You are on page 1of 14

‫للتواصل‪Judge.albahlal@gmail.

com :‬‬

‫الصياغة القانونية‬
‫إعداد المحامي‪ :‬هيثم الفقي‬

‫المخطط‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مدخل للصياغة القانوني ــة‬
‫•املطلب األول‪ :‬تعريف الصياغة القانونية‬
‫•املطلب الثاين‪ :‬فــن الصياغة‬
‫•املطلب الثالث‪ :‬املسؤوليات األخالقية للصائغني‬
‫•املبحث الثاين‪ :‬الصياغة اجلامدة والصياغة املرنة‬
‫•املطلب األول‪ :‬الصياغة اجلامدة‬
‫•املطلب الثاين‪ :‬الصياغة املـ ـرنة‬
‫•املطلب الثالث‪ :‬احلاجة للصياغتني معا‬
‫•املبحث الثالث‪ :‬طرق الصياغة القانونية‬
‫•املطلب األول‪ :‬الطرق املادية‬
‫•املطلب الثاين‪ :‬الطرق املعنوية‬
‫•املطلب الثالث‪ :‬عوامل جودة الصياغة القانونية‬
‫•املبحث الرابع‪ :‬قواعد الصياغة التشريعية‬
‫•املطلب األول‪ :‬املنطق العلمي‬
‫•املطلب الثاين‪ :‬حرفية الصائغ‬
‫•املطلب الثالث‪ :‬أساليب زيادة الدقة يف الصياغة التشريعية‬
‫•املطلب الرابع‪ :‬عيوب الصياغة‬
‫اخلامتة‬

‫صفحة ‪1‬‬ ‫الصياغة القانونية – هيثم الفقي‬


‫للتواصل‪Judge.albahlal@gmail.com :‬‬

‫مقدمة‬
‫إن اإلهتمام مبسألة الصياغة القانونية ليس جمرد إعتناء باجلانب الشكلي واإلجرائي‪ ،‬إمنا اهلدف منه هو الوصول إىل تطبيق دولة‬
‫القانون واحلكم الراشد من خالل سن تشريع جيد ومتطور‪ ،‬يف منتهى الوضوح والدقة يف الصياغة‪ ،‬منسجما مع الدستور وغري‬
‫متعارض مع القوانني األخرى‪ ،‬مفهوم عند عامة الناس وقابل للتطبيق‪.‬‬
‫وتعد نوعية الصياغة التشريعية مكونا هاما من مكونات اإلدارة الرشيدة ملا هلا من أثر على املستوى اإلجتماعي واإلقتصادي‬
‫والسياسي للبالد‪ .‬كما أن اختيارانا هلذا املوضوع‪ ،‬يتزامن مع إصالح النظام القانوين الذي شرعت فيه اجلزائر واملتمثل يف مراجعة‬
‫وحتديث القوانني املوجودة يف شىت القطاعات وما يتماشى مع اإلحتياجات واملتطلبات اجلديدة ملواكبة املعايري الدولية‪ ،‬من هنا‬
‫يتبادر لألذهان الطرح املتمحور حول‪ :‬ما مدى مالئمة مشروعات التطوير التشريعي يف تعزيز بناء الدميوقراطية وتغيري أسلوب‬
‫احلكم باجتاه اإلستعاب ال اإلستبداد وباجتاه احملاسبة والشفافية وما مدى مالئمة ومسايرة الصياغة التشريعية ألنظمة احلكم‬
‫خاصة يف الدول العربية؟‬
‫باعتبار أن مسألة التحكم يف أصول الصياغة القانونية مسألة حتمية يف ظل العوملة واإلجتاه الدويل احلايل يف توحيد القوانني‬
‫أصبحت كل دولة ال تستطيع أن تسن قوانينها مبعزل عن القوانني واإلتفاقيات الدولية‪.‬‬

‫•‬

‫صفحة ‪2‬‬ ‫الصياغة القانونية – هيثم الفقي‬


‫للتواصل‪Judge.albahlal@gmail.com :‬‬

‫املبحث األول‪ :‬مدخل للصياغة القانونية‬


‫‪‬املطلب األول‪ :‬تعريف الصياغة القانونية‬

‫تتكون القاعدة القانونية من عنصرين‪ :‬عنصر العلم وعنصر الصياغة‪ .‬يتعلق عنصر العلم جبوهر القانون‬
‫وموضوعه‪ ،‬أي باملادة األولية اليت يتكون منها القانون ‪،‬وبالعوامل اليت تدخل يف مضمونه أي القوى اخلالقة‬
‫للقانون‪.‬‬
‫أما عنصر الصياغة فيتمثل يف إخراج هذا املضمون إىل حيز العمل من خالل الوسائل الفنية الالزمة إلنشاء‬
‫القاعدة القانونية والتعبري عنها‪ ،‬وتسمى بأساليب صناعة أو صياغة القانون‪ .‬وعلى هذا فالصياغة القانونية هي‬
‫مبثابة حتويل املادة األولية اليت يتكون منها القانون إىل قواعد عملية صاحلة للتطبيق الفعلي على حنو حيقق الغاية‬
‫اليت يفصح عنها جوهرها‪ ،‬ويتم ذلك عن طريق اختيار الوسائل واألدوات الكفيلة بالرتمجة الصادقة ملضمون‬
‫القاعدة وإعطائها الشكل العملي الذي تصلح به للتطبيق‪"1".‬‬
‫وتعد الصياغة القانونية عنصرا هاما من عناصر تكوين القاعدة القانونية‪ ،‬فهي اليت خترجها إىل حيز الوجود‬
‫ويتوقف جناح تلك القاعدة على دقة الصياغة ومدى مالئمة أدواهتا‪ .‬هلذا ينبغي مراعاة الدقة يف صياغة القاعدة‬
‫القانونية من خالل اختيار التعبري الفين العملي وأقرب السبل وأفضل األدوات لتحقيق الغاية املقصودة منها‪.‬‬

‫‪‬املطلـب الثاين‪ :‬ف ــن الصياغــة‬

‫يتمثل املضمون التشريعي يف قواعد ترمى إىل حتقيق مصاحل وتصاغ يف صورة نصوص ‪.‬وهذا هو" فن الصياغة‬
‫القانونية "‪ ،‬ويقصد به جمموعة الوسائل والقواعد املستخدمة لصياغة األفكار القانونية يف نصوص تشريعية تعني‬
‫على تطبيق القانون من الناحية العملية‪ ،‬وذلك باستيعاب وقائع احلياة يف قوالب تشريعية لتحقيق الغرض الذي‬
‫تنشده السياسة القانونية‪" 2".‬‬
‫إن موضوع هذا الفن وغايته هو تسهيل العمل بالقانون‪ ،‬ويتحقق ذلك من خالل عدة أمور ‪:‬‬
‫‪1-‬استخدام مناهج وأساليب يف الصياغة متكن قدر اإلمكان املستطاع من احتواء كافة الوقائع يف جمال‬
‫القواعد القانونية‪ .‬إن وقائع احلياة املتنوعة تعصى على اإلدراك‪ ،‬يف حني أن أساليب الصياغة القانونية حمدودة‬
‫اإلمكانيات‪ .‬لذا يصعب على أي فن بشري‪ ،‬مهما بلغ من كمال‪ ،‬أن يصوغ مبادئ وقواعد تصلح لكل األمور‬
‫ويف كافة األزمان‪ .‬وينبغي أن تصب القواعد وتصهر وفقا لألشياء والوقائع على حنو تتسع ملا بينها من تنوع‬
‫وتفاوت‪ ،‬أي أن ينبغي على املشرع أن جيمع يف الصياغة القانونية بني كمال التحديد وإتقان التكييف‪.‬‬
‫‪2-‬خلق األفكار القانونية‪ :‬إن احلياة االجتماعية تولد مصاحل وحاجات معينة‪ ،‬ويأيت فن الصياغة القانونية‬
‫إلشباع هذه احلاجات‪ ،‬من خالل استخدام وسائل مصطنعة وأفكار قانونية ‪.‬وهكذا يتضمن كل قانون عناصر‬

‫صفحة ‪3‬‬ ‫الصياغة القانونية – هيثم الفقي‬


‫للتواصل‪Judge.albahlal@gmail.com :‬‬

‫مادية توفرها احلياة‪ ،‬وعناصر مصطنعة من خالل الصياغة القانونية‪.‬‬


‫‪3-‬الدراسة العقارية‪ :‬حيث تعد من تعد من العوامل املساعدة يف الصياغة القانونية‪.‬املساعدة يف الصياغة‬
‫القانونية ‪.‬وتتمثل يف االستعانة بالطرق واألساليب املتبعة يف البالد األخرى لصياغة أحكام القانون‪.‬‬
‫يقوم القانون على عاملني متميزين مها معطيات احلياة والصناعة القانونية‪ .‬ويرتتب على اختالف وتباين‬
‫معطيات احلياة من بلد آلخر‪،‬نسبية القانون وتفاوت مضمونه ‪.‬‬

‫‪‬‬
‫املطلـب الثالث‪ :‬املسؤوليات األخالقية للصائغني‬
‫يكمن جزء من حل الصعوبات اليت يواجهها الصائغون عند إعداد التشريعات اليت تستهدف إحداث حتوالت يف اجملتمع واليت‬
‫ميكن تنفيذها بفعالية‪ ،‬يف إجياد أخالقيات مهنية بني الصائغني‪ .‬وينبغي أن تتضمن تلك األخالقيات مخس قواعد أساسية هي‪:‬‬
‫‪1-‬أن يدرك الصائغ أنه مسؤول ليس عن شكل مشروع القانون فحسب‪ ،‬وإمنا عن موضوعه أيضا‪.‬‬
‫‪2-‬ومثلما يدين احملامي أثناء احملاكمة بواجب الوالء‪ ،‬إىل كل من املوكل والنظام القضائي‪ ،‬فإن الصائغ يدين كذلك بالوالء إىل‬
‫كل من املوكل والنظام التشريعي‪.‬‬
‫‪3-‬أن يدين الصائغ للموكل بواجب الكفاءة يف صياغة مشروعات قوانني ميكن تنفيذها بفعالية‪ ،‬وكذلك يف صياغة مشروعات‬
‫قوانني وتقارير حبثية صحيحة من الناحية الشكلية‪.‬‬
‫‪4-‬أن يدين الصائغ إىل املوكل بواجب السرية‪ ،‬ولكن جيوز له أن يرفض صياغة مشروع قانون بسبب تعارضه مع معتقادته‬
‫الشخصية‪.‬‬
‫‪5-‬أن على الصائغ الذي ال يرى سبيال لكتابة مشروع القانون املقرتح ضمن احلدود القانونية والدستور أن يرفض التعليمات‬
‫الصادرة إليه بصياغة هذا املشروع‪"3".‬‬

‫•املبحـ ــث الثاين‪ :‬الصياغ ــة اجل ــامدة والصياغــة املرنــة‬


‫‪‬املطلـب األول ‪ :‬الصياغـة اجلـامدة‬
‫تعتب صياغة القاعدة القانونية جامدة إذا كانت تواجه فرضا معينا أو وقائع حمددة وتتضمن حال ثابتا ال يتغري مهما اختلفت‬
‫الظروف واملالبسات‪ .‬لذا جيد القاضي نفسه مضطرا لتطبيق احلل أو احلكم مبجرد توافر الفرض بطريقة آلية وصارمة‪.‬‬
‫وينطبق ذلك على القواعد اليت تتضمن مواعيد وأرقام بالنقض أو اإلستئناف‪ .‬فمىت فات امليعاد احملدد للطعن‪ ،‬فإن القاضي ال‬
‫ميلك إال احلكم بعدم قبول الطعن املرفوع بعد امليعاد‪.‬‬
‫فقد كان من املمكن أن يأخذ املشرع مبعيار مرن عند حتديد سن الرشد بالنسبة إىل املواطنني‪ ،‬هو األخذ بالبلوغ الطبيعي‪ ،‬فال‬
‫يعترب رشيدا إال الشخص البالغ من الناحية الفسيولوجية‪،‬القادر على فهم وإدراك تصرفاته‪ .‬وكانت الشرائع القدمية تأخذ هبذا‬
‫املعيار املرن‪ ،‬الذي خيتلف باختالف األفراد‪ ،‬ويراعي الفروق الواقعية بينهم‪ ،‬ألن البلوغ الطبيعيني يتفاوت من شخص إىل‬
‫آخر‪.‬ولكن كانت هناك صعوبة يف تطبيقه ألن إثباته ليس دائما يسريا من الناحية العملية‪ .‬لذا عدلت الشرائع احلديثة عن هذا‬
‫املعيار املرن‪ ،‬األكثر اتساقا مع العدالة‪ ،‬وأخذت بقاعدة جامدة‪ ،‬أسهل تطبيقا يف العمل‪ ،‬فحددت سنا قانونية للرشد يتساوى‬
‫فيه مجيع املواطنني‪ ،‬بغض النظر عن درجة بلوغهم الفسيولوجي‪.‬‬

‫صفحة ‪4‬‬ ‫الصياغة القانونية – هيثم الفقي‬


‫للتواصل‪Judge.albahlal@gmail.com :‬‬

‫املطلـب الثاين‪ :‬الصيــاغة املرنـة‬


‫تكون الصياغة مرنة إذا اكتفت القاعدة القانونية بإعطاء القاضي معيارا مرنا يستهدي به يف وضع احللول املناسبة لكل حالة على‬
‫حدة من القضايا املعروضة عليه طبقا للظروف واملالبسات املختلفة‪ .‬فالقاضي بسلطة تقديرية واسعة إزاء تطبيق القاعدة املرنة‪.‬‬
‫مثل ذلك القاعدة القانونية اليت تعطي للواهب احلق يف الرجوع يف اهلبة مىت كان يستند إىل عذر مقبول‪ .‬فال شك أن معيار‬
‫العذر املقبول معيار مرن يتيح للقاضي السلطة الكاملة يف تقديره وفقا لظروف كل حالة على حدة‪.‬‬
‫وتعترب قواعد قانون العقوبات مرنة إذا كانت حتدد العقوبة من خالل وضع حد أقصى وحد أدىن مع ترك احلرية للقاضي يف‬
‫تطبيق العقوبة املناسبة بني هذين احلدين طبقا للظروف اخلاصة بكل حالة على حدة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫املطلـب الثالث‪ :‬احلاجـة للصياغتني معـا‬
‫الواقع أن القانون الوضعي يف حاجة إىل النوعني من الصياغة يف نفس الوقت‪ .‬فاألصل أن تكون القواعد القانونية منضبطة‬
‫وحمددة‪ ،‬إال أنه توجد حاالت كثرية البد وأن تصاغ فيها القواعد بصورة مرنة تتجاوب مع الظروف املتغرية وما قد يستجد من‬
‫وقائع‪.‬‬
‫فاملشرع قد يفضل هجر القاعدة اجلامدة واألخذ باملعيار املرن‪ ،‬فمثال قد حيدد املشرع الغنب يف املعامالت بنسبة معينة من قيمة‬
‫الشيء حمل التعامل‪ ،‬وقد يهجر املشرع هذه القاعدة اجلامدة ويأخذ باملعيار املرن‪ ،‬مثل عدم التعادل البتة بني التزامات كل من‬
‫الطرفني‪ ،‬تاركا للقاضي تقدير كل حالة على حدة‪ ،‬حىت تتالءم القاعدة القانونية مع تباين احلاالت الواقعية‪ ،‬كما هو احلال يف‬
‫نظرية اإلستغالل‪.‬‬
‫وجيب بقدر اإلمكان أن جتابه القواعد يف صياغتها كافة الفروض والظروف وكذلك ما جيد من تطورات واحتماالت‪ .‬لذلك لعل‬
‫األسلوب األمثل عند حتديد نطاق تطبيق القاعدة القانونية يكون من خالل التباين بني املثال واحلصر‪:‬‬
‫‪1-‬ذكر حاالت انطباق القاعدة القانونية على سبيل املثال‪ ،‬مع إفساح اجملال أمام القاضي للقياس‪ ،‬كي تشمل القاعدة ما يطرأ‬
‫من أحداث ووقائع‪.‬‬
‫‪2-‬وقد يرى املشرع حتديد نطاق تطبيق القاعدة القانونية بصورة دقيقة حمددة‪ ،‬على حنو ال يرتك للقاضي احلرية يف القياس‪،‬‬
‫وذلك حرصا على استقرار املعامالت‪ ،‬وصونا ملختلف احلريات‪ .‬ويبدو ذلك بصفة خاصة يف جمال قانون العقوبات‪ ،‬حيث‬
‫يرتتب على القياس جترمي أفعال ال ينص عليها القانون‪ ،‬األمر الذي يتعارض مع مبدأ الشرعية‪.‬‬

‫•املبح ــث الثــالث ‪ :‬طرق الصياغ ــة القانوني ـ ــة‬


‫‪‬املطلـب األول‪ :‬الطرق املادية‬
‫تتمثل الصياغة املادية يف وجود تعبري مادي عن جوهر القاعدة القانونية جمسدا يف مظهر خارجي هلا‪ ،‬أما بطريقة إحالل الكم‬
‫حمل الكيف أو بطريقة بعض التصرفات املتمثلة يف شكلية معينة‪:‬‬
‫ويقصد بإحالل احلكم حمل الكيف‪ :‬إعطاء القاعدة القانونية حتديدا حمكما بالتعبري عن مضموهنا برقم معني مما جيعل تطبيقها‬
‫آليا وال ميلك القاضي جتاهها عادة سلطة تقديرية ومن األمثلة على هذا النوع من الصياغة القانونية كالتايل‪:‬‬

‫صفحة ‪5‬‬ ‫الصياغة القانونية – هيثم الفقي‬


‫للتواصل‪Judge.albahlal@gmail.com :‬‬
‫‪1-‬حتديد سن الرشد ببلوغ سن تسعة عشر (‪ )11‬سنة كاملة املادة (‪04‬ق‪.‬م‪).‬‬
‫‪2-‬حتديد أهلية الرتشح لعضوية اجمللس الوطين الشعيب ب (‪ )22‬سنة‪.‬‬
‫‪3-‬حتديد نسبة الغنب يف بيع العقار مبا يزيد على ‪ :‬مخس مثن املثل‪ ...‬املادة(‪323‬ق‪.‬م ‪).‬‬
‫أما اجلانب الشكلي املقصود يف الصياغة املادية‪ ،‬فيتمثل يف مظهر خارجي يفرض على األفراد إتباعه يف تصرفاهتم حىت ترتتب‬
‫عليه آثارا قانونية معينة‪ ،‬ويقصد من هذه الشكلية عادة يف إفراغ التصرفات يف كتابة رمسية‪ ،‬ومن على ذلك بيع العقار وهبته‬
‫الرهن الرمسي الذي يرد على عقار‪ ،‬ومن األشكال األخرى اشرتاط احلصول على إذن معني ملباشرة بعض التصرفات بالنسبة‬
‫للوصي محاية ألموال القاصر‪ ،‬ومن الشكلية ما يقصد منه تيسري إثبات التصرفات يف غري املواد التجارية إذا كان التصرف القانوين‬
‫تزيد قيمته على (‪ )1444‬دج املادة(‪ 333‬ق‪.‬م‪).‬‬

‫‪‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الطرق املعنويـة‬
‫الصياغة املعنوية هي عمل ذهين يكسب القاعدة القانونية إخراجا عمليا وتتمثل هذه الصيغ يف‪:‬‬
‫القرائن القانونية‪ ،‬اإلفرتاض أو احليل القانونية‪.‬‬
‫‪1-‬القرائن القانونية‪:‬‬
‫القرينة القانونية هي عملية موضوعها أمر مشكوك فيه على أنه أمر مؤكد‪ ،‬أي حتويل الشك إىل يقني وإخراج القاعدة القانونية‬
‫على هذا األساس‪ ،‬وإذا كان جمال القرائن القانونية أصال هو موضوع اإلثبات إال أن احلاجة إىل القرائن يف جمال القواعد‬
‫املوضوعية أمر قائم‪.‬‬
‫‪‬القرائن القانونية يف جمال اإلثبات‪:‬‬
‫يؤخذ مببدأ القرينة يف جمال إثبات مراكز واقعية متهيدا لتطبيق القانون عليها‪ :‬إن الشك يف وضع ما لتعذر إثباته أو استحالته‬
‫يتحول إىل يقني مىت استعملت فكرة القرينة وهذا من شأنه أن يعمل على حتقيق االطمئنان واإلستقرار يف اجملتمع مىت كان‬
‫اإلثبات العادي املباشر متعذرا ومثاله‪:‬‬
‫القرينة الزوجية اليت تقضي‪ :‬بأن املولد من زوج الوالدة‪ ،‬مىت حصل احلمل وقت الزوجية‪ .‬أو كما ورد يف حديث الرسول (صلى‬
‫اهلل عليه وسلم)‪ " :‬الولد للفراش "‬
‫كذلك قرينة اعتبار ارتكاب القاصر عمال غري مشروع قرينة على خطأ من يتوىل رقابته كاألب أو الوصي‪...‬‬
‫وإذا كان املبدأ أن القرائن القانونية بسيطة تقبل إثبات العكس إال أنه توجد بعض القرائن قاطعة ال جيوز إثبات عكسها‪.‬‬
‫وإذا كانت القرائن القانونية تكون إقامتها يف مرحلة صياغة القاعدة القانونية‪ ،‬وهي من صنع املشرع‪ ،‬أو القانون الوضعي عموما‪،‬‬
‫فإنه على عكس ذلك تكون القرائن القضائية من صنع القاضي يهتدي إليها يف مرحلة تطبيق القاعدة القانونية فهي تستخلص‬
‫بصدد قضية مطروحة‪،‬استنادا إىل وقائع الدعوى ومالبستها‪ :‬كصورية البيع بني الزوجني أو لقرابة وثيقة بني أطرافه‪...‬‬
‫‪2-‬القرائن القانونية يف جمال القواعد املوضوعية‪:‬‬
‫هذا النوع من القرائن ميس موضوع احلق‪ ،‬وهو ال يتعدى دور الدافع أو العلة يف تقرير حكم القاعدة القانونية‪ ،‬اليت تبقى مستقلة‬
‫بعد إقرارها عن هذه الدوافع‪ ،‬أن حتديد سن الرشد بتمام(‪ )11‬سنة كاملة يف القانون اجلزائري قد بناه املشرع على اعتبار هذا‬
‫السن قرينة ختتفي مبجرد صياغة القاعدة القانونية املنصوص عليها يف املادة (‪04‬ق‪.‬أ‪.‬م‪).‬‬
‫‪‬اإلفرتاض أو احليل القانونية‪:‬‬
‫يتمثل اإلفرتاض أو احليل القانونية يف إعطاء وضع من الو ضاع حكما خيالف احلقيقة من أجل الوصول إىل غاية عملية معينة‪،‬‬
‫وهو تصوير ذهين معني يقصد منه تيسري الوصول إىل غاية عملية معينة‪ ،‬وهو تصوير خيالف الواقع ويشوهه‪.‬‬

‫صفحة ‪6‬‬ ‫الصياغة القانونية – هيثم الفقي‬


‫للتواصل‪Judge.albahlal@gmail.com :‬‬
‫ومن أمثلة اإلفرتاض أو احليل القانونية‪ :‬نظام املوت املدين وهو افرتاض خيالف الواقع من بقائه فعال على قيد احلياة وذلك من‬
‫أجل ترتيب آثار قانونية‪.‬‬
‫ومن احليل القانونية أيضا‪ ،‬طائفة العقارات بالتخصيص وطائفة املنثوالت باملال‪.‬‬
‫فهذا افرتاض خيالف التقسيم الطبيعي لألشياء إذ يفرتض أن بعض املنقوالت عقارات إذا كانت خمصصة خلدمة عقار أو استغالله‬
‫وافرتاض أن بعض العقارات منقوالت ما دام مآهلا القريب اإلنفصال من أصل ثباهتا‪.‬‬
‫وإذا كانت الطريقة املعنوية يف الصياغة القانونية حتقق فوائد عملية إال أهنا على أساس خمالف للطبيعة والواقع‪ ،‬وإن االلتجاء إليها‬
‫إمنا بقصد حتقيق العدل أو النفع االجتماعي‪ ،‬وهو التربير الوحيد لإلفرتاض أو احليلة القانونية وهو يف مجيع احلاالت مقيد بعدم‬
‫جتاوز حدود الغرض املقصود من تقريره‪...‬‬

‫‪‬‬
‫املطلـب الثالث‪ :‬عوامل جودة الصياغة القانونيـة‪.‬‬

‫هناك عوامل تعزز من جودة الصياغة القانونية وجتعلها داعمة للحكم اجليد ‪ ،‬أمهها‪:‬‬
‫‪1-‬دميوقراطية الصنع ‪ ....‬تدعم اإلستقرار التشريعي‬
‫صياغة التشريعية اجليدة هي اليت ال تأيت مبتورة‪ ،‬أو غري واضحة‪ ،‬بل تكون مؤدية للغرض الذي جاءت‪ ،‬ومعربة‬
‫عن الواقع اإلجتماعي ‪ .‬هلذا فإن الصياغة اجليدة متيل إىل اإلستقرار‪ ،‬أما الصياغة الردئية فال تتسم هبذا‬
‫اإلستقرار‪.‬‬
‫فاستقرار التشريعات يتأتى عندما عندما تكون الصياغة القانونية متفقة مع األفكار والتصورات واألغراض اليت‬
‫سعت القاعدة القانونية إىل حتقيقها‪ ،‬وأن تتسم بالوضوح والقابلية للفهم من املخاطبني بأحكامها‪ ،‬وال تثري‬
‫املشاكل عند التطبيق‪ .‬أي أن الصياغة املستقرة يفهمها األمي والعامل‪ ،‬أو أي فئات اجتماعية متباينة يف مهارهتا‬
‫العلمية أو اللغوية أو الثقافية أو اإلقتصادية أو اإلجتماعية‪.‬‬
‫وعلى نقيض ذلك تكون الصياغة الغري املستقرة‪ .‬فهي يف الغالب ال تعرب عن فكر اجلماعة وإمنا متثل رأى حمدد‬
‫دون التعبري عن رأى اجملموع‪ .‬فالفكرة القانونية إذا كان مصدرها اجلماعة فإهنا تساعد على تطوير اجملتمع‪،‬‬
‫خاصة إذا كان اجملتمع دميوقراطيا‪ ،‬أما يف النظم الشمولية والسلطوية فإن القاعدة القانونية تعرب عنها احلاكم أو‬
‫قد تكون إنعكاسا لفكرة السلطة األعلى وعلى اجملتمع أن يرضخ هلا حىت وإن جاءت غري متفقة مع إرادته‪.‬‬
‫‪2-‬دميوقراطية األسلوب ‪ ..‬تدعم الشفافية‪:‬‬
‫من املهم أن يكون القانون مصوغا بلغة بسيطة قريبة ومألوفة من لغة ختاطب الرجل العادي‪ ،‬غري املتخصص يف‬
‫القانون‪ .‬هلذا‪ ،‬من األوىل باملشرع والصائغ توضيح فكرة التشريع والتعبري عنها بأبسط الطرق‪ ،‬مبا ميكن املواطن‬
‫من متابعة مدى احرتام سيادة وحكم القانون‪ ،‬ومن مراقبة أداء الدولة‪ ،‬تشريعا وليس فقط تطبيقا‪.‬‬
‫‪3-‬متطورة ‪ ..‬تعزز القدرة التنافسية للتشريع‪:‬‬
‫فالتشريع اجليد له قدرة تنافسية يف مواجهة العامل املعاصر‪ ،‬األمر الذي يتطلب القيام بدراسة وافية ولفرتة كافية‬
‫له‪ ،‬وعند نظر مشروع قانون ما فال ضرر من عمل دراسة مقارنة مع القوانني احمليطة بنا‪ ،‬للتعرف على التطور‬

‫صفحة ‪7‬‬ ‫الصياغة القانونية – هيثم الفقي‬


‫للتواصل‪Judge.albahlal@gmail.com :‬‬

‫التشريعي احلادث يف العامل (والذي يفرض نفسه على اجلميع‪ ،‬بطريقة أو باألحرى)‪ ،‬ال سيما إذا كان ملوضوع‬
‫التشريع املقرتح جذور أو امتدادات يف اتفاقيات دولية‪.‬‬
‫‪4-‬متوازنة‪ ...‬وصديقة للقضاء‬
‫الصياغة اجليدة ليست تلك اليت تبدو بسيطة ومنطقية فقط‪ ،‬وإمنا هي تلك اليت تساعد على إنزال أحكام‬
‫التشريع س بعدالة وموضوعية‪ .‬والقضاء هو الذي حيكم بني اخلصوم يف املنازعات‪ ،‬على أساس القانون‪ ،‬فإذا‬
‫كانت صياغة القانون متوازنة‪ ،‬تتصف بالوضوح واحلسم ويف نفس الوقت تتحلى باملرونة‪ ،‬فإهنا تعني القاضي‬
‫على إنزال أحكامها بعدالة أكرب ‪.‬‬
‫ويف احلقيقة‪ ،‬فإن مطلب التوازن يف الصياغة ال ينصرف يف هذا املقام إىل مضمون القواعد القانونية أو توجيهات‬
‫املشرع‪ ،‬فهذه مسألة سياسية حتكمها اعتبارات ذاتية لدى اآللة التشريعية‪ ،‬ولكنه ينصرف إىل املرونة يف مظلة‬
‫القاعدة حبيث تعيش مدة أطول‪ ،‬وتنطبق على حاالت أكثر‪ ،‬وتسفر عن تعقيدات ولبس أقل عند التطبيق‪.‬‬
‫فالصياغة " اجلامدة" حتقق التحديد الكامل للحكم القانوين أو ما خيضع له األشخاص أو الوقائع‪ ،‬على حنو ال‬
‫يرتك جماال للتقدير سواء بالنسبة للمخاطب بالقانون أو القضاء‪.‬‬
‫أما الصياغة " املرنة " فهي متكن القاعدة من االستجابة ملتغريات الظروف وتفريد احلاالت‪ ،‬وتتيح بالتايل‬
‫للقاضي حرية التقدير وإمكانية املواءمة‪ ،‬فهي تقتصر على وضع الفكرة تاركة ما يدخل فيها لتقدير من يقوم‬
‫على تطبيق القاعدة القانونية‪.‬‬

‫•املبح ــث الراب ـ ــع‪ :‬قـ ـواع ــد الصيـاغــة التشريع ـيـة‬
‫هناك قاعدتان للصياغة التشريعية اجليدة مها‪:‬‬
‫‪‬‬
‫املطلـب األول‪ :‬قـاعدة املنطق العلمـي‬
‫وتتمثل يف املرور خبطوتني متتالتني يف عملية التشريع‪:‬‬
‫األوىل هي اإلجابة على سؤال‪ :‬هل حنتاج إىل حل‪ /‬تدخل تشريعي أصال ملواجهة املوضوع املطروح‬
‫علينا؟‪ ،‬فإذا كانت اإلجابة بنعم نأيت إىل السؤال التايل‪ :‬ماهي اخلطوات املنطقية اليت تضمن السري يف‬
‫عملية التشريع بطريقة علمية أو كفاءة أعلى؟‬
‫‪1-‬إن اإلجابة على السؤال األول تعني على جتنب ظاهرتني كالمها أخطر من األخرى يف التشريعات‬
‫العربية ومها اإلسراف التشريعي‪ ،‬وتضارب القوانني‪ .‬فالقانون اجليد هو الذي يأيت كثمرة لدراسة علمية‬
‫حىت ال تكون أحكامه متعارضة مع أحكام أخرى‪ ،‬أي أن دوافع إعداد القانون جيب أن تستقى من واقع‬
‫ميليها وهذا بدعوة أهل الرأي واملتخصصني لإلدالء يف مشروع القانون ‪ .‬جتنبا للثغرات القانونية اليت‬
‫تؤدي إىل ذيوع الفساد وخاصة عند تطبيق القوانني‪ .‬ولكي تكون القوانني واضحة وحمددة وصرحية‪ .‬وإذا‬

‫صفحة ‪8‬‬ ‫الصياغة القانونية – هيثم الفقي‬


‫للتواصل‪Judge.albahlal@gmail.com :‬‬

‫ما قرر املشرع حاجة اجملتمع للتدخل التشريعي فإنه حيتاج إىل‪:‬‬
‫‪-‬النظر إىل دستورية املشروع وتنقيته من شبهة عدم الدستورية‪.‬‬
‫‪-‬النظر لتشابه مشروع القانون مع القوانني األخرى السارية‪.‬‬
‫‪-‬التأكد من الوضوح يف كل نص وعدم تكراره‪.‬‬
‫‪-‬دراسة األثار علميا حول القانون‪ ،‬حيث أن القانون اليوضع بناءا على انطباعات كما ان الوقائع‬
‫الفردية ال تشكل ظاهرة هامة‪ ،‬تستدعي وضع قانون‪.‬‬
‫‪2-‬عندما يبدأ املشرع يف معاجلة موضوع ما فعليه أن حيدد‪:‬‬
‫‪-‬السياسة التشريعية اليت يدافع عنها ويرتجم أهدافها إىل نصوص قانونية‪.‬‬
‫‪-‬األهداف اليت ينوي حتقيقها‪.‬‬
‫‪-‬احلق الذي حيتاج إىل احلماية أو الرعاية القانونية‪.‬‬
‫هذا وألن القاعدة القانونية هي حمصلة تفاعل عوامل ومعطيات رئيسية أبرزها‪:‬‬
‫‪-‬معطيات طبيعية‪ ،‬أي الظروف اليت يوجد فيها اإلنسان سواء كانت ظروف مادية أو معنوية أو أن‬
‫تكون معطيات إقتصادية واجتماعية‪.‬‬
‫وهذه احلقائق وإن كانت غري كافية إلنشاء القاعدة القانونية إال أهنا تعد املادة اخلام األولية اليت جيب أن‬
‫يقف عليها املشرع عند البدأ يف التفكري يف إنشاء قاعدة قانونية أو حماولة رسم حدود أو نطاق املسائل‬
‫القانونية اليت يريد تنظيمها‪.‬‬
‫‪-‬معطيات تارخيية‪ ،‬أي الرتاث الذي خلفته األجيال السابقة للبشرية يف جمال ينظم عالقاهتا اإلجتماعية‬
‫من عرف وعادات وتقاليد‪ .‬ولكن تلك احلقائق ال تتصف باجلمود كاحلقائق الطبيعية لذا جيوز التدخل‬
‫يف تشكيلها وما يواكب الظروف العصرية للمجتمع‪.‬‬
‫‪-‬معطيات عقلية‪ ،‬أي احلقائق العقلية اليت ميكن أن يستخلصها العقل من احلقائق الطبيعية والتارخيية‬
‫فيقوم بالكشف عنها وجتسيدها‪.‬‬
‫‪-‬معطيات مثالية‪ ،‬أي آمال اجلماعة وأمانيها وطموحاهتا املستمرة حنو النهوض بالقوانني وتطويرهم‪،‬‬
‫وهبذا تكون املعطيات املثالية قادرة على التأثري يف املعطيات الثالثة السابقة‪.‬‬
‫واملشرع يف حاجة إىل استحضار هذه املعطيات وتفعيلها معا‪ ،‬لتحديد أهداف ومالمح التشريع املرجو م‬
‫لصياغته بالطريقة املالئمة ورمبا يراه البعض أمرا تنظرييا أكثر من الالزم‪ ،‬لكنه يف احلقيقة جتسيد ملنطق‬
‫بسيط وهو العقالنية والنظرة الشمولية يف التعامل مع قضايا الصياغة التشريعية وقد اعتاد عليه النواب‬
‫ومارسته الربملانات طويال‪ ،‬حيث كلما كانت ممارسة هذا النهج مستقرة وعامة كلما كانت جودة‬
‫التشريعات أعلى وتوافقها مع مبادئ الدميوقراطية واحلكم اجليد‪.‬‬

‫صفحة ‪9‬‬ ‫الصياغة القانونية – هيثم الفقي‬


‫للتواصل‪Judge.albahlal@gmail.com :‬‬

‫‪‬املطلـب الثاين‪ :‬قـاعدة حرفـية الصـائغ‬


‫تعترب الصياغة التشريعية من الوسائل الفنية الالزمة إلنشاء القواعد القانونية ضمن أسس ومبادئ البد من‬
‫معرفتها وإتقان فنوهنا كصناعة احرتافية‪ ،‬تتكون موادها األولية من معرفة مصادر القانون املختلفة باعتبار‬
‫أن هذه املصادر تشكل األدوات العامة لكل البناء الفين واليت مبوجبها يتم تعبري عن قواعد القانون‬
‫ومضامينه من خالل طرق عديدة أمهها املعرفة التامة واملصطلحات وخصائص القاعدة القانونية من قبل‬
‫املشتغلني بالعمل التشريعي‪ .‬فبعد مجع املشرع باملواد اخلام يتم وضعها يف قوالب أو مناذج تشريعية وهنا‬
‫يأيت دور الصائغ الذي يتوىل حتويل املواد اخلام إىل نصوص قانونية قابلة للفهم والتطبيق أي أننا إزاء‬
‫عملية من مستويني متداخلني باستمرار األول‪ ،‬هو حتديد السياسة التشريعية واألهداف املرسومة للتشريع‬
‫املقرتح والثاين‪ ،‬هو وضعها يف أطر مقننة ‪ .‬هلذا يفرق البعض بني الصياغة القانونية " فن احرتايف" وطريقة‬
‫وضع النصوص التشريعية (عمل برملاين سياسي)‪ ،‬وكالمها يتطلب اإلملام بفن استخدام الوسائل القانونية‬
‫لتحقيق الغرض التشريعي ‪.‬‬
‫‪1-‬وضع النصوص القانونية‪:‬‬
‫من الشائع استخدام طريقتني‪ ،‬األوىل‪ ،‬هي احللول التفصيلية حيث يلجأ املشرع إىل صياغة النصوص‬
‫التشريعية لتعاجل كل ما يدور يف خياله من حاالت خاصة وما ميكن أن يتصوره من حوادث فيقرر لكل‬
‫حالة أو حادثة متوقعة حلها القانوين الذي يراه حسب طبيعة ومقتضيات تلك احلالة (وهذا هو التدخل‬
‫التفصيلي اإلجيايب ومثاله جداول الظرائب حسب شرائح املمولني )‪ .‬كما قد يرتك املشرع للقاضي مهمة‬
‫حبث كل حالة على حدى ووضع احلل املناسب هلا يف ضوء ما يكتنفها من ظروف موضوعية (التدخل‬
‫التفصيلي السليب ومثاله احلدود القصوى والدنيا للعقوبة)‬
‫أما الطريقة الثانية يف وضع النصوص القانونية فهي احللول العامة حيث يضع املشرع حلوال عامة جمردة‬
‫(مثال‪ :‬قواعد النظام العام‪ ،‬أو مبدأ عدم تسويئ مركز املتهم حال تشديد العقوبة‪).‬‬
‫ولعل أخطر ظاهرة سلبية قد تنتاب املشرع يف عملية وضع النصوص القانونية هي " حشد" القوانني‬
‫والنصوص واألحكام ‪،..‬ومن املستقر فقها وقانونا‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬أن تعديل أو إنشاء أكثر من‬
‫قانون عمل غري جائز تشريعيا‪ ،‬فال جيوز تعديل قانون إال بقانون خاص به‪ ،‬ألن التعديل كاإلنشاء‪ ،‬كما‬
‫أنه ال جيوز أن يصدر قانون يتضمن أكثر من املوضوع واحد وال تعديل أكثر من قانون بقانون واحد‪.‬‬
‫فالقانون كالكائن احلي‪ ،‬له ذاتيته واستقالله وكيانه وشهادة ميالده‪ ،‬كل ذلك على سبيل األفراد وال‬
‫سبيل للجمع فيه‪ .‬وال يستثين من هذه القاعدة إال حالة ما إذا صدر قانون جديد يلغي كل نص خيالف‬
‫أحكامه‪ ،‬حيث ميتد هذا احلكم إىل عديد من القوانني يف ذات اللحظة‪ ،‬وعندئذ يكون سريان القانون‬
‫اجلديد (ولو أنه مل يشر إىل األحكام اليت يلغيها يف القوانني األخرى) مبثابة صك اإللغاء لألحكام‬

‫صفحة ‪11‬‬ ‫الصياغة القانونية – هيثم الفقي‬


‫للتواصل‪Judge.albahlal@gmail.com :‬‬

‫املخالفة له يف القوانني السارية ‪ /‬القدمية‪.‬‬


‫ويالحظ املرء أن املشرع العريب قد يلجأ إىل هذا اإلستثناء بنوع من اإلفراط أحيانا‪ ،‬حيث تتضمن العديد‬
‫من التشريعات نصا (عادة يف أواخر القانون) يقضي بإلغاء كل نص خيالف أحكامه‪ ،‬يف حني أن التوسع‬
‫يف هذا اإلستثناء يفقده معناه‪.‬‬
‫فمن ناحية أوىل‪ ،‬قد ال حيتاج املشرع إىل إيراد هذا النص يف كل القوانني اجلديدة‪ ،‬وذلك إعماال لقاعدة‬
‫"الالحق ينسخ السابق"‪ ،‬وهي قاعدة مستقرة ال حتتاج إىل توكيد يف نص خاص (مثال‪ :‬زيادة أسعار‬
‫الرسوم‪ .)...‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬قد ال يكون هناك نصوص أخرى سارية تتضارب أحكامها مع أحكام‬
‫القانون اجلديد‪ ،‬أو تكون قليلة ومعروفة جدا‪ ،‬وبالتايل فإن تنقية التشريعات وتبسيطه وتقليل أعدادها‬
‫يتطلب القيام بدراسة دقيقة وشاملة للقوانني السارية‪ ،‬وحتديد ما إذا كان األمر جديرا بتعديل بعض‬
‫أحكامها مباشرة دون اإلسراف يف اللجوء إىل منهج " األسهل يف األحوط" ‪ .‬فهذا يعين عند تطبيق‬
‫القانون أن املواطن واحملامي والقاضي ورجال األمن وغري ذلك من اجلهات التنفيذية سوف يضعون كافة‬
‫القوانني املتعلقة بالقانون اجلديد أمامهم ودراستها وتنسيق عالقاهتا ببعضها البعض قبل تطبيق أحكامها‪،‬‬
‫وهذا ما جيده املرء يف الواقع القانوين والقضائي العريب على وجه العموم‪.‬‬
‫‪2-‬حرفيــة الصائ ــغ‪:‬‬
‫يقوم الصائغ برتمجة ما يعرض عليه إىل قواعد حمددة مبوبة وهو يسمى " النصوص القانونية "‪ ،‬والصياغة‬
‫اجليدة هي اليت تعني على حتويل األفكار واألهداف إىل نصوص قانونية‪ ،‬تؤدي فقط ما هو مطلوب دون‬
‫أن تتضمن ما ال يراد‪ .‬كما أن إجادة القواعد اللغوية عامل حاسم يف الصياغة اجليدة‪ ،‬حيث يدقق‬
‫الصائغ يف اختيار األلفاظ على ضوء إدراكه ألهداف واضع التشريع‪ ،‬حىت يتحقق الغرض املطلوب من‬
‫القانون‪.‬‬
‫‪‬املطلب الثالث‪ :‬أساليب زيادة الدقة يف الصياغة التشريعية‪.‬‬
‫تتطلب اإلدارة الرشيدة أن يتخذ املسئولون احلكوميون قرارات غري تعسفية طبقا لقواعد واضحة‪ .‬وما مل‬
‫ختضع عملية صنع القرار لقواعد واضحة ال لبس فيها‪ ،‬فلن يكون أمام املسئولني أي خيار آخر سوى‬
‫ممارسة سلطتهم التقديرية‪ .‬وباعتبار أن ذلك جانب رئيس من مهمتهم‪ ،‬جيب على الصائغني أن يكتبوا‬
‫القواعد اليت يصوغها يف شكل دقيق مبا يكفي للتأكد من أن من خياطبهم مشروع القانون يعرفون كيف‬
‫ينبغي عليهم أن يتصرفوا‪.‬‬
‫وباإلضافة إىل ضرورة أن يتبع صانعو القوانني قواعد معينة‪ ،‬يقتضي معيار اإلدارة الرشيدة أن يكون‬
‫مبقدور املنتفعني من القانون أن يتنبأوا بسهولة بنتيجة القرارات الرمسية‪ .‬وال ميكن أن حيدث ذلك إال إذا‬
‫صاغ الصائغون مشروعات قوانني تتسم بدرجات عالية من التحديد والدقة والوضوح‪ .‬ويقدم هذا الفصل‬
‫‪ 11‬قاعدة لغوية من شأهنا أن ترشد الصائغ لتحقيق ذلك اهلدف‪ .‬وهذه القواعد هي مايلي‪:‬‬

‫صفحة ‪11‬‬ ‫الصياغة القانونية – هيثم الفقي‬


‫للتواصل‪Judge.albahlal@gmail.com :‬‬

‫‪1-‬جتنب استخدام الكلمات الغامضة‪.‬‬


‫‪2-‬جتنب استخدام الكلمات املثرية لإللتباس‪.‬‬
‫‪3-‬غط كل نطاق املعين‪.‬‬
‫‪4-‬استخدام الكلمة نفسها باملفهوم ذاته‪ ،‬واستخدام كلمة خمتلفة للتعبري عن مفهوم خمتلف‪.‬‬
‫‪5-‬ال تستخدم الكلمات الغري الضرورية‪.‬‬
‫‪6-‬استخدام الكلمات الواردة يف القوانني ذات الصلة‪.‬‬
‫‪7-‬جتنب العبارات الوصفية والظرفية املثرية لإللتباس‪.‬‬
‫‪8-‬استخدام "واو" العطف وحرف "أو" بعناية‪.‬‬
‫‪9-‬جتنب "حشو" اجلملة التشريعية (استخدام مجال قصرية‪).‬‬
‫‪10-‬للتوضيح‪ ،‬استخدام التبنيد‪tabulation .‬‬
‫‪11-‬استخدام صيغة اإلثبات وال تستخدم صيغة النفي‪.‬‬
‫‪12-‬جتنب استخدام صيغة "يكون" يف كل أشكاهلا‪.‬‬
‫‪13-‬استخدام مفردات كلمات تالئم مستخدمي القانون‪.‬‬
‫‪14-‬ضع املفهوم األكثر أمهية يف هناية اجلملة‪ ،‬وحدد موقع العبارات التابعة والوصفية‪.‬‬
‫‪15-‬جتنب اإلدماج بطريق اإلحالة‪.‬‬
‫‪16-‬أدخل اإلحالة الداخلية بطريقة صحيحة‪.‬‬

‫املطلـب الرابع‪ :‬عيـوب الصياغـة‬


‫ومن أبرزها‪ ،‬فحسب خطورهتا على نوعية التشريع‪:‬‬
‫‪1-‬اخلطأ املادي‪ ،‬فقد تقع أخطاء مادية أثناء الطباعة إما بسبب وجودها يف أصل النص أو مسودته ‪،‬‬
‫ويف أحيان كثرية تؤدي إىل التأثري يف املعىن‪ ،‬وأحيانا إىل تغيريه أو تغيري ما أراده املشرع ‪.‬‬
‫‪2-‬اخلطأ القانوين‪ ،‬وعادة يكون غري مقصود‪ ،‬حبيث يستوجب التصحيح‪ .‬كما قد يكون اخلطأ من نوع‬
‫النقص‪ ،‬حني يأيت إغفال لفظ يف النص التشريعي حبيث ال يستقيم احلكم بدونه‪ ،‬فيجب تداركه‪.‬‬
‫‪3-‬الغموض‪ ،‬وهو نص غري واضح الداللة‪ ،‬إذا ال يدل على ما فيه بالصيغة اليت وضع فيها‪ ،‬وحيتاج‬
‫لفهمه أن يستكمل من خارج عبارته مما يضطر املشرع أو احلكومة يف هذه احلالة إىل إصدار "تفسريات"‬
‫إلزالة الغموض‪.‬‬
‫‪4-‬التعارض‪ ،‬فقد يصطدم نص مع نص آخر حبيث ال ميكن اجلمع بينهما على الرغم من فهم‬
‫مضمونه كل على حده‪ ،‬مثال ذلك تعريفات العامل والفالح يف قوانني العمل ومباشرة احلقوق السياسية‬

‫صفحة ‪12‬‬ ‫الصياغة القانونية – هيثم الفقي‬


‫للتواصل‪Judge.albahlal@gmail.com :‬‬

‫والنقابات العمالية يف مصر‪ ،‬فتارة يأخذ املشرع مبعيار"الشهادة‪/‬التعليم"‪ ،‬كما يف حالة النقابات‪ ،‬وأخرى‬
‫يأخذ مبعيار " املهنة" كما يف حالة الرتشيح لإلنتخابات الربملانية‪.‬‬
‫‪5-‬التزيد والتكرار يف القانون ذاته أو يف قانونني مستقلني‪ ،‬وهذا من شأنه إحداث أرباك وإرهاق ال‬
‫مربر هلما‪ ،‬كما أنه يقود إىل إفراز ثغرات أكرب يف القانون‪.‬‬
‫هذه بعض العيوب اليت قد تطال النصوص التشريعية واليت حتتاج من أجل تالفيها إىل الدقة واملعرفة باللغة‬
‫العربية ومفرداهتا‪ ،‬والتدقيق يف النصوص التشريعية ومراجعتها ومتحيصها‪ ،‬حىت نتمكن من سن قوانني‬
‫واضحة وحمددة تساعد يف احلياة العملية‪ ،‬إذا ما متت مراعاة الفن القانوين ضمن معايريه وأسسه‪.‬‬
‫ومن أبرز هذه املعايري‪:‬‬
‫‪ -‬اإلجياز‪ ،‬حيث أن النص القانون ينظم حالة أو ظاهرة تنظيما دقيقا بكلمات حمددة‪ ،‬لذا جيب أن‬
‫يقدم املعىن بأقل األلفاظ‪ ،‬ألن اإلطالة تفتح باب التفسريات املتعارضة‪.‬‬
‫‪-‬العرض احملكم‪ ،‬ويكون بالتبويب السليم ومجع النصوص وربط أجزائها وكشف غايتها‪.‬‬
‫‪-‬ضرورة إحكام اإلشارات الكتابية كالفواصل والنقاط يف مواضيعها‪.‬‬
‫‪-‬ضرورة احرتام املشرع ملصطلحاته التشريعية من خالل توحيد املصطلحات اليت تفيد املعىن نفسه‪.‬‬
‫‪-‬تسمية القوانني‪ ،‬فيستحسن أن يأخذ املشرع بأمساء القوانني اليت استقرت مسمياهتا يف العمل القانوين‬
‫وأصبحت مبثابة مبادئ عامة‪.‬‬
‫‪-‬اإلجياز بالتعريفات يف غايات حمددة كأن يأيت التعريف إليضاح معىن مغاير ملعىن متعارف عليه‪ ،‬أو‬
‫لغاية حسم خالف فقهي قائم‪ ،‬ذلك أن التعريف املبالغ فيه قد يؤدي إىل تقييد القاضي وسلب حرية‬
‫حركته يف التقدير‪ ،‬كما قد يكون تطور احلياة قد جتاوزه‪.‬‬
‫‪-‬مراعاة أسس اهليكل املعماري لصياغة جسم القانون وهو جوهر التشريع من حيث األحكام املتعلقة‬
‫بالوقائع املادية والقانونية‪ ،‬إضافة إىل اخلامتة‪ ،‬اليت غالبا ما تلغي التشريع السابق وتلزم اجلهات املختصة‬
‫بالتنفيذ‪ ،‬وحتدد فيما إذا كان باإلمكان إصدار أنظمة أو لوائح أو تعليمات ستصدر لتطبيقه‪ ،‬ورمبا ترفق‬
‫به مذكرة إيضاحية‪ ،‬تعترب جزء ال يتجزأ من التشريع‪ ،‬إذ أهنا تكشف فلسفة املشرع من وراء إصداره‬
‫واألسباب الداعية لسنة وبيان روح التشريع الذي ميكن خلف النصوص‪.‬‬

‫صفحة ‪13‬‬ ‫الصياغة القانونية – هيثم الفقي‬


‫للتواصل‪Judge.albahlal@gmail.com :‬‬

‫اخلامتة‬
‫إن صياغة القاعدة القانونية جيب أن تكون بالشكل الذي يتناسب والغرض اليت فرضت من أجلها‪،‬‬
‫فجوهر القاعدة القانونية ومادهتا األولية جيب أن خترج بطرق أو وسائل معينة حىت يتحقق اهلدف والغاية‬
‫منها‪.‬‬
‫وعلى ذلك فإن صياغة القاعدة القانونية وصياغتها عملية ضرورية لرتمجة جوهرها وهذا بالنظر إىل قواعد‬
‫عملية صاحلة للتطبيق الفعلي يف اجملتمع الذي توجد لتنظيمه‪ ،‬وذلك عن طريق استعمال وسائل وأدوات‬
‫معينة كفيلة هبذا التحويل‪.‬‬
‫والصياغة على هذا النحو تعد عنصرا هاما من عناصر تكوين القاعدة القانونية ألهنا هي اليت تعطي‬
‫للقاعدة الشكل العملي الذي تصلح به‪ ،‬للتطبيق‪ ،‬مما يؤدي إىل القول بأن جانبا كبريا من جناح القاعدة‬
‫القانونية يتوقف على الدقة يف الصياغة وختري أدواهتا‪ ،‬وهلذا فإنه ينبغي اختيار أدوات الصياغة القانونية‬
‫اختيارا يضمن إخراج جوهر القاعدة القانونية إىل حيز التطبيق العملي‪ ،‬كما حيقق الغرض منها‪ ،‬فيختار‬
‫يف الصياغة أقرب السبل وأفضل األدوات لتحقيق الغاية املقصودة‪ .‬ورمبا يعزز هذه املقوالت تأخر‬
‫اإلهتمام العريب بالتطور الربملاين عموما‪ ،‬ونقص اخلرباء احملليني‪ ،‬واإلرتباط الزائد بني مشروعات الدعم‬
‫الفين واحلكومات‪ ،‬الذي يكشف عن معضلة توجيه دعم فين لتقوية برملانات يف ظل حكومات " غري‬
‫دميوقراطية " إمجاال‪ .‬فنحن حباجة إىل حتبيب وترغيب النواب يف التطوير التشريعي‪ ،‬والتقدم مبؤسساهتم‬
‫الربملانية‪ ،‬ألن الدول قوية مبؤسساهتا وأن الربملان قاعدة البناء الدميوقراطي احلر وأن معايري النائب الناجح‬
‫اليوم قد تعدت احمللية وصارت عاملية‪.‬‬

‫صفحة ‪14‬‬ ‫الصياغة القانونية – هيثم الفقي‬

You might also like