا تيقّنَ َموْته‪ ،‬ومَىت‬
‫ُشكّ يف موتِهِ وَجبَ تأ ِخريُهُ إىل اليَقنيِ‪ ،‬بَتغَيّرِ رِيحٍ وحنوه‪ .‬فذكرِ ِهمُ العالمات الكثرية‬
‫له إمنا تُفيدُ‪ ،‬حَْيثُ مل يكن هناك شَكّ‪ .‬ولو خ َرجَ مِنه بَعدَ ال ُغسْلِ جنسٌ مل ينقُضِ‬
‫الطُّهرَ‪ ،‬بَلْ ِجتبُ إزالَتُهُ فقط إن خَ َرجَ قبلَ التّكفنيِ‪ ،‬ال َب ْعدَه‪ .‬ومَن تع ّذرَ ُغسْلُه ِل َف ْقدِ‬
‫ماءٍ أو لغريه‪ :‬كاحتراقٍ‪ ،‬وَلوْ ُغسِلَ َتهَرَّى ميم وُجوباً‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬الرّجل َأوْىل ِبغُسلِ الرّجل‪ ،‬واملرأةُ َأوْىل ِبغُسْلِ املرأةِ‪ ،‬وَلهُ غُسلُ حَليلةٍ‪،‬‬
‫حتْ َغريَه‪ ،‬بال مَسّ‪ ،‬بل بلفّ خُرْقةٍ على يدٍ‪.‬‬ ‫ولِ َزوْجَةٍ ال َأمَةٍ ُغسْلُ َزوْجِها‪ ،‬ولو نَ َك َ‬
‫فإِن خَالف صَحّ ال ُغسْلُ‪ .‬فإِن مل حيضَرْ إال أجَْنيبّ يف املرأةِ أو أجنَبية يف الرجلِ ميمَ‬
‫صيبّ أو صَبيّة‪ ،‬حلِلّ نَظَرِ كلّ و َمسّه‪ .‬وَأوْىل‬ ‫امليّت‪ .‬نعم‪ ،‬هلما ُغسْلُ مَن ال ُيشْتَهى مِن َ‬
‫الرجال به أوْالهُم بالصّالة كما يأيت‪( .‬وتكفينُه بساتِرِ َع ْورَةٍ) خمتِلفَةٍ بالذكورَةِ‬
‫جبُ يف املرأة ولو أمَة ما يستُرُ غريَ الوجْهِ والكفني‪.‬‬ ‫واألنوثة‪ ،‬دون الرقّ واحلُرِّية‪ ،‬في ِ‬
‫ويف الرجل ما يسترُ ما بنيَ السّرة والرُّكبة‪ .‬واالكتِفاء بساتِر العَ ْورَةِ هو ما صَحَّحه‬
‫النوويّ يف أكثَر كتبِه‪ ،‬وَنقَله عَن األكثرين‪ ،‬ألنه حَقٌّ هلل تعاىل‪ .‬وقال آخرون‪ :‬جيبُ‬
‫سَتْرُ مجيع الَبدَن ولو رَجالً ‪ .‬ولِلغرميِ منعُ الزاِئدِ على ساتِرِ كلّ الَبدَنِ‪ ،‬ال الزائدُ على‬
‫للذكَرِ ثالثة‬ ‫ساتِرِ ال َع ْورَة‪ ،‬لِتَأكّد أمْرِه‪ ،‬وكونه حقاً للمَيّت بالنسبةِ للغُرَماء‪ ،‬وأكملُه َّ‬
‫َي ُعمّ كل منها البَدَنَ‪ ،‬وجازَ أن يَزادَ حتتَها قميصٌ وعمامَةٌ‪ ،‬ولألنثى إزارٌ‪ ،‬ف َقمِيصٌ‪،‬‬
‫َفخِمارٌ فلُفافَتان‪ .‬ويُكفّنُ املّيتُ مبا لَه لِْبسُهُ حَياً‪ ،‬فيجُوزُ حَريرٌ ومُزَ ْعفَرٌ لِلمرْأةِ والصّيب‪،‬‬
‫مع الكراهَةِ‪ .‬وحمَلّ جتهيزِه‪ :‬التَّ ِركَةُ‪ ،‬إالّ زَوجَةٌ وخَا ِدمُها‪ :‬فعَلى زَوجٍ غينّ عليه‬
‫نَفقُتهُما‪ ،‬فإن مل يكُن له تَ ِركَة فعَلى مَنْ عليهِ نَفقتُه‪ ،‬مِن قريبٍ‪ ،‬وسَّيدٍ‪َ ،‬فعَلى بيتِ‬
‫املالِ‪ ،‬فعَلى مَياسِري املسلمني‪ .‬وَيحْ ُرمُ التّكفنيُ يف جلدٍ إن وُجدَ غريهُ‪ ،‬وكذا الطّنيُ‪،‬‬
‫واحلشيشُ‪ ،‬فإِنْ مل يوجدْ ثوبٌ َو َجبَ جِ ْلدٌ‪ ،‬مث حشيشٌ‪ ،‬مث طنيٌ فيما استَ ْظهَ َرهُ‬
‫شيخنا ‪ .‬وَيحْ ُرمُ كِتابَةُ شيء مِنَ القرآن وامساء اهلل تعاىل على ال َكفَنِ‪ .‬وال بأسَ‬
‫بكتابَتِهِ بالرّيقِ‪ ،‬ألنه ال يُثْبُت‪ .‬وأفىت ابن الصَّالح ِبحُ ْرمَةِ سَترِ اجلنازةِ حبريرٍ ولو امرأة‬
‫فجوزَ احلريرَ فيها ويف الطّفلِ‪،‬‬ ‫كما َيحْ ُرمُ تزيني بيتها حبريرٍ‪ .‬وخَالفَهُ اجلاللُ البَلِقيينّ‪َّ ،‬‬
‫واعت َمدَهُ َج ْمعٌ‪ ،‬معَ أن القياسَ األوّل‪( .‬وَ َدفْنُهُ يف ُحفْرَةٍ متنعُ) بعد طَمِّها (رائحةً) أي‬
‫ضعُه ِب َوجْهِ األرضِ‬ ‫ظهُورُها‪( ،‬وسَبُعاً) أي نَْبشُهُ هلا‪ ،‬فيأكُلَ املّيتَ‪ .‬وخَ َرجَ بِحفرةٍ‪َ :‬و ْ‬
‫َذرَ البَرّ‬ ‫حلفْرُ‪ .‬نعم‪ ،‬مَنْ ماتَ بِسفينةٍ وتع َّ‬ ‫َتعذرُ ا َ‬
‫ويُبْنِى عليهِ ما ميَنعُ ذَيْنِك‪ ،‬حيث مل ي َّ‬
‫جازَ إلقاؤُه يف البَحْرِ‪ ،‬وتَثْقيلُهُ ليَرْ ُسبَ‪ ،‬وإال فَال‪ .‬وبتمَنِّع ذَيْنِك ما مينعُ أ َحدُمها كأن‬
‫جبُ بِناءُ ال َقربِ‪ ،‬حبيث مينع وُصوهلا إليهِ‪.‬‬ ‫اعتادَت سباعُ ذلك احملل احلفرَ عَن َموْتاه فَي ِ‬
‫وأَكملُه قرب واسعٌ ُعمُقِ أربَعة أذرُعٍ ونِصفٍ بِذراعِ اليَدِ‪ .‬و ِجيبُ اضْطِجاعُهُ للقِبَلةِ‪.‬‬
‫ويُْندَبُ ا ِإلفْضاءُ خبدِّهِ األميَن بعد تَنحِيَةِ ال َكفَنِ عَنه إىل حنو تُرابٍ‪ ،‬مْبالغَةً يف‬
‫االستِكانَةِ والذٌّلِّ‪ ،‬ورَ ْفعُ رَأسِهِ بنحوِ لَبِنَةٍ‪ .‬وكُ ِرهَ صُندوق إال لنحو نَداوَةٍ فيجِب‬
‫وَيحْ ُرمُ َدفْنُهُ بال شيء ميَْنعُ وُقوعَ التّرابِ عليه وََيحْ ُرمُ َدفْنُ اثْننيِ مِنْ جِنسَيْن بقَبْرٍ‪ ،‬إن‬
‫‪53‬‬
‫ح َديْ جِنْسٍ فيهِ بال‬ ‫ج ْمعِ مُت ِ‬
‫مل يكن بيَنهُما حمْ َرمِيَّة‪ ،‬أو َزوْجِيّة‪ ،‬ومع أحدمها كُره ك َ‬
‫حاجة‪ .‬وَيحْ ُرمُ أيضاً‪ :‬إدخالُ مَِّيتٍ على آخر‪ ،‬وإن احتَدا جِنساً‪ ،‬قبل بَالءِ جَمي ِعهِ‪،‬‬
‫خلربَةِ باأل ْرضِ‪ .‬ولو وُجدَ بعضُ عظمِهِ قبل متامِ احلفْرِ وَ َجبَ رَدّ‬ ‫ويَر َجعُ فيه ألهْلِ ا ِ‬
‫حسَنِ الَبصَريّ‬ ‫تُرابِه‪ ،‬أو بعده فال‪ .‬وجيوزُ ال ّدفْنُ َمعَه‪ ،‬وال يُكْرَهُ الدَّفنُ ليالً خالفاً لل َ‬
‫والنَّهارُ أفضل للدّفن منه ويُ ْرَفعُ القَبْرُ َق ْدرَ شربٍ نَدباً‪ ،‬وتسطِيحُهُ َأوْىل مِن تَسنيمِهِ‪.‬‬
‫ويُْندَبُ ملنْ عَلى شَفريِ القربِ أنْ ُيحْثي ثَالثَ حَثيَاتٍ بيَدَيْه قَائالً مع األُوىل‪{ :‬مِنها‬
‫خَلقْنَاكم}‪ .‬ومع الثانية‪{ :‬وَفيها ُنعِي ُدكُم}‪ .‬ومع الثالثة‪َ { :‬ومِنْها خنْرِجُ ُكمْ تَارَةً‬
‫أُخْرى}‪.‬‬
‫ضعُ جَريدَةِ خَضراءَ عَلى ال َقربِ‪ ،‬لالتّباع‪ ،‬وألنّه يُخفَّف عنه ِب َربكَةِ‬ ‫[مهمة]‪ُ :‬يسَنّ َو ْ‬
‫َتسْبيحِها‪ .‬وقيسَ هبا ما اعتيدَ مِن طَ ْرحِ حنوِ الرَّحيانِ الرَّ ِطبِ‪ .‬وَحي ُرمُ أخذُ شيءٍ مِنهما‬
‫ت املأثورِ عنهُ‪ ،‬ويف الثانية مِن تفويتِ‬ ‫ما مل ييْبَسا ملا يف أ ْخذِ األُوىل مِن تفويتِ َحظَّ املّي ِ‬
‫حَقّ امليّت بارتياح املالئِكَةِ النَّازِلني لِذلكَ‪ .‬قاله شيخانا ابن حجر وزياد‪( .‬وكُرِهَ بِناءٌ‬
‫خوْفِ نَبْشٍ‪ ،‬أو َحفْرِ سَُبعٍ أو‬ ‫له) أي لِلقَبْرِ‪( ،‬أو عَليْهِ) ِلصِحَّةِ الَنهْيِ عَنْهُ بال حاجة‪َ ،‬ك َ‬
‫َه ْدمِ سَيلٍ‪َ .‬وحمَلّ كَراهَةِ البِناء‪ ،‬إذا كان مبُلْكِهِ‪ ،‬فإن كان بِناءُ نفسِ القربِ بغريِ حاجَةٍ مما‬
‫مر‪ ،‬أو حنو قُبّة عليه مبسبلة‪ ،‬وهي ما اعتَادَ أهْلُ البَلدِ الدّفن فيها‪ ،‬عُرِفَ أصْلُها‬
‫و ُمسْبِلُها أم ال‪ ،‬أو َموْقوفَةً‪ ،‬حَرُم‪ ،‬وَ ُه ِدمَ وُجوباً‪ ،‬ألنه يتأبَّد بعد امنحاقِ امليّت‪ ،‬ففيهِ‬
‫َتضْييقٌ على املسلمني مبا ال غَ َرضَ فيه‪.‬‬
‫حلجَا َرةُ ا ُملخْرَجَةُ إىل أهْلِها إنْ عُرِفوا‪ ،‬أو يُخلى بيَنهُما‪،‬‬ ‫[تنبيه]‪ :‬وإذا ُه ِدمَ‪ ،‬تُرَدُّ ا ِ‬
‫الزمْزَميّ‪:‬‬ ‫وإال فمالٌ ضاِئعٌ‪ ،‬وحُ ْكمُهُ َمعْروفٌ كما قاله َبعْضُ أصحابِنا وقال شيخنا َّ‬
‫إذا بَليَ املّيتُ وأَعْرَض َورَثَتُهُ عنِ احلِجارَةِ‪ ،‬جازَ الدّفنُ معَ بقائِها‪ ،‬إذا جَرَتِ العادَةُ‬
‫باإلِعراضِ عَنْها‪ ،‬كما يف السَّنابِلِ‪( .‬و) كُرِهَ (وَطْءٌ عليه) أي عَلى قربِ مُسلمٍ‪ ،‬ولو‬
‫ُمهْدَراً قبلَ بَالءٍ (إال ِلضَرُورَةٍ)‪ ،‬كأن مل َيصِل لِقربِ مَيْتِهِ بِدونِهِ‪ ،‬وكذا ما يريد زيارَته‬
‫ولو غري قريبٍ‪ .‬وجَزَم شَ ْرحُ مُسلمٍ كآخرين حبُ ْر َمةِ ال ُقعُودِ عليه والوطء‪ ،‬خلربٍ فيه‬
‫يَردّهُ أنّ املرادَ باجللوسِ عليه جُلوسُه ِلقَضاءِ احلاجَةِ‪ ،‬كما بيَّنَتْهُ رِوايةٌ أخرى‪( .‬ونَبْشُ)‬
‫وُجوباً قرب من ُدفِنَ بال طَهارَةٍ (ِلغُسلٍ) أو تيمم‪ .‬نعم‪ ،‬إن َتغَيَّر ولو بِنَتَنٍ‪ ،‬حَ ُرمَ‪.‬‬
‫وألَجْلِ مالِ غريٍ‪ ،‬كأن ُدفِنَ يف َثوْبٍ َم ْغصُوبٍ‪ ،‬أو أ ْرضٍ مَغصوبةٍ‪ ،‬إن طََلبَ املالِكُ‪،‬‬
‫ش أَو سَ َقطَ فيهِ مُتمَوِّل وإن مل يَطلُْبهُ‬ ‫ووُ ِجدَ ما يُكفَّن أو ُي ْدفَن فيه‪ ،‬وإال مل َيجُز النَّب ُ‬
‫مَالِكُه‪ ،‬ال للتَّكفني إن ُدفِنَ بِال َكفَنٍ‪ ،‬وال للصَّال ِة بعدَ إهالِة التُّرابِ عليه‪( .‬وال تُدفَنُ‬
‫امرَأةٌ) ماَتتْ (يف بَطْنٌّها جَننيٌ حَىت يتحقَّقُ َموْتُه)‪ ،‬أي اجلننيُ‪ .‬و ِجيبُ شَقّ َجوْفها‬
‫والنَّبشُ له إن رُجِيَ حَيَاته ِب َقوْلِ ال َقوَابِلِ‪ ،‬لِبلوغِهِ سِتة أشْهُرٍ فأكثَر‪ ،‬فإِن مل يُ ْرجَ حَياته‬
‫حَ ُرمَ الشّقّ‪ ،‬لكِن ُيؤَخَّرَ ال ّدفْنُ حَىت ميوتَ كما ذكِرَ وما قيل إنَّهُ يُوضع عَلى بَطْنِها‬
‫شَيء ليموتَ غَلَطٌ فاحِش‪( .‬وُو ِريَ) أي سُتِرَ خبَ ْرقَةٍ (سَقطٌ و َدفِنَ) وُجوباً‪ ،‬كطِفلٍ‬
‫كافِرٍ نَطَقَ بالشّهادَتنيِ‪ ،‬وال َيجِب َغسُْلهُما‪ ،‬بَل َيجُوزُ‪ .‬وخَ َرجَ بالسَّقطِ العََلقَةُ‬
‫ضغَة‪ ،‬فُي ْدفَنانِ نَدباً مِن َغريِ سَترٍ‪ .‬ولَو ان َفصَل بعدَ أربَعة أ ْشهُرٍ غُسِّلَ وكُفِّنَ‪ ،‬ودُفِنَ‬‫وا ُمل ْ‬
‫َهل بعد ان ِفصَالِه (صُليَ عليه) وُجوباً‪.‬‬ ‫وُجوباً‪( .‬فإن اخْتَلجَ) أو اسْت َّ‬
‫(وأرْكانُها) أي الصّالةُ على امليّت‪ ،‬سَْبعَةٌ‪ :‬أحَدمها‪( :‬نية) كغريِها‪ ،‬ومِنْ ُثمّ‬
‫َرضِ‬ ‫والتع ُّ‬
‫جبُ يف نيّةِ سائِرِ الفروضِ‪ ،‬مِن حنوِ اقتِرانِها بالتحَرُّم‪َّ ،‬‬ ‫وَ َجبَ فيها ما يَ ِ‬
‫امليتِ‪ ،‬وال َمعْ ِرفَتُهُ‪ ،‬بل الواجِبُ‬ ‫لِلفَ َرضِيّةِ‪ ،‬وإن ملْ يَقُلْ فَرْض كِفايَةٍ‪ ،‬وال ِجيبُ َتعْينيُ ِّ‬
‫امليتِ الغاِئبِ‬ ‫أدىن ممَيَّزٍ‪ ،‬فيكفي ُأصَلي الفَ ْرضَ عَلى هذا املِّيت‪ .‬قال جَ ْمعٌ‪ِ :‬جيبُ تعينيُ ِّ‬
‫حوِ امسِهِ‪( .‬و) ثانيها‪( :‬قيامٌ) لِقادرٍ عليهِ‪ ،‬فالعَاجِزُ َي ْقعَد‪ُ ،‬ثمّ يضطَجِع‪( .‬و) ثالثها‪:‬‬ ‫بِن ْ‬
‫(أربع تكبرياتٍ) مع تكبرية التحرّم لالتّباع‪ ،‬فإن خَمَّسَ‪ ،‬مل تَبْطُل صَالتُه‪ .‬وُيسَنّ َر ْفعُ‬
‫‪54‬‬
‫ضعُهما ْحتتَ صَدْرِه بني كل تكبريتني‪( .‬و)‬ ‫َيدَيْهِ يف التَّكْبريات َح ْذوَ مِنْكَبيْهِ‪ ،‬وَ َو ْ‬
‫رابعها‪( :‬فاحتة)‪ ،‬فََبدَهلا‪ ،‬فوقوقٌ ب َق ْدرِها‪ .‬واملعَتمد أهنا جتزىءُ َب ْعدَ َغريِ األُوىل خِالفاً‬
‫للحاوي‪ ،‬كاحملرَّر وإن لَ ِزمَ عَليهِ مجعُ رُكنني يف تكبريَةٍ وخلوِّ األُوىل عَن ذِكْرٍ‪ .‬وُيسَنُّ‬
‫إِسرارٌ بِغريِ التكبريات‪ ،‬والسَّالمُ‪ ،‬وَت َعوّذٌ‪ ،‬وتَرْكُ افتِتاحٍ‪ ،‬وسُورة‪ ،‬إال على غائبٍ أو‬
‫قرب‪( .‬و) خامسها‪( :‬صالةٌ على النيبّ) (بعد تكبريةٍ ثانيةٍ) أي َعقِبها‪ ،‬فال جتزىء يف‬
‫ضمّ السّالمِ للصَّالةِ‪ ،‬والدُّعاءِ للمؤمنني واملؤمنات عَقبها‪ ،‬واحلمدُ‬ ‫غريها‪ .‬ويُْندَبُ َ‬
‫اللهُمَّ ا ْغفِرْ لَهُ وَارْ َحمْهُ‪،‬‬
‫قبلها‪( .‬و) سادسها‪( :‬دُعَاءٌ ملّيتٍ) خبصوصِهِ ولو طِفالً‪ ،‬بنحو‪َّ :‬‬
‫(بعد ثالثة)‪ ،‬فال جيزىء بعد غريِها قطعاً‪.‬‬
‫وُيسَنّ أن يُكْثِرَ مِنَ الدُّعاء له‪ ،‬ومأثُورُهُ أفضَل‪ ،‬وَأوْالهُ ما َروَاهُ ُمسْلمٌ عنه وهو‪:‬‬
‫َسعْ َمدْخلَهُ‪ ،‬وا ْغسِلْهُ باملاءِ‬‫"اللهُمَّ ا ْغفِرْ له وارْ َحمْهُ‪ ،‬واعْفُ عنه وعافِهِ‪ ،‬وأكْ ِرمْ نُ ُزَلهُ‪ ،‬وو ِّ‬
‫َّ‬
‫والثّلجِ والبَرَدِ‪ ،‬ونَقِّهِ مِنَ اخلطايا كما يُنَقى الثَّوبُ األبيضُ من الدَّنَسِ‪ ،‬وأَْب ِدلْهُ داراً خرياً‬
‫من دَارِهِ‪ ،‬وأهْالً خرياً من أهلِهِ‪ ،‬و َزوْجاً خرياً مِن زو ِجهِ‪ ،‬وأدْخلْهُ اجلنَّة‪ ،‬وأ ِعذْهُ مِن‬
‫عَذابِ القربِ وفتنَتِهِ ومِن عذابِ النار"‪ .‬ويزيد عليه‪ ،‬ندباً‪" :‬اللهمّ اغفِرْ حليِّنا ومَيِّتنا" إىل‬
‫"اللهُم ا ْجعَلْهُ فِرْطاً ألَبوَيْهِ‪ ،‬وسَلَفاً وذُخْراً وَعِ َظةً‬ ‫آخِ ِرهِ‪ .‬ويقول يف الطفل مع هذا‪َّ :‬‬
‫واعْتِباراً وشَفيعاً‪ ،‬وَثقّلْ بهِ موازينَهُما‪ ،‬وَأفْرِغْ الصَّربَ على قلوِبهِما‪ ،‬وال َتفْتِْنهُما بعدَه‪،‬‬
‫وال حت ِرمْهُما أجْرَه"‪ .‬قال شيخنا‪ :‬وليس قوله‪ :‬اللهمَّ اجعَلْه فرطاً إىل آخره مغنياً عن‬
‫ال ِزمِ‪ ،‬وهو ال يكفي‪ ،‬ألنه إذا مل يكفِ الدّعاء له بالعمومِ‬ ‫الدعاءِ له‪ ،‬ألنه دُعاء بال ّ‬
‫الشاملِ كلّ فَرْدٍ‪ ،‬فَأوْىل هذا‪ .‬ويؤنَّثِ الضمائِرَ يف األنثى‪ ،‬وَيجُوزُ تذكِريُها بإِرادةِ‬
‫امليتِ أو الشَّخصِ‪ ،‬ويقول يف ولدِ الزِّنا‪" :‬اللهُمَّ اجعَلْهُ فِرطاً ألمِّهِ"‪ .‬واملرادُ باإلِبدالِ‬ ‫ِّ‬
‫حلقْنَا ِب ِهمْ ذُرِّيََّتهُم}‬
‫يف األهْلِ والزوجَةِ‪ ،‬إِبدالُ األوصافِ ال الذواتِ‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬أ ِ‬
‫وخلربِ الطَّبَراينّ وغريه‪" :‬إن نساءَ اجلنة من نساءِ الدنيا أفضل من احلورِ العِنيِ"‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫(و) سابعها‪( :‬سالمٌ) كغريِها (بعد رابعة)‪ ،‬وال جيبُ يف هذه ذِكرُ غريِ السّالمِ لكن‬
‫الل ُهمّ ال حت ِرمْنا أجْرَه أي أجْرَ الصّالةِ عليهِ‪ ،‬أو أجْرَ املصيبةِ وال تفْتِنّا بعدَه‬ ‫ُيسَنّ‪َّ :‬‬
‫أي بارتكابِ املعاصي واغفِرْ لنا وله‪ .‬ولو ختلَّفَ عن إِمامِهِ بال عُذرٍ بتكبريةٍ حَىت‬
‫شَرَعَ إما ُمهُ يف أخرى بَطلت صالتُه‪ .‬ولو كَبَّرَ إمامُهُ تكبريَةً أخرَى قبل قراءةِ املسبوقِ‬
‫الفاحتةَ تاَبعَهُ يف تكبريِهِ‪ ،‬وسقَ َطتْ القراءَةُ عنه‪ .‬وإذا سَلم اإلِمامُ تدارَك املسبوقُ ما بقيَ‬
‫عليهِ َمعَ األذْكارِ‪ .‬وُيقَدَّمُ يف اإلِمامَةِ يف صَالةِ املّيتِ ولو امرأة ‪ :‬أبٌ‪ ،‬أو نائبُهُ‪ ،‬فأبوهُ‪،‬‬
‫مث ابنٌ فابنُه‪ ،‬مث أخٌ ألَبوَيْن فألَبٍ‪ ،‬مث ابُنهُما‪ ،‬ثُم ال َعمّ كذلك‪ ،‬مث سائِرُ ال ُعصُباتِ‪ ،‬مث‬
‫ُمعْتَقٌ‪ ،‬ثُم ذُو رَحِمٍ‪ ،‬مث َز ْوجٌ (وشُرِطَ هلا) أي للصالة على امليت مع شروطِ سائِرِ‬
‫َدمُ ُطهْرِهِ) أي امليت مباءٍ فترابٍ‪ ،‬فإِن وقعَ ُحبفْرَةٍ أو حبرٍ وتع ّذرَ‬ ‫الصّلوات (َتق ُّ‬
‫إخراجُه و ُطهْرُه مل يصلَّ عليه على املعت َمدِ (وأن ال يُتَقدّم) املُصلى (عليه) أي امليت‬
‫‪ ،‬إن كان حاضِراً‪ ،‬ولو يف قربٍ‪ ،‬أما امليّت الغائبُ فال يَضُرُّ فيه كَونُه وراءَ املُصلي‪.‬‬
‫وُيسَنّ َجعْلُ صُفوفِهمْ ثالثة فأكثر‪ ،‬للخربِ الصّحيحِ‪" :‬مَنْ صَلى عَليهِ ثالثةُ صفوفٍ‬
‫فقدْ َأوْ َجبَ" أي ُغفِرَ له وال يُْندَبُ تأخريُها لزيَادَةِ املصَلني‪ ،‬إال ِل َويلّ‪ .‬واختارَ بعضُ‬
‫احملققني أنه إذا مل ُيخْشَ تغيُّرُه‪ ،‬يَنْبَغي انتظاره مائة أو أربعني رُجِيَ حُضورُهم قريباً‪،‬‬
‫للحديث‪ .‬ويف ُمسْلم‪" :‬ما مِنْ مُسلمٍ ُيصَلي عَليهِ َأ َمةٌ مِنَ املسلمنيَ يبلغون مائة كلّهم‬
‫حضَرَ مَنْ مل ُيصَلِّ‪ُ ،‬ندِبَ له الصَّالةُ‬ ‫يشفعون له‪ ،‬إال شُفِّعوا فيه" ولو صُليَ عليه ف َ‬
‫عليه‪ ،‬وَت َقعُ فَرْضاً‪ ،‬فينويه‪ ،‬ويثابُ ثوابُه‪ .‬واألفضَلُ له ِفعْلُها بعدَ الدّفن‪ ،‬لالتّباع‪ .‬وال‬
‫يُْندَب ملن صَالّها ولو مُنفَرِداً إِعادهتا مع مجاعة‪ .‬فإِن أعادَها وَق َعتْ نَفْالً‪ .‬وقال‬
‫ضهُم‪ :‬اإلِعادَةُ خِالفُ ا ُألوْىل‪( .‬وتَصحُّ) الصَّالة (على) مّيتٍ (غائبٍ) عن بلدٍ‪ ،‬بأن‬ ‫بع ُ‬
‫سبُ إليها عُرْفاً‪ ،‬أخذاً من قولِ‬ ‫يكونَ امليّت مبحلٍ بعيدٍ عنِ البلدِ حبيث ال يُْن َ‬
‫‪55‬‬
‫الزّركشيّ‪ :‬إن خا ِرجَ السّورِ القريبِ منهُ كداخلَهُ‪( .‬ال) على غائبٍ عن جملِسه (فيها)‬
‫وإن كَبُرَت‪ .‬نعم‪ ،‬لو تَع ّذرَ احلضورُ هلا بنحوِ حَبْسٍ أو مَ َرضٍ‪ :‬جازت حينئذٍ على‬
‫صحّ على قربِ‬ ‫األوْجَه (و) َتصُحّ على حاضِرٍ (مَدفونٍ) ولو َب ْعدَ بالئِهِ (غري نيبّ) فال َت ُ‬
‫صحّ مِن كافِرٍ وحائِضٍ يومئذٍ‪،‬‬ ‫نيب‪ ،‬خلرب الشيخني‪( .‬مِن أهلِ فَ ْرضِها وَقتَ َموْتِهِ) فال َت ُ‬
‫كمن بََلغَ أو أفاقَ بعد املوتِ‪ ،‬ولو قبلَ ال ُغسْلِ‪ ،‬كما اقتضَاهُ كالمُ الشيخني‪( .‬و َس َقطَ‬
‫الفَ ْرضُ) فيها (بِذَكَرٍ) ولو صَبياً مميّزاً‪ ،‬ولو مَع وجودِ بالغٍ‪ ،‬وإن مل حيفَظ الفاحتةَ‪ ،‬وال‬
‫غريها‪ ،‬بل وَقفٌ ِب َق ْدرِها‪ ،‬ولو َمعَ وُجودِ مَن يَحفَظها‪ ،‬ال بأنثى مع وجودِهِ‪ .‬وجتوزُ‬
‫على جَنَائِزَ صَالةٌ واحدةٌ‪ ،‬فيَْنوِي الصَّالةَ عليهِم إمجاالً‪ .‬وحَ ُرمَ تأخريُها عَنِ الدَّفنِ‪ ،‬بل‬
‫س ُقطُ الفَرْضُ بالصَّالةِ على القربِ‪( .‬وحتْ ُرمُ صالةُ) على كافِرٍ‪ ،‬حلُرمَةِ الدّعاءِ له‬ ‫َي ْ‬
‫باملغفرةِ‪ .‬قال تعاىل‪{ :‬وَال ُتصَلِّ على أ َحدٍ مِنهُم ماتَ أبداً}‪ .‬ومنهم أطفالُ الكُفار‪،‬‬
‫سواء أَنَطقُوا بالشّهادتنيِ أم ال فتحْ ُرمُ الصّالةُ عليهِم‪.‬‬
‫و (عَلى شهيدٍ) وهو ِبوَزنِ فَعيلٍ‪ ،‬مبعىن مفعولٍ‪ ،‬ألنّه َمشْهودٌ له باجلنّةِ‪ ،‬أو فاعِلٍ‪،‬‬
‫ألن رُوحَهُ تشْ َهدُ اجلنّة قبلَ غريِهِ‪ .‬ويُطْلَقُ لفظُ الشّهيدِ على مَنْ قَاتَلَ لِتَكونَ كَلمَةُ اهلل‬
‫حوِ َحمِيَّةٍ‪َ ،‬ف ُهوَ شَهيدُ الدّنيا‪.‬‬ ‫هي العُليا‪َ ،‬ف ُهوَ َشهِيدُ الدّنيا واآلخِرَةِ‪ .‬وعَلى مَنْ قَاتَلَ لِن ْ‬
‫وعلى َمقْتُولٍ ظُلماً وغَرِيقٍ‪ ،‬وحَرِيقٍ‪ ،‬ومَبْطُونٍ أي مَنْ قَتَلَه بَطْنُهُ كاسِتسْقاءٍ أو‬
‫إِسهالٍ‪َ .‬ف ُهمُ الشّهداء يف اآلخِرَةِ فَقط‪( .‬كَغسلِهِ) أي الشهيد‪ ،‬ولو جُنُباً‪ ،‬ألنه مل يغسِلْ‬
‫قَتْلى أُحُد‪ .‬وَيحْ ُرمُ إزالَة َدمِ شَهيدٍ‪( .‬وهو مَن ماتَ يف قِتالِ كُفارٍ) أو كافِرٍ وا ِحدٍ‪،‬‬
‫قبلَ انقِضائِهِ‪ ،‬وإنْ قُتِلَ ُمدْبِراً (ِبسَبَبِهِ) أي القِتالُ‪ ،‬كأَن َأصَابَهُ سِالحُ مُسلمٍ آخَرَ خطأ‪،‬‬
‫أو قَتََلهُ ُمسْلمٌ اسْتعانُوا بهِ‪ ،‬أو تَردَّى بِبِئْر حالَ قِتالٍ‪ ،‬أو جُهِلَ ما مَاتَ بهِ‪ ،‬وإن مل يكُن‬
‫بهِ أَثَرُ َدمٍ (ال أسريَ قُتِل صَبْراً) فإِنه ليسَ ِبشَهيدٍ على األصَحّ‪ ،‬ألن قَتْلَهُ ليسَ مبُقاتَلةٍ‪.‬‬
‫وال مَن ماتَ بَعدَ انقِضائِهِ‪ ،‬وقد بَقيَ فيهِ حَياةٌ ُمسْتِقرّةٌ‪ ،‬إن قُ ِطعَ مبوتِهِ بعد مَنْ جُرْحٍ‬
‫بهِ‪ .‬أما مَنْ حَ َركَتُه حَرَكةُ َمذْبُوحٍ عِندَ انقِضائِهِ َفشَهيدٌ جَزْماً‪ .‬واحلياةُ املسَتقِرّة ما جتَوَّزَ‬
‫أن يَبْقى َيوْماً أو َي ْومَنيِ على ما قاله الّن َو ِويّ والعمراينّ ‪ .‬وال مَنْ َوَقعَ بني كفارٍ‬
‫فهرَبَ منهم فقتلوه‪ ،‬ألن ذلكَ ليسَ بقِتالٍ كما أفىت به شيخنا ابن زياد رمحه اهلل‬
‫تعاىل ‪ .‬وال مَنْ قَتَلَهُ اغتياالٍ حَرْيبٌّ دخلَ بينَنا‪ .‬نعم‪ ،‬إن قتَلَهُ عن مُقاِتلَةٍ كانَ شهِيداً‬
‫س ْمهُو ِديّ عن اخلادمِ (و ُكفّنَ) نَدباً (شهيدٌ يف ثيابِهِ) اليت ماتَ‬ ‫كما نقله السيّد ال ّ‬
‫َطخَةُ بال ّدمِ َأوْىل‪ ،‬لالتّباعِ‪ ،‬ولو مل تَ ْكفِهِ بأن مل تستُرْ كل بدنِه متمَت وُجوباً‪،‬‬ ‫فيها‪ ،‬واملُل َّ‬
‫(ال) يف (حريرٍ) لَبِسَهُ لضرورَةِ احلربِ‪ ،‬فيَنزَع وُجوباً‪( .‬ويُْندَب) أن يلقَّنَ حمَْتضِرٌ ولو‬
‫مميَّزاً على ا َألوْجَه الشّهادَةُ‪ :‬أي ال إله إال اهلل‪ ،‬فقط خلربِ ُمسْلمٍ‪" :‬لَقِّنُوا َموْتاكُم أي‬
‫مَنْ حَضرَهُ املوتُ ال إله إال اهلل" مع اخلربِ الصحيحِ‪" :‬مَن كانَ آخِر كالمِهِ ال إلهَ إال‬
‫اهلل‪ ،‬دخلَ اجلنّة"‪ ،‬أي مع الفائزين‪ .‬وإال فكلٌّ مُسلم ولو فاسِقاً َيدْخلها‪ ،‬ولو بعد‬
‫صدَ موتُهُ على‬ ‫عذابٍ‪ ،‬وإن طال‪ .‬وقولُ َج ْمعٌ‪ :‬يلقَّن "حممدٌ رسولُ اهلل" أيضاً‪ ،‬ألن ال َق ْ‬
‫صدُ خَتمُ كالمِهِ بال‬ ‫اإلِسالم‪ ،‬وال ُيسَمّى مسلماً إال هبما مَردودٌ بأنه ُمسْلمٌ‪ ،‬وإمنا ال َق ْ‬
‫حثَ تلقينُهُ الرفيقُ األعلى‪ ،‬ألنّه آخِر ما تَكلمَ به‬ ‫إله إال اهلل ليحصَل له ذلك الثوابَ‪ .‬وُب ِ‬
‫رسولُ اهلل‪ ،‬مردودٌ بأن ذلك لسبب مل يوجد يف غريه‪ ،‬وهو أن اهلل خيَّرَهُ فاختارَه‪.‬‬
‫وأما الكافِر فيلقَّنُهما قطعاً‪ ،‬مع لفظِ أَ ْش َهدُ‪ِ ،‬لوُجُوبِهِ أيضاً على ما سيأيت فيه إذ‬
‫الدفْنِ عند ال َقربِ ساعةً َيسْأَلونَ لَهُ‬ ‫ص ُري مسلماً إال هبما‪ .‬وأن يَقف مجاعةٌ بعدَ َّ‬ ‫ال َي ِ‬
‫التثبيتَ ويَستغفرون لَه‪ ،‬و (تلقنيُ بالغٍ‪ ،‬ولو شهيداً) كما اقتضَاهُ إطْالقُهم خالفاً‬
‫للزرْكشيّ (بعد) متامِ (دفنٍ) فيقعد رجلٌ قُبالَةَ وَ ْجهِهِ ويقول‪" :‬يا عبدَ اللّهِ ابنَ أمةِ‬ ‫َّ‬
‫اهلل‪ :‬ا ْذكُرْ ال َعهْدَ الذِي خَرَ ْجتَ عليهِ مِنَ الدُّنيَا‪ :‬شهادَةُ أنْ ال إلهَ إال اهلل وحده ال‬
‫شريك له‪ ،‬وأن حممداً رسول اهلل‪ ،‬وأن اجلنّة حَقّ‪ ،‬وأن النار حقّ‪ ،‬وأن البعثَ حقّ‪،‬‬
‫‪56‬‬
‫وأن الساعَةَ آتيَةٌ ال رَْيبَ فيها‪ ،‬وأن اهلل يَبعثُ مَنْ يف القبورِ‪ ،‬وأنّكَ رَضيتَ باللّهِ رَبّاً‪،‬‬
‫وباإلِسالمِ دِيناً‪ ،‬ومبحمدٍ نبياً‪ ،‬وبالقُرآنِ إماماً‪ ،‬وبال َكعْبَةِ قِبلَةً‪ ،‬وباملؤمنني إخواناً‪ .‬رَيب‬
‫اهلل‪ ،‬ال إله إال هو‪ ،‬عليه توكلتُ‪ ،‬وهو ربُّ العرشِ العظيم"‪ .‬قال شيخنا‪ :‬وُيسَنّ‬
‫تِكرَارهُ ثالثاً‪ ،‬واألَوْىل لِلحاضرين الوُقوفُ‪ ،‬ولِلمُلقَّنِ القَعودُ‪ .‬ونداؤهُ باألُمِّ فيه أي إن‬
‫حوّاءَ ال ينايف دُعاءَ الناسِ َي ْومَ القيامَةِ بآبائهم‪ ،‬ألن كليهما َتوْقيفٌ‪ ،‬ال‬ ‫عُ ِرفَت‪ ،‬وإال فِب َ‬
‫جمالَ للرّأيِ فيه‪ .‬والظاهِر أنه يُبْدل العبدَ باألمَةِ يف األنثى‪ ،‬ويؤَنْث الضّمائِرَ‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫(و) يُندَبُ (زيارة قبورٍ لرجُلٍ) ال ألنثى‪ ،‬فتُكْ َرهُ هلا‪ .‬نعم‪ُ ،‬يسَنّ هلا زيارَة قربِ النيبّ‪ .‬قال‬
‫بعضهم‪ :‬وكذا سائِرَ األنبياءِ‪ ،‬والعُلماءِ‪ ،‬وا َألوْلياء‪ .‬وُيسَنّ كما نص عليه أن يقرأ من‬
‫القرآن ما تيَسَّر على القربِ‪ ،‬فيدعُو لهُ ُمسَْتقْبِالً لِلقبلة‪( .‬وسَالمٌ) لزائرٍ على أهْلِ املقَربةِ‬
‫عُموماً‪ ،‬مث خُصوصاً‪ ،‬فيقول‪ :‬السالمُ عليْكُم دار قومٍ مؤمنني عند أوّلِ املقربة ‪.‬‬
‫ويقول عند قربِ أبيهِ مثالً ‪ :‬السالمُ عليكَ يا والدي‪ .‬فإِن أرادَ االقتصارَ على أحدِهِما‬
‫أتى بالثانية‪ ،‬ألنه أخصّ مبقصودِهِ‪ ،‬وذلكَ خلربِ مُسلم‪" :‬أنه قال‪ :‬السّالمُ عليْكُم دارَ‬
‫قومٍ مؤمنني‪ ،‬وإنّا إن شاء الّلهُ بِكُم الحِقون"‪ .‬واالستثناءُ للتَّبَرُّكِ‪ ،‬أو للدَّفنِ بتلكَ‬
‫البقعةِ‪ ،‬أو للموتِ على اإلِسالمِ‪.‬‬
‫[فائدة]‪َ :‬ورَدَ أن {مَنْ ماتَ يومَ اجلمعةِ أو ليلَتها أمِنَ مِنْ عذابِ القربِ وفِتْنَتِهِ}‪.‬‬
‫وورد أيضاً‪" :‬مَنْ قرأَ قُلْ ُهوْ اللّهُ أحَد‪ ،‬يف مرض موتِهِ مائةَ مرّة‪ ،‬مل ُيفْتَنْ يف قَبْرِهِ‪،‬‬
‫ضغْطَةِ القربِ‪ ،‬وجَا َوزَ الصّراطِ على أكُفِّ املالئِكَةِ"‪ .‬وورد أيضاً‪" :‬مَنْ قال‪:‬‬ ‫وأمِنَ مِنْ َ‬
‫ضهِ فماتَ فيه‪،‬‬ ‫ال إلهَ إالّ أنتَ سُبْحانَكَ إين كنتُ مِنَ الظّاملني أربعني مرة يف مَر ِ‬
‫أُعطِيَ أجرَ شهيدٍ‪ ،‬وإن بَرِىءَ بَرِىءَ مَ ْغفُوراً له"‪ .‬غفر اهلل لنا‪ ،‬وأعاذَنا مِنْ عَذابِ القبْرِ‬
‫وفِتْنَتِهِ‪.‬‬

‫هي لُغةً‪ :‬التَّطْ ِهريُ والنماءُ‪ .‬وشَرْعاً‪ :‬اسمٌ ملا يَخرُجُ عَنْ مالٍ‪ ،‬أو َبدَنٍ‪ ،‬على الوَجْ ِه‬
‫ضتْ زَكاةُ املالِ يف السَّنَةِ الثانيةِ مِنَ ا ِهلجْرَةِ بعدَ صَدَقةِ الفِطْرِ‪ .‬وَوَجََبتْ يف‬‫اآليت‪ .‬وفُ ِر َ‬
‫مثانيةِ أَصنافٍ مِنَ املالِ‪َّ :‬الن ْقدَيْنِ‪ ،‬واألنعام‪ ،‬والقُوت‪ ،‬والتمر‪ ،‬والعِنب لِثمانيةِ أصنافٍ‬
‫مِنَ الناس‪ .‬ويَ ْكفُرُ جَا ِحدُ وُجُوهبا‪ ،‬ويقاتلُ املمْتَِنعُ عَنْ أدائِها‪ ،‬وتُؤ َخذُ مِنه وإنْ ملْ‬
‫يُقاتِل قَهراً ( ِجتبُ عَلى) كلِّ ( ُمسْلمٍ )ولو غريَ مكلّفٍ‪ ،‬فعَلى ال َويلّ إخْراجُها مِنْ‬
‫مالِهِ‪ .‬وخَ َرجَ باملسلمِ الكافِرُ األصْليّ‪ ،‬فال يلْ َزمُه إخراجُها‪ ،‬ولو بعدَ اإلِسالم (حُرّ)‬
‫مُعيّن‪ ،‬فال جتبُ على رَقيقٍ لعدم مُلكِهِ‪ ،‬وكذا املكاتب ِلضُعفِ مُلكه‪ ،‬وال تَلْزَم سيِّده‪،‬‬
‫ألنه غري مالِكٍ يف (ذهبٍ) ولو غريَ مَضْروبٍ‪ ،‬خالفاً ملن زَ ُعمَ اختصاصها باملضروبِ‬
‫ص يف ميزانٍ ومتّ يف آخر‬ ‫(بََلغَ) َق ْدرَ خاِلصِهِ (عشرينَ مثقاالً) بوزنِ مَكّةَ حتديداً‪ .‬فلو َنقَ َ‬
‫فال زكاةَ‪ ،‬لِلشَّك‪ .‬واملثقالُ‪ :‬اثنانِ وسبعونَ حبَّةَ شَعريٍ متوسّطة‪ .‬قال الشيخ زكريا‪:‬‬
‫سعٍ‪ .‬وقال تلميذه‬ ‫وَوزنُ نِصابِ الذهبِ باألش َريفّ‪ :‬خَمسةٌ وعشرون وسُبُعانِ وُت ُ‬
‫شيخنا واملرادُ باألشريفّ‪ :‬القايِتْباييّ‪( .‬و) يف (فضةٍ بلغتْ مائيت درهم) بوزن مكة‪:‬‬
‫وهو مخسون حبّة و ُخمُسا حَبَّةٍ‪ .‬فال َعشَرة دراهم‪ :‬سَبْعة مثاقيل وال وَقَصَ فيهما‬
‫كاملعشرات‪ ،‬فيجب يف العشرين‪ ،‬واملائتني‪ ،‬وفيما زاد على ذلك‪ ،‬ولو ببعض حبة‪:‬‬
‫(رُْبعُ ُعشْرٍ) للزكاة‪ ،‬وال يُكْمل أحدُ النقدَيْنِ باآلخَر‪ ،‬ويُكْمل كل نوعٍ من جنسٍ‬
‫بآخر منه‪ .‬وجيزىء جَِّيدٍ‪ ،‬وصحيح عن رديءٍ و ُمكَسَّر‪ ،‬بل هو أفضل‪ ،‬ال عكسهما‪.‬‬
‫صهُ نِصاباً‪( .‬ك) ما جيبُ رُبْعُ‬ ‫وخرجَ باخلالصِ املغشوشُ‪ ،‬فال زكاةَ فيه حىت يبُلغَ خاِل ُ‬
‫حلوْلِ‪ ،‬وإن مَلِكَه بدون‬ ‫ب يف آخرِ ا َ‬ ‫ُعشْرِ قيمةِ العَرْضِ يف (مالِ جتارةٍ) بلغ النِّصا َ‬
‫حلوْلِ إن مل يَنِضّ‪ ،‬أما إذا‬
‫حلوْلِ إىل األصلِ يف ا َ‬ ‫ضمّ الربحُ احلاصلُ يف أثناءِ ا َ‬ ‫نِصابٍ‪ .‬وُي َ‬
‫‪57‬‬
‫ضمّ إىل األصلِ‪ ،‬بل يُزَكِّي‬ ‫نَضّ بأن صار ذهباً أو ِفضّة وأ ْمسَكَهُ إىل آخِرِ احلول فال ُي َ‬
‫األصلَ َحب ْولِهِ‪ ،‬وُيفْرِدُ الرِّبحَ َحبوْلٍ ويصري عرضَ التجارة للقَنيَةِ بنيتها‪ ،‬فينقَ ِطعُ احلوْلُ‬
‫مبجرّدِ نية القِنيَة‪ ،‬ال عكسه‪ .‬وال يُ َكفّر مُنْكِرُ وجوبِ زكاةِ التجارةِ للخالف فيه ‪.‬‬
‫(وشُرِطَ) لوجوبِ الزكاة يف الذهب والفضةِ‪ ،‬ال التجارَة (متام نِصابٍ) هلما (كل‬
‫حلوْلِ) بأن ال يَْنقُصَ املالُ عنه يف جزءٍ من أجزاء احلول‪ .‬أما زكاة التجارة فال‬ ‫اَ‬
‫ُيشْتَرَطُ فيها متامُه‪ ،‬إالّ آخره‪ ،‬ألنه حالة وجوب‪( .‬وينق ِطعُ) احلولُ (بتخلّل زوال‬
‫مُلكٍ) أثناءه مبعاوضَةٍ أو غريها‪ .‬نعم‪ ،‬لو مَلَكَ نِصاباً مث أقْ َرضَهُ آخر بعد سِتّة أشهر مل‬
‫حلوْلُ‪ .‬فإِن كان مَليّاً أو عادَ إليه أخرَجَ الزكاةَ آخِرَ احلوْلِ‪ ،‬ألن املُلْكَ مل يَزَلْ‬ ‫ينقطِع ا َ‬
‫بالكلية‪ ،‬لِثُبوتِ َب َدلِهِ يف ذمّةِ املقترضِ‪َ ( .‬وكُرِهَ) أن يزيلَ ُملْكَهُ ببيعٍ أو مبادلةٍ عما جتِبُ‬
‫صدَ به دَفَع وجوب الزّكاةِ‪ ،‬ألنه فِرارٌ مِنَ القُرْبَةِ‪ .‬ويف‬ ‫فيه الزكاةُ (حلِيلةٍ) بأن َي ْق ِ‬
‫الوجيز‪َ :‬يحْ ُرمُ‪ .‬وزادَ يف اإلحياءِ‪ :‬وال يربىء الذمّة باطناً‪ ،‬وأنّ هذا من ال ِفقِه الضَّارّ‪.‬‬
‫صدَهُ ال حليلةٍ‪ ،‬بل‬ ‫وقال ابن الصّالحِ‪ :‬يأَثمُ بقَصدِهِ‪ ،‬ال بِفعْلِهِ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬أما لو َق َ‬
‫حلاجةٍ‪ ،‬أو هلا وللفَرارِ‪ ،‬فال كراهة‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬ال زكاةَ على صَيْ َريفّ بادَلَ ولو للتجارة يف أثناءِ احلَول مبا يف يدِهِ من‬
‫النقدِ غريَهُ من جِْنسِهِ أو غريَه‪ .‬وكذا ال زكاةَ على وارِثٍ ماتَ مُورِثُهُ عَنْ عروضِ‬
‫التجارَةِ حىت يتصّرف فيها بِنيتِها‪ ،‬فحينئذ يستأنفُ َح ْولَها‪( .‬وال زكاةَ يف حُليّ مُباحٍ‪،‬‬
‫ولو) اختذَهُ الرجلُ بال قصدِ لبْسٍ أو غريِه‪ ،‬أو اختذَهُ (إلِجارَةٍ)‪ ،‬أو إعارةٍ المرأة‪( ،‬إال)‬
‫إذا اختذَهُ (بنية كَنْزٍ) فتجبُ الزكاةُ فيهِ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬جيوزُ للرجلِ ختَتمٌ خبامتِ فِضة‪ ،‬بل ُيسَنّ يف خُْنصُرِ ميينِهِ أو يَسارِهِ‪،‬‬
‫لالتّباع‪ .‬ولِْبسُهُ يف اليمني أفضَل‪ .‬وصَوَّبَ األذْرعيّ ما اقتضاهُ كالمُ ابنُ الرِّفعةِ من‬
‫وجوبِ َن ْقصِهِ عن مثقالٍ للنّهي عن اختاذِهِ مِثْقاالً‪ ،‬وسَندُه َحسَنٌ‪ ،‬لكن ض ََّعفَه النوويّ‪.‬‬
‫فاألوْجَه أنه ال يضَبطَ مبثقالٍ بل مبا ال ُيعَدُّ إسرافاً عُرفاً‪ .‬قال شيخنا‪ :‬وعليه‪ ،‬فالعربةُ‬
‫جل ْمعٍ‪ ،‬حيثُ مل ُيعَدُّ إسرافاً‪.‬‬
‫بعُرْفِ أمثال الالبِسِ‪ .‬وال جيو ُز تعدُّدُه‪ ،‬خِالفاً َ‬
‫وحتْليَتُه آلَةَ حَرْبٍ‪ ،‬كسَيْفٍ ورُمحٍ‪ ،‬وتُرْسٍ‪ ،‬ومِنْ َطقَةٍ وهي ما ُيشَدُّ هبا الوسط‬
‫وسِكنيُ احلربِ دون سكني املِهنَةِ وا ِملقْلمَةُ‪ :‬ب ِفضّة‪ ،‬بال سَرَفٍ‪ ،‬ألن ذلك إرهاباً‬
‫ضع َفهُ ابنُ القَطّان‪ ،‬وإن‬‫للكُفارِ‪ ،‬ال بذَهبٍ‪ ،‬لزيا َدةِ اإلِسرافِ واخلُيَالءِ‪ .‬واخلربُ املبيحُ لَهُ َّ‬
‫صحَفاً‪ .‬قال شيخنا‪ :‬أي ما فيه قرآن‪ ،‬ولو للتَّبَرُّكِ‪ ،‬كغِالِفهِ‬ ‫َحسّنَهُ التِّرمذيُّ‪ .‬وحتْليَتُهُ ُم ْ‬
‫ِب ِفضّة‪ .‬وللمرأة حتليَتُهُ بذَ َهبٍ إكراماً فيهما‪ .‬وكَتْبُ ُه بالذَّهب َحسَنٌ‪ .‬ولو مِنْ رَجُلٍ‪ ،‬ال‬
‫حتليَةُ كتابٍ غريه‪ ،‬ولو بفضةٍ‪ .‬والتمويه حرامٌ قَطعاً مُطلقاً‪ .‬مث إن َحصَلَ منه شيء‬
‫بالعَ ْرضِ على النَّار حَ ُرمَت استِدامَتُه‪ ،‬وإال فال‪ ،‬وإن اتَّصل بالَبدَنِ‪ ،‬خالفاً جلمع‪.‬‬
‫وحيلّ الذهب والفضة بال سَرَف المرأة‪ ،‬وصيبّ إمجاعاً يف حنو السّوار‪،‬‬
‫والطوْق‪ .‬وعلى األصحّ يف املنسوجِ هبما‪ .‬وحيلّ هل ّن التَّاجُ وإن مل‬ ‫واخللخالِ‪ ،‬والنَّعلِ‪َّ ،‬‬
‫يعَتدْنَه وقِالدَةٍ فيها دَنانريُ ُمعَرّاة قطعاً‪ ،‬وكذا مَثْقوبة‪ ،‬وال جتِبُ الزكاةُ فيها‪ .‬أما مع‬
‫السَرَفِ‪ :‬فال حيلّ شيء من ذلك‪ ،‬كخلخال وزنُ جمموعِ فردَتيْه مائتا مِثقال‪ ،‬فتجِبُ‬
‫الزكاةُ فيه‪( .‬و) جتبُ على من مرّ (يف قُوتٍ) اختياريّ من حبوب (كَبُرَ)‪ ،‬وشعريٍ‪،‬‬
‫(وأ ُرزّ)‪ ،‬و ُذ ّرةٍ‪ ،‬وحِمص‪ ،‬و ُدخْن‪ ،‬وباقِالءُ‪ ،‬ودقسة‪( .‬و) يف (مترٍ وعَِنبٍ) من مثار‬
‫(بلغ) قدر كل منهما (مخسة أوسُقٍ) وهي بالكيل‪ :‬ثلثمائة صاع‪ .‬والصّاعُ‪ :‬أربعةُ‬
‫أمدادٍ‪ .‬واملدّ‪ :‬رَطلٌ وثُلُث (مُنقى) من تِنبٍ) وقِشرٍ ال يؤكل معه غالباً‪ .‬واعلمْ أن األرُزَّ‬
‫مما يُدَّخَر يف قشرِهِ وال يؤكل معه‪ ،‬فتجبُ فيه إن بلغ عشرةَ أوسُقٍ (عشر) للزكاة‪.‬‬
‫(إن سُقيَ بال ُمؤَْنةٍ) كمطَرٍ‪( ،‬وإال) أي وإن سُقيَ مبؤْنَة كنضْحٍ (فنِصفُه) أي نصفُ‬
‫ال ُعشْرِ‪ .‬وسَبَب التفرقة‪ِ :‬ثقَلُ املؤنة يف هذا‪ ،‬و ِخفّتها يف األوّل‪ ،‬سَواءٌ أزُرِعَ ذلك‬
‫‪58‬‬
‫قصداً‪ ،‬أم نََبتَ اتفاقاً كما يف اجملموع حاكياً فيه االتّفاق‪ ،‬وبه ُيعْلم ضِعفُ قو ِل‬
‫الشيخ زكريا يف حتريرِه تبعاً ألصله‪ُ :‬يشُتَرطُ لوجوبِها أن يزرَعَهُ مالِكه أو نائِبُه‪ ،‬فال‬
‫ضمّ جِنْسٌ إىل آخَر لتكميلِ‬ ‫زكاة فيما انزرَعَ بنفسِهِ‪ ،‬أو َزرَعَه غريُه بغري أذنِهِ‪ .‬وال ُي َ‬
‫ضمّان إن َوَقعَ حصادِمها يف‬ ‫النصابِ‪ ،‬خبالف أنواع اجلنسِ‪ ،‬فُتضَم‪ .‬و َزرْعا العام يُ َ‬
‫عام‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬ال جتبُ الزكاةُ يف مالِ بيتِ املالِ‪ ،‬وال يف رَْيعٍ موقوفٍ من خنلٍ أو أرضٍ‬
‫على جهةٍ عامة كالفقراء والفقهاء واملساجد لعدم تَعيُّن املالِك‪ .‬وجتبُ يف موقوفٍ‬
‫ضهُم يف‬ ‫على معيَّن واحدٍ‪ ،‬أو مجاعَةٍ معيَّنة كأوالدِ زيد ‪َ ،‬ذكَرَهُ يف اجملموعِ‪ .‬وأفىت بع ُ‬
‫موقوفٍ على إمامِ املسجدِ أو املدرِّس بأنه يلزمه زكاتُه كاملعيَّن ‪ .‬قال شيخنا‪:‬‬
‫واألوجَ ُه خالفه‪ ،‬ألن املقصو َد بذلك‪ :‬اجلهةَ‪ :‬دون شخصٍ ُمعّنيٍ‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬قال اجلالل البلقيينّ يف حاشيةِ الرَّوضَةِ‪ ،‬تبعاً للمجموع‪ :‬إن ُغلَّة األرضِ‬
‫اململوكةِ أو املوقوفةِ على ُمعَيّن‪ ،‬إن كان البَذرُ من مالِ مالِكِها أو املوقوفِ عليه‪:‬‬
‫َوزْنا‬ ‫فتجبُ عليه الزكاةُ فيما أخرَجَتْهُ األرضُ‪ .‬فإن كان البَ ْذرُ من مالِ العاملِ وج َّ‬
‫املخابَرةَ‪ ،‬فتجبُ الزكاةُ على العامِلِ‪ ،‬وال شيء على صا ِحبِ األرضِ‪ ،‬ألن احلاصِلَ لَه‬
‫أجْ َرةُ أرضِه‪ .‬وحيثُ كان البَذرُ مِن صاحِب األرضِ‪ ،‬وأعطِيَ منهُ شيءٌ للعاملِ‪ ،‬ال‬
‫شيءَ على العاملِ‪ ،‬ألنه أجْرَةَ عملِه‪ .‬اه‪.‬‬
‫وجتبُ الزكاة لنباتِ األرضِ املستأج َرةُ مع أجْرَتِها على الزارِع‪ .‬و ُمؤْنَةُ احلَصادِ‬
‫والدّياس على املالك‪( .‬و) جتبُ على من مرّ لِلزّكاة (يف كلّ مخس إبلٍ شاةٌ) َجذِ َعةُ‬
‫ضَأْنٍ هلا سَنَة‪ ،‬أو ثنية معزٍ هلا سنتان‪ ،‬وجيزىء الذَّكر‪ ،‬وإن كانتْ إِبله إناثاً‪ ،‬ال املريضَ‬
‫إن كانت إبله صِحاحاً (إىل مخسٍ وعشرينَ) منها‪ .‬ففي عشر شاتان‪ ،‬ومخسةَ عشر‬
‫ثالثٌ‪ ،‬وعشرين إىل اخلمس والعشرين أربعٌ‪ ،‬فإِذا َكمَُلتْ اخلمسَ والعشرون (فبنتُ‬
‫خماضٍ) هلا سَنة‪ ،‬هي واجِبُها إىل ِستّ وثالثني‪ .‬سُمِّيَت بذلك ألن أمّها آن هلا أن‬
‫تصريَ مِن املخاضِ أي احلوامِل ‪( .‬ويف ستّ وثالثني) إىل ست وأربعني (بنتٌ لبونٍ)‬
‫هلا سنتان‪ُ .‬سمّيَت بذلك ألن هلا أمها آن هلا أن تَضع ثانياً‪ ،‬وتصريَ ذات لنبٍ‪( .‬و) يف‬
‫(ست وأربعني) إىل إِحدى وستني‪ِ ( :‬ح ّقةٌ) هلا ثالث سنني‪ ،‬ومسيت بذلك ألهنا‬
‫حمَلَ عليها‪ ،‬أو أن يَطْ ُرقَها الفحلُ‪( .‬و) يف (إحدى وستني‪:‬‬ ‫حقّت أن تُركبَ‪ ،‬وُي ْ‬ ‫است َ‬
‫مقدمُ أسناهنا‪ ،‬أي يسقط‪( .‬و) يف‬ ‫جذَعُ َّ‬ ‫َجذِعَة) هلا أربع سنني‪ُ .‬سمّيَت بذلك ألهنا ُي ْ‬
‫(ست وسبعني‪ :‬بِنْتا لَبونٍ‪ .‬و) يف (إحدى وتسعني‪ِ :‬حقّتان‪ .‬و) يف (مائة وإحدى‬
‫وعشرين ثالثُ بناتٍ لبونٍ‪ .‬مث) الوا ِجبُ (يف كل أربعني بنتٌ لبون‪ .‬و) يف كل‬
‫(مخسني ِحقّة‪ .‬و) جيبُ (يف ثالثني َبقَرةٌ إىل أربعني تبيعٌ) له سنة‪ُ ،‬سمّيَ بذلك ألنه‬
‫يتبع أمّه‪( .‬و) يف (أربعني) إىل ستني‪ُ ( :‬مسِنّةٌ) هلا سنتان‪ ،‬مسيت بذلك لتكامُلِ أسناهنا‪.‬‬
‫(و) يف (ستني‪ :‬تَبيعانِ‪ ،‬مث يف كل ثالثني‪ :‬تبيعٌ‪ .‬و) يف كل (أربيعن‪ُ :‬مسِنّةٌ‪ .‬و) جيبُ‬
‫(يف أربعني غنماً) إىل مائة وإحدى وعشرين‪( :‬شاةٌ‪ .‬و) يف (مائة وإحدى وعشرين)‬
‫إىل مائتني وواحدة (شاتان‪ .‬و) يف (مائتني وواحدة) إل ثلثمائة (ثالث) من الشياه‪.‬‬
‫(و) يف (أربعمائة‪ :‬أربعٌ) منها‪( ،‬مث يف كل مائة‪ :‬شاةٌ) َجذِعَةٌ ضَأْنٍ هلا سَنة‪ ،‬أو ثَنية‬
‫معز هلا سنتان‪ .‬وما بني الّنصَابيْنِ يُسمَّى َوقْصاً‪ .‬وال يُؤْ َخذُ خيارٌ كحاملٍ و ُمسَمَّنةٍ‬
‫لألكل‪ .‬ورُىب وهي حَديثةُ العهدِ بالنَّتاجِ بأن ميضي هلا من والدَهتا نصفُ شهرٍ إال‬
‫برضا مالك‪.‬‬
‫(وجتبُ الفطرةُ) أي زكاةُ الفطرِ‪ .‬مسيت بذلك ألن وجوهبا به‪ .‬وفُ ِرضَت‬
‫كرمضان يف ثاين سِين اهلِجرةِ‪ .‬وقولُ ابن اللبان بعدمِ وجوبِها غلطٌ كما يف الروضَة‬
‫قال وكيعُ‪ :‬زكاةُ الفطرِ لشهرِ رمضان كسجدةِ السّهو للصالةِ جتبُرُ نقصَ الصَّومِ‪،‬‬
‫‪59‬‬
‫الل ْغوِ‬ ‫كما َيجْبُر السجودُ نقصَ الصَّالةِ ويؤّيدُهُ ما صَحّ أهنا "طُهرَةٌ للصائِمِ مِنَ َّ‬
‫سهِ‪ ،‬بل تلزَم سيِّده عنه‪ ،‬وال عن‬ ‫والرَّفثِ"‪( .‬على حُرَ) فال تلزَمُ على رقيقٍ عن نف ِ‬
‫زوجَتِهِ‪ ،‬بل إن كانتْ أمَة فعلى سَيّدها‪ ،‬وإال َفعَليْها كما يأيت ‪ .‬وال على مُكاَتبٍ‬
‫لضعفِ مُلكِهِ‪ ،‬ومن مث مل تلزمُهُ زكاةُ مالِهِ وال نفقَةُ أقارِبهِ‪ ،‬والستقالله مل تل َزمْ سيدَه‬
‫عنه‪( ،‬بغروب) مشسِ (ليلِة فطرٍ) من رمضان‪ ،‬أي بإِدراكِ آخر جزء منه وأوّل جزء‬
‫من شوَّال‪ .‬فال جتبُ مبا َحدَثَ بعد الغروبِ من وَلدٍ‪ ،‬ونِكاحٍ‪ ،‬ومُلْكِ قِنّ‪ ،‬وغِىنً‪،‬‬
‫وإسالم‪ .‬وال تسقُطُ مبا حيدُثُ بعده من َموْتٍ‪ ،‬وعَتْقٍ‪ ،‬وطالق‪ ،‬ومُزيل مُلكٍ‪ .‬ووقتُ‬
‫أدائِها من وقتِ الوجوبِ إىل غروبِ مشسِ يومِ الفِطْرِ‪ .‬فيلزم احلرّ املذكور أن يؤدّيها‬
‫قبل غروب مشسِه‪( ،‬عمن) أي عن كل مسلمٍ (تلزمهُ نفقتُه) بزوجِيَّة‪ ،‬أو مُلْكٍ‪ ،‬أو‬
‫قرابة‪ ،‬حني الغروب‪( .‬ولو رَ ْجعِيَّةً) أو حامالً بائناً‪ ،‬ولو أمَةً‪ ،‬فيلزم فطرهتما كنفقتهما‪.‬‬
‫وال جتب عن زوجَةٍ ناشِ َزةٍ‪ ،‬لسقوطِ نفقِتها عنهُ‪ ،‬بل جتبُ عليها إن كانت غنية‪ .‬وال‬
‫حرةٍ غنّيةٍ غريَ ناشزةٍ حتت ُم ْعسَرٍ‪ ،‬فال تلزم عليهِ النتفاءِ يسارِهِ‪ ،‬وال عليْها لكمالِ‬ ‫عن َّ‬
‫تسليمِها نفسِها له‪ .‬وال عن وََلدٍ صغريٍ غينّ‪ ،‬فتجبُ من مالِه‪ ،‬فإِن أخ َرجَ األبُ عنه‬
‫من مالِهِ جازَ‪ ،‬ور َجعَ إن نوى الرجوعَ‪ .‬وفِطرةُ ولدِ الزِّنا على أمّه‪ .‬وال عن وَلدٍ كبريٍ‬
‫سبٍ‪ .‬وال جتبُ الفطرةُ عن قِنَ كافرٍ‪ ،‬وال عن مُرَْتدّ‪ ،‬إال أن عاد لإلِسالم‪.‬‬ ‫قادرٍ على َك ْ‬
‫وتلزم على الزوج فطرةُ خادمِة الزوجة‪ ،‬إن كانت أمَتَه‪ ،‬أو أمَتَها وأخْ َدمَها إياها‪ ،‬ال‬
‫السيدِ فطرةُ أمَِتهِ املزوَّجَة‬
‫صحِبَتْها‪ ،‬ولو بأذنِهِ‪ ،‬على املعت ِمدِ ‪ .‬وعلى ِّ‬ ‫ُمؤَجَّرةٌ‪ ،‬ومَنْ َ‬
‫ُملعْسرٍ‪ ،‬وعلى احلرّة الغنيّة املزوَّجة لعبدٍ ال عليه ولو غنياً‪ .‬قال يف البحر‪ :‬ولو غابَ‬
‫الزوجُ‪ ،‬فللزوجةِ اقتراضُ َن َفقَتِها للضّرورة‪ ،‬ال ِفطرهتا‪ ،‬ألنه املطالبَ‪ ،‬وكذا َب ْعضُه‬
‫احملتاج‪ .‬وجتب الفطرةُ على من مرّ‪ ،‬عمن ُذكِر (إن َفضُلَ عن قوتٍ مموَّن) له تلزمهُ‬
‫سهِ وغريِهِ (يوم عيدٍ وليلِته) وعن مَلَبسٍ‪ ،‬ومسكَنٍ‪ ،‬وخادَمٍ حيتاجُ إليهما‬ ‫مؤنتةٌ من نف ِ‬
‫هو أو مموِّنَه‪( .‬وعن دَيْن) على املعتمد‪ ،‬خالفاً للمجموع ولو ُمؤَجالً‪ ،‬وإن َرضِيَ‬
‫صاحِبُه بالتأخري‪( .‬ما خيرِجَهُ فيها) أي الفطرةُ‪( .‬وهي) أي زكاةُ الفِطرِ (صاعٌ) وهو‬
‫أربعةُ أمدادٍ‪ ،‬واملدّ‪ ،‬رَطلٌ‪ ،‬وثُُلثٍ وقدَّرَهُ مجاعةٌ ُحبفَْنةٍ بِكفيْنِ ُمعَْتدِليْن عن كل واحدٍ‬
‫(من غالبِ قوتِ بََلدِهِ) أي بََلدَ املؤدَّى عنه‪ .‬فال جتزىء من غريِ غالبِ قوتِهِ‪ ،‬أو قوتِ‬
‫ُمؤَدَ‪ ،‬أو بلدِهِ‪ ،‬لتشوُّفِ النفوسِ لذلك‪ .‬ومن مث وجبَ صرفُها لفقراءِ بلده مؤدّى عنه‪.‬‬
‫فإن مل ُيعْرَف كآبقٍ ففيهِ آراءٌ‪ :‬منها‪ :‬إخراجُها حاالً‪ .‬ومنها‪ :‬أهنا ال جتب إال إذا‬
‫عاد‪ .‬ويف قولٍ‪ :‬ال شيء‪.‬‬
‫سوّسٌ ومَبلولٌ أي إال إن جَفّ وعاد‬ ‫[فرع]‪ :‬ال جتزىءُ قيمةٌ وال مُعيبٌ و ُم َ‬
‫ِلصَالحيّة االدّخارِ واالقْتيات ‪ ،‬وال اعتبار القتياتِهِم املبلولَ إال أن َفقَدوا غريَه‪ ،‬فيجوز‪.‬‬
‫(وحَ ُرمَ تأ ِخريُها عن يومِهِ) أي العبدِ بال عذر‪ ،‬كغَيْبَةِ مالٍ أو ُمسْتحِقّ‪ .‬وجيبُ القضاءُ‬
‫فوراً لعِصيانِهِ‪.‬‬
‫وجيوزُ تعجِيلها من أوّل رمضان‪ ،‬وُيسَنّ أن ال تؤخَّر عن الصالةِ العيدِ‪ ،‬بل يُكْرَه‬
‫الشمْسُ‪.‬‬
‫ذلك‪ .‬نعم‪ُ ،‬يسَنّ تأخريُها النتظار حنو قريبٍ أو جارٍ ما مل َتغْرُب َّ‬
‫جبُ أداءُها) أي الزكاةُ‪ ،‬وإن كانَ عليهِ دَيْنٌ مستغرقٌ‬ ‫(فصل)‪ :‬يف أداء الزكاة (َي ِ‬
‫حالٌّ هلل أو آلدميّ‪ ،‬فال مينعُ الدِّينُ وجوبَ الزكاةِ يف األ ْظهَرِ (فوراً) ولو يف مالِ‬
‫ضمِنَ‪ ،‬إن‬ ‫صيبّ وجمنون‪ ،‬حاجة املستحقني إليها (بتمَكُّنٍ) مِن األدَاءِ‪ .‬فإِن أخَّر أَِثمَ‪ ،‬و َ‬
‫تَلَفَ بعده‪ .‬نعم‪ ،‬إن أخَّر النتظارِ قريبٍ‪ ،‬أو جارٍ‪ ،‬أو أ ْحوَج‪ ،‬أو أصْلح‪ ،‬مل يأمث‪ ،‬لكنّه‬
‫ضعَهُ يف َغريِ حِرْ ِزهِ‬
‫ضمَنْهُ إن َتلَفَ‪ ،‬كمن أتَلفَه‪ ،‬أو قَصَّرَ يف دفعِ مُتْلَفٍ عنه‪ ،‬كأن َو َ‬‫َي ْ‬
‫حلوْل‪ ،‬وقبل التمكّنِ‪ .‬وحيصلُ التمكّن (حبضورِ مالٍ) غائبٍ سائرٍ أو قارَ مبحلِ‬ ‫بعد ا َ‬
‫َوزْنا نقلَ الزّكاةِ‬ ‫عسُرَ الوصولُ إليهِ‪ ،‬فإِن مل حيضَر مل يلزمْهُ األداءُ من حمل آخَرَ‪ ،‬وإن ج َّ‬
‫‪60‬‬
‫(و) حضور (مستحقيها) أي الزكاةِ‪ ،‬أو بعضهم‪ ،‬فهو مُتمَكّن بالنسبةِ حلصِّتهِ‪ ،‬حىت لو‬
‫ضمِنَها‪ .‬ومع فراغٍ من مُهمّ ديينّ أو دنيويّ كأكلٍ‪ ،‬ومحّامٍ (وحُلولُ دينٍ) من‬ ‫تلفت َ‬
‫نقدٍ‪ ،‬أو عَ َرضِ جتارةٍ (مع َق ْدرَةٍ) على استيفائِه‪ ،‬بأن كان على مَلىءٍ حاضِرٍ باذِلٍ‪ ،‬أو‬
‫جا ِحدٍ عليهِ بيَّنةٌ‪ ،‬أو َيعْلمْهُ القاضي‪ ،‬أو َق ِدرَ هو على خالصِهِ‪ ،‬فيجبُ إخراجُ الزكاةِ‬
‫يف احلال‪ ،‬وإن مل يقَبضْهُ‪ ،‬ألنهُ قادرٌ على قبضِهِ‪ .‬أما إذا تع ّذرَ استيفاؤُهُ بإعسارٍ‪ ،‬أو‬
‫مُطْلٍ‪ ،‬أو غَيْبَةٍ‪ ،‬أو جُحودٍ وال بيّنة‪ ،‬فكمغصوب فال يلزمه اإلِخراجُ إال إن قبضَهُ‪.‬‬
‫وجتبُ الزكاةُ يف مغصوب وضالّ‪ ،‬لكن ال ِجيبُ د ْفعُها إال بعد متكّن بعو ِدهِ إليه‪( .‬ولو‬
‫ص َدقَها نِصابَ نقدٍ) وإن كان يف الذّمّة‪ ،‬أو ساِئمَة ُمعَيِّنة (زَكَّتُه) وُجوباً‪ ،‬إذا متّ َحوْلٌ‬ ‫أ ْ‬
‫من اإلصداق‪ ،‬وإن مل تقبضْه وال وَطِئها‪ .‬لكن يُشترطُ إن كان النقدُ يف الذمّة إمكان‬
‫قبضِهِ‪ ،‬بكونِ ِه موسراً حاضراً‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬األظهر أنّ الزكاةُ تتعلقُ باملالِ تعلّقَ شركةٍ‪ .‬ويف قولٍ قدميٍ اختارهُ الرميّي‬
‫‪ :‬ألهنا تتعلق بالذمّة‪ ،‬ال بالعَيْنِ‪ .‬فعلى األوّل أن املستحِقّ للزكاةِ شريكٌ بق ْدرِ‬
‫الواجبِ‪ ،‬وذلك ألنه لو امتَنعَ من إخراجها أ َخذَها اإلِمامُ منه قَهراً‪ .‬كما يُقسم املالُ‬
‫سمَتِه‪ .‬ومل ُيفَرّقوا يف الشركةِ بني العَيْنِ‬ ‫املشترَكُ قَهراً إذا امتنع بعضُ الشركاءِ مِن ِق ْ‬
‫والدَّيْنِ‪ ،‬فال جيوز لربّه أن َيدّعي ُملْكَ مجيعِهِ‪ ،‬بل إنه يستحِقّ قبضه‪ .‬ولو قال‪ :‬بعد‬
‫َحوْلٍ إن أبرأتين من صَداقِكِ فأنتِ طالِقٌ‪ ،‬فأبْرَأَتْهُ منه مل تَطْلُق‪ ،‬ألنه مل يربأْ من مجيعه‪،‬‬
‫بل مما عدا قَدر الزكاة‪ ،‬فطريقها أن يعطِيَها مث تُبْرِئه‪ .‬ويبطل البيعُ‪ ،‬والرهنُ يف قدرِ‬
‫حلوْل صح ال يف قدرِ الزّكاة‬ ‫ضهِ بعد ا َ‬
‫الزكاةِ فقط‪ ،‬فإِن فعلَ أحدمها بالنِّصاب‪ ،‬أو ببع ِ‬
‫كسائرِ األموالِ املشترَكة على األظهر ‪ .‬نعم‪ ،‬يصح يف قدرُها يف مالِ التجارةِ ال اهلِبةُ‬
‫يف قدرِها فيه‪.‬‬
‫َدمُ الزَّكاةُ وحنوها من تركةِ مديونٍ ضاَقتْ عن وفاءِ ما عليه من‬ ‫[فرع]‪ُ :‬تق َّ‬
‫حقوقه اآلدميّ وحقوقِ اهلل كالكَفارة‪ ،‬واحلجّ والنّذرِ والزّكاةِ ‪ .‬كما إذا اجتمعتا على‬
‫ُدمَت الزكاةُ إن َتعَلّقت‬ ‫حجَر عليهِ‪ .‬ولو امجتعت فيها حقوقُ اللّهِ فقط ق ِّ‬ ‫حيّ مل ُي ْ‬
‫بالعَيْنِ‪ ،‬بأن بَقيَ النِّصابُ‪ ،‬وإال بأن َتلَفَ بعد الوجوب والتمكّن اسَْتوَتْ مع غريها‪،‬‬
‫فيوزّع عليها‪.‬‬
‫(وشُرِطَ له) أي أداء الزكاة‪ ،‬شرطان‪ .‬أحدمها‪( :‬نية) بقلب‪ ،‬ال نُطقٍ (كهذا‬
‫صدَقةً َمفْروضةً)‪ .‬أو هذا‬ ‫زكاةُ) مايل‪ .‬ولو بدونِ فرضٍ‪ ،‬إذ ال تكونُ إال فَرْضاً (أو َ‬
‫ص ْدقِهِ بالكَفارة والنَّذر‪ .‬وال جيبُ‬ ‫زكاةُ مايل املفروضَة‪ .‬وال يكفي‪ :‬هذا فرضُ مايل‪ِ ،‬ل ِ‬
‫َتعْينيُ املالِ املخ َرجِ عنه يف النيّة‪ .‬ولو عُيّن مل َي َقعْ عن غريِه‪ ،‬وإن بانَ املُعيّنُ تالِفاً‪ ،‬ألنه‬
‫مل ينوِ ذلك الغري‪ .‬ومن مثّ لو َنوَى إن كانَ تالِفاً َفعَنْ غريِهِ فبانَ تالِفاً وَقعَ عن غريهِ‪.‬‬
‫صدِ‬ ‫صدَقةٌ‪ِ ،‬ل َع َدمِ اجلزمِ بِق ْ‬
‫خبالف ما لو قال‪ :‬هذهِ زكاةُ مايل الغائب إن كان باقياً‪ ،‬أو َ‬
‫الفَ ْرضِ‪ .‬وإذا قال فإِن كان تالِفاً فصَدقَةٌ‪ .‬فبانَ تالِفاً‪ ،‬وَقعَ صَدقةً‪ ،‬أو باقياً‪ ،‬وَقعَ زكاةٌ‪.‬‬
‫ولو كانَ عليهِ زكاةً وشَكَّ يف إخراجِها‪ ،‬فأخرجَ شيئاً وَنوَى‪ :‬إن كان عليَّ شيءٌ من‬
‫الزّكاةِ فهذا عنه‪ ،‬وإال فَتَطَوُّعٌ‪ .‬فإِن بانَ عليه زكاةٌ أجزأهُ عنها‪ ،‬وإال وَقعَ لَهُ تطَوُّعاً‬
‫كما أفىت به شيخنا ‪ .‬وال جيزىء عن الزّكاة قَطعاً‪ ،‬إعطاءُ املالِ للمستحقني بال نيّة‪.‬‬
‫(ال مقارنتها) أي النية (للدّفع) فال ُيشْتَرَطُ ذلك‪( ،‬بل تكفي) النيّة قبلَ األداءِ إن‬
‫وُ ِجدَتْ (عند عَزْلِ) َق ْدرِ الزكاةِ عنِ املالِ (أو إعطاءِ وكيلٍ) أو إِمامٍ‪ ،‬واألفضل هلما‬
‫أن ينويا أيضاً عند َّالتفْ ِرقَة‪( ،‬أو) وُجِدَت (بعد أحدمها) أي بعد عَزْلِ َق ْدرِ الزّكاة أو‬
‫التّوكِيل (وقبلَ التفرقةِ) ِل ُعسْرِ اقتِراهنا بأدَاءِ كُلّ ُمسْتحِقَ‪ .‬ولو قال لغريه‪ :‬تَصدّقَ هبذا‪.‬‬
‫َدقِه بذلك‪ ،‬أجزأه عن الزّكاة‪ .‬ولو قال آلخر‪ :‬اقبضْ دَيْين مِن‬ ‫مث َنوَى الزَّكاةَ قبل َتص ُّ‬
‫فالنٍ‪ ،‬وهو لك زكاة‪ ،‬مل يكفِ‪ ،‬حىت يَْنوِي هو بعد قبضِهِ‪ ،‬مث يأذَن لهُ يف أ ْخذِها‬
‫‪61‬‬
‫وأفىت َب ْعضُهم أنّ التوكيلَ املطلَقَ يف إخراجِها يستلزمُ التوكيلَ يف نيّتها‪ .‬قالَ شيخنا‪:‬‬
‫وفيه نظرٌ‪ ،‬بل املُتجَهُ أنه ال بدّ من نيّة املالك‪ ،‬أو تفويضها للوكيل‪ .‬وقال املتوَيل‬
‫وغريُه‪ :‬يتعيّن نيّةُ الوكيلِ إذا وقعَ الفرضُ مبالِه‪ ،‬بأن قال له موكلُه أدِّ زكايت من مالِكَ‪،‬‬
‫لينصرفَ فعلُه عنه‪ .‬وقوله له ذلك مُتضمِّنٌ لإلِذنِ له يف النيّة‪ .‬وقال القفال‪ :‬لو قال‬
‫لغريه أقْ ِرضْين مخسةً أؤَدِّها عن زكايت‪ ،‬ففعلَ‪ ،‬صحّ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬وهو مبينّ على رأيه‬
‫ِبجَوازِ احتادِ القابضِ واملُقبِّضِ‪.‬‬
‫(وجازَ لكل) من الشريكني (إخراجُ زكاةِ) املالِ (املشترَكِ بغريِ إذنِ) الشريكِ‬
‫(اآلخَرِ) كما قاله اجلرجاين‪ ،‬وأقَرَّه غريُه‪ ،‬إلِذنِ الشّرعِ فيه‪ .‬وتَكفي نيّة الدافِعِ منهما‬
‫عن نيّة اآلخَر على األوْجَه‪( .‬و) جازَ (توكيلُ كافِرٍ‪ ،‬وصيبّ يف إعطائِها املعَيَّنِ) أي إن‬
‫عُيِّنَ املدفُوع إليهِ‪ ،‬ال مُطلقاً‪ ،‬وال تفويض النيّة إليهما لع َدمِ األهْليّة‪ .‬وجازَ توكيلُ‬
‫غريمها يف اإلِعطاء والنيّة معاً‪ .‬وجتبُ نيّة الويل يف مالِ الصّيبّ واجملنونِ‪ ،‬فإن صَرَفَ‬
‫ضمِنَها لتقصريِهِ‪ .‬ولو َدَفعَها املُزَكِّي لإلِمام بال نيّة وال إذنٍ منه له‬ ‫ال َويلّ الزكاةَ بال نيّة َ‬
‫فيها مل جتزئهُ نيّته‪ .‬نعم‪ ،‬جتزىءُ نيّةُ اإلِمام عندَ أخذِها قهراً من املمتَِنعِ‪ ،‬وإن مل ينوِ‬
‫ب املالِ‪( .‬جازَ للمالِكِ) دون الوَيلِّ (تعجيلُها) أي الزكاة (قبل) متامِ ( َحوْلٍ)‪،‬‬ ‫صاح ُ‬
‫ال قبلَ متامِ نِصابٍ يف غريِ التجارة‪ ،‬و (ال) تَعجيلها (لعامَيْن) يف األصَحّ‪ .‬وله تعجيلُ‬
‫الفِطرَةِ من أول رمضان‪ .‬أما يف مالِ التجارة فيجزىء التعجيلُ‪ ،‬وإن مل ميلكْ نِصاباً‪.‬‬
‫وينوي عند التعجيل‪ :‬كهذه زكايت املعجَّلة‪.‬‬
‫ضمِنَ إن تَلَف بعد‬ ‫(وحَ ُرمَ) تأخريُها أي الزكاة (بعد متام احلول والتملكّ) و َ‬
‫متكن‪ ،‬حبضورِ املالِ واملستحِقّ‪ ،‬أو أتلفَهُ بعدَ َح ْولِ ولو قبل التمكن‪ .‬كما مرّ بيانه‪.‬‬
‫(و) ثانيهما‪( :‬إعطاؤها ملستحقيها) أي الزّكاة‪ .‬يعين من وُ ِجدَ مِنَ األصنافِ الثمانيةِ‬
‫املذكورةِ يف آية‪{ :‬إِمنا الصَّدقَاتُ للفقراءِ واملسَاكني والعامِلني عَليها وا ُملؤََّلفَةِ قلوبِهم‬
‫ني ويف سبي ِل اللّهِ‪ ،‬واب ِن السَّبيلِ}‪.‬‬ ‫ويف الرِّقابِ والغارم ِ‬
‫سبٌ الئقٌ‪ ،‬يقعُ مَوقِعاً من كفايَِتهِ وكفايةِ مموِّنه‪،‬‬ ‫والفقريُ‪ :‬من ليس له مالٌ وال َك ْ‬
‫وال مين ُع ال َفقْرَ‪َ ،‬مسْكَنُه وثيابُه ولو للتجَمُّل يف بعضِ أيامِ السَّنَةِ وكُُتبٌ حيتاجُها‪،‬‬
‫وعبدُه الذي حيتاجُ إليه للخدمَةِ‪ ،‬ومالُه الغائبُ مبرحلتيْن‪ ،‬أو احلاضِرُ وقد حِيلَ بينه‬
‫سبُ الذي ال يليق به‪ .‬وأفىت بعضهم أن حُليَّ املرأة الالئق‬ ‫وبينه والدَّيْنُ املؤجَّلُ وال َك ْ‬
‫هبا احملتاجَة للتزيّن به عادة ال مينع َفقْرَها‪ .‬وصَوَّبَه شيخنا‪.‬‬
‫واملسكنيُ‪ :‬مَنْ ق َدرَ على مالٍ أو كسبٍ يقعُ َموْقِعاً من حاجَِتهِ وال يكْفيه كمن‬
‫حيتاجُ لعشرةٍ وعندَهُ مثانية وال يكفيهِ الكِفاية السابقَة‪ ،‬وإن مَلَكَ أكثرَ من نِصابٍ‪،‬‬
‫حىت أنّ لإلِمامِ‪ ،‬أن يأ ُخذَ زَكاتَهُ ويدَفعُها إليه فُيعْطَى كل منهما إن تعوَّدَ جتارةً رأسَ‬
‫حسِنْ حِرفة وال جتارَة ُيعْطَى كفايَةَ‬ ‫مالٍ يكفيهِ رحبُهُ غالباً‪ ،‬أو حِ ْرفَةُ آلتها‪ .‬ومَنْ مل ُي ْ‬
‫سبٍ ولو َقوِياً جَلِداً بال‬ ‫ال ُعمُرِ الغاِلبَ‪ .‬وصُدِّقَ مُدَّعي َفقْرٍ‪ ،‬و َمسْكَنَةٍ‪ ،‬و َعجْزٍ عن كُ ْ‬
‫ميني‪ ،‬ال مُدَّعي تَلفِ مالٍ عُرِفَ بال بيّنَة‪.‬‬
‫والعامِلُ كساعٍ ‪ :‬وهو من يبعَثُهُ اإلِمامُ ألخذِ الزكاة‪ ،‬وقا ِسمٍ وحاشِرٍ‪ ،‬ال‬
‫قاضٍ‪.‬‬
‫َوقعُ بإِعطائه إِسالمُ غريِه‪.‬‬ ‫واملؤلَّفةُ‪ :‬مَن أَسلمَ ونيّته ضعيفةٌ‪ ،‬أو لَه شرفٌ يُت َّ‬
‫سيدُهُ بإِذنِه دَيْنَه إن‬ ‫والرِّقابُ‪ :‬املكاتَبون كتابةً صحيحة‪ ،‬فُيعْطَى املكاَتبُ أو ِّ‬
‫َعجِزَ عَ ِن الوَفاء‪ ،‬وإن كان َكسُوباً‪ ،‬ال مِ ْن زَكاةِ سَِّيدِ ِه لِبَقائِهِ على مُلْكِهِ‪.‬‬
‫والغَا ِرمُ‪ :‬مَنْ استدانَ لنفسِهِ لغريِ َم ْعصِيَةٍ‪ ،‬فيُعطي له إن َعجِزَ عن وفاء الدَّين‪ ،‬وإن‬
‫سبُ ال يدفعُ حاجَتَهُ َلوَفائه إن حَلّ الدَّين‪ .‬مث إن مل يكن معه‬ ‫كان كسوباً‪ ،‬إذ ال َك ْ‬
‫شيء أعطِيَ الكل‪ ،‬وإال فإن كان حبيثُ لو قضَى دينَه مما معَهُ َمتسْكَنَ‪ ،‬تُرِكَ له مما معه‬
‫‪62‬‬
‫ما يكفيه أي العمرَ الغالبَ ‪ .‬كما استظهَرَهُ شيخنا‪ .‬وأعطيَ ما َيقْضي به باقي دينَه‪،‬‬
‫أو إلصالحِ ذاتِ البيْنِ‪ ،‬فيُعطَى ما استدانه لذلك ولو غنياً‪ .‬أما إذا مل يستدِن بل أعطي‬
‫ذلك من مالِهِ‪ ،‬فإنه ال يعطاه‪ .‬وُيعْطَى املستدِينُ ملصلحَةٍ عامّة َكقَرْي ضَيْفٍ‪ ،‬وفَكّ‬
‫أسريٍ‪ ،‬وعمارَةِ حنو مسجدٍ وإن غنياً‪ .‬أو للضّمانِ‪ .‬فإِن كان الضامِن واألصيلُ ُم ْعسَرَيْن‬
‫ضمِنَ بال إذنِ‪ ،‬أو‬ ‫أعطيَ الضامِنُ وفاءَهُ‪ .‬أو األصيلُ موسِراً دونَ الضَّامِن‪ ،‬أعطِيَ إن َ‬
‫عكسه أعطيَ األصيلُ‪ ،‬ال الضّامن‪ ،‬وإذا وىف مِن َس ْهمِ الغا ِرمِ مل يُرْجَع على األصيلِ‬
‫صدّق‬ ‫ضمِنَ بإِذنهِ‪ .‬وال يُصرَفُ من الزكاةِ شيءٌ لِ َكفَنٍ ميِّتٍ‪ ،‬أو بناءِ مسجدٍ‪ .‬وُي َ‬ ‫وإن َ‬
‫مدّعي كتابةٍ أو غُ ْرمٍ بإِخبارِ َعدْلٍ وتصديقِ سَيّد‪ ،‬أو رَب دين‪ ،‬أو اشتهار حالٍ بني‬
‫الناس‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬من دفعَ زكاتَه ملدِينِه بشرط أن يردَّها له عن ديْنِه‪ ،‬مل َيجُزْ‪ ،‬وال يصح‬
‫قضاء الدين هبا‪ .‬فإِن نويا ذلك بال شرط‪ ،‬جاز وصحّ‪ ،‬وكذا إن وَ َعدَهُ ا َملدِينُ بِال‬
‫شَرْطٍ‪ ،‬فال يلْزَمْهُ الوَفاءُ بالوَ ْعدِ‪ .‬ولو قال لغرميِه‪ :‬جعلتُ ما عَليكَ زكاةً‪ ،‬مل جيزىء‬
‫على األوْجَه إال إن قبضَهُ مث رَدَّهُ إليه‪ .‬ولو قال‪ :‬اكتَلْ من َطعَامِي عندَكَ كذا‪ .‬وَنوَى‬
‫به الزكاةَ‪ ،‬ففعلَ فهل ُيجْزىء؟ وَجْهانِ‪ ،‬وظاهرُ كالم شيخنا ترجيحُ عدمِ‬
‫اإلِجزاءِ‪.‬‬
‫وسبيلُ اهلل‪ :‬وهو القائمُ باجلهادِ متطوّعاً‪ ،‬ولو غنياً‪ .‬وُيعْطَى اجملا ِهدُ النفقةَ‬
‫والكسوَة لهُ ولعيالِهِ ذهاباً وإياباً‪ ،‬ومثن آلة احلربِ‪.‬‬
‫وابنُ السّبيل‪ :‬وهو مسافِرٌ جمتازٌ ببلدِ الزَّكاةِ‪ ،‬أو مُنشِىءُ سفرٍ مباحٍ منها‪ ،‬ولو‬
‫لنزهةٍ‪ ،‬أو كانَ كَسوباً خبالفِ املسافِرِ ملعصيةٍ إال إن تابَ‪ ،‬واملسافرُ لغريِ مقصَدٍ‬
‫صحيحٍ كاهلائم وُيعْطَى كفايَتُهُ‪ ،‬وكفايةُ من معه من مموِّنه أي مجيعُها نفقةً‪،‬‬
‫ص ِدهِ مالٌ‪ ،‬وُيصَدَّقُ يف دَ ْعوَى‬ ‫وكسوةً‪ ،‬ذهاباً‪ ،‬وإياباً‪ ،‬إن مل يكن له بطريقِهِ أو مق َ‬
‫السفَرِ‪ ،‬وكذا يف دَ ْعوَى الغَ ْزوِ‪ ،‬بال مينيٍ‪ .‬وُيسْتَرَدّ منه ما أخذَهُ إن مل خيرُج‪ .‬وال ُيعْطَى‬ ‫َّ‬
‫أحدٌ ِب َوصْفيْن‪ .‬نعم إن أخ َذ فق ٌري بالغُ ْرمِ فأعطاه غرميُهُ‪ ،‬أعْطِ َي بال َفقْرِ‪ ،‬ألنه اآلن حمتاج‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬ولو فرَّق املالكُ الزكاةَ َس َقطَ َس ْه ُم العاملِ‪ ،‬مث إن احنصَرَ املستحِقونَ‪،‬‬
‫َووَىف هبم املال‪ ،‬لزم تعميمهم‪ ،‬وإال مل جيب‪ ،‬ومل يُنْدب‪ .‬لكن يلزمهُ إعطاءُ ثالثَةٍ من‬
‫كل صنفٍ‪ ،‬وإن مل يكونوا بالبلدِ وقتَ الوجوبِ‪ ،‬ومِنَ املتَوطّنني َأوْىل‪ .‬ولو أعْطَى‬
‫اثنني من كل صنف‪ ،‬والثالث موجودٌ‪ ،‬لزمَهُ أقلُّ متموّلٍ غُرْماً له من مالِهِ‪ ،‬ولو فُقِدَ‬
‫بعضُ الثالثة رَدَّ حِصَّتَه على باقي صُْنفِهِ‪ ،‬إن احتاجَهُ‪ ،‬وإال َفعَلى باقي األصنافِ‪.‬‬
‫ويلزمُ التسويةُ بني األصنافِ‪ ،‬وإن كانت حا َجةُ بعضِهم أشدّ‪ ،‬ال التسوية بني آحادِ‬
‫الصّنفِ‪ ،‬بل تُندَب‪.‬‬
‫واختارَ مجاعةٌ من أئمتنا جوازَ صَرْفِ الفِطرة إىل ثالثة مساكني‪ ،‬أو غريهم من‬
‫املستحقني‪ ،‬ولو كان كل صنفٍ أو بعض األصنافِ وقتَ الوجوبِ حمصوراً يف‬
‫ثالثةٍ فأقلّ‪ ،‬استحقوها يف األُوىل‪ .‬وما خيصّ احملصورين يف الثانية من وقتِ الوجوبِ‪،‬‬
‫فال َيضُرّ حدوثُ ِغىنً أو َموْتُ أ َحدِهِم‪ ،‬بل َحقّه باقٍ حبالِهِ‪ ،‬فيدَفعُ نصيبُ املّيتِ‬
‫لوارثِهِ‪ ،‬وإن كان هو املُ َزكّي‪ .‬وال يشا ِركُهم قادِمٌ عليهِم وال غائبٌ عنهم وقتَ‬
‫سمَةِ‪ .‬وال يَجوزُ ملالكِ نَقلُ الزّكاةِ‬ ‫الوجوبِ‪ .‬فإِن زادوا على ثالثة‪ ،‬مل ْميلُكُوا إال بال ِق ْ‬
‫عن بلدِ املالِ‪ ،‬ولو إىل مسافةٍ قريبةٍ‪ ،‬وال جتزىء‪ ،‬وال دفعُ القيمةِ يف غري مالِ التجارِة‪،‬‬
‫وال دفعُ عينه فيه‪.‬‬
‫وُنقِلَ عن عمر وابن عباس و ُحذَْيفَة رضي اهلل عنهم جوازُ صَرْفِ الزكاةِ إىل‬
‫صَنفٍ واحدٍ وبه قال أبو حنيفة‪ ،‬وجيوزُ عنده نق ُل الزكاةِ مع الكراهَةِ ودفُع قيمتها‪.‬‬
‫وعنيُ مالِ التجارِة‪( .‬ولو أعطاها) أي الزكاةَ ولو الفِطرَة (لكافرٍ‪ ،‬أو مَنْ به رِقّ)‬
‫‪63‬‬
‫ولو مُبَعَّضاً غري مكاتَب (أو هاشِميّ‪ ،‬أو مُطَِّليبّ)‪ ،‬أو مَ ْوىلً هلما‪ ،‬مل َي َقعْ عن الزكاةِ‪،‬‬
‫ألن شَرْطَ اآلخذ اإلِسالمُ‪ ،‬ومتامُ احلرية‪ ،‬وعدمُ كونه هاشِمياً‪ ،‬وال مُطَّلِبياً‪ ،‬وإن انق َطعَ‬
‫الزكَوات إمنا هي أوساخُ النّاسِ‪،‬‬ ‫عنهُم ُخمُسُ اخلمسِ خلرب‪" :‬إِنّ هذهِ الصَّدقات أي َّ‬
‫وإهنا ال حتِلّ حملمدٍ‪ ،‬وال آللِهِ"‪ .‬قال شيخنا‪ :‬وكالزّكاة‪ :‬كل واجبٍ كالنّذرِ‪ ،‬والكفارَةِ‬
‫خبالفِ التطوّعِ واهلدِيّة‪( .‬أو غين) وهو من له كِفاية العمر الغالب على األصَحّ ‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬من له كفايَة سنة‪ .‬أو الكسب احلالل الالئق (أو مكفيّ بنفقةِ قريب) من‬
‫أصلٍ‪ ،‬أو فرعٍ‪ ،‬أو زوجٍ‪ ،‬خبالف املكفيّ بنفقِة متربَّعٍ (مل جيزىء) ذلك عن الزَّكاةِ‪،‬‬
‫وال تتأدَّى بذلك إن كان الدافِع املالك وإن ظَنَّ استحقاقَهم‪ .‬مث إن كانَ الدافعُ يظنّ‬
‫استردهُ‬‫َّ‬ ‫ضمَنُ اإلِمامُ‪ ،‬بَلْ يُستَردّ املدفوع‪ ،‬وما‬ ‫االستحقاقَ اإلمام‪ :‬برىء املالِكُ‪َ ،‬والَ َي ْ‬
‫صَ َرفَهُ لِل ُمسْتحِقنيَ‪ .‬أما مَنْ مل يكتَفِ بالنفقَةِ الواجِبةِ له من َز ْوجٍ‪ ،‬أو قريبٍ فيعْطِيهِ‬
‫املْنفِقُ و َغريُهُ‪ ،‬حَىت بال َفقْرِ‪ .‬وجيوز للمَكْفيّ هبا األخْذُ ِبغَيْ ِر املسْكَنَةِ وَال َفقْرِ إنْ وُ ِج َد فيه‪،‬‬
‫حَىت ممّن تلزمه َن َفقَتُه‪.‬‬
‫ويُْندَبُ لِل ّزوْجَةِ إِعْطاءُ َزوْجها مِنْ زَكاهتا‪ ،‬حىت بالفقرِ واملسكنة وإن أْن َفقَها‬
‫عَليها‪ .‬قال شيخنا‪ :‬والذي يظهرُ أنّ قَرِيبهُ املوسِر َلوْ امتََنعَ مِنَ اإلِنفاقِ عَليهِ و َعجَزَ عنه‬
‫حقّق َفقْرِهِ أو َمسْكَنَتِهِ اآلنَ‪.‬‬
‫باحلَا ِكمِ‪ ،‬أُعطِ َي حينئذ‪ ،‬لت َ‬
‫[فائدة]‪ :‬أفىت َّالن َو ِويّ يف بالغٍ تارِكاً لِلصّالةِ كَسالً أنه ال يقبَضها له إال وَليّه أي‬
‫صيبّ وجمنونٍ فال ُتعْطَى له‪ ،‬وإن غابَ وَليّه‪ ،‬خالفاً ملن زَ ِعمَه‪ :‬خبالفِ ما لو طَرأ‬ ‫كَ‬
‫حجَر عليه‪ :‬فإِنه يقَبضَها‪ .‬وجيوزُ َد ْفعُها لفاسِقٍ إال إن عُلمَ أنه‬ ‫تَ ْركُهُ هلا أو تَبذِي ُرهُ ومل ُي ْ‬
‫يَستعنيُ هبا على َم ْعصِيَ ٍة فَيحْ ُرمُ وإن أجزَأَ‪.‬‬
‫[تتمة]‪ :‬يف قِسمَةِ الغَنيمَةِ‪ .‬ما أخَذناهُ من أهلِ حربٍ قهراً‪ :‬فهو غنيمةٌ‪ ،‬وإال فهو‬
‫يفْءٌ‪ ،‬ومن األوَّلِ‪ :‬ما أخذناه من دارِهِم اخْتِالساً‪ ،‬أو سَرِقةً على األصح خالفاً‬
‫للغزايل وإمامه‪ :‬حيث قاال إنه خمتصّ باآل ِخذِ بال ختميسٍ‪ ،‬وادَّعى ابن الرِّفعة اإلِمجاعَ‬
‫عليه‪ ،‬ومن الثاين‪ :‬جِزْيَة و ُعشْر جتارَةٍ وتَ ِركَة مُرَْتدّ‪ ،‬ويبدأ يف الغنيمة بالسّلبِ للقاتلِ‬
‫املسلمِ بال ختميسٍ‪ ،‬وهو ملبوسُ القتيل‪ ،‬وسالحُه‪ ،‬ومركوبه‪ ،‬وكذا سِوارٌ‪ ،‬ومِنْطَقةٌ‪،‬‬
‫وخامت‪ ،‬و َطوْق‪ .‬وباملؤنِ‪ :‬كأجْرَةِ َحمّال‪ .‬مث ُيخَمَّس باقيها‪ ،‬فأربعة أمخاسها‪ ،‬ولو‬
‫حل َقهُم بعد‬ ‫عقاراً‪ ،‬ملن َحضَرَ ال َو ْقعَةِ‪ ،‬وإن مل يقاتِل‪ ،‬فما أحدٌ َأوْىل به من أحدٍ ال ملن ِ‬
‫انقضائها‪ ،‬ولو قَبْل مجعِ املالِ‪ ،‬وال ملن ماتَ يف أثناءِ القتالِ قبل احلِيازةَ على املذهب‪.‬‬
‫صدِين للجهادِ و ُخمُسهما ُيخَمَّس‪َ :‬س ْهمٌ للمَصاحل‪ :‬كسدِّ‬ ‫وأربعةُ أمخاسِ الفيْءِ للمُ ْر َ‬
‫ثَغرٍ‪ ،‬وعَمارَة ِحصْنٍ‪ ،‬ومسجدٍ‪ ،‬وأرزاقُ القُضاةِ‪ ،‬واملشتغلني بعلومِ الشّرعِ وآالهتا ولو‬
‫مبتدئني وحفْاظِ القرآنِ واألئمةِ‪ ،‬واملؤذّنني‪ .‬وُيعْطَى هؤالءِ مع الغىن ما رآهُ اإلِمام‪.‬‬
‫وجيبُ تقدميُ األ َهمّ مما ذكر وأمهها‪ :‬األوَّل‪ .‬ولو مُنِع هؤالء حقوُقهُم من بيتِ املال‬
‫وأُعْطِيَ أحدُهم منه شيئاً‪ :‬جازَ لَهُ األخْذ‪ ،‬ما مل يزِدْ على كفايَتِه على املعتمد و َس ْهمٌ‬
‫للهامشيّ واملطليبّ‪ :‬لل ّذكَرِ مِنهما مثل حظّ االنثينيِ‪ ،‬ولو أغنياءَ‪ .‬و َس ْهمٌ للفقراءَ‪،‬‬
‫اليتامى‪ ،‬وسهمٌ للمسكني‪ ،‬و َس ْهمٌ البنِ السّبيلِ الفقريِ‪ .‬وجيبُ تعميمُ األصنافِ األربعةِ‬
‫بالعَطاءِ حاضرهم‪ ،‬وغائبهم عن احمللّ نعم‪ ،‬جيوزُ التفاوتُ بني آحادِ الصِّنفِ غري‬
‫قل احلاصِلُ‪ ،‬حبيث لو عمّ مل يسدَّ مس ّداً‪ :‬خُصّ به‬ ‫ذوي القُرىب‪ ،‬ال بني األصنافِ‪ ،‬ولو َّ‬
‫األ ْح َوجُ‪ ،‬وال يعمّ للضرورة‪ .‬ولو فُ ِقدَ بعضُهم‪ :‬وُزِّعَ سهمُه على الباقني‪ .‬وجيوزُ عند‬
‫األئمّة الثالثة صرفُ مجيعِ مخس الفيءِ إىل املصاحل‪ .‬وال يصحّ شرطُ اإلِمام‪ :‬مَنْ أخذَ‬
‫صحّ‪ .‬وعليه األئمّةُ الثالثة‪ .‬وعند أيب حنيفة ومالك‪ :‬جيوزُ‬ ‫شيئاً فهو له‪ .‬ويف قولٍ‪َ :‬ي ُ‬
‫لإلِمامِ أن يفض َل بعضاً‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو َحصَل ألحدٍ من الغامنني شيء مما غنموا قبل التخميس والقسمة‬
‫الشرعية‪ :‬ال جيوزُ التصرُّف فيه‪ ،‬ألنه مُشتَرَكٌ بينهم وبني أهل اخلمس‪ .‬والشريك ال‬
‫جيوزُ له التصرّف يف املشترَكَ بغريِ إذ ِن شريكه‪.‬‬
‫(وُيسَنّ صدقةُ تطوّع) آلية‪{ :‬مَنْ ذَا اّلذِي ُيقْ ِرضُ اللّهَ قَرْضاً حسَناً} ولِألَحاديثِ‬
‫الكثريةِ الشهريةِ‪ .‬وقد ِجتبُ‪ :‬كأن جيدَ مضطراً ومعه ما يط ِعمُه‪ ،‬فاضِالً عنه‪ ،‬ويُكْ َرهُ‬
‫برَدِيءٍ‪ ،‬وليس منه‪ :‬التصدُّق بالفلوسِ‪ ،‬والثوبِ اخللِقِ‪ ،‬وحنومها بل ينبغي أن ال يأنفَ‬
‫من التّصدّقِ بالقليلِ‪ .‬والتصدُّقُ باملاءِ أفضل‪ :‬حيث كثُرَ االحتياجُ إليه وإال فالطّعام‪.‬‬
‫ولو تعا َرضَ الصَّدقةَ حاالً‪ ،‬والوَقف‪ .‬فإِن كان الوقتُ وقتَ حاجةٍ و ِشدّة‪ :‬فاألوَّل‬
‫َأوْىل‪ ،‬وإِال فالثاين لكثرَةِ َجدْواهُ‪ .‬قاله ابن عبد السّالم وتبعه الزركشيّ‪ ،‬وأطلقَ ابنُ‬
‫الرّفعة ترجيحَ األوّل‪ ،‬ألنّه ق َطعَ حظَّه من املتصدَّقِ به حاالً وينبغي للراغب يف اخلري‬
‫أن ال يُخلي (كلّ َي ْومٍ) مِنَ األيّامِ مِنَ الصَّدقَةِ (مبا تيَسَّر) وإن قلَّ‪ ،‬وإعطاؤها (سِرّاً)‬
‫أفضلُ مِنهُ َجهْراً‪ .‬أما الزّكاة‪ :‬فإِظهارُها أفضل إمجاعاً (و) إعطاؤها (برمضان)‪ :‬أي‬
‫فيه ال سيما يف عَشرِهِ األواخِر أفضلُ‪ ،‬ويتأ ّكدُ أيضاً‪ :‬يف سائرِ األزمِنَةِ‪ ،‬واألمكِنَةِ‪،‬‬
‫الفاضِلة‪َ :‬ك َعشْرِ ذي احلجة‪ ،‬والعيدين‪ ،‬واجلمعة‪ .‬وكمكة‪ ،‬واملدينة (و) إعطاؤها‬
‫(لقريبٍ) ال تَلْ َزمْه َن َفقَتُه َأوْىل‪ ،‬األقربُ فاألقربُ منَ احملا ِرمِ‪ ،‬مث الزوج أو الزوجة‪ ،‬مث‬
‫غري احملرم والرّحِم من جهةِ األب ومن جهةِ األمّ سواء‪ ،‬مث حمْرَم الرَّضاعِ‪ ،‬مث املُصاهَرَة‬
‫أفضل‪( .‬و) صَ ْرفُها بعدَ القريبِ إىل (جارٍ‪ ،‬أفضلُ) منه لغريه‪ .‬فعُلم أنّ القريبَ البعيدَ‬
‫الدارِ يف البلدِ‪ :‬أفضلُ من اجلارِ األجنيبّ‪( ،‬ال) ُيسَنّ التصدّق (مبا حيتاجه)‪ ،‬بل َيحْ ُرمُ مبا‬
‫حيتاجُ إليه‪ :‬لنفقةٍ‪ ،‬و ُمؤْنَةٍ‪ .‬من تلزمه نفقتُهُ يومُه وليلته‪ ،‬أو ِلوَفاءِ دَيْنِه ولومُؤجّالً‪ ،‬وإن‬
‫مل يطلبْ منه ما مل يغلِب على ظنّه حُصولُه من جِهةٍ أخرى ظاهرة ألن الواجبَ ال‬
‫جيوزُ تركُه ِلسُنّة‪ ،‬وحيثُ حَ ُر َمتِ الصّدقةُ بشيء مل ميلكه املتصدَّق عليه على ما أفىت‬
‫به شيخنا احملقق ابن زياد رمحه اهلل تعاىل‪ .‬لكن الذي جزم به شيخنا يف شرح املنهاجِ‬
‫بالصدَقةِ حَرا ٌم حمبِط لألَجْرِ كاألَذَى‪.‬‬
‫أنه ميلكه‪ .‬واملنّ َّ‬
‫[فائدة]‪ :‬قال يف اجملموع‪ :‬يُكْرَهُ األخذُ ممن بَيدِهِ حَالل وحَرامٌ كالسلطانِ اجلائرِ‪.‬‬
‫ف الكراهةُ بِقلَّة الشَُّبهَة وكثْرَهتا‪ ،‬وال َيحْرُم إال إن تيقّنَ أنّ هذا مِنَ احلرام‪ .‬وقول‬ ‫وختتل ُ‬
‫الغزايل‪ :‬يَحرُم األخذُ ممن أكثَرُ ماله حرا ٌم وكذا معاملَتِه‪ :‬شاذّ‪.‬‬

‫وهو ُلغَةً‪ :‬اإلِمساكُ‪ .‬وشرعاً‪ :‬إمساكٌ عن مُفطِرٍ ِبشُروطِهِ اآلتيَة‪ .‬وفُرِض يف‬
‫شعبان‪ ،‬يف السَّنَةِ الثانية مِن اهلِجرة‪ .‬وهو مِنْ خَصاِئصِنا‪ ،‬ومِنَ املعْلومِ مِنَ الدّين‬
‫بالضَّرورةِ‪( .‬جيبُ صومُ) شهر (رمضان) إمجاعاً‪ ،‬بكمالِ َشعْبان ثالثني يوماً‪ ،‬أو رؤية‬
‫َعدْلٍ واحد‪َ ،‬وَلوْ َمسْتوراً هِاللَه بعد الغُروبِ‪ ،‬إذا َش ِهدَ هبا عند القاضي‪ ،‬ولو مع‬
‫إِطباقِ غَيمٍ‪ ،‬بلفظِ‪ :‬أش َهدُ أين رأيتُ اهلِاللَ‪ ،‬أو َّأنهُ هَلّ‪ .‬وال يكفي‪ :‬قوله‪ :‬أشهدُ أن‬
‫غداً من رمضان‪ .‬وال ُيقْبَلُ على شهادَتِه إال بشهادة عدلني‪ ،‬وبِثُبوتِ رُؤيةِ هِالل‬
‫رمضان عند القاضي بشهادةِ َعدْلٍ بني يدَيْهِ كما مرّ ومع قوله ثَبتَ عندي‪ :‬جيبُ‬
‫الصوْمُ على مجيعِ أهلِ البلدِ املرئيّ فيه‪ ،‬وكالثبوتِ عندَ القاضي‪ :‬اخلربُ املتواترُ برؤيته‪،‬‬
‫َّ‬
‫ولو من كُفار‪ ،‬إلِفادته العلم الضروريّ‪ ،‬وظنّ دخوله باألمارَةِ الظاهرةِ اليت ال تتخلّفُ‬
‫عادة‪ :‬كرؤيةِ القناديلِ املعلَّقةِ باملنائِر ويل َزمُ الفاسِقُ والعبدُ واألنثى‪ :‬العمل برؤيةِ‬
‫صدْق حنوِ فاسقٍ ومراهِقٍ يف أخبارِهِ برؤيةِ نفسهِ‪ ،‬أو ثبوهتا يف‬ ‫نفسِه‪ ،‬وكذا من اعتقدَ ِ‬
‫بلدٍ متحِد مطَلعُه‪ :‬سَواء أَوَّل رمضان وآخِره على األصح واملعتمدُ‪ :‬أن له بل عليه‬
‫اعتماد العالماتِ بدخولِ شوّال‪ ،‬إذا َحصَل له اعتقادٌ جا ِزمٌ بصِ ْدقِها كما أفىت به‬
‫‪65‬‬
‫ج ْمعٍ حمققني وإذا صاموا ولو برؤيةِ َعدْل أفطروا بعد‬ ‫شيخانا‪ :‬ابن زياد وحجر‪ ،‬ك َ‬
‫ثالثني‪ ،‬وإن مل يَروا اهلاللَ ومل يكن غيمٌ‪ ،‬لكمالِ ال ِعدّة حبُجّةٍ شرعيّة‪ .‬ولو صام بقولِ‬
‫صحْو‪ :‬مل َيجُزْ له الفَطرُ‪ ،‬ولو رجَعَ الشاهدُ‬ ‫من يثِق‪ ،‬مث مل يُرَ اهلاللُ بعد ثالثني معَ ال ّ‬
‫بعد شرو ِعهِم يف الصّوم‪ :‬مل جيز هلم الفطر‪ .‬وإذا ثَبتَ رؤيتُه ببلدٍ‪ ،‬ل ِزمَ حُكمُهُ البلدَ‬
‫القريبَ دونَ البعيدِ ويثبت البعدُ باختالفِ املطاِلعِ على األصح واملرادُ باختالفِها‪:‬‬
‫أن يتبا َعدَ احملالن حبيثُ لو رُؤي يف أحدمها‪ :‬مل يُرَ يف اآلخَرِ غالباً‪ ،‬قاله يف األنوار‪.‬‬
‫وقال التاج التربيزي وأقرّه غريه ‪ :‬ال ميكنُ اختالفُها يف أقلّ من أربعة وعشرين‬
‫فَرْسخاً‪ .‬ونَبَّه السّبكيّ وتبعه غريه ‪ :‬على أنه يلزم مِن الرؤيةِ يف البلدِ الغريب من غري‬
‫عَكْسٍ‪ ،‬إذ الليلُ يدْخلُ يف البالدِ الشرقيّة قبل‪ .‬وقضية كال ِمهِم أنه مىت رُؤيَ يف‬
‫ت املطَاِلعُ‪.‬‬
‫شرقي‪ :‬لز َم كل غريبّ بالنسبة إليه العملُ بتلكَ الرؤية‪ ،‬وإن اختل َف ِ‬
‫ص ْومُ َرمَضانَ (على) كل مُكلِّفٍ أي بالغ عاقِلٍ‪( ،‬مُطيقٍ له) أي‬ ‫وإمنا ِجيبُ َ‬
‫صيبّ‪ ،‬وجمنونٍ‪ ،‬وال على من ال يُطيقُه لِكَبِرٍ‪ ،‬أو‬ ‫للصوم ِحسّاً‪ ،‬وشَرعاً‪ ،‬فال جيبُ على َ‬
‫مَ َرضٍ ال يُرْجى بَرْؤه‪ ،‬ويلزمهُ ِمدّ لكل يوم‪ :‬وال على حائِض‪ ،‬ونفساءَ‪ ،‬ألهنما ال‬
‫تُطيقانِ شَرْعاً ‪.‬‬
‫(وف ْرضُه) أي الصّوم (نيّةٌ) بالقلبِ‪ ،‬وال يُشترَطُ التلفظ هبا‪ ،‬بل يُندب‪ ،‬وال جيزىءُ‬
‫صدَ به التّقوِّي على الصّوم وال االمتناعُ مِن تناولِ ُمفْطِرٍ‪ ،‬خوفَ‬ ‫سحّرُ وإن ُق ِ‬ ‫عنها الت َ‬
‫الفَجرِ‪ ،‬ما مل َيخْطُر ببالهِ الصومُ بالصفات اليت جيبُ التع ّرضُ له يف النية (لكل يوم)‪:‬‬
‫فلو َنوَى أوَّل ليلةِ رمضان صَ ْومَ مجيعِهِ‪ :‬مل يكفِ لغريِ اليومِ األوَّل‪ .‬قال شيخنا‪ :‬لكن‬
‫ص ْومُ اليومِ الذي نسي النية فيه عند مالك كما ُتسَنّ له أوَّل‬ ‫ينبغي ذلك‪ ،‬ليحصل له َ‬
‫ص ْومُه عند أيب حنيفة‪ .‬وواضِح أن حملّه‪ :‬إن قلَّد‪،‬‬ ‫حصَلُ له َ‬‫اليومِ الذي َنسِيَها فيه‪ ،‬لَي ْ‬
‫وإال كان مُتَلَبساً بعبادَةٍ فاسدةٍ يف اعتقادِهِ (وشُرِطَ لفرضِهِ) أي الصوم ولو َنذْراً‪ ،‬أو‬
‫ص ْومَ استسقاءٍ أمَرَ بهِ اإلِمامُ (تَبييتُ) أي إيقاع النيّة ليالً‪ :‬أي فيما غروبِ‬ ‫كَفارة‪ ،‬أو َ‬
‫الشمسِ وطلوعِ الفجرِ‪ ،‬ولو يف صوم املميِّزِ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬ولو شكّ هل وق َعتْ نيّتُه‬
‫قبل الفجرِ أو بعدَه؟ مل تصحّ‪ ،‬ألن األصل عدم وقوعِها ليالً‪ ،‬إذ األصلُ يف كل حادث‬
‫تقديرُه بأقربِ زمنٍ خبالفِ ما لو نَوَى مث شكّ‪ :‬هل َطَلعَ الفجرُ أو ال؟ ألنّ األصلَ‬
‫عدمُ طلوعِهِ‪ ،‬لألصلِ املذكورِ أيضاً‪ .‬انتهى‪ .‬وال يُبطلها حنو أكلٍ ومجاعٍ بعدها وقبل‬
‫الفجرِ‪ .‬نعم‪ ،‬لو قطعها قبله‪ ،‬احتاجَ لتجديدها قطعاً‪( .‬وتعينيٌ) ملن ِويّ يف الفَرْضِ‬
‫كرمضان‪ ،‬أو نذر أو كفارة بأن ينوي كل ليلَةٍ أنه صائمٌ غداً عن رمضان‪ ،‬أو النذر‪،‬‬
‫أو الكفارة وإن مل يعيِّن سَبَبَها‪ .‬فلو َنوَى الصوم عن فرضِهِ‪ ،‬أو فرضِ وقتِهِ‪ :‬مل يَكْفِ‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬مَنْ عليه قضاءُ رمضانني‪ ،‬أو نذرٌ‪ ،‬أو كفارَ مِن جهات خمتلِفة‪ :‬مل يشترَط التعينيُ‬
‫الحتادِ اجلُنِسِ‪ .‬واحتُ ِرزَ باشتراطِ التّبييتِ يف الفرض عن َّالنفْلِ‪ ،‬فتصح فيه ولو مُو َءقّتاً‬
‫النيةُ قب َل الزَّوال‪ :‬للخربِ الصحيحِ‪ ،‬وبالتعينيِ فيه النفل أيضاً‪ ،‬فيصح ولو مؤقتاً بنية‬
‫مطلقة كما اعتمده غري واحد‪ .‬نعم‪ ،‬حبث يف اجملموعِ اشتراطُ التعيني يف الرواتبِ‬
‫كعَ َرفَة وما معها فال حيصَلُ غريها معها‪ ،‬وإن نوى‪ ،‬بل مُقَتضَى القياسُ كما قال‬
‫اإلسنَويّ أن نيتهما مبطلة‪ ،‬كما لو نوى الظهر وسُنّته‪ ،‬أو سُنة الظهر وسنة العصر‬
‫فأقل النية اجملزئة‪ :‬نويتُ صَوْمَ رمضان‪ ،‬ولو بدون الفرض على املعتمد كما صححه‬
‫يف اجملموع‪ ،‬تبعاً لألكثرين‪ ،‬ألن صومَ رمضان من الباِلغِ ال ي َقعُ إال فَرْضاً‪ .‬ومُقتضى‬
‫كالمُ الروضة واملنهاج وجوبُه‪ ،‬أو بال غدٍ كما قال الشيخان ألن لفظ الغد‪ ،‬اشتهر‬
‫س مِن َحدّ التعيني‪ ،‬فال جيبُ التعرّضُ‬ ‫يف كالمهم يف تفسري التعيني وهو يف احلقيقةِ لي َ‬
‫له خبصوصِه‪ ،‬بل يكفي دخولُه يف صوم الشهرِ املنوي حلُصولِ التعيني حينئذ‪ ،‬لكن‬
‫ص ْومَ َغدٍ عن أداءِ‬ ‫قضيةَ كالمِ شيخنا كاملزجد ‪ :‬وجوبه (وأَكملها) أي النية‪َ( :‬نوَْيتُ َ‬
‫‪66‬‬
‫صحّةِ النية حينئذٍ اتفاقاً‪،‬‬ ‫فَ ْرضِ رمضان) باجلرِّ إلضافتِهِ ملا بعده (هذه السَنَة هلل تعاىل) ِل ِ‬
‫ّعرضُ‬ ‫وحبث األذرعيّ أنه لو كان عليه مثل األداء كقَضاءِ رمضان قبله‪ :‬لزمَهُ الت ُّ‬
‫لألداءِ‪ ،‬أو َتعْينيُ السّنة (ويَفطرُ عا ِمدٌ) ال ناسٍ للصوم‪ ،‬وإن كثر منه حنو مجاعٍ وأكلٍ‬
‫(عاملٌ) ال جاهل‪ ،‬بأن ما تعاطاه مفطرٌ ِلقُرْبِ إسالمِه‪ ،‬أو َنشْئِهِ ببادَِيةٍ بعيدةٍ عَمّن‬
‫صدٌ‪ ،‬وال فِكرٌ‪ ،‬وال تلذّذ (جبماعٍ) وإن‬ ‫يعرِف ذلك (خمتارٌ)‪ ،‬ال مكرَه مل حيصلْ منه َق ْ‬
‫مل يُنْزِل (واستمْناء) ولو بَيدِهِ أو بَيدِ حَليلَتِهِ‪ ،‬أو بِلمْسٍ ملا ينقضُ ْملسُه بال حائِلٍ (ال‬
‫ضمّ) المرأة (حبائِلٍ)‪ :‬أي معه‪ ،‬وإن تك ّررَ بِش ْهوَةٍ‪ ،‬أو كانَ احلائلُ رقيقاً‪،‬‬ ‫ب) قُبَلةٍ و ( َ‬
‫ضمّ امرأةً أو قَبَّلها بال مُال َمسَة بدَنٍ بال حبائِلٍ بينهما فأنْزَلَ‪ :‬مل ُيفْطِرْ‪ ،‬النتِفاء‬ ‫فلو َ‬
‫املباشَرَةِ كاالحْتِالمِ‪ .‬واإلنزالِ بِنَظَرٍ وفِكْرٍ‪ ،‬ولو ملَسَ حمْرَماً أو َشعْرَ امرأةٍ فأنْزَلَ‪ :‬مل‬
‫ُيفْطِر ِل َع َدمِ النَّقضِ به‪.‬‬
‫وال ُيفْطِر خبروجِ مَذيٍ‪ :‬خالفاً للمالكية (واستِقاءَةٌ) أي استدعاءُ قيْءٍ وإن مل َي ُعدْ‬
‫جل ْوفِهِ‪ :‬بأن تَقيّأَ مُنَكّساً أو عاد بِغريِ اختيارِهِ‪ ،‬فهو ُمفْطِرٌ ِلعَيْنِه‪ ،‬أما إذا غَلَبَه‬ ‫مِنه شيءٌ َ‬
‫ومل َي ُعدْ منه أو مِ ْن رِيقِهِ املتنجِّسِ به شيء إىل َج ْوفِهِ بعد وُصولِهِ حلَدِّ الظاهِرِ‪ ،‬أو عادَ‬
‫بغريِ اختيارِهِ‪ :‬فال ُيفْطِرُ به للخرب الصحيح بذلك (ال ِبقَ ْلعِ خنامَةٍ) من الباطِنِ أو‬
‫الدّماغِ إىل الظاهِرِ‪ ،‬فال ُيفْطِرُ به إن َلقَطَها لتكرّر احلاجة إليه‪ ،‬أما لو ابتلعها مع القدرة‬
‫على لفظِها بعد وصوهلا حلدِّ الظاهر وهو َمخْ َرجُ احلاءِ ا ُمل ْهمِلة فُيفْطِر قطعاً‪ .‬ولو‬
‫دخَلتْ ذبابَةٌ َج ْوفَهُ‪ :‬أَفطَرَ بإِخراجِها مُطْلقاً‪ ،‬وجازَ له إِن ضَرَّه بقاوها مع القضاءِ‪:‬‬
‫كما أفىت به شيخنا‪.‬‬
‫سمّى ( َجوْفاً)‪ :‬أي َجوْفَ من مَرّ‪:‬‬ ‫(و) ُيفْطِرُ (بدخول عَيْنٍ) وإن قَلَّت إىل ما ُي َ‬
‫حلشَفة أو احلُل َمةَ‬ ‫كباطِنٍ أُذُنٍ‪ ،‬وِإحْليلٍ‪ ،‬وهو َمخْ َرجُ َبوْلٍ ولنبٍ وإن مل جيا ِوزِ ا َ‬
‫وَوصول أصبعِ املستنجِيَة إىل وراءِ ما ي ْظهَرُ مِن فَرْجِها عند جُلوسِها على َق َدمَيْها‪:‬‬
‫وقيدَهُ السّبكي مبا‬ ‫ُمفْطِرٌ‪ ،‬وكذا وُصولُ بعضُ األمنُلَةِ إىل ا َملسْرَبَة‪ ،‬كذا أطلقه القاضي‪َّ ،‬‬
‫سمّى َجوْفاً‪،‬‬ ‫إذا وصَلَ شيء منها إىل احمللّ اجملَوَّفِ منها‪ ،‬خبالفِ أوَّهلا املنطبِق فإنه ال ُي َ‬
‫وأَحلقَ بهِ أوّل اإلِحْليل الذي يظهرُ عندَ حتريكِهِ‪ ،‬بل أوْىل‪ .‬قال ولده‪ :‬وقول القاضي‪:‬‬
‫ط بالليلِ‪ :‬مرادُه أ ّن إيقاعَ ُه فيه خريٌ منه يف النهارِ‪ ،‬لئال يصلَ شيء إىل‬ ‫االحتياط أن يََتغَوَّ َ‬
‫جوفِ َمسْرَبَتِه‪ ،‬ال أنه يؤمر بتأخ ِريهِ إىل الليلِ‪ ،‬ألن أحداً ال يؤمَر مبضرِّةٍ يف َبدَنِه‪ ،‬ولو‬
‫خَرَجَت َم ْق َعدَةُ مَْبسُورٍ‪ :‬مل يُفطِر بعَوْدِها‪ ،‬وكذا إن أعادَها بأُصبعه‪ ،‬الضطراره إليه‪.‬‬
‫ومنه يؤخذ كما قال شيخنا أنه لو اضطرّ لدُخولِ األُصبعِ إىل الباطِنِ مل يفطر‪ ،‬وإال‬
‫بالذوْقِ إىل حَلْقِهِ ‪.‬‬‫أفطر وصول األصبع إليه‪ .‬وخَ َرجَ بالعنيِ‪ :‬األثرُ كوصول الطَّعمِ َّ‬
‫وخَ َرجَ مبن مرّ أي العامد العامل املختار الناسي للصّومِ‪ ،‬واجلاهِلُ املعذورُ بتحرميِ‬
‫إيصالِ شيء إىل الباطِنِ‪ ،‬وبِ َكوِْنهِ ُمفْطِراً واملُكْرَهُ‪ ،‬فال يَفطر كل منهم بدخولِ عَيْن‬
‫َجوْفه‪ ،‬وإن كَثُرَ أكلُهُ‪ ،‬ولو ظَنَّ أن أكلَهُ ناسياً ُمفْطِرٌ فأكلَ جاهِالً بوجوبِ اإلِمساك‪:‬‬
‫ضعَه فيه فسَبقَهُ أفطَرَ‪ .‬أو وضع يف‬ ‫أَفطَرَ‪ .‬ولو ت َع ّمدَ فتحَ َفمِهِ يف املاءِ فدخلَ جوفَه أو و َ‬
‫فيهِ شيئًا عمداً وابتلَعه ناسياً‪ ،‬فال‪ .‬وال يفطر بوصول شيء إىل باطنِ َقصََبةِ أنفٍ حىت‬
‫جيا ِو َز منتهى اخلَْيشُوم‪ ،‬وهو أ ْقصَى األَنْفِ‪.‬‬
‫ص ابتَلعَهُ (مِن َم ْعدَنِهِ) وهو مجيع ال َفمِ‪،‬‬ ‫و (ال) يفطرُ (بريقٍ طاهرٍ صَرْفٍ) أي خالِ ٍ‬
‫ولو بع َد َج ْمعِهِ على األصح‪ ،‬وإن كان بنحوِ ُمصْطَكىً‪ .‬أما لو ابتَلعَ رِيقاً اجت َمعَ بال‬
‫ِفعْل‪ ،‬فال يضرْ قطعاً‪ .‬وخَ َرجَ بالطاهر‪ :‬املُتَنجِّسُ بنحوِ دَمِ لَثْتِهِ فيُفطِرُ بابتالعُه‪ ،‬وإن‬
‫صفا‪ ،‬ومل يبقَ فيه أثرٌ مطلقاً‪ ،‬ألنه ملا حَ ُرمَ ابتالعُه لتنجّسهِ صارَ مبنزلةِ عَيْنٍ أجنبية‪ .‬قال‬
‫شيخنا‪ :‬ويظهرُ العَ ْفوُ عمن ابتليَ ب َدمِ لثتِه حبيثُ ال ميكِنُهُ االحترازُ عنه‪ .‬وقال بعضُهم‪:‬‬
‫مىت ابتَلعَه املبتَلى بهِ مع علمِهِ به وليس له عنده بدّ‪ ،‬فصومه صحيح‪ ،‬وبالصرفِ‬
‫‪67‬‬
‫املختِلطِ بطاهِرٍ آخرَ‪ ،‬فيفطرُ من ابتَلعَ رِيقاً مُتغيّراً ُحبمْرةَ حنو تَنْبَلٍ وإن َتعَسَّرَ إزالتُها‪ ،‬أو‬
‫ِبصِْبغِ َخْيطٍ فَتَلَهُ ِب َفمِهِ‪ ،‬ومبن َم ْعدَنُه ما إذا خَ َرجَ من ال َفمِ ال على لسانِهِ ولو إىل ظاهِرِ‬
‫الشَّفة مث رَدّه بلسانِه وابتلعَهُ‪ ،‬أو بَلَّ خَيْطاً أو سِواكاً بري ِقهِ أو مباءٍ فرَدّهُ إىل فمِهِ وَعليهِ‬
‫رُطوبةٌ تنفصِلُ وابتلعها‪ :‬فيفطر‪ .‬خبالف ما لو مل يكن على اخليط ما ينفصِل ِلقِلّتِهِ أو‬
‫ِل َعصْرِهِ أو جلَفافِهِ‪ ،‬فإنه ال يضرّ‪ ،‬كأثرِ ماءِ املضمضة‪ ،‬وإن أمكَنَ جمّهُ َل ُعسْرِ التح ّرزِ عنه‪،‬‬
‫فال يكلف تنشيف الفمِ عنه‪.‬‬
‫صدِه‪ :‬مل يُفطِر إن‬ ‫[فرع]‪ :‬لو بقي طعامٌ بني أسناِنهِ َفجَرى بهِ رِيقُهُ بطَْبعِهِ ال ِب َق ْ‬
‫ال مع علمهِ بِبقائِه وجبريا ِن رِيقِهِ به هناراً‪ ،‬ألنّه‬ ‫عجِزَ عن متييزه وجمّه‪ ،‬وإن تَرَكَ التخلّلَ لي ً‬
‫إمنا خياطب هبِما إن َقدَر عليهما حالَ الصّوم‪ ،‬لكِنْ يتأكد التخلّل بعد التّسَحُّر‪ ،‬أما إذا‬
‫ضهِم جيبُ َغسْلُ الفمِ مما أكَلَ‬ ‫مل َي ْعجَزْ أو ابتَل َعهُ قصداً‪ :‬فإنه ُمفْطِرٌ جَزْماً‪ ،‬وقولُ بع ِ‬
‫ليالً وإال أفطَر‪ :‬رَدَّه شيخنا‪.‬‬
‫(وال ُيفْطِرُ بسبقِ ماءٍ َجوْفَ مغَتسِلٍ عن) حنو (جَنابة) كحَيْضٍ‪ ،‬ونَفاسٍ إذا كان‬
‫االغتسالُ (بال انغماس) يف املاءِ‪ ،‬فلو َغسَلَ أُذُني ِه يف اجلنابة َفسَبقَ املاءُ من إحدامها‬
‫جلوفه‪ :‬مل يفطر‪ ،‬وإن أمكنَه إمالَةُ رأ ِسهِ أو ال َغسْ ُل قبل ال َفجْرِ‪ .‬كما إذا سبق املاء إىل‬
‫الداخل للمباَلغَةِ يف غسلِ الفَمِ املتنجّس لوجوهبا‪ :‬خبالف ما إذا اغتسَلَ مُنغَمِساً فسَبَقَ‬
‫املاءُ إىل باطِنِ األُذُنِ أو األنْفِ‪ ،‬فإِنَّهُ يَفْطَر‪ ،‬ولَو يف الُغْسلِ الوَا ِجبِ‪ ،‬لِكَراهَةِ االنغماس‪:‬‬
‫ض َمضَةِ باملباَلغَةِ إىل اجلَوْفِ مع تذكّرِهِ للصوم‪ ،‬وعلمه بعدمِ َمشْروعَِّيتِها‪،‬‬ ‫كسَبْقِ ماءِ ا َمل ْ‬
‫خبالفِهِ بال مبالَغةٍ‪ .‬وخرج بقويل عن حنو جنابةٍ‪ :‬ال ُغسْلُ املسنون‪ ،‬و ُغسْلُ التربُّد‪ ،‬فيُفطِر‬
‫بسبِق ما ٍء فيه‪ ،‬ولو بال انغماس‪.‬‬
‫[فروع]‪ :‬جيوزُ للصَّاِئمِ‪ ،‬اإلِفطارُ خبربِ عدلٍ بالغروبِ‪ ،‬وكذا ِبسَماعِ أذانِه‪ ،‬وَيحْ ُرمُ‬
‫للشّاكّ األكلُ آخِرَ النهار حىت جيتهد ويظن انقضاءه‪ ،‬ومع ذلك األ ْحوَط‪ :‬الصربُ‬
‫لِليَقنيِ‪ .‬وجيوزُ األكلُ إذا ظنّ بقاءَ الليل‪ ،‬باجتهادٍ أو إخبارٍ‪ ،‬وكذا لو شَكّ‪ ،‬ألن‬
‫األصلَ بقاءُ الليلِ‪ ،‬لكن يُكره‪ ،‬ولو أخربَهُ عدلٌ طلوعِ الفجرِ‪ :‬اعتمدَه‪ ،‬وكذا فاسقٌ‬
‫ص ْومُه‪ ،‬إذ ال ِعربَةَ‬ ‫ص ْدقَه‪ .‬ولو أكلَ باجتهادٍ أ ّوالً وآخراً فبانَ أنه أكلَ هناراً‪ ،‬بطلَ َ‬ ‫ظَنّ ِ‬
‫بالظّنِّ البيِّن خَطؤُهُ‪ ،‬فإِن مل يَبَنْ شيء‪ :‬صَحَّ‪ .‬ولو طََلعَ الفجَر ويف َفمِهِ طَعامٌ فَلفَظَهُ قبلَ‬
‫أن ينزِلَ منه شيء جلوفه‪ :‬صحّ صومُه‪ ،‬وكذا لو كان جمامعاً عند ابتداء طلوع الفجر‬
‫فنزع يف احلال أي عقب طلوعه فال يفطر وإن أنزل‪ ،‬ألنّ النزع ترك للجماع‪ .‬فإِن‬
‫ص ْومُ‪ ،‬وعليهِ القضاءُ والكَفارَة (ويباحُ فِطْرٌ) يف صَومٍ واجبٍ‬ ‫مل ينزعْ حاالً‪ :‬مل يَْن َع ِقدِ ال ّ‬
‫(مب َرضٍ ُمضِرّ) ضرراً يبيحُ التيمم‪ ،‬كأن خشي مِنَ الصّومِ بِطء بُ ْرءٍ‪( ،‬ويف َسفَرِ َقصْرٍ)‬
‫ص ْومُ املسافِر بال ضررٍ‪ .‬أ َحبّ مِنَ الفطر (وخلَوْفِ هَالكٍ)‬ ‫دون قصريٍ و َسفَرِ معصِيةٍ‪ .‬و َ‬
‫بالصّومِ من عَطَشٍ أو جُوع وإن كان صحيحاً مقيماً‪ .‬وأفىت األذرعيّ بأنه يلزمُ‬
‫حل َقهُ مِنهُم َمشَقة شديدةٌ َأفْطَرَ‪،‬‬ ‫احلصّادِينَ أي وحنوهم تبييتُ النية كلّ ليلةٍ‪ ،‬مث مَنْ َ‬
‫وإال فال‪.‬‬
‫صوْم الواجب‪ ،‬ك (رمضان) ونذرٍ‬ ‫(وجيب قضاءُ) ما فاتَ ولو بعذرٍ مِنَ ال ّ‬
‫وكفارَةٍ مب َرضٍ أو سفرٍ أو تركِ نيّة أو حبيضٍ أو نفاس‪ ،‬ال جبنونٍ وسِكْرٍ مل يتع ّد به‪.‬‬
‫ويف اجملموع أن قضاءَ يوم الشّكّ على الفور‪ ،‬لوجوب إمساكه‪ .‬ونظر فيه مجعٌ بأنّ‬
‫تاركَ النيةِ يلزمهُ اإلِمساكُ مع أنّ قضاءَهُ على التّراخِي قَطعاً‪( .‬و) جيب (إمساكٌ) عن‬
‫ُمفْطِرٍ (فيه) أي رمضان فقط‪ ،‬دون حنو نذر وقضاءٍ‪( ،‬إن أفطرَ بغريِ عذرٍ) مِن مرضٍ‬
‫أو سفر‪( ،‬أو بغلط) َكمَنْ أكلَ ظاناً بقاءَ الليل‪ ،‬أو نسيَ تبييتَ النية‪ ،‬أو أفطَرَ يومَ‬
‫الشّكّ وبانَ من رمضان‪ ،‬حلُر َمةِ ال َوقْتِ‪ .‬وليسَ املمسك يف صومٍ شَرعيَ‪ ،‬لكنه يثابُ‬
‫عليه‪ ،‬فيأمثُ جبماعٍ‪ ،‬وال كفارَة‪ .‬وُندِبَ إمساكٌ ملريضٍ شُفيَ‪ ،‬ومسافِرٍ َق ِدمَ أثناءَ النّهار‬
‫‪68‬‬
‫ص ْومُ رمضان (جبماعٍ)‬ ‫س َدهُ) أي َ‬ ‫مفطِراً‪ ،‬وحائِضٍ َطهُرَتْ أثناءَه (و) جيبُ (على مَن أف َ‬
‫ُتكررَةً بتك ّررِ اإلِفسادِ‪ ،‬وإن مل‬ ‫أَِثمَ بهِ ألجْلِ الصومِ‪ ،‬ال باستمناء وأكلٍ‪( :‬كفارَةً) م ِّ‬
‫صوْمُ‬ ‫يُكفِّرْ عن السّابقِ (معه) أي مع قضاءِ ذلِكَ الصَّوم‪ .‬والكفارَةُ عِتقُ َرقَبةٍ مؤمِنَةٍ‪َ ،‬ف َ‬
‫شَهرَيْنِ مع التَّتابُع إن َعجِزَ عنه‪ ،‬فإِطعامُ سِتني ِمسْكيناً أو فَقرياً إن عجز عن الصَّوم‬
‫هل َرمٍ أو مَ َرضٍ بنيّةِ كفارَةٍ‪ ،‬وُيعْطَى لكل وا ِحدٍ مُدٌّ من غالِب القوتِ‪ ،‬وال جيوزُ‬
‫صَرفُ الكَفارةِ ملن تل َزمْهُ ُمؤْنَته (و) جيبُ (على مَن أفطَرَ) يف رمضان (ِلعُذرٍ ال يُرْجَى‬
‫زَوالُه) كَكِبَرٍ وم َرضٍ ال يُرْجى بَ ْرؤُه‪( :‬مدّ) لِكلّ َي ْومٍ مِنه إن كان مُوسراً حينئذ (بال‬
‫قضاء) وإن قَ ِدرَ عليه بعد‪ ،‬ألنه غري خماطَبٍ بالصّومِ‪ ،‬فالفِدْيَةُ يف حقه واجبةٌ ابتداءً‪ ،‬ال‬
‫خوْفِ على الوََلدِ‪،‬‬ ‫ضعٍ‪ ،‬أفْطَرَتا لِل َ‬‫جبُ ا ُملدّ مع القضاءِ على‪ :‬حامِلٍ‪ ،‬ومُ ْر ِ‬ ‫َب َدالً‪ ،‬وَي ِ‬
‫(و) جيبُ (على مُؤَخِّرٍ قضاءٌ) لشيءٍ من َرمَضانَ حىت دخلَ رمضانُ آخرَ (بال عُذرٍ)‬
‫يف التأخري‪ :‬بأن خَال عن السّفر واملرضِ قدر ما عليه ( ُمدّ لكلّ سَنَة) فيتكرّر بتكرّرِ‬
‫السنني‪ ،‬على املعتمَد ‪ .‬وخرج بقويل بال عُذرٍ‪ :‬ما إذا كانَ التأخريُ بعذرٍ كأن استمر‬
‫َسفَرُه أو مرضُه‪ ،‬أو إرضاعُها إىل قابِل فال شيء عليه ما بقي ال ُع ْذرُ‪ ،‬وإن استمرّ‬
‫سنني‪ .‬ومَىت أخَّر قضاء رمضان مع متكُّنِهِ حىت دخلَ آخَرُ فماتَ‪ :‬أُخرجَ مِن تَ ِركَِتهِ‬
‫صمْ عنه قريبُه أو مأذونُه‪ ،‬وإال‬ ‫لكلِّ يومٍ مدّان‪ُ :‬مدّ للفواتِ‪ ،‬و ُمدّ للتأخريِ إن مل َي ُ‬
‫وَ َجبَ ُمدّ وا ِحدٌ للتأخري‪ .‬واجلديد‪َ :‬ع َدمُ جوازِ الصوم عنهُ مُطلقاً‪ ،‬بل ُيخْرج من‬
‫ص ْومُ النَّذرِ والكَفارة‪ ،‬وذَهَب النّوويّ كجَمْعٍ‬ ‫تَ ِركَتِهِ لكلّ يومٍ ُمدّ طعامٍ‪ ،‬وكذا َ‬
‫حمققني إىل تصحيح القدمي القائِلِ‪ :‬بأنه ال يتعيّنَ اإلطعامُ فيمَن ماتَ‪ ،‬بل جيوزُ للوَيلّ‬
‫أن يصومَ عنه مث إن خلفَ تر َكةً‪ ،‬وجب أ َحدُمها‪ ،‬وإال نُدِبَ‪ .‬ومَصرَفُ األمدادِ‪ :‬فقريٌ‪،‬‬
‫ومسكنيٌ‪ ،‬وله صرفُ أمدادٍ لواحدٍ‪.‬‬
‫[فائدة]‪ :‬مَنْ ماتَ وعليهِ صَالةٌ‪ ،‬فال قضاءَ‪ ،‬وال فديَة‪ .‬ويف قول كجمع جمتهدين‬
‫أهنا ُت ْقضَى عنه‪ ،‬خلرب البخاري وغريه‪ ،‬ومن مث اختاره مجع من أئمتنا‪ ،‬وفعل به‬
‫السبكي عن بعض أقاربه‪ ،‬ونقل ابن برهان عن القدمي أنه يلزم الويلّ إن خلف تركه‬
‫أن يُصلي عنه‪ ،‬كالصوم‪ .‬ويف وجه عليه كثريون من أصحابنا أنه يُ ْطعَمُ عن كلّ‬
‫صَالةٍ ُم ّداً‪ .‬وقال احملبّ الطربي‪ :‬يُصلّ لِلميّت كل عبادةٍ تُ ْفعَل عنه‪ :‬واجبةٌ أو مندوبةٌ‪.‬‬
‫ويف شرح املختار ملؤلفه‪ :‬مذهب أهل السنة أن لإلِنسان أن جيعلَ ثوابَ عمِلهِ وصالِتهِ‬
‫لغريِه وَيصِلَهُ‪.‬‬
‫سحّرٌ)‪ ،‬وتأخ ُريهُ‪ ،‬ما مل يقعَ يف شَكّ‪ ،‬و َكوْنه‬ ‫(وسُنّ) لصائِمٍ رمضان وغريَه (َت َ‬
‫على متر خلربٍ فيه‪ ،‬وحيصَل ولو ِبجُرْعَةِ ماءٍ‪ ،‬ويدخل وقتُهُ بِنصْفِ الليل‪ .‬وحِ ْكمَتُه‪:‬‬
‫تطيبٌ وقتَ َسحَرٍ‪( ،‬و) سُنّ (تعجيلُ‬ ‫َّالتقَوِّي‪ ،‬أو خمالفة أهلِ الكتابِ؟ وجهان‪ .‬وسُنّ ُّ‬
‫فطرٍ) إذا تيَقَّنَ الغروبَ‪ .‬ويعرف يف العمرانِ والصَّحارى اليت هبا جبالٌ بزوالَ الشعاعِ‬
‫من أعايل احليطانِ واجلبالِ‪ ،‬وتقدميُه على الصالة‪ ،‬إن مل خيشَ مِن تعجيلِهِ فوات‬
‫اجلماعِة أو تكبريَةَ اإلِحرامِ‪( .‬و) كونِه (بتمرٍ) لألمرِ به‪ ،‬واألكملُ أن يكون بثالثٍ‪،‬‬
‫(ف) إن مل جيدهُ فعلى حَسواتِ (ماءٍ)‪ ،‬ولو مِن َزمْ َزمَ‪ ،‬فلو تعارضَ التعجيلُ على املاءِ‪،‬‬
‫والتأخ ُري على التمرِ‪ ،‬قُدِّم األوّل‪ ،‬فيما استظهره شيخنا‪ ،‬وقال أيضاً‪ :‬يظهر يف مترٍ‬
‫َقوَِيتْ شُْبهَتُهُ وماءٌ َحفّت شُبهَته‪ ،‬أن املاءَ أفضل‪ .‬قال الشيخان‪ :‬ال شيء أفضل بعد‬
‫التمرِ غري املاء‪ ،‬فقول الروياين‪ :‬احللوُ أفضلُ من املاء ضعيفٌ‪ ،‬كقول األذرعيّ‪:‬‬
‫الزبيبُ أخو التمر‪ ،‬وإمنا ذكره لتيسُّره غالباً باملدينةِ‪ .‬وُيسَنّ أن يقولَ عَ ِقبَ الفطر‪:‬‬
‫ص ْمتُ‪ ،‬وعلى ِر ْزقِكَ أفطَرْتُ" ويزيد مَنْ أفطَرَ باملاءِ ‪" :‬ذَهَبَ الظّمأ‪،‬‬ ‫"اللهمّ لَكَ ُ‬
‫ت األجْرُ إن شاءَ اهلل تعاىل"‪.‬‬‫وابتَّلتِ العُروقُ‪ ،‬وثَب َ‬

‫‪69‬‬
‫(و) سُنّ (غسلٌ عَن حنوِ جَنابَةٍ قبلَ فَجرٍ) لئِالّ َيصَل املاءُ إىل باطِنٍ حنو أذُنِهِ أو‬
‫دُبُرِهِ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬وقضيّتهُ أنّ وُصولَه لذلك ُمفْطر‪ ،‬وليسَ عُمومه مراداً كما هو‬
‫ظاهر أخذاً مما مرّ‪ :‬إن سَبَقَ ماء حنو املضمضَةِ املشروعِ‪ ،‬أو غسلُ ال َفمِ املتنجّسِ‪ :‬ال‬
‫حمَل هذا على مبالغَةِ مَنْهيّ عنها‪.‬‬ ‫يُفطِر‪ِ ،‬لعُذرهِ‪ ،‬فَلُي ْ‬
‫(و) سُنّ (كَفّ) نَفسٍ عن طعامٍ فيه شُبهةٌ‪ ،‬و ( َش ْهوَةٌ) مُباحَةً‪ .‬من َمسْموعٍ‪،‬‬
‫ومُْبصَرٍ‪َ ،‬ومَسُّ طِيبٍ‪ ،‬وشُمُّهِ‪ .‬ولو تعارَضَت كراهَةُ مَسّ الطّيبِ للصّائمِ‪ ،‬ورَدّ الطيب‪:‬‬
‫فاجتنابُ املسّ َأوْىل‪ ،‬ألن كراهَتَه تؤدّي إىل َنقْصانِ العِبادةِ‪ .‬قال يف احلِلية‪ :‬ا َألوْىل‬
‫لِلصّاِئمِ تَركُ االكتحال‪ .‬ويُكْ َرهُ سِواكٌ بعدَ الزّوالِ‪ ،‬وقتَ غروبٍ‪ ،‬وإن نامَ أو أكلَ‬
‫كرِيهاً ناسياً‪ .‬وقال مجعٌ‪ :‬مل يكْرَهُ‪ ،‬بل ُيسَنّ إن تغيّر ال َفمُ بنحوِ َنوْمٍ ‪.‬ومما يَتَأكّد‬
‫ألجْرِ‪ ،‬كما‬ ‫حمرمٍ كَ َكذِبٍ وغَيْبَةٍ‪ ،‬و ُمشَامتَةٍ ألنه حمبطٌ ل َ‬ ‫لِلصائمِ‪ :‬كفّ اللّسانِ عن كلِّ َّ‬
‫صَرّحُوا بِهِ‪ ،‬و َدلّت عليه األخبارُ الصحيحة‪ ،‬ونصّ عليه الشافعيّ وَاألصحاب‪ ،‬وأقرّهُم‬
‫حثُ األذرعيّ حُصولهُ وعليهِ إِمثُ َم ْعصِيَتِهِ‪ .‬وقال بعضُهم‪ :‬يبطُل‬ ‫يف اجملموعِ‪ ،‬وبه يُرَدّ َب ْ‬
‫ص ْومِهِ‪ ،‬وهو قياسُ َمذْهَب أمحد يف الصالة يف املغصوب‪ .‬ولو شَتمَه أحدٌ فليقل‬ ‫أصلُ َ‬
‫ولو يف َنفْلٍ إين صائمٌ‪ ،‬مرتني أو ثالثاً يف نفسه تذكرياً هلا‪ ،‬وبلسانه‪ :‬حيثُ مل يظن‬
‫رياءٌ‪ ،‬فإ ِن اقتصَرَ على أحدهِما‪ :‬فا َألوْىل بلِسانِهِ‬
‫ص َدقَةٍ)‪ ،‬وَتوْ ِسعَةٌ‬
‫(و) سُنَّ مع التأكيدِ (برمضان)‪ ،‬وعشره األخريِ آكد‪( ،‬إكثارُ َ‬
‫على عِيالٍ‪ ،‬وإحسانٌ على األقاربِ واجلريانِ لالتّباع وأن يُفطِّرَ الصائمني أي‬
‫ُي َعشّيهم إن قَدر‪ ،‬وإال فعَلى حنو شُرْبةٍ‪( ،‬و) إكثارُ (تال َوةٍ) للقرآنِ يف غريِ حنوِ احلشّ‪،‬‬
‫ولو حنو طريقٍ وأفضلُ األوقاتِ للقراءَةِ من النهارِ‪ :‬بعد الصّبْحِ‪ ،‬ومِنَ الليلِ‪ :‬يف‬
‫سحَر‪ ،‬فبيْن العشاءَين‪ .‬وقراءَةُ الليل أوىل‪ .‬وينبغي أن يكون شأن القاريء‪ :‬التدبّر‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫قال أبو الليث يف البستانِ‪ :‬ينبغي للقارىء أن خيتمَ القرآنَ يف السنة مرّتني إن مل يق ِدرَ‬
‫على الزيادة ‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬مَنْ قرأ القرآنَ يف كل سَنَة مرتني‪ :‬فقد أدّى َحقّه‪،‬‬
‫وقال أمحد‪ :‬يُكْرَهُ تأخريُ خَتمَةٍ أكثر من أربعنيَ يوماً بال عذرٍ حلديث ابن عمر‪( .‬و)‬
‫إكثارُ عبادَةٍ و (اعتِكافٌ) لالتّباعِ (سِيما) بتشديدِ الياءِ‪ ،‬وقد خيفف‪ ،‬واألفصح جَرّ ما‬
‫بعدها‪ ،‬وتقدميُ ال عليها‪َ .‬ومَا زائدةٌ وهي دالةٌ على أن ما َب ْعدَها َأوْىل باحلكم مما قبلها‬
‫(عشر آخره) فيتأكّد له إكثارُ الثالثةِ املذكورةِ لالتّباعِ وُيسَنّ أن مي ُكثَ معتَكِفاً إىل‬
‫صَالةِ العيدِ‪ ،‬وأن يَعتَكِفَ قبلَ دُخولِ ال َعشْرِ‪ ،‬ويتأ ّكدُ إكثارُ العباداتِ املذكورَة فيه‬
‫رجاءَ مصا َدفَةِ ليلةِ القَ ْدرِ‪ ،‬أي احلُكم والفصل أو الشرف‪ ،‬والعملُ فيها خريٌ من‬
‫حصِرَة عندنا فيه‪ ،‬فأرْجاها‪ :‬أو تارُه‪،‬‬ ‫العملِ يف ألفِ شهرٍ ليسَ فيها ليلةَ القَ ْدرِ وهي من َ‬
‫وأرْجَى أوتاره عند الشافعي‪ :‬ليلةَ احلادِي أو الثالثِ والعشرين‪ ،‬واختارَ النووي‬
‫وغريه انتقاهلا‪ .‬وهي أفضلُ ليايل السنة‪ ،‬وصحّ‪" :‬مَن قامَ ليلةَ ال َق ْدرِ إمياناً أي تصديقاً‬
‫بأهنا حقّ وطاعة واحتساباً أي طلباً لرضا اهلل تعاىل وثوابه ُغفِرَ له ما تقدَّم من ذنبِه"‬
‫ويف رواية‪" :‬وما تأخَّر"‪ .‬و َروَى البيْهقيّ خربَ "من صَلى املغرِبَ والعِشاءَ يف مجاعةٍ‬
‫حىت ينقضِيَ شهر رمضان‪ :‬فقد أخذَ من ليلةِ القَدرِ حبَظّ وافِر"‪ .‬ورَوى أيضا‪" :‬مَن‬
‫َش ِهدَ العِشاءَ األخريَة يف مجاعَةٍ مِن رمضان فقدْ أدرَكَ ليلَةَ ال َق ْدرِ"‪ .‬و َشذّ مَن زَ َعمَ أهنا‬
‫ليلةَ الّنصْفِ من شعبانِ‪.‬‬
‫[تتمة]‪ُ :‬يسَنّ اعتكافُ كل وقتٍ‪ ،‬وهو لبثٌ َفوْقَ َق ْدرِ طُمأنينةِ الصّالة‪ ،‬ولو‬
‫مُتَردّداً يف مسجدٍ أو رَحَبَتِهِ اليت مل يتيقّن حُدوثها َبعْدَه‪ ،‬وأهنا غري مسجدٍ بنيّة‬
‫اعتِكافٍ‪ .‬ولو خَ َرجَ ولو خلَالءٍ مَن مل يقدِّر االعتكِافَ املندوبَ أو املنذورَ مبدّةٍ بال‬
‫عَ ْزمِ َعوْدٍ جَدَّدَ النية وجوباً إن أراده ‪ .‬وكذا إذا عادَ بعدَ اخلروجِ لغريِ حنو خَالءٍ مَنْ‬
‫جبْ جتديدُ النيّة‪ .‬وال َيضُرّ اخلروجُ‬ ‫قيّده هبا‪ ،‬كيوم‪ .‬فلو خَ َرجَ عازِماً ِلعَوْدٍ فعادَ مل َي ِ‬
‫‪70‬‬
‫يف اعتِكافٍ نَوى تتابعه‪ ،‬كأن نَوَى اعتكافَ أسبوعٍ‪ ،‬أو شهرٍ متتابع‪ ،‬وخرج لقضاءِ‬
‫حاجةٍ ولو بال ِشدّهتا وغُسل جَنابة‪ ،‬وإزالة جنس وإن أمكنَهما يف املسجدِ‪ ،‬ألنه‬
‫أصونُ ملُروءَتِهِ وحلُ ْرمَةِ املسجدِ‪ ،‬أكل طعامٍ‪ ،‬ألنه يستحيا منه يف املسجدِ‪ ،‬وله الوضوء‬
‫بعدَ قضاءِ احلاجةِ تبعاً له‪ .‬ال اخلروج له قصداً‪ ،‬وال ِل ُغسْلٍ مسنون‪ ،‬وال يَضرّ بُعدُ‬
‫ضعٌ أقرب منه‪ ،‬أو َي ْفحَش البُعدُ‪ ،‬فَيضُرّ‪ ،‬ما مل يكن‬ ‫موضِعها‪ ،‬إال أن يكونَ لذلك مو ِ‬
‫األقرَب غري الئقٍ به‪ ،‬وال يكلّف املشي على غري َسجِيَّته‪ ،‬وله صالةٌ على جنازَةٍ إن مل‬
‫ينتَظِر‪ .‬وخيرج جوازاً يف إعتِكافٍ متتابع ملا استثناهُ من غَ َرضٍ دُنَي ِويّ‪ :‬كلِقاءِ أمريٍ أو‬
‫أُخْ َر ِويّ كَوضوءٍ‪ ،‬و ُغسْلٍ مسنونٍ‪ ،‬وعيادَة مريضٍ‪ ،‬وتعزيةِ مصابٍ‪ ،‬وزيارةِ قادمٍ من‬
‫َسفَرٍ ويبطُلُ حبماعٍ وإن استثناهُ أو كان يف طريقِ قضاءِ احلاجَةِ وإنزالِ َمينّ مبباشَ َرةٍ‬
‫بشهوَةٍ كقُبلة وللمعتكِفِ اخلروجُ من التطوّعِ لنحو عيادَةِ مريضٍ‪ .‬وهل هو أفضلُ‪،‬‬
‫أو تركُه‪ ،‬أو سَواء؟ وُجوه‪ ،‬واألوْجه كما حبث البلقيين أن اخلروجَ لعيا َدةِ حنو رَ ِحمٍ‬
‫وجارٍ وصديقٍ‪ ،‬أفضل‪ .‬واختارَ ابنُ الصالح الترك‪ ،‬ألنه كان يعتكف ومل خيرجْ‬
‫لذلك‪.‬‬
‫[مهمة]‪ :‬قال يف األنوار‪ :‬يبطلُ ثوابُ االعكتافِ بشتمٍ‪ ،‬أو غيبةٍ‪ .‬أو أكل حرام‪.‬‬
‫(فصل)‪ ِ:‬يف صوم التطوع وله مِنَ الفضائِلِ واملَثُوبَةِ ما ال يُحصيهِ إال الّلهُ تعاىل‪،‬‬
‫ومِن مث‪ ،‬أضافَهُ تعاىل إليه دون غريِهِ مِنَ العَبادات‪ ،‬فقال‪" :‬كل عملُ ابن آدم له إال‬
‫الصّوم‪ ،‬فإنه يل‪ ،‬وأنا أجزي به"‪ .‬ويف الصحيحني‪" :‬من صامَ يوماً يف سبيلِ اهلل‪ ،‬باعَد‬
‫اللّهُ و ْجهَهُ عن النارِ سَْبعِنيَ خَرِيفاً"‪.‬‬
‫ص ْومُ يَومِ عَرفة) لغريِ حَاجّ‪ ،‬ألنه يُكَفِّر السنةَ اليت هو فيها والّيت‬ ‫(وُيسَنّ) مُتَأكّداً ( َ‬
‫ص ْومُ الثامن مع عرفة‪.‬‬ ‫بعدها كما يف خرب مسلم وهو تاسع ذي احلجة‪ ،‬واأل ْحوَط َ‬
‫واملُكَفَّر‪ :‬الصغائر اليت ال تتعلَّقُ ِبحَقِّ اآل َدمِيّ‪ ،‬إذِ الكَبائِرِ ال يُكَفِّرُها إال التّوبَةُ‬
‫الصحيحة‪ .‬وحُقوقُ اآلدمي مُتَوقفة على رضاه‪ ،‬فإِن مل تَكُنْ له صغَائر زيدَ يف‬
‫حسَنَاتِهِ‪ .‬ويتأكد صوم الثمانية قبله‪ :‬للخرب الصحيح فيها‪ ،‬املقتضي ألفضلية َعشْرِها‬
‫على َعشْرِ رمضان األخري‪( .‬و) يوم (عاشوراء) وهو عاشر احملرّم‪ ،‬ألنه يُ َكفّر السنة‬
‫املاضية كما يف مسلم ‪( .‬وتاسوعاء)‪ :‬وهو تاسعه‪ ،‬خلرب مسلم‪" :‬لئن بَقيتُ إىل قابِل‬
‫َن التاسع"‪ .‬فماتَ قبله‪ .‬واحلِكمة‪ :‬خمالفةُ اليهود‪ ،‬ومن مث سُنّ ملن مل َيصُمْه‪:‬‬ ‫ألَصوم َّ‬
‫صوم احلادي عشر‪ ،‬بل إن صامه‪ ،‬خلربٍ فيه‪ .‬ويف األمّ‪ :‬ال بأس أن يفرده‪ .‬وأما‬
‫أحاديث االكتحال والغسل‪ ،‬والتّطيُّب يف يوم عاشوراء‪ ،‬فمِن وضعِ الكذَّابني (و)‬
‫ص ْومَها مع صومِ رمضان‬ ‫صَومُ (سِتّة) أيامٍ (من شوّال) ملا يف اخلرب الصحيح أن َ‬
‫كصيامِ الدّهر‪ .‬واتصاهلا بيومِ العيدِ أفضل‪ :‬مبادرةً للعبادَةِ‪( ،‬وأيامُ) الليايل (البيضِ)‬
‫وهي‪ :‬الثالث عشر وتالياه‪ ،‬لصحة األمر بصومها‪ ،‬ألن صوم الثالثة كصوم الشهر‪ ،‬إذ‬
‫حلسنةُ ِب َعشْرِ أمثالِها‪ ،‬ومِن ثَم حتصَلُ السّنة بثالَثةٍ وغريها‪ ،‬لكنها أفضَلُ‪ ،‬ويبدل على‬
‫سقُط‪.‬‬ ‫األوْجَهِ ثالث عشر ذي احلجة بسادِس َعشَرِه‪ ،‬وقال اجلاللُ البلقيينّ‪ :‬ال بل َي ْ‬
‫ص ْومُ (االثنني واخلميس)‬ ‫وُيسَنّ صوم أيام السُّود‪ :‬وهي الثامن والعشرون وتالياه‪( ،‬و) َ‬
‫صوْ َمهُما وقال‪ُ" :‬تعْ َرضُ فيهما األعمالُ‪ ،‬فأ ِحبّ أن‬ ‫حلسَنِ أنه كان يتحرّى َ‬ ‫للخرب ا َ‬
‫ُيعْ َرضَ َعمَلي وأنا صائِم" واملرادُ عَرضها على اهلل تعاىل‪ .‬وأما َر ْفعُ املالئكةِ هلا‪ :‬فإِنه‬
‫مرّة بالليلِ ومرّةَ بالنهارِ‪ ،‬ورفعُها يف شعبانِ حممولٌ‪ ،‬على رفعِ أعمالَ العامِ ْجممَلة‪.‬‬
‫وصومُ االثننيِ أفضلُ من صَومِ اخلميسِ خلصوصيات ذكروها فيه‪ ،‬وعَدُّ احلليميّ‬
‫ص ْو ِمهُما مكروهٌ‪ :‬شَاذّ‪.‬‬‫اعتيا َد َ‬
‫[فرع]‪ :‬أفىت مجع متأخرون حبصولِ ثوابِ عَ َرفَة وما بعدَه بوقوعِ صَومِ فرضٍ‬
‫فيها‪ ،‬خالف للمجموع‪ .‬وتبعه األسنوي فقال‪ :‬إن نوامها مل حيصل له شيء منهما‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫قال شيخنا كشيخه والذي يتجه أن القصدَ وجودُ صومٍ فيها فهي كالتحِيّة‪ ،‬فإن‬
‫نوى التطّوعَ أيضاً‪َ ،‬حصَال‪ ،‬وإال َس َقطَ عن ُه الطّلب‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬أفضل الشهورُ للصوم بعد رمضان‪ :‬األشهرُ احلُرُم‪ .‬وأفضُلهَا احملرَّم‪ ،‬مث‬
‫رَجَب‪ ،‬مث احلِجَّةِ‪ ،‬مث الق ْعدَةِ‪ ،‬مث شهرُ شعبانَ‪ .‬وصَومُ تسع ذي احلجّة أفضلُ من صومِ‬
‫ص ْو ِمهِما‪.‬‬
‫َعشْ ِر احملَرّم اللذين يُْندَب َ‬
‫[فائدة]‪ :‬من َتلَبّسَ بصومِ تَطَوُّعٍ أو صالتِه‪ ،‬فله قَ ْطعُهما ال ُنسُك تَ َطوّع ومَن‬
‫تَلبَّسَ بقضاءٍ واجبٍ‪ ،‬حَرُم قَطْعُه ولو مُوسِعاً‪ ،‬وَيحْ ُرمُ على الزوجة أن تصوم‪ ،‬تطوّعاً‬
‫أو قضا َء موسعاً وزوجُها حاضرٌ إال بإذنِهِ أو عِل ِم رِضاه‪.‬‬
‫[تتمة]‪ :‬حيرُم الصومُ يف أيام التَّشريقِ والعِيدَيْنِ‪ ،‬وكذا يومِ الشّكّ لغريِ ِورْدٍ‪ ،‬وهو‬
‫يوم ثالثي شعبان‪ ،‬وقد شاعَ اخلربُ بني الناسِ برؤية اهلاللِ ومل يَثْبُت‪ ،‬وكذا بعد ِنصْف‬
‫صلْه مبا قبله‪ ،‬أو مل يوافِقْ عادَتَه‪ ،‬أو مل يَكُنْ عن ن ْذرٍ أو قضاءٍ‪ ،‬ولو عن‬ ‫شعبان‪ ،‬ما مل َي ِ‬
‫َنفْلٍ‪.‬‬

‫وهو‪ِ :‬بفَتحِ أوَّله و َكسْرِه لُغةً‪ :‬القصدُ‪ ،‬أو كثرَته إىل مَنْ ُيعَظَّم‪ .‬وشرعاً‪ :‬قصدُ‬
‫ال َكعْبَةِ للُنسُكِ اآليت‪ .‬وهو مِنَ الشّراِئعِ القدميِة‪َ .‬و ُر ِويَ أن آدمَ عليه السّالم حجَّ أربعني‬
‫حجّةً من اهلِْندِ ماشِياً‪ ،‬وأنّ جربيلَ قال له‪ :‬إنّ املالئِكَةَ كانُوا يَطُوفونَ قبلَكَ هبذا البيتِ‬
‫سبعةَ آالفِ سنة‪ .‬قاب ابن إسحاق‪ :‬مل يبعَث اللّهُ نبياً بعدَ إبراهيمَ عليهِ الصّالةُ‬
‫والسّالمُ إالّ حَجّ‪ .‬والذي صَ ّرحَ بهِ غريَهُ‪ :‬أنّه مَا مِن نيبَ إال حَجّ‪ ،‬خِالفاً ملَنْ استَثْنَى‬
‫هُوداً وصاحلاً‪ .‬والصالةُ أفضل منه‪ ،‬خالفاً للقاضي‪.‬‬
‫وفُ ِرضَ يف السّنةِ السادِسِة على األصَحّ‪ ،‬حَجّ قبلَ النّبوّة وَب ْعدَها وقبلَ اهلِجرةِ‬
‫ِحجَجاً ال يُ ْدرَى َعدَدُها‪ ،‬وبعدها ِحجّةُ الوَدَاعِ ال غري‪ .‬وورد‪" :‬من حَجّ هذا البيتِ‪،‬‬
‫خرجَ مِن ذُنوِبهِ كيومَ وَلدتُهُ أمّه" قال شيخنا يف حاشيةِ اإلِيضاحِ‪ :‬قولُه‪ :‬كيومَ ولَدتهُ‬
‫شمَلُ التَّبِعات‪ .‬ووردَ التصريحُ به يف رواية‪ ،‬وأفىت به بعضُ مشاخينا‪ ،‬لكن ظاهُر‬ ‫أمّه َي ْ‬
‫كال ِمهِم خياِلفْه‪ ،‬واألوَّل أ ْوفَق بظواهِرِ السُّنّة‪ ،‬والثاين أوفق بالقواعدِ‪ .‬مث رأيت بعض‬
‫احملققني نقلَ اإلِمجاعَ عليه‪ ،‬وبه يَْن َدِفعُ اإلِفتاءُ املذكورُ متسكاً بالظواهر‪.‬‬
‫صدُ الكَعبةِ للنُّسُكِ اآليت‪.‬‬ ‫(والعمرة) وهي لغة‪ :‬زيادَةُ مكانٍ عامِر‪ .‬وشرعاً‪َ :‬ق ْ‬
‫(جيبان) أي احلجّ وال ُعمْرَةِ وال يغين عنها احلَج وإن اشتمَلَ عليها‪ .‬وخرب‪ :‬سُئِلَ عن‬
‫ال ُعمْرَةِ‪ ،‬أواجِبةً هي؟ قال‪" :‬ال" ضعيفٌ اتّفاقاً‪ ،‬وإن صحّحه التّرمذي‪( .‬على) كل‬
‫مُسلمٍ‪( ،‬مُكَلَّف) أي بالغٍ‪ ،‬عاقلٍ‪( ،‬حُرَ)‪ :‬فال جيبان على صيب وجمنونٍ‪ ،‬وال على‬
‫رقيقٍ‪ .‬فُنسُك غريِ املكلَّفِ ومَن فيهِ رِقّ َي َقعُ نَفالً ال فَرْضاً (مستطيعٍ) للحجّ‪،‬‬
‫بوجدا ِن الزّادِ ذهاباً وإياباً‪ ،‬وأجرَةَ خَفريٍ أي جم ٍري يأمَنْ َمعَهُ والرَّاحِلَة أو مثنَها‪ :‬إن‬
‫كان بينَه وبنيَ مكّة مرحلتانِ أو دونَهما وضَعفَ عن املشيِ مع نفقِة مَن جيبُ عليهِ‬
‫سوَتَه إىل الرّجوع‪ .‬ويُشتَرطُ أيضاً للوجوب‪ :‬أمْنُ الطّريقِ على النفسِ واملالِ‪،‬‬ ‫نفقَتَه و ِك ْ‬
‫ولو مِن رَص َديّ‪ ،‬وإن قلّ ما يأخذه‪ ،‬وغَلَبةُ السالمَةِ لراكبِ البحرِ‪ ،‬فإِن غلبَ اهلَالكُ‬
‫هليجانِ األمْواجِ يف بعضِ األحوالِ أو استويا‪ :‬مل جيبْ‪ ،‬بل َيحْرُم الركوبُ فيه له‬
‫ولغريه‪.‬‬
‫ط للوجوبِ على املرأةِ مع ما ذكر أن خي ُرجَ معها حمْ َرمٌ‪ ،‬أو زوجٌ‪ ،‬أو نِسوَةٌ‬ ‫وشُرِ َ‬
‫ثِقاتُ‪ ،‬ولو إِماءٌ‪ ،‬وذلك حلُ ْرمَةِ َسفَرِها وحدَها‪ ،‬وإن َقصُرَ‪ ،‬أو كانت يف قافِلَةٍ عظيمةٍ‪،‬‬
‫وهلا بال وجوبٍ أن خترُج مع امرأةٍ ثقةٍ ألدَا ِء فَ ْرضِ اإلِسالمِ‪ ،‬وليسَ هلا اخلُروجُ‬
‫لتطوُّعٍ‪ ،‬ولو َمعَ نِسوةٍ كثريَةٍ‪ ،‬وإن قَصُرَ السّفر‪ ،‬أو كانت َشوْهَاء‪ .‬وقد صَرّحوا بأنه‬
‫‪72‬‬
‫َيحْ ُرمُ على املكَّيَّةِ التطوُّع بال ُعمْرَةِ من التّنعِيمِ َمعَ النِّساء‪ ،‬خالفاً ملَن نازَعَ فيهِ (مرّة)‬
‫واحدَةً يف ال ُعمْرِ (بتراخٍ) ال على ال َف ْورِ‪ .‬نعم‪ ،‬إمنا جيوزُ التأخريُ بشرطِ العزمِ على الفعلِ‬
‫يف املستقبَلِ‪ ،‬وأن ال يتضيّقا عليه بنَذرٍ‪ ،‬أو قضاءٍ‪ ،‬أو َخوْف عضبٍ‪ ،‬أو تَلَفِ مالٍ‬
‫بقرينةٍ‪ ،‬ولو ضعيفةٍ‪ .‬وقيل جيبُ على القا ِدرِ أن ال يَتْرُكَ احلجّ يف كل مخسِ سنني‬
‫خلربٍ فيهِ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬جتبُ إنابَةٌ عن ِّميتٍ عليه ُنسُكٌ مِنْ ت َركَتِهِ كما ُت ْقضَى مِنهُ ديونهُ فلو مل‬
‫تَكُنْ لهُ تَركةُ سُنّ لوارِثِهِ أن يفعَلَهُ عنه‪ ،‬فلو فعلَهُ أجنيبّ‪ ،‬جازَ‪ ،‬ولو بال إذنٍ‪ ،‬وعن‬
‫آفاقي معضوبٍ عاجِزٍ عن النسكِ بنفسه‪ :‬لنحوِ َزمَانَةٍ‪ ،‬أو مَ َرضٍ ال يُرْجَى بِرؤه‬
‫بأُجْرةِ مثلٍ َفضَلَتْ عما يَحتاجَه املعضوبُ يومَ االستَئْجارِ‪ ،‬وعما عدا ُمؤْنَة نفسِهِ‬
‫ب بغريِ إذنِهِ‪ ،‬ألن احلجّ َيفَْتقِرُ للنية‪،‬‬ ‫وعِيالِهِ بعدَهُ‪ ،‬وال َيصُحّ أن ُيحَجّ عن م ْعضُو ٍ‬
‫واملعضوبُ أهلُ هلا ولإلِذنِ‪.‬‬
‫(أركانُه) أي احلجّ‪ :‬سِتةٌ‪ .‬أحدُها‪( :‬إحرامٌ) به‪ ،‬أي بنيّة دُخولٍ فيه‪ ،‬خلرب‪" :‬إمنا‬
‫األعمالُ بالنيات"‪ .‬وال جيب تلفظ هبا‪ ،‬وتلبية‪ ،‬بل ُيسَنّان فيقولُ بقلبِهِ ولسانِهِ‪َ :‬نوَْيتُ‬
‫احلجَّ‪ ،‬وأحْ َر ْمتُ بهِ هلل تعاىل لبيك الل ُهمّ لبيك إىل آخرِه‪( .‬و) ثانيها‪( :‬وقوفٌ ِبعَ َرفَة)‬
‫أي حضورهُ بأيّ جزءٍ منها ولو حلظةً‪ ،‬وإن كانَ نائماً‪ ،‬أو ما ّراً‪ ،‬خلربِ الترمذيّ‪" :‬احلجُّ‬
‫عَ َرفَة" وليس منها‪ :‬مسجدُ إبراهيمُ عليه السّالم‪ ،‬وال منِرة‪ .‬واألفضَلُ للذَّكَر حترِّي‬
‫موقفُه‪ ،‬وهو عندَ الصَّخرات املعروفة‪ .‬وسُمَِّيتْ عرفة‪ ،‬قيل‪ :‬ألن آدم وحواء تعارفا هبا‪،‬‬
‫وقيل غري ذلك‪ .‬ووقته (بني زوالٍ) للشمسِ يوم عرفة‪ ،‬وهو تاسعُ ذي احلجّة‪( ،‬و)‬
‫بني طلوعِ (فجرِ) يومِ (حنرٍ)‪ .‬وسُنَّ لهُ اجلمعُ بنيَ الليلِ والنهارِ‪ ،‬وإال أراقَ َدمَ متَّتعٍ‬
‫َندْباً‪( .‬و) ثالثُها‪( :‬طوافُ إفاضَةٍ) ويدخُل وقتُه بانتصافِ ليلةِ النحرِ‪ ،‬وهو أفضلُ‬
‫األركَانِ‪ ،‬حىت مِن الوقوفِ‪ ،‬خالفاً للزركشيّ‪( .‬و) رابعها‪َ ( :‬سعْيٌ) بني الصّفا واملَ ْروَةِ‬
‫(سَبْعاً) يقيناً بعد طوافِ قدومٍ ما مل يقفْ بِعرَفة‪ ،‬أو بعدَ طوافِ إفاضَةٍ‪ .‬فلو اقتصَر‬
‫على ما دُونَ السَّبْع مل ُيجْ ِزهْ‪ ،‬ولو شَكّ يف عددها قبل فراغِهِ أخذَ باألقلّ‪ ،‬ألنه املُتَيقّن‪.‬‬
‫ومَنْ َسعَى بعدَ طوافِ القدومِ مل يُنْدَبْ لهُ إعا َدةُ السَّعْيِ بعدَ طوافِ اإلِفاضةِ‪ ،‬بل‬
‫يُكرَه‪ .‬وجيبُ أن يبدَأ فيه يف املرّة األوىل بالصّفا وخيتمَ باملَ ْروَة لالتِّباعِ فإِن بدأ باملَروَة‬
‫حسَب مُرُورُهُ مِنها إىل الصّفا وذهابُهُ من الصّفا إىل املَروة مرّة وعودُه منها إليه‬ ‫مل ُي ْ‬
‫مرّة أخرى‪ .‬وُيسَنّ للذَّكر أن يَرْقى على الصّفا واملروة َق ْدرَ قامَةٍ‪ .‬وأن ميشي أوّلَ‬
‫السعْيِ وآخِرَه‪ ،‬وَي ْعدُو الذَّكرُ يف الوَسَطِ‪ ،‬وَحملّهما معروف‪( .‬و) خامسها‪( :‬إزالةُ‬ ‫َّ‬
‫َشعْرٍ) من الرَّأسِ‪ ،‬حبلق أو تقصري‪ ،‬لتوقف التحلّلِ عليهِ وأقل ما جيزىء ثالثَ‬
‫َشعْرَاتٍ‪ ،‬فتعميمهُ لبيانِ األفضلِ‪ ،‬خالفاً ملن أ َخذَ مِنهُ وجوبَ التَّعميمِ‪ .‬وتقصريُ املرأة‬
‫أوىل مِن حَ ْلقِها‪ ،‬ثُم َيدْخُل مَكّة بعد َرمْيِ َجمْ َرةِ ال َعقَبَةِ واحلَلْقِ‪ ،‬ويطوفُ للركنِ‬
‫فيَسعى إن مل يكنْ َسعَى بعدَ طوافِ القُدومِ كما هو األفضَلُ واحلَلْقُ والطوافُ‬
‫والسعيُ ال آخرَ لوقتِها‪ .‬ويكرهُ تأخريُها عن َي ْومِ النحر‪ ،‬وأشدّ منه‪ :‬تأخريَها عن أيّام‬
‫التّشريقِ‪ ،‬مث عن خروجهِ من مكّة‪( .‬و) سادسها‪( :‬ترتيب) بني معظمِ أركانِه بأن‬
‫ُيقَدِّم اإلِحرامَ على اجلميعِ‪ ،‬والوُقوف على طوافِ الركنِ واحللقِ والطوافِ على‬
‫سعَ بعد طوافِ القدومِ ودليلُه االتّباع‪( .‬وال جتبَرُ) أي األركان‪،‬‬ ‫السعي إن مل َي ْ‬
‫ِب َدمٍ)‪ .‬وسيأيت ما جيرب بالدَّم‪( .‬وغري وقوفٍ) من األركانِ الستة (أركان العُمرة)‬
‫لشمولِ األدلّة هلا وظاهرٌ أنّ احللقَ جيبُ تأ ِخريُهُ عن َسعْيِها‪ ،‬فالترتيبُ فيها يف َجمِيعِ‬
‫األركان‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬يؤدَّيان بثالثةِ أو ُجةٍ‪ :‬إفراد‪ :‬بأن حيجّ مث يعتمر‪ .‬ومتتع‪ :‬بأن يعتمِر مث حيجّ‪.‬‬
‫وقِران‪ :‬بأن ُيحْ ِرمَ هبما معاً‪ .‬وأفضلها‪ :‬إفراد إن اعتمَر عامه مث متتّع‪ .‬وعلى كل من‬
‫‪73‬‬
‫جدِ احلرامِ وهم من دون‬ ‫املتمتع والقارِن‪َ :‬دمٌ إن مل يَكُن مِن حاضِري املس ِ‬
‫مرحلتني‪.‬‬
‫(وشروطُ الطواف) ستة‪ :‬أحدها‪ُ ( :‬طهْرٌ) عن َحدَثٍ وخََبثٍ‪( .‬و) ثانيها‪( :‬سَتْرٌ)‬
‫ِل َع ْورَةِ قا ِدرٍ‪ ،‬فلو زاال فيه جَدَّد‪ ،‬وبَنَى على طوافِهِ‪ ،‬وإنْ َت َع ّمدَ ذلك‪ ،‬وطالَ ال َفصْلُ‪.‬‬
‫(و) ثالثها‪( :‬نيُتهُ)‪ :‬أي الطّواف‪( ،‬إن اسَتقَلَّ) بأن مل يشمَلْهُ ُنسُكٌ كسائِرِ العِبادات‪،‬‬
‫حلجَرِ األ ْسوَدِ حماذياً له) يف مرورِهِ (بَِبدَنِهِ)‪ :‬أي‬ ‫وإال فهي سنة‪( .‬و) رابعها‪( :‬بَدؤه با َ‬
‫صفَةُ احملاذاة‪ :‬أن يقفَ جبانبِ ِه من جِهَةِ اليماينّ حبيثُ يصريُ مجيعُ‬ ‫جبميعِ ِشقّهِ األَْيسَر‪َ .‬و ِ‬
‫جعَل يَسارَه‬ ‫احلجَرِ عن ميينِهِ مث ينوي‪ ،‬مث ميشي مستقبِلَةُ حَىت جياوِزهُ‪ ،‬فحينئذٍ يَْنفَتِل وَي ْ‬
‫للبيتَ‪ ،‬وال جيوزُ استقبالُ البيتِ إال يف هذا‪( .‬و) خامسها‪( :‬جعلُ البيتِ عن يسارِهِ)‬
‫ما ّراً تلقاءَ وجهِهِ‪ ،‬فيجبُ كونُه خارِجاً بكلّ بدَنِهِ حىت بيدِهِ عن شَا ُذرْوانه و َحجَ ِرهِ‬
‫لالتّباع فإن خالفَ شيئاً مِن ذلك مل َيصُحّ طوافُه‪ ،‬وإذا استقبل الطائِف لنحو دعاء‬
‫فليحترِز عن أن ميرَّ منه أدْىن جُزءٌ قبل عوْدِهِ إىل َجعْلِ البيتِ عن يسارِه‪ .‬ويلْزَم مَن‬
‫قبَّل احلجَر أن يقرّ قدمَيْهِ يف حملهما حىت يعتدل قائماً‪ ،‬فإِن رأسَه حالَ التقبيل يف‬
‫جُزءٍ من البيت‪( .‬و) سادسها‪( :‬كونه سَبْعاً) يقيناً‪ ،‬ولو يف الوقتِ املكروهِ‪ ،‬فإِن تَرَكَ‬
‫منها شيئاً وإن قلَّ مل جيزِئه‪.‬‬
‫حلجَرِ) األسود بيدِهِ‪( ،‬و) أن (يستلمَهُ يف كل‬ ‫(وسُنّ أن يفتتح) الطائِفُ (باستالمِ ا َ‬
‫َط ْوفَة)‪ ،‬ويف األوتارِ آكَد‪ ،‬وأن يقبِّلَه‪ ،‬ويضعَ جبهتَه عليه‪( ،‬و) يستلمَ (الرُّكنَ) اليماين‪،‬‬
‫الطوْفاتِ (الثالث ا ُألوَل مِنْ طوافٍ‬ ‫ويُقبِّلَ َيدَهُ بعدَ استالمِهِ‪( ،‬و) أنْ (يَرْمَل َذكَرٌ) يف َّ‬
‫بعدَهُ َسعْي) بإِسراعِ مشيِهِ مقارِباً خُطاهُ‪ ،‬وأن ميشِي يف األربعةِ األخريةِ على هيئِتِه‬
‫الرمَلَ يف الثالثِ األول‪ :‬ال يقضِيه يف البقيّة‪ .‬وُيسَنّ أن يقربَ‬ ‫لالتّباعِ ولو تَرَكَ َّ‬
‫الذكرُ من البيتِ‪ ،‬ما مل يؤذِ أو يَتَأذّ بز ْحمَةٍ‪ ،‬فلو تعا َرضَ القُرُبُ منه والرَّملُ‪ :‬قُدِّم‪،‬‬
‫ألن ما يتعلق بنفسِ العبادةِ‪َ ،‬أوْىل من املتعلِّق مبكاهنا‪ ،‬وأن يضطَبعَ يف طوافٍ يَ ْرمَلُ فيهِ‪،‬‬
‫السعْي‪ :‬وهو َجعْلُ وَسَط ردائِهِ حتت مِنْكبِهِ األمينِ‪ ،‬وطَرَفيْهِ على األيسَر‬ ‫وكذا يف َّ‬
‫لالتّباع وأن ُيصَل َي بعدَ ُه رَكعتني خلفَ املُقامِ‪ ،‬ففي احلجر‪.‬‬
‫الذكَر واألُنثى بالطوافِ عندَ دخولِ املسجدِ‬ ‫[فرع]‪ُ :‬يسَنّ أنْ يَبَدأَ كلّ مِنَ َّ‬
‫لالتّباعِ‪ ،‬رواه الشيخان إال أن جيدَ اإلِمامَ يف مكتوبةٍ‪ ،‬أو خيافَ فوتَ فرضٍ‪ ،‬أو راتبةٍ‬
‫مؤكدَ ٍة فيبدأ هبا ال بالطواف‪.‬‬ ‫َّ‬
‫(وواجباتُه) أي احلجّ مخسةٌ‪ ،‬وهو ما جيبُ بتركِهِ ال ِفدْيَةُ (إحرامٌ من ميقاتٍ)‬
‫فميقاتُ احلجّ ملن مبكة‪ :‬هي‪ .‬وهو للحج والعمرة لِلمُتَوجِّهِ مِن املدينة‪ :‬ذو احللي َفةِ‬
‫حفَةُ‪ .‬ومِن هتامة اليمَنِ‪ :‬يلمْلمُ‪،‬‬ ‫جل ْ‬
‫املسماة ببئرِ عليّ‪ .‬ومِنَ الشَّامِ و ِمصْرَ وا َملغْرِبَ‪ :‬ا ُ‬
‫ومن جنْد اليمَنِ واحلجازِ‪ :‬قرن‪ .‬ومِنَ املَشْرِق‪ :‬ذات عِرْق‪ .‬وميقاتُ ال ُعمْرَةِ ملن باحلرَمِ‬
‫حلدَيْبيّة‪ .‬وميقاتُ من ال ميقاتَ له يف طريقه‪:‬‬ ‫جلعْرانَةُ‪ ،‬فالتَّْنعِيمُ‪ ،‬فا ُ‬
‫احلِلّ‪ ،‬وأفضلُه ا ِ‬
‫حماذَاةُ امليقاتِ الوارِد إن حاذاهُ يف بَرّ أو حبرٍ‪ ،‬وإال فمرحلتان من مكّة‪ ،‬فيح ِرمُ اجلائي‬
‫يف البحرِ من ِجهَةِ اليمنيِ من الشِّ َعبِ احملرّم الذي حياذي يلملم‪ ،‬وال جيوزُ له تأخريُ‬
‫إحرامِهِ إىل الوصولِ إىل جَدَّة‪ ،‬خالفاً ملا أفىت به شيخنا مِن جوازِ تأخ ِريهِ إليها‪ ،‬وعلَّل‬
‫بأن مسافَتَها إىل مكّة كمسافةِ يلمْلم إليها‪ .‬ولو أحْ َرمَ من دونِ امليقاتِ لَ ِز َمهُ َدمٌ ولو‬
‫ناسياً‪ ،‬أو جاهِالً ما مل َي ُعدْ إليه قبل تلَبُّسه بُِنسُكٍ‪ ،‬ولو طوافَ قدومٍ‪ ،‬وأُمثَ غريُمها‬
‫(ومَبيتٌ مبُزْ َدلِفة) ولو ساعَة من نُصف ثانٍ من ليلةِ النحر‪( ،‬و) مبيتٌ (مبِنَى) معظَم‬
‫ليايل أيام التشريقِ‪ .‬نعم‪ ،‬إن َنفَر قبلَ غُروبِ َشمْسِ اليومِ الثاين‪ ،‬جاز وس َقطَ عنهُ‬
‫مبيتُ الليلةِ الثالثةِ و َرمْي يومها‪ ،‬وإمنا جيبُ املبيتُ يف لياليها لغريِ الرّعاءِ وأهلِ السِّقايَةِ‬
‫(وطوافُ الوداعِ) لغري حائضٍ‪َ ،‬ومَكِّيّ إن مل يفارق مكّة بعد حجّه (و َرمْيٌ) إىل‬
‫‪74‬‬
‫َجمْرَةِ ال َعقَبَةِ بعد انتِصافِ ليلةِ النحرِ‪ ،‬سبعاً‪ ،‬وإىل اجلمراتِ الثالثِ بعد َزوَالِ كل يومٍ‬
‫سمّى به‪ ،‬ولو‬ ‫مِن أيام التشريقِ سبعاً سبعاً‪ ،‬مع ترتيبٍ بني اجلمراتِ (حبجرٍ) أي مبا ُي َ‬
‫عقيقاً وبَِّلوْراً‪ .‬ولو تَرَكَ َرمْيَ يومٍ‪ ،‬تدا َركَهُ يف باقي أيام التشريقِ‪ ،‬وإال لزمَهُ دمٌ‪ ،‬بتركِ‬
‫سمّى هذهِ أبعاضاً‪.‬‬ ‫ت بدمٍ‪ ،‬وُت َ‬ ‫ت فأكثرَ‪( .‬وجتبَرُ) أي الواجبا ُ‬ ‫ثالثِ رميا ٍ‬
‫(وسُنَنُه) أي احلجّ ( ُغسْلُ)‪ ،‬فتيمم (إلِحرامٍ ودخولِ مكة) ولو حالالً بذي‬
‫(وتطيبُ) الَبدَن‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫َطوًى‪( ،‬وقوفٌ) ِبعَرفَة َعشِيّتها‪ ،‬ومبز َدِلفَة‪ ،‬ولِ َر ْميِ أيامِ التشريق‪،‬‬
‫والثوبِ ولو مبا لَهُ جُ ْرمٌ (قُبيلَه) أي اإلِحرام وبعد الغُسْلِ‪ ،‬وال َيضُ ّر استدامَتُه بعد‬
‫اإلِحرامِ‪ ،‬وال انتقاله بعرقً (وتلبيةٌ) وهي‪ :‬لبيكَ اللهمّ لبيْك‪ ،‬ال شريكَ لكَ لبيّك‪ ،‬إنّ‬
‫احلمدَ والّن ْعمَة لك‪ ،‬واملُلْكَ‪ ،‬ال شريكَ لكَ‪ .‬ومعىن لبيك‪ :‬أنا مقيمٌ على طاعَتِك‪.‬‬
‫وُيسَنّ اإلِكثارُ مِنها‪ ،‬والصَّالةُ على النيب وسؤال اجلنَّةِ‪ ،‬واالستعاذةُ من النار‪ ،‬بعد‬
‫تكريرِ التَّلبيَة ثالثاً‪ .‬وتَستمِرّ التَّلبيةُ إىل َرمْيِ َجمْ َرةِ العَقبة‪ .‬لكن ال ُتسَنّ يف طوافِ‬
‫سعْي بعده‪ ،‬لورود أذكارٍ خاصة فيهما‪( ،‬وطوافُ قدومٍ) ألنه حتيةُ البيتِ‪،‬‬ ‫القدومِ‪ ،‬وال ّ‬
‫وإمنا ُيسَنُّ حلاجَ أو قارِنٍ دخَلَ مكّة قبل الوقوفِ‪ .‬وال يُفَوَّتُ باجللوسِ‪ ،‬وال بالتأخريِ‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬يفوتُ بالوقوفِ بعرفَة (ومبيتٍ مبنَى ليلةَ عَرَفة‪ ،‬ووقوفٍ جبَمْع) املسمى اآلن‬
‫باملشعَرِ احلرام وهو جَبَلُ يف آخرِ مزدلِفة‪ ،‬فيذكرون يف وقوفهم‪ ،‬ويدعون إىل اإلِسفار‬
‫مستقبلنيَ القِبلة لالتّباع ‪( .‬وأذكارٌ)‪ ،‬وأدعيةٌ خمصوصة بأوقاتٍ وأمكنةٍ ُمعَيَّنة‪َ ،‬وَقدْ‬
‫ف اليومِ والليلةِ فليَطْلُبْه‪.‬‬ ‫اسَتوْعَبَها اجلَال ُل السّيوطيّ يف وظائ ِ‬
‫[فائدة]‪ُ :‬يسَنّ متأكداً زيارةُ قربِ النيب‪ ،‬ولو لغريِ حاجّ ومعتمِرٍ‪ ،‬ألحاديثَ‬
‫حبّ‪ ،‬ولو لغريمها‪ .‬وورد أنه أفضلُ املياهِ‬ ‫وردت يف فضلها‪ .‬وشُرْبُ ماءِ زمزم ُمسْت َ‬
‫حىت مِنَ ال َكوْثَرِ‪.‬‬
‫طءٌ) آية‪{ :‬فَال‬ ‫(فصل)‪ :‬يف حمرمات اإلحرام‪َ( .‬يحْ ُرمُ بإِحرامٍ) على رَجُلٍ وأُنثى (وَ ْ‬
‫سدُ به احلجُّ والعُمرةُ‪( .‬وقُبلة)‪،‬‬ ‫َرفَث} أي ال تَرْفثوا‪ .‬والرَّفثُ ُمفَسَّر بالوَطْءِ‪ .‬وَي ْف َ‬
‫ومباشَرةٌ بشهوَةٍ‪( .‬واستمناءٍ بيدٍ) خبالفِ اإلِنزالِ بنَظَرٍ أو فِكرٍ (ونِكاحٍ)‪ ،‬خلربِ‬
‫مسلم‪" :‬ال يَنكِحُ احملْ ِرمُ وال يُنْكِح" (وتطَيّب) يف َبدَنٍ أو ثوبٍ مبا يسمى طيباً‪،‬‬
‫ك وعنربٍ‪ ،‬وكافورٍ حيّ أو ميتٍ‪ ،‬وورد ومائه‪ ،‬ولو بشدّ حنو مسكٍ بطرفِ‬ ‫كمس ٍ‬
‫ثوبِهِ‪ ،‬أو جبعلِهِ يف جيبِهِ‪ .‬ولو خَفَيتْ رائحَةُ الطِّيبِ‪ ،‬كالكاذيّ والفاغية وهي متر‬
‫احلِنّاء فإِن كانَ حبيث لو أصابَهُ املاءَ فا َحتْ‪ ،‬حَ ُرمَ‪ ،‬وإال فال‪( ،‬ودَهْنُ) بفتح أوله‬
‫(شَعرِ) رأسٍ‪ ،‬أو حليةٍ بدهنٍ‪ ،‬ولو غري مُطَّيبٍ‪ ،‬كزيت ومسن‪( .‬وإزالَتَهُ) أي الشعر ولو‬
‫واحدةً من رأسَهِ أو حليتِهِ أو َبدَنِه‪ ،‬نعم‪ ،‬إن احتاجَ إىل حَلْقِ َشعْرٍ بكثرةِ قملٍ أو‬
‫جِراحَةٍ فال حُ ْرمَة‪ ،‬وعليهِ ال ِفدْية‪ ،‬فلو نََبتَ شعْرٌ‪ ،‬بعينِهِ أو غَطّاها فأزالَ ذلك‪ ،‬فال‬
‫حُ ْرمَة‪ ،‬وفال ِفدْيَة‪( .‬وقَلمٌ) لِ ِظفْرٍ‪ ،‬ولو بعضِهِ من يدٍ أو ِرجْلٍ‪ .‬نعم‪َ ،‬لهُ قَ ْطعُ مَا انكسرَ‬
‫من ِظفْرِهِ إن تأذّى بهِ ولو أدىن تأذّ‪( .‬وحي ُرمُ سَتْرُ رَجُل) ال امرأة (بعضَ رأسٍ مبا ُيعَدّ‬
‫ساتِراً) عُرْقاً من َمخِيطٍ أو غريِ كقُلُْنسُوَةٍ‪ ،‬وخُ ْرقَ ٍة إمَّا ما ال ُي َعدّ ساتراً كخيطٍ رقيق‪،‬‬
‫وتوسد حنو عمامة‪ ،‬ووضع يد مل يقصد هبا الستر فال َيحْرُم‪ ،‬خبالفِ ما إذا َقصَده‬
‫حمَلٍ وإن‬ ‫صدْ بهِ ذلك أيضاً‪ ،‬واستظاللٌ مب ْ‬ ‫حمْل حنو زِنْبيلٍ مل َي ْق ُ‬
‫على نِزاعٍ فيهِ‪ ،‬وك ِ‬
‫سهُ) أي الرجُل (مَخيطاً) خبياطَةٍ‪ :‬كقميصٍ‪ ،‬وقِباء‪ ،‬أو نسجٍ‪ ،‬أو َعقْدٍ‬ ‫مَسّ رأسَه‪( ،‬ولِْب ُ‬
‫يف سائر َبدَنِه‪( ،‬بال عذر) فال حي ّرمُ على الرَّجلِ سَتْرُ رأسٍ لعذرٍ كحرّ وبرد‪ ،‬ويَظْهَرُ‬
‫ضبطَه هنا مبا ال يطيقُ الصّبْرَ عليه‪ ،‬وإنْ مل يبح التيمم‪ ،‬فيحِل مع الفِدية‪ ،‬قياساً على‬
‫جدْ غريَه‪ ،‬وال َق َدرَ على حتصيلِهِ‪،‬‬ ‫وجوبِها يف احلَلْقِ مع العُذرِ‪ .‬وال لِبْسُ َمخِيطٍ إن مل َي ِ‬
‫ولو بنحو استعارة‪ .‬خبالف اهلِبَة ِلعِظَمِ املِنّة فَيحِلُّ سَتْرُ العَ ْورَةِ باملخِيط بال فِدية‪،‬‬
‫ولبسه يف باقي بَدَنِه حلاجَةٍ حنو حَرّ وبَرْدٍ مَع ِفدْيَةٍ‪ .‬ويَحلّ االرتداءُ وااللتحافُ‬
‫‪75‬‬
‫بالقميصِ والقِباءَ‪ ،‬و َع ْقدِ اإلِزارِ‪ ،‬وشَدّ خيطٍ علي ِه ليثَبتَ‪ :‬ال وضع َطوْقِ القِباءِ على‬
‫َرقَبتِهِ‪ ،‬وإن مل ُي ْدخِل يدَه (و) َيحْ ُرمُ (سَتْرُ امرأة ال رجُلٌ بعضَ وجهٍ) مبا ُي َعدّ ساتِراً‬
‫(وِفدَيَةُ) ارتكابٍ وا ِحدٍ م (ما َيحْرُمُ) باإلِحرامِ غري اجلماعِ (ذَبْحُ شاةٍ) جمزِئَةٍ يف‬
‫صعٍ ِلسِتّةٍ) من مساكني‬ ‫ضحِية‪ ،‬وهي َجذِعَةُ ضأنٍ‪ ،‬أو ثَنية معزٍ‪( ،‬أو تصدّقٌ بثالثَةِ آ ُ‬ ‫ا َأل ْ‬
‫صوْم ثالثَةِ) أيام‪ .‬فمُرتَ ِكبُ‬ ‫احلَ َرمِ الشاملنيَ للفقراءِ‪ ،‬لِكلّ واحدٍ نصفَ صاعٍ‪( ،‬أو َ‬
‫احملر ِم خميَّرٌ يف ال ِفدْيَةِ بنيَ الثالث ِة املذكورَةِ‪.‬‬
‫َّ‬
‫[فرع]‪ :‬لو َفعَلَ شيئاً مِن احملرَّماتِ ناسِياً أو جاهِالً بتحرميهِ‪ ،‬وَجَبَت ال ِفدْيَة إن‬
‫كان إتالفاً كحَلْقِ شَعرٍ‪ ،‬وقَلمِ ظِفرٍ‪ ،‬وقَتلِ صيدٍ وال ِجتبُ إن كان متَتّعاً كلِبسٍ‪،‬‬
‫وتطيبٍ والوا ِجبُ يف إزالة ثالثِ شَعراتٍ أو أظفارٍ وألَ احتادِ زمانٍ ومكانٍ عُرْفاً ِفدْيةٌ‬ ‫ُّ‬
‫كامِلَةٌ ويف واحدةٍ‪ُ :‬مدّ طَعام‪ .‬ويف اثنتني‪ُ :‬مدّانٍ (و َدمٌ تُرِكَ مأمورٌ) كإِحرامٍ مِن‬
‫التمتعِ‬‫امليقاتِ‪ ،‬ومَبيتٌ مبز َدلِفة ومِنًى‪ ،‬و َرمْيُ األحجارِ‪ ،‬وطوافُ الوداعِ‪ ،‬كدَمِ ُّ‬
‫ضحِية يف احلَ َرمِ‪( ،‬ف) الوا ِجبُ على العاجِزِ عن‬ ‫والقِرانِ‪( .‬ذَبْحٌ) أي ذبحُ شاةٍ جتزىءُ أ ْ‬
‫الذّبحِ فيهِ ولو ِلغَيبةِ مالِهِ وإن وجد من يقرِضه‪ ،‬أو وجده بأكثر من مثنِ املثل (صومُ)‬
‫أيامٍ (ثالثةٍ) َفوْراً بعدَ إحرامٍ‪( ،‬وقبل) يومِ (حنرٍ) ولو مسافراً فال جيوزُ تأخريُ شيءٍ‬
‫منها عَنْه‪ ،‬ألهنا تصريُ قَضاءً‪ .‬وال تقدميَهُ على اإلِحرامِ باحلجّ‪ ،‬اآلية‪( .‬و) يلزمه أيضاً‬
‫صوم (سبعةِ بوَطَنِهِ) أي إذا رَ َجعَ إىل أهله‪ .‬وُيسَنّ تواليها كالثالثة قال تعاىل‪{ :‬فمَنْ‬
‫سدٍ ُنسُكٍ)‬ ‫جدْ َفصِيَامُ ثالثَةِ أيامٍ يف احلجّ‪ ،‬وسبعةٍ إذا رَ َجعْتم}‪( .‬و ِجيبُ على ُم ْف ِ‬ ‫ملْ َي ِ‬
‫ضحِية‪ ،‬وإن كان النُّسكُ‪ ،‬نَفالً‪ ،‬والُبدْنَة‬ ‫ص َفةٍ األ ْ‬‫مِن حَ ٍج و ُعمْرَةٍ (بوطءٍ‪ُ :‬بدْنَةٌ) ب ِ‬
‫املرادَةُ الواحِد من اإلِبلِ ذَكَراً كان أو أنثى فإن عجز عن الُبدْنَةِ فَبقَرَةٌ‪ ،‬فإن َعجَز‬
‫عنها فسَْبعُ شِياهٍ‪ ،‬مث ُيقَوِّم الُبدْنَة‪ ،‬ويَتَصدَّق بقيمَتَها طعاماً‪ُ .‬ثمّ يَصوم عن كل مُدَ‬
‫سدِ نُسكٍ‪ :‬أنه يبطل‬ ‫يوماً‪ .‬وال ِجيبُ شيء على املرأة‪ ،‬بل تأَثمْ‪ .‬وعُلمَ مِن َقوْيل مب ِ‬
‫بِوطْءٍ‪ ،‬ومع ذلك جيبُ َمضِي يف فا ِسدِه‪( .‬وقضا ٌء فوراً)‪ ،‬وإن كان ُنسُكَهُ َنفْالً‪ ،‬ألنه‬
‫والنفْلُ من ذلكَ يصريُ بالشروع فيهِ‬ ‫وإن كان َوقْتُه مُوسعاً تَضيق عليه بالشروعِ فيه‪َّ .‬‬
‫فَرْضاً‪ :‬أي واجبُ اإلِمتامِ كالفَ ْرضِ‪ ،‬خبالفِ غريِهِ مِن َّالنفْل‪.‬‬
‫صدِ مكةَ‪ ،‬ولِلحاجّ آ َكدُ أن ُيهْدِي شيئاً مِن الّنعَم يَسوقَه من‬ ‫[تتمة]‪ُ :‬يسَنّ لِقا ِ‬
‫بِلدِهِ‪ ،‬وإال فيَشتريه من الطريقِ مث مِن مكة ‪،‬مثّ من عَرَفة‪ ،‬مث من مِنًى‪ .‬وكونه مسيناً‬
‫حسناً‪ ،‬وال ِجيبُ إال بالنذر‪.‬‬
‫[مهمات]‪ُ :‬يسَنّ مُتأكداً حلُرّ قا ِدرٍ‪ ،‬تضحيةٌ ِبذَبحِ جَذعِ ضَأْنٍ له سَنَة‪ ،‬أو َسقَط‬
‫سِنُّه ولو قَبْلَ متامِها أو ثَين معزٍ أو بقرٍ هلما سَنَتانِ‪ ،‬أو إِبلٍ لهُ مخسُ سنني بنيَّة أضحِيةٍ‬
‫الص َدقَةِ‪ .‬ووقتُها من راتفاعِ مشسِ حنرٍ إىل آخِر‬ ‫عند ذبحٍ أو تعيني‪ .‬وهي أفضلُ مِن َّ‬
‫أيامِ التشريق‪ .‬وجيزىءُ سُْبعُ َبقَرٍ أو إِبِلٍ عن واحدٍ‪ ،‬وال جيزىء َعجْفاءُ ومقطوعَةُ بعضِ‬
‫ذََنبٍ أو أُذُنِ أُبنيَ وإن قلّ وذاتَ عَ َرجٍ و َع َورٍ ومَ َرضٍ بيّنٍ‪ ،‬وال َيضُرُّ شقّ أُذُنٍ‪ ،‬أو‬
‫خَرْقها‪ .‬واملعتمد َع َدمُ إجزاءِ التضحيةِ باحلامِلِ خالفاً ملا صَحَّحه ابن الرفعة ‪ .‬ولو نَذَرَ‬
‫صغِريةٍ‪ ،‬أو قال‪َ :‬جعَلْتُها أضحِيةً‪ ،‬فإِنَّهُ يلْزم ذَْبحُها‪ ،‬وال جتزىءُ‬ ‫التَّضحِيَةِ مبعِيبَةٍ أو َ‬
‫ضحِية‪ ،‬وجَرَتْ جمراها يف الصّرفِ‪ .‬وحي ُرمُ األكلُ‬ ‫ضحِية‪ ،‬وإن اختصّ ذحبُها بوقتِ األ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫صدّقُ ولو على فقريٍ واحدٍ بشيء نيئاً‬ ‫من أضحيةٍ أو هَ ْديٍ وجبا بنذرِهِ‪ .‬وجيبُ التّ َ‬
‫ولو يسرياً من املتطوَّع هبا‪ .‬واألفضل‪ :‬التصدّق بكلُّه إال ُلقَماً يَتَربَّك بأكْلِها‪ ،‬وأن‬
‫تكونَ مِنَ الكِبدِ‪ ،‬وأن ال يَ ْأكُل فوقَ ثالثٍ‪ ،‬والّتصَدُّقُ بِج ْلدِها‪ .‬وله إطعامُ أغنياءَ ال‬
‫متليكهم وُيسَنّ أن يذبَحَ الرجلُ بنفسِهِ‪ .‬وأن يش َهدَها مَنْ وُكِّل به‪ .‬وكُرِهَ ملُرِيدِها‬
‫إزالةَ حنوِ شَعرٍ يف َعشْرِ ذي احلجّة وأيامِ التشريقِ حَىت ُيضَحِّي‪ .‬ويُْندَب ملن َتلْزَمهُ َنفَقةُ‬
‫فَرْعِهِ‪ :‬أن يعقّ عنهُ مَن وضع إىل بلوغٍ‪ ،‬وهي كضحية‪ ،‬وال يُ ْكسَرُ عَ ْظمٌ‪ .‬والتصدّق‬
‫‪76‬‬
‫مبطبوخٍ يَْبعَثه إىل الفقراءِ‪ :‬أحبّ من ندائِ ِهمْ إليها ومِنَ التصّدق نيئاً‪ .‬وأن يَذْبَحَ ساب َع‬
‫سمِيَةُ َس َقطٍ بَلَغ َزمَنَ َنفْخِ الرّوحِ‪.‬‬ ‫سمّى فيهِ‪ ،‬وإن ماتَ قبلَه‪ ،‬بل ُيسَنّ َت ْ‬ ‫وِالدَتِه‪ ،‬وُي َ‬
‫وأفضلُ االمساءِ‪ :‬عبدُ اللّهِ‪ ،‬وعبدُ الرمحن‪ .‬وال يُك َرهُ اسمُ نيبّ‪ ،‬أو َملَكٍ‪ ،‬بل جاء يف‬
‫التّسميةِ مبحمدٍ فضائلُ عليَّة‪ .‬وحيرُمُ التسميَةُ مبَلَكِ امللوكِ‪ ،‬وقاضي القُضاةِ‪ ،‬وحاكِمِ‬
‫احلُكّامِ‪ .‬وكذا عبدُ النيبّ‪ ،‬وجا ُر اللّهِ‪ ،‬والتكين بأيب القاسم‪.‬‬
‫وسُنّ أن حيلِقَ رأسَه ولو أنثى يف السابع‪ ،‬ويتصدَّقَ بزِنَتِهِ ذَهَباً‪ ،‬أو ِفضّة‪ ،‬وأن‬
‫يؤذّنَ‪ ،‬ويقرأُ سُورَة اإلِخالصِ‪ ،‬وآية‪{ :‬إين أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرّجيمِ}‬
‫ضعِ‪ .‬وأن‬ ‫الذكَر يف أُذنِهِ اليمىن‪ ،‬ويقامَ يف الُيسْرَى عَ ِقبَ الوَ ْ‬ ‫بتأنيثِ الضمريِ ولو يف َّ‬
‫خلريِ بِتمْرٍ‪َ ،‬فحُ ْلوٍ مل متسّه النّار حنيَ يولَد‪ .‬ويقرأَ‬ ‫ُيحَنِّكَهُ رَجُلٌ‪ ،‬فامرَأةٌ مِن أهلِ ا َ‬
‫عندِها وهي تَطْلُقُ آيةَ الكرسيّ و {إنّ ربَّ ُكمُ اللّهُ} اآلية‪ ،‬واملعوَّذتان‪ ،‬واإلِكثارَ من‬
‫دُعاءَ الكَرْبِ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬أما قرا َءةَ سورِة األنعامِ‪ ،‬إىل‪{ :‬رَ ِطبٍ وَال يَابِسٍ إال يف‬
‫جلهَلةِ‪ ،‬فينبغي االنكِفافُ‬ ‫كتابٍ مُبنيٍ} يومَ يَعقّ عن املولود‪ ،‬فمِن مُبْتَدعاتِ العَوامّ ا َ‬
‫س منها ما أمكن ‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫عنها‪ ،‬وحتذيرُ النا ِ‬
‫[فرع]‪ُ :‬يسَنّ لكل أحدٍ‪ ،‬االدِّهان غباً‪ ،‬واالكْتحالُ باإلِْث ِمدِ وِتْراً عندَ َن ْومِهِ‪،‬‬
‫ضبُ َيدَي‬ ‫صفْرَة‪ .‬وَيحْرُمُ حَلْقُ حلَْيةً‪ ،‬وخَ ْ‬ ‫حمْ َرةٍ أو ُ‬
‫ضبُ شَْيبِ رأسِهِ وحليَِتهِ‪ِ :‬ب ُ‬ ‫و َخ ْ‬
‫الرَّجُلِ ورِجْليهِ حبِنَّاء‪ ،‬خِالفاً جلمعٍ فيهما‪ .‬وحبث األذرعي كراهَةَ حَلْقِ ما فوقَ‬
‫ضبُ لل ُمفْتَرِشَةِ‪ ،‬ويكرهُ للخَلية‪.‬‬ ‫خل ْ‬
‫احللقومِ مِنَ الشّعر‪ .‬وقال غريه إنّه مُباح‪ .‬وُيسَنّ ا َ‬
‫وحي ُرمُ وَشْرُ األسنانِ و َوصْلُ الشّعرِ بشَعْرٍ جنِسٍ‪ ،‬أو َشعْر آدميّ‪ ،‬وربطُه به ال خبيوطِ‬
‫احلريرِ‪ ،‬أو الصُّوفِ ويُستحبُّ أن يكفَّ الصِّبيانُ أوّل ساعَةٍ مِن الليل‪ ،‬وأن يغطي‬
‫سمّياً اهلل فيهما‪ ،‬وأن يطفى‬ ‫األواين ولو بنحوِ عودٍ ُيعْ َرضُ عليها وأن يَغلقَ األبوابَ ُم َ‬
‫املصابي َح عندَ النّومِ‪.‬‬
‫(واعلم) أن ذبحَ احليوانِ البَرِّيّ املقدور عليه بقطعِ كل حلقوم وهو خمرجَ النَّفس‬
‫وكل مريءٍ وهو جمْرَى الطّعامِ حتْتَ احلُلقوم بكل حمدَّد جيرح غري عظم‪ ،‬وسِنّ‪،‬‬
‫صبٍ‪ ،‬وزُجاجٍ‪ ،‬وذَهبٍ‪ ،‬وفضّةٍ حيْ ُرمُ ما ماتَ بثِقلِ ما أصابَه من‬ ‫وظِفرٍ كحديدٍ وَق َ‬
‫حمدَّدٍ أو غريِه كبُْن ُدقَةٍ وإن أهنَرَ الدّمَ وأبانَ الرأسَ أو ذبحَ بكالَ ال يق َطعُ إال بقُوةِ‬
‫الذابحِ‪ ،‬فلذا ينبغي اإلِسراعُ بق ْطعِ احلُلقومِ حبيث ال ينتهي إىل حَرَكة املذبوحِ قبل متامِ‬
‫القَ ْطعِ‪.‬‬
‫وحيلُّ اجلَننيُ بذَبْحِ أمّه إن ماتَ يف بطنِها‪ ،‬أو خَرجَ يف ح َركَةٍ مَذبوحٍ‪ ،‬وماتَ‬
‫جمَلٍ‪ ،‬أو‬‫حاالً‪ .‬أما غري املقدور عليه بطريانِهِ أو شدَّة َع ْدوِهِ‪ ،‬وَحْشياً كان أو إنْسياً ك َ‬
‫َج ْديٍ َنفَرَ شارداً‪ ،‬ومل يتيسَّرْ حلُوقَه حاالً وإن كان لو صرب سَكَنَ وقدر عَليه وإن‬
‫مل يَخف عليه حنوَ سارِقٍ فيحِلّ باجلَرحِ املُزْهِقِ بنحوِ سَهمٍ أو سَيفٍ يف أي حملّ كان‬
‫مث إن أ ْدرَكه وبه حياةٌ مسَتقِرّة‪ ،‬ذََبحَه فإِن َتعَذَّر ذحبُهُ من غريِ تقصريٍ منهُ حىت مات‬
‫كأن اشتغلَ بتوجيهِهِ للقِبلةِ‪ ،‬أو سَلَّ السّكنيَ فماتَ قبل اإلِمكانِ‪ ،‬حلّ‪ ،‬وإال كأن مل‬
‫يكن معه سكنيٌ‪ ،‬أو عَلَق يف الغَم ِد حبيث تعسَّرَ إخراجُه‪ ،‬فال‪.‬‬
‫وحي ُرمُ قطعاً َرمْيُ الصَّيد بالبُْندُقِ املعتاد اآلن وهو ما ُيصْنَع من الطني جائزٌ‬
‫على املعت َمدِ خالفًا لبعض احملقني‪.‬‬
‫وشرْطُ الذابح أن يكون ُمسْلماً أو كِتابياً يُنكَح‪ .‬وُيسَنّ أن يق َطعَ الوَ ْدجَنيِ ومها‬
‫عِرْقا صَفحيت عُنُقٍ وأن يَحدَّ َشفْرَته‪ ،‬ويوجّه ذبيحَتَهُ لقبلة‪ ،‬وأن يكونَ الذّابحُ رجُالً‬
‫عاقالً‪ ،‬فامرأةً‪ ،‬فصبياً‪ .‬ويقول ندباً عند الذبح‪ ،‬وكذا عند رمي الصّيد ولو مسكاً‬
‫وإرسال اجلارِحة‪ :‬بِسم اهلل الرّمحن الرّحيم‪ .‬اللهمّ صلّ وسلم على سيِّدنا حممد‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫ويُشتَرطُ يف الذَّبيح غريِ املريضِ شيآنَ‪ .‬أحدمها‪ :‬أن يكون فيهِ حياةٌ مستقرَّةٌ أوَّل‬
‫ذحبِهِ ولو ظنّاً‪ ،‬بنحوِ شدّةِ حَرَكةٍ بعدَه‪ ،‬ولو وحدها على املعتمد وانفجارِ َدمٍ‪،‬‬
‫وتدفُّقه إذا غََلبَ على الظّنّ بقاؤها فيهما فإن شكّ يف استقرارِها ِل َف ْقدِ العالماتِ‬
‫حَ ُرمَ‪ .‬ولو جُ ِرحَ حيوانٌ‪ ،‬أو َس َقطَ عليه حنوُ سَيفٍ أو َعضّهُ حنو هِرّة فإِن بَقَيتْ فيهِ‬
‫حياةٌ مستقرّة فذَبَحهُ‪ ،‬حلّ‪ .‬وإن تيقَّنَ هالكَهُ بعد ساعَةٍ‪ ،‬وإال مل حيلّ كما لو قُ ِطعَ‬
‫بعد رفعِ السّكني ولو ِلعُذرٍ‪ ،‬ما بقيَ بعد انتهائها إىل حَركَةِ مذبوحٍ‪ .‬قال شيخنا يف‬
‫شرح املنهاجِ‪ :‬ويف كالم بعضهم أنه لو رفع َيدَهُ لِنحو اضطرابِهِ فأعادَها فَوراً وأمتّ‬
‫الذبح‪ ،‬حلّ‪ ،‬وقول بعضهم‪ :‬لو رفع يده مث أعادها مل حيلّ‪ ،‬مفرّع على عدم احلياة‬
‫املستقرّة‪ ،‬عند إعادَتِها‪ ،‬أو حممولٌ على ما إذا مل يُ ِعدْها على ال َفوْر‪ .‬ويؤيّده إفتَاءُ غريُ‬
‫وا ِحدٍ فيما لو انفلَتَت َشفْرَتُه فردّها حاالً‪ ،‬أنه حيل‪ .‬انتهى‪ .‬ولو انتَهى حلركةِ مذبوحٍ‬
‫مب َرضٍ‪ ،‬وإن كانَ سَبُبه أكلُ نباتٍ مُضرَ‪ ،‬كفى ذحبه يف آخر رمقه‪ ،‬إذ مل يوُجد ما‬
‫يُحال عليهِ اهلالكُ من جُ ْرحٍ أو حنوِه‪ .‬فإِن وُجدَ‪ ،‬كأن أَكل نَباتاً يؤدّي إىل اهلالكِ‪،‬‬
‫اشتُرِطَ فيهِ وجودُ احلياةِ املستقّرةِ فيهِ عندَ ابتِداءِ الذّبحِ‪ ،‬ولو بالظّن‪ ،‬بالعالمة املذكورة‬
‫بعده‪.‬‬
‫[فائدة]‪ :‬من ذَبَحَ تقرّياً هلل تعاىل لدفع شَرّ اجلنّ عنه مل َيحْرُم‪ ،‬أو بقصدهم حَرُم‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬كونه مأكوالً و ُهوَ مِن احليوانِ البَرِّي‪ :‬األنعامُ‪ ،‬واخليلُ‪ ،‬وبقرُ وَحْشٍ‪،‬‬
‫حبّ‪ .‬ال‬ ‫ومحارُه‪ ،‬وظيبٌ‪ ،‬وضَُبعٌ‪ ،‬وضبّ‪ ،‬وأرنبٌ‪ ،‬وثعَلبٌ‪ ،‬وسنجابٌ‪ ،‬وكل َلقّاطٍ لل َ‬
‫صقْرٌ‪ ،‬وطاوُسٌ‪ ،‬و َحدَأةٌ‪ ،‬وبومٌ‪ ،‬ودرّةٌ‪ ،‬وكذا غرابٌ أسود ورمادِيّ‬ ‫أسدٌ‪ ،‬وقِردٌ‪ ،‬و َ‬
‫اللونِ‪ ،‬خالفاً لبعضهم‪ .‬ويُكْرَهُ جاللةٌ ولو من غري نعم كدجاجٍ إن وُ ِجدَ فيها ريحُ‬
‫النجاسَةِ‪ .‬وحيلّ أكلُ بيضِ غري املأكولِ‪ ،‬خالفاً جلمع‪ .‬وحيرم من احليوانِ البحري‪:‬‬
‫ضِفدَعٌ‪ ،‬ومتساحٌ‪ ،‬وسُلحفاةٌ‪ ،‬وسَرطانٌ‪ .‬ال قِرْشٌ‪ ،‬ودَنْليسٌ على األصح فيهما‪ .‬قال يف‬
‫الض ْفدَع‪ ،‬ويؤيِّده نقلُ‬‫اجملموع‪ :‬الصحيح املعتمدُ أنّ مجيعَ ما يف البحر حيلّ مَيْتَتُهُ إال ِّ‬
‫ابنُ الصباغ عن األصحابِ حِلّ مجيع ما فيه إال الضّفدع‪ .‬وحيلّ أكلُ مَيْتَةِ اجلِرادِ‬
‫سمَكِ إال ما تغيَّرَ يف جوفِ غريِه‪ ،‬ولو يف صُورَةِ كلبٍ أو خِنزيرٍ‪ .‬وُيسَنّ ذبحُ‬ ‫وال ّ‬
‫كبريُمها الذي يطول بقاؤه‪ .‬ويُكْرَهُ ذبحُ صغريِمها‪ ،‬وأكلُ مشويّ َسمَكٍ قبل تطييبِ‬
‫َج ْوفِه‪ ،‬وما أنتَنَ منه كاللحم وقَلي حيّ يف دهن َمغْليّ‪ .‬وحلّ أكلُ دودِ حنوِ الفاكِهة‬
‫حياً كان أو ميّتاً بشرط أن ال ينفرِدَ عنه‪ ،‬وإال مل حيلّ أكلُه‪ ،‬ولو معه كنملِ السمن‬
‫تولدِه منه على ما قاله الردّاد خالفاً لبعض أصحابنا‪.‬وحي ُرمُ كل مجادٍ مُضرَ‬ ‫لعدم ِّ‬
‫حجَرٍ‪ ،‬وترابٍ‪ ،‬وسمَ وإن قَلّ‪ ،‬إال ملن ال يضرّه ومسكر‪ ،‬ككثري‬ ‫لبدَنٍ أو َعقْلٍ ك َ‬
‫أفيونٍ‪ ،‬وحشيشٍ‪ ،‬وبنجٍ‪.‬‬
‫[فائدة]‪ :‬أفضل املكاسب الزراعَةُ‪ ،‬مث الصَّناعةُ‪ ،‬مث التجارَة‪ .‬قال مجع‪ :‬هي أفضلُها‬
‫وال حت ُرمُ مُعامَلةُ مَنْ أكثَر مالِهِ حرامٌ‪ ،‬وال األكل مِنها كما صححه يف اجملموع ‪.‬‬
‫وأنكر النّوويّ قولَ الغزايلِّ باحلُ ْرمَةِ‪ ،‬مع أنه تبعَهُ يف شرح مسلم‪ .‬ولو َعمّ احلرامُ‬
‫األرضَ جازَ أن يستعملَ منه ما متسّ حاجتُه إليه‪ ،‬دون ما زاد‪ .‬هذا إن توّقعَ معرفة‬
‫حقّه فيه كما قاله شيخنا‪.‬‬ ‫ت املالِ‪ ،‬فيأخذُ منهُ ب َق ْد ِر ما يست ِ‬
‫أربابِهِ‪ .‬وإال صارَ لبي ِ‬
‫[فرع]‪َ :‬ن ْذكُرُ فيه ما جيبُ على املكلِّف بالنذرِ‪ .‬وهو قُرْبة على ما اقتضاه كالم‬
‫الشيخني‪ ،‬وعليه كثريون بل بالغَ بعضُهم‪ ،‬فقال‪ :‬دلّ على َندْبِهِ الكتابُ‪ ،‬والسُّنّة‪،‬‬
‫واإلمجاعُ‪ ،‬والقياس‪ .‬وقيل مكروهٌ‪ ،‬للنّهي عنه‪ .‬و َحمَل األكثرون النهي على َنذْرِ‬
‫اللجّاجِ‪ ،‬فإنه تعليق قُرْبَةٍ بفعلِ شيءٍ أو تركِه كإن دخلتُ الدَّار‪ ،‬أو إن ملْ أخْرُج‬
‫ص َدقَةٌ بكذا‪ .‬فيتخيّر من دخَلَها أو مل خيرُج بني ما الت َزمَه‬ ‫منها‪ ،‬فلّلهِ عليَّ صومٌ أو َ‬

‫‪78‬‬
‫[فرع]‪ :‬ما اند َرجَ حتتَ أصلٍ‬ ‫وكفارة ميني‪ .‬وال يتعيّن امللتزِم ولو َحجّاً ‪ .‬وال‬
‫كُليّ‪.‬‬
‫(النذر‪ :‬التِزامُ) مسلمٍ‪( ،‬مكلَّفٍ) رَشِيدٍ‪( :‬قُرْبَةٌ مل تَتعَيَّنَ) نفالً كانت أو فَ ْرضَ‬
‫كِفايَة كإِدامة وترٍ‪ ،‬وعيادةِ مريضٍ‪ ،‬وزيادة رجلٍ قرباً‪ ،‬وتزوّج حيث سنّ خالفاً‬
‫جلمع وصوم أيامِ البيضِ‪ ،‬واألثانني‪ .‬فلو وَقعت يف أيّامِ التشريقِ أو احليضِ‪ ،‬أو‬
‫النفاسِ‪ ،‬أو املرضِ‪ ،‬مل جيبِ القضاءُ وكصالةِ جنازَةٍ‪ ،‬وجتهيزِ ميّت‪ .‬ولو نذر صومٍ‬
‫يوم بعينِه‪ ،‬مل َيصُمْ قبله‪ ،‬فإن فعلَ أمثَ كتقدمي الصّالة على وقتها املعيَّن وال جيوزُ‬
‫صوْمَ يوم مخيسٍ‬ ‫تأخريُه عنه َكهِيَ بال ُع ْذرٍ‪ ،‬فإن فعل صحّ‪ ،‬وكان قضاءً‪ .‬ولو نَذرَ َ‬
‫صوْماً‪:‬‬ ‫ومل يعيِّن‪ ،‬كفاهُ أيّ مخيسٍ‪ .‬ولو نَ َذرَ صالةً‪ :‬فيجبُ ركعتان بقيامِ قادرٍ‪ .‬أو َ‬
‫ص ْومُ أيامٍ فثالثةٍ‪ .‬أو صدقةً‪ ،‬فمتموِّل‪ ،‬وجيبُ صَ ْرفُهُ حلُرِّ مِسكنيٍ ما مل‬ ‫فصومُ يومٍ أو َ‬
‫ُيعَيّن شخصاً أو أهَلَ بلدٍ وإال َتعَيَّن صَ ْرفُه له‪.‬‬
‫صدَقَةٍ زمانٌ عَيْنُه‪ .‬وخ َرجَ باملسلمِ‪،‬‬ ‫وال يََتعَيَّنُ لِصومٍ وصالةٍ مكانٌ عَينُه‪ ،‬وال ِل َ‬
‫املكلَّفِ‪ :‬الكافِرُ والصيبُّ‪ ،‬واجملنونُ فال يصح َن ْذرُهُم كََن ْذرِ السَّفيه ‪ ،‬وقيل يصُ ّح مِنَ‬
‫الكافِرِ‪ .‬وبالقربةِ‪ :‬املعصيةُ كصَومِ أيامِ التشريقِ وصَالةٍ ال سَببَ هلا يف وقتٍ مكروهٍ‬
‫فال ينعقدان ‪ .‬وكاملُعصِيَةِ‪ :‬املكروهُ كالصالةِ عند القربِ‪ .‬والنذرِ ألحدِ أَبوَيْهِ أو أوال ِدهِ‬
‫صدَ تقوِيَةً على العبادَةِ‪ ،‬أو‬ ‫فقط‪ .‬وكذا املباحَ‪ :‬كللَّهِ عليّ أن آكُلَ أو أنامَ‪ .‬وإن ق َ‬
‫النشاطَ هلا وال كفارَة يف املباحِ‪ ،‬على األصحّ‪ .‬وبِلمْ تتعَيّن‪ :‬ما تعَيّن عليه من فعل‬
‫واجب عيين كمكتوبة وأداء ربع عشر مال جتارة وكترك حمرم وإمنا ينعقد النذر من‬
‫املكلف (بلفظ منجز) بأن يلتزم قربة به من غري تعليق بشأ وهذا نذر تربر (كلله على‬
‫كذا) من صالة أو صوم أو نسك أو صدقة أو قراء أو اعتكاف (أو عل ّي كذا) وإن مل‬
‫يقل هلل (أو نذرت كذا) وإن مل يذكر معها هلل على املعتمد الذي صرح به البغوي‬
‫وغريه من اضطراب طويل (أو) بلفظ (معلق) ويسمى نذر جمازاة وهو أن يلتزم قربة‬
‫يف مقابلة ما يرغب يف حصوله من حدوث نعمة أو اندفاع نقمة (كان شفاين اهلل أو‬
‫سلمين اهلل فعلى كذا) أو ألزمت نفسي أو واجب على كذا وخرج بلفظ النية فال‬
‫يصح مبجرد النية كسائر العقود إال باللفظ‪ .‬وقيل يصحّ بالنية وحدها‪( ،‬فيلزِم) عليه‬
‫(ما التزمه حاالً يف منج ٍز وعندَ وجودِ صفةٍ يف معلّقٍ)‪ .‬وظاه ُر كالمهِم أنه يلزمُه الفورُ‬
‫بأدائِهِ َع ِقبَ وجودِ املعلَّقِ عليه خالفاً لقضية كالم ابن عبد السالم وال ُيشْتَرَطُ قُبولُ‬
‫ط عدمُ ردِّه‪.‬‬‫سمَي النذ ِر وال القبضُ‪ ،‬بل يشتر ُ‬ ‫املنذورِ له يف ِق ْ‬
‫ويصحُّ النذرُ مبا يف ذمة ا َملدِين ولو جمهوالً فيربأُ حاالً‪ ،‬وإن مل يقبلْ خالفاً‬
‫للجَالل البلقيينّ ولو َنذَرَ لغريِ أحدِ أصْليْهِ أو فروعِهِ مِن َورَثَتِه مبالِهِ قبل مَ َرضِ موتِهِ‬
‫بيومٍ مُلِكهُ كلّه من غريِ مشارِك‪ ،‬لِزوال مُلْكِه عنهُ‪ ،‬وال جيوزُ لألصلِ الرجوع فيه‪.‬‬
‫ضتُ فهو نذرٌ قبل مَ َرضِي بيومٍ‪ ،‬ولَهُ التصرّف قبل‬ ‫وينعقدُ معلَّقاً يف حنو‪ :‬إذا مَ ِر ْ‬
‫حصولِ املعلَّق عليه‪ .‬ويلغو قوله‪ :‬مىت حصل يلَ األمرُ الفالين أجيء لك بكذا ما مل‬
‫يقترِنْ به لفظُ التزامٍ‪ ،‬أو نذرٍ‪ .‬وأفىت مجع فيمن أراد أن يتبايعا فاتفقا على أن ينذر كل‬
‫لآلخر مبتاعه‪ ،‬ففعال‪ ،‬صَحّ‪ ،‬وإن زاد املبتدىء‪ :‬إن نذرْتَ يل مبتاعِكَ‪ .‬وكثرياً ما يفعل‬
‫ذلك فيما ال يصح بيعه ويصح نذره‪.‬‬
‫ويصح إبراءُ املنذورِ له النا ِذرَ عما يف ذِمته‪ .‬قال القاضِي‪ :‬وال يشترطُ معرِفةُ‬
‫الناذرِ ما نذرَ به كخمسِ ما خيرج له مع معشر‪ ،‬وككل ولدٍ‪ ،‬أو مثرةٍ خيرج من أمّيت‬
‫أو شجريت هذه ‪ .‬وذكر أيضاً أنه ال زكاة يف اخلمس املنذور‪ .‬وقال غريه‪ :‬حمله إن نذرَ‬
‫قبل االشتِدادِ‪ ،‬ويصحّ النذرُ للجننيِ كالوصية له‪ ،‬بل َأوْىل‪ ،‬ال للميّت إال لِقربِ الشيخ‬

‫‪79‬‬
‫حمَلُ النذرُ له على‬ ‫الفالين‪ ،‬وأرادَ به قربةً‪ .‬ثُم‪ :‬كإِسراجٌ يُنت َفعُ به‪ ،‬أو اطَّردَ عرفٌ فُي ْ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ويقعُ لبعضِ العوامُ‪ :‬جعلتُ هذا للنيبِّ فيصحّ كما حبث ألنه اشتهر يف عُرِفهِم‬
‫حلجْرَةِ النّبويّة‪ .‬قال السَّبكي‪ :‬واألقربُ عندي يف الكعبةِ‬ ‫للنَّذرِ‪ ،‬وُيصْرَفُ ملصاحلِ ا ُ‬
‫حلجْرَ ِة الشريفة واملساجد الثالثة‪ ،‬أنّ مَن خرجَ من مالِه عن شيءٍ هلا واقَتضَى‬ ‫وا ُ‬
‫العُرْفُ صَرفَهُ يف ِجهَةٍ من جِهاهتا‪ :‬صُرِفَ إليْها واختُصَّت به‪ .‬اه‪ .‬قال شيخنا‪ :‬فإن مل‬
‫َيقْتَضِ العُرْف شيئاً‪ ،‬فالذي يتجه أنه يُرْ َجعُ يف تعينيِ املصرفِ رأي ناظرَها‪ .‬قال‪:‬‬
‫وظاهرٌ أ ّن احلكمَ كذلكَ يف النذر ملسجدٍ غريها‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وأفىت بعضهم يف‪ ،‬إن قضى اللّهُ حاجَيت فعلي للكعبةِ كذا‪ ،‬بأنّه يتعيّن ملصاحلها‪،‬‬
‫وال ُيصْرَف لفقراءِ احلَرمِ كما دلَّ عليهِ كالمُ املهذّب وص ّرحَ به مجع متأخرون‪ .‬ولو‬
‫َن َذرَ شيئاً للكعبة ونوى صَرْفهُ ِلقُرْبَةٍ معيَّنة كاإلِسراجِ تعيَّن صرفه فيها‪ ،‬إن احتيجَ‬
‫لذلك‪ ،‬وإال بيع‪ ،‬وصُرِفَ ملصاحلِها كما استظَهرهُ شيخنا ‪ .‬ولو نذرَ إسراجَ حنوِ مشعٍ‬
‫أو زيتٍ بسمجدٍ‪ ،‬صح إن كان مثّ من ينتفع به‪ ،‬ولو على ندور وإال فال‪ .‬ولو نَ َذرَ‬
‫إهداءَ منقولٍ إىل مكّة‪ ،‬لز َمهُ نقلُه‪ ،‬والتصدُّقُ ِبعَيْنِهِ على فقراءِ احلرم ما مل يعيَّن قربةً‬
‫ب الكعبةِ فيص ِرفْهُ إليها‪.‬‬‫أخرى كتَطْيي ِ‬
‫وعلى الناذر مؤنة إيصال ا َهل ْديِ إىل احلرمِ فإن كان ُمعْسراً‪ ،‬باعَ بعضَهُ لنقل‬
‫الباقي‪ .‬فإِن َت َعسّرَ َنقْلُه كعقارٍ‪ ،‬أو حجرِ رُحًى باعَهُ‪ ،‬ولو بغريِ إذنِ حاكمٍ‪ ،‬ونقَلَ‬
‫مثنَه‪ ،‬وتصدَّقَ به على فقراءِ احلرم‪ .‬وهل له إمساكُهُ بقيمِتهِ أو ال؟ وجهان‪.‬‬
‫ولو نذرَ الصالةَ يف أحدِ املساجدِ الثالثِة‪ ،‬أجزأَ بعضُها عن بعضٍ كاالعتكاف‬
‫وال جيزىء ألفُ صالةٍ يف غريِ مسجدِ املدينةِ عن صالةٍ ن َذرَها فيه‪ ،‬كعكسه كما ال‬
‫جيزىء قراءَةُ اإلِخالصِ عن ثُُلثِ القرآنِ املنذورِ‪ .‬ومن نذر إتيانِ سائِرِ املساجدِ وصَالةِ‬
‫ع فيه‪ ،‬صَلى حيثُ شاءَ‪ ،‬ولو يف بيتِه‪.‬‬ ‫التطّو ِ‬
‫ولو نذر التصدق بدرهم مل يُجزِىء عنه جِنسٌ آخر‪ .‬ولو نَذرَ التَّصدُّقَ مبالٍ‬
‫بعينِهِ‪ ،‬زالَ عَن مُلكِهِ‪ .‬فلو قال‪ :‬عليَّ أن أتصدَّقَ بعشرين ديناراً وعَيْنها على فالنٍ‪ ،‬أو‬
‫إنْ شُفيَ مريضِي فعلي ذلك‪ :‬ملِكَها وإن مل ِيقَْبضْها وال قَبلَها‪ ،‬بل وإن ردّ‪ ،‬فلَهُ‬
‫التَّصرُّف فيها‪ ،‬وينع ِقدُ َحوْلُ زَكاتِها من حِني النَّذرِ‪ .‬وكذا إن مل ُيعَيِّنها ومل يُرَدُّها‬
‫املنذورُ له فتصريُ دَيْناً له عليه ويثِبتُ هلا أحكامُ الدّيون من زكاةٍ وغريِها‪ .‬ولو تلَفَ‬
‫ضمَنْهُ‪ ،‬إال أن قصَّرَ على ما استظهره شيخنا ‪ .‬ولو َن َذرَ أن يُعَمِّرَ مسجداً‬ ‫املُعيَّنَ مل ي ْ‬
‫معيناً أو يف موضعٍ معيّنٍ‪ ،‬مل َيجُزْ لهُ أن ُيعَمِّرَ غريَهُ ب َدالً عنه‪ ،‬وال يف موضعٍ آخرَ‪ .‬كما‬
‫ق بدِرْ ِه ِم ِفضَّة مل جيز التَّصدُّق ب َدلَه بدينارٍ الختالف األغراض‪.‬‬
‫لو َن َذرَ التَّصدُّ َ‬
‫[تتمة]‪ :‬اختلفَ مجعٌ من مشايخِ شيوخنا يف نذر مقتَ ِرضٍ ماالً معيناً ملقرضِهِ ما‬
‫دام دَيْنُهُ يف ذِمَّته فقال بعضهم ال يصح‪ ،‬ألنه على هذا الوجه اخلاصّ غري قُرْبَةٍ‪ ،‬بل‬
‫يُتَوصَّل به إىل رِبا َّالنسِيئَة‪ .‬وقال بعضهم يصحّ‪ ،‬ألنه يف مقابلة حدوثِ نعمةِ ربح‬
‫القَ ْرضِ إن اجتَرَ بِه‪ ،‬أو فيه اندفاعُ ِن ْقمَةِ املطالَبَةِ إن احتاجَ لبقائِهِ يف ذمّتِهِ إلِعسارٍ أو‬
‫إنفاقٍ‪ ،‬وألنه ُيسَنّ للمقتَ ِرضِ أن يَرُدّ زيادَة عما اقتَرَضَه فإذا التزمها بَِن ْذرٍ ان َعقَد‪،‬‬
‫ول ِزمَتْهُ‪ ،‬فهو حينئذ مكافأةُ إحسانٍ‪ ،‬ال َوصْلة للرّبا‪ ،‬إذ هو ال يكون إال يف عَ ْقدٍ كبيعٍ‪،‬‬
‫ومِنْ مثّ لو شرَطَ عليهِ النذرَ يف عقدِ القَ ْرضِ‪ ،‬كانَ رِباً‪ .‬وقال شيخ مشاخينا العالمة‬
‫احملقق الطنبداوي‪ ،‬فيما إذا نذر املديون للدائن منفعة األرض املرهونة مدة بقاء الدين‬
‫يف ذمته‪ :‬والذي رَأيتُهُ ملتأخِّري أصحابِنا اليمنيني ما هو صريحٌ يف الصّحَّةِ‪ ،‬وممن أفىت‬
‫بذلك شيخ اإلِسالم حممد بنُ حسني القمّاط والعالمة احلسني بن عبد الرمحن‬
‫األَ ْهدَل‪( .‬واهلل أعلم)‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫ُهوَ لغةً‪ :‬مُقابلةُ شيءٍ بشيءْ‪ .‬وَشَرعاً‪ :‬مقابلةُ مالٍ مبالٍ‪ .‬على وَج ٍه‬
‫خمصوص‪.‬وَاألصْلُ فيه قَبْلُ اإلِمجاعِ آياتٍ كقول ِه تعاىل‪{ :‬وأحَلَّ اهلل البيعَ} وأَخبار‬
‫سبِ أَطَْيبُ؟ فقالَ‪َ :‬عمَلُ الرَّجُلِ بيدهِ‪ ،‬وكلُّ بيعٍ مربورٍ"‬ ‫َكخَرب‪" :‬سُئِلَ النيبُّ‪ :‬أيُّ ال َك ْ‬
‫أيْ ال غشَّ فيه وال خيانَة‪.‬‬
‫(َيصِح) البيعُ (بإجياب) من البائِع ولو هزالً وهو ما دلّ على التَّمليكِ داللةً‬
‫ظاهرة‪( :‬كبِعتك) ذا بكذا‪ ،‬أو هو لك بكذا‪( ،‬وملكتك)‪ ،‬أو وَهَبْتُكَ (ذا بكذا)‪،‬‬
‫وكذا جعلته لكَ بكذا‪ .‬إن نوى به البيع‪( .‬وقبولٌ) منَ املشتري ولو هزالً وهو ما‬
‫دلّ على التَّملك كذلك‪( :‬كاشْتريتُ) هذا بكذا‪( ،‬وقبلتُ)‪ ،‬أو رَضيتُ‪ ،‬أو أخذتُ‪،‬‬
‫أو متلَّ ْكتُ (هذا بكذا)‪ .‬وذلك لتتم الصيغة‪ ،‬الدالّ على اشتراطها قوله‪" :‬إنَّما البيعُ‬
‫عن تراضٍ"‪ ،‬والرِّضا خفِي‪ ،‬فاعْتُرب ما يدلُّ عليهِ منَ اللَّفظ‪ ،‬فال ينعقد باملعاطاة‪ ،‬لكن‬
‫اختريَ اإلِنْعقاد بكل ما يُتعَارف البَيعُ هبا فيه‪ :‬كاخلبزِ‪ ،‬واللحمِ‪ ،‬دونَ حنو الدَّوابْ‪،‬‬
‫واألراضي‪ .‬فعلى األوّل‪ :‬املقبوضُ هبا كاملقبوضِ بالبَيعِ الفا ِسدِ‪ ،‬أي يف أحكامِ الدنيا‪.‬‬
‫أما يف اآلخِرَة فال مطالَبَةَ بِها‪ .‬وَيجْري خِالفُها يف سائرِ العُقود‪ .‬وصورَتُها‪ :‬أن يََّتفِقا‬
‫على َثمَ ٍن ومُثَمَّنٍ وإن مل يوجَد لفظُ من واحِد ولو قال مُتوَسِّط للباِئعِ‪ :‬بِعتُ؟ فقال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬أو إي‪ ،‬وقال للمُشتري‪ ،‬إِشْترَْيتُ؟ فقال‪ :‬نعم‪ .‬صح‪ .‬ويصح أيضاً بنعم منهما‪،‬‬
‫جلواب قول املشْتري ِب ْعتُ‪ ،‬والباِئعُ اشْتَرْيتُ‪ .‬ولو قَرِنَ باإلِجيابِ أو القبولِ حرفُ‬
‫استقبالْ كأَبيعُكْ مل َيصِح‪ .‬قال شيخنا‪ :‬ويظهر أنه يُغتَفر منَ العامي حنو فتح تاء‬
‫املتكلم‪.‬‬
‫وشرط صحة اإلِجياب والقبول كوهنما (بال فصل) ِبسُكوتٍ طَويل يقعُ بينهما‬
‫خبالفِ اليَسريَ‪( ،‬و) ال (تَخلُّل لفظ) وإن قلّ (أجنيب) عن ال َعقْد بأن مل يكن من‬
‫مُقتضاه وال مِن مَصالِحه‪ .‬وُيشْتَرط أيضاً أن يتوافقا مَعنًى ال لفظاً فلو قال بِعتُكَ‬
‫بألفٍ‪ ،‬فَزادَ أو نَقصَ أو بألف حالّة فأجّل‪ ،‬أو عكسه‪ ،‬أو مؤجَّلة بشهرٍ‪ ،‬فزاد‪ ،‬مل‬
‫يصح‪ ،‬للمخالفة‪( .‬و) بال (تعليق) فال َيصِحُّ معهُ كإِن مات أيب فقد بعتُك هذا‪( ،‬و)‬
‫ال (تأقيت) كَبِعتُكَ هَذا شَهراً‪.‬‬
‫(وَشرْطٌ يف عاِقدْ) بائعاً كانَ أن ُمشْترِياً (تَكْليفْ) فال َيصِح َع ْقدُ صَيب‬
‫ومَجنون‪ ،‬وكذا مِن مُكْرَهٍ بغريِ حَقَ لِعدَم رِضاه (وإسْالمٍ لِتَملِكْ) رقيق (مسلم) ال‬
‫يعتقُ عليه وكذا ُيشْترَطُ أيضاً‪ :‬إسالمٌ لتملك مُرْتَد على املعت َمدْ ‪ .‬لكن الذي يف‬
‫الروضة وأصلها‪ :‬صحة بيع املرتدِّ للكافر‪( .‬و) لِتَملُّك شيءٍ من (مصحف) يعين ما‬
‫كِتبَ فيه قرآن‪ ،‬ولو آيةً وإِنْ أُثِْبتَ ِل َغريِ الدِّراسة‪ ،‬كما قاله شيخُنا‪ .‬وُيشْترطُ أيضاً‬
‫عدم حِرابَةُ من َيشْتري آلةَ حَرْبٍ‪ ،‬كسَيْفٍ‪ ،‬و ُرمْحٍ‪ ،‬ونَشَّاب‪ ،‬وتِرْس‪ ،‬و ِدرْع‪ ،‬وخَيْل‪،‬‬
‫بِخالف غَري آلةِ احلَرْب‪ ،‬ولو مما تتأتى منه‪ ،‬كاحلَديدِ‪ ،‬إذ ال يتعني جعله عِدَّة حرب‪،‬‬
‫ويصح بيعها للذمِّي‪ ،‬أي يف دارِنا‪( ،‬و) شَرْط (يف َمعْقودٍ) عليه‪ ،‬مُثمَّناً كان أو مثناً‪،‬‬
‫(مُلِّك له) أي للعاقد (عليه) فال َيصِحُّ بيعُ فضويلَ‪ ،‬ويصح بيعُ مالِ غريهِ ظاهراً‪ ،‬إِن‬
‫بانَ بعد البيعِ أنهُ له‪ ،‬كأن باعَ مالَ مُوَرِّثهِ ظاناً حَياتَه فبانَ ميِّتاً حينئذٍ لتبني أنه ملكه‪.‬‬
‫وال أثر لظنَّ خطأ بأن صِحَّته‪ ،‬ألن االعتبار يف العقود مبا يف نفس األمر‪ ،‬ال مبا يف ظن‬
‫املكلفَّ‪.‬‬
‫[فائدة]‪ :‬لوْ أَخذَ مِن غَريهِ بِطَريقٍ جائِز ما ظَنَّ حلَّهُ‪ ،‬وهو حرامٌ باطناً‪ ،‬فإِن كان‬
‫ظاهِرَ املأخوذِ منهُ اخلريَ مل يُطاَلبْ يف اآلخِرة‪ ،‬وإال طولِبَ‪ .‬قالهُ البَغوي‪ .‬ولو اشترى‬
‫طَعامَه يف الذِّمة وقضى من حرامٍ‪ ،‬فإِن َأقْبضَهُ لهُ البائِع برضاه قبل توفية الثمن حُلَّ له‬
‫‪81‬‬
‫أكْله‪ ،‬أو َب ْعدَها مع عِلمهِ أنَّه حَرامٌ حلّ أيضاً‪ ،‬وإال حَرُمَ إِىل أن يُبِرْئَه أو يوفيه من‬
‫حلٍ‪ .‬قاله شيئخنا‪( .‬وطهره) أو إمكان طهّره بغسل‪ ،‬فال َيصِحُّ بيعُ جنَس كخمر‬
‫وجلدِ ميتَة‪ ،‬وإن أمكن َطهُرها بتخلل أو دِباغ وال متنجس ال ميكن طهره‪ ،‬ولو دِهناً‬
‫تنجس‪ ،‬بل يصح هبته‪( .‬ورؤيته) أي املعقود عليه إن كان معيناً‪ .‬فال َيصِحُّ بيعُ ُمعَيَّنٍ‬
‫ملْ يَرهُ العاقِدانِ أو أحدمها‪ :‬كَرهَْنهُ‪ ،‬وإِجارَتَهُ‪ ،‬للغُررِ املنهي عنه‪ ،‬وإِن بالغَ يف وصفِه‪.‬‬
‫وتكفي الرُّؤيةُ قبلَ العَ ْقدِ فيما ال يغلبُ تَغيُّره إىل وقتِ العَقْد‪ ،‬وتكفي رُؤيةُ بَعضِ‬
‫صربْة حنو بَرّ‪ ،‬وأعلى املائِع‪ ،‬ومثل أُمنوجٍ متساوي‬ ‫املبَيعِ إنْ دَلّ على باقيه‪ ،‬كظاهِر َ‬
‫األَجْزاءِ كَاحلبوبِ أو ملْ يدلَّ على باقيهِ بل كان صواناً للباقي لِبقائِه‪ ،‬كقِشْر رُمانٍ‬
‫وبَيْض‪ ،‬وِقشْرة سُفلى لنحو َجوْز‪ ،‬فيكْفي رُؤيتَهُ‪ ،‬ألن صَالحَ باطِنَه يف إبقائِه‪ ،‬وإن مل‬
‫يدلّ هو عليه‪ ،‬وال يكفي رُؤيةُ ال ِقشْرَةِ العُليا إِذا انْع َقدَت السُّفلى‪ .‬وُيشْتَرطُ أيضاً ُق ْدرَة‬
‫تسَليمِه‪ ،‬فال يصحّ بيعَ آبِقٍ‪ ،‬وضالَ‪ ،‬ومغصوبٍ‪ ،‬لغري قادرٍ على انتزاعه‪ ،‬وكذا َسمَكُ‬
‫بِركَةٍ شُقَّ تَحصيله‪.‬‬
‫[مهمة]‪ :‬من َتصَرُّفٍ يف مالِ غريِ ببيع أو غريه ظاناً تَعَدِّيه فبان أن له عليه واليةً‪،‬‬
‫كأنْ كان مال مورِثَه فبانَ موتَهُ‪ ،‬أو مالُ أجنيب فبان إذنه له‪ ،‬أو ظاناً ُف ِقدَ شرط فبانَ‬
‫ُمسْتَوفياً للشروط‪ ،‬صح تَصرُّفه‪ ،‬ألن العِبْرَة يف العقودَ مبا يف نفسِ األمْرِ‪ ،‬ويف العِبادات‬
‫بذلك‪ ،‬ومبا يف ظن املكلف‪ .‬ومِن ثَمَّ لو توضَّأ ومل يَظُنَّ أنه مُطلِق‪ :‬بَطُلَ طهُورَهُ‪ ،‬وإِن‬
‫بانَ مطلقاً‪ ،‬ألن املدَار فيها على ظَن املُكلَّف‪ .‬ومشل قولنا ببيع أو غريه‪ :‬التَّزويج‪،‬‬
‫واإلِبراء‪ ،‬وغريمها‪ .‬فلو أبرأ من حق ظاناً أنه ال حقَّ ل ُه فبانَ له حقٌّ‪ ،‬صح على املعتمد‬
‫ولو تصرَّف يف إنكاح‪ ،‬فإِن كان مع الشكّ يف والية نفسه فبان ولياً هلا حينئذٍ‪ :‬صحّ‬
‫اعتباراً مبا يف نفس األمر‪.‬‬
‫(وشرط يف بيع) ربوي‪ ،‬وهو حمصور يف شيئني‪( :‬مطعومٌ) كالبُرِّ‪ ،‬والشعري‪،‬‬
‫والتمر‪ ،‬والزبيب‪ ،‬وامللح‪ ،‬واألرز‪ ،‬والذُّرة‪ ،‬والفول‪( ،‬ونقد) أي ذهب وفضة‪ ،‬ولو غري‬
‫مضروبني كحُليَ‪ ،‬وتَبْر (جبنسه) كربّ بربّ‪ ،‬وذهب بذهب (حلول) لِل ِع َوضَيْن‬
‫(وتقابُضَ قَبل َتفَرق)‪ .‬ولو تقابضا البعض‪ :‬صح فيه فقط‪( ،‬ومماثلة) بني العوضني‬
‫يقيناً‪ :‬بِكَيْل يف مِكْيَل‪ ،‬و َوزْنٍ يف مَوْزونٍ‪ ،‬وذلك لقوله‪" :‬ال تبيعوا الذَّهبَ بالذَّ َهبِ‪،‬‬
‫وال ال َورِقَ بالوَرِقِ‪ ،‬وال الربّ بِالبَرّ‪ ،‬وال الشَّعريَ بالشْعري‪ ،‬وال التمَّر بالتمرِ‪ ،‬وال املِلحَ‬
‫باملِ ْلحِ‪ ،‬إال سِواءً بسواءٍ‪ ،‬عَيناً ِبعَيْن‪ ،‬يداً بَِيدٍ‪ ،‬فإِذا اخْتَلَفت هذه األصْنافُ فبيعوا كيف‬
‫شِئْتُم إذا كان يداً بيد" أي مقابضة‪ .‬قال الرافعي‪ :‬ومَن الزمَه احللُول أيْ غالباً‬
‫فَيبْطُلُ بيعَ الرِّبوي جبنسه جزافاً‪ ،‬أو مع ظن مماثلة‪ ،‬وإن خَرَجتا سواء (و) شَرُط يف بيع‬
‫أحدمها (بغري جنسه) واحتدا يف علة الربا كَبَرَ بشعري‪ ،‬وذهب بفضَّة‪( .‬حلولٌ‪،‬‬
‫وََتقَابضٌ) قبل َتفَرُّقٍ ال مماثلة فَيبْطُل بَْيعُ الرَّبوَي ِبغَيْر جِنْسِه إِن مل يقبِضا يف ا َملجْلِس‪،‬‬
‫بل يَحرُم البيعُ يف الصورتني إن اختلَّ شرطٌ من الشروط‪ .‬واتفقوا على أنه من الكبائر‪،‬‬
‫لورودِ اللَّعن آلكِلِ الرِّبا‪ ،‬وموكِلِه‪ ،‬وكاتِبِه‪ .‬وعلم مبا تقَرر أنه لو بيعَ طعامٌ ِبغَريه‬
‫كنقدٍ‪ ،‬أو ثوبٍ‪ ،‬أو غري طعامِ بطعامٍ‪ :‬مل ُيشْتَرطْ شَيءٌ م َن الثالثة‪.‬‬
‫(و) شرط (يف بيع موصوفٍ يف ذِمَّة) ويقالُ له السَّلم‪ ،‬مع الشروط املذكورة‬
‫الذمَة‪ ،‬يف َمجْلِسِ خَيارٍ وهو (قبل‬ ‫للبيع غري الرُّوءْية‪( .‬قَبَضَ رَأسْ مالٍ) مُعيَّن‪ ،‬أو يف ِّ‬
‫تفرق) مِن َمجْلِس ال َعقْد‪ ،‬ولو كان رأسُ املال مَْنفَعة‪ .‬وإنَّما يتَصوَّرُ َتسْليمَ املَنفَعة‬
‫بِتَسليمِ العَيْن‪ ،‬كدارٍ وحَيوانٍ‪ ،‬و ِملسْلِم إِليه قَبضَهُ َورَدَّهُ ملسلم‪َ ،‬ولَو عن دينه‪( .‬وكون‬
‫مسلم فيه ديناً) يف الذمة‪ :‬حاالًّ كان أو مؤجَّالً‪ ،‬ألنه الذي وضَع لهُ َلفْظُ السَّلم‬
‫فأسَْل ْمتُ إليك ألفاً يف هذا العني‪ ،‬أو هذا يف هذا‪ :‬ليس سَلماً‪ ،‬النتفاء الشرط‪ ،‬وال‬
‫صفَتَهُ كذا هبذه الدراهم‪ ،‬فقال‬ ‫بيعاً‪ ،‬الختالل لفظه ولو قال إِشْتَرَْيتُ مِنْكَ َثوْباً ِ‬
‫‪82‬‬
‫بعتُكَ‪ .‬كان بيعاً‪ ،‬عند الشيخني‪ ،‬نظراً للفظ‪ .‬وقيل سلم نظراً للمعىن واختاره جَمْعٌ‬
‫مُحقِّقون‪( .‬و) كونُ املسلِم فيه (مقدوراً) على تسليمه (يف حمِله) بكسر احلاء‪ :‬أي‬
‫و ْقتَ حُلولِه فال َيصِحُّ السَّلم يف منقَطعٍ عند احملِل‪ :‬كالرَّطب يف الشتاء‪( ،‬و) كونِه‬
‫(معلومُ قَ ْدرٍ) بِكَيْلٍ يف مِكْيَلٍ‪ ،‬أو وَزْنٍ يف مَوزونٍ‪ ،‬أو ذِرع يف مَذروعٍ‪ ،‬أو ِعدّ يف‬
‫َم ْعدُودٍ‪ .‬وصحَّ يف حنو جَوزٍ ولوزٍ‪ ،‬بوزنٍ وموزون بكيل ُي َعدّ فيه ضابطاً‪ ،‬ومَكيلٍ‬
‫ِزةَ‬ ‫بوزن‪ ،‬وال جيوز فيه بيضة وحنوها‪ ،‬ألنه حيتاج إىل ذِكر جُرمِها مع وزهنا‪ ،‬فيورِثُ ع َّ‬
‫الوُجودِ‪ .‬ويشترط أيضاً بيانُ حملِّ تسليمٍ للمُسلم فيه إن أسلم مبحل ال يصلح للتسليم‪،‬‬
‫أو حلمله إليه مؤنة‪ .‬ولو ظفر املسلم باملسلم إليه بعد احملل يف غري حمل التسليم ولنقله‬
‫إِىل حمل الظفر مؤنة‪ ،‬مل يلزمه أداء‪ ،‬وال يُطالِبه بقيمَتِه‪ .‬ويصحُّ السَّلم حاالًّ ومؤجَّالً‬
‫بأجل معلومٍ‪ ،‬ال جمهول ومطلقه حال‪ ،‬ومطلق املسلم فيه جيد‪.‬‬
‫(وحرم ربا) مرَّ بيانُه قرَبياً‪ ،‬وَ ُهوَ أنواعٌ‪ :‬رِبا َفضْلٍ‪ ،‬بأن يَزيد أحدَ ال ِعوَضَني‪ ،‬ومِْنهُ‬
‫رِبا القُرْض‪ :‬بأن يشترط فيه ما فيه َن ْفعٌ لل ُمقْرِض‪ ،‬ورِبا يَد‪ :‬بأن يفارق أحدمها جملس‬
‫العقد قبل التقابُض‪ ،‬وربا نِساء‪ :‬بأن َيشْترِط أجَلٌ يف أحد العِ َوضَيْن‪ ،‬وكلَها مُج َمعٌ‬
‫عَليها‪ ،‬مث ال ِعوَضان أن اتَّفقا جِنْساً‪ :‬اشتَرط ثالثَة شُروط‪ ،‬تقدمت‪ ،‬أو علة‪ :‬وهي‬
‫الطَّعم والنقدية‪ ،‬اشترط شرطان‪ ،‬تقدما‪ .‬قال شيخنا ابن زياد‪ :‬ال يندِفعُ إِثْمُ إِعطاءِ‬
‫حصُلُ لَهُ القَرْض‪ .‬إذ له‬ ‫الرِّبا عندَ ا ِإلقْتِراضِ للضُّرورَة‪ ،‬حبُيثَ أَنه إِن مل يعطِ الرِّبا ال َي ْ‬
‫طَريق إِىل إعطاءِ الزاِئدِ بِطَريقِ َّالن ْذرِ َأوْ التَّمْلِيكِ‪ ،‬السيما إذا قُلنا النَّذر ال حيتاجُ إِىل‬
‫قبولٍ لفظاً على املعتمد‪ .‬وقال شيخنا‪ :‬يندفع اإلِمثُ للضَّرورةِ‪.‬‬
‫[فائدة]‪ :‬وَطَريقُ اخلَالصِ مِنَ َعقْدِ الرِّبَا لِمنَ يَبيعُ ذَهباً ِبذَهَب‪ ،‬أو فِضَّة ِبفِضَّة‪ ،‬أو‬
‫بَ ّراً بربّ‪ ،‬أو َأرُزاً بَأرُز متفاضِالً‪ ،‬بأن يَهب كلٌ من البائِعني حقَّه لآلخرَ‪ ،‬أو يُق ِرضَ كلٌّ‬
‫صاحبه مث ُيربِئَه ويتخلّص مِْنهُ بالقَرضِ يف بيعِ الفَضة بالذَّهب أو األرزَّ بالربِّ بال قبض‬
‫قبل تفرق‪( ،‬و) حَرم (تفريقٌ بني أَمة) وإن رَضَيتْ‪ ،‬أو كانت كافِرَة‪( ،‬وفرع مل مييز)‬
‫سمَة وهَدية لغري مَن يُعتق عليه‬ ‫ولو من زِنا اململوكَيْنِ لواحِد (بنحو بيع) َكهِبَةٍ وِق ْ‬
‫خلرب‪" :‬مَن فَرَّقَ بني الواِلدَة َو َوَلدِها‪ :‬فرق اهلل بينه وبني أحَبتهُ يوم القيامَة" وبطل العقد‬
‫(فيهما) أي الرِّبا والتفريق بني األَمة والولد‪ ،‬وأحلق الغزايلّ يف فتاويه وأقرَّه غريه‪،‬‬
‫التفريقُ بالسفر بالتفريق بنحو البْيعِ وطَردَه يف التفريق بني الزوجة وولدها‪ ،‬وإن كانت‬
‫حرة‪ ،‬خبالف املطلقة واألب وإن عال‪ ،‬واجلدّة وإن علت ولو من األب‪ ،‬كاألُم إذا‬
‫عدمت‪ .‬أما بعد التمييز فال حيرم‪ ،‬إلِسِْتغْناءِ املمُيِّز عن احلضَانَة‪ :‬كالتَّفريقِ ب َوصِيَّة وعِتْقٍ‬
‫ورَهْن وجيوزُ تَفريقَ ولدِ البَهيمَة إن استغىن عن أمِّه بلنب أو غريه‪ ،‬لكن يُكْره يف‬
‫الرَّضيع‪ :‬كَتفْرِيق اآلدمي املميز قبلَ البلوغِ عن ا ُألمّ‪ ،‬فإن مل َيسْتغنِ عن اللنب‪ ،‬حَرُم‬
‫وبَطُل‪ ،‬إِال إِن كان لغرضِ الذّبح‪ ،‬لكن بَحث السُّبكي حُ ْرمَةَ ذبح أمه مع بقائه‪( .‬و)‬
‫حَرَّم أيضاً‪( :‬بيعَ حنو عنب ممن) عُلم أو (ظُن أنه يتخذه مسكراً) للشُرب واألمْرَد ممن‬
‫سهُ‪،‬‬‫عُرفَ بالفُجور به‪ ،‬والديك للمهَارِشة‪ ،‬والكَبْش‪ ،‬للمناطَحة‪ ،‬واحلريرَ لرَجُل يَلِْب َ‬
‫وكذا بيع حنو ا ِملسْكِ لكافرٍ يشتري لِتَطييبِ الصَّنم‪ ،‬واحليوان لكافر علم أنه يأكُله بال‬
‫ذَبحْ‪ ،‬ألَن ا َألصَحَّ أَنَّ الكفَّارَ خماطَبونَ بفروع الشَّريعَة كا ُملسْلمِني عندنا‪ ،‬خالفاً أليب‬
‫حنيفة رضي اهلل تعاىل عنه فال جيوز اإلِعانة عليهما‪ ،‬وحنو ذلك من كل تصرف‬
‫يفضي إىل معصية يقيناً أو ظناً‪ ،‬ومع ذلك يصح البيعُ‪ .‬ويُكْرَه بَيعُ ما ذكرَ ممن تَوهَّم‬
‫منه ذلك‪ ،‬وبيع السالحِ لنحو بُغاةٍ وقُطَّاعِ طريق‪ ،‬ومعامَلةَ من بيده حالل وحرام‬
‫وإن غلب احلرام احلالل‪ .‬نعم‪ :‬إِن عُلم حترميَ ما عقَد بِه‪ :‬حَ ُرمَ‪ ،‬وبَطُل‪.‬‬
‫(و) حَ ُرمَ (احتكارَ قوتٍ) كتمر‪ ،‬وزبيب‪ ،‬وكل مُجزىءٍ يف الفِطرَة وهو إِمساكُ‬
‫ما اشْتراهُ يف وقتَ الغَالءِ ال الرُّخص ليبيعه بأكثرَ عند اشْتِدادِ حاجة أهلِ حملهِ أو‬
‫‪83‬‬
‫صدِ ذلك‪ .‬ال لِي ُمسِكَه لَِنفْسِهِ أو عِيالِه أو لِيبَيعَهُ بِثَمَ ِن‬ ‫غريهم إِليه‪ ،‬وإن مل َيشْتَرِهِ ِب َق ْ‬
‫مِثْلِه‪ ،‬وَال إمْساكَ غِلّة أرضِه‪ ،‬وَأْلحَقَ الغزايل بالقوت‪ :‬كل ما يعني عليه‪ ،‬كا َّللحْم‪،‬‬
‫تقررِ‬ ‫َرحَ القاضِي بالكَراهَةِ يف الثَّوب‪( .‬وسومٌ علي سومٍ) أي سومُ غريه (بعد ُّ‬ ‫وص َّ‬
‫َثمَنْ) بالتراضي به‪ ،‬وإن َفحُشَ نقص الثمَّنِ عن القِيمَة‪ ،‬للنهي عنه‪ ،‬وهو أن يَزيدَ على‬
‫آخر يف َثمَنِ ما يُريدُ شراءَه أو يُخرجَ له َأرْخَص منه‪ ،‬أو يَرْغَب املالكُ يف استردا ِدهُ‬
‫ليشَترَيه بأَغلى‪ ،‬وحترميَه بعد البَْيعِ‪ .‬وقبل لزومه لبقاء اخلِيَارِ أَ َشدّ (وََنجَشْ) للنهَّي عنه‪،‬‬
‫ولإلِيذاءِ‪ :‬وهو أَن يَزيدَ يف الثَّمنِ‪ ،‬ال لرغْبتِه‪ ،‬بَلْ ِلَيخْدعَ غريهُ‪ ،‬وإن كانَت الزِّيادة يف‬
‫مالٍ حمجورٍ عليه‪ ،‬ولو عند نقص القيمة على األوجَه‪ .‬وال خيار للمُشتري إن غَبُنَ‬
‫فيه‪ ،‬وإن واطأ الباِئعُ الناجِشَ لتفرِيط املشتَري حيثُ مل يتأمَّل وَيسْأل‪ ،‬ومدح السِّلعة‪،‬‬
‫لري َغبَ فيها بالكَذِب كالنَجش‪ ،‬وشرط التحرمي فِي الكُل‪ :‬عَلِم النَّهي‪ ،‬حىت يف‬
‫النُّجشْ‪ .‬ويصح البيع مع التحرمي يف هذه املواضع‪.‬‬
‫(فصل)‪ :‬يف خياري اجمللس والشرط وخيار العيب يثبت خيار جملس يف كل بيع‬
‫حىت يف الرِّبوي‪ ،‬والسلم‪ .‬وكذا يف هِبَةٍ ذات ثواب على املعتمد‪ .‬وخرج بفيء‪ :‬كل‬
‫بيع غري البيع‪ :‬كاإلِبراء‪ ،‬واهلِبة بال ثَوابْ‪ ،‬وشَرِكةٌ وقِراضْ‪ ،‬ورَهنٌ وحِوالَة‪ ،‬وكتابَة‪،‬‬
‫وإِجارَة‪ ،‬ولو يف الذِّمة‪ ،‬أو ُمقَدَّرة مبدة‪ ،‬فال خَيارَ يف مجيع ذلك‪ ،‬ألهنا ال تسمى بيعاً‪.‬‬
‫ط خيارُ من اختار لزومَه) أي البَْيعُ من بائِع و ُمشْترٍ‪ :‬كأن يقوال اخترنا لزومَه‪،‬‬ ‫(و َس ُق َ‬
‫سقُط‬ ‫أو أجَزْناه‪ ،‬فيسْقط خيارَمها‪ ،‬أو من أحدمها‪ :‬كأن يقول اخترت لزومه‪ :‬في ْ‬
‫خِيارَهُ‪ ،‬ويبقى خيارُ اآلخرِ‪ ،‬ولو ُمشْتَرِياً (و) َسقَط خَيارُ (كل) منهما (بفرقة بدن)‬
‫منهما‪ ،‬أو من أحدمها‪ ،‬ولو ناسِياً‪ ،‬أو جاهِالً‪ ،‬عن جملس العقد (عرفاً) فما ي ُعدّهُ الناس‬
‫فِرقة‪ :‬يل َزمُ به العقد‪ ،‬وما ال‪ :‬فال‪ .‬فإِن كانا يف دارٍ صغريةٍ‪ ،‬فالفِرقة بأن خيرج أحدمها‬
‫منها‪ ،‬أو يف كَبريَة‪ :‬فبأَن يَنَْتقِلَ أ َحدُهُما إىل بيتٍ من بيوتِها‪ ،‬أو يف صحراءٍ أو سوقٍ ‪:‬‬
‫فبأنْ يويل أ َحدُمها َظهْرَه وَيمْشي قليالً وإِن َس ِمعَ اخلطاب فيبْقى خَيارُ ا َملجْلسِ ما مل‬
‫س ُقطَ مبَوتِ‬ ‫يَتفرَّقا‪ ،‬ولو طال مُكَثهُما يف مَحل‪ ،‬وإِن بَلغَ سنِني أو متاشيا منازل‪ .‬وال َي ْ‬
‫أ َحدَهُما‪ :‬فينتقلُ اخليارُ للوارِثِ املتأَهِّل‪( ،‬وحَلف نايف فِرقَةِ أو فَسخَ قبلها) أي قبلَ‬
‫الفِرقَة‪ :‬بأن جاءآ معاً وادَّعى أحدُمها فِرقَة وأنكرها اآلخرُ لِيفْسخَ أو اتفقا عليها‬
‫صدِّق النَّايف‪ ،‬ملوافقته لألصل‪.‬‬ ‫وادَّعى أحدمها فسخاً قبلها وأنكر اآلخر‪ :‬فُي َ‬
‫(و) جيوز (هلما) أي للعاقِديْن (شرط خيار) هلما أو أل َحدِمها يف كل بيع فيه خيارُ‬
‫جمَلسٍ إال فيما يُعتَق فيه املبيعَ‪ ،‬فال جيوزَ شرطُه ملشترٍ للمُنافاة‪ ،‬ويف رِبوَي وسَلَم‪ :‬فال‬
‫جيوز شرط فيهما ألحد‪ ،‬الشْتراطِه القَبْضَ فيهما يف اجمللس (ثالثة أيام فأقل)‪ ،‬خبالفِ‬
‫ما لو أطلق أو أكثر من ثالثة أيام‪ .‬فإِن زاد عليها‪ :‬مل َيصِحَّ ال َع ْقدُ (من) حني (الشَّرط‬
‫للخَيار)‪ ،‬سِواء أُشْرِطَ يف العقد أم يف جملسه وامللك يف املبيع مع توابعه يف مدة اخليار‬
‫ملن انفرد خبيارٍ من بائعٍ ومشترٍ‪ ،‬مث إِنْ كانَ هلما‪ :‬فموقوفٌ‪ ،‬فإِن مت البيعُ‪ :‬بان أنهُ‬
‫ملشترٍ من حني العَ ْقدِ‪ ،‬وإِال فلبائِع‪.‬‬
‫سخٌ) لل َع ْقدِ يف مُدَّة اخلَيارِ (بنح ِو فَسخْت البَيْع) كاسْتَرْجَعتَ املَبِيعَ‪.‬‬ ‫(وحيصلُ َف ْ‬
‫(وإِجازَةٌ) فيها بنحو‪ :‬أجَزَتَ البَْيعَ‪ ،‬كأمْضيْتَهُ‪ ،‬والتَّصرُفُ يف مُدَّة اخلَيارِ ِبوَطءٍ‪،‬‬
‫وإِعْتاقٍ‪ ،‬وَبَْيعٍ‪ ،‬وإِجارَةٍ‪ ،‬وتَزويج‪ ،‬من باِئعٍ‪ :‬فُسخ‪ ،‬ومن ُمشْتَرٍ‪ :‬إِجازة للشِّراءِ (و)‬
‫يَثُْبتُ (ملشتَرٍ جاهل) مبا يأيت (خيارٌ) يف ردُّ املَبيع (ب) ظهورِ (عَْيبٍ قَدمي) مُْنقِصٍ‬
‫قيمَة يف املبيع‪ ،‬وكذا للبائِع بظهور عيب قدمي يف الثمن‪ .‬وآثروا ألول‪ :‬ألن الغالب يف‬
‫الثمن االنضباط‪ ،‬فقيل فيه ظهور العيب‪ .‬والقدمي ما قارن العَقْد‪ ،‬أو حدث قبل‬
‫القبض‪ ،‬وقد بقي إىل ال َفسْخ‪ ،‬ولو حدث بعضُ القَبْض فال خيار للمشتري‪ ،‬وهو‬
‫(كاسِْتحَاضَة)‪ ،‬ونكاحَ ألَمة‪( ،‬وسَ ِرقَة‪ ،‬وإِباق‪ ،‬وزِنا) من رَقيق‪ ،‬أي بكل منها‪ ،‬وإن مل‬
‫‪84‬‬
‫يتكرَر وتابَ‪ ،‬ذكراً كانَ أو أنثى (وبوَّل بفراشٍ) إن اعتادَه وبلغَ سبعَ سنني وُبخُر‬
‫وصِنانٍ ُمسَْتحْكِميْن‪ .‬ومنْ عيوبِ الرَّقيقِ‪ :‬كوَنَهُ نَمَّاماً‪ ،‬أو شَتَّاماً‪ ،‬أو كذَّاباً‪ ،‬أو آكِالً‬
‫صمَ‪ ،‬أو أبلَه‪ ،‬أو‬ ‫لِطنيٍ‪ ،‬أو شارِباً لنحو َخمْرٍ‪ ،‬أو تارِكاً للصَّالة‪ ،‬ما مل يَتُب عَنْها‪ ،‬أو أ َ‬
‫ُمصْطَكِ الرُّكبتيْن‪ ،‬أو رُتَقاءُ‪ ،‬أو حامِالً يف آ َدمِيَّة‪ ،‬ال َبهِيَمَة‪ ،‬أو ال تَحيضُ من بَلغت‬
‫عِشرينَ سنة‪ ،‬أو أحَد ثَديْيها أكْبَر من اآلخَر‪( ،‬وجِماحٌ) حلَيَوان‪( ،‬وعض)‪ ،‬ورُمح‪،‬‬
‫وكونَ الدارِ منزِلَ اجلُندِ‪ .‬أو كونَ اجلِنِّ مسَّلطنيَ على ساكِنِها بالرَّجْم‪ ،‬أو القِرَدِة مثالً‬
‫يرعونَ َزرْعَ األرْض‪( .‬و) يثْبت بِتغريرٍ فِعلي‪ .‬و ُهوَ حَرام للتَّدليسِ والضَّ َررِ (كََتصْرية)‬
‫لهُ‪ :‬وهِيَ أن يَتْرُكَ حَلبه مُدَّةً قبل بَْيعِه ليو ِهمَ املشْتَري كَثْرَة اللبَنِ وجتعيدِ َشعْرَ اجلارِية‪،‬‬
‫(ال) خَيارَ (ِبغُبْنٍ فاحِشٍ‪ :‬كظَنِّ) ُمشْتَرٍ حنو (زُجاجة‪ :‬جَوْهَرة) لَِت ْقصِريه بعَملهِ ِب َقضِيَّة‬
‫وَ ْهمِهِ‪ ،‬من غري بَحْث‪( .‬واخليار) بالعَيْب‪ ،‬ولو بتصرية (فوري) فَيَبْطُل بالتأخري بال‬
‫ُع ْذرٍ‪ ،‬وُيعْتَرب ال َفوْرُ عادَة‪ ،‬فال يَضرّ صَالة وأكْل دخَل َوقْتُهُما‪َ ،‬وقَضاءُ حاجَةٍ وال‬
‫سَالمَةُ على الباِئعِ‪ ،‬بِخالفِ مُحادَثَتِه‪ ،‬وَلوْ عَلَيْهِ لَيْالً‪ :‬فله التَّأْخريِ حىت ُيصْبِحَ‪ ،‬وُيعْ َذرَ‬
‫جهْلِه جَوازَ الردِّ بالعَْيبِ‪ ،‬إن قَرُبَ عهدُهُ باإلِسْالم‪ ،‬أو َنشَأ بَعيداً عن‬ ‫يف تأخريهِ ِب َ‬
‫جهْلِ فَورِيَتهِ إِن خَفي عليهِ‪ ،‬مث إن كان الباِئعُ يف البَلدِ‪ :‬رَدَّهُ ا ُملشْتري‬ ‫العُلماءِ‪ ،‬وِب َ‬
‫بنفسه‪ ،‬أو وَكليهِ على البائِع أو وَكيلِه‪ ،‬ولو كانَ الباِئعُ غائِباً عن البَلد‪ ،‬وال وَكيلَ لهُ‬
‫هبا‪ :‬رَفعَ ا َألمْر إىل احلا ِكمِ وُجوباً‪ ،‬وال يُوءَخَّرُ حلضورِهِ‪ .‬فإِذا عَجز عَن اإلِنْهاءِ‪ ،‬لنحو‬
‫مَرضٍ‪ ،‬أشهَد على ال َفسْخِ‪ ،‬فإِن َعجَزَ عن اإلِشْهادِ‪ :‬لَم يَلزمْهُ تلفُّظ‪ ،‬وعلى ا ُملشْتَرِي‬
‫تَركَ اسِتعْمال‪ ،‬فلو اسْتَخدَم رَقيقاً‪ ،‬ولو بقوله ا ْسقِين‪ ،‬أو نا َولْين الثَّوب‪ ،‬أو أغلِقْ‬
‫البَابَ‪ ،‬فال ردّ قهراً‪ ،‬وإن َي ْفعَل الرَّقيقُ ما ُأمِر به‪ ،‬فإِن فعل شيئاً من ذلك بال طلب‪ :‬مل‬
‫َيضُرّ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو باعَ حَيواناً أو غريه بِشرط بَراءَتهُ مِن العُيوبِ يف املَبيعِ أو أن ال يُردّ‬
‫هبا‪ :‬صح العقد‪ ،‬وبريءٌ من عيبٍ باطنٍ باحليوان موجودٌ حالَ العقْد مل َيعْلَمْهُ الباِئعُ‪،‬‬
‫ال عَن عَْيبٍ باطنٍ يف غري احليوان‪ ،‬وال ظاهر فيه‪ .‬ولو اخْتَلَفا يف قَدم العَيْب‪ ،‬واحتملَ‬
‫صِدقَ كل‪ :‬صدَق البائعُ بيمينه يف دعْواه حدوثِه‪ ،‬ألن األصْلَ‪ :‬لُزومَ العقْد‪ .‬وقيلَ ألَن‬
‫األصْلَ َعدَم العَيْبِ يف يَده‪ .‬ولو حَدث عَْيبٌ ال يُعرفُ القَدميُ بدونه كَ َكسْرِ بَيْضٍ‪،‬‬
‫وجوز‪ ،‬وتقْوير بطيخٍ مدوّد‪ ،‬ردّ وال أرَش عليه للحادِثِ‪ ،‬ويُتَّبعَ يف الردِّ بالعَيْب‪:‬‬
‫الزيادة املتَّصلة‪ ،‬كالسَّمن‪ ،‬وتعلَم الصِّنَعة‪ ،‬ولو بأجْرة‪ ،‬ومحل قارن بيعاً‪ ،‬ال املَن َفصِلة‪:‬‬
‫حلمَل احلادِث يف مُلْكِ ا ُملشْتَرِي‪ ،‬فال تُتبَّع يف الرَدِّ‪ ،‬بل هي‬ ‫كالولد‪ ،‬والثَّمر‪ ،‬وكذا ا َ‬
‫لل ُمشْتَري‪.‬‬
‫(فصل)‪ :‬يف حكم املبيع قبل القبض (املَبيعَ قَبلَ قَْبضِهِ منْ ضَمانِ باِئعِ) مبعْىن‬
‫اْنفِساخِ البَْيعِ بتَلفِه أو إِتالفِ بائِع‪ ،‬وثَبوتِ اخلَيارِ بتعيُّبه أو َتعْييبِ بائع‪ ،‬أو أجنيب‪،‬‬
‫وبإِتالف أجْنَيب‪ .‬فلو تَلفَ بآفةٍ‪ ،‬أو أََتَلفَهُ البائِع‪ :‬انفَسخَ البَيْع (وإِتالفَ ُمشْتَرٍ قَبَضَ)‬
‫صدَقة‪ ،‬وإِجا َرةِ‬ ‫وإِن َج ِهلَ أنهُ للبَيْع (ويَبْطُل تَصرَّفُ) ولو َمعَ بائِع (بنحو بيع) َكهِبة‪ ،‬و َ‬
‫َورَهْن‪ ،‬وإقْرَاضٌ‪( :‬فيما مل َيقْبِضُ‪ ،‬ال بنحو إِعْتاقٍ) وتَزويجٍ‪َ ،‬و َوقْف‪ :‬لَتَشوَّفِ الشَّارِع‬
‫إىل العتق‪ ،‬ولعدم توقفه على القدرة بدليل صحة إعتاقِ اآلبِق‪ ،‬ويكونُ به ا ُملشْتَري‬
‫قابضاً وال يكون قابضاً بالتزويج (وقبضٌ غري منقول) من أرضٍ ودارٍ و َشجَرٍ (بتخِليةٍ‬
‫ملشترٍ) بأن ميكِّنه منه البائِع معْ َتسْليمِهِ املفتاح وإِفراغِه من أمتعةِ غري املشتري (و)‬
‫قبضٌ (منقولٌ) من سفينة أو حيوان (بنقله) من حملِّهِ إىل حملَ آخَرَ مع تفريغِ السفينة‪،‬‬
‫حصُ ُل القَبْضُ أيضاً ِب َوضْع البائَع للمنقولِ بني يدي املشتري حبيث لو مدّ إليه َيدَهُ‬ ‫وَي ْ‬
‫لَنالَهُ‪ .‬وإِن قال‪ :‬ال أريدَهُ وشَرْطَ يف غائبٍ عن َمحَل العَقْدِ‪ ،‬مع إِذَنِ البائِع يف القَبْضِ‪،‬‬
‫مضى زَمن ميكنُ فيهِ املِضيِّ إليه عادةً‪ .‬وجيوزُ ملشتَرٍ اسْتِقاللٍ بقبضٍ للمبيع إن كان‬
‫‪85‬‬
‫الثمن مؤجالً‪ ،‬أو سَُّلمَ احلال‪( .‬وجاز استِْبدَالٌ) يف غري رِبَوي بيع بِمثْلِهِ من جِنْسه‬
‫(عن مثن) َنقْد أو غريه‪ :‬خلرب ابن عُمر رضي اهلل عنه‪" :‬كنتُ أبيعَ اإلِبِلَ بالدنانري‪،‬‬
‫وآخذَ مكانَها الدَّار ِهمَ‪ ،‬وأبيعَ بالدَّرا ِهمِ‪ ،‬وآ ُخذَ مكانَها الدَّنانريَ‪ ،‬فأتَْيتُ رسولَ اهلل‪،‬‬
‫فسألتهُ عن ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ال بأس إذا َتفَ ْرقْتُما وليس بينكما شيء" (و) عن (دَيْن)‬
‫قرضٍ‪ ،‬وأجْرَةٍ‪ ،‬وصَداقٍ‪ ،‬ال عن مسلم فيه‪ ،‬لعدم استقْرارِهِ‪ .‬ولو استَبدلَ موافقاً يف عَِّلةِ‬
‫الرِّبا‪ ،‬ك ِدرْهمٍ عن دينار‪ ،‬اشترط قبض البدل يف اجمللس‪ ،‬حذراً من الربا‪ ،‬ال إن‬
‫استُْبدِلَ ما ال يواِفقَهُ يف العِلة‪ ،‬كطعام عن درهم‪ ،‬وال يُْبدِلَ نوعٌ أسلم فيه‪ ،‬أو مَبيعٌ يف‬
‫الذِّمةِ َع ْقدٌ بغري لفظِ السَلمِ بنوع آخر‪ ،‬ولو من جنسه‪ :‬كحنظة مسراء عن بيضاء‪ ،‬ألن‬
‫املَبيعَ معَ تعيُّنِهِ ال جيوزُ بَْيعُه قبل قَْبضِه‪ ،‬فمع كونِه يف الذِمَّةِ‪ .‬أوىل‪ .‬نعم‪ ،‬جيوز إِبداله‬
‫بنوعِه األ ْجوَدَ‪ ،‬وكذا األردأ بالتَّراضي‪.‬‬
‫(فصل)‪ :‬يف بيع األصول والثِّمار (َيدْخُل يف بَيْع َأرْض) وهِبَتَها َو َوقْفها‪ ،‬وال َوصِيَّة‬
‫هبا مُطلقاً‪ ،‬ال يف رَهْنها واإلِقرار هبا (ما فيها) من بناءٍ وشجَرٍ رُ َطبٍ وثَمرهُ الذي مل‬
‫يظْهرْ عند البَيْع‪ ،‬وأصول َبقْلٍ ُتجَزُّ مرَة بعد أخْرى‪ ،‬كقِثاء‪ ،‬وبَطيخ‪ ،‬ال ما يُو ْءخَذُ‬
‫َد ْفعَةً‪ ،‬كبَرَ وِفجْلٍ ألنه ليس للدَّوامِ والثَّباتِ‪ ،‬فهو كاملنقوالتِ يف الدارِ‪( .‬و) يدخل‬
‫(يف) بيع (بستان)‪ ،‬وقرية (أرض‪ ،‬وشجر‪ ،‬وبِناءٍ) فيهما‪ ،‬ال مزارِعَ حوهلما‪ ،‬ألهنا‬
‫ليسَت ِمنْهُما‪( .‬و) يف بيعٍ (دارٍ هذهِ الثالثَةُ) أي األرضُ اململوكَة للبائِع ُحبمْلتها‪ ،‬حىت‬
‫ختُومُها إىل األرضِ الساِبعَة‪ ،‬والشَّجر املغروس فيها‪ ،‬وإن كَثُر‪ ،‬والبناءَ فيها بأنواعِه‪،‬‬
‫ب منصوبَةٍ) وأغالقُها املثْبتَة‪ ،‬ال األبوابُ املقْلوعَة‪ ،‬والسُررُ واحلِجارَ َة املدفونَة بال‬ ‫(وأبوا ٍ‬
‫بِناء‪( ،‬ال يف) بيع (قَنَ) َذكَرٍ أو غَيْره (حَلَقة) بأذنه‪ ،‬أو خاتَم‪ ،‬أو نَعْلِ‪( ،‬و) كذا‬
‫(َثوْبٌ) عليه خالفاً للحاوي‪ ،‬كاحملرر‪ ،‬وإن كان ساتِرَ عورَتِه‪( .‬ويف) بيعِ ( َشجَرِ)‬
‫رَ ُطبٍ بال أرض عِنْد اإلِطْالقِ (عرق) ولو يابِساً إِن مل يُشْرَطْ قَطعَ الشَّجرِ‪ ،‬بأن شرط‬
‫الشجَر الرَّ َطبِ‪ .‬ويَلزمُ املشْتَري قَ ْلعَ اليابِسِ عِنْدَ‬‫إبقاوه أو أطلق‪ ،‬لوُجوب َبقَاءِ َّ‬
‫اإلِطالق‪ ،‬للعادة‪ ،‬فإِن شَرط قَطعَه أو قَلْعه‪ُ :‬عمِلَ به‪ ،‬أو إِبقاؤه‪ :‬بَطُلَ البَْيعُ وال يُنَْتفَع‬
‫ا ُملشْتَري َمبغْرَسِها (وغُصنٍ رُطَب)‪ ،‬ال يابِسَ‪ ،‬والشَّجر رْ َطبٌ‪ ،‬ألن العادة قَطْعَهُ‪ ،‬وكذا‬
‫َورَق رُطَب‪ ،‬ال وَرَقُ حِنَّاء على األوجه‪( ،‬ال) يدخل يف بيع الشجر (مَغرُسُه)‪ ،‬فال‬
‫يتبعه يف بيعه‪ ،‬ألن اسم الشجر ال يتناوله (و) ال مثر (ظهر)‪ :‬كطلع خنل بتَشقُّق‪ ،‬ومثر‬
‫حنو عنب‪ :‬بربوز‪ ،‬وجوز‪ :‬بانْعِقادٍ‪ ،‬فما ظهَرَ منه‪ :‬للباِئعْ‪ ،‬وما مل يَ ْظهَر‪ :‬لل ُمشْتَري‪.‬‬
‫ولو شرط الثمر ألحدمها‪ :‬فهو له‪ ،‬عمالً بالشَّرْط‪ :‬سِواءً أظهَرَ الثمَرَ أم ال‪( ،‬ويبقيان)‬
‫أي الثَّمر الظَاهِرَ والشَّجر عند اإلِطالق‪ ،‬فَيسَْتحِقُّ الباِئعَ تَبقيَة الثَّمر إِىل أوان اجلِداد‪،‬‬
‫فيأخذه دفعة‪ ،‬ال تدرجياً‪ ،‬وللمُشتَري تَْبقِيةَ الشجر ما دام حَيّاً‪ ،‬فإِن انقلع‪ ،‬فلَهُ غر َسهُ‬
‫إِن نفع ال بد له (و) يدخُل (يف) بيع (دابة َحمَلها) ا َملمْلوكَ ملالِكهَا‪ ،‬فإِن مل يكن‬
‫مملوكاً ملالكها‪ ،‬مل َيصِحَّ البَْيعَ‪ ،‬كبَْيعِها دونَ َحمْلِها‪ ،‬وكذا عكسه‪.‬‬
‫(فصل)‪ :‬يف اختالف املتعاقدين (ولو اختلف مُتعَاقِدان) ولو وَكيلَيْن‪ ،‬أو وارِثَيْن‬
‫صفَةِ َعقْد) مُعا َوضَةً كَبيعٍ وسََلمٍ‪ ،‬وقِراضٍ‪ ،‬وإِجارَةٍ‪ ،‬وصَداقٍ‪( ،‬و) احلال أنه قد‬ ‫(يف ِ‬
‫(صح) العقد باتِّفاقِهما‪ ،‬أو ميني الباِئعِ‪( :‬كقدرِ ِع َوضٍ) من حنو مَبيْع‪ ،‬أو َثمَن‪ ،‬أو‬
‫صفَِتهِ‪ ،‬أو أجَلٌ‪ ،‬أو قدرهِ‪( ،‬وال بيِّنة ألحدمها) مبا ادَّعاه‪ ،‬أو كان لكل‬ ‫جِنْسِه‪ ،‬أو ِ‬
‫منهما بينة‪ ،‬ولكنْ قد تعا َرضَتا بأن أُطلقتَا‪ ،‬أو أطلقت إحدامها وأرِخَّت األخرى‪ ،‬أو‬
‫أُرِّخَتا بتاريخ واحد‪ ،‬وإال حُ ِكمَ ُمب َقدَمِّةِ التاريخ‪( .‬حلف كل) منهما مييناً واحدة‪،‬‬
‫جتمع نفياً لقول صاحبه‪ ،‬وإثباتاً لقوله‪ ،‬فيقول البائع مثالً‪ :‬ما ِبعْت بكذا‪ ،‬ولقد ِبعْت‬
‫بكذا‪ .‬ويقول املشْتري‪ :‬ما اشْتَرَْيتُ بكذا‪ ،‬ولقد اشْتَريْت بكذا‪ ،‬ألن كالًّ‪ :‬من املدعي‬
‫واملدعى عليه‪ .‬واألوجه‪ :‬عدم ا ِإلكْتفاء مبا ِبعْت إال بكذا‪ ،‬ألَن النفي فيه‪ :‬صريح‬
‫‪86‬‬
‫واإلِثبات‪ :‬مَفهوم‪( ،‬فإِن) رضي أحدمها بدون ما ادعاه‪ ،‬أو َسمَح لِآلخر مبا ادَّعاه‪،‬‬
‫لَزَم ال َع ْقدَ‪ ،‬وال رُجوع‪ ،‬فإِنْ (َأصَرّا) على اإلِختالف‪( :‬فلكلٍ) منهما (أو) للحاكم‬
‫(فسخه) أي ال َعقْدِ‪ ،‬وإن مل َيسْأالهُ‪ ،‬قَطْعاً‪ ،‬للنِّزاع‪ .‬وال جتب ال َف ْورِيَّة هنا‪ .‬مث بعد‬
‫ال َفسْخِ‪ :‬يُرَدُّ املبَيعْ بزيادَتِه املتَّصِلَّة‪ ،‬فإِن تَلَفَ ِحسّاً أو شَرْعاً‪ ،‬كأَن َوَقفَهُ أو باعَهُ‪ ،‬رُدَّ‬
‫مثله إن كان مِثْلياً‪ ،‬أو قِيمَتَهُ إن كان مُتَقوَّماً‪ .‬ويُرَدُّ على الباِئعَ قِيمَة آبقِ فَسْخِ العقد‪،‬‬
‫وهو آبقٌ مِن عند ا ُملشْتري‪ ،‬والظاهِرُ اعتبارَها بي َومِ اهلَربِ‪( .‬ولو ادعى) أحدمها (بَيْعاً‪،‬‬
‫واآلخر رَهْناً‪ ،‬أو هِبَةً)‪ :‬كأن قال أحدمها ِبعْتَ َكهُ بَألْف‪ ،‬فقال اآلخر‪ :‬بل رَهَنْتَنِيه‪ ،‬أو‬
‫وَهَبْتَنِيه‪ ،‬فال تَخالف إذا مل يَتَّفقا على عقد واحد‪ ،‬بل (حلف كل) منهما لآلخر‬
‫(نفياً)‪ ،‬أي مييناً نافيةً لدعوى اآلخر ألن األصل‪ :‬عدمه‪ ،‬مث يُردّ مدعى البيع األلف‪،‬‬
‫ألنه مقرّ هبا‪ ،‬ويُستَردُّ العَيْنِ بِزَواِئدِها املتصلة واملُْن َفصِلة‪( .‬و) إذا اختلف العاقِدان‪:‬‬
‫سدٍ من إِخْالل ركن أو شَرْط‪ ،‬كأن ادعى‬ ‫فادعى أحدمها اشتمالَ ال َع ْقدِ على ُم ْف ِ‬
‫أحدمها رؤيته‪ ،‬وأنكرها اآلخر‪( :‬حلَفَ مُدَّعي صحة) العقد غالباً‪ ،‬تقدمياً للظَّاهِر من‬
‫حال املُكَّلف‪ ،‬وهو اجْتنابَهُ للفاسد‪ ،‬على أصل عدمها لتشوَّفِ الشارِعِ إىل إمضاءِ‬
‫العُقود‪ ،‬وقد يُصَدَّق مدّعي الفساد‪ ،‬كأن قال البائع‪ :‬مل أكن بالغاً حني البيع‪ ،‬وأنكر‬
‫املشتري‪ ،‬واحتمل ما قاله البائع‪ :‬صدَق بيمينه‪ ،‬ألن األصل‪ :‬عَدمَ البُلوغ‪ .‬وإن اختلفا‪:‬‬
‫صدُق مُدَّعي اإلِنكار‪ :‬ألنه الغالب‪.‬‬ ‫هل وقَع الصُّلح على اإلِنْكارِ أو االعتِرافْ؟ في ْ‬
‫ومن وُهب يف مرضه شيئاً‪ ،‬فادعت ورثته غيبة عقله حال اهلِبَة‪ :‬مل يقبلوا‪ ،‬إال إن علم‬
‫له غيبة قبل اهلبة‪ ،‬وادعوا اسِتمْرارهَا إليها‪ .‬ويصدق منكر أصل حنو البيع‪.‬‬
‫[فروع]‪ :‬لورَدَّ ا ُملشْتَري مَبيعاً معيناً معيباً‪ .‬فأنكر البائِع أنه املبيع‪ .‬فيصدّق بيمينه‪،‬‬
‫ألن األصل مضيّ العقد على السالمة‪ .‬ولو أتى املشتري مبا فيه فأرة‪ ،‬وقال قَبضْتهُ‬
‫كذلك‪ ،‬فأنكرَ املقْبض صدَق بيمينه‪ .‬ولو أفرغه يف ظرف املشتري‪ ،‬فظهرت فيه فأرة‪،‬‬
‫ص ْدقُه‪ ،‬ألنه مدَّع‬ ‫صدَقَ البائع بيمينه إن أمكن ِ‬ ‫فادَّعى كلٌّ أهنا من عند اآلخر‪َ :‬‬
‫لِلصِّحة‪ ،‬وألن األصل يف كل حادث‪ :‬تقديره بِأقرب زَمن‪ .‬واألصل بَراءَةُ البائع‪ .‬وإن‬
‫دَفع لِدائنِه دَيْنَهُ فردّهُ ِبعَْيبٍ‪ ،‬فقال الداِفعُ ليس هو الذي دفعتهُ‪ :‬صدّق الدائنَ ألن‬
‫الذمِة‪ .‬ويصدّق غاصب ردّ عيناً‪ ،‬وقال هي املغصوبَة‪ ،‬وكذا وديع‪.‬‬ ‫األصل‪ :‬بقا ُء ِّ‬
‫(فصل)‪ :‬يف القرض والرهن (اإلِقراض) وهو َتمْليكُ شيءٍ عَلى أَنْ يُرَدَّ مِثَلهُ‬
‫(سُنَّة)‪ ،‬ألن فيه إعانة على َكشْفِ كُرْبة فهو من السُّنَنِ األَكيدَة‪ ،‬لألحاديثِ الشَّهريَة‬
‫كخَربِ ُمسْلم "مَنْ َنفَس على أخيه كُرْبَة من كُرَبِ الدنيا‪ ،‬نفسَّ اهلل عنه كُرْبةً من‬
‫كُرب يوم القيامة‪ .‬واهلل يف عونِ العَْبدِ‪ ،‬ما دام العَْبدُ يف عونِ أخيه" وصح خرب "من‬
‫أقرض اهلل مرّتني‪ :‬كان له مثل أجر أحدمها لو تصدق به" والصَّدقة أفضل منه‪ ،‬خالفاً‬
‫لَب ْعضِهم‪ .‬وحملُّ نَدبه‪ :‬إن مل يَكُنْ املقتَرِض ُمضْطراً‪ ،‬وإال وَ َجبَ‪ .‬وَيحْرَم ا ِإلقْتراض‬
‫على غري مضطر مل يُرجَ الوفاء من جهة ظاهرة فوراً يف احلال‪ ،‬وعند احللول يف‬
‫املؤجَّل‪ ،‬كاإلِقراض عند العلم‪ ،‬أو الظن من آخذِهِ َّأنهُ يُنفِقه يف َم ْعصِيَة‪ .‬وحيصل‬
‫(بإِجياب‪ :‬كأقْرَضتُك) هذا‪ ،‬أو ملَّكْتَكَه على أن تَرُدَّ مِثله‪ ،‬أو ُخذْهُ ورُدَّ َب َدلَهُ‪ ،‬أو‬
‫إصْرِفه يف حوائِجكَ ورُدَّ بدَلهَ‪ ،‬فإِنَّ ُحذِفَ ورُدَّ بدلَهُ‪ :‬فكناية‪ .‬وخذه فقط‪ :‬لغو‪ ،‬إال‬
‫إِن سبقه أقرضين هذا‪ ،‬فيكون قرضاً‪ ،‬أو أعطين‪ ،‬فيكون هبة‪ .‬ولو اقتصر على‬
‫ملَّكْتَكهُ‪ ،‬ومل ينوِ البدل‪َ :‬فهِبَة‪ ،‬وإال فكناية‪ .‬ولو اختلفا يف نية البدَلِ‪ :‬صدَق الدافع‪،‬‬
‫ألنه أعْرَفَ بقصده‪ .‬أو يف ذكر البدل‪ :‬صدَّق اآلخِذ يف عدم الذكر‪ ،‬ألنه األصل‪.‬‬
‫والصِّيغة ظاهرة فيما ادعاه‪ .‬ولو قال ملضطر أ ْطعَمتُكَ ِب َع َوضْ‪ ،‬فأنكر‪ ،‬صدَق املُ ْطعِم‪،‬‬
‫حَمالً للناسِ على هذهِ املَكْرمة ولو قال وَهَبْتُك بِع َوضْ‪ ،‬فقال جماناً‪ :‬صَدق املُتَّهب‪.‬‬
‫ولو قال اشتر يل بدرمهك خبز‪ ،‬فاشتُريَ له‪ :‬كان الدِّرهمُ قَرْضاً‪ ،‬ال هِبَةً‪ ،‬على‬
‫‪87‬‬
‫ضهُ‪ .‬نعم‪ :‬القرضُ احلُكْمي‬ ‫املعتَمدَ‪( ،‬وقبول) متصل به‪ :‬كََأقْ َرضْتُه‪ ،‬وقَبِ ْلتُ قَ ْر َ‬
‫سوَة العاري‪ ،‬ال يفتقرَ إىل إِجياب‬ ‫كاإلِنْفاق على اللَّقيط املُحتاجُ‪ ،‬وإِطْعامَ اجلائِع‪ ،‬و ِك ْ‬
‫وقبول‪ .‬ومنه أمرُ غريه بإِعطاءِ مالهُ غَ َرضٌ فيه‪ :‬كإِعطاءِ شاعِر‪ ،‬أو ظاملٍ‪ ،‬أو إطعامُ‬
‫فقريٍ‪ ،‬أو فِداءَ أسريٍ وعمر داري‪ .‬وقال َج ْمعٌ‪ :‬ال ُيشْتَرَطُ يف القَرض‪ :‬اإلِجيابَ‬
‫والقُبول واختاره األذرعي‪ .‬وقال قياسَ جواز املُعاطاة يف البَيْع‪ :‬جَوازَها هنا‪ ،‬وإمنا‬
‫جيوز القرض من أهل تَبَرُّع‪ :‬فيما يسلم فيه من حيوان وغريه ولو نقداً مغشوشاً‪ .‬نعم‪.‬‬
‫جيوزُ قَ ْرضُ اخلُبْزِ‪ ،‬والعَجنيِ‪ ،‬واخلَمريِ احلامِض‪ ،‬ال الروبة‪ ،‬على األوجه‪ ،‬وهي َخمِريةُ‬
‫لنب حامِض‪ ،‬تُلقى على اللنب لريوب‪ ،‬الختالفِ محوضَتِها امل ْقصُودَة‪ .‬ولو قال أقْرضْين‬
‫عشرة‪ ،‬فقال خذها من فالن‪ ،‬فإِن كانت له حتت يده‪ :‬جاز‪ ،‬وإال فهوَ وكيلٌ يف‬
‫قَبضِها‪ ،‬فال بدّ من جتديد قرضِها‪ .‬وُيمْتنعُ على َولِيّ قرضِ مال موليَه بال ضرورة‪.‬‬
‫نعم‪ :‬جيوز للقاضي إِقراضَ مالِ ا َملحْجورِ عليه بال ضرورة‪ ،‬لكثرة أشْغالِه‪ :‬إن كان‬
‫ا ُملقْتَ ِرضُ أميناً موسِراً‪( ،‬وملك مقترض بقبض) بإِذن مقرض‪ ،‬وإن مل يتصرّف فيه‪،‬‬
‫كاملوهوب‪ .‬قال شيخنا‪ :‬واألوْجه يف النقوط املعتاد يف األفراح أنه هِبَة‪ ،‬ال قرض‪ ،‬وإن‬
‫اعتيد رد مثله‪ .‬ولو أنفَقَ على أخِيهِ الرَّشِيدَ وعيالَهُ سِنني وهو ساكتْ‪ :‬ال يرجع به‪،‬‬
‫على األوجه‪( ،‬و) جاز (ملقْرِض اسْتردادَ) حيث بقي ذلك املقَتَرض‪ ،‬وإن زال عن‬
‫ملكه مث عاد على األوجه‪ ،‬خبالف ما لو تعلق به حق الزم‪ ،‬كرهن‪ ،‬وكتابِة‪ ،‬فال‬
‫يرجع فيه حينئذٍ‪ .‬نعم‪ :‬لو آجره رجع فيه‪ ،‬وجيب على املقترض رَدُّ املِثْل يف املثلى‪،‬‬
‫وهو النقد واحلُبوب‪ ،‬ولو نقداً أبطَلَه السلطان‪ ،‬ألنه أقرب إىل حقه‪ ،‬وردُّ املِثْل صورة‬
‫يف املتقوِّم‪ ،‬وهو احليوان‪ ،‬والثياب واجلواهر‪ ،‬وال جيب قبول الرديء عن اجليد‪ ،‬وال‬
‫قبول املثل يف غري حملّ ا ِإلقْراضِ إِن كان لهُ غرضٌ صحيح‪ ،‬كأن كان لنقله مُوءْنة‪ ،‬ومل‬
‫يتحمَّلها املقترض‪ ،‬أو كان املوضع خموَّفاً‪ .‬وال يُلزم املُقترِض الدَّفعَ يف غري حمل‬
‫اإلِقراض إال إذا مل يكن حلملة مؤنة أو له مؤنةً وحتمَّلها ا ُملقْرِض‪ ،‬لكن له مطالبة يف‬
‫غري حمل اإلِقراض بقيمة مبحل اإلِقراض وقت املطالبة فيما لنقله مؤنة ومل يتحلمها‬
‫املقرِض جلوزا اإلِعتياض عنه‪( .‬و) جاز ملقْرِض (نفع) يصل له من ُمقْترِض‪ ،‬كرد‬
‫الزائد قدراً أو صفة‪ ،‬واألجود يف الرديء (بال شرط) يف العقد‪ ،‬بل يسن ذلك‬
‫ملقترض‪ ،‬لقوله‪" :‬إن خياركم‪ :‬أحسنكم قضاء" وال يكره للمقرض أخذه‪ ،‬كقبول‬
‫هديته‪ ،‬ولو يف الربوي‪ .‬واألوجه أن املقرض ميلك الزائد من غري لفظ‪ ،‬ألنه وقع تبعاً‪،‬‬
‫وأيضاً فهو يشبه اهلدية‪ ،‬وأن املقترض إذا دفع أكثر مما عليه‪ ،‬وادعى أنه إمنا دفع ذلك‬
‫ظناً أنه الذي عليه‪ :‬حلف‪ ،‬ورجع فيه‪ .‬وأما القرض بشرط جرّ نفع ملقرض ففاسد‪،‬‬
‫خلرب "كل قرض جرّ منفعة‪ ،‬فهو ربا" وجرب ضعفه‪ :‬جميء معناه عن مجع من الصحابة‪.‬‬
‫ومنه القرض ملن يستأجِر مُلكه‪ ،‬أي مثالً بأكثر من قيمته ألجل القرض‪ .‬إن َوَقعَ ذلِك‬
‫شَرْطاً‪ ،‬إذْ ُهوَ حِينئذٍ حَرامٌ إِجْماعاً‪ ،‬وإِال كَرُهَ عندنا‪ ،‬وحرام عند كثري من العلماء‪،‬‬
‫قاله السَّبكي‪ ،‬وجيوزُ ا ِإلقْراضَ بشرطِ الرهنِ أو الكفيل‪.‬‬
‫ولو قال أقرض هذا مائة وأنا هلا ضامِنٌ‪ ،‬فأقْ َرضَهُ املائة أو بعضها كان ضامناً‪ ،‬على‬
‫األوجه‪ ،‬للحاجة‪ :‬كألقِ متاعك يف البحر وعليّ ضماهنم وقال البغوي‪ :‬لو ادَّعى‬
‫املالِكُ القَ ْرضَ‪ ،‬واآلخذ الوديعة‪ :‬صدقَ اآلخذ ألن األصل‪ :‬عدم الضَّمان‪ ،‬خالفاً‬
‫لألنوار‪.‬‬
‫(ويصح رهن) وهو جعل عني جيوز بيعها وثيقة بدين يُستوىف منها عند تعذر‬
‫وفائه‪ ،‬فال َيصِحُّ رَهْنَ َوقْفٍ وأمّ ولد (بإِجياب وقبول) كرهنت‪ ،‬وأرهتنُت ويشترط ما‬
‫مرّ يف البيع‪ ،‬من اتصال اللفْظني‪ ،‬وتوافقهما معىن‪ ،‬ويأيت هنا خِالفَ املُعاطاةِ (من أهل‬
‫تربع)‪ ،‬فال يُرْهَنُ ويلٌّ أباً كان‪ ،‬أو جداً‪ ،‬أو وصياً‪ ،‬أو حاكماً مال صيب وجمنون‪،‬‬
‫‪88‬‬
‫كما ال يُرتَهن هلما إال لضرورة‪ ،‬أو غطبة ظاهرة‪ ،‬فيجوز له الرهن واالرهتان كأن‬
‫يرهن على ما يقترض حلاجة املؤنة ليويف مما ينتظر من الغلة أو حلول الدين‪ ،‬وكأنَ‬
‫يَرَْتهِنَ على ما ُيقْ ِرضَهُ أو يَبيعَه مؤجالً لضرورة هنب أو حنوه‪ ،‬للزوم ا ِإلرْهتان حينئذٍ‬
‫(ولو) كان العني املرْهونة جزءاً مشاعاً‪ ،‬أو (عارية)‪ ،‬وإن مل يصرِّح بلفظها‪ ،‬كأن قال‬
‫له مالكها‪ :‬ارْهَنْها بدينك حلصول التوثُّق هبا‪ .‬ويصح إعارة النقد لذلك‪ ،‬على األوجه‪،‬‬
‫وإن منعنا إعارته لغري ذلك‪ ،‬فيصح رهن معارٍ بإِذن مالك بشرط معرفته املرتَهن‪،‬‬
‫وجنس الدين وقدره‪ .‬نعم‪،‬د يف اجلواهر لو قال له ارهن عبدي مبا شئت‪ :‬صحَّ أن‬
‫يرهنه بأكثر من قيمته‪ .‬ولو عُيِّن قدراً فَرُهِنَ بدونهِ‪ :‬جاز‪ ،‬وال رُجوعَ للمالِك بَعدَ‬
‫قَبْضِ املُرَتهَن العارِية‪ ،‬فلو تلف يف يد الراهن‪ ،‬ضمن ألنه مستعري اآلن‪ ،‬اتفاقاً‪ ،‬أو يف‬
‫س ُقطُ احلَقُّ عن ذِمة الراهِن‪.‬‬ ‫يد املرهتن‪ :‬فال ضمانَ عليهْما‪ ،‬إذ املُرَْتهَن أمني‪ ،‬ومل َي ْ‬
‫ضمِنَ بالتسَّليم‪ ،‬على ما قاله غري واحد‪ ،‬ويباعُ املعارَ مبراجعةِ‬ ‫نعم‪ :‬إن رُهِنَ فاسداً‪ُ :‬‬
‫مالِكِه عند حلول الدين‪ ،‬مث يُرجع املالكُ على الراهن بثمنه الذي بيعَ به (ال) يصحُّ‬
‫(بشرطٍ ما يضرُّ) الراهن‪ ،‬أو املرَتهَنْ‪( :‬كأن ال يُباعَ) أي املرهونَ‪ ،‬عند احملل‪ ،‬أي‬
‫وقتَ حلولِ الدين‪ ،‬أو إال بأكثر من مثن املِثْل‪( ،‬وكشَرْطِ مَْن َفعَتِه) أي املرهون‬
‫(ملُرَْتهَنْ) كأن يُشرطا أن الزوائد احلادثة كثمر الشجر (مرهونة) فَيَبْطُل الرَّهْنَ يف‬
‫الصُّورِ الثالثِ‪( ،‬وال يَلزم) الرَّهْنَ كاهلِبَة (إال ِبقَبْضٍ) مبا مرّ يف قَبْضِ املَبيع (بإِذنٍ) من‬
‫راهِن َيصِح تَبَرُّعه‪ ،‬وحيصل الرجوع عن الرهْنِ قَبْلَ قَْبضِه بتصرُّف يُزيلَ املُلكَ كاهلِبَة‬
‫والرهن آلخر‪ ،‬وال ِبوَطء‪ ،‬وتزويج‪ ،‬وموت عاقد‪ ،‬وهربَ مرهون‪( .‬والَيدَ) يف املرهونِ‬
‫(ملرهتنٍ) بعد لزوم الرهن غالباً (وهي) على الرَّهن (أمانَة) أي يدَ َأمَانة‪ ،‬ولو بعد‬
‫ضمَنَهُ املرهتِن إلِ بالتَّعدِّي‪ :‬كأن امتنع من الرَّد بعد سقوطِ الدَّينِ‬ ‫البَرَاءَة من الدَّيْن‪ ،‬فال َي ْ‬
‫(وصدق) أي املرهتِن (كاملستأجر يف) دعوى (تلف) بيمينه (ال يف ردّ) ألهنما قبضا‬
‫لغرض أنفسهما‪ ،‬فكانا كاملستعري‪ ،‬خبالف الوَديعِ‪ ،‬والوَكيل‪ ،‬وال يَسقُط بتلفه شيء‬
‫من الدين‪ .‬ولو غفل عن حنو كتاب‪ ،‬فأكلته األرضة‪ ،‬أو جعله يف حمل هو مظنتها‪،‬‬
‫ضِمنَهُ لتفريطه‪.‬‬
‫[قاعدة]‪ :‬وحكم فساد العقود إذا صدر من رشيد‪ ،‬حكم صحيحها يف الضمان‬
‫وعدمه‪ ،‬ألن صَحيحَ ال َعقْد إذا اقْتَضى الضَّمان َب ْعدَ القَبْضِ كالبَْيعِ والقَرْض ففاسِ َدهُ‬
‫أوْىل‪ ،‬أو َعدَمه كاملَرْهون‪ ،‬وا ُملسْتَأجر واملوهوب‪ ،‬ففا ِسدَ ُه كذلك‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو رهن شيئاً وجعله مبيعاً من املرهتنِ بعد شهر‪ ،‬أو عارية له بعده‪ ،‬بأن‬
‫شرطا يف عقد الرَّهن مث قََبضَهُ املرتَهن‪ :‬مل َيضْمنهُ قبل مضي الشهر‪ ،‬وإن علم فَسادَه‬
‫ضمِنهُ بعدَهُ ألنه يصريُ بيعاً‪ ،‬أو عارِية فاسدين لتعليقهما بانقضاء‬ ‫على املعتمد و َ‬
‫سدَ البَيْع‪ ،‬ال‬ ‫الشهر‪ .‬فإِن قال رَهَنتُك‪ ،‬فإِن مل أقْض عند احلُلولِ فهو مَبيعٌ مِنْك‪َ :‬ف َ‬
‫الرهن‪ ،‬على األوجه‪ ،‬ألنه مل يشترط فيه شيئاً‪( .‬وله) أي للمرهتن (طلب بيعه) أي‬
‫املرهون‪ ،‬أو طلب قَضاءْ دَينِه إن مل يَِبعْ‪ .‬وال يُلزَم الراهِنَ البيع خبصوصه‪ ،‬بل إمنا‬
‫يَطْلُب املرَتهَن أحَد ا َألمْرَين (إن حَلَّ دَيْن)‪ ،‬وإمنا يَبيعُ الراهِن بإِذن املرهتنَ عند احلاجة‪،‬‬
‫ألن له فيه حقاً ويقدَّم املرهتَنَ بثمنه على سائر الغُرَماء‪ .‬فإِن أىب املرهتِن اإلِذن‪ .‬قال له‬
‫احلاكم ائذَنَ يف بيعه‪ ،‬أو أَبْرِئهُ من الديْن‪( .‬وُيجْبِر راهِن) أي جيربه احلاكِم على أحد‬
‫األمرين إذا امْتََنعَ باحلَبْس‪ ،‬وغريه‪( ،‬فإِن أصَرَّ) على االمتناعِ‪ ،‬أو كان غائِباً وليسَ له‬
‫ما يوىف منه غري الرَّهْن‪( .‬باعَهُ) عَلَيه (قاضٍ) بعدَ ثُبوتِ الدَّين‪ ،‬ومَلَكَ الراهِنَ والرَّهْنَ‪،‬‬
‫و َكوْنه َمبحَل واليتِه وقَضى الدَّين من مثنه‪ ،‬دفعاً لضرر املرهتن‪ ،‬وجيوز للمرهتن بَيعهُ يف‬
‫دَيْن حالَ بإِذن الراهن و َحضْرتِه‪ ،‬خبالفه يف غيبته‪ .‬نعم‪ ،‬إِن قُدِّر له الثمن‪ :‬صحَّ مطلقاً‪،‬‬
‫النتفاء التُّهمة ولو شرطاً أن يبيعه ثالث عند احملل‪ :‬جاز بيعه بثمن مثل حالّ‪ :‬وال‬
‫‪89‬‬
‫َيشْتَرِط مراجعة الراهِن يف البَيْع‪ ،‬ألن األصل بقاء إِذنَه‪ ،‬بل املرَتهِن‪ ،‬ألنه قد ميهل‪ ،‬أو‬
‫يربىء (وعلى مالِكَه) من راهِن‪ ،‬أو مُعريٍ له‪( :‬مؤنة) للمَرْهونِ كَنفَقَةِ رَقيقٍ‪،‬‬
‫سوَته‪ ،‬وعَلَفَ دابة‪ ،‬وأجْ َرةَ ردِّ آبِقٍ‪ ،‬ومكا َن ِح ْفظٍ‪ ،‬وإعادَةِ ما ُيهَدَّم إِجْماعاً‪،‬‬ ‫و ِك ْ‬
‫خالفاً ملا شذّ به احلسَنُ‪ .‬فإِن غابَ أو أ ْعسَر‪ .‬را َجعَ املُرْهتْنُ احلا ِكمَ‪ ،‬وله اإلِنفاق بإِذنه‬
‫ُجعَ‪ ،‬وإال‬ ‫ليكون رَهناً بالنفقة أيضاً‪ .‬فإِن تعذر استئذانه‪ ،‬وأ ْشهَد باإلِنْفاقِ ليُرجَع‪ ،‬ر ِّ‬
‫فال‪( ،‬وليس له) أي للمالِك بعد لزومِ الرَّهْن‪ :‬بَْيعٌ‪َ ،‬و َوقْفٌ‪ ،‬و (رَهْنٌ آلخَر)‪ ،‬لئال‬
‫يُزَا ِحمُ املُرَتهَن ( َووْطءُ) للمِرهونَة بال إذنه‪ ،‬وإِن مل َتحْبل‪ ،‬حسماً للباب‪ ،‬خبالف سائر‬
‫التمتعات‪ ،‬فتحل‪ ،‬إن أمِن الوطء‪( ،‬وتزويج) األمة مرهونة‪ ،‬لنقصه القيمة‪( ،‬ال) إن‬
‫كان التزويج (منه)‪ :‬أي املرهتن‪ ،‬أو بإِذنه‪ ،‬فال ميتنع على الراهن‪ ،‬وكذا ال جتوزُ‬
‫اإلِجارة ِلغَيْر املرْهتِن بال إذن إن جا َوزَت مدّهتا احملل‪ .‬وجيوزُ له اإلِنتفاعَ بالرُّكوب‬
‫والسُّكىن‪ ،‬ال بالبناءِ والغَرْس‪ .‬نعم‪ ،‬لو كان الدَين مؤجَّالً وقالَ‪ :‬أنا أقلعُ عندَ األَجَل‪،‬‬
‫فله ذلك‪ .‬وأما وَطْءُ املُرَْتهِنَ اجلارِيَة املرهونَة‪ ،‬ولو بإِذن املالك‪ ،‬فزَنا‪ ،‬حيث علم‬
‫بالتحْرِميْ‪ ،‬وما نسب إِىل‬ ‫التَّحرمي‪ ،‬فعليه احلدّ‪ ،‬ويلزمَهُ ا َملهْر‪ ،‬ما مل تطاوِ ْعهُ‪ ،‬عالِمةً َّ‬
‫عطاءٍ‪ ،‬من جتويزه الوَطْءَ بإِذن املالك‪ ،‬ضعيفٌ جداً‪ ،‬بل قيل إِنه مَكذوبْ عليه‪.‬‬
‫(وسُئِلَ) القاضي الطَّيِّب الناشري عن احلكمِ فيما اعتاده النِّساءُ من ارْهتانِ احلِلى‬
‫معَ اإلِذْن يف لبْسها (فأجاب) ال ضمانَ على املرَتهِنة مع اللَّبس‪ ،‬ألن ذلك يف حكم‬
‫إجارَةٍ فا ِسدَة معلِّالً ذلك‪ :‬بأن املقرِضة‪ ،‬ال ُتقْ ِرضُ ماهلا إال ألجل اإلِرهتان واللِّبس‪،‬‬
‫فجعل ذلك عوضاً فاسداً يف مقابلة اللِّبْس‪( .‬ولو اختلفا) أي الراهِن‪ ،‬واملرهتِن (يف‬
‫أصل رهْن)‪ ،‬كأن قال رَهَنتين كذا‪ ،‬فأنكر اآلخر‪( ،‬أو) يف (قدره)‪ :‬أي املرهون‬
‫كرهنتين األرض مع شجرها‪ ،‬فقال‪ :‬بل وحدها‪ ،‬أو قدر املرهون به‪ :‬كبألفني‪ ،‬فقال‬
‫بل بألف‪( :‬صدق راهِن) بيمينه‪ .‬وإن كان املرهون بيد املرهتِن ألن األصل عدم ما‬
‫يدعيه املرهتِن‪ .‬ولو ادعى مرهتن هو بيده أنه قبضه باإلِذن‪ ،‬وأنكره الراهن‪ ،‬وقال بل‬
‫حدِه بيمينه‪.‬‬ ‫َغصَبْتَه‪ ،‬أو أعَرْتَكُه‪ ،‬أو آجَرْتَكُه‪ :‬صدَق يف َج َ‬
‫[فرع]‪ :‬من عليه ألفان بأحدمها رَهْن أو كَفيلٍ‪ ،‬فأَدَّي ألفاً وقال أديته عن ألف‬
‫الرهن‪ :‬صدق بيمينه‪ ،‬ألن املؤدّي أعرف بقصده وكيفيته‪ .‬ومن مث لو أدى لدائنه شيئاً‬
‫وقصد أنه عن دينه وَقعَ عنه‪ ،‬وإن ظَنَّه الدائنَ هَديَّة‪ ،‬كذا قالوه‪ ،‬مث إِن مل ينوِ الدافِع‪،‬‬
‫شيئاً حالة الدَّفع‪ :‬جَعله عما شاء مِْنهُما‪ ،‬ألنَ التعينيَ إِليه‪.‬‬
‫حجَر عليه‪ ،‬بِطَلَبه‬ ‫[تتمة]‪ :‬املفْلِس من عليه دَيْن آلدامي حالّ زائد على ماله‪ُ :‬ي ْ‬
‫حلجْرَ على نفسه‪ ،‬أو طَلَب غُرماَئهُ وباحلجرِ‪ :‬يتعلق حقُّ الغُرماء مباله‪ ،‬فال يصح‬ ‫اَ‬
‫تصرفه فيه مبا يضرُّهم‪ .‬كوقْفٍ‪ ،‬وهِبة‪ ،‬وال بيعَهُ‪ ،‬ولو لغُرَمائِهِ ِبدَيْنهِم‪ ،‬بغريِ إِذنِ‬
‫حلجَرِ‪ .‬ويبادرُ قاضٍ يبيع‬ ‫القاضي‪ .‬ويصحُّ إقراره بعني أو دين أسْند وجوبُه لِما قبْل ا َ‬
‫سمَ َثمَنَهُ بني غُرمائِه كبيعِ مالِ‬ ‫مالَه‪ ،‬ولو مسَكَنه‪ ،‬وخا ِدمَه‪َ ،‬حبضْرتِهِ مع غُرَمائِهِ‪ ،‬وَق َ‬
‫ممتنع عن أداءِ حقَ وَ َجبَ عليه أداوه‪ .‬ولقاضٍ إِكراهُ مُمتََنعٍ من األداءِ باحلَبْسِ وغَيْره‬
‫مِن أنواع التَّعزيرِ‪ .‬وَيحْبِسْ مَدينٌ مَكلَّف ُع ِهدَ َلهُ املالَ ال أصْل وإن عال من جهة أب‬
‫أو أمّ بدين فرعه‪ ،‬خالفاً للحاوي‪ ،‬كالغزايل‪ ،‬وإذا ثبت إعسار مَدين‪ :‬مل َيجُزْ حَبْسهُ‪،‬‬
‫وال مال َزمَتَهُ بل يُمَهَّلْ حىت يوسِر‪ .‬وللدائن مالزمةَ من مل يثُْبتْ إِعْسارَه‪ ،‬ما مل خيتر‬
‫املدين احلبس‪ ،‬فيجابُ إليه‪ ،‬وأجْرَةَ احلَبْس‪ ،‬وكذا املالزَم على املَدين‪ .‬وللحا ِكمِ مَنْع‬
‫احملبوس‪ :‬اإلِستئناسُ باحملادثة‪ ،‬وحضور اجلُمعة‪ ،‬و َعمَلُ الصِّْنعَة إن رأى املَصْلَحة فيه‬
‫وال جيوزُ للدائنِ جتويعَ املَدينَ مبنْع الطعام كما أفىت به شيخنا الزمزمي‪ ،‬رمحه اهلل‬
‫تعاىل وجيوز لغرمي املفلِس احملجورِ عليه أو امليِّت‪ :‬الرجوعَ فوراً إىل مَتَاعه‪ ،‬إن وُ ِجدَ‬
‫يف مُلْكه ومل يتعلق به حقٌ الزم‪ ،‬والعَوَض حال‪ ،‬وإن تفرَّخ البيض املبيَع‪ ،‬وَنَبَث البِذر‬
‫‪90‬‬
‫واشتدَّ حبّ الزرْع‪ ،‬ألهنا حدثت من عني ماله‪ .‬وحيصلُ الرجوعُ من البائِع‪ ،‬ولو بال‬
‫قاض‪ ،‬بنح ٍو فُسِخَت‪ ،‬ورُجِّعت يف املَبيعِ ال بنحو بَْيعٍ وعِتقٍ فيه‪.‬‬
‫(فصل)‪ :‬حيجر جبنون إىل إفاقةٍ وصِبا إىل بلوغْ بكمال مخس عشرة سنة قمرية‪،‬‬
‫حتديداً‪ ،‬بشهادةِ َع ْدلَني خبريين أو خروج مينَ‪ ،‬أو حَيْضٍ‪ ،‬وإمكاَنهُما كمالَ تسعَ‬
‫سننيَ‪ .‬ويَصدُق مدَّعي بلوغ‪ :‬بإِمناءٍ‪ ،‬أو حيضٍ‪ ،‬ولو يف خصومَةٍ‪ ،‬بال ميني‪ .‬إذ ال‬
‫يعرف إال منه‪ .‬ونبْت العانةِ اخلشَنة‪ ،‬حبيثُ حتتاجُ إىل احللقِ يف حق كافر‪ :‬ذكر أو‬
‫أنثى‪ ،‬أمارةً على بلوغِه بالسِّن أو اإلِحْتالمَ‪ .‬ومِْثلَهُ‪ :‬وَلدُ مَنْ ُجهِلَ إِسالمه‪ ،‬ال من عدم‬
‫من يعرف سنه‪ :‬على األوجه‪ ،‬وقيل يكون عالمة يف حق املسلم أيضاً‪ .‬وأحلقوا‪،‬‬
‫بالعانة‪ :‬الشَّعرَ اخلَشنَ يف اإلِبط‪ ،‬وإذا بََلغَ الصَّيب رشيداً‪ :‬أعطى ماله والرُّشد‪ :‬صالحُ‬
‫الدِّينِ‪ ،‬واملال‪ ،‬بأن ال يفعل حمرّماً يبطل عدالة‪ :‬من ارتكابِ كبريةٍ أو إصرارٌ على‬
‫صغريَةٍ مع عدمِ غلبةِ طاعاتهِ معاصِيه‪ ،‬وبأنَّ ال يبذرَّ بتضَيْيعِ املالِ باحْتمالِ غُبْنٍ فاحِشٍ‬
‫يف املُعامَلَةِ‪ ،‬وإنفاقِه‪ ،‬ولو فِلْساً يف ُمحَرَّم‪ .‬وأما صرفه يف الصَّ َدقَة‪ ،‬ووجوهِ اخلَيْر‪،‬‬
‫واملَطاعِم‪ ،‬واملالبس‪ ،‬واهلدايا اليت ال تَليقُ به‪ ،‬فليس بتبذير‪ .‬وبعد إفاقة اجملنون وبلوغ‬
‫الصيب ولو بال رشد يصح اإلِسالم‪ ،‬والطالق‪ ،‬واخللع‪ ،‬وكذا التصرُّف املايل بعد‬
‫الرشد‪ .‬وُويلّ الصيب‪ :‬أبٌ َعدْلٌ‪ ،‬فأبوهُ وإن عال‪ ،‬فوصي فقاضي بلد املوىل‪ ،‬إن كان‬
‫عدالً أميناً‪ ،‬فإِن كان ماله ببلد آخر‪ :‬فويلّ ماله قاضي بَلدِ املال يف حفظِه‪ ،‬وبَْيعِه‪،‬‬
‫وإِجارَتَهُ عِنْد خوفِ هالكِه فصُلَحاءُ بلده ويتَصرَّفُ الوَيلُّ با َملصَْلحَة ويلزمَهُ حِفْظُ‬
‫مالِه‪ ،‬واستِنماؤُه َق ْدرَ النفقة‪ ،‬والزَّكاة‪ ،‬واملؤنَ‪ ،‬إن أمكنه‪ ،‬وله السفر به يف طريق آمن‬
‫ملقصد آمن ب ّراً‪ ،‬ال حبراً‪ ،‬وشِراء عقارٍ يكفيهِ غِلّتَه أوىل من التِجارة‪ ،‬وال يَبيعُ عِقارَهُ إال‬
‫حلاجَةٍ أو غِبْطَةٍ ظاهِرَة وأفىت بعضهم بأن للوَيلِّ الصُّلح على بعضِ دين املويل إذا تعني‬
‫ذلك طريقاً لتخليص ذلك البعض‪ ،‬كما أن له‪ ،‬بل يلزمه‪ ،‬دفع بعض ماله لسِالمَةٍ‬
‫باقِية‪ .‬انتهى‪ .‬وله بيعُ مالِه نسيئَة ملصْلحَة‪ ،‬وعليه أن يَرهتِنَ بالثَّمن رَهْناً وافياً إن مل‬
‫يكن املشتري موسِراً‪ .‬ولويلَ إقراضَ مالٍ حمجورٍ لضرورة‪ .‬ولقاضٍ ذلك مطلقاً‪،‬‬
‫بشرط كون املقترض مليئاً أميناً‪ ،‬وال والية ألمّ على األصح‪ ،‬ومن أدىل هبا‪ ،‬وال‬
‫لِعصْبة‪ .‬نعم‪ ،‬هلم اإلِنفاقَ من مالِ الطِّفلِ يف تأديبه وتعليمه‪ ،‬ألنه قليل‪ ،‬فسومِحَ بهِ عنْدَ‬
‫صدُق أبٌ أو جدّ يف أنه تصرفٌ ملصلح ٍة بيمينه‪ ،‬وقاضٍ بال ميني‪،‬‬ ‫َف ْقدِ الوَيل اخلاصِّ‪ .‬وَي ْ‬
‫إن كان ِثقَة عدالً‪ ،‬مشهورُ العفة‪ ،‬وحُسنَ السِّرية‪ ،‬ال وصي‪ ،‬وقيم‪ ،‬وحا ِكمٌ‪ ،‬وفاسِق‪،‬‬
‫بل املصَدَّق بيمينه هو احملجور‪ ،‬حيث ال بينة‪ ،‬ألهنم قد يُتَّهمون‪ .‬ومن مث‪ :‬لو كانت‬
‫األم وصية كانت كاألوّلني‪ ،‬وكذا آباؤها‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬ليسَ لويلَ أخذ شيء من مالِ موليه إن كان غنياً مطلقاً‪ ،‬فإِن كان فقرياً‬
‫وانقطع بسببه عن َكسْبه‪ :‬أخذ قدر نفقته‪ ،‬وإذا أيسر‪ :‬مل يلزمه بدل ما أخذه ‪.‬قال‬
‫األسْنَوي‪ :‬هذا يف وصي وأمني‪ ،‬أما أب أو جدّ‪ ،‬فيأخذ قدر كفايته اتفاقاً سواء‬
‫الصحيح وغريه‪ .‬وقيس بويلّ اليتيم فيما ذكر‪ :‬مَنْ َج َمعَ ماالً ِلفَكِّ أسريٍ‪ ،‬أي مثالً‪ ،‬فله‬
‫إن كان فَقرياً األكْلَ منه‪ .‬ولألَبِ واجلدِّ‪ :‬استخدامَ حمجورِه فيما ال يقابَل بأُجرةٍ وال‬
‫يضْرِبُه على ذلك‪ ،‬خالفاً ملن جزَم بأن له ضَرْبَهُ عليه‪ ،‬وأفىت النووي بأنه لو استخدم‬
‫ابن ابنته‪ :‬لزمه أجرته إىل بُلوغِه ورُ ْشدْ‪ ،‬وإن مل يُكْرِهه‪ .‬وال جيب أجرة الرشيد إِال إن‬
‫ُأكْرِه‪ .‬وجيري هذا يف غري اجلدِّ لألُم‪ ،‬وقال اجلال ُل البلقيين‪ :‬لو كان للصَّيب مالٌ غائبِ‬
‫فأنفقَ ولِيُّهُ عليه من مالِ َن ْفسِه بنيَّةِ الرجوع‪ ،‬إِذا حضَر مالَه رَجَع‪ ،‬إِن كان أباً أو‬
‫جداً‪ ،‬ألنه يتولَّى الطرفني خبالف غريمها‪ :‬أي حىت احلاكم‪ ،‬بل يَأذَنُ ملن ينفق‪ ،‬مث يوفيه‬
‫وأفىت مجع فيمن ثبت له على أبيه دين فادّعى إنفاقه عليه‪ :‬بأنه يصدق هو أو وارثه‬
‫باليمني‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫(فصل)‪ :‬يف احلوالة (َتصِحُّ حَوالَةٌ بِصيغَة) وهيَ إِجيابٌ من املُحيل‪ :‬كأَحَلتُكَ على‬
‫فالن بالدين الذي لَكَ عليّ‪ ،‬أو نقَلتُ َحقَّكَ إىل فالن‪ ،‬أو َجعَ ْلتُ مايل عَلَيْهِ لَكْ‪،‬‬
‫وقبول من املُحتال بال تعليق‪ ،‬ويصح بأَحِلين‪( ،‬وبرضا حميل‪ ،‬وحمتال) وال يُشتَرط رِضا‬
‫املُحال عليه‪( .‬ويُل َزمُ هبا) أي احلَوالَة (دينُ حمتالٍ حماالً عليه) فيربأ احمليلُ باحلوالة عن‬
‫دين احملتال‪ ،‬واملُحالُ عليه عَن دين املُحيل‪ ،‬ويتحوّل حق املُحتالِ إىل ذِمَّة احملال عليه‬
‫إجْماعاً‪( ،‬فإِن تعذَّر أخذه منه بفلس) حصل للمُحال عليه‪ ،‬وإن قارَن الفلس احلوالة‪،‬‬
‫(أو َجحَد) أي إنكارٌ منه للحَوالة‪ ،‬أو دَيْنُ املَحيل وحَلَف عليه‪ ،‬أو بغري ذلك‪ :‬كتعزُّز‬
‫احملال عليه‪ ،‬وموت شهود احلوالة‪( :‬مل يرجع) احملتال (على حميل) بشيء‪ ،‬وإن َجهِل‬
‫ذلك‪ ،‬وال يتخري لو بان احملالَ عليه مُ ْعسِراً وإن شَرَطَ يسارَهُ‪ .‬ولوْ طََلبَ املُحتالُ احملالَ‬
‫عليه فقال أبرأين املَحيلُ قبلَ احلوالَة‪ ،‬وأقامَ بذلك بينة‪َ :‬س ِم ْعتُ‪ ،‬وإن كان املُحيل يف‬
‫البلد‪ .‬مث املتجه أن للمتحالِ‪ :‬الرجوعَ بدينه على احمليل‪ ،‬إال إذا استمر على تكذيب‬
‫املُحال عليه‪ .‬ولو باع عبداً وأحال بثمنه‪ ،‬مث اتفق املتبايعان على حريته وقت البيع‪ ،‬أو‬
‫ثَبَتتْ حريته حينئذٍ ببينة شهدت حسبة‪ ،‬أو أقامها العَبْد‪ :‬مل َتصِحُّ احلِوالَة‪ ،‬وإن‬
‫كذَّبَهُما املُحتالُ يف احلرية وال بينة فلكل منهما حتليفه على نفي العلم هبا‪ ،‬وبقيت‬
‫احلوالة‪( .‬ولو اختلفا) أي الدائِن واملَدين يف أنه (هل وَكَّل أو أحال؟) بأن قال املَدينُ‪:‬‬
‫وكَّلتُكَ لتقبض يل‪ ،‬فقال الدائِن‪ :‬بل أحلتين‪ ،‬وقال املدين‪ :‬أحلتُكَ‪ ،‬فقال الدائن‪ :‬بل‬
‫وكَّلتين‪( ،‬صدَق منكر حوالة) بيمينه‪ ،‬فيصدّق املدين يف األوىل‪ ،‬والدائن يف األخرية‪.‬‬
‫ألن األصل بقاء احلق يف ذمة املستحِق عليه‪.‬‬
‫[تتمة]‪َ :‬يصِحُّ مِن مُكَلَّفٍ رشيدٍ‪ :‬ضَمانٌ بدينٍ واجب‪ ،‬سواء استقرَّ يف ذمَّةِ‬
‫ضمُون له‪ :‬كنفَقَة اليوم وما قبله للزوجة‪ ،‬أو مل يَستقرّ‪ ،‬كثمن مَبيعٍ مل يقبض‪،‬‬ ‫امل ْ‬
‫وصداق قبل وطء‪ ،‬ال مبا سيجب‪ ،‬كدين قَرضٍ‪ ،‬وَن َفقَةِ غَد للزوجة‪ ،‬وال بنفقة‬
‫القريب مطلقاً‪ .‬وال ُيشْتَرَطُ رِضا الدَّائِنِ واملَدين‪ .‬وصحَّ ضمانُ الرَّقيقِ بإِذنِ سَيِّدهِ‪.‬‬
‫وَتصِحُّ منه كفالةٌ بعنيٍ مضمونَة‪ ،‬كمغصوبة‪ ،‬ومستعارَةٍ‪ ،‬وببدَنِ من يستحقُّ حضورُه‬
‫جملِس حُكِم بإِذنه‪ ،‬ويُربَّأَ الكَفيل بإِحضار مكفول‪ ،‬شخصاً كان أو عيناً‪ ،‬إىل املكفول‬
‫له‪ ،‬وإن مل يطالبه‪ ،‬وحبضوره عن جهة الكفيلِ بال حائِل‪ :‬كمتغلب باملكان الذي‬
‫شُرِط يف الكفالَةِ اإلِحضارَ إليه‪ ،‬وإال فحيث وقعت الكفالة فيه‪ .‬فإِن غاب لَزِمه‬
‫إحضارَه‪ ،‬إن عَرفَ مَحلَّه‪ ،‬وأمِنَ الطَّريق‪ ،‬وإِال فال‪ .‬وال يطالب كفيل مبال‪ ،‬وإن فاتَ‬
‫ُغرمُ املال‪ ،‬ولو مع قوله إن فات التسليم‬ ‫التَّسليمُ مبوتٍ أو غريه‪ .‬لو شرط أنه ي َّ‬
‫للمكفول‪ ،‬مل َتصِح‪ .‬وصيغة االلتزام فيهما‪ :‬كضمنت دَينَك على فالن‪ ،‬أو تَحمَّلته‪،‬‬
‫أو تكفَّلت بِبَدنه‪ ،‬أو أنا باملال‪ ،‬أو بإِحضار الشخص ضامن‪ ،‬أو كفيل‪ .‬ولو قال‬
‫أُوءَدّي املال‪ ،‬أو أ ْحضَر الشخص‪ ،‬فهو وعد بالتزامٍ‪ ،‬كما هو صريح الصيغة‪ ،‬نعم‪ :‬إن‬
‫حَفَّت به قرينة تصرفه إىل اإلِنشاء‪ :‬انعقد به‪ ،‬كما حبثه ابن الرفعة‪ ،‬واعتمده السبكي‪،‬‬
‫وال يصحانِ بِشرطِ بَراءَة أصيلٍ‪ ،‬وال بتَعلُّقٍ وتوقيتٍ‪ .‬ولل ُمسَْتحِق مطالبة الضامِنِ‬
‫واألصيل‪ .‬ولو بريء‪ :‬بُرِّيء الضَّامن‪ .‬وال عكس يف اإلِبراء‪ ،‬دون األداء ولو ماتَ‬
‫أحدمها والدين مُوءَجَّل‪ :‬حَلَّ عليه‪ .‬ولضامِن رجوعٌ على أصيل‪ ،‬إن غرِّم‪ .‬ولو صاحل‬
‫عن الدين مبا دونه‪ :‬مل يرجع إال مبا غُرِّم ولو أدى دينَ غريه بإِذن‪ :‬رَ َجعَ‪ ،‬وإن مل‬
‫ُيشْرط لَه الرُّجوع‪ ،‬ال إن أداه ب َقصْد التربُّع‪.‬‬
‫ضمِنَّا مالَك على فالن‪:‬‬ ‫[فرع]‪ :‬أفىت َج ْمعٌ ُمحَقِّقونَ بأنهُ لو قال رجُالن آلخر‪َ :‬‬
‫طالب كالُّ جبميعِ الدَّيْنِ‪ .‬وقال َجمْع مُت َقدّمونَ‪ :‬طالبَ كالًّ بِنصْفِ الدَّيْنِ‪ ،‬ومالَ إليه‬
‫األذرعي‪ .‬قال شيخنا‪ :‬إمنا َتقَسَّط الضمَّانَ يف‪َ :‬ألْقِ متاعُكَ يف البَحرِ وأنا َو ُركَّابَ‬

‫‪92‬‬
‫ضتْ‬ ‫حةٍ فاقَْت َ‬
‫السَّفينةِ ضامِنونَ‪ ،‬ألنَّهُ ليسَ ضماناً حقيقةً‪ ،‬بلْ اسِْتدَعاءَ إتْالفِ مالٍ ملصَْل َ‬
‫التَّوزيعَ‪ ،‬لِئَالَّ يَْنفِرَ النَّاسُ عَنْها‪.‬‬
‫(واعلم) أن الصَّلح جائِزٌ مع ا ِإلقْرار‪ ،‬و ُهوَ على شيءٍ غَري املدَّعي معا َوضَة كما‬
‫لو قال‪ :‬صاَلحْتك عما تدَّعيه على هذا الثَّوب‪ ،‬فله حُكْم البَيْع‪ ،‬وعلى َبعْض املدَّعى‬
‫إِبْراءً إن كان دَينْاً‪ ،‬فلو مل يَقل املدعي أبرأت ذِمَّتُكَ‪ :‬مل َيضُرَّ‪ ،‬ويُلغى الصلح حيث ال‬
‫حجة للمدعي مع اإلِنكار‪ ،‬أو السكوتَ من املدَّعى عليه‪ ،‬فال يصح الصُّلح على‬
‫اإلِنكار‪ ،‬وإن فرض صدقُ املدعي‪ ،‬خالفاً لألَِئمْة الثالثة‪ .‬نعم‪ ،‬جيوز للمُدَّعي احملق أن‬
‫يأخُذ ما ُبذِلَ له يف الصلح على اإلنكار‪ ،‬مث إن وقع بغري مدعى به كان ظافراً وسيأيت‬
‫حكم الظَّفر‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬يُحرمُ على كلِّ أحد غَرْسَ َشجَرٍ يف شارع‪ ،‬ولو لعموم النفع للمسلمني‪،‬‬
‫كبناء دَكَّة‪ ،‬وإن مل يضُرَّ فيه‪ ،‬ولو لذلك أيضاً‪ ،‬وإن انتفى الضرر حاالً‪ ،‬أو كانت‬
‫ف رَْيعَهُ بل يُكره‪.‬‬ ‫الدَّكة بفِناء دارِه‪ .‬وَيحُلُّ الغَرْسَ بِا َملسْجد للمُسلمني أو لِيَصْرُ َ‬

‫(َتصِحُّ وكالَة) َشخْصٍ مَُتمَكِّنٍ لَِن ْفسِهِ َكعَبْد‪ ،‬وفَاسِقٍ يف قبولِ نِكاحٍ‪ ،‬ولو بِال‬
‫إِذْنَ سَيِّد‪ ،‬ال يف إجيابِه‪ ،‬وهي َتفْويضُ َشخْصٍ َأمْرَهُ إىل آخَرَ فيما َيقْبَلُ النِّيابَة لَِي ْفعَلَهُ يف‬
‫حَياتِه‪َ ،‬فَتصِحُّ (يف كلِّ َع ْقدٍ)‪ :‬كَبَْيعٍ‪ ،‬ونِكاحٍ‪ ،‬وَهِبَةَ‪ ،‬ورَهْنٍ‪ ،‬وطَالقٍ مُْنجِز‪( ،‬و) يف‬
‫كل (َفسْخٍ) كإِقالةٍ‪ ،‬ورَدَ ِبعَْيبٍ‪ .‬ويف قَبضٍ‪ ،‬وإقْبَاضٍ للدَّينِ أو العَيْنِ‪ ،‬وَيف إِسْتيفاءِ‬
‫صمُ‪ ،‬وإِنَّما َتصِحُّ الوَكالَة فيما ُذكِرَ‪،‬‬ ‫خل ْ‬
‫عقوبَةَ آدَمي‪ ،‬والدَّعْوى واجلوابَ‪ ،‬وَإِن كَرِه ا َ‬
‫إن كا َن (عَليه واليَةً ِلمُوكِّلٍ) مبلكِه التَّصرُف فيه حني التوكيل‪ ،‬فال َيصِحُّ يف بَْيعِ ما‬
‫ق من سَينْ ِكحُها‪ ،‬ألنه ال والية لهُ عليهِ حينئذٍ‪ ،‬وكذا لو وكل مِن يُزوِّج‬ ‫سََيمْلكُ ُه وطَال َ‬
‫ضتْ عِدَّتُها‪ ،‬على ما قاله الشيخان هنا‪ ،‬لكن رُجِّح يف‬ ‫موَليِّتَهُ إذا طُِل ْقتَ أو اْنقَ َ‬
‫الروضة‪ ،‬يف النكاح‪ ،‬الصحة‪ .‬وكذا لو قالت له‪ ،‬وهي يف نكاح أو عدّة‪ ،‬أذنت لك‬
‫يف تزوجيي إذا حََل ْلتُ‪ ،‬ولو عُلِّقَ ذلك على اإلِْنقِضاءِ أو الطَّالقَ‪َ ،‬فسَدت الوكالَة‪،‬‬
‫وََن َفذَ التزَّويج لإلِذْن‪( ،‬ال) يف (إقرار) أي ال يصح التوكيلُ فيه‪ ،‬بأن يقول ِلغَريه‪:‬‬
‫وكَّلْتُكَ لِتُقرَّ عين لفالن بكذا‪ ،‬فيقول الوكيل أقررت عنه بكذا‪ ،‬ألنه إخبارٌ عن حق‪،‬‬
‫فال يقبل التوكيل‪ ،‬لكن يكون املوكِل ُمقِ ّراً بالتَّوكيل‪( ،‬و) ال يف (ميني)‪ ،‬ألن القَصْدَ‬
‫هبا تعظيمُ اللَّهِ تعاىل‪ ،‬فأشْب َهتِ العِبادَة‪ .‬ومثلها‪َّ :‬النذْر‪ ،‬وتعليق العِتْق والطَّالقِ ِبصَفة‪،‬‬
‫وال يف الشَّهادة‪ ،‬إلْحاقاً هلا بالعِبادة‪ ،‬والشَّهادة على الشَّهادة ليست توكيالً‪ ،‬بل‬
‫احلاجَة جعلت الشاهِد املتحَمِّل عنه‪ ،‬كحاكم أدّى عَنه عند حاكمٍ آخر (و) ال يف‬
‫(عِبادَة)‪ ،‬إال يف حجّ‪ ،‬وعُمرة‪ ،‬وذَبْ ٍح حنو أضْحية‪ ،‬وال تَصِحُّ الوكالَة إال (بإِجياب) وهو‬
‫شعِرُ برضا املوَكِّل الذي َيصِحُّ مباشرته املوكَل فيه يف َّالتصَرُّف‪( :‬كَوكَّلَتُكَ) يف‬ ‫ما ُي ْ‬
‫َوضْتُ إِلَيْكَ‪ ،‬أو أَنْبَتُكَ‪ ،‬أو أقْمتُكَ مَقامي فيه‪( ،‬أو ِبعْ) كذا‪ ،‬أو زَوِّجْ‬ ‫كذا‪ ،‬أو ف َّ‬
‫فُالنَة‪ ،‬أو طَِّلقْها‪ ،‬أو أعْطَيْتُ بَيدِكَ طَالقَها وأَعْتقْ فُالناً‪ .‬قال السَّبكي‪ :‬يُوءَ َخذُ مِن‬
‫كالمِهم صِحة قولُ منْ ال وَيلَّ هلا‪ :‬أذِْنتُ لكلِّ عاقدٍ يف البلد أن يزوِّجين‪ .‬قال‬
‫َوضْ إِال صيغَةً فقط‪ .‬وبنحو‬ ‫ج ومل ُتف ِّ‬
‫األذْرُعي‪ :‬وهذا‪ ،‬إذا صحَّ َمحَلَّه‪ ،‬إنْ عيّنتُ الزو َ‬
‫ذلك‪ .‬أفىت ابن الصالح‪ ،‬وال يشترط يف الوكالة‪ :‬القبول لفظاً‪ ،‬لكن يُشترَطُ َع َدمَ الرَّدّ‬
‫فقط‪ .‬ولو َتصَرَّف غري عالِم بالوِكالَة‪ :‬صحّ‪ ،‬إن تَبنيَ وِكالتَهُ حني التصرّف‪ ،‬كمن باعَ‬
‫مالَ أبيه ظاناً حياته فبانَ ميْتاً‪ .‬وال َيصِحُّ تعليقُ الوِكالة ِبشَرْط‪ :‬كإذا جاء رمضان فقد‬
‫وكلتك يف كذا‪ ،‬فلو تصرف بعد وجود الشَّرطِ املعلَّق‪ ،‬كأن وكَّلهَ بطَالق زَوجةٍ‬
‫سَيَن ِكحُها‪ ،‬أو بِبَْيعِ عَْبدٍ سََيمْلِكَهُ‪ ،‬أو بِتَزويجِ بَنْتهِ إذا طُِّلقْت واعتدَّت‪ :‬فَطَلَقَّ َبعْد أنْ‬
‫‪93‬‬
‫َوجَ َب ْعدَ العِدَّة َن َفذَ عَمَالً بعموم اإلِذن‪ .‬وإن قلنا‬
‫نَكَحَ‪ ،‬أوْ باع بعد أن مَلَك‪ ،‬أو ز َّ‬
‫جلعْل املسمى إن كان َووُجُوب أُجْرةِ املِثْل‪ ،‬وصَحَّ‬ ‫ِبفَسادِ الوَكالة بالنِّسبة إىل سقوط ا ُ‬
‫تَعليقَ َّالتصَرّفْ فقط‪ ،‬كِبعْه لكن َبعْدَ شَهر‪ ،‬وتأقيتها‪ :‬كوكلْتُك إىل شهر رمضان‪.‬‬
‫ويُشترط يف الوَكالة أن يكون املوكِل فيه معْلوماً للوَكيلَ‪ ،‬ولو بوَجْهٍ‪ ،‬كوكلتك يف بَيْع‬
‫جَميع أمْوايل‪ ،‬وعِتْقِ أرِقائي‪ ،‬وإِن مل تكن أمواله وأرقاؤه معلومة‪ ،‬لقلة الغُررِ فيه‪،‬‬
‫خبالف ِبعْ هذا أو ذاك‪ ،‬وفارِق إِحدى عَبيدي‪ ،‬بأن األحد صادِق على كل‪ ،‬وخبالف‬
‫ض مايل‪ .‬نعم‪ :‬يصحُّ بع‪ ،‬أو هبْ منه ما شئت‪ .‬وتَبطلُ يف اجملَهولِ‪ ،‬كوكَّلْتُكَ يف‬ ‫بع بع َ‬
‫كلِّ قليلٍ وكثريٍ‪ ،‬أو يف كلِّ أموري‪ ،‬أو تصرُّف يف أموري كيف شئت لكثرة الغرُور‬
‫فيه (وباع) كالشَّريك (وكيل) صَحَّ مُباشَرَتَهُ َّالتصَرُّف لِنفسه (بثمن مِثْل) فأكثرَ‬
‫(حاالً)‪ ،‬فال يَبيعَ نَسيئَة‪ ،‬وال بغري َنقْدِ البلد‪ ،‬وال بغُبْنٍ فاحِش‪ ،‬بأن ال حيتمل غالباً‪،‬‬
‫فبيع ما يساوي َعشْرة بتِسعة‪ :‬مُحتمل‪ ،‬وبثمانِية‪ :‬غري حمتمل‪ .‬ومىت خالف شيئاً مما‬
‫سدَ َتصَرُّفه‪ ،‬وضمن قِيمَتَّه يومَ التَّسلِيمَ‪ ،‬ولو مثلياً‪ ،‬إِن ُأقْبِضَ املُشتري‪ ،‬فإِن بقي‪:‬‬
‫ذكر َف ُ‬
‫اسْتَردَّه‪ ،‬وله حينئذٍ بَْيعَهُ باإلِذن السابق‪ ،‬وقبض الثَّمن‪ ،‬وال يضمَنهُ‪ .‬وإن تلف‪ ،‬غرم‬
‫املوكل بدله الوكيل أو املشتري والقرار عليه‪ .‬وهذا كله‪( ،‬إذا أطلق املوكل) الوكالة‬
‫يف البيع‪ ،‬بأن مل يقيد بثمن‪ ،‬وال حلول‪ ،‬وال تأجيل‪ ،‬وال نقد‪ ،‬وإن قيد بشيء‪ ،‬اتبع‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو قال لوكيله بعه بكم شئت‪ ،‬فله بيعه بغنب فاحش‪ ،‬ال بنسيئة‪ ،‬وال بغري‬
‫نقد البلد‪ ،‬أو مبا شئت‪ ،‬أو مبا تراه‪ ،‬فله بيعه بغري نقد البلد‪ ،‬ال بغنب‪ ،‬وال بنسيئة‪ ،‬أو‬
‫بكيف شئت فله بيعة بنسيئة‪ ،‬ال بغنب‪ ،‬وال بغري نقد البلد‪ ،‬أو مبا عزّ وهان‪ ،‬فله بيعه‬
‫بعرض وغنب‪ ،‬ال بنسيئة‪( ،‬وال يبيع) الوكيل لنفسه وموليه‪ ،‬وإن أذن له يف ذلك‪،‬‬
‫وقدر له بالثمن‪ ،‬خالفاً البن الرفعة‪ ،‬المتناع احتاد املوجب والقابل‪ ،‬وإن انتفت‬
‫التهمة‪ ،‬خبالف أبيه وولده الرشيد‪ ،‬وال يصح البيع بثمن املثل مع وجود راغب بزيادة‬
‫ال يتغابن مبثلها إن وثق به‪ ،‬قال األذرعي‪ :‬ومل يكن مماطالً‪ ،‬وال ماله أو كسبه حراماً‪،‬‬
‫أي هو كله‪ ،‬أو أكثره‪ ،‬فإِن وجد راغب بالزيادة يف مثن خيار اجمللس أو الشرط ولو‬
‫للمشتري وحده ومل يرض بالزيادة فسخ الوكيل العقد وجوباً‪ ،‬بالبيع‪ ،‬للراغب‬
‫بالزيادة‪ ،‬وإال انفسخ بنفسه وال يسلم الوكيل بالبيع حبالّ املبيع حىت يقبض الثمن‬
‫احلالَّ‪ ،‬وإال ضمن للموكل قيمة البيع‪ ،‬ولو مثلياً‪( ،‬وليس له) أي للوكيل بالشراء‬
‫(شراء معيب) القتضاء اإلِطالق عرفاً السليم (ووقع) الشراء (له) أي للوكيل (إن‬
‫علم) العيب واشتراه بثمن يف الذمة‪ ،‬وإن ساوى املبيع الثمن إال إذا عينه املوكل‪،‬‬
‫وعلم بعيبه‪ ،‬فيقع له‪ ،‬كما إذا اشتراه بثمن يف الذمة‪ ،‬أو بعني ماله جاهالً بعيبه‪ ،‬وإن‬
‫مل يساوِ املبيع الثمن‪ ،‬وعلم مما مرّ أنه حيث مل يقع للموكل‪ ،‬فإن كان الثمن عني‬
‫ماله‪ ،‬بطل الشراء‪ ،‬وإال وقع للوكيل‪ .‬وجيوز لعامل القراض شراؤه‪ ،‬ألن القصد مث‬
‫الربح‪ ،‬وقضيته أنه لو كان القصد هنا الربح جاز‪ ،‬وهو كذلك‪ ،‬ولكل من املوكل‬
‫والوكيل‪ ،‬يف صورة اجلهل‪ ،‬ردّ بعيب‪ ،‬ال لوكيل إن رضي به موكل‪ .‬ولو دفع موكله‬
‫إِليه ماالً للشراء‪ ،‬وأمره بتسليمه يف الثمن‪ ،‬فسلم من عنده‪ ،‬فمتربع‪ ،‬حىت ولو تعذر‬
‫مال املوكل‪ ،‬لنحو غيبة مفتاح‪ ،‬إذ ميكنه اإلِشهاد على أنه أدّى عنه لريجع أو إخبار‬
‫احلاكم بذلك‪ ،‬فإِن مل يدفع له شيئاً‪ ،‬أو مل يأمره بالتسليم فيه‪ ،‬رجع للقرينة الدالة على‬
‫إذنه له يف التسليم عنه‪( ،‬وال) له (توكيل بال إذن) من املوكل (فيما يتأتى منه) ألنه مل‬
‫يرض بغريه‪ .‬نعم‪ ،‬لو وكله يف قبض دين فقبضه‪ ،‬وأرسله مع أحد من عياله‪ ،‬مل يضمن‬
‫كما قاله اجلوري‪ ،‬قال شيخنا‪ :‬والذي يظهر أن املراد هبم‪ ،‬أوالده ومماليكه‪،‬‬
‫وزوجاته‪ ،‬خبالف غريهم‪ ،‬ومثله‪ ،‬إرسال حنو ما اشتراه له مع أحدهم‪ ،‬وخرج بقويل‬
‫فيما يتأتى منه‪ :‬ما مل يتأت منه‪ ،‬لكونه يتعسر عليه اإلِتيان به لكثرته‪ ،‬أو لكونه ال‬
‫‪94‬‬
‫حيسنه‪ ،‬أو ال يليق به‪ ،‬فله التوكيل عن موكله‪ ،‬ال عن نفسه‪ ،‬وقضية التعليل املذكور‬
‫امتناع التوكيل عند جهل املوكل حباله‪ .‬ولو طرأ له العجز لطرو حنو مرض أو سفر‪،‬‬
‫مل جيز له أن يوكِّل‪ ،‬وإذا وكل الوكيل بإِذن املوكل‪ ،‬فالثاين وكيل املوكل‪ ،‬فال يعزله‬
‫الوكيل‪ .‬فإِن قال املوكل‪ ،‬وكِّل عنك‪ ،‬ففعل‪ ،‬فالثاين وكيل الوكيل‪ ،‬ألنه مقتضي‬
‫اإلِذن‪ ،‬فينعزل بعزله‪ ،‬ويلزم الوكيل أن ال يوكل إِال أميناً‪ ،‬ما مل يعني له غريه مع علم‬
‫املوكل حباله‪ ،‬أو مل يقل له وكَّل من شئت‪ ،‬على األوجه‪ ،‬كما لو قالت لوليها‪:‬‬
‫زوّجين ممن شئت‪ ،‬فله تزوجيها من غري الكفء أيضاً‪ ،‬وقوله لوكيله يف شيء‪ ،‬افعل‬
‫فيه ما شئت‪ ،‬أو كُ ّل ما تفعله جائز‪ ،‬ليس إذنًا يف التوكيل‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو قال بع لشخص معني كزيد‪ ،‬مل بيع من غريه‪ ،‬ولو وكيل زيد‪ ،‬أو‬
‫بشيء معني من املال‪ ،‬كالدينار‪ ،‬مل يبع بالدراهم‪ ،‬على املعتمد‪ ،‬أو يف مَكانٍ مُعيَّن‪،‬‬
‫تعني‪ ،‬أو يف َزمّانٍ مُعيَّن‪ ،‬كشهر كذا‪ ،‬أو يوم كذا‪َ ،‬تعَيَّن ذلك‪ ،‬فال يَجوزُ قبلهُ‪ ،‬وال‬
‫َب ْعدَهُ‪ ،‬ولو يف الطَّالقِ‪ ،‬وإن مل يَتَعلَّق بِه غَ َرضٌ‪ ،‬عَمالً باإلِذْن‪ ،‬وفارَقَ إذا جاء رأس‬
‫الشهر فََأمْرُ زوجيت بَيدِكْ‪ ،‬ومل يرد التقييد برأسه‪ ،‬فله إيقا َعهُ بعده‪ ،‬خبالف طَلِّقْها يومَ‬
‫جلمُعَة‪ ،‬فإِنه يْقتَضي َحصَرَ الفعل فيه‪ ،‬دون غريه‪ ،‬وليلةَ الَيوْم‪ ،‬مثله إن اسْتَوى‬ ‫اُ‬
‫الراغِبو َن فيهما‪ .‬ولو قال يوم اجلمعة‪ ،‬أو العيد مثالً‪ ،‬تعني أوّل جُم َعةٍ أو عيدٍ يَلقاه‪،‬‬
‫وإمنا يتعني املكان‪ ،‬إذا مل يُق َدرْ الثَّمن‪ ،‬أو نَهاهُ عن غَيْره‪ ،‬وإال جازَ البَيْع يف غريه‪.‬‬
‫صدُقَ‬ ‫ضمَنُ ما تَلَف يف يده بال تَعدَ‪ ،‬وَي ْ‬ ‫(وهو) أي الوكيل ولو جبعل (أمني) فال َي ْ‬
‫بيمينه يف دعوى التَّلَف والرَّدِّ على املوكِل‪ ،‬ألنه ائْتَمنه خبالف الردّ على غري املوكل‬
‫صدُقُ الرسولُ بيمينه‪ ،‬ول َوكَّلَهُ بقضا ِء دَيْن فقال َقضْيتَهُ‪ ،‬وأنكر املسُتحِقُّ‬ ‫كرَسولِه‪ ،‬فََي ْ‬
‫َدفْعه إِليه صدق املسَتحِقُّ بيمينه‪ ،‬ألن األصل عدم القضاء فيحلف‪ ،‬ويطالب املوكل‬
‫فقط‪( .‬فإِن تعدّى) كأن ركب الدابة ولبس الثوب تعديّاً‪( :‬ضَمن) كسائر األُمنَاء‪،‬‬
‫ضعَهُ مبحل مث َنسِيهُ وال‬ ‫ومِن التَّعدِّي‪ ،‬أن يضيعَ منه املال وال يدري كيف ضاعَ‪ ،‬أو َو َ‬
‫يْنعَزلُ بتَعدِّيه بغري إتْالفِ املوكَّل فيه‪ .‬ولو أرسل إىل بزَّازٍ ليأخذ منه ثوباً سوماً فتلف‬
‫ضمِنَه املُرْسِل‪ ،‬ال الرَّسول‪.‬‬ ‫يف الطَّريق‪َ :‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو اختلفا يف أصل الوكالة بعد التَّصرّف‪ ،‬كوكَّلتين يف كذا‪ ،‬فقال ما‬
‫وكّلتُك‪ .‬أو يف صفتها‪ ،‬بأن قال وكَّلتَين بالبَْيعِ نسيئَة‪ ،‬أو بالشِّراء بعشرين‪ ،‬فقال‪ :‬بل‬
‫نَقداً‪ ،‬أو ب َعشَرة‪ ،‬صدق املوكِل بيمينه يف الكل ألن األصْل َمعَهُ (وَيَْنعَزِلَ) الوَكيلُ‬
‫(ِبعَزْلِ أحَدمها) أي بأن َيعْزِل الوَكيلُ نَفْسه‪ ،‬أو َيعْ ِزلَهُ املُوكِل‪ ،‬سواء كان بِلَفظ العَزْل‬
‫ختَ الوكالة‪ ،‬أو أبْطَلْتها‪ ،‬أو َأ َزلَْتهَا‪ ،‬وإن مل َيعْلَم املعزول‪( .‬و) ينعزل‬ ‫أمْ ال‪َ ،‬كفَس ْ‬
‫أيضاً‪ ،‬خبروج أ َحدِمها عن أهليَّة التّصرّفِ (مبوْتٍ‪ ،‬أو جُنونٍ) حَصال ألَ َحدِمها‪ ،‬وإن مل‬
‫يعلم اآلخر به‪ ،‬ولو َقصُرَتْ مدَّة اجلنُون‪ ،‬وزوالُ مُلْكِ املوكِل عما وكِّل فيه أو‬
‫مَْن َفعَتَهُ‪ ،‬كأن باعَ أو وقَف أو آجَر أو رَهَن أو زوَّج أَمة‪ .‬وال يصدق املوكل (بعد‬
‫تصرّف) أي تصرّف الوكيل يف قوله كْنتَ عَ َزلْتَه (إال ببينة) يُقيمُها على العَزْلِ‪ .‬قال‬
‫األسنوي‪ :‬وصَوَّرته إذا أنكر الوكيل العزل‪ ،‬فإِن وافقه على العزل لكن ادَّعى أنه بعد‬
‫التَّصرّف فهو كدعوى الزوج تقدّم الرَّجْعة على اْنقِضاءِ العِدَّة‪ ،‬وفيه تفصيلٌ معروفْ‪،‬‬
‫انتهى‪ .‬ولوْ َتصَرَّفَ وَكيلٌ أو عامِلٌ بعد اْنعِزَالِه جاهِالً يف عني مالِ موكِله‪ ،‬بَطُل‪،‬‬
‫ضمِنَها إن سَلَّمها‪ ،‬أو يف ذِمَّته اْن َعقَد له‪.‬‬‫وَ‬
‫[فروع]‪ :‬لو قال ملُدينهِ إشتر يل عبداً مبا يف ذمَّتِكَ‪َ ،‬ف َفعَلَ‪ ،‬صحَّ للموَكِّل‪،‬‬
‫وبُرِّىء املَدين‪ ،‬وإن تلف‪ ،‬على األوجه‪ ،‬ولو قال ملَدينهِ‪ :‬أنفِق على اليَتيم الفُالين كل‬
‫يوم درمهاً من ديين الذي عليك‪ ،‬ففعل‪ ،‬صح‪ ،‬وبرىء على ما قاله بعضهم‪ :‬يوافقه‬
‫قول القاضي لو أمَرَ مدَينَهُ أن يشتري له ِبدَيْنِه طعاماً‪ ،‬ففعل‪ ،‬ودفع الثمن وقبض‬
‫‪95‬‬
‫الطَّعام‪ ،‬فتلَفَ يف يدِه‪ :‬بريءٌ من الدين‪ .‬ولو قال لوكيله‪ :‬بعْ هذه بِبَلدِ كذا‪ ،‬واشتر يل‬
‫صدِ‪ ،‬عند أمني‪ ،‬من حاكم فعريه‪ ،‬إذ‬ ‫بثمَنِها قِنّا‪ ،‬جاز له إِيداعُها يف الطريق‪ ،‬أو ا َمل ْق َ‬
‫العمل غري الزم له‪ ،‬وال َتغْرير منه‪ ،‬بل املالك هو املخاطر مباله‪ ،‬ومن مث لو باعها‪ ،‬مل‬
‫يل َزمْهُ شِراءُ القِنِّ‪ ،‬ولو اشْتَرَاهُ‪ ،‬مل يُل ِزمْهُ رَدَّه‪ ،‬بل له إِيداعَه عنْد من ذكر‪ ،‬وليس له ردُّ‬
‫الثَّمن‪ ،‬حيث ال قرينة قوية تدلُّ على ردِّه‪ ،‬كما استظهره شيخنا‪ ،‬ألن املالِكَ مل يأذن‬
‫فيه فإِن َفعَل َف ُهوَ يف ضَمانِه‪ ،‬حىت َيصِلَ ملالِكِهِ ومن ادَّعى أنه وكَيلٌ لقَبْضٍ ما على‬
‫زيد من عنيٍ أو دَيْن‪ ،‬مل يلزمْهُ الدَّ ْفعَ إِليهِ‪ ،‬إال ببيِّنةٍ بوَكالَتِه‪ .‬ولكن جيوز الدفع له إن‬
‫ص َدقَهُ يف دعْواه‪ ،‬أو ادّعى أنه حمتال به وصَ َدقَه‪ ،‬و َجبَ الدّفعُ له‪ ،‬العترافه بانْتقالِ املال‬ ‫َ‬
‫إليه‪ ،‬وإذا دفَعَ إِىل مُدَّعي الوَكالَة فأنكر املستحق وحَلفَ أنه مل يوكّل‪ ،‬فإِن كان‬
‫املدفوع هيناً‪ ،‬استردّها إن بقيت‪ ،‬وإال غرم من شاء منهما‪ ،‬وال رُجوعَ للغارم على‬
‫اآلخَرِ‪ ،‬ألنه مظْلومٌ بزعمه‪ ،‬أو دَيْناً‪ ،‬طاَلبَ الداِف ُع فقط‪ ،‬أو إىل مدَّعي احلوالة فأنكر‬
‫الدائن احلوالة وحلف‪ ،‬أخذ دَيْنِه ممن كان عليه وال يرجع املؤدّي على من دفع إليه‪،‬‬
‫ألنه اعترف بامللك له‪ .‬قال الكمال الدمريي‪ ،‬لو قال أنا وكيلٌ يف بيْعٍ أو نكاحٍ‬
‫وصدّقه من يعامله‪ ،‬صحَّ العقد‪ ،‬فلو قال بعد ال َعقْد مل يكن وكيالً‪ :‬مل يلتَفِت إليه‪.‬‬
‫(وَيصِحُّ قراضٌ‪ :‬وهو) أن َي ْع ِقدَ على مالٍ يدفعه لغريه ليتَّجِرَ فيه‪ ،‬على أن يكون الرِّبحُ‬
‫ُمشْتَركاً بَيَْن ُهمَا (يف َن ْقدٍ خالص َمضْروب) ألنه عقد غُررٍ‪ ،‬لعدم انضباط العمل‬
‫والوثوق بالربح وإمنا جوّز‪ :‬للحاجة‪ ،‬فاختصَّ مبا يروج غالباً‪ ،‬وهو َّالن ْقدُ ا َملضْروب‪.‬‬
‫بالن ْقدِ‪ ،‬العَرْضَ‪ ،‬ولوْ فلوساً‪ ،‬وباخلالِصِ‪،‬‬ ‫وجيوزُ عليه‪ ،‬وإن أبْطَلهُ السُّلطان‪ ،‬وخَ َرجَ َّ‬
‫ا َملغْشوشِ وإن علم َق ْدرَ غُشِّهِ‪ ،‬أو اسُْتهْلِكَ‪ ،‬وجاز التَّعامُلَ به‪ .‬وباملضروب الترب‪ ،‬وهو‬
‫ذَهبٌ أو فِضَّة مل ُيضْرَبْ‪ ،‬واحلِلي فال يصح يف شيء منها‪ ،‬وقيل جيوز على املغشوشِ‬
‫إن اسُتهِلِكَ غِشَّه‪ .‬وجَزَم به اجلرجاين‪ .‬وقيل إن راجٍ‪ .‬واختاره السَّبكي وغريه‪ .‬ويف‬
‫وجه ثالث يف زوائد الرضة أنه جيوز على كل مثلي‪ ،‬وإمنا يصح القَراضَ (بصيغة) من‬
‫إجياب من جهة ربِّ املال‪ :‬كَقا َرضْتُكَ‪ ،‬أو عامَ ْلتُكَ يف كذا‪ ،‬أو خُذْ هذه الدراهم‬
‫واتجِر فيها‪ ،‬أو ِبعْ‪ ،‬أو اشتَرِ على أن الرَّبح بيننا‪ ،‬وقبول فوراً من جهة العامل لفظاً‪،‬‬ ‫َّ‬
‫وقيل يَكفي يف صيغَة األمر‪ ،‬كخذ هذه واجتر فيها القبول بالفعل‪ ،‬كما يف الوكالة‪،‬‬
‫وشرط املالِكِ والعامِلِ‪ ،‬كاملوكِل والوَكيل‪ ،‬صحة مباشَرتِهما التَّصرُّف (مع شَرْطِ‬
‫ربحٍ َلهُما) أي للمالِكِ والعامِلِ‪ ،‬فال يصح على أن أل َحدِمها الرِّبْحَ (وُيشْتَرَطُ َكوَْنهُ)‬
‫أي الربْح ( َمعْلوماً باجلُزئِية) كنصف‪ ،‬وثلث‪ .‬ولو قال قا َرضْتُك على أن الرّبْح بينَنَا‪،‬‬
‫صفَةً‪ ،‬أو على أن لك ربع سدس العشر‪ ،‬صحَّ‪ ،‬وإن مل يعلماه عند العقد‪،‬‬ ‫صح منا ِ‬
‫لسهُولة َمعْرِفته‪ ،‬وهو جزء من مائتني وأربعني جزءاً‪ .‬ولو شُرِطَ أل َحدِمها عشرة‪ ،‬أو‬
‫سدَ القِراض‪( .‬ولعامِل يف) عقد قراض (فاسد‪ :‬أجرة مثل)‬ ‫ربح صنف‪ ،‬كالرَّقيق‪ ،‬ف َ‬
‫وإن مل يكنْ رِبْح‪ ،‬ألنه عمل طامِعاً يف املسمَّى‪ ،‬ومن القِراضِ الفاسِد‪ ،‬على ما أفْيت به‬
‫شيخنا ابن زياد رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬ما اعتادَهُ بعضُ الناس من َدفْعِ مال إىل آخرَ بشرط‬
‫أن يَرُدّ له لكل عشرة اثين عشر إن ربح أو خسر‪ ،‬فال يَسَتحِقُّ العامِل إال أجرة املِثْل‪،‬‬
‫خلسْرانَ على املالِك‪ ،‬وَيدَهُ على املالِ يَد أمانَة‪ .‬فإِن َقصَر‪ ،‬بأَن جاوَزَ‬ ‫و َجمِيعَ الرِّبحِ أو ا ِ‬
‫ضمْنَ املال‪ .‬انتهى‪ .‬وال أجْرةَ للعامل يف الفاسِد إن شرط‬ ‫املكان الذي أُذن له فيه‪ِ ،‬‬
‫الربح كله للمالك ألنه مل يَ ْط َمعْ يف شيء‪ .‬ويتجه أنه ال يَسَتحِقُّ شيئاً أيضاً إذا علم‬
‫الفَسادُ‪ ،‬وأنهُ ال ُأجْرة له‪ .‬ويصح َتصَرُّفَ العامِلِ مع فَسادِ القِراضِ‪ ،‬لِكَيْ ال َيحِلُّ َلهُ‬
‫اإلِقْدامَ عَليه َب ْعدَ عِلمْ ِه بالفساد‪.‬‬
‫ويتصَرَّفُ العامِلُ‪ ،‬ولو ِبعَ ْرضٍ‪ِ ،‬ل َمصَْلحَة‪ ،‬ال ِبغُبْنٍ فاحِش‪ ،‬وال بِنَسيئة‪ ،‬بال إذن‬
‫خلوْفُ واملوءْنَة‪ ،‬فُيضْمن‬ ‫السفَرُ‪ ،‬وانتفى ا َ‬
‫فيهما‪ ،‬وال يُسافِرُ باملالِ بال إِذن‪ ،‬وإن قرُبَ َّ‬
‫‪96‬‬
‫به‪ ،‬ويأمث‪ ،‬ومع ذلك القِرَاضُ باقٍ على حاله‪ ،‬أما باإلِذنِ‪ ،‬فيجوز‪ ،‬لكن ال جيوزُ‬
‫ركوبٌ يف البحر إال بنصّ عليه (وال يُموَّن) أيْ ال يُْنفِقُ منه على نفسه َحضَراً وال‬
‫َسفَراً‪ ،‬ألن له نصيباً من الرِّبْح‪ ،‬فال َيسَْتحِقُّ شيئًا آخر‪ ،‬فلو شَرطَ املوءْنة يف ال َع ْقدِ‪،‬‬
‫سدَ (وصدَق) عامِلٌ بيمينه (يف) دَعْوى (تَلَفْ) يف كل املَالِ أو بعضَه‪ ،‬ألنه مأمونٌ‪،‬‬ ‫َف َ‬
‫نعم‪ ،‬نصّ يف البويطي‪ ،‬واعت َمدَهُ جِمعٌ مُتَقدّمون‪ ،‬أنه لو أ َخذَ ما ال ميكنه القِيامُ بِه‪،‬‬
‫ضمِنَه‪ ،‬ألنه فَرط بِأَ ْخذِه‪ ،‬ويُطَرَدُ ذلكَ يف الوَكيل‪ ،‬والوَديعِ‪ ،‬والوصي‪،‬‬ ‫فَتَلَفَ َب ْعضَه َ‬
‫ولو ادَّعى املالِكُ بعدَ التلفِ أنه قَ ْرضَ‪ ،‬والعامِلُ أن ُه قِراضٌ‪ ،‬حلفَ العامِل‪ ،‬كما أفىت به‬
‫ابن الصالحكالبغوي‪ ،‬ألن األصْلَ عدم الضَّمان‪ ،‬خالفاً ملا رجَّحه الزَّركشي وغريه‪،‬‬
‫من تصديق املالك‪ ،‬فإِن أقاما بَيِّنة‪ ،‬قُدِّمت بيِّنة املالك‪ ،‬على األوجه‪ ،‬ألن مَعَها زِيا َدةَ‬
‫عِلمٍ‪( .‬و) يف (عَدمَ رِبْحٍ)‪ ،‬أصالً (و) يف (َق ْدرِه) عمالً باألصْل فيهما‪( ،‬و) يف (خسر)‬
‫ممكن‪ ،‬ألنه أمني‪ .‬ولو قال رَ ْحبتُ كذا‪ ،‬مث قال َغلِ ْطتُ يف احلِسابِ‪ ،‬أو َكذَبْت‪ ،‬مل‬
‫يُقبل‪ ،‬ألنه أقَرَّ حبق لغريه فلم يُقبل رجوعُه عنه‪ ،‬ويُقبل قوله بعد َخسِرْتُ‪ ،‬إن احتمل‪،‬‬
‫كأن عرض كَساد‪( .‬و) يف (ردَ) للمال على املالِك‪ ،‬ألنه ائْتمنَه كاملودع‪ .‬ويصدق‬
‫العامل أيضاً يف قدر رأس املال‪ ،‬ألن ا َألصْل عدمَ الزَّائِد‪ ،‬ويف قوله اشْتَرَْيتَ هذا يل أو‬
‫صدِهِ‪ ،‬أما لو كانَ الشِّراء ِبعَنيِ مالَ القِراضِ‪ ،‬فإِنه‬ ‫للقِراضِ والعَقد يف الذِّمَّة ألنه أعَْلمَ ِبقَ ْ‬
‫يقع للقراض‪ ،‬وإن نوى نفسه‪ ،‬كما قاله اإلِمام‪ ،‬وجزم به يف املطلب‪ .‬وعليه فتسمع‬
‫بينة املالك أنه اشتراه بِمالِ القِراضِ‪ .‬ويف قوله مل تَنْهنَي عن شِراء كذا‪ ،‬ألن األصل‬
‫عدم النهي‪ ،‬ولو اختلفا يف ال َقدْر املشروط له‪ ،‬أهو النصف‪ ،‬أو الثلث‪ ،‬مثالً؟ حتالف‪.‬‬
‫وللعامل بعد ال َفسْخ أُجْرةَ املِثْل‪ ،‬والرِّبح مجيعُه للمالِك‪ ،‬أو يف أنه وكيلٌ أو مقارِض‪،‬‬
‫صدَق املالِكُ بيمينه‪ ،‬وال أُجْرَة عليه للعامِل‪.‬‬
‫[تتمة]‪ :‬الشِّرْكة نوعان‪ :‬أحدمها فيما ملك اثنان مشتركاً بإِرثِ أو شراء‪ .‬والثاين‬
‫ليتجِرا فيه‪،‬‬ ‫أربعة أقسام‪ :‬منها قسم صحيح‪ ،‬وهو أن يَشتَرِطَ اثنان يف مالٍ هلما َّ‬
‫وسائر األقسام باطِلة‪ ،‬كأن يشْتَرِ َك اثنا ِن ليكَون كسَْبهُما بينهُما بتساو‪ ،‬أو تفاوتٍ‪ ،‬أو‬
‫ليكون بينهما رِبْحُ ما َيشْتَرِيانِه يف ذِمَّتِهما مبؤجل‪ ،‬أو حالّ‪ ،‬أو ليكون بينهما كسبهما‬
‫ورحبهما بِبدَنَهِما‪ ،‬أو مالِهما‪ ،‬وعليهما ما ُيعْرضُ من غرم‪ ،‬وشرط فيها لفظ يدل على‬
‫اإلِذن يف التَّصرُّف بالبَيعِ والشِّراء‪ ،‬فلو اقَْتصَر على اشتِرَاكِنا‪ :‬مل يَكْفِ عن اإلِذْنِ فيه‬
‫وَيََتسَلَّط كلّ واحدٍ منهما على التَّصرُّف بال ضَ َررٍ أصالً‪ ،‬بأن يكون فيه مِصْلحَةً‪ ،‬فال‬
‫يِبيعَ بِثمَنِ مِثْل ومثَّ راغبٌ بَِأزْيد‪ .‬وال يُسافِرُ به حَيْثُ َلمْ ُيضْطرَّ إليه لنحو َقحْطٍ‬
‫ضعَهُ ب َد ْف َعهِ‬
‫و َخوْفٍ‪ ،‬وال يُْبضِعَهُ بغري إذنه‪ ،‬فإِن سافر به‪ ،‬ضَمنَ‪ ،‬وصَحَّ َتصَرُّفه‪ ،‬أو أْب َ‬
‫خلسْرَانُ ِبقَ ْدرِ املالَيْن‪،‬‬
‫ضمِنَ أيضاً والرِّبْحُ وا ِ‬
‫ِلمَنْ َي ْعمَل هلما فيه‪ ،‬ولو تَربَّعاً بال إِذْنِ‪َ ،‬‬
‫سدَ ال َعقْد‪ ،‬فلِكُلَ على اآلخر أجْرَةُ َع َملِهِ لَهُ‪ ،‬وََن َقدَ التَّصرُّف منهما‬ ‫فإِن شَرطا خِالفَهُ‪َ ،‬ف َ‬
‫معَ ذلِك لإلِذن‪ ،‬وتَْن َفسِخُ مبوتِ أ َحدِمها وجُنونِه‪ ،‬ويصدق يف دعوى الردِّ إىل شريكه‬
‫خلسْران والتَّلف‪ ،‬يف قوله اشْتَريْتهَ يل أو للشركة‪ ،‬ال يف قوله اقتسمنا وصار ما‬ ‫يف ا ِ‬
‫بيدي يل مع قول اآلخر‪ :‬ال‪ ،‬بل هو مشترك‪ ،‬فاملصدق املنكر‪ ،‬ألن األصل عدم‬
‫القِسْمة‪ ،‬ولو قبض وارثٌ حصَّته من دين مورِثه‪ ،‬شاركهُ اآلخَر ولو باعَ شريكان‬
‫ص ْفقَة‪ ،‬وقَبضَ أحدمها حِصَّتَه‪ ،‬مل يشارِكه اآلخر‪.‬‬ ‫عبدمها َ‬
‫صبَ حنوَ نَ ْقدٍ أو بَرَ وخَلَطهُ مبالَهِ‪،‬‬ ‫[فائدة]‪ :‬أفىت النووي‪ ،‬كابن الصالح‪ ،‬فيمن َغ ِ‬
‫ومل يتميز‪ ،‬بأن له إِفراز قدرَ املغصوب‪ ،‬وحيلُّ له التَّصرُّف يف الباقي‪.‬‬
‫(فصل)‪ :‬يف أحكام الشفعة‪ .‬إنَّما تَثْبتُ الشَّفعةَ لشرَيكٍ ال جارِ يف بَْيعِ أ ْرضٍ مَع‬
‫تابِعها كبِناء‪ ،‬وشَجَرَ وَثمَرَ غري مؤبر فال ش ْف َعةَ يف شَجر أفرد بالبيع‪ ،‬أو بَيْع مع مغرسه‬

‫‪97‬‬
‫بالشفْعة مَع بَذِل َّالثمَنِ‬
‫الشفِيعُ إلِ بِلفْظ‪ ،‬كأخَذْتُ َّ‬
‫فقط‪ ،‬وال يف بئر‪ ،‬وال ميْلِكَ َّ‬
‫لل ُمشْتَري‪.‬‬

‫هِي ُلغَةً‪ :‬ا ْسمٌ لألُجْرَة‪ ،‬وشرْعاً‪ ،‬متْليكُ مَْنفَعةٍ ِب ِع َوضٍ ِبشُروطٍ آتِية‪َ( .‬تصِحُّ إجا َر ًة‬
‫بإجياب‪ ،‬كآجَرْتُكَ) هَذا‪ ،‬أو أكْرَيْتُكَ‪ ،‬أو مَلَّكْتُكَ مَناِفعَهُ سَنَةً‪( :‬بِكَذا‪ ،‬وقُبولٌ‪،‬‬
‫كاسْتَأَجَرْتَهُ)‪ ،‬واكْتَرَْيتُ‪ ،‬وقَبِ ْلتُ‪ .‬قالَ النَّووي يف شرح املهذب‪ ،‬إن خالف املُعاطاة‬
‫جيري يف اإلِجارَة والرَّهنِ واهلِبة‪ ،‬وإمنا تصح اإلِجارَةُ‪( ،‬بأجْرٍ) صَحَّ كوْنُه مثناً ( َمعْلومٌ)‬
‫الذمَة‪ ،‬وإال ك َُّفتْ معاينَتَهُ يف إجارةِ‬ ‫صفَةً‪ ،‬إن كانَ يف ِّ‬ ‫للعاقِدين‪َ ،‬قدْراً‪ ،‬وجِنْساً‪ ،‬و ِ‬
‫العَيْن أو الذِّمة‪ ،‬فال َيصِحُّ إجارَةُ دارٍ ودابَّة ِبعِمارَةٍ هلا وعَلَفٍ‪ ،‬وال اسْتِْئجَارِ ِلسَلْخِ شاةٍ‬
‫َقومَة) أي هلا قيمة (معلومَة)‪ ،‬عيناً‪،‬‬ ‫جبلدٍ‪ ،‬ولِ َطحْنِ حنو بَرَ بَبعْضِ دَقيقٍ (يف مَنفعةٍ مَت ِّ‬
‫صفَةٍ (واِقعَةً للمُكْتَري غري مَُتضَمِّنٍ‪ ،‬السْتِيفَاءِ عنيٍ َقصْداً) بأن ال يتضمَّنه‬ ‫وقدْراً‪ ،‬و ِ‬
‫العقد‪ .‬وخَرَج مبتقومّة ما ليسَ هلا قيمَة‪ ،‬فال َيصِحُّ اكتراءُ بيَّاعٍ للتلفظ مبحض كلمة أو‬
‫كلماتٍ يسرية على األوجه‪ ،‬ولو إجياباً وقبوالً‪ ،‬وإن رُوِّجَت السِّلعة‪ ،‬إذ ال قيمة هلا‪.‬‬
‫ومن مث اختُصَّ هذا مببَيعٍ ُمسَْتقِرِّ القِيمة يف البَلدِ‪ ،‬كاخلُبْزِ‪ ،‬بِخالفِ حنو عَبْد وَثوْب مِما‬
‫خيْتَلِفُ َثمَنَهُ باختالفِ مُتعاطِيه‪ ،‬فََيخْتَصُّ بَْيعَه‪ ،‬من البَيَّاع مبزيد َن ْفعٍ‪ ،‬فََيصِحُّ استئِجارَهُ‬
‫عليه‪ .‬وحيث مل يصح‪ ،‬فإِن َت ِعبَ بِكَثْرَةِ تَردُّد أو كالم‪ ،‬فَلهُ ُأجْ َرةَ املِثْل‪ ،‬وإال فال‪.‬‬
‫وأفىت شيخنا احملقق ابن زياد حبُ ْرمَة أخْذِ القاضي األُجْرَة على مُجرَّدِ تَليقنِ اإلِجيابْ‪ ،‬إذ‬
‫ال كِلفة يف ذلك‪ ،‬وسَبقَة العالمة عمر الفىت‪ ،‬باإلِفتاء باجلواز إن مل يكن ويلّ املرأة‬
‫والزوْج صيغَة النِّكاح‪ ،‬فله أن يأخذ ما اتَّفقا عليه بالرِّضا‪ ،‬وإن‬ ‫فقال إذا لقنَّ الوَيل َّ‬
‫كثر‪ ،‬وإن مل يكن هلا ويلٌّ غريَه فليس له أخذ شَيءٍ على إجيابِ النِّكاح‪ ،‬لوجوبه عليه‬
‫حينئذٍ‪ ،‬انتهى‪ .‬وفيه نظر ملا تقرر آنفاً‪ ،‬وال اسْتِْئجَارَ دراهم ودنانري غري املعراة للتَّزين‪،‬‬
‫ألن مَنْفعَة حنو التزيني هبا ال تقابَل مبال‪ ،‬وأما املِعراة‪ :‬فيصح استِئْجارُها‪ ،‬على ما حبثه‬
‫األذرعي ألهنا حينئذ حِلى‪ ،‬واستئجار احلِلى صحيح قطعاً‪ .‬ومبعلومة‪ ،‬استئجار‬
‫اجملهول‪ ،‬فآجرْتُكِ إحدى الدارين باطل‪ ،‬وبواقعة للمُكتَري‪ ،‬ما يقع نفعها لألجري‪ ،‬فال‬
‫يصح االستئجار لعبادة ُتجِب فيها نِيَّة غريَ ُنسُكٍ‪ ،‬كالصَّالةِ‪ ،‬ألن املنعة يف ذلك‬
‫لألَجري ال ا ُملسْتَأجِر واإلِمامة‪ ،‬ولو ُنقِلَ كالتَّراويحِ‪ ،‬ألن اإلِمام ُمصَلَ لنفسِه‪ ،‬فمن أرادَ‪،‬‬
‫اقتُدِي به‪ ،‬وإن مل ينوِ اإلِمامة أمَّا ما ال حيتاجِ إىل نِيْة‪ ،‬كاألَذانِ واإلِقامة فيصح‬
‫جهْيزِ املَيْتِ‪ ،‬وتَعليمِ‬ ‫االسْتِْئجْارُ عليه‪ ،‬واألُجْر ُة مقابلةً جلميعه‪ ،‬مع حنو رِعاي َة ال َو ْقتِ‪ ،‬وََت َ‬
‫القُرآنِ كلِّه أو َب ْعضِه‪ ،‬وإن تعيَّن على املُعلِّم‪ ،‬للخرب الصحيح‪" :‬إن أحق ما أخذمت عليه‬
‫أجراً‪ :‬كتاب اهلل" قال شيخنا يف شرح املنهاج‪َ :‬يصِحُّ االسْتِْئجَارُ لِقراءَةِ القرآن عِْندَ‬
‫ال َقربِ أَو معَ الدُّعاءِ ِبمِثْلِ ما َحصَل لهُ مِنَ األَجْرِ لهُ أو ِل َغريِه ِعقْبَها‪ ،‬عَيِّنَ زَماناً أو مَكاناً‬
‫أو ال‪ ،‬ونِيَّة الثَّوابِ له غري دعاء َلغْو‪ ،‬خِالفاً جلَمعٍ‪ ،‬وإن اخْتارَ السَّبكي ما قالوه‪ ،‬وكَذا‬
‫حضْرَةِ ا ُملسْتَأجِرِ‪ ،‬أي أو حنو َوَلدِه‪،‬‬ ‫ت قِراءَيت أو ثَوابُها لَهُ خِالفًا لِجمعٍ أيضاً‪ ،‬أو ِب َ‬
‫أ ْهدَْي ُ‬
‫ضعُها‬ ‫ض ُهمْ‪ ،‬وذلك ألن مَو ِ‬ ‫فيما يظهر ومع ِذكْرِه يف القَلب حالَتُها‪ ،‬كما ذكَ َرهُ َب ْع َ‬
‫ضعُ َب َركَة وتَنَزّل رحْمة‪ ،‬والدعاء بعْدها أقْرَب إِجابة‪ ،‬وإحضارُ املُستأْجِرُ يف القَلب‬ ‫َم ْو ِ‬
‫سََببٌ لِشمُولِ الرمحةِ له إذا نَزلت على قَ ْلبِ القاريء‪ ،‬وأْلحَقَ هبا االسْتِْئجَارُ ِل َمحْضِ‬
‫الذكرِ‪ ،‬والدعاء ِعقَبَه‪ ،‬وأفىت بعضهم‪ ،‬بأنه لو تَرك من القِراءَةِ ا ُملسْتأجِرَ عليها آيات‪،‬‬
‫لَ ِزمَهُ قِراءَةَ ما تَركهَ‪ ،‬وال يلزمه اسْتِئْنَافَ ما َبعْده‪ .‬وبأن من اسْتُوءْجِرَ ِلقَرا َءةٍ على قربٍ‪،‬‬
‫ال يَلزمَهُ عند الشُّروع أن يَنوي أن ذلك عما استؤجر عنه‪ ،‬أي بل الشَّرطُ عدم‬
‫الصارف‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫فإن قلت‪ :‬صَرَّحوا يف الن ْذرِ بأنه ال بدّ أن ينوي أهنا عنه‪ .‬قلت‪ :‬هنا قرينة‬
‫صا ِرفَةٌ لوقوعِها عما استؤجِر له‪ ،‬وال كذلك ُثمّ‪ ،‬ومن مث لو استؤجِرَ هنا ِلمُطْلَقِ‬
‫حضْرَتِه مل ُيحَْتجْ‬ ‫َصححْناه‪ :‬احْتاجَ لِلنِّية فيما يَ ْظهَرُ أوالً ِلمُطلقها‪ ،‬كالقِراءة ِب َ‬ ‫القراءة و َّ‬
‫هلا‪ ،‬ف ِذكْرُ القَبْرِ مثال‪ ،‬انتهى ملخصاً‪ .‬وِبغَري مُتَضَمِّنٍ السْتِيفاءِ عني ما َتضَمَّنَ‬
‫استيفاءَها‪ ،‬فال يصح اكْتَراءَ بستانٍ لَثمَرَتِه‪ ،‬ألن األَعيانَ ال تَملِكُ بعقد اإلِجارَة َقصْداً‪،‬‬
‫ونَقل التّاجُ السُبكي يف توشيحه اخْتِيارَ والدِه التقي السَّبكي يف آخِرَ ُعمُرهِ ‪،‬صِحَّة‬
‫إجارَة األَشْجارِ لَِثمَرِها‪ ،‬وصَرَّحوا ِبصِحَّةِ اسْتِئجارِ قَناةٍ أو بِئرٍ لِإلِنِْتفَاعِ بِمائِها‬
‫للحاجَةِ‪ .‬قال يف العُبابِ‪ :‬ال يَجوزُ إجارَةَ األَرضِ ِل َدفْنِ املَْيتِ ِلحُرْمة نَْبشِهِ قبل بالئِه‪،‬‬
‫وجَهالةَ وقت البلى‬
‫جبُ (على مُكْرٍ َتسْليم مفْتَاحِ دارٍ) ملُكْتَرٍ‪ ،‬ولو ضاعَ من املُكتري‪ ،‬وجب‬ ‫(و) َي ِ‬
‫جبُ‬ ‫جدَيدَه‪ .‬واملراد باملِفتاح‪ ،‬مفتاحُ الغِلقِ املُثْبت‪ .‬أمَّا غريه‪ ،‬فال َي ِ‬ ‫على املُكْري َت ْ‬
‫تسْلِيمَه‪ ،‬بل وال ِقفْله‪ ،‬كَسائرِ املنْقوالتِ‪( .‬وعِمارَتُها)‪ ،‬كبناءٍ وتَطيْني سطحٍ‪ ،‬ووضْع‬
‫بابٍ‪ ،‬وإصالحَ مُنْ َكسِرٍ‪ .‬وليس املراد بكون ما ُذكِرَ واجباً على املُكري أنه يأمث بتَ ْركِه‪،‬‬
‫أو أنه ُيجْبَر عليه‪ ،‬بل إنه إن تَركَه‪ ،‬ثَبت للمُكتري اخليار‪ ،‬كما بَيْنَته بقويل‪( :‬فإِن‬
‫بادر) وفَعل ما عليه‪ ،‬فذاك (وإال فللمكتري خيار) إن نَقصتْه املَنْفعة‪( ،‬وعلى مُكترٍ‪.‬‬
‫تَنْظِيفَ عِ َرصَتِها) أي الدار‪( ،‬من كناسة)‪ ،‬وثَلجٍ‪ ،‬والعِ ْرصَة‪ :‬كل ُبقْعةٍ بني الدور‬
‫واسِعة ليس فيها شيء من بِناء‪ ،‬ومجعها‪ :‬عَرَصات‪( ،‬وهو) أي املُكْتري (أمني) على‬
‫قدرُت بِ َزمَنٍ‪ ،‬أو مُدَّة إِمكان اإلِستيفاءِ إن قدِّرت‬ ‫العني املكتراة (مدّة اإلِجارة) إن ِّ‬
‫ِب َمحَلِّ عمل‪( ،‬وكذا بعدها) ما مل َيسْتعملها‪ ،‬اسِتصْحاباً ملا كان‪ ،‬وألَنه ال يل َزمَهُ الرَّدُّ‬
‫سدَ ال َع ْقدُ‪ .‬وإنَّما الذي عليهِ‪َّ ،‬التخْلِيَة‪،‬‬ ‫وال مُوءْنَتَهُ‪ ،‬بل لو شَرَطَ أ َحدُمها َعلَيْه‪َ ،‬ف َ‬
‫كالوَدِيع‪ ،‬ورَجَّحَ السَّبْكي أنه كاألمانَة الشرَّعِية‪ ،‬فيلْزمَه إِعالمَ مالِكها هبا أو الرَدُّ‬
‫ضمِن‪ .‬واملعتمَدُ خِالفهُ‪ .‬وإذا قلنا باألصَحِّ أنَّه ليسَ عليه إال التَّخليَة‪،‬‬ ‫فوراً‪ ،‬وإال ُ‬
‫فقضيَّته أنهُ ال يَلْزَمُ إِعْالمَ املُؤجَّر بَِتفْرِيغ العَيْن‪ ،‬بل الشَّرط أن ال يسْتَعمِلهَا‪ ،‬وال‬
‫َيحِْبسَها لو طَلبَها‪ .‬وحينئذٍ يَلْزمُ من ذلك أنَّه ال فَرْقَ بني أن ُيقْفِلَ بابٌ حنوَ احلانوتِ‬
‫بعد تفريغِه أو ال‪ .‬لكن قالَ الَبغَوي‪ :‬لو اسْتَأْجَر حانوتاً َشهْراً‪ ،‬فأغْلَقَ باَبهُ‪ ،‬وغابَ‬
‫َشهْرَيْن‪ ،‬لزمه املسمى للشَّهر األول‪ ،‬وأجْرة املِثْل للشَّهر الثَّاين‪ .‬قال شيخنا يف شرحِ‬
‫املِنْهاج‪ :‬وما ذكَره البَغوي‪ ،‬يف َمسْألة الغِيبَة‪ ،‬متجه‪ ،‬ولو استعمل العَيْن بعد املُدَّة لَ ِزمَهُ‬
‫أُجْرةَ املِثْل (كأجري) فإِنه أمني‪ ،‬ولو َب ْعدَ املدَّة أيضاً‪( ،‬فال ضَمانَ على واحدٍ منهما)‬
‫فلو اكْتَرى دابَّة‪ ،‬ومل يَنَْت ِفعْ هبا فِتُِل َفتْ‪ ،‬أو اكْترا ُه لِخياطَة ثوْب أو صَْبغِه فََتلَف‪ ،‬فال‬
‫ضمَنُ‪ ،‬سواء انْفَرد األَجريُ بالَيدِ أم ال‪ ،‬كأن قَعدَ املُكْتَري معه حىت َي ْعمَل‪ ،‬أو أحْضَ َرهُ‬ ‫ُي ْ‬
‫مَنَ ِزلَهُ لَِي ْعمَلَ‪( ،‬إال بَِت ْقصِري) كأن تَركَ املُكْتَري اإلِنِْتفَاعَ بالدَّابة فتََلفَت ِبسََببٍ‪ ،‬كاْن ِهدَامِ‬
‫َسقْفِ اصْطَبْلِها عليها يف وقتٍ لو انتفعَ هبا فيه عادَة سَِلمَت‪ ،‬وكأن ضرَبَها‪ ،‬أو‬
‫ضمَن أجريٌ لِح ْفظِ دُكان مثالً إذا أ َخذَ غريَه ما فيها‪ .‬قال‬ ‫أرْكبَها أثْقلَ مِنْه‪ .‬وال َي ْ‬
‫خل ِفريِ‪ ،‬وكأن اسْتَأَجْرَهُ لريعى دابته فأعطاها آخرَ‬ ‫الزرْكَشي‪ :‬إنه ال ضَمانَ أيضاً على ا َ‬ ‫َّ‬
‫يرعاها فيضْمنَها كلٌّ مِْنهُما‪ ،‬والقرار على من تُلِفَت بيده‪ .‬وكأن أَسْرَفَ خَبَّازٌ يف‬
‫ضمَن‪ ،‬ويَصدقُ األَجريُ يف أنه مل‬ ‫الوَقُودِ‪ ،‬أو ماتَ املتعلِّم من ضَرْب املعلِّم‪ ،‬فإِنه َي ْ‬
‫يُقصِّر‪ ،‬ما مل يُشهد خبريان بِخالفه‪ .‬ولو اكْتَرى دابَّة لَيَ ْركَبَها اليوم وير ِجعَ غداً‪ ،‬فأقام‬
‫ضمِنَها فيه فقط‪ ،‬ألنه استعملها فيه َتعَدِّياً‪ .‬ولو اكْتَرَى عبداً‬ ‫هبا َورَجِع يف الثالث‪َ ،‬‬
‫ضمِنَهُ مع‬ ‫ضعَهُ‪َ ،‬فذَهب به من بََلدِ العَ ْقدِ إىل آخَر‪ ،‬فأبِقَ‪َ :‬‬ ‫ِلعَملٍ َمعْلوم‪ ،‬ومل يُبَيِّن َم ْو ِ‬
‫األُجْرَةِ‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫حوِ القِصارِ حَبْسَ الثَوبِ‪ ،‬كرهْنِه‪ ،‬بأُجرَتِه حىت َيسَْتوْفيها‪( .‬وال‬ ‫[فرع]‪ :‬جيوزُ لَن ْ‬
‫أجْرَة) لِعمل‪َ :‬كحَلْ ِق رَأْسٍ‪ ،‬وخِياطَة ثَوْب‪ ،‬وقِصا َرتَهُ‪ ،‬وصَبغِه ِبصَْب ِغ مالِكه (بال شرط)‬
‫األجرة‪ .‬فلوْ دفع ثَوْبَه إىل خَيَّاطٍ ليَخيطَ‪ ،‬أو قصَّارٍ لُيقَصِّره‪ ،‬أو صَبَّاغ لَيصْبغه‪ ،‬ففَعل‪،‬‬
‫ومل يذكر أحدمها أُجْرَةً‪ ،‬وال ما يفهمها‪ ،‬فال أجْرَةَ له‪ ،‬ألنه مُتَبَرِّعٌ‪ .‬قالَ يف الَبحْر‪:‬‬
‫وألنه لو قال اسكنِّي دارَك َشهْراً‪ ،‬فأسْكَنَه‪ ،‬ال َيسَْتحِقُّ عليه أُجْرةً إِجْماعاً‪ ،‬وإن عُرِفَ‬
‫بذلك العَملَ هبا‪ ،‬لعدم الْتِزامِها‪ .‬وال ُيسْتَثْنَى وُجوبُها على داخل محام‪ ،‬أو راكب‬
‫سفينة مثالً بال إذن‪ ،‬السْتِيفائِه املْنفَعة من غري أن َيصْ ِرفَها صاحِبهَا إليه بِخالفه بإِذنه‪.‬‬
‫أما إذا ُذكِرَ أُجْرَة‪ ،‬فََيسَْتحِقَّها قَطْعاً إن صَحَّ العَ ْقدُ‪ ،‬وإال فأُجْرة املِثْل‪ .‬وأما إذا عُرِّضَ‬
‫هبا‪ ،‬كُأ ْرضِيكَ‪ ،‬أو ال أخيَبك‪ ،‬أو ترى ما ُيسّركَ‪ ،‬فيجب أجْرَة املِثْل (وَتقَرَّرَت) أي‬
‫األُجرة اليت ُسمِّيت يف ال َعقْد (عليه) أي املُكتري (مبضيِّ مدَّةٍ) يف اإلِجارَة املقدَّرة‬
‫بوقتٍ أو مضيِّ مدة إِمكانِ االستيفاء يف املقدرة بِعمَلِ (وإن مل يَستوفِ) ا ُملسْتأجِر‬
‫املَْنفَعة‪ ،‬ألن املناِفعَ تَِلفَت حتت َيدِه‪ ،‬وإن تُرِكَ لنحو مَريضٍ‪ ،‬أو َخوْفَ طَريقٍ‪ ،‬إذ ليسَ‬
‫على املُكري إال التَّمكنيَ مِن اإلِسْتِيفاءِ‪ ،‬وليسَ له‪ِ ،‬بسََببِ ذلك‪ُ ،‬فسِخَ وال رَ ّد إىل‬
‫تيسريِ ال َعمَل (وتَنْفَسِخُ) اإلِجارَةُ (بِتَلِفِ ُمسْتَوىف منْه ُمعَيّن) يف ال َع ْقدِ‪ ،‬كموتِ حنو دابة‬
‫وأجريٍ معيَّنَيْنِ‪ ،‬وانْهدام دارٍ‪ ،‬ولوْ بفعل ا ُملسْتأْجِرِ (يف) زمان (مستقبل) لِفواتِ حملِّ‬
‫املنفعة فيه‪ ،‬ال يف ماضٍ َب ْعدَ القَبْضِ إذا كان ِلمِثْلِهِ أُجْرَة‪ ،‬السِْتقْرَارِه‪ .‬بالقَبْضِ‪ ،‬فيستقرّ‬
‫قسْطَهُ من املسمى باعتبار أُجْرة املِثْل‪ ،‬وخَ َرجَ بِا ُملسْتَوىف منه‪ ،‬غريه مما يأيت وبا ُملعَيَّن يف‬
‫العَقْد‪ ،‬املُعني عما يف الذِّمة‪ ،‬فإِنَّ تََل َفهُما‪ :‬ال يوجبُ انْفِساخاً‪ ،‬يل يُبَدَّالنِ‪ ،‬ويَثْبُتَ‬
‫اخليَارُ على التَّراخي‪ ،‬على املُعتمَد‪ ،‬بعَيْب حنو الدابة املقارنِ إذا َجهِلَه‪ ،‬واحلادِثَ‬
‫َررِه وهو ما أثَّر يف املََن َفعَة تأثرياً يَظهر به تفاوُتَ أُجْرَتَها‪ ،‬وال خَيارَ يف إِجارَة الذِّمة‬
‫لَِتض ُّ‬
‫ِبعَْيبِ الدابّة‪ ،‬بل يَلَ َزمَهُ اإلِبدالُ‪ .‬وجيوزُ يف إِجارَةِ عَيْنٍ وذِمَّةٍ اسْتِبدالَ ا ُملسْتويف‪،‬‬
‫كالراكِب‪ ،‬والسَّاكِن‪ ،‬وا ُملسْتوىف به كاملَحمولِ‪ ،‬وا ُملسْتَوىف فيه كالطّريق ِبمِثْلها‪ ،‬أو‬
‫بدون مثلها‪ ،‬ما مل َيشْتَرط عدم اإلبدالَ يف اآلخرين‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو اسْتَأْجَر َثوْباً لِلَّبْسِ املطلق‪ ،‬ال يَلِبسَهُ وقت النَّوم ليالً‪ ،‬وإن اطَّردت‬
‫عادهتم بذلك‪ ،‬وجيوز ملستَأجِر الدابَّة مثالً منْع املؤجِّر من َحمْل شيء عليها‪.‬‬
‫[فائدة]‪ :‬قال شيخنا‪ :‬إن الطَّبيبَ املاهِر‪ ،‬أي بأن كان خَطوه نادِراً‪ ،‬لو شُرِطَتْ‬
‫له أجْرةٌ‪ ،‬وأُعْطِيَ مثن األدوية‪ ،‬فعاجله هبا‪ ،‬فلم يَبْرأ‪ ،‬اسْتَحقَّ املسمى‪ ،‬إن صحَّت‬
‫اإلِجارَة‪ ،‬وإِال فأجْرَة املِثْل‪ .‬وليس للعَليلِ الرجوعَ عليه بشيء‪ ،‬ألن ا ُملسْتَأْجَرَ عليه‬
‫املعالَجة ال الشِّفاء‪ ،‬بل إن شُرِطَ‪ ،‬بَطُلت اإلِجارَة‪ ،‬ألنه بيد اهلل تعاىل ال غري‪ .‬أما غري‬
‫املاهر‪ ،‬فال َيسَْتحِقَّ أُجْرةً ويرجع عليه بثمن األدوية‪ ،‬لِتَقصريه مبباشَرتِه مبا ليس له‬
‫بأهل‪ .‬ولو اختلفا‪ :‬أي املُكري واملُكترَي (يف أجرةٍ أو مدَّة) أو قدْر مَْنفَعة‪ ،‬هل هي‬
‫عشرة فَراسِخ‪ ،‬أو مخسة؟ أو يف قدر املستأجر‪ :‬هل هو كل الدار‪ ،‬أو بيتٍ منها؟‬
‫(حتالفا‪ ،‬وُفسِخْت)‪ ،‬أي اإلِجارَة‪َ ،‬و َو َجبَ على املُكتري أجرَة املِثْ ِل ملا اسْتوفاه‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو وُ ِجدَ ا َملحْمولُ على الدابة مثالً ناقِصاً نَقْصاً يؤثر‪ ،‬وقد كالَهُ املُؤجِّر‪،‬‬
‫حُطَّ َقسْطَهُ من األجْرة‪ ،‬إن كانت اإلِجارَة يف الذمة وإال مل ُيحَطَّ شيء من األجْرة‪.‬‬
‫ولو اسْتَأْجَر َسفِينَةً فدَخلها َسمَكٌ‪ ،‬فهل ه َو لَهُ‪ ،‬أو للمؤجَّر؟ وجهان‪.‬‬
‫[تتمة]‪ :‬تَجوزُ ا ُملسَاقَاةُ وهي أن يعامل املالِكَ غريَهُ على َنخْلٍ أو َشجَرِ عِْنبٍ‬
‫َمغْروس معيّن يف العقد مرئي هلما عنده ليتعهَّده بالسَّقي والتربية‪ ،‬على أن الثَّمرة‬
‫احلادِثة أو املوجودَة هلما‪ .‬وإال تَجوزُ يف غري َنخْلٍ وعِنَبٍ ال تِبَعاً هلما‪ .‬وجَوَّزها القدمي‬
‫يف سائِر األشْجارِ‪ ،‬وبه قال مالك وأمحد‪ ،‬واختارَه َج ْمعٌ من أصحابِنا‪ ،‬ولو ساقاهُ على‬
‫وَديَ غري مغروسٍ ليغْرِسَهُ ويكون الشَّجر أو مثرته إذا أَثْمَرَ هلما‪ ،‬مل َتجُز‪ ،‬لكن قضية‬
‫‪100‬‬
‫كالمَ جَمعٍ من السَّلف‪ ،‬جَوازَها‪ ،‬والشَّجرُ ملالِكِه‪ ،‬وعليه لذي األ ْرضِ أجْرَةَ مِثْلها‪،‬‬
‫واملُزَارعَة‪ :‬هي أن يعاملَ املالِك غريَه على أ ْرضٍ ليزرَعها ِبجُزءٍ َمعْلوم مما َيخْرُج مِنْها‪،‬‬
‫والبِ ْذرُ من املالِك‪ ،‬فإِن كان البِذَر من العامِل‪ ،‬فهي خمابِرَة‪ ،‬ومها باطالن‪ ،‬للنهي‬
‫عنهما‪ ،‬واختار السَّبكي‪ ،‬كجَمع آخرين‪ ،‬جَوازَمها‪ ،‬واستدلوا بعمل عمر رضي اهلل‬
‫عنه وأهل املدية‪ ،‬وعلى املرجح‪ ،‬فلو أُفْرِدَت األرض باملزارَعة‪ ،‬فاملغَلَّ للمالك‪ ،‬وعليه‬
‫للعامِلَ أجْرَةُ عَملِه ودَوابِه وآالتِه‪ ،‬وإن ُأفْرِدَتِ األَرض باملخابرة‪ ،‬فاملغل للعامل‪ ،‬وعليه‬
‫ملالك ا َأل ْرضِ أجْرة مثلِها وطريق جعل الغَلَّة هلما وال أُجْرة أن يَكَتري العامِل ِنصْفَ‬
‫األَ ْرضِ بِِنصْفِ البِذْر ونصف َعمَله ونصف منافِع آالته‪ ،‬أو بنصف الِبذْر ويتبَرَّعَ‬
‫بالعَملِ واملنافِع إن كان البِذر منه‪ ،‬فإِن كان من املالِك استأْجَرة بنصف البذر ليزرَعَ‬
‫له النصف اآلخر من الِبذْر يف ِنصْفِ األرض‪ ،‬ويُعريهُ نصفها‪.‬‬

‫خفِيفِها‪ :‬وهيَ اسمٌ ملا يُعارُ لل َع ْقدِ املتضمَّن إلِباحَةِ اإلِنْتفاعِ مبا‬ ‫بَِتشْديدِ الياءِ وَت ْ‬
‫َيحِلُّ اإلِنتفِاعُ بِه َمعَ بقاءِ عَيْنهِ لريدَّه‪ .‬من عارٍ‪ :‬ذَهب‪ ،‬وجاء بسرعة‪ ،‬ال مِن العار‪.‬‬
‫صحَّة‬ ‫جبُ‪ ،‬كإِعارَةِ ثوبٍ توقَّفت ِ‬ ‫وهي ُمسْتحبَّةٌ أصالة ِلشِدَّة احلاجَةِ إليها‪ ،‬وقد َت ِ‬
‫الصَّالةِ عليه‪ ،‬وما يُْن ِقذُ غَريقاً‪ ،‬أو ُيذْبحُ بِه حَيونٌ ُمحْتَرمٌ ُيخْشى َموْته‪( .‬صح) مِن ذي‬
‫تَبَرُّع‪( .‬إعارةِ عن) غَيْرِ ُمسَْتعَارَةٍ (النتفاع) َمعَ بقاءِ عَيْنِه (مملوك) ذلك اإلِنْتِفاع‪ ،‬ولو‬
‫بِوصيَّةٍ أو إجا َرةٍ أو وقْف‪ ،‬وإن مل َيمْلك العَيْن‪ ،‬ألن العارِيّة تُرد على املَْنفَعة فقط‪.‬‬
‫وقيَّد ابن الرِفعة صحتها مِنَ ا َملوْقوفِ عليه‪ ،‬مبا إذا كان ناظِراً‪ .‬قال اإلسْنوي‪ :‬جيوزُ‬
‫لإلمام إعارَةَ مال بيتِ املال (مباح) فال يصح إعارَة ما َيحْ ُرمُ اإلِنْتِفاعَ به كآلةَ هلوٍ‪،‬‬
‫خدَمةِ أَجْنَيب‪ ،‬وإمنا تصح اإلِعارَةُ من أهلِ‬ ‫َوفَرَسٍ‪ ،‬وسِالحٍ لِحَرْبِي‪ ،‬وكَأَمة ُمشْتَهاة ِل ْ‬
‫شعِرُ بإِذْنٍ فيه) أي اإلِنْتِفاع‪( .‬كَأَعَرْتُكَ‪ ،‬وأَبحْتُكَ) مَنْفعة‪ ،‬وكارْكبْ‪،‬‬ ‫تربُّع‪( .‬بلفظ ُي ْ‬
‫وخُذهُ ِلتَنَْت ِفعَ به‪ .‬ويَكفي لفظ أحدمها مع ِفعْل اآلخر‪ .‬وال جيوزُ ُملسْتَ ِعريٍ إعارَةَ عَيْنٍ‬
‫مسْتعارة بال إذنِ مُعريٍ‪ ،‬وله إنابة من يستويف املنفعة له‪ ،‬كأن يَرْكب دابة استعارها‬
‫للرُّكوب من هو مثله أو دونه حلاجَتِه‪ ،‬وال َيصِحُّ إعارَة ما ال يُنَْت َفعُ به مع بقاءِ عَيْنِه‪،‬‬
‫كالشَّمع للوَقود‪ ،‬السْتهِالكِه‪ .‬ومن ثُم‪ ،‬صحَّت للتَّزيُّن به‪ ،‬كالنَّقد‪ ،‬وحيث مل َتصِحُّ‬
‫ضمِنَت‪ ،‬ألن للفا ِسدِ ح ْكمُ صَحيحِه‪ ،‬وقيل ال ضَمان‪ ،‬ألن ما جرى‬ ‫العارِيَّة َفجَرت‪ُ ،‬‬
‫بينَهما ليس بعارِية صحيحَة‪ ،‬وال فاسِدة‪ ،‬ولو قال ا ْحفِر يف أرْضي بِئْراً لَِن ْفسِكَ‪،‬‬
‫فحفَر‪ ،‬مل يَملِكَها‪ ،‬وال أُجْرَةَ لَهُ على اآلمِر‪ ،‬فإِن قال أمَرْتَين بأَجْرة‪ ،‬فقال مَجاناً‪،‬‬
‫صدّق اآلمر‪ ،‬ووارَثه‪ .‬ولو أرسل صبياً ليسَْت ِعريَ له شيئاً‪ ،‬مل يصح‪ ،‬فلو تَلفَ يف يَدهِ‪ ،‬أو‬
‫ضمَنه هو‪ ،‬وال مُرْسَِلهُ‪ ،‬كذا يف اجلواهِر‪( .‬و) جيب (على ُمسَْت ِعريٍ ضَمانَ قيمَةِ‬ ‫أتْلفَهُ مل َي ْ‬
‫َي ْومِ تَلفْ) للمُعارِ إِن تَلفَ كلَّه أو بَ ْعضَه يف َيدِه‪ ،‬ولو بآفةٍ من غري َت َقصْري‪َ ،‬ب َدالً أو‬
‫أرَشاً‪ ،‬وإن شرطا عدم ضمانِه‪ ،‬خلرب أيب داود وغريه‪ :‬العارِيَّة َمضْمونَة‪ ،‬أي بالقيَمة‪،‬‬
‫يومَ التَّلَفِ‪ ،‬ال ي ْومَ القَبْضِ يف املَُتقَوِّم‪ ،‬وباملِثْلِ يف املثلي على األوْجه‪ .‬وجزَم يف األنوار‬
‫بلزو ِم القيمَة‪ ،‬ولوْ يف املثلي‪ :‬كخَشبٍ‪ ،‬و َحجَر‪ .‬وشَرْطُ التَّلفِ املضمَن‪ ،‬أن يَحصُل (ال‬
‫باستعمالٍ)‪ ،‬وإن حَصل معه‪ ،‬فإِن تَلَفَ هو‪ ،‬أو جُزؤهُ باستعمالِ مأذون فيه‪:‬‬
‫كركوبٍ‪ ،‬أو محلٍ‪ ،‬أو لبس اعْتيدَ‪ ،‬فال ضمانَ لإلذن فيه‪ ،‬وكذا ال ضمان على‬
‫ُمسَْت ِعريٍ من حنو مُسْتَأْجِر إجارَة صحيحة‪ ،‬فال ضَمانَ عليه‪ ،‬ألنه نائبٌ عنه‪ ،‬وهو ال‬
‫يضمن‪ ،‬فكذا هو‪ .‬ويف معىن ا ُملسْتَأَجِر‪ ،‬املوصى له باملنفعة‪ ،‬واملوقوفَ عليه‪ ،‬وكَذا‬
‫ب موقوفٌ على‬ ‫ضمَانَ عليه‪ ،‬كالراهِن‪ ،‬وكتا ٌ‬ ‫ُمسْتعارٌ لرَهْنِ تلَفَ يف يدِ مُرَْتهِن ال َ‬

‫‪101‬‬
‫املسلمني مثالً استعارَهُ فقيه فَتَلفَ يف َيدِه من غري َتفْرِيط‪ ،‬ألنه من مجلة املوْقوفِ‬
‫عَلَْيهِم‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو اختلفا يف أنَّ التلف باالسِْتعْمالِ املأذون فيه‪ ،‬أو ِبغَيْره‪ :‬صدَق املُعريُ‪،‬‬
‫سقِطَهُ‪( .‬و)‬ ‫كما قاله اجلالل البلقيين‪ ،‬ألن األصل يف العارية‪ ،‬الضَّمان‪ ،‬حىت يثُبتَ ُم ْ‬
‫جبُ (عليه) أي على املسْتعَري (مُؤنةَ رَدّ) للمُعارِ على املالِك وخرج مبؤنة الرَّد‪ ،‬مُؤنة‬ ‫َي ِ‬
‫املُعارِ‪ ،‬فتلزم املالِك‪ ،‬ألهنا من حقوق امللك‪ .‬وخالفَ القاضي‪ ،‬فقال إهنا على املسْتعري‪.‬‬
‫(و) جاز (لكل) من املعري واملستعري (رجوع) يف العارية‪ ،‬مُطْلَقة كانَت أو مؤقتَّة‪ ،‬حىت‬
‫ضعِه يف القَبْر‪ ،‬ال بعد املُواراة ‪،‬‬ ‫يف اإلِعارَة ِلدَفنْ مَْيتٍ قَبْلَ مواراتِه بالتُّراب‪ ،‬ولو َب ْعدَ َو ْ‬
‫حىت يَبْلى‪ ،‬وال رُجوعَ ملستعريٍ حيث تَلْزَمه اإلِستعارَة‪ ،‬كإِسْكانِ ُمعُتَدَّة‪ ،‬وال ملُعريٍ يف‬
‫سفينةٍ صارَت يف اللجَّة وفيها متاعُ املستعريِ‪ .‬وحبث ابن الرفعة أن له األجرة‪ .‬وال يف‬
‫ِجذْع لدَعْم جدارٍ مائِل بعد استنادِه‪ ،‬وله األجْرَةُ من الرُّجوع‪ .‬ولو استعارَ للبِناءِ أو‬
‫الغراس‪ ،‬مل َيجُزْ له ذلك إال مرَّة واحدة‪ .‬فلو قَلَع ما بناهُ أو غَرَسَه‪ ،‬مل َيجُز له إعادَة‬
‫إال بإِذن جَديد‪ ،‬إال إذا صُرِّح له بالتَّجديد مرَّة أخرى‪.‬‬
‫[فروع]‪ :‬لو اخْتَلَف مالكٌ عَيْن واملَُتصَرِّف فيه‪ ،‬كأن قال املتصرف أعَرْتَين‪ ،‬فقال‬
‫املالك بل آجَرْتُكَ بكذا‪ .‬صدَق املتصرفُ بيمينه‪ ،‬إن َبقِيتَ العَيْن‪ ،‬ومل َيمْضِ مدة هلا‬
‫أجرة‪ ،‬وإال حُلِّفَ املالكُ واستحقَّها‪ ،‬كما لو أكل طعام غريه وقال كنت أحبتَ يل‪،‬‬
‫وأنكر املالك‪ ،‬أو عَ ْكسَه‪ ،‬بأن قال املتصرِّفُ آجَرْتَين بكذا‪ ،‬وقال املالِكُ بل أَعرتُكَ‬
‫صدَق املالِك بيمينه‪ ،‬ولو أعطى رجُالً حانوتاً ودراهم‪ ،‬أو أرْضاً وِبذْراً‪،‬‬ ‫والعَيْن باقِية‪َ ،‬‬
‫وقال اتِجَّر‪ ،‬أو ا ْزرَعه فيها لنفسِك‪ ،‬فالعقارُ عارِيَّة‪ ،‬وغريَهُ قَ ْرضٌ‪ ،‬على األوجه‪ ،‬ال هِبَة‬
‫صدِهِ‪ ،‬ولو أخذ كوزاً من َسقَّاء لَيشْرَبَ مِنْه‪ ،‬فوقع من‬ ‫خالفاً لبَعضهم‪ ،‬ويَصدُقُ يف َق ْ‬
‫ضمِنه‪ ،‬دون املاء‪ ،‬أو ِب ِعوَض واملاءُ‬ ‫يده وانكسر قِبلِ شربه أو بعده‪ ،‬فإِن طلبه جماناً‪َ ،‬‬
‫قدر كفايته‪ ،‬فعكسه‪ .‬ولو استعارَ حِلياً‪ ،‬وألْبَسهُ بِنْتَه الصغرية‪ ،‬مث أمر غريه حبفْظِه يف‬
‫ُرمَ املالِكُ ا ُملسْتَعري‪ ،‬وير ِجعُ على الثاين‪ ،‬إن عَلِم أنه عارِية‪ ،‬وإن مل‬ ‫بيته‪ ،‬ففعل‪ ،‬فسُرِق غ ِّ‬
‫يكن يعلم أنه عارِية‪ ،‬بل ظنَّه لآلمِر‪ ،‬مل يُضمَّن‪ .‬ومن سكنَ داراً مدة بإِذنِ مالِك أهل‪،‬‬
‫ومل يذكر له أجرة‪ ،‬مل تَلْزَمه‪.‬‬
‫[مهمة]‪ :‬قال العبادي وغريه يف كتاب مستعار رأى فيه خطأ ال يصلحه إال‬
‫املصحف فيجب‪ .‬قال شيخنا‪ :‬والذي يتَّجه أن اململوكَ غري املصحف ال يصلح فيه‬
‫صحَف‪ ،‬لكن إن مل ين ُقصْهُ‬ ‫شيء‪ ،‬إال إن ظن رضا مالكه به‪ ،‬وأنه جيبُ إصْالحَ ا ِمل ْ‬
‫َيقن اخلطأ فيه‪.‬‬ ‫خطه‪ ،‬لرداءَته‪ ،‬وأن الوقَف جيب إصالحَه‪ ،‬إن ت َّ‬
‫(فصل)‪ :‬يف بيان أحكام الغصب‪ .‬ال َغصْب‪ :‬استيالءٌ على حقّ غريٍ‪ ،‬ولو مَْنفَعة‪،‬‬
‫جدٍ أو سوقٍ بال حَقَ‪َ ،‬كجْلوسِهِ على فِراشِ غريِه‪ ،‬وإن مل يَْنقُله‪،‬‬ ‫سَ‬ ‫كإِقامة من قَعد بِ َم ْ‬
‫وإزْعاجَه عن دارِه‪ ،‬وإن مل َيدْخُلْها‪ ،‬وكرُكوبِ دابَّة غ ِريهِ‪ ،‬واسْتِخدام عبْده‪( .‬وعلى‬
‫ضمَنُ )‬ ‫صبٍ إىل تَلَفٍ وَي ْ‬‫صبِ‪ :‬ردُّ وضمَانِ متموِّل تلفَ بأقصى قيمَه من حني غ ْ‬ ‫الغا ِ‬
‫مِثْلي‪ ،‬وهو ما حَصَرَهُ كيْلٌ‪ ،‬أو َوزْنٌ‪ .‬وجاز السََّلمُ فيه كقُطْنٍ‪ ،‬ودَقيقٍ‪ ،‬وماءٍ و ِمسْكٍ‪،‬‬
‫ونُحاسٍ ودراهمٍ ودنانريٍ‪ ،‬ولو مغشوشاً‪ ،‬ومترٌ‪ ،‬وزبيبٌ‪ ،‬وحبٌّ جافٌ‪ ،‬ودهنٌ‪ ،‬ومسنٌ‬
‫ضمَن بَأقْصى قِيمَ من َغصْب إىل‬ ‫(مبثله) يف أيّ مكانٍ حُلَّ به املِثلّي‪ ،‬فإِن ُف ِقدَ املِثْل‪ ،‬فََي ْ‬
‫َفقْد‪ .‬ولو تَلف املِثْلي‪ :‬فَلَهُ مُطالَبَتَهُ بِمثِله يف غريِ املَكانِ الذي حلَّ به املِثْلي‪ ،‬إن مل يَكُن‬
‫متقومٌ أتلف‪ ،‬كاملنافِع‬ ‫لَِنقْلِهِ مُوءْنَة‪ ،‬وَأمِنَ الطَّريق وإال فبأقْصى قِيمَ املَكان‪ .‬ويضْمنُ ِّ‬
‫واحليوان‪ ،‬بالقيمَة‪ .‬وجيوزُ أ ْخذُ القيمةِ عن املِثْلي بالتَّراضي‪ .‬وإذا أخذ منه القِيمة‪،‬‬
‫فاجْتمعا ببلد التلف مل يرجعا إىل املثل‪ ،‬وحيث وَجَب مثل‪ ،‬فال أثَر لغَالءٍ‪ ،‬أو رُخْص‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫ضمِنَها‪ ،‬أو حبادِث ريحٍ‪ ،‬فال‪ .‬وكذا‬ ‫[فروع]‪ :‬لو حلَّ رِباطُ سفينةٍ َفغَ ِرَقتْ بسَبَبِهِ َ‬
‫إن مل يظهر سبب‪ ،‬ولو حُلّ وثاقُ هبيمة‪ ،‬أو عبدٌ ال مييِّز‪ ،‬أو فَتَح قفصاً عن طَيْر‪،‬‬
‫ضمِنَ إن كان بِتَهييجه وتنفريه‪ .‬وكذا إن اقُتصِر على الفتح‪ ،‬إن كان‬ ‫فخرجَوا‪ُ ،‬‬
‫اخلروج حاالً ال عبداً عاقالً حلّ قيده فأَبِق‪ ،‬ولو ُمعْتاداً لإلِباقِ‪ .‬ولو ضربَ ظاملٌ عبدَ‬
‫ضعَها عنده ولو‬ ‫صبُ بِردِّ العيْن إىل املالِك‪ ،‬ويكفي و ْ‬ ‫غريه فأبِق‪ ،‬مل ُيضْمنْ‪ .‬ويَبْرأُ الغَا ِ‬
‫نسيه برِّىء بالردّ إىل القاضي‪ .‬ولو خلط مِثْلياً أو مُتقوِّماً مبا ال يتميز‪ :‬كَدُهْنٍ‪ ،‬أو‬
‫َحبَ‪ ،‬وكذا ِدرْهَمٍ‪ ،‬على األوجه‪ ،‬جبنسه‪ ،‬أو غريه‪ ،‬وتعذَّر التَّمييزُ‪ ،‬صار هالِكاً‪ ،‬ال‬
‫صبُ‪ ،‬لكن األوجه أنه حمجورٌ عليه يف التَّصرُّفِ فيه حتَّى ُيعْطى‬ ‫ُمشْترِكاً‪ ،‬فيملكه الغا ِ‬
‫َب َدلَهُ‪.‬‬

‫ْص َدقَة وا َهلدِيَّة‪( .‬اهلِبَة‪َ :‬تمْليكُ عَيْنٍ) َيصِحُّ بَْيعُها غالِباً‪ ،‬أو‬
‫أي مُطْلِقها‪ :‬الشَّامِل لل َّ‬
‫دَيْنٌ من أهْلِ تَبَرُّعٍ‪( ،‬بال ِع َوضٍ)‪ .‬واحْتَ ِرزُ بقولنا بِال عَوض‪ ،‬عن البَْيعِ واهلِبَةِ بِثَوابٍ‪،‬‬
‫فإهنا بَْيعٌ حقيقَةً (بإِجياب‪ :‬كوَهَبْتُكَ) هذا‪ ،‬وملَّكَتكَهُ‪ ،‬ومْنحَتَكَه‪( .‬وقبولٌ) متَّصل به‪،‬‬
‫سوَتُكَ هذا‪ .‬وبا ِملعُاطَاةِ على‬ ‫(كقَبِ ْلتُ) ورَضيتُ وتَْن َع ِقدُ بالكِتابَةِ‪ :‬كَلَكَ هذا‪ ،‬أو َك ْ‬
‫ا ُملخْتار‪ .‬قال‪ :‬قال شيخُنا يف شرْحِ املنْهاج‪ :‬وقد ال ُتشْتَرَطُ الصِّيغةُ‪ ،‬كما لو كانت‬
‫ضمْنِيَّة‪ ،‬كأَعْتِق عَْبدَكَ عَنِّي‪ ،‬فأعْتَقهُ‪ ،‬وإن مل يقل جماناً‪ ،‬وكما لو زَيَّنَ ولدَه الصَّغري‬ ‫ِ‬
‫بِحلى‪ ،‬خبالف َزوْجَتِه‪ ،‬ألنه قا ِدرٌ على َتمْلِيكِه بِتَولِّي الطّرَفني‪ .‬قاله القفَّال‪ ،‬وأقرَّه‬
‫مجع‪ ،‬لكن اعْتَرض بأنَّ كالم الشيخني خيالِفَهُ‪ ،‬حيثُ اشْتَرَطا يف هِبَة ا َألصْل‪ ،‬تَولِّي‬
‫الطَّرفني بإِجياب وقبول‪ .‬وهبة ويلَ غ َريهُ أن يقبلها احلاكم أو نائبه‪ .‬ونقلوا عن العَبادي‬
‫وأقره‪ :‬أنه لو غَرَسَ أشْجاراً‪ ،‬وقال عِنْد الغَرْسِ أغْرِسْها البين مثالً‪ ،‬مل يكنَ إقرْاراً‪،‬‬
‫خبالف ما لو قال لعيْن يف يَدهِ اشْتَرَيْتُهَا البين‪ ،‬أو لفالنٍ األجْنَبِي‪ ،‬فإِنه إقرار‪ .‬ولو قال‬
‫َجعَ ْلتُ هذا البين‪ ،‬مل َيمْلِكْهُ إال إِنْ قبضَ له‪ ،‬وضَعَّفَ السَّبكي واألذرعي وغريمها قول‬
‫اخلوارزمي وغريه‪ ،‬أَن إِلباسَ األَبِ الصَّغريِ حِلياً ميلِكهُ إياه‪ .‬ونقلَ مجاعَةٌ عن فتاوى‬
‫صدُقُ بيمِينِه يف أنه مل يَملِكْها‪ ،‬إن‬ ‫ال َقفّالِ نفسه أنه لو جَهَّز بِنْتَه مع أمْتِعة بِال تَمليكِ‪َ ،‬ي ْ‬
‫ادَّعته‪ ،‬وهذا صريح يف رَدِّ ما سَبَقَ عنه‪ ،‬وأفىت القاضي فيمَن َبعَث بِنْتَه وجِهازَها إِىل‬
‫دارِ الزَّوج‪ ،‬بأنه إن قال هذا جهازُ بنيت‪ ،‬فهو مالك هلا‪ ،‬وإال فهو عارِيَة‪ ،‬ويصدُقُ‬
‫بيمينه‪ .‬وكخ ْلعِ امللوكِ‪ ،‬العتيادِ َع َدمِ اللَّفظِ فيها‪ ،‬انتهى‪ .‬ونَقل شيخنا ابن زياد عن‬
‫فتاوى ابن اخلياط‪ :‬إذا أَهْدى الزوجُ للزوَّجة بعد ال َع ْقدِ بِسبَبهِ‪ ،‬فإِهنا َتمْلِكَهُ‪ ،‬وال حيتاجَ‬
‫إىل إجيابٍ وقبُولٍ ومن ذلك‪ ،‬ما َي ْدفَعه الرَّجلُ إىل املْرأة صُبْح الزواج مما يسمى‬
‫َزوجَ عليها‪ ،‬فإِن ذلك تَملِكَهُ املرأة‬ ‫صُْبحِيَّة يف عُرفنا‪ ،‬وما يدفعه إليها إذا ُغضِبَت‪ ،‬أو ت َّ‬
‫ِبمُجرَّدِ الدَّفع إليها‪ .‬انتهى‪ .‬وال ُيشْتَرَطُ اإلِجيابُ والقبولُ قَطعاً يف الصَّدقة‪ ،‬وهي ما‬
‫صدِ الثَّوابَ أَو غَنِياً ألجْلِ ثوابِ اآلخِرة‪ ،‬بل يَكْفي فيها‬ ‫أعْطاهُ حمتاجاً‪ ،‬وإنْ مل َي ْق ِ‬
‫اإلِعطاءُ واأل ْخذُ وال يف ا َهلدِية ولو غَيْرَ مَأْكولِ‪ ،‬وهي ما نقلَهُ إىل مَكانِ املوْهوبِ له‬
‫إكراماً‪ ،‬بل يَكْفي فيها البَ ْعثُ مِن هذا‪ ،‬والقَبْضَ مِنْ ذاكَ‪ ،‬وكُلُّها مسْنونَة‪ ،‬وأفضَلُها‬
‫الصَّ َدقَةُ‪ ،‬وأمَّا كِتابُ الرِّسالَة الذي مل َتدُلّ قَرينةٌ على عَوْدِه‪ ،‬فقد قال املُتَويلِّ إِنه ُملْكُ‬
‫املَكْتوبِ إليه‪ ،‬وقال غريه‪ :‬هو باقٍ مبلكِ الكاِتبِ‪ ،‬وللمَكْتوبِ إليهِ اإلِنِْتفَاعُ به على‬
‫سَبيلِ اإلِباحَة‪.‬‬
‫وَتصِحُّ اهلِبَةُ باللفظ املذْكور‪( :‬بال تعليق)‪ ،‬فال َتصِحُّ مع تعليق كإِذا جاءَ رَأسُ‬
‫الشَّهرِ َف َقدْ وَهَبْتُكَ‪ ،‬أو أَبْرَأتُكَ‪ ،‬وال مع تَأْقيتٍ بغَري عمرى ورقىب فإِنْ َأقَّتَ الوَاهِبُ‬
‫شتُ ‪،‬صحَّت‪ ،‬وإِن مل يَقُل‬ ‫املت َهبِ‪َ ،‬كوَهَْبتُ لكَ هذا ُعمْرُعك‪ ،‬أو ما ِع ْ‬ ‫اهلِبَة َب ُعمْرِ َّ‬
‫‪103‬‬
‫ِت فهِي ِل َورَثَتُكَ‪ ،‬وكذا إن شرط َعوْدَها إىل الواهِبِ أو وارِثَهُ َب ْعدَ َموْتِ املت َهبِ‬ ‫فإذا م ُّ‬
‫فال تعودُ إليهِ وال إىل وارِثِهِ للخرب الصحيح وَتصِحُّ ويَلْغو الشَّرطَ‪ .‬فإِذا َّأقتَ ِب ُعمْرِ‬
‫الوا ِهبِ أو األَجْنَبِي‪ ،‬كأ ْعمَرتُكَ هَذا ُعمُري‪ ،‬أو ُعمْر فُالن‪ .‬مل َتصِحّ‪ .‬ولو قال ِلغَيْره‬
‫أَْنتَ يف حِلَ مما تأ ُخذُ أو ُتعْطي أو تأكُل من مايل‪ ،‬فله األَكل فقط‪ ،‬ألَنه إباحَة‪ ،‬وهيَ‬
‫َتصِح َمبجْهولٍ‪ ،‬خبِالفِ األَ ْخذِ واإلِعطاءِ‪ ،‬قاله العَبَّادي‪ ،‬ولو قالَ وَهَْبتُ لَكَ جَميعَ ما‬
‫صفُه معْلوماً هلماً‪ ،‬وإال فال‪ .‬ويف‬ ‫َحتْ إن كانَ املالُ أو ِن ْ‬ ‫يل‪ ،‬أو ِنصْفَ ما يل‪ ،‬ص َّ‬
‫حتُ لَكَ ما يف داري‪ ،‬أو ما يف كَرْمي‪ ،‬مِنَ العَِنبِ‪ ،‬فَلَهُ َأ ْكلُهُ دون‬ ‫األنوار‪ :‬لو قالَ أَبَ ْ‬
‫بَْيعِه‪ ،‬و َح ْملُهُ‪ ،‬وإِطْعامُهُ ِلغَيْرِهِ‪ ،‬وَتقَْتصِرُ اإلِباحَة على املوْجودِ‪ ،‬أي عندها يف الدَّارِ أو‬
‫الكَ ْرمِ‪ .‬ولو قال أََبحْت لكَ جَميعَ ما يف داري أكْالً واسِْتعْماالً‪ ،‬ومل ُيعِْلمُ املُبيحُ‬
‫حصُلِ اإلِباحَة‪ .‬اه‪ .‬وجزَم بعضُهم أن اإلِباحة ال ترتَدُّ بالرَدّ‪ .‬وشَرْطُ‬ ‫اجلميعَ‪ ،‬مل َت ْ‬
‫جهُول كَبَْيعِه‪َ ،‬وَق ْد مَرَّ آنِفاً بَيانُه‪،‬‬‫ب َكوْنَهُ عَيْناً َيصِحُّ بَْيعُها‪ ،‬فال َتصِحُّ هِبَةُ ا َمل ْ‬ ‫ا َملوْهو ِ‬
‫صحّانَ‪ ،‬فيما اسْتَ ْظهَرَهُ شيخنا‪ ،‬وتصِح هِبَةُ املَشاع‪ ،‬كَبَْيعِه‪،‬‬ ‫ص َدقَتَهُ‪ ،‬فَت ِ‬
‫ِبخِالفِ َهدِيَّتهُ و َ‬
‫سمَة‪ِ :‬سوَاءً وهَبَهُ للشَّريك أو غَيْرِه‪ .‬وقد َتصِحُّ اهلِبَةُ دون البَيْع‪َ ،‬كهِبَة حَبَّيت‬ ‫ولو قبلَ ال ِق ْ‬
‫بَرَ وحنومها من ا ُملحْقرات‪ ،‬وجِ ْلدٍ َنجَسٍ‪ ،‬على تناقض فيه يف الروضة‪ ،‬وكذا دِهْنُ‬
‫مُتَنجَّس‬
‫(وتلزم) أي اهلِبَة بأنواعِها الثالثة‪( :‬بقبْض)‪ ،‬فال تلْزَمُ بال َعقْد‪ ،‬بل بالقَبْض على‬
‫اجلَديد‪ ،‬خلرب أنه أهْدى للنجاشي ثالثني أوقِيَّة ِمسْكاً‪ ،‬فماتَ قَبْلَ أن يَصِلَ ِإلَيْه‪،‬‬
‫سمَهُ بني نِسائِه‪ ،‬ويقاسُ با َهلدِيَّة‪ .‬الباقي‪ ،‬وإمنا ُي ْعتَدُّ بالقَبْضِ إن كانَ بإِقباضِ الواهِب‬ ‫َف َق َ‬
‫أو بإِذنه أو إذْن وكيله فيه‪ ،‬وحيتاجُ إىل إِذْنِه فيه وإن كان ا َملوْهوبُ يف يدِ املّت َهبِ‪ .‬وال‬
‫ضعُ بني يَدي املَتهَب بال إذن فيه‪ ،‬ألن قبضه غري ُمسَْتحِقْ له‪ ،‬فاعتَرب‬ ‫يَكفي هنا الوَ ْ‬
‫َتحَقُّقه‪ ،‬خبِالفه يف املبيع‪ ،‬فلو ماتَ أحدَهُما قبل القَبْض‪ ،‬قامَ مَقامَه وارِثَهُ يف القَبْضِ‬
‫وا ِإلقْباض‪ .‬ولو قبضه فقال الوا ِهبُ ر ِج ْعتُ عن اإلِذْنِ قبله‪ ،‬وقال املتهَب َبعْد صدَق‬
‫الواهب على ما استظهره األذرعي‪ ،‬لكن ميل شيخنا إىل تصْديق املتَّهب‪ ،‬ألن األصْلَ‬
‫عدَم الرُّجوعِ قَبْلَه‪ ،‬وهو قَريبٌ‪ .‬ويكفي ا ِإلقْرارُ بالقَبْض‪ ،‬كأن قيلَ لهُ وَهَْبتُ كذا من‬
‫فالن وأقَْبضْتَهُ‪ ،‬فقال نعم‪ ،‬وأما اإلِقرار‪ ،‬أو الشهادَة مبجرّدِ اهلِبَة‪ .‬فال َيسْتَلَ ِزمُ القَبْضَ‪.‬‬
‫ضهُم‪ :‬ولَيْس لِلحاكِم‬ ‫نعم‪ ،‬يَكْفي عنه َقوْلُ الواهِب مِلْكها املتَهب مِلْكاً الزِماً‪ .‬قال بع َ‬
‫سُؤالُ الشاهِد عنه‪ ،‬لئال يتَنبَّه له‪( ،‬وألصل) ذكر أو أنثى من ِجهَةِ األَبِ أو األُمِّ وإن‬
‫عَال (رَجوع فيما وهب)‪ ،‬أو َتصَدَّق‪ ،‬أو أ ْهدَى‪ ،‬ال فيما أبْرأ (لفرع) وإن سَفَل‪ ،‬إن‬
‫بَقي املوْهوبُ (يف سلطنتَة بال اسْتِهالك) وإن غَرَس األرْضَ‪ ،‬أو بَىن فيها‪ ،‬أو ختلَّلَ‬
‫عصريٌ موهوب‪ ،‬أو آجَ َرهُ‪ ،‬أو َعلَّقَ عِْتقَه‪ ،‬أو رَهَنَهُ‪ ،‬أو وَهََبهُ بال قَبْضٍ فيهما لِبَقائِه يف‬
‫سَلْطَنَِتهِ‪ ،‬فال رُجوعَ إن زالَ مِلْكَهُ ِبهِبَةٍ مع قَبْضٍ‪ ،‬وإن كانَت اهلِبَةُ من اإلِبْن إلِبْنِه أو‬
‫ألَخيه ألَبيه‪ ،‬أو ببيع‪ ،‬ولو من الواهب‪ ،‬على األوجه‪ ،‬أو بوقف‪ .‬وميتنع الرجوع بزوال‬
‫امللك‪ ،‬وإن عاد إِليه‪ ،‬ولو بإِقالة أو ردّ بعيب‪ ،‬ألن امللك غري مستفاد منه حينئذٍ‪ .‬ولو‬
‫وهبه الفرع لفرعه وأقبضه مث رجع فيه‪ :‬ففي رجوع األب وجهان‪ ،‬واألوجه منهما‪:‬‬
‫عدم الرجوع‪ ،‬لزوال ملكه‪ ،‬مث عوده‪ ،‬وميتنع أيضاً إن تعلق به حق الزم كأن رَهََنهُ‬
‫لغري أصلٍ وأقبضَهُ ومل ينفك‪ ،‬وكذا إن استهلك‪ ،‬كأن تفرّخ البيضُ‪ ،‬أو نََبتَ احلبُّ‪،‬‬
‫ألن املوهوبَ صار مستهلكاً‪.‬‬
‫وحيصل الرجوع (بنحو رجعت) يف اهلبة‪ ،‬كنقضتها‪ ،‬أو أبطلتها‪ ،‬أو رددت‬
‫املوهوب إىل ملكي‪ .‬وكذا بكناية‪ ،‬كأخذته‪ ،‬وقبضته‪ ،‬مع النية‪ ،‬ال بنحو بيع وإعتاقٍ‬
‫وهبةٍ لغريه ووقْفٍ‪ ،‬لِ َكمَالِ مُلْكِ الفَرْعِ‪ .‬وال يصحُّ تعليقُ الرُّجُوعِ ِبشَرْطٍ‪ ،‬ولو زَادَ‬
‫ا َملوْهُوبَ رجع بزيادته املتّصلة‪ ،‬كتعلّم الصِّنعة‪ ،‬ال املنفصلة‪ ،‬كاألجرة والولد واحلمل‬
‫‪104‬‬
‫احلادث على ملك فرعه‪ .‬ويُكْرَهُ لألصلِ‪ ،‬الرجوع يف عطيّة الفَرْعِ‪ ،‬إال ِل ُعذْرٍ‪ ،‬كأن‬
‫كان الولدُ عاقاً‪ ،‬أو يصرفه يف معصيةٍ‪ ،‬وحبث البلقيين امتناعه يف صدقةٍ واجبةٍ‪،‬‬
‫كزكاةٍ‪ ،‬وَن ْذرٍ‪ ،‬وكَفَّارةٍ‪ ،‬ومبا ذكره َأفْتَى كثريون ممَّن سََبقَهُ وتأخَّر عنه‪ ،‬ولَهُ الرُّجوع‬
‫فيما أقرّ بأنه ِلفَرْعِهِ‪ ،‬كما أفىت به النووي‪ ،‬واعتمده مجعٌ متأخِّرون‪ ،‬قال اجلال ُل البلقيين‬
‫عن أبيه‪ ،‬وفرض ذلك فيما إذا فسَّره باهلبةِ‪ ،‬وهو فَرْضٌ ال بدّ منه‪ .‬انتهى‪ .‬وقال‬
‫النووي‪َ :‬لوْ وَهَب وَأقْبضَ ومات فادَّعى الوارِثُ َكوْنَه يف املَرضِ‪ ،‬واملتهَب َكوْنَهُ يف‬
‫ُد َمتْ بَيِّنَةُ الوارِثِ‪ ،‬ألن معها زيادَة عِلْمٍ‬ ‫صدّقَ‪ .‬انتهى ولو أقاما بَيِّنتيْن ق ِّ‬ ‫الصِّحة‪َ ،‬‬
‫(وهِبَةَ َديْنٍ للمَديْن إِبْراءً) له عَنْه‪ ،‬فال َيحْتاجُ إِىل قُبولٍ‪ ،‬نظراً للمعىن‪( .‬ولغريه) أي‬
‫املُديَّن هِبَة (صحيحة) إنْ عَلِما َقدْرهُ‪ ،‬كما صححه مجعٌ‪ ،‬تبعاً للنصّ‪ ،‬خالفاً ملا‬
‫صححه املنهاج‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬ال يصِحُّ اإلِبْراءُ من ا َملجْهولِ لِلدَّائِن أو املَدينْ‪ ،‬لكن فيما فيه مُعا َوضَةً‪،‬‬
‫يصح من‬ ‫كأن أبْرأتِين فأْنتِ طالِقٌ‪ ،‬ال فيما عدا ذلك‪ :‬على املعتمد‪ ،‬ويف القدمي‪ُّ :‬‬
‫جلهْلَ‪ :‬مل ُيقْبَلْ ظاهراً‪ ،‬بَلْ باطِناً‪ .‬ذَكره الرافعي‪.‬‬ ‫ا َملجْهول مُطْلقاً‪ .‬ولو أَبْ َرأَ‪ ،‬ثُمَّ ادَّعى ا َ‬
‫ويف اجلَواهِر عن الزبيلي‪َ :‬تصْدُّق الصغرية املزوَّجة إجْباراً بِيمِينِها يف َجهْلِها ِب َمهْرِها‪.‬‬
‫قالَ الْغزي‪َ :‬وكَذا الكَبريَة ا ُملجْربة إن دلّ احلالُ على َجهْلِها‪ ،‬وطَريقُ اإلِبْراء من‬
‫ا َملجْهولِ‪ ،‬أن يُبْرِئَه مما يعَلمُ أنه ال يُ ْنقِصُ عن الدَّين‪ ،‬كألفِ شَكَ هل دَيَْنهُ يبلغها أو‬
‫يُْنقِصُ عَنْها؟ ولو أَبْرَأَ مِن مَعنيٍ ُمعْتَقِداً أنَّه ال َيسْتَحقَّه‪ ،‬فبانَ أنه يستحقَّه‪ ،‬بُرِّىءَ‪،‬‬
‫ويُكْرَهُ ِل ُم ْعطٍ‪َ :‬ت ْفضِيلَ يف عَطَِيةِ فروع‪ ،‬وإن سفلوا‪ ،‬ولو األحْفادُ مع وجودِ األوْالدِ‪،‬‬
‫صدَقةً أم َوقْفاً‪ .‬أو أصولٍ‪ ،‬وإن‬ ‫على األوجه‪ ،‬سواء كانت تلك العَطِيَّةُ هِبَةً أم َهدِيَّةً أم َ‬
‫َبعُدوا‪ ،‬سِواء الذكر وغريه‪ ،‬إال لِتفاوت حاجَةٍ‪ ،‬أو فَضْل‪ ،‬على األوجه‪ ،‬قال مجع‪:‬‬
‫َيحْرمُ‪ ،‬ونقل يف الروضة عن الدارمي‪ :‬فَإِنْ َفضْلٌ فِي األَصْلِ فَليفَضِّل األُم‪ ،‬وأقَرَّه ملا يف‬
‫احلديث "أن هلا ثُلْثَي البِرِّ"‪ ،‬بل يف شرح ُمسْلم عن احملاسيب‪ ،‬اإلِمجاعَ على َتفْصيلها يف‬
‫الَبِرِّ على األَبِ‪.‬‬
‫[فروع]‪ :‬اهلَدايَا ا َملحْمولَةُ عند اخلِتان مُلكٌ لألَب‪ ،‬وقالَ جَمع‪ :‬لإلبْن‪ .‬فعليه يَلْزَمُ‬
‫األَبُ قبولُها‪ ،‬وحملَّ اخلِالفِ إذا أ ْطلِق املهدي فلم َيقْصِد واحِداً منهما‪ ،‬وإال فهي ِلمَن‬
‫َقصَده‪ ،‬اتِّفاقاً‪ ،‬وجيري ذلك فيما ُيعْطاهُ خا ِدمُ الصُّوفيه فهو له فقط عند اإلِطالق‪ ،‬أو‬
‫صدِهِما‪ ،‬أي يكونُ له النِّصف فيما يَظهر‪،‬‬ ‫صدِهمْ ولَهُ وَل ُهمْ عند قَ ْ‬ ‫َقصَده‪ .‬ولَهُم عِْندَ َق ْ‬
‫وَقضِيَّة ذلك أن ما اعُتيدَ يف بعْضِ النَّواحي من وضعْ طاسَةٍ بني ي َديْ صاحِب الفَ َرحِ‬
‫سمُ على احلالِقِ أو اخلاتِنِ أو حنومها‪َ ،‬يجْري فيه ذلك‬ ‫ضعَ الناسَ فيها دراهم مث ُيقْ َ‬ ‫لي َ‬
‫صدِ‪ .‬وإن أُ ْطلِقَ‪،‬‬‫التفصيل‪ ،‬فإِن قصد ذلك وحده‪ ،‬أو مع نُظَرائِه املُعاونِنيَ لَه‪ ،‬عَملَ بال َق ْ‬
‫كان مُلكاً لصا ِحبِ الفَ َرحِ‪ُ ،‬يعْطِيهِ ملن َيشَاءْ‪ .‬وهبذا َيعْلمُ أنه ال نَظر هنا للعُرفِ‪ ،‬أما‬
‫صدِ خِالفِه‪ ،‬فواضح‪ ،‬وأما مع اإلِطْالقِ‪ ،‬فألن َح ْملَه على من ذكر‪ ،‬من األبِ‬ ‫مع قَ ْ‬
‫واخلادِم وصا ِحبِ الفَ َرحِ‪ ،‬نظراً للغالِب أنْ كالًّ من هؤالءِ هو ا َمل ْقصُودُ هو عُرْفُ‬
‫الشَّرْعِ‪ ،‬فُيقَدَّم على العُرْفِ املخالِفِ له‪ِ ،‬بخِالفِ ما ليسَ للشَّرع فيه عُرف‪ ،‬فإِنه‬
‫َتحَكَّم فيه العادة‪ .‬ومن ثَمَّ لو َن َذرَ لويلّ مْيتٍ مبال‪ ،‬فإِن قصد أنه َيمْلكه‪ ،‬لغا‪ ،‬وإن‬
‫أطْلَق‪ ،‬فإِن كانَ على قَبْره ما حيتاج للصَّرفِ يف مصالِحه‪ ،‬صَرَفَ َلهُ‪ ،‬وإال فإِن كان‬
‫صدَ ُه ْم بالنَّذر للوَيل‪ ،‬صَرْفٌ ُهلمْ‪ ،‬ولو أُ ْهدِي ملن خَِلصَهُ من ظالِم لئال‬ ‫عْندَه قوم اعتيدَ ق ْ‬
‫يَنْقصُ ما َفعََلهُ لَم َيحِلُّ له قُبولُه‪ ،‬وإال حُلَّ‪ ،‬أي وإن تَعيَّن عليه ختليصَه‪ ،‬ولو قال خُذْ‬
‫هذا واشتَرِ لك به كذا‪ ،‬تَعيَّن ما مل يرد التَّبسُّط‪ ،‬أي أو تدلُّ قرينةُ حالِه عليه‪ .‬ومن‬
‫َدفَع لِمخْطوبَتِه أو وَكيلِها أو َولَيِّها طَعاماً أو غريه لِيتَزَوَّجها فَرُدَّ قبل ال َع ْقدِ‪َ ،‬ر َجعَ على‬

‫‪105‬‬
‫منْ أقَْبضَهُ‪ ،‬ولو َب َعثَ َهدَيَّة إىل َشخْصٍ فماتَ املُهدي إليه قبل وصوهلا‪ ،‬بقيت على‬
‫ملك املُهدي‪ ،‬فإِن مات املُهدى‪ ،‬مل يكن للرسول حَملها إىل املُهدَى إليه‪.‬‬

‫هو ُلغَةٌ‪ :‬احلَبْس‪ .‬وشَرْعاً‪ :‬حَبْسُ مالٍ ُيمْكِنُ اإلِنِْتفَاعُ بِه َمعَ َبقَاءِ عَيْنهِ ِبقَطْ ِع‬
‫َّالتصَرُّفِ يف َرقَبَتِهِ على َمصْرِفِ مُباحٍ وُ ِجهَة واألصْلُ فيهِ‪ :‬خربِ مسلم‪" :‬إذا مات‬
‫ص َدقَة جارِيَة‪ ،‬أو عِلم يُنَْت َفعُ به‪ ،‬أو َوَلدٍ صالِحٍ" أي‬ ‫ا ُملسْلِمُ انْقطعَ َعمَلُهُ إال مِنْ ثالث‪َ :‬‬
‫حوِ الوَصِيَّةَ باملنافِع‬ ‫الصدَقَة اجلارِية على الوَقْف دونَ َن ْ‬ ‫مسلم يدعو له‪ ،‬ومحل العلماء‪َّ :‬‬
‫املُباحَة‪َ .‬و َوقّفَ عمرُ رضي اهلل عنه أرضاً أصابَها خبيرب بأمْره وشَرَطَ فيها شُروط‪ :‬مِنْها‬
‫أنه ال يُباعُ أصْلُها وال ُيوَرَّثُ وال يو َهبُ‪ ،‬وأن من وليِّها يأكل منها باملعروف‪ ،‬ويُ ْطعَمُ‬
‫صدِّيقاً غري مُتَمَوِّل‪ .‬رواه الشيخان‪ .‬وهوَ أول من وقّفَ يف اإلسْالم‪ .‬وعن أيب يوسف‬
‫أنه ملا مسع خرب عمر أنه ال يُباعُ أصْلُها رجِع عن قول أيب حنيفة ببيع ال َوقْف‪ ،‬وقال لو‬
‫َسمِعهُ لقالَ به‪( .‬صحَّ َوقْفُ عَيْن) ُمعَيَّنةً ( َممْلوكَةً) مُلْكاً يَقْبَلُ َّالنقْل (تفيد) فاِئدَةً حاالً‬
‫ع ليكونَ صدقَةً‬ ‫أو مآالً‪ :‬كَثمَرةٍ‪ ،‬أو مَْن َفعَةٍ ُيسْتأْجَرُ هلَا غالِباً (وهي باقِيَة) ألنهُ شَرْ ٌ‬
‫شمَ ورحيانٍ مَزْروع‬ ‫جارِيَة وذلِكَ َك َوقْفِ َشجَرٍ لِرَْيعِه وحِلى لِلَبْسٍ وحنو ِمسْكٍ ِل َ‬
‫الكِه‪ .‬واملَطْعوم‪ ،‬ألن َن ْفعَهُ يف إهْالكِه‪.‬‬ ‫بِخالفِ عودِ البُخور‪ ،‬ألنَّهُ ال يُنَْت َفعُ به إال باسِْتهْ َ‬
‫وزعم ابن الصالح‪ :‬صِحَّة َوقْفِ املاءِ اخْتِيَارٌ له وَيصِحُّ وَقْفَ ا َملغْصوبِ وإِنْ َعجِزَ عن‬
‫سجِداً‪ .‬واألوجَه صِحَّة وقفِ املشَاع‪ ،‬وإن قلَّ‪،‬‬ ‫َتخْليصَهُ َو َوقْفَ العُلُوِّ دونَ السُّفل مَ ْ‬
‫سجِداً‪ .‬وَيَحرُم املُ ْكثُ فيه على اجلَنْب‪َ ،‬تغْليباً لِ ْلمَْنعِ‪ ،‬وُيمَْنعُ إِعْتِكافٌ َوصَالَةٌ بِه مِنْ‬ ‫َم ْ‬
‫ستُ (كذا على كذا) أو أرْضي‬ ‫غَيْر إِذْ ِن ما لِكِ املْنفعة (بِ َوَق ْفتُ وسَبَّ ْلتُ)‪ ،‬وحََّب ْ‬
‫ُحرمَة أو مُوءَبَّدة‪،‬‬ ‫موقوفةٌ‪ ،‬أو َوقْفٌ عليه‪ .‬ولو قال تصدَّ ْقتُ بكَذا على كذا صَ َدقَة م َّ‬
‫ص َدقَة ألَتْباع أو ال تو َهبُ أو ال تَورَّثُ‪ :‬فصريح يف األصح‪.‬‬ ‫أو َ‬
‫صريُ به َمسْجِداً‪ ،‬وإن مل‬ ‫سجَداً) في ِ‬ ‫(و) من الصُّرائح قوله‪َ ( :‬جعَ ْلتُ هذا) املَكانَ ( ُم ْ‬
‫جدَ ال يكونُ إال َوقْفاً‪َ .‬و َوقَفْتُه للصَّالةِ‪:‬‬ ‫سِ‬ ‫َيقُلْ لِلَّه‪ ،‬وال أَتى بشيءٍ مِمَّا مَرَّ‪ :‬ألن ا َمل ْ‬
‫جدِيَّة‪ .‬فال بُدَّ مِن نِيَّتِها يف غري املُوات‪ .‬نقل‬ ‫سِ‬ ‫ص امل ْ‬‫صري ٌح يف الوَ ْقفِيَّة‪ ،‬وكِنايَةً يف خُصو ِ‬
‫القامويل عن الرواياين وَأقَرَّهُ من أنه لو عَمَّر مسجِداً خَراباً ومل يقِف آالتَهُ‪ :‬كانَتْ‬
‫جدِ مِن صِحَّة اإلِعْتِكاف‬ ‫سِ‬‫عارِيَةً له‪ ،‬يَر ِجعُ فيها مَىت شاء‪ .‬انتهى‪ .‬وال يَثُْبتُ حُ ْكمُ ا َمل ْ‬
‫وحُرمَةِ املُ ْكثِ للجُُنبِ ملا أُضيفَ مِنَ ا َألرْض ا َملوْقُوفَة َحوْلَه إذا احْتيجَ إىل تَوْ ِسعَتِهُ على‬
‫ما أفْىت بِه شيخنا ابن زياد وغريه‪ .‬وعَِلمَ ِممّا مرَّ أنَّ الوَقْفَ ال َيصِحُّ إال بِلَ ْفظٍ‪ ،‬وال‬
‫سجِد وأذَن يف إِقامَةِ الصَّالةِ فيه‪ :‬مل‬ ‫يأيت فيهِ خِالفُ املُعاطاة‪ .‬فلو بَىن بِناءً علي هَيْئَةِ َم ْ‬
‫الدفْن‬ ‫َيخْرجْ بذلِكَ عن مُلكِه‪ ،‬كما إذا ُجعِل مَكاناً على هَيْئَةِ ا َملقْبَرة‪ ،‬وأُذِنَ يف َّ‬
‫سجِداً‪ .‬قال البغوي يف فَتاويه‪.‬‬ ‫بِخالفِ ما لو أُذِنَ يف اإلِعْتِكافِ فيهِ فإِنَّهُ يصريُ بذلكَ مَ ْ‬
‫سجِد‪ ،‬فضَربه‪ ،‬وبَىن بِه املسْجد‪ ،‬صارَ‬ ‫سجِد اضْرِبْ اللِّنب مِنْ أَرْضي للم ْ‬ ‫لو قالَ ِلقَيِّم ا َمل ْ‬
‫سجِد وليسَ له َن ْقضَه‪ ،‬وله اسْتِرْدَادَه قبل أن يُبْىن به‪ .‬انتهى‪ .‬وَأْلحَق البلقيين‬ ‫لَهُ حُ ْكمُ ا َمل ْ‬
‫سجِد يف ذلك‪ :‬البئر احملفورَة للسَّبيل‪ .‬واألسْنوي‪ :‬املدارِسَ والرَّبط‪ .‬وقال الشيخ أبو‬ ‫با َمل ْ‬
‫حممد‪ :‬وكذا لو أخذ من الناس ليُبْىن بِه زاوِيَةً أو رِباطاً فيصري كذلك مبجرد بِنائِه‪ .‬و‬
‫ض ََّعفَهُ بعضهم‪ .‬ويصح وقف بقرةٍ على رباطٍ لُِيشْرَبَ لبنها من نزلِه أو ليُباعَ َنسْلها‬
‫ملصَالِحه‪.‬‬
‫(وشرط له) أي لل َوقْفِ (تأبيد) فال َيصِح تأقيتَهُ‪ .‬كَوَقفْتَهُ على زَْيدٍ سَنَة‪.‬‬
‫(وتنجيز)‪ ،‬فال يَصِحُّ َتعْلي َقهُ‪ :‬كوقَفْتُه على زيدٍ إذا جاءَ َرأْسُ الشَّهر‪ .‬نعم‪ :‬يصِحُّ َتعْليقَهُ‬
‫باملَوتِ‪ :‬ك َوَق ْفتُ داري بعدَ َموْيت على ال ُفقَراءَ‪ .‬قال الشَّيخان‪ :‬وكأنَّه َوصِيَّةُ‪ ،‬لقول‬
‫‪106‬‬
‫ال َقفَّال إنه عَ َرضَها للبيع كان رُجوعاً‪( .‬وإمكان تَمليك) لل َموْقوفِ عَلَيْه العَيْنِ‬
‫ا َملوْقوفَه إِن ُوقِفَ على ُمعَيَّن واحِد‪ ،‬أو َجمْع‪ :‬بأن يو َجدُ خارِجاً مُتأهالً للملك‪ .‬فال‬
‫َيصِحُّ ال َوقْفُ على َمعْدوم‪ :‬كعلى مَسْجد سَيُبْىن‪ ،‬أو على وَلدِه وال َولَد له أو على‬
‫أولِه‪ .‬أو على ُفقَراءِ أوْالدِهِ وال َف َقريَ فِيهم‪ ،‬أو عَلى‬ ‫من سيوَلدُ يل مث ال ُفقَراء‪ .‬النْقطاع َّ‬
‫أن يُ ْط ِع َم املساكَنيَ رَْيعَه على رأسِ قَبْرِه خبالف قَبْرِ أَبيهِ املَيْت‪ .‬وأفىت ابن الصالح بأنه‬
‫لو ُوقِفَ على من َيقْرأ على قَبْرهِ بعد َموْتِه فماتَ ومل ُيعْرَف ل ُه قَبَرٌ‪ :‬بَطُلَ‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وَيصِحُّ على ا َملعْدومِ تَبَعاً لل َموْجودِ‪َ :‬ك َوَقفْتُهَ على وَلدي ثُم على َوَلدِ وََلدِي‪ ،‬وال‬
‫َذرِ متليكِ‬ ‫جدٍ إن مل يُبَيَّنَهُ وال على نفسه‪ :‬لِتَع ُّ‬ ‫سِ‬ ‫عَلى أ َحدَ هذين‪ ،‬وال عَلى عمارَة مَ ْ‬
‫اإلِنسان مُلكِهِ أو مناِفعَ مُلْكِهِ لَِن ْفسِهِ‪ .‬ومِنْهُ أن َيشْرِطَ حنو قَضاءَ دَْينِهِ مما َوَقفَهُ أو‬
‫انِْتفَاعَهُ بِه‪ ،‬ال شرط حنو شُربه أو مُطَاَلعَتهُ مِن بِئ ٍر وكتابٍ َوَق ْفهُما على حنو الفُقراء‪.‬‬
‫كذا قاله َبعْضِ شرّاحِ املِنهاج‪ .‬ولو َوقَفَ على الفُقراءِ مثالً مث صارَ فَقرياً‪ :‬جازَ لهُ‬
‫األَ ْخذَ ِمنْهُ‪ ،‬وكذا لوْ كانَ فقرياً حال ال َوقْف‪ .‬وَيصِحُّ شَرْطَ النَّظَر لَن ْفسِهِ ولوْ مبقابِل‬
‫إن كا َن ب َق ْدرِ أُجْرَةِ مِثْلِ فََأقَل ومِن حِيْلُ صِحَّة ال َوقْفِ على َن ْفسِه‪ :‬أن يَقِفَ على‬
‫أوْالدِ أبيهِ ويَذكُرَ صِفاتِ َن ْفسِهِ‪ ،‬فََيصِحُّ‪ ،‬كما قاله َج ْمعٌ مُتَأَخِّرونَ‪ ،‬واعت َمدَهُ ابن‬
‫الرفْعة‪ ،‬وكانَ يَتنا َولُهُ‪.‬‬ ‫الرفعة‪ ،‬و َعمَلَ بهِ يف حَقِّ َن ْفسِه‪َ ،‬ف َوقَفَ على ا َأل ْفقَهِ مِن بَنَي ِّ‬
‫ويَبْطُل ال َوقْفَ يف ِجهَة ِم ْعصِيَةٍ‪ :‬كعِمارَةِ الكنائِس‪ ،‬وكوقْفِ سِالحٍ على قُطَاعّ طَريق‪،‬‬
‫و َوقْفٍ على عِمارَ ِة قُبورِ غري األنبياء والعُلماء والصَّالِحني‪.‬‬
‫[فرع]‪َ :‬ي َقعُ لِكَثريينَ أنَّهم َيقِفُونَ َأمْواَل ُهمْ يف صِحَِّت ِهمْ على ذكورِ أوالدِهم‬
‫َكررَ‪ ،‬من غَيْرِ واحد ا ِإلفْتاءَ بِبطُالنِ ال َوقْفِ‬ ‫قاصدي َن بذلك حِرمانَ إناثِهم‪ ،‬وقد ت َّ‬
‫حِينَِئذٍ‪ .‬قال شيخنا كالطنبداوي فيه نظرٌ ظاهر‪ ،‬بل الوَجْه الصِّحة‪( .‬ال قبول) فال‬
‫ُيشْتَرَطُ (ولو من معني) نَظَراً إىل أنَّه قُرْبَةً‪ ،‬بَلْ الشَّرطُ َعدَمُ الرَّدّ‪ .‬وما ذكَرتُه يف املعني‬
‫هو املَنْقولُ عن األكْثَرين‪ .‬واختارَهُ يف الرَّوضة وَنقَلَهُ يف شَ ْرحِ الوَسيْط عن نَصِّ‬
‫الشافِعي‪ .‬وقيلَ َيشْتَرِطُ مِن املعني القُبولُ‪ ،‬نظراً إىل أنه تَمليك‪ ،‬وهو ما رجَّحه يف‬
‫املِنهاجِ كأصله‪ .‬فإِذا ردّ املعني‪ :‬بَطُلَ َحقَّه سوءْا ٌء شَرطْنا قُبولُه أم ال نعم‪ :‬لو َوقَفَ‬
‫جلهَة العامَّة‬ ‫على وا ِرثِه احلائِزِ شَيْئاً يَخ ْرجُ مِنَ الثلث‪ :‬لَ ِزمَ‪ ،‬وإن رَدَّه‪ .‬وخَ َرجَ با ُملعَني‪ :‬ا ِ‬
‫سجِد فال قُبولَ فيه جَزْماً‪ :‬ولو وَقَفَ على اثْنَني مُعيَّننيْ مث ال ُفقَراء‬ ‫و ِجهَة التَّحرير كامل ْ‬
‫فماتَ أحدَهُما فنصيبُه ُيصْرف لآلخر‪ ،‬ألنه شرطٌ يف اإلِنْتقال إىل الفقراء انقراضَهما‬
‫مجيعاً‪ ،‬ومل يو َجدْ (ولو انقرض) أي املوقوفَ عليه املُعيَّن (يف مُْنقَطعٍ آخر) كأن قال‬
‫وَق ْفتُ على أوالدي ومل يذكر أحداً بعد أو على زيد مث نسْلِه وحنوهَما مما ال يدوم‪:‬‬
‫(فمصْ ِرفَه) الفَقري (األقْرب) رَحِماً ال ِإرْثاً (إىل الواقِف) َي ْومَ انِقراضِهمْ‪ :‬كابْن البِْنتِ‬
‫الص َدقَةَ على األقارِبِ َأ ْفضَل‪ ،‬وَأ ْفضَلَ مِنْهُ الصَّ َدقَةَ‬
‫وإن كانَ هُناكَ ابنُ أخٍ مَثَالً‪ ،‬ألنَّ َّ‬
‫على أقْرَبِهمْ فََأ ْفقَرِ ِهمْ‪ .‬ومن مث َيجِبُّ أن ُيخَصَّ بِه ُفقَراءَهُم فإِن مل ُيعْرَفْ أربابُ‬
‫ال َوقْفِ أو عُرِفَ وملْ يَكُنْ لَهُ أقارِبَ ُفقَراءُ بَل كانوا أغْنياء وهم من حُرِ َمتْ عليه‬
‫الزَّكاة صَ َرفَهُ اإلِمامُ يف مَصالِح املسْلمني‪ .‬وقالَ مجع ُيصْرَفُ إىل ال ُفقَراءِ واملَساكِنيِ‪:‬‬
‫أي ببلدِ ا َملوْقوفِ‪ .‬وال يَبْطُلَ ال َوقْفُ على كلِّ حالٍ بل يكونُ مسَْتمِراً عليه إال فيما مل‬
‫يُذكَر ا ُملصْرِفُ َك َوَق ْفتُ هذا وإن قال هلل‪ ،‬ألن الوقْفَ َيقْتَضي تَمليكَ املناِفعِ‪ ،‬فإِذا مل‬
‫ُيعَيِّن متَملّكاً بطل‪ .‬وإمنا صَحَّ أ ْوصَْيتُ بثلُثي وصُرِفَ للمسَاكِنيِ‪ ،‬ألنَّ غاِلبَ الوَصايا‬
‫حمَلَ اإلِطْالقَ عَلَْي ِهمْ‪ ،‬وإال يف مُنْقطعِ األَوَّل‪َ :‬كوََقفْتَهُ على مَنْ َيقْرَأ على قَبْري‬ ‫َلهُم‪ ،‬فَ َ‬
‫بعد َموْيت‪ ،‬أو على قَبْر أيب وهو حيّ‪ :‬فَيَبْطُلُ خبالف َوَقفْتَهُ اآلن‪ ،‬أو بعد َموْيت على‬
‫من َيقْرأُ على قَبْري بعد مويت‪ ،‬فإِنه َوصِيَّة‪ .‬فإِن خَ َرجَ من الثلث أو أُجيز وعُرِفَ قربه‪:‬‬
‫َححْنا ال َوقْفَ أو ال َوصِيَّة‪:‬‬ ‫َحتْ‪ ،‬وإال فال‪ .‬وحَيْث ص َّ‬ ‫َحتْ‪ ،‬وإال فال‪ .‬وحَيْث ص َّ‬ ‫ص َّ‬
‫‪107‬‬
‫كفي قِراءَة شَيءٍ مِنَ القرآن بال تعينيٍ بسورةِ يس‪ ،‬وإن كان غالبَ قصْدِ الواقِف‬
‫ذلك كما أفىت به شيخنا الزمْزمي وقال بعض أصْحابِنا‪ :‬هذا إذا مل يُطَّرَدْ عرفٌ يف‬
‫البلد بقراءة قدرٍ معلومٍ أو ُسوَرةٍ معينة وعلمه الواقِفُ‪ ،‬وإال فال بُدَّ مِنْه‪ :‬إذ عُرِفَ البَلَدُ‬
‫صدُ َكشَرْطِ أن ال‬ ‫املُطَّرِدُ يف َزمَنِه مبنْ ِزلَةِ شَرْطِه (ولو شرط) أَي الوَاقِف (شيئاً) َي ْق ِ‬
‫يؤجِّر مُطلقاً‪ ،‬أو إال كذا‪ :‬كسُنّة‪ ،‬أو أن ُيفَضِّل َبعْضَ املوْقوفِ عليهم على بعْض أو‬
‫جدٍ كَ ْم َدرَسَةٍ َو ِمقْبَرة بطائِفةٍ‬ ‫أُنثى على ذَكر أو ُيسَوَّى بينهم‪ ،‬أو اخْتِصاص حنو مَسْ ِ‬
‫كشافِعيَّة‪( :‬اتبع) شرطَه يف غري حالَة الضَّرورَة كسائِر شُروطِه اليت مل ختالفْ‬
‫صَلحَة‪ :‬أمَّا ما خالَف الشَّرع‪ :‬كشَرْطِ العزوبة يف‬ ‫الشَّرْع‪ .‬وذلك ملا فيه من وجوهِ ا َمل ْ‬
‫سُكان املدرسة أي مثالً فال يصح كما أفىت به البلقيين وخرج بغري حالة الضرورة‪،‬‬
‫ما مل يوجد غري املستأجر األول وقد شَرَطَ أن ال يُوءَجِّرَ إلِنسانٍ أكثَر مِنْ سَنةٍ أو أنَّ‬
‫الطَّاِلبَ ال ُيقِيمُ أكْثَرَ مِن سََنةٍ ومل يوجَد غريَه يف السَّنةِ الثانِيَة‪ :‬فُي ْهمَلُ شَرْ ُطهُ حِينئذٍ‬
‫كما قاله ابن عبد السالم‪.‬‬
‫[فائدة]‪ :‬الواو العاطفة للتسَّويَة بني املُتَعاطِفات‪ :‬ك َوَق ْفتُ هذا على أوْالدي‬
‫وأوْالد أوْالدي ومثَّ والفاء للتَّرتيبِ ويدخل أوالدُ بناتٍ يف ذريَّةٍ وَنسْلٍ وَ َع َقبٍ وأوْالدِ‬
‫شمُل َمعْتَقاً‬ ‫سبُ إِيلَّ مِْنهُم‪ ،‬فال َيدْخُلونَ حينئذٍ‪ ،‬وا َمل ْولَى َي ْ‬ ‫أوالدٍ إال إنْ قال على مِن ين ِ‬
‫وعَتِيقاً‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬حَْيثُ أَ ْجمَلَ الواقِفُ شَرْطَهُ‪ ،‬اتُِّبعَ فيه العُرْفَ املطَّرَد يف َزمَِنهِ ألنه مبنزلة‬
‫شَرْطِهِ مثَّ ما كان أقْرَبُ إىل مقاصِد الواقفِني كما يَدلُّ عليه كالمُهم ومن مث امْتَنعَ‬
‫يف السِّقايات املسْبَلَة على الطُّرُقِ غريَ الشُّرْبِ وَنقْلِ املاءِ مِْنهَا ولو للشُّرب‪ .‬وحبث‬
‫بعضهم حُ ْرمَ َة حنو بُصاقٍ و َعسْلَ وَسَخ يف ماء مُ َطهّرة املَسْجدِ‪ ،‬وإن كثر‪.‬‬
‫(وسئل) العالمة الطنبداوي عن اجلوايب واجلِرارْ اليت عند املساجد فيها املاء إذا مل‬
‫ُيعْلم أهنا موقوفة للشُّرب‪ ،‬أو الوُضوء أو ال ُغسْلِ الواجِب‪ ،‬أو املسْنونِ‪ ،‬أو ُغسْلِ‬
‫النَّجاسَةِ؟ (فأجاب) إنه إذا دلَّت قرينَة على أن املاءَ موضوعٌ لَتعْميمِ اإلِنْتِفاع‪ :‬جازَ‬
‫جَميعَ ما ُذكِرَ مِنَ الشُّرب و َغسْل النَّجاسَةَ و َغسْلِ اجلِنَابَة وغريها‪ .‬ومثال القرينة‪:‬‬
‫جَرَيان النَّاسَ على َت ْعمِيمٍ إلِنْتِفاعٍ من غريَ نَكريٍ من فقيهٍ وغريه‪ ،‬إذا الظاهر من عدم‬
‫النَّكِري‪ :‬أنَّهم أ ْقدَموا على َتعْميمِ اإلِنْتفاع باملاءِ ب َغسْلٍ وشُرْبٍ ووضوءٍ وغسلِ نَجاسَة‪.‬‬
‫المَة عبد اهلل باخمرمة يوافق ما ذكره‪.‬‬ ‫فمثلُ هذا إِيقاعٌ يقالُ باجلوَازِ‪ .‬وقالَ إن فتوى العَ َ‬
‫انتهى‪ .‬قال ال َقفَّال وتَبعوه‪ :‬وجيوزُ شرطُ رَهْن من مستعريِ كتابٍ َوقْفٍ يأخذه الناظر‬
‫منه ليحمله على رَدِّهِ وأحلق به شَرْطٌ ضامِنٌ‪ .‬وأفىت بعضُهم فِي ال َوقْفِ على النيب أو‬
‫النَّذْر له بأنه ُيصْرفُ ملصالِحِ ُحجْرَتِه الشَّرِيفة فقط‪ ،‬أو على أهل بلد أُعْطي مقيمٌ هبا‬
‫أو غائبٌ عنها حلاجَةِ غيبَةٍ ال َتقْ َطعُ ِنسْبَتَهُ إليها عُرْفاً‪.‬‬
‫[فروع]‪ :‬قال التَّاجَ الفزاري والربهان املراغي وغريمها‪ :‬من شرط قراءة جزء من‬
‫القرآن كل يوم كفاه قدر جزء‪ ،‬ولو مفرّقاً ونظراً‪ ،‬ويف ا ُملفَرَّقِ نظر‪ .‬ولو قال‬
‫لِيََتصَدَّق ِبغَلَّتهِ يف َرمَضان أو عاشوراء ففات‪ :‬تصدَّق ب ْعدَه‪ ،‬وال يَنْتَظِرَ مِثْله‪ .‬نعم‪ :‬إن‬
‫قالَ فِطْراً َلصَوامَهُ انتظره‪ .‬وأفىت غري واحدٍ بأنه لو قال على من يقرأ على قرب أيب كل‬
‫مجعة يس بأنه إن حدّ القُرَّاء مبدة معينة‪ ،‬أو عني لكل سَنَة غِلَّة‪ :‬اتَّبعَ‪ ،‬وإال بَطَل نظري‬
‫ما قالوه من بُطْالنِ ال َوصِيَّة لِزْيدٍ كل شهر بدينار إال يف دينار واحد‪ .‬انتهى‪ .‬وإمنا‬
‫يتجه إِحلاقُ الوقْفِ بال َوصِيَّة‪ :‬إن عُلِّق با َملوْت‪ ،‬ألنه حينئذٍ َوصِيَّة‪ .‬وأما الوَقْفُ الذي‬
‫ليس كال َوصِيَّة‪ :‬فالذي يتجه صِحََّتهُ ‪،‬إذ ال يتَرَتبْ عليه حمذورٌ بوجه ألن النَّاظِرَ إذا‬
‫َررَ الناظِرُ غَيْره‪،‬‬
‫قررَ مَن يقرأ كذلك‪ :‬اسَتحَقَّ ما شَرَطَ ما دام يقرأه فإذا ماتَ مثالً‪ :‬ق َّ‬ ‫َّ‬
‫وهكذا‪ .‬ولو قال الواقِفُ َوقَ ْفتُ هذا على فُالن ليعمل كذا‪ :‬قال ابن الصالح‪ :‬احتمل‬
‫‪108‬‬
‫أن يكون شرطاً لإلِسْتِحقاقِ‪ ،‬وأن يكونَ َت ْوصِيَةً له ألجل َو ْقفِه‪ .‬فإن عَلِمَ مُرادَهُ‪ :‬اتَّبعَ‪،‬‬
‫صدُ عُرْفاً صَرْفُ الغِلَّة يف‬ ‫وإن شك‪ :‬مل َيمَْنعِ اإلِسِْتحْقاقُ‪ .‬وإمنا يتَّجه فيما ال َي ْق ِ‬
‫مقابَلتِه‪ ،‬وإال كلَِتقْرأَ أو تَتَعلَّم كذا‪ :‬فهو شرْطٌ لإلِسْتِحقاقِ فيما اسْتَ ْظهَ َرهُ شيخنا‬
‫وِل َوقْفٍ وأوصى للضَّيْف‪ :‬صَرَفَ للوارِدِ على ما َيقْتَضيهِ العُرْفُ وال يُزادُ على ثالثةِ‬
‫أيامٍ مُطْلَقاً‪ ،‬وال يدَفعُ لهُ حبٌّ إالَّ إن شَرِطَه الوَاقِفُ‪ .‬وهل ُيشْتَرَطُ فيه ال َفقْرُ؟ قال‬
‫شيخنا‪ :‬الظاهر ال‪.‬‬
‫(وسئل) شيخنا الزمزمي عمالَ وقفٍ لَِيصْرِفَ غلَّتَه لإلِطْعام عن رسول اهلل‪ :‬فهل‬
‫جيوزُ للناظر أن يُ ْط ِعمَها مَن نَزَلَ بِه من الضِّْيفَانِ يف غريِ شهرِ املَولِدِ بذلك ال َقصْد أو‬
‫الَ؟ وهل جيوزُ للقاضي أن ي ْأكُلَ مِن َذلِكَ إذا مل يكنْ له رِزقٌ من بَْيتِ املالِ وال مِنْ‬
‫مَياسريِ ا ُملسْلمني؟ (فأجاب) بأنه جيوزُ للناظر أن َيصْرِفَ الغَلَّة املذكورة يف إطعام من‬
‫ُذكِرَ‪ ،‬وجيوزُ للقاضي ا َألكْلَ مِنْها أيضاً ألهنَا صَ َدقَةٌ والقاضي إذا مل َيعْ ِرفْهُ املَُتصَدِّقُ‬
‫ومل يكن القاضي عارِفاً به‪ .‬قال السَّبكي ال شكّ يف جواز األَ ْخذِ له‪ .‬وب َقوْله أقول‪:‬‬
‫النْتِفاءِ املعْىن املاِنعُ‪ ،‬وإال َيحْتَمل أن يكونَ كا َهلدِيَة‪ .‬وُيحَْتمَلُ الفَرْقُ بأنَّ املَُتصَدِّقَ إنَّما‬
‫َقصَد ثَوابَ اآلخِرَة‪ .‬انتهى‪ .‬وقال ابن عبد السالم‪ :‬وال َيسَْتحِقُّ ذو وظيْفةٍ كقراءة‬
‫أخلَّ هبا يف بعض األيام‪ .‬وقال النووي‪ :‬وإن أخلَّ اسْتَنابَ لعذر كمرض‪ ،‬أو حَبْس‬
‫ملدةِ اإلِسْتِنابَة‪ .‬فأفَهمُ بقاء أثر أستحقاقِه لغري مدَّة‬ ‫بَقي اسْتِحقَاقَه‪ ،‬وإال مل َيسَْتحِقُّ َّ‬
‫اإلِخْالل‪ ،‬وهُوَ ما اعتمدَهُ السَّبكي كابن الصالح يف كلِّ وظيفة َتقْبلُ اإلِنابَة‪:‬‬
‫كالتَّدريس واإلِمامَة‪( .‬وِل َموْقوفٍ عليه) عُيِّن مُطْلقاً أو إلِسْتِغاللِ رَْيعِها لِغريِ َنفْعٍ‬
‫خاصّ مِنْها (ريع) وهُو فَوائِد ا َمل ْوقُوفِ َجمَيعَها‪ :‬كُأجْرةٍ ودرّ ووُلدٍ حادِثٌ َب ْعدَ‬
‫ال َوقْفِ‪ ،‬وثَمرٌ وغُصْنٌ َيعْتَادُ قَطْعهُ‪ ،‬أو شَرُطَ ومل يُوءَدِّ قَ ْطعَهُ ِل َموْتِ أصْلِه فَيَتَصَرَّفُ يف‬
‫فوائِده َتصَرُّفَ املالكِ بَن ْفسِهِ وِبغَيْره ما مل ُيخَالَف شَرْطُ الواقِفِ ألَنَّ ذلكَ ُهوَ‬
‫ا َملقْصودُ من ال َوقْف‪ .‬وأمَّا احلملَ املقارَن‪ :‬فوَقْفٌ تبْعاً َأل َمةٍ‪ .‬أما إذا َوَق َفتْ عليه عَيْنٌ‬
‫لِن ْفعٍ خاص كدابة للرُّكوب فَفوائِدُها من َدرَ وحنوهِ للواقِف‪ .‬وال جيوزُ وطءُ أَ َمةٍ‬
‫حدّان‪ ،‬ويُزَوِّجُها قاضٍ‬ ‫مَوقوفَةٍ ولو من واقِفٍ أو موقوفٍ عليه ِل َع َدمِ مُلْكِها‪ ،‬بل ُي َ‬
‫بإِذن املوقوفِ عليْهِ ال لَهُ‪ ،‬وال للواقِف‪.‬‬
‫(واعلم) أن املُلْكَ يف َرقَبَةِ ا َملوْقوفِ على ُمعَيَّنٍ أو جهَة ينَْتقِل إىل اهلل تعاىل‪ :‬أي‬
‫جدَ بأمْتِعةٍ وَجََبتْ األُجْرةَ لَهُ فَُتصْرَفُ‬ ‫سِ‬ ‫يْنفَكُّ عن اخْتِصاصِ اآلدمِيني‪ .‬فلو َشغَلَ امل ْ‬
‫ملَصاحلِه على األوْجُهَ‪.‬‬
‫جدٍ ِإلقْرا ِء قُرآنٍ أو حَديثٍ أو عِلمٍ شَرْعي أو‬ ‫[فائدة]‪:‬ومَن سَبقَ إىل حملّ من مَس ِ‬
‫َعلمِ ما ذكر أو كسَماع دَرْسٍ بني يدي مدرّس وفارَقه ليعودَ إليه ومل تَطُلْ‬ ‫آلة له أو لِت ُّ‬
‫مُفا َرقَتَهُ حبيث انقطع عنه ا ُألْلفَة‪ :‬فحقُّه باقٍ‪ ،‬ألن لَهُ غَرَضاً يف مالزمَةِ ذلك امل ْوضِع‬
‫ليَأَلفَهُ النَّاس‪ .‬وقيل يَبْطُل حَقُّه بِقيامِه‪ .‬وأطالوا يف تَرجيحه نقْالً و َمعْىن أو للصَّالةِ ولو‬
‫قَبْلَ دُخولِ َوقْتِها أو قراءَةٍ أو ِذكْر وفا َرقَهُ ِب ُعذْر‪ :‬كقضاءِ حا َجةٍ وإِجابَة داعٍ‪ ،‬فحقُّه‬
‫باقٍ ولو صَبِيّاً يف الصف األول يف تلكَ الصَّالة‪ ،‬وإن مل يتْرك رِدا َءهُ فيه‪ .‬فَيحْرُم‬
‫على غري العامل اجلُلوسُ فيه بغري إِذْنه‪ ،‬أو ظَنّ رِضاهُ‪ .‬نعم‪ :‬إن أُقيمت الصالة يف غيبَتِه‬
‫واتصََلتِ الصُّفوفُ‪ :‬فالوَجْهُ سدَّ الصَّفَّ مكانَه‪ ،‬حلاجَةِ إتْمامِ الصُّفوفِ‪ .‬ذكَرهُ‬ ‫َّ‬
‫األذرعي وغريه‪ .‬فلو كان لهُ سِجا َدةً فيه فيُنْحيها برِجْلِه من غريِ أن يرَفعَها هبا عن‬
‫األرْض‪ ،‬لئال َتدْخُل يف ضَمانِه‪ .‬أما جلوسُه العْتِكافٍ فإِن مل يَْنوِ مدَّةً بَطُلَ حَقُّه‬
‫خبروجه ولو حلاجَةٍ وإال مل يَبْطل حَقُّه خبُروجه أثْناءَها حلاجةٍ‪ .‬وأفْىت ال َقفَّال مبَْنعِ‬
‫جدٌ وتَعذَّرت‬ ‫سِ‬‫َتعْليم الصِّبيان يف املساجِدِ (وال يُباعُ َموْقوفٍ وإن خرب) فلو انْه َدمَ م ْ‬
‫إعادََتهُ‪ :‬مل يُبَع‪ ،‬وال يعودُ ملْكاً حبالٍ إلِمكان الصَّالة واالعْتِكافِ يف أ ْرضِه أو جَفَّ‬
‫‪109‬‬
‫الشَّجرُ املوْقوفُ أو قلعَهُ ريحٌ مل يَبْطُلِ ال َوقْفُ‪ ،‬فال يُباعُ وال يو َهبُ‪ ،‬بل يَنَْت ِفعُ املوقوفُ‬
‫جعْلِه أبواباً‪ ،‬إن مل ُيمْكِنْه إِجارَتَهُ َخشَباً بِحالِه فإِن َتعَذَّر اإلِنْتفِاعُ به إال‬ ‫عَليه ولو ِب َ‬
‫باسْتهالكِه‪ :‬كأنْ صارَ ال يَنَْت ِفعُ به إال باإلِحْراق‪ :‬اْنقَطَع ال َوقْف أي ويَملُكُه امل ْوقُوفُ‬
‫سجِد املوْقوفَةِ عليه‬ ‫عليه حينئذٍ على ا ُملعْتَمدِ فيَنَْتفِع ِبعَيْنِه وال يَبيعَه‪ .‬وجيوزُ بَْيعُ ُحصُ ِر امل ْ‬
‫إذا بَلَِيتْ‪ ،‬بأن ذَ َهبَ جَمالُها وَنَ ْفعُها وكانت ا َملصَْلحَةُ يف بَْيعِها‪ ،‬وكذا جُذوعُه‬
‫سجِد إن مل ُيمْكن شِراءُ‬ ‫املن َكسِرَة خالفاً جلمع فيهما ويُصْرَفُ َثمَنُها لِمصالِحِ امل ْ‬
‫حَصريٍ أو جِذع به‪ .‬واخلالف يف املوقوفة ولو بأن اشْتراها الناظِرُ و َوَقفَها بِخالف‬
‫سجِد‪ ،‬فتُباعُ جَزْماً‪ ،‬ملُجرَّدِ احلاجَة‪ :‬أيْ املصْلحَة وإن مل تَبلَ‬ ‫املوْهوبَة وا ُملشْتَراةِ لل َم ْ‬
‫سجِد وال فِراشُهُ يف غري فَرْشِه مُطلقاً‬ ‫وكذا حنو القناديل‪ .‬وال جيوز اسْتعمالُ حصُر امل ْ‬
‫سجِد‪،‬‬ ‫سواء كانت حلاجَةٍ أم ال كما أفْىت به شيخنا‪ .‬ولو اشْترى النَّاظِر أخشاباً لل َم ْ‬
‫أو وُهِبَت لهُ وقَبِلها الناظر‪ :‬جاز بَْيعُها ملصْلحَة كأن خافَ عليها حنو سَ ِرقَة ال إن‬
‫ح َفظُ لَهُ وجوباً‪ .‬ذكره الكمال الردَّاد يف‬ ‫جدِ‪ ،‬بل ُت ْ‬ ‫سِ‬ ‫كانت موقوفَة من أجْزاءِ امل ْ‬
‫ح َفظُ‪ ،‬أو يُعمَّر به‬ ‫جدُ إال إذا خيفَ على نقضِه فيُنقضُ ُي ْ‬ ‫سِ‬ ‫فتاويه‪ .‬وال يُْنقَضُ امل ْ‬
‫مسْجدٌ آخر إن رآه احلاكم‪ .‬واألقرب إليه أوىل‪ ،‬وال يعمَّرُ به غري جِْنسِه كرباطٍ وبئرٍ‬
‫كالعكس إال إذا تعذرَ جِْنسُه‪ .‬والذي يتجه ترجيحُه يف رَْيعِ وقْفِ املْن َهدِمِ‪ ،‬أنه إن‬
‫جدٍ آخر‪ .‬فإِن تعذر‪ :‬صُرِفَ لل ُفقَراء‪ ،‬كما‬ ‫سِ‬ ‫توقعَ عوْدُه‪ُ :‬ح ِفظَ له‪ ،‬وإالَّ صُرِفَ لِ َم ْ‬
‫ُيصْرِفُ النقْضُ لنحو رباط‪.‬‬
‫جدٌ بآالت جدُد‪ ،‬وبقيَت آالتُه القدمية‪ :‬فهل‬ ‫سِ‬ ‫(وسئل) شيخنا عما إذا عُمِّرَ مَ ْ‬
‫جيوز عِمارَة مسجدٍ آخر قدمي هبا أو تُباعُ ويُحفَظ مثنها؟ (فأجاب) بأنه جيوز عِما َرةُ‬
‫مسجدٍ قَدميٍ وحادِثٍ هبا حيثُ قَطعَ بعدم احْتياجِ ما هي منه إليها قبل فَنائِها‪ ،‬وال‬
‫سجِد وقَنادِيلِه كَنقْل آلتهِ‪.‬‬ ‫صريِ امل ْ‬‫جيوزُ بَيْعهُ بوجه من الوجوهْ‪ .‬انتهى‪ .‬وَنقْل حنو حَ ِ‬
‫جدِ مُطْلقاً‪ ،‬أو على عِمارَتِه يف البناء ولو ملنَارَتِه‬ ‫سِ‬
‫وُيصْرَفُ ريعٌ املوقوفِ على امل ْ‬
‫حلصُر والدَّهن‪،‬‬ ‫التجصِيصِ املُحْكَم والسلم‪ ،‬ويف أجْرة القَِّيمِ ال املؤذِّن واإلِمام وا ُ‬ ‫ويف َّ‬
‫إِال إِن كان الوقْفُ ملصَالِحه‪ ،‬فُيصْرَفُ يف ذلك ال يف التَّزويقِ والَنقْش وما ذكرته‬
‫من أنه ال ُيصْرَفُ للمُوءَذِّن واإلِمام يف الوقْفِ املُطْلَقِ هو مقتضى ما نقله النووي يف‬
‫الروضة عن البغوي‪ ،‬لكنه نقل بعده عن فتاوي الغزايل أنه ُيصْرفُ هلما‪ ،‬وهو األوجه‬
‫كما يف الوقف على مصالِحه ولو ُوقِفَ على َدهْنٍ إلِسْراجِ املسجِد بِه أُسْ ِرجَ كل‬
‫الليْل إن مل يكن ُمغْلقاً مهْجوراً‪ .‬وأفىت ابن عبد السالم جبواز إيقاد اليسري من املَصابيحِ‬
‫فيه ليالً احترامًا مع خُلُوِّهِ من الناس‪ ،‬واعتمده مجع‪ .‬وجزم يف الروضة ِبحُ ْرمَةِ إسْراج‬
‫مشعِه َكحَصاهُ وتُرابُه ‪.‬‬ ‫اخلايل‪ .‬قال يف اجملموع‪ُ :‬يحْرم أ ْخ ُذ شيءٍ من زيته و ْ‬
‫الشجَرِ النابِت باملقربة املُبَاحَةِ مباحٌ وص ْرفُهُ لِمصالِحها أوْىل‪ ،‬ومثرُ‬ ‫[فرع]‪ :‬ثَمرُ َّ‬
‫سجِد مَلِكَهُ إِن غُرِس له‪ ،‬فُيصْرِف ملصَالِحه‪ .‬وإن غُرِس ليُو ْءكَل أو ُجهِلَ‬ ‫س يف امل ْ‬ ‫املغْرو ِ‬
‫احلالُ فمُباحٌ‪ .‬ويف األنوار‪ :‬ليس لإلِمام إذا اْن َدرَسَت ِمقْبَرةٌ ومل يَبْقَ هبا أثَر‪ :‬إِجارَتَها‬
‫للزِّراعَة أي مثالً وصَرْفَ غِلَّتها لل َمصَالِح و ُحمِل على املوْقوفَة‪ :‬فا َملمْلوكة ملالِكِها إن‬
‫عُرِفَ‪ ،‬وإال فمالٌ ضائِع‪ :‬أي إن أَيس من معْرِفته َيعْمل فيه اإلِمام باملصَْلحَة‪ ،‬وكذا‬
‫اجملْهولة‪.‬‬
‫(وسئل) العالمة الطنبداوي يف َشجَرةٍ نَبَتتْ بِمقْربَةٍ مسْبَلة ومل يكن هلا مثَرٌ يُنْتَفعُ‬
‫به إال أن هبا أخْشاباً كثريَةً َتصْلُحُ للبِناء‪ ،‬ومل يكن هلا ناظِرٌ خاص‪ ،‬فهل للناظر العام‬
‫أي القاضي بيعُها وقَ ْطعُها وَصرْف قيمَتها إىل مصالِح املسْلمني؟‪( .‬فأجاب) نعم‪:‬‬
‫للقاضي يف املقربة العامة املسْبلة بيعَها وصَرْفَ مثنها يف مصالِح املسْلِمني‪ ،‬كَثمَر‬

‫‪110‬‬
‫الشجرة اليت هلا مثر‪ ،‬فإِن صَ ْرفَها يف مصالِح املقْربةِ أوىل‪ .‬هذا عند سقوطِها بنحو ريحٍ‪.‬‬
‫للرفْ ِق بالزائر واملُشيِّع‪.‬‬
‫وأما قَ ْطعُها مع سالمتها فيُظهر إبقاوها ِّ‬
‫(ولو شرط واقف نظراً له) أي لنفسه (أو لغريه اتبع) كسائر شروطه‪ .‬وقبول من‬
‫شرط له النظر‪ :‬كقبول الوكيل على األوجه وليسَ له عَزْلٌ مِن شَرطٍ نَظَرَهُ حالُ‬
‫ال َوقْف ولو َملصْلحَة (وإال) ُيشْرَطُ ألحَد (فهو لقاضٍ) أي قاضي بلدِ املوقوفِ‬
‫حلفْظِه وإِجارَتِه‪ ،‬وقاضي بلد املوقوفِ عليه بالنسبة ملا عدا ذلك على املذهب‪:‬‬ ‫بالنسبة ِ‬
‫ألنه صا ِحبُ النظرِ العام‪ ،‬فكان أوىل من غريه‪ ،‬ولو واقِفاً أو موْقوفاً عليه‪ .‬وجزَم‬
‫اخلوارِزمي بثُبوتِه للواقِف وذُريتِه بال شرطٍ ضَعيف‪ .‬قال السَّبكي‪ :‬ليس للقاضي أخذ‬
‫َرحَ الواقِفُ بِنظره كما أنه ليس له أخذَ شيءٍ من َسهْمِ‬ ‫ما شرط للناظر إال أن ص َّ‬
‫عامِل الزكاة قال ابنه التاج‪ :‬ومَحلَّه يف قاضٍ له َقدْرَ ِكفَايَتِهِ‪ .‬وحبث بعضهم أنه لو‬
‫ُخشِي من القاضي أكل الوقف جلورِه جاز ملن هو بيده صرفه يف مصارِفه‪ :‬أي إن‬
‫عَرَفها‪ ،‬وإال فَوَضَّه لفقيهٍ عارفٍ هبا أو سأله وصَ َرفَها‪ .‬وشرط الناظر واقفاً كان أو‬
‫املفوضِ إِليه‪ .‬وجيوزُ للنَّاظِر ما شُرِطَ له من‬ ‫غريه العدالة‪ ،‬واإلِهْتِداءُ إىل َّالتصُرفِ َّ‬
‫األُجْرة وإن زاد على أُجْرَة مِثْله‪ ،‬ما مل يكنُ الواقِفُ‪ .‬فإِن مل َيشْرط له شيء فال أُجْرة‬
‫له‪ .‬نعم‪ :‬له رفع األمر إىل احلاكِم ليُقرِّر له األقلّ من َن َفقَتِه وُأجْرةَ مِثْلِه كويلّ اليتيم‬
‫وأفىت ابن الصباغ بأن له اإلِسْتقالل بذلك من غري حاكم ويَْنعَزِلُ النَّاظِرُ بال ِفسْق‪،‬‬
‫صبُ غريِه‪ ،‬إال إن شَرط نَظَرهُ حالُ‬ ‫فيكونُ النظرُ للحاكِم‪ .‬وللواقِفِ عَزْل من َوالّه وَن ْ‬
‫ال َوقْف‪.‬‬
‫حقّونَ من الناظِر كتابُ الوَقْفِ ليَكْتُبوا مِنه نَسْخة ِحفْظاً‬ ‫[تتمة]‪ :‬لو طََلبَ ا ُملسَْت ِ‬
‫حقَاقِهم‪ :‬لَ ِزمَه َتمْكينَهم كما أفىت به بعضَهم ‪.‬‬ ‫الَسِْت ْ‬

‫الشخْصِ ِبحَقَ عليه‪ .‬ويسمى اعْتِرافاً (يؤا َخذُ‬ ‫هو لغةُ اإلِثْبات‪ ،‬وشَرْعاً إخْبارُ َّ‬
‫بإِقرارِ مكلَّف مُختار) فال يؤاخَذ بإِقرارِ صيب وجمنون ومُكرَهٌ بغري حق على اإلِقرار‬
‫صدُق يف َقضِيَّة ُّاتهِم فيها‬ ‫الصدْقِ‪ :‬كأنْ ضُرِبَ لَي ْ‬
‫بأن ضُرِبَ لُِيقِرَّ‪ ،‬إما مُكْرَهٌ على ِّ‬
‫فيصحُّ حالَ الضَّربِ وَب ْعدَه على إِشكالٍ قَوي فيه‪ ،‬سيما إن علم أهنم ال يرفَعونَ‬
‫الضَّرْبَ إِال بأخذت مثالً‪ .‬ولو ادّعى صِباً أمْكن أو حنو جنون عهد أو إِكراهاً‪ ،‬ومث‬
‫وثبتَ بِبَيِّنة أو بإِقرار املقرّ له أو بيمني مردودة‪ :‬صدَق بيمينه‪،‬‬
‫أمارَة كحَبْس أو تَرْسيم َّ‬
‫ما مل ُتقَم بيِّنة خبالفه‪ .‬وأما إذا ادّعى الصيب بلوغاً بِإمْناء ممكن‪ ،‬فيصدق يف ذلك وال‬
‫يُحلَّف عليه‪ ،‬أو بِسنَ‪ :‬كُلِّفَ ببنَّةٍ عليه وإن كان غريباً ال يُعرف وهي رجالن نعم‪:‬‬
‫سوَ ٍة بوالدتَهِ يوم كذا‪ :‬قُبِلَن ويَثبُت هبنّ السنَّ تبعاً كما قاله شيخنا‪.‬‬
‫إن شهد أربعُ ِن ْ‬
‫(وشرط فيه) أي اإلِقرار (لفظ) ُيشْعر بالتزامٍ حبق (كعليَّ) أو (عندي كذا) لزيد‪،‬‬
‫ولو زاد‪ :‬فيما أظن أو أحسب‪ :‬لغا‪ .‬مث إن كان املقرُّ به مُعيَّناً‪ :‬كلزيد هذا الثوب‪ ،‬أو‬
‫خذ به أو غريه كله ثوب أو ألف‪ :‬اشترط أن يضُمَّ إليه شيء مما يأيت‪ :‬كعندي‪ ،‬أو‬
‫حمَل العَيْن على أدىن‬ ‫عليّ‪ .‬وقوله عليّ أو يف ذميت للدين‪ ،‬ومعي أو عندي للعني وُي ْ‬
‫املراتب‪ ،‬وهو الوَديعَة‪ ،‬فَُيقْبل قولُه بيمينه يف الرَّدِّ والتلَفِ (و) ك (نعم)‪ ،‬وبلى‬
‫وصدقت‪( ،‬وأبرأْتَين) منه‪ ،‬أو أَبرئْين منه‪( .‬وقضيته جلواب أليس يل) عليك كذا؟ (أو)‬
‫قال له (يل عليك كذا) من غري اسْتِفهام‪ ،‬ألن املفهوم من ذلك‪ :‬ا ِإلقْرار‪ .‬ولو قال‬
‫اقْضِ األلْفَ الذي يل عليك‪ ،‬أو أُخْبِرْتُ أن يل عليك ألفاً فقال نعم‪ ،‬أو أمهلين‪ ،‬أو ال‬
‫أنكر ما تدعيه‪ ،‬أو حىت أفتح الكيس‪ ،‬أو أجد املفتاح أو الدراهم مثالً‪ :‬فِإقْرار حيثُ‬
‫ضحِكٍ وهزِّ‬ ‫ال اسِْتهْزاءُ فإِنْ اقْتَرَنَ بوا ِحدٍ مما ذكر قرينَة استهزاء‪ :‬كإِيرادِ كالمِه بنحو َ‬
‫‪111‬‬
‫ت ذلك كما هو ظاهر مل يكن به‬ ‫رأَسِهِ مما يدل على التعْجُب واإلِنكارِ‪ :‬أي وثََب َ‬
‫ُمقِ ّراً على املعتمد‪ .‬وطََلبُ البَْيعِ إقرارٌ باملِلكِ والعارِيَةِ واإلِجارَةِ مبلكِ املَْنفَعة‪ ،‬لكن‬
‫تعينها إىل املقرِّ‪ .‬وأما قوله ليس لك عليّ أكثب من ألف‪ ،‬جواباً لقوله يل عليك ألف‬
‫أو نتحاسَب أو اكتبوا لزيد علي ألف درهم أو اشْهدوا عليَّ بكذا أو مبا يف هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬فليس بإِقرار خبالف أُ ْش ِهدَكم‪ ،‬مضافاً لنفسه‪ .‬وقوله ملن شهد عليه هو‬
‫عدلٌ فيما شَ ِهدَ به إِقرار‪ :‬كإِذا شهد عليّ فالن مبائة أو قال ذلك فهو صادق‪ ،‬فإِنه‬
‫إقرار وإن مل يشهد‬
‫(و) شرط (يف مقرَ به أن ال يكون) ملكاً (ملقرّ) حني يقرّ‪ ،‬ألن ا ِإلقْرارَ ليس إزالةً‬
‫عن امللكِ‪ ،‬وإنَّما هو إخْبارٌ عن كونِه ملكاً لل ُمقِرّ له إذا مل يَ ْكذِبْه‪ .‬فقوله داري أو‬
‫ثويب أو داري اليت اشتريتها لنفسي لزيد‪ ،‬أو ديين الذي على زيد لعمرو‪ :‬لغو ألن‬
‫اإلضافة إليه تقتضي امللك له‪ ،‬فتناىف ا ِإلقْرارُ بِه لغَيْرِه‪ :‬إذ هو إقرارٌ حبقٍ سابِق‪ .‬ولو قال‬
‫َمسْكين أو ملبوسي لزيد‪ ،‬فهو إقرار‪ ،‬ألنه قد يسكن ويلبس ملك غريه‪ .‬ولو قال‪:‬‬
‫الدين الذي كتبته أو بامسي على زيد لعمرو‪ :‬صح‪ ،‬أو الدين الذي يل على زيد‬
‫لعمرو‪ :‬مل يصح‪ ،‬إال إن قال‪ :‬وامسي يف الكتاب عارِيَة‪ .‬ولو أقَرَّ حبُرِّية عبْدٍ معني يف يد‬
‫غريه أو شهد هبا مث اشْتَراه لنفسه أو مَلَكَه بوجهٍ آخر‪ :‬حَ َكمٍ حبُرِّيته‪ .‬ولو أشهد أنه‬
‫سيُقرُّ مبا ليس عليه‪ ،‬فأقرَّ أن عليه لفالن كذا‪ :‬لزِمه ومل يْنفعَه ذلك اإلِشْهاد‪.‬‬
‫(وصحّ إقرارٌ من مريض) مرضَ َموْت (ولو لوارِث) بدَيْنٍ أو عَيْن‪ ،‬فيُخْ ِرجُ من‬
‫صدُق فيها الكاذِب ويتوبُ‬ ‫رأس املال وإن كذَّبه بقية الورثة ألنه انتهى إىل حالة ي ْ‬
‫ص ْدقُه‪ .‬لكنْ للوارِثِ حتليفَ املقرِّ له على االسِْتحْقاقِ فيما اسْتظهرَه‬ ‫الفاجِر‪ ،‬فالظاهر ِ‬
‫شيخنا خالفاً للقفال‪ .‬ولو أقَرّ بنحو هِبَة مع قبضٍ يف الصِّحة قبل‪ ،‬وإن أَطْلَق أو قال‬
‫يف عَيْن عُرْف أهنا مِلْكه هذه ملك لوراثي نزل على حالة املرض‪ .‬قاله القاضي‪.‬‬
‫فيتوقف على إجازَة بقيَّة ال َورَثة‪ :‬كما لو قال وهبته يف مرضي‪ .‬واختار مجع عدم قبوله‬
‫إن اهتم لفساد الزمان‪ ،‬بل قد ُتقْ َطعُ القرائِن ب َكذِبه‪ ،‬فال ينْبغي ملن خيشى اهلل أن يقضي‬
‫أو يفيت بالصحة‪ ،‬وال شك فيه إذا علم أن قصده احلرمان‪ .‬وقد صرح مجع باحلرمة‬
‫حينئذٍ‪ ،‬وأنه ال حيل للمقِرِّ له أ ْخذُه‪ ،‬وال يقدم إقرارِ صحةٍ على إقرارُ مرضٍ (و) صحّ‬
‫إقرارٌ (مبجهول) كشيء أو كذا‪ ،‬فيطلب من املقرِّ تفسريه فلو قال له عليَّ شيءٌ أو‬
‫كذا قبل تفسريه بغري عيادة املريضِ ورَدُّ سالمٍ وجنَسٍ ال ُيقْتىن كخنزيرٍ‪ .‬ولو قالَ لَهُ‬
‫عليَّ مالٌ قبل َتفْسريِه ِبمُتَموِّل وإن قال ال بَِنجِس ولو قالَ هذه الدار وما فيها لفالن‬
‫صح‪ ،‬واستحقَّ مجيعَ ما فيها وقت اإلِقرارِ‪ .‬فإِن اختلفا يف شيء أهو هبا وقته؟ صدّق‬
‫ا ُملقِرّ‪ ،‬وعلى املقَرِّ له البيِّنة‪( .‬و) صح إقرار (بنسب أحلقه بنفسه)‪ :‬كأن قال هذا ابين‬
‫(بشرط إِمكان) فيه بأن ال يكذبه الشرع واحلس بأن يكون دونه يف السن بزمن‬
‫ميكن فيه كونه ابنه‪ ،‬وبأن ال يكون معروف النسب بغريه (و) مع (تصديقٍ ُمسْتَلحَق)‬
‫أهل له فإِن مل يُصدِّقه أو سَكَت‪ :‬مل يثبت نسبُه إال ببيِّنة‪( .‬ولو أقرَّ ببيعٍ أو هِبَة وقبضٍ‬
‫وإقباضٍ) بعدها (فادعى فسادهُ مل يقبل) يف دعواه فسادُه‪ .‬وإن قال أقْرَرْتُ لِظَنِّي‬
‫حمَلُ على الصَّحيح‪ .‬نعم‪ :‬إن قَطَع ظاهِرَ احلالِ‬ ‫الصِّحة‪ ،‬ألن االسم عند اإلِطْالقَ ُي ْ‬
‫ص ْدقِه كبدَوي جَلِف فينبغي قبول قوله‪ .‬كما قاله شيخنا وخرج بِإقْباضٍ‪ :‬ما لو‬ ‫ِب ِ‬
‫اقَْتصَر على اهلِبَة‪ ،‬فال يَكون ُمقِراً بِإقْباض‪ .‬فإِن قال ملكها مُلكاً الزِماً وهو يعرف‬
‫معىن ذلك‪ :‬كان مقراً باإلِقباض‪ ،‬وله حتليفُ ا ُملقِرِّ له أنه ليسَ فاسِداً إلِمكان ما يَدَّعيه‪،‬‬
‫وال َتقَبْل ببيِّته‪ ،‬ألنه كذهبا بإِقراره فإِن نكل حلف ا ُملقِرِّ أنه كان فاسداً وبطل البَيْع أو‬
‫اهلِبَة‪ ،‬ألن اليمني املردودة كاإلِقرار‪ .‬ولو قال هذا لزيد بل لعمرو‪ ،‬أو غصَبْت من زيد‬
‫بل من عمرو‪ :‬سلم لزيد سواء قال ذلك متصالً مبا قبله أم مُنْفصالً عنه‪ ،‬وإن طال‬
‫‪112‬‬
‫الزمن‪ ،‬المْتِناع الرُّجوع عن ا ِإلقْرارِ ِبحَقِّ آدمي وغرم بدله لعمرو‪ .‬ولو أقَرَّ بِشيءٍ مث‬
‫أقَرَّ ببْعضِه دخل األقل يف األكثر‪ .‬ولو أقر َبدَيْنٍ آلخَرَ مث ادَّعى أداءَه إليه وأنَّه َنسِي‬
‫ذلك حالة اإلِقرار‪َ :‬س ِم ْعتُ دعواه للتحليف فقط‪ .‬فإِن أقامَ بيِّنةً باألَداء‪ :‬قُبِلَت على‬
‫ما أفْىت بِه بعضهم الحْتِمال ما قاله كما لو قال ال بيِّنة يل مث أتى ببيِّنة تُسمع‪ .‬ولو‬
‫قال ال حق يل على فالن ففيه خالف‪ .‬والراج ُح منه أنه إن قال فيما أظن أو فيما‬
‫أعلم مث أقام بينة بأن له عليه حقاً قُبلَت‪ ،‬وإن مل يقل ذلك مل ُتقْبَل ببينته إِال إن اعتذر‬
‫بنحو نِسْيانٍ أو غلطٍ ظاهر‪.‬‬

‫هي لغة اإلِيصال‪ :‬من وَصَّى الشيء بكذا َوصَلَهُ به‪ ،‬ألن املوصِّي وصل خري دُنيا ُه‬
‫خريِ ُعقْباه‪ .‬وَشَرْعاً تَبَرُّع ِبحَقَ مضافٍ ملا بعدَ املوْت‪ .‬وهي سنَّةٌ مُوءَكَّدة إجْماعاً‪.‬‬‫ِب َ‬
‫وإن كانت الصَّدقة ِبصِحَّة فمرض أفضل‪ ،‬فينْبَغي أن ال ي ْغفَلَ عنْها ساعة‪ :‬كما‬
‫َرحَ به اخلرب الصحيح "ما حق أمْرىءٍ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلة أو ليلتني‬ ‫ص َّ‬
‫إال ووصيته مكتوبة عند رأسه" أي ما احلزم أو املعْروفُ شَرْعاً إال ذلك‪ ،‬ألن اإلِنسان‬
‫ال يدري مىت يفجؤه املوت‪ .‬وتُكرَه الزيادة على الثلث إن مل َي ْقصِد حِرْمان ورَثَتِه‪،‬‬
‫وإال حَ ُرمَت‪.‬‬
‫(تصح وصيَّة مُكَلَّفٍ حُرَ) مُختارٍ عنْد‪ ،‬الوصِيَّة‪ ،‬فال تصح من صيب وجمنونٍ‬
‫ورقيقٍ ولو مكاتِباً مل يأذن له السيِّد وال مِن مُكْره والسَّكران كاملُكَلَّف‪ .‬ويف قول‬
‫جدٍ ومصاحلِه‪ ،‬وحتمل عليهما عند‬ ‫سِ‬‫تصح من صيب مميِّز (جلهة حُلَّ)‪ :‬كعِمارَة م ْ‬
‫اإلِطالق‪ :‬بأن قال أ ْوصَْيتُ به للمسْجدِ ولو غري ضرورية عمالً بالعرف‪ .‬ويصْ ِرفُه‬
‫الناظِر لألَهَم واألَصْلَحِ باجْتهادِه‪ .‬وهي لل َكعْبَةِ وللضَّريح النَّبويِّ ُتصْرفُ ملصالِحهما‬
‫اخلاصَّة هبما كترميمٍ ما‪ ،‬وهي من الكعبة دون بقية احلرم‪ ،‬وقيل يف األوىل ملساكني‬
‫مكة‪ .‬قال شيخنا‪ :‬يظهر أخذاً مما قالوه يف النذر للقَبْر املعروف جبرجان صحة ال َوصِيَّة‬
‫كال َوقْفِ لضَريحِ الشيخ الفالين‪ ،‬وُتصْرَفُ يف مصاحل قربِه والبناءَ اجلائز عليه ومن‬
‫خدِمونَه أو َيقْرأونَ عليه‪ .‬أما إذا قال للشيخ الفالين ومل يَْنوِ ضَرحيَه وحنوه‪ :‬فهي‬ ‫َي ْ‬
‫باطلة‪ .‬ولو أوصى ملسْجدٍ سيُبىن‪ :‬مل تصح‪ ،‬وإن بُين قبل موته إال تبعاً‪ ،‬وقيل تبْطُل‬
‫فيما لو قال أردت متليكه وكعِمارَةٍ حنو قُبَّة على َقبْر حنو عامل يف غري مسْبَلةً‪ .‬ووقع يف‬
‫زيادات العبادي‪ :‬ولو أوصى بأن يُدفَن يف بيته بَطُلت الوَصِيَّة‪ .‬وخَ َرجَ جبهة حَل‪ :‬جهة‬
‫ُحرمٍ‪.‬‬
‫املعْصية كعِمارَة كنيسة وإسْراجٍ فيها وكتابة حنو توراةٍ وعلمٍ م َّ‬
‫(و) تصح (حلمل) موجودٍ حالَ الوصيِّة يَقيناً‪ ،‬فتصح حلملٍ انفصل وبه حياة‬
‫مستقِرَّة لدون ستة أشهر من الوصية أو ألربع سنني فأقل ومل تكن املَرْأة فراشاً لزوج‬
‫أو سيد وأمْكَن كونُ احلَمل منه‪ ،‬ألن الظاهِرَ وجودَه عندها لُن ْدرَة وَطْء الشُّبْهة ويف‬
‫تقدير الزنا إساءَة ظَن هبا‪ .‬نعم‪ :‬لو مل تكنُ فِراشاً قط مل تصح ال َوصِيَّة قَطْعاً ال لِحمْلٍ‬
‫حدُث وإن حَدَث قبل موتِ املوصي‪ :‬ألهنا متليك‪ ،‬ومتليك املعدومِ ممتنع‪ ،‬فأشْبَهت‬ ‫سََي ْ‬
‫ال َوقْفَ على من سَيولَد لهُ‪ .‬نعم‪ ،‬إن جعل املعدو َم تَبَعاً للمَوجودِ كأن أوصى ألوالدِ‬
‫زيد املوجودين ومن سيحدثُ له من األوالد صحَّت هلم تبعاً‪ ،‬وال لغري معيَّن فال‬
‫تصِحُّ ألحد هذين‪ .‬هذا إذا كان بلفظ الوصِيَّة‪ ،‬فإِن كان بلفظٍ أعطوا هذا ألحدمها‪:‬‬
‫صح‪ ،‬ألنه وصية بالتمليك من املوصى إليه‪.‬‬
‫(و) تصح (لوارث) للموصي (مع إجازة) بقية (ورثته) بعدَ موْت املوصي وإن‬
‫كانت الوصية ببعض الثلث وال أثر إلِجازهتم يف حياة املوصي‪ :‬إذ ال حقّ هلم حينئذٍ‪،‬‬
‫واحليلة يف أ ْخذِه من غري توقّف على إجازَة أن يوصي لفالن بألف‪ :‬أي وهو ثلثه فأقل‬
‫‪113‬‬
‫إن تربع لولده خبمسمائة‪ ،‬أو بألفني كما هو ظاهر‪ .‬فإِذا قبل وأدّى لإلِبن ما شرط‬
‫عليه‪ .‬أ َخذَ الوصية‪ ،‬ومل يشارِك بقية ال َورَثة اإلِبن فيما َحصَل له‪ .‬ومن الوصِيَّة له‬
‫إِبْراؤه وهِبَتَهُ وال َوقْفُ عليه‪ .‬نعم‪ ،‬لو َوقَف عليهم ما َيخْ ُرجُ من الثلث على قَدْرِ‬
‫نَصيبهِم َن َفذَ من غري إجازَة‪ ،‬فليس هلم َن ْقضُه‪ .‬وال َوصِيَّة لكل وارثٍ ِبقَ ْدرِ حِصَِّتهِ‬
‫كنصف وثلث لغو ألنه يستحقه بغري وصية‪ ،‬وال يأثَم بذلك‪ .‬وبعني هي َق ْدرُ حِصَّتِه‪:‬‬
‫كأن ترك ابنني وقناً وداراً قيمتهما سواء‪ ،‬فخصّ كالً بواحدٍ صحيحة إن أجازا‪ .‬ولو‬
‫أوصى للفقراء بشيء مل َيجُزْ للوصِي أن يعطى منه شيئاً لورثة امليت‪ ،‬ولو فقراء كما‬
‫نصّ عليه يف األم وإمنا تصح الوصية (بأعطوه كذا)‪ ،‬وإن مل يقل من ما يل أو وَهَبْتَه‬
‫له أو َجعَلَْتهُ له (أو هو له بعد مويت) يف األربعة‪ ،‬وذلك ألن إضافة كل منها للموت‬
‫صَيّرتْها مبعىن الوَصِيَّة (وبأ ْوصَْيتُ له) بكذا وإن مل يقل بعد مويت لوضعها شرعاً‬
‫لذلك‪ .‬فلو اقتصر على حنو وهبته له‪ :‬فهو هِبَةً ناجِزَة‪ ،‬أو على حنو ادفعوا إليه من مايل‬
‫كذا أو أعطوا فالناً من مايل كذا‪ :‬فتوكيل يرتفع بنحو املوت وليست كناية وصية‪،‬‬
‫أو على جعلته له‪ :‬احْتمَلَ ال َوصِيَّة واهلِبَة‪ ،‬فإِن عُِلمَت نيته ألحدَهِما‪ ،‬وإال بَطُل‪ ،‬أو‬
‫على ثلث مايل للفقراء مل يكن إقراراً وال َوصِيَّةً للفقراءِ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬ويظهر أنه كناية‬
‫َوصِيَّة‪ ،‬أو على هو له فإِقرارٌ‪ ،‬فإِن زاد من مايل فكناية وصية‪ .‬وصرح مجع متأخرون‬
‫بصحة قوله ملدينة إن مُتُّ فأ ْعطِ فالناً ديين الذي عليك أو فَفرِّقه على الفقراء‪ ،‬وال‬
‫ُيقْبل قوله يف ذلك‪ ،‬بل ال بد من بينة به‪ .‬وتنعقد بالكناية‪ :‬كقوله عينت هذا له‪ ،‬أو‬
‫ميزته له‪ ،‬أو عبدي هذا له‪ .‬والكتابة كناية فتنعقد هبا مع النية‪ ،‬ولو من ناطِقٍ إن‬
‫اعتَرفَ نُطقْاً ُهوَ أو وارِثهُ بنيَّةِ ال َوصِيَّة هبا وال يَكفي هذا خطي وما فيه َوصِيَّيت‪،‬‬
‫وتصح باأللْفاظِ املذكورةَ من املوصي (مع قبولِ) موصى له (معني) حمصور إن تأهل‪،‬‬
‫وإال فنحو ولِيِّه (بعد موْتِ موصٍ) ولو بتراخٍ‪ ،‬فال يصح القبولُ كالردِّ قبل موت‬
‫املوصي‪ ،‬ألن للموصي أن يرجع فيها‪ .‬فلمن ردَّ قبل املوت القبول بعده‪ ،‬وال يصح‬
‫الردّ بعد القبول‪ .‬ومن صريح الرد‪ :‬رددهتا‪ ،‬أو ال أقبلها‪ .‬ومن كنايته‪ :‬ال حاجة يل‬
‫هبا‪ ،‬وأنا غين عنها وال ُيشْتَرط القبول يف غري معني كالفقراء‪ ،‬بل تلزم باملوت‪ ،‬وجيوزُ‬
‫ا ِإلقْتصا ُر على ثالثةٍ منهم‪ ،‬وال جيب َّالتسْوية بينهم‪ .‬وإذا قَبِلَ املوصى له بعدَ املوْت‬
‫بأنَ به أي بالقبول امللكَ لهُ يف املوصي به من املوت‪ :‬فيحكم بترتُّب أحكامَ املُلْكِ‬
‫حينئذٍ من وجوبِ َن َفقَةٍ وفِطْرة والفوز بالفوائِد احلاصِلة وغري ذلك‪.‬‬
‫(ال) تصح ال َوصِيَّة (يف زاِئدٍ على ثلث يف) َوصِيَّة َوقَعت يف (مَ َرضٍ مُخَوفٍ)‬
‫لَتوَلُّد ا َملوْت عن جنسه كثرياً (إن رده وارِث) خاص مُطْلق التصرف‪ ،‬ألنه حقَّه‪ ،‬فإِن‬
‫كان غري مُطْلقِ التَّصرُّفِ فإِن َتوََّقعَت أهْلَيتَّه عن قُرْب‪َ :‬وقَف إليها‪ ،‬وإال بَطُلَت‪ ،‬ولو‬
‫أجارَ بعض الوَرثة فقط‪ :‬صحَّ يف َقدْر حِصَّته من الزائِد وإن أجازَ الوارِث األهل‬
‫فإِجازتَه تنفيذٌ للوَصيَّة بالزائِد واملخوف‪ :‬كإِسْهالٍ متتابِع‪ ،‬وخروجُ الطعامِ بِشدَّة‬
‫ضوٍ شريف‪ ،‬كالكَبِد‪ ،‬دون البَوَاسِري‪ ،‬أو بال استِحالَة‪ ،‬وحِمى‬ ‫ووَجَع‪ ،‬أو مع دَم من ع َ‬
‫مُطْبقة‪ ،‬وكطَلْقِ حامِل‪ ،‬وإن تكَرَّرت وِالدهتا‪ِ ،‬لعِ َظمِ خَطَره‪ ،‬ومن مث كان موتُها منه‬
‫شهادةً وبقاء مَشيَمة والتِحامَ قتال بني متكافئني واضْطِرابَ ريح يف حقِّ راكبِ‬
‫سفينة‪ ،‬وإن أحسن السباحة وقَرُب من الرب وأما َزمَنُ الوباء والطاعون فتصرف الناس‬
‫كلهم فيه حمسوبٌ من الثلث‪ .‬وينْبَغي ِلمَن َورَثَتَه أغْنِياءَ أو فُقراء أن ال يوصي بزاِئدٍ‬
‫على ثلث‪ ،‬واأل ْحسَنُ أن يُْنقِصَ مِْنهُ شيئاً‪( .‬ويعترب منه) أي الثُّلث أيضاً (عِتْقٌ عُلِّق‬
‫صحّة أو املَرض (و) تربع جنز يف مرضه‪َ ( .‬كوْقفٍ وَهِبَة) وإبْراء‪ .‬ولو‬ ‫با َملوْت) يف ال ِ‬
‫اختلف الوارِثُ واملّت ِهبُ‪ :‬هل اهلِبَة يف الصحة أو املرض؟ صدق املُّت ِهبُ بيمينه ألن‬
‫العني يف يده‪ .‬ولو وُ ِهبَ يف الصِّحة وُأقْبِضَ يف املرض‪ ،‬اعترب من الثلث‪ .‬أما املُْنجَز يف‬
‫‪114‬‬
‫صحته فُيحْسب من رأس املال‪ ،‬كحُجَّة اإلسالم‪ ،‬وعِتْقُ ا ُملسَْت ْولَدة‪ ،‬ولو ادَّعى الوارِثُ‬
‫مَوتَه يف مَرضٍ تربُّعه واملتبَرِّع عليه شفاءه وموتَه من مرضٍ آخر أو فْجأة‪ ،‬فإِن كان‬
‫خموِّفاً صدَق الوارِث وإال فاآلخَر‪ .‬ولو اختلفا يف وُقوعِ التَّصرفِ يف الصحة أو يف‬
‫املرض‪ ،‬صدق املُتَربِّع عليه‪ ،‬ألن األصل دوام الصحة‪ ،‬فإِن أقاما بينتني قُدِّمت بينة‬
‫املرض‪.‬‬
‫سمُ حِصَّة كل دارٍ‬ ‫[فرع]‪ :‬لو أوصى جلريانه فألربعني داراً من كل جانب فَُيقْ ِ‬
‫على عددِ سكاهنا‪ ،‬أو للعلماءِ فلمحدِّثٍ يعرف حال الراوي قوّة أو ضدّها واملروي‬
‫صحة وضدها‪ ،‬ومفسر يعرف معىن كلِّ آية وما أرُيدَ هبا‪ ،‬وفقيهٍ يعرف األحكام‬
‫الشرعية نصّاً واسْتِنباطاً‪ .‬واملراد هنا من حصل شيئاً من الفقه‪ ،‬حبيث يتأهل به لفهم‬
‫باقيه‪ ،‬وليس منهم حنويٌّ وصريفٌ وُلغَ ِويٌ ومتَكلِّم ويكفي ثالثة من أصحاب العلوم‬
‫الثالثة أو بعضها‪ .‬ولو أوصى ألعلم الناس اختصّ بال ُفقْهاء‪ ،‬أو للقُرَّاءِ مل ُي ْعطَ إِال من‬
‫حفَظ كلَّ القُرآن عن َظهْر قَلْب‪ ،‬أو ألَ ْجهَلِ النَّاسِ صَرْف لعُبَّادِ الوَثَن‪ ،‬فإن قال من‬ ‫َي ْ‬
‫املسْلِمني فمن يسُبُّ الصَّحابَة وَيدْخُل يف َوصِيَّة ال ُفقَراء واملساكني وعَكَسَه‪ ،‬وُي ْدخُل‬
‫يف أقارِبِ زيد كلُّ قريب‪ ،‬وإن كان َبعُد‪ ،‬ال أصْل وفرعٍ‪ ،‬وال َتدْخُل يف أقارِبِ نفسه‬
‫ع عُلِّقَ باملوْت‪ ،‬سواء كان التعليق يف‬ ‫َورَثته (وتَبْطُلُ ال َوصِيَّة ا ُملعَلَّقة باملوت) ومِثْلُها تَبَرُّ ٌ‬
‫الصحة أو املرض‪ ،‬فللموصي الرجوعُ فيها‪ ،‬كاهلِبَة‪ ،‬قبل القَبْض‪ ،‬بل أوىل‪ .‬ومن مث مل‬
‫يرجع يف تربع جنزَهُ يف مَ َرضِه‪ ،‬وإن اعتَبَر من الثلث (برجوع) عَن ال َوصِيَّة (بنحو‬
‫نقضِتها)‪ ،‬كأبْطَلْتُها أو رَدَدْتُها أو َأ َزلْتُها‪ .‬واألوجَه صِحَّةُ تعليقِ الرُّجوع فيها على‬
‫شرط لِجوَازِ التعليق فيها‪ ،‬فأوىل يف الرُّجوع عَنْها (و) بنحو (هذا لوارِثي) أو مرياثٌ‬
‫عين‪ ،‬سواء أَنسِي ال َوصِيَّة أم َذكَرَها‪.‬‬
‫(وسئل) شيخنا عما لو أوصى له بثلث مالِه إال كُتُبه‪ ،‬مث بعد مدّة أوصى له بثلث‬
‫مالِه ومل َيسْتثنِ‪ :‬هل يعمل باألوىل أو بالثانية؟‪( .‬فأجاب) بأن الذي يظهر العمل‬
‫باألوىل‪ ،‬ألهنا نصّ يف إخراج الكتب‪ ،‬والثانية حمتملة إنه ترك اإلِستثناء فيها لتصرحيه به‬
‫مقدمٌ على احملتمل (و) بنحو (بيع َورَهْن)‬ ‫يف األوىل‪ ،‬وأنه تركه إبطاالً له‪ ،‬والنصب َّ‬
‫ولو بال قبولٍ (وعرضٍ عليه) وتوكيلٍ فيه( و) حنو (غِراسِ) يف أرضٍ أوصى هبا‪،‬‬
‫خبالف َزرْعِه بِها‪ .‬ولو اخْتَصَّ َنحْو الغِراسِ بَِبعْضِ األ ْرضِ‪ ،‬اخْتَصَّ الرَجوعَ مبَحلِّه‪.‬‬
‫وليس من الرجوع إنكارُ املوصي الوصِيَّة إن كا َن ِلغَرض‪ .‬ولو أوصى بشيء لزيد مث‬
‫أوصى به لعمرو‪ ،‬فليس رجوعاً‪ ،‬بل يكون بينهما نصفني‪ .‬ولو أوصى به لثالث كان‬
‫بينهم أثالثاً‪ ،‬وهكذا‪ .‬قاله الشيخ زكريا يف شرح املنهج‪ .‬ولو أوصى لزيد مبائة مث‬
‫خبمسني فليس له إال مخسون‪ ،‬لتضمن الثانية الرُّجوعَ عن بعض األوىل‪ ،‬قاله النووي‪.‬‬
‫ص َدقَةٌ) عنْه‪ ،‬ومِنْها وقفٌ‬ ‫(مطلب)‪ ٌ:‬يف اإلِيصاء (وتَْن َفعُ مَيْتاً) مِنْ وارِثٍ وَغَيْرِهِ ( َ‬
‫جدٍ‪ ،‬و َحفْرِ بِئْرٍ‪ ،‬وغَرْسِ َشجَرٍ مِْنهُ يف حَيَاتِه أو من غريه عنه‬ ‫سِ‬‫صحَفٍ وغريِه‪ ،‬وبناءُ َم ْ‬ ‫ِمل ْ‬
‫بعد موته (ودعاء) لهُ إجْماعاً‪ .‬وصحَّ يف اخلرب "أن اهلل تعاىل يرفع درجة العبد يف اجلنة‬
‫باستغفار ولده له" وقوله تعاىل‪{ :‬وأن ليس لإلِنسان إال ما سعى} عام خمصوص‬
‫بذلك وقيل منْسوخ‪ .‬ومعىن نَفعِه بالصَّدقة أنه يَصريُ كأَنَّهُ َتصَدَّق‪ .‬قال الشافعي رضي‬
‫اهلل عنه وواسع فضل اهلل أن يُثيبَ املتصدِّقَ أيضاً‪ .‬ومن مث قال أصحابنا‪ُ :‬يسَنُّ له نيَّة‬
‫الصَّدقة عن أبويْه مثالً‪ ،‬فإِنه تعاىل يثيبهما وال يُنقِصُ من أَجْرهِ شَيْئاً‪ .‬ومعىن َن ْفعِه‬
‫بالدُّعاء‪ ،‬حُصولُ ا َملدْعوُّ بِه لَهُ إذا اسْتُجيبَ‪ ،‬واسْتِجابَتَهُ َمحْض فضلٌ من اهلل تعاىل‪ .‬أما‬
‫نفسُ الدعاءِ وثوابُه فهو للداعي‪ ،‬ألنه شفاعَة أَجْرُها للشَّافعِ‪ ،‬ومقصودها لل َمشْفوع‬
‫له‪ .‬نعم‪ ،‬دُعاءُ الولد حيصل ثَوابهُ‪ ،‬نفسه للوالد امليْت‪ ،‬ألن عمل ولده لتسبُّبه يف‬
‫وجودِه من مجلة عَملِه‪ ،‬كما صرح به خرب "ينقطع عمل ابن آدم إال من ثالث" مث‬
‫‪115‬‬
‫قال‪" :‬أو ولد صاحل‪ ،‬أي مسلم‪ ،‬يدعو له" محل دعاءه من عمل الوالد‪ .‬أما القراءة فقد‬
‫قال النووي يف شرح مسلم‪ :‬املشهور من مذهب الشافعي أنه ال يصل ثواهبا إىل‬
‫صدَه هبا‪ ،‬ولو بعدها‪ ،‬وعليه‬ ‫امليْت‪ .‬وقال بعضُ أصْحابنا يصِل ثوابَها للميْت ُمبجَرَّد ق ْ‬
‫األئِمة الثالثة واخْتَارَهُ كثريون من أئِمَّتِنا‪ ،‬واعََت َمدَهُ السَّبكي وغريِه‪ ،‬فقال‪ :‬والذي دَلّ‬
‫عليه اخلرب باإلِسْتِنباط أن بعضَ القُرآن إِذا قَصد به َنفْعُ امليْت َن َفعَهُ وبني ذلك‪ ،‬ومحل‬
‫مجع عدم الوصول الذي قاله النووي على ما إذا قرأ ال حبضرةِ املَيْت ومل ينوِ القاريء‬
‫ثوابَ قراءَتِه له أو نواهُ ومل يدعُ‪ .‬وقد نصّ الشافعي واألصحاب على ندب قراءةِ ما‬
‫تيسَّر عند امليت والدعاءِ ِعقْبَها‪ ،‬أي ألنه حينئذٍ أرْجى لإلِجابة‪ ،‬وألن املَْيتَ تنالَهُ برَ َكةُ‬
‫القِراءة‪ :‬كاحليِّ احلاضِر قال ابن الصالح‪ :‬ويَنْبَغي اجل ْزمُ بَنفْع‪" :‬اللهم أوصل ثواب ما‬
‫قرأَته" أي مثله‪ ،‬فهو املراد‪ ،‬وإن مل يصرح به لفالن‪ ،‬ألنه إذا نفعه الدعاء مبا ليس‬
‫للداعي فماله أوىل‪ .‬وجيري هذا يف سائر األعمال من صالة وصوم وغريمها‪.‬‬

‫سمَةَ املواريث َجمْع فَريضَة‪َ ،‬مبعْنَى َمفْروضَه‪ .‬والفَ ْرضُ ُلغَةَ التقْدير‪،‬‬ ‫أي مَسائِلَ قِ ْ‬
‫َدرٌ للوارِث‪ ،‬و ُهوَ مِنْ الرِّجالِ عشرة‪ :‬ابن‪ ،‬وابنه‪ ،‬وأب‪ ،‬وأبوه‪،‬‬ ‫وشَرْعاً هُنا نَصيبٌ ُمق َّ‬
‫وأخ مُطْلَقاً‪ ،‬وابنه‪ ،‬إال من األم‪ ،‬وعمّ‪ ،‬وابنه‪ ،‬إال لألم‪ ،‬وزوجٌ وذو وَالءٍ‪ .‬من النساء‬
‫تسع‪ :‬بنت‪ ،‬وبنت ابن‪ ،‬وأم‪ ،‬وجدّة‪ ،‬وأخت‪ ،‬وزوجةٌ وذاتُ وَالءً‪ ،‬ولو َفقَدْ ال َورَثَة‬
‫كلُّهم فَأصْلُ املذْهَب أنه ال ُيوَرَّث ذوو األرْحام‪ ،‬وال يُرَدُّ على أهْلِ الفَرْض فيمَا إِذا‬
‫وُ ِجدَ بعضُهم‪ ،‬بل املال لبْيتِ املال‪ ،‬مث إن مل يَنْتَ ِظمْ املال رُدَّ ما َفضُلَ عنهم َعلَْي ِهمْ غري‬
‫الزوجني بنسبة الفروض‪ ،‬مث ذوي األرحام‪ ،‬وهم أحد عشر‪ :‬ولد بنت‪ ،‬وأخت‪،‬‬
‫وبنت أخ‪ ،‬وعمّ وعمّ ألمّ‪ ،‬وخال‪ ،‬وخالة‪ ،‬وعمة‪ ،‬وأبو أمّ‪ ،‬وأمّ أيب أمّ‪ ،‬ووَلد أخ ألمّ‪.‬‬
‫ُقدرَة (يف كتابِ اهلل) سِتَّة‪ :‬ثلثان‪ ،‬ونصف‪ ،‬وربع‪ ،‬ومثن وثلث‪ ،‬وسدس‪.‬‬ ‫(الفروضُ) امل َّ‬
‫فال (ثُلثانُ) فَ ْرضُ أربعة (الثنني) فأكثَر‪( ،‬من بِنْت‪ ،‬وبنت ابن‪ ،‬وأخت ألبوين‪،‬‬
‫وألب‪ ،‬وعصب كال) من البنت وبنت األبوين‪ ،‬واألخت ألبويه أو ألب (أخ ساوَى)‬
‫له يف الرتبة واإلِدْالء‪ ،‬فال يعصب ابنُ اإلِبنِ البنتَ وال ابن ابن االبن بنت ابن ِل َعدَم‬
‫املُساواة يف الرُّتبة‪ .‬وال يَعصب األخُ ألبوين األخت ألب وال األخ ألب األخت‬
‫ألبوين لعدم املساواة يف اإلِدالء‪ ،‬وإن تساويا يف الرتبة‪( ،‬و) عصب (األُخْريَيْن) أي‬
‫األخت ألبوين أو ألب (األوْليان) ومها البنت وبنت االبن‪ .‬واملعىن أن األخت ألبوين‬
‫سقُط أخت ألبوين اجْتَمعت مع‬ ‫أو ألب مع البنت أو بنت االبن تكون ُعصْبة‪ ،‬فت ْ‬
‫سقُط األخ ألب (ونصف) فرض مخسة (هلن) أي‬ ‫بنت أو بنت ابن أخاً ألب‪ ،‬كما َي ْ‬
‫ملن ذكرنا حال كونِهن (منفردات) عن أخَواتِهنَّ وعن َم ْعصِبِهنَّ‪( ،‬ولزوج ليس‬
‫لزوجته فَرع) وارث‪ ،‬ذكراً كان أو أنثى (وربع) فَ ْرضِ اثنني (له) أي للزوج (معه)‬
‫أي مع فرعها‪( ،‬و) ربع (هلا) أي لزوجة فأكثر (دونه) أي دونَ فَرْع له‪( ،‬ومثن هلا)‬
‫أي للزَّوجة (معه) أي مع فرع لزوْجها‪( ،‬وثلث فرض اثنني ألمّ ليس مليْتِها فرع)‬
‫وارث (وال عدد) اثنان فأكثر (من إخوة) ذكراً كان أو أنثى‪( ،‬ولولديها) أي ولدي‬
‫أمّ فأكثر يستوي فيه الذكر واألنثى (وسدُس) فَ ْرضُ سبعة (ألَبٍ وجدَ مليتِهما فرع)‬
‫وارِث (وأمٌّ مليتِها ذلك أو عددٌ من إخْوةٍ) وأخَواتٍ اثنانٌ فأكثرَ (وجدّة) أمّ أب وأمّ‬
‫أمّ‪ ،‬وإن علتا سواء كان معها ولد أم ال‪ .‬هذا إن مل تدل ِبذَكر بَيْن أُنثيَيْن‪ ،‬فإِن أدْلت‬
‫به كأم أيب أمّ مل ترث خبصوص القرابة‪ ،‬ألهنا من ذوي األرحام (وبنت ابن فأكثر مع‬
‫بنت أو بنتِ ابنٍ أعلى) منها (وأختٌ فأكثر ألب مع أخت ألبوين‪ ،‬وواحد من ولد‬
‫أمَ) ذكرًا كان أو غريه (وثلثٌ باقٍ) بع َد فَ ْرضِ الزوْج أو الزوْجَة (أل ّم مع أحد زوجني‬
‫‪116‬‬
‫وأب)‪ ،‬ال ثلث اجلميع ليأَ ُخذَ األبُ مثلي ما تأخذه األم‪ .‬فإِن كانت مع زوج وأبٌ‬
‫فاملسألة من ستة‪ ،‬للزوج ثالثَةُ‪ ،‬ولألَبِ اثنان‪ ،‬ولألم واحد‪ .‬وإن كانت مع زوجةٍ‬
‫وأب فاملسألة من أربَعة‪ ،‬للزوجة واحد‪ ،‬ولألمِّ واحد‪ ،‬ولألبِ اثنان‪ .‬واسْتَبْقوا فيهما‬
‫لفظ الثلث حمافظة على األدب يف موافقة قوله تعاىل‪{ :‬وورثه أبواه فألمه الثلث} وإال‬
‫جبُ ولد ابن بابن أو ابن ابن‬ ‫فما تأخذه األم يف األوىل سدُس ويف الثانية ربع‪( .‬وَيحْ ُ‬
‫أقرب منه‪ ،‬و) حيجب (جدّ بأب‪ ،‬و) حتجب (جدة ألمّ بأمّ) ألهنا أدلت هبا‪( ،‬و) جدة‬
‫(ألب بأب) ألهنا أدلت به‪( ،‬وأمّ باإلِمجاع‪( .‬و) حيجب (أخ ألبوين بأب وابن وابنه)‬
‫وإن نزل (و) حيجب (أخ ألب هبما) أي بأب وابن (وبأخ ألبوين) وبأخت ألبوين‬
‫معها بنت أو بنت ابن كما سيأيت‪( ،‬و) حيجب أخ (ألم بأب) وأبيه‪ ،‬وإن عال‪،‬‬
‫(وفرع) وارِثٍ للميِّت‪ ،‬وإِن نزل‪ ،‬ذكراً كان أو غريه‪( ،‬و) حيجب (إِبن أخ ألبوين‬
‫بأب وجدّ وابن) وابنه‪ ،‬وإن نزل‪( ،‬وأخ) ألبوين أو ألب (و) حيجب (ابن أخ ألب‬
‫بِهؤالءِ) السِّتة‪( ،‬وبابن أخ ألبوين) ألنه أقوى منه‪ ،‬ويَحجب عمٌّ ألََبوَيْن هبوالءِ‬
‫السَّبعة‪ ،‬وبابن أخ ألب وعمٌّ ألبٍ هبؤال ِء الثمانية‪ ،‬وبعمٍ ألَبوَيْن وابنِ َع َم ألبوين هبؤالء‬
‫حجَبُ ابن ابن‬ ‫التسْعة‪ ،‬وبعم ألب وابن عمّ ألب هبؤالء العشرة‪ ،‬وبابن عمّ ألبوين‪ .‬وُي ْ‬
‫أخ ألبوين بابن أخ ألب ألنه أقْرَبُ مِنْهُ‪ ،‬وبنات اإلِبن بابن أو بنتني فأكثر للمَيِّت إن‬
‫مل ُيعَصَّب أخ أو ابن عمّ‪ ،‬فإِن ُعصَِبتْ به أخَذت مَعه الباقي بعد ثلثي البنتني‬
‫بالتعْصيب واألخوات ألب بأختني ألبوين فأكثر‪ ،‬إال أن يكون معهن ذكرٌ فيعَصِّبهُنَّ‪.‬‬
‫وحيجنب أيضاً بأخت ألبوين معها بنت أو بنت ابن‪.‬‬
‫(واعلم) أن إبن اإلِبن كاإلِبن إال أنه ليس له مع البنت مثالها‪ ،‬واجلدّة كاألم إال‬
‫أهنا ال تَرِثُ الثُُلثُ وال ثلث الباقي‪ ،‬بل فَ ْرضُها دائماً السُّدُس‪ .‬واجلدُّ كاألب إال أنه ال‬
‫جبُ باإلِبْنِ واألخ‬ ‫حَ‬ ‫جبُ اإلِ ْخوَةُ ألَبوْين أو ألَبٍ‪ ،‬وبنتِ اإلِبن كالبِْنتِ إال أنَّها ُت ْ‬ ‫حَ‬‫ُي ْ‬
‫ألَبٍ كاألَخِ ألبوينِ إال أنه لَيسَ لهُ معَ األَ ْختِ ألَبويْن مثالها‪( ،‬وما َفضْلٌ) من التِّ ْركَة‬
‫عَمَّن لهُ فَرضٌ من أصْحابِ الفُروضِ (أو الكل) أي كل التِّركَة إن مل يكن له ذو‬
‫سقُط عْندَ االسْتِغراقْ (وهي ابن ف) بعده (ابنه) وإن سَفُل (فأب‬ ‫فرض (ل ُعصْبة)‪ .‬وَت ْ‬
‫فأبوه) وإن عَال (فأخ ألبوين و) أخ (ألب فبنومها) كذلك (فعمٌّ ألبويْنِ فألبٍ‬
‫فبَنوهُما) كذلك‪ ،‬مث عمُّ األبِ مث بنوه مث عمُّ اجلدِّ مث بنوه‪ .‬وهكذا (ف) بعد ُعصْبَةُ‬
‫سبِ ُعصْبَةُ الوَالءِ‪ ،‬وهو ( ُمعْتَق) ذكراً كان أو أنثى‪( ،‬ف) بعد املُعتق (ذكورُ‬ ‫النَّ َ‬
‫ُعصْبَتِهِ) دون إناثِهم ويؤخَّر هُنا اجلَدُّ عن األخ وابْنَهُ ف ُمعْتَقُ املُعتَقُ ف ُعصْبَتُه‪ .‬فلو اجتمع‬
‫(للذكَرِ مثل حَظُّ األُنْثيِّن) وفضل الذكر‬ ‫بنونٌ وبناتٌ أو إخوةٌ وأخواتٌ فالتَّركَة َل ُهمْ َّ‬
‫بذلك الخْتصاصِه بلزوم ما ال يل َزمُ األُنْثى مِنَ اجلِهادِ و َغريِه‪ .‬وولدُ ابْنٍ كوَلدٍ وأخٍ‬
‫ألب كأخٍ ألبوين فيما ذُكر‪.‬‬
‫(فصلٌ) يف بيانِ أصولِ املَسائِل (أصَلُ ا َملسْأَلة عدَدُ الرُّؤوس إن كانت ال َورَثة‬
‫الذكَرُ أُنْثَيَيْن إن اجْتَمعا) أي‬ ‫َعصُبات) كثالثة بنني أو أعمام فأصْلُها ثَالثة (وقَدَّر َّ‬
‫سمُ املتْروكَ على ثَالثَة‪ :‬لإلِبْنِ اثْنانِ‪َ ،‬ولِلبِنْتِ‬ ‫الصِّنفان من َنسَب‪ .‬ففي ابن وبنت يُ ْق َ‬
‫واحد‪ ،‬وخما ِرجُ الفُروضِ اثْنانِ وثَالثة وأرْبَعةَ وسِتَّةَ ومثانِيَة واثْنا َعشَر وأرْبَعة‬
‫و ِعشْرونَ‪ .‬فإِنْ كانَ يف ا َملسَْألَةِ فَرْضانِ فأكْثَر اكَْتفَى عِْندَ َتمَاثُلِ ا َملخْرَجَيْنِ بِأَ َحدِهِما‪،‬‬
‫سدُسٍ‬ ‫صفَيْن يف َمسَْألَةِ َز ْوجٍ وأُ ْختٍ َفهِيَ مِنَ اإلِثنيْنِ‪ ،‬وعند تَداخِلَهما بَأكْثَرِمها ك ُ‬ ‫كِن ْ‬
‫وثُُلثٍ يف َمسْأَلَة أم َو َولَديْها وأخ ألََبوَيْن أو ألب فهي من ستة‪ ،‬وكذا يكتفي يف‬
‫زوجة وأبوين‪ .‬وعند توافِ ُقهِما ِب َمضْروبٍ ِوفْقَ أَ َحدِمها يف اآلخر‪ ،‬كسدس وُثمُن يف‬
‫َمسْأَلة أمّ وزوْجِةٍ وابن‪ ،‬فهي من أرْبعةٍ و ِعشْرين‪ ،‬حاصل ضرب وفق أحدمها‪ ،‬وهو‬
‫نصف الستة أو الثمانية‪ ،‬يف اآلخَر‪ ،‬وعند تبايُنِهما مبضروب أحدمها يف اآلخر‪ ،‬كثلث‬
‫‪117‬‬
‫وربع يف مسألة أم وزوجة أخ ألبوين أو ألب‪ ،‬فهي من اثين عشر حاصل ضرب‬
‫ثالثة يف أربعة (وأصل) مسألة (كل فريضة فيها نصفان) كزوج وأخت ألب (أو‬
‫نصف وما بقي)‪ ،‬كزوج وأخ ألب (اثنان) خمرج النصف (أو) فيها (ثلثان وثلث)‬
‫كأختني ألب وأختني ألم (أو ثلثان وما بقي) كبنتني وأخ ألب (أو ثلث وما بقي)‬
‫كأمّ وعمّ (ثالثة) خمرج الثلث (أو) فيها (ربع وما بقي) كزوجه وعمّ (أربعة) خمرج‬
‫الربع (أو) فيها (سدس وما بقي) كأمّ وابن (أو سدس وثلث) كأم وأخوين ألمّ (أو)‬
‫سدس (وثلثان) كأمّ وأختني ألب (أو) سدس ونصف كأمّ وبنت (ستة) خمرج‬
‫السدس (أو) فيها (مثن وما بقي) كزوجة وابن (أو) ُثمُن (ونصف ما بقي) كزوجة‬
‫وبنت وأخ ألب (مثانية) خمرج الثُمن (أو) فيها (ربع وسدس) كزوجة وأخ ألم (اثنا‬
‫عشر) مضروبٌ وفقَ أحد املخرجَيْنِ يف اآلخر (أو) فيها (ثُمنٌ و ُسدُسٌ) كزو َجةٍ‬
‫وجَدَّةٍ وابْن (أربعة وعشرون) مضروب وفق أحدمها يف اآلخر (وتعول) من أُصول‬
‫مَسائِل الفَرائِض ثَالثة (سِتَّة إىل َعشْرَةَ) وتراً وشفعاً‪ .‬فعوهلا إىل سَْبعَةٍ كَ َز ْوجٍ وأخْتَيْن‬
‫لغَيْر أمّ‪ ،‬وإىل مثانية كهم وأم‪ ،‬وإىل تسعة كهم وأخ ألمّ‪ ،‬وإىل عشرة كهم وأخ آخر‬
‫ألمّ (و) تعول اثنا عشر إىل سبعة عشر وتراً فعوهلا إىل ثالثة عشر كزوجةٍ وأمٍ وأختني‬
‫لغري أمّ‪ ،‬وإىل مخسةِ عشرَ كهم وأخ ألم‪ ،‬وإىل سبعة عشر كهم وأخ آخر ألمّ (و)‬
‫تعول (أربعة وعشرون لسبعة وعشرين) فقط كبِنتَني وأَبوْين وزوجة‪ ،‬للبِنتَني ستَّة‬
‫عشر ولألَبوْين ثَمانية وللزوجة ثالثة‪ ،‬وتسمى باملنربية‪ ،‬ألن علياً رضي اهلل عنه كان‬
‫خيْطُب على منربِ الكوفة قائالً‪ :‬احلمد هلل الذي حيكم باحلق قطعاً وجيزي كل نفس مبا‬
‫تسعى وإليه املآل والرجعى‪ ،‬فسئل حينَئذٍ عن هذه املسألة فقال ارجتاالً‪ :‬صارَ ثَمنَ‬
‫املَرْأَةِ تسعاً‪ ،‬ومضى يف خِطْبَِتهِ‪ .‬وإمنا عالوا لَِيدْخُل النقص على اجلميع كأرْبابِ الدُّيون‬
‫ق املالُ عن َق ْدرِ حِصَّتِهم‪.‬‬ ‫والوَصايا إذا ضا َ‬
‫(فصل)‪ :‬يف بيان أحكام الوديعة‪ .‬صحّ إيداعُ مُحتَرمٍ بأوْدَعْتُكَ هذا أو‬
‫حفْ َظتَكَه‪ ،‬وخبُذْهُ مع نِيَّة‪ .‬وحَ ُرمَ على عاجِزٍ عن ِح ْفظِ الوَديعة أخْذِها‪ ،‬وكَ ِرهَ‬ ‫اسَْت َ‬
‫ضمَنُ وَديعَ بإِيداع غَيْرِه ولو قاضِياً بِال إِذْنٍ من املالِك‪ ،‬ال‬ ‫على غَيْرِ واثِقٍ بأَمانَتهِ‪ .‬وَي ْ‬
‫إن كان لعذر كم َرضٍ و َسفَرٍ و َخوْفٍ حَرْقٍ وإشْرافِ حرز على خراب‪ ،‬وب َوضْع يف‬
‫غري حرز مثلها‪ ،‬وبنقلها إىل دون حِ ْرزِ مثلها‪ ،‬وبِتَرْكِ دفع مُتْلفاتِها كَتهْوِيَة ثِيابِ‬
‫حل ْفظِ املَأْمورِ به مِنَ املالِك‪،‬‬ ‫صوفٍ أو تَرْكِ لِْبسِها عند حاجَتِها‪ ،‬وَِبعُدولِ عَنِ ا ِ‬
‫حدِها وتأخريِ َتسْليمِها لِمالكٍ بِال ُع ْذرٍ بعدَ طَلبِ مالِكِها‪ ،‬وبانتِفاع هبا كلَبْس‬ ‫وبِج ْ‬
‫ورُكوبٍ بِال غَ َرضِ املالِكِ‪ ،‬وبأَ ْخذِ دِرْهَم مثَال مِن كيسٍ فيه درا ِهمٌ مودَعَة عنده وإن‬
‫ضمَنُ اجلَميعُ إذا مل يَتمَيَّز الدِّرهم املردودُ عن الَبقِيَّة‪ ،‬ألنهُ خَلطَها مبالِ‬ ‫رُدَّ إليه مِثْلَه فََي ْ‬
‫ضمِنَه فقط‪.‬‬ ‫َنفْسه بال تَمييز‪ ،‬فهو مُتَعدَ‪ ،‬فإِن متيز بنحو سِكَّة أو رُدَّ إليه عني الدِّرهم َ‬
‫وصدَّق وديع َكوَكيلٍ وشَريكْ وعام ُل قِراضٍ بيمني يف دعوى رَدَّها على مُوءْمتِنه‪ ،‬ال‬
‫على وارِثه‪ .‬ويف قولِهِ ما لَكَ عندي وديعة‪ ،‬ويف تلفها مطلقاً‪ ،‬أو بسبب خفي‬
‫كسرقة‪ ،‬أو بظاهر كحريق عُرف دون عمومه فإِن عُرِفَ عُمومُه مل حيَلِفْ حيث ال‬
‫هتمة‪.‬‬
‫[فائدة]‪ :‬الكذب حَرام‪ ،‬وقد جيب‪ :‬كما إذا سأل ظالِم عن وديَعة يريدُ أخْذها‬
‫حللْفُ عليه مع الت ْورِية‪ .‬وإذا ملْ يُنكِرْها ومل يَمتَِنعْ‬ ‫جبُ إنْكارَها وإن َكذَب‪ ،‬ولهُ ا َ‬ ‫فَي ِ‬
‫ضمِن‪ ،‬وكذا لو رَأى َمعْصوماً اختفى من ظالِم يُريدُ قَتْله‪ .‬وقد‬ ‫من إِعالمِه بِها جهده ُ‬
‫جيوزُ كما إذا كان ال يتم مقصودَ حربٍ وإصالحَ ذاتَ البَيْنِ وإرْضاءَ َزوْجَته إال‬
‫بالكذِب فمباحٌ‪ ،‬ولو كان حتت يدِه وَديعَة مل َيعْرِفْ صاحِبَها وأَيس من معْ ِرفَتَهِ بعد‬
‫الَبحْثِ التام صَ َرفَها فيما جيب على اإلِمام الصَّرفَ فيه‪ ،‬وهو أهمّ مَصالِح ا ُملسْلمني‬
‫‪118‬‬
‫جدٍ فإِن جهل ما ذكر دفعه‬ ‫مُقدِّماً أهلُ الضرُورة وشِدَّة احلاجَة ال يف بناء حنو َمسْ ِ‬
‫لثِقة عاِلمٍ باملصالِح الواجبة التَّقدمي واأل ْروَعْ األَعَْلمْ أوْىل‪.‬‬
‫(فصل)‪ :‬يف بيان أحاكم اللقطة‪ .‬لو الْت َقطَ شَيْئاً ال ُيخْشى فَسادَهُ كَن ْقدٍ ونُحاسٍ‬
‫ِب ِعمَارَةٍ أو َمفَازَةٍ عرفَه سِنَة يف األَسواقِ وأبْوابِ املساجد فإِن َظهَرَ مالِكه‪ ،‬وإالَّ متلكه‬
‫بَِل ْفظٍ َتمَلْكَت‪ ،‬وإن شاءَ بَا َعهُ وحَفَظ َثمَنَهُ‪ .‬أو ما يُخْشى فَسادُه كهريسة وبقل‬
‫وفاكهة ورُ َطبَ ال يتتمر فيتخري مُلَتقِطة بني أكله متملكاً له وُيغَرَّم قيَمته‪ ،‬وبنيَ بَْيعِه‪،‬‬
‫وَيعْ ِرفَه بعد بَْيعِه ليتَملَّك ثَمنه بعد التعريف فإِن َظهَرَ مالِكَهُ أعطاهُ قَيمتَه إن أكَلَه‪ ،‬أو‬
‫ثَمنُه إن باعَهُ‪ .‬ويف التعريف بعد األَكْل وجْهان‪ :‬أصَحُّهما يف العمارةَ وجوبه‪ ،‬ويف‬
‫املفازة قال اإلِمام‪ :‬والظاهر أنه ال يَجِب‪ ،‬ألنه ال فائدة فيه‪ .‬ولو وجد ببيته درمهاً مثالً‬
‫وجوّز أنه ملن يدخلونه عرَّفه هلم كاللَّقطة قاله القفال‪ .‬ويعرّف حقري ال يعرض عنه‬
‫غالباً‪ ،‬وقيل هو درهمٌ زمَناً يظن أن فاِقدَه ُيعْرضُ عنْهُ بعدَه غالباً وخيتلف ذلك‬
‫باخْتِالف املال‪ :‬فدانق الفِضَّة حاالً‪ ،‬والذَّهب حنو ثالثة أيام‪ .‬أما ما يُعرض عنه غالباً‬
‫كحبة زبيب استبدّ به واجده بال تعريف‪ .‬ومن رأي لقْطة فرَفعَها بِر ْجلِه ليعْ ِرفَها‬
‫ضمَنْها‪ .‬ويَجوزُ أ ْخذُ نَحو سَنابِلَ احلَصَّادين اليت اعْتيدَ اإلِعْراضُ عَنْها‪،‬‬ ‫وتركها مل ي ْ‬
‫للزرْكشي وكذا بِرَادَة احلدَّادين وكسْرَةَ اخلَبْزِ من رشيد‬ ‫ولو مما فيه زكاة خالفاً َّ‬
‫َرفَه فيهِ أخْذاً بظاهِر أحوال‬ ‫وحنو ذلك مما يعرض عنه عادة‪ ،‬فيمْلِكَهُ آ ِخذُه‪ ،‬وينفذ َتص ُّ‬
‫السَّلف‪ .‬ويَح ُرمُ أ ْخذُ َثمَرٍ تَساَقطَ إن حُوِّط عليه وسقط داخِلَ اجلِدارِ‪ .‬قال يف‬
‫اجملموع‪ :‬ما َس َقطَ خارِج اجلدار إن مل يُعَتدْ إباحََتهُ حَ ُرمَ‪ ،‬وإن اعْتيدَت حُلَّ‪ ،‬عمَالً‬
‫بالعادَة املسَتمِرَّة املغلبة على الظنَّ إباحَتَهُم لَهُ‪.‬‬

‫حتِ األَشْجارُ‪ :‬إذا َتمَايََلتْ وانْض َّ‬


‫َم‬ ‫وهو ُلغَةً الضَّمُّ واإلِجْتِماعُ‪ .‬ومِنْهُ قوهلم تَنا َك َ‬
‫ب ْعضُها إىل َبعْض‪ .‬وَشَرْعاً َع ْقدٌ يََتضَمَّن إباحَة وَطْء بِلَ ْفظِ إِنْكاح أو تَزْويجِ‪ ،‬وهو‬
‫حَقيقة يف ال َعقْد مُجازٌ يف الوَطْءِ على الصحيح (سنّ) أي النِّكاح (لتائِق) أي مُحتاجَ‬
‫سوَةِ َفصْلِ َتمْكنيٍ‪،‬‬ ‫للوَطْءِ وإن اشتغل بِالعِبادة (قا ِدرٍ) على مُوءْنَة مِنْ َمهْرٍ‪ ،‬و ِك ْ‬
‫ون َفقَة يَومِه لألَخْبارِ الثَّابتة يف السُّنن وقد أوْردَت جُملَة منها يف كتايب (إحكامُ‬
‫أحكام النكاح) وملا فيه من حفظ الدين وبقاءِ النسل‪ .‬وأما التائِق العاجِز عن املوءَن‬
‫بالصوْم ال بالدواء وكُ ِرهَ لعاجِز عن املؤن غري تائق‪.‬‬ ‫فاألوْىل لهُ تَ ْركَهُ وكسر حاجته َّ‬
‫وجيب بالنَّ ْذرِ‪ ،‬حيث ندب‪( .‬و) سُنَّ (نظر كل) من الزوجني َب ْعدَ العَ ْزمِ على النِّكاح‬
‫وقبل اخلُطْبَة (اآلخر غريَ َع ْورَة) مقَرَّرَة فِي شُروطِ الصَّالة‪ .‬فينظر من احلُرَّة وجْهها‬
‫ليُعرفَ مجاهلا‪ ،‬وكفَّيها ظهراً وبطناً ليعرف خصوبة بدهنا‪ .‬وممن هبا رِقٌّ ما عدا ما بني‬
‫السرة والركبة ومها ينظران منه ذلك‪ .‬وال بدّ يف حلّ النظر من تيقنه خلوها من‬
‫نِكاحٍ وعُدَّة‪ ،‬وأنْ ال َيغِْلبَ على ظَنِّهِ أنه ال يُجابُ‪ .‬ونَدب ملن ال يَتََّيسَر له النَّظر أن‬
‫يُرْسِل حنو امْرأَ ٍة لتَتَأمَّلها وَتصِفها له‪ .‬وخرج بالنظر‪ :‬املسُ‪ ،‬فيحْ ُرمُ إذ ال حاجة إليه‪.‬‬
‫[مهمة]‪َ :‬يحْ ُرمُ على الرجل ولو شيخاً مهاً تعمَّد نظر شيءٍ من بَدنِ أَجْنَبَِّيةٍ‬
‫حرةً أو أمَة بل َغتْ حَداً ُتشَْتهَى فيه ولو َشوْهاءَ أو عَجوزاً وع ْكسَه‪ ،‬خِالفاً للحاوي‬
‫كالرافعي وإن نَظَر ِبغَري َشهْوةٍ أو مع أمْن الفِتْنة على ا ُملعْتَمدِ‪ ،‬ال يف حنو مِرآة‪ ،‬كما‬
‫أفىت به غَيْرُ وا ِحدٍ وقول األسنوي‪ ،‬تبعاً للروضة‪ ،‬الصَّواب حل النظر إىل الوْجه‬
‫وال َكفْني عند أمْنِ الفِتْنة‪ :‬ضَعيفٌ‪ ،‬وكذا اختيارُ األذرعي قول َجمْع َيحِلُّ نَظَرُ وَ ْجهٍ‬
‫وكَفِّ عجوزٍ يؤمَنُ من نَظَرِمها الفِتْنة وال َيحِل النَّظَرُ إىل عُنُقِ احلرَّةِ ورَأسِها قَطْعاً‪.‬‬
‫وقيل ُيحَلُّ مع الكَرَاهَة النظر بال شَهْوة و َخوْفَ فِتْنة إىل األمَة إال ما بَيْنَ السُّرة‬
‫‪119‬‬
‫والركْبة ألنه َع ْورَتَها يف الصَّالة‪ .‬وليس من العورة الصوْتَ فال َيحْرُم سَماعُه إال إن‬ ‫ُّ‬
‫َخشِيَ ِمنْهُ فِتْنَة أو الْتَذَّ به كما حبثَه الزركشي وأفىت بعضُ املتَأَخِرين بِجَوازِ نَظَرُ‬
‫الصَّغِري للِنِّساءِ يف الوَالِئمِ وَا َألفْراح‪ ،‬واملعتمَد عند الشيخني عَدمُ جَوازِ نَظَر فَرْج‬
‫صَغريَةٍ ال ُتشْتَهى‪ ،‬وقيلَ يُكره ذلك‪ .‬وصحَّح املتويل حلَّ نَظَرَ فَ ْرجَ الصَّغريِ إىل التَّمييز‪،‬‬
‫حوِ االمِّ نظر فرجَيْهما ومسَّه زمَنَ الرِّضاع‬ ‫وجَزَم به غَيْره‪ ،‬وقيل َيحْرم‪ .‬وجيوز لَن ْ‬
‫صفَة بالعَدالَة ما عدا ما بني‬ ‫املت ِ‬
‫والتَرْبِية للضَّرورة وللعبدِ العدْلِ النظر إىل سَِّيدَتِه َّ‬
‫والركْبَة كهي‪ .‬وحملْرِم ولو فاسقاً أو كافراً نظر ما وراء سرة وركبة منها‪،‬‬ ‫السرَّة ُّ‬
‫س ظهر أو ساق‬ ‫كنَظَرِها إليْه‪ ،‬وملُحْ ِرمٍ ومماثِلٍ مَسَّ ما وراء السرةِ والرُّكبَة‪ .‬نعم‪ :‬م ّ‬
‫مُحرَّمة كأمِّه وبنْته وعكسه ال حيل إِال حلاجَة أو َشفَقة‪ .‬وحيث حَ ُرمَ نَظَرُه حَ ُرمَ مَسُّه‬
‫بال حائِل ألنهُ أبْلَغُ يف اللَّذة‪ .‬نعم‪َ :‬يحْرُم مَسُّ وجْه األجنبية مُطْلَقاً‪ ،‬وكل ما حَ ُرمَ‬
‫نظرَهُ مِنْه أو مِنْها َّمتصِالً حَرُم نَظَرهُ مُنْ َفصِالً‪ :‬كقَالمَةِ َيدٍ أو رِجْلٍ‪ ،‬و َشعْرِ امْرأة وعانةَ‬
‫رَجُل‪ ،‬فيجِب مواراَتهُما وحتتَجب وجوباً ُمسْلمة عن كافِرة‪ ،‬وكذا عفيفَةٌ عن فاسقَة‬
‫بسحاق‪ ،‬أو زِنا‪ ،‬أو قيادة‪ ،‬وَيحْرم مضاجعة رَجُلَني أو امْرأَتَني عارِيْني يف ثوبٍ واحد‪،‬‬
‫وإن مل يتماسَكا أو تَباعَدا مع احتادِ الفِراشِ‪ ،‬خالفاً للسَّبكي‪ ،‬و َحبثَ اسْتِثْناءِ األب أو‬
‫ضجَع‪،‬‬ ‫األم خلربٍ فيه بعيدٌ جداً وجيب التَّفريقُ بني ابن عشر سنني وأبويه وإخوته يف ا ِمل ْ‬
‫وإن نظر فيه بعضهَم بالنسبة لألب أو األم‪ .‬وُيسَْتحَبُّ تَصافُح الرَّجلني أو املرأتني إذا‬
‫شهْوة‪ ،‬ويُكْرَهُ مُصاَفحَة من به عاهَة‬ ‫تالقيا‪ .‬وَيحْرُم مصافحة األمْرَدُ اجلَميلَ كنظَرِهِ ِب َ‬
‫كاألبْرص واألجْذَمِ وجيوزُ نظرُ وجْهِ املرأَة عندَ املعامَلة ببيع وغريه للحاجة إىل‬
‫َمعْ ِرفَتِها‪ ،‬وتَعليم ما يَجبُ تعلُّمه كالفاتِحة دونَ ما يُسنُّ على األوْجُه والشَّهادة‬
‫حتمالً وأداءً لَها أو عَليها‪ .‬وتعمد النظَر للشَّهادة ال َيضُرُّ‪ ،‬وإن تَيَسَّر وجودُ نساءٍ أو‬
‫شهَدنَ على األوْجُهْ (و) يُسنُّ (خُطبةٌ) بضم اخلاء مِنَ الوَيل (له) أي للنِّكاح‬ ‫مَحارِم َي ْ‬
‫الذي هو ال َع ْقدُ بأن تَكونَ قبلَ إِجيابِه‪ ،‬فال تُْندَبُ أخْرى من املخاطَب قَبْلَ قُبوله كما‬
‫صحَّحه يف املنهاج بل ُيسَْتحَبُّ تَرْكُها خُروجاً مِنْ خِالفِ مَن أبْطلَ هبا‪ ،‬كما صَرَّح‬
‫به شيخنا وشيخه زكريا رمحهما اهلل لكن الذي يف الروضة وأصلها َندْبَها‪ .‬وُتسَنُّ‬
‫حل ْمدِ والثَّناءِ على اهلل تعاىل‪،‬‬ ‫خطبة أيضاً قَبْل اخلِطبة‪ ،‬وكَذا قَبْل اإلِجابَة‪ ،‬فَيَبْدأُ كل با َ‬
‫بالتقْوى‪ ،‬مث يقول‬ ‫اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلم مث يوصي َّ‬‫مث بالصَّالة والسَّالم على رَسولِ َّ‬
‫يف خِطْبَة اخلُطْبَة‪ :‬جِئْتُكُم رَاغِباً يف كَرميَتِ ُكمْ أو فتاتِكم وإن كان وكيالً‪ :‬قال‪:‬‬
‫جاءَكم موكِّلي‪ ،‬أو جئْتُكم عنه خاطباً كرميتِكُم‪ ،‬فيخطب الويل أو نائبه كذلك‪ ،‬مث‬
‫يقول لست مبرغوب عَنْك‪ .‬وُيسْتَحبُّ أن يقول قبل العقد ُأزَوِّجُكَ على ما أمرَ اللَّهُ به‬
‫عزَّ وجلَّ من إِمساكٍ مبعْرُوفٍ أو تَسريحٍ بإِحْسانٍ‪.‬‬
‫[فروع]‪َ :‬يحْرُم َّالتصْريحُ بِخطَبةِ املعْتَدَّة من غريه رَ ْجعِيَّة كانت أو بائِناً بِطَالقٍ أو‬
‫َفسْخٍ أو َموْت‪ .‬وَجيوزُّ التَّعريضُ هبا يف عِدَّة غري رِ ْجعِيَّة‪ ،‬وهو‪ :‬كأَْنتِ جَميلَة‪ ،‬ورُبَّ‬
‫راغب فيكِ‪ .‬وال حيلُّ خِطَبة املطلقة منه ثالثاً حىت تَتَحلَّل وتَْن َقضِي عِدَّة احمللِّل إن طَلَّق‬
‫رَ ْجعِياً‪ ،‬وإِالَّ جاز التعْريضُ يف عِدَّة احمللل‪ .‬وَيحْرُم على عاملٍ خبُطْبَةِ الغَيْرِ واإلِجابة لهُ‬
‫ت وقد صَرَّح َلفْظاً بإِجابَتِه إِال بإِذْنِه‬ ‫خُطْبَةً على خُطْبَةِ من جازَتْ خُطْبَتُه وإن كَرِ َه ْ‬
‫لَهُ مِنْ غري خوْفٍ وال حَياءٍ‪ ،‬أو بإِعْرَاضِهِ‪ :‬كأن طالَ الزَّمنْ َب ْعدِ إِجابَتِه‪ ،‬ومنه َسفَرُه‬
‫البَعيدُ‪ .‬ومن استُشريَ يف خاطِب أو حنوِ عالِم يريد االجتماعَ بِه ذكر وجوباً مُساوِيَه‬
‫صدْق‪َ :‬ب َذالً للنَّصيحَةِ الوَاجِبَة (وديِّنَة) أي نِكاحَ املرأةَ الدَّيِّنة اليت وُ ِجدَت فيها صفة‬ ‫ِب ِ‬
‫العدالة أوىل من نكاح الفا ِسقَة ولو بغري حنو زنا‪ ،‬للخرب املتفق عليه "فاظفر بذات‬
‫الدين" (ونسيبة) أي معروفة األصْل وَطِيبَتِه لِنسْبتها إىل العُلماء والصُّلحاء أوىل من‬
‫غريها‪ :‬خلرب‪" :‬ختريوا لنطفكم وال تضعوها يف غري األكفاء" وتُكره بنت الزنا‬
‫‪120‬‬
‫والفاسِق‪( ،‬ومجيلة) أوىل‪ :‬خلرب‪" :‬خري النساء من َتسُرُّ إذا نَظَرْتَ" (و) قرابة (بعيدة)‬
‫الشهْوةِ يف القَريبَة فَيجيءُ الولد‬ ‫عنه ممن يف نسبه أوىل من قرابة قريبةٍ وأجنبيَّة لضُعفِ َّ‬
‫حنيفاً‪ .‬والقريبة من هي يف أوّل درجات العُمومَة واخلوولَة‪ ،‬واألجنبية أوىل من القَرابَةِ‬
‫القَريبَة‪ .‬وال يشكل ما ذكر بِتَزوُّج النيبِّ زينب مع أهنا بنت عمته ألنه تزوّجها بياناً‬
‫للجواز‪ ،‬وال بتزوّج عليّ فاطمة رضي اهلل عنهما ألهنا بعيدَة إذ هي بنت ابن عمه‪ ،‬ال‬
‫بنت عمه‪( ،‬وبكر) أوىل من الثِيَّب‪ ،‬لألمر به يف األخبار الصحيحة‪ .‬إال ِل ُعذْر‪:‬‬
‫َكضُعْفِ آلَتِه عن ا ِإلقْتِضاض‪( ،‬ووَلودٍ) ووَدودٍ (أوْىل) لألَمر هبما‪ .‬وُيعْرفُ ذلك يف‬
‫خللُق‪ ،‬وأن ال تكونَ ذاتَ‬ ‫البِكْرِ بِأقارِهبا‪ ،‬واألوْىل أيضاً أن تَكونَ وافِرَة ال َععْل و َحسَنَة ا ُ‬
‫َوَلدٍ من غريه إال لِمصَْلحَة‪ ،‬وأن ال تكونَ َشقْراء وال طويلة مهزولة للنَّهي عن‬
‫نِكاحِها‪ .‬وحمل رعاية مجيع ما مرّ حيث مل تتوقف العِفَّة على غري متَّصفه هبا‪ ،‬وإال‬
‫فهي أوىل‪ .‬قال شيخنا يف شرح املنهاج‪ :‬ولو تعارضت تلك الصفات فالذي يظهر أنه‬
‫ُيقَدِّم الدِّين مُطْلَقاً‪ ،‬مث ال َعقْل و ُحسْنَ اخلُلُقِ‪ ،‬مث الوالدَة‪ ،‬مث َّالنسْب‪ ،‬مث البِكارَة‪ ،‬مث‬
‫سبِ اجتهادَه‪ .‬انتهى‪ .‬وجَ َزمَ يف شرح اإلِرشادِ‬ ‫صَلحَة فيه أ َظهْر حب َ‬‫اجلمَالَ‪ ،‬مث ما ا َمل ْ‬
‫بَِت ْقدِمي الوِالدَة على ال َعقْل‪ .‬وَندَب للوَيل عَ ْرضَ موليتَهُ على ذَوي الصَّالح‪ .‬ويُسنُّ أن‬
‫صدَ بِه طاعَةً من حنو ِعفَّة أو‬ ‫يَنْوي بالنِّكاح السُّنة وصون دينِه‪ .‬وإمنا يُثابُ عَلَيْهِ إن قَ َ‬
‫جل ُمعَة وأوَّل النَّهار ويف شوَّال‪ ،‬وأن‬ ‫َوَلدٍ صاحل‪ .‬وأن يكون العَقْد يف املسْجِد ويومَ ا ُ‬
‫َيدْخُلَ فيهِ أيضاً‪.‬‬
‫(أركانَه) أي النِّكاحُ َخمْسة‪( :‬زوجة‪ ،‬وزوج‪ ،‬وويل‪ ،‬وشاهدان‪ ،‬وصيغة‪ .‬وشرطٌ‬
‫فيها) أي الصِّيغَة (إجيابٌ من الويلِّ) وهو (كزوجتك أو أَنْ َكحْتُكَ) مولِيَيت فالنة‪ ،‬فال‬
‫يصح اإلِجياب إال بأ َحدِ هذين اللفظني‪ ،‬خلرب مسلم‪" :‬إتقوا اهلل يف النساء فإِنكم‬
‫أخذمتوهن بأمانة اهلل‪ ،‬واستحللتم فروجهن بكلمة اهلل" وهي ما ورد يف كتابه‪ ،‬ومل‬
‫يَرِد فيه غريمها‪ .‬وال يصح بأزوّجك أو أنكحك على األوجه‪ ،‬وال بكناية كأحْلَلْتُكَ‬
‫ابنتَي أو َع َقدْتُها لك (وقبولٌ متصل به) أي باإلِجياب من الزوج وهو (كتزوجتها أو‬
‫نكحتها) فال بدّ من دالَ عليها من حنو اسم أو ضمريٍ أو إشارةٍ (أو قبلتَ أو رضيت)‬
‫على األصح خالفاً للسَّبكي ال فَع ْلتُ (نِكاحِها) أو تَزْوجيِها أو قَبِلتُ النكاح أو‬
‫التزويج على املعتمد ال قَبِ ْلتُ وال قَبلتُها مطلقاً أي املنكوحَةَ وال قبلتَه أي النِّكاح‬
‫واألوىل يف القبول‪ :‬قبلتُ نِكاحَها ألنه القبولُ احلقيقي (وصَحَّ) النِّكاحُ (بَتَرجَمةٍ) أي‬
‫حسِنُ العربية لكن ُيشْتَرطُ أن يأيت مبا يعُدَّه‬ ‫اللفْظَيْنِ بأيِّ لغةٍ ولوْ ممَّن ُي ْ‬
‫تَرْجَمةِ أ َحدِ َّ‬
‫أهل تلك اللَّغة صرحياً يف ُلغَتِهم‪ .‬هذا إن َف ِهمَ كل كالمَ ن ْفسِه وكالمَ اآلخَرِ‬
‫العالمَة التَّقي السَّبكي يف شرح املِنهاج‪ :‬ولو تَواطأ أهْل قُطْرٍ على‬ ‫والشَّاهِدان‪ .‬وقال َّ‬
‫ل ْفظٍ يف إِرادَةِ النِكاحِ من غري صريحِ تَرْجَمتِه مل يْن َع ِقدَ النِّكاح به‪ .‬انتهى‪ .‬واملراد‬
‫بالترمجة تَرَ َج َمةُ َمعْناه اللَّغوي كالضَّم‪ ،‬فال ينعقد بألفاظٍ اشُْتهِرَت يف بعض األقْطار‬
‫لإلِنْكاح كما أفىت به شيخنا املُحقق الزمزمي ولو َعقَد القاضي النِّكَاحَ بالصيغَةِ‬
‫جمَي ال َيعْرِفُ معناها األصْلي بَل يعرف أهنا موضوعَة ِل َعقْد النّكاح صحَّ‬ ‫العربية لِع َ‬
‫كذا أفىت به شيخنا‪ ،‬والشيخ عطية وقال يف شرحَيْ اإلِرشاد واملنهاج‪ :‬أنه ال يضرُّ‬
‫حلن العامي كفتح تاء املتكلم‪ ،‬وإبْدالِ اجليم زاياً‪ ،‬أو عَ ْكسَه‪ .‬ويْن َع ِقدُ بإِشارَةِ أخْرَس‬
‫مفهمةً وقيل ال ينْع ِقدُ النِّكاحَ إال بالصِّيغَةِ العَرَبِيَّة‪ .‬فعليه يصْبِرُ عند ال َعجْزِ إىل أن يتعلم‬
‫أو يُوكِّل‪ .‬وحُكِيَ هذا عن أمحد‪ .‬وخرج بقويلَ متصل ما إذا ختلل لفظُ أجنيب عن‬
‫العَقْد وإن قَلَّ‪ :‬كأَنكحْتُكَ ابنَيت فاسْتَ ْوصِ هبا خرياً‪ .‬وال يضر ختُلّلُ خِطْبَةٍ خفيفة من‬
‫الزوْج‪ ،‬وإن قلنا بعدم اسِْتحْباهبا خالفاً للسَّبكي وابن أيب الشَّريف وال فقل قبلتُ‬ ‫َّ‬

‫‪121‬‬
‫نكاحَها ألنه مِن مُقْتَضى العقد‪ .‬فلو أوْ َجبَ مث ر ِجعَ عن إِجيابِه أو رَ َجعَت اآلذِنة يف‬
‫إِذَهنا قبل القبُول أو جنت أو ارَْتدَّت امتَنع القُبول‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو قال الوَيل زوَّجْتكها بِمهْرِ كذا‪ ،‬فقالَ الزَّوجُ قَبِ ْلتُ نِكاحَها ومل يقُل‬
‫على هذا الصَّداق‪ :‬صَح النّكاح َمبهْرِ املِثْل خالفاً للبارِزي (ال) َيصِحُّ النّكاحَ مع‬
‫(تعليق) كالبَْيعِ بل أوْىل الخِتصَاصِه مبزيد االحْتياط‪ :‬كأنْ يقولَ األبُ لآلخَرِ إن‬
‫كانَت بِنْيت طُلّقت أو اعْتَدَّت فقد زوّجْتَكَها فقبِل مث بانَ اْنقِضاءُ عِدَّهتا وأهنا أذَنت له‪:‬‬
‫فال يصحُّ لفِسادِ الصِّيغَة بالتَّعليق‪ .‬وحبَث بعضهم الصِّحة يف إن كانت فُالنة مولييت‬
‫فقد زوّجْتَكها ويف زَوَّجتُكَ إن شِئْت كالبَيْع‪ :‬إذ ال تعليقَ يف احلقيقة‪( ،‬و) ال مع‬
‫(تأَقيتٍ) للنِّكاح ِب ُمدّةٍ معلومَة أو مَجهُولة فَي ْفسُد ِلصِحَّةِ َّالنهْي عن نِكاحِ املتعْة وهو‬
‫ا ُملؤَقَّت ولوْ بألْفِ سَنَة وليسَ منْه ما لو قال زَوَّجتَكها مدّة حياتِك أو حياهتا ألنه‬
‫سبَ والعِدَّةَ‪،‬‬ ‫مقتضى العَقْد‪ ،‬بل يَبْقى أثَرُه بعدَ املوْت‪ ،‬ويلزمُه يف نكاح املتْعةِ املهْرَ و َّالن َ‬
‫سقُط احلَدُّ إن ُعقِد بويل وشاهِدَيْن فإِن ُع ِقدَ بَيْنَه وبَيْنَ املرأة وَ َجبَ احلمد إن‬ ‫وي ْ‬
‫وُطىء‪ :‬وحيث و َجبَ احلدُّ مل يثْبُت ا َملهْرُ وال ما بَ ْعدَه ويْن َع ِقدُ النِّكاحَ بال ذِكْرِ َمهْرٍ‬
‫يف ال َعقْد بل ُيسَنُّ ِذكْرُه فيه‪ .‬وكُرِهَ إخالؤه عنه‪ .‬نعم‪ ،‬لو زَوَّج أمتَهُ ُبعَيْده مل ُيسْتَحَب‬
‫(و) شُرِطَ (يف الزوجة) أي املنكوحَة (خُلوٌّ مِن نِكاحٍ وعِدَّةٍ) مِن غَيْرِه (وتعينيٍ) لَها‪.‬‬
‫فزوَّجْتُكَ إحْدى بَنايت باطِلٌ ولو َمعَ اإلِشارَة‪ ،‬ويكفي التَّعينيُ بوصْفٍ أو إشارةٍ‬
‫كزوَّجتُكَ بِنيت وليس له غريها أو اليت يف الدَّارِ وليسَ فيها غريَها أو هذه وإن سَماها‬
‫بغري ا ْسمِها يف الكُلِّ خبالفِ زَوَّجْتُكَ فاطمة وإن كان ا ْسمَ بِنْتِه إال إن َنوَياها‪ .‬ولو‬
‫قال زوَّجْتُكَ بنيت الكُبْرى ومسَاها باسم الصُّغرى صحّ يف الكُبْرى ألن الكِبَر صِفةٌ‬
‫قَائمَة بِذاتِها‪ ،‬خبالفِ اإلِسْم فقُدِّمَ عليه‪ :‬ولو قال‪ :‬زوَّجْتُكَ بِنْيت خَدجية فبانت بنْتُ‬
‫ابْنِه صح إن نَوياهَا أو عيَّنها بإِشارَة أو مل ُيعْرَفْ لصِلْبه غريَها‪ ،‬وإال فال (و) شَرَط‬
‫فيها أيضاً (عدم مَح ُرمِية) بينها وبني اخلاطب (بنسب فيحْرُم) به آخر آلية‪{ :‬حرّمت‬
‫عليكم} (نساء قرابة غري) ما دخل يف (ولد عمومة وخؤولة) فحينئذٍ َيحْرُم نِكاحَ أمّ‬
‫جلدّة من اجلهتني‪،‬‬ ‫وهي من ولدتْك‪ ،‬أو ولدت من ولدك ذكراً كان أو أُنثى وهي ا َ‬
‫وبنت وهي من ولدهتا أو ولدت من ولدها ذكراً كان أو أنثى ال خملوقة من ماء زناه‬
‫وأخت‪ ،‬وبنت أخ‪ ،‬وأخت‪ ،‬وعمة وهي أخت ذكر ولدك‪ ،‬وخالة وهي أخت أنثى‬
‫ولدتك‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو تزوَّج جمهولَة النَّسب فاستَلْحقَها أبوه ثَبَت نَسبُها وال يَْنفَسخَ النّكاحَ‬
‫إن كذَّبه الزوج‪ ،‬ومثْله عكْسه بأن تَزوَّجت جمهوالً فاستلْحقه أبوها ومل تصدقه (أو‬
‫رضاع فَيحْرُم به) أي بالرِّضاع (منْ َيحْرُم بَنسَب) للخرب املتفق عليه‪" :‬وَيحْرُم من‬
‫سبٍ أو‬ ‫ضعَةً من َوَلدِك منْ َن َ‬ ‫ضعَتُها ومر ِ‬‫ضعَتُكَ ومُ ْر ِ‬ ‫سبِ" فمُ ْر ِ‬
‫الرِّضاعِ ما َيحْ ُرمُ منَ َّالن َ‬
‫ضعَتَك أو ذا لَبْنَها أمك من رضاع‪ ،‬واملرتضعة بلبنك ولنب‬ ‫رِضاعٍ وكل منَ ولدت مر ِ‬
‫فِرْعِك َنسَباً أو رِضاعاً وبِنْتها كذلك وإن َسفَلت بنْتُك‪ ،‬واملرَتضِعة بلنب أحد أبويك‬
‫نسباً أو رضاعاً أختك‪ .‬وقس على هذا بقَيَّة األصناف املتقدمة‪ .‬وال ُيحْرُم عليك‬
‫ضعَةِ وَلدَكَ وبنْتَها‪ ،‬وكذا أخت‬ ‫ضعَت أخاكَ أو وَلد وَلدك وال أمَّ مر ِ‬ ‫برِضاع من أ ْر َ‬
‫أخيك ألبيك أو ألمك من نسب أو رضاع‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬الرضاعُ ا ُملحَرَّم وصولُ لَنبَ آ ُدمِيَّة بََل َغتْ سِنَّ حيْضٍ‪ ،‬ولو قطرة‪ ،‬أوْ‬
‫خمتلطاً بغريه وإن قلّ جوفُ رَضيعٍ مل يبلغ حولني يقيناً مخس مرات يقيناً عرفاً‪ ،‬فإِن‬
‫ضعَة ثُمَّ عَاد إليه فيهما‬ ‫قَ َطعَ الرَّضيعُ إعْراضاً وإن مل يشَتَغل بشيء آخر أو قَطَعتْه امل ْر ِ‬
‫فوراً فرضعتان‪ ،‬أو قطعه لنحو َلهْو كََن ْومٍ خَفيف وعادَ حاالً أو طال والثَّدي بفمه أو‬
‫شغْلٍ َخفِيفٍ مث عادَتْ إليْهِ فال تعدُّد يف‬ ‫حتوّل ولو بتحويلها من ثَديٍ آلخر أو قَ َطعَتْهُ ِل ُ‬
‫‪122‬‬
‫ضعَةُ أُمَّه‪ ،‬وذو اللَّنب أبَاه‪ .‬وَتسْرِي احلُرْمة من الرَّضيع إىل‬ ‫مجيع ذلك‪ ،‬وتَصري املُ ْر ِ‬
‫أُصولِهما وفروعِهما وحواشِيهما َنسَباً ورِضاعاً‪ ،‬وإىل فروعِ الرَّضيع ال إىل أصولِه‬
‫ُرمَ‬
‫وحواشيه ولو أقرّ رَجَلٌ وامرأة قبلَ العَقْد أن بَيْنهما أُخوَّة رِضاع وأمكن ح ِّ‬
‫تنا ُكحِهما‪ ،‬وإِن رَجِعا عن اإلِقرارِ أو ب ْعدَه فهو باطِل‪ ،‬فيفرَّق بينهما‪ .‬وإن أَقرَّ به‬
‫فأنكرت صدَق يف حقه‪ ،‬ويفرق بينهما أو أَقرَّت بِه دوَنهُ‪ .‬فإِن كان ب ْعدَ أن عيَّنتْهُ يف‬
‫اإلِذْن للتَّزْويجِ أو مكَّنته من وطئِه إياها مل ُيقْبَلْ قوهلا‪ ،‬وإال صدَقت بيمينها وال ُتسْمع‬
‫دعوى حنو أب حمرمِيّةٍ بالرضاع بني الزوجني‪ .‬ويثْبُتَ الرّضاع برجل وامرأتني‪ ،‬وبأربع‬
‫ِنسْوةٍ ولو فيهن أمُّ املرضعة إن شهدت حسبة بال سبق دعوى كشهادة أب امرأة‬
‫وابنها بطالقها كذلك‪ .‬وتُقبَل شَهادَةُ مُ ْرضِعة مع غريها مل تطلب أجْرَة الرضاع وإن‬
‫ضعْتُها‪ .‬وشَرطَ شَهادَة الرِّضاعِ ذِكرَ وقْتَ الرِّضاع‪،‬‬ ‫ذكرت فعْلها كأشهد أين أرْ َ‬
‫ضعَةِ‪ .‬وُيعْرفُ بنظر حَلْب‬ ‫و َعدَدِه‪ ،‬وتفَرُّقَ املرَّات‪ ،‬ووصولِ اللَّبَن إىل ج ْوفِه يف كلِّ َر ْ‬
‫وإجيار وازدراد‪ ،‬وبقرائن كامِتصاصِ َثدْي وحَ َركَةِ حَلَقةٍ بعد عِلمِه أهنا ذاتَ لَنبَ وإال‬
‫مل يَحلُّ له أن يشْهد ألن األصْل عَدمَ اللَّنب‪ .‬وال يكفي يف أَداءِ الشهادة ذكرَه القرائن‬
‫بل يعتمدها وجيزم بالشهادة‪ .‬ولو شهد به دون النِّصاب أو َوقَع شَكٌّ يف متام‬
‫الرضعات أو احلولني أو وصول اللنب إىل َجوْفِ الرَّضيع مل َيحْ ُرمْ النّكاح‪ ،‬لكن الوَرعَ‬
‫اإلِجتناب وإن مل ُتخْربه إال واحدة‪ .‬نعم إن صدقها يوم األخذ بقوهلا وال يثبت اإلِقرار‬
‫بالرضاع إال برجلني عدلني (أو مصاهرة) حمرم زوجة أصل من أب أو جدّ ألب أو أم‬
‫وإن عال من َنسَب أو رِضاع‪( ،‬وفصل) من ابن وابنه وإن َسفُل مِْنهُما‪( ،‬وأصل‬
‫زوجة) أي أُمَّهاهتا بَنسَب أو رِضاعٍ وإن عَلت وإن مل يدخُلْ هبا لآلية‪ .‬وحِ ْكمََتهُ‬
‫الزوْجَة فحَ ُرمَت كسابقتيها بنفس العقد‬ ‫ابْتِالءُ الزَّوج مبُكاملَتِها واخلُلوة لتَرتيب أمْر َّ‬
‫ليتمكن من ذلك‪.‬‬
‫(واعلم) أنه يعترب يف زوجيت األب واالبن ويف أم الزوجة عند عدم الدخول هبن‬
‫أن يكون العقد صحيحاً (وكذا فصلها) أي الزوجة بنسبٍ أو رِضاعٍ ولو بواسِطةٍ‬
‫سِواءَ بِنتَ ابنها وبنت ابنتها وإن َس ُفلَت (إن دخل هبا) بأن وَطِئَها ولو يف الدُّبُر وإن‬
‫كانَ العَ ْقدُ فاسِداً‪ ،‬وإنْ مل يَطَأها مل َتحْرم بِنْتَها خبالف أمِّها‪ .‬وال َتحْرُم بْنتُ زوْج‬
‫األُمِّ وال أم زوجَةِ األب واالبْنِ‪ .‬ومَن وَطِىءَ امْرأةً ِبمُلْكٍ أو شُبْهَةٍ منه كأنه وَطِىءَ‬
‫بفا ِسدِ نكاحٍ أو شِراءٍ أو بِظَنِّ زوجة حرُم عليه أمَّهاتُها وبناتُها وحَرمِّت على آبائه‬
‫وأبنائه ألنَّ الوَطْءَ ِبمُلْكِ اليَمني نازِلٌ مبَنْزِلة عقد النّكاح وبشبهة يثُبتُ النَّسب والعِدَّة‬
‫الحْتِمالِ َحمْلِها منه سواء أوْجد مِنْها شُبْهة أيضاً أم ال لكن َيحْرُم على الواطِىءِ‬
‫ِبشُْبهَةِ نَظَر أم املوْطُوءة وبنتها ومَسَّهما‪.‬‬
‫سوَةٍ غري َمحْصوراتٍ بأن َي ْعسُر عَدُّهُنَّ على‬ ‫[فرع]‪ :‬لو اختطلت ُمحَرَّمة بِن ْ‬
‫اآلحاد كألف امرأة نكح من شاء منهن إىل أَنْ تَبْقى وا ِحدَةٌ على األرْجَحِ وإنْ قُدِّرَ‬
‫ولو بسُهولةٍ على مُتَيقِّنةٍ احلَلُّ أوْ بِمحْصوراتٍ ك ِعشْرِينَ بل مائَةً مل يَنْكِح مِْنهُنَّ شيئاً‪.‬‬
‫سوْداءَ اختلَطَت مبن ال سَوادَ فيهنَّ مل َيحْرُم غَيْرها كما‬ ‫نعم إن قَطَع بتميُّزِها َك َ‬
‫اسْتظهره شيخنا‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬اعْلم أنه ُيشْتَرطُ أيضاً يف املَنكوحَةِ َكوْنُها مُسِْلمَة أو كِتابِيَّة خاِلصَة ذِميَّة‬
‫كانت أو حربيَّة‪ ،‬فَيحِلُّ مع الكَراهَة نِكاحَ االسْرائيلية بشرط أن ال يُعلمَ دُخول أوَّلَ‬
‫آبائِها يف ذلك الدين بعد بعثَة عيسى عليه السالم وإن ُعِلمَ دخوله فيه بعد التحري‪،‬‬
‫ونكاح غريها ِبشَرْطِ أن يعلمَ دُخولُ أوَّل آبائِها فيه قبْلها ولو بعد َّالتحْريف إن جتنَّبوا‬
‫ا ُملحَرَّف‪ ،‬ولو أسْلم كتايبٌّ وحتته كتابية دام نِكاحُه وإن كان قبل الدخول أو وثين‬
‫وحتته وثنية فتخلَّفت قبل الدخول تنجزت الفِرقة أو بعده وأسْلمَت يف العدَّة دامَ‬
‫‪123‬‬
‫نِكاحهُ‪ ،‬وإال فالفِرقَة من إسالمه‪ .‬ولو أسلمت وأصَرَّ على ال ُكفْر‪ :‬فإِن دخل هبا وأسلم‬
‫يف العدّة دام النِّكاح‪ ،‬وإِالَّ فالفِرقَةَ من إِسْالمِها‪ .‬وحيثُ أ َدمْنا ال َيضُرُّ مُقارَنَة ُمفْسدٍ‬
‫هو زائِل عِْندَ اإلِسْالم فَُتقِرُّ على نِكاح يف عِدَّةٍ هي مُْن َقضِيَةً عندَ اإلِسْالم وعلى َغصْبِ‬
‫حَريبَ ِلحَرَبيَّة إن اعتقدوه نِكاحاً‪ .‬وكال َغصْب املطاوعَة‪ .‬قاله شيخنا‪ .‬وَنِكاحُ الكفَّارِ‬
‫صحيحٌ‪ ،‬على الصحيح‪ ،‬وال يصِحُّ نكاح اجلنِّيَّة كعكسه على ما عليه أكثر املتأخرين‪.‬‬
‫(و) شرط (يف الزوج تعيني) فزَوَّ ْجتُ بِنتَي أحدَكما باطِل ولو مع اإلِشارة (وعدَم‬
‫سبٍ أو رِضاع (َتحَته) أي الزوجَ‬ ‫ُمحرَّمة) كأ ْختٍ أو عَمَّة أو خالَة (لل َمخْطوبَة) بَِن َ‬
‫كالزوْجة بدليل التَّوارُث‪ .‬فإِنْ نكحَ ُمحَرَّميْن يف‬ ‫ولو يف العدَّة الرَّجْعيَّة ألن الرَّجعِيَّة َّ‬
‫عقْد بَطَل فيهما‪ :‬إذ ال مرجح‪ ،‬أو يف عقدين بطل الثاين‪ .‬وضاِبطُ من ُيحَرِّم اجلمعَ‬
‫حهِما إن فُ ِرضَت إحداهُما َذكَراً‬ ‫سبٌ أو رِضاع يُحرِّم تنا ُك ِ‬ ‫بَيَْنهُما كل امرأتني بينهما ن َ‬
‫وُيشْتَرط أيْضاً أن ال تَكونَ تَحتَه أرَْبعَ مَن الزَّوجاتِ سوى املخطوبَة ولو كان بعضهُن‬
‫يف العدّة الرَّجعيَّة ألن الرجعية يف حكم الزَّوجِة‪ ،‬فلو نَكحَ احلرَّ مخساً مرتباً بَطُلَ يف‬
‫اخلامسة أو يف َعقْدٍ بطُلَ يف اجلميع أو زاد العبد على الثنتني بطل كذلك‪ .‬أما إذا‬
‫الزوْجات األربعة يف العدّة البائِنِ فيصحُّ نِكاحُ‬ ‫كانَت احملرَّمة للمخطوبة أو إحدى َّ‬
‫حمرَّمتِها واخلَامسة ألن البائِنَة أجْنَبيَّة (و) شرطٌ (يف الشَّاهدين أهلية شَهادة) تأيت‬
‫شروطها يف باب الشهادة وهي حرية كاملة وذكورَةٌ حمققة وعَدالةٌ ومن الزَمَها‬
‫اإلِسْالمُ والتَّكليفُ و َس ِمعٍ ونُطْقٍ وبَصرٍ ملا يأيت أن ا َألقْوال ال تثبت إال باملعاينة‬
‫والسَّماع‪ .‬ويف األعمى وجه ألنه أهلٌ للشَّهادة يف اجلملة‪ ،‬األصح ال وإن عَرفَ‬
‫الزوْجني‪ ،‬ومْثِلَه مَن بِظُ ْلمَةٍ شديدة و َمعْ ِرفَةِ لسانِ املُتعاقِدين‪( .‬وع َدمِ تَعيُّنِهما) أو‬ ‫َّ‬
‫أ َحدِمها (للوالية) فال يصِحُّ النِّكاحَ حبضْرَةِ عَْبدَينٍ أو امْ َرأَتَيْن أو فا ِسقَيْن أو أصَمَّيْن أو‬
‫أخْرَسَيْن أو أ ْعمَييْن أو من مل يْفهم لِسانَ املتعاِقدَيْن وال حبضْرة متعيَّن للوِالية‪ .‬فلو‬
‫وكِّل األبُ أو األخُ املنفرِد يف النّكاح وحضَر مع اآلخر مل يصح ألنه ويل عاقِد فال‬
‫يكون شاهِداً‪ .‬ومن مث لو شهد أخَوانِ من ثالثة وعقد الثالث بغري وكالة من أحدمها‬
‫صحَّ‪ ،‬وإال فال‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬ال َيشْتَرِطُ اإلِشْهادَ على إِذنِ معتربة اإلِذن ألنه ليسَ ُركْناً لل َع ْقدِ‪ ،‬بل هو‬
‫شَرْطٌ فيه‪ ،‬فلم جيَب اإلِشْهادَ عليه إن كان الويلّ غري حا ِكمٍ وكذا إن كان حاكِماً‬
‫صيبّ أرسَله الويلُّ إىل‬ ‫على األوْجُه‪ .‬ونقل يف البحر عَنِ األصْحابِ أنه جيوزُ اعِْتمَادَ َ‬
‫ليزوجَ مَولِيتَه‪ :‬أي إن وقع يف قلبه صدقُ اخلَرب‪.‬‬ ‫غريه َّ‬
‫[فرع]‪ :‬لو زوَّجها وَليُّها قبل بُلوغ إذْنِها إليْه صحَّ على األوْجَهِ إن كانَ اإلِذنُ‬
‫سابِقاً على حاَلةِ التَّزْويج‪ ،‬ألن العِبْرَةَ يف العُقودِ مبا يف َنفْسِ األمْر ال بِما يف ظَنِّ‬
‫املُكَلَّفِ (وصح) النِّكاحَ (مبِستوري عدالة) وهُما مَنْ مل يُعْرَف هلما م ْفسِقٌ‪ ،‬كما نص‬
‫عليه‪ ،‬واعت َمدَه َج ْمعٌ‪ ،‬وأطالوا فيه‪ .‬وبَطَل السترُ بَِتجْريحِ َعدْلٍ وإذا تابَ الفاسِقُ مل‬
‫يلَتحِقْ باملستورِ‪ .‬وُيسَنُّ اسْتتابَةُ املَستورِ عند ال َع ْقدِ‪ .‬ولو عَِلمَ احلا ِكمُ ِفسْقَ الشَّا ِهدَيْن‬
‫الزوْجَيْنِ ولو قبل التْرَاُفعِ ِإلَيْهِ على األوْجَهِ‪ .‬ويصحُّ أيضاً بابين‬ ‫َلزمَهُ التفْريقَ بني َّ‬
‫الزَّوجَيْن أو َعدُوَّْيهِما‪ .‬وقد َيصِحُّ كَوْنَ األب شاهِداً أيضاً‪ :‬كأن تكونَ بنْتَه قِنَّة‪.‬‬
‫وظاهِرُ كالم احلناطي بل صرحيه أنه ال يَلْزمُ الزوّج البحثَ عن حال الويل والشُّهودُ‪.‬‬
‫سدٍ لِل َعقْد (وبَانْ بُطْالنَهُ) أيْ النِّكاحَ‬ ‫قال شيخنا‪ :‬وهو كذلك إِن مل يظن وجودَ م ْف ِ‬
‫(حبُجَّةٍ فيه) أي يف النّكاحِ من بَيِّنة أو عِلْم حاكِم (أو بإِقرارِ ال ّزوْجيَنِ يف حقهِّما مبا‬
‫مينعُ صحَّتهُ) ك ِفسْقِ الشَّاهِد أو الوَيل عند العَقْد والرِّق والصِّبا هلما وكوقوعِه يف‬
‫العِدَّة‪ .‬وخرج بفي حقِّهما حقُّ اهلل تعاىل كأن طلقها ثالثاً مث اتفقا على فسادِ النِّكاحِ‬
‫للت ُهمَة‪،‬‬‫ِبشَيءٍ مما ُذكِرَ وأرادَ نِكاحاً جديداً فال يُقيَلُ إقْرَارَهُما‪ ،‬بل ال بدَّ منْ ُمحَلّلٍ ُّ‬
‫‪124‬‬
‫حلسْبة فُتسْمَع‪ .‬نعم حمل عدم‬ ‫سمَع‪ .‬أما بيِّنة ا ِ‬‫وألنه حقُّ اهلل‪ ،‬ولو أقاما عَلَيه بيِّنة مل ُت ْ‬
‫قبول إقرارمها يف الظاهر‪ ،‬أما يف الباطن فالنظر ملا يف نفس األمْر وال يتبني البُطْالن‬
‫بإِقرارِ الشاهِدين مبا يَمنَع الصِّحة فال يؤثِّر يف اإلِبطال‪ ،‬كما ال يؤثر فيه بعد احلُكْمِ‬
‫بشهادَتِهما‪ ،‬وألن احلقَّ ليس هلما فال ُيقْبَلُ قوهلما‪ .‬أما إذا َأقَرَّ به الزَّوجُ دونَ الزوْجة‬
‫فَُيفَرَّقُ بينهما مؤا َخذَة له بإِقراره وعليه نصفُ ا َملهْر إن مل يدخل هبا وإال فكُلُّه‪ :‬إذ ال‬
‫صمَةَ‬ ‫صدُقُ هو بيمينه ألن ال ِع ْ‬ ‫يقبل قوله عليها يف ا َملهْرِ بِخالفِ ما إذا أقَرَّت به دونَهُ فَي ْ‬
‫طءٍ‪ ،‬وَعَليه إن وَطَىءَ األقَلَّ من‬ ‫بَيدِه وهيَ تريدُ َرفْعَها فال تُطالِبْهُ مبَهرٍ إن طُلِّقت قبلَ وَ ْ‬
‫صفَةٍ يف الزَّوج‬ ‫املسمَّى و َمهْرَ املِثْل‪ .‬ولو أقَرَّت باإلِذن مث ادَّعت أنَّها إمنا أذِنَت بشَرْط ِ‬
‫صدَقَتْ بيمينها فيما استَظْهرَهُ شيخنا (و) إذا اخْتََلفَا‬ ‫ومل توجَد ونَفى الز ْوجُ ذلك َ‬
‫صدََقتْ وبانَ بُطْالنُ‬ ‫فادَّعت أهنا مُحرَّمة بنحو رِضاعٍ وأنكَرَ (حََل َفتَ مَّدعِيَة حمرمية) و َ‬
‫النِّكاحِ فيُفرَّقُ بيَنهُما إن (مل تُ ْرضِه) أي الزوْج حالَ ال َع ْقدِ وال ِعقْبَه إلِجْبارِها أو أَذِنَها‬
‫يف غري مُعيَّن ومل ترض بعدَ ال َع ْقدِ بنُطْقٍ وال متْكِنيٍ الحتِمالِ ما تدَّعيه مع ع َدمِ سبق‬
‫مناَقضَه‪ ،‬فهو كقوهلا ابتداء فالنَ أخي منَ الرَّضاع فال تُزَوَّج منه‪ .‬فإن َرضَِيتَ ومل‬
‫سمَع دَعْواها (و) إن اعتذَرت ُس ِمعَت دعواها لل ُعذْرِ‬ ‫تعتذر بنحو نِسيان أو غلط مل ت َ‬
‫الزوْج (لراضِيَةٍ اعَت َذرَت) بِنسْيانٍ أو غلط (و) شرطٌ (يف الويل‬ ‫ولكن (حَلفَ) هو أي َّ‬
‫عدالةً وحريَّة وتكْليف) فال وِاليَة لفاسِقٍ غري اإلِمام األَعْ َظمِ ألن ال ِفسْقَ نقْصٌ َي ْق َدحُ‬
‫يف الشَّهادَة فَيمَْنعُ الوِاليَة كالرِّقِّ‪ .‬هذا هو املذهب للخرب الصحيح "ال نِكاحَ إال بويل‬
‫مُرشِد" أي عدل‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬إنه يلي‪ .‬والذي اختارَهُ النَّووي كابن الصالح‬
‫والسَّبكي ما أفىت به الغزايل مِنْ بَقاءِ الوِاليةِ للفاسِقِ حيث تَنَْتقِلُ حلاكمٍ فاسِق‪ .‬ولو‬
‫ُوجَ حاالً على ما اعتمده شيخنا كغريه‪ ،‬لكن الذي قاله‬ ‫تابَ الفاسِقُ َتوْبَةً صحيحة ز ِّ‬
‫الشيخان إنه ال يُزَوَّج إال ب ْعدَ اإلِسْتِبْراء‪ ،‬واعتمده السَّبْكي وال لرقيقٍ ُكلّه أو بعضه‬
‫صيبٍ وجمنون لِنَقصِهما أيضاً وإن تقْطع اجلنُونُ تغليباً لزَمنه ا ُملقْتَضِي لسَلب‬ ‫لَِنقْصه وال ل َ‬
‫العبارة فيُزَوَّج األَبْعَد زمنه فقط وال تنتظر إفاقَتَهُ‪ .‬نعم‪ :‬إن َقصُر َزمَن اجلنُون كيوم يف‬
‫شغَلُه عن النظرِ با َملصْلَحة ومُختَلِّ النَظَر‬ ‫سنة انْتُظِرَت إفاقَتَهُ‪ ،‬وكَذي اجلنُونِ ذو أَمل ي ْ‬
‫بِنَحو هَ َرمٍ ومَن به بعد اإلِفاقَة آثارُ خَبَل تو ِجبُ حِدَّة يف اخلُلُقِ (وينقل ضدّ كل) من‬
‫ال ِفسْقِ والرِّقِّ والصِّبا واجلنون (واليةً ألبعد) ال حلاكمٍ ولو يف باب الوَالء حىت لَو‬
‫أَعْتَقَ َشخْصٌ َأمَةٌ ومات عن ابن صغري وأخ كبري كانت الوالية لألخ ال للحاكم على‬
‫املعتمد‪ .‬وال والية أيضاً ألُنْثى فال تُزَوَّج امرأةٌ نفسَها ولو بإِذن من وليِّها وال بنَاتِها‬
‫خِالفاً أليب حنيفة فيهما‪.‬‬
‫صدْقها وإن كذَّهبا وليُّها ألن النّكاح حقّ الزَّوجيْن فيثْبُت‬ ‫وُيقْبَ ُل إقْرارَ مُ َكلَّفة به ل ِ‬
‫بتَصا ُدِقهِما (وهو) أي الويل (أب ف) عند عدمه حساً أو شرعاً (أبوه) وإن عال‬
‫(فيزَوَّجان) أي األب واجلدّ حيث ال عَداوَة ظاهِرَة (بِكْراً أو ثيباً بال وَطْءٍ) ِلمَنْ زالت‬
‫بِكارَتُها بنحْو ِإصَْبعٍ (ِبغَيْرِ إِذنِها) فال ُيشْتَرطُ اإلِذن منها باِلغَةً كانت أو غري بالغة‬
‫لكمال َش َفقَتِه وخلرب الدارقطين‪" :‬الثيب أحقّ بنفسها من وليها والبكر يزوّجها أبوها"‬
‫(لِكَفُءٍ) موسِر مبهْر املِثْلِ‪ ،‬فإِن زوّجها اجملْبَر أي األبُ أو اجلدُّ ِلغَيْر كَفُءٍ مل َيصِحَّ‬
‫النكاح‪ ،‬وكذا إن زوجها لغري موسِر باملهر على ما اعتمده الشيخان‪ ،‬لكن الذي‬
‫حقّقون الصِّحة يف الثانية‪ ،‬واعتمده شيخنا ابن زياد‪ .‬وُيشْترَطُ جلوازِ‬ ‫اختارَه مجع ُم َ‬
‫لصحَته كونُه َمبهْرِ املِثْل احلال مِن نَ ْقدِ البََلدِ فإِن انَْتفَيا صَحَّ َمبهْرِ‬ ‫مُباشَرَتِه لذلك ال َّ‬
‫املِثْلِ مِن َن ْقدِ البََلدِ‪.‬‬
‫جربٌ بالنِكاح لكفْءٍ قبل إقْرارِه وإن أَنْكَرَتْه ألنَّ من مَلَكَ‬ ‫[فرع]‪ :‬لو أقَرَّ ُم ْ‬
‫اإلِنْشاءَ مَلَكَ ا ِإلقْرَار‪ ،‬خبالف غريه (ال) يُزَوَّجان (ثيباً بوَطْءٍ) ولو زنا وإن كانت‬
‫‪125‬‬
‫َوجُ الثِّيب‬ ‫ثُيوبَتَها بقوهلا إن حََلفَت (إال بإِذْنِها نُطْقاً) للخَرب السابق (باِلغَةً) فال تُز َّ‬
‫الصغريةُ العاقِلَة احلرَّة حىت تبلغَ لعَدم اعتبارِ إِذْنِها‪ ،‬خِالفاً أليب حنيفة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫(وتصدَّق) املرأة البالِغة (يف) دَعْوى (بِكارَةٍ) بال ميني ويف ثُيوبَةٍ قبل عَ ْقدٍ عليها‬
‫(بيمينها) وإن مل تَتَزَوَّج ومل َت ْذكُر سبَباً‪ ،‬فال ُتسَئَل عن السَّبب الذي صارَت بِه ثيباً‪.‬‬
‫وخَ َرجَ ب َقوْيل قَبْلَ عقْد دَ ْعوَاها الثُّيوبَة بعد أن يُزَوِّجَها األبُ بغَيْرِ إذْنِها بِظنِّه بِكْراً فال‬
‫صدِيقِها من إِبْطالِ النّكاحِ مع أن األصْلَ بقاءَ البكارَة‪ ،‬بل لو‬ ‫صدُق هي ملا يف َت ْ‬ ‫َت ْ‬
‫سوَةٍ بثيُوبَتِها عْندَ العُقْد مل يبْطل الحْتِمالِ إزالَتِها بنَحْو أصُْبعٍ أو خُِلقَتْ‬ ‫َش ِهدَت أربعَ ِن ْ‬
‫بدوهنا‪ .‬ويف فتاوى الكمال الردّاد‪ :‬جيوز لألب تزويجُ صغريةٍ أخربتْهُ أن الزوْج الذي‬
‫الز ْوجُ أياماً‪ ،‬وال‬ ‫صدَق َقوْهلا وإن عاشَرَها َّ‬ ‫طلقها مل يَطأْها‪ :‬أي إذا غلب على ظنِّه َ‬
‫يُنْتَظَر بُلوغُه للتزويجِ‪ .‬مث) بعد األصل (عصبتها وهو) من على حاشيَةِ النَّسب فيقدَّم‬
‫(أخ ألبوين فأخ ألب فبنومها) كذلك فيقدَّم بنو اإلِخوة ألبوين مث بنو اإلِخوة ألب‬
‫(ف) بعد ابن األخ (عم) ألبوين مث ألب مث بنومها كذلك مث عم األب مث بنوه كذلك‬
‫وهكذا‪( .‬مث) بعد فقد ِعصْبَةِ َّالنسَب من كان ِعصْبَة ِبوَالء كترتيب ِإرْثِهم فيُقدَّم‬
‫(معتقٌ فعصْباتَه) مث مُعتِقُ ا ُملعْتِق مث ِعصْباتَه وهكذا‪( ،‬فيُزَوَّجون) أي األوْلياء املذّكورين‬
‫طءٍ نُطْقاً)‬‫على ترتيب وال (يتهم بالغة) ال صغرية خالفاً أليب حنيفة (بإِذنِ ثَْيبٍ ِبوَ ْ‬
‫خلرب الدارقطين السابق‪ ،‬ويَجوزُ اإلِذْن منها بلفظ الوكالة كوكلتك يف تزوجيي‬
‫ورَضيتُ مبن يَرْضاهُ أيب أو أمي أو مبا يفعله أيب ال مبا تفعله أمي ألهنا ال تعقد وال إن‬
‫ُزوجْ‪ .‬وكذا بأذَْنتُ له‬ ‫رضي أيب أو أمي للتَّعليق وبِرَضيتُ فالناً زوْجاً أو رضيت أن أ َّ‬
‫أن َي ْع ِق َد يل وإن مل تذكرْ نِكاحاً على ما حبث ولو قيل هلا َأ َرضِْيتَ بالتَّزْويج؟ فقالت‬
‫فءٍ وغَيْرهِ وإن بَكَت‪،‬‬ ‫ص ْمتُ بِكْرٍ) ولو عَتيقَة (استُوءْذَِنتِ) يف كَ ُ‬ ‫َرضَيْت كفى (و َ‬
‫لكن من غريِ صياح أو ضَرب حدَ‪ :‬خلرب‪" :‬والبكر ُتسْتَ ْأمَرَ‪ ،‬وإِذنُها سكوتُها" وخرج‬
‫بثيب بوطء مُزالة البِكارَة بنحو إصْبَعٍ فحَكَمها حُ ْكمَ البِكْرِ يف ا ِإلكِْتفَاءِ بالسُّكوت‬
‫ب واجلدِّ استئْذانَ البِكْرِ البالِغة تَطيْيباً خلاطِرها‪ ،‬أما الصَّغرية‬ ‫ب لأل ِ‬ ‫بعد اإلِسْتِْئذَان‪ .‬ويُْندَ ُ‬
‫فال إذن هلا وحبث ُندْبهُ يف املميزة ولغريمها اإلِشهاد على اإلِذْن‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو أَعْتَقَ َجمَاعَةٌ أمَةً اشْتُرِطَ رِضا كلِّهم فيوكِلونَ واحداً منهم أو من‬
‫غريهم‪ .‬ولو أراد أحدهم أن يَتَزوَّجَها زوَّجَه الباقون مع القاضي‪ :‬فإِن ماتَ مجيعُهم‬
‫كفى رضا كل واحد من عِصبَة كلِّ واحِد‪ ،‬ولو اجَْتمَع عدَدٌ من ُعصْباتِ ا ِملعْتِقَ يف‬
‫درجةٍ جاز أن يُزَوِّجَها أ َحدَهُم برِضاها وإن مل يَ ْرضَ الباقونَ (مث) بعدَ فَ َقدِ ُعصْبَة‬
‫النَّسَب والوَالءِ (قاضٍ) أو نائِبه لقوله‪" :‬السُّلطانُ وَيلُّ من ال وَيلَّ هلا" واملراد من لهُ‬
‫َوجُ) أي القاضي (بكَفء) ال بغَيْرِه (بالِغة)‬ ‫واليَة مِنَ اإلِمام والقضاة ونوابَهم (فَيُز ِّ‬
‫كائِنَةً يف حمل واليته حالة الع ْقدِ ولو ُمجْتازَة به وإن كان إذْنُها له وهي خارجة‪ ،‬أما‬
‫إذا كانت خارجة عن حملِّ واليته حالته فال يزوِّجَها وإن أذَنَت له قبل خُروجها منه‬
‫أو كان هو فيه ألنَ الوِاليَة عليها ال تتعلق باخلاطب‪ .‬وخرج بالباِلغَة اليتيمة فال‬
‫يزوجها القاضي ولو حنفياً مل يَأْذَنْ له سُلْطَان حنفي فيه‪ .‬وتصدق املرأة يف دعوى‬
‫البُلوغِ َبحَيْضٍ أو إمْناءٍ بال ميني‪ :‬إذ ال يعْرَفُ إال منها يف دعوى البلوغ بالسن إال ببينة‬
‫خبرية تذكر عدد السنني (و َع َدمُ َولِيِّها) اخلاص بِنَسب أو وَالءٍ (أو غابَ) أَي أقْرَبُ‬
‫صدُقُ املرأة يف دعوى غيبةِ‬ ‫أ ْولِيائِها (مَرْحَلَتَيْن) وليسَ له وكيلٌ حاضِرٌ يف التَّزْويج وَت ْ‬
‫الويل وخُلُوِّها مِنَ النِّكاح والعِدَّة وإنْ مل ُتقِمْ بيِّنة بذلك‪ .‬وُيسَنُّ طََلبُ بيِّنة بذلك‬
‫منها‪ ،‬وإال فتحْليفِها‪ .‬ولو زَوَّجَها لغِيبَة الوَيل فبانَ أنه قَريبٌ من بَلدِ العَقْد وَقْتَ‬
‫النِّكاح مل يْن َعقِد إن ثَُبتَ قرْبَه‪ .‬فال َي َقدَح يف صحة النِّكاحِ جمر قوله كنت قريباً من‬
‫البلد‪ ،‬بل ال بدّ من بيِّنة على األوجه‪ ،‬خالفاً ملا نقله الزركشي والشيخ زكريا عن‬
‫‪126‬‬
‫فتاوي البغوي (أو) غاب إىل دونِهما لكن (تعذَّر وصول إليه) أي إىل الويل (خلوف)‬
‫يف الطريق من القتل أو الضرب أو أخذ املال (أو فقد) أي الويل بأن مل يعرف مكانه‬
‫وال مَوته وال حياته بعد غيبةٍ أو حُضورِ قتال أو انْكسارِ سفينة أو أسْرَ عدوّ‪ .‬هذا إن‬
‫مل ُيحْ َكمْ مبوته‪ ،‬وإال زوَّجها األَبْعد‪( .‬أو َعضْلُ) الويل ولو مُجرب أي منع (مكَلَّفةٍ) أي‬
‫باِلغِة عاقِلَة (دعَت إىل) تَزْوجيها من (كَفُءٍ) ولو بدون َمهْر املِثْل من تزوجيها به‪.‬‬
‫يزوجُ القاضي إن عضل ُمجْبَر من تزوجيها بكُفْءٍ عَيَّنَْتهُ وقد عيَّن‬ ‫[فروع]‪ :‬ال ِّ‬
‫هو كفؤٌ آخر غري معينها وإن كان معيَّنةُ دون معيِّنها كفاءة‪ .‬وال يزوَّج غيْرَ ا ُملجْبَر‬
‫ولو أباً أو جداً بأن كانت ثيباً إال مِمَّن عَيَّنَتْه وإال كان عاضِالً‪ .‬ولو ثَبَت تواري الويل‬
‫أو َتعُزَّزه زوَّجَها احلاكِم‪ .‬وكذا يزَوِّج القاضي إذا أحْرَم الويلّ أو أراد نِكاحَها كابْن‬
‫عمّ فق َد من يساويه يف الدَّرجة و ُمعْتِقٍ فال يزوَّج األَبْعدُ يف الصُّور املذكورَة لبَقاءِ‬
‫َوجُ للقاضي أو ِط ْفلَه إذا أراد نِكاح من ليسَ هلا ويل‬ ‫ا َألقْربِ على واليَتِه‪ .‬وإمنا يُز ِّ‬
‫قاضٍ آخر مبحلِّ واليته إذا كانت املرأة يف عمله أو نائب القاضي الذي يتزوّج هو أو‬
‫طفله (مث) إن مل يوجد ويلٌّ ممن مَرَّ فيزوِّجها (حمكم عدل) حر ولته مع خاطبها أمرها‬
‫ليزوجها مِنْهُ وإنْ ملْ يَكُنْ ُمجَْتهِداً إذا مل يَكُن مث قاض ولو غري أَهْل‪ ،‬وإال فُيشْتَرَطُ‬
‫َوجُ إال ِبدَراهم‪ ،‬كما‬ ‫كَونَ احملْكم ُمجْتَهِداً‪ .‬قال شيخنا‪ :‬نعم إن كانَ احلا ِكمُ ال يُز َّ‬
‫سلمْنا أنه ال يَنْعزِلُ بذلك‬ ‫فيتجِه أن هلا أن تويل َع ْدالً مع وُجودِه وإن َّ‬ ‫َحدَث اآلن َّ‬
‫بأن عَلِم موليُّه ذلك منه حال َّالت ْولِية‪ .‬انتهى‪ .‬ولو وَطَىء يف نِكاح بال وَيلِّ كأن‬
‫زَوَّجت نفسها ومل حيْكُم حاكِمٌ بصحَّتِه وال بُبطْالنِه ل ِزمَهُ َمهْرَ املِثْلِ دون املسمى‬
‫سقُط عن َد احلدِّ‪( .‬و) جيوزُ (لقاضٍ تَزْويجَ من‬ ‫لفسادِ النّكاح وُيعْزرُ به ُمعَْت ِقدٌ حترميه وَي ْ‬
‫قالت أنا خليةِ عن نِكاحَ وعِدَّة) أو طلَّقين زوجي واعتدَدْت (ما مل ُيعْرف هلا َزوْجاً)‬
‫صحَّة‬ ‫مُعيَّناً (وإال) أي وإن عُرف هلا زوْجاً باسْمه أو شخصه أو عيّنَته (شرط) يف ِ‬
‫تَزْويج احلا ِكمِ هلا دون الويل اخلاص (إثْباتُ لفِراقِه) بَنحْو طَالقٍ أو َموْتِ سواءً‬
‫أَغَابَ أمْ َحضَر وإنَّما فَرَّقوا بَيْن املُعيَّن وغريهِ مع أن املدَارَ والعِ ْلمَ َيسْبقُ الزَّوْجيَّة أو‬
‫ِب َع َدمِه حىت ي ْعمَل با َألصْل يف كلّ مْنهُما ألن القاضي ملا تعيّن الزوْج عنْده بامسِه أو‬
‫الزوْجيَّة فاشْتَرط الثُّبوتُ‪ ،‬وألنَّها ملا‬ ‫خصِهِ تأَكَّد له اإلِحْتِياطْ وال َعمَل بأصْلِ بقاءِ َّ‬ ‫شْ‬
‫ُذكِرَت معيناً باسْم العِلْم كأنَّها ادَّعت عليه‪ ،‬بل صرَّحوا بأهنا دَعْوى عليه فال بدَّ من‬
‫الزوْجيّة من غري تعيني مبا ذكر فاكتُفي‬ ‫إِثْباتِ ذلك بِخالفِ ما إذا عُرِفَ مُطْلقُ َّ‬
‫بإِخبارِها باخللوِّ عن املوانِع‪ .‬لقول األصْحابِ‪ :‬إن العِبْرة يف العُقودِ ِب َقوَلِ أرْباهبا‪ .‬وأما‬
‫صدَقها وإن عُرِفَ َزوْجَها األول من غَيْرِ إِثباتِ طالقٍ وال‬ ‫الوَيل اخلاصْ فيُزَوِّجَها إن َ‬
‫يَمنيٍ‪ ،‬لكنْ يُسَنُّ له كقاضٍ مل َيعْرفْ زوْجَها طلبَتْ إِثْباتُ ذلك‪ ،‬وال فَرْقَ بَيْنَ‬
‫القاضي والويل حيث فصل بني املُعيَّن وغَيْرَهُ يف ذلك دونَ هذا ألن القاضي جيبُ عليه‬
‫اإلِحْتِياط أكثر من الويلِّ (و) جيوزُ (ملُجْبِرُ) وهو األب واجلد يف البِكْر (توْكيلٍ) معيَّن‬
‫الز ْوجَ يف َت ْوكِيله (وعلى‬ ‫صحَّ تزوُّجه يف تزويجِ مولِيتَهِ بِغيْرِ إِذْنِها وإن مل يُعيِّن ا َملجْبِر َّ‬
‫وَكيلٍ) إن مل ُيعَيِّن الويل الزوجَ (رِعايةُ َحظَ) واحتياطٌ يف أمْرِها‪ ،‬فإِن زَوَّجَها بغَيْرِ‬
‫كَفُءٍ أو بِكُفْءٍ وقد خَطَبَها أ ْكفَأُ مِنْهُ مل يصِحُّ التَّزويجُ ملخاَلفَتِه اإلِحْتِياطَ الوا ِجبَ‬
‫عليه (و) جيوزُ التَّوكيلُ (ِلغَيْرِه) أي غريَ ا ُملجْبَرِ بأن مل يكن أباً وال جداً يف البكرِ أن‬
‫كانت مولِيَتَهُ ثِيباً فَلُيوَكلْ (بعدَ إذَن) َحصَلَ مِنْها (له فيه) أي التَّزويجُ إن ملْ تَْنهَهُ عنِ‬
‫التَّوكيل‪ .‬وإذا عُيِّنَت للويل رجالً فليُعيِّنهِ للوَكيلِ وإال مل يصح تَز َجيهُ‪ .‬ولو ملنْ عَيَّنَْتهُ‬
‫ألن اإلِذْنَ املُطْلَقَ مع أن املطلوب ُمعَيَّن فاسِد‪ .‬وخَ َرجَ بقويل بعد إذْهنا للوَيل يف‬
‫التَّزويج ما لوْ وَكَّله قبل إذهنا له فيه فال يصح التوكيل وال النّكاح‪ .‬نعم‪ :‬لو وُكِّل قبل‬
‫أن يعلم إذْنُها له ظانّاً جوازَ التَّوكيلَ قبل اإلِذْن فزَوَّجها الوَكيلُ صحَّ إنْ تَبَيَّنَ أنَّها‬
‫‪127‬‬
‫كانَت أذَنت قَبْلَ َّالت ْوكِيل ألنَّ العِبْرة يف العُقودِ مبا يف نفس األمْر ال مبا يف ظنِّ املُكلَّف‬
‫وإال فال‪.‬‬
‫[فروع]‪ :‬لو زَوَّج القاضي امْرَأة قبْل ثُبوت ت ْوكِيله بل خببَر َع ْدلٍ نَفذَ وصَح‪،‬‬
‫لكنه غري جائِز ألنه تَعاطى َعقْداً فاسِداً يف الظاهر كما قاله بعض أصحابنا ولو‬
‫صدَقها ووكَّل القاضي فَزوَّجَها صحَّ التَّوكيل‬ ‫بَلغَت الويل امرأة إذن موليته فيه ف َ‬
‫والتزويج‪ .‬ولو قالت امْرأةٌ لوَليِّها أَذِْنتُ لكَ يف تزوجيي لِمنْ أرادَ تزوجيي اآلن وبعدَ‬
‫طالقي واْنقِضاءِ عِدَّيت صحَّ تزوجيَهُ هبذا اإلِذن ثانياً‪ ،‬فلو وكَّل الويل أجنبياً بِهذِه الصِّفة‬
‫صحَّ تزوجيُه ثانياً أيضاً ألنه وإن مل َي ْملِكْه حالُ اإلِذْنِ لكنَّه تاِبعٌ ملا مَلكَه حالَ اإلِذْنِ‬
‫كما أفْىت به الطيب الناشري‪ ،‬وأقَرَّه بعض أصحابنا‪ .‬ولو أمر القاضي رجالً بتَزْويجِ‬
‫من ال ويل هلا قبل استِئذانِها فيه فزَوَّجَها بإِذْهنا جازَ بناءً على األصَح إنْ اسْتَنابْتَهُ يف‬
‫ُشغْلٍ ُمعَيَّن اسِْتخْالفٌ ال َتوْكيلٌ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لوْ استخلف القاضي فقيهاً يف تَزْويج امْرَأَةٍ ملْ يَكفِ الكِتابَ فقط بل‬
‫اللفْظ عليه منه‪ ،‬وليس للمَكْتوبِ إليه اإلِعْتماد على اخلطِّ‪ .‬هذا ما يف أصل‬ ‫ُيشْتَرطُ َّ‬
‫الروضة‪ .‬وتضعيفِ البلقيين لهُ مردودٌ بتَصرحيِهم بأن الكتابة وحدها ال تفيد يف‬
‫اإلِسْتِخالفِ‪ ،‬بل ال بدَّ من إِشهادِ شا ِهدَيْن على ذلك‪ :‬قاله شيخنا يف شرحه الكبري‪.‬‬
‫(و) جيوزُ (لزوجٍ توكيل يف قبوله) أي النّكاحُ فيقول وكيلُ الويل للزوج زوَّجتُكَ‬
‫الز ْوجُ أو الشَّاهِدانِ‬ ‫فالنة بنت فالن ابن فالن مث يَقولُ مُوكِّلي أو وِكالَةً عَنْهُ إنْ َجهِلَ َّ‬
‫وِكالَتَهُ وإال مل ُيشْتَرِطْ ذلك وإن حَصَلَ العِ ْلمُ بأخْبارِ الوَكيل‪ .‬ويقولُ الوَيلُّ لوَكيلِ‬
‫الز ْوجِ زَوَّ ْجتُ بِنْيت لفُالنِ بن فُالنٍ‪ ،‬فيقولُ وَكيلُه كما يقولُ ويلُّ الصَّيب حني َيقْبَلُ‬ ‫َّ‬
‫النّكاحَ لهُ قَبِلتُ نِكاحَها لهُ‪ .‬فإِنْ ترَكَ لفظَة لهُ فيهِما مل َيصِحَّ النّكاحَ وإن نَوى املوَكِّل‬
‫أو الطَّفل كما لو قال زَوَّجْتُكَ َبدَلَ فالنٍ لعدم التَّوافُقِ‪ ،‬فإِن ترك لفظة لهُ يف هذه‬
‫انْع َقدَ للوَكيل وإن نَوى م َوكِلَهُ‪.‬‬
‫ص َدقَهُ قبُولُ النّكاحَ مِنْهُ وجيوزُ‬ ‫[فروع]‪:‬مَنْ قال أنا وَكيلُ يف تزويجِ فُالنَة فَِلمَنْ َ‬
‫ِلمَنْ أخْبَرهُ َعدْلٌ بِطالقِ فالن أو َموْتِه أو تَوكيلهِ أن َي ْعمَلَ بِه بالنِّسبة ملا يَتعلقُ بنفسه‬
‫وكذا خُطَّه املوثوق به‪ ،‬وأما بالنِّسبة ِلحَقِّ الغَيْرِ أو لِما يتعلَّق باحلاكِم فال جيوزُ اعتمادُ‬
‫َط قاضٍ من كل ما ليس ِبحُجَّةٍ شَرْعيَّة‬ ‫عدْلٍ وال خ ُّ‬
‫(فرع‪ :‬يزوج عتيقة امرأة حية) عدم ويل عتيقَتَها َنسَباً (وليها) أي ا ُملعْتَقة تَبْعاً‬
‫لوِاليَتِه عَلَيْها فيزَوِّجَها أبو ا ُملعِْتقَة مث جَدُّها بتَرتيب األ ْولِياء وال يُزَوِّجها ابن ا ُملعْتَقة ما‬
‫دامت حيَّة (بإِذن عتيقة) ولوْ مل تُ ْرضِ ا ُملعَْتقَة‪ :‬إذ ال واليَة هلا‪ ،‬فإِذا ماتَت ا ُملعَْتقَة‪،‬‬
‫َوجُ (أَمة) امْرأَة (باِلغَةً) رَشيدَة (وليُّها) أي ويلَّ السَّيِّدة (بإِذْنِها‬ ‫زوَّجَها ابْنُها (و) يُز ِّ‬
‫وَ ْحدَها) ألهنا املالِكة لَها فال ُيعْتَبَرُ إِذْنُ األَمة ألن ِلسَيِّدهتا إِجْبارَها على النِّكاح‪.‬‬
‫َوجُ (أَمةً صغريةً بكرٌ أو‬ ‫وُيشْتَرطُ أن يكونَ إِذْنُ السَّيِّدة نُطْقاً وإن كانتَ بِكْراً (و) يُز َّ‬
‫َوجُ عبْدمها) النقطاع‬ ‫صغريٌ أب) فأبوه (لغِبطة) وَجدت كَتحْصيلُ َمهْرٍ أو َن َفقَة (ال يُز َّ‬
‫َكسْبِه عَْنهُما خِالفاً ملالِك إن َظهَرتْ مصَْلحَة وال أَمَة ثيب صغريةٍ ألنهُ ال يلي نِكاحَ‬
‫وتضررَت‬‫َّ‬ ‫ُزوجَ أَمَة الغاِئبِ وإن احتاجَت إىل النّكاح‬ ‫مالِكَتِها‪ .‬وال جيوزُ للقاضي أن ي َّ‬
‫النفَقة‪ .‬نعم‪ :‬إن رأى القاضي بَْيعَها ألن احلظ فيه للغائب من اإلِنْفاقِ عليْها‬ ‫بعدَم َّ‬
‫باعَها (و) يُزوَّج (سَيِّد) بامللك ولو فاسِقاً (أمَته) املمْلوكَة كلَّها له ال ا ُملشْتَ َركَة ولو‬
‫باغْتِنام بينهُ وبنيَ مجاعةٍ أخرى بغري رِضا مجيعهم (ولو) بكراً (صغرية) أو ثيباً غري‬
‫ضعِ وهي مملوكة له ولهُ‬ ‫بالغة أو كبرية بال إذن منها ألن النّكاحُ يُردُّ على مَناِفعَ البِ ْ‬
‫فءٍ ِبعَْيبٍ مُثَْبتِ للخَيارِ أو ِفسْقٍ أو حِرفة دنيئة‬ ‫إجْبارَها عليه لكن ال يُزوِّجها ِلغَيْر ك ُ‬
‫إال بِرِضاها‪ ،‬وله تَزوجيَها بِرَقيقٍ ودينءٍ نسبَ ِل َع َدمِ النَّسب هلا‪ .‬وللمكتِب ال ِلسَيِّدهِ‬
‫‪128‬‬
‫تزويجَ أمََتهُ إنْ أَذِنَ لهُ سيِّده فيه‪ .‬ولو طَلَبَت األَمَة تَزْويَجها مل َيلْزَم السَّيد ألنه يَْنقُص‬
‫ُزوجُ احلاكم َأمَةَ كافرٍ أسْلمَت بإِذنهِ واملوْقوفةَ بإِذنِ املوقوفِ‬ ‫قيمَتَها قال شيخنا‪ :‬ي َّ‬
‫عَلَْيهِم أي إن انْحصروا وإال مل تُزَوَّج فيما يَظْهر (وال يَنكَحَ عَبْد) ولو مُكاتِباً (إال‬
‫بإذن سيدِه) ولو كان السَّيد أُنْثى سِواء أَطْلق اإلِذنَ أم قُيِّد بامْرأَةٍ معيَّنة أو قَبيلةٍ فيَنْ ِكحُ‬
‫سبِ إِذْنِه‪ .‬وال يَعدِلُ عما أذِنَ له فيهِ مُراعاةً حلقِّه‪ .‬فإِن َعدَل عَنْهُ مل َيصِحُّ النّكاح‬ ‫حب َ‬
‫ولو نَكَحَ العَبْد بال إِذن سَيِّده بَطَل النّكاح‪ .‬وُيفَرَّق بيَنهُما خِالفاً ملالِكٍ فإِن وَطِىءَ فال‬
‫شيءَ عليه لِرشي َدةٍ خمتارَة‪ .‬أما السَّفيهة والصَّغرية فيلْزَم فيهما َمهْرُ املِثْل‪ .‬وال جيوز‬
‫للعَبْد ولو مأْذوناً يف التِّجارة أو مُكاتِباً أن يتسرَّى وإن جازَ له النِّكاح باإلِذن ألن‬
‫ضعْفِ املُلْكِ يف املكاِتبِ‪ .‬ولو طََلبَ العَْبدُ النّكاحَ ال جيبُ على‬ ‫املأذونَ له ال ميلك ول ِ‬
‫صدُقُ مدَّعي عِتْقٍ منْ عَْبدٍ أو أمَة إال بالبيِّنة املعتَبَرة‬ ‫السَّيد إجابَته ولو مُكاتباً‪ :‬وال َي ْ‬
‫اآليت بيانُها يف باب الشَّهادة وصِدقُ مدَّعي حرية أصالةً بيمني ما مل يسبق إقرارٌ برقَ‬
‫أو مل يْثبُت ألن األصْل احلرِّية‪.‬‬
‫(فصل)‪ :‬يف الكفاءة وهي معتربة يف النكاح ال لصحته‪ ،‬بل ألهنا حق للمرأة‬
‫والويل فلهما إسقاطها‪( .‬ال يكاىفء حُرَّة) أصْليَّة أو عتيقَة وال من مل يَمسَّها الرِّق أو‬
‫آباءَها أو األقْرَبْ إليْها مِنْهم غريها بأن ال يكون مِثْلَها يف ذلك وال أثر ملسّ الرِّق يف‬
‫األُمَّهات (وال عفيفةٍ) وسنيَّة وغريمها من فاسقٍ ومبتدعٍ‪ ،‬فالفاسقُ كفُءٌ للفا ِسقَة‪ :‬أي‬
‫سقُهما (و) ال (نسيبة) من عربية وقرشِية وهاشِمية أو مَطْلبِيّة غريها يعين‬ ‫إن استوى ِف ْ‬
‫ال يكايفء عَربيَّة أباً غريها من ال َعجَم وإن كانت َأمَة عربية‪ ،‬وال قرشِيَّة غريها من بقِيَّة‬
‫العرب‪ ،‬وال هامشية أو مطلبية غريمها من بقية قريش‪ .‬وصح‪" :‬حنن وبنو املطلبْ شيءٌ‬
‫واحد" فهما مُتَكافِئان‪ .‬وال يكاىفء من أسلم بنفسه من هلا أَبْ أو أكثر يف اإلِسالم‪،‬‬
‫ومن له أبوان ملن هلا ثالثة آباء فيه على ما صرحوا به‪ ،‬لكن حكى القاضي أبو الطيب‬
‫وغريه فيه وجهاً أهنما َكفُآن واختاره الرّوياين‪ .‬وجزم به صا ِحبُ العباب‪( .‬و) ال‬
‫(سليمة من حِرَفٍ دنيئَة)‪ ،‬وهي ما دلت مالبسَتَهُ على احنطَاطِ املروءَة‪ ،‬غريها‪ ،‬فال‬
‫يكاىفء من هو أو أبوهُ حجام أوْ كنَّاس أو راع بنت خياط وال هو بنت تاجر‪ ،‬وهو‬
‫من جيلِب البضائع من غري تقييد جبنس‪ ،‬أو بزَّاز‪ ،‬وهو بائع البزِّ وال مها بنتَ عالِم أو‬
‫قاضٍ عادل‪ .‬قال الروياين‪ :‬وصوَّبه‪ ،‬األذرعي وال يكاىفء عاملة جاهلٌ‪ ،‬خالفاً للروضة‬
‫واألصح أن اليَسارَ ال يعترب يف الكفاءَة ألن املال ظلٌّ زائلٌ وال َيفَْتخِر أهلُ املروءاتِ‬
‫والَبصَائِرِ (و) ال سليمَة حالِ ال َع ْقدِ (من عْيبٍ) ُمثَْبتٍ خلَيارِ (نِكاح) جلاهل به حالَتهُ‬
‫كجنون ولو مُتقَطعاً‪ ،‬وإن قلّ‪ ،‬وهو مَرضٌ يزول به الشعور من القَلْب (وجُذامُ)‬
‫َطعُ (وبَرصٌ) ُمسْتَحَكِم وهو‬ ‫سوَدُّ مث يََتق َّ‬
‫مسَْتحِكْم وهي علَّة ْحيمَرُّ منها ال ُعضْوُ مث َي ْ‬
‫بياضٌ شديد يُذ ِهبُ د َموِيَّة اجلِلد‪ ،‬وإن قال‪ ،‬وعالمة اإلِسْتِحكام يف األول ا ْسوِداد‬
‫النفْسَ تعافُ‬ ‫العضو‪ .‬ويف الثاين عدمُ ا ْحمِراره عند َعصْرِه (غري) مِمَّن به عيْب ألن َّ‬
‫صحْبَة من به ذلك ولو كان هبا عيب أيضاً فال كَفاءَةَ وإن اتفقا أو كان ما هبا أقْبَح‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أما العُيوبُ اليت ال تُثْبِت اخلَيارَ فال تؤثِّر‪ ،‬كاْل َعمَى وقَطْع الطَّرف وَتشَوُّه الصُّورة‪،‬‬
‫جمْع متقدِّمني‪.‬‬
‫خالفًا ِل َ‬
‫[تتمة]‪ :‬ومِن عيوب النِّكاح رِتق وقرن فيها وجبّ وعِنةٌ فيه فلكل مِن الزَّوجَيْنِ‬
‫اخليارَ فوراً يف فسْخِ النَّكاح مبا وُ ِجدَ من العيوبِ املذكورة يف اآلخر بشرط أن يكون‬
‫حبضورِ احلاكِم‪ .‬وليسَ منها اسْتِحاضَة وبُخرْ وصِنانٌ وقرُوحٌ سيَّالة وضيقُ مَْنفَذ‪.‬‬
‫وجيوزُ لكلٍ من الزوْجَيْنِ خَيارٌ خبلف شَرْطٍ وقَع يف العقد ال قَبله كأنَّ شُرِط يف أحد‬
‫الزوّجني حُرِيّة أو نسبٌ أو مجالٌ أو يسار أو بِكارَة أو شبابٌ أو سالمَة من عيوبٍ‬
‫سخٌ ولو بال‬ ‫كزوَّجْتُكَ بشرط أهنا بكر أو حرَّة مثالً‪ ،‬فإِن بانَ أدْىن مما شُرِطَ فله َف ْ‬
‫‪129‬‬
‫قاضٍ ولو شُرِطت بِكارَة فوُجدت ثيباً وادعت ذهاهبا عنْده فأنْكَر صدَقت بِيَمينها‬
‫لِدفعِ ال َفسْخ أو ادَعت افتضاضَه هلا فأنكر فالقول قوهلا بيمينها لدفع الفَسْخِ أيضاً‪،‬‬
‫لكن َيصْدقُ هو بيمينه لَتشْطري املهْر إن طلَّق قبل الدخول (وال يقابل بعضها) أي‬
‫بعْض خِصالِ الكَفاءَة (ببعض) من تلك اخلِصال فال تُزوَّج حُرَّة عَجميَّة بِرقيقٍ عريب‬
‫وال حرَّة فاسِقة ِبعَْبدٍ عفيف‪ .‬قال املتَولِّي‪ :‬وليْسَ من احلِرَفِ الدَّنيئةَ خِبازَة‪ .‬ولو اطَّرد‬
‫عرفُ بلدٍ بِتَفضيلِ بعض احلِرفِ الدنيئة اليت نصوا عليها مل يُعتَرب‪ ،‬وُيعْتَبَرَ عُرْفُ بََلدِها‬
‫فيما مل ينُصوا عليه‪ .‬وليس لألب تَزْويج ابنه الصغري أَمة ألنه مأمونَ العََنتِ (ويُزوِّجَها‬
‫سبٍ ووَالءْ (ال قاضٍ برضا كل) منها ومن وليِّها أو أوْليائِها‬ ‫بغري كَفُء ويل) بَِن َ‬
‫املسَْتوِين الكامِلنيَ لِزَوالِ املانِع بِرضاهُم‪ ،‬أما القاضي فال يصحُّ له تزْوجيَها لغري كفءٍ‬
‫وإن رضيت به على املعتمد إن كان هلا ويل غائِب أو َمفْقودٌ ألنه كالنائِب عنه فال‬
‫يترك احلَظَّ لهُ‪ .‬وَبحَث َجمْع مُتَأخِّرون أهنا لو مل تَجِد َكفُؤاً وخاَفتْ الفِتْنَة لَ ِزمَ‬
‫القاضي إجابتَها للضَّرورَة‪ .‬قال شيخُنا وهو متحه‪ .‬مُدرِكاً‪ ،‬أما من ليس هلا ويل أصالً‬
‫فتَزْوجيَها القاضي لغريِ كَفُءٍ بطلَبها التزويج منه صحيحٌ على املختار خالفاً‬
‫للشيخني‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو زُوِّجَت من غري كفء باإلِجْبارِ أو باإلِذْنِ املُطْلق عند التَّقييد بكفءٍ‬
‫أو بغريه مل يصحُّ التَّزويجُ لِعدَم رِضاها بِه‪ ،‬فإِن أَ ِذنَت يف تزوجيها مبن ظنَّته َكفُؤاً فبانَ‬
‫خِالفه صحَّ النِّكاحَ وال خِيارَ هلا لَِتقْصِريِها بتَرْكِ البَحْث نعم هلا خيارٌ إن بانَ معيباً أو‬
‫رَقيقاً وهي حُرة‪.‬‬
‫[تتمة]‪ :‬جيوزُ للزوج كل متتُّع منها مبا سوى حَلقةِ دُبُرِها ولو مبَصِّ بظَرِها أو‬
‫اسِْتمْنَاءٍ بِيَدها‪ ،‬ال بِيَده‪ ،‬وإن خافَ الزِّنا‪ ،‬خالفاً ألمحد‪ ،‬وال افْتِضاضَ بأصْبَع‪ .‬ويُسن‬
‫مالعبَةَ الزوجة إيناساً‪ ،‬وأن ال يُخليها عن اجلِماع كلُّ أرَْبعِ ليالٍ مرَّة بال ُع ْذرٍ‪ ،‬وأن‬
‫السحَر‪ ،‬وأن ُيمْهل لتنزل إذا تقدم إنزاله‪ ،‬وأن يُجا ِمعَها عند‬ ‫يَتَحرّى باجلِماع و ْقتَ َّ‬
‫القُدومِ من َسفَرِه‪ ،‬وأن يَتَطيَّبا للغشَيان‪ ،‬وأن يقول كل‪ ،‬ولو مع اليَأس من الولد‪ ،‬بسم‬
‫اهلل اللهم جنِّبنا الشيطان‪ .‬وجنِّب الشيطان ما َر َزقْتنا‪ .‬وأن يناما يف فراش واحد‬
‫والتَّقوِّي له بأدْويَةٍ مُباحَة بقصدٍ صالِح‪ :‬كعِفة ونسْل وسيلةٍ حملْبوبٍ فليَكن حمبوباً فيما‬
‫يظهر‪ .‬قاله شيخنا‪ :‬وَيحْرُم عليها مَْنعُه من استِمتاع جائز‪ .‬ويُكْرَه هلا أن تصف‬
‫لِ َزوْجِها أو غريِه امْرأةً أخرى لغريِ حاجَة‪ .‬وله الوَطْءَ يف زمن ُيعَْلمُ دخولُ وقتِ‬
‫املَكتوبَة فيه وخروجَ ُه قبل وجو ِد املاءِ وأهنا ال َتغْتسل َعقِبهُ وتفوتُ الصَّالة‪.‬‬
‫(فصلٌ)‪ :‬يف نِكاح ا َألمَة (حُرّم ِلحَر) ولو عَقيماً أو آيساً من الولد (نِكاحُ َأمَة)‬
‫لغريِه ولو مُْب َعضَةً (إال) بثالثَةِ شروط‪ :‬أحدَها (ب َعجْزٍ عمَّن تصْلحُ لتمتُّع) ولو أمةً أو‬
‫رَ ْجعِيَّة ألهنا يف حكْم الزوجيَّة ما مل تنقَض عِدَّهتا بدليل التَّوارُث بأن ال يكون حتته‬
‫شيء من ذلك وال قادراً على نكاح حرَّةٍ لعدمها أو فقره أو الَتسَرّي بعدم وجود أ َمةً‬
‫ض أو ي َهبُ ماالً أو جاريَة مل يلز ْمهُ‬ ‫يف ملكه أو مثنٌ لشِرائِها‪ .‬ولو وجد من يق ِر َ‬
‫القبول‪ ،‬بل حيل مع ذلك نكاحَ ا َألمَة ال ملن له ولدٌ موسِر‪ .‬أما إذا كان حتته صغرية ال‬
‫حتتمل الوَطْءَ أو هَ ِرمَة أو جمنونة أو مَجْذومَة أو برْصاء أو رَُتقَاء أو قرناء فتحلُّ ا َألمَة‪.‬‬
‫وكذا إن كان حتته زانيَةً على ما أفىت به غري واحدة‪ .‬ولو َق ِدرَ على غائِبَة يف مكان‬
‫قريب مل َيشَقُّ قصْدها وأمكن انْتقالُها لبلده مل حتلُّ األمَةَ‪ ،‬أما لو كان حتته غائِبَة يف‬
‫حمّلَها يف طلبِ الزوجة إىل‬ ‫سبَ مُت َ‬
‫شقَّة ظاهِرةً بأن يَْن ِ‬
‫حقَهُ م َ‬‫مكان بعيد عن بلده وَل ِ‬
‫صدِها فهي كال َعدَم كاليت ال ميكن‬ ‫صدِها أو خيافُ الزِّنا مدة َق ْ‬ ‫مُجا َوزَة احلدِّ يف َق ْ‬
‫خ ْوفِه زِنا) ِبغَلَبة َش ْهوَةٍ وضُعْفِ تقواهُ‬ ‫شقَّة الغُرْبَة له‪( .‬و) ثانيها (ِب َ‬ ‫انتقاهلا إىل وَطْئةِ ِمل َ‬
‫ض ُعفَت َش ْهوَتُه وله تقوى أَو مروءَة أو حياء يسْتقبح معه الزنا أو‬ ‫فتحلُّ لآلية فإِن َ‬
‫‪130‬‬
‫َقوَِيتِ شهوته وتقواه مل حتل له األمة ألنه ال يَخافُ الزنا‪ .‬ولو خاف الزِّنا من أمَة‬
‫بعينِها لقوَّة ميله إليها مل حتلَّ له كما صرَّحوا به والشرط الثالث‪ :‬أن تكون ا َألمَة‬
‫ُمسِْلمَة ميكن وَطَوها فال َتحِل له ا َألمَة الكتابيَّة‪ .‬وعند أيب حنيفة رضي اهلل عنه جيوز‬
‫للحرِّ نكاح أمة غريه إن مل يكن حتته حرة‪.‬‬
‫[فروع]‪ :‬لو نكحَ احلرُّ األمَة بشروطه مث أْيسَر أو نَكَح احلرة مل يَْنفَسِخ نِكاحُ‬
‫ا َألمَة‪ .‬وولد ا َألمَة من نكاح أو غريه كزِنا أو شُبْهة بأن نَكحها وهو موسِر قِنٌّ‬
‫ملالِكها‪ .‬ولو غَرَّ واحدٌ حبرَّية َأمَة وتزوَّجها فأوال ُدها احلاصلون منه أحرارٌ ما مل يعلم‬
‫برقِّها وإن كان عبْداً ويلزمه قيمتهم يومَ الوالدَة (وحُلَّ ملسلم) حُرَ (وَطْءَ) أمَته‬
‫(الكتابية) ال الوثَنيَّة واجملوسيَّة‪.‬‬
‫سيدٌ بإِذْنِه يف نكاح عْبدِه مهْراً وال مؤنة وإن شَرِط يف إذنه‬ ‫[تتمة]‪ :‬ال يضمَنُ ِّ‬
‫ضَمان‪ ،‬بل يكونان يف كسْبِه ويف مال جتارةٍ أذَن له فيها‪ .‬مث إن مل يكُن مُكَتسِباً وال‬
‫مقدرٍ له ومهْرٍ وجَب بوَطْءٍ يف نكاح فاسد مل‬ ‫مأذوناً فهما يف ذِمَّتهِ فقط كزائد على ِّ‬
‫يأذن فيه سيده وال يثبت مهرٌ أصالً بتزويج أمَته لِعْبدِه وإن مساه‪ ،‬وقيل جيب مث‬
‫سقُط‪.‬‬ ‫يْ‬
‫(فصل)‪ :‬يف الصَّداق وهو ما وجب بنكاحٍ أو وَطْء‪ .‬ومسِّي بذلك إلشعارِه‬
‫صدْقِ رَغْبَةِ باذِله يف النّكاحَ الذي هو األصل يف إِجيابِه‪ ،‬ويقال له أيضاً مهْر‪ .‬وقيل‬ ‫بِ‬
‫سمِيَتِه يف ال َعقْد‪ .‬واملهْرُ ما وجب بغري ذلك (سُنَّ) ولو يف تزويج‬ ‫الصَّداقُ ما وَجَب بت ْ‬
‫أمَتِه بعْبدِه (ذكرُ صَداقٍ يف عَقْد) و َكوْنِه منْ فِضَّة‪ ،‬لإلِتِّباعِ فيهِما‪ ،‬و َعدَم زِيادةٍ على‬
‫صدَقة بناتِه أو نُقصانٍ عن عشَرة درا ِهمٍ خاِلصَة‪ :‬وكرِهَ إخالوه عن‬ ‫مخسمائة درهم أَ َ‬
‫ِذكْره‪ .‬وقد جيب لعا ِرضٍ‪ :‬كَأن كانت املرأة غري جائزة التصرُّف‪( .‬وما صحَّ) كونَهُ‬
‫(مثناً صح) كونه (صَداقاً) وإن قل لصحَّة كونه ِعوَضاً فإِن ُع ِقدَ مبا ال يُتمَوَّل‪ ،‬كنُواة‬
‫سدَت التَّسمِيَة خلروجه عن ال ِع َوضِيَّة (وهلا)‬ ‫وحَصاةٍ وقُمع باذِنْجان وتَرْكِ حدّ قذف‪َ ،‬ف ُ‬
‫وسيدٍ أمَةٍ (حبَس ن ْفسَها لِتَقْبِضَ غريَ مؤجَّل) من ا َملهْر‬ ‫صغَرٍ أو جنون ِّ‬ ‫كويل ناقِصةً ِب ُ‬
‫املعني أو احلالِ سِواءً كان بعضه أم كله‪ ،‬أما لو كان مؤجَّالً فال حبْس هلا وإن حُلَّ‬
‫سقُط حقُّ احلبْسِ بوْطئِه إياها طاِئعَةً كاملة فلغريها احلبْس‬ ‫قبل َتسْليمَها نفسها له‪ ،‬وي ْ‬
‫بعد الكمال إال أن ُيسَلِّمها الويل مبصْلَحَة‪ ،‬ومتهُّل وجوباً النحو تنظف بالطَّلبِ مِنْها أو‬
‫من وليها ما يراه قاض من ثالثة أيام فأقل‪ ،‬ال النقِطاع حَيْضٍ ونَفاسٍ‪ .‬نعم‪ ،‬لو‬
‫خشِيَت أنه يَطؤها سَلَّمت نفسَها وعليها ا ِإلمْتناع‪ ،‬فإِن عَلمت أن امْتناعَها ال يُفيد‬
‫ضتِ القرائِنُ بالقَطع بأنه يَطوها مل يَْبعُد أن هلا‪ ،‬بل عليها‪ ،‬اإلِمتناع حينئذٍ‪ ،‬على‬ ‫واقْتَ َ‬
‫ما قاله شيخنا‪( ،‬ولو أنْكَح) الويل (صغرية) أو جمنونة (أو رشيدة بِكْراً بال إذن بدون‬
‫مهر مثل أو عُيِّنَت له قدراً فنقص عنه) أوْ أطْلَقت اإلِذْن ومل تَتعرَّض ِملهْر فَنَقص عن‬
‫َمهْر مِثل‪( .‬صحَّ) النِّكاحُ على األصَحِّ ( َمبهْرِ مِثْلٍ) ِلفَسادِ املُسمى كما إذا قبل النَّكاحَ‬
‫لِطفلهِ بفوْقِ مهر مِثل من مالِه‪ .‬ولو ذكروا مهراً سِراً وأكثر منه َجهْراً لَ ِزمَه ما عقد به‬
‫طءِ‬ ‫اعتباراً بالعقد‪ .‬وإذا عُقدَ سِراً بألف مث أعيد جَهرًا بألفني تَجمُّالً لزم ألف (ويف و ْ‬
‫ب (مهْر مِثْل) السْتيفائِه مَنْفعَةُ الَبضْع‪،‬‬ ‫ج ُ‬‫نكاح) أو شِراءٍ (فاسِد) كما يف وطء شُبْهة َي ِ‬
‫وال يتَعدَّد بتعدُّد الوَطْء إن اتَّحدت الشُّبهة‪( .‬ويتَقرَّر كله) أي كل الصَّداق (ِب َموْتٍ)‬
‫حلشَفَة‬
‫أل َحدِمها‪ ،‬ولو قبْل الوَطْء‪ ،‬إلِجْماع الصَّحابَة على ذلك (أو وطْءٍ) أي بِغيَبةِ ا َ‬
‫وإن َبقِيَت البِكارَة (ويسقط) أي كله (بِفراقٍ) َوقَع منها (قَبْله) أي قبل وَطْءٍ‬
‫سخِه ِبعَيْبِها (ويتشطَّر) املهْر‪ :‬أي‬ ‫(كفسْخها) بِعيْبهِ أو بإِعْسارِه وكرِدَّتِها أو بِسبَبها ك َف ْ‬
‫صفُه فقط (بِطَالقِ) ولو باخْتِيارِها‪ :‬كأن فَوَّض الطَّالق إليها فطَلَّقت نفسها‬ ‫َيجِب ن ْ‬
‫علقَه بِفعْلها َف َفعَلَت أو فورقت باخلَلْع وبإْنفِساخِ نِكاح بِردَّتِه وحده (قبله) أي‬ ‫أو َّ‬
‫‪131‬‬
‫حهَا‬ ‫الزوَجني بيمينه ألن األصْلَ َع َدمَهُ إال إذا نك َ‬‫صدَق نايف وَطْء) من َّ‬ ‫الوْطء‪( .‬و َ‬
‫صدُق بيمينها‬ ‫بشَرْط البِكارَة مث قال وَجَدتُها ثيباً ومل أَطَأَها فقالت بل زالت بِوطْئِكَ فت ْ‬
‫صدُق هو لَِتشْطريِه إن طلَّق قَبْلَ وَطْءٍ (وإذا اختلفا) أي الزّوجان (يف‬ ‫لدفعْ ال َفسْخ‪ ،‬وي ْ‬
‫قدره) أي ا َملهْر املسمَّى وكان ما يدَّعيه الزوْج أقل (أو) يف (صفته) من حنو جنس‬
‫كدنانري وحلول وقدر أجل وصحة وضدها‪( .‬وال بينة) ألحدمها أو تعا َرضَت بيِّناتُهما‬
‫(حتالفا) كما يف البَيْع‪( ،‬مث) بعد التَّحالف (ُي ْفسَ ُخ املسمى وجيب َمهْرُ املِثْل) وإن زاد‬
‫على ما ادَّعَته الزوْجة وهو ما يرغَب به عادة يف مثلها نسباً وصفة من نساء ُعصْباتِها‪،‬‬
‫فتُقدَّم أخت ألبوين فألب فبنت أخ فعمة كذلك فإِن ُجهِل مهْرَهنَّ فيعَتربُ مهر رحمٍ‬
‫هلا كجدة وخالة‪ .‬قال املاوردي والروياين‪ُ :‬تقَدَّم األمّ فاألخت لألم فاجلدّات فاخلالة‬
‫فبنت األخت‪ ،‬أي لألم‪ ،‬فبنت اخلالة‪ .‬ولو اجتمع أم أب وأمّ أمّ فالذي يتجه‬
‫َعذرَت اعُتِرب مبثْلها يف الشَّبهِ من األجْنَبيَّات‪ .‬وُيعَتَبَرُ مع ذلك ما‬ ‫اسْتِواومها‪ ،‬فإن ت َّ‬
‫َيخْتَلِف به غرض كسُنَّ ويسارٌ وبِكارَة ومجالٌ وفصاحَة‪ ،‬فإِن اختَصَّت عنهُنَّ ِب َفضْلٍ‬
‫أو نقص زيد عليه أو نقص منه الئق باحلال حبسب ما يراه قاض‪ .‬ولو سامَحت‬
‫واحدة مل َيجِب موافقَتَها (وليسَ لويلّ عفوٌ عن َمهْرٍ) ملوليَتَه كسائِرِ ديُونِها وحقوقِها‪.‬‬
‫ووجدت من خَطِّ العالمة الطنبداوي أن احلِيلة يف براءة الزَّوج عن املهْرِ حيث كانت‬
‫املرأة صغرية أو جمنونة أو سفيهةً أن يقول الويل مثالً طَلِّق مولييت على مخسمائة درهم‬
‫مثالً عليّ فيُطَلِّق مث يقول الزوج أحِلَّت عليك مولِيتُك بالصَّداقِ الذي هلا عليّ فيقول‬
‫الويل قبلت فيربأ الزوج حينئذٍ من الصداق اه‪ .‬ويصح التربُّع باملهْرِ من مُكلفة بلفظ‬
‫اإلِبْراءِ وال َعفْو واإلِسْقاطِ واإلِحْاللِ والتَّحليل واإلِباحَة واهلِبَة وإن مل حيصُل قبول‪.‬‬
‫[مهمات]‪ :‬لو خطب امرأة مث أرسَل أو َدفَع بال لفظ إليها ماالً قبل العقد‪ :‬أي‬
‫ومل يقصد التبْرُّع مث وقع اإلِعْراضُ منها أو منه رَجَع مبا وصَلها منه‪ ،‬كما صَرَّح به‬
‫َج ْمعٌ مُحققون‪ ،‬ولو أعطاها ماالً فقالت هدية وقال صَداقاً صدَق بيمينه وإن كانَ من‬
‫جبُ بالعَقْد أو من‬ ‫غري جِْنسِه‪ ،‬ولو دفع ملخطوبَتِه وقال جعلتَهُ من الصَّداق الذي سَي ِ‬
‫والتمْكني وقالتَ بل هي هَديَّة فالذي يتجه تصديقُها‪ ،‬إذ‬ ‫سوَة اليت ستَجِب بِالعَقْد َّ‬ ‫ال َك ْ‬
‫صدِه‪ ،‬ولو طَلَّق يف مسألتنا بعد العقد مل يَرْجِع بشيء‪،‬‬ ‫ص ْدقِه يف ق ْ‬
‫ال قرينَة هنا على ِ‬
‫رجحَه األذرعي‪ ،‬خالفًا للبغوي‪ ،‬ألنه إمنا أعْطى ألجل العقد وقد وجد‪.‬‬ ‫كما َّ‬
‫[تتمة]‪ :‬جتب عليه لزوجةٍ موطوءة ولو أمة مُتعة بُفراق بغري سَبَبِها وبغري موت‬
‫أ َحدِمها وهي ما يتراضى الزوْجان عليه وقيل أقل مال جيوز َجعْلُه صداقاً‪ .‬ويُسَنُّ أنْ ال‬
‫ينْقص عن ثالثني درمهاً‪ ،‬فإِن تَنازَعا قَدَّرها القاضي بقدرِ حالِهما مِن يسارِه وإعْسارِه‬
‫وَنسَبِها وصِفَتها‪.‬‬
‫[خامتة]‪ :‬الوليمة لعُرسٍ سُنَّة مؤكدة للزوج الرشيد وويل غريه من مال نفسه وال‬
‫حدّ ألَقلها‪ ،‬لكن األفضل للقادِر شاة‪ .‬ووقتها األفضل بعد الدخول‪ ،‬لإلِتباع‪ ،‬وقبله‬
‫بعد العقد حيصل هبا أصل السنَّة‪ .‬واملتجه اسْتِمرارٌ طلبها بعد الدخول وإن طال الزمن‬
‫جلمُعة وقاضٍ‬ ‫كالعقيقة أو طََّلقَها وهي لَيْالً أوْىل‪ .‬وجتبُ على غري معذورٍ بأعذارٍ ا ُ‬
‫اإلِجابة إىل وليمة عُرسٍ ُعمِلتْ بعدَ عقدٍ‪ ،‬ال قبله‪ ،‬إن دعاه مسلم إليها بنفسه أو نائِبَة‬
‫الثِّقة‪ ،‬وكذا مميز مل ُيعْهد منْه كذِبٌ وعمَّ بالدَّعاءِ املوصوفني يوصَف قصدَهُ كجِريانِه‬
‫وعشريَتَه أو أصدقائَه أو أهل حِرفَتِه فلو كثر حنو عشريَتَه أو عَجزَ عن اإلِستيعاب‬
‫لفقره مل ُيشْتَرط عمومُ الدعْوة على األوجه‪ ،‬بل الشرط أن ال يظهر منه قصد‬
‫حضُر‬ ‫صفِه فال يكفي مَنْ أراد فلْي ْ‬‫َتخْصيصٍ لِغنَي أو غَيْره وأن يعني املدْعو بعيْنه أو َو ْ‬
‫أو ادْعُ من شِْئتَ أو لَقيتَ‪ ،‬بل ال ُتسَنُّ اإلِجابة حينئذٍ‪ .‬وأن ال يتَرَتَّب على إجابَتِه‬

‫‪132‬‬
‫ُحرمَةٌ فاملرأة جتيبها املرأَة إن أذن زوْجها أو سَيِّدها ال الرجل إال إن كانَ هناكَ‬ ‫خُل َوةٌ م َّ‬
‫ماِنعٌ خِلْوةٍ مُحرَّمة كمحُرِّم هلا أو له أو امرأة‪.‬‬
‫أما مع اخلِ ْل َوةِ فال يُجيبُها مُطْلَقاً‪ ،‬وكذا مع عدمها إن كانَ الطَّعام خاصاً به‪ :‬كأن‬
‫ستَ ببيت وبعثت له الطعام إىل بيت آخر من دارها خوف الفتنة‪ .‬خبالف إذا مل‬ ‫جل ْ‬
‫ختَفْ‪ ،‬فقد كان شعبان وأضرابه رابعة العدوية ويسمعون كالمها‪ :‬فإِن وجد رجل‬
‫كسُفيان وامرأة كرابعة مل َتحْرم اإلِجابَة‪ ،‬بل ال تُكْرَه‪ .‬وأن ال يدَّعي لَِنحْوِ خَوْفٍ منه‬
‫أو طمَع يف جاهِه أو إلِعانَتِه على باطِلٍ وال إىل شبهة بأن ال ُيعَْلمَ حرامٌ يف ماله‪ .‬أما‬
‫إذا كان فيه شُْبهَةٌ بأن عُِلمَ اخْتِالطُه أو طَعامُ الوليمة حبرَام‪ ،‬وإن قل‪ ،‬فال جتب إجابة‪،‬‬
‫بل تُكْرَ ُه إن كان أكثر ماله حَراماً‪ ،‬فإِن عُلِم أن عيْن الطَّعام حَرام حُرِّمت اإلِجابة وإن‬
‫مل يُرِد األكل منه‪ ،‬كما استظهره شيخنا‪ ،‬وال إىل حمل فيه منكر ال يزول حبضوره‪.‬‬
‫ضحِكُ‬ ‫ومن املُنْكَر سَتْرُ جدارٍ حبرير وفُرشٍ مغْصوبَةٍ أو مسْروقة ووجودِ من ُي ْ‬
‫احلاضرين بال َفحْشِ والكَذب‪ ،‬فإِن كان حَ ُرمَت اإلِجابَة‪ ،‬ومنه صورَة حيوان مشَْتمِلَة‬
‫على ما ال ميكن بقاؤهُ بدونِه وإن مل يكن هلا نظ ٌري كفرس بأجنحةٍ وطريٍ بوجه إنسان‬
‫على سقف أو جدارٍ أو سِتْر علِّق لزينةٍ أو ثياب ملبوسة أو وسادةٍ منصوبة ألهنا تشْبِه‬
‫األصْنامَ فال َتجِبُ اإلجابة يف شيءٍ من الصُّور املذكورة بل تُحرم‪ ،‬وال أثر حبمل النقد‬
‫الذي عليه صورة كاملة ألنه للحاجة وألهنا مَمتَهنة باملُعامَلة هبا‪ .‬وجيوز حضورُ حملَ‬
‫كالصوَر ببساط يُداس و ِمخَدة ينام أو يُتكأ عليها وطَبَقٌ وخِوانٌ‬ ‫ُّ‬ ‫فيه صورة متَتهُن‬
‫صعَةٌ وإبريق‪ ،‬وكذا إن قُطِعَ رأسُها لزوالِ ما به احلياة‪ .‬وَيحْرُم ولو على حنو أرض‬ ‫وَق ْ‬
‫تصوير حيوان وإن مل يكن له نظري‪ .‬نعم‪ :‬جيوزُ تصْويرُ لُعب البنات ألن عائشة رضي‬
‫اهلل عنه كانت تل َعبُ هبا عنده‪ ،‬كما يف مسلم‪ .‬وحكمته تدريَبهُن أمر التربية‪ .‬وال‬
‫صوْغَ حِلي ونَسْجِ حَريرٍ‬ ‫يُحرَّم أيضاً تصوير حيوانٍ بال رأس‪ ،‬خالفاً للمتويل‪ ،‬ويَحِلُّ ُ‬
‫ألنه َيحِلُّ للنِّساء‪ .‬نعم‪ :‬صِنعْته ملن ال حيل لهُ استعمالَه حرامٌ‪ .‬ولو دعاه اثنان أجابَ‬
‫أسَب َقهُما دَ ْعوَةً فإِنْ دَعَواهُ معاً أجاب األقرب رَحِماً فداراً مث بالقُرعة‪ .‬وتُسنُّ إجابةُ‬
‫سائرِ الوالئِم كما ُعمِل للخِتان والوِالدة وسَالمَة املرأة الطَلق وقدومُ املسافِر وخَتْم‬
‫القرآن‪ ،‬وهي مستَحبَّة يف كلها‪.‬‬
‫[فروع]‪ :‬يَْندُب ا َألكْلَ يف صومِ نفلٍ ولو مُوءَكَّداً ِإلرْضاءِ ذي الطعام بأن شُقَّ‬
‫ألمْرِ بِالفِطْر ويُثابُ على ما مَضى وقَضى َندْباً يوماً‬ ‫عليه ِإمْساكَهُ ولو آخِرَ النهار ل َ‬
‫مكانه‪ ،‬فإِن مل يُشقُّ عليه إمساكُه مل يُنْدب اإلِفطار‪ ،‬بل اإلِمساك أوىل‪ .‬قال الغزايل‪:‬‬
‫يُندب أن ينوي بفِطره إدْخالَ السرورَ عليه‪ ،‬وجيوزُ للضَّيف أن يأكل مما قُدِّم له بال‬
‫لفظ من املضيف‪ .‬نعم‪ .‬إن انتظر غريه مل َيجُز قبل حضوره إال بلفظ منه‪ .‬وصرَّح‬
‫الشيخان بكراهَةِ األكْل فوقَ الشَّبعِ وآخرون حبُرمَتِه‪ .‬وورد بسَندٍ ضعيف زجْرَ النيب‬
‫أن َيعْتمد الرجل على َيدِه الُيسْرى عند األكل‪ .‬قال مالك‪ :‬هو نوع من اإلِتِّكاء‪،‬‬
‫صبَ رجله اليمىن‬ ‫فالسُّنة لألكل أن جيلس جاثِياً على ركبتيه وظهورِ قدميه‪ ،‬أو يُْن ِ‬
‫ْطجِعاً‬ ‫وجيلس على اليسرى‪ .‬ويكره األكل متكئاً‪ ،‬وهو املعتمد‪ ،‬على وطاءٍ حتته و ُمض َّ‬
‫إال فيما يتنقل به ال قائماً والشرب قائماً خالف األوىل ويسن لآلكل أن يغسل اليدين‬
‫والفم قبل األكل وبعده ويقْرأَ سورَتَي اإلِخْالصِ وقريْش بعده وال يبتَِلعَ ما خيرج من‬
‫أسنانِه باخلَالَّل بل يرميه‪ ،‬خبالف ما جيمعه بلِسانِه من بينها فإِنه يبتلعه‪ .‬وحي ُرمُ أن يكرب‬
‫اللقَم مسرعاً حىت يستويف أكثر الطعام وحيرم غريه‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫ولو دَخَل على آكلني فأذَنوا له مل َيجُز له ا َألكْل معهم إال إن ظنَّ أنه عن طيب‬
‫نفس‪ ،‬ال لنحو حياء‪ ،‬وال جيوزُ لِلضَّيْف أن يُطعِم سائِالً أو هرَّة إال إن علم رضا‬
‫َرمُ لألراذِل أكل ما‬ ‫الداعي‪ .‬ويَكرَهُ للداعي ختصيصَ بعض الضِّيفان بطعامٍ نفيس‪ .‬وُيح ِّ‬
‫‪133‬‬
‫ضمِنَه‪ ،‬كما حبثه الزركشي‪،‬‬ ‫قدم لألماثِل‪ .‬ولو تناول ضيف إناءَ طعام فانكسر منه َ‬
‫ألنه يف يده يف حكم العارَية‪ .‬وجيوز لإلِنسان أخذ من حنو طعام صديقه مع ظنّ رضا‬
‫مالكه بذلك‪ ،‬وخيتلف بقدر املأخوذ وجنسه وبِحالِ املُضيفِ‪ .‬ومع ذلك يَنْبغي له‬
‫صفَةُ أصْحابِه فال يأ ُخذُ إال ما خيُصُّه أو يَرْضونَ به عن طيبِ نفْس ال عن‬ ‫مُراعاةُ ُن ْ‬
‫َرمُ األَخذَ كالتطفل‬ ‫حياءٍ‪ .‬وكذا يقال يف قِران حنو َتمْرَتَني أما عند الشك يف الرضا فُيح َّ‬
‫ما مل يعمُ‪ :‬كأن فَتَح البابَ لِيَدْخُل من شاءَ ولَ ِزمَ مالِكُ طعامٍ إطعامَ مضطرٍ َق ْدرَ سدِّ‬
‫ر َمقِه إن كانَ مَعْصوماً ُمسْلِماً أو ذِمِّياً وإن احْتا َجهُ مالِكَه مآالً‪ ،‬وكذا هبيمة الغري‬
‫احملترمة‪ ،‬خبالف حريب ومُرَتدّ وزانٍ مُحصَن وتاركِ صالة وكلبٍ عقور‪ ،‬فإِنْ مُِنعَ فلهُ‬
‫أ ْخذَهُ َقهْراً بِ ِعوَضٍ إن َحضَرَ‪ ،‬وإال فنسيئةً‪ .‬ولو أ ْط َعمَهُ ومل يذكر ِعوَضاً فال ِع َوضَ لَه‬
‫صدَق املالِك بيمينه‪ .‬وجيوز نثر حنو سكر وتنبل‬ ‫لَِتقْصريه ولو اختلفا يف ذكر ال ِع َوضِ َ‬
‫وتركه أوىل‪ .‬وحيل التقاطه للعلم برضا مالكه‪ .‬ويُكَره أخذه ألنه دناءة وَيحْ ُرمُ أخذُ‬
‫فرخ طريٍ عشَّش مبلكِ الغَيْرِ و َسمَكٍ دخل مع املاء يف ح ْوضِه‪.‬‬
‫سمٌ لزوْجات) إن باتَ عند ب ْعضِهنَّ بقُرْعَة‬ ‫(فصل)‪ :‬يف ال َقسْم والنّشوز (جيب َق ْ‬
‫سمٌ ِلمَن َبقِي مِنهُنَّ ولو قامَ بِهنَّ ُع ْذرٌ كمَرضٍ وحَيْض‪ .‬وُتسَنُّ‬ ‫أو غريها فيلْ َزمَه َق ْ‬
‫التَّسوية بينهن يف سائر أنواع اإلِسْتِمتاعِ‪ ،‬وال يُوءَاخذ مبيْلِ القَ ْلبِ إىل بعضِهِنَّ‪ ،‬وأن ال‬
‫الزوْجني‬ ‫ُيعْطِّلهُنَّ بأن يبيت عندَهُن‪ ،‬وال قَسْم بنيَ إماءٍ وال إِماءٍ وزْوجَة‪ .‬وجيب على َّ‬
‫أن يتعاشَرا باملعْروف‪ ،‬بأن ميتَنِع كلُّ عما يكره صاحبه ويؤدي إليه حقه مع الرضا‬
‫حوِجَهُ إىل مؤنة وكلفة يف ذلك (غريٍ )معتدة عن وَطْء‬ ‫وطالقة الوجه من غري أن ُي ْ‬
‫شبهة لَِتحْرمي اخلِلوَة هبا وصغرية ال تطيقُ الوَطْءَ‪ ،‬و (ناشِزَةٍ) أي خارِجَةٍ عن طاعَتِه‬
‫بأن خترج بغري إذنه من منزِله‪ ،‬أو متَنعْه من التَّمتُّع هبا‪ ،‬أو تغلق الباب يف وجهه‪ ،‬ولو‬
‫جمنونة‪ ،‬وغري مسافرة وحدها حلاجتها ولو بإِذنه فال قسْم هلنّ كما ال نفقة هلنّ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬قال األذرعي نقالً عن جتزئة الروياين‪ :‬ولو َظهَر زِناها حُلَّ له مَْنعُ قَسْمها‬
‫وحقوقها لتفْتَدي منه‪ .‬نصّ عليه يف األم‪ .‬وهو أصحّ القولني‪ .‬انتهى‪ .‬قال شيخنا‪:‬‬
‫وهو ظاهِرٌ إن أراد أنه َيحِلُّ له ذلك باطناً معاقَبَ ًة له لِتَلْطيخ فراشِه ‪،‬أما يف الظاهِرِ‬
‫فدعواه عُلَيْها ذلك غري مقبولة‪ ،‬بل ولو ثَبُت زِناها ال جيوز للقاضي أن ميكنه من ذلك‬
‫فيما يظهر‪( .‬وله) أي للزوج (دخول يف ليل) لواحدة (على) زوجة (أخرى لضرورة)‬
‫ال لغريها كمرضها املخوِّف‪ ،‬ولو ظناً‪( ،‬وله) دخول (يف هنار حلاجة) كوضع متاع أو‬
‫أخذه وعيادةِ وتسليم نفقةٍ وتعرُّفِ خربٍ (بالّ إطالة) يف مُ ْكثٍ عُرْفاً على قدر احلاجة‪،‬‬
‫وإن أطال فوق احلاجة عصى جلوره وقضى وجوباً لذات َّالنوْبة بقدر ما مكث من‬
‫نوبة املدخول عليها‪ .‬هذا ما يف املهذَّب وغريه‪ .‬وقضِيَّة كالمِ املنهاج والروضة‬
‫سوِيَةٌ يف اإلِقامَة‬
‫وأصليهما خالفه فيما إذا دخل يف النهار حلاجة وإن طال فال جتب ت ْ‬
‫يف غري األصل كأن كان هناراً أي يف َق ْدرِها‪ ،‬ألنه وقت التردد وهو يقل ويكثر عند‬
‫حَلِّ الدخول‪ ،‬جيوز له أن يتمتع‪ .‬ويَحرُم اجلِماع‪ ،‬ال لذاته‪ ،‬بل ألمر خارجٍ وال يُلْ َزمَه‬
‫قضا َء الوَطْءِ لتعلُّقهِ بالنشَّاطِ بل يقضي زمَنه إن طال عُرْفاً ‪.‬‬
‫سمِ ليْلةً لكل واحدةٍ وهي من الغروب إىل الفجر (وأكثره‬ ‫(واعلم) أن أقل ال َق ْ‬
‫تفرقْن يف البالد إال برضاهِنَّ‪ .‬وعليه حيمل قول األم‪:‬‬ ‫ثالث) فال جيوز أكثر منها وإن َّ‬
‫سمُ مشاهَرَةً ومُسانَهةً‪ .‬واألصل فيه ملن عملَهُ هناراً الليل والنهار قبله أو بعده وهو‬ ‫ي ْق ِ‬
‫أوىل تبع‪ .‬وحلرَّةٍ ليلتان وألمَةٍ سلمت له ليالً وهنارًا ليلة‪ .‬ويبدأُ وجوباً يف القَسْم بقُرْعةٍ‬
‫صمَتِه َزوْجَةٌ فأكثر (بكر سبع) مِنَ األَيام يقيمُها عْندَهَا‬ ‫(وجلديدَة) نكحُها ويف ع ْ‬
‫جدَيدَةٍ (ثيب ثالث) والءً بال قَضاءٍ ولو َأمَة فيهما لقوله‪" :‬سبعٌ‬ ‫متوالِيَةً وجوباً (و) ِل َ‬
‫للبكرِ وثالثٌ للثيب" ويسن ختيري الثيب بني ثالث بال قضاء وسبع بقضاء‪ :‬لإلِتباع‪.‬‬
‫‪134‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬جيب عند الشيخني‪ ،‬وإن أطال األذرعي‪ :‬كالزركشي يف رده‪ ،‬أن‬
‫يتخلف ليايل مدة الزفاف عن حنوِ اخلروج للجماعةِ وتشْييع اجلنَائِز‪ ،‬وأن يُسوِّي ليايل‬
‫القَسْم بينهُنَّ يف اخلروج لذلك أو عدمه‪ ،‬فيأثَم بتخصيص ليلة واحدة باخلروج لذلك‬
‫(و) وَ ْعظِ زوجَتِه َندْباً ألجْلِ َخوْفِ وُقوع نُشوزٍ منها كاإلِعْراضِ والعُبوسِ بعد‬
‫ضجَعاً)‪ ،‬مع‬ ‫خلشِنِ بعدَ لينِه و (هجْر) إن شاء ( َم ْ‬ ‫القَةِ الوَجْه والكَالم ا َ‬ ‫ا ِإلقْبالِ وطَ َ‬
‫وَعَظها ال يف الكالم‪ ،‬بل يكره فيه‪ ،‬وَيحْرُم اهلجر به ولو لغري الزوْجة فوق ثالثة أيام‪:‬‬
‫للخرب الصحيح‪ .‬نعم إن قصد به رَدَّها عن امل ْعصِيَة وإصْالح دينِها جاز (وضَرَهبا)‬
‫جوازاً ضرْباً غري مربِّح وال مُ َدمٍ على غري وجهٍ و َمقْتَل إن أفاد الضرب يف ظنه ولو‬
‫سوْط وعصاً‪ .‬لكن نقل الروياين تعِيينه بيده أو مبنديل (بنشوز) أي بسببه وإن مل‬ ‫ِب َ‬
‫يتكرر‪ ،‬خالفاً للمحرر‪ ،‬ويسقط بذلك القسم‪ .‬ومنه امتناعهن إذا دعاهن إىل بيته ولو‬
‫الشتغاهلا حباجتها ملخالفتها‪ .‬نعم‪ ،‬إن ُعذِرَت لنحو مرض أو كانت ذاتَ ق َدرٍ و َخفَر‬
‫مل تعتد الربوزَ ملَ تلزمها إجابَتهُ‪ ،‬وعليه أن ُيقْسم هلا يف بيتها‪ .‬وجيوز له أن يؤدِّهبا على‬
‫شَْتمِها له‪.‬‬
‫[تتمة]‪ :‬يعصى بطالق من مل تستوفِ حقها بعد حضور وقته وإن كان الطالق‬
‫رجعياً‪ .‬قال ابن الرفعة‪ :‬ما مل يكن بسؤاهلا‪.‬‬
‫(فصل)‪ :‬يف اخللع بضم اخلاء من اخللع بفَتحها وهو النزع ألن كالًّ من الزَّوجني‬
‫لِباسٌ لآلخر كما يف اآلية‪ ،‬وأصْله مَكُروه‪ .‬وقد ُيسَْتحَبُّ كالطَّالق ويزيد هذا بَِندْبه‬
‫ملن َحلَفَ بالطَّالق الثالث على شيء ال بدَّ له من فعله قال شيخنا‪ :‬وفيه نَظَر لِكَثْرة‬
‫القائلني بعَودِ الصفة‪ .‬فاألوجَه أنهُ مُباحٌ لذلك‪ ،‬ال منْدوبٌ‪ ،‬ويف شرحي املنهاج‬
‫واإلِرشاد له‪ :‬لو مَنَعَها حنو َن َفقَةٍ لُتخْتَلع منه مبال َف َفعَلت بَطُل اخلَ ْلعُ ووقَعَ رَ ْجعِيّاً كما‬
‫نقله مجعٌ متَقدِّمون عن الشيخ أيب حامد أوال بقصد ذلك وقع بائِناً‪ .‬وعليهِ يُحمَلُ ما‬
‫َنقَلَهُ الشيخان عنه أنه يصِحُّ ويأَثمُ ب ِفعْله يف احلالني وإن تَحقَّق زِناها‪ ،‬لكن ال يُكره‬
‫اخلَ ْلعُ حينئذٍ‪( .‬اخللع) شَرْعاً (فِ ْرقَةٌ ِب ِع َوضٍ) كميته مقصودٌ من زوْجة أو غريها راجع‬
‫(لزوج) أو سيِّدة (بلفظِ طالقٍ أو خَلع) أو مُفاداةٍ ولو كان اخللعُ يف رجعيَّة ألهنا‬
‫كالزَّوجة يف كثري من األحْكام‪( .‬فلو جرى) اخللع (بال) ذكِر ( َعوَض) معها (بِنَّية‬
‫ك ونَوى التِماسَ قُبولِها فقَبلَت (فمهرٌ‬ ‫التِماسِ قبول) منها‪ :‬كأن قال خاَلعْتُك أو فادَيْتُ ِ‬
‫مِثْل) جيب عليها الطراد العُرف جبريان ذلك ِبعَوض‪ ،‬فإن جرى مع أجنيب طُلقّت‬
‫جماناً‪ ،‬كما لو كان معه والعوض فاسد‪ .‬ولو أطْلَقَ فقال خاَلعْتُكِ ومل ينوِ التماسَ‬
‫الزوْج (ب) صيغة (مُعاوضة‪ :‬كطلقتك) أو‬ ‫قبولِها وقَع ر ِجعْياً وإن قَبَلتْ (وإذا بدأ) َّ‬
‫خالعتك (بألفٍ فمعاوضَة) ألخذِه عِوَضاً يف مقابلةِ الَبضْع املسَْتحَق له وهبا شوب‬
‫تعليق لتوقف وقوع الطالق هبا على القبول (فله رجوعُ قبل قبولِها) ألن هذا شأن‬
‫ضمِنْت أو‬ ‫املعاوَضات (وشرط قبولِها فوراً) أي يف جملس التّوا ُجبُ بلفظ كقَبِ ْلتُ أو َ‬
‫يفعل كإِعطائها األلف على ما قاله مجع حمققون فلو حتلل بني لفظه وقبوهلا زمن أو‬
‫كالم طويل مل يُنفَّذ‪ .‬ولو قال طلقتك ثالثاً بألف فقبلت واحدة بألف فتقع الثالث‬
‫وجتب األلف‪ .‬فإِذا بَدأَت الزوْجَة ب َطَلبِ طالقٍ كطَلِّقين بألفٍ أو إِنَ طلقتين فلك عليّ‬
‫كذا فأجاهبا الزوج فمعا َوضَة من جانبها فلها رجوعٌ قبل جوابه ألن ذلك حكم‬
‫املعا َوضَة‪ .‬وُيشْتَرَطُ الطَّالقُ بعد سُؤالِها فوراً فإِن مل يطلقها فوراً كان تطليقَه هلا ابتداءً‬
‫للطَّالق‪ .‬قال الشيخ زكريا‪ :‬لو ادعى أنه جواب وكان جاهِالً معذوراً صدَق بيمينه‬
‫(أو بدأ ب) صيغَة (تعليق) يف إثبات (كمىت) أو أي حني (أعطيَتين كذا فأنت طالق‬
‫الصفَة وال (رجوع) له عنه قبل‬ ‫فتعليق) القْتِضاءِ الصِّيغةِ له (فال) طالقَ إال بعد حتقّقُ ِّ‬
‫الصفة كسائر التعليقات (وال يشترط) فيه (قبول) لفظاً (وال إعطاء فوراً) بل يكفي‬
‫‪135‬‬
‫اإلِعطاء ولو بعد أن تفرقا عن اجمللس لداللته على استغراق كل األزمنة منه صرحياً‪،‬‬
‫وإمنا وجب الفور يف قوهلا مىت طلقتين فلك كذا ألن الغالب على جانبها املعا َوضَة فإِن‬
‫مل يُطلِّقها فوراً محل على االبتداءَ لقُدرَتِه عليه أما إذا كان التعليق يف النفي كمىت مل‬
‫تعطين ألفاً فأنتِ طالق فللفور فتُطَلَّق مبضيّ زمن ميكن فيه اإلِعطاءُ فلم تعطِه (وشرط‬
‫فور) أي اإلِعطاء يف جملس التواجب بأن ال يتخلل كالم أو سكوت طويل عرفاً من‬
‫حرة حاضرة أو غائبة علمته (يف إن) أو إذا (أعطيتين) كذا فأنت طالق ألنه مقتضى‬
‫اللفظ مع ال ِعوَض وخولف يف حنو مىت لصراحتها يف جواز التأخري لكن ال رجوع له‬
‫عنه قبله‪ .‬وال يشترط القبول لفظاً‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬اإلِبراء فيما ذكر كاإلِعطاء ففي إن أبرأتين ال بدّ من إبرائها فوراً براءة‬
‫صحيحة عقب علمها وإال مل يقع‪ .‬وِإفْتاءُ بعضِهم بأنه يقع يف الغائبة مُطلقاً ألنه مل‬
‫يُخاطِبْها بال ِعوَض بعيد خمالَفٌ لكالمهم‪ .‬ولو قال إن أبرأتين فأنت وكيل يف طالقها‬
‫فأبرأته برىء مث الوكيل خمري‪ ،‬فإِن طلق َوقَع رَ ْجعِيًّا ألن اإلِبراء وقع يف مقابلة التوكيل‪،‬‬
‫ومن علَّق طالقَ زوْجَتِه بإِبرائِها إياه من صَداقها مل يقع عليه‪ .‬إال إن وُجِدت براءةَ‬
‫صحيحة من مجيعه فيقع بائِناً بأن تكون رشيدة وكل منهما يعلم قدره ومل تتعلق به‬
‫زكاة خالفاً ملا أطال به الرميي أنه ال فرق بني تعلقها به وعدمه وإن نقله عن احملققني‬
‫وذلك ألن اإلِبراءَ ال يصِحُّ من ق ْدرِها وقد علق باإلِبراء من مجيعه فلم تو َجدُ الصفة‬
‫املعلَّقُ عليها وقيل يقع بائِناً مبهْرِ املثل‪ .‬ولو أبرأته مث ادَّعت اجلهل بقدره‪ .‬فإِن زوّجت‬
‫صغرية صدقت بيمينها أو بالغة ودلّ احلال على جهلها به لكوهنا جمربة مل تستأذن‬
‫فكذلك وإال صَدَق بيمينه‪ :‬ولو قال إن أبْرأتين من مَهْرِك فأَنت طالِقٌ بعد شهر‬
‫فأبرأته‪ ،‬برىء مطلقاً‪ .‬مث إن عاشَ إىل مضي الشهر طلقت وإال فال‪ .‬ويف األنوار يف‬
‫أبرأتك من مهري بشرط أن تطلقين فطلق وقع وال يربأ‪ ،‬لكن الذي يف الكايف وأقرّه‬
‫البلقيين وغريه يف أبرأتك من صداقي بشرط الطالق أو على أن تطلقين تبني ويَبْرأ‬
‫خبالف إن طلقت ضُرَّيت فأنت بريءٌ من صَداقي فطلَّق الضُّرَّة وقع الطالق وال براءَة‪.‬‬
‫قال شيخنا‪ :‬واملتجه ما يف األنوار ألن الشرط املذكور متضمن للتعليق‪.‬‬
‫[فروع]‪ :‬لو قال إن أبرأتين من صَداقِك أُطلِّقك فأبرأت فطلق برىء وطلقت ومل‬
‫تكن خمالعة ولو قالت طَلَّقين وأنت بريء من َمهْري فطلقها بانت به ألهنا صيغة‬
‫التِزام‪ ،‬أو قالت إن طلقتين فقد أبرأتك أو فأنت بريء من صداقي فطلقها بانت مبهر‬
‫املثل‪ ،‬على املعتمد‪ ،‬لِفسادِ الع َوضِ بتعليق اإلِبْراء‪ .‬وأفىت أبو زرعة فيمن سأل زوْج‬
‫بنتِه قبلَ الوَطْء أن يُطَِّلقَها على مجيع صَداقها والتزم به والدُها فطَّلقها واحتالَ من‬
‫نفسه على نفسه هلا وهي َمحَجورَته بأنه خلع على نظريٍ صداقَها يف ذمة األب‪ .‬نعم‪،‬‬
‫شرط صحة هذه احلِوالة أن يُحيلَه الزوج به لبِنته‪ .‬إذ ال بد فيها من إجيابٍ وقبول‬
‫ومع ذلك ال تصح إال يف نصف ذلك لسُقوط نصف صَداقها عليه بِبَينونَتِها منه فيبقى‬
‫حقَّه واملستحِق على‬ ‫للزوج على األب نصفه ألنه ملا سأله بِنَ ِظريِ اجلميع يف ذِمَّتِه فاسَت َ‬
‫الزوج النصف ال غري فطريقه أن يسألُه اخلَ ْلعَ بنَظريِ النِّصفِ الباقي حملجورَتِه لرباءَته‬
‫حينئذٍ باحلَوالة عن مجيع دين الزوج‪ .‬اه‪ .‬قال شيخنا‪ :‬وسيعلم مما يأيت أن الضمان‬
‫يُل ِزمْهُ به مهر املثل‪ ،‬فااللتزام املذكور مثله وإن مل توجد احلِوالة‪ .‬ولو اختلع األب أو‬
‫غريه بصداقها أو قال طلِّقها وأنت بريء منه وقع رجعياً‪ ،‬وال يربأ من شيء منه‪ .‬نعم‪،‬‬
‫الدرَك أو قال عليّ ضمانَ ذلك وقع بائِناً مبهر املثل على‬ ‫إن ضمن له األب أو األجنيب َّ‬
‫األب أو األجنيب‪ .‬ولو قال ألجنيب سل فالناً أن يطلق زوجته بألف‪ ،‬اشترط يف لزوم‬
‫األلف أن يقول عليّ‪ .‬خبالف سل زوجيت أن يطلقين على كذا فإِنه توكيل وإن مل‬

‫‪136‬‬
‫تقل عليّ‪ .‬ولو قال طلق زوجتك على أن أطلق زوجيت ففعال‪ ،‬بانتا‪ ،‬ألنه خَ ْلعٌ غَيْر‬
‫فاسِد‪ :‬ألنَّ ال ِعوَض فيه مقْصود‪ ،‬خالفاً لبعضهم‪ ،‬فلكّل على اآلخر َمهْرُ مِثْل زوجتَّه‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬الفِرْقة بلفظ اخللع طالق يُْنقِص العدَد‪ .‬ويف قول نُصَّ عليه يف القدمي‬
‫واجلديد الفِ ْرقَة بِلفظ اخلَلْع إذا مل يقْصِد به طالقًا ُفسِخَ ال ينقص عدداً‪ ،‬فيجوز جتديدُ‬
‫النِّكاح بعد تكرُّرِه من غري َحصْر‪ ،‬واختاره كثريون من أصحابنا املتقدمني‬
‫واملتأخرين‪ ،‬بل تكرر من البلقيين اإلِفتاءُ به‪ .‬أما الفِرقة بلفظ الطالق بعوض فطالق‬
‫يَْنقُص قطعاً‪ ،‬كما لو قصد بلفظ اخللع الطالق‪ ،‬لكن نقل اإلمام عن احملققني القطع‬
‫بأنه ال يصري طالقاً بالنية‪.‬‬
‫(فصل)‪ :‬يف الطالق‪ .‬وهوَ ُلغَةً‪ :‬حلُّ القَيْد‪ .‬وشَرْعاً حلُّ َع ْقدِ النِّكاحِ باللَّفظِ اآليت‬
‫وهوَ إما واجبٌ‪ :‬كطالقِ ُموَلَ مل يُرِدِ الوَطْء‪ ،‬أوْ مَنْدوبٍ‪ :‬كَأنْ َي ْعجَزُ عَن القِيامِ‬
‫ِبحُقوقِها َولَوْ لِ َع َدمِ املَيْلِ ِإلَْيهَا‪ ،‬أو تَكونَ غري عَفيفَةٍ ما ملْ َيخْشَ الفُجورَ بِها أو سَيَِّئةِ‬
‫صربُ على ِعشْرَتِها عادةً‪ ،‬فيما اسْتَ ْظهَرَهُ شيخنا‪ ،‬وإال فمىت‬ ‫اخلُلُقِ‪ :‬أيْ ِبحَْيثُ ال َي ْ‬
‫تو َجدُ امرأةً غريَ سَيِّئَةِ اخلُلقِ‪ .‬ويف احلديث‪" :‬املَرَْأةُ الصَّاِلحَةُ فِي النِّساءِ كالغُرابِ‬
‫صمُ ُهوَ أبْيَضُ اجلنَاحَيْنِ‪ ،‬أوْ يَ ْأمُ ُرهُ بِهِ أحَدُ‬ ‫صمِ" كنايةً عَنْ ُن ْدرَةِ وُجودِها‪ :‬إذ األَ ْع َ‬ ‫األَ ْع َ‬
‫والدَيْه‪ :‬أيْ مِنْ غَريِ َتعَُّنتٍ أو حَرامٍ كالبدعي‪ ،‬وهوَ طَالقٌ َمدْخُولٌ بِها يف َنحْوِ حَيْضٍ‬
‫بِال عَوضٍ مِْنهَا أوْ يف ُطهْرٍ جامعَها فيه‪ ،‬وكَطَالقِ منْ َلمْ َيسَْتوْفِ دَورَها من القَسَمْ‬
‫صدِ احلِ ْرمَانِ مِنَ ا ِإلرْثِ‪ ،‬وَال َيحْ ُرمُ َج ْمعُ ثَالثَ طَلْقاتٍ‪ ،‬بَلْ ُيسَنُّ‬ ‫وكَطالقِ املَريض بِ َق ْ‬
‫ا ِإلقْتِصارُ على وا ِحدَةٍ أو مَكْروهٍ بأنْ سَِلمَ احلالُ من ذلك كلُّه‪ ،‬للخرب الصحيح‪:‬‬
‫"أْبغَضُ احلَاللِ إىل اللَّهِ الطَّالقْ" وإثْباتُ ب ْغضِه تَعالَى له املقصودُ مِنْهُ زِيادةَ التَّنفريِ عَنهُ‬
‫ال حَقيقَتُه ملُنافاتِها حلِلَّه إمنا (َي َقعُ ِلغَيْرِ بِائِنٍ) ولوْ رجعيةً مل تنقضِ عِدَّتَها فال َي َقعُ‬
‫ملختِلعَ ٍة ورَ ْجعَيَّةٍ ان َقضَت عِدَّتَها (طالقٌ) خمتارٌ (مكلفٌ) أي بالغٌ عاقلٌ‪ ،‬فال يقعُ طالق‬
‫صيبٍ وجمنونٍ (ومُتَ َعدَ بسكرٍ) أي بشُربِ مخرٍ وأكل بنجٍ أو حشيشٍ لعصيانهِ بإِزالةِ‬
‫عقلٍ‪ ،‬خبالفِ سَكْرانٍ مل يَتعَدَّ بتناولِ ُمسْكِرٍ كأَن ُأكْرِهَ َعلَيْهِ َأوْ َلمْ يَعلَم أنهُ ُمسْكِرٌ فال‬
‫يقعُ طالقهُ إذا صارَ حبيثُ ال مييز لعدم تَعدِّيهِ وصدَّق مدعي إكراه يف تناولِه بيمينهِ إن‬
‫وُ ِجدَتْ قرينةً عليه‪ ،‬كحَبْسٍ وإال فال بدَّ مِنَ البَيِّنَةِ‪ ،‬ويقعُ طالقُ اهلازِلِ به بأن قصَدَ‬
‫صدْ شيئاً وال أثَر حلِكايةِ طَالقِ الغَيْرِ وتصويرِ‬ ‫لفظهُ دونَ معناهُ أو لعبٍ به بأن مل يَ ْق ِ‬
‫س َمعُ نَ ْفسَه‪ .‬واتفقوا على وقوع طَالقِ الغضبانِ‪ ،‬وإن‬ ‫َّلفظِ به حبيثُ ال يَ ْ‬ ‫الفقيهِ وللت ُّ‬
‫ادَّعى زوالَ شعورَه بالغَضبِ‪( ،‬ال) طالق (مُكرهٍ) ِبغَيْرِ حَقَ (ِب َمحْذورٍ) مُنا ِسبٍ‬
‫كحَبسٍ طَويلٍ‪ ،‬وكَذا قليلٌ لذِي مَروءه وصفْعةٍ لَهُ يف املَأل وكإِتالفِ مالٍ يضيقُ عَليهِ‪،‬‬
‫حقِيقِ ما‬ ‫ط اإلِكراهِ ُق ْدرَة املُكْرَهِ عَلى َت ْ‬ ‫حوِ َخ ْمسَةِ دَرا ِهمَ يف حَقّ موسِرٍ وَشَرْ ِ‬ ‫ف َن ْ‬
‫بِخال ِ‬
‫هُدِّدَ بِه عاجِالً بِواليَةٍ أو َتغَُّلبٍ وَ َعجْزِ املُكْرَهِ ع ْن َد ْفعِهِ ِبفَرَارٍ أوْ اسِْتغَاثَة وظَنِّهِ أَنَّهُ إِنْ‬
‫َوفَهُ بِهِ ناجِزاً فَال يََتحَقُّقُ ال َعجْزُ بِدوْنِ اجْتِماعِ ذلِكَ كلِّه‪َ ،‬والَ ُيشْتَرَطُ‬ ‫امْتََنعَ ِفعْلُ ما خ َّ‬
‫صدَ املُكْرَهُ اإلِيقاعَ‬ ‫التَّورِيَةُ بأَنْ يَنْوي غَيْرَ َزوْجَتِهِ َأوْ َيقُولُ سِ ّراً َعقْبَهُ إن شاء اهلل‪ ،‬فإِذا َق َ‬
‫للطالقِ َوَقعَ‪ ،‬كَما إِذَا ُأكْرِهَ ِبحَقَ‪ :‬كَأَنْ قَالَ ُمسَْتحِقُّ القَوْدِ طَلِّقْ َزوْجَتَكَ وإال قَتَلْتُكَ‬
‫ِبقَتْلِكَ أيب‪ ،‬أوْ قالَ رجلٌ آلخرٍ طلِّقها أو ألقتلنَّكَ غداً فطلَّقَ في َقعُ فيهما (ب) صريحٍ‬
‫جمَي عُرِفَ أنهُ‬ ‫وَ ُهوَ ما ال ُيحْتَملُ ظاهِرُهُ غَيْرَ الطَّالقِ ك (مشْتَقِّ طَالقٍ) وَلوْ مِنْ َع ِ‬
‫صمَةِ النِّكاحِ َأوْ ُب ْعدَهُ عَنْها وإِنْ َلمْ َيعْرِفْ َمعْناهُ ا َألصْلي‪ ،‬كَما أفْىت بِه‬ ‫َم ْوضِوعٌ َلحِلِّ ِع ْ‬
‫َكررِها يف القَرآن كَطَِّلقْتُكَ وفا َرقْتُكَ وسَرَّحْتُكَ أو‬ ‫شَْيخُنا‪( ،‬وفِراقٌ وسِراحْ) لِت ُّ‬
‫زوجيت‪ ،‬وكأنتِ طالِق أو مُطََّلقَة‪ ،‬بتشديد الالم‪ ،‬املفتوحة ومفارِق ٌة و ُمسَرَّحةٌ أما‬
‫ق أو سِراحٌ‪.‬‬ ‫مصادرها فَكِنايةٌ كأَْنتِ طِالقٌ أو فِرا ٌ‬

‫‪137‬‬
‫وُيشْتَرطُ ذَكر مفْعولٍ مع حنوِ طََّل ْقتُ ومبتَدأٌ مَع حنو طَالِق فَلَو نَوى أَحَدَهُما مل‬
‫يُوءْثِّرْ كما لو قال‪ :‬طالِقْ ونَوى أْنتِ أو امْرأَتِي وَن ْويُ لَ ْفظِ طالِقٍ إال إن سَبَقَ ِذكْرُها‬
‫َوضْ ِإلَيْها بِطلِّقي َن ْفسَكِ‬ ‫فِي سؤالٍ يف حنو طلِّقْ امْرأَتَكَ فَقال‪ :‬طََّل ْقتُ بِال َمفْعولٍ أو ف ِّ‬
‫جمِيَّة‬ ‫فقالت‪ :‬طََّل ْقتُ ومل َتقُلْ‪َ :‬نفْسي فََي َقعُ فيهِما (وتَرْ َجمَتَهُ) أيْ ُمشْتَقُّ ما ذُكِرَ بال َع َ‬
‫ق صَريح على ا َملذْ َهبِ وتَر َجمَةُ صاحِبَيْه صَريحٌ أيضاً على ا ُملعْتَمدِ‪ ،‬وَنقَلَ‬ ‫فتَرْ َجمَ ُة الطال ُ‬
‫األذرُعي عن مجع اجلَ ْزمِ به (و) مِنْه (أَعْطَْيتُ) أو قُ ْلتُ (طَالقِكِ وَأ ْوَقعَت) أوْ َأْلقَْيتُ‬
‫ض ْعتُ (عَلَيْكِ الطَّالقَ) أو طَالقي ويا طالِقْ ويا مُطَلَّقة بتشديد الالم ال أنْتِ‬ ‫أوْ َو َ‬
‫طَالقٌ ولَكِ الطَّالقُ بل مها كنايَتانْ‪ :‬كإِن فعلتِ كَذا ففيهِ طِالقُكِ أو َف ُهوَ طَالقُكِ‬
‫فيما استظهر شيخنا ألن املصدر ال ُيسَْت ْعمَل يف العَيْنِ إال توسُّعاً‪ ،‬وال يضُرَّ اخلَطأُ يف‬
‫الصِّيغَةِ إذا مل خيلُّ باملعىن كَاخلَطَإِ يف اإلِعرَابِ‪.‬‬
‫[فروع]‪ :‬لو قالتْ لَهُ طَلِّقين فقال‪ :‬هي مُطلَّقة فال ُيقْبَل إرادةُ غَيْرها ألن تقدم‬
‫سؤاهلا يصرف اللَّفظُ إليها‪ ،‬ومن ثُمَّ لو مل يتقدم هلا ِذكْر رَجَع لِنَيَّتِه يف حنو أْنتِ طَالِقٌ‬
‫وهي غائِبَة أو هي طالِقٌ وهيَ حاضِرة‪ .‬قال البغوي‪ :‬ولو قالَ ما ِكدْتُ أَنْ أُطَِّلقَكِ‬
‫كان إقراراً بالطَّالقِ انتهى‪ .‬ولو قال لوليِّها زَوِّجها فمقرٌّ بالطالق‪ ،‬قال املزجد‪ :‬لو‬
‫قال‪ :‬هذه زوجةُ فالنٍ حَ َكمَ بارتفاعِ نكاحِه وأفىت ابن الصَّالحِ فيما لو قال رجل‪ :‬إن‬
‫الزوْجيَّةِ بعد غَيبَتِهِ السَّنةِ‬‫غبتُ عنها سنة فما أنا هلا بزوجٍ بأنه إقرارٌ يف الظاهِرِ بزوالِ َّ‬
‫فلها َب ْعدَها مث ب ْع َد انقضاءِ عِدَّتِها تُزوِّج لغَيْرِه‪.‬‬
‫أطل َقتَ َزوْجَتَكَ مُلَْتمِساً اإلِنشاءَ؟ فقال‪ :‬نعم أو إي َوقَعَ وكانَ‬ ‫ولو قالَ آلخر‪َّ :‬‬
‫وطلقْت ُمسُْتقِلَّة‪،‬‬‫صَرِحياً‪ ،‬فإِذا قال‪ :‬طلقت فقط كانَ كِناية ألن نعم مُتَعيِّنَةً للجَوابِ‪َّ ،‬‬
‫فاحتَملَت اجلواب واإلِبتداء‪ .‬أما إذا قالَ َلهُ ذلك ُمسَْتخْبِراً فأجابَ بنعم فِإقْرارٌ‬
‫بالطَّالقِ وَي َقعُ عليهِ ظاهراً إن َكذَبَ ويدين وكذا لو َجهِلَ حالَ السؤالِ‪ .‬فإِن قال‪:‬‬
‫صدَقَ بيَمينِهِ الحْتماله‪ ،‬ولَو قيل‪ :‬ملطلِّقٍ أَطََّلقْتَ‬ ‫أردْتُ طَالقاً ماضِياً وراجَ ْعتُ َ‬
‫ك ثَالثاً؟ فقال طَل ْقتُ وأرادَ واحِدةً صدَقَ بَيمِينِهِ ألَنَّ طََّل ْقتُ ُمحَْتمَلٌ للجَوابِ‬ ‫َزوْجَتَ َ‬
‫واإلِبْتِداءِ‪َ ،‬ومِنْ ثُمَّ َلوْ قالت‪ :‬طََّلقَين ثالثاً فقال طََّلقْتُكِ ومل ينوِ َعدَداً فوا ِحدَة ولو قال‬
‫صدَق بيمنَه‪ ،‬كما لو قال‬ ‫ألم زوْجَتِهِ‪ :‬ابنَتُكِ طالِقٌ وقال‪ :‬أردتُ بنْتُها األخْرى َ‬
‫صدْتُ األَجْنَبْيَّة لِتَردُّدِ اللَّفظِ بَيَْنهُما َفصَحَّت‬
‫لِ َزوْجَتِه‪ :‬وَأجْنَبِيَّة إِحداكُما طالِقٌ َوقَال‪َ :‬ق َ‬
‫إِرادتَها خبالف ما لو قال‪ :‬زينب طالِق واسم زوجتهِ زينب وقصدَ أجنبية امسها زينب‬
‫فال يقبل قولهُ ظاهراً بل يدين ولو قال عامِيّ أعطيتُ تالقٍ فالنةَ بالتاء أو طَالكها‬
‫بالكاف أو دَالقِها بالدَال وقع به الطَّالق وكانَ صرحياً يف حقِّهِ إن مل يُطاوِعْه لِسانَه‬
‫اللفْظ املُْبدِل أو كان ممن ُلغَتُه كذلك كما صرح به اجلالل البلقيين‬ ‫إال على هذا َّ‬
‫واعَْت َمدَ ُه َج ْمعٌ مُتَأَخِّرون‪ ،‬وأفْىت به َج ْمعٌ مِن مَشاخينا‪ ،‬وإال فهو كِناية ألن ذلك‬
‫اإلِبدالُ لهُ أصْلٌ يف اللغة‪.‬‬
‫(و) يقعُ (بِكنايَة) وهي ما َيحَْتمِلُ الطالقَ وغريه إن كانت (مع نَّيةِ) إلِيقاعِ‬
‫َجحَه كثريونَ‪،‬‬ ‫َولِها هوَ ما ر َّ‬ ‫َولِها) أيْ الكِنايَة وتعبريي مبقترنةٍ بأ َّ‬ ‫الطَّالق ( ُمقَتَرِنَةٌ بأ َّ‬
‫وَاعَْت َمدَ ُه األَسْنَوي والشيخُ زكريا تَبَعاً ِلجَ ْمعٍ مُحقّقنيَ ورجَّح يف أصْلِ الروْضةِ‬
‫اإلِكتفاءَ باملقارنةِ لِبَعضِ اللفْظِ ولوْ آلخِرِهِ وهي (كأْنتِ علي حَرام) أو حُرمَتُكِ أو‬
‫حال ُل اهلل علي حَرامٌ ولو تَعارَفوهُ طَالقاً خالفاً للرافعي ولو نوى َتحْرميَ عَيْنَها أو حنو‬
‫فَرْجِها أو وَطْئِها مل َتحْرُم‪ ،‬وعليه مَثَلُ َكفَارَةِ َيمِنيٍ وإنْ مل يَطَأْ‪ .‬ولو قال‪ :‬هذا الثوْبَ‬
‫أو الطَّعامَ حَرامٌ عليَّ فلغوٌ ال شيءَ فيه (و) أْنتِ (خَلِيَّة) أيْ مِنْ الزوْج فَعيلَةً ِب َمعْنَى‬
‫فَاعِلَةَ أو بَرِيَئةٍ مْنهُ (وبائِنٌ) أي مُفا ِرقَة‪( ،‬و) كأْنتِ (حُرَّة) ومُطَلَّقة بتخْفيفِ الالم أو‬
‫أطْلقْتُكِ (و) أَْنتِ (كَأُمِّي) أو بِنْيت أو أخْيت (و) ك (بِنْيت) ملمكنة كوهنا بِنْتَهُ باحِْتمَالِ‬
‫‪138‬‬
‫َط ْعتُ نِكاحِك‬ ‫سبِ‪( ،‬و) ك (أْ ْعَتقْتُك وتَ َركْتُكِ) وق َّ‬ ‫السِّن وإن كانت مَعلومَةُ النَّ َ‬
‫(وَأ َزلْتُكِ وأحْلَلْتُكِ) أي لألزواجِ‪ ،‬وأشْ َركْتُكِ َم َع فُالنَةٍ وقدَ طُِّل ْقتُ مِنْه أو مِنْ غَيْرهِ‬
‫(و) ك (تزوَّجي) أي ألين طََّلقْتُكِ وأنتِ حاللٌ لغيْري خبالف قوله للويل‪ :‬زوِّجها فإِنه‬
‫صريح (واعتَدِّي) أي ألَين طََّلقْتُكِ وودِّعيين من الوداع‪ :‬أي ألين طََّلقْتُكِ (و) ك‬
‫ستِ َزوْجَيت إن مل يقع يف‬ ‫القَكِ‪ ،‬وال حاجَةَ يل فيكِ) أي ألين طََّلقْتُكِ ول ْ‬ ‫(خذي طَ َ‬
‫جواب دعوى‪ ،‬وإال فإِقرار (و) ك (ذَ َهبَ طَالقُكِ أو َس َقطَ طَالقُكِ) إنْ َفعَ ْلتِ كَذا‬
‫(و) ك (طَالقُكِ وا ِحدُ) وثْنتانِ فإِنْ قَصدَ به اإلِيقاعَ وَقَعَ‪ ،‬وإِال فال‪ ،‬وكلك الطالق أو‬
‫طلقةً‪ ،‬وكذا سالم عليك على ما قاله ابن صالح‪ ،‬ونقله شيخنا يف شرح املنهاج‪،‬‬
‫(ال) مِنها (كَطَالقُكِ عَْيبٌ أو َنقْصٌ وال قلت) أو أَعْطَْيتُ (كَلِمتِكِ أو حُ ْكمُكِ) فال‬
‫ستْ مِن الكِناياتِ اليت حتَْتمِلُ‬ ‫َي َقعُ بهِ الطَالَقُ وَإِنْ نَوى هبا املُتَل َِّفظُ الطَّالقُ ألنَها لي َ‬
‫الطَّالقَ بال تَعسُّفٍ وال أَثَرٍ الشْتِهارِها يف الطالقِ يف بعضِ القُطْرِ‪ ،‬كما أفىت بهِ َج ْمعٌ‬
‫من مُحقِّقي مَشايخِ عصرنا‪ ،‬ولو نطق بلفظَ من هذه األلفاظ امللغاة عند إرادةِ الفراقِ‬
‫فقال له اآلخر‪ :‬مستخرباً أطَلَّقتَ زَوْجَتُكَ؟ فقال‪ :‬نعم ظانّاً وقوعَ الطَّالق باللفظِ‬
‫األولِ مل يقعْ‪ ،‬كما أفىت به شيخنا‪.‬‬
‫(وسئل) البلقيين عما لوْ قال هلا‪ :‬أنتِ عليَّ حرامٌ وظن أهنا طُِّل َقتْ بهِ ثالثاً فقال‬
‫هلا‪ :‬أْنتِ طالِقٌ ثَالثاً ظاناً وُقوعَ الثَّالثَ بِالعِبَارةِ األوىل‪( .‬فأجاب) بِأَنَهُ ال ي َقعُ عَلَْيهِ‬
‫ش ِهدْ‬ ‫ص ْدقَه أن ال َي ْ‬‫طالق‪ ،‬مبا أخبَر بهِ ثانِياً على الظَّنِّ املَذكورِ‪ .‬اه‪ .‬وََيجُوزُ ِلمَنْ ظنَّ ِ‬
‫عليه‪.‬‬
‫ق فََل ْغوٌ ما مل يَتَلفظْ حالَ‬ ‫[فرع]‪ :‬لو كَتبَ صَريحَ طَالقٍ أو كِنايتَهُ ومل يَنْو إيقاعَ الطَال ِ‬
‫الكِتابَةِ أوَ َب ْعدَها ِبصَريح ما كَتَبَهُ َن َعمْ‪َ :‬يقْبل قوله َأرَدْتُ قِراءَةَ املكتوبِ ال الطَّالق‬
‫ضبٍ وال‬ ‫إلِحتماله‪ ،‬وال يلحَقُ الكِنايَةَ بالصَّريح طََلبَ املرْأَةَ الطَّالقَ وال قَرَينَةَ غَ َ‬
‫اشْتِهارِ بعضَ ألفاظِ الكِنَايَاتِ فيه (وصدق منكر نية) يف الكناية (بيمينه) يف أنه ما‬
‫نَوى هبا طَالقاً‪ ،‬فالقول يف النية‪ :‬إثْباتاً ونفياً قول‪ :‬النَّاوي إذ ال ُتعْرَفُ إال مِنْه‪ ،‬فإِن مل‬
‫ع الطَّالقِ ألن األصْلَ بقاءَ ال ِعصْمة‪.‬‬ ‫متكِنْ مُرا َجعَةَ نِيَِّتهِ مبوتٍ أو فقدٍ مل َيحْكُم بوقو ِ‬
‫[فروع]‪ :‬قال يف العُباب‪ :‬من اسم زوجته فاطمة مثالً فقال‪ :‬ابتداءً أو جواباً‬
‫لطَلَبها الطَّالق فاطمة طالق وأرَاد غريها مل يقبل‪ ،‬ومَنْ قالَ المْرَأَته‪ :‬يا زَيْنَب‪ ،‬أَنْتِ‬
‫طالق وامسها عمرة طلقت لإلِشارة‪ ،‬ولو أشار إىل أجنبية وقال‪ :‬يا ُعمْرة أنتِ طالق‬
‫واسم زوجته عمرة مل تطلق‪ ،‬ومن قال‪ :‬امرأيت طالقٌ مشرياً ألحدى امرأتيهِ وأراد‬
‫األخْرى قبل بيمينه‪ ،‬ومن له زوجتانِ اسمُ كلِّ واحدة منهما فاطمة بنتُ حممّدٍ‬
‫وعرف أحدمها بزيدٍ فقال‪ :‬فاطمة بنت حممد طالقٌ ونَوى بِْنتَ زَيدٍ قبل‪ .‬انتهى‪ .‬قال‬
‫شيخنا‪ :‬ملْ ْيقَبلْ يف املسَْألَةِ األوىل أي ظاهراً بل يدين‪ .‬نعم‪ :‬يتجه قبولُ إرادِتهِ ِلمُطََّل َقةٍ‬
‫لهُ امسُها فاطمة اه‪ .‬ولو قال‪ :‬زوجيت عائِشة بنتُ حممد طالقٌ وزوجَتُه خدجيةٌ بنتُ‬
‫حممد طلقت ألنه ال يضرّ اخلطأ فِي اإلِسم ولو قال إلِبنه املكلَّف قل ألمِّكَ‪ :‬أنت‬
‫طالِق ومل يُرِد التَّوكيل َيحَْتمِل التوكيل فإِذا قاله هلا‪ :‬طُِّل ْقتِ كما تُطلَّق به لو أراد‬
‫التَّوكيل‪ ،‬وُيحْتَمل أهنا تُ َطلَّق وكون اإلِبن خمرباً هلا باحلال قال األسنوي‪ :‬ومُدرِكٌ‬
‫التردّد أنّ األمْرَ با َألمْرِ بالشيء إن َجعَلْنَاهُ َكصُدورِ ا َألمْرِ من األوّلِ كان ا َألمْرُ‬
‫باإلِخبار مبن ِزلَةِ اإلِخبارِ من األب فيقع وإال فال‪ .‬اه‪ .‬قال الشيخ زكريا‪ :‬وباجلملة‬
‫تعذرَ اسْتِ ْفسَارَهُ عملَ باإلِحْتِمالِ األَولِ حىت ال َيقَعُ الطالقُ‬ ‫فينْبغي أن ْيسََت ْفسِرَ فإِنْ َّ‬
‫ِب َق ْولِهِ‪ :‬بل بقول اإلِبْنُ ألمِّه‪ :‬ألن الطالقَ الَ َي َقعُ بِالشَّك‪( .‬ولو قال‪ :‬طََّلقْتُكِ ونَوى‬
‫َع َداً) اثْنَتَني أو واحدة (وقعٌ منوِي) ولو يف غريِ َموْطُوءَةٍ فإِنْ مل ينوِهِ وَقعَ ط ْلقَةً واحدةً‬
‫ولو شكَّ يف ال َعدَدِ امللفوظِ أو املْنوِي فَيَأْ ُخذَ باألقل وال يَخفى ال َورَعَ‪.‬‬
‫‪139‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو قال‪ :‬طلقتكِ واحدة وثنتني فيقع به الثالث كما هو ظَاهر وبهِ أفىت‬
‫بعضُ حمقِّقي عُلماءَ َعصْرِنا‪ .‬ولو قالَ لِلمدْخول هبا‪ :‬أَْنتِ طالِقٌ طَ ْلقَةً بل طَ ْلقَتَني في َقعُ‬
‫الروْض‪( ،‬وََي َقعُ طَالقُ ال َوكِيل) يف‬ ‫َرحَ بهِ الشيخُ زكريا يف شرح َّ‬ ‫ثالثُ‪ ،‬كما ص َّ‬
‫الطالق (بطََّل ْقتُ) فُالنَة وحنوه وَإِنْ ملْ يَْنوِ عِْندَ الطَّالقِ أنه مُطَلّقٌ ملوكِّله (ولو قال‬
‫آلخر‪ :‬أعْطَيتُ) أَو جَع ْلتُ بَيدِكَ (طَالقُ َزوْجَتِي) أو قال له‪ :‬رح بِطالقِها وأَعِظْها‬
‫(فهُو تَوكيل) ي َقعُ الطالقُ بِتْطليقِ الوكيل ال بقول الزوج هذا اللفظ بل حتصُل الفِرقة‬
‫طل ْقتُ فالنة ال بإِعْالمِها اخلرب بأن فالناً أرْسَل بَيدِي‬ ‫من حِني قول الوكيل‪ :‬مىت شاء َّ‬
‫طالقَكِ وال بإِعالمِها أن َزوْجَكِ طَلَّقَ‪ ،‬وإذا قال له‪ :‬ال تُعْطِه إال يف يوم كذا فيُطَلِّقْ يف‬
‫صدَ التقْييدَ بيَومٍ طَلَّقَ فيه ال بعده‪( .‬ولو قال‬ ‫اليَومِ الذي عَيَّنَهُ أو ب ْعدَه ال قَبْلَهُ‪ ،‬مث إن َق ْ‬
‫ق ال تَوكيلٌ‬ ‫الزوْجَة املُكَلَّفة مُْنجَزاً (طَلِّقي ن ْفسِكِ إن شِْئتِ َف ُهوَ َتمْلِيكٌ) للطَّال ِ‬ ‫هلا) أي َّ‬
‫حثَ أن مِنْهُ قوله‪ :‬طَلِّقيين فقالت‪ :‬أنت طالِقٌ ثالثاً‪ ،‬لكنه كِناية‪ ،‬فإِن نوى‬ ‫بذلكَ وُب ِ‬
‫ض إليها طَلّقتْ وإال فال‪ .‬وخرجَ بَِتقْييدي باملُكلَّفة غريها ِلفَسادِ عبارَتِها‪،‬‬ ‫التفوي َ‬
‫وِبمُنَجزِ املُعلَّق‪ ،‬فلو قال‪ :‬إذا جاءَ رمضانُ فطَلِّقي نفسَكِ لَغا‪ ،‬وإذا قُلنا أنه متليكٌ‬
‫املفوضِ إليها (تطليقَها) ولو بكِنايةٍ (فوراً) بأن ال يَتخلَّل‬ ‫(فُيشْترَط) لوقوعِ الطَّالقِ َّ‬
‫فاصلٌ بني تفويضِهِ وإيقاعِها نعم‪ ،‬لو قال‪ :‬طلَّقي ن ْفسَكِ فقالت‪ :‬كيف يكون تَطْليقُ‬
‫نفسي؟ مث قالت‪ :‬طََّل ْقتُ َوَقعَ ألنه َفصْلٌ يسري (بطلقت) َنفْسي أو طَل ْقتُ فقط ال‬
‫ِبقَبِ ْلتُ‪ ،‬وقال َب ْعضُهم‪ :‬كمختصري الروضة ال يشترط الفور يف مىت شِئْتُ فَتُطَلِّقُ‬
‫مىت شاءت‪ .‬وجزم به صاحبا التنبيه والكفاية‪ ،‬لكن املعتمد‪ ،‬كما قال شيخنا‪ :‬أنه‬
‫ع قبل تطليقِها كسائِر العقود‪.‬‬ ‫يشترط الفورية وإن أتى بنحوِ مىت‪ ،‬وجيوزُ لهُ الرجو َ‬
‫[فائدة]‪ :‬يَجوزُ تعليقُ الطَّالقِ كالعِتق بالشروط وال يَجوزُ الرُّجوعُ فيه قبل‬
‫وجودُ الصِّفة‪ .‬وال يقع قبل وجودِ الشَّرْطِ‪ .‬ولو عَلَّقه بِفعِْلهِ شَيْئاً َف َفعَلَهُ ناسِياً للتعلُّق أو‬
‫جِاهالً بأنه املعلَّق عليه مل تُطلَّق‪ .‬ولو عُلِّقَ الطَّالقُ على ضَرْبِ َزوْجَتِهِ ِب َغريِ ذَنْبٍ‬
‫فشََتمَتْه َفضَربَها مل َيحْنَث إن ثََبتَ ذلك‪ ،‬وإال صَدقَت فَتحْلِف‪.‬‬
‫[مهمة]‪ :‬جيوزُ اإلِسْتِثْناء بَِنحْو إال ِبشَرْطِ أن يَسْ َمعَ َن ْفسَه وأن يَتَّصِل بالعدَدِ‬
‫امللفوظ‪ :‬كطلَّقتكِ ثالثاً إال اثنتَني فيقع طَلقُه أو إال واحدةً فَطَلْقتانِ ولو قال‪ :‬أنتِ‬
‫صدَق مُدَّعي إكراهٍ) على طَالقٍ (أو إغماءٍ) حالته (أو‬ ‫طالقٌ إن شاء اهلل مل تَ ْطلُقْ‪( .‬و َ‬
‫سَبْقَ لِسان) إىل ل ْفظِ الطالقِ (بيمينه إن كانَ مث قرينة) كحبس وغريه يف دعوى كونه‬
‫مُكْرهاً وكمرضٍ واعتيادِ صَرَعٍ يف دعوى كونه مغشِياً عليه وككونِ امسِها طالِعاً أو‬
‫صدُق إال بيمينه‪.‬‬ ‫طالباً يف دعوى سبق اللسان (وإال) تَكُن هناك قرينَة (فال )َي ْ‬
‫[تتمة]‪ :‬من قال لِ َزوْجَتِهِ‪ :‬يا كافرة مريداً حقيقة الكفْرِ جرى فيها ما تقرر يف‬
‫صمَة‪ ،‬وجَرَيان ذلك‬ ‫الردة أو الشتم فال طَالقَ وكذا إن مل يُرِدْ شيئاً ألصل بقاء العِ ْ‬
‫الشَّتم كثرياً مُراداً بهِ كفر النِّعمة‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬يف حكم املطلقة بالثالث‪ ،‬حرم حلرّ من طلقها) ولو قبل الوَطْءِ (ثالثاً‬
‫ولعبد من طلقها ثنتني) فِي نِكاحٍ أو أنْكَحة (حىت تَنْكحَ) زوج غريه بِنكاح صحيح مث‬
‫شفَة) مِنْهُ أو قدرها من‬ ‫يُطلِّقها وتنقض عِدَّتِها منه كما هو مَعلومْ (ويولِجُ) ِبقُبُلها ( َح َ‬
‫فاقدها مع افْتِضاضٍ لبكر‪ ،‬وشرط كون اإلِيالج (بانتشار) للذكر‪ ،‬أي معه وإن قل أو‬
‫أعني بنحو إصبع‪ ،‬وال ُيشْتَرط إنزال‪ ،‬وذلك لآلية‪ .‬واحلكمة يف اشتراط التحليل‬
‫التنفِريُ مِنْ استيفاءِ ما ميلِكَهُ من الطالقِ (ويقبل قوهلا) أي املُطلَّقةُ (يف حتليلٍ) وانقضاءِ‬ ‫َّ‬
‫عِدَّةٍ عندَ إمكانِ (وإن كذهبا الثاين) يف وَطْئِه هلا لِعُسر إثباته (و) إذا ادَّعت نِكاحاً‬
‫وانقضا ِء عِدة وحَلفت عليهما جاز (ل) لزوج (األول نكاحَها) وإن ظُنَّ كذِبَها ألن‬
‫العربة يف العقودِ بقول أرْباهبا وال عربة بظن ال مسْتََندَ لَهُ‪ .‬ولو ادَّعى الثاين الوَطْءَ‬
‫‪140‬‬
‫وأنْكَرتْه مل َتحِل لألولِ َوَلوْ قالت‪ :‬مل أنكحْ مث َكذَّبت نَفْسها وادعت نِكاحاً بشَرطِه‬
‫جاز لألوَّل نِكاحَها إن صدَّقها (ولو أخبَرتْه) أي املُطلَّقةِ َزوْجَها األول (أهنا حتلَّلت مث‬
‫رَجِعت) وكذَّبتْ نفسها (قبِلت) دعواها (قبل َع ْقدٍ) عليها للألولِ فال جيوزُ له‬
‫نِكاحَها (ال بعده)‪ :‬أي ال َيقْبَلُ إنْكارَها َّالتحْليل بعدَ َعقْدِ األول‪ ،‬ألَنَّ رِضاها بِنِكا ِحهِ‬
‫يَتَضمَّنُ اإلِعْتِرافَ بِوجودِ التحَّليلِ فال ُيقْبَلُ مِنْها خِالفَهُ (وإن صدَّقها الثاين) يف عدمِ‬
‫مجعٌ‬ ‫اإلِصابَةِ ألن احلقَّ تعلق باألول فلم َت ْقدِرْ هي وال مُصَدِّقهَا على َر ْفعِه كما أفىت به ْ‬
‫من مشاخينا احملققني‪ .‬تتمة إمنا يَثُْبتُ الطَّالق كاإلِقرارِ به بِشهادةِ رَجُلَني حرين َع ْدلَيْنِ‬
‫فال َيحْ ُكمُ بوقوعِه بِشهادةِ اإلِناث ولو مع رَجُل أو كنّ أرْبَعاً وال بالعَبيد ولو صلحاء‬
‫وال بال ُفسّاقِ‪ ،‬ولو كان ال ِفسْق‪ ،‬بإِخراجِ مكتوبَةٍ عن َوقْتِها بال عُذرٍ وُيشْتَرطُ لألَداء‬
‫والقبول أن يسمعاهُ ويُبصر املطلقُ حني النطقِ ب ِه فال يصح حتمُّلِها الشَّهادة اعتماداً‬
‫الز ْوجِ مِن‬ ‫على الصوت من غري أن يَريا املطلق جلوازِ اشتباهِ األصوات وأن يُبيِّنا َل ْفظَ َّ‬
‫املطلقَة وابْنِها إن شهدا َحسْبة‪ .‬ولو تعارَضَتْ‬ ‫صَريح أو كِنايَةٍ وُيقْبَلُ فِيهِ شَهادة أيب َّ‬
‫بَيَّنتَا َتعْليقَ وتَْنجِي َز قدمت األوىل ألن معها زيادةَ علمٍ بِسماعِ التَّعليق‪.‬‬
‫(فصل)‪ :‬يف الرَّ ْجعَة‪ .‬هي لغَة املَرَّة من الرُّجوعِ وشرعاً ردّ املَرْأةِ إىل النِّكاح منْ‬
‫طالق غري بائنٍ يف العِدة (صَحَّ رُجُوع مَفارَقَة بِطَالقٍ دون أكْثَرِه) فهو ثالث حلرَ‬
‫وثنتان لعبدٍ (جماناً) بال ِع َوضٍ (بعد وَطْءٍ) أيْ يف عِدةِ وَطْءٍ (قبْل اْنقِضاءِ عِدَّة) فال‬
‫َيصِحُّ رجوعَ مفا َرقَةٍ بغري طَالقٍ َك َفسْخٍ وال مُفارَقةٍ بدونِ ثالثَ مع ِع َوضٍ كخَلع‬
‫ضتْ عِدهتا ألهنا صارت‬ ‫لبَيْنونَتِها ومفا َرقَة قبل وطء‪ :‬إذْ ال عِدَّة علَيْها وال مَنِ ان َق َ‬
‫أجنَبِيَّة‪ .‬وَيصِحُّ َتجْديدِ نِكا ِحهِنَّ بإِذنِ جَديدٍ و َولَيٍ وشهودٍ ومهرٍ آخرَ وال ُمفَا َرَقةٍ‬
‫بالطَّالقَ الثَّالث فال َيصِحُّ نِكاحَها إال َب ْعدِ التَّحليل‪ ،‬وإمنا يصَحُّ الرُّجوعَ (برا َج ْعتُ) أو‬
‫رَ َج ْعتُ (زَوجيت) أو فُالنة وإن مل يقل‪ :‬إيلّ نكاحي أو إيلّ لكن ُيسَنُّ أن يزيد أحدمها‬
‫مع الصيغة‪ :‬ويصحُّ بردَدهتا إىل نِكاحي وبأ ْمسَكْتَها‪ ،‬وأما عقْد النِّكاحِ عَلَيها بإجيابٍ‬
‫وقبولٍ فكناية حتتاج إىل نية‪ .‬وال يصح تعليقها كراجعتُك إن شئت‪ .‬وال ُيشْتَرَطُ‬
‫اإلِ ْشهَادَ عليها بل ُيسَن‪.‬‬
‫[فروع]‪َ :‬يحْرُم التمُتعِ برَجعية ولَو ِب ُمجَرَّدِ نَظَر وال َحدّ إن وَطِىءَ‪ ،‬بل ُيعَزَّر‬
‫ضعٍ إذا أمكَنَ وإذا أنْكَرهُ‬ ‫ق بيَمينها يف انِقضاءِ العِدَّة ِبغَيْرِ األ ْشهُر مِنْ أقْراءٍ أوْ َو ْ‬ ‫صدُ َ‬
‫وَت ْ‬
‫الزَّوج أو خاَل َفتْ عَادَتَها ألنَّ النِّساءَ مُؤمتناتٍ على أرحا ِمهِنَّ ولو ادَّعى رَ ْجعَة العِدَّة‬
‫وهي مُْن َقضِيَة ومل تَنكَحْ‪ ،‬فإِن اتفقَا على َو ْقتِ اإلِْنقِضاءِ كيوم اجلُمعةِ وقال‪ :‬را َجعْتُ‬
‫قَبلَهُ فقاَلتْ بل َبعْدَهُ حََل َفتْ أنَّها ال تَعلم أنَّه راجعٌ فََتصْدُق ألن ا َألصْل َعدَمَ الرِّ ْجعَةَ‬
‫ضتْ يومَ اخلَميسِ وقال‪:‬‬ ‫قَبْلَهُ‪ ،‬فلو اتَّفقَتا على وقتِ الرِّجْعة كَيَومِ اجلُمعةِ وقالت‪ :‬اْن َق َ‬
‫خلمِيس التِّفاقِهما على‬ ‫ضتْ يَومَ ا َ‬ ‫صدَق بَِيمِينِهِ أنَّها ما اْن َق َ‬ ‫ضتْ يومَ السَّبت َ‬ ‫بَلْ انق َ‬
‫وقت الر ْجعَة واألصل عدم انِقضاءِ العِدَّة قَبْله‪( .‬ولو تزوج) رجل (مفارقته) ولو خبلع‬
‫(بدون ثالث ولو بعد) أن نكحت ل (زوج آخر) ودخوله هبا (عادت) إليه (بِبقيته)‪:‬‬
‫أي بقية الثالث فقط من ثنتني أو واحدة‪.‬‬
‫َورُ وَطْوه عَلى امْتِناعِهِ مِنْ وَطْؤه َزوْجَتِهِ مُطْلَقاً‬ ‫(فصل)‪ :‬اإلِيالَء خَلْفَ َز ْوجٍ‪ .‬يَتص َّ‬
‫أوْ فَوْقَ َأرَْبعَةِ أَ ْشهُرٍ كَأَنَ َيقُولُ‪ :‬ال أَطَوكِ أوْ ال َأطَوكِ َخ ْمسَة أَ ْشهُرٍ أو حتَّى يَموتَ‬
‫فُالنٌ‪ ،‬فإِذا َمضَت أرَْبعَة أ ْشهُرٍ مِنَ اإلِيالءِ بِال وَطْ ٍء فَلهَا مُطالَبَتَهُ بالفَيْئَةِ وَهِيَ الوَطْءِ أو‬
‫بالطَّالقِ‪ ،‬فَإِن أىب طَلَّقَ عليه القاضِي ويْن َع ِقدُ اإلِيالءُ بِاحلَلْفِ باللَّهِ تعاىل وبتعليق طَالقٍ‬
‫أو عِتْقٍ أو التزام قِرْبةٍ‪ ،‬وإذا وَطِىءَ مُختاراً ِبمُطالَبَةٍ أوْ دُونَها لَ ِزمَتْهُ كَفَّارَةُ مينيٍ إن‬
‫حَلفَ باللَّهِ‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫(فصل)‪ :‬إمنا َيصِحُّ الظِّهارُ‪ .‬مِمَّن َيصِحُّ طَالقُه وهو أن يَقولَ لِ َزوْجَتِهِ أَنتِ كَ َظهْرِ‬
‫ُأمّي ولوْ بِدونِ عليّ‪ .‬وقوله أنتِ كَأُمي كِنايةً وكَا ُألمّ حمْرَمٌ مل يَطْرأ َتحْرِميَها‪ .‬وتَلْ َزمُهُ‬
‫كَفَّارَة ظِها ٍر بال َعوْدِ و ُهوَ أَنْ َي ْمسِكَها َزمَناً يَمكِ ُن فِراقَها فيه‪.‬‬
‫(فصل)‪ :‬يف العِدَّة‪ .‬هي مَأْخوذَةٌ مِنَ ال َعدَدِ إلِشتِمالِها على َعدَدِ أقراء وأشْهر غالباً‬
‫للتعبدِ‪ .‬و ُهوَ‬ ‫حلمْلِ أو ُّ‬ ‫وهي شَرْعاً مدة تَتَربَّصُ فيها املرأَةُ لِ َمعْ ِرفَةِ بَراءةِ رَمحِها مِنَ ا َ‬
‫َجعِها على َزوْج ماتَ‪ .‬وشَرعت‬ ‫ِإصْطالحاً ما ال يعقَلُ مَعناهُ عِبادةً كانَ أو غَيْرَها ولِتف ُّ‬
‫سخِ‬ ‫جبُ عِدَّةٌ ِلفُرقَةِ َز ْوجٍ حيّ) بِطَالقٍ أو َف ْ‬ ‫سبِ عن اإلِخْتِالطِ (َت ِ‬ ‫صوْناً للنَّ َ‬
‫أصالَةٌ َ‬
‫نِكاحٍ حاضِرٍ أو غاِئبٍ مُدَّةً طويلةً (وطيء) يف ُقبُلٍ أو دُبُرٍ‪ ،‬بِخالفِ ما إذا مل يكن‬
‫وَطِىءَ وإنْ وُ ِجدَت خَلْوةٌ (وإن تَيقَن براءةَ رَحِم) كما يف صغريةٍ وصغري‪( .‬وَلوَطْءٍ)‬
‫َحصَلَ َمعْ (شُْبهَةٍ) يف حَلهِ كما يف نِكاحٍ فاسدٍ وهو كل ما مل يوجبُ حداً على‬
‫الواطيء‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬ال يُسَتمَْتعُ ِب َموْطُوءَةٍ ِبشُبْهَةٍ مُطْلَقاً ما دامَت يف عِدَّةِ شُْب َهةٍ َحمْالً كاَنتْ‬
‫ضعٍ أو غريه إلِختِاللِ النِّكاح بِتَعلُّقِ حق الغَري‪ .‬قال شيخنا‪:‬‬ ‫أو غريهِ حىت تَْنقَضي ب َو ْ‬
‫جبُ ملا ُذكِرَ عِدَّةٌ‬ ‫ومِنْهُ يُوءَ َخذُ أنَّه ُيحَرِّم عليه نَظَرُها ولو بال َش ْهوَةٍ واخلَ ْلوَةُ هبا‪ ،‬وإمنا َي ِ‬
‫(بثَالثَةِ قروءٍ) والقَرءُ هنا طُهريَيْنِ دمي حَْيضَتَيْنِ أو حَيْضٍ ونَفاسٍ فلو َطلَّقَ مَنْ مل‬
‫سبِ الزَّمنُ الذي طَلَّق فيه قُرْءاً‪ :‬إذ َلمْ يَكُنْ بني َدمَيْن‪،‬‬ ‫ضتْ مل يُح ْ‬ ‫َتحِضْ أوالً مث حا َ‬
‫سبُ بَقيةُ الطُّهر ُطهْراً يف‬ ‫املتصِلَةِ بالطالق ويَح ِ‬ ‫بَلْ الَ بُدَّ مِنْ ثَالثة أطْهارٍ َبعْد احلَيضَةِ َّ‬
‫جبُ العِدَّةُ بِثَالَثةِ أقراءٍ (على حُرَّةٍ تَحيضُ) ِلقَولِهِ تعاىل‪{ :‬واملطلقاتُ‬ ‫غريها‪ ،‬وَت ِ‬
‫يتربصْنَ بأنفسِهنَّ ثالثةَ قروءٍ} فمن طلَّقت طاهِراً وقد َبقِي من الطُّهر حلَظةً ان َقضَتْ‬ ‫َّ‬
‫عِدَّتَها بال َطعْنِ يف احليضَة الثالثة إلِطالقِ القرءِ على أقلِّ حلظَةٍ من الطهْرِ وإن وَطِىءَ‬
‫فيهِ أو حائِضاً وإن مل يَبْقَ من زمنِ احلَيْضِ إال حلظةً فتْنقَضي عِدَّهتا بِالطَّعن يف احليضة‬
‫الرابعة و َزمَن الطعْن يف احليضة ليس مِن العِدَّة بل يتبنيُ ِبهِ انقِضاؤها‪( .‬و) جتبُ عِدَّةً‬
‫(بثالثة أشْهر) هِالليةٍ ما مل تَطْلُق أثناءَ شهر‪ ،‬وإال تَمَّم املن َكسِرُ ثالثنيَ (إن مل حتِضْ)‬
‫ضتْ أوالً مث انقَطع و (يِئسَت) من احليض بِبُلوغِها إىل سنّ‬ ‫أي احلرة أصالً (أو) حا َ‬
‫تيأسُ فيه النّساءُ مِنْ احلَيْضِ غالِباً‪ ،‬وهُوَ اثنتان وسِتونَ سنة‪ ،‬وقيل مخسون ولو حاضَت‬
‫من مل َتحِضْ قَط يف أثناءِ العِدَّة باأل ْشهُرِ اعتَدَّت باألَطْهارِ أو بعدِها أَو تستأنِفَ العِدَّة‬
‫باألَطْهارِ‪ ،‬خبالفِ اآليسَةِ (ومن اْنقَ َطعَ حَْيضَها) بعد أن كانت حتيض (بال عِلَّة) ُتعْرَفُ‬
‫تتزوجْ حتَّى تَحيضَ أو تَيْأْسَ) مث تَعتَدَّ بِاألقْراءِ أو األَ ْشهُرِ ويف القدميِ وهو َمذْهَب‬ ‫(مل َّ‬
‫سعَةَ أشْهرٍ مث تعتدُّ بثالثة أشْهر لَِيعْرِفَ فراغٌ الدم‪ :‬إذ هيَ‬ ‫مالِك وأمحد أهنا تَتَرَبَّصُ ِت ْ‬
‫غاِلبَ مدةِ احلمل‪ ،‬وانتصرَ لَهُ الشافعي بأن عمر رضي اهلل عنه قَضى به بني املهاجِرينَ‬
‫واألَنْصارَ ومل ينكَرْ عَليْه‪ ،‬ومِنْ ثُمَّ أفْتَى بِه سُلْطانُ العُلَماءِ عزِّ الدِّينِ ابنَ عبْد السَّالم‬
‫حلضْرَمي واختارَه البَلقيين وشيخنا ابن زياد رمحهم اهلل‬ ‫والبارِزي والرِّميي وإمساعيل ا َ‬
‫تعاىل‪ .‬أما من انقطع حَيْضها ِبعِلَّة ُتعْرفُ كرضاعٍ وم َرضٍ فال تَتَّزوَج اتَفاقاً حىت حتيض‬
‫أو تَيْأسَ وإن طالَت املُدَّة (و) َتجِبُ العِدَّة (لوفاة) زوجٍ حىت (على) حرّة (رجعية‬
‫صغَرٍ أو َغريِهِ‪ ،‬وإن كانت ذاتَ أقراء (بأربعةِ أشهرٍ وعشرةِ أيام)‬ ‫وغري َموْطوءَةٍ) ل ِ‬
‫جبُ عَلى املتوَفِّي عَنْها َزوْجَها العِدَّة مبا ُذكِرَ (مع إحْدادٍ)‬ ‫ولياليها للكتابِ والسنَّة‪ .‬وَت ِ‬
‫صفَةٍ كانت‪ ،‬للخربِ املتفق عليه‪" :‬ال َيحِلُّ المْرأَةٍ‬ ‫يَعين جيب اإلِحدادُ عَليْها أيضاً بأي ِ‬
‫ُت ْؤمِنُ باللَّهِ واليومِ اآلخِرِ أنْ َتحِدَّ على مَِّيتٍ فوقَ ثالثٍ إال على زوجٍ أربعة أشهرٍ‬
‫وعشراً" أي فإِنه حيل هلا اإلِحْدادُ عليه هذه املدة‪ :‬أي جيب ألن ما جازَ بعدَ امْتِناعِه‬
‫واجبٌ ولإلِجْماع على إرادَتِه إال ما حُكِي عنْ احلسنِ الَبصَري‪ ،‬وذكر اإلِميان للغالب‬

‫‪142‬‬
‫َيل أمْرُ‬ ‫أو ألنه أبعث على اإلِمتِثال وإال َفمَنْ هلا أمانٌ َيلَ َزمُها ذلك أيضاً ويَل َزمُ الو ُّ‬
‫ُموَلِّيتِه بِه‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬اإلحداد الوا ِجبُ على املتَويفِّ عنْها َزوْجُها ولو صَغريَةٌ تَركَ لَبْسَ َمصْبوعٍ‬
‫َّطيبِ ولوْ لَيْالً‪ ،‬والتَّحلِّي نَهاراً‬ ‫لزينَةٍ وإن َخشُنَ‪ .‬ويُباحُ إبريسم مل ُيصَْبغْ‪ ،‬وتَرْكَ الت ُّ‬
‫مموهٌ‬‫ِلنهْيِ عَنْه‪ ،‬ومِنْهُ َّ‬
‫حوَ خاَتمٍ أو قرط أو حتتَ الثيِّابِ ل َّ‬ ‫بِحلِي ذَ َهبٍ أو فِضَّة‪َ .‬وَلوْ َن ْ‬
‫بِأَ َحدِمها ولُؤلُؤ وحنوه من اجلواهِر اليت تَتَحلَّى هبا‪ ،‬ومنها العَقيقُ وكذا حنو نُحاس‬
‫وعاج إن كانت من قومٍ يتحَلَّونِ هبما وترك اإلِكتِحالِ بإِ َمثدٍ إال حلاجةٍ وإن كانت‬
‫سوداءَ‪ ،‬ودُهْنِ َشعْرِ رأسِها ال سائر البدنِ وحِلُّ تنظف ِب ُغسْلٍ‪ ،‬وَإزالةِ وَسَخٍ وَأكْل‬
‫تَنبل ونَدبُ إحدادٍ لبائِنٍ خب ْلعٍ أو فسخٍ أو طالقِ ثالث لئال يفضي تزيينُها لِفسَادِها‪،‬‬
‫املعتدةِ بالوفاةِ وبطالقٍ‬ ‫جبُ على َّ‬ ‫وكذا الرَّجعية إن مل تُرْجَ عودةً بالتزيُّن فيُْندَب‪ .‬وَت ِ‬
‫بائنٍ أو فسخٍ مالزمةِ مسكنٍ كانت فيه عند املوت أو الفرقة إىل انِقضاءِ عدَّةٍ وهلا‬
‫اخلروجُ هناراً لِشراءِ حنو طعام وبيع غَزْلٍ ولنحو احْتِطابٍ ال ليالً ولو أوَّلُه‪ ،‬خالفاً‬
‫لبعضهم لكن هلا خُروجٌ ليالً إىل دارِ جارِهِ املالصِقُ لغزلٍ وحديثٍ وحنومها لكن‬
‫حدّثَها ويؤنِسهَا على‬ ‫بشَرْطِ أن يكونَ ذلكَ بق َدرِ العادَةِ وأن ال يكونَ عِْندَهَا من ُي َ‬
‫األوجَه وأن تَر ِجعَ وتبيتَ يف بيتها‪ .‬أما الرجْعية فال خترجَ إال بإِذنه أو لضرورةٍ ألن‬
‫عليهِ القيامَ جبميع مُؤنِها كالزَّوجة‪ ،‬ومَثلُها بائِنٌ حامِل وتَنْتقِل من املسْكَنِ خلوَفٍ على‬
‫َن ْفسِها أو َوَلدِها أو على املالِ ولو ل َغريِها كوديعَ ٍة وإن قلَّ وخوفَ َه ْدمٍ أو حَرقٍ أو‬
‫الز ْوجِ سَكْىن املُفا َرقَة ولو بأُجْرةِ ما مل‬ ‫سارِق‪ .‬أو تأَذَّتْ بِاجلريانِ أَ َذىً شَديداً‪ ،‬وعلى َّ‬
‫تكنْ ناشِزَةً ولَيْسَ له مُساكنَتُها وال دُخولُ حملِّ هِي فيهِ َمعَ انتْفاءِ حنو احملرم فَيحْ ُرمُ‬
‫عليه ذلك ولو أعمى وإن كان الطالق رَجْعياً ألن ذلك جير إىل اخلُلوةِ املُحرَّمةِ هبا‪،‬‬
‫ومن مث لَ ِزمَها منْعُه إن َق ِدرَت عليه (و) كما تعَتدّ حرَّة مبا ذكر (تعتدُّ غريَها) أي غري‬
‫احلرَّةِ (بنصف) من عِدَّةِ احلرَّة ألَنَّها على النِّصفِ يف كَثريٍ من األحْكامِ (وكمل الطُّهر‬
‫صفُه إِالَّ بِظُهورِ كُلّهِ فال بُدَّ من اإلِنْتِظارِ إىل أَن يعودَ الدمُ‬ ‫الثاين) إذ ال ي ْظهُرُ ِن ْ‬
‫(وتعتدّانِ) أي احلرةَ وا َألمَة لوفاةٍ أو غريها وإن كانتا تَحيضانِ (بوضْعِ َحمْلٍ) محلتا‬
‫ضعِ عََلقَة‪.‬‬‫تتصو ُر لو بقَِيتْ ال بِو ْ‬
‫ضغَ ًة َّ‬ ‫لصا ِحبِ العِدةِ ولو ُم ْ‬
‫[فرع]‪ :‬يلحَق ذا العِدَّة الوَلدِ إىل أرْبَع سِننيَ مِنْ وقْتِ طَالقِه ال إن أََتتْ بِه َب ْعدَ‬
‫نِكاحٍ ِلغَيْرِ ذي العِدَّةِ وِإمْكانِ ألن يكونَ مِنه بأن أَتَت به لستة أ ْشهُر َب ْعدَ نِكاحِه‪.‬‬
‫صدُقَ) املرأةُ (يف) دعوى (انِقضاءِ عدَّةِ) ِبغَيْرِ أشهر إن (أمكن) انقضاوها وإن‬ ‫(وَت ْ‬
‫خالفتْ عِدَّتَها أو َكذَّهبا الزوج‪ ،‬إذ َيعْسُر عليها إقامَةُ البيَّنة بذلك وألهنا مُؤمتنةٌ على ما‬
‫يف رَحِمها وِإمْكان اإلِنقضاءِ بالوالدةِ ستة أشهرٍ وحلظتانِ وباألقراءِ ِلحُرةٍ طُلِّقت يف‬
‫ُطهْ ٍر اثنانِ وثالثو َن يوماً وحلظتا ِن ويف حيضٍ سبعةً وأربعو َن يوماً وحلظة‪.‬‬
‫[فائدة]‪ :‬ينبغي حتليف املرأة على انقضاءِ العِدَّة (وال يُقْبَلُ دَعْواها) أي املرأة‬
‫(عَدمِ انقضائِها) أي العِدَّة (بعد تزوجِ اآلخَر) ألن رِضاها بِالنِّكاحِ يتَضمَّنُ اإلِعترافَ‬
‫بانقِضاءِ العِدَّة‪ ،‬فلو ادعت بعدَ الطالقِ الدخولَ فأَنْكر صدق بيمينه ألن األصْل عدمه‬
‫وعلَيْها العِدَّة مؤاخَذَة هلا بِإقْرارِها وإن رَجَعَت وكذَّبَت نفسها يف دعوى الدخول ألن‬
‫اإلِنكارَ بعد اإلِقرار غريَ مَقبول‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو انْقَضت عِدَّة الر ْجعِية مث نَكَحت آخر فادعى مُطَِّلقُها علَيْها أو على‬
‫الزَّوجِ الثاين الرجعية قبل ان ِقضْاء العِدَّة فأثْبتَ ذلك ببيِّنة أو مل يُثِْبتْ لكن أقرا‪ :‬أي‬
‫الزَّوجة‪ ،‬والثاين له به أَخذَها ألنه قد ثََبتَ بالبيِّنة أو اإلِقرارَ ما َيسْتَلْزِم فسادَ النكاح‬
‫وهلا عليه بالوَطْءِ َمهْرَ املِثْلِ‪ ،‬فلو أنكر الثاين الرَّ ْجعَة صَدقَ بيمينه يف إنكارها ألن‬
‫النكاحَ وقع صحيحاً واألصل عدم الرجعة أو أقرت هي دون الثاين فال يأخذها لتعلق‬
‫‪143‬‬
‫صمَتِه‬ ‫حق الثاين حىت تبني من الثاين‪ ،‬إذ ال يقبل إقرارَها عليه بالرَّجعة ما دامَت يف ِع ْ‬
‫لتعلق حقه هبا‪ ،‬أما إذا بانت منه فُتسْلِم لألول بال ع ْقدٍ وأعطت وجوباً األول قبل‬
‫بينونتها مهرَ املثلِ للحيلولةِ الصادرةِ منها بينهُ وبني حقهِ بالنكاحِ الثاين حىت لو زال‬
‫أخذت املهرَ الرتفاعِ احليلولةِ‪ ،‬ولو تزوجت امرأة كانت يف حيالة زوج بأن ثبت‬
‫ذلك ولو بإِقرارها به قبل نكاح الثاين فادَّعى علَيها األولُ بقاءَ نِكاحِه وأنهُ مل يُطّلقَها‬
‫وهي تدّعي أنه طلَّقها وانقضَتْ عِدَّتَها مِنْهُ قبل أن تَنْكِحَ الثاين وال بَيَّنة بالطَّالق‬
‫فحلَفَ أنه مل يُطَلِّقها أ َخذَها مِنَ الثاين ألنَّها أقرت لَهُ بالزَّوْجِيَّةِ وهو إقرارٌ صحَيح‪ ،‬إذ‬
‫مل يتفَّقا على الطَّالقِ (وتنقطع عدة) بِغريِ َحمْلٍ (مبُخالَطَةِ) مفارقٍ ملفارقَةٍ (رجعية‬
‫فيها) ال بائِنَ ولو ِبخَ ْلعٍ كمخالَطَة الزَّ ْوجِ زوْجَتِه بأن كان َيخْتلي بِها‪ ،‬ويتمكَّن عليها‬
‫طءٌ أم ال فال تَْنقَضي العِدَّة لكن إذا زاَلتِ املُعاشَرةُ‬
‫ولو يف الزمن اليسري سواء أ َحصَل وَ ْ‬
‫بأن نَوى أنه ال يعودُ إليها كملت على ما مضى‪ ،‬وذلك لشُْبهَةِ الفِراشِ كما لو‬
‫سبُ زَمن اسْتِفراشَهُ عنها بل تنقَطِع من حني اخلِلوْة‬ ‫حِ‬‫حهَا حائِالً يف العِدَّة فال َي ْ‬
‫نَ َك َ‬
‫سبُ األوقات املتخللةِ بني‬ ‫حِ‬
‫وال يبْطلُ هبا ما مضى فتبين عليه إذا زالَت وال يَ ْ‬
‫اخللواتِ‪( ،‬و) لكن (ال ر َجعْة) له عليها (بعدها) أي بعدَ العِدَّة باألقْراءِ أو األشْهرِ‬
‫على ا ُملعْتَمد وإن مل تَْنقَض عِدَّهتا لكن يلحقها الطالق إىل انقضائها‪ ،‬والذي رجَّحه‬
‫البلقيين أنه ال ُمؤْنة هلا ب ْعدَها‪ .‬وجَ َزمَ بِه غريه فقال‪ :‬ال تَوارُثَ بينَهما وال يُحدُّ‬
‫ِبوَطْئِها‪.‬‬
‫[تتمة]‪ :‬لو ا ْجمَتَع عِدَّتا شخص على امْرأةٍ بأن وطِىءَ مطلَّقته الرَّجعية مُطلقاً أو‬
‫البائِنَ ِبشَُبهْةٍ تَكْفي عِدَّةٌ أخرية منهما فتعتدُّ هي من فراغ الوَطْءِ وتْن َد ِرجُ فيها بقيَّة‬
‫األوىل فإِن كرر الوَطْءَ استَأَْنفَت أيضًا لكن ال رَ ْجعَة حيث مل يَبْقَ من األوىل بقيةً‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬يف حكمِ اإلِسترباءِ و ُهوَ شَرْعاً تَرَبُّصٌ ِبمَنْ فيها رِقٌّ عند وجودِ سبَب مما‬
‫يَأيت للعِلم برباءة رَمحِها أو للتعبُّد‪( .‬جيب اسْتِبْراء) ِلحَلَ ُّمتتعٍ أو تزويج (مبلك أمَة) ولو‬
‫سمَةِ أو اختيارِ‬ ‫مُعتدَّةٍ بشراءٍ أو إرثٍ أو وصيةٍ أو هبةٍ مع قبضٍ أو سيب بشَرْطِهِ من ال ِق ْ‬
‫متلُّك (وإن تَيقَّنَ براءَة رَحِم) َكصَغريةٍ وبكرٍ وسواء أملكها من صيب أم امرأةٍ أم من‬
‫جبُ فيما ذكر بالنسبة لِحل التَمتُّع (وبزَوالِ فِراشِ) له (عنْ‬ ‫باِئعٍ اسْتَربأها قبل البيع فَي ِ‬
‫أمَةٍ َموْطُو َءةٍ) غري ُمسْتَولدَةٍ (أو ُمسْتَولَدَةٍ ِبعِتْقها)‪ :‬أي بإِعْتاق السيِّد كل واحدةٍ منهما‬
‫أو موتِه ال إنْ اسْتربأ قبيل إِعْتاقِ غري ُمسْتَوَلدَةٍ ممن زالَ عنها الفَراش فال جيب بل‬
‫تَتَزَّوجُ حاالً‪ .‬إذ ال تشبه هذه منكوحة خبالفِ ا ُملسْتَولَدة‪( .‬و) َيحْ ُرمُ بل (ال َيصِحُّ‬
‫تزويجُ َموْطُوءَتِه) أي املالِك (قبل) ِمضِي (إِسْتِبْراء) حَذَر من اختِالَطِ املاءَين أما غري‬
‫َموْطُوءَته فإِن كانت غري َموْطو َءةً إلِحَد فله تزوجيَها مطلقاً أو موطوءة غريه فله‬
‫تزوجيها ممن املاء منه وكذا من غريه إن كان املاء غري حمترم أو مضت مدة اإلِسترباءِ‬
‫منه‪ .‬ولو أَعتقَ موطوءتَهُ فلهُ نِكاحَها بال استرباء (وهوَ) أي اإلِسترباء (لذاتِ أقْراء‬
‫حيضة) كاملةً فال تكفي بقيتها املوجودة حالة وجوب اإلِسترباء ولو وطئَها يف احلَيْضِ‬
‫َفحَبَلَت مِنْه‪ ،‬فإِن كان قَبل مضِي أقَلِّ احلَيْض انقَ َطعَ اإلِسْتِبْراء وبقي التحْرمي إىل‬
‫ضعِ كما حَبِلَت من وَطْئِهِ وهي طاهِرَة وإِنْ حَبلَت بَعد مضِي أقله كفى يف‬ ‫الوَ ْ‬
‫اإلِسْترباءِ ملضِي حَيضٍ كاملٍ هلا قبل احلمل (ولذات أشهرٍ) من صغرية أو آيسة (شهر‬
‫وحلامل ال تعتد بالوضع) أي بوَضع احلمل وهي اليت محلها من الزنا أو املسبِّية احلامل‬
‫أو اليت هي حامل من السيد وزالَ عنها فراشه بعتق سواء احلامل املستولدة وغريها‬
‫(وضعه) أي احلمل‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو اشْتَرى حنو وثنية أو مرتدةٍ فحاضَت مث بعد فراغِ احلَيضِ أو يف أثنائه‬
‫ومثله الشهر يف ذات األشهر أسلمت مل يكف حَْيضَها أو حنوه يف اإلِسترباء ألنه ال‬
‫‪144‬‬
‫يستعقب حلّ التمتع الذي هو القصد يف اإلِسْتِبْراء (وتصدق) ا َملمْلوكة بال ميني (يف‬
‫ضتُ ألنه ال يعْلَم إال مِنْها (وحَ ُرمَ يف غريِ مسْبِيَّة متتُّع) ولو بنحو نظرٍ بشهوةٍ‬ ‫قوهلا) ح ْ‬
‫ُحرمِ والحْتِمالِ أنَّها حامِلٌ حبرَ فال‬ ‫ومَسّ (قبل) متام (اسْترباءٍ) ألدائِه إىل الوَطْءِ امل َّ‬
‫يصِح حنو بَيْعها نعم حتل له اخلَلوَةُ هبا‪ ،‬أما يف املسبيَّة فيحْ ُرمُ الوَطْءُ ال االستمتاع بغريهِ‬
‫من تقبيلٍ ومسّ ألنه مل حيرم منها غريه مع غلبة امتدادِ األعنيِ واأليدي إىل مسِّ اإلِماءِ‬
‫سيما احلِسانِ‪ ،‬وألنَّ ابْنَ عمر رضِي اهلل عنه قبَّل َأ َمةً وقعَت يف َس ْهمِه من سَبايا‬
‫أوْطاس‪ ،‬وأَحلقَ املاوردي وغريه باملسْبِيَّة يف حل اإلِستمتاع بغري الوطء كل من ال‬
‫ميكن محلها كصبية وآيسة وحامل من زنا‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬ال تصري أمة فراشاً لسيدها إال بوطء منه يف قُبلها ويعلم ذلك بإِقرارِهِ بهِ‬
‫حقَهُ وإنْ ملْ يعْتَرِفْ بِه‪.‬‬ ‫أو ببينة‪ ،‬فإِذا ولدت لإلِمكان من وطئه ولداً َل ِ‬
‫جبُ) املد اآلتِي وما عَطفَ عليه‬ ‫(فصل)‪ :‬يف النفقة من اإلِنْفاق وهوَ اإلِخْرِاجُ (َي ِ‬
‫ع بِها ومن َنقَلَها إىل حيث شاءَ عَند‬ ‫(لِ َزوْجَةٍ) أو َأمَةٍ ومَرِيضَةٍ (مكَّنت) مِنَ اإلِسِْتمْتَا ِ‬
‫صدِ ولو بِركوبِ بَحرٍ غَلَبَتْ فيه السَالمة‪ ،‬فال جتب بِال َع ْقدِ خالفاً‬ ‫أمْن الطريقِ واملقْ َ‬
‫صدُقُ هو بيمينِه يف َعدَم التمكنيِ وَهيَ يف‬ ‫جبُ بالتَّمكنيِ يوماً فيوْماً وَي ْ‬ ‫للقدمي وإمنا َت ِ‬
‫َّمتعَ بِها ولو مِن بَعْضِ الوْجِوهِ‬ ‫َع َدمِ النُّشوزِ واإلِْنفَاقِ عَلَيها‪ ،‬وإذا مَكَّْنتَ مَنْ ُيمْكِنِ الت ُّ‬
‫الز ْوجُ ِطفْالً ال ميكِنُ جِماعُه‪ :‬إِذ ال مَْنعَ مِن ِجهَتِها وإنْ‬ ‫وَجََبتْ مُؤنَها ولو كانَ َّ‬
‫الصغَرِ كرِتْق أو مَرَضٍ أو جنونْ‪ ،‬ال إن َعجِزت‬ ‫طءٍ ِبسَبب غري ِّ‬ ‫َعجِزَت عَنْ وَ ْ‬
‫الزوْج‪.‬‬ ‫بالصغر‪ ،‬بأن كانت ِطفْلَةً ال َتحَْتمِلُ الوَطْءَ فال َن َفقَة هلا وإن سَلَّمها ال َولِيُّ إىل َّ‬
‫حَتمِلَهُ ويثُْبتُ ذلك بإِقرارِهِ وِبشَها َدةِ‬ ‫إذ ال ميكنُ الَتمَتُّعَ بِها كالنَّاشِزَة‪ ،‬خبالف من َت ْ‬
‫البيِّنة به أو بأهنا يف غيبَتِه باذلةً للطَّاعة مُال ِزمَةً للمسْكَنِ وحنو ذلك وهلا مطالَبتِه بِها إن‬
‫جبُ هلا ما ُذكِرَ ما عدا آلة‬ ‫أرادَ سفَراً طَويالً (ولو ر ْجعِيَّةً) وإن كانتْ حائِالً أَي يَ ِ‬
‫التنظيف لِبقَاءِ حَبْسه هلا وُق َدرَتِه على التَّمتُّع هبا بالرَّجْعة و ِإلمْتِناعَه عَنْها مل َيجِب هلا‬
‫آلة التَّنظيف ويُسقِط مُوءْنَتهَا ما ُيسْقِط مُوءْنة الزَّوجة كالنشوزْ وتَصدقُ يف قَدْرِ‬
‫أَقرائِها بيمنيٍ إن كذهبا وإال فال ميني‪ ،‬وجتب النفقة أيضاً ملطلقةٍ حاملٍ بائنٍ بالطالقِ‬
‫الثالثِ أو اخلَلْع أو ال َفسْخِ بغريِ مقارنٍ وإنْ ماتَ الز ْوجُ قبلَ ال َوضْع ما مل تَْنشُز ولو‬
‫أنفق بظنه فبان عدمَهُ رجع عليها أما إذا بانَت احلامِل مبوته فال َنفَقة‪ ،‬وكذا ال نفقة‬
‫ِدةِ شُْبهَة بأن وَطَِئتْ ِبشُْبهَة وإن مل َتحْبَل إلِنتفاءِ التمكني‪ .‬إذ يُحالُ‬ ‫لزوجة تَلبَّست بع َّ‬
‫حوِ زوجةٍ ممن مَرَّ (مُدَّ طعام) من غالبِ‬ ‫بَينَهُ وبيْنَها إىل انِقضاءِ العِدَّة‪ ،‬مث الوا ِجبُ لَن ْ‬
‫قوتِ حملِّ إقامَتِها ال إقامَتَهُ ويَ ْكفِي َد ْفعُه من غريِ إجيابٍ وقُبولٍ كالدَّينِ يف الذِّمة‪ .‬قال‬
‫صدَ األداءِ‪ ،‬خِالفاً البنِ املقري‬ ‫شيخنا‪ :‬ومِنْهُ يؤْ َخذُ أن الوا ِجبَ هنا ع َدمِ الصَّارِف ال قَ ْ‬
‫ومن تَِبعَهُ (على معسر) ولوْ ِب َق ْولَه ما لَم يَتحقَّق له مالٌ و ُهوَ منْ ال يَملِكَ ما ُيخْ ِر َجهُ‬
‫سبٍ وا ِسعٍ (و) على ( َرقِيق) ولو مُكاتِباً‬ ‫عَنِ ا َملسْكََنةِ (ولو مُكَْتسِباً) وإن َق ِدرَ على ك ْ‬
‫وإن كثُرَ مالَهُ (ومُدَّانٍ على موسِر) وهو من ال يَر ِجعُ بتَكليفهِ مُدينِ ُمعْسِراً (و ُمدَ‬
‫ونصفٍ على متوسط) وهو من يرجع بذلك ُم ْعسِر‪ ،‬وإمنا جتِب النَّفقةُ وقْتَ طُلوعِ‬
‫َفجْرِ كل يَومٍ في َومٍ (إنْ َلمْ َتؤْاكِلْهُ) على العادَةِ بِرِضاها وهِيَ رَشِيدَةٌ‪ ،‬فَلَوْ أَكََلتْ َم َعهُ‬
‫صدُق هي يف َق ْدرِ ما َأكَلَتْهُ ولوْ‬ ‫دونَ الكِفايَةِ وَ َجبَ لَها تَمامَ الكِفايَةِ على األوْجَه‪ ،‬وَت ْ‬
‫كلفَها مؤاكَلَتَهُ من غَيْرِ رِضاها أو وَاكَلَتْهُ غري رَشِيدَةٍ بال إذنِ ويلّ فال تَسقطُ نَفقتَها‬
‫بِه‪ ،‬وحينئذٍ هو مُتَطوِّع فال رُجوعٌ له مبا َأكَلَْتهُ‪ ،‬خالفاً للبلقيين ومن تَب َعهُ‪ ،‬ولو زَ َع ْمتَ‬
‫صدَقَ بيمينهِ على األوْجَه‪ .‬ويف شرح املنهاج‪ :‬لوْ‬ ‫أَنهُ مُتَطوِّعٌ َوزَ َعمَ أَنَّه مُؤدّ عن النَّفقة َ‬
‫أضافَها رَجُلٌ ِإكْراماً لَهُ سَق َطتَ َن َفقَتها ويُكلَّفُ مَنْ أرادَ سفراً طَويالً طالقَها وتَوكيلَ‬
‫من يُْنفِقَ علَيها من مالٍ حاضرٍ وجيب ما ذكر (بأُدْم) أي مع أُدْم اعتيدَ وإن مل تأكله‬
‫‪145‬‬
‫َدرَهُ قاضٍ باجتها ِدهِ مُفاوِتاً يف‬ ‫سمْنٍ وزَْيتٍ وتَمْرٍ ولو تنازعا فيه أو يف اللَّحم اآليت ق َّ‬ ‫كَ‬
‫َق ْدرِ ذلك بني املوسِرِ وغريِهِ‪ ،‬وتقدير احلاوي كالنصّ بأوقية زَيْت أو َسمْنٍ َتقْريبٌ‬
‫سبِ يَسارِهِ وإِعْسارِهِ وإن مل تَأكُله أيضاً‪ ،‬فإِن‬ ‫جبُ أيضاً لَحمٌ اعتيد قدراً ووقتاً َحب َ‬ ‫وَي ِ‬
‫جل ُمعَةُ والثُّالثاءِ والنصُّ‬ ‫جلمُعة أو مرّتني فا ُ‬ ‫اعْتيدَ مر يف األسبوع فاألوىل كونه يومُ ا ُ‬
‫اللحْم‬ ‫حمٍ يف األسْبوعِ على امل ْعسِر ورَطْالنِ على املوسِر َمحْمولٌ على ِقلَّةِ َّ‬ ‫أيْضاً رَطْلُ َل ْ‬
‫اللحْم‬ ‫سبِ عادة احملل‪ ،‬واألوجه أنه ال أدم يوم َّ‬ ‫يف أيامِه مبصر فَيُزَادُ ِبقَدرِ احلاجَةِ ِبحَ َ‬
‫إن كَفاها غِذاءً وعَشاءً وإال وَ َجبَ (و) مع ( ِملْحٍ) وحَ َطبٍ (وماءِ شُرْبٍ) لِتَوقف‬
‫احلَياةِ عَلَْيهِ (و) مَع (مُوءْنَةٍ) كأُجْرَة َطحْنٍ وعَجنٍ وخبزٍ وطَبْخٍ ما مل تَكُنْ مِنْ قَومٍ‬
‫اعْتادوا ذلك بأْنفُسِهم‪ ،‬كما جَ َزمَ بِهِ ابن الرِفعة واألذرُعِي‪ ،‬وجَزَم َغريَهُما بأنه ال فَرْقَ‬
‫صعَةٍ وكوزٍ وجَرةٍ وَق ْدرٍ و َمغْ َرفَةٍ وإِبْريقٍ منْ‬ ‫(و) َمعَ (آلةٍ) لِطَبْخٍ وَأكْلٍ وشُرْبٍ ك ِق ْ‬
‫جبُ من نُحاسٍ وصيين وإن كانت شَريفة (و) جيب‬ ‫خَشبٍ أو خَزَفٍ أو َحجَرٍ‪ ،‬وال َي ِ‬
‫ضخَامَة‪.‬‬‫سوَةٌ تَكْفيها طوالً و َ‬ ‫هلا على الزَّوجِ ولو ُم ْعسِراً أَوَّ َل كُلِّ سَِّتةِ أ ْشهُ ٍر ِك ْ‬
‫فالواجبُ (قَميصٌ) ما ملْ تَكُنَ ممَّن اعَْتدْنَ اإلِزارَ والرِّداء فَيجَبان دوَنهُ على ا َألوْجَه‬
‫(وَإِزارٍ) وسَراوِيلَ (وخِمارٍ) أي مقْنَعةً ولو َألمَة (ومِكْ َعبَ) أي مَا يُلْبَس يف رِجلها‬
‫ويُعتربُ يف نوعه عُرفُ بلدها‪ .‬نعم قال املاوردي إن كانت ممن يعتَدنَ أن ال يَلِبسْنَ يف‬
‫أرجلهنّ شيئاً يف البيوت ال جيب ألرجلها شيء وجيب ذلك هلا (مع حلافٍ للشتاء)‬
‫حشُوةً‪ .‬أما يف َغريِ وَ ْقتِ‬ ‫يعين وقت الربدِ ولو يف غري الشتاء ويزيد يف الشتاء جُبّةً َم ْ‬
‫البَردِ ولو يف وقتِ الشتاءِ يف البِالدِ احلارة فيَجبُ هلا رداءٌ أو حنوه إن كانوا ممن‬
‫يعتادون فيه غطاءً غريَ لِبا ِس ِهمْ أو ينامون عرايا كما هو السُّنَّة‪ ،‬فإِن مل يعتادوا لن ْومِهم‬
‫ضهُم‪ ،‬وخيْتَلِفُ‬ ‫غطاءً مل جيب ذلك ولو اعتادوا ثوباً للنَّوم وجب‪ ،‬كما جَ َزمَ به بع َ‬
‫حوِ تَكَّةِ سَراويلَ‬ ‫جبُ عَليه تَوابعُ ذلك من َن ْ‬ ‫سوَةُ وَضِدَّها بِيَسارِهِ وَضِدَّهُ وَي ِ‬ ‫جودَةُ ال ِك ْ‬
‫وزرَ حنو قميصٍ وخيط وأجرة خياطٍ وعليه فراشٌ لنوَمها َو َمخَدَّة ولو اعتادوا على‬
‫السرير وجب‪.‬‬
‫سوَة اليت ال تدوم سنة بأن تعطاها كلُّ سَِّتةِ أشهر مِنْ‬ ‫جدِيدُ ال ِك ْ‬ ‫[فرع]‪ :‬جيبُ َت ْ‬
‫كلِّ سنَة‪ ،‬ولو تَلِفَت أَثْناءَ الفصْل ولو بال َت ْقصِريٍ مل يَجبِ َتجْديدَها‪ ،‬ويَجبُ كونَها‬
‫جَديدَةً (و) هلا عليه (آلة تُنظِّف) لِبَدهنا وَثوْهبا وإن غاب عنها‪ ،‬الحتياجَها إليه‬
‫كاألدم‪ ،‬فمنها سِ ْدرٌ وحنوه (كمشْط) وَسِواكٍ وخِاللٍ (و) عليه (دِهْنٌ) لِرَأسِها وكَذا‬
‫لَِبدَنِها إن اعْتِيدَ من شَيْرجَ أو مسنٌ فيجب الدَّهنُ كل أسبوع مرة فأكثر حبسب‬
‫العادة‪ ،‬وكذا دهنٌ لسِراجِها ولَيْسَ حلامِل بائ ٍن ومَ ْن َزوْجُها غاِئبٌ إال ما يُزيلُ الشَّعثَ‬
‫جبُ عليه املاءُ لل ُغسْلِ الوا ِجبِ ِبسَبَبِهِ َك ُغسْلِ جِماعٍ ونفاسٍ‬ ‫والوَسَ َخ على املذ َهبِ وَي َ‬
‫ال حيضٍ واحْتِالمٍ و َغسْل نَجسٍ وال ماء وضوءٍ إال إذا نقضه بلمسه (ال) عليه (طيبٌ)‬
‫إِالَّ ِلقَ ْطعِ ريحٍ كريهٍ وال ُكحْلٍ (ودواءٍ) ملرضِها وأجْرةِ طَبيبٍ‪ ،‬وهلا طعامُ أيامِ املرض‬
‫وأُدمُها وكِسوَتِها وآلة تنظفها وتصرفه للدوا ِء وغريه‪.‬‬
‫سوَةِ‬
‫[تنبيه]‪َ :‬يجِبُ هلا يف مجيع ما ذكر من الطعام واالدم وآلة ذلك وال ِك ْ‬
‫والفَرْش وآلة التَّنظِيفِ أن يكون متليكاً بالدَّفع دونَ إجيابٍ وقبولٍ ومتلكه هي بالقبضِ‬
‫س ُقطَ بِمضِيِّ الزَّمان‬ ‫فال جيوز أخذهُ مِنهَا إال برِضاها أما املسْكَنُ فيكون إمْتاعاً حىت َي ْ‬
‫ألنه ِلمُجرَّدِ االنتفاعِ كاخلادم وما جُعِلَ تَمليكاً يَصريُ ديْناً مبضِيِّ الزَّمانِ ويُعتاضُ عَنْهُ‬
‫وال َيسْ ُقطُ ِب َموْتٍ أثناءَ ال َفصْل‪( ،‬و) لَها (عليهِ َمسْكَنٌ) تأمنُ فيه لو خرج عنها على‬
‫نفسها وماهلا وإن قَلَّ للحاجَةِ بل للضرَّورة إليه (يليقُ هبا) عادة وإن كانت ممن ال‬
‫يعتادون السكْنَى (ولو مُعاراً) ومُكْتَرى‪ .‬ولو سَكن مَعها يف منزهلا بإِذهنا أو المْتِناعِها‬
‫من النقلةِ مَعهُ أو يف منزلٍ منحو أبيها بإِذنِها مل يَلزَمْهُ أُجْ َرةً ألن اإلِذن العرى عن ذكْرِ‬
‫‪146‬‬
‫الع َوضِ ينزِل على اإلِعارَة واإلِباحَة‪( ،‬و) عليه ولو معسراً‪ ،‬خالفاً جلمع‪ ،‬أو قِنًا‬
‫(إخدام حرَّةٍ) بوا ِحدَةٍ ال أكثر ألنه من املُعاشَرَةَ باملعروفِ‪ ،‬خبالفِ ا َألمَة وإن كان‬
‫َجميلة (ختدِم) أي خيدم مثلها عادة عند أهلها‪ ،‬فال عربة بتَرفِهها يف بيت زَوْجِها‪ ،‬وإمنا‬
‫جبُ عليه اإلِخدامُ ولو حبرَّة صحبتها أو مستأجَرةٍ أو َمبحْرمٍ أو مَملوكٍ هلا ولو عَبْداً‬ ‫َي ِ‬
‫أو ِبصَيب غري مراهِقٍ‪ ،‬فالوا ِجبُ للخا ِدمِ الذي عيَّنه الزوجُ مُدُّ وثلث على موسرٍ‪ ،‬ومدّ‬
‫سوَةٍ أمثال اخلادم من قيمصٍ وإزارٍ و َمقْنَعةٍ‪ ،‬ويُراد للخا ِد َمةِ‬ ‫على معسر ومتوسطٍ مع ِك ْ‬
‫جبْ‬ ‫حفَةٌ إذا كانت خترجُ وإن كانت قِنَّةٌ اعتادت كشفَ الرأس‪ ،‬وإمنا مل َي ِ‬ ‫خُفٌّ ومِل َ‬
‫حفَةَ للمخدومَةِ‪ ،‬على ا ُملعَْت َمدِ ألن له مَْنعَها مِنْ اخلَروجِ واالحْتياج إليه‬ ‫اخلُفَّ واملِ ْل َ‬
‫حوِ احلمام نادر‪.‬‬ ‫لَِن ْ‬
‫حمْلِ املاءِ لل ُمسَْتحِمِّ‬ ‫[تنبيه]‪ :‬ليس على خادمها إال ما خيصُّها وحتتاجُ إليه‪َ .‬ك َ‬
‫والشُّرْبِ وصَبِّهِ على َبدَنِها و َغسْل خَرقِ احلَيْضِ والطَْبخِ ألكْلها أما ما ال خيُصَّها‬
‫الز ْوجِ‪ ،‬فيوفيهِ‬ ‫كالطَّبْخِ َألكْلِه و َغسْلِ ثِيابهِ فال جيب على وا ِح ٍد مِْنهُما بل هُوَ على َّ‬
‫بَِن ْفسِهِ أو بغريه‪.‬‬
‫[مهمات]‪ :‬من شَرح املِنْهاجِ لشيخنا‪ :‬لو اشْتَرى حلِياً أو ديباجاً لِ َزوْجَتِهِ وزَيَّنها‬
‫به ال يَصريُ مُلْكاً هلا ِب َذلِكَ‪ ،‬ولو اخْتَلَ َفتْ هِيَ والزَّ ْوجُ يف اإلِهِداءِ والعارِيَةِ صدَّقَ ومَثََلهُ‬
‫وارِثَه‪ ،‬ولو جَهَّزَ بِنْتَهُ بِجهازٍ مل َت ْملِكَهُ إال بإِجيابٍ وقبولٍ والقولُ قوله يف أنَّه مل‬
‫الز ْوجُ صُلحَةَ أو صَباحِيَّة‪ ،‬كما اعتيد ببعضِ‬ ‫َيمْلِكْها‪ .‬ويِؤ َخذُ مِمِا َتقَرَّر أنَّ ما ُيعْطِيهِ َّ‬
‫صدٍ إهداء‪ ،‬خالفاً ملا مرّ عن فتاوى احلناطي وإفتاءً غَيْرَ‬ ‫البالد‪ ،‬ال متلكه إال بلفظٍ أو ق ْ‬
‫واحدٍ بأنهُ لَوْ أعْطاها مَصروفاً للعُرس ودفعا وصباحِيَّةً فَنَشزَت استَرَدَّ اجلميعُ غَري‬
‫صحيح‪ ،‬إذ التقييد بالنُّشوزِ ال يتأتَّى يف الصَّباحيةِ ملا قرَّرته فيها أهنا كالصُّلحة ألنه إن‬
‫تلفط بإِهداء أو قصده مَلَكَتْهُ من غري جهة الزَّوجِيَّة‪ ،‬وإال فهو مُلْكَهُ وأما َمصْروفُ‬
‫العُرْسِ فليسَ بواجبٍ فإِذا صرفته بإِذنهِ ضاعَ عَلَيْهِ‪ ،‬وأما الدفعَ‪ ،‬أي املهر‪ ،‬فإِن كان‬
‫ستَرَدُّ بالنشوز‪( .‬وتسقط) املؤنْ كلها‬ ‫قبلَ الدخولِ استردَّه‪ ،‬وإال فال لتقرره به فال ُي ْ‬
‫(بنشوزٍ) منها إجْماعاً‪ :‬أي خبروج عن طاعة الزوج وإن مل تأمث كصغريةٍ وجمنونةٍ‬
‫سوَةُ ذلِكَ ال ُفصْلُ‬ ‫ومُكْرَهةٍ (ولو ساعةٍ) أو ولو حلظةٍ فتسقُط َنفَقةُ ذلِكَ الَيوْهم و ِك ْ‬
‫والَ تُوزَّع على زماين الطَّاعَة والنشوزْ‪ ،‬ولو ُجهِلَ سُقوطَها بالنشوزِ فأنفق ر َجعَ عليها‬
‫إنْ كان مِمَّن َيخْفى عليه ذلك‪ ،‬وإمنا مل يَرجع من أنْفق يف نكاحٍ أو شراءٍ فاسدٍ وإنْ‬
‫ضمَن املُوءْنَ ِب َوضْع الَيدِ وال كذلك ههنا‪،‬‬ ‫َجهِلَ ذلك ألنه شرع يف َع ْقدَهُما على أن َي ْ‬
‫وكَذا من وقع عليه طالقٌ باطناً ومل َيعْلم به فأْنفَقَ مُدَّةً مث عَِلمَ فال يَرجع مبا أنف َقهُ‬
‫على األوجه وحيصل النشوزُ (مبنعِ) الزَّوجَةِ الزَّووَ (من متتع) َوَلوْ بنَحو َلمْس أو‬
‫ِبمَوضِع عَيْنِه (ال) إنْ مََنعَتْهُ عنه (لعذر) كَكِبَر آلَتِه ِبحَْيثُ ال َتحَْتمِلُهُ ومَ َرضٌ بِها َيضُرُّ‬
‫معه الوَطْء وقَ ْرحٌ يف فَرْجِها وكََنحْو حَيْضٍ‪ ،‬ويَثُْبتُ ِكربَ آلَتِه بإِقرارِهِ أو بِرَجُلَيْنِ من‬
‫ُحرمٍ أو‬ ‫رجالِ اخلِتانِ وحيتاالنِ النْتشارِ ذكَرهُ بأيّ حيلةٍ‪ ،‬غري إيالجِ ذكَرِه يف فرج م َّ‬
‫دبر أو بأربع نسوة فإِن مل يُمكِن َمعْرفتهُ إال بنظرِهنَّ إليهما مكشويف الفرجني حال‬
‫انتشار عضوه جاز ليشهدن‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬هلا منع التَّمتُّع ِلقَبْض الصَّداقَ احلالَّ أصالةً قبل الوَطْءِ بالغةً خمتارةً‪ .‬إذ هلا‬
‫س ُقطَ الَن َفقَة بذلك‪ ،‬فإِن مَنَعتْ لقبضِ الصداق‬ ‫ا ِإلمْتِناع حينَِئذٍ فال َيحْصل النشوزُ وال َت ْ‬
‫املؤجَّل أو بعد الوَطْءِ طاِئ َعةً فتسقُط فلو مََنعَتْه لذلِك بعد وَطْئِها مُكْرَ َهةً أو صغريةً ولو‬
‫بتسليم الوَيلِّ فال‪ .‬ولو ادَّعى وَطْأَها بَتمْكينِها وطََلبَ َتسْليمَها إليه فأنَكَرته وامْتََنعَت‬
‫صدقَتْ (وخروجٌ من مسْكن) أي املَحلِّ الذي رضي بإِقامَتِها فيه ولو‬ ‫مِنَ َّالتسْليمِ َّ‬
‫بَيْتَها أو بَْيتِ أبيها ولو لعيادَةٍ وإن كان الزوجُ غائِباً بتفصيله اآليت (بال إذنٍ) مِنْهُ وال‬
‫‪147‬‬
‫ظَنَّ لرضاهُ فخروجَها ِبغَيْرِ رضاه ولو لزيارَةِ صاحلٍ أو عيادةٍ غريَ ُمحْ ِرمٍ أو إىل جملسِ‬
‫ذكرِ ِعصْيانٍ ونُشوزٍ وأخذ األذرعي وغريه من كَالمِ اإلِمام أن هلا اعتمادُ العُرْفِ‬
‫الدالّ على رضا أمثالِه مبثل اخلروج الذي تريده قال شيخنا‪ :‬وهو ُمحْتَمل ما مل تعلَم‬
‫مِنه غريه َتقْطَعه عن أمثالِه يف ذلك‪.‬‬
‫ضعَ مِنْها إذا أَشْرَفَ البيتُ على اإلِنْهدامِ‪ ،‬وهل‬ ‫[تنبيه]‪ :‬جيوزُ هلا اخلروجَ يف مَوا ِ‬
‫يكفي قوهلا َخشَْيتُ اهنِدامَه أو ال بدّ من قرينة تدل عليه عادة؟ قال شيخنا‪ :‬كل‬
‫حمتمل‪ ،‬واألقرب الثاين‪ .‬ومنها إذا خافت على نفسها أو ماهلا من فاسقٍ أو سارقٍ‪،‬‬
‫ومنها إذا خرجت إىل القاضي لطلب حقِّها منه‪ ،‬ومنها خروجها لتعلم العلوم العَيْنِيَّة‬
‫حوِ َمحْ َرمِها‪ ،‬فيما اسْتَ ْظهَرَهُ شيخنا‪،‬‬ ‫أو لإلِسِْتفْتَاءِ حَيْثُ مل ُيغْنِها الزَّوجُ ِّالثقَةَ أو َن ْ‬
‫الز ْوجُ‪،‬‬ ‫سبٍ إذا أَ ْعسَرَ َّ‬ ‫ومِنْها إذا خَرَجْت الكْتِسابِ َن َفقَةٍ بتجارةٍ‪ ،‬أو سُؤالٍ أو َك ْ‬
‫ومِْنهَا إذا خَرَ َجتْ على غَيْرِ وَجْهِ النُّشوزِ يف غيبَةِ الزَّوجِ عَنِ البََلدِ بال إذْنِه لِزيارَةٍ أو‬
‫عِيادةِ قريبٍ ال أجْنَيب أو أجْنَبِيَّةً على األوجَهْ ألن اخلروج لذلك ال ُيعَدُّ نُشوزاً عُرْفاً‪.‬‬
‫قال شيخنا‪ :‬وظاهِرٌ أنَّ َمحَلَّ ذلِكَ إنْ مل َيمَْنعْها مِن اخلُروجِ أو يُرسِلْ إليْها باملِْنعِ‬
‫(وبَسفَرِها) أي خبروجِها وحْدها إىل حملّ جيوز ال َقصْرُ منْهُ للمسافِرِ ولو لزيارة أبوَيْها‬
‫أو للحَجِّ (بِال إذنٍ) مِنْه َولَو ِلغَ َرضِهِ ما لَم َتضْطَرُّ كَأَنْ جَال َجمِيعَ أَهْلِ البَلدِ وََبقِيَ مَنْ‬
‫سقُط املُو ْءنُ على األظهر‬ ‫ال تَ ْأمَن َمعَهُ (أو) بإِذنِه ولكِنَّ (ِلغَ َرضِها) أو ِلغَرضِ أجْنَيب فََت َ‬
‫لعدم التمكنيِ‪ ،‬ولو سافَرَتْ بإِذْنِهِ ِلغَ َرضِهما معاً فمقتضى املرجَّح يف األَيْمانِ فيما إذا‬
‫قَالَ لِ َزوْجَتِهِ إن خَرَ ْجتِ لِغري احلمَّام فأنتِ طالِقٌ فخر َجتْ هلا ول َغريِها أهنا ال تَطْلق‬
‫سفَرِها (معه) أي‬ ‫عدم السقوط هنا لكن نصُّ األمِّ واملختصر يقتضي السقوطُ (ال) ِب َ‬
‫سفَرِها بإِذنِه حلَاجَتِه ولو َمعَ حاجَة غريِه فال تسقط‬ ‫الز ْوجُ بإِذنِهِ وَلوْ يف حاجَتِها وال بَ َ‬ ‫َّ‬
‫املؤن ألهنا ممكنة وهو ا ُملفَوِّتُ ِلحَقِّهِ يف الثانية‪ .‬ويف اجلواهِر وغريها عن املاوردي‬
‫جبْ النَّفقَة إال إِن كانَ يََتمََّتعُ بِها يف زَمنِ اإلِمتِناع‬ ‫وغريهُ لو امْتََن َعتْ من َّالنقَلة َمعَهُ مل َت ِ‬
‫فتجبُ ويصريُ متتعهُ هبا َعفْواً عن النَّقلةِ حينئذٍ‪ .‬انتهى‪ .‬قال شيخنا‪ :‬وَقضِيَّته جَرَيانُ‬
‫س ُقطُ املُؤنُ أيضاً بإِغْالقِها البابَ يف‬ ‫ذلِكَ يف سائِرِ صورِ النشوزِ وهوَ مُحْتَمل‪ .‬وََت ْ‬
‫وَجْهه وبدَعْواها طَالقاً بائناً كذباً‪ ،‬ولَيْسَ مِنَ النشوزِ شَْتمُه وإيذاؤه باللِّسانِ‪ ،‬وإن‬
‫استحقَّت التَّأديب‪.‬‬
‫[مهمة]‪ :‬لو تَزَوجتْ َزوْجَةُ املفقودِ غ َريهُ قَبْلَ احلُ ْكمِ ِبمَوتِه َسقَ َطتْ َنفَقتُها وال‬
‫تَعودُ إال بِع ْلمِه عودَها إىل طاعَتِه َبعْد التَّفريقِ بينَهما‪.‬‬
‫للزوْج مَنْعها مِنَ اخلروج من املنزل ولو َملوْتِ أ َحدِ أَبَويْها أو‬ ‫[فائدة]‪ :‬يَجوزُ َّ‬
‫شْهودِ جَنَازَتِه‪ ،‬ومن أن َتمَكُّنٍ من دُخولِ غري خادمَة واحدةٍ ملنزلِه ولو أبَويْها أو ابْنِها‬
‫من غَريه‪ ،‬لكنْ يُكْرَهُ مَْنعُ أبَويْها حْيثُ ال ُع ْذرَ‪ ،‬فإِن كانَ املسْكَنُ مِلْكَها ملْ مينَع شيئاً‬
‫من ذلِكَ إال عِْندَ الرِّيبة‪.‬‬
‫[تتمة]‪ :‬لو نَشَزَتْ باخلرُوجِ مِنَ املنزلِ فغابَ وأطا َعتْ يف غيبتِهِ بِنَحو َعوْدِها‬
‫ُد مِنْ‬ ‫جبْ مُوءْنَها ما دامَ غائِباً يف األصَحِّ لِخرُوجِها عَن قَبضَتِهِ فال ب َّ‬ ‫للمنزِلِ مل َت ِ‬
‫حقَاقِ أنْ يَكُْتبَ‬ ‫َسلمٍ وال يَحصُالنِ مع الغيبَة‪ ،‬فالطَّريق يف َعوْدِ االسِْت ْ‬ ‫تَجديدِ َتسْليم وت ُّ‬
‫احلا ِكمُ إىل قاضي بََلدِه ليُثْبَت عوْدَها للطَّاعة عنده‪ .‬فإذا عَلِم وعادَ أو أرْسَلَ من‬
‫حقَاقُ‪ ،‬وَقضية قولِ الشافعي يف القدمي‬ ‫يَتَسلَّمها له أو تَركَ ذلك ِلغَيْر عذرٍ عادَ االسِْت ْ‬
‫أن النفقةَ تعودُ عنْدَ َعوْدِها للطَّاعَة ألنَّ املو ِجبَ يف القَدمي العَ ْقدُ ال التَّمكنيُ‪ .‬وبه قال‬
‫س ِقطِ‪ ،‬وَأ َخذَ مِْنهُ‬
‫مالك‪َ .‬وصَرَّحوا أَنَّ نُشوزَها بالرِّدةِ يزولُ بإِسْالمِها مُطْلقاً لِزوالِ ا ُمل ْ‬
‫األَذرعي أهنا لو نَشزت يف املنزل ومل خترُج مِنه كأنْ مَنعَتْهُ َن ْفسَها فغابَ عَنْها مث‬
‫عادَت للطَّاعة عادَتَ َن َفقَتها مِن غَيْرِ قاضٍ وهو كذلك على األصَحِ‪ ،‬ولو الَْتمَسَت‬
‫‪148‬‬
‫زوجة غائبٍ مِنَ القاضي أن َيفْ ِرضَ هلا فرضاً عليه اشترط ثبوتَ النِّكاحِ وإِقامَتَها يف‬
‫َمسْكَنِه وحَلفَها على استِحقاقِ النَّفقةِ وأنَّها مل َتقْبضْ مِنْهُ نَ َف َقةً مدَّةً مُستقبلةً فحينئذٍ‬
‫ُيفْ َرضُ هلا عليه َن َف َقةَ ا ُمل ْعسِر إال إن ثَُبتَ يَسارُه‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬يف فَسْخِ النِّكاح‪ :‬وشرْع دفعاً لضرر املرأة يَجوزُ (لِ َزوْجَةٍ مُكََّلفَةٍ) أيْ‬
‫بالغةً عاقلة ال لويل غريَ مكلفةً (فسخَ نِكاحِ من) أي َز ْوحٍ (أ ْعسَرُ) ماالً و َكسْباً الئقاً‬
‫جبُ َكقَميصٍ وخِمارِ وَجُّبةِ‬ ‫سوَةٌ) تَ ِ‬
‫جبُ وهو مَدٌّ (أوْ) أقلُّ ( ِك ْ‬ ‫بِه حَالالً (بأقلِّ َن َف َقةٍ) َت ِ‬
‫خدّ ٍة واألواينَّ ِل َع َدمِ َبقَاءِ َّالنفْسِ بدوِن ِهمَا‬‫شِتاء‪ ،‬بِخالفِ نَحوِ سَراويلَ وَنعْلٍ وفَرْشٍ و ِم َ‬
‫سغْ القوتُ وال بَن َفقَةِ اخلا ِدمِ وال بال َعجْزِ عن َّالن َفقَةِ‬ ‫فال َفسْخَ باإلِ ْعسَارِ باألَ َدمِ وإن مل َي ُ‬
‫املاضية كَن َفقَةِ األَمْسِ وما قبْلَهُ لِتَنزيلِها مَنْ ِزلَةَ دينٍ آخر (أو) أ ْعسَر (مبسكن) وإن مل‬
‫َيعْتَادُوهُ (أو) أ ْعسَر ( َمبهْرٍ) وا ِجبٍ حالّ مل َتقْبِض مِنه شيئاً حال َكوْنِ اإلِعسِارِ بِه (قبلَ‬
‫وَطْءِ) طاِئعَةٍ فََلهَا ال َفسْخُ لل َعجْزِ عَنْ َتسْلِيمِ الع َوضِ مع بقاء املعوض حبالِه وخيارِها‬
‫جهْلٍ وال‬ ‫سقُط ال َفسْخُ بِتَأخريِه بال ُع ْذرٍ كَ َ‬ ‫الرفْعَ إىل القاضي فوريٌّ فَي ْ‬ ‫حينئذٍ َع ْقبَ َّ‬
‫َفسْخَ ب ْعدَ الوَطْء لِتَلَفِ املُع َوضِ بِهِ وصَيْرورَةِ العِ َوضِ ديناً يف الذِّمة‪ ،‬فلو وَطِئَها مُكرَهة‬
‫فلَها ال َفسْخُ َب ْعدَهُ أيضاً‪ .‬قال بعضهم‪ :‬إال إن سلَّمها الوَيلُّ له وهي صغرية بغري مصلحة‬
‫فتحْبسُ َن ْفسَها مبجردِ بُلوغِها فَلها ال َفسْخُ حِينَِئذٍ إن عَجَزَ عَنْه ولو بَعدَ الوَطْءِ ألن‬
‫ضتُ بَ ْعضَهُ فال َفسْخَ هلا على ما أفْتَى به ابن الصالح‬ ‫وجودَهُ هُنا َك َعدَمه‪ .‬أما إذا قََب ْ‬
‫واعتمد ُه األسنوي والزركشي وشيخنا‪ ،‬وقال البارزي كاجلوهري هلا الفسخ أيضاً‬
‫واعتمده األذرعي‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬يتحقَّقُ ال َعجِزُ عما مر بغيبَةِ مالهِ ملسافةِ ال َقصْرِ‪ ،‬فال يَلْزَمُها الصَّرب إِال إن‬
‫قال أحضِر مدَّة ا ِإلمْهالِ أو بِتَأجيل دينِه ِب َق ْدرِ مدَّةِ إحْضارِ مالِهِ الغاِئبِ مبسَافَة ال ِقصَرِ‬
‫الزوْجةُ ألنَّها يف حالة اإلِعْسارِ ال َتصِلُ حلقِّها وال ُعسْرُ‬ ‫أو بِحلوله َمعْ إِعسارِ املَدينِ ولو َّ‬
‫مَنْظَرٌ وِب َعدَم وجْدانِ املُكَْتسِب من يَسْتَعمِلَه إنْ غَلبَ ذَلك أو بعروضِ ما َيمَْنعَهُ عَنِ‬
‫سبِ‪.‬‬ ‫الكَ ْ‬
‫[فائدة]‪ :‬إذا كانَ للمَرْأة على زوْجها الغائب دينٌ حالٌ من صَداقٍ أو غريه وكان‬
‫عندها بعضُ ماله وديعةً فهل لَها أن تَستقِل بأ ْخذِهِ لدينِها بال َرفْع إىل القاضي مث‬
‫ُت ْفسَخ به أو ال؟ فأجابَ َبعْضُ أصْحابِنا لَيْسَ للمرأة املذكورَة االسْتقاللُ بأ ْخذِ حَقِّها‬
‫بل تَ َرَف ُع ا َألمْرَ إىل القاضي ألن النظر يف مال الغائبني للقاضي‪ .‬نعم‪ .‬إن علمت أنه ال‬
‫يأذن هلا إال بشيء يأ ُخذَهُ مِنْها جَازَ هلا االسْتقِالل باأل ْخذِ وإذا فَرغَ املالُ وأرادت‬
‫الفسخَ بإِعسارِ الغاِئبِ‪ ،‬فإِن مل يعلم املالَ أَ َحدٌ ادَّعت إعْسارَهُ وأنه ال مالُ له حاضرٌ‬
‫وال تركَ َن َفقَةً وأثبَتتْ اإلِعْسارَ وحَلَ َفتْ على األخريين ناويةً بعدم تركِ النَّفقة َعدَم‬
‫وجودِها اآلن وفَسخَت ِبشُروطِه وإن عَلِم املالُ فال بدّ من بَيِّنة ِبفَراغِه أيضاً‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫(فال فَسخ) على املُعْتَمد (بامتِناع َغريِه) موسِراً أو مَُتوَسِّطاً مِن اإلِنفاقِ َحضَر أو غابَ‬
‫(إن مل يَْنقَ ِطعْ خَربه) فإِن اْنقَ َطعَ خربه وال مالَ لَهُ حاضِرٌ جازَ هلا ال َفسْخُ ألن تعذر‬
‫َذ ِررِباإلِعْسار‪ ،‬كما جَ َزمَ به الشيخ زكريا‪ ،‬وخالَفَه تلميذه‬ ‫واجِبُها بانقطاع خربه كَتع َّ‬
‫شيخنا‪ .‬واخْتارَ َج ْمعٌ كثريون من حمقِّقي املتأخرينَ يف غائبِ تَعذَّر تَحصيل النَّفقة منه‬
‫ال َفسْخُ‪ ،‬وقوّاه ابن الصَّالح‪ ،‬وقال يف فتاويه‪ :‬إذا تعذرت النَّفقة لعدم مال حاضر مع‬
‫ضعِه أو‬
‫عدم إمكانِ أ ْخذِها منه حيثُ هوَ بكتابٍ حكمي وغريهِ لكونِهِ َلمْ َيعْرِفْ مَ ْو ِ‬
‫َعذرَتْ مُطالَبَتَهُ عُرِفَ حالَهُ يف اليَسارِ واإلِعْسارِ أو مل ُيعْرفْ فلها‬ ‫عُرِفَ ولكن ت َّ‬
‫ال َفسْخُ باحلا ِكمِ واإلِفتاءِ بالفَسخِ هوَ الصحيح‪ .‬انتهى ونَقلَ شيخنا كالمهُ يف الشَّرحِ‬
‫العالمَة احملقِّق‬ ‫الكبريِ‪ ،‬وَقالَ يف آخِرهِ وأفْتَى مبا قالَه َج ْمعٌ مِنْ ُمتَأخِّري الَيمَن‪ .‬وقال َّ‬
‫الطنبداوي يف فتاويه‪ ،‬والذي خنتاره‪ ،‬تَبعاً لألَئِمة املُحقِّقني‪ ،‬أنه إذا مل يكُن له مال‪،‬‬
‫‪149‬‬
‫كما سبق‪ ،‬هلا الفَسْخُ وإن كان ظاهِرُ املذ َهبِ خِالفَهُ لقولِه تعاىل‪{ :‬وما َجعَلَ عَلَيْ ُكمْ‬
‫ِفي الدِّينِ مِنْ حَرجْ} وِلقَولِهِ‪" :‬بعثت باحلنيفية السمحة" وألن مدارَ الفسخِ على‬
‫اإلِضرار وال شك أن الضرر موجود فيها إذا مل ميكن الوصول إىل النفقة منه وإن كان‬
‫موسراً‪ .‬إذ سرّ ال َفسْخِ هوَ تَضرُّر املرأة وهو موجودٌ‪ ،‬السيما مع إعسارِها فيكون‬
‫تعذر وصوهلا إىل النَّفقة حُكْمه حكم اإلِعسارِ‪ .‬انتهى‪ .‬وقال تلميذه شيخنا خامتة‬
‫احملقِّقني ابن زياد يف فتاويه‪ :‬وباجلملة فاملَذ َهبُ الذي جرى عليه الرافعي والنووي عدمُ‬
‫جَوازِ ال َفسْخ‪ ،‬كما سبق‪ ،‬واملُختارْ اجلوَاز‪ ،‬وجَزَم يف فُتْيا له أُخْرى باجلواز و (ال)‬
‫َفسْخَ بإِعسارٍ بن َفقَةٍ وحنوِها أوْ مبَهرٍ (قبلَ ثبوتِ إعسارِهِ) أي الزَّوجَ بإِقرارِةٍ أو بيِّنةٍ‬
‫تَذكر إعْسارَهُ اآلنَ‪ ،‬وال تكفي بَيِّنة ذكرت أنه غاب معسراً‪ .‬وجيوز للبينَةِ اعتمادٌ يف‬
‫الشَّهادةِ على اسْتِصْحابِ حالتِه اليت غابَ عَلَيها مِنْ إعسارٍ أو يسارٍ‪ ،‬وال تُسئَلُ مِن‬
‫َرحَ مبُسْتََندِه بَطَُلتِ الشَّهادَةُ (عِْندَ قاضٍ) أوْ مُح َكمٍ فال‬ ‫أيْنَ لَكَ أَنَّهُ ُم ْعسِرٌ اآلن‪ ،‬فلو ص َّ‬
‫سبُ عِدَّتَها إال مِنَ‬ ‫بُدَّ من الرفعِ إليْهِ فال يَنفذُ ظاهِراً وال بَاطِناً قبل ذلِكَ وال َيحْ َ‬
‫ال َفسْخِ‪ .‬قال شيخنا‪ :‬فإِن َف َقدَ قاضٍ ومُحكَم مبحَلِّها أو َعجِزَتْ عن الرَّفع إىل القاضي‪.‬‬
‫ُنفذُ ظاهِراً وكذا‬ ‫كأن قال ال َأ ْفسَخُ حىت ُتعْطيين ماالً اسْتقلَّت بالفَسخِ للضرورَةِ وي َّ‬
‫باطِناً‪ ،‬كما هو ظاهِر‪ ،‬خالفاً ملن قُِّيدَ باألوَّلِ ألن ال َفسْخَ مبينٌ على أصل صحيح وهو‬
‫ُمسْتَلْ َزمٍ للنُّفوذ باطِناً مث رأيت غريَ واحدٍ جَزموا بذلك‪ .‬انتهى‪ .‬ويف فتاوي شيخنا ابن‬
‫زياد‪ :‬لو َعجَزَت املرأَة عن بيِّنَة اإلِعْسار جازَ هلا اإلِسِْتقْاللُ بال َفسْخ‪ .‬انتهى‪ .‬وقال‬
‫الشيخ عَطية املكيِّ يف فتاويه‪ :‬إذا تعذر القاضي أو تعذر اإلِثباتُ عندَهُ ِل َفقْد الشهودِ‬
‫أو غيبَِت ِهمْ فلها أن َتشْهد بال َفسْخ‪ ،‬وتفسخُ بَِن ْفسِها كما قالوا يف املرتَهنِ إذا غابَ‬
‫َعذرَ إثْباتُ الرَّهنِ عِْندَ القاضي أن له بَي ُع الرَّهنِ دونَ مُراجَعة قاضٍ‪ ،‬بل هذا‬ ‫الراهنُ وت َّ‬
‫أهم‪ .‬وأهمُّ وقوعاً‪ .‬اه‪( .‬ف) إذا توفرت شروط الفَسخِ من مُال َزمَتِها ا َملسْكَنِ الذي‬
‫غابَ عنها وهي فيه وعدم صدورِ نشوزٍ مِْنهَا وَحََل َفتْ عَلَْيهِما وعلى أن ال مالَ لَهُ‬
‫حاضِر وال تَركَ َنفَقَةً وأثْبََتتِ اإلِعْسارُ بِنحوِ النَّفق ِة على ا ُملعَْت َمدِ أو َتعَذَّر حتْصيلها على‬
‫املختار (ميهل) القاضي أو املُحكم وجوباً (ثالثة) من األيام وإن مل يستَمْهِلْهُ الزَّوجُ‬
‫ومل يُ ْرجَ حُصولُ شَيءٍ يف املستقبل ليتَحقَّق إعْسارَهُ يف َفسْخٍ ل َغريِ إعْسارِهِ ِب َمهْرٍ فإِنَّه‬
‫على الفَورِ‪ ،‬وأفْىت شيخنا أنه ال إمْهالَ يف فَسخ نِكاح الغائِب‪( ،‬مث) َب ْعدَ إمْهالِ الثَّالثِ‬
‫بِلَياليها (َي ْفسَخُ هو) أي القاضي أو املُحكَم أثناء الرابع‪ ،‬خلرب الدارقطين والبيهقي يف‬
‫الرجل ال جيد شيئاً ينفق على امرأته يفرّق بينهما وقَضى به عمر وعليّ وأبو هريرة‬
‫رضي اهلل عنهم‪ .‬قال الشافعي رضي اهلل عنه‪ :‬وال أعلمُ أحَداً مِنَ الصَّحابة خالفهم‪.‬‬
‫ختْ باحلاكِم على غاِئبٍ فعاد وادَّعى أنَّ لَهُ ماالً بالبَلد مل يَبْطُل‪ ،‬كما أفىت به‬ ‫وَلوْ فَس َ‬
‫الغزايل‪ ،‬إال إن ثَبَتَ أنَّها تعلمه ويسهَل عليها أَ ْخذَ النَّفقة منه خبالفِ حنو عقارٍ وَعرْضٍ‬
‫سخْ (هي بإِذنه) أي القاضي بلفظ فَسخَتِ النِّكاحَ‬ ‫ال يتيسَّر بَْيعَهُ فإِنه كالعدم (أو) َت ْف َ‬
‫فلو سلم َن َفقَة الرابع فال َتفْسخْ مبا مَضى ألنه صارَ ديناً‪ .‬ولو أعسر بعد أن سلم نفقة‬
‫الرابع بنفقةِ اخلامس بَنتْ على املدة ومل تستأنفها‪ .‬وظاهر قوهلم أهنم لو أعسر بنفقة‬
‫السادس استأنفتها وهو حمتمل‪ ،‬وحيتمل أنه إن ختللت ثالثة وجب االستئناف‪ ،‬أو أقل‬
‫فال كما قاله شيخنا ولو تربع رجل بنفقتها مل يلزمها القبول بَلْ هلَا ال َفسْخُ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬هلَا يف مُدَّة اإلِمهالِ والرِّضا بِإِعسارِه اخلروجِ هناراً قَهراً عَليه لِسؤالِ نفقةٍ‬
‫أو اكْتسابِها وإن كان هلا مالٌ وأمْكَنَ َكسْبَها يف بَيْتِها ولَيْسَ له مَْنعَها ألن حَْبسَهُ هلا‬
‫إمنا هو يف مُقابَلة إنْفاقِهِ عليها‪ ،‬وعليها رجُوعٌ إىل َمسْكَنِها ليالً ألنه وقتَ اإلِيواءِ دونَ‬
‫س ُقطُ َنفَقَتَها عن ذِمَّتِه مدة‬ ‫العْملِ‪ ،‬وهلا مَْنعُه من َّالتمَتُّع هبا نَهاراً وكذلك ليالً لكن َت ْ‬
‫املَْن ِع يف اللَّيل‪ .‬قال شيخنا‪ :‬وقياسُه أنه ال نفقة هلا زَمنُ خرُوجها للكَسب اه‪.‬‬
‫‪150‬‬
‫[فرع]‪ :‬ال َفسْخَ يف غَيْرِ َمهْرٍ ِلسَيِّد أمَةٍ ولَيْسَ له مَْنعَها من ال َفسْخِ بغريه وال‬
‫ال َفسْخُ به عِْندَ رِضاها بإِعْسارِهِ أو عَدمِ تكليفِها ألن النفقةَ يف األصْلِ هلا بل لهُ إجلاؤها‬
‫سخَي أو جوعي دَفعاً للضَّررِ عنه‪ ،‬ولو زَّوج َأمََتهُ‬ ‫إليْهِ بِأَنْ ال يُنفِقُ عَلَْيهَا ويقول لَها ِإفْ َ‬
‫خ َدمَهُ فال َفسْخَ هلَا وال لَهُ إذ مُوءْنَتَها عَلَيه‪ ،‬ولو أَ ْعسَر سيد ا ُملسْتَ ْولَدةِ عن‬ ‫ِبعَْبدِهِ واسَت ْ‬
‫نفقتها قال أبو زيد‪ :‬أُ ْجربَ على عَتْقها أو تَزْوجيَها‪.‬‬
‫[فائدة]‪ :‬لو فَقدَ الزَّوجُ قبلَ التَّمكنيِ فظاهِرُ كالمِهم أنَّه ال َفسْخَ ومذَهبِ مالك‬
‫رمحه اهلل تعاىل ال فَرْقَ بني ا ُملمَكَِّنةِ وغَيْرِها إذا تعذَّرت النَّفقة وضُرَِبتِ املُدَّةُ وهي‬
‫عِْندَهُ َشهْر للتَفحُّص عَنْهُ ثُمَّ يَجوزُ الفَسْخُ‪.‬‬
‫[تتمة]‪ :‬يَجبُ على موسِرٍ ذكرٌ أو أنثى وَلوْ ب َكسْبٍ يليقُ بهِ مبا َفضُلَ عَنْ قوتِهِ‬
‫سوَةٍ َمعَ أدم ودَواءٍ‬ ‫وَقوتِ ممونة يومِه ولَيْلَتِه وإنْ ملْ َي ْفضُلْ عَنْ دينه كِفايَةِ نفقَةٍ و ِك ْ‬
‫َألصْلٍ وَإِنْ عَال ِذكَرٌ أَو أُنثى وفِرعٌ َوإِنْ نَزُل‪ .‬كَذلَكَ إذا َلمْ يَملُكاها وَإِنْ اخْتََلفَا دَيْناً‬
‫ال إِنْ كانَ أَ َحدُمها حَربِياً أوْ مُرْتَداً‪ .‬قالَ شَْيخُنا يف شرح ا ِإلرْشَادِ‪ :‬وَال إِنْ كَانَ زَانِياً‬
‫حصَناً أوْ تارِكاً للصَّالةِ‪ ،‬خِالفاً ملا قاله يف شَرحِ املِنْهاجِ‪ ،‬وال إِن بلغَ فرع وتركَ‬ ‫ُم ْ‬
‫س ُقطُ َن َفقََتهَا بِالعَقْدِ‪َ ،‬وفِيهِ‬ ‫كسباً الئِقاً وال أَثَرَ ِل ُق ْدرَةِ أمٍ أوْ بِْنتٍ على النِّكاح لَكِنْ َت ْ‬
‫الزوْج ُم ْعسِراً‬ ‫بالتمْكِنيِ‪ ،‬كما مَرَّ‪ ،‬وإن كانَ َّ‬ ‫جبُ َّ‬ ‫الز ْوجِ إنَّما تَ ِ‬
‫نَظَرْ‪ ،‬ألَنَّ َن َفقَتَها عَلى َّ‬
‫ما مل تَفسخ وال تصريُ مؤن القريب بفوتِها ديناً عليه إال باقتراض قاضٍ لغيبة منفق أو‬
‫ص َدرَ منه ال بإِذنٍ منه ولو منْعِ الزَّوجِ أو القَريب اإلِنفاقَ أخذَها املسَْتحِق ولو‬ ‫مَْنعٍ َ‬
‫ِبغَيْرِ إِذن قاضٍ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬مَن َلهُ أبٌ وأمٌ فنفقته على أبٍ‪ ،‬وقيل هي عليهما لبالغ‪ ،‬ومن له أصلٌ‬
‫وفرعٌ فعلى الفرع وإن نزل‪ ،‬أو له حمتاجونَ مِنْ أصولٍ وفروعٍ ومل يقدر على‬
‫كفايتهم قدم نفسه مث زوجتُهُ وَإِنْ تَعدَّدتْ‪ ،‬ثُمَّ ا َألقْرَبُ فَا َألقْرَبُ‪َ .‬ن َعمْ‪َ ،‬لوْ كَانَ لَهُ أبٌ‬
‫وَأُمٌّ وابْنُ َقدَم اإلِبْنُ الصَّغري ثُمَّ األُم ثُمَّ األَبُ ثُمَّ الوََلدُ الكَبريُ‪ .‬ويَجبُ على أمَ ِإ ْرضَاعُ‬
‫وَلدِها اللبَّأْ وَ ُهوَ اللنبَ أول الوِالدَة ومُدَّته يسرية‪ ،‬وَقيلَ يقدَّر بِثالثَةِ أيامٍ وقيل سبعَة‪ .‬مث‬
‫َبعَده إن مل توجد إال هِي أو أجْنَبِيَّة وَ َجبَ ِإ ْرضَاعَه على مَنْ وُ ِجدَتَ َولَها طَلَبُ‬
‫األُجْرَةِ ممَّن تَلْ َزمَهُ مُوءْنَتَهُ‪ ،‬وَإنْ وُ ِجدَتَا َلمْ ُتجْبَر األُم خلية كانَت أو يف نكاح أبيه‪ ،‬فإِن‬
‫رَغِبَت يف إرضاعِه فليس ألَبيه منعِها إال إن طَلََبتْ فَوقَ أُجرةَ املِثل‪ ،‬وعلى أب أجرة‬
‫مثل ألم ِإلرْضاعِ ولدها حيث ال متربع بالرضاع‪ ،‬وكمتربع راض مبا رضيت‪.‬‬
‫(فصل)‪ :‬احلضانة‪ .‬وا َألوْىل بِاحلضَانَة وَهيَ تَربيَةُ منْ ال َيسَْتقِلُّ إىل التَّمييزِ أُمٌّ مل‬
‫َزوجْ بآخَر‪ ،‬فَأُمَّهاتُها وَإِنْ عََلتْ‪ ،‬فَأَبٌ فَأَمَّهاتُه فَأُ ْختٌ َفخَالَةٌ فَبِْنتُ أُختٍ فَبِْنتُ أخٍ‬ ‫تَت َّ‬
‫َفعَمَّة واملميز إن افْتَرَقَ أَبَواهُ مِنَ النِّكاحِ كانَ عِْن َد مَنْ اخْتَارَهُ مِْن ُهمَا وألَبٍ اخِْتريَ مَْنعُ‬
‫األُنْثى ال الذكر زيارَةُ ا ُألمِ وال تَمَنعُ األُم عَنْ زِيارَتِها على العادَة واألُم أوْىل‬
‫بتَمرِيضِهما عِنْد األَب إنْ َرضِيَ وإال َفعِْندَها وإن اختارَها ذكَرٌ فعْندها ليالً وعنْدهُ‬
‫نَهاراً أو اختارَتْها أنثى فعندها أبداً وي ُز ّورُها األبُ على العادَة وال يُطلب إحضارُها‬
‫عْندَه ثُ َّم إنْ مل خيْتَرْ واحِداً منْهما فاألم أوىل ولَيْسَ ألَ َحدِهِما فَ ْطمَهُ قَبْلَ حَولَيْنِ مِنْ غَري‬
‫رِضا اآلخَرِ َولَهُما فَ ْطمَهُ قَبَْلهُما إن مل َيضُرُّه‪ ،‬وألَ َحدِمها بَ ْعدَ حَولَيْن َولَهما الزيادَة يف‬
‫الرِّضاع على احلوْلَني حيث ال ض َررَ‪ ،‬لكِن أفىت احلناطي بأنه ُيسَنُّ ع َدمُها إال حلاجَة‬
‫جبُ على مال كِفايَةُ َرقِيقة إال مُكاتباً ولو أعْمى أو زَمناً ولَو غنياً أو أكوالً َنفَقةً‬ ‫وَي ِ‬
‫وكِسوَةٌ مِنْ جِنْسِ املعتادِ ملثلِهِ مِنْ أرِقاءِ البَلدِ وَال يَكفي ساتِر ال َع ْورَةِ وإِنْ مل يَتَأذَّ به‪،‬‬
‫حقِريَ حينَِئذٍ وَعَلى السَّيد‬ ‫نعم‪ ،‬إن اعتيد ولو ببالد العرب على األوجَه‪ ،‬كفى‪ :‬إِذ ال َت ْ‬
‫سبُ الرقيقِ لسيِّدهِ يُْن ِفقَهُ مِنْهُ إن شاء‪،‬‬ ‫َثمَنُ دَوائِه وأجْرَة الطَبيبِ عِْندَ احلاجَةِ‪ ،‬وَك ْ‬
‫وَيسْقط ذلك مبضي الزَّما ِن كَنفقَةِ القَريبِ‪.‬‬
‫‪151‬‬
‫سوَة‪ ،‬واألفضل إجالسَهُ َمعَه‬ ‫ويُسن أن يُنا ِولَه مما يتنَعم بِه منْ طَعامٍ وَأُدم َوكِ ْ‬
‫ألكْل‪ ،‬وال يَجوزُ أن يُكلِّفه كالدَّوابِ على الدَّوامِ عَمالً ال يَطِيقَه وَإِنْ َرضِيَ‪ .‬إذ‬ ‫لَ‬
‫َيحْرُم عليه إضْرارُ ن ْفسِه فإِن أىب السَّيِّد إال ذلك بيع عليه‪ :‬أي إن تعيَّن البَْيعُ طريقاً‪،‬‬
‫وإال أوجِرَ عليه‪ .‬أما يف بعْضِ األَ ْوقَاتِ فَيجْوزُ أن يكلفه عمالً شاقاً وَيَتْبعِ العادَة يف‬
‫ص ْومٍ وَصالةٍ‪ ،‬وعلى مالِكٍ عَلَفُ‬ ‫إِراحَتِهِ وَقتَ القَيْلولَةِ وَاإلِسْتِمتَاع ولَهُ مَْنعَه مِن نَفل َ‬
‫دابتِه ا ُملحْتَ َرمَة‪ ،‬ولو كلباً حمترماً‪ ،‬و َسقْيَها إن لَم تَأْلف الرَّعْي ويَكْفها وَإِال كَفى‬
‫ِإرْسَالَها لِلرَّعْي والشُّرب حيثُ ال ماِنعَ‪ ،‬فإِنْ مل يَ ْكفِها الرَّعْيَ لَ ِزمَهُ التَّكميل‪ ،‬فإِن امتَنَع‬
‫مِنْ عَلفِها أو إرْساهلا أَجْرب على إزالَةِ مُلْكِه أو ذَْبحِ املأكولَة‪ ،‬فَإِنَّ أىب َفعَل احلا ِكمُ‬
‫جبُ عَلَفُ غري املُحتَرمة‪ ،‬وهيَ‬ ‫ا َألصْلَح من ذلكَ َورَقيقٌ كدابَّة يف ذلكَ كلِّه‪ ،‬وَال َي ِ‬
‫ُرمَ ما ضَرَّ‬ ‫الفَواسِقُ اخلَمس‪ ،‬وََيحِْلبُ مالِكُ الدَّوابّ ما ال يضُرُّ هبا وال ِب َوَلدِها‪ ،‬وح ِّ‬
‫أحدمها‪ ،‬ولو لقلَّة العَلَفِ‪ ،‬والظَّاهِرُ ضَْبطُ الضَّررِ مبا َيمَْنعُ من ُنمُوِّ َأمْثَاِلهَما‪ ،‬وضَبْطَه‬
‫حفَظَهُ عن ا َملوْتِ توقَّف فيه الرافعي‪ ،‬فالواجبُ التَّركُ له قدرَ ما يُقيمَهُ حىت ال‬ ‫فيه مبا َي ْ‬
‫ميوت‪ ،‬وُيسَنُّ أن ال يُباِلغَ احلاِلبُ يف احلَ ْلبِ بل يَْبقَى يف الضَّرْع شيئاً‪ ،‬وأن َيقُصُّ‬
‫أظْفارَ َيدَيه‪ ،‬وجيوز احللب إن مات الولَد بأيّ حيلة كانت‪ .‬وَيحْ ُرمُ التَّهريش بَيْنَ‬
‫البَهاِئمِ وال َيجِبُّ عَمارَةُ دارِه أو قَناتِه‪ ،‬بَل يُكْرَه تَ ْركَه إىل أن َتخَرب بغَيْرِ ُع ْذرٍ كَتَرْكِ‬
‫سقي زرع وشجرٍ دون ترك زارعَةِ األ ْرضِ وَغَرْسِها وال يُكْرَه عِمارَة حلاجَة وإن‬
‫طالَت‪ ،‬واألخْبارِ الدالَّة على مَنْع ما زادَ على سَْب َعةِ أذْرعٍ حممولَة عَلى مَنْ َفعَلَ ذَلِكَ‬
‫لِ ْلخُيَالءِ والتَّفاخُرِ على النَّاسِ‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل أعلم‪.‬‬

‫مِن قَتْلٍ َوقَ ْطعٍ وغَيْرِهُما‪ .‬والقَتْلُ ظُلْماً أكْبَر الكَبائِر بعد ال ُكفْرِ وَبِال َقوْدِ أو ال َعفْو‬
‫ال تَبْقى مُطالَبةٌ أُخْرَويَّة‪ .‬وَال ِفعْلُ املُزْهِقُ ثَالثةُ‪َ :‬عمْد‪ ،‬وشِبْه َعمْد‪ ،‬وخَطَأ (ال قَصاصَ‬
‫إال يف َع ْمدٍ) بِخالفِ شُْبهَه واخلَطأْ (وهو َقصْد ِفعْل) ُظلْماً (و) عَيْن (شخْصِ) يعين‬
‫اإلِنْسان‪ :‬إذ لَو َقصَد شخَصاً ظَنَّه ظبياً فبانَ إنساناً كان خَطأ (مبا يقتل) غالباً جارِحاً‬
‫كانَ كغَ ْرزِ إبرة مبْقتَل كدِماغٍ وعَيْنٍ وخاصِرَةٍ وإحْليلٍ ومَثانَة وعِجانٍ وهو ما بني‬
‫والشخْصُ (بغريه) أي‬ ‫خلصْيَة والدُبُر أو ال‪ :‬كََتجْويعٍ وسَحْرٍ (وَقصْدهُما) أي ال ِفعْل َّ‬ ‫اَ‬
‫غري ما يقْتَلُ غالباً (شِبْه َعمْد) سواء أقُتِل كَثرياً أم نادِراً كضَرْبَة ُيمْكِن عادَة إحالة‬
‫اهلالكِ عَلَْيهَا‪ ،‬خبالفِها بنحو قَلَم أو مع خِفَّتِها جداً فه ْدرٌ ولو غرز إِب َرةٍ بغري مقتل‪،‬‬
‫كألية وفخِذ‪ ،‬وَتَألَّم حىت ماتَ فعَمدَ وإنْ مل يَ ْظهَرْ أَثَرٌ وماتَ حاالً فشِْبهُ َع ْمدٍ َوَلوْ‬
‫حَبسه كَأَن أَ ْغلَق باباً عليْه ومَنعَهُ الطَّعامَ والشَّرابَ أو أ َحدَهُما والطَّلبَ لذلك حىت‬
‫ماتَ جوعاً أو عَطَشاً‪ ،‬فإِن َمضَت مدَّة ميوتُ مثلُه فيها غالباً جوعاً أو عَطشاً فعَمد‬
‫والزمَنِ قُوَّةً وحرّاً‪،‬‬
‫لِظُهورِ قَصْد اإلِهالك به‪ .‬وخيتلف ذلك باختالف حال احملبوس َّ‬
‫وحدَّ األطباءُ اجلوعَ املُهلِكَ غالِباً باثنني وسَبْعني ساعةٍ متَّصلة‪ ،‬فإِم مل تَمَضِ املدة‬
‫املذكورة ومات باجلوع‪ :‬فإِن مل يكن به جوع أو عطش سابق فشِبْه َعمْد فيَجِبُ‬
‫ِنصْفُ دِيَّتِه لِحصولِ اهلالك باألمرين‪ ،‬ومال ابن العماد فيمن أشار إلِنسانٍ بسِكيْن‬
‫ختويفاً له فسقَطَت عليه من غري َقصْد إىل أنه َع ْمدٌ موجبٌ لل َقوْد‪ .‬قال شيخنا‪ :‬وفيه‬
‫نظر‪ ،‬ألنه مل يقصد عينه باآللة فالوجه أنه غري عمد‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬جيب قصاص بسبب كمُباشَرةٍ فيجب على مُكْرهٍ بغري حق بأن قال اقْتُل‬
‫هذا وإال ألَقْتُلنَّك َفقَتَله‪ ،‬وعلى مُكْرهٍ أيضاً‪ ،‬وعلى من ضيفٍ َمبسْمومٍ َيقْتُلُ غالباً غري‬
‫مميز‪ ،‬فإِن ضيفَ به مُميزاً أو دسَّه يف طَعامِه الغالبِ َأكْلَه مِنْه فَأكَلَهُ جاهِالً َفشِبْهَ َعمْدٍ‬
‫فَيلْزمُه دِيَّتَهُ وال َقوْد لِتنَا ُولِه الطَّعامَ باخْتياره ويف قولِ قَصاصٍ لَِتغْريرهِ ويف قول ال شيء‬
‫‪152‬‬
‫تغليباً لِلمُباشَرة‪ ،‬وعلى مَن ألقى يف ماءٍ ُمغْرقٍ ال ميكُنه التَّخلص مِنْه ِبعَومٍ أو غريه وإن‬
‫الَتقَمهُ حوت ولو قبل وُصولِه املاء‪ ،‬فإِنْ َأمْكَنه ختلُّصُ ب َعوْم أو غريه ومَنَعهُ مِنهُ عارِضٌ‬
‫ك َم ْوجٍ وريحٍ فهلَك فشِبه َع ْمدٍ ففيه ديَّته‪ ،‬وإن أمكنه فتر َكهُ خوفاً أو عناداً فال دية‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو أ ْمسَكَه َشخْصٌ ولو لِ ْلقَتْل َفقَتَلَهُ آخر فالقَصاصُ على القاتِل دون‬
‫ا ُملمْسك‪ ،‬وال قصاصَ على مَنْ ُأكْ ِرهَ على صُعودِ َشجَرةٍ فَزَلقَ وماتَ‪ ،‬بل هو شبه‬
‫عمْد إن كاَنتْ مما يَزلَقُ على مِثْلها غالباً وإال فخَطأً (وعدم قصد أحدمها) بأن مل‬
‫صدَه فقط‪ ،‬كأن رمى ِلهَدفٍ‬ ‫صدْ ال ِفعْل كأَن َزلَقَ فوقع على غريه فقتَلهُ أو َق َ‬ ‫يَق ِ‬
‫فأصابَ إنْساناً ومات (فخَطأ‪ .‬ولو وُجد) بشخص (من شخصني معاً) أي حال‬
‫كوهنما مُقتَرِننيِ يف زمن اجلناية بأن تقارنا يف اإلصابة (فعالن مزهقان) للروح‬
‫(مذففان) أي مسرعانِ للقَتْل ( َكحَزِّ) للرقِبة (وقدّ) للجثة (أو ال) أي غري مذففني‬
‫(كقطع عضوين) أي جرحني أو جرح من واحد وعشرة مثالً من آخر فمات منهما‬
‫(فقاتالن) فيقتالن‪ :‬إذ رب جرح له نكاية باطناً أكثر من جروح فإِن ذفف أي أسرع‬
‫للقتل أحدمها فقط فهو القاتِل فال يَقتُل اآلخر‪ ،‬وإن شككنا يف تَذفيفِ جُرحِه‪ ،‬ألَن‬
‫األصْلَ َع َدمُهُ‪ ،‬والقَوْدَ ال جيب بالشَّكّ (أو) وُجِدا بِه مِنْهما (مرتباً ف) القاتِل (األول‬
‫إن أهناهُ إىل حركة مذبوح) بأن مل يبقَ فيه إدراكٌ وإبصارٌ ونطقٌ وحركة اخْتيارِيّات‬
‫ويُعزَّر الثاين وإن جىن الثاين قبل إهناءِ األَولِ إليْها و َذفَّف كحزَ بِه بعد جرح فالقاتل‬
‫الثاين‪ ،‬وعلى األول قصاصٌ العضو أو مال حبسب احلال وإن مل يُذفِّف الثاين أيضاً‬
‫ومات اجملين باجلنايتني كأن قطع واحد من الكوع واآلخر من املِرفَق فقاتِالنِ لوجُودِ‬
‫السِّراية منهما‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو اندمَلَت اجلِراحَة واستمَّرت احلِمى حىت ماتَ فإِن قال عَدال طب إهنا‬
‫من اجلرح فال َقوْد‪ ،‬وإال فال ضَمان (وشرط) أيْ لِ ْل َقصَاصِ يف َّالنفْسِ يف القَتْل كونه‬
‫صمَة) بإِميانٍ أوْ‬‫َعمْداً ظُلماً فال َقوْد يف اخلَطأ وَشِبْه ال َعمْد وغري الظلم و (يف قَتيلِ ِع ْ‬
‫حصَن قَتلَهُ ُمسْلم ليس‬ ‫أمانٍ يَحقَنُ َدمُه ِبعَ ْقدِ ذِمَّة أو َع ْهدٍ فيهدر احلريب واملرتدُّ وزانٍ ُم ْ‬
‫زانياً حمصناً سِواءً أثبتَ زِناه بِبَينِّة أم بِإقْرار مل يَرْ ِجعْ عنه‪ .‬وخرج بقويل ليس زانياً‬
‫حمصناً الزاين احملصَن فيقتل به ما مل يأمُره اإلِمامُ ِبقَتْله‪ .‬قال شيخنا‪ :‬ويظهر أن يلحَقَ‬
‫ُتحت ٌم قَتْله‪.‬‬
‫بالزاين املُحصَن يف ذلك كل مُهدَر كتارِ ِك صالةِ وقاطع طريق م َّ‬
‫(واحلاصل) أن املُهدَر معصومٌ على مثله يف اإلِهْدارِ وإن اختلفا يف سببه ويدُ‬
‫السَّارقِ ُم ْهدَرة إال على مِثلِه سِواء املسَروق منهُ وغَريه‪ ،‬ومن عليه قصاصٌ كغريه يف‬
‫صمَ بعدُ لِ َعدَمِ‬
‫العِصْمة يف حقِّ غري املسَتحِق‪ .‬فيُقتَل قاتِلَه وال قِصاصَ على حريب وإن ُع ِ‬
‫التزامِه ولِما تَواتَر عَنْهُ عن أصْحابه مِن َع َدمِ ا ِإلقَادَة مِمَّن أسْلمَ كوَحشي قاتل محزة‬
‫رضي اهلل عنهما‪ ،‬خبالف الذمِّي فعليه ال َقوْد وإن أسْلَم (و) شَرْطٌ يف قاتِل تَكْليفٍ فال‬
‫ُيقْتَلُ صيبٌّ وجمنونٌّ حال القَتْل واملَذهب وجوبه على السَّكران املتَعدّي بتَناوُلِ ُمسْكِرٍ‬
‫فال َقوْدَ على غري متعدّ به‪ ،‬ولو قالَ كُْنتُ وَ ْقتَ القَتْلِ صَبِياً وأمكن صِباه فيه أو جمنوناً‬
‫و َعهِد جُنونه فُيصَدَّق بيمينه (ومكافأة) أي مساواة حال جناية بأن ال يفضل قتيله‬
‫حال اجلناية (بإِسالمٍ أو حُريةٍ أو أصالَةٍ) أو سيادةٍ فال يقْتلُ ُمسْلم ولوْ ُمهْدَراً بِنحو‬
‫زِنا بكافِر وال حُرَ مبن فيه رقّ وإن قلَّ وال أصلَ بِفرعِه وإِن َسفُل‪ ،‬وُيقْتَل الفِرع‬
‫بأصْله‪( ،‬وُيقْتَل جَ ْمعٌ بواحِد) كأن جَرَحوه جِراحاتٍ هلا دَخل يف الزهوق وإن فَحش‬
‫َب ْعضَها أو تفاوَتوا يف َعدَدِها وإن مل يَتَواطَأوا أو كأن أل َقوْهُ من عالٍ أو يف بَحر ملا‬
‫رَوى الشافعي رَضِيَ اهلل عَنْهُ وغَريه أن عمر رضي اهلل عنه قَتلَ مخسة أو سَبْعة قتلوا‬
‫ضعٍ خالٍ وَقال َولَوْ تَماألَ عليْه أهْلُ صَنعاء لقتلهم به مجيعاً‪،‬‬ ‫رَجُالً غِيلة أي َخدِيعَةً مب ْو ِ‬

‫‪153‬‬
‫ومل يُنكَر عليه فصارَ إِجْماعاً‪ .‬وَللويل ال َعفْو عَنْ َب ْعضِهم على حِصَّته من الدية باعتبار‬
‫عَددِ الرؤوسِ دون اجلراحات ومن قُتِل مجعاً مرتبًا قُتِل بأوَّهلم‪.‬‬
‫ضمْن بقوْد أو ديَّة كل منهما ما تولد يف اآلخر من‬ ‫[فرع]‪ :‬لو تصارَعا مثالً ِ‬
‫الصِّراعَةِ ألن كالًّ مل يأذَن فيما يُوءْدِّي إىل حنْو قَتْلٍ أو تَلَفِ عُضوٍ‪ ،‬قال شيخنا‪:‬‬
‫ويَ ْظهَرُ أنه ال أثر العِتْيادِ أنْ ال مطالبة يف ذلك بل ال بد يف انْتِفائِها من صَريحِ‬
‫اإلِذن‪.‬‬
‫جبُ قصاصٌ يف أعضاء حَْيثُ َأمْكَنَ مِنْ غَريهِ ظُلمٌ كَيدٍ ورِجْلٍ وأصابعٍ‬ ‫[تنبيه]‪َ :‬ي ِ‬
‫وأنامِلَ و َذكَر وأُنْثَيَنيِ وأذنُ وسِنّ ولِسان و َشفَة وعَيْن و ِجفْن ومارِن أنْفٍ وهو ما‬
‫النَ مِنْه ويشترط لِقصاصِ الطَّرف واجلَرح ما شرط للنفس وال يؤخذ ميني بيَسارٍ‬
‫وأعلى بأسفل وعكسه‪ ،‬وال قصاص يف كسْرِ عظم‪ ،‬ولو قُ ِطعَت يد من وَسَط ذِراع‬
‫اقتُصَّ يف الكفِّ‪ ،‬ويف الباقي حكومة‪ ،‬ويقطع جَمعٌ بيد حتامَلوا عليها دفعة واحدةً‬
‫مبحدَّد فأبانوها‪ ،‬ومَنْ قُتِلَ ِب ُمحَدَّدٍ أوْ خَنْقٍ أو تَجويع أو َتغْرِيقٍ مباء اقتُصَّ إن شاءَ‬
‫بِمثْله‪ ،‬أو بِسحَرٍ فَِبسَيْفٍ (مو ِجبِ العمْد َقوْدٌ) أي قِصاصَ‪ ،‬مسي ذلك قوْداً ألهنم‬
‫يقودون اجلاين حببْل وغريه‪ .‬قاله األزهري‪( .‬والدِّية) عند سقوطه بعفوٍ عَنْهُ عَلَيه أو‬
‫ِبغَيْر عفو (بدل) عنه‪ .‬فلو عفا املسَتحِقُّ عَنْه جماناً أو مُطْلقاً فال شيء (وهي) أي الدية‬
‫لقتل حرّ مسلم ذكر معصوم (مائةُ بعريٍ مثلثة يف َع ْمدٍ وشبهه) أي ثالثة أقسام‪ ،‬فال‬
‫نَظر لِتفَاوُتِها َعدَداً (ثالثونَ حَقَّه وثالثونَ ِجذْعَة وأرْبعونَ خِلفَة) أي حامالً بقول‬
‫خمَسةٍ يف خطأ من بنات خماض و) بنات (لبونَ وبين لبون وحقاقٍ‬ ‫خَبريَيْن (و َم ْ‬
‫وجذَاعٍ) من كل منها عشرون‪ ،‬خلرب الترمذي وغريه‪( ،‬إال) إن وقع اخلطأ (يف) حَرَمِ‬
‫(مَكَّة أو) يف (أشهر حُرُم) ذي القعدة وذي احلجة واحملرّم ورجب (أو حمرم رحم)‬
‫باإلِضافة كأمّ وأ ْختٍ (فمثلثة) كما فعله مجعٌ من الصَّحابة رضي اهلل عنهم وأقَرَّهم‬
‫الباقون ولعِظَم حُرمة الثالثة زجر عنها بالتغليظ مِن هذا الوجه وال يَ ْلحَقُ هبا حَرَمُ‬
‫املدينَةِ وال اإلحرام وال رمضان وال أثر ملُحرم رِضاعٍ ومصاهرة‪ .‬وخرج باخلطأ ضدّاه‬
‫فال يزيد واجبهما هبذه الثالثة اكتفاء مبا فيهما من التغليظِ وأما دية األنثى واخلنثى‬
‫فنصف دية الذكر (ودية عمد على جان معجلة) كسائِر أبدالِ املُتْلفاتِ (و) ديَّة‬
‫(غريه) من شبه عَمدٍ وخطأ وإن تثلثت (على عاقلة) للجاين (مؤجلة بثالثِ سنني)‬
‫َوسطُ رُْبعٌ كُلّ سنة‪ ،‬فإِن مل يَفوا َفمِ ْن بيت املال فإِن‬ ‫على الغَنِيِّ مِْن ُهمْ نِصْفُ دينارٍ واملت ِّ‬
‫تعذرَ فعلى اجلاين خلرب الصحيحني‪ ،‬واملعىن يف كون الديَّة على العاقِلَة فيهما أَن القبائل‬
‫يف اجلاهلية كانوا يقومونُ بُنصْرَةِ اجلاين مِْنهُم ويَمنَعونَ أوْلياءَ الدَّم أخْذ حقِّهم‪ ،‬فأبدل‬
‫الشرع تِلكَ النصرة ببذْل املالِ وخَصَّ حتملهم باخلطأ وشِبه العمَد ألهنما مما يكثر‬
‫حسُنَت إعانته لئال يتضَرَّر مبا هو معذور فيه وأُجِّلت‬ ‫السيما يف متعاطي األسلحة ف َ‬
‫الدية عليهم رفقاً هبم‪ .‬وعاقلة اجلاين عصباته اجملمع على إرثهم بِنَسب أو وَالءٍ إذا‬
‫كانوا ذكوراً مكلفني غري أصل وفرع‪ ،‬ويقدم منهم األقرب فاألقرب‪ ،‬وال يُعقَلَ فقري‪،‬‬
‫ولو كسوباً‪ ،‬وامرأة خنثى وغري مكلف (ولوْ عَدمت إبل) يف ا َملحَل الذي يَجبُ‬
‫حتصيلُها منه حِساً أو شَرعاً بأنْ وُ ِجدَت فيه بأكْثَرِ مِنْ َثمَنِ املِثْل أو َب ُعدَتْ وعَ ُظ َمتِ‬
‫شقَّة (ف) الوا ِجبُ (قيمَتُها) َو ْقتَ وجوبِ التَسَّليمِ مِنْ غاِلبِ َنقْد البَلد ويف‬ ‫املونَة وا َمل َ‬
‫القَدميِ الوَاجِب عند َعدَمها يف النفْسِ الكامِلَة ألفَ مثقالٍ ذهباً أو اثنا عشرَ ألفِ درهم‬
‫فضَّةٍ‪.‬‬
‫ضوٍ ُمفْردٍ فيه جَمالٍ ومَْنفَعة إذا قَطَعه وَجََبتْ فيهِ دِيَّة كامِلَة مِثلُ‬ ‫[تنبيه]‪ :‬وكُل ع ْ‬
‫ضوَيْنِ من جِنْس إذا قَ َط َع ُهمَا فَفيهما الدية‬ ‫دية صاحِب العضُوِ إذا قَتَله‪ ،‬وكذا كَلِ ُع ْ‬
‫صفُها‪ ،‬ففي قَ ْطعِ األذُنَني الدية‪ ،‬ويف إحْداهِما النِّصف‪ ،‬ومثِْلهِما العَيْنانُ‬ ‫ويف أ َحدِمها ِن ْ‬
‫‪154‬‬
‫والشَّفتانِ والكَفَّانِ بِأصَْبعِهما والقَدمانِ بَأصَْبعِهما‪ ،‬وَيف كُلِّ ِإصَْبعٍ َعشَر مِنَ اإلِبِل‪،‬‬
‫سبِ ِإرِْث ِهمُ‬ ‫ويف كل سنّ َخمْس (و) يَثُْبتَ (ال َقوْد لِل َورَثَة) ال ُعصَبة وَذي الفُروضِ ِبحَ َ‬
‫الزوْحَيْنَ وَاملُعتَقُ‬
‫املالُ َولَو َمعْ ُب ْعدِ القَرابَةِ كذي رَحِم إن َورِثْناه أو َمعْ َع َدمِها كأَ َحدِ َّ‬
‫و ُعصْبَتَه‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬يُحبَسُ اجلاين إىل كمالِ الصيبِّ مِنَ ال َورَثة بِالبلُوغِ وَحُضورِ الغاِئبِ أو‬
‫إِذْنِه‪ ،‬فالَ َيخْلي بِكَفيلٍ ألنه قد يَهرُبُ فَيقوتُ احلقُّ والكَالمُ يف غريِ قاطِع الطَّريقِ‪ ،‬أما‬
‫هُو إذا َتحْتَّم قَتْلَه فيقْتُلَه اإلِمام مُطْلقاً وال َيسَْتوْيف ال َقوْد إال واحدٍ مِنَ ال َورَثَة أو مِنْ‬
‫غَيْرِهم بتَراضٍ منهم أو من باقيهم‪ ،‬أو بقُرعَةٍ بينَهم إذا مل يتراضَوا‪ .‬ولو با َدرَ أحدُ‬
‫املسَتحِقِّني َفقَتَلَهُ عاملاً تَحرميَ املُبادرَة فال قَصاصَ عليه إن كان قبل َعفْوٍ مِْنهُ أو مِنْ‬
‫غَيْرِه‪ ،‬وإال َفعَلَيْهِ ال َقصَاصُ‪ ،‬ولوْ قَتَلَهُ أَجْنَيب أَ َخذَ ال َورَثَة الدِّية مِن تِ ْركَةِ اجلاين ال مِن‬
‫األجْنَيب وال يستويف املُسَتحِق ال َقوْدَ يف نفسٍ أو غريها إال بإِذنِ اإلِمام أو نائبَه فإِن‬
‫استقلَّ به عُزِّر‪.‬‬
‫جبُ عِْندَ هَيجانِ البَحر وخَوفِ الغَرقِ إلقاءَ غري احليوان من املَتاعِ‬ ‫[تتمة]‪َ :‬ي ِ‬
‫لسالمَة حيوانٍ مُحتَرم وإلقاءَ الدوابِّ لسالمةِ اآلدمِي احملترم إن تعيَّن لدفع الغَرق وإن‬
‫حصَن‪ ،‬فال يلقى ألجله مال مطلقاً‪ ،‬بل‬ ‫مل يَأْذَنِ املالِكُ‪ .‬أما املِهدَر‪ ،‬كحَرْيب وزانٍ مُ ْ‬
‫يَنَْبغِي أن يُلقى هو ألَجْلِ املالِ‪ ،‬كَما قالَهُ شَيخُنا‪ ،‬وَيَحرُم إِلقاءَ العَبيدِ لِألَحْرارِ‬
‫والدَّوابَ ملا ال روحَ لَهُ‪ ،‬وَيضْمن ما ألقاهُ بال إِ ْذنِ مالِكه‪َ ،‬ولَو قال لِرجُلٍ أَلقِ متاعَ‬
‫زيدٍ وعليّ ضمانه إن طالبَكَ ففعَل ضَمِنَهُ املُلقْى ال اآلمِ ْر ‪.‬‬
‫س ِقطَ وَلدَها ما دامَ عل َقةً‬
‫[فرع]‪ :‬أفىت أبو إسحاق املروزي حبلّ سقى أمته دواء لُي ْ‬
‫ضغَةً‪ ،‬وبالغَ احلنفِيَّةُ فقالوا جيوزُ مُطلقاً‪ .‬وكالم اإلِحياء يدّ على التحْرمي مُطْلقاً قال‬ ‫أو ُم ْ‬
‫شَيخُنا و ُه َو األوْجَه‪.‬‬
‫جبُ الكَفَّارَةُ على مَن قَتلَ مَنْ َيحْرمَ قَتْلَهُ خَطأ كانَ أو َعمْداً وهي‬ ‫[خامتة]‪ :‬تَ ِ‬
‫ج ْد َفصِيامُ َشهْرَيْنِ مُتَتَابِعيَن‪.‬‬
‫عِتْ ُق َرقَبَةٍ‪ ،‬فإِنْ مل َي ِ‬

‫ِّدةُ) ُلغَةُ الرُّجوعِ‪ ،‬وهي أفْحَشُ أَنْواعِ الكُفَّارِ ويَحبطُ هبا العَملُ إِن َّاتصََل ْ‬
‫ت‬ ‫(الر َّ‬
‫جبُ‪ ،‬وَشَرْعاً‪( :‬قَ ْطعُ‬ ‫جبُ إِعادَة عِباداتِه اليت قَبْل الرِّدة‪ .‬وقالَ أبو حَنيفَة َت ِ‬
‫بِاملوْتِ فَال َي ِ‬
‫مُكَلَّف) مُختارُ‪ ،‬فتَلْغو مِنْ صَيب ومَجنونٍ ومُكْرَه عليها إذا كان قلبُه مُو ْءمِناً (إِسْالَماً‬
‫بكفرٍ عزماً) حاالً أو مآالً فيكفر به حاالً (أو قَوالً أو ِفعْالً باعْتقاد) لِذلك ال ِفعْلِ أو‬
‫ال َقوْلِ أيْ مَعه (أو) معَ (عِنادٍ) مِنَ القائِلِ أو الفاعِلِ (أو) مع (اسْتِهزاءٍ) أي‬
‫استخفاف‪ ،‬خبالفِ ما لو اقْتُرِنَ بِه ما ُيخْرِجَه عن الرِّدة كسَبْقِ لِسانٍ أو حكايَة ُكفْرٍ‬
‫أو خَوفٍ قالَ شَيخُنا كشْيخِه وكَذا قولُ الويل حالَ غيبته أنا اهلل وحنوَه مما وقع ألئمة‬
‫من العارِفني كابْن عَرَيب وأتْباعِه حبقٍ وما َوقَع يف عِبارتِهم مما يو ِهمُ كفراً غري مُرادٍ به‬
‫ظاهِرَهُ كما ال خيفى على املوفَّقنيْ‪ .‬نعم‪َ ،‬يحْرمُ على مَن مل يعْرف حَقيقة اصْطالحهم‬
‫وطَريقَتهم مُطالعة كتبُهم فإِهنا مزَلةُ َق َدمٍ لَهُ‪ ،‬ومِ ْن مثَّ ضَلَّ كَثريون اغْتَرّوا بِظَواهِرها‪.‬‬
‫وقول ابن عبد السالم‪ :‬يُعزَّر َويلّ قالَ أنا اهلل؟ فيه نظر‪ ،‬ألنه إن قاله وهو مكلَّف فهوَ‬
‫كافِر ال مَحالَة‪ ،‬وإن قاله حالَ الغيبَة املاِنعَة للتَّكْليف فأيُّ وجه للتَّعزير‪ .‬اه‪ .‬وذلك‬
‫(كنفي صانع و) نفي (نيب) أو تكذيبه (وجَحد جممع عليه) َمعْلومٌ من الدينِ‬
‫بالضَّرورَة مِن غَيْر تَأويلٍ وإن مل يَكُن فيه نَصٌّ كَوجوبِ حنو الصَّالةِ املكتوبَة وحتليلِ‬
‫نَحو البَيْع والنِّكاحِ وَتحْرمي شُرْبِ اخلمْرِ واللُّواط والزِّنا واملَكْسِ وَندْبِ الرَّواتب‬
‫والعيد خبالف ُمجْمع عليه ال يُعرفَهُ إال اخلَواصِّ وَلوْ كان فيه نصٌّ كاسْتِحقاقِ بِنْتِ‬
‫‪155‬‬
‫اإلِبْنِ السُّدس مع البِنْت وكحُرمَة نِكاح املعتدَّة للغَري‪ ،‬كما قاله النووي وغريه‪،‬‬
‫وخبالف املعذور كمن قَرُب َع ْهدَه باإلِسالم (وسجودٍ ملخلوقٍ) اخْتياراً من غري‬
‫خوفٍ ولو نبياً وإن أنكر اإلِسْتِحقاقَ أو مل يُطابِقْ قَلبه جَوارِحَهُ ألن ظاهر حاله‬
‫جدَ لصََنمٍ أو تلفَّظ بكفْرٍ مث‬ ‫يُكَذِّبه ويف الروضة عن التهذيب من دخل دارَ احلرْبِ فس َ‬
‫ادعى إكراهاً فإِن فعله يف خِلوَته مل ُيقْبَل أو بني أيديهم وهو أسري قبل قوله أو تاجر‬
‫فال وخرج بالسُّجودِ الركوع ألن صورته تقع يف العادة للمخلوقِ كثرياً‪ ،‬خبالفِ‬
‫السجود‪ .‬قال شيخنا‪ :‬نعم يظهر أن حملّ الفَرْقِ بَيَْن ُهمَا عِندَ اإلِطالقِ‪ ،‬خبالف ما لو‬
‫َقصَد تعظيمِ َمخْلوقٍ بالركوع كما يُعظَّم اهلل تعاىل به فإِنه ال شك يف الكفر حينئذٍ‪.‬‬
‫اه‪ .‬وكمشي إىل الكنائس بزيهم من زنار وغريه وكإِلقاءِ ما في ِه قُرْآنٌ يف ُمسْتَقذَر‪ ،‬قال‬
‫الروياين أو علم شرعي‪ ،‬ومِثْلَه باألوىل ما فيهِ ا ْسمُ معظَم (وتردد يف كفر) أَي ْفعَله أو‬
‫ال‪ ،‬وكَتَكْفريِ ُمسْلِمٍ ِلذَنْبه بال تَأويلٍ ألنه سُمي اإلِسالم ُكفْراً‪ ،‬وكالرِّضا بالكفْرِ‪ :‬كأن‬
‫قالَ ِلمَنْ طََلبَ مِنْه تَلقني اإلِسالم اصْرب ساعة في ْكفُر يف احلال يف كل ما مرّ ملنافاتِه‬
‫صحْبةَ أيب بكر أو َقذْف‬ ‫اإلِسالم‪ ،‬وكذا يَكْفُر مَنْ أنْكَر إِعجازَ القُرآن أو حَرْفاً مِنْه أو ُ‬
‫حلسَن‬ ‫عائِشة رضي اهلل عَنها‪ ،‬ويَ ْكفُر يف وجه حكاه القاضي من سَبِّ الشيخني أو ا َ‬
‫واحلسني رضي اهلل عنهم‪ ،‬ال من قال ملن أراد حتليفه ال أريد احللف باهلل بل بالطَّالقِ‬
‫مثالً أو قال رؤييت إيَّاك كرؤية مَلَك املوتِ‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬ينْبغي للمفيت أن حيتاطَ يف التكفريِ ما أمكَنهُ لِعظَم خَطَرِه وغَلبَة عدم‬
‫قصده سيما من العوامّ‪ ،‬وما زال أَئِمتُنا على ذلك قدمياً وحديثاً‪( .‬وُيسْتتابُ) وجُوباً‬
‫ضتْ له شُْبهَة فتزالُ‬ ‫(مرْتَد) َذكَراً كانَ أو أُنْثى ألنه كانَ مُحترماً باإلِسْالمِ ورُبَّما عَ َر َ‬
‫(مث) إن مل يَُتبْ َبعْد اإلِسْتَتابَة (قتل) أي قَتَلَهُ احلاكِم ولو بِنائِبهِ ِبضَرْبِ الرقبةِ ال بغريِه‬
‫(بال إمهالٍ) أي تكونُ اإلِستتابةُ والقتلُ حاالً خلرب البخاري‪" :‬من بدَّلَ دينَهُ فاقتلوه‪،‬‬
‫يعزرُ من‬ ‫فإِذا أسْلم صح إسالمهُ وتُرك" وإنْ تكررت رِدَّتهُ إلِطالقِ النصوصِ‪ .‬نعم َّ‬
‫تكررتْ ردَّتهُ ال يف أول مرة إذا تابَ‪ ،‬خالفاً ملا زعمَهُ جَهلَةُ القُضاةِ‪.‬‬
‫[تتمة]‪ :‬إمنا يَحصُل إسْالمَ كل كافرٍ أصلي أو مرتدّ بالتلفُّظ بالشَّهادتني من‬
‫الناطق فال يكْفي ما بقَلْبه من اإلِميان‪ ،‬وإنْ قالَ به الغزايل وجَمع مُحققونَ ولو‬
‫بالعجميةِ‪ ،‬وإن أ ْحسَنَ العربيةِ على املنقولِ املعتمد‪ ،‬ال بلغةٍ لَقَّنها بال فَهمٍ مث‬
‫باالعترافِ برسالَتِه إىل غريِ العربِ مِمَّنْ ينكِرَها فيزيد العيسَوي مِن اليهَود حممد‬
‫رسول اهلل إىل مجيع اخللق أو الرباءة من كل دينٍ خيالف دين اإلِسالم‪ ،‬فيزيدُ املشْرك‬
‫َكفَرتْ مبا كْنتَ أشْ َر ْكتَ به وبرجوعه عن االعتقاد الذي ارتدَّ بِسبَبه ومن جَهْلِ‬
‫القَضاة أن مَن ادعى عليه عندهم بردَّةٍ أو جاءهم يطلب احلُ ْكمَ بإِسالمِه يقولون له‬
‫َلفظٌ مبا قُلتَ وهذا غلطٌ فاحِش‪ ،‬فقد قال الشافعي رضي اهلل عنه إذا ادعى على‬ ‫ت ُّ‬
‫رَجُل أنه ارتَدَّ وهو مسلم مل اكشِفْ عن احلال وقلتُ له قل أشْهدُ أن ال إله إال اهلل‬
‫وأشْهد أن حممداً رسول اهلل وأنك بريءٌ من كل دينٍ خيالف دينِ اإلِسالم‪ .‬اه‪ .‬قال‬
‫شيخنا‪ :‬ويُؤخذ من تكريرِه رضي اهلل عنه َل ْفظُ أشْهدُ أنهُ ال بدَّ منهُ يف صحةِ اإلِسالم‬
‫وهو ما يدلُّ عليهِ كالمَ الشيخني يف الكفارَة وغريها‪ ،‬لكن خالَف فيه َج ْمعٌ‪ ،‬ويف‬
‫األحاديث ما َيدُل لكل‪ .‬اه‪ .‬ويندبُ أمرُ كل من أسْلم باإلِميان بالبعثِ ويُشتَرط لَِنفْع‬
‫اإلِسالم يف اآلخرة‪ ،‬مع ما مَر تصديقَ القلبِ بواحدانيةِ اهلل تعاىل‪ .‬ورسلهِ وكتبهِ‬
‫واليومَ اآلخر‪ ،‬فإِن اعتقد هذا ومل يأتِ مبا مرّ مل يكُن مُو ْءمِناً وَإِن أَتى به بال اعْتِقادٍ‬
‫َرتبَ عليه احلُ َكمُ الدنيوي ظاهراً‪.‬‬‫ت َّ‬

‫‪156‬‬
‫أوهلاحدُّ الزِّنا‪ ،‬وهو أكْبَرُ الكبائِر‪َ ،‬ب ْعدَ القَتْلِ‪ ،‬وقيلَ هو مق ِدمٌ عليه‪ُ( .‬يجَْلدُ)‬
‫وجوباً (إمامٌ) أو نائِبهُ دونَ غريهِما خالفاً لل َقفَّال (ح ّراً مكلفاً زىن) بإِيالج حَشفةٍ أو‬
‫َق ْدرَها مِنْ فاِقدِها يف فَرج آدمي حي قُبُل أو دُبُر َذكَر أو أُنْثى مَع عِلْم َتحْرميِه‪ ،‬فَال‬
‫حَدَّ ِبمُفاخذةٍ ومُسا َحقَةٍ واسِْتمْناءٍ بيَدِ نفسِه أو غريِ حَليلتهِ‪ ،‬بل َيعْزَّر فاعِلُ ذلك‪.‬‬
‫ويُكره بنحو َيدِها كََتمْكينِها مِنَ العََبثِ ِب َذكَرِهِ حىت يَنْزِلَ ألنهُ يف معىن العَزْلِ‪ ،‬وال‬
‫بإِيالج يف فرجِ هبيمةٍ أو ميت‪ ،‬وال جيب ذبح البهيمة املأكولة‪ ،‬خالفاً ملن وهم فيه‪،‬‬
‫ب عاماً) والءً ملسافَةِ ِقصَرٍ فََأكْثَر (إن‬‫وإمنا ُيجْلَد من ذكر (مائة) من اجلَلداتِ (وُيغْرّ ُ‬
‫كان) الواطىءُ أو املوطوءةُ حراً (بِكراً) وهو من مل يَطأ أو توطأ يف نكاح صحيح (ال)‬
‫إن زىن (مع ظنّ حلَ) بأن ادعاهُ وقد قرُبَ َعهْدهُ باإلِسْالم أو َبعُد عن أ ْهلِه (أو مع‬
‫حتليل عامل) يعتدّ خبالفهِ لشبهةِ إباحتهِ وإن مل يقلدهُ الفاعلُ كنكاحٍ بال ويل كمذهب‬
‫أيب حنيفة‪ ،‬أو بال شهودٍ‪ ،‬كمذهب مالك‪ ،‬خبالفِ اخلايل عَنْهما‪ ،‬وإن نقل عن داود‪.‬‬
‫وكنِكاحِ مُتْعة نظراً خلِالفِ ابن عباس وَلوْ مِن ُمعَْتقِد تَحرميَه‪ .‬نعم‪ :‬إن حَكَم حا ِكمٌ‬
‫بإِبْطالِ النِّكاحِ ا ُملخْتَلِف فيهِ حَدٌّ الرْتِفاعِ الشُّبهة حينئذٍ قاله املاوردي‪ ،‬وُيحَدُّ يف‬
‫مُستَأْجَرةٍ للزِّنا هبا إذ ال شُبِهة لعدمِ اإلِعتدادِ بالعقدِ الباطلِ بوجهٍ‪ ،‬وقولِ أيب حنيفة أنه‬
‫ضعْفِ ُم ْد ِركِه ومل‬ ‫شبهة ينافيه اإلِجْماعُ على َعدَم ثبوتِ النَّسبِ بذلك‪ ،‬ومِنْ ثَمَّ ُ‬
‫حوِ بينونةٍ‬ ‫يراعِ خِالفهُ‪ ،‬وكذا يف مبيحة ألن اإلِباحة هنا لغوٌ وحمرمة عليه لتوثُّنٍ أو لن َ‬
‫كربى وإن كان قد تزوجها خالفاً أليب حنيفةٍ ألنه ال عربةَ بالعقدِ الفاسد‪ ،‬أما جموسية‬
‫تزوجها فال يُحدُّ بِوَطْئِها لإلخْتالف يف حلِّ نَكاحها‪ ،‬وال يُحدُّ بإِيالجٍ يف قُبُل مملوكةٍ‬
‫حُرِّمت عليه بنحو حمرمية أو شرب لغريه فيها أو ثوثَّن أو متجَّس وال بإِيالج يف أمةٍ‬
‫فرع ولو مستولدَةٍ لشُبْهة امللك فيما عدا األخريةِ وشبهةِ اإلِعفافِ فيها‪ ،‬وأما حدُّ ذي‬
‫رِقَ حمصَّن أو بكرٍ ولو مبْعضاً فنصفُ َحدّ احلُرِّ وتغَريبِه فيجْلَد مخسني ويُغرَّبُ نصف‬
‫عام‪ ،‬ويُحدُّ الرقيقَ اإلِمامُ أو السَّيد (ويُرجَم) أي اإلِمامُ أو نائبهُ بأن يأمر الناس‬
‫ليحيطوا به فريموهُ من اجلوانب حبجارةٍ معتدلةٍ إن كان (حمَصناً) رجالً أو امرأةً حىت‬
‫ميوت إمجاعاً ألنه رَ َجمَ ماعِزاً والغامدية‪ .‬وال ُيجْلدُ مع الرَّجْم عِْندَ جَماهري العُلماءِ‪،‬‬
‫وتُع َرضُ عَليهِ تَوبَةً لِتَكونَ خاِتمَة َأمْرِه‪ ،‬ويُؤمَر بصالةٍ دَخَلَ وقْتَها‪ ،‬ويُجابُ ِلشُرْبٍ‪ ،‬ال‬
‫َأكْل‪ ،‬وِلصَالةٍ ر ْكعَتَيْنِ‪ ،‬وَيعْتَدُّ بقَتْلِهِ بالسيفِ‪ ،‬لكنْ فاتَ الوَاجب واملُحصَنُ مكلفٌ‬
‫حرٌّ وطىءَ أو وُطِئت ِبقُبُلٍ يف نكاحٍ صحيح ولو يف حيْض فال إِحْصانَ لِصبَي أو‬
‫جمنون أو قنّ وطىءِ يف نكاح وال لِمنْ وَطىءَ يف ِملْكِ مينيٍ أو نكاحٍ فاسدٍ مث زَىن‬
‫(وأُخِّرَ) وجوباً (رَجمَ) َك َقوْد (ِلوَضْعِ َحمْلٍ وفِطَام) ال ِلمَرضٍ يُرْجى بَرْوهُ مِنْه وحرُّ‬
‫وبَرد مفْرِطَيْن‪ .‬نعم‪ ،‬يؤخَّر اجلَلْد هلما وِلمَرضِ يُرجى بَرْوهُ مِنْهُ أو لِكَونِه حامِالً ألن‬
‫القَصْد الرَّدْعَ ال القَتْل (وَيثُْبتُ) الزنا (بإِقرارٍ) حقيقي مفصَّلٍ نظري ما يف الشهادة ولو‬
‫بإِشارة أخرس إن ف ِه َمهَا كُل أ َحدٍ ولو مَرةٍ وال يُشتَرطُ تكررَهُ أربعاً خالفاً أليب‬
‫حنيفة‪( ،‬وبيّنة) فصلت بذكرِ املزين هبا وكيفيةِ اإلِدخالِ ومكانِه ووقتهِ كاشهد أنه‬
‫شفَته يف فرج فالنة مبحلِّ كذا وقتَ كذا على سبيل الزِّنا (ولو أقر) بالزنا (مث‬ ‫أدَخْلَ ح َ‬
‫رَجَع) عَن ذلكَ قَبْلَ الشروع يف احلَد أو َب ْعدَهُ بنحو كذبت أو ما زَنَيتْ‪ .‬وإن قال‬
‫بعد كذبَت يف رجوعي أو كنت فاخَذتُ فظننتُه زِنا وإن َشهِد حالَهُ بكذبه فيما‬
‫استَظهْرَهُ شيخنا خبالفِ ما أقررْتُ به ألنهُ جمردُ تَكْذيبٍ للبيَّنةِ الشاهدةِ به (س َقطَ)‬
‫احلدُّ ألنه عرضَ ملاعزٍ بالرجوعِ فلوال أنه ال يفيد ملا عَ َرضَ له به‪ ،‬ومن مثَّ سُنَّ َلهُ‬
‫الرجوعُ‪ .‬وكالزِّنا يف قبولِ الرجوعِ عنْه كلَّ حدّ هلل تعاىل كشرب وسرقة بالنسبة‬
‫للقطع‪ .‬وَأفْهم كال َمهُم أنهُ إذا ثََبتَ بالبَيِّنة ال يتطَرَّق إليه رُجوعٌ وهو كذلك لكنه‬
‫يتطرق إليه السُّقوط بغَريهِ كدعوى زوجيَّةٍ ومُلْكِ أمَةٍ وظَنُّ كونِها حليلَةٍ‪ ،‬وثانيها حدّ‬
‫‪157‬‬
‫ال َقذْفِ وهو من السبْع املوبقاتِ (وحدّ قاذفٍ) مكلفٍ خمتارٍ ملتزم لألحكامِ عا ٌمل‬
‫بالتحرمي (حمصناً) وهو هنا مكلفٌ حرٌّ مسلمٌ عفيفٌ من زِنا َووَطء دُبر حلِيلَتِه (مثانَني)‬
‫جلدة إن كانَ القاذفُ حراً وإال فأربعني‪.‬‬
‫خمنثُ أو ِبلُطَت أو الطَ بِكِ فالنٌ أو يا‬ ‫ويَحصُلُ القذفُ بزَنَيتُ أو يا زاين أو يا َّ‬
‫الِئطٌ أو يا لوطي‪ ،‬وكذا بياَقحْبةَ‪ ،‬المرأة‪ ،‬ومن صريح قذفِ املرأة أن يقول البنها من‬
‫ستَ ابْين َوَلوْ قالَ ِل َوَلدِهِ َأوْ َولَد غريهِ‬ ‫زيد مثالً لستَ ابنَهُ أو لستَ مِنْهُ ال قولَه البْنِه ل ْ‬
‫يا ولدَ الزِّنا كان َقذْفاً ألمِّه (وال ُيحَدُّ أصل) لِقذْفِ فَرْع بل يُعزَّر كقاذِف غريَ‬
‫مُكلف‪ .‬ولو َش ِهدَ بزنا دون أرْبَعةٍ من الرجالِ أو نساءٍ أو عبيدٍ حُدَّوا ولو َتقَاذَفا مل‬
‫يتقاصَّا‪ ،‬ولقاذِفٍ تَحليفُ مَقذوفِه أنه ما زىن َقطٌ‪ .‬و َسقَط ِب َعفْو من مَقْذوفٍ أو ووارِثه‬
‫احلائز وال يستقِل املقذوفُ باستيفاءِ احلدِّ‪ ،‬ول َز ْوجٍ َقذَفَ زَوجَتهُ اليت عُِلمَ زِناها وهي‬
‫يف نكاحِه ولو بظن ظناً مؤكداً مع قرينة‪ ،‬كأن رآها وأجنبياً يف خلوة‪ ،‬أو رآه خارجاً‬
‫من عندها مع شيوع بني الناس بأنه زىن هبا‪ ،‬أو مع خرب ثقة أنه رآه يزين هبا أو مع‬
‫تكرر رؤيته هلما كذلك مرّات‪ ،‬ووجب نفي الولد إن تيقن أنه ليس منه وحيثُ ال‬
‫وَلدَ ينفيهِ فا َألوْىل له الستر وعَلَيْها‪ ،‬وأن يُطلقها إِنْ كرِهَها‪ ،‬فإِن أحبَّها أمسَكَها‪ ،‬ملا‬
‫صحَّ‪" :‬أن رَجُالً أتى النيبَّ فقالَ امرَأيت ال تردُّ يدَ المِس‪ ،‬فقال طلِّقها‪ ،‬قال‪ :‬إنِّي‬
‫أُحِبُّها‪ ،‬قال أ ْمسِكْها"‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬إذا سَبَّ َشخْصٌ آخ َر فَلِآلخَرِ أن َيسُبَّه ِب َق ْدرِ ما سَبَّ ُه مما ال كَذِبَ فيهِ وال‬
‫قذْف‪ :‬كيا ظالِم ويا أ ْحمَقُ‪ .‬وال جيوزُ سَبُّ أبيهِ وأمهِ وثالثها حدّ الشّربُ (وَيجِْلدُ)‬
‫خلمْرِ (شَرِبَ) ِلغَيْرِ تَداوٍ (خَمراً)‬ ‫أي اإلِمامُ أو نائَِبهُ (مكلفاً) ُمخْتاراً (عاملاً) بَِتحْرميِ ا َ‬
‫ف بالزَّبدِ فتحْرِميُ‬ ‫وَحَقيَتهَا عِْندَ َأكْثَرِ أصْحابِنا ا ُملسْكِرُ مِنْ عَصريِ العَِنبِ وإِنْ مل يُقذَ ْ‬
‫غريِها قياسيّ‪ :‬أي ِبفَرضِ َع َدمِ ُورُودِ ما يأيت‪ ،‬وإال فسيُعلم مِنْهُ أن تَحرميَ الكُلِّ‬
‫مَنْصوصٌ علَيْهِ‪ ،‬وعِْندَ َأقََّلهُم كل ُمسْكِرٍ‪ ،‬ولكنْ ال يكفُرَ ُمسَْتحِلّ املسْكِر منْ عَصريِ‬
‫غريِ العَِنبِ للخالف فيهِ‪ ،‬أي من حيثُ اجلنْسِ‪ ،‬حللِّ قليله على قولِ مجاعة‪ .‬أما‬
‫َفيةُ فضالً عن غري ِهمْ خبالفِ‬ ‫املسْكِرُ بال ِفعْلِ فهوَ حَرامٌ إِجْماعاً‪ ،‬كما حكاهُ احلَن َّ‬
‫صريِ العَِنبِ الصَّرفِ الذي مل يُطْبَخ ولو قَطْرةً ألنه ُمجْ ِمعٌ عليهِ ضروريٌّ‬ ‫ُمسَْتحِلِّ ِه من َع ِ‬
‫وَخَرجَ بالقيودِ املذكورَةِ فيهِ أضدادُها فال حدَّ على مَنْ َّاتصَفَ ِبشَيءٍ مِْنهَا من صَبِيً‬
‫وجمنَون ومُكْرَهٍ وجاهلٍ بَِتحْرِ ِميهِ أو بِكَونِهِ مخْراً إِن قَرُبَ إسْالمَهُ أو َب ُعدَ عن العُلماءِ‪.‬‬
‫وَال عَلى مَنْ شَرِبَ لتَداوٍ‪ ،‬وإن وُ ِجدَ َغريُها‪ ،‬كما َنقَلَهُ الشيخان عن مجاعَةٍ‪َ ،‬وإِنْ حَرُمَ‬
‫التَّداوِي هبا‪.‬‬
‫[فائدة]‪ :‬كلُّ شرَابٍ أسْكَرَ كث ُريهُ مِنْ خَمرٍ أو غَيْرِها حَرُمَ قَليَلهُ وكثريُه‪ ،‬خلرب‬
‫الصحيحني‪" :‬كلُّ شرابٍ أسْكَرَ َف ُهوَ حَرامٌ" وخرب مسلم‪" :‬كلُّ ُمسْكِرٍ َخمْر‪ ،‬وكلُّ‬
‫َخمْرٍ حَرامْ" وحيدّ شاربَه وإن مل َيسْكَر‪ :‬أي مُتعَاطيه‪ .‬وخرج بالشَّرابِ ما حَ ُرمَ مِنْ‬
‫اجلا ِمدَاتِ فال حدَّ فيها‪ ،‬وإنْ حَ ُرمَت وأسْكَرَت‪ ،‬بَلْ التعزيرُ‪ :‬ككَثريِ البَنْجِ واحلشيشَةِ‬
‫صدِ املداومَةِ‪ ،‬ويُباحُ حلا َجةِ التَّداوي‬ ‫وا َألفْيونِ ويُكْرَهُ أكْلُ يَسريٍ مِنْها من غريِ َق ْ‬
‫خلمْرِ باجلَريدِ‬ ‫(أرَبعنيَ) جَ ْلدَة (إنْ كانَ حُراً) ففي ُمسِْلمٍ عن أنَس‪" :‬كانَ َيضْرُبُ يف ا َ‬
‫والنِّعالِ أرْبَعنيَ َجلْدةٍ" وخَرَجَ بِاحلُرِّ الرَّقيقَ ولو مُْبعِضاً‪ ،‬فيجَُلدُ ِعشْرينَ جَلْدةٍ‪ ،‬وإمنا‬
‫خلمْرِ إنْ ثَُبتَ (بِإقْرَارِهِ أو شَهادَةِ رَجُلَنيِ) ال بريحِ َخمْرٍ وهَيَْئةِ‬
‫َيجْلدُ اإلِمامُ شارِبَ ا َ‬
‫سُكْرٍ وقَيْءٍ وحَدَّ عثمان رضي اهلل عنه بالقَيْء اجْتِهادٍ لهُ‪ .‬ويُحدُّ الرقيقُ أيضاً بعلم‬
‫السيِّد دونَ غَيْرِه‪.‬‬
‫[تتمة]‪ :‬جزمَ صاحبُ اإلِسِْتقْصاء ِبحَلِّ إسْقائِها للبَهائِم‪ ،‬وللزركشي احْتمالُ أهنا‬
‫كاآلدمي يف حُرمَةِ إِسْقائَها هلا‪ ،‬ورابعها قَ ْطعُ السَّرِقة‪( .‬وَيقْ َطعُ) أي اإلِمامُ وجوباً بعد‬
‫‪158‬‬
‫طلبِ املالِكِ وثُبوتِ السِّرقةِ (كوعَ مينيِ بالغٍ) ذكراً كانَ أو أنثى (سرَقَ) أي أخ َذ‬
‫ِخفْيةً (رُْبعَ دينارٍ) أي مِثْقالٍ ذَهَباً َمضْروباً خالِصاً وإن تَحصَّلَ مِن َمغْشوشٍ (أو‬
‫قيمَتَهُ) بالذ َهبِ املضْروبِ اخلالِص وإن كانَ الرُّبعُ جلَماعةٍ فال يقطعُ بكونِه رُُبعَ دينارٍ‬
‫ضعِ ُيحْ َرزُ فيه مثلُ ذلكَ‬ ‫سبيكة أو حِلياً ال يُساوي رُبعاً َمضْروباً (من حِرزٍ) أي َم ْو ِ‬
‫املسروق عرفَاً وال قطعَ مبا للسَّارِق فيه شِرْكة وال بِملْكِه وإن تعلَّقَ به حنوُ رهْنٍ‪ ،‬ولو‬
‫اشْتَرَكَ اثنانِ يف إخراجِ نصابٍ فقط مل ُيقْطعْ واحدٌ مِنهما‪ .‬وخرجَ بسرقِ ما لو‬
‫اخْتَلَسَ ُمعْتمِداً اهلَرَبَ أو انَْت َهبَ مُعَْتمِداً القُوَّة فال يُقْ َطعُ بِهما خلرب الصحيح به‬
‫وإلِمكانِ َد ْفعِهم بالسُّلطان وغَيْرِه‪ ،‬بِخالف السَّارِقِ ألَ ْخذِهِ ِخفْيَةً َفشُرِعَ قَطْعُه زَجْراً‬
‫صبِ وإن مل يعَْلمْ أنه‬ ‫(ال) حالَ كونِ املالِ (مغْصوباً) فال يُقْطع سا ِرقَهُ من حِ ْرزِ الغا ِ‬
‫مغصوب ألن مالِكَه مل يرضَ بإِحْرَازِهِ بهِ (أو) حالَ كوْنِه (فيه) أي يف مكانٍ مغصوبٍ‬
‫صبَ ممنوع من اإلحرازِ به خبالفِ‬ ‫فال قَ ْط َع أيضاً ِبسَرِقَةٍ منْ حرزٍ مغصوبٍ ألن الغا ِ‬
‫حنو مستأجِرٍ ومعارٍ وخيتلفُ احلِرزُ باختالفِ األموالِ واألحوالِ واألوقاتِ فحرزُ‬
‫جدٍ أو شارعٍ‬ ‫سِ‬‫الثَّوبِ والنقدِ الصَّندوقِ امل ْقفَلِ واألمْتِعةِ الدكاكنيَ ومث حارس ونومٌ مب ْ‬
‫بتوسدِه حرزٍ لهُ ال إن وضَعه بقرْبه بال مُال ِحظٍ قوي مينعُ السارِقَ بقُوةٍ‬ ‫على متاعٍ ولو ُّ‬
‫أو اسْتِغاثةٍ أو اْن َقَلبَ عنه ولو بق ْلبِ السَّارِقِ فليسَ حِرزاً له (ويقْ َطعُ مبالِ وَقْفٍ) أيْ‬
‫جدٍ) كبابه وسارِيَتِه وقِنْديلِ زينَةٍ (ال)‬ ‫سِ‬‫ِبسَرِقةِ مالٍ موقوفٍ على غريه (و) مالِ ( َم ْ‬
‫بَِنحْوِ ( ُحصُرِهِ) وقناديلَ ُتسْ َرجُ وهو ُمسِْلمٌ ألَنَّها أُعِدَّتْ لإلِنْتفاعِ بِها (وال بِمالِ‬
‫صَدقةٍ) أي زكاةٍ (وهو مُستحقٌ هلا) بوصفِ َفقْرٍ أو غَيْرِه ولو مل يكُن له فيهِ حقٌ‬
‫ت البَيْنِ وال غازِياً قُطِعَ النَتِفاءِ الشُّبْهةِ‬ ‫كغين أخذ مالَ صَدَقةٍ َولَيْسَ غارِماً ِإلصْالحِ ذا ِ‬
‫(و) الَ ِبمَالِ ( َمصَالِحَ) كَبَْيتِ املالِ وإنْ كانَ غنياً ألن لهُ فيهِ حَقاً ألن ذلِكَ قد‬
‫ُيصْرَفُ يف عِمارَةِ املسَا ِجدِ والرِّباطاتِ فينَْت ِفعُ بِه الغَنِيُّ والفَقريِ مِنَ ا ُملسْلمِني (و) ال‬
‫مبالِ (بعض) من أصل أو فِرْعٍ (وسَيِّد) ِلشُبْهةِ اسْتِحقاق النَّفقةِ يف اجلُملة (واألظهَر‬
‫قَ ْطعُ أ َحدِ الزَّوجني باآلخرِ) أي ِبسَ ِرقَة مالِه ا ُملحَرز عَنْهُ (فإِن عادَ) بعدَ قَ ْطعِ يُمناهُ إىل‬
‫السَّرِقة ثانياً (ف) ُتقْ َطعُ (ر ْجلَهُ الُيسْرى) من مِفصل السَّاقِ وال َق َدمِ (ف) إِن عادَ ثالثاً‬
‫فُتقْطعُ (يد ُه اليسرى) من كوعِها (ف) إِن عادَ رابِعًا فُتقْطَعُ (رِجْلَهُ الُيمْىن مث) إِن سَرَقَ‬
‫ُزرَ) وال يُقتَل وما ُر ِويَ من أنه قَتَله منسوخ أو مُؤوَّلٌ بقتْلِهِ‬ ‫بَعدَ قطعْ ما ُذكِرَ (ع ِّ‬
‫السْتِحاللٍ بل ض ََّعفَهُ الدارقطين وغريه‪ ،‬وقال ابن عبد الرب أنهُ منكر ال َأصْلَ له‪ .‬ومنْ‬
‫سرَقَ مِراراً بال قطْع مل يْلزمْهُ إال حدَ واحد على املعتمد فتكفي ميينَه عن الكلِّ‬
‫الحتادِ السَّبب فتداخلتْ (وتَثْبتُ) السَّرقة (برَجُلَيْنِ) كسائرِ العقوباتِ غريِ الزنا وإقرارٍ‬
‫منْ سارِقٍ بعد دعْوى عليه مع تفْصيلٍ يف الشهادَةِ واإلِقرارِ بأن تُبيِّن السرقة واملسْروقَ‬
‫منه وقدرَ املسروقِ واحلرز بتعيينهِ (و) تثْبتُ السرِقة أيضاً خِالفاً ملا اعتمدَهُ مجعٌ (بيمني‬
‫ردِّ) من املدَّعى عليه على املدعي ألهنا كإِقرارِ املدعى عليه (وقَبْلَ رُجوعِ مقرَ) بالنِّسبَةِ‬
‫ِلقَ ْطعٍ بِخالفِ املالِ فال يُقْبَلُ رجوعُه فيهِ ألنهُ حَقُّ آدَميّ (ومن أقرَ بقعوبةٍ هلل تعاىل)‬
‫أي مبو ِجبِها كَزِنا وسَ ِرقَةٍ وشُرب َخمْرٍ ولو بعدَ دعوى (فلقاضِ) أي جيوزُ لهُ‪ ،‬كما يف‬
‫الروْضةِ وأصْلِها‪ ،‬لكنْ َنقَلَ يف شَرح ُمسْلم اإلِجْماعِ على َندْبِه‪ ،‬وحكاهُ يف الَبحْرِ عن‬
‫خصِيصهم القاضي باجلوازِ حُ ْرمََتهُ على غَريه‪ .‬قال شيخنا‪ :‬وهو‬ ‫ا َألصْحابِ وَقضِيةِ َت ْ‬
‫مُحتملٌ‪ ،‬وُيحَْتمَلُ أن غريَ القاضي َأوْىل مِنْهُ المْتناعِ التَّلقنيِ عَلَيْهِ (تَعريضٌ) له‬
‫(برجُوعٍ) عنِ اإلقْرارِ أوْ باإلِنْكارِ فيقولُ لعَلَّكَ فأَخذْتَ أو أ َخذْتَ من غريِ حِرْزٍ أو ما‬
‫َرضَ ملاعِزَ وقال ِلمَنْ أقرَّ عِْندَهُ بالسَّ ِرقَةِ ما إخالُكَ س َر ْقتَ وخرج‬ ‫عَِلمْتَهُ َخمْراً ألنه ع َّ‬
‫حدْهُ فيأْمث به ألنهُ َأمَرَ بال َكذِبِ وَيحْ ُرمُ التَّعريضُ‬ ‫بالتَّعريض التصريح كارْجِع عنه أو ا ْج َ‬
‫عن َد قِيامِ البَيِّنة‪.‬‬
‫‪159‬‬
‫وَجيوزُ للقاضي أيضاً التَّعريضُ للشُّهود بالتَّوقّفِ يف حدِّ اهلل تعاىل إنْ رَأى‬
‫املصَْلحَ َة يف السَّتْرِ‪ ،‬وإال فال‪ ،‬وبِه ُيعَْلمُ أنهُ ال جيوزُ لَهُ التَّع ُرضُ وال لَ ُهمْ التَّوقُّف إن‬
‫ع املسْروقِ أو حدِّ الغَيْرِ كحدِّ القَذف‪.‬‬ ‫ترتَّب على ذلك ضَيا ُ‬
‫[خامتة]‪ :‬يف قاطِع الطَّريقِ لو عَِلمَ اإلِمامُ قوماً خيُيفونَ الطريقَ ومل يأخُذوا ماالً وال‬
‫قَتَلوا َنفْساً عَزَّرهُم وجُوباً حبَبْسٍ وغريهِ وإن أخذ القا ِطعُ املالَ ومل يقتُل قطعت يده‬
‫اليمنَى ورجلهُ اليُسرى‪ ،‬فإِن عادَ فرِجْلُهُ اليمىن وَيدَه اليسرى‪ ،‬وإن قَتل قُتِلَ حتماً وإن‬
‫عَفا ُمسَْتحِقّ ال َقوْد وإن قَتَل وأخَذ نصاباً قُتِل مث صلِّب بعد غسْله وتَكْفينِه والصالةِ‬
‫عليه ثالثة أيام حتماً مث ينزل‪ ،‬وقيل يبقى وجوباً حىت يتهرّى ويسيل صديده‪ ،‬ويف‬
‫قول يصَْلبُ حيًا قليالً مث ينزل فيقتل‪.‬‬
‫ُعزرُ) أي اإلِمامُ أو نائِبهُ (ملعصِيةٍ ال َحدّ هلا وال كَفَّارَةَ)‬ ‫(فصل)‪ :‬يف التعزير (وي َّ‬
‫سواءً كانت حقاً هلل تعاىل أم آلدمي كمباشَرةِ أجنبيَّة يف غريِ فرجٍ وستّ ليس بقذف‬
‫وضرب لغري حق (غالباً) وقد ُيشْرَعُ التعزيرُ بال م ْعصِية كمن يكتسبُ باللهوِ الذي ال‬
‫معصيةَ فيهِ‪ ،‬وقد ينَتفي مع انتفاء احلدِّ والكفارة‪ :‬كصغريةٍ صدرت ممن ال يُعرفُ‬
‫بالشرّ حلديثٍ صححه ابن حبان‪" :‬أقِيلوا ذوي اهليئاتِ عثرايَهم إال احلدود" ويف‬
‫رواية" ‪:‬زالََّتهَم" وفسرهم الشافعي رضي اهلل عنه مبن ذُكر‪ ،‬وقيل‪ :‬هم أصحابُ‬
‫الصغائر‪ ،‬وقيل‪ :‬مَنْ يندمُ على الذنبِ ويتوبُ منه‪ .‬وكقتلِ من رآه يزين بأهلهِ على ما‬
‫حكاه ابن الرفعة ألجل احلميةِ والغضب‪ ،‬وحيلُّ قتلُه باطناً‪ .‬وقد جيامعُ التعزيرُ الكفارةُ‬
‫كمجامع حليلتَهُ يف هنارِ رمضان وحيصلُ التعزيرُ (بضربٍ) غري مُربحٍ أو صفعٍ وهو‬
‫الضربُ جبمع الكفِ (أو حبسٍ) حىت عن اجلمعةِ أو توبيخٍ بكالم أو تغريبٍ أو إقامةٍ‬
‫املعزرُ جنساً وقداًر ال حبلقِ حليةٍ‪ .‬قال شيخُنا‪ :‬وظاهرُ‬ ‫من جملس وحنوها مما يراها َّ‬
‫حرمةِ حلقِها وهو إمنا جييءُ على حرمتهِ اليت عليها أكثر املتأخرين أما على كراهِتهِ‬
‫اليت عليها الشيخان وآخرون فال وجهَ للمنعِ إذا رآهُ اإلِمام‪ .‬انتهى‪ .‬وجيب أن ينقصَ‬
‫التعزيرُ عن أربعنيَ ضربةٍ يف احلرِّ وعن عشرينَ يف غريهِ (وعُزر أب) وإن عال وأَحلقَ به‬
‫الرافعي األمُّ وإن َعَلتْ (ومأذُونه) أي من أذَن لهُ يف التعزيرِ كاملعلمِ (صغرياً) وسفيهاً‬
‫بارتكابِهما ما ال يليقُ زجراً هلما عن سيءِ األخالقِ وللمعلمِ تعزيرُ املتعلمِ منهُ (و)‬
‫عزر (زوجٍ) زَوجتَهُ (حلقِّهِ) كنشوزِها ال حلقِّ اهلل تعاىل وقضيتُه أَنه ال يضرُّ هبا على‬
‫تركِ الصالة‪ .‬وأفىت بعضُهم بوجوبهِ‪ .‬واألوجه كما قال شيخنا جوازهُ‪ ،‬وللسيد‬
‫تعزيرُ رقيقهِ حلقِّهِ‪ ،‬وحقِّ اللَّهِ تعاىل وإمنا ُيعَزَّر من مرَّ بضرب غري مربح‪ ،‬فإِن َيفِد‬
‫تعزيره إال مبربح تُرك ألنه مُهلكٌ وغريه ال يفيد‪( .‬وسُئِلَ) شيخنا عبدِ الرمحن بن زياد‬
‫رمحه اهلل تعاىل عن عبدٍ مملوكٍ عصى سيدَه وخالف أمرَه ومل خيدمهُ خدمة مثله‪ .‬هل‬
‫لسيدِه أن يضربَه ضرباً غري مربح أم ليسَ له ذلك؟ وإذا ضَربه سيدَهُ ضرباً مربحاً‪،‬‬
‫ورفع به إىل أحد حكام الشريعة‪ ،‬فهل للحاكم أن مينَعه عن الضربِ املربحِ أم ليس له‬
‫ذلك؟ وإذَا مَنعَهُ احلاكمُ مثالً ومل ميتنع‪ ،‬فهل للحاكمِ أن يبيعَ العبدَ ويسلمَ مثنَهُ إىل‬
‫سيدهِ أم ليسَ له ذلك؟ ومباذا يبيعَهُ‪ ،‬مبثل الثمنِ الذي اشتراهُ بِهِ سيدُه‪ ،‬أو مبا قاله‬
‫املقوّمون‪ ،‬أو مبا انتهت إليهِ الرغباتُ يف الوقت؟ (فأجاب) إذا امتنع العبدُ من خدمةِ‬
‫سيدهِ اخلدمةَ الواجبة عليهِ شرعاً فللسيدِ أن يضربَه على اإلمتناعِ ضرباً غري مُربحٍ إن‬
‫أفاد الضَربُ املذكورُ‪ ،‬وليس له أن يضربَه ضرباً مُربحاً‪ ،‬ومينعُهُ احلاكمُ من ذلك‪ ،‬فإِن‬
‫مل ميتنعْ منَ الضرب املذكورِ فهوَ كما لو كلَّفهُ منَ العملِ ما ال يطيق‪ ،‬بل أوىل إذ‬
‫الضرب املربح رمبا يؤدي إىل الزهوقِ جبامعِ التحرمي‪ .‬وقد أفىت القاضِي حسني بأنهُ إذا‬
‫كلَّفَ مملوكهُ ما ال يطيقُ أنه يباعُ عليه بثمنِ املثلِ‪ ،‬وهوَ ما انتهت إليهِ الرغبات يف‬
‫ذلكِ الزمان واملكان‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫‪160‬‬
‫(فصلٌ)‪ :‬يف الصيالِ‪ .‬وهو اإلستطالةُ والوثوبُ على الغريِ (جيوزُ) للشخص (دفعُ)‬
‫كلِّ (صائلٍ)‪ ،‬مسلمٍ وكافرٍ‪ ،‬مكلفٍ وغريه (على معصوم) من نفسٍ أو طرفٍ أو‬
‫منفعةٍ أو بضعٍ ومقدماته كتقبيلٍ ومعانقةٍ‪ ،‬أو مالٍ وإن مل يُتموّل على ما اقتضاه‬
‫إطالقهم كحبةِ برَ‪ ،‬أو اختصاصٍ كجلدِ ميتةٍ سواءً كانت للدافعِ أم لغريهِ وذلكَ‬
‫للحديثِ الصحيح أن‪" :‬من قُتلَ دونَ دمِهِ أو مالِهِ أو أهِلهِ فهو شَهيدٌ" ويلزمُ منهُ أن له‬
‫القتلُ والقتال‪ :‬أي وما يسريي إليهما كاجلرحِ (بل جيبُ) عليهِ إن مل خيَفْ على نفسهِ‬
‫أو عضوِهِ الدفع (عن بضعٍ) ومقدَماته ولو من غري أقاربهِ (ونفسٍ) ولو مملوكةٍ‬
‫(قصدها كافرٌ) أو هبيمةٌ أو مسلمٌ غري حمقونِ الدم كزانٍ حمصنٍ‪ ،‬وتاركُ صالةٍ‪ ،‬وقاطعُ‬
‫طريقٍ حتتم قتلُه‪ ،‬فيحرم اإلستسالمُ هلم فإِن قصدَها مسلمٌ حمقونُ الدم مل جيب الدفعُ‪،‬‬
‫بل جيو ُز اإلستسالمُ له‪ ،‬بل يسنُّ لألَمرِ بهِ وال جيبُ الدفعُ عن مالٍ ال رَوحَ فيه لنفسهِ‬
‫(وليدفعِ) الصائلِ املعصوم (باألخف) فاألخف (إن أمكنَ) كهربٍ فزجرٍ بكالم‬
‫فاستغاثةٍ أو حتصن حبصانة فضرب بيده فَبِسوطٍ فبعصا فقطعٍ فقتلٍ ألن ذلك جُوِّزَ‬
‫للضرورةِ وال ضرورةَ لألثقل مع إمكان األخف‪ ،‬فمىت خالفَ وعدل إىل رتبةٍ مع‬
‫إمكان اإلِكتفاءِ بدوهنا ضمن بالقَودِ وغريه‪ .‬نعم‪ :‬لو التحم القتالُ بينهما واشتدَّ األمرُ‬
‫عن الضبطِ سقطَ مراعاةُ الترتيبِ وحملُ رعايةِ الترتيبِ أيضاً يف غريِ الفاحشةِ فلو رآهُ‬
‫قد أَولَج يف أجنبيةٍ فلهُ أن يبدأَهُ بالقتلِ وإنِ اندفعَ بدونهِ ألنهُ يف كلِ حلظةٍ مواقعٌ ال‬
‫يُستدر ُك باألناةِ قاله املاوردي والرَوياين والشيخ زكريا‪ .‬وقالَ شيخُنا‪ :‬وهو ظاهر يف‬
‫حصَنِ‪ ،‬أما غريُه فاملتجهُ أنهُ ال جيوزُ قتلهُ إال إن أدّى الدفعُ بغريهِ إىل مضي زمنٍ وهو‬ ‫ا ُمل ْ‬
‫متلبسٌ بالفاحشة‪ .‬انتهى‪ .‬وإذا مل ميكن الدفعُ باألخفّ كأن مل جيد إال حنو سيفٍ‬
‫فيضربُ به‪ ،‬أما إذا كا َن الصائلُ غري معصو ٍم فله قتلهُ بال دف ٍع باألخف لعدمِ حرمتهِ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬جيبُ الدفعُ عن منكرٍ كشرب مسكرٍ وضربِ آلةِ هلوٍ وقتلِ حيوانٍ ولو‬
‫للقاتلِ‪( .‬ووَ َجبَ ختانٌ) للمرأةِ والرجلِ حيث مل يولدا خمتوننيِ لقولهِ تعاىل‪{ :‬أن اتبع‬
‫ملةَ إبراهيم} ومنها اخلتان‪ ،‬إختنتَ وهو إبنُ مثاننيَ سنةٍ‪ ،‬وقيل واجبٌ على الرجالِ‪،‬‬
‫وسنةٌ للنساءِ‪ .‬ونُقلَ عن أكثرِ العلماءِ‪( .‬ببِلوغٍ) وعقلٍ إذ ال تكليفَ قبلَهما فيجبُ‬
‫بعدمها فوراً‪ .‬وحبثَ الزركشيُّ وجوبَهُ على ويلٍ مميزٍ وفيهِ نظر‪ .‬فالواجبُ يف ختانِ‬
‫شفََتهُ حىت تنكشفَ كلها‪ ،‬واملرأةِ قطعُ جزءٍ يقعُ عليه اإلسمُ‬ ‫الرجلِ قطعُ ما يغطي َح ْ‬
‫من اللحمةِ املوجودةِ بأعلى الفرجِ فوق ثقبةِ البولِ تُشبهُ عُرفَ الديكِ وتسمى البظر‬
‫مبوحدة مفتوحة فمعجمة ساكنة ونقلَ األردبيلي عن اإلِمام ولَو كان ضعيفَ اخلِلقةِ‬
‫حبيث لو خُنتَ خِيفَ عليهِ مل يُخنتْ إال أن يَغُلبَ على الظنّ سالمَتهُ‪ ،‬ويندبُ تعجيُلهُ‬
‫سابعَ يومِ الوالدةِ لإلِتِّباعِ‪ ،‬فإِن أُخر عنه ففي األربعني‪ ،‬وإال ففي السنةِ السابعةِ ألهنا‬
‫وقتُ أمرهِ بالصالةِ ومَن ماتَ بغريِ خِتانٍ لن يُخنتْ يف األصحِ‪ .‬ويُسنُّ إظهارُ ختانِ‬
‫الذكرِ وإخفاءُ خِتانِ األُنثى‪ ،‬وأمَا مؤنةِ اخلتانِ يف مالِ املختونِ ولو غريَ ملَّف‪ ،‬مث على‬
‫مَنْ تلز ُمهُ نفقتُهُ‪ .‬وجيبُ أيضاً قطعُ سرةِ املولودِ بعدَ والدتِهِ بعدُ حنوَ ربطِها لتُوقف‬
‫إمساكِ الطعامِ عليه‪( .‬وحرمَ تثقيبُ) أنفٍ مطلقاً (وأذنُ) صيبّ قطعاً‪ ،‬وصبِيةٍ على‬
‫األوجهِ لتعليقِ احللَقِ كما صرحَ به الغزايل وغريُه ألنهُ إيالمٌ مل تدعُ إليهِ حاجةٌ‬
‫ع يف الصحيح‪ ،‬ويف فتاوى قاضيخان‬ ‫وجوزهُ الزركشي واستدلَّ مبا يف حديثِ أمِّ زر ٍ‬
‫مِنَ احلنفيةِ أنهُ ال بأسَ بهِ ألهنم كانوا يفعلونَهُ يف اجلاهليةِ فلمْ يُنكِرْ عليهم رسولُ اهلل‪،‬‬
‫ويف الرعايةِ للحنابلةِ جيوزُ يف الصبيةِ لغرضِ الزينةِ‪ .‬وَيُكرهُ يف الصيب‪ .‬انتهى‪ .‬ومقتضى‬
‫كالمُ شيخنا يف شرح املنهاج جوازُهُ يف الصبيةِ ال الصيب ملا عُرِفَ أنهُ زينةٌ مطلوبةٌ يف‬
‫الل ِعبَ هلنَّ مبا فيهِ صورةٌ للمصلحةِ‪ ،‬فكذا‬ ‫حقهنَّ قدمياً وحديثاً يف كلِّ حملّ‪ .‬وقد ج ّوزَ َّ‬

‫‪161‬‬
‫هذا أيضاً‪ .‬والتعذيبُ يف مثلِ هذهِ الزينةِ الداعيةِ لرغبةِ األزواجِ إليهنَّ سهل حمتملٌ‬
‫ك فإِنهُ مهمٌّ‪.‬‬
‫ومغتفَ ٌر لتلكَ املصلحةِ‪ .‬فتأملْ ذل َ‬
‫[تتمة]‪ :‬مَنْ كانَ مع دابةٍ يضمَنُ ما أتَلفَْتهُ ليالً وهناراً‪ .‬وإنْ كانتْ وحدَهَا‬
‫ضمَنَ إال أن ال يُفرِّطَ يف‬ ‫فأتََل َفتْ زرعاً أو غريَهُ هناراً مل يضمَنْ صاحُبهَا‪.‬أو ليالً َ‬
‫رب ِطهَا‪ .‬وإتالفُ حنوِ ه ّرةٍ طرياً أو طعاماً عَهدَ إتالفها ضمنَ مالِكُها ليالً وهناراً إن قصَّرَ‬
‫يف ربطِهِ‪ ،‬وتُدفعُ اهلرّةُ الضاريَةُ على حنوِ طريٍ أو طعامٍ لتأكُلَهُ كصائلٍ برعايةِ الترتيبِ‬
‫السابقِ‪ .‬وال تقت ُل ضاريةً ساكنةً خالفاً جلم ٍع إلِمكانِ التحرزِ عن شرِّها ‪.‬‬

‫(هُوَ فَرضُ كفايةٍ كلَّ عامٍ) وَلو مرّةً إذا كان الكفارُ ببالدِهم‪ ،‬ويتعنيُ إذا دَخلوا‬
‫بالدَنا كما يأيت‪ :‬وحُ ْكمُ فرضِ الكفايةِ أنه إذا فعلهُ من فيهم كفايةً سقطَ احلرجُ عنه‬
‫وعن الباقني‪ .‬ويأمثُ كلُّ من ال عُذرَ لهُ مِنَ املسلمنيَ إنْ تركوهُ وإن َجهِلُوا‪ .‬وفروضُها‬
‫كثريةٌ (كقيامٍ حبججٍ دينيةٍ) وهي الرباهنيُ على إثباتِ الصانعِ سبحانهُ وما يَجبُ لهُ من‬
‫الصفَاتِ ويستحيلُ عليهِ منها وعلى إثباتِ النبواتِ وما وردَ بهِ الشرعُ مِنَ املَعادِ‬
‫حلسَابِ وغريِ ذلك‪( .‬وعلومٍ شرعيةٍ) كتفسريٍ وحديثٍ وفِقهٍ زائدٍ على ما ال بدّ منه‬ ‫وا ِ‬
‫وما يتعلقُ هبا حبَيثُ يصلحُ للقضاءِ واإلِفتاءِ للحاجةِ إليهِما (ودفعِ ضررٍ معصومٍ) مِنْ‬
‫مسلمٍ وذمِي َومُستأمنٍ جائعٍ مل يصِلْ حلالةِ اإلضطرارِ أو عارٍ أو حنو ِهمَا‪ .‬واملخاطبُ‬
‫بهِ كُلُّ موسرٍ مبا زادَ على كفايةِ سنةٍ له وملمونةٍ عندَ احتاللِ بيتِ املالِ وعدمِ وفاءِ‬
‫ف عن حمرماتِه فشملَ النهي عن منكر‬ ‫زكاةٍ (وأَمرٍ مبعروفٍ) أي واجباتِ الشرعِ والك ِ‬
‫احملر ِم لكنَّ حملَّهُ يف واجبٍ أو حرامٍ مُجمعٍ عليهِ‪ ،‬أو يف اعتقادِ الفاعلِ واملخاطبُ‬ ‫ي َّ‬
‫بهِ كل مُكَلَّفٍ مل َيخَفْ على حنوِ عضوٍ ومالٍ وإن قلَّ ومل يغلبْ على ظِنهِ أن فاعَلهُ‬
‫يزيدُ فيهِ عناداً وإن علمَ عادةً أنه ال يفيدَهُ بأن يُغريَهُ بكلِ طريقٍ أمكَنهُ من يدٍ فلسانٍ‬
‫فاستغاثة بالغريِ فإِن عجزَ أنكرهُ بقلِبهِ‪ .‬وليسَ ألحدٍ البحثَ والتجسسَ واقتحامَ الدورِ‬
‫بالظنونِ‪ .‬نعم‪ :‬إن أخربَهُ ثقةٌ مبن اختفى مبنكرٍ ال يتداركُ كالقتلِ والزنا لزمهُ ذلك‪.‬‬
‫ولو توقفَ اإلِنكارُ على الرفعِ للسلطانِ مل جيبْ ملا فيهِ من هتكِ حرمةٍ وتغرميِ مالٍ‪.‬‬
‫قاله ابن القشريي‪ .‬قال شَيخُنَا‪ :‬وله احتمالٌ بوجوبهِ إذا مل ينزحِرْ إال بهِ هوَ األوجهُ‪،‬‬
‫وكالمُ الروضةِ وغريِها صريحٌ فيهِ‪ .‬انتهى‪( .‬وتَحمُلُ شهادةٍ) على أهل له حضرَ إليهِ‬
‫املشهودُ عليهِ أو طلبَهُ إن ُع ِذرَ بعذرِ جُمعةٍ (وأدائِها) على مِنْ حيملُها إن كان أكثرَ‬
‫من نصابٍ وإال فهوَ فرضُ عنيٍ (وكإِحياءِ كعبةٍ) حبجٍ وعمرةٍ كل عامٍ وتشييعِ جنازةٍ‬
‫(وردِّ سالمٍ) مسنونٍ (عنْ مجعٍ) أي إثننيِ فأكثرَ‪ ،‬فيسقطُ الفَرضُ عن الباقني وخيتصُّ‬
‫بالثوابِ‪ ،‬فإِن رُدّوا كلهم ولو مرتباً أُثيبُوا ثوابَ الفرضِ كاملصلنيَ على اجلنازةِ‪ .‬ولو‬
‫سلمَ مجعٌ مرتبونَ على واحدٍ فردَّ مرّةً قاصداً مجيعهم‪ ،‬وكذا لو أطلقَ على األوجهِ‬
‫أجزأَهُ ما مل حيصل فصلٌ ضارّ‪ .‬ودخلَ يف قويل مسنونٌ سالمُ امرأةِ على امرأةٍ أو حنوِ‬
‫َمحْرمٍ أو سيدٍ أو زوجٍ وكذا على أجنيبّ وهي عجوزٌ ال تُشتهى‪ .‬ويلزمها يف هذهِ‬
‫الصورةِ ردُّ سالمِ الرجلِ‪ .‬أما مشتهاةٌ ليس معها امرََأةٌ أخرى فيحرمُ عليها ردُّ سالمِ‬
‫أجنيب‪ ،‬ومثلُه ابتداؤه ويُكرهُ ردُّ سالمِها‪ ،‬ومثلُهُ ابتداؤهُ أيضاً‪ .‬والفرقُ أن ردَّها‬
‫سلمَ على‬ ‫وابتداءَها يُ ْط ِمعُهُ لطمعِهِ فيها أكثر خبالفِ ابتدائِ ِه وردهِ‪ .‬قالَهُ شيخنا‪ .‬ولو َّ‬
‫مجعِ نسوةٍ وجبَ ردُّ إحداهنَّ إذ ال خيشى فتنةً حينئذٍ‪ .‬وخرجَ بقويل عن مجع الواحد‬
‫فالردُّ فرضُ عنيٍ عليهِ ولو كانَ املسلمُ صبياً مميزاً‪ .‬وال بدَّ يف اإلبتداءِ والردِّ من رفع‬
‫الصوتِ بقدرِ ما حيصلُ بهِ السماعُ احملققُ ولَو يف ثقيل السمع‪ .‬نعم‪ :‬إنْ مرَّ عليهِ‬
‫سريعاً حبَيثُ مل يبلغْهُ صوتَهُ فالذي يظهر كما قالَهُ شيخُنا أنهُ يلزمه الرفعُ وسعيُهُ‬
‫‪162‬‬
‫دونَ العدو خَلفَهُ‪ .‬وجيبُ اتصالُ الردِّ بالسالمِ كاتصالِ قبولِ البيعِ بإِجيابِهِ‪ .‬وال بأ َ‬
‫س‬
‫بتقدميِ عليكَ يف ردِ سالمِ الغائبِ ألنَّ الفصلَ ليسَ بأجنيب‪ .‬وحيثُ زالتِ الفوريَّةُ فال‬
‫قضاء خالفاً ملا يُومهُهُ كالمُ الروياين‪ .‬وَيَجبُ يف الردِّ على األصمِّ أن جيمعَ بنيَ اللفظِ‬
‫واإلِشارةِ وال يلزمهُ الردُّ إال إن مجعَ لهُ املسّلمُ علي ِه بنيَ اللفظِ واإلِشارة (وابتداؤهُ) أي‬
‫السالمُ عندَ إقبالِهِ أو انصرافِهِ على مُسَِّلمٍ غري حن ِو فاسقٍ أو مبتدع حىت الصيبَّ املميزَ‬
‫وإن ظن عدمَ الردِّ (سنةٌ) عيناً للواحدِ وكفايةً للجماعةِ كالتمسيةِ لألكل خلرب‪" :‬أنَّ‬
‫أوىل الناسِ باللَّهِ مَنْ بَدأ ُهمْ بالسالمِ"‪ .‬وأفىت القاضي بأن اإلِبتداءَ أفضلُ كما أن إِبراءَ‬
‫املعسرِ أفضلُ مِنْ إِنظارهِ وصيغةُ ابتدائهِ السالمُ عليكم أو سالمٌ عليكمُ‪ ،‬وكذا عليكمُ‬
‫السالمُ أو سالمُ‪ ،‬لكنهُ مكروهٌ للنهي عنهُ ومع ذلكَ جيبُ الرد فيهِ خبالفِ وَعليكمُ‬
‫السالمُ بالواو إذْ ال يصلحُ لإلبتداءِ واألفضلُ يف اإلبتداءِ والردِّ اإلتيانُ بصيغةِ اجلمعِ‬
‫حىت يف الواحدِ ألَجلِ املالئكةِ وَالتعظيمِ وزيادةُ ورمحةُ اللَّهِ وبركاتُه ومغفرتُهُ‪ .‬وال‬
‫يكفي اإلِفرا ُد للجماع ِة ولو سلمَ كلٌ على اآلخ ِر فإِن ترتبا كانَ الثاين جواباً‪ :‬أي ما مل‬
‫يقصدْ ب ِه اإلبتداءُ وحدَ ُه كما حبثَهُ بَعضهُم وإال لزمَ كالًّ الردُّ‪.‬‬
‫[فروع]‪ :‬يُسنُ إرسالُ السالمِ للغائبِ ويلزمُ الرسولُ التبيلغُ ألنهُ أمانةٌ وجيبُ‬
‫أداؤها‪ .‬وحملُّهُ مَا إذا رَضيَ بتحمل تلكَ األمانةِ‪ .‬أما لو ردَّها فال وكذا إن س َكتَ‪.‬‬
‫ضهُم‪ :‬جيبُ على املوصى بهِ تَبليغهُ وحملَّ ُه كما قالَ شيخنا إن قَبِلَ الوصيةَ‬ ‫وقال بع ُ‬
‫بلفظٍ يدلُّ على التحملِ ويلزمُ املُرسل إليهِ الردَّ فوراً باللفظِ يف اإلِرسالِ وبهِ أو‬
‫بالكتابةِ فيها‪ .‬وَيُنَدبُ الردُّ أيضاً على املبلِّغ والبداءةُ بهِ فيقولُ عليكَ وعليهِ السالمُ‪،‬‬
‫ضهُم نَدبَ البدِاءَةِ باملرسِلِ‪ .‬وَحيرمُ أن يبدأ بهِ ذمياً‬ ‫للخربِ املشهورِ فيهِ‪ .‬وحكى بع ُ‬
‫ويستثنيه وجُوباً بقلبهِ إن كانَ مع مسلمٍ‪ .‬ويسنُّ ملنْ دخلَ حمالًّ خالياً أنْ يقولَ السالمُ‬
‫علينا وعلى عبادِ اللَّهِ الصاحلنيَ‪ .‬وال يندبُ السالمُ على قاضي حاجةِ بولٍ أو غائطٍ أو‬
‫مجاعٍ أو استنجاءٍ وال على شاربٍ وآكلٍ يف فمِهِ اللقمةُ لشغلِهِ وال على فاسقٍ بَلْ‬
‫يُسنُّ تركَهُ على جماهرٍ بفسقِهِ ومرتكبِ ذنبٍ عظيمٍ مل يتبْ مِنهُ ومبتدعٍ إال لعذرٍ أو‬
‫خوفِ مفسدةٍ وال على مُصلًّ وسا ِجدٍ ومُؤذنٍ َومُقيمٍ وخطيبٍ َومُسَت ِمعِهِ وال ردَّ‬
‫عليهم إال مُستَ ِمعَ اخلطيبِ فإِنهُ جيبُ عليهِ ذلكَ بل يكرهُ الردُّ لقاضي احلاجةِ واجلامعِ‬
‫واملستنجي وَُيسَنُّ لآلكلِ وإنْ كانت اللقمةُ بفِيهِ‪ .‬نعم‪ :‬يُسنُّ السالمُ عليهِ بعد البلعِ‬
‫وقبلَ وضعِ اللقمةِ بفيهِ‪ ،‬ويلزمُهُ الردُّ وُيسَنُّ الردُّ ملن يف احلمامِ وملبّ باللفظِ وملصلَ‬
‫ومؤذنٍ ومقيمٍ باإلِشارةِ‪ ،‬وإال فبعدَ الفراغِ أي إنْ قَرب الفَصل‪ ،‬وال جيبُ عليهم‪.‬‬
‫ويُسنُّ عندَ التالقي سالمُ صغريٍ على كبريٍ وماشٍ على واقفٍ وراكبٍ عليهم وقليلني‬
‫على كثريينَ‪.‬‬
‫[فوائد]‪ :‬وحىت الظهرَ مكروهٌ‪ .‬وقالَ كثريونَ حرامٌ‪ .‬وأفىت النووي بكراهةِ‬
‫اإلحنناءِ بالرأسِ وتقبيلِ حنوِ رأسٍ أو يدٍ أو رجلٍ ال سيما لِنحوِ َغينٍ حلديثِ‪" :‬مَنْ‬
‫ضعَ لغَين ذَ َهبَ ثُلثا دينَهُ"‪ .‬وَيُندبُ ذلك لنحوِ صالحٍ أو علمٍ أو شرفٍ ألن أبا‬ ‫توا َ‬
‫عبيدةً قبَّل َيدَ ُعمَر رضي اللَّهُ عنهما‪ .‬وَيسنُّ القيامُ ملنْ فيهِ فضيلةً ظاهرةً مِنْ حنوِ‬
‫صالحٍ أو عِلمٍ أو والدةٍ أو والَيةٍ مصحوبةٍ بصيانةٍ‪ .‬قال ابنُ عبدِ السالمِ أو ملن يُرجى‬
‫خريُه أو يُخشَى شَرُّهُ ولو كافراً خُشيَ مِنهُ ضرراً عظيماً‪ .‬وَيَح ُرمُ على الرجل أن حيب‬
‫قيا َمهُم لهُ‪ .‬وَيُسنُّ تقبيلُ قادمٍ منْ سفرٍ ومعانقتُه لإلِتباعِ (كتشميتِ عاطسٍ) بالغٍ‬
‫(حَمدَ اللَّهَ تعاىل) بريمحُكَ اهلل أو رَحَمكُم اللَّهُ وصغريٍ مميزٍ َح َمدَ اللَّهَ بنحوِ أصلحَكَ‬
‫اللهَ‬ ‫اللَّهُ فإِنهُ سُنةٌ على الكفايةِ إن َس ِمعَ مجاعةً وسُن ُة عنيٍ إنْ َس ِمعَ واحدٌ إذا َح َمدَ َّ‬
‫العاطسُ املميزُ عقبَ عُطَاسِهِ بأَنْ مل يتخللْ بينهما فَوقَ سكتةِ تنفسٍ أوعَىَ فإِنهُ يُسنُ‬
‫له أن يقولَ عقبَهُ احلمدُ للَّهِ وأفضلُ منهُ احلمدُ للَّهِ ربّ العاملنيَ‪ ،‬وأفضلُ منهُ احلمدُ للَّهِ‬
‫‪163‬‬
‫على كلِ حالٍ‪ .‬وخرج بقولِي حَمد اللَّه مَنْ مل حيمدُه عقبه فال يُسنُّ التشميتُ له‪.‬‬
‫شمّتهُ‬ ‫فإِن شَك قال يَرحمُ اللَّهُ من حَمدَهُ‪ .‬ويُسنُّ تذكريُهُ احلمد وعندَ توايل العطاسِ ُي َ‬
‫لثالثٍ مث يَدعو له بالشفاءِ ويُسرُّ بهِ املصلِي وحيمدُ يف نفسهِ إن كانَ مشغوالً بنحوِ‬
‫بولٍ أو جَماعٍ وَيشترطُ رَفعٌ بكلّ حبيثُ يسمعُه صاحبُهُ‪ .‬وَيُسنُّ للعاطسِ وضعُ شيءٍ‬
‫شمّتِهِ بِنحوِ يهدي ُكمُ اللَّهُ ويُصلحُ بَالَكم‬ ‫على وجههِ وخفضُ صوتِهِ ما أمكنَه‪ ،‬وإجابةُ ُم َ‬
‫ب طاقتهُ وَسَت ُر فِيهِ ولو يف الصالةِ‬ ‫أو يَغف ُر اللَّهُ لكم لألمرِ بهِ ويسنُّ للمتثائبِ ردُّ التثاؤ َ‬
‫بيدِهِ اليُسرى‪ .‬ويُسنُّ إجابةُ الداعِي بلبيكَ‪( .‬واجلهادُ) فرضَ كفايةٍ (على) كلّ مسلمٍ‬
‫(مكلَّفٍ) أي بالغٍ عاقلٍ لرفعِ القلمِ عن غريِمها (ذكرٍ) لضعفِ املرأةِ عنه غالباً (حُرّ)‬
‫فال جيبُ على ذي رقَ ولو مكاتباً ومُبعضاً وإن أذنَ لهُ سيدُهُ لنقصِهِ (مُستطيعٍ لَهُ‬
‫سالحٌ) فال جيبُ على غريِ مستطيعٍ كأقطعٍ وأعمى وفاقدٍ معظمَ أصابعَ يدهِ‪ ،‬ومَنْ بهِ‬
‫عرجٌ بيِّن أو مرضٌ تعظم مشقتهُ‪ ،‬وكعادمِ مؤنٍ ومَركبٍ يف سَفرِ قصرٍ فاضلٌ ذلكَ‬
‫عن مؤنةِ مَنْ تلزمُهُ مُؤنتُهُ كما يف احلجِ وال عَلى مَنْ ليسَ لهُ سالحٌ ألنَّ عا ِدمُ ذلكَ‬
‫ال نُصر َة بهِ (وحَ ُرمَ) على مدينٍ مُوسَرٍ عليهِ دي ٌن حالَ مل يوكِلْ من يقضي عنهُ من‬
‫مالهِ احلاضِر (سَفرٌ) جلهادٍ وغريِه‪ ،‬وإن َقصُرَ وإن مل يكن خموفاً أو كانَ لطلبِ علمٍ‬
‫رعايةً حلقّ الغريِ‪ ،‬ومن مث جاءَ يف مُسلم‪ :‬القتلُ يف سبيلِ اللَّهِ يُكفِّرُ كلَّ شيءٍ إال‬
‫الدَّيْن‪( .‬بال إذنِ غَرميٍ) أو ظنَّ رضاهُ وهوَ من أهلِ اإلِذنِ‪ .‬ولو كان الغرميُ ذمياً أو‬
‫كانَ بالدَّينِ رَهنٌ وثيق أو كفيلٌ مُوسَر‪ .‬قال األَسنوي يف املهماتِ‪ :‬أنَّ سكوتَ ربّ‬
‫الدينِ ليسَ بكافٍ يف جوازِ السفرِ‪ ،‬معتمداً يف ذلِك على ما فُهمَ من كالمِ الشيخنيِ‬
‫الطيبِ والبندنيجي والقزويين‪ :‬ال بدَّ يف احلرمةِ مِنَ‬ ‫هنا‪ .‬وقالَ ابنُ الرفعةِ والقاضي أبو َّ‬
‫التصري ِح باملنعِ‪ ،‬وَنقلَهُ القاضي إبراهيمُ بن ظهريةَ وال حيرمُ السفرُ‪ ،‬بل وال مينعُ منهُ إن‬
‫كانَ معسراً أو كانَ الدَّينُ مُؤجَالً وإنْ قَرُبَ حُلولهُ بشرطِ وصولِهِ ملا حيلُّ له فيه‬
‫القصرُ وهوَ مُؤجلٌ (و) حرمَ السفرُ جلهادٍ وَحجّ تطوّعٍ بال إذنِ (أَصلٍ) مسلمٍ أبٍ وأمّ‬
‫وإن علِيا ولو أذنَ من هو أقربُ مِنهُ‪ ،‬وكذا حيرمُ بال إذنِ أصلٍ سفرٌ مل تغلبْ فيهِ‬
‫السالمةَ لتجارةٍ (ال) سفرٌ (لتعلمِ فرضٍ) ولو كفايةٍ كطلبِ النحوِ ودرجةِ الفتوى فال‬
‫حيرمُ عليهِ وإنْ مل يأذنْ أصلُهُ (وإنْ دخلوا) أي الكفارُ (بلدةً لنا تَعيَّنَ) اجلهادُ (على‬
‫أهْلِها) أي يتعيَّنُ على أهلِها الدفعُ مبا أمكَنهُم وللدفع مَرتبتانِ‪ .‬إحداهُما أن حيتمَلَ‬
‫احلال اجتما َعهُم وتأهَبهُم للحربِ فوجبَ الدفعُ على كلّ من ُهمْ مبا يقدرُ عليهِ حىت‬
‫على مَنْ ال يلزمه اجلهادُ حنوَ فقريٍ وولدٍ ومدينٍ وعبدٍ وامرأةٍ فيها قوّة بال إذن ممن مرَّ‪.‬‬
‫وَيغتفرُ ذلكَ هلذا اخلطبِ العظيمِ الذي ال سبيل إلمهالِهِ‪ .‬وَثَانِيتُهما أنْ يغشا ُهمُ الكفارُ‬
‫وال يتمكنونَ من اجتاعٍ وتأهبٍ فمن قصدَهُ كافرٌ أو كفارٌ وعَِلمَ أنهُ يُقتلُ إن أخ َذهُ‬
‫فعليهِ أن يدفعَ عن نفسهِ مبا أمكنَ وإن كان ممن ال جهادَ عليهِ إلمتناعِ اإلستسالمِ‬
‫لكافرٍ‪.‬‬
‫[فروع]‪ :‬وإذا مل يُمكنْ تأهبٌ لقتالٍ وج ّو َز أسراً وقتالً فله قتا ٌل واستسالمٌ إن‬
‫عَِلمَ أنه إنْ امتنعَ منهُ قُتِل وأمِنتِ املرأةُ فاحشةً إن أخذت وإالَّ تعني اجلهادُ‪ ،‬فمنْ عَلِمَ‬
‫أو ظنَّ أنه إنْ أخذَ قتل عيناً امتنعَ عليهِ اإلستسالمُ كما مرّ آنفاً‪ .‬ولو أسروا مسلماً‬
‫جيبُ النهوضُ إليهم فوراً على كلِّ قادررٍ خلالصِهِ إن رجى‪ .‬ولو قال لكافرٍ أطلِقْ‬
‫أَسريَكَ وعليَّ كذا فأطلقَهُ لَ ِزمَهُ وال يرجعُ بهِ على األسريِ إالَ إنْ أذنَ لهُ يف مُفاداتِهِ‬
‫فريجعُ عليهِ وإن مل يشترطْ له الرجوعَ (و) تعنيَ على (مَنْ دونَ مسافةِ قصرٍ منها) أي‬
‫من البلدةِ اليت دخلوا فيها وإنْ كانَ يف أهِلهِم كفايةً ألهنم يف حكمِهم‪ ،‬وكذا مَنْ‬
‫حق من‬‫كانَ على مسافَةِ القصرِ إن مل يكفِ أهلَها ومن يلَي ِهمْ‪ ،‬فيصريُ فرضَ عنيٍ يف ِّ‬
‫قَرُبَ وفرضَ كفايةٍ يف حقِّ من َب ُعدَ‪( .‬وَحَ ُرمَ) على مَنْ هُو مِنْ أهلِ فرضِ اجلهادِ‬
‫‪164‬‬
‫(انصرافٌ عنْ صفّ) بعدَ التالقي وإن غلبَ على ظنِّهِ أنهُ إذا ثبتَ قُتِلَ لعدِّهِ الفرار مِنَ‬
‫الزَحفِ مِنَ السَبْعِ املوبقاتِ‪ .‬ولو ذهبَ سالحُهُ وأمكنَ الرميُ باحلجارةِ مل جيزْ لَهُ‬
‫ضهُم بأنه إذا غلبَ ظَنُّ اهلالكِ بالثباتِ من غريِ‬ ‫اإلنصراف على تَناقضٍ فيهِ‪ .‬وجزمَ بع ُ‬
‫نكايةٍ فيهم وجبَ الفرارُ (إذا مل يزيدوا) أي الكفارُ (على مثلينا) لآلية‪ .‬وحكِمةُ‬
‫وجُوب ُمصَابرةِ الضَعفِ أنَّ املُسِلمَ يقاتلُ على إحدى احلُسنينيِ‪ :‬الشهادةُ والفوزُ‬
‫بالغنيمةِ معَ األجرِ‪ ،‬والكافرُ يُقاتلُ على الفوزِ بالدنيا فَقَط‪ .‬أما إذا زَادوا على املِثلَنيِ‬
‫َرمَ جَمعٌ جمتهدونَ اإلنصرافَ‬ ‫كمائتنيِ وواحدٌ عنِ مائةٍ فيجوزُ اإلِنصرافُ مُطلقاً‪َ .‬وح َّ‬
‫مطلقاً إذا بَلغَ املسلمونَ اثين عشرَ ألفاً خلرب‪" :‬لَنْ يُغَلبَ إثنا عشرَ ألفاً مِنْ قِلةٍ" وبهِ‬
‫أن الغالبَ على هذا العددِ ال َظفَرُ فال‬ ‫خصتِ اآليةِ‪ .‬ويُجابُ بأن املرادَ مِنَ احلديثِ َّ‬
‫تعرض فيهِ حلرمةِ فرارٍ وال لعدمِها كما هوَ واضحٌ وإمنا يَح ُرمُ اإلِنصرافُ إن‬
‫قاومناهم إال متحرفاً لِقتالٍ أو متحيزاً إىل فئةٍ يستنجدُ هبا على العدوِّ ولو بعيدة (وَيُرقُّ‬
‫ذراري كفارٍ) وعَبيدهَم ولو مسلمنيَ كاملنيَ (بأسرٍ) كما يرقُّ حريبٌّ مقهورٌ حلريب‬
‫بالقهرِ أي يصريونَ بنفسِ األسرِ أرقاءَ لنا ويكونونَ كسائرِ أموالِ الغنيمةِ‪ .‬ودخلَ يف‬
‫الذراري الصبيانِ واجملاننيَ والنسوانَ وال حدَّ إنْ وطىءَ غَامنٌ أو أبوه أو سيدهُ أمةً يف‬
‫الغنيمةِ ولو قبلَ اختيارِ التملكِ ألن فيها شُبهةَ مُلْكٍ ويُعزرُ عاملٌ بالتحرميِ ال جاهلٌ بهِ‬
‫إن ُع ِذرَ لقربِ إسالمِهِ أو َب ُع َد حملهُ عن العلماءِ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬يُحكمُ بإِسالمِ َغريَ بالغٍ ظاهراً وباطناً‪ :‬إما تبعاً للسايب املسلم ولو‬
‫شا َركَهُ كافِرٌ يف سَبيِهِ‪ ،‬وإما تبعاً ألحدِ ُأصُولِهِ وإن كانَ إسال ُمهُ قَبَلَ عُلوِقهِ فَلو أقرَّ‬
‫أحدُهُما بالكفرِ بعدَ البلوغ فهو مرتدٌّ مِنَ اآلنَ (وإلِمامٍ) أو أمريٍ (خَيارٌ يف) أسريٍ‬
‫(كاملٍ) ببلوغٍ وعقلٍ وذكورةٍ وحريةٍ (بنيَ) أرَبعِ خِصالٍ مِنْ (قتلٍ) بضربِ الرقبةِ ال‬
‫غري (وَمنَّ) عليه بِتخليةِ سبيلِهِ ( َوفِداءٍ) بأسرَى مِنَّا أو مالٍ فيخمسُ وجوباً أو بنحو‬
‫سِالحاً ويفادى سِال ُحهُم بأَسرانا على األوجهِ ال مبالٍ (واسترقاقٍ) فيفعلُ اإلِمامُ أو‬
‫نائِبُهُ وجوباً األحظُّ للمسلمنيَ الجتهادِهِ َومَنْ قتلَ أسرياً غريَ كاملٍ لزمتْهُ قِيمَتَهُ أو‬
‫صمُ دَمَهُ) مِنَ‬
‫ُزرَ فقط (وإسالمُ كافرٍ) كاملٍ (بعدَ أسرٍ يَع ِ‬ ‫كامالً قبلَ التخيريِ فيهِ ع ِّ‬
‫القتلِ خلربِ الصحيحني‪ُ" :‬أمِرْتُ أَنْ ُأقَاتِلَ الناسَ حىت يشهدوا أَنْ ال إلهَ إال اهلل‪ ،‬فإذا‬
‫صمُوا مِين دماءَهُم وأمواهلُم إال حبقّها" ومل يذكُرْ هُنا ومالَهُ ألنهُ ال يعصمهُ‪ .‬إذا‬ ‫قالوا عَ َ‬
‫اختارَ اإلِمامُ ِرقَّهُ وال صغارَ أوالدِهِ للعلمِ بإِسال ِمهِم تِبعاً لَهُ وإِن كانوا بدَارِ احلربِ أَوْ‬
‫أَرقاءَ وإذا تَبعُوهُ يف اإلِسالمِ وهم أَحرارٌ مل يُرقُّوا المتناع طروِّ الرقِّ على مَنْ قارنَ‬
‫إِسالمَهُ حُريََتهُ‪ .‬ومِنْ مثَّ أمجعُوا على أنَّ احلرَّ املسلمَ ال يُسىب وال يُستَرقُّ أو أرقاءٌ مل‬
‫ينقص رُِّقهُم‪ .‬ومن مث لو مَلَكَ حريبٌ صغرياً مث حُ ِكمَ بإِسالمهِ تبعاً ألصلِهِ جاز سبيُه‬
‫واسترقاقُهُ ويبقى اخليارُ يف باقي اخلصالِ السابقةِ مِن املِنِّ أو الفداءِ أو الرِقِّ‪ .‬ومَحلُّ‬
‫جوازِ املفاداةَ مع إرادةِ اإلِقامةِ يف دارِ الكفرِ إن كان له مثَّ عشريةَ يَأْمنُ معها على‬
‫صمُ دماً) أي نفساً‬ ‫نفسِهِ ودينِهِ (و) إسالمُهُ (قبلَهُ) أي قبل أسرٍ بوضعِ أيدينا عليهِ (يَع ِ‬
‫عن كل ما مرّ (وماالً) أي مجي َعهُ بدارنا أو دارهم وكذا فرعُه احلرُّ الصغريُ واجملنونُ‬
‫عندَ السيب عن اإلسترقاق ال زوجتُهُ فإِذا سُبيتْ ولو بَعدَ الدخولِ انقطعَ نِكاحُهُ حاالً‪.‬‬
‫وإذا سُبَي زوجانِ أو أحدَهُما انفسخَ النكاحُ بيَنهُما ملا يف خربِ مسلمٍ أهنم ملَّا امتنعوا‬
‫يومَ أوطاسَ مِنْ وطءِ املَسبّياتِ املتزوّجات نَزلَ {وَاملُحصَنَاتُ} أي املُتزوجاتُ {مِنَ‬
‫النساءِ إال مَا مَلَكَتْ أميَانُ ُكمْ}‪ .‬فحرَّم اللَّهُ تعاىل املتزوّجات إال املسبياتَ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو ادَّعَى أسريٌ َقدْ ُأرِقّ إسالمَهُ قبلَ أسرِهِ مل يُقبَلْ يف الرقّ ويُجعَلُ مُسلماً‬
‫من اآلنَ ويثبتُ بشاهدٍ وامرأتنيِ ولو ادَّعَى أسريٌ أنه مسلمٌ‪ ،‬فإِن أُخذَ من دارِنا صُدِّقَ‬
‫بِيمينِهِ أو مِنْ دَارِ احلربِ فَال (وَإذا أَرقَّ) احلريبُّ (وعليهِ دينٌ) ملسلِم أو ذمِيٍ (مل‬
‫‪165‬‬
‫يَس ُقطْ) وسقطَ إن كانَ حلريبّ‪ ،‬ولو اقترضَ حَريبٌّ من حريبّ أو غ ِريهِ أو اشترى مِن ُه‬
‫ُم أسلما أو أحَدهُما يَسقُط إلِلتزامِه بعقدٍ صحيحٍ‪ .‬ولو أتلفَ حريبٌّ على‬ ‫شيئاً ث َّ‬
‫حربكي شيئاً أو غصبَهُ مِنهُ فأسلما أو أسلمَ املُتلِفُ فال ضمانَ ألنهُ مل يلتزمْ شيئاً بعقدٍ‬
‫حىت يستدامَ حُكمَهُ وألَنَّ احلريبَّ لو أتلفَ مالَ مسلمٍ أو ذميٍ مل يضمنُهُ فَأَوىل مال‬
‫احلريب‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو قَهرَ حريبٌّ دائَِنهُ أو سيدَهُ أو زوجَهُ ملكه ارتفعَ الدينُ والرِقُّ والنِّكاحُ‬
‫وإن كانَ املقهورُ كامالً‪ ،‬وكذا إن كانَ القاهِرُ بعضاً للمقهورِ ولكنْ ليسَ للقاهرِ بَيعَ‬
‫مقهورِ ِه البعض لعتقِهِ عليهِ خالفاً للسمهودي‪.‬‬
‫[مهمة]‪ :‬قال شيخُنا يف شرح املنهاج‪َ :‬قدْ كَثُرَ اختالفُ الناسِ وتألي ُفهُم يف‬
‫السراري واألرِقاءِ اجمللوبنيَ مِنَ الرومِ واهلندِ‪ .‬وحاصلُ معتمدِ مذهبنَا فيهِم أنَّ مَنْ مل‬
‫يعلمْ كونَهُ غنيمةً مل تتخَمسْ ومل تُقسمْ َيحِلُّ شراوه وسائرُ التصرفاتِ فيهِ الحتمالِ أنَّ‬
‫آسِرَهُ البائعُ له أوالً حريبٌّ أو ذميٌّ فإِنه ال يُخمسُ عليهِ وهذا كثريٌ ال نادرٌ‪ ،‬فإِنْ حتقَّقَ‬
‫أَنَّ آخذَهُ مسلمٌ بنحوِ سرقةٍ أو اختالسٍ مل جيزْ شراوهُ إال على الوجْهِ الضعيفِ أنه ال‬
‫يُخمَّسُ عليهِ فقولُ مجعٍ متقدمنيَ ظاهرُ الكتابِ والسنةِ واإلِمجاعِ على منعِ وطءِ‬
‫السراري اجمللوبةِ من الرومِ واهلندِ إال أنْ يُنصبَ مَنْ يقسمُ الغنائمَ وال حيفَ يتعنيُ‬
‫محلَهُ على ما عُِلمَ أن الغامن له املسلمون وإنه مل يسبق من أمريِهِم قبلَ اإلغتنامِ مَنْ أَخَذَ‬
‫شيئاً َف ُهوَ لَهُ جلوازِهِ عِندَ األَئِمةِ الثالثةِ‪ .‬ويف قولِ الشافعي بل زَ َعمَ التاجُ الفزاري أنهُ‬
‫ردهُ‬
‫سهَا‪ ،‬وله أن يُح ّرمُ بعضَ الغامننيَ‪ ،‬لكن َّ‬ ‫ال يلزمُ اإلِمامُ قسمةَ الغنائمِ وال ختمي َ‬
‫املصنفُ وغريُهُ بأنه خمالفٌ لإلِمجاعِ وطريقُ من َوَقعَ بيدِهِ غنيمة مل تُخمَّسْ ردَّها‬
‫ملستحقّ علمٍ‪ ،‬وإال فللقاضي كاملالِ الضائعِ أي الذي مل يقعِ اليأسُ من صاحبِهِ وإال‬
‫حق الظفرِ بهِ على املعتمدِ‪َ .‬ومِنْ َّمث كان املُعتمدُ كما‬ ‫ك بيتِ املا ِل فَِلمَن لَهُ فيهِ ُّ‬
‫كانَ ملَ َ‬
‫مرَّ أن مَنْ َوصَلَ َلهُ شيءٌ يستحقُّهُ منهُ حلَّ لَهُ أ َخ َذهُ وإن ظلمَ الباقونَ‪َ .‬ن َعمْ‪ :‬الورعُ‬
‫ملريدِ التسري أن يشتري ثانياً مِنْ وَكيلِ بيتِ املا ِل ألن الغالبَ عَدمَ التخميسِ واليأسَ‬
‫ت املالِ‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫مِنْ معرف ِة مالِكِها فيكون مُلكاً لبي ِ‬
‫[تتمة]‪ :‬يُعتقُ رَقيقٌ حريب إذا هَربَ مث أسََلمَ ولو بعدَ اهلدنَةِ أو أسلمَ مث هرَب‬
‫قبْلَها وإن ملْ يُهاجرْ إلينا ال عكسَهُ بأن أسلمَ بعدَ هدنةٍ مث هربَ فال يُعتق لكن ال يُردُّ‬
‫إىل سيدِهِ فإِنْ مل يعتقه با َعهُ اإلِمامُ مِنْ مُسلمٍ أو َدَفعَ لسيدِهِ قيمتَهُ مِنْ مالِ املصاحلِ‬
‫وأعتقَهُ عنِ املسلمنيَ والوالَءُ هلُم وإن أتانا بعد اهلُدنةِ‪ .‬وَشرط ردُّ من جاءَ مِنهُم إلينا‬
‫حرٌّ ذكرٌ مكلفٌ مسلماً‪ ،‬فإِن مل تَكُنْ لَهُ ثَمَّ عشريةٌ تَحميهِ مل يُردّ وإالَّ رُدَّ عليهِم‬
‫بطلبهِم بالتخليةِ بيَنهُ وبنيَ طالبَهُ بال إجبارٍ على الرجوعِ مَعَ طالبِهِ‪ .‬وكذا ال يُردُّ صيبٌّ‬
‫وجمنونٌ وصفَا اإلِسالم أمْ ال وامرأةٌ وخُنثَى أسلمتا‪ :‬أي ال جيوزُ ردَّهُم ولو لنحوِ األبِ‬
‫لضعفِهِم وَيُغرمونَ لنا قيم َة رقيقٍ ارتدَّ دونَ احلرِّ املرتدِّ‪.‬‬

‫باملدِّ‪ :‬أي احلكمُ بنيَ الناسِ‪ .‬واألصلُ فيهِ قبلَ اإلِمجاعِ قولُهُ تعاىل‪{ :‬وأَنِ اح ُكمْ‬
‫اللهُ} وقولُهُ‪{ :‬فاحكُمْ بيَنهُم بالقسطِ} وأخبارٌ كخربِ الصحيحني‪:‬‬ ‫بين ُهمْ مبا أنزلَ َّ‬
‫"إذا حَ َكمَ حا ِكمٌ أي أراد احلُ ْكمَ فاجتهدَ مث أصابَ فلهُ أجرانِ‪ ،‬وإذا حَ َكمَ فاجتهدَ‬
‫مث أخطأ فََلهُ أجرٌ"‪ .‬ويف روايةٍ بدل األوىل‪" :‬فََلهُ عشرةُ أجورٍ" قالَ يف شرحِ مُسلِمٍ‪:‬‬
‫أمجعَ املسلمونَ على أنَّ هذا يف حاكمٍ عاملٍ مُجتهدٍ‪ .‬أَما غريه فآمثٌ جبميعِ أحكامِهِ‪ ،‬وإن‬
‫وافقَ الصوابَ ألن إصابتَهُ إتفاقية‪ .‬وصَحَّ خرب‪" :‬القضاةُ ثالثةٌ‪ :‬قاضٍ يف اجلنة‪،‬‬
‫وقاضيان يف النارِ" َوُفسّرَ األولُ بأنهُ عَرَفَ احلقَّ وقضى بِهِ‪ ،‬واألخريانِ ِبمَنْ عرَفَ‬
‫‪166‬‬
‫وَجَار يف احلُ ْكمِ َومَنْ قضى على جهلٍ‪ .‬وما جَاءَ يف التحذيرِ عنهُ كخربِ‪" :‬مَنْ جُعِ َل‬
‫قاضياً فَ َقدْ ذُبِحَ بغريِ سكِني" مَحمولٌ على عِ َظمِ اخلَطرِ فيهِ‪ ،‬أو على من يُكَرَهُ لهُ‬
‫ني لَهُ (فرضُ كفايةٍ) يف الناحيةِ بل‬ ‫القضاءُ‪ ،‬أو يُح ُرمُ ( ُهوَ) أي قبولُهُ مِنْ متعددينَ صاحل َ‬
‫أسىن فروضِ الكفاياتِ حىت قالَ الغزايلُ‪ :‬أنه أَفضلُ مِنِ اجلهادِ‪ ،‬فإِنِ امتنعَ الصاحلونَ لَهُ‬
‫منهُ أمثوا‪ .‬أما توليةُ اإلِمامِ أو نائبِهِ ألحدِهِم يف إقليمٍ ففَرضُ عنيٍ عليه‪ ،‬مث على ذي‬
‫شوكةٍ‪ .‬وال جيوزُ إخالءُ مسافةِ العدوى عن قاضٍ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬ال بدَّ مِنْ توليةٍ مِنَ اإلِمامِ أو مأذونِهِ َوَلوْ ملنْ تَعنيَ للقضاءِ‪ ،‬فإِنْ ُفقِدَ‬
‫اإلِمامُ فتوليةُ أهلِ احللّ والعقدِ يف البلدِ أو بعضهِم مَع رضا الباقِنيَ ولو والهُ أهلُ‬
‫جانبٍ مِنَ البلدِ صحَّ فيه دونَ اآلخر‪َ .‬ومِنْ صَريحِ التوليةِ وَليتُكَ أو قَلدتُكَ القَضاء‪.‬‬
‫ومن كفايتها عوَّلتُ واعتمدْتُ عليك فيهِ‪ .‬ويُشترطُ القبولُ لفظاً وكذا فوراً يف‬
‫احلاضرِ‪ .‬وعندَ بلوغِ اخلربِ يف غريِه‪ .‬وقالَ مجعٌ حمققونَ‪ :‬الشرطُ عَدمُ الردِّ ومَنْ تعنيَ يف‬
‫ناحيةٍ لَ ِزمَه قبولَهُ وكذا طلبُهُ ولو ببذلِ مالٍ وإن خافَ من نفسِهِ امليلَ فإِن مل يتعنيْ‬
‫فيها كُرِهَ للمفضولِ القبولَ والطلبُ إن مل ميتنعْ األفضلُ‪ ،‬ويَح ُرمُ طَلبُهُ بعزلِ صاحلٍ له‬
‫ولو مفضوالً (وَشُرِطَ قاضٍ كونُهُ أهالً للشهاداتِ) كُلَّها بأنْ يكونَ مُسلِماً مكلفاً حرّاً‬
‫ذكراً عدالً مسيعاً ولَو بالصياح بصرياً‪ ،‬فال يُويل من لَيسَ كَذلكَ وال أَ ْعمَى و ُهوَ من‬
‫يَرى الشبحَ وال مييزُ الصورةَ وإن قَرُبَت خبالفِ مَنْ مييزَها إذا قَرَُبتْ حبيثُ يعرفُها ولو‬
‫بتكلفٍ ومزيدِ تأملٍ‪ ،‬وإن عجز عن قراءةِ املكتوبِ‪ .‬واختريَ صحةُ واليةِ األعمى‬
‫(كافياً) للقيامِ مبنصبِ القضاءِ‪ ،‬فال يُولَّى مُغفلٌ وخمتلٌّ نظرٍ بكربٍ أو مرضٍ (جمتهداً) فال‬
‫يصحُّ تولِيةُ جاهلٍ ومقلدٍ وإن حفظ مذهبَ إمامِهِ لعجزِ ِه عن إدراكِ غوامضِهِ‪ .‬واجملتهدُ‬
‫من يعرفُ بأحكامِ القرآنِ مِنَ العامِّ واخلاصِّ واجململِ واملبنيِ واملطلقِ واملقيدِ والنصِّ‬
‫والظاه ِر والناسخِ واملنسوخِ واملُح َكمِ واملُتشَابِهِ وبأحكامِ السنةِ مِنَ املُتواترِ وهوَ ما‬
‫تَعددتْ طُرقُهُ وَاآلحادِ وَ ُهوَ بِخالفِهِ واملتصل باتصالِ رواتِهِ إليهِ صلى اللَّهُ عليهِ‬
‫وسلم ويُسمى املرفوعُ‪ ،‬أو إىل الصحايب فقط ويُسمى املوقوفُ‪ .‬واملرسلُ وهو قولُ‬
‫التابعي قالَ رسولُ اللَّهِ كَذا‪ ،‬أو فعلَ كذا‪ ،‬أو بِحالِ الرواةِ قوَّةً وضعفاً وما تَواتَرَ‬
‫ناقِلُوه‪ .‬وَأَمجعَ السلفُ على قَبولِهِ‪ .‬ال يُبحثُ عَنْ عَدالةِ ناقِليهِ ولهُ اإلِكتفاءُ بتعديلِ إمامٍ‬
‫ض اخلاصِّ على العامّ‪ ،‬واملقيدُ‬ ‫عُرفَ صح ُة مذهبِهِ يف اجلرحِ والتعديلِ وَيُقدمُ عِندَ التعار ِ‬
‫على املطلقِ‪ ،‬والنصُّ على الظاهرِ‪ ،‬واملْحكمُ على املَُتشَابِهِ‪ ،‬والناسخُ واملتصلُ والقويُ‬
‫على مقابِلِها‪ .‬وال تنحصرُ األحكامُ يف خُمسُمائةِ آيةٍ وال خُمسُمائةِ حديثٍ خالفاً‬
‫لِزاعمهُما وبالقياسِ بأنواعِهِ الثالثةِ مِنَ اجلَلِي وَهُو ما يُقطعُ فيهِ بَِنفْي الفَارقِ كقياسِ‬
‫ضربِ الولدِ على تأفيفِهِ‪ ،‬أو املساوي وَهُو ما يَبعُد فيهِ إنتفاءُ الفارقِ كقياسِ إحراقِ‬
‫مالِ اليتيمِ على أكْلِهِ‪ ،‬أو األدون وَ ُهوَ ما ال يبعُد فيهِ إنتفاءُ الفارقِ كقياسِ ال ُذرَةِ على‬
‫الربِّ يف الرِبا جبامعِ الطعمِ وبلسانِ العربِ لغةً وحنواً وصرفاً وبالغةً وبأقوالِ العلماءِ مِنَ‬
‫الصحابةِ َفمَنْ بَعدَهُم ولو فيما يُتكلَّم فيهِ فقط لئال يُخاَلفَ ُهمْ‪ .‬قالَ ابنُ الصالح‪:‬‬
‫إجتماعُ َذلِكَ كله إمنا ُهوَ شَرطٌ للمجتهدِ املطلقِ الذي يُفيت يف مجيعِ أبوابِ الفِقهِ‪ ،‬أما‬
‫ُمقَيدٌ ال يعدو مذهبَ إمامٍ خاصٍ فليسَ عليهِ غَريَ معرفةَ قوا ِعدِ إمامِهِ ولرياعِ فيها ما‬
‫يراعيه املطلقُ يف قواننيِ الشرعِ فإِنَّهُ مع اجملتهدِ كاجملتهدِ َمعَ نُصوصِ الشرعِ‪ ،‬ومِنْ ثُمَّ‬
‫مل يكُنْ لَهُ عُدولٌ عنْ نصّ إمامِهِ كما ال جيوزُ اإلِجتهادُ َمعَ النصِ‪ .‬انتهى‪( .‬فإِنْ ولَّى‬
‫سُلطانٌ) ولوَ كافراً أو (ذو شوكةٍ) غَريهُ يف بلدٍ بأن احنصَرَتْ قوتُها فيهِ (غريَ أهلٍ)‬
‫للقضاءِ كمقلدٍ وجاهلٍ وفاسقٍ‪ ،‬أي َمعَ عِلمِهِ بِنحوِ فِسقِهِ وإال بأن ظنَّ عدالتَهُ مثالً‪،‬‬
‫ولو عَلمَ فِسقِهِ مل يُولِّهِ فالظاهرُ كما جزمَ بهِ شيخُنا ال ينفذُ حُكمَهِ وكذا لو زادَ‬
‫ضهُم بنفوذِ توليتِهِ وإن‬‫فِسقُهُ أو ارتكبَ مفسقاً آخرَ على تردّدٍ فيهِ‪ .‬انتهى‪ .‬وَجَ َزمَ بع ُ‬
‫‪167‬‬
‫والَّهُ غريَ عاملٍ ِبفِسقِهِ وكعبدٍ وامرأةٍ وأعمى (َن َفذَ) ما فعلَهُ مِنَ التوْليةِ وإن كانَ هناكَ‬
‫جمتهدٌ عدلٌ على املعتمدِ فينفذُ قضاءُ مَنْ َوالَّهُ للضروةِ ولئال تتعَطلَ مصاحلُ الناسِ وإنْ‬
‫صوّبَهُ الزركشي‪ .‬قالَ شيخُنا‪ :‬وما ُذكِر‬ ‫نازعَ كثريونَ فيما ُذكِرَ يف الفاسِقِ َوأَطَالُوا َو َ‬
‫املقلدِ ولو مِنْ َغريِ ذي شوكةٍ‪ ،‬وكذا‬ ‫يف املقلدِ حمُلهُ إن كانَ مثَّ جمتهدٌ وإال نفذتْ تَوليةُ ِّ‬
‫الفاسقُ‪.‬‬
‫فإِن كانَ هناكَ َعدْلٌ أُشتُرِ َطتْ شَوكةٌ وإال فال كما يفيدُ ذلكَ قولُ ابنُ الرفعةِ‬
‫احلقُّ أنه إذا مل يكن مثَّ مَنْ يُصلحُ للقضاءِ َنفَذتْ تَوليةُ غري الصاحلِ قطعاً‪ ،‬واألوجهُ أن‬
‫قاضي الضرورةِ يقضي بعلمِهِ وحيفظُ مالَ اليتيمِ وَيكتبُ لقاضٍ آخرَ خالفاً للحضرميَ‬
‫وصرحَ مجعٌ متأخرونَ بأن قاضي الضرورةِ يلزمُ ُه بيانُ مستندِهِ يف سائرِ أحكامِهِ وال‬ ‫َّ‬
‫يُقبَلُ قَولُ حكمتُ بكذا مِنْ غريِ بيانِ مستندِهِ فيهِ وَلو طََلبَ اخلَصمُ من القاضي‬
‫الفاسقِ تبينيَ الشهو ِد اليت ثبتَ فيها األم ُر لَ َز َم القاضي بيانَهُم وإال َلمْ ينفذْ حُكمَهُ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬يُندبُ لإلِمامِ إذا ولَّى قاضياً أن يأذنَ لَهُ يف اإلِستخالفِ وإنْ أطلقَ‬
‫التوليةَ إستخلفَ فيما ال يقدرُ عليه ال غريَ ُه يف األصح‪.‬‬
‫[مهمة]‪ :‬يَح ُكمُ القاضي باجتهادِهِ إن كان مُجتهداً أو باجتهادِ مُقلِّده إن كان‬
‫املقلدَ ال حيكمُ بغريِ مذهبِ ُمقَلدِهِ‪ .‬وَقالَ املَاوردي‬ ‫مُقلِّداً‪ .‬وَقضيةُ كَالمِ الشيخنيِ أنَّ ِّ‬
‫وَغريُهُ‪ :‬جيوزُ‪ .‬وجَمعَ ابنُ عبدِ السالمِ واألذرعي وغريمها حبملِ األولِ على مَنْ مل ينَتهِ‬
‫لرتبةِ اإلجتهادِ يف مذهبِ إمامِهِ وهو املقَِّلدُ الصرفُ الذي مل يتأهلْ للنظر وال للترجيح‬
‫َقلدَ إذا‬ ‫والثاين على مَنْ لَهُ أهليةٌ‪ .‬لذلِكَ‪ .‬ونقلَ ابنُ الرفعةِ عنِ األصحابِ أن احلاكم امل ِّ‬
‫بانَ حُكمُه على خالفِ نصِّ مقلِّدِهِ نَقضَ حُكمُهِ ووافقَهُ النووي يف الروضَةِ‬
‫والسُبكي‪ ،‬وقال الغزَّايل‪ :‬ال ينقُضُ‪ ،‬وتَبعَهُ الرافعي حبثاً يف موضع‪ .‬وشيخَنَا يف بعضِ‬
‫كتبهِ‪.‬‬
‫[فائدة]‪ :‬إذا تَمسَّكَ العاميُّ مبذهبٍ لزمَهُ موافَقتَهُ‪ ،‬وإال لزمَهُ التمذهُبَ مبذهَبٍ‬
‫مُعنيٍ مِنَ األربعةِ ال غريِها ثُم لَهُ وإنْ عملَ باألولِ اإلنتقالُ إىل غريِهِ بالكُليةِ‪ ،‬أو يف‬
‫املسائلِ بشرطِ أن ال يتَتََّبعَ الرخصَ بأن يأَ َخذَ مِنْ كلِّ مذهبٍ باألسهلِ منهُ فيفسقُ بهِ‬
‫على األوجهِ‪ .‬ويف اخلا ِدمِ عن بعضِ احملتاطنيَ‪ .‬ا َأل ْولَى ملنْ ابتُلي بوسواسٍ األخذ‬
‫باألخفِ والرخصِ لئال يزدادَ فيخرجُ عن الشرعِ‪ ،‬ولضدِهِ األخذُ باألثقلِ لئال خيرجَ‬
‫عن اإلِباحةِ‪ .‬وأنْ ال يلفِّقَ بني قولَنيِ يتولَّدُ منهما حقيقةً مركبةً ال يقولُ هبا كلٌّ‬
‫منهما‪ .‬ويف فتاوي شيخِنَا‪ :‬مَنْ قََّلدَ إماماً يف مسأل ٍة لز َمهُ أن جيريَ على قضي ِة مذهبهِ يف‬
‫ف عن عنيِ الكعبةِ وصلى إىل جهتهَا‬ ‫تلك املسألةِ ومجيعَ ما يتعلقُ هبا‪ ،‬فيلزمُ مَنِ احنر َ‬
‫مقلداً أليب حنيفة مثالً أن ميسحَ يف وضوئِهِ مِنَ الرأسِ قدرَ النَاصيةِ وَأَن ال يسيلَ مِنْ‬
‫َبدَنِهِ بعدَ الوضوءِ َدمٌ وما أشبهَ ذلك‪ ،‬وإال كانت صالتُهُ باطلةً باتفاقِ املذهبنيِ‬
‫فَلْيُتفَطَّنْ لذلكَ‪ .‬انتهى‪َ .‬ووَافقَه العالمةُ عبدُ اللَّهِ أبو خمرمة العدين وزادَ فقالَ‪ :‬قَد صرحَ‬
‫هبذا الشرطَ الذي ذكرناه غريَ واحدٍ منَ احملققنيَ من أهلِ األصولِ والفِقهِ‪ :‬من ُهمْ ابنُ‬
‫دقيقِ العِيدِ والسُبكي‪ ،‬ونقله األسنوي يف التمهيد عن العراقي‪ .‬قلتُ‪ :‬بَلْ نَقلَهُ الرافعي‬
‫يف العزيزِ عَنِ القاضي حُسني‪ .‬انتهى‪ .‬وقالَ شيخُنا احملقق ابنُ زيادٍ رمحهُ اهلل تعاىل يف‬
‫فتاويهِ‪ :‬إنَّ الذي فَهِمناهُ من أمثلَِتهِم أنَّ التركيبَ القادحَ إمنا ميتنعُ إذا كانَ يف قضيةٍ‬
‫صدَ تَقليداً للشافعي مثَّ‬ ‫واحدةٍ‪َ .‬فمِنْ أَمثِلَِتهِم‪ .‬إذا تَوضأ َولَمَسَ تقليداً أليب حَنيفةَ واقَتَ َ‬
‫َس بال‬ ‫صلَّى َفصَالتُهُ باطلةً إلتفاقِ اإلِمامِنيِ على بُطالنِ َذلِكَ‪َ .‬وكَ َذلِكَ إذا تَوضأ َوم َّ‬
‫شهوةٍ تقليداً لإلِمامِ مالكٍ ومل يُدلِكْ تقليداً للشافعي مثَّ صلَّى فصالتُهُ باطِلَة إلتفاقِ‬
‫اإلمامنيِ على بطالنِ طهارتِهِ خبالفِ ما إذا كانَ التركيبُ مِنْ قضيتنيِ‪ ،‬فالذي يظهرُ‬
‫أنَّ ذلكَ غري قادحٍ يف التقليدِ‪ ،‬كما إذا توضأَ وَ َمسَحَ بعضَ رأسِهِ ثُمَّ صلَّى إىل اجلهةِ‬
‫‪168‬‬
‫تقليداً أليب حنيفة فالذي يظهرُ صحةُ صالتِهِ ألنَّ اإلِمامنيِ مل يتفقا على بُطال ِن‬
‫طهارتِهِ‪ ،‬فإِنَّ اخلالفَ فيها حبالِهِ‪ ،‬ال يقالُ اتفقا على بطالنِ صالتِهِ ألنَّا نقولُ هذا‬
‫اإلتفاق ينشأ مِن التركيبِ يف قضيتني‪ .‬والذي فهمناهُ أنهُ غريُ قادحٍ يف التقليدِ ومثلُهُ ما‬
‫إذا قََّلدَ اإلِمامَ أمحدَ يف أنَّ العورةَ السوأتانِ وكأنَّ تَرَكَ املضمضةَ واإلستنشاقَ أو‬
‫التسميةَ الذي يقولُ اإلِمامُ أمحدُ بوجوبِ ذلكَ‪ ،‬فالذي يظهرُ صحةَ صالتِهِ إذا قلدَهُ يف‬
‫قدرِ ال َعوَرةِ ألهنما مل يتفقا على بطالنِ طهارتِهِ اليت هي قضيةِ واحدة‪ ،‬وال يقدحُ يف‬
‫ذلِكَ إِتفاَقهُما على بطالنِ صالتِهِ فإِنهُ تركيبٌ مِنْ قضيتنيِ و ُهوَ غريُ قادحٍ يف التقليدِ‬
‫كما يفهمُهُ متثيُل ُهمْ‪ .‬وقد رأيتُ يف فتاوي البلقيين ما يقتضي أنَّ التركيبَ بنيَ القضيتنيِ‬
‫غري قادحٍ‪ .‬انتهى‪ .‬ملخصاً‪.‬‬
‫[تتمة]‪ :‬يَلزمُ مُحتاجاً إستفتاءُ عاملٍ عدلٍ عرف أهليتَهُ مث إن وَ َجدَ مُفتِينيِ فإِنِ‬
‫اعت َقدَ أَحدَهُما أعلم تَعيَّنَ تقدميَهُ‪ .‬قال يف الروضةِ‪ :‬ليسَ ُمل ْفتٍ وعاملٍ على مذهبِنَا يف‬
‫مسألةٍ ذاتِ وجهنيِ أو قولنيِ أنْ يعتمدَ أ َحدُهُما بال نظرٍ فيهِ فال خِالفَ‪ ،‬بل يبحثُ‬
‫حهِما بنحوِ تأخرِهِ وإنْ كانا لواحدٍ‪ .‬انتهى‪( .‬وَيَجوزُ حتكيمُ اثننيِ) َولَو مِنْ‬ ‫عن أَرج ِ‬
‫غريِ خُصومَةٍ كما يف النكاحِ (رجالً أهالً لقضاءٍ) أي من له أَهليةَ القضاءِ املطلقةِ ال يف‬
‫خصوصِ تلكَ الواقعةِ فقط‪ .‬خالفاً جلمعٍ متأخرينَ ولو َمعَ وجودِ قاضٍ أهلٍ خالفاً‬
‫للروضَةِ‪ .‬أما َغريُ األهلِ فال جيوزُ حتكيمُهُ أي معَ وجودِ األهلِ وإال جازَ‪ ،‬ولو يف‬
‫النكاحِ‪ ،‬وإ ْن كانَ ثَمَّ جمتهدٌ‪ ،‬كما جَزمَ بهِ شيخُنَا يف شرح املنهاجِ تبعًا لشيخِهِ زكريا‪.‬‬
‫ُزوجُ إال مَعَ َف ْقدِ القاضي َولَو َغريَ أهْلٍ‪ .‬وال جيوزُ‬ ‫احملكمَ العدلَ ال ي ِّ‬
‫لكن الذي أفتاهُ أن ِّ‬
‫حتكيمُ َغريُ ال َعدْلِ مطلقاً وال يفيدُ حُ ْكمُ احملكِّم إال برضاهِما بِهِ لفظاً ال سكوتاً فيعتربُ‬
‫رِضا الزوجنيَ معاً يف النكاحِ‪ ،‬نعم‪ :‬يكفي سكوتُ البكرِ إذا استُؤذَِنتْ يف التحكيمِ‬
‫وال جيوزُ التحكيمُ معَ غَيبةِ الويلِّ ولو إىل مسافةِ القصرِ إِنْ كانَ ثَم قاضٍ خالفاً البنِ‬
‫احملكمِ‪ :‬وجيوزُ لَهُ أن يَح ُكمَ بعلمِهِ على األو َجهِ‪.‬‬ ‫ب خبالفِ ِّ‬ ‫العمادِ ألنهُ ينوبُ عن الغاِئ ِ‬
‫(وينعزلُ القاضي) أي يُح َكمُ بانعزالِهِ ببلوغِ َخربِ العزلِ لَهُ ولو مِنْ عَدلٍ (و) ينعزلُ‬
‫(نائِبُهُ) يف عامٍ أو خاصٍ بأن يبُلغَهُ خربُ عزلِ مستخلفِهِ لهُ أو اإلِمامُ ملستخلفِهِ إن أذِن‬
‫له أن يَستخلفَ عن نفسِهِ أو أطلَقَ (ال) حالَ كونَ النائبِ نائباً (عن إمامٍ) يف عامٍ أو‬
‫خاصٍ بأن قال للقاضي إِستخلف عين فال ينعزلُ بذلك وإمنا انعزلَ القاضي ونائبَهُ‬
‫(خبربِهِ) أي ببلوغ َخربِ العزلِ املفهومِ مِنْ ينعزلُ ال قَبلَ بلوغِهِ ذلكَ لعظمِ الضررِ يف‬
‫نقضِ أقضيتِهِ لو انعَزلَ‪ ،‬خبالفِ الوكيلِ فإِنهُ ينعزلُ من حنيِ العزلِ ولو قبلَ بلوغِ‬
‫َخربِهِ‪ .‬ومَنْ عَِلمَ عَزلَهُ مل ين َفذْ حكمُهُ لَهُ إال أن يرضَى حبكمِهِ فيما جيوزُ التحكيمُ فيهِ‬
‫(و) ينعزلُ أيضاً كلٌ مِنهُما بأحدِ أمور (عَزلِ نفسِهِ) كالوكيلِ (وجنونٍ) وإغماءٍ وإن‬
‫قلَّ زمنهما (وفِسقٍ) أي ينعزلُ بفسقٍ مَنْ َلمْ يَعلْم مُوليهِ بفسقِهِ األصلي أو الزائدِ على‬
‫ما كانَ حالَ توليتِهِ وإذا زالتْ هذهِ األحوالُ مل تعدْ واليتُه إال بتوليةٍ جديدةٍ يف‬
‫األصحِّ‪ .‬وجيوزُ لإلمامِ عَزلُ قاضٍ مل يتعنيْ بظهورِ خللٍ ال يقتضي إنعزاَلهُ ككث َرةِ‬
‫الشكاوي فيهِ وبأفضلِ مِنهُ ومبصلحةٍ كتسكنيِ فتنةٍ سواءَ أعَزلَهُ مبثِِلهِ أو بدونِهِ وإنْ مل‬
‫يَكُنْ شيءٌ منْ ذلكَ مل جيزْ عزلَه ألنهُ عبثٌ ولكنْ ينفذُ العزلُ‪ .‬أما إذا تعنيَ بأن مل‬
‫َم مَنْ يَصلُح غريِه فيحْ ُرمُ على مُوليهِ عَزلُه وال ينفذُ‪ ،‬وكذا عَ ْزلَهُ لنفسِهِ حينئذٍ‬
‫يكن ث َّ‬
‫خبالفِهِ يف غريِ هذهِ احلالةِ فينفذُ عزله لنفسِهِ وإنْ َلمْ يعلمْ مُولِّيهِ (وال ينعزلُ قاضٍ مبوتِ‬
‫إمامٍ) أعظمٍ وال بانعزالِهِ ِلعِظمِ شدةِ الضررِ بتعطيلِ احلوادثِ وخرجَ باإلمامِ القاضي‬
‫فينعزلُ نوابُهُ مبوِتهِ (وال يُقبلُ قول متولّ يف غريِ حملِ واليتِهِ) و ُهوَ خارجَ عملِهِ‬
‫(حَكَمتُ ب َكذَا) ألنهُ ال ميلكُ إنشاءَ احلكمِ حينئذٍ فال ينفذُ إقرارُهُ بِهِ وأ َخذَ الزركشي‬
‫مِنْ ظَاهرِ كال ِمهِمْ أنَّه إذا وُلِّي بِبلدٍ مل يتناولْ مَزارعَها وبساتينَها فلو زَوَّج وَ ُهوَ‬
‫‪169‬‬
‫بأحدِمها مَنْ هي بالب ْلدِ أو عكسه مل َيصُحَّ‪ ،‬قيلَ‪ ،‬وفيهِ نظرَ قالَ شيخُنا والنظرُ واضحٌ‬
‫بلِ الذي يتجهُ أنهُ إن عُلمت عادةٌ بتبعيةٍ أو عدمها فذلَك وإال اجتهَ ما ذكرَهُ اقتصاراً‬
‫على ما نصَّ َلهُ عَليهِ وأف َهمَ قولُ املنهاجِ أَنهُ يف غريِ حملِّ واليتِهِ كمعزولٍ أن ال ينفذَ‬
‫منهُ فيهِ تصرفٌ استباحَهُ بالواليةَ كإِجيارِ وَقفٍ نظرهُ للقاضي وبيعِ مالِ يتيمٍ وتقريرٍ يف‬
‫وظيفةٍ‪.‬‬
‫قال شيخنا وهو ظاهرٌ (ك) ما ال يقبلُ قولُ (معزولٍ) بعدَ انعزالِهِ وحمكم بعد‬
‫ك إنشاءَ احلكمِ حينئذٍ فال يُقبلُ إقرا ُرهُ‬ ‫مفارقَةِ مَجلسَ حكمِهِ حكمتُ بكذا ألنهُ ال ميل ُ‬
‫بهِ وال يُقبلُ أيضاً شهادةُ كلٍ منهما حبكمِهِ ألنهُ يشهدُ بفعلِ نفسِهِ إال إن شَهدَ حبكم‬
‫حاكمٍ وال يعلمُ القاضي أنه حُ ْكمَهُ فتقبلُ شهادتُهُ إن مل يكُن فاسقاً‪ ،‬فإِنْ عَلمَ القاضي‬
‫أنه حكمَهُ مل تقبلْ شهادتُهُ كما لو صرحَ بهِ ويُقبلُ قولُه مبحلّ حكمِهِ قبلَ عزِلهِ‬
‫ت بكذا‪ ،‬وإن قالَ بعلمي لقدرتِهِ على اإلِنشاءِ حينئذٍ حىت لو قالَ على سبيلِ‬ ‫حكم ُ‬
‫احلكمِ نساءُ هذهِ القريةِ‪ :‬أي احملصوراتِ طوالقٌ مِنَ أزوا ِجهِنَّ قُبِلَ إن كانَ جمتهداً ولو‬
‫يف مذهبِ إمامِهِ وال جيوزُ لقاضٍ أن يتبعَ حُ ْكمَ قاضٍ قبلَهُ صاحلٍ للقضاءِ (وليسوِّ‬
‫القاضي بنيَ اخلصمنيِ) وجوباً يف إكرا ِمهِما وإنْ اختلفا شرفاً وَجوابُ سال ِمهِما‬
‫والنظرُ إِليهِما واإلِستماعُ للكالمِ وطالقةُ الوجهِ والقيامُ فال خيصُّ أحدمها بشيءٍ مما‬
‫ذُكر‪ .‬ولو سلمَ أحدمها انتظرَ اآلخرُ ويُغتفرُ طولُ الفصلِ للضرورةِ أو قالَ لَهُ سلم‬
‫سهُما بنيَ يَديهِ‪.‬‬
‫ح معَهُ وإنْ شرفَ بعلمٍ أو حريةٍ واألوىل أن جيل َ‬ ‫ليجيبهما معًا وال ميز ُ‬
‫ُدمَ األسبقُ فاألسبقُ وجوباً كمفتٍ ومدرِّسٍ فيُقدمانِ‬ ‫[فرع]‪ :‬لو ازدحَم مدَّعونَ ق ِّ‬
‫وجوباً بسبقٍ‪ ،‬فإِن استووا أو ُجهِلَ سابقٌ ُأقْرِعَ وقالَ شيخُنا‪ ،‬وظاهر أن طالبَ فرضَ‬
‫العنيِ معَ ضيقِ الوقتِ يُقدمُ كاملسافرِ‪ .‬ويستحبُّ كونَ جملسِهِ الذي يقضي فيهِ فسيحاً‬
‫بارزاً ويكرهُ أن يتخذَ املسجدَ جملساً للحكمِ صوناً لهُ عنِ اللغطِ وارتفاعِ األصواتِ‪.‬‬
‫(وحرمَ قبولَهُ) أيّ‬
‫ِّ‬ ‫نعم إن اتفقَ عند جلو ِسهِ فيهِ قضيةٌ أو قضيتانَ فال بأس بفصْلِها‬
‫القاضي (هديةَ من ال عادةَ لَهُ ِبهَا قبلَ واليةٍ) أو كانَ له عادةٌ هبا لكنهُ زادَ يف القدرِ أو‬
‫ف (إن كانَ يف حملِهِ) أي حملِ واليتِهِ (و) هديةُ (مَنْ لَهُ خصومةٌ) عندَه أو مَنْ‬ ‫الوص ِ‬
‫صمُ وإنِ اعتادَها قبلَ واليتِهِ ألهنا يف األخريةِ تدعو إىل امليلِ إليهِ‬ ‫أحسَّ مِنهُ بأنه سَيُخا ِ‬
‫ويف األوىل سَبَبُها الوالَيةُ وقد صحتِ األخبارُ الصحيحةُ بتحرميِ هدايا العمال (وإال)‬
‫بأنْ كَا َن من عادتِه أَنه يُهدى إليهِ قبلَ الواليةِ ولو مرةً فقط أو كانَ يف غريِ حملّ واليتِهِ‬
‫أو مل يزدْ املهدي على عادتِهِ وال خُصومَة لَهُ حاضرة وال مترقبة جازَ قبولَهُ ولو‬
‫جهَّزها لَهُ مع رسولِهِ وليسَ لَهُ حماكمةٌ ففي جوازِ قبولِهِ وجهان‪ :‬رَجَّحَ بعضُ شَراحِ‬
‫املنهاجِ احلرمةَ وعُلمَ مما مرّ أنه ال يَح ُرمُ عليهِ قبوهلا يف غريِ عملِهِ وإن كان املُهدي من‬
‫أهلِ عمِلهِ ما ملْ يستشعْر بأهنا مُقدَّمةٌ خلصومةٍ‪ .‬ولو أهدى لَهُ بعدَ احلُ ْكمِ حرمَ القبولُ‬
‫أيضاً إن كان مَجازاةً لَه وإال فال‪ .‬كذا أطلقَهُ بعضُ شراحِ املنهاجِ‪ .‬قال شيخُنا‪:‬‬
‫ويتعنيُ محلُهُ على مهدٍ معتادٍ أهدى إليهِ بعدَ احلُ ْكمِ وحيثُ حرمَ القبولُ أو األخذُ مل‬
‫ميلكْ ما أخذه فريده ملالكِهِ إن وُ ِجدَ وإال فلبيتِ املالِ وكاهلديةِ اهلِبَةِ والضِيافةِ وكذا‬
‫الصَدَقة على األو َجهِ وجوزَ لَهُ السُبكي يف حَلبياِتهِ قبولَ الصدقةِ ممن ال خصومةَ لهُ وال‬
‫عادةَ وَخَصَّهُ يف تفسريِهِ مبا إذا مل يعرفِ املُتَصدِّقُ أنهُ القاضي‪ ،‬وحبثَ غريُهُ القطعَ حبلّ‬
‫أخذِهِ الزكاةَ‪ .‬قالَ شَيخُنا‪ :‬وينبغي تقييدُهُ مبا ُذكِر‪ .‬وتردَّد السُبكيُ يف الوقفِ عليهِ من‬
‫أهلِ عملِهِ والذي يتجهُ فيهِ‪ ،‬ويف النذرِ أنهُ إن عيََّن ُه بامسِهِ وشرطنَا القبولَ كانَ كاهلديةِ‬
‫لهُ‪ .‬ويصحُّ إبراؤهُ عن ديِنهِ‪ .‬إذ ال يُشترطُ فيهِ قبولٌ‪ .‬وَيُكرهُ للقاضي ُحضُورَ الوليمةِ‬
‫اليت خُصَّ هبا وحدَهُ وقالَ مجعٌ‪ :‬حيرمُ أو مع مجاعةٍ آخرينَ ومل يعتد ذلكَ قبلَ الواليةِ‬
‫خبالفِ ما إذا ملْ يُقصدْ هبا خصوصاً كما لو اختذتْ للجريانِ أو العلماءِ و ُهوَ منهمْ أو‬
‫‪170‬‬
‫لعمومِ الناسِ‪ .‬قالَ يف العُبابِ‪ :‬جيوزُ لغريِ القاضي أخذُ هديةٍ بسببِ النكاحِ إن مل‬
‫ط وال طََلبَ‪ .‬اه‪ .‬وفيه نظر‪.‬‬ ‫يشترطْ‪ ،‬وكذا القاضي حيثُ جا َز لَهُ احلضورُ ومل يَشتر ْ‬
‫[تنبيه]‪ :‬جيوزُ ملنْ ال رِزقَ لَهُ يف بيتِ املالِ وال يف غريِهِ وهوَ غريُ متعنيٍ للقضاءِ‬
‫وكانَ عملُهُ مما يُقابَلُ بأُجرةٍ أن يقولَ ال أح ُكمُ بينكما إال بأجرةٍ أو رزقٍ على ما قَالَهُ‬
‫مجعٌ وقال آخرونَ يَح ُرمُ و ُهوَ األحوطُ لكنَّ األولَ أقربُ (وَنقْضُ) القاضي وجوباً‬
‫(حكماً) لنفسِهِ أو غريِهِ إنْ كانَ ذلكَ احلكْمُ (خبالفِ نصّ) كتابٍ أو سُنةٍ أو نصّ‬
‫مقلدِهِ أو قياسٍ جليَ وهو ما قُ ِطعَ فيهِ بإِحلاقِ الفرعِ لألصلِ (أو إمجاعٍ) ومنه ما‬
‫خالفَ شرطَ الواقفِ‪ .‬قالَ السُبكيُ‪ :‬وما خالفَ املذاهبَ األربعةَ كاملخالفِ لإلمجاعِ‬
‫(أو مبرجوحٍ) مِنْ مذهبِهِ فيُظهِرُ القاضي بطُالنَ ما خَالَفَ ما َذكَرَ وإن مل يُرَفعْ إليهِ‬
‫بنحوِ َنقِضتُهُ أو أبطلتُهُ‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬نقلَ العراقيُ وابنُ الصالح اإلمجاعَ على أنهُ ال جيوزُ احلكمُ‪ ،‬خبالفِ‬
‫ضعَ مِنْ فتاوِيهِ وأطالَ وجعلَ ذلكَ‬ ‫وصرحَ السُبكيُ بذلك يف موا ِ‬ ‫الراجح يف املذهب‪َّ ،‬‬
‫من احلكمِ خبالفِ ما أنزلَ اللَّهُ ألنَّ اللَّهَ تعاىل أوجبَ على اجملتهدينَ أن يأخذوا‬
‫بالراجحِ وأوجبَ على غريهِم تقليدَهُم فيما جيبُ عليهِم العملُ بِهِ‪ .‬ونقلَ اجلاللُ‬
‫البلقيين عنْ والدِهِ أنهُ كانَ يُفيت أنَّ احلا ِكمَ إذا حَ َكمَ بِغريِ الصحيحِ من مذهبِهِ َنقَضَ‪.‬‬
‫وقالَ الربهانُ بن ظَهرية‪ :‬وقضيتُهُ واحلالةُ هذهِ أنهُ ال فَرقَ بنيَ أن يعضدَهُ اختيارٌ لبعضِ‬
‫املتأخري َن أو حبثٌ‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬ثان‪ :‬إعلمْ أنَّ املعتمدَ يف املذهبِ للحكمِ والفتوى ما اتفقَ عليهِ‬
‫رجحَهُ األكْثَرُ فاألعلمُ فاألورعُ‪ .‬قالَ‬ ‫الشيخانُ‪ ،‬كما جَزمَ بهِ النو ِويُ فالرافعي فما َّ‬
‫شَيخُنا‪ :‬هذا ما أطلقَ عليهِ حم ِققُو املتأخِرينَ والذي أوصَى باعتمادِهِ مشاخيُنَا‪ ،‬وقالَ‬
‫السمهوديُ‪ :‬ما زالَ مشاخيُنَا يُوصُونَنَا باإلِفتاءِ مبا عليهِ الشيخَانِ وأن نُع ِرضَ عَنْ أكثرِ‬
‫رجحَهُ الشيخانُ وإن‬ ‫ما خولِفا بهِ‪ .‬وقالَ شيخُنَا ابنُ زياد‪ :‬جيبُ علينا يف الغالبِ ما َّ‬
‫ُنقِلَ ع ِن األكثرينَ خالفُهُ (وال يقضي) القاضي أي ال جيوزُ لهُ القضاءُ (خبالفِ علمِهِ)‬
‫وإن قامتْ بهِ بينةٌ كما إذا شَهدتْ برقّ أو نكاحٍ أو ملكِ مَنْ يُعلمُ حريتُهُ أو بينونتها‬
‫أو عدمُ ملكِهِ ألنهُ قاطعٌ ببطالنِ احلكمِ بهِ حينئذٍ واحلكمُ بالباطلِ حم ّر ٌم (ويَقضي) أي‬
‫القاضي ولو قاضي ضَرورَة على األوجهِ (بعل ِمهِ) إن شاءَ‪ :‬أي بظنِهِ املؤكدِ الذي‬
‫ُجوزُ ل ُه الشهادةُ مستنداً إليهِ وإن استفادَ قبلَ واليتِهِ‪ .‬نعم ال يَقضي بهِ يف حدودٍ أو‬ ‫ي ِّ‬
‫تعزيرِ للَّهِ تعاىل كحدّ الزنا أو سرقةٍ أو شربٍ لندبِ السترِ يف أسباهبا‪ .‬أما حدودُ‬
‫ني فيقضي فيها بهِ َسوَاءٌ املالُ وال َقوَدُ وحَدُّ القذفِ‪ .‬وإذا حَكم بعِلمِهِ ال بدَّ أن‬ ‫اآلدمي َ‬
‫يصرح مبستندِهِ فيقولُ علمتُ أن لهُ عليك ما ادَّعاهُ وقضَيتُ أو حكمتُ عليكَ‬
‫بعلمي‪ .‬فإِن تركَ أحدَ هذينِ اللفظنيِ ملْ ينفذْ حكمُهُ كما قاله املاوردي وتبعُوهُ‪( .‬وال)‬
‫يقضي لِنفسِهِ وال (لبعضٍ) من أصلِهِ وفرعِهِ وال لشريكِهِ يف املشتركِ ويَقضي لكلٍ‬
‫منهم غريَهُ من إمامٍ وقاضٍ آخَر ولو نائباً عنهُ دفعاً للتهمةِ (ولو رأى) قاضٍ وكذا‬
‫شاهدٍ (وَرقةٌ فيها حُكْمهُ) أو شَهادََتهُ (مل يعملْ بهِ) يف إمضاءِ حكمٍ وال أداءِ شهادةٍ‬
‫خلطّ وال يَكفي ت َذكّرهُ‬ ‫(حىت يتذكرَ) ما حكَم أو َش َهدَ بهِ إلِمكانِ التزويرِ ومشاهبةِ ا َ‬
‫أن هذا خطَّهُ فقط‪ .‬وفيهما وجهٌ إن كانَ احلُكمُ والشهادةُ مكتوبنيِ يف ورقةٍ مصونةٍ‬
‫عندهُما ووثقَ بأنه خَطَّهُ ومل يداخلْهُ فيه ريبةٌ أَنه يعمِلُ به (ولهُ) أي الشخصُ (حلفٌ‬
‫على استحقاقِ) حقّ له على غريِهِ أو أدائِهِ لغريِهِ (إعتماداً) على إخبارِ عدلٍ و (على‬
‫َخطّ) نفسِهِ على املتعمدِ وعلى خطِّ مأذونِهِ َووَكيلِهِ وشريكِهِ و (مورثِهِ إن وثَقَ‬
‫بأمانتِهِ) بأن علمَ منهُ أنهُ ال يتساهلُ يف شيءٍ مِنْ حقوقِ النَّاسِ إعتضادًا بالقرينةِ‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬والقضاءُ احلاصِلُ على أصلٍ كاذبٍ ينفذُ ظاهراً ال باطناً فال يُحلُّ حراماً‬
‫وال عكسَهُ‪ .‬فلو حَكمَ بشاهدي زورٍ بظاهِرِ العدالَةِ مل حيصلْ حبكمِهِ احلِلُّ باطناً سواء‬
‫املالُ والنكاحُ‪ .‬أما املرّتبُ على أصلٍ صادقٍ فينف ُذ القضاءُ فيهِ باطناً أيضاً قطعاً‪ .‬وجاءَ‬
‫يف اخلرب‪ُ :‬أمِرتُ أن أحكمَ بالظاهرِ واللَّهُ يتولَّى السرائرَ‪ .‬ويف شرحِ املنهاجِ لشيخِنا‪:‬‬
‫ويلزمُ املرأة احملكُومَ عليها بنكاحٍ كاذبٍ اهلربُ بَلْ والقَتلُ وإنْ قدرتْ عليهِ كالصائلِ‬
‫ت فال إثَم (والقضاءُ على غائبٍ)‬ ‫على البُضعِ وال نظرَ لكونِهِ يعتقدُ اإلِباحةَ‪ ،‬فإِنْ أُكرِ َه ْ‬
‫عَنْ البلدِ وإنْ كانَ يف غريِ عمِلهِ أو عنِ اجمللس بتوارٍ أو تعززٍ (جائزٌ) يف غريِ عُقوبةِ‬
‫اللَّهِ تعاىل (إن كان ملدعِ حجةٍ ومل يقلْ ُهوَ) أي الغائبُ (مقرٌّ) باحلقّ بل ادعى‬
‫ك فإِنْ قالَ هو مقرٌّ وأنا أُقيمُ احلجةَ‬ ‫جُحودَهُ وأنه يلزمهُ تسليمُهُ لهُ اآلنَ وأنه مطالبُ ُه بذل َ‬
‫استظهاراً خمافةَ أنْ يُنكرَ أو ليكُتبَ هبا القاضي إىل قاضي بلدِ الغائبِ مل تُسمعْ حجُتهُ‬
‫لتصرحيِهِ باملنايف لسماعِها‪ ،‬إذ ال فائدةَ فيها مع اإلِقرارِ نَعمْ لو كانَ للغائبِ مالٌ حضرَ‬
‫وأقامَ البينةَ على دينِهِ ال ليكتبَ القاضي بهِ إىل حاكمِ بلدِ الغائبِ‪ ،‬بل ليوفيهِ منهُ‬
‫فتُسمعُ وإن قالَ هو مقرٌّ وتُسمعُ أيضاً إن أطلقَ ( َووَ َجبَ) إن كانتِ الدعوى بدَينٍ أو‬
‫عنيٍ أو بصِحةِ عقدٍ أو إبراءٍ كأن أحالَ الغائبُ على مدينٍ لهُ حاضرٌ فادعى إبرا َءهُ‬
‫(حتليفُهُ) أي املُدعي مينيَ اإلستظهارِ إن مل يكنِ الغائبُ متوارياً وال متعززاً (بعدَ) إقامةٍ‬
‫(بنيةِ أن احلقَّ) يف الصور ِة األوىل ثابتٌ (يف ذمتِهِ) إىل اآلن احتياطًا للمحكومِ علي ِه ألنه‬
‫لو حضرَ لرمبا ادعى مبا يربَئهُ‪ .‬ويشترطُ مع ذلكَ أن يقولَ أنه يلزمُهُ تسلي ُمهُ إيلَّ وأنَّهُ ال‬
‫يعلمُ يف شهو ِدهِ قادحاً كفِسقٍ وعَداوةٍ‪ .‬قالَ شيخُنا يف شرحِ املنهاجِ‪ ،‬وظاهرٌ كما قالَ‬
‫البلقيين أنَّ هذا ال يأيت يف الدعوى بعنيٍ بل يَحلفُ فيها على ما يليقُ هبا وكذا حنوَ‬
‫اإلِبراءِ‪ ،‬أما لو كانَ الغائبُ متوارياً أو مُتعززاً فيقضي عليهما بال مينيٍ لتقصريِمها قال‬
‫ضهُم‪ :‬لو كانَ للغائب وكيلٌ حاضرٌ مل يكنْ قضاءٌ عَلى غائبٍ ومل جيبْ مينيٌ (كما‬ ‫بع ُ‬
‫ث خاصٌّ حاضرٌ‬ ‫لو ادعى) شخصٌ (على) حنوِ (صيب) ال ويلَّ لهُ (وميتٍ) ليسَ لهُ وار ٌ‬
‫فإِنهُ حيلفُ ملا مرَّ‪ .‬أما لو كان لنحوِ الصيب ويلٌّ خاصٌّ أو للميتِ وارثٌ خاصُّ حاضرٌ‬
‫كاملٌ إعتربَ يف وجوبِ التحليفِ طلُبهُ‪ ،‬فإِن سكتَ عن طلبها جلهلِ عرفه احلاكمُ مث‬
‫إن مل يطلبها قضى عليهِ بدونِها‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو ادعى وكيلُ الغائبِ على غائبٍ أو حنو صيب أو ميتٍ فال حتليفَ بل‬
‫حيكمُ بالبينةِ ألن الوكيلَ ال يُتصورُ حلفهُ على استحقاقِهِ وال علىَ أن موكّلَهُ يستحقُّهُ‬
‫ولو وقفَ األمرُ إىل حضورِ املوكلِ لتعذرِ استيفاءِ احلقوقِ بالوكالءِ‪ .‬ولو حضرَ‬
‫الغائبُ وقالَ للوكيلِ أبرأَين موكلُكَ أو وفيتُهُ فأخرَّ الطلبَ إىل حضورِهِ ليحلفَ يل أنهُ‬
‫ما أبرأين مل جيب‪ .‬وُأمِرَ بالتسليمِ له مث يثبتُ اإلِبراءُ بعدُ إن كانَ له بهِ حجةٌ ألنهُ لو‬
‫وقفَ لتعذرِ اإلستيفاءِ بالوكالءِ‪ .‬نعم‪ .‬لهُ حتليفُ الوكيلِ إذا ادعى عليهِ علمه بنحوِ‬
‫اإلِبراءِ أنه ال يعلمُ أنَّ موكلَه أبرأه مثالً لصحةِ هذه الدعوى عليهِ (وإذا ثبتَ) عندَ‬
‫حاكمٍ (مالٌ على الغائبِ) أو امليتِ وحكمَ بهِ (ولهُ مالٌ) حاضرٌ يف عملِهِ أو دَيْنٌ‬
‫ثابتٌ على حاضرٍ يف عملِهِ (قضاهُ) احلاكمُ (منهُ إذا طلبَهُ املدعي) ألن احلاكمَ يقومُ‬
‫مقامَهُ ولو باعَ قاضٍ مالَ غائبٍ يف دينهِ فقدمَ وأَبطلَ الدَّينَ بإِثباتِ إيفائِهِ أو بنحوِ‬
‫فسقِ شاهدٍ إستردَّ من اخلصم ما أ َخذَهُ وبَطلَ البيعُ للدينِ على األوجَهِ خالفاً للروياين‬
‫(وإال) يكنْ له مالٌ يف عملِهِ ومل حيكمْ (فإِنْ سألَ املدعي إهناءَ احلالِ إىل قاضي بلدِ‬
‫الغائبِ أجابَهُ) وجوباً وإن كانَ املكتوبُ إليهِ قاضي ضرورةٍ مسارعةً بقضاءِ ح ّقهِ‬
‫(فينهي إليهِ مساعَ بينتِهِ) مث إن عدَّهلا مل حيتج املكتوبُ إليهِ إىل تعديلها وإال احتاجَ إليهِ‬
‫ليح ُكمَ هبا مث يستويف احلقَّ وخرجَ هبا علمه فال يكتبُ بهِ ألنه شاهدٌ اآلن ال قاضٍ‪.‬‬
‫ذكرَهُ يف العدةِ وخالفَهُ السرخسي واعتمدهُ البلقيين ألن علمَهُ كقيامِ البينةِ ولهُ على‬
‫‪172‬‬
‫األوجَهِ أن يكُتبَ مساعَ شاهدٍ واحدٍ ليسمعَ املكتوبُ إليهِ شاهداً آخر أو حيلِّفهُ وحيكمُ‬
‫لهُ (أو) يَنهي إليهِ (حكماً) إن حكمَ (ليستويف) احلقَ ألنَّ احلاجةَ تدعو إىل ذلكَ‬
‫(واإلِهنا ُء أنْ يُشهدَ) ذَكرَين ( َع ْدلَنيِ بذلكَ) أي مبا جرى عندَهُ من ثبوتٍ أو حكمٍ وال‬
‫يكفي غري رجلنيِ ولو يف مالٍ أو هاللِ رمضانَ‪ .‬ويستحبُّ كتابٌ به يَذكُرُ فيهِ ما‬
‫يَتميزُ ب ِه احملكومُ عليهِ من إسمٍ أو نسبٍ وأمساءِ الشهودِ وتارخيِهِ واإلِهناءُ باحلكمِ من‬
‫احلاكمِ ميضي مع قربِ املسافةِ وبُعدِها ومساعُ البينةِ ال يُقبلُ إال فوقَ مسافةِ العدوى‪.‬‬
‫إذ يسهُل إحضارُها مع القربِ وهي اليت يرجعُ منها مبكراً إىل حمله ليالً فلو تعسرَ‬
‫ض قُبلَ اإلِهناءُ‪.‬‬
‫إحضا ُر البين ِة م َع القربِ بنحو مر ٍ‬
‫[فرع]‪ :‬قال القاضي وأقرَّهُ لو حضرَ الغرميُ وامتنعَ مِن بيعِ مالِهِ الغائبِ لوفاءِ دَينِهِ‬
‫بهِ عندَ الطلبِ ساغَ للقاضي بيعُهُ لقضاءِ الدَّينِ وإن مل يكنِ املالُ مبح ّل واليتِهِ‪ ،‬وكذا‬
‫إن غابَ مبحلِّ واليتِهِ كما ذكرهُ التاجُ السُّبكيُ والغَزي وقاال خبالفِ ما لو كان بغريِ‬
‫حملِّ واليتِهِ ألنهُ ال ميكنُ نيابتهُ عنهُ يف وفاءِ الدينِ حينئذٍ وحاصلُ كال ِمهِما جوازُ البيع‬
‫إذا كانَ هوَ أو مالُهُ يف حملّ واليتِ ِه ومَْنعَهُ إذا خرجا عنها‪.‬‬
‫[مهمة]‪ :‬لو غابَ إنسانٌ من غريِ وكيلٍ ولهُ مالٌ حاضرٌ فأهنى إىل احلاكمِ أنه إن‬
‫مل يبعْهُ اختلَّ معظمُهُ لزمَهُ بيعَهُ إن تعنيَ طريقاً لسالمتِهِ وقد صرحَ األصحابُ بأن‬
‫القاضي إمنا يتسلطُ على أموالِ الغائبنيَ إذا أشرفت على الضياعِ أو مستِ احلاجةُ إليها‬
‫يف استيفاءِ حقوقٍ ثَبَتتْ على الغائبِ وقالوا مث يف الضياعِ تفصيلٌ فإن امتدتِ الغيبةُ‬
‫وعسرت املراجعةُ قبلَ وقوعِ الضياعِ ساغَ التصرفُ وليس مِنَ الضياعِ اختاللُ ال‬
‫حةِ واإلختالَلِ‬ ‫يؤدي لتلفِ املعظمِ ومل يكن سارياً إلمتناعِ بيعِ مالِ الغائبِ جملردِ املصل َ‬
‫املؤدي لتلفِ املعظمِ ضياعٌ نعم احليوانُ يُباعُ جملردِ تطرقِ اختاللٍ إليهِ‪ .‬حلرمةِ الروحِ‬
‫وألنهُ يباعُ على مالِكِه حبضرتِهِ إذا مل ينفقْ عليهِ ولو نُهيَ عن التصرُفِ يف مالِهِ امتنعَ‬
‫إال يف احليوانِ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬يَحبسُ احلاكمُ اآلبقَ إذا وجدَهُ انتظاراً لسيدِهِ فإِن أبطأَ سيدُهُ با َعهُ‬
‫س لَهُ غريُ الَثمَنِ‪.‬‬‫احلاكمُ وحفظَ مثن ُه فإِذا جاءَ سَيدُ ُه فلي َ‬

‫الدعوى لغةً‪ ،‬الطلبُ وأِلفُها للتأنيثِ وشرعاً‪ :‬إخبارٌ عَنْ وجوبِ حقّ على غ ِريهِ‬
‫عند حاكمٍ‪ .‬ومجعُها دعاوي بفتحِ الواوِ وكسرِهَا كفتاوى‪ .‬والبينةُ شهودٌ مسوا هبا ألنَّ‬
‫هبم يتبنيُ احلقُّ ومجعوا الختالفِ أنوا ِعهِم‪ .‬واألصلُ فيها خربُ الصحيحني‪ :‬وَلو يُعطى‬
‫الناسُ بدعواهُم الدَّعى أناسٌ دماءَ رِجالٍ وأموالِهم لكنَّ اليمنيَ على املدعى عليه‪ .‬ويف‬
‫روايةٍ‪ :‬البينةُ على املُدعي واليمنيُ عَلَى مَنْ أنكرَ (املُدعي مَنْ خَالفَ قولُهُ الظاهر) و ُهوَ‬
‫براءةُ الذِمَّةِ (واملُدَّعى عَليهِ مَنْ وافقَهُ) أي الظاهرُ‪ .‬وشَرطُهُما تكليفٌ والتزامٌ لألَحكامِ‬
‫فليسَ احلريبُ مُلتزماً لألحكامِ خبالفِ الذمي‪ .‬مثَّ إن كانت الدعوى قَوداً أو حَدَّ قذفٍ‬
‫أو تعزيراً وجبَ رفعُها إىل القاضي وال جيوزُ للمستحقّ االستقاللُ باستيفائِها لعظمِ‬
‫اخلطرِ فيها وكذا سائرَ العقودِ والفسوخِ كالنكاحِ والرجعةِ وعيبِ النكاحِ والبيعِ‪.‬‬
‫واستثىن املاورديُ مَنْ َب ُعدَ عنِ السلطانِ فلهُ استيفاءُ حدِّ قذفٍ أو تعزيرٍ (ولَهُ) أي‬
‫للشخصِ (بال خوفِ فتنةٍ) عليهِ أو على غريِهِ (أخذُ مالِهِ) إستقالالً للضرورةِ (منْ)‬
‫مالِ مُدينٍ لهُ مقرّ (مماطلٍ) بهِ أو جاحدٍ لَهُ أو مُتوارٍ أو متعززٍ وإن كانَ على اجلاحِد‬
‫بينةٌ أو رجا إقرارُهُ لو رفعَهُ للقاضي إلِذنِهِ هلندٍ ملا ش َكتْ إليهِ شحَّ أيب سفيانَ أن تأخذ‬
‫ما يكفيها وولدَهَا باملعروفِ وألنَّ يف الرفعِ للقاضي مشقةً ومؤنةً وإمنا جيوزُ لهُ األخذُ‬
‫من جنسِ حقّهِ مثَّ عِندَ تعذرِ جنسِهِ يأخذُ غريَهُ‪ .‬ويتعنيُ يف أخذِ غريِ اجلنسِ تقدميُ النقدِ‬
‫‪173‬‬
‫على غريِهِ مث إن كانَ املأخوذُ من جنسِ مالِهِ يتملكُه ويتصرفُ فيه بدالً عنْ حقّهِ فإِنْ‬
‫سهِ فيبيعُهُ الظافرُ بنفسِهِ أو مأذوِنهِ للغريِ ال لنفسِهِ إتفاقاً وال حملجورِهِ‬ ‫كانَ مِنْ غريِ جن ِ‬
‫إلمتناعِ تويل الطرفني وللتهمةِ‪ .‬هذا إن مل يتيسر علمُ القاضي بهِ لعدمِ علمِهِ وال بينةٍ‬
‫أو مع أحدِمها لكنهُ حيتاجُ ملؤنةٍ ومشقةٍ وإال اشترطَ إذنُهُ والببيعُهُ إال بنقدِ البلدِ (مث إن‬
‫كانَ جنسُ حقّهِ متلكَهُ) وإال اشترطَ جنسُ ح ّقهِ وملكِهِ ولو كانَ املدينُ حمجوراً عليهِ‬
‫بفلسٍ أو ميتاً وعليهِ دَينٌ مل يأخذ إذ ق ّدرَ حصتِهِ باملضاربةِ إن عِلمَها وإال احتاطَ ولهُ‬
‫األخذُ من مالِ غرميِ غرميِهِ إن مل يظفرْ مبالِ الغرميِ وجحدَ غرميُ الغرميِ أو ماطل وإذا‬
‫جازَ األخذُ ظَفراً جازَ له كسرُ بابٍ أو قفلٍ ونقبُ جدارٍ للمُدينِ إنْ تعنيَ طريقاً‬
‫للوصو ِل إىل األخذِ وإن كانَ معهُ بينةً فال يضمنهُ كالصائلِ وإن خافَ فتنةً أي‬
‫مفسدةَ تفضي إىل مُحرمٍ كأخذِ مالِهِ لو اطلعَ عليهِ وجبَ الرفعُ إىل القاضي أو حن ِوهِ‬
‫لتمكنَهُ مِنَ اخلالصِ بهِ ولو كانَ الدَّينُ على غريِ ممتنعٍ من األداءِ طالبَهُ ليؤدِي ما عليهِ‬
‫ردهُ وضَمنَهُ‬ ‫فال حيلُّ أخذُ شيءٍ له ألنَّ لهُ الدفعُ من أي ماِلهِ شاءَ فإِنْ أخذَ شيئاً لَز َمهُ ُّ‬
‫إن تلفَ ما مل يوجدْ شرطُ التقاصِ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬له استيفاءُ دَينٍ لهُ على آخر جاحدٍ له بشهودِ دينٍ آخرَ لهُ عليهِ قضى‬
‫من غريِ علمهِم ولهُ جحدُ من جحدَهُ إذا كانَ له على اجلاحدِ مثلَ مالِهِ عليهِ أو أكثرَ‬
‫فيحص ُل التقاصُ للضرورةِ فإِن كانَ لهُ دونَ ما لآلخرِ عليهِ ُجحِدَ مِن حقّهِ بقدرِهِ‬
‫(وشُرِط للدعوى) أي لصحتِها حىت تسمعَ وحتوجَ إىل جوابٍ (بنقدٍ) خالصٍ أو‬
‫مغشوشٍ (أو دَينٍ) مثلي أو متقومٍ (ذِكرُ جنسٍ) مِنْ ذهبٍ أو فِضةٍ (ونوعٍ) وصحةٍ‬
‫وتكسرٍ إن اختلفَ هبما غرضٌ (وقدرٌ) كمائةِ درهمٍ فضةٍ خالصةٍ أو مغشوشةٍ أشرفيةٍ‬
‫أطالبُهُ هبا اآلنَ ألنَّ شرطَ الدعوى أنْ تكونَ معلومةً وما عُِلمَ وزنُهُ كالدينارِ ال يُشترطُ‬
‫التعرضَ لوزنِهِ وال يشترطُ ذِكرُ القيمةِ يف املغشوشِ وال تُسمعُ دعوى دائنٍ مفلسٍ‬
‫ثبتَ فلسُهُ أنه وجدَ ماالً حىت يبنيَ سببُهُ كإِرثٍ واكتسابٍ وقدره (و) يف الدعوى‬
‫صفَةٍ) بأنْ يَصفَها املدَعي بصفاتِ‬ ‫(بعنيٍ) تنضبطُ بالصفاتِ كحبوبٍ وحيوانٍ ذكرُ ( ِ‬
‫سلمٍ وال جيبُ ذكرُ القيمةِ فإِن تلفتِ العنيُ وهي متقومةٌ وَ َجبَ ذكر القيمةِ معَ اجلنسِ‬
‫كعبدٍ قيمتُهُ كذا (و) يف الدعوى (بعقارٍ) ذكرُ (جهةٍ) وحملةٍ (وحدودٍ) أربعةٍ فال‬
‫يكفي ذكرُ ثالثةٍ منها إذا ملْ يُعلم إال بأربعةٍ فإِن عُلم بواحدٍ منها كفى بل لو أغَنتْ‬
‫شهرتُهُ عن حتديدِهِ مل جيبْ (و) يف الدعوى (بنكاحٍ) على امرأةٍ ذِكرُ صحِتهِ وشرو ِطهِ‬
‫مِنْ حنوِ (ويلٍ وشاهدينِ عُدولٍ) ورضاها إن شرط بأن كانتْ غريَ مُجربةٍ فال يكفي‬
‫فيهِ اإلطالقُ فإِنْ كانت الزوجةُ أمةً وجبَ ذِكرُ العجزِ عن مهرِ حرةٍ وخوفِ العنتِ‬
‫وأنه ليسَ حتتَهُ حرةً (و) يف الدعوى (بعقدٍ مايل) كبيعٍ وهبةٍ ذكرُ صحتِهِ وال حيتاجُ‬
‫إىل تفصيلٍ كما يف النكاحِ ألنه أحوطُ حُكماً منهُ (وتلغو) الدعوى (بتناقضٍ) فال‬
‫يُطلبُ من املُدَّعى عليه جواَبهَا (كشهادةٍ خالَفتِ) الدعوى كأن ادعى مُلكاً بسببٍ‬
‫فذكَر الشاهدُ سبباً آخرَ فال تسمعُ ملنافاتِها الدعوى وقضيتُهُ أنهُ لو أعادَها على وفقِ‬
‫الدعوى قُبلتْ وبهِ صرَّح احلضرمي واقتضاهُ كالمُ غريِهِ وال تُبطلُ الدعوى بقولِهِ‬
‫شُهودي فسقةٌ أو مبطلونَ فلهُ إقامةُ بينةٍ أخرى واحللفُ (ومَنْ قا َمتْ عليهِ بينةٌ) حبقّ‬
‫(لَيسَ ل ُه حتليفُ املُدَّعِي) على استحقاقِ ما ادَّعاهُ حبقّ ألنهُ تكليفُ حجةٍ بعدَ حجةٍ‬
‫فهو كالطعنِ يف الشهودِ نعم له حتليفُ املُدينِ َمعَ البينةِ بإِعسارِهِ جلوازِ أنَّ لهُ ماالً باطناً‬
‫ولو ادعى خصمُهُ مُسقِطاً له كأداءٍ لَهُ أو إبراءٍ منهُ أو شرائِهِ منهُ فَيَحلفُ على نفي ما‬
‫ادعاهُ اخلصمُ الحتمالِ ما يدعيهِ وكذا لو ادّعَى خصمُهُ عليهِ عِلمَهُ بفسقِ شَاهدِهِ أو‬
‫كذبِهِ وال يتوجهُ حلفٌ على شاهدٍ أو قاضٍ ادَّعَى كذبُهُ قطعاً ألنه يؤدي إىل فسادٍ‬
‫عامٍ‪ .‬ولو نكَل عَنْ هذِهِ اليمني حلفَ ا ُملدّعى عليهِ وبَطلتِ الشهادةُ (وإذا) طلبَ‬
‫‪174‬‬
‫اإلِمهالَ مَنْ قامتْ عليهِ البينةُ (أمهَلهُ) القاضي وجوباً لكن بكفيلٍ وإال فبالترسيم علي ِه‬
‫إن خيفَ هربُهُ (ثالثةً) من األيامِ (ليأيت بدافعٍ) من نَحوِ أداءٍ أو إبراءٍ ومُكنَ من سف ِرهِ‬
‫ليحضرَهُ إنْ مل تزدْ املدَّةُ على الثالثِ ألهنا ال يعظمُ الضررُ فيها (ولو ادّعى رقَّ بالغٍ)‬
‫عاقلٍ جمهولِ النسبِ (فقالَ أنا حرٌ أصالةً) ومل يكنْ قَد أقرَّ لَهُ بامللِكِ قبلُ وَهو رشِيدٌ‬
‫( َحلَفَ) فَيصدقُ بيمينِهِ وإِن استخدمَهُ قبلَ إنكارِ ِه وَجَرى عليهِ البيعُ مراراً أو تداولتْهُ‬
‫األيدي ملواَفقَتِهِ األصلَ وَ ُهوَ احلريةُ ومِنْ ثُمَّ قُدمتْ بينةُ الرقِّ على بينةِ احلريةِ ألنَّ‬
‫األوىل معها زيادةُ علم بنقلِها عنَ األصلِ وخَرجَ بقويل أصالةً ما لو قال أعتقتين‪ ،‬أو‬
‫أعتقين مَنْ باعين لكَ فال يُصدَّقُ إال ببينةٍ وإذا ثبَتتْ حريُتهُ األصليةُ بقولِهِ ر َجعَ مشتريه‬
‫على باِئعِهِ بثمنِهِ وإن أقرَّ لهُ بامللكِ ألنهُ بَنَاهُ على ظاهرِ اليدِ (أو) ادعى رقَّ (صيبّ) أو‬
‫جمنونٍ كبريٍ (ليسَ يف يدِهِ) َوكَذبَهُ صاحبُ اليدِ (ملْ يُصدَّقْ إال حبجةٍ) من بينةٍ أوْ علمِ‬
‫قاضٍ أو مينيٍ مردودةٍ ألنَّ األصلَ َع َدمَ املُلكِ‪ .‬فلو كانَ الصيبُّ بيدِهِ أو بيدِ غريِهِ‬
‫َدقَهُ صاحبُ اليدِ حَلَفَ خلطرِ شأنِ حلريةِ ما مل يَعرف لَقطه وال أثرَ إلِنكارِهِ إذا‬ ‫َوص َّ‬
‫ف لَقطَه َلمْ يُصدَّقْ إال ببينةٍ‪.‬‬
‫ألن اليدَ حجةٌ فإِن عر َ‬
‫بَل َغ َّ‬
‫[فرع]‪ :‬ال تُسمعُ الدعوى ِبدَينٍ مؤجلٍ إذ ملْ يتعلقْ هبا إلزامٌ ومطالبةٌ يف احلالِ‬
‫وَيُسمعُ قولُ البائعِ املبيعُ َوقْفٌ وكذا ببينة‪ .‬إن مل يصرْح حالَ البيعِ مبلكِهِ وإال ُسمِعتْ‬
‫ف املشتري أنه باعَهُ وهو ملكَهُ‪.‬‬ ‫دعواهُ لتحلي ِ‬
‫(فصل)‪ :‬يف جوابِ الدعوى وما يتعلقُ بِهِ (إذا أقرَّ املُدعى عَلَيهِ ثَبتَ احلقُّ) بال‬
‫حُكمٍ (وإنْ سَكَتَ عن اجلوابِ أمرَهُ القاضي بِهِ) وإنْ مل يسألْ املُدعي (فإِنْ سكتَ‬
‫فكمنكرٍ) فَتُعرضُ عليهِ اليمنيُ‪( ،‬فإِنْ سَ َكتَ) أيضاً ومل يُظهر سبََبهُ (فناكِلٌ) فيحلفُ‬
‫املُدعي وإنْ أنكرَ اشترطَ إنكارَ ما ادعى عليهِ وأَجزائِهِ إنْ تَجزأَ (فإِنّ ادَّعى) عليهِ‬
‫(عَشرَةً) مثالً (مل يكفِ) يف اجلوابِ (ال تلزمين) ال َعشَرةُ (حىت يقولَ وال بعضها وكذا‬
‫توج َهتِ اليمنيُ عليهِ ألنَّ مُدَّعيها مُدَّعٍ لكلِ جزءٍ منها فال بدَّ أنْ يطابقَ‬‫يَحلِفُ) إنْ َّ‬
‫اإلِنكارَ واليمنيَ دعواه‪ ،‬فإِنْ حلَفَ على نفي ال َعشَرَةِ واقتصرَ عليهِ فناكلٌ عما دونِها‬
‫فيحلفُ املُدَّعي على استحقاقِ ما دونَ العشر ِة ويَأخذَه ألَنَّ النكولَ عنِ اليمنيِ‬
‫كاإلِقرا ِر (أو) ادَّعى (ماالً) مضافاً لسببٍ كأقرضتُكَ كذا (كفاهُ) يف اجلوابِ (ال‬
‫تَسَتحِقُّ) أنتَ (عليَّ شيئاً) أو ال يلزمُين تسليمُ شيءٍ إليكَ‪ ،‬ولو اعترفَ بهِ وادّعى‬
‫مُسقطاً طَوِلبَ بالبينةِ‪ .‬ولو ادَّعى عليهِ وَديعةً فال يكفي يف اجلوابِ ال يَلزمين التسليمُ‬
‫بلْ ال تستحقُّ عليَّ شيئاً وحيلفُ كما أجابَ ليطابقَ احللفُ اجلوابَ‪ .‬ولو ادَّعى عليهِ‬
‫ماالً فأنكَرَ وَطََلبَ منهُ اليمنيَ فقالَ ال أحلفُ وأَعطى املالَ مل يلزمْهُ قبولَهُ من غريِ إقرارٍ‬
‫وَلهُ حتليفَهُ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو ادَّعى عليهِ عيناً فقالَ ليستْ يل أو هي لرجلٍ ال أعرفهُ أو إلبين الطفل‬
‫أو وقفٌ على الفقراءِ أو مسجدِ كذا وهوَ ناظرٌ فيهِ فاألصحُّ أنهُ ال تنصرفُ اخلصومةُ‬
‫عنهُ وال تُنزَعُ العنيُ منهُ بلْ حيُلفهُ املُدعي أنهُ ال يلزمهُ التسليمُ للعنيِ رجاءَ أنْ يقرَّ أو‬
‫ينكلَ فيحلفُ املُدَّعي وتثبتُ لهُ العنيُ يف األولنيِ والبدلُ للحيلولة يف البقيةِ أو يقيمَ‬
‫املُدعي بينةً أهنا لهُ‪ .‬ولو أصرَّ املُدعى عليه على سكوتٍ عن جوابٍ للدعوى فناكلٌ إن‬
‫حَ َكمَ القاضي بنكولِهِ (وإذا ادَّعيا) أي إثنانِ أي كلٌ منهما (شيئاً يف يدِ ثالثٍ) مل‬
‫يُسندْهُ إىل أحدِمها قبلَ البينةِ وال ب َعدَها (وأَقاما) أي كلٌ منِهما (بينة) به ( َسقَطتا)‬
‫ضهِما وال مُرجِّحُ فكانَ كما ال بينة فإِنْ أقرَّ ذو اليدِ ألحدِمها قبلَ البينةِ أو بَعدهَا‬ ‫لتعار ِ‬
‫رُجِّحتْ بينتُهُ (أو) ادَّعيا شيئاً (بيدِهِما) وأقاما بينتنيِ (فهوَ هلما) إذ ليسَ أحدُهُما أوىل‬
‫بهِ مِنَ اآلخرِ أما إذا مل يكُنْ بيدِ أَحدٍ وَ َش ِهدَتْ بينةُ كلّ لَهُ بالكلّ فَيُجعلُ بينهما‪.‬‬
‫وَحملُّ التساقطِ إذا وقعَ تعارضٌ حيُث مل يتميز أحدُهُما مبُرجحٍ وإال قدَم و ُهوَ بيانُ نقلِ‬
‫‪175‬‬
‫امللكِ مث اليدُ فيهِ للمُدعي أو ملنْ أقرَّ لهُ بهِ أو انتقلَ لهُ منه مث شاهدان مثالً على شا ِهدٍ‬
‫ومينيٍ مث سبَقَ مُلكُ أحدِهِما بذكرِ زمنٍ أو بيانِ أنهُ ُوِلدَ يف مُلكِهِ مثالً ثُمَّ بذكرِ سببِ‬
‫امللكِ (أو) ادعيا شيئاً (بيدِ أَ َحدِهِما) تصرفاً أو إمساكاً (ُقدِمتْ بينتُهُ) مِنْ غريِ مينيٍ‬
‫وإنْ تأخرَ تارخيُها أو كاَنتْ شاهداً ومييناً وبينةُ اخلارجِ شَاهدينِ أو مل تُبيَّن سببَ‬
‫امللكِ مِنْ شِراءٍ و َغريِهِ ترجيحاً لبينةِ صاحبِ اليدِ بيدِهِ ويُسمَّى الداخلُ وإن حكم‬
‫ب مُلكِهِ‪ .‬نَعمْ لو ش َهدَتْ بينةُ اخلارجِ‬ ‫باألوىل قبلَ قيامِ الثانيةِ أو بينت بينةُ اخلارجِ سَب َ‬
‫بأنَّهُ أشتراهُ مِنهُ أو مِنْ باِئعِهِ مثالً قُدِّمتْ لبطالنِ اليدِ حينئذٍ ولو أقامَ اخلارِجُ بينةً بأنَّ‬
‫ك قُدِّمتْ ومل تنفعْهُ بينتُهُ باملُلكِ إال إ ْن ذكرتْ إنتقاالً ممكناً من املقرِّ‬ ‫الداخلَ أقرّ لهُ باملل ِ‬
‫لهُ إليهِ (هذا إنْ أقامَها بعدَ بينةِ اخلارجِ) خبالفِ ما لو أقامَها قَبْلَها ألهنا إمنا تُسمعُ‬
‫ت كافيةً‪.‬‬
‫ألن األصلَ يف جانبِ ِه اليمنيَ فال يعدلُ عَنْها ما دام ْ‬ ‫بعدَها َّ‬
‫[فروع]‪ :‬لو أزيلتْ يدُهُ ببينةٍ مثَّ أقامَ بينةً مبلكِهِ مستنداً إىل ما قبلَ إزالةِ يدِهِ‬
‫واعتذرَ بغيبةِ شهودِهِ أو جهلِهِ ِبهِم ُس ِم َعتْ وُقدّ َمتْ إذْ ملْ تزلْ إال ِل َع َدمِ احلجةِ وقد‬
‫ظَهرتْ فينقضُ القضاءُ‪ ،‬لكنْ لو قالَ اخلا ِرجُ هو مُلكي اشتريتُهُ منكَ فقالَ الداخلُ بلْ‬
‫هوَ ملكي وأقاما بينتني مبا قاال قُدم اخلارجُ لزيادةِ علم بينتِهِ بانتقالِ امللكِ وكذا‬
‫قُدِّمت بينتُهُ لو شَ ِهدَتْ أنهُ ملكهُ وإمنا أودَعَهُ أو أجرَهُ أو أعارَهُ للداخل أو أنهُ أو بائعُهُ‬
‫غصبَهُ منهُ وَأُطلِقتْ بينةُ الداخلِ‪ .‬ولوْ تَدَاعيا دابةً أو أرضاً أو داراً ألحدهِما متاعٌ فيها‬
‫أو احلملُ أو الزرعُ قدمتْ بينتُهُ على البينةِ الشاهدةِ بامللكِ املطلقِ إلنفرادِهِ باإلنتفاعِ‬
‫فاليدُ لَهُ فإِن اختصَّ املتاعُ ببيتٍ فاليدُ لَهُ فيهِ فقط‪ .‬ولو اختلفَ الزوجانِ يف أمتعةِ‬
‫البيتِ ولو بَعدَ الفُرقةِ وال بينةَ وال اختصاصَ ألحدِمها بيدٍ فلكلّ تَحلِيفُ اآلخر‪ ،‬فإِذا‬
‫حَلفا ُجعِل بينهُما وإنْ صلحَ ألحدِهِما فقط أو حَلَفَ أحدُهُما قضَى لَهُ كما لو‬
‫اختصَّ باليدِ وحَلَفَ (وتُرجحُ) البينةُ (بتاريخٍ سابِقٍ) فلو َشهَدتْ البينةُ ألَحدِ املتنازِعَنيِ‬
‫ني بيدِهِما أو يدِ ثالثٍ أو ال بيدِ أحدٍ مبلكٍ مِنْ سنةٍ إىل اآلنَ وَشَهدتْ بَينةٌ أُخرى‬ ‫يف ع ٍ‬
‫لآلخر مبلكٍ هلا مِنْ أكثرَ مِنْ سنةٍ إىل اآلن كسنتنيِ فترجِعُ بينةُ ذي األكثرِ ألهنا أَثبَتتِ‬
‫ضهَا فيه األخرى ولصاحبِ التاريخِ السابقِ أجر ٌة وزيادةٌ حادثةٌ‬ ‫امللكَ يف وقتٍ ال تُعار ُ‬
‫من يومِ مل ِكهِ بالشهادةِ ألهنا فوائدُ ملكِهِ وإذا كانَ لصاحبِ متأخرةِ التاريخِ يدٌ مل‬
‫يُعلمْ أهنا عادية قُدمتْ على األصحِ‪ .‬ولو ادَّعى يف عنيٍ بيدِ غريِهِ أنهُ اشتراها مِنْ زيدٍ‬
‫مِنْ منذُ سنتنيِ فأقامَ الداخلُ بينةً أنهُ اشتراهَا مِنْ زيدٍ منْ منذُ سَنةٍ قُد ِمتْ بينةُ اخلارجِ‬
‫ألهنا أَثبَتتْ أنَّ يدَ الداخلِ عادِيةٌ بِشراِئهِ مِنْ زيدٍ ما زالَ ملكَهُ عنهُ ولو احتدَ تار ُخيهُما‬
‫ُدمَ ذو اليدِ ولو شهدتْ بينةً مبلكٍ أمسَ ومل تتعرضْ للحالِ مل‬ ‫أو أُطِلقَتَا أو إحداهُما ق ِّ‬
‫تُس َمعْ كما ال تُس َمعُ دعواهُ بذلكَ حَتَى نقولَ ومل يزلْ ملكُهُ أو ال نعلمُ لَهُ مُزيالً أو‬
‫تَبنيَ سَبَبُهُ كأن تقولَ اشترَاهَا مِنْ خصمِهِ أو أقرَّ لَهُ بهِ أمسُ ألنَّ دعوى املُلكِ السابقِ‬
‫ال تُس َمعُ فكذا البينةُ‪ .‬ولو قالَ مَنْ بيدِهِ عَنيٌ اشتريتُها مِنْ فالنٍ منْ منذُ شهرٍ وَأقامَ بهِ‬
‫بينةً فقالتْ زوجةُ الباِئعِ مِنهُ هي ملكي تَعوضتُها منهُ من منذُ شهرينِ وأقامتْ بهِ بينةً‪،‬‬
‫فإِن ثبتَ أَهنا بيدِ الزوجِ حالَ التعويضِ حُ ِكمَ هبا هلا وإال بقيتْ بيدِ مَنْ هي بِيدهِ اآلنَ‬
‫(و) ترجحُ (بشاهدينِ) وشاهدٍ وامرأتنيِ وأرَبع ِنسَوةٍ فيما يُقبَلنَ فيهِ (على شاهدٍ َمعَ‬
‫مينيٍ) لإلِمجاعِ على قبولِ مَنْ ُذكِرَ دُونَ الشا ِه ِد واليمني (ال) تُرجَّحُ (بزيادةٍ) حنوَ‬
‫قدرَهُ الشرعُ ال خيتلفُ بالزيادةِ والنقصِ‬ ‫عدالةٍ أو َعدَدِ (شُهودٍ) بل تتعارضانِ ألنَّ ما َّ‬
‫وال برجلنيِ على رجلٍ وامرأتنيِ وال على أربعِ نِسوةٍ (وال) بينةٍ (مؤرخةٍ على) بينةٍ‬
‫(مُطلقةٍ) مل تَتَعرْض لزمنِ امللكِ حيثُ ال يدَ ألحدِهِما واستويَا يف أنَّ لكل شاهدينِ‬
‫ومل تُبنيْ الثَانيَة سََببَ امللكِ فتَتَعارضانِ‪ .‬نعم لو َش ِهدَتْ إحداهُما بدَينٍ واألُخرى‬
‫حتْ بينةُ اإلِبراءِ ألهنا إمنا تكونُ بعدَ الوجوبِ‪ .‬واألصلُ عدمَ تعددِ الدَّين‬ ‫باإلِبراءِ رُج َ‬
‫‪176‬‬
‫جبُ ألفَانِ ولو أثبتَ إقرارُ زيدٍ لَهُ بدَينٍ فأثبَت‬ ‫ولو شَهدَتْ بينةٌ بألفٍ وَبينَةٌ بألفَنيِ َي ِ‬
‫ث الدَي ِن بعدُ‪.‬‬
‫زَيدٌ إقرارَهُ بأنه ال شي َء لَهُ عليهِ مل يؤثرْ إلحتمالِ حدو ِ‬
‫[فروع]‪ :‬لو أقامَ بينةً مبلكِ دَابةٍ أو شجرةٍ مِنْ غريِ تعرضٍ مبلكٍ سابقٍ بتاريخٍ مل‬
‫يستحَقَّ مثرةً ظاهرةً وال ولداً منفصالً عِندَ الشهاد ِة ويستحقُّ احلَملُّ والَثمَر غريَ الظاهرِ‬
‫ضتْ مللكٍ سابقٍ على حُدوثِ ما ذُكرَ فيستَحقُهُ‬ ‫عِندَها تبعاً لألم واألصلِ‪ ،‬فإِذا تَعر َ‬
‫ولو اشترى شيئاً فأخذَ منهُ حبجةٍ غريَ إقرارٍ رجع على بائعِهِ الذي مل يُصدِقهُ وال أقامَ‬
‫بَينةً بأن ُه اشتراهُ مِنَ املُدعي ولو بَعدَ احلُكمِ بِهِ بالثمنِ خبالفِ ما لو أ َخذَ مِنهُ بإِقرارِهِ أو‬
‫حبلفِ املدعي بعدَ نكولِهِ ألنهُ املقصرُ ولو اشترى قِناً وأقرَّ بأنهُ قنٌّ مث ادَّعى حبريةِ‬
‫األصلِ وحُكمَ لَهُ هبا رجعَ بثمنِهِ على بائعِهِ ومل يضرّ اعترافُهُ برقّهِ ألنهُ مُعتمدٌ فيهِ على‬
‫الظاهِرِ‪ .‬ولو ادعى شراءَ عنيٍ فش َهدَتْ بَينةٌ مبلكٍ مطلقٍ قُبِلتْ ألهنا شَهدتْ باملقصودِ‬
‫وال تناقضَ على األصحّ‪ .‬وكذا لو ادَّعى ملكاً مُطلقاً فشهدَتْ لهُ بهِ معَ سَبَبِهِ ملْ َيضُرَّ‬
‫ني الدعوى والشهادةِ‪.‬‬ ‫وإنْ ذكرَ سبباً وَ ُهمْ سبباً آخرَ ضرَّ ذلك للتناقضِ ب َ‬
‫[فرع]‪ :‬لو باعَ داراً مث قامتْ بينةٌ حسبةٌ أنَّ أباه َوقَفها عليهِ مث على أوال ِدهِ‬
‫انتز َعتْ مِنَ املُشتري وَرجعَ بثمنِهِ على البائعِ ويصرفُ لهُ ما حصلَ يف حياتِهِ مِنَ الغلةِ‬
‫إِن صدَقَ البائعُ الشهودَ وإالَ وُقِّفَتْ‪ ،‬فإِنْ ماتَ مُص ّراً صُ ِرَفتْ ألقربِ الناسِ إىل‬
‫الواقفِ‪ .‬قَالَهُ الرَافعي كالقفالِ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬جتوزُ الشهادةُ بل جتبُ إن احنصرَ األمرُ فِيهِ مبلكٍ اآلنَ للعنيِ املدعاةِ‬
‫استصحاباً ملا سبَقَ منْ إرثٍ وشراءٍ وغريِهِما إعتماداً علي اإلستصحابِ ألنَّ األصلَ‬
‫البقاءَ وللحاجةِ لذلكَ وإال لتعسرَتْ الشهادةُ على األمالكِ السابقةِ إذا تطاولَ الزمنُ‬
‫وحملُّهُ إن مل يُصرحْ بأنهُ اعتمدَ اإلِستصحابَ وإال مل تسمع عندَ األكثرينَ (ولو ادعيا)‬
‫أي كلٌ مِن اثننيِ (شيئاً بيدِ ثالثٍ) فإِنْ أقرَّ بهِ ألحدِمها ُسّلمَ إليهِ ولآلخرِ حتليفَهُ (و)‬
‫إنْ ادعيا شيئاً على ثالثٍ و (أقامَ كلٌ) مِنهُما (بينَةً أنهُ اشتراهُ) مِنهُ وسلمَ مثنَهُ (فإِنْ‬
‫اختلِفَ تار َخيهُما حُ ِكمَ لألَسبقِ) مِنهُما تارخياً ألنَّ َمعَها زيادة علمٍ (وإال) خيتلفُ‬
‫تارخيُهُما بأَنْ أُطلِقتا أو إحداهُما أو أرِّخَتا بتاريخٍ مُتحدٍ ( َسقَطتا) إلستحالةِ أَعماهلُما‬
‫ثُمَّ إنْ أقرَّ هلما أو ألحدِهِما فواضحٌ وإال حلفَ لِكُلٍ مييناً ويرجعانِ عليهِ بالثمنِ لثبوِتهِ‬
‫بالبينةِ ولو قالَ كُلٌّ منهُما واملبيعُ يف يدِ املدعى عليهِ بعِتَكَهُ بكذا وهو ملكي وإال مل‬
‫تُسمعْ الدعوى فَأَنكرَ وأقاما بيننتِ مبا قااله وطلباهُ بالثمنِ فإِن احتدَ تارخيُهما سقَطَتَا‬
‫وإنْ اختلفَ لزمَهُ الثمنانِ‪ .‬ولو قالَ أجرتُكَ البيتَ بعشرةٍ مثالً فقالَ بلْ أجرتَين مجيعَ‬
‫الدارِ بعشرةٍ وأقاما بَينتنيِ تَساقطَتا فيتحالفانِ مثَّ يُفس ُخ العقدُ‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬ال يكفي يف الدعوى كالشهادةِ ذِك ُر الشراءِ إال معَ ذِكرِ ملكِ البائعِ إذا‬
‫كانَ غريَ ذي يدٍ أو مَع ذَكرِ يدِهِ إذا كانتِ اليدُ ل ُه ونُزعَتْ مِنهُ تَعدياً (ولو ادعُوا) أي‬
‫ضهُم (ماالً) عيناً أو ديناً أو منفعةً (ملورِثهِم) الذي ماتَ (وأقاموا‬ ‫كلهُم أو بع ُ‬
‫الورثةُ ُّ‬
‫ضهُم على استحقاقِ مورثِهِ الكُلَّ (أَ َخذَ َنصِيبَهُ وال‬ ‫شاهداً) باملالِ (وحَلفَ) معهُ بع ُ‬
‫يُشارِكُ فيهِ) مِنْ جهةِ البقيةِ ألنَّ احلجَّةَ متت يف حقّهِ وحدهُ وغريِهِ قادرٌ عليها باحللفِ‬
‫وأن مينيَ اإلِنسانِ ال يُعطى هبا غريُه فلو كانَ بعضُ الورثَةِ صبياً أو غائباً حَلفَ إذا بلغَ‬
‫أو حضرَ وأخذَ نصيبَهُ بال إعادةِ دعوى وشهادةٍ ولو أقرَّ بدَينٍ مليتٍ فأخذ بعضُ ورثتِهِ‬
‫قدَر حصتِهِ ولو بغريِ دعوى وال إذنَ منْ حاكمٍ فللبقيةِ مشاركتَهُ ولو أخذَ أحدُ‬
‫شُركائِهِ يف دارٍ أو منفَعتِها ما خيصُّهُ من أجرتِها مل يشاركهُ فيهِ بقيةُ الورثَةِ كما قالهُ‬
‫شيخُنا‪.‬‬
‫(فَصلٌ)‪ :‬يف الشهاداتِ جَمعُ شَهادةٍ‪ .‬وهي إخبارُ الشخصِ حبقٍ على غريِهِ بلفظٍ‬
‫خاصٍ‪( .‬الشهادةُ لرمضانَ) أي لثبوتِهِ بالنسبةِ للصومِ فقط‪( .‬رَجُلٌ) وا ِحدٌ ال امرأةٌ‬
‫‪177‬‬
‫وخُنثى (ولزِنا) ولواطٍ (أربعةٌ) مِنَ الرجالِ يشهدونَ أهنُم رأوهُ أدخلَ ملكفاً خمتاراً‬
‫شفَتَهُ يف فَرجها بالزِنا‪ .‬قَالَ شَيخُنَا‪ :‬والذي يتجهُ أنهُ ال يُشترطُ ذِكرُ زمانٍ ومكانٍ‬ ‫حَ‬
‫إال نْ َذكَرَهُ أحدَهُم فيجبُ سؤالُ الباقنيَ إلِحتمالِ وقُوعِ تناقضٍ يُسقطُ الشهادةَ وال‬
‫ذكَرَ رَأينَا كاملرودِ يف املكحلةِ بل يُسنُّ ويكفي لإلِقرارِ بهِ إثنانِ كغريِهِ (وملالٍ) عيناً‬
‫صدَ بهِ مالٌ) من عقدٍ مايل أو حَقّ مايل (كبيعٍ) و َحوَالةٍ‬ ‫كانَ أو ديناً أو منفعةً (وما ُق ِ‬
‫َوضَمانٍ َووَقفٍ وقَرضٍ وإبراءٍ ( َورَهنٍ) َوصُلحٍ وخيارٍ وأَجَلٍ (رَجالنِ أو رجلٌ‬
‫وامرأتانِ أو رجلٌ ومينيٌ) وال يثبتُ شيءٌ بامرأتنيِ ومينيٍ (ولغريِ ذلكَ) أي ما ليسَ مبالٍ‬
‫وال يُقصدُ منهُ مالٌ من عُقوبةٍ للَّهِ تعاىل كحدِّ شُربٍ وسَرِقةٍ أو آلدمِيٍ َكقَودٍ وحدِّ‬
‫قدفٍ ومنعِ إرثٍ بأنِ ادَّعَى بقيةُ الورثَةِ على الزوجةِ أن الزوجَ خَاَلعَها حىت ال تَرثَ‬
‫منهُ (وملا يظهرُ للرجالِ غالباً كنكاحٍ) ورَجعةٍ (وطالقٍ) مُنجزٍ أو مُعلقٍ وَفسخِ نكاحٍ‬
‫وبلوغٍ (وعتقٍ) وموتٍ وإعسارٍ وقراضٍ ووكال ٍة وكفالةٍ وشركةٍ ووديعةٍ ووصايةٍ‬
‫وردةٍ وانقضاءِ عدّةٍ بأشهرٍ ورؤيةِ هاللٍ غري رمَضانَ وَشَهادة على شهادةٍ وإقرارٌ مبا ال‬
‫يثبتُ إال برجلنيِ (رَجُالنِ) ال رجلٌ وامرأتانِ ملا روى مالكٌ عنِ الزُهري‪ :‬مَضتِ‬
‫السُنةُ مِنْ رسولِ اللَّهِ أنهُ ال جيوزُ شهادةُ النساءِ يف احلدودِ وال يف النكاحِ وال يف‬
‫الطالقِ وقِيسَ باملذكوراتِ َغريَها مما يُشاركُها يف املعىن (وملا يظهرُ للنساءِ) غالباً‬
‫(كوِالدةٍ وحَيضٍ) وبَكارةٍ وثيابةٍ ورضاعٍ وعيبِ امرأةٍ حتتَ ثيابِها (أربعٌ) مِنَ النساءِ‬
‫ضتِ السنةُ بأنهُ‬ ‫(أو رَجُالنِ أو رجلٌ وامرأَتانِ) ملا روى ابنُ أيب شَيبةَ عنِ الزُهري‪َ :‬م َ‬
‫جيوزُ شهادةُ النساءِ فيما ال يطلعُ عليهِ غريهُنَّ من والدَةِ النساءِ وعيوِبهِن وقِيسَ بذلكَ‬
‫غريَهُ وال يثبتُ ذلكَ برجلٍ ومينيٍ‪.‬‬
‫(وسُئِلَ) بعضُ أصحابنا عمَّا إذا شهدَ رَجُالنِ أنَّ فالناً بلغَ عم ُرهُ ستَ َعشَرَةَ سنةً‬
‫فشهدَتْ أربعُ نسوةٍ أنَّ فالنةَ يتيمةً ُولِدتْ شهرَ موِلدِهِ أو قبلَهُ أو بعدَهُ بشهرٍ مثالً‬
‫سهَا برَجُلَنيِ‪.‬‬
‫فهل جيوزُ تزوجيُها إعتماداً على قوهلنَّ أو ال جيوزُ إال بعدَ ثبوتِ بلوغِ نف ِ‬
‫اللهُ بهِ‪ :‬نعم يثبتُ ضمناً بلوغُ م ْن شَهدنَ بوالدَتِها كما يثبتُ النسبُ‬ ‫(فأجاب) َن َفعَنَا َّ‬
‫ضمناً بشهادةِ النساءِ بالوالدَ ِة فيجوزُ تزوجيُها بإِذنِها للحكمِ ببلوغِها شرعاً‪ .‬اه‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو أقا َمتْ شاهداً بإِقرارِ زوجِها بالدُخولِ كَفى حَلفُها َم َعهُ ويثبتُ املهرُ‬
‫أو أقامَ ُه ُهوَ على إقرارِها بهِ مل يكفِ احللفُ معهُ ألن قصدَهُ ثُبوتَ العدةِ والرجعةِ‬
‫وليسا مبالٍ (وشُرِطَ يف شا ِهدٍ تَكليفٌ وحُريةٌ ومُروءةٌ وعدالةٌ) وتيقظٌ فال تُقبلُ مِنْ‬
‫صَيب وجمنونٍ وال ممنْ بهِ رِقٌ لنقصِهِ وال مِنْ َغريِ ذي مروءةٍ ألنهُ ال حياءَ لهُ َومَنْ ال‬
‫حَياءَ لَهُ يقولُ ما شاءَ وهي توقى األدناسُ عُرفاً فيُسقِطُها األكلَ والشُّربَ يف السوقِ‬
‫واملشيَ فيهِ كاشفاً رأسَهُ أو َبدَنَهُ لغريِ سُوقِي َوقِبلةَ احلليةِ بِحضرةِ الناسِ وإكثارَ ما‬
‫ف قليلِ الثالثةِ وال مِنْ فَاسقٍ واختارٍ‬ ‫يُضحكَ بينهُم أو لعبَ شطرنجٍ أو رقصٍ خبال ِ‬
‫ت العدال ُة وعمَّ الفسقُ‬ ‫مجعٌ مِن ُهمْ األذرعي والغزي وآخرون قولَ بعضَ املالكيةِ إذا فقد ِ‬
‫قضى احلاكمُ بشهادةِ األمثلِ فاألمثلِ للضرورةِ والعدالةُ تتحققُ (باجتنابِ) كُلِ‬
‫(كبريةٍ) مِنْ أنواعِ الكبائرِ كالقتلِ والزِنا والقذفِ بِهِ وَأَكلِ الرِبا ومالِ اليتيمِ واليمنيِ‬
‫الغموسِ وشَهادةِ الزُورِ وَبُخسِ الكيلِ أوِ الوزنِ وقطعِ الرَّحمِ والفَرارِ مِنَ الزَحفِ بال‬
‫عُذرٍ وعُقوقِ الوالدينِ وغَصبِ قدرَ رُبعِ دينارٍ وتفويتِ مَكتوبةٍ وتأخريِ زكاةٍ عدواناً‬
‫ومنيمةٍ وغريِها من كُلِّ جرميةٍ تُؤذنُ بقلةِ اكتراثِ مُرتكِبِها بالدِينِ وَ َرقَةِ الديانةِ (و)‬
‫اجتنابِ (إصرارٍ على صغريةٍ) أو صغائرٍ بأن ال تغُلبَ طاعاتُهُ صغائرَهُ فمىت ارتكبَ‬
‫كبريةً بطَلتْ عدالتُهُ مطلقاً‪ .‬أو صغريةً أو صغائرَ دَاومَ عليها أوالً خِالفاً ملن فرَّقَ‪ .‬فإِنْ‬
‫غلبتْ طاعَتُهُ صغائِرَهُ فهوَ عدلٌ‪ ،‬ومَتَى استوَيا أو غَلَبَتْ صغائرُهُ طاعاَتهُ فهوَ فاسقٌ‪.‬‬
‫والصغريةُ كنظَرِ األجنبيةِ وملسِها ووطءِ رجعيةٍ وهجرِ املسلمِ فوقَ ثالثٍ وبيعِ مخرٍ‬
‫‪178‬‬
‫ولبسِ رجُلٍ ثَوبَ حريرٍ وكذبٍ ال حدَّ فيهِ وََلعْ ٍن ولو لبهيمةٍ أو كافرٍ وبَيعِ مَعيبٍ ال‬
‫ذكرِ عيبٍ وبيعِ رقيقٍ مُسلمٍ لكافرٍ وحماذاةِ قاضي احلاجهة الكعبة بفرجِهِ و َكشْفِ‬
‫العورةِ يف اخلَلوةِ عبثاً َوَل ِعبٍ بنردٍ حلصةِ النهي عنهُ وغيبةٍ وسكوتٍ عليها‪.‬‬
‫ضهُم اإلِمجاعَ على أنَّها كبريةٌ ملا فيها مِنَ الوعيدِ الشَديدِ حممولٌ على‬ ‫ونقلَ بع ُ‬
‫غيبةِ أهلِ العِلمِ وَحَملةِ القرآن لعمومِ البَلوى هبا‪ ،‬وهي ذِكرُكَ ولو حنو إشارة غريُكَ‬
‫احملصورُ املعَيَّنُ ولو عِندَ بعضِ املخاطبنيَ مبا يَكرَهُ عرفاً‪ .‬واللعبُ بالشطرنجِ بِكسرِ أوله‬
‫وفتحه معجماً ومهمالً مكروهٌ إنْ ملْ يكنْ فيهِ شرطُ مالٍ مِنَ اجلانبنيِ أو أ َحدِهِما أو‬
‫تَفويتُ صالةٍ ولو بنسيانٍ باالشتغالِ بهِ أو لعبٌ معَ مُعتقدٍ حترميَهُ وإال فحرامٌ‪ ،‬وَيُحملُ‬
‫ما جاءَ يف ذمّهِ مِنَ األحاديثِ واآلثارِ على ما ُذكِرَ وتس ُقطُ مروءةُ منْ يداومْهُ فتُردُّ‬
‫شهادتُهُ وهو حرامٌ عندَ األئمةِ الثالثةِ مُطلقاً‪ .‬وال تُقبلُ الشهادةُ مِنْ مُغفَّلٍ ومُختَلّ نظرٍ‬
‫وال أَصمّ يف مسموعٍ وال أعمى يف مُْبصَرٍ كما يأيت‪ .‬ومن التيقظِ ضَبط ألفاظِ املشهودِ‬
‫عليهِ حبروفِها من غريِ زيادةٍ فيها وال نقصٍ‪ .‬قال شيخُنَا‪ :‬ومِنْ مث ال جتوزُ الشهادةُ‬
‫باملعىن‪ .‬نعم‪ :‬ال يبعدُ جوازُ التعبريِ بأحدِ الرديفنيِ عنِ اآلخرِ حيثُ ال إهبامَ (و) شُرِطَ‬
‫يف الشاهدِ أيضاً (عدمُ هتمةٍ) جبَرِّ نفع إِليهِ أو إىل مَنْ ال تُقبلُ شهادتُهُ لهُ أو دفعِ ضرّ‬
‫عنهُ هبا (فتُردُّ) الشهادةُ (لرقيقِهِ) ولو مكاتباً ولغرميٍ لهُ ماتَ وإنْ ملْ تَسغرقْ تركُتهُ‬
‫الديونَ خبالفِ شهادتِهِ لغرميِهِ املوسرِ وكذا املعسَرِ قبلَ موتِهِ فتَقبلُ هلُما (و) تُردُّ‬
‫(لبعضِهِ) من أصلٍ وإنْ عَالَ أو فرع له وإن سفلَ‪( .‬ال) تُردُّ الشهادَةُ (عليهِ) أي ال‬
‫على أحدِمها بشيءٍ إذ ال تُهمةَ‪ .‬وال على أبيهِ بطالقِ ضرةِ أمّهِ طالقاً بائناً وأمُّهُ حتَتهُ‪،‬‬
‫أما رجعيٌ فتُقبلُ قطعاً‪ .‬هذا كُلُه يف شهادةِ حسبةٍ أو بَعدَ دعوى الضُرةِ‪ .‬فإِن ادعاهُ‬
‫األبُ لعدمِ نفقةٍ مل تُقبلْ شهادتُهُ للتهمةِ وكذا لو ادعتْهُ ُّأمهُ‪ .‬قالَ ابنُ الصالحِ‪ :‬لو‬
‫ادعى الفرعُ على آخر بدَينٍ ملوكِلهِ فأنكرَ فش َهدَ بِهِ أبو الوكيلِ قُبِلَ وإن كانَ فيهِ‬
‫تصديقُ ابنِهِ‪ .‬وتُقبلُ شهادة كُلّ مِنَ الزوجنيِ واألَخوينِ والصَديقنيِ لآلخَرَ (و) تُردُّ‬
‫تصرفِهِ) كأنْ وكَّلَ أو أوصَى فيهِ ألنهُ يثبتُ بشهادَتِهِ واليةٌ لهُ‬ ‫الشهادةُ (مبا ُهوَ حملُّ ُّ‬
‫صمَ قبلَهُ قُبلتْ‪ ،‬وكذا ال تُقبَلُ‬ ‫على املشهودِ بهِ نعم‪ :‬لو شهدَ بهِ بعدَ عزلِهِ ومل يكنْ خا َ‬
‫شهادَةُ وديعٍ ملود ِعهِ ومرهتنٍ لراهنِهِ لتهمةِ بقاءِ يدِمها‪ .‬أما ما ليسَ وكيالً أو وَصيِّاً فيهِ‬
‫فتقبلُ‪َ .‬ومِنْ حِيَلِ شهادةِ الوكيلِ ما لو باعَ فأَنكَر املشتري الثمننَ أو اشترى فادَّعى‬
‫أجنيبٌ باملبيعِ فلهُ أنْ يَشهدَ ملوكلِهِ بأَن له عليهِ كذا أو بأنَّ هذا ملكَهُ إن جازَ لهُ أَنْ‬
‫حلهُ باطناً ألنَّ فيهِ توصالً للحقّ‬ ‫يَشهَد ب ِه للبائعِ وال يذكُر أنهُ وَكيلٌ وصوّبَ األذرعي َّ‬
‫بطريق مُباحٍ‪ .‬وكذا ال تُقبلُ برباءةِ مَنْ ضمنَهُ الشاهدُ أو أصلُهُ أو فرعُهُ أو عبدُهُ ألنَّهُ‬
‫يدفعُ بهِ الغرمَ عن نفسِهِ أو عمَّن ال تُقبلُ َشهَادَةٌ لهُ (و) تُردُّ الشهادةُ (من عدوَ) على‬
‫عدوّهِ عَدواةً دُنيويةً ال لهُ‪ .‬وهوَ من يَحزَنُ بفرحِهِ وعكسَهُ‪ .‬فلو عادَى من يُريدُ أن‬
‫يَشهدَ عليهِ وباِلغَ يف خُصومتِهِ فلم جيْب ُه قُبِلتْ شهادتُهُ عليهِ‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬قالَ شيخُنا ظَاهرُ كالمِهِ قبولُها من ولدِ العدوِّ ويوجَّهُ بأنهُ ال يلزمُ مِنْ‬
‫عَداو ِة األبِ عداوةُ اإلبنِ‪.‬‬
‫[فائدة]‪ :‬حَاصلُ كالمِ الروضةِ وأصلِها أنَّ منْ قذفَ آخرَ ال تُقبلُ شهادةُ كلٍ‬
‫مِنهُما على اآلخرِ وإن ملْ يطلبِ املقذوفُ حدَّهُ وكذا من ادَّعى على آخرٍ أنهُ قطعَ‬
‫عليهِ الطريقَ وأخذَ مالَهُ فال تُقبلُ شهادةُ أحدِهِما على اآلخرِ‪ .‬قالَ شيخُنا‪ :‬يُؤخذُ من‬
‫سبَ آخَر إىل فسقٍ اقتضى وُقُوعَ عداوةٍ بينهما فال تُقبلُ الشهادةُ‬ ‫ذلكَ أنَّ كلَّ مَنْ َن َ‬
‫من أحدِهِما على اآلخرِ‪ .‬نعم يَترددُ النظرُ فيمن اغتابَ آخرَ مبفسقٍ جيوزُ لهُ غيبتُهُ بهِ‬
‫ّز لذلكَ‪.‬‬ ‫ت السَببَ اجملو َّ‬‫وإن أثب َ‬

‫‪179‬‬
‫[فرع]‪ :‬تُقبلُ شهادةُ كلِّ مبتدعٍ ال نُكفِرُهُ ببدعَتِهِ وإنْ سبَّ الصحابةَ رضوانُ اللَّهِ‬
‫عليهم كما يف الروضةِ وادَّعى السُبكيُ واألذرعيُ أنهُ غلطٌ‪( .‬و) تُردُّ (مِنْ مُبا ِدرٍ)‬
‫بشهادتِهِ قبلَ أن يسألَها بَعدَ الدعوى ألنهُ مُتَّهمٌ نعم لو أعادَها يف اجمللسِ ولو بعدَ‬
‫صدَ هبا وجهَ اللَّهِ فتُقبلُ قبلَ‬ ‫اإلستشهادِ قُبلتْ (إال) يف شهادة حسبةٍ وهي ما ُق ِ‬
‫اإلستشهادِ ولو بال دعوى (يف حقٍ مؤكدٍ للَّهِ) تعاىل و ُهوَ ما ال يتأثرُ برضا اآلدمي‬
‫(كطالقٍ) رَجعيٍ أو بائنٍ (وعتقٍ) واستيالدٍ ونَسبٍ وعفوٍ عن قودٍ وبقاءِ عدةٍ‬
‫وانقضائِها وبلوغٍ وإسالمٍ وكفرٍ ووصيةٍ ووقفٍ لنحوِ جهةٍ عامةٍ وحقٍ ملسجدٍ وتَركِ‬
‫ع ومصاهرةٍ‪.‬‬ ‫صالةٍ وصومٍ وزكاةٍ بأن يشهدَ بتركِها وحتر ِمي رضا ٍ‬
‫[تنبيه]‪ :‬إمنا تُسمعُ شهاد ُة احلسبةِ عندَ احلاجةِ إليها فلو شهدَ إثنانِ أن فالناً أعتقَ‬
‫عبدَهُ أو أنهُ أخو فالنةٍ منَ الرضاعِ مل يكفِ حىت يقوال أنه يَسترقُّهُ أو أنهُ يريدُ‬
‫نكاحَها‪ .‬وخَرجَ بقويل يف حقٍ للَّهِ تعاىل حَقُّ اآلدمي كقَودٍ وحدّ قذفٍ وبيعٍ فال تُقبلُ‬
‫فيهِ شهادةُ احلسبةِ وتُقبلُ يف حدّ الزنا وقطعِ الطريقِ والسَرِقةِ (وتُقبلُ) الشهادةُ (مِنْ‬
‫فاسقٍ بَعدَ توبةٍ) حاصلةٍ قبلَ الغَرغرةِ وطلوعِ الشمسِ مِنْ مَغرِبِها (وهي ندمٌ) على‬
‫معصيةٍ مِنْ حيثُ أهنا معصية ال خلوفِ عقابٍ ولو اطلعَ عليهِ أو لغرَامةِ مالٍ (ب)‬
‫شرطِ (إقالعِ) عنها حاالً إن كانَ متلبساً أو مُص ّراً على معاودَتِها‪ .‬ومن اإلِقالعِ ردُّ‬
‫املغصوبِ (وَعَزمٍ أنْ ال يعودَ) إليها ما عاشَ (وخروجٍ عن ظَالمةِ آدميّ) مِنْ مالٍ أو‬
‫غريِهِ فيؤدي الزكاةَ ملستحقيها ويَردُّ املغصوبَ إن بقيَ وبدَّلَهُ إن تلفَ ملستحقِهِ ويُمكَّنُ‬
‫مُستح ُق القَودِ وحدّ القذفِ منَ اإلستيفاءِ أو يُربئُ ُه منهُ املستحقُ للخربِ الصحيحِ‪" :‬مَنْ‬
‫كانت ألَخِيهِ عندَهُ مظلمَةٌ يف عُرضٍ أو مالٍ فليستحلُهُ اليومَ قبلَ أن ال يكونَ دينارٌ وال‬
‫درهمٌ‪ ،‬فإِن كانَ لَهُ عملٌ يؤخذُ منهُ بقدرِ مظلمتِهِ وإال أَخذَ من سَيئاتِ صاحِبهِ"‬
‫فحملَ عليهِ و َشمَلَ العملُ الصومَ كما ص ّرحَ بهِ حديثُ مُسلمٍ خالفاً ملن استثناهُ‪ ،‬فإِذا‬
‫رد الظالمةِ على املالكِ أو وارثِهِ سلمَها لقاضٍ ثقةً‪ ،‬فإِن تعذَّر صرفُها فيما شاءَ‬ ‫َذرَ ُّ‬
‫َتع َّ‬
‫مِنَ املصاحلِ عندَ انقطاعِ َخربِهِ بنيةِ الغرمِ لهُ إذا وجدهُ فإِنْ أعسرَ عزمَ على األَداءِ إذا‬
‫أَيسرَ فإِنْ ماتَ قبَلهُ انقطعَ الطلب عنهُ يف اآلخرةِ إن مل يَعصِ بالتزامِهِ‪ .‬فاملرجو من‬
‫فضلِ اللَّهِ الواسعِ تعويضُ املستحقّ‪ .‬ويُشترطُ أيضاً يف صحةِ التوبةِ عن إخراجِ صالةٍ‬
‫أو صو ٍم أو وقتِهما قضاومها وإنْ كثر وعن القذفِ أن يقولَ القاذفُ قذيف باطلٌ وأنا‬
‫نادمٌ عليهِ وال أعودِ إليهِ وعَنِ الغيبةِ أن يستحلَّها مِنَ املغتابِ إن بلغَتْهُ ومل يتع ّذرْ مبوتٍ‬
‫مجعٌ مُتقدِمونَ أنهُ ال‬‫أو غيبةٍ طويلةٍ وإال كفى الندمُ واإلستغفارُ لهُ كاحلا ِسدِ واشترَطَ َ‬
‫ضهُم‬ ‫بدَ يف التوبةِ منْ كلِّ معصيةٍ مِنَ اإلستغفارِ أيضاً واعتمدَهُ البلقيين‪ .‬وقالَ بع ُ‬
‫يتوقفُ يف التوبةِ يف الزنا على استحاللِ زوجِ املزين هبا إن مل خيفْ فتنةً‪ ،‬وإال فليتضرّعْ‬
‫ضهُم الزِنا مما ليس فيهِ حقُّ آدمي فال يُحتاجُ‬ ‫إىل اللَّهِ تعاىل يف إرضائِهِ عنهُ‪ .‬وجَعلَ بع ُ‬
‫فيهِ إىل اإلستحاللِ واألوجهُ األولَ‪ .‬وَيُسنُّ للزاين ككلِ مرتَ ِكبِ معصيةٍ السترُ على‬
‫ث هبا تفكهاً أو جماهرةً فإِنَّ هذا حرامٌ‬ ‫نفسِهِ بأن ال يُظهرها ليحدَّ أو يع ّزرَ ال أن يتحد َ‬
‫قطعاً‪ ،‬وكذا يسنُّ ملن أقرَّ بشيءٍ من ذلكَ الرجوعُ عن إقرارهِ بِهِ قالَ شيخُنا‪ :‬مَنْ ماتَ‬
‫ولهُ دَينٌ مل يستوفِهِ َورَثَتهُ يكونُ هوَ املطالبُ يف اآلخرةِ على األصح (و) بعدَ (استرباءِ‬
‫سَنَةٍ) من حنيِ توبةِ فاسقٍ ظهرَ فسقُهُ ألنَّها قَلبي ٌة وهو متهمٌ لقبولِ شهادِتهِم وَعودُ‬
‫واليتِهِ فاعتُبِرَ ذلكَ لتقوّي دَعواهُ‪ ،‬وإمنا قدَّرهَا األكثرونَ بسنَةٍ ألنَّ الفصولَ األربعَةَ يف‬
‫ضتْ و ُهوَ على حالِهِ أشعَرَ بذلكَ حبُسنِ سَريرتِهِ‪،‬‬‫هتييجِ النفوسِ ِبشَوَاتِها أثراً بيناً فإذا مَ َ‬
‫وكذا ال بدَّ يف التوبةِ من خَارمِ املروءة اإلسترباءُ كما ذكرَهُ األصحابُ‪.‬‬
‫[فروع]‪ :‬ال يَقدحُ يف الشهادةِ جهلَهُ بفروضٍ حنوَ الصالةِ والوضوءِ اللذينِ‬
‫يوءَديهما وال توقفَهُ يف املشهودِ بهِ إن عادَ وجزمَ بهِ فيُعيدُ الشهادةَ وال قولُهُ ال شهادةَ‬
‫‪180‬‬
‫يل يف هذا إن قالَ نسيتُ أو أمكنَ حدوثَ املشهودِ بهِ بعدَ قولِهِ وقدْ اشتهرتْ ديانُت ُه‬
‫وال يلز ُم القاضي استفسارَهُ إنْ اشتهرَ ضبطُهُ وديانتُهُ بَلْ ُيسَنُّ كتفرقةِ الشُهودِ وإال لزمَ‬
‫اإلستفسارُ (وشُرطَ لشهادةٍ بفعلٍ كزِنا) وغَصبٍ ورضاعٍ ووالدةٍ (إبصارٌ) لهُ معَ‬
‫فاعلِهِ فال يكفي فيهِ السماع مِن الغريِ وجيوزُ تعمدُ نظرِ فرجِ الزانينيِ لتحملِ شهادةٍ‪،‬‬
‫وكذا امرأةٍ تلدُ ألجلِها (و) لشهادةٍ (بقولٍ كعقدٍ) وفسخٍ وإقرارٍ ( ُهوَ) أي إبصارٌ‬
‫(ومسعٌ) لقائِلِهِ حالَ صدورِهِ فال يُقبلُ فيهِ أصمٌّ ال يس َمعُ شيئاً وال أعمى يف مرئيٍ‬
‫النسدا ِد طُرقِ التمييزِ معَ اشتباهِ األصواتِ وال يكفي سَماعُ شاهدٍ منْ وراءِ حجابٍ‬
‫وإنْ عُِلمَ صوتُهُ ألن ما أمكنَ إدراكُهُ بإِحدى احلواسّ ال جيوزُ أن يُعملَ فيهِ بغلبةِ ظَنٍ‬
‫جلوازِ اشتباهِ األصواتِ قالَ شيخُنا‪ :‬نعم لو علمهُ ببيتٍ وحدَهُ وعُِلمَ أن الصوتَ ممنْ‬
‫يف البيتِ جازَ اعتمادُ صوتِهِ وإن مل يرَهُ وكذا لو عَِلمَ اثننيِ ببيتٍ ال ثالثَ هلما‬
‫و َس ِمعُهما يتعاقدانِ وعَِلمَ املوجبَ منهما مِنَ القابِل لعلمِهِ مبالكِ املبيعِ أو حنوِ ذلكَ فَلهُ‬
‫الشهادةُ مبا مسعَهُ منهُما‪ .‬اه‪ .‬وال يَصحُ حتملُ شهادةٍ على منتقبَةٍ إعتماداً على صوتِها‬
‫كما ال يتحملُ بصريٌ يف ظلمةٍ اعتماداً عليهِ الشتباهِ األصواتِ‪ .‬نعم‪ ،‬لو مس َعهَا فتعلقَ‬
‫هبا إىل القاضي وشَهدَ عليها جازَ كاألعمى بشرطِ أنْ تَكشفَ نقاَبهَا ليعرفَ القاضي‬
‫صورتَها‪ .‬وقال جَمعٌ ال ينعقدُ نكاحُ مَُنقَبَةٍ إال إن عرفَها الشاهدان إمساً وَنَسباً وصورةً‬
‫(ولهُ) أي للشخصِ (بال معارضٍ شهادةٌ على نسبٍ) ولو مِنْ أمّ أو قبيلةٍ (وعَتْقٍ)‬
‫َووَقفٍ ومَوتٍ ونكاحٍ (وملكٍ بتسامعٍ) أي استفاضةٍ (مِنْ مجعٍ يؤمنُ كذُبهُم) أي‬
‫تواطؤهُم عليه لكثرِتهِم فيقعُ العلمُ أو الظنُّ القويّ خبربِهِم وال يُشترطُ حريتُهُم وال‬
‫ذكورتُهُم وال يكفي أن يقولَ مسعتُ الناسَ يقولونَ كذا بل يقولُ أَشهدُ أنهُ ابنَهُ مثالً‬
‫(و) لَهُ الشهادةُ بال معارضٍ (على ملكٍ بهِ) أي بالتسامخِ ممن ُذكِر (أو بيدٍ وتصرُّفٍ‬
‫تصرُّفَ مَالكٍ) كالسُكىن والبناءِ والبَيعِ والرهنِ واإلِجارةِ (مدةً طويلةً) عرفاً فال تكفي‬
‫الشهادةُ مبجردِ اليدِ ألهنا ال تستلزمُهُ وال مبجردِ التصرفِ ألنَّهُ َقدُ يكونُ بنيابةٍ وال‬
‫تصرفَ مب ّدةٍ قصريةٍ نعم إن انضمَ للتصرفِ استفاضةٌ أَنَّ امللكَ َلهُ جازَتِ الشهادةُ بهِ‬
‫وإنْ قصرتِ املدّةُ وال يكفي قولُ الشَاهدِ رأيتُ ذلكَ سِننيَ‪ .‬واستثنوا مِنْ ذلكَ الرقيقُ‬
‫فال جتوزُ الشهادةُ مبجردِ اليدِ والتصرُّفِ يف املدةِ الطويَلةِ إال إن انضمَّ لذلكَ السماعُ‬
‫من ذي اليدِ أنهُ لهُ كما يف الروضةِ لإلحتياطِ يف احلريةِ وكثرةِ استخدامِ األحرارِ‬
‫واستصحابٍ ملا سبقَ مِنْ حنوِ إرثٍ وشراءٍ وإن احتمل زوالَهُ للحاجةِ الداعيةِ إىل ذلِكَ‬
‫وألن األصلَ بقاءُ امللكِ‪ ،‬وَشَرَطَ ابنُ أيب الدمِ يف الشهادةِ بالتسامعِ أن ال يصرحَ بأنَّ‬
‫مستندَهُ اإلستفاضةُ‪ ،‬ومثُلهُا اإلستصحابُ مثَّ اختارَ وتِبعَهُ السُبكيُ وغريُهُ أنهُ إن ذكَ َرهُ‬
‫تقويةً لعلمِهِ بأنْ جزمَ بالشهادةِ‪ .‬ثُمَّ قالَ مُستندي اإلستفاضةُ أوِ اإلستصحابُ سُمعتْ‬
‫شهادتُهُ وإال كأن قالَ شَهدتُ باإلستفاضَةِ بكذا فال‪ ،‬خالفاً للرافعي واحترزَ بقويل‬
‫بال مُعارضٍ عما إذا كانَ يف النسبِ مثالً طعنٌ منْ بعضِ الناسِ مل جتزْ الشهادةُ‬
‫بالتسام ِع لوجو ِد معارضٍ‪.‬‬
‫[تنبيه]‪ :‬يتعنيُ على املؤدي لفظَ أَشهدُ فال يكفي مرادفُهُ كأَعلمُ ألنهُ أبلغِ يف‬
‫الظهورِ ولو عَرف الشاهدُ السببَ كَاإلِقرارِ هلْ لَهُ أنْ يَشهدَ باإلستحقاق؟ وَجهانِ‬
‫أشهرهُما ال‪ ،‬كما نقلَهُ ابنُ الرفعةِ عنِ ابنِ أيب ال َدمِ‪ .‬وقالَ ابنُ الصباغِ كغريِهِ تُس َمعُ‬
‫وهوَ مُقتضى كالمِ الشيخني (وتُقبلُ شهادةٌ على شهادةِ) مقبولٍ شهادتِهِ (يف غري‬
‫عقوبةٍ هلل) تعاىل ماالً كانَ أو غريَهُ كعقدٍ وفسخٍ وإقرارٍ وطالقٍ ورجعةٍ ورضاعٍ‬
‫وهاللِ رَمضانَ ووقفٍ على مسجدٍ أو جهةٍ عامةٍ وقودٍ وقذفٍ خبالفِ عقوبةٍ َّللهِ‬
‫تعاىل‪ .‬كحدّ زِناً وشربٍ وسرقةٍ وإمنا جيوزُ التحملُ (ب) شروطِ (َتعَسُّرِ أداءِ أصلٍ)‬
‫بغيبةٍ فوقَ مسافةِ العدوى أو خوفِ حبسٍ مِنْ غرميٍ وهوَ مُعسرٍ أو مرضٍ يشقُّ َم َعهُ‬
‫‪181‬‬
‫حضورُ ُه وكذا بتعذرِهِ مبوتٍ أو جنونٍ (و) ب (استرعاِئهِ) أي األصل أي التماسه من ُه‬
‫رعايةَ شهادتِهِ وضبطَها حىت يؤديَها عنهُ ألنَّ الشهادةَ على الشهادةِ نيابةً فاعتُبِرَ فيها‬
‫إذنُ املنوبِ عنهُ أو ما يقومُ مقامَهُ (فيقولُ أنا شاهدٌ بكذا) فال يكفي أنا عاملٌ ِبهِ‬
‫(وأُشهدُكَ) أو أَشهدتُكَ أو أُشهدُ (على َشهَاديت) بهِ فلو أمهلَ األصلُ لفظ الشهادةِ‬
‫فقالَ أُخربُكَ أو أُعِلمُكَ بكذا فال يكفي كما ال يكفي ذلك يف أداءِ الشهادةِ عند‬
‫القاضي‪ ،‬وال يكفي يف التحمُّلِ مساعُ قولِهِ لفالنٍ على فالنٍ كذا أو عندي شهادةٌ‬
‫بكذا (و) ب (تبيني فرعٍ) عندَ األداءِ (جهةً حتملٍ) كأَش ِهدُ أنَّ فالناً شَهدَ بكذا‬
‫وأَشهدَين على شهادتِهِ أو مسعتُهُ يشهدُ بهِ عندَ قاضٍ‪ ،‬فإِذا مل يبنيْ جهةَ التحملِ ووثقَ‬
‫احلاكمُ بعلمِهِ مل حيبْ البيانُ فيكفي أَشهدُ على شهادةِ فالنٍ بكذا حلصولِ الغَرضِ‬
‫(وبتسميتِهِ) أي الفرعُ (إياه) أي األصلُ تسميةً متيزُهُ وإنْ كانَ عدالً لتعرفَ عدالتُهُ‪،‬‬
‫فإِنْ ملْ يُسمِهِ مل يكفِ ألنَّ احلاكِمَ قد يعرفُ جرحَهُ لو مسَّاهُ‪ .‬ويف وجوبِ تسميةِ‬
‫قاضٍ شهدَ عليهِ وجهانِ‪ ،‬وصَوَّبَ األذرعيُ الوجوبَ يف هذهِ األزمنَةِ ملا غلبَ على‬
‫القضاةِ مِنَ اجلهلِ والفسقِ‪ .‬ولو حدثَ باألصلِ عداوةٌ أو فِسقٌ مل يشهدِ الفَرعُ‪ .‬فلو‬
‫زالتْ هذهِ املوانعُ احتيجَ إىل حتمُّلٍ جديدٍ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬ال يصحُ حتملُ النسوةِ ولو على مثلهنَّ يف حنوِ والدةٍ ألن الشهادةَ مما‬
‫يطلعُ عليهِ الرجالُ غالباً (ويكفي فرعانِ ألصلنيِ) أي لكلٍ منهُما فال يُشترطُ لكلٍ‬
‫منهُما فرعانِ‪ ،‬وال تكفي شهادةُ واحدٍ على هذا وواحدٍ على آخرَ‪ ،‬وال واحدٍ على‬
‫واحدٍ يف هاللِ رمضان‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو رجعوا عنِ الشهادةِ قَبلَ احلُكمِ منعَ احلكمُ أو بعدَهُ مل ينقضْ ولو‬
‫شهدوا بطالقٍ بائنٍ أو رضاعٍ حمرمٍ‪َ .‬وفَرَّقَ القاضي بنيَ الزوجنيِ فَرجعوا عن‬
‫شهادِتهِم دامَ الفراقُ ألنَّ قوَلهُما يف الرجوعِ مُحتملٌ والقضاءُ ال يُردُّ مبحتملٍ وجيبُ‬
‫على الشُهودِ حيثُ مل يصدقهُم الزوجُ مهرَ مثلٍ ولو قبلَ وَطءٍ أو بَعدَ إبراءِ الزوجةِ‬
‫زوجَها عنِ املهر ألنهُ بدلُ البضعِ الذي فَوَّتُوهُ عليهِ بالشهادةِ إال أن ثبتَ أن ال نِكاحَ‬
‫بينهُما بنحوِ رضاعٍ فال غرَم إذْ ملْ يُفوتُوا شيئاً ولو رجَع شهودُ مالٍ غُرِموا للمحكومِ‬
‫عليهِ البدلَ بعد غرمِهِ ال قبلَهُ وإنْ قالوا أخطأنا مُوزعاً عليهم بالسوية‪.‬‬
‫[تتمة]‪ :‬قالَ شيخُ مشاخيِنا زكريا كالغزي يف تلفيقِ الشهادةِ لو شَ ِهدَ واحدٌ‬
‫بِإقَرارِهِ بأنهُ وكلَّهُ يف كذا وآخرَ بأنهُ أذنَ لَهُ يف التصرفِ فيهِ أو ف ّوضَهُ إليهِ لُفقتِ‬
‫الشهادتانِ ألنَّ النقلَ باملعىن كالنقلِ باللفظِ‪ ،‬وخبالفِ ما لو شهد واحدٌ بأنهُ قالَ‬
‫َوكَّلْتُكَ يف كذا وآخرٌ قالَ بأنهُ قالَ فوضتَهُ إليكَ أو شهدَ واحد باستيفاءِ الدَّينِ‬
‫واآلخ ُر باإلِبراءِ من ُه فال يلفقانِ‪ .‬انتهى‪ .‬قالَ شيخُ مشاخيِنَا أمح ُد املزجدِ‪ :‬لو شهدَ واحدٌ‬
‫ببيعٍ واآلخرُ بإِقرارٍ بِهِ أو واحدٌ مبلكِ ما ادعا ُه وآخرٌ بإِقرار الداخلِ بهِ مل تلفقْ‬
‫شهادَُتهُما‪ ،‬فلو رَ ِجعَ أحدُهُما وشَهدَ كاآلخرَ قُبِ َل ألنهُ جيوزُ أنْ حيضُرَ األَمرَينِ‪ .‬ومن‬
‫ادعى ألفنيِ وأطلقَ فش ِهدَ لهُ واحدٌ وأَطلَق وآخرٌ أنهُ مِنْ قَرضٍ ثبتَ أو فشهدَ لهُ واحدٌ‬
‫بألفٍ مثنَ مبيعٍ وآخر بألفٍ قرضاً مل تلفقْ ولهُ احللفُ معَ كل منهما‪ .‬ولو شهدَ واحدٌ‬
‫باإلِقرارِ وآخ ٌر باإلستفاضةِ حيثُ تُقب ُل لفقَا‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫(وسُئلَ) الشيخُ عطية املكي نفعنَا اللَّهُ بهِ عنِ رجلنيِ مسعَ أحدُهُما تطليقَ شخصٍ‬
‫ثالثاً واآلخرُ اإلقرارَ بهِ فهلْ يلفقانِ أو ال؟‪( .‬فأجابَ) بأنهُ جيبُ على سامعي الطالقَ‬
‫واإلِقرارَ بهِ أن يشهدا عليهِ بالطالقِ الثالثِ بتاً وال يتعرضا إلِنشاءِ وال إقرارٍ وليسَ‬
‫هذا من تلفيقِ الشهادةِ منْ كل وجهٍ‪ ،‬بلْ صورةُ إنشاءِ الطالقِ واإلِقرارِ بهِ وَاحِدة يف‬
‫ف كانَ وللقاضي بل عليهِ مساعُها‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫ت بذلكَ كي َ‬ ‫اجلمل ِة واحلكم يُثب ُ‬

‫‪182‬‬
‫[خامتة]‪ :‬يف األَميانِ‪ .‬ال ينعقدُ اليمنُ إال باسمٍ خاصّ باللَّهِ تعاىل أو صفةٍ من‬
‫صفاتِهِ‪ :‬كوَاللَّهِ والرَ ْحمَنِ واإللهِ وربِ العاملني وخالِق اخللَقِ‪ .‬ولو قالَ وكالمِ اللَّهِ أو‬
‫وكتابِ اللَّهِ أو وقرآنِ اللَّهِ أو والتوارةِ أو واإلِجنيلِ فيمنيٌ‪ .‬وكذا واملصحفِ إنْ مل ينوِ‬
‫باملصحفِ الورقِ واجللدِ‪ .‬وإن قالَ وريب وكانَ عرُفهُم تَسمِيَةُ السيدِ رباً فكنايةٌ‪ ،‬وإال‬
‫اللهِ وال ينعقدُ مبخلوقٍ كالنيب والكَعبةِ للنهي الصحيحِ عن‬ ‫فيمنيٌ ظاهراً إنْ مل يردْ غريَ َّ‬
‫احللفِ باآلباءِ ولألمرِ باحللفِ باللَّهِ وروى احلاكمُ خرباً‪" :‬من حَلفَ بغريِ اللَّهِ فقدْ‬
‫َكفَر" ومحلُوهُ على ما إذا قصدَ تعظيمَهُ كتعظيمِ اللَّهِ تعاىل‪ ،‬فإِنْ ملْ يقصدْ ذلكَ أَمثَ عندَ‬
‫أكثرِ العلماءِ أي تبعاً لنصّ الشافعي الصريحِ فيهِ كذا قالَهُ بعضُ شراحِ املنهاجِ‪.‬‬
‫والذي يف شرحِ مُسلمٍ عنْ أكثر األصحابِ الكراهة‪ ،‬و ُهوَ املعتدُّ‪ ،‬وإن كانَ الدليلُ‬
‫ظاهراً يف اإلِمثِ‪ .‬قالَ بعض ُهمُ وهو الذي ينبغي العملُ بهِ يف غالبِ األعصارِ لقصدِ‬
‫غالبهم بهِ إعظام املخلوقِ بهِ ومضاهاتِهِ َّللهِ تعاىل اللَّهُ عنْ ذلكَ عل ّواً كبرياً وإذا‬
‫حَلَفَ مبا ينعقدُ بهِ اليمنيُ مث قالَ مل أردْ بهِ اليمنيَ مل يقبلْ‪ ،‬ولو قالَ بعدَ مييِنهِ إن شاءَ‬
‫اللَّهُ وقصدَ اللفظَ واإلستثناءَ قبلَ فراغِ اليمنيِ واتصلَ اإلستثناءُ هبا مل تنعقدِ اليمنيُ فال‬
‫حنث وال كفارةَ‪ .‬وإن مل يتلفظْ باإلستثناءِ بل نَواهُ مل يندفعْ احلنثُ وال الكفارةُ ظاهراً‬
‫بل يُدين‪ .‬ولو قال لغريِهِ أقسمتُ عليكَ باللَّهِ أو أَسألُكَ باللَّهِ لتفعلنَّ َكذَا وأرادَ مينيَ‬
‫ني ومىت مل يقصد مينيَ نفسِهِ بل الشفاعةَ أو مينيَ املخاطبِ أو أطلَقَ فال تنعقدُ‬ ‫نفسِ ِه فيم ٌ‬
‫ألنهُ مل حيلفْ ُهوَ وال املخاطبُ ويُكرَهُ ردُّ السائلِ باللَّهِ تعاىل أو بوج ِههِ يف غريِ املكروهِ‬
‫وكذا السؤالَ بذلكَ ولو قالَ إن فعلتُ كذا فأنا يهوديٌّ أو نَصراينٌ فليسَ بيمنيٍ‬
‫ك كغريِهِ وال يَكفُرُ بل إنْ‬ ‫ث نعمْ حيرمُ ذل َ‬ ‫إلنتفاءِ إس ِم اللَّهِ أو صِفتِهِ وال كفارةٌ وإن حََن َ‬
‫قصدَ تبعيدَ نفسِهِ عن احمللوفِ أو أطلقَ حَرُمَ ويلز َمهُ التوبةَ فإِنْ علقَ أو أرادَ الرضا‬
‫بذلكَ إنْ فعلَ َكفَرَ حاالً وحيثُ مل يَكفْر سُنِّ لهُ أن يستغفر اللَّهَ تعاىل ويقولُ ال إلهَ‬
‫إال اهلل حممدٌ رسولُ اللَّهِ وأوجبَ صاحبُ اإلستقصاءِ ذلكَ ومَنْ سبقَ لسانُهُ إىل لفظِ‬
‫اليمنيِ بال قصدٍ كال واللَّهِ وبال واللَّهِ يف حنو غضبٍ أو صلةِ كالمٍ مل ينعقدْ واحللفُ‬
‫مكروهٌ إال يف بيعةِ اجلهادِ واحلثّ على اخلريِ والصادقُ يف الدعوى ولو حلفَ يف تركِ‬
‫واجبٍ أو فعلِ حرامٍ عصَى ول ِزمَهُ حنثٌ وكفارةٌ أو تركِ مستحبّ أو فعلِ مكروهٍ‬
‫سُنَّ حنُثهُ وعليهِ كفارةٌ أو على تركِ مُباحٍ أو فعِلهِ كدخولِ دارٍ وأكلِ طعامٍ كال آكله‬
‫أنا فاألفضلُ تر ُك احلنثِ إبقاءاً لتعظيمِ اإلِسمِ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬يُسنُّ تغليظُ مينيٍ مِنَ املُدعي واملُدعَى عليه وإن مل يطلْبهُ اخلصمُ يف نكاحٍ‬
‫وطالقٍ ورجعةٍ وعتقٍ ووكالةٍ ويف مالٍ بلغَ عشرينَ ديناراً ال فيما دونَ ذلكَ ألنهُ‬
‫حقريٌ يف نظرِ الشرعِ نعمْ لو رآهُ احلاكمُ لنحوِ جراءةِ احلالفِ فعلَهُ‪ .‬والتغليظُ يكونُ‬
‫بالزمانِ وَ ُهوَ بعدَ العصرِ وعصرِ اجلمعةِ أوىل وباملكانِ وهوَ للمسلمنيَ عندَ املنربِ‬
‫وصعودِهِما عليهِ أوىل وبزيادةِ األمساءِ والصِفاتِ ويُسنُّ أنْ يقرأَ على احلالِفِ آيةَ آلِ‬
‫عِمرانَ‪{ :‬إنَّ الذينَ يَشترونَ بعهدِ اللَّهِ وأمياِنهِم مثناً قليالً}‪ .‬وأنْ يوضعَ املصحفُ يف‬
‫حجرِهِ ولو اقتصرَ على قولِهِ وَاللَّهِ كفى‪ .‬ويعتربُ يف احللفِ نيةُ احلاكمِ املستحلِفِ فال‬
‫يدفعُ إ َمث اليمنيِ الفاجرةِ بنحوِ توريةٍ كاستثناءٍ ال يَسمعُهُ احلا ِكمُ إن مل يظلمْه خص َمهُ‬
‫كما حبثَهُ البلقيين أما منْ ظلمَهُ خصمُهُ يف نفسِ األمر كأنْ ادّعى على معسر فيحلف‬
‫ال تَستحقُّ عليَّ شيئاً أي تسليمهُ اآلنَ فتنفعُ ُه التوريةُ والتأوي ُل ألنَّ خصمَهُ ظاملٌ إن علمَ‬
‫أو مُخطِيءٌ إن جهلَ فلو حلفَ إنسانٌ ابتداءً أو حلفَهُ غريُ احلاكمِ اعتربَ نيةُ احلالِفِ‬
‫ونفعته التورية وإنْ كانت حراماً حيثُ يبطلُ هبا حقُّ املستحقِ واليمنيُ يقطعُ اخلصومةَ‬
‫حاالً ال احلقَّ فال تَربأُ ذمتَهُ إن كانَ كاذِباً فلو حَلفَّهُ مث أقامَ بينةً مبا ادعاهُ حكمَ هبا‬
‫كما لو أقرَّ اخلصمُ بعدَ حلفِهِ والنكولُ أن يقولَ أنا ناكلٌ أو يقولُ لهُ القاضي إحلفْ‬
‫‪183‬‬
‫فيقولُ ال أحلفُ‪ .‬واليمنيُ املردودةُ وهي مينيُ املدعي بعدَ النكولِ كإِقرارِ املدعَى علي ِه‬
‫ال كالبينةِ فلو أقامَ املدعَى عليهِ بعدَهَا بينةً بأداءٍ أو إبراءٍ مل تُسمعْ لتكذيبِهِ هلا بإِقرَارِهِ‬
‫وقالَ الشيخانِ يف حملٍ تُسمعُ وصححَ اإلِسنوي األولُ والبلقيين الثاين وقالَ شيخُنَا‬
‫واملتحه األولُ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬يتخريُ يف كفارةِ اليمنيِ بنيَ عتقِ رَقب ٍة كَامِلةٍ مُؤمِنةٍ بال عيبٍ خيلُّ بالعَملِ‬
‫سبِ ولو حنوَ غَائبٍ عُل ِمتْ حياتُهُ‪ .‬أو إطعامِ عشرةِ مَساكني كلُّ مسكنيٍ مدَّ‬ ‫أو ال َك ْ‬
‫حبَ من غالبِ قوتِ البلدِ‪ .‬أو كسوِتهِم مبا يُسمى كسوةً كقميصٍ أو إزارٍ أو مقنعةٍ‬
‫أو منديلٍ يُحملُ يف اليدِ أو الكُمِّ ال خفَ فإن عجزَ عن الثالثةِ لزمهُ صومُ ثالثةِ أَيامٍ‬
‫وال جيبُ تَتَابُعَها خِالفاً لكثريين‪.‬‬

‫ُهوَ إزالةُ الرقِّ عنِ اآلدمِي واألصلُ فيهِ قولهُ تعاىل‪{ :‬فَكُّ رَقبةٍ} و َخربُ الصحيحنيِ‬
‫أنهُ قالَ‪" :‬مَنْ أعتقَ رقبةً مؤمنةً ويف روايةٍ امرأً مسلماً أعتقَ اللَّهُ بكلّ عضوٍ منها‬
‫عضواً من أعضائِهِ منَ النارِ حىت الفِرجَ بالفرجِ" وَعتقُ الذكرِ أفضلُ‪ .‬ورويَ أنَّ عبدَ‬
‫الرمحنِ بن عوفٍ رضي اهلل عنهُ أعتقَ ثالثنيَ ألفَ نَسمةٍ أي رقبةٍ وختمنا كاألصحابِ‬
‫ببابِ العَتقِ تفاؤالً (صحَّ عتقُ مطلقِ تصرفٍ) له واليةً ولو كافراً فال يصحُّ من صيبٍ‬
‫وجمنونٍ وحمجورٍ بسفهٍ أو فلسٍ وال من غريِ مالكٍ بغري نيابةٍ‪( :‬بنحو أعتقتُكَ أو‬
‫حَررتُكَ) كَفكَكْتُكَ وَأَنتَ حرٌ أو عَتِيقٌ وبكناي ٍة َمعَ نيةٍ كال مُلكَ أو ال سبيلَ يل‬
‫عليكَ أو أَزْلتُ ملكي عنكَ وَأَنتَ موالي وكَذا يا سيدي على املُرجَّح وقولُهُ أنتَ‬
‫إبين أو هَذا أو هُو إبين أو أيب أو أمي إعتاقٌ إنْ أمكنَ مِنْ حيثُ السنِّ وإن عرفَ‬
‫صدَ بهِ العتقُ‬ ‫نسبُهُ مؤاخذةً لهُ بإقرارِهِ أو يا ابين كنايةً فال يُعتقُ يف النداءِ إال إن َق َ‬
‫الختصاصِهِ بأنهُ يُستعملُ يف العادة كثريَ املالطفةِ وحسنَ املعاشرةِ كما صرحَ بهِ‬
‫شيخُنَا يف شرحِ املنهاجِ واإلِرشادِ وليسَ من لفظِ اإلِقرارِ بهِ قولُه ال عتق لعبدِ فالنٍ‬
‫ألنهُ ال يصلحُ موضُوعُهُ إلِقرارٍ وال إنشاءٍ وإنْ استعملَ عرفاً يف العتقِ كما أفىت به‬
‫اللهُ تعاىل (ولو بعوضٍ) أي معَهُ فلو قالَ أعتقتُكَ على ألفٍ أو بعتُكَ‬ ‫شيخُنَا رمحهُ َّ‬
‫نفسَكَ بألفٍ فقبلَ فوراً عُتقَ ولزمهُ األَلفُ يف الصورتنيِ والوالءُ للسيدِ في ِهمَا (ولو‬
‫أعتقَ حامالً) مملوكةً لَهُ هيَ وحَملهَا (تَب َعهَا) أي احلملُ يف العتقِ وإنِ استثناهُ ألنهُ‬
‫كاجلزءِ منها‪ ،‬ولو أعتقَ احلملَ عتقَ إنْ نفختْ فيهِ الروحُ دونَها‪ ،‬ولو كانتْ لرجلٍ‬
‫واحلملُ آلخ َر بنحو وصيةٍ مل يُعتقْ أحدُهُما بعتق اآلخَر (أو) أَعتقَ (مشتركاً) بينه وبنيَ‬
‫غريِهِ أي كلَّهُ (أو) أعتقَ (نصيبَهُ) منهُ كنصييب منكَ حرٌّ (عُتِقَ نصيبُهُ) مطلقاً (وسَرَى‬
‫اإلِعتاقُ) مِنَ مُوس ٍر ال مُعسرٍ ملا أيسرَ بهِ منْ نصيبِ الشريكِ أو بعضِهِ وال مينعُ السرايةَ‬
‫دينٌ مستغرقٌ بدونِ حجرِ واستيالدِ أحدِ الشريكنيِ املوسرِ يسري إىل حصةِ شري ِكهِ‬
‫كالعتقِ وَعَلَيه قيمة نصيبِ شريكِهِ وحصتُهُ من مَهرِ املثلِ ال قيمةَ الولدِ أي ِحصَتهُ وال‬
‫يسري التدبريُ (ولو مَلكَ) شخصٌ (بعضَهُ) من أصلٍ أو فرعٍ وإن بعدَ (عُتِقَ عليهِ) خلربِ‬
‫مسلمٍ‪.‬‬
‫وخرجَ بالبعضِ غريُهُ كاألخِ فال يُعتقُ مبلكٍ (ومَنْ قالَ لعبدِهِ أنتَ حُرٌ بعد مويت)‬
‫أو إذا متُّ فأنتَ حُرٌّ أو أَعتقتُكَ بعدَ مويت وكذا إذا متُّ فأنت حرامٌ أو مسيبٌ مَعَ‬
‫نيةٍ (فهو مُدبرٌ يُعتقُ بَعدَ وفاتِهِ) مِنْ ثلثِ مالِهِ بَعدَ الدَّيْنِ (وبَطَلَ) أي التدبريُ (بنحوِ‬
‫بيعٍ) للمدبرِ فال يَعُودُ وإنْ ملكَهُ ثانياً وَيَصحُّ بيعُ ُه (ال برجوعٍ) عنه (لفظاً) كفسختُهُ‬
‫أو عقصُتهُ وال بإِنكارٍ للتدبريِ وجيوزُ لهُ وطءُ املدبرةِ ولو وَلدتْ مدبرةٌ ولداً مِنْ نكاحٍ‬
‫أو زنا ال يثبتُ للولدِ حكمُ التدبريِ‪ .‬فلو كانت حامالً عندَ موتِ السيدِ فيتبعُها جَزماً‪،‬‬
‫‪184‬‬
‫ولو دبرَ حامالً ثبتَ التدبريُ للحملِ تبعاً هلا إن مل يَستثِنهِ وإن انفصلَ قبلَ موتِ سيدِهَا‬
‫ال إنْ أبطلَ قبلَ انفصالِهِ تدبريها واملدبرُ كعبدٍ يف حياةِ السيدِ‪ .‬ويصحُّ تدبريُ مكاتبٍ‬
‫ق املدبرُ بيمنيٍ فيما وُجدَ معهُ وقالَ‬ ‫وعكسهِ‪ ،‬كما يصحُّ تعليقُ عتقِ مكاتبٍ وَيُصد ُ‬
‫كسبتَهُ بعدَ املوتِ وقالَ الوارثُ بل قبلَهُ ألنَّ اليدَ لهُ (الكتابةُ) شرعاً عقدُ عتقٍ بلفظِها‬
‫معلقٌ مبالٍ منجمٍ بنجمنيِ فأكثرَ وهي (سُنَّةٌ) ال واجبةٌ وإن طلبَها الرقيقُ كالتدبريِ‬
‫(بطلبِ عبدٍ أمنيٍ مكتسبٍ) مبا يفي مؤنتَهُ وجنومَهُ فإِن فُقدَتْ الشروطُ أو أحدُها‬
‫فمباحةٌ (وشُرطَ يف صحتِها لفظٌ يُشعرُ هبا) أي بالكتَابةِ (إجياباً كَكاتبتُكَ) أو أنتَ‬
‫مكاتبٌ (على كذا) كمائةٍ (منجماً َمعَ) قولِهِ (إذا أديتَهُ فأنتَ حرٌّ وقبوالً كقبلتُ)‬
‫ذلكَ (و) شُرطَ فيها (عوضٌ) مِنْ دَينٍ أو منفعةٍ‪( .‬مؤجلٌ) هنا ليحصلَهُ ويؤديهِ (منجمٌ‬
‫بنجمنيٍ فأكثرَ) كما جرى عليهِ أكثرُ الصحابةِ رضوانُ اللَّهِ عليهم ولو يف مُبعضٍ (مَعَ‬
‫صفَتِهِ) وعددِ النجومِ وقسطِ كلِ جنمٍ (ولزمَ سيداً) يف كتابةٍ‬ ‫بيانِ قدرِهِ) أي العوضِ (و ِ‬
‫اللهِ‬ ‫صحيح ٍة قبلَ عتقٍ (حطَّ متموّلٍ منهُ) أي العَوضِ لقولهِ تعاىل‪{ :‬وآتوهُم من مالِ َّ‬
‫الذي آتاكم} فُسِّرَ اإلِيتاء مبا ذكرَ ألنَّ القصدَ مِنهُ اإلِعانةُ على العتقِ وكونُهُ ربعاً‬
‫فسبعاً أوىل (وال يَفسخُها) أي جيوزُ فسخُ السي ِد الكتابةَ (إال إنْ عجزَ مُكاَتبٌ عن‬
‫أداءِ) عندَ احمللِ لنجمٍ أو بعضِهِ (أو امتَنعَ عنهُ) عندَ ذلكَ َمعَ القدرةِ عليهِ (أو) غابَ‬
‫خهَا‬ ‫عندَ ذلكَ وإن َحضَرَ مالُهُ أو كَانتْ غيبةُ املكاتبِ دونَ مسافةِ القصرِ فله فَس ُ‬
‫بنفسِهِ وحباكمٍ مىت شاءَ لتعذرِ العوضِ عليهِ وليسَ للحاكمِ األداءُ مِنْ مالِ املكاتبِ‬
‫الغائبِ (ولَهُ) أي للمكاتبِ (فَسخٌ) كالرهنِ بالنسبةِ للمرهتنِ فلهُ تركُ األداءِ والفسخِ‬
‫وإنْ كانَ َمعَهُ وفاءٌ (وَح ِرمَ عليهِ متتعٌ مبكاتبةٍ) إلختاللِ ملكِهِ وجيبُ بوطئِهِ هلا مهرٌ ال‬
‫حدٌّ والولدُ حرٌّ (ولهُ) أي للمكاتبِ (شراءُ إماءٍ لتجارةٍ ال تزوجٍ إال بإذنِ سيدِهِ وال‬
‫تَسرّ) ولو بإِذِنهِ يَعين ال جيوزُ وطءُ مملوكتَهُ وما وقعَ للشيخنيِ يف موضعٍ مما يقتضي‬
‫جوازه باإلِذنِ مبينٌ على الضعيفِ أن القنَّ َغريَ املكاتبِ يُملكُ بتمليكِ السيدِ‪ .‬قالَ‬
‫شيخُنَا‪ :‬ويظهرُ أنهُ ليسَ لهُ اإلستمتاعُ مبا دونَ الوطءِ أيضاً وجيوزُ للمكاِتبِ بيعٌ‬
‫وشراءٌ وإجار ٌة ال هبةٌ وصدقةٌ وقرضٌ بال إذنِ سيدِهِ‪.‬‬
‫[فرع]‪ :‬لو قالَ السيدُ بعدَ قبضِهِ املالَ كنتُ فسختُ الكِتابةَ فأنكرَ املكاتبُ‬
‫صدقَ بيمينِهِ ألنَّ األصلَ ع َدمِ الفسخِ وعلى السيدِ البينةَ‪ .‬ولو قالَ كاتبتُكَ وأنا صيبٌّ‬
‫أو جمنونٌ أو حمجورٌ عليّ فأنكرَ املكاتبُ حلفَ السيدُ إنْ عرفَ لهُ ذلكَ وإال فاملكاتبُ‬
‫ألنَ األصلَ عدمُ ما ادعاهُ السيدُ (إذا أحبلَ حرٌّ أمتَهُ) أي مَنْ َلهُ فِيها ملكٌ وإن قلَّ ولو‬
‫كانتْ مزوّجةً أو حمرّمةً ال إنْ أحبلَ أمةَ تركة مدينٍ وارثٍ معسرٍ (فولَدتْ) حياً أو‬
‫ميتاً أو مضغةً مصوّرةً بشيءٍ مِنْ خلقِ اآلدمينيَ (عُتقتْ مبوتِهِ) أي السيدُ من رأسِ املالِ‬
‫مُقدماً على الديونِ والوصايا وإنْ حبلتْ يف مرضِ موتِهِ (كولدِها) احلاصل (بنكاحٍ أو‬
‫زنا بعدَ وَض ِعهَا) ولداً للسيدِ فإِنهُ يُعتقُ مِنْ رأسِ املالِ مبوتِ السيدِ وَإِنْ كانت أمُّهُ قبلَ‬
‫ذلكَ (وَلهُ وطءُ أمّ ولدٍ) إمجاعاً واستخدامُها وَإجارُتهَا وكذا تزو ُجيهَا بغريِ إذنِها (ال‬
‫متلي ُكهَا) لغريِهِ ببيعٍ أو هبةٍ فَيحرمُ ذلكَ وال يصحُّ وكذا رهنُها (كولدِها متابعٌ هلا) يف‬
‫العتقِ مبوتِ السيدِ فال يصحُّ متليكُهُ مِنْ غريِهِ كاألمّ بلْ لو حكمَ بهِ قاضٍ نقضَ على ما‬
‫حَكاهُ الروياين عَنِ األصحابِ وتصحُّ كتابتُها وبي ُعهَا مِنْ نفسها ولو ادعى ورثةُ‬
‫صدّقتْ بيمِينِها كما نقَلهُ‬ ‫سيدِها ماالً لهُ بيدِها قبلَ موتِهِ فادَّعَتْ تل َفهُ أي قبلَ املوتِ ُ‬
‫اللهُ تعاىل رمحةً‬ ‫األذرعيُ فإِنْ ادعتْ تلفَهُ بعدَهُ مل تصدقْ فيهِ كما قالَهُ شيخنا رمحهُ َّ‬
‫وَاسِعةً وأَفىت القاضي فِيمَنْ أقرَّ بِوط ِء أَمتِهِ فادعتْ أنَّها أَسقطتْ مِنهُ ما تصريُ بهِ ُّأم ولدٍ‬
‫بأهنا تُصدقُ إن أمكنَ ذلكَ بيمينِها فإِذا ماتَ عُتقتْ أَعتقَنَا اللَّهُ تعاىل مِنَ النارِ‪،‬‬
‫وَ َحشَرَنا يف زمرةِ املُقرَّبنيَ األخيارِ األبرارِ وأسكَنَنَا الفردَوسَ مِنْ دارِ القرارِ‪َ ،‬ومَنَّ عليَّ‬
‫‪185‬‬
‫يف هذا التأليفِ وغريِهِ بقبولِهِ وعمومِ النفعِ بهِ وباإلِخالصِ فيهِ ليكونَ ذخريةً يل إذا‬
‫جَاءتِ الطامةُ وسبباً لرمحةِ اللَّهِ اخلاصةِ والعامةِ‪ .‬احلمدُ للَّهِ محداً يوايف نعمَهُ ويكاىفءُ‬
‫مَزيدَهُ‪ .‬وصلى اللَّهُ وسلمَ أَفضلَ صالةٍ وأكملَ سالمٍ على أشرفِ خملوقاتِهِ حممدٍ وآلِهِ‬
‫وأصحابِهِ وأزواجِهِ عَددَ معلوماتِهِ ومدادَ كلماتِهِ وحسبُنا اللَّهُ وَنِعمَ الوَكيلِ وَال حَولَ‬
‫العلي العظيمِ‪.‬‬
‫وال قوةَ إال باللَّ ِه ِّ‬
‫يقولُ املؤلفُ َعفَا اللَّهُ عنهُ وعَنْ آبائِهِ ومشاخيِهِ‪ :‬فَرغتُ منْ تبييضِ هذا الشرحِ‬
‫املعظمِ قدرُهُ سنةَ اثنتنيِ ومثاننيَ‬
‫ضحوةَ يومِ اجلُمعَةِ الرابعِ والعشرينِ مِنْ شهرِ رَمضانَ َّ‬
‫وتسعمائةٍ وأرجو اللَّهَ سُبحانَهُ وتَعاىل أنْ يقبلَهُ وأنْ يعمَّ النفعَ بِهِ ويَرزقنا اإلِخالصَ فيهِ‬
‫وَيُعيذَنا بهِ من اهلاويةِ‪ ،‬ويدخلنا به يف جنةٍ عاليةٍ‪ ،‬وأنْ يرحَم امرءاً نظرَ بعنيِ اإلنصافِ‬
‫إليهِ‪ ،‬ووقفَ على خطأٍ فأطلعين عليهِ أو أصلحَهُ احلمدُ للَّهِ ربِ العاملنيَ‪ .‬اللهمَّ صلّ‬
‫وسَلم على سيدِنا حممدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ كلما ذكركَ و ِذكْرِهِ الذاكرونَ‪ ،‬وَ َغفَلَ عن‬
‫ذكرِكَ وذِكرِه الغافلونَ‪ .‬وعلينا مع ُهمْ بِرَمحتِكَ يا أر َح َم الرامحنيَ‪.‬‬

‫‪AHNAF SAQUAFI‬‬
‫‪PALLIKKUNNU‬‬
‫‪MANNARKKAD‬‬
‫‪ppahnaf@gmail.com‬‬

‫‪186‬‬

You might also like