You are on page 1of 393

‫قـمـر ‪..

‬‬
‫وإحـدى عـشـرة لـيـلـة‬

‫رواية‬
‫حيدر عصام‬
‫المقدمة‬

‫الت راودتنا‬ ‫ٌ‬


‫البديه ان يكون واقعنا هو انعكاس ألحالمنا‪ ،‬تلك االحالم ي‬
‫ي‬ ‫من‬
‫التمت‪ ،‬لنتك للقدر ان‬
‫ي‬ ‫الصغر‪ ،‬منذ ان صنعنا المستقبل دمية من خيوط‬
‫منذ ِ‬
‫َ‬
‫ع الطفولة‪.‬‬
‫وجه ك ِهل يد ي‬
‫يمنحها مالمح وجه نض‪ ،‬او ان يمنحها مالمح ٍ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫اختونا بأن المستقبل َمجهول‪ ،‬وان ليس باالمكان معرفة‬‫حي كنا ِصغارا ر‬
‫خفاياه‪ ،‬وحي بدأنا نتفكر يف الغد ونسأل عما سنكون عليه يف المستقبل‪ ،‬لم‬
‫ٌ‬
‫يختنا احد بأننا بحاجة اىل قدمي للتكهن بالمستقبل‪ ،‬هاتي القدمي هما‬ ‫ر‬
‫(االرداة) و(الحلم)‪.‬‬

‫ه‬ ‫الت ستسم مستقبلنا وان احالمنا ي‬‫ه الفرشاة ي‬ ‫يختنا احد بأن ارادتنا ي‬
‫لم ر‬
‫من ستلونها‪ ،‬علمونا الوقوف بهاتي القدمي ولم يعلمونا الست بهما‪ ،‬علمونا‬
‫ان نبق واقفي وان نرفع ايدينا فقط‪ ،‬لنبتهل بالدعاء‪ ،‬لنتضع لمعتقداتنا‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫يختنا احد‬
‫ستقبل جميل‪ ،‬علمونا ان نتضع فحسب‪ ،‬لم ر‬ ‫الدينية بأن تهبنا م‬
‫ً‬
‫بأن الست بهاتي القدمي يضمن لنا غدا م رشق‪.‬‬
‫ٌ‬
‫يف مجتمعنا هنالك خطأ شائع يفيد بأن (القناعة كت ال يفت) وهذه عبارة ال‬
‫ً‬
‫يصدقها سوى َبليد النجاح‪ ،‬ذلك الذي رض بما كتبه له القدر‪ ،‬ظل ساكنا‬
‫ً َ‬
‫ينتظر كل جديد يكتبه له وهو يتغاض حقيقية تقر بأن للقدر ِح رت يكفيه‬
‫احداث ليس لها حسبان فقط‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫لكتابة يوم والدتنا ويوم وفاتنا وما بينهما من‬
‫وفيما عدا ذلك فأنه من صنيعتنا‪ ،‬هو جهدنا عندما نست بأقدام (االرادة) و‬
‫الحقيق الذي يجب علينا استثماره بكل القوى‪.‬‬
‫ي‬ ‫(الحلم)‪ ،‬هو كتنا‬

‫ح ـي ــدر ع ـصــام‬
‫المـؤلــف‬
‫"ال يجب ان نزحف ‪..‬‬
‫ر‬
‫بشء يدفعنا اىل الطتان"‬
‫عندما نشعر ي‬
‫هيلي كيلر‬
‫الفصل االول‬

‫ٌ‬
‫مشح عظيم‪ ،‬تختار طريقة تربيتنا مع البيئة المحيطة بنا الدور الذي‬ ‫الحياة‬
‫سنظهر به عىل هذا المشح ‪ ،‬سنظهر مع الذين اختارهم لنا القدر ليشاركوننا‬
‫العيش‪ ،‬عىل هذا المشح سنشاهد عدة ادوار تعجبنا وأخرى قد ال تعجبنا‪،‬‬
‫يجب علينا أن نعلم ان بعض هذه االدوار لم تكن بمشيئة أصحابها‪ ،‬حت وان‬
‫فه كمالمح وجوههم لم تكن لهم أدن أرادة يف‬
‫رضوا عنها وكانوا سعداء فيها‪ ،‬ي‬
‫اختيارها‪.‬‬
‫البعض االخر‪ ،‬هم من الذين تمكنوا من اختيار بعض أدوارهم بعد ان لم‬
‫ُ‬
‫يعجبهم دورهم يف المنتصف االول من أعمارهم‪ ،‬هؤالء يجب ان نكن‬
‫لشجاعتهم كل االحتام ألنهم رفضوا الواقع‪ ،‬فمن يرفض الواقع ال ينام ليله‬
‫ً‬
‫مبكرا‪ ،‬هؤالء لم يرتدوا ما اراد لهم اباؤهم ان يرتدوا‪ ،‬هؤالء حققوا احالمهم‬
‫ً‬
‫بأدوار حقيقية‪ ،‬يرون كل من كان كما كان ابوه (ممثال‬
‫ٍ‬ ‫وكانوا عىل مشح الحياة‬
‫ً‬
‫المشح)‪.‬‬
‫ي‬ ‫خاضعا للنص‬
‫الحياة ليست إال سنوات أما ان نعيشها أو نحيا بها‪ ،‬منذ ان نولد و اىل اخر‬
‫ً ُ‬
‫يوم نحن من يقرر فيه بأنه‬ ‫يوما كتب لنا العيش او الحياة فيه‪ ،‬أو ألخر ٍ‬
‫نقض سني طوال لنتعلم ماهية‬
‫ي‬ ‫سيكون اليوم االخت‪ ،‬ومن هذه األيام‪،‬‬
‫الحياة أو لنتعلم كيف ان نتعلم منها‪ ،‬ونحن نشتي الدروس منها مقابل سني‬
‫العمر‪.‬‬
‫ً‬
‫الرابح‪ ،‬هو الذي استطاع ان يكون ذكيا‪ ،‬هو الذي دفع أقل عدد من السني‬
‫مقابل الكثت من الدروس‪ ،‬فتاه نجح يف حياته وحقق اهدافه جميعها او‬
‫ً‬
‫معظمها‪ ،‬أو عىل اقل تقدير فأنه سيكون متمتعا بكل يوم من حياته‪.‬‬
‫ً‬ ‫أما االخر‪ ،‬فهو األقل ً‬
‫ذكاء و ربحا‪ ،‬تراه دفع الكثت من السني مقابل دروس‬
‫بعقل يتأخر عن عمره‪ ،‬وقد يتسبب ذلك بمعيشة صعبة‬
‫ٍ‬ ‫اقل‪ ،‬تراه يتحدث‬
‫الصت من اجل انتظار النهاية‪،‬‬
‫ر‬ ‫إن لم يقف الحظ بجانبه‪ ،‬فتجده يقتات عىل‬
‫ً‬
‫سيقض حياته‬
‫ي‬ ‫اما إن وقف الحظ بجانبه مصطحبا الظروف الجيدة‪ ،‬فأنه‬
‫كمثل الساعة الجدارية‪ ،‬منتظم السلوك‪ ،‬معدوم المجازفة وال يوجد ضمن‬
‫دوران عقارب ايامه ادن أرادة‪.‬‬
‫أما عن ما تبق من ر‬
‫بش فأنهم قد يكونوا اذكياء‪ ،‬ولكن دخلت عليهم ظروف‬
‫قاهرة َ‬
‫رسقت سنوات حياتهم عىل غفلة دون ان يبدوا اعتاضهم‪ ،‬وقتها كان‬
‫ليس بأيديهم ادن ارادة لوجود عدة ظروف يصعب حضها يف بالد العرب‪،‬‬
‫فلم يتمكنوا من استثمار سنواتهم أو مقايضتها بالدروس بدل باأليام‪.‬‬
‫لشخص ما "للوهلة االوىل" يخطر لنا ما قد‬
‫ٍ‬ ‫من بديهيات العمر‪ ،‬عند معرفتنا‬
‫مر عليه من ظروف‪ ،‬أو كيف كانت حياته‪ ،‬مهما كان عمر هذا الشخص‪،‬‬
‫َ‬
‫الت مرت وتمر بأيامهم‬
‫فحت االطفال تنطق عيونهم عن حجم السعادة ي‬
‫الصبا والشباب‬
‫وتفصح عن ما اذا كانت قليلة او كثتة‪ ،‬وكذلك يف عمر ِ‬
‫والشيخوخة‪.‬‬
‫أن فراسة االنسان تمكنه من اكتشاف ذلك‪ ،‬فهو ليس بالهي عىل اي شخص‪،‬‬
‫إال لمن عاش حياته دون أن يرمش عقله عن التفكت‪ ،‬هو الذي يمتاز صوته‬
‫بنتة التعب‪ ،‬هو الذي رسقت الظروف السيئة منه سني حياته دون ان‬
‫ر‬
‫يستغلها ضمن مراحل عمره‪ ،‬فتجده يعيش فتة من الزمن بأمنيات الزمن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الذي قبله‪ ،‬كأن يكون شابا بال طفولة‪ ،‬او أن يكون مسننا بأحالم الشباب‪ ،‬أو‬
‫ً‬
‫الع َجز وينتابه أحساس القبلة االوىل ‪ ..‬هو ذلك‬
‫هرما عىل فراش َ‬ ‫قد يكون‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫التمت‪.‬‬
‫ي‬ ‫االنسان الذي ظل حالما باليوم الجميل حت قض نحبه عىل ارصفة‬
‫الت تطرأ عىل حياتنا فتحدث‬
‫ه من اهم األحداث ي‬ ‫الحب والمال والخذالن ‪ ..‬ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تغيتا ملموسا‪ ،‬الحب يحدث تغيتا يف افكارنا‪ ،‬والمال يتسبب بالتغيت يف‬
‫الحقيق يشعر بأنه يف غت عن ما‬
‫ي‬ ‫سلوكياتنا‪ .‬فاألنسان عندما يجد الحب‬
‫حوله‪ ،‬وأما اذا امتلك المال‪ ،‬فسيشعر بأنه أمتلك ما حوله‪.‬‬
‫ً‬
‫أما الخذالن‪ ،‬فأنه يتسبب بندم عميق يؤثر سلبا عىل جميع العالقات‬
‫َ ُ‬
‫المحيطة بنا‪ ،‬فعندما يخذلنا شخص نحبه حد التعلق‪ ،‬تنكش جميع االوارص‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فه حتما ستصبح‬‫الت تربطنا به وتؤثر سلبا عىل من حولنا‪ ،‬وأن لم تنكش‪ ،‬ي‬ ‫ي‬
‫هزيلة ‪..‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫التعلق صعب ‪..‬‬
‫صعب للغاية‬ ‫أن االنكسار بعد‬
‫صعب أن تنام عاري الروح‪ ،‬مغىط بالدمع‬
‫صعب أن تنام وعىل أهدابك قطرات من ندى الذكريات‬
‫سنجد حينها الصمت هو السائد يف ايامنا‬
‫و انعدام الثقة حليفة أمنياتنا‬
‫وعقم الذكريات قد أصاب احالمنا‬
‫َ‬
‫تمنحنا الحياة عدة فرص تعت رت كمنح‪ ،‬أو أنها تشبه جوائز بطاقات الحظ‪،‬‬
‫هذه الفرص تكون خارج نظرية المقايضة ما بي سني العمر و دروس الحياة‪،‬‬
‫فالحياة ف بعض االحيان تكون سخية بعض ر‬
‫الشء‪ ،‬منا من استغلها فتغتت‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫فبق عىل قيد الت ر ي‬
‫ح‪.‬‬ ‫حياته‪ ،‬ومنا من لم ينتهزها ي‬
‫أن هذه الفرص ال رتتح إال ان تتسبب بالتغيت‪ ،‬فكل واحد منا مهما بلغ من‬
‫العمر وقرأ هذه األسطر إال وخطر بباله ما منحت له الحياة ذات يوم‪ ،‬حت‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وان كانت فرصة واحدة‪ ،‬ولكننا نذكرها‪ ،‬كل الذكرى نذكرها‪ ،‬نذكر حجم‬
‫التغيت الذي اصاب حياتنا انذاك‪.‬‬
‫ُ‬
‫ولكن مقابل هذا السخاء يوجد لدى الحياة الظلم الوفت‪ ،‬فمن حق حياتنا أن‬
‫ئ‬
‫تطق بريق اعيننا أو نضارة أجفانها‪ ،‬أو ان‬ ‫تخطف لون شعرنا ان ارادت‪ ،‬أو أن‬
‫شاءت‪ ،‬ترسم بقلم الحرمان بعض التجاعيد بالقرب من اعيننا‪.‬‬
‫ه‬‫نولد يف هذه الحياة دون ادن ارادة ‪ ،‬كما ينبع الماء من ثغرات الطبيعة‪ ،‬ي‬
‫َ‬
‫ميسوري الحال منذ ان وضعتهم امهاتهم‬ ‫(الحياة) كما يشاء ان يسميها ابناء‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عىل أرسة مرصعة بالذهب‪ ،‬ألن اباؤهم يمتلكون زمام الفقر والغت‪ ،‬ألن‬
‫شء‪.‬‬‫ر‬ ‫ر‬
‫شء من كل ي‬ ‫الحرمان لم يتطرق حت ألحالمهم‪ ،‬ألنهم وجدوا ي‬
‫اما البعض االخر فقد ال يرضوا ان يطلقوا تسميه (الحياة) عىل حياتهم ألنهم‬
‫عىل وجه االرض ليسوا بأحياء‪ ،‬وانما يمارسون العيش فقط ‪ ...‬فثمة فرق بي‬
‫أن تحيا وبي أن تعيش‪.‬‬
‫كل أنسان ولد عىل هذه االرض ولد بحسب ما تقتضيه ظروف ذويه‪ ،‬وال‬
‫مناص للحياد عن ذلك إال ر‬
‫بالشء القليل‪( ،‬القليل الكثت) فهو قليل عىل‬
‫ي‬
‫الواقع‪ ،‬كثت عىل االنسان‪ ،‬ذلك االنسان الذي أنتض عىل محيطه بقوى‬
‫َ‬ ‫حقنته االيام بمصلها ذات ليلة‪ ،‬حي أفتش َ‬
‫العوز ارضه‪ ،‬وتوسد االرادة‪،‬‬
‫وحلم بالحياة بدل العيش‪ ،‬حياة ابناء الذوات الذين شاهدهم عىل الضفة‬
‫الثانية من محل سكناه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قديما كان هناك مثل تايلندي يقول‪( :‬أذا كان اباك لصا فال تطمح ان تكون‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الت تسببت لمن هم‬ ‫قاضيا) فمن روى هذا المثل كان ملما بكل أنواع اآلالم ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يكتوا‪ ،‬كان شاهدا عىل‬
‫بعمر الورد‪ ،‬كان عالما بمستقبلهم وبمحتواه قبل ان ر‬
‫ضفاف الحياة االثنتي (الرفاه والحرمان)‪.‬‬
‫من بديهيات القدر ان يعرف االنسان مصته منذ طفولته وكيف ستكون‬
‫ر‬
‫المعيش الذي حدد نوع‬ ‫نهايته‪ ،‬بحسب الظروف المحيطة به والمستوى‬
‫ي‬
‫الت ستضعه يف‬
‫الطعام الذي اعتاد عىل تناوله‪ ،‬اىل أن تشاء تلك الفرصة ي‬
‫قارب النض ليجذف بأرادته نحو احالمه‪ ،‬وينتقل (إن استطاع) من العيش اىل‬
‫الحياة‪ ،‬وهذا لمن كان ميسور الحظ فحسب‪.‬‬
‫لظروفه السيئة لمحاربته‪ ،‬فهنا يجب ان ال يجعل‬
‫ِ‬ ‫أما من وقف حظه بالجنب‬
‫تجء من تلقاء نفسها وانما يرغمها عىل ذلك ألنه اراد ان‬
‫هذه الفرصة ان ر ي‬
‫وه تغمر‬ ‫يكون‪ ،‬يكون ر‬
‫الشء الذي يفتخر به أمام المرآة حي يرى ابتسامته ي‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫وه تلوح بأشارات النض‪ ،‬ولكنه حتما‬
‫عينيه قبل شفتيه‪ ،‬يرى مالمح وجهه ي‬
‫الت‬
‫ستى ندبة الحرمان قد ظهرت يف احدى اركان وجهه‪ ،‬فهذه رصيبة الزمن ي‬
‫ال تقبل االستثناء‪ ،‬حت ال ينش ما مض‪.‬‬
‫ً‬
‫يوم‬
‫يكت والطفولة تعيش بداخله رغما عنه‪ ،‬ألنه رأى االطفال ذات ٍ‬
‫بعضنا ر‬
‫تلهو وتلعب عىل باحة بابه وهو لم يلعب معهم‪ ،‬ألنه ارتدى البسته القديمة‬
‫الت بأيديها‬
‫يف أيام االعياد‪ ،‬ألنه كان يرى االطفال يف االسواق تضجر من الدىم ي‬
‫التمت‪.‬‬ ‫وه بالنسبة له أمنية تستحق‬ ‫وتتودد ألمهاتهم ر‬
‫ي‬ ‫األكت منها‪ ،‬ي‬
‫ر‬ ‫لشاء‬
‫من أقش أنواع االلم ان تشتي الدىم بعد فوات االوان‪ ،‬أن تشتي العاب‬
‫أكت من عمر الطفولة ومن نعومتها‪ ،‬سيصاحبك هذا األلم‬‫االطفال وانت ر‬
‫ً‬
‫تخت أحدا عنه‪،‬‬
‫كتت‪ ،‬ستافقك اىل ارذل العمر‪ ،‬لكنك لن تستطيع أن ر‬
‫مهما ر‬
‫إال من كان رفيق روحك‪ ،‬فهذا الذي يشعر بصمتك سيشعر بحجم األلم الذي‬
‫تقصده وأنت تتحدث عن الحرمان‪ ،‬ليس بامكانك التحدث عن الحرمان أمام‬
‫ً‬
‫من ال يعرفه‪ ،‬فالحرمان احيانا قد يكون خدوش احساس‪ ،‬وليس بالضورة أن‬
‫لشء مادي‪.‬‬ ‫ر‬
‫يكون احتياج ي‬
‫ً‬
‫أنا طفلة لم تهتم بعدد السني عىل كعكة عيد ميالدها‬
‫ً‬
‫أنا صبية لم تهتم بثيابها ليلة العيد المجيد‬
‫َ‬
‫أنا بنت تجاوزت عمر المراهقة دون أن ت ِحب‬
‫َ‬
‫أنا شابة لم تعرف رعشة الجسد عند اللمسة األوىل‬
‫وه تضع أحمر الشفاه قبل خروجها‪.‬‬
‫أنا امرأة لم يخطر ببالها رجل‪ ،‬ي‬
‫أنا من يسود الصمت حديثها‪ ،‬أنا من تبتسم ألجل أن تجامل من حولها‪ ،‬أنا‬
‫ُ‬
‫ليل ممطر مر عىل يتاىم بال مأوى‪ ،‬أنا بحر بال موج‪ ،‬كتب عليه ان يشاهد من‬
‫ً‬
‫الت‬
‫حوله وان يسمع صوت من يجلس عىل شواطئه دون ان يحرك ساكنا‪ ،‬أنا ي‬
‫اشتت الدىم بعد فوات الطفولة‪ ،‬انا عمر من التعب‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يمض يومها شبيها بالذي قبله‪ ،‬معطيا صورة واضحة لليوم الذي‬ ‫ي‬ ‫أنا من‬
‫ان‪،‬‬
‫وانت سأحب حي ي‬ ‫حاىل سيتغت ي‬
‫بعده‪ ،‬ويتجدد االمل عند كل مساء‪ ،‬بأن ي‬
‫يمض ‪..‬‬
‫ي‬ ‫سأحيا بها ال ألعيشها ‪ ...‬والعمر‬
‫ُ‬
‫داخىل عن ما اتمناه‪،‬‬
‫ي‬ ‫رغم قلة الفرح‪ ،‬كنت عند غروب الشمس اهمس يف‬
‫يصعب نسيانها‪ ،‬أجمعها وانا اجدل شعري‪،‬‬ ‫حت تتطفل عىل احالىم ذكريات َ‬
‫ي‬
‫جدائىل خلف ظهري ألتناساها‪.‬‬
‫ي‬ ‫ثم ارميها مع‬
‫يغريت الليل‬ ‫اش دون ادن شعور بالنعاس‪ ،‬دون ان‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫يف كل ليلة اذهب لفر ي‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ر‬
‫مت نافذة تطل عىل االمل‪ ،‬تطل‬
‫اش وبالقرب ي‬ ‫ببعض النوم‪ ،‬اجلس عىل فر ي‬
‫الت لطالما تمنياتها‪.‬‬
‫عىل الحياة‪ ،‬تلك الحياة ي‬
‫ً‬
‫احيانا‪ ،‬وانا جالسة افتح بيدي ج ً‬
‫زء من الستارة ألرى القمر‪ ،‬أراه كل يوم واتابع‬
‫داخىل من كالم تقشعر‬
‫ي‬ ‫اشكاله‪ ،‬أنظر كل ليلة بصمت او أكاد ان اصمت‪ ،‬لما يف‬
‫بشفاه‬
‫ٍ‬ ‫داخىل من غزل‪ ،‬أريد قوله‬
‫ي‬ ‫له اوراق الشجر يف شهر نيسان‪ ،‬لما يف‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫اجفان‪ ،‬حت يمر الليل الذي‬
‫ي‬ ‫ترتعد حبا‪ ،‬إال ان يت اتوسل النسيان يك تغفو‬
‫ليىل‬ ‫أخ رش صباحه‪ ،‬ألن يت سأستيقظ فيه وأجد عمري قد اصبح ر‬
‫اكت‪ ،‬أنا انام ي‬
‫ً‬
‫التمت‪.‬‬
‫ي‬ ‫و يىل من العمر ثالثون عاما من‬
‫اش‪ ،‬افتح جدائل شعري عىل‬‫ر‬
‫أستلق ببطء عىل فر ي‬
‫ي‬ ‫بعد ان يتعب يت الصمت‪،‬‬
‫وسادن وأبدأ بالكالم‪ ،‬ذلك الكالم الذي ال استطيع البوح به كما ال اقوى عىل‬
‫ي‬
‫ُ‬
‫بأوان االمل يك ال تذبل‪،‬‬
‫ي‬ ‫احالىم‬
‫ي‬ ‫اسق ورود‬
‫ي‬ ‫كتمانه‪ ،‬اذكر ما اشاء من الغزل‪،‬‬
‫احلم اىل حد السعادة‪ ،‬اىل ان اراه عند الصباح‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ألنت‬
‫ي‬ ‫ألنت سأراه‪،‬‬
‫ي‬ ‫عيت‬
‫ي‬ ‫اعتدت عىل االستيقاظ عند السابعة صباحا‪ ،‬أفتح‬
‫بش‪ ،‬يسكن هو أمام متلنا ‪...‬‬‫سأكون اسعد ما عىل االرض من ر‬

‫استعد كل صباح ألن أتحمل جماله واناقته‬


‫سأكتق من النظر لعينيه الرائعتي؟‬
‫ي‬ ‫افكر ‪ ..‬كيف‬
‫ان؟‬ ‫َ‬
‫مكنت أن اقبل نظرات عينيه حي أراه وال ير ي‬
‫ي‬ ‫كيف ي‬
‫ان؟‬
‫حي يرى الدنيا بأكملها‪ ،‬وال ير ي‬
‫ً‬
‫هواء خرج للتو من اوراق‬ ‫حي يخرج من متله‪ ،‬اقف ألتمت له ان يستنشق‬
‫ً‬
‫الشجر‪ ،‬هواء لم يستنشقه احدا قبله‪.‬‬
‫احبه ‪ ...‬ال احب عىل االرض سواه‪.‬‬
‫َ‬
‫امنيان بأمنية اللقاء معه‪ ،‬عىل طاولة منعزلة‪ ،‬عىل ِضفة نهر‪،‬‬
‫ي‬ ‫هو من اختض‬
‫َ‬
‫ذات ِغطاء ابيض‪ ،‬عليها ِفنجاني من القهوة‪.‬‬
‫هو الحب الذي ولد وال زال تحت العناية المركزة‪ ،‬لكونه من دون لقاء‪.‬‬
‫ليستغت الصباح عن الشمس‪ ،‬أشعة جمال وجناته‬
‫ي‬ ‫هو الذي يخرج من متله‬
‫تكق لألشجار بأن تثمر‪.‬‬
‫ي‬
‫الت اسهر امامها‪ ،‬اظل بالقرب منها ألجله‪ ،‬ارى فيها الحسن‬
‫ه النافذة ي‬
‫ي‬
‫ذكرن به‪ ،‬وتارة‬
‫ي‬ ‫تارتي‪ ،‬تارة عند المساء وانا اتمعن القمر قبل النوم ألنه ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يوىم خالفا أليام بقية‬
‫أياىم‪ ،‬ي‬
‫اخرى عندما اراه وهو يعلن بدأ يوما جميال يف ي‬
‫البش الذين يبدأ حساب ايامهم مع ررسوق الشمس‪ ،‬انا َ‬
‫يوىم الجديد يبدأ مع‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫رارساقته هو‪..‬‬
‫هو الذي ال بديل عنه‪..‬‬
‫ال شبيه له‪..‬‬
‫وال حبيب سواه‪..‬‬
‫ً‬
‫كل صباح‪ ،‬يخرج (احمد) من متله ذاهبا لعمله‪ ،‬يخرج بقامته الطويلة ر‬
‫وبشته‬
‫حنطية اللون‪ ،‬وشعره االسود قليل الكثافة‪ ،‬يقف عند ررسفة مت ِله لعدة‬
‫ً‬
‫ثوان‪ ،‬تتعلم من خاللها االناقة من اناقته درسا يف االناقة‪ ،‬يقف ليعلن ررسوق‬
‫ي‬
‫ر‬
‫اياىم سأحبه به اكت من اليوم الذي قبله‪.‬‬
‫الشمس يف يوم جديد يف تاري ــخ ي‬
‫ينظر (احمد) اىل السماء رلتهة ومن ثم يخرج علبة سجائره من جيبه‪ ،‬يشعل‬
‫ً‬
‫وه تحتق شوقا لوسامته‪ ،‬يست بعدها خطوات اىل‬ ‫روح ي‬‫ي‬ ‫سيجارة تشبه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نهاية الشارع‪ ،‬يست وكأن خطواته اصابع عازف ماهر‪ ،‬يعزف لحنا هادئا عىل‬
‫مشح ذو مدرجات عالية‪.‬‬
‫عيت اثار وسامته وانا اغمضها‪ ،‬بعد ان منعتها من ان ترمش‬
‫تبق يف اجفان ي‬
‫روح)‬
‫ي‬ ‫الت اراه فيها ‪ ..‬هو (رفيق‬
‫الثوان ي‬
‫ي‬ ‫طيلة‬
‫نافذن واقف امام مرآ ين‪ ،‬اجمع‬
‫ي‬ ‫بعد أن يكتمل هذا المشهد الساحر‪ ،‬اغلق‬
‫نفش‪ ،‬يف الوقت الذي اخاف فيه كما‬
‫ي‬ ‫كتق االيمن‪ ،‬أقف أمام‬
‫شعري عىل ي‬
‫تخاف كل امرأة ثالثينية عذراء من التقرب اىل المرآة‪ ،‬تخاف من ان تتمعن‬
‫اكت من األمس‪ ،‬تخاف من الشيب فال تقتب من المرآة‬
‫مالمح وجهها وتراها ر‬
‫الماض حول عينيها‪ ،‬تستمر بالخوف وتتقرب‪،‬‬ ‫ر‬
‫أكت‪ ،‬تخاف من تجاعيد‬
‫ي‬
‫تتقرب لت ئ‬
‫طمي عىل جمالها من خدوش القهر‪.‬‬
‫ً‬
‫مت الكثت‪،‬‬
‫لنفش ألنها تستحق ي‬
‫ي‬ ‫نفش جيدا ثم ابتسم‪ ،‬ابتسم‬
‫ي‬ ‫انظر اىل‬
‫مرض يف‬
‫ٍ‬ ‫ان وانا يف السادسة من العمر بسبب‬
‫تستحق الكثت منذ أن خشت ر ي‬
‫مت الكثت ألن يت عشت طفولة أكتفت برؤية االلعاب دون‬ ‫القلب‪ ،‬تستحق ي‬
‫ً‬
‫الت احبها جدا‪،‬‬
‫اىم ي‬
‫اىم‪ ،‬ي‬
‫لـمسها‪ ،‬حي كنت أعيش يف ذلك المتل الصغت مع ي‬
‫ً‬
‫ان‪.‬‬
‫ليس يىل غت عنها ابدا‪ ،‬نعيش وحيدتي بعد ان رحل ر ي‬
‫يف بالدنا يصعب العيش لمن هم محدودي الدخل‪ ،‬هذا الدخل المحدود هو‬
‫ان عملية جراحية لصمام قلبه الضعيف كانت هذه‬
‫الذي تسبب بأن ال يجري ر ي‬
‫(عائلت اغىل‬
‫ي‬ ‫العملية اغىل من احالمنا الذي اراد ان يحققها‪ ،‬كان دائم القول‪:‬‬
‫صحت)‪ ،‬استمر عىل هذا المبدأ حت ضاعت سعادتنا واحالمه‪.‬‬
‫ي‬ ‫من‬
‫اىم بسبب امتناعه عن العالج‬
‫ان ألشهر شاحب اللون‪ ،‬كثت الشجار مع ي‬ ‫ظل ر ي‬
‫َ‬
‫بحسب ما كانت تقص يىل من احداث‪ ،‬نصحه طبيبه المعالج وقتها بأن‬
‫ً‬
‫العالج لم يعد كافيا ويجب عليه ان يجري عملية جراحية إال انه رفض بسبب‬
‫ً‬
‫تكاليفها‪ ،‬ولو كان غنيا لكان طويل العمر‪.‬‬
‫وتجرن معها بخطوات‬
‫ي‬ ‫اىم‪ ،‬كانت تمسك بيدي‬
‫ان‪ ،‬رست يف جنازته مع ي‬
‫توف ر ي‬
‫ي‬
‫ريدن ان است بشعة وانا حينها اردت الست‬
‫ان‪ ،‬كانت ت ي‬
‫متسارعة‪ ،‬نتبع نعش ر ي‬
‫ألن ان يتكنا‪.‬‬
‫يمض‪ ،‬كنت ال اريد ر ي‬ ‫ي‬ ‫ببطء‪ ،‬كنت ال اريد للعمر ان‬
‫ً‬
‫ان قد مات‪ ،‬قالوا انه سافر وسيتأخر‪،‬‬ ‫حوىل لم يقولوا يىل رصاحة ان ر ي‬
‫ي‬ ‫كل من‬
‫ون مت سيعود؟ ولماذا رحل ؟‬
‫يخت ي‬
‫ولم ر‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يكق كل هذه التساؤالت ‪ ..‬مات ألنه كان فقتا‪.‬‬
‫كتت ووجدت جوابا واحدا ي‬
‫ر‬
‫ان تست ببطء‪ ،‬كست االفىع اىل فريستها‪ ،‬نسكن انا‬
‫كانت ايامنا بعد رحيل ر ي‬
‫اىم فيما ستفعله‬
‫ان‪ ،‬ظلت تفكر ي‬
‫واىم يف مت ٍل صغت‪ ،‬بعد عودتنا من جنازة ر ي‬
‫ي‬
‫المتبق‪ ،‬كانت ايامنا ساكنة تتخللها زيارات بعض‬‫ي‬ ‫لكسب القوت للعمر‬
‫ً‬
‫ألىم بي تارة واخرى عبارة (ان‬
‫االقارب ألغراض المجاملة‪ ،‬كنت اسمع قولهم ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫لشء فنحن بالقرب منكم)‪ ،‬بدأت هذه العبارة تقل شيئا فشيئا‪،‬‬ ‫احتجتم ي‬
‫ً‬
‫شهرا بعد شهر‪ ،‬حت اقتضت عىل المناسبات و االعياد‪.‬‬
‫اش‪،‬‬
‫فه ال تمتلك أي تحصيل در ي‬
‫أىم مهنة الخياطة‪ ،‬ي‬
‫أن‪ ،‬امتهنت ي‬
‫بعد وفاة ر ي‬
‫َ‬
‫صمدت امام كل الصعاب حت ك رتت وحصلت عىل شهادة البكالوريوس يف‬
‫العلوم السياسية‪ ،‬هذا التخصص الذي كنت ال اطيق السماع به‪ ،‬إال ان وصية‬
‫ان حالت دون ذلك‪.‬‬
‫ري‬
‫اىم ذات ليلة بأن أدخل كلية العلوم السياسية‪ ،‬هذا التخصص الذي‬ ‫اوض ي‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫احبه كثتا‪ ،‬حي كنت يف الدراسة الثانوية‪ ،‬كنت افكر يف عدم الدخول لهذه‬
‫يرغمت عىل اسعاده يف رقته‪.‬‬
‫ي‬ ‫ألن‬
‫حنيت ر ي‬
‫ي‬ ‫الكلية‪ ،‬وال ابرح إال ان اجد‬
‫ً‬
‫ألنت‬
‫است الجامعية بحثت كثتا عن وظيفة‪ ،‬تعبت ولم اجد‪ ،‬ي‬‫حي أنهيت در ي‬
‫من بالد العرب‪ ،‬يف هذه البالد حي يكون االباء يكونوا اوالدهم‪ ،‬وأن انعدم‬
‫ً‬
‫الديت‬
‫ي‬ ‫االباء أنعدم من كان من ذريته‪ ،‬صالحا كان ام ال‪ ،‬يتعلق االمر باالنتماء‬
‫واالجتماع وعدد االقارب بالحزب الحاكم‪.‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫مدينت بحثا عن وظيفة‪ ،‬لم اقدر سوى عىل لعن بالدنا‬
‫ي‬ ‫رست يف كل طرقات‬
‫الت كتب فيها (احمد مطر) قصائده‪.‬‬
‫بالطريقة ي‬
‫ال زلت اقف أمام مرآ ين‪ ،‬اكرر تذوق مرارة هذا العناء‪ ،‬اتحش عىل شعري الذي‬
‫ً‬
‫تخرح من الجامعة‪ ،‬قصصته بسبب فتة ِعشتها نظرا لدموع‬ ‫ر ي‬ ‫قصصته بعد‬
‫ً‬
‫وه وافقة تدعو الرب من اجل ان‬‫اىم‪ ،‬اتذكر ذلك اليوم جيدا‪ ،‬حي رأيتها ي‬ ‫ي‬
‫اىم حينها‬
‫الصت‪ ،‬رأيت ي‬
‫ر‬ ‫يساعدنا عىل تحمل صعوبة العيش‪ ،‬وان يمنحنا‬
‫وعزمت عىل مساعدتها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كنت قد رأيت اعالنا يطلبون فيه نادال يف احدى المطاعم الفخمة يف مديتنا‬
‫الت تشتهر بالسياحة لعدة مواسم يف السنة‪ ،‬ولكن كانت هنالك مشكلة‪،‬‬
‫ي‬
‫اىم ل يك أعمل‪ ،‬كنت حينها يف المرحلة الثانوية‪.‬‬
‫ه ان توافق ي‬
‫المشكلة ي‬
‫جلست ذات مساء معها عىل طاولة العشاء‪ ،‬طلبت منها ان اعمل‪ ،‬رفضت‬
‫َ َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫سؤاىل حول ثوبــها الذي‬
‫ي‬ ‫وه تجيب عن‬
‫رفضا شديدا حت تلعثمت بالكالم ي‬
‫نحت وكيف سيعود اىل شكله‬
‫تغت لونه ولم تشتي غته‪ ،‬وعن ظهرها الم ي‬
‫الطبيىع‪.‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫الصبا اشعر بالشيخوخة‬
‫جعلت وانا يف عمر ِ‬
‫ي‬ ‫كان هذا الكالم مؤلما للغاية‪،‬‬
‫ه ان تعجز عن‬
‫ه ليست التقدم يف العمر‪ ،‬بل ي‬
‫ايقنت وقتها بأن الشيخوخة ي‬
‫فعل ما تريد‪ ،‬ان تريد ما ال تقدر عليه‪ ،‬ولهذا كل كبار السن يدعون الشيخوخة‬
‫وه ف االصل ال ر‬
‫تشط عىل المسني فحسب‪.‬‬ ‫ي ي‬
‫عرفت بصديق العمر الذي اهداه يىل القدر عىل هيئة‬
‫ي‬ ‫شاءت هذه الفرصة ان ت‬
‫ً‬
‫أىم‪،‬‬
‫اخ‪ ،‬هو صاحب المطعم الذي ذهبت إليه‪ ،‬بعد ان قضيت أياما ألقنع ي‬
‫تجت ثمار تعبها عن‬
‫ي‬ ‫است‪ ،‬جل ما يهمها هو ان‬
‫كان الخوف يراودها حول در ي‬
‫وصديقت (سارة) و وجدنا االعالن قد‬
‫ي‬ ‫كل هذه السني العجاف‪ ،‬ذهبت انا‬
‫ازيل من باب المطعم!!‬
‫ً‬
‫ألنت أضعت اياما يف اقناع‬
‫عيت ي‬‫جلسنا عىل احدى الطاوالت‪ ،‬غمرت الدموع ي‬
‫اىم وترغيبها بالعمل‪ ،‬جاء النادل فسألته (سارة) عن صاحب المطعم‪،‬‬
‫ي‬
‫استغربت من تضفها !!‬
‫قال النادل‪ :‬نعم موجود‪ ،‬انه هناك ‪( ...‬اشار بيده اىل احدى زوايا المطعم)‪.‬‬
‫قالت سارة‪ :‬دعينا نذهب إليه‪.‬‬
‫ً‬ ‫قلت لها‪َ :‬‬
‫لما نذهب؟ من المؤكد ان العمل لم يعد شاغرا‪.‬‬
‫قالت‪ :‬دعينا نسأله فقط‪.‬‬
‫ً‬
‫اودن ألم‬
‫لخيبت‪ ،‬حي ر ي‬
‫ي‬ ‫شعرت حينها بأن (سارة) قامت بهذا التضف اكراما‬
‫اىم مع كل خطوة است بها‪.‬‬
‫الحرمان وعناء ي‬
‫بشخص جالس لوحده عىل طاولة‪ ،‬كان يطالع‬
‫ٍ‬ ‫ذهبنا اىل زاوية المطعم وإذا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كتابا صغتا بيده‪ ،‬قال لنا النادل بأن اسمه (زياد)‪ ،‬الحظته شخصا هادئا ال‬
‫يتجاوز الخامسة والثالثي من العمر‪ ،‬القينا عليه التحية‪ ،‬فسمح لنا‬
‫بالجلوس‪ ،‬وبعد ان َ‬
‫رحب بنا بدأت (سارة) بالكالم ‪....‬‬
‫قالت‪ :‬سيد (زياد)‪ ،‬جئنا اىل هنا من اجل اعالنكم‪ ،‬كنتم بحاجة اىل نادل‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وحصل عىل‬ ‫قال زياد‪ :‬نعم‪ ،‬أهال وسهال‪ ،‬ولكن جاء شخصا ما يوم أمس‬
‫العمل‪.‬‬
‫ً‬
‫بنتة صوت ممزوجة بنية البكاء‪ :‬شكرا لك‪ ،‬هيا بنا يا (سارة)‪ ،‬دعينا‬
‫قلت ر‬
‫نذهب‪.‬‬
‫َ‬
‫وانا أقف‪ ،‬مسك السيد (زياد) يدي من معصمها‪...‬‬
‫َ‬
‫قال‪ :‬لم تبكي؟ هل استطيع تقديم ِ‬
‫لك المساعدة؟‬
‫سحبت يدي منه‪...‬‬
‫َ‬
‫بنت ٍة غاضبة‪ :‬شكرا‪ ،‬جئت ألطلب العمل و ليس ألطلب المساعدة‪.‬‬
‫قلت ر‬
‫ئ‬ ‫ً‬
‫اهدن وبعدها سنذهب‪.‬‬
‫ي‬ ‫اجلش قليال‪،‬‬
‫ي‬ ‫قالت سارة‪:‬‬
‫دموع شاهدت (زياد) وهو‬
‫ي‬ ‫حقيبت ألمسح‬
‫ي‬ ‫جلست‪ ،‬وانا أخرج المنديل من‬
‫يجلب لنا كأسي من عصت الليمون‪ ،‬شعرت حينها بأنه انسان رائع و ذو ذوق‬
‫واخالق رفيعة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬اين ِ‬
‫كنت تعملي سابقا؟‬
‫وه تنظر يىل‪ :‬ال تعمل‪ ،‬ال زالت طالبة يف المرحلة الثانوية‪.‬‬
‫أجابته (سارة) ي‬
‫قال زياد‪ :‬هذه اول مرة تقدمي فيها لعمل؟‬
‫غضت هو أن ا يىم لم توافق عىل العمل‪،‬‬
‫ري‬ ‫قلت له‪ :‬نعم‪ ،‬يا سيدي أن سبب‬
‫ادن واالن قد ضاعت‬
‫مت دون ار ي‬
‫قضيت عدة ايام ألقنعها بذلك‪ ،‬نفذ الوقت ي‬
‫الفرصة‪.‬‬
‫قال‪ :‬كال توجد فرصة اخرى‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قلت متلهفة‪ :‬حقا !! هل انتم بحاجة اىل نادال اخر؟‬
‫قال زياد‪ :‬كال‪ ،‬نحن بحاجة اىل عامل لغسل الصحون يف المطبخ وليس يف‬
‫خدمة الزبائن ولكن بنفس اجر النادل‪.‬‬
‫قلت له‪ :‬كال‪ ،‬ال اريد هذا اعمل‪.‬‬
‫سحبت (سارة) من يدها بقوة مرة اخرى‪ ،‬و بتعابت وجه يصطنع الرضا‪...‬‬
‫ً‬
‫قلت (لزياد)‪ :‬شكرا لحسن ضيافتك‪ ،‬طاب يومك‪.‬‬
‫خرجت من المطعم بخطوات متسارعة وانا اسحب (سارة) من معصمها‪...‬‬
‫قالت (سارة)‪َ :‬‬
‫لما رفضت؟‬

‫وقفت والتفت إليها‪ ،‬قلت‪ :‬لسببي‪ :‬االول ان ي‬


‫اىم من المستحيل أن توافق‬
‫امت عىل العمل كنادلة‪ ،‬وال اظنها‬
‫ان أرغمت كر ي‬
‫والثان ي‬
‫ي‬ ‫عىل هذا العمل‪،‬‬
‫ستض بالعمل بأعمال النظافة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫سألتت عن‬
‫ي‬ ‫اىم تجلس عىل ماكنة الخياطة‪،‬‬
‫عدت غاضبة اىل البيت‪ ،‬وجدت ي‬
‫ما حدث ‪...‬‬
‫قلت لها‪ :‬لم احصل عىل عمل‪.‬‬
‫ً‬
‫قالت‪ :‬شكرا للرب!!!‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬
‫بكف يدي‬ ‫ه عىل بعضها غضبا‪ ،‬قبضت‬
‫وانا واقفة امامها انطبقت شفا ي‬
‫ه‬
‫حقيبت الصغتة من شدة الغضب‪ ،‬تمنيت لو انها تعلم ان دموعها ي‬ ‫ي‬ ‫اليمت‬
‫سبب ر‬
‫بحت عن العمل‪.‬‬
‫ي‬
‫بعد ايام قليلة‪ ،‬شعرت أىم بألم حاد ف َر َقبتها من ر‬
‫كت االجهاد‪ ،‬منعها الطبيب‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫من العمل عىل ماكنة الخياطة فأمتنعت لفتة‪.‬‬
‫ً‬
‫ازدادت حالتها سوءا‪ ،‬اىل درجة انها لم تستطيع الذهاب اىل المعمل الذي‬
‫ً‬
‫بأجر ثابت يف معمل لخياطة االلبسة‬
‫ٍ‬ ‫كانت تعمل به صباحا‪ ،‬كانت تعمل‬
‫ً‬
‫صباحا‪ ،‬وعند المساء تعمل لحسابها الخاص‪.‬‬
‫هذا االجهاد الكبت جعلها ترقد يف الفراش ألسابيع عدة‪ .‬اشتدت صعوبة االمر‬
‫ه بالعمل عىل ماكنة‬
‫تكتق ي‬
‫ي‬ ‫خالل هذه االيام‪ ،‬أقنعتها بأن ابحث عن عمل ل‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫الت‬
‫الخياطة يف البيت فقط‪ ،‬امال بأن يقل التعب ويكف الدمع عن وجناتها ي‬
‫أذبلتها تكاليف معيشتنا‪.‬‬
‫أجت ين العوز‬
‫ذهبت بمفردي اىل السيد (زياد) صاحب المطعم‪ ،‬لم اجده‪ ،‬ر‬
‫ً‬
‫صافحت مبتسما‪،‬‬
‫ي‬ ‫عىل انتظاره‪ ،‬وقفت لساعتي عند باب المطعم حت ان‪،‬‬
‫تضفان يف اول مرة التقينا فيها‪ ،‬وخالل خطواتنا القليلة‬
‫ي‬ ‫رحب ر ين رغم سلبية‬
‫موقق‪ ،‬جلسنا عىل احدى‬
‫ي‬ ‫لدخول المكان الحظت من عينيه انه قد قدر‬
‫الطاوالت ‪...‬‬
‫ً‬
‫قلت له‪ :‬سيد (زياد)‪ ،‬ي‬
‫ان بحاجة اىل العمل الذي تحدثت عنه مسبقا‪.‬‬
‫ولكت يف المرة السابقة استغربت رفضك! هل العمل‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬هذا واضح‪،‬‬
‫بالتنظيف ال يعجبك؟ من المؤكد أنه ال يليق بك‪ ،‬ولكن ما السبب؟‬
‫الحاىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬اعتقد أنه ال يليق ر ين‪ ،‬ولكنه يليق بظر يف‬
‫قال يىل‪ :‬ما أسمك؟‬
‫قلت‪( :‬قـمـر)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫قال‪ :‬ولهذا كنت متأكد ان العمل غت الئق بك‪ ،‬انت جميلة ومن محاسن‬
‫الصدف ان اسمك له نصيب من جمالك‪ ،‬أنت ٌ‬
‫قمر بالفعل‪.‬‬
‫كالمه تنم عن ثقافته‪ ،‬ايقنت‬
‫ِ‬ ‫كان كالمه رقيق لدرجة االحتام‪ ،‬كانت طريقة‬
‫ٌ‬
‫نق‪.‬‬
‫بأنه انسان ي‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫العارسة ليال‪ ،‬ستداد االجر بعد شهر من‬ ‫قال‪ :‬ساعات العمل من الخامسة اىل‬
‫المب ر‬
‫ارسة بالعمل‪.‬‬
‫قلت له‪ :‬اتفقنا‪.‬‬
‫غرفت يف ذلك المساء وانا احلم بأحمر الشفاه الذي تمنيت‬ ‫ي‬ ‫رجعت اىل‬
‫ً‬
‫بأن اخبأه بي‬
‫اىم‪ ،‬حلمت ي‬
‫ان ي‬‫اقتناءه‪ ،‬كنت احلم بأن اضع منه رسا دون ان تر ي‬
‫شء تتمناه كل بنت من اقران عمري‪.‬‬ ‫ر‬
‫كتت‪ ،‬كنت احلم بكل ي‬‫ري‬
‫ً‬
‫اىم بالقليل من تكاليف العيش‪،‬‬
‫استمر الحال جيدا‪ ،‬استطعت ان اساعد ي‬
‫ألىم صحتها الجيدة مع قلة االجهاد الذي تراكم عليها طيلة‬
‫بعدها عادت ي‬
‫عت كل يوم‪،‬‬
‫صديق المقرب‪ ،‬كان يسأل ي‬
‫ي‬ ‫السني الماضية‪ ،‬اصبح (زياد)‬
‫ً‬
‫اسعدن جدا‪ ،‬كانت‬
‫ي‬ ‫شهادن الثانوية (هاتف محمول)‬
‫ي‬ ‫اهدى يىل يوم نلت‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وجه‬
‫ي‬ ‫شعور جعل مالمح‬ ‫هدية جميلة وانا مقبلة عىل دخول الجامعة‪،‬‬
‫بأكملها تبتسم‪.‬‬
‫است‬ ‫ر ي‬
‫تخرح من الجامعة‪ ،‬اىل ان أكملت در ي‬ ‫استمريت بهذا العمل اىل يوم‬
‫حصوىل عىل الشهادة‬
‫ي‬ ‫الجامعية يف كلية العلوم السياسية‪ ،‬دفعت ثمن‬
‫الجامعية صعوبة ايجاد عمل بهذا االختصاص‪ ،‬قضيت اسابيع عديدة وانا‬
‫ً‬
‫ابحث عن عمل‪ ،‬اىل ان وجدت عمال يف صحيفة محلية يف مدينتنا ليست ذا‬
‫ً‬
‫صديق‬
‫ي‬ ‫لكون ابتعدت عن‬
‫ي‬ ‫شهرة كبتة‪ ،‬يف الوقت الذي تألمت فيه كثتا‬
‫الت ألفت بيننا لن تعرف الفراق‪ ،‬و ها قد‬
‫(زياد)‪ ،‬وعدته بأن الصداقة الجميلة ي‬
‫ً‬
‫وف‬
‫مرت سنوات ووفيت بوعدي‪ ،‬وانا اىل االن اهتم بالسؤال عنه هاتفيا‪ ،‬ي‬
‫اغلب عطل نهاية االسبوع اذهب لرؤيته‪.‬‬
‫واىم ان ننتقل اىل مت ٍل جديد‪ ،‬كان جميل‬
‫توظيق استطعنا انا ي‬
‫ي‬ ‫بعد سنتي من‬
‫غرفت‪ ،‬بعد انتقالنا حصلت عىل موافقة من‬ ‫بسبب َ‬
‫من يسكن امام ررسفة‬
‫ي‬
‫لكون كنت االوىل عىل‬
‫ي‬ ‫جامعت أللقاء المحارصات يف كلية العلوم السياسية‬
‫ي‬
‫فعت يف التخرج‪.‬‬
‫د ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أخطأ من قال ان السعادة غت مرتبطة بالمال‪ ،‬للمال عصا سحرية تتحكم‬
‫بالسعادة‪ ،‬صحيح ان ليس كل انواع السعادة تشتى بالمال‪ ،‬ولكن اغلبها‬
‫تتملق له‪ ،‬وعىل اقل تقدير أن لم يستطع المال ان يشتي لنا ما نرجو من‬
‫ً‬
‫السعادة‪ ،‬فأنه قادرا عىل ان يجعلنا ان نعيش تعاستنا دون قلق‪.‬‬
‫الت‬
‫أىم من دون عمل‪ ،‬االنتصار عىل الظروف ي‬
‫شعرت باالنتصار بعد أن رأيت ي‬
‫مت الكثت فالظروف‬
‫الت تستحق ي‬
‫نفش ي‬
‫ي‬ ‫مرت بنا‪ ،‬شعرت بالفخر أمام‬
‫الت مررت بها كانت تشبه غابة شائكة االدغال‪ ،‬خرجت منها‬
‫القاسية ي‬
‫بصعوبة ممزقة الثوب والجلد‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫بسبب هذه الظروف خشت جدائل شعري‪ ،‬قصصتها بعد ان كانت طويلة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عمىل السابق يف تنظيف‬‫وظيفت وهو يعلم ب ي‬
‫ي‬ ‫ان احدا يف‬
‫خشية من ان ير ي‬
‫ُ‬
‫عمىل امام اعي الناس‪ ،‬إال‬
‫ي‬ ‫ان‪ ،‬ومن محاسن الظلم‪ ،‬لم يكن‬ ‫الصحون‪ ،‬رغم ي‬
‫شكىل‬
‫ي‬ ‫ان الخوف الممزوج بعزة النفس ادى اىل ذلك‪ ،‬غتت لونه‪ ،‬اختلف‬
‫ر‬
‫الشء عن ما فات من ألم‪ ،‬عن ما فات من ايام ال اريد أن أتذكرها‪.‬‬
‫بعض ي‬
‫الت أنظر فيها بعد أن اراه‬
‫آن ي‬
‫آن‪ ،‬مر ي‬‫يعصف كل هذا بخاطري وأنا أمام مر ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وجه قد ازداد عمرا‪ ،‬اخاف ان‬
‫ي‬ ‫خارجا اىل عمله‪ ،‬اخاف التقرب منها يك ال أرى‬
‫التق به عىل ضفة نهر‪ ،‬عىل طاولة عليها غطاء ابيض و‬
‫جماىل قبل أن ي‬
‫ي‬ ‫يذهب‬
‫فنجاني من القهوة‪.‬‬
‫ه إال فرصة للعيش يف غت الزمان والمكان الذي نكون فيه‪،‬‬
‫احالم اليقظة‪ ،‬ما ي‬
‫ريثما تسمح لنا فرصة ما بالتحدث دون خجل‪ ،‬او للمس دون خوف‪ ،‬أو‬
‫شء ح ِرمنا من التقرب منه‪.‬‬‫ر‬
‫لتمعن ي‬
‫ه إال انعكاس لما نراه يف يومنا‪،‬‬
‫أما عن احالمنا الطبيعية عند النوم‪ ،‬فما ي‬
‫االلمان (سيغموند‬
‫ي‬ ‫وليس لها اي صلة بمستقبلنا‪ ،‬كما أثبته عالم النفس‬
‫فرويد) يف كتابه (تفست األحالم)‪ ،‬بعد ان قدم دالئل عدة تثبت ان ليس من‬
‫الممكن ألحالمنا التنبؤ بالمستقبل‪ ،‬ولكنه لم يتطرق ألحالمنا جميلة‪ ،‬تلك‬
‫ُ‬ ‫تجعلنا س ٌ‬‫ُ‬
‫عداء من وهم‪ ،‬لنستيقظ من شدة الفرح‪ ،‬لتلك االحالم‬ ‫الت‬
‫االحالم ي‬
‫التمت‪.‬‬
‫ي‬ ‫الت جاءت بعد االلحاح يف‬
‫تجء بمفردها‪ ،‬تلك ي‬
‫الت لم ر ي‬
‫ي‬
‫فه عند االول نختار ما‬
‫الفرق واضح بي احالم اليقظة واحالمنا الطبيعية‪ ،‬ي‬
‫ً‬
‫يأن الينا عنوة‪،‬‬
‫الثان فأنه ي‬
‫ي‬ ‫نحلم به ونغمره باألحساس الذي نريده‪ ،‬أما عند‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫سيأن عنوة حت لو تعوذنا بالفرح من‬ ‫ي‬ ‫يأن‪ ،‬ليسعدنا‪ ،‬ليخيفنا‪،‬‬
‫كيفما كان ي‬
‫الخوف‪.‬‬
‫ُ‬
‫من السهل أن تحلم‪ ،‬ولكنك من الصعب أن تستيقظ من احالمك بعد‬
‫االدمان عليها‪ ،‬ألنك وببساطة ستجده حلم‪ ،‬بعدما تغاضيت عن كونه حلم‪،‬‬
‫ُ‬
‫واقع لم يكن واقع‪ ،‬اردناه ولم َيكن‪ ،‬واقع ال يمكن رؤيته‪ ،‬كان‬
‫أو باألحرى‪ ،‬هو ٌ‬

‫البش و يف كل سني حياتهم يلتجؤن اىل الحلم‪ ،‬ألنه اراد‬‫حلم ًا فحسب‪ ،‬غالب ر‬
‫ً‬
‫شيئا لم يحدث له‪ ،‬أو من الصعب ان يحدث له‪ ،‬أو قد فات االوان لحدوثه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫لألحالم سحر يبعث السعادة‪ ،‬ولكن ك رتة تكرارها يزيدنا ارصارا عىل تحقيقها‪،‬‬
‫هذا أن كانت قابلة للتحقق‪ ،‬أما عن األمنية المستحيلة‪ ،‬فمن األفضل ان‬
‫تكتق بالنظر‬
‫ي‬ ‫تكف عن الحلم بها‪ ،‬وان تبقيها عىل رفوف الذكريات حيث أن‬
‫إليها‪ ،‬ألنك لم ولن تمتلكها ذات يوم‪.‬‬
‫اياىم متشابهة‪ ،‬ال يطرأ عليها اي تغيت سوى فرق االرقام يف اوراق‬
‫ي‬ ‫كانت‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫بأنت سألفت انتباه رجال‬
‫التقويم‪ ،‬كنت اذهب اىل العمل صباحا دون أن أهتم ي‬
‫ً‬
‫عيت‪،‬‬
‫الت أضعها لتجميل ي‬ ‫ألناقت‪ ،‬كنت عبثا أختار االلوان ي‬
‫ي‬ ‫ام ال‪ ،‬لمظهري او‬
‫اباىل أن وضعت أحمر الشفاه أم لم أضعه‪.‬‬ ‫كنت ال ي‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫رؤيته كل صباح‪ ،‬وسامته كانت تزداد دقيقة تلو االخرى‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ال زلت مواضبة عىل‬
‫ليشق كل‬‫ضجر ف داخىل ُكلما اخذ مكان الشمس ر‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫هو الوحيد الذي يهشم كل‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ألعجان به اصبح‬ ‫تشق الشمس معه‪ ،‬هو من الشمس أحىل‪ ،‬ئ‬
‫وفان‬ ‫صباح‪ ،‬ال ر‬
‫ري‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫حقيقيا‪ ،‬ال أعلم ما السبب‪ ،‬انا لم اتكلم معه حت!!‬
‫تأثت ساحر عىل النطق‬ ‫نظرة العي‪ ،‬ه أول ما يثت أنتباه كل فتاة‪ ،‬ألن لها ٌ‬
‫ي‬
‫ببعض الكلمات‪ ،‬وكم (الكلمات االوىل) مهمة يف كل حب‪ ،‬تقدم لك َمن تهواه‬
‫بصورة مبسطة‪ ،‬لتقف عىل بعد خطوة واحدة عنه لتقرر‪ ،‬تحب او ال تحب‪،‬‬
‫فأن خدعتك العي بسحرها‪ ،‬فالكلمات االوىل ال يمكن لها ِخداعك‪.‬‬
‫تعشق المرأة يف الرجل عدة سمات‪ ،‬اهمها الوسامة‪ ،‬وقوة الشخصية‬
‫ً‬
‫واالنطباع‪ ،‬تكون هذه الممتات عبارة عن سلسلة تتأمل كل امرأة متوهمة بأنه‬
‫ال يمكن االستغناء عن احداها‪.‬‬
‫ً‬
‫احيانا‪ ،‬تستعد بعض الفتيات لالستغناء عن احدى هذه المتات أو تتحمل‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫الشء مقابل االرتباط بمن احبت‪ ،‬ألنها ع ِشقت رجال ال‬
‫ي‬ ‫وجودها بالشكل‬
‫تريده أن يتوقف عن الكالم لو التقيا‪ ،‬ألنها لو س ِئلت عنه (لما هو بالتحديد؟)‬
‫صمتت‪.‬‬
‫ً‬
‫هنا يكمن الحب‪ ،‬ألننا ان استمرينا بالبحث عن هذه السلسلة متكاملة‪ ،‬فمن‬
‫النادر أن نجدها‪ ،‬أو أن صح التعبت‪ ،‬اذا كانت متكاملة فقد ال تكون بجمال‬
‫ً‬
‫اختيارنا‪ ،‬ألن للقلب لسانا َيصعب عىل العقل اسكاته‪.‬‬
‫ً‬
‫وانت قد رأيته صدفة‬
‫ي‬ ‫عجبت‪،‬‬
‫ي‬ ‫كنت قد نوهت (لسارة) بأن هنالك شخصا ي‬
‫ألنت سأراه‬
‫بوافر من الفرح ي‬
‫ٍ‬ ‫بأنت استيقظ‬
‫اختها ي‬ ‫ر ي‬
‫خروح من المتل‪ ،‬لم ر‬ ‫عند‬
‫ً‬
‫أنت اتمت تتبع خطواته أكراما لعطر‬
‫وأتأمل مظهره عند كل صباح‪ ،‬لم اقل لها ي‬
‫أنفاسه‪.‬‬
‫ً‬
‫جلسنا ذات مرة مع اصدقاء لنا‪ ،‬طلبت من (سارة) همسا أن تبق بعد‬
‫ً‬
‫مغادرتهم يك نتكلم عىل انفراد قليال‪.‬‬
‫وبعدما رحل الجميع ‪....‬‬
‫ً‬
‫قلت لها‪ :‬وما العمل إذا ؟‬
‫قالت‪ :‬عن ماذا تتكلمي؟‬
‫بداخىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫الت‬
‫التمت ي‬
‫ي‬ ‫تنهدت‪ ،‬قلت‪ :‬عن رائحة المطر يف طرق‬
‫شعرت (سارة) حينها وانا اقول هذه العبارة مع تنهيدة التعب‪ ،‬عن ما يف‬
‫داخىل‪ ،‬لكنها لم تعرف ما كنت اعنيه‪.‬‬
‫ي‬
‫يدفعت لحبه‪ ،‬انا ال أؤمن يف حب المظهر والشكل‪ ،‬لطالما رأيت‬
‫ي‬ ‫أعجان به‬
‫ري‬ ‫بدأ‬
‫ً‬
‫قلت ألحدهم‪ ،‬لم‬‫كثتا من الرجال يف عمري الذي مض‪ ،‬ولكن لم يخفق ر ي‬
‫ً‬
‫اصادف رجال شخصيته أجمل من وجهه ومظهره‪ ،‬كل الذين رأيتهم كانوا‬
‫عكس ذلك‪.‬‬

‫قالت سارة‪ :‬ما ِ‬


‫بك؟‬
‫قلت لها‪ :‬عـيـنـاه‪.‬‬
‫قالت‪ :‬تتكلمي عن ذلك الشاب الذي تصادفيه يف شارعكم‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫قلت‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قالت بتعجب‪ :‬قمر‪ ،‬منذ ايام الصبا وأنا اعرفك‪ ،‬لم اشاهدك تتكلمي عن‬
‫رجل بهذا الكم الهائل من التعب‪ ،‬هل تحبينه؟‬
‫تلعثمت بالكالم‪ ،‬قلت‪ :‬كال‪ ،‬لم يتطور االمر اىل هذه الدرجة‪ ،‬أنا معجبة به‬
‫فحسب‪.‬‬
‫ً‬ ‫ضحكت بصوت ً‬
‫قلبك فتيائيا‬
‫ِ‬ ‫عال‪ ،‬قالت‪ :‬الحمد هلل‪ ،‬تأكدت االن من أن‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫قابل للحب‪ ،‬وليس عازال له‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولما تقولي هكذا!!‬
‫حدثتت عن ذلك الشاب الذي كان يحبك ايام دراست ِك‬
‫ي‬ ‫قالت‪ :‬أتذكرين كم‬
‫ُ‬
‫الجامعية؟ هل تذكرين كيف رفضت ِه؟ أنت تريدين الحب كما يف االفالم‬
‫السينمائية‪.‬‬
‫ً‬
‫قلت‪ :‬مرارا قلت ِ‬
‫لك بأن الحب يف عمر المراهقة مجوف المشاعر وال يخرج‬
‫ً‬
‫عن حت االعجاب والتسلية‪ ،‬ألن الكبت الذي يواجهه الطلبة‪ ،‬وتحديدا‬
‫شء مت ما‬ ‫ر‬
‫العرب‪ ،‬منذ نشؤهم ولغاية دخولهم للجامعة يدفعهم لفعل اي ي‬
‫ه‬
‫الت تربط بينهم‪ ،‬هل ي‬
‫انزاح هذا الكبت‪ ،‬هم حائرون يف تحديد نوع العالقة ي‬
‫عالقة حب؟ أم صداقة؟ وباألخص الفتيات‪ ،‬ألن فرصة الحب للشاب قبل‬
‫الت‬
‫اكت‪ ،‬وقد يستطيع التميت بي انواع العالقة ي‬ ‫دخوله الجامعة تكون ر‬
‫ُ‬
‫امرهن‪ ،‬احداهن ال ترتبط بعالقة إال‬
‫ِ‬ ‫ذكرتها‪ ،‬أغلب الفتيات َيك َن يف حت ٍة يف‬
‫است يف‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫من كانت ال تخش لعنة المجتمع وال تخاف سخط االبوين‪ ،‬منذ در ي‬
‫الشء وبعد أن اصبحت اعمل فيها تأكدت منه‪.‬‬ ‫ر‬
‫الجامعة وانا االحظ هذا ي‬
‫ً‬
‫رفعت سارة حاجبها االيش‪ ،‬وقالت‪ :‬لو كان كالمك صحيحا‪ ،‬فلما رأينا حب و‬
‫ٌ‬
‫ومغرورة بعض ر‬
‫الشء‬
‫ي‬ ‫زواج يف الجامعة ؟ كل ما يف االمر أنك صعبة المزاج‬
‫بجمالك ولون عينيك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قلت‪ :‬اوال شكرا للرب ألن شعري استعاد طوله ولونه‪ ،‬وثانيا هذا النوع من‬
‫الحب موجود بالفعل‪ ،‬ولكنه يستمر اىل الزواج فقط‪ ،‬بعد الزواج ستضمحل‬
‫ً‬
‫الت عىل‬
‫الت كانت تنتابهم‪ ،‬سيستمرون نتيجة لثقل االلتامات ي‬ ‫كل المشاعر ي‬
‫ً‬
‫تعطيت مثإال للحب‬
‫ي‬ ‫عاتقهم وتحسبا لما سيقوله المجتمع‪ ،‬اراهنك يف ان‬
‫الدائم ألشخاص نعرفهم‪ ،‬غت اولئك الذين يتصنعون الحب قبل النوم عىل‬
‫ً‬
‫الشير المشتك‪ ،‬اريد زواجا يتخلل الحب صباحه ومساؤه‪ ،‬الحب الذي يزداد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عمره تزامنا مع أعمارنا‪ ،‬اريد ان ابق عىل قيد جمال النظرة االوىل‪ ،‬اريد رجال‬
‫الت نظر يىل بها اول مرة‪.‬‬
‫اىل بتلك الطريقة ي‬‫ينظر ي‬
‫ً‬
‫قالت‪ :‬ألم اقل لك أنك تريدين حبا كما يف الروايات واألفالم‪.‬‬
‫داخىل فحسب‪ ،‬اريد أن اتحدث معه قبل ان‬ ‫ي‬ ‫قلت‪ :‬انا اريد البوح عن ما يف‬
‫ُ‬
‫اصاب بعشقه‪ ،‬مظهره اعىط يىل االمل بأن يف داخله انسان رائع‪ ،‬هو ليس‬
‫كسائر ر‬
‫البش‪ ،‬اشعر ان لديه ما يمته أو أن لديه موهبة ما‪.‬‬
‫قالت‪ :‬وماذا تنتظرين ؟‬
‫تجمعت به‪.‬‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬أستجدي من القدر صدفة‬
‫لثوان‪ ،‬تأملت يف خاطري شكل هذا اللقاء‪...‬‬
‫ٍ‬ ‫بعد الصمت‬
‫قلت لها‪ :‬دعينا نعود اىل البيت‪ ،‬تأخر الوقت‪.‬‬
‫ليىل‬
‫نافذن أعد كم يلزم من الوقت يك اراه‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫غرفت‪ ،‬جلست أمام‬
‫ي‬ ‫رجعت اىل‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫أجفان‬
‫ي‬ ‫طويل جدا‪ ،‬عقارب ساع يت ثملة ال تقوى عىل الدوران‪ ،‬النوم ال يلمس‬
‫إال بعد أن ارشيه ببعض التعب الجسدي أو بعقاقت الصداع‪.‬‬
‫يقظت كل ما اتمناه‪ ،‬وكل ما أتمناه أن أثت انتباهه للحظة واحدة‪،‬‬
‫ي‬ ‫لت احالم‬
‫تري‬
‫لكنت اخاف بعض‬‫ي‬ ‫اريد ان ارى عينيه عن قرب‪ ،‬اريد أن اعرفه عن كثب‪،‬‬
‫ر‬
‫الشء من هذه االمنية‪ ،‬أخاف ان يكون ليس كما توقعته‪ ،‬أنا قرأت يف مالمحه‬
‫ي‬
‫انه ذو شخصية قوية ولديه ما يمته عن سائر الناس‪ ،‬لطالما تمنيت ان اتأكد‬
‫من ذلك‪.‬‬
‫عيت عىل الساعة الجدارية‬
‫التاىل وأنا كالعادة أفتح ي‬
‫ي‬ ‫استيقظت يف صباح اليوم‬
‫اماىم ألجدها يف ذات الوقت الذي استيقظ فيه‪،‬‬
‫ي‬ ‫المعلقة عىل الجدار الذي‬
‫نافذن ألفتح ستائرها‬ ‫اش ووقفت أمام‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ألنت سأراه‪ ،‬نهضت من فر ي‬‫ي‬ ‫أبتسم‬
‫ئ‬ ‫ً‬
‫بأنت لست متأخرة عن‬
‫قليال وأنظر اىل الساعة بي الدقيقة واالخرى ألطمي ي‬
‫موعدي معه‪ ،‬موعدي معه الذي صنع من الورق‪.‬‬
‫ينتابت بسبب (صالح)‪ ،‬شاب يف‬
‫ي‬ ‫ذهبت اىل الجامعة مع بعض الضجر الذي‬
‫قامة طويلة‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫نحيف وله‬ ‫الثالثينيات من العمر‪ ،‬رأسه غزير الشعر وله ذقن‪،‬‬
‫ٍ‬
‫اسالىم متدين‪ ،‬له تجربة فاشلة‬
‫ي‬ ‫يدع انه‬
‫ي‬ ‫غت مهتم البتة بمظهره وال بكالمه‪،‬‬
‫ً‬
‫يف الزواج مسبقا‪.‬‬
‫مىع بي الحي واالخر ببعض الكالم‬ ‫ئ‬
‫زمالن يف الوظيفة‪ ،‬يتكلم ي‬
‫ي‬ ‫هو احد‬
‫ً‬
‫ألنت ال أتكلم يف اوقات العمل‬
‫اللطيف‪ ،‬وانا ال اطيق التحدث معه اطالقا‪ ،‬ي‬
‫بكالم خارج حدود الوظيفة‪ ،‬سمعت منه العديد من التلميحات الضيحة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫باألعجاب‪ ،‬ولكنه كان يمزجها بموضوع اخر دائما فال استطيع رده‪ ،‬ألضع حدا‬
‫ً‬
‫لكلماته الشنيعة‪ ،‬كنت دائما اتصنع السذاجة امامه‪.‬‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫كنت يف كل صباح‪ ،‬اتمت لو يفصح يىل رصاحة عن أعجابه المزمع‪ ،‬يك ارد‬
‫ُ‬
‫عليه بالرفض ليكف عن التملق‪ ،‬كم تكره الفتاة الرجل المتملق الذي ال كيان‬
‫ً‬
‫مكتت‬
‫ري‬ ‫له‪ ،‬كنت اشعر بالضجر كلما اراه وهو يقول يىل خصيصا وبالقرب من‬
‫شء‬ ‫ر‬
‫نفش بأي ي‬
‫ي‬ ‫تجعلت اراها عىل عجل‪ ،‬ألشغل‬
‫ي‬ ‫(صباح الخت) مع ابتسامة‬
‫يلق التحية‪.‬‬
‫مىع بعد أن ي‬
‫اماىم‪ ،‬حت ال يتكلم ي‬
‫ي‬
‫وينته الدوام عىل‬
‫ي‬ ‫انشغاىل بألقاء المحارصات‬
‫ي‬ ‫يوىم بشعة بسبب‬
‫يمض ي‬
‫ي‬
‫وألت متطلباتها ومن ثم‬
‫اىم ر ي‬
‫عجل حت أعود اىل المتل ألتناول الغداء مع ي‬
‫عمىل يف الجريدة‪ ،‬حت غروب الشمس واعود اىل‬
‫ي‬ ‫اخرج من بعد الظهتة اىل‬
‫وصمت‪ ،‬وان التقيت (بسارة) فأن اليوم يكون ذا ملل أقل‪.‬‬ ‫ي‬ ‫سكون‬
‫ي‬ ‫غرفت‪ ،‬اىل‬
‫ي‬
‫ً ً‬
‫منذ سنتي و(سارة) متوجة من احد اقاربــها‪ ،‬كان زواجها تقليديا اثرا للعادات‬
‫ً‬
‫والتقاليد‪ ،‬إال أنها كانت قد فكرت مليا بهذا الموضوع وقت خطوبتها ومن ثم‬
‫وافقت عىل اختيار ررسيك حياتها‪.‬‬
‫وه احدى االنواع الثالث للنساء‪ ،‬يف‬
‫الت تحب بعقلها ي‬
‫(سارة) من نوع النساء ي‬
‫الحب هنالك ثالث أنواع من النساء‪:‬‬
‫الت تحب بعقلها‪ ،‬وهو النوع الغالب‪ ،‬تحب المرأة هنا من‬ ‫ه ي‬ ‫النوع االول‪ :‬ي‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كان مؤهال لزواج ماديا‪ ،‬توافق عىل من يتقدم لخطبتها ررسيطة ان يكون‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫وضعه المادي جيد مع عدم وجود اي شائبة تشوب سمعته ون َسبه‪ ،‬وغالبا ما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تتوج هذه الفتاة زواجا تقليديا‪ ،‬ومحور االسباب هنا هو رؤيتها لمن حولها‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫سعيدا ألنه كان غنيا و مواظبا عىل الذهاب لرحلة بحرية كل صيف‪ ،‬او امنيتها‬
‫ً‬
‫بأمتالك الكثت من المالبس والمصوغات الذهبية تجنبا من عاصفة الفقر‬
‫ً‬
‫الت قد تضب مستقبلها فتختار االبحار بقارب األمان بدال من قارب الحب‪،‬‬ ‫ي‬
‫شء بأنها لن تعتف بوجود الحب أو انها‬ ‫ر‬
‫لكنها رسعان ما تقرر قبل كل ي‬
‫اعتفت بوجوده ولكنها نعتته بأنه (أثار المراهقة) حت تتمكن من تقبيل‬
‫شفاه من اختارت‪ ،‬وأنها ليست بحاجة للحب يك تقبل شفاهه قبيل النوم‪،‬‬
‫ه قناعتها الجريئة بأن الحب يف مفهومها ال‬
‫من اجمل مفاهيم هذه المرأة ي‬
‫طعم من ال طعام له‪ ،‬يضاف اىل هذا النوع من ارغمت عىل أن تكون من هذا‬ ‫َ‬
‫ي ِ‬
‫وه ليست منه ألن عمرها أوشك عىل اليأس‪ ،‬وال شك يف أن ِسن‬ ‫النوع ي‬
‫اليأس يسلب من المرأة حق االختيار‪ ،‬لئال ت َ‬
‫نعت بالعانس‪ ،‬كما يضاف إليهن‬
‫اللوان س رلي حق االختيار‬
‫ي‬ ‫اللوان تربي يف بيئة قبلية‪ ،‬تلك النساء‬
‫ي‬ ‫النساء‬
‫بالفطرة‪.‬‬
‫الت تود االرتباط بمن يأرس روحها‬
‫ه ي‬ ‫الت تعشق بروحها‪ ،‬ي‬
‫ه ي‬ ‫الثان‪ :‬ي‬
‫ي‬ ‫النوع‬
‫(بالعشق) فقط‪ ،‬والسبب االهم ألنها عشقت‪ ،‬عشقت وجهه أو كالمه أو‬
‫ِ‬
‫انطباعه‪ ،‬بعد ان بادلها الحب بالحب‪ ،‬يكون سبب االرتباط هنا هو هيام‬
‫روحها وامتناع العقل عن التدخل بهذا القرار‪ ،‬تختار حبيبها مهما كانت‬
‫تنتم لهذا النوع إال من كانت قد اعتفت بأن‬
‫ي‬ ‫الظروف المحيطة بها‪ ،‬و ال‬
‫ً‬
‫الحب أصل الزواج‪ ،‬وأنها ال تستطيع ان تعانق رجال ال تعشق تنفس أنفاسه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الت تعشق بجسدها وهذا النوع نادرا جدا‪ ،‬ال يسمح‬ ‫ه ي‬ ‫أما النوع الثالث‪ :‬ي‬
‫للمرأة هنا باالفصاح عنه أو أتباعـه بالعلن‪ ،‬يف بالد العرب ال يسمح للمرأة أن‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬
‫تختار وفقا لغريزتها‪ ،‬تكون المرأة هنا ملك لمن أرس جسدها‪ ،‬ملك لمن عبث‬
‫بأزرار قميصها ألول مرة‪ ،‬تعشقه مهما كان أسمه او رسمه‪ ،‬السبب يف التامها‬
‫هنا هو حب اللمسة االوىل‪ ،‬أو ليس بالضورة أن تكون االوىل ولكن االهم أن‬
‫تكون االوىل باالحساس المفعم بالنشوة‪ ،‬أو أن صح التعبت‪ ،‬عند تلك اللمسة‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫الت أعطت اثارا داخل الروح‪،‬‬
‫الت تسببت برعشة اجفان العي فجأة‪ ،‬لمسة ي‬ ‫ي‬
‫الت تسبق نومها‪ ،‬هنا تكون المرأة مسلوبة‬
‫خدوش ال تشعر بها إال يف الدقائق ي‬
‫ٍ‬
‫االرادة‪ ،‬وال يمكن لها أن تختار إال وفق ما تهوى أحاسيسها‪ ،‬هنا نجد اكتر‬

‫الت تكون بالجهر من النوع االول وبالش تكون من‬


‫نساء العرب بالش‪ ،‬البنت ي‬
‫النوع الثالث‪ ،‬ألنها ال تستطيع أن تفصح لزوجها (التقليدي) حي يحتضنها يف‬
‫ً‬
‫غرفة النوم العتمة ‪ ..‬أنها تتأمل وجها ليس وجهه‪.‬‬
‫ً‬
‫ألنت اتخذت قرارا ووددت‬
‫بصديقت (سارة)‪ ،‬كنت قد طلبت رؤيتها ي‬
‫ي‬ ‫التقيت‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫عمل متعب وقليل‬ ‫مناقشتها ِبه‪ ،‬قررت ترك العمل يف الصحيفة‪ ،‬لكونه‬
‫االجر‪ ،‬التقينا ورأيت عيونها قد توقفت عن البكاء للتو ‪ ،‬جمعت شعرها اىل‬
‫الخلف بالشكل الذي ال يليق بها وكحل عينيها اشتىك من ر‬
‫كتة دموعها‪....‬‬
‫سألتها‪ :‬ما بك ؟‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫قالت‪ :‬ال تكت ين ألمري‪ ،‬ال يوجد ي‬
‫شء‪.‬‬
‫دموع يف عينيك‪ ،‬إال‬
‫ي‬ ‫أنت تبكي‬
‫دموع‪ِ ،‬‬
‫ي‬ ‫قلت لها‪ :‬وكيف يىل أن اتغاض عن‬
‫تعلمي ذلك ؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قالت‪ :‬ليس هنالك شيئا مهما‪ِ ،‬‬
‫انت كيف حالك؟‬
‫بك؟‬
‫شأن‪ ،‬ما ِ‬
‫دعك من ي‬
‫ِ‬ ‫قلت‪:‬‬
‫قلت كان عديم الحب وجل ما كنت أتمناه حياة ال‬ ‫قالت‪ :‬ي‬
‫ألنت لست مثلك‪ ،‬ر ي‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫شء‪ ،‬لم افكر باألشياء المعنوية اطالقا‪ ،‬مض عىل زواجنا سنتي‪،‬‬ ‫ينقصها ي‬
‫ً‬
‫وأنا يف كل مرة أستجدي منه ان نخرج للعشاء ويقول يىل انه ال يمتلك وقتا‬
‫ً‬
‫وعدن بأن نخرج بتهة‪ ،‬واليوم قال يىل بأنه مشغول يف‬ ‫ي‬ ‫شاغرا‪ ،‬منذ يومي‬
‫ً ٌ‬
‫مت فسأرفض‪.‬‬‫موعد عمل‪ ،‬لن أطلب منه موعدا مرة اخرى‪ ،‬وأن طلب ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قلت‪ :‬أعطيه فرصة‪ ،‬واعطه العذر ايضا أن كان مشغوال‪.‬‬
‫قالت‪ :‬هل تعلمي حت وأن خرجنا للعشاء فأن اغلب وقته يقضيه‬
‫بالسكوت‪ ،‬وأن تكلم فأنه يتكلم يف هاتفه من أجل العمل‪ ،‬أنا السبب ؟‬
‫ً‬
‫حياتك بالعقل‬
‫ِ‬ ‫مت ألنك أخت ِت ررسيك‬
‫تغضت ي‬
‫ري‬ ‫انت السبب‪ ،‬ال‬‫قلت لها‪ :‬فعال ِ‬
‫فقط‪ ،‬وربطتكم العالقة وفق االعراف المجتمعية‪ ،‬واالن تريدين منه ان يكون‬
‫ً‬
‫رومانسيا وهو لم يلمس يدك قبل الزواج‪.‬‬
‫ديت ودينك‪ ،‬أنا مسلمة‬ ‫قالت‪ :‬يوجد ثمة فرق ي‬
‫بيت وبينك او باألحرى بي ي‬
‫يمكنت فعلها قبل الزواج‪.‬‬
‫ي‬ ‫وكل هذه االشياء ال‬
‫ً‬
‫لكون مسيحية فمن الممكن أن امنح جسدي عبثا دون زواج او‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬وهل‬
‫قبل الزواج!!‬
‫اكت‬
‫االسالىم ر‬
‫ي‬ ‫قالت‪ :‬كال انا اسفة‪ ،‬لم اقصد ذلك‪ ،‬ولكن القيود يف مجتمعنا‬
‫يعت اننا ال نعرف الحب ولكن‪ ،‬يمكننا ان نعرفه بعد‬
‫من قيودكم هذا ال ي‬
‫الزواج‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وانت‬
‫تحمىل وزر اطباعك عىل المجتمع والدين‪ ،‬أنا ِ‬
‫ي‬ ‫ب رنتة غاضبة قلت لها‪ :‬ال‬
‫نعرف الكثت من األصدقاء من الديانة المسلمة تزوجوا عن حب ولم يرغمهم‬
‫يحي بعقلهن‬
‫اللوان ر‬
‫ي‬ ‫المجتمع عىل ما تقوليها‪( ،‬سارة)‪ ،‬أنت من النوع النساء‬
‫وال تنكري ذلك‪.‬‬

‫قالت‪ :‬ما تقولينه صحيح‪ ،‬لعل الحب ي‬


‫يأن بعد الزواج‪.‬‬
‫ابتسامت عنها‪ ،‬قلت‪ :‬أتمت ذلك؟‬
‫ي‬ ‫ابتسمت‪ ،‬خبأت‬
‫ً‬
‫أنت أعيش بمستوى‬ ‫ابتسمت كذبا وقالت بغرور‪ :‬أعرف ما تعني‪ ،‬ولكن ي‬
‫يكق ي‬
‫حوىل‪ ،‬هذا ما كنت اسىع ألجله‪.‬‬ ‫مادي اعىل من َ‬
‫من هم‬
‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫نت تحلمي‬
‫نلت ما ك ِ‬
‫تعجبت رصاحتك‪ ،‬أستمري بهذا التفكت فأنت ِ‬ ‫ي‬ ‫قلت‪:‬‬
‫به‪.‬‬
‫ارتشفت من قهوتها‪ ،‬قالت‪ :‬ما االمر الذي ِ‬
‫اردت التحدث بشأنه؟‬
‫قلت‪ :‬أريد أن اترك العمل يف الصحيفة ألنه مت ِعب واجره قليل‪.‬‬
‫َ َ‬
‫لك (صالح) أخر يف الصحيفة؟‬‫قالت مبتسمة‪ :‬لهذا السبب فقط ؟ أم ظهر ِ‬
‫مكتت يف‬ ‫بنظرة أمتعاض قلت لها‪ :‬كال‪ ،‬ال يوجد إال (صالح) واحد ٌ‬
‫قابع امام‬
‫ري‬
‫الجامعة‪.‬‬
‫قالت‪ :‬اىل مت ستمتنعي عن التكلم مع من يريد التعرف ِ‬
‫بك؟ اىل مت‬
‫ستبقي انطوائية؟‬
‫قلت لرؤيته‪.‬‬
‫اجبتها‪ :‬لمن سيخفق ر ي‬
‫ُ‬
‫مفهوىم للحب‪ ،‬لكنها جرت‬
‫ي‬ ‫بأقناع بأن اغت‬
‫ي‬ ‫كعادتها منذ سني‪ ،‬استمرت‬
‫ً‬
‫اذيال الهزيمة وعادت اىل بيتها واىل زواجها التقليدي الذي لم يعرف يوما‬
‫كيف تكون القبل باألعي قبل الشفاه‪.‬‬
‫ً‬
‫عدت اىل البيت‪ ،‬فكرت بكالمها الذي لطالما سمعته منها‪ ،‬فكرت فيه قليال‬
‫قبل النوم ألنساه‪ ،‬نسيته حال أن حض ين طيف (أحمد) وانا اتأمل كيف‬
‫ً‬
‫أجفان‪.‬‬
‫ي‬ ‫عيت ألرى نقش وجهه داخل‬
‫سأراه غدا‪ ،‬وأنا أغلق ي‬
‫اودن يف الليل بعض‬
‫كلمان تحبه‪ ،‬تر ي‬
‫ي‬ ‫الت تحبه‪ ،‬حت‬ ‫اودن بعض الكلمات ي‬‫تر ي‬
‫ً‬ ‫َُ‬
‫الت‬
‫اف ي‬
‫وه تريد أن تكتب ألجله‪ ،‬أكتب إليه سطرا يف أور ي‬‫الت تحبه ي‬ ‫الكلمات ي‬
‫ُ‬
‫ألنت أكتب يف‬
‫نفش‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫الت اخبأها عن‬‫اف ي‬
‫ال تقبل أن يقرأها أحد سواي‪ ،‬يف أور ي‬
‫الظل ‪...‬‬
‫الظل‪ ،‬و ما أوهن الكتابة يف ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫أحالىم‬
‫ي‬ ‫يا من تتمناك‬
‫َ‬
‫الطاع‬
‫ي‬ ‫تأن بجمالك‬‫أن ي‬
‫ـطيف‬
‫ك ٍ‬
‫ـخيال‬
‫ك ٍ‬
‫ـظل‬
‫ك ٍ‬
‫َ‬
‫بك ثم سأعشقك‪ ،‬ثم سأعشقك ر‬ ‫ُ‬
‫اكت‪.‬‬ ‫تأت ‪ ..‬سـأح ِـ‬
‫كيفما ِ‬
‫ُ‬
‫الظل اىل‬
‫الت تنتظر لقائه‪ ،‬كتبت له يف ِ‬ ‫كتبت هذه الكلمات عىل تلك األوراق ي‬
‫الظل‪ ،‬أغلقت‬ ‫ر‬
‫شء يف ِ‬ ‫ان يسمح يىل القدر بأن أكتب له يف النور‪ ،‬سيبق كل ي‬
‫ً‬
‫عيت فلم يتبق لكالم (سارة) أي اثر‪.‬‬
‫عيت ألجل أن أراه غدا‪ ،‬اغلقت ي‬
‫ي‬
‫فت‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫وه تشق من أمام رس ي‬ ‫اليوىم ألنتظر الشمس ي‬
‫ي‬ ‫صحوت عند ميعادي‬
‫قلت عند رؤيته‪...‬‬
‫ألنتظر من يغت عدد دقات ر ي‬
‫هذه المرة لم اراه‪ ،‬لم يخرج من مت ِله !!‬
‫نافذن سبعون دقيقة‪ ،‬تأخر الوقت ولم يخرج‪ ،‬تأخرت عن‬
‫ي‬ ‫وقفت انتظره امام‬
‫ذهان للجامعة‪.‬‬
‫موعد ر ي‬
‫هل غت وقت خروجه بعد أن ادمنته؟‬
‫اجته عىل عدم الخروج؟‬
‫شء ر‬ ‫ر‬
‫هل حدث له ي‬
‫هل أصابه الكسل ولم يخرج اىل عمله؟‬
‫الت ال اراه فيها؟‬
‫يمكنت تحمل هذا اليوم باالضافة اىل ايام العطل ي‬
‫ي‬ ‫هل‬
‫هل يعلم أن االرض توقفت عن الدوران؟‬
‫هل يعلم ان الشمس لم ر‬
‫تشق؟‬
‫ينته‪ ،‬وان‬
‫ي‬ ‫عقىل يظن أن ليل األمس لم‬
‫ي‬ ‫كيف يىل أن اذهب اىل العمل وال زال‬
‫يوم جديد‪.‬‬ ‫ر‬
‫الشمس لم تشق بعد‪ ،‬انتظرت ولم يبدأ صباح ٍ‬
‫ولكنت أستغرب من كل‬
‫ي‬ ‫بعد االنتظار‪ ،‬يئست من رؤيته‪ ،‬انتاب يت القلق بشأنه‪،‬‬
‫ينتابت‪َ ،‬لم يأرس ين بهذا الشكل ؟ لما أنا هكذا!!‬
‫ي‬ ‫شعور‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ساعت يف هذا‬
‫ي‬ ‫عمىل متأخرة‪ ،‬قدمت عذرا كاذبا‪ ،‬استمرت عقارب‬ ‫ي‬ ‫وصلت اىل‬
‫اليوم بالدوران عكس عقارب الساعة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫الت كلفت بها‬
‫اعماىل ي‬
‫ي‬ ‫بعد الظهر‪ ،‬ذهبت مستاءة اىل الصحيفة‪ ،‬بعد أن انهيت‬
‫لذلك اليوم كتبت طلب االستقالة‪ ،‬كنت بأنتظار انتهاء اجتماع المدير مع‬
‫يأن بعد الحزب الحاكم‬‫اىل‪ ،‬وهو الحزب الذي ي‬ ‫لليت ي‬
‫بعض قيادات يف الحزب ا ر‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫اهمية‪ ،‬كان المدير من احد اهم قياداته‪ ،‬اتباع هذا الحزب ك رت ولكنهم يتبعون‬
‫ً‬
‫ِحمية يف نشاطاتهم‪ ،‬ال يسمح لهم بأي نشاطات سوى عقد االجتماعات‬
‫تحت اعي الحزب الحاكم‪ ،‬كان من بي اعضاءه جواسيس للحزب الحاكم بما‬
‫ً‬
‫ال يقل عن نصف اعضاءه‪ ،‬لكنه ظل صامدا يطالب بفصل الدين عن الدولة‬
‫وتطبيق العلمانية يف ادارة الحكم‪ ،‬ظل يطالب فحسب‪.‬‬
‫وأنا اعد دقائق الملل‪ ،‬رأيت ما ال يقبل العقل تصديقه‪ ،‬رأيت (أحمد) يدخل‬
‫مكتت!!‬
‫اىل ر ي‬
‫ً‬
‫طرق الباب‪ ،‬ألق التحية قائال‪( :‬مساء الخت)‬
‫اشتياف له منذ‬
‫ي‬ ‫عيت ثم فتحتها‪ ،‬لعل‬
‫ي‬ ‫مرة أراه فيها عن قرب‪ ،‬أغلقت‬
‫ألول ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رؤيت له تسببت بظهوره رسابا أو مالكا عىل‬
‫ي‬ ‫الصباح هو السبب‪ ،‬لعل عدم‬
‫بش‪.‬‬ ‫هيئة ر‬

‫عىل أن اجيب أن‬


‫بعد أن سمعت صوته الذي لم اسمعه من قبل‪ ،‬نسيت ماذا ي‬
‫ً‬
‫عىل أن اجيب‪ ،‬نسيت!!‬
‫قال يىل شخصا (مساء الخت)‪ ،‬بأي الكلمات ي‬
‫كل الناس يتبادلون التحية المسائية المعتادة "مساء الخت ‪ ..‬مساء النور"‬
‫ولكن (احمد) ليس كسائر ر‬
‫البش‪ ،‬فكيف تكون تحيته؟‬
‫عيت وشهقت‬
‫بعد أن استطعت وبأعجوبة أن اصدق هذا الموقف‪ ،‬أغمضت ي‬
‫الهواء ألخر َح ٍد تستوعبه رئتاي حت أمتلك القوة لقول كلمة واحدة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بصوت خافت‪ :‬أهال وسهال‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أجبته‬
‫ً‬
‫سألت عن المدير أن كان موجودا‬
‫ي‬ ‫لمكتت‪،‬‬
‫ري‬ ‫الكرش المجاور‬
‫ي‬ ‫جلس أحمد عىل‬
‫ام ال؟‬
‫ً‬
‫عيت و رأيت عينه‪ ،‬رأيت السهل االخض الذي ال حدود له‪ ،‬رأيت كما‬
‫رفعت ي‬
‫ً‬
‫هائال من الجمال‪ ،‬لم أكن اتوقع بأن عيناه تمتاز باللون االخض‪ ،‬له رمش‬
‫كثيف‪ ،‬ألتمت الصمت مرة اخرى من هول ما أراه‪ ،‬يا رباه أع يت عىل ما انا‬
‫فيه‪ ،‬أع يت عىل النطق يف حضة وسامته‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫عىل أن اجيبه‪،‬‬
‫سألت سؤإال و ي‬
‫ي‬ ‫شعرت بالخجل الشديد لتمع يت عينيه طويال‪،‬‬
‫كيف اجيبه؟‬
‫تمنعت من رؤية‬
‫ي‬ ‫أنا نسيت حت من أنا؟ وأين أكون؟ حوله هالة من الضباب‬
‫ما حوله‪.‬‬
‫تذكرت لوهلة من هو المدير وأين مكتبه‪ ،‬نويت أن ادله عليه وخفت من ان‬
‫مكتت‪ ،‬نقذ الموقف المدير بدخوله المكتب‪َ ،‬رحب به وصافحه‪،‬‬ ‫ري‬ ‫يغادر‬
‫اماىم يتبادالن الحديث‪ ،‬استغربت من معرفته بمديري وهو يقول له‬
‫ي‬ ‫جلسا‬
‫َ‬
‫"اشتقت لك‪ ،‬لم ارك منذ فتة"‬
‫اتضح يىل أن له عدة مقاالت قد ن رِشت يف جريدتنا‪ ،‬لكن‪ ،‬كيف لم أعلم بهذا‬
‫من قبل!!‬
‫ً‬
‫بمقاالن منذ اسابيع‪ ،‬كنت مشغوال‬
‫ي‬ ‫قال (احمد) للمدير‪ :‬أنا اسف‪ ،‬لم ازودكم‬
‫السياش الراهن‪ ،‬سهرت ليلة أمس لكتابة هذه المقالة‪ ،‬حت‬
‫ي‬ ‫بسبب الوضع‬
‫ً‬
‫صباحا‪ ،‬أرجو من جريدتكم ر‬
‫نشها‪.‬‬ ‫عمىل‬
‫ي‬ ‫انت تأخرت عىل موعد‬
‫ي‬
‫ٌ‬
‫كاتب‬ ‫أجابه المدير‪ :‬بكل رسور‪ ،‬أننا ف كل مرة َنتوق ر‬
‫لنش مقاالتك‪ ،‬أنت‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫متمت‪ ،‬تمتلك أسلوبا نقديا محتم‪ ،‬لك منا كل التقدير‪.‬‬
‫خالل حوارهما‪ ،‬كنت خاشعة يف االنصات لتعابت وجهه وهو يتكلم‪ ،‬ما‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أروعه‪ ،‬مظهره أنيقا جدا‪ ،‬كان يرتدي بدلة زرقاء وربطة عنق جميلة جدا‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ذقن خفيف فائق‬ ‫كانت ق َصة شعره تليق به‪ ،‬شعره متوسط الطول‪ ،‬له‬
‫تدىل العسل من خلية النحل‪.‬‬‫البهاء‪ ،‬يشبه ي‬
‫بمقاالن بي‬ ‫وقف (أحمد) بعد أن َس َ‬
‫لم مقالته اىل المدير‪ ،‬قال‪ :‬سأزودكم‬
‫ي‬
‫ٌ‬
‫الحي واالخر والتمس منكم العذر ان تأخرت فلدي وظيفة تشغل معظم‬
‫وقت‪.‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫رد عليه المدير قائال‪ :‬أننا نعت بأن يكون مجهودك الفكري منشور عىل‬
‫ئ‬ ‫ً‬
‫مالن‪،‬‬
‫صفحاتنا‪ ،‬أنا شخصيا أسمع الكثت من اراء االعجاب بك من ِقبل ز ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولكنك ما زلت تض عىل استخدام اسما مستعارا أسفل مقاالتك وال تود ذكر‬
‫الحقيق‪.‬‬
‫ي‬ ‫اسمك‬
‫ئ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ايذان يف‬
‫ي‬ ‫أنت موظف‪ ،‬أخاف أن يت َّعمد أحدا‬
‫قال (احمد)‪ :‬انت تعلم يا سيدي ي‬
‫السياش‪ ،‬باالضافة اىل ان يف بالدنا القانون‬
‫ي‬ ‫أسلون يف النقد‬
‫ري‬ ‫العمل بسبب‬
‫ً‬
‫ه من يتبع القانون‪ ،‬أود أن أرسد لك مقولة‬‫يتبع االحزاب وليست االحزاب ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جميلة للكاتب السوري (محمد الماغوط) يقول فيها " يك تكون شاعرا عظيما‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ولك تكون حرا‬‫ولك تكون صادقا يجب أن تكون حرا‪ ،‬ي‬ ‫يجب أن تكون صادقا‪ ،‬ي‬
‫ولك تعيش يجب أن تخرس"‪.‬‬
‫يجب أن تعيش‪ ،‬ي‬
‫ً‬
‫اعجان بك يزداد يوما بعد‬
‫ري‬ ‫أبتسم المدير مع بعض مالمح االعجاب ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ً‬
‫يوم‪ ،‬أتمت لك مزيدا من النجاح‪.‬‬
‫صافح (أحمد) المدير والق تحية الوداع عىل المدير والتفت يىل‪...‬‬
‫قال‪ :‬مع السالمة‪.‬‬
‫بصوت خافت‪ :‬مع السالمة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أجبته‬
‫وأجبته بالهمس‪:‬لم ال تبق ر‬
‫اكت‪ ،‬الكون بحضورك أصبح أجمل‪.‬‬
‫شء لضيافته‪ ،‬أنشغل‬ ‫ر‬
‫استمر حديثهم لدقائق‪ ،‬نسيت خاللها أن أطلب له ي‬
‫ٌ‬
‫احالىم‪ ،‬لم‬
‫ي‬ ‫عقىل بتحمل صدمة رؤيته هنا‪ ،‬مشهد لم يخطر حت يف بال‬‫ي‬
‫ً‬
‫انت سأراه صدفة‪.‬‬
‫اتوقع ي‬
‫لعىل‬
‫عيت وافتحها ي‬
‫أش عىل يدي‪ ،‬اغمض ي‬
‫مكتت‪ ،‬اسند ر ي‬
‫بعدها‪ ،‬جلست عىل ر ي‬
‫أمنيت‪ ،‬رأيته وتكلمت معه‪ ،‬تمعنت وسامته‪.‬‬
‫ي‬ ‫اصدق ما حصل‪ ،‬تحققت‬
‫ً‬
‫عيت‬
‫ي‬ ‫بق طيفه جالسا بعد أن رحل‪ ،‬يجلس يف مكانه وأنا أتأمله‪ ،‬لم ترمش‬
‫تت بأن وقت العمل‬
‫واخت ي‬
‫ر‬ ‫زميلت‬
‫ي‬ ‫وقتها‪ ،‬بقيت عىل هذه الدهشة اىل ان اتت‬
‫حقيبت‬
‫ي‬ ‫طلت بصدد االستقالة من العمل ووضعته يف‬ ‫قد أنته‪ ،‬اخذت ر ي‬
‫ً‬
‫وخرجت من مبت الصحيفة مشعة اىل البيت‪ ،‬ال ادري لما كنت مرتبكة‪.‬‬
‫فرحت كانت كبتة بوجود‬
‫ي‬ ‫بذاكرن ما حصل‪،‬‬
‫ي‬ ‫غرفت مشعة‪ ،‬أراجع‬ ‫ي‬ ‫رجعت اىل‬
‫ُ‬
‫سبب يجعل يت ألقاه يف االيام القادمة‪.‬‬
‫من ِشدة جماله بقيت جاحظة العي اىل أن ررسقت الشمس‪ ،‬كانت أطول ليلة‬
‫حيان‪ ،‬بقيت أتذكر طريقة كالمه‪ ،‬كم كان أنيق االسلوب يف الحديث‪،‬‬
‫ي‬ ‫أراها يف‬
‫ً‬
‫ولكت لم أكن‬
‫ي‬ ‫المعان‪ ،‬سبق وان تخيلته متمتا‬
‫ي‬ ‫كم كان كالمه مختض بوافر‬
‫ً‬
‫اتوقع أنه رغم وظيفته مهتما بالسياسية وكتابة المقاالت السياسية‪ ،‬هذا يدل‬
‫َ‬
‫باف أقرانه‪ ،‬تأكدت من أن عقله يبلغ من العمر ضعف عمره‪،‬‬ ‫عىل تمته عن ي‬
‫ً‬
‫معتادا ر‬
‫للنش يف صحيفتنا وانا لم أعلم ؟ كيف‬ ‫ولكن السؤال االهم كيف كان‬
‫لم أراه من قبل؟ كيف كان يرسل مقاالته ر‬
‫للنش وانا لم اراه من قبل؟ كيف‬
‫وه المكان الذي ساراه‬‫استقالت من العمل يف الصحيفة !! ي‬
‫ي‬ ‫فكرت بأن أقدم‬
‫ً‬
‫فيه؟ شكرا للرب ألنه جاء يف الوقت المناسب‪.‬‬
‫َ‬
‫عندما ررسقت الشمس‪ ،‬وقفت ألقوله عند خروجه المعتاد (صباح الخت)‬
‫ً‬
‫لصيقا باليوم الذي قبله‪ ،‬لم اتذوق النوم للحظة‪َ ،‬‬
‫خرج ورأيته‪،‬‬ ‫يوىم هذه‬
‫كان ي‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ابتسمت وهمست له "صباحك خت ‪ ..‬يا من جعلت ي‬
‫ليىل صباحا"‬
‫ً‬
‫عمىل ذهبت‬ ‫ي‬ ‫ذهبت اىل الجامعة وانا أبتسم‪ ،‬كنت سعيدة جدا‪ ،‬وما أن انته‬
‫مشعة اىل الصحيفة‪...‬‬
‫سألت احدى زميالن ف التحرير‪ :‬منذ مت والسيد (أحمد) ر‬
‫ينش مقاالته يف‬ ‫ي ي‬
‫صحيفتنا؟‬
‫صحق بهذا االسم‪.‬‬
‫ي‬ ‫قالت ‪ :‬أي (أحمد) !! ال يوجد لدينا‬
‫ً‬
‫صحفيا وانما ر‬
‫ينش مقاالت سياسية يف صحفيتنا‪ ،‬عىل ما‬ ‫قلت‪ :‬كال‪ ،‬هو ليس‬
‫أظن‪.‬‬
‫ً‬
‫قالت‪ :‬تأكدي من االسم أوال‪ ،‬وسأجيبك عىل سؤالك‪.‬‬
‫ألنت تذكرت قول‬
‫ي‬ ‫الت اعطاها للمدير يوم أمس‬
‫بباىل حينها مقالته ي‬
‫خطر ي‬
‫المدير له (ولكنك ما زلت تض عىل استخدام االسم المستعار أسفل مقاالتك‬
‫الحقيق)‪ ،‬تذكرت أن مقاالته ال تحمل اسمه فكيف يىل أن‬
‫ي‬ ‫وال تود ذكر اسمك‬
‫أعرف ذلك؟‬
‫ٌ‬
‫دخلت اىل غرفة المدير ألسأله بذريعة واهنة عن بعض االعمال‪ ،‬دققت‬
‫ُ‬
‫الت عىل مكتبه‪ ،‬وانا أفكر يف أسمه المستعار اصطنعت‬
‫بالنظر االوراق ي‬
‫انشغال فكري بما احمل من ورق‪...‬‬
‫سألت المدير‪ :‬أود أن اسألك عن الشخص الذي زارك يوم امس واعىط لك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مكتت‪َ ،‬لم يستخدم اسما مستعار بدل أسمه؟‬‫مقإال واجريتما حديثا عىل ر ي‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫اجابت‪ :‬تجنبا للمشاكل يف عمله‪ ،‬إال انه ناقد رائع‪ ،‬أنا من اشد المعجبي به‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ألنه حيادي يف الكتابة جدا‪ ،‬من النادر أن نرى شخصا مهتما بالسياسية‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كاتبا بشت المجاالت وليس له انتماء معي وسط هذا التطرف الس ي‬
‫ياش‬
‫والمذهت يف بالدنا‪.‬‬
‫ري‬ ‫والديت‬
‫ي‬ ‫والحزن والعقائدي‬
‫ري‬
‫ً‬
‫فكرت مليا يف كيفية استجواب المدير لألفصاح عن اسمه المستعار الذي‬
‫ألدع‬
‫ي‬ ‫يستخدمه (أحمد) حصلت عىل القليل من المكر الطيب فأستدرت‬
‫بأنت اود الخروج ‪...‬‬
‫ي‬
‫بتسامة مصطنعة‪ :‬ولكن اسم (أحمد) شائع جدا يف بالدنا‪ ،‬فلو‬
‫ٍ‬ ‫سألته بأ‬
‫أستخدمه لما عرفه أحد‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫فقال‪ :‬نعم‪ ،‬إال أن أسمه المستعار جميل للغاية وال يمت له بصلة‪.‬‬
‫كانت اجابة مريحة‪ ،‬ألنها سمحت يىل باالستفسار عن ما اريد ومعرفة السبب‬
‫ً‬
‫طبيعيا‪ ،‬ولكن َ‬
‫لما أرتبك عندما يتعلق‬ ‫أنت سألت لكان االمر‬
‫دون توضيح‪ ،‬ولو ي‬
‫االمر باسمه‪ ،‬ال أعلم!!‬
‫قلت‪ :‬وما أسمه المستعار؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قال ضاحكا‪ :‬أنه يستخدم أسم (الياس) بدال عن أسمه‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫اختار اسم مسيحيا وهو اسمه (أحمد)؟‬ ‫قلت مندهشة‪َ :‬لم‬

‫قال‪ :‬ي‬
‫لك يبعد الشك عنه‪ ،‬وله الحرية يف اختيار ذلك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أبتسم‪ ،‬واكمل كالمه‪ :‬أ يزعجك استخدامه اسما مسيحيا وهو مسلم؟‬
‫انسانيت‬
‫ي‬ ‫ولكنت أتبع‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬بالطبع ال‪ ،‬أنت تعلم ي‬
‫أنت مسيحية الدين فقط‪،‬‬
‫حوىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫يف التعامل مع من‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬أعلم ذلك جيدا ‪ ،‬أتمت أن يكون كل الناس مثلك‪.‬‬
‫زميلت يف‬
‫ي‬ ‫القيت التحية عىل مدير‪ ،‬واستأذنت منه ألذهب مشعة اىل‬
‫التحرير‪...‬‬
‫قلت لها‪ :‬منذ مت وأنت ر‬
‫تنشين مقاالت بأسم (ألياس)؟‬
‫ننشها بي حي واخر ولكنها مقاالت شديدة النقد‪،‬‬ ‫قالت‪ :‬هذه المقاالت ر‬
‫ً‬
‫كاتبها صديق المدير وهو معجب بأسلوبه‪ ،‬مع العلم بأنه ليس صحفيا‪.‬‬
‫ً‬
‫قلت لها‪ :‬عادة مت ي‬
‫يأن صاحبها اىل الصحيفة؟‬
‫الحظتت أجلس عىل طرف‬
‫ي‬ ‫زميلت بأبتسامة فضول بعد أن‬
‫ي‬ ‫نظرت اىل‬
‫ئ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وأصابىع‬
‫ي‬ ‫عيت‬
‫ي‬ ‫تمىل‬ ‫رش‪ ،‬لم اكن أجلس بالشكل المعتاد‪ ،‬كانت اللهفة‬
‫الك ي‬
‫متشابكة‪.‬‬
‫ً‬
‫يأن مرة‬ ‫قالت‪ :‬عادة ي‬
‫يأن مرتي أو ثالث يف الشهر ولكن يف االونة االخت بدأ ي‬
‫يأن يف الصباح الباكر حينما يريد أن يزودنا بمقالته‪.‬‬
‫واحدة‪ ،‬اعتاد عىل أن ي‬
‫الكرش بالشكل الصحيح‪ ،‬قلبت بعض‬ ‫ي‬ ‫شعرت ببعض الخجل‪ ،‬جلست عىل‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫بحوزن تصنعا بعدم االهتمام‪ ،‬عرفت حينها َلم لم أراه من‬
‫ي‬ ‫الت كانت‬
‫االوراق ي‬
‫قبل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ئ‬ ‫ٌ‬
‫انتهان من تحرير االخبار السياسية غالبا ما‬
‫ي‬ ‫قلت لها‪ :‬أنا معجبة بمقاالته‪ ،‬بعد‬
‫نتابت الفضول لمعرفته بعد أن عرفت انه‬
‫أتصفح صحفنا الصادرة فأ ي‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫لرجل مسن وليس‬ ‫يستخدم اسم مستعارا‪ ،‬كنت أظن أن هذه المقاالت تعود‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لشاب‪ ،‬عموما شكرا لك عىل هذه المعلومات‪.‬‬
‫استقالت‪ ،‬وما الفارق إال‬
‫ي‬ ‫حالفت الحظ هذه المرة يك ال اقدم‬
‫ي‬ ‫عرفت حينها كم‬
‫الت‬
‫دقائق بي أن انجزت كتابتها و بي دخوله‪ ،‬ما أجمل تلك الصدفة ي‬
‫الت تكون عىل شكل‬
‫سمحت يىل بأن أراه‪ ،‬أن أرى لون عينيه‪ ،‬هذه منح الحياة ي‬
‫فه بال مقابل‪.‬‬
‫هدية‪ ،‬ي‬
‫التقيت (بسارة) عند المساء يف المقه المفضل لدينا‪ ،‬حدثتها عن ما جرى‪،‬‬
‫الت كلمتها فيها ‪....‬‬
‫التمت الصمت طيلة الفتة ي‬
‫سألتها‪َ :‬لم أنت صامتة؟‬
‫َ َ‬ ‫ً‬
‫يمىل عينيها‪ :‬رأرس ر ين قهوتك أوال‪ ،‬فقد فقدت حرارتها‬
‫ئ‬ ‫أجابتت واالستغراب‬
‫ي‬
‫وتغت لونها‪.‬‬
‫ر‬
‫سأرسب القهوة‬ ‫قهون‪ ،‬لن رارسب القهوة (السادة) بعد االن‪،‬‬ ‫قلت‪ :‬سأغت‬
‫ي‬
‫متوسطة السكر مثلما يحبها (احمد)‬
‫رفعت حاجبيها‪ ،‬ونظرت يىل نظرة حادة ‪...‬‬
‫عرفت نوعها؟‬
‫ي‬ ‫قالت‪ :‬كيف عرفت أنه يحب القهوة‪ ،‬كيف‬
‫أصابىع‪...‬‬
‫ي‬ ‫وأنا امسك أحدى خصالت شعري حول‬
‫أجبتها‪ :‬احسست بذلك من عينيه‪ ،‬نظرت إليه فتأكدت بأنه أنسان يمتاز‬
‫بالكثت‪ ،‬ويحب القهوة متوسطة السكر‪.‬‬
‫ً‬
‫قالت‪ :‬أنا مندهشة‪ ،‬انا ال اصدقك‪ ،‬لم أتوقع (قمر) ي‬
‫الت لم تقبل مسبقا‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ه أوال به‪ ،‬ال أستطيع تصديقك‪.‬‬
‫أعجاب رجل تعجب ي‬
‫قلت‪ :‬قلب العي وما يهوى‪.‬‬
‫قالت‪ :‬أنا لم أكن اعلم أن قلبك يهوى من األصل‪ ،‬هل تريدين أن أعد لك‬
‫عدد الذين رفضتهم ذريعة امك ومن سيبق لرعايتها؟‬
‫بشء‪ ،‬بقيت شاردة النظر ألتهرب من اجابتها‪ ،‬طلبت القهوة من‬ ‫ر‬
‫لم اجيبها ي‬
‫جديد (متوسطة السكر)‪.‬‬
‫قالت يىل‪ :‬ماذا ستفعلي بعد ذلك‪ ،‬أخاف عليك من ضياع هذه الفرصة‪ ،‬سبق‬
‫وان أيقنت بأنك ستبقي يف عزلة طوال حياتك‪ ،‬هذا الحب الذي يف داخلك‬
‫بالتمت‪.‬‬
‫ي‬ ‫السىع لتحقيقه‪ ،‬ال تقبعينه‬
‫ي‬ ‫يجب عليك‬
‫ً‬
‫قلت‪ :‬فكرت يف أن اذهب اىل الدوام مبكرا‪.‬‬
‫قالت‪ :‬وما عالقة ذلك باألمر؟‬
‫ٌ‬
‫قلت‪ :‬سأخرج وقت خروجه‪ ،‬أللتقيه يف صدفة مخطط لها‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫قالت‪ :‬فكرة جيدة!! ولكن لم أنت اليوم انيقة بهذا الشكل؟ ي‬
‫كون عىل ثقة بأن‬
‫وجهك طيلة حديثنا‪.‬‬ ‫الت الزمت‬ ‫ر ر‬
‫ِ‬ ‫ابتسامتك ي‬
‫ِ‬ ‫أسعدن اليوم هو‬
‫ي‬ ‫شء‬‫أكت ي‬
‫قلت لها‪ :‬ال‪ ،‬بل طيلة هذا اليوم‪ ،‬أنا سعيدة منذ رؤيته ليلة أمس‪ ،‬منذ رؤيته‬
‫اىل االن لم أتذوق طعم النوم‪.‬‬
‫قررت أن أخرج يوم غد بذات الوقت الذي يخرج به‪ ،‬لعل االقدار تخضع‬
‫ادن وأثت أنتباه قلبه‪.‬‬
‫ألر ي‬
‫ً‬
‫يف سهدي المعتاد‪ ،‬انشغلت بأختيار ما سأرتديه غدا‪ ،‬كل ثوب اخرجه من‬
‫ً‬
‫مت خوفا‪ ،‬لما أنا مرتبكة!!‬‫انت يفر ي‬
‫خز ي‬
‫مت ثوانيها‪ ،‬بدأت‬‫ساعت الجدارية يف كل دقيقة حت ملت ي‬
‫ي‬ ‫بقيت أنظر اىل‬
‫ُ‬
‫الثوان‬
‫ي‬ ‫عيت أجزاء‬
‫ي‬ ‫لعيت كرشوة حت يالمسها النوم‪ ،‬لم تفارق‬
‫ي‬ ‫اقدم التعب‬
‫ساعت معطلة‪ ،‬أنا أحبه يف الدقيقة ستون الف عام‪.‬‬
‫ي‬ ‫انتابت الشك بأن‬
‫ي‬ ‫حت‬
‫َحل الصباح‪ ،‬ررسقت الشمس‪ ،‬نجحت يف التخلص من التعب‪ ،‬تناولت‬
‫ً‬
‫سألتت َلم أنا ذاهبة اىل الجامعة مبكرا‪....‬‬
‫ي‬ ‫أىم‪،‬‬
‫افطاري مع ي‬
‫ً‬
‫عىل الخروج مبكرا كل يوم‪.‬‬‫دواىم ويجب ي‬ ‫ي‬ ‫أجبتها‪ :‬تغت وقت‬
‫الثان‪...‬‬
‫لم أجد اجابة حول سؤالها ي‬
‫سألتت‪ :‬أناقتك اليوم ستجعل كل من يف المدينة يعرف أسمك؟ أنت‬
‫ي‬ ‫حي‬
‫اليوم اجمل من القمر‪.‬‬
‫ُ‬
‫أىم بعد هذه المزحة بالدعاء يىل كما اعتدات يف صباح كل يوم‪ ،‬كما‬
‫أستمرت ي‬
‫الت تعرف اجابته بحكم انها أم‪.‬‬
‫اعفتت من االجابة عىل سؤالها ي‬
‫ي‬ ‫انها‬
‫حان الوقت‪..‬‬
‫عقىل‬ ‫تسبقت بخطوات لرؤيته‪ ،‬تراجع‬ ‫خرجت ر‬
‫أمش ببطء‪ ،‬خرجت والروح‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫عت بخطوات‪ ،‬أنشغلت يف التفكت يف عدة تساؤالت ‪.....‬‬
‫ي‬
‫هل سيتذكر لقائنا؟‬
‫سيعرفت؟‬
‫ي‬ ‫هل‬
‫يعرن أنتباهه؟‬
‫ي‬ ‫أم أنه أنشغل بالتحدث مع المدير ولم‬
‫وجه؟‬
‫ي‬ ‫هل سيتذكر‬
‫شاهدته يخرج من بيته‪ ،‬يبتعد متىل عن متله بضع ر‬
‫عشات االمتار‪ ،‬رأيته‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫يتوقف ليشعل سيجارته اليومية بنفس الزمان والمكان‪ ،‬يا لها من أناقة ترتدي‬
‫جسده‪ ،‬و يا له من جمال أنصب عىل وجهه‪ ،‬تمنيت لو كان يىل الف عي ألراه‬
‫امامه مكتوفة‬
‫ِ‬ ‫يكق وجود عيني فقط أمام جماله‪ ،‬وقفت عيناي‬
‫ي‬ ‫فيها‪ ،‬ال‬
‫النظر‪.‬‬
‫َ َ‬
‫ألجله‬
‫ِ‬ ‫روح‬
‫ي‬ ‫نظرت إليه‪ ،‬كانت كلتا يداه تحيط بسيجارته لتشعلها كما تشتعل‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫خلق بخطوات‪،‬‬‫ي‬ ‫يمش‬
‫ي‬ ‫قبل النوم‪ ،‬انعطفت يمينا ورست‪ ،‬شعرت به‬
‫ً‬ ‫َ َ‬
‫بمعرفت مسبقا‪ ،‬اعتقدت بأنه كان يحاول أن‬
‫ي‬ ‫احسست من نظرته يىل بأنه فكر‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫يتذكرن‪ ،‬هل كان اعتقادي صحيحا ‪ ..‬أم تخيل يىل ؟‬
‫ي‬
‫طريق‪ ،‬لم ألتفت إليه اىل أن وصلنا اىل مفتق الطريق‪ ،‬ذهبت أنا‬
‫ي‬ ‫مضيت يف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الرئيش الذي يبعد عن مت يىل عدة‬
‫ي‬ ‫يمينا وذهب هو يسارا‪ ،‬وصلنا اىل الطريق‬
‫ثوان فقط‪ ،‬تغتت كل‬
‫ي‬ ‫دقائق‪ ،‬إال أنه يف ذلك الصباح أبتعد عن مت يىل لعدة‬
‫ُ‬
‫قلت َم ِر ٌح َمرح األطفال‪.‬‬
‫حوىل‪ ،‬يف لقياه كان ر ي‬
‫ي‬ ‫الدنيا من‬
‫ً‬
‫مرت االيام‪ ،‬منذ أن قررت أن أخرج مبكرا‪ ،‬تغتت كل مواعيدي معه‪ ،‬لم أعد‬
‫أنتظره مثل كل يوم‪ ،‬اصبحت أراه عىل بعد بعض أمتار‪ ،‬ولكن يا ترى‪ ،‬مت‬
‫يتذكرن؟‬
‫ي‬ ‫س‬
‫احساش كان عند‬ ‫تذكرن‪ ،‬لعل‬ ‫ٌ‬
‫بأحساس يقول يىل بأنه‬ ‫رأيته ذات صباح‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ظت‪.‬‬
‫حسن ي‬
‫كان ذلك اليوم هو اخر يوم عمل يف االسبوع‪ ،‬اعتدت ان ال اراه يف عطلة نهاية‬
‫ً‬
‫االسبوع‪ ،‬إال يف بعض الصدف حي يعود اىل بيته متأخرا عند الليل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫مىع‪ ،‬لم يهتم ألمري‪ ،‬بعد ان سعيت جاهدة‬ ‫شء‪ ،‬لم يتكلم ي‬ ‫لم يحدث ي‬
‫َ‬ ‫لقاء ٌ‬
‫مبت عىل الضم‪.‬‬
‫ي‬ ‫أللقاه‪ٍ ،‬‬
‫ً‬
‫تمتلكت كليا‪ ،‬بكل ما يخص مالمح وجهه‬ ‫ي‬ ‫كعادن وأحالم اليقظة‬
‫ي‬ ‫سهرت‬
‫ً‬
‫الجميل‪ ،‬كان ما يشغل تفكتي مع من يعيش؟ وانا ال أرى احدا يخرج من بيته‬
‫سواه؟ كم كان عمره؟ هل هو كما ظننته أم ال؟‬
‫عىل‬
‫الت اراقبه فيها‪ ،‬لست معجبة فيه فحسب‪ ،‬ي‬
‫كنت أحبه يف االيام ي‬
‫االعتاف بذلك‪ ،‬كلما ازداد عدد هذه االيام‪ ،‬تنتاب يت هذه االسئلة عىل هيئة‬
‫مخاوف‪ ،‬اخاف أن ُاصدم فيه بعد ان أصبح فارس أحالىم‪ ،‬أنا لم ُاعجب ر‬
‫ببش‬ ‫ي‬
‫غته‪.‬‬
‫انا االن يف ورطة‪...‬‬
‫نيان بأنها ستتحقق‬
‫بدأت أصدق أم ي‬
‫بعدها ‪ ...‬نسجت له لقاء‬
‫نسجته من خيوط االحالم الشمدية‬
‫لموعد حي اراه‬
‫ٍ‬ ‫كم تمنيت لو اطلبه‬
‫انت أفصح له عن ما كتبت‬
‫تمنيت لو ي‬
‫التمت بالكالم‬
‫ي‬ ‫ليلة أمس نطق‬
‫ً‬
‫نسجت له من الخيال موعدا‪ ،‬سألقاه ِبه‬
‫ً‬
‫يف جبال الحب نحت متال سيجمعنا‬
‫سأحدثه فيه وسأحتضنه فيه‬
‫ً‬
‫حنيت له صنعت معطفا‬
‫ي‬ ‫من‬
‫ـيقيت برد لقائه‬
‫س ي‬
‫لقائه الذي ال وجود له‪..‬‬
‫ً‬
‫يقتلت احتاقا‬
‫ي‬ ‫التد قد‬
‫خوف من ر‬‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خوف من أن يكون وهما زائال ذا يوم‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫لعشق له ‪ ..‬نارا توقد كل ليلة‬
‫ي‬
‫جليش‬
‫ي‬ ‫حطبها أحالم لقاء كان فيه‬
‫ً‬
‫بركانا يثور يف خاطري عندما يجول ِبه‬
‫ٌ‬
‫منقوش بنعومتها‬ ‫يثور ف خاطري ٌ‬
‫رسم لشفاهه‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫بانتظام أحلم بها‬
‫ٍ‬ ‫تثور يف خاطري احالما‪،‬‬
‫أضج ارصاري عليها عقيدة‬
‫ٌ‬
‫وعقل البديل له سواه‬ ‫ٌ‬
‫قلب يتمسك ِبه‬
‫عقيدن ‪..‬‬
‫ي‬ ‫هذه‬
‫يا ٌ‬
‫رجل تثور من أجله كل الحواس‬

‫عىل التحية‪.‬‬
‫يلق ي‬
‫يكلمت ولم ي‬
‫ي‬ ‫اودن اليأس‪ ،‬لم‬
‫أستمر هذا الحال أليام‪ ،‬بدأ ير ي‬
‫انتباه‪،‬‬
‫ي‬ ‫بأن ال أعت له‬
‫أعتاد كالنا عىل التضف بصورة طبيعية‪ ،‬بت أتظاهر ي‬
‫يمكنت أن‬
‫ي‬ ‫إىل‪ ،‬أشعر به فقط‪ ،‬ماذا‬
‫بت‪ ،‬أشعر بأنه ينظر ي‬
‫ان المشوقة ت ِكذ ي‬
‫نظر ي‬
‫أفعل غت الشعور؟‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫ألنت بت أراه كل الصباح‪ ،‬وجها لوجه دون‬ ‫مرت أيام اكت‪ ،‬كنت أشكر الرب ي‬
‫ً‬
‫حاىل األن بات افضل‪،‬‬
‫ي‬ ‫شفت‪ ،‬قضيت وقتا كثت وانا اراه ِخلسة‪،‬‬‫ي‬ ‫ان اعض‬
‫ر‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫حت له كان كالطفل عندما يلهو‬
‫ولكن الحب الذي يمتلك يت كان طامعا باألكت‪ ،‬ر ي‬
‫بأرجوحة وهو ال يصل منها اىل حد االشباع‪.‬‬
‫وجهه الجميل كل صباح يعت ىل الكثت‪ ،‬كان األمل عىل هيئة ر‬
‫بش‪ ،‬كل هذه‬ ‫ي ي‬
‫الت عشتها اضحت تندم ألنها لم تراه من قبل‪.‬‬ ‫السني ي‬
‫كنت ال أعلم َلم أنا أحببته بهذا القدر قبل أن اعرفه‪ ،‬احببته قبل أن أكلمه‪،‬‬
‫كان األمر ذي حتة‪ ،‬لطالما أرصت (سارة) عىل معرفة االسباب‪ ،‬كنت أخجل‬
‫من أن اقول لها "ال أعلم السبب"‬
‫قبل أن اراه‪ ،‬كنت أنظر اىل كل الرجال دون أن يثت ين أحد منهم‪ ،‬ال أعلم ما‬
‫أنت كنت أحب محتوى االشياء ال مظهرها‪،‬‬
‫السبب‪ ،‬بعد ان عرفته تبي يىل ي‬
‫ه يف أغلب‬
‫كيف سأثبت (لسارة) صحة هذا الكالم‪ ،‬انا حت ال اعرفه‪ ،‬ي‬
‫معت أتغزل بشكله وأناقته‪ ،‬من المؤكد ستقول يىل من اين تأكدت‬
‫االوقات تس ي‬
‫غرىم بها وانت ال تعرفيه!!‬
‫أن له روح جميلة لت ي‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫احساش الذي أحتمه للغاية‪ ،‬لم يخمن شيئا من قبل‬
‫ي‬ ‫احساش‪،‬‬
‫ي‬ ‫هنا يكمن‬
‫ذان فحسب وأنا أستغرب من‬
‫يمكنت أن أقنع به ي‬
‫ي‬ ‫ويلتق ضده‪ ،‬هذا االحساس‬
‫ي‬
‫طرف واحد‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫حت له‪ ،‬وال سيما وانه اليزال من‬
‫ري‬
‫اودن بعض الخوف من أن‬
‫وسادن عنه قبل النوم‪ ،‬كان ير ي‬
‫ي‬ ‫عندما كنت أحدث‬
‫حت له‬
‫ال يكون كما ظننت‪ ،‬حينها ستكون الصدمة‪ ،‬سبب هذا الخوف هو أن ر ي‬
‫الت‬
‫يلق بالماء عىل نتان الشك ي‬
‫احساش إال أن ي‬
‫ي‬ ‫ب ِ يت عىل الظن‪ ،‬وما أن ريتح‬
‫أحالىم‪.‬‬
‫ي‬ ‫تكاد تحرق‬
‫يعجبت الرجل الذي‬
‫ي‬ ‫عجبت‪ ،‬كان َح ِسن الوجه‪ ،‬أنيق‪ ،‬ولكم‬
‫ي‬ ‫شء فيه كان ي‬‫ر‬
‫كل ي‬
‫حت له‬
‫يهتم بمظهره وبكالمه‪ ،‬فهما تتقدمان بقية صفاته أينما ذهب‪ ،‬محور ر ي‬
‫ً‬
‫كان ليس شكله تحديدا‪ ،‬كنت أرى فيه الرجل المختلف‪ ،‬له ما يمته عن غته‪،‬‬
‫كنت أشعر أن يف داخله الكثت‪ ،‬يملك من الذكاء ما يوصله لحدود التفاخر‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ان من قبل‬ ‫ه‪ ،‬لم تر ي‬‫كانت (سارة) ال تصدق كل هذا األحساس‪ ،‬محقة ي‬
‫ً‬
‫أن سأعجب برجل قبل‬ ‫ه لم تتوقع يوما ي‬‫أعجب برجل‪ ،‬أو حت أتكلم عنه‪ ،‬ي‬
‫ً‬
‫مت الحب‪ ،‬ألفكر به بكل غرور‪ ،‬كانت‬ ‫أن ي ِعجب ر ين هو أوال‪ ،‬قبل ان يطلب ي‬
‫ي‬
‫ُ‬
‫تظنت بليدة المشاعر‪ ،‬خاملة االحالم‪ ،‬لم تكن تعلم كم انا بحاجة اىل أن أشعر‬
‫ي‬
‫رجل تتخلل خصالت شعري وأنا أحدثه بشفاه متقاربة‪ ،‬كانت‬
‫ٍ‬ ‫بأصابع كف‬
‫أنت‬
‫تسمعت إال وأنا اتغزل بجماله واناقته ووسامته‪ ،‬كان ظنها ي‬
‫ي‬ ‫محقة ألنها لم‬
‫عيت‪.‬‬
‫عىل ي‬
‫تمىل ي‬
‫أحبه بما ي‬
‫عرفت من قبل من هو‬
‫ِ‬ ‫حبك له‪ ،‬أنت‬
‫ِ‬ ‫قالت يىل ذات مرة‪" :‬أنا أستغرب من‬
‫ترتبىط به"‪ ،‬كانت هذه‬
‫ي‬ ‫أيت من يفوق وسامته وسامة ولم‬
‫أفضل منه‪ ،‬ور ِ‬
‫داخىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫العبارة صادقة‪ ،‬شعرت حينها بأنها أيقنت ما يف‬
‫است‬ ‫ئ‬
‫زمالن أيام در ي‬
‫ي‬ ‫كانت (سارة) يف أغلب االوقات تقارن بي (أحمد) وأحد‬
‫ً‬
‫الجامعية‪ ،‬كان من ضمن أصدقائنا المقربي جدا‪ ،‬ظل كذلك اىل أن افصح يىل‬
‫عىل معاقبته‪َ ،‬لم كان‬ ‫بحبه‪ِ ،‬منعته بعدها حت من القاء التحية ي‬
‫عىل‪ ،‬يتوجب ي‬‫ي‬
‫عىل معاقبته ألن نظرات‬
‫طيلة هذه الفتة ال ينظر يىل نظرة الصديق؟ يتوجب ي‬
‫عينيه كانت تشوبــها بعض المشاعر‪.‬‬
‫كنت ال أومن بأن الصداقة تتطور اىل حب‪ ،‬ألن مشاعر الحب تنبض منذ‬
‫البداية‪ ،‬فمن الممكن أن تبدأ بتعارف أو صداقة ولكن لفتٍة قصتة فقط‪ ،‬وان‬
‫ً‬
‫طالت فأنها ستكون خداعا أو أنها ستكون صداقة مصطنعة من أجل الحب‪،‬‬
‫ً‬
‫أنا ال أغفر هذا االستغالل ابدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يحبت جدا اىل درجة التعلق‪ ،‬بعد‬
‫ي‬ ‫قلت كان عنيدا‪ ،‬كان‬
‫كان وسيما ولكن ر ي‬
‫عالقت بالكثت‬
‫ي‬ ‫وحصوىل عىل وظيفة فيها‪ ،‬استمرت‬
‫ي‬ ‫تخرجنا من الجامعة‬
‫لكون لم انقطع لفتة طويلة عن الجامعة‪ ،‬سمعت من بعض اصدقاءه أنه‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أمىل‬
‫شء جدا‪ ،‬لم يتوظف‪ ،‬أصبح مدمنا عىل الكحول‪ ،‬كان كل ي‬ ‫أصبح أنسان ي‬
‫ً‬
‫أن ال أكون أنا السبب‪ ،‬اخر جملة قالها يىل آلـمت ر ين كثتا‪ ،‬قالها ذات صباح يك‬
‫انت لم‬ ‫ر‬
‫ألنت لم اغفر له وقتها‪ ،‬حت ي‬ ‫بشء‪ ،‬ي‬ ‫يعتذر عن اعجابه ر ين‪ ،‬لم اجيبه ي‬
‫انظر يف عينيه‪ ،‬بقيت اتصنع ررسود الذهن ألنكر وجوده‪ ،‬تسببت له بالكثت‬

‫من االذى‪ ،‬قال يىل‪" :‬اتمت ان اجد امرأة تحب يت بالطريقة ي‬


‫الت احببت ِك بها"‬
‫ً‬
‫ليتت رفضته دون هذا القدر من‬ ‫ينتابت عذاب الضمت احيانا اتجاهه‪ ،‬أقول يا ي‬‫ي‬
‫الجحود‪ ،‬يا ليتنا بقينا أصدقاء حت ال أصدمه‪ ،‬جل ما اتمناه أن يكون بخت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أوال وأن يغفر يىل ثانيا‪.‬‬
‫كان هنالك غته من الذين عرفتهم كزمالء يف الدراسة أو يف العمل وتقدموا يىل‬
‫سامحت الرب أن كنت قاسية يف الرد وأن ال‬
‫ي‬ ‫بأعجابهم ورفضتهم‪ ،‬اتمت أن ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يوما ما ‪ ..‬أنا ر‬
‫أخش االنكسار كثتا‪.‬‬ ‫يضعت محلهم‬
‫ي‬
‫أنت كنت رافضة للحب‬
‫بسبب هذه المواقف المتكررة تض (سارة) عىل ي‬
‫وليس لألشخاص‪ ،‬يف حي كنت انا أبحث عن رجل قوة شخصيته تفوق‬
‫وسامته‪ ،‬كلماته تهمت ر‬
‫أكت من تصفيفة شعره‪ ،‬مواقفه أقوى من بنية جسده‪،‬‬ ‫ي‬
‫أثارن (ألحمد) بالبدء ليست وسامته‪ ،‬كال‪ ،‬كل ما‬
‫ي‬ ‫لن أكذب‪ ،‬لن أقول أن ما‬
‫يعجبت‪ ،‬ال أنكر تأثت عطره‪ ،‬حي التق بمدير الصحيفة يف غرفة‬
‫ي‬ ‫فيه كان‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫شء‪..‬‬
‫يفوتت من عطره ي‬
‫ي‬ ‫جعلت أتنفس بشعة حت ال‬
‫ي‬ ‫مكتت‪ ،‬كيف‬
‫ري‬
‫ولكن ‪ ..‬يا ي‬
‫ليتت رأيته قبل هذا العمر‬
‫لكنت أجمل مما أنا عليه االن‬
‫ليتت كنت أصغر من هذا العمر‬
‫يا ي‬
‫يا ليتت التقيته قبل أن املك من العمر ر‬
‫اكت ثالثي عام‬ ‫ي‬
‫ليتت التقيته قبل أن اخاف العمر و زوال الح ِسن‪.‬‬
‫يا ي‬
‫بالتساىم ‪..‬‬
‫ي‬ ‫أنوثت‬
‫ي‬ ‫ليتت عرفته قبل ان تبدأ‬
‫يا ي‬
‫ً‬
‫مجء (أحمد) يف الشهر مرة‬
‫اودن دائما‪ ،‬حول ر ي‬
‫زميلت يف الصحيفة ير ي‬
‫ي‬ ‫كان كالم‬
‫يأن من الصباح الباكر ليقدم مقاالته‪ ،‬كنت أفكر‬
‫واحدة يف االونة االختة وأنه ي‬
‫ً‬
‫الت كتبتها‪،‬‬
‫استقالت ي‬
‫ي‬ ‫كيف يىل أن أراه مجددا‪ ،‬أفكر فيما لو كنت قد قدمت‬
‫فكيف كان يىل أن ألقاه‪.‬‬
‫يأن‬
‫أصىل للرب لعله ي‬
‫ي‬ ‫دخوىل مبت الصحيفة‬
‫ي‬ ‫منذ أن التقيته‪ ،‬وأنا كل يوم حال‬
‫شء‪ ،‬كنت أستجدي هذه أمنية عند‬ ‫ر‬
‫يفوتت من مجيئه ي‬
‫ي‬ ‫قدوىم‪ ،‬وأن ال‬
‫ي‬ ‫وقت‬
‫كل لحظة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ال زلت أشعر به جالسا‪ ،‬كما كان جالسا أخر مرة‪ ،‬ال زلت أستنشق عطره‪ ،‬كم‬
‫غرفت بعد خروجه‪ ،‬حت ال تخرج أنفاسه‪.‬‬
‫ي‬ ‫تنميت أن أغلق باب‬
‫كم تمنيت أن أجمعها واستنشقها‪..‬‬
‫كم تمنيت أن المس يده ليس للمصافحة فحسب‬
‫الثوان‬
‫ي‬ ‫يمهلت القدر بعض‬
‫ي‬ ‫تمنيت أن‬
‫تتوقف فيها الة الزمن ألقبل وجنتيه‬
‫ما أجملها من صدفة‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ما أروع هدايا القدر لو كان راضيا عنا‬
‫ً‬
‫مكتت مجددا!!‪...‬‬
‫التمت دخل أحمد اىل ر ي‬
‫ي‬ ‫وأنا يف وسط كل هذا‬
‫أش رلتهة‬
‫غرفت مفتوح و ما أن رفعت ر ي‬‫ي‬ ‫مكتت وباب‬
‫ري‬ ‫كنت جالسة عىل‬
‫ً‬
‫شاهدته واقفا عىل باب بشت أنواع االناقة والجمال‪ ،‬طرق الباب بهدوء بيده‬
‫ً‬
‫اليشى مستأذنا للدخول‪.‬‬
‫يف خاطري‪ ،‬وددت أن أقول له‪" :‬ال تطلب االذن للدخول فأنت دخلت احالم‬
‫ليىل و أفكار نهاري دون استئذان"‬
‫ي‬
‫دخل أحمد بخطوات متناسقة‪ ،‬قال‪ :‬مساء الخت‪.‬‬
‫وقفت وصافحت يده‪ ،‬قلت له بصعوبة‪ :‬مساء النور‪ ،‬ررسفتنا‪.‬‬
‫صافحت‪ ،‬قال‪ :‬أنا (أحمد) جئت قبل فتة وجتة وقابلت‬
‫ي‬ ‫مد يده نحوي‪،‬‬
‫مكتبك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫السيد مدير هنا يف‬
‫صافحت يده بدقات قلب متسارعة‪ ،‬قلت‪ :‬أتذكرك‪ ،‬ر‬
‫تشفت بمعرفتك‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫اب‬
‫عيت وجهه‪ ،‬حت نظر إ يىل بأستغر ٍ‬
‫جلس‪ ،‬نسيت انا أن أجلس‪ ،‬لم تفارق ي‬
‫بعدما جلس‪ ،‬جلست بشعة‪.‬‬
‫يمكنت أن اقابل السيد المدير ؟‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬هل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫دعت أوال أقدم لك شيئا لضيافتك‪.‬‬
‫ي‬ ‫قلت له‪ :‬اسفة‪ ،‬لن ي‬
‫يأن اليوم‪،‬‬
‫ً‬
‫لكرمك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬ال ي‬
‫داع‪ ،‬شكرا‬
‫قلت له‪ :‬ال يمكن ذلك‪ ،‬أنت ضيفنا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قال مبتسما‪ :‬أنا جاركم أيضا‬
‫ً‬
‫وأنا أرفع سماعة هاتف المكتب تعجبت كثتا من هذه العبارة‪ ،‬تعجبت‬
‫أجابت عىل الفور عامل الضيافة‬
‫ي‬ ‫وفرحت يف ان واحد‪ ،‬وحي أردت االجابة‪،‬‬
‫عىل الهاتف ليقطع سلسلة الفرح‪.‬‬
‫عىل عجل‪ ،‬قلت له‪ :‬هل يىل بفنجاني من القهوة متوسطة السكر بشعة‬
‫ً‬
‫فرحت والدهشة‪.‬‬
‫ي‬ ‫لطفا‪ ،‬غلقت سماعة الهاتف‪ ،‬واستأنفت‬
‫نظرت له‪ ،‬وجدته ينظر يىل‪ ،‬ارتبكت‪ ،‬ارتبكت اىل درجة لم أستطع العودة‬
‫للتعقيب عىل كلمته االختة‪" ،‬بأنه جارنا"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬منذ يومي‪ ،‬الحظتك تخرج من المتل يف الجهة المقابلة لمتلنا‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ابتسمت شفاهه‬ ‫كالىم بأي كلمة‪،‬‬
‫ثوان‪ ،‬لم يعقب عىل ي‬‫بق أحمد صامتا لعدة ٍ‬‫ي‬
‫ً‬
‫من جهة واحدة تعبتا عن التعجب‪.‬‬
‫انت رأرسب القهوة متوسطة السكر!!!‬
‫عرفت ي‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬كيف‬
‫وعيت يف االرض من‬‫ي‬ ‫أن اضطررت ألبتسم‬‫شعرت بخجل حينها‪ ،‬لدرجة ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صعوبة الموقف‪ ،‬ابتسامته مع السؤال جعل الموقف لطيفا نوعا ما‪ ،‬أعىط يىل‬
‫طلت للقهوة‪.‬‬
‫الفرصة ألحتج بالصدفة عند ر ي‬
‫قلت‪ :‬يف الغالب أن جميع من يف عمر الشباب يفضلون القهوة متوسطة‬
‫السكر‪ ،‬اما كبار السن يفضلونها بالمذاق المر (السادة)‪ ،‬هذا أن فضلوا مرارة‬
‫القهوة عىل ررسب الشاي أو بقية أنواع العصائر من الفاكهة ألنها حلوة‬
‫المذاق؟‬
‫ر‬
‫المشوبات‬ ‫قال‪ :‬كيف عرفت ي‬
‫أن من الشباب الذي ال يفضل القهوة عىل‬
‫حلوة المذاق؟‬
‫نفش لعدم سؤاله‬ ‫ي‬ ‫جعلتت ألوم‬
‫ي‬ ‫استغربت من استفساراته المتواصلة لدرجة‬
‫ُ‬
‫جعلتت أجيبه من دون‬‫ي‬ ‫عن نوع قهوته قبل ان اطلبها‪ ،‬ابتسامته عند السؤال‬
‫ً‬
‫خوف‪ ،‬ولكن االمر كان معقد للغاية‪ ،‬أنا كنت عىل حدود االنهيار ِمن ما أراه‪،‬‬
‫عيت ال تصدق ما تراه من وسامة‬
‫مت‪ ،‬ي‬
‫عقىل عن التفكت وهو بالقرب ي‬
‫ي‬ ‫توقف‬
‫بأنت‬
‫لسان تلعثم أمام حركة شفتاه وهو يتكلم‪ ،‬شعرت حينها ي‬
‫ي‬ ‫وأناقة وجمال‪،‬‬
‫أمام قوة دفع شالل من السعادة‪ ،‬ال أقوى عىل الصمود أمامه‪.‬‬
‫صحق وكاتب مقاالت سياسية‪ ،‬كيف لك أن تكتب حول سياسية‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬أنت‬
‫بالد عربية دون قهوة؟ كل أنسان حي يود أن يكتب ما يف داخله أو يكتب‬
‫بحسب ما يستخرجه من قواه الباطنة يحتاج اىل فنجان من القهوة‪ ،‬يحتاجها‬
‫بكل تأكيد قبل أن يمسك القلم و يبدأ يف اعىل الزاوية اليمت من ورقته‪.‬‬
‫كالىم‪ ،‬رمشت عيناه مرتي‪....‬‬ ‫َ‬
‫أبتسم ابتسامة أعجاب أثر ي‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫قال‪ :‬فلسفة رائعة‪ ،‬تدل عىل ثقافة عالية‪ ،‬كم أكون سعيدا حي أتعرف بأناس‬
‫بهذه الثقافة واالناقة يف الكالم‪ ،‬ولكن هل يىل بسؤال أخت؟‬
‫ً‬
‫قلت مبتسمة‪ :‬بكل رسور‪ ،‬تفضل‪.‬‬
‫أنهيت االتصال قبل‬ ‫لما اىل االن تضعي يدك عىل سماعة الهاتف؟‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫دقائق؟‬
‫وه ال تزال عىل سماعة هاتف المكتب المغلقة‪ ،‬فأنا بعد أن‬
‫نظرت اىل يدي ي‬
‫اغلقت الهاتف ظلت يدي عىل السماعة‪ ،‬لم أرفعها من شدة االرتباك‪ ،‬كنت‬
‫قد استمريت بالكالم معه ويدي ال تزال عىل سماعة الهاتف‪ ،‬اردت أن اقول‬
‫له بكل جرأة "انت السبب"‬
‫كون استطعت تدارك الموقف واالجابة عىل أسئلتك‪ ،‬ال بل‬
‫أنا اشكر الرب ي‬
‫أنت سأستطيع تهجأ احرف اللغة العربية أمام لون عينيك‪.‬‬
‫أنت لم أكن أتوقع ي‬
‫ي‬
‫بعد أن رفعت يدي من سماعة الهاتف نظرت له فوجدته يكتم ضحكته‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ضحكنا لثوان متواصلة‪ ،‬غت من‬ ‫بسبب طرافة الموقف‪ ،‬شاركته الضحك‪ِ ،‬‬
‫ً‬
‫نقه ليجعلها اجمل‪.‬‬
‫الكرش ومسك بيده اليمت ربطة ع ِ‬
‫ي‬ ‫جلسته قليال عىل‬
‫لك الكثت من االسئلة‪ ،‬صار لقاؤنا أشبه بالتحقيق‬ ‫قال‪ :‬أسف‪ ،‬وجهت ِ‬
‫بنفش‪.‬‬ ‫ئ‬
‫الجنان‪ ،‬أنا اىل االن لم أعرفك‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫داخىل دون ان َي ِرمش يىل حرف "أنا أنتظر هذه اللحظة منذ زمن‪،‬‬
‫ي‬ ‫همست يف‬
‫بش"‬ ‫تكلم يا أحىل ما عىل االرض من ر‬
‫طرق الباب عامل الضيافة‪ ،‬دخل وقدم لنا القهوة‪ ،‬سمح يىل من خالل دخوله‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ان ارسق النظر قليال‪ ،‬أن أتمعن أناقته قليال وأن أستفيق من تأثت عطره الذي‬
‫تستنشقه الروح قبل االنف‪.‬‬
‫ٌ‬
‫حاصل عىل شهادة بكالوريوس يف االقتصاد‪ ،‬أعمل يف أحدى‬ ‫قال‪ :‬أنا (أحمد)‬
‫المصارف الحكومية يف المدينة‪ ،‬لدي اهتمام يف السياسة‪ ،‬أكتب مقاالت يف‬
‫المجاالت السياسية واالقتصادية الخاصة يف بالدنا‪ ،‬أتعامل مع صحيفتي‬
‫أحداهما صحيفتكم الموقرة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬حصل ىل عظيم ر‬
‫الشف بمعرفتك‪ ،‬أنا (قمر) بكالوريوس يف العلوم‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫محارصة صباحا يف الجامعة‬
‫ِ‬ ‫عمىل يف الصحيفة عمل ثانوي‪ ،‬أعمل‬
‫ي‬ ‫السياسية‪،‬‬
‫الق المحارصات يف كلية العلوم السياسية‪.‬‬
‫الت درست فيها‪ ،‬ي‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫تحركت مالمح وجهه تعبتا بالتعجب‪ ،‬رسب من قهوته ‪...‬‬
‫السياش‪ ،‬وليس أنا‪،‬‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬تبارك هللا‪ ،‬كان يجب ان تكوني ِ‬
‫انت مولعة بالعمل‬
‫تخصض هو االقتصاد وانت تخصصك السياسية‪.‬‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫البديه أن من يكتب المقاالت يف شت‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬منطقيا‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬ولكن من‬
‫ً‬
‫االنواع من السياسة او االقتصاد أو االدب فأنه يكون موهوبا باالضافة اىل‬
‫دراسته وشهادته‪ ،‬ألننا لم نر ذات يوم ان الدراسة الجامعية لوحدها قد‬
‫ر‬
‫بشء امتلكته‬ ‫ٌ‬
‫أنشأت كاتب‪ ،‬ولهذا أنت متخصص باالقتصاد ولكنك موهوب ي‬
‫ه موهبة التعبت‪ ،‬موهبة تحويل االفكار لكلمات‪ ،‬موهبة رسم‬
‫بذاتك‪ ،‬و ي‬
‫الذكاء عىل الورق‪ ،‬استطعت من خاللها أن تكتب المقاالت السياسية‬
‫واالقتصادية‪.‬‬
‫أنك أنيقة الكالم‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ألم اقل ِ‬
‫لك ب ِ‬
‫فه و بال شك تدل عىل بعض االعجاب‪.‬‬
‫أسعدن تكراره لهذه العبارة‪ ،‬ي‬
‫ي‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قلت‪ :‬لكنك أضعت بعض من موهبتك بأستخدامك أسما مستعارا لمقاالتك‪،‬‬
‫أليس كذلك؟‬
‫مقاالن اىل المدير وهو‬
‫ي‬ ‫قال بصيغة التعجب‪ :‬وكيف ع ي‬
‫رفت ذلك؟ أنا اقدم‬
‫أنت لم اقدم الكثت من المقاالت لصحيفتكم؟‬
‫يعرفت‪ ،‬كما ي‬
‫ي‬ ‫فقط من‬
‫ً‬
‫لكون تفاجئت من كونك مسلما وتختار‬ ‫ي‬ ‫كلمت عنك السيد المدير‬ ‫ي‬ ‫قلت له‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أسما مسيحيا لمقاالتك بغية أبعاد النظر عنك‪.‬‬
‫ر‬
‫أن النقدي‬‫اماىم معارض ألن أكتب ر ي ي‬
‫ي‬ ‫ان‪ ،‬بعد أن وقف‬ ‫قال‪ :‬كان هذا رسط ر ي‬
‫بحلم يف كتابة‬
‫ي‬ ‫تمسىك‬
‫ي‬ ‫وادخل مجال الصحافة‪ ،‬من شدة خوفه ومن شدة‬
‫المقاالت الصحفية توصلنا اىل هذا الحل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أفضل ما يف الدنيا أن يكون الوالدان يف رضا عنك‪ ،‬ستجد حينها كل‬
‫ابواب المستقبل مفتوحة امامك‪ ،‬أن من نعم الرب علينا دعاؤهم لنا عند‬
‫خروجنا كل صباح‪.‬‬
‫قال‪ :‬أنا أسمع دعائهم ر‬
‫عت الهاتف فقط‪ ،‬فهم يقطنون يف الجنوب‪ ،‬أراهم يف‬
‫ً‬
‫االعياد والزيارات المتناوبة بي الحي واالخر بسبب مشاغل الحياة‪ ،‬حاليا‬
‫زيارن لهم تعد بأصابع اليد‪.‬‬
‫ي‬ ‫أصبحت‬
‫قلت له‪ :‬كان هللا ف عونك‪ ،‬لكن َ‬
‫لما لم تسكن معهم؟‬ ‫ي‬
‫قال‪ :‬نشأت يف مدينة صغتة يف الجنوب‪ ،‬احببت منذ الصغر العمل يف‬
‫أن‪ ،‬أنا ال أحب البساطة‪.‬‬
‫العاصمة‪ ،‬لم أكن أريد العيش كما أراد يىل ر ي‬
‫ً‬
‫قلت متعجبة‪ :‬البساطة جميلة‪ ،‬ولكن اي بساطة تقصد؟‬
‫قال‪ :‬أقصد بساطة العيش وااليام المتشابهة‪ ،‬أنا أمتلك الكثت من المشاري ــع‬
‫ً‬
‫أنت بقيت يف قريتنا‬
‫يوم جاهدا لتحقيقها‪ ،‬لو ي‬‫مخيلت واسىع كل ٍ‬
‫ي‬ ‫والخطط يف‬
‫ً‬
‫اياىم متشابهة وال استطيع تغيت أيا منها‪.‬‬
‫لكانت كل ي‬
‫ر‬
‫شء جميل‪ ،‬من مواضع الفخر ان يكون لألنسان أهداف يسىع‬ ‫قلت‪ :‬هذا ي‬
‫جميل أن تتجدد هذه االهداف يف كل مرحلة من حياته‪ ،‬أن يسىع‬‫ٌ‬ ‫من أجلها‪،‬‬
‫ً‬
‫بكل مرحلة من حياته لهدف جديد‪ ،‬وأن ال يتبع القول السائد (نم مبكرا‬
‫ُ‬
‫تصج مبكرا)‬
‫ً‬
‫ضحك ثم قال‪ :‬أنا من هذا النوع تحديدا‪.‬‬
‫ً‬
‫رفع أحمد يده اليشى قليال لينظر اىل ساعته الجميلة‪ ،‬ثم اعادها عىل ساقه‬
‫االيش‪....‬‬
‫عملك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وشغلتك عن‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬اخذت الكثت من وقتك‬
‫الشف بمعرفتك والحديث معك‪ ،‬إال تود أن أصل‬ ‫قلت‪ :‬بالعكس‪ ،‬حصل ىل ر‬
‫ي‬
‫أخته بقدومك؟‬‫شء اىل السيد المدير؟ أو أن ر‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫ً‬
‫ر ي‬
‫خروح من هنا‪ ،‬ولكنه‬ ‫بقدوىم‪ ،‬فانا ٍسأتصل به حال‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬ال شكرا‪ ،‬ال ر‬
‫تختيه‬
‫ً‬
‫أسعدن الحديث معك كثتا‪.‬‬
‫ي‬ ‫من المؤكد سيكون لنا لقاء اخر‪،‬‬
‫والسعة‪ ،‬هذه صحيفة تختص بشؤون الشعب‪ ،‬و كلنا‬ ‫قلت له‪ :‬عىل الرحب ِ‬
‫ترحيب لمن يود زيارتنا‪.‬‬
‫ولكنت أردت أن أرحب به ألنه‬
‫ي‬ ‫جملت هذه معتادة عىل مسامع كل زائر‪،‬‬
‫ي‬ ‫كانت‬
‫ً‬
‫ألنت غدا‬
‫ي‬ ‫هجت بشعة الضوء‪،‬‬‫مكتت‪ ،‬النه أدخل الفرح لم ي‬‫ري‬ ‫قلت وليس‬
‫زار ر ي‬
‫ً‬
‫الق عليه التحية دون ان اتردد‪ ،‬فقد تعرفنا عىل بعض‬
‫صباحا سأستطيع أن ي‬
‫وتبادلنا االبتسام‪.‬‬
‫الت أمامه‪....‬‬
‫وقف‪ ،‬رفع أوراقه من عىل الطاولة ي‬
‫ً‬
‫عىل الذهاب االن‪ ،‬شكرا لحسن ضيافتك وجمال حديثك‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ي‬
‫ً‬
‫ليصافحت‪ ،‬قال‪ :‬عمت مساءا‪.‬‬
‫ي‬ ‫مد يده‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قلت من كف يدي والتفت عىل يده لتصافحه‪....‬‬ ‫خرجت أوردة ر ي‬
‫قلت له‪ :‬طاب مساؤك‪.‬‬
‫ذكرن لقاؤه بمطلع قصيدة (لغادة السمان) تقول فيه‪( :‬وتقول شفتاك للفرح‬
‫ي‬
‫‪ ..‬كن فيكون)‪ ،‬كان يمتلك مفاتيح الفرح وانا ال اعلم‪ ،‬عندما يتكلم كان‬
‫يأرسن تحت مشيئته وأنا ال أعلم‪.‬‬ ‫ي‬ ‫يمتلكت‪ ،‬كان‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ما أجمل لقاءه‪ ،‬ما أجمل كالمه‪ ،‬ما أجمله‪ ،‬كانت أمنية وتحققت‪ ،‬اختا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جليش‪ ،‬واالن قد تحقق‪.‬‬
‫ي‬ ‫تكلمت معه‪ ،‬كان حلما أن أراه يوما‬
‫ً‬
‫عىل كان كبتا‪ ،‬شعرت‬‫بالرغم من أن لقاؤنا االول كان لقاء عمل إال ان تأثته ي‬
‫ً‬
‫رزقت بأمل‬
‫ي‬ ‫الق التحية عليه غدا‪،‬‬
‫ألجىل الكثت‪ ،‬سمح يىل بأن ي‬ ‫ي‬ ‫بأن القدر حقق‬
‫لقاءه‪ ،‬ثم جعله يتجدد كل لحظة‪.‬‬
‫أياىم بحديثه‪ ،‬حديثه‬
‫مكتت كل يوم‪ ،‬ليمطر الفرح عىل ي‬
‫كنت أتأمل دخوله اىل ر ي‬
‫الذي أعىط األدلة لما ظننت بشأنه‪ ،‬تأكدت من أنه أنسان متمت عن اقرانه‪،‬‬
‫يمتلك موهبة ويمتلك الذكاء‪.‬‬
‫ثوان من مغادرته‪ ،‬تمنيته أن‬
‫ولكنت وبعد ٍ‬
‫ي‬ ‫ينته هذا اليوم‪،‬‬
‫ي‬ ‫تمنيت أن ال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ينته هذا اليوم يك أراه يوم غد واقول له (صباح الخت أيها الفرح)‬
‫ي‬
‫رجعت اىل البيت وأنا أحمل الفرح بالحجم الذي لم أعرفه من قبل‪ ،‬دخلت‬
‫يغمرن‪ ،‬كان‬
‫ي‬ ‫أىم جالسة مع جارتيها‪ ،‬القيت التحية والفرح‬
‫المتل ورأيت ي‬
‫وجه مبتسم‪ ،‬كم يكون هذا الموقف صعب عىل أي فتاة‪ ،‬يف هذا الموقف ال‬
‫ي‬
‫َ‬
‫تخق الفرح الذي يغمرها‪ ،‬ستفضحها عينها‪ ،‬سيفضحها كالمها‬
‫ي‬ ‫تسطيع أن‬
‫الجميل الذي تقوله بشكل عفوي لكل من يصادفها‪ ،‬ولو انها تمكنت من أن‬
‫تخق فرحتها عن الناس فكيف لها ان تخفيها عن االم!!‬
‫ي‬
‫وه‬ ‫ر‬
‫ذهي صديقاتها‪ ،‬ابتسمت عند رسفة الباب ي‬
‫لغرفت بعد أن ر‬
‫ي‬ ‫أىم‬
‫دخلت ي‬
‫تطرقه‬
‫يومك يا قمر؟‬
‫ِ‬ ‫سألتت سؤالها المعتاد ‪ :‬كيف كان‬
‫ي‬
‫ً‬
‫صحتك؟‬
‫ِ‬ ‫قلت لها‪ :‬كان جيدا‪ِ ،‬‬
‫أنت كيف‬
‫اك مبتسمة‪.‬‬‫قالت‪ :‬أنا بخت لطالما ار ِ‬
‫ً‬
‫أىم‪ ،‬هذه االبتسامة من نعمة دعاءك يىل‪.‬‬
‫لك يا ي‬‫قلت لها‪ :‬شكرا ِ‬
‫ً‬
‫مض الليل‪ ،‬التقيته عند الصباح‪ ،‬خرجت من مت يىل فرأيته واقفا‪ ،‬كان عىل ما‬
‫ً‬
‫يمض يف طريقه‪،‬‬
‫ي‬ ‫يبدو قد خرج قبل موعده وظل واقفا عىل باب بيته ولم‬
‫تنته‪،‬‬
‫ي‬ ‫الت كانت بيده‪ ،‬كانت عىل وشك أن‬ ‫استنتجت ذلك من السيجارة ي‬
‫ً‬
‫يعت ذلك انه كان واقفا ولم يخرج للتو‪ ،‬حالما خرجت رماها‪ ،‬كان من المعتاد‬
‫ي‬
‫أن يخرج ويتوقف لثوان ليشعل فيها سيجارته‪ ،‬ثم يواصل الست وال يقف‪ ،‬لمَ‬
‫ٍ‬
‫ر ي‬
‫خروح؟ أم أنه مجرد ظن‬ ‫رأيت السيجارة بيده منتهية؟ هل كان ينتظر‬
‫ئ‬
‫خاط؟‬
‫ً‬
‫رأيته يتك باحة بابه ويواصل سته‪ ،‬صادفته وجها لوجه‪ ،‬قلت‪( :‬صباح‬
‫الخت)‬
‫ً‬
‫اجابت مبتسما‪( :‬صباح النور)‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يقتت عطرا يتغلغل وسط‬
‫ي‬ ‫وسامته‪ ،‬يف كل صباح كان‬
‫ِ‬ ‫واصلت الست رغما عن‬
‫ً‬
‫حيان‪.‬‬
‫ي‬ ‫الروح قبل الحواس‪ ،‬كان أنيقا للغاية‪ ،‬وجهه كان أجمل صباح اراه يف‬
‫أستمر روعه هذا المشهد كل صباح‪ ،‬ولعدة أسابيع‪ ،‬انتظمت عىل الخروج‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مبكرا‪ ،‬وانتظم هو ايضا‪.‬‬
‫ينتظرن ألخرج‪ ،‬ال‬
‫ي‬ ‫ر ي‬
‫خروح‪،‬‬ ‫تكرر لقاؤنا كل صباح‪ ،‬تأكدت بأنه يخرج قبل‬
‫عىل‪.‬‬
‫يلق التحية ي‬
‫يواصل طريقه إال بعد أن ي‬
‫صحت وأجيبه‬
‫ي‬ ‫سألت فيها عن‬
‫ي‬ ‫كانت تحياتنا متشابهة‪ ،‬إال يف بعض االحيان‬
‫عىل قراءتها وفهمها‪ ،‬ال‬
‫بأنت بخت‪ ،‬كانت نظراته جميلة‪ ،‬كان من الصعب ي‬ ‫ي‬
‫احيان‬ ‫وف‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬ ‫ينتابت بعض االحيان أحساس بأنه معجب ر ين‪ ،‬ي‬‫ي‬ ‫أجيد قراءة كالمها‪،‬‬
‫شء يثت األمل‪ ،‬ذلك‬ ‫ر‬
‫االخرى ارى نظراته عارية عن االعجاب وال يتخللها ي‬
‫وس ِم َع الكالم الذي عىل لسان‬ ‫االمل الذي يطمئنت بأنه َش َ‬
‫عر بما ف داخىل َ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ان‪.‬‬
‫نظر ي‬
‫عيت‪ ،‬تأكدت‬
‫بعد فتة وجتة‪ ،‬تأكدت أنه قرأ الكالم الذي يف كتبه السهد يف ي‬
‫َ‬
‫بموعد من ورق‪ ،‬موعدي الذي كتبته بأبيات‬
‫ٍ‬ ‫بأنت أحلم بأن ألقاه‪،‬‬
‫بأنه شعر ي‬
‫ألجله الكلمات كان بيت القصيد يحوم حول‬
‫ِ‬ ‫ِشعر عىل الورق‪ ،‬كلما كتبت‬
‫موعده‪.‬‬
‫اودن أحساس بأنه يعرف‬ ‫ر‬
‫أنت اثرت أنتباهه‪ ،‬ر ي‬
‫شء تأكدت من ي‬‫االهم من كل ي‬
‫اياىم‪.‬‬ ‫ُ َ‬
‫بأن أسمه قد كتب عىل جدران ي‬
‫يا ليته يعلم كم احبه‪...‬‬
‫يا ليته يعلم عن ما أريد قوله‬
‫حت األول‬
‫يا ر ي‬
‫سنلتق‪..‬‬
‫ي‬
‫ُ‬
‫سأنتظرك وشفتاي تأكالن بعضهما‬
‫يف ذلك البيت الذي نحته من اجلك‬
‫ً‬
‫ستى سني عمري قد باتت شموعا‬
‫َ‬
‫تنت لك طريقك وانت قادم‬
‫ً‬
‫سنيت شموعا‬
‫ي‬ ‫للقاؤنا رنتت‬
‫الت كانت تخلو منك‬
‫سنيت ي‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫هل تعلم كم مرة علقتك أمنية عىل شجرة الميالد؟‬
‫هل تعلم كم وردة حمراء َجلبت لك؟‬
‫هل تعلم كم كلمة حب جمعت لك؟‬
‫أريد أن أقولها لك‪ ،‬يف حضة جمالك‬
‫الصت سأنتظرك‬
‫ر‬ ‫ئ‬
‫بمىل‬ ‫وألجل ذلك ‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لق التحية عىل بعضنا صباحا‪ ،‬كنت قد فكرت مليا يف‬
‫أصبحنا أصدقاء‪ ،‬ن ي‬
‫الت تسمح يىل بأن أحادثه‪ ،‬أحتاج ألن‬
‫تطوير هذه الصداقة‪ ،‬فكرت يف الطرق ي‬
‫ً‬
‫أحادثه حديثا ال نهاية له‪ ،‬كم أحب حديثه‪ ،‬احب مالمح وجهه حي يتكلم‪،‬‬
‫جو عاصف‪.‬‬ ‫طر يف ٍ‬‫حي يتناثر الحسن منها كرذاذ م ٍ‬
‫ُ‬ ‫ئ‬ ‫ُ‬
‫مبادن‪ ،‬بدأت انكرها ألجله‪ ،‬يف المقابل‪ ،‬بدأت أختلق الحيل من‬
‫ي‬ ‫بدأت أناقض‬
‫صداقت معه‪ ،‬لم أنش قبل بضع سني كيف‬ ‫ي‬ ‫اجل ارضاء الذات‪ ،‬فكرت يف‬
‫ً‬
‫ان كل صباح‪ ،‬ألجل أن يتكلم‬
‫أحبت برداء الصداقة ألجل أن ير ي‬
‫ي‬ ‫رفضت شخصا‬
‫أحبت‪ ،‬أليس أنا االن أفعل‬
‫ي‬ ‫صديق ألنه‬
‫ي‬ ‫مىع بموضوع يختلقه يك أكلمه‪ ،‬صار‬
‫ي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫كما فعل هو!! ألم أرفض مسبقا فكرة أن ال يكون الصديق حبيبا‪ ،‬لم هذا‬
‫التناقض!!!‬
‫لنفش االعذار‪ ،‬حت أصل اىل‬
‫ي‬ ‫نفش أقدم‬
‫ي‬ ‫ان‪ ،‬وجدت‬
‫ألنه يبتسم كلما ير ي‬
‫الت حلمت بها‪ ،‬وأنا حبيسة جزيرة االعجاب ِبه‪ ،‬هذه الجزيرة النائية‬
‫شواطئه ي‬
‫ليال وأنا أتخيل كيف سيكون االرتباك لو وقفت بالقرب من‬
‫الت أمضيت فيها ٍ‬
‫ي‬
‫أكتافه ؟‬

‫بقصيدة سأقولها له عىل‬


‫ٍ‬ ‫قررت أن تربطنا الصداقة‪ ،‬اىل أن أرسم مشاعري‬
‫بحت‪ ،‬اىل أن‬
‫ان له‪ ،‬اىل أن أصارحه ر ي‬
‫ضوء الشمع‪ ،‬اىل أن أجعله ينظر يىل كنظر ي‬
‫أعرف رس العطر الذي يف عينيه‪ ،‬سأنتظره عىل ذلك المقعد المطل عىل‬
‫ئ‬
‫الشاط‪.‬‬
‫إن تمنيتك توصد األمنيات أبوابها‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نوافذه‬
‫وإن ح ِلمت بك يفتح الحني ِ‬
‫وانا اقف عىل ابوابك ‪ ..‬تعبت‬
‫َ‬
‫تعبت اتمناك ‪ ..‬وانا مكبلة االحالم‬
‫الثان‬
‫الفصل ي‬

‫ََ‬
‫تتموج االرض تحت أرجل كل امرأة تخلو أيامها من الحب‪ ،‬تحت ارجل كل‬
‫امرأة َأمست بال حبيب‪ ،‬تحت كل َمن تنام ليلها خالية المشاعر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫الت تقف‬
‫االرض ي‬
‫ِ‬ ‫حي تنهض من ِفراشها صباحا‪ ،‬تشعر كل امرأة بهشاشة‬
‫عندئذ َت ر‬
‫خش من أن تدفن‬ ‫ٍ‬ ‫لثوان أن ليس بأنتظارها أحد‪،‬‬ ‫عليها لو تأملت‬
‫ٍ‬
‫فه لم تخطر عىل بال رجل وهو‬
‫تحت السني دون أن تبق لها ذكرى‪ ،‬ي‬
‫َينصت ألغنية ما‪.‬‬
‫ينته‬ ‫تخش من أن‬‫ر‬ ‫ر‬
‫تخش من أن تكون حطام أنسان تراكم نتيجة االهمال‪،‬‬
‫ي‬
‫أثار أليدي َلرجل‪.‬‬
‫بها العمر ولم تجد عىل خضها ٍ‬
‫ً‬
‫السن‪ ،‬النساء لن يصلن اىل سن اليأس أن‬
‫الحب عند النساء يضع حدا لتقدم ِ‬
‫َ‬
‫الت‬‫بقي عىل قيد الحب‪ ،‬يأس العواطف ال يأس العمر‪ ،‬لن تذبل أجفان تلك ي‬
‫ُ‬
‫تضع الكحل كل يوم قبل غروب الشمس‪.‬‬
‫ً‬
‫الصبا‪ ،‬ال أضع‬
‫يعتتن الحب مقصورا عىل عمر ِ‬
‫أغلب النساء يف بالد العرب ر‬
‫الت عىل عاتقهن جعلتهن‬
‫اللوم عليهن‪ ،‬فالظروف الصعبة وحجم االلتامات ي‬
‫ً‬ ‫َي َ‬
‫نمن مبكرا‪.‬‬
‫ً‬
‫اللوان بقي عىل قيد الحب‪ ،‬أو عىل قيد ذكرى جميلة‬
‫ي‬ ‫ِمنهن قلة قليلة من‬
‫حب عاش ومات‬
‫لحبيب كان عشقه قد سبق الزواج أو جاء بعده‪ ،‬او عىل قيد ٍ‬
‫ٍ‬
‫وهو يقتات عىل الكتمان‪.‬‬
‫والشف‪،‬‬‫ر‬ ‫بالعفة‬
‫العرن عىل كل النساء المتوجات االلتام ِ‬ ‫يف المجتمع‬
‫ري‬
‫رَ‬
‫الصبا لأليام السابقة‪،‬‬
‫ورسف ِ‬ ‫ويقصد بذلك عفة الجسد لأليام القادمة‬
‫يتطلب االمر حسن ستة للماض بحسب الـسن الناس‪ ،‬ال يهم رشء ر‬
‫اكت من‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ذلك‪.‬‬
‫يشء لسمعتها لو‬ ‫ر‬
‫الحب يف مجتمعنا ينهب رسف الفتاة أن تحدثت عنه‪ ،‬ي‬
‫ً‬
‫كتابا‪ ،‬هذا َ‬
‫المنع ال يشمل الكالم فحسب‪ ،‬بل يشي عىل كل المشاعر‬ ‫قرأت له‬
‫شا بالفطرة‪ ،‬ويستثت من ذلك َ‬ ‫ً‬
‫العي ومقلتها‪.‬‬ ‫الت تنتابهن ق‬
‫واالحاسيس ي‬
‫ً‬
‫هنيئا المرأتي‪ِ ،‬أحداهما قرأت هذه االسطر عىل عجل ولم تعيد قراءتها‪،‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫وأخرى قرأتها جيدا‪ ،‬ولكنها لن تكتث لما أعنيه ‪ ...‬هنيئا لمن تزوجت‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫عشيقها‪ ،‬وهنيئا لمن ع ِشقت زوجها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫غالبا ال تكون المرأة كيفما تشاء‪ ،‬غالبا ما تكون خالفا لواقعها‪ ،‬ولكنها ال‬
‫ض الواقع‪،‬‬
‫تتكلم‪ ،‬ال تتحدث بهذا الشأن إال لوسادتها‪ ،‬تكتم ارسار روحها لت ي‬
‫الت تطرأ عىل‬
‫الت تطرأ من حولها‪ ،‬والتغتات ي‬‫يتقبل جسدها التغتات ي‬
‫ً‬
‫تأن ان تتغت‪.‬‬
‫جسدها ايضا‪ ،‬ولكن روحها ر‬
‫شء‪ ،‬ما تولد عليه الفتاة هو الذي‬‫ُ ر‬
‫نحن خاضعي للظرف المادي قبل كل ي‬
‫ً‬
‫يحدد ما ستكون عليه‪ ،‬كيف ستحب‪ ،‬هل سيسمح لها بالحب اساسا ام ال‪،‬‬
‫هل ستختار َمن يفك ضفائرها ام سيختار لها المجتمع‪ ،‬هل ستكون كتلك‬
‫الت ارادت الهروب مما يحيطها فاقتنت‬
‫الت ارادت الخالص فتوجت‪ ،‬تلك ي‬
‫ي‬
‫الت ال يحق لها العبث بروحها‪ ،‬ال‬
‫بأول ميسور حال طلب يدها‪ ،‬تلك الوحيدة ي‬
‫مجددا‪ ،‬تلك الت قايضت جسدها بالثياب َ‬‫ً‬
‫والمصوغات‬ ‫ي‬ ‫يحق لها ان تحلم‬
‫الذهبية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫غالبا ما يكون الحب فقتا فاألغنياء ال وقت لديهم للحب‪ ،‬لطالما رأينا قصص‬
‫العوز‪ ،‬كيف ينهش الفقر جسدها ليفرقها اىل قصتي‪ ،‬كل‬ ‫الحب وه تصارع َ‬
‫ي‬
‫اص للذكرى) يتناول‬
‫طرف يأخذ قصته بمعزل عن حبيبه ليصنع منها (اقر ٍ‬
‫بألم يف الروح‪ ،‬كلما كان الحني سبب سهده‪.‬‬ ‫َ َ‬
‫احداها كلما شعر ٍ‬
‫(البيوت السعيدة ال صوت لها) قرأتها ذات مرة للكاتب المضي (مصطق‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫محمود) فعال انها كذلك‪ ،‬العائلة سعيدة لن تسمع لهم اصواتا عاليا‪ ،‬ال يوجد‬
‫َ‬
‫قهر مع يش الحياة‪ ،‬مثلما ال توجد سعادة مع الفقر‪.‬‬
‫َ َ‬
‫الت‬
‫يأن‪ ،‬تلك البنت ي‬ ‫ذات ليلة‪ ،‬كذب الحب عىل الفقر وقال سأزورك‪ ،‬لم ي‬
‫اختارت حبيبها الفقت ألنها عشقته وتزوجا بعد ان سمع منها المقولة الشهتة‬
‫يهمت كيف ستكون حياتنا لطالما سأبق بقربك" لم يستمر عشقهما بعد‬
‫ي‬ ‫"ال‬
‫اول حديث تفاخر كان بي االقارب‪ ،‬اعتاد هو عىل النوم قبل مجيئها اىل‬
‫وه استلقت بعده عىل رسيرها االبكم‪ ،‬تنظر اىل سقف غرفتها‪،‬‬
‫الفراش‪ ،‬ي‬
‫ً‬
‫نادمة دون دمع‪.‬‬
‫القصد هنا لن ينسجم مع المعت‪ ،‬العيون الصامتة تحمل براكي الكالم يف‬
‫قلوبــها‪ ،‬بعض النساء خامالت المشاعر‪ ،‬فقد انطفأت لهيب براكينها بمرور‬
‫اللوان لم ينمن‬
‫ي‬ ‫اللوان لم ترهقها القبل‪،‬‬
‫ي‬ ‫الزمن‪ ،‬اما ذوات الشفاه الناعمة‪،‬‬
‫َ‬
‫اللوان لم تغمض اعينهن إال وكانت رنتة صوت‬‫ي‬ ‫عىل يد (الحبيب األول)‪،‬‬
‫ً‬
‫كالتق يخرق اجفانها‪ ،‬هن فقط‪ ،‬لم يطفأ‬‫الحبيب همسا تقتحم اذنيها‪ ،‬رسمه ر‬
‫لهيب مشاعرهن مع تقادم الزمن‪.‬‬
‫الت تصدر من حولنا حال دخولها مسامعنا‪،‬‬
‫البديه اننا نسمع االصوات ي‬
‫ي‬ ‫من‬
‫مسامىع‪ ،‬كانت رنتة صوته تغريدة‬
‫ي‬ ‫إال صوته‪ ،‬كان يدخل لعظام جسدي قبل‬
‫امل يف كل صباح‪.‬‬
‫منذ أن أصبحنا أصدقاء واالبتسامة عىل ِشفاهنا باتت أجمل‪ ،‬حت أنا‬
‫حوىل شاهد حجم‬
‫ي‬ ‫أصبحت أجمل‪ ،‬بت اجمل عن ما قبل أن أعرفه‪ ،‬كل من‬
‫الت تتنافس فيما بينها كل يوم من‬
‫أللبست ي‬
‫ي‬ ‫لمالمج‪،‬‬
‫ي‬ ‫التغيت الذي حدث يىل‪،‬‬
‫أجل أن تلقاه‪.‬‬
‫عيت ذات يوم‪ ،‬خرجت فيه ورأيته‬ ‫ي‬ ‫غمرتت السعادة لدرجة الغرق حي قرأ‬
‫ي‬
‫ً‬
‫واقفا‪ ،‬كالمعتاد أخذتنا الخطوات يف طريقنا وأنا بال أدراك‪ ،‬ال أرى يف الدنيا‬
‫سواه حي يكون‪ ،‬ال أعرف ماهية الدنيا لو استنشقت عطره‪.‬‬
‫الت سبقت ذلك اليوم‬‫اقض الليلة ي‬
‫ي‬ ‫عيت وأنا‬
‫كنت متعبة للغاية‪ ،‬أرهق السهر ي‬
‫اجابتت أبنته عىل الهاتف‪،‬‬ ‫بصديق (زياد)‪،‬‬ ‫ً‬
‫مساء‬ ‫يف المشق حي أتصلت‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ابلغتت بأنه يف المشق منذ ساعتي‪ ،‬بسبب أصابته بنوبة عصبية‪ ،‬كم شعرت‬
‫ي‬
‫ألنت لم أتصل به‪ ،‬ذهبت اىل المشق ورأيته يف غيبوبة‪ ،‬تألمت‬
‫بالذنب حينها ي‬
‫ً‬
‫أنبت ضمتي عىل تقصتي اتجاهه‪ ،‬علمت من أبنته وزوجته ان حالته‬
‫كثتا‪ ،‬ي‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫شء اطالقا خالل هذه الفتة‪ ،‬انا‬
‫يشتىك من ي‬
‫ي‬ ‫الصحية كانت جيدة وانه لم‬
‫هاتق كان بيننا بأسابيع‪،‬‬
‫ي‬ ‫نادمة‪ ،‬لم أسأل عنه منذ فتة سبقت اخر أتصال‬
‫قضيت ليلة كاملة يف أروقة المشق‪ ،‬لم أستطيع الذهاب اىل البيت‪ ،‬أتصلت‬
‫َ‬
‫طلع الفجر‪ ،‬اىل أن تكلم‬ ‫دن وأبلغتها باألمر‪ ،‬بقيت يف المشق اىل ان‬
‫بوال ي‬
‫(زياد)‪ ،‬زاره الطبيب وخرج من غرفته وسمح لنا بعدها بالدخول إليه‪،‬‬
‫استطعت أن اتكلم معه‪.‬‬
‫يسبقت‪...‬‬
‫ي‬ ‫لغرفته وخجل‬ ‫ِ‬ ‫دخلت‬
‫ً‬
‫سامحت‪ ،‬انا لم أسأل عنك ولم أزورك‪،‬‬
‫ي‬ ‫قلت له‪ :‬حمدا هلل عىل سالمتك‪،‬‬
‫ً‬
‫قلقت عليك جدا‪.‬‬
‫ً‬
‫لك يا (قمر)‪َ ،‬لم أتعبت نفسك يف الحضور‪ ،‬الشمس رارسقت‬
‫قال زياد‪ :‬شكرا ِ‬
‫للتو؟‬
‫قالت زوجته‪( :‬قمر) هنا منذ ليل االمس‪ ،‬لم تنم‪ ،‬ال بل لم تجلس حت‪.‬‬
‫الكرش الذي كان بالقرب من رسيره‪ ،‬انحنيت بالقرب من‬
‫ي‬ ‫بعدما جلست عىل‬
‫دموع‪..‬‬
‫ي‬ ‫رأسه‪ ،‬وضعت يدي اليمت عىل شعره فأنهمرت‬
‫قلت له‪َ :‬‬
‫لما أنت متعب لهذه الدرجة؟ ما أصابك؟‬
‫بأنت‬
‫ي‬ ‫أبلغت الطبيب‬
‫ي‬ ‫قال زياد‪ :‬نحمد هللا عىل ما يصيبنا‪ ،‬تفاجئت باألمر‪،‬‬
‫ر‬ ‫ُ‬
‫بشء طيلة هذه الفتة سوى بعض‬ ‫عصت حاد‪ ،‬لم أشعر ي‬ ‫ري‬ ‫اصبت بأنهيار‬
‫ً‬
‫أنت كنت جالسا عىل‬
‫الصداع‪ ،‬ولكن باألمس ما الذي حصل؟ كل ما اتذكره ي‬
‫عائلت‪ ،‬لم أعلم بما جرى‪.‬‬
‫ي‬ ‫العشاء مع‬
‫ُ‬
‫قالت زوجته‪ :‬كنا ليل االمس نتناول العشاء‪ ،‬كنا نتكلم عن المستوى الدر ي‬
‫اش‬
‫تجبت‪ ،‬ثم أغلقت عيناك‪ ،‬بعدها‬
‫ي‬ ‫ألبنتك‪ ،‬وبعد ان ازداد غضبك سألتك ولم‬
‫أغم عليك وجئنا اىل المشق‪.‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫قال زياد‪ :‬حمدا هلل ي‬
‫ألن كنت معكم‪.‬‬
‫ُ‬
‫مسكت يده وقلت‪ :‬ال تقلق‪ ،‬سأ ي‬
‫صىل ألجلك كل يوم حت تتعاف‪.‬‬
‫أبنت‪ ،‬أنا بخت‪.‬‬ ‫أبتسم وقال‪ :‬ال ي‬
‫تبىك يا ي‬
‫يسبقت له‪ ،‬سبقت‬
‫ي‬ ‫ألنانيت‪ ،‬لم اسمح ألحد بأن‬
‫ي‬ ‫شعرت بالخجل الشديد‬
‫ً‬
‫زوجته واوالده حي سمح لنا الطبيب بالدخول‪ ،‬دخلت اوال وجلست بالقرب‬
‫الت تليق بتقصتي‬
‫أبىك الدموع ي‬
‫أجتت البقية عىل االنتظار اىل أن ي‬
‫منه‪ ،‬ر‬
‫دموع وابتسمت‪.‬‬
‫ي‬ ‫اتجاهه ثم مسحت‬
‫قلت‪ :‬أنا اسفة‪ ،‬لم اسمح لعائلتك بالتحدث معك واالطمئنان عليك‪ ،‬سبقت‬
‫الجميع بالحديث معك‪ ،‬منذ االمس وانا قلقة عليك‪ ،‬سأتركك االن لتأخذ‬
‫ً‬
‫قسطا من الراحة بالقرب من عائلتك‪ ،‬سأزورك عند المساء‪.‬‬
‫ً‬
‫بشأن‪ ،‬سأكون افضل‪ ،‬شكرا عىل زيارتك واهتمامك ‪.‬‬
‫ي‬ ‫تقلق‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬ال‬
‫ارهقت القلق‬
‫ي‬ ‫القيت التحية عىل الجميع ‪ ،‬خرجت من المشق مليئة بالتعب‪،‬‬
‫عىل أن اذهب اىل العمل بعد‬ ‫ر‬
‫أكت من السهر‪ ،‬لم أنم منذ ليل االمس‪ ،‬يجب ي‬
‫ساعتي من االن‪ ،‬فكرت يف أن اتصل لطلب االجازة‪ ،‬ولكن يت أيقنت بأن رؤية‬
‫ستمج كل التعب‪.‬‬
‫ي‬ ‫رفيق الروح‬
‫وجه يك اطرد النوم‪ ،‬بدلت‬
‫ي‬ ‫رجعت اىل البيت‪ ،‬أسكبت الماء البارد عىل‬
‫ً‬
‫أياىم‪ ،‬عن رارساقة‬ ‫ر‬
‫مالبش وخرجت مشعة يك ال أتأخر عن رسوق شمس ي‬ ‫ي‬
‫وجهه الذي فاق جماله بريق قوس قزح‪ ،‬رأيته‪ ،‬القيت عليه التحية فتوقف‬
‫ولم يواصل الست ‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التفت يىل‪ ،‬قال‪ :‬ما ِ‬
‫بك؟ عذرا للسؤال أن كنت متطفال‪.‬‬
‫قلت له‪ :‬أنا بخت‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫أستمر بالست قليال وقال‪ :‬يظهر عىل وجهك االرهاق‪ ،‬وكأن عينيك لم ت َ‬
‫نم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قلت‪ :‬قضيت ليل االمس يف المشق‪ ،‬لم استطع النوم‪.‬‬
‫ر‬
‫شء؟‬ ‫توقف عن الست‪ ،‬قال‪ :‬لماذا؟ هل تشتكي من ي‬
‫اقارن كان يف المشق‪ ،‬ذهبت لزيارته ليل االمس‪ ،‬وجدت‬
‫ري‬ ‫قلت‪ :‬كال‪ ،‬أحد‬
‫حالته سيئة للغاية فأضطررت للبقاء حت الصباح اىل أن فاق من غيبوبته‬
‫ئ‬
‫ألطمي عليه‪.‬‬
‫قال‪ :‬كيف هو االن؟ هل تحسنت حالته؟‬
‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬أفاق من غيبوبته عند الفجر‪ ،‬اتمت أن تستقر حالته اليوم‪.‬‬
‫تمنيان له بالشفاء‪.‬‬
‫ي‬ ‫قال‪:‬‬
‫ً‬
‫قلت‪ :‬شكرا‪ ،‬هذا من لطفك‪.‬‬
‫نفش بعد ذلك يف نهاية الطريق الذي نفتق عند نهايته‪ ،‬ابتسمت له‬
‫ي‬ ‫وجدت‬
‫‪....‬‬
‫قلت‪ :‬مع السالمة‪.‬‬
‫ً‬
‫أجابت مبتسما‪ :‬طاب يومك‪ ،‬مع السالمة‪.‬‬
‫ي‬
‫أياىم‬ ‫َ‬
‫وجه ثم رسم االبتسامة عليه بفرشاة وسامته‪ ،‬جعل ي‬ ‫ي‬ ‫أزال االرهاق من‬
‫ُ‬
‫يوم سبقه‪ ،‬كم أنا سعيدة بلقياه‪ ،‬كم انتظرته‪ ،‬كم تمنيت أن القاه‬
‫اجمل من كل ٍ‬
‫احالىم‪ ،‬كم وددت ان اقول له عن ما اكتب له‬
‫ي‬ ‫يف ذلك الموعد الذي رسمته يف‬
‫عند كل المساء‪...‬‬
‫يعذبت الصمت‬
‫ي‬ ‫حي‬
‫ويرجمت الشوق‬
‫ي‬
‫حي ترفع األمنيات سوطها وتلقيه‬
‫بت اخاف من الحني اذا طىع‬
‫أرتج‬ ‫ر‬
‫واخش األني أذا ر‬
‫الت كان فيها (زياد) ألزوره‪ ،‬أتصلت به وانا يف‬
‫عند المساء‪ ،‬ذهبت اىل المشق ي‬
‫ابلغتت بأن حالته الصحية قد‬
‫ي‬ ‫اتصاىل‪،‬‬
‫ي‬ ‫طريق إليه‪ ،‬أجابت زوجته عىل‬
‫ي‬
‫تحسنت بعد الظهتة وقد سمح لهم الطبيب بالمغادرة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ئ‬
‫ألطمي عليه‪ ،‬كان نائما نتيجة العالج‬ ‫ذهبت اىل بيته‪ ،‬جلست مع زوجته‬
‫ً‬
‫تحبت جدا‪ ،‬يف كل مرة أزورهم فيها كانوا يرحبون ر ين‬
‫ي‬ ‫الذي تناوله‪ ،‬كانت عائلته‬
‫ً‬
‫عمىل يف الجامعة‪ ،‬كانت‬ ‫ي‬ ‫تحدثت دائما عن‬
‫ي‬ ‫اشد التحيب‪ ،‬كانت ابنة (زياد)‬
‫ً‬
‫تروم ألن تدخل كلية العلوم السياسية‪ ،‬كنت دائما أحاول أن أمنعها من ذلك‪،‬‬
‫بعمىل السابق يف مطعمه‪،‬‬
‫ي‬ ‫أحاول ترغيبها بتخصص أخر‪ ،‬كانت زوجته تعلم‬
‫بأنت كنت‬
‫احتفظت بهذا الش دون أن تتكلم عنه ألوالدها‪ ،‬كانوا يعتقدون ي‬
‫جارتهم قبل سني مضت‪.‬‬
‫ً‬
‫وتحبت كثتا‪ ،‬بسبب ذلك تمكنت من أن أوصيها بأن تهتم به‬
‫ي‬ ‫مت زوجته‬
‫تحت ي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وان تراقب حالته الصحية‪ ،‬ق َ‬
‫بخوف عليه دون أدن‬
‫ي‬ ‫موقق‪ ،‬شعرت‬
‫ي‬ ‫درت‬
‫الت تنتاب كل امرأة حي تتقرب أي امرأة أخرى من زوجها‪،‬‬
‫غتة‪ ،‬تلك الغتة ي‬
‫الت ال تتخىل عنها أي امرأة‪ ،‬إال من كانت واثقة من قلب زوجها‬
‫هذه الغريزة ي‬
‫ودخله الشهري‪.‬‬
‫رأيت (أحمد) يف أخر يوم عمل يف االسبوع‪ ،‬كان قد غت ِعطره الذي اعتدت‬
‫ً‬
‫الت َمضت‪ ،‬عند ستنا يف الخطوات المعتادة صباحا‪...‬‬
‫عليه خالل االيام ي‬
‫أيمكنت دعوتك لحضور عيد ميالدي‪ ،‬يصادف يوم غد؟‬
‫ي‬ ‫قال يىل‪:‬‬
‫ً‬
‫أجبته بالتفاته تعجب‪ :‬حقا !! عيد ميالد سعيد‪.‬‬
‫بأمكان سماعها يوم غد‪ ،‬ال يجب ان تكون التهنئة قبل أطفاء‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬هل‬
‫الشمع‪.‬‬
‫ً‬
‫يسعدن ذلك‪ ،‬ولكن يف أي ساعة غدا؟‬
‫ي‬ ‫قلت‪:‬‬
‫ئ‬ ‫ً‬
‫أصدقان‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬حجزت طاولة يف مطعم وهذا عنوانه‪ ،‬دعوت عددا قليل من‬
‫ثم أبتسم‪ ،‬واكمل حديثه‪ :‬يف الحقيقة انا ال أملك الكثت من االصدقاء‪.‬‬
‫اخذت العنوان من يده‪ ،‬قلت‪ :‬ال يهم أن تمتلك الكثت من االصدقاء بقدر ما‬
‫ً‬
‫أصدقاء لك بالفعل‪.‬‬ ‫يهم أن يكونوا‬
‫قال‪ :‬هذا صحيح‪.‬‬
‫صديقت (سارة)‪ ،‬أن كان ذلك ال يعجبك ال‬
‫ي‬ ‫قلت له‪ :‬هل يىل ان اصطحب ي‬
‫مىع‬
‫يهم؟‬
‫سعدن ان اتعرف عىل صديقتك‬
‫ي‬ ‫وضع يده اليمت يف جيبه وقال‪ :‬بكل رسور‪ ،‬ي‬
‫المقربة‪.‬‬
‫صديقت مقربة؟‬
‫ي‬ ‫بنظرة استغراب‪ ،‬أجبته‪ :‬كيف عرفت بأنها‬
‫ُ‬
‫استأذنت للحضور‬
‫ِ‬ ‫أبتسم من شدة جماله‪ ،‬قال‪ :‬لوال أنها لم تكن مقربة لما‬
‫معك يوم غد‪ ،‬أنت لم تسإليها بعد هل تود الحضور ام ال‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫لكنت سأسألها عن رأيها بالحضور لعيد‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬استنتجت بالشكل الصحيح‪،‬‬
‫ميالدك‪.‬‬
‫ألنت أود معرفة كل اصدقائك‪ ،‬بسبب ثقافتك‬‫ي‬ ‫قال‪ :‬آمل ان ال ترفض‪،‬‬
‫واخالقك ر‬
‫يتشف بمعرفتك جميع الناس وال شك ان اصدقائك الذي اختتهم‬
‫ال يختلفون عنك‪.‬‬
‫سنأن يوم غد‪.‬‬
‫ي‬ ‫قلت‪:‬‬
‫ً‬
‫مساء‪.‬‬ ‫قال‪ :‬سأكون بانتظاركم يف الساعة التاسعة‬
‫ً‬
‫القيت تحية الوداع عليه ونظرت فورا لساعة يدي ألحسب كم من الوقت‬
‫الصت؟ بأي طريقة سأهنئه بميالده؟ ميالده‬
‫ر‬ ‫يلزمت من‬
‫ي‬ ‫يلزمت ألنتظر‪ ،‬كم‬
‫ي‬
‫يمض من دون ساعات‪.‬‬
‫ي‬ ‫اياىم‬
‫الذي جعل توقيت ي‬
‫ألختها بدعوة (احمد) ليوم غد‪ ،‬وافقت‬
‫عمىل اتصلت (بسارة) ر‬
‫ي‬ ‫انه‬
‫قبل ان ي‬
‫موعد مع‬
‫ٍ‬ ‫ألجىل‪ ،‬شعرت بأنها يف حرج من ان تذهب اىل‬
‫ي‬ ‫عىل الحضور‬
‫شء‪.‬‬ ‫ر‬
‫اشخاص لم تعرفهم من قبل‪ ،‬لكنها لم تفصح عن ي‬
‫بحت‪،‬‬
‫بأعجان به‪ ،‬تليق ر ي‬
‫ري‬ ‫الت تليق‬
‫قضيت الليل بأكمله أفكر يف نوع الهدية ي‬
‫اتجاه‪ ،‬اردت ان اهدي له ما تبق من‬ ‫شء يثت انتباه قلبه‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫اردت ان اهديه ي‬
‫ً‬
‫العمر من ايام‪ ،‬أنا احبه كثتا‪.‬‬
‫فكرت يف كل الهدايا التقليدية للرجال‪ ،‬فكرت يف العطور والساعات اليدوية‬
‫والخواتم الجميلة‪ ،‬فكرت يف الزهور الحمراء والبيضاء‪ ،‬فكرت يف كل‬
‫شاهدون وانا انظر إليه‪ ،‬اخاف ان تغازله‬
‫ي‬ ‫الجالسي وقتها‪ ،‬ماذا سيقولون لو‬
‫ً‬
‫جشىع وانا ملهمة به‪ ،‬قضيت الوقت الكثت يف‬
‫ي‬ ‫عيت بصمت‪ ،‬خفت كثتا من‬ ‫ي‬
‫ان أستطيع ان اضع له فؤادي يف زجاجة عطر‪.‬‬
‫التفكت‪ ،‬حت تمنيت لو ي‬
‫قررت أن اشتي له ربطة عنق تليق بأناقته‪ ،‬قررت ان اكتب له‪ ،‬ان اعلن عن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الت لم تخطيها أي امرأة ررسقية‬
‫مشاعري اتجاهه‪ ،‬قررت ان اخطوا الخطوات ي‬
‫قبىل امرأة لرجل يف البالد العرب بأنها تحبه‪.‬‬
‫قبىل‪ ،‬لم تعتف ي‬
‫ي‬
‫قررت ان افعل ذلك حت تقف االرض عن الدوران‪ ،‬حت تقف سنوات عمري‬
‫عند ذلك اليوم‪ ،‬يك ابق طفلته‪ ،‬حت ال أرى الشعر االبيض وهو يتخلل‬
‫شعري‪ ،‬حت انطق بأسمه وانا اضع احمر الشفاه‪.‬‬
‫داخىل من حب‬
‫ي‬ ‫تعت عن ما يف‬
‫الت ر‬‫انتق الكلمات ي‬‫ليلت بأكملها وانا ي‬
‫ي‬ ‫قضيت‬
‫شأن‪ ،‬كتبت الف‬ ‫ئ‬
‫يان‪ ،‬دون ان يقلل تعبتها من ي‬ ‫كت ي‬ ‫دون ان تخدش احداهن ر‬
‫ً‬
‫انتابت شعور الرفض مرارا‪.‬‬
‫ي‬ ‫كلمة وحذفت الف‪،‬‬
‫طاولت الصغتة‪ ،‬ررسقت الشمس فجأة‪ ،‬شعرت‬ ‫ي‬ ‫غرفت‪ ،‬عىل‬
‫ي‬ ‫وانا جالسة يف‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫الت انتظرتها كثتا‪.‬‬
‫حينها بالفشل‪ ،‬كررت المحاولة‪ ،‬لن افوت هذه الفرصة ي‬
‫مكتت واىل اخر لحظة‪،‬‬
‫ري‬ ‫عيت‪ ،‬تذكرت نظراته يىل‪ ،‬منذ ان التقينا يف‬
‫اغمضت ي‬
‫عيت وان امتلك الكثت من الشجاعة ألكتب‪ ،‬كتبت له حقيقة ما يف‬
‫فتحت ي‬
‫االمر ‪...‬‬
‫"عندما اراك ادرك معت السعادة‬
‫وعندما اتكلم معك اتمت ان يتوقف الزمن‬
‫وعندما انظر يف عينيك اعرف ان ليس للجمال حدود‬
‫ولكن اىل مت‪...‬‬
‫بقتىل‬
‫ي‬ ‫ستستمر سيوف الخجل‬
‫والخوف من المجهول‪..‬‬
‫يحرمت من جمال ابتسامتك يف كل صباح‬
‫ي‬ ‫الذي قد‬
‫كلمان‬ ‫ر‬
‫اخش ان تزعجك‬
‫ي‬
‫او ان اكون قد تجاوزت كل الحدود‬
‫اعجان ‪ ..‬ارجو ان ر‬
‫تخت ين‬ ‫ري‬ ‫فأن رفضت‬
‫حت اعتذر عن ما قلته‬
‫بأحالىم"‬
‫ي‬ ‫واترك الكالم لليلة قد اراك فيها ‪..‬‬

‫الثان من شهر نيسان ‪...‬‬


‫ي‬
‫ً‬
‫نمت قليال قبل ان يتم الصباح نوره‪ ،‬التقيت (بسارة) لنخرج من اجل‬
‫اختها بقراري‪ ،‬لم‬
‫كلمان له‪ ،‬لم ر‬
‫ي‬ ‫التبضع‪ ،‬اشتيت له ربطة العنق لتافق‬
‫حب‬
‫بأنت سأكتب له تهنئة ممزوجة بما اشعر‪ ،‬بحسب ما املك من ٍ‬
‫اختها ي‬
‫ر‬
‫له‪ ،‬كيفما اتمناه كتبت له‪.‬‬
‫اىم يف البيت‪ ،‬فأنا طيلة االسبوع ال‬
‫اقض النهار بأكمله مع ي‬
‫ي‬ ‫يف ايام العطل كنت‬
‫وف بعض االوقات اتناول معها الغداء عند الظهتة‪،‬‬‫اراها إال عند المساء‪ ،‬ي‬
‫ً‬
‫تحدثت من االجل الذهاب اىل الكنيسة يف يوم االحد‪ ،‬كنت ارفض‬
‫ي‬ ‫كانت دائما‬
‫ً‬
‫دائما‪ ،‬يىل الكثت من االنتقادات لطريقة الحضور والمجامالت الدنيوية عىل‬
‫حساب الدين يف الكنيسة‪ ،‬كنا يف كل يوم عطلة نستغرق الوقت بأكمله من‬
‫اىم تبتسم حت ال‬
‫اجل هذا النقاش العقيم الذي احاول انهاؤه بصيغة تجعل ي‬
‫مت‪.‬‬
‫تضجر ي‬
‫جاء المساء الجميل‪ ،‬سألقاه تحت ضوء القمر ال تحت اشعة الشمس‪،‬‬
‫ً‬
‫يعت يىل شيئا يف حضوره‪.‬‬
‫سألقاه والقمر ال ي‬
‫ً‬
‫لشفاه‪ ،‬طبقتها‬
‫ي‬ ‫ارتديت فستانا أحمر يتخلله السواد‪ ،‬اختت االحمر القاتم‬
‫عىل بعضها ألرى كيف اصبح لونهما فنطقت اسمه‪ ،‬اطلقت العنان لشعري‪،‬‬
‫لعيت ألجله فحسب‪.‬‬
‫ي‬ ‫وضعت الكحل‬
‫َجهزت هديته ف علبتها‪ ،‬كتبت كلمان ف ورقة صغتة وعلقتها عىل ر‬
‫الشيط‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬
‫خاصت و وضعت منها‬
‫ي‬ ‫االحمر الذي التف حولها‪ ،‬مسكت زجاجة العطر‬
‫ً‬
‫رقبت وحول هديته‪َ ،‬لم وضعته؟ ال اعرف السبب‪ ،‬ولكن السبب حتما‬
‫ي‬ ‫حول‬
‫ال يتعدى خواطر القلب أناء الليل‪.‬‬
‫ذهبت اىل الموعد بصحبة (سارة)‪ ،‬وصلنا اىل المكان‪ ،‬رأيته من خارج زجاج‬
‫ً‬
‫المطعم جالسا وعىل طاولته امرأتي و ثالث رجال‪ ،‬دخلت اىل المطعم بخىط‬
‫الروح الت تسبق الجسد‪ ،‬تمنيت لو يخلو المكان من ر‬
‫البش لنجلس وحدنا‪،‬‬ ‫ي‬
‫تمنيت لو يخلو المكان من الهواء يك استنشق انفاسه‪.‬‬
‫الت يجلس عليها‪ ،‬شاهدته يقف ومن ثم يتجه‬ ‫اتجهت نحو الطاولة ي‬
‫ألستقبالنا‪ ،‬اقتب ر‬
‫اكت‪ ،‬تمنيت لو يسمح يىل القدر بعناقه لدقائق‪ ،‬او لساعات‪،‬‬
‫او أليام‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫رحب بنا ثم ع َرفنا عىل اصدقاءه‪ ،‬جلسنا عىل الطاولة سويا‪ ،‬ومن خالل‬
‫الحديث علمت ان اثني من الرجال هم اصدقاءه المقربي منذ سنوات وهما‬
‫(سعيد و هشام)‪ ،‬كان (سعيد) قصت القامة‪ ،‬يرتدي نظارات سميكة‪،‬‬
‫ووجهه ضحوك‪ ،‬اما الرجل‬ ‫الشء‪ ،‬له اطاللة جميلة‬ ‫ٌ‬
‫وسيم بعض ر‬ ‫و(هشام)‬
‫ٍ‬ ‫ي‬
‫الثالث فهو زوج زميلة (احمد) يف العمل و االمرأة االخرى كانت زوجة (سعيد)‬
‫كانت عىل الطاولة كعكة جميلة‪ ،‬لكنها لم تحتوي عىل أي عبارة‪ ،‬لم تحتوي‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫حت عىل شمع‪ ،‬بعد ان عرفت (سارة) عىل الحضور وعىل (احمد) تحديدا‬
‫وكيف تعرفت عليه يف الجريدة ‪..‬‬
‫ً‬ ‫سألت احمد‪َ :‬‬
‫لما لم تكتب شيئا عىل كعكة عيد ميالدك؟‬
‫ً‬
‫اجابت صديقه (هشام)‪ :‬هذا ال يهم‪ ،‬المهم اننا فرحي جدا ألنه اقام حفل‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بسيطا‪ ،‬ان اعرفه منذ ان كنا يف الجامعة‪ ،‬لم اراه يوما يحتفل بعيد ميالده‪.‬‬
‫َ‬
‫من اسفل الطاولة رصب (احمد) (هشام) بقدمه‪ ،‬ثم نظر إليه ِخفية‪..‬‬
‫قال‪ :‬كال ليس كذلك‪ ،‬انا لم اكن اجد وقت الفراغ يك احتفل به‪ ،‬منذ ايام‬
‫ً‬
‫ولكنت ال املك الكثت‬
‫ي‬ ‫تذكرت هذه المناسبة ووجدت اليوم مناسبا لدعوتكم‪،‬‬
‫ان السياسية‪ ،‬يف حقيقة االمر‪ ،‬النقد‬‫ئ‬
‫انشغاىل بالعمل وار ي‬
‫ي‬ ‫من االصدقاء بسبب‬
‫لم يبق يىل صديق‪.‬‬
‫ً‬
‫شعرت بأن (احمد) اختلق الموعد يك نحض له‪ ،‬او انه اراده سببا لمجيئنا‪،‬‬
‫ً‬
‫استنتجت (سارة) كذلك ايضا‪.‬‬
‫ً‬
‫قلت‪ :‬اوال ال يهم كم يكون عدد االصدقاء عند االنسان‪ ،‬بقدر ما يجب ان‬
‫ً‬
‫الت تربطنا بينهم‪ ،‬انا ال املك إال صديقة واحدة‪ ،‬يف‬ ‫نهتم لماهية العالقة ي‬
‫ئ‬
‫زمالن‬ ‫الوقت الذي املك فيه الكثت من االصدقاء‪ ،‬ولكن ان صح التعبت‪ ،‬هم‬
‫ي‬
‫ً‬
‫يف العمل او من سكان حارتنا‪ ،‬ثانيا لطالما انك االن برفقة اصدقائك المقربي‬
‫يكق‬
‫وتحتفل بعيد ميالدك فأنك تحتفل بما انجزته يف ما مض من حياتك‪ ،‬ي‬
‫ان تحتفل بدوام هذه العالقات‪ ،‬ال ان تحزن عن من فارقك النقد عنهم‪ ،‬كل‬

‫الذين يختارون طريق السياسة يمتازون بثالث صفات‪ :‬االوىل‪ :‬ي‬


‫ه التدخي‬
‫ً‬
‫والثانية‪ :‬يكونوا ذوو حوارات شيقة وثالثا‪ :‬يكون لهم رفقة محدودة‪.‬‬
‫ان قد كنت خفيفة الظل يف اول نقاش‬ ‫كالىم‪ ،‬تمنيت ي‬
‫ابتسمت بعد ان انهيت ي‬
‫ىل مع اصدقاءه الذين ال اعرف احد ًا منهم‪َ ،‬‬
‫نظر الجميع يىل‪.‬‬ ‫ي‬
‫تمكنت من اعداد هذه االحصائية‬
‫ِ‬ ‫قالت احدى صديقات (احمد)‪ :‬كيف‬
‫الشيعة لممتات المهتمي بالسياسة؟ انهم بالفعل كذلك‪.‬‬
‫سألتها‪ :‬هل انا محقة يف ذلك ام ال ؟‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫اجابت (سعيد) ضاحكا‪ :‬اعطيك كل الحق فيما ِ‬
‫قلت‪ ،‬ال يوجد شخص عىل‬ ‫ي‬
‫احسنت التعبت‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قلت‪،‬‬
‫يخالفك الرأي فيما ِ‬
‫ِ‬ ‫هذه الطاولة‬
‫ً‬
‫بمعرفتك‪ ،‬قلتها لك منذ اول‬
‫ِ‬ ‫قال (احمد) وهو ينظر يىل مبتسما‪ :‬كم انا سعيد‬
‫انت انيقة الكالم‪.‬‬
‫معك فيها‪ِ ،‬‬
‫مرة تكلمت ِ‬
‫تناولنا العشاء‪ ،‬تكلمنا يف بعض المواضيع المتعلقة بسياسة بالدنا العمياء‪،‬‬
‫ُ‬
‫تكلمنا يف ظروف عمل ك ٍل ِمنا‪.‬‬
‫وه‬
‫ان (ألحمد)‪ ،‬استمرت طول اللقاء ي‬
‫بتنبيه من نظر ي‬
‫ي‬ ‫استمرت (سارة)‬
‫الالوع‪،‬‬
‫ي‬ ‫بت بقدمها من اسفل الطاولة حي اكون يف‬
‫اذن او تض ي‬
‫تهمس يف ي‬
‫انقذتت من الغرق يف بحر عينيه‪.‬‬
‫ي‬
‫انته لقاؤنا الجميل‪ ،‬قضيت اربــع ساعات ونصف من الجمال‪ ،‬وانا بالقرب‬
‫نفش‬
‫ي‬ ‫منه عند نهاية جلستنا قام اصدقاءه بتقديم الهدايا له وتوديعه‪ ،‬جعلت‬
‫يعىط هديته‪ ،‬بعد ان انته الجميع‪ ،‬قدمت له هديته‪....‬‬
‫ي‬ ‫اخر من‬
‫تمنيان لك بالعمر المديد‬
‫ي‬ ‫ميالد سعيد‪ ،‬كل عام وانت بخت‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫قلت له‪ :‬عيد‬
‫والمزيد من النجاح يف حياتك المهنية‪.‬‬
‫لك عىل‬
‫لدعون اجمل هدية‪ ،‬ورغم ذلك انا ممي ِ‬
‫ي‬ ‫اجابت‪ :‬حضورك وتلبيتك‬
‫ي‬
‫ً‬
‫ولهديتك الجميلة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫البه‬
‫ي‬ ‫لحضورك‬
‫ِ‬ ‫هذه الهدية‪ ،‬شكرا‬
‫بعد ان قدم (احمد) شكره (لسارة) لحضورها‪ ،‬خرجت والفرح يغمر كل اوردة‬
‫ً‬ ‫قلت‪ ،‬حت أنت رأيت الوان ثيان ر‬
‫فرح‬
‫ي‬ ‫اكت جماال من قبل ان ارتديه‪ ،‬كان‬ ‫ري‬ ‫ي‬ ‫ري‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫خطوة لعلها تجدي نفعا‪ ،‬لعله يقدر كم هو صعب‬
‫ٍ‬ ‫وألنت رست لألمام ب‬
‫ي‬ ‫للقياه‪،‬‬
‫ان تسبق المرأة الرجل بالبوح بحبها‪ ،‬كم تجاوز الحدود والتقاليد صعب‪.‬‬
‫كم سأندم لو خىل رده من المشاعر‬
‫كم يلزم من الوقت ألنتظر؟‬
‫عت الهاتف؟‬
‫سيكلمت ر‬
‫ي‬ ‫أتراه سيكتب يىل ام‬
‫ر ً‬
‫حقيبت عىل االرض‪،‬‬
‫ي‬ ‫غرفت مبارسة‪ ،‬القيت‬
‫ي‬ ‫دخلت اىل البيت‪ ،‬صعدت اىل‬
‫اكتق‪.‬‬ ‫عيت منه ولم‬ ‫ئ‬
‫ي‬ ‫نافذن انتظر عودته‪ ،‬لم تمىل ي‬
‫ي‬ ‫بقيت خلف‬
‫ر ً‬
‫بعد دقائق عاد (احمد) اىل بيته‪ ،‬ظننته بأنه سيتأخر ولن يعود مبارسة اىل‬
‫َ‬
‫وه تقبض مفاتيح الباب‪،‬‬‫البيت‪ ،‬تمعنت خطواته‪ ،‬حركات اصابع يده ي‬
‫ً‬
‫نافذن‪،‬‬
‫ي‬ ‫اختق انا خلف‬
‫ي‬ ‫تختق خجال كما‬
‫ي‬ ‫خق‪ ،‬بكلمات‬
‫همست له بصوت ي‬
‫قلت ‪ ..‬عيناك تتعب ناظري‪.‬‬
‫ً‬
‫وكأنت انوي الخروج ألجله مجددا‪ ،‬ال‬
‫ي‬ ‫الكرش‬
‫ي‬ ‫غرفت المعتمة‪ ،‬جلست عىل‬
‫ي‬ ‫يف‬
‫اريد النوم‪ ،‬أنا بانتظار رده‪.‬‬
‫الصت‬
‫ر‬ ‫اتعبت القلق‪ ،‬ترجيت حفنة من‬
‫ي‬ ‫اتعبت االنتظار‪،‬‬
‫ي‬ ‫انتظرت نصف ساعة‪،‬‬
‫ً‬
‫اودن‪ ،‬افكار تبناها الندم‪ ،‬انا لم احب احدا قبله‪ ،‬كيف‬
‫الت تر ي‬
‫يك تهدأ االفكار ي‬
‫تجرأت عىل البوح بالحب!!!‬
‫هاتق برسالة ب ِعثت يىل‪ ،‬فتحته‪ ،‬كان المرسل (أحمد)‪ ،‬كتب يىل‪...‬‬
‫ي‬ ‫رن‬
‫ُ‬
‫اك‬
‫عيت كلما تر ِ‬
‫"الف تنهيدة حب تتنهد ي‬
‫شفتاك تتكلم‬
‫ِ‬ ‫حي ترى‬
‫حي تتمعنها لو صمتت‬
‫حي ينتابها الخجل فتبتسم ‪..‬‬

‫اك ‪ ..‬تنبت يف احشاء ي‬


‫عيت‬ ‫حي ار ِ‬
‫الف ٌ‬
‫قلب يتنهد"‬
‫ً‬
‫عيت‪ ،‬بقيت اتنفس ببطء من شدة الفرح‪ ،‬فرحت كثتا‪ ،‬لم تسع‬ ‫ي‬ ‫اغمضت‬
‫ئ‬
‫الهان بعدها‪ ،‬بعد ان قرأت رسالته‬ ‫غمرن النوم‬ ‫فرحت حدود الكون بأكمله‪،‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫عشات االف المرات‪.‬‬
‫الت اهديتها اياه‪،‬‬
‫رأيته يف صباح أول يوم عمل تىل لقائنا‪ ،‬ارتدى ربطة العنق ي‬
‫اكت مما كانت الئقة به‪ ،‬لم تجد لها حت من اناقته‪ ،‬كان‬‫كان جميل عليها ر‬
‫ً‬
‫مبتسما‪ ،‬رأيته يرفع رأسه من التمعن بساعته اليدوية‪ ،‬تأخرت عن موعد‬
‫رسالت‪ ،‬ولكن‬
‫ي‬ ‫خروح عدة دقائق‪ ،‬تأخرت يك اعرف مقدار تفهمه لكلمات‬ ‫ر ي‬
‫ً‬
‫اختو ين بالكثت ‪..‬‬
‫لهديت ونظرة عينيه‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫وقوفه منتظرا وارتداءه‬
‫قلت له‪ :‬صباح الخت‪.‬‬
‫ً‬
‫لك عىل هذه الهدية الرائعة‪.‬‬‫اجابت‪ :‬صباح النور‪ ،‬شكرا ِ‬
‫ي‬
‫ً‬
‫اجبته بأبتسامة‪ :‬انها انيقة جدا‪.‬‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬ال بل كانت متناغمة وجميلة‪ ،‬حت تسببت بالسهد‪ ،‬كنت حائرا كيف‬
‫َ‬
‫ديتت ألول الطريق‪ ،‬أنا شديد االعجاب بك‪.‬‬
‫ابدأ وانت ه ي‬
‫ً‬
‫عيون خجال‪ ،‬قلت‪ :‬أنا ال اعرف كيف فعلت ذلك‪ ،‬من اين جئت‬ ‫ي‬ ‫انحنت‬
‫ً‬
‫تتفهمت طبقا للواقع الذي يقول‬
‫ي‬ ‫تفهمت بالفعل ال ان‬
‫ي‬ ‫بهذه الجرأة‪ ،‬اتمت ان‬
‫ُ‬
‫بأن كل امرأة فعلت كما فعلت انا فأنها قد تجاوزت حدود احتامها لشخصها‪،‬‬
‫نت أ‪....‬‬
‫انا وددت ان اقول بأ ي‬
‫ً‬
‫قاطعت احمد قائال‪ :‬انا احتفلت بعيد ميالدي ألجلك‪.‬‬
‫ي‬
‫قلت له بأستغراب شديد‪ :‬ولماذا؟‬
‫لك باألمس إال أن عمر‬ ‫قال‪ :‬كنت قد كتبت تلك الكلمات ي‬
‫الت بعثتها ِ‬
‫ً‬
‫احساسها ليس األمس‪ ،‬ال بل منذ ان التقيتك ‪ ،‬كنت حائرا يف كيفية البوح بها‪،‬‬
‫بك‪ ،‬كنت اتمت ان تسمح يىل‬
‫لك بقلب ولسان معجبان ِ‬
‫كنت انوي قولها ِ‬
‫قررت‬
‫ِ‬ ‫وت خافت‪ ،‬ولكن بعد ان‬ ‫الفرصة يف جلسة عيد الميالد ألقولها لك بص ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ئ‬
‫اصدقان‪ ،‬كان يوما وهميا‪ ،‬لم يكن يوم‬
‫ي‬ ‫تك‪ ،‬اضطررت لجمع‬ ‫اصطحاب صديق ِ‬
‫كلماتك باألمس‪ ،‬ايقنت بأن االمس يوم‬
‫ِ‬ ‫ولكنت بعد ان قرأت‬
‫ي‬ ‫ميالدي‪،‬‬
‫انت رجعت اىل البيت‬‫المجء بمفردك‪ ،‬حت ي‬
‫منك ر ي‬
‫ميالدي‪ ،‬خجلت ان اطلب ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تهنئتك‬
‫ِ‬ ‫لكون لم انجح لما خططت له‪ ،‬اىل ان فتحت‬
‫ي‬ ‫يوم أمس غاضبا جدا‪،‬‬
‫فرحت‬
‫ي‬ ‫كتبت يىل لم تسع‬
‫ِ‬ ‫الت وجدتها عىل ررسيط الهدية‪ ،‬وحينما قرأت ما‬
‫ي‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫قض عىل كل‬
‫انقذتت من خيبة امل كادت ان ت ي‬
‫ي‬ ‫حدود الشمس‪ ،‬شكرا ألنك‬
‫ً‬
‫لك ايتها الجميلة‪.‬‬
‫آماىل‪ ،‬شكرا ِ‬
‫ي‬
‫كنت قد ارتعشت من عطره‪ ،‬ارتعشت مرة ثانية من عبق أنفاسه وهو يتكلم‬
‫ً‬
‫أش قليال ألستفيق من رعشة اخر كلمة‬‫لثوان وحركت ر ي‬
‫ي‬ ‫عيت‬
‫مىع‪ ،‬اغمضت ي‬‫ي‬
‫قالها‪....‬‬
‫قلت‪ :‬شعرت بأن هنالك سبب ألحتفالك بعيد ميالدك‪ ،‬استنتجت ذلك‬
‫ولكنت‬
‫ي‬ ‫الت تحتفل بها بيوم ميالدك"‪،‬‬
‫عندما قال صديقك "بأنها المرة االوىل ي‬
‫لم اكن متوقعة عن ما كنت تروم إليه‪.‬‬
‫رفع يده اليشى ونظر اىل ساعته‪...‬‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬هذا ما حصل بالفعل‪ ،‬دعينا نذهب اىل العمل فقد تأخرت كثتا‪.‬‬
‫ً‬
‫انت‬
‫نفش بعد اول خطوة ي‬ ‫ي‬ ‫أنت رأيت‬
‫مضينا قليال يف طريقنا المعتاد‪ ،‬الغريب ي‬
‫ً‬
‫نلتق‬
‫ي‬ ‫مكان المعتاد‪ ،‬اعتدنا عىل ان‬
‫ي‬ ‫واقفة يف الجهة المقابلة لمتله‪ ،‬لم اكن يف‬
‫خطوان بحكم‬
‫ي‬ ‫وسط هذا الطريق او بالقرب من جهة مت يىل انا‪ ،‬كنت انا ابطء‬
‫انوثت ليشع خطواته ويصادف يت‪ ،‬هذه المرة انا والشوق وسهد الليل عنده‪،‬‬
‫ي‬
‫ذهبت بأتجاهه دون ادن ارادة‪.‬‬
‫دفعت الشوق‬
‫ي‬ ‫الالوع‪ ،‬ركضت إليه من شدة الحب‪،‬‬
‫ي‬ ‫بأنت كنت يف‬
‫عرفت ي‬
‫اودتت عند قراءتها جعلت زوايا‬
‫الت ر ي‬
‫ه السبب‪ ،‬رنتة صوته ي‬
‫نحوه‪ ،‬كلماته ي‬
‫عقىل معتمة‪.‬‬
‫ي‬
‫نفش‬
‫ي‬ ‫شعرت بالفخر الشديد‪ ،‬فخر االنتصار بعد الذي حدث‪ ،‬وأنا اقف امام‬
‫ً‬
‫الزمت التعب سني طوال‪.‬‬
‫ي‬ ‫بأنت قدمت لها شيئا من الفرح بعد ان‬
‫شعرت ي‬
‫نجحت يف تحويل المرايا اىل نوافذ‪ ،‬نوافذ تطل عىل السعادة‪ ،‬تمر فيها‬
‫نسمات االمل‪.‬‬
‫ستشعر بالفرح الشديد حالما تستطيع تحويل المرايا اىل نوافذ‪ ،‬ألنك بعدها‬
‫والتمت‪ ،‬انت االن عىل قيد ما تستحق‪،‬‬
‫ي‬ ‫ستشعر بأنك لم تعد حبيس احالمك‬
‫انت االن ما حلمت بأن تكون‪ ،‬انت االن عىل قمة الجبل الذي كنت تتأمل‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫وتخش تسلقه‪ ،‬انت االن عىل مي سفينة االمل‪ ،‬تنظر اىل‬ ‫النظر فيه اعجابا‬
‫ه مخططات الليل واحالم‬‫الت بيدك‪ ،‬تذكرة صعودك إليها‪ ،‬التذكرة ي‬ ‫التذكرة ي‬
‫ً‬
‫الت تتجرأ عىل البوح بها ليال فقط‪.‬‬
‫اليقظة وتلك اآلمال ي‬
‫ئ‬
‫يمىل الحياة‬ ‫حلم حب‬ ‫يوم مجرد رجل بقدر ما كان‬
‫ي‬ ‫حلم ذات ٍ‬‫ي‬ ‫لم يكن‬
‫ض ايامه بالوعود الوردية والغزل المصطنع‪،‬‬
‫بالحياة‪ ،‬ال اريد الحب الذي تق ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حبا يبدأ باألعجاب وتليه فورا طقوس الزواج وتلميحاته‪ ،‬انا لست من النساء‬
‫ً‬
‫اللوان يردن الزواج عىل حساب العمر خوفا من حديث المجالس‪ ،‬انا اهوى‬‫ي‬
‫رىم الحطب لنار الحب واالشتياق‪.‬‬
‫ي‬
‫ال شك يف ان األنسان نتاج خلواته‪ ،‬كيفما تكون خلواتنا نكون نحن‪ ،‬خلواتنا‬
‫الت اختلينا بها عن الواقع المتكرر من جهة‪ ،‬وعن العادات واالعراف الموروثة‬
‫ي‬
‫بالتبية والدين من جهة اخرى‪.‬‬
‫نختىل بأنفسنا بعض الوقت‪ ،‬وان شح الوقت فال مالذ لنا غت‬
‫ي‬ ‫يف كل يوم‬
‫الت تتمثل بالعادات‬
‫االرسة قبيل النوم‪ ،‬نتأمل يف كش القيود ي‬
‫السكون عىل ِ‬
‫واالعراف ي‬
‫الت اعتاد المجتمع والدين عىل تقديمها لنا بشكل اخالقيات‬
‫الشء‪ ،‬الحسن منها‬ ‫َ‬
‫وسلوكيات يجب اتباعها‪ ،‬هذه القيود منها الحسن ومنها ي‬
‫َ‬
‫والشء منها انها جعلتنا مكبوتي‪ ،‬علمتنا ان نضخ‬
‫ي‬ ‫انها جعلتنا صالحي‪،‬‬
‫بصمت‪.‬‬
‫ً‬
‫يقول احد العلماء يف علم النفس بأننا حي نخلع مالبسنا للنوم ليال فأننا‬
‫نخلع معها كل عاداتنا وتقاليدنا واعرافنا واخالقنا لنسمح للذات بالتأمل يف‬
‫الت ح ِرمت علينا من ِقبل المجتمع والدين خالل النهار‪.‬‬
‫األفكار ي‬
‫بعض هذه االفكار‪ ،‬هددنا المجتمع بسخطه لو تجرأنا عىل فعلها‪ ،‬لكننا لو‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫يش احدا بنا له‪ ،‬اما الجانب االخر من هذه‬
‫فكرنا فيها فقط فاألمر هي‪ ،‬لن ي‬
‫االفكار فقد حرص الدين عىل منعها حت لو كانت بالمشاعر‪.‬‬
‫ً‬
‫عند النوم‪ ،‬نسمح ألنفسنا بالتجوال يف ازقة الحرام والمعيب قليال‪ ،‬وعند‬
‫الصباح نعود ألرتداء اخالقنا وعاداتنا وكل ما تربينا عليه مع ارتداءنا لمالبسنا‪،‬‬
‫لم يخطأ هذا العالم البتة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ان ررسط وجود هذه االفكار‪ ،‬هو تلبية لرغباتنا المكبوتة‪ ،‬الكبت كان فرضا‬
‫ً‬
‫علينا من ِقبل المجتمع والدين اللذان لم نختار أيا منهما‪ ،‬اورثناهما كما اورثنا‬
‫ً‬
‫اسماؤنا‪ ،‬هذا الكبت كان دافعا لهذا التفكت باالضافة اىل حب احالم اليقظة‬
‫ً‬
‫واقع نعيشه‪ ،‬أنها االجمل لما تقدمه لنا مما‬ ‫ٍ‬ ‫الت قد تكون احيانا اجمل من‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫نشتهيه من احاسيس‪ ،‬تحديدا حي تعتاد الغربان الوقوف أليام طويلة عىل‬
‫اشجار آمالنا‪.‬‬
‫َ‬
‫الحب الذي يكون ألجل الزواج يقتل بدم بارد بعد بضع شهور من ليلة‬
‫الزفاف‪ ،‬كل الذين ظنوا انهم عشقوا ألنهم سيتوجون‪ ،‬اعطوا السكي الحاد‬
‫للملل ليقتله بدم بارد وهو نائم عىل فراش النصيب‪.‬‬
‫ض بهذا‬
‫من الجميل أنك تعشق دون ان تعرف ماذا سيحصل لك بعد الم ي‬
‫العشق‪ ،‬إن حصل الزواج فأنك وقتها عاشق ولست بحاجة لتوثيق عشقك‪،‬‬
‫ِ‬
‫وإن لم يحصل فأنه كان األجمل واالروع لما وثقته ذكرياتك‪ ،‬إال العرب‪ ،‬ال‬
‫يطيقون سماع هذه العبارة مع انهم يصدقونها يف خلواتهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫ان تعشق ‪ ..‬فأنك قد تجاوزت كل الحواجز ي‬
‫الت ف ِرضت من اجلك‪.‬‬
‫لق ليس بأمكانك الشفاء منه‪ ،‬لن ينفعك أي عقاقت‬
‫العشق كالتشوه الخ ي‬
‫العشق ابتالء‪.‬‬
‫بالصت فأن ِ‬
‫ر‬ ‫ستتعاطاها من أجله‪ ،‬عليك‬
‫شء بعد ان‬ ‫ر‬
‫العشق ليس له مصل كما الحب‪ ،‬قد نكره بعد الحب‪ ،‬نبغض ي‬
‫عشقنا‪ ،‬سنفقد‬ ‫ُ َ‬
‫احببناه‪ ،‬ولكن يف العشق االمر مختلف‪ ،‬ليس بأمكاننا كره من ِ‬
‫الكراهية وسنكتسب الهدوء‪ ،‬سنكون اهدأ من الساعة المعطلة‪ ،‬ويستثت‬
‫االشتياق والعناق من ذلك‪.‬‬
‫يف العشق معت االكتفاء‪ ،‬من بعد العشق االوحد ستصاب بعقم الهواجس‪،‬‬
‫الت تسكعت‬‫عقم لنظرات االعجاب ولمشاعر القلب‪ ،‬عقم ألعصاب اليد ي‬
‫بشء من بعده‪،‬‬‫ر‬
‫عشقنا‪ ،‬حي تفارق عشيقك فلن تشعر ي‬
‫ثملة عىل جسم من ِ‬
‫لن تشعر إال بألم طلوع الروح لخالقها‪.‬‬
‫يف بالد العرب ليس من حق النساء ان تحب‪ ،‬ليس من حقها ان تقول ما‬
‫تشعر‪ ،‬ليس من حقها ان ترتدي ما تشاء‪ ،‬يف بالدنا ليس من حق النساء ان‬
‫تشاء يف االصل‪.‬‬
‫ً‬
‫ان يف كلية العلوم السياسية‪ ،‬كان‬
‫الق محارص ي‬
‫طلبت وانا ي‬
‫ي‬ ‫كنت اتكلم كثتا مع‬
‫السياش َيجرنا اىل التكلم يف سياسة البالد وأثر هذه السياسة عىل‬
‫ي‬ ‫الحديث‬
‫المجتمع والفرد‪.‬‬
‫ً‬
‫الت‬
‫السياش يف القاعات الدراسية شيق جدا ألختالف اآلراء ي‬
‫ي‬ ‫كان الحديث‬
‫تطرح‪ ،‬والسيما واننا يف دولة متعددة االديان والمذاهب مع وجود اختالف‬
‫ضئيل يف القوميات‪.‬‬
‫بقوىل‬ ‫اعت عنها‬ ‫ئ‬
‫ي‬ ‫اش‪ ،‬ر‬
‫ان الشخصية وسط المنهج الدر ي‬
‫اعتدت عىل طرح ار ي‬
‫(هذا بحسب رأي واعتقادي) يك احفز الطلبة عىل بيان آرائهم الشخصية يف‬
‫المادة العلمية الموجودة يف الكتب المخصصة للمنهج‪ ،‬كنت اهدف لجعلهم‬
‫اش بحسب رأي المؤلف‬
‫يتفكرون يف السياسة وان ال يتلقنوا المنهج الدر ي‬
‫فحسب‪.‬‬
‫من الجدير بالذكر ان جميع المؤلفي المعتمدين يف المناهج الدراسية يف كلية‬
‫قليىل الشأن وال تشوب افكارهم أي‬
‫ي‬ ‫العلوم السياسية يف جامعتنا ليسوا‬
‫ه ألنها وضعت‬
‫شائبة‪ ،‬ولكن دراسة السياسة ليست بمادة علمية تؤخد كما ي‬
‫للناس ربتاءة اختاع‪ ،‬االمر شتان بي السياسة والعلوم البقية‪.‬‬
‫يف السياسة علينا ان نفكر بواسطة عقل واقعنا‪ ،‬ال بعقولنا وقدراتنا‪ ،‬قدراتنا‬
‫ه قدرات دولتنا ومواردها وليس قدرات رئيسنا العضلية‪.‬‬
‫ي‬
‫يف الكثت من بالد العرب يمثل كالم الرئيس وانطباعاته سياسة دولته‪ ،‬وهذا‬
‫ً‬ ‫ئ‬
‫موارده االقتصادية اوال وحجم السالح‬
‫ِ‬ ‫تقتض وفق‬
‫ي‬ ‫خاط‪ ،‬ألن سياسة دولته‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الذي يحتازه ثانيا ومقدار قربه من الشعب ثالثا ألن قراراته إن َصبت يف‬
‫ً‬
‫مصلحتهم فأنها ستعري هتافات معارضيه وتضعفها‪ ،‬ورابعا طبيعة عالقاته‬
‫بدول الجوار وحسن سياسته الخارجية و التوافق بي رضا الدول العظم‬
‫ُ‬
‫ومصالح بالده‪ ،‬هذه اسس ال مناص للحياد عنها‪.‬‬
‫خالله بقية‬
‫ِ‬ ‫الرسم‪ ،‬يهتم بالمكان الذي ستاه من‬
‫ي‬ ‫يف بالدنا يهتم الرئيس بزيه‬
‫اثاث فخم أللقاء خطاباته‪ ،‬رئيسنا ال يفكر يف ما‬
‫الرؤساء‪ ،‬يجب ان يكون ذو ٍ‬
‫الت اعدت‬‫أمىل عليه مستشاريه يف الخطاب المكتوب امامه‪ ،‬لم يقرأ االوراق ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عىل منصته‪ ،‬قرأ النص مرة واحدة فقط تحسبا لألخطاء اللغوية‪.‬‬
‫ً‬
‫يف بالدنا يظهر الرئيس عىل شاشات التلفاز مرصعا بالخونة‪ ،‬هؤالء الذين‬
‫الت‬
‫الحزن وتقارب االفكار ي‬
‫ري‬ ‫احاطوه بحكم تقارب النسب او بحكم االنتماء‬
‫أنشأت حزبــهم والذين تخلوا عنها بعد ارتدائهم للبدالت الثمينة االنكلتية‬
‫الصنع‪ ،‬بعد تسلمهم الحكم نسوا انهم ر‬
‫بش‪ ،‬انتعت السهرات الليلية الضمت‬
‫وحب الوطن من توافقاتهم السياسية‪.‬‬
‫لطلبت بضورة التفكت يف سياسة الوطن‪ ،‬ألنهم قادتها بعد بضع‬
‫ي‬ ‫كنت اوعز‬
‫عىل امام‬
‫بيت وبينه وبدأ بألقاء التهم ي‬
‫سني‪ ،‬بعضهم استغل فرق الدين الذي ي‬
‫رئاسة الجامعة‪.‬‬
‫وردن تبليغ من عميد الجامعة بضورة الحضور‪ ،‬وعندما‬
‫ي‬ ‫يف صباح يوم هادئ‬
‫عىل التهم من ازدراء االديان اىل اهانة الحزب الحاكم‬‫حضت انهالت ي‬
‫اكت‬
‫اماىم والقاء ر‬ ‫والمساس بهيبة الدولة‪ ،‬لم اجيبهم ر ي‬
‫بش‪ ،‬استمروا بالكالم‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫بشء‪،‬‬‫ر‬
‫عدد ممكن من التهم يك اوعدهم خائفة بعدم تكرار ذلك‪ ،‬لم اجيبهم ي‬
‫ومعتقدان ضمن المحارصة‬
‫ي‬ ‫انكرت كل ما حصل بأستثناء رسدي ألفكاري‬
‫بتوقيىع‬
‫ي‬ ‫همت بها‪ ،‬انته االمر‬
‫الت ات ِ‬
‫للتوضيح وليس لحث الطالب عىل التهم ي‬
‫ر‬ ‫ٌ‬
‫شء‪ ،‬عليهم هم ان ال يكرروا‬‫وان لم افعل ي‬
‫لتعهد بعدم تكرار ما حصل‪ ،‬كيف ي‬
‫شكواهم وليس انا!!‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ئ‬
‫زمالن التدريسي يف الجامعة دورا مهما يف هذه‬ ‫ي‬ ‫بيت وبي‬
‫لعب الخالف ي‬
‫ً‬
‫االتهامات لكونهم متديني جدا‪ ،‬كانت الصدفة االهم انهم توافقوا يف االفكار‬
‫ه‬‫الت كنت خارج هذا التوافق‪ ،‬كانت الصدفة االهم ي‬ ‫والمذهب‪ ،‬انا الوحيدة ي‬
‫ً‬
‫يوافقت الدين بالوراثة‪ ،‬كان هذا سببا يف ان يكون القرار‬
‫ي‬ ‫ان رئيس الجامعة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ازعجت ذلك كثتا‪ ،‬كانت الفئوية‬
‫ي‬ ‫خدمان يف الجامعة‪،‬‬
‫ي‬ ‫تحذيرا بدال من انهاء‬
‫يسألت احد‬ ‫اكت من فحوى القضية ذاتها‪ ،‬لم‬ ‫والطائفية غالبة عىل القضية ر‬
‫ي‬
‫يجعلون اقدم االدلة‬
‫ي‬ ‫يناقشت احد الرأي؟ لم‬
‫ي‬ ‫لما تفكرين بهذا الشكل؟ لم‬
‫يناقشونت‪،‬‬
‫ي‬ ‫ادع؟ لم يقدموا يىل أي دليل‪ ،‬هم حت لم‬
‫والتاهي العلمية لما ي‬
‫ر‬

‫يسألت احدهم إال سؤالي‪ ،‬االول‪ :‬ما ي‬


‫ه ديانت ِك‬ ‫ي‬ ‫بدأ االمر وانته ولم‬
‫والثان‪ :‬اىل أي حزب تنتمي؟‬
‫ي‬ ‫ومذهب ِك؟‬
‫تضفان وما ان‬
‫ي‬ ‫رجعت اىل العمل يف الجريدة‪ ،‬كان الضجر يغلب عىل كل‬
‫عمىل رجعت اىل البيت فاتصلت ر ين (سارة) فأنا لم التقيها منذ عيد‬
‫ي‬ ‫انهيت‬
‫نلتق يف المقه عند الساعة السابعة‪.‬‬
‫ي‬ ‫ميالد (احمد)‪ ،‬وعدتها بأن‬
‫اختتها كيف‬
‫التقينا‪ ،‬وجدت الفرصة مناسبة ألعتف لها عما كتبته (ألحمد)‪ ،‬ر‬
‫جرى الموقف‪ ،‬الغريب انها لم تتعجب من الموقف‪ ،‬ظلت صامتة اىل ان‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر َ‬
‫انت لم اعد‬
‫حديت‪ ،‬طلبت (سارة) القهوة لنا مجددا‪ ،‬لم انبهها مجددا ي‬
‫ي‬ ‫انهيت‬
‫رارسب القهوة (سادة)‪ ،‬اوصت من تلقاء نفسها النادل بقهوتي احداهما‬
‫متوسطة السكر واالخرى (سادة)‪.‬‬
‫أتكأت بكف يدها اليمت عىل جبينها‪ ،‬وبعد ان ابعدته عنه‪ ،‬غتت جلستها‪...‬‬
‫قالت‪ :‬كان لدي احساس انك ستستبقي االحداث وستبادرين‪ ،‬ولكن لم اكن‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫متوقعة أنك بهذه الجرأة‪ ،‬توقعت انك ستلفتي انتباهه ببعض التضفات‬
‫والنظرات فحسب‪.‬‬
‫الكرش وقالت مبتسمة‪ :‬نظرات ِك له كانت جريئة للغاية يف‬
‫ي‬ ‫اتكأت بظهرها عىل‬
‫عيد ميالده‪ ،‬كنت خاشعة لعينيه وكأنك تؤدين صالة‪.‬‬
‫قلت لها‪ :‬يىل الحق‪ ،‬انا احبه‪ ،‬ال بل اعشقه‪ ،‬وكأن قلبه ينبض بالياسمي بدل‬
‫الدم‪.‬‬
‫ر‬
‫ضحكت (سارة) ورسبت من قهوتها‪ ،‬قالت‪ :‬ما كان هنالك رصورة ألن ر ي‬
‫تكتت‬
‫انت استطيع اخراج مرآ ين الصغتة‬ ‫ر‬
‫شء‪ ،‬تمنيت لو ي‬ ‫له‪ ،‬عيناك حينها قالت كل ي‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫لك أنظري لنفسك‪ ،‬انظري لعينيك كيف تود قضم بعضا‬ ‫حقيبت واقول ِ‬
‫ي‬ ‫من‬
‫من وجهه‪.‬‬
‫لنلتق‪.‬‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬أتمت لو تنطوي اطراف االرض عىل بعضها‬
‫ً‬
‫هاتق ورأيت المتصل‪،‬‬
‫ي‬ ‫هاتق‪ ،‬تفاجأت كثتا عندما اخرجت‬
‫ي‬ ‫يف هذه االثناء رن‬
‫هاتق‪ ،‬كان المتصل (احمد)‪ ،‬انا كنت اتمناه‬
‫ي‬ ‫نظرت اىل (سارة) ونظرت اىل‬
‫للتو‪...‬‬
‫حالك؟‬
‫ِ‬ ‫اجبت عىل الهاتف‪ ،‬قال يىل‪ :‬مساء الخت (قمر)‪ ،‬كيف‬
‫اجبته‪ :‬مساء النور (احمد)‪ ،‬انا بخت‪ ،‬وانت؟‬
‫رؤيتك؟‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬انا بخت‪ ،‬هل استطيع‬
‫صديقت (سارة) االن‪ ،‬ال اعلم مت سأتركها‪.‬‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬اسفة‪ ،‬انا جالسة مع‬
‫القاك‬
‫ِ‬ ‫معك يف بعض المواضيع‪ ،‬يف كل صباح‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬انا اسف‪ ،‬وددت التحدث‬
‫ً‬
‫نلق التحية فحسب‪.‬‬
‫معك‪ ،‬نحن ي‬‫عىل عجل‪ ،‬ال املك وقتا للتحدث ِ‬
‫قلت له‪ :‬يمكننا ان ي‬
‫نلتق يوم غد‪.‬‬
‫قال‪ :‬يا ليت‪ ،‬سأنتظرك يوم غد لتناول العشاء يف المطعم المطل عىل البحر‬
‫ألنت لن اراك صباح الغد‪ ،‬سأذهب اىل‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫بك ي‬ ‫العارسة مساء‪ ،‬اتصلت ِ‬ ‫يف الساعة‬
‫الجريدة يف الصباح الباكر لتويدهم بمقالة كتبتها‪ ،‬بعدها سأذهب اىل‬
‫وظيفت‪.‬‬
‫ي‬
‫َ‬
‫قلت له‪ :‬اتمت لك كل التوفيق‪ ،‬سأراك مساء الغد‪.‬‬
‫القيت عليه تحية الوداع‪ ،‬وتمنيت من الشمس ان ر‬
‫تشق وتغرب عىل عجل‬
‫أللقاه‪.‬‬
‫اتصاىل وانا ارى (سارة) تنظر يىل بغرابة‪...‬‬
‫ي‬ ‫انهيت‬
‫قالت‪ :‬تمنيته للتو فأتصل بك‪ ،‬هل لديك اطالع عىل كتب ِ‬
‫السحر؟ ام ان‬
‫التمت؟‬
‫ي‬ ‫امنياتك بمجرد‬
‫ِ‬ ‫حظك وافر لهذه الدرجة حت ت ر َلت‬
‫ِ‬
‫قلت لها‪ :‬تعبت من انتظاره‪.‬‬
‫َ‬
‫نك متعبة؟‬‫قالت سارة بأبتسامة ِمزاح‪ :‬لما لم تقولي له بأ ِ‬
‫ً‬
‫اجبتها ضاحكة‪ :‬كيف هذا !!!! يجب ان اكون بالصالبة الكافية ألضع التوازن‬
‫بحت له وما بي االيام القادمة‪ ،‬ال اريده ان يتوقف عن االشتياق‬
‫اف ر ي‬
‫بي اعت ي‬
‫يىل‪ ،‬مت ما توقف االشتياق‪ ،‬سيتوقف الكالم الجميل‪.‬‬
‫ً‬
‫رفت افكر فيما سأقوله غدا‪ ،‬من اين سأبدأ؟ كيف‬
‫انته لقائنا‪ ،‬رجعت اىل غ ي‬
‫سأتنهد؟ هل سيمسك يدي؟ ماذا سأرتدي؟ كيف سأصفف شعري؟ كيف‬
‫سيمض الوقت؟‬
‫ي‬
‫ً‬
‫غدا ليس لدي الكثت ألقوله‪ ،‬أنا ال اؤمن بجمال البدايات‪.‬‬
‫ً‬
‫يكق من‬
‫لم افكر كثتا فيما سأقوله‪ ،‬لم اعر االهتمام لكالم اللسان‪ ،‬املك ما ي‬
‫عيت ستبوح بلغتها بكل ما اود‪ ،‬قررت ان اغت تصفيفة شعري‬
‫فصاحة العي‪ ،‬ي‬
‫يوم غد ًا‪ ،‬سأكون متأنقة ر‬
‫اكت لو غتتها‪.‬‬
‫َ‬
‫جاء الصباح المنتظر‪ ،‬جاء اليوم الذي حلمت ِبه‪ ،‬يف هذا الصباح تغت كل‬
‫رشء اىل االجمل‪ ،‬حت اغان (فتوز) اصبحت تطربت ر‬
‫اكت‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫يوىم الجميل‪ ،‬لم يكن كالمعتاد‪ ،‬الق تحية الصباح‬
‫جاء (صالح) ليعكر صفو ي‬
‫مكتت‪...‬‬
‫وأجبته بصوت متعج‪ ،‬جلس امام ر ي‬
‫حالك؟‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬قمر‪ ،‬كيف‬
‫اماىم‪ ،‬قلت له‪ :‬انا بخت‪.‬‬
‫فش بمجموعة اوراق كانت ي‬
‫شغلت ن ي‬
‫عنك اخبار سيئة منذ يومي‪ ،‬ماذا‬
‫ِ‬ ‫ابتسم ابتسامة الشامت وقال‪ :‬سمعت‬
‫بحقك يف رئاسة الجامعة؟‬
‫ِ‬ ‫حصل بشأن الشكاوى المقدمة‬
‫انتق االلفاظ الجيدة‪ ،‬ال‬
‫ي‬ ‫غضبت غضب شديد‪ ،‬قلت له‪ :‬عندما تتكلم ي‬
‫مىع‬
‫ً‬
‫تسم الشكاوى الكيدية (اخبار سيئة) فأن معناها ليس جيدا للوهلة االوىل‪،‬‬
‫ي‬
‫وشأن‪ ،‬لم اطلب منك أي مساعدة‪.‬‬
‫ي‬ ‫ثم ما شأنك انت‬
‫قمت من مكتب ألخرج من المكان الذي يتواجد فيه هذا االنسان‪ ،‬وقف هو‬
‫ً‬
‫ايضا‪..‬‬
‫عنك فحسب‪.‬‬‫قال‪ :‬انسة قمر‪ ،‬انا اعتذر‪ ،‬ان اردت االطمئنان ِ‬
‫ً َ‬
‫شأن‪.‬‬ ‫قلت له‪ :‬شكرا لك‪ ،‬سأكون بخت لو تر ي‬
‫كتت و ي‬
‫ً‬
‫مكتت اىل القاعة الدراسية مشعة عىل امل ان ال يلحق ر ين‪ ،‬كم‬
‫ري‬ ‫خرجت من‬
‫يناديت حت اثار‬
‫ي‬ ‫اكرهه‪ ،‬انه عديم االحساس‪ ،‬عديم الكرامة‪ ،‬لحق ر ين‪ ،‬ظل‬
‫انتباه كل من يف اروقة الجامعة‪ ،‬التفت بضجر‪..‬‬
‫قلت له‪ :‬نعم‪.‬‬
‫احتجت‬
‫ِ‬ ‫لك اي مساعدة إن‬‫مت ‪ ،‬وددت تقديم ِ‬ ‫تغضت ي‬
‫ري‬ ‫قال‪ :‬ارجوك‪ ،‬ال‬
‫تكون تقصدي‬ ‫بأنك لم‬
‫ِ‬ ‫التدريش قبل ايام‬ ‫لشء‪ ،‬سبق وان نبهت الكادر‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫االساءة ألحد او‪.....‬‬
‫ً‬
‫قاطعت كالمه‪ ،‬قلت‪ :‬من ِأذن لك بالكالم نيابة ي‬
‫عت؟ انت ال تعلم ان كنت‬
‫وشأن‪ ،‬انا‬
‫ي‬ ‫كت‬
‫ذهت؟ ارجوك اتر ي‬
‫ي‬ ‫اقصد االساءة ام ال؟ كيف تعلم ماذا يدور يف‬
‫َ‬
‫وشأن‪.‬‬
‫ي‬ ‫كتت‬
‫عت ولكن يت سأكون ممتنة لك ان تر ي‬‫اشكرك لسؤالك ي‬
‫لم اسمع الرد منه‪ ،‬تركته ومشيت مشعة‪ ،‬دخلت اىل القاعة الدراسية‬
‫غضت‪ ،‬القيت عليهم التحية ر‬
‫وبارست‬ ‫وأغلقت الباب بقوة‪ ،‬الحظ الطالب‬
‫ري‬
‫بداخىل وانش تطفل هذا الذليل‪.‬‬
‫ي‬ ‫بألقاء المحارصة ليخف التوتر الذي‬
‫يىك يف العمر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫حل المساء‪ ،‬اقتب الموعد‪ ،‬ذهبت إليه وانا احبه اكت‪ ،‬هو رس ي‬
‫ُ‬
‫والروح والجسد‪ ،‬قررت ان اسميه "رفيق الروح" فهو يسكن الروح ويمكث‬
‫االحداق‪.‬‬
‫كان موعدنا يف احد اجمل المطاعم يف المدينة‪ ،‬مكان يف غاية الجمال َي رشف‬
‫ً‬
‫عىل البحر‪ ،‬ذهبت‪ ،‬دخلت اىل المطعم‪ ،‬شاهدته جالسا عىل طاولة يف احدى‬
‫ينتظرن‪.‬‬
‫ي‬ ‫زوايا المطعم‪ ،‬كان‬
‫ً‬ ‫ً َ‬
‫رأيته جالسا ينظر بأتجاه البحر‪ ،‬كانت اصوات امواجه جميلة جدا‪ ،‬وقفت‬
‫ً‬
‫شاهدن بانعكاس الزجاج الذي امامه‪ ،‬التفت مشعا ثم‬
‫ي‬ ‫خلفه وابتسمت‪،‬‬
‫وقف‪ ،‬توقفت معه اصوات موج البحر‪ ،‬هل انا لم اعد اسمعها؟ ام انها‬
‫توقفت بالفعل؟‬
‫ً‬
‫كان انيقا‪ ،‬ارتدى بدلة سوداء و ربطة عنق تشابهها‪ ،‬كان الحسن ينبثق من‬
‫ً‬
‫شمسا وقت ر‬
‫الشوق يف اول ايام االعياد‪.‬‬ ‫كالتكان يف ساعاته االوىل‪ ،‬كان‬
‫وجهه ر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫استمر لثوان ينظر يىل‪ ،‬ابتسمت له كثتا‪ ،‬لم اجلس‪ ،‬انا اعشقه كثتا‪.‬‬
‫ً‬
‫دعون‪.‬‬
‫ي‬ ‫لتلبيتك‬
‫ِ‬ ‫لمصافحت‪ ،‬قال‪ :‬اهال وسهال‪ ،‬اشكرك‬
‫ي‬ ‫وقف ومد يده‬
‫ً‬
‫لثيان‪ ،‬تحرك حاجبه االيش حركة تعجب‪ ،‬ابتسم‪ ،‬ترك‬ ‫خطف النظر رسيعا ر ي‬
‫يدي‪...‬‬
‫تفضىل بالجلوس‪.‬‬
‫ي‬ ‫قال‪:‬‬
‫ٌ‬
‫مكتوب فيها‬ ‫اماىم ورقة‬
‫جلست امامه يف طاولة مخصصة لشخصي‪ ،‬وجدت ي‬
‫وضعت بشكل مائل لتكون امام ناظري حي اجلس‪ ،‬مسكت‬
‫عدة اسطر‪ِ ،‬‬
‫اماىم قبل‬
‫ي‬ ‫الورقة‪ ،‬عرفت انها رسالة ترحيب ر ين كتبها (احمد) و وضعها‬
‫ئ‬
‫مجيت‪.‬‬
‫ي‬
‫نظرت إليها ثم نظرت إليه‪..‬‬
‫لك‪.‬‬ ‫قال يىل‪ :‬افتحيها ي‬
‫فه ِ‬
‫فتحت الورق فأنهمر منها الغزل‪َ ،‬ك َ‬
‫تب فيها‪....‬‬
‫جمالك فـتثور امواجه‬
‫ِ‬ ‫"اتمت ان ال َيغار البحر من‬
‫أنا بحاجة اىل الهدوء‬
‫منك القمر‬
‫اتمت ان ال يغار ِ‬
‫فأنا بحاجة لضيائه لقول الكثت‬
‫وأنت اليوم اجمل منه بكثت‬
‫يا سيدة التفاصيل الجميلة‬
‫ً‬
‫بك عىل هذه االرض‬‫مرحبا ِ‬
‫هذه االرض الجديدة‬
‫جعلتت أولد من جديد"‬
‫ي‬ ‫بعد ان‬

‫حالما انتهيت من قراءتها‪ ،‬مسكتها بيدي ونظرت إليه‪ ،‬وجدته يدقق كل تعابت‬
‫وجه وانا اقرأ ‪..‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫عجبتك؟‬
‫ِ‬ ‫بك‪ ،‬اتمت انها أ‬‫قال‪ :‬مرحبا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قلت بخجل‪ :‬هذا من لطفك وحسن ذوقك ان ترحب ر ين بهذه الطريقة‪.‬‬
‫قلت‪،‬‬
‫جاءنا النادل‪ ،‬تكلم مع (احمد)‪ ،‬انتهزت الفرصة ألرسم كلماته يف أوردة ر ي‬
‫حقيبت‪ ،‬اوعزنا اىل النادل بطلباتنا ثم ذهب‪ ،‬وضع (احمد)‬
‫ي‬ ‫وضعت الورقة يف‬
‫كلتا يديه اىل الطاولة‪...‬‬
‫ً‬
‫شكرك‪ ،‬انا سعيد جدا‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬قمر‪ ،‬انا اود ان اشكرك للمرة ثانية‪ ،‬انا عاجز عن‬
‫ٌ‬
‫شء مصنوع‬ ‫ُ ر‬
‫تمنيتك قررت ان احتفل بعيد ميالدي‪ ،‬كان كل ي‬
‫ِ‬ ‫ألنت‬
‫بمعرفتك‪ ،‬ي‬
‫ِ‬
‫لك بها سوى هذه‬
‫الت اقتب ِ‬
‫لك انا لم اجد الطريقة ي‬
‫ألجلك‪ ،‬كما قلت ِ‬
‫ِ‬
‫انقذتت‬
‫ي‬ ‫انك انقذتها يف الوقت المناسب كما‬
‫المناسبة وكادت ان تفشل لوال ِ‬
‫اف‪.‬‬‫اوقان واور ي‬
‫ي‬ ‫الت تغلب‬
‫الوحدة ي‬
‫من ِ‬
‫ً‬
‫دعت‬
‫ي‬ ‫قلت له‪ :‬انا سعيدة جدا لمعرفتك‪ ،‬انت انسان مهذب و ذو خلق‪ ،‬ولكن‬
‫الحقيق؟‬
‫ي‬ ‫اسألك‪ ،‬ما هو تاري ــخ ميالدك‬

‫قال‪ :‬نسيته‪ ،‬ال اريد ان اتذكره‪ ،‬تاري ــخ ح ِ‬


‫بك يىل هو تاري ــخ ميالدي‪ ،‬ولكن‬
‫ً‬
‫جمالك يحتاج لساعات من النظر‪،‬‬‫ِ‬ ‫اك اوال‪،‬‬ ‫منك الحضور يك ار ِ‬
‫االهم‪ ،‬طلبت ِ‬
‫اكت واتعرف عليك ر‬ ‫ثانيا اود ان اعرفك بنفش ر‬‫ً‬
‫اكت‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫انت فاتنة‪،‬‬
‫ً‬
‫استمريت انصت لكالمه وهو يتحدث يىل عن حياته‪ ،‬كان لطيفا‪ ،‬حت الطعام‬
‫ٌ‬
‫طعم خاص بالقرب منه‪.‬‬ ‫كان له‬
‫ارسة صغتة تتكون من اب وام‬
‫ترن بي ٍ‬
‫حدثت عن نفسه‪ ،‬عن طفولته‪ ،‬كيف ر‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وابن وابنة‪ ،‬كان ابوه مزارعا بسيطا يف قريتهم يف اقض الجنوب‪ ،‬له اخت‬
‫تكته بخمس سني‪ ،‬متوجة من احد اقاربه وتسكن يف قريتهم‪ ،‬اكمل‬
‫واحدة ر‬
‫دراسته الجامعية يف المدينة واضطر للسكن اغلب اوقات السنة يف المدينة‬
‫لبعد الجامعة عن مكان سكناه‪.‬‬
‫بعد ان انه دراسته الجامعية قرر ان ال يعود اىل قريتهم‪ ،‬وذلك لسبب مهم‬
‫وهو عدم وجود فرص للعمل هناك يف مجال غت الزراعة‪ ،‬إال ان السبب‬
‫ً‬
‫الرئيش كان رسا يحتفظ فيه وافصح يىل عنه‪ ،‬كان ال يحب الحياة الروتينية‬
‫ي‬
‫الت تفتقد لألنجازات الدائمة والنجاح والتقدم‪ ،‬وهو محق يف ذلك‪ ،‬ألن‬
‫ي‬
‫الذين يقطنون يف الريف تتكون حياتهم من شقي‪ ،‬يزرعون المحصول يف‬
‫وسم اخر‪ ،‬لم يرض ابوه عن سفره‪ ،‬لكنه اقنعه‪.‬‬
‫موسم ليحصدوه يف م ٍ‬
‫ٍ‬
‫يجته اباه‬
‫كان مثابر‪ ،‬هو الوحيد من بي ابناء عمومته من اكمل دراسته‪ ،‬كان ر‬
‫ً‬
‫عىل العمل يف المزرعة‪ ،‬دون الذهاب اىل المدرسة‪ ،‬وخصوصا عندما حصل‬
‫عىل الشهادة المتوسطة‪ ،‬فأغلب الفالحي يعتقدون انها مرحلة علمية‬
‫ويكق ما حصله من العلم ومعرفة اىل هذه المرحلة وعليه ان يتوج‬
‫ي‬ ‫متقدمة‬
‫ّ‬
‫وان يكون ارسة وان يمسك زمام العمل مع ابيه ولكنه خالف قواني قريتهم‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اللياىل"‪.‬‬
‫ي‬ ‫طبيىع ألن "من طلب العال سهر‬
‫ي‬ ‫ودفع رصيبة ذلك سهرا طويال‪ ،‬هذا‬
‫ً‬
‫كان يخرج يف الصباح الباكر للعمل مع ابيه ويضطر للسهر ليال للدراسة‪ ،‬مع‬
‫تحمله ضجر ابيه كلما اراد الذهاب اىل المدرسة‪ ،‬اىل ان قرر انه يكمل دراسته‬
‫الجامعية واستقر يف المدينة‪ ،‬بعد تخرجه اضطر للعمل يف االعمال الحرة اىل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ان حصل عىل وظيفة محتمة‪ ،‬ثم أستأجر متال خاصا به وهو المتل الذي‬
‫يجاورنا‪.‬‬
‫يشكو (احمد) من اصدقاءه الذين يخالفوه الرأي‪ ،‬منذ ايام الدراسة وحت بعد‬
‫توظيفه‪ ،‬كان يتحذر من الدخول يف نقاشات سياسية يف وظيفته والسيما وانه‬
‫ً‬
‫السياش يف قريتهم‬
‫ي‬ ‫قد اقسم يمينا ألبيه انه ال يفعل ذلك‪ ،‬كان كثت النقاش‬
‫منذ ايام دراسته واىل ان ابتعد عنهم واكتق بزيارتهم بي الحي واالخر‪.‬‬
‫خت ين عن ما كان يقوم به من توعية لهم يف المساجد‪ ،‬كان يستغل االوقات‬
‫أ ر‬
‫ً‬
‫يلق‬
‫ينته القداس يحاول ان ي‬
‫ي‬ ‫المسائية‪ ،‬كان يذهب اىل الكنيسة ايضا‪ ،‬بعد ان‬
‫ً‬
‫بعض الكلمات يف خطب صغتة‪ ،‬استمر بالعمل جاهدا حت اشتىك الناس‬
‫واخته البعض ان الحزب الحاكم بأمكانه ان يزج به يف السجن وان‬ ‫ر‬ ‫ألبيه‪،‬‬
‫ً‬
‫هم سياسية‪ ،‬بعد ذلك انتاب اباه الخوف الكثت‪ ،‬فقرر ان يمنعه منعا‬‫يتهمه بت ٍ‬
‫ً‬
‫سياش‪.‬‬
‫ي‬ ‫باتا من أي نشاط‬
‫كان ذلك سبب جيد يف ان يسمح له بالسفر خارج القرية وان يبتعد عن‬
‫ٌ‬
‫الناس الذين اشتكوا منه ومن شعاراته‪ ،‬إال ان له روح وطنية جميلة نابعة عن‬
‫ثقافة وعن اسلوب واع ف ر‬
‫نش االفكار دون تسقيط الغت او التلفظ بألفاظ‬ ‫ي ي‬
‫نابية بحق من يخالفه الرأي‪.‬‬
‫ً‬
‫كانت مقاالته جميلة للغاية‪ ،‬تحدثنا عنها قليال عىل العشاء‪ ،‬إال انه يف االونة‬
‫ً‬
‫ليجتوا الحكومة عىل تغيت‬ ‫ر‬ ‫االختة بدأ يحرض القراء عىل التظاهر سلميا‬
‫اختته بأن هذا الموضوع اصبح بالغ‬
‫بعض الوزراء والمناصب السيادية‪ ،‬ر‬
‫الخطورة‪.‬‬
‫ً‬
‫من محاسن بالدنا وجود عددا من التيارات واالحزاب بحسب تعدد االديان‬
‫والمذاهب والقوميات‪ ،‬كان القمع التام للمعارضة ٌ‬
‫امر صعب للغاية عىل‬
‫ئ‬
‫الجزن يف بعض االوقات ذريعة‬ ‫الحزب الحاكم‪ ،‬ولكنه يت َ‬
‫مكن من القمع‬
‫ي‬
‫الحفاظ عىل االمن العام‪ ،‬وهذا يدل عىل ان حرية التعبت ال زالت بخت يف‬
‫التامج‬
‫بالدنا‪ ،‬وان بأمكاننا ان نكتب ما نشاء من اعتاضات يف الصحف او يف ر‬
‫التلفزيونية‪.‬‬
‫السياش اىل ان انتهينا من الطعام‪ ،‬مر‬
‫ي‬ ‫استمر نقاشنا حول عائلته وفكره‬
‫الوقت بشعة‪ ،‬كان الوقت برفقته كأنه قطعة من الخيال‪ ،‬وكأن آلة الزمن قد‬
‫انتباه‬
‫ي‬ ‫انت لم اعر‬
‫لساعت‪ ،‬حت ي‬
‫ي‬ ‫توقفت عن حساب الزمن‪ ،‬افتقدت النظر‬
‫شء بقدر ما انتبهت لمالمح وجهه وطريقة كالمه واناقته يف الحديث‬‫ر‬
‫ألي ي‬
‫والتعبت‪.‬‬
‫ً‬ ‫بقينا جالسي ف المطعم لمدة ساعتي او ر‬
‫اكت‪ ،‬ال اعلم الوقت تحديدا‬ ‫ي‬
‫بش ٍء موجز عن ما مض‬ ‫ر‬
‫اماىم‪ ،‬انته حديثنا بعد ان تكلمت ي‬
‫وشفتاه تتحركان ي‬
‫ذكريان‬ ‫المشق فحسب‪ ،‬لم اعبث يف ركام‬ ‫ر‬ ‫حيان‪ ،‬تكلمت عن الجانب‬ ‫من‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ئ‬ ‫ً‬
‫داع لذكر‬
‫الحزينة‪ ،‬كان الوقت ليس مناسبا لذلك‪ ،‬كان الفرح يمىل الدنيا فال ي‬
‫السني العرجاء‪.‬‬
‫ئ‬ ‫ً‬
‫شاط البحر قبل العودة‪،‬‬ ‫مت ان نست قليال بجوار‬
‫خرجنا من المطعم‪ ،‬طلب ي‬
‫حيان‪ ،‬رسنا بخطوات بطيئة‪ ،‬كان الجو ساكن‪ ،‬سكن‬ ‫ي‬ ‫كانت اسعد لحظات‬
‫ً‬
‫البحر ايضا‪ ،‬صمتنا يف اللحظات االوىل‪ ،‬وبعد ان اشعل سيجارته‪ ،‬بدأ بالكالم‬
‫‪...‬‬
‫عرفك‪ ،‬تفاجئت‬
‫ِ‬ ‫انت ا‬
‫بباىل ي‬‫قال‪ :‬عندما حضت اىل مقر الجريدة لم يخطر ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بك كثتا‬
‫أيتك تخرجي من المتل المقابل لمت يىل‪ ،‬انا اعجبت ِ‬
‫كثتا حينما ر ِ‬
‫وجهك‪ ،‬و يف المرة التالية حي‬
‫ِ‬ ‫بمظهرك االنيق وجمال‬
‫ِ‬ ‫حي رأيتك‪ ،‬اعجبت‬
‫جئت اىل صحيفتكم ولم اجد المدير وجلسنا نتبادل الحديث فوجدت ِك‬
‫ً‬
‫عرفت ذلك؟ وقتها زاد‬
‫ي‬ ‫قهون‪ ،‬حقا‪ ،‬اىل االن لم اعرف كيف‬
‫ي‬ ‫تعرفي نوع‬
‫ً‬
‫بك كثتا‪.‬‬
‫اعجان ِ‬
‫ري‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ابتسمت خجال‪ ،‬قلت‪ :‬انا خمنت ذلك فحسب‪ ،‬لطالما انك تكتب المقاالت‬
‫السياسية فمن المؤكد انك من عشاق القهوة العربية‪.‬‬
‫انك انيقة الكالم‪.‬‬
‫لك ِ‬‫قال‪ :‬ألم اقل ِ‬
‫ً‬
‫قلت‪ :‬شكرا‪.‬‬
‫توقف‪ ،‬وضع يديه يف جيبه ‪..‬‬
‫قال‪ :‬قمر‪ ،‬هل باالمكان ان تربط بيننا صداقة؟ ليست بمعت الصداقة لكون‬
‫َ‬
‫االعجاب غلب عىل بداياتها‪ ،‬لنكون صادقي‪ ،‬نحن يف االصل اصدقاء‪،‬‬
‫ولكنت قصدت لو ازدادت عالقتنا قوة وقرب‪ ،‬هل تمانعي من ذلك؟ انا اود‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫تكون مثل القمر‬
‫ي‬ ‫اريدك ان ال‬
‫ِ‬ ‫معك دائما‪( ،‬قمر)‬
‫ِ‬ ‫رؤيت ِك كل يوم‪ ،‬اود الحديث‬
‫كون اجمل منه فحسب‪.‬‬
‫يف بعده‪ ،‬ي‬
‫َ‬
‫اعجان بك‪ ،‬انت تحمل‬
‫ري‬ ‫سعدن ذلك‪ ،‬سبق وان افصحت لك عن‬
‫ي‬ ‫اجبته‪ :‬ي‬
‫تسعدن صداقتك‪.‬‬
‫ي‬ ‫بعيت جميلة‪،‬‬
‫ي‬ ‫ه‬‫ممتات ي‬
‫ٌ‬
‫بك كلما يدور بيننا حديث‪.‬‬
‫اعجان ِ‬
‫ري‬ ‫مثلك من قبل‪ ،‬يزداد‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬لم ارى امرأة‬
‫واصلنا الست بعد توقف بسيط ‪...‬‬
‫ً‬
‫بسؤاىل هذا؟‬
‫ي‬ ‫لك تجارب يف الحب؟ اتمت ان ال اكون متطفال‬ ‫سألت‪ :‬هل ِ‬
‫ي‬
‫ُ‬
‫قلت له‪ :‬ال لم تكن يىل‪ ،‬تلقيت الكثت من الطلبات‪ ،‬قابلتها بالرفض‪ ،‬السبب‬
‫يعجبت رج ٌل صادفته من قبل‪ ،‬هل السبب هو عدم‬‫ي‬ ‫كان ببساطة انه لم‬
‫قناعت‪ ،‬ال اعلم السبب‪ ،‬االهم كنت‬
‫ي‬ ‫النضوج واكتمال العقل‪ ،‬ام بسبب ضيق‬
‫واصبحت مثل ما اريد‪ ،‬لم ادخل يف عالقة فاشلة‪ ،‬يىل منظوري الخاص و‬
‫م الخاصة يف هذا الموضوع‪ ،‬االيام القادمة ستفهمك وجهة نظري‬
‫قي ي‬
‫ِ‬
‫وصحتها‪.‬‬
‫نظرك‪ ،‬اما عن صحتها فأنا واثق بكل ما تقوليه‪ ،‬كالنا‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬ستتضح يىل وجه‬
‫االن واقف عىل مشارف عالقة تخلو من أي مصالح‪ ،‬كالنا ناضجي بالشكل‬
‫الذي يؤهلنا للكالم بثقة‪ ،‬ليس هنالك ما يدعونا للكذب او المجاملة‪ ،‬امل ان‬
‫منك‪،‬‬
‫ولكنت لن افكر يف التأكد من أي كالم اسمعه ِ‬
‫ي‬ ‫كالىم هذا‪،‬‬
‫ي‬ ‫يزعجك‬
‫ِ‬ ‫ال‬
‫أنت محل ثقة‪.‬‬
‫ِ‬
‫قلت‪ :‬اشكرك عىل هذه الثقة‪ ،‬اتمت ان يكون هذا عهد بيننا‪ ،‬نكون صادقي‬
‫احد منا‪.‬‬
‫ألقش درجة‪ ،‬اقصد ان نقول الصدق ولو كان يزعج ٍ‬
‫قال‪ :‬لطالما سنكون صادقي‪ ،‬فلن يتعج ٍ‬
‫احد ما منا‪ ،‬هذا ما اظن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬اتفق معك‪.‬‬
‫استمرينا بالست‪ ،‬جلسنا عىل مقعد لشخصي عىل الطريق‪ ،‬يطل عىل البحر‬
‫ويعىط ظهره للمدينة بأكملها‪.‬‬
‫ي‬ ‫وامواجه‪،‬‬
‫عائىل‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬مررت بتجربة حب واحدة‪ ،‬وفشلت فيها‪ ،‬بادئ االمر كان اتفاق‬
‫يسألت كما هو المعتاد يف‬
‫ي‬ ‫ان االمر بمفرده دون ان‬
‫اقارن‪ ،‬توىل ر ي‬
‫ري‬ ‫مع ابنة احد‬
‫ُ‬
‫الريق‪ ،‬كنت يف عمر الصبا وقتها‪ ،‬بذلت جهد كبت للتخلص من هذا‬ ‫ي‬ ‫المجتمع‬
‫ً‬ ‫ئ‬
‫رفض‬
‫ي‬ ‫تبت هذه البنت احالما ثم يهدمها‬
‫رجان الوحيد ان ال ي‬ ‫ي‬ ‫الموقف‪ ،‬كان‬
‫ه ولم ارفض فكرة الزواج التقليدي من االصل‪ ،‬بعد‬
‫ان رفضتها ي‬
‫وتظن ي‬
‫تجربت السابقة يف الحب فكانت‬
‫ي‬ ‫صعوبة كبتة تخلصت من االمر‪ ،‬اما عن‬
‫ٌ‬
‫اش‬‫است الجامعية‪ ،‬احببت زميلة يىل‪ ،‬دامت عالقتنا اىل اخر يوم در ي‬
‫ايام در ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ه محقة يف ذلك إال انها كانت غت محقة‬ ‫مت ان اتقدم لخطبتها‪ ،‬ي‬
‫لنا‪ ،‬طلبت ي‬
‫ظروف والصعاب ال يت سأواجهها بعد التخرج‪ ،‬لم تقدر الظروف‬
‫ي‬ ‫بشأن‬
‫بأن احبها واتقدم‬
‫تت بي ان اثبت لها ي‬
‫تمنحت الفرصة‪ ،‬خت ي‬
‫ي‬ ‫المحيطة ر ين‪ ،‬لم‬
‫أتهمتت‪ ،‬أثر‬
‫ي‬ ‫بعالقت بها كما‬
‫ي‬ ‫لها وبي ان ارفض الزواج وبذلك اكون قد تسليت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كشن كثتا‪ ،‬بت اخاف من أي عالقة بعد الذي‬
‫ي‬ ‫بداخىل كثتا‪،‬‬
‫ي‬ ‫هذا الموضوع‬
‫حدث‪.‬‬
‫لما لم تحاول ان تحارب الظروف ألجلها؟ اقدر ظرفك وقتها‪ ،‬لكن‬ ‫قلت له‪َ :‬‬

‫بالصت اىل ان تصطلح االمور؟‬


‫ر‬ ‫َ‬
‫لما لم تتحلوا‬
‫الصت وانا اعمل يف معمل للنجارة بعد‬
‫ر‬ ‫يلزمت من‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬هل تعلمي كم كان‬
‫يكفيت‬
‫ي‬ ‫يلزمت ودخ يىل‬
‫ي‬ ‫يوىم‪ ،‬كم‬
‫وقت الدوام يف الجامعة حت اوفر قوت ي‬
‫ئ‬
‫اصدقان فقط‪ ،‬كيف سأوفر مصاريف الزواج‪،‬‬ ‫للطعام والعيش المشتك مع‬
‫ي‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫كيف سأستطيع ان اكون ارسة وان اتحمل شؤونها بالكامل‪ ،‬لم اكن اريد‬
‫مت‪ ،‬لو اعلم انها تقبل‬‫أش اىل االسفل امام ذويــها ألنهم افضل ي‬
‫الجلوس ور ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫العيش يف قريتنا ألختلف االمر حينها‪ ،‬نحن نملك متال كبتا هناك‪ ،‬كما ان‬
‫العيش هناك ليس باألمر الصعب يف بادئ االمر‪ ،‬ولكن يا (قمر)‪ ،‬هنالك‬
‫ألنت ال اريد‬
‫التغاض عنها‪ ،‬انا كنت رافض هذا الخيار ي‬‫ي‬ ‫يمكنت‬
‫ي‬ ‫حقيقية ال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫العيش هناك‪ ،‬بعد كل هذا العناء يف الدراسة الجامعية صباحا والعمل ليال‬
‫ً‬
‫لك انام مبكرا!!‬
‫اعود اىل هنالك ي‬
‫ً‬ ‫قلت له‪ :‬معك حق‪ ،‬االمر ليس َ‬
‫بالهي‪ ،‬اتمت ان يكون يف ما حصل ختا لك‪،‬‬
‫للرب مشيئة يف كل االمور‪.‬‬
‫ً‬
‫قال مبتسما‪ :‬كيف ال وانا اجلس مع القمر االن‪ ،‬لوال ما حصل لما جلست‬
‫ً‬
‫جمالك االن مغمورا بهذا الكم الهائل من السعادة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫امام‬
‫ً‬ ‫قلت بخجل كل ر‬
‫انت‪ :‬شكرا لك‪ ،‬هذا من لطفك‪.‬‬
‫ساعت‪ ،‬وجدتها عند الواحدة بعد منتصف الليل‪ ،‬إال يمكن للزمن‬
‫ي‬ ‫نظرت اىل‬
‫لكنت لم‬
‫ي‬ ‫ان يتوقف لساعتي‪ ،‬لسنتي‪ ،‬لعقدين‪ ،‬تأخرت‪ ،‬لدي عمل يوم غد‪،‬‬
‫ً‬
‫شيئا‪َ ،‬ش َ‬
‫عر (احمد) بذلك‪...‬‬ ‫اقول‬
‫تأخرت‪ ،‬اليس كذلك؟‬
‫ِ‬ ‫قال‪:‬‬
‫ً‬
‫قلت له‪ :‬حديثك شيق‪ ،‬لم اشعر بالوقت اطالقا‪.‬‬
‫قال‪ :‬تأخر الوقت‪ ،‬جعلت ِك تسهرين اليوم‪ ،‬هل تحبي السهر؟‬
‫ً‬
‫قلت له‪ :‬يف اغلب االيام ال انام مبكرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الت‬
‫عدنا سويا‪ ،‬عدنا ستا عىل األحالم‪ ،‬كان لقاؤه اجمل من كل االحالم ي‬
‫ُ‬
‫اجتتها عىل‬
‫الت ر‬
‫خاصت‪ ،‬من كل االحالم ي‬
‫ي‬ ‫َحلمت بها‪ ،‬من كل احالم اليقظة‬
‫الحلم‪.‬‬
‫ينقصت سوى احتضان يده‪ ،‬افتقنا‪ ،‬صافح يدي ولم‬
‫ي‬ ‫عدت اىل البيت وانا ال‬
‫يتكها اىل ان ‪...‬‬
‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عاجز‬ ‫دعون‪،‬‬
‫ي‬ ‫بقربك‪ ،‬شكرا لتلبيت ِك‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬شكرا عىل كل لحظة جميلة كانت‬
‫ً‬
‫عينيك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫لك احالما جميلة كجمال‬ ‫لك‪ ،‬اتمت ِ‬
‫بك‪ ،‬انا ممي ِ‬
‫أعجان ِ‬
‫ري‬ ‫عن وصف‬
‫ليلتك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫طابت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قلت له‪ :‬شكرا لك عىل هذا اللقاء الجميل‪ ،‬شكرا عىل ترحيبك ر ين بالكلمات‬
‫ألجىل‪ ،‬اتمت لك ليلة سعيدة‪.‬‬
‫ي‬ ‫الت كتبتها‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫شء ظننته كان يف محله‪ ،‬وجدته‬ ‫كان الموعد جميال‪ ،‬اجمل ما يف االمر ان كل ي‬
‫ذو خلق‪ ،‬محتم ومهذب الكالم‪ ،‬كان كذلك ر‬
‫واكت‪ ،‬لم اكن اتوقع انه قادر عىل‬
‫ّ‬
‫ه احىل من الشعر‬
‫مزج السحر بالكلمات ليكون عبارات ال اعرف ما اسميها‪ ،‬ي‬
‫واجمل من الغزل‪ ،‬ذوقه يف اختيار الوقت والمكان لقول ما يريد َينم عن‬
‫ذكاءه‪ ،‬كررت قولها‪ ،‬هو شديد الذكاء‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مض االسبوع مشعا‪ ،‬كنت اراه فيه صباحا فقط‪ ،‬لم التقيه‪ ،‬انشغلت بعض‬
‫لكنت لم انشغل عنه‪ ،‬كنت افكر‬ ‫لطلبت يف الجامعة‪،‬‬ ‫الشء بفتة االمتحانات‬‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ألنت لم‬ ‫ر‬
‫يوم اكت‪ ،‬شعرت ببعض التقصت ي‬ ‫اوقان‪ ،‬كنت احبه كل ٍ‬‫ي‬ ‫فيه يف كل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اتصل به‪ ،‬لم يتصل هو ايضا‪ ،‬اكتفينا بألقاء التحية صباحا‪.‬‬
‫ألنت اعتفت له‬‫ي‬ ‫انت اكبت ِجماحها‬
‫نفش‪ ،‬او ي‬‫ي‬ ‫بأنت اعاقب‬
‫ي‬ ‫كدت اجزم‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫بالحب قبله‪ ،‬كان تأنيب الذات يمسك بيدي كل ما حاولت االتصال به ليال‪.‬‬
‫شء‬ ‫ر‬
‫يف الليل كل المفاهيم تختلف‪ ،‬تفرز االحالم قواها العقلية لتتحقق‪ ،‬ال ي‬
‫اياىم‬
‫احالىم سوى عزة النفس‪ ،‬بدأت اشعر بأن ي‬
‫ي‬ ‫بيت وبي تحقيق‬
‫يحول ي‬
‫طفل نحو دميته الجديدة‪.‬‬
‫تمض مشعة‪ ،‬كـست ٍ‬
‫ي‬
‫ً‬
‫يف الصباح كل يوم كنت اتمت ان ال يزداد عمري اياما‪ ،‬صار العمر برفقته‬
‫الماض بنظرة من عينيه خالل لقائنا عىل‬
‫ي‬ ‫اجمل‪ ،‬وكأنه غت يوم مولدي ومج‬
‫وجه‪ ،‬اخاف‬
‫ي‬ ‫جماىل وعىل عمر الشباب‪ ،‬اخاف عىل‬‫ي‬ ‫البحر‪ ،‬بت اخاف عىل‬
‫ً‬
‫يمض العمر مشعا من شدة الفرح الذي فيه‪.‬‬
‫ي‬ ‫عيون‪ ،‬اخاف ان‬
‫ي‬ ‫عىل شكل‬
‫لم يتخلل هذا االسبوع سوى زيارة (يعقوب) ‪...‬‬
‫ترن وعاش يف (لندن)‪ ،‬قضينا انا وهو سنوات‬ ‫ومت‪ ،‬ر‬
‫(يعقوب) احد ابناء عم ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫طفولتنا سويا لفتة ما بعد وفاة والدي‪ ،‬إال انهم استغلوا فتة ما تعرضت فيه‬
‫طائفتنا المسيحية للتهجت انذاك من بعض المدن فتمكنوا من خالل هذه‬
‫االحداث استحصال االقامة يف (لندن) ومن ثم الحصول عىل الجنسية‬
‫التطانية‪ ،‬كانت صدفة غريبة‪ ،‬صدفة غت سابقة الذكرى‪ ،‬نحن ال نرى‬
‫ر‬
‫وف بعض االعياد الدينية‪ ،‬لم يزورنا احد منذ‬
‫اقربائنا إال يف قداس الكنيسة ي‬
‫سني‪.‬‬
‫ً‬ ‫طرق الباب‪ ،‬لم اعرفه‪ ،‬مض ٌ‬
‫دهر عىل لهونا وطفولتنا‪( ،‬يعقوب) كان بدينا‬
‫وصوت خشن‪ ،‬فتحت له‬
‫ٍ‬ ‫بعض ر‬
‫الشء‪ ،‬متوسط الطول‪ ،‬له شعر كثيف‬
‫ي‬
‫الباب‪...‬‬
‫قال يىل‪ِ :‬‬
‫انت (قمر)‪ ،‬اليس كذلك؟‬
‫اجبته‪ :‬نعم‪ ،‬من انت؟‬
‫تذكرينت؟‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬انا (يعقوب) ابن عمك‪ ،‬هل‬
‫دهشة‪ ،‬قلت له‪ :‬تذكرتك‪ ،‬تفضل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بعد‬
‫ُ‬
‫رحبت به بحرارة‪ ،‬دعوته اىل الدخول اىل المتل‪ ،‬قبل ان يجلس تفحص‬
‫ً‬
‫البيت جيدا‪ ،‬نظر اىل ارضية البيت وموجوداته و تتبع السقف وكل االضاءة‪.‬‬
‫اىم‪ ،‬استمروا بالحديث عن افراد عائلتنا‪ ،‬عن اقربائنا الذين هاجروا‪،‬‬
‫جلس مع ي‬
‫من منهم عىل قيد الحياة ومن منهم عند الرب‪ ،‬استغرقت ذلك الوقت يف‬
‫اعداد القهوة‪.‬‬
‫قدمت لهم القهوة ‪..‬‬
‫استك؟‬
‫اكملت در ِ‬
‫ِ‬ ‫سألت (يعقوب)‪ :‬ماذا تعملي االن؟ هل‬
‫ي‬
‫قلت له‪ :‬انا تدريسية يف كلية العلوم السياسية‪ ،‬تخرجت من االوائل فيها‪،‬‬
‫اضاف يف تحرير االخبار لصحيفة محلية‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫عمل‬ ‫ولدي‬
‫ي‬
‫قال‪ :‬هذا جيد‪ ،‬اعلم حجم الظروف ي‬
‫الت مررتم بها‪ ،‬كان الرب يف عونكم‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫انجزت انجازا عظيما‪ ،‬هل تذكرين متلكم القديم؟ هل تذكرين كيف كنا‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نلعب سويا عندما كنا صغارا؟‬

‫قلت‪ :‬احتفظ ببعض الذكريات‪ ،‬مض عىل ذلك زمن طويل‪ ،‬االيام ي‬
‫الت‬
‫شء‪ ،‬كانت حياتنا متعبة من‬‫ر‬
‫عشناها بعد ذلك كانت كفيلة بأن تنسينا كل ي‬
‫دون والدي‪ ،‬مشيئة الرب ارادت ذلك‪ ،‬ولكن اليس من الغريب ان تعود بعد‬
‫هذه السنوات؟‬
‫قال‪ :‬اكملت دراسة الهندسة المعمارية يف (لندن)‪ ،‬قررت ان استقر هنا رغم‬
‫فرق العيش بي البلدين‪ ،‬انوي تأسيس ررسكة انشاءات هنا‪ ،‬فرص العمل هنا‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫عودن بسبب الظروف السياسية‪،‬‬
‫ي‬ ‫اكت من هناك‪ ،‬والدي لم يكن راضيا بشأن‬
‫ً‬
‫اىم الرأي خوفا من هذا البلد الذي فارقناه لسنوات عديدة‪ ،‬قضينا‬
‫وافقته ي‬
‫سنوات ونحن ال نسمع عنه إال ما يعرض عىل شاشات التلفاز‪ ،‬لم نسمع عنه‬
‫انت اعتدت عىل المجتمع‬
‫إال االخبار السيئة‪ ،‬رغم ذلك قررت العودة‪ ،‬رغم ي‬
‫وطت‪ ،‬يف حقيقة االمر‪ ،‬انا اريد العيش هنا‬
‫ي‬ ‫انت ال ازال احب‬
‫الغرن‪ ،‬إال ي‬
‫ري‬
‫فحسب‪.‬‬
‫حر انت يف اختيارك‪ ،‬ال احد يعلم ماذا يدور يف ذهنك واحساسك عن‬ ‫قلت‪ٌ :‬‬
‫ُ‬
‫العيش هنا‪ ،‬بلدنا جميل ألننا تربينا عىل حبه‪ ،‬يف االيام القادمة ستى الظلم‬
‫وتعدد الطبقات يف مجتمعه‪ ،‬ستى كيف ان االحزاب المتنفذة ورجال الدين‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اصبحوا يملكون البلد ملكا ِرصفا‪ ،‬اصبحنا نحن فيه (الطبقة الكادحة)‬
‫ٌ‬
‫فحسب‪ ،‬فئة تفكر يف جمع قوتها والبحث عن االمان واالطمئنان وسط‬
‫الت‬
‫تضيحات السياسيي وحربــهم المستمرة عىل اي االديان و اي المذاهب ي‬
‫ستدخل الجنة‪.‬‬
‫ئ‬
‫هدن من روعك‪ ،‬ليس االمر بغاية السوء هكذا‪ ،‬اعتقد ان‬ ‫اىم‪ :‬قمر‪،‬‬
‫ي‬ ‫قالت ي‬
‫تحرير االخبار اليومية جعلتك تفكرين يف االمور السيئة فقط‪ ،‬الصحف لم‬
‫جعلتك تدخلي كلية‬
‫ِ‬ ‫تنش ر‬
‫بشى اىل الناس ذات يوم‪ ،‬لوال رغبة والدك لما‬ ‫ر‬

‫العلوم السياسية‪.‬‬
‫ضحك (يعقوب)‪ ،‬قال‪ :‬قبل قليل وددت ان اقول ان التخصص يف السياسة‬
‫ً‬
‫ال يليق بالمرأة‪ ،‬خصوصا لو كانت قمر مثلك‪.‬‬
‫اسم‪ ،‬ام تقصد القمر؟‬
‫ي‬ ‫اجبته ضاحكة‪ :‬هل تقصد‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اسمك (قمر)‬
‫ِ‬ ‫اسمك‪ ،‬أنت‬
‫ِ‬ ‫ضحك بقوة ثم قال‪ :‬كالكما‪ ،‬يف الحقيقة قصدت‬
‫شكلك بهذا الجمال‪ ،‬انا‬
‫ِ‬ ‫والقمر ال تليق به السياسة‪ ،‬لم اتوقع ان يكون‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫شعرك قصتا ومرحة للغاية‪.‬‬
‫ِ‬ ‫كنت صغتة‪ ،‬كان‬
‫اتذكرك عندما ِ‬
‫ِ‬
‫ان‪،‬‬
‫اخق عنك‪ ،‬دخلت مرغمة لكلية العلوم السياسية تلبية لرغبة ر ي‬
‫ي‬ ‫اجبته‪ :‬ال‬
‫لكنت االن احببته‪ ،‬هذا مهم للغاية يف البالد العربية‪ ،‬يك تقرأ الواقع المحيط‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بك وتفهم ما يدور حولك يجب ان تكون سياسيا او فنانا‪ ،‬هنا فقط يمكنك‬
‫ان تتكلم وفق رؤى مجتمعك‪ ،‬وإال ستعيش يف عزلة وحينها سيكون االمر‬
‫اصعب‪.‬‬
‫مخيلت‬ ‫عشة ايام فقط‪ ،‬كانت يف‬‫كالمك منطق‪ ،‬وصلت اىل هنا منذ ر‬
‫ِ‬ ‫قال‪:‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الت رأيتها‪ ،‬الوطن تغت بالفعل‪ ،‬لم تت ر ي‬
‫وح بعد‪ ،‬أليس‬ ‫صورة غت الصورة ي‬
‫كذلك؟‬
‫قلت له‪ :‬كال‪ ،‬وانت؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قال‪ :‬انا ايضا لم اتزوج‪ ،‬العادات والتقاليد يف (لندن) بعيدة كل البعد عن‬
‫َ‬
‫عىل رفضت‬
‫واىم ي‬
‫ان ي‬‫عاداتنا‪ ،‬لم اتقبل فكرة الحياة زوجية هناك‪ ،‬رغم ارصار ر ي‬
‫الزواج من مجتمعهم‪.‬‬
‫ً‬
‫اىم‪ :‬إال ترى ذلك غريبا‪ ،‬انت سافرت مع عائلتك وانت صغت لم تبلغ‬
‫قالت ي‬
‫يجتك عىل العادات‬
‫الثامنة‪ ،‬نشأت هناك‪ ،‬اظن انك امتلكت من الوقت ما ر‬
‫والتقاليد الغربية‪ ،‬انت تربيت عىل العادات الغربية‪ ،‬لم تت رن عىل العادات‬
‫العربية‪ ،‬كيف تشعر بهذا الفرق؟‬
‫العرن‪ ،‬لم يمض شهر إال وانا اقرأ‬
‫ري‬ ‫كتت وانا اطلع عىل االدب‬ ‫قال (يعقوب)‪ :‬ر‬
‫ُ‬
‫فارقت ِفكرة‬
‫ي‬ ‫العرن‪ ،‬يف كل يوم اطلع عىل اخبار الوطن‪ ،‬لم ت‬
‫ري‬ ‫كتب التاريـ ــخ‬
‫العودة منذ الصغر‪ ،‬كان الحلم االهم وها انا حققته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬اتمت لك التوفيق يف حياتك القادمة‪.‬‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬شكرا ِ‬
‫لك‪ ،‬يف البدء انا احاول البحث عن مت ٍل صغت يف حارتنا القديمة‪،‬‬
‫ً‬
‫احبها كثتا‪ ،‬قضيت السنوات السبعة االختة يف جمع المال‪ ،‬االن لدي ما‬
‫انت قد اشتي‬ ‫ر‬
‫يكفيت من تأسيس مكتب او رسكة لالستشارات الهندسية‪ ،‬او ي‬‫ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫خت ين‬
‫الت كنت اعمل فيها يف (لندن) بحكم ر‬ ‫اسهما يف احدى فروع الشكة ي‬
‫السابقة‪.‬‬
‫شعرت من كالمه ان لديه رغبة حقيقية يف االقامة هنا‪ ،‬شعرت بأنه مض عىل‬
‫ً‬
‫ذلك ايضا‪ ،‬ما الدافع؟ لم اعلم‪ ،‬لعل هنالك اسباب دعته من ذلك‪( ،‬لندن) ال‬
‫يضاه جمالها عند ررسوق الشمس‪ ،‬اعتقد ان‬ ‫ي‬ ‫شبيه لها‪ ،‬ليس هنالك جمال‬
‫ُ‬
‫كل ما ادع به كانت عوامل ثانوية وهنالك عامل مهم لم يشده لنا‪.‬‬
‫ً‬
‫سلمت مقال اعده‬
‫ي‬ ‫جاء (احمد) اىل مقر الصحيفة والتقينا‪ ،‬تكلمنا قليال‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫ونش عطره الجميل معلقا يف‬ ‫ي‬ ‫للنش‪ ،‬خرج مشعا‪ ،‬كان لديه موعدا‪ ،‬خرج‬
‫ئ‬
‫الشاط‪ ،‬حي‬ ‫حوىل كالنوارس عىل‬ ‫وه تحلق‬
‫ي‬ ‫غرفت‪ ،‬تخيلت انفاسه ي‬
‫ي‬ ‫هواء‬
‫ً‬
‫تحلق قريبا من سطح البحر لتمتع الناظر دون مقابل‪.‬‬
‫النش‪ ،‬قرأت مقالته‪ ،‬قرأت روعة كتابته‪ ،‬كان له‬ ‫قبل ان ُاسلمها اىل قسم ر‬

‫وع الجماهت‪ ،‬قرأتها‬


‫اسلوب انيق يف رسد االحداث وتحليلها‪ ،‬كان يهدف اىل ي‬
‫ٍ‬
‫ثم شعرت بالخوف‪ ،‬كان يدعو متابعيه اىل عدم االكتفاء باالنتماء اىل الحزب‬
‫حزب بليد النشاطات وال يملك الشجاعة لالعتاض عىل قرار‬ ‫ٌ‬ ‫اىل كونه‬
‫الليت ي‬
‫ر‬
‫ُ‬
‫وىم بسيط‪ ،‬كيف يكتب بحقهم بهذه الجرأة وهو احد اعضاءه‪ ،‬نادى‬ ‫حك ي‬
‫بتأسيس جبهة من اجل ان يكون لهم صوت مسموع‪ ،‬كان يروم لتأسيس‬
‫ً‬ ‫جبهة بتوجه علمان‪ ،‬سلمتها اىل قسم ر‬
‫النش بعد ان قطعت وعدا يف ان‬ ‫ي‬
‫نلتق‪.‬‬
‫اناقشه حول ما جاء فيها حي ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كان يوم مشمسا وجميال‪ ،‬كان احد ايام عطلة نهاية االسبوع‪ ،‬التقيت (بسارة)‬
‫عجبت‪ ،‬اما‬‫شء ي‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫وضاع اليوم بأكمله يف التبضع‪ ،‬كنت يف السابق اشتي كل ي‬
‫شء اود ررساؤه افكر ِبه‪ ،‬ال اعرف السبب‪ ،‬أسأل‬ ‫ر‬
‫االن ال ادري‪ ،‬وانا ارى أي ي‬
‫شء‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫شء واقول عنه‪ ،‬يا ترى هل سيعجبه ام ال؟ اشتيت كل ي‬ ‫نفش حول اي ي‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫يعجبه‪ ،‬اشتيت عطرا يشبه عطره‪ ،‬لم اقتنيه من قبل‪ ،‬رأيته صدفة فتذكرت‬
‫ُ‬
‫عطره‪ ،‬اشتيته لعله يقبل يت‪.‬‬
‫كانت السعادة تغمر (سارة)‪ ،‬اكتشفت قبل ايام بأنها بأنتظار مولودها االول‬
‫ُ‬
‫الذي طال انتظاره سنوات‪ ،‬لم تكف عن الكالم بخصوص االطفال‪ ،‬لم تكف‬
‫ر‬
‫حديت الوالدة‪ ،‬فرحت ألجلها ألنها االن اصبحت‬ ‫عن النظر لمالبس االطفال‬
‫ي‬
‫الت تتهم بها زوجها بأنه سيتكها او سيفكر يف ان يتوج‬ ‫بمأمن من التهم ي‬
‫ً‬
‫الق عليها أي لوم ألنها عربية االصل‪ ،‬كانت تقول يىل ذلك دائما وانا‬‫غتها‪ ،‬لم ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫امج هذه االوهام من تفكتها‪ ،‬اعرف زوجها جيدا‪ ،‬انسان‬ ‫ي‬ ‫احاول جاهدة بأن‬
‫ً‬
‫فاضل ويسىع دائما للحفاظ عىل سعادة بيته وارسته‪ ،‬ولكنه وإن فكر يف ذلك‬
‫ً‬
‫عرن االصل ايضا‪.‬‬
‫فق نهاية المطاف هو ر ي‬ ‫يلق اللوم عليه احد‪ ،‬ي‬
‫فلن ي‬
‫ه الفيصل يف منح االطفال‪ ،‬ولكنهم امام‬
‫يؤمن كل العرب بأن مشيئة الرب ي‬
‫حقيقة ال يمكنهم انكارها‪ ،‬تفيد هذه الحقيقة بأن عادات المجتمع تتفوق‬
‫ُ‬
‫عىل االيمان بمشيئة الرب‪ ،‬عادات المجتمع اقوى من اسس ووصايا الدين‪،‬‬
‫يأن عىل الفور اما سخط الرب وغضبه فأنه‬
‫وذلك ألن سخط المجتمع ي‬
‫مؤجل ليوم الحساب‪ ،‬وهنا يكمن الفارق‪.‬‬
‫ً‬
‫االن‪ ،‬تغت كالمها جذريا‪ ،‬قضت الوقت بأكمله تحدث يت عن زوجها‪ ،‬اشتت له‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫البسة جديدة‪ ،‬مضت فتة طويلة عىل اهتمامها هذا‪ ،‬لم تعد شكوكها تحوم‬
‫ً‬
‫حول زوجها وعودته متأخرا يف الليل‪ ،‬لم تعد تتكلم حول مواعيد عمله ان‬
‫كانت للعمل ام لخيانتها‪ ،‬لم تتكلم عن مراقبتها لسجل اتصاالت هاتفه بعد‬
‫ً‬
‫ان ينام‪ ،‬قررت ان ال تفتش ثيابه بعد عودته من العمل بحثا عن عطر امرأة‪،‬‬
‫ابتدأت من االن بمدحه‪.‬‬
‫ً‬
‫اختا اكتشفت بأن األيام ثبتت لها انه لن يتكها‪ ،‬االيام ثبتت لها وليس‬
‫(الحمل) عىل حد قولها!!!‬
‫وه تتكلم‪ ،‬لم اود ان اشعرها‬‫وجه ي‬
‫ي‬ ‫لم ادع االستغراب يهيمن عىل مالمح‬
‫َ‬
‫بأنها كانت مخطئة‪ ،‬فكرت يف تأجيل ذلك حت ال افسد عليها سعادتها‪.‬‬
‫ُ‬
‫داخىل‪ ،‬كنت افكر به وانا اتجول يف االسواق‪ ،‬استمع (لسارة)‬
‫ي‬ ‫وكأنه يعلم ما يف‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫كلمات جميلة قالها ىل ف اخر ٌ‬
‫حديث‬
‫ٍ‬ ‫لقاء لنا‪ ،‬كنا صامتي وسط‬ ‫ي ي‬ ‫وف خاطري‬ ‫ي‬
‫أىل وقال ‪...‬‬
‫ما‪ ،‬التفت ي‬
‫كأنك يىل ‪..‬‬
‫"و ِ‬
‫أيتك اول مرة‬
‫ألمتت حي ر ِ‬
‫ي‬ ‫ألنك‬
‫ِ‬
‫خلق منه"‬ ‫ٌ‬
‫اضالع لت ي‬
‫ي‬ ‫كشن ضلع من‬
‫ي‬ ‫كأنك‬
‫و ِ‬

‫نلتق‪ ،‬وقت غروب الشمس عىل ذلك المقعد‬‫ي‬ ‫اتفقت مع رفيق الروح بأن‬
‫ئ‬
‫الشاط‪ ،‬ذات المقعد الذي جمعنا بالصدفة يف اخر مرة‪ ،‬حي‬ ‫المطل عىل‬
‫رسنا بجانب البحر ثم جلسنا لنكمل الحديث‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وصلت اىل الموعد ولم اجده‪ ،‬تفاجئت‪ ،‬التفت يمينا ويسارا ولم اجده‪،‬‬
‫جلست انتظره‪ ،‬مرت دقائق تزامنت مع غروب الشمس‪ ،‬بدأ النسيم البحر‬
‫يأن‪ ،‬منظر الغروب كان‬
‫يصبح أعذب‪ِ ،‬خفت من أن تغرب الشمس وال ي‬
‫ً‬
‫جميال‪ ،‬كان اجمل لو انه جاء يف وقته المحدد‪.‬‬
‫احد ما قد ئ‬
‫أتىك عىل مسند المقعد الذي اجلس عليه‪ ،‬شعرت‬ ‫شعرت بأن ٍ‬
‫اخافت الموقف لوال عطره الذي‬
‫ي‬ ‫بأنفاسه وهو يتنفس بالقرب من شعري‪،‬‬
‫ً‬
‫خلق‪ ،‬استنشقت عطره‪ ،‬لم استدر‪ ،‬اغمضت‬
‫ي‬ ‫فضح امر قدومه متخفيا من‬
‫اذن اليشى‬
‫كالم او حركة‪ ،‬اقتب من ي‬
‫لثوان دون ٍ‬
‫ي‬ ‫عيت ألنصت ألنفاسه‪ ،‬بقينا‬
‫ي‬
‫ً‬
‫وهمس قائال ‪" :‬انا احبك"‬
‫ً‬
‫هـز كالمه اركان فؤادي‪ ،‬نبض القلب رسيعا‪ ،‬هممت يف التفكت‪ ،‬هل ارده‬
‫بمثلها ام اتريث؟ انا لست حائرة‪ ،‬انا لن اجامله‪ ،‬انا احبه بالفعل‪ ،‬بل انا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اعشقه كثتا‪ ،‬انا تجاوزت حدود حبه‪ ،‬انا اهيم به‪ ،‬انا مرتبكة جدا‪ ،‬انا ال اقوى‬
‫اخذن‬
‫ي‬ ‫جعلتت اتجزأ ألجزاء صغتة‪ ،‬تناثرت‪،‬‬
‫ي‬ ‫رقبت‬
‫ي‬ ‫عىل الحركة‪ ،‬انفاسه قرب‬
‫رقبت ترتجف من جمال شفتاه‪،‬‬
‫ي‬ ‫نسيم البحر اىل الهباء‪ ،‬ضعت بي انفاسه‪،‬‬
‫الت تثت العطش يف اناء القبل‪.‬‬
‫شفتاه ي‬
‫عيت‪ ،‬لم املك وقتها غت‬ ‫بقرن‪ ،‬نظر يف ي‬
‫خلق وجلس ر ي‬ ‫ي‬ ‫عيت‪ ،‬التف من‬
‫فتحت ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عينيه قليال ثم انحنت عيناي خجال بحكم‬‫ِ‬ ‫االبتسامة‪ ،‬لم اقل شيئا‪ ،‬نظرت يف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األنوثة‪ ،‬لم اقوى التمعن يف عينيه طويال‪ ،‬انا منهمكة جدا‪.‬‬
‫َ‬
‫قال‪ :‬مساء الخت‪.‬‬
‫اجبته‪ :‬مساء النور‪.‬‬
‫ً‬
‫صمتك الف كمنجا تعزف معا‪ ،‬انا مستمع‬
‫ِ‬ ‫صمتك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬لن اعتض عىل‬
‫لك‬
‫احببتك ألن ال شبيه ِ‬
‫ِ‬ ‫احبك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫معك‪ ،‬انا‬
‫ِ‬ ‫باالنصات لهذا العزف‪ ،‬انا صادق‬
‫انت الحلم الذي اريد‬
‫صدقيت ِ‬
‫ي‬ ‫وصفك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫سواك‪ ،‬ال ابالغ يف‬
‫ِ‬ ‫وال عىل االرض‬
‫اكت مما كنت اتوقع‪ ،‬ال اريد ان نكون اصدقاء بعد االن‪ ،‬انا‬‫تحقيقه‪ ،‬انت ر‬
‫ُ‬
‫امتالكك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫احبك‪ ،‬انا اريد‬
‫ِ‬
‫ُ َ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫قلت‪ :‬انت انسان رائع‪ ،‬اصدق كل مشاعرك‪ ،‬عيناك ت ي‬
‫عىط االدلة لكل ما تقول‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫وانا لست بحاجة ألي دليل‪ ،‬شكرا لكالمك الجميل‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫التكلم يف وجهة نظري‬ ‫لكنت اود‬
‫ي‬ ‫احببتك وهذا الموضوع ال نقاش فيه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫قال‪:‬‬
‫ُ‬
‫عن الحب‪ ،‬كيف أفش الحب‪ ،‬هناك مفاهيم لو اتفقنا بشأنها سنتفهم بعضنا‬
‫دون ادن ررسح ألي موقف يصادفنا‪ ،‬انا ارى الحب هو ارتباط الروح بأخرى‬
‫ً‬
‫وتهان‬
‫ي‬ ‫تشابهها‪ ،‬ال يقبل الحب غت ذلك أطالقا‪ ،‬ال احب مسميات االشياء‬
‫ُ ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شء ينتابه‬ ‫االعياد‪ ،‬احب نظرة العي متهالكة الشوق يف كل يوم‪ ،‬ابغض كل ي‬
‫فيك واالستغناء عن‬
‫الملل‪ ،‬احب شغف الكلمات حي نقولها‪ ،‬اود التوحد ِ‬
‫اشعة الشمس‪ ،‬احب ان نكون بال عقل باطن‪ ،‬بال تفكت‪ ،‬بال تحليل للكلمات‪،‬‬
‫ال نكتث لما ينتج لقاؤنا من أثار‪ ،‬احب ان ال نندم عىل ما نفعله بحكم‬
‫المشاعر‪ ،‬احب ان ننصت لألحاسيس العفوية‪ ،‬احب ان يكون االحتام اساس‬
‫كطائر حر ينتابه الفرح‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫كل افعالنا‪ ،‬احب ان يكون التعبت عن ما يف داخلنا‬
‫ً‬
‫المتناه‪ ،‬احب ان ال ننشغل بالتفكت بالغد‪،‬‬
‫ي‬ ‫اريد ان يكون حبنا ابديا وعشقنا‬
‫توض ِبه االحالم‪.‬‬
‫ي‬ ‫خالص بحسب ما‬
‫ٍ‬ ‫احب ان نست بأ‬
‫(القبان) أؤمن بكل مالمح‬
‫ي‬ ‫بعد الصمت لثوان‪ ،‬قلت‪ :‬انا ارى الحب كما يراه‬
‫َ َ‬
‫الت يرسمها‪ ،‬اؤمن بوصاياه للعاشقي الجدد‪ ،‬حي ع َرف الحب وقال‪:‬‬ ‫الحب ي‬
‫ً ر ً‬
‫الحب ليس رواية رسقية ِبختامها يتوج األبطال‬
‫ً‬
‫لكنه اإلبحار دون سفينة وشعورنا ان الوصول محال‬
‫ٌ‬
‫المطبقات سؤال‬ ‫عشة وعىل الشفاه ي‬
‫ِ‬ ‫هو أن تظل عىل األصابع َر‬
‫ُ‬
‫هو جدول األحزان يف أعماقنا تنمو كروم حوله وغالل‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫هو هذه األزمات تسحقنا معا فنموت نحن وتزهر اآلمال‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ َ‬
‫تافه هو يأسنا هو شكنا القتال‬
‫ش ٍء ٍ‬ ‫هو أن نثور ألي ي‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الت تغتال‬‫الت تغتالنا ونقبل الكف ي‬
‫هو هذه الكف ي‬

‫ً‬
‫اختضت الكثت من‬
‫ِ‬ ‫ابتسم‪ ،‬حرك حاجبيه تعجبا‪ ،‬قال‪ :‬نزارية الهوى ِ‬
‫انت‪،‬‬
‫ً‬
‫بأنك تختلفي عن‬
‫انت اوال لما قلت كل ما قلته‪ ،‬شعرت ِ‬
‫الكالم‪ ،‬لو تحدث ِ‬
‫انت خارج االعراف ي‬
‫الت‬ ‫أيتك اول مرة‪ِ ،‬‬
‫عامة النساء‪ ،‬شعرت بذلك منذ ان ر ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اعتدن عليهن كل النساء‪ ،‬االن عرفت َلم تملكي هذا الكم الهائل من الجمال‪.‬‬
‫قدىم‪ ،‬كنت قد اتكأت عليها وانا احادثه‪ ،‬اراد ان‬
‫ي‬ ‫حقيبت اليدوية عىل‬
‫ي‬ ‫كانت‬
‫ً‬
‫يقول شيئا ولكنه استبق االمر‪ ،‬احتضن يدي اليمت بكلتا يديه‪ ،‬وخالل أجز ٍاء‬
‫ً‬ ‫َ ُ‬
‫العشق‪ ،‬لم اكن اعلم ان لمسة يده‬ ‫من الثانية جعل يت اشعر بخمسي عاما من ِ‬
‫ُ ٌ‬
‫قلت‬ ‫لها لغة خاصة‪ ،‬لم اكن اعلم ان اصابع اليد تعرف الغزل‪ ،‬ينبض االن ر ي‬
‫ً‬
‫شدة جمال‬ ‫عيت من ِ‬
‫ي‬ ‫مشعا‪ ،‬بعد ان اغمره نوع جديد من الفرح‪ ،‬اغمضت‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫عيت‪ ،‬لم يحتضن يدي احدا من‬ ‫هذه اللحظة‪ ،‬انا يىل الف عذر وعذر ألغمض ي‬
‫بالعفة ‪..‬‬
‫جنج مالك يمتاز ِ‬
‫ي‬ ‫قبله‪ ،‬اشعر بأنها بي‬
‫ً‬
‫لك‪.‬‬
‫عدك بأن أكون مخلصا ِ‬ ‫قال‪ :‬قمر‪ ،‬انا اح ِ‬
‫بك‪ ،‬أ ِ‬
‫َ‬
‫قلت‪ :‬انت انسان ي‬
‫نق‪ ،‬انا متأكدة من ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫مت‪ ،‬أتكأ بظهره عىل المسند‪ ،‬قال‪ :‬اريد ان ر‬
‫اخت ِك رسا‪.‬‬ ‫سحب يده ي‬
‫قلت‪ :‬ما هو هذا ِ‬
‫الش؟‬
‫ثان لقاء لنا السأل عن‬
‫بك يف الصحيفة يف ي‬ ‫قال‪ :‬أتذكرين حي جئت اىل مكت ِ‬
‫ُ‬
‫طلبت لنا القهوة؟‬
‫ِ‬ ‫المدير‪ ،‬أتذكرين الحديث الذي دار بيننا بعد ان‬
‫ُ‬
‫تذكرت كل لحظات االرتباك وقتها فابتسمت‪ ،‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬اتذكر ذلك اليوم‪.‬‬
‫يأن يف ذلك اليوم‪،‬‬
‫ألجلك‪ ،‬كنت اعلم بأن المدير لن ي‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬كنت قد جئت‬
‫اتصلت به قبل ان ادخل اىل بناية الصحيفة‪.‬‬
‫ُ‬
‫وجدان‪ ،‬تلك اللحظات‬
‫ي‬ ‫اسعدن اعتافه هذا‪ ،‬كأنه َسحق كل لحظة ندم ألمت‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫انتابت‬
‫ي‬ ‫ألنت سبقته يف االعتاف بالحب‪ ،‬مج كل ما‬
‫لقنتت درسا قاسيا ي‬
‫ي‬ ‫الت‬
‫ي‬
‫َ‬
‫من قلق‪ ،‬اخذ من كف يدي سوط التأنيب الذي انبت ِبه ضمتي منذ اليوم‬
‫التاىل لحفل عيد ميالده وكشه‪.‬‬
‫ي‬
‫اجتتها عىل الكتمان ‪..‬‬
‫مالمج تتأثر بما قال‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫لم اجعل‬
‫قلت بهدوء‪ :‬لماذا؟‬
‫َ‬
‫انت تمكنت من‬
‫حىط ي‬
‫ي‬ ‫تت يف اول مرة رأيت ِك فيها‪ ،‬من حسن‬ ‫قال‪ِ :‬‬
‫ألنك اعجب ي‬
‫اعجان بك‪ ،‬فرحت‬ ‫فتح حوار معك لبعض الوقت‪ ،‬تعرفت عليك ر‬
‫اكت‪ ،‬زاد‬
‫ري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يدك اليشى‪.‬‬
‫لعدم وجود خاتم زواج يف ِ‬
‫لم اقوى عىل كتمان ابتسامت ر‬
‫اكت‪ ،‬ابتسمت ‪..‬‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫قلت‪ :‬حقا‪ ،‬كان لقاء جميل للغاية‪ ،‬كنت مرتبكة بعض ي‬
‫الشء‪.‬‬
‫ً‬
‫ونسيت يد ِك عىل سماعة‬
‫ِ‬ ‫طلبت لنا القهوة‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬صحيح‪ ،‬خصوصا بعد ان‬
‫هاتف المكتب‪.‬‬
‫قلت ضاحكة‪ :‬ذلك صحيح‪.‬‬
‫ً‬
‫قهون انذاك؟‬
‫ي‬ ‫عرفت‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬حقا‪ ،‬كيف‬
‫َ‬
‫قلت‪ :‬خمنت ذلك فحسب‪.‬‬
‫ً‬
‫إيماء بعدم القناعة ‪..‬‬ ‫تحركت شفاه‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫لك‪ ،‬جمال ِك كان ثانيا‪،‬‬
‫انتباه ِ‬
‫ي‬ ‫شء اثار‬ ‫قال‪ِ :‬‬
‫انت شديدة الذكاء‪ ،‬ذكائ ِك اول ي‬
‫ًَ‬ ‫ً‬
‫وهبك إياه؟‬
‫ِ‬ ‫اسما جميل‪ ،‬من‬ ‫وثالثا اسم ِك‪ ،‬تمتلكي‬
‫َ‬
‫بيت اىل‬
‫اىم ر ين‪ ،‬تكفلت بت ي‬
‫ان‪ ،‬لكنه توف منذ ان كنت صغتة‪ ،‬اهتمت ي‬ ‫قلت‪ :‬ر ي‬
‫ولكنت اشكر الرب عىل ما وصلت إليه‪ ،‬ورثت‬‫ي‬ ‫كتت‪ ،‬مررت بأيام صعبة‬ ‫ان ر‬
‫ً‬
‫ان االرصار عىل المبدأ وعدم التلون‪ ،‬ورثت عنه الكتمان ايضا‪.‬‬‫من ر ي‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫امه وابيه‪َ ،‬يرثها مرغما كما يرث‬
‫قال‪ :‬يرث االنسان اغلب اسس حياته من ِ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ِشكل وجهه منهما‪ ،‬نرث الدين والمذهب واالخالق مع كنيتنا واسماؤنا‪،‬‬
‫نعتنق الدين بالوراثة ال باأليمان‪.‬‬
‫قلت‪ :‬انا مسيحية‪ ،‬هل تعلم ذلك؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫َ‬
‫قلت له‪ :‬وكيف تعلم؟‬
‫عال‪ ،‬قال‪ :‬خمنت ذلك فحسب‪.‬‬ ‫َ‬
‫ضح ِك بصوت ٍ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫اسم ال يدل‬
‫ي‬ ‫ض ِحكنا سويا‪ ،‬قلت له‪ :‬قل يىل الحقيقة‪ ،‬كيف عرفت ذلك‪ ،‬انا‬
‫شء؟‬ ‫ر‬
‫عىل ي‬
‫لست وحد ِك قادرة عىل التخمي‪ ،‬انا املك هذه‬‫ِ‬ ‫استمر بالضحك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ً‬
‫الخاصية ايضا‪.‬‬
‫َ‬
‫غمرنا الضحك‪ ،‬اخرج علبة َسجائره فأخرج منها سيجارة‪ ،‬وضعها بي‬
‫اصابعه‪ ،‬وقبل ان يشعلها ‪..‬‬
‫ُ‬
‫يزعجك دخان سجائري؟‬
‫ِ‬ ‫سأل يت‪ :‬ي‬
‫ه‬
‫اجبته‪ :‬كال‪.‬‬
‫اقارن‬
‫ري‬ ‫عمىل او عند‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬ألول مرة اسمع هذه االجابة‪ ،‬يف كل مرة اجلس يف‬
‫لك‬
‫وتكون يف وسطنا امرأة واستأذن منهم ألدخن ال يسمحون يىل‪ ،‬هل يروق ِ‬
‫السيجار؟‬
‫قلت‪ :‬كال البتة‪.‬‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬ما السبب اذا؟‬

‫قلت‪ :‬ي‬
‫ألن أحبك‪.‬‬
‫ينحت ألشعال سيجارته غلبته الدهشة‪َ ،‬بقيت سيجارته بيده غت‬ ‫ي‬ ‫وهو‬
‫ً‬
‫عيت‬
‫ي‬ ‫أىل‪ ،‬ظل ينظر يف‬
‫مشتعلة‪ ،‬اندهش كثتا حت ترك سيجارته‪ ،‬التفت ي‬
‫ان تردد ما قلت دون ان ينتاب يت‬ ‫ً َ َ‬
‫عيت ابدا‪ ،‬بقيت نظر ي‬
‫ي‬ ‫لعدة ثوان‪ ،‬لم ترمش‬
‫الخجل ‪...‬‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬
‫اشكرك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قال مبتسما‪ :‬انا سعيد جدا‪ ،‬كيف يىل ان‬
‫اشكرن بقصيدة‪.‬‬
‫ي‬ ‫قلت له‪:‬‬
‫للمرة الثانية كان ينوي اشعال سيجارته وتوقف‪ ،‬اعتىل صوت موج البحر‬
‫وانخفض ‪...‬‬
‫الشعر؟‬
‫انت اكتب ِ‬
‫عرفت ي‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬كيف‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ابعدت خصلة من خصالت شعري اىل الوراء ‪..‬‬
‫قلت مبتسمة‪ :‬خمنت ذلك فحسب‪.‬‬
‫رىم سيجارته عىل االرض‪ ،‬صبغ كالمه بالجدية ‪..‬‬
‫قوىل يىل الحقيقة‪ ،‬كيف‬
‫تقوىل يىل خمنت ذلك‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬اريد معرفة الحقيقة‪ ،‬ال‬
‫عرفت ذلك؟‬
‫ِ‬
‫قلت‪ :‬من عينيك تارة‪ ،‬ومن مقاالتك تارة اخرى‪ ،‬تأكدت من ذلك من طريقة‬
‫كتابتك‪ ،‬قرأت جميع مقاالتك‪ ،‬كانت طريقة َرسدك للكالم متناسقة وجميلة‪،‬‬
‫عيناك الجميلتي تشت بكل ايحاءاتها بأنك تكتب‪ ،‬تكتب ما تشعر‪.‬‬
‫ً‬
‫لشخص واحد فقط‪ ،‬كتبت له‬‫ٍ‬ ‫قال‪ :‬ال يعلم احدا بهذا االمر‪ ،‬لم اكتب إال‬
‫ٌ‬
‫قبلك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ولكنت محتفظ ِبها‪ ،‬ألول مرة كتبت لمن احببت‬
‫ي‬ ‫العديد من القصائد‬
‫ً‬
‫وقتئذ ان‬
‫ٍ‬ ‫كتت‪ ،‬طلبت منها‬
‫كانت البداية من هناك‪ ،‬استمر االمر جيدا حت تر ي‬
‫ه ال تستحقها حت ولو باتت متوكة‪ ،‬انا محتفظ بها‬‫تعيد يىل كل قصائدي‪ ،‬ي‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫السياش‬
‫ي‬ ‫بالشأن‬ ‫انشغلت‬ ‫‪،‬‬‫بعدها‬ ‫اكتب‬ ‫لم‬ ‫‪،‬‬‫ابدا‬ ‫احد‬ ‫ها‬ ‫أ‬
‫ر‬ ‫بيت‪ ،‬لم يق‬
‫يف ي‬
‫وكتابة المقاالت السياسية واالقتصادية‪.‬‬
‫ً‬
‫قلت له‪ :‬هل ستكتب يىل شعرا؟ أال تود تلبية ر ي‬
‫طلت؟‬
‫شياء دفنتها منذ سني‪ ،‬كنت اكتب لها كل يوم‪ ،‬يا ليتها كانت‬ ‫قال‪ :‬ذك ِرت يت بأ ٍ‬
‫حت القلم الذي‬
‫تستحق‪ ،‬ايقنت يف نهاية االمر أنها كانت ال تستحق حت ر‬
‫لقلت‬
‫اعدت ر ي‬
‫ِ‬ ‫ولكنك‬
‫ِ‬ ‫ألنت اتحدث بشأنها‬
‫ي‬ ‫كنت اكتب به‪( ،‬قمر)‪ ،‬انا اسف‬
‫ً‬
‫لديك موهبة الكتابة؟‬
‫ِ‬ ‫لشعر‪ ،‬هل‬
‫النبض‪ ،‬انا سعيد جدا ألنك من مح ر يت ا ِ‬
‫ً‬
‫لكنت ال احتفظ بما اكتب‪ ،‬اجمع ما اكتب اسبوعيا ثم ارميه‬ ‫ي‬ ‫قلت له‪ :‬اكتب‪،‬‬
‫ُ‬
‫الت نقشتها عىل جدار الكون وكتب لها‬ ‫يف سلة المهمالت‪ ،‬الكلمات الوحيدة ي‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫الت بعثتها لك برفقة هدية عيد ميالدك الجميل‪ ،‬ي‬ ‫ه تلك ي‬ ‫بأن تبق خالدة ي‬
‫ُ‬
‫الت ولدت بصحة جيدة وكتب لها ان تعيش‪ ،‬لم تدفن‬
‫الكلمات الوحيدة ي‬
‫تحت االحباط‪.‬‬
‫جلوش‪ ،‬جلست متكاتفة االيدي ‪..‬‬
‫ي‬ ‫غتت شكل‬
‫طلت‪ ،‬هل ستكتب يىل؟‬‫قلت‪ :‬للمرة الثالثة اكرر ر ي‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫بأبتسامة تفوق القمر الذي فوقنا جمإال قال‪ :‬كنت اتهرب من ط ِ‬
‫لبك‪ ،‬ال اجد‬
‫انت جميلة للغاية‪ ،‬احتاج لعدة لغات للتغزل‬
‫انوثتك‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ارهقتت‬
‫ي‬ ‫ما اكتبه االن‪،‬‬
‫بك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬انا لم احدد الغزل‪ ،‬انا طلبت ان تكتب يىل فحسب ‪..‬‬
‫ً‬
‫ألجلك‪ ،‬انت ال تستحقي شعرا لم يكتب‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬ما كتبته من قبل لم يكن‬
‫ألجلك‪ ،‬انت تستحقي مشاعر مولودة للتو‪ ،‬قصائد ثملة للغاية من اثر‬
‫اف‬
‫طاولت الصغتة‪ ،‬تبعثي النور ألور ي‬
‫ي‬ ‫عطرك‪ ،‬انت االن ضوء الشمع عىل‬
‫بأبيات‬
‫ٍ‬ ‫عدك‬
‫لك‪ ،‬سأحرق كل ما مض ألبدأ من جديد‪ ،‬أ ِ‬
‫عندما اكتب‪ ،‬سأكتب ِ‬
‫عدك‪.‬‬
‫بك‪ ،‬أ ِ‬ ‫مجنونة ِ‬
‫ً‬
‫قلت‪ :‬حسنا‪ ،‬سأنتظرك‪.‬‬
‫االمت واالقصاء‬
‫ي‬ ‫خوف عليه من الوضع‬ ‫ي‬ ‫حدثته عن مقاله االخت‪ ،‬ررسحت له‬
‫َ ُ‬
‫لت انش ما كنت اود قوله‪ ،‬كنا‬ ‫لكل االقالم المعارضة للحزب الحاكم‪ ،‬جع ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫مت‪ ،‬طلب‬ ‫جالسي ننظر اىل البحر‪ ،‬لم نكن نتكلم وجها لوجه‪ ،‬تقرب قليال ي‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ان َيضع يده خلف ظهري‪ ،‬اصبحت نظرات اعيننا امتدادا ألمواج البحر‪ ،‬لم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عيت كثتا وافتحها قليال‪ ،‬لم‬
‫عيت‪ ،‬استغليت الموقف ألغمض ي‬ ‫يعد ينظر اىل ي‬
‫كتق‪،‬‬
‫ي‬ ‫انظر لوجهه كنت انصت ألصابع يده فقط‪ ،‬كانت اصابعه تالمس‬
‫قلت ان يتوقف من شدة النشوة‪،‬‬‫كانت تتحدث يىل‪ ،‬كان لها صوت ولغة‪ ،‬كاد ر ي‬
‫ً‬
‫حوىل‪ ،‬تمنيت لو‬
‫ي‬ ‫يأن بيده االخرى ايضا‪ ،‬تمنيت لو تلتف كلتا يداه‬‫وددت ان ي‬
‫ُ‬
‫عىل حت تتهشم اضل يىع‪.‬‬
‫يطبقها ي‬
‫حدثت عن اتباعه‬
‫ي‬ ‫حدثت عن مشاريعه المستقبلية‪ ،‬عن كل ما كان ينوي إليه‪،‬‬
‫ي‬
‫ُ‬
‫هذه المرة بأنه يتكلم‬
‫الذين يراسلوه وهم مؤيدين لمبادئه وتطلعاته‪ ،‬شعرت ِ‬
‫من منطلق قوة بعد ان صار له مؤيدين واتباع‪ ،‬استمرينا بالحديث‪ ،‬واستمرت‬
‫بالعبث بمشاعري‪ ،‬استمر حت نسيت لفتات طويلة بأن اتنفس‪.‬‬ ‫يده َ‬
‫َ‬
‫قلت بأن يتوقف عن النبض‪ ،‬كنت‬
‫تغمرن االن تمكن ر ي‬
‫ي‬ ‫حجم السعادة ال يت‬
‫انوي االعتاض عىل الكثت من مبادئه وقيمه‪ ،‬كنت اريد ان احذره من تعابته‬
‫شء‪ ،‬اجلت ما اريد‬ ‫ر‬
‫لكنت نسيت كل ي‬‫ي‬ ‫الت يستخدمها يف مقاالته‪،‬‬
‫القاسية ي‬
‫ألنت االن ال اقوى عىل الكالم‪.‬‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫شء لم اكن بالحسبان‪ ،‬توقفنا كالنا عن الكالم‪ ،‬اندهشنا كثتا‪،‬‬ ‫فجأة حصل ي‬
‫ً‬
‫لم نتحرك من قوة الدهشة‪ ،‬نظرت إليه ثم نظر يىل‪ ،‬ابتسمنا سويا ‪...‬‬
‫بالشوق ونحن ال نزال جالسي‪ ،‬استمرينا بالجلوس منذ يوم‬ ‫بدأت الشمس ر‬
‫أمس‪ ،‬بزغ ضوء الشمس‪ ،‬بدأ يتخلل السماء‪ ،‬استعدت الشمس ر‬
‫للشوق وانا‬
‫يمض من الليل إال دقائق‪ ،‬أي قليل هذا وانا لم انظر‬
‫ي‬ ‫للتو كنت ارى القمر‪ ،‬لم‬
‫اله كم انا مغيبة عن الواقع‪ ،‬كم مضينا‬
‫لساعت البتة‪ ،‬لم اشعر بالتعب‪ ،‬يا ي‬
‫ي‬
‫من الوقت؟ اين كنت؟ اين انا االن؟‬
‫َ‬
‫بعد ثوان من الصمت‪ ،‬ض ِحكنا ‪...‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫وضع يده فوق يدي ‪..‬‬ ‫أىل‪ ،‬عدنا نجلس وجها لوجه‪،‬‬‫التفت ي‬
‫ٌ‬
‫قال‪ :‬لم نشعر بالوقت‪ ،‬جعلت ِك تسهرين‪ ،‬اسف ي‬
‫ألنت جعلت ِك تتأخرين بهذا‬
‫القدر‪.‬‬
‫ً‬
‫اسعدن هذا اللقاء جدا‪،‬‬
‫ي‬ ‫اجبته‪ :‬ظننت بأننا قضينا ساعتي او ثالث‪ ،‬ال عليك‬
‫ولكن علينا الذهاب االن‪.‬‬
‫وضعت يدي الثانية فوق يده ‪..‬‬
‫ً‬
‫قلت له‪ :‬سألقاك دائما‪.‬‬
‫ُ‬
‫أنته اللقاء الجميل‪ ،‬كنت يف جنة ال تصفها كتب الدين ‪ ،‬لقاؤنا كان يف غاية‬
‫بأذن‪ ،‬منذ ان كنت بانتظاره وحت‬
‫ي‬ ‫الوع منذ ان همس‬
‫ي‬ ‫الروعة‪ِ ،‬غبت عن‬
‫ررسوق الشمس ‪.‬‬
‫انهينا حديثنا عىل امل اللقاء‪ ،‬رجعت اىل البيت‪ ،‬دخلت ببطء يك ال احدث‬
‫ً‬
‫غرفت‪ ،‬اردت خلع‬
‫ي‬ ‫اىم‪ ،‬تفقدتها يف غرفتها بهدوء‪ ،‬صعدت اىل‬
‫صوتا وازعج ي‬
‫اش‪،‬‬ ‫ر‬
‫ولكنت توقفت‪ِ ،‬عطره ال زال يغمرها‪ ،‬استلقيت عىل فر ي‬ ‫ي‬ ‫مالبش‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫شء غت وجهه‪ ،‬ال اريد ان اسمع صوتا غت‬
‫عيت‪ ،‬ال اريد ان ارى ي‬‫ي‬ ‫اغمضت‬
‫صوته‪ ،‬ال اتنفس غت عطره‪ ،‬ال اريد ان انش كل كلمة قالها‪.‬‬
‫مالبش‪ ،‬بقيت‬
‫ي‬ ‫ررسقت الشمس بأكملها وانا ال زلت اتأمل كل كلمة قالها‪ ،‬غتت‬
‫اىم ألتناول‬
‫غرفت انتظر موعد استيقاظ ي‬
‫ي‬ ‫طاولت الصغتة يف‬
‫ي‬ ‫جالسة عىل‬
‫بأن‬
‫االفطار معها‪ ،‬كما اعتدت يف ايام العطل عىل ذلك‪ ،‬ال اريد ان تشعر ي‬
‫اهملها‪.‬‬
‫قضيت النهار وانا انظر اىل الشمس واعاتبها بسبب ررسوقها‪َ ،‬لم ررسقت‬
‫ً‬
‫وانهيت لقاؤنا؟ كنت اريد مزيدا من الوقت قربه‪.‬‬
‫نفش‪ ،‬هل ما تبق من عمري‬
‫ي‬ ‫انتابت القلق‪ ،‬كنت اسأل‬
‫ي‬ ‫رغم الفرح الوفت‪،‬‬
‫كاف لحبنا؟ كانت ليلة االمس بقربه رسيعة الساعات‪ ،‬بت اخاف ان يمر‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫الوقت القادم رسيعا‪ ،‬كما كنت بي يديه رسيعة الذوبان‪ ،‬كان لقاؤنا كنسيم‬
‫اللياىل القادمة؟ ماذا بشأن ما تبق‬ ‫ٌ‬
‫عذب للغاية‪ ،‬ما بال‬ ‫البحر يف شهر ايلول‪،‬‬
‫ي‬
‫من العمر؟‬
‫وانا اعشقه ُكل يوم ر‬
‫اكت‪ ،‬مرت االيام ‪...‬‬ ‫ٍ‬
‫أجابت بأنه بخت وان حالته‬
‫ي‬ ‫ذات مساء اتصلت (بزياد) لالطمئنان عن صحته‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قد تحسنت‪ ،‬كان صوته مهموما‪ ،‬ترجيته كثتا ألعلم ما به ولم يتكلم‪ ،‬ذهبت‬
‫ً‬
‫مشعة اىل بيته‪ ،‬طرقت باب بيته‪ ،‬فتحت زوجته الباب‪ ،‬كنت خائفة من‬
‫الق التحية عليها‪ ،‬سألتها عىل الفور "هل‬
‫مالمحها‪ ،‬خائفة مما ستقوله‪ ،‬لم ي‬
‫زياد بخت؟"‬
‫داع للقلق‪ ،‬بعد ان رحبت ر ين دخلت اىل البيت‪،‬‬
‫اجابتت بأنه بخت وان ال ي‬
‫ي‬
‫ً‬
‫وجدت (زياد) جالسا لوحده‪ ،‬الحظت امامه مجموعة من االوراق‪ ،‬القيت‬
‫جلبت زوجته فنجاني من القهوة‪،‬‬
‫التحية عليه‪ ،‬جلست امامه‪ ،‬لم يتكلم‪ِ ،‬‬
‫قهون عىل عجل يك ابدأ اكالم معه ‪..‬‬
‫ي‬ ‫ررسبت‬
‫قلت له‪ :‬ما بك؟‬
‫عصيبة بعض ر‬ ‫ر‬
‫الشء‪،‬‬
‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫بظروف‬
‫ٍ‬ ‫بوجه عبوس‪ :‬ال ي‬
‫شء انا بخت‪ ،‬امر‬ ‫ٍ‬ ‫قال‬
‫انت عىل ما‬
‫واختت ِك ي‬
‫ر‬ ‫عت الهاتف‬
‫استغربت من مجيئك‪ ،‬كنا نتكلم منذ قليل ر‬
‫يرام؟‬
‫َ‬
‫قلت مستغربة‪ :‬لم تتحدث ي‬
‫مىع بهذه الطريقة؟ جئت بعد ان شعرت بأنك‬
‫متعب‪ ،‬قلقت عليك ال ر‬
‫اكت‪ ،‬لما وجهك شاحب اىل هذه الدرجة؟‬
‫مىع‬
‫مرض االختة تركت مهام العمل لشاب يعمل لدي‪ ،‬قض ي‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬يف فتة‬
‫ً ً‬ ‫ر‬
‫اكت من عام‪ ،‬كان مخلصا جدا‪ ،‬ال اعلم لما فعل ذلك؟‬
‫والصت ينفذ‪ :‬ماذا فعل بك؟ ما الذي حصل؟‬
‫ر‬ ‫قلت‬
‫رسقت‪.‬‬
‫ي‬ ‫قال‪:‬‬
‫ً ُ‬
‫اندهشت كثتا‪ ،‬قلت‪ :‬رسق ايراداتك‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫قال‪ :‬االمر سهال لو انه َرسق دخل المطعم فحسب‪ ،‬يىل خزينة يف المطعم‬
‫ً‬
‫مىع فتة طويلة بالعمل ثبت جدارته‪،‬‬
‫ه ايضا‪ ،‬بعد ان قض ي‬ ‫وجدتها مشوقة ي‬
‫ان وانا احفظ االموال يف‬
‫بدأت منذ وقت قصت بمنحه الثقة‪ ،‬أعتاد ير ي‬
‫لكنت لم اعطيه نسخة من مفاتيحها او رقمها الشي‪ ،‬كيف تمكن‬
‫ي‬ ‫الخزينة‪،‬‬
‫من فتحها دون كش او خدش!!‬
‫اختت ر‬
‫الشطة؟‬ ‫قلت‪ :‬هل ر‬
‫قال‪ :‬ما النفع؟ جاءت ر‬
‫الشطة ولم تجد أي بصمات عىل الخزنة‪.‬‬
‫تختهم عن محل سكنه واسمه او حت صورته؟‬ ‫قلت‪َ :‬‬
‫لما لم ر‬
‫قال‪ :‬ال اعلم عنوانه‪ ،‬ر‬
‫اخت ين ذات مرة بأنه يسكن أحدى القرى خارج المدينة‪،‬‬
‫ً‬
‫ه تحديدا‪ ،‬كانت ِسماته تمنع يت من الشك‪ ،‬من الممكن ان‬ ‫ال اعرف اين ي‬
‫يظهر يوم غد او يتصل ر ين‪ ،‬انا اتهمه فقط‪ ،‬ألنه لم يظهر بعد الحادث‪ ،‬وهو‬
‫غيان‪ ،‬كيف يىل ان اتهم غته‪ ،‬هو‬
‫ري‬ ‫المسؤول والمؤتمن عىل المطعم يف‬
‫السارق‪ ،‬ال شك يف ذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هل المبلغ كبت؟‬
‫يمكنت سداد‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬يتطلب تسديد المبلغ دخل المطعم لشهرين او ثالث‪ ،‬ال‬
‫امواىل يف تجارة ال استطيع استجاعها منها قبل ستة شهور‬
‫ي‬ ‫المبلغ‪ ،‬جميع‬
‫قادمة‪ ،‬حي تعافيت ورجعت اىل ادارة المطعم‪ ،‬سمعت من العاملي بأنه لن‬
‫يأن اليوم‪ ،‬حاولت االتصال به‪ ،‬لم استطع‪.‬‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫شء بخت‪ ،‬انت‬ ‫انزعجت كثتا ألجله‪ ،‬قلت‪ :‬هون عىل نفسك سيكون كل ي‬
‫َ‬
‫االن معاف‪ ،‬ستتمكن سداد الدين‪.‬‬
‫َ‬
‫قال‪ :‬قمر‪ ،‬الدين بحاجة اىل ان يعمل المطعم بدون تكاليف لمدة شهرين او‬
‫ثالث عىل اقل‪ ،‬اليوم لم اطلب من العاملي ان يأتوا اىل المطعم ‪ ،‬علقت‬
‫اماىم‬
‫لوحة ألغالقه‪ ،‬جلست منذ الصباح يك اتفكر باألمر‪ ،‬ليس هنالك خيار ي‬
‫انت ابيع المطعم لسداد الديون‪.‬‬
‫سوى ي‬
‫قلت‪ :‬كيف ذلك!! لديك متل وثالث بنات بحاجة اىل مصاريف‪ ،‬عالوة عىل‬
‫ذلك ستدخل (بيلسان) الجامعة هذا العام‪ ،‬لن تكون عىل ما يرام بقرارك هذا‪،‬‬
‫حاول ان تجد قرار غته‪ ،‬فكر يف استئناف العمل وستتعدى هذه المحنة‪.‬‬

‫قال‪ :‬كان االمر عىل ما يرام لو كان يىل ابن‪ ،‬كنت سأكلفه بالعمل وقت ر ي‬
‫غيان‪ ،‬ما‬
‫كنت ألمر بهذه الظروف‪.‬‬
‫ً‬
‫قلت‪ :‬دعك من هذا التفكت‪ ،‬انت رجل مؤمن‪ ،‬تعرف هللا حقا‪ ،‬هذا قدرك وما‬
‫ً‬
‫بالصت‪ ،‬ستجد حال‪ ،‬امنح قرارك بعض‬
‫ر‬ ‫ر ِزقت ِبه نعمة غتك لم ينالها‪ ،‬عليك‬
‫ً‬
‫الوقت‪ ،‬ال تفكر ِبه االن‪ ،‬استأنف العمل‪ ،‬وسنفكر يف االمر مليا خالل هذه‬
‫الفتة‪.‬‬
‫اقحمك‬
‫ِ‬ ‫تعكر وجهه‪ ،‬وقال‪ :‬قمر‪ ،‬عودي ِ‬
‫انت اىل المتل‪ ،‬انا ال اريد ان‬
‫وشأن‪.‬‬
‫ي‬ ‫دعيت‬
‫ي‬ ‫اماتك‪،‬‬
‫لديك الت ِ‬
‫ِ‬ ‫لك ما يشغلك‪،‬‬
‫انت ِ‬
‫بمشاكىل‪ِ ،‬‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫صديق‪ ،‬لن اتركك‪ ،‬يهم يت شأنك‪ ،‬ارجوك ان تفعل شيئا واحدا‬
‫ي‬ ‫قلت له‪:‬‬
‫فقط‪ ،‬اعط لنفسك بعض الوقت‪ ،‬استأنف العمل‪ ،‬وان لم نتوصل اىل حل‬
‫حينها نفذ قرارك‪.‬‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬حسنا‪.‬‬
‫ر‬
‫قلت له‪ :‬سألتقيك يوم الغد او بعد غد لنتكلم باألمر‪ ،‬سيكون كل ي‬
‫شء عىل ما‬
‫صدقت‪.‬‬
‫ي‬ ‫يرام‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫امتثل لما قلته له‪ ،‬عملت جاهدة يك اقنعه بأن ال يتك عمله‪ ،‬سيتألم كثتا لو‬
‫ً‬
‫حصل ذلك‪ ،‬يمتلك مطعما يستقطب السياح طيلة اوقات السنة حت اصبح‬
‫ً‬
‫الت قضاها ألجل ان يكون ما‬‫احد معالم المدينة‪ ،‬اعلم جيدا عدد السني ي‬
‫عليه االن‪.‬‬
‫ً‬
‫عمىل يف الصحيفة ثم خرجت مشعة للعودة‬ ‫ي‬ ‫يوم ممطر‪ ،‬انهيت‬ ‫بعد ظهتة ٍ‬
‫اىل البيت‪ ،‬بعث يىل (احمد) رسالة‪ ،‬كتب فيها كلمتي تشبه اعاصت ررسق اسيا‪،‬‬
‫لك)‪.‬‬‫بوجدان الكثت‪ ،‬كتب يىل (اشتقت ِ‬
‫ي‬ ‫آثرت‬
‫ً‬
‫كنت قد اشتقت له بعدد ما عىل االرض من مطر‪ ،‬اتصلت به‪ ،‬وجدته خارجا‬
‫ً‬
‫سألت‪" :‬ما‬
‫ي‬ ‫للتو من عمله‪ ،‬اتفقنا ان نتناول الغداء سويا‪ ،‬خالل حديثنا الشيق‪،‬‬
‫عيناك؟ فيها بعض الحزن"‬
‫ِ‬ ‫بها‬
‫بأنت مهمة لديه‪ ،‬انه‬
‫كم اشعر باألمان حي يشعر ر ين دون ان اتكلم‪ ،‬اشعر ي‬
‫ان فحسب‪.‬‬ ‫َ‬
‫يتمعن يت‪ ،‬هو ال ير ي‬
‫ر ي‬
‫انزعاح‬ ‫حيان‪ ،‬خالل الحديث اجبته عن‬
‫ي‬ ‫حدثته عن (زياد) وعن مكانته يف‬
‫ر‬ ‫ُ‬
‫حديت وجد‬
‫ي‬ ‫نه‬
‫بسبب موضوعه‪ ،‬وكيف تمت رسقة خزينته‪ ،‬وقبل ان ا ي‬
‫ً‬
‫(احمد) للموضوع حال‪ ،‬كان المضف الذي يعمل فيه يتعامل بالقروض‬
‫االستثمارية‪ ،‬افهمت حول طريقة تعاملهم‪ ،‬اوصان بأن افهم (زياد) ر‬
‫بالشوط‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫والضمانات المطلوبة وال سيما وان له مشوعا استثماريا ليس بالصغت‪.‬‬
‫روح بأن اخرج (زياد) من ازمته‪ ،‬بعد عدة ايام اتصل‬
‫ي‬ ‫تمكنت بمساعدة رفيق‬
‫ر ين وهو سعيد للغاية‪ ،‬قال يىل بأنه تجاوز محنته وان هنالك سبب اهم‬
‫بعالمات عالية يف الدراسة الثانوية وانها‬
‫ٍ‬ ‫لسعادته وهو نجاح ابنته (بيلسان)‬
‫قد قررت ان تختار كلية العلوم السياسية ألكون استاذتها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بأنت قدمت له شيئا بسيطا‬‫ي‬ ‫صديق المقرب‪ ،‬شعرت‬‫ي‬ ‫فرحت لفرحه فهو‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫الت فتحت‬‫مقابل ما قدمه يىل من السعادة مسبقا‪ ،‬ال زلت اتذكر تلك اللحظة ي‬
‫ئ‬
‫ألنهان الدراسة الثانوية‪ ،‬ال زلت اتذكر اول‬ ‫تغمرن‬ ‫فيها هديته والسعادة‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫هاتف محمول اهداه يىل‪ ،‬كنت يف ذات الموقف الذي يراه بأبنته (بيلسان)‬
‫ألنت سأدخل اىل‬‫ي‬ ‫شهادن بفخر شديد‬
‫ي‬ ‫ه االن‪ ،‬امسك‬ ‫االن‪ ،‬كنت كما ي‬
‫ً‬
‫الجامعة‪ ،‬تلك اللحظة المهمة عند كل بنت يف هذا العمر‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بيت وبينها تتمثل‬
‫شابهت ابنته بفرح النجاح فقط‪ ،‬كانت هنالك ثمة فروقات ي‬
‫بنعومة اليد وشكل االبتسامة واالشتاك يف حوارات التفاخر والغرور بي‬
‫ُ‬
‫مثىل‪ ،‬لم تكن تعمل من اجل‬‫ي‬ ‫اصدقاء الدراسة او التهرب منها‪ ،‬لم تكن‬
‫ُ‬
‫مثىل‪ ،‬لم تكن‬
‫العيش‪ ،‬لم تكن تتوسد االلم‪ ،‬لم تكن تعرف الحرمان‪ ،‬لم تكن ي‬
‫اش‪.‬‬ ‫ً‬
‫تمتلك حذاء واحدة طيلة العام الدر ي‬
‫لم أقع يف الـحب‬
‫لقد مشيت إليه بخىط ثابتة‬
‫العيني حت أقض َمداهما‬ ‫مفتوحة َ‬

‫ان ( واقفة) يف الـحب‬


‫ي‬
‫ال (واقعة) يف الـحب‬
‫وعت‬
‫ي‬ ‫أريدك بكامل‬

‫"أعلنت عليك الـحب"‬


‫غادة السمان‬
‫الفصل الثالث‬

‫يف المقه‪ ،‬كان الشعب يتحدث مع نفسه‪ ،‬يتساءل الجميع عما سيجري يف‬
‫ً‬
‫الفتة القادمة‪ ،‬ستجري االنتخابات والحزب الحاكم يتسع نفوذا بسبب‬
‫ً‬
‫سذاجة االغلبية واستغالله لرجال الدين واستغالل رجال الدين له ايضا‪،‬‬
‫كانت العالقة بي المناصب الدينية والدنيوية عالقة تبادل المنفعة‪.‬‬
‫ً‬
‫قال احدهم يف المقه نقال عن رجل دين مهم بأن "عدم انتخاب الحزب‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫الحاكم سيلحق الضر بهذا البلد‪ ،‬و إن ل ِحق الضر بالبلد فأن كل من لم‬
‫ينتخبه آثم‪".‬‬
‫ً‬
‫كان الشعب حائرا بي الخوف من التغيت والخنوع من اجل البقاء‪ ،‬كان‬
‫ً‬
‫الحزب الحاكم ذكيا‪ ،‬فقد تعاقد مع رجال الدين كافة من خالل أخذ كبارهم‬
‫ومنحهم ترف الحياة‪ ،‬وضع الحواجز العالية بينهم وبي معاناة الشعب‪ ،‬هذا‬
‫رض باألمر لعدم امكانية‬
‫ي‬ ‫الشعب الذي بدوره انقسم لنصفي‪ ،‬االول‬
‫فق ذلك مخالفة ألحكام‬
‫الديت‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫االعتاض عىل ما يوافق عليه زعيمهم‬
‫االديان يف المساجد والكنائس وهم اعلم بما يفعلون وال يجوز الخروج عن‬
‫طاعتهم‪.‬‬
‫اما النصف االخر فكان بشقي‪ ،‬منهم من تفهم االمر فالتم الصمت‪ ،‬ومنهم‬
‫من لم يلتم فتم اتهامه بأعظم التهم وبأبسط الطرق‪ ،‬سجون القمع امتألت‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫بالكتاب والمثقفي واالدباء‪ ،‬كان الحال صعبا بي الرضوخ والسالمة‪ ،‬وما بي‬
‫الكرامة والمنق‪.‬‬
‫حزبنا الحاكم استمر ر‬
‫ألكت من عقدين من الزمن‪ ،‬كان مجيئهم بفضل قوة‬

‫فرقة االغتياالت ي‬
‫الت يمتلكونها ابان وقت تأسيسهم‪ ،‬قتلوا كل من فضح‬
‫ً‬
‫الت ال تعرف طريقا اىل من‬
‫حقائقهم الزائفة ومبادئهم الكاذبة واهدافهم ي‬
‫خالل فوهات البنادق‪ ،‬خالل فتة قليلة تمكنوا من اصابة الذعر يف ذلك‬
‫الوقت‪ ،‬وصلوا اىل الحكم بعد ان قتلوا الزعيم الذي سبقهم لقتل الشعب‪،‬‬
‫بدأوا بقتل كل من خالفهم الرأي ولم ينتهوا اىل يومنا هذا‪.‬‬
‫عشات االحزاب والجبهات والتجمعات تحت مسميات‬ ‫ف بالدنا هناك ر‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مختلفة ولكن الحاكم كان حزبا واحدا‪ ،‬كان يسمح للجميع بحرية الرأي‬
‫ََ‬
‫قيد يف اوراق التحقيقات‬ ‫والتعبت يف الوقت الذي كانت جميع االغتياالت ت‬
‫ضد (مجهول)‪ ،‬كانت مصت كل من يحاول ان يؤجج الشعب او ان يذكره‬
‫ً‬
‫بأبسط حقوقه‪ ،‬هذا (المجهول) معروف لدى الجميع ولكن ال يتجرأ احدا‬
‫ً‬
‫توجيه اصابع االتهام له‪ ،‬ومن وجهها مسبقا رجعت إليه يده من دون اصابع‪.‬‬
‫اما عن االنتقادات للوزراء والمسؤولي المرموقي يف اجهزة الدولة فكان‬
‫ً‬
‫مسموحا بها يف وسائل االعالم وخصوصا الجرائد‪ ،‬كان الحاكم يعرف كيف‬
‫يجعل من هذا النقد (اشاعات من ِقبل اعداء النجاح) بواسطة اتباعه من‬
‫رجال الدين أليام االحد يف الكنائس وأليام الجمعة يف المساجد‪ ،‬اما عن بقية‬
‫االديان فانهم اعتادوا عىل الصمت فهم غت قادرين عىل الدفاع عن أنفسهم‬
‫ً‬
‫لو تم اتهامهم بتهمة تمس الحاق الضر بأمن الدولة‪ ،‬كان عددهم قليل جدا‪،‬‬
‫محام بسيط الشهرة ليتوكل بالدفاع عنهم‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ال بل انهم ال يمتلكون اتعاب أي‬
‫تم اقصاؤهم من كل المناصب المهمة يف الدولة ألنهم اقلية ومن فضائل‬
‫الحزب الحاكم انه جعلهم يعيشون عىل ارض هذه البالد‪.‬‬
‫كان المقه يتداول اخبار الشهور المنضمة‪ ،‬كانت هذه الشهور مليئة‬
‫باالتفاقات واالئتالفات سياسية بي االحزاب الصغتة‪ ،‬عدا الحزب الحاكم‪،‬‬
‫ً‬
‫والت ستكون نسبتها‬
‫ي‬ ‫جاءت هذه االتفاقات تحضتا لالنتخابات القادمة‬
‫ساحقة للحزب الحاكم بالتوير كالعادة‪ ،‬حزب يمتلك زمام مفاصل الدولة‬
‫ٌ‬
‫حزب ال يصعب عليه ان‬ ‫كافة وله حق القتل بكاتم الصوت دون محاكمة‪،‬‬
‫تكون نسبته يف االصوات المنتخبة ساحقة‪ ،‬تضاف إليهم اصوت‬
‫المستفيدين من خزينة هذه الدولة والسذج الذين ال يعرفون كم تمتلك‬
‫خزينتهم‪.‬‬
‫ً‬
‫اع كثتا مشاعر الحزب الحاكم‪ ،‬كانت صيغة األخبار المتداولة‬
‫كان المقه ير ي‬
‫تنشها ر‬
‫نشة االخبار يف المذياع الموجود يف احد اركان المقه‪،‬‬ ‫بالصيغة الت ر‬
‫ي‬
‫ً‬
‫وان اراد احدا ان يخرج عن النص فيتوجب عليه هنا ان يخرج خارج المقه‬
‫قبل خروجه عن النص‪ ،‬وإال سيخلو المقه والشارع من المارة بعد ان يقول‬
‫رأيه النقدي‪.‬‬
‫الت يرتادها االدباء والمفكرين‬
‫المقاه ي‬
‫ي‬ ‫هذا المقه كان يشابه الكثت من‬
‫والناشطي الصم‪ ،‬يف بالدنا الناشطي صم‪ ،‬منشوراتهم صماء‪ ،‬ألن الحزب‬
‫الصمت والسجن‪ ،‬اختاروا ان يكتبوا يف الجرائد والكتب‬ ‫الحاكم ختهم بي َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫المقاه‪.‬‬
‫ي‬ ‫فقط‪ ،‬دون ان نسمع لهم صوتا او هتافا يف هذه‬
‫كان (سعيد وهشام) قد بدأوا حملة توعية لعامة الناس منطلقي من هذه‬
‫ً‬
‫المقاه تحديدا‪ ،‬بعد ان بدأ (احمد) زعامة هذه الحملة يف بقية المحافظات‬
‫ي‬
‫خارج العاصمة‪.‬‬
‫ً‬
‫امتازت هذه الفتة بالمرونة نوعا ما بسبب التشيح لالنتخابات‪ ،‬يستغلها‬
‫يرض الحزب الحاكم‪ ،‬كانت الفتة‬
‫ي‬ ‫الكثت من الناشطون للكالم والهتاف بما‬
‫تعتت منشوراتهم فيها (صماء)‪،‬‬
‫الت ال نسميهم فيها (الصم)‪ ،‬كما ال ر‬
‫الوحيدة ي‬
‫كانت كل الشعارات والهتافات وتجارة المبادئ ومزايدات القيم مسموح بها‬
‫ررسيطة ان ت ر‬
‫عت عن نفسك وعن حزبك‪ ،‬المهم ان ال يتطاول كالمك الحزب‬
‫الحاكم وافراده يف المناصب السيادية او ان تنوي انتقادهم او توعية الناس‬
‫ألحد بتعكت صفو‬
‫ٍ‬ ‫ألحد بأيقاظ الشعب‪ ،‬ال يسمح‬
‫ٍ‬ ‫من غفوتهم‪ ،‬ال يسمح‬
‫احالمهم بالحياة الهانئة‪ ،‬ذلك ممنوع ألن الحزب ينتهز نومهم ليشق قوتهم‪.‬‬
‫لم اكن اعلم بأن (احمد) قد استغل هذه الفتة لالعالن عن مخططاته‪،‬‬
‫والت دعت الناس للتظاهر واالعتصام‬
‫تزامنت هذه الفرصة مع مقالته االختة ي‬
‫يف الساحات العامة ضد قرار الحكومة بعدم السماح لمنظمة لالمم المتحدة‬
‫ر‬
‫باألرساف عىل االنتخابات القادمة‪ ،‬كان هذا هو الدليل والسند الذي يقدمه‬
‫(احمد) للناس‪ ،‬ادع ف مقالته االختة ان عدم قبول الحكومة ر‬
‫لألرساف‬ ‫ي‬
‫وبالتاىل ستكون النتيجة‬
‫ي‬ ‫الدوىل عىل االنتخابات يكشف مساعيها للتوير‪،‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫معروفة كالمعتاد‪ ،‬سيبق الحزب جاثما عىل صدورنا‪.‬‬
‫خالل هذه الفتة استغل الحزب الحاكم اتباعه من رجال الدين ألصدار‬
‫ً‬
‫التعليمات والوصايا الدينية ألنتخاب الحزب الحاكم‪ ،‬فضال عن انه جعل‬
‫رجال الدين من مرشحيه المهمي وعىل العبيد انتخابهم‪ ،‬وبذلك ضمن‬
‫الحاكم ان رئاسة الدولة ستبق بيده‪ ،‬وضمن رجال الدين قصورهم وعجالتهم‬
‫كاتم للصوت‪،‬‬
‫بسالح ٍ‬
‫ٍ‬ ‫الفخمة المصنوعة من عظام الشهداء الذين استشهدوا‬
‫ً‬
‫ضمنوا ايضا حساباتهم المضفية المتخمة بأالف الجياع‪.‬‬
‫قض (احمد) ما يقارب السنتي بكتابة المقاالت لتوعية عامة الشعب ولم‬
‫الوهم الذي كان يكتب‬
‫ي‬ ‫يكتسب الشهرة‪ ،‬اخذ (ألياس) الشهرة منه‪ ،‬االسم‬
‫من وراء ستائره‪ ،‬كان من الصعب عليه ان يعتف بذلك لمؤيديه ومنارصيه‪،‬‬
‫كان يخجل أن يقول لهم انه يخاف من فوهة بنادق االغتيال‪ ،‬كانت حقيقة‬
‫االمر حرصه عىل حزن ابيه‪ ،‬هذا كان ررسط ابيه ليوافق بأن يكتب يف‬
‫ً‬
‫الصحف‪ ،‬ولكن لن يستوعبه احدا بحسب ماهيته‪ ،‬ستكون النتيجة عكسية‪.‬‬
‫اش جديد‪ ،‬تناولت‬
‫عام در ٍي‬
‫دواىم غت منتظم يف الجامعة‪ ،‬كنا عىل ابواب ٍ‬
‫ي‬ ‫كان‬
‫قض عدة ايام يتنقل بي مدينة‬
‫ي‬ ‫الفطور مع (احمد) ذات صباح‪ ،‬كان قد‬
‫ئ‬
‫يطمي عىل‬ ‫ئ‬
‫اطمي عليه خالل الهاتف كل صباح‪ ،‬وهو‬ ‫واخرى فلم اراه‪ ،‬كنت‬
‫ً‬
‫مشاعري اتجاهه كل مساء‪ ،‬كنا نسهر سويا‪ ،‬كنا نوقد النجوم الساطعات‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ونطفئها مت نشاء‪ ،‬كنا نتنفس سويا‪ ،‬نحلم سويا‪ ،‬كنا سويا يف جسد واحد‪،‬‬
‫بثياب واحدة تمتاز بالوان قوس قزح‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫عىل رسير واحد‪،‬‬
‫صباح باكر وبالقرب من مكان عمله تناولنا الفطور‪ ،‬جلسنا وتكلمنا عن ما‬
‫ٍ‬ ‫يف‬
‫جرى خالل هذه االيام‪.‬‬
‫اىل وان‬
‫الليت ي‬
‫حدثت حول مشاريعه‪ ،‬كان ينوي أن يقدم استقالته من الحزب ر‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يؤسس حزبا جديدا مستندا اىل ر‬
‫كتة انصاره ومؤيديه خالل هذه الفتة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫باالضافة اىل جميع من كانوا عىل تواصل معه هاتفيا لتحديد موعدا للتظاهر‪،‬‬
‫يجتوا الحكومة عىل قبول رارساف االمم‬
‫او لالعتصام إن تطلب االمر‪ ،‬يك ر‬
‫المتحدة عىل االنتخابات المزمع اقامتها‪ ،‬كان له عدة اراء‪ ،‬كانت له عدة‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫اىل لكونه كان غت مقتنعا بما يكنوا من كراهية‬
‫الليت ي‬
‫ر‬ ‫خالفات مع الحزب‬
‫وبغضاء للمتديني وطقوسهم‪ ،‬هم ليسوا حياديي‪ ،‬كان يف رأيهم عدم اتباع‬
‫ً‬
‫يعت انك مثقف‪ ،‬وعدم االعتاف بوجود الرب يجعلك ثوريا‪ ،‬كان‬ ‫أي دين ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اىل وبي تشكيل‬‫الليت ي‬
‫خائفا عىل انصاره‪ ،‬كان حائرا بي ضم انصاره اىل الحزب ر‬
‫حزب خاص وتحمل تبعاته مهما كانت‪ ،‬كان قرب االنتخابات يمنعه من‬
‫ٍ‬
‫العزلة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫الواع ومبادئ الكتب‬
‫ي‬ ‫رأيت فيه الزهد وحسن الخلق‪ ،‬رأيت فيه ايضا الفكر‬
‫السماوية‪ ،‬كان ال ينوي الحصول عىل المكاسب المادية او ترأس الصفقات‬
‫حدثت عن عمله‪.‬‬
‫ي‬ ‫عىل حساب قوت البسطاء‪ ،‬لمست ذلك حي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وختته‬
‫يرأس (احمد) قسما صغتا يف المضف الذي يعمل به‪ ،‬كانت كفاءته ر‬
‫تؤهله لمنصب اكت‪ ،‬ولكنه رفض‪ ،‬عرض عليه الكثت وترف ر‬
‫ألكت من مرة إال‬ ‫ر‬
‫انه رفض‪.‬‬
‫ر‬
‫المتفش يف بالدنا وهو ال يخضع لها‪ ،‬ونحن‬ ‫رفض بسبب مرض الوساطة‬
‫ي‬
‫اخت ين بأنه لم يستلم مهام أي‬
‫نتحدث بصدد (زياد) والقروض االستثمارية‪ ،‬ر‬
‫منصب يوكل إليه اعىل من منصبه حت ال يخش وظيفته‪ ،‬حي يرفض‬
‫وساطة أي شخص مهم يف أي حزب سيتعرض لألذى‪ ،‬كانت الضوابط‬
‫والقواني تحكم حياته كالكتاب المقدس‪ ،‬من حسن حظه‪ ،‬كان مديره رجل له‬
‫يحب‬‫نفوذه الكبت ف الحزب الحاكم بسبب صلة قرابته بعائلة الرئيس‪ ،‬كان َ‬
‫ي‬
‫ً‬
‫(احمد) كثتا ويشجعه عىل نشاطاته الفكرية‪ ،‬كان امره غريب‪ ،‬كان ال يؤيد‬
‫الحزب الحاكم ولكن قرابته من السلطة الحاكمة كانت وسيلته يف ادارة‬
‫اكت المصارف يف بالدنا‪.‬‬
‫عتت ر‬
‫المضف الذي ي ر‬
‫ً‬
‫يف نهاية حديثنا قرر (احمد) ان يحدد يوما للتظاهر يف مركز المدينة‪ ،‬كما قرر‬
‫بأن يتك ِفكرة تأسيس الحزب اىل ان تظهر نتائج المظاهرة وما ستثمر‪.‬‬
‫ً‬
‫جاء النادل مصطحبا الطعام فأنه حديثنا الذي كان قد اوشك عىل االنتهاء‪،‬‬
‫وضع الطعام عىل الطاولة‪ ،‬أطربنا صوت السيدة (فتوز)‪ ،‬انبثق صوتها يف‬
‫ارجاء المكان قبل ان نبدأ بتناول طعامنا‪ ،‬انصت لها مبتسمة‪ ،‬كنت قد حدثته‬
‫ً‬
‫ادمان لسماعها كل صباح‪.‬‬
‫ي‬ ‫عشق ألغانيها وشدة‬
‫ي‬ ‫كثتا عن‬
‫لم يتناول (احمد) طعامه‪ ،‬اقتطع لقمة ووضعها يف شوكته‪ ،‬مد يده نحوي‪،‬‬
‫اطعمت اياها‪.‬‬
‫ي‬
‫عيت‪ ،‬اغمضتها ألنصت ِلما تحمله هذه اللحظة من‬
‫ي‬ ‫وانا اتناولها اغمضت‬
‫وه تقول يف ذات اللحظة‪..‬‬
‫جمال‪ ،‬اغمضتها ألنصت لفتوز ي‬
‫"نطرتك انا‬
‫ندهتك انا‬
‫رسمتك عىل المشاوير‬
‫يا هم العمر‬
‫يا دمع الزهر‬
‫يا مواسم العصافت"‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫كانت لحظة تساوي مائة عام من الحضارة البابلية‪ ،‬لحظة تتك اثارا يف الروح‬
‫تفوق عظمة اثار البابليي وزقوراتهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ ً‬
‫اقتطع بعدها لقمة صغتة له وتناولها ببطء ‪...‬‬
‫شفاهك اغنية َحمراء‪ ،‬كنت اتوق لسماعها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬كانت عىل‬
‫خجلت بأحمرار الوجه‪...‬‬
‫قلت له‪ :‬وما طعمها؟‬
‫قال‪ :‬كطعم الثلج‪.‬‬
‫مت‪ ،‬لم اعد اقوى عىل‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫قلت ي‬
‫ارتجفت من نعومة الرد‪ ،‬تعتت عيناي وسقط ر ي‬
‫ً‬
‫وقلت يركض نحوه تاركا قيود العادات‬
‫ري‬ ‫كبت مشاعري‪ ،‬انا اجلس امامه‬
‫والقيم‪ ،‬اردته ان يواصل الغزل‪...‬‬
‫سألته بسذاجة‪ :‬كيف يكون للثلج طعم‪ ،‬هو من الماء‪ ،‬والماء ال طعم له؟‬
‫قال‪ :‬للثلج نشوة‪ ،‬والنشوة يمكننا ان نشعر بها بحواسنا الخمس‪ ،‬اختت منها‬
‫حاسة الذوق للشعور بها‪ ،‬أنا اروم أللتهامك‪.‬‬
‫عيت وانظر يف عينيه لعدة‬
‫ألول مرة نتبادل النظرات بهذا القدر‪ ،‬ظل ينظر يف ي‬
‫دقائق‪ ،‬استمرينا لنقول كل كلمة منعنا الخجل من النطق بها‪ ،‬يف هذه الدقائق‬
‫شعرت بأنه عانقت مئة مرة او ر‬
‫اكت‪.‬‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫قطع حوارنا الصامت شخصي جلسوا بالقرب من طاولتنا‪ ،‬احدثا ضجة عند‬
‫جلوسهما فتوقفنا عن الغرق‪.‬‬
‫بعطره الجميل‪ ،‬ذلك الصباح كان عطره يفوح‬
‫ِ‬ ‫واصلنا تناول الطعام المغمور‬
‫ً‬
‫ألنت‬
‫ألنت اعشقه؟ ام ي‬
‫كشالالت (نياجرا)‪ ،‬لم يتوقف ابدا‪ ،‬هل شعرت بذلك ي‬
‫اشتقت إليه؟ لم اكن اعلم‪.‬‬
‫تناولنا القهوة ومع اول رشفة ‪...‬‬
‫انت‪.‬‬
‫بت ِ‬‫قال‪ :‬حبي ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عىل ان اجيب؟ كان موقفا عصيبا‪ ،‬انا لم اسمع هذه الكلمة من قبل‪،‬‬ ‫ماذا ي‬
‫ً‬
‫تجاوزت الثالثي من العمر دون ان اكون حبيبة لرجل‪ ،‬لم اعشق قبله‪.‬‬
‫انت تجاوزت ِعشقه وبدأت بالهيام؟‬
‫هل اقول له ي‬
‫اخته عما يحدث يىل حي اغفو عىل صوته عند الليل؟‬
‫هل ر‬
‫بيت؟‬
‫اخته بأنه ح ر ي‬
‫هل ر‬
‫ً‬
‫ابتسمت‪ ،‬لم قل شيئا‪ ،‬ابتسمت فحسب‪.‬‬
‫لك‬
‫اللياىل القليلة الماضية كتبت ِ‬
‫ي‬ ‫اشكرك بقصيدة‪ ،‬يف‬
‫ِ‬ ‫مت ان‬
‫طلبت ي‬
‫ِ‬ ‫قال‪:‬‬
‫اتجاهك؟‬
‫ِ‬ ‫اخت ِك بما اشعر به‬
‫عدة ابيات‪ ،‬أتسمحي يىل بأن ر‬
‫قلت‪ :‬اتمت ذلك‪.‬‬
‫َ‬
‫انه فنجان قهوته‪ ،‬شفتاه وانا اتمعنها‪ ،‬تحركت ‪..‬‬
‫قال‪:‬‬
‫كـم انـت تـعـجـبـنـي‪ ..‬تـقـولـهـا الـعـي بـمـلء‬
‫نظرها و تـكـررهـا ‪ ..‬كـم انـت تـعـجـبـنـي‬
‫ُ‬
‫كــم انـت تـمـتـلـكـنـي‪ ..‬احـيـا بـاب ِـتـس َـامـتـك‬
‫واقــتـل بـخـوفـك ف ـلـماذا بـخـوفـك تـقـتـلـنـي؟‬
‫خـوفـك يـجـرح كـلـمـاتـي وهــي فـي‬
‫نـعـيـم عـذابــك كـلـمـا كـتـبـتـهـا تـدخـلـنـي‬
‫تـقـرع اجـراس الـفـرح فـي قـلـبـي كـلـمـا‬
‫ب ـعـذب كـالمـك و رقــة صـوتـك تـغـمـرنـي‬
‫اعـشـق عـيـنـيك بـنـظـرتـهـا الـشـاردة‬
‫حي عـن وصــف حـبـك اتـحدث تـتـركـنـي‬
‫كـالمـك الـصـامـت وصـمـت كـالمـك‬
‫والـشـوق فـي سـجـن عـيـنـيك يـأسـرنــي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يـأسـرنـي مـع تـنـهـيـد قـلـبـي لـتذوق شـفـتـيـك‬
‫فــي خ ـيـال واقـعـي تـذوقــتـهـا ‪ ..‬أ تـصـدقـنـي؟‬
‫حـبـيـب يـت ‪ ..‬رحـيـق عـطـرك يـشـطرنـي لـنـصـفـيـن‬
‫ثـم يـجـمـعـنـي ثـم يـبـعـثـرنـي ف ـيـلـمـلـمـنـي‬
‫إن اشـتـقـت ‪ ..‬وددت ان اتـكـئ عـلـى كـتـفـك‬
‫ـرب مــن ج ـســدك ي ـس ـعــدن ــي‬
‫فـكـل قـ ٍ‬
‫ً‬
‫ال ت َــتــردد فــي الـقـرب مـن َقـلـبـا يـنـبـض حـبـه‬
‫ً‬
‫مـطـرا ألجــل شـفـاه ان إبـتـسـمـت تـرعــدنــي‬
‫يــا بـسـتـان أمــالــي م ـتـى ســأقـطــف ثـمـارك‬
‫كــفــاك ‪ ..‬ك َــفــاك ِتـسـهـدنــي‬
‫ي ــا ل ـيــل ع ـش ـق ــك َ‬
‫ِ‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫جمع كل الحزن الذي عرفته من قبل‬ ‫ألجىل‪،‬‬
‫ي‬ ‫زرع الف زهرة اوركيد ثم قطفها‬
‫واحيان‪.‬‬
‫ي‬ ‫اماتت‬
‫ي‬ ‫ثم حطمه ك َـجرة ماء صغتة‪،‬‬
‫للشعر كان كطعم الدفء يف الليلة االختة من يناير‪ ،‬حركات يده‪ ،‬تعابت‬
‫القاؤه ِ‬
‫وجهه‪ ،‬كانت جميعها متناغمة كحفيف اورق الشجر‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫حيان من قبل‪،‬‬
‫ي‬ ‫جعل يت ارى الشمس وقت الكسوف‪ ،‬رأيت شيئا لم يحدث يف‬
‫ً‬
‫نابعا من قلبه‪ ،‬كان يشكو من كل كلمة قالها‪ ،‬رأيت َ‬
‫السهر بي‬ ‫كان الكالم‬
‫المعان‬
‫ي‬ ‫تت‬
‫اخت ي‬
‫الت تناولها اثناء الكتابة‪ ،‬ر‬
‫القواف‪ ،‬رأيت عدد فناجي القهوة ي‬
‫ي‬
‫بذلك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬
‫ألجىل‪ ،‬قصيدتك جميلة جدا‪ ،‬انت متمكن يف‬‫ي‬ ‫قلت له‪ :‬شكرا ألنك كتبت‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫اختتك مسبقا‪ ،‬انت ال تكتب إال ما تشعر‬
‫انتقاء الكلمات‪ ،‬تكتب بأناقة‪ ،‬كما ر‬
‫انت لست متددة؟‬
‫خائفة؟ كما ي‬
‫صورتت؟ انا لست ِ‬
‫ي‬ ‫ِبه‪ ،‬ولكن لما بهذا الصورة‬
‫ً‬
‫لعلت اكون مخطئا‪.‬‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬انا اشعر ذلك‪،‬‬

‫قلت‪ :‬انا احبك‪ ،‬لن اقتلك‪ ،‬حت ي‬


‫ان اخاف عىل عينيك الجميلتي من الحسد‪.‬‬
‫ابتسم‪ ،‬قال‪ :‬أتريدين الحقيقة؟‬
‫قلت‪ :‬بكل تأكيد‪.‬‬
‫قال‪ :‬السبب فيما كتبت هو ردة فعلك حي وضعت يدي عىل كتفك‪ ،‬يف ذلك‬
‫َ‬
‫اللقاء الذي لم نتمكن من انهاؤه حت ررسوق الشمس‪.‬‬
‫الت تجمعنا‪ ،‬ال تفكر يف‬
‫ه ي‬ ‫قلت‪ :‬لم تكن يىل ردة فعل سيئة‪ ،‬دع المشاعر ي‬
‫ر ً‬ ‫َ‬
‫بشا من قبلك‪ ،‬انا لم اجلس بالقرب من رجل‬ ‫تضفاتنا‪ ،‬احبك‪ ،‬لم احب‬
‫ً‬
‫حت‪ ،‬تصور االمر جيدا‪ ،‬انا لست ككل النساء‪ ،‬انا اختلف عن من يستمد قوته‬
‫ّ‬
‫قلت لم ينبض لغتك من قبل‪ ،‬رفضت‬ ‫من تجاربه‪ ،‬انا اكون لمرة واحدة فقط‪ ،‬ر ي‬
‫تضفان‪.‬‬
‫ي‬ ‫الكثت حت ات ِهمت بالغرور‪ ،‬القناعة اساس كل‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اعرفك جيدا‪ ،‬اعتذر‪ ،‬سألقن مشاعري‬
‫ِ‬ ‫طلب (احمد) القهوة مجددا‪ ،‬قال‪ :‬انا‬
‫ً‬
‫درسا عما قالته‪.‬‬
‫ً‬
‫يده كما كانت‪ ،‬ارتبك قليال ثم طلب من النادل ان‬
‫نظر اىل ساعته‪ ،‬ثم اعاد ِ‬
‫يشع بجلب القهوة ألنه تأخر‪.‬‬
‫عملك اليس كذلك؟‬
‫ِ‬ ‫قلت له‪ :‬تأخرت عن موعد‬
‫ر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫لشء‪.‬‬
‫ينبهت ي‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬قليال‪ ،‬احيانا اصل متأخرا‪ ،‬ولكن المدير ال‬
‫ً‬
‫قلت‪ :‬احسدك عليه‪ ،‬قلت يىل انه يحبك كثتا وال يرفض لك طلب‪.‬‬
‫قال‪ :‬ليس ذلك فحسب‪ ،‬انا حي اتأخر ابق لما بعد انتهاء الدوام لساعة او‬
‫ر‬
‫اكت ألنجز المهام المناطة ر ين‪ ،‬ال اخرج وعىل عاتق يوم غد اي عمل‪ ،‬فأنا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ان المدير بعد ان‬
‫اقبض ثمنا يف نهاية الشهر عن وقت عمل كامل‪ ،‬كثتا ما ير ي‬
‫ورسائىل االسبوعية‬
‫ي‬ ‫مقاالن السياسية‬
‫ي‬ ‫ينته الدوام وانا مستمر بالعمل‪ ،‬لوال‬
‫ي‬
‫اصدقان والتحضت للندوات الشعرية والثقافية كافة لما اعتدت عىل‬ ‫ئ‬ ‫بي‬
‫ي‬
‫ً‬
‫السهر والتأخت صباحا‪.‬‬
‫عمىل يف الصحيفة‬
‫ي‬ ‫ررسبنا قهوتنا ثم ذهب (احمد) اىل عمله‪ ،‬ذهبت انا اىل‬
‫ً‬
‫مبكرا عند الظهتة لسد اوقات الفراغ‪ ،‬ال احب اليوم الذي يكون بال عمل‪ ،‬ال‬
‫الت اكون فيها برفقة (رفيق الروح)‪.‬‬
‫احب عطلة نهاية االسبوع‪ ،‬عدا تلك ي‬
‫عظيم يف نظري‪ ،‬كنت اشعر بأنه مختلف‪ ،‬احسست بأنه عظيم‬ ‫ٌ‬ ‫رفيق الروح‬
‫ذك للغاية‪ ،‬اكتشف ذكاءه من قصائده‪ ،‬اراد ان‬ ‫القيم‪ ،‬محت ٌم و ذو مبدأ‪ٌ ،‬‬‫ِ‬
‫ي‬
‫كتق‪ ،‬نعم‬
‫ي‬ ‫الت اصطنعتها حي وضع يده عىل‬
‫ينبه يت رلتود مشاعري ي‬
‫اصطنعت ذلك‪ ،‬كانت مشاعري هائجة كموج البحر الذي التقينا عنده‪ ،‬ولكن‬
‫ماذا عساي ان افعل؟‬
‫الت‬
‫ه ي‬ ‫الت اؤمن بها (ان الرجل ال يعرف قيمة المرأة‪ ،‬ولكنها ي‬
‫من المبادئ ي‬
‫الكتياء لو‬
‫ان قليلة ر‬
‫قيمت‪ ،‬لن ير ي‬
‫ي‬ ‫تحدد قيمتها لديه)‪ ،‬انا عىل يقي بأنه يعرف‬
‫ٌ‬
‫بأنت لن اراه‬
‫ي‬ ‫لمست‪ ،‬متأكدة‬
‫ي‬ ‫الت اراد ايضاحها حي‬
‫بادلته تلك المشاعر ي‬
‫ً‬
‫متماديا يف تضفاته‪ ،‬نحن ال زلنا عىل ضفاف عالقتنا‪ِ ،‬كالنا لسنا كذلك‪ ،‬ولكن‬
‫الزمان والمكان الذي نشأنا والتقينا فيه ال يكتث لما نقول ونفكر‪.‬‬
‫لكل عاشق طريقته يف التعبت عن الحب‪ِ ،‬منا من يظن بأن عيناه ستقول كل‬
‫ً‬
‫ما يريد قوله‪ ،‬ألنه اعتاد عىل الصمت خجال‪.‬‬
‫ِمنا من ال يقوى عىل التعبت فيتحدث حينما يتوجب االمر فقط‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ِمنا من يمتلك قلما قادرا عىل تحويل االنفاس اىل قصائد‪ ،‬وجدائل الشعر اىل‬
‫غزل بالطرق الجاهلية‪.‬‬
‫ِمنا من يجعل مقاصد كالمه يرتدين فساتي سهرة ليقفن بأناقة عىل اذهان‬
‫ومسامع الحبيب‪.‬‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫اكت عالقات الحب تشكو من طريقة التعبت‪ ،‬وتتسبب بدورها ألن تتجم اىل‬
‫سوء تعامل‪ ،‬يف عالقات الحب يجب ان يكون معيار تقييم الحبيب بعد‬
‫تفهم طريقة تعبته‪ ،‬تعبته يف كل المواقف‪ ،‬يف الغضب والفرح والحزن‬
‫ً‬ ‫والغزل والضجر‪ ،‬يجب علينا ان نحكم وفق طريقة تعبت ر‬
‫الشيك تجنبا لظلمه‬
‫عند الحكم عليه‪.‬‬
‫َ‬
‫ينتاب الخجل اغلب النساء عند الغزل‪ ،‬فهل يعت رت سكوتها يف تلك اللحظات‬
‫تجاهل؟ كان قد اع رتت ذلك لوال وجود االبتسام‪ ،‬وكذلك تبادل المشاعر‬
‫وتوافقها‪ ،‬واالهم كيف تكون متوازنة‪ ،‬ال ان يكون التعبت من طرف واحد‬
‫فقط فيشعر بالملل او االهمال‪.‬‬
‫الرجال يف الحب مختلفي كأنواع اللهجات يف اللغة العربية‪ ،‬يمكن ذكر اهمهم‬
‫بأسس تفهمهم للحب‪ ،‬ولكن ال يمكن حض عددهم‪.‬‬
‫ً‬
‫من المسلمات ان اول حب للرجل ال يتعدى حدود فتة المراهقة‪ ،‬المرأة ايضا‬
‫(باستثناء جميالت العقل فقط)‪ ،‬هنا ال بد ان يرغم يف ِصباه عىل التطفل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وقتئذ يكون اعجابا‪ ،‬ومن النادر جدا ان يكون حبا‬
‫ٍ‬ ‫والشعور الحب‪ ،‬الحب‬
‫ولكن عمر عقله ال يقبل استيعاب ذلك حينها‪.‬‬
‫يف هذا العمر يأرسه جمال الوجه فقط‪ ،‬سيكون هنا الحب االول يف حياته‬
‫وحي يعرف حقيقة الحب سيجد ان ما تبق منه ذكرى ال ر‬
‫اكت‪ ،‬سيعرف انه‬
‫ً‬
‫العشق‪،‬‬
‫لتجربة ليس اال‪ ،‬حينها سيعرف الحقيقة‪ ،‬سيعرف ماهية ِ‬
‫ٍ‬ ‫كان عاشقا‬
‫ً‬
‫سيعرف ان عطر جسد المرأة اناء الليل اشه من جسدها احيانا‪.‬‬
‫الذك‪ ،‬والقبيح يف الحب هو الذي ظن بأن‬
‫ي‬ ‫الرجل االجمل يف الحب هو‬
‫ه من سمات الرجولة‪ ،‬ذلك الذي يريد االمتالك‬
‫والغتة العمياء ي‬
‫االنانية ِ‬
‫فحسب وهو ال يتقن غزل الصباح‪.‬‬
‫الذك فهو الذي يعرف كيف يكون عندما يجب ان يكون‪ ،‬هو الذي‬
‫ي‬ ‫اما الرجل‬
‫ُ‬
‫وه تراه جنة‪ ،‬يجعلها قبل‬
‫حبس انفرادي ي‬
‫ٍ‬ ‫يضع حبيبته يف سجنه‪ ،‬يضعها يف‬
‫وه تضع احمر الشفاه‪ ،‬هو الذي يدع‬
‫لقائه تتهجأ احرف اسمه‪ ،‬تنطق ِبها ي‬
‫الكالم لعينيه حي تقف ابجدية اللغة عند لقائهما مكتوفة االحرف‪.‬‬
‫ما بي قبحهم وجمالهم‪ ،‬يوجد العديد من الرجال كانوا صنيعة طبيعة العالقة‬
‫الت تزوجها من اختيار امه‪ ،‬بعد‬
‫الت كانوا يرونها بي ابويــهم‪ ،‬او صنيعة المرأة ي‬
‫ي‬
‫ً‬
‫تمىل عليه شخصيته‪ ،‬اعطاها لوحة حياته البيضاء لتلونها‬‫ان استعد فرحا ألن ي‬
‫ه‪ ،‬هؤالء لن تجدهم يف كتاب الحب‪ ،‬هؤالء فرحي‬
‫الت تناسبها ي‬
‫بااللوان ي‬
‫ألنهم ذكور فقط‪.‬‬
‫الق المحارصات‬‫طلبت يف الجامعة‪ ،‬وال سيما حي ي‬
‫ي‬ ‫نصائج اىل‬
‫ي‬ ‫كنت اوجه‬
‫للطلبة الجدد يف المرحلة االوىل‪ ،‬كنت احاول جاهدة ان رارسح لهم ان مجرد‬
‫ً‬
‫الت كانت تمسك بأيديهم‬ ‫يعتت كشا لمعظم القيود ي‬
‫دخولهم اىل الجامعة ر‬
‫ً‬
‫وعقولهم ونواياهم‪ ،‬واحذرهم لكون هذه المرحلة خطتة جدا‪ ،‬وال سيما لمن‬
‫العرن وح ِرمات االديان‪ ،‬عليهم ان يعرفوا ان‬
‫ري‬ ‫كبتته قيود سخط المجتمع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ررسيك الحياة ليس من يكن االول‪ ،‬بل من يكن االفضل‪.‬‬
‫استغالىل للمواضيع الواجب طرحها يف المحارصات يف علم السياسة‬
‫ي‬ ‫رغم‬
‫اىم من‬
‫منعتت ي‬
‫ي‬ ‫والت‬
‫ي‬ ‫الت اتبناها لتوعية المجتمع‬
‫وطرح من خاللها االفكار ي‬
‫ي‬
‫عىل من جهة اخرى‪ ،‬فنحن امرأتان‬
‫قولها لعدم قناعتها بها من جهة ولخوفها ي‬
‫ُ‬
‫عرن يحكمه الدين‪.‬‬
‫وحيدتان نقطن مجتمع ر ي‬
‫اءن للواقع المحيط ر ين‪ ،‬باالضافة‬
‫هذه االفكار االجتماعية استنتجتها من قر ي‬
‫ِ‬
‫عشة سني او‬ ‫اىل ولىع بكتب علم النفس واالجتماع الت لم تفارق غرفت منذ ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫اكت‪.‬‬
‫كنت اطمح لتوعية الطلبة ألنهم سيقودون مصتنا يف المستقبل‪ ،‬ألن كل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واحد منهم سيشغل َمرفقا من مرافق الحياة مختلفا عن االخر ومن الممكن‬
‫ً‬
‫الت‬
‫حينها ان يكون واعيا ليفيد من حوله‪ ،‬او عىل االقل انه سيفيد عائلته ي‬
‫ّ‬
‫سكونها واطفاله الذين سيتبون عىل شاكلته‪.‬‬
‫اوقان الشاغرة بالجلوس يف نادي الجامعة او يف حدائقها‪ ،‬كنت‬
‫ي‬ ‫كنت استغل‬
‫ً‬
‫قريبة من الطلبة كثتا‪ ،‬كنت ارى كل ذلك بوضوح واحاول ان انصحهم‪ ،‬كانت‬
‫ً‬
‫هذه النصائح تجد ترحيبا وتكون ذا نفع عند الكثت منهم‪ ،‬كنت ارى حبهم يىل‬
‫مىع حت بعد تخرجهم لما تركته من تغيت لمفاهيم حياتهم‬ ‫وتواصلهم ي‬
‫ر‬
‫تتماش مع نزواته وتراكم‬ ‫نصائج له ال‬ ‫ليكونوا بنضج ر‬
‫اكت‪ ،‬اما من كانت‬
‫ي‬ ‫ٍ‬
‫رواسب المراهقة يف عقليته بعد ان دخل الجامعة وانصياعه لرغباته‪ ،‬فأنه‬
‫ألنت (عانس)‬
‫وانت اتفوه بذلك ي‬
‫بأنت لست عىل حق‪ ،‬ي‬
‫عت ي‬ ‫كان يقول ي‬
‫اش الجديد‪ ،‬اعددت الكثت من االفكار أللقيها عىل الطلبة‬
‫مع بدء العام الدر ي‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫عاتق‬
‫ي‬ ‫عام جديد‪ ،‬اشعر بأن عىل‬ ‫الجدد‪ ،‬اعتدت ان اكون سعيدة مع بدء كل ٍ‬
‫الكثت ألقدمه‪.‬‬
‫وانت تتكلم امام وافر من الطلبة تشعر بالسعادة لما تقدمه من عطاء يصب‬
‫يف مصلحة المجتمع بعد عدة سني من وقفتك هذه‪ ،‬من المؤكد ان تدريس‬
‫الطلبة الجدد عىل الحياة الجامعية شاق بعض ر‬
‫الشء ألنهم لم يعتادوا عىل‬
‫ي‬
‫حرية الرأي والتفكت‪ ،‬هم ال زالوا يخافوا النقاش او االعتاض عىل رأي االستاذ‬
‫المدرش‪ ،‬كنت اعلمهم كيف يبدوا اراءهم دون‬‫ي‬ ‫فهو غت الئق بحسب رأيه‬
‫ً‬
‫تجري ــح‪ ،‬وان ال يتقبل فكرة ال يقتنع بها إال احتاما للمحارص الذي امامه‪ ،‬هذا‬
‫يف حال ان منعه من النقاش‪.‬‬
‫سعادن لرؤيتها‬
‫ي‬ ‫الجامىع‪ ،‬تبادلنا التحية‪ ،‬حدثتها عن‬
‫ي‬ ‫رأيت (بيلسان) يف الحرم‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫اش الجديد‪ ،‬كانت تكن يىل الحب كثتا‪ ،‬لطالما‬‫يف الجامعة مع بدء العام الدر ي‬
‫بأنت قدوتها يف الحياة‪.‬‬
‫كانت تقول يىل ي‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫وانا احادثها رأيت خلفها شابا‪ ،‬كان يبعد عنها بضع امتار‪ ،‬كان يحرك قدميه‬
‫بسبب ملل االنتظار‪ ،‬شعرت بأنه ينتظر (بيلسان)‪ ،‬سألتها عنه وقالت يىل انها‬
‫يعنيت امره‬
‫ي‬ ‫ال تعرفه‪ ،‬بعد ان اوصيتها بأن تكون مجتهدة من أجل ابيها الذي‬
‫ً‬
‫جدا‪ ،‬انهيت حواري معها عىل عجل‪.‬‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫الت‬
‫اتصل ر ين (يعقوب)‪ ،‬قال يىل بأنه تمكن ان يشتي اسهما يف فرع الشكة ي‬
‫لكتة المستثمرين المساهمي فيها‪،‬‬‫كان يعمل بها ف (لندن)‪ ،‬كانت ذا شهرة ر‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اخت ين ايضا بأنه اشتى متال يف حيينا القديم‪ ،‬شعرت بأن هذا االمر اسعده‬
‫ر‬
‫اكت من عمله الجديد‪ ،‬ما الش الذي كان يحتفظ فيه عن حيينا القديم؟ لم‬ ‫ر‬

‫اكن اعلم‪.‬‬
‫ٌ‬
‫اتصاىل والتفت فجأة‪ ،‬رأيت (بيلسان) تتجه نحو ذلك الشاب‪ ،‬ثم‬ ‫ي‬ ‫انهيت‬
‫ً‬
‫اعط له اهتماما‪،‬‬
‫غتت رأيها فاتجهت باتجاه معاكس‪ ،‬اتجه هو خلفها‪ ،‬لم ِ‬
‫ً‬
‫اقلقت جدا رغم انه كان َح ِس َن المظهر‪.‬‬
‫ي‬ ‫مظهره‬
‫ٌ‬
‫يخىط خطوة ممتة‪ ،‬كانت له لقاءات‬ ‫ي‬ ‫خالل هذه االيام استطاع (احمد) ان‬
‫ً‬
‫مع اناس لهم شأنهم يف البلد‪ ،‬مستقلي حزبيا‪ ،‬يرومون ألنشاء دولة علمانية‬
‫تخلص البالد من ايدي تجار االديان‪.‬‬
‫اكتهم سياسيي محنكي و ذوو شهادات عليا‪ ،‬إال ان حزبنا الحاكم‬ ‫كان ر‬

‫واسلحته الكاتمة للصوت جعلتهم صامتي‪ ،‬اتفق معهم عىل تأسيس الحزب‬
‫اىل‪.‬‬
‫الليت ي‬
‫بعد ان يستقيل من الحزب ر‬
‫كان دوره بأن يجعلهم من وجهاء الحزب وال سيما وان لهم السمعة الثورية‬
‫منذ ر‬
‫عشات السني واالثر الطيب وبي الناس البسطاء المؤيدين له ولمقاالته‬
‫وندواته والوطنية‪.‬‬
‫بعد ان تملك هؤالء السياسيي الجرأة ألن يهتفون بأصواتهم‪ ،‬قرروا ان‬
‫لمشوعه ف الحزب المزمع تأسيسه‪ ،‬كان القانون ر‬
‫يشط لتأسيس‬ ‫ينضموا ر‬
‫ي‬
‫الحزب بأن تكون فيه عضوية ما ال يقل عن ثالثة االف عضو وان يكون عدد‬
‫مؤسسيه ال يقل عن خمسون شخص‪.‬‬
‫َ َ‬
‫وف َق ورفاقه ف ان يستوفوا كل ر‬
‫سياش‬
‫ي‬ ‫الشوط‪ ،‬ال سيما يف اعداد برنامج‬ ‫ي‬ ‫ت‬
‫ً‬
‫الذي تم تقديمه‪ ،‬انتهزوا ايضا فرصة المظاهرة المزمع القيام بها من اجل‬
‫ارغام الحكومة بأن تسمح للفرق الدولية بمراقبة االنتخابات القادمة‪ ،‬كان‬
‫ً‬
‫جدا‪ ،‬استطاعوا ان يكسبوا ر‬
‫اكت من سبعة االف عضو لحزبه‬ ‫العدد وفت‬
‫ً‬
‫الجديد‪ ،‬كما استطاعوا اجبار الحكومة بأن تصدر قرارا يسمح للمراقبي‬
‫الدوليي بمراقبة االنتخابات القادمة ولن توجد اي لجان حكومية يف مراكز‬
‫االقتاع‪.‬‬
‫ً‬
‫عت يف هذه االسابيع‪ ،‬لم التقيه‪ ،‬كنت اتصل به يوميا‪ ،‬والقاه عند‬
‫انشغل ي‬
‫بأنت اخرج قبل ساعة او اقل عن‬
‫الصباح لبعض االيام‪ ،‬لم اقل له اىل االن ي‬
‫عمىل من أجل ان اراه‪.‬‬
‫ي‬ ‫موعد‬
‫بقرن‪ ،‬ولكن‬
‫ري‬ ‫ذات صباح لم اراه‪ ،‬مشيت يف طريقنا لوحدي‪ ،‬كنت اشعر ِبه‬
‫اتصاىل‪ ،‬قلقت‬
‫ي‬ ‫حوىل‪ ،‬اشتقت له‪ ،‬اتصلت به ولم يرد عىل‬
‫ي‬ ‫عطره لم يكن‬
‫بشأنه‪.‬‬
‫ئ‬
‫ألطمي عىل وجوده‪،‬‬ ‫مر يوم اخر ولم اراه‪ ،‬لم ارى اي ضوء ينبعث من متله‬
‫اتصاالن‪.‬‬
‫ي‬ ‫راقبت متله طول الوقت‪ ،‬لم اراه‪ ،‬لم َيرد عىل جميع‬
‫ً‬
‫التقيت (بسارة) يف المقه عند المساء‪ ،‬طلبت انا لقاؤها‪ ،‬كنت قلقة جدا ولم‬
‫نعت‬‫اكت‪ ،‬كانت صحتها ليست بالجيدة‪ ،‬كانت قد م َ‬ ‫استطع البقاء ف البيت ر‬
‫ي‬
‫ألجىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫من الخروج ولكنها خرجت‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سألتت عن السبب‪،‬‬
‫ي‬ ‫بقلق‪،‬‬
‫ي‬ ‫التقينا‪ ،‬وما ان بدأت (سارة) بالحديث شعرت‬
‫مخاوف بشأن نشاطاته‬
‫ي‬ ‫اختتها عن‬
‫اختتها عن غياب (احمد) منذ يوم امس‪ ،‬ر‬
‫ر‬
‫ً‬
‫االختة‪ ،‬هل اعتقل؟ هل حدث له شيئا؟ انا عىل وشك االنهيار‪.‬‬
‫ينقذن‬
‫ي‬ ‫تبادلنا الحلول عديمة الجدوى‪ ،‬وانا افكر يف احدى هذه الحلول لعله‬
‫ولكنت لم اتمكن من اخفاء‬
‫ي‬ ‫عيت دمعة‪ ،‬اخفيتها‪،‬‬
‫ي‬ ‫من االنهيار انهمرت من‬
‫الت انهالت بعدها‪.‬‬
‫الدموع ي‬
‫ٌ‬
‫متعبة انا‪ ،‬بقيت (سارة) تحاول ايجاد حل يأخذ بأيدينا‪ ،‬وانا مستمرة بالبكاء‬
‫َ َ‬
‫اعطتت واحدة منها‪ ،‬بقيت‬
‫ي‬ ‫اخرجت (سارة) من حقيبتها علبة مناديل صغتة‪،‬‬
‫وجنت والحظت (سارة) تحدق يف اسم علبة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫صامتة‪َ ،‬مسحت الدمع من‬
‫َ َ‬
‫قيت تقلبها بيدها وتقرأ اسم ر‬
‫الشكة المصنعة‪.‬‬ ‫ب‬
‫قلت‪ :‬ما بك؟‬
‫قالت‪ :‬انتظري للحظة‪ ،‬هل تذكرين عيد ميالد (احمد)؟‬
‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬وما عالقته باألمر؟‬
‫بقرن‬
‫اللوان التقينا بهن وقتها‪ ،‬احداهن جلست ر ي‬
‫ي‬ ‫قالت‪ :‬تذكرت احدى النساء‬
‫فأعطتت رقم هاتفها‪ ،‬كانت زوجة احد اصدقاء‬
‫ي‬ ‫عىل الطاولة‪ ،‬تحدثت معها‬
‫ً‬
‫(احمد)‪ ،‬سأحاول االتصال بها لعلها تعلم شيئا عن (احمد)‬
‫اسعدن دهاء‬
‫ي‬ ‫كان االسم المكتوب عىل علبة المناديل يشبه اسم هذه المرأة‪،‬‬
‫مكان‪ ،‬جلست بجنبها بعدما كنت اجلس‬
‫ي‬ ‫وه تحاول االتصال تركت‬
‫(سارة)‪ ،‬ي‬
‫امامها‪.‬‬
‫َ‬
‫ع ِلمنا بأن والده قد توف يف ساعة مبكرة من فجر يوم امس‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حدثت يف اخر لقاء لنا بأنه يشتاق‬
‫ي‬ ‫حزنت جدا ألجله‪ ،‬كان يحب والده كثتا‪،‬‬
‫السياش‪ ،‬حت يف ايام‬
‫ي‬ ‫الكاف لرؤيته النشغاله بنشاطه‬
‫ي‬ ‫له وانه ال يملك الوقت‬
‫ً‬
‫العطل كان منشغال يف التجوال بي المدن من اجل االستعداد للتظاهر‪.‬‬
‫انت‬
‫تمنيت بأنه قد تمكن من رؤيته قبل ان يوافيه االجل‪ ،‬اهم ما يف االمر ي‬
‫االن مطمئنة عىل سالمته‪ ،‬ولكنه ليس بخت‪.‬‬
‫عت الهاتف مرتي‪ ،‬وجدته متعب‪،‬‬
‫مر اسبوع كئيب اللون‪ ،‬استطعت ان اكلمه ر‬
‫المجء‪،‬‬
‫منعت من ر ي‬
‫ي‬ ‫كنت انوي الذهاب إليه وحينما طلبت منه عنوان قريتهم‬
‫كان المطر قد استمر لثالث ايام‪ ،‬كان السفر اىل المدن البعيدة خطر بعض‬
‫بحيلت سوى مواساته‪ ،‬صليت للرب ألجل ان يجتاز هذه‬ ‫ر‬
‫الشء‪ ،‬لم يكن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الصت‪.‬‬
‫ر‬ ‫المحنة وان يمنحه‬
‫صباح يوم السبت‪ ،‬تفرقت السحب غامقة اللون ر‬
‫ورسقت الشمس‪ ،‬غادرتنا‬
‫فأخت ين بأنه عاد اىل متله‪.‬‬
‫ر‬ ‫السحب بعد ان مكثت أليام‪ ،‬اتصلت به‬
‫اتعبت كما االنتظار والتفكت‪ ،‬ذهبت اىل بيته‪ ،‬طرقت الباب‬
‫ي‬ ‫غروب الشمس‬
‫ً‬
‫علم بالحزن الذي يمتلكه االن‪ ،‬جئت ألقايضه الحزن‬‫ألراه حزينا‪ ،‬انا عىل ٍ‬
‫بالغزل‪.‬‬
‫صافحت يده‪ ،‬طلبت من الرب بأن يمنح ابيه الجنة وان يكون من المغفور‬
‫ر‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫شء فيه‬
‫لهم‪ ،‬سمح يىل بالدخول‪ ،‬دخلت اىل بيته الصغت‪ ،‬كان بيتا جميال‪ ،‬كل ي‬
‫عىل ما يرام‪ ،‬كان كما ظنته‪ ،‬من نوع الرجال الذين يهتموا بأناقة مسكنهم‪،‬‬
‫ساورتت بأن هنالك امرأة تهتم‬
‫ي‬ ‫الت‬
‫ايقنت ذلك بعد ان قتلت الشكوك ي‬
‫بمسكنه‪ ،‬فكرت بذلك وان ادخل اىل غرفة الجلوس خاصته‪.‬‬
‫اخت ين كيف حالت‬
‫حدثت عن ما حصل‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫جلس (احمد)‪ ،‬وجلست امامه‪،‬‬
‫رؤيته ألبيه وهو يلتقط انفاسه االختة‪ ،‬كان الجو‬
‫ِ‬ ‫الطرق المتلقة بينه وبي‬
‫ً‬
‫ممطرا ويصعب السفر بي المدن‪.‬‬
‫َ‬
‫وصل وجد وجهه ابيه قد‬ ‫استغرق وصوله اىل قريتهم ساعات طوال‪ ،‬وحي‬
‫ً‬
‫تغىط بالغطاء ابيض‪ ،‬جلس بالقرب منه‪ ،‬اعتذر له‪ ،‬كان مؤمنا بأن المون‬
‫يسمعون يف الساعات االوىل لوفاتهم‪ ،‬قدم له من االعذار اشدها‪ ،‬ومن الشكر‬
‫ً‬
‫والعرفان لما قدمه من اجله بأبه الصور‪ ،‬بىك كثتا اىل ان اغم عليه‪ ،‬كان‬
‫اختوه بأنه ارص عىل رؤيته يف اخر اسبوع له إال انه‬
‫يشعر بالتقصت اتجاهه‪ ،‬ر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫امتنع عن طلب مجيئه حرصا عليه‪ ،‬كان منشغال بمخططاته االختة من اجل‬
‫الحزب‪.‬‬
‫ً‬ ‫ئ‬
‫كالألىل‪ ،‬كان وسيما حت يف‬ ‫جلوش‪ ،‬جلست بقربه‪ ،‬رأيت دموعه‬
‫ي‬ ‫غتت مكان‬
‫اماىم‬
‫ي‬ ‫عيت نظرة خجل‪ ،‬خجل من دموعه‬
‫ي‬ ‫حزنه‪ ،‬نظرت يف عينيه‪ ،‬نظر يف‬
‫الت لم يستطع كبتها‪ ،‬مسحت وجنتيه‪ ،‬كان شديد الحزن والتعب‪ ،‬تركته‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يتكلم ولم اقاطعه‪ ،‬كان محمال بكم هائال من الكالم وكأنه كان ابكم لسنوات‪،‬‬
‫ً‬
‫كان نادما وكل من حوله قد الق عليه اللوم‪.‬‬
‫بوسىع ان ازي ــح كل هذا حزن‪،‬‬
‫ي‬ ‫نفش‪ ،‬كيف‬
‫ي‬ ‫تمكنت من ان اجعله يهدأ‪ ،‬سألت‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫شهيد‬
‫ٍ‬ ‫الفرنش للجزائر‪ ،‬يحتاج اىل مليون‬
‫ي‬ ‫كنت حائرة وحزنه شابه االحتالل‬
‫وقبلة‪.‬‬
‫ً‬
‫اعددت وجبة صغتة‪ ،‬اجتمعنا متقابلي عىل طاولته الصغتة‪ ،‬تمنيت ان‬
‫ً‬
‫ارسق الحزن من وجهه‪ ،‬تناولنا الطعام سويا‪ ،‬حاولت ان اكلمه يف مواضيع ال‬
‫تمت بصلة للحزن الذي يعبث بجماله‪ ،‬تحدثت معه عن مخططات الحزب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫للمرحلة القادمة‪ ،‬تكلم شيئا فشيئا‪ ،‬استطعت ان اهون عليه يف نهاية‬
‫المطاف‪.‬‬
‫اح‪ ،‬وان امنحه وقت لينام وينال‬ ‫انهينا طعامنا‪ ،‬استأذنت منه يك اعود ادر ر ي‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫مت ان امكث قليال ‪..‬‬
‫قسطا من الراحة‪ ،‬ولكن رغم ارهاقه طلب ي‬
‫قلت له‪ :‬منتصف الليل االن‪ ،‬الساعة ستقتب من الثانية ر‬
‫عش‪.‬‬
‫سألت‪ :‬أهذا السبب فقط؟‬
‫ي‬
‫ر‬
‫اجبته‪ :‬أتريد الحقيقة؟ انا وانت يف بيتك لوحدنا‪ ،‬انا اخش بأن ير ي‬
‫ان احد‬
‫ذقت‬
‫خارجة من متلك يف هذا الوقت المتأخر‪ ،‬انا امرأة ال استطيع ان اجعل ي‬
‫ئ‬ ‫ً‬
‫اخطان‪.‬‬
‫ي‬ ‫ج‬ ‫طويال امام الناس يك ام ي‬
‫مت خطأ ؟‬ ‫قال‪ :‬هل ق ِ‬
‫ربك ي‬
‫قلت‪ :‬بالطبع كال‪ ،‬كالنا بالعمر الناضج‪ ،‬ي‬
‫نىع افعالنا‪ ،‬ويمكننا تجنب االخطاء‬
‫قبل وقوعها‪ ،‬نحن نمتلك العمر و العقل الذي تهابه المشاعر‪.‬‬
‫ابتسم‪ ،‬استغربت من ابتسامته يف هذا التوقيت‪ ،‬لم يتكلم‪ ،‬ارتشف من كأسه‬
‫ً‬
‫مبتسما‪ ،‬فرحت ألبتسامته‪ ،‬ولكنت بحاجة اىل ايضاح‪َ ،‬‬
‫لما يبتسم!‬ ‫ي‬ ‫وظل‬
‫ذكرن بمشهد من فيل )‪ (Cannibal Holocaust‬الذي اخرجه‬ ‫ي‬ ‫قال‪ :‬كالم ِك ي‬
‫االيطاىل )‪ (Ruggero Deodato‬عام ‪.1980‬‬
‫ي‬
‫مىع‪ ،‬كان‬
‫اجتته عىل ان يتك ابتسامته ويضحك ي‬
‫عرفت قصده فضحكت‪ ،‬ر‬
‫يلمح اىل ما تحتويه مشاهد هذا الفلم من احداث قتل واغتصاب‪.‬‬
‫عىل ان اخجل‪ ،‬الموقف مخجل‬
‫توقفت عن الضحك حي تذكرت ان ي‬
‫وللحياء احكام‪.‬‬
‫ومعطق وهممت بالخروج‪ ،‬كنت اسمع صوت المطر حينما‬
‫ي‬ ‫حقيبت‬
‫ي‬ ‫احضت‬
‫كنا جالسي لتناول الطعام‪ ،‬ظننته توقف‪ ،‬القيت عليه التحية‪ ،‬تمنيت من‬
‫الصت ليتجاوز هذه المحنة‪ ،‬وقفنا عىل الباب يك اخرج‪ ،‬طلب‬
‫ر‬ ‫الرب ان يمنحه‬
‫ً‬
‫مت ان انتظر قليال لعل المطر يتوقف او تخف ِحدة غزارته‪ ،‬لم يكن يملك‬
‫ي‬
‫ليمنحت اياها فقدها حي ذهب اىل قريتهم‪.‬‬
‫ي‬ ‫مظلة‬
‫ً‬
‫حقيبت بكلتا يداي‪ ،‬انظر اىل السماء‪ ،‬ظل واقفا‬
‫ي‬ ‫بيته ماسكة‬
‫وقفت يف باحة ِ‬
‫ً‬
‫خلق‪ ،‬كانت السماء مكتظة بالغيوم‪ ،‬نظرت اىل الطرقات فوجدتها صعبة‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫الست‪ ،‬رغم ان مت يىل ال يبتعد كثتا‪ ،‬كنت بحاجة اىل الست لثالث او اربــع‬
‫دقائق‪.‬‬
‫حل‪ ،‬وجدته وألول مرة يتمعن جسدي‪ ،‬كان ينظر يىل‬
‫التفت له ألطلب منه ٍ‬
‫بأفواه عينيه‪ ،‬كانت عيناه تحوم حول خضي‪ ،‬وانا التفت له ناديته بأسمه‬
‫بصورة عفوية فأنقطعت سلسلة نظراته المشوقة‪ ،‬اراد تدارك االمر ولم‬
‫ٍ‬
‫يتمكن‪ ،‬كانت عيناه تشد الرحال اىل ما يعلو خضي‪ ،‬رن هاتفه فاستطاع‬
‫ً‬
‫كت مشعا ودخل ليجيب عىل الهاتف‪.‬‬ ‫تدارك الموقف‪ ،‬تر ي‬
‫ً‬
‫كثتا‪ ،‬اشتد المطر ر‬
‫اكت‪ ،‬كنت اسمع‬ ‫لينه اتصاله‪ ،‬تأخر‬
‫ي‬ ‫انتظرت لدقائق‬
‫ونتة غضبه من الداخل‪ ،‬عاودت الدخول فوجدته قد انه‬
‫صوته العال ر‬
‫تالف الغضب ‪...‬‬
‫اتصاله‪ ،‬اشعل سيجارة ل ي‬
‫سألته بهدوء‪ :‬ما بك؟ من كان المتصل؟‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫تذهت؟‬
‫ري‬ ‫شء مهم‪ ،‬لما لم‬ ‫قال‪ :‬ال ي‬
‫ً‬
‫غضبت من سؤاله‪ ،‬قلت له غاضبة‪ :‬سأذهب االن‪ ،‬تصبح عىل خت‪.‬‬
‫ً‬
‫عىل بصوت عال ‪..‬‬
‫خرجت مشعة‪ ،‬وصلت اىل الباب فنادى ي‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬قمر ‪ ..‬قمر ‪ ..‬انتظري قليال‪ ،‬انا اسف‪.‬‬
‫اهتماىم‪ ،‬مسك بمعصم يدي وانا افتح الباب‪...‬‬
‫ي‬ ‫لم اعره‬
‫قال‪ :‬قمر‪ ،‬انا اسف‪ ،‬ازعجت االتصال‪ ،‬طلبت منك ان تبق مىع ر‬
‫اكت‪ ،‬تعلمي‬ ‫ي ي‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫تذهت‪.‬‬
‫ري‬ ‫ارجوك ال‬
‫ِ‬ ‫عىل الكثت‪،‬‬
‫بحاجتك‪ ،‬هونت ي‬
‫ِ‬ ‫كم انا‬

‫بحدة‪ ،‬قلت‪ :‬انا اشعر بما تشعر به‪ ،‬انا نصف ِك ي‬


‫الثان‪.‬‬ ‫نظرت له ِ‬
‫رجعنا اىل غرفة الجلوس‪ ،‬علمت ان المتصل كانت شقيقته‪ ،‬اتصلت ِبه‬
‫لتطلب منه ان يعود لبعض االشهر يف قريتهم‪ ،‬كان السبب هو حقول ابيه‬
‫الزراعية وما تحتويه من االلتامات يجب الوفاء بها‪.‬‬
‫تكلمنا بهذا الشأن‪ ،‬اقنعته بأن يطلب اجازة من العمل وان يعود اىل قريتهم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ليهتم بمصالح اهله‪ ،‬كان ذلك صعبا للغاية ولكنه كان جالسا ينصت يىل‪ ،‬لم‬
‫ً‬
‫طلت‪ ،‬كان مطيعا‪ ،‬حت اتصل بشقيقته واعتذر لها‪.‬‬
‫يعتض عىل ر ي‬
‫مت دون سابق انذار‪،‬‬
‫انهينا حوارنا ونحن جالسي عىل مقعد واحد‪ ،‬تقرب ي‬
‫كتق واغمض عينيه‪ ،‬لم يتكلم‪ ،‬توقفت عن التنفس يك ال‬
‫وضع رأسه عىل ي‬
‫ازعجه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رقبت‪ ،‬حرك رأسه قليال ثم نظر يىل‪،‬‬
‫ي‬ ‫كان القرب منه مثتا‪ ،‬صار شعره عىل‬
‫وجه‪ ،‬توقفت االرض عن الدوران‪.‬‬
‫ي‬ ‫كانت أنفاسه ووجهه قرب‬
‫عيت دون ان يتكلم‪ ،‬وحي تكلم قال يىل كلمة واحدة‪ ،‬كلمة‬ ‫ي‬ ‫ظل ينظر يف‬
‫ترتجف حروفها من معناها‪ ،‬قال يىل (انا اعشقك)‪.‬‬
‫كمجء الربيع‪ ،‬لحظة‬ ‫ئ‬
‫كان رجا ين الوحيد ان يبق كما هو‪ ،‬لتبق هذه اللحظة ر ي‬
‫ُ‬
‫كتق وانا انظر إليه‪ ،‬كنت انظر إليه بدهشة‬
‫توحد الجمال والهدوء‪ ،‬يغفو عىل ي‬
‫النفش للوحات (فان كوخ)‪.‬‬
‫ي‬ ‫حب‪ ،‬كما ينظر المريض‬
‫ً‬
‫روح ويتوسد الحنايا ‪..‬‬
‫ي‬ ‫ظل مستلقيا‪ ،‬يفتش‬
‫ً‬
‫مشاكسان يف‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬افتقد ر ي‬
‫ان كثتا‪ ،‬لطالما شعرت باألمان بوجوده‪ ،‬رغم‬
‫ً‬
‫واجهت امرا صعب‪ ،‬فقدان‬
‫ي‬ ‫سيسندن لو‬
‫ي‬ ‫السياسة والصحافة كنت اشعر بأنه‬
‫االب ليس ر‬
‫بالشء الغريب عنك يا قمر‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫ي‬
‫ولكنت لست مثلك‪ ،‬انت لم تتذوق اليتم منذ‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬فقدت ر ي‬
‫ان قبلك بكثت‪،‬‬
‫الصغر‪ ،‬فقدت ابيك وانت لست صغت السن‪ ،‬ستتجاوز هذه المحنة‬
‫ه ادوارنا‪ ،‬لكل منا رسالة يؤديها‪،‬‬
‫ه الحياة‪ ،‬هذه ي‬
‫وستمض يف حياتك‪ ،‬هذه ي‬
‫ي‬
‫منا من استطاع ومنا من مات وهو يحاول‪ ،‬ومنا من مات قبل ان يعلم ماهية‬
‫رسالته ألنه كان منشغل بطفولته‪.‬‬
‫اخته يف السابق عن الكثت من تفاصيل‬ ‫الماض‪ ،‬لم ر‬
‫ي‬ ‫حدثته ألول مرة عن‬
‫حيان‪ ،‬ر ئ‬
‫تفاح حي حدثته عن السني متوعكة الطفولة‪ ،‬عن ايام ِصبا سقيمة‬ ‫ي‬
‫الفرح‪.‬‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫بق صامتا‪،‬‬
‫كتق‪ ،‬ي‬
‫بق رأسه عىل ي‬
‫حديت‪ ،‬ظل ينصت اىل ما اقول‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫لم يقاطع‬
‫اىم واعمالها الشاقة‪ ،‬عن ألم الليل واغطية الحرمان‪،‬‬
‫حدثته عن (زياد)‪ ،‬عن ي‬
‫عن نظرة الغتة لشابة يف الدراسة الثانوية تنصت لحكايات زميالتها المتفة‪،‬‬
‫الت كنت اخجل منها بسبب غسل الصحون‪ ،‬عن شعري‬
‫عن خشونة يدي ي‬
‫الذي قصصته بعد ان حصلت عىل الشهادة الجامعية‪ ،‬تكلمت وتكلمت‪ ،‬قربه‬
‫نفش‪ ،‬عىل‬
‫ي‬ ‫منحتت الثقة يك اعرفه عىل‬
‫ي‬ ‫ثقت به‬
‫اعطان القوة عىل البوح‪ ،‬ي‬
‫ي‬
‫الت تخجل من حرمانها‪.‬‬
‫نفش ي‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫عيت‪ ،‬لم اقوى عىل كتمانها‪ ،‬كان الكالم صعبا عىل ان‬
‫دمعة عصية نزلت من ي‬
‫ماض ال اقوى التحدث به‪ ،‬كما كان من االصعب كتمانه‪.‬‬
‫ي‬ ‫يقال‪ ،‬كان‬
‫مت ان احدثه‬ ‫كان الوقت غت مناسب البتة للحديث بهذا الموضوع‪ ،‬طلب ي‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫الماض فحدثته‪ ،‬كنت اتمت وقت اخر يك ارويه له‪ ،‬وقت لم يكن فيه‬ ‫ي‬ ‫عن‬
‫ٌ‬
‫بحواش‬
‫ي‬ ‫كتق‪ ،‬انا ال اقوى عىل الكالم‪ ،‬تمنيت وقت اخر أشعر فيه‬
‫رأسه عىل ي‬
‫ٌ‬
‫رقبت‪،‬‬
‫ي‬ ‫الخمس‪ ،‬وقت اخر ال أكون فيه هزيلة من جراء شعره وهو يالمس‬
‫ٌ‬
‫الحراك‪.‬‬
‫يمكنت يف ِ‬
‫ي‬ ‫وقت‬
‫ً‬
‫وجنت‪ ،‬نهض ليجلب يىل كأسا من الماء‪ ،‬عاد‬‫ي‬ ‫رفع رأسه‪ ،‬رأى الدمع عىل‬
‫َ‬
‫قرن بعد ان ررسبت الماء‪ ،‬وضع يده عىل شعري‪ ،‬عبث بخصالته‪ ،‬كان‬ ‫وجلس ر ي‬
‫ألنت من بالد العرب‪.‬‬
‫مجتة عىل استغرابها‪ ،‬ي‬
‫جميل االطوار وانا ر‬
‫ألنت سألتك عن والدك‪ ،‬كنت يف كل مرة اود سؤالك ولكن‬ ‫ٌ‬
‫اسف‬ ‫قال‪:‬‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الفرصة لم تسمح‪ ،‬االن عرفت َلم انت ناجحة يف حياتك‪ ،‬لم ارى انسانا ذكيا‬
‫ً‬
‫وناجحا يف حياته وإال وكانت نشأته صعبة‪ ،‬لم يكن كذلك إال بعد ان كانت‬
‫َ‬
‫انجازاته مؤلمة المخاض‪ ،‬انا اشكرك يا (قمر)‪ ،‬لوالك لما كان االمر هي‪ ،‬انا‬
‫ً‬
‫بأنت لن انساه‪ ،‬علينا‬
‫ألن واقطع له وعدا ي‬‫بحال أفضل‪ ،‬سأطلب الرحمة ر ي‬
‫ٍ‬ ‫االن‬
‫ان نؤمن بالقدر‪.‬‬
‫حواش المتبقية فكانت تنصت اىل يديه‪ ،‬كنت‬
‫ي‬ ‫اذان تنصت له‪ ،‬اما عن‬
‫كانت ي‬
‫عىل‪.‬‬
‫اخاف من ان يغم ي‬
‫لت منذ ان دخلت‬
‫طوال الفتة المنضمة وانا افتقد لكلمة غزل منه‪ ،‬لم يغاز ي‬
‫لت منذ ان عبث‬
‫كتق‪ ،‬لم يغاز ي‬
‫لت منذ ان وضع رأسه عىل ي‬
‫واىل االن‪ ،‬لم يغاز ي‬
‫لت منذ سنوات من الدقائق‪ ،‬كم اعشقه‪.‬‬
‫بخصالت شعري‪ ،‬لم يغاز ي‬
‫اكت من ثالثي عام‪ ،‬شعرت برعشة الجسد عند‬ ‫بعد ان مض من عمري ر‬
‫ٌ‬
‫روح‪ ،‬بصمة لن يمحيها تقادم السني‪،‬‬
‫ي‬ ‫اللمسة االوىل‪ ،‬ترك بصمته عىل‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫وه تحرك خصالت شعري مع تمعن عينيه‪ ،‬لمسة لن‬ ‫تأكدت بأن لمسة يده ي‬
‫ً‬
‫بأنت سأشعر بها حت بعد ان‬‫ي‬ ‫عظاىم رمادا‪ ،‬ايقنت‬
‫ي‬ ‫انساها حت لو باتت‬
‫القت‪.‬‬
‫يتفسخ جسدي يف ر‬
‫ٌ‬
‫الت تشطرها نظرة العي‬
‫شتان ما بي روح المرأة وجسدها‪ ،‬الروح تلك ي‬
‫ً‬
‫لنصفي لتعود اهداب ذات العي لتجمعها مجددا‪.‬‬
‫اللمسة االوىل ال تخضع لضوابط النسيان وال تقبل القسمة عىل الليل‪.‬‬
‫اللمسة االوىل كرائحة المطر حي يهطل عىل اشجار الزيتون‪ ،‬لن تجد لها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لتعت بها عن من يسألك عنها‪.‬‬‫اسما وال وصفا وال كلمة ر‬
‫ً‬
‫اللمسة االوىل بال ثمر‪ ،‬لن تجدي نفعا بعد وقوعها‪ ،‬ستداد العطش بها ومنها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ستتسع رقعتها رومانسيا وستتشعب شغفا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫تجء بعدها لن تفوقها جماال‪ ،‬ال بل لن تكون مثلها اطالقا‪.‬‬
‫كل لمسة س ر ي‬
‫سياش يف اول يوم‬
‫ٍي‬ ‫لسجي‬
‫ٍ‬ ‫اللمسة االوىل لها نشوة كأعطاء العقاقت المخدرة‬
‫له يف السجن‪.‬‬
‫زهر وال َت َ‬
‫ثمر‪.‬‬
‫‪َ َ ..‬‬
‫اللمسة االوىل كشجرة الزيزفون ت‬
‫سألت ان‬ ‫اكت ولكنه غت رأيه‪ ،‬سحب يده وابتسم‪،‬‬ ‫شعرت بأنه اراد ان يقتب ر‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫لك اذهب‪.‬‬ ‫كنت اريد تناول معه كأسا من الشاب فأجبته بأن الوقت حان ي‬
‫اكتاف‪ ،‬كانت عيناه بأبه صورها ‪..‬‬
‫ي‬ ‫اماىم‪ ،‬وضع كلتا يديه عىل‬
‫وقف ي‬
‫لوالك‬
‫ِ‬ ‫ألشكرك بها عىل مجيئك اليوم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬لن اتمكن من ايجاد اي طريقة‬
‫ً‬
‫احبك كثتا يا اجمل ما عىل االرض‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لما كنت بأفضل حال‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عىل الحضور كما يتوجب عىل ِعشقنا‬ ‫قلت‪ :‬ال شكر عىل واجب‪ ،‬توجب ي‬
‫ً‬
‫السهر‪ ،‬هل تعلم ان الساعة االن الرابعة فجرا؟‬
‫الت كانت عىل الجدار الذي خلفه ليتأكد‬
‫ابتسم‪ ،‬التفت اىل الساعة الجدارية ي‬
‫من الوقت‪ ،‬الحظت وجود سلسلة فضية حول رقبته‪ ،‬لم استأذن منه‪،‬‬
‫اقداىم ألراها‪ ،‬قامته كانت تفوق‬
‫ي‬ ‫نفش عىل اطراف‬ ‫ي‬ ‫تقربت من جسده‪ ،‬رفعت‬
‫ً‬
‫قامت طوال‪ ،‬و يا ليت عمره يكون كذلك‪.‬‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫بأصبىع الخنض‪ ،‬التفت ببطء ضاحكا‪ ،‬لم يمنع يدي‪ ،‬اخرجتها‬ ‫ي‬ ‫سحبتها‬
‫ً ُ‬
‫فوجدت يف نهايتها قطعة صغتة كت َب عليها ‪...‬‬
‫َ‬
‫(عيناها الف قصيدة ح ٍب من دون أحرف)‬
‫اعدتها لتغفو عىل صدره كما كانت‪ ،‬وددت ان اكون بحجم هذه العبارة‬
‫ُ‬
‫ليلعقت حول رقبته‪ ،‬ر‬
‫اخش فراقه‪ ،‬اهوى السكون عىل صدره بغض النظر عن‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫شء فيه‪ ،‬اعشق‬ ‫السني والساعات‪ ،‬اريد عناقه ايضا‪ ،‬اعشقه‪ ،‬اعشق كل ي‬
‫حت اثار اقدامه عىل االرض‪.‬‬
‫َ‬
‫قلت له‪ :‬احبك قدر انفاسك‪.‬‬
‫وحقيبت الصغتة ألخرج‪ ،‬وجدت المطر قد توقف‪ ،‬اردت ان‬
‫ي‬ ‫معطق‬
‫ي‬ ‫اخذت‬
‫ُ‬
‫خلق‪،‬‬
‫ي‬ ‫مت المعطف‪ ،‬وقف‬ ‫حقيبت عىل يدي‪ ،‬أخذ ي‬
‫ي‬ ‫معطق‪ ،‬وانا اعلق‬
‫ي‬ ‫ارتدي‬
‫ّ‬
‫ساعدن عىل ارتدائه‪ ،‬ارتديته‪ ،‬كان قريب االلتصاق بجسدي‪ ،‬كنا قاب شفتي‬
‫ي‬
‫او ادن من العناق‪.‬‬
‫ً‬
‫احببتت؟‬
‫ي‬ ‫بأذن سائال‪َ :‬لم‬
‫همس ي‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫وجه‪ ،‬كنا متقابلي الشفاه ‪...‬‬
‫ي‬ ‫التفت له وصار وجهه قريبا من‬
‫ً‬
‫أجبته متسائلة‪َ :‬لم علقت تلك العبارة بقالدتك؟‬
‫بتأن‪ :‬ألنك مثتة بضم الميم‪.‬‬
‫قال ي‬
‫ً‬
‫وعيت تارة اخرى ‪..‬‬
‫ي‬ ‫شفاه تارة‬
‫ي‬ ‫ابتسمت وظل يتمعن‬
‫احببتت؟‬
‫ي‬ ‫سألت‪ :‬هل ستجيبي؟ َلم‬
‫ي‬
‫‪َ ..‬‬
‫قلت له‪ :‬ألنك أسمر ِبضم الشفاه‪.‬‬
‫الت طغت عىل الكالم‪،‬‬
‫خرجت مشعة‪ ،‬لم التفت إليه‪ ،‬خجلت من المشاعر ي‬
‫تفوهت باالحساس بدل االحرف‪ ،‬نطق القلب قبل اللسان‪ ،‬لم اعد اهتم لما‬
‫وف اي توقيت‪ ،‬بعد اللمسة االوىل لم اعد عىل ما يرام‪.‬‬
‫يجب ان يقال ي‬
‫خيلت كل‬ ‫وسادن بكل ما حصل‪ ،‬اعادت م‬ ‫اختت‬
‫اش‪ ،‬ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫شء اىل فر ي‬
‫افقت كل ي‬
‫ر ي‬
‫شء بأدق التفاصيل والعطر‪ ،‬كررت استذكار هذا اللقاء بعدد االجرام‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫السماوية‪ ،‬تمنيت ان اعود اىل ذلك البيت بالفستان االبيض‪.‬‬
‫ودعت عىل عجل ذات مساء‪ ،‬عدت‬
‫ي‬ ‫سافر (احمد) اىل قريتهم بعد بضع ايام‪،‬‬

‫اياىم‪ ،‬وجدت ما يعكر مز ر ي‬


‫اح‪ ،‬وجدت‬ ‫بعدها اىل البيت ألجد ما يعكر صفو ي‬
‫(صالح) يف بيتنا!!‬
‫ً‬
‫دخلت اىل البيت‪ ،‬واذا (بصالح) قد حل ضيفا ثقيل الدم علينا‪ ،‬حل غت‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫م ٌ‬
‫يمكنت ان القنه درسا كما الدروس‬
‫ي‬ ‫رحب به اطالقا‪ ،‬بسبب فظاظته‪ ،‬كيف‬
‫ئ‬
‫مجيت‪.‬‬ ‫اىم جالسة معه وقد رحبت به قبل‬
‫ي‬ ‫الت القنها اياه يف الجامعة‪ ،‬كانت ي‬
‫ي‬
‫ئ‬
‫مجيت‪ ،‬وانه قد عرف‬ ‫ر‬
‫بشء قبل‬
‫ي‬ ‫اىم ي‬
‫الحظت من طريقة جلوسه انه تكلم مع ي‬
‫الديت كما اعتاد يف العمل‪،‬‬
‫ي‬ ‫نفسه لها‪ ،‬من المؤكد انه استهل كالمه بالطابع‬
‫استغله حت يكسب ود من ينصت إليه‪.‬‬
‫َ‬
‫القيت التحية وجلست امامه‪ ،‬قلت له بوجه عبوس‪ :‬بما اخدمك يا (صالح)؟‬
‫ظروف‪.‬‬
‫ي‬ ‫حضورك‪ ،‬ررسحت لها‬
‫ِ‬ ‫والدتك قبل‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬تكلمت مع‬
‫ٌ‬
‫زميل يىل يف العمل فحسب‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وما شأننا وظروفك‪ ،‬انت‬
‫بأنت سبق وان‬
‫والدتك ي‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬جئت إليكم يك ال نبق هكذا وحسب‪ ،‬ر‬
‫اختت‬
‫معك بشأن الزواج‪.‬‬
‫تكلمت ِ‬
‫َ‬
‫الت رفضتك فيها؟‬ ‫قلت‪ :‬وهل ر‬
‫اختتها بعدد المرات ي‬
‫ً‬
‫اىم ألتلق منها نظرات استهجان تذكر ين بأداب‬
‫انحت رأسه خجال‪ ،‬نظرت اىل ي‬
‫علمتت إياها منذ الصغر‪.‬‬
‫ي‬ ‫الت‬
‫الحديث ي‬
‫يقي‬
‫ٍ‬ ‫تكون عىل‬
‫ي‬ ‫لعلك‬
‫ِ‬ ‫والدتك‬
‫ِ‬ ‫قال (صالح)‪ :‬قمر‪ ،‬جئت ألطلب يدك امام‬
‫ً‬
‫والدتك عن‬
‫ِ‬ ‫طلت جيدا‪ ،‬حدثت‬ ‫جاد وصادق‪ ،‬اتمت ان تفكري يف ر ي‬ ‫بأنت ٍ‬
‫ي‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫ترفضيت‪.‬‬
‫ي‬ ‫تجربت السابقة يف الزواج واعتقد ان هذا ليس عيبا يجعل ِك‬
‫ي‬
‫قلت‪ :‬بكل تأكيد‪ ،‬كل ارتباط وله حيثياته‪ ،‬ال يمكن ألي شخص ان يحكم عىل‬
‫زوجي انفصال بعد سماع أحدهما فقط‪ ،‬نحن ال نعلم ظروفك كيف كانت‪،‬‬
‫شء‪ ،‬انا لم ارفضك بسبب ذلك البتة‪.‬‬ ‫ُ ر‬
‫االهم من كل ي‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬وما السبب إذا؟‬
‫قلت‪ :‬أ َلم تفكر يف اختالف االديان بيننا؟ هل فكرت َمن منا سيقبل تبديل‬
‫دينه؟‬
‫َ‬
‫قال‪ :‬ولم نلتجأ اىل هذا االمر‪ ،‬ي‬
‫ديت يسمح يىل بأن اتزوج من غت المسلمة‪ ،‬من‬
‫اركان ديانتنا ان نؤمن بكل الكتب والرسل الـمرسلي من عند الرب‪ ،‬انا لست‬
‫ّ‬
‫من الذين يكفرون من يخالفهم الرأي؟‬
‫المسيج‪.‬‬
‫ي‬ ‫استغربت من اجابته‪ ،‬قلت‪ :‬ي‬
‫ديت ال يسمح يىل بالزواج من غت‬
‫لست متعصبة آلراء‬
‫ِ‬ ‫انك‬
‫لديانتك‪ ،‬كما ِ‬
‫ِ‬ ‫لست متشددة‬
‫ِ‬ ‫انت‬
‫اعرفك‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬انا‬
‫ٌ‬
‫طائفة منها‪ ،‬هذا التحريم الذي تتكلمي عنه ال يتكلم به سوى المتشددين من‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ديانتكم‪ ،‬انت لست منهم‪ ،‬لنكون منطقيي ر‬
‫لرفضك قادرا‬
‫ِ‬ ‫امنحيت سببا‬
‫ي‬ ‫اكت‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تساؤالن‪.‬‬
‫ي‬ ‫عىل ان يجيب عىل كل‬
‫ثياب‬
‫ٍ‬ ‫تقبلت دون حجاب‪ ،‬دون‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬لنفرض ي‬
‫ان فكرت باألمر‪ ،‬كيف‬
‫محتشمة وفق ضوابط ثيابكم؟‬
‫ثياب محتشمة لما جئت اىل هنا‪ ،‬انا ابحث عن عقل‬ ‫انت ابحث عن ٍ‬ ‫قال‪ :‬لو ي‬
‫لك حرية المعتقد‬ ‫ر‬
‫شء‪ِ ،‬‬ ‫اجت ِك عىل ي‬
‫صدقيت‪ ،‬لن ر‬
‫ي‬ ‫ناضج وكيان امرأة مكتملة‪،‬‬
‫لكنت لن‬ ‫والدين والملبس‪ ،‬سأرغبك بالدين االسالىم بغية اعتناقه ال ر‬
‫اكت‪،‬‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ديانتك والذهاب اىل الكنيسة‪،‬‬ ‫تمارش كل طقوس‬ ‫لك ان‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫شء‪ِ ،‬‬‫اجت ِك عىل ي‬
‫ر‬
‫معك اىل قداس يوم االحد واجلس‬
‫ِ‬ ‫بأنت سأذهب‬
‫اوعدك ي‬
‫ِ‬ ‫قبلت الزواج ر ين‬
‫ِ‬ ‫لو‬
‫ً‬
‫يف اخر الصف مستمعا‪.‬‬
‫لما كنت اقول عنه انه م ٌ‬ ‫ً‬
‫يعا‪ ،‬لما انا ظلمته بهذا القدر؟ َ‬
‫تدين زائف‬ ‫فكرت رس‬
‫يهوى الرياء؟ َ‬
‫لما لم احاول التحاور معه ولو لمرة واحدة قبل ان احكم عليه؟‬
‫لم اكن اتوقع انه مثقف وحيادي بهذا الشكل‪ ،‬كيف اتوقع وانا لم امنحه حق‬
‫القاء التحية؟‬
‫ُ‬ ‫ظلمته‪ ،‬وسأظلمه االن ر‬
‫ألن يىل نصف‬‫بقوىل الحقيقة‪ ،‬انا ال اصلح للزواج ي‬
‫ي‬ ‫اكت‬
‫روح االخر لدى (رفيق الروح) لم َيعد االمر بيدي‪.‬‬
‫ي‬ ‫روح‪ ،‬نصف‬
‫ً‬
‫نت سأفكر يف االمر وسأبلغ ِك قراري يف اقرب‬ ‫قلت‪ :‬شكرا لزيارتك‪ِ ،‬اعدك بأ ي‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫وقت‪ ،‬أتود ررسب القهوة مجددا؟‬
‫خته بأنتهاء مدة الزيارة‬
‫فهم قصدي الذي ي ر‬ ‫علم (صالح) القصد من سؤاىل‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫فعل غت ذلك‪.‬‬‫اىم نظرة عتب‪ ،‬لم يقوى عىل ِ‬
‫وعليه ان يخرج‪ ،‬نظر اىل ي‬
‫ً‬
‫سيدن الفاضلة‪ ،‬شكرا لحسن الضيافة‪.‬‬
‫ي‬ ‫قال بأبتسامة مصطنعة‪:‬‬
‫بندم شديد اتجاهه‪ ،‬لم اتوقع بأنه‬
‫يكلمت‪ ،‬شعرت ٍ‬
‫ي‬ ‫خرج ولم يلتفت يىل‪ ،‬لم‬
‫بأسلوب الئق ولو لمرة واحدة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫الت بهذا القدر وانا لم اكلمه‬
‫جاء ليقدم تناز ٍ‬
‫انت كنت اجلس بطرقة تسخر منه‪ ،‬انا لم انتبه لذلك إال حي خرج‪.‬‬ ‫حت ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اىم بهذا‬
‫تلقيت توبيخا شديدا بعد الذي حصل‪ ،‬منذ سنوات ولم توبخ يت ي‬
‫ً‬
‫ان‪ ،‬لم تتدخل مسبقا يف اي شخص‬ ‫ان من تدخلها يف قرار ي‬‫الشكل‪ ،‬كان استغر ر ي‬
‫مت ان انظر‬
‫اجابتت اجابة مؤلمة‪ ،‬طلبت ي‬
‫ي‬ ‫تقدم يىل‪ ،‬عندما سألتها عن السبب‬
‫وه باتت ال تقوى عىل‬ ‫إليها كيف ر‬
‫تمش بصورة منحنية‪ ،‬ان انظر إليها ي‬
‫ي‬
‫الحركة دون اتكاء‪ ،‬ان انظر إليها وأن أعد كم تبق لها من سني يف هذا الحياة‪،‬‬
‫عىل قبل ان تفارق الحياة كما كل االمهات‪ ،‬كانت ال تعلم‬ ‫ئ‬
‫كانت تريد ان تطمي ي‬
‫ادن‪.‬‬
‫وسلبت ار ي‬
‫ي‬ ‫عقىل‬
‫ي‬ ‫من احتل‬
‫َ‬
‫اىم بهذا االنفعال منذ سنوات‪ ،‬ك رتت وبانت عليها طعنات الشيخوخة‪،‬‬
‫لم ار ي‬
‫حدثت وكأنها حملت‬
‫ي‬ ‫اباىل‪ ،‬كانت ت‬
‫مستقبىل كل يوم وانا ال ي‬
‫ي‬ ‫يزداد خوفها عىل‬
‫عتابها لفتة ليست بالقليلة‪ ،‬اخر ما قالتها يىل‪ :‬مت سأغفو دون ان اعد عمرك‬
‫التاىل وانت بال زواج‪.‬‬
‫كم سيصبح لليوم ي‬
‫مىع‪ ،‬كنت احاول تهدئتها قدر‬
‫اىم عىل االرض بعد ساعتي من ِشجارها ي‬
‫هوت ي‬
‫ون‬ ‫ر‬
‫خت ي‬
‫اغم عليها‪ ،‬نقلتها اىل المشق فأ ر‬
‫ي‬ ‫بشء‪،‬‬
‫انت لم اجادلها ي‬
‫االمكان حت ي‬
‫بأنها بحالة سيئة‪.‬‬
‫حاد يف ضغط‬ ‫ر‬
‫ارتفاع ٍ‬
‫ٍ‬ ‫بتخت يف االوعية الدموية يف الدماغ نتيجة‬ ‫اىم‬
‫اصيبت ي‬
‫الدم‪ ،‬انا السبب بال شك‪ ،‬هل انا السبب؟ ام عمرها الذي تجاوز االربــع‬
‫والستي عام؟‬
‫َ‬
‫لياىل من السهر يف المشق‪ ،‬كان تلقيها للعالج صعب‬
‫تطلب تعافيها عدة ي‬
‫تشتىك منها‪ ،‬استطاعت بعدها من ان‬ ‫الت‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫بسبب كت امراض الشيخوخة ي‬
‫تتعاف‪ ،‬ولكنها لم تعود كما كانت‪.‬‬
‫بعد بضع ايام استطعت ان اتحاور معها وان انال بعض رضاها‪ ،‬كانت غاضبة‬
‫ً‬
‫مت كثتا‪ ،‬استغرقت ساعات يف ان اوضح لها ماهية تفكتي وماذا اريد‪،‬‬ ‫ي‬
‫ٌ‬
‫انت لست املك ما اريد‪ ،‬انا معلقة عىل ررسط‪.‬‬
‫نسيت ان اقول لها ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫اىم يىل كم كنت‬
‫شء‪ ،‬كشفت ي‬ ‫جعلت اعيد التفكت يف كل ي‬‫ي‬ ‫مىع كالما‬
‫تكلمت ي‬
‫مخطئة‪ ،‬المشكلة االعظم اننا حي نخطأ يف قراراتنا وطريقة تفكتنا يف‬
‫بق‬
‫اتخاذها ال نعلم وقتها اننا عىل خطأ‪ ،‬يف نهاية االمر نعلم ذلك‪ ،‬حينها قد ي ِ ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بق لنا شيئا‪.‬‬
‫لنا القدر بعض الوقت ألصالح ما افسدته الظنون واحيانا ال ي ي‬
‫غرفت‪،‬‬
‫ي‬ ‫قلت الباطن ال يرى غته‪ ،‬منذ ان كنت اراقبه خفية من عىل نافذة‬
‫كان ر ي‬
‫قلت الظاهر يعامل الناس بالممكن‪ ،‬ولهذا السبب ومن حيث ال ادري‬
‫كان ر ي‬
‫حت له يحتل القلب والعقل‪.‬‬
‫مت‪ ،‬كان ر ي‬
‫كرهت (صالح) وبغضت تقربه ي‬
‫ان مجرد زميلة عمل او حت صديقة كاالصدقاء‬
‫لو افتضت ان (صالح) كان ير ي‬
‫الذي امتلكهم يف الصحيفة او يف الجامعة ما كنت ألكرهه‪ ،‬كنت سأعامله‬
‫مت‬
‫مت ومحاولته للتقرب ي‬
‫بالود كأي صديق او زميل‪ ،‬ولكن مجرد تقربه ي‬
‫عقىل يبغضه وال يتقبله‪ ،‬ال بل بدأت بالتهيؤ‬
‫ي‬ ‫بالكالم الجميل كل صباح جعل‬
‫ئ‬ ‫ً‬
‫يدع‬
‫ي‬ ‫ان عليه بأنه‬
‫بأشياء سيئة وافتعال امور لم يفعلها هو‪ ،‬فضال عىل افت ي‬
‫ٍ‬
‫التدين الزائف ألصالح االخرين وتقديم المواعظ لطلبته وهو كاذب‪ ،‬وهو لم‬
‫يكن كذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫عقىل رافضا‬
‫ي‬ ‫حت (ألحمد) كان السبب يف كل هذا الظن‪ ،‬وان‬ ‫الحظت االن ان ر ي‬
‫ً‬
‫نفش له دون ادن‬
‫ي‬ ‫حت له‪ ،‬ها انا احتكر‬
‫ألي فكرة تحاول ولو وهما ان تمس ب ر ي‬
‫ارادة‪.‬‬
‫كنت احاول‪ ،‬احاول فحسب‪ ،‬كيف يمكن يىل ان اعرف مصتي مع (احمد)‪،‬‬
‫الت يمكن يىل من خاللها‬
‫نفش بعض االسئلة ي‬
‫ي‬ ‫حاولت ان استحض مع‬
‫استدراج اجابته‪ ،‬اود ان اعرف كيف يفكر بمصتنا‪ ،‬هل يود الزواج ر ين ام ال؟‬
‫ُ‬
‫اتعبتت تلك الظنون‪َ ،‬حرمت يت من النوم أليام‪ ،‬كنت يف رص ٍاع بي العقل‬‫ي‬
‫والقلب‪ ،‬لم اقف بصف احدهما‪ ،‬ألن للقلب لسان ال يمكن للعقل اسكاته‪.‬‬
‫اللياىل سهرت مع هذا الضاع‪ ،‬كان يخيف يت تساؤل مهم‪ ،‬انا رفضت‬
‫ي‬ ‫يف احدى‬
‫وديانت؟‬
‫ي‬ ‫ألىم‬
‫بيت وبينه‪ ،‬كيف يىل ان اقدم (احمد) ي‬
‫(صالح) الختالف االديان ي‬
‫ً‬
‫ألىم لو خت ين‬
‫لقبوىل الزواج؟ ماذا سأقول ي‬
‫ي‬ ‫هل يمكن للحب ان يكون ذريعة‬
‫ديت والزواج به؟‬
‫(احمد) بي ي‬
‫ً‬
‫ديت ألجله‪ ،‬لن‬
‫نفش‪ ،‬لن اتردد يف ترك ي‬
‫ي‬ ‫يف نهاية المطاف‪ ،‬قطعت وعدا عىل‬
‫اتردد عن االلحاد لو تطلب االمر‪.‬‬
‫مخيلت ألنتض يف الحرب‬
‫ي‬ ‫الت تجول يف‬
‫وانا اشد العزم حول هذه القرارات ي‬
‫وحت به ‪..‬‬
‫أىم ر ي‬
‫الت نشبت بي نصائح ي‬
‫ي‬
‫بعث ىل (احمد) رسالة الكتونية ‪َ ،‬‬
‫كتب فيها‪:‬‬ ‫ي‬
‫عينيك ‪ ..‬يك تشق كدمات الشوق من جسد الحني"‬
‫ِ‬ ‫"اتوق لتأمل‬

‫اجابت‪ ،‬واول كلمة قالها كانت‪" :‬اشتقت ِ‬


‫لك"‬ ‫ي‬ ‫اتصلت به عىل الفور‪،‬‬
‫حنجرن‪ ،‬لم‬ ‫بيت وبي‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫اتصاىل‪ ،‬حالت انفاسه ي‬
‫ي‬ ‫ثوان من‬
‫لم اتكلم يف اول عش ي‬
‫وه تتخلل خصالت شعري‪،‬‬
‫يده ي‬
‫اقوى عىل الكالم وانا ال زلت اشعر بأصابع ِ‬
‫ألثارن به‪.‬‬
‫ي‬ ‫اضالع عىل بعضها‬
‫ي‬ ‫عت الهاتف تنطبق‬
‫وانا اسمع صوت انفاسه ر‬
‫لك" ر‬
‫عشات المرات‪.‬‬ ‫تكلمت معه‪ ،‬سألته عن احواله‪ ،‬كرر كلمة "اشتقت ِ‬
‫اتصاىل وانا عىل امل ان‬
‫ي‬ ‫تساءلت كيف يىل ان اقبل كلماته الجميلة‪ ،‬انهيت‬
‫شء لمسه يف جسدي يف اخر لقاء لنا‪.‬‬ ‫ر‬
‫القاه‪ ،‬لن المس كل ي‬
‫الجامىع‬
‫ي‬ ‫انتباه جلوس (بيلسان) يف احد مقاعد الحرم‬
‫ي‬ ‫ذات صباح لفت‬
‫برفقة ذات الشخص الذي رأيته ينتظرها يف اخر مرة‪ ،‬كانت طريقة جلوسها‬
‫ُ‬
‫تعجبت‪ ،‬لم تكن مجتهدة‬
‫ي‬ ‫تعىط طابع االعجاب‪ ،‬كان هيئتها ال‬
‫ي‬ ‫ونظراتها له‬
‫كما ظننت‪ ،‬ليس كما اعتدت عليها‪ ،‬ليس كما ظن ابيها بها‪ ،‬كنت عندما اتصل‬
‫ُ‬
‫اش‪ ،‬كنت امتدحها‪ ،‬كنت ابالغ يف‬
‫لسؤاىل عن مستواها الدر ي‬
‫ي‬ ‫(بزياد) ويتطرق‬
‫ً‬
‫نشاطها‪ ،‬يف حي انه يف اآلونة االختة بات ضعيفا‪ ،‬كانت جيدة السلوك‪،‬‬
‫تبادل االحتام لكل زميالتها واساتذتها‪ ،‬فقط لقائها مع هذا الشخص كان‬
‫ينتابت الكثت من الشكوك حوله‪ ،‬انا ال اعرفه من قبل‪ ،‬لم اراه ولكنه ال يليق‬
‫ي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫تمض إال‬
‫ي‬ ‫وه لم‬
‫بها البتة‪ ،‬كيف تعرفت عليه ولماذا؟ ولما هذا التعلق به ي‬
‫وه تعرفه؟‬‫اش‪ ،‬منذ مت ي‬‫بعض االسابيع يف العام الدر ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫انت نصحته ذات‬
‫بشكل اكت من المعتاد‪ ،‬حت ي‬
‫ٍ‬ ‫كان (زياد) رقيبا عىل (بيلسان)‬
‫مرة بأن يمنحها الثقة يك تكون جديرة بها وإال ستكون النتيجة عكسية‪ ،‬كان‬
‫ً‬
‫دائما يقول يىل بأن الثقة ال تمنح اىل البنت إال بعد ان تجتاز عمر المراهقة‪،‬‬
‫ألن يف هذه مرحلة يكون عقلها ملك مشاعرها وال تجيد التفكت‪ ،‬فكيف‬
‫ً‬
‫سأمنحها الثقة‪ ،‬ولهذا كان فرحا حي دخلت (بيلسان) الحياة الجامعية لكونها‬
‫قد نضجت واجتازت مرحلة الخطر بحسب وجهة نظره‪ ،‬كنت اخالفه الرأي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫جدا‪ ،‬ولكنه اوال واختا صاحب القرار يف حياتها‪.‬‬
‫يلق أي تحية‬
‫اختت (صالح) بأن طلبه تلق الرفض‪ ،‬كما كان متوقع‪ ،‬لم ي‬
‫ر‬
‫انت يف‬
‫انبت ضمتي‪ ،‬إال ي‬
‫بأنت ظلمته‪ ،‬ي‬
‫اختته‪ ،‬شعرت ي‬ ‫عىل بعد ان ر‬
‫صباحية ي‬
‫ئ‬
‫النهان لفظاظته‪ ،‬ووجدت الخالص من الكم‬ ‫نهاية المطاف قد وجدت العالج‬
‫ي‬
‫ينتابت كلما اراه‪ ،‬استطعت نسيانه يف ايام قليلة‪،‬‬
‫ي‬ ‫الهائل من الضجر الذي كان‬
‫غرفت‪.‬‬
‫ي‬ ‫وانت لم اعد اراه يف‬
‫وال سيما ي‬
‫ً‬
‫الحزب فأصبح مساعدا لعميد الجامعة‪ ،‬لم اذهب‬
‫ترف (صالح) عن طريق ِ‬
‫مت‪ ،‬او انه‬
‫لتهنئته بمنصبه الجديد‪ِ ،‬خفت من أي ردة فعل منه ينتقم بها ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ترحيت غت الالئق به حي زارنا‪ ،‬فكرت يف انه حتما كان ممتنا يىل‬
‫ري‬ ‫يستذكر‬
‫ً‬
‫التدريش بأنه تقدم يىل ورفضته‪ ،‬كنت اعلم بأن‬
‫ي‬ ‫اخت احدا من الكادر‬
‫لكون لم ر‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫هذا الموضوع مهما بالنسبة إليه‪ ،‬لطالما كان خائفا من ان يراه احدا وهو يتلق‬
‫مىع‪ ،‬كان يهاب حوارات‬
‫اقبت حي أكون لوحدي ليتكلم ي‬
‫مت‪ ،‬كان ير ي‬
‫اهاناته ي‬
‫الوظيفة‪ ،‬وهو محق يف ذلك‪ ،‬ألن ما يحدث يف اماكن العمل ال ينش مع‬
‫تقادم الزمن‪.‬‬
‫السياش الكثت من التطورات مع بدأ الحمالت االنتخابية‪ ،‬مع‬
‫ي‬ ‫شهد الوضع‬
‫بدء موسم الوعود الكاذبة والمزايدات بالقيم الوهمية من اجل الضحك عىل‬
‫اكت عدد من الناخبي‪.‬‬
‫ر‬
‫ً‬
‫بات الحزب الحاكم خائفا من مصته المجهول مع انتصار ارادة الشعب يف ان‬
‫اكت‬
‫انظار دولية‪ ،‬و بأثر هذا التخوف بات يعتقل ر‬
‫ٍ‬ ‫تكون عملية االقتاع تحت‬
‫عدد من الناشطي من بقية االحزاب بغية اسكات اصواتهم و الحد من كمية‬
‫الت جعلوها تفكر بمن ستنتخب‪ ،‬بعد ان تم توعيتها بأن ال تنتخب‬
‫العقول ي‬
‫بحسب العرق والطائفة والحزب‪.‬‬
‫خت اعتقال (هشام)‪ ،‬تم اعتقاله من بيته دون ادن تهمة‪ ،‬اخ رت ين‬
‫سمعت ر‬
‫(احمد) بذلك‪ ،‬كان من حسن حظ (احمد) انه لم يكم يف العاصمة وقتها‪،‬‬
‫ترجيته ان ال يعود وان ينتظر لحي ان تهدئ الحكومة من روعة اعتقاالتها‬
‫التعسفية‪.‬‬
‫سادت الفوض يف عقول كل فئات الشعب‪ ،‬الكل كان يشكو من حالة الخوف‬
‫الت اصبحت فرصة لتصفية الحسابات بي كل‬
‫والضجر من هذه الفتة ي‬
‫تخت مقر الحزب‬ ‫َ‬
‫معت البغضاء بينهم حت صار من السهل ان ر‬
‫شخصي ج ِ‬
‫ً‬
‫حزب من احزاب المعارضة‪ ،‬او ان تذهب اىل الناس‬
‫ٍ‬ ‫ينتم اىل‬
‫ي‬ ‫بأن شخصا ما‬
‫ً‬
‫وتبث اشاعة تفيد بأن شخصا ما هو المسؤول عن اخبار السلطات عن اسماء‬
‫المعارضة‪.‬‬
‫تعرضت الكثت من المقرات الحزبية اىل عمليات قتل وتصفية وأعمال‬
‫تخريب‪ ،‬استمر الحال وامتألت السجون‪ ،‬لم ينجو من هذه التهم إال من كان‬
‫ُ‬
‫الحكوىم‪ ،‬ومن لم يملك فأنه سيظل‬
‫ي‬ ‫االمت‬
‫ي‬ ‫لديه اقارب ووساطات يف الجهاز‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫الطبيىع ان يمكث‬
‫ي‬ ‫منتظرا يوم احالة اوراقه التحقيقية اىل المحكمة‪ ،‬ومن‬
‫ً‬
‫طويال دون محاكمة‪ ،‬ألن اوراقه بيضاء وتبحث عن تهمة ما‪.‬‬
‫اىل مواقفه الحيادية والعقالنية وسط هذه الفوض‪ ،‬هذا‬
‫الليت ي‬
‫اثبت الحزب ر‬
‫الحزب الذي كان نقطة انطالق (احمد)‪ ،‬والذي كان يروم لدعوة انصاره‬
‫ً‬
‫لالنضمام إليه‪ ،‬ولكنه فكر مليا واجل قراره لوجود العديد من التحفظات عىل‬
‫بعض قياداته وسياساتهم‪.‬‬
‫ً‬
‫كنت انقل االخبار يوميا اىل (احمد) عىل امل ان يبق خارج العاصمة وان ال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كالىم معه نفعا‪ ،‬لم يمكث طويال‪ ،‬كان‬
‫ي‬ ‫يعود يف القريب العاجل‪ ،‬لم يجدي‬
‫شديد الوفاء لصديقه (هشام)‪ ،‬عاد من اجله‪ ،‬لم يهدأ له بال اىل ان تمكن من‬
‫اخراجه من السجن‪ ،‬استطاع ان يخلصه قبل ان يختار له الحزب الحاكم‬
‫احدى التهم المعتادة له كالتجارة بالسالح او المواد الممنوعة بعد ان يضع‬
‫ً‬
‫نموذجا منها يف بيته لغرض ضبطها اثناء تفتيشه‪.‬‬
‫الت تربط (احمد) بمديره‬
‫ه العالقة الوثيقة ي‬
‫كان الفضل يف نجاة (هشام) ي‬
‫هاتق واحد ان ريتئ (هشام) من التهم‬
‫ي‬ ‫بعد ان استطاع ومن خالل اتصال‬
‫قبل ان تنسب إليه‪.‬‬
‫كان شعار (العدالة) يتوسط شعارات الحزب الحاكم‪ ،‬وقياداته ال تعرف‬
‫العدالة إال عند تقاسم المناصب الوزارية فيما بينهم‪.‬‬
‫اتعب هذا الوضع اعصاب الجميع‪ ،‬كنا نرتقب موعد اجراء االنتخابات‪ ،‬او‬
‫الشء‬‫حت تأجيلها او الغاؤها‪ ،‬كان الوضع يدعو اىل الهذيان بأي رشء‪ ،‬ويبق ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫االهم هو ان تحافظ عىل حياتك وسط هذه الفوض‪.‬‬
‫ً‬
‫خوف عىل (احمد)‬
‫ي‬ ‫عىل تحديدا‪ ،‬كان‬
‫آثرت هذه االحداث عىل تضفاتنا‪ ،‬اثرت ي‬
‫يدفعت اىل القلق واالتصال به بسبب او من دون سبب‪ ،‬كنت اسال عن‬ ‫ي‬
‫ئ‬
‫اعطان كل التفاصيل عن تحركاته‪ ،‬حت‬ ‫مت‪ ،‬لم يمتنع من‬
‫ي‬ ‫تحركاته حت ضجر ي‬
‫ُ‬
‫كالصت‪ ،‬لم يكن يف يدي حيلة‪ ،‬كنت اخاف عليه كما‬
‫ري‬ ‫بأنت اعامله‬
‫ي‬ ‫شعرت‬
‫تخاف االم عىل صغتها‪.‬‬
‫ً‬
‫كان صباح ملبد بالكأبة‪ ،‬كادت السماء ان تمطر حزنا‪ ،‬ولكنها يف النهاية‬
‫الت كنت ارسقها‬
‫ان ي‬‫حت له‪ ،‬نظر ي‬
‫امطرت ذكريات جميلة‪ ،‬ذكريات بدايات ر ي‬
‫ألحتفظ بها بحرص اىل الليل‪ ،‬كنت بحاجة لها قبل النوم‪.‬‬
‫الت‬
‫لعالقت به‪ ،‬جرعات القوة ي‬
‫ي‬ ‫الت وضعت حجر االساس‬
‫احالم اليقظة ي‬
‫ذكريان يف كل ما كنت‬
‫ي‬ ‫منحتت اياها ألكتب له ما اشاء عىل تهنئة عيد ميالده‪،‬‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫صباح الذي يشق كل يوم عند خروجه‪،‬‬ ‫ي‬ ‫اردده همسا عندما اراه‪ ،‬نور شمس‬
‫وف اليوم الذي ال اراه‪ ،‬يبق فيه الظالم يحوم‬
‫صباح‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫عندما كان يعلن بدأ‬
‫اجفان‪.‬‬
‫ي‬ ‫حول‬
‫قرر (احمد) تغيت متله‪ ،‬وقفت كما كنت اقف ألراقبه‪ ،‬اقف للمرة االختة‪ ،‬انا‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫حزينة جدا‪.‬‬
‫ُ‬
‫ذكريان عىل جدران هذا‬
‫ي‬ ‫ليتت لم اعلق‬
‫ي‬ ‫ليتت لم ازوره حي توف اباه‪ ،‬يا‬
‫ي‬ ‫يا‬
‫البيت وباحته‪ ،‬كانت هناك يىل اول ذكرى بالقرب منه‪ ،‬اول لمسة كانت هناك‪،‬‬
‫اول نبضة قلب تختلف عن النبضات المعتادة كانت هناك‪ ،‬اول لحظة اشعر‬
‫أنوثت تهم رجل وتشغل نظراته كانت هناك‪ ،‬هناك رقصت خصالت‬
‫ي‬ ‫بأن‬
‫ساعدن عىل‬
‫ي‬ ‫شعري بي اصابعه‪ ،‬عطره عبث بتكتي هناك‪ ،‬هناك حي‬
‫انسان كيف يىل ان اقف‬
‫ي‬ ‫مت حت‬
‫معطق فأقتب من جسدي‪ ،‬اقتب ي‬
‫ي‬ ‫ارتداء‬
‫عىل قدىم‪ ،‬هناك حي ر‬
‫بعت ين‪ ،‬هناك يف تلك اللحظة لم افرق فيها بي‬ ‫ي‬
‫الشهيق والزفت‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫انتقل اىل مسكنه الجديد الذي لم يبتعد عن حيينا كثتا‪ ،‬اشتى (احمد) متال‬
‫ً‬
‫مغلقا ف قريتهم‪ ،‬لم ر ئ‬
‫يش ان‬ ‫ي‬ ‫بعد ان حصل ارثه من والده‪ ،‬ابق بيت ابيه‬
‫يبيعه لما يحمله من ذكريات‪ ،‬باع حقل ابيه الذي كان يعمل به فقط‪ ،‬لم يكن‬
‫هنالك من يقدر عىل ان يلتمه او يستثمره‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫طريق طويال من‬
‫ي‬ ‫كان يوما حزينا‪ ،‬خرجت بمفردي دون ان القاه‪ ،‬اضج‬
‫اقداىم‪ ،‬التم الصمت وافتقدت العطر‪.‬‬
‫ي‬ ‫دونه‪ ،‬تنافرت الخطوات من‬
‫ئ‬
‫القان‬ ‫تجعلت سيئة المزاج‪ ،‬حت يف‬ ‫كانت هذه االيام الصعبة كفيلة يف ان‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ان‪ ،‬دخلت يف نقاش عىل غت المعتاد مع احد الطلبة يف القاعات‬
‫لمحارص ي‬
‫الدراسية‪ ،‬كان قد اعتض حي قلت ان الحاكم ال يجب ان يتمدح‪ ،‬علينا‬
‫جت عىل القيام باألعمال‬
‫شكره يف بعض المواقف ولكنه يف شت االوقات م ر‬
‫ً‬
‫المكلف بها بحكم الدستور‪ ،‬فأن فعل شيئا لصالحنا فهذا واجبه وليس‬
‫متفضل‪ ،‬وان قض بواجباته فأنه قد خل بالتاماته المنصوص عليها يف‬
‫الدستور‪.‬‬
‫الت يجب اعادة‬
‫عىل الرغم من ان دستورنا ال يخلو من االخطاء والهفوات ي‬
‫النظر بها ولكن وجودها جلب النفع للكثت من السياسيي‪ ،‬ادع هذا الطالب‬
‫يجرن يف حديثه اىل انتقاد الحكومة وانا احاول‬
‫ي‬ ‫وىل االمر‪ ،‬كان‬
‫وجوب اطاعة ي‬
‫تالف ذلك يف هذا التوقيت‪ ،‬كنت اناقشه يف وجوب نقد القرارات الصادرة من‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الحكومة أيا كانت نواياها حت وان كان هذا النقد نقدا هداما من قبل اطراف‬
‫ً‬
‫الت قد ال تنوي احيانا إال لتشويه سمعة الغت باالتهامات الباطلة يك‬
‫المعارضة ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يعلو شأنها‪ ،‬انا اؤمن بأن وجود المعارضة ألي حكومة شيئا ايجابيا حت وان‬
‫ً‬
‫كان سلوك المعارضة سلبيا‪.‬‬
‫وىل االمر عىل حد‬
‫قدم يىل العديد من الحجج يف وجوب اتباع الحاكم او ي‬
‫ُ‬
‫وىل االمر المنصوص عليه يف الكتب‬
‫تعبته‪ ،‬كان ينظر اىل رئيس الدولة بانه ي‬
‫االله‪ ،‬هذه النظرية‬
‫ي‬ ‫الدين‪ ،‬كان يعتقد كما الكثتين بصحة نظرية التفويض‬
‫الت يطبقها المسحيي بالعلن والمسلمي بالخفاء‪.‬‬
‫ي‬
‫ان‬
‫كنت اقدم له حجج اقوى منها او توازيــها رصانة من احكام االسالم‪ ،‬حت ي‬
‫ً‬
‫رسدت له آيات من القران الكريم واالنجيل المقدس ولم يجد االمر نفعا‪ ،‬وما‬
‫ً‬
‫الت حفظها تلقينا ليجادل بها فقط‪ ،‬قال يىل‬
‫ان استسلم لألمر وانتهت حججه ي‬
‫انت ال تعلمي منها إال ما تنتقدنا به‬
‫لك النقاش باألحكام االسالمية ِ‬
‫"ال نسمح ِ‬
‫ألنك‬ ‫سوره‬ ‫شء من القران او حفظ اية من‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يمكنك قول ي‬
‫ِ‬ ‫الكنيسة‪ ،‬ال‬
‫مسيحية"‬
‫دفعت كالمه اىل توبيخه بما لم يتوقعه‪ ،‬طردته خارج القاعة الدراسية‪ ،‬كان‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫انت اعلم عن دينه ما ال يعلمه ذلك الذي ينصت له يف دار‬ ‫متهكما وال يعلم ي‬
‫عش سنوات ادرس فيها االديان االبراهيمية‪ ،‬يىل‬ ‫اكت من ر‬ ‫العبادة‪ ،‬قضيت ر‬

‫يأن‬ ‫ر‬
‫عشات النقاشات الدينية مع اناس لهم ثقلهم يف الدين وبعد كل ذلك ي‬
‫يمنعت من قراءة القرآن وحفظه‪.‬‬ ‫طفل مثل هذا‬ ‫ٌ‬
‫ي‬
‫تضف كل الطلبة‬
‫ي‬ ‫محاورن معه وطرده من القاعة الدراسية‪ ،‬اثت عىل‬
‫ي‬ ‫بعد‬
‫الحارصين بكل اطيافهم‪ ،‬كانوا طلبة حقيقيي للعلم وما ان خرج هذا الطفل‬
‫لم يبق منهم طالب للجهل والعبودية‪.‬‬
‫التاىل كنت اتوقع ان توجه يىل عقوبة ادارية من ادارة الكلية‪ ،‬او‬
‫ي‬ ‫يف صباح اليوم‬
‫ً‬
‫توبيج وجها لوجه‬
‫ي‬ ‫ان تفاقم االمر فقد اجد مذكرة استدعاء من الرئاسة ليتم‬
‫ً‬
‫من المرؤوسي الذين ال نتجرأ مناقشتهم كما الطلبة خوفا عىل لقمة العيش‪.‬‬
‫وعزىل عن‬
‫ي‬ ‫خدمان من الجامعة‬
‫ي‬ ‫ما لم اكن اتوقعه‪ ،‬هو وجود امرأ بأنهاء‬
‫صدمت االمر‪ ،‬لم اكن اعرف ان االمر سيؤدي اىل ذلك‪ ،‬خشت‬
‫ي‬ ‫الوظيفة‪،‬‬
‫ً‬
‫الت كنت احلم بها منذ ان كنت طالبة‬
‫وظيفت ي‬
‫ي‬ ‫الت كنت احبها جدا‪،‬‬
‫وظيفت ي‬
‫ي‬
‫ر ي‬
‫وخروح عن‬ ‫اىم بضوابط التدريس‬
‫يف الجامعة‪ ،‬خشتها بسبب عدم الت ي‬
‫السلوك الواجب اتباعه مع الطلبة يف اعتماد الحيادية يف نقل المعلومة‬
‫واالبتعاد عن التطرف‪ ،‬هكذا كان نص القرار‪.‬‬
‫ً‬ ‫كثتا‪ ،‬ذهبت اىل من َ‬‫ً‬
‫وقع هذا القرار واىل من يعلوه منصبا واىل من‬ ‫ضجرت‬
‫ً‬
‫مقابلت‪ ،‬تم طردي بصورة الئقة وبقرار غت الئق‪.‬‬
‫ي‬ ‫يدنوه‪ ،‬لم يقبل احدا‬
‫ً‬
‫بباىل شخصا غت (احمد) اتصلت به ولكنه لم يرد عىل‬ ‫انكشت‪ ،‬لم يخطر ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اتصاىل‪ ،‬كان مشغوال كعادته‪ ،‬لم اجد له عذرا غت هذا‪.‬‬
‫ي‬
‫الكاف للندم عن ما‬
‫ي‬ ‫ابىك الدمع‬
‫اتصلت (بسارة) ذهبت اىل بيتها‪ ،‬استطعت ان ي‬
‫دمىع وصداقتنا حالت دون ذلك‪.‬‬
‫ي‬ ‫لوىم ولكن‬
‫حصل‪ ،‬ارادت ي‬
‫ُ‬
‫حفىط آليات‬
‫ي‬ ‫انت اخطأت يف‬
‫ألنت اردت االصالح؟ ام ي‬
‫ي‬ ‫هل كنت مخطئة‬
‫االسالىم كما احفظ للمسيحية واليهودية؟ هل العلم اصبح‬
‫ي‬ ‫واحكام الدين‬
‫جريمة؟ ام اننا اقلية ال يجب ان تتكلم؟ عرفت من خالل ما حصل بأننا اقلية‬
‫ومن حسن َحظنا انهم سمحوا لنا بالعيش معهم يف هذا البلد‪ ،‬ليس بأمكاننا‬
‫ان نتكلم‪ ،‬نحن غت مرحب بنا‪.‬‬
‫جعلتت اتقبل االمر واتفهمه‪ ،‬كانت صدمة‬ ‫ي‬ ‫تهدئت‪،‬‬
‫ي‬ ‫تمكنت (سارة) من‬
‫ً‬
‫اعتقاىل‪ ،‬اتذكره جيدا وهو يحاول‬
‫ي‬ ‫اتهاىم او‬
‫ي‬ ‫االكت ان يتم‬
‫ر‬ ‫خوف‬
‫ي‬ ‫مروعة‪ ،‬كان‬
‫ً‬
‫وف العديد من شخصيات‬ ‫جاهدا ان يضب االمثال يف الحزب الحاكم ي‬
‫بكالىم‬
‫ي‬ ‫يجعلت اقصد‬
‫ي‬ ‫الت رغباته‬
‫الحكومة‪ ،‬وانا احاول ان اكون متنة وان ال ر ي‬
‫شخصية سياسية محددة‪.‬‬
‫ٌ‬
‫عجيب امرهم‪ ،‬يبجلوا العبودية حت ولو كانوا اسياد انفسهم‪ ،‬ال يستطيعوا‬
‫َ َ‬
‫العيش بحرية‪ ،‬ال يتذوقوا طعم الراحة اىل ان يتخذ القرار من قبل غتهم‪ ،‬اىل‬
‫ان يأمرهم رجل الدين عىل فعل ابسط االشياء‪ ،‬عجيب امرهم بالفعل‪ ،‬دينهم‬
‫الديت ليتأملوا رضاه‪،‬‬
‫ي‬ ‫يأمرهم بالشورى بينهم وهم يقفون عىل ابواب زعيمهم‬
‫وىل امر‬
‫وىل االمر ألنه ي‬
‫وكأن يف رضاه الجنة وليست بأفعالهم‪ ،‬يريدون اطاعة ي‬
‫بالوراثة فحسب‪ ،‬يمنعون انتقاد رأيه او محاسبته لو اخطأ‪ ،‬يقولون ال يجوز‬
‫وىل امر منذ‬
‫وىل امر ألننا خضعنا له‪ ،‬لم يكن ي‬
‫وىل امر‪ ،‬ال يفقه انه ي‬
‫ذلك ألنه ي‬
‫والدته‪ ،‬عجيب امرهم بالفعل‪ ،‬هم يحرمون تجارة الرق والعبيد‪ ،‬وال يحرمون‬
‫تجارة عقولهم واستعبادها‪.‬‬
‫شء اهم من الخروج يوم غد‬‫ر‬
‫بدأت افكر يف مساوئ المرحلة القادمة‪ ،‬لم اجد ي‬
‫فسيكلفت‬ ‫وظيفت‬ ‫بأنت خشت‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫بشء‪ ،‬ان علمت ي‬ ‫اىم ي‬ ‫كالمعتاد حت ال تشعر ي‬
‫ً‬
‫عىل ان اتحمل الكثت ألن ما تقاضاه من الجريدة ال يكفينا العيش‬‫االمر كثتا‪ ،‬ي‬
‫عشة ايام‪.‬‬ ‫ر‬
‫ألكت من ر‬
‫ً‬
‫اتصل ر ين (احمد)‪ ،‬اعتذر لكونه كان منشغال بأجتماع عمل قض فيه وقت‬
‫الصباح بأكمله‪ ،‬تذكرت انشغاله بمتله الجديد باالضافة اىل مهام عمله‬
‫اخته بما حصل‪ ،‬تمكنت من كتم االمر وان اتكلم معه بصورة‬
‫فقررت ان ال ر‬
‫ولكنت فعلت ذلك‪ ،‬حت انته‬ ‫طبيعية‪ ،‬كان من المفروض ان ال اخ ر ئ‬
‫ت عنه‪،‬‬
‫ي‬
‫ً ً ً‬ ‫ُ‬
‫االسبوع‪ ،‬كنت اذهب اىل الجريدة ألعمل يوما تاما قتال للوقت‪.‬‬
‫ً‬
‫وعدن بألف‬
‫ي‬ ‫ألجىل‪،‬‬
‫ي‬ ‫اتصلت (بأحمد)‪ ،‬حدثته عن ما جرى يىل‪ ،‬تأثر كثتا‬
‫وظيفة يك ال احزن‪ ،‬طلبت منه ان يجلب يىل معلومات عما اذا كان االمر‬
‫بعزىل من الوظيفة‪ ،‬كنت‬
‫ي‬ ‫سيتطور ويصل اىل جهات االمن‪ ،‬أم انهم اكتفوا‬
‫ً‬
‫اعتقاىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫خائفة جدا من ان يتم‬
‫طمئنت بأن االمر‬
‫ي‬ ‫استطاع (احمد) ان يحصل عىل معلومات من الجامعة ت‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫عزىل وليس له اي تبعات قضائية او اعتقاالت حزبية‪ ،‬ع ِلم ايضا‬
‫انته بقرار ي‬
‫بأن الطالب الذي طردته من قاعة الدراسية كان يحمل جهاز لتسجيل‬
‫صون خالل حوارنا وقدمه اىل رئاسة الجامعة‪ ،‬لم يعد‬
‫ي‬ ‫الصوت‪ ،‬قام بتسجيل‬
‫ً‬
‫لوظيفت فحسب‪.‬‬
‫ي‬ ‫خسارن‬
‫ي‬ ‫يلزمت وقت يك انش صدمة‬
‫ي‬ ‫االمر مقلقا‪،‬‬
‫يف عطلة نهاية االسبوع‪ ،‬دعانا (يعقوب) اىل تناول العشاء يف بيته بعد ان‬
‫ً‬ ‫َ َ‬
‫اىم كثتا‪ ،‬كانت‬
‫خطوبته وباركها يف الكنيسة‪ ،‬جمعنا عشاء عائ يىل اسعد ي‬
‫ِ‬ ‫اجرى‬
‫ه السبب يف رفض والدته لزواجه‬‫خطيبته عىل قرابة منه‪ ،‬كانت هذه القرابة ي‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫منها‪ ،‬افصح لنا (يعقوب) اختا عن الش الذي كنا نتساءل عنه منذ اول يوم‬
‫اختنا رس تركه للحياة يف (لندن) من اجل ان يعيش ما تبق من‬
‫زارنا فيه‪ ،‬ر‬
‫حياته هنا‪.‬‬
‫ه السبب‪،‬‬
‫الت رسدها لنا يف زيارته االوىل‪ ،‬كانت ي‬
‫لم اكن مقتنعة باألسباب ي‬
‫الصبا ثم سبقته بالعودة اىل‬‫الت عاشت معه يف لندن اول سني ِ‬ ‫خطيبته ي‬
‫الوطن ببعض السني‪َ ،‬بقيت عالقتهما اىل ان طلب الزواج منها‪ ،‬حينها والدته‬
‫لم توافق‪ ،‬اضطر اىل العودة اىل الوطن يك يكون حر القرار‪.‬‬
‫ً‬
‫تكته عمرا‪ ،‬كان هذا سبب رفض والدته‪ ،‬اعتقد انها لم تجرب الحب‬ ‫كانت ر‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫من قبل‪ ،‬وإال لكانت عذرته‪ ،‬كما عذرته عندما رأيتهما سويا‪ ،‬كان يحبها كثتا‪،‬‬
‫نظراته لها ونحن عىل طاولة العشاء كانت كالذي يرى جبال االلب للمرة‬
‫االوىل‪ ،‬كان كلما ينظر لها كأنه يراها من بعد اشتياق‪ ،‬كانت عيناه تبتسم لها‬
‫قبل ان تنظر لها‪.‬‬
‫اىم باألسئلة عن االقارب مع خطيبته‪ ،‬جلست عىل انفراد معه‪،‬‬
‫انشغلت ي‬
‫بأنت ابحث عن وظيفة‪،‬‬
‫اختته ي‬
‫يساعدن‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫حدثته عن ما جرى يىل‪ ،‬قرر ان‬
‫كانت صدفة جميلة‪ ،‬كانت يف ررسكته وظيفة ادارية شاغرة‪ ،‬كانوا بحاجة اىل‬
‫فتاة حاصلة عىل شهادة جامعية من اجل اعمال ادارية‪ ،‬اتصل ر‬
‫بشكائه يف‬
‫بأنت سأحصل عىل الوظيفة خالل ايام فقط‪.‬‬ ‫ر‬
‫وعدن ي‬
‫ي‬ ‫الشكة و‬
‫ً‬
‫خلصت من‬
‫ي‬ ‫فرحت وانا عىل أمل بأن تكون الوظيفة الجديدة قادرة عىل ان ت‬
‫ر ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ومشفا‪،‬‬ ‫بحق جميال‬‫ي‬ ‫الندم‪ ،‬كان (يعقوب) جديرا باالحتام‪ ،‬كان موقفه‬
‫بسمت‪ ،‬مرت ايام صعبة وانا بال كيان‪ ،‬كنت‬
‫ي‬ ‫استطاع خالل دقائق ان يعيد يىل‬
‫ً‬
‫يكلفت الكثت‪ ،‬كيف يمكن يىل ان اقوى‬
‫ي‬ ‫اىم شهريا‬
‫بأنت يف خطر‪ ،‬دواء ي‬
‫اشعر ي‬
‫ئ‬
‫اصدقان‬ ‫عىل العيش يف مدينة غالية التكاليف كمدينتنا‪ ،‬كيف يىل ان اتكلم مع‬
‫ي‬
‫شء‪ ،‬وضع (يعقوب) اجابة‬ ‫ر‬
‫وانا لست استاذة جامعية‪ ،‬كيف اراهم وانا ال ي‬
‫وظيفت الجديدة‪.‬‬
‫ي‬ ‫ان انا بأنتظار‬
‫عىل كل استفسار ي‬
‫االنكسار يمنح اللون االسود أليامك‪ ،‬عند االنكسار تتوقف لديك كل‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الحواس‪ ،‬االنكسار بعد الظلم يجعلك تندم عىل ما كنت عليه‪ ،‬خصوصا حي‬
‫ً‬
‫تكون مدافعا عن فكرة تود فيها الفائدة لمن حولك‪ ،‬وانت تسع لذلك ستجد‬
‫يختون‬
‫الشطة بأنك رسقت عقولهم لتجعلها تفكر‪ ،‬ر‬ ‫اخت ر‬‫من حولك قد ر‬
‫ً‬
‫اع‪ ،‬تست بعيدا عن ست القطيع‪ ،‬ذلك القطيع‬
‫الرئيس بأنك خارج اوامر الر ي‬
‫تضج من أجله‪ ،‬هو سعيد لوجوده ضمن القطيع‪ ،‬وحي‬
‫ي‬ ‫الذي ال يستحق ان‬
‫يختك انك من‬
‫توضح له ان سته هذا لن ينفعه يمنعك من مواصلة كالمك‪ ،‬ر‬
‫ميسوري الحظ ألنك ضمن القطيع‪ ،‬وإال كيف ستدخل الجنة؟ إال ترى حال‬
‫ينتم إليه‪ ،‬كيف ستعيش بحرية يف هذا الكون الواسع!!!‬
‫ي‬ ‫من ال يملك قطيع‬
‫هنالك العديد من االشياء يصعب تفستها‪ ،‬يصعب فهم تكوينها وماهيتها‪،‬‬
‫أفهامها للسذج يحتاج اىل دين‪.‬‬
‫لشء‪ ،‬كرهت‬ ‫ر‬
‫منذ ذلك الصباح المشؤوم وانا بت اشبه الحكومة‪ ،‬ال اهتم ي‬
‫ئ‬ ‫ً‬
‫مبادن‪ ،‬اعتفت بالغباء حي كنت اريد اصالح ما‬
‫ي‬ ‫ذان كثتا‪ ،‬بغضت كل‬‫ي‬
‫الكاف لذلك‪ ،‬الدهر برمته لم يستطع ان‬
‫ي‬ ‫افسده الدهر‪ ،‬انا ال املك العمر‬
‫يضعهم يف طريق واحد‪ ،‬كان من الالزم ان افهم بأن كفة واحدة ال تسع‬
‫للجميع‪ ،‬يجب ان تكون هنالك كفتي او ر‬
‫اكت‪.‬‬
‫ُ‬
‫نصائج‬
‫ي‬ ‫يؤيدن ويتبع‬
‫ي‬ ‫نفش‪ ،‬ظلمت من اشخاص قلة‪ ،‬من‬‫ي‬ ‫ندمت‪ ،‬راجعت‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر ر‬
‫ش ٌء عظيم ان تلق طالبا كان ينصت يوما لما تقول‪ ،‬تلقاه بعد‬
‫كانوا اكت‪ ،‬ي‬
‫"لوالك لما تغتت‪ ،‬بسببك اصبحت افضل"‬ ‫ِ‬ ‫سنوات ليشكرك ويقول لك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ادع‪ ،‬تدفع يت‬
‫ي‬ ‫وتزيدن ارصارا عىل ما‬
‫ي‬ ‫تسعدن كثتا‬
‫ي‬ ‫كانت هذه الكلمات‬
‫ليجعلت اندم عىل كل هذه التضحية‪.‬‬ ‫يأن ذلك اللئيم‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫للتضحية اكت‪ ،‬لوال ان ي‬
‫ُ‬
‫التمت الفراش لعدة ايام‪ ،‬كانت صدمة غت متوقعة‪ ،‬يف االيام االوىل كنت‬
‫نفش و اجد بأنتظاري‬
‫ي‬ ‫قوية واستطعت تجاوزها‪ ،‬ولكن رسعان ما ان اعود اىل‬
‫يدفعت تأنيب الضمت للنوم‬
‫ي‬ ‫نفش‬‫ي‬ ‫كل ليلة وافر من الندم‪ ،‬كلما جلست مع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مبكرا‪ ،‬ال املك سالحا اخر اتجاوز به هذه المرحلة‪.‬‬
‫ً‬
‫التق (بأحمد) منذ ايام عديدة‪ ،‬كان منشغال يف توضيب بيته الجديد وانا‬
‫لم ي‬
‫بمأسان‪ ،‬لم اجد أي تقصت منه‪ ،‬كان يتصل ر ين كل يوم‬
‫ي‬ ‫كنت منشغلة‬
‫ً‬
‫ولكنت كنت متعبة‪،‬‬
‫ي‬ ‫يلقان كثتا‬
‫ي‬ ‫ليمنحت القوة لتجاوز هذه المحنة‪ ،‬طلب ان‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫ولكنت لم اود لقاءه اىل ان اخرج من‬
‫ي‬ ‫متعبة لدرجة احتجت إليه فيها كثتا‪،‬‬
‫هذه االزمة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عالقت به وانا اضع طقوسا خاصة للقائنا‪ ،‬لم القاه يوما وهنالك‬
‫ي‬ ‫منذ ان بدأت‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫شيئا ما يعكر صفو غزلنا‪ ،‬كنت اتجنب لقاؤه والتعب معا‪ ،‬اريده ان ال يضجر‬
‫تعت كل‬ ‫ر‬
‫شء جميل يف البداية‪ ،‬البداية يف الحب ي‬ ‫مت ولو للحظة‪ ،‬اريد كل ي‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ر‬
‫شء‪ ،‬البداية يف الحب كبداية تكوين الجني يف رحم امه‪ ،‬كل ما يطرأ عليه ال‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫يمكن تعديله يف المستقبل ابدا‪.‬‬
‫اكت من اليوم الذي‬ ‫اكت‪ ،‬اتمت ان يزداد حبه ىل كل يوم ر‬ ‫اتمت ان يحبت ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫سبقه‪ ،‬انا كنت كذلك‪ ،‬احلم بتقبيل شفاهه كل ليلة‪ ،‬كنت اتخيل العالم الذي‬
‫عانقت كم سيصبح عمري يف تلك اللحظة ؟‬
‫ي‬ ‫حوىل‪ ،‬لو‬
‫ي‬ ‫سأدخله لو التفت يداه‬
‫ُ‬ ‫ر‬
‫لرؤيت‪ ،‬كنت اريد وضع اسس قوية‬
‫ي‬ ‫شء يجعل عيناه تتوق‬ ‫كنت اسىع لكل ي‬
‫ُ‬
‫سأصت حت احقق ما اروم إليه‪،‬‬
‫ر‬ ‫تنته بحياة زوجية‪،‬‬
‫ي‬ ‫للحب ال لعالقة تريد ان‬
‫ان‪ ،‬لكنت االن‬
‫انت اردت حياة زوجية لكنت االن متوجة كبقية اقر ي‬
‫لو ي‬
‫ُ‬
‫الت تذيعها االفالم السينمائية‪ ،‬لكنت االن‬
‫استغرب من كل مشاهد الحب ي‬
‫نفش عن طعم القبالت المشوقة‪ ،‬ولما سميت بهذا االسم‪.‬‬
‫ي‬ ‫اسأل‬
‫المبان‬
‫ي‬ ‫وظيفت الجديدة‪ ،‬كانت ررسكة كبتة متخصصة بأنشاء‬
‫ي‬ ‫حصلت عىل‬
‫ً‬
‫والمقاوالت‪ ،‬كان (ليعقوب) اسهما مهمة فيها ليست كما كنت اتوقع‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خالل فتة قصتة اصبح (يعقوب) فيها مديرا تنفيذيا‪ ،‬كانت له مكانة مهمة‪،‬‬
‫من الواضح ان ذكاؤه اختض له الكثت من الوقت الذي كان يلزمه ألثبات‬
‫ً‬
‫جدارته‪ ،‬يضاف اىل ذلك اىل شهادته وخ رتته‪ ،‬االهم من كل ذلك انه كان ررسيكا‬
‫ً‬
‫فيها وليس موظفا‪.‬‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫بأنت من‬
‫اضفت مكانته المهمة يىل الكثت‪ ،‬ال سيما وان كل كادر الشكة عرف ي‬
‫اقاربه‪ ،‬كانت السبب ألن اكسب ود الجميع واحتامهم‪ ،‬كان الجميع يهابه‬
‫ً‬
‫ويحتمه‪ ،‬كان ذلك سببا مهمة ألكون امام الجميع بال مقدمات‪ ،‬كسبت‬
‫صديقة جميلة‪ ،‬كانت موظفة يف المكتب المجاور يىل‪ ،‬احببتها من دون سبب‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وه كذلك‪ ،‬يف البدء كانت حواراتنا رسمية‪ ،‬شيئا فشيئا اصبحت تربطنا‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫عالقة صداقة باالضافة اىل عالقة الزمالة يف العمل‪ ،‬كان هذا شيئا ايجابية‪،‬‬
‫جعلت اعتاد عىل مكان العمل بأقل وقت وأقل‬
‫ي‬ ‫باالضافة اىل كل ما حصل‬
‫ً‬
‫عىل االحباط الذي تلقيته اثر طردي‬
‫جهد‪ ،‬كان ذلك عوضا هيأه الرب ليهون ي‬
‫وظيفت الجامعية بسبب سوء السلوك‪.‬‬
‫ي‬ ‫من‬
‫استقالت من العمل يف الجريدة‪ ،‬لم يكن‬
‫ي‬ ‫وظيفت الجديدة عىل تقديم‬
‫ي‬ ‫تت‬
‫اجت ي‬
‫ر‬
‫ً‬
‫بالوسع ان اعمل فيها مجددا‪ ،‬يتطلب العمل يف هذه الوظيفة كل ساعات‬
‫روتيت‬
‫ي‬ ‫النهار‪ ،‬كانت وظيفة هادئة‪ ،‬كم كنت اكره الوظائف الهادئة‪ ،‬كان العمل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جدا‪ ،‬يكرر اليوم نفسه‪ ،‬ولكنه كان جميال ألنه يخلو من (صالح)‪.‬‬
‫الت‬
‫حيان‪ ،‬تحدثت اىل رئيس تحرير عن الظروف ي‬ ‫ي‬ ‫حصلت عىل اول تكريم يف‬
‫ً‬
‫وظيفت الجديدة‪َ ،‬حزن جدا‪،‬‬
‫ي‬ ‫طلت لالستقالة وعن متطلبات‬‫مررت بها مع ر ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫كان َيكن يىل كل االحتام‪ ،‬كان انسان قديرا ومحتما وذو مبادئ وقيم النادرة يف‬
‫وقتنا الحارص‪.‬‬
‫عزىل من‬
‫ي‬ ‫اختته كيف تم‬‫اختته عن ما جرى يىل‪ ،‬ر‬‫وانا جالسة يف مكتبه‪ ،‬ر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الت عىل مكتبه‬
‫الوظيفة‪ ،‬ظل مندهشا لم يقل يىل شيئا‪ ،‬رصب بكفه االوراق ي‬
‫ثم قال "اقتبنا من النهاية‪ ،‬نحن نتنح عىل الهاوية واقزام السياسة يدفعوننا‬
‫بتحزبــهم وتطرفهم اىل السقوط"‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عمىل‪،‬‬
‫ي‬ ‫الت اثبتها خالل فتة‬
‫وجدارن ي‬
‫ي‬ ‫لكفاءن‬
‫ي‬ ‫منحتت الجريدة درعا بسيطا‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كان هذا التكريم مهما جدا بالنسبة يىل‪ ،‬ألنه قض عىل كل الندم الذي ترسب‬
‫يف قاع افكاري بعد الحادثة االختة‪ ،‬شعرت حينها بقيمة العمل الذي قدمته‬
‫ً‬
‫لست مخالفة‬
‫ِ‬ ‫انت انتهيت منه وانا‬
‫لسنوات‪ ،‬عىل الرغم من كونه بسيطا إال ي‬
‫للضوابط الواجب ِاتباعها‪.‬‬
‫َ‬
‫بعد ان تمكنت من تجاوز كل هذه المحن‪ ،‬كنت با َمس الحاجة ألن الق‬
‫ئ‬
‫الشاط‪ ،‬يف ذلك المكان الذي‬ ‫(رفيق الروح) عىل ذلك المقعد المطل عىل‬
‫لياىل الشتاء‬
‫زرعنا فيه الغزل وسط الموج وأسقيناه من ضياء القمر‪ ،‬حالت ي‬
‫امنيان‪ ،‬غىط الثلج مكاننا الساحر‪.‬‬
‫ي‬ ‫بيت وبي‬
‫وبردها القارص ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫دعان (احمد) ألرى بيته الجديد‪ ،‬كان بيتا جميال‪ ،‬ررسبنا فنجاني من القهوة‬
‫ي‬
‫عىل عجل ثم ذهبنا بعدها لزيارة صديقه (هشام)‪ ،‬كان (احمد) عىل موعد مع‬
‫يصطحبت معه‪ ،‬التقينا وتكلمنا عن‬
‫ي‬ ‫اصدقائه (سعيد وهشام) طلبت منه ان‬
‫ما يدور يف بالهم من افكار‪ ،‬وددت ان اشارك بأفكاري حت العن االنكسار الذي‬
‫السياش‪.‬‬
‫ي‬ ‫جعلت اعزم عىل عدم التفكت يف الشأن‬
‫ي‬
‫كانوا حائرين يف كيفية دخولهم لالنتخابات‪ ،‬حائرون بي االبقاء عىل انتمائهم‬
‫اىل وبي تشكيل جبهة او حزب جديد وضم أنصارهم فيه‪،‬‬
‫ليت ي‬
‫للحزب ال ر‬
‫تشابك االمر عليهم‪ ،‬استمر نقاشهم حت اقتحت عليهم ان يؤجلوا فكرة‬
‫ً‬
‫تأسيس الحزب الجديد‪ ،‬فقد يخشهم ذلك اصواتا عديدة يف االنتخابات‪،‬‬
‫اىل وتأريخه العريق‪.‬‬
‫الليت ي‬
‫ألنهم ومهما كانوا فلن يكونوا بحجم الحزب ر‬
‫ً‬
‫غايت تلبية لرؤية (احمد) المستقبلية‪ ،‬كانت رؤيته تتمركز يف التخوف‬
‫ي‬ ‫جاءت‬
‫الت ستحصل بعد االنتخابات‪ ،‬بعد ان يكسب الحزب‬ ‫من االنشقاقات ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الجديد اصواتا‪ ،‬ال سيما انه حديث التأسيس‪ ،‬لن يضمن احدا بأن جميع‬
‫انصاره سيبقوا متحدين تحت لواء قيادة واحدة‪ ،‬ستتغلب مطامع المناصب‬
‫يىع عىل مصلحة حزبــهم‬ ‫ر‬
‫الوزارية او عدد المقاعد المكتسبة يف المجلس التش ي‬
‫الجديد ومبادئه يف خدمة الوطن‪ ،‬سيخشوا حينها قاعدتهم الجماهتية‬
‫اىل‪.‬‬
‫الليت ي‬
‫باالضافة اىل قوتهم امام حزبي كبتين كالحزب الحاكم والحزب ر‬
‫ح‪ ،‬بعد ان اثبت لهم من خالل الكثت من االمثلة يف الزمن‬
‫اقتنعوا بمقت ي‬
‫يأن خالل فتة التشيح لالنتخابات‪ ،‬بل‬
‫الماض بأن حب امتيازات السلطة ال ي‬
‫ي‬
‫يأن بعدها‪ ،‬بعد ان يرى رفاهية العيش سينش كل من انتخبه‪ ،‬حب السلطة‬
‫ي‬
‫مرض‪ ،‬هو كمرض (البلهارسيا) يلتصق بك وينمو دون ان تشعر وال يتم‬
‫اكتشافه إال بعد فوات االوان‪.‬‬
‫اىل واعتماد‬
‫الليت ي‬
‫يف نهاية المطاف وافق الجميع عىل ابقاء انتمائهم للحزب ر‬
‫اصوات انصارهم‪ ،‬وبعد معرفة حجم انتصارهم يف االنتخابات ومعرفة قوتهم‬
‫اىل‪.‬‬
‫الليت ي‬
‫حينها يتم تشكيل الحزب الجديد واالنفصال عن الحزب ر‬
‫اثار استغر ران امتناع (احمد) عن التشيح‪ ،‬لست انا لوحدي من ر ئ‬
‫تفاح باألمر‪،‬‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ر ئ‬
‫الت يحبها‪،‬‬
‫تفاح (سعيد) و(هشام) ايضا‪ ،‬قال انه يريد االستمرار بوظيفته ي‬
‫ر‬
‫المبارسة للناس ومساعدتهم‪ ،‬ال يطمح للفوز‬ ‫ألنها تمكنه من تقديم الخدمات‬
‫سيوض كل اتباعه بأنتخاب (هشام) و (سعيد)‪.‬‬
‫ي‬ ‫بأسمه يف االنتخابات و‬
‫بعد ان اعتاد لقاؤنا عىل ضوء الشمس‪ ،‬او بالكاد وقت غروبــها‪ ،‬التقينا يف ليلة‬
‫َ‬
‫وجه وانا اتكلم‬
‫ي‬ ‫دافئة عىل شاطئنا‪ ،‬لم يتعب (احمد) من النظر اىل مالمح‬
‫ً‬
‫اسمعت غزال تطرب له امواج البحر‪ ،‬لم اقاطعه‪ ،‬بقيت صامتة انصت‬ ‫ي‬ ‫معه‪،‬‬
‫له‪ ،‬نظرت له حت خفت ضوء القمر‪.‬‬
‫كان لقاؤنا مختلف‪ ،‬جلسنا بالقرب من بعضنا ر‬
‫اكت‪ ،‬تحدثت مشاعرنا بطالقة‪،‬‬
‫اخذن عطره برحلة بحرية يف ساعات‬ ‫يشب سيجارته‪،‬‬ ‫ضم من انوثت وهو ر‬ ‫َق َ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫متأخرة من الليل‪ ،‬لم ارى عىل االرض سواه‪ ،‬كان جميال كعادته‪ ،‬كنت يف حتة‬
‫َ‬
‫يماءات تحلم بعناقه‪ ،‬كنت‬
‫ٍ‬ ‫من امري بسببه‪ ،‬كيف انظر له دون ان اترنم بأ‬
‫لقاء لنا‪ ،‬كنت اتوق ألن يلمس شعري‪ ،‬او‬ ‫انتظر ان يكرر ما فعله ف اخر ٌ‬
‫ي‬
‫ً‬
‫يمتلكت كليا لو شاء‪.‬‬
‫ي‬ ‫وجنت او ان‬
‫ي‬
‫بقربه اتصنع الغباء‪ ،‬كان يطلب من جسدي الكثت‪ ،‬لم‬
‫ِ‬ ‫قضيت اغلب الوقت‬
‫عىل‪ ،‬كنا جالسي امام البحر‪ ،‬نتكلم‬
‫خلق واتكأت ي‬
‫ي‬ ‫يتكلم قط‪ ،‬يداه التفت من‬
‫ر‬
‫الشء ألنظر له ثم اعود ألتحدث وانا‬
‫و وجوهنا ترتقب الموج‪ ،‬نتقاطع بعض ي‬
‫وه تتجول حول خضي‪.‬‬
‫اىم يىل ي‬
‫انظر اىل البحر‪ ،‬عبثت يده بنصائح ي‬
‫عت‪ ،‬ظننته يريد ان يدخن السيجار‪ ،‬ترك مقعده ثم وقف‪ ،‬وضع‬‫ابعد يده ي‬
‫ً‬
‫اماىم باتجاهي متعاكسي ذهابا‬
‫ي‬ ‫كلتا يديه يف جيبه ثم سار بخطوات قليلة‬
‫ً‬
‫وايابا‪.‬‬
‫مت؟ كنت للتو اود ان اغفو‪ ،‬اريد ان اغفو اىل نهاية الزمان‬ ‫َ‬
‫لما اخذ يده ي‬
‫يكفيت منه‪ ،‬اريد ان اغفو اىل ما النهاية‪ ،‬اريد‬
‫ي‬ ‫فالعمر الذي قد اعيشه معه لن‬
‫ان اغفو عىل كتفه اىل ان تعود (الـقـدس) ألهلها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫رىم إليها‪،‬‬
‫الت ي ي‬
‫اماىم وجها لوجه‪ ،‬تكلم ويداه تتحرك وفق التعابت ي‬ ‫ي‬ ‫وقف‬
‫جعلت افكر كما يشاء هو‪،‬‬
‫ي‬ ‫جماىل‪ ،‬تغزل ر ين حت امتلك تفكتي‪،‬‬
‫ي‬ ‫حدثت عن‬
‫ي‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ َ‬
‫نيت لديه‬
‫ملك يت حت بت اؤيد كل ما يقوله حرفيا‪ ،‬تكلم عن عشقنا‪ ،‬كانت ك ي‬
‫وألنت اهيم لو‬
‫ي‬ ‫ألنت اؤمن بكل ما يقوله (نزار) عن الحب‪،‬‬
‫ي‬ ‫(نزارية الحب)‬
‫يلق اشعاره‪ ،‬واتنفس ببطء لو قرأتها‪ ،‬تحدى (نزار‬
‫سمعت صوته وهو ي‬
‫اماىم وهو اوهن منه بكثت‪.‬‬
‫القبان) ي‬
‫ي‬
‫ً‬
‫مت ان انصت لما سيقول‪ ،‬ظل واقفا‪ ،‬اراد‬
‫اجىل عدة ابيات‪ ،‬طلب ي‬
‫كتب من ي‬
‫وعدن بأنه سيصطحب يت معه‬
‫ي‬ ‫اماىم حت يجسد ما سيقول‪،‬‬
‫ي‬ ‫يلق قصيدته‬
‫ان ي‬
‫يصطحبت (نزار) وانا انصت له‪ ،‬ال يعلم ان هنالك‬
‫ي‬ ‫ابياته‪ ،‬كما‬
‫ِ‬ ‫للتجوال وسط‬
‫ثمة (خشوع) بي االنصات (لتار) واالنصات له‪.‬‬
‫فرحة لما انا عليه‪ ،‬بي ايام كنت ارسق النظر فيها‬
‫توقف الزمن رلتهة‪ ،‬كنت ِ‬
‫احالىم‪ ،‬اىل حلم تحقق وهو االن َيحب يت‪ ،‬ال بل‬
‫ي‬ ‫واشاهده حلم بعيد ال تطوله‬
‫ً‬
‫اماىم متمنيا ان انصت له‪.‬‬
‫يهوان‪ ،‬وإال‪ ،‬لما وقف ي‬
‫ي‬ ‫َيعشق يت‪ ،‬انه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بدء حبيب الروح والجسد بالكالم‪ ،‬الق يىل شعرا‪ ،‬انصتنا جميعا له‪ ،‬انا وموج‬
‫البحر والقمر ‪...‬‬
‫قال‪:‬‬
‫َ‬
‫ت ـق َــ َربــي م ـنــي‪..‬‬
‫ُ‬
‫ودع ـي ـن ــي ال ـمــس يــدي ـ ِـك واح ـت ـض ـن ـهــا وأقـ َــب ـ ِـلـ ـه ــا ب ـح ـنــان‬
‫ََ َ‬
‫ف ـقــد تــنـ َـهــدت لل ـق ــائ ـ ِـك ان ــامـ ٌـل وح ـن ـيــن ق ـلـب و اح ـضــان‬
‫ت ـقـ ــرب ــي وال ت ـت ــرددي ‪ ..‬وتـ ـجـ ـرأي عـ ـل ــى ف ـع ــل ش ـي ـئ ــان‪:‬‬
‫اول ـه ـم ــا‪ :‬ح ـط ـم ــي س ـف ـي ـنـ ــة اوهــام ـ ِـك وج ـبـ ـنـــ ِك واق ـت ـلــي ال ــرب ــان‬
‫ـدك وكــل خـرافــات ال ـ َـزمـ َــان‬ ‫ثــان ـيـه ـم ــا‪ :‬ت ـخ ـلــي عــن اع ـرافـ ِـك وت ـق ــال ـيـ ِ‬
‫َ َ‬
‫تقـ ــرب ــي فـ ــال ــذود ع ـن ــك ي ــا ح ـب ـي ـب ـتــي ال قــد ي ـك ــون وال ك ـ ــان‬
‫تق ـ ــرب ــي لـدنـ ـي ــا لم ت ــري ـهـ ــا ‪ ..‬ل ـ ـع ــالـ ــم م ــن االغ ــان ــي ب ــال الح ـ ـ ــان‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ـدك ش ـغـ ـف ــا وي ـل ـم ـل ـمــه ب ــات ـق ــان‬
‫تقـ ـ ــربـ ــي ل ـ ـع ـش ـ ٍـق ي ـم ـــزق ج ـس ـ ِ‬
‫اق واغـ ـص ــان‬ ‫ـدك بــال اور ٍ‬ ‫ل ـش ـج ــرة م ــن المـ ـش ــاع ــر ت ـظـ ـل ــل ج ـس ـ ِ‬
‫ـرك اشـ ـه ــى ام م ــا يـ ـعـ ـل ــوه؟ أم رق ـب ـت ــك ي ــا غـ ـصـ ــن ال ـ ـب ــان‬
‫خص ـ ـ ِ‬
‫ـرك ف ـق ــد ي ـش ـق ـي ــان‬
‫اكـ ـب ــح جـ ــوام ــح ش ـف ـت ــاي لو ان ـب ـع ــث ع ـط ـ ِ‬
‫ح ـي ـن ـه ــا ال ات ــردد ف ــي ت ــذوق رحـ ـي ــق ش ـف ـ ـت ــا ِك ال ـ ِـع ـ ِـذب ـ ـتـ ــان‬
‫إىل ب ـع ـن ـف ــوان‬ ‫َ‬
‫ـرك ي‬ ‫دعيـ ـ ـنـ ــي اتـ ـن ـف ــس ان ـف ــاس ـ ِـك و اشــد خـ ـص ـ ِ‬
‫ال تج ـ ـعـ ـلـ ـي ـن ــي اس ـت ـجــدي ِـك واط ـلــب م ــن ك ـبــريــائــي ال ـغ ـف ـران‬
‫َ‬
‫اتـ ــركي ـ ـ يـت اش ـ ـت ـه ـ ـي ـ ِـك ك ـم ــا اشت ـه ـيـ ِـك ‪ ..‬ك ـم ــا يــشــت ـهــى ال ــرمــان‬

‫كلماته ‪ ..‬فبلغت من الحب عتيا‪.‬‬


‫ِ‬ ‫انه‬
‫ألذن‪ِ ،‬عدت اسمع صوت الموج‪ ،‬بدأت اشعر‬ ‫ي‬ ‫انتهت ابياته فعاد السمع‬
‫ر‬ ‫ُ‬
‫شء ينصت لروعة القاءه‪،‬‬ ‫بنسمات البحر الباردة‪ ،‬حي الق كلماته كان كل ي‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الت تتحاىك عنها وتصفها كتب الدين‪.‬‬
‫اقتبس يىل لمحة من جنة‪ ،‬كتلك الجنان ي‬
‫ليشكرن ‪...‬‬
‫ي‬ ‫وقفت وصفقت له‪ ،‬ابتسم فأنحت‬
‫قلت له‪ :‬تستحق بأن اصفق لك بأيادي تحمل الورد‪ ،‬ر ٌ‬
‫ائع انت‪.‬‬
‫مت خطوتي‪..‬‬
‫اقتب ي‬
‫اعجبتك القصيدة؟‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬هل‬
‫َ‬ ‫قلت له‪ :‬وكأنك حجبت الشمس ر‬
‫وبعتت كواكب عن مساراها‪ ،‬انت اجمل بما‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اجىل‪ ،‬احبك‬
‫ي‬ ‫يف المجرة الكونية‪ ،‬احبك‪ ،‬ألنك انت‪ ،‬احبك‪ ،‬ألنك تكتب من‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫اكت‪ ،‬ألنك تشعر ر ين حي تكتب‪ ،‬اعشقك‪ ،‬ألنك صغت ما تريد قوله ِشعرا‪،‬‬
‫اهواك‪.‬‬
‫عت بضع السنتميتات بعد ان كان يبعد‬ ‫َ‬
‫مت خطوة اخرى‪ ،‬صار يبعد ي‬ ‫تقرب ي‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫تقرب حت شعرت بأنفاسه‪ ،‬استنشقت عطره وأنفاسه‬ ‫التمت‪،‬‬
‫ي‬ ‫عت اعواما من‬
‫ي‬
‫حت احتت بينهما‪ ،‬أيهما ِعطره وأيهما انفاسه‪ ،‬وانا اتمعن عينيه‪ ،‬لم يتكلم‬
‫قبلت‪ ،‬قرأت ذلك‪.‬‬ ‫ر‬
‫مت ان ي ي‬‫شء‪ ،‬عيناه طلبت ي‬ ‫ي‬
‫ُ‬
‫واناملنا متشابكة‪ ،‬لم اتقرب منه‪ ،‬تقرب مت ر‬
‫اكت‪ ،‬لم تكن يىل أي‬ ‫ي‬ ‫بقينا صامتي‬
‫بيت‬
‫ً‬
‫وحت شفتاه بالق َبل‪ ،‬ارتعدت‬ ‫ردة فعل حت َل َ‬
‫شفاه عطشا‪ ،‬حالت ي‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ً‬
‫بشء‬
‫مت اكت‪ ،‬لم افكر ي‬ ‫وبينه االعراف والقيم‪ ،‬دفعتها بيدي بعيدا يك يقتب ي‬
‫سوى النظر اىل شفتيه‪ ،‬كانتا كفاكهة الكرز‪ ،‬ال بل اشد اثارة‪.‬‬
‫هل اسمح له ام ال؟‬
‫هل حان وقتها االن أم لم يحن؟‬
‫كيف سأكون لو قبل يت؟‬
‫ماذا سيحدث يىل؟‬
‫بماذا سأشعر؟‬
‫شء؟‬‫ر‬
‫تعت يىل كل ي‬
‫القبلة االوىل ي‬
‫َ‬
‫قلت‬ ‫وف العتمة قبل يت ‪ ..‬ق ي‬
‫بلت وجعل ر ي‬ ‫وضع كفه عىل القمر واطفأ نوره‪ ،‬ي‬
‫يتعرق‪.‬‬
‫عش‪ ،‬رأيت‬‫عت الزمن‪ ،‬اعادن اىل القرن السادس ر‬
‫قبل شفتاي وسافر ر ين ر‬
‫ي‬
‫َ‬
‫(روميو) وهو يقبل شفاه (جوليت)‪ ،‬رأيت (وليم شكسبت) وهو يكتب القبلة‬
‫وح ضوء شمعة اضاءت طاولته فقط‪ ،‬كان كل‬ ‫عىل الورق‪ ،‬رأيته يخلقهما من ي‬
‫رشء وهم ًا حول اوراقه‪ ،‬ما كتبه فقط كان حقيقة‪ ،‬ايقنت ان الدنيا كلها َو َ‬
‫هم‪،‬‬ ‫ي‬
‫إال من عشقوا واطلقوا العنان لكل المشاعر‪.‬‬
‫واجفان مغلقة‪ ،‬لم اشعر‬
‫ي‬ ‫مت ببطء‪ ،‬كنت مغيبة عن الواقع‬
‫سحب شفتاه ي‬
‫بشء‪ ،‬شعرت بسكرات الموت فحسب‪ ،‬اماتت الف مرة واحيان‪َ ،‬‬
‫لما لم‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫يستمر ر‬
‫اكت؟‬
‫ً‬
‫عيت فوجدته مبتسما‪ ،‬احتت بينه وبي القمر‪ ،‬أيهما اجمل‪ ،‬ايهما يف‬
‫فتحت ي‬
‫عيت‪.‬‬
‫السماء تتأمل الناس جماله‪ ،‬وايهما عىل االرض تعشقه ي‬
‫َ‬
‫اترك المشاعر‬
‫تسأىل عن ما سيحدث غدا‪ِ ،‬‬
‫ي‬ ‫تسأىل لما فعلت هذا‪ ،‬ال‬
‫ي‬ ‫قال يىل‪ :‬ال‬
‫جمالك‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫متعب من‬ ‫تفعل ما تشاء‪ ،‬لم اقوى عىل كبتها‪ ،‬اقف امام عينيك‬
‫ِ‬
‫ولواله لما كنت ألميل نحو شفاهك‪.‬‬
‫انت تقبلت ذلك‪ ،‬يك ال َيشعر بالندم‪ ،‬لن اضجر منه‪ ،‬كنت‬
‫ألوح له ي‬
‫ي‬ ‫ابتسمت‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫تنته سني الحرمان‪ ،‬انا متأخرة عن هذا‬
‫ي‬ ‫سعيدة للغاية‪ ،‬اىل هنا ويجب ان‬
‫َ‬
‫شفاه وانا يىل من العمر ما‬
‫ي‬ ‫االحساس بسنوات عديدة‪ ،‬قبل يت االوىل زارت‬
‫يكفيت ألقلق‪.‬‬
‫ي‬
‫الثان‪ ،‬الموقف‬
‫ي‬ ‫نصق‬
‫ي‬ ‫يغمرن من حيث ال اريده‪ ،‬ال حياء يىل مع‬
‫ي‬ ‫كان الحياء‬
‫مالمج‪.‬‬
‫ي‬ ‫مت‪ ،‬لم اقوى عىل الوقوف حت‪ ،‬سحر قبلته ادىم‬
‫كان اقوى ي‬
‫سألت ان‬
‫ي‬ ‫ولكنت ارصت عىل الذهاب‪،‬‬
‫ي‬ ‫مت أن ابق لمزيد من الوقت‪،‬‬
‫طلب ي‬
‫بأنت عىل ما يرام‪ ،‬كل ما اريده هو الذهاب‪،‬‬
‫كنت غاضبة مما حصل‪ ،‬اجبته ي‬
‫بعيت بعض السعادة‪ ،‬لوال‬
‫ي‬ ‫سمح يىل بالذهاب‪ ،‬ودعته‪ ،‬صافحت يده فأكتشف‬
‫حيان ألكتشف امر برمته‪.‬‬ ‫ئ‬
‫ي‬
‫ما كنت اعلم بأن القبلة االوىل تجعل من المرأة طفلة‪.‬‬
‫ما كنت اعلم بأنها كفرحة طفل بخطوات اقدامه االوىل‪.‬‬
‫ما كنت اعلم بأن لها رقة كـرقة المطر ف لياىل ر‬
‫تشين‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫ما كنت اعلم بأن القبلة االوىل تجعلك معلقا بي الموت والحياة‪ ،‬حي ال تجد‬
‫ً‬
‫وصفا لما انت عليه‪.‬‬
‫بأنت سأكون مسلوبة االرادة‪.‬‬
‫ما كنت أعلم وقتها ي‬
‫ً‬
‫تحت وهنا‪ ،‬وكأن االرض‬
‫ي‬ ‫ما كنت اعلم بأن القبلة االوىل ستجعل االرض من‬
‫الت‬
‫تعيدن اىل العصور القديمة‪ ،‬اىل تلك العصور ي‬
‫ي‬ ‫تبلعت وان‬
‫ي‬ ‫قادرة عىل ان‬
‫ن ِشأت قبل ان يكتشفوا الكالم‪ ،‬اىل عصور ما قبل اكتشاف اللغات‪ ،‬اىل حيث‬
‫شء‪ ،‬حي كانوا يرسمون حديثهم الذي ال يقال‪،‬‬ ‫ر‬
‫ما كانت ايماءاتهم تجيد كل ي‬
‫حت اكتشفنا امرهم من اثار جدرانهم‪ ،‬ال اشك بأنهم يف ذلك الزمان اختعوا‬
‫القبل‪ ،‬ال شك بأنهم احتاروا يف التعبت عن الحب فوجدوا القبل ألنهم عدماء‬
‫بك)‪.‬‬‫َ‬
‫اللغة‪ ،‬ما كنت اعلم بأنها اصدق طريقة لقول كلمة (اح‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫غنيت‬
‫اقداىم مجددا‪ ،‬يىل االن عىل االرض حبيب ي ي‬‫ي‬ ‫لن تتموج االرض تحت‬
‫اقداىم ألن عىل خضي اثار‬
‫ي‬ ‫وجوده عن التنفس‪ ،‬لن تتموج االرض تحت‬
‫اجىل‪ ،‬يىل االن حبيب اضع من أجله احمر الشفاه‬
‫الشعر من ي‬
‫يلق ِ‬
‫أليدي رجل‪ ،‬ي‬
‫الداكن‪.‬‬
‫روح عذريتها‪ ،‬لم اعد عذراء الروح‪.‬‬
‫ي‬ ‫القبلة االوىل افقدت‬
‫ترحىل ‪..‬‬
‫ي‬ ‫ال‬
‫يـا مـن ال يـن ـقــص حـسـنـهـا حــزن‬
‫و ال يــزيــد نـداوت ـهــا بـكـاء‬
‫الفصل الرابع‬

‫اىم ‪ ..‬حدث ما كنت اخشاه‪ ،‬رحلت ي‬


‫اىم عن الدنيا ورصت وحيدة‪،‬‬ ‫ماتت ي‬
‫اياىم‪ ،‬غلقت اليوم ابواب السماء‪ ،‬لن‬
‫انطفأ ذلك الشاج الذي كان ينت ي‬
‫صىل من اجل ان اكون كما‬‫ألجىل‪ ،‬كانت ت ي‬
‫ي‬ ‫اىم وصالتها‬
‫يسمعوا بعد اليوم دعاء ي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ظلمت منذ الصغر‪ ،‬ظ ِل َمت‬
‫ي‬ ‫انا االن‪ ،‬بفضلها انتضت عىل ظلم القدر‪ ،‬ولكم‬
‫ُ‬
‫مت اقش‪.‬‬‫مثىل‪ ،‬ال بل كان ظلمها ي‬
‫اىم ي‬
‫ي‬
‫ر‬
‫كان يجب ان تبق اكت‪ ،‬كنت اريد تعويضها‪ ،‬مهما فعلت بحقها فلن اتمكن‬
‫لياىل العوز‬
‫اللياىل السوداء‪ ،‬لم استطع ان انسيها ي‬
‫ي‬ ‫من محو اي ليلة من تلك‬
‫ً‬
‫الت طرق فيها بابنا ليال ولم نعلم َمن‬
‫والفقر‪ ،‬لم استطع ان انسيها تلك الليلة ي‬
‫الطارق‪ ،‬كنا ننام خائفتي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫كان يجب ان تبق ر‬
‫أكت‪ ،‬كان يجب ان تبق حت احقق لها ما تمنت‪ ،‬رحلت‬
‫انت‬
‫فستان االبيض‪ ،‬ظلت تتمت هذه االمنية لسنوات إال ي‬
‫ي‬ ‫ارتد بعد‬
‫وانا لم ِ‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫مت‪ ،‬جعلتها تنتظر كثتا‪ ،‬ما‬
‫اردت ان اكون استثنائية‪ ،‬جعلتها تدفع الثمن اكت ي‬
‫ً‬
‫ذنت‪ ،‬جاء (احمد) متأخرا‪.‬‬
‫كان الذنب ر ي‬
‫كان عليها ان تؤجل رحيلها‪ ،‬ما زلت بحاجتها‪ ،‬ما زلت احتاج لحضنها‪ ،‬لم‬
‫فأنت لم انشغل عن حبها‬
‫ي‬ ‫شغلتت الحياة يف الفتة االختة‬
‫ي‬ ‫انشغل عنها‪ ،‬ولو‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫ابدا‪ ،‬ما زلت عندما يطيل ر ين السهر ادخل غرفتها ألخلق الف عذر ألبق‬
‫واخت وأ يىم‪،‬‬
‫ي‬ ‫صديقت‬
‫ي‬ ‫قربــها‪ ،‬حي كنت اشعر بالخوف اذهب إليها‪ ،‬كانت‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫عالقت (بأحمد)‪،‬‬
‫ي‬ ‫اخق عنها رسا سوى‬
‫ي‬ ‫شء‪ ،‬لم‬
‫كنت اتحدث معها عن كل ي‬
‫تمنعت منه الستحالة الزواج به وهو عىل غت دين‪ ،‬كنت اخاف‬
‫ي‬ ‫خفت من ان‬
‫ئ َ‬
‫مبادن ثملة وغت عقالنية من جراء قصائده‪.‬‬
‫ي‬ ‫اختها عنه وترى كل‬
‫ان ر‬
‫ألنت اشتغلت‬
‫سامحت ي‬
‫ي‬ ‫كتمان لهذا الش؟ هل ست‬
‫ي‬ ‫ستسامحت عىل‬
‫ي‬ ‫يا ترى هل‬
‫ً‬
‫يف مطعم (زياد) حي كنت يف الدراسة الثانوية خالفا ألرادتها‪ ،‬لكن ظروفنا‬
‫سعادن كبقية االمهات‪ ،‬كان من‬
‫ي‬ ‫اىم تتمت‬
‫كانت قد رضت ذلك‪ ،‬كانت ي‬
‫اجتها عىل الصمت‪.‬‬
‫عمىل‪ ،‬القدر ر‬
‫ي‬ ‫الصعب ان توافق عىل‬
‫مت الزواج؟ هل‬ ‫ألنت لم اوفق عىل كل اقربائها الذين طلبوا ي‬
‫سامحت ي‬
‫ي‬ ‫هل ست‬
‫ً‬
‫ستسامحت عىل الغرباء الذين رفضتهم ايضا؟ هل ستتفهم ما يف خاطري؟‬ ‫ي‬
‫سألتت " َلم ال توافقي عىل الزواج؟" كم‬‫ي‬ ‫ألنت لم اجيبها حي‬
‫سامحت ي‬
‫ي‬ ‫هل ست‬
‫تمنيت ان تران يوم زفاف‪ ،‬لكانت سعيدة ألجىل‪ ،‬انا ثمرة تعبها‪ ،‬انا اتعبتها ر‬
‫اكت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫مما كان من المفتض ان تتعب‪.‬‬
‫شء‪ ،‬اصبحت كمثل المنهمك الواقف‬ ‫ر‬
‫اىم‪ ،‬لم يتبق يىل من الدنيا ي‬ ‫رحلت ي‬
‫وسط غرفة وال يحق له ان ئ‬
‫يتىك عىل احد جدرانها‪ ،‬لن اكون قوية كما كنت‪،‬‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬
‫بت خائفة من الغد‪ ،‬انا خائفة جدا‪.‬‬
‫الت لم يعرف شبابها إال االنحاء‬
‫الت لوالها لما كنت ألكون‪ ،‬تلك ي‬
‫رحلت تلك ي‬
‫الت اتقنت‬
‫الت لم تعرف جدائلها إال التعب‪ ،‬تلك ي‬
‫عىل ماكنة الخياطة‪ ،‬تلك ي‬
‫الت سهرت من اجل‬ ‫الت كانت اغلب ثيابها سوداء‪ ،‬تلك ي‬
‫البكاء بصمت‪ ،‬تلك ي‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫الت كانت تستيقظ باكرا حت ال يسبقها اىل‬
‫شء‪ ،‬تلك ي‬‫ان ال يفوتها من التعب ي‬
‫العذاب احد‪.‬‬
‫ر‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫شء‪ ،‬كنا نتناول العشاء‪ ،‬شعرت‬
‫كان يوما شبيها بأيامنا السابقة‪ ،‬لم يشت اىل ي‬
‫اجابتت بصعوبة‬
‫ي‬ ‫اىم ببعض التعب‪ ،‬سألتها ان كانت تناولت دوائها ام ال‪،‬‬
‫ي‬
‫بكلمة (نعم)‪ ،‬كانت ال تستطيع اخذ انفاسها‪ ،‬نقلتها اىل المشق‪ ،‬وانا يف‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫تنته بسالم‪ ،‬كان جسدها باردا جدا‬
‫ي‬ ‫الطريق عرفت ان وعكتها هذه المرة لن‬
‫َ‬
‫وعيناها تجمدت عن النظر‪ ،‬اتصلت (بيعقوب) واتصلت (بأحمد) ايضا‪.‬‬
‫بعد اجراء الفحوصات العاجلة اوعز الطبيب بأن تدخل اىل العناية المركزة‪،‬‬
‫كنت است خائفة وراء رسيرها المتحرك‪ ،‬وهم يأخذونها م يت مشعي‪،‬‬
‫اوشكت عىل الرحيل‪ ،‬رصت بالقرب منها قبل ان تدخل العناية المركزة فرأيت‬
‫دمعة واحدة‪ ،‬واحدة ال ر‬ ‫ً‬
‫اكت‪ ،‬كانت ال‬ ‫عيناها التفت يىل‪ ،‬شاهدتها تذرف‬
‫َ ّ‬ ‫ر‬
‫الت ال‬
‫تستطيع ان تذرف اكت‪ ،‬اهوال الموت كبلت مالمحها‪ ،‬تلك االهوال ي‬
‫َ‬
‫يعلم بها سوى من يكن عىل قيد الموت‪ ،‬هم يعلموا بها حي يمنعوا من‬
‫يختونا بما يروه او بما يشعرون به‪ ،‬وحي ينته‬
‫الكالم‪ ،‬ال يحق لهم ان ر‬
‫الوقت الممنوح لهم يكون االوان قد فات‪.‬‬
‫كنت انظر من زجاج الغرفة اىل مجموعة من االطباء وهو يحيطون بها‪،‬‬
‫ً‬
‫بق واحد بالقرب منها‬‫اهتموا بها‪ ،‬ولكن روحها ابت البقاء‪ ،‬تفرقوا عنها فجأة‪ ،‬ي‬
‫ً‬
‫فقط‪ ،‬التفت ونظر يىل من خالل الزجاج بحزن‪ ،‬من المؤكد انه كان حائرا بشأن‬
‫اىم‪ ،‬ثم‬
‫سيخت ين وانا عىل وشك االنهيار‪ ،‬نظر اىل وجه ي‬
‫ر‬ ‫ما سيقوله يىل‪ ،‬كيف‬
‫رفع غطاء االبيض وغىط وجهها بالكامل‪.‬‬
‫اوردن‪ ،‬كنت ال اريد تصديق ما اراه‪ ،‬ال اقوى عىل ذلك‪ ،‬خرج‬
‫ي‬ ‫تجمد الدم يف‬
‫الطبيب‪ ،‬تمنيت ان ال يقولها‪ ،‬ال اريد سماعه ‪..‬‬
‫كتق وقال‪ :‬الرب اعىط والرب اخذ وليكن اسم الرب مباركا‪،‬‬ ‫وضع يده عىل ي‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ي َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫يقول الرب ف كتابه المقدس "نع َّما أ ُّي َها ال َع يبد َّ‬
‫الص ِالح َواأل ِمي‪ ،‬كنت أ ِمينا ِ يف‬ ‫ِِ‬ ‫ي‬
‫ُي ي َ ََ َ ي َ‬ ‫َ ََ ْ َ‬ ‫َُ‬ ‫َْ‬
‫امك االن‬ ‫تحزن ِ‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫‪،‬‬ ‫"‬‫ك‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ىل‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫د‬‫ا‬ ‫‪،‬‬‫ت‬‫ِ‬ ‫ث‬
‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫ىل‬ ‫ع‬ ‫ك‬ ‫يم‬ ‫ق‬‫ِ‬ ‫أ‬‫يل ف‬
‫الق ِل ِ‬
‫دخلت اىل الملكوت‪ ،‬لروحها السالم والغفران‪.‬‬
‫الوع لعدة ساعات يف المشق‪ ،‬سقطت عىل‬
‫ي‬ ‫كانت صدمة مروعة‪ ،‬فقدت‬
‫مت‪ ،‬استطعت‬
‫االرض ولم اسمع سوى صوت (يعقوب)‪ ،‬شعرت به بالقرب ي‬
‫شء بعد ذلك‪.‬‬‫ر‬
‫ان اسمع صوته فقط‪ ،‬لم ارى ي‬
‫خت‬
‫قضيت عدة ساعات يف المشق‪ ،‬بفضل المهدئات استطعت ان اتقبل ر‬
‫وفاة من ال املك يف الدنيا سواها‪.‬‬
‫سقفه شديد الضوء‪ ،‬تفهمت حجم الوحدة‬
‫ِ‬ ‫وانا عىل رسير المشق انظر اىل‬
‫عائلت بعد هذه‬
‫ي‬ ‫بق من‬
‫الت ستلحق ر ين‪ ،‬ايقنت بأن ليس هناك ثمة شخص ي‬
‫ي‬
‫دن‪.‬‬
‫اللحظة‪ ،‬من االن اعلن وح ي‬
‫ً‬
‫يميت‪ ،‬وجدت (احمد) واقفا عىل باب‪ ،‬كان يتكلم مع‬
‫ي‬ ‫بعد برهة‪ ،‬استدرت اىل‬
‫شاهدن مستيقظة‪ ،‬فتح الباب‬
‫ي‬ ‫غرفت حي‬
‫ي‬ ‫(يعقوب)‪ ،‬ارسع للدخول اىل‬
‫ً‬
‫أش‪ ،‬وضع يده‬‫بعيت ولم يتكلم‪ ،‬جثا عىل ركبتيه بالقرب من ر ي‬
‫ي‬ ‫مشعا‪ ،‬نظر‬
‫دموع ‪..‬‬
‫ي‬ ‫وجنت ومسح‬
‫ي‬ ‫عىل‬
‫امك كانت صالحة‪،‬‬
‫انت انسانة مؤمنة بالقدر‪ِ ،‬‬ ‫قال يىل‪ :‬ي‬
‫كون قوية يا (قمر)‪ِ ،‬‬
‫قربك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الصت‪ ،‬أنا‬
‫ر‬ ‫الصت فليس لنا حيلة غت‬‫ر‬ ‫وه االن عند الرب‪ ،‬الت يىم‬
‫ي‬
‫ً‬
‫و(يعقوب) ايضا‪ ،‬تكلمت معه للتو وتعرفت عليه‪ ،‬انه انسان جدير باالحتام‬
‫ً‬
‫اقاربك شخصا مثله‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لك يف‬
‫ومن حسن الحظ ان ِ‬
‫ً‬
‫عيت ببطء فوجدت (سارة) ايضا‪،‬‬ ‫ي‬ ‫دخل (يعقوب) وقدم يىل تعازيه‪ ،‬رفعت‬
‫ووجدت (زياد)‪ ،‬وجدت اغلب سكان حيينا الذين جاءوا اىل المشق بعد ان‬
‫ساعدن‬
‫ي‬ ‫وه تنقلنا من البيت اىل المشق‪،‬‬
‫سمعوا الصوت سيارة (االسعاف) ي‬
‫ً‬
‫هذا المنظر عىل الوقوف مجددا‪.‬‬
‫يوم مظلم‪ ،‬تركت رسير المشق وكل ما‬ ‫ر‬
‫عند الفجر‪ ،‬وبعد ان ارسقت شمس ٍ‬
‫يحيطت من مهدئات‪ ،‬يجب ان اكون قوية‪ ،‬أنا االن هشة ومعرضة‬
‫ي‬ ‫كان‬
‫لالنكسار‪ ،‬يجب ان اكون قوية فأنا وحيدة‪.‬‬
‫بخطوات متباطئة‪ ،‬ال اريد‬
‫ٍ‬ ‫اىم‪ ،‬رست‬
‫اتكأت عىل (سارة) ألست خلف جنازة ي‬
‫ألنت طفلة‪ ،‬لم يخطر‬
‫ان‪ ،‬يف تلك االيام استطعت توديعه ي‬
‫وداعها كما ودعت ر ي‬
‫بقرن‪ ،‬كنت‬
‫ري‬ ‫اىم كانت‬
‫بباىل هول ما سيحصل يىل‪ ،‬استطعت ان اودعه الن ي‬
‫ي‬
‫اىم‬
‫انت لن اعود بمفردي اىل البيت‪ ،‬اليوم سيوارى التاب جسد ي‬
‫اعلم ي‬
‫مىع اىل البيت‪ ،‬سأعود لوحدي‪.‬‬
‫الطاهر‪ ،‬سيتغت مسكنها‪ ،‬لن تعود ي‬
‫انتهت مراسيم صالة الجنازة والتعزية‪ ،‬طلبت من (يعقوب) ان نقيمها يف‬
‫ً‬
‫اىم عىل الصالة فيها‪ ،‬كانت تحبها كثتا‪ ،‬كان الجميع‬
‫الت اعتادت ي‬ ‫الكنيسة ي‬
‫ً‬
‫كت احدا منهم‪ ،‬تقبلوا التعازي وكأنهم من ذوي الجنازة‪،‬‬‫مت‪ ،‬لم يت ي‬
‫بالقرب ي‬
‫ً‬ ‫ر ً‬
‫وساعدن عىل انهاء كل الطقوس المطلوبة للجنازة‪،‬‬
‫ي‬ ‫كان موقفهم مشفا جدا‬
‫اىم‪.‬‬
‫انته اليوم ورجعت اىل البيت‪ ،‬دخلت ولم اجد ي‬
‫ُ‬
‫تعت يىل كل السعادة المتوافرة عىل هذه االرض‪،‬‬
‫كانت رؤيتها عند الصباح ي‬
‫اعتدت البحث عنها بعد االستيقاظ ِبعدة اجزاء من الثانية‪ ،‬كنت اتوق لرؤية‬
‫لتمنحت االمان‪.‬‬ ‫شء‪ ،‬كانت تقول يىل "صباح الخت"‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫وجهها قبل ان افعل أي ي‬
‫التاىل ولم اجدها‪ ،‬كان البيت معتم رغم وجود‬
‫ي‬ ‫استيقظت يف صباح اليوم‬
‫ً‬
‫تعت يىل شيئا‪ ،‬بحثت عنها يف اروقة‬
‫اشعة الشمس‪ ،‬كانت الدنيا برمتها ال ي‬
‫البيت ولم اجدها‪ ،‬وقفت عىل باحة الباب وبكيت‪ ،‬عش الدمع يعيدها يىل‪،‬‬
‫انا خائفة‪.‬‬
‫كت بمفردي رغم تعبها الشديد من‬
‫مىع (سارة) الليلة الماضية‪ ،‬لم تت ي‬
‫قضت ي‬
‫ر‬
‫المش بصورة طبيعية‪ ،‬لم اتذكر كيف مكثت‬ ‫الحمل‪ ،‬كانت غت قادرة عىل‬
‫ي‬
‫حوىل‪ ،‬كيف‬
‫ي‬ ‫مىع‪ ،‬لم اتذكر كيف عدت اىل البيت‪ ،‬كيف ذهب الناس من‬
‫ي‬
‫شء‪.‬‬ ‫ر‬
‫عدت من الكنيسة‪ ،‬لم اتذكر ي‬
‫ُ‬
‫بعد عدة ايام‪ ،‬طلبت منها ان تعود اىل بيتها‪ ،‬لها بيت و أرسة عليها االهتمام‬
‫لكنت تظاهرت بالقوة يك اجعلها تذهب‪ ،‬تظاهرت‬ ‫ي‬ ‫بهم‪ ،‬كنت متعبة للغاية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫علمتت‬
‫ي‬ ‫اىم دائما‪ ،‬كثتا ما‬
‫ان احدا منكشة‪ ،‬كانت هذه وصية ي‬ ‫بالقوة حت ال ير ي‬
‫ُ‬
‫بعقىل‪ ،‬كانت تجعل يت‬
‫ي‬ ‫عودتت ان اتعامل‬
‫ي‬ ‫ان اكون قوية عند المواقف الصعبة‪،‬‬
‫بنفش حت‬
‫ي‬ ‫الت يتطلب فيها قر ٌار محدد ان اتخذ القرار‬‫يف كثت من المواقف ي‬
‫علمت قراءة الموقف قبل حدوثه‪،‬‬ ‫ي‬ ‫اتفكر بعواقبه واجيد التفكت به‪ ،‬كانت ت‬
‫تعلمت كيف اتعامل مع‬ ‫كيف اتعامل مع اصناف ر‬
‫البش والوانهم‪ ،‬لكنها لم‬
‫ي‬
‫ً‬
‫كت‪ ،‬لم تقل يىل شيئا بصدد‬
‫وحدن من بعد ان تت ي‬‫ي‬ ‫رحيلها‪ ،‬كيف سأتعامل مع‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫عىل ان اتزوج وان تكون يىل أرسة‪ ،‬كانت‬
‫ذلك‪ ،‬كانت تقول دائما انه يتوجب ي‬
‫ادتت ان‬
‫كنت لم احقق امنيتها‪ ،‬لم اكن تقليدية كما ار ي‬
‫عىل ل ي‬
‫تريد االطمئنان ي‬
‫عقىل‪ ،‬يا ليتها تعود ألسعدها‪ ،‬يا‬
‫ي‬ ‫اكون‪ ،‬يا ليتها ترجع ألتنازل عن كل ما امن به‬
‫وه تدخل العناية المركزة‪ ،‬كانت تعلم انها‬
‫ليتها تعود يك ال ارى اخر دمعة لها ي‬
‫ستحل‪ ،‬ما عساها ان تقول‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يفارقت (يعقوب)‪ ،‬كان مهتما ر ين جدا‪ ،‬التم ترتيب كل الطقوس الالزمة‬
‫ي‬ ‫لم‬
‫ً‬
‫مكنت من‬
‫ي‬ ‫الت ت‬
‫للجنازة والدفن‪ ،‬التم ايضا بتويدي بكل االدوية المهدئة ي‬
‫منعت‬ ‫النوم‪ ،‬استمريت بتعاط المهدئات ألغيب عن الواقع ر‬
‫لعشة ايام‪،‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫ليىل المؤلم‪،‬‬
‫يعقوب منها تدريجيا حت اصحو عىل الصباح المعتم واغفو عند ي‬
‫يمنعت منها‪.‬‬
‫ي‬ ‫كنت اريد المزيد منها‪ ،‬ولكنه استطاع ان‬
‫بعد هذه االيام تمكنت تجاوز هذه المحنة‪ ،‬عدت اتناول الطعام‪ ،‬رأيتهم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تفارقت (سارة) ابدا‪.‬‬
‫ي‬ ‫مىع‪ ،‬لم‬
‫مشغولي ر ين جدا حت ارهقتهم ي‬
‫يوم بليد‪ ،‬جلست يف باحة البيت‪ ،‬كانت ظالل الشمس عىل االرض‬
‫يف صباح ٍ‬
‫حوىل‪ ،‬بدء الجو بالدفء‪ ،‬كانت (سارة) تضب اغراضها لتعود اىل متلها‪،‬‬
‫ي‬ ‫من‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ولكنت لم اوافق‪ ،‬تظاهرت امامها بالقوة‪ ،‬وانا اوهن من‬
‫ي‬ ‫ارصت كثتا لتبق‬
‫اشعة قوس قزح‪.‬‬
‫سألتها عن (احمد)‪ ،‬قالت يىل بأنه كان يأت كل يوم لزيارتها‪ ،‬كان يسألها عىل‬
‫ً‬
‫صحت‪ ،‬قال لكل االقارب الذي يجتمعون يوميا يف مت يىل بأنه‬ ‫ي‬ ‫انفراد بشأن‬
‫زميىل الجريدة‪ ،‬ولكنه كان يضطر اىل الذهاب مع ذهاب الجميع عند المساء‪،‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫بأنت‬
‫تت ي‬‫اخت ي‬
‫اللياىل ولم تجيبه (سارة)‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫وقت متأخر يف بعض‬
‫اتصل هاتفيا يف ٍ‬
‫كنت ال اصحو يف اليوم إال لدقائق‪.‬‬
‫بقيت لساعات جالسة يف باحة البيت لوحدي‪ ،‬كنت انظر اىل مدخل البيت‬
‫اىم؟ هل ستكون يف غرفتها؟ هل‬
‫واتساءل كيف يىل ان ادخل‪ ،‬هل سأرى ي‬
‫يلزمت الكثت‬
‫ي‬ ‫تنتظرن لتحضت العشاء ومشاهدة التلفاز يف وقتنا المعتاد؟ كان‬
‫ي‬
‫يلزمت قرار بأن اتحمل هذا العذاب من اجل ان‬
‫ي‬ ‫مكان‪،‬‬
‫ي‬ ‫من القوة ألنهض من‬
‫الصت‪.‬‬
‫ر‬ ‫يلزمت كثت من‬
‫ي‬ ‫اياىم المتبقية‪،‬‬
‫اقض ي‬‫ي‬
‫عىل‪،‬‬ ‫ئ‬
‫حوىل يسكنه الهدوء‪ ،‬اتصل ر ين (يعقوب) ليطمي ي‬
‫ي‬ ‫جاء الليل وكل ما‬
‫منحت اجازة مفتوحة من‬
‫ي‬ ‫ابلغت انه‬
‫ي‬ ‫بانت بخت‪ ،‬وال يلتم االمر زيارته‪،‬‬
‫اختته ي‬
‫ر‬
‫ر‬
‫الشكة اىل ان اتجاوز هذه المحنة واعود مت اشاء‪ ،‬قدمت له وافر الشكر‪،‬‬
‫كق‪.‬‬
‫ولكنت مهما اثنيت عىل مواقفه فأن كل انواع الثناء لن ت ي‬
‫ي‬
‫شء‪ ،‬فتحت نافذة‬ ‫ر‬
‫استعدت للنوم‪ ،‬بحثت عن الدواء المهدئ ولم اجد منه ي‬
‫اش‪ ،‬شاهدت (احمد)‬ ‫ر‬
‫استلق عىل فر ي‬
‫ي‬ ‫غرفت الستنشق بعض الهواء قبل ان‬
‫ي‬
‫ً‬
‫رفت‪.‬‬
‫واقفا وحوله دخان سيجارته اسفل غ ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫انت ارى رسابا له من شدة‬
‫تعجبت كثتا‪ ،‬لما يقف هناك؟ هل هو بالفعل ام ي‬
‫هاتق ألتصل به‪،‬‬
‫ي‬ ‫اشتياف له بسبب ما حدث‪ ،‬بحثت عن‬
‫ي‬ ‫االشتياق؟ اهملت‬
‫اتصاىل ‪..‬‬
‫ي‬ ‫وانا انظر إليه من النافذة‪ ،‬اتصلت به‪ ،‬رىم سيجارته و رد عىل‬
‫لما تقف عىل الباب؟‬ ‫سألته‪َ :‬‬
‫ً‬
‫حالك االن؟‬
‫ِ‬ ‫اجابت‪ :‬قلقت عليك كثتا‪ ،‬هل انت عىل ما يرام؟ كيف‬
‫ي‬
‫بأنت لست بخت‪ ،‬بكيت بصوت عال‪ ،‬انهيت اتصاله‪ ،‬انا بحاجة إليه‪،‬‬
‫اجبته ي‬
‫يكفيت قدر عناقه‪.‬‬
‫ي‬ ‫صوته ال‬
‫واحتضنت‬
‫ي‬ ‫فتحت له الباب ورحبت به‪ ،‬دخل ببطء‪ ،‬اخرج يداه من معطفه‬
‫أش ألنظر له‪ ،‬وجدت‬
‫بقوة‪ ،‬بقيت لعدة دقائق عىل قيد احضانه‪ ،‬رفعت ر ي‬
‫حزن‪.‬‬
‫ي‬ ‫الحزن يف عينيه يشابه‬
‫ََ‬
‫انت قادرة عىل تجاوز هذه المحنة‪ ،‬هذا قدر وعلينا‬
‫كون قوية‪ِ ،‬‬
‫حبيبت‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫قال‪:‬‬
‫ان نؤمن به‪.‬‬
‫ً‬
‫جعبت من ألم‬
‫ي‬ ‫كت اتكلم كثتا‪ ،‬افرغت ما يف‬‫مىع يف غرفة الجلوس‪ ،‬تر ي‬ ‫جلس ي‬
‫ً‬
‫الت‬
‫عىل‪ ،‬وانا اتكلم عانقته مجددا‪ ،‬كان عناقه يشبه العقاقت المهدئة ي‬
‫ثم هون ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫كنت اتعاطاها‪ ،‬كان ِعقارا مخلوطا بالعطر‪ ،‬ذاك العطر الذي أتنفسه بشهيق‬
‫دون زفت‪ ،‬عطر جسده ال عطره الذي يقتنيه‪ ،‬غفوت ولم افكر يف يوم غد‪.‬‬
‫نفش الزلت عىل قيد عناقه‪ ،‬قضيت ليلة بأكملها عىل‬
‫ي‬ ‫حل الصباح‪ ،‬وجدت‬
‫ً‬
‫أش عىل صدره‪ ،‬تجولت يده بي خصالت‬ ‫كتفه‪ ،‬لم اتذكر شيئا‪ ،‬وضعت ر ي‬
‫جدائىل‪ ،‬تكلمت معه‪ ،‬احتضنته‪ ،‬جمعت انفاسه وتغطيت‬
‫ي‬ ‫شعري‪ ،‬وضبت‬
‫سن يف ارذل العمر‪.‬‬‫يأن لم ٍ‬
‫بها‪ ،‬غفوت بهدوء كالموت حي ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يوقظت‪ ،‬كان‬
‫ي‬ ‫بق جالسا بالوضع الذي غفوت عليه‪ ،‬كان حذرا لئال‬ ‫كان قد ي‬
‫ً‬
‫يقظا طوال الليل‪ ،‬لم ينم‪ ،‬حي سألته َ‬
‫يجيبت‪،‬‬
‫ي‬ ‫جعلتت اغفو هكذا؟" لم‬‫ي‬ ‫"لم‬
‫ألنت بقيت بقربه‪ ،‬قال ذلك وحسب‪.‬‬
‫قال بأنه سعيد ي‬
‫ً‬
‫عيت رأيته‪ ،‬كان حلما تساوره‬
‫ايقظنا الفرح‪ ،‬لم نستيقظ لوحدنا‪ ،‬حي فتحت ي‬
‫ً‬
‫عيت وفتحتها مجددا ألصدق ذلك‪ ،‬رأيته فأبتسمت‪ ،‬كان‬
‫الحقيقة‪ ،‬اغمضت ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫واقعا وليس حلما‪ ،‬كان واقعا يسكب الماء عىل احالم اليقظة‪ ،‬كان هو‪،‬‬
‫بتسامته وعطره وشفتاه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بأ‬
‫كتق االيمن ونهضت‪ ،‬نهضت ألخرج من جنته‪ ،‬اعتذرت‬
‫جمعت شعري عىل ي‬
‫لكنت لم‬ ‫ر‬
‫بشء‪ ،‬كنت متعبة‪،‬‬
‫ي‬ ‫بأنت لم اشعر ي‬
‫ألنت غفوت بجشع‪ ،‬قلت له ي‬
‫له ي‬
‫اىم‪ ،‬ابتسم وقال يىل "إال تودين النوم‬
‫اتعبت بقدر فراق ي‬
‫ي‬ ‫اشتياف له‬
‫ي‬ ‫اعرف ان‬
‫اكتق منك"‬ ‫ر‬
‫اكت؟ انا لم‬
‫ي‬
‫كتفه‬ ‫تعتت ِبه ولم انهض‪ ،‬غفوت عىل‬ ‫وكأنت التقيته كما التقيته اول مرة‪ ،‬ر‬
‫ِ‬ ‫ي‬
‫ولكنت لم‬
‫ي‬ ‫ولم اقوى عىل النهوض‪ ،‬كنت واعية يف اغلب اوقات هذه الليلة‬
‫اخته‪ ،‬كنت ال اريد االبتعاد عن جسده‪ ،‬جسده الشبيه باألهرامات الفرعونية‬
‫ر‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫حيث يتطلب الدخول إليه طقوسا ثالث‪ ،‬الرهبة والتمعن والصمت‪.‬‬
‫ابتسامت‬
‫ي‬ ‫أماىل من الغرق يف بحور اليأس‪ ،‬تمكن من ان ينقذ‬
‫تمكن من انتشال ي‬
‫وساعدن ألن اتجاوز هذه‬
‫ي‬ ‫حزن‪ ،‬اخذ بيدي‬
‫ي‬ ‫الت اعدها‬
‫من منصة االعدام ي‬
‫كبلت‬
‫ي‬ ‫رقان العتمة‪ ،‬اخذ بيدي اىل االمام بعد ان‬
‫المحنة‪ ،‬اوقد الشمع يف ط ي‬
‫جعلت افكر‬
‫ي‬ ‫الخوف بقيود الوحدة‪ ،‬بعدما كنت اخاف النظر ألركان المتل‬
‫بالغد‪ ،‬الغد الذي سألقاه فيه‪ ،‬انا مؤمنة به‪ ،‬لم اعد اعشقه فحسب‪ ،‬سيكون‬
‫الت ال تعد‪.‬‬
‫بقرن ليوم الغد‪ ،‬ولكل االيام ي‬
‫ري‬
‫تمكنت من الخروج من هذه االزمة لحظة انتهاؤنا من تناول االفطار‪ ،‬قبل ان‬
‫نقلت من االنكسار‬
‫ي‬ ‫وجنت‪ ،‬ذهب اىل عمله بعد ان‬
‫ي‬ ‫يودعت بقبلتي عىل كلتا‬
‫ي‬
‫اجفان‪ ،‬ذلك الحلم الذي‬
‫ي‬ ‫اىل استئناف الحلم‪ ،‬ذلك الحلم الذي لم يفارق‬
‫وسادن من تكرار تمنيه‪ ،‬ذلك الحلم المملوء بالقبل‪.‬‬
‫ي‬ ‫ضجرت‬
‫ً‬
‫ابتعدت عن الواقع أليام‪ ،‬وجدت ان االنفصال عن الواقع وقت االلم جميال‪،‬‬
‫الت تناولتها كانت الم ِنقذ الوحيد يىل‪ ،‬لم اجد‬
‫كل العقاقت المخدرة والمهدئة ي‬
‫ً‬
‫طريقا غت ذلك‪ ،‬كانت فتة عصيبة ولكنها كانت تخلو من األلم والندم‪ ،‬لم‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫بشء‪ ،‬تجاوزت كل المحن بكل ج ري‪.‬‬‫اتذكر شيئا‪ ،‬لم اشعر ي‬
‫ُ‬
‫مع عقاقت الهروب نكون ضعفاء‪ ،‬لكننا ال ننكر روعة الهدوء وقتها‪ ،‬ينتابنا‬
‫ً‬
‫هدوء يثلج اعصابنا الملتهبة الما‪ ،‬روعة الصمت وهو يكتم افواه خوفنا‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫روعة الخدر الذي يصيب اجسادنا ويمنحنا النوم دون ان نتملق للتعب يك‬
‫يمنحنا غفوة‪.‬‬
‫يلتجأ نوعان من ر‬
‫البش اىل الهرب من الواقع‪ ،‬واالمر شتان بينهما‪ ،‬يلتجأ لهذا‬
‫الهرب المتف والمعدوم‪.‬‬
‫ً‬
‫المعدوم َسحقا بعجالت الحرمان له الف عذر وعذر لهروبه‪ ،‬المعدوم الذي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اجته‬
‫م معدوما ألنه وقت وجود الجميع كان معدوما‪ ،‬ذلك الذي ر‬ ‫س ي‬
‫جته عىل العمل بصفة ذليل يف وضح‬
‫المجتمع عىل احتقار نفسه‪ ،‬وقتما ا ر‬
‫ه استذكار احداث النهار فكيف له‬
‫النهار‪ ،‬ولطالما ان من اهم ِسمات الليل ي‬
‫ان ينام عىل وسادة القهر دون ان يرتشف القليل من النسيان‪.‬‬
‫ولكننا ورغم كل ما ورد من الوجع‪ ،‬لن نغفر له استسالمه‪ ،‬لن نمنحه حق‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫عتب‬ ‫بألمه‪ ،‬لنا‬
‫ِ‬ ‫الت نشعر بها‬
‫التتير‪ ،‬لن نسميه مظلوما إال يف تلك اللحظات ي‬
‫ر‬
‫ليس بالهي عىل ما فاته من عمر‪ ،‬نعتب عىل الفرق الذي صار بينه وبي‬
‫اقرانه‪ ،‬نعتب عىل حرمان نفسه لفرحة النجاح يف الوقت الذي كان عليه ان‬
‫ر‬ ‫َ َ‬
‫شء‬‫ينجح‪ ،‬ال ان ينام اغلب اوقات يومه‪ ،‬لن نقبل منه االعذار‪ ،‬فلكم ِمن ال ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اصبح شيئا براقا‪.‬‬
‫اما عن المتف الذي اشتى من مذهبات العقل اجود انواعها‪ ،‬فقد اتفق مع‬
‫المعدوم بأن ال اهمية ليوم الغد‪ ،‬يوم الغد يف مفرداتهما ال يستوجب القلق‬
‫والتفكت‪ ،‬ليكون كيفما يكون‪ ،‬فالمعدوم لن يكتث للغد ألنه لن يقل ً‬
‫سوء عن‬
‫يومه‪ ،‬والمتف لديه من المال ما َي َ‬
‫حجب عن عيونه القلق ويصفع جبي‬
‫الفقر‪ ،‬له من المال ما يمكنه استئجار ما يود من نجاحات لتحمل اسمه‪ ،‬له‬
‫ً‬
‫السياش‬
‫ي‬ ‫من المال ما يمكنه من ررساء االحالم المحققة ذاتيا‪ ،‬كما يشتي‬
‫الت احتاجت اىل وظيفة ما لتعيل ما منحها‬ ‫ر‬
‫لعرن رسف تلك البنت الفقتة ي‬‫ا ري‬
‫القدر من ايتام‪.‬‬
‫الت تدعو اىل الهروب من‬
‫دخلت اىل هذا العالم أليام وتفهمت االسباب ي‬
‫لما تجار المخدرات ال يحتاجون اىل االعالن عن تجارتهم‪َ ،‬‬
‫لما‬ ‫الواقع‪ ،‬عرفت َ‬

‫تسميات مثتة لجلب االنتباه لما‬


‫ٍ‬ ‫هم ليسوا بحاجة اىل التغيب واطالق‬
‫ه المسؤولة عن ارباحهم الطائلة‪.‬‬‫يستوردون من خدر‪ ،‬تلك النشوة كانت ي‬
‫ُ‬
‫العقار الذي عاف‬
‫كنت عىل يقي بأن (رفيق الروح) هو الدواء لكل داء‪ ،‬كان ِ‬
‫جسدي من خطر االدمان‪ ،‬جاء يف الوقت المناسب‪ ،‬بعد ان اعتدت عىل‬
‫عناقه المثت للراحة‪ ،‬غفوت عىل جسده بكل‬
‫ِ‬ ‫المهدئات يف وضح النهار‪ ،‬جاء ب‬
‫الت فقدتها حي استنشقت عطره‪ ،‬حي نظرت اىل تصفيفة شعره‪،‬‬
‫قواي ي‬
‫لشفاهه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫حي تأملت عينيه ورسقت النظر‬
‫ٌ‬
‫اىم‪ ،‬ليلة‬
‫عىل رحيل ي‬‫دفعتت اىل االمام‪ ،‬هونت ي‬
‫ي‬ ‫الت‬
‫ه القوة ي‬
‫كانت هذه الليلة ي‬
‫اىم ومكانها الذي‬ ‫ر‬
‫شء سوى دعاء ي‬ ‫بأذن بأن القادم افضل‪ ،‬لن يخلوه ي‬
‫همست ي‬
‫لن يشغله احد عىل طاولة طعامنا‪.‬‬
‫باسم‪،‬‬ ‫تنادينت‬ ‫وه‬ ‫َ ئ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫اىم ي‬‫الت صدحت بصوت ي‬ ‫قلت ي‬‫لن تمىل تلك الفجوة يف ر ي‬
‫وه تقول يىل (صباح الخت) يف كل يوم رارسقت به شمس التفاؤل واالمل عنوة‬
‫ي‬
‫ً‬
‫بأنت اسما عىل‬
‫ي‬ ‫باسم وتقول‬
‫ي‬ ‫لت‬
‫وه تغاز ي‬
‫لدعائها‪ ،‬ال زال صدى صوتها ي‬
‫مسم‪.‬‬
‫ذهبت اىل العمل‪ ،‬بعد ان لم اجد جدوى من الرقود يف البيت غت الذكريات‪،‬‬
‫بأنت عدت اىل العمل‪ ،‬عدت‬
‫اختته ي‬
‫اسعدن ليلة امس‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫وددت ان اسعده كما‬
‫الحياة ألجل ان القاه‪.‬‬
‫الصت لتجاوز الصعاب‪ ،‬كان الفضل‬ ‫ر‬ ‫بخق حني‪ ،‬اعتدت عىل‬ ‫ي‬ ‫سارت االيام‬
‫ً‬
‫الكبت له‪ ،‬لواله لتطلب االمر كثتا من االلم‪ ،‬وألنتج المزيد من الشعر االبيض‪،‬‬
‫ليقتلت اليأس‬
‫ي‬ ‫اجفان‪ ،‬لواله لرجعت لعض الثورة الفرنسية‬
‫ي‬ ‫لوال رؤيته لذبلت‬
‫َ‬
‫بمقصلته لو تجرأت عىل المقاومة‪.‬‬
‫ُ‬
‫حوىل‪ ،‬يك ابدأ من‬
‫ي‬ ‫مسكت حت ال تحوم الذكريات‬
‫ي‬ ‫عىل (احمد) ان اغت‬
‫اقتح ي‬
‫ً‬
‫حوىل احبها واحاول‬‫ي‬ ‫الت تحوم‬ ‫جديد‪ ،‬كان االمر صعبا للغاية‪ ،‬الذكريات ي‬
‫الهروب منها يف ذات الوقت‪ ،‬ماذا عساي ان افعل والحزن يغلب عىل‬
‫ً‬
‫الذكريات ويجعل اجملها تعسا‪ ،‬قررت بعد التفكت لعدة ايام بأن اوافق عىل‬
‫طلبه وان ال اتراجع عن قراري هذا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وخاىل من الذكريات‪ ،‬يلزمه الكثت لتكون‬
‫ي‬ ‫ابتعت متال صغتا‪ ،‬كان متال جميال‬
‫فيه ذكريات‪ ،‬يلزمه العديد من السنوات والعناق‪ ،‬يلزمه ليل وقصائد ِشعر‪،‬‬
‫كان يلزمه وجود (رفيق الروح) فحسب‪.‬‬
‫بيت وبينه بعض االلتامات توجب‬
‫زرت مطعم (زياد) ذات مساء‪ ،‬كانت ي‬
‫انجازها‪ ،‬بعد ان قدم يىل المساعدة يف بيع مت يىل القديم‪ ،‬دخلت اىل المطعم‪،‬‬
‫ً‬
‫لم ادخله منذ سنوات‪ ،‬تغت كثتا‪ ،‬صار احد المعالم المهمة يف مدينتنا وال‬
‫ً‬
‫سيما للسياح‪ ،‬وجدت كادر العاملي قد تضاعف كثتا‪ ،‬كما تضاعفت‬
‫مساحته‪.‬‬
‫طيق يغسل‬
‫ي‬ ‫جلسنا يف غرفة المكتب‪ ،‬بعد ان مشيت مبتسمة وانا ارى‬
‫لكون اصبحت عىل ما انا‬
‫ي‬ ‫الصحون‪ ،‬كنت هنا قبل سنوات‪ ،‬شعرت باالنتصار‬
‫ألنت امتلك القوة ألجعل‬
‫مكان القديم‪ ،‬كنت سعيدة ي‬
‫ي‬ ‫عليه االن وانا انظر اىل‬
‫ً‬
‫بجلوش عىل الطاولة اوال قبل ان‬
‫ي‬ ‫االكت (زياد) ان يهتم‬
‫ر‬ ‫واح‬
‫ي‬ ‫صديق‬
‫ي‬ ‫من‬
‫يجلس بعد ان كنت اتلق اوامر العمل منه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لمطعمه الذي اصبح فخما للغاية‪ ،‬ذكاءه كان سبب‬
‫ِ‬ ‫كان منشغال بأعداد اعالن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يف نجاحه وتمته بأعمال التجارة باالضافة اىل كونه طباخا ماهرا وحاصل عىل‬
‫ً‬
‫العديد من الشهادات التقديرية‪ ،‬كان قد انشغل يف اعداد وتحضت تقريرا‬
‫ً‬
‫تعريفيا لتاري ــخ مطعمه وانجازاته ليقدمه اىل احدى ررسكات االعالن للحصول‬
‫عىل شهرة أوسع‪.‬‬
‫بعتة من عىل مكتبه‪ ،‬كانت هذه‬ ‫طلب لنا القهوة‪ ،‬ثم بادر ف جمع االوراق الم ر‬
‫ي‬
‫ً‬
‫صور لمطعمه‬
‫ٍ‬ ‫االوراق عبارة عن مجموعة من شهادات تقديرية باالضافة اىل‬
‫ً‬
‫اماىم مازحا‪ ،‬ويقول "هل‬
‫وللعاملي فيه‪ ،‬ساعدته يف جمعها وهو يتفاخر بها ي‬
‫نجاحان؟"‬
‫ي‬ ‫تتمكني من احصاء‬
‫ً‬
‫وانا اجمع االوراق شاهدت شيئا لم اتوقع مشاهدته‪ ،‬رأيت صورة تجمع الكادر‬
‫ً‬
‫اصبىع‬
‫ي‬ ‫العامل يف المطعم بأكمله‪ ،‬شاهدت شخصا قد رأيته من قبل‪ ،‬وضعت‬
‫عىل وجهه‪ ،‬وسألته "من يكون هذا؟"‬
‫ً‬
‫سألت متعجبا‪ :‬هل تعرفينه؟‬
‫ي‬
‫ً‬
‫اجبته‪ :‬كال‪ ،‬ولكن وجهه مألوفا يىل‪.‬‬
‫ً‬
‫رسقت‪ ،‬اعطيت‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬هذا الشخص الذي حدثت ِك عنه مسبقا‪ ،‬هو الذي‬
‫صورته اىل الجهات القضائية وتم ر‬
‫نشها برفقة امر المحكمة بالقبض عليه‪،‬‬
‫سأجده وسأجعله يدفع ثمن فعلته سنوات يف السجن‪.‬‬
‫صدمت هذا الموقف‪ ،‬صدمة لم تكن يف الحسبان‪ ،‬كان ذات الشخص الذي‬
‫ي‬
‫يرافق ابنته (بيلسان) حي رأيتها ألول مرة يف الجامعة‪ ،‬تكرر الموقف مرة‬
‫ً‬
‫اخرى ألراهما جالسي سويا بالشكل الذي يهمس يف اذن من يراهما بأنهما‬
‫ٌ‬
‫عىل عالقة حميمة‪ ،‬لم يكن بالوسع ان افتضح امرها يف هذا الوقت‪ ،‬كان هذا‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫اخته بأن ابنته عىل عالقة‬
‫الشء مستحيال حت يف غت وقت‪ ،‬كيف يىل ان ر‬ ‫ي‬
‫اماىم‪ ،‬انا اخاف‬
‫ي‬ ‫شء وسارق‪ ،‬كيف يىل ان اضعه يف هذا الموقف‬ ‫بشخص ي‬
‫ً‬
‫عليه واحبه كثتا‪.‬‬
‫بشء ولكن ذكاؤه احرجت‪ ،‬سألت ر‬
‫ألكت من‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫تجاوزت االمر‪ ،‬لم اجعله يشعر ي‬
‫ً‬
‫مرة ِلم سألت عنه‪ ،‬اقنعته بأن وجهه مألوفا يىل ليس اال‪ ،‬لم يقتنع‪ ،‬قلت له‬
‫ً‬
‫"لعلت رأيت صورته يف احدى الشوارع بعد ان صدر قرارا بالقبض عليه"‪،‬‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫اجابت بأنه ال يمتلك أي اقارب يف الحزب الحاكم يك يهتم احدا من السلطات‬‫ي‬
‫المهت الذي نراه يف االفالم‬
‫ي‬ ‫االمنية بشأن رسقته‪ ،‬او يالحق السارق بالضمت‬
‫السينمائية‪ ،‬يتطلب االمر الكثت من ر‬
‫الرش‪ ،‬وهو يمتنع عن تقديم أي رشوة يك‬
‫يهتم مركز االمن يف العاصمة بشأن رسقته‪ ،‬كان يتمتع بأخالق الدين القيم‬
‫وليس بتفرعاته المهتمة بالتحريم والتجريم‪.‬‬
‫سؤاىل عن السارق‪ ،‬تعبت قبل الخالص منه‪ ،‬انه‬
‫ي‬ ‫انه اسئلته عن سبب‬
‫ً‬
‫كالمه بأن هنالك رسا وراء هذا الموضوع‪ ،‬وان عيناي فضحت االمر‪ ،‬اعتدت‬
‫ً‬
‫وه ال تكتم رسا‪.‬‬
‫عليها ي‬
‫كانت له فراسة غريبة كان يعرف قصد الكالم من العي ال من اللسان‪ ،‬منذ ان‬
‫يعىط قراراته‬
‫ي‬ ‫كنت اعمل يف المطعم وانا اراقبه خفية حي يتكلم‪ ،‬كان‬
‫بحسب ما يخمنه من كالم االخرين‪ ،‬ال يكتث لما يقولون‪.‬‬
‫اذكر ذات مرة بأنه قال عىل احد العاملي بشأن موضوع ما بأنه كاذب‪ ،‬اضطر‬
‫ً‬
‫العامل اىل ان يقسم يمينا عىل صدق كالمه‪ ،‬ولكن (زياد) وقتها لم يصدقه‪،‬‬
‫ف كذب هذا العامل‪ ،‬اتضح ان (زياد) كان عىل حق رغم ان‬ ‫بعد ايام ُكش َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫كشف كذبته يف وقتها‬ ‫العامل وقتها اقسم يمينا‪ ،‬حي تكلم بشأن االمر قال انه‬
‫بكذبته تتحرك كلتا‬
‫ِ‬ ‫يدىل‬
‫ألنه قرأ يف احدى كتب علم النفس ان الكاذب حي ي‬
‫عينيه او احداها اىل احدى زوايا المكان الذي يجلس فيه وانه ال يمكن‬
‫ألحداق العي ان يستقر باتجاه واحد وقت التفوه بالكذبة‪ ،‬ولكن هنالك‬
‫بعض المتمرسي بالكذب ال يمكن كشفهم بسهولة‪ ،‬او انهم اعتادوا عىل‬
‫الكذب عىل شخص معي فتجاوزوا حاجز الخوف فلم تعد احداق اعينهم‬
‫تتحرك وقت الكذب إال عند تخويفهم ر‬
‫بكتة االسئلة والشك‪ ،‬حينها‬
‫سيضطرون اىل تكرار الكذب مع بعض الخوف فيمكن كشفهم بالتكت عىل‬
‫احداق اعينهم‪.‬‬
‫لكنت استذكرته وانا اكذب عليه‪ ،‬خفت‬ ‫َ‬
‫مر عىل هذا الموقف سني طوال‪،‬‬
‫ي‬
‫من ان يفتضح امر ابنته‪ ،‬كيف سيتعامل مع هذا الموقف؟ مهما سيكن‬
‫ً‬
‫تشعا فان له ر‬
‫عشات االعذار‪.‬‬ ‫تضفه م‬
‫ُ‬ ‫ر‬
‫الت جئت من‬ ‫ونحن نشب القهوة كنا نشاهد التلفاز‪ ،‬تكلمنا حول االمور ي‬
‫ٌ‬
‫سألت عن مت يىل الجديد‪ ،‬انا معتادة عىل اهتمامه‪ ،‬يهتم ر ين كاهتمام‬
‫ي‬ ‫اجلها‪،‬‬
‫ر‬
‫لشء والتجأت لغته فأنه‬ ‫االب بأبنته‪ ،‬لطالما يقول يىل ي‬
‫بأن ان احتجت ي‬
‫سيخاصمت طوال حياته‪ ،‬ولهذا السبب التجأت له يف بيع المتل‪.‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫اذاعت القنوات التلفزيونية اخبارا عاجلة‪ ،‬كانت مفادها أن الحكومة وبعد‬
‫يىع الذي يمثل اخيها التوأم قررت طرد اللجان‬ ‫ر‬
‫االستعانة بالمجلس التش ي‬
‫المبعوثة من منظمة االمم المتحدة من اجل ر‬
‫االرساف عىل االنتخابات المزمع‬
‫َ‬
‫اجراؤها يف االسابيع القادمة‪ ،‬عزت هذه القنوات السبب اىل عدم التوصل اىل‬
‫اتفاق حول جنسية اعضاء هذه اللجان‪ ،‬والذين تم اختيارهم بحسب البغض‬
‫السياش الذي يربطنا بالدول المجاورة عىل حد ما جاء بتضيحات وزير‬
‫ي‬
‫الخارجية‪.‬‬
‫كانت لبالدنا عدة خالفات السياسية واالقتصادية مع كل دول المجاورة‪،‬‬
‫والدول المجاورة للدول المجاورة بقدر تعلق االمر بهمجية وزير خارجيتنا‬
‫وختته الكبتة باقامة االذان والصالة‪،‬‬
‫الذي تم تعيينه بحسب طول ذقنه ر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫منصبه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫فالمناصب يف دولتنا يعتليها من كان تقيا وليس من كان خبتا بشؤون‬
‫والتقوى هنا تقوى الملبس والشكل وليس هنالك ثمة وجه للشبه بي تقواهم‬
‫والتقوى المنصوص عليها يف االديان‪.‬‬
‫الت لم‬
‫بيده عىل الطاولة فأسقط فنجان قهوته ي‬
‫الخت رصب ِ‬
‫حي سمع (زياد) ر‬
‫ر‬
‫يشبــها النشغاله بالبحث عن االخبار العاجلة‪ ،‬نادى ألحد النادلي يف المطعم‬
‫ليجلب له قهوة جديدة‪.‬‬
‫من خلف طاولته المكتبية‪ ،‬تقدم (زياد) بكرسيه المتحرك اىل االمام حت صار‬
‫ً‬
‫الخت ويراقب ما سيتلوه‬
‫ر‬ ‫بالقرب من التلفاز بشكل مائل‪ ،‬ظل مندهشا من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الت‬
‫التلفاز‪ ،‬لم يتكلم شيئا‪ ،‬لم اتكلم انا أيضا‪ ،‬ضجرت من فوض عارمة ي‬
‫الت مألت مركز العاصمة من اجل اجبار‬
‫ستحدث‪ ،‬تذكرت حجم التظاهرات ي‬
‫الحكومة او باألحرى ارضاخ الحزب الحاكم للعمل وفق ارادة الشعب‪ ،‬تذكرت‬
‫الت ذهبت هتافاتها‬
‫نضال (احمد) ورفقائه من اجل انجاح تلك المظاهرات ي‬
‫سدى‪ ،‬كانت فريدة من نوعها‪ ،‬لم تخرج بحجمها تظاهرة من أي فئة من‬
‫فئات الشعب منذ سنوات بسبب الضاخ الذي نسمعه من سجون التعذيب‬
‫ً‬
‫العائدة للحزب الحاكم ليال واىل الحكومة واالتهامات الباطلة بحق كل من‬
‫يعارض افكارها الجوفاء‪.‬‬
‫قلت لزياد‪ :‬لوال خروج التظاهرات العارمة لما صدقنا بأن الحزب الحاكم‬
‫ً‬
‫ستضخ ألرادة الشعب يوما ما وان يوافق عىل دخول المراقبي الدوليي‪،‬‬
‫االمر كان واضح منذ البداية‪ ،‬ولكن كل ما يف االمر انه كان يوجد هنالك‬
‫ً‬
‫بصيصا ألمل التغيت واالن اطفأته الحكومة بتعسفها‪.‬‬
‫ينته االمر بهذه السهولة‪ ،‬انا متابع للتطورات السياسية لألشهر‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬لن‬
‫االختة عن كثب‪ ،‬االمر ليس هكذا‪ ،‬الحقيقية ستقولها صحف المعارضة يوم‬
‫غد‪ ،‬ستقول ان وزير خارجيتنا افتعل الموضوع بعد توصية من الحزب الحاكم‬
‫استشت ف الجهات ر‬
‫التشيعية والتنفيذية والقضائية‪ ،‬االمر‬ ‫ر‬ ‫الت‬
‫ي‬ ‫بكل اطرافه ي‬
‫ال يتعلق بجنسية المراقبي‪ ،‬ألنهم لو راقبوا العملية االنتخابية فأنها ستكون‬
‫الت يتمكن فيها الحزب الحكم من ترشيح نفسه‪ ،‬لن‬
‫االنتخابات االختة ي‬
‫يطول االمر‪ ،‬الشعب لن يذهب لالقتاع‪ ،‬هذه بداية النهاية‪.‬‬
‫ً‬
‫قلت‪ :‬وجهة نظر سليمة‪ ،‬من المؤكد ان االمر مثلما تقول او شبيها له‪،‬‬
‫الحكومة خائفة من المراقبة الدولية‪ ،‬لوال تزويرها ِلما َسبق من اقتاع لما‬
‫دامت سني حكمها بهذا القدر‪.‬‬
‫قال بوجه غاضب‪ :‬لوال سجونها المظلمة ر‬
‫وكتة االبرياء الذين يقبعون فيها‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫بالتهم الباطلة لما سكت صوت الشعب‪ ،‬كان يف بادئ االمر تخوفا يدىم له‬
‫القلب‪ ،‬ولكنه بعد سنوات اصبح عرف واجب االتباع‪ ،‬لطالما سمعنا اللوم‬
‫ُ‬
‫عىل كل من اعتض عىل ظلمهم بصوت عال‪ ،‬نعتوه بأنه من اتباع المعارضة‪،‬‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫شء‪ ،‬كانوا يلقون باللوم‬
‫جثته ي‬
‫ِ‬ ‫بعدها لم يشاهده احد‪ ،‬لم يعرف احدا عن‬
‫عليه ألنه لم يصمت ليعيش ما تبق له من عمر‪.‬‬
‫ٌ‬
‫عارض ألجراءات الحكومة‬‫الديت‪ ،‬م‬ ‫كان (زياد) عىل مبدأ االعتدال يف االلتام‬
‫ي‬
‫رغم التامه بذات الدين الذي تروج له الحكومة‪ ،‬افكاره ال تمت لدينهم‬
‫ر‬
‫بشء‪ ،‬كان ذا منهج صحيح متبع لكل اصول دين بما ينص عىل‬
‫الزائف ي‬
‫الرحمة والعدل والمساواة‪ ،‬كان يعارض كل منهج تكفتي او أي فكرة تحاول‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ان تسلب حقا ولو بسيطا من أي ضعيف عىل هذه االرض‪ ،‬كان كالكثتين عىل‬
‫ُ‬
‫ارض هذا الوطن‪ ،‬حبهم للوطن واأللفة بي اطياف شعبه المختلفة يعلو أي‬
‫حزن‪ ،‬لكن السذج والمتنعمي بختات االموال‬
‫مذهت او ر ي‬
‫ري‬ ‫ديت او‬
‫انتماء لهم‪ ،‬ي‬
‫ٍ‬
‫المشوقة من قوت الشعب كان صوتهم يفوق كل صوت‪ ،‬كان صوتهم يثت‬
‫مكتات الصوت لمقرات الحزب الحاكم ولدور العبادة‪.‬‬ ‫عت ر‬ ‫الذعر ألننا نسمعه ر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عليه تحية ممزوجة بالشكر لمساعدته يىل‪ ،‬تركته بعد‬ ‫ِ‬ ‫انته لقاؤنا‪ ،‬القيت‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫لكنت تركته مبتسما لعبارة قلتها له قبل ان اخرج‪،‬‬
‫ي‬ ‫نقاشا سياسيا اثار غضبه‪،‬‬
‫ً‬
‫يودعت‪ ،‬قلت له "لطالما اقتنعت بفكرة‬
‫ي‬ ‫مىع يك‬
‫حت استمر ضاحكا وهو يست ي‬
‫ولكنت‬
‫ي‬ ‫العلمان‪،‬‬
‫ي‬ ‫وه احدى اسس ومبادئ المنهج‬
‫فصل الدين عن الدولة ي‬
‫بأنت‬
‫كلما رأيت فتاوى رجال الدين يف كنائسهم ومساجدهم اكون عىل يقي ي‬
‫عىل خطأ‪ ،‬نحن االن لسنا بحاجة لفصل الدين عن الدولة‪ ،‬نحن االن بحاجة‬
‫لفصل الدين عن المجتمع"‬
‫َ‬
‫احدثت التضيحات الحكومية االختة ضجة كبتة بي الناس‪ ،‬وانا عائدة اىل‬
‫بموعد لالعتصام وسط العاصمة‬
‫ٍ‬ ‫المتل سمعت العديد من االشاعات تفيد‬
‫يف يوم غد‪ ،‬لم اهتم‪ ،‬لن يحدث هذا‪ ،‬االمر يتطلب معجزة كبتة لتغت االفكار‬
‫السائدة منذ عقود‪ ،‬ليس باألمكان تغيت الواقع ما لم يغت الناس اعتقاداتهم‪،‬‬
‫كيف لهم تغيت ذلك وهم يرتادون دور العبادة ‪.‬‬
‫بأنت اشتقت لها‬ ‫ئ‬
‫اتصلت (بسارة) ألطمي عن احوالها‪ ،‬قلت لها قبل التحية ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تت بأن‬
‫اخت ي‬‫اتصاىل بها كثتا‪ ،‬بعد ان ر‬
‫ي‬ ‫اسعدن‬
‫ي‬ ‫اىم‪،‬‬
‫كثتا‪ ،‬لم اراها منذ وفاة ي‬
‫ً‬
‫بأسم‪،‬‬
‫ي‬ ‫زوجها اتفق معها بأنهما سيمنحان اسم (قمر) ألبنتهما المنتظرة تيمنا‬
‫اسعدن ان يكون يىل قرين‪ ،‬حت لو كان فرق العمر والقهر بيننا كبت‪.‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫وانا است عائدة اىل المتل اتصلت (بأحمد) ألستفش عن موقفهم من القرار‬
‫بوسىع ان امنعه من الخروج او من قيادة‬
‫ي‬ ‫االخت‪ ،‬كنت خائفة عليه‪ ،‬كيف‬
‫بوسىع ان احتجزه بي‬
‫ي‬ ‫التظاهرات كما حصل يف التظاهرات االختة‪ ،‬كيف‬
‫ُ‬
‫عىل احتام مبادئه‬
‫اضل يىع يك ال يصيبه مكروه‪ ،‬انا خائفة بالقدر الذي يتوجب ي‬
‫تكت بي الوسط‬
‫الت بدأت ر‬
‫الت يتبناها‪ ،‬واحتام مكانته السياسية ي‬
‫وافكاره ي‬
‫بأنت أستصغره‪.‬‬
‫عىل ان اكتم كل هذا الخوف يك ال يظن ي‬
‫الشعت‪ ،‬كان يجب ي‬
‫ري‬
‫اىل‪ ،‬كما‬ ‫ٌ‬
‫الليت ي‬
‫مكان رسي مع افراد الحزب ر‬ ‫ٍ‬ ‫نشغل باجتماع يف‬ ‫اخت ين بأنه م‬
‫ر‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫مظاهر يف الشارع ليوم غد‪ ،‬ألن الحزب الحاكم‬ ‫اخت ين بأنه لن تكون لهم أية‬‫ر‬
‫فخ لقيادات‬
‫افتعل هذا لضمان تزوير االنتخابات القادمة من جهة‪ ،‬ولنصب ٍ‬
‫التظاهر االخت واعتقالهم يف حال خروجهم من جهة اخرى‪.‬‬
‫اىم‪،‬‬
‫التاىل‪ ،‬لم اعد اىل البيت‪ ،‬ذهبت لزيارة ي‬
‫ي‬ ‫عمىل يف اليوم‬
‫ي‬ ‫بعد ان انهيت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اشتقت لها كثتا‪ ،‬ذهبت ولم اتمكن من عناقها‪ ،‬لم يتبق منها إال رقتا يحمل‬
‫لوحة كتب فيها يوم والدتها ووفاتها‪ ،‬كنت ال ازال شديدة الفخر بها وبأسمها‪،‬‬
‫الت انحنت عليها طوال شبابها لتؤمن لنا العيش‪،‬‬
‫شديدة الفخر بتلك الماكنة ي‬
‫مىع لمت يىل الجديد يك أراها كل يوم‪ ،‬يك ال انش تضحيتها‪ ،‬يك ال انش‬
‫نقلتها ي‬
‫شبابها محدب الظهر‪.‬‬
‫ً‬
‫بأنت انتقلت اىل متل جديد‬
‫اختتها ي‬
‫لم اقوى عىل الكالم امام رقتها كثتا‪ ،‬ر‬
‫ألنت لم‬
‫أماىل وعن (أحمد)‪ ،‬اعتذرت ي‬‫وبصحبت ثيابها ومقتنياتها‪ ،‬حدثتها عن ي‬
‫ي‬
‫ً‬
‫يجمعت به‪ ،‬يك احقق‬
‫ي‬ ‫احدثها عنه‪ ،‬احتفظت به رسا‪ ،‬صليت اىل الرب ألن‬
‫ً‬
‫وه يف العالم االخر‪ ،‬يك اكون سعيدة انا ايضا لما تبق من‬
‫امنيتها واسعدها ي‬
‫شء سأبق بانتظاره‪،‬‬ ‫ر‬
‫العمر‪ ،‬لم اعد اقوى عىل العيش بمفردي‪ ،‬رغم كل ي‬
‫فستان االبيض الذي صنعته يىل‬
‫ي‬ ‫الت سأرتدي بها‬
‫سأبق بانتظار تلك اللحظة ي‬
‫الت‬
‫اىم منذ سنوات وبقيت محتفظة به اىل االن‪ ،‬سأبق بانتظار تلك الليلة ي‬
‫ي‬
‫سأرتديه بها‪ ،‬كل النساء تعلم ان ثوب الزفاف لن تكتمل اناقته إال بعد ان‬
‫تلمسه االم‪.‬‬
‫الثان من نيسان‪..‬‬
‫ي‬
‫ذكرى ميالدنا‪ ،‬ذكرى والدة حبنا من رحم االعجاب‪ ،‬ذلك اليوم الذي‬
‫بأنت افرح حي القاه‪ ،‬ذلك‬
‫ي‬ ‫حت‪ ،‬اليوم الذي كتبت له‬
‫افصحت له عن ر ي‬
‫ليخت ين عن اعجابه‪ ،‬قال انه يوم ميالده‪ ،‬لكنه‬
‫ر‬ ‫الوهم الذي اختعه‬
‫ي‬ ‫التاري ــخ‬
‫تبي انه ليس كذلك‪ ،‬كان ميالدنا نحن االثنان‪ ،‬تأريخنا الجديد بحسب تقويم‬
‫العشق‪.‬‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫ينصفت فيها القدر‪،‬‬
‫ي‬ ‫كانت صدفة جميلة‪ ،‬كنا عىل موعد مع القدر‪ ،‬ألول مرة‬
‫فأهدان اياه القدر‪ ،‬كنت‬ ‫شء دون الدفع بالمقابل‪ ،‬تمنيته‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ألول مرة اكسب ي‬
‫ألنت امرأة عربية ال يحق لها ان تفصح عن حبها‪ ،‬قال‬ ‫ر‬
‫الكتياء ي‬
‫اخش تأنيب ر‬
‫العرن بأن علينا ان ننتظر النصيب فحسب‪ ،‬ان ننتظره لمقايضة‬
‫ري‬ ‫لنا المجتمع‬
‫اجسادنا بالثياب والح يىل‪ ،‬اوصانا بأن ال تبدر منا كلمات رصيحة بالحب‪ ،‬وان‬
‫تطلب االمر‪ ،‬قد يسمح ألعيننا ببيان بعض مظاهر االعجاب‪ ،‬مقابل ذلك‬
‫علينا ان ال نعتض لو نعتنا ذات يوم وقال "عديمات االدب والحياء"‬
‫يعت يىل الكثت‪ ،‬تغت فيه طعم الليل يف افواه الغزل‪ ،‬تغت ررسوق‬
‫هذا اليوم ي‬
‫ثيان‪ ،‬تغتت فيه‬
‫وجه‪ ،‬تغتت الوان ر ي‬
‫ي‬ ‫الشمس‪ ،‬تغت ضيائها‪ ،‬تغتت مالمح‬
‫خصالت شعري‪ ،‬اصبحت تنساب بي اصابعه ثملة‪.‬‬
‫تمض من‬
‫ي‬ ‫دن‪ ،‬فال عمر يحتسب قبل رؤيته وال ايام‬ ‫هذا اليوم هو يوم وال ي‬
‫ُ‬
‫ليىل‪ ،‬شغل اول لحظات‬ ‫يعت تحقيق الحلم الذي شغل ي‬‫دون لقياه‪ ،‬هذا اليوم ي‬
‫ً‬
‫غرفت‪ ،‬يف مثل هذا اليوم تألألت‬
‫ي‬ ‫استيقاط‪ ،‬شغل كل نظرة من عىل نافذة‬
‫ي‬
‫خطوان نحوه‪،‬‬
‫ي‬ ‫خاصت‪ ،‬حت استدلت ربتيقها‬
‫ي‬ ‫عيناه يف عتمة احالم اليقظة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ركضت شغفا اىل الحب‪ ،‬التقيته فنطقت شفتاه بكلمات كان صداها مدويا يف‬
‫الت تجاهلت كل رغباتها اىل ان القاه‪ ،‬لم‬
‫انوثت ي‬
‫ي‬ ‫انوثت المهجورة‪،‬‬
‫ي‬ ‫كهف‬
‫بش قبله‪ ،‬يف مثل هذا اليوم تعلمت شفتاي‬ ‫بش سواه‪ ،‬لم يلمست ر‬ ‫يعجبت ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الت تسبق الق َبلة‪ ،‬يف مثل هذا اليوم ابتلت‬
‫التفكت‪ ،‬اتقنت تلك الرعشة ي‬
‫عروق جسدي بعد ظمأ بأستنشاق عطره وانا قريبة من كتفه‪ ،‬ولكم يف‬
‫الالوع اقتبت من جسده وانا احادثه‪ ،‬يف مثل هذا اليوم اعتمت يف اناء‬ ‫ي‬
‫َ‬
‫بأنت لن امنعه عن جسدي لو‬‫فت وقت ذكراه‪ ،‬ي‬ ‫الليل واقسمت بكل عضة لش ي‬
‫ً‬
‫متحف اثري‪ ،‬لن‬
‫ِ‬ ‫شاء الغزل‪ ،‬لن ابقيه متحجرا كقارورة ِعطر اغريقية يف‬
‫اتمكن من الصت ر‬
‫اكت وانا واقفة امام صدره‪ ،‬فلألثارة احكام‪.‬‬ ‫ر‬
‫ر‬
‫اعددت له الف عذر لو لم يتذكر هذا اليوم‪ ،‬كتة انشغاالته ومواعيده كانت‬
‫ُ‬
‫بلت عىل‬
‫نلتق‪ ،‬تمنيت ان يق ي‬
‫ي‬ ‫قبل كل عذر‪ ،‬تمنيت ان يتذكره‪ ،‬تمنيت ان‬
‫شء كان يف‬‫ر‬
‫الكاف لرفضها‪ ،‬تمنيت ان ال ينش كل ي‬‫ي‬ ‫غفلة حت ال امتلك الوقت‬
‫شء يف الحب اجمل من البداية‪.‬‬ ‫ر‬
‫بداياتنا‪ ،‬ال ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫نلتق عىل العشاء ليال‪ ،‬طلب ايضا ان‬
‫ي‬ ‫وطلب ان‬ ‫امنيت‪ ،‬اتصل ر ين‬
‫ي‬ ‫تحققت‬
‫عام من اليوم‪ ،‬كان ذا لون‬
‫ارتدي الثوب الذي ذهبت به اىل عيد ميالده قبل ٍ‬
‫مت ان‬
‫انت ال زلت احتفظ به‪ ،‬طلب ي‬‫احمر يتخلله السواد‪ ،‬من حسن الحظ ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫شء‪ ،‬حت ال يتلكأ بالكالم بحسب قوله‪،‬‬
‫اترك شعري مفتوحا دون ان يقيده ي‬
‫الشعر‪،‬‬
‫ابتسمت حي سمعت ذلك‪ ،‬ألن من المستحيل ان يتلكأ لسان يفصح ِ‬
‫َ‬
‫هل يحب شعري اىل هذا الحد؟‬
‫َ‬
‫ساعت‬
‫ي‬ ‫مالبش منذ الصباح‪ ،‬بقيت انظر اىل عقارب‬
‫ي‬ ‫جعلت الفرح ان اعد‬
‫ي‬
‫ه بطيئة‪ ،‬ظننت يف بعض االوقات بأنها توقفت عن الدوران‬
‫الجدارية‪ ،‬كم ي‬
‫الت انظر فيها إليها‪ ،‬تعبت من االنتظار‪.‬‬
‫لقرب الفتات ي‬
‫لحيان معت الحياة‪ ،‬كم تمنيت ان‬ ‫يعت‬ ‫ٌ‬
‫ي‬ ‫كم جميل انه تذكر هذا اليوم الذي ي‬
‫مثىل يقدس الذكريات وال ينش البدايات‪ ،‬كان كذلك‪،‬‬
‫يكون (رفيق الروح) ي‬
‫ً‬
‫نفش من هذا‬
‫ي‬ ‫ألمنيان‪ ،‬بدأت اخاف عىل‬
‫ي‬ ‫يوما بعد يوم وانا ارى القدر ينصت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫النعيم‪ ،‬اخاف ان ال يدوم‪ ،‬لم ارى سعادة مطلقة ذا يوم‪ ،‬لم ارى القدر من‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫شء دون مقابل‪ ،‬اعتاد عىل فرض الضائب‪ ،‬طاوعته مرغمة فهو‬ ‫يهديت ي‬
‫ي‬ ‫قبل‬
‫ال يتعامل معنا إال بعقود االذعان‪.‬‬
‫بوافر من الفرح‪ ،‬التقيته‪ ،‬التقينا يف ذلك المطعم المطل عىل البحر‪ ،‬كان‬
‫ٍ‬
‫ً‬
‫موعدنا عند الساعة التاسعة مساء‪ ،‬دخلت اىل المطعم يف الوقت المحدد‬
‫مت ان ال اتأخر عن الموعد‪ ،‬لم اعرف السبب‪.‬‬
‫ألنه طلب ي‬
‫ً‬
‫كانت طاولتنا تتوسط المكان‪ ،‬لم يكن (احمد) موجودا‪ ،‬جلست ألنتظره‪،‬‬
‫حوىل‪،‬‬
‫ي‬ ‫هاتق ألتصل به فأنطفأ النور من‬
‫ي‬ ‫يأن‪ ،‬اخرجت‬
‫مرت عدة دقائق ولم ي‬
‫ً‬
‫حوىل‪ ،‬اصبح المكان‬
‫ي‬ ‫اصبح المطعم مظلما للغاية‪ ،‬ومع الظالم صمت كل من‬
‫ً‬
‫ساكنا‪ ،‬اين ذهب الجميع؟‬
‫حوىل‪ ،‬انتظر رؤية بصيص نور يك أستدل به الطريق‬
‫ي‬ ‫بقيت جالسة التفت لما‬
‫ً‬
‫للخروج‪ ،‬خفت كثتا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مت‪ ،‬لم ارى شيئا‪ ،‬كان‬
‫خلق‪ ،‬صارت بالقرب ي‬
‫ي‬ ‫سمعت صوت اقداما اتت من‬
‫جيبه‪ ،‬اشعل‬
‫ِ‬ ‫صوت حذاء رجل‪ ،‬وقف بالقرب من الطاولة واخرج قداحة من‬
‫َ‬
‫شمعتي كانتا عىل الطاولة‪ ،‬رأيت كف يده فقط‪.‬‬
‫اماىم فأنارت الشموع وجهه‪ ،‬رأيت (احمد) ‪....‬‬
‫جلس ي‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ابتسم‪ ،‬ابتسمت انا ايضا‪ ،‬نسيت الخوف‪ ،‬شعرت باألمان لوجوده‪ ،‬من شدة‬
‫اله نسيت ان اسأله عن سبب الظالم الدامس من حولنا‪ ،‬اكتفيت بوجوده‬
‫جم ِ‬
‫ُ‬
‫نيت‪.‬‬
‫اسم وك ي‬
‫ي‬ ‫يغنيت عن‬
‫ي‬ ‫الذي‬
‫ً‬
‫بق صامتا بعد جلوسه‪ ،‬اخرج علبة صغتة من‬ ‫انتظرته ليتكلم‪ ،‬لم يتكلم‪ ،‬ي‬
‫اماىم‪ ،‬فتحتها‪ ،‬كان بداخلها خاتم زواج مرصع بالماس‪.‬‬
‫جيبه‪ ،‬ووضعها ي‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫اندهشت كثتا‪ ،‬كنت بحاجة لتفست هذا الموقف‪ ،‬نظرت إليه ألسأله‪،‬‬
‫سبقت بالكالم ‪....‬‬
‫ي‬
‫سألت‪ :‬هل تقبلي الزواج ر ين؟‬
‫ي‬
‫ً‬
‫امنيان تتحقق واحدة تلو االخرى‪ ،‬االن‬
‫ي‬ ‫لم اتمكن من الرد لهول الموقف‪،‬‬
‫سأهملهن ألن اهمها بي يدي‪ ،‬حلم االرتباط به‪ ،‬هل انا احلم ام ما اراه‬
‫حقيقة!!‬
‫ُ ُ ً‬
‫نعم‪ ،‬تمنيت الزواج ِبه‪ ،‬جل ما اتمت ان يكون يىل‪ ،‬ان يمتلك يت كليا‪ ،‬ما انا عليه‬
‫ً‬
‫حيان موقفا بهذه الروعة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫االن لم يبق يىل حت الحلم به‪ ،‬لم ارى يف‬
‫أنت غفوت عىل الطاولة وانا‬ ‫ر‬
‫عيت وفتحتها ألكت من مرة‪ ،‬ظننت ي‬ ‫ي‬ ‫اغلقت‬
‫ً‬
‫انتظره وحلمت بما اراه‪ ،‬ولكن المشهد كان حقيقيا‪.‬‬
‫ً‬
‫االطلش‪ ،‬شعرت بالغرق‪...‬‬ ‫ي‬ ‫غمرن الفرح بأمواج شبيهة بأمواج المحيط‬
‫ي‬
‫عىل ان اجيب؟‬
‫ماذا ي‬
‫تكق لالجابة؟‬
‫هل كلمة (نعم) ي‬
‫ام عىل قول ر‬
‫اكت؟‬ ‫ي‬
‫هل اقول له كم تمنيت هذا اليوم؟‬
‫هل يعلم كم اعشقه؟‬
‫هل يعلم كم انتظرته؟‬
‫هل يعلم بأنه الحب االول؟‬
‫هل يعلم بأنه االخت بكل تأكيد؟‬
‫حوىل من أجل ان القاه؟‬
‫ي‬ ‫انت حاربت كل ما‬
‫هل يعلم ي‬
‫مت ان‬
‫وف كل الفصول‪ ،‬يطلب ي‬ ‫مت االن ان القاه كل يوم‪ ،‬يف كل وقت ي‬
‫يطلب ي‬
‫صدره حت ررسوق الشمس‪ ،‬يطلب ان تتوحد انفاسنا عىل رسير‬ ‫ِ‬ ‫اغفو عىل‬
‫بعت االغطية‪.‬‬‫لشخصي م ر‬
‫ٌ‬
‫شتان بي االمرين ‪ ..‬يطلب ان يقب ي‬
‫لت بال استئذان وانا عىل استعداد بأن اقدم‬
‫َ‬
‫ليدخنه كالسيجار‪ ،‬انا عىل استعداد بأن ر‬
‫انت جسدي بالكامل‬ ‫جماىل بأكمله‬
‫ي‬ ‫له‬
‫َ َ‬ ‫عىل شفاهه‪ ،‬ر‬
‫ابعته حت ر‬
‫ننتش الشغف بكل ما اوتينا من قبل‪.‬‬
‫ي‬
‫عقىل الباطن‪ ،‬ابتسمت ‪...‬‬
‫تركته ينتظر ‪،‬كنت انصت ألفكار ي‬
‫قلت له‪ :‬انا احبك‪.‬‬
‫ً‬
‫اشتعلت االضواء من حولنا‪ ،‬رأيت كل من حولنا كان واقفا‪ ،‬كان الجميع ينتظر‬
‫هذه اللحظة‪.‬‬
‫ئ‬
‫تنطق‬ ‫جاء (احمد) قبل وقت موعدنا ليطلب من ادارة المطعم والحضور بأن‬
‫ٌ‬
‫فاجئت‪ ،‬لم اكن متوقعة انه سيعد يىل مفاجأة بهذا‬
‫ي‬ ‫االضواء لدقائق ل يك ي‬
‫الحجم من السعادة‪.‬‬
‫وقفنا وسط تصفيق الجميع‪ ،‬كانوا عىل شكل دائرة تحيط بنا‪ ،‬تركوا طاوالتهم‬
‫ً‬
‫واصطفوا حولنا‪ ،‬لم اشعر بهم اطالقا‪ ،‬كان وجهه الممزوج بضوء الشمع‬
‫ً‬
‫يخطف الذهن حت لو كان شاردا‪.‬‬
‫ً‬
‫رن‪ ،‬اخرج الخاتم من علبته الحمراء ووضعه يف يدي اليمت ثم‬ ‫ظل واقفا بق ر ي‬
‫َ‬
‫قبلها‪ ،‬استمر تصفيق الجميع اىل ان عدنا اىل مقاعدنا‪ ،‬عادوا اىل اماكنهم هم‬
‫ً‬
‫ايضا‪ ،‬عاد ليجلس يف مكانه‪ ،‬قال يىل "احبك"‬
‫كيف يىل ان اشكره عىل هذا الموقف الجميل‪ ،‬كيف يىل ان اقبله وسط هذا‬
‫المكان ألنه حقق يىل ما تمنيت‪ ،‬ما اجمل ان تتوج المرأة بمن عشقت‪،‬‬
‫ً‬
‫انتظرته عمرا بأكمله‪.‬‬
‫ً‬
‫كانت (سارة) كثتا ما تقول يىل "لوال جمالك لما طاوعتك يف رفض كل من‬
‫ً‬
‫تتجاهىل حقيقة ان لكل َجمال عمر افتاضيا‪،‬‬
‫ي‬ ‫لك‪ ،‬ولكن المهم ان ال‬‫تقدم ِ‬
‫بأنت كنت بانتظار‬
‫ي‬ ‫ينته غرورك قبل فوات االوان"‪ ،‬لم تصدق‬
‫ي‬ ‫اتمت ان‬
‫العشق‪ ،‬انا لم اكن افكر يف بناء حياة زوجية عىل االعجاب فحسب‪ ،‬كان‬
‫ئ‬
‫مبادن‪.‬‬ ‫العشق ررسط االرتباط ضمن‬
‫ي‬
‫ً َ‬ ‫ً‬
‫قلت له‪ :‬شكرا عىل هذا المفاجأة‪ ،‬حقا انت رائع‪.‬‬
‫لكنت لم اجد‬
‫ي‬ ‫مسك يدي وقال‪ :‬يف الحقيقة‪ ،‬لم اكن انوي اتباع هذه الطريقة‪،‬‬
‫مكان عام يك تبق اجمل‬ ‫عىل جعلها بشكل مفاجأة و يف‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫اجمل منها‪ ،‬توجب ي‬
‫ذكرى لنا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ر ٌ‬
‫ائع انت كيفما تكون‪.‬‬
‫اراد ان يطلب لنا الطعام‪ ،‬لم اوفق‪ ،‬طلبت من النادل ان يجلب لنا فنجاني‬
‫من القهوة فقط‪.‬‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫الشء من نظرات الناس من‬
‫ولكنت تضايقت بعض ي‬
‫ي‬ ‫كان المكان جميال للغاية‬
‫كون هذا الموقف الجميل بتصفيقهم‪ ،‬كانت نظراتهم تعبث‬
‫حوىل الذين شار ي‬
‫ي‬
‫بأفكاري‪ ،‬لم استطع التكلم معه‪ ،‬طلبت منه ان نكمل حديثنا ونحن نست عىل‬
‫كاف من الكون لكالمنا‪ ،‬اردت الذهاب اىل ذلك‬ ‫ئ‬
‫الشاط‪ ،‬هنالك سنجد متسع ي‬
‫المقعد‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬
‫هل كنت مضة من اجل الهدوء والعزلة؟ ام طمعا بقبلة اخرى؟ قبلة مشابهة‬
‫الت ال تفارق اذهان اي‬
‫اهدان اياها اول مرة‪ ،‬القبلة االوىل ي‬
‫ي‬ ‫الت‬
‫لتلك القبلة ي‬
‫وه عىل قيد االرق‪.‬‬
‫امر ٍأة ي‬
‫خطوان متسارعة‬ ‫بأنت است مشعة‪ ،‬كانت‬ ‫ئ‬
‫ي‬ ‫نبهت (احمد) ي‬
‫ي‬ ‫الشاط‪،‬‬ ‫ِرسنا عىل‬
‫ً‬ ‫من شدة الفرح‪ ،‬مسكت بيده من مرفقها فتغت االمر‪ ،‬رصنا ر‬
‫نمش سويا اىل‬
‫ي‬
‫الت ال تعد‪ ،‬نست لتحقيق كل احالمنا‪ ،‬المباح منها وغت‬
‫الغد‪ ،‬اىل تلك االيام ي‬
‫المباح‪ ،‬لم يعد هنالك فرق‪ ،‬كما لم تعد هنالك حاجة للذرائع ألقتب من‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫العطر الذي يفوح من رق َبته‪.‬‬
‫جسده ِخلسة ألستق الشم من ذلك ِ‬
‫اخت ين بأنه قد تحدث يف موضوع خطبتنا مع (يعقوب) كان قد‬
‫تفاجئت حي ر‬
‫تكلم ليعرف مدى اعتاضه لو تقدم وطلب يدي‪ ،‬سألته عن السبب فقال يىل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عىل ان اكون جادا وصادقا ألحىط بك"‬
‫"يجب ي‬
‫ً‬ ‫َ ً‬
‫كان ف ِرحا حي لم يرى أي وجها لالعتاض من (يعقوب) كان خائفا من ان ال‬
‫ً‬
‫يعارض لكونه مسلما‪ ،‬ولكن (يعقوب) حي سمع طلبه لم يقل له سوى‬
‫"تهمت سعادتها‪ ،‬اسعدها وكن عىل الدين الذي يعجبك"‬
‫ي‬ ‫الكلمات التالية‬
‫ً‬
‫لت حت ازداد‬
‫مثىل‪ ،‬كانت كلماته جميعها تصحبها االبتسامة‪ ،‬غاز ي‬
‫كان سعيدا ي‬
‫ً‬
‫اجتنا عىل الوقوف‪ ،‬رصنا وجها لوجه‪ ،‬نظر يف‬‫الموج وعال‪ ،‬صوت الموج ر‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫وجه ليضعها خلف‬ ‫ي‬ ‫عيت‪ ،‬وهو يأخذ خصلة من شعري كانت قريبة من‬ ‫ي‬
‫كتق‪ ،‬رجع خطوتي اىل الوراء‪..‬‬
‫ي‬
‫سماع؟‬
‫ي‬ ‫سألت‪ :‬هل تودين‬
‫ي‬
‫َ‬
‫قلت له‪ :‬لطالما حلمت بذلك‪.‬‬
‫رجع خطوتي اىل الوراء ليقف وقفة الشعراء‪ ،‬رفع يده اليمت ليعلو مستوى‬
‫َ‬
‫العشق‪ ،‬اغلق عيناه وفتحها‪،‬‬
‫سطح البحر‪ ،‬لتتغت اشارات الغزل يف اروقة ِ‬
‫تحركت شفاهه باألبداع ‪..‬‬
‫قال‪:‬‬
‫َ‬
‫أنوثتك احــرف االبجدية‬
‫ِ‬ ‫ترهق‬
‫جمالك‬
‫ِ‬ ‫فال اجد أحرف أنحرها تحت أقدام‬
‫سـأجعل من االحرف ورود ياسمي‬
‫جسدك‬
‫ِ‬ ‫أل رنتها عىل‬
‫شفتيك‬
‫ِ‬ ‫دون‬
‫تنته احر يف‬
‫ي‬ ‫ألنت سأقبلها حي‬
‫ي‬
‫سيطىع عطر مساماتك عىل عطر الياسمي‬
‫ي‬
‫منك‬
‫سيكتسب الورد رحيقه ِ‬
‫تضق رقتها للورد رقة‬
‫ي‬ ‫يا من‬
‫يا من تداعب مشاعري بنظرة عـيـن‬
‫تقتلت بالصمـت لو شاءت‬
‫ي‬ ‫يا من‬
‫وتحييت لو صمتت ر‬
‫اكت‬ ‫ي‬
‫صمتك موسيق ‪..‬‬
‫ِ‬
‫الت يطرب عليها كفيف البض‬
‫كتلك ي‬
‫لكلماتك؟‬
‫ِ‬ ‫أصىل صالة استسقاء‬
‫ي‬ ‫أ‬
‫عان وتتكلمي‬‫ئ‬
‫هل ستستجيب السماء لد ي‬
‫يا سيدة التفاصيل الجميلة‬
‫بك كل مساء‬
‫أنت أهيم ِ‬
‫ي‬
‫أعشقك يف كل صباح‬
‫ِ‬ ‫أنت‬
‫ي‬
‫بكلمان المتيمة بك‬
‫ي‬ ‫اعجابك‬
‫ِ‬
‫اقالىم‬
‫ي‬ ‫بحت‬
‫يبعث االمل ر‬
‫كـي اكت َب ر‬
‫اكت‬
‫ك أتمناك ر‬
‫اكت‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫اتمناك حلما ‪..‬‬
‫ألرشيه بالقصائد يك يتحقق‬
‫لك المزيد من القصائد‬
‫سأكتب ِ‬
‫ً‬
‫مزيدا من االحالم‬
‫بك احلم ‪ ..‬و للحلم بقية‪.‬‬
‫سأبق ِ‬

‫كتب هذه الكلمات لم يكن يمسك بيده قلم‪ ،‬كان يمسك‬ ‫تأكدت من انه حي َ‬

‫اخذن عىل سطح كوكب‬ ‫حت اياه‪،‬‬ ‫ً‬


‫ي‬ ‫سكي ليقطع يىل ِبه جزء من الخيال ويمن ي‬
‫اخر غت كوكب االرض‪ ،‬مكان ال ارى فيه سواه‪.‬‬
‫ً‬
‫اداءه كان مدهشا‪ ،‬يقشعر له البدن‪ ،‬كلماته لها قدسية واجبة التصديق‪ ،‬كتلك‬
‫الت تتلو عىل مسامع المتديني يف دور العبادة‪ ،‬حي ينصت‬ ‫الخرافات ي‬
‫اكت من ان يفكر يف فحواه او يتفكر‬ ‫ٌ‬
‫لكالم ال يقوى عىل سماعه‪ ،‬كالم ر‬
‫ٍ‬ ‫المؤمن‬
‫ينتق كلماته كالذين ينتقون الجواري يف العصور الجاهلية‪،‬‬
‫ي‬ ‫يف مصدره‪ ،‬كان‬
‫اكتهن اثارة‪.‬‬‫حينما كان يختاروا ر‬

‫قاصده نشوة‪ ،‬كنشوة الكأس الثالث من النبيذ المعتق‪ ،‬ادمنت ِشعره‪،‬‬


‫ِ‬ ‫لم‬
‫َ‬
‫ادمنت كلماته‪ ،‬اداءه‪ ،‬ادمنته بكل ما تحمل الكلمة من معت‪ ،‬ال اريده ان‬
‫يتوقف‪ ،‬ولكنه توقف‪ ،‬انتهت ابيات قصيدته‪ ،‬انته فهدأ الموج‪ ،‬عاد الكون‬
‫قوانينه الفتيائية‪ ،‬اتعبت ابياته الكون بأكمله‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لطبيعته ول‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫َيخرج الغزل الهثا من ابياته‪ ،‬ويخرج القصد منهمكا ليجثو عىل ركبتيه‪ ،‬اداءه‬
‫ً‬
‫اتعبت جدا‪،‬‬
‫ي‬ ‫شعره‪،‬‬
‫الجميل ادى اىل ذلك‪ ،‬يتعب كل من يقف امام ابيات ِ‬
‫أجىل‪ ،‬انا لوحدي‪ ،‬ما اجمل ان‬
‫ي‬ ‫وقفت انصت له‪ ،‬انصت لما يكتب من‬
‫ً‬
‫تنصت المرأة لحبيبها‪ ،‬و يا ويلها لو كان شاعرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫احالىم‪ ،‬حي‬
‫ي‬ ‫سعادن‪ ،‬كان يوما يختض كل‬
‫ي‬ ‫لم اجد كالما كافيا للتعبت عن‬
‫بيت وبي‬
‫اشارن‪ ،‬ايقن أن ما يحول ي‬
‫ي‬ ‫اكون برفقته‪ ،‬اشعر بأن القدر اضج رهن‬
‫احالىم هو مجرد الحلم بها‪.‬‬
‫ي‬ ‫تحقيق‬
‫ً‬
‫حقيبت الصغتة‪ ،‬رميتها ارضا وصفقت له ‪..‬‬
‫ي‬ ‫كنت احمل بيدي‬
‫ئ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫شاط معتم‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫قلت له‪ :‬كفاك جماال‪ ،‬يا قنديال يطفو عىل‬
‫ئ‬
‫الشاط لنصل اىل مكاننا المنشود‪ ،‬جلسنا هذه المرة‬ ‫اكملنا مستنا عىل‬
‫بالقرب من بعضنا ر‬
‫اكت‪..‬‬
‫ٌ‬
‫قبلت الزواج ر ين‪ ،‬ولكن هنالك موضوع يف‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬قمر‪ ،‬انا سعيد للغاية ألنك‬
‫غاية االهمية يتوجب علينا اتخاذ قرا ٍر بشأنه‪.‬‬

‫اجبته‪ :‬حي وافقت عىل الزواج كان يف خاطري كل ما ستقوله‪ ،‬ولوال ي‬


‫انت‬
‫ً َ‬
‫فكرت مليا ل َما احببتك‪ ،‬كيف يىل ان احب وسط حواجز تمنع توحد‬
‫المستقبل‪ ،‬انا ال اريد ان اكون كهؤالء الذين عشقوا بوجه شاحب من شدة‬
‫الحرمان‪.‬‬
‫قال‪ :‬انا ذهبت اىل (يعقوب) بعد ان تعرفت عليه اثناء مراسيم جنازة والدتك‪،‬‬
‫ألنت وجدته االهم‬
‫ي‬ ‫نفش‬
‫ي‬ ‫نلتق‪ ،‬حدثته عن‬
‫ي‬ ‫اتصلت به وطلبت منه ان‬
‫ه‬
‫غايت الوحيدة ي‬
‫ي‬ ‫اليك‪ ،‬وجدته انسان جدير باالحتام والثقة‪ ،‬كانت‬
‫بالنسبة ِ‬
‫وبينك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بيت‬
‫ان اعرف ان ذويك لن يضعوا حاجز الدين ي‬
‫ً‬ ‫قلت‪َ :‬‬
‫تسألت اوال؟‬
‫ي‬ ‫لما لم‬
‫الت رأيتها‪،‬‬ ‫قال‪ :‬فكرت يف ان يكون االمر مفاجأة ِ‬
‫لك‪ ،‬قررت ان اختار الطريقة ي‬
‫احزنت‪.‬‬ ‫شء‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ولكن هنالك ي‬
‫قلت‪ :‬ما هو؟‬
‫واخت بشأن زواجنا‪ ،‬لم يوافقوا‪ ،‬قالوا يىل "انت‬
‫ي‬ ‫والدن‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬تحدثت مع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تعيش بعيدا فكن حرا يف قراراتك‪ ،‬وان اختت مسيحية لتشاركك حياتك فال‬
‫ً‬
‫تأن بها اىل هنا" فكرت جيدا ثم قررت أن اكون انا صاحب القرار‪ ،‬الرأي الذي‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫َس ِمعته منهم كان عرفا يحتذى به يف قريتنا ألن هنالك سخطا لمن ال يتبعه‪،‬‬
‫بوسىع ان اذهب اىل اقارب والدي الذين لم اراهم منذ سنوات‬
‫ي‬ ‫لم يكن‬
‫عرن‬
‫يدك‪ ،‬نحن يف مجتمع ر ي‬
‫المجء اىل هنا من اجل طلب ِ‬
‫ألطلب منهم ر ي‬
‫لك‬
‫وانت تعلمي الخطوات الواجب اتباعها يف هذه االمور‪ ،‬كيف يىل ان اتقدم ِ‬
‫ِ‬
‫االن؟‬
‫قلت‪ :‬انظر اىل يدي؟‬
‫قال‪ :‬ما بها؟‬
‫ً‬
‫منحت معه مستقبال‬
‫ي‬ ‫روح قبل قليل‪،‬‬
‫ي‬ ‫منحت اياه رفيق‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬خاتم زواج‪،‬‬
‫شء غت‬ ‫ر‬
‫موافقت ي‬
‫ي‬ ‫والشعر‪ ،‬وافقت فأرتديته‪ ،‬هل تتطلب‬ ‫ِ‬ ‫مىلء بالفرح‬
‫ي‬
‫َ‬
‫عىل ما‬
‫يمىل ي‬‫عىل وانا بهذا العمر ان استشار احدا يك ي‬
‫ارتداءه؟ هل يتوجب ي‬
‫مستقبىل؟‬
‫ي‬ ‫سيكون عليه‬
‫مت المراسيم رسمية للخطبة وما اعتاد‬ ‫قال‪ :‬افهم من ذلك ِ‬
‫انك لن تطلبي ي‬
‫عليه َمن حولنا؟‬
‫قلت له‪ :‬كال‪.‬‬
‫رسمت عىل ثغره ابتسامة واسعة‪ ،‬اتكأ واخرج علبة سجائره‪ ،‬اشعل سيجارة‪،‬‬
‫لم يتكلم لعدة ثوا ين ‪..‬‬
‫َ‬
‫قلت‪ :‬ما بك؟‬
‫لك‬ ‫ر‬ ‫قال‪:‬‬
‫احبك يف كل يوم اكت من اليوم الذي سبقه‪ ،‬هل تذكرين حي قلت ِ‬
‫ِ‬
‫ه‬
‫بأنت ال أؤمن يف ح ٍب يلوح لالرتباط؟ اتفقنا حينها ان تكون ارواحنا ي‬
‫ي‬
‫صاحبة القرار‪ ،‬لم اتوقع ان االمر سيكون بهذا الشكل‪ ،‬يف كل مرة كنا نتحدث‬
‫معك بشأن االمر‪ ،‬ولكن‬
‫ِ‬ ‫بك يزداد‪ ،‬كنت انوي التحدث‬ ‫اعجان ِ‬
‫ري‬ ‫فيها كان‬
‫ً‬
‫رفضت‬
‫ِ‬ ‫بأنك‬
‫حدثتت ِ‬
‫ي‬ ‫وبينك حالت دون ذلك مرارا‪ ،‬كم مرة‬
‫ِ‬ ‫بيت‬
‫الت ي‬
‫الحواجز ي‬
‫كنت تختلقي االعذار ان كان‬
‫بأنك ِ‬
‫ِ‬ ‫قلت يىل‬
‫لك‪ِ ،‬‬
‫الكثت من الذين تقدموا ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لك كان‬
‫مسيج) وان االمر يكون يستا جدا لو مكان المتقدم ِ‬
‫ي‬ ‫المتقدم (‬
‫ً‬
‫(مسلما) فالذريعة متوفرة‪.‬‬
‫لكنت كنت ارفض بالحجج الكاذبة‪ ،‬كل من تقدم يىل لم‬‫ي‬ ‫قلت له‪ :‬صحيح‪،‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قلت‪ ،‬لم اعجب ِبه حت‪ ،‬انا لم ارفض شخصا تقدم يىل‬
‫يمتلك مسبقا شيئا من ر ي‬
‫ظلمتت االن‪.‬‬
‫ي‬ ‫بسبب دينه‪ ،‬كانت حجج ألنتظارك‪ ،‬انت‬
‫ً‬
‫دئك اللتان جعلتا من‬
‫فك جيدا‪ ،‬واحتم ثقافتك ومبا ِ‬ ‫حبيبت‪ ،‬انا اعر ِ‬
‫ي‬ ‫قال‪:‬‬
‫بأنك هكذا‪ ،‬ما وددت‬
‫اتهمك ِ‬
‫ِ‬ ‫شخصك انسان جدير بالحب والتقدير‪ ،‬انا ال‬
‫نك ستعاني يف تقديم‬
‫وبينك‪ ،‬من المؤكد بأ ِ‬
‫ِ‬ ‫بيت‬
‫قوله ان هنالك حاجز ي‬
‫شاكلت‪ ،‬ما‬
‫ي‬ ‫رفضت الكثت ممن هم عىل‬
‫ِ‬ ‫انك‬
‫الحجج لقبولك إياي‪ ،‬يف حي ِ‬
‫ألقربائك؟‬
‫ِ‬ ‫الت ستقدمينها‬
‫الذريعة ي‬
‫قلت‪ :‬انا الومك ألنك سألت (يعقوب) يف شأن يخصنا نحن االثنان فقط‪ ،‬لم‬
‫ً‬
‫عقىل يف موضوع‬
‫ي‬ ‫صدقت لن اشاور غت‬
‫ي‬ ‫تخطأ يف ذلك‪ ،‬احسنت صنعا‪،‬‬
‫لضوابط من احد‪ ،‬لن اعتف بأعراف المجتمع بأكملها‪ ،‬لن‬
‫ٍ‬ ‫زواجنا‪ ،‬لن اخضع‬
‫مىل علينا العشتة‪.‬‬
‫انصت لما ت ي‬
‫فكرت عىل اي دين سنتوج؟‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬هل‬
‫قلت‪ :‬لنتخىل عن ادياننا لما تبق من العمر‪.‬‬
‫قال‪ :‬هل االمر بهذه السهولة؟‬
‫قلت‪ :‬لما ال نرجع اىل الحرية‪ ،‬اىل اول خمس دقائق بعد والدتنا‪ ،‬حي ولدنا‬
‫عراة بال اسماء‪ ،‬بال اديان‪ ،‬بال خطايا‪ ،‬بال احقاد؟‬
‫اجابت‪ :‬نعود‪َ ،‬‬
‫لما ال‪.‬‬ ‫ي‬
‫قلت‪ :‬ما رأيك بأن نتوج عىل كال الديني؟‬
‫ً‬
‫قال مبتسما‪ :‬كيف؟‬
‫قلت‪ :‬نعقد ِ‬
‫القران حسب دينك الستكمال االجراءات الرسمية‪ ،‬وبعدها‬
‫نذهب اىل الكنيسة من اجل االعالن و الرشومات وصالة الشكر بحسب‬
‫ديت‪.‬‬
‫ي‬
‫ٌ‬
‫قال‪ :‬فكرة جيدة‪ ،‬اتفقنا‪.‬‬
‫الت يضعها المجتمع‪ ،‬ال‬
‫ايقنت بأن للحب قوة تستطيع كش كل الحواجز ي‬
‫ً‬
‫اعتتها دينا‬
‫سيما المجتمع المتدين او المتبع لعادات وتقاليد االسالف حت ر‬
‫يضاف اىل دينه الذي يتبعه‪.‬‬
‫ً‬
‫قلت‪،‬‬
‫وجدت الحل لما كان يجعل ليله مليئا باألفكار‪ ،‬كان عليه ان ال يجادل ر ي‬
‫أنا مستعدة عىل فعل المستحيل ألجله‪ ،‬أنا احبه‪ ،‬لما بعد الموت سأحبه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حلمنا بالوان‬
‫ِ‬ ‫استمر حديثنا طويال‪ ،‬تحدثنا عما نحلم‪ ،‬رصنا نحلم سويا‪،‬‬
‫ً‬
‫غرفتنا واغطية رسيرنا‪ ،‬حلمنا بأي يوم وشهرا سنتوج‪ ،‬احتنا يف أي فصل من‬
‫فصول السنة سنختار لزواجنا‪ ،‬حلمنا بكل قوانا العاطفية‪ ،‬اتقفنا عىل كل‬
‫يحملت بي يديه ألدخل بيته‪.‬‬ ‫شء قبل ان نقوله‪ ،‬لم ولن اختلف معه حت‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يخت ين قبل ذلك‬
‫اخت ين بأنه سيسافر غدا‪ ،‬لم ر‬
‫سهرنا‪ ،‬ثم عدنا ادراجنا ستا‪ ،‬ر‬
‫ِ‬
‫اخت ين بأنه سيذهب اىل عدة مدن من‬
‫خاتم الجديد‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫عىل فرحة‬
‫يك ال يفسد ي‬
‫ً‬
‫الخت سيئا ألنه‬
‫اجل حملتهم االنتخابية‪ ،‬سيستغرق سفره بعض اسابيع‪ ،‬كان ر‬
‫فرحت‪ ،‬كنت افكر يف تناول االفطار معه يوم غد‬
‫ي‬ ‫برفقت وانا يف أوج‬
‫ي‬ ‫لن يكن‬
‫ولكنه سيسافر‪.‬‬
‫يق‬
‫كالم ي‬
‫اماىم قبل ان نفتق‪ ،‬كنت ابحث عن كالم كقصيدته‪ٍ ،‬‬
‫ي‬ ‫وقف‬
‫كر بحجم االجرام‬
‫بالغرض‪ ،‬والغرض هو ان اتقدم له بالشكر‪ ،‬انا بحاجة اىل ش ٍ‬
‫اياىم معه‪ ،‬بت اخاف بأن القادم‬
‫السماوية‪ ،‬كيف يىل ان اصف له كيف تغتت ي‬
‫يكفيت منه‪.‬‬
‫ي‬ ‫من العمر ال‬
‫ً‬
‫اراد ان يودع يت وانا ال احتمل لحظة من لحظات وداعه‪ ،‬ال امتلك كالما للوداع‬
‫يسعت إال ان اتمت ان ترافقه السالمة وان يعود يىل‬
‫ي‬ ‫لكره الشديد له‪ ،‬لم‬
‫ي‬
‫اماىم‪.‬‬
‫ألنت بدأت اشتاق له وهو ال يزال ي‬
‫بأقض رسعة ي‬
‫لموقق السابق‪ ،‬حي انهيت لقاؤنا وتركته عىل‬
‫ي‬ ‫قبلت هذه المرة‪ ،‬انتبه‬
‫لم ي ي‬
‫ً‬
‫ادن‪ ،‬توسدت صدره‪،‬‬ ‫مت‪ ،‬عانقته بمحض ار ي‬‫عجل‪ ،‬انتظرته كثتا ولم يقتب ي‬
‫عيت وتمنيت الحياة االبدية‪ ،‬تغلغلت يده خصالت شعري فتمنيت‬
‫اغمضت ي‬
‫الخلود‪.‬‬
‫ُ‬
‫كنت اظن بأن كل وطن يتطلب تكوينه مساحة من االرض وشعب يقطنه‬
‫حينئذ (وطن)‪ ،‬لم اكن اعلم بأن الوطن من‬
‫ٍ‬ ‫وحكومة مستقلة تحكمه ليسم‬
‫َ‬
‫الممكن ان يختض بي ك ِتفي‪.‬‬
‫ان بالثياب‬
‫ألختها‪ ،‬كان حلمها بأن تر ي‬
‫ر‬ ‫اىم يف البيت‬
‫انت اجد ي‬
‫كنت اود لو ي‬
‫البيضاء‪ ،‬عدت اىل البيت ولم اجدها‪ ،‬كانت يف رقتها‪.‬‬
‫ً‬
‫ان‪ ،‬أصبحت عىل يقي تام بأنها االن‬ ‫كنت متأكدة من انها تشعر ر ين وتر ي‬
‫ٌ‬
‫مثىل‪ ،‬حي دخلت اىل البيت‪ ،‬شعرت بأن روحها كانت بأنتظاري‪،‬‬ ‫ي‬ ‫سعيدة‬
‫ً‬
‫اختتها بأن من كنت بانتظاره طوال هذا العمر‬‫تسمعت‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫تكلمت همسا لعلها‬
‫ان‪.‬‬
‫تسمعت‪ ،‬يا ليتها تر ي‬
‫ي‬ ‫طلبت للزواج‪ ،‬يا ليتها‬
‫ي‬
‫الت كانت بانتظاري عىل‬
‫خاتم الجديد كل احالم اليقظة ي‬
‫ي‬ ‫يف تلك الليلة‪ ،‬احتل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الوسادة‪ ،‬تغتت االمنيات تغيتا جذريا‪ ،‬لم اعد اتمناه‪ ،‬اصبح حقيقة‪ ،‬ذلك‬
‫بقلب يعض شفاهه‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫الشاب الوسيم الذي كنت اشتهيه من عىل بعد امتار‬
‫اماىم‬
‫ي‬ ‫بعد االن‪ ،‬سيحي وقت عناقه كلما تيش الغزل‪ ،‬بعد االن سيقف‬
‫استحسان‪ ،‬بعد االن سيجعل العالم اجمعه‬
‫ي‬ ‫ليشدوا وافر من القصائد لينال‬
‫ً‬
‫ينصت للحظة التقاء مستقبلينا لتست ايامنا معا متكاتفة االوقات‪ ،‬حالت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بيت وبي النوم‪ ،‬بقيت احلم اىل ان ررسقت الشمس‪ ،‬كان نهارا جميال‬
‫السعادة ي‬
‫بصديقت (سارة)‬
‫ي‬ ‫خاتم الجميل‪ ،‬كنت اتوق لرؤية الصباح حت اتصل‬
‫ي‬ ‫مع‬
‫ألجىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫واعلمها باألمر‪ ،‬بالتأكيد انها ستكون سعيدة‬
‫ذهبت اىل العمل دون ادن شعور بالتعب‪ ،‬ارتديت اجمل ما لدي من ثياب‪،‬‬
‫ً‬
‫ه‬‫ألجىل‪ ،‬كانت ي‬
‫ي‬ ‫طريق اىل العمل اتصلت (بسارة)‪ ،‬استيقظت فرحا‬
‫ي‬ ‫وانا يف‬
‫اول من تقدم يىل التهنئة‪.‬‬
‫والتتيكات‪ ،‬وبعد ان انتهيت منهم جلست‬
‫بالتهان ر‬ ‫تقدم ىل كل الكادر ر‬
‫الشكة‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫صديقت‪....‬‬
‫ي‬ ‫بالقرب من‬
‫سألتت‪ :‬هل تحبينه؟‬
‫ي‬
‫اجبتها‪ :‬اعشقه‪.‬‬
‫قالت‪ :‬كم استمرت عالقتكم؟‬
‫بالتمت‪.‬‬ ‫اكت من عام‪ ،‬قضيت عام يسبقه‬ ‫قلت لها‪ :‬ر‬
‫ي‬
‫ً‬
‫جدا‪ ،‬ولكن َ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬
‫لما رفضت (صالح)؟‬ ‫جميل‬ ‫حركت حاجبيها تعجبا‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫وجه غاضبة‪ :‬ومن اين تعرفي‬
‫ٍ‬ ‫استغربت من معرفتها به‪ ،‬سألتها بمالمح‬
‫(صالح)؟‬
‫ُ‬
‫ذهبت ألحدى زوايا الغرفة لتجلب لنا القهوة ‪...‬‬
‫قوىل يىل سبب رفضك له وسأجيب عىل سؤالك‪.‬‬‫قالت‪ :‬ي‬
‫ر‬
‫يعجبت ذات‬
‫ي‬ ‫ألنت لم احبه‪ ،‬لم‬
‫طبيىع ومتوقع‪ ،‬رفضته ي‬
‫ي‬ ‫شء‬‫قلت‪ :‬كان رفضه ي‬
‫ً‬
‫يوم‪ ،‬من المستحيل ان ارتبط بشخص لم اعشقه‪ ،‬ولكنه كان فظا‪ ،‬يريد اتباع‬
‫طرق تقليدية للزواج‪ ،‬اعتقد ان المرأة بحسب مبادئه سلعة ممكن ررساؤها‪ ،‬او‬
‫مساومتها‪.‬‬
‫َ‬
‫قالت‪ :‬لما تتكلمي بغضب عنه‪ ،‬اشعر ِ‬
‫بأنك تبغضينه البغض الكاف لتفضيه‪.‬‬
‫ً‬
‫عت‪ ،‬انا تحسبا ألن‬
‫سؤالك نيابة ي‬
‫ِ‬ ‫اجبت اجابة واضحة عن‬
‫ِ‬ ‫قلت‪ِ :‬‬
‫انت االن‬
‫لك لم اجب بها‪ ،‬النه لن يكون من الالئق‬
‫يكون (صالح) من معارفك او قريب ِ‬
‫شء يف غيابه‪ ،‬انا ال احب النميمة‪ ،‬انا قلت له رصاحة و‬
‫ان اقول عنه كالم ي‬
‫ً‬
‫لخطبت‪ ،‬ولكنه‬
‫ي‬ ‫أنت ابغضه وال اود التكلم معه ليتجرأ من االساس‬
‫وجها لوجه ي‬
‫جاء عنوة اىل بيتنا وطلب يدي ورفضت‪ ،‬ولكن من اين تعرفينه؟‬
‫ٌ‬
‫قالت‪ :‬كنت اعلم ان ِ‬
‫لك خلق عال‪ ،‬انت ال تودين التكلم بسوء بحقه وهو كان‬
‫السبب يف انهاء خدماتك من الجامعة‪.‬‬
‫ً‬
‫صدمت الموقف جدا‪ ،‬انسكبت القهوة من يدي اىل االرض ‪....‬‬ ‫ي‬
‫قلت لها بدهشة‪ :‬كيف ذلك؟‬
‫َ‬ ‫توظيفك ف ر‬
‫معك‬
‫ِ‬ ‫بأمرك‪ ،‬لم اود التكلم‬
‫ِ‬ ‫الشكة علمت‬ ‫ِ ي‬ ‫قالت‪ :‬بعد ايام من‬
‫أحدث زمالئنا ف ر‬ ‫ً‬
‫بشأنه ك ال تكرهينت ظنا بأنت س َ‬
‫وظيفتك‬
‫ِ‬ ‫الشكة بشأن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫عت الهاتف بشأن‬
‫صداقتك‪ ،‬كنت اتكلم ر‬
‫ِ‬ ‫السابقة‪ ،‬قررت التيث اىل ان اكسب‬
‫اسمك الكامل‪ ،‬حينها‬
‫ِ‬ ‫توظيفك مع المهندس (يعقوب) وخالل حديثنا قال يىل‬
‫وسألت‬
‫ي‬ ‫مت وهو يقود السيارة‪ ،‬انتبه اىل االسم‬ ‫كان ر ي‬
‫زوح يجلس بالقرب ي‬
‫اسمك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫بك وتأكدت من‬ ‫اعرفك بعد‪ ،‬وبعد ان تعرفت ِ‬
‫ِ‬ ‫بأنت ال‬
‫عنك‪ ،‬اجبته ي‬
‫زوح أستاذ جامىع ف كلية الهندسة و ٌ‬
‫زميل‬ ‫ي ي‬ ‫لك‪ ،‬ر ي‬
‫زوح بشأن ما حصل ِ‬‫خت ين ر ي‬
‫ا ر‬
‫اخت ين بأن مدير قسمك يف كلية العلوم السياسية اتفق مع‬
‫لك يف الجامعة‪ ،‬ر‬
‫ِ‬
‫يستفزونك للتحدث بشأن الحزب الحاكم وقد زوده‬
‫ِ‬ ‫احد الطلبة عىل ان‬
‫حدثت عن اختالف العقول‬
‫ي‬ ‫بك‪،‬‬
‫بجهاز صغت لتسجيل الصوت لاليقاع ِ‬
‫الت يواجهها التدريسيي‬
‫وطرق التدريس يف تخصصكم وعن حجم المصاعب ي‬
‫يف تخصصكم وكذلك يف تخصص علم االجتماع والقانون‪ ،‬تلك االختصاصات‬
‫الت يج رت فيها االستاذ اىل التطرق للسياسة وانتقاد الحكومات‪.‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫بأنت‬
‫مت ي‬ ‫انتابت الندم بسببه ظنا ي‬
‫ي‬ ‫عىل الدهشة‪ ،‬ذلك الشخص الذي‬ ‫غلبت ي‬
‫قد ظلمته بالحكم عليه من خالل تدينه بالملبس والكالم فقط‪ ،‬ذلك الذي‬
‫انبت ضمتي ألجله وهو عديم االنسانية وال يستحق ان يكون انسان‪.‬‬ ‫ي‬
‫َ‬
‫قلت‪ :‬لما فعل هذا؟ ما ر ي‬
‫ذنت؟‬
‫ً‬
‫وجنت من دموع‪....‬‬
‫ي‬ ‫اعطتت منديال ألمسح ما عىل‬
‫ي‬ ‫مت‪،‬‬‫جلست بالقرب ي‬
‫زوح عنهم‪ ،‬شعرت منذ ذلك الوقت بحجم الظلم‬ ‫حدثت ر ي‬ ‫ي‬ ‫قالت يىل‪ :‬ال ي‬
‫تبىك‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫نت تريدين تنوير الجيل القادم وهم يريدوه جيال جاهال يك‬ ‫بك‪ ،‬ك ِ‬‫الذي حل ِ‬
‫يمارسون بحقه دينهم الزائف‪ ،‬ال يساير االصالح مبادئهم‪ ،‬االصالح يمزق‬
‫يلت‬
‫يتبعون من الدين ما ر ي‬
‫الت غلفوا بها العقول بصمغ الدين‪ ،‬هم ِ‬ ‫االغلفة ي‬
‫نزواتهم فقط‪ ،‬وما تبق منه (لم يتفق عليه الفقهاء)‪.‬‬
‫لم اكن اتوقع ان الظلم لدى ر‬
‫البش يصل اىل هذا الحد‪ ،‬لم اتوقع ان انهاء‬
‫خدمان من الوظيفة كان بفعل فاعل‪ ،‬ومن الفاعل!! ذلك االنسان الذي‬
‫ي‬
‫كرهته وكنت محقه يف ذلك‪.‬‬
‫أنت ظلمته‪ ،‬لم اعلم انه بهذا‬
‫ندىم للحظات ألجله‪ ،‬ظننت ي‬
‫ي‬ ‫ندمت عىل‬
‫ً‬
‫ولكنت حتما سأنتقم منه‪ ،‬صليت للرب من اجل ذلك‪ ،‬صليت‬
‫ي‬ ‫الخبث‪،‬‬
‫بدموع كثتة‪ ،‬كم كنت احب تلك الوظيفة‪ ،‬كم حزنت حي خشتها‪ ،‬سأراه ذا‬
‫دموع االن‪ ،‬انا واثقة من ذلك‪.‬‬
‫ي‬ ‫دموع تشبه‬
‫ٍ‬ ‫يبىك‬
‫يوم ي‬
‫ولكنت‬
‫ي‬ ‫مت‪،‬‬
‫اياىم متوقف‪ ،‬لم يكن (رفيق الروح) بالقرب ي‬
‫مرت االيام وتقويم ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كنت سعيدة ألننا عىل ذات الكوكب‪ ،‬كنت متأكدة من انه سيشتاق يىل‪ ،‬مرت‬
‫اصت‪ ،‬حي يعود سأ كون بأنتظاره يف بيته‪ ،‬فقد‬
‫عىل ان ر‬
‫وبق الكثت‪ ،‬ي‬
‫ايام قليلة ي‬
‫اعطان مفاتيح بيته‪ ،‬سأسبقه يف الذهاب اىل هناك ألعد له الطعام‪ ،‬سأنتحل‬
‫ي‬
‫ً‬
‫الصت اىل حي عقد قراننا‪.‬‬
‫ر‬ ‫شخصية زوجته مؤقتا فانا ال امتلك‬
‫صديق (زياد) من خطر ذلك اللص‬
‫ي‬ ‫خالل هذه االيام تمكنت من ان انقذ ابنة‬
‫الذي كان ينوي رسقة قلبها كما رسق اموال ابيها ‪..‬‬
‫ً‬ ‫ذات يوم ذهبت ر‬
‫قهون اتصلت (بسارة)‬
‫ي‬ ‫احتش‬
‫ي‬ ‫لشب فنجانا من القهوة‪ ،‬وانا‬
‫ألذكرها ببعض ذكرياتنا ف هذا المكان وامازحها ألخفف عنها َ‬
‫المها‪ ،‬كانت ال‬ ‫ي‬
‫برفقت ولكنها‬
‫ي‬ ‫تتمكن من الخروج‪ ،‬اقتب موعد والدتها‪ ،‬طلبت منها ان تكون‬
‫لم تتمكن‪.‬‬
‫َ‬
‫خالل ذلك‪ ،‬رأيت (بيلسان) تمر من امام المقه‪ ،‬كانت برفقة ذلك اللص‪،‬‬
‫اتصاىل مع (سارة) عىل عجل‪ ،‬طلبت نادل المقه من اجل دفع‬
‫ي‬ ‫انهيت‬
‫ساعدن‬
‫ي‬ ‫الحساب‪ ،‬خرجت مشعة اتبع خطواتهم‪ ،‬وانا است خلفهم متخفية‬
‫ر‬
‫كتة عدد الزائرين لمدينتنا من السياح وكثافة المارة يف الشارع الذي يعد من‬
‫يأن‬
‫يمكنت اخبار (زياد) بأن ي‬
‫ي‬ ‫اودتت الف طريقة‬
‫اهم مراكز المدينة‪ ،‬وانا است ر ي‬
‫مجتة عىل عدم االفصاح بشأن (بيلسان)‬
‫ر‬ ‫ولكنت كنت‬
‫ي‬ ‫ليلق القبض عليه‪،‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫اختته من خالل‬
‫انت ر‬
‫وه بهذا العمر‪ ،‬فلو افتضت ي‬
‫سيكون الموقف قاسيا ي‬
‫الهاتف ووشيت بمكانهما فستكون هذه اخر مرة يمنح فيها (زياد) الثقة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ألبنته‪ ،‬ستكون عالقتها بأبيها لما تبق لها من العمر صعبة جدا‪.‬‬
‫ً‬
‫ايضا فماذا سيكون موقفه وابنته عىل هذا الحال‪ ،‬تراجعت ر‬
‫اكت‬ ‫ومن جانبه‬
‫من مرة عن قراري‪ ،‬توقفت عن تتبعهما ثم واصلت الست‪ ،‬كنت يف حتة من‬
‫امري‪ ،‬ارى هول الموقف فأتراجع‪ ،‬ثم افكر يف مستقبل (بيلسان) فأواصل‬
‫غت‪ ،‬ذكاؤه سيسهل‬ ‫ٌ‬
‫الست‪ ،‬ماذا سيفعل بها؟ ال يوجد عىل سطح االرض لص ر ي‬
‫ً‬ ‫عليه الكثت ليشق ر‬
‫اكت مما رسق‪ ،‬فكرت مليا ثم قررت ‪...‬‬
‫المقاه‪ ،‬جلسوا يف احدى المقاعد الخارجية للمقه‪،‬‬
‫ي‬ ‫رأيتهم يدخلون احدى‬
‫اتصلت (بزياد) ليحض عىل الفور‪ ،‬كانت المنطقة الذي رأيتهم فيها تبتعد عن‬
‫مناطق سكنانا‪ ،‬فكرت يف ان اساعد (زياد) يف القبض عىل اللص دون ان يعلم‬
‫بعدئذ بالنجاح‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ان ابنته عىل عالقة به‪ ،‬فكرت يف خطة تكللت‬
‫بأنت رأيت اللص الذي‬
‫اختته ي‬
‫بقيت عىل اتصال معه طيلة فتة طريقه إلينا‪ ،‬ر‬
‫الت رأيتها عىل مكتبه‪ ،‬اوصيته‬
‫رسقه بعد ان تذكرت وجهه من خالل الصورة ي‬
‫يأن بمفرده بعدما ارص عىل ذلك‪ ،‬حذرته بأن ال يكون اللص يف حوزته‬
‫بأن ال ي‬
‫ً‬
‫ادوات جارحة‪ ،‬ألنه من المؤكد عىل علم بأنه مالحق من قبل‬‫ٍ‬ ‫سالحا او‬
‫السلطات بسبب جريمته‪.‬‬
‫اوصيته بأن يذهب اىل مقر االمن يف المدينة ليطلب منهم اصطحاب عجلة‬
‫ر‬
‫للشطة للقبض عىل اللص‪ ،‬بقيت بأنتظاره‪ ،‬لحسن الحظ تذكرت بأن‬
‫اعطتت رقم هاتفها حي رأيتها يف الجامعة‪ ،‬اتصلت بها‪ ،‬لم‬
‫ي‬ ‫(بيلسان) قد‬
‫اىل المتكرر‪.‬‬
‫تجيب عىل اتص ي‬
‫مت‪ ،‬واصلت االتصال‬‫اعلمت (زياد) من خالل اخر اتصال بأنه عىل مقربة ي‬
‫ي‬
‫امامك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫هدوئك‪ ،‬ر‬
‫الشطة‬ ‫ِ‬ ‫"حافىط عىل‬ ‫اجابتت عىل الهاتف‪ ،‬قلت لها‬ ‫بها‪،‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫عنك بضع خطوات‪ ،‬سيلقون القبض عىل الشخص الذي‬
‫ِ‬ ‫هم يبعدون‬
‫جنبك" التفت إليه وبكت‪ ،‬أزداد االمر صعوبة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫بك‪،‬‬
‫بأنت احدى اقار ِ‬
‫اختيه ي‬
‫تجنت االرتباك‪ ،‬ر‬
‫ري‬ ‫تبىك‪،‬‬
‫قلت لها "ال تنظري إليه‪ ،‬ال ي‬
‫ووالدك تعرض لحادث ست وهو االن يف المشق‬
‫ِ‬ ‫ألختك بأن‬
‫ر‬ ‫بك‬
‫اتصلت ِ‬
‫استأذن‬
‫ي‬ ‫اغلق الهاتف ثم‬
‫ي‬ ‫الخت‪،‬‬
‫ر‬ ‫وانك تبكي بسبب هذا‬
‫ِ‬ ‫وعليك الحضور‪،‬‬
‫ِ‬
‫ابق يف اخر زاوية من المقه‪ ،‬ستحدث ضجة‬
‫منه للذهاب اىل دورة المياه‪ ،‬ي‬
‫تخرح‪ ،‬انتظري اىل ان تذهب ر‬
‫الشطة‪ ،‬سأكون‬ ‫ر ي‬ ‫وسيخرج الكل لدقائق‪ ،‬ال‬
‫تحرك االن"‬
‫ي‬ ‫تخاف‪،‬‬
‫ي‬ ‫بانتظارك عىل الجهة المقابلة للشارع‪ ،‬ال‬
‫ِ‬
‫ثوان‪ ،‬وإال كان (زياد) قد كشف امرها‪ ،‬فارقته (بيلسان)‬
‫ٍ‬ ‫كان الفارق بعض‬
‫الشطة من‬‫حسب ما وجهتها‪ ،‬انهال عليه (زياد) بالضب حت منعوه افراد ر‬

‫ذلك‪ ،‬تم القبض عليه‪.‬‬


‫مىع اىل البيت‪ ،‬كانت عىل وشك ان تنهار‪ ،‬قدمت لها عصت‬
‫اخذت (بيلسان) ي‬
‫الليمون يك يهدئها‪ ،‬ظلت صامتة ولم تنطق بكلمة‪ ،‬وحي توقفت عن البكاء‬
‫‪....‬‬
‫فعلت ذلك؟‬ ‫سألتت‪َ :‬‬
‫لما‬
‫ِ‬ ‫ي‬
‫الت كانت عىل مالمح وجهها ‪..‬‬
‫ادهشتت الكراهية ي‬
‫ي‬ ‫ادهشت سؤالها‪ ،‬بل‬
‫ي‬
‫اجبتها‪ :‬وماذا فعلت؟‬
‫ان ليتم القاء القبض عليه؟‬ ‫قالت‪َ :‬‬
‫اخت ِت ر ي‬
‫لما ر‬
‫عالقتك مع لص رسق ابيك‪ ،‬لم‬
‫ِ‬ ‫اجبتها يف حتة‪ :‬وماذا تريدين؟ ان تستمر‬
‫عليك؟‬
‫ِ‬ ‫يحافظ عىل ما أتؤمن عليه‪ ،‬فكيف سيحافظ‬
‫خلق ‪..‬‬ ‫َ‬
‫تهشم بالجدار الذي‬ ‫بوجه‪،‬‬ ‫القت بالقدح الذي بيدها‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫عالقتك بالموضوع؟‬
‫ِ‬ ‫بصوت عال‪ :‬وما شأن ِك ِ‬
‫انت؟ ما‬ ‫ٍ‬ ‫رصخت‬
‫ً‬
‫الت اعرفها‪ ،‬تغتت كثتا‬
‫اماىم بنت غت ي‬
‫لم اكن اعلم بأنها بهذه الوقاحة‪ ،‬رأيت ي‬
‫عما اعرفها ‪...‬‬
‫ً‬
‫تضفك‬
‫ِ‬ ‫بك االول‪ ،‬هذا إن كان حبا بالفعل‪،‬‬
‫لعلك متأثرة لكونه ح ِ‬
‫ِ‬ ‫قلت لها‪:‬‬
‫عقلك بعد‪،‬‬
‫ِ‬ ‫لت يف عمر المراهقة‪ ،‬لم ينضج‬
‫انك ال ز ِ‬
‫الطائش هذا يدل عىل ِ‬
‫بك‬
‫عليك ان تختاري ما يليق ِ‬
‫ِ‬ ‫الت ترتبطي بها‪،‬‬
‫عالقاتك ي‬
‫ِ‬ ‫كون واعية يف‬
‫ي‬
‫وبعائلتك‪ ،‬ال َمن يشقها‪.‬‬
‫ِ‬
‫ٌ‬
‫انك‬
‫مستقبىل‪ ،‬انا متأكدة من ِ‬
‫ي‬ ‫تهدىم‬
‫ي‬ ‫دفعتك ل‬
‫ِ‬ ‫ه من‬‫اجابتت بضاخ‪ :‬الغتة ي‬
‫ي‬
‫نفش‬
‫ي‬ ‫مرض‬
‫ٍ‬ ‫انت معقدة وتعاني من‬
‫تجرن عالقة حب واحدة‪ِ ،‬‬
‫ري‬ ‫اىل االن لم‬
‫لت عانس‪.‬‬
‫انك ما ز ِ‬
‫والدليل ِ‬
‫ألنت منعت‬
‫دموع حت بت ال اقوى عىل الرد‪ ،‬ندمت ي‬
‫ي‬ ‫جرح يت كالمها‪ ،‬انهالت‬
‫(زياد) من معرفة حقيقتها‪ ،‬ندمت قدر ندم الملحد وهو يف سكرات الموت‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بكيت كثتا وطردتها خارجا‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ َ‬
‫قبل ان تخرج‪ ،‬قالت يىل‪ :‬ظلمه ر ي‬
‫ان وطرده من العمل‪ ،‬لم يشق شيئا‪ ،‬اراد ان‬
‫وجت فحسب‪.‬‬
‫يت ي‬
‫ولكنت‬
‫ي‬ ‫بعد ساعات‪ ،‬اتصل ر ين (زياد) ولم اجيب عىل هاتفه‪ ،‬اردت ان اجيبه‬
‫شء‪ ،‬كان كالمها‬‫ر‬
‫تجت ين عىل االفصاح بكل ي‬
‫الت قد ر‬‫نوبت العصبية ي‬ ‫ي‬ ‫تجنبت‬
‫خاىل من‬
‫جارح للغاية‪ ،‬كانت مغيبة عن الواقع‪ ،‬من المؤكد انه جعلها يف عالم ي‬
‫شء يف الحياة‪ ،‬وان كل‬‫ر‬
‫المبادئ والقيم‪ ،‬من المؤكد انه اقنعها بأن الحب كل ي‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫شء سيكون يستا لو ربطتهم عالقة اعجاب فقط‪.‬‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫اعتتته موقفا قد‬
‫صديق (زياد)‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫يف نهاية االمر تحملت مرارة كالمها ألجل‬
‫ً‬
‫اتجاه‪.‬‬
‫ي‬ ‫يكون مقابال لمواقفه الجميلة‬
‫تأخر من تلك‬
‫لم اجيب عىل اتصاالته المتكررة اىل ان طرق الباب يف وق ٍت م ٍ‬
‫َ‬
‫مالبش بشعة وفتحت له الباب‪ ،‬طلبت منه‬
‫ي‬ ‫الليلة‪ ،‬استيقظت فزعة‪ ،‬غتت‬
‫شاهدن عصبية المزاج واثر الدموع ال يزال عىل‬
‫ي‬ ‫ان يدخل اىل البيت بعد ان‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫شء‬‫وجه‪ ،‬جلس ولم يقبل ان اجلب شيئا لضيافته‪ ،‬كان متعب و ذو مز ٍاج ي‬
‫ي‬
‫‪..‬‬
‫شاهدن اللص؟‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬كيف‬
‫اختتك‬
‫اح‪ ،‬شاهدته يست فاتصلت بك‪ ،‬وحي جلس ر‬ ‫قلت‪ :‬كما ر‬
‫اختتك ي‬
‫بمكانه وتمكنت من الوصول إليه‪.‬‬
‫قال‪ :‬هل كان بمفرده؟‬
‫ً‬
‫ولكنت لم اشاهد برفقته احد‪،‬‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬ال اعلم‪ ،‬كان الطريق مكتظا بالمارة‪،‬‬
‫وكأنت متهمة‬
‫ي‬ ‫تسألت بهذه الطريقة‬
‫ي‬ ‫وانت حي وصلت شاهدته بمفرده‪ ،‬لما‬
‫معه يف رسقتك؟‬
‫اعاملك كأخت يىل‬
‫ِ‬ ‫انت‬
‫مكانتك لدي‪ ،‬تعلمي ي‬
‫ِ‬ ‫لكالمك‪ ،‬تعلمي‬
‫ِ‬ ‫انتبه‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬قمر‬
‫غضت‪ ،‬اعتف السارق قبل قليل من خالل‬
‫ري‬ ‫تتفوه بكالم يثت‬
‫ي‬ ‫منذ سنوات‪ ،‬ال‬
‫اقواله بأن (بيلسان) كانت تجلس معه يف المقه‪ ،‬تركته قبل لحظات من‬
‫وصولنا‪.‬‬
‫شء‪،‬‬‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫بشء عنها يك ال يصيبها ي‬
‫يش ي‬
‫ظننت بأنه سيحافظ عىل (بيلسان) ولن ي‬
‫يجته عىل ان يتطرق اىل عالقته (ببيلسان)؟ من المؤكد انه‬
‫ولكن ما الذي ر‬
‫يريد االنتقام من (زياد) من خالل ابنته‪ ،‬وانه لم يكن يحبها‪.‬‬
‫ر‬
‫قلت لزياد‪ :‬لعله يريد االنتقام منك ومن سمعتك فأدع هذا ي‬
‫الشء‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ذقنه مستهزئا بما قلت ‪...‬‬
‫ِ‬ ‫اجابت مبتسما وكف يده يتحرك عىل‬
‫ي‬
‫قال‪ :‬هل تظني ذلك؟‬
‫ً‬
‫اشء الظن به‬
‫استغربت من رده‪ ،‬كان منفعال وانا منحته الف عذر وعذر يك ال ي‬
‫او اضجر من طريقة كالمه‪.‬‬
‫سألت عن اثر السائل الذي انسكب عىل الجدار‪ ،‬اجبته بأن‬
‫ي‬ ‫اىل‬
‫وهو ينظر ي‬
‫ً‬
‫كأسا من العصت وقع من يدي فتسبب بهذا‪ ،‬كنت قد ذهبت اىل النوم بعد ان‬
‫خرجت (بيلسان) ولم انظف المكان ولم ارفع الزجاج المحطم عىل االرض‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫لمس الجدار فوجده رطبا‪ ،‬نظر اىل االرض فوجد‬ ‫قام (زياد) من مكانه‪،‬‬
‫بق ينظر اىل االرض ويتتبع بقايا الزجاج المتناثر‪ ،‬قال دون‬‫الزجاج المحطم‪ ،‬ي‬
‫َ‬
‫عىل يا قمر"‬
‫ذبت ي‬
‫بوجه "ك ِ‬‫ي‬ ‫ان ينظر‬
‫بشء‪ ،‬انحت عىل االرض فوجد ِسوار ‪...‬‬ ‫ر‬
‫لم اجيبه ي‬
‫قال يىل‪ :‬لمن هذا ِ‬
‫السوار؟‬
‫ً‬
‫قلت مرتبكة‪ :‬يىل‪ ،‬لمن سيكون ان لم يكن يىل‪.‬‬
‫عىل‪ ،‬هذا سوار‬
‫انك تكذبي ي‬ ‫لك ِ‬ ‫نظر يىل بغضب شديد وقال‪ :‬ألم اقل ِ‬
‫بيتك‬
‫خبأتيها يف ِ‬
‫ِ‬ ‫مجيت انا ر‬
‫والشطة‪،‬‬ ‫ئ‬ ‫وانت حذرتها من‬
‫ِ‬ ‫(بيلسان)‪ ،‬كانت معه‪،‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫إذا !! ولكنها ردت ِ‬
‫لك الجميل‪ ،‬رصبت ِك بكأس العصت الذي قدمته لها‪ ،‬أليس‬
‫كذلك؟‬
‫بتك؟ هل حاولت‬
‫تكلم‪ ،‬هل رص ِ‬
‫ي‬ ‫مسك يدي بقوة حت كاد يهشمها‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ذلك؟‬
‫ً‬ ‫اخته ر‬
‫بشء‪ ،‬التمت الصمت‪ ،‬خرج مشعا لتكب سيارته‪ ،‬هممت‬ ‫ي‬ ‫لم ر‬
‫ً‬
‫بالخروج وراءه‪ ،‬ركبت معه يف السيارة‪ ،‬طلبت منه ان يهدأ‪ ،‬ولكنه كان غاضبا‪.‬‬
‫انت رصخت بوجهه من‬ ‫قاد سيارته بشعة‪ ،‬كاد ان يتسبب بحادث ست لوال ي‬
‫ً‬
‫اجل ان يهدأ‪ ،‬وصلنا اىل متله‪ ،‬وانا امسك بيده محاولة إياه ان يهدأ ويحسن‬
‫بحاجة اىل تريث وتفكت قبل أي تضف‪ ،‬وان‬
‫ٍ‬ ‫التضف‪ ،‬قلت له بأن الموقف‬
‫ئ‬
‫خاط لو ات ِخذ عند الغضب‪.‬‬ ‫كل قرار سيكون‬
‫كانت ابنته يف الطابق العلوي‪ ،‬تمكنت بصحبة زوجته من منعه من الصعود‬
‫إليها‪ ،‬جلست معه يف غرفة الجلوس خاصته‪ ،‬طلبت منه ان يهدأ للمرة االف‪،‬‬
‫جلست اتكلم معه‪ ،‬ولكننا لم نبدأ الحديث اىل ان جلبت لنا زوجته فنجاني‬
‫من القهوة وقالت له جملة اثارت حفيظته ‪..‬‬
‫وضعت زوجته فنجان القهوة امامه ‪..‬‬
‫لما لم توافق عىل خطبتهما؟ لو انك وافقت ثم رفضت لكان‬ ‫قالت له‪َ :‬‬
‫الموقف اقل صعوبة من هذا‪َ ،‬‬
‫لما اوصلت االمر اىل هذا القدر؟‬
‫َ َ‬ ‫ً‬
‫الت امامه بما تحتويه‪،‬‬
‫غضب (زياد) غضبا شديد‪ ،‬هشم الطاولة الزجاجية ي‬
‫كتق‬
‫بقرن‪ ،‬وضع يده عىل ي‬
‫ابىك‪ ،‬توقف عن الغضب وجلس ر ي‬
‫شاهدن ي‬
‫ي‬ ‫وحي‬
‫‪...‬‬
‫ً‬
‫بيتك االن‪ ،‬الوقت تأخر كثتا‪.‬‬
‫دعيت اعيدك اىل ِ‬
‫ي‬ ‫ارجوك‬
‫ِ‬ ‫النفعاىل‪،‬‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬اعتذر‬
‫قلت له‪ :‬لن اعود اىل ان اعرف الحقيقة‪ ،‬كيف يشقك ويتقدم لخطبة ابنتك‬
‫يف نفس الوقت؟‬
‫ً‬
‫عاد اىل مكانه الذي كان جالسا فيه‪ ،‬اشعل سيجارة وبدء الحديث ‪..‬‬

‫قال‪ :‬قبل الحادث تقدم هذا الشاب لخطبة (بيلسان)‪ ،‬تحدث ي‬


‫مىع بشأن‬
‫تأن اىل المطعم‬ ‫ر‬
‫الموضوع ذات مساء‪ ،‬بعد ان شاهد (بيلسان) ألكت من مرة ي‬
‫ً‬
‫بأنت لن اوفق عىل زواجه منها اطالقا‪.‬‬
‫اختته ي‬
‫برفقت‪ ،‬رفضت التكلم معه‪ ،‬ر‬
‫ي‬
‫سألته‪َ :‬‬
‫لما ال توافق؟‬
‫قال‪ :‬ألنه من الجنوب‪.‬‬
‫َ‬
‫مكان وجلست بالقرب منه‪ ،‬قلت‪ :‬وليكن من الجنوب‪ ،‬انت لم‬
‫ي‬ ‫قمت من‬
‫اش وال لسمعته وال لمستواه المادي‪ ،‬انت رفضته ألنه‬
‫تتطرق لتحصيله الدر ي‬
‫من الجنوب فحسب؟‬
‫ً‬
‫ألنت لم اتمكن من الحصول عىل سبب مهم‬
‫ي‬ ‫بصوت عال‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫قال غاضبا و‬
‫اش جيد وله سمعة جيدة‪ ،‬مثابر للحصول عىل‬
‫للرفض‪ ،‬لديه تحصيل در ي‬
‫العمل‪ ،‬ولكنه لم يتمكن من الحصول عىل وظيفة‪ ،‬فأضطر للعمل الحر‪ ،‬ولو‬
‫ر‬
‫المعيش بينه وبي (بيلسان)‬ ‫انت رفضت بسبب الفرق بي المستوى‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫لذكرن الجميع‬ ‫لس ِمعت ألالف المرات عبارة (ان الفقر ال يعيب المرء)‪،‬‬‫َ‬
‫ي‬
‫اجت ين عىل ترك الوظيفة واللجوء للعمل الحر‪ ،‬لقارن‬
‫بالماض اللعي الذي ر‬
‫ي‬
‫لذكرون بمقتنيات مت يىل البسيطة حي تزوجت‪ ،‬لم يكن‬
‫ي‬ ‫بيت وبينه‪،‬‬
‫الجميع ي‬
‫لدي خيار اخر يا قمر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رفضته ألن اصل نشأته من الجنوب‪ ،‬وهذا ي‬
‫يعت بأنه عىل مذهب غت‬
‫مذهبك‪ ،‬هل يزعجك ذلك؟‬
‫يجبت‪ ،‬لم اكن اتوقع‬
‫ي‬ ‫وجه‪ ،‬لم ينظر يىل‪ ،‬كررت عليه السؤال ولم‬
‫ي‬ ‫التفت عن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اطالقا ان ارى (زياد) خاضعا لتعليمات التطرف والتعصب من مذهبه‪،‬‬
‫ً‬
‫انصدمت ِبه كثتا‪ ،‬اقتنعت بعدها بأن (بيلسان) كانت تحبه‪ ،‬ومن المؤكد ان‬
‫عالقتهما بدأت قبل ان يبادر بطلب يدها‪ ،‬وحي رفض (زياد) استمرت‬
‫ً‬
‫عالقتها معه ظنا بأنها ذات يوم ستجعله يرضخ ألرادتهما‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫وقفت استعدادا للخروج‪ ،‬قلت له‪ :‬انت االن لست بحاجة اىل أي عذر‪،‬‬
‫شء‪ ،‬مجرد كونه متهم سيمنحك حق الرفض‪ ،‬ستقتنع‬ ‫ر‬
‫جريمته ستتكفل بكل ي‬
‫ُ‬
‫(بيلسان) بأنه لم يكن جدير بحبها وستكرهه حي يتم الحكم عليه بالسجن‪،‬‬
‫ع بأنه كان يريد‬
‫اما عن اعتافاته بشأن عالقته (ببيلسان) فمن الممكن ان تد ي‬
‫االنتقام منك من خالل تشويه سمعتك‪.‬‬
‫قال‪ :‬هذا إن كان قد رسق الخزنة؟‬
‫ً‬
‫انصدمت‪ ،‬جلست مجددا وقلت‪ :‬ماذا تقول!! لم يشقك؟‬
‫قال‪ :‬كال‪ ،‬يف ذلك اليوم اخرجت االموال من الخزنة‪ ،‬ثم طلبت منه ان يفتحها‬
‫أنت قد نسيت شيئا‬ ‫اماىم لكونه يحتاز عىل نسخة من مفاتيح الخزنة ذريعة ي‬
‫ي‬
‫شء‪ ،‬فأمرته ان يغلقها‬ ‫ر‬
‫اماىم وقال يىل ان ليس بداخلها ي‬
‫ي‬ ‫يف داخلها‪ ،‬فتحها‬
‫ً‬
‫مجددا ألنه َع َ‬
‫لم بأنها خالية‪،‬‬ ‫ليتك اثر بصماته عليها‪ ،‬تأكدت انه لن يلمسها‬
‫بعدها تغيبت عن الذهاب اىل المطعم ألسبوع ذريعة المرض‪ ،‬تطلب االمر كل‬
‫مىع‬
‫ذلك‪ ،‬ألنه ذا سمعة جيدة بي العاملي يف المطعم وقد استمر بالعمل ي‬
‫بأمانة مدة طويلة‪ ،‬كان من الصعب اتهامه بالشقة دون ادلة دامغة‪.‬‬
‫اكاد ال اصدق ما اسمع‪ ،‬ال اصدق ما ارى‪ ،‬هل هذا (زياد)؟ هل هذه اخالقه؟‬
‫هل كنت منخدعة به؟‬
‫نت ذهبت لزيارته يف المشق ‪....‬‬
‫التمت الصمت لدقائق ‪ ،‬تذكرت وقتها بأ ي‬
‫قلت‪ :‬زياد‪ ،‬ال اصدق ذلك‪ ،‬انا اتيت وقتها لزيارتك يف المشق‪ ،‬بقيت منذ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫الليل انتظر رؤيتك اىل الفجر‪ ،‬تكلمت معك ثم عدت‪ ،‬انا شاهدتك مريضا‬
‫بالفعل‪.‬‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬كان االمر مدبرا‪ ،‬حت الطبيب المعالج كنت قد اتفقت معه قبل ليلة من‬
‫مىع يف المطعم‬
‫يزورن العاملي ي‬
‫ي‬ ‫مرض بأوراق رسمية وادوية يك‬
‫ي‬ ‫اجل ان يوثق‬
‫ً‬
‫ويكون االمر مؤكدا لكل ما خططت له‪.‬‬
‫اماىم‪ ،‬ماذا‬
‫ي‬ ‫تمنيت ان تكون هذه الليلة مجرد حلم ألستيقظ منه‪ ،‬ماذا ارى‬
‫اسمع!!‬
‫ً‬
‫يكق ألكون بهذا الموقف؟ ام انه كان ماكرا بالشكل‬
‫هل املك من السذاجة ما ي‬
‫المذهت امام المجتمع ويطبقه يف بيته؟ ام ان‬
‫ري‬ ‫المطلوب؟ هل ينتقد التطرف‬
‫اجته عىل ذلك؟‬
‫حبه ألبنته وعائلته ر‬
‫اوصلت بسيارته‪ ،‬تأكدت من انه حصل عىل الهدوء‬ ‫ي‬ ‫عدت اىل البيت بعد ان‬
‫ً‬
‫مىع كثتا اثناء عودته‪ ،‬لم ابادله الحديث‪ ،‬تركته‬
‫الكاف لتجاوز الموقف‪ ،‬تكلم ي‬
‫ي‬
‫وابنته وشأنه‪.‬‬
‫شء‪ ،‬لن يكون جدير‬
‫كان مفهوم الخت لدي هو ان ابعد (بيلسان) عن أنسان ي‬
‫ولكنت كنت مخطئة‪.‬‬
‫ي‬ ‫بأمتالك قلبها او ان تشاركه مستقبلها‪،‬‬
‫اما عن مفهوم الخت عند (زياد) كان ان يدرأ الخطر عن ابنته بشت الطرق‪،‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫حت لو توجب االمر ان يكن عىل ما ال يكون عليه‪ ،‬كان مخطئا هو االخر ألنه‬
‫الديت الذي كان بمفاهيمه اساس‬
‫ي‬ ‫رأى الموقف من منظار اختالف المذهب‬
‫يأن بعده يبت بموجبه‪.‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫شء ي‬
‫شء‪ ،‬وكل ي‬
‫كل ي‬
‫اما عن (بيلسان) فقد كان الخت بحسب وجهة نظرها هو تتوي ــج حبهما‬
‫بالزواج‪ ،‬وانهما لن يكونا عىل خطأ حي يفكروا باالستمرار بعالقة رسية‪ ،‬كانت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ه ايضا‪ ،‬ألنها يف غيبوبة حب‪ ،‬تمارس عالقة لم تتفهمها من قبل‪،‬‬ ‫مخطئة ي‬
‫تنظر كل بنت من اقرانها يف هذا العمر ان مجرد دخولها يف عالقة مع شاب‬
‫َ‬
‫من عمرها انها ك رتت ومن حقها ان تفعل ما يحلو لها وانها باتت مسؤولة عن‬
‫مصتها وقراراتها‪ ،‬ينتابها هنا ذات الشعور الذي ينتاب الشاب حي يمسك‬
‫بي اصابعه اول سيجارة‪ ،‬حت ان من مفاهيمها لو تطلب االمر ان تهرب‬
‫ً‬
‫لتتمكن من الزواج ِم َمن تحب بعيدا عن سلطة ابيها لكان الهرب بمفهومها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وفاءا منها لحبها وحبيبها وليس تمردا عىل سلطة ابيها او جلب العار ألبيها‬
‫العرن‪.‬‬
‫ري‬ ‫بحسب قواعد العرف يف مجتمعنا‬
‫الت قد تحصل لو قبل بزواج‬ ‫اوصلت اىل البيت االرصار ي‬
‫ي‬ ‫رسد يىل (زياد) حي‬
‫ً‬
‫ابنته‪ ،‬رغم انه كان رافضا بسبب عمرها وال سيما وانها لم تكمل بعد دراستها‬
‫المذهت قد طىع عىل بقية االسباب لنعرف حقيقته‪.‬‬
‫ري‬ ‫الجامعية‪ ،‬ولكن الحقد‬
‫قال يىل ان االمر لم يتعلق به وحده‪ ،‬فلو فكر يف زواجها فأنها ستذهب للعيش‬
‫يف الجنوب يف حال انه لم يتمكن من ايجاد المسكن المناسب يف العاصمة‪،‬‬
‫ً‬ ‫اقسم ىل ر‬
‫اكت من مرة بأنه فكر يف الرفض تجنبا للسخط العشائري الذي‬ ‫ي‬
‫ً ً‬
‫سيالحقه ألن كل اقاربه وافراد عشتته رفضوا مسبقا امرا كهذا‪ ،‬اقسم يىل بأنه‬
‫شء‪.‬‬ ‫ر‬
‫الت احاطت به كانت كفيلة بكل ي‬ ‫لم ينفرد بالقرار وان الظروف ي‬
‫نسب جريمة رلتيء‪ ،‬لم‬ ‫َ‬
‫لم يتمكن من تقديم يىل أي عذر يمنحه الحق يف ان ي ِ‬
‫يخت ين بما سيفعله لو طلبت السلطات القضائية إفادته‪ ،‬هل سيقول‬
‫ر‬
‫الت تمنعه من ان يتاجع يف‬
‫جيناته العربية ي‬
‫ِ‬ ‫الحقيقة؟ ام انه سيخجل من‬
‫َ‬
‫قول او فعل سبق وان ت َبناه‪ ،‬قررت ان اتركه وشانه‪.‬‬
‫ألياىم‬
‫ي‬ ‫مرت االيام وانا لم افكر إال يف عودة (احمد)‪ ،‬لم افكر إال يف االستعداد‬
‫وعدن بذلك‪ ،‬قررنا ان‬
‫ي‬ ‫تنته االنتخابات‪،‬‬
‫ي‬ ‫القادمة معه‪ ،‬سنتوج بعد ان‬
‫السياش‪.‬‬ ‫شء اىل ان يحقق كل ما تمناه من نجاح عىل الصعيد‬‫ر‬
‫ي‬ ‫نؤجل كل ي‬
‫بضت (قمر) الضوء‪ ،‬ولدت يف يوم صحو‪ ،‬ترنحت فيه اشعة الشمس بي‬
‫ِ‬
‫قرينت عىل هذا‬
‫ي‬ ‫طرقات المدينة برفقة نسمات الربيع الجميلة‪ ،‬ولدت لتكون‬
‫يشبهت بالعذاب احد‪،‬‬
‫ي‬ ‫انت مقتنعة بأن عىل هذا الكوكب لن‬
‫الكوكب‪ ،‬رغم ي‬
‫ً‬
‫جماىل‬
‫ي‬ ‫بنفش‪ ،‬اعدمت‬
‫ي‬ ‫يشبهت احدا بما فعلته‬
‫ي‬ ‫كما لن يشبه تفكتي احد‪ ،‬لن‬
‫حوىل ال زال‬
‫ي‬ ‫بمقصلة المشاعر‪ ،‬اردت امتالك االجنحة يف حي ان كل من‬
‫شء حي يقف امام‬ ‫ر‬
‫يزحف‪ ،‬اردت ان اطلق العنان للخيال‪ ،‬للجنون‪ ،‬لكل ي‬
‫ظل من الندم‪.‬‬
‫االمل يكون له ٍ‬
‫ً‬
‫اسم فحسب‪ ،‬اتمت ان ترى اياما اجمل من‬ ‫ي‬ ‫اتمت ان تحمل هذه الطفلة‬
‫ً‬
‫اياىم‪ ،‬اتمت ان تعيش كما المعتاد‪ ،‬اتمت ان ال تكون مختلفة‪ ،‬اخاف عليها من‬
‫ي‬
‫السهد‪.‬‬
‫ه تضع مولودها االول‪ ،‬ذهبت ألقدم لها‬‫صديقت الجميلة و ي‬
‫ي‬ ‫ذهبت ألرى‬
‫َ‬
‫سم‪ ،‬ذهبت ألرى (قمر) الصغتة‪.‬‬
‫ولزوجها الشكر الكبت ألنهم تيمنوا بأ ي‬
‫ً‬
‫احضان‪ ،‬شعرت للحظات‬‫ي‬ ‫قدمت لهما إكليال من الورد‪ ،‬اخذت (قمر) بي‬
‫قليلة بمشاعر االم‪ ،‬احساس لم اشعر ِبه من قبل‪ ،‬ما اجمل ان يلتجأ إليك‬
‫شء‪ ،‬كم جميل ان ترى قطعة منك تلعب‬ ‫ر‬
‫طفل وهو يطلب حنانك قبل كل ي‬
‫شء‪ ،‬ما اجمل ان تكون له القدوة دون‬ ‫ر‬
‫وتلهو‪ ،‬كم جميل ان تراه يقلدك يف كل ي‬
‫ويكت ليحمل اسمك وصفاتك وكل ما‬
‫تجته عىل ذلك‪ ،‬ما اجمل ان ينشأ ر‬
‫ان ر‬
‫لقنته إياه‪.‬‬
‫ان كيف انظر اىل‬
‫وه تر ي‬
‫شعرت بتلك الفرحة وانا اراها عىل وجه (سارة) ي‬
‫يمنحت فرحة كهذه‪.‬‬
‫ي‬ ‫طفلتها‪ ،‬صليت للرب ان‬
‫انهيت زيارن لهم مع امنيات صادقة ألن َت َ‬
‫نعم ابنتهم بحياة سعيدة‪ ،‬خرجت‬ ‫ي‬
‫من غرفتهما ورست يف اروقة المشق بعد ان ضللت طريق الخروج‪ ،‬تقربت‬
‫من احدى الممرضات ألسألها عن بوابة الخروج‪ ،‬كانت تتكلم مع شخص‬
‫متوتر‪ ،‬كان يطلب منها ان تساعده يف الحصول عىل م رتتع للدم‪ ،‬كانت زوجته‬
‫يختها بأنه ذهب اىل‬
‫متتع‪ ،‬سمعته ر‬
‫نقل للدم ولم يجد ر‬
‫بحاجة اىل عملية ٍ‬
‫المكان الخاص لخزن الدم ولكنهم اعتذروا عن تزويده اىل يوم غد‪ ،‬سمعتهم‬
‫ُ‬
‫ألتتع له‬
‫يأخذن ر‬
‫ي‬ ‫وانا اسألها عن بوابة الخروج‪ ،‬ذهبت إليه وطلبت منه ان‬
‫دىم كانت تتوافق مع ما يبحث عنه ‪.‬‬
‫بالدم ألن فصيلة ي‬
‫ئ‬
‫انتهان من عملية نقل الدم‪،‬‬ ‫تمكنت من تقديم المساعدة له‪ ،‬ولكن عند‬
‫ي‬
‫اجىل‪ ،‬رأيتهم‬
‫ي‬ ‫الوع لبعض الدقائق‪ ،‬هرع كل االطباء من‬
‫ي‬ ‫عىل‪ ،‬فقدت‬
‫اغم ي‬
‫ي‬
‫سألت احدهم حول‬
‫ي‬ ‫يحيطون ر ين بعد ان استيقظت‪ ،‬لم اكن ادرك ما يجري‪،‬‬
‫عت وتمكنت من ان اجيب‪.‬‬
‫اسم وبعض المعلومات ي‬
‫ي‬
‫تخاف‪ ،‬هذه نوبة اغماء طبيعية من جراء نقل الدم‪،‬‬
‫ي‬ ‫قال يىل احدهم ‪:‬ال‬
‫ستكوني عىل ما يرام بعد قليل‪.‬‬
‫ً‬
‫بقيت مستلقية دون حركة‪ ،‬وبعد بضع دقائق جاءت احدى الممرضات‬
‫تت بأن‬
‫اخت ي‬
‫بأنت بخت‪ ،‬ر‬
‫لتسألت ان كنت اقوى عىل النهوض ام ال‪ ،‬فأجبتها ي‬
‫ي‬
‫مىع‪ ،‬ذهبت اىل غرفته‪ ،‬دخلت وجلست امامه‪ ،‬نظر يىل‬
‫الطبيب يود التحدث ي‬
‫نظارته ‪....‬‬
‫ِ‬ ‫من فوق‬
‫قال‪ :‬كم عمر ِك؟‬
‫اجبته‪ :‬اربـ ٌـع وثالثون عام‪.‬‬
‫قال‪ :‬هل تمارسي عادة التدخي‪ ،‬او تتناولي الكحول؟‬
‫ً‬
‫ولكنت اتناول الكحول بي الحي واالخر‪ ،‬ال اتناوله‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬اكره التدخي جدا‪،‬‬
‫بشكل مستمر‪.‬‬
‫ٍ‬
‫اشتكيت من أ ٍلم‪ ،‬او صعوبة يف التنفس يف بعض االحيان؟‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬هل‬
‫ر‬
‫شء قط‪ ،‬كنت اشعر ببعض التعب او االجهاد‬ ‫قلت‪ :‬كال‪ ،‬لم اشكو من ي‬
‫لكنت كنت افكر ان هذا‬
‫ي‬ ‫قلت ليست منتظمة‪،‬‬
‫البسيط واشعر بأن رصبات ر ي‬
‫الشء ناتج عن االرهاق بسبب العمل‪ ،‬بدأت بالعمل منذ ان كان يىل سبعة‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫است الجامعية كنت اعمل بمهنتي سويا‪ ،‬كنت‬
‫عش عام‪ ،‬وبعد ان انجزت در ي‬
‫مستمرة بالعمل طوال اوقات النهار‪.‬‬
‫عليك ونحن نأخذ كمية من الدم‪ ،‬وقبل انتهاء العملية بدء قلبك‬
‫ِ‬ ‫اغم‬
‫ي‬ ‫قال‪:‬‬
‫بجهد‬ ‫طبيىع لقيام القلب بهذه االثناء‬ ‫ر‬
‫الشء‬
‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫ينبض بشكل غت مستقر‪ ،‬وهذا ي‬
‫ولكنت بادرت اىل اجراء بعض الفحوصات‬
‫ي‬ ‫اكت من الجهد المعتاد لضخ الدم‪،‬‬
‫ر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فوجدتك تمتلكي صماما ضعيفا يف القلب‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الالوع‪،‬‬
‫ي‬ ‫وانت يف حالة‬
‫ِ‬ ‫لك‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫منك استشارة احد االطباء‬
‫ِ‬ ‫تقريري يف هذه الحالة ليس باتا‪ ،‬ارجو‬
‫حالتك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫المتخصصي يف جراحة القلب ليقدم لك تقرير عن‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫انت امتلك قلبا‬
‫يوم من االيام ي‬
‫اماىم‪ ،‬لم اكن اتوقع يف ٍ‬
‫خرجت والشك يتعت ي‬
‫ً‬
‫ضعيفا‪.‬‬
‫اكت من ثالثة جراحي متخصصي يف جراحة‬ ‫بعد أيام‪ ،‬طلبت استشارة ر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عىل‬
‫بأنت املك صماما ضعيفا يف القلب‪ ،‬ويتوجب ي‬ ‫القلب‪ ،‬اكدوا جميعهم ي‬
‫ً‬
‫صناع بدال عنه‪.‬‬
‫ي‬ ‫اجراء عملية زرع صمام‬
‫امنيان‪ ،‬عاد ليأخذ كل ما اعىط‬
‫ي‬ ‫الت حقق فيها كل‬
‫انه القدر فتته السحرية ي‬
‫بكل انانية‪ ،‬تمنيت لو انه وضع العوائق يك ال تتحقق‪ ،‬لكان االمر اهون من انه‬
‫وهبت القدر اليأس بدل االحالم‪ ،‬استطاع ان‬
‫ي‬ ‫مت‪،‬‬
‫حققها وعاد ليأخذها ي‬
‫وفان وانا عىل قيد الحياة‪.‬‬
‫بخت ي‬
‫يخت ين ر‬
‫ر‬
‫ان‪ ،‬لم تكن الحالة‬
‫بأنت ورثت هذا المرض عن ر ي‬
‫ي‬ ‫اخت ين احد االستشاريي‬
‫ر‬
‫بأنت‬
‫بسبب صدمة او من جراء اجهاد معي‪ ،‬كانت اللعنة تلحق ر ين وانا اظن ي‬
‫الصت‪.‬‬
‫قد تخلصت منها بعد ان تجاوزت ايام الفقر بعقاقت ر‬
‫ً‬ ‫ئ‬
‫آماىل اربا ‪ ،‬تكلمت مع‬
‫ي‬ ‫اخق الش الذي مزق‬
‫ي‬ ‫احشان وانا‬
‫ي‬ ‫بدأ اليأس ينهش‬
‫بأنت لن اتمكن‬
‫اخت ين ي‬
‫حالت عند اجراء العملية‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫الدكتور عما ستكون عليه‬
‫حيان ستتعرض للخطر مع حياة‬
‫ي‬ ‫من الحمل‪ ،‬لن اتحمل اآلم الوالدة‪ ،‬وان‬
‫الجني لو تجرأت عىل ذلك‪.‬‬
‫قلت‬
‫اخت ين بأن ر ي‬
‫روح‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫اهدان اياه رفيق‬
‫ي‬ ‫اخت ين ذلك بعد ان رأى الخاتم الذي‬
‫ر‬
‫شاكلت من الزواج اىل‬
‫ي‬ ‫لن يتحمل اآلم الوالدة‪ ،‬اعتادوا عىل منع كل من هم عىل‬
‫ً‬
‫صناع بدال من الصمام التالف‪ ،‬وبعد ان يضمنوا عمله‬
‫ي‬ ‫ان يتم زرع صمام‬
‫بالشكل الصحيح‪ ،‬يسمحوا حينها بالزواج ومواجهة اآلم الحمل والوالدة‪.‬‬
‫وانا جالسة اتكلم مع الطبيب‪ ،‬قدمت له الف دمعة توسل يك يغت رأيه‪ ،‬كانت‬
‫دموع دافئة بقدر عناق (احمد)‪ ،‬كانت حزينة كحزن االست لحظة أرسه‪،‬‬
‫ي‬
‫تمنعت‬
‫ي‬ ‫منحت الطبيب من اوراق‬
‫ي‬ ‫ايقنت انها بال جدوى‪ ،‬جمعتها‪ ،‬واخذت ما‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫الت تضع نهاية للعشق الذي بنيته‬
‫من التقرب (ألحمد)‪ ،‬جمعت كل التقارير ي‬
‫ً‬
‫خلق ولم نكن نعلم‪.‬‬
‫ي‬ ‫حلما بعد حلم‪ِ ،‬عشقنا ِولد بتشوه‬
‫عىل االفصاح (ألحمد)‬ ‫ر‬
‫عىل االنسحاب؟ ام ي‬ ‫شء؟ هل يتوجب ي‬ ‫هل انته كل ي‬
‫شء ووضع الخيارات امامه؟‬ ‫ر‬
‫بكل ي‬
‫اخت ين الطبيب بان علينا تأجيل فكرة االنجاب لو تزوجنا‪ ،‬تأجيلها اىل ان‬
‫ر‬
‫االكت هل سيقبل (احمد)؟‬
‫اخضع للعملية‪ ،‬ولكن المشكلة ر‬
‫سيجته عىل القبول بهذا الحال؟‬
‫ر‬ ‫ما الذي‬
‫اجىل؟‬
‫سيضج من ي‬‫ي‬ ‫هل‬
‫ً‬
‫ضج؟‬
‫هل يتوجب عليه اساسا ان ي ي‬
‫اجىل؟‬
‫ضج من ي‬
‫عىل ان اسمح له بأن ي ي‬
‫هل ي‬
‫ماذا لو خضعت لعملية زراعة الصمام وكانت النتائج ذاتها؟‬
‫بأنت وبعد ان‬
‫ي‬ ‫اخت ين‬
‫سيمنعت الطبيب من االنجاب مدى الحياة‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫حينها‬
‫الت ستساعده للقيام‬ ‫ر‬
‫اخضع لعمية زرع الصمام سأبارس بتناول العقاقت ي‬
‫ر‬
‫يتخت‪ ،‬وبعد‬ ‫والت ستجعل الدم الذي يدخله والذي يحيط به بأن ال‬ ‫بعمله‬
‫ي‬
‫فتة من اتمام العملية سأستمر ر‬
‫وبأرساف الطبيب بمراقبة عمله‪.‬‬
‫وف حال عدم‬
‫عندها سنعرف‪ ،‬هل أنه سيقوى عىل تحمل ألم الوالدة ام ال؟ ي‬
‫فأنت ملزمة باألبقاء عليه من اجل العيش فقط لما تبق يىل من ايام‬
‫تحمله لها ي‬
‫ً‬
‫القت‪.‬‬
‫مىع كل العقاقت اىل مدخل باب ر‬
‫مصطحبة ي‬
‫ً‬
‫اتعبت التفكت‪ ،‬لم اصل اىل خيار محدد‪،‬‬
‫ي‬ ‫عىل التفكت مليا قبل عودته‪،‬‬
‫كان ي‬
‫سأخته كم‬ ‫شء‪ ،‬ان اضع امامه كل الخيارات‪،‬‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫فكرت يف ان اقول له عن كل ي‬
‫اهدان هدية اخرى تضاف اىل هداياه‪ ،‬قدم يىل‬
‫ي‬ ‫ينسان‪،‬‬
‫ي‬ ‫ان‪ ،‬وانه لم‬
‫يحبت ر ي‬
‫ي‬
‫منحت الحرمان والعوز والتعب‪.‬‬
‫ي‬ ‫النهاية‪ ،‬بعد ان‬
‫شء وان ال اقول له ما حدث‪ ،‬ولكن‪ ،‬كيف‬ ‫ر‬
‫اخق عنه كل ي‬
‫ي‬ ‫فكرت يف ان‬
‫سأودعه؟ كيف سأتركه وهو اصبح الروح بأكملها بعد ان كان نصفها‪ ،‬كيف يىل‬
‫شء إال يف‬ ‫ر‬ ‫ان افعل ذلك!! حام حول‬
‫مخيلت كل ما سيحدث‪ ،‬فكرت يف كل ي‬ ‫ي‬
‫وداعه‪.‬‬
‫مرت ثالثة ايام‪...‬‬
‫سألت عن الحزن المرافق‬ ‫ي‬ ‫اخت ين بأنه عائد‪،‬‬‫اتصل (احمد) ذات صباح‪ ،‬ر‬
‫بشء‪ ،‬حاولت ولم اتمكن‪ ،‬التمت الصمت‪،‬‬ ‫ر‬
‫لصون ولم اتمكن من اخباره ي‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫بأنت اشكو من نزلة برد آلمت ر ين قليال‪ ،‬قال يىل بأننا يف‬
‫كذبت عليه‪ ،‬قلت له ي‬
‫بأنت اكذب عليه قبل ان اقدم له‬
‫فصل الصيف‪ ،‬كيف لذلك ان يحدث‪ ،‬علم ي‬
‫عت‪ ،‬انا عىل وشك االنهيار‪.‬‬
‫الواه‪ ،‬غلق الهاتف وهو غت راض ي‬
‫ي‬ ‫ذلك العذر‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫بيت وبينه‬
‫دن بأن االمر سيكون رسا ي‬
‫اختت (يعقوب) باألمر فقط‪ ،‬جعلته يع ي‬
‫ر‬
‫الداخىل الكثت‬
‫ي‬ ‫فقط‪ ،‬كان يجب ان افعل ذلك‪ ،‬كنت بحاجة ألن اتكلم‪ ،‬يف‬
‫ً‬
‫من األلم‪ ،‬شاهدت منظرا لم اتوقع رؤيته ذات يوم‪ ،‬كنت ارسد (ليعقوب) ما‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫زن‬
‫حصل‪ ،‬فشاهدت عينه تذرف دمعة صغتة بهدوء‪ ،‬تأثر بما قلت له‪ ،‬ح ِ‬
‫يحبت اىل هذا الحد‪ ،‬شعرت بالفخر الشديد‪ ،‬شعرت‬
‫ي‬ ‫ألجىل‪ ،‬لم اكن اتوقع انه‬
‫ي‬
‫حيان‪ ،‬شعرت ببعض الراحة لمواساته‪ ،‬لكنه ليس‬
‫ي‬ ‫باألمان لوجوده يف‬
‫(كأحمد)‪ ،‬الفرق كبت بي االخ والحبيب‪ ،‬من المؤكد ان عنض االمان بينهم‬
‫مشتك‪ ،‬إال ان احدهم يهون االلم واالخر يمحقه‪.‬‬
‫َ‬
‫مال العرجاء‪ ،‬ستجثو االمال عىل‬
‫وعدن بك ٍم من اآل ٍ‬
‫ي‬ ‫خرج (يعقوب) بعد ان‬
‫ركبتيها لو تأملت فراق (احمد) للحظات‪ ،‬بقيت افكر بي هذه اآلمال وبي ما‬
‫سأقوله يف حضة وداعه‪ ،‬ذاك الذي كان نقطة ناصعة البياض وسط جبي‬
‫ذكريان‪.‬‬
‫ي‬
‫بيت‪ ،‬لم افتح له‬
‫ارن يف ي‬
‫التق به‪ ،‬لم اجيب عىل اتصاالته‪ ،‬ز ي‬
‫مرت االيام‪ ،‬ولم ي‬
‫ً‬ ‫لما البيت مظلم‪ ،‬اراد ئ‬
‫باب‪ ،‬طرقه ورحل يفكر َ‬
‫قلت كان‬
‫لقان كثتا ولكن ر ي‬
‫ي‬
‫ً‬
‫وظائفه إال عن ِعشقه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قلت الذي تعطل عن كل‬
‫معطال عن النبض‪ ،‬ر ي‬
‫رفيق الروح انا اعتذر‪.‬‬
‫يقض‬
‫ي‬ ‫لم اخرج من المتل منذ ايام‪ ،‬بقيت صامتة كمقابر الشهداء‪ ،‬يف كل يوم‬
‫فيه غروب الشمس َن َ‬
‫حبه وانا ساكنة بال حركة‪ ،‬تتبادل االوقات‪ ،‬يتك القمر‬
‫مكانه للشمس وتتك الشمس مكانها للقمر وانا اجلس القرفصاء يف البيت‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تأن العتمة وانا ال‬
‫تحيطت العتمة وقت الغروب شيئا فشيئا حت ارى الليل‪ ،‬ي‬
‫ي‬
‫اشعل أي مصباح يف البيت حت ال يعلم بوجودي فيه‪ ،‬ابحث عن الشمع‬
‫ألنت احداها‪ ،‬لعلهن يساعدن َ‬
‫ت عىل التفكت‪.‬‬‫ي‬
‫يلقان‪ ،‬لم اجيب عىل اي اتصال له‪ ،‬بقيت صامتة‬
‫ي‬ ‫عاد اىل العاصمة واراد ان‬
‫ً‬
‫نقذن من ئبت اليأس الذي‬
‫ي‬ ‫اصىل ألجل ان ي‬
‫ي‬ ‫اصىل للرب ألنه عاد سالما‪،‬‬
‫ي‬ ‫أليام‬
‫ذكرن‬
‫ي‬ ‫اماىم‪،‬‬
‫اقض الليل وانا انظر اىل ضوء الشمع الذي ي‬
‫ي‬ ‫سقطت فيه‪ ،‬كنت‬
‫جعلت افكر بمن‬
‫ي‬ ‫حيان يف الفتة االختة‪،‬‬
‫ي‬ ‫الشمع بالفرح العارم الذي اجتاح‬
‫احالىم‪.‬‬
‫ي‬ ‫ذكرن بأن ابحث عمن اغتال‬
‫ي‬ ‫فرحت‪،‬‬
‫ي‬ ‫رسق‬
‫ذكرن الشمع كلما اوقدته بالشمع الذي اوقده يىل (رفيق الروح) وسط العتمة‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫اصبىع منذ ان ارتديته‪ ،‬تمسكت به‬
‫ي‬ ‫حي قدم يىل خاتم الزواج‪ ،‬لم اخلعه من‬
‫بكل ما اوتيت من حب‪.‬‬
‫روح حي‬
‫ي‬ ‫ذكرن بهيام‬
‫ي‬ ‫شعلت احدى الشموع‪ ،‬كانت شعلتها تتمايل ببطء‪ ،‬ت‬
‫الشعر‪ ،‬يف كلتا الحالتي كنت اشبه شعلة‬
‫اماىم والق يىل ِ‬
‫ي‬ ‫القاه‪ ،‬حي وقف‬
‫حد كبت‪ ،‬باألمس كنت اتراقص واليوم بت احتق‪.‬‬
‫الشمع‪ ،‬اشبهها اىل ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫احالىم‪ ،‬اعلم ان للشمع عمرا محددا يعيش‬
‫ي‬ ‫انطفأ الشمع‪ ،‬انطفأ كما انطفأت‬
‫سينته ال محالة‪ ،‬انته قبل ان اجد الحل‪ ،‬قبل ان اجد ما سأقوله‬
‫ي‬ ‫فيه وانه‬
‫له‪.‬‬
‫ً‬
‫أىل ‪..‬‬
‫سيأن ي‬
‫ي‬ ‫سألقاه غدا‪ ،‬إن لم اتصل به‪ ،‬فأنه‬
‫ماذا سأقول له؟‬
‫ما الحل لهذه المعضلة؟‬
‫عىل تحمل االمر لوحدي‪،‬‬ ‫ر‬
‫اجىل‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫ضج من‬
‫شء إال ان اجعله ي ي‬ ‫فكرت يف كل ي‬
‫ً‬
‫انا من احببته اوال‪.‬‬
‫وحوىل الكثت من العقاقت‬ ‫العتمة‪ ،‬استلقيت عىل االرض‪ ،‬استلقيت‬ ‫وسط َ‬
‫ي‬
‫الت تهب يت الصمت‪ ،‬استلقيت وانا عارية الروح‪ ،‬عارية االمل‪،‬‬
‫المهدئة‪ ،‬تلك ي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫غفوت من شدة التعب‪ ،‬غفوت بعد ان اتخذت عدة قرارات عارية عن‬
‫الصحة‪.‬‬
‫ً‬
‫نلتق عند الساعة التاسعة ليال يف المكان‬
‫ي‬ ‫بعثت له برسالة‪ ،‬طلبت منه ان‬
‫ً‬ ‫ئ‬
‫اجابت بالقبول بصوت متعج جدا‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الشاط‪،‬‬ ‫الذي اعتاد ان يجمعنا عىل‬
‫نلتق‪.‬‬ ‫شء حي‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫سأخته عن كل ي‬
‫ر‬ ‫بأنت‬
‫غيان لهذه الفتة‪ ،‬قلت له ي‬ ‫سألت عن ر ي‬
‫ي‬
‫وبعد ان اضج الغد امس ‪ ..‬التقينا‪.‬‬
‫ئ‬ ‫ً ُ‬
‫الشاط‪ ،‬رست بأقدام األلم‬ ‫وصلت اىل موعدنا االخت‪ ،‬وجدته واقفا ينظر اىل‬
‫مىع سكي الفراق‪،‬‬ ‫فوقفت خلفه‪َ ،‬‬
‫بخطوان ولم يلتفت يىل‪ ،‬كنت احمل ي‬
‫ي‬ ‫شعر‬
‫دن الرب عىل ما سأفعل‪،‬‬
‫كنت ال اريد لهذا الموعد أن يكون‪ ،‬فليساع ي‬
‫ألنت سأطعنه‪.‬‬
‫وليسامح يت (احمد) ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫فه اعتادت عىل‬ ‫شء إال مشاعري‪ ،‬ي‬ ‫كان الموج هادئا‪ ،‬ساد السكون كل ي‬
‫ُ‬
‫الهيجان عند لقياه‪ ،‬كانت كلتا يديه يف جيب ِبنطاله‪ ،‬لم ينظر يىل‪ ،‬بقيت واقفة‬
‫اماىم‪ ،‬لم نتكلم‪ ،‬لم يلتفت يىل‪،‬‬
‫ي‬ ‫بحقيبت بكلتا يدي‬
‫ي‬ ‫بصمت خلفه وانا امسك‬
‫ٍ‬
‫بقدوىم‪،‬‬
‫ي‬ ‫اقداىم لو مشيت برفقته‪ ،‬لم يرحب‬ ‫ي‬ ‫ذاك الذي كان ين رت النجوم امام‬
‫ً‬
‫ظل صامتا ثم كش صمته دون ان يلتفت يىل ‪....‬‬
‫َ‬
‫عودن؟‬
‫ي‬ ‫تكون بأنتظار‬
‫ي‬ ‫غبت كل هذه الفتة؟ ألم‬ ‫قال بهدوء مرعب‪ :‬لما ِ‬
‫بعض من العزلة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫قلت‪ :‬كنت بحاجة اىل‬
‫وانت تودين العزلة‪.‬‬
‫بك‪ِ ،‬‬‫التفت يىل وقال‪ :‬انا متيم ِ‬
‫المصاعب يف غيابك‪ ،‬جئت ألفصح لك عنها‪.‬‬‫قلت‪ :‬واجهت بعض َ‬

‫لما وجه ِك شاحب؟‬ ‫قال‪َ :‬‬

‫أش اىل األسفل ‪..‬‬


‫لم اجيبه‪ ،‬انحت ر ي‬
‫ً‬ ‫اخت ر‬
‫الشطة‪ ،‬فكرت يف ان اقتحم بيتك عنوة‪،‬‬ ‫غيابك‪ ،‬كدت ر‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬طال‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫شء ما تغت‪ ،‬بعد ان‬
‫عنك‪ ،‬عرفت ان ي‬
‫بك‪ ،‬بحثت ِ‬ ‫تك كثتا ثم اتصلت ِ‬
‫انتظر ِ‬
‫بشء‪ ،‬كانت رنتة صوته‬ ‫ر‬
‫اجابت بعدم علمه ي‬
‫ي‬ ‫اتصلت (بيعقوب) ألسال عنك‪،‬‬
‫عىل وقال انه ال يعلم‬
‫بش عان من كتمانه‪ ،‬كذب ي‬
‫تت بانه يحتفظ ٍ‬‫اخت ي‬
‫هادئة ر‬
‫امرك‪ ،‬كذب‬ ‫وان قلق حيال‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫لك مظلم لعدة ايام ي‬
‫اختته بأن مت ِ‬
‫شء‪ ،‬ر‬ ‫عنك ي‬
‫ِ‬
‫الت تعمالن بها يك‬ ‫ر‬
‫يعطيت عنوان الشكة ي‬
‫ي‬ ‫عىل مرة اخرى حي طلبت منه ان‬
‫ي‬
‫سافرت‬
‫ِ‬ ‫انك‬
‫حصلت عىل اجازة لعدة ايام ومن المحتمل ِ‬
‫ِ‬ ‫بأنك‬
‫اك‪ ،‬قال يىل ِ‬
‫ار ِ‬
‫اخت ين عما‬
‫عليه باألسئلة رفتود كالمه ر‬
‫ِ‬ ‫عىل ان ال اطيل‬
‫خارج المدينة‪ ،‬كان ي‬
‫تجاهلتت؟‬ ‫كنت ابحث عنه‪َ ،‬‬
‫لما‬
‫ي‬
‫ً‬
‫لم اقوى عىل الكالم‪ ،‬بماذا سأجيبه؟ هل اقول له فعال عما حدث؟ هل‬
‫ً‬
‫ألجته عىل ان يعيش العمر بأكمله محروما من‬
‫يكفيت ر‬
‫ي‬ ‫امتلك من االنانية ما‬
‫ان يكون اب؟ أم التم بالقرار الذي اتخذته وجئت اليوم ألخباره به؟‬
‫ً‬
‫وجه الغارق بالدمع فتغتت مالمحه من الغضب‬ ‫ي‬ ‫التفت يىل غاضبا‪ ،‬نظر اىل‬
‫وجنت ليمسحها ف ِر َجعت خطوة اىل الوراء يك ال‬
‫ي‬ ‫اىل العطف‪ ،‬مد يده اىل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وجه‪ ،‬كان الموقف صادما بالنسبة له‪ ،‬اندهش كثتا‬‫ي‬ ‫يلمست‪ ،‬بقيت يده امام‬
‫ي‬
‫‪....‬‬
‫وجهك شاحب بهذا‬ ‫لما ال تقبلي ان المسك؟ ما الذي حصل؟ َ‬
‫لما‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫يت‪.‬‬
‫اخت ي‬
‫القدر؟ ر‬
‫َ َ‬
‫ك رشت عن أنياب الخذالن‪ ،‬قلت‪ :‬جئت ألنهاء عالقتنا‪.‬‬
‫قال‪ :‬ما الذي تقولينه؟ ما السبب؟‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫ولكنت فكرت يف موضوع زواجنا فوجدته مستحيال‪ ،‬ليس‬
‫ي‬ ‫شء‪،‬‬‫قلت‪ :‬ال ي‬
‫حب وهذا جائز‪ ،‬ولكن الزواج سيكون‬
‫باألمكاننا ان نتوج‪ ،‬ربطتنا عالقة ٍ‬
‫مستحيل‪.‬‬
‫رَ‬
‫رسهت عيناه لمعرفة السبب ‪..‬‬
‫ِ‬
‫لك خاتم‬
‫نسيت سعادتنا حي قدمت ِ‬ ‫ِ‬ ‫توافق من قبل؟ هل‬ ‫ي‬ ‫قال‪ :‬لماذا؟ ألم‬
‫تالعبت بمشاعري؟‬
‫ِ‬ ‫انك رافضة الزواج ر ين؟ َلم‬ ‫تقوىل يىل ِ‬
‫ي‬ ‫لما َلم‬‫الزواج؟ َ‬

‫ولكنت تفاجأت باألمر حي قدمت‬‫ي‬ ‫ألنت اردت الزواج بك‪،‬‬‫قلت‪ :‬كنت فرحة ي‬
‫ً‬
‫ولكنت قضيت هذه الفتة بالتفكت جيدا‬ ‫ي‬ ‫يىل خاتم الزواج‪ ،‬لم اعتض حينها‪،‬‬
‫ً‬
‫يف الموضوع‪ ،‬وجدته مستحيال‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الت كانت‬
‫لرفضك‪ِ ،‬عشقنا هدم كل الحواجز ي‬ ‫ِ‬ ‫اعطت سببا واحدا مقنعا‬ ‫ي‬ ‫قال‪:‬‬
‫يت ما السبب وسنجد الحل‪ ،‬ألم نتفق ان ال يتخىل‬ ‫اخت ي‬
‫وبينك‪ ،‬ر‬
‫ِ‬ ‫بيت‬
‫تحول ي‬
‫تقوىل‬
‫ي‬ ‫شء مخالف ألرادتنا؟ أ َلم‬ ‫ر‬
‫احدنا عن االخر؟ ألم نتفق عىل مواجهة كل ي‬
‫بشء ألنت احبك" ‪ ..‬حبيبت َ‬
‫لما تغت ِت؟‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫يىل "انا لن اختلف معك ي‬
‫َ‬
‫قلت‪ :‬ألنك مسلم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫تعجب كثتا‪ ،‬رفع كلتا يداه ثم اخفضها‪ ،‬ضحك‪ ،‬ثم صمت غاضبا ‪...‬‬
‫قال‪ :‬هل تمزحي؟‬
‫قلت‪ :‬كال‪.‬‬
‫رصخ وقال‪ :‬ألم تقولي ىل َ‬
‫"لما ال نتخىل عن ادياننا لما تبق لنا من عمر" االن‬ ‫ي‬
‫تعلم بذلك من قبل؟‬‫ي‬ ‫تكون‬
‫ي‬ ‫بأنت مسلم!! أ َلم‬
‫عرفت ي‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫اقارن‪ ،‬لن اتمكن‬
‫ري‬ ‫قلت‪ :‬بات االمر مستحيال‪ ،‬تلقيت اعتاضات شديدة من‬
‫اختهم (يعقوب) باألمر‪.‬‬
‫من معارضتهم‪ ،‬ر‬
‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫انت يف االصل لم‬ ‫غضب كثتا ثم قال‪ :‬قمر‪ ،‬هناك سبب اخر تخفينه ي‬
‫عت‪ِ ،‬‬
‫اعلمك باألمر‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ألنت تكلمت عن خطوبتنا مع (يعقوب) قبل ان‬
‫ي‬ ‫عت‬
‫ترض ي‬
‫ِ‬
‫اهلك‪ ،‬لذا‬
‫ِ‬ ‫انت ويرفضون‬
‫بأنك ستواجهي هكذا ظرف‪ ،‬ان تقبلي ِ‬
‫كنت اظن ِ‬
‫مت ان‬
‫اك بهذه الدموع‪ ،‬وبعد كل هذا تريدين ي‬
‫سألت (يعقوب) يك ال ار ِ‬
‫اصدقك؟‬
‫ِ‬
‫دعت اراك وانت بخت‪ ،‬حقق طموحاتك المهنية‬‫ي‬ ‫قلت‪ :‬الوداع يا (احمد)‪،‬‬
‫ُ‬
‫تت به وتريد تحقيقه‪ ،‬كن بخت‪ ،‬فلن‬
‫اخت ي‬
‫والسياسية‪ ،‬ال تتاجع عن كل حلم ر‬
‫َ‬
‫يجمعت بك مساء اخر‪.‬‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫شء‪ ،‬ظل صامتا‪ ،‬قبض كفه االيمن غاضبا فأنطبقت شفتاه عىل‬ ‫جيبت ب ي‬
‫ي‬ ‫لم ي‬
‫بعضهما ‪..‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫اهديتت إياه‪ ،‬شكرا‬
‫ي‬ ‫قلت له‪ :‬اسمح يىل بأن احتفظ بهذا الخاتم‪ ،‬شكرا ألنك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اجىل‪ ،‬شكرا لكل بيت ِشعر القيته يىل‪ ،‬شكرا عىل‬
‫ي‬ ‫حرف كتبته من‬
‫ٍ‬ ‫لكل‬
‫الت عشتها معك‪.‬‬
‫اللحظات الجميلة ي‬
‫خيبت‪،‬‬ ‫ر‬
‫بشء‪ ،‬تنهدت وبكيت بصوت عال‪ ،‬استدرت ألعود ادراج‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫جبت ي‬
‫لم ي ي‬
‫بخطوات واقفة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫مشيت‬
‫بأصابع الندم‪ ،‬كشت انياب الخذالن‪ ،‬فارقته عىل عجل‪ ،‬تركته ذبيح‬
‫الوجدان‪ ،‬انته ما جئت ألجله‪ ،‬هذا ما كنت اريده‪ ،‬اريده ان يعيش كما يعيش‬
‫شء‪،‬‬ ‫ر‬
‫حياته ان ال ينقصها ي‬
‫ِ‬ ‫يوم ما‪ ،‬اريد من‬
‫كل شاب‪ ،‬اريده ان يكون اب يف ٍ‬
‫ً‬
‫عت ليكون سعيدا‪ ،‬ولكننا كيف سنكون سعداء بعد الفراق‪،‬‬ ‫اريده ان يبتعد ي‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ليال عىل‬
‫نقض ما تبق لنا من ٍ‬
‫ي‬ ‫نحن اللذان كنا قاب شفتي او ادن من ان‬
‫رس ٌير واحد‪.‬‬
‫"الـفـراق"‬

‫َ َ‬
‫عدك ٌ‬
‫كالم يكتب وال‬ ‫إن رح ـلــت فال ب‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫يقظت سـأصحيها‬
‫ي‬ ‫ليل يسهر‪ ،‬بعدك احالم‬
‫ٌ‬
‫شمس س ر‬ ‫َ‬
‫ـتشق‬ ‫إن رحلت فال بعدك‬
‫ليال كنت انت تحييها‬ ‫ئ‬
‫ـيضت ٍ‬ ‫وال قمر س‬
‫ٌ‬
‫احالم و ٌ‬ ‫َ‬
‫امال‬ ‫إن رحلت فـستحل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كانت ألجلك ال بل كنت وحدك من فيها‬
‫ً َ َ‬ ‫َ‬
‫احبك يا لوحة ن َسج الخيال مالمحها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التمت قشا عىل تمنيها‬
‫ي‬ ‫يا امنية انصاع‬
‫َ‬
‫سنوات وانا اتمناك ‪َ ..‬ر َمـق عي كانت‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫اهدابها تتوق لك شوقا واليوم سـأعميها‬
‫َ‬
‫يوم عيناك مطلعه‬ ‫كنت اتغت بصباح ٍ‬
‫َ‬
‫ـكلمات كانت شفاهك تحكيها‬ ‫ٍ‬ ‫كنت اترنم ب‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أتلذذ بك واشتهيك والعنك عشقا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مشاعر اتحداك ان استطعت تنهيها‬ ‫ٍ‬ ‫اتلذذ بك بـ‬
‫َ‬
‫جليش تطالعك عيناي‬ ‫ي‬ ‫عندما تكون‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حت تعبث بجمالك وخجلك كان يشقيها‬
‫َ‬
‫حرمان من شفتيك ‪ ..‬وإن طال‬ ‫ي‬ ‫طال‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫عمري سأحلم انك يوما لشفتاي سـتهديها‬
‫ها انا اودعك و الروح لك تدعو بــسعادة‬
‫َ‬
‫ه من ترضيها‬‫لطالما كانت سعادتك ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫هل سـتعود يىل يوما ‪ ..‬حبيبا او غريبا‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫إرجع ‪ ..‬فـبعدك لعمري اياما من سـيعطيها‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫بعدك ‪ ..‬ال عطرا سـأضعه وال لحنا‬
‫سـأسمعه ‪ ..‬بعدك فتوز سـأمحيها‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫بعدك ‪ ..‬ال يوجد عيدا يف تقويم ي‬
‫اياىم‬
‫َ‬
‫احالىم وضواحيها‬
‫ي‬ ‫بعدك سـيستعمر الظالم مدينة‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫وسادن ليال‬
‫ي‬ ‫بعدك ‪ ..‬سـيتقاسم عطرك‬
‫والروح بـنار ذكريات ليالينا سـأصليها‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫بعدك ‪ ..‬سـأخلد اىل النوم وحيدا صامتا‬
‫َ‬
‫الطاع سـيحنيها‬
‫ي‬ ‫احساش هجرك‬
‫ي‬ ‫فـقامة‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫بعدك سـأتوهج ِحرمانا ‪ ..‬فـاألحاسيس‬
‫ً‬
‫الت كانت تنتابنا ليال يف ئبت الحرمان سألقيها‬
‫ي‬
‫َ‬
‫بعدك سـأضج صخرة بال مشاعر كـصخرة‬
‫ألحالىم اسم معانيها‬
‫ي‬ ‫بتوت ‪ ..‬تلك ي‬
‫الت كانت‬
‫عذان بـأحرف؟‬
‫أ أستمر برسم ر ي‬
‫ً‬
‫أم اجمعها وقشا يف بحر هجرك ارميها؟‬
‫أم ان االوان ان نفتق وتخرس افواه‬
‫احالىم واعود لساعات سهدي وثوانيها‬
‫ي‬
‫َ‬
‫ام اعود كما كنت ‪ ..‬أليام احببتك فيها‬
‫الت كنت استجديها‬
‫ِخلسة وارسق نظرات وقب ٍ‬
‫ً‬
‫عىل يا من اكتب من أجله عمرا‬
‫اعطف ي‬
‫ِ‬
‫من الكلمات ثم بوشاح الحزن اجمعها واغطيها‬
‫َ‬
‫كلمان بعدك كـيتاىم يتباكون عىل ٍأم‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫بعدك تسأل يت ‪ ..‬غدا من سـتبـيـها؟‬
‫ِ‬ ‫القصائد‬
‫الفصل الخامس‬

‫الثان ‪..‬‬ ‫والعشون من ر‬


‫تشين‬ ‫ر‬ ‫لـنـدن ‪ -‬الثالث‬
‫ي‬

‫قامت الثورة ‪ ..‬سقط نظام الحكم‪ ،‬ثارت الفوض يف عموم المدن‪ ،‬تغت كل‬
‫رشء‪ ،‬حل خر ٌ‬
‫اب كبت يف اغلب البت التحتية للبلد‪ ،‬اصاب الشلل كل مرافق‬ ‫ي‬
‫ٌ‬
‫الدولة‪ ،‬لم يعد هنالك نظام وال دوائر رسمية‪ ،‬لم يعد هنالك حزب حاكم‪،‬‬
‫ٌ‬
‫نصف تمكن من ان يقمع االنتفاضة لفتٍة قليلة وان‬ ‫انشق الجيش لنصفي‪،‬‬
‫اكت عدد من الثوار‪ ،‬والنصف االخر انضم اىل الثوار منذ بدء الثورة‪،‬‬
‫يعتقل ر‬
‫وتضحيات شجاعة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بدماء‬
‫ٍ‬ ‫ينته إال‬
‫ي‬ ‫دام هذا الضاع أليام‪ ،‬لم‬
‫ً‬
‫بعد ان قام الحزب الحاكم بأجراء االنتخابات وفق ما كان مخطط لها مسبقا‪،‬‬
‫رَ‬
‫الدوىل الذي ح ِدد من قبل منظمة االمم المتحدة‪،‬‬
‫ي‬ ‫رسع بطرد الفريق‬‫وبعد ان ِ‬
‫تشف عىل مراكز االقتاع‪ ،‬لم يكن اي مشارك‬ ‫نجح بعد ذلك ف تعيي لجان ر‬
‫ي‬
‫منتم اىل هذا الحزب‪ ،‬تمكن من زرع الكثت من‬
‫ي‬ ‫يف هذه اللجان غت‬
‫الجواسيس قبيل االنتخابات بأيام‪ ،‬تم اعتقال االف من المعارضي‬
‫والمعتضي لسياسته‪ ،‬اكتظت السجون بالمعتقلي‪ ،‬تم اعتقال رؤساء‬
‫ً‬
‫االحزاب والشخصيات المهمة وكل من رشح نفسه لالنتخابات مستندا اىل‬
‫قاعدة جماهتية قوية‪ ،‬لم يكن هنالك رقيب‪ ،‬انفرد قيادي الحزب بكل‬
‫القرارات‪ ،‬توقفت السلطة القضائية عن العمل ر‬
‫لكتة المعتقلي‪ ،‬تركوا الكل‬
‫يقبع يف السجون لحي البت يف النتائج النهائية لالنتخابات‪ ،‬كان الشعب‬
‫ً‬
‫خائفا‪ ،‬ال سيما بعد ان اطلق الحزب اتباعه من رجال الدين ليصدروا الفتاوى‬
‫والتوصيات بشأن وجوب انتخاب الحاكم وعدم جواز الخروج عن طاعته‪،‬‬
‫ألن يف مرضاته مرضاة الرب‪ ،‬يف حي ان الرب يرى بكل تأكيد كيف اكتظت‬
‫بيوته بالمارقي عن مبادئ اديانه‪ ،‬وكيف تم استغالل ذلك المكان الذي‬
‫يعتليه رجل الدين ليحدد من سيدخل الجنة ومن سيدخل النار‪.‬‬
‫ٌ‬
‫كان يوم االحد والكنائس مكتظة بالمرشحي‪ ،‬يوم الجمعة للمساجد كان االمر‬
‫ً‬
‫سيان‪ ،‬اوض كل رجل دين رصاحة او ضمنا بوجوب إبقاء الحزب والرئيس يف‬
‫الت وعدنا بها الرب‪ ،‬وها هم وكالء الرب عىل‬
‫الحكم‪ ،‬حت ينعم بجنات الخلد ي‬
‫يصت الشعب‬
‫االرض يسمحون لنا متفضلي يف ضمان مقاعدنا بها‪ ،‬بعد ان ر‬
‫الديت‬
‫ي‬ ‫عىل الجوع والفقر وغالء االسعار والقمع والتهجت القشي والتطرف‬
‫ََ‬
‫والمذهت وتنعم البعض ربتوات البلد دون غتهم من الشعب‪ ،‬يف حي‬ ‫ري‬
‫ً‬
‫فرد منه نصيبه من ثرواته‪ ،‬او حت نصيبا من جماله‪ ،‬من‬
‫يتوجب أن يأخذ كل ٍ‬
‫هواءه‪ ،‬من شعراءه وادباءه‪ ،‬من علماءه ومثقفيه‪ ،‬يتنعم الحزب واتباعه ِبه‬
‫فحسب ألنه وطنهم وهم الوطنيي‪ ،‬اما عن ما تبق‪ ،‬فيتوجب عليهم‬
‫الصمت‪ ،‬ومن لم يتمكن من الصمت فالتهم الخاصة بالمساس بأمن الدول‬
‫كانت بأنتظارهم يف محاكم الحزب الخاصة‪.‬‬
‫عهد واحد‪ ،‬حي نثور من‬
‫يف بالد العرب ال يمكن للحرية واالمان ان يلتقيا يف ٍ‬
‫ً‬
‫اجل الحرية فعلينا ان ال ننش بأننا سندفع األمان رصيبة للحصول عليها‪،‬‬
‫وحي ننعم باألمان فعلينا ان نعتقد بأن راحة الحاكم الجاثم فوق اقالمنا اهم‬
‫لك نكون بأمان علينا ان نعتاد عىل التفكت يف الحت الذي‬
‫من ارآءنا وافكارنا‪ ،‬و ي‬
‫منحنا إياه الحاكم بحسب سياسته‪ ،‬واالهم من كل ذلك ان نؤيده فيما يقول‬
‫او يفعل‪ ،‬وان ال نحاسبه عىل ما ينعم فيه من ختات‪ ،‬ان ال نحاسبه وحزبه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اطالقا‪ ،‬يك ننعم بالحرية علينا ان نقول هنيئا للحاكم عىل كل ما يلتهم من‬
‫ً‬
‫ايتام وارامل‪ ،‬او ان نقول حظا اوفر ألبنه المدلل لو خش الماليي من الفقراء‬
‫القمار االمريكية‪.‬‬
‫يف احدى صاالت ِ‬
‫استطاع الحزب الحاكم الفوز يف االنتخابات االختة‪ ،‬تجلت اسباب الفوز‬
‫بقيامه بمسك كل مراكز االنتخاب ووضع مراقبي من اتباعه‪ ،‬اثاروا الفي‬
‫الت قضت بأن كل مواطن لن ينتخب الحزب الحاكم فأن‬
‫واالشاعات ي‬
‫المراقبي يف المركز سيطلعون عىل هويته واسمه وعنوانه وحينها يتم اتهامه‬
‫ُ‬
‫الت تجلب له السجن‪ ،‬يضاف اىل ذلك خوف‬ ‫بكل ما تيش لهم من تهم ي‬
‫الطبقة الساذجة من الشعب من ان ال يغفر الرب خطاياهم لو لم ينتخبوا‬
‫والت ادت‬
‫ي‬ ‫الحزب الحاكم بعد ان صدحت مسامعهم بوصايا تجار االديان‬
‫بدورها اىل منح العديد من االصوات له‪ ،‬يشار اىل ان نسبة االقتاع يف البالد‬
‫لم تتجاوز االثنان واالربعون بالمئة من عدد الناخبي الحقيقيي‪.‬‬
‫ُ‬
‫السياش وانا بعيدة عن الوطن‪ ،‬لم اكن هناك‪ ،‬حدث كل‬
‫ي‬ ‫كنت اتابع الوضع‬
‫ً‬
‫هذا وانا لم ارى شيئا‪.‬‬
‫َ‬
‫روح عليلة‪ ،‬عدت لتناول العقاقت‬
‫ي‬ ‫بعد ان ودعت رفيق الروح‪ ،‬باتت‬
‫المهدئة‪ ،‬بدأت اتناول الكحول منذ الصباح‪ ،‬لم افيق لعدة شهور‪ ،‬كنت ال‬
‫اتجرأ عىل مواجهة الواقع‪ ،‬واقع يخلو من عطر (احمد) ال شأن يىل فيه‪.‬‬
‫امنيان نحو الموت‪ ،‬كان الخالص الوحيد يىل من هذا‬
‫ي‬ ‫وظيفت‪ ،‬توجهت‬
‫ي‬ ‫تركت‬
‫وذاكرن‪ ،‬ما كنت‬
‫ي‬ ‫العذاب‪ ،‬لم يتبق يىل منه سوى ذكريات تؤلم جسدي‬
‫َ‬
‫ابحث عنه منذ سنوات فقدته بي قبلة وضحاها‪.‬‬
‫ألنت ال زلت احلم بأننا سنعود‪،‬‬
‫ي‬ ‫ألنت لم اقول له الحقيقة‪ ،‬ندمت‬
‫ي‬ ‫ندمت‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫سيسامحت وانا قيدته بأغالل الهجر‬
‫ي‬ ‫رهت‪ ،‬كيف‬
‫ألنت جعلته يك ي‬
‫ندمت كثتا ي‬
‫ً‬
‫الت كتبتها إليه‬
‫كلمات كتلك ي‬
‫ٍ‬ ‫ورصبته بسوط الخذالن‪ ،‬لو كتبت له مجددا‪،‬‬
‫اجىل‬
‫ليلة عيد ميالده‪ ،‬يا ترى هل سيكرر كالمه الجميل يىل؟ هل سيكتب من ي‬
‫ً‬
‫ليلق ِشعره الجميل‪ ،‬هل سيعود يىل؟‬
‫اماىم ي‬
‫مجددا؟ هل سيقف ي‬
‫ً‬
‫انهيت اخر لقاء كان يىل معه وانا اتقمص شخصية لم اطيقها ابدا‪ ،‬تلك‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مىع‪ ،‬كان انيقا‪ ،‬كان لطيفا وذو شفاه‬
‫مت ابدا‪ ،‬كان جميال ي‬‫القسوة لم يستحقها ي‬
‫َ‬
‫شفاه قبلة قبلها‪،‬‬
‫ي‬ ‫الت لم تمس‬
‫تفارقت تلك القبلة‪ ،‬القبلة االوىل ي‬
‫ي‬ ‫ناعمة‪ ،‬لم‬
‫تفارقت مع اول كأس اتناوله عند الصباح‪.‬‬
‫ي‬ ‫لم‬
‫ٌ‬
‫كان الكأس االول شبيه بالمشعوذ الذي يستحض الجن بطالسم غريبة‪ ،‬حي‬
‫الت تناولتها‬ ‫ر‬
‫اش‪ ،‬بعد ان انته مفعول العقاقت المهدئة ي‬ ‫كنت انهض من فر ي‬
‫ً‬
‫عن الليل‪ ،‬انهض ألتناول الكحول‪ ،‬كان الكأس االول قادرا عىل استحضار ذلك‬
‫يمنحت ذات الشعور‪ ،‬كنت‬
‫ي‬ ‫انتابت عند القبلة االوىل‪ ،‬كان‬
‫ي‬ ‫االحساس الذي‬
‫عت ما خشته‪.‬‬
‫الثان عىل عجل يك يرحل ي‬
‫اتناول الكأس ي‬
‫لمرات عديدة‪ ،‬كنت اكش زجاجة الكحول حي اتناول الكأس االول منها عند‬
‫ً‬
‫الصباح‪ ،‬كنت اشك يف نوع الكحول الذي اتناوله‪ ،‬غتته مرارا ولكن النتيجة‬
‫شء‬ ‫ر‬
‫كانت ذاتها‪ ،‬ايقنت حينها ان هنالك ثمة عالقة بي الكأس االول و اول ي‬
‫الت تربط بينهما مبنية عىل النشوة‪.‬‬
‫جميل يف حياتنا‪ ،‬ايقنت بأن العالقة ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شيئا فشيئا لم اعد اكتث لألمر‪ ،‬اعتدت عىل الذكريات‪ ،‬اعتدت عىل تناول‬
‫الكحول‪ ،‬اعتدت عىل العقاقت المخدرة‪ ،‬اعتدت عىل ان اشعر بكفيه عىل‬
‫ً‬
‫توازن وانا احاول الوقوف ثملة‪.‬‬
‫ي‬ ‫خضي كلما فقدت‬
‫َ‬
‫وجدان كلمات إليه‪،‬‬
‫ي‬ ‫تألمت‪ ،‬فارقته دون ان اعلمه السبب‪ ،‬اعتصمت يف‬
‫خته الحقيقة‪ ،‬كانت تود ان تقول له انتظر لتى نتائج‬
‫كلمات كانت تريد ان ت ر‬
‫ر‬ ‫َ‬
‫بشء؟ ام عليك ان‬
‫ضج ي‬ ‫يمكنت ِعناقك دون ان ت ي‬
‫ي‬ ‫انتظرن ألرى هل‬
‫ي‬ ‫العملية‪،‬‬
‫ئ‬ ‫ً‬
‫للقان؟‬
‫ي‬ ‫تدفع ثمنا‬
‫كلمان معلقة بأنتظاره‪ ،‬بقيت معلقة كمالبس جندي لم يرجع َبعد‬ ‫ي‬ ‫بقيت‬
‫انتهاء الحرب‪.‬‬
‫ألن‬
‫قلت كل ما يجب ان اقوله له وانا ثملة‪ ،‬كنت اقول ما اشاء من ندم ألندم ي‬
‫لم اقوله له‪ ،‬تمنيت لو يعود ر ين الزمان اىل ذلك المكان‪ ،‬لقول له كم انا احبك‪.‬‬
‫ُ‬
‫استطاع (يعقوب) ان ينتشل يت من احضان الضياع‪ ،‬كنت اريد الموت لكنه‬
‫احالىم‪ ،‬لم يعد يىل هدف يف‬
‫ي‬ ‫منعت‪ ،‬كنت اريد الموت ببطء بعد ان ماتت كل‬
‫ي‬
‫ئ‬
‫واصدقان‪،‬‬ ‫ئ‬
‫زمالن‬ ‫وظيفت‪ ،‬خشت كل‬ ‫حبيت وخشت‬ ‫خشت‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ري‬ ‫الحياة‪ِ ،‬‬
‫طلبت الذين كانوا يتذكرون يت بعد سنوات من تخرجهم‪.‬‬
‫ي‬ ‫خشت‬
‫سيمنحت‬
‫ي‬ ‫انشغاىل بالعمل يف كل يوم‬
‫ي‬ ‫نفش بأن‬
‫ي‬ ‫حاىل‪ ،‬تمكنت من اقناع‬
‫ساء ي‬
‫القليل من فتات النسيان‪ ،‬حاولت ان اكون جيدة العيش كباف ر‬
‫البش‪ ،‬ولكن‬ ‫ي‬
‫عىل ولكن ال‬
‫يمنحت عطفه‪ ،‬ترجيته ليعطف ي‬
‫ي‬ ‫النسيان ران ان يكون ذلك‪ ،‬لم‬
‫أش كما َيمسح المتف يده عىل رأس‬ ‫جدوى‪ ،‬تمنيت ان يمسح النسيان ر ي‬
‫ً‬
‫ليال سويا ألمنعها من النوم‪،‬‬
‫اليتيم‪ ،‬لم اقوى عىل النسيان‪ ،‬كنت اجمع عدة ٍ‬
‫وجه‬
‫ي‬ ‫طال ر ين التعب اىل الحد الذي ال يطاق‪ ،‬بدأت ال اقوى عىل العمل‪ ،‬بدأ‬
‫يتغت‪.‬‬
‫تؤلمت ‪..‬‬
‫ي‬ ‫النوم والوسادة بعده‬
‫تشفيت من‬
‫ي‬ ‫تناولت العقاقت المهدئة عند الليل يف بادئ االمر‪ ،‬تمنيت ان‬
‫منحتت‬
‫ي‬ ‫تمنحت النوم من دون الغثيان بالذكريات‪،‬‬
‫ي‬ ‫التنهيد بأسمه‪ ،‬تمنيت ان‬
‫ً‬
‫ابىك كثتا حينما يبدأ الخدر يمتلك جسدي‪،‬‬
‫النوم المصاحب للدمع‪ ،‬كنت ي‬
‫ً‬
‫بجعبت‬
‫ي‬ ‫ضاعفت الجرعة ليلة بعد ليلة‪ ،‬الجرعة الواحدة لم تعد تتحمل ما‬
‫ابيات ومن قصائد‪ ،‬ضاعفتها ِعدة مرات اىل ان اصبحت ال‬
‫ٍ‬ ‫من ذكريات من‬
‫اقوى عىل اإلفاقة‪.‬‬

‫مرت االيام ‪ ..‬اشتبه ي‬


‫عىل الليل والنهار‪ ،‬عدت ال افرق بي اشعة الشمس‬
‫وضوء القمر‪.‬‬
‫ٌ‬
‫امنيات تقطن الخيال‪ٌ ،‬‬
‫يجمعت ِبه‬
‫ي‬ ‫عالم‬ ‫عالم الخاص لعدة اسابيع‪،‬‬
‫ي‬ ‫بقيت يف‬
‫ٌ‬
‫عالم ال‬ ‫يف غرفة بيضاء ذات ستائر بيضاء تستمد نورها من اشعة الشمس‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً ُ‬
‫حبيت له‬
‫ري‬ ‫وجه شاهبا‪ ،‬لم يعد‬
‫ي‬ ‫يرى الليل مطلقا‪ ،‬كنا يف ابه صورنا‪ ،‬لم يعد‬
‫ذقن طويل ووجه حزين كما كنت رأيته ِخلسة يف اخر مرة وانا اختبأ يف‬ ‫ٌ‬
‫ً‬
‫يوم رأيت فيه اشعة‬
‫الت يست فيها خارجا من عمله‪ ،‬لم اراه منذ اخر ٍ‬
‫الطرقات ي‬
‫الشمس‪ ،‬منذ ذلك الصباح لم اعد اخرج من البيت‪.‬‬
‫ً‬ ‫زارتت (سارة) ر‬
‫اكت من مرة‪ ،‬قدمت يىل عديدا من النصائح ولكن االمر لم‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫يجدي نفعا‪ ،‬اضطررت يف اخر زيارة لها ان اطردها رصاحة من البيت‪ ،‬لم تعد‬
‫وشأن‪.‬‬
‫ي‬ ‫تدعت‬
‫ي‬ ‫تزورن‪ ،‬كنت قاسية بحقها‪ ،‬لم‬
‫ي‬
‫ً‬
‫ادن‪ ،‬بعد‬
‫يساعدن رغم ار ي‬
‫ي‬ ‫طال االمر (يعقوب) ايضا‪ ،‬ولكنه لم ييأس من ان‬
‫ليقنعت بأن اجري‬ ‫ألكت من طبيب متخصص يف جراحة القلب‬ ‫ان اخذن ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الت‬
‫العملية‪ ،‬طردته هو االخر‪ ،‬لم اقبل ان اجري اية عملية لتشابه كل النتائج ي‬
‫ان‪.‬‬
‫ستكون‪ ،‬لن تظهر يىل نتيجة تجمع يت به‪ ،‬لن اتمكن من اصالح ما افسده ر ي‬
‫ان‬
‫يزورن (يعقوب) لفتات طويلة‪ ،‬اثرت حفيظته ذات يوم وهو ير ي‬
‫ي‬ ‫لم يعد‬
‫مصوغان الذهبية‪ ،‬كنت قد انفقت كل ما املك من اموال‪ ،‬كانت‬
‫ي‬ ‫ابيع بعض‬
‫وظيفت‪.‬‬
‫ي‬ ‫العقاقت المهدئة غالية الثمن‪ ،‬لم اجد ما انفق بعد ان تركت‬
‫ً‬
‫شاهدن خارجة من السوق الخاص بتجارة المصوغات الذهبية‪ ،‬جاء اىل‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫البيت ألنه ع ِلم بما انوي فعله‪ ،‬لم افتح له الباب‪ ،‬جلب قطعة حديدية من‬
‫بوجه ألفيق مما انا عليه‪ ،‬رصخ‬‫ي‬ ‫سيارته فكش اقفال الباب ودخل‪ ،‬رصخ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يخفيت‪ ،‬كان جادا يف غضبه‪ ،‬كان قلقا وخائفا‬
‫ي‬ ‫اماىم من اجل ان‬
‫ي‬ ‫اشياء‬ ‫وكش‬
‫بمرض‪ ،‬رصخ‬
‫ي‬ ‫علم‬
‫الت تألألت يف عينه حي ِ‬
‫عىل‪ ،‬لن انش تلك الدمعة ي‬
‫ي‬
‫الكاف لغضبه‪ ،‬لم‬
‫ي‬ ‫بوجه‪ ،‬بقيت واقفة امامه دون ان انفعل‪ ،‬اعطيت الوقت‬
‫ي‬
‫عيت‬
‫ألخق ي‬
‫ي‬ ‫وجه‪ ،‬كنت ارتديها‬
‫ي‬ ‫مت وازال النظارة السوداء من‬
‫اجيبه‪ ،‬تقرب ي‬
‫الت تتكها المخدرات‬
‫ألخق تلك االثار ي‬
‫ي‬ ‫وجه الشاحب‪،‬‬
‫ي‬ ‫ألخق‬
‫ي‬ ‫الذابلة‪،‬‬
‫لمحبيها‪.‬‬
‫ً‬
‫جماىل المتهشم‪،‬‬
‫ي‬ ‫وجه‪ ،‬رأى القمر ليلة المحاق‪ ،‬رأى‬
‫ي‬ ‫صمت فزعا حي رأى‬
‫ً‬
‫انصدم ولم يتفوه بكلمة‪ ،‬جلس ليهدأ‪ ،‬جلست انا ايضا ‪....‬‬
‫بنفسك يا قمر؟‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬ما الذي تفعلينه‬
‫لم اجيبه ‪ ...‬بكيت بحرقة‪ ،‬بكيت كـبكاء ام ر‬
‫عتت للتو عىل جثة ابنها المفقود‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫حرب اهلية‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫يف‬
‫نفسك عىل اخطاء القدر‪ ،‬ما‬
‫ِ‬ ‫بنفسك‪ ،‬هل تعاقبي‬
‫ِ‬ ‫فعلته‬
‫ِ‬ ‫يكق ما‬
‫ي‬ ‫قال‪:‬‬
‫ولكنك اخت ِت‬
‫ِ‬ ‫ذنبك؟ ما ذنب (احمد)؟ كانت هنالك الكثت من الحلول‬
‫ِ‬
‫اشدهن قسوة‪.‬‬
‫ئ‬
‫مجيت‬ ‫الت سينام فيها (احمد) قبل‬
‫ي‬ ‫المت وهو غت قادر عىل تصور تلك الليلة ي‬
‫ي‬
‫مت‪ ،‬ألنه بدأ يشعر بأننا غت مكتملي‪ ،‬سيعيش‬
‫اىل الفراش ألنه بدأ يضجر ي‬
‫الت ضج بها بموجب الحب‪ ،‬لن يتصور كيف يضجر‬
‫وهو نادم لتضحيته ي‬
‫حديقة قرب متلنا‪ ،‬لن‬
‫ٍ‬ ‫يوم ونحن ننظر اىل اطفال تلهو يف‬
‫الحب منا ذات ٍ‬
‫داع ألن اجيبه‪ ،‬التمت الصمت التام امامه ‪....‬‬ ‫َ‬
‫يقدر ان يتصور ذلك فال ي‬
‫ئ‬
‫يمىل عينيه ‪...‬‬ ‫اماىم والغضب‬
‫ترك مكانه‪ ،‬تجول يف البيت ثم عاد ليقف ي‬
‫انك عىل وشك الموت‪ ،‬ما‬ ‫قال‪ :‬اضطررت لكش االقفال ألدخل‪ ،‬كنت اعلم ِ‬
‫ً‬ ‫الذي اراه ف البيت! ما هذه العقاقت الت تتناولينها؟ َ‬
‫لما البيت خاليا من‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫بحوزتك هذا القدر الكبت من الكحول؟‬
‫ِ‬ ‫الطعام؟ لما‬
‫بأنت اريده ان‬
‫نفش بتوضيب البيت ألشعره ي‬
‫ي‬ ‫لم اجيبه‪ ،‬وقفت وبدأت اشغل‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫وصعقت بهزة ألجيبه ‪...‬‬
‫ي‬ ‫كتق‬
‫يخرج‪ ،‬رصخ ر ين مجددا‪ ،‬وضع كلتا يديه عىل ي‬
‫جدا‪َ :‬‬‫ً‬ ‫َ‬
‫لما ال تتكلمي؟‬ ‫عال‬
‫بصوت ٍ‬
‫ٍ‬ ‫رصخ‬
‫قلت له‪ :‬انا ‪ .....‬ار ‪ .....‬اريد ‪ .....‬المـ ‪ ...‬و و ‪ ....‬الموت‪.‬‬
‫تفهم لما لم اكن اريد ان اجيب عىل اسئلته‪ ،‬منذ اسابيع وانا‬ ‫َ‬ ‫عرف الحقيقة‪،‬‬
‫ً‬
‫لم اعد قادرة عىل الكالم بجملة متصلة‪ ،‬كنت اتمكن من التفوه بكلمات ولكن‬
‫وف بعض االحيان كنت اردد احرف الكلمة مرتي او ثالث‬
‫بشكل غت متصل‪ ،‬ي‬
‫ٍ‬
‫ألتمكن من النطق بها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ظل مندهشا‪ ،‬رأيت عىل وجهه مالمح الحزن والدهشة معا‪ ،‬عاد كما كان‬
‫يجلس‪ ،‬أخرج من جيب ستته علبة سجائر‪ ،‬اشعل منها سيجارة‪ ،‬استنشق‬
‫فأجت ين عىل الضاخ‪.‬‬
‫ر‬ ‫دخانها‪ ،‬اخرج زفت هواءه‬
‫رصخت بوجهه وسحبته من يده ليخرج خارج مت يىل‪ ،‬لم اتمكن من ان اقول‬
‫الت كان يقتنيها‬ ‫له ان ال ر‬
‫يقتت سجائر كتلك ي‬
‫ي‬ ‫اماىم‪ ،‬كان‬
‫ي‬ ‫يشب هذه السيجارة‬
‫ئ‬ ‫ً‬
‫الشاط‪ ،‬اىل مكاننا الجميل‪ ،‬حي وضع‬ ‫اخذن عنوة اىل ذلك‬
‫ي‬ ‫(احمد)‪ ،‬دخانها‬
‫يده خلف كتق ر‬
‫ورسب سيجارة من هذه السجائر‪ ،‬دخانها صور يىل وجهه‬ ‫ي‬
‫وسط المتل‪.‬‬
‫ً‬ ‫لم يعلم َ‬
‫لما طردته من البيت‪ ،‬خرج اىل سيارته مشعا‪ ،‬اغلقت الباب خلفه‬
‫َ‬
‫بقوة‪ ،‬ووجدت الدخان ال يزال يف البيت‪ ،‬هممت بالتنفس بشعة‪ ،‬اتنفس وانا‬
‫ابحث عن خيوط ذلك الدخان الذي رسمت وجه (احمد)‪.‬‬
‫كمية من دخان هذه السيجارة‪ ،‬شاهدت‬ ‫اكت ٍ‬ ‫وانا اتجول يف الغرفة ألستنشق ر‬
‫ً‬
‫اىل بغرابة‪ ،‬لم اتمكن من النظر‬
‫(يعقوب) قد عاد‪ ،‬كان واقفا عند الباب ينظر ي‬
‫ً‬
‫وجه‪،‬‬
‫ي‬ ‫صفعت بقوة عىل‬
‫ي‬ ‫اىل مشعا دون ان يتكلم ثم‬ ‫اىل وجهه‪ ،‬تقدم ي‬
‫بشء‪.‬‬‫ر‬
‫سقطت عىل االرض دون ان اشعر ي‬
‫لت اىل احدى المستشفيات الخاصة بمعالجة االدمان‪،‬‬
‫علمت بعد ذلك انه اق ي‬
‫الت تناولتها لشهور وليس‬
‫مكثت فيها ألسابيع‪ ،‬كانت كمية المخدرات ي‬
‫ر ي‬
‫عالح قصتة وصعبة يف ذات الوقت ألن‬ ‫لسنوات وبسبب ذلك كانت فتة‬
‫ً‬
‫كباف‬
‫ي‬ ‫الت تعاطيتها لم تكن قليلة‪ ،‬كانت صعبة ألن يىل قلب ليس‬
‫الكميات ي‬
‫ً‬ ‫البش‪ٌ ،‬‬
‫ر‬
‫صمام ضعيف ال يجيد النبض جيدا‪ ،‬لكنه يجيد‬
‫ٍ‬ ‫قلب يحتوي عىل‬
‫ِعشق (احمد)‪.‬‬
‫ً‬
‫يمنحت الدواء المخدر يوميا‬
‫ي‬ ‫كانت فتة العالج قاسية‪ ،‬كان الطبيب المعالج‬
‫الت تليها‪ ،‬كنت‬
‫بجرعات متكررة وليست متساوية‪ ،‬كل جرعة كانت اقل من ي‬
‫ٍ‬
‫الت اعتدت عليها ولكنها كانت ال تصل اىل حد االشباع‪ ،‬وهذا‬
‫اشعر بالنشوة ي‬
‫بحد ذاته عذاب‪ ،‬كانت اغلب مصحات عالج المدمني تتخلص من ادمانهم‬
‫ً‬
‫بهذا الشكل‪ ،‬بدأ االمر صعب‪ ،‬ولكنه وبعد عدة ايام اصبح مقبوال‪ ،‬بدأت‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫بحبيت‪.‬‬
‫ري‬ ‫يذكرن‬
‫ي‬ ‫شء‬
‫حوىل‪ ،‬متجنبة لكل ي‬
‫ي‬ ‫ارحب بكل لحظة افيق فيها لما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الت مررت بها‪ ،‬كنت اتلق عالجا‬
‫قلت كثتا بعد هذه الفتة العصيبة ي‬
‫ساء امر ر ي‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫خت (يعقوب)‬ ‫دوريا لينشط عمله‪ ،‬سمعت ذات مرة الطبيب المعالج وهو ي ر‬
‫عىل ان اجري العملية‪.‬‬ ‫ً‬
‫بأن االمر يزداد سوء وان ي‬
‫سمعت (يعقوب) وهو يجيبه‪ " :‬دكتور انا لست صاحب القرار‪ ،‬سأنتظرها‬
‫ً‬
‫لتفيق واتكلم معها بهذا الشأن‪ ،‬تكلمت معها مسبقا بصدد العملية ولكنها لم‬
‫توافق"‬
‫ً‬
‫سوء بمرور‬ ‫اجابه الطبيب‪" :‬ليكن يف علمك بأن االمر االن تغت‪ ،‬االمر يزداد‬
‫اختها بأنها ستصحو عىل يوم يكون فيه االوان قد فات"‬
‫الوقت‪ ،‬ارجوك‪ ،‬ر‬
‫صحت‪،‬‬
‫ي‬ ‫بأنت اقوى عىل الكالم‪ ،‬عادت‬
‫استيقظت ذات صباح وانا اشعر ي‬
‫بنفش قبل‬
‫ي‬ ‫مالبش‬
‫ي‬ ‫وعت‪ ،‬حاولت تغيت‬
‫ي‬ ‫تمكنت من الست بأتزان‪ ،‬عدت اىل‬
‫ليخرجت من المشق واعود اىل‬
‫ي‬ ‫تخت الطبيب بذلك‬
‫تأن الممرضة لعلها ر‬
‫ان ي‬
‫بيت‪ ،‬لعل (احمد) يطرق الباب‪.‬‬
‫ي‬
‫وهبت اياه‬ ‫اش اتأمل الخاتم الذي‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫مالبش‪ ،‬جلست عىل فر ي‬
‫ي‬ ‫انتهيت من ارتداء‬
‫ً‬
‫فارقت ابدا‪.‬‬
‫ي‬ ‫(احمد)‪ ،‬لم ي‬
‫ُ‬
‫غرفت‪ ،‬لم اعتها من قبل اي‬
‫ي‬ ‫كنت انظر اىل حديقة جميلة كانت تطل عليها‬
‫عىل التحية واجبتها‬
‫عىل زوجة (يعقوب)‪ ،‬القت ي‬
‫اهتمام‪ ،‬ط ِرق الباب‪ ،‬دخلت ي‬
‫نفش ومن‬
‫ي‬ ‫بأبتسامة‪ ،‬خفت من ان انطق بكلمة وتخرج متقطعة فأخجل من‬
‫وكحوىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫مهدئان‬
‫ي‬
‫وه تنظر يىل نظرة العطف‪ ،‬شعرت وقتها بما‬
‫مت‪ ،‬لمست شعري ي‬
‫تقربت ي‬
‫النفش‪ ،‬شعرت به كيف يتبادل النظرات مع من حوله‪ ،‬هم‬
‫ي‬ ‫يشعر به المريض‬
‫ئ‬
‫اشمتاز‪.‬‬ ‫ينظرون له بنظرات عطف وهو يتجمها اىل‬
‫عنك (يعقوب) اىل ان تعودين‬
‫تخاف‪ ،‬ستكوني بخت لن يتخىل ِ‬
‫ي‬ ‫قالت يىل‪ :‬ال‬
‫ً‬
‫قمرا كما كنت‪.‬‬
‫منحت بعض الراحة‪ ،‬كنت اتمت ان (يعقوب) لن‬
‫ي‬ ‫اسعدتت كلماتها‪ ،‬عطفها‬
‫ي‬
‫ً‬
‫بأنت تعرضت لصدمات‬
‫يختها ي‬‫عت كما قالت‪ ،‬اتمت ايضا انه لم ر‬
‫يتخىل ي‬
‫دخوىل‬
‫ي‬ ‫كهربائية يف الرأس يف اول يوم دخلت فيه اىل المشق‪ ،‬حي افقت بعد‬
‫يجيبت احد‪،‬‬
‫ي‬ ‫له ولم ارى خاتم ر ي‬
‫زواح يف يدي‪ ،‬رصخت حينها ألسال عنه ولم‬
‫صعقت االطباء بالكهرباء ألصمت‪ ،‬اتمت ان ال احد علم باألمر‪ ،‬اتمت ذلك‪.‬‬
‫ي‬
‫حالت معه‪ ،‬القوا التحية مبتسمي‬ ‫دخل (يعقوب)‪ ،‬كان الطبيب ر‬
‫المشف عىل‬
‫ي‬
‫ً‬
‫عطفا‪ ،‬نادى الطبيب عىل الممرضات من اجل تغيت بعض اشياء الغرفة‬
‫بأنت تمكنت من النهوض بمفردي ومن ارتداء‬
‫ي‬ ‫فأختته احدى الممرضات‬
‫ر‬
‫خاتم‪ ،‬نظر الطبيب اىل (يعقوب) ثم‬
‫ي‬ ‫مالبش لوحدي بعد ما اعادوا يىل‬
‫ي‬
‫ابتسم وقال له‪" :‬ألم اقل لك ان االمور اصبحت عىل ما يرام‪ ،‬نحن بحاجة اىل‬
‫وقت فحسب"‬
‫ً‬
‫ولكنت انتبهت بأن كالمه كان متامنا مع ما‬
‫ي‬ ‫لم افهم عما كان يقصد الطبيب‪،‬‬
‫حالت النفسية تحسنت بعد ما‬
‫ي‬ ‫قالته الممرضة‪ ،‬اعتقد انه كان يقصد ان‬
‫اعادوا يىل الخاتم‪.‬‬
‫طعاىم‬
‫ي‬ ‫تجاهلت االمر‪ ،‬جلست ألتناول االفطار وهم يتبادلون الحوار‪ ،‬انهيت‬
‫مت فقط ‪...‬‬
‫بق (يعقوب) بقرب ي‬
‫عىل التحية وذهبوا‪ ،‬ي‬
‫فألق الجميع ي‬
‫حالك؟‬
‫ِ‬ ‫عزيزن‪ ،‬كيف‬
‫ي‬ ‫قال يىل‪:‬‬
‫أش ألشكره ‪....‬‬
‫ابتسمت وحركت ر ي‬
‫وبادلتت‬
‫ي‬ ‫معك ليلة امس‬
‫ِ‬ ‫انت االن قادرة عىل الكالم‪ ،‬تكلمت‬
‫تكلم‪ِ ،‬‬
‫ي‬ ‫قال‪:‬‬
‫الحديث بسالسة‪ ،‬إال تذكرين ذلك؟‬
‫انت لم‬ ‫ر‬
‫لكنت خفت من ان اقول له ي‬
‫ي‬ ‫حبيت (احمد)‪،‬‬
‫ري‬ ‫شء سوى‬
‫كنت ال اذكر ي‬
‫يخرجت من هنا‪ ،‬انا بحاجة اىل‬
‫ي‬ ‫حالت سيئة‪ ،‬كذبت عليه يك‬
‫ي‬ ‫اتذكر فيظن ان‬
‫العودة اىل مت يىل‪.‬‬
‫قلت له‪ :‬اتذكر‪.‬‬
‫انت تتكلمي‬
‫انك االن افضل بكثت‪ِ ،‬‬
‫لك ِ‬‫اماىم‪ ،‬قال‪ :‬ألم اقل ِ‬
‫ي‬ ‫صىل للرب‬
‫بسالسة‪.‬‬
‫لم اجد كالم ألشكره من خالله‪ ،‬عانقته ألشكره ‪....‬‬
‫واجت اتجاهك‪.‬‬ ‫ر‬ ‫قال يىل‪ :‬ال‬
‫لشء‪ ،‬ما افعله هو ر ي‬
‫تشكريت ي‬
‫ي‬
‫بقرن ‪...‬‬
‫قام ليجلب لنا الشاي من الخارج‪ ،‬عاد بعد دقيقتي‪ ،‬جلس ر ي‬
‫قال يىل‪ :‬قمر‪ ،‬سنسافر يوم غد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬اىل اين سنذهب؟‬
‫قال‪ :‬اىل لندن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ماذا سنفعل هناك؟‬
‫بمرضك وانا اجري العديد من االتصاالت مع اصدقاء يىل‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬منذ ان علمت‬
‫علمك‪ ،‬تواصلت معهم للبحث‬ ‫ِ‬ ‫بحالتك دون‬
‫ِ‬ ‫هناك‪ ،‬ارسلت التقارير الخاصة‬
‫عشات االطباء‪ ،‬لم اتمكن من ان اتكلم‬‫ليبقيك قم ًرا‪ ،‬بحثت وسط ر‬ ‫حل‬
‫ِ‬ ‫عن ٍ‬
‫رقودك هنا‬
‫ِ‬ ‫حالتك يف الفتة االختة‪ ،‬وطيلة فتة‬
‫ِ‬ ‫معك بشأن الموضوع لسوء‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لك مع اشهر االطباء واستحصال‬ ‫وانا اعمل جاهدا عىل استحصال موعدا ِ‬
‫ً‬
‫لك يف‬
‫سمة دخول‪ ،‬تعلمي ان هذا ليس بالهي‪ ،‬قبل يومي‪ ،‬حجزت موعدا ِ‬
‫ً‬
‫المشق وتذاكر الطتان‪ ،‬سنسافر غدا بعد منتصف الليل‪.‬‬
‫َ‬
‫قلت‪ :‬ال اريد ان اجري العملية‪ ،‬ارجوك‪ ،‬ما نفع العيش من دونه؟‬
‫قال‪ :‬ال خيار امامنا سوى السفر‪.‬‬
‫الت تقدمها يىل‪ ،‬كيف‬
‫تكق كل هذه المساعدة ي‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬اتعبت نفسك‪ ،‬إال‬
‫ستتك عملك وارستك؟‬
‫قال‪ :‬لن يتطلب االمر ر‬
‫اكت من ثالثي يوم‪ ،‬ألننا قد ال نجري أي عملية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫مكان فرحا‪ ،‬التفت إليه بعدما كنت اتكأ عىل طرف المقعد ‪...‬‬
‫ي‬ ‫قفزت من‬
‫قلت‪ :‬كيف ذلك؟‬
‫الصناع‪،‬‬
‫ي‬ ‫ابلغت احد االطباء بأن لنا خيار غت اجراء عملية زرع الصمام‬
‫ي‬ ‫قال‪:‬‬
‫ً‬
‫وهو ان يمنحك ادوية تلتمي بتناولها يوميا وبشكل منتظم لتستمر حياتك‬
‫بالشكل المعتاد دون الحاجة اىل اجراء أي عملية‪.‬‬
‫بأمكان تحمل االآلم الوالدة؟‬
‫ي‬ ‫حيان !! هل‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬تستمر‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬طبعا‪ ،‬ولكن االمر متوقف عىل عدة فحوصات واختبارات‪ ،‬وان لم يكون‬
‫االمر كما نتوقع فسنجري العملية‪ ،‬ولن اقبل منك أي اعتاض‪ ،‬العملية‬
‫ستكون هناك بضمانة كبتة‪ ،‬لن تكو ين بحاجة اىل أي ادوية مع الصمام‬
‫لك هنا بأن االمر له‬
‫كنت وليس كما قالوا ِ‬
‫الجديد‪ ،‬ستعاودين الحياة كما ِ‬
‫احتماالت عدة‪.‬‬
‫ألنت‬
‫ذكرن ِبه شتاء (لندن)‪ ،‬تنفست الصعداء‪ ،‬تنفستها مئة مرة ي‬
‫ي‬ ‫خفت ان ي‬
‫يقي تام بأن الغفوة عىل صدره اجمل من مدن العالم بأرسه‪.‬‬
‫عىل ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التاىل اىل المشق ألجراء‬
‫ي‬ ‫وصلنا اىل لندن‪َ ،‬مكثنا يوما واحدا‪ ،‬ذهبنا يف اليوم‬
‫مالبش بعد ان‬
‫ي‬ ‫الفحوصات‪ ،‬لم يكن االمر كما صوره يىل‪ ،‬وانا انهض الرتداء‬
‫اجريت كل الفحوصات ‪...‬‬
‫سمعت الطبيب يقول ليعقوب‪you are late, so late :‬‬
‫بأن سأخضع للعملية ال محالة‪ ،‬ذهبت إليهم‪ ،‬جلست امام‬
‫ايقنت وقتها ي‬
‫(يعقوب) ننصت لما سيقرره الطبيب‪ ،‬لم يكمل حديثه ‪...‬‬
‫قال هو يكتب‪as we agreed :‬‬
‫فأجابه (يعقوب)‪yes, of course :‬‬
‫يخت ين (يعقوب) عما قاله الطبيب‪.‬‬
‫لم يكمال حديثهما‪ ،‬خرجنا ولم ر‬
‫ونحن نست يف شارع )‪ (Harley Street‬يف مدينة )‪ (Westminster‬كنت‬
‫بأمكان الرفض‪ ،‬كيف ارفض‬
‫ي‬ ‫ينصحت بأجراء العملية‪ ،‬لم يكن‬
‫ي‬ ‫استمع له وهو‬
‫ُ‬
‫وقد قطعنا كل هذه المسافة من اجل العالج‪ ،‬لم يكن يىل خيار اخر‪ ،‬قررت ان‬
‫اجري العملية وانا بأمس الحاجة لرؤية وجه (احمد) قبل دخولها‪.‬‬
‫عيت من شدة الضوء‬
‫اجريت العملية‪ ،‬لم افيق منها إال بعد ساعات‪ ،‬فتحت ي‬
‫مت ‪....‬‬
‫أش‪ ،‬وجدت الطبيب بالقرب ي‬
‫الذي فوق ر ي‬
‫ابتسم وقال يىل‪you love him so much :‬‬
‫اهتماىم انشغلت بالشهيق والزفت‪ ،‬كنت اتنفس بصعوبة‪ ،‬كان كل‬
‫ي‬ ‫لم اعته‬
‫مت كعادته‪ ،‬لم اتمكن‬ ‫ر‬
‫حبيت‪ ،‬وجدت (يعقوب) بالقرب ي‬
‫ري‬ ‫شء صعب دون‬ ‫ي‬
‫الت اراه بها‪.‬‬
‫من تمعن وجهه ولكن حنانه وعطفه الوافر اعىط يىل هيئته ي‬
‫قلت له‪ :‬ماذا قال الطبيب؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫منحك صماما صناعيا‬
‫ِ‬ ‫قال‪ِ :‬‬
‫انت بخت‪ ،‬والعملية كانت عىل اتم وجه‪ ،‬تم‬
‫لحياتك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫لخطيبك‪ ،‬ستعودين‬
‫ِ‬ ‫تحزن ستعودين‬
‫ي‬ ‫ليمنحك العمر مديد‪ ،‬ال‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫سقط اليوم نظام الحكم يف الوطن‪ ،‬ستعودين اىل وظيفتك ايضا‪.‬‬
‫ً‬
‫اماىم‪ ،‬لم يكن شيئا‬
‫الت اراه فيها‪ ،‬نظرت ي‬
‫بعد ان كنت التفت اىل جهة اليمي ي‬
‫ينجيت مما انا عليه‪ ،‬يصعب‬
‫ي‬ ‫اجمل من وجود الرب‪ ،‬صليت له‪ ،‬دعوته بأن‬
‫عىل العيش من دون (احمد)‪.‬‬
‫عىل التنفس االن‪ ،‬كما يصعب ي‬
‫ي‬
‫ً‬
‫هل سيتحقق ما قاله (يعقوب)؟ سيتحقق لو شاء الرب‪ ،‬لن يقف شيئا‬
‫انت‬
‫ليعارض مشيئته‪ ،‬ايها الرب‪ ،‬حقق يىل ما اتمناه وما انت تعلمه‪ ،‬ايها الرب ي‬
‫رقبت‬
‫ي‬ ‫الت تلتف حول‬
‫بحاجة لرحمتك وعظمة قدرتك يك انجو من الحبال ي‬
‫االن‪ ،‬ومن اآلت الحادة المحشوة يف صدري‪.‬‬
‫مرت االيام‪ ،‬تعافيت بفضل الرب وعطف (يعقوب)‪ ،‬نجحت العملية وعاد‬
‫ألنت‬
‫وحذرن من ان اعشق بقوة‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫مىع الطبيب‬
‫لقلت‪ ،‬مزح ي‬
‫النبض المنتظم ر ي‬
‫ر ي‬
‫خروح من العملية‪ ،‬لم يفهم ما‬ ‫نطقت اسم (احمد) يف اللحظات االوىل من‬
‫شء‪ ،‬طلب من (يعقوب) الحضور اىل‬ ‫ر‬
‫انت بحاجة اىل ي‬
‫كنت اقول‪ ،‬كان يظن ي‬
‫حبيت‪ ،‬ولذلك‬
‫ري‬ ‫بأنت اردد اسم‬
‫واخته ي‬
‫ر‬ ‫صالة االفاقة ليتجم له ما اقول فجاء‬
‫ً‬
‫عيت ألول مرة بعد العملية "انت تحبينه جدا"‬
‫قال يىل الطبيب عندما فتحت ي‬
‫انته ما كنت اخشاه‪ ،‬وبدأ ما اخشاه ر‬
‫اكت‪ ،‬كيف سألقاه بثياب ندم‪ ،‬بعد ان‬
‫سأخته بالحقيقة وانياب‬
‫ر‬ ‫نجوت من الموت‪ ،‬او العيش كاألموات‪ ،‬كيف‬
‫فم؟ كيف سأعود له ألرى انعكاس الجرح يف عينه؟‬
‫الخذالن ال زالت يف ي‬
‫لم نتمكن من العودة اىل الوطن‪ ،‬تم حظر الطتان من و اىل الوطن لالنفالت‬
‫ُ‬
‫االمت الحاصل بسبب سقوط نظام الحكم‪ ،‬بعد ان توقفت كل مؤسسات‬ ‫ي‬
‫الدولة عن العمل‪.‬‬
‫ً‬
‫آماىل‪ ،‬انا‬
‫ي‬ ‫ظل غراب القلق جاثيا فوق تفكتي‪ ،‬ظلت ظنون السوء تحوم فوق‬
‫جتية وسط لندن‪ ،‬مرت فتة عصيبة للغاية‪ ،‬كنت اريد العودة بأرسع‬
‫يف اقامة ر‬
‫تدعون للقلق اتجاهه‪ ،‬كنت‬
‫ي‬ ‫وقت يك اراه واعتذر له‪ ،‬كنت ارفض اي فكرة‬
‫ً‬
‫اتساءل عن موقفه يف هذه الفوض‪ ،‬هل هو بخت؟ هل هو بعيدا عما حدث‬
‫تمىل عليه شجاعته وحبه لوطنه؟ هل فكر‬ ‫ام كان من اوائل الثوار بحسب ما ي‬
‫ً‬
‫ر ين قبل ان يفعل شيئا يضه؟ كيف يفكر ر ين وانا لم افكر ِبه؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يف اعراف الحب‪ ،‬ال يسمح للظالم بأن يمكث يف الوجدان كثتا تجنبا للذكرى‪.‬‬
‫بعد مرور شهرين عادت خطوط النقل الجوي للعمل‪ ،‬رجعنا اىل الوطن‬
‫َ‬
‫ونحن ال نعلم ان ظل (وطن)‪ ،‬ام ظل طريقه اىل الحرية؟‬
‫نفش دون‬
‫ي‬ ‫عىل االبقاء عىل‬
‫ايام من الهدوء قضيتها يف الفراش‪ ،‬كان يجب ي‬
‫انفعال او أي جهد يبذل لفتة ما بعد العملية‪ ،‬بقاؤنا بانتظار السماح لنا‬
‫ٍ‬
‫ئ‬
‫ببقان هادئة‪ ،‬تطلب االمر فتة من السكون‪.‬‬ ‫بالسفر كان له الفضل الكبت يىل‬
‫ي‬
‫ً‬
‫قضيت ايام اخريات وانا اجوب الطرقات بحثا عن (احمد)‪ ،‬ذهبت اىل كل‬
‫جمعت به ‪...‬‬
‫ي‬ ‫مكان‬
‫سألت عنه كل ال ر‬
‫بش‬
‫سألت عنه ازقة المدن ومجرى النهر‬
‫بحثت عنه بي اوراق الشجر‬
‫اشتياف له‬
‫ي‬ ‫مخرج من ألم‬
‫ٍ‬ ‫بحثت عن‬
‫ولكن منه ‪ ..‬اين المفر؟‬
‫برفقت‪ ،‬لم اعلم ما حل به‪،‬‬ ‫حبيت‬ ‫ئ‬
‫الشاط‪ ،‬لم يكن‬ ‫وحيدة جلست عىل‬
‫ي‬ ‫ري‬
‫بحثت عنه يف كل الطرقات ولم اجده‪.‬‬
‫شء‪ ،‬كل ما‬‫ر‬
‫اماىم‪ ،‬جلست ألتذكر كل ي‬
‫ي‬ ‫جلست عىل مقعدنا االوحد والبحر‬
‫اقداىم كما‬
‫ي‬ ‫ذاكرن‪ ،‬كان موج عال‪ ،‬يندفع بقوة من تحت‬
‫ي‬ ‫مض كان بجعبة‬
‫كنت اندفع نحو لقائه‪ ،‬ظل البحر يدفع بالذكريات ليقدمها الموج يىل‪،‬‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫شء‪.‬‬‫بأنت لم ولن انش ي‬
‫اختته ي‬‫ليختت ين إن كنت قد نسيت شيئا ام ال‪ ،‬ر‬
‫ر‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عندما كنا نجلس لم يكن الموج بهذا الغضب‪ ،‬عندما كنا نجلس كنا نرى‬
‫امواجه عىل بعد بعض االمتار عن اقدامنا‪ ،‬اليوم اجلس امامه والموج يصل‬
‫بحبيت‪ ،‬من المؤكد انه‬ ‫يعاتبت عما فعلت‬ ‫شء‪ ،‬كأنه‬ ‫ر‬
‫ري‬ ‫ي‬ ‫أىل‪ ،‬كأنه يود ان يقول ي‬
‫ي‬
‫عت‪.‬‬
‫غت راض ي‬

‫الثان من نيسان‪...‬‬
‫ي‬ ‫كان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ألنت بمفردي بنصف روح‪ ،‬ابحث عن‬
‫ي‬ ‫القمر حزينا لهذه الذكرى‪ ،‬حزينا‬
‫روح االخرى بخطوة من خجل وخطوة من ندم‪ ،‬اليوم تأري ــخ ميالدنا‪،‬‬
‫ي‬ ‫نصف‬
‫اصابىع‬
‫ي‬ ‫موعد لقائنا االول‪ ،‬تاري ــخ الحب الذي جمعنا‪ ،‬ذكرى الخاتم الذي بي‬
‫االن‪.‬‬
‫الثان‪،‬‬
‫ي‬ ‫ذكريان ويرميها عىل ساحله‬
‫ي‬ ‫اعتىل موج البحر وانا احادثه‪ ،‬كان يمضغ‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫وه واجبة التقديس‪ ،‬ذكريات‬ ‫ألنت ال استحقها‪ ،‬لم احافظ عليها ي‬
‫عت ي‬ ‫بعيدا ي‬
‫كانت الواقع االجمل والحلم االوحد‪.‬‬
‫طلبت من الموج ان يهدأ‪ ،‬اعتذرت عن ما قلت هنا قبل اقل من عام‪ ،‬حي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تركته وحيدا كما انا االن‪ ،‬كان البحر شاهدا عىل كل الخذالن والجحود‪ ،‬يشهد‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫الت كانت تعبث بشعري ليعود ويصففه بيده‪،‬‬ ‫عىل القمر ايضا‪ ،‬النسمات ي‬ ‫ي‬
‫َ‬
‫ذكرن كيف نكرت جميل ابياته‪ ،‬كان يتساءل عن إلحادي بعشقه‪،‬‬‫ي‬ ‫الموج كان ي‬
‫عشقه الذي كان واجب العبادة‪.‬‬
‫ِ‬
‫تكلمت بوافر الندم‪ ،‬اردد كلمات االعتذار منذ ان مسك بيدي (يعقوب) وانا‬
‫اذرف الدمع حال هبوط طائرتنا عىل ارض الوطن‪ ،‬كنت اريد رؤيته بلهفة‬
‫الخشية‪ ،‬بكيت من ِشدة ما اريد‪.‬‬
‫ِ‬
‫قال يىل (يعقوب) وقتها‪ :‬ي‬
‫كون قوية يا قمر‪.‬‬
‫قلت له‪ :‬ال تعاتب يت عىل ما ليس يىل ارادة فيه‪.‬‬
‫المدرج الطائرة أنزل ألرض الوطن‪ ،‬استنشقت عطره‪ ،‬كان عطره‬ ‫وانا عىل َ‬

‫الت تحوم حوله االن اينما كان‪.‬‬


‫روح ي‬
‫ي‬ ‫يجوب الوطن‪ ،‬تتناقله نسمات‬
‫استأجرنا سيارة اجرة لتنقلنا اىل البيت‪ ،‬ونحن يف الطريق مررنا بمركز المدينة‬
‫ألنت‬
‫اختت (يعقوب) لتاها ي‬
‫رأيت صور (احمد) معلقة يف اغلب الطرقات‪ ،‬ر‬
‫اخش رساب وجهه من ان يظهر يىل بسبب حم االشتياق‪ ،‬خفت من‬ ‫كنت ر‬
‫ً‬
‫عيدن (يعقوب) اىل المصحة العقلية‪.‬‬
‫ي‬ ‫ان يكون رسابا في‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شاهده (يعقوب) ايضا‪ ،‬كان االمر يقينا‪ ،‬سألنا عىل الفور سائق االجرة عن من‬
‫اختنا سائق االجرة بأنه من اوائل الثوار الذي اقتحموا‬
‫يكون هذا الشخص‪ ،‬ر‬
‫المقر الرئيس للحزب الحاكم وارصم النار فيه ليشتعل فتيل الثورة مع النار‬
‫الت تعاقب الثوار عىل احر ِاقها خالل‬
‫الت التهمت مقر الحزب وكل المقرات ي‬
‫ي‬
‫التاىل خرجت مظاهرات حاشدة لتستمر اىل‬
‫ي‬ ‫وف اليوم‬
‫ساعات قليلة‪ ،‬ي‬
‫ٍ‬
‫اعتصامات ادت اىل شطر الجيش اىل نصفي‪ ،‬النصف االول تخىل عن‬
‫ٍ‬
‫الثان كان مع الحكومة ألنه لم‬
‫ي‬ ‫سالحه وانضم اىل صفوف الثوار والنصف‬
‫يتمكن من عصيان اوامرها فقام بأعتقال المنشقي عنه وقمع قادة التظاهر‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫شء بعد‬‫ومن ضمنهم (احمد) الذي ظل مصته مجهوال ولم نعلم عنه ي‬
‫اعتقاله‪.‬‬
‫وع ‪..‬‬
‫رصخت بوجهه دون ي‬
‫ً‬
‫قلت ‪ :‬ماذا تقصد بأن مصته مجهوال ؟‬
‫شء عىل ما يرام‪.‬‬ ‫ر‬ ‫التفت ىل (يعقوب) وقال‪ :‬ئ‬
‫هدن من روعك‪ ،‬سيكون كل ي‬‫ي‬ ‫ي‬
‫سؤاىل‪ ،‬نظر يىل نظرة استغراب فحسب‪.‬‬
‫ي‬ ‫لم َيجب السائق عن‬
‫لكنت كنت‬
‫ي‬ ‫لم اعرف ما حل به‪ ،‬كنت اعلم انه سيكون من قادة هذه الثورة‪،‬‬
‫رافضة للتفكت باألمر‪ ،‬يىل الف عذر وعذر لذلك‪ ،‬اريد رؤيته‪.‬‬
‫ً‬
‫كت (يعقوب)‪ ،‬وجدته مقفال وقد تم حرقه بالكامل‪،‬‬ ‫ذهبت اىل بيته بعد ان تر ي‬
‫ً‬
‫وجدت اثار ادخنة النتان حول نوافذ البيت وابوابه‪ ،‬قلقت عليه كثتا‪ ،‬أسأل‬
‫من عنه؟ كيف يىل ان اعلم اخباره؟ اين هو االن وقد مض عىل هذه الحادثة‬
‫اشهر عدة ؟ َلم قال لنا سائق االجرة ان مصته مجهول؟‬
‫ٌ‬
‫دعتت‬
‫ي‬ ‫أتت‪،‬‬
‫احتضتت وانهارت باكية حي ر ي‬
‫ي‬ ‫ذهبت اىل بيت (سارة) ألراها‪،‬‬
‫للدخول بعد ان بكينا عىل الباب بقدر سنوات صداقتنا‪ ،‬قدمت (لقمر‬
‫الصغتة) دمية ابتعتها لها من (لندن)‪ ،‬اخذتها من يدي وسارت بها وسقطت‬
‫ً‬
‫بثغر نادم‪ ،‬كانت الدمية‬
‫ٍ‬ ‫جعلتت ابتسم‬
‫ي‬ ‫ارضا‪ ،‬كانت فرحة بخطوات قدميها‪،‬‬
‫ً‬
‫اكت منها حجما‪.‬‬
‫ر‬
‫سألتها عن (احمد)‪ ،‬كان علمها كعلم سائق االجرة‪ ،‬إال انها اضافت بأن قوات‬
‫عسكرية اعتقلته من متله ثم ارصمت النار فيه‪ ،‬ومن تلك اللحظة بات‬
‫ً‬
‫مصته مجهوال‪.‬‬
‫ان من خالل الزجاج فقط‪،‬‬
‫تزورن يف المصحة لت ي‬
‫ي‬ ‫بمرض‪ ،‬كانت‬
‫ي‬ ‫كانت تعلم‬
‫حالت‬
‫ي‬ ‫رؤيت‪ ،‬كانوا يزودو ين بالمهدئات ويقولون عن‬
‫ي‬ ‫منعها الطبيب حينها من‬
‫يذكرن‬ ‫شء‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫عت كل ي‬‫عصت حاد من اثر صدمة‪ ،‬كان الطبيب يمنع ي‬ ‫ري‬ ‫بأنها انهيار‬
‫بأنت اعشقه لدرجة‬
‫الت اعيشها ليخفف من اثر الصدمة‪ ،‬كان ال يعلم ي‬
‫بحيان ي‬
‫ي‬
‫صمت‪ ،‬لم يكن اسمه‬
‫ي‬ ‫يستحال فيها ان انساه‪ ،‬كنت اقدس اسمه فاذكره وقت‬
‫عىل شفاه بقدر الصالة‪ ،‬كان ر‬
‫اكت منها‪.‬‬ ‫ي‬
‫بأنت سأسافر مع (يعقوب) اىل (لندن) من اجل‬
‫ي‬ ‫علم‬
‫كانت (سارة) عىل ٍ‬
‫يخت ين‬
‫بأنت سأمر بأوقات عصيبة‪ ،‬لم ر‬
‫ي‬ ‫اختها‬
‫اختها هو بذلك‪ ،‬ر‬
‫العالج‪ ،‬ر‬
‫الت‬
‫اختها بأن العملية ي‬
‫تت (سارة) بأنه ر‬
‫اخت ي‬
‫(يعقوب) عن ما قاله الطبيب‪ ،‬ر‬
‫حيان والسبب كان يكمن يف الكحول‬
‫ي‬ ‫سأجريــها ستكون لها خطر كبت عىل‬
‫شء‬‫ر‬
‫يخت ين (يعقوب) بأي ي‬
‫الت اعتدت عىل تناولها ألشهر‪ ،‬لم ر‬
‫والمخدرات ي‬
‫ليخيفت‪.‬‬
‫ي‬ ‫من هذا القبيل‬
‫وانا اجلس امامها ادركت عظمة (يعقوب) لواله لما انا االن عىل قيد الحياة‪،‬‬
‫ً‬
‫ادركت ايضا لما الطبيب لم يكمل كالمه حي دخلت عليه وهو يحاور‬
‫(يعقوب) ويقول له "كما اتفقنا"‬
‫بجعبت من اعذار لعله يغفر يىل‪ ،‬لن‬ ‫ئ‬
‫الشاط ألرسد للبحر ما‬ ‫ها انا اجلس عىل‬
‫ي‬
‫بأنت هجرته ألتجنب‬
‫ي‬ ‫يصدقت‬
‫ي‬ ‫اتوقف عن الكالم حت يهدأ موجه‪ ،‬حت‬
‫تضحيته‪.‬‬
‫داخىل مظلم‪.‬‬
‫ي‬ ‫ها انا اجلس بمفردي وكل ما يف‬
‫اين القدر والقمر؟‬
‫لياىل العشق َ‬
‫والس َ‬
‫حر‬ ‫ي‬
‫الموج ونسيم البحر‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫مملوء بالذكريات‪ ،‬مغىط بوشاح‬ ‫شء لم يكن كما كان عليه‪ ،‬مكانه خاليا‪،‬‬
‫كل ي‬
‫نلتق‪ ،‬اشتقت له‪.‬‬
‫الرحيل‪ ،‬لم اراه‪ ،‬لم نعد ي‬
‫جلست وبي يدي عدة ابيات وجدتها عىل باب مت يىل صباح اليوم‪ ،‬لم اعرف‬

‫ر ي‬
‫خروح صباح اليوم وجدتها اسفل الباب‪ ،‬كل ما يف داخلها‬ ‫مصدرها‪ ،‬عند‬
‫يفوح بعطره رغم انها كانت تخلو من العطر‪ ،‬كانت الكلمات كلماته‪ ،‬اعرف‬
‫طريقته عندما يكتب‪.‬‬
‫َ‬
‫تعت كل ما يريد قوله‪ ،‬كتب فيها ‪....‬‬
‫كانت فيها ابيات ي‬
‫كتت‬
‫تركت كل الكلمات حي تر ي‬
‫الحت واالوراق‬
‫حي سكن الصمت بي ر‬
‫هجرتت‬
‫ي‬ ‫هجرن الفرح حـيـن‬
‫ي‬
‫الشفاه والدمع يمكث االحداق‬
‫تبتسم ِ‬
‫رسمك عىل جدران عمري‬
‫ِ‬ ‫نقشت‬
‫العناق‬
‫خضك اثار ِ‬
‫ِ‬ ‫كما نقشت عىل‬
‫بعدك كما بغضتها‬
‫ِ‬ ‫حيان‬
‫ي‬ ‫بغضت‬
‫قبلك ‪ ..‬كــبغض ٍأم ألبـنـهـا العاق‬
‫ِ‬
‫اسم ‪ ..‬الـى ان‬
‫ي‬ ‫إن التقينا ال تذكري‬
‫حبيبت ‪ ..‬حلم هذا أم ِنفاق ؟‬
‫ي‬ ‫تعودين‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واقىع‬
‫ي‬ ‫صدقت أغنية قديمة ألكذب‬
‫تحرم الحب وتجلد القبالت واالشواق‬
‫انت اهذي وال اكتب ‪ ..‬فهل‬
‫اعلم ي‬
‫غيابك كم هو شاق‬ ‫َ‬
‫تعلمي ان تنفس‬
‫ِ‬
‫خذي الغد و أعيدي يىل األمس خذي‬
‫واعىط لجسدي التياق‬
‫ي‬ ‫جحودك‬
‫ِ‬ ‫ِسم‬
‫احبك مهما‬
‫ِ‬ ‫أحبك كما كنت وسأبق‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫قدمت السهد قـربانا ألوثان الفراق‬
‫لست‬
‫ِ‬ ‫وانت‬
‫مـوعـد لـقـاؤنـا ها قد أن ِ‬
‫انت ‪ ..‬وانا عىل العهد ال زلت باق‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫حديقة‬
‫ٍ‬ ‫ـطفل يجلس يف‬
‫بعدك ك ٍ‬
‫ِ‬ ‫اضحيت‬
‫ألطفال تلهو امامه ‪ ..‬وهو معاق‬
‫ٍ‬ ‫ينظر‬
‫تركها يىل هو‪ ،‬انا متأكدة من ذلك‪ ،‬أين هو االن؟ ان كان هو المرسل فأنه ال‬
‫يعشقت‪ ،‬انا عىل اتم يقي بأنها كلماته‪.‬‬
‫ي‬ ‫يزال‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫بحق حكما باالعدام‪ ،‬ينفذه بقطع االمل‬
‫ي‬ ‫يف كل دقيقة تمر‪ ،‬ينفذ الشوق‬
‫ألجىل‪،‬‬ ‫الت كتبها‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫بمقصلة عصور الوسىط‪ ،‬كانت حادة بأبيات ِشعره‪ ،‬تلك ي‬
‫علمتت كيف يكون االستلذاذ يف وضح النهار‪،‬‬
‫ي‬ ‫الت القاها يىل بشفتي‬
‫تلك ي‬
‫عندما كان موج البحر يتحرك مع القافية‪ ،‬كان اجمل من شعراء الجاهلية‬
‫بالرغم من معلقاتهم السبعة عىل جدار الكعبة‪.‬‬
‫الت كنت اتقرب فيها من جسده ِخلسة‬‫اشتقت لعطره‪ ،‬اشتقت لتلك االيام ي‬
‫شء‪ ،‬حي كان ِعطره‬ ‫ر‬
‫ألرتشف القليل منه‪ ،‬القليل منه كان كالكثت من كل ي‬
‫ئ‬
‫شاط (يافا) ألنصت اىل القصائد الدرويشية عىل الحان (مارسيل‬ ‫يأخذن اىل‬
‫ي‬
‫خليفة)‪.‬‬
‫ً‬
‫يذكرن بعد شجارنا‬
‫ي‬ ‫افتقدت (زياد) ايضا‪ ،‬سألت البحر عنه‪ ،‬هل ال زال‬
‫الكاف ألبحث عنه هو االخر‪ ،‬لم‬
‫ي‬ ‫عت؟ لم امتلك الوقت‬ ‫اض ي‬‫االخت؟ هل هو ر ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عت هو ايضا‪ ،‬بكل تأكيد كان منشغال‪ ،‬لم اراه منذ تلك الليلة المشؤومة‬
‫يسأل ي‬
‫الت رأيته فيها‪ ،‬لم اتجرأ عىل الذهاب اىل متله بسبب الحادثة االختة‪ ،‬ذهبت‬
‫ي‬
‫اىل المطعم فوجدت ان ادارته قد تغتت بالكامل‪ ،‬لم أسال عنه احد‪ ،‬اعتقد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الت حدثت مؤخرا‪.‬‬‫بأنه باع مطعمه وسافر تجنبا للفوض ي‬
‫اقداىم‪ ،‬اتعبته‬
‫ي‬ ‫مىع‪ ،‬لم يعد يقتب من‬
‫تعبت من الذكرى‪ ،‬تعب الموج ي‬
‫نسيانه‪ ،‬نسيان جماله‪ ،‬سيجارته‪،‬‬
‫ِ‬ ‫واتعبتت‪ ،‬كالنا غت قادر عىل‬
‫ي‬ ‫الذكرى‬
‫كيان لو نظر يىل‪ ،‬كان يعض كل قطرة انوثة‬ ‫ر‬
‫الت تبعت ي‬‫كلماته‪ ،‬نظراته‪ ،‬رجولته ي‬
‫ُ‬
‫اع‪.‬‬
‫احملها لو مسك ذر ي‬
‫اح‪ ،‬عدت وانا اجر اذيال القلق‪ ،‬ما هو مصته؟ اين هو االن؟‬ ‫عدت ادر ر ي‬
‫اتجنب التفكت يف ان يكون قد اصابه مكروه‪ ،‬اكاد احتق لو َمسه سوء‪ ،‬احتق‬
‫كما يحتق الجرم السماوي عند دخوله االرض‪.‬‬
‫تمكن الجيش من السيطرة عىل الطرقات والمدن بعد ان ر‬
‫انتشت المظاهر‬
‫عرن ر ئ‬
‫يلتج اىل االعراف العشائرية والقبلية يف‬ ‫المسلحة‪ ،‬نحن وكأي بلد ر ي‬
‫التباه بالشجاعة وتملك القرار وحيازة المصت متوافرة‬
‫ي‬ ‫غياب القانون‪ ،‬غريزة‬
‫عند الجميع‪ ،‬هذه جينات تنبثق لتكون واضحة للعيان يف كل منطقة تجمعها‬
‫العشتة الواحدة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫احيانا‪ ،‬نرى تمكن الدولة من حض السالح والقرار والمصت بيدها يف مركز‬
‫ً‬
‫قبىل فيها عادة‪ ،‬ولكننا نرى‬
‫مذهت او ي‬
‫ري‬ ‫عرف او‬
‫ي‬ ‫العاصمة لعدم وجود اي تكتل‬
‫ُ‬
‫تمكن زعيم القبيلة او العشتة ف المدن البعيدة عن انظار الدولة من ر‬
‫نش‬ ‫ي‬
‫ه لم تكن بعيدة بالفعل عن انظار الدولة‪ ،‬ولكن الدولة انشغلت بما‬
‫نفوذه‪ ،‬ي‬
‫يف العاصمة والمدن الحيوية من استثمارات وتركت اطراف الدولة لألعراف‬
‫القبلية‪.‬‬
‫ً‬
‫رأيت صنفا من هؤالء المسلحي قد تم تشكيلهم بحسب الدين‪ ،‬حمل‬
‫ً‬
‫السالح كل من كان بعمر الشباب بغية حماية مقدساته الدينية‪ ،‬كان قسما‬
‫يحم المساجد من الكنائس واخرين يحموا الكنائس من المساجد‪.‬‬
‫ي‬ ‫منهم‬
‫ديت للخروج والهتاف‪ ،‬هتف‬
‫كانت االرض خصبة ألي متعصب ومتطرف ي‬
‫ُ‬
‫وهو يخرج من جعبته عدة كتب تضمن دخوله الجنة‪ ،‬وعىل الجميع من‬
‫خارج ديانته التام الصمت واالبتعاد عن دار عبادته المكتظ بالسالح‪.‬‬
‫اما بشأن الصنف االخر فقد اغلق مدينته ألنها تابعة لقبيلة او عشتة ما‪ ،‬كان‬
‫ينتم لهم فهو مصدر شك‪ ،‬لذا س ِمح لهم بموجب ذلك حمل‬‫ي‬ ‫كل من ال‬
‫ً‬
‫الت عاثت يف جمال الوطن‬
‫السالح ايضا واالشتاك يف المظاهر المسلحة ي‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫واصبحت من سمات الرجولة ان يحمل كل سالحا‪.‬‬ ‫فسادا‬
‫الت تدين رئيس‬
‫وظيفت يف الجامعة‪ ،‬بعد ان قدمت كل الوثائق ي‬
‫ي‬ ‫عدت اىل‬
‫يوم أذهب فيه اىل الوظيفة‬
‫الجامعة السابق وزمرته‪ ،‬خرجت انيقة يف اول ٍ‬
‫طلبت‬
‫ي‬ ‫وه القاء المحارصات يف معبد العلم‪ ،‬عدت اىل‬
‫الت لطالما احببتها ي‬
‫ي‬
‫الذين احبهم لمجرد انهم ينصتون يىل بغض النظر عن دياناتهم وقومياتهم‬
‫ومذاهبهم‪ ،‬عدت اىل ما كنت استحق‪.‬‬
‫بعد ان تمكن الجيش من مسك زمام االمور‪ ،‬تم االتفاق بي االحزاب عىل‬
‫تشكيل حكومة مؤقتة من اجل اجراء انتخابات تمكن الشعب من اختيار‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حكومة تمثله‪ ،‬كان االمر صعب يف بادئ االمر‪ ،‬ولكنه االن اصبح يستا لعودة‬
‫الت تمت حيازتها خارج‬
‫فرض القانون من قبل الجيش ومصادرة كل االسلحة ي‬
‫نطاق الجهات االمنية يف الدولة‪ ،‬عاد االمان لمدينتنا وكل ارجاء الوطن‪،‬‬
‫ضال حدوده‬
‫ٍ‬ ‫الت اعتدنا عىل رؤيتها‪ ،‬التم كل‬
‫عادت تلك الحياة الطبيعية ي‬
‫يخش القانون ويتجنب مخالفة قواعد‬ ‫ر‬ ‫الت فقدها ألشهر قليلة‪ ،‬عاد الكل‬
‫ي‬
‫المرور‪.‬‬
‫ً‬
‫الحاىل‪ ،‬مستندا اىل عدم‬
‫ي‬ ‫رض بالوضع‬
‫ظهر تنظيم يعلن (الجهاد) عىل كل من ي‬
‫ررسعية االنقالب وخيانة الجيش لواجبه‪ ،‬استمدوا ررسعيتهم من بعض رجال‬
‫الدين الذي تضرت حساباتهم المضفية من جراء سقوط النظام‪ ،‬افتوا‬
‫بوجوب الجهاد واستعادة الحكم والقض الذين كانوا يتقاضون منه رواتبهم‬
‫وهداياهم‪.‬‬
‫ً‬
‫كان بالمقابل ايضا وجود نصائح من اساقفة الكنائس بحرمة االنتماء للحزب‬
‫ات تحض الدين يف بيوت الدين وتستمد قوانينها‬‫اىل او ما شابهه من تيار ٍ‬
‫الليت ي‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫الت تتكون من رحم المجتمع يف كل زمان‬‫من القواني الوضعية‪ ،‬تلك القواني ي‬
‫ومكان‪ ،‬ال قدسية لقراراتها إذا انتفت الحاجة منها‪ ،‬افتوا بحرمة تأييد هذا‬
‫الفكر ألنه لم يتطرق اىل التكفت والقتل‪.‬‬
‫للمقاه يف العاصمة‪،‬‬
‫ي‬ ‫عادت دوائر الدولة للعمل‪ ،‬عادت الحياة السياسية‬
‫الت تصدرها تلك‬
‫انشغل الشعب بقراءة المستقبل من خالل االشاعات ي‬
‫ُ‬
‫الت يرتادها الصحفيي والكتاب والسياسيي الصامتي باألمس‪ ،‬لم‬
‫المقاه ي‬
‫ي‬
‫يفكر الشعب يف كيفية التعامل مع انتخابات جديدة من دون اكراه‪ ،‬كان‬
‫يبحث عن االشاعات من كل حزب بأنه هو الذي سيكون الحاكم يف االيام‬
‫المقبلة دون ان يفكر للحظات كيف يضع الضوابط الالزمة يف دستور الدولة‬
‫ً‬
‫لك يكون الرئيس ملزما بما يقوله الشعب وليس العكس‪.‬‬
‫ي‬
‫ان يف كلية العلوم السياسية‪،‬‬
‫اعادة كتابة الدستور‪ ،‬كانت من اوىل محارص ي‬
‫طلبت لساعات عدة‪ ،‬كيف يمكنهم توعية الشعب بأن اعادة كتابة‬
‫ي‬ ‫بحثت مع‬
‫الدستور اوىل من التكهن بمستقبل الحكومة‪ ،‬كان من المفروض ان تعاد‬
‫َ َ‬
‫صياغة كل بند كبت الشعب ورسق قوته‪ ،‬كان الدستور السابق يقايض‬
‫الشعب بأمواله مقابل حريته‪ ،‬كان مقصد كل بند فيه يقول للشعب "اعطنا‬
‫حريتك يك نمنحك العيش"‬
‫طلبت يك امنحهم حق التفكت والبحث‪ ،‬ومن خالل‬
‫ي‬ ‫تداولت الحديث مع‬
‫الحديث ‪...‬‬
‫اىل احق بالحكم‪ ،‬فالشعب ذاق المر‬ ‫قال احد الطلبة‪ :‬ارى بأن الحزب ر‬
‫الليت ي‬
‫من االحزاب الدينية‪ ،‬وال سيما واننا رأينا كيف اكتظت الكنائس والمساجد‬
‫بالسالح حال سقوط النظام‪ ،‬الفتة القادمة تقلقنا ر‬
‫اكت من السابقة‪ ،‬ألن يف‬
‫السابق كان الدين من اجل كسب ود الناس للحاكم الذي كان يحكم وفق‬
‫مجلس ي رشع القواني الوضعية مغطاة بالدين من اجل رسقة الشعب‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫فحسب‪ ،‬اما االن‪ ،‬اذا حكمت االحزاب الدينية المتطرفة للدين فعال وكان‬
‫ُ‬
‫تكوينها ألجل دين او مذهب معي فأنها ستحكم وفق كتبها ولن ترض‬
‫تناف‬
‫الت ي‬‫الوضىع‪ ،‬حينها سيتوجب علينا االلتام بكتبها القديمة ي‬
‫ي‬ ‫بالقانون‬
‫بعضها البعض وكل دين فيها يكذب الدين الذي قبله والذي جاء بعده"‬
‫ً‬
‫الحاىل بالسابق‪ ،‬ان استمر تكتل ألفراد‬
‫ي‬ ‫كان كالمه منطقيا‪ ،‬انه يقيس الظرف‬
‫نش ان‬
‫الشعب وفق الدين فأن االمر سيكون العن من الحكم السابق‪ ،‬ولكنه ي‬
‫بديه‪ ،‬ألن يف المجتمعات العربية يكون من المعيب ان‬ ‫ر‬
‫الشء‬
‫ي‬ ‫يقول ان هذا ي‬
‫العزة‪ ،‬هكذا‬ ‫ر‬
‫لشء يشعره بالقوة او ِ‬
‫ينتم ي‬
‫ي‬ ‫يكون االنسان لوحده دون ان‬
‫نشأت المجتمعات العربية منذ قرون‪ ،‬ما ان يتفكك اي تكتل فيها بغض‬
‫النظر عن حيثيات تكوينه قبلية كانت او عشائرية او دينية او مذهبية او‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لتجمع جديد‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫عرقية او قومية إال ونجدهم يتبنون اسما جديدا‬
‫خالل نقاشنا‪ ،‬ذكر احدهم اسم (احمد)‪ ،‬تحدث عن شجاعته يف اشعال فتيل‬
‫التاىل‪ ،‬ذكرت‬
‫ي‬ ‫وف تحفت كافة فئات الشعب عىل التظاهر يف اليوم‬
‫الثورة‪ ،‬ي‬
‫اىل‪ ،‬من خالل ذلك‬
‫الليت ي‬
‫طالبة اخرى بأنها كانت تراه يف تجمعات الحزب ر‬
‫اجابت بأن‬
‫ي‬ ‫سألت الطالب الذي ذكر اسم (احمد) عن مصته واين هو االن؟‬
‫الكل ال يعلم‪.‬‬
‫ً‬
‫فكرت إن كان معتقال يف السجون السياسية فأن الجيش قد اخىل كل هذه‬
‫السجون ولم يعد هنالك إال من كانت عليه تهمة جنائية‪ ،‬ورغم ذلك امر‬
‫الت صدرت‬
‫القائد العام للجيش بالتيث بأحكام االعدام لتدقيق كل االحكام ي‬
‫الت طالت كل‬ ‫والت جاءت متامنة مع حملة االعتقاالت ي‬ ‫ي‬ ‫يف الفتة االختة‬
‫ً‬
‫وبالتاىل‪ ،‬فمن المؤكد انه‬
‫ي‬ ‫المعارضي منذ بدء االنتخابات وصوال اىل شجاعته‪،‬‬
‫عىل قيد حياة‪ ،‬وال يريد ان يظهر االن ألن السجون قد تم اخالؤها خالل‬
‫يومي بعد االنتفاضة بعد ان انهزم الرئيس ووزراؤه عىل مي طائرة واحدة‬
‫يمكنت‬
‫ي‬ ‫الت نوت اكل لحم جسده‪ ،‬ولكن اين‬
‫للخالص من انياب الشعب ي‬
‫ايجاده ؟‬
‫الصبا‪،‬‬
‫اشتقت ألجلس مع (سارة) يف المقه الذي اعتدنا عىل ارتياده منذ ِ‬
‫بقينا نحن ولم يبق هو‪ ،‬تم غلق المكان من قبل صاحبه دون أن نعلم‬
‫ً‬
‫نلتق نحن‬‫ي‬ ‫السبب‪ ،‬حددنا مكان اخر والتقينا فيه‪ ،‬كنا سعداء جدا‪ ،‬كنا‬
‫َ َ‬
‫جلبت معها (قمر الصغتة) لتلعب حولنا‪ ،‬تكلمنا‬ ‫االثنتي واالن اصبحنا ثالثة‪،‬‬
‫عن ما فاتنا من حديث‪ ،‬حدثتها عن ما مر ر ين‪ ،‬حدثتها عن كل اآلالم واليأس‬
‫بتت السماء‬
‫الذي احاط ر ين‪ ،‬كنت عىل وشك الموت لوال (يعقوب) الذي وه ي‬
‫إياه‪.‬‬
‫جاء النادل وقدم لنا القهوة ‪..‬‬
‫قهوتك القديمة‪ ،‬كنت ال توافقي ان تسم (قهوة)‬
‫ِ‬ ‫سألتت (سارة)‪ :‬أتذكرين‬
‫ي‬
‫أيك ألجل الحب ؟‬‫عدلت عن ر ِ‬
‫ِ‬ ‫مذاق مر‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫إال ان كانت ذا‬
‫ً‬
‫عيت‪ ،‬استحضت ذلك الموقف الذي لم يغيب عن خاطري ابدا‪ ،‬ما‬ ‫اغلقت ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اجمل ذكرياتنا‪ ،‬ظلمته كثتا‪ ،‬كما احببته كثتا‪ ،‬انا بحاجته االن‪ ،‬بحثت عنه‬
‫والندم ير ِافق يت اىل كل مكان‪ ،‬لم اسمع عنه سوى اإلشاعات‪ ،‬لم اعرف له‬
‫ً‬
‫طريقا‪.‬‬
‫ً‬
‫حي جاء النادل نظرت اىل وجهه‪ ،‬ابدى وكأنه مألوفا يىل‪ ،‬قدم لنا القهوة‬
‫وذهب‪ ،‬وانا اتبادل الحديث مع (سارة) تذكرت انه كان يعمل يف مطعم‬
‫(زياد)‪ ،‬رأيته هناك ف اخر ٌ‬
‫لقاء يىل مع (زياد)‪ ،‬هو الذي جلب القهوة اىل (زياد)‬ ‫ي‬
‫ُ‬
‫بعد ان اسكبها عىل االرض بسبب غضبه‪ ،‬حي كنا ننصت اىل االخبار العاجلة‬
‫يف التلفاز‪ ،‬انا متأكدة من ذلك‪.‬‬
‫ناديته‪ ،‬وقف بالقرب من طاولتنا ويداه خلفه ‪..‬‬
‫سألته‪ :‬مت باع السيد (زياد) مطعمه؟ هل تعلم اىل اين سافر؟‬
‫اخت ين بأن (زياد) قد قتل !!‬
‫ر‬
‫ً‬
‫اخت ين بأن (زياد) قتل وسط ظروف‬‫لم اكن اتوقع ذلك‪ ،‬تألمت كثتا‪ ،‬ر‬
‫ً‬
‫غامضة‪ ،‬كان عائدا اىل متله بعد منتصف الليل وقد اصطف بسيارته بالقرب‬
‫معت بعدها اصوات اطالق نار‪ ،‬خرج الجميع فوجدوه يلتقط‬‫من متله‪ ،‬س َ‬

‫شء‪.‬‬‫ر‬
‫انفاسه االختة‪ ،‬لم يتمكن من قول ي‬
‫يعرفت‬
‫ي‬ ‫اخت ين عن تفاصيل الحادث ألنه‬‫يخت ين عن السبب‪ ،‬بل حت انه ر‬‫لم ر‬
‫اخت ين بأن‬ ‫ر‬
‫شاهدن اكت من مرة وانا ازوره‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫عالقت الوطيدة (بزياد)‪،‬‬
‫ي‬ ‫ويعرف‬
‫كل من حولهم ال يتكلمون يف تفاصيل الحادث ألن اسباب مقتله غامضة‪،‬‬
‫وظل ذويه يتهمون اي شخص يتكلم عن تفاصيل الحادث‪ ،‬كانوا يتهمون كل‬
‫من يملك معلومات حت وإن كانت غت صحيحة ألنهم بحاجة اىل (المتهم)‬
‫يجيب عىل استفساراتهم‪.‬‬
‫الت كانت ترتاد‬ ‫ر‬
‫منهم من قال ان سبب اغتياله هو كت الوفود الحكومية ي‬
‫مطعمه‪ ،‬وبسبب نجاحه ف اآلونة االختة ر‬
‫كتت بحقه االشاعات بأنه من احد‬ ‫ي‬
‫االعضاء المهمي يف الحزب الحاكم‪ ،‬فأراد البعض قتله كما قتلوا الكثت من‬
‫قيادي اىل الحزب الذين لم يتمكنوا من الهرب بعد االنتفاضة‪ ،‬وقال البعض‬
‫االخر بأن الذي قتله هو من ذوي النادل الذي تشاجر معه (زياد) واتهمه بأنه‬
‫رسقه لالنتقام ألبنهم الذي تم الحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اخت ين ايضا بأن ذوي هذا النادل سبق وأن جاءوا إليه وقدموا له امواال بقدر‬
‫ر‬
‫ما ادع انه رسقت منه‪ ،‬ولكنه رفض‪.‬‬
‫رحل (زياد) وانا كنت عىل امل ان القاه‪ ،‬ظننت انه رحل اىل مدينة اخرى‪،‬‬
‫الت حلت بها‪ ،‬لم اظن انه‬
‫ظننت انه ابتعد عن العاصمة بسبب الفوض ي‬
‫رحل عن االرض بأكملها‪ ،‬كنت ابحث عنه عىل االرض واالمر يتطلب فتح‬
‫اخت ين النادل بأن اقاربه اخذوه‬
‫ازرار السماء‪ ،‬حت رقته لم يعد يف العاصمة‪ ،‬ر‬
‫ً‬
‫ودفنوه عند مسقط رأسه بعيدا عن العاصمة‪.‬‬
‫َ‬
‫يوم قضيته معك‪ ،‬لك رحمة الرب‬ ‫صديق العزيز‪ ،‬افتقدك وافتقد كل ٍ‬
‫ي‬
‫وغفرانه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اىل مقرا كبتا‬
‫الليت ي‬
‫بعد ان استوىل عىل مقر الحزب السابق‪ ،‬اصبح للحزب ر‬
‫وسط العاصمة‪ ،‬كنت ارتاد ندواته ذريعة لقاء بعض االصدقاء ألبحث عن‬
‫(احمد)‪ ،‬كان هنالك العديد من الصحفيي الذي كانوا يكتبون المقاالت يف‬
‫يجيبت احد‪ ،‬الجميع‬
‫ي‬ ‫الت كنت اعمل بها يف السابق‪ ،‬سألت عنه ولم‬‫الجريدة ي‬
‫ً‬
‫يجيبت بأن ال احد يعلم عنه شيئا‪.‬‬
‫ي‬ ‫كان‬
‫البعض يقول بأنه اختق ألن اتباع الحزب السابق يرومون لقتله والسيما وان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ال زال لهم نفوذا قويا من خالل االغتياالت محاولي العودة اىل دفة الحكم‪،‬‬
‫البعض االخر كان يقول أنه قتل وخفيت جثته‪ ،‬اخرون قالوا بأنه اختق لحي‬
‫اعالن موعد االنتخابات وان مسألة اختفاءه ستيد من التساؤالت حول‬
‫الت اكتسبها حي اشعل‬
‫وبالتاىل ستداد شهرة باالضافة اىل الشهرة ي‬
‫ي‬ ‫موقفه‬
‫لهيب الثورة‪ ،‬لتشح نفسه يف االنتخابات بقوة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اىل‪ ،‬بدأت احض كل‬
‫الليت ي‬
‫سعيا للبحث عنه‪ ،‬قدمت طلبا لالنتماء اىل الحزب ر‬
‫اىل بعد ان انضوت تحت‬‫الليت ي‬
‫الت ينظمها الحزب ر‬ ‫االجتماعات والندوات ي‬
‫ً‬
‫مبادئه كثتا من االحزاب حديثة التشكيل والمؤمنة بالعلمانية‪ ،‬كنت احض‬
‫تنته بساعة‪ ،‬لم‬
‫ي‬ ‫اىل كل ندوة قبل ساعة من بدء موعدها واغادر بعد ان‬
‫يظهر (احمد)‪ ،‬كنت ابحث عنه بي حوارات الحارصين‪ ،‬بي كالمهم لو‬
‫ً‬
‫همسا فأنت َا َ‬
‫هم بقراءة حركة شفاههم‬ ‫ي‬ ‫تشاوروا فيما بينهم‪ ،‬حت وان تكلموا‬
‫للبحث عنه‪.‬‬
‫الت كنت اعمل بها‪ ،‬القيت التحية‬
‫رأيت ذات يوم رئيس تحرير الصحيفة ي‬
‫ً‬
‫استقالت من العمل يف تحرير‬
‫ي‬ ‫عليه بلهفة اكراما للدرع الذي اهداه يىل عند‬
‫استقالت‬
‫ي‬ ‫سألت عما مررت به بعد‬
‫ي‬ ‫تحيت بكل حرارة‪،‬‬
‫ي‬ ‫االخبار السياسية‪ ،‬تقبل‬
‫من الجريدة‪ ،‬حدثته عن ما جرى بشكل موجز‪.‬‬
‫كان لقاؤنا قبل بدء الندوة بقليل‪ ،‬اضطررنا اىل انهاءه عىل عجل ‪...‬‬
‫ُ‬
‫يسعدن‬
‫ي‬ ‫وانا اصافحه‪ ،‬قلت له‪ :‬انا بحاجة اىل التكلم معك بشأن موضوع ما‪،‬‬
‫لو سمحت يىل ببعض الدقائق بعد انتهاء الندوة‪.‬‬

‫اجابت‪ :‬بكل رسور يا قمر‪ ،‬ي‬


‫كون بانتظاري‪.‬‬ ‫ي‬
‫التقيت به بعد انتهاء الندوة‪ ،‬تكلمنا يف بادئ االمر عن اهداف الحزب وخطته‬
‫المستقبلية وال سيما وان الكل عىل اهب االستعداد لالنتخابات وعىل اهب‬
‫الحتة من المرشحي وكيف سيتم اختيارهم‪ ،‬طال الحديث بيننا حول‬
‫الت ستطرأ عىل‬ ‫الممتات والمساوئ للتحالفات مع االحزاب وما االثار ي‬
‫ُ‬
‫استاتيجية الحزب بعد هذه التحالفات‪ ،‬وماهية الخطر بي تبنيهم للعلمانية‬
‫ٌ‬
‫االنتخان‪ ،‬منتهزين فرصة بغض‬
‫ري‬ ‫الحقيقية و بي اتخاذها ذريعة للتشيح‬
‫الشعب لألحزاب الدينية من جراء تجربتهم االختة والذي اخذت من تاري ــخ‬
‫الوطن ُالمعارص ر‬
‫عشات االعوام‪.‬‬
‫بأنت اود ان اقدم‬
‫ي‬ ‫اختته‬
‫كانت لدي بعض الخطط تكلمت معه بشأنها‪ ،‬ر‬
‫للحزب بحوث مصغرة بصدد ما ذكرت‪ ،‬وبأمكان الحزب االطالع عليها كما‬
‫ً‬
‫الحاىل طمعا‬
‫ي‬ ‫الت وضعتها من اجل النهوض بالواقع‬
‫بأمكان مناقشة الحلول ي‬
‫ي‬
‫يف مستقبل يخلو من االخطاء‪.‬‬
‫ً‬
‫هنالك العديد من االخطاء ارتكبها ويرتكبها اعضاء الحزب حاليا وكأنهم واثقي‬
‫اكتهم يحاولون كسب ود‬ ‫من انهم سيكتسحون االنتخابات بأغلبية ساحقة‪ ،‬ر‬

‫الشعب من خالل انتقادهم لألديان او السخط من اعتناقها‪ ،‬انهم يبتعدون‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫العلمان‪ ،‬هم االن يتحالفون ويقبلون عضوية أيا كان ظنا بأن‬
‫ي‬ ‫كثتا عن المنهج‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫كتة عددهم سيمنحهم اصواتا يف االنتخابات المقبلة‪ ،‬هذا الحزب قدم كثتا‬
‫من التضحيات عىل مدى سنوات‪ ،‬يجب عىل قياداته االن وضع األسس‬
‫ُ‬
‫الصحيحة لبناء دولة وليس االتكال عىل الحقد بي التدين والكفر‪.‬‬
‫ُ‬
‫منت الندوات ليقول‪" :‬ان من اسس االيمان‬
‫يعتىل ر‬
‫ي‬ ‫يف االمس‪ ،‬رأيت احدهم‬
‫ليتالية مسيحية‬
‫نش انه يوجد هنالك ر‬
‫بالليتالية هو الكفر بكل االديان" لكنه ي‬
‫ر‬
‫وليتالية يهودية ظهرت ما بي القرن الثامن ر‬
‫عش والتاسع‬ ‫وليتالية اسالمية ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫عش‪.‬‬
‫َ‬ ‫ئ‬
‫انتهان من ما َوددت قوله‬
‫ي‬ ‫وانا اتكلم معه لم تفارق االبتسامة وجهه‪ ،‬عند‬
‫كتق ‪..‬‬
‫وضع يده عىل ي‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫قال يىل‪ :‬انا فخور بك‪ ،‬تأكدت من ِ‬
‫انك متمتة منذ ان كنت اطلع عىل نصوص‬
‫الت تحررينها‪ ،‬تمتلكي العديد من مراكز قوة يف مخيلتك السياسية‪،‬‬
‫االخبار ي‬
‫السياش‪ ،‬هل‬
‫ي‬ ‫لك نظرة تحليلية منطقية يف قراءة المستقبل‬
‫كانت وما زالت ِ‬
‫عنك؟ كنت‬
‫مكانك ِ‬
‫ِ‬ ‫غادرت الصحيفة وانا احدث كل من شغل‬
‫ِ‬ ‫تعلمي منذ ان‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫بك‪ ،‬كنت اقول لهم دوما ان االنسة (قمر) تتحرر االخبار من‬
‫اعلمهم االقتداء ِ‬
‫خت دون االعتماد عىل‬ ‫ر‬
‫لتنشه بشكل ر‬ ‫دون االنتماء‪ ،‬كانت تستقرأ الحدث‬
‫ولك الفضل الكبت يف زيادة مبيعاتنا رغم وجود القمع‬ ‫االعالىم‪ِ ،‬‬
‫ي‬ ‫التأويل‬
‫ً‬
‫بفضلك لم تتمكن الحكومة السابقة من اتهامنا بأننا نميل فكريا اىل‬
‫ِ‬ ‫انذاك‪،‬‬
‫المعارضة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫ولكنت ارى بأن العمل‬
‫ي‬ ‫حق‪،‬‬
‫شء انت استاذنا يف العمل الص ي‬ ‫قلت له‪ :‬قبل كل ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الصحق يجب ان يكون خاليا من التفاؤل والتملق‪ ،‬كثتا ما نرى التفاؤل يقتل‬
‫ي‬
‫ً‬
‫الصدق يف العديد من االخبار‪ ،‬وكثتا ما نرى عنض التفاؤل يضع المواد‬
‫السياش‬
‫ي‬ ‫المخدرة يف عقول الشعب‪ ،‬ألنه يتجم الحدث او التضي ــح‬
‫الخت عن‬
‫ر‬ ‫للمسؤولي يف الحكومة بما يراه يف مصلحة البلد‪ ،‬حت وان كان‬
‫خته ويقول‬
‫انتاج مفاعل نووي وسط العاصمة‪ ،‬ما يلبث إال وان يضيف يف ر‬
‫"عش وان يكون هذا يصب يف مصلحة البلد يف المستقبل" اما عن التملق‬
‫خالله اعتمد الكثت من‬
‫ِ‬ ‫فهو االخر نشأ مع نشوء المحاصصة الصحفية‪ ،‬ومن‬
‫الحكوىم من‬
‫ي‬ ‫الصحفيي عىل التملق من اجل اعالء شأنهم‪ ،‬او لكسب الود‬
‫اجل الهدايا المادية من جهة او لدرء مخاطر االعتقال من جهة اخرى‪ ،‬يف بالد‬
‫العرب يجب عىل الصحافة ان تأخذ دور االشعة السينية يف كشف الحقائق‪،‬‬
‫الخت ذاته يكق لي َ‬ ‫ً‬
‫خاليا من الزيف‪َ ،‬‬
‫خيب‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫فالزيف يف‬ ‫الخت‬
‫ان يكون تحرير ر‬
‫امالنا‪.‬‬
‫ترشيحك من ِق َب يىل لتأس احدى‬
‫ِ‬ ‫قال يىل‪ :‬قمر‪ ،‬ارجو ِ‬
‫منك عدم االعتاض لو تم‬
‫اللجان الخاصة بالحزب‪ ،‬أننا بحاجة اليك ضمن قيادات الحزب‪ ،‬سنحدد يف‬
‫القريب االجل االعضاء الجدد للمجلس التنفيذي ورؤساء اللجان الخاصة‬
‫بنفش لرئاسة اللجان االعالمية‪ ،‬نحن بحاجة اىل عقلية‬
‫ي‬ ‫بالحزب‪ ،‬سأرشحك‬
‫ً‬
‫اكت‬
‫تمثىل الحزب الذي بات ر‬
‫ي‬ ‫كونك تستحقي ان‬‫ِ‬ ‫كعقليتك‪ ،‬فضال عن‬
‫ِ‬ ‫فذة‬
‫تقبىل‬
‫ي‬ ‫كالمك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫حزب يف بالد‪ ،‬ستداد عدد المنتمي لنا اضعاف لو انصتوا اىل‬
‫ً‬
‫نلتق يف وقت قريب جدا‪.‬‬
‫ي‬ ‫تحيت‪ ،‬وآمل أن‬
‫ي‬
‫يصافحت ليذهب تشبثت بكف يده‪ ،‬لم انفك عن مصافحته ‪...‬‬
‫ي‬ ‫وهو‬
‫تجيبت‪ ،‬اين (احمد)؟ ارجوك‪ ،‬ال‬
‫ي‬ ‫قلت له‪ :‬سيدي الفاضل كل ام يىل منك ان‬
‫تقل يىل بأنك ال تعلم كعامة الناس‪ ،‬انت عىل عالقة شخصية به باالضافة اىل‬
‫العالقة المهنية الت تربط بينكما منذ ان كان ر‬
‫ينش مقاالته يف صحيفتكم‪ ،‬انت‬ ‫ي‬
‫من القيادين البارزين يف الحزب‪ ،‬من المؤكد انك تعلم‪ ،‬اين هو؟‬
‫ً‬
‫تقلق‪ ،‬هو عىل قيد الحياة وبصحة جيدة‪ ،‬وكل قيادات‬‫ي‬ ‫اجابت مبتسما‪ :‬ال‬
‫ي‬
‫ً‬
‫الحزب مهتمة به‪ ،‬إال اننا نمنعه من الخروج حفاظا عىل سالمته‪ ،‬يف الحزب‬
‫الت تود االنضمام لنا‪ ،‬وانت‬
‫العديد من الوجوه الجديدة والعديد من االحزاب ي‬
‫ترين التحالفات عىل كل قدم وساق‪ ،‬نحن ال نعلم مصداقية المنضمي لنا‬
‫ألننا ال زلنا يف فتة االنتصار وانت تعلمي ان المنتض يف بالد العرب يحاط‬
‫باالتباع بغض النظر عن ماهيته‪ ،‬االلتفاف الذي حولنا االن يخيفنا‪( ،‬ألحمد)‬
‫الفضل الكبت يف هذا االنتصار‪ ،‬لوال شجاعته لما قامت الثورة‪ ،‬الكل يريد منه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫االنضمام إليه‪ ،‬اصبح (احمد) بطال ثوريا يستحق كل االحتام والتقدير‬
‫الحجر لنضمن سالمته اىل ان يكون‬ ‫والشهرة‪ ،‬وألننا نخاف عليه وضعنا عليه َ‬

‫الحزب عىل بينة من تكتالته الجديدة‪ ،‬ونعلم من كان يؤمن بتطبيق العلمانية‬
‫ستعتىل‬
‫ي‬ ‫تقلق‪ ،‬سيخرج يف الوقت القريب‪ ،‬سيكون رمزنا‪،‬‬
‫ي‬ ‫ممن يدعيها‪ ،‬ال‬
‫حبه لوطنه‪ ،‬ال من اجل‬
‫ِ‬ ‫صوره شعاراتنا‪( ،‬احمد) شجاع وثائر وصادق يف‬
‫مصالحه الشخصية‪ ،‬انت تعرفينه حي كان ر‬
‫ينش مقاالته يف صحيفتنا انذاك‪،‬‬
‫بأنك ستعجبي به لو‬
‫ِ‬ ‫ولكنت متأكد‬
‫ي‬ ‫اعتقد بأنكما التقيتما مرة او مرتي‪،‬‬
‫تحدثت معه‪ ،‬انه انسان يستحق التقدير‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫أياىم‪ ،‬ال يعلم بأنه لو دل يت عىل مكانه االن‬
‫ئت ي‬ ‫يتمت يىل لقاءه !! ال يعلم بأنه ر ي‬
‫ً‬
‫بأنت‬
‫ي‬ ‫موقىع هذا ألذهب إليه ندما‪ ،‬كان يظن‬ ‫ي‬ ‫كبت من‬‫فأنت سأجثو عىل ر ي‬ ‫ي‬
‫ابحث عنه كـثائر‪ ،‬ال يعلم بأنه (رفيق الروح)‪.‬‬

‫قلت له‪ :‬أال تد ي‬


‫لت عىل مكانه او رقم هاتفه؟‬
‫تقلق‪ ،‬يتطلب االمر بضعة ايام ليستد صحته‪،‬‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬ستينه يا قمر‪ ،‬ال‬
‫سيكون وسطنا‪ ،‬بل سيكون قائدنا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هل اصابه مكروه؟‬
‫قال‪ :‬كال‪ ،‬انه سليم ولكنه تعرض لالعتقال والسجن أليام‪ ،‬تعرض متله اىل‬
‫االعتداء والحرق‪ ،‬اصيب بكدمات من جراء التعذيب‪ ،‬الجيش الذي انشق‬
‫عن الحكومة احتاج اىل ايام ليتمكن من االفراج عن السجناء السياسيي الذي‬
‫قبعوا يف سجون رسية كان من االستحالة الوصول لها‪.‬‬
‫ً‬
‫رن هاتفه المحمول‪ ،‬وهو يخرجه من جيبه ابتسم وحرك حاجبيه تعجبا ‪..‬‬
‫قال‪ :‬استأذ ِ‬
‫نك لدقائق‪ ،‬لدي اتصال مهم من (هشام) احد اهم الثائرين مع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫(احمد)‪ ،‬اكن له كل الحب‪.‬‬
‫قلت له‪ :‬هل تقصد (هشام ال الحاج)؟‬
‫قال‪ :‬نعم هو‪ ،‬أتعرفينه؟‬
‫قلت‪ :‬نعم اعرفه‪.‬‬
‫اتصل (هشام) ليخته ب رشء‪ ،‬لم يتكلم به اماىم‪ ،‬اجابه ر‬
‫بكتة بكلمة (نعم)‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ر‬
‫ينته االتصال طلبت منه ان احادثه‪ ،‬اعىط يىل الهاتف‪.‬‬
‫ي‬ ‫وقبل ان ال‬
‫ً‬
‫قلت‪ :‬كيف حالك يا (هشام)؟ حمدا للرب عىل سالمتك‪.‬‬
‫ً‬
‫انت؟‬
‫لك‪ ،‬من ِ‬ ‫قال يىل‪ :‬شكرا ِ‬
‫قلت‪ :‬انا (قمر)‪.‬‬
‫حالك؟‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬قمر !! كيف‬
‫ً‬
‫ودمع عال ‪....‬‬
‫ٍ‬ ‫بصوت منخفض‬
‫ٍ‬ ‫التفت قليال ألتكلم معه‬
‫اعطت عنوانه؟‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬لست بخت‪ ،‬انا بحاجة اىل رؤية (احمد)‪ ،‬اين هو االن؟‬
‫هل هو بخت؟‬
‫بأنك تودين االتصال به‪.‬‬
‫سأخته ِ‬
‫ر‬ ‫قال يىل‪ :‬ال ي‬
‫تبىك‪ ،‬هو بخت االن‪،‬‬
‫بأنت‬ ‫قلت‪ :‬المهم ان يكون بخت‪ ،‬سأنتظره قدر ما استطعت‪ ،‬ارجوك ر‬
‫اخته ي‬
‫بأنتظاره‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫تقلق‪،‬‬
‫ي‬ ‫ليلة‪ ،‬ولكن ال‬
‫خذلته يا قمر؟ ظل يهذي بأسمك يف كل ٍ‬
‫ِ‬ ‫لما‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫بأنك‬
‫اخته ِ‬
‫رجعت اىل الوطن‪ ،‬وسيفرح اكت حي ر‬
‫ِ‬ ‫انك‬
‫سيفرح كثتا حي يعلم ِ‬
‫بأنتظاره‪.‬‬
‫يمكنت التحدث معه االن؟‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬هل‬
‫ً‬
‫هاتق االن‪.‬‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬كال‪ ،‬هو ليس بقر ر ين االن‪ ،‬سأكلمك انا شخصيا‪ ،‬دو ين رقم‬
‫شء‬‫ر‬
‫هاتفه‪ ،‬اعدت كل ي‬
‫ِ‬ ‫حقيبت اليدوية قصاصة ورق وكتبت رقم‬‫ي‬ ‫اخرجت من‬
‫اتصاىل به‪.‬‬
‫ي‬ ‫حقيبت حال ان انهيت‬
‫ي‬ ‫اىل‬
‫ً‬
‫الت كانت تخيف صحوي‬ ‫فرحت جدا‪ ،‬هو عىل قيد الحياة‪ ،‬تلك الكلمة ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫امنيان للقائه‪َ ،‬مر‬
‫ي‬ ‫لكوابيش وقتا كافيا لتسحق‬
‫ي‬ ‫احالىم وتمنح‬
‫ي‬ ‫ومناىم‪ ،‬تخيف‬
‫ي‬
‫انقذن بهذا‬
‫ي‬ ‫وقت مر‪ ،‬كنت عىل وشك ان اعود اىل المخدرات لوال ان الرب‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يهبت الفرح‪ ،‬سأنتظره براحة الظن‪.‬‬
‫ي‬ ‫الخ رت‪ ،‬ها هو القدر يعيد يىل االمل‪ ،‬ها هو‬
‫يجبت احد‪ ،‬بقيت‬
‫ي‬ ‫زودن ِبه (هشام) لم‬
‫ي‬ ‫انتظرت أليام ثم اتصلت بالرقم الذي‬
‫عىل قيد االنتظار بقلق اقل من السابق‪.‬‬
‫ئ‬ ‫ً‬
‫انوثت كما كانت‪،‬‬
‫ي‬ ‫لقان كما لم تعد‬
‫لم اتصل مجددا شعرت بأنه لم يعد يريد ي‬
‫لم يعد جماىل كما كان‪ ،‬انا بحاجته ألشعر بأنت ر‬
‫أنت‪ ،‬انا بحاجة اىل كلمات‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫وه تنحت تفاصيل جسدي ألكون مثتة‪.‬‬ ‫غزله ذات المقاصد الحادة ي‬
‫ً‬
‫كانت كلماته ال تفوق نظراته غزال‪ ،‬خضي بحاجة لنظراته‪ ،‬انا بحاجة اىل تلك‬
‫الت كانت‬ ‫َ‬
‫تنتابت حي يلمس يت‪ ،‬انا بحاجة اىل الظنون ي‬
‫ي‬ ‫الت كانت‬
‫القشعريرة ي‬
‫بلت أم ال؟‬
‫مت‪ ،‬حي كنت اتسأل‪ ،‬أتراه سيق ي‬
‫ورن حي يقتب ي‬
‫تسا ي‬
‫مض الكثت وانا لم انظر‬
‫ي‬ ‫بغرفت‪،‬‬
‫ي‬ ‫الت‬
‫منذ ايام قالئل عدت انظر اىل المرآة ي‬
‫فيها‪ ،‬عدت اصنع الضفائر‪ ،‬عدت استذكره وانا اصنع ضفتة ما قبل النوم‪،‬‬
‫ً‬
‫ثيان تتاقص فرحا يف خزنتها‪ ،‬منذ ان‬
‫منذ ان علمت بأنه سيعود وان ارى ر ي‬
‫عىل تناولها بعد العملية‪ ،‬عدت اجمع مفاتن‬
‫الت وجب ي‬ ‫انتهت تلك العقاقت ي‬
‫جماىل بعد ان ر‬
‫بعتها القدر‪.‬‬ ‫ي‬
‫روح ‪ ..‬مت ستعود؟‬
‫ي‬ ‫رفيق‬
‫َ‬
‫ارجع فالقلب بعدك ادمته المواجع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ارجع فجسدي بعدك بات َاسقم‬
‫الت نويت ان اقدمها‬ ‫ر‬
‫تطلب انتظاره ايام اكت‪ ،‬استغرقتها يف اعداد االفكار ي‬
‫للحزب‪ ،‬اجتهدت لساعات متواصلة‪ ،‬قررت عدم تقديمها إال بعد ان ارى‬
‫(احمد)‪.‬‬
‫شء‬‫ر‬
‫حوىل‪ ،‬كنت كل بضع دقائق التفت لكل ي‬
‫ي‬ ‫ذات ليلة‪ ،‬كانت روحه تهيم من‬
‫اهتماىم‪ ،‬لعله يعود‬
‫ي‬ ‫كتق ألعته‬
‫بقرن‪ ،‬وكأنه يضع يده عىل ي‬
‫حوىل‪ ،‬اشعر بأنه ر ي‬
‫ي‬
‫سامحت‪ ،‬انحرها ألتقرب‬
‫ي‬ ‫ألنحر كل ما تبق يىل من ايام تحت اقدامه‪ ،‬حت ي‬
‫من غفرانه كما يفعل المسلمون يف عيدهم االضج‪.‬‬
‫سألت‬
‫ي‬ ‫اتصل ر ين (هشام) يف وقت متأخر‪ ،‬تجاوز عندها الليل منتصفه بقليل‪،‬‬
‫ئ‬
‫الشاط‪،‬‬ ‫عىل عجل ان كنت استطيع الخروج‪ ،‬قال ان (احمد) بأنتظاري عند‬
‫منحت من الوقت عدة دقائق للذهاب إليه‪ ،‬وإال فأنه سيغادر ألنه عىل عجلة‬
‫ي‬
‫من امره‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قادرة عىل ر‬
‫المش‪ ،‬كان الموقف صادما‪،‬‬
‫ي‬ ‫من الخوف الممزوج بالفرح‪ ،‬لم اعد‬
‫سيارن‪،‬‬ ‫لكتت الرعشة‪ ،‬لم اقوى عىل قيادة‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫هممت بالخروج مشعة‪ ،‬امت ي‬
‫استأجرت سيارة أجرة‪.‬‬
‫ر‬
‫تتعت يف بعضها البعض‪ ،‬رأيت (احمد)‬ ‫توجهت بأتجاه مقعدنا بخطوات‬
‫ً‬
‫جالسا‪ ،‬بدى غريب الهيئة‪ ،‬يرتدي نظارات كبتة بعد منتصف الليل‪ ،‬كانت‬
‫ثيابه سوداء اللون‪.‬‬
‫وقفت خلفه ولم يلتفت يىل ‪...‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وقفت خلفه ارتجف ندما‪ ،‬فرحا‪ ،‬خوفا‪ ،‬لم اعلم ماهية المشاعر وقتها ‪...‬‬
‫بصوت منخفض‪ :‬هل انت (احمد)؟‬
‫ٍ‬ ‫قلت‬
‫اللياىل؟‬
‫ي‬ ‫عليك‬
‫ِ‬ ‫نسيت ليل لقائنا؟ ام تشابهت‬
‫ِ‬ ‫بصوت هادئ‪ :‬أ‬
‫ٍ‬ ‫اجابت‬
‫ي‬
‫انبت يف غيابه ألصنع‬‫لم اقوى عىل الوقوف امامه‪ ،‬جمعت كل التعب الذي ي‬
‫ً‬
‫طريق‪،‬‬
‫ي‬ ‫منه عكازا وأتكأ عليه‪ ،‬جمعت كل غيوم الرجاء لتمطر العطف يف‬
‫ً‬
‫غزلت من خيوط الندم شاال وارتديته ألقف امامه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تقدمت خطوات من خلفه‪ ،‬ألقف امامه ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫بذقن طويل و جسد نحيف جدا‪ ،‬لم يكن كهيئته السابقة ‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫رأيته‬
‫قلت‪ :‬كيف حالك يا حبيب القلب والروح والجسد؟ اشتقت لك بحجم‬
‫ً‬
‫السماء‪ ،‬حمدا للرب ألنك معاف‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫كاف‪.‬‬
‫جرحتت مرة وهذا ٍ‬
‫ي‬ ‫جرح مرة اخرى‪،‬‬ ‫ي‬ ‫عت؟ هل تودين‬ ‫قال‪ :‬لما تبحثي ي‬
‫التفت اىل جهة مجهولة‪ ،‬ر َ‬‫َ‬
‫رسد‬ ‫ألجىل‪ ،‬لم ينظر يىل‪،‬‬ ‫ي‬ ‫تقربت منه‪ ،‬لم يقف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عيت‪ ،‬رأيته يضع عىل يده اليشى ضمادا ‪....‬‬ ‫بعينيه بعيدا من ي‬
‫حبيت‪ ،‬ماذا حصل لك؟‬ ‫جلست عىل يساره‪ ،‬قلت بتنهيدة بكاء‪ :‬ر ي‬
‫ٌ‬ ‫بنتة العتب‪:‬‬
‫بك‪ ،‬انا مسلم‪.‬‬‫انتبه لكالمك‪ ،‬انا غت الئق ِ‬ ‫ي‬ ‫قال ر‬
‫صوته وكلماته آلمت ر ين‪ ،‬كنت اتوقع انه لن يغفر يىل‪.‬‬
‫ِ‬ ‫رنتة‬
‫اماىم اىل البحر‪ ،‬هجست له بأن يقول له عما افصحت‬
‫بقربه ونظرت ي‬
‫ِ‬ ‫جلست‬
‫جلبت الوفاء إليه وحيدة ‪...‬‬
‫ي‬ ‫عنه حي‬
‫تفهمت‪ ،‬مررت بظروف قاسية‪،‬‬
‫ي‬ ‫عدت والتفت له‪ ،‬قلت‪ :‬انا بحاجة اىل ان‬
‫َ ُ‬
‫وسأختك بكل ما حصل‪ ،‬لم اهجرك‪ ،‬كنت بحاجة اىل ان‬
‫ر‬ ‫انصت يىل لدقائق‬
‫اجري عملية زرع صمام يف القلب‪ ،‬كنت عىل شق حفرة من الموت‪ ،‬كنت ال‬
‫اجىل‪.‬‬
‫تضج من ي‬
‫ي‬ ‫اريد منك ان‬
‫يت؟‬ ‫التفت ىل بدهشة‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫تخت ي‬
‫لما لم ر‬ ‫ي‬
‫انهمرت دموع‪ ،‬بكيت ألنت لم اصدق انه سينصت ىل‪ ،‬بكيت ر‬
‫اكت حي رأيته‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫اىل كما يلتفت شديدو‬
‫يلتفت بصعوبة‪ ،‬كان غت قادرا عىل الحركة‪ ،‬التفت ي‬
‫العوق‪.‬‬
‫اخت ين؟ هل انت مصاب؟ َلم تضع نظارة‬
‫قلت‪ :‬احمد‪ ،‬ما الذي جرى لك؟ ر‬
‫عىل وجهك؟ هل تعرض وجهك لكدمات؟‬
‫هجرتت؟‬ ‫قال‪ :‬مررت بأيام صعبة‪ ،‬شهور من العذاب‪ ،‬عام مر بال االيام‪َ ،‬‬
‫لما‬
‫ي‬
‫ً‬
‫اختته كيف‬
‫اختته بما حصل‪ ،‬ر‬ ‫هادئة كالسم وهو يجتاح جسد المغدور‪ ،‬ر‬
‫منعون منه وليس انا‪،‬‬
‫ي‬ ‫مرض‪ ،‬كيف كانت وصايا االطباء‪ ،‬هم‬
‫ي‬ ‫تعرفت عىل‬
‫عىل بي جدران اليأس‪ ،‬حدثته عن (يعقوب)‬
‫حذرون من الحب‪ ،‬حجروا ي‬
‫ي‬
‫لقلت تراخيص العشق‪ ،‬حدثته عن‬
‫ألجىل‪ ،‬لواله لما منح االطباء ر ي‬
‫ي‬ ‫وعن ما فعله‬
‫ادمان عىل‬
‫ي‬ ‫نفش حي خذلته‪ ،‬حدثته عن‬ ‫ي‬ ‫السجن الذي قبعت ِبه‬

‫المخدرات‪ ،‬حدثته عن فتة ر ي‬


‫عالح يف مستشق االمراض النفسية‪ ،‬حدثته عن‬
‫ألم الصدمات الكهربائية يف الدماغ‪ ،‬حدثته عن ابشع انواع االنهيار‪ ،‬حدثته‬
‫عن اعصار اليأس كيف رصب احالمنا‪ ،‬حدثته حت رأيت دمعة عىل وجنته‪،‬‬
‫صدقت‪.‬‬
‫ي‬ ‫حدثته حت‬
‫عت؟ اتفقنا عىل ان نحمل‬
‫تخليت ي‬
‫ِ‬ ‫عنك‪ ،‬لما‬
‫ِ‬ ‫بأنت لن اتخىل‬
‫وعدتك ي‬
‫ِ‬ ‫قال‪:‬‬
‫الت تعوق ِعشقنا‪ ،‬لما قلت يىل ان االمر محال‬
‫الفأس ونحطم كل الحواجز ي‬
‫احببت‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ألنت مسلم؟ كنت عىل وشك اعتناق دينك لو‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫تنحت امام سوط ِعتابه‪ ،‬وأن تتحمل االلم حد‬
‫ي‬ ‫كلمان ان‬
‫ي‬ ‫كان عىل ظ يهور‬
‫الغفران ‪..‬‬
‫ُ‬
‫اجبته‪ :‬أنسيت كالمنا؟ أنسيت الليل الذي جمعنا هنا؟ انظر اىل اثار غزلنا‬
‫حول هذا المكان‪ ،‬انا عىل قيد حبك استمر بالحياة‪ ،‬لم اكن عىل قيد الحياة يف‬
‫قلت الضعيف هنا لما التقينا‬
‫أنت قمت بزرع صمام ر ي‬‫صدقت‪ ،‬لو ي‬
‫ي‬ ‫غيابك‪،‬‬
‫ً‬
‫مجددا‪ ،‬جميع االطباء هنا قالوا يىل من المحال ان انجب طفل‪ ،‬هممت عىل‬
‫تشلت من الضياع‬
‫ي‬ ‫نفش عدة مرات بعقاقت االدمان لوال ان (يعقوب) ان‬
‫ي‬ ‫قتل‬
‫اعادن اىل الحياة‪.‬‬
‫ي‬ ‫عيدن إليك‪،‬‬
‫ي‬ ‫لي‬
‫ر‬
‫بشء‪ ،‬بدت مالمح الحزن عىل وجهه‪ ،‬كنت اراه بصعوبة بسبب‬
‫يجيبت ي‬
‫ي‬ ‫لم‬
‫كل غبار األلم الذي عليه ‪...‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫صدقتت؟ مستعدة ألن اريك كل‬
‫ي‬ ‫خطيئت‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬ستغفر يىل‬
‫َ‬
‫كالىم‪ ،‬انا بحاجة إليك‪ ،‬انا عىل االرض‬
‫ي‬ ‫خاصت ألثبت صحة‬‫ي‬ ‫تقارير المرض‬
‫َ‬
‫ألنك تستنشق هواءها‪ ،‬انا احبك‪.‬‬
‫ئ‬ ‫ً‬
‫فقان‬
‫عىل الذهاب االن‪ ،‬تأخرت كثتا‪ ،‬ر ي‬ ‫تحرك من جلسته لينهض‪ ،‬قال‪ :‬ي‬
‫بأنتظاري‪.‬‬
‫مسكت ساعد يده اليشى‪ ،‬قلت‪ :‬ال ترحل‪ ،‬ال تتكت من دونك‪ ،‬انتظرت َك ر‬
‫اكت‬ ‫ي‬
‫منهم‪ ،‬مض ر‬
‫اكت من عام وانا ابحث عنك‪ ،‬لم انساك قط‪.‬‬
‫وه تتشبث به‪ ،‬رأى الخاتم ال يزال يف ذات االصبع الذي وضعه‬
‫نظر اىل يدي ي‬
‫ً‬
‫وه تؤلمه‪ ،‬كان عليها ضمادا‬
‫يىل‪ ،‬شعرت بأنه يتألم‪ ،‬كنت امسك يده بقوة ي‬
‫سميك ‪..‬‬
‫َ‬
‫قلت‪ :‬اسفة‪ ،‬تسببت لك باألذى‪.‬‬
‫قال‪ :‬كال‪ ،‬شعرت بقليل من الندم‪ ،‬لم اتوقع هذا الوفاء منك‪ ،‬ال زال الخاتم يف‬
‫يدك‪.‬‬
‫عيت وانا ال ارى عينيه‪،‬‬ ‫رفع يده اليمت و مسك ِخصلة شعري‪َ ،‬ن َ‬
‫ظر يف‬
‫ي‬
‫احتضنت‪ ،‬اخرج الروح من جسدي ووضعها عىل كتفه‪ ،‬عانقته بكلتا يداي‪،‬‬
‫ي‬
‫تلمست صدره‪ ،‬شعرت بوجود ضماد اخر يلتف حول كتفه وصدره‪ ،‬شعرت‬
‫عناف‪ ،‬هذا العناق الذي اعاد يىل نشوة‬
‫ي‬ ‫به يتألم وانا اعانقه‪ ،‬هدأت من روعة‬
‫ً‬
‫أش ألستشعر ما يتست يىل‬‫كأس الكحول عند السابعة صباحا‪ ،‬كنت احرك ر ي‬
‫َ‬
‫من كتفه‪ ،‬كنت عىل وشك ان اغفو‪ ،‬يا ليت ان يكون صدره مثواي االخت‪.‬‬
‫ً‬
‫ثوان‪ ،‬سمعته يتكلم مع شخصا من عىل بعد امتار‪ ،‬استغربت من وجود‬ ‫بعد ٍ‬
‫ً‬
‫اشخاص يحيطون بنا من مسافات‬
‫ٍ‬ ‫احدا بالقرب منا ولم نشعر به‪ ،‬رأيت عدة‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫شء يدعو للقلق‪ ،‬سمعته يقول (ألحمد)‬ ‫بعيدة‪ ،‬اوعز له بأن يبق بعيدا فال ي‬
‫ً‬
‫اخته بأنه بحاجة لمزيدا من الوقت‬ ‫ان الوقت تأخر وان عليهم الذهاب‪ ،‬ر‬
‫وانهم سيعودون قبل طلوع الشمس‪.‬‬
‫اكتق من عناقه‪ ،‬عدت كما كنت اجلس ‪...‬‬
‫ي‬ ‫ابتعدت عنه قبل ان‬
‫قلت‪ :‬من هؤالء؟‬
‫حمايت‪ ،‬علينا ان نعود‬
‫ي‬ ‫برفقت‪ ،‬يراقبون يت من بعيد من اجل‬
‫ي‬ ‫تقلق‪ ،‬هم‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬ال‬
‫يمنعت من التكلم مع احد او الظهور يف االماكن‬
‫ي‬ ‫قبل طلوع الشمس‪ ،‬الحزب‬
‫ترشيج يف االنتخابات ألمثل الحزب‬
‫ي‬ ‫العامة لحي موعد االنتخابات‪ ،‬سيتم‬
‫ئ‬
‫اصدقان ومن‬ ‫اىل بأكمله‪ ،‬بعدما كنت احلم بتشكيل جبهة صغتة تضم‬
‫ي‬ ‫الليت ي‬
‫ر‬
‫ً‬
‫كان يتابع مقاالن فقط‪ ،‬االن اصبحت مشهورا ر‬
‫اكت ما كنت اتوقع‪.‬‬ ‫ي‬
‫لما خاطرت بحياتك؟ كيف تجرأت عىل حرق مقر الحزب الحاكم؟‬ ‫قلت‪َ :‬‬

‫قال‪ :‬حصلنا يف االنتخابات االختة عىل اصوات بنسبة اثنان بالمئة من‬
‫مجموع اصوات الشعب بأكمله‪ ،‬يف حي ان احصائيات جبهتنا لوحدها كانت‬
‫اىل بأكمله ونسبة غت‬
‫الليت ي‬
‫ر‬ ‫بالك بأتباع الحزب‬
‫ِ‬ ‫تفوق هذه النسبة‪ ،‬فما‬
‫المصوتي الذين عرفنا نسبتهم عند غلق مراكز االقتاع‪ ،‬كانت نسبة المشاركة‬
‫يف االقتاع ال تتجاوز االربعي بالمئة‪ ،‬كان هنالك اجحاف بحقنا وبحق عموم‬
‫الشعب يف تشكيل الحكومة‪ ،‬بعد ايام من اعالن النتائج اعلنت الحكومة‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫شء‪ ،‬طلبت من‬ ‫وه مشكلة اساسا ولم يتغت فيها ي‬
‫انفرادها بتشكيل حكومة ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫المدن يف عموم البالد‬
‫ي‬ ‫الجبهة خصوصا ومن الحزب عموما بأعالن العصيان‬
‫ً‬
‫من اجل ان تتوقف دوائر الدولة عن العمل وبذلك سيكون الطريق يستا من‬
‫اجل اعالن الثورة‪ ،‬شهد االسبوع االول نزول الكثتين اىل الساحات العامة من‬
‫بحظر‬
‫ٍ‬ ‫المدن ولكن االمر لم يلبث أال وان انته‬
‫ي‬ ‫اجل اعالنهم للعصيان‬
‫ون خالل هذه االيام بأن الحكومة‬
‫اخت ي‬
‫للتجوال واعتقال كل من سىع لذلك‪ ،‬ر‬
‫بحق وبحق الكثتين من قيادات الحزب‪ ،‬فكرت‬
‫ي‬ ‫اصدرت اوامر باالعتقال‬
‫اهداف ولم‬
‫ي‬ ‫كتت‪ ،‬خشت‬‫انت وتر ي‬
‫رحلت ِ‬
‫ِ‬ ‫حينها بما تبق يىل من هذه الدنيا‪،‬‬
‫َ‬
‫اعد افكر يف تحقيقها‪ ،‬عاد الشعب امام القمع ليمنح ثقته بالحكومة‪ ،‬قل‬
‫عدد المنتمي لحزبنا‪ ،‬ايقنت بأن مصتي هو السجن‪ ،‬قمت بحرق مقر‬
‫ً‬
‫الحزب لينتفض الشعب‪ ،‬تناقل االمر رسيعا عىل شبكة االنتنيت وما لبث‬
‫االمر إال عدة ساعات وخرجت كل فئات الشعب اىل وسط العاصمة‪ ،‬اغلقوا‬
‫واجتوا الجيش عىل ترك السالح‪.‬‬
‫ر‬ ‫كل الطرق‬
‫قلت‪ :‬كيف تم اعتقالك؟ من حرق متلك؟‬
‫ويحادثت‪ ،‬لم ينظر يىل ‪...‬‬
‫ي‬ ‫بق ينظر اىل البحر‬
‫ي‬
‫ً‬
‫اكمل قائال‪ :‬بعد ان ثارت الضجة ونزل الجميع اىل الشارع اصبح امر اعتقالهم‬
‫صعب عىل ر‬
‫الشطة‪ ،‬كنا قد اعلمنا اتباع الحزب من خالل االتصاالت الهاتفية‬
‫التيدية عىل وجوب التول اىل الشارع والتجمهر حول مقر الحزب‬
‫والرسائل ر‬
‫ئ‬
‫رفقان يف‬ ‫ر‬
‫العشات من‬ ‫مىع‬
‫ي‬ ‫الت اعددنا لها‪ ،‬كان ي‬
‫يف ساعة الصفر للعملية ي‬
‫ولكنت كنت الوحيد الذي رميت الزجاجات المحتقة عىل الحزب‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الجبهة‬
‫اعتقاىل عىل الفور‪ ،‬بقيت يف المعتقل‪ ،‬بادروا‬
‫ي‬ ‫ر ي‬
‫خروح منه صعب‪ ،‬تم‬ ‫كان امر‬
‫ش لهم بما يخطط له المخربي بحسب تسميتهم‪.‬‬ ‫ر‬
‫تعذيت يك ا ي‬
‫ري‬ ‫عىل‬
‫ً‬
‫توقف عن الكالم‪ ،‬شعرت بأنه يتألم كثتا ‪...‬‬
‫لما توقفت عن الكالم؟‬‫قلت له‪ :‬ألم يعتقلوك من المتل؟ اكمل َ‬
‫ً‬
‫اعتقاىل حرقوا مت يىل‪ ،‬تعرضت لكثت من التعذيب‪ ،‬تألمت كثتا‪،‬‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬كال‪ ،‬بعد‬
‫خشت الكثت‪ ،‬لغاية االن ارقد يف مشق صغت يف احدى المدن الشمالية‬
‫ألتلق العالج‪ ،‬تمكن افراد الجيش بعد سقوط النظام من ايجادي بصعوبة‪،‬‬
‫ر‬
‫والحشات‬ ‫كنت يف سجن تحت االرض‪ ،‬كنت انام عىل االرض السجن‬
‫عت‪،‬‬
‫تتغذى عىل اللحم المتهالك عىل جسدي وانا غت قادر عىل ابعادها ي‬
‫ً‬
‫سأجعلهم يدفعون الثمن غاليا‪.‬‬
‫يخنقت‪ :‬ماذا فعلوا بك؟‬
‫ي‬ ‫قلت والخوف يكاد‬
‫ً‬
‫وكأنه نادما ‪...‬‬
‫قال‪ :‬النض بحاجة اىل تضحية تفوق وزنه وحجمه وانا ضحيت بالكثت‪،‬‬
‫لخسارن الشديدة‪ ،‬ولكن‪،‬‬
‫ي‬ ‫قتىل ليثور الشعب‪ ،‬اردت الموت‬
‫تمنيت ان يتم ي‬
‫حصل ما حصل‪.‬‬
‫ُ‬
‫تألمت معه‪ ،‬تألمت عن كل كدمة طالت جسده‪ ،‬تألمت بذات االلم حي‬
‫انت اتمكن من انتشال كل ما يؤلمه ألضعه يف جسدي حت‬
‫عانقته‪ ،‬تمنيت لو ي‬
‫عىل ان اضع يف خاطره كلمات‬
‫يعود ألناقته و وسامته وهيئته االوىل‪ ،‬كان ي‬
‫دمىع‪ ،‬لم يتوقف‬
‫ي‬ ‫لتهون عليه‪ ،‬كيف وانا اتألم بقدره‪ ،‬ال بل انا عدت ال اتمالك‬
‫دمىع منذ ان بدأ بالكالم‪.‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫قلت‪ :‬ال تحزن‪ ،‬تضحيتك اصبحت منارا ينت درب كل مضطهد لأليام‬
‫ُ‬
‫القادمة‪ ،‬الوطن وكل ما عىل هذه االرض لن ينسوا لك تضحيتك‪ ،‬أ َلم ترى‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وه تمأل مداخل الشوارع والساحات العامة؟ انا فخورة بك‪ ،‬فخورة‬
‫صورك ي‬
‫اىل‬
‫الليت ي‬
‫ر‬ ‫انت انتميت اىل الحزب‬
‫بتضحيتك وشجاعتك كما االخرين‪ ،‬حت ي‬
‫ً‬
‫تيمنا بشجاعتك‪ ،‬اصبحت احض كافة ندواتهم واجتماعاتهم‪ ،‬أعددت عدة‬
‫شء‬ ‫ر‬
‫برامج انتخابية وخطط سأعرضها عىل المجلس التنفيذي‪ ،‬لن اقدم أي ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫شء واخره‪.‬‬ ‫إال من خاللك‪ ،‬سأطلعك عليها اوال‪ ،‬ألنك انت عندي اول كل ي‬
‫َ‬
‫سألقاك يف وقت قريب‪ ،‬بضعة اسابيع‪،‬‬
‫ِ‬ ‫تنفس الصعداء‪ ،‬قال‪ :‬ي‬
‫عىل الذهاب‪،‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ألنك ما‬ ‫ِ‬ ‫سأشق من اثار التعذيب فحسب‪ ،‬امامنا الكثت من العمل‪ ،‬شكرا‬
‫خاتم‪.‬‬
‫ي‬ ‫زلت ترتدين‬
‫ً‬
‫ظل جالسا‪ ،‬وقفت امامه ألودعه ‪..‬‬
‫قلت‪ :‬تركتك مرة وافهمتك االسباب‪ ،‬اعدك بأنها االختة‪ ،‬اقسم لك بكل وجع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بأنت لن اكرر ما فعلته‪ ،‬احبك‪ ،‬سأنتظر عودتك‪ ،‬سأرافقك كل‬
‫رأيته يف غيابك ي‬
‫درب تست فيه‪ ،‬اعدك بذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫كالىم ‪...‬‬
‫ليثت عىل ي‬
‫ابتسم كذبا‪ ،‬هز رأسه ي‬
‫ً‬
‫الماض‪.‬‬
‫ي‬ ‫الثان من نيسان‬
‫ي‬ ‫قلت له‪ :‬شكرا عىل القصيدة ي‬
‫الت تركتها يىل يف‬
‫ابتسم ابتسامة حقيقية ‪..‬‬
‫بك‪ ،‬هذا التأري ــخ يشبهك‪،‬‬ ‫قال‪ :‬هذا التأريـ ــخ مهم لدي‪ ،‬ولدت ِ‬
‫فيه ألجل ان اح ِ‬
‫ال ينش ولن يتكرر مرة اخرى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬منذ ان جلست واىل االن وانا انتظرك تخلع النظارة يك ارى عينيك‪ ،‬لم‬
‫ئ‬
‫الشاط ال يزال شبه مظلم‪ ،‬هنالك ضوء ألعمدة االنارة‬ ‫تشق الشمس بعد‪،‬‬ ‫ر‬
‫ً‬
‫فقط وال اعتقد ان احدا ستاك‪ ،‬ارجوك اخلع نظارتك‪ ،‬انا بحاجة لرؤية‬
‫ً‬
‫عينيك‪ ،‬اشتقت لهما كثتا‪.‬‬
‫يجيبت‪ ،‬انحت رأسه اىل األسفل ‪..‬‬
‫ي‬ ‫لم‬
‫ً‬
‫سنلتق مجددا وسنتحدث عن الكثت‪.‬‬
‫ي‬ ‫عيت وشأنها‪،‬‬ ‫قال‪ :‬ي‬
‫دع ي‬
‫أىل؟‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫شء‪ ،‬توقعت وجود كدمات قوية عىل وجهه‪ ،‬لما ال ينظر ي‬‫شعرت بوجود ي‬
‫انحنيت واتكأت عىل ركبتيه ألنظر اىل وجهه‪ ،‬رفعت النظارة من عينيه ‪...‬‬
‫بعي واحدة !!!‬
‫رأيته ٍ‬
‫كبت‪ ،‬لم اصدق ما اراه‪ ،‬لم يكن وجهه‪ ،‬اين عينه‪ ،‬لم تكن‬
‫جثوت عىل ر ي‬
‫وجنتاه الجميلتي‪ ،‬لم تكن شفاهه‪ ،‬اين جماله الذي كان تقشعر له ابدان‬
‫الحسن!!‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫الموقف صادما للغاية‪ ،‬رسقوا عينه اليمت من وجهه اثناء التعذيب‪ ،‬لم يتبق‬
‫منها سوى مكانها الفارغ ‪...‬‬
‫رفع يده لينادي عىل احد رفاقه‪ ،‬احتاج ألن يتكأ عىل احدهم لينهض‪ ،‬رحل‬
‫عىل ‪...‬‬ ‫َ‬
‫كتق ليهون ي‬
‫كت جاثية عىل ركب يت‪ ،‬وضع يده عىل ي‬ ‫وتر ي‬
‫ُ‬
‫لكنت‬
‫ي‬ ‫بنتة الغضب‪ :‬أترين ما انا عليه؟ اصبحت انا االن ال اصلح للزواج‪،‬‬ ‫قال ر‬
‫ُ‬
‫ولكنت لن‬
‫ي‬ ‫سأمنحك حق الخيار‬‫ِ‬ ‫عنك‪،‬‬‫التخىل ِ‬
‫ي‬ ‫احبك وال اريد‬
‫ِ‬ ‫ألنت‬
‫لك ي‬ ‫جئت ِ‬
‫ً‬
‫وجه مقززا‪.‬‬
‫ي‬ ‫عنك حت بعد ان اصبح‬ ‫اتخىل ِ‬
‫َ‬
‫ش احدى عينيه من اجل مبادئه‪ ،‬كان يتكلم بندم ألنه اراد ان يقتل وليس‬ ‫خ ِ‬
‫ً‬ ‫ََ‬
‫ان يعيش بعوق‪ ،‬فهمت ذلك من كالمه‪َ ،‬من عذبه كان ملما بأنواع العذاب‪،‬‬
‫شء وهو النظر‪ ،‬يك يزرع فيه الندم بدل الموت ألنه‬‫ر‬
‫اراد ان يأخذ منه اهم ي‬
‫اشعل فتيل ر‬
‫التوة‪.‬‬
‫ً‬
‫مواقق اتجاهه‪ ،‬لم تتغت تلك‬
‫ي‬ ‫ولكنت لم اتراجع عن‬
‫ي‬ ‫حزنت كثتا ألجله‪،‬‬
‫ً‬
‫عيت وسيما كما كان‪ ،‬سأبق انظر لوجهه‬
‫ي‬ ‫الت احببته بها‪ ،‬سيظل يف‬
‫النظرة ي‬
‫وارى ذلك الجمال الذي تغزلت به ف هاجش‪ ،‬سأعشقه ر‬
‫اكت‪ ،‬سأطلب منه‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ان نتوج بأقرب فرصة‪ ،‬لن اتخىل عنه‪ ،‬لن اعيش ما تبق من العمر بدونه‪،‬‬
‫روح)‪.‬‬
‫ي‬ ‫سيظل مهما كان (رفيق‬
‫ان‬
‫الق محارص ي‬
‫صون وانا ي‬
‫ي‬ ‫نشاط يف الجامعة‪ ،‬بدأت بأعالء‬
‫ي‬ ‫مرت ايام‪ ،‬ازداد‬
‫َ‬
‫الت وددت تقديمها اىل الحزب‪ ،‬عدلت عن كل‬
‫السياسية‪ ،‬انجزت المقتحات ي‬
‫ُ‬
‫سلم كنت قد كتبته‪ ،‬بعد ان رأيتهم رسقوا عي (احمد)‪ ،‬خططت‬ ‫ي‬ ‫مقتح‬
‫لشقة ما تبق لهم من ايام‪.‬‬
‫الت كنت اعمل بها تقدمت للحزب بعدة‬
‫برفقة رئيس تحرير الصحيفة ي‬
‫عت الهاتف بعد ان اتصل ر ين‬
‫مقتحات‪ ،‬كنت قد تحاورت بشأنها مع (احمد) ر‬
‫َ ُ‬ ‫ئ‬
‫بأنت لن اتخىل عنه رغم كل ما‬
‫اختته ي‬
‫عت‪ ،‬هونت عليه‪ ،‬ر‬ ‫ذات ليلة ليطمي ي‬
‫عيت لو شاء‪،‬‬
‫ي‬ ‫بأنت سأتغزل به عند اول لقاء لنا‪ ،‬سأمنحه‬
‫ي‬ ‫حدث‪ ،‬وعدته‬
‫وجه يف المرآة‪.‬‬
‫ي‬ ‫وكيف ال‪ ،‬وانا ارى من خالله‬
‫خططان االرض الخصبة لما كان ينوي عليه (احمد)‪ ،‬كنت قد‬‫ي‬ ‫كانت م‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اعددت مضادا حيويا يخلص البلد من ازالم النظام السابق مع ضمان عدم‬
‫عودتهم‪.‬‬
‫ً‬
‫طلبت من المجلس التنفيذي للحزب ان يكون لقاؤنا رسيا ألعضاء المجلس‬
‫عمىل‪ ،‬طلبت منهم ان يغلقوا‬
‫ي‬ ‫عت وعن‬
‫التنفيذي فقط‪ ،‬تقدمت لهم بنبذة ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫باب االشتاك يف عضوية الحزب فورا‪ ،‬طلبت ايضا ان ال يمنحوا اي منصب‬
‫داخل الحزب اىل اي عضو تم االشتاك بعضوية الحزب بعد قيام الثورة‬
‫رشحت مديري يف الجريدة لرئاسة اللجنة االعالمية كما‬
‫ي‬ ‫واولهم انا‪ ،‬حت ال ي‬
‫وعدن‪ ،‬طلبت منهم ان يرشحوا يف االنتخابات المقبلة االعضاء الذين ناضلوا‬
‫ي‬
‫بالفعل من اجل التخلص من النظام السابق واالطاحة به وان يتم ابعاد اي‬
‫ً‬
‫عضو عن التشيح لم يكن له نضال سابق‪ ،‬طلبت ايضا ان يتوقفوا عن بث‬
‫االشاعات بأن الحكومة القادمة ستتشكل وفق اسس التكنوقراط فحسب‪،‬‬
‫البديه ان‬
‫ي‬ ‫طلبت ان يمنحوا حق التصويت للشعب واختيار من يمثله‪ ،‬ومن‬
‫الت ستكون الفاصل بي المرشحي‪ ،‬طلبت منهم ان ال‬
‫ه ي‬ ‫اسس التكنوقراط ي‬
‫يمنعوا اشتاك الحزب السابق من التشيح لالنتخابات‪ ،‬ستشح من كان منهم‬
‫ً‬
‫مؤمنا بمبادئ ذلك الحزب اللعي حينها سيقدمون لنا اسماؤهم واسماء‬
‫هم جاهزة من االن ‪.‬‬
‫اتباعهم‪ ،‬بعدها نقدمهم للمحاكمة بت ٍ‬
‫بعبارة اجابته‬
‫ٍ‬ ‫كالىم‪ ،‬سبق كالمه‬
‫اعتض احد اعضاء المجلس التنفيذي بصدد ي‬
‫عت ‪..‬‬
‫نيابة ي‬
‫ً‬
‫عليك قبل الجميع؟‬
‫ِ‬ ‫قال مستهزئا‪ :‬أال تالحظي بأن هذه ررسوط تنطبق‬
‫مصداقيت‪ ،‬انا كسبت عضوية الحزب قبل فتة قليلة‪ ،‬انا‬
‫ي‬ ‫اجبته‪ :‬وهذا يثبت‬
‫ان اىل هنا‬
‫مصلحت‪ ،‬انا ال ي‬
‫ي‬ ‫هنا من اجل مصلحة الشعب‪ ،‬ال من اجل‬
‫للحصول عىل امتيازات‪ ،‬اتقدم بهذه المقتحات لكم وانا بعيدة كل البعد عن‬
‫ومكانت يف المجتمع‪ ،‬ال امل ان يضيف‬
‫ي‬ ‫وظيفت‬
‫ي‬ ‫اي ترشيح يف االنتخابات‪ ،‬يىل‬
‫شء‪ ،‬انا هنا من اجل كل دماء سالت من اجل زوال النظام‬ ‫ر‬
‫يىل الحزب اي ي‬
‫السابق‪ ،‬من اجل كل من ضج من اجل هذا الوطن‪ ،‬قد اقتفتم خطأ كبت‬
‫حي فتحتم ابواب التشيح للحزب عىل مضاعيها وتحالفتم مع كل االطراف‬
‫بغض النظر عن ماهيتهم‪ ،‬هل تأكدتم من النشاط السابق ألي حزب تحالفتم‬
‫درتم حجم تضحيات كل حزب تحالفتم معه؟ هل درستم ماهية‬ ‫معه؟ هل َق َ‬

‫الت بحوزته ما ان رشح معكم يف االنتخابات؟ هل تعرفون انكم‬


‫الكفاءات ي‬
‫لك يضمحل خوف الشعب من قمع‬
‫بحاجة اىل ما ال يقل خمس سنوات ي‬
‫المقاه‬
‫ي‬ ‫الحزب الحاكم واعتقاالته وثأره الذي لم تخلو من قصصه كل‬
‫الشعبية يف هذه الفتة؟‬
‫يجيبت احد‪ ،‬نظر رئيس المجلس‬
‫ي‬ ‫اسئلت هذه‪ ،‬لم‬
‫ي‬ ‫ساد السكون بعد‬
‫التنفيذي اىل االعضاء وطلب منهم التصويت االن من اجل اغالق باب‬
‫االنتماء اىل الحزب‪ ،‬حاز عىل االغلبية يف التصويت‪.‬‬
‫نظر يىل رئيس المجلس وقال‪ :‬هل من اقتاحات اخرى؟‬
‫قلت‪ :‬كال‪ ،‬ولكن لدي اسئلة اوجهها لسيادتكم‪.‬‬
‫تفضىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬ما ه ضوابط التشيح لالنتخابات القادمة؟ ما ه ر‬
‫الشوط الواجب‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫توافرها يف كل مرشح يتشح عن الحزب؟‬
‫قال‪ِ :‬‬
‫انت عىل علم بأن حزبنا عىل مدى اعوام عديدة تعرض لالعتقاالت‬
‫والقمع‪ ،‬خشنا العديد من الكفاءات والعقول الفذة يف السجون الشية‬
‫للنظام السابق‪ ،‬االن لدينا ما يؤهلنا للتشيح يف االنتخابات‪ ،‬نحن الحزب‬
‫االكت عىل الساحة‪ ،‬وكل ما حولنا فتات احزاب‪ ،‬لم يتجرأ احدهم‬
‫ر‬ ‫المعارض‬
‫ً‬
‫االكت‬
‫ر‬ ‫حكوىم‪ ،‬لن يكون ألحد الحق‬
‫ي‬ ‫االعتاض مسبقا بخصوص ابسط قرار‬
‫بقدرنا‪.‬‬
‫ُ‬
‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬انت محق يف كل ما قلته‪ ،‬ولكنك االن تعتمد عىل كره الشعب‬
‫لألحزاب الدينية بنسبة كبتة للفوز يف هذه االنتخابات‪ ،‬باالضافة اىل ان من‬
‫اشعل الثورة هو احد المنتمي اىل هذا الحزب وبسبب ذلك اصبحت‬
‫تضحيته بأسم الحزب واصبح بموجبه الحزب هو صاحب الفضل عىل‬
‫شء ولواله لما سقط النظام الذي كتم انفاس‬‫ر‬
‫الشعب وانه االحق يف كل ي‬
‫ورسد البعض بحسب مزاجية‬‫لعشات السني وتسبب برفاهية البعض ر‬‫حريتنا ر‬
‫االنتماء له ودفعنا لبغض دول الجوار لنا وسوء عالقاتنا الدولية بسبب‬
‫سياساته الخارجية الحمقاء‪ ،‬هل تؤيد ذلك؟‬
‫قال‪ :‬بالطبع‪ ،‬هذه حقيقة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هل لديكم علم بما يدور االن يف الشارع من توجه رجال الدين بمنع‬
‫انتخاب اي عضو من حزبكم؟ ألن ذلك يخالف العقائد واالحكام السماوية‪،‬‬
‫هل تنصت لما يدور يف الكنائس والمساجد؟ ستخش الكثت ان لم تقدم‬
‫ً‬
‫مبنيا عىل اسس االصالح لما افسده الحزب‪َ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫لما ندواتكم كلها‬ ‫برنامجا انتخابيا‬
‫ً‬
‫انتقادا لألديان؟ َ‬
‫لما فحواها بغض االديان وتجنب اتباعها؟ أال تشعر بأن ذلك‬
‫خطأ؟ لو اردنا تقييمها‪ ،‬االديان ليس لها عالقة بالمتديني‪ ،‬علينا ان ننظر اىل‬
‫العصور المنضمة برمتها وهذا ليس من شأننا االن‪ ،‬نحن نريد اعمار البالد‬
‫ومسك دفة الحكم من قبل المصلحي دون ان نسأل عنهم ألي دين ينتمون‪،‬‬
‫اغلب الشعب االن وخاصة من الذين يرتادون دور العبادة للعمل وفق ما جاء‬
‫بكتبها بدأوا يبغضونكم‪ ،‬جعلتم الناس تنظر وكأن اول ر‬ ‫ُ‬
‫مشوع يف برنامجكم‬
‫اكت من دين‬‫االنتخان هو القضاء عىل دور العبادة لكافة االديان‪ ،‬وطننا له ر‬
‫ري‬
‫واكت من قومية‪ ،‬علينا اتباع الحياد يف التعامل‪ ،‬والتعامل‬ ‫واكت من مذهب ر‬
‫ر‬

‫شء قادم‪ ،‬وكل ما جاء بندواتكم السابقة جاء النتقاد‬ ‫ر‬


‫االول هو اساس كل ي‬
‫ً‬
‫االديان‪ ،‬لم ينتقد احدا منكم يف ندوة واحدة سياسية الحزب السابق‪ ،‬الحزب‬
‫الت تتكلم بأسمه‪ ،‬نحن‬
‫بحاجة اىل االصالح‪ ،‬بحاجة اىل اعادة هيكلية للعقول ي‬
‫ً‬
‫بحاجة اىل وضع استاتيجية يلتم بها كل االعضاء وخصوصا من سيتم‬
‫ترشيحهم لتمثيل الحزب‪.‬‬
‫التفت رئيس المجلس اىل االعضاء من عىل يمينه ويساره ‪...‬‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬يتوجب علينا دراسة المرشحي مرة اخرى‪ ،‬كنت افكر يف ان كل‬
‫الت سيحصلها كل المرشحي ستصب يف مصلحة الحزب‪ ،‬وان كل‬
‫االصوات ي‬
‫ما ازداد عددهم ستيد من نفوذ الحزب‪ ،‬االن انا عىل يقي‪ ،‬لو خطأ احدهم‬
‫فأن الحزب بأكمله سيدفع سمعته فدية لهذا الخطأ‪.‬‬
‫انته النقاش‪ ،‬تقدمت لهم بالشكر الجزيل لتحيبهم ر ين وعىل الوقت الذي‬
‫عضويت يف الحزب لو تتطلب امر‬
‫ي‬ ‫حان‪ ،‬طلبت منهم ان يلغوا‬
‫انصتوا به لمقت ي‬
‫سأكتق بحضور الندوات‪ ،‬او االبقاء عليها دون‬
‫ي‬ ‫وانت‬
‫ي‬ ‫احان‬
‫تنفيذ كل اقت ي‬
‫ان من الذي انضموا اىل الحزب بعد الثورة من مسك اي‬
‫منحت ومنح اقر ي‬
‫ي‬
‫منصب يمكنهم من خالله اعطاء القرار‪.‬‬
‫(كفاح) للقائد النازي (ادولف‬
‫ي‬ ‫كنت قد استلهمت كل هذه االفكار من كتاب‬
‫هتلر) الذي وضع فيه عدة افكار ومبادئ سياسية مهمة يف وقت كالوقت‬
‫ر‬
‫الفاش إال انه وضع هذه النظريات‬ ‫الذي نمر ِبه االن‪ ،‬بغض النظر عن حكمه‬
‫ي‬
‫(الندستج) بعد محاولته للقيام‬
‫ر‬ ‫عام ‪ 1923‬خالل فتة مكوثه يف سجن‬
‫بانقالب (بت هول) او كما يسم باأللمانية )‪ ، (Hitlerputsch‬اي قبل ان‬
‫يمج االبتسامة من وجه (برلي)‪.‬‬
‫ي‬
‫الت رأيته بها‪ ،،‬ايقنت بأن الشأن‬
‫انت سأرى الحزب عىل هذه الشاكلة ي‬
‫لم اظن ي‬
‫ذئاب وديعة تنظر اىل دفة الحكم‪ ،‬كان‬
‫ٍ‬ ‫السياش يحتوي يف الغالب عىل‬
‫ي‬
‫األغلب يرتقب المناصب السيادية واعتالء الوزارات االنتاجية وليس النظر اىل‬
‫مصلحة الشعب‪.‬‬
‫اىل يضم هو االخر الكثت من الخونة‪ ،‬لم اكن اعلم ذلك‪،‬‬
‫الليت ي‬
‫كان الحزب ر‬
‫الصت يك يتست لهم‬
‫ر‬ ‫رأيتهم وانا اتحدث إليهم‪ ،‬ينتظرون االنتخابات بفارغ‬
‫قتل الشعب ورسقته كما فعلت االحزاب الدينية‪ ،‬ايقنت وانا اتتبع نظراتهم‬
‫انهم لم يجدوا الفرصة من قبل لشقة الشعب يف ظل الحزب السابق فوجدوا‬
‫هذا الحزب ليكون الملجأ لطموحاتهم‪ ،‬كما بات الملجأ لكل من ينفر من‬
‫ً‬
‫االحزاب الدينية‪ ،‬كنت اكاد ان اجزم بأن الفرصة لو سنحت لهم مسبقا يف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫المسيج ألرتدوه من اجل ان يكون لهم متال دافئا يف‬
‫ي‬ ‫االسالىم او‬
‫ي‬ ‫ارتداء الزي‬
‫الشتاء واخر يطل عىل الساحل يف الصيف من اجل االستجمام‪.‬‬
‫ظنون ِبه‬ ‫بأنت كنت مخطئة‪،‬‬ ‫اىل‪ ،‬اكتشفت‬ ‫ئ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫الليت ي‬
‫ر‬ ‫النتمان للحزب‬
‫ي‬ ‫ندمت‬
‫ٌ‬
‫الت كنت اعمل‬
‫مبنية عىل عدة شخصيات وعىل رأسهم رئيس تحرير الجريدة ي‬
‫الليتاليي‪ ،‬كنت كثتة الحوار معه يف الشأن‬‫ر‬ ‫بها‪ ،‬كان اهم من اراه عن‬
‫ً‬
‫السياش‪ ،‬كنت ملهمة بكل مبدأ يتبناه‪ ،‬كنت اظن ان الكل عىل شاكلته‪ ،‬ومن‬
‫ي‬
‫الممكن انهم كانوا كذلك قبل ان ال يقوم (احمد) بالثورة ويمنحهم النض عىل‬
‫َ ٌ‬
‫الت فقدها من اجل الوطن‪ ،‬وانته االمر ليكون من اجلهم‪.‬‬
‫طبق من عينه ي‬
‫اناقت‪ ،‬عادت‬
‫ي‬ ‫عاد (احمد) اىل العاصمة‪ ،‬عاد الربيع اىل فصول السنة‪ ،‬عادت‬
‫ً‬
‫هائجا ينتظر لقائنا‪ ،‬عادت الشمس ر‬
‫تشق‪ ،‬عاد االمل‬ ‫انوثت‪ ،‬عاد موج البحر‬
‫ي‬
‫يىل يف اصالح ما أفسده القدر يف لحظة حقد‪ ،‬سأنتظره ليطلب يدي للزواج‬
‫ً‬
‫مجددا‪.‬‬
‫ً‬
‫يف اول اجتماع له يف الحزب‪ ،‬اعىط (احمد) اسبابا عديدة لكل قيادي الحزب‬
‫لمن كان يريد بغضه عىل ان يبغضه ر‬
‫اكت‪ ،‬ازدادت شعبيته بي فئات الكادحي‬
‫والمضطهدين فقط‪ ،‬صاروا رهن اشارته‪ ،‬لشخصه وليس لحزبه‪ ،‬اصبح االمر‬
‫ر‬
‫اكت خطورة‪ ،‬لم اكن اريد لكل ذلك ان يحصل‪.‬‬
‫ً‬
‫ندوة له‪ ،‬طلب ان يقوم الحزب بأخالء المقر الذي يسكنه بدال عن‬
‫ٍ‬ ‫يف اول‬
‫ً‬
‫الحزب السابق‪ ،‬مستندا اىل انه من ملكية الشعب وان عىل كل حزب ان يمول‬
‫يستوىل عىل اموال الشعب بحكم القوة‪ ،‬طلب‬
‫ي‬ ‫نفسه من اموال اعضاءه ال ان‬
‫المنت بكل وسامة‪ ،‬لوال تلك‬
‫ر‬ ‫ان يكون هذا اخر اجتماع له بعد ان اعتىل‬
‫الت باتت ال تفارق وجهه‪.‬‬
‫النظارات الغامقة ي‬
‫يف ذلك اليوم حضت كل فئات الشعب‪ ،‬كل اديانه ومذاهبه‪ ،‬كل قومياته‬
‫ً‬
‫وألوانه‪ ،‬من اجل ان ينصتوا له‪ ،‬صار عظيما كما كان يحلم‪ ،‬وكما كنت اتمت‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫له‪ ،‬صار قائدا ثوريا يستحق كل االجالل‪ ،‬صار رمزا يقتدى به بعد ان دفع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رصيبة هذه المكانة العظيمة ثمنا غاليا‪.‬‬
‫ً‬
‫انه كالمه فهتف كل الحارصين بحياته‪ ،‬اضج امال لكل من اراد حياة كريمة‪،‬‬
‫ً‬
‫صار بطال وعىل كل الذين يحيطون به التخلص منه‪ ،‬شعرت بالخوف الشديد‬
‫ألنت سبق وان عرفت ماهية من حوله‪ ،‬هم بأنتظار الوصول‬
‫ازاء كل ما قال ي‬
‫التفاق يتيح لكل المرشحي من الحزب تقاسم خزينة الدولة‪ ،‬وهو يطالب بأن‬
‫يستلم الشعب مقاليد خزنته‪.‬‬
‫بعد ان رفض كل ما تم منحه إياه من اموال طائلة ومنازل فخمة من اجل‬
‫اتباع نهج محدد‪ ،‬عاد اىل متله الصغت‪ ،‬رفض الجميع‪ ،‬بدأ العزلة عن الحزب‬
‫اىل‪ ،‬وعن كل االحزاب البقية‪ ،‬لم يحض لهم اي اجتماع او ندوة او مؤتمر‬
‫الليت ي‬
‫ر‬
‫بعد ذلك‪ ،‬بعد ان رفضوا كل ما تقدم ِبه من مبادئ تشابه مبادئ (المهاتما‬
‫غاندي) وهو يف اوج عدالته‪.‬‬
‫اقتبت االنتخابات‪ ،‬لم يرشح (احمد) نفسه عن الحزب‪ ،‬لم يشتك ضمن‬
‫قوائم المرشحي عن اي حزب اخر‪ ،‬اثارت قضيته عدة تساؤالت‪ ،‬اثار هذا‬
‫التساؤل العديد من االشاعات‪ ،‬لم تتمكن اي وسيلة من وسائل االعالم يف‬
‫العاصمة من التحدث معه‪ ،‬بدء الجميع بأستقراء المستقبل من افواه‬
‫المقاه الشعبية طوال النهار‪.‬‬
‫ي‬ ‫الجالسي يف‬
‫لم اتمكن من التكلم معه طيلة هذه الفتة لوجود قوة عسكرية تحرسه طوال‬
‫عت‪ ،‬لم اريد لكل ذلك ان يحصل‪.‬‬
‫الوقت‪ ،‬ابتعد ي‬
‫منحت القدر ابتسامة نض ‪...‬‬
‫ي‬
‫ذات صباح‪ ،‬وانا اقرأ احدى الصحف‪ ،‬ومن خالل الصدفة‪ ،‬بعد ان جلست‬
‫لشب القهوة بي‬ ‫لشب فنجان من القهوة وسط االستاحة الت كنت امتلكها ر‬‫ر‬
‫ي‬
‫ً‬
‫ختا ما‬‫عمىل يف الجامعة‪ ،‬رأيت صحيفة عىل احدى الطاوالت‪ ،‬كان ر‬
‫ي‬ ‫اوقات‬
‫الخت‪ ،‬اعلنت فيه الجهات‬
‫يتوسط الصحيفة االوىل‪ ،‬مسكت الصحيفة ألقرأ ر‬
‫القضائية عن اعالن موعد لمحاكمة افراد جماعات متطرفة قاموا بأعمال‬
‫تخريب واغتياالت يف عدة مناطق سياحية يف العاصمة من اجل زعزعة‬
‫ٍ‬
‫االمن‪.‬‬
‫الت اهداها يىل القدر يف ذلك اليوم هو وجود اسماء هؤالء‬ ‫ر‬
‫كانت البشى ي‬
‫الخت‪ ،‬كان اسم (صالح) من ضمنهم‪ ،‬شعرت بفرح الشديد‪،‬‬
‫المجرمي اسفل ر‬
‫ألنت لم اظلمه حي‬
‫نال جزاءه العادل ألنه متطرف‪ ،‬شعرت بالفخر الشديد ي‬
‫كالىم‪.‬‬
‫الخت يثبت صحة ي‬
‫حكمت عليه‪ ،‬وها هو ر‬
‫ابتسامت اىل ان حظرت اىل قاعة‬
‫ي‬ ‫قهون وانا ابتسم‪ ،‬استمرت‬
‫ي‬ ‫انهيت‬
‫ُ‬
‫المحاكمة‪ ،‬جئت قبل ساعة من بدء المحاكمة ألجلس بالقرب من قضبان‬
‫االتهام‪ ،‬جلست بالقرب من ذلك الحت المملوء بالقضبان والندم‪ ،‬جلست‬
‫منحت هذه‬
‫ي‬ ‫ألنظر له وهو ينتظر الحكم عليه‪ ،‬جلست ألقول له ان الرب‬
‫ً‬
‫اللحظة اكراما لتلك الدموع وذلك الوجع الذي تسببت ِبه يىل‪ ،‬جلست ألنتظر‬
‫الت اتمكن فيها من التقرب منه وان اقول له "رفضت الزواج‬
‫تلك الفرصة ي‬
‫ً‬
‫ألنت اعلم بأنك ستصبح مجرما ذا يوم‪ ،‬انا ادرى بكتب دينك منك"‬
‫منك ي‬
‫ُ‬
‫استمرت محاكمتهم لساعات‪ ،‬ساعات وانا اطرب عىل اني بكاءه وتوسله‬
‫بصحبته بالسجن المؤبد‪.‬‬
‫ِ‬ ‫واستغاثته‪ ،‬حكمت المحكمة عليه وعىل من كان‬
‫شاهدن جالسة قبل دقائق‬
‫ي‬ ‫وقفت ألنظر له وهو ينهار‪ ،‬رأيته ينظر يىل‪ ،‬كان قد‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫من النطق بالحكم‪ ،‬وقفت ولم اقل شيئا‪ ،‬ابتسمت فحسب‪.‬‬
‫َ‬
‫الذكريات‬
‫ِ‬ ‫خمر‬
‫بابك؟‬
‫ماذا ستقولي لو طرق الحني ِ‬
‫َ‬
‫كريت وتسألي من للباب طرق؟‬
‫هل ستذ ي‬
‫ً‬
‫بش‬‫حانقا بهيئة ر‬ ‫حنيت‬
‫ي‬ ‫َسـتجدين‬
‫دك و الدمع يف عيناه ألق‬
‫يصافح ي ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫نسيت ما كان؟‬
‫ِ‬ ‫يسأل ِك حائرا ‪ ..‬هل‬
‫اياىم عىل ايامك أنطبق؟‬
‫هل األلم يف ي‬
‫بوحدن؟‬
‫ي‬ ‫بمأسان؟‬
‫ي‬ ‫بألم؟‬
‫ي‬ ‫هل تشعرين‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أنا مثل ِك انسان ‪ ..‬مثل ِك خلقت من علق‬
‫طيق؟‬
‫ي‬ ‫تحدثت مع‬
‫ِ‬ ‫سهرت الليل؟ هل‬
‫ِ‬ ‫هل‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جر اىل الغ َسق؟‬
‫هل بدأ ليل ِـك من الف ِ‬
‫هل ذاك االحساس ال زال َيـغمرنا؟‬
‫َ‬
‫اياىم فسق‬
‫انا نحيب الشوق يف تقوى ي‬
‫َ ُ‬ ‫ً‬
‫ريت؟‬
‫لت تذك ي‬ ‫بأناقتك صباحا هل ال ز ِ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫حتا عىل ورق؟‬‫والشعر امش ر‬
‫أم الغزل ِ‬
‫َ‬
‫طرك‬
‫وع ِ‬ ‫ذكراك أثمل أيــامــي ‪ِ ..‬‬
‫خمر ِ‬
‫أش حت أنفلق‬ ‫َ‬
‫ال زال يـعزف يف ر ي‬
‫ً‬
‫وجدان ‪ ..‬عودي‬
‫ي‬ ‫عودي يا حلما يقطن‬
‫َ‬
‫بأحاج من قلق‬
‫ٍ‬ ‫مىع‬
‫فاليأس و وعودك يتقامرون ي‬
‫الفصل السادس‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫بقميص بال ازرار‪ ،‬تهشمت بي يديه ليلة‬
‫ٍ‬ ‫اقتنع باإللحاد‪ ،‬استيقظت‬ ‫كالذي‬
‫ً‬
‫امس كبلورة سقطت من يد طفل كان يمرح بها‪َ ،‬‬
‫انهمرت مشاعرنا عىل رسير ذا‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫اغطية حمراء‪َ ،‬‬
‫فعلنا ما لم اكن اتوقعه‪ ،‬حدث ما كنت افكر ِبه وانا اوضب‬
‫مجيئه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫اغطيت قبل‬
‫ي‬
‫بشء لم يشعر به من قبل‪،‬‬ ‫ر‬
‫ساعاته االوىل‪ ،‬يشعر ي‬
‫ِ‬ ‫استيقظت كالملحد يف‬
‫ً‬
‫يشعر باالنتصار والخوف معا‪ ،‬يشعر بالراحة الممزوجة بالندم‪ ،‬يشعر وكأنه‬
‫يمش‬‫تمة كهف ليمض ف طريق يخاف نهايته‪َ ،‬فر ٌح ألنه ر‬ ‫اوقد الشمع ف ع َ‬
‫ي ِ‬
‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ي ي‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فيما الكل نيام‪ ،‬فر ٌح ألنه َيتفكر فيما الكل خائف‪ٌ ،‬‬
‫فرح ألنه هادئ فيما الكل‬ ‫ِ‬
‫نتماء ما‪.‬‬
‫متعصب إل ٍ‬
‫ألول مرة‪ ،‬اعلم بأن هنالك القصائد تكتب عىل الجسد‪ ،‬ألول مرة اسمع‬
‫ئ‬
‫مرن‪.‬‬ ‫ر‬
‫شء غت ي‬ ‫حيان ارى ي‬
‫ي‬ ‫قصائد ال تقال‪ ،‬ألول مرة يف‬
‫جل ما اتذكره انه فك ضفائري بعد كأسنا األخت‪ ،‬وانا مستلقية عىل رسيري‪،‬‬
‫أش ليس عىل وسادته‪ ،‬كنت قد‬
‫عيت واغمضتها‪ ،‬شعرت بأن ر ي‬
‫ي‬ ‫فتحت‬
‫مت‪ ،‬استيقظت وهو ال يزال نائم‪ ،‬التفت‬
‫توسدت يده اليشى وهو بالقرب ي‬
‫ويخرجت من جنته‪ ،‬اردت تمعن وجهه‪ ،‬كان‬ ‫ي‬ ‫إليه ببطء حت ال يستيقظ‬
‫ً‬
‫اودن عن نفسها‪ ،‬كانت يف‬‫وسيما كما عرفته واحببته‪ ،‬كانت عينه المفقودة تر ي‬
‫ُ‬
‫مكانها‪ ،‬كنت ال اراه كريم العي‪ ،‬كنت اراه بكلتا عينيه الجميلتي‪.‬‬
‫ً‬
‫قميض‬
‫ي‬ ‫نظرت اىل جسدي فوجدته خاليا من بصمات يده‪ ،‬طال االمر ازرار‬
‫ُ‬
‫خت ما املك ِمن ق َبل‪ ،‬بدأت استذكر ليلة‬‫فحسب‪ ،‬جمعت اطراف قميض أل ر ئ‬
‫ي‬
‫االمس‪ ،‬تذكرت يف البدء كيف كنت اجلس بي احضانه‪ ،‬كيف جمع شعري‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫خصالن لثالث خصل ليصنع‬
‫ي‬ ‫وفكه االف المرات‪ ،‬كيف تغزل ر ين وهو يفرق‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫والشعر‪.‬‬
‫ِ‬ ‫فتة من الشعر‬
‫يىل ض ِ‬
‫بهدوء حت ال ازعجه‪ ،‬كنت انظر لوجهه ببطء وابتسم‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫كنت اتنفس الهواء‬
‫بدأت استذكر كل ما حصل بالتفصيل وأبتسم‪.‬‬
‫َ ً‬ ‫ً‬
‫ترجمة لكل‬ ‫خاصت‪ ،‬كانت‬
‫ي‬ ‫يف األمس‪ ،‬كانت خالصة لدموع فرح أحالم اليقظة‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫لحظة استلذاذ خشعت بها‪ ،‬شهد رسيري سيوال من الق َبل بعد ان َجدب من‬
‫شحتها‪.‬‬
‫ٌ‬
‫عروف بعطر جسده وتكحلت عيناي‬ ‫ي‬ ‫فيه‬
‫كان صباح جميل‪ ،‬صباح ابتلت ِ‬
‫َ‬
‫برؤيته‪ ،‬غنت يىل صغار العصافت يك افيق قبله‪ ،‬يك اشعر باالنتصار عىل‬
‫الت‬
‫التمت اىل الحقيقة‪ ،‬بغض النظر عن السني ي‬
‫ي‬ ‫رسيري‪ ،‬كيف تغت الحال من‬
‫تطلبت لذلك‪.‬‬
‫شء يف الوجود انك تحقق ما كنت تستحيل تمنيه‪ ،‬يف ذلك الوقت‬‫ر‬
‫اجمل ي‬
‫تثت عىل كل لحظة‬ ‫َ‬
‫ستسم عىل وجهك ابتسامة تمنحك الفخر‪ ،‬ستجعلك ي‬
‫َ‬
‫ارصار قدمتها ألحالمك‪ ،‬ستجعلك تهاب نظرة عينك لو دققت يف المرآة‬
‫لثوان‪.‬‬
‫الت كنت‬
‫بقيت اتمعن وجهه الطاهر لدقائق عديدة‪ ،‬حدثته بذات الطريقة ي‬
‫مكتت فجأة أللتقيه اول مرة‪ ،‬حينما‬
‫احدثه بها يف ايام لقاؤنا االول‪ ،‬حي دخل ر ي‬
‫كنت اكلمه بصوت الصمت‪ ،‬ذلك الصوت الذي يخرج من حنجرة الروح عند‬
‫الهيام‪.‬‬
‫ً‬ ‫كم تمنيت ئ‬
‫يعانقت‪ ،‬لم اظن انه قادرا عىل‬
‫ي‬ ‫لقان هذا‪ ،‬كم حلمت به وهو‬
‫ي‬
‫بروح كما يعبث المشعوذ بعقول الجهالء ليثت اندهاشهم بأبسط‬‫ي‬ ‫العبث‬
‫الت ررسبناها ليلة امس‪ ،‬بعد ان اعددت له‬‫االمور‪ ،‬تذكرت زجاجة النبيذ ي‬
‫ٌ‬
‫تشته تأمالتنا ونبيذ وقبلتي‪ ،‬ابتسم‬
‫ي‬ ‫طاولة لشخصي‪ ،‬عليها من الشمع ما‬
‫حي رأى ما اعددت له‪ ،‬كيف رحبت بقدومه‪ ،‬رحبت ِبه بقبلة عدا تلك‬
‫ً‬
‫لفوزه الساحق يف االنتخابات‪.‬‬
‫ِ‬ ‫القبلتي اللتان عىل الطاولة‪ ،‬كنت سعيدة‬
‫ً‬
‫بكم من العسكر‬
‫لبيت ِخلسة‪ ،‬لم يعد امر لقائنا طبيعيا‪ ،‬اصبح محاط ٍ‬ ‫ي‬ ‫جاء‬
‫بأنت اقرب من‬
‫ومراقب من كل الجهات االعالمية‪ ،‬ورغم كل ذلك‪ ،‬كان يعلم ي‬
‫كل الناس له‪ ،‬انا احقهم باالحتفال معه بذلك الفوز الساحق لكل من خذله‬
‫ً‬
‫مسبقا‪.‬‬
‫اىل‬ ‫حصل (احمد) عىل ر‬
‫الليت ي‬
‫ر‬ ‫اكت اصوات الناخبي ضمن نطاق الحزب‬
‫وحصل الحزب بالمقابل عىل اغلبية كبتة من اصوات الناخبي يف عموم‬
‫البالد‪ ،‬فيما تمكنت االحزاب المتبقية من الحصول عىل اصوات ضئيلة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اصبح (ألحمد) االن مركزا قويا للغاية ولكن تأييده يف الحزب بات ضعيفا‪،‬‬
‫اشتدت الخالفات بينه وبي اعضاء الحزب يف الفتة االختة حت انهم اج رتوا‬
‫عىل ترشيحه‪.‬‬
‫وعانقت‪،‬‬
‫ي‬ ‫انتظرته لما بعد منتصف الليل‪ ،‬دخل البيت بخطوات مسائية‬
‫قدىم عىل‬
‫ي‬ ‫وضعت كلتا يداي حول رقبته حت ارتفعت عن االرض‪ ،‬لم تعد‬
‫االرض‪ ،‬درنا حول أنفسنا عدة مرات من شدة الفرح‪ ،‬درنا حت ر‬
‫بعتنا الكواكب‬
‫ً‬
‫خارج مجموعتها الشمسية‪ ،‬ايهما كان السبب‪ ،‬لم يعد االمر مهما‪ ،‬كان ظاهرنا‬
‫فرح الفوز يف االنتخابات‪ ،‬اما باطن االمر كان فرحة اللقاء الذي يجمعنا‪،‬‬
‫اختلط علينا االمر ونحن ندور حول انفسنا‪.‬‬
‫الت‬
‫حي انته دوراننا لم انفك من حول رقبته‪ ،‬كنت است عىل تلك الحلقات ي‬
‫خلقها الرب من الغبار والجليد حول كوكب (زحل)‪ ،‬كنت است هناك وانظر‬
‫ً‬ ‫اىل بقية الكواكب‪ ،‬كان عددها احد ر‬
‫تسع‬‫ذكريان عىل مي ٍ‬
‫ي‬ ‫عش كوكبا‪ ،‬رأيت‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫العارسة‪ ،‬وارى كوكبا واحدا‬ ‫ليلت‬
‫ألقض ي‬‫ي‬ ‫منها‪ ،‬كنت است حول كوكب (زحل)‬
‫ً‬
‫بعيدا لم تكن يىل فيه ذكرى بعد‪.‬‬
‫الت‬
‫الت كانت بأنتظاره‪ ،‬جلس فالتفتت إليه زجاجة النبيذ ي‬
‫جلس عىل الطاولة ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عىل الطاولة‪ ،‬التفتت من شدة جماله‪ ،‬كان وسيما جدا‪ ،‬الكأسي اللذان عىل‬
‫ُ‬
‫لك يختاره ليسكب فيه‬
‫الطاولة تشاجرا فيما بينهما‪ ،‬كل كأس اراد التقرب منه ي‬
‫ررسابه‪ ،‬كؤوس النبيذ رفضت مذاق النبيذ امام مذاق شفاهه‪.‬‬
‫انت‬
‫جلست بقربه‪ ،‬جلست عىل يساره‪ ،‬لم اجلس امامه حت ال يظن ي‬
‫استغرب النظر يف وجهه لو اطلت النظر لوجهه كما اعتدت‪ ،‬ظننت أنه‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ألنت لم اجلس امامه يوما إال‬
‫ي‬ ‫لعينه المفقودة بغرابة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫بأنت انظر‬
‫سيفكر ي‬
‫جاحظة العيني‪ ،‬جلست يف زاوية يك اكون ضمن حدود نظر عينه‬
‫وكنت ِ‬
‫الوحيدة‪.‬‬
‫شء طعمه االول‪ ،‬حت لمسة اليد‬ ‫ُ ر‬
‫ما اجمل اللقاء بعد الفراق‪ ،‬يكون فيه لكل ي‬
‫ً‬
‫غمرن‬
‫ي‬ ‫اماىم‪،‬‬
‫ي‬ ‫تكون اشبه باللمسة االوىل‪ ،‬اشتقت له كثتا‪ ،‬واالن يجلس‬
‫قلت ميسور الحال‪.‬‬
‫الفرح حت اصبح ر ي‬
‫تحدثنا ونحن ر‬
‫نشب النبيذ‪ ،‬لم تفارق االبتسامة وجه (احمد) إال يف تلك‬
‫اللحظة الذي توقف فيها عن الكالم وانا انصت له ويداي متكاتفتي عىل‬
‫الطاولة‪ ،‬حي سألته عن سبب صمته ‪..‬‬
‫قال يىل‪ :‬كنت امتلك عيني ولم اتمكن من احتواء جمالك‪ ،‬االن ال املك إال‬
‫وه متعبة من تصفيفة شعرك فقط‪ ،‬ماذا سأفعل بما تبق من‬
‫عي واحدة ي‬
‫جمالك‪.‬‬
‫هونت عليه‪ ،‬كنت ال اريده له ان يحزن وسط هذا الفرح العارم الذي يجتاح‬
‫مقلتينا ‪..‬‬
‫قلت له‪ :‬انظر لما حولك من نجاح‪ ،‬انظر اىل صورك ي‬
‫وه تمأل جدران‬
‫والمقاه‪ ،‬انت الرابح‬
‫ي‬ ‫التاري ــخ‪ ،‬انظر اىل التلفاز والمذياع وحوارات المنتديات‬
‫االكت بعد الوطن‪ ،‬تتغت كل فئات الشعب بأسمك‪ ،‬أال يسعدك ذلك؟‬
‫ر‬
‫وظيفت‬ ‫وجه يف المرآة‪ ،‬واستذكار‬ ‫شء إال رؤية‬‫ر‬ ‫قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫يسعدن كل ي‬
‫ي‬
‫السابقة‪ ،‬اشتقت لتلك االيام الهادئة‪.‬‬
‫ً‬
‫مسكت كف يده‪ ،‬وابتسمت‪ ،‬سألته ألخذه بعيدا عن األلم ‪...‬‬
‫تسعدن يف ذكرى ميالدنا؟ او باالحرى ميالد حبنا‪،‬‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬كيف استطعت ان‬
‫َ ُ‬
‫كيف وضعت القصيدة عىل باب مت يىل وانت لم تكن يف العاصمة؟‬
‫(عشقنا) وليس (حبنا)‪ ،‬نحن تجاوزنا (الحب) منذ قبلتنا‬ ‫قوىل ذكرى ِ‬
‫ي‬ ‫قال‪:‬‬
‫قصيدة اخرى‪ ،‬قبل ذلك اليوم كان قد‬
‫ٍ‬ ‫االوىل‪ ،‬كنت قد كتبتها يف السجن مع‬
‫ئ‬
‫اصدقان وانا يف المشق بعد ان خرجت من المعتقل بأيام‪،‬‬ ‫ارن بعض‬
‫ي‬ ‫ز ي‬
‫تأخر من الليل دون ان‬
‫وقت م ٍ‬
‫اوصيت احدهم ان يضعها عىل باب متلك يف ٍ‬
‫يشعر ِبه احد‪ ،‬بعد ان زودته بالعنوان‪ ،‬كان غالب الظن لدي انك لن تقرئيها‬
‫اللياىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫يف وقتها المحدد‪ ،‬بعد ان مض عىل وداعنا االول الكثت من‬
‫ً‬
‫سحبت يدي منه خائفة ‪...‬‬
‫قلت‪ :‬وداعنا االول !!! لماذا اسميته االول؟ هل سنودع بعضنا مرة اخرى؟‬
‫ُ‬
‫بت‪ ،‬ررسب كأسه‪ ،‬اكمله عىل عجل‪ ،‬استمر بالصمت دون ان ينظر يف‬ ‫لم يجي ي‬
‫عيت‪.‬‬
‫ي‬
‫احتسيت القليل من النبيذ وانا انظر إليه ‪...‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫قال‪ :‬االمور تجري كما لم اخطط لها‪ ،‬انصدمت يف الواقع كثتا‪ ،‬ال اعلم ما‬
‫تخبأه يىل االيام القادمة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ارجوك ان تنتبه لنفسك‪ ،‬مر زمان وانا اتجنب تحذيرك من الواقع‬
‫الت تحاربــها وانظر اىل‬
‫السياش الذي يدور حولك‪ ،‬انظر اىل حجم المصالح ي‬
‫ي‬
‫السالح الذي يحمله ذوو هذه المصالح‪ ،‬عليك ان تنتبه‪ ،‬لو كان االمر بيدي‬
‫ً‬
‫لطلبت منك ان نذهب للعيش يف قريتكم‪ ،‬ان نعود اىل متلك القديم بعيدا‬
‫َ‬
‫الت تحيط بنا‪َ ،‬ب َنيت مستتك‬ ‫عن كل هذه المخاطر‪ ،‬عن ضوضاء الغدر ي‬
‫يكق عدائك مع الحزب‬
‫اىل واالن بت تحاربه‪ ،‬أال ي‬
‫الليت ي‬
‫وشهرتك عىل الحزب ر‬
‫السابق؟‬
‫ر‬
‫تقلق‪.‬‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬سيكون كل ي‬
‫شء بخت‪ ،‬ال‬
‫تساورن‪ ،‬هممت بالبحث عن ررس ٍ‬
‫يط احببته‬ ‫ي‬ ‫الت‬
‫تغاضيت عن كل الشكوك ي‬
‫ً‬
‫االلمان (باخ)‪ ،‬احتفظت ِبه‬
‫ي‬ ‫جدا‪ ،‬كان يحتوي عىل مقاطع موسيقية للعازف‬
‫الت وضع فيها (احمد) يده عىل القمر واطفأ‬ ‫عيدن اىل تلك اللحظة ي‬
‫ي‬ ‫ألنه ي‬
‫كبت‪ ،‬اردت‬‫ضياءه وقبلت قبلت االوىل‪ ،‬اردت لهذه المشاعر ان تعيش ال ان ت َ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫لت االوىل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫من موسيق القرن الثامن عش ان تتامن مع زمن قب ي‬
‫َبعثت موسيق (باخ) وسط ارجاء غرفتنا‪ ،‬حذرتها من ان تتعدى حدود‬
‫طاولتنا‪ ،‬حدود ثمالتنا‪ ،‬بعثتها لتسمو ارواحنا من غرفة الجلوس اىل غرفة‬
‫قلت‪.‬‬
‫المنام‪ ،‬لنتوحد بجسدين ضد الهجر‪ ،‬اردت ان اصلح ما افسده ر ي‬
‫ً‬
‫طاولت‪ ،‬نظرت إليه من جديد‪ ،‬ابتسم يىل ولم يقل شيئا‪ ،‬كان من‬
‫ي‬ ‫رجعت اىل‬
‫المفتض ان يقول يىل يف هذه اللحظة "احبك"‬
‫ً‬
‫سألته‪ :‬لما تبتسم كذبا؟‬
‫قال‪ :‬هل سنعود كما كنا؟‬
‫قلت له‪َ :‬‬
‫ولما ال؟‬
‫ُ‬ ‫ٌ ُ‬
‫قال‪ :‬انتاب يت شعور يذك ي‬
‫رن بكل ألم تغلغل جسدي عند هجرك‪ ،‬كتبت عدة‬
‫تتذكريت؟ هل‬
‫ي‬ ‫انت؟ بماذا تشعرين؟ هل‬
‫عنك‪ ،‬اين ِ‬
‫ِ‬ ‫ابيات اتساءل فيها‬
‫مثىل؟‬
‫عينيك تنهمر عىل الوسادة ي‬
‫ِ‬ ‫الدموع من‬
‫يعشقت‪ ،‬ولكنه يعشق يت لما‬ ‫بشء‪ ،‬لم اجيبه‪ ،‬شعرت بأنه ال يزال‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫لم اتكلم ي‬
‫ٌ‬
‫قبل فراقنا‪ ،‬ايقنت بأن كل اعتباراته الحالية مبينة عىل الجرح الذي تسببت ِبه‬
‫له‪.‬‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫الت كتبها يف‬
‫رسبنا كأسي معا‪ ،‬طلبت منه ان يروي يىل ابيات قصيدته االخرى ي‬
‫السجن‪.‬‬
‫ولكنت اعشقه‪ ،‬اعشقه ألنه يكتب‪ ،‬وألنه‬
‫ي‬ ‫بوافر من األلم‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫انشدها يىل‪ ،‬انشدها‬
‫مت ‪..‬‬
‫ألجىل اعشقه‪ ،‬ال ضت لو تألمت لطالما انه بالقرب ي‬
‫ي‬ ‫يكتب‬
‫معتها برغم ما احتوته من ألم‪ ،‬كانت الموسيق سباقة ألن تنصت له‪،‬‬ ‫َ‬
‫س ِ‬
‫شء يف مت يىل كان يعشقه‪ ،‬اجتمعنا‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫حوىل لينصت له‪ ،‬كل ي‬‫ي‬ ‫شء من‬‫اجتمع كل ي‬
‫ً‬
‫لقصة من جدتهم‪ ،‬النبيذ‬
‫ٍ‬ ‫سويا لألنصات له‪ ،‬جلسنا كاالطفال وهم يستمعون‬
‫ً‬
‫ولكنت جلست يف الصفوف االختة خوفا من اللوم‪.‬‬‫ي‬ ‫والشمع وانا‪،‬‬
‫َ‬
‫ارتشف من كأسه‪ ،‬ثم بكل وسامة ‪ ..‬قال‪:‬‬
‫يـا أمـيـة ال َـمـشاعـر أص ِـغـي ألـي‬
‫يـا َك َ‬
‫ـومـة أحـج ٍـار ‪ ..‬يـا زمـرد ال َـح َـجـر‬
‫َ‬
‫يـا أمـيـة االح َـسـاس ت َـه َـجـي حروفـي‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫تـلـفـظـي مـا كـتـبـت ل ِـك مـن دون البـشـر‬
‫َ‬
‫يـا ِعـشـق الـعـمـر يـا قـيـثـارة أحـزانـي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يـا لـيـلـي الـمـظ ِـلم يـا ضـوء الـق َـمـر‬
‫ً‬
‫يـا كـافـرة بـمـا أؤمن ‪ ..‬يـا مـل ِـح ٍ‬
‫ـدة‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ـالم َلـ َعـنها َوشـتـم َأبـويـهـا الـقـدر‬ ‫بـأح ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أعـتـذر الن ِـفـعـالـي و لغـضـبـي‪ ،‬ف َـهـذا‬
‫َ‬
‫ـرك ِعـنـدمـا ه َـجـر‬ ‫َ َ‬
‫مـا تـسـبب ب ِـه ِعـط ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الـنـوم وال ِـوسـادة َبـعـد ِك تـؤلـم يـت‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫و يـذبـح عـيـنـي لـغيـر ج َـمـال ِـك الـنـظـر‬
‫َ‬
‫وأن ِـت كـيـف تـمـضـي سـاعـات ايـام ِـك‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫ال أعـلـم ال أقـنـع ال أفـقـه أن اوقـات ِك تـمـر‬
‫ر‬ ‫أنوث َ‬ ‫َ‬
‫الشء‬ ‫ـتك بـعـض ي‬ ‫ِ‬ ‫أحـف يـت لـي من‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ـياىل السـهر‬ ‫وابعثـيه لـي مع تـنـهيدة ِمـن ل ي‬
‫َ‬
‫ـثلك امـرأة‬ ‫لم أرى كـأنـوثـت ِـك ولـن أرى كـم ِ‬
‫َ‬
‫كالضـفاف والن َـهـر‬ ‫نـعومتـهـا وروحـها ِ‬
‫َ‬
‫ََ‬
‫ع‬ ‫ذكـريات ِـك تـملـئ غـيـاب ِـك وان ِـت لم تـد ي‬
‫ُ‬
‫ـنت ِفـيها بالعالنـيـة وال َـجـهر‬ ‫ذكـرى إال وك ِ‬
‫َ‬
‫عـودي يـا ضـحـكـة أيـامـي يـا َجـنـاتـي‬
‫َ‬
‫الـخـضـراء يـا َسـمـائـي واالرض وال َـب َحر‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ـدك وأتـجـاهـل كـرامـتـي ؟وألـعـن‬ ‫ِلـما أري ِ‬
‫ََ‬ ‫ئ‬
‫ـودك ذكـر‬ ‫ـان لـو لـجـح ِ‬ ‫وأرجـم كـبـري ي‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ـأنك لـن تـعـودين‬ ‫مـاذا أفـعـل ألقـنـع ب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫لك أنـف َـجـر‬ ‫سـأبـتـر قـدمـي لـو الـشـوق ِ‬
‫ً‬
‫َحـت ال أعـود لـجـنـت ِـك َجـميال فأنا‬
‫الس َـحـر‬
‫بهجرك شـبه أنـسـان أنـام لـيـىل عند َ‬
‫ي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫يـا حـبـيـب يـت سـامـحـيـنـي عـن ما قـلت‬
‫َ‬ ‫فال َـحـنـيـن َط َـغـى وعـلـى َ‬
‫الصـبـر أنت َض‬
‫َ َ‬ ‫ٌ‬
‫شـتـان بـيـن مـا كـتـبـت ومـا أريد ‪ ..‬أريـد‬
‫َ‬
‫خلصيت من هـذا الـق َـهـر‬
‫ي‬ ‫ـدك فـ‬
‫أن ال اري ِ‬
‫َ َ‬
‫أعـطـفـي عـلـي فـأن ِـت بالـحـب َرعيـت يت‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ََ‬
‫كالذي أنتـشـل َيـتـيـما ربـى َبـيـن الـغـجـر‬

‫ه الرد االمثل لما‬


‫ابتسامت ي‬
‫ي‬ ‫ألول مرة اقابل ابياته بالدموع‪ ،‬لطالما كانت‬
‫اجىل‪.‬‬ ‫َ‬
‫يكتب من ي‬
‫انت كنت سعيدة‬
‫دموع بقدر األلم الذي رأيته يف غيابه‪ ،‬كان يظن ي‬
‫ي‬ ‫انهمرت‬
‫ان وانا بتلك الثياب البيضاء الخاصة بالمجاني‪.‬‬
‫الضمت حي ودعته‪ ،‬لم ير ي‬
‫ً‬
‫اجىل‪ ،‬اعلم‬
‫ي‬ ‫بأنت افرح كثتا حي يكتب من‬‫اختته ي‬ ‫دمىع‪ ،‬ر‬‫ي‬ ‫مت ومسح‬
‫اقتب ي‬
‫ً‬
‫لكنت سعيدة‬
‫ي‬ ‫بت‬
‫ليعاتبت ويعاق ي‬
‫ي‬ ‫قيمة ذلك جيدا‪ ،‬وبالرغم من انه كتب‬
‫بوجه ما هو اىل استذكار لهذا المكان‬
‫ي‬ ‫اختته بأن الدمع الذي يحيط‬
‫بلقائه‪ ،‬ر‬
‫الذي يجمعنا االن‪ ،‬كيف تغت‪ ،‬االن يتنعم بحضوره والشمع والقصائد بعد ان‬
‫َ‬
‫كان بركة من الحبوب المخدرة‪.‬‬
‫وجدت فرصة جيدة ألبوح عن كل ما مر ر ين يف غيابه‪ ،‬لم افصح له عن الكثت‪،‬‬
‫شء‪ ،‬تكلمت حت توقفت موسيق‬ ‫ر‬
‫كأش الثالث عىل التكلم يف كل ي‬‫ي‬ ‫ساعدن‬
‫ي‬
‫عىل‪ ،‬حت صنع يىل‬‫احتضنت ليهون ي‬
‫ي‬ ‫(باخ)‪ ،‬تكلمت حت انتهت زجاجتنا‪ ،‬حت‬
‫ً‬
‫وسادن‬
‫ي‬ ‫ضفتة‪ ،‬حت استلقينا سويا عىل الشير الذي كان يعرفه قبل ان يراه‪،‬‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫شء كان كما هو‪ ،‬النوافذ فقط من تغتت‪ ،‬كانت تطل‬ ‫كانت تعرفه ايضا‪ ،‬كل ي‬
‫عىل انتظاره ليخرج من متله عند كل الصباح‪ ،‬االن قد تغت االمر بفضل‬
‫ُ‬
‫اجفان عىل بعضها‪.‬‬
‫ي‬ ‫كلفت سوى ان ال اطبق‬
‫الحب‪ ،‬اصبحت رؤيته ال ت ي‬
‫ً‬
‫همست بأذنه "احبك" حت استيقظ‪ ،‬استيقظ مبتسما فسألته عن لون‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫بت‪ ،‬فكرت يف ان لو ألبتسامته لونا‪ ،‬لكنت‬‫ابتسامته‪ ،‬ابتسم اكت ولم يجي ي‬
‫ً‬
‫ثيابا َت َ‬
‫شبهها‪.‬‬ ‫صنعت‬
‫ً‬
‫حائرة ما بي َ‬
‫الوجل مما سيحدث‬ ‫كت‬
‫استيقظ لينشغل بأموره السياسية ويت ي‬
‫الت كانت بأنتظاره‪.‬‬
‫وما بي سالمته وسط الذئاب ي‬
‫ً‬
‫كت‬
‫ليخق مالمح وجهه‪ ،‬تمنيت ان ال يت ي‬
‫ي‬ ‫خرج مشعا وهو يرتدي قبعة كبتة‬
‫وسأصىل‬
‫ي‬ ‫كت‪ ،‬صليت ألجل ان يبق يف حماية الرب‪،‬‬
‫اىم يىل‪ ،‬ولكنه تر ي‬
‫كدعاء ي‬
‫السياش‪ ،‬من اجل ان يتك الشاق وشأنهم‪.‬‬
‫ي‬ ‫من اجل ان يتك الشأن‬
‫ً‬ ‫ئ‬
‫شواط االحالم المحققة‪ ،‬انا سعيدة جدا لما‬ ‫ابحرت بقارب الفرح اىل‬
‫حققت‪ ،‬حققت ما كنت احلم به‪ ،‬وما حلمت به هو ٌ‬
‫نتاج طبيىع لكل ر‬
‫انت‬ ‫ي‬
‫وه عىل قيد حبها االول‪ ،‬لطالما كان الحب االول لكل امرأة هو بمثابة اقتناء‬
‫ي‬
‫زجاجة عطر ثمي‪ ،‬يف كل استعمال له لن يكون كأستعماله االول‪.‬‬
‫يوم واحد‪ ،‬عىل رس ٍير واحد‪،‬‬
‫الحب االول ال يقبل القسمة عىل االيام‪ ،‬نريده يف ٍ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫لنكون كتلة واحدة‪ ،‬كتلة ال ينطبق عليها (قانون نيوتن االول) حي ادع بأن‬
‫(الجسم يظل يف حالته الساكنة ما لم تؤثر عليه قوة تغت من هذا الحالة)‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يف ليلة االمس‪ ،‬لم ينطبق علينا هذا القانون‪ ،‬حي كان ساكنا جالسا عىل‬
‫الحراك‪ ،‬كما لم اتمكن من‬
‫الطاولة تأثرت بقواه‪ ،‬وحي تحرك لم اتمكن انا من ِ‬
‫المغناطيش الذي يتبعه‬
‫ي‬ ‫المقاومة‪ ،‬كانت انفاسه تثبت يىل حقيقية التنويم‬
‫السحرة‪ ،‬كنت ال اصدقهم حي اراهم ولكن حي تنفست من انفاسه ايقنت‬
‫ً‬
‫وجود ذلك‪ ،‬ايقنت ايضا ان كتم االنفاس من لوازم الق َبل‪.‬‬
‫ر‬ ‫ُ‬
‫اش ليلة االمس‪ ،‬انا‬
‫اغلب النساء قد يندمن يف صباح اليوم فيما لو كن عىل فر ي‬
‫الت كنت اتأمله‬
‫ينتابت الندم ولو للحظة‪ ،‬مرت بخاطري تلك اللحظات ي‬
‫ي‬ ‫لم‬
‫الت كنت اراقب فيها كل مالمحه وهو‬
‫فيها من خلف النوافذ‪ ،‬تلك اللحظات ي‬
‫مىع يف كل لقاء‪ ،‬تذكرت كل لحظة حب خالصة يف حبها‪ ،‬تأكدت من‬
‫يتكلم ي‬
‫ئ‬
‫يذان بقدر‬
‫مىع بروحه‪ ،‬لم يكن يود إ ي‬
‫كل لمساته لجسدي بأنه مخلص ي‬
‫يلمست إال وابتسمت‪ ،‬كنت لن امنعه حت لو اراد ان‬
‫ي‬ ‫بقرن‪ ،‬لم‬
‫سعادته ألنه ر ي‬
‫روح‪ ،‬فالفرق واضح بي انواع النساء يف العشق‪ ،‬هن ثالث‪ ،‬من‬
‫ي‬ ‫يقبض‬
‫تعشق بروحها فقط تعرف ما حدث ليلة امس‪ ،‬تعرف ان الفرق شاسع ما بي‬
‫الجنس و ِجنس العشاق‪.‬‬
‫عشاق ِ‬
‫ً‬
‫مملوء بالهيليوم‪ ،‬ال‬
‫ٍ‬ ‫نفش كبالون‬ ‫ي‬ ‫يف السنوات الماضية‪ ،‬كنت دائما اجعل من‬
‫ً‬
‫كت وان يكون حذرا يف‬ ‫ادن يتوجب عليه ان يمس ي‬ ‫اتمسك بأي انسان‪ ،‬من ار ي‬
‫ً‬
‫ضغوط‪ ،‬وارتفع عاليا لو‬
‫ٍ‬ ‫كيفية االحتفاظ ر ين‪ ،‬انفجر يف وجهه لو مارس أي‬
‫ً‬
‫كت‪ ،‬او مجرد انه قد يحاول‪ ،‬كنت امرأة ارتفع عاليا ان لم يحتفظ ر ين احد‪.‬‬
‫تر ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بعد الحب‪ ،‬نكون كالذي اعتنق دينا رأى منه معجزة‪ ،‬يكون غت قابال للنقاش‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫عاشق‬
‫ٍ‬ ‫او الجدل‪ ،‬نحب فيه ما كان عليه وما سيكون‪ ،‬لن نكتث ابدا‪ ،‬ألن كل‬
‫َ‬
‫ليس له شبه‪ ،‬وال يقبل القياس عىل من حوله‪.‬‬
‫شء كنا نقرأه يف الكتب او‬ ‫ر‬
‫بعد الحب تتغت كل مفاهيمنا عن الحياة‪ ،‬نفهم كل ي‬
‫ُ‬
‫نشاهده يف السينما‪ ،‬كنا وبكل بساطة ننتقد كل عاشق عىل تضف ما‪ ،‬يف‬
‫رواية او قصة او يف حادثة مشهودة‪ ،‬قد نقول ان تضفه كان طائش‪ ،‬او يدل‬
‫ُ‬
‫عىل سذاجته‪ ،‬نحكم دون ان نعلم ما يدور يف ليله‪ ،‬نحكم عليه دون ادن علم‬
‫عن ما تحمله ذكرياته من لحظات ال تتكرر‪ ،‬نحكم دون ان نعلم انه قد عاش‬
‫ايام عشق ايقن فيها ان االرض تدور من اجل حبهما فقط‪.‬‬
‫انت كنت اعتقد وال زلت بأن فصل الربيع ال‬ ‫ر‬
‫باف البش‪ ،‬مجرد ي‬
‫انا ال افرق عن ي‬
‫احساش كيف ينبثق‬
‫ي‬ ‫يأن إال و(احمد) عىل سطح هذا الكوكب‪ ،‬رأيت بأم‬
‫ي‬
‫يمش عليها‪ ،‬حي ر‬
‫تمش اقدامه بالتعاقب ارى حي‬ ‫الربيع من االرض بعدما ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫يرفع قدمه ليقدمها اىل االمام تنبت وردة من تحته‪ ،‬حي يتكلم يبعث الهواء‬
‫النق من انفاسه وكأنه شجرة كبتة تمنح االوكسيجي اىل الحياة من دون‬ ‫ي‬
‫َ‬
‫مقابل‪ ،‬رأيت ايضا موج البحر وهو يرتفع مع حركة يده‪ ،‬حي الق يىل الشعر يف‬
‫تلك الليلة الجميلة‪.‬‬
‫الستار عىل ابطال‬
‫ينته‪ ،‬فانه سيكون اشبه بأنزال ِ‬
‫ي‬ ‫لو ق ِد َر للحب االول ان‬
‫مشحية جمعهما الحب يف الواقع قبل التمثيل‪ ،‬لم يسمح لهما القدر بتبادل‬
‫الغزل فيما بينهم‪ ،‬كلماتهم كانت كأرسى حرب‪ ،‬يتوجب تناقلها وجود‬
‫اتفاقيات كبتة لها عدة ررسوط وعليها كثت من االلتامات‪ ،‬بعد استدال‬
‫الستار‪ ،‬تبدأ الغربة من جديد‪ ،‬لن يسمح لهما الواقع بالكالم‪ ،‬سيذهب كل‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫منهما وشأنه‪ ،‬سيتك كلتا عينيه مع من يحب ويذهب اعم البض عميق‬
‫البصتة‪.‬‬
‫َ‬
‫التدي‪ ،‬خلق‬‫ينته‪ ،‬هو كـنبات ر‬
‫ي‬ ‫ينته فأنه لن‬
‫ي‬ ‫الحب االول لو قدر له ان‬
‫ً ً‬
‫لحت زم يت معي‪ ،‬بعدها يموت ويتفسخ‪ ،‬لكنه عاش‬ ‫ٍ‬ ‫ليكون كائنا حيا يعيش‬
‫لكل رشء يشبهه‪ ،‬بعد ان َك َ‬
‫تب عليه الفراعنة تاريخهم‪،‬‬
‫ً ُ‬
‫ألالف السني‪ ،‬خالفا‬
‫ي‬
‫ً‬
‫اصبح عظيم الشأن و كبت القيمة بعد ان كان مجرد نباتا‪ ،‬الحب االول هو‬
‫بأصابعه لو سمع احد يقول "لقد فات‬
‫ِ‬ ‫اذانه‬
‫ِ‬ ‫ذلك االحساس الذي يصم‬
‫االوان"‬
‫قبل خوض االنتخابات‪ ،‬اشتط (احمد) عىل الحزب عدة ررسوط من اجل‬
‫ً‬
‫ترشيحه‪ ،‬هددهم بأنه سيخوض االنتخابات من خالل جبهته منفصال عن‬
‫ً‬
‫الحزب‪ ،‬قد يكون ذلك مستحيال لوجود فارق كبت بي ِحزب له تاري ــخ كبت‬
‫ً‬
‫يمض عىل تشكيلها الكثت‪ ،‬كان هذا االمر مستحيال ولكنه‬
‫ي‬ ‫وبي جبهة لم‬
‫هددهم به‪.‬‬
‫كانت قيادات الحزب قد بدأت تقسيم المناصب السيادية فيما بينهم‪،‬‬
‫دار للعبادة‪ ،‬بغض النظر‬
‫سمعهم وهم يجمعون نواياهم لمنع الصالة يف أي ٍ‬
‫عن كل االديان المتوافرة‪ ،‬كانت نواياهم يف تأسيس دولة تتخىل عن هويتها‬
‫العربية والدينية‪.‬‬
‫ً‬
‫وف هذا التوقيت تحديدا‪ ،‬له اثره الخاص يف ثورة الشعب من‬
‫كان هذا االمر ‪ ،‬ي‬
‫اىل كما كانت عليه يف السابق‪ ،‬ظهرت‬
‫الليت ي‬
‫جديد‪ ،‬لم تكن قيادات الحزب ر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫روحهم العدائية بغية االنتقام من كبتهم وقمعهم طيلة السنوات المنضمة‪.‬‬
‫كان توجه االحزاب يف الغالب هو االنتقام من الشعب‪ ،‬هذا الشعب الذي‬
‫ً‬
‫اصبح ررسيكا هو االخر فيما يجري من تحوالت جذرية يف نظام الحكم‪ ،‬بدأ‬
‫الشعب كما بدأ يف السابق بمنح الصفة االلوهية لقيادات االحزاب الحالية كما‬
‫فعلها باألمس مع االحزاب الدينية‪ ،‬اصبح لكل حزب قاعدة شعبية مبنية عىل‬
‫تكتل ما‪ ،‬ولكن اغلب التكتالت يف هذه الفتة ارتدت ثوب العلمانية‪.‬‬
‫ماض‬
‫ي‬ ‫اشتكت يف االنتخابات العديد من االحزاب والشخصيات‪ ،‬ممن كان لها‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫م رشق مع هذا الشعب او مظلم‪ ،‬لم يكن االمر مهما لطالما تم ترشيحه من‬
‫ديت‪.‬‬ ‫خالل الزعيم‪ ،‬زعيم عشائري او ي‬
‫ر‬
‫انتشت االفكار العلمانية بشكل رسي ــع‪ ،‬اصبح من المعتاد ان تفهم العلمانية‬
‫(بغض لألديان السماوية فحسب)‪ ،‬كان هذا المفهوم يف االصل صعب‬ ‫ٌ‬ ‫بأنها‬
‫التفست‪ ،‬فكيف سيكون تقبله اتجاه شعب تقوقع داخل قوقعة الدين‬
‫والعرن من ممتاته‬
‫ري‬ ‫عرن‪،‬‬
‫لسنوات طويلة‪ ،‬ويضاف اىل ذلك ان هذا الشعب ر ي‬
‫كأتباعه لدينه‪ ،‬بمجرد انه‬
‫ِ‬ ‫وىل االمر يف دينه‬
‫ه ان يتبع ي‬
‫غت القابلة للنقاش ي‬
‫ولد عليه‪.‬‬
‫ً‬
‫ه اسلوب ألدارة دولة‬ ‫العلمانية لم تكن ابدا بديلة لدين او عقيدة‪ ،‬العلمانية ي‬
‫تنظر لفحوى ر‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫الشء قبل ظاهره‪ ،‬ان‬
‫ي‬ ‫ه ان‬‫او مؤسسة او حت تجمع صغت‪ ،‬ي‬
‫َ‬
‫ه ان تعامل الكل‬ ‫تطلب االنجاز يف العمل دون ان تعرف هوية المنجز‪ ،‬ي‬
‫سواسية يف الشأن الذي اجتمعوا ألجله وان ال تكون افكارك مبنية عىل لون او‬
‫الجان مهما كانت ررسعيته من حجج‬
‫ي‬ ‫ه ان تحاسب‬ ‫دين او قومية او ِعرق‪ ،‬ي‬
‫ه ان تضع الكفوء يف‬ ‫َ َ‬
‫واحكام دينية ومهما كان نسبه يعود اىل الصالحي‪ ،‬ي‬
‫ً‬
‫المنصب المتطلب له حت لو كان لقيطا‪.‬‬
‫َ‬
‫تجتك العلمانية عىل احتام كل االديان‪ ،‬واولهم دينك ومعتقداتك‪ ،‬العلمانية‬ ‫ر‬
‫ً‬
‫ه‬ ‫ال تسمح لك بأن تستخرج احكاما من كتبك تثت غضب من حولك‪ ،‬ي‬
‫ُ‬
‫تعطيك الحق يف ان تقرأ كتبك وان تأخذ منها ما يخص شأنك‪ ،‬ولكن االهم‬
‫نار فأن‬
‫جنة او يف ٍ‬
‫هو ان تدع دين الناس يؤدي بهم حيثما يشاءوا‪ ،‬ان كان يف ٍ‬
‫َ‬
‫االمر ال يمس مقعدك الذي حجزته لك ادعيتك لما بعد الصالة يف النعيم‪ ،‬لن‬
‫يضك امرهم ولن ينفعك‪.‬‬
‫ً َ‬
‫ه ليست انكارا للتدين‪ ،‬تكون العلمانية‬
‫ه نظام وليست ديانة‪ ،‬كما ي‬
‫العلمانية ي‬
‫واجبة التطبيق لو كان بلد ما يحتوي عىل عدة اديان او عدة قوميات او عدة‬
‫اعراق انحدرت من منبع واحد وتفرقت فيما بعد بسبب تطبيقها‪ ،‬مما جعل‬
‫كل فئة منها ان تبغض الفئة االخرى وتستبيح قتلها‪ ،‬فكيف سيجمعهم وطن‬
‫وارض ومصالحة مشتكة واحدة وقد فرقهم الدين؟ من الجدير بالذكر ان‬
‫ُ‬
‫الدين اسم كل الروابط انفة الذكر لدى العرب‪.‬‬
‫ُ‬
‫ارى بأن هنالك عدة اسباب وجدت لتنشأ العلمانية‪ ،‬لم تكن وليدة الصدفة‪،‬‬
‫ال شك بأنها ولدت من رحم الحاجة‪ ،‬وان من اهم هذه االسباب هو (ان ما‬
‫يفرقه الدين ال يجمعه وطن)‪.‬‬
‫تعايش بسالم‪ ،‬كل مواطن له دينه‬
‫ٍ‬ ‫وما ان طبقت العلمانية ستجد ان الكل م‬
‫ومقدساته واوقات اعياده دون ان يعتض عليها احد‪ ،‬ألن من يعتض لن يجد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حاكما او مرؤوسا من ابناء جلدته يقدم له اعتاضه ليثت حفيظته بأقوال من‬
‫توف قبل اآلف السني‪ ،‬سيلتجأ للحاكم‬‫امر الم ي‬
‫لوىل ٍ‬
‫كتابه المقدس او اقوال ي‬
‫ر َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫رسع‬
‫فتاه يطبق قانونا وضعيا يتكفل بحماية الكل قبل الفرد‪ ،‬وضعيا ألنه ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ً‬
‫وفقا للوضع الراهن وليس وفق الزمن الذي أ ِنزلت فيه االديان‪ ،‬ألن مستوى‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫مبادئ ما دون‬
‫ٍ‬ ‫التفكت يتغت جيال بعد جيل‪ ،‬وانه ليس باالمكان الحكم عىل‬
‫الرجوع اىل مكان وزمان نشؤها‪.‬‬
‫ُ‬
‫فكيف نريد من أحكام الدين المتلة قبل اآلف السني ان تحكم ظروف حياة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ش ٌء ممكن‪ ،‬اما ان تحكم المعامالت فهذا‬‫ر‬
‫اليوم!! ان تحكم العبادات فهذا ي‬
‫الشء مستحيل‪.‬‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫العرن‪ ،‬مشكلة حب التجمهر‬
‫ري‬ ‫االكت تكمن يف الشعب‬
‫ر‬ ‫ال شك يف ان المشكلة‬
‫اسماء لها‬ ‫سبه يحتوي عىل‬ ‫واالتباع لشخص والخشوع ألقواله لمجرد ان َن َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شء يحثه للخروج عن‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫العرن هو انه يخش كل ي‬ ‫ري‬ ‫قدسية‪ ،‬مشكلة الشعب‬
‫شء يتطلب فيه التفكت‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫المسار الذي ولد من اجل اتباعه‪ ،‬يخش من كل ي‬
‫واالنفراد يف اخذ القرار‪ ،‬شعبنا لطالما شعر باالرتياح وهو ينصت للمنجمي‬
‫السىع لتحقيقها‪.‬‬ ‫شعب َيهتم ف تفست االحالم ر‬
‫اكت من‬ ‫ٌ‬ ‫قبل نهاية كل عام‪،‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫اغلب الشعوب العربية مؤمنة ِبفكرة (الطوطم)‪ ،‬فكرة وحدة الصف من اجل‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫تعىط لم ِتبع القطيع سببا ليؤمن بأتباعه‪ ،‬كان أول من استعملها‬
‫ي‬ ‫الخنوع‪ ،‬فكرة‬
‫هو الرحالة (ج‪.‬لونك) عام (‪ )1791‬إذ استعملها يف كتابه (رحالت متجم‬
‫ٌ‬
‫تدع وجود روابط ما تربط بي مجموعة من‬ ‫ي‬ ‫وه فكرة‬ ‫هندي وأسفاره)‪ ،‬ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫مثال للعرب‬
‫ٍ‬ ‫البش‪ ،‬كأن يكون هذا الرابط انسانا او حيوانا او جمادا‪ ،‬واقرب‬
‫بصدد هذه النظرية هو قبيلة (قريش)‪ ،‬حيث كان لكل فئة منها او لكل قبيلة‬
‫صنم عىل هيئة ر‬
‫بش واجب العبادة وال يجوز ألي قبيلة المساس بهذا الرمز او‬
‫اهانته‪ ،‬وال تشتك قبيلتان يف عبادة الصنم ذاته ألن لكل فئة منهم ما يمتها‬
‫عن غتها‪ ،‬وهنا تتجىل فكرة التكتل من اجل الشعور باالمان‪ ،‬وان اعظم‬
‫ً‬
‫خوفا ينتابهم هو حي يفكروا يف الخروج عن اتباع هذا (الطوطم) او باالحرى‬
‫الخروج عن ما وجدوا عليه اباؤهم واجدادهم‪.‬‬
‫ً‬
‫كل ذلك كان سببا يف اعادة هيكلية الشعب وفق االسس الجديدة المعتمدة‪،‬‬
‫كان الجميع يسىع اىل دفة الحكم بشت انواعها وبأبسط صورها‪ ،‬متدين‬
‫ً‬
‫ليتاليا من اجل ان يبق بمنصبه قدر‬ ‫األمس يف الحزب السابق اصبح ر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫المستطاع‪ ،‬والذي كان مشاغبا يف سلطات االمن سابقا وادى اىل هالك الكثت‬
‫من المعارضي اصبح اليوم يرتدي ثياب الدين يك يثبت وداعته وتواضعه‪.‬‬
‫ً‬
‫تمت اعادة كل المسميات من اجل ان تبق تلك الطبقة جاثية عىل صدور‬
‫(بالتوليتاريا‬
‫الت اصبحت اشبه ر‬ ‫الشعب من جديد لتشق قوته‪ ،‬تلك الطبقة ي‬
‫ً‬
‫بدوره اىل احتكاره‬
‫ِ‬ ‫الدينية) تستمد قوتها من خنوع الشعب فكريا والذي ادى‬
‫بالرأسمالية الفكرية قبل المالية‪.‬‬
‫عاد أئمة المساجد ذات القباب الثمينة واساقفة الكنائس الذين يتكئون عىل‬
‫صلبان من الذهب الخالص اىل ترشيح ما يمثلهم من سياسيي بحسب‬
‫الحاجة المفروضة‪ ،‬قالوا عنهم انهم من االكفاء وذوو شهادات عالية‪ ،‬هم‬
‫جة للتشيح عن طريق رجال الدين من اجل توجيه الشعب‬
‫كانوا فقط بحا ٍ‬
‫وىل‬
‫الحائر عند االنتخابات‪ ،‬كان الشعب ال يريد االقتاع دون ان يعرف من ي‬
‫ً‬
‫سهم يف دخوله الجنة‪.‬‬
‫امره أيا من المرشحي سي ِ‬
‫يعت‬
‫كنت اعلم بأن (احمد) سيواجه كل ذلك‪ ،‬اسقاط الحكم لوحده ال ي‬
‫الخالص من رموز الفساد والشقة يف البالد‪ ،‬عليه ان يعلم بأن تطبيق مبادئ‬
‫(تش جيفارا) و (نيلسون مانديال) يف بالد العرب باتت شبه مستحيلة‪ ،‬ألن‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫من اراد احتالل بالد العرب َف َ‬
‫كر يف بادئ االمر بتشويه كل صور الثائرين‬
‫ً‬
‫والمجاهدين الحقيقيي الحاليي والذين سيظهروا يف المستقبل تجنبا‬
‫اض سواء كان‬
‫للثورات المؤدية اىل االستقالل‪ ،‬بعد ان احتلوا ما شاؤوا من ار ي‬
‫ً‬
‫بأقالم ترتجف خوفا كما هو حال‬
‫ٍ‬ ‫وقعت‬
‫احتاللها بالقوة او باتفاقات دولية ِ‬
‫العرن‪.‬‬
‫ري‬ ‫دول الخليج‬
‫ارى ان الخطوة االوىل للتخلص من ظهور الثائرين كانت بااليعاز للعمالء‬
‫الشيي العلنيي ٌ‬
‫كل من (عبد هللا عزام) و(اسامة ابن الدن) ألفتتاح مكتب‬
‫خدمات يف (بيشاور) يف (باكستان) عام (‪ ،)1984‬ومنذ عام (‪ )1986‬اصبح‬
‫ً‬
‫هذا المكتب شبكة للتجنيد يف الواليات المتحدة االمريكية من خالل افتتاح‬
‫األطلش يف (بروكلي)‬
‫ي‬ ‫مركز (كفاح) لالجئي يف مسجد (الفاروق) يف شارع‬
‫احدى احياء مدينة نيويورك االمريكية‪ ،‬ليعطوا بموجب ذلك العصا السحرية‬
‫ُ‬
‫ثائر سيظهر‪،‬‬
‫(ارهان) عىل كل ٍ‬
‫ري‬ ‫للواليات المتحدة االمريكية يف ان تطلق تسمية‬
‫مالذ امن يف (افغانستان) فبادروا‬
‫حت سمحوا لهم يف نهاية المطاف بأتخاذ ٍ‬
‫بأسقاط الجمهورية الديموقراطية األفغانية المدعومة من قبل االتحاد‬
‫السوفيت عام (‪ ،)1992‬ليتمكنوا من تأسيس (حركة طالبان) عام (‪ )1996‬ثم‬
‫ي‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫كة‬
‫الت ستظهر مقابل كل حر ٍ‬‫(تنظيم القاعدة) ثم اىل العديد من المنظمات ي‬
‫ً‬
‫ستظهر محاولة اعادة اسس الدين الصحيح لعقول العرب‪.‬‬
‫كان خالف (احمد) مع الحزب يتمحور حول منهجية الحكم لما بعد تشكيل‬
‫خطوط حمراء ال يتخطاها احد‪ ،‬اراد من الحزب ان‬
‫ٍ‬ ‫الحكومة‪ ،‬اراد ان يضع‬
‫يوثق تواقيع مجلسه التنفيذي عىل ان تلىع كل االمتيازات الممنوحة‬
‫للمناصب المهمة يف الدولة وعىل ان يكون الراتب الذي يتقاضاه أي وزير او‬
‫اىل ال‬ ‫ر‬
‫يىع يف الحكومة المشكلة من الحزب الل ريت ي‬
‫عضو يف المجلس التش ي‬
‫يتجاوز راتب عامل النظافة يف وسط العاصمة‪ ،‬وان ال يزيد راتبه عن اعىل‬
‫ً‬
‫راتب ضمن قواني الدولة الخاصة بالموظفي العموميي‪ ،‬اراد ايضا ان ال‬
‫ً‬
‫المبان الحكومة العائدة ملكيتها اىل الشعب‪ ،‬اراد ان‬
‫ي‬ ‫يشغل الحزب أيا من‬
‫يىع خدم بكل ما تحمل الكلمة‬ ‫ر‬
‫يكون الرئيس المنتخب ووزراءه ومجلسه التش ي‬
‫من معت‪ ،‬كيف يتم ذلك ولنا يف تأريخنا (محاكم التفتيش) واجدادنا امويون!!‬
‫ألتفاق كاذب بالقبول لكل‬
‫ٍ‬ ‫بعد تبادل التهديدات‪ ،‬توصل الحزب مع (احمد)‬
‫ما اراده ان يكون بعد تشكيل الحكومة‪ ،‬ارادوا ان ينالوا رضاه لتشح نفسه عن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الت ستنتخبه لئال تكون من‬
‫الحزب‪ ،‬ليس حبا به‪ ،‬وانما خوفا عىل االصوات ي‬
‫اىل المتأهب لشقة اموال الشعب‪.‬‬
‫الليت ي‬
‫حزب غت الحزب ر‬
‫ٍ‬ ‫نصيب‬
‫لم يكسب (احمد) قبول الشعب بأكمله‪ ،‬كان هنالك العديد من المعارضي‬
‫طبيىع‪ ،‬والنصف االخر كان قد‬
‫ي‬ ‫له‪ ،‬نصفهم كان من الحزب السابق وهذا من‬
‫حمله وزر كل الشغب الذي حصل بعد الثورة‪ ،‬حيث انطلقت العديد من‬
‫االشاعات تشت اىل ان (احمد) وجبهته من المخربي‪ ،‬ارادوا للشهداء الذين‬
‫الت تلت الثورة وانقسامات الجيش ان يستشهدوا‪،‬‬
‫سقطوا يف وقت الفوض ي‬
‫انطلقت العديد من االشاعات تقول بأنه مدفوع من دول الغرب للقضاء عىل‬
‫الهوية العربية واالساءة لألديان‪ ،‬قالو عنه انه (مسلم) وقال اخرون بأنه‬
‫(مسيج) وقالوا عنه انه (يهودي) من ابوين إرسائيليي ‪...‬الخ من التهم‬
‫ي‬
‫المتداولة بي العرب‪.‬‬
‫يعت‬ ‫ر‬
‫شء ال ي‬‫بدأت انظر اىل الخاتم الذي يف يدي وكأنه مجرد هدية‪ ،‬صار ي‬
‫ش ٌء انته مفعوله‪ ،‬لم يعد له معت‪ ،‬خطوبتنا اصبحت يف‬ ‫ً ر‬
‫(ألحمد) شيئا‪ ،‬ي‬
‫ألنت خذلته يف تلك الليلة‪.‬‬ ‫ر‬
‫شء‪ ،‬كم انا نادمة ي‬
‫خت كان‪ ،‬انا من دمر كل ي‬
‫ر‬
‫منذ ان عادت عالقتنا وهو ال يتطرق لموضوع خطوبتنا‪ ،‬لم يسأل عن‬
‫ً‬
‫مستقبلنا‪ ،‬كيف سنكون‪ ،‬كنا ال نخلو من االحالم اطالقا‪ ،‬لم يعد كذلك‪،‬‬
‫مت‪.‬‬
‫يقض يومه فحسب‪ ،‬حت اصبحت بعض ايامه خالية ي‬
‫ي‬ ‫اصبح‬
‫وه الملل يف الحب‪ ،‬كنت‬
‫حيان‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫لمرحلة لطالما خشيتها طوال‬
‫ٍ‬ ‫وصلت‬
‫نفش من كل اعجاب يتطرق‬
‫ي‬ ‫اخاف هذا الشعور حد الموت‪ ،‬كنت قد منعت‬
‫نفش‬
‫ي‬ ‫اىل خاطر كل بنت يف عمر المراهقة من اجل ان اصل اىل الملل‪ ،‬منعت‬
‫من كل حب يجب ان يطرق ابواب ر‬
‫االنت ايام الجامعة‪.‬‬
‫بأنت انتظره‪ ،‬يف كل مرة‬ ‫ئ‬
‫اخته ي‬
‫الشاط عدة مرات‪ ،‬جلست لوحدي‪ ،‬لم ر‬ ‫زرت‬
‫كت بمفردي‬
‫يأن‪ ،‬تر ي‬
‫بأذن كما اعتاد‪ ،‬لم ي‬
‫ي‬ ‫خلق ليهمس‬
‫ي‬ ‫وانا اتخيل مجيئه من‬
‫واهتم بالسياسة‪ ،‬لم اعد اراه إال من خالل شاشات التلفاز‪.‬‬
‫اىل مت سأنتظره يكررها ‪" ....‬هل تقبلي الزواج ر ين؟"‬
‫ثون االبيض فحسب وبعدها فليكن ما‬ ‫رصت ال اريد العيش‪ ،‬اريد ان ارتدي ر ي‬
‫عت بي‬ ‫ر‬
‫شء جميل‪ ،‬سوى (يعقوب)‪ ،‬ظل يسأل ي‬ ‫يكن‪ ،‬لم يتبق يىل من الدنيا ي‬
‫عت كما كان (زياد) له الرحمة والمغفرة‪ ،‬هو الذي لم‬ ‫ئ‬
‫الحي واالخر‪ ،‬يطمي ي‬
‫عت اىل هذه اللحظة‪ ،‬حدثته عن (احمد) وعن كل ما‬
‫ينسان قط‪ ،‬لم يتخىل ي‬
‫ي‬
‫جرى له‪ ،‬سألته "هل سيعود يىل؟" قال يىل "مشاعرك اتجاهه وفتة الوفاء‪،‬‬
‫تأكدي من انه يحبك بقدر ما تحبينه‪ ،‬ولكن احذري لئال يكون خيط دخان"‬
‫نفش؟ ام الومه ؟‬
‫ي‬ ‫ظلت هذه الكلمات يف خاطري طوال هذه الفتة‪ ،‬هل الوم‬
‫ام الوم القدر واشتمه بأبويه؟‬
‫ُ‬
‫داخىل يك ال انهار‪ ،‬متمسكة به رغم اهماله‪ ،‬افكر يف‬
‫ي‬ ‫بقيت اروض الحزن يف‬
‫وضعت‬
‫ي‬ ‫مت بسبب اعاقته‪ ،‬وضعه القدر يف الموقف الذي‬ ‫انه لن يقبل الزواج ي‬
‫ً‬
‫مسبقا‪ ،‬ولكن هل ىل ان اعذره؟ وان عذرته؟ َ‬
‫نفش عن ما‬‫ي‬ ‫فلما لم اعذر‬ ‫ي‬ ‫ِبه‬
‫فعلت؟ انا ف حتة من َ‬
‫الهم‪.‬‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫مناىم‪،‬‬
‫ي‬ ‫ارن طيفه يف‬
‫يوم‪ ،‬اتصلت ِبه باكية‪ ،‬غفوت لبضع دقائق فز ي‬
‫بعد ظهتة ٍ‬
‫الصباح‪ ،‬حي‬
‫ي‬ ‫حلمت به وهو يقتطع الطعام بشوكته ويطعم يت‪ ،‬كذلك اللقاء‬
‫ً‬
‫تناولنا فطورنا سويا بالقرب من مكان عمله عىل انغام فتوز‪ ،‬قال يىل ما قاله‬
‫ً‬
‫شفاهك اغنية حمراء كنت اتوق لسماعها"‬
‫ِ‬ ‫حرفيا "كانت عىل‬
‫سيأن‬
‫ي‬ ‫طلبت منه ان القاه‪ ،‬كنت عىل بعد خطوتي من االنهيار‪ ،‬قال يىل بأنه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫صوته المتعب الف حجة‬ ‫ِ‬ ‫لرؤيت غدا‪ ،‬كان صوته متعبا جدا‪ ،‬اتخذت من‬
‫ي‬
‫بانت سأذهب النتظاره يف البيت‪،‬‬‫ألعذره‪ ،‬كنت قاسية معه يف الكالم‪ ،‬قلت له ي‬
‫ً‬
‫صمت قليال وقال يىل "انا يف المتل‪ ،‬سأنتظرك"‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ذهبت اىل متله‪ ،‬ذات المتل الذي زرته مسبقا‪ ،‬لم يقبل تغيته او امتالك ايا‬
‫ً‬
‫لسياش الحزب السابق‪ ،‬لم يكن احدا يف داخله‪ ،‬بعد ان‬‫ي‬ ‫من المنازل الفخمة‬
‫سمح يىل الحرس الماكث عىل الدوام يف بابه بالمرور‪ ،‬دخلت وتذكرت حي‬
‫ً‬
‫وقفنا هنا بسبب المطر‪ ،‬كم كان المطر لطيفا وقتها‪ ،‬كنت افكر يف حجة للبقاء‬
‫ً‬
‫منحت المطر حينها ليلة لن انساها‪ ،‬دخلت متله‬
‫ي‬ ‫معه لوال تأخر الوقت ليال‪،‬‬
‫ً‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫شء مجددا وكأنه باألمس‪.‬‬
‫الت كانت فيه‪ ،‬رأيت كل ي‬ ‫وانا اتعت بكل ذكرياتنا ي‬
‫ً‬
‫دخلت اىل غرفة الجلوس‪ ،‬وجدته جالسا عىل الطاولة يتناول الكحول‪ ،‬كادت‬
‫الكرش الذي امامه‬ ‫ئ‬
‫مجيت‪ ،‬سحبت‬ ‫الت امامه ان تخلو لوال‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫الزجاجة ي‬
‫بقدوىم‪ ،‬كانت اثار التعب‬
‫ي‬ ‫وجلست‪ ،‬نظر يىل ولم يتكلم‪ ،‬حت لم يرحب‬
‫واضحة عىل وجهه‪ ،‬الحظت امامه علبة متوسطة الحجم‪ ،‬يحركها بأصابعه‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫شء يف داخلها‪.‬‬
‫قليال اىل اليمي واىل الشمال‪ ،‬كان يفكر فيها او يف ي‬
‫قلت‪ :‬هل جئت يف وقت غت مناسب؟‬
‫رؤيت عىل عجل؟‬
‫ي‬ ‫طلبت‬
‫ي‬ ‫قال وهو متعكر المزاج‪ :‬لما‬
‫ئ‬
‫لقان يزعجك؟‬‫قلت‪ :‬هل صار ي‬
‫قال‪ :‬كال‪.‬‬
‫بحاجة اىل البكاء ‪..‬‬
‫ٍ‬ ‫شعرت بأنه‬
‫قلت‪ :‬ما بك؟‬
‫ر‬
‫يمنحت راحة البال‪ ،‬اليوم حققته‪.‬‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬لم انم منذ فتة طويلة‪ ،‬احلم ي‬
‫بشء‬
‫ً‬ ‫ً َ‬
‫لم به‪ ،‬صليت همسا بأن يعود كما كان‪ ،‬صليت ألن‬
‫حلما كح ي‬ ‫تمنيت ان يكون ِ‬
‫بشء‪.‬‬‫ر‬
‫يتكلم عن زواجنا ي‬
‫ً‬
‫ش ٌء جيد‪ ،‬لم انت متعب إذا بهذا القدر لطالما حققت ما كنت تروم‬ ‫ر‬
‫قلت‪ :‬ي‬
‫إليه؟‬
‫الت امامه بأحد اصابعه ويغلقها‪ ،‬وكأنه يتفكر‬
‫بدأ يفتح غطاء العلبة الصغتة ي‬
‫ش ٍء ما بداخلها ‪...‬‬‫ر‬
‫يف ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫القاك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫لك‬
‫اتصلت ر ين كنت خارجا‪ ،‬عدت مشعا اىل هنا ي‬
‫ِ‬ ‫لك‪ ،‬حي‬ ‫قال‪ :‬اعتذر ِ‬
‫كحوىل فقط يك اتمتع بطعم االنتقام الذي انتهيت منه‬
‫ي‬ ‫كنت اريد الجلوس مع‬
‫كيت إياه االن‪.‬‬
‫انت االن تشار ي‬
‫للتو‪ِ ،‬‬
‫قلت‪ :‬ماذا يوجد يف هذه العلبة ي‬
‫الت امامك؟‬
‫قال‪ :‬أتودين رؤيتها؟‬
‫وه مغلقة‪ ،‬فتحتها ث َم غلقتها بشعة‪ ،‬كدت أتقيأ‪ ،‬ركضت اىل‬
‫دفعها نحوي ي‬
‫دورة المياه بشعة‪ ،‬لم احتمل بشاعة المنظر‪ ،‬كانت يف داخل العلبة ثالث‬
‫بشية !!!‬ ‫ٌ‬
‫اعي ر‬
‫ً‬
‫عودن بقلق ‪...‬‬
‫ي‬ ‫رجعت اىل غرفة الجلوس ووجدته واقفا ينتظر‬
‫رصخت بوجهه‪ :‬ما هذا ؟ لمن هذه االعي؟‬

‫قال‪ :‬ألولئك الذين رسقوا ي‬


‫عيت‪.‬‬
‫ً‬
‫جلست متعبة عىل الطاولة‪ ،‬لم اتمكن من الوقوف مجددا‪ ،‬اخذ (احمد) كل‬
‫شء كان عىل الطاولة‪ ،‬جلسنا ولم نتبادل الحديث‪ ،‬كنت انظر اىل االرض‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫وهو ينظر يىل ‪...‬‬
‫لما فعلت ذلك؟‬ ‫قلت‪َ :‬‬

‫قال‪ :‬ألنام الليل‪.‬‬


‫ُ‬ ‫َ‬
‫قلت‪ :‬هل تريد ان ت ِ‬
‫ظلم كما ظ ِلمت؟‬
‫قال‪ :‬هذه عدالة‪ ،‬سيعيشون كما اردوا يىل ان اعيش‪ ،‬سيشاهدون العالم كما‬
‫اسبوع لهم ثم يعتادوا‬
‫ٍ‬ ‫اشاهده انا االن‪ ،‬سيتلمسون أعينهم المفقودة يف اول‬
‫عىل فقدانها‪ ،‬سيصحون عند الفجر من شدة االلم‪ ،‬سيكرهون وجوههم يف‬
‫المرآة‪ ،‬سينظرون بخجل اىل َمن يكلمهم لئال ينتبه بأنهم بعي واحدة‪.‬‬
‫قلت له‪ :‬ال تقل كذلك‪ ،‬ما زال كل العمر امامك‪ ،‬عينك المفقودة لن تمنعك‬
‫من مواصلة مستتك السياسية‪ ،‬انظر لما اصبحت عليه االن‪ ،‬انظر كيف‬
‫شء‪ ،‬انظر يىل كم انا احبك‪.‬‬ ‫ر‬
‫يتحدث عنك كل العالم‪ ،‬انت لم تخش ي‬
‫قال‪ :‬عذرتك‪ ،‬وسامحتك عىل هجر ِك يىل يف المرة السابقة‪ ،‬تفهمت صعوبة‬
‫ضج بمستقبله‬
‫كيت‪ ،‬ما ذنب الحبيب يف ان ي ي‬
‫اعطيتك الحق يف ان تت ي‬
‫ِ‬ ‫االمر‪،‬‬
‫من اجل حبيبه‪ ،‬فالحبيب له مطلق الحرية يف اختيار مستقبله فال توجد‬
‫قيود يف ذلك‪ ،‬اصبحت بمثل موقفك االن‪ ،‬انا لن اتمكن من االنجاب!!‬
‫ً‬
‫اندهشت كثتا‪ ،‬تلعثمت بالكالم ‪...‬‬
‫سألته‪ :‬ما السبب؟‬
‫مألت وجنتيه بالدمع ‪....‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وجه صباحا‪ ،‬داعبت باألمس طفال‬‫ي‬ ‫قال‪ :‬لن يتمكن أي طفل من النظر اىل‬
‫ً‬
‫صغتا استوقفت ف ازقة المدينة فأصبته بالفزع‪ ،‬أتستطيعي ان تقوىل ىل َ‬
‫لما‬ ‫ي ي‬ ‫ي ي‬
‫اعالىم السبب؟‬
‫ي‬ ‫وجه؟ أتستطيعي‬
‫ي‬ ‫ال احد ينظر اىل‬
‫بشء‪ ،‬يعلم قيمته لدي‪ ،‬يعلم منذ ان كنت استيقظ يف ذلك‬ ‫لم اجيبه ر‬
‫ي‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫عىل‪ ،‬عىل‬
‫عيت ولكنه خائف ي‬‫ي‬ ‫الصباح ألتمعن وجه‪ ،‬يعلم انه وسيما يف‬
‫ً‬
‫تضحيت‪ ،‬اعلم ما يف داخله جيدا‪ ،‬يشعر بنت ٍان كنت اسمع َحسيسها بالقرب‬
‫ي‬
‫من تفكتي كل صباح‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رأيت انتقامه منصفا من شدة الدمع الذي رافقها‪ ،‬كان يتألم كثتا‪ ،‬كان يف حال‬
‫حدثت عنهم‪ ،‬كانوا ثالثة اشخاص‪ ،‬تناوبوا عىل تعذيبه‬ ‫ي‬ ‫لم اراه فيها من قبل‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اخت ين بأنه كان يف حبسا انفراديا‪.‬‬
‫وهو معصوب العيني‪ ،‬ر‬
‫ً‬
‫بعد ساعات من اعتقاله دخل عليه الرئيس السابق بنفسه‪ ،‬شاهده مستلقيا‬
‫مه للنار وسط مقر‬ ‫عىل االرض من قوة التعذيب‪ ،‬سأله عن اسباب رص ِ‬
‫ر‬
‫بشء‪ ،‬فك احد افراد حمايته‬
‫الت تموله‪ ،‬لم يجيبه ي‬
‫الحزب‪ ،‬سأله عن الجهة ي‬
‫ض‬
‫حادة من جيبه واقتلع عينه لت ي‬
‫ٍ‬ ‫الوثاق من عينه وفمه فسحب سكي‬
‫الرئيس‪ ،‬لم يمنعه احد‪ ،‬ركله الجميع وهو يتف الدم من وجهه‪ ،‬سألته عن‬
‫ً‬
‫اسم هذا الشخص وقال يىل بأن اسمه لم يعد مهما‪ ،‬المهم وجهه‪.‬‬
‫ً‬
‫كان (احمد) يعرفه جيدا ألنه شديد االلتصاق بالرئيس ويظهر معه يف كل‬
‫لقاءاته‪ ،‬سألته عن االعي المتبقية لمن‪ ،‬ر‬
‫اخت ين بأنه اقتلع اعي شخصي‬
‫اخرين ساعدوا ذلك المجرم يف عمله‪ ،‬كان قد طلب من اصدقائه يف قوى‬
‫االمن البحث عنه‪ ،‬وما ان تم القبض عليهم اتصلوا به‪ ،‬إال انه لم يتمكن من‬
‫االنتقام منه إال بعد ان اودع يف سجن لما قبل المحاكمة‪ ،‬كان (لهشام) الدور‬
‫المهم يف دخول (احمد) للسجن واالنتقام منه‪.‬‬
‫كتق‪ ،‬احتضنته بكل ما املك من حنان‪،‬‬
‫حدثت عن كل ذلك وهو يتكأ عىل ي‬
‫ي‬
‫ً‬
‫بأنت امه لدقائق‪ ،‬تمنيت بأن كل ما كان يبعده‬
‫عطفت عليه كثتا‪ ،‬شعرت ي‬
‫عت قد زال‪.‬‬
‫ي‬
‫وجدان وددت ان أسأله‪ ،‬هل ستعود كما كنت؟‬
‫ي‬ ‫يستلق عىل‬
‫ي‬ ‫هو‬
‫احالىم؟‬
‫ي‬ ‫هل تسمع نحيب‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫كتق ‪" ..‬ارجوك‪ ،‬ال تكن حكاية من الوهم‬
‫وددت ان همس له بأذنه وهو عىل ي‬
‫ً‬
‫ارويــها يوما لغريب"‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫يىع‪ ،‬اراد الحزب له ذلك يك يبتعد عن‬
‫اصبح (احمد) رئيسا للمجلس التش ي‬
‫ً‬
‫الحكومة وما يتقاضاه وزراؤها‪ ،‬منحوه ررسف اعتالء هذا المنصب نضتا‬
‫ً‬
‫الت قدمها للوطن‪ ،‬اصبح رقيبا لكل ما تقوم به السلطة التنفيذية‪،‬‬
‫لتضحيته ي‬
‫اثبت جدارته خالل اسابيع قليلة ومن ثم ازداد حبه لدى الشعب‪ ،‬اصبحت‬
‫ً‬
‫اراه من خالل شاشات التلفاز وهو يمثل الوطن بأكمله‪ ،‬انا فخورة ِبه جدا‪،‬‬
‫ً‬
‫رصت اقرأ عنه يوميا يف الصحف‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الت كنت قد اقتحتها عىل الحزب قبيل‬ ‫اثار جدال واسعا حي نفذ الخطة ي‬
‫ً‬
‫االنتخابات‪ ،‬تم التصويت عىل حظر الحزب الحاكم سابقا وحظر االنتماء له‪،‬‬
‫تم اعتقال ممثلي الحزب من داخل المجلس بعد ان َصوتت كل االحزاب‬
‫باألغلبية عىل حظر وجود الحزب‪ ،‬تمت احالة ممثلي الحزب الذين وقعوا يف‬
‫ازالمه من‬
‫ِ‬ ‫مصيدة االنتخابات من اجل ان ينتخب اتباع الحزب ما تبق من‬
‫الذين لم يهربوا مع الرئيس السابق وزبانيته‪.‬‬
‫عت ثم اعتاد عىل ذلك‪ ،‬عدت اىل‬
‫مرت االيام ولقاؤنا لم يتجدد‪ ،‬انشغل ي‬
‫ذالن له‪ ،‬عدت اشتاق له وهو بعيد‬
‫يعاقبت عىل خ ي‬
‫ي‬ ‫المربــع االول‪ ،‬وكأن القدر‬
‫عيت تتأمله وهو خلف الشاشات‪ ،‬كالنوافذ يف السابق‪ ،‬رجعت‬ ‫ي‬ ‫عت‪ ،‬عادت‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫حت معه‬
‫وكأنت بدأت قصة ر ي‬
‫ي‬ ‫اقف ألتأمله يظهر كما كان يخرج انيقا من بيته‪،‬‬
‫من جديد‪.‬‬
‫الت ال‬
‫وانا اعد ضفت ين‪ ،‬تذكرت انامله حي صففت شعري‪ ،‬اتذكر تلك الليلة ي‬
‫الت سبقتها كانت لذيذة‬
‫اللياىل ي‬
‫ي‬ ‫املك سواها‪ ،‬كانت اجمل من ما مض‪ ،‬كل‬
‫كالعنب‪ ،‬إال تلك الليلة‪ ،‬كانت عصارتها من النبيذ‪ ،‬كانت اشهاهن‪ ،‬كانت‬
‫ً‬
‫اروعهن‪ ،‬كانت ألذهن‪ ،‬كانت اقاسهن ح َسنا‪.‬‬
‫امنيان‪ ،‬طال غيابه‪،‬‬
‫ي‬ ‫مت‪ ،‬بدأ اليأس يتغلغل عروق‬
‫بعد ان شق القدر غليله ي‬
‫زاد اهماله‪ ،‬اعتقدت بأنه يريد انهاء عالقتنا كما اردتها انا قبله ولكن بطريقة‬
‫ً‬
‫ابسط‪ ،‬حي تسببت له بجرح كبت ولم يكره يت‪ ،‬ظل عاشقا اىل ان عدت له‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫دن ان انساه شيئا فشيئا‪ ،‬ان‬
‫مت ان اكرهه‪ ،‬الهماله يىل‪ ،‬يري ي‬
‫اعتقدت بأنه يريد ي‬
‫بالتود‪ ،‬لكم اكره برود المشاعر‪ ،‬لم اره بليد اللقاء‬
‫بت ر‬‫اياىم‪ ،‬يحار ي‬
‫يحتل الملل ي‬
‫ً‬
‫ولكنت سأنتظره ليتذكر موعد والدتنا‪ ،‬ميعاد عشقنا‪ ،‬لن يطول االمر‬‫ي‬ ‫اطالقا‪،‬‬
‫ً‬
‫كثتا‪.‬‬
‫الثان من شهر نيسان‪..‬‬
‫ي‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫رن‪ ،‬بعثت له برسالة ألطلب منه ان‬
‫يوم والدتنا معا‪ ،‬لم يتذكره ولم يتذك ي‬
‫القاه يف نفس الزمان والمكان المعتاد‪ ،‬ظننته سيتذكر هذا اليوم لكنه لم‬
‫اخت ين بأنه عىل موعد سفر‪،‬‬
‫لت إال بعد ساعات‪ ،‬ر‬
‫يجيبت‪ ،‬لم يرد عىل رسا ي‬
‫ي‬
‫ً‬
‫عرفت ايضا ان الوقت قد حان‪.‬‬
‫المجء‬ ‫ئ‬
‫الشاط وانا اجر اذيال االمل‪ ،‬ذهبت من دونه‪ ،‬كنت اريد ر ي‬ ‫ذهبت اىل‬
‫اكت قدر مستطاع من الصمت‪،‬‬ ‫ولكنت منحته ر‬
‫ي‬ ‫اىل هنا منذ اسابيع طويلة‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫عت ولم يعد يأبه يىل‪ ،‬ايقنت بأن‬
‫التمت الصمت كثتا‪ ،‬انتظرته اكت‪ ،‬انشغل ي‬
‫يكلمت منذ اسابيع‪ ،‬لم اكلمه‬ ‫ٌ‬
‫مصل لها‪ ،‬لم‬ ‫الشهرة مرض ليس بالهي اكتشاف‬
‫ي‬
‫ً‬
‫انا ايضا‪ ،‬ضجرت من الواقع‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ئ‬
‫الشاط‪ ،‬مشيا عىل االحالم‪ ،‬جئت ستا‬ ‫سيارن عن قرب وجئت اىل‬
‫ي‬ ‫تركت‬
‫يمنحت العزلة‪،‬‬
‫ي‬ ‫حلم حلمته هنا‪ ،‬جئت ألتخذ قرار‬‫ٍ‬ ‫ألدوس االرض بكل‬
‫َ‬
‫يمنحت الندم‪ ،‬الندم الذي أنكرت وجوده وانا‬
‫ي‬ ‫يمنحت االمان بعد الخوف‪،‬‬
‫ي‬
‫يمنحت ضمان الصمت بالعقاقت‬
‫ي‬ ‫حوىل وهو بال ازرار‪،‬‬
‫ي‬ ‫قميض من‬
‫ي‬ ‫ألف‬
‫يمنحت الذكرى‪ ،‬وخمر الذكرى‪.‬‬
‫ي‬ ‫المهدئة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ئ‬
‫قدىم‪ ،‬وقفت كما وقفت نادمة‬
‫ي‬ ‫الشاط والموج يكاد ان يقتب من‬ ‫وقفت عىل‬
‫ً‬
‫قدىم غضبا‪ ،‬كنت قد قدمت له‬
‫ي‬ ‫باألمس‪ ،‬حي جئت اىل البحر والموج يركل‬
‫يسامحت (احمد)‪ ،‬حقق يىل ما اريد‪ ،‬تمكنت‬
‫ي‬ ‫العديد من االعذار من اجل ان‬
‫من لقاءه يف ذات المكان‪ ،‬التقيته (احمد) ولم القاه (رفيق الروح)‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الماض يعيش كالميت رسيريا‪ ،‬وألجل ذلك جئت‪ ،‬ال‬ ‫ي‬ ‫من يعيش متكئا عىل‬
‫ُ‬
‫قلت‪،‬‬
‫الماض‪ ،‬كل ما اريده االن ثمة قصيدة اكفن بها ر ي‬
‫ي‬ ‫اريد ان اعيش عىل فتات‬
‫قلت لم ينبض بعد التدخل‬
‫يا ليته مات قبل ان يشهد هذا الموقف‪ ،‬يا ليت ر ي‬
‫اح‪ ،‬كم تمنيت الموت عىل تكرار هذا المشهد‪.‬‬‫الجر ي‬
‫ً‬
‫يسمعت ‪...‬‬
‫ي‬ ‫قدىم هذه المرة‪ ،‬اذا لن‬
‫ي‬ ‫لم يقتب موج البحر من‬
‫سماع‪ ،‬لم اعاود‬ ‫عت‪ ،‬ال يريد‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫تحدثت معه بنقاء قلب‪ ،‬ولكنه صم امواجه ي‬
‫للقائه يف وقت اخر‪،‬‬
‫ِ‬ ‫بأنت سأعود‬
‫ي‬ ‫اختته‬
‫الكالم‪ ،‬اوقفت نزيف الذكريات‪ ،‬ر‬
‫حي يود سماع قراري باالبتعاد عنه‪ ،‬ال اريد ان اعيش وانا اتنفس الرجاء‪ ،‬ال‬
‫ً‬
‫صندوف‬
‫ي‬ ‫اريد انصاف الحب‪ ،‬اردته ِعشقا كما عشقته‪ ،‬ال اريد منه ان يكون‬
‫ننته‪.‬‬
‫ي‬ ‫االسود ليحتفظ بأثار الحب بي طيات القبل بعد ان‬
‫ٌ‬
‫وقت اخر‪ ،‬وقت ليس بالبعيد‪ ،‬سأشد‬‫هممت بالرحيل‪ ،‬عىل امل ان القاه يف ٍ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ألنت تعبت‪ ،‬تعبت ولن يطول‬
‫عىل ان اتخذ قرارا‪ ،‬ي‬
‫العزم واعاود الكرة‪ ،‬يجب ي‬
‫االمر ر‬
‫اكت‪.‬‬
‫استنشقت الهواء المخلوط برذاذ الندم‬
‫روح باأللم ‪..‬‬ ‫سست‬ ‫َ‬
‫تح َ‬
‫ي‬
‫الصت‬
‫ر‬ ‫كانت تنهيدة ال تقوى عىل‬
‫ً‬
‫خلق‪ ،‬لم‬
‫ي‬ ‫مكان بعد‪ ،‬وانا ال زلت واقفة‪ ،‬سمعت صوتا من‬
‫ي‬ ‫لم اتحرك من‬
‫التفت‪ ،‬تمنيت ان يكون هو ‪....‬‬
‫قال‪ :‬هل اشتقت يىل؟‬
‫ً‬
‫قلت‪ :‬ليس كثتا‪ ،‬انا اشتاق لك حي اتنفس فقط‪.‬‬
‫ً ً‬
‫شعره القديمة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫التفتت فرأيته انيقا جدا‪ ،‬ارتدى بدلة سوداء‪ ،‬عاد اىل تصفيفة‬
‫الت رأيته بها يف المكتب‪ ،‬عاد لعطره‪ ،‬لوسامته‪ ،‬جاء ليحتفل‬
‫ذات التصفيفة ي‬
‫وبمعيته باقة ورد تغار من جماله‪.‬‬
‫ِ‬ ‫مىع يف ذكرى ِعشقنا‪ ،‬جاء‬
‫ي‬
‫ً‬
‫التفت إليه‪ ،‬التمت الصمت قليال من هول المفاجأة‪ ،‬لم اتوقع قدومه‪،‬‬
‫اخت ين بأنه سيسافر خارج البالد لبضعة ايام ‪..‬‬
‫ر‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫لما ان بهذه الوسامة؟ لما االن تحديدا؟ لما هو مبتسم؟ اين حزنه؟ اين‬
‫ً‬
‫اليأس الذي كان يمتطيه ِحصانا؟‬
‫يوافقت الرأي‪َ ،‬لم‬
‫ي‬
‫لما لم ينصت ىل‪َ ،‬‬
‫لما لم‬ ‫ي‬
‫عدت والتفت اىل البحر‪ ،‬علمت َ‬
‫ً‬
‫يريدن ان اتخذ قرارا‪ ،‬كان عىل ِع ٍلم بمجيئه‪.‬‬
‫ي‬ ‫لم يكن‬
‫مقلت‪ ،‬شاهد‬
‫ي‬ ‫عيت فرأى غيوم الحزن ترحل عن‬ ‫ي‬ ‫اقتب (احمد)‪ ،‬نظر يف‬
‫بعيت حت غرقت عىل ارض‬ ‫وجنت‪ ،‬نظر‬ ‫تشق عىل‬ ‫شمس االمل وه ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫يعرفت ‪ ..‬ي‬
‫عيت يف‬ ‫ي‬ ‫اليابسة‪ ،‬وقفنا كوقفتنا االوىل‪ ،‬نتأمل ما تقول العي‪ ،‬فهو‬
‫لسان‪.‬‬
‫ي‬ ‫القاء‬
‫قدم يىل باقة الورد‪ ،‬ابتسم ‪...‬‬
‫قال يىل‪ :‬هل تقبلي الزواج ر ين؟‬
‫عيت وفتحتها‪ ،‬كدت ال اصدق الموقف‪ ،‬المس‬
‫ارتعشت من الفرح‪ ،‬اغمضت ي‬
‫ينتظرن كما حدث‬
‫ي‬ ‫مت االجابة‪ ،‬لن اجعله‬ ‫قدىم وانا واقفة‪ ،‬يريد ي‬
‫موج البحر ي‬
‫ً‬
‫مشعا ر‬ ‫ً‬
‫اكت من مرة ‪....‬‬ ‫المست الموج‬
‫ي‬ ‫سابقا‪،‬‬
‫بأنت لن‬
‫ي‬ ‫قلت‪ :‬انتظرت هذه اللحظة منذ سنوات‪َ ،‬تركتك مرة واقسم لك‬
‫ُ‬
‫اكررها‪.‬‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬انا اعرف اجابتك‪ ،‬فقد وقفنا سابقا كمثل هذه الوقفة‪ ،‬ولكن االن‬
‫ً‬
‫عليك التفكت مليا‪ ،‬انا قضيت‬
‫ِ‬ ‫عىل اعادة صياغة السؤال‪ ،‬االمر تغت‪،‬‬
‫يتوجب ي‬
‫اليك مهما كانت العواقب‪،‬‬‫ان ِ‬ ‫هذه الفتة يف التفكت‪ ،‬قررت ليلة امس بأن ي‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫بسؤاىل‬
‫ي‬ ‫حك وقتا للتفكت‬ ‫بك مهما يكن الثمن‪ ،‬ولكن‪ ،‬سأمن ِ‬ ‫قررت االرتباط ِ‬
‫اعاقت؟)‪.‬‬
‫ي‬ ‫الذي يجب ان يكون بالصيغة التالية (هل تقبلي الزواج ر ين رغم‬

‫قلت له‪ :‬ي‬


‫تأن يىل بهذه الوسامة‪ ،‬وتحمل باقة ورد‪ ،‬بعطرك وتصفيفة شعرك‪،‬‬
‫َ‬
‫وتسألت هل ارفضك !! ال امتلك من الكبت ما‬
‫ي‬ ‫وبــهذا الكم الذي اعشقك به‪،‬‬
‫يكق لألمتناع عنك‪.‬‬
‫ي‬
‫وسألت‪ :‬انت متأكدة؟ ِ‬
‫انت عىل وشك االرتباط بهذا الوجه لما‬ ‫ي‬ ‫خلع نظارته‬
‫لك من العمر‪.‬‬‫تبق ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عيون أرجال‪ ،‬لجعلتها ارجال ألركض‬
‫ي‬ ‫أنت اتمكن من جعل‬
‫لك‪ ،‬لو ي‬‫قلت‪ :‬أقسم ِ‬
‫ً‬
‫بها فرحا عىل وجهك‪.‬‬
‫عانقت حت سقطت باقة الورد منا عىل االرض‪ ،‬انا لست بحاجة اىل‬
‫ي‬ ‫عانقت‪،‬‬
‫ي‬
‫الورد وانا عىل ابواب جنة الخضاء‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مت‪،‬‬
‫روح)‪ ،‬عدنا اىل مقعدنا لنجلس بكل الحب‪ ،‬جلس بالقرب ي‬ ‫ي‬ ‫عاد (رفيق‬
‫ً‬
‫دفع بيده كل األمنيات المستحيلة جانبا ليفسح المجال لمستقبلنا القادم‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سنعيش سويا بعد ان انتظرته عمرا يفوق عمر الجنائن المعلقة‪.‬‬
‫بعد ان حقق احالمه يف تخلص واالنتقام من ازالم الحزب السابق‪ ،‬واالنتقام‬
‫السياش ويسافر خارج‬
‫ي‬ ‫ممن اقتلع عينه وعامله بالمثل‪ ،‬قرر ان يتك العمل‬
‫سيأخذن معه‪ ،‬بعد ان اكون زوجته‪.‬‬
‫ي‬ ‫الوطن‪،‬‬
‫حدثت عن ما كان يروم إليه طيلة الفتة السابقة‪ ،‬عاتبته ألهماله يىل‪ ،‬عاتبته‬
‫ي‬
‫وعدن بأن القادم افضل‪.‬‬
‫ي‬ ‫اختته بأن االهمال يقتل يت ببطء‪،‬‬
‫حت بكيت‪ ،‬ر‬
‫ً‬
‫عيت ابدا‪ ،‬هل‬
‫ي‬ ‫كانت نظراته غريبة‪ ،‬لم اعلم ما السبب‪ ،‬لم تفارق عينه‬
‫ألنت لم اتمعن وجهه منذ فتة طوية؟ ام التغيت‬
‫السبب ألنه اشتاق يىل؟ ام ي‬
‫جعلت استغرب نظراته؟‬
‫ي‬ ‫الذي طرأ عىل وجهه‬
‫كان ينظر يىل بلهفة‪ ،‬يتحدث وانا انصت له خاشعة من جمال شفاه‪ ،‬كم اتوق‬
‫َ‬
‫لتذوقها‪ ،‬كم انا مرغمة عىل التيث بحسنه‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫حدثت عن قرارته‪ ،‬حدثت عن ندمه‪ ،‬كان قد َش َ‬
‫شعرت ِبه مسبقا‪،‬‬ ‫عر بما‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫اودتت‪ ،‬الحتة بي القلب والعقل‪ ،‬بي ما نملكه من‬
‫ي‬ ‫الت ر‬
‫راودته ذات االوجاع ي‬
‫مشاعر واجبة التضحية وبي ما يفرضه الواقع تحت سوط القدر‪.‬‬
‫التمت‪،‬‬
‫ي‬ ‫مكتوف‬
‫ي‬ ‫وضعنا يف ذات الموقف‪ ،‬نعشق لنقف‬ ‫كالنا رأى عدالة القدر‪ِ ،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ليس بالحب حيلة بعد ان يأخذ منك القدر شيئا ثمينا يتعلق بمن تحب‪.‬‬
‫َ‬
‫لمصلحت‪ ،‬بعد ان ع ِدل عن قراره برفضه للزواج‪،‬‬
‫ي‬ ‫عدالة القدر هنا جاءت‬
‫كيف يرفض وانا لم اخلع الخاتم منذ ان وضعه بيدي‪ ،‬انا متمسكة ِبه رغم كل‬
‫انت كنت كاذبة حي اتيت اىل هنا ألفكر بقرار االبتعاد عنه‪،‬‬ ‫ر‬
‫شء‪ ،‬حت ي‬ ‫ي‬
‫مت حمقاء صامتة‪.‬‬ ‫َ َ‬
‫الشوق صنع ي‬
‫سألته كيف يمكن لنا ان نتوج هنا؟ ومت؟ حدثته عن كمية الخوف الذي‬
‫اخت ين بما لم اصدقه‪ ،‬قال يىل انه‬
‫الت تحوم حوله‪ ،‬ر‬
‫بداخىل من كل المخاطر ي‬
‫ي‬
‫ً‬
‫منصبه‪ ،‬سيعقد مؤتمرا‬
‫ِ‬ ‫سيقدم استقالته من المنصب يوم غد‪ ،‬لن يبق يف‬
‫يوم غد ليعلن استقالته‪ ،‬سيكون المؤتمر افضل من تقديم االستقالة لوحدها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫منعا النتشار االشاعات وال سيما وانه قد قدم طلبا يوم امس اىل رئيس‬
‫اىل بغية االستقالة من الحزب‪ ،‬ولكن االخت‬
‫الليت ي‬
‫المجلس التنفيذي للحزب ر‬
‫َ َ‬
‫حشد ما يتمكن من شخصيات سياسية لها اثرها عىل ارض الواقع من اجل‬
‫التوصل اىل توافق بي مبادئ (احمد) وسياسية افراد الحزب الشاق‬
‫المنت رشين يف مفاصل الدولة‪.‬‬
‫كان قد طلب منهم بأن ال تكون سياسة حكمهم كالحزب السابق وان تختلف‬
‫عنه بالبذخ والرفاهية والتف‪ ،‬كان ينظر اىل حجم الفقراء ويعد احصائيات‬
‫حقيقية عن عدد الفقراء والعاطلي ومن هم بال مأوى‪ ،‬ولكنه كان يف جهة‬
‫تشيعية وال يمكنه إال اعطاء التوجيهات من خالل َسن القواني‪ ،‬وبالمقابل ال‬
‫ر‬

‫يسمع توجيهاته احد‪ ،‬قرر بعد ذلك االنفصال عنهم يك ال يكون من ضمنهم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫او ررسيكا لهم‪ ،‬الفرق كان واضحا فهو يتقاض ع رش ما يتقاضوه ولكن االمر لم‬
‫يكن بهذه البساطة‪ ،‬كان يظن بأنهم افضل من الحزب السابق‪ ،‬ولكنه وجد‬
‫الفرق بالمسميات والمالبس فحسب‪.‬‬
‫لم تشهد البالد أي تغيت بعد االنتخابات‪ ،‬تغتت الوجوه فحسب‪ ،‬عاد‬
‫االغنياء اىل دورهم ر‬
‫ورسكاتهم‪ ،‬وعاد المخادعي الدجالي اىل وزاراتهم‬
‫لتحم رساق المال العام‬
‫ي‬ ‫ومناصبهم‪ ،‬عادت قوات االمن اىل ثكناتها العسكرية‬
‫ختهم‪ ،‬عاد العاطلي عن‬ ‫يف بيوتهم ومكان عملهم‪ ،‬عاد الفقراء اىل فتات ر‬
‫اكت ر‬
‫واكت‪ ،‬حت بدأ يصادر اموال من كان‬ ‫العمل اىل التسول‪ ،‬تمرد الحزب ر‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫منتميا للحزب السابق ر‬
‫ويشد عائلته‪ ،‬بدأ التهجت شبه القشي للمتديني اىل‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫المدن المجاورة‪ ،‬اضحت الكنائس خالية يوم االحد وخلت المساجد ايضا‪،‬‬
‫ر‬
‫انتشت المظاهر غت االخالقية يف الشارع ألستغالل السياح‪ ،‬اصبحوا عىل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هذا الوجه من جراء ما كان مكبوتا ومحرما باألمس تحت هدف (الحرية)‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الليتاىل ً‬
‫بناء عىل كرهه الدفي لألديان‪ ،‬اكتشفنا‬ ‫الذي دعا اىل تحقيقه الحزب ر ي‬
‫ً‬
‫الت بداخله كانت كفؤة بسياسة االنتقاد فحسب‪.‬‬
‫ان جميع الكفاءات ي‬
‫تكلمت معه بألف موضوع وبألف ذريعة حت تصاعدت ادخنة االمل من‬
‫احالىم‪ ،‬ستتحقق جميعها‪ ،‬ستتحقق واكون زوجته‪ ،‬سنمزج الحب بالغزل‬
‫ي‬
‫لياىل‪.‬‬
‫سنحتش منها ما نشاء من ي‬
‫ي‬ ‫زجاجة النشوة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ونضعهما يف‬
‫ً‬
‫ينته‪ ،‬ولكن الوقت قد حان‪ ،‬وال سيما وانه جاء متخفيا‬
‫ي‬ ‫لم اريد للقائنا ان‬
‫بسيارة صغتة برفقة (هشام)‪ ،‬رحل وترك ِسحر عينيه يف خاطري‪.‬‬
‫ٍ‬
‫منذ ان عرفته ولغاية االن‪ ،‬ألول مرة االحظ الغرابة يف نظرة عينه‪ ،‬طوال‬
‫اللقاء وهو ينظر يىل دون ان يلتفت او ترمش عينه‪ ،‬لم ارى نظراته بلهفة كهذه‬
‫من قبل‪.‬‬
‫كلماته يف‬
‫ِ‬ ‫يوم غد فقط من يفصلنا عن العناق‪ ،‬تمنيت ان ال يكون صدى‬
‫ً‬
‫السياش من‬
‫ي‬ ‫لكنت متأكدة من انه سيتك عمله‬ ‫ي‬ ‫المؤتمر مؤثرا عىل قرارته‪،‬‬
‫ً‬
‫اجىل‪ ،‬ايقنت مسبقا بأنه جدير بالتضحية‪ ،‬انا اغىل ما يملك‪ ،‬وانا ال املك يف‬
‫ي‬
‫الدنيا سواه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫جميل وممت‪ ،‬كان جميال لدرجة ان أي حديث‬ ‫افتقنا‪ ،‬بعد ان كان لقاؤنا‬
‫يفسده‪.‬‬
‫ً‬
‫عت بخطوات وهو ال يزال ينظر يىل‪ ،‬يبتسم وكأنه يريد ان يقول شيئا‪،‬‬
‫ابتعد ي‬
‫مثىل‪ ،‬لعله يفكر يف قرار يوم غد‪ ،‬هل سينجح كما‬
‫رغم ذلك كان شديد الفرح ي‬
‫ً‬
‫اىل؟ ام انه سنعكس سلبا عىل‬
‫الليت ي‬
‫خطط له يف ان يكشف فساد الحزب ر‬
‫تاري ــخ نضاله؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عدت عىل امل ان القاه غدا‪ ،‬انتظرت كثتا ولم يأت الصباح‪ ،‬لم ر‬
‫تشق‬
‫يمض من الوقت إال نصف ساعة فقط‪.‬‬ ‫اش لغاية االن‪ ،‬لم‬‫ر‬
‫ي‬ ‫الشمس‪ ،‬انا يف فر ي‬
‫ُ‬
‫تأملت ما سأكون عليه وانا اتشبث بيده من شدة الفراق‪ ،‬احتويه من ك رتة‬
‫ً‬
‫فرحة بالشكل‬ ‫حيان‪ ،‬انا لم اكن طفلة سعيدة ألكون ِ‬
‫ي‬ ‫الفقدان الذي طرأ عىل‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫احالىم‪ ،‬يىل حكايات مع القدر ال يقوى الظلم عىل سماعها‪،‬‬
‫ي‬ ‫المعتاد لتحقيق‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ألنت‬
‫ي‬ ‫سعادن اقل بقليل من حجم السماء‪ ،‬سعيدة‬ ‫ي‬ ‫سعيدة انا االن وحجم‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قلت كثتا‪.‬‬
‫سأكون منه و فيه و إليه‪ ،‬لم اتمكن من النوم‪ ،‬ظل يتقلب وسط ر ي‬
‫نفش مستيقظة‪ ،‬اجلس القرفصاء‪ ،‬نمت رلتهة من الزمن‬‫ي‬ ‫يف صباح‪ ،‬وجدت‬
‫َ‬
‫وحلمت بالخوف‪ ،‬لم انم بعدها‪ ،‬بقيت جالسة اىل ان ررسقت الشمس‪.‬‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫حلمت بأنت ر‬
‫اخافت كثتا‪ ،‬قاومته بكل‬
‫ي‬ ‫شعور‬ ‫ان مجددا‪،‬‬
‫امش خلف جنازة ر ي‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫انتابت فحسب‪ ،‬بعد ان‬
‫ي‬ ‫ما اوتيت من امل‪ ،‬خفت من الحزن مجددا‪ ،‬شعور‬
‫انتابت شعور يجذب‬
‫ي‬ ‫ازهار سوداء‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫عقىل وهو يحمل‬ ‫ي‬ ‫تمتم شيطان يف‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫الشياطي يف وضح الصالة‪ ،‬كل الدنيا ال تعلم مقدار الشياطي الذين يجولون‬
‫َ‬
‫يف خاطر امرأة عندما تحزن‪.‬‬
‫وه تعانق السماء‪ ،‬كنت اشعر بألمه وهو‬
‫كنت عىل حق‪ ،‬كنت اشعر بروحه ي‬
‫يتلق رصاصات الحزب يف صدره‪.‬‬
‫ٌ‬
‫شخص‬ ‫اغتيل (احمد) يف الصباح الباكر عند خروجه من متله‪ ،‬اطلق عليه‬
‫الق القبض‬
‫يضع لثام الحقد عىل وجهه عدة رصاصات من عىل دراجة نارية‪ ،‬ي‬
‫ً‬
‫عليه فورا ألنه اضطر ان يطلق رصاصته من عىل مقربة منه يك يتجاوز‬
‫العسكر الذين يحيطونه‪.‬‬
‫ً‬
‫روح) واصبحت وحيدة‪،‬‬
‫ي‬ ‫آن االوان بان نفتق‪ ،‬هكذا اراد القدر‪ ،‬رحل (رفيق‬
‫امنيان ال زالت‬ ‫احالىم‪،‬‬ ‫خت وفاته وهو ٌ‬
‫ح يرزق يف‬ ‫كيف يىل ان اصدق ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫العفن‪ ،‬كنت اشك‬ ‫صامتة مثىل‪ ،‬كنا نريد الرحيل عن ارض الوطن‪ ،‬نتك ارض َ‬
‫ي‬
‫ئ‬ ‫ً‬
‫يمتىل من‬ ‫ولكنت كنت اخاف التفكت فيه‪ ،‬وطننا لم‬
‫ي‬ ‫يف ان امرا كهذا سيحدث‬
‫مت‪.‬‬
‫دماء شهدائنا بعد‪ ،‬اشته دماءه فأخذه ي‬
‫يكتق بعينه؟‬
‫ي‬ ‫ألم‬
‫يكتق بتعذيب جسده؟‬
‫ي‬ ‫ألم‬
‫يكتق بكل تضحياته السابقة؟‬
‫ي‬ ‫ألم‬
‫ٌ‬
‫وطن اضج ال يستحق ان يذكر بعد االن‪ ،‬ال يستحق سوى ان نبصق بوجه‬
‫آثاره‪.‬‬
‫شء يستحق العيش‪ ،‬انته كل امل‬‫ر‬
‫يف هذا الصباح قاتم اللون‪ ،‬انته كل ي‬
‫الت امتلكها مع موته‪ ،‬ال اريد التفوه‬
‫سقيته منذ االمس‪ ،‬ماتت كل الحواس ي‬
‫بهذا‪.‬‬
‫هو لم ِيمت ‪...‬‬
‫ذهب اىل مكان بعيد عن ضوضاء الحياة ليكون بانتظاري‬
‫هو االن بانتظاري‬
‫لن أتأخر عليه‬
‫َ‬
‫جعلتت عىل قيد االفاقة‪ ،‬لم اغيب عن الواقع‪،‬‬
‫ي‬ ‫الت تلقيتها‬
‫قوة الصدمة ي‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫روح فقط َمغمية عليها‪ ،‬اما جسدي ظل صامدا‪ ،‬فقدت النطق‬ ‫ي‬ ‫وقعت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مجددا‪ ،‬لم اعد اقوى عىل الكالم إال همسا‪ ،‬ولكن َ‬
‫لمن اهمس؟ كنت اهمس‬
‫كتق‪ ،‬لم رارسك بحبه‬
‫لحبيت فقط‪ ،‬اعتدت عىل الهمس بأذنه وهو يتوسد ي‬ ‫ري‬
‫ً‬
‫مخلوقا‪ ،‬ال حبيب إال هو‪.‬‬
‫الت حدثت يف المدينة بحثت عنه‪ ،‬است يف الطرقات واتذكر‬
‫وسط الفوض ي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫خطواتنا ونحن نخرج صباحا اىل العمل‪ ،‬حي كنا هادئي‪ ،‬حي كنا ال نكتث‬
‫الت تسم (وطن)‪ ،‬اللعنة عىل ارض‬
‫لسياسة البلد‪ ،‬ال تهمنا تلك القمامة ي‬
‫الوطن‪.‬‬
‫عشات‬ ‫حاولت االتصال (بهشام) ولكنت لم اتمكن من الكالم‪ ،‬بعثت له ر‬
‫ي‬
‫ً‬
‫الرسائل ولم يجدي االمر نفعا‪ ،‬كنت است كالمجنونة وسط الزحام‪ ،‬كنت اردد‬
‫رَ‬
‫التى‪ ،‬كنت‬ ‫اسمه وارتعش‪ ،‬اريد ان اراه‪ ،‬اريد ان اتمعن وسامته قبل ان توارى‬
‫ال اعلم ما افعل‪.‬‬
‫استمريت اجوب الشوارع ولم اتمكن من معرفة مكانه‪ ،‬سمعت بأن (هشام)‬
‫تعرض اىل بعض الرصاصات ولكنه لم يمت‪َ ،‬‬
‫لما مات (احمد) لوحده؟ سألت‬
‫القدر أللف مرة ‪ ..‬لما مات (احمد)؟‬
‫اصابت بجروح كثتة‪ ،‬مكثت أليام‬
‫ي‬ ‫متح‬
‫لم احض جنازته‪ ،‬تعرضت لض ٍب ر‬
‫عىل اثره يف المشق‪.‬‬
‫سمعت عند غروب الشمس بأن نعشه سيكون يف وسط المدينة‪ ،‬يحتفلون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بمقتله ألنه حاربــهم‪ ،‬ألنه كان ثائرا خالصا بكل ما يمتلك من مبادئ سامية‪،‬‬
‫سيحتفلون بمقتله ثم يدفنوه تحت التاب‪ ،‬سيعودون اىل نزواتهم ورسقاتهم‪،‬‬
‫اىل هو الذي غدر به دون ادن شك‪ ،‬كان عىل وشك فضح‬
‫الليت ي‬
‫ر‬ ‫الحزب‬
‫امرهم‪ ،‬لم يتمكن بسبب رصاصاتهم‪.‬‬
‫وقفت عند تجمهر الناس وهم بأنتظار نعشه‪ ،‬كنت احمل علم الوطن بيدي‪،‬‬
‫ان‬
‫بداخىل‪ ،‬اعتليت ارصفة الساحة لت ي‬
‫ي‬ ‫لم اتمكن من كبت جماح الحقد الذي‬
‫حوىل‪ ،‬انتظر‬
‫ي‬ ‫كل الناس‪ ،‬اثرت انتباه غالبيتهم‪ ،‬التفت اىل كل االتجاهات من‬
‫ثون‬
‫يأن بشعة‪ ،‬ر ي‬
‫وصول نعشه‪ ،‬تأخر ولم اقوى عىل االنتظار‪ ،‬عليه ان ي‬
‫انت اقوى عىل الكالم‬
‫ينتظرن‪ ،‬تمنيت لو ي‬
‫ي‬ ‫البست‬
‫ي‬ ‫االبيض ال زال يف خزانة‬
‫بأنت ابحث عنك‪ ،‬كما بحثت عنك وسط تلك‬ ‫ي‬ ‫ألنادي بأسمه‪ ،‬ألقول له‬
‫السني‪ ،‬ألرتجيه بلطف أن يعود ر ين قبل ان ال اعرفه ثم يرحل‪.‬‬
‫شعب وارض وحضارات‪ ،‬اخرجت‬
‫ٍ‬ ‫روح)‪ ،‬سألعن الوطن بما يملك من‬
‫ي‬ ‫(رفيق‬
‫العلم وحرقته وسط الحشود‪ ،‬تمنيت ان اتفوه بالشتائم وانا ادوس عىل العلم‬
‫صون‪.‬‬ ‫ئ‬
‫بحذان‪ ،‬لم اتمكن من الكالم‪ ،‬اخذ الموت‬ ‫المحتق‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫دفعت اىل ذلك‪ ،‬كنت‬
‫ي‬ ‫عىل الحشود بالضب‪ ،‬عرف البعض بان الحزن‬
‫انهالت ي‬
‫عت البعض االخر‬
‫بت البعض ودافع ي‬
‫حوىل‪ ،‬رص ي‬
‫ي‬ ‫اسمعهم يتحدثون من‬
‫أش‪ ،‬تمنيتها ان تكون يف صدري‬
‫بجسده‪ ،‬سمعت اطالقات نارية فوق ر ي‬
‫ً‬
‫القت سويا‪.‬‬
‫لتأخذن معه‪ ،‬ألتوسد معه نعشه‪ ،‬اردت عناقه لنذهب اىل ر‬
‫ي‬
‫اخذن احدهم اىل المشق‪،‬‬
‫ي‬ ‫حوىل‪،‬‬
‫ي‬ ‫كانت هذه االطالقات النارية لتفريق من‬
‫جعلتت‬
‫ي‬ ‫لم اعلم من هو‪ ،‬تلقيت عدة رصبات يف الرأس وكدمات عىل الوجه‪،‬‬
‫اصحو بعد يومي من الحادث‪ ،‬خرجت من المشق دون علمهم‪ ،‬ظننت ان‬
‫وجه وانا انظر اىل‬
‫ي‬ ‫المشق للعالج االمراض النفسية‪ ،‬االضاءة ي‬
‫الت كانت امام‬
‫االعىل كانت تشبه تلك االضاءة‪ ،‬كنت خائفة من فراق (احمد)‪ ،‬تشابه‬
‫عىل االلم‪.‬‬
‫عىل وانهالت ي‬
‫الموقف ي‬
‫ذهبت اىل بيت (سارة)‪ ،‬اعتنت ر ين لثالثة ايام‪ ،‬اىل ان تمكنت من زيارة رقته‪،‬‬
‫ً‬
‫القت لوحده‪.‬‬
‫صتت كثتا عىل فراقه‪ ،‬منذ ثالثة ايام وهو يف ر‬ ‫ر‬
‫يا ترى هل هو جائع؟‬
‫هل يشعر بالعطش؟‬
‫القت مظلم؟‬
‫هل ر‬
‫ان؟‬
‫ام تضحيته انارت فراشه الت ر ي‬
‫ُ‬
‫رن؟‬ ‫هل يتذك ي‬
‫يعشقت؟‬
‫ي‬ ‫هل ال زال‬
‫ً‬
‫مت سيكتب يىل الشعر مجددا؟‬
‫ّ‬
‫وجدان‪ ،‬حفظتها عن ظ يهر‬
‫ي‬ ‫اخر قصيدة دونتها كما االخريات عىل جدران‬
‫هذه االسئلة وانا يف‬
‫ِ‬ ‫قلت يف غيابه‪ ،‬تساءلت كل‬
‫قلب‪ ،‬قبل ان ينكش ظهر ر ي‬
‫طريق إليه‪.‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫الت عشناها سويا‪ ،‬كان كومة تراب‪ ،‬وقفت‬ ‫وقفت عىل رقته ارى كل االيام ي‬
‫الت كانت تنطبق‬ ‫َ‬
‫ه‪ ،‬عن شفاهه ي‬ ‫امامه ابحث عن كلماته‪ ،‬عن وجهه الب ي‬
‫َ‬
‫لتسكب العسل‪ ،‬بحثت عن عطره‪ ،‬بحثت عن مستقبلنا‪ ،‬ماذا حل به! كنا‬
‫اجىل‪ ،‬كنا بحاجة اىل بعض الوقت‬ ‫ر‬
‫شء من ي‬ ‫عىل وشك السفر‪ ،‬كان سيتك كل ي‬
‫ً‬
‫لتحل ونتك لهم الوطن بأكمله‪ ،‬بما يحمله من ثروات‪ ،‬هم ارادوه وطنا ذا‬
‫ليوم واحد من‬
‫ثروات وليس ذا ثورات فقتلوا (احمد) ألنه ثائر‪ ،‬كنا بحاجة اىل ٍ‬
‫دون خيانة وغدر‪ ،‬من دون رصاصات منبثقة من اجتماعات حزبية‪ ،‬كنا‬
‫بحاجة اىل بصيص من ر‬
‫الشف‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وقفت امامه لساعتي‪ ،‬لم اقوى عىل البكاء‪ ،‬لم اذرف دمعة واحدة‪ ،‬صدمة‬
‫مت دمية بكماء‪ ،‬كنت اخاف من البكاء يك ال انهار‪ ،‬يك ال يعودوا‬
‫فراقه جعلت ي‬
‫اماىم الكثت غت حرق العلم وشتم‬
‫ي‬ ‫ر ين اىل مستشق االمراض العقلية‪ ،‬انا‬
‫الوطن‪.‬‬
‫ٌ‬
‫الفراق ‪ ..‬هو كالذي يفتح نافذة غرفته وهو موعود بالموت بعد ايام‪ ،‬ال يرى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫امال‪ ،‬ينتظر الموت‪ ،‬يأتيه متأنيا وهو عىل عجلة من بؤسه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫هدوء تام‬
‫ٍ‬ ‫الفراق يعلمنا الصمت‪ ،‬نصمت لنعد ما خ ِشناه بسببه‪ ،‬نحتاج اىل‬
‫الت نأخذ فيها‬
‫تأن بعد اللحظة ي‬
‫لنتأمل األلم المرافق له‪ ،‬نخاف من كل لحظة ي‬
‫ً‬
‫الشهيق والزفت‪ ،‬نتأمل مالمح الفراق مجددا‪ ،‬نتأمل ان يكون ما نحن عليه‬
‫ً‬
‫وسينته بعد ان نفتح اعيننا‪ ،‬نغلق اعيننا ونفتحها‪ ،‬نجد الفراق حقيقية‬
‫ي‬ ‫حلما‬
‫ٌ‬
‫وعلينا تصديقها‪ ،‬نكذبه الف مرة ونجده كما هو‪ ،‬الفراق حقيقة واجبة‬
‫التصديق‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ررسود التعب وهو يمزق تفكتي جعل يت مخلصة للبؤس‪ ،‬لن يكون القادم‬
‫ً‬
‫حبيت‪ ،‬لن اجعله يقدم عىل عمر جديد‪.‬‬
‫قادما دون ر ي‬
‫شء‪ ،‬تكلمت‬ ‫ر‬
‫مت (سارة) ان نرحل‪ ،‬لم يتبق عىل غروب الشمس ي‬ ‫طلبت ي‬
‫بعض الكلمات‪ ،‬ال زلت ال اقوى عىل التحدث بجملة مكتملة‪ ،‬توسلت إليها‬
‫كتت وذهبت‪ ،‬اوصيتها بأن ال‬
‫كت هنا‪ ،‬لم اتلق استحسانها‪ ،‬تشاجرنا‪ ،‬تر ي‬
‫ان تت ي‬
‫ً‬
‫مت كل الوفاء‪،‬‬
‫بمكان‪ ،‬ترجيتها ألبق معه هذه الليلة فهو يستحق ي‬
‫ي‬ ‫تخت احدا‬
‫ر‬
‫عناف‪.‬‬ ‫يستحق ألنه لم يقسو َ‬
‫عىل إال يف‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الت التقينا بها‪ ،‬كيف تبادلنا الكالم يف الرسائل منذ اول ليلة‪،‬‬
‫اللياىل ي‬
‫ي‬ ‫تذكرت كل‬
‫َ‬
‫(الثان من شهر نيسان)‪ ،‬عندما‬ ‫ي‬ ‫عند اوىل خطواتنا يف طريق العشق‪ ،‬يف‬
‫احالىم وهو ينظر اىل ساعته‪،‬‬
‫ي‬ ‫وجدته بي ماليي السني‪ ،‬يقف عىل ناصية‬
‫اللياىل السابقة‪،‬‬
‫ي‬ ‫قدوىم عند كل موعد‪ ،‬مر الليل ليس كسائر‬
‫ي‬ ‫عندما كان ينتظر‬
‫ً‬
‫بيت وبينه‪.‬‬
‫لم نجلس سويا هذه المرة‪ ،‬حال الموت ي‬
‫ررسقت الشمس عىل غفلة كما ررسقت علينا من قبل‪ ،‬لم اشعر بوجودها‪،‬‬
‫أش بعد ان اتكأت ِبه عىل يدي وانا اجلس القرفصاء‪ ،‬شاهدت القبور‬
‫رفعت ر ي‬
‫اختتهم كيف كانت‬
‫عت وعنه‪ ،‬ر‬
‫اىل بدهشة‪ ،‬حدثت الجميع ي‬
‫حوىل تنظر ي‬
‫ي‬ ‫من‬
‫لقاءاتنا‪ ،‬كيف كنا نعشق بالنظر‪ ،‬كيف بدأنا وكيف انته االمر بنا‪ ،‬عرفتهم‬
‫بنفش‪ ،‬فلم يتبق إال القليل واكون برفقتهم‪ ،‬لن اقوى عىل العيش بنصف‬
‫ي‬
‫ر‬
‫روح تحت التى‪ ،‬سأتوسد يده مهما كان الثمن‪.‬‬ ‫روح‪ ،‬رفيق‬
‫ي‬
‫مرت ايام قليلة‪ ،‬بدأت اقوى عىل الحديث بصوت منخفض‪ ،‬ولكن اجفان‬
‫َ‬
‫عيت لم تغمض‪ ،‬باتت وكأنها اقض من ان تنطبق عىل بعضها‪ ،‬عاد الليل‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫والنهار يتشابهان كما فراقنا االول‪ ،‬كنت اشعر احيانا بخصالت شعري تتحرك‬
‫ان‪ ،‬اشعر به بي‬
‫حوىل‪ ،‬اشعر بأنه ير ي‬
‫ي‬ ‫لوحدها‪ ،‬كنت اشعر به‪ ،‬اشعر بروحه‬
‫لعلت اراه‬
‫ي‬ ‫احالىم‪ ،‬حي يتحرك شعري بنسمة خفية كنت التفت فجأة‬
‫ي‬ ‫اركان‬
‫خلق‪ ،‬كنت عىل امل ان القاه كما كنت عىل امل اللقاء بذلك القاتل الذي الق‬
‫ي‬
‫ً‬
‫رصاصاته عىل صدر (احمد) سمعت كثتا من االحاديث عن مقتله ولكن‬
‫الجميع اجمعوا عىل انه تلق تلك الرصاصات يف صدره‪ ،‬كنت انتظر رؤيته‪،‬‬
‫صتت أليام اىل ان القاه‪ ،‬تعجلت بساعات الليل‬
‫يف الصباح ستتم محاكمته‪ ،‬ر‬
‫ً‬
‫ألنت عىل موعد مع (احمد)‪.‬‬
‫عاتق من انتقام ي‬‫ي‬ ‫كثتا‪ ،‬اريد ان انفذ ما عىل‬
‫جلست برفقة (هشام) يف قاعة المحكمة‪ ،‬نظرت اىل قفص االتهام وهو فارغ‪،‬‬
‫ينتم‬
‫ي‬ ‫اىل ألن القاتل‬
‫الليت ي‬
‫اخت ين بأن االمر ال يتعلق بالحزب ر‬
‫كنت بأنتظاره‪ ،‬ر‬
‫ً‬
‫اىل الحزب الحاكم سابقا ومن المتشددين‪.‬‬
‫بدأت محاكمته‪ ،‬كنت انظر اىل وجهه طوال الوقت‪ ،‬كان قصت القامة وله ذقن‬
‫طويل‪ ،‬يتاوح عمره بي الثالثي والخامسة والثالثي‪ ،‬ادىل بأفادته بأنه غت‬
‫يعتت جهاد يف سبيل الرب بحسب ما جاء بأقواله واقوال‬
‫مذنب وان ما قام به ر‬
‫فقه دينه‪ ،‬وأن (المغدور) خرج عن طاعة الحاكم وتوجب قتله ‪.‬‬
‫ً‬
‫انتهت محاكمته بعد ان حكمت عليه المحكمة باالعدام‪ ،‬كان قرارا غت‬
‫منصف‪ ،‬كان من المفروض ان يتم الحكم عليه بالسجن المؤبد‪ ،‬ال باالعدام‪،‬‬
‫ال اعلم كيف يتم اعتبار عقوبة الموت اقش من عقوبة العيش يف غرفة‬
‫مظلمة مدى الحياة‪ ،‬ارى بأن العذاب الذي سيجنيه المجرم بالسجن المؤبد‬
‫اقش من االعدام‪ ،‬أال يعلم من وضع هاتي العقوبتي بأن الموت راحة ال‬
‫يستحقها المجرمي ‪.‬‬
‫بعد ان خرج الجميع من قاعة المحكمة‪ ،‬سألت (هشام) عن موعد تنفيذ‬
‫ً‬
‫اخت ين بأن االمر لن يطول كثتا‪ ،‬سيتم تميت‬
‫حكم االعدام بحق هذا المجرم‪ ،‬ر‬
‫قرار الحكم لدى المحكمة العليا لينال درجته القطعية ثم يتم تنفيذه‪ ،‬لن‬
‫يتطلب االمر ر‬
‫اكت من شهر واحد ‪...‬‬
‫ً‬
‫يمكنت الدخول اىل السجن وفعل به ما يحلو يىل‪،‬‬
‫ي‬ ‫ثم استدرك (هشام) قائال‪:‬‬
‫الت سيست بها اىل‬
‫ولكنت مهما فعلت به فلن ارعبه بقدر تلك الخطوات ي‬
‫ي‬
‫مشنقة االعدام‪ ،‬سأتركه يتعذب ببطء‪.‬‬
‫سألته‪ :‬وكيف ذلك؟‬
‫ختك (احمد) َمن ساعده يف الدخول اىل السجن واقتالع اعي‬
‫اجابت‪ :‬الم ي ر‬
‫ي‬
‫يمكنت قبض‬
‫ي‬ ‫اولئك المجرمي؟ يىل سلطة واسعة عىل ادارات السجون كافة‪،‬‬
‫ولكنت سأتركه يذوق الموت قبل ان يموت‪.‬‬
‫ي‬ ‫روحه مت ما شئت‪،‬‬
‫فكرت يف لقاء (احمد) ‪...‬‬
‫هل سأتأخر عليه طوال هذه الفتة؟‬
‫يقض الليل بمفرده؟‬
‫ي‬ ‫هل سأتركه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫منحت هذا التفكت قليال من الوقت‪ ،‬تركت (هشام) ألخرج مشعة خارج‬
‫المحكمة‪ ،‬قلت له يف نهاية حديثنا "انا سأجعله يتذوق الموت دون ان‬
‫يموت "‬
‫تتبعت خىط امرأة مسنة ومعها امرأة تضع النقاب عىل وجهها وطفلي‪ ،‬كانوا‬
‫انصت لهم‬‫عىل مقربة من قفص االتهام‪ ،‬سمعتهم يتحدثون مع المجرم‪َ ،‬‬

‫ه امه وما تبق زوجته واطفاله‪.‬‬


‫حت تأكدت من ان هذه المرأة المسنة ي‬
‫طلبت من سائق سيارة االجرة اللحاق بهم‪ ،‬تتبعتهم اىل ان استدليت عن‬
‫ً‬
‫ح ناء يف اطراف المدينة‪ ،‬كان لهم متال‬ ‫مكان سكناهم‪ ،‬كانوا يقطنون يف ي‬
‫ً‬
‫شعت‪ ،‬سيكون يىل موعدا معهم بعد ايام‪.‬‬
‫ح ري‬ ‫صغت‪ ،‬وسط ٍي‬
‫راقبت متلهم لعدة ايام‪ ،‬اختت الطريقة المناسبة لقتل هذا المجرم دون ان‬
‫يموت ‪..‬‬
‫ٌ‬
‫واخر له اربــع‪ ،‬يخرجون للعب يف‬ ‫كان له طفالن‪ ،‬احدهما له سبعة اعوام‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ َ‬
‫الج‪ ،‬كانوا‬
‫عرصة البيت تارة‪ ،‬ويبتعدون قليال عنها تارة اخرى برفقة اطفال ي‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫والعارسة صباحا‪ ،‬ويستغرقون ما يقارب‬ ‫يخرجون ما بي الساعة التاسعة‬
‫شء عن اللعب‪.‬‬‫ر‬
‫ساعتي او ثالث ليعودوا ادراجهم دون ان يفصلهم ي‬
‫مىع كامتا فوتوغرافية ووقفت عىل ناصية‬
‫ذهبت إليهم ذات صباح‪ ،‬جلبت ي‬
‫الشارع ألراقب خروجهم‪ ،‬خرجوا يف وقتهم المحدد‪ ،‬ناديتهم ألخذ الحلوى‪،‬‬
‫ً‬
‫منحتهم قطعتي من الحلوى محشوة كل منها بثالثة غرامات من اقراص‬
‫اجتتهم عىل تناولها ألن طعمها غريب ولها رائحة تشبه‬
‫(فوسفيد االلمنيوم)‪ ،‬ر‬
‫رائحة البيض الفاسد‪.‬‬
‫ً‬
‫فه ال تباع‬
‫مجتة ي‬
‫مختتات الجامعة‪ ،‬كنت ر‬
‫ر‬ ‫كنت قد رسقت هذه المادة من‬
‫يف االسواق‪ ،‬رسقتها بعد ان قرأت عنها وعن مفعولها السحري يف قتل‬
‫االطفال‪ ،‬كانت ثالثة غرامات منها كفيلة بأن تؤدي لتعطيل حركة الكريات‬
‫ر‬
‫تتخت‬ ‫الحمراء يف الدم ‪ ،‬بحيث تتحول هذه الكريات لمادة تبدو شبه صلبة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ئ‬
‫وبالتاىل تؤدي إىل عجز هذه الكريات عن تأدية‬
‫ي‬ ‫كيمان‪،‬‬
‫ي‬ ‫بسبب تفاعل‬
‫ّ‬
‫وظيفتها بنقل األوكسيجي إىل كافة أنحاء الجسم‪ ،‬فتتجمد وتسبب التجلط‪،‬‬
‫فتؤدي اىل الوفاة‪.‬‬
‫تناولوا حلواهم ثم ذهبوا الستئناف مرحهم االخت‪ ،‬سيدفعون ثمن خطأ‬
‫ٌ‬
‫مجتة عىل االنتقام‪ ،‬وإال كيف‬
‫غتهم‪ ،‬اباهم من كان السبب ولست انا‪ ،‬انا ر‬
‫سألق (احمد) دون ان ابتسم‪.‬‬
‫اكت من ساعتي‪ ،‬راوحت بي االختباء والذهاب واالياب يك ال‬‫تطلب االنتظار ر‬

‫الفت انتباه احد‪ ،‬بدأوا يشعرون بالغثيان‪ ،‬وهذه اوىل عالمات التسمم‪،‬‬
‫تقربت منهم وهو يجثون عىل االرض‪ ،‬تقلبوا من شدة االلم‪ ،‬ثم ماتوا هادئي‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫تؤلم يت احداها‪ ،‬كان االمر طبيعيا‪ ،‬كان يجب ان‬ ‫تقربت منهم بخطوات لم‬
‫ً‬
‫يكون ذلك من دون ادن لوم‪ ،‬عليه ان يدفع الثمن مهما كان طفال‪.‬‬
‫ً‬
‫ولكنت‬
‫ي‬ ‫وقفت امامهم‪ ،‬رأيتهم يلتقطون انفاسهم بصعوبة‪ ،‬كان المنظر مؤلما‬
‫تأخذن الرأفة حي دست‬ ‫بشء‪ ،‬بقيت انظر إليهم براحة ضمت‪ ،‬لم‬‫ر‬
‫ي‬ ‫لم اشعر ي‬
‫ثون‪.‬‬
‫عىل يد احدهم وهو يحاول االستنجاد بطرف ر ي‬
‫توقفوا عن التنفس‪ ،‬فارقوا الحياة قبل ان يكونوا عىل قيدها‪ ،‬بقيت اعي‬
‫ثوان له عىل هذه‬
‫احدهم مفتوحة من شدة االلم‪ ،‬كان ينظر يىل وهو يف اخر ٍ‬
‫االرض‪ ،‬االخر كان قد انقلب عىل وجهه وترك التنفس‪ ،‬اصبحا جثتي‬
‫هامدتي‪.‬‬
‫ً‬
‫التقطت لهم صورا رائعة‪ ،‬كانا جثتي شهيتي‪ ،‬كنت اود تقطيعهم اىل اجزاء‬
‫ً‬
‫ولكن الوقت ال يسمح‪ ،‬بت اخاف من ان يخرج احدا من ذويــهم ويكتشف‬
‫االمر‪ ،‬وانا عىل عجلة من امري‪ ،‬لدي موعد مع (احمد)‪.‬‬
‫َ‬
‫عيت بصيص ضوء‬
‫بقدىم‪ ،‬خرق ي‬‫ي‬ ‫احدى الجثث كانت تنام عىل وجهها‪ ،‬ق َلبتها‬
‫زفاف‪.‬‬ ‫َ‬
‫صور يىل (احمد) وهو يمد يده ليشعل الشمع قبل ان يقدم يىل خاتم ي‬
‫ً‬
‫عيت بصيص ضوء اخر‬
‫ي‬ ‫كامرن‪ ،‬خرق‬
‫ي‬ ‫كان وجه الجثة مائال ال يتجه صوب‬
‫َ‬
‫لت اول مرة‪.‬‬
‫يده قب ي‬
‫يصور يىل (احمد) حي اطفأ القمر بكف ِ‬
‫بقدىم لينظر يىل‪ ،‬التقطت الكثت من الصور‪ ،‬التقطت‬
‫ي‬ ‫صفعت وجه الجثة‬
‫المزيد ولم اروى من الظمأ‪.‬‬
‫شاهدن احد المارة‬
‫ي‬ ‫شاهدن احد‪ ،‬وان‬
‫ي‬ ‫انته االمر‪ ،‬هربت مشعة دون ان ي‬
‫الج من حجاب وعباءة ال تثت االنتباه‪،‬‬
‫فأنت ارتدي ما اعتاد عليه سكان هذا ي‬
‫ي‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫بدم بارد‪،‬‬
‫رجعت اىل البيت ألنجز الصور‪ ،‬ألجعلها جاهزة ألن تقتل اباهم ٍ‬
‫سهرن الجميلة لهذا اليوم‪.‬‬
‫ي‬ ‫كانت تحتاج اىل بعض الوقت لتنضم اىل‬
‫استغرق النظر إليها زجاجة كحول كاملة‪ ،‬كنت انظر إليهم واسمع بكاؤهم‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لكنت‬
‫ي‬ ‫لكنت كنت اسمعهم جيدا‪ ،‬كان نحيبهم شديدا‬ ‫ي‬ ‫كانت صورهم صامتة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لم اكتث ألمرهم‪ ،‬سيعتادون عىل العالم االخر شيئا فشيئا‪.‬‬
‫ئ‬
‫الهان‪ ،‬ولكن رسعان ما يطلب منك ضمتك‬ ‫لالنتقام لذة تمنحك النوم‬
‫التاجع عن فعل ذلك‪ ،‬ما عليك سوى ان تتناول المخدرات او الكحول‪،‬‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫شء‪ ،‬ستسعد كثتا حي تنتقم‪ ،‬ستسعد لوقت‬ ‫ستمنحك القوة لفعل أي ي‬
‫محدد‪ ،‬ثم تعود لحياتك الطبيعية‪ ،‬ربما يأتيك الندم وربما ال يأتيك‪.‬‬
‫ً‬
‫تشعر بشعور غريب حي تقتل‪ ،‬ترتجف يدك مرة او مرتي تلقائيا يف اليوم‪،‬‬
‫ٌ‬
‫خائف ام ال؟‬ ‫تنظر إليك كل رعشة منها لتتأمل مشاعرك‪ ،‬هل انت‬
‫ُ َ‬
‫إن كنت خائف فأنها ستجعلك ترى صور قتيلك كلما اغمضت عينك‪،‬‬
‫ً‬ ‫ُ َ‬
‫ستجعلك تخاف من الظالم لئال تراه حيا‪ ،‬ستمنحك رنتة صوته وسط الزحام‬
‫لتقول لك بأنه يالحقك‪.‬‬
‫اما ان قبضت عىل يدك واستذكرت ألم الفراق‪ ،‬فأن الرعشة ستتوقف عن‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫التفكت بك‪ ،‬عليك ان تكون غاضبا يف وقت فراغك‪ ،‬عليك ان تقتل ضمتك‬
‫ً‬
‫برصاصات النض‪ ،‬عليك ان ال تنظر يف المرآة طويال‪ ،‬عليك ان ال تظن بأن‬
‫التاءة ادراجها‪ ،‬ستضعف‬
‫بعد فعلتك هذا ستتمكن من االبتسام‪ ،‬ستعود ر‬
‫ً‬
‫لديك حاستا التذوق والشم بنسبة ملحوظة ثم تعود إليك تدريجيا‪.‬‬
‫ديت‪ ،‬منذ ان قررت ان افقه‬
‫ذهبت اىل الكنيسة ألول مرة منذ ان تفكرت يف ي‬
‫ديت قبل ان اورثه‪ ،‬وقفت عىل ابوابها افكر يف الدخول‪.‬‬
‫ي‬
‫ممن سأطلب الغفران؟‬
‫من الرب أم من َمن يتقمص شخصيته؟‬
‫كيف سأطلبه والرب ليس له بيت؟‬
‫ً‬ ‫اكت من ان يكون ً‬
‫بناء شاهقا وصلبان؟‬ ‫الرب ر‬
‫نظرت اىل يدي فرأيت اثار دماء الطفلي عليها‪ ،‬رجعت خطوتي اىل الوراء‬
‫ونظرت اىل بناء الكنيسة‪ ،‬نظرت اىل السماء ألخجل من الرياء الذي انا عليه‪،‬‬
‫لما اطلب الغفران وانا لم اندم عما فعلت اىل االن؟ َ‬
‫لما اطلب الغفران وانا لن‬ ‫َ‬

‫اندم عىل ما سأفعله هذه الليلة؟‬


‫ايقنت ان الرب يف السماء وان َمن يف الداخل قد اصبح من اسقفة الكنيسة‬
‫يعت يىل مغفرة‬
‫ينفعت‪ ،‬رضاه لن ي‬
‫ي‬ ‫ألن اباه كان كذلك‪ ،‬لن يض ين رضاه ولن‬
‫رتج التوبة‪ ،‬مغفرة الرب‬
‫الرب‪ ،‬مغفرة الرب ال تكون إال لحبيس الندم وم ر ي‬
‫َ‬
‫ليست باألدعية‪ ،‬ايقنت بأن مغفرة الرب اسم من قداسهم والتانيم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ر‬
‫ينتظرن‬
‫ي‬ ‫شء‪ ،‬تأخرت‪ ،‬لدي موعد مع (احمد)‪ ،‬ولكن عليه ان‬ ‫لم يتبق يىل ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ستان االبيض جاهزا اىل االن‪ ،‬لم امنحه قياس جسدي‪،‬‬‫ي‬ ‫قليال‪ ،‬انا لم اجعل ف‬
‫ئ‬
‫للقان‪ ،‬يتوجب عىل ان اكون انيقة‬ ‫سنوات وق َبل عىل خياطته‪ ،‬لم ِاعده‬ ‫مرت‬
‫ي‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫عند لقياه‪ ،‬انا اعشقه‪.‬‬
‫ه‬
‫عىل ان اودعها دون ان تعلم‪ ،‬ي‬
‫اردت ان ارى (سارة) للمرة االختة‪ ،‬كان ي‬
‫صديقت منذ ان كانت ضفائري خاوية‪ ،‬قبل ان تقومها اصابع‬
‫ي‬ ‫صديقة العمر‪،‬‬
‫فعىل توديعها‬
‫ي‬ ‫الق عليها كلمات الوداع‪ ،‬وان لم اتمكن‬‫عىل ان ي‬
‫حبيت‪ ،‬ي‬
‫ري‬
‫شء‬ ‫ر‬
‫تأن الينا‪ ،‬هناك‪ ،‬انا و(احمد) وال ي‬
‫بالنظرات‪ ،‬سأشتاق لها اىل حي ان ي‬
‫سوانا غت السكون‪.‬‬
‫َ‬
‫رف محكم االغالق‪ ،‬اوصيته بأن يلقيها‬
‫اعطيت صور الطفلي اىل (هشام) بظ ٍ‬
‫وعدن بأنه سيفعل ذلك خالل الساعات القادمة‬
‫ي‬ ‫يف زنزانة المجرم دون علمه‪،‬‬
‫بسؤاىل عن محتوى الظرف‪.‬‬‫ي‬ ‫دون ان يستمر‬
‫ً‬
‫بأنت‬
‫عند اول الليل التقيت (بسارة)‪ ،‬قبلتها الفا وعانقتها الفي‪ ،‬كانت تظن ي‬
‫وكأنت بنصف عقل‪ ،‬سامحتها‬‫ي‬ ‫ألنت من دون مهدئات‪ ،‬كانت تنظر يىل‬
‫متعبة ي‬
‫ٌ‬
‫موعد مع (احمد)‪.‬‬ ‫يغمرن االن‪ ،‬يىل‬
‫ي‬ ‫ألنها ال تعلم حجم الفرح الذي‬
‫اعطيتها حقيبة صغتة‪ ،‬اوصيتها بأن تصلها اىل (يعقوب)‪ ،‬كانت رؤيته صعبة‬
‫لكتة سفره‪ ،‬زارن ر‬
‫اكت من مرة بعد‬ ‫طيلة هذه الفتة‪ ،‬كنت اتفقده عت الهاتف ر‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫بأنت بحاجة اىل الرقود‬
‫تضفان‪ ،‬كان يظن ي‬
‫ي‬ ‫وفاة (احمد) كانت نظراته تتقب‬
‫بأنت‬
‫ولكنت حاولت قدر االمكان بأن ابق هادئة‪ ،‬وأن اصور له ي‬
‫ي‬ ‫يف المشق‪،‬‬
‫ٌ‬
‫عاتق الكثت من‬
‫ي‬ ‫وانت لن افعل ما فعلته يف السابق‪ ،‬كان عىل‬
‫ي‬ ‫متقبلة لألمر‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وعدتت بأنها لن‬
‫ي‬ ‫االلتامات وليس لدي وقت لألنهيار‪ ،‬اعطيتها اياها بعد ان‬
‫تفتحها قبل ررسوق شمس الغد‪.‬‬
‫ً‬
‫عىل ان استعد للقائه عند‬
‫زفاف‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫لم يتبق يىل من الوقت كثتا‪ ،‬اليوم يوم‬
‫ستان االبيض بعد كل هذا‬ ‫عىل ان اكون انيقة ليتغزل ر ين‪ ،‬ارتديت ف‬ ‫ئ‬
‫ي‬ ‫الشاط‪ ،‬ي‬
‫وجه الجديدة‪ ،‬فكرت ِبه كيف سيتغزل ر ين حي‬ ‫ي‬ ‫العمر‪ ،‬لم اهتم لتجاعيد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ان‪ ،‬كم سيكون سعيدا بذلك‪ ،‬ال سيما وانه تغزل ر ين كثتا قبل ان يراه‪ ،‬قال‬
‫ير ي‬
‫يىل ذات مرة‪" :‬حي تأتي يوم زفافنا بالثوب االبيض‪ ،‬سأجثو عىل ر ي‬
‫كبت واقبل‬
‫يدك كما تقبل ايدي االمتات" قالها وسيفعلها‪( ،‬رفيق الروح) لم يخلف وعده‬
‫ً‬
‫ابدا‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اماىم كالقناديل‬
‫ي‬ ‫كان القمر محاقا‪ ،‬كانت ليلة معتمة‪ ،‬تدلت عناقيد االحالم‬
‫ٌ‬ ‫ر‬
‫شء مباح‪ ،‬لم يعد هنالك قيد او ررسط‪ ،‬االن‬ ‫ألقطف منها ما شاء‪ ،‬اضج كل ي‬
‫َ‬
‫حريت‪ ،‬لن اكون تحت امطار ظلمه وندى إ ِنصافه‪ ،‬لن اخضع‬ ‫ي‬ ‫سيمنحت القدر‬
‫ي‬
‫ئ‬ ‫ٌ‬
‫الشاط‪.‬‬ ‫بعد االن لعدالته العرجاء‪ ،‬لن التفت إليه وانا متجه اىل مقعدنا عىل‬
‫ً‬
‫وقفت بعيدا‪ ،‬احمل بيدي اكليل ورد‪ ،‬وضعت احمر الشفاه الذي كان يشتهيه‬
‫ً‬
‫دائما‪ ،‬وضعت ذات اللون الذي قال عنه وكأنه اغنية يتوق لسماعها‪ ،‬حي‬
‫وضعته نطقت بأسمه‪.‬‬
‫اهدان اياه‪ ،‬صففت شعري كما كان يحب‪،‬‬ ‫ي‬ ‫زفاف ارتدي مع خاتمه الذي‬ ‫ٍ‬ ‫ثوب‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫تعبت‬
‫ي‬ ‫لم اغت لونه ابدا‪ ،‬لم يوافق حي طلبت منه ذلك‪ ،‬قال يىل حينها‪" :‬ال‬
‫ئ‬
‫بأشيان"‬
‫ي‬
‫ٌ‬
‫امرأة وثنية انا االن‪ ،‬اتصل به بعالقة العبادة‪ ،‬لم اعشقه فحسب‪ ،‬انا اعبده ‪..‬‬
‫حبيت هل تسمع يت؟‬
‫ري‬
‫لم يعد يىل عىل االرض سواك‬
‫انا االن اطوف حولك‬
‫اتوق لقدسيتك‬
‫ال مناص للخروج عن طاعتك‬
‫ال رجاء إال رضاك‬
‫خذ القربان الذي تشاء‬
‫خذ العمر‬
‫خذ االحالم‬
‫ُّ‬
‫تعض بعضها كلما تراك‬ ‫خذ ما تشاء من شفاه‬
‫خذن اليك ‪...‬‬
‫ي‬
‫َ‬
‫رحة‪ ،‬ابتسمت له‪ ،‬كان وجهه بحجم السماء‪ ،‬مد يده يىل‪،‬‬ ‫رست بخطوات ف ِ‬
‫ً‬
‫مت ان است نحوه‪ ،‬كان انيقا كعادته‪ ،‬عادت له عينه المفقودة وكأنه لم‬‫طلب ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫انت استنشقت عطره‪.‬‬‫يفقدها‪ ،‬اراه انا جيدا‪ ،‬لم يكن رسابا‪ ،‬انه حقيقة حت ي‬
‫بدأت است بخطوات ارسع‪ ،‬وصلت اىل مقعدنا وما يحيطه من ذكرى‪ ،‬وقفت‬
‫َ‬
‫لت فيه‪ ،‬نظرت اىل االعىل فرأيت وجهه‪ ،‬سمعت‬‫يف ذات المكان الذي قب ي‬
‫صوته‪.‬‬
‫ان‬
‫هو ير ي‬
‫يسمع يت‬
‫مت‬
‫انه قريب ي‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫شء فيه جميال مع ثغره الباسم‪.‬‬
‫كل ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫شء‪ ،‬ال اود سماعه‪ ،‬ال اريد سماع‬
‫كان الموج هائجا‪ ،‬وكأنه يود االفصاح عن ي‬
‫اماىم يمد يىل‬ ‫ر‬
‫الت يقشعر لها سطح البحر‪ ،‬اراه ي‬
‫شعره ي‬‫ش ٍء غت قصائده‪ ،‬ابيات ِ‬
‫ي‬
‫ليصطحبت معه‪ ،‬انا آتية إليك‪ ،‬هذا يوم زفافنا‪ ،‬سنتجاوز اليوم حدود‬
‫ي‬ ‫يده‬
‫ُ‬
‫الهيام فيما الكل عشاق‪ ،‬سنكون اجمل ما عىل‬ ‫العشق‪ ،‬سنكون عىل قيد ِ‬
‫االرض من ر‬
‫بش‪.‬‬
‫حبيت‪،‬‬
‫ري‬ ‫يمنعت من رؤية‬
‫ي‬ ‫دفىع اىل الخلف‪ ،‬لن‬
‫بأقداىم‪ ،‬كان يريد ي‬
‫ي‬ ‫عصف الموج‬
‫ً‬
‫زفاف‪.‬‬
‫اماىم‪ ،‬اليوم يوم ي‬
‫لن اسمح له بأن يقف حاجزا ي‬
‫روح) اغت‬ ‫بمن سأحلم و(رفيق‬ ‫هذه الليلة ست ُكف ُكل االحالم عن الحلم‪َ ،‬‬
‫ي‬ ‫ِ‬
‫وسادن‪.‬‬
‫ي‬ ‫واغطيت والوسادة‪ ،‬بماذا سأحلم ويده من االن‬
‫ي‬ ‫عت رسيري‬
‫ي‬
‫عىل ان‬
‫تقدمت اىل االمام ألتمكن من االمساك بيده‪ ،‬ال زال يمد يىل يده‪ ،‬ي‬
‫ستان‬ ‫حذان االبيض‪ ،‬تبللت اطراف ف‬ ‫ئ‬ ‫اتقدم بعض الخطوات‪َ ،‬غ َ‬
‫مر الماء‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫(ليلت‬
‫ي‬ ‫الثان من شهر نيسان‪،‬‬
‫ي‬ ‫بنشوة اعادت يىل‬
‫ٍ‬ ‫االبيض‪ ،‬لم اشعر سوى‬
‫الت‬
‫االوىل)‪ ،‬حي التقيته يوم ميالدنا‪ ،‬حي كتب يىل اجمل كلمات‪ ،‬كلماته ي‬
‫َ‬
‫حب يكتب وال يكبت‪.‬‬
‫تطرب وال تسمع‪ ،‬حي افصحنا عما يف قلوبنا من ٍ‬
‫الت كتبها‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫رن اكت‪ ،‬بدأت ارى تلك الورقة ي‬‫تقدمت اكت‪ ،‬تقدمت والموج يغم ي‬
‫بقلم‬
‫(ليلت الثانية)‪ ،‬حي تغزل ر ين ٍ‬
‫ي‬ ‫جمعت ِبه يف‬
‫ي‬ ‫يىل عىل طاولة المطعم الذي‬
‫رؤيت كل يوم‪ ،‬قالها‬
‫ي‬ ‫مت ان تجمعنا عالقة ألنه يود‬
‫انيق مثله‪ ،‬عندما طلب ي‬
‫ُ‬
‫الت كنت اقف فيها امام النافذة ألتطلع جماله‬
‫وهو ال يعلم عدد الساعات ي‬
‫َ‬
‫الخالب‪.‬‬
‫ساف‪ ،‬توقفت كما توقفت عند بابه‪،‬‬ ‫تقدمت ر‬
‫اكت‪ ،‬كاد الموج يصل منتصف‬
‫ي‬
‫منعت‬
‫ي‬ ‫حي التقيته يف متله‪ ،‬توقفت كما توقفت عند الخروج من متله‪ ،‬حي‬
‫لمست‬
‫ي‬ ‫(ليلت الثالثة)‪ ،‬حي‬
‫ي‬ ‫المطر حينها من العودة اىل البيت‪ ،‬عندما قضيت‬
‫كتق‪ ،‬حي تحدثنا واجفاننا مغلقة‪ ،‬وقتما تبادلت‬
‫ي‬ ‫للمرة االوىل واتكأ عىل‬
‫ََ‬
‫صامتي‪.‬‬ ‫ارواحنا الحديث ونحن‬

‫ً‬ ‫ر‬
‫مت التاجع ولكنه لن‬
‫ارتفع الموج البحر اكت‪ ،‬صار صوت تقلبه عاليا‪ ،‬اراد ي‬
‫حبيت‪ ،‬لن‬
‫ري‬ ‫مسامىع قصائد‬
‫ي‬ ‫ليمج من‬
‫ي‬ ‫الكاف‬
‫ي‬ ‫يتمكن من اصدار الضجيج‬
‫اماىم االن‪ ،‬اشعر بقبلته االوىل‬
‫ي‬ ‫حبيت هناك بأنتظاري‪ ،‬اراه‬
‫ري‬ ‫ايقاف‪،‬‬
‫ي‬ ‫يتمكن من‬
‫َ‬
‫روح عذريتها عىل شفتيه‪.‬‬ ‫ي‬ ‫(ليلت الرابعة)‪ ،‬حي فقدت‬
‫ي‬ ‫كما شعرت بها يف‬
‫الت نلتها حي غفوت عىل صدره‪،‬‬ ‫ر‬
‫تقدمت اكت‪ ،‬تقدمت ألنال ذات السعادة ي‬
‫ارن ليحل محلها‪ ،‬كانت له ِسمات االم عند العناق‪،‬‬ ‫اىم وز ي‬
‫عندما ماتت ي‬
‫اللياىل القادمة كهذه الليلة‪ ،‬اتوسد صدره وانا ال اعلم‬ ‫لك تكون‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫تقدمت اكت ي‬
‫وف أي سنة‪ ،‬يتوقف الزمن بالقرب منه‪ ،‬دقات‬
‫وف أي يوم نحن ي‬
‫كم الساعة ي‬
‫تعت يىل دقات الساعة‪ ،‬حركة احداق عينيه وهو ينظر لجسدي‬
‫قلبه كانت ي‬
‫(ليلت الخامسة)‪ ،‬توقيتها بحسب نبض قلبه‬
‫ي‬ ‫ساعت‪ ،‬هذه‬
‫ي‬ ‫كانت عقارب‬
‫ُ‬
‫عه‪.‬‬
‫ومكانها بي اضل ِ‬
‫بأصبىع‪ ،‬رأيت تلك الليلة بأدق‬
‫ي‬ ‫نظرت اىل كف يدي‪ ،‬ال زال خاتم الزفاف‬
‫طلبت للزواج‪ ،‬سمعت تصفيق الحارصين‬
‫ي‬ ‫تفاصيلها‪ ،‬كيف اوقد الشمع‪ ،‬كيف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولكنت التفت ولم ارى احدا منهم‪ ،‬رأيت وسامته يف ذلك‬
‫ي‬ ‫حوىل جيدا‬
‫ي‬ ‫من‬
‫َ‬
‫يمنحت هذا‬
‫ي‬ ‫اليوم‪ ،‬وجهه الجميل‪ ،‬ربطة عنقه‪ ،‬عطره‪ ،‬لمسة يده وهو‬
‫َ‬
‫تساعدن االن عىل مسك‬
‫ي‬ ‫الت‬
‫اللياىل ي‬
‫ي‬ ‫الخاتم‪ ،‬يمنح يت ليلة تضاف اىل تلك‬
‫اماىم ويده ممدودة يىل‪،‬‬
‫ي‬ ‫(ليلت السادسة)‪ ،‬اتذكرها وهو ال يزال يقف‬
‫ي‬ ‫ه‬
‫يده‪ ،‬ي‬
‫احتاج اىل المزيد من الخطوات يك اصل إليه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ئ‬
‫عت‪ ،‬تركت مقعدنا كما‬
‫التفتت اىل الشاط‪ ،‬رأيت مقعدنا قد اصبح بعيدا ي‬
‫تركته يف تلك الليلة‪ ،‬عندما غادرت قلبه المتيم ر ين‪ ،‬هكذا قالها يىل حي‬
‫ابتعدت عنه قبل السفر‪ ،‬اتذكره حي قال "أ تودين العزلة وانا م ٌ‬
‫تيم بك؟"‪ ،‬ال‬
‫ً‬
‫نفش‬
‫ي‬ ‫زالت نظراته تجول يف خاطري وانا اخذله‪ ،‬ظلمته كثتا وقتها‪ ،‬ظلمت‬
‫ر‬
‫اكت منه‪ ،‬لم يعلم وقتها ما قد حدث يىل‪ ،‬كانت شهور قبيحة االيام‪ ،‬ولكنها‬
‫ه‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ ر‬
‫ش ٍء كانت جميلة الذكرى ألن هواؤها كان مخلوطا بأنفاسه‪ ،‬ي‬
‫ورغم كل ي‬
‫(ليلت السابعة)‪.‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫مت لتميها بعيدا‪،‬‬ ‫الت احملها‪ ،‬اخذها ي‬
‫لوى الموج يدي‪ ،‬فقدت باقة الورد ي‬
‫اعتىل الماء‪ ،‬رصت ال اتمكن من رفع يدي‪ ،‬كان الموج اعىل من خضي وال‬
‫ً‬
‫زالت يده بعيدة‪ ،‬لم اتمكن اىل االن من لمسها‪ ،‬يتطلب االمر مزيدا من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ألبىك من‬
‫ي‬ ‫الخىط ومزيدا من الذكريات‪ ،‬وقفت مجددا ألحزن من دون بكاء‪،‬‬
‫َ َ‬
‫عيت عىل‬ ‫الت سكبتها ي‬
‫لت الثامنة)‪ ،‬تذكرت دموع الندم ي‬
‫دون دمع‪ ،‬تذكرت (لي ي‬
‫ً‬ ‫ئ‬
‫مقلت شهور الفراق‪،‬‬
‫ي‬ ‫الشاط‪ ،‬حي اتيت نادمة عىل فراقه‪ ،‬حي ادمت‬ ‫هذا‬
‫حي قبلت رأس اللوم يك انال رضاه‪.‬‬
‫توازن‪ ،‬است عىل الذكريات أللقاه‪ ،‬انا‬
‫ي‬ ‫بدأت احرك يدي داخل الماء يك ال افقد‬
‫لست كمثل بقية نساء االرض‪ ،‬انا لم اكن طفلة سعيدة‪ ،‬لم اكن صبية تعرف‬
‫التباه‪ ،‬لم اكن امرأة لها حياة مثالية‪ ،‬اردت ان اكون امرأة من نسج الخيال‪،‬‬
‫ي‬
‫زفاف‬
‫زفاف‪ ،‬ها انا است يف ليل ي‬
‫كباف النساء‪ ،‬لم اسمع الموسيق ليلة ي‬
‫ي‬ ‫لم اكن‬
‫طريق اىل الحياة‪ ،‬لم انال تلك الحياة‬
‫ي‬ ‫عىل الذكريات‪ ،‬خشت الكثت وانا يف‬
‫عىل ان استسلم منذ‬
‫مخيلت وانا اصنع ضفائر شعري‪ ،‬كان ي‬
‫ي‬ ‫الت رسمتها يف‬
‫ي‬
‫الطفولة‪ ،‬منذ ان كنت اعمل يف تنظيف الصحون‪ ،‬حينما كنت اخجل من كل‬
‫شخص يصافح يدي ويالحظها بأنها تفوق عمري خشونة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫خشت كما خش (احمد) عينه‪ ،‬اراد ان يصلح ما افسدته االحزاب‪ ،‬خش عينه‬
‫كشف رياء االحزاب الدينية‪ ،‬وخش حياته حي اكتشف رسقة االحزاب‬‫َ‬ ‫حي‬
‫ً‬
‫الليتالية‪ ،‬كان عليه ان يكتشف امرهم مبكرا‪ ،‬منذ انتمائه لهم وليس قبيل‬‫ر‬
‫ً‬
‫بعي واحدة‪،‬‬
‫الثورة‪ ،‬كان عليه ان يكون حذرا يك ال نحزن‪ ،‬يك ال اراه كما رأيته ٍ‬
‫ٌ‬
‫(ليلت التاسعة) بعد طول‬
‫ي‬ ‫تلك الليلة العصية عىل النسيان‪ ،‬حي التقيته يف‬
‫انتظار‪ ،‬حينما فقدته قبل ان اخشه‪ ،‬كنت عىل امل ان القاه فألتقيته‪ ،‬ولكن‬
‫ً‬
‫لقاؤنا بما فيه من ألم‪ ،‬كان غت قابال للنقد‪.‬‬
‫حيان‬
‫ي‬ ‫رصت قريبة منه‪ ،‬لم يتبق يىل إال القليل واكون عىل قيد حياته‪ ،‬سئمت‬
‫حيان معه‪ ،‬يف ذلك العالم الهادئ الذي ال يتخلله‬
‫ي‬ ‫من بعده‪ ،‬اريد ان اعيش‬
‫سوى النور‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ر‬
‫الت‬
‫اعتىل الماء جسدي اكت‪ ،‬غىط ما كنت اخبأه عنه‪ ،‬رأيت تلك الليلة ي‬
‫َ‬
‫خشيت فيها من ان يرى ذلك الجرح الذي يتوسط صدري‪ ،‬ذلك االرث الذي‬
‫اف له‪ ،‬بعد ان‬
‫ليمنحت البؤس‪ ،‬ذلك الجرح الذي يشبه جرح فر ي‬
‫ي‬ ‫ان‬
‫تركه يىل ر ي‬
‫نهشت وفاءه بأنياب الخذالن‪.‬‬
‫قريت بالجرح‪ ،‬حي استيقظت وانا بال قيد‪ ،‬فتحت‬ ‫العارسة)‪ ،‬فيها كان‬ ‫ر‬ ‫ليلت‬
‫ي‬ ‫( ي‬
‫ً‬ ‫َ َ َ‬ ‫ً‬
‫مزقت ازراره ِعشقا‪ ،‬تمزقت‬ ‫جنته‪ ،‬بعد ان ت‬
‫ِ‬ ‫قميض ففتح يىل بابا من ابواب‬ ‫ي‬ ‫له‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شغفا‪ ،‬ال بل شوقا‪ ،‬حي ررسقت الشمس وانا ال ازال عىل قيد الليل‪ ،‬تغاضيت‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ذن‬
‫لساعات أخ ي‬
‫ٍ‬ ‫شفت‬
‫ي‬ ‫عن ررسوق الشمس لروعة الليل الذي سبقه‪ ،‬حي ق َبل‬
‫منظر لغروب الشمس‪.‬‬ ‫الكاريت ألرى اروع‬ ‫شواط البحر‬ ‫ئ‬ ‫فيها اىل‬
‫ٍ‬ ‫ري‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫احالىم‪،‬‬
‫ي‬ ‫اخذن الموج إليه‪ ،‬ق ِط َعت انفاس‬
‫ي‬ ‫اقداىم تلمس قاع البحر‪،‬‬ ‫ي‬ ‫لم تعد‬
‫ً‬
‫هامت ألستغيث‪ ،‬ل ِمن أستغيث من بعده‪ ،‬لن‬ ‫ي‬ ‫غمرن الموج كليا‪ ،‬لم اخرج‬ ‫ي‬
‫الت‬
‫ان (رفيق الروح) وسيأخذ بيدي‪ ،‬يدي ي‬
‫استغيث وانا اهوى لقاءه هذا‪ ،‬ست ي‬
‫إىل قبل ان‬
‫سيأن ي‬
‫ي‬ ‫كت‪ ،‬سيأخذ بيدي‪،‬‬
‫لوحت له منذ الليلة االوىل‪ ،‬لن يت ي‬
‫ً‬
‫مت‪ ،‬كما ان‬
‫كالت رسقها الموج ي‬
‫ورد ي‬
‫إىل حامال بيده اليمت باقة ٍ‬
‫سيأن ي‬
‫ي‬ ‫اغرق‪،‬‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫مت‪ ،‬سألقاه بعد قليل‪ ،‬لن‬
‫(ليلت الحادية عش) انيقا ليطلب الزواج ي‬ ‫ي‬ ‫إىل يف‬
‫ي‬
‫ه الروح تنفصل عن الجسد‪.‬‬ ‫ر‬
‫يتطلب امر لقاءه اكت‪ ،‬ها ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يا الئـمـا الم يـت يف ح َبهم َسفـهـا‬
‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫كــف المـالم فـلـو اح َـبـ يبــت لـم تـل ِـم‬
‫ابن الفارض‬
‫الفصل السابع‬

‫َ‬
‫َّاما قبل ‪...‬‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫شء اجمل مما كان قبل‪ ،‬حيث الوفاء واالخالص‪ ،‬حيث المشاعر الصادقة‬ ‫ال ي‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫وه تنظر إليه‪ ،‬حيث‬‫واالمنيات الخالصة‪ ،‬حيث ما كانت تروم له عينيها ي‬
‫ُ‬
‫حادي الحب‪ ،‬حيث مسامات يديها النقية من الخيانة‪ ،‬حيث روحها‬ ‫قلبها ا ِ‬
‫الت لم تقبل القسمة عىل غت (رفيق روحها)‪.‬‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ش ٍء جميل‪ ،‬منذ ان كانت تراه ِخلسة من خلف نوافذها‬‫قبل ‪ ..‬حي كان كل ي‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫جمال َبعدك ال يلفت النظر"‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫يف كل صباح لتقول له " َجمالك م ِزمن‪ ،‬وكل‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫منذ ان كانت تتمت ُلقياه‪ ،‬حت َد َ‬
‫فعت عمرها رشوة لتلقاه‪ ،‬كل ذلك كان قبل‪،‬‬
‫َ‬
‫قبل ان ترحل (قمر)‪.‬‬
‫َ َ‬
‫التاىل‪ ،‬لم تجدها‪ ،‬طرقت‬
‫ي‬ ‫دخلت (سارة) اىل متل (قمر) بعد ظهتة اليوم‬
‫ً‬
‫الباب فوجدته مفتوحا‪ ،‬نادت بأسمها ولم ي ِجيبها احد‪.‬‬
‫ً‬
‫دخلت اىل البيت‪ ،‬بحثت عن (قمر) ولم تجدها‪ ،‬كان المتل خاليا‪ ،‬لم تجد‬
‫ٌ‬
‫وه تنادي بأسمها‪ ،‬جلست خائفة تخمن ما قد حدث لها‪،‬‬ ‫غت صدى صوتها ي‬
‫الت اعطتها اياها (قمر) ليلة‬
‫وه تحمل بيدها الحقيبة الصغتة ي‬
‫جلست ي‬
‫التاىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫االمس واوصتها بأن ال تفتحها إال يف اليوم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ختا سيئا عنها‪ ،‬كانت تتصل‬‫خائفة من ان تجد فيها ر‬‫ٍ‬ ‫لم تفتحها (سارة)‪ ،‬كانت‬
‫وقت‬
‫ٍ‬ ‫بها طوال ليلة االمس وفجر اليوم ولم تجيب عىل اتصالها‪ ،‬جاءت يف‬
‫تأخر من ليلة االمس ولم تجد احد يف المتل‪ ،‬كانت تنتظر ررسوق الشمس‬ ‫م ٍ‬
‫شء عدا ما يوجد يف‬ ‫ُ ر‬
‫لتستعلم عنها‪ ،‬كانت تفكر يف ان تسأل عنها كل ي‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫الحقيبة‪ ،‬كانت خائفة منها جدا‪ ،‬كانت تعلم ان يف داخلها ما يشت اىل الوداع‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫معت صوت محرك سيارة يف الخارج‪ ،‬خرجت فشاهدت سيارة (قمر) عند‬ ‫س ِ‬
‫ه‪ ،‬ولكن كان (يعقوب) يقودها‪.‬‬
‫الباب‪ ،‬ظنت بأنها ي‬
‫دخل اىل المتل‪ ،‬الق التحية عىل (سارة) وجلس امامها ‪....‬‬
‫سألها ‪:‬اين (قمر)؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اجابته باكية‪ :‬ال اعلم‪ ،‬هل حدث لها شيئا؟‬
‫ً‬
‫لم يجيب عىل سؤالها‪ ،‬اخرج علبة سجائره واشعل سيجارة‪ ،‬جلس هادئا‬
‫ينظر اىل االرض‪ ،‬ويتأمل ما حدث‪.‬‬
‫ً‬
‫اختها بانه ال يعلم شيئا‪ ،‬يبحث عنها‬
‫يختها عما حدث‪ ،‬ر‬‫ترجته (سارة) بأن ر‬
‫ً‬
‫هو ايضا‪.‬‬
‫ً‬
‫سيارة تشابه‬
‫ٍ‬ ‫كان قد اتصل شخصا (بيعقوب) يسأله عن معرفته بأوصاف‬
‫سيارة (قمر)‪ ،‬أستفش منه عن ارقام لوحاتها ولونها فتأكد (يعقوب) من أنها‬
‫االماىم للسيارة‪ ،‬اتصل‬
‫ي‬ ‫سيارة (قمر)‪ ،‬كانت قد تركت رقم هاتفه عىل الزجاج‬
‫ئ‬
‫الشاط‪ ،‬ظن (يعقوب) بأن‬ ‫هذا الشخص ليسأل عن اسباب ترك السيارة عند‬
‫ُ‬
‫(قمر) اصيبت بوعكة صحية مفاجئة ونقلت اىل المشق فأضطرت عىل ترك‬
‫سيارتها‪.‬‬
‫سأل عنها كل مستشفيات المدينة ومراكزها االمنية‪ ،‬لم يجد لها اثر‪ ،‬عاد‬
‫َ‬
‫افكار تقنعه بأنها‬
‫ٍ‬ ‫وقت أليجاد‬
‫اكت ٍ‬‫بالسيارة اىل متلها‪ ،‬عاد وهو يمهل نفسه ر‬
‫ئ‬
‫الشاط‪.‬‬ ‫لم تذهب بأتجاه‬
‫لم يتكلم عما يجول يف خاطره من ظن‪ ،‬سألته (سارة) عن اسباب حيازته‬
‫ش ٌء‬‫ر‬
‫بحوزته ليلة امس‪ ،‬وانه ال يعلم ي‬
‫ِ‬ ‫فأختها بأن (قمر) قد تركتها‬
‫ر‬ ‫للسيارة‬
‫ئ‬
‫الشاط‪.‬‬ ‫يختها بأنه وجدها عند‬‫عنها‪ ،‬لم ر‬
‫غلب الصمت عىل الموقف‪ ،‬لم تتكلم سوى ظنونهم ‪...‬‬
‫ما الذي حل (لقمر)؟‬
‫َ‬
‫لما تركت سيارتها يف ذلك المكان؟‬
‫ه االن؟‬
‫اين ي‬
‫اطفأ (يعقوب) سيجارته وصعد اىل الطابق العلوي يف متلها‪ ،‬فتح كل ادراج‬
‫شء يساعده يف الظن بأنها سافرت‪ ،‬سمع‬ ‫ر‬
‫كتبها ليبحث بي اوراقها عن ي‬
‫م ِ‬
‫ً‬
‫فىل‬
‫شخصا يطرق الباب‪ ،‬وجد ما كان يبحث عنه ثم نزل اىل الطابق الس ي‬
‫فوجد (هشام) يسأل عن (قمر) هو االخر‪.‬‬
‫شء‪ ،‬التموا‬‫ر‬
‫اخته الجميع بأنهم ال يعلمون عنها ي‬
‫سأل عنها ولم يجبه احد‪ ،‬ر‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الهدوء جميعهم مجددا‪ ،‬بدأ القلق شيئا فشيئا يغلب عىل افكارهم‪ ،‬مض‬
‫تأن (قمر)‪.‬‬
‫وقت كثت ولم ي‬
‫ً‬
‫ليختها بأن المجرم الذي قتل‬
‫ر‬ ‫جلس (هشام) يفكر يف مصتها هو ايضا‪ ،‬جاء‬
‫َ‬
‫عت‬
‫(احمد) انتحر صباح اليوم بعد ان جمع اغطية رسيره ليشنق نفسه فيها ر‬
‫قضبان نافذة دورة المياه يف السجن‪ ،‬شنق نفسه بعد ان رىم (هشام) الصور‬
‫يف زنزانته ليلة االمس‪.‬‬
‫َ‬
‫علم (هشام) من مدير السجن بأن المجرم انتحر بعد ان ش ِنق نفسه عند‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫الت كانت السبب‪ ،‬حي ذهب لتى جثته‬ ‫ه ي‬ ‫علم ايضا بأن الصور ي‬
‫الفجر‪ِ ،‬‬
‫واخته بأنها كانت بيده حي شنق نفسه‪ ،‬كان‬
‫ر‬ ‫أعىط مدير السجن له الصور‬
‫يحملها وهو يلتقط انفاسه االختة‪ ،‬ظل (هشام) يتمعن الصور‪ ،‬اندهش مما‬
‫منظر بشع‪ ،‬ظل يسأل نفسه عن ما جرى‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫كانت تحتويه من‬
‫فه صور طفليه‬
‫اخته مدير السجن بأن هناك جريمة قتل يف هذه الصور‪ ،‬ي‬‫ر‬
‫ً‬
‫اخته ايضا بأن المجرم قض ليل االمس وهو يضخ‬
‫اللذان ق ِتال باألمس‪ ،‬ر‬
‫اطفاىل"‪.‬‬
‫ي‬ ‫بأسمهما ويقول "قتلوا‬
‫بق‬
‫اخته كيف انهم اضطروا لنقله اىل زنزانة معزولة يك ال يسمعوا نحيبه‪ ،‬ي‬
‫ر‬
‫طول الليل يضخ ويردد اسماء اطفاله‪ ،‬ظل عىل هذا الحال اىل ان حل‬
‫َ‬
‫الصباح وس ِمح له بالذهاب اىل دورة المياه‪ ،‬حينها خبأ اغطية رسيره حول‬
‫خضه ليشنق نفسه فيها‪.‬‬
‫ً‬
‫يخت احدا بصدد‬
‫احتفظ (هشام) بالصور‪ ،‬وطلب من مدير السجن بأن ال ر‬
‫الموضوع‪ ،‬كان (هشام) ذا سلطة عىل ادارات السجون كافة بسبب عالقته‬
‫الوطيدة بالوزير المسؤول عنها لما بعد الثورة‪ ،‬تمكن من التكتم عىل االمر‪،‬‬
‫ً‬
‫اختها بأنه يتمكن‬
‫ولكنه االن جالسا يفكر يف اخر حوار له مع (قمر)‪ ،‬حي ر‬
‫اختها بأنه ينتظر ذلك‬
‫من قتله ولكنه يريد له ان يتذوق الموت ببطء‪ ،‬حي ر‬
‫ً‬
‫اليوم الذي يراه فيها يست خائفا اىل حبل المشنقة‪ ،‬ظلت مسامعه تردد اخر‬
‫ما قالته (قمر)‪ ،‬صدقها حي وعدته بأنها ستجعله يتذوق الموت دون ان‬
‫يموت‪.‬‬
‫واختهم عن عذر كاذب‬
‫ر‬ ‫يختهم (هشام) عما حدث‪ ،‬احتفظ بالصور‬
‫لم ر‬
‫لمجيئه‪.‬‬
‫بش عن (قمر)‪ ،‬لم‬
‫واحد منهم يحتفظ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫اوشكت الشمس عىل الغروب وكل‬
‫شء‪ ،‬اكتفوا بتقديم السجائر لبعض‪.‬‬‫ر‬
‫يفصح احدهم عن ي‬
‫بعد صمت طويل وقف (هشام) وقال (ليعقوب)‪َ :‬‬
‫لما ال نبحث عنها يف‬ ‫ٍ‬
‫المستشفيات ومراكز االمن؟‬

‫اجابه (يعقوب)‪ :‬بحثت عنها يف كل االماكن قبل ان ي‬


‫ان اىل هنا‪.‬‬
‫ً‬
‫التود‪ ،‬وقتها كان قد َصدق الحقيقة‪ ،‬فكر مليا‬ ‫كانت اجابة (يعقوب) يغلبها ر‬
‫قبل ان يصدق بأنها رحلت‪.‬‬
‫ألعىط‬
‫ي‬ ‫قال (هشام)‪ :‬سأذهب انا االن‪ ،‬سأتصل بقيادات االمن يف المدينة‬
‫اسمها واوصافها لعلهم ر‬
‫يعتون عليها‪.‬‬
‫وبق (يعقوب) و(سارة) صامتي‪ ،‬و بعد عدة دقائق ‪....‬‬ ‫خرج (هشام) ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫بشء‪.‬‬‫عىل اخبارك ي‬ ‫بدمع منهمر‪ :‬يجب ي‬‫ٍ‬ ‫استدركت (سارة) قائلة‬
‫ر ئ‬
‫تفاح (يعقوب) باألمر ‪...‬‬
‫ر‬
‫شء عن (قمر)؟‬ ‫قال لها‪ :‬هل تعلمي ي‬
‫ٌ‬
‫قالت‪ :‬تركت يىل (قمر) هذه الحقيبة‪ ،‬لم افتحها‪ ،‬ال اعلم ما بها‪ ،‬انا خائفة من‬
‫انها ‪ .....‬انها‪....‬‬
‫لم تكمل حديثها‪ ،‬كانت خائفة‪ ،‬استمرت بالبكاء‪ ،‬ارادت اعطاء الحقيبة‬
‫(ليعقوب)‪.‬‬
‫ً‬ ‫اكملت َ‬
‫كالمها قائلة‪ :‬اتمت انها تركت رسالة لتعلمنا بمكانها‪ ،‬اتمت انها سافرت‬
‫فحسب‪.‬‬
‫قام (يعقوب) واخذ الحقيبة ‪...‬‬
‫قال‪ :‬كال لم تسافر‪ ،‬بحثت يف مكتبها ووجدت جواز سفرها وجميع اوراقها‬
‫الرسمية‪.‬‬
‫فتح (يعقوب) الحقيبة‪ ،‬كانت تحتوي عىل مجموعة اوراق‪ ،‬اطلع عليهن‬
‫ً‬
‫وبق يقرأ احداهن‪ ،‬كانت رسالة وداع تتضمن عدة وصايا‪ ،‬لم تقل اىل‬
‫رسيعا ي‬
‫اين ذهبت‪ ،‬ولكنها لمحت للموت بي كلماتها‪.‬‬
‫ً‬
‫عينيه‪ ،‬سألته عن محتوى الرسالة ولم يجيبها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫بقيت (سارة) خائفة تنظر اىل‬
‫ً‬
‫وه تعلم جيدا مقدار وفائها لحبيبها‪.‬‬
‫أعطاها اياه فعرفت ما حصل‪ ،‬قرأتها ي‬
‫ََ‬
‫انته االمر‪ ،‬وعىل الجميع تقبل ما صاغه القدر‪ ،‬اصبحت (قمر) مجرد‬
‫ً‬
‫ذكرى‪ ،‬ذكرى من دون اثر‪ ،‬رحلت دون ان تتك لها رقتا‪ ،‬رحلت والقدر اراد مع‬
‫ُ‬
‫خطوات‬
‫ٍ‬ ‫لؤم اخر‬
‫اثر كان لها عىل هذه االرض‪ ،‬مج بكل ٍ‬‫يمج كل ٍ‬
‫ي‬ ‫رحيلها ان‬
‫ئ‬
‫الشاط‬ ‫شاط‪ ،‬كانت تست بأتجاه الموت والقدر يدفع موج‬ ‫ئ‬ ‫لها عىل رمل‬
‫هذه االثار الوفية‪،‬‬
‫يعتف بقدسية ِ‬
‫ليمج اثار اقدامها‪ ،‬يك ال يجدها احد‪ ،‬يك ال ِ‬
‫ي‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫سيظل وفائها رغما عن انفه‪ ،‬ستحيا (قمر) يف قلب كل عاشق‪ ،‬ستحيا يف ِفكر‬
‫ُ‬
‫وف‪ ،‬ستحيا من اجل ان تتعلم منها كل نساء االرض معت الوفاء‪ ،‬ستبق‬ ‫كل ي‬
‫ً‬
‫منارا لكل امر ٍأة لم تستدل طريقها اىل االخالص‪.‬‬
‫كانت (قمر) قد باعت متلها وسيارتها وجميع مقتنياتها ووضعت كل اموالها‬
‫ً‬
‫مضف بأسم (يعقوب)‪ ،‬تركت له وصية تطلب فيها منه بأن يسلم‬ ‫ي‬ ‫يف حساب‬
‫ممتلكاتها اىل احدى ررسكات التجارة يف المدينة بعد ان انجزت كافة االوراق‬
‫ً‬
‫الالزمة لعملية البيع‪ ،‬كما اوصت ايضا بأن توزع اموالها بالتساوي عىل خمسة‬
‫نساء‪.‬‬
‫تتتع بجزء من دخلها اىل ورشة صغتة للخياطة‬
‫كانت (قمر) ولمدى سنوات‪ ،‬ر‬
‫يف احدى القرى‪ ،‬كانت تذهب إليهن كل منتصف شهر لتوزع هذه االموال‬
‫تختهم حي يسألون عن‬
‫بصورة رسية‪ ،‬بعد ان اتفقت مع مديرة الورشة بأن ر‬
‫ٌ‬
‫تأن عند‬
‫مصدرها بأنها مساعدات من احدى المنظمات الختية‪ ،‬كانت ي‬
‫الصباح الباكر لتضع عىل كل ماكنة خياطة مبلغ من المال يساعدهن عىل‬
‫العيش باالضافة اىل دخلهن الشهري من عملهن‪.‬‬
‫َ‬
‫اوصت (قمر) بأن توزع تركتها عليهن بالتساوي‪ ،‬ررسيطة ان تفتح كل منهن‬
‫ورشة خياطة خاصة بها‪ ،‬ليكون لكل منهن ورشتها الخاصة ودخلها الخاص‪.‬‬
‫علمن‬ ‫ر‬
‫شء كان يصف دموعهن حي ِ‬ ‫نفذ (يعقوب) ما جاء بوصيتها‪ ،‬ال ي‬
‫َ‬
‫تأن لهن‪ ،‬حي حدثهن (يعقوب) عن (قمر) وعن‬ ‫الت كانت ي‬
‫بحقيقة المبالغ ي‬
‫ي ذلك‪ ،‬سألن عن‬ ‫روعتها وحسنها‪ ،‬اعىط لكل منهن صورة لها بعد ان َطل َ‬
‫ِر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫اختهن (يعقوب) بأنها سافرت لتتوج خارج البالد‪.‬‬‫مصتها‪ ،‬ر‬
‫ََ‬
‫فيه هؤالء النسوة ورشهن‪ ،‬كانوا‬
‫لم يتبق له سوى انتظار اليوم الذي ستفتتح ِ‬
‫قد وعدوه بأن االفتتاح سيكون مطلع الشهر القادم‪.‬‬
‫موعد لزيارة ورشهن الجدد‪ ،‬كان يوم‬
‫ٍ‬ ‫يوم م رشق‪ ،‬كان (يعقوب) عىل‬
‫يف صباح ٍ‬
‫ً‬
‫ثغرهن‪ ،‬لكل واحدة منه َن االن ورشتها‬ ‫االفتتاح‪ ،‬زارهن ورأى الفرح يغمر َ‬
‫َ‬
‫الخاصة‪ ،‬تركن العمل يف القرى النائية‪ ،‬اصبح عملهن يف العاصمة وتضاعف‬
‫عشات االضعاف‪.‬‬ ‫دخلهم الشهري ر‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫علقن صور (قمر) يف كل ورشة‪ ،‬تمجيدا لها‪ ،‬وقف (يعقوب) لدقائق يتمعن‬
‫احدى صورها يف احدى الورش‪ ،‬انهمرت دموعه حي قالت له احداهن بأنهن‬
‫ينتظرن رجوعها اىل الوطن‪ ،‬لعلها تدخل احدى الورش صدفة ويتعرفن عليها‪.‬‬
‫ً‬
‫اىل‬
‫الليت ي‬
‫يف ذات اليوم‪ ،‬شهدت العاصمة افتتاح تمثاال (ألحمد)‪ ،‬اراد الحزب ر‬
‫ً‬
‫متاحفه السياسية‪ ،‬وضعوا له نصبا يف‬
‫تضحيته يف ِ‬
‫ِ‬ ‫تمجيد ذكراه‪ ،‬اراد تحنيط‬
‫الت شكلها قبيل‬
‫جبهته ي‬
‫ِ‬ ‫احدى اهم المناطق يف المدن‪ ،‬بعد ان رفض اتباع‬
‫االنتخابات من وضع تمثاله يف مدخل بناية الحزب‪ ،‬اولئك الذين كانوا‬
‫يدعموه منذ مقاالته االوىل‪ ،‬منعوهم من وضعه امام مقر الحزب ألنه كان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يمثل شعبا بأكمله وليس ِحزبا‪.‬‬
‫ً‬
‫يف ذلك اليوم ‪ ..‬عاد (يعقوب) فخورا من الورش الخمس ي‬
‫الت تم افتتاحها‬
‫ً‬
‫بحسب وصية (قمر)‪ ،‬ذهب مشعا قبل غروب الشمس ليقف امام تمثال‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫وقف فأبتسم فخرا نيابة عن (قمر)‪ ،‬كان تمثاله بكلتا عينيه‬ ‫(احمد)‪،‬‬
‫الجميلتي‪.‬‬
‫الخاتمة‬

‫ً‬
‫فإنت سوف‬
‫ي‬ ‫يهبت شيئا من حياة أخرى‪،‬‬
‫ي‬ ‫أنت دمية‪ ،‬وأن‬
‫لو شاء هللا أن ينش ي‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫لكنت حتما سأفكر يف كل‬
‫ي‬ ‫أستثمرها بكل قواي‪ ،‬ربما لن أقول كل ما أفكر فيه‪،‬‬
‫ما سأقوله‪ ،‬سأمنح األشياء قيمتها‪ ،‬ال لما تمثله‪ ،‬بل لما تعنيه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تعت خسارة‬
‫سأنام قليال‪ ،‬وأحلم كثتا‪ ،‬مدركا أن كل لحظة نغلق فيها أعيننا ي‬
‫ستي ثانية من النور‪ ،‬سوف أست فيما يتوقف اآلخرون‪ ،‬وسأصحو فيما الكل‬
‫نيام‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫وأستلق عىل‬
‫ي‬ ‫مالبس بسيطة‬ ‫يهبت حياة أخرى‪ ،‬فسأرتدي‬
‫ي‬ ‫رن أن‬
‫لو شاء ر ي‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عاري الروح أيضا‪ ،‬سأبرهن للناس كم‬ ‫عاري الجسد وإنما‬ ‫األرض‪ ،‬ليس فقط‬
‫ً‬
‫يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشاقا مت شاخوا‪ ،‬دون أن يدركوا‬
‫أنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫لكنت سأدعه يتعلم التحليق وحده‪ ،‬وللكهول‬
‫ي‬ ‫أعىط أجنحة‪،‬‬
‫ي‬ ‫للطفـل سـوف‬
‫ّ‬
‫يأن مع الشيخوخة بل بفعل النسيان‪.‬‬
‫سأعلمهم أن الموت ال ي‬
‫لقد تعلمت منكم الكثت أيها ر‬
‫البش‪ ،‬تعلمت أن الجميع يريد العيش يف قمة‬
‫الجبل غت مدركي أن رس السعادة تكمن يف تسلقه‪ ،‬تعلمت أن المولود‬
‫يعت أنه أمسك بها إىل‬
‫الجديد حي يشد عىل إصبع أبيه للمرة األوىل فذلك ي‬
‫األبد‪ ،‬تعلمت أن اإلنسان يحق له أن ينظر من فوق إىل اآلخر فقط حي يجب‬
‫ستفيدن‪،‬‬
‫ي‬ ‫أن يساعده عىل الوقوف‪ ،‬تعلمت منكم أشياء كثتة‪ ،‬لكن‪ ،‬قلة منها‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫حقيبت أكون قد ودعت الحياة‪ ،‬قل دائما ما تشعر‬
‫ي‬ ‫ألنها عندما ستوضب فيه‬
‫ّ‬
‫به‪ ،‬وافعل ما تفكر فيه‪.‬‬
‫لضممتك بشدة بي‬
‫ِ‬ ‫اك فيها نائمة‬
‫الت أر ِ‬
‫لو كنت أعرف أنها المرة األختة ي‬
‫ً‬
‫يجعلت حارسا لروحك‪ ،‬لو كنت أعرف أنها‬
‫ي‬ ‫اع ولتضعت إىل هللا أن‬ ‫ذر ي‬
‫أنك تعرفي‬
‫بخجل ِ‬
‫ٍ‬ ‫"أحبك" ولتجاهلت‬
‫ِ‬ ‫الت أراك فيها‪ ،‬لقلت‬
‫الدقائق األختة ي‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫أنت‬
‫هناك دوما يوم غد‪ ،‬والحياة تمنحنا الفرصة لنفعل األفضل‪ ،‬لكن لو ي‬
‫أنساك‬ ‫وأنت لن‬ ‫يوىم األخت‪ ،‬ألحببت أن أقول كم أحب ِك‪،‬‬ ‫ئ‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫مخىط وهذا هو ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ابدا‪ ،‬ذلك ألن الغد ليس مضمونا ال للشاب وال للمسن‪.‬‬
‫الت ترى فيها أولئك الذين تحبهم‪ ،‬فال‬
‫ربما تكون يف هذا اليوم المرة األختة ي‬
‫يأن وال بد أن تندم عىل اليوم الذي‬ ‫ر‬
‫تنتظر أكت‪ ،‬تضف اليوم ألن الغد قد ال ي‬
‫ً‬
‫لم تجد فيه الوقت من أجل ابتسامة‪ ،‬أو عناق‪ ،‬أو قبلة‪ ،‬أو أنك كنت مشغوال‬
‫يك ترسل لهم أمنية أختة‪.‬‬
‫حافظ بقربك عىل َمن تحب‪ ،‬اهمس يف أذنهم أنك بحاجة إليهم‪ ،‬أحببهم‬
‫يكق من الوقت لتقول لهم عبارات مثل (أفهمك‪،‬‬ ‫ي‬ ‫واعي بهم وخذ ما‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫الت تعرفها‪.‬‬
‫سامحت‪ ،‬من فضلك‪ ،‬شكرا) وكل كلمات الحب ي‬
‫ي‬
‫لن يتذكرك أحد من أجل ما تضمر من أفكار‪ ،‬فأطلب من الرب القوة والحكمة‬
‫للتعبت عنها‪ ،‬وبرهن ألصدقائك وألحبائك كم هم مهمون لديك‪.‬‬

‫غـابـريـل غـارسـيـا مـاركـيـس‬

You might also like