Professional Documents
Culture Documents
قمر و احدى عشر ليلة نردين ابو نبعة PDF
قمر و احدى عشر ليلة نردين ابو نبعة PDF
وإحـدى عـشـرة لـيـلـة
رواية
حيدر عصام
المقدمة
ه الت ستسم مستقبلنا وان احالمنا يه الفرشاة ي يختنا احد بأن ارادتنا ي
لم ر
من ستلونها ،علمونا الوقوف بهاتي القدمي ولم يعلمونا الست بهما ،علمونا
ان نبق واقفي وان نرفع ايدينا فقط ،لنبتهل بالدعاء ،لنتضع لمعتقداتنا
ٌ َ
يختنا احد
ستقبل جميل ،علمونا ان نتضع فحسب ،لم ر الدينية بأن تهبنا م
ً
بأن الست بهاتي القدمي يضمن لنا غدا م رشق.
ٌ
يف مجتمعنا هنالك خطأ شائع يفيد بأن (القناعة كت ال يفت) وهذه عبارة ال
ً
يصدقها سوى َبليد النجاح ،ذلك الذي رض بما كتبه له القدر ،ظل ساكنا
ً َ
ينتظر كل جديد يكتبه له وهو يتغاض حقيقية تقر بأن للقدر ِح رت يكفيه
احداث ليس لها حسبان فقط، ٍ لكتابة يوم والدتنا ويوم وفاتنا وما بينهما من
وفيما عدا ذلك فأنه من صنيعتنا ،هو جهدنا عندما نست بأقدام (االرادة) و
الحقيق الذي يجب علينا استثماره بكل القوى.
ي (الحلم) ،هو كتنا
ح ـي ــدر ع ـصــام
المـؤلــف
"ال يجب ان نزحف ..
ر
بشء يدفعنا اىل الطتان"
عندما نشعر ي
هيلي كيلر
الفصل االول
ٌ
مشح عظيم ،تختار طريقة تربيتنا مع البيئة المحيطة بنا الدور الذي الحياة
سنظهر به عىل هذا المشح ،سنظهر مع الذين اختارهم لنا القدر ليشاركوننا
العيش ،عىل هذا المشح سنشاهد عدة ادوار تعجبنا وأخرى قد ال تعجبنا،
يجب علينا أن نعلم ان بعض هذه االدوار لم تكن بمشيئة أصحابها ،حت وان
فه كمالمح وجوههم لم تكن لهم أدن أرادة يف
رضوا عنها وكانوا سعداء فيها ،ي
اختيارها.
البعض االخر ،هم من الذين تمكنوا من اختيار بعض أدوارهم بعد ان لم
ُ
يعجبهم دورهم يف المنتصف االول من أعمارهم ،هؤالء يجب ان نكن
لشجاعتهم كل االحتام ألنهم رفضوا الواقع ،فمن يرفض الواقع ال ينام ليله
ً
مبكرا ،هؤالء لم يرتدوا ما اراد لهم اباؤهم ان يرتدوا ،هؤالء حققوا احالمهم
ً
بأدوار حقيقية ،يرون كل من كان كما كان ابوه (ممثال
ٍ وكانوا عىل مشح الحياة
ً
المشح).
ي خاضعا للنص
الحياة ليست إال سنوات أما ان نعيشها أو نحيا بها ،منذ ان نولد و اىل اخر
ً ُ
يوم نحن من يقرر فيه بأنه يوما كتب لنا العيش او الحياة فيه ،أو ألخر ٍ
نقض سني طوال لنتعلم ماهية
ي سيكون اليوم االخت ،ومن هذه األيام،
الحياة أو لنتعلم كيف ان نتعلم منها ،ونحن نشتي الدروس منها مقابل سني
العمر.
ً
الرابح ،هو الذي استطاع ان يكون ذكيا ،هو الذي دفع أقل عدد من السني
مقابل الكثت من الدروس ،فتاه نجح يف حياته وحقق اهدافه جميعها او
ً
معظمها ،أو عىل اقل تقدير فأنه سيكون متمتعا بكل يوم من حياته.
ً أما االخر ،فهو األقل ً
ذكاء و ربحا ،تراه دفع الكثت من السني مقابل دروس
بعقل يتأخر عن عمره ،وقد يتسبب ذلك بمعيشة صعبة
ٍ اقل ،تراه يتحدث
الصت من اجل انتظار النهاية،
ر إن لم يقف الحظ بجانبه ،فتجده يقتات عىل
ً
سيقض حياته
ي اما إن وقف الحظ بجانبه مصطحبا الظروف الجيدة ،فأنه
كمثل الساعة الجدارية ،منتظم السلوك ،معدوم المجازفة وال يوجد ضمن
دوران عقارب ايامه ادن أرادة.
أما عن ما تبق من ر
بش فأنهم قد يكونوا اذكياء ،ولكن دخلت عليهم ظروف
قاهرة َ
رسقت سنوات حياتهم عىل غفلة دون ان يبدوا اعتاضهم ،وقتها كان
ليس بأيديهم ادن ارادة لوجود عدة ظروف يصعب حضها يف بالد العرب،
فلم يتمكنوا من استثمار سنواتهم أو مقايضتها بالدروس بدل باأليام.
لشخص ما "للوهلة االوىل" يخطر لنا ما قد
ٍ من بديهيات العمر ،عند معرفتنا
مر عليه من ظروف ،أو كيف كانت حياته ،مهما كان عمر هذا الشخص،
َ
الت مرت وتمر بأيامهم
فحت االطفال تنطق عيونهم عن حجم السعادة ي
الصبا والشباب
وتفصح عن ما اذا كانت قليلة او كثتة ،وكذلك يف عمر ِ
والشيخوخة.
أن فراسة االنسان تمكنه من اكتشاف ذلك ،فهو ليس بالهي عىل اي شخص،
إال لمن عاش حياته دون أن يرمش عقله عن التفكت ،هو الذي يمتاز صوته
بنتة التعب ،هو الذي رسقت الظروف السيئة منه سني حياته دون ان
ر
يستغلها ضمن مراحل عمره ،فتجده يعيش فتة من الزمن بأمنيات الزمن
ً ً
الذي قبله ،كأن يكون شابا بال طفولة ،او أن يكون مسننا بأحالم الشباب ،أو
ً
الع َجز وينتابه أحساس القبلة االوىل ..هو ذلك
هرما عىل فراش َ قد يكون
َ ً
التمت.
ي االنسان الذي ظل حالما باليوم الجميل حت قض نحبه عىل ارصفة
الت تطرأ عىل حياتنا فتحدث
ه من اهم األحداث ي الحب والمال والخذالن ..ي
ً ً ً
تغيتا ملموسا ،الحب يحدث تغيتا يف افكارنا ،والمال يتسبب بالتغيت يف
الحقيق يشعر بأنه يف غت عن ما
ي سلوكياتنا .فاألنسان عندما يجد الحب
حوله ،وأما اذا امتلك المال ،فسيشعر بأنه أمتلك ما حوله.
ً
أما الخذالن ،فأنه يتسبب بندم عميق يؤثر سلبا عىل جميع العالقات
َ ُ
المحيطة بنا ،فعندما يخذلنا شخص نحبه حد التعلق ،تنكش جميع االوارص
ً ً
فه حتما ستصبحالت تربطنا به وتؤثر سلبا عىل من حولنا ،وأن لم تنكش ،ي ي
هزيلة ..
ٌ َ
التعلق صعب ..
صعب للغاية أن االنكسار بعد
صعب أن تنام عاري الروح ،مغىط بالدمع
صعب أن تنام وعىل أهدابك قطرات من ندى الذكريات
سنجد حينها الصمت هو السائد يف ايامنا
و انعدام الثقة حليفة أمنياتنا
وعقم الذكريات قد أصاب احالمنا
َ
تمنحنا الحياة عدة فرص تعت رت كمنح ،أو أنها تشبه جوائز بطاقات الحظ،
هذه الفرص تكون خارج نظرية المقايضة ما بي سني العمر و دروس الحياة،
فالحياة ف بعض االحيان تكون سخية بعض ر
الشء ،منا من استغلها فتغتت
ي ي
فبق عىل قيد الت ر ي
ح. حياته ،ومنا من لم ينتهزها ي
أن هذه الفرص ال رتتح إال ان تتسبب بالتغيت ،فكل واحد منا مهما بلغ من
العمر وقرأ هذه األسطر إال وخطر بباله ما منحت له الحياة ذات يوم ،حت
َ ُ ُ ُ
وان كانت فرصة واحدة ،ولكننا نذكرها ،كل الذكرى نذكرها ،نذكر حجم
التغيت الذي اصاب حياتنا انذاك.
ُ
ولكن مقابل هذا السخاء يوجد لدى الحياة الظلم الوفت ،فمن حق حياتنا أن
ئ
تطق بريق اعيننا أو نضارة أجفانها ،أو ان تخطف لون شعرنا ان ارادت ،أو أن
شاءت ،ترسم بقلم الحرمان بعض التجاعيد بالقرب من اعيننا.
هنولد يف هذه الحياة دون ادن ارادة ،كما ينبع الماء من ثغرات الطبيعة ،ي
َ
ميسوري الحال منذ ان وضعتهم امهاتهم (الحياة) كما يشاء ان يسميها ابناء
ً ً
عىل أرسة مرصعة بالذهب ،ألن اباؤهم يمتلكون زمام الفقر والغت ،ألن
شء.ر ر
شء من كل ي الحرمان لم يتطرق حت ألحالمهم ،ألنهم وجدوا ي
اما البعض االخر فقد ال يرضوا ان يطلقوا تسميه (الحياة) عىل حياتهم ألنهم
عىل وجه االرض ليسوا بأحياء ،وانما يمارسون العيش فقط ...فثمة فرق بي
أن تحيا وبي أن تعيش.
كل أنسان ولد عىل هذه االرض ولد بحسب ما تقتضيه ظروف ذويه ،وال
مناص للحياد عن ذلك إال ر
بالشء القليل( ،القليل الكثت) فهو قليل عىل
ي
الواقع ،كثت عىل االنسان ،ذلك االنسان الذي أنتض عىل محيطه بقوى
َ حقنته االيام بمصلها ذات ليلة ،حي أفتش َ
العوز ارضه ،وتوسد االرادة،
وحلم بالحياة بدل العيش ،حياة ابناء الذوات الذين شاهدهم عىل الضفة
الثانية من محل سكناه.
ً ً
قديما كان هناك مثل تايلندي يقول( :أذا كان اباك لصا فال تطمح ان تكون
ً َ َ
الت تسببت لمن هم قاضيا) فمن روى هذا المثل كان ملما بكل أنواع اآلالم ي
ً ً
يكتوا ،كان شاهدا عىل
بعمر الورد ،كان عالما بمستقبلهم وبمحتواه قبل ان ر
ضفاف الحياة االثنتي (الرفاه والحرمان).
من بديهيات القدر ان يعرف االنسان مصته منذ طفولته وكيف ستكون
ر
المعيش الذي حدد نوع نهايته ،بحسب الظروف المحيطة به والمستوى
ي
الت ستضعه يف
الطعام الذي اعتاد عىل تناوله ،اىل أن تشاء تلك الفرصة ي
قارب النض ليجذف بأرادته نحو احالمه ،وينتقل (إن استطاع) من العيش اىل
الحياة ،وهذا لمن كان ميسور الحظ فحسب.
لظروفه السيئة لمحاربته ،فهنا يجب ان ال يجعل
ِ أما من وقف حظه بالجنب
تجء من تلقاء نفسها وانما يرغمها عىل ذلك ألنه اراد ان
هذه الفرصة ان ر ي
وه تغمر يكون ،يكون ر
الشء الذي يفتخر به أمام المرآة حي يرى ابتسامته ي
ي
ً َ
وه تلوح بأشارات النض ،ولكنه حتما
عينيه قبل شفتيه ،يرى مالمح وجهه ي
الت
ستى ندبة الحرمان قد ظهرت يف احدى اركان وجهه ،فهذه رصيبة الزمن ي
ال تقبل االستثناء ،حت ال ينش ما مض.
ً
يوم
يكت والطفولة تعيش بداخله رغما عنه ،ألنه رأى االطفال ذات ٍ
بعضنا ر
تلهو وتلعب عىل باحة بابه وهو لم يلعب معهم ،ألنه ارتدى البسته القديمة
الت بأيديها
يف أيام االعياد ،ألنه كان يرى االطفال يف االسواق تضجر من الدىم ي
التمت. وه بالنسبة له أمنية تستحق وتتودد ألمهاتهم ر
ي األكت منها ،ي
ر لشاء
من أقش أنواع االلم ان تشتي الدىم بعد فوات االوان ،أن تشتي العاب
أكت من عمر الطفولة ومن نعومتها ،سيصاحبك هذا األلماالطفال وانت ر
ً
تخت أحدا عنه،
كتت ،ستافقك اىل ارذل العمر ،لكنك لن تستطيع أن ر
مهما ر
إال من كان رفيق روحك ،فهذا الذي يشعر بصمتك سيشعر بحجم األلم الذي
تقصده وأنت تتحدث عن الحرمان ،ليس بامكانك التحدث عن الحرمان أمام
ً
من ال يعرفه ،فالحرمان احيانا قد يكون خدوش احساس ،وليس بالضورة أن
لشء مادي. ر
يكون احتياج ي
ً
أنا طفلة لم تهتم بعدد السني عىل كعكة عيد ميالدها
ً
أنا صبية لم تهتم بثيابها ليلة العيد المجيد
َ
أنا بنت تجاوزت عمر المراهقة دون أن ت ِحب
َ
أنا شابة لم تعرف رعشة الجسد عند اللمسة األوىل
وه تضع أحمر الشفاه قبل خروجها.
أنا امرأة لم يخطر ببالها رجل ،ي
أنا من يسود الصمت حديثها ،أنا من تبتسم ألجل أن تجامل من حولها ،أنا
ُ
ليل ممطر مر عىل يتاىم بال مأوى ،أنا بحر بال موج ،كتب عليه ان يشاهد من
ً
الت
حوله وان يسمع صوت من يجلس عىل شواطئه دون ان يحرك ساكنا ،أنا ي
اشتت الدىم بعد فوات الطفولة ،انا عمر من التعب.
ً ً ً ً
يمض يومها شبيها بالذي قبله ،معطيا صورة واضحة لليوم الذي ي أنا من
ان،
وانت سأحب حي ي حاىل سيتغت ي
بعده ،ويتجدد االمل عند كل مساء ،بأن ي
يمض ..
ي سأحيا بها ال ألعيشها ...والعمر
ُ
داخىل عن ما اتمناه،
ي رغم قلة الفرح ،كنت عند غروب الشمس اهمس يف
يصعب نسيانها ،أجمعها وانا اجدل شعري، حت تتطفل عىل احالىم ذكريات َ
ي
جدائىل خلف ظهري ألتناساها.
ي ثم ارميها مع
يغريت الليل اش دون ادن شعور بالنعاس ،دون ان ر
ي يف كل ليلة اذهب لفر ي
َ ٌ ر
مت نافذة تطل عىل االمل ،تطل
اش وبالقرب ي ببعض النوم ،اجلس عىل فر ي
الت لطالما تمنياتها.
عىل الحياة ،تلك الحياة ي
ً
احيانا ،وانا جالسة افتح بيدي ج ً
زء من الستارة ألرى القمر ،أراه كل يوم واتابع
داخىل من كالم تقشعر
ي اشكاله ،أنظر كل ليلة بصمت او أكاد ان اصمت ،لما يف
بشفاه
ٍ داخىل من غزل ،أريد قوله
ي له اوراق الشجر يف شهر نيسان ،لما يف
ً َ
اجفان ،حت يمر الليل الذي
ي ترتعد حبا ،إال ان يت اتوسل النسيان يك تغفو
ليىل أخ رش صباحه ،ألن يت سأستيقظ فيه وأجد عمري قد اصبح ر
اكت ،أنا انام ي
ً
التمت.
ي و يىل من العمر ثالثون عاما من
اش ،افتح جدائل شعري عىلر
أستلق ببطء عىل فر ي
ي بعد ان يتعب يت الصمت،
وسادن وأبدأ بالكالم ،ذلك الكالم الذي ال استطيع البوح به كما ال اقوى عىل
ي
ُ
بأوان االمل يك ال تذبل،
ي احالىم
ي اسق ورود
ي كتمانه ،اذكر ما اشاء من الغزل،
احلم اىل حد السعادة ،اىل ان اراه عند الصباح.
ً َ
ألنت
ي ألنت سأراه،
ي عيت
ي اعتدت عىل االستيقاظ عند السابعة صباحا ،أفتح
بش ،يسكن هو أمام متلنا ...سأكون اسعد ما عىل االرض من ر
البش و يف كل سني حياتهم يلتجؤن اىل الحلم ،ألنه ارادحلم ًا فحسب ،غالب ر
ً
شيئا لم يحدث له ،أو من الصعب ان يحدث له ،أو قد فات االوان لحدوثه.
ً ُ
لألحالم سحر يبعث السعادة ،ولكن ك رتة تكرارها يزيدنا ارصارا عىل تحقيقها،
هذا أن كانت قابلة للتحقق ،أما عن األمنية المستحيلة ،فمن األفضل ان
تكتق بالنظر
ي تكف عن الحلم بها ،وان تبقيها عىل رفوف الذكريات حيث أن
إليها ،ألنك لم ولن تمتلكها ذات يوم.
اياىم متشابهة ،ال يطرأ عليها اي تغيت سوى فرق االرقام يف اوراق
ي كانت
ً ُ ً
بأنت سألفت انتباه رجال
التقويم ،كنت اذهب اىل العمل صباحا دون أن أهتم ي
ً
عيت،
الت أضعها لتجميل ي ألناقت ،كنت عبثا أختار االلوان ي
ي ام ال ،لمظهري او
اباىل أن وضعت أحمر الشفاه أم لم أضعه. كنت ال ي
ً ٌ
رؤيته كل صباح ،وسامته كانت تزداد دقيقة تلو االخرى،
ِ ال زلت مواضبة عىل
ليشق كلضجر ف داخىل ُكلما اخذ مكان الشمس ر ٌ ُ
هو الوحيد الذي يهشم كل
ي ي
ألعجان به اصبح تشق الشمس معه ،هو من الشمس أحىل ،ئ
وفان صباح ،ال ر
ري ي
ً
حقيقيا ،ال أعلم ما السبب ،انا لم اتكلم معه حت!!
تأثت ساحر عىل النطق نظرة العي ،ه أول ما يثت أنتباه كل فتاة ،ألن لها ٌ
ي
ببعض الكلمات ،وكم (الكلمات االوىل) مهمة يف كل حب ،تقدم لك َمن تهواه
بصورة مبسطة ،لتقف عىل بعد خطوة واحدة عنه لتقرر ،تحب او ال تحب،
فأن خدعتك العي بسحرها ،فالكلمات االوىل ال يمكن لها ِخداعك.
تعشق المرأة يف الرجل عدة سمات ،اهمها الوسامة ،وقوة الشخصية
ً
واالنطباع ،تكون هذه الممتات عبارة عن سلسلة تتأمل كل امرأة متوهمة بأنه
ال يمكن االستغناء عن احداها.
ً
احيانا ،تستعد بعض الفتيات لالستغناء عن احدى هذه المتات أو تتحمل
ً َ
الشء مقابل االرتباط بمن احبت ،ألنها ع ِشقت رجال ال
ي وجودها بالشكل
تريده أن يتوقف عن الكالم لو التقيا ،ألنها لو س ِئلت عنه (لما هو بالتحديد؟)
صمتت.
ً
هنا يكمن الحب ،ألننا ان استمرينا بالبحث عن هذه السلسلة متكاملة ،فمن
النادر أن نجدها ،أو أن صح التعبت ،اذا كانت متكاملة فقد ال تكون بجمال
ً
اختيارنا ،ألن للقلب لسانا َيصعب عىل العقل اسكاته.
ً
وانت قد رأيته صدفة
ي عجبت،
ي كنت قد نوهت (لسارة) بأن هنالك شخصا ي
ألنت سأراه
بوافر من الفرح ي
ٍ بأنت استيقظ
اختها ي ر ي
خروح من المتل ،لم ر عند
ً
أنت اتمت تتبع خطواته أكراما لعطر
وأتأمل مظهره عند كل صباح ،لم اقل لها ي
أنفاسه.
ً
جلسنا ذات مرة مع اصدقاء لنا ،طلبت من (سارة) همسا أن تبق بعد
ً
مغادرتهم يك نتكلم عىل انفراد قليال.
وبعدما رحل الجميع ....
ً
قلت لها :وما العمل إذا ؟
قالت :عن ماذا تتكلمي؟
بداخىل.
ي الت
التمت ي
ي تنهدت ،قلت :عن رائحة المطر يف طرق
شعرت (سارة) حينها وانا اقول هذه العبارة مع تنهيدة التعب ،عن ما يف
داخىل ،لكنها لم تعرف ما كنت اعنيه.
ي
يدفعت لحبه ،انا ال أؤمن يف حب المظهر والشكل ،لطالما رأيت
ي أعجان به
ري بدأ
ً
قلت ألحدهم ،لمكثتا من الرجال يف عمري الذي مض ،ولكن لم يخفق ر ي
ً
اصادف رجال شخصيته أجمل من وجهه ومظهره ،كل الذين رأيتهم كانوا
عكس ذلك.
قال :ي
لك يبعد الشك عنه ،وله الحرية يف اختيار ذلك.
ً ً
أبتسم ،واكمل كالمه :أ يزعجك استخدامه اسما مسيحيا وهو مسلم؟
انسانيت
ي ولكنت أتبع
ي قلت :بالطبع ال ،أنت تعلم ي
أنت مسيحية الدين فقط،
حوىل.
ي يف التعامل مع من
ً
قال :أعلم ذلك جيدا ،أتمت أن يكون كل الناس مثلك.
زميلت يف
ي القيت التحية عىل مدير ،واستأذنت منه ألذهب مشعة اىل
التحرير...
قلت لها :منذ مت وأنت ر
تنشين مقاالت بأسم (ألياس)؟
ننشها بي حي واخر ولكنها مقاالت شديدة النقد، قالت :هذه المقاالت ر
ً
كاتبها صديق المدير وهو معجب بأسلوبه ،مع العلم بأنه ليس صحفيا.
ً
قلت لها :عادة مت ي
يأن صاحبها اىل الصحيفة؟
الحظتت أجلس عىل طرف
ي زميلت بأبتسامة فضول بعد أن
ي نظرت اىل
ئ ُ ُ
وأصابىع
ي عيت
ي تمىل رش ،لم اكن أجلس بالشكل المعتاد ،كانت اللهفة
الك ي
متشابكة.
ً
يأن مرة قالت :عادة ي
يأن مرتي أو ثالث يف الشهر ولكن يف االونة االخت بدأ ي
يأن يف الصباح الباكر حينما يريد أن يزودنا بمقالته.
واحدة ،اعتاد عىل أن ي
الكرش بالشكل الصحيح ،قلبت بعض ي شعرت ببعض الخجل ،جلست عىل
ً َ
بحوزن تصنعا بعدم االهتمام ،عرفت حينها َلم لم أراه من
ي الت كانت
االوراق ي
قبل.
ً ئ ٌ
انتهان من تحرير االخبار السياسية غالبا ما
ي قلت لها :أنا معجبة بمقاالته ،بعد
نتابت الفضول لمعرفته بعد أن عرفت انه
أتصفح صحفنا الصادرة فأ ي
ٌ ً
لرجل مسن وليس يستخدم اسم مستعارا ،كنت أظن أن هذه المقاالت تعود
ً ً
لشاب ،عموما شكرا لك عىل هذه المعلومات.
استقالت ،وما الفارق إال
ي حالفت الحظ هذه المرة يك ال اقدم
ي عرفت حينها كم
الت
دقائق بي أن انجزت كتابتها و بي دخوله ،ما أجمل تلك الصدفة ي
الت تكون عىل شكل
سمحت يىل بأن أراه ،أن أرى لون عينيه ،هذه منح الحياة ي
فه بال مقابل.
هدية ،ي
التقيت (بسارة) عند المساء يف المقه المفضل لدينا ،حدثتها عن ما جرى،
الت كلمتها فيها ....
التمت الصمت طيلة الفتة ي
سألتهاَ :لم أنت صامتة؟
َ َ ً
يمىل عينيها :رأرس ر ين قهوتك أوال ،فقد فقدت حرارتها
ئ أجابتت واالستغراب
ي
وتغت لونها.
ر
سأرسب القهوة قهون ،لن رارسب القهوة (السادة) بعد االن، قلت :سأغت
ي
متوسطة السكر مثلما يحبها (احمد)
رفعت حاجبيها ،ونظرت يىل نظرة حادة ...
عرفت نوعها؟
ي قالت :كيف عرفت أنه يحب القهوة ،كيف
أصابىع...
ي وأنا امسك أحدى خصالت شعري حول
أجبتها :احسست بذلك من عينيه ،نظرت إليه فتأكدت بأنه أنسان يمتاز
بالكثت ،ويحب القهوة متوسطة السكر.
ً
قالت :أنا مندهشة ،انا ال اصدقك ،لم أتوقع (قمر) ي
الت لم تقبل مسبقا
ً َ
ه أوال به ،ال أستطيع تصديقك.
أعجاب رجل تعجب ي
قلت :قلب العي وما يهوى.
قالت :أنا لم أكن اعلم أن قلبك يهوى من األصل ،هل تريدين أن أعد لك
عدد الذين رفضتهم ذريعة امك ومن سيبق لرعايتها؟
بشء ،بقيت شاردة النظر ألتهرب من اجابتها ،طلبت القهوة من ر
لم اجيبها ي
جديد (متوسطة السكر).
قالت يىل :ماذا ستفعلي بعد ذلك ،أخاف عليك من ضياع هذه الفرصة ،سبق
وان أيقنت بأنك ستبقي يف عزلة طوال حياتك ،هذا الحب الذي يف داخلك
بالتمت.
ي السىع لتحقيقه ،ال تقبعينه
ي يجب عليك
ً
قلت :فكرت يف أن اذهب اىل الدوام مبكرا.
قالت :وما عالقة ذلك باألمر؟
ٌ
قلت :سأخرج وقت خروجه ،أللتقيه يف صدفة مخطط لها.
ٌ ٌ
قالت :فكرة جيدة!! ولكن لم أنت اليوم انيقة بهذا الشكل؟ ي
كون عىل ثقة بأن
وجهك طيلة حديثنا. الت الزمت ر ر
ِ ابتسامتك ي
ِ أسعدن اليوم هو
ي شءأكت ي
قلت لها :ال ،بل طيلة هذا اليوم ،أنا سعيدة منذ رؤيته ليلة أمس ،منذ رؤيته
اىل االن لم أتذوق طعم النوم.
قررت أن أخرج يوم غد بذات الوقت الذي يخرج به ،لعل االقدار تخضع
ادن وأثت أنتباه قلبه.
ألر ي
ً
يف سهدي المعتاد ،انشغلت بأختيار ما سأرتديه غدا ،كل ثوب اخرجه من
ً
مت خوفا ،لما أنا مرتبكة!!انت يفر ي
خز ي
مت ثوانيها ،بدأتساعت الجدارية يف كل دقيقة حت ملت ي
ي بقيت أنظر اىل
ُ
الثوان
ي عيت أجزاء
ي لعيت كرشوة حت يالمسها النوم ،لم تفارق
ي اقدم التعب
ساعت معطلة ،أنا أحبه يف الدقيقة ستون الف عام.
ي انتابت الشك بأن
ي حت
َحل الصباح ،ررسقت الشمس ،نجحت يف التخلص من التعب ،تناولت
ً
سألتت َلم أنا ذاهبة اىل الجامعة مبكرا....
ي أىم،
افطاري مع ي
ً
عىل الخروج مبكرا كل يوم.دواىم ويجب ي ي أجبتها :تغت وقت
الثان...
لم أجد اجابة حول سؤالها ي
سألتت :أناقتك اليوم ستجعل كل من يف المدينة يعرف أسمك؟ أنت
ي حي
اليوم اجمل من القمر.
ُ
أىم بعد هذه المزحة بالدعاء يىل كما اعتدات يف صباح كل يوم ،كما
أستمرت ي
الت تعرف اجابته بحكم انها أم.
اعفتت من االجابة عىل سؤالها ي
ي انها
حان الوقت..
عقىل تسبقت بخطوات لرؤيته ،تراجع خرجت ر
أمش ببطء ،خرجت والروح
ي ي ي
عت بخطوات ،أنشغلت يف التفكت يف عدة تساؤالت .....
ي
هل سيتذكر لقائنا؟
سيعرفت؟
ي هل
يعرن أنتباهه؟
ي أم أنه أنشغل بالتحدث مع المدير ولم
وجه؟
ي هل سيتذكر
شاهدته يخرج من بيته ،يبتعد متىل عن متله بضع ر
عشات االمتار ،رأيته ي
ً
يتوقف ليشعل سيجارته اليومية بنفس الزمان والمكان ،يا لها من أناقة ترتدي
جسده ،و يا له من جمال أنصب عىل وجهه ،تمنيت لو كان يىل الف عي ألراه
امامه مكتوفة
ِ يكق وجود عيني فقط أمام جماله ،وقفت عيناي
ي فيها ،ال
النظر.
َ َ
ألجله
ِ روح
ي نظرت إليه ،كانت كلتا يداه تحيط بسيجارته لتشعلها كما تشتعل
ر ً
خلق بخطوات،ي يمش
ي قبل النوم ،انعطفت يمينا ورست ،شعرت به
ً َ َ
بمعرفت مسبقا ،اعتقدت بأنه كان يحاول أن
ي احسست من نظرته يىل بأنه فكر
َ ً
يتذكرن ،هل كان اعتقادي صحيحا ..أم تخيل يىل ؟
ي
طريق ،لم ألتفت إليه اىل أن وصلنا اىل مفتق الطريق ،ذهبت أنا
ي مضيت يف
ً ً
الرئيش الذي يبعد عن مت يىل عدة
ي يمينا وذهب هو يسارا ،وصلنا اىل الطريق
ثوان فقط ،تغتت كل
ي دقائق ،إال أنه يف ذلك الصباح أبتعد عن مت يىل لعدة
ُ
قلت َم ِر ٌح َمرح األطفال.
حوىل ،يف لقياه كان ر ي
ي الدنيا من
ً
مرت االيام ،منذ أن قررت أن أخرج مبكرا ،تغتت كل مواعيدي معه ،لم أعد
أنتظره مثل كل يوم ،اصبحت أراه عىل بعد بعض أمتار ،ولكن يا ترى ،مت
يتذكرن؟
ي س
احساش كان عند تذكرن ،لعل ٌ
بأحساس يقول يىل بأنه رأيته ذات صباح
ي ي
ظت.
حسن ي
كان ذلك اليوم هو اخر يوم عمل يف االسبوع ،اعتدت ان ال اراه يف عطلة نهاية
ً
االسبوع ،إال يف بعض الصدف حي يعود اىل بيته متأخرا عند الليل.
ً ر
مىع ،لم يهتم ألمري ،بعد ان سعيت جاهدة شء ،لم يتكلم ي لم يحدث ي
َ لقاء ٌ
مبت عىل الضم.
ي أللقاهٍ ،
ً
تمتلكت كليا ،بكل ما يخص مالمح وجهه ي كعادن وأحالم اليقظة
ي سهرت
ً
الجميل ،كان ما يشغل تفكتي مع من يعيش؟ وانا ال أرى احدا يخرج من بيته
سواه؟ كم كان عمره؟ هل هو كما ظننته أم ال؟
عىل
الت اراقبه فيها ،لست معجبة فيه فحسب ،ي
كنت أحبه يف االيام ي
االعتاف بذلك ،كلما ازداد عدد هذه االيام ،تنتاب يت هذه االسئلة عىل هيئة
مخاوف ،اخاف أن ُاصدم فيه بعد ان أصبح فارس أحالىم ،أنا لم ُاعجب ر
ببش ي
غته.
انا االن يف ورطة...
نيان بأنها ستتحقق
بدأت أصدق أم ي
بعدها ...نسجت له لقاء
نسجته من خيوط االحالم الشمدية
لموعد حي اراه
ٍ كم تمنيت لو اطلبه
انت أفصح له عن ما كتبت
تمنيت لو ي
التمت بالكالم
ي ليلة أمس نطق
ً
نسجت له من الخيال موعدا ،سألقاه ِبه
ً
يف جبال الحب نحت متال سيجمعنا
سأحدثه فيه وسأحتضنه فيه
ً
حنيت له صنعت معطفا
ي من
ـيقيت برد لقائه
س ي
لقائه الذي ال وجود له..
ً
يقتلت احتاقا
ي التد قد
خوف من ري
ً ً
خوف من أن يكون وهما زائال ذا يوم ي
ً
لعشق له ..نارا توقد كل ليلة
ي
جليش
ي حطبها أحالم لقاء كان فيه
ً
بركانا يثور يف خاطري عندما يجول ِبه
ٌ
منقوش بنعومتها يثور ف خاطري ٌ
رسم لشفاهه ي
ً
بانتظام أحلم بها
ٍ تثور يف خاطري احالما،
أضج ارصاري عليها عقيدة
ٌ
وعقل البديل له سواه ٌ
قلب يتمسك ِبه
عقيدن ..
ي هذه
يا ٌ
رجل تثور من أجله كل الحواس
عىل التحية.
يلق ي
يكلمت ولم ي
ي اودن اليأس ،لم
أستمر هذا الحال أليام ،بدأ ير ي
انتباه،
ي بأن ال أعت له
أعتاد كالنا عىل التضف بصورة طبيعية ،بت أتظاهر ي
يمكنت أن
ي إىل ،أشعر به فقط ،ماذا
بت ،أشعر بأنه ينظر ي
ان المشوقة ت ِكذ ي
نظر ي
أفعل غت الشعور؟
ً ُ ر
ألنت بت أراه كل الصباح ،وجها لوجه دون مرت أيام اكت ،كنت أشكر الرب ي
ً
حاىل األن بات افضل،
ي شفت ،قضيت وقتا كثت وانا اراه ِخلسة،ي ان اعض
ر ً ُ
حت له كان كالطفل عندما يلهو
ولكن الحب الذي يمتلك يت كان طامعا باألكت ،ر ي
بأرجوحة وهو ال يصل منها اىل حد االشباع.
وجهه الجميل كل صباح يعت ىل الكثت ،كان األمل عىل هيئة ر
بش ،كل هذه ي ي
الت عشتها اضحت تندم ألنها لم تراه من قبل. السني ي
كنت ال أعلم َلم أنا أحببته بهذا القدر قبل أن اعرفه ،احببته قبل أن أكلمه،
كان األمر ذي حتة ،لطالما أرصت (سارة) عىل معرفة االسباب ،كنت أخجل
من أن اقول لها "ال أعلم السبب"
قبل أن اراه ،كنت أنظر اىل كل الرجال دون أن يثت ين أحد منهم ،ال أعلم ما
أنت كنت أحب محتوى االشياء ال مظهرها،
السبب ،بعد ان عرفته تبي يىل ي
ه يف أغلب
كيف سأثبت (لسارة) صحة هذا الكالم ،انا حت ال اعرفه ،ي
معت أتغزل بشكله وأناقته ،من المؤكد ستقول يىل من اين تأكدت
االوقات تس ي
غرىم بها وانت ال تعرفيه!!
أن له روح جميلة لت ي
ً ُ
احساش الذي أحتمه للغاية ،لم يخمن شيئا من قبل
ي احساش،
ي هنا يكمن
ذان فحسب وأنا أستغرب من
يمكنت أن أقنع به ي
ي ويلتق ضده ،هذا االحساس
ي
طرف واحد.
ٍ حت له ،وال سيما وانه اليزال من
ري
اودن بعض الخوف من أن
وسادن عنه قبل النوم ،كان ير ي
ي عندما كنت أحدث
حت له
ال يكون كما ظننت ،حينها ستكون الصدمة ،سبب هذا الخوف هو أن ر ي
الت
يلق بالماء عىل نتان الشك ي
احساش إال أن ي
ي ب ِ يت عىل الظن ،وما أن ريتح
أحالىم.
ي تكاد تحرق
يعجبت الرجل الذي
ي عجبت ،كان َح ِسن الوجه ،أنيق ،ولكم
ي شء فيه كان ير
كل ي
حت له
يهتم بمظهره وبكالمه ،فهما تتقدمان بقية صفاته أينما ذهب ،محور ر ي
ً
كان ليس شكله تحديدا ،كنت أرى فيه الرجل المختلف ،له ما يمته عن غته،
كنت أشعر أن يف داخله الكثت ،يملك من الذكاء ما يوصله لحدود التفاخر.
ٌ
ان من قبل ه ،لم تر يكانت (سارة) ال تصدق كل هذا األحساس ،محقة ي
ً
أن سأعجب برجل قبل ه لم تتوقع يوما يأعجب برجل ،أو حت أتكلم عنه ،ي
ً
مت الحب ،ألفكر به بكل غرور ،كانت أن ي ِعجب ر ين هو أوال ،قبل ان يطلب ي
ي
ُ
تظنت بليدة المشاعر ،خاملة االحالم ،لم تكن تعلم كم انا بحاجة اىل أن أشعر
ي
رجل تتخلل خصالت شعري وأنا أحدثه بشفاه متقاربة ،كانت
ٍ بأصابع كف
أنت
تسمعت إال وأنا اتغزل بجماله واناقته ووسامته ،كان ظنها ي
ي محقة ألنها لم
عيت.
عىل ي
تمىل ي
أحبه بما ي
عرفت من قبل من هو
ِ حبك له ،أنت
ِ قالت يىل ذات مرة" :أنا أستغرب من
ترتبىط به" ،كانت هذه
ي أيت من يفوق وسامته وسامة ولم
أفضل منه ،ور ِ
داخىل.
ي العبارة صادقة ،شعرت حينها بأنها أيقنت ما يف
است ئ
زمالن أيام در ي
ي كانت (سارة) يف أغلب االوقات تقارن بي (أحمد) وأحد
ً
الجامعية ،كان من ضمن أصدقائنا المقربي جدا ،ظل كذلك اىل أن افصح يىل
عىل معاقبتهَ ،لم كان بحبهِ ،منعته بعدها حت من القاء التحية ي
عىل ،يتوجب يي
عىل معاقبته ألن نظرات
طيلة هذه الفتة ال ينظر يىل نظرة الصديق؟ يتوجب ي
عينيه كانت تشوبــها بعض المشاعر.
كنت ال أومن بأن الصداقة تتطور اىل حب ،ألن مشاعر الحب تنبض منذ
البداية ،فمن الممكن أن تبدأ بتعارف أو صداقة ولكن لفتٍة قصتة فقط ،وان
ً
طالت فأنها ستكون خداعا أو أنها ستكون صداقة مصطنعة من أجل الحب،
ً
أنا ال أغفر هذا االستغالل ابدا.
ً ً ً
يحبت جدا اىل درجة التعلق ،بعد
ي قلت كان عنيدا ،كان
كان وسيما ولكن ر ي
عالقت بالكثت
ي وحصوىل عىل وظيفة فيها ،استمرت
ي تخرجنا من الجامعة
لكون لم انقطع لفتة طويلة عن الجامعة ،سمعت من بعض اصدقاءه أنه ي
ً ً
أمىل
شء جدا ،لم يتوظف ،أصبح مدمنا عىل الكحول ،كان كل ي أصبح أنسان ي
ً
أن ال أكون أنا السبب ،اخر جملة قالها يىل آلـمت ر ين كثتا ،قالها ذات صباح يك
انت لم ر
ألنت لم اغفر له وقتها ،حت ي بشء ،ي يعتذر عن اعجابه ر ين ،لم اجيبه ي
انظر يف عينيه ،بقيت اتصنع ررسود الذهن ألنكر وجوده ،تسببت له بالكثت
ََ
تتموج االرض تحت أرجل كل امرأة تخلو أيامها من الحب ،تحت ارجل كل
امرأة َأمست بال حبيب ،تحت كل َمن تنام ليلها خالية المشاعر.
ُ ً
الت تقف
االرض ي
ِ حي تنهض من ِفراشها صباحا ،تشعر كل امرأة بهشاشة
عندئذ َت ر
خش من أن تدفن ٍ لثوان أن ليس بأنتظارها أحد، عليها لو تأملت
ٍ
فه لم تخطر عىل بال رجل وهو
تحت السني دون أن تبق لها ذكرى ،ي
َينصت ألغنية ما.
ينته تخش من أنر ر
تخش من أن تكون حطام أنسان تراكم نتيجة االهمال،
ي
أثار أليدي َلرجل.
بها العمر ولم تجد عىل خضها ٍ
ً
السن ،النساء لن يصلن اىل سن اليأس أن
الحب عند النساء يضع حدا لتقدم ِ
َ
التبقي عىل قيد الحب ،يأس العواطف ال يأس العمر ،لن تذبل أجفان تلك ي
ُ
تضع الكحل كل يوم قبل غروب الشمس.
ً
الصبا ،ال أضع
يعتتن الحب مقصورا عىل عمر ِ
أغلب النساء يف بالد العرب ر
الت عىل عاتقهن جعلتهن
اللوم عليهن ،فالظروف الصعبة وحجم االلتامات ي
ً َي َ
نمن مبكرا.
ً
اللوان بقي عىل قيد الحب ،أو عىل قيد ذكرى جميلة
ي ِمنهن قلة قليلة من
حب عاش ومات
لحبيب كان عشقه قد سبق الزواج أو جاء بعده ،او عىل قيد ٍ
ٍ
وهو يقتات عىل الكتمان.
والشف،ر بالعفة
العرن عىل كل النساء المتوجات االلتام ِ يف المجتمع
ري
رَ
الصبا لأليام السابقة،
ورسف ِ ويقصد بذلك عفة الجسد لأليام القادمة
يتطلب االمر حسن ستة للماض بحسب الـسن الناس ،ال يهم رشء ر
اكت من ي ي
ذلك.
يشء لسمعتها لو ر
الحب يف مجتمعنا ينهب رسف الفتاة أن تحدثت عنه ،ي
ً
كتابا ،هذا َ
المنع ال يشمل الكالم فحسب ،بل يشي عىل كل المشاعر قرأت له
شا بالفطرة ،ويستثت من ذلك َ ً
العي ومقلتها. الت تنتابهن ق
واالحاسيس ي
ً
هنيئا المرأتيِ ،أحداهما قرأت هذه االسطر عىل عجل ولم تعيد قراءتها،
ً َ ً
وأخرى قرأتها جيدا ،ولكنها لن تكتث لما أعنيه ...هنيئا لمن تزوجت
َ ً
عشيقها ،وهنيئا لمن ع ِشقت زوجها.
ً ً ً
غالبا ال تكون المرأة كيفما تشاء ،غالبا ما تكون خالفا لواقعها ،ولكنها ال
ض الواقع،
تتكلم ،ال تتحدث بهذا الشأن إال لوسادتها ،تكتم ارسار روحها لت ي
الت تطرأ عىل
الت تطرأ من حولها ،والتغتات ييتقبل جسدها التغتات ي
ً
تأن ان تتغت.
جسدها ايضا ،ولكن روحها ر
شء ،ما تولد عليه الفتاة هو الذيُ ر
نحن خاضعي للظرف المادي قبل كل ي
ً
يحدد ما ستكون عليه ،كيف ستحب ،هل سيسمح لها بالحب اساسا ام ال،
هل ستختار َمن يفك ضفائرها ام سيختار لها المجتمع ،هل ستكون كتلك
الت ارادت الهروب مما يحيطها فاقتنت
الت ارادت الخالص فتوجت ،تلك ي
ي
الت ال يحق لها العبث بروحها ،ال
بأول ميسور حال طلب يدها ،تلك الوحيدة ي
مجددا ،تلك الت قايضت جسدها بالثياب ًَ
والمصوغات ي يحق لها ان تحلم
الذهبية.
ً ً
غالبا ما يكون الحب فقتا فاألغنياء ال وقت لديهم للحب ،لطالما رأينا قصص
العوز ،كيف ينهش الفقر جسدها ليفرقها اىل قصتي ،كل الحب وه تصارع َ
ي
اص للذكرى) يتناول
طرف يأخذ قصته بمعزل عن حبيبه ليصنع منها (اقر ٍ
بألم يف الروح ،كلما كان الحني سبب سهده. َ َ
احداها كلما شعر ٍ
(البيوت السعيدة ال صوت لها) قرأتها ذات مرة للكاتب المضي (مصطق
ً ً ً
محمود) فعال انها كذلك ،العائلة سعيدة لن تسمع لهم اصواتا عاليا ،ال يوجد
َ
قهر مع يش الحياة ،مثلما ال توجد سعادة مع الفقر.
َ َ
الت
يأن ،تلك البنت ي ذات ليلة ،كذب الحب عىل الفقر وقال سأزورك ،لم ي
اختارت حبيبها الفقت ألنها عشقته وتزوجا بعد ان سمع منها المقولة الشهتة
يهمت كيف ستكون حياتنا لطالما سأبق بقربك" لم يستمر عشقهما بعد
ي "ال
اول حديث تفاخر كان بي االقارب ،اعتاد هو عىل النوم قبل مجيئها اىل
وه استلقت بعده عىل رسيرها االبكم ،تنظر اىل سقف غرفتها،
الفراش ،ي
ً
نادمة دون دمع.
القصد هنا لن ينسجم مع المعت ،العيون الصامتة تحمل براكي الكالم يف
قلوبــها ،بعض النساء خامالت المشاعر ،فقد انطفأت لهيب براكينها بمرور
اللوان لم ينمن
ي اللوان لم ترهقها القبل،
ي الزمن ،اما ذوات الشفاه الناعمة،
َ
اللوان لم تغمض اعينهن إال وكانت رنتة صوتي عىل يد (الحبيب األول)،
ً
كالتق يخرق اجفانها ،هن فقط ،لم يطفأالحبيب همسا تقتحم اذنيها ،رسمه ر
لهيب مشاعرهن مع تقادم الزمن.
الت تصدر من حولنا حال دخولها مسامعنا،
البديه اننا نسمع االصوات ي
ي من
مسامىع ،كانت رنتة صوته تغريدة
ي إال صوته ،كان يدخل لعظام جسدي قبل
امل يف كل صباح.
منذ أن أصبحنا أصدقاء واالبتسامة عىل ِشفاهنا باتت أجمل ،حت أنا
حوىل شاهد حجم
ي أصبحت أجمل ،بت اجمل عن ما قبل أن أعرفه ،كل من
الت تتنافس فيما بينها كل يوم من
أللبست ي
ي لمالمج،
ي التغيت الذي حدث يىل،
أجل أن تلقاه.
عيت ذات يوم ،خرجت فيه ورأيته ي غمرتت السعادة لدرجة الغرق حي قرأ
ي
ً
واقفا ،كالمعتاد أخذتنا الخطوات يف طريقنا وأنا بال أدراك ،ال أرى يف الدنيا
سواه حي يكون ،ال أعرف ماهية الدنيا لو استنشقت عطره.
الت سبقت ذلك اليوماقض الليلة ي
ي عيت وأنا
كنت متعبة للغاية ،أرهق السهر ي
اجابتت أبنته عىل الهاتف، بصديق (زياد)، ً
مساء يف المشق حي أتصلت
ي ي
ابلغتت بأنه يف المشق منذ ساعتي ،بسبب أصابته بنوبة عصبية ،كم شعرت
ي
ألنت لم أتصل به ،ذهبت اىل المشق ورأيته يف غيبوبة ،تألمت
بالذنب حينها ي
ً
أنبت ضمتي عىل تقصتي اتجاهه ،علمت من أبنته وزوجته ان حالته
كثتا ،ي
ً ر
شء اطالقا خالل هذه الفتة ،انا
يشتىك من ي
ي الصحية كانت جيدة وانه لم
هاتق كان بيننا بأسابيع،
ي نادمة ،لم أسأل عنه منذ فتة سبقت اخر أتصال
قضيت ليلة كاملة يف أروقة المشق ،لم أستطيع الذهاب اىل البيت ،أتصلت
َ
طلع الفجر ،اىل أن تكلم دن وأبلغتها باألمر ،بقيت يف المشق اىل ان
بوال ي
(زياد) ،زاره الطبيب وخرج من غرفته وسمح لنا بعدها بالدخول إليه،
استطعت أن اتكلم معه.
يسبقت...
ي لغرفته وخجل ِ دخلت
ً
سامحت ،انا لم أسأل عنك ولم أزورك،
ي قلت له :حمدا هلل عىل سالمتك،
ً
قلقت عليك جدا.
ً
لك يا (قمر)َ ،لم أتعبت نفسك يف الحضور ،الشمس رارسقت
قال زياد :شكرا ِ
للتو؟
قالت زوجته( :قمر) هنا منذ ليل االمس ،لم تنم ،ال بل لم تجلس حت.
الكرش الذي كان بالقرب من رسيره ،انحنيت بالقرب من
ي بعدما جلست عىل
دموع..
ي رأسه ،وضعت يدي اليمت عىل شعره فأنهمرت
قلت لهَ :
لما أنت متعب لهذه الدرجة؟ ما أصابك؟
بأنت
ي أبلغت الطبيب
ي قال زياد :نحمد هللا عىل ما يصيبنا ،تفاجئت باألمر،
ر ُ
بشء طيلة هذه الفتة سوى بعض عصت حاد ،لم أشعر ي ري اصبت بأنهيار
ً
أنت كنت جالسا عىل
الصداع ،ولكن باألمس ما الذي حصل؟ كل ما اتذكره ي
عائلت ،لم أعلم بما جرى.
ي العشاء مع
ُ
قالت زوجته :كنا ليل االمس نتناول العشاء ،كنا نتكلم عن المستوى الدر ي
اش
تجبت ،ثم أغلقت عيناك ،بعدها
ي ألبنتك ،وبعد ان ازداد غضبك سألتك ولم
أغم عليك وجئنا اىل المشق.
ي
ً
قال زياد :حمدا هلل ي
ألن كنت معكم.
ُ
مسكت يده وقلت :ال تقلق ،سأ ي
صىل ألجلك كل يوم حت تتعاف.
أبنت ،أنا بخت. أبتسم وقال :ال ي
تبىك يا ي
يسبقت له ،سبقت
ي ألنانيت ،لم اسمح ألحد بأن
ي شعرت بالخجل الشديد
ً
زوجته واوالده حي سمح لنا الطبيب بالدخول ،دخلت اوال وجلست بالقرب
الت تليق بتقصتي
أبىك الدموع ي
أجتت البقية عىل االنتظار اىل أن ي
منه ،ر
دموع وابتسمت.
ي اتجاهه ثم مسحت
قلت :أنا اسفة ،لم اسمح لعائلتك بالتحدث معك واالطمئنان عليك ،سبقت
الجميع بالحديث معك ،منذ االمس وانا قلقة عليك ،سأتركك االن لتأخذ
ً
قسطا من الراحة بالقرب من عائلتك ،سأزورك عند المساء.
ً
بشأن ،سأكون افضل ،شكرا عىل زيارتك واهتمامك .
ي تقلق
ي قال :ال
ارهقت القلق
ي القيت التحية عىل الجميع ،خرجت من المشق مليئة بالتعب،
عىل أن اذهب اىل العمل بعد ر
أكت من السهر ،لم أنم منذ ليل االمس ،يجب ي
ساعتي من االن ،فكرت يف أن اتصل لطلب االجازة ،ولكن يت أيقنت بأن رؤية
ستمج كل التعب.
ي رفيق الروح
وجه يك اطرد النوم ،بدلت
ي رجعت اىل البيت ،أسكبت الماء البارد عىل
ً
أياىم ،عن رارساقة ر
مالبش وخرجت مشعة يك ال أتأخر عن رسوق شمس ي ي
وجهه الذي فاق جماله بريق قوس قزح ،رأيته ،القيت عليه التحية فتوقف
ولم يواصل الست ..
ً ً
التفت يىل ،قال :ما ِ
بك؟ عذرا للسؤال أن كنت متطفال.
قلت له :أنا بخت.
َ ً
أستمر بالست قليال وقال :يظهر عىل وجهك االرهاق ،وكأن عينيك لم ت َ
نم. ِ ِ
قلت :قضيت ليل االمس يف المشق ،لم استطع النوم.
ر
شء؟ توقف عن الست ،قال :لماذا؟ هل تشتكي من ي
اقارن كان يف المشق ،ذهبت لزيارته ليل االمس ،وجدت
ري قلت :كال ،أحد
حالته سيئة للغاية فأضطررت للبقاء حت الصباح اىل أن فاق من غيبوبته
ئ
ألطمي عليه.
قال :كيف هو االن؟ هل تحسنت حالته؟
قلت :نعم ،أفاق من غيبوبته عند الفجر ،اتمت أن تستقر حالته اليوم.
تمنيان له بالشفاء.
ي قال:
ً
قلت :شكرا ،هذا من لطفك.
نفش بعد ذلك يف نهاية الطريق الذي نفتق عند نهايته ،ابتسمت له
ي وجدت
....
قلت :مع السالمة.
ً
أجابت مبتسما :طاب يومك ،مع السالمة.
ي
أياىم َ
وجه ثم رسم االبتسامة عليه بفرشاة وسامته ،جعل ي ي أزال االرهاق من
ُ
يوم سبقه ،كم أنا سعيدة بلقياه ،كم انتظرته ،كم تمنيت أن القاه
اجمل من كل ٍ
احالىم ،كم وددت ان اقول له عن ما اكتب له
ي يف ذلك الموعد الذي رسمته يف
عند كل المساء...
يعذبت الصمت
ي حي
ويرجمت الشوق
ي
حي ترفع األمنيات سوطها وتلقيه
بت اخاف من الحني اذا طىع
أرتج ر
واخش األني أذا ر
الت كان فيها (زياد) ألزوره ،أتصلت به وانا يف
عند المساء ،ذهبت اىل المشق ي
ابلغتت بأن حالته الصحية قد
ي اتصاىل،
ي طريق إليه ،أجابت زوجته عىل
ي
تحسنت بعد الظهتة وقد سمح لهم الطبيب بالمغادرة.
ً ئ
ألطمي عليه ،كان نائما نتيجة العالج ذهبت اىل بيته ،جلست مع زوجته
ً
تحبت جدا ،يف كل مرة أزورهم فيها كانوا يرحبون ر ين
ي الذي تناوله ،كانت عائلته
ً
عمىل يف الجامعة ،كانت ي تحدثت دائما عن
ي اشد التحيب ،كانت ابنة (زياد)
ً
تروم ألن تدخل كلية العلوم السياسية ،كنت دائما أحاول أن أمنعها من ذلك،
بعمىل السابق يف مطعمه،
ي أحاول ترغيبها بتخصص أخر ،كانت زوجته تعلم
بأنت كنت
احتفظت بهذا الش دون أن تتكلم عنه ألوالدها ،كانوا يعتقدون ي
جارتهم قبل سني مضت.
ً
وتحبت كثتا ،بسبب ذلك تمكنت من أن أوصيها بأن تهتم به
ي مت زوجته
تحت ي
َ َ َ
وان تراقب حالته الصحية ،ق َ
بخوف عليه دون أدن
ي موقق ،شعرت
ي درت
الت تنتاب كل امرأة حي تتقرب أي امرأة أخرى من زوجها،
غتة ،تلك الغتة ي
الت ال تتخىل عنها أي امرأة ،إال من كانت واثقة من قلب زوجها
هذه الغريزة ي
ودخله الشهري.
رأيت (أحمد) يف أخر يوم عمل يف االسبوع ،كان قد غت ِعطره الذي اعتدت
ً
الت َمضت ،عند ستنا يف الخطوات المعتادة صباحا...
عليه خالل االيام ي
أيمكنت دعوتك لحضور عيد ميالدي ،يصادف يوم غد؟
ي قال يىل:
ً
أجبته بالتفاته تعجب :حقا !! عيد ميالد سعيد.
بأمكان سماعها يوم غد ،ال يجب ان تكون التهنئة قبل أطفاء
ي قال :هل
الشمع.
ً
يسعدن ذلك ،ولكن يف أي ساعة غدا؟
ي قلت:
ئ ً
أصدقان
ي قال :حجزت طاولة يف مطعم وهذا عنوانه ،دعوت عددا قليل من
ثم أبتسم ،واكمل حديثه :يف الحقيقة انا ال أملك الكثت من االصدقاء.
اخذت العنوان من يده ،قلت :ال يهم أن تمتلك الكثت من االصدقاء بقدر ما
ً
أصدقاء لك بالفعل. يهم أن يكونوا
قال :هذا صحيح.
صديقت (سارة) ،أن كان ذلك ال يعجبك ال
ي قلت له :هل يىل ان اصطحب ي
مىع
يهم؟
سعدن ان اتعرف عىل صديقتك
ي وضع يده اليمت يف جيبه وقال :بكل رسور ،ي
المقربة.
صديقت مقربة؟
ي بنظرة استغراب ،أجبته :كيف عرفت بأنها
ُ
استأذنت للحضور
ِ أبتسم من شدة جماله ،قال :لوال أنها لم تكن مقربة لما
معك يوم غد ،أنت لم تسإليها بعد هل تود الحضور ام ال ،أليس كذلك؟
لكنت سأسألها عن رأيها بالحضور لعيد
ي قلت :استنتجت بالشكل الصحيح،
ميالدك.
ألنت أود معرفة كل اصدقائك ،بسبب ثقافتكي قال :آمل ان ال ترفض،
واخالقك ر
يتشف بمعرفتك جميع الناس وال شك ان اصدقائك الذي اختتهم
ال يختلفون عنك.
سنأن يوم غد.
ي قلت:
ً
مساء. قال :سأكون بانتظاركم يف الساعة التاسعة
ً
القيت تحية الوداع عليه ونظرت فورا لساعة يدي ألحسب كم من الوقت
الصت؟ بأي طريقة سأهنئه بميالده؟ ميالده
ر يلزمت من
ي يلزمت ألنتظر ،كم
ي
يمض من دون ساعات.
ي اياىم
الذي جعل توقيت ي
ألختها بدعوة (احمد) ليوم غد ،وافقت
عمىل اتصلت (بسارة) ر
ي انه
قبل ان ي
موعد مع
ٍ ألجىل ،شعرت بأنها يف حرج من ان تذهب اىل
ي عىل الحضور
شء. ر
اشخاص لم تعرفهم من قبل ،لكنها لم تفصح عن ي
بحت،
بأعجان به ،تليق ر ي
ري الت تليق
قضيت الليل بأكمله أفكر يف نوع الهدية ي
اتجاه ،اردت ان اهدي له ما تبق من شء يثت انتباه قلبه ر
ي اردت ان اهديه ي
ً
العمر من ايام ،أنا احبه كثتا.
فكرت يف كل الهدايا التقليدية للرجال ،فكرت يف العطور والساعات اليدوية
والخواتم الجميلة ،فكرت يف الزهور الحمراء والبيضاء ،فكرت يف كل
شاهدون وانا انظر إليه ،اخاف ان تغازله
ي الجالسي وقتها ،ماذا سيقولون لو
ً
جشىع وانا ملهمة به ،قضيت الوقت الكثت يف
ي عيت بصمت ،خفت كثتا من ي
ان أستطيع ان اضع له فؤادي يف زجاجة عطر.
التفكت ،حت تمنيت لو ي
قررت أن اشتي له ربطة عنق تليق بأناقته ،قررت ان اكتب له ،ان اعلن عن
ً ً
الت لم تخطيها أي امرأة ررسقية
مشاعري اتجاهه ،قررت ان اخطوا الخطوات ي
قبىل امرأة لرجل يف البالد العرب بأنها تحبه.
قبىل ،لم تعتف ي
ي
قررت ان افعل ذلك حت تقف االرض عن الدوران ،حت تقف سنوات عمري
عند ذلك اليوم ،يك ابق طفلته ،حت ال أرى الشعر االبيض وهو يتخلل
شعري ،حت انطق بأسمه وانا اضع احمر الشفاه.
داخىل من حب
ي تعت عن ما يف
الت رانتق الكلمات يليلت بأكملها وانا ي
ي قضيت
شأن ،كتبت الف ئ
يان ،دون ان يقلل تعبتها من ي كت ي دون ان تخدش احداهن ر
ً
انتابت شعور الرفض مرارا.
ي كلمة وحذفت الف،
طاولت الصغتة ،ررسقت الشمس فجأة ،شعرت ي غرفت ،عىل
ي وانا جالسة يف
ً ُ
الت انتظرتها كثتا.
حينها بالفشل ،كررت المحاولة ،لن افوت هذه الفرصة ي
مكتت واىل اخر لحظة،
ري عيت ،تذكرت نظراته يىل ،منذ ان التقينا يف
اغمضت ي
عيت وان امتلك الكثت من الشجاعة ألكتب ،كتبت له حقيقة ما يف
فتحت ي
االمر ...
"عندما اراك ادرك معت السعادة
وعندما اتكلم معك اتمت ان يتوقف الزمن
وعندما انظر يف عينيك اعرف ان ليس للجمال حدود
ولكن اىل مت...
بقتىل
ي ستستمر سيوف الخجل
والخوف من المجهول..
يحرمت من جمال ابتسامتك يف كل صباح
ي الذي قد
كلمان ر
اخش ان تزعجك
ي
او ان اكون قد تجاوزت كل الحدود
اعجان ..ارجو ان ر
تخت ين ري فأن رفضت
حت اعتذر عن ما قلته
بأحالىم"
ي واترك الكالم لليلة قد اراك فيها ..
حالما انتهيت من قراءتها ،مسكتها بيدي ونظرت إليه ،وجدته يدقق كل تعابت
وجه وانا اقرأ ..
ي
ً
عجبتك؟
ِ بك ،اتمت انها أقال :مرحبا ِ
َ َ
قلت بخجل :هذا من لطفك وحسن ذوقك ان ترحب ر ين بهذه الطريقة.
قلت،
جاءنا النادل ،تكلم مع (احمد) ،انتهزت الفرصة ألرسم كلماته يف أوردة ر ي
حقيبت ،اوعزنا اىل النادل بطلباتنا ثم ذهب ،وضع (احمد)
ي وضعت الورقة يف
كلتا يديه اىل الطاولة...
ً
شكرك ،انا سعيد جدا
ِ قال :قمر ،انا اود ان اشكرك للمرة ثانية ،انا عاجز عن
ٌ
شء مصنوع ُ ر
تمنيتك قررت ان احتفل بعيد ميالدي ،كان كل ي
ِ ألنت
بمعرفتك ،ي
ِ
لك بها سوى هذه
الت اقتب ِ
لك انا لم اجد الطريقة ي
ألجلك ،كما قلت ِ
ِ
انقذتت
ي انك انقذتها يف الوقت المناسب كما
المناسبة وكادت ان تفشل لوال ِ
اف.اوقان واور ي
ي الت تغلب
الوحدة ي
من ِ
ً
دعت
ي قلت له :انا سعيدة جدا لمعرفتك ،انت انسان مهذب و ذو خلق ،ولكن
الحقيق؟
ي اسألك ،ما هو تاري ــخ ميالدك
قلت :احتفظ ببعض الذكريات ،مض عىل ذلك زمن طويل ،االيام ي
الت
شء ،كانت حياتنا متعبة منر
عشناها بعد ذلك كانت كفيلة بأن تنسينا كل ي
دون والدي ،مشيئة الرب ارادت ذلك ،ولكن اليس من الغريب ان تعود بعد
هذه السنوات؟
قال :اكملت دراسة الهندسة المعمارية يف (لندن) ،قررت ان استقر هنا رغم
فرق العيش بي البلدين ،انوي تأسيس ررسكة انشاءات هنا ،فرص العمل هنا
ً ر
عودن بسبب الظروف السياسية،
ي اكت من هناك ،والدي لم يكن راضيا بشأن
ً
اىم الرأي خوفا من هذا البلد الذي فارقناه لسنوات عديدة ،قضينا
وافقته ي
سنوات ونحن ال نسمع عنه إال ما يعرض عىل شاشات التلفاز ،لم نسمع عنه
انت اعتدت عىل المجتمع
إال االخبار السيئة ،رغم ذلك قررت العودة ،رغم ي
وطت ،يف حقيقة االمر ،انا اريد العيش هنا
ي انت ال ازال احب
الغرن ،إال ي
ري
فحسب.
حر انت يف اختيارك ،ال احد يعلم ماذا يدور يف ذهنك واحساسك عن قلتٌ :
ُ
العيش هنا ،بلدنا جميل ألننا تربينا عىل حبه ،يف االيام القادمة ستى الظلم
وتعدد الطبقات يف مجتمعه ،ستى كيف ان االحزاب المتنفذة ورجال الدين
ً ً
اصبحوا يملكون البلد ملكا ِرصفا ،اصبحنا نحن فيه (الطبقة الكادحة)
ٌ
فحسب ،فئة تفكر يف جمع قوتها والبحث عن االمان واالطمئنان وسط
الت
تضيحات السياسيي وحربــهم المستمرة عىل اي االديان و اي المذاهب ي
ستدخل الجنة.
ئ
هدن من روعك ،ليس االمر بغاية السوء هكذا ،اعتقد ان اىم :قمر،
ي قالت ي
تحرير االخبار اليومية جعلتك تفكرين يف االمور السيئة فقط ،الصحف لم
جعلتك تدخلي كلية
ِ تنش ر
بشى اىل الناس ذات يوم ،لوال رغبة والدك لما ر
العلوم السياسية.
ضحك (يعقوب) ،قال :قبل قليل وددت ان اقول ان التخصص يف السياسة
ً
ال يليق بالمرأة ،خصوصا لو كانت قمر مثلك.
اسم ،ام تقصد القمر؟
ي اجبته ضاحكة :هل تقصد
ُ َ
اسمك (قمر)
ِ اسمك ،أنت
ِ ضحك بقوة ثم قال :كالكما ،يف الحقيقة قصدت
شكلك بهذا الجمال ،انا
ِ والقمر ال تليق به السياسة ،لم اتوقع ان يكون
ٌ ً
شعرك قصتا ومرحة للغاية.
ِ كنت صغتة ،كان
اتذكرك عندما ِ
ِ
ان،
اخق عنك ،دخلت مرغمة لكلية العلوم السياسية تلبية لرغبة ر ي
ي اجبته :ال
لكنت االن احببته ،هذا مهم للغاية يف البالد العربية ،يك تقرأ الواقع المحيط
ي
ً ً
بك وتفهم ما يدور حولك يجب ان تكون سياسيا او فنانا ،هنا فقط يمكنك
ان تتكلم وفق رؤى مجتمعك ،وإال ستعيش يف عزلة وحينها سيكون االمر
اصعب.
مخيلت عشة ايام فقط ،كانت يفكالمك منطق ،وصلت اىل هنا منذ ر
ِ قال:
ي ي
الت رأيتها ،الوطن تغت بالفعل ،لم تت ر ي
وح بعد ،أليس صورة غت الصورة ي
كذلك؟
قلت له :كال ،وانت؟
ً ً
قال :انا ايضا لم اتزوج ،العادات والتقاليد يف (لندن) بعيدة كل البعد عن
َ
عىل رفضت
واىم ي
ان يعاداتنا ،لم اتقبل فكرة الحياة زوجية هناك ،رغم ارصار ر ي
الزواج من مجتمعهم.
ً
اىم :إال ترى ذلك غريبا ،انت سافرت مع عائلتك وانت صغت لم تبلغ
قالت ي
يجتك عىل العادات
الثامنة ،نشأت هناك ،اظن انك امتلكت من الوقت ما ر
والتقاليد الغربية ،انت تربيت عىل العادات الغربية ،لم تت رن عىل العادات
العربية ،كيف تشعر بهذا الفرق؟
العرن ،لم يمض شهر إال وانا اقرأ
ري كتت وانا اطلع عىل االدب قال (يعقوب) :ر
ُ
فارقت ِفكرة
ي العرن ،يف كل يوم اطلع عىل اخبار الوطن ،لم ت
ري كتب التاريـ ــخ
العودة منذ الصغر ،كان الحلم االهم وها انا حققته.
قلت :اتمت لك التوفيق يف حياتك القادمة.
ً
قال :شكرا ِ
لك ،يف البدء انا احاول البحث عن مت ٍل صغت يف حارتنا القديمة،
ً
احبها كثتا ،قضيت السنوات السبعة االختة يف جمع المال ،االن لدي ما
انت قد اشتي ر
يكفيت من تأسيس مكتب او رسكة لالستشارات الهندسية ،او يي
ر ً
خت ين
الت كنت اعمل فيها يف (لندن) بحكم ر اسهما يف احدى فروع الشكة ي
السابقة.
شعرت من كالمه ان لديه رغبة حقيقية يف االقامة هنا ،شعرت بأنه مض عىل
ً
ذلك ايضا ،ما الدافع؟ لم اعلم ،لعل هنالك اسباب دعته من ذلك( ،لندن) ال
يضاه جمالها عند ررسوق الشمس ،اعتقد ان ي شبيه لها ،ليس هنالك جمال
ُ
كل ما ادع به كانت عوامل ثانوية وهنالك عامل مهم لم يشده لنا.
ً
سلمت مقال اعده
ي جاء (احمد) اىل مقر الصحيفة والتقينا ،تكلمنا قليال،
ً ً ً ر
ونش عطره الجميل معلقا يف ي للنش ،خرج مشعا ،كان لديه موعدا ،خرج
ئ
الشاط ،حي حوىل كالنوارس عىل وه تحلق
ي غرفت ،تخيلت انفاسه ي
ي هواء
ً
تحلق قريبا من سطح البحر لتمتع الناظر دون مقابل.
النش ،قرأت مقالته ،قرأت روعة كتابته ،كان له قبل ان ُاسلمها اىل قسم ر
نلتق ،وقت غروب الشمس عىل ذلك المقعدي اتفقت مع رفيق الروح بأن
ئ
الشاط ،ذات المقعد الذي جمعنا بالصدفة يف اخر مرة ،حي المطل عىل
رسنا بجانب البحر ثم جلسنا لنكمل الحديث.
ً ً
وصلت اىل الموعد ولم اجده ،تفاجئت ،التفت يمينا ويسارا ولم اجده،
جلست انتظره ،مرت دقائق تزامنت مع غروب الشمس ،بدأ النسيم البحر
يأن ،منظر الغروب كان
يصبح أعذبِ ،خفت من أن تغرب الشمس وال ي
ً
جميال ،كان اجمل لو انه جاء يف وقته المحدد.
احد ما قد ئ
أتىك عىل مسند المقعد الذي اجلس عليه ،شعرت شعرت بأن ٍ
اخافت الموقف لوال عطره الذي
ي بأنفاسه وهو يتنفس بالقرب من شعري،
ً
خلق ،استنشقت عطره ،لم استدر ،اغمضت
ي فضح امر قدومه متخفيا من
اذن اليشى
كالم او حركة ،اقتب من ي
لثوان دون ٍ
ي عيت ألنصت ألنفاسه ،بقينا
ي
ً
وهمس قائال " :انا احبك"
ً
هـز كالمه اركان فؤادي ،نبض القلب رسيعا ،هممت يف التفكت ،هل ارده
بمثلها ام اتريث؟ انا لست حائرة ،انا لن اجامله ،انا احبه بالفعل ،بل انا
ً ً
اعشقه كثتا ،انا تجاوزت حدود حبه ،انا اهيم به ،انا مرتبكة جدا ،انا ال اقوى
اخذن
ي جعلتت اتجزأ ألجزاء صغتة ،تناثرت،
ي رقبت
ي عىل الحركة ،انفاسه قرب
رقبت ترتجف من جمال شفتاه،
ي نسيم البحر اىل الهباء ،ضعت بي انفاسه،
الت تثت العطش يف اناء القبل.
شفتاه ي
عيت ،لم املك وقتها غت بقرن ،نظر يف ي
خلق وجلس ر ي ي عيت ،التف من
فتحت ي
ً ً ً
عينيه قليال ثم انحنت عيناي خجال بحكمِ االبتسامة ،لم اقل شيئا ،نظرت يف
ً ً
األنوثة ،لم اقوى التمعن يف عينيه طويال ،انا منهمكة جدا.
َ
قال :مساء الخت.
اجبته :مساء النور.
ً
صمتك الف كمنجا تعزف معا ،انا مستمع
ِ صمتك،
ِ قال :لن اعتض عىل
لك
احببتك ألن ال شبيه ِ
ِ احبك،
ِ معك ،انا
ِ باالنصات لهذا العزف ،انا صادق
انت الحلم الذي اريد
صدقيت ِ
ي وصفك،
ِ سواك ،ال ابالغ يف
ِ وال عىل االرض
اكت مما كنت اتوقع ،ال اريد ان نكون اصدقاء بعد االن ،اناتحقيقه ،انت ر
ُ
امتالكك.
ِ احبك ،انا اريد
ِ
ُ َ ُ ٌ َ
قلت :انت انسان رائع ،اصدق كل مشاعرك ،عيناك ت ي
عىط االدلة لكل ما تقول
َ ً
وانا لست بحاجة ألي دليل ،شكرا لكالمك الجميل.
َ َ
التكلم يف وجهة نظري لكنت اود
ي احببتك وهذا الموضوع ال نقاش فيه،
ِ قال:
ُ
عن الحب ،كيف أفش الحب ،هناك مفاهيم لو اتفقنا بشأنها سنتفهم بعضنا
دون ادن ررسح ألي موقف يصادفنا ،انا ارى الحب هو ارتباط الروح بأخرى
ً
وتهان
ي تشابهها ،ال يقبل الحب غت ذلك أطالقا ،ال احب مسميات االشياء
ُ ر َ َ َ
شء ينتابه االعياد ،احب نظرة العي متهالكة الشوق يف كل يوم ،ابغض كل ي
فيك واالستغناء عن
الملل ،احب شغف الكلمات حي نقولها ،اود التوحد ِ
اشعة الشمس ،احب ان نكون بال عقل باطن ،بال تفكت ،بال تحليل للكلمات،
ال نكتث لما ينتج لقاؤنا من أثار ،احب ان ال نندم عىل ما نفعله بحكم
المشاعر ،احب ان ننصت لألحاسيس العفوية ،احب ان يكون االحتام اساس
كطائر حر ينتابه الفرح،
ٍ كل افعالنا ،احب ان يكون التعبت عن ما يف داخلنا
ً
المتناه ،احب ان ال ننشغل بالتفكت بالغد،
ي اريد ان يكون حبنا ابديا وعشقنا
توض ِبه االحالم.
ي خالص بحسب ما
ٍ احب ان نست بأ
(القبان) أؤمن بكل مالمح
ي بعد الصمت لثوان ،قلت :انا ارى الحب كما يراه
َ َ
الت يرسمها ،اؤمن بوصاياه للعاشقي الجدد ،حي ع َرف الحب وقال: الحب ي
ً ر ً
الحب ليس رواية رسقية ِبختامها يتوج األبطال
ً
لكنه اإلبحار دون سفينة وشعورنا ان الوصول محال
ٌ
المطبقات سؤال عشة وعىل الشفاه ي
ِ هو أن تظل عىل األصابع َر
ُ
هو جدول األحزان يف أعماقنا تنمو كروم حوله وغالل
ً َ
هو هذه األزمات تسحقنا معا فنموت نحن وتزهر اآلمال
ُ ر َ َ
تافه هو يأسنا هو شكنا القتال
ش ٍء ٍ هو أن نثور ألي ي
َ َ ُ َ
الت تغتالالت تغتالنا ونقبل الكف ي
هو هذه الكف ي
ً
اختضت الكثت من
ِ ابتسم ،حرك حاجبيه تعجبا ،قال :نزارية الهوى ِ
انت،
ً
بأنك تختلفي عن
انت اوال لما قلت كل ما قلته ،شعرت ِ
الكالم ،لو تحدث ِ
انت خارج االعراف ي
الت أيتك اول مرةِ ،
عامة النساء ،شعرت بذلك منذ ان ر ِ
ُ ُ
اعتدن عليهن كل النساء ،االن عرفت َلم تملكي هذا الكم الهائل من الجمال.
قدىم ،كنت قد اتكأت عليها وانا احادثه ،اراد ان
ي حقيبت اليدوية عىل
ي كانت
ً
يقول شيئا ولكنه استبق االمر ،احتضن يدي اليمت بكلتا يديه ،وخالل أجز ٍاء
ً َ ُ
العشق ،لم اكن اعلم ان لمسة يده من الثانية جعل يت اشعر بخمسي عاما من ِ
ُ ٌ
قلت لها لغة خاصة ،لم اكن اعلم ان اصابع اليد تعرف الغزل ،ينبض االن ر ي
ً
شدة جمال عيت من ِ
ي مشعا ،بعد ان اغمره نوع جديد من الفرح ،اغمضت
ً ٌ
عيت ،لم يحتضن يدي احدا من هذه اللحظة ،انا يىل الف عذر وعذر ألغمض ي
بالعفة ..
جنج مالك يمتاز ِ
ي قبله ،اشعر بأنها بي
ً
لك.
عدك بأن أكون مخلصا ِ قال :قمر ،انا اح ِ
بك ،أ ِ
َ
قلت :انت انسان ي
نق ،انا متأكدة من ذلك.
ً
مت ،أتكأ بظهره عىل المسند ،قال :اريد ان ر
اخت ِك رسا. سحب يده ي
قلت :ما هو هذا ِ
الش؟
ثان لقاء لنا السأل عن
بك يف الصحيفة يف ي قال :أتذكرين حي جئت اىل مكت ِ
ُ
طلبت لنا القهوة؟
ِ المدير ،أتذكرين الحديث الذي دار بيننا بعد ان
ُ
تذكرت كل لحظات االرتباك وقتها فابتسمت ،قلت :نعم ،اتذكر ذلك اليوم.
يأن يف ذلك اليوم،
ألجلك ،كنت اعلم بأن المدير لن ي
ِ قال :كنت قد جئت
اتصلت به قبل ان ادخل اىل بناية الصحيفة.
ُ
وجدان ،تلك اللحظات
ي اسعدن اعتافه هذا ،كأنه َسحق كل لحظة ندم ألمت
ي
ً ً
انتابت
ي ألنت سبقته يف االعتاف بالحب ،مج كل ما
لقنتت درسا قاسيا ي
ي الت
ي
َ
من قلق ،اخذ من كف يدي سوط التأنيب الذي انبت ِبه ضمتي منذ اليوم
التاىل لحفل عيد ميالده وكشه.
ي
اجتتها عىل الكتمان ..
مالمج تتأثر بما قال ،ر
ي لم اجعل
قلت بهدوء :لماذا؟
َ
انت تمكنت من
حىط ي
ي تت يف اول مرة رأيت ِك فيها ،من حسن قالِ :
ألنك اعجب ي
اعجان بك ،فرحت فتح حوار معك لبعض الوقت ،تعرفت عليك ر
اكت ،زاد
ري ِ ِ
يدك اليشى.
لعدم وجود خاتم زواج يف ِ
لم اقوى عىل كتمان ابتسامت ر
اكت ،ابتسمت .. ي
ر ً
قلت :حقا ،كان لقاء جميل للغاية ،كنت مرتبكة بعض ي
الشء.
ً
ونسيت يد ِك عىل سماعة
ِ طلبت لنا القهوة
ي قال :صحيح ،خصوصا بعد ان
هاتف المكتب.
قلت ضاحكة :ذلك صحيح.
ً
قهون انذاك؟
ي عرفت
ي قال :حقا ،كيف
َ
قلت :خمنت ذلك فحسب.
ً
إيماء بعدم القناعة .. تحركت شفاه
ً ُ ر
لك ،جمال ِك كان ثانيا،
انتباه ِ
ي شء اثار قالِ :
انت شديدة الذكاء ،ذكائ ِك اول ي
ًَ ً
وهبك إياه؟
ِ اسما جميل ،من وثالثا اسم ِك ،تمتلكي
َ
بيت اىل
اىم ر ين ،تكفلت بت ي
ان ،لكنه توف منذ ان كنت صغتة ،اهتمت ي قلت :ر ي
ولكنت اشكر الرب عىل ما وصلت إليه ،ورثتي كتت ،مررت بأيام صعبة ان ر
ً
ان االرصار عىل المبدأ وعدم التلون ،ورثت عنه الكتمان ايضا.من ر ي
ً ُ
امه وابيهَ ،يرثها مرغما كما يرث
قال :يرث االنسان اغلب اسس حياته من ِ
َ
ُ
ِشكل وجهه منهما ،نرث الدين والمذهب واالخالق مع كنيتنا واسماؤنا،
نعتنق الدين بالوراثة ال باأليمان.
قلت :انا مسيحية ،هل تعلم ذلك؟
قال :نعم.
َ
قلت له :وكيف تعلم؟
عال ،قال :خمنت ذلك فحسب. َ
ضح ِك بصوت ٍ
ً َ
اسم ال يدل
ي ض ِحكنا سويا ،قلت له :قل يىل الحقيقة ،كيف عرفت ذلك ،انا
شء؟ ر
عىل ي
لست وحد ِك قادرة عىل التخمي ،انا املك هذهِ استمر بالضحك ،قال:
ً
الخاصية ايضا.
َ
غمرنا الضحك ،اخرج علبة َسجائره فأخرج منها سيجارة ،وضعها بي
اصابعه ،وقبل ان يشعلها ..
ُ
يزعجك دخان سجائري؟
ِ سأل يت :ي
ه
اجبته :كال.
اقارن
ري عمىل او عند
ي قال :ألول مرة اسمع هذه االجابة ،يف كل مرة اجلس يف
لك
وتكون يف وسطنا امرأة واستأذن منهم ألدخن ال يسمحون يىل ،هل يروق ِ
السيجار؟
قلت :كال البتة.
ً
قال :ما السبب اذا؟
قلت :ي
ألن أحبك.
ينحت ألشعال سيجارته غلبته الدهشةَ ،بقيت سيجارته بيده غت ي وهو
ً
عيت
ي أىل ،ظل ينظر يف
مشتعلة ،اندهش كثتا حت ترك سيجارته ،التفت ي
ان تردد ما قلت دون ان ينتاب يت ً َ َ
عيت ابدا ،بقيت نظر ي
ي لعدة ثوان ،لم ترمش
الخجل ...
ً ٌ ً
اشكرك.
ِ قال مبتسما :انا سعيد جدا ،كيف يىل ان
اشكرن بقصيدة.
ي قلت له:
للمرة الثانية كان ينوي اشعال سيجارته وتوقف ،اعتىل صوت موج البحر
وانخفض ...
الشعر؟
انت اكتب ِ
عرفت ي
ِ قال :كيف
َ ً
ابعدت خصلة من خصالت شعري اىل الوراء ..
قلت مبتسمة :خمنت ذلك فحسب.
رىم سيجارته عىل االرض ،صبغ كالمه بالجدية ..
قوىل يىل الحقيقة ،كيف
تقوىل يىل خمنت ذلك ،ي
ي قال :اريد معرفة الحقيقة ،ال
عرفت ذلك؟
ِ
قلت :من عينيك تارة ،ومن مقاالتك تارة اخرى ،تأكدت من ذلك من طريقة
كتابتك ،قرأت جميع مقاالتك ،كانت طريقة َرسدك للكالم متناسقة وجميلة،
عيناك الجميلتي تشت بكل ايحاءاتها بأنك تكتب ،تكتب ما تشعر.
ً
لشخص واحد فقط ،كتبت لهٍ قال :ال يعلم احدا بهذا االمر ،لم اكتب إال
ٌ
قبلك،
ِ ولكنت محتفظ ِبها ،ألول مرة كتبت لمن احببت
ي العديد من القصائد
ً
وقتئذ ان
ٍ كتت ،طلبت منها
كانت البداية من هناك ،استمر االمر جيدا حت تر ي
ه ال تستحقها حت ولو باتت متوكة ،انا محتفظ بهاتعيد يىل كل قصائدي ،ي
ً ُ
السياش
ي بالشأن انشغلت ،بعدها اكتب لم ،ابدا احد ها أ
ر بيت ،لم يق
يف ي
وكتابة المقاالت السياسية واالقتصادية.
ً
قلت له :هل ستكتب يىل شعرا؟ أال تود تلبية ر ي
طلت؟
شياء دفنتها منذ سني ،كنت اكتب لها كل يوم ،يا ليتها كانت قال :ذك ِرت يت بأ ٍ
حت القلم الذي
تستحق ،ايقنت يف نهاية االمر أنها كانت ال تستحق حت ر
لقلت
اعدت ر ي
ِ ولكنك
ِ ألنت اتحدث بشأنها
ي كنت اكتب به( ،قمر) ،انا اسف
ً
لديك موهبة الكتابة؟
ِ لشعر ،هل
النبض ،انا سعيد جدا ألنك من مح ر يت ا ِ
ً
لكنت ال احتفظ بما اكتب ،اجمع ما اكتب اسبوعيا ثم ارميه ي قلت له :اكتب،
ُ
الت نقشتها عىل جدار الكون وكتب لها يف سلة المهمالت ،الكلمات الوحيدة ي
َ
ه الت بعثتها لك برفقة هدية عيد ميالدك الجميل ،ي ه تلك ي بأن تبق خالدة ي
ُ
الت ولدت بصحة جيدة وكتب لها ان تعيش ،لم تدفن
الكلمات الوحيدة ي
تحت االحباط.
جلوش ،جلست متكاتفة االيدي ..
ي غتت شكل
طلت ،هل ستكتب يىل؟قلت :للمرة الثالثة اكرر ر ي
َ ُ
بأبتسامة تفوق القمر الذي فوقنا جمإال قال :كنت اتهرب من ط ِ
لبك ،ال اجد
انت جميلة للغاية ،احتاج لعدة لغات للتغزل
انوثتكِ ،
ِ ارهقتت
ي ما اكتبه االن،
بك.
قلت :انا لم احدد الغزل ،انا طلبت ان تكتب يىل فحسب ..
ً
ألجلك ،انت ال تستحقي شعرا لم يكتب
ِ قال :ما كتبته من قبل لم يكن
ألجلك ،انت تستحقي مشاعر مولودة للتو ،قصائد ثملة للغاية من اثر
اف
طاولت الصغتة ،تبعثي النور ألور ي
ي عطرك ،انت االن ضوء الشمع عىل
بأبيات
ٍ عدك
لك ،سأحرق كل ما مض ألبدأ من جديد ،أ ِ
عندما اكتب ،سأكتب ِ
عدك.
بك ،أ ِ مجنونة ِ
ً
قلت :حسنا ،سأنتظرك.
االمت واالقصاء
ي خوف عليه من الوضع ي حدثته عن مقاله االخت ،ررسحت له
َ ُ
لت انش ما كنت اود قوله ،كنا لكل االقالم المعارضة للحزب الحاكم ،جع ي
ً ً َ
مت ،طلب جالسي ننظر اىل البحر ،لم نكن نتكلم وجها لوجه ،تقرب قليال ي
ً َ
ان َيضع يده خلف ظهري ،اصبحت نظرات اعيننا امتدادا ألمواج البحر ،لم
ً ً
عيت كثتا وافتحها قليال ،لم
عيت ،استغليت الموقف ألغمض ي يعد ينظر اىل ي
كتق،
ي انظر لوجهه كنت انصت ألصابع يده فقط ،كانت اصابعه تالمس
قلت ان يتوقف من شدة النشوة،كانت تتحدث يىل ،كان لها صوت ولغة ،كاد ر ي
ً
حوىل ،تمنيت لو
ي يأن بيده االخرى ايضا ،تمنيت لو تلتف كلتا يداهوددت ان ي
ُ
عىل حت تتهشم اضل يىع.
يطبقها ي
حدثت عن اتباعه
ي حدثت عن مشاريعه المستقبلية ،عن كل ما كان ينوي إليه،
ي
ُ
هذه المرة بأنه يتكلم
الذين يراسلوه وهم مؤيدين لمبادئه وتطلعاته ،شعرت ِ
من منطلق قوة بعد ان صار له مؤيدين واتباع ،استمرينا بالحديث ،واستمرت
بالعبث بمشاعري ،استمر حت نسيت لفتات طويلة بأن اتنفس. يده َ
َ
قلت بأن يتوقف عن النبض ،كنت
تغمرن االن تمكن ر ي
ي حجم السعادة ال يت
انوي االعتاض عىل الكثت من مبادئه وقيمه ،كنت اريد ان احذره من تعابته
شء ،اجلت ما اريد ر
لكنت نسيت كل يي الت يستخدمها يف مقاالته،
القاسية ي
ألنت االن ال اقوى عىل الكالم.
ي
ً ر
شء لم اكن بالحسبان ،توقفنا كالنا عن الكالم ،اندهشنا كثتا، فجأة حصل ي
ً
لم نتحرك من قوة الدهشة ،نظرت إليه ثم نظر يىل ،ابتسمنا سويا ...
بالشوق ونحن ال نزال جالسي ،استمرينا بالجلوس منذ يوم بدأت الشمس ر
أمس ،بزغ ضوء الشمس ،بدأ يتخلل السماء ،استعدت الشمس ر
للشوق وانا
يمض من الليل إال دقائق ،أي قليل هذا وانا لم انظر
ي للتو كنت ارى القمر ،لم
اله كم انا مغيبة عن الواقع ،كم مضينا
لساعت البتة ،لم اشعر بالتعب ،يا ي
ي
من الوقت؟ اين كنت؟ اين انا االن؟
َ
بعد ثوان من الصمت ،ض ِحكنا ...
َ ً ُ
وضع يده فوق يدي .. أىل ،عدنا نجلس وجها لوجه،التفت ي
ٌ
قال :لم نشعر بالوقت ،جعلت ِك تسهرين ،اسف ي
ألنت جعلت ِك تتأخرين بهذا
القدر.
ً
اسعدن هذا اللقاء جدا،
ي اجبته :ظننت بأننا قضينا ساعتي او ثالث ،ال عليك
ولكن علينا الذهاب االن.
وضعت يدي الثانية فوق يده ..
ً
قلت له :سألقاك دائما.
ُ
أنته اللقاء الجميل ،كنت يف جنة ال تصفها كتب الدين ،لقاؤنا كان يف غاية
بأذن ،منذ ان كنت بانتظاره وحت
ي الوع منذ ان همس
ي الروعةِ ،غبت عن
ررسوق الشمس .
انهينا حديثنا عىل امل اللقاء ،رجعت اىل البيت ،دخلت ببطء يك ال احدث
ً
غرفت ،اردت خلع
ي اىم ،تفقدتها يف غرفتها بهدوء ،صعدت اىل
صوتا وازعج ي
اش، ر
ولكنت توقفتِ ،عطره ال زال يغمرها ،استلقيت عىل فر ي ي مالبش
ي
ً ر
شء غت وجهه ،ال اريد ان اسمع صوتا غت
عيت ،ال اريد ان ارى يي اغمضت
صوته ،ال اتنفس غت عطره ،ال اريد ان انش كل كلمة قالها.
مالبش ،بقيت
ي ررسقت الشمس بأكملها وانا ال زلت اتأمل كل كلمة قالها ،غتت
اىم ألتناول
غرفت انتظر موعد استيقاظ ي
ي طاولت الصغتة يف
ي جالسة عىل
بأن
االفطار معها ،كما اعتدت يف ايام العطل عىل ذلك ،ال اريد ان تشعر ي
اهملها.
قضيت النهار وانا انظر اىل الشمس واعاتبها بسبب ررسوقهاَ ،لم ررسقت
ً
وانهيت لقاؤنا؟ كنت اريد مزيدا من الوقت قربه.
نفش ،هل ما تبق من عمري
ي انتابت القلق ،كنت اسأل
ي رغم الفرح الوفت،
كاف لحبنا؟ كانت ليلة االمس بقربه رسيعة الساعات ،بت اخاف ان يمر ٍ
ً
الوقت القادم رسيعا ،كما كنت بي يديه رسيعة الذوبان ،كان لقاؤنا كنسيم
اللياىل القادمة؟ ماذا بشأن ما تبق ٌ
عذب للغاية ،ما بال البحر يف شهر ايلول،
ي
من العمر؟
وانا اعشقه ُكل يوم ر
اكت ،مرت االيام ... ٍ
أجابت بأنه بخت وان حالته
ي ذات مساء اتصلت (بزياد) لالطمئنان عن صحته،
ً ً
قد تحسنت ،كان صوته مهموما ،ترجيته كثتا ألعلم ما به ولم يتكلم ،ذهبت
ً
مشعة اىل بيته ،طرقت باب بيته ،فتحت زوجته الباب ،كنت خائفة من
الق التحية عليها ،سألتها عىل الفور "هل
مالمحها ،خائفة مما ستقوله ،لم ي
زياد بخت؟"
داع للقلق ،بعد ان رحبت ر ين دخلت اىل البيت،
اجابتت بأنه بخت وان ال ي
ي
ً
وجدت (زياد) جالسا لوحده ،الحظت امامه مجموعة من االوراق ،القيت
جلبت زوجته فنجاني من القهوة،
التحية عليه ،جلست امامه ،لم يتكلمِ ،
قهون عىل عجل يك ابدأ اكالم معه ..
ي ررسبت
قلت له :ما بك؟
عصيبة بعض ر ر
الشء،
ي ٍ بظروف
ٍ بوجه عبوس :ال ي
شء انا بخت ،امر ٍ قال
انت عىل ما
واختت ِك ي
ر عت الهاتف
استغربت من مجيئك ،كنا نتكلم منذ قليل ر
يرام؟
َ
قلت مستغربة :لم تتحدث ي
مىع بهذه الطريقة؟ جئت بعد ان شعرت بأنك
متعب ،قلقت عليك ال ر
اكت ،لما وجهك شاحب اىل هذه الدرجة؟
مىع
مرض االختة تركت مهام العمل لشاب يعمل لدي ،قض ي
ي قال :يف فتة
ً ً ر
اكت من عام ،كان مخلصا جدا ،ال اعلم لما فعل ذلك؟
والصت ينفذ :ماذا فعل بك؟ ما الذي حصل؟
ر قلت
رسقت.
ي قال:
ً ُ
اندهشت كثتا ،قلت :رسق ايراداتك ،أليس كذلك؟
ٌ ً
قال :االمر سهال لو انه َرسق دخل المطعم فحسب ،يىل خزينة يف المطعم
ً
مىع فتة طويلة بالعمل ثبت جدارته،
ه ايضا ،بعد ان قض ي وجدتها مشوقة ي
ان وانا احفظ االموال يف
بدأت منذ وقت قصت بمنحه الثقة ،أعتاد ير ي
لكنت لم اعطيه نسخة من مفاتيحها او رقمها الشي ،كيف تمكن
ي الخزينة،
من فتحها دون كش او خدش!!
اختت ر
الشطة؟ قلت :هل ر
قال :ما النفع؟ جاءت ر
الشطة ولم تجد أي بصمات عىل الخزنة.
تختهم عن محل سكنه واسمه او حت صورته؟ قلتَ :
لما لم ر
قال :ال اعلم عنوانه ،ر
اخت ين ذات مرة بأنه يسكن أحدى القرى خارج المدينة،
ً
ه تحديدا ،كانت ِسماته تمنع يت من الشك ،من الممكن ان ال اعرف اين ي
يظهر يوم غد او يتصل ر ين ،انا اتهمه فقط ،ألنه لم يظهر بعد الحادث ،وهو
غيان ،كيف يىل ان اتهم غته ،هو
ري المسؤول والمؤتمن عىل المطعم يف
السارق ،ال شك يف ذلك.
قلت :هل المبلغ كبت؟
يمكنت سداد
ي قال :يتطلب تسديد المبلغ دخل المطعم لشهرين او ثالث ،ال
امواىل يف تجارة ال استطيع استجاعها منها قبل ستة شهور
ي المبلغ ،جميع
قادمة ،حي تعافيت ورجعت اىل ادارة المطعم ،سمعت من العاملي بأنه لن
يأن اليوم ،حاولت االتصال به ،لم استطع.
ي
ر ً
شء بخت ،انت انزعجت كثتا ألجله ،قلت :هون عىل نفسك سيكون كل ي
َ
االن معاف ،ستتمكن سداد الدين.
َ
قال :قمر ،الدين بحاجة اىل ان يعمل المطعم بدون تكاليف لمدة شهرين او
ثالث عىل اقل ،اليوم لم اطلب من العاملي ان يأتوا اىل المطعم ،علقت
اماىم
لوحة ألغالقه ،جلست منذ الصباح يك اتفكر باألمر ،ليس هنالك خيار ي
انت ابيع المطعم لسداد الديون.
سوى ي
قلت :كيف ذلك!! لديك متل وثالث بنات بحاجة اىل مصاريف ،عالوة عىل
ذلك ستدخل (بيلسان) الجامعة هذا العام ،لن تكون عىل ما يرام بقرارك هذا،
حاول ان تجد قرار غته ،فكر يف استئناف العمل وستتعدى هذه المحنة.
قال :كان االمر عىل ما يرام لو كان يىل ابن ،كنت سأكلفه بالعمل وقت ر ي
غيان ،ما
كنت ألمر بهذه الظروف.
ً
قلت :دعك من هذا التفكت ،انت رجل مؤمن ،تعرف هللا حقا ،هذا قدرك وما
ً
بالصت ،ستجد حال ،امنح قرارك بعض
ر ر ِزقت ِبه نعمة غتك لم ينالها ،عليك
ً
الوقت ،ال تفكر ِبه االن ،استأنف العمل ،وسنفكر يف االمر مليا خالل هذه
الفتة.
اقحمك
ِ تعكر وجهه ،وقال :قمر ،عودي ِ
انت اىل المتل ،انا ال اريد ان
وشأن.
ي دعيت
ي اماتك،
لديك الت ِ
ِ لك ما يشغلك،
انت ِ
بمشاكىلِ ،
ي
ً ً َ
صديق ،لن اتركك ،يهم يت شأنك ،ارجوك ان تفعل شيئا واحدا
ي قلت له:
فقط ،اعط لنفسك بعض الوقت ،استأنف العمل ،وان لم نتوصل اىل حل
حينها نفذ قرارك.
ً
قال :حسنا.
ر
قلت له :سألتقيك يوم الغد او بعد غد لنتكلم باألمر ،سيكون كل ي
شء عىل ما
صدقت.
ي يرام
ً ً
امتثل لما قلته له ،عملت جاهدة يك اقنعه بأن ال يتك عمله ،سيتألم كثتا لو
ً
حصل ذلك ،يمتلك مطعما يستقطب السياح طيلة اوقات السنة حت اصبح
ً
الت قضاها ألجل ان يكون مااحد معالم المدينة ،اعلم جيدا عدد السني ي
عليه االن.
ً
عمىل يف الصحيفة ثم خرجت مشعة للعودة ي يوم ممطر ،انهيت بعد ظهتة ٍ
اىل البيت ،بعث يىل (احمد) رسالة ،كتب فيها كلمتي تشبه اعاصت ررسق اسيا،
لك).بوجدان الكثت ،كتب يىل (اشتقت ِ
ي آثرت
ً
كنت قد اشتقت له بعدد ما عىل االرض من مطر ،اتصلت به ،وجدته خارجا
ً
سألت" :ما
ي للتو من عمله ،اتفقنا ان نتناول الغداء سويا ،خالل حديثنا الشيق،
عيناك؟ فيها بعض الحزن"
ِ بها
بأنت مهمة لديه ،انه
كم اشعر باألمان حي يشعر ر ين دون ان اتكلم ،اشعر ي
ان فحسب. َ
يتمعن يت ،هو ال ير ي
ر ي
انزعاح حيان ،خالل الحديث اجبته عن
ي حدثته عن (زياد) وعن مكانته يف
ر ُ
حديت وجد
ي نه
بسبب موضوعه ،وكيف تمت رسقة خزينته ،وقبل ان ا ي
ً
(احمد) للموضوع حال ،كان المضف الذي يعمل فيه يتعامل بالقروض
االستثمارية ،افهمت حول طريقة تعاملهم ،اوصان بأن افهم (زياد) ر
بالشوط ي ي
ً ً ر
والضمانات المطلوبة وال سيما وان له مشوعا استثماريا ليس بالصغت.
روح بأن اخرج (زياد) من ازمته ،بعد عدة ايام اتصل
ي تمكنت بمساعدة رفيق
ر ين وهو سعيد للغاية ،قال يىل بأنه تجاوز محنته وان هنالك سبب اهم
بعالمات عالية يف الدراسة الثانوية وانها
ٍ لسعادته وهو نجاح ابنته (بيلسان)
قد قررت ان تختار كلية العلوم السياسية ألكون استاذتها.
ً ً
بأنت قدمت له شيئا بسيطاي صديق المقرب ،شعرتي فرحت لفرحه فهو ِ
ً
الت فتحتمقابل ما قدمه يىل من السعادة مسبقا ،ال زلت اتذكر تلك اللحظة ي
ئ
ألنهان الدراسة الثانوية ،ال زلت اتذكر اول تغمرن فيها هديته والسعادة
ي ي
هاتف محمول اهداه يىل ،كنت يف ذات الموقف الذي يراه بأبنته (بيلسان)
ألنت سأدخل اىلي شهادن بفخر شديد
ي ه االن ،امسك االن ،كنت كما ي
ً
الجامعة ،تلك اللحظة المهمة عند كل بنت يف هذا العمر.
َ َ
بيت وبينها تتمثل
شابهت ابنته بفرح النجاح فقط ،كانت هنالك ثمة فروقات ي
بنعومة اليد وشكل االبتسامة واالشتاك يف حوارات التفاخر والغرور بي
ُ
مثىل ،لم تكن تعمل من اجلي اصدقاء الدراسة او التهرب منها ،لم تكن
ُ
مثىل ،لم تكن
العيش ،لم تكن تتوسد االلم ،لم تكن تعرف الحرمان ،لم تكن ي
اش. ً
تمتلك حذاء واحدة طيلة العام الدر ي
لم أقع يف الـحب
لقد مشيت إليه بخىط ثابتة
العيني حت أقض َمداهما مفتوحة َ
يف المقه ،كان الشعب يتحدث مع نفسه ،يتساءل الجميع عما سيجري يف
ً
الفتة القادمة ،ستجري االنتخابات والحزب الحاكم يتسع نفوذا بسبب
ً
سذاجة االغلبية واستغالله لرجال الدين واستغالل رجال الدين له ايضا،
كانت العالقة بي المناصب الدينية والدنيوية عالقة تبادل المنفعة.
ً
قال احدهم يف المقه نقال عن رجل دين مهم بأن "عدم انتخاب الحزب
ُ َ ُ
الحاكم سيلحق الضر بهذا البلد ،و إن ل ِحق الضر بالبلد فأن كل من لم
ينتخبه آثم".
ً
كان الشعب حائرا بي الخوف من التغيت والخنوع من اجل البقاء ،كان
ً
الحزب الحاكم ذكيا ،فقد تعاقد مع رجال الدين كافة من خالل أخذ كبارهم
ومنحهم ترف الحياة ،وضع الحواجز العالية بينهم وبي معاناة الشعب ،هذا
رض باألمر لعدم امكانية
ي الشعب الذي بدوره انقسم لنصفي ،االول
فق ذلك مخالفة ألحكام
الديت ،ي
ي االعتاض عىل ما يوافق عليه زعيمهم
االديان يف المساجد والكنائس وهم اعلم بما يفعلون وال يجوز الخروج عن
طاعتهم.
اما النصف االخر فكان بشقي ،منهم من تفهم االمر فالتم الصمت ،ومنهم
من لم يلتم فتم اتهامه بأعظم التهم وبأبسط الطرق ،سجون القمع امتألت
ً ُ
بالكتاب والمثقفي واالدباء ،كان الحال صعبا بي الرضوخ والسالمة ،وما بي
الكرامة والمنق.
حزبنا الحاكم استمر ر
ألكت من عقدين من الزمن ،كان مجيئهم بفضل قوة
فرقة االغتياالت ي
الت يمتلكونها ابان وقت تأسيسهم ،قتلوا كل من فضح
ً
الت ال تعرف طريقا اىل من
حقائقهم الزائفة ومبادئهم الكاذبة واهدافهم ي
خالل فوهات البنادق ،خالل فتة قليلة تمكنوا من اصابة الذعر يف ذلك
الوقت ،وصلوا اىل الحكم بعد ان قتلوا الزعيم الذي سبقهم لقتل الشعب،
بدأوا بقتل كل من خالفهم الرأي ولم ينتهوا اىل يومنا هذا.
عشات االحزاب والجبهات والتجمعات تحت مسميات ف بالدنا هناك ر
ي
ً ً
مختلفة ولكن الحاكم كان حزبا واحدا ،كان يسمح للجميع بحرية الرأي
ََ
قيد يف اوراق التحقيقات والتعبت يف الوقت الذي كانت جميع االغتياالت ت
ضد (مجهول) ،كانت مصت كل من يحاول ان يؤجج الشعب او ان يذكره
ً
بأبسط حقوقه ،هذا (المجهول) معروف لدى الجميع ولكن ال يتجرأ احدا
ً
توجيه اصابع االتهام له ،ومن وجهها مسبقا رجعت إليه يده من دون اصابع.
اما عن االنتقادات للوزراء والمسؤولي المرموقي يف اجهزة الدولة فكان
ً
مسموحا بها يف وسائل االعالم وخصوصا الجرائد ،كان الحاكم يعرف كيف
يجعل من هذا النقد (اشاعات من ِقبل اعداء النجاح) بواسطة اتباعه من
رجال الدين أليام االحد يف الكنائس وأليام الجمعة يف المساجد ،اما عن بقية
االديان فانهم اعتادوا عىل الصمت فهم غت قادرين عىل الدفاع عن أنفسهم
ً
لو تم اتهامهم بتهمة تمس الحاق الضر بأمن الدولة ،كان عددهم قليل جدا،
محام بسيط الشهرة ليتوكل بالدفاع عنهم،
ٍ ال بل انهم ال يمتلكون اتعاب أي
تم اقصاؤهم من كل المناصب المهمة يف الدولة ألنهم اقلية ومن فضائل
الحزب الحاكم انه جعلهم يعيشون عىل ارض هذه البالد.
كان المقه يتداول اخبار الشهور المنضمة ،كانت هذه الشهور مليئة
باالتفاقات واالئتالفات سياسية بي االحزاب الصغتة ،عدا الحزب الحاكم،
ً
والت ستكون نسبتها
ي جاءت هذه االتفاقات تحضتا لالنتخابات القادمة
ساحقة للحزب الحاكم بالتوير كالعادة ،حزب يمتلك زمام مفاصل الدولة
ٌ
حزب ال يصعب عليه ان كافة وله حق القتل بكاتم الصوت دون محاكمة،
تكون نسبته يف االصوات المنتخبة ساحقة ،تضاف إليهم اصوت
المستفيدين من خزينة هذه الدولة والسذج الذين ال يعرفون كم تمتلك
خزينتهم.
ً
اع كثتا مشاعر الحزب الحاكم ،كانت صيغة األخبار المتداولة
كان المقه ير ي
تنشها ر
نشة االخبار يف المذياع الموجود يف احد اركان المقه، بالصيغة الت ر
ي
ً
وان اراد احدا ان يخرج عن النص فيتوجب عليه هنا ان يخرج خارج المقه
قبل خروجه عن النص ،وإال سيخلو المقه والشارع من المارة بعد ان يقول
رأيه النقدي.
الت يرتادها االدباء والمفكرين
المقاه ي
ي هذا المقه كان يشابه الكثت من
والناشطي الصم ،يف بالدنا الناشطي صم ،منشوراتهم صماء ،ألن الحزب
الصمت والسجن ،اختاروا ان يكتبوا يف الجرائد والكتب الحاكم ختهم بي َ
ً ً
المقاه.
ي فقط ،دون ان نسمع لهم صوتا او هتافا يف هذه
كان (سعيد وهشام) قد بدأوا حملة توعية لعامة الناس منطلقي من هذه
ً
المقاه تحديدا ،بعد ان بدأ (احمد) زعامة هذه الحملة يف بقية المحافظات
ي
خارج العاصمة.
ً
امتازت هذه الفتة بالمرونة نوعا ما بسبب التشيح لالنتخابات ،يستغلها
يرض الحزب الحاكم ،كانت الفتة
ي الكثت من الناشطون للكالم والهتاف بما
تعتت منشوراتهم فيها (صماء)،
الت ال نسميهم فيها (الصم) ،كما ال ر
الوحيدة ي
كانت كل الشعارات والهتافات وتجارة المبادئ ومزايدات القيم مسموح بها
ررسيطة ان ت ر
عت عن نفسك وعن حزبك ،المهم ان ال يتطاول كالمك الحزب
الحاكم وافراده يف المناصب السيادية او ان تنوي انتقادهم او توعية الناس
ألحد بتعكت صفو
ٍ ألحد بأيقاظ الشعب ،ال يسمح
ٍ من غفوتهم ،ال يسمح
احالمهم بالحياة الهانئة ،ذلك ممنوع ألن الحزب ينتهز نومهم ليشق قوتهم.
لم اكن اعلم بأن (احمد) قد استغل هذه الفتة لالعالن عن مخططاته،
والت دعت الناس للتظاهر واالعتصام
تزامنت هذه الفرصة مع مقالته االختة ي
يف الساحات العامة ضد قرار الحكومة بعدم السماح لمنظمة لالمم المتحدة
ر
باألرساف عىل االنتخابات القادمة ،كان هذا هو الدليل والسند الذي يقدمه
(احمد) للناس ،ادع ف مقالته االختة ان عدم قبول الحكومة ر
لألرساف ي
وبالتاىل ستكون النتيجة
ي الدوىل عىل االنتخابات يكشف مساعيها للتوير،
ي
ً
معروفة كالمعتاد ،سيبق الحزب جاثما عىل صدورنا.
خالل هذه الفتة استغل الحزب الحاكم اتباعه من رجال الدين ألصدار
ً
التعليمات والوصايا الدينية ألنتخاب الحزب الحاكم ،فضال عن انه جعل
رجال الدين من مرشحيه المهمي وعىل العبيد انتخابهم ،وبذلك ضمن
الحاكم ان رئاسة الدولة ستبق بيده ،وضمن رجال الدين قصورهم وعجالتهم
كاتم للصوت،
بسالح ٍ
ٍ الفخمة المصنوعة من عظام الشهداء الذين استشهدوا
ً
ضمنوا ايضا حساباتهم المضفية المتخمة بأالف الجياع.
قض (احمد) ما يقارب السنتي بكتابة المقاالت لتوعية عامة الشعب ولم
الوهم الذي كان يكتب
ي يكتسب الشهرة ،اخذ (ألياس) الشهرة منه ،االسم
من وراء ستائره ،كان من الصعب عليه ان يعتف بذلك لمؤيديه ومنارصيه،
كان يخجل أن يقول لهم انه يخاف من فوهة بنادق االغتيال ،كانت حقيقة
االمر حرصه عىل حزن ابيه ،هذا كان ررسط ابيه ليوافق بأن يكتب يف
ً
الصحف ،ولكن لن يستوعبه احدا بحسب ماهيته ،ستكون النتيجة عكسية.
اش جديد ،تناولت
عام در ٍي
دواىم غت منتظم يف الجامعة ،كنا عىل ابواب ٍ
ي كان
قض عدة ايام يتنقل بي مدينة
ي الفطور مع (احمد) ذات صباح ،كان قد
ئ
يطمي عىل ئ
اطمي عليه خالل الهاتف كل صباح ،وهو واخرى فلم اراه ،كنت
ً
مشاعري اتجاهه كل مساء ،كنا نسهر سويا ،كنا نوقد النجوم الساطعات
ً ً ً
ونطفئها مت نشاء ،كنا نتنفس سويا ،نحلم سويا ،كنا سويا يف جسد واحد،
بثياب واحدة تمتاز بالوان قوس قزح.
ٍ عىل رسير واحد،
صباح باكر وبالقرب من مكان عمله تناولنا الفطور ،جلسنا وتكلمنا عن ما
ٍ يف
جرى خالل هذه االيام.
اىل وان
الليت ي
حدثت حول مشاريعه ،كان ينوي أن يقدم استقالته من الحزب ر
ي
ً ً ً
يؤسس حزبا جديدا مستندا اىل ر
كتة انصاره ومؤيديه خالل هذه الفتة،
ً ً
باالضافة اىل جميع من كانوا عىل تواصل معه هاتفيا لتحديد موعدا للتظاهر،
يجتوا الحكومة عىل قبول رارساف االمم
او لالعتصام إن تطلب االمر ،يك ر
المتحدة عىل االنتخابات المزمع اقامتها ،كان له عدة اراء ،كانت له عدة
ّ ً
اىل لكونه كان غت مقتنعا بما يكنوا من كراهية
الليت ي
ر خالفات مع الحزب
وبغضاء للمتديني وطقوسهم ،هم ليسوا حياديي ،كان يف رأيهم عدم اتباع
ً
يعت انك مثقف ،وعدم االعتاف بوجود الرب يجعلك ثوريا ،كان أي دين ي
ً ً
اىل وبي تشكيلالليت ي
خائفا عىل انصاره ،كان حائرا بي ضم انصاره اىل الحزب ر
حزب خاص وتحمل تبعاته مهما كانت ،كان قرب االنتخابات يمنعه من
ٍ
العزلة.
ُ ً
الواع ومبادئ الكتب
ي رأيت فيه الزهد وحسن الخلق ،رأيت فيه ايضا الفكر
السماوية ،كان ال ينوي الحصول عىل المكاسب المادية او ترأس الصفقات
حدثت عن عمله.
ي عىل حساب قوت البسطاء ،لمست ذلك حي
ً ً
وختته
يرأس (احمد) قسما صغتا يف المضف الذي يعمل به ،كانت كفاءته ر
تؤهله لمنصب اكت ،ولكنه رفض ،عرض عليه الكثت وترف ر
ألكت من مرة إال ر
انه رفض.
ر
المتفش يف بالدنا وهو ال يخضع لها ،ونحن رفض بسبب مرض الوساطة
ي
اخت ين بأنه لم يستلم مهام أي
نتحدث بصدد (زياد) والقروض االستثمارية ،ر
منصب يوكل إليه اعىل من منصبه حت ال يخش وظيفته ،حي يرفض
وساطة أي شخص مهم يف أي حزب سيتعرض لألذى ،كانت الضوابط
والقواني تحكم حياته كالكتاب المقدس ،من حسن حظه ،كان مديره رجل له
يحبنفوذه الكبت ف الحزب الحاكم بسبب صلة قرابته بعائلة الرئيس ،كان َ
ي
ً
(احمد) كثتا ويشجعه عىل نشاطاته الفكرية ،كان امره غريب ،كان ال يؤيد
الحزب الحاكم ولكن قرابته من السلطة الحاكمة كانت وسيلته يف ادارة
اكت المصارف يف بالدنا.
عتت ر
المضف الذي ي ر
ً
يف نهاية حديثنا قرر (احمد) ان يحدد يوما للتظاهر يف مركز المدينة ،كما قرر
بأن يتك ِفكرة تأسيس الحزب اىل ان تظهر نتائج المظاهرة وما ستثمر.
ً
جاء النادل مصطحبا الطعام فأنه حديثنا الذي كان قد اوشك عىل االنتهاء،
وضع الطعام عىل الطاولة ،أطربنا صوت السيدة (فتوز) ،انبثق صوتها يف
ارجاء المكان قبل ان نبدأ بتناول طعامنا ،انصت لها مبتسمة ،كنت قد حدثته
ً
ادمان لسماعها كل صباح.
ي عشق ألغانيها وشدة
ي كثتا عن
لم يتناول (احمد) طعامه ،اقتطع لقمة ووضعها يف شوكته ،مد يده نحوي،
اطعمت اياها.
ي
عيت ،اغمضتها ألنصت ِلما تحمله هذه اللحظة من
ي وانا اتناولها اغمضت
وه تقول يف ذات اللحظة..
جمال ،اغمضتها ألنصت لفتوز ي
"نطرتك انا
ندهتك انا
رسمتك عىل المشاوير
يا هم العمر
يا دمع الزهر
يا مواسم العصافت"
ً ٌ
كانت لحظة تساوي مائة عام من الحضارة البابلية ،لحظة تتك اثارا يف الروح
تفوق عظمة اثار البابليي وزقوراتهم.
ً ُ ً
اقتطع بعدها لقمة صغتة له وتناولها ببطء ...
شفاهك اغنية َحمراء ،كنت اتوق لسماعها.
ِ قال :كانت عىل
خجلت بأحمرار الوجه...
قلت له :وما طعمها؟
قال :كطعم الثلج.
مت ،لم اعد اقوى عىل ر َ
قلت ي
ارتجفت من نعومة الرد ،تعتت عيناي وسقط ر ي
ً
وقلت يركض نحوه تاركا قيود العادات
ري كبت مشاعري ،انا اجلس امامه
والقيم ،اردته ان يواصل الغزل...
سألته بسذاجة :كيف يكون للثلج طعم ،هو من الماء ،والماء ال طعم له؟
قال :للثلج نشوة ،والنشوة يمكننا ان نشعر بها بحواسنا الخمس ،اختت منها
حاسة الذوق للشعور بها ،أنا اروم أللتهامك.
عيت وانظر يف عينيه لعدة
ألول مرة نتبادل النظرات بهذا القدر ،ظل ينظر يف ي
دقائق ،استمرينا لنقول كل كلمة منعنا الخجل من النطق بها ،يف هذه الدقائق
شعرت بأنه عانقت مئة مرة او ر
اكت. ي
ً
قطع حوارنا الصامت شخصي جلسوا بالقرب من طاولتنا ،احدثا ضجة عند
جلوسهما فتوقفنا عن الغرق.
بعطره الجميل ،ذلك الصباح كان عطره يفوح
ِ واصلنا تناول الطعام المغمور
ً
ألنت
ألنت اعشقه؟ ام ي
كشالالت (نياجرا) ،لم يتوقف ابدا ،هل شعرت بذلك ي
اشتقت إليه؟ لم اكن اعلم.
تناولنا القهوة ومع اول رشفة ...
انت.
بت ِقال :حبي ي
ً ً
عىل ان اجيب؟ كان موقفا عصيبا ،انا لم اسمع هذه الكلمة من قبل، ماذا ي
ً
تجاوزت الثالثي من العمر دون ان اكون حبيبة لرجل ،لم اعشق قبله.
انت تجاوزت ِعشقه وبدأت بالهيام؟
هل اقول له ي
اخته عما يحدث يىل حي اغفو عىل صوته عند الليل؟
هل ر
بيت؟
اخته بأنه ح ر ي
هل ر
ً
ابتسمت ،لم قل شيئا ،ابتسمت فحسب.
لك
اللياىل القليلة الماضية كتبت ِ
ي اشكرك بقصيدة ،يف
ِ مت ان
طلبت ي
ِ قال:
اتجاهك؟
ِ اخت ِك بما اشعر به
عدة ابيات ،أتسمحي يىل بأن ر
قلت :اتمت ذلك.
َ
انه فنجان قهوته ،شفتاه وانا اتمعنها ،تحركت ..
قال:
كـم انـت تـعـجـبـنـي ..تـقـولـهـا الـعـي بـمـلء
نظرها و تـكـررهـا ..كـم انـت تـعـجـبـنـي
ُ
كــم انـت تـمـتـلـكـنـي ..احـيـا بـاب ِـتـس َـامـتـك
واقــتـل بـخـوفـك ف ـلـماذا بـخـوفـك تـقـتـلـنـي؟
خـوفـك يـجـرح كـلـمـاتـي وهــي فـي
نـعـيـم عـذابــك كـلـمـا كـتـبـتـهـا تـدخـلـنـي
تـقـرع اجـراس الـفـرح فـي قـلـبـي كـلـمـا
ب ـعـذب كـالمـك و رقــة صـوتـك تـغـمـرنـي
اعـشـق عـيـنـيك بـنـظـرتـهـا الـشـاردة
حي عـن وصــف حـبـك اتـحدث تـتـركـنـي
كـالمـك الـصـامـت وصـمـت كـالمـك
والـشـوق فـي سـجـن عـيـنـيك يـأسـرنــي
َ َ
يـأسـرنـي مـع تـنـهـيـد قـلـبـي لـتذوق شـفـتـيـك
فــي خ ـيـال واقـعـي تـذوقــتـهـا ..أ تـصـدقـنـي؟
حـبـيـب يـت ..رحـيـق عـطـرك يـشـطرنـي لـنـصـفـيـن
ثـم يـجـمـعـنـي ثـم يـبـعـثـرنـي ف ـيـلـمـلـمـنـي
إن اشـتـقـت ..وددت ان اتـكـئ عـلـى كـتـفـك
ـرب مــن ج ـســدك ي ـس ـعــدن ــي
فـكـل قـ ٍ
ً
ال ت َــتــردد فــي الـقـرب مـن َقـلـبـا يـنـبـض حـبـه
ً
مـطـرا ألجــل شـفـاه ان إبـتـسـمـت تـرعــدنــي
يــا بـسـتـان أمــالــي م ـتـى ســأقـطــف ثـمـارك
كــفــاك ..ك َــفــاك ِتـسـهـدنــي
ي ــا ل ـيــل ع ـش ـق ــك َ
ِ
اكن اعلم.
ٌ
اتصاىل والتفت فجأة ،رأيت (بيلسان) تتجه نحو ذلك الشاب ،ثم ي انهيت
ً
اعط له اهتماما،
غتت رأيها فاتجهت باتجاه معاكس ،اتجه هو خلفها ،لم ِ
ً
اقلقت جدا رغم انه كان َح ِس َن المظهر.
ي مظهره
ٌ
يخىط خطوة ممتة ،كانت له لقاءات ي خالل هذه االيام استطاع (احمد) ان
ً
مع اناس لهم شأنهم يف البلد ،مستقلي حزبيا ،يرومون ألنشاء دولة علمانية
تخلص البالد من ايدي تجار االديان.
اكتهم سياسيي محنكي و ذوو شهادات عليا ،إال ان حزبنا الحاكم كان ر
واسلحته الكاتمة للصوت جعلتهم صامتي ،اتفق معهم عىل تأسيس الحزب
اىل.
الليت ي
بعد ان يستقيل من الحزب ر
كان دوره بأن يجعلهم من وجهاء الحزب وال سيما وان لهم السمعة الثورية
منذ ر
عشات السني واالثر الطيب وبي الناس البسطاء المؤيدين له ولمقاالته
وندواته والوطنية.
بعد ان تملك هؤالء السياسيي الجرأة ألن يهتفون بأصواتهم ،قرروا ان
لمشوعه ف الحزب المزمع تأسيسه ،كان القانون ر
يشط لتأسيس ينضموا ر
ي
الحزب بأن تكون فيه عضوية ما ال يقل عن ثالثة االف عضو وان يكون عدد
مؤسسيه ال يقل عن خمسون شخص.
َ َ
وف َق ورفاقه ف ان يستوفوا كل ر
سياش
ي الشوط ،ال سيما يف اعداد برنامج ي ت
ً
الذي تم تقديمه ،انتهزوا ايضا فرصة المظاهرة المزمع القيام بها من اجل
ارغام الحكومة بأن تسمح للفرق الدولية بمراقبة االنتخابات القادمة ،كان
ً
جدا ،استطاعوا ان يكسبوا ر
اكت من سبعة االف عضو لحزبه العدد وفت
ً
الجديد ،كما استطاعوا اجبار الحكومة بأن تصدر قرارا يسمح للمراقبي
الدوليي بمراقبة االنتخابات القادمة ولن توجد اي لجان حكومية يف مراكز
االقتاع.
ً
عت يف هذه االسابيع ،لم التقيه ،كنت اتصل به يوميا ،والقاه عند
انشغل ي
بأنت اخرج قبل ساعة او اقل عن
الصباح لبعض االيام ،لم اقل له اىل االن ي
عمىل من أجل ان اراه.
ي موعد
بقرن ،ولكن
ري ذات صباح لم اراه ،مشيت يف طريقنا لوحدي ،كنت اشعر ِبه
اتصاىل ،قلقت
ي حوىل ،اشتقت له ،اتصلت به ولم يرد عىل
ي عطره لم يكن
بشأنه.
ئ
ألطمي عىل وجوده، مر يوم اخر ولم اراه ،لم ارى اي ضوء ينبعث من متله
اتصاالن.
ي راقبت متله طول الوقت ،لم اراه ،لم َيرد عىل جميع
ً
التقيت (بسارة) يف المقه عند المساء ،طلبت انا لقاؤها ،كنت قلقة جدا ولم
نعتاكت ،كانت صحتها ليست بالجيدة ،كانت قد م َ استطع البقاء ف البيت ر
ي
ألجىل.
ي من الخروج ولكنها خرجت
َ َ
سألتت عن السبب،
ي بقلق،
ي التقينا ،وما ان بدأت (سارة) بالحديث شعرت
مخاوف بشأن نشاطاته
ي اختتها عن
اختتها عن غياب (احمد) منذ يوم امس ،ر
ر
ً
االختة ،هل اعتقل؟ هل حدث له شيئا؟ انا عىل وشك االنهيار.
ينقذن
ي تبادلنا الحلول عديمة الجدوى ،وانا افكر يف احدى هذه الحلول لعله
ولكنت لم اتمكن من اخفاء
ي عيت دمعة ،اخفيتها،
ي من االنهيار انهمرت من
الت انهالت بعدها.
الدموع ي
ٌ
متعبة انا ،بقيت (سارة) تحاول ايجاد حل يأخذ بأيدينا ،وانا مستمرة بالبكاء
َ َ
اعطتت واحدة منها ،بقيت
ي اخرجت (سارة) من حقيبتها علبة مناديل صغتة،
وجنت والحظت (سارة) تحدق يف اسم علبة، ي صامتةَ ،مسحت الدمع من
َ َ
قيت تقلبها بيدها وتقرأ اسم ر
الشكة المصنعة. ب
قلت :ما بك؟
قالت :انتظري للحظة ،هل تذكرين عيد ميالد (احمد)؟
قلت :نعم ،وما عالقته باألمر؟
بقرن
اللوان التقينا بهن وقتها ،احداهن جلست ر ي
ي قالت :تذكرت احدى النساء
فأعطتت رقم هاتفها ،كانت زوجة احد اصدقاء
ي عىل الطاولة ،تحدثت معها
ً
(احمد) ،سأحاول االتصال بها لعلها تعلم شيئا عن (احمد)
اسعدن دهاء
ي كان االسم المكتوب عىل علبة المناديل يشبه اسم هذه المرأة،
مكان ،جلست بجنبها بعدما كنت اجلس
ي وه تحاول االتصال تركت
(سارة) ،ي
امامها.
َ
ع ِلمنا بأن والده قد توف يف ساعة مبكرة من فجر يوم امس.
ً ً
حدثت يف اخر لقاء لنا بأنه يشتاق
ي حزنت جدا ألجله ،كان يحب والده كثتا،
السياش ،حت يف ايام
ي الكاف لرؤيته النشغاله بنشاطه
ي له وانه ال يملك الوقت
ً
العطل كان منشغال يف التجوال بي المدن من اجل االستعداد للتظاهر.
انت
تمنيت بأنه قد تمكن من رؤيته قبل ان يوافيه االجل ،اهم ما يف االمر ي
االن مطمئنة عىل سالمته ،ولكنه ليس بخت.
عت الهاتف مرتي ،وجدته متعب،
مر اسبوع كئيب اللون ،استطعت ان اكلمه ر
المجء،
منعت من ر ي
ي كنت انوي الذهاب إليه وحينما طلبت منه عنوان قريتهم
كان المطر قد استمر لثالث ايام ،كان السفر اىل المدن البعيدة خطر بعض
بحيلت سوى مواساته ،صليت للرب ألجل ان يجتاز هذه ر
الشء ،لم يكن
ي ي
الصت.
ر المحنة وان يمنحه
صباح يوم السبت ،تفرقت السحب غامقة اللون ر
ورسقت الشمس ،غادرتنا
فأخت ين بأنه عاد اىل متله.
ر السحب بعد ان مكثت أليام ،اتصلت به
اتعبت كما االنتظار والتفكت ،ذهبت اىل بيته ،طرقت الباب
ي غروب الشمس
ً
علم بالحزن الذي يمتلكه االن ،جئت ألقايضه الحزنألراه حزينا ،انا عىل ٍ
بالغزل.
صافحت يده ،طلبت من الرب بأن يمنح ابيه الجنة وان يكون من المغفور
ر ً ً
شء فيه
لهم ،سمح يىل بالدخول ،دخلت اىل بيته الصغت ،كان بيتا جميال ،كل ي
عىل ما يرام ،كان كما ظنته ،من نوع الرجال الذين يهتموا بأناقة مسكنهم،
ساورتت بأن هنالك امرأة تهتم
ي الت
ايقنت ذلك بعد ان قتلت الشكوك ي
بمسكنه ،فكرت بذلك وان ادخل اىل غرفة الجلوس خاصته.
اخت ين كيف حالت
حدثت عن ما حصل ،ر
ي جلس (احمد) ،وجلست امامه،
رؤيته ألبيه وهو يلتقط انفاسه االختة ،كان الجو
ِ الطرق المتلقة بينه وبي
ً
ممطرا ويصعب السفر بي المدن.
َ
وصل وجد وجهه ابيه قد استغرق وصوله اىل قريتهم ساعات طوال ،وحي
ً
تغىط بالغطاء ابيض ،جلس بالقرب منه ،اعتذر له ،كان مؤمنا بأن المون
يسمعون يف الساعات االوىل لوفاتهم ،قدم له من االعذار اشدها ،ومن الشكر
ً
والعرفان لما قدمه من اجله بأبه الصور ،بىك كثتا اىل ان اغم عليه ،كان
اختوه بأنه ارص عىل رؤيته يف اخر اسبوع له إال انه
يشعر بالتقصت اتجاهه ،ر
ً ً
امتنع عن طلب مجيئه حرصا عليه ،كان منشغال بمخططاته االختة من اجل
الحزب.
ً ئ
كالألىل ،كان وسيما حت يف جلوش ،جلست بقربه ،رأيت دموعه
ي غتت مكان
اماىم
ي عيت نظرة خجل ،خجل من دموعه
ي حزنه ،نظرت يف عينيه ،نظر يف
الت لم يستطع كبتها ،مسحت وجنتيه ،كان شديد الحزن والتعب ،تركته ي
ً ً ً
يتكلم ولم اقاطعه ،كان محمال بكم هائال من الكالم وكأنه كان ابكم لسنوات،
ً
كان نادما وكل من حوله قد الق عليه اللوم.
بوسىع ان ازي ــح كل هذا حزن،
ي نفش ،كيف
ي تمكنت من ان اجعله يهدأ ،سألت
َ ً
شهيد
ٍ الفرنش للجزائر ،يحتاج اىل مليون
ي كنت حائرة وحزنه شابه االحتالل
وقبلة.
ً
اعددت وجبة صغتة ،اجتمعنا متقابلي عىل طاولته الصغتة ،تمنيت ان
ً
ارسق الحزن من وجهه ،تناولنا الطعام سويا ،حاولت ان اكلمه يف مواضيع ال
تمت بصلة للحزن الذي يعبث بجماله ،تحدثت معه عن مخططات الحزب
ً ً
للمرحلة القادمة ،تكلم شيئا فشيئا ،استطعت ان اهون عليه يف نهاية
المطاف.
اح ،وان امنحه وقت لينام وينال انهينا طعامنا ،استأذنت منه يك اعود ادر ر ي
ً ُ ً
مت ان امكث قليال ..
قسطا من الراحة ،ولكن رغم ارهاقه طلب ي
قلت له :منتصف الليل االن ،الساعة ستقتب من الثانية ر
عش.
سألت :أهذا السبب فقط؟
ي
ر
اجبته :أتريد الحقيقة؟ انا وانت يف بيتك لوحدنا ،انا اخش بأن ير ي
ان احد
ذقت
خارجة من متلك يف هذا الوقت المتأخر ،انا امرأة ال استطيع ان اجعل ي
ئ ً
اخطان.
ي ج طويال امام الناس يك ام ي
مت خطأ ؟ قال :هل ق ِ
ربك ي
قلت :بالطبع كال ،كالنا بالعمر الناضج ،ي
نىع افعالنا ،ويمكننا تجنب االخطاء
قبل وقوعها ،نحن نمتلك العمر و العقل الذي تهابه المشاعر.
ابتسم ،استغربت من ابتسامته يف هذا التوقيت ،لم يتكلم ،ارتشف من كأسه
ً
مبتسما ،فرحت ألبتسامته ،ولكنت بحاجة اىل ايضاحَ ،
لما يبتسم! ي وظل
ذكرن بمشهد من فيل ) (Cannibal Holocaustالذي اخرجه ي قال :كالم ِك ي
االيطاىل ) (Ruggero Deodatoعام .1980
ي
مىع ،كان
اجتته عىل ان يتك ابتسامته ويضحك ي
عرفت قصده فضحكت ،ر
يلمح اىل ما تحتويه مشاهد هذا الفلم من احداث قتل واغتصاب.
عىل ان اخجل ،الموقف مخجل
توقفت عن الضحك حي تذكرت ان ي
وللحياء احكام.
ومعطق وهممت بالخروج ،كنت اسمع صوت المطر حينما
ي حقيبت
ي احضت
كنا جالسي لتناول الطعام ،ظننته توقف ،القيت عليه التحية ،تمنيت من
الصت ليتجاوز هذه المحنة ،وقفنا عىل الباب يك اخرج ،طلب
ر الرب ان يمنحه
ً
مت ان انتظر قليال لعل المطر يتوقف او تخف ِحدة غزارته ،لم يكن يملك
ي
ليمنحت اياها فقدها حي ذهب اىل قريتهم.
ي مظلة
ً
حقيبت بكلتا يداي ،انظر اىل السماء ،ظل واقفا
ي بيته ماسكة
وقفت يف باحة ِ
ً
خلق ،كانت السماء مكتظة بالغيوم ،نظرت اىل الطرقات فوجدتها صعبة ي
ً
الست ،رغم ان مت يىل ال يبتعد كثتا ،كنت بحاجة اىل الست لثالث او اربــع
دقائق.
حل ،وجدته وألول مرة يتمعن جسدي ،كان ينظر يىل
التفت له ألطلب منه ٍ
بأفواه عينيه ،كانت عيناه تحوم حول خضي ،وانا التفت له ناديته بأسمه
بصورة عفوية فأنقطعت سلسلة نظراته المشوقة ،اراد تدارك االمر ولم
ٍ
يتمكن ،كانت عيناه تشد الرحال اىل ما يعلو خضي ،رن هاتفه فاستطاع
ً
كت مشعا ودخل ليجيب عىل الهاتف. تدارك الموقف ،تر ي
ً
كثتا ،اشتد المطر ر
اكت ،كنت اسمع لينه اتصاله ،تأخر
ي انتظرت لدقائق
ونتة غضبه من الداخل ،عاودت الدخول فوجدته قد انه
صوته العال ر
تالف الغضب ...
اتصاله ،اشعل سيجارة ل ي
سألته بهدوء :ما بك؟ من كان المتصل؟
َ ر
تذهت؟
ري شء مهم ،لما لم قال :ال ي
ً
غضبت من سؤاله ،قلت له غاضبة :سأذهب االن ،تصبح عىل خت.
ً
عىل بصوت عال ..
خرجت مشعة ،وصلت اىل الباب فنادى ي
ً
قال :قمر ..قمر ..انتظري قليال ،انا اسف.
اهتماىم ،مسك بمعصم يدي وانا افتح الباب...
ي لم اعره
قال :قمر ،انا اسف ،ازعجت االتصال ،طلبت منك ان تبق مىع ر
اكت ،تعلمي ي ي ِ ي
تذهت.
ري ارجوك ال
ِ عىل الكثت،
بحاجتك ،هونت ي
ِ كم انا
يأن ر
عشات النقاشات الدينية مع اناس لهم ثقلهم يف الدين وبعد كل ذلك ي
يمنعت من قراءة القرآن وحفظه. طفل مثل هذا ٌ
ي
تضف كل الطلبة
ي محاورن معه وطرده من القاعة الدراسية ،اثت عىل
ي بعد
الحارصين بكل اطيافهم ،كانوا طلبة حقيقيي للعلم وما ان خرج هذا الطفل
لم يبق منهم طالب للجهل والعبودية.
التاىل كنت اتوقع ان توجه يىل عقوبة ادارية من ادارة الكلية ،او
ي يف صباح اليوم
ً
توبيج وجها لوجه
ي ان تفاقم االمر فقد اجد مذكرة استدعاء من الرئاسة ليتم
ً
من المرؤوسي الذين ال نتجرأ مناقشتهم كما الطلبة خوفا عىل لقمة العيش.
وعزىل عن
ي خدمان من الجامعة
ي ما لم اكن اتوقعه ،هو وجود امرأ بأنهاء
صدمت االمر ،لم اكن اعرف ان االمر سيؤدي اىل ذلك ،خشت
ي الوظيفة،
ً
الت كنت احلم بها منذ ان كنت طالبة
وظيفت ي
ي الت كنت احبها جدا،
وظيفت ي
ي
ر ي
وخروح عن اىم بضوابط التدريس
يف الجامعة ،خشتها بسبب عدم الت ي
السلوك الواجب اتباعه مع الطلبة يف اعتماد الحيادية يف نقل المعلومة
واالبتعاد عن التطرف ،هكذا كان نص القرار.
ً كثتا ،ذهبت اىل من ًَ
وقع هذا القرار واىل من يعلوه منصبا واىل من ضجرت
ً
مقابلت ،تم طردي بصورة الئقة وبقرار غت الئق.
ي يدنوه ،لم يقبل احدا
ً
بباىل شخصا غت (احمد) اتصلت به ولكنه لم يرد عىل انكشت ،لم يخطر ي
ً ً
اتصاىل ،كان مشغوال كعادته ،لم اجد له عذرا غت هذا.
ي
الكاف للندم عن ما
ي ابىك الدمع
اتصلت (بسارة) ذهبت اىل بيتها ،استطعت ان ي
دمىع وصداقتنا حالت دون ذلك.
ي لوىم ولكن
حصل ،ارادت ي
ُ
حفىط آليات
ي انت اخطأت يف
ألنت اردت االصالح؟ ام ي
ي هل كنت مخطئة
االسالىم كما احفظ للمسيحية واليهودية؟ هل العلم اصبح
ي واحكام الدين
جريمة؟ ام اننا اقلية ال يجب ان تتكلم؟ عرفت من خالل ما حصل بأننا اقلية
ومن حسن َحظنا انهم سمحوا لنا بالعيش معهم يف هذا البلد ،ليس بأمكاننا
ان نتكلم ،نحن غت مرحب بنا.
جعلتت اتقبل االمر واتفهمه ،كانت صدمة ي تهدئت،
ي تمكنت (سارة) من
ً
اعتقاىل ،اتذكره جيدا وهو يحاول
ي اتهاىم او
ي االكت ان يتم
ر خوف
ي مروعة ،كان
ً
وف العديد من شخصيات جاهدا ان يضب االمثال يف الحزب الحاكم ي
بكالىم
ي يجعلت اقصد
ي الت رغباته
الحكومة ،وانا احاول ان اكون متنة وان ال ر ي
شخصية سياسية محددة.
ٌ
عجيب امرهم ،يبجلوا العبودية حت ولو كانوا اسياد انفسهم ،ال يستطيعوا
َ َ
العيش بحرية ،ال يتذوقوا طعم الراحة اىل ان يتخذ القرار من قبل غتهم ،اىل
ان يأمرهم رجل الدين عىل فعل ابسط االشياء ،عجيب امرهم بالفعل ،دينهم
الديت ليتأملوا رضاه،
ي يأمرهم بالشورى بينهم وهم يقفون عىل ابواب زعيمهم
وىل امر
وىل االمر ألنه ي
وكأن يف رضاه الجنة وليست بأفعالهم ،يريدون اطاعة ي
بالوراثة فحسب ،يمنعون انتقاد رأيه او محاسبته لو اخطأ ،يقولون ال يجوز
وىل امر منذ
وىل امر ألننا خضعنا له ،لم يكن ي
وىل امر ،ال يفقه انه ي
ذلك ألنه ي
والدته ،عجيب امرهم بالفعل ،هم يحرمون تجارة الرق والعبيد ،وال يحرمون
تجارة عقولهم واستعبادها.
شء اهم من الخروج يوم غدر
بدأت افكر يف مساوئ المرحلة القادمة ،لم اجد ي
فسيكلفت وظيفت بأنت خشت ر
ي ي بشء ،ان علمت ي اىم ي كالمعتاد حت ال تشعر ي
ً
عىل ان اتحمل الكثت ألن ما تقاضاه من الجريدة ال يكفينا العيشاالمر كثتا ،ي
عشة ايام. ر
ألكت من ر
ً
اتصل ر ين (احمد) ،اعتذر لكونه كان منشغال بأجتماع عمل قض فيه وقت
الصباح بأكمله ،تذكرت انشغاله بمتله الجديد باالضافة اىل مهام عمله
اخته بما حصل ،تمكنت من كتم االمر وان اتكلم معه بصورة
فقررت ان ال ر
ولكنت فعلت ذلك ،حت انته طبيعية ،كان من المفروض ان ال اخ ر ئ
ت عنه،
ي
ً ً ً ُ
االسبوع ،كنت اذهب اىل الجريدة ألعمل يوما تاما قتال للوقت.
ً
وعدن بألف
ي ألجىل،
ي اتصلت (بأحمد) ،حدثته عن ما جرى يىل ،تأثر كثتا
وظيفة يك ال احزن ،طلبت منه ان يجلب يىل معلومات عما اذا كان االمر
بعزىل من الوظيفة ،كنت
ي سيتطور ويصل اىل جهات االمن ،أم انهم اكتفوا
ً
اعتقاىل.
ي خائفة جدا من ان يتم
طمئنت بأن االمر
ي استطاع (احمد) ان يحصل عىل معلومات من الجامعة ت
ً َ
عزىل وليس له اي تبعات قضائية او اعتقاالت حزبية ،ع ِلم ايضا
انته بقرار ي
بأن الطالب الذي طردته من قاعة الدراسية كان يحمل جهاز لتسجيل
صون خالل حوارنا وقدمه اىل رئاسة الجامعة ،لم يعد
ي الصوت ،قام بتسجيل
ً
لوظيفت فحسب.
ي خسارن
ي يلزمت وقت يك انش صدمة
ي االمر مقلقا،
يف عطلة نهاية االسبوع ،دعانا (يعقوب) اىل تناول العشاء يف بيته بعد ان
ً َ َ
اىم كثتا ،كانت
خطوبته وباركها يف الكنيسة ،جمعنا عشاء عائ يىل اسعد ي
ِ اجرى
ه السبب يف رفض والدته لزواجهخطيبته عىل قرابة منه ،كانت هذه القرابة ي
ُ ً
منها ،افصح لنا (يعقوب) اختا عن الش الذي كنا نتساءل عنه منذ اول يوم
اختنا رس تركه للحياة يف (لندن) من اجل ان يعيش ما تبق من
زارنا فيه ،ر
حياته هنا.
ه السبب،
الت رسدها لنا يف زيارته االوىل ،كانت ي
لم اكن مقتنعة باألسباب ي
الصبا ثم سبقته بالعودة اىلالت عاشت معه يف لندن اول سني ِ خطيبته ي
الوطن ببعض السنيَ ،بقيت عالقتهما اىل ان طلب الزواج منها ،حينها والدته
لم توافق ،اضطر اىل العودة اىل الوطن يك يكون حر القرار.
ً
تكته عمرا ،كان هذا سبب رفض والدته ،اعتقد انها لم تجرب الحب كانت ر
ً ً َ
من قبل ،وإال لكانت عذرته ،كما عذرته عندما رأيتهما سويا ،كان يحبها كثتا،
نظراته لها ونحن عىل طاولة العشاء كانت كالذي يرى جبال االلب للمرة
االوىل ،كان كلما ينظر لها كأنه يراها من بعد اشتياق ،كانت عيناه تبتسم لها
قبل ان تنظر لها.
اىم باألسئلة عن االقارب مع خطيبته ،جلست عىل انفراد معه،
انشغلت ي
بأنت ابحث عن وظيفة،
اختته ي
يساعدن ،ر
ي حدثته عن ما جرى يىل ،قرر ان
كانت صدفة جميلة ،كانت يف ررسكته وظيفة ادارية شاغرة ،كانوا بحاجة اىل
فتاة حاصلة عىل شهادة جامعية من اجل اعمال ادارية ،اتصل ر
بشكائه يف
بأنت سأحصل عىل الوظيفة خالل ايام فقط. ر
وعدن ي
ي الشكة و
ً
خلصت من
ي فرحت وانا عىل أمل بأن تكون الوظيفة الجديدة قادرة عىل ان ت
ر ً ً ً
ومشفا، بحق جميالي الندم ،كان (يعقوب) جديرا باالحتام ،كان موقفه
بسمت ،مرت ايام صعبة وانا بال كيان ،كنت
ي استطاع خالل دقائق ان يعيد يىل
ً
يكلفت الكثت ،كيف يمكن يىل ان اقوى
ي اىم شهريا
بأنت يف خطر ،دواء ي
اشعر ي
ئ
اصدقان عىل العيش يف مدينة غالية التكاليف كمدينتنا ،كيف يىل ان اتكلم مع
ي
شء ،وضع (يعقوب) اجابة ر
وانا لست استاذة جامعية ،كيف اراهم وانا ال ي
وظيفت الجديدة.
ي ان انا بأنتظار
عىل كل استفسار ي
االنكسار يمنح اللون االسود أليامك ،عند االنكسار تتوقف لديك كل
ً ُ ُ
الحواس ،االنكسار بعد الظلم يجعلك تندم عىل ما كنت عليه ،خصوصا حي
ً
تكون مدافعا عن فكرة تود فيها الفائدة لمن حولك ،وانت تسع لذلك ستجد
يختون
الشطة بأنك رسقت عقولهم لتجعلها تفكر ،ر اخت رمن حولك قد ر
ً
اع ،تست بعيدا عن ست القطيع ،ذلك القطيع
الرئيس بأنك خارج اوامر الر ي
تضج من أجله ،هو سعيد لوجوده ضمن القطيع ،وحي
ي الذي ال يستحق ان
يختك انك من
توضح له ان سته هذا لن ينفعه يمنعك من مواصلة كالمك ،ر
ميسوري الحظ ألنك ضمن القطيع ،وإال كيف ستدخل الجنة؟ إال ترى حال
ينتم إليه ،كيف ستعيش بحرية يف هذا الكون الواسع!!!
ي من ال يملك قطيع
هنالك العديد من االشياء يصعب تفستها ،يصعب فهم تكوينها وماهيتها،
أفهامها للسذج يحتاج اىل دين.
لشء ،كرهت ر
منذ ذلك الصباح المشؤوم وانا بت اشبه الحكومة ،ال اهتم ي
ئ ً
مبادن ،اعتفت بالغباء حي كنت اريد اصالح ما
ي ذان كثتا ،بغضت كلي
الكاف لذلك ،الدهر برمته لم يستطع ان
ي افسده الدهر ،انا ال املك العمر
يضعهم يف طريق واحد ،كان من الالزم ان افهم بأن كفة واحدة ال تسع
للجميع ،يجب ان تكون هنالك كفتي او ر
اكت.
ُ
نصائج
ي يؤيدن ويتبع
ي نفش ،ظلمت من اشخاص قلة ،مني ندمت ،راجعت
ً ً ر ر
ش ٌء عظيم ان تلق طالبا كان ينصت يوما لما تقول ،تلقاه بعد
كانوا اكت ،ي
"لوالك لما تغتت ،بسببك اصبحت افضل" ِ سنوات ليشكرك ويقول لك
ً ً
ادع ،تدفع يت
ي وتزيدن ارصارا عىل ما
ي تسعدن كثتا
ي كانت هذه الكلمات
ليجعلت اندم عىل كل هذه التضحية. يأن ذلك اللئيم ر
ي للتضحية اكت ،لوال ان ي
ُ
التمت الفراش لعدة ايام ،كانت صدمة غت متوقعة ،يف االيام االوىل كنت
نفش و اجد بأنتظاري
ي قوية واستطعت تجاوزها ،ولكن رسعان ما ان اعود اىل
يدفعت تأنيب الضمت للنوم
ي نفشي كل ليلة وافر من الندم ،كلما جلست مع
ً ً
مبكرا ،ال املك سالحا اخر اتجاوز به هذه المرحلة.
ً
التق (بأحمد) منذ ايام عديدة ،كان منشغال يف توضيب بيته الجديد وانا
لم ي
بمأسان ،لم اجد أي تقصت منه ،كان يتصل ر ين كل يوم
ي كنت منشغلة
ً
ولكنت كنت متعبة،
ي يلقان كثتا
ي ليمنحت القوة لتجاوز هذه المحنة ،طلب ان
ي
ً ٌ
ولكنت لم اود لقاءه اىل ان اخرج من
ي متعبة لدرجة احتجت إليه فيها كثتا،
هذه االزمة.
ً ً ً
عالقت به وانا اضع طقوسا خاصة للقائنا ،لم القاه يوما وهنالك
ي منذ ان بدأت
ً ُ ً
شيئا ما يعكر صفو غزلنا ،كنت اتجنب لقاؤه والتعب معا ،اريده ان ال يضجر
تعت كل ر
شء جميل يف البداية ،البداية يف الحب ي مت ولو للحظة ،اريد كل ي ي
ُ ر
شء ،البداية يف الحب كبداية تكوين الجني يف رحم امه ،كل ما يطرأ عليه ال ي
ً
يمكن تعديله يف المستقبل ابدا.
اكت من اليوم الذي اكت ،اتمت ان يزداد حبه ىل كل يوم ر اتمت ان يحبت ر
ي ي
سبقه ،انا كنت كذلك ،احلم بتقبيل شفاهه كل ليلة ،كنت اتخيل العالم الذي
عانقت كم سيصبح عمري يف تلك اللحظة ؟
ي حوىل ،لو
ي سأدخله لو التفت يداه
ُ ر
لرؤيت ،كنت اريد وضع اسس قوية
ي شء يجعل عيناه تتوق كنت اسىع لكل ي
ُ
سأصت حت احقق ما اروم إليه،
ر تنته بحياة زوجية،
ي للحب ال لعالقة تريد ان
ان ،لكنت االن
انت اردت حياة زوجية لكنت االن متوجة كبقية اقر ي
لو ي
ُ
الت تذيعها االفالم السينمائية ،لكنت االن
استغرب من كل مشاهد الحب ي
نفش عن طعم القبالت المشوقة ،ولما سميت بهذا االسم.
ي اسأل
المبان
ي وظيفت الجديدة ،كانت ررسكة كبتة متخصصة بأنشاء
ي حصلت عىل
ً
والمقاوالت ،كان (ليعقوب) اسهما مهمة فيها ليست كما كنت اتوقع.
ً ً
خالل فتة قصتة اصبح (يعقوب) فيها مديرا تنفيذيا ،كانت له مكانة مهمة،
من الواضح ان ذكاؤه اختض له الكثت من الوقت الذي كان يلزمه ألثبات
ً
جدارته ،يضاف اىل ذلك اىل شهادته وخ رتته ،االهم من كل ذلك انه كان ررسيكا
ً
فيها وليس موظفا.
َ ر
بأنت من
اضفت مكانته المهمة يىل الكثت ،ال سيما وان كل كادر الشكة عرف ي
اقاربه ،كانت السبب ألن اكسب ود الجميع واحتامهم ،كان الجميع يهابه
ً
ويحتمه ،كان ذلك سببا مهمة ألكون امام الجميع بال مقدمات ،كسبت
صديقة جميلة ،كانت موظفة يف المكتب المجاور يىل ،احببتها من دون سبب،
ً ً
وه كذلك ،يف البدء كانت حواراتنا رسمية ،شيئا فشيئا اصبحت تربطنا ي
ً
عالقة صداقة باالضافة اىل عالقة الزمالة يف العمل ،كان هذا شيئا ايجابية،
جعلت اعتاد عىل مكان العمل بأقل وقت وأقل
ي باالضافة اىل كل ما حصل
ً
عىل االحباط الذي تلقيته اثر طردي
جهد ،كان ذلك عوضا هيأه الرب ليهون ي
وظيفت الجامعية بسبب سوء السلوك.
ي من
استقالت من العمل يف الجريدة ،لم يكن
ي وظيفت الجديدة عىل تقديم
ي تت
اجت ي
ر
ً
بالوسع ان اعمل فيها مجددا ،يتطلب العمل يف هذه الوظيفة كل ساعات
روتيت
ي النهار ،كانت وظيفة هادئة ،كم كنت اكره الوظائف الهادئة ،كان العمل
ً ً
جدا ،يكرر اليوم نفسه ،ولكنه كان جميال ألنه يخلو من (صالح).
الت
حيان ،تحدثت اىل رئيس تحرير عن الظروف ي ي حصلت عىل اول تكريم يف
ً
وظيفت الجديدةَ ،حزن جدا،
ي طلت لالستقالة وعن متطلباتمررت بها مع ر ي
ً ً ُ
كان َيكن يىل كل االحتام ،كان انسان قديرا ومحتما وذو مبادئ وقيم النادرة يف
وقتنا الحارص.
عزىل من
ي اختته كيف تماختته عن ما جرى يىل ،روانا جالسة يف مكتبه ،ر
ً ً
الت عىل مكتبه
الوظيفة ،ظل مندهشا لم يقل يىل شيئا ،رصب بكفه االوراق ي
ثم قال "اقتبنا من النهاية ،نحن نتنح عىل الهاوية واقزام السياسة يدفعوننا
بتحزبــهم وتطرفهم اىل السقوط"
ً ً
عمىل،
ي الت اثبتها خالل فتة
وجدارن ي
ي لكفاءن
ي منحتت الجريدة درعا بسيطا
ي
ً ً
كان هذا التكريم مهما جدا بالنسبة يىل ،ألنه قض عىل كل الندم الذي ترسب
يف قاع افكاري بعد الحادثة االختة ،شعرت حينها بقيمة العمل الذي قدمته
ً
لست مخالفة
ِ انت انتهيت منه وانا
لسنوات ،عىل الرغم من كونه بسيطا إال ي
للضوابط الواجب ِاتباعها.
َ
بعد ان تمكنت من تجاوز كل هذه المحن ،كنت با َمس الحاجة ألن الق
ئ
الشاط ،يف ذلك المكان الذي (رفيق الروح) عىل ذلك المقعد المطل عىل
لياىل الشتاء
زرعنا فيه الغزل وسط الموج وأسقيناه من ضياء القمر ،حالت ي
امنيان ،غىط الثلج مكاننا الساحر.
ي بيت وبي
وبردها القارص ي
ً ً
دعان (احمد) ألرى بيته الجديد ،كان بيتا جميال ،ررسبنا فنجاني من القهوة
ي
عىل عجل ثم ذهبنا بعدها لزيارة صديقه (هشام) ،كان (احمد) عىل موعد مع
يصطحبت معه ،التقينا وتكلمنا عن
ي اصدقائه (سعيد وهشام) طلبت منه ان
ما يدور يف بالهم من افكار ،وددت ان اشارك بأفكاري حت العن االنكسار الذي
السياش.
ي جعلت اعزم عىل عدم التفكت يف الشأن
ي
كانوا حائرين يف كيفية دخولهم لالنتخابات ،حائرون بي االبقاء عىل انتمائهم
اىل وبي تشكيل جبهة او حزب جديد وضم أنصارهم فيه،
ليت ي
للحزب ال ر
تشابك االمر عليهم ،استمر نقاشهم حت اقتحت عليهم ان يؤجلوا فكرة
ً
تأسيس الحزب الجديد ،فقد يخشهم ذلك اصواتا عديدة يف االنتخابات،
اىل وتأريخه العريق.
الليت ي
ألنهم ومهما كانوا فلن يكونوا بحجم الحزب ر
ً
غايت تلبية لرؤية (احمد) المستقبلية ،كانت رؤيته تتمركز يف التخوف
ي جاءت
الت ستحصل بعد االنتخابات ،بعد ان يكسب الحزب من االنشقاقات ي
ً ً
الجديد اصواتا ،ال سيما انه حديث التأسيس ،لن يضمن احدا بأن جميع
انصاره سيبقوا متحدين تحت لواء قيادة واحدة ،ستتغلب مطامع المناصب
يىع عىل مصلحة حزبــهم ر
الوزارية او عدد المقاعد المكتسبة يف المجلس التش ي
الجديد ومبادئه يف خدمة الوطن ،سيخشوا حينها قاعدتهم الجماهتية
اىل.
الليت ي
باالضافة اىل قوتهم امام حزبي كبتين كالحزب الحاكم والحزب ر
ح ،بعد ان اثبت لهم من خالل الكثت من االمثلة يف الزمن
اقتنعوا بمقت ي
يأن خالل فتة التشيح لالنتخابات ،بل
الماض بأن حب امتيازات السلطة ال ي
ي
يأن بعدها ،بعد ان يرى رفاهية العيش سينش كل من انتخبه ،حب السلطة
ي
مرض ،هو كمرض (البلهارسيا) يلتصق بك وينمو دون ان تشعر وال يتم
اكتشافه إال بعد فوات االوان.
اىل واعتماد
الليت ي
يف نهاية المطاف وافق الجميع عىل ابقاء انتمائهم للحزب ر
اصوات انصارهم ،وبعد معرفة حجم انتصارهم يف االنتخابات ومعرفة قوتهم
اىل.
الليت ي
حينها يتم تشكيل الحزب الجديد واالنفصال عن الحزب ر
اثار استغر ران امتناع (احمد) عن التشيح ،لست انا لوحدي من ر ئ
تفاح باألمر، ي
ً ر ئ
الت يحبها،
تفاح (سعيد) و(هشام) ايضا ،قال انه يريد االستمرار بوظيفته ي
ر
المبارسة للناس ومساعدتهم ،ال يطمح للفوز ألنها تمكنه من تقديم الخدمات
سيوض كل اتباعه بأنتخاب (هشام) و (سعيد).
ي بأسمه يف االنتخابات و
بعد ان اعتاد لقاؤنا عىل ضوء الشمس ،او بالكاد وقت غروبــها ،التقينا يف ليلة
َ
وجه وانا اتكلم
ي دافئة عىل شاطئنا ،لم يتعب (احمد) من النظر اىل مالمح
ً
اسمعت غزال تطرب له امواج البحر ،لم اقاطعه ،بقيت صامتة انصت ي معه،
له ،نظرت له حت خفت ضوء القمر.
كان لقاؤنا مختلف ،جلسنا بالقرب من بعضنا ر
اكت ،تحدثت مشاعرنا بطالقة،
اخذن عطره برحلة بحرية يف ساعات يشب سيجارته، ضم من انوثت وهو ر َق َ
ي ي
ً
متأخرة من الليل ،لم ارى عىل االرض سواه ،كان جميال كعادته ،كنت يف حتة
َ
يماءات تحلم بعناقه ،كنت
ٍ من امري بسببه ،كيف انظر له دون ان اترنم بأ
لقاء لنا ،كنت اتوق ألن يلمس شعري ،او انتظر ان يكرر ما فعله ف اخر ٌ
ي
ً
يمتلكت كليا لو شاء.
ي وجنت او ان
ي
بقربه اتصنع الغباء ،كان يطلب من جسدي الكثت ،لم
ِ قضيت اغلب الوقت
عىل ،كنا جالسي امام البحر ،نتكلم
خلق واتكأت ي
ي يتكلم قط ،يداه التفت من
ر
الشء ألنظر له ثم اعود ألتحدث وانا
و وجوهنا ترتقب الموج ،نتقاطع بعض ي
وه تتجول حول خضي.
اىم يىل ي
انظر اىل البحر ،عبثت يده بنصائح ي
عت ،ظننته يريد ان يدخن السيجار ،ترك مقعده ثم وقف ،وضعابعد يده ي
ً
اماىم باتجاهي متعاكسي ذهابا
ي كلتا يديه يف جيبه ثم سار بخطوات قليلة
ً
وايابا.
مت؟ كنت للتو اود ان اغفو ،اريد ان اغفو اىل نهاية الزمان َ
لما اخذ يده ي
يكفيت منه ،اريد ان اغفو اىل ما النهاية ،اريد
ي فالعمر الذي قد اعيشه معه لن
ان اغفو عىل كتفه اىل ان تعود (الـقـدس) ألهلها.
َ ً
رىم إليها،
الت ي ي
اماىم وجها لوجه ،تكلم ويداه تتحرك وفق التعابت ي ي وقف
جعلت افكر كما يشاء هو،
ي جماىل ،تغزل ر ين حت امتلك تفكتي،
ي حدثت عن
ي
ُ ً َ َ
نيت لديه
ملك يت حت بت اؤيد كل ما يقوله حرفيا ،تكلم عن عشقنا ،كانت ك ي
وألنت اهيم لو
ي ألنت اؤمن بكل ما يقوله (نزار) عن الحب،
ي (نزارية الحب)
يلق اشعاره ،واتنفس ببطء لو قرأتها ،تحدى (نزار
سمعت صوته وهو ي
اماىم وهو اوهن منه بكثت.
القبان) ي
ي
ً
مت ان انصت لما سيقول ،ظل واقفا ،اراد
اجىل عدة ابيات ،طلب ي
كتب من ي
وعدن بأنه سيصطحب يت معه
ي اماىم حت يجسد ما سيقول،
ي يلق قصيدته
ان ي
يصطحبت (نزار) وانا انصت له ،ال يعلم ان هنالك
ي ابياته ،كما
ِ للتجوال وسط
ثمة (خشوع) بي االنصات (لتار) واالنصات له.
فرحة لما انا عليه ،بي ايام كنت ارسق النظر فيها
توقف الزمن رلتهة ،كنت ِ
احالىم ،اىل حلم تحقق وهو االن َيحب يت ،ال بل
ي واشاهده حلم بعيد ال تطوله
ً
اماىم متمنيا ان انصت له.
يهوان ،وإال ،لما وقف ي
ي َيعشق يت ،انه
ً ً
بدء حبيب الروح والجسد بالكالم ،الق يىل شعرا ،انصتنا جميعا له ،انا وموج
البحر والقمر ...
قال:
َ
ت ـق َــ َربــي م ـنــي..
ُ
ودع ـي ـن ــي ال ـمــس يــدي ـ ِـك واح ـت ـض ـن ـهــا وأقـ َــب ـ ِـلـ ـه ــا ب ـح ـنــان
ََ َ
ف ـقــد تــنـ َـهــدت لل ـق ــائ ـ ِـك ان ــامـ ٌـل وح ـن ـيــن ق ـلـب و اح ـضــان
ت ـقـ ــرب ــي وال ت ـت ــرددي ..وتـ ـجـ ـرأي عـ ـل ــى ف ـع ــل ش ـي ـئ ــان:
اول ـه ـم ــا :ح ـط ـم ــي س ـف ـي ـنـ ــة اوهــام ـ ِـك وج ـبـ ـنـــ ِك واق ـت ـلــي ال ــرب ــان
ـدك وكــل خـرافــات ال ـ َـزمـ َــان ثــان ـيـه ـم ــا :ت ـخ ـلــي عــن اع ـرافـ ِـك وت ـق ــال ـيـ ِ
َ َ
تقـ ــرب ــي فـ ــال ــذود ع ـن ــك ي ــا ح ـب ـي ـب ـتــي ال قــد ي ـك ــون وال ك ـ ــان
تق ـ ــرب ــي لـدنـ ـي ــا لم ت ــري ـهـ ــا ..ل ـ ـع ــالـ ــم م ــن االغ ــان ــي ب ــال الح ـ ـ ــان
ً َ
ـدك ش ـغـ ـف ــا وي ـل ـم ـل ـمــه ب ــات ـق ــان
تقـ ـ ــربـ ــي ل ـ ـع ـش ـ ٍـق ي ـم ـــزق ج ـس ـ ِ
اق واغـ ـص ــان ـدك بــال اور ٍ ل ـش ـج ــرة م ــن المـ ـش ــاع ــر ت ـظـ ـل ــل ج ـس ـ ِ
ـرك اشـ ـه ــى ام م ــا يـ ـعـ ـل ــوه؟ أم رق ـب ـت ــك ي ــا غـ ـصـ ــن ال ـ ـب ــان
خص ـ ـ ِ
ـرك ف ـق ــد ي ـش ـق ـي ــان
اكـ ـب ــح جـ ــوام ــح ش ـف ـت ــاي لو ان ـب ـع ــث ع ـط ـ ِ
ح ـي ـن ـه ــا ال ات ــردد ف ــي ت ــذوق رحـ ـي ــق ش ـف ـ ـت ــا ِك ال ـ ِـع ـ ِـذب ـ ـتـ ــان
إىل ب ـع ـن ـف ــوان َ
ـرك ي دعيـ ـ ـنـ ــي اتـ ـن ـف ــس ان ـف ــاس ـ ِـك و اشــد خـ ـص ـ ِ
ال تج ـ ـعـ ـلـ ـي ـن ــي اس ـت ـجــدي ِـك واط ـلــب م ــن ك ـبــريــائــي ال ـغ ـف ـران
َ
اتـ ــركي ـ ـ يـت اش ـ ـت ـه ـ ـي ـ ِـك ك ـم ــا اشت ـه ـيـ ِـك ..ك ـم ــا يــشــت ـهــى ال ــرمــان
كتب هذه الكلمات لم يكن يمسك بيده قلم ،كان يمسك تأكدت من انه حي َ
ولكنت تفاجأت باألمر حي قدمتي ألنت اردت الزواج بك،قلت :كنت فرحة ي
ً
ولكنت قضيت هذه الفتة بالتفكت جيدا ي يىل خاتم الزواج ،لم اعتض حينها،
ً
يف الموضوع ،وجدته مستحيال.
ً ً ً
الت كانت
لرفضكِ ،عشقنا هدم كل الحواجز ي ِ اعطت سببا واحدا مقنعا ي قال:
يت ما السبب وسنجد الحل ،ألم نتفق ان ال يتخىل اخت ي
وبينك ،ر
ِ بيت
تحول ي
تقوىل
ي شء مخالف ألرادتنا؟ أ َلم ر
احدنا عن االخر؟ ألم نتفق عىل مواجهة كل ي
بشء ألنت احبك" ..حبيبت َ
لما تغت ِت؟ ر
ي ي يىل "انا لن اختلف معك ي
َ
قلت :ألنك مسلم.
ً ً َ
تعجب كثتا ،رفع كلتا يداه ثم اخفضها ،ضحك ،ثم صمت غاضبا ...
قال :هل تمزحي؟
قلت :كال.
رصخ وقال :ألم تقولي ىل َ
"لما ال نتخىل عن ادياننا لما تبق لنا من عمر" االن ي
تعلم بذلك من قبل؟ي تكون
ي بأنت مسلم!! أ َلم
عرفت ي
ِ
ً
اقارن ،لن اتمكن
ري قلت :بات االمر مستحيال ،تلقيت اعتاضات شديدة من
اختهم (يعقوب) باألمر.
من معارضتهم ،ر
ٌ ً َ
انت يف االصل لم غضب كثتا ثم قال :قمر ،هناك سبب اخر تخفينه ي
عتِ ،
اعلمك باألمر،
ِ ألنت تكلمت عن خطوبتنا مع (يعقوب) قبل ان
ي عت
ترض ي
ِ
اهلك ،لذا
ِ انت ويرفضون
بأنك ستواجهي هكذا ظرف ،ان تقبلي ِ
كنت اظن ِ
مت ان
اك بهذه الدموع ،وبعد كل هذا تريدين ي
سألت (يعقوب) يك ال ار ِ
اصدقك؟
ِ
دعت اراك وانت بخت ،حقق طموحاتك المهنيةي قلت :الوداع يا (احمد)،
ُ
تت به وتريد تحقيقه ،كن بخت ،فلن
اخت ي
والسياسية ،ال تتاجع عن كل حلم ر
َ
يجمعت بك مساء اخر.
ي
ً َ ً ر
شء ،ظل صامتا ،قبض كفه االيمن غاضبا فأنطبقت شفتاه عىل جيبت ب ي
ي لم ي
بعضهما ..
ً َ ً ُ
اهديتت إياه ،شكرا
ي قلت له :اسمح يىل بأن احتفظ بهذا الخاتم ،شكرا ألنك
ً ً
اجىل ،شكرا لكل بيت ِشعر القيته يىل ،شكرا عىل
ي حرف كتبته من
ٍ لكل
الت عشتها معك.
اللحظات الجميلة ي
خيبت، ر
بشء ،تنهدت وبكيت بصوت عال ،استدرت ألعود ادراج َ
ي جبت ي
لم ي ي
بخطوات واقفة.
ٍ مشيت
بأصابع الندم ،كشت انياب الخذالن ،فارقته عىل عجل ،تركته ذبيح
الوجدان ،انته ما جئت ألجله ،هذا ما كنت اريده ،اريده ان يعيش كما يعيش
شء، ر
حياته ان ال ينقصها ي
ِ يوم ما ،اريد من
كل شاب ،اريده ان يكون اب يف ٍ
ً
عت ليكون سعيدا ،ولكننا كيف سنكون سعداء بعد الفراق، اريده ان يبتعد ي
َ ُ
ليال عىل
نقض ما تبق لنا من ٍ
ي نحن اللذان كنا قاب شفتي او ادن من ان
رس ٌير واحد.
"الـفـراق"
َ َ
عدك ٌ
كالم يكتب وال إن رح ـلــت فال ب
ُ ٌ
يقظت سـأصحيها
ي ليل يسهر ،بعدك احالم
ٌ
شمس س ر َ
ـتشق إن رحلت فال بعدك
ليال كنت انت تحييها ئ
ـيضت ٍ وال قمر س
ٌ
احالم و ٌ َ
امال إن رحلت فـستحل
َ َ
كانت ألجلك ال بل كنت وحدك من فيها
ً َ َ َ
احبك يا لوحة ن َسج الخيال مالمحها
ً ً
التمت قشا عىل تمنيها
ي يا امنية انصاع
َ
سنوات وانا اتمناك َ ..ر َمـق عي كانت
ً َ
اهدابها تتوق لك شوقا واليوم سـأعميها
َ
يوم عيناك مطلعه كنت اتغت بصباح ٍ
َ
ـكلمات كانت شفاهك تحكيها ٍ كنت اترنم ب
ً َ َ َ
أتلذذ بك واشتهيك والعنك عشقا
َ َ
مشاعر اتحداك ان استطعت تنهيها ٍ اتلذذ بك بـ
َ
جليش تطالعك عيناي ي عندما تكون
َ َ
حت تعبث بجمالك وخجلك كان يشقيها
َ
حرمان من شفتيك ..وإن طال ي طال
ً َ
عمري سأحلم انك يوما لشفتاي سـتهديها
ها انا اودعك و الروح لك تدعو بــسعادة
َ
ه من ترضيهالطالما كانت سعادتك ي
ً ً ً
هل سـتعود يىل يوما ..حبيبا او غريبا
ً َ
إرجع ..فـبعدك لعمري اياما من سـيعطيها
ً ً َ
بعدك ..ال عطرا سـأضعه وال لحنا
سـأسمعه ..بعدك فتوز سـأمحيها
ً َ
بعدك ..ال يوجد عيدا يف تقويم ي
اياىم
َ
احالىم وضواحيها
ي بعدك سـيستعمر الظالم مدينة
ً َ
وسادن ليال
ي بعدك ..سـيتقاسم عطرك
والروح بـنار ذكريات ليالينا سـأصليها
ً ً َ
بعدك ..سـأخلد اىل النوم وحيدا صامتا
َ
الطاع سـيحنيها
ي احساش هجرك
ي فـقامة
ً َ
بعدك سـأتوهج ِحرمانا ..فـاألحاسيس
ً
الت كانت تنتابنا ليال يف ئبت الحرمان سألقيها
ي
َ
بعدك سـأضج صخرة بال مشاعر كـصخرة
ألحالىم اسم معانيها
ي بتوت ..تلك ي
الت كانت
عذان بـأحرف؟
أ أستمر برسم ر ي
ً
أم اجمعها وقشا يف بحر هجرك ارميها؟
أم ان االوان ان نفتق وتخرس افواه
احالىم واعود لساعات سهدي وثوانيها
ي
َ
ام اعود كما كنت ..أليام احببتك فيها
الت كنت استجديها
ِخلسة وارسق نظرات وقب ٍ
ً
عىل يا من اكتب من أجله عمرا
اعطف ي
ِ
من الكلمات ثم بوشاح الحزن اجمعها واغطيها
َ
كلمان بعدك كـيتاىم يتباكون عىل ٍأم
ي
ً ُ
بعدك تسأل يت ..غدا من سـتبـيـها؟
ِ القصائد
الفصل الخامس
قامت الثورة ..سقط نظام الحكم ،ثارت الفوض يف عموم المدن ،تغت كل
رشء ،حل خر ٌ
اب كبت يف اغلب البت التحتية للبلد ،اصاب الشلل كل مرافق ي
ٌ
الدولة ،لم يعد هنالك نظام وال دوائر رسمية ،لم يعد هنالك حزب حاكم،
ٌ
نصف تمكن من ان يقمع االنتفاضة لفتٍة قليلة وان انشق الجيش لنصفي،
اكت عدد من الثوار ،والنصف االخر انضم اىل الثوار منذ بدء الثورة،
يعتقل ر
وتضحيات شجاعة.
ٍ بدماء
ٍ ينته إال
ي دام هذا الضاع أليام ،لم
ً
بعد ان قام الحزب الحاكم بأجراء االنتخابات وفق ما كان مخطط لها مسبقا،
رَ
الدوىل الذي ح ِدد من قبل منظمة االمم المتحدة،
ي رسع بطرد الفريقوبعد ان ِ
تشف عىل مراكز االقتاع ،لم يكن اي مشارك نجح بعد ذلك ف تعيي لجان ر
ي
منتم اىل هذا الحزب ،تمكن من زرع الكثت من
ي يف هذه اللجان غت
الجواسيس قبيل االنتخابات بأيام ،تم اعتقال االف من المعارضي
والمعتضي لسياسته ،اكتظت السجون بالمعتقلي ،تم اعتقال رؤساء
ً
االحزاب والشخصيات المهمة وكل من رشح نفسه لالنتخابات مستندا اىل
قاعدة جماهتية قوية ،لم يكن هنالك رقيب ،انفرد قيادي الحزب بكل
القرارات ،توقفت السلطة القضائية عن العمل ر
لكتة المعتقلي ،تركوا الكل
يقبع يف السجون لحي البت يف النتائج النهائية لالنتخابات ،كان الشعب
ً
خائفا ،ال سيما بعد ان اطلق الحزب اتباعه من رجال الدين ليصدروا الفتاوى
والتوصيات بشأن وجوب انتخاب الحاكم وعدم جواز الخروج عن طاعته،
ألن يف مرضاته مرضاة الرب ،يف حي ان الرب يرى بكل تأكيد كيف اكتظت
بيوته بالمارقي عن مبادئ اديانه ،وكيف تم استغالل ذلك المكان الذي
يعتليه رجل الدين ليحدد من سيدخل الجنة ومن سيدخل النار.
ٌ
كان يوم االحد والكنائس مكتظة بالمرشحي ،يوم الجمعة للمساجد كان االمر
ً
سيان ،اوض كل رجل دين رصاحة او ضمنا بوجوب إبقاء الحزب والرئيس يف
الت وعدنا بها الرب ،وها هم وكالء الرب عىل
الحكم ،حت ينعم بجنات الخلد ي
يصت الشعب
االرض يسمحون لنا متفضلي يف ضمان مقاعدنا بها ،بعد ان ر
الديت
ي عىل الجوع والفقر وغالء االسعار والقمع والتهجت القشي والتطرف
ََ
والمذهت وتنعم البعض ربتوات البلد دون غتهم من الشعب ،يف حي ري
ً
فرد منه نصيبه من ثرواته ،او حت نصيبا من جماله ،من
يتوجب أن يأخذ كل ٍ
هواءه ،من شعراءه وادباءه ،من علماءه ومثقفيه ،يتنعم الحزب واتباعه ِبه
فحسب ألنه وطنهم وهم الوطنيي ،اما عن ما تبق ،فيتوجب عليهم
الصمت ،ومن لم يتمكن من الصمت فالتهم الخاصة بالمساس بأمن الدول
كانت بأنتظارهم يف محاكم الحزب الخاصة.
عهد واحد ،حي نثور من
يف بالد العرب ال يمكن للحرية واالمان ان يلتقيا يف ٍ
ً
اجل الحرية فعلينا ان ال ننش بأننا سندفع األمان رصيبة للحصول عليها،
وحي ننعم باألمان فعلينا ان نعتقد بأن راحة الحاكم الجاثم فوق اقالمنا اهم
لك نكون بأمان علينا ان نعتاد عىل التفكت يف الحت الذي
من ارآءنا وافكارنا ،و ي
منحنا إياه الحاكم بحسب سياسته ،واالهم من كل ذلك ان نؤيده فيما يقول
او يفعل ،وان ال نحاسبه عىل ما ينعم فيه من ختات ،ان ال نحاسبه وحزبه
ً ً
اطالقا ،يك ننعم بالحرية علينا ان نقول هنيئا للحاكم عىل كل ما يلتهم من
ً
ايتام وارامل ،او ان نقول حظا اوفر ألبنه المدلل لو خش الماليي من الفقراء
القمار االمريكية.
يف احدى صاالت ِ
استطاع الحزب الحاكم الفوز يف االنتخابات االختة ،تجلت اسباب الفوز
بقيامه بمسك كل مراكز االنتخاب ووضع مراقبي من اتباعه ،اثاروا الفي
الت قضت بأن كل مواطن لن ينتخب الحزب الحاكم فأن
واالشاعات ي
المراقبي يف المركز سيطلعون عىل هويته واسمه وعنوانه وحينها يتم اتهامه
ُ
الت تجلب له السجن ،يضاف اىل ذلك خوف بكل ما تيش لهم من تهم ي
الطبقة الساذجة من الشعب من ان ال يغفر الرب خطاياهم لو لم ينتخبوا
والت ادت
ي الحزب الحاكم بعد ان صدحت مسامعهم بوصايا تجار االديان
بدورها اىل منح العديد من االصوات له ،يشار اىل ان نسبة االقتاع يف البالد
لم تتجاوز االثنان واالربعون بالمئة من عدد الناخبي الحقيقيي.
ُ
السياش وانا بعيدة عن الوطن ،لم اكن هناك ،حدث كل
ي كنت اتابع الوضع
ً
هذا وانا لم ارى شيئا.
َ
روح عليلة ،عدت لتناول العقاقت
ي بعد ان ودعت رفيق الروح ،باتت
المهدئة ،بدأت اتناول الكحول منذ الصباح ،لم افيق لعدة شهور ،كنت ال
اتجرأ عىل مواجهة الواقع ،واقع يخلو من عطر (احمد) ال شأن يىل فيه.
امنيان نحو الموت ،كان الخالص الوحيد يىل من هذا
ي وظيفت ،توجهت
ي تركت
وذاكرن ،ما كنت
ي العذاب ،لم يتبق يىل منه سوى ذكريات تؤلم جسدي
َ
ابحث عنه منذ سنوات فقدته بي قبلة وضحاها.
ألنت ال زلت احلم بأننا سنعود،
ي ألنت لم اقول له الحقيقة ،ندمت
ي ندمت
ُ ً
سيسامحت وانا قيدته بأغالل الهجر
ي رهت ،كيف
ألنت جعلته يك ي
ندمت كثتا ي
ً
الت كتبتها إليه
كلمات كتلك ي
ٍ ورصبته بسوط الخذالن ،لو كتبت له مجددا،
اجىل
ليلة عيد ميالده ،يا ترى هل سيكرر كالمه الجميل يىل؟ هل سيكتب من ي
ً
ليلق ِشعره الجميل ،هل سيعود يىل؟
اماىم ي
مجددا؟ هل سيقف ي
ً
انهيت اخر لقاء كان يىل معه وانا اتقمص شخصية لم اطيقها ابدا ،تلك
ً ً ً ً
مىع ،كان انيقا ،كان لطيفا وذو شفاه
مت ابدا ،كان جميال يالقسوة لم يستحقها ي
َ
شفاه قبلة قبلها،
ي الت لم تمس
تفارقت تلك القبلة ،القبلة االوىل ي
ي ناعمة ،لم
تفارقت مع اول كأس اتناوله عند الصباح.
ي لم
ٌ
كان الكأس االول شبيه بالمشعوذ الذي يستحض الجن بطالسم غريبة ،حي
الت تناولتها ر
اش ،بعد ان انته مفعول العقاقت المهدئة ي كنت انهض من فر ي
ً
عن الليل ،انهض ألتناول الكحول ،كان الكأس االول قادرا عىل استحضار ذلك
يمنحت ذات الشعور ،كنت
ي انتابت عند القبلة االوىل ،كان
ي االحساس الذي
عت ما خشته.
الثان عىل عجل يك يرحل ي
اتناول الكأس ي
لمرات عديدة ،كنت اكش زجاجة الكحول حي اتناول الكأس االول منها عند
ً
الصباح ،كنت اشك يف نوع الكحول الذي اتناوله ،غتته مرارا ولكن النتيجة
شء ر
كانت ذاتها ،ايقنت حينها ان هنالك ثمة عالقة بي الكأس االول و اول ي
الت تربط بينهما مبنية عىل النشوة.
جميل يف حياتنا ،ايقنت بأن العالقة ي
ً ً
شيئا فشيئا لم اعد اكتث لألمر ،اعتدت عىل الذكريات ،اعتدت عىل تناول
الكحول ،اعتدت عىل العقاقت المخدرة ،اعتدت عىل ان اشعر بكفيه عىل
ً
توازن وانا احاول الوقوف ثملة.
ي خضي كلما فقدت
َ
وجدان كلمات إليه،
ي تألمت ،فارقته دون ان اعلمه السبب ،اعتصمت يف
خته الحقيقة ،كانت تود ان تقول له انتظر لتى نتائج
كلمات كانت تريد ان ت ر
ر َ
بشء؟ ام عليك ان
ضج ي يمكنت ِعناقك دون ان ت ي
ي انتظرن ألرى هل
ي العملية،
ئ ً
للقان؟
ي تدفع ثمنا
كلمان معلقة بأنتظاره ،بقيت معلقة كمالبس جندي لم يرجع َبعد ي بقيت
انتهاء الحرب.
ألن
قلت كل ما يجب ان اقوله له وانا ثملة ،كنت اقول ما اشاء من ندم ألندم ي
لم اقوله له ،تمنيت لو يعود ر ين الزمان اىل ذلك المكان ،لقول له كم انا احبك.
ُ
استطاع (يعقوب) ان ينتشل يت من احضان الضياع ،كنت اريد الموت لكنه
احالىم ،لم يعد يىل هدف يف
ي منعت ،كنت اريد الموت ببطء بعد ان ماتت كل
ي
ئ
واصدقان، ئ
زمالن وظيفت ،خشت كل حبيت وخشت خشت
ي ي ي ري الحياةِ ،
طلبت الذين كانوا يتذكرون يت بعد سنوات من تخرجهم.
ي خشت
سيمنحت
ي انشغاىل بالعمل يف كل يوم
ي نفش بأن
ي حاىل ،تمكنت من اقناع
ساء ي
القليل من فتات النسيان ،حاولت ان اكون جيدة العيش كباف ر
البش ،ولكن ي
عىل ولكن ال
يمنحت عطفه ،ترجيته ليعطف ي
ي النسيان ران ان يكون ذلك ،لم
أش كما َيمسح المتف يده عىل رأس جدوى ،تمنيت ان يمسح النسيان ر ي
ً
ليال سويا ألمنعها من النوم،
اليتيم ،لم اقوى عىل النسيان ،كنت اجمع عدة ٍ
وجه
ي طال ر ين التعب اىل الحد الذي ال يطاق ،بدأت ال اقوى عىل العمل ،بدأ
يتغت.
تؤلمت ..
ي النوم والوسادة بعده
تشفيت من
ي تناولت العقاقت المهدئة عند الليل يف بادئ االمر ،تمنيت ان
منحتت
ي تمنحت النوم من دون الغثيان بالذكريات،
ي التنهيد بأسمه ،تمنيت ان
ً
ابىك كثتا حينما يبدأ الخدر يمتلك جسدي،
النوم المصاحب للدمع ،كنت ي
ً
بجعبت
ي ضاعفت الجرعة ليلة بعد ليلة ،الجرعة الواحدة لم تعد تتحمل ما
ابيات ومن قصائد ،ضاعفتها ِعدة مرات اىل ان اصبحت ال
ٍ من ذكريات من
اقوى عىل اإلفاقة.
الثان من نيسان...
ي كان
ً ً
ألنت بمفردي بنصف روح ،ابحث عن
ي القمر حزينا لهذه الذكرى ،حزينا
روح االخرى بخطوة من خجل وخطوة من ندم ،اليوم تأري ــخ ميالدنا،
ي نصف
اصابىع
ي موعد لقائنا االول ،تاري ــخ الحب الذي جمعنا ،ذكرى الخاتم الذي بي
االن.
الثان،
ي ذكريان ويرميها عىل ساحله
ي اعتىل موج البحر وانا احادثه ،كان يمضغ
ٌ ً
وه واجبة التقديس ،ذكريات ألنت ال استحقها ،لم احافظ عليها ي
عت ي بعيدا ي
كانت الواقع االجمل والحلم االوحد.
طلبت من الموج ان يهدأ ،اعتذرت عن ما قلت هنا قبل اقل من عام ،حي
ً ً
تركته وحيدا كما انا االن ،كان البحر شاهدا عىل كل الخذالن والجحود ،يشهد
َ ً
الت كانت تعبث بشعري ليعود ويصففه بيده، عىل القمر ايضا ،النسمات ي ي
َ
ذكرن كيف نكرت جميل ابياته ،كان يتساءل عن إلحادي بعشقه،ي الموج كان ي
عشقه الذي كان واجب العبادة.
ِ
تكلمت بوافر الندم ،اردد كلمات االعتذار منذ ان مسك بيدي (يعقوب) وانا
اذرف الدمع حال هبوط طائرتنا عىل ارض الوطن ،كنت اريد رؤيته بلهفة
الخشية ،بكيت من ِشدة ما اريد.
ِ
قال يىل (يعقوب) وقتها :ي
كون قوية يا قمر.
قلت له :ال تعاتب يت عىل ما ليس يىل ارادة فيه.
المدرج الطائرة أنزل ألرض الوطن ،استنشقت عطره ،كان عطره وانا عىل َ
ر ي
خروح صباح اليوم وجدتها اسفل الباب ،كل ما يف داخلها مصدرها ،عند
يفوح بعطره رغم انها كانت تخلو من العطر ،كانت الكلمات كلماته ،اعرف
طريقته عندما يكتب.
َ
تعت كل ما يريد قوله ،كتب فيها ....
كانت فيها ابيات ي
كتت
تركت كل الكلمات حي تر ي
الحت واالوراق
حي سكن الصمت بي ر
هجرتت
ي هجرن الفرح حـيـن
ي
الشفاه والدمع يمكث االحداق
تبتسم ِ
رسمك عىل جدران عمري
ِ نقشت
العناق
خضك اثار ِ
ِ كما نقشت عىل
بعدك كما بغضتها
ِ حيان
ي بغضت
قبلك ..كــبغض ٍأم ألبـنـهـا العاق
ِ
اسم ..الـى ان
ي إن التقينا ال تذكري
حبيبت ..حلم هذا أم ِنفاق ؟
ي تعودين
ً ً
واقىع
ي صدقت أغنية قديمة ألكذب
تحرم الحب وتجلد القبالت واالشواق
انت اهذي وال اكتب ..فهل
اعلم ي
غيابك كم هو شاق َ
تعلمي ان تنفس
ِ
خذي الغد و أعيدي يىل األمس خذي
واعىط لجسدي التياق
ي جحودك
ِ ِسم
احبك مهما
ِ أحبك كما كنت وسأبق ِ
ً
قدمت السهد قـربانا ألوثان الفراق
لست
ِ وانت
مـوعـد لـقـاؤنـا ها قد أن ِ
انت ..وانا عىل العهد ال زلت باق
ِ
ُ
حديقة
ٍ ـطفل يجلس يف
بعدك ك ٍ
ِ اضحيت
ألطفال تلهو امامه ..وهو معاق
ٍ ينظر
تركها يىل هو ،انا متأكدة من ذلك ،أين هو االن؟ ان كان هو المرسل فأنه ال
يعشقت ،انا عىل اتم يقي بأنها كلماته.
ي يزال
ً َ
بحق حكما باالعدام ،ينفذه بقطع االمل
ي يف كل دقيقة تمر ،ينفذ الشوق
ألجىل، الت كتبها َ
ي بمقصلة عصور الوسىط ،كانت حادة بأبيات ِشعره ،تلك ي
علمتت كيف يكون االستلذاذ يف وضح النهار،
ي الت القاها يىل بشفتي
تلك ي
عندما كان موج البحر يتحرك مع القافية ،كان اجمل من شعراء الجاهلية
بالرغم من معلقاتهم السبعة عىل جدار الكعبة.
الت كنت اتقرب فيها من جسده ِخلسةاشتقت لعطره ،اشتقت لتلك االيام ي
شء ،حي كان ِعطره ر
ألرتشف القليل منه ،القليل منه كان كالكثت من كل ي
ئ
شاط (يافا) ألنصت اىل القصائد الدرويشية عىل الحان (مارسيل يأخذن اىل
ي
خليفة).
ً
يذكرن بعد شجارنا
ي افتقدت (زياد) ايضا ،سألت البحر عنه ،هل ال زال
الكاف ألبحث عنه هو االخر ،لم
ي عت؟ لم امتلك الوقت اض ياالخت؟ هل هو ر ٍ
ً ً
عت هو ايضا ،بكل تأكيد كان منشغال ،لم اراه منذ تلك الليلة المشؤومة
يسأل ي
الت رأيته فيها ،لم اتجرأ عىل الذهاب اىل متله بسبب الحادثة االختة ،ذهبت
ي
اىل المطعم فوجدت ان ادارته قد تغتت بالكامل ،لم أسال عنه احد ،اعتقد
ً ً
الت حدثت مؤخرا.بأنه باع مطعمه وسافر تجنبا للفوض ي
اقداىم ،اتعبته
ي مىع ،لم يعد يقتب من
تعبت من الذكرى ،تعب الموج ي
نسيانه ،نسيان جماله ،سيجارته،
ِ واتعبتت ،كالنا غت قادر عىل
ي الذكرى
كيان لو نظر يىل ،كان يعض كل قطرة انوثة ر
الت تبعت يكلماته ،نظراته ،رجولته ي
ُ
اع.
احملها لو مسك ذر ي
اح ،عدت وانا اجر اذيال القلق ،ما هو مصته؟ اين هو االن؟ عدت ادر ر ي
اتجنب التفكت يف ان يكون قد اصابه مكروه ،اكاد احتق لو َمسه سوء ،احتق
كما يحتق الجرم السماوي عند دخوله االرض.
تمكن الجيش من السيطرة عىل الطرقات والمدن بعد ان ر
انتشت المظاهر
عرن ر ئ
يلتج اىل االعراف العشائرية والقبلية يف المسلحة ،نحن وكأي بلد ر ي
التباه بالشجاعة وتملك القرار وحيازة المصت متوافرة
ي غياب القانون ،غريزة
عند الجميع ،هذه جينات تنبثق لتكون واضحة للعيان يف كل منطقة تجمعها
العشتة الواحدة.
ُ ً
احيانا ،نرى تمكن الدولة من حض السالح والقرار والمصت بيدها يف مركز
ً
قبىل فيها عادة ،ولكننا نرى
مذهت او ي
ري عرف او
ي العاصمة لعدم وجود اي تكتل
ُ
تمكن زعيم القبيلة او العشتة ف المدن البعيدة عن انظار الدولة من ر
نش ي
ه لم تكن بعيدة بالفعل عن انظار الدولة ،ولكن الدولة انشغلت بما
نفوذه ،ي
يف العاصمة والمدن الحيوية من استثمارات وتركت اطراف الدولة لألعراف
القبلية.
ً
رأيت صنفا من هؤالء المسلحي قد تم تشكيلهم بحسب الدين ،حمل
ً
السالح كل من كان بعمر الشباب بغية حماية مقدساته الدينية ،كان قسما
يحم المساجد من الكنائس واخرين يحموا الكنائس من المساجد.
ي منهم
ديت للخروج والهتاف ،هتف
كانت االرض خصبة ألي متعصب ومتطرف ي
ُ
وهو يخرج من جعبته عدة كتب تضمن دخوله الجنة ،وعىل الجميع من
خارج ديانته التام الصمت واالبتعاد عن دار عبادته المكتظ بالسالح.
اما بشأن الصنف االخر فقد اغلق مدينته ألنها تابعة لقبيلة او عشتة ما ،كان
ينتم لهم فهو مصدر شك ،لذا س ِمح لهم بموجب ذلك حملي كل من ال
ً
الت عاثت يف جمال الوطن
السالح ايضا واالشتاك يف المظاهر المسلحة ي
ً َ ً
واصبحت من سمات الرجولة ان يحمل كل سالحا. فسادا
الت تدين رئيس
وظيفت يف الجامعة ،بعد ان قدمت كل الوثائق ي
ي عدت اىل
يوم أذهب فيه اىل الوظيفة
الجامعة السابق وزمرته ،خرجت انيقة يف اول ٍ
طلبت
ي وه القاء المحارصات يف معبد العلم ،عدت اىل
الت لطالما احببتها ي
ي
الذين احبهم لمجرد انهم ينصتون يىل بغض النظر عن دياناتهم وقومياتهم
ومذاهبهم ،عدت اىل ما كنت استحق.
بعد ان تمكن الجيش من مسك زمام االمور ،تم االتفاق بي االحزاب عىل
تشكيل حكومة مؤقتة من اجل اجراء انتخابات تمكن الشعب من اختيار
ً ً
حكومة تمثله ،كان االمر صعب يف بادئ االمر ،ولكنه االن اصبح يستا لعودة
الت تمت حيازتها خارج
فرض القانون من قبل الجيش ومصادرة كل االسلحة ي
نطاق الجهات االمنية يف الدولة ،عاد االمان لمدينتنا وكل ارجاء الوطن،
ضال حدوده
ٍ الت اعتدنا عىل رؤيتها ،التم كل
عادت تلك الحياة الطبيعية ي
يخش القانون ويتجنب مخالفة قواعد ر الت فقدها ألشهر قليلة ،عاد الكل
ي
المرور.
ً
الحاىل ،مستندا اىل عدم
ي رض بالوضع
ظهر تنظيم يعلن (الجهاد) عىل كل من ي
ررسعية االنقالب وخيانة الجيش لواجبه ،استمدوا ررسعيتهم من بعض رجال
الدين الذي تضرت حساباتهم المضفية من جراء سقوط النظام ،افتوا
بوجوب الجهاد واستعادة الحكم والقض الذين كانوا يتقاضون منه رواتبهم
وهداياهم.
ً
كان بالمقابل ايضا وجود نصائح من اساقفة الكنائس بحرمة االنتماء للحزب
ات تحض الدين يف بيوت الدين وتستمد قوانينهااىل او ما شابهه من تيار ٍ
الليت ي
ر
ّ
الت تتكون من رحم المجتمع يف كل زمانمن القواني الوضعية ،تلك القواني ي
ومكان ،ال قدسية لقراراتها إذا انتفت الحاجة منها ،افتوا بحرمة تأييد هذا
الفكر ألنه لم يتطرق اىل التكفت والقتل.
للمقاه يف العاصمة،
ي عادت دوائر الدولة للعمل ،عادت الحياة السياسية
الت تصدرها تلك
انشغل الشعب بقراءة المستقبل من خالل االشاعات ي
ُ
الت يرتادها الصحفيي والكتاب والسياسيي الصامتي باألمس ،لم
المقاه ي
ي
يفكر الشعب يف كيفية التعامل مع انتخابات جديدة من دون اكراه ،كان
يبحث عن االشاعات من كل حزب بأنه هو الذي سيكون الحاكم يف االيام
المقبلة دون ان يفكر للحظات كيف يضع الضوابط الالزمة يف دستور الدولة
ً
لك يكون الرئيس ملزما بما يقوله الشعب وليس العكس.
ي
ان يف كلية العلوم السياسية،
اعادة كتابة الدستور ،كانت من اوىل محارص ي
طلبت لساعات عدة ،كيف يمكنهم توعية الشعب بأن اعادة كتابة
ي بحثت مع
الدستور اوىل من التكهن بمستقبل الحكومة ،كان من المفروض ان تعاد
َ َ
صياغة كل بند كبت الشعب ورسق قوته ،كان الدستور السابق يقايض
الشعب بأمواله مقابل حريته ،كان مقصد كل بند فيه يقول للشعب "اعطنا
حريتك يك نمنحك العيش"
طلبت يك امنحهم حق التفكت والبحث ،ومن خالل
ي تداولت الحديث مع
الحديث ...
اىل احق بالحكم ،فالشعب ذاق المر قال احد الطلبة :ارى بأن الحزب ر
الليت ي
من االحزاب الدينية ،وال سيما واننا رأينا كيف اكتظت الكنائس والمساجد
بالسالح حال سقوط النظام ،الفتة القادمة تقلقنا ر
اكت من السابقة ،ألن يف
السابق كان الدين من اجل كسب ود الناس للحاكم الذي كان يحكم وفق
مجلس ي رشع القواني الوضعية مغطاة بالدين من اجل رسقة الشعب ٍ
ً ُ
فحسب ،اما االن ،اذا حكمت االحزاب الدينية المتطرفة للدين فعال وكان
ُ
تكوينها ألجل دين او مذهب معي فأنها ستحكم وفق كتبها ولن ترض
تناف
الت يالوضىع ،حينها سيتوجب علينا االلتام بكتبها القديمة ي
ي بالقانون
بعضها البعض وكل دين فيها يكذب الدين الذي قبله والذي جاء بعده"
ً
الحاىل بالسابق ،ان استمر تكتل ألفراد
ي كان كالمه منطقيا ،انه يقيس الظرف
نش ان
الشعب وفق الدين فأن االمر سيكون العن من الحكم السابق ،ولكنه ي
بديه ،ألن يف المجتمعات العربية يكون من المعيب ان ر
الشء
ي يقول ان هذا ي
العزة ،هكذا ر
لشء يشعره بالقوة او ِ
ينتم ي
ي يكون االنسان لوحده دون ان
نشأت المجتمعات العربية منذ قرون ،ما ان يتفكك اي تكتل فيها بغض
النظر عن حيثيات تكوينه قبلية كانت او عشائرية او دينية او مذهبية او
ً ً
لتجمع جديد.
ٍ عرقية او قومية إال ونجدهم يتبنون اسما جديدا
خالل نقاشنا ،ذكر احدهم اسم (احمد) ،تحدث عن شجاعته يف اشعال فتيل
التاىل ،ذكرت
ي وف تحفت كافة فئات الشعب عىل التظاهر يف اليوم
الثورة ،ي
اىل ،من خالل ذلك
الليت ي
طالبة اخرى بأنها كانت تراه يف تجمعات الحزب ر
اجابت بأن
ي سألت الطالب الذي ذكر اسم (احمد) عن مصته واين هو االن؟
الكل ال يعلم.
ً
فكرت إن كان معتقال يف السجون السياسية فأن الجيش قد اخىل كل هذه
السجون ولم يعد هنالك إال من كانت عليه تهمة جنائية ،ورغم ذلك امر
الت صدرت
القائد العام للجيش بالتيث بأحكام االعدام لتدقيق كل االحكام ي
الت طالت كل والت جاءت متامنة مع حملة االعتقاالت ي ي يف الفتة االختة
ً
وبالتاىل ،فمن المؤكد انه
ي المعارضي منذ بدء االنتخابات وصوال اىل شجاعته،
عىل قيد حياة ،وال يريد ان يظهر االن ألن السجون قد تم اخالؤها خالل
يومي بعد االنتفاضة بعد ان انهزم الرئيس ووزراؤه عىل مي طائرة واحدة
يمكنت
ي الت نوت اكل لحم جسده ،ولكن اين
للخالص من انياب الشعب ي
ايجاده ؟
الصبا،
اشتقت ألجلس مع (سارة) يف المقه الذي اعتدنا عىل ارتياده منذ ِ
بقينا نحن ولم يبق هو ،تم غلق المكان من قبل صاحبه دون أن نعلم
ً
نلتق نحني السبب ،حددنا مكان اخر والتقينا فيه ،كنا سعداء جدا ،كنا
َ َ
جلبت معها (قمر الصغتة) لتلعب حولنا ،تكلمنا االثنتي واالن اصبحنا ثالثة،
عن ما فاتنا من حديث ،حدثتها عن ما مر ر ين ،حدثتها عن كل اآلالم واليأس
بتت السماء
الذي احاط ر ين ،كنت عىل وشك الموت لوال (يعقوب) الذي وه ي
إياه.
جاء النادل وقدم لنا القهوة ..
قهوتك القديمة ،كنت ال توافقي ان تسم (قهوة)
ِ سألتت (سارة) :أتذكرين
ي
أيك ألجل الحب ؟عدلت عن ر ِ
ِ مذاق مر،
ٍ إال ان كانت ذا
ً
عيت ،استحضت ذلك الموقف الذي لم يغيب عن خاطري ابدا ،ما اغلقت ي
ً ً
اجمل ذكرياتنا ،ظلمته كثتا ،كما احببته كثتا ،انا بحاجته االن ،بحثت عنه
والندم ير ِافق يت اىل كل مكان ،لم اسمع عنه سوى اإلشاعات ،لم اعرف له
ً
طريقا.
ً
حي جاء النادل نظرت اىل وجهه ،ابدى وكأنه مألوفا يىل ،قدم لنا القهوة
وذهب ،وانا اتبادل الحديث مع (سارة) تذكرت انه كان يعمل يف مطعم
(زياد) ،رأيته هناك ف اخر ٌ
لقاء يىل مع (زياد) ،هو الذي جلب القهوة اىل (زياد) ي
ُ
بعد ان اسكبها عىل االرض بسبب غضبه ،حي كنا ننصت اىل االخبار العاجلة
يف التلفاز ،انا متأكدة من ذلك.
ناديته ،وقف بالقرب من طاولتنا ويداه خلفه ..
سألته :مت باع السيد (زياد) مطعمه؟ هل تعلم اىل اين سافر؟
اخت ين بأن (زياد) قد قتل !!
ر
ً
اخت ين بأن (زياد) قتل وسط ظروفلم اكن اتوقع ذلك ،تألمت كثتا ،ر
ً
غامضة ،كان عائدا اىل متله بعد منتصف الليل وقد اصطف بسيارته بالقرب
معت بعدها اصوات اطالق نار ،خرج الجميع فوجدوه يلتقطمن متله ،س َ
شء.ر
انفاسه االختة ،لم يتمكن من قول ي
يعرفت
ي اخت ين عن تفاصيل الحادث ألنهيخت ين عن السبب ،بل حت انه رلم ر
اخت ين بأن ر
شاهدن اكت من مرة وانا ازوره ،ر
ي عالقت الوطيدة (بزياد)،
ي ويعرف
كل من حولهم ال يتكلمون يف تفاصيل الحادث ألن اسباب مقتله غامضة،
وظل ذويه يتهمون اي شخص يتكلم عن تفاصيل الحادث ،كانوا يتهمون كل
من يملك معلومات حت وإن كانت غت صحيحة ألنهم بحاجة اىل (المتهم)
يجيب عىل استفساراتهم.
الت كانت ترتاد ر
منهم من قال ان سبب اغتياله هو كت الوفود الحكومية ي
مطعمه ،وبسبب نجاحه ف اآلونة االختة ر
كتت بحقه االشاعات بأنه من احد ي
االعضاء المهمي يف الحزب الحاكم ،فأراد البعض قتله كما قتلوا الكثت من
قيادي اىل الحزب الذين لم يتمكنوا من الهرب بعد االنتفاضة ،وقال البعض
االخر بأن الذي قتله هو من ذوي النادل الذي تشاجر معه (زياد) واتهمه بأنه
رسقه لالنتقام ألبنهم الذي تم الحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات،
ً ً
اخت ين ايضا بأن ذوي هذا النادل سبق وأن جاءوا إليه وقدموا له امواال بقدر
ر
ما ادع انه رسقت منه ،ولكنه رفض.
رحل (زياد) وانا كنت عىل امل ان القاه ،ظننت انه رحل اىل مدينة اخرى،
الت حلت بها ،لم اظن انه
ظننت انه ابتعد عن العاصمة بسبب الفوض ي
رحل عن االرض بأكملها ،كنت ابحث عنه عىل االرض واالمر يتطلب فتح
اخت ين النادل بأن اقاربه اخذوه
ازرار السماء ،حت رقته لم يعد يف العاصمة ،ر
ً
ودفنوه عند مسقط رأسه بعيدا عن العاصمة.
َ
يوم قضيته معك ،لك رحمة الرب صديق العزيز ،افتقدك وافتقد كل ٍ
ي
وغفرانه.
ً ً
اىل مقرا كبتا
الليت ي
بعد ان استوىل عىل مقر الحزب السابق ،اصبح للحزب ر
وسط العاصمة ،كنت ارتاد ندواته ذريعة لقاء بعض االصدقاء ألبحث عن
(احمد) ،كان هنالك العديد من الصحفيي الذي كانوا يكتبون المقاالت يف
يجيبت احد ،الجميع
ي الت كنت اعمل بها يف السابق ،سألت عنه ولمالجريدة ي
ً
يجيبت بأن ال احد يعلم عنه شيئا.
ي كان
البعض يقول بأنه اختق ألن اتباع الحزب السابق يرومون لقتله والسيما وان
ً ً
ال زال لهم نفوذا قويا من خالل االغتياالت محاولي العودة اىل دفة الحكم،
البعض االخر كان يقول أنه قتل وخفيت جثته ،اخرون قالوا بأنه اختق لحي
اعالن موعد االنتخابات وان مسألة اختفاءه ستيد من التساؤالت حول
الت اكتسبها حي اشعل
وبالتاىل ستداد شهرة باالضافة اىل الشهرة ي
ي موقفه
لهيب الثورة ،لتشح نفسه يف االنتخابات بقوة.
ً ً
اىل ،بدأت احض كل
الليت ي
سعيا للبحث عنه ،قدمت طلبا لالنتماء اىل الحزب ر
اىل بعد ان انضوت تحتالليت ي
الت ينظمها الحزب ر االجتماعات والندوات ي
ً
مبادئه كثتا من االحزاب حديثة التشكيل والمؤمنة بالعلمانية ،كنت احض
تنته بساعة ،لم
ي اىل كل ندوة قبل ساعة من بدء موعدها واغادر بعد ان
يظهر (احمد) ،كنت ابحث عنه بي حوارات الحارصين ،بي كالمهم لو
ً
همسا فأنت َا َ
هم بقراءة حركة شفاههم ي تشاوروا فيما بينهم ،حت وان تكلموا
للبحث عنه.
الت كنت اعمل بها ،القيت التحية
رأيت ذات يوم رئيس تحرير الصحيفة ي
ً
استقالت من العمل يف تحرير
ي عليه بلهفة اكراما للدرع الذي اهداه يىل عند
استقالت
ي سألت عما مررت به بعد
ي تحيت بكل حرارة،
ي االخبار السياسية ،تقبل
من الجريدة ،حدثته عن ما جرى بشكل موجز.
كان لقاؤنا قبل بدء الندوة بقليل ،اضطررنا اىل انهاءه عىل عجل ...
ُ
يسعدن
ي وانا اصافحه ،قلت له :انا بحاجة اىل التكلم معك بشأن موضوع ما،
لو سمحت يىل ببعض الدقائق بعد انتهاء الندوة.
الحزب عىل بينة من تكتالته الجديدة ،ونعلم من كان يؤمن بتطبيق العلمانية
ستعتىل
ي تقلق ،سيخرج يف الوقت القريب ،سيكون رمزنا،
ي ممن يدعيها ،ال
حبه لوطنه ،ال من اجل
ِ صوره شعاراتنا( ،احمد) شجاع وثائر وصادق يف
مصالحه الشخصية ،انت تعرفينه حي كان ر
ينش مقاالته يف صحيفتنا انذاك،
بأنك ستعجبي به لو
ِ ولكنت متأكد
ي اعتقد بأنكما التقيتما مرة او مرتي،
تحدثت معه ،انه انسان يستحق التقدير. ِ
َّ
أياىم ،ال يعلم بأنه لو دل يت عىل مكانه االن
ئت ي يتمت يىل لقاءه !! ال يعلم بأنه ر ي
ً
بأنت
ي موقىع هذا ألذهب إليه ندما ،كان يظن ي كبت منفأنت سأجثو عىل ر ي ي
ابحث عنه كـثائر ،ال يعلم بأنه (رفيق الروح).
قال :حصلنا يف االنتخابات االختة عىل اصوات بنسبة اثنان بالمئة من
مجموع اصوات الشعب بأكمله ،يف حي ان احصائيات جبهتنا لوحدها كانت
اىل بأكمله ونسبة غت
الليت ي
ر بالك بأتباع الحزب
ِ تفوق هذه النسبة ،فما
المصوتي الذين عرفنا نسبتهم عند غلق مراكز االقتاع ،كانت نسبة المشاركة
يف االقتاع ال تتجاوز االربعي بالمئة ،كان هنالك اجحاف بحقنا وبحق عموم
الشعب يف تشكيل الحكومة ،بعد ايام من اعالن النتائج اعلنت الحكومة
ر ً
شء ،طلبت من وه مشكلة اساسا ولم يتغت فيها ي
انفرادها بتشكيل حكومة ي
ً ً
المدن يف عموم البالد
ي الجبهة خصوصا ومن الحزب عموما بأعالن العصيان
ً
من اجل ان تتوقف دوائر الدولة عن العمل وبذلك سيكون الطريق يستا من
اجل اعالن الثورة ،شهد االسبوع االول نزول الكثتين اىل الساحات العامة من
بحظر
ٍ المدن ولكن االمر لم يلبث أال وان انته
ي اجل اعالنهم للعصيان
ون خالل هذه االيام بأن الحكومة
اخت ي
للتجوال واعتقال كل من سىع لذلك ،ر
بحق وبحق الكثتين من قيادات الحزب ،فكرت
ي اصدرت اوامر باالعتقال
اهداف ولم
ي كتت ،خشتانت وتر ي
رحلت ِ
ِ حينها بما تبق يىل من هذه الدنيا،
َ
اعد افكر يف تحقيقها ،عاد الشعب امام القمع ليمنح ثقته بالحكومة ،قل
عدد المنتمي لحزبنا ،ايقنت بأن مصتي هو السجن ،قمت بحرق مقر
ً
الحزب لينتفض الشعب ،تناقل االمر رسيعا عىل شبكة االنتنيت وما لبث
االمر إال عدة ساعات وخرجت كل فئات الشعب اىل وسط العاصمة ،اغلقوا
واجتوا الجيش عىل ترك السالح.
ر كل الطرق
قلت :كيف تم اعتقالك؟ من حرق متلك؟
ويحادثت ،لم ينظر يىل ...
ي بق ينظر اىل البحر
ي
ً
اكمل قائال :بعد ان ثارت الضجة ونزل الجميع اىل الشارع اصبح امر اعتقالهم
صعب عىل ر
الشطة ،كنا قد اعلمنا اتباع الحزب من خالل االتصاالت الهاتفية
التيدية عىل وجوب التول اىل الشارع والتجمهر حول مقر الحزب
والرسائل ر
ئ
رفقان يف ر
العشات من مىع
ي الت اعددنا لها ،كان ي
يف ساعة الصفر للعملية ي
ولكنت كنت الوحيد الذي رميت الزجاجات المحتقة عىل الحزب، ي الجبهة
اعتقاىل عىل الفور ،بقيت يف المعتقل ،بادروا
ي ر ي
خروح منه صعب ،تم كان امر
ش لهم بما يخطط له المخربي بحسب تسميتهم. ر
تعذيت يك ا ي
ري عىل
ً
توقف عن الكالم ،شعرت بأنه يتألم كثتا ...
لما توقفت عن الكالم؟قلت له :ألم يعتقلوك من المتل؟ اكمل َ
ً
اعتقاىل حرقوا مت يىل ،تعرضت لكثت من التعذيب ،تألمت كثتا،
ي قال :كال ،بعد
خشت الكثت ،لغاية االن ارقد يف مشق صغت يف احدى المدن الشمالية
ألتلق العالج ،تمكن افراد الجيش بعد سقوط النظام من ايجادي بصعوبة،
ر
والحشات كنت يف سجن تحت االرض ،كنت انام عىل االرض السجن
عت،
تتغذى عىل اللحم المتهالك عىل جسدي وانا غت قادر عىل ابعادها ي
ً
سأجعلهم يدفعون الثمن غاليا.
يخنقت :ماذا فعلوا بك؟
ي قلت والخوف يكاد
ً
وكأنه نادما ...
قال :النض بحاجة اىل تضحية تفوق وزنه وحجمه وانا ضحيت بالكثت،
لخسارن الشديدة ،ولكن،
ي قتىل ليثور الشعب ،اردت الموت
تمنيت ان يتم ي
حصل ما حصل.
ُ
تألمت معه ،تألمت عن كل كدمة طالت جسده ،تألمت بذات االلم حي
انت اتمكن من انتشال كل ما يؤلمه ألضعه يف جسدي حت
عانقته ،تمنيت لو ي
عىل ان اضع يف خاطره كلمات
يعود ألناقته و وسامته وهيئته االوىل ،كان ي
دمىع ،لم يتوقف
ي لتهون عليه ،كيف وانا اتألم بقدره ،ال بل انا عدت ال اتمالك
دمىع منذ ان بدأ بالكالم.
ي
ً
قلت :ال تحزن ،تضحيتك اصبحت منارا ينت درب كل مضطهد لأليام
ُ
القادمة ،الوطن وكل ما عىل هذه االرض لن ينسوا لك تضحيتك ،أ َلم ترى
ٌ ٌ
وه تمأل مداخل الشوارع والساحات العامة؟ انا فخورة بك ،فخورة
صورك ي
اىل
الليت ي
ر انت انتميت اىل الحزب
بتضحيتك وشجاعتك كما االخرين ،حت ي
ً
تيمنا بشجاعتك ،اصبحت احض كافة ندواتهم واجتماعاتهم ،أعددت عدة
شء ر
برامج انتخابية وخطط سأعرضها عىل المجلس التنفيذي ،لن اقدم أي ي
ر ً
شء واخره. إال من خاللك ،سأطلعك عليها اوال ،ألنك انت عندي اول كل ي
َ
سألقاك يف وقت قريب ،بضعة اسابيع،
ِ تنفس الصعداء ،قال :ي
عىل الذهاب،
ً ُ
ألنك ما ِ سأشق من اثار التعذيب فحسب ،امامنا الكثت من العمل ،شكرا
خاتم.
ي زلت ترتدين
ً
ظل جالسا ،وقفت امامه ألودعه ..
قلت :تركتك مرة وافهمتك االسباب ،اعدك بأنها االختة ،اقسم لك بكل وجع
َ َ
بأنت لن اكرر ما فعلته ،احبك ،سأنتظر عودتك ،سأرافقك كل
رأيته يف غيابك ي
درب تست فيه ،اعدك بذلك.
ً
كالىم ...
ليثت عىل ي
ابتسم كذبا ،هز رأسه ي
ً
الماض.
ي الثان من نيسان
ي قلت له :شكرا عىل القصيدة ي
الت تركتها يىل يف
ابتسم ابتسامة حقيقية ..
بك ،هذا التأري ــخ يشبهك، قال :هذا التأريـ ــخ مهم لدي ،ولدت ِ
فيه ألجل ان اح ِ
ال ينش ولن يتكرر مرة اخرى.
قلت :منذ ان جلست واىل االن وانا انتظرك تخلع النظارة يك ارى عينيك ،لم
ئ
الشاط ال يزال شبه مظلم ،هنالك ضوء ألعمدة االنارة تشق الشمس بعد، ر
ً
فقط وال اعتقد ان احدا ستاك ،ارجوك اخلع نظارتك ،انا بحاجة لرؤية
ً
عينيك ،اشتقت لهما كثتا.
يجيبت ،انحت رأسه اىل األسفل ..
ي لم
ً
سنلتق مجددا وسنتحدث عن الكثت.
ي عيت وشأنها، قال :ي
دع ي
أىل؟ َ ر
شء ،توقعت وجود كدمات قوية عىل وجهه ،لما ال ينظر يشعرت بوجود ي
انحنيت واتكأت عىل ركبتيه ألنظر اىل وجهه ،رفعت النظارة من عينيه ...
بعي واحدة !!!
رأيته ٍ
كبت ،لم اصدق ما اراه ،لم يكن وجهه ،اين عينه ،لم تكن
جثوت عىل ر ي
وجنتاه الجميلتي ،لم تكن شفاهه ،اين جماله الذي كان تقشعر له ابدان
الحسن!!
ِ
ً
الموقف صادما للغاية ،رسقوا عينه اليمت من وجهه اثناء التعذيب ،لم يتبق
منها سوى مكانها الفارغ ...
رفع يده لينادي عىل احد رفاقه ،احتاج ألن يتكأ عىل احدهم لينهض ،رحل
عىل ... َ
كتق ليهون ي
كت جاثية عىل ركب يت ،وضع يده عىل ي وتر ي
ُ
لكنت
ي بنتة الغضب :أترين ما انا عليه؟ اصبحت انا االن ال اصلح للزواج، قال ر
ُ
ولكنت لن
ي سأمنحك حق الخيارِ عنك،التخىل ِ
ي احبك وال اريد
ِ ألنت
لك ي جئت ِ
ً
وجه مقززا.
ي عنك حت بعد ان اصبح اتخىل ِ
َ
ش احدى عينيه من اجل مبادئه ،كان يتكلم بندم ألنه اراد ان يقتل وليس خ ِ
ً ََ
ان يعيش بعوق ،فهمت ذلك من كالمهَ ،من عذبه كان ملما بأنواع العذاب،
شء وهو النظر ،يك يزرع فيه الندم بدل الموت ألنهر
اراد ان يأخذ منه اهم ي
اشعل فتيل ر
التوة.
ً
مواقق اتجاهه ،لم تتغت تلك
ي ولكنت لم اتراجع عن
ي حزنت كثتا ألجله،
ً
عيت وسيما كما كان ،سأبق انظر لوجهه
ي الت احببته بها ،سيظل يف
النظرة ي
وارى ذلك الجمال الذي تغزلت به ف هاجش ،سأعشقه ر
اكت ،سأطلب منه ي ي
ان نتوج بأقرب فرصة ،لن اتخىل عنه ،لن اعيش ما تبق من العمر بدونه،
روح).
ي سيظل مهما كان (رفيق
ان
الق محارص ي
صون وانا ي
ي نشاط يف الجامعة ،بدأت بأعالء
ي مرت ايام ،ازداد
َ
الت وددت تقديمها اىل الحزب ،عدلت عن كل
السياسية ،انجزت المقتحات ي
ُ
سلم كنت قد كتبته ،بعد ان رأيتهم رسقوا عي (احمد) ،خططت ي مقتح
لشقة ما تبق لهم من ايام.
الت كنت اعمل بها تقدمت للحزب بعدة
برفقة رئيس تحرير الصحيفة ي
عت الهاتف بعد ان اتصل ر ين
مقتحات ،كنت قد تحاورت بشأنها مع (احمد) ر
َ ُ ئ
بأنت لن اتخىل عنه رغم كل ما
اختته ي
عت ،هونت عليه ،ر ذات ليلة ليطمي ي
عيت لو شاء،
ي بأنت سأتغزل به عند اول لقاء لنا ،سأمنحه
ي حدث ،وعدته
وجه يف المرآة.
ي وكيف ال ،وانا ارى من خالله
خططان االرض الخصبة لما كان ينوي عليه (احمد) ،كنت قدي كانت م
ً ً
اعددت مضادا حيويا يخلص البلد من ازالم النظام السابق مع ضمان عدم
عودتهم.
ً
طلبت من المجلس التنفيذي للحزب ان يكون لقاؤنا رسيا ألعضاء المجلس
عمىل ،طلبت منهم ان يغلقوا
ي عت وعن
التنفيذي فقط ،تقدمت لهم بنبذة ي
ً ً
باب االشتاك يف عضوية الحزب فورا ،طلبت ايضا ان ال يمنحوا اي منصب
داخل الحزب اىل اي عضو تم االشتاك بعضوية الحزب بعد قيام الثورة
رشحت مديري يف الجريدة لرئاسة اللجنة االعالمية كما
ي واولهم انا ،حت ال ي
وعدن ،طلبت منهم ان يرشحوا يف االنتخابات المقبلة االعضاء الذين ناضلوا
ي
بالفعل من اجل التخلص من النظام السابق واالطاحة به وان يتم ابعاد اي
ً
عضو عن التشيح لم يكن له نضال سابق ،طلبت ايضا ان يتوقفوا عن بث
االشاعات بأن الحكومة القادمة ستتشكل وفق اسس التكنوقراط فحسب،
البديه ان
ي طلبت ان يمنحوا حق التصويت للشعب واختيار من يمثله ،ومن
الت ستكون الفاصل بي المرشحي ،طلبت منهم ان ال
ه ي اسس التكنوقراط ي
يمنعوا اشتاك الحزب السابق من التشيح لالنتخابات ،ستشح من كان منهم
ً
مؤمنا بمبادئ ذلك الحزب اللعي حينها سيقدمون لنا اسماؤهم واسماء
هم جاهزة من االن .
اتباعهم ،بعدها نقدمهم للمحاكمة بت ٍ
بعبارة اجابته
ٍ كالىم ،سبق كالمه
اعتض احد اعضاء المجلس التنفيذي بصدد ي
عت ..
نيابة ي
ً
عليك قبل الجميع؟
ِ قال مستهزئا :أال تالحظي بأن هذه ررسوط تنطبق
مصداقيت ،انا كسبت عضوية الحزب قبل فتة قليلة ،انا
ي اجبته :وهذا يثبت
ان اىل هنا
مصلحت ،انا ال ي
ي هنا من اجل مصلحة الشعب ،ال من اجل
للحصول عىل امتيازات ،اتقدم بهذه المقتحات لكم وانا بعيدة كل البعد عن
ومكانت يف المجتمع ،ال امل ان يضيف
ي وظيفت
ي اي ترشيح يف االنتخابات ،يىل
شء ،انا هنا من اجل كل دماء سالت من اجل زوال النظام ر
يىل الحزب اي ي
السابق ،من اجل كل من ضج من اجل هذا الوطن ،قد اقتفتم خطأ كبت
حي فتحتم ابواب التشيح للحزب عىل مضاعيها وتحالفتم مع كل االطراف
بغض النظر عن ماهيتهم ،هل تأكدتم من النشاط السابق ألي حزب تحالفتم
درتم حجم تضحيات كل حزب تحالفتم معه؟ هل درستم ماهية معه؟ هل َق َ
َ َ
بقميص بال ازرار ،تهشمت بي يديه ليلة
ٍ اقتنع باإللحاد ،استيقظت كالذي
ً
امس كبلورة سقطت من يد طفل كان يمرح بهاَ ،
انهمرت مشاعرنا عىل رسير ذا ٍ
ُ َُ َ اغطية حمراءَ ،
فعلنا ما لم اكن اتوقعه ،حدث ما كنت افكر ِبه وانا اوضب
مجيئه.
ِ اغطيت قبل
ي
بشء لم يشعر به من قبل، ر
ساعاته االوىل ،يشعر ي
ِ استيقظت كالملحد يف
ً
يشعر باالنتصار والخوف معا ،يشعر بالراحة الممزوجة بالندم ،يشعر وكأنه
يمشتمة كهف ليمض ف طريق يخاف نهايتهَ ،فر ٌح ألنه ر اوقد الشمع ف ع َ
ي ِ
ي ِ ٍ ي ي
ّ َ َ
فيما الكل نيام ،فر ٌح ألنه َيتفكر فيما الكل خائفٌ ،
فرح ألنه هادئ فيما الكل ِ
نتماء ما.
متعصب إل ٍ
ألول مرة ،اعلم بأن هنالك القصائد تكتب عىل الجسد ،ألول مرة اسمع
ئ
مرن. ر
شء غت ي حيان ارى ي
ي قصائد ال تقال ،ألول مرة يف
جل ما اتذكره انه فك ضفائري بعد كأسنا األخت ،وانا مستلقية عىل رسيري،
أش ليس عىل وسادته ،كنت قد
عيت واغمضتها ،شعرت بأن ر ي
ي فتحت
مت ،استيقظت وهو ال يزال نائم ،التفت
توسدت يده اليشى وهو بالقرب ي
ويخرجت من جنته ،اردت تمعن وجهه ،كان ي إليه ببطء حت ال يستيقظ
ً
اودن عن نفسها ،كانت يفوسيما كما عرفته واحببته ،كانت عينه المفقودة تر ي
ُ
مكانها ،كنت ال اراه كريم العي ،كنت اراه بكلتا عينيه الجميلتي.
ً
قميض
ي نظرت اىل جسدي فوجدته خاليا من بصمات يده ،طال االمر ازرار
ُ
خت ما املك ِمن ق َبل ،بدأت استذكر ليلةفحسب ،جمعت اطراف قميض أل ر ئ
ي
االمس ،تذكرت يف البدء كيف كنت اجلس بي احضانه ،كيف جمع شعري
ََ َ
خصالن لثالث خصل ليصنع
ي وفكه االف المرات ،كيف تغزل ر ين وهو يفرق
َ َ
والشعر.
ِ فتة من الشعر
يىل ض ِ
بهدوء حت ال ازعجه ،كنت انظر لوجهه ببطء وابتسم،
ٍ كنت اتنفس الهواء
بدأت استذكر كل ما حصل بالتفصيل وأبتسم.
َ ً ً
ترجمة لكل خاصت ،كانت
ي يف األمس ،كانت خالصة لدموع فرح أحالم اليقظة
َ ً َ َ
لحظة استلذاذ خشعت بها ،شهد رسيري سيوال من الق َبل بعد ان َجدب من
شحتها.
ٌ
عروف بعطر جسده وتكحلت عيناي ي فيه
كان صباح جميل ،صباح ابتلت ِ
َ
برؤيته ،غنت يىل صغار العصافت يك افيق قبله ،يك اشعر باالنتصار عىل
الت
التمت اىل الحقيقة ،بغض النظر عن السني ي
ي رسيري ،كيف تغت الحال من
تطلبت لذلك.
شء يف الوجود انك تحقق ما كنت تستحيل تمنيه ،يف ذلك الوقتر
اجمل ي
تثت عىل كل لحظة َ
ستسم عىل وجهك ابتسامة تمنحك الفخر ،ستجعلك ي
َ
ارصار قدمتها ألحالمك ،ستجعلك تهاب نظرة عينك لو دققت يف المرآة
لثوان.
الت كنت
بقيت اتمعن وجهه الطاهر لدقائق عديدة ،حدثته بذات الطريقة ي
مكتت فجأة أللتقيه اول مرة ،حينما
احدثه بها يف ايام لقاؤنا االول ،حي دخل ر ي
كنت اكلمه بصوت الصمت ،ذلك الصوت الذي يخرج من حنجرة الروح عند
الهيام.
ً كم تمنيت ئ
يعانقت ،لم اظن انه قادرا عىل
ي لقان هذا ،كم حلمت به وهو
ي
بروح كما يعبث المشعوذ بعقول الجهالء ليثت اندهاشهم بأبسطي العبث
الت ررسبناها ليلة امس ،بعد ان اعددت لهاالمور ،تذكرت زجاجة النبيذ ي
ٌ
تشته تأمالتنا ونبيذ وقبلتي ،ابتسم
ي طاولة لشخصي ،عليها من الشمع ما
حي رأى ما اعددت له ،كيف رحبت بقدومه ،رحبت ِبه بقبلة عدا تلك
ً
لفوزه الساحق يف االنتخابات.
ِ القبلتي اللتان عىل الطاولة ،كنت سعيدة
ً
بكم من العسكر
لبيت ِخلسة ،لم يعد امر لقائنا طبيعيا ،اصبح محاط ٍ ي جاء
بأنت اقرب من
ومراقب من كل الجهات االعالمية ،ورغم كل ذلك ،كان يعلم ي
كل الناس له ،انا احقهم باالحتفال معه بذلك الفوز الساحق لكل من خذله
ً
مسبقا.
اىل حصل (احمد) عىل ر
الليت ي
ر اكت اصوات الناخبي ضمن نطاق الحزب
وحصل الحزب بالمقابل عىل اغلبية كبتة من اصوات الناخبي يف عموم
البالد ،فيما تمكنت االحزاب المتبقية من الحصول عىل اصوات ضئيلة.
ً ً ً
اصبح (ألحمد) االن مركزا قويا للغاية ولكن تأييده يف الحزب بات ضعيفا،
اشتدت الخالفات بينه وبي اعضاء الحزب يف الفتة االختة حت انهم اج رتوا
عىل ترشيحه.
وعانقت،
ي انتظرته لما بعد منتصف الليل ،دخل البيت بخطوات مسائية
قدىم عىل
ي وضعت كلتا يداي حول رقبته حت ارتفعت عن االرض ،لم تعد
االرض ،درنا حول أنفسنا عدة مرات من شدة الفرح ،درنا حت ر
بعتنا الكواكب
ً
خارج مجموعتها الشمسية ،ايهما كان السبب ،لم يعد االمر مهما ،كان ظاهرنا
فرح الفوز يف االنتخابات ،اما باطن االمر كان فرحة اللقاء الذي يجمعنا،
اختلط علينا االمر ونحن ندور حول انفسنا.
الت
حي انته دوراننا لم انفك من حول رقبته ،كنت است عىل تلك الحلقات ي
خلقها الرب من الغبار والجليد حول كوكب (زحل) ،كنت است هناك وانظر
ً اىل بقية الكواكب ،كان عددها احد ر
تسعذكريان عىل مي ٍ
ي عش كوكبا ،رأيت
ً ً ر
العارسة ،وارى كوكبا واحدا ليلت
ألقض يي منها ،كنت است حول كوكب (زحل)
ً
بعيدا لم تكن يىل فيه ذكرى بعد.
الت
الت كانت بأنتظاره ،جلس فالتفتت إليه زجاجة النبيذ ي
جلس عىل الطاولة ي
ً ً
عىل الطاولة ،التفتت من شدة جماله ،كان وسيما جدا ،الكأسي اللذان عىل
ُ
لك يختاره ليسكب فيه
الطاولة تشاجرا فيما بينهما ،كل كأس اراد التقرب منه ي
ررسابه ،كؤوس النبيذ رفضت مذاق النبيذ امام مذاق شفاهه.
انت
جلست بقربه ،جلست عىل يساره ،لم اجلس امامه حت ال يظن ي
استغرب النظر يف وجهه لو اطلت النظر لوجهه كما اعتدت ،ظننت أنه
ً ُ
ألنت لم اجلس امامه يوما إال
ي لعينه المفقودة بغرابة،
ِ بأنت انظر
سيفكر ي
جاحظة العيني ،جلست يف زاوية يك اكون ضمن حدود نظر عينه
وكنت ِ
الوحيدة.
شء طعمه االول ،حت لمسة اليد ُ ر
ما اجمل اللقاء بعد الفراق ،يكون فيه لكل ي
ً
غمرن
ي اماىم،
ي تكون اشبه باللمسة االوىل ،اشتقت له كثتا ،واالن يجلس
قلت ميسور الحال.
الفرح حت اصبح ر ي
تحدثنا ونحن ر
نشب النبيذ ،لم تفارق االبتسامة وجه (احمد) إال يف تلك
اللحظة الذي توقف فيها عن الكالم وانا انصت له ويداي متكاتفتي عىل
الطاولة ،حي سألته عن سبب صمته ..
قال يىل :كنت امتلك عيني ولم اتمكن من احتواء جمالك ،االن ال املك إال
وه متعبة من تصفيفة شعرك فقط ،ماذا سأفعل بما تبق من
عي واحدة ي
جمالك.
هونت عليه ،كنت ال اريده له ان يحزن وسط هذا الفرح العارم الذي يجتاح
مقلتينا ..
قلت له :انظر لما حولك من نجاح ،انظر اىل صورك ي
وه تمأل جدران
والمقاه ،انت الرابح
ي التاري ــخ ،انظر اىل التلفاز والمذياع وحوارات المنتديات
االكت بعد الوطن ،تتغت كل فئات الشعب بأسمك ،أال يسعدك ذلك؟
ر
وظيفت وجه يف المرآة ،واستذكار شء إال رؤيةر قال :نعم،
ي ي يسعدن كل ي
ي
السابقة ،اشتقت لتلك االيام الهادئة.
ً
مسكت كف يده ،وابتسمت ،سألته ألخذه بعيدا عن األلم ...
تسعدن يف ذكرى ميالدنا؟ او باالحرى ميالد حبنا،
ي قلت :كيف استطعت ان
َ ُ
كيف وضعت القصيدة عىل باب مت يىل وانت لم تكن يف العاصمة؟
(عشقنا) وليس (حبنا) ،نحن تجاوزنا (الحب) منذ قبلتنا قوىل ذكرى ِ
ي قال:
قصيدة اخرى ،قبل ذلك اليوم كان قد
ٍ االوىل ،كنت قد كتبتها يف السجن مع
ئ
اصدقان وانا يف المشق بعد ان خرجت من المعتقل بأيام، ارن بعض
ي ز ي
تأخر من الليل دون ان
وقت م ٍ
اوصيت احدهم ان يضعها عىل باب متلك يف ٍ
يشعر ِبه احد ،بعد ان زودته بالعنوان ،كان غالب الظن لدي انك لن تقرئيها
اللياىل.
ي يف وقتها المحدد ،بعد ان مض عىل وداعنا االول الكثت من
ً
سحبت يدي منه خائفة ...
قلت :وداعنا االول !!! لماذا اسميته االول؟ هل سنودع بعضنا مرة اخرى؟
ُ
بت ،ررسب كأسه ،اكمله عىل عجل ،استمر بالصمت دون ان ينظر يف لم يجي ي
عيت.
ي
احتسيت القليل من النبيذ وانا انظر إليه ...
ً ُ
قال :االمور تجري كما لم اخطط لها ،انصدمت يف الواقع كثتا ،ال اعلم ما
تخبأه يىل االيام القادمة.
قلت :ارجوك ان تنتبه لنفسك ،مر زمان وانا اتجنب تحذيرك من الواقع
الت تحاربــها وانظر اىل
السياش الذي يدور حولك ،انظر اىل حجم المصالح ي
ي
السالح الذي يحمله ذوو هذه المصالح ،عليك ان تنتبه ،لو كان االمر بيدي
ً
لطلبت منك ان نذهب للعيش يف قريتكم ،ان نعود اىل متلك القديم بعيدا
َ
الت تحيط بناَ ،ب َنيت مستتك عن كل هذه المخاطر ،عن ضوضاء الغدر ي
يكق عدائك مع الحزب
اىل واالن بت تحاربه ،أال ي
الليت ي
وشهرتك عىل الحزب ر
السابق؟
ر
تقلق.
ي قال :سيكون كل ي
شء بخت ،ال
تساورن ،هممت بالبحث عن ررس ٍ
يط احببته ي الت
تغاضيت عن كل الشكوك ي
ً
االلمان (باخ) ،احتفظت ِبه
ي جدا ،كان يحتوي عىل مقاطع موسيقية للعازف
الت وضع فيها (احمد) يده عىل القمر واطفأ عيدن اىل تلك اللحظة ي
ي ألنه ي
كبت ،اردتضياءه وقبلت قبلت االوىل ،اردت لهذه المشاعر ان تعيش ال ان ت َ
ي ي
لت االوىل. َ ر
من موسيق القرن الثامن عش ان تتامن مع زمن قب ي
َبعثت موسيق (باخ) وسط ارجاء غرفتنا ،حذرتها من ان تتعدى حدود
طاولتنا ،حدود ثمالتنا ،بعثتها لتسمو ارواحنا من غرفة الجلوس اىل غرفة
قلت.
المنام ،لنتوحد بجسدين ضد الهجر ،اردت ان اصلح ما افسده ر ي
ً
طاولت ،نظرت إليه من جديد ،ابتسم يىل ولم يقل شيئا ،كان من
ي رجعت اىل
المفتض ان يقول يىل يف هذه اللحظة "احبك"
ً
سألته :لما تبتسم كذبا؟
قال :هل سنعود كما كنا؟
قلت لهَ :
ولما ال؟
ُ ٌ ُ
قال :انتاب يت شعور يذك ي
رن بكل ألم تغلغل جسدي عند هجرك ،كتبت عدة
تتذكريت؟ هل
ي انت؟ بماذا تشعرين؟ هل
عنك ،اين ِ
ِ ابيات اتساءل فيها
مثىل؟
عينيك تنهمر عىل الوسادة ي
ِ الدموع من
يعشقت ،ولكنه يعشق يت لما بشء ،لم اجيبه ،شعرت بأنه ال يزال ر
ي لم اتكلم ي
ٌ
قبل فراقنا ،ايقنت بأن كل اعتباراته الحالية مبينة عىل الجرح الذي تسببت ِبه
له.
ً ر
الت كتبها يف
رسبنا كأسي معا ،طلبت منه ان يروي يىل ابيات قصيدته االخرى ي
السجن.
ولكنت اعشقه ،اعشقه ألنه يكتب ،وألنه
ي بوافر من األلم،
ٍ انشدها يىل ،انشدها
مت ..
ألجىل اعشقه ،ال ضت لو تألمت لطالما انه بالقرب ي
ي يكتب
معتها برغم ما احتوته من ألم ،كانت الموسيق سباقة ألن تنصت له، َ
س ِ
شء يف مت يىل كان يعشقه ،اجتمعنا ر ر
حوىل لينصت له ،كل يي شء مناجتمع كل ي
ً
لقصة من جدتهم ،النبيذ
ٍ سويا لألنصات له ،جلسنا كاالطفال وهم يستمعون
ً
ولكنت جلست يف الصفوف االختة خوفا من اللوم.ي والشمع وانا،
َ
ارتشف من كأسه ،ثم بكل وسامة ..قال:
يـا أمـيـة ال َـمـشاعـر أص ِـغـي ألـي
يـا َك َ
ـومـة أحـج ٍـار ..يـا زمـرد ال َـح َـجـر
َ
يـا أمـيـة االح َـسـاس ت َـه َـجـي حروفـي
َ َ َ َ
تـلـفـظـي مـا كـتـبـت ل ِـك مـن دون البـشـر
َ
يـا ِعـشـق الـعـمـر يـا قـيـثـارة أحـزانـي
َ َ َ
يـا لـيـلـي الـمـظ ِـلم يـا ضـوء الـق َـمـر
ً
يـا كـافـرة بـمـا أؤمن ..يـا مـل ِـح ٍ
ـدة
َ َ َ َ
ـالم َلـ َعـنها َوشـتـم َأبـويـهـا الـقـدر بـأح ٍ
َ َ
أعـتـذر الن ِـفـعـالـي و لغـضـبـي ،ف َـهـذا
َ
ـرك ِعـنـدمـا ه َـجـر َ َ
مـا تـسـبب ب ِـه ِعـط ِ
َ َ
الـنـوم وال ِـوسـادة َبـعـد ِك تـؤلـم يـت
َ َ َ
و يـذبـح عـيـنـي لـغيـر ج َـمـال ِـك الـنـظـر
َ
وأن ِـت كـيـف تـمـضـي سـاعـات ايـام ِـك
َ ََ
ال أعـلـم ال أقـنـع ال أفـقـه أن اوقـات ِك تـمـر
ر أنوث َ َ
الشء ـتك بـعـض ي ِ أحـف يـت لـي من
َ ً
ـياىل السـهر وابعثـيه لـي مع تـنـهيدة ِمـن ل ي
َ
ـثلك امـرأة لم أرى كـأنـوثـت ِـك ولـن أرى كـم ِ
َ
كالضـفاف والن َـهـر نـعومتـهـا وروحـها ِ
َ
ََ
ع ذكـريات ِـك تـملـئ غـيـاب ِـك وان ِـت لم تـد ي
ُ
ـنت ِفـيها بالعالنـيـة وال َـجـهر ذكـرى إال وك ِ
َ
عـودي يـا ضـحـكـة أيـامـي يـا َجـنـاتـي
َ
الـخـضـراء يـا َسـمـائـي واالرض وال َـب َحر
َ َ ُ
ـدك وأتـجـاهـل كـرامـتـي ؟وألـعـن ِلـما أري ِ
ََ ئ
ـودك ذكـر ـان لـو لـجـح ِ وأرجـم كـبـري ي
َ ََ َ
ـأنك لـن تـعـودين مـاذا أفـعـل ألقـنـع ب ِ
َ َ َ َ َ
لك أنـف َـجـر سـأبـتـر قـدمـي لـو الـشـوق ِ
ً
َحـت ال أعـود لـجـنـت ِـك َجـميال فأنا
الس َـحـر
بهجرك شـبه أنـسـان أنـام لـيـىل عند َ
ي ِ ِ ِ
َ
يـا حـبـيـب يـت سـامـحـيـنـي عـن ما قـلت
َ فال َـحـنـيـن َط َـغـى وعـلـى َ
الصـبـر أنت َض
َ َ ٌ
شـتـان بـيـن مـا كـتـبـت ومـا أريد ..أريـد
َ
خلصيت من هـذا الـق َـهـر
ي ـدك فـ
أن ال اري ِ
َ َ
أعـطـفـي عـلـي فـأن ِـت بالـحـب َرعيـت يت
َ ً ََ
كالذي أنتـشـل َيـتـيـما ربـى َبـيـن الـغـجـر
يسمع توجيهاته احد ،قرر بعد ذلك االنفصال عنهم يك ال يكون من ضمنهم
ً ً
او ررسيكا لهم ،الفرق كان واضحا فهو يتقاض ع رش ما يتقاضوه ولكن االمر لم
يكن بهذه البساطة ،كان يظن بأنهم افضل من الحزب السابق ،ولكنه وجد
الفرق بالمسميات والمالبس فحسب.
لم تشهد البالد أي تغيت بعد االنتخابات ،تغتت الوجوه فحسب ،عاد
االغنياء اىل دورهم ر
ورسكاتهم ،وعاد المخادعي الدجالي اىل وزاراتهم
لتحم رساق المال العام
ي ومناصبهم ،عادت قوات االمن اىل ثكناتها العسكرية
ختهم ،عاد العاطلي عن يف بيوتهم ومكان عملهم ،عاد الفقراء اىل فتات ر
اكت ر
واكت ،حت بدأ يصادر اموال من كان العمل اىل التسول ،تمرد الحزب ر
َ ً
منتميا للحزب السابق ر
ويشد عائلته ،بدأ التهجت شبه القشي للمتديني اىل
ً َ
المدن المجاورة ،اضحت الكنائس خالية يوم االحد وخلت المساجد ايضا،
ر
انتشت المظاهر غت االخالقية يف الشارع ألستغالل السياح ،اصبحوا عىل
ً ً
هذا الوجه من جراء ما كان مكبوتا ومحرما باألمس تحت هدف (الحرية)
َ ُ الليتاىل ً
بناء عىل كرهه الدفي لألديان ،اكتشفنا الذي دعا اىل تحقيقه الحزب ر ي
ً
الت بداخله كانت كفؤة بسياسة االنتقاد فحسب.
ان جميع الكفاءات ي
تكلمت معه بألف موضوع وبألف ذريعة حت تصاعدت ادخنة االمل من
احالىم ،ستتحقق جميعها ،ستتحقق واكون زوجته ،سنمزج الحب بالغزل
ي
لياىل.
سنحتش منها ما نشاء من ي
ي زجاجة النشوة،
ٍ ونضعهما يف
ً
ينته ،ولكن الوقت قد حان ،وال سيما وانه جاء متخفيا
ي لم اريد للقائنا ان
بسيارة صغتة برفقة (هشام) ،رحل وترك ِسحر عينيه يف خاطري.
ٍ
منذ ان عرفته ولغاية االن ،ألول مرة االحظ الغرابة يف نظرة عينه ،طوال
اللقاء وهو ينظر يىل دون ان يلتفت او ترمش عينه ،لم ارى نظراته بلهفة كهذه
من قبل.
كلماته يف
ِ يوم غد فقط من يفصلنا عن العناق ،تمنيت ان ال يكون صدى
ً
السياش من
ي لكنت متأكدة من انه سيتك عمله ي المؤتمر مؤثرا عىل قرارته،
ً
اجىل ،ايقنت مسبقا بأنه جدير بالتضحية ،انا اغىل ما يملك ،وانا ال املك يف
ي
الدنيا سواه.
ً ٌ
جميل وممت ،كان جميال لدرجة ان أي حديث افتقنا ،بعد ان كان لقاؤنا
يفسده.
ً
عت بخطوات وهو ال يزال ينظر يىل ،يبتسم وكأنه يريد ان يقول شيئا،
ابتعد ي
مثىل ،لعله يفكر يف قرار يوم غد ،هل سينجح كما
رغم ذلك كان شديد الفرح ي
ً
اىل؟ ام انه سنعكس سلبا عىل
الليت ي
خطط له يف ان يكشف فساد الحزب ر
تاري ــخ نضاله؟
ً ً
عدت عىل امل ان القاه غدا ،انتظرت كثتا ولم يأت الصباح ،لم ر
تشق
يمض من الوقت إال نصف ساعة فقط. اش لغاية االن ،لمر
ي الشمس ،انا يف فر ي
ُ
تأملت ما سأكون عليه وانا اتشبث بيده من شدة الفراق ،احتويه من ك رتة
ً
فرحة بالشكل حيان ،انا لم اكن طفلة سعيدة ألكون ِ
ي الفقدان الذي طرأ عىل
ُ ٌ
احالىم ،يىل حكايات مع القدر ال يقوى الظلم عىل سماعها،
ي المعتاد لتحقيق
ٌ ٌ
ألنت
ي سعادن اقل بقليل من حجم السماء ،سعيدة ي سعيدة انا االن وحجم
ً َ َ
قلت كثتا.
سأكون منه و فيه و إليه ،لم اتمكن من النوم ،ظل يتقلب وسط ر ي
نفش مستيقظة ،اجلس القرفصاء ،نمت رلتهة من الزمني يف صباح ،وجدت
َ
وحلمت بالخوف ،لم انم بعدها ،بقيت جالسة اىل ان ررسقت الشمس.
ً ٌ ً حلمت بأنت ر
اخافت كثتا ،قاومته بكل
ي شعور ان مجددا،
امش خلف جنازة ر ي
ي ي
ً
انتابت فحسب ،بعد ان
ي ما اوتيت من امل ،خفت من الحزن مجددا ،شعور
انتابت شعور يجذب
ي ازهار سوداء،
ٍ عقىل وهو يحمل ي تمتم شيطان يف
ُ َ َ
الشياطي يف وضح الصالة ،كل الدنيا ال تعلم مقدار الشياطي الذين يجولون
َ
يف خاطر امرأة عندما تحزن.
وه تعانق السماء ،كنت اشعر بألمه وهو
كنت عىل حق ،كنت اشعر بروحه ي
يتلق رصاصات الحزب يف صدره.
ٌ
شخص اغتيل (احمد) يف الصباح الباكر عند خروجه من متله ،اطلق عليه
الق القبض
يضع لثام الحقد عىل وجهه عدة رصاصات من عىل دراجة نارية ،ي
ً
عليه فورا ألنه اضطر ان يطلق رصاصته من عىل مقربة منه يك يتجاوز
العسكر الذين يحيطونه.
ً
روح) واصبحت وحيدة،
ي آن االوان بان نفتق ،هكذا اراد القدر ،رحل (رفيق
امنيان ال زالت احالىم، خت وفاته وهو ٌ
ح يرزق يف كيف يىل ان اصدق ر
ي ي ي
العفن ،كنت اشك صامتة مثىل ،كنا نريد الرحيل عن ارض الوطن ،نتك ارض َ
ي
ئ ً
يمتىل من ولكنت كنت اخاف التفكت فيه ،وطننا لم
ي يف ان امرا كهذا سيحدث
مت.
دماء شهدائنا بعد ،اشته دماءه فأخذه ي
يكتق بعينه؟
ي ألم
يكتق بتعذيب جسده؟
ي ألم
يكتق بكل تضحياته السابقة؟
ي ألم
ٌ
وطن اضج ال يستحق ان يذكر بعد االن ،ال يستحق سوى ان نبصق بوجه
آثاره.
شء يستحق العيش ،انته كل املر
يف هذا الصباح قاتم اللون ،انته كل ي
الت امتلكها مع موته ،ال اريد التفوه
سقيته منذ االمس ،ماتت كل الحواس ي
بهذا.
هو لم ِيمت ...
ذهب اىل مكان بعيد عن ضوضاء الحياة ليكون بانتظاري
هو االن بانتظاري
لن أتأخر عليه
َ
جعلتت عىل قيد االفاقة ،لم اغيب عن الواقع،
ي الت تلقيتها
قوة الصدمة ي
ً ٌ
روح فقط َمغمية عليها ،اما جسدي ظل صامدا ،فقدت النطق ي وقعت
ً ً
مجددا ،لم اعد اقوى عىل الكالم إال همسا ،ولكن َ
لمن اهمس؟ كنت اهمس
كتق ،لم رارسك بحبه
لحبيت فقط ،اعتدت عىل الهمس بأذنه وهو يتوسد ي ري
ً
مخلوقا ،ال حبيب إال هو.
الت حدثت يف المدينة بحثت عنه ،است يف الطرقات واتذكر
وسط الفوض ي
ُ ُ ً
خطواتنا ونحن نخرج صباحا اىل العمل ،حي كنا هادئي ،حي كنا ال نكتث
الت تسم (وطن) ،اللعنة عىل ارض
لسياسة البلد ،ال تهمنا تلك القمامة ي
الوطن.
عشات حاولت االتصال (بهشام) ولكنت لم اتمكن من الكالم ،بعثت له ر
ي
ً
الرسائل ولم يجدي االمر نفعا ،كنت است كالمجنونة وسط الزحام ،كنت اردد
رَ
التى ،كنت اسمه وارتعش ،اريد ان اراه ،اريد ان اتمعن وسامته قبل ان توارى
ال اعلم ما افعل.
استمريت اجوب الشوارع ولم اتمكن من معرفة مكانه ،سمعت بأن (هشام)
تعرض اىل بعض الرصاصات ولكنه لم يمتَ ،
لما مات (احمد) لوحده؟ سألت
القدر أللف مرة ..لما مات (احمد)؟
اصابت بجروح كثتة ،مكثت أليام
ي متح
لم احض جنازته ،تعرضت لض ٍب ر
عىل اثره يف المشق.
سمعت عند غروب الشمس بأن نعشه سيكون يف وسط المدينة ،يحتفلون
ً ً
بمقتله ألنه حاربــهم ،ألنه كان ثائرا خالصا بكل ما يمتلك من مبادئ سامية،
سيحتفلون بمقتله ثم يدفنوه تحت التاب ،سيعودون اىل نزواتهم ورسقاتهم،
اىل هو الذي غدر به دون ادن شك ،كان عىل وشك فضح
الليت ي
ر الحزب
امرهم ،لم يتمكن بسبب رصاصاتهم.
وقفت عند تجمهر الناس وهم بأنتظار نعشه ،كنت احمل علم الوطن بيدي،
ان
بداخىل ،اعتليت ارصفة الساحة لت ي
ي لم اتمكن من كبت جماح الحقد الذي
حوىل ،انتظر
ي كل الناس ،اثرت انتباه غالبيتهم ،التفت اىل كل االتجاهات من
ثون
يأن بشعة ،ر ي
وصول نعشه ،تأخر ولم اقوى عىل االنتظار ،عليه ان ي
انت اقوى عىل الكالم
ينتظرن ،تمنيت لو ي
ي البست
ي االبيض ال زال يف خزانة
بأنت ابحث عنك ،كما بحثت عنك وسط تلك ي ألنادي بأسمه ،ألقول له
السني ،ألرتجيه بلطف أن يعود ر ين قبل ان ال اعرفه ثم يرحل.
شعب وارض وحضارات ،اخرجت
ٍ روح) ،سألعن الوطن بما يملك من
ي (رفيق
العلم وحرقته وسط الحشود ،تمنيت ان اتفوه بالشتائم وانا ادوس عىل العلم
صون. ئ
بحذان ،لم اتمكن من الكالم ،اخذ الموت المحتق
ي ي
دفعت اىل ذلك ،كنت
ي عىل الحشود بالضب ،عرف البعض بان الحزن
انهالت ي
عت البعض االخر
بت البعض ودافع ي
حوىل ،رص ي
ي اسمعهم يتحدثون من
أش ،تمنيتها ان تكون يف صدري
بجسده ،سمعت اطالقات نارية فوق ر ي
ً
القت سويا.
لتأخذن معه ،ألتوسد معه نعشه ،اردت عناقه لنذهب اىل ر
ي
اخذن احدهم اىل المشق،
ي حوىل،
ي كانت هذه االطالقات النارية لتفريق من
جعلتت
ي لم اعلم من هو ،تلقيت عدة رصبات يف الرأس وكدمات عىل الوجه،
اصحو بعد يومي من الحادث ،خرجت من المشق دون علمهم ،ظننت ان
وجه وانا انظر اىل
ي المشق للعالج االمراض النفسية ،االضاءة ي
الت كانت امام
االعىل كانت تشبه تلك االضاءة ،كنت خائفة من فراق (احمد) ،تشابه
عىل االلم.
عىل وانهالت ي
الموقف ي
ذهبت اىل بيت (سارة) ،اعتنت ر ين لثالثة ايام ،اىل ان تمكنت من زيارة رقته،
ً
القت لوحده.
صتت كثتا عىل فراقه ،منذ ثالثة ايام وهو يف ر ر
يا ترى هل هو جائع؟
هل يشعر بالعطش؟
القت مظلم؟
هل ر
ان؟
ام تضحيته انارت فراشه الت ر ي
ُ
رن؟ هل يتذك ي
يعشقت؟
ي هل ال زال
ً
مت سيكتب يىل الشعر مجددا؟
ّ
وجدان ،حفظتها عن ظ يهر
ي اخر قصيدة دونتها كما االخريات عىل جدران
هذه االسئلة وانا يف
ِ قلت يف غيابه ،تساءلت كل
قلب ،قبل ان ينكش ظهر ر ي
طريق إليه.
ي
ً
الت عشناها سويا ،كان كومة تراب ،وقفت وقفت عىل رقته ارى كل االيام ي
الت كانت تنطبق َ
ه ،عن شفاهه ي امامه ابحث عن كلماته ،عن وجهه الب ي
َ
لتسكب العسل ،بحثت عن عطره ،بحثت عن مستقبلنا ،ماذا حل به! كنا
اجىل ،كنا بحاجة اىل بعض الوقت ر
شء من ي عىل وشك السفر ،كان سيتك كل ي
ً
لتحل ونتك لهم الوطن بأكمله ،بما يحمله من ثروات ،هم ارادوه وطنا ذا
ليوم واحد من
ثروات وليس ذا ثورات فقتلوا (احمد) ألنه ثائر ،كنا بحاجة اىل ٍ
دون خيانة وغدر ،من دون رصاصات منبثقة من اجتماعات حزبية ،كنا
بحاجة اىل بصيص من ر
الشف. ٍ
وقفت امامه لساعتي ،لم اقوى عىل البكاء ،لم اذرف دمعة واحدة ،صدمة
مت دمية بكماء ،كنت اخاف من البكاء يك ال انهار ،يك ال يعودوا
فراقه جعلت ي
اماىم الكثت غت حرق العلم وشتم
ي ر ين اىل مستشق االمراض العقلية ،انا
الوطن.
ٌ
الفراق ..هو كالذي يفتح نافذة غرفته وهو موعود بالموت بعد ايام ،ال يرى
ً ً
امال ،ينتظر الموت ،يأتيه متأنيا وهو عىل عجلة من بؤسه.
َ َ
هدوء تام
ٍ الفراق يعلمنا الصمت ،نصمت لنعد ما خ ِشناه بسببه ،نحتاج اىل
الت نأخذ فيها
تأن بعد اللحظة ي
لنتأمل األلم المرافق له ،نخاف من كل لحظة ي
ً
الشهيق والزفت ،نتأمل مالمح الفراق مجددا ،نتأمل ان يكون ما نحن عليه
ً
وسينته بعد ان نفتح اعيننا ،نغلق اعيننا ونفتحها ،نجد الفراق حقيقية
ي حلما
ٌ
وعلينا تصديقها ،نكذبه الف مرة ونجده كما هو ،الفراق حقيقة واجبة
التصديق.
ً ُ
ررسود التعب وهو يمزق تفكتي جعل يت مخلصة للبؤس ،لن يكون القادم
ً
حبيت ،لن اجعله يقدم عىل عمر جديد.
قادما دون ر ي
شء ،تكلمت ر
مت (سارة) ان نرحل ،لم يتبق عىل غروب الشمس ي طلبت ي
بعض الكلمات ،ال زلت ال اقوى عىل التحدث بجملة مكتملة ،توسلت إليها
كتت وذهبت ،اوصيتها بأن ال
كت هنا ،لم اتلق استحسانها ،تشاجرنا ،تر ي
ان تت ي
ً
مت كل الوفاء،
بمكان ،ترجيتها ألبق معه هذه الليلة فهو يستحق ي
ي تخت احدا
ر
عناف. يستحق ألنه لم يقسو َ
عىل إال يف
ي ي
الت التقينا بها ،كيف تبادلنا الكالم يف الرسائل منذ اول ليلة،
اللياىل ي
ي تذكرت كل
َ
(الثان من شهر نيسان) ،عندما ي عند اوىل خطواتنا يف طريق العشق ،يف
احالىم وهو ينظر اىل ساعته،
ي وجدته بي ماليي السني ،يقف عىل ناصية
اللياىل السابقة،
ي قدوىم عند كل موعد ،مر الليل ليس كسائر
ي عندما كان ينتظر
ً
بيت وبينه.
لم نجلس سويا هذه المرة ،حال الموت ي
ررسقت الشمس عىل غفلة كما ررسقت علينا من قبل ،لم اشعر بوجودها،
أش بعد ان اتكأت ِبه عىل يدي وانا اجلس القرفصاء ،شاهدت القبور
رفعت ر ي
اختتهم كيف كانت
عت وعنه ،ر
اىل بدهشة ،حدثت الجميع ي
حوىل تنظر ي
ي من
لقاءاتنا ،كيف كنا نعشق بالنظر ،كيف بدأنا وكيف انته االمر بنا ،عرفتهم
بنفش ،فلم يتبق إال القليل واكون برفقتهم ،لن اقوى عىل العيش بنصف
ي
ر
روح تحت التى ،سأتوسد يده مهما كان الثمن. روح ،رفيق
ي
مرت ايام قليلة ،بدأت اقوى عىل الحديث بصوت منخفض ،ولكن اجفان
َ
عيت لم تغمض ،باتت وكأنها اقض من ان تنطبق عىل بعضها ،عاد الليل ي
ً
والنهار يتشابهان كما فراقنا االول ،كنت اشعر احيانا بخصالت شعري تتحرك
ان ،اشعر به بي
حوىل ،اشعر بأنه ير ي
ي لوحدها ،كنت اشعر به ،اشعر بروحه
لعلت اراه
ي احالىم ،حي يتحرك شعري بنسمة خفية كنت التفت فجأة
ي اركان
خلق ،كنت عىل امل ان القاه كما كنت عىل امل اللقاء بذلك القاتل الذي الق
ي
ً
رصاصاته عىل صدر (احمد) سمعت كثتا من االحاديث عن مقتله ولكن
الجميع اجمعوا عىل انه تلق تلك الرصاصات يف صدره ،كنت انتظر رؤيته،
صتت أليام اىل ان القاه ،تعجلت بساعات الليل
يف الصباح ستتم محاكمته ،ر
ً
ألنت عىل موعد مع (احمد).
عاتق من انتقام يي كثتا ،اريد ان انفذ ما عىل
جلست برفقة (هشام) يف قاعة المحكمة ،نظرت اىل قفص االتهام وهو فارغ،
ينتم
ي اىل ألن القاتل
الليت ي
اخت ين بأن االمر ال يتعلق بالحزب ر
كنت بأنتظاره ،ر
ً
اىل الحزب الحاكم سابقا ومن المتشددين.
بدأت محاكمته ،كنت انظر اىل وجهه طوال الوقت ،كان قصت القامة وله ذقن
طويل ،يتاوح عمره بي الثالثي والخامسة والثالثي ،ادىل بأفادته بأنه غت
يعتت جهاد يف سبيل الرب بحسب ما جاء بأقواله واقوال
مذنب وان ما قام به ر
فقه دينه ،وأن (المغدور) خرج عن طاعة الحاكم وتوجب قتله .
ً
انتهت محاكمته بعد ان حكمت عليه المحكمة باالعدام ،كان قرارا غت
منصف ،كان من المفروض ان يتم الحكم عليه بالسجن المؤبد ،ال باالعدام،
ال اعلم كيف يتم اعتبار عقوبة الموت اقش من عقوبة العيش يف غرفة
مظلمة مدى الحياة ،ارى بأن العذاب الذي سيجنيه المجرم بالسجن المؤبد
اقش من االعدام ،أال يعلم من وضع هاتي العقوبتي بأن الموت راحة ال
يستحقها المجرمي .
بعد ان خرج الجميع من قاعة المحكمة ،سألت (هشام) عن موعد تنفيذ
ً
اخت ين بأن االمر لن يطول كثتا ،سيتم تميت
حكم االعدام بحق هذا المجرم ،ر
قرار الحكم لدى المحكمة العليا لينال درجته القطعية ثم يتم تنفيذه ،لن
يتطلب االمر ر
اكت من شهر واحد ...
ً
يمكنت الدخول اىل السجن وفعل به ما يحلو يىل،
ي ثم استدرك (هشام) قائال:
الت سيست بها اىل
ولكنت مهما فعلت به فلن ارعبه بقدر تلك الخطوات ي
ي
مشنقة االعدام ،سأتركه يتعذب ببطء.
سألته :وكيف ذلك؟
ختك (احمد) َمن ساعده يف الدخول اىل السجن واقتالع اعي
اجابت :الم ي ر
ي
يمكنت قبض
ي اولئك المجرمي؟ يىل سلطة واسعة عىل ادارات السجون كافة،
ولكنت سأتركه يذوق الموت قبل ان يموت.
ي روحه مت ما شئت،
فكرت يف لقاء (احمد) ...
هل سأتأخر عليه طوال هذه الفتة؟
يقض الليل بمفرده؟
ي هل سأتركه
ً ً
منحت هذا التفكت قليال من الوقت ،تركت (هشام) ألخرج مشعة خارج
المحكمة ،قلت له يف نهاية حديثنا "انا سأجعله يتذوق الموت دون ان
يموت "
تتبعت خىط امرأة مسنة ومعها امرأة تضع النقاب عىل وجهها وطفلي ،كانوا
انصت لهمعىل مقربة من قفص االتهام ،سمعتهم يتحدثون مع المجرمَ ،
الفت انتباه احد ،بدأوا يشعرون بالغثيان ،وهذه اوىل عالمات التسمم،
تقربت منهم وهو يجثون عىل االرض ،تقلبوا من شدة االلم ،ثم ماتوا هادئي.
ً َ
تؤلم يت احداها ،كان االمر طبيعيا ،كان يجب ان تقربت منهم بخطوات لم
ً
يكون ذلك من دون ادن لوم ،عليه ان يدفع الثمن مهما كان طفال.
ً
ولكنت
ي وقفت امامهم ،رأيتهم يلتقطون انفاسهم بصعوبة ،كان المنظر مؤلما
تأخذن الرأفة حي دست بشء ،بقيت انظر إليهم براحة ضمت ،لمر
ي لم اشعر ي
ثون.
عىل يد احدهم وهو يحاول االستنجاد بطرف ر ي
توقفوا عن التنفس ،فارقوا الحياة قبل ان يكونوا عىل قيدها ،بقيت اعي
ثوان له عىل هذه
احدهم مفتوحة من شدة االلم ،كان ينظر يىل وهو يف اخر ٍ
االرض ،االخر كان قد انقلب عىل وجهه وترك التنفس ،اصبحا جثتي
هامدتي.
ً
التقطت لهم صورا رائعة ،كانا جثتي شهيتي ،كنت اود تقطيعهم اىل اجزاء
ً
ولكن الوقت ال يسمح ،بت اخاف من ان يخرج احدا من ذويــهم ويكتشف
االمر ،وانا عىل عجلة من امري ،لدي موعد مع (احمد).
َ
عيت بصيص ضوء
بقدىم ،خرق يي احدى الجثث كانت تنام عىل وجهها ،ق َلبتها
زفاف. َ
صور يىل (احمد) وهو يمد يده ليشعل الشمع قبل ان يقدم يىل خاتم ي
ً
عيت بصيص ضوء اخر
ي كامرن ،خرق
ي كان وجه الجثة مائال ال يتجه صوب
َ
لت اول مرة.
يده قب ي
يصور يىل (احمد) حي اطفأ القمر بكف ِ
بقدىم لينظر يىل ،التقطت الكثت من الصور ،التقطت
ي صفعت وجه الجثة
المزيد ولم اروى من الظمأ.
شاهدن احد المارة
ي شاهدن احد ،وان
ي انته االمر ،هربت مشعة دون ان ي
الج من حجاب وعباءة ال تثت االنتباه،
فأنت ارتدي ما اعتاد عليه سكان هذا ي
ي
َ ً
بدم بارد،
رجعت اىل البيت ألنجز الصور ،ألجعلها جاهزة ألن تقتل اباهم ٍ
سهرن الجميلة لهذا اليوم.
ي كانت تحتاج اىل بعض الوقت لتنضم اىل
استغرق النظر إليها زجاجة كحول كاملة ،كنت انظر إليهم واسمع بكاؤهم،
ً ً
لكنت
ي لكنت كنت اسمعهم جيدا ،كان نحيبهم شديدا ي كانت صورهم صامتة
ً ً
لم اكتث ألمرهم ،سيعتادون عىل العالم االخر شيئا فشيئا.
ئ
الهان ،ولكن رسعان ما يطلب منك ضمتك لالنتقام لذة تمنحك النوم
التاجع عن فعل ذلك ،ما عليك سوى ان تتناول المخدرات او الكحول،
ً ر
شء ،ستسعد كثتا حي تنتقم ،ستسعد لوقت ستمنحك القوة لفعل أي ي
محدد ،ثم تعود لحياتك الطبيعية ،ربما يأتيك الندم وربما ال يأتيك.
ً
تشعر بشعور غريب حي تقتل ،ترتجف يدك مرة او مرتي تلقائيا يف اليوم،
ٌ
خائف ام ال؟ تنظر إليك كل رعشة منها لتتأمل مشاعرك ،هل انت
ُ َ
إن كنت خائف فأنها ستجعلك ترى صور قتيلك كلما اغمضت عينك،
ً ُ َ
ستجعلك تخاف من الظالم لئال تراه حيا ،ستمنحك رنتة صوته وسط الزحام
لتقول لك بأنه يالحقك.
اما ان قبضت عىل يدك واستذكرت ألم الفراق ،فأن الرعشة ستتوقف عن
َ ً
التفكت بك ،عليك ان تكون غاضبا يف وقت فراغك ،عليك ان تقتل ضمتك
ً
برصاصات النض ،عليك ان ال تنظر يف المرآة طويال ،عليك ان ال تظن بأن
التاءة ادراجها ،ستضعف
بعد فعلتك هذا ستتمكن من االبتسام ،ستعود ر
ً
لديك حاستا التذوق والشم بنسبة ملحوظة ثم تعود إليك تدريجيا.
ديت ،منذ ان قررت ان افقه
ذهبت اىل الكنيسة ألول مرة منذ ان تفكرت يف ي
ديت قبل ان اورثه ،وقفت عىل ابوابها افكر يف الدخول.
ي
ممن سأطلب الغفران؟
من الرب أم من َمن يتقمص شخصيته؟
كيف سأطلبه والرب ليس له بيت؟
ً اكت من ان يكون ً
بناء شاهقا وصلبان؟ الرب ر
نظرت اىل يدي فرأيت اثار دماء الطفلي عليها ،رجعت خطوتي اىل الوراء
ونظرت اىل بناء الكنيسة ،نظرت اىل السماء ألخجل من الرياء الذي انا عليه،
لما اطلب الغفران وانا لم اندم عما فعلت اىل االن؟ َ
لما اطلب الغفران وانا لن َ
ً ر
مت التاجع ولكنه لن
ارتفع الموج البحر اكت ،صار صوت تقلبه عاليا ،اراد ي
حبيت ،لن
ري مسامىع قصائد
ي ليمج من
ي الكاف
ي يتمكن من اصدار الضجيج
اماىم االن ،اشعر بقبلته االوىل
ي حبيت هناك بأنتظاري ،اراه
ري ايقاف،
ي يتمكن من
َ
روح عذريتها عىل شفتيه. ي (ليلت الرابعة) ،حي فقدت
ي كما شعرت بها يف
الت نلتها حي غفوت عىل صدره، ر
تقدمت اكت ،تقدمت ألنال ذات السعادة ي
ارن ليحل محلها ،كانت له ِسمات االم عند العناق، اىم وز ي
عندما ماتت ي
اللياىل القادمة كهذه الليلة ،اتوسد صدره وانا ال اعلم لك تكون ر
ي تقدمت اكت ي
وف أي سنة ،يتوقف الزمن بالقرب منه ،دقات
وف أي يوم نحن ي
كم الساعة ي
تعت يىل دقات الساعة ،حركة احداق عينيه وهو ينظر لجسدي
قلبه كانت ي
(ليلت الخامسة) ،توقيتها بحسب نبض قلبه
ي ساعت ،هذه
ي كانت عقارب
ُ
عه.
ومكانها بي اضل ِ
بأصبىع ،رأيت تلك الليلة بأدق
ي نظرت اىل كف يدي ،ال زال خاتم الزفاف
طلبت للزواج ،سمعت تصفيق الحارصين
ي تفاصيلها ،كيف اوقد الشمع ،كيف
ً ً
ولكنت التفت ولم ارى احدا منهم ،رأيت وسامته يف ذلك
ي حوىل جيدا
ي من
َ
يمنحت هذا
ي اليوم ،وجهه الجميل ،ربطة عنقه ،عطره ،لمسة يده وهو
َ
تساعدن االن عىل مسك
ي الت
اللياىل ي
ي الخاتم ،يمنح يت ليلة تضاف اىل تلك
اماىم ويده ممدودة يىل،
ي (ليلت السادسة) ،اتذكرها وهو ال يزال يقف
ي ه
يده ،ي
احتاج اىل المزيد من الخطوات يك اصل إليه.
ً ئ
عت ،تركت مقعدنا كما
التفتت اىل الشاط ،رأيت مقعدنا قد اصبح بعيدا ي
تركته يف تلك الليلة ،عندما غادرت قلبه المتيم ر ين ،هكذا قالها يىل حي
ابتعدت عنه قبل السفر ،اتذكره حي قال "أ تودين العزلة وانا م ٌ
تيم بك؟" ،ال
ً
نفش
ي زالت نظراته تجول يف خاطري وانا اخذله ،ظلمته كثتا وقتها ،ظلمت
ر
اكت منه ،لم يعلم وقتها ما قد حدث يىل ،كانت شهور قبيحة االيام ،ولكنها
ه
ً َ ُ ر
ش ٍء كانت جميلة الذكرى ألن هواؤها كان مخلوطا بأنفاسه ،ي
ورغم كل ي
(ليلت السابعة).
ي
ً
مت لتميها بعيدا، الت احملها ،اخذها ي
لوى الموج يدي ،فقدت باقة الورد ي
اعتىل الماء ،رصت ال اتمكن من رفع يدي ،كان الموج اعىل من خضي وال
ً
زالت يده بعيدة ،لم اتمكن اىل االن من لمسها ،يتطلب االمر مزيدا من
ً ً
ألبىك من
ي الخىط ومزيدا من الذكريات ،وقفت مجددا ألحزن من دون بكاء،
َ َ
عيت عىل الت سكبتها ي
لت الثامنة) ،تذكرت دموع الندم ي
دون دمع ،تذكرت (لي ي
ً ئ
مقلت شهور الفراق،
ي الشاط ،حي اتيت نادمة عىل فراقه ،حي ادمت هذا
حي قبلت رأس اللوم يك انال رضاه.
توازن ،است عىل الذكريات أللقاه ،انا
ي بدأت احرك يدي داخل الماء يك ال افقد
لست كمثل بقية نساء االرض ،انا لم اكن طفلة سعيدة ،لم اكن صبية تعرف
التباه ،لم اكن امرأة لها حياة مثالية ،اردت ان اكون امرأة من نسج الخيال،
ي
زفاف
زفاف ،ها انا است يف ليل ي
كباف النساء ،لم اسمع الموسيق ليلة ي
ي لم اكن
طريق اىل الحياة ،لم انال تلك الحياة
ي عىل الذكريات ،خشت الكثت وانا يف
عىل ان استسلم منذ
مخيلت وانا اصنع ضفائر شعري ،كان ي
ي الت رسمتها يف
ي
الطفولة ،منذ ان كنت اعمل يف تنظيف الصحون ،حينما كنت اخجل من كل
شخص يصافح يدي ويالحظها بأنها تفوق عمري خشونة.
ٍ
خشت كما خش (احمد) عينه ،اراد ان يصلح ما افسدته االحزاب ،خش عينه
كشف رياء االحزاب الدينية ،وخش حياته حي اكتشف رسقة االحزابَ حي
ً
الليتالية ،كان عليه ان يكتشف امرهم مبكرا ،منذ انتمائه لهم وليس قبيلر
ً
بعي واحدة،
الثورة ،كان عليه ان يكون حذرا يك ال نحزن ،يك ال اراه كما رأيته ٍ
ٌ
(ليلت التاسعة) بعد طول
ي تلك الليلة العصية عىل النسيان ،حي التقيته يف
انتظار ،حينما فقدته قبل ان اخشه ،كنت عىل امل ان القاه فألتقيته ،ولكن
ً
لقاؤنا بما فيه من ألم ،كان غت قابال للنقد.
حيان
ي رصت قريبة منه ،لم يتبق يىل إال القليل واكون عىل قيد حياته ،سئمت
حيان معه ،يف ذلك العالم الهادئ الذي ال يتخلله
ي من بعده ،اريد ان اعيش
سوى النور.
ُ ر
الت
اعتىل الماء جسدي اكت ،غىط ما كنت اخبأه عنه ،رأيت تلك الليلة ي
َ
خشيت فيها من ان يرى ذلك الجرح الذي يتوسط صدري ،ذلك االرث الذي
اف له ،بعد ان
ليمنحت البؤس ،ذلك الجرح الذي يشبه جرح فر ي
ي ان
تركه يىل ر ي
نهشت وفاءه بأنياب الخذالن.
قريت بالجرح ،حي استيقظت وانا بال قيد ،فتحت العارسة) ،فيها كان ر ليلت
ي ( ي
ً َ َ َ ً
مزقت ازراره ِعشقا ،تمزقت جنته ،بعد ان ت
ِ قميض ففتح يىل بابا من ابواب ي له
ً ً
شغفا ،ال بل شوقا ،حي ررسقت الشمس وانا ال ازال عىل قيد الليل ،تغاضيت
َ َ
ذن
لساعات أخ ي
ٍ شفت
ي عن ررسوق الشمس لروعة الليل الذي سبقه ،حي ق َبل
منظر لغروب الشمس. الكاريت ألرى اروع شواط البحر ئ فيها اىل
ٍ ري
َ َ
احالىم،
ي اخذن الموج إليه ،ق ِط َعت انفاس
ي اقداىم تلمس قاع البحر، ي لم تعد
ً
هامت ألستغيث ،ل ِمن أستغيث من بعده ،لن ي غمرن الموج كليا ،لم اخرج ي
الت
ان (رفيق الروح) وسيأخذ بيدي ،يدي ي
استغيث وانا اهوى لقاءه هذا ،ست ي
إىل قبل ان
سيأن ي
ي كت ،سيأخذ بيدي،
لوحت له منذ الليلة االوىل ،لن يت ي
ً
مت ،كما ان
كالت رسقها الموج ي
ورد ي
إىل حامال بيده اليمت باقة ٍ
سيأن ي
ي اغرق،
ً ر
مت ،سألقاه بعد قليل ،لن
(ليلت الحادية عش) انيقا ليطلب الزواج ي ي إىل يف
ي
ه الروح تنفصل عن الجسد. ر
يتطلب امر لقاءه اكت ،ها ي
ً ً
يا الئـمـا الم يـت يف ح َبهم َسفـهـا
َُ َ َ ُ
كــف المـالم فـلـو اح َـبـ يبــت لـم تـل ِـم
ابن الفارض
الفصل السابع
َ
َّاما قبل ...
َ ر
شء اجمل مما كان قبل ،حيث الوفاء واالخالص ،حيث المشاعر الصادقة ال ي
َ ُ َ
وه تنظر إليه ،حيثواالمنيات الخالصة ،حيث ما كانت تروم له عينيها ي
ُ
حادي الحب ،حيث مسامات يديها النقية من الخيانة ،حيث روحها قلبها ا ِ
الت لم تقبل القسمة عىل غت (رفيق روحها).
ي
ً ر ُ َ
ش ٍء جميل ،منذ ان كانت تراه ِخلسة من خلف نوافذهاقبل ..حي كان كل ي
َ ُ َ ُ
جمال َبعدك ال يلفت النظر"،
ٌ يف كل صباح لتقول له " َجمالك م ِزمن ،وكل
َ ُ ً منذ ان كانت تتمت ُلقياه ،حت َد َ
فعت عمرها رشوة لتلقاه ،كل ذلك كان قبل،
َ
قبل ان ترحل (قمر).
َ َ
التاىل ،لم تجدها ،طرقت
ي دخلت (سارة) اىل متل (قمر) بعد ظهتة اليوم
ً
الباب فوجدته مفتوحا ،نادت بأسمها ولم ي ِجيبها احد.
ً
دخلت اىل البيت ،بحثت عن (قمر) ولم تجدها ،كان المتل خاليا ،لم تجد
ٌ
وه تنادي بأسمها ،جلست خائفة تخمن ما قد حدث لها، غت صدى صوتها ي
الت اعطتها اياها (قمر) ليلة
وه تحمل بيدها الحقيبة الصغتة ي
جلست ي
التاىل.
ي االمس واوصتها بأن ال تفتحها إال يف اليوم
ً ً
ختا سيئا عنها ،كانت تتصلخائفة من ان تجد فيها رٍ لم تفتحها (سارة) ،كانت
وقت
ٍ بها طوال ليلة االمس وفجر اليوم ولم تجيب عىل اتصالها ،جاءت يف
تأخر من ليلة االمس ولم تجد احد يف المتل ،كانت تنتظر ررسوق الشمس م ٍ
شء عدا ما يوجد يف ُ ر
لتستعلم عنها ،كانت تفكر يف ان تسأل عنها كل ي
ً ٌ
الحقيبة ،كانت خائفة منها جدا ،كانت تعلم ان يف داخلها ما يشت اىل الوداع.
َ َ
معت صوت محرك سيارة يف الخارج ،خرجت فشاهدت سيارة (قمر) عند س ِ
ه ،ولكن كان (يعقوب) يقودها.
الباب ،ظنت بأنها ي
دخل اىل المتل ،الق التحية عىل (سارة) وجلس امامها ....
سألها :اين (قمر)؟
ً ً
اجابته باكية :ال اعلم ،هل حدث لها شيئا؟
ً
لم يجيب عىل سؤالها ،اخرج علبة سجائره واشعل سيجارة ،جلس هادئا
ينظر اىل االرض ،ويتأمل ما حدث.
ً
اختها بانه ال يعلم شيئا ،يبحث عنها
يختها عما حدث ،رترجته (سارة) بأن ر
ً
هو ايضا.
ً
سيارة تشابه
ٍ كان قد اتصل شخصا (بيعقوب) يسأله عن معرفته بأوصاف
سيارة (قمر) ،أستفش منه عن ارقام لوحاتها ولونها فتأكد (يعقوب) من أنها
االماىم للسيارة ،اتصل
ي سيارة (قمر) ،كانت قد تركت رقم هاتفه عىل الزجاج
ئ
الشاط ،ظن (يعقوب) بأن هذا الشخص ليسأل عن اسباب ترك السيارة عند
ُ
(قمر) اصيبت بوعكة صحية مفاجئة ونقلت اىل المشق فأضطرت عىل ترك
سيارتها.
سأل عنها كل مستشفيات المدينة ومراكزها االمنية ،لم يجد لها اثر ،عاد
َ
افكار تقنعه بأنها
ٍ وقت أليجاد
اكت ٍبالسيارة اىل متلها ،عاد وهو يمهل نفسه ر
ئ
الشاط. لم تذهب بأتجاه
لم يتكلم عما يجول يف خاطره من ظن ،سألته (سارة) عن اسباب حيازته
ش ٌءر
بحوزته ليلة امس ،وانه ال يعلم ي
ِ فأختها بأن (قمر) قد تركتها
ر للسيارة
ئ
الشاط. يختها بأنه وجدها عندعنها ،لم ر
غلب الصمت عىل الموقف ،لم تتكلم سوى ظنونهم ...
ما الذي حل (لقمر)؟
َ
لما تركت سيارتها يف ذلك المكان؟
ه االن؟
اين ي
اطفأ (يعقوب) سيجارته وصعد اىل الطابق العلوي يف متلها ،فتح كل ادراج
شء يساعده يف الظن بأنها سافرت ،سمع ر
كتبها ليبحث بي اوراقها عن ي
م ِ
ً
فىل
شخصا يطرق الباب ،وجد ما كان يبحث عنه ثم نزل اىل الطابق الس ي
فوجد (هشام) يسأل عن (قمر) هو االخر.
شء ،التموار
اخته الجميع بأنهم ال يعلمون عنها ي
سأل عنها ولم يجبه احد ،ر
ً ً ً
الهدوء جميعهم مجددا ،بدأ القلق شيئا فشيئا يغلب عىل افكارهم ،مض
تأن (قمر).
وقت كثت ولم ي
ً
ليختها بأن المجرم الذي قتل
ر جلس (هشام) يفكر يف مصتها هو ايضا ،جاء
َ
عت
(احمد) انتحر صباح اليوم بعد ان جمع اغطية رسيره ليشنق نفسه فيها ر
قضبان نافذة دورة المياه يف السجن ،شنق نفسه بعد ان رىم (هشام) الصور
يف زنزانته ليلة االمس.
َ
علم (هشام) من مدير السجن بأن المجرم انتحر بعد ان ش ِنق نفسه عند ِ
ً
الت كانت السبب ،حي ذهب لتى جثته ه ي علم ايضا بأن الصور ي
الفجرِ ،
واخته بأنها كانت بيده حي شنق نفسه ،كان
ر أعىط مدير السجن له الصور
يحملها وهو يلتقط انفاسه االختة ،ظل (هشام) يتمعن الصور ،اندهش مما
منظر بشع ،ظل يسأل نفسه عن ما جرى.
ٍ كانت تحتويه من
فه صور طفليه
اخته مدير السجن بأن هناك جريمة قتل يف هذه الصور ،ير
ً
اخته ايضا بأن المجرم قض ليل االمس وهو يضخ
اللذان ق ِتال باألمس ،ر
اطفاىل".
ي بأسمهما ويقول "قتلوا
بق
اخته كيف انهم اضطروا لنقله اىل زنزانة معزولة يك ال يسمعوا نحيبه ،ي
ر
طول الليل يضخ ويردد اسماء اطفاله ،ظل عىل هذا الحال اىل ان حل
َ
الصباح وس ِمح له بالذهاب اىل دورة المياه ،حينها خبأ اغطية رسيره حول
خضه ليشنق نفسه فيها.
ً
يخت احدا بصدد
احتفظ (هشام) بالصور ،وطلب من مدير السجن بأن ال ر
الموضوع ،كان (هشام) ذا سلطة عىل ادارات السجون كافة بسبب عالقته
الوطيدة بالوزير المسؤول عنها لما بعد الثورة ،تمكن من التكتم عىل االمر،
ً
اختها بأنه يتمكن
ولكنه االن جالسا يفكر يف اخر حوار له مع (قمر) ،حي ر
اختها بأنه ينتظر ذلك
من قتله ولكنه يريد له ان يتذوق الموت ببطء ،حي ر
ً
اليوم الذي يراه فيها يست خائفا اىل حبل المشنقة ،ظلت مسامعه تردد اخر
ما قالته (قمر) ،صدقها حي وعدته بأنها ستجعله يتذوق الموت دون ان
يموت.
واختهم عن عذر كاذب
ر يختهم (هشام) عما حدث ،احتفظ بالصور
لم ر
لمجيئه.
بش عن (قمر) ،لم
واحد منهم يحتفظ ٍ
ٍ اوشكت الشمس عىل الغروب وكل
شء ،اكتفوا بتقديم السجائر لبعض.ر
يفصح احدهم عن ي
بعد صمت طويل وقف (هشام) وقال (ليعقوب)َ :
لما ال نبحث عنها يف ٍ
المستشفيات ومراكز االمن؟
ً
فإنت سوف
ي يهبت شيئا من حياة أخرى،
ي أنت دمية ،وأن
لو شاء هللا أن ينش ي
ّ ً
لكنت حتما سأفكر يف كل
ي أستثمرها بكل قواي ،ربما لن أقول كل ما أفكر فيه،
ما سأقوله ،سأمنح األشياء قيمتها ،ال لما تمثله ،بل لما تعنيه.
َ ي ً ً ً
تعت خسارة
سأنام قليال ،وأحلم كثتا ،مدركا أن كل لحظة نغلق فيها أعيننا ي
ستي ثانية من النور ،سوف أست فيما يتوقف اآلخرون ،وسأصحو فيما الكل
نيام.
َ ً
وأستلق عىل
ي مالبس بسيطة يهبت حياة أخرى ،فسأرتدي
ي رن أن
لو شاء ر ي
ً َ َ
عاري الروح أيضا ،سأبرهن للناس كم عاري الجسد وإنما األرض ،ليس فقط
ً
يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشاقا مت شاخوا ،دون أن يدركوا
أنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق.
َ ّ
لكنت سأدعه يتعلم التحليق وحده ،وللكهول
ي أعىط أجنحة،
ي للطفـل سـوف
ّ
يأن مع الشيخوخة بل بفعل النسيان.
سأعلمهم أن الموت ال ي
لقد تعلمت منكم الكثت أيها ر
البش ،تعلمت أن الجميع يريد العيش يف قمة
الجبل غت مدركي أن رس السعادة تكمن يف تسلقه ،تعلمت أن المولود
يعت أنه أمسك بها إىل
الجديد حي يشد عىل إصبع أبيه للمرة األوىل فذلك ي
األبد ،تعلمت أن اإلنسان يحق له أن ينظر من فوق إىل اآلخر فقط حي يجب
ستفيدن،
ي أن يساعده عىل الوقوف ،تعلمت منكم أشياء كثتة ،لكن ،قلة منها
ً َّ
حقيبت أكون قد ودعت الحياة ،قل دائما ما تشعر
ي ألنها عندما ستوضب فيه
ّ
به ،وافعل ما تفكر فيه.
لضممتك بشدة بي
ِ اك فيها نائمة
الت أر ِ
لو كنت أعرف أنها المرة األختة ي
ً
يجعلت حارسا لروحك ،لو كنت أعرف أنها
ي اع ولتضعت إىل هللا أن ذر ي
أنك تعرفي
بخجل ِ
ٍ "أحبك" ولتجاهلت
ِ الت أراك فيها ،لقلت
الدقائق األختة ي
ذلك.
ً
أنت
هناك دوما يوم غد ،والحياة تمنحنا الفرصة لنفعل األفضل ،لكن لو ي
أنساك وأنت لن يوىم األخت ،ألحببت أن أقول كم أحب ِك، ئ
ِ ي مخىط وهذا هو ي
ً ً
ابدا ،ذلك ألن الغد ليس مضمونا ال للشاب وال للمسن.
الت ترى فيها أولئك الذين تحبهم ،فال
ربما تكون يف هذا اليوم المرة األختة ي
يأن وال بد أن تندم عىل اليوم الذي ر
تنتظر أكت ،تضف اليوم ألن الغد قد ال ي
ً
لم تجد فيه الوقت من أجل ابتسامة ،أو عناق ،أو قبلة ،أو أنك كنت مشغوال
يك ترسل لهم أمنية أختة.
حافظ بقربك عىل َمن تحب ،اهمس يف أذنهم أنك بحاجة إليهم ،أحببهم
يكق من الوقت لتقول لهم عبارات مثل (أفهمك، ي واعي بهم وخذ ما
ِ
ً
الت تعرفها.
سامحت ،من فضلك ،شكرا) وكل كلمات الحب ي
ي
لن يتذكرك أحد من أجل ما تضمر من أفكار ،فأطلب من الرب القوة والحكمة
للتعبت عنها ،وبرهن ألصدقائك وألحبائك كم هم مهمون لديك.