You are on page 1of 149

‫د‪ .

‬ﺳــﻌﺪ اﻟـﺪﯾﻦ ﻛـﻠﯿﺐ‬

‫وﻋـــﻲ اﻟﺤــﺪاﺛــﺔ‬
‫) دراﺳﺎت ﺟﻤﺎﻟﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ (‬

‫‪ -‬دراﺳﺔ ‪-‬‬

‫ﻣﻦ ﻣﻨﺸﻮرات اﺗﺤﺎد اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮب‬


‫‪1997‬‬
‫‪‬‬
‫ﻻﺗﺤﺎد اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮب‬

‫اﻟﻐﻼف ﻟﻠﻔﻨﺎن ‪:‬‬

‫‪-2-‬‬
‫‪ -‬اﻟﻔـــــﮭـﺮس ‪:‬‬
‫ﻛـﻠﻤﺔ أوﻟـﻰ ‪5 ------------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ‪6 -----------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ‪6 ---------------------------------------------------------‬‬
‫* ﺗﻤﮭﯿﺪ‪6 ------------------------------------------------------------------------------------------ :‬‬
‫* اﻟﻨﻘﺪ وﻧﺸﺄة اﻟﺤﺪاﺛﺔ‪7 ----------------------------------------------------------------------------- :‬‬
‫* اﻷﻧﺴﺎق اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ‪10 ------------------------------------------------------------------------------- :‬‬
‫اﻟــﮭﻮاﻣـــﺶ ‪22 ----------------------------------------------------------------------------------- :‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ‪24 --------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫* اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ ‪24 ----------------------------------------------------------‬‬
‫ﺗﻤﮭﯿﺪ‪24 ------------------------------------------------------------------------------------------ :‬‬
‫‪1‬ـ اﻟﺘﺠﺎدﻟﯿﺔ‪27 ------------------------------------------------------------------------------------ :‬‬
‫‪30‬‬ ‫آـ اﻟﺸﻜﻞ اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ)*( ‪-------------------- --------------------------------‬‬
‫‪35‬‬ ‫ب ـ اﻟﺒﻨﯿﺔ اﻟﺼﻮرﯾﺔ‪--------------------- -------------------------------- :‬‬
‫‪ 2‬ـ اﻟﺪراﻣﯿﺔ‪41 ------------------------------------------------------------------------------------ :‬‬
‫اﻟﻔﻨﯿﺔ‪43 ------------------------ -------------------------------- :‬‬ ‫آ ـ اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ‬
‫‪44‬‬ ‫ب ـ اﻟﺒﻨﺎء اﻟﺪراﻣﻲ‪---------------------- -------------------------------- :‬‬
‫‪3‬ـ اﻟﻜﻠﯿﺔ‪47 ----------------------------------------------------------------------------------------:‬‬
‫‪48‬‬ ‫آ ـ اﻟﻤﻮﺿﻮع اﻟﻔﻨﻲ‪---------------------- -------------------------------- :‬‬
‫‪50‬‬ ‫ب ـ اﻟﺘﻘﻮﯾﻢ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ‪--------------------- -------------------------------- :‬‬
‫إﺷﺎرة أﺧﯿﺮة‪56 ----------------------------------------------------------------------------------- :‬‬
‫اﻟﮭﻮاﻣﺶ‪62 --------------------------------------------------------------------------------------- :‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ‪69---------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫* ﺟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﺮﻣﺰ اﻟﻔﻨﻲ ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ‪65 ----------------------------------------------------------‬‬
‫‪ ‬ﺗـﺄﺳـــﯿـﺲ ﻧـﻈـﺮي‪65 ------------------------------------------------------------------------- :‬‬
‫‪ ‬ﻣﺴﺘﻮﯾﺎت اﻟﺮﻣﺰ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ‪69 ------------------------------------------------------------------ :‬‬
‫‪ ‬رﻣـــﺰ اﻟــﺮﯾـﺢ‪80 ----------------------------------------------------------------------------- :‬‬
‫‪ ‬رﻣـــﺰ اﻟــﺤﺠﺮ‪86 -----------------------------------------------------------------------------:‬‬
‫اﻟﮭﻮاﻣﺶ‪99 --------------------------------------------------------------------------------------- :‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ‪95 --------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫* ﺟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻔﻨﻲ ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ‪95 --------------------------------------------------------‬‬
‫‪ ‬ﺗﺄﺳـــﯿــﺲ ﻧـﻈـﺮي‪95 ------------------------------------------------------------------------- :‬‬
‫‪ ‬أﻧــﻤﺎط اﻟـﻨﻤﺬﺟﺔ ﻓـﻲ اﻟـــﺸﻌﺮ‪100-------------------------------------------------------------- :‬‬
‫‪ ‬اﻟــﮭﻮاﻣــــﺶ‪118------------------------------------------------------------------------------ :‬‬
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ ‪120 --------------------------------------------- --------------------------------‬‬
‫* اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺸﻌﺮي واﻷﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ ‪120 -------------------------------------------------------------‬‬
‫‪ ‬ﺗـﺄﺳــﯿــﺲ ﻧـﻈـﺮي‪120------------------------------------------------------------------------ :‬‬
‫‪ ‬اﻟﻨـﺺ ﺑـﻮﺻـﻔـﮫ ﺧـﻄـﺎﺑﺎ ً أﯾـﺪﯾـﻮﻟـﻮﺟـﯿـ ﺎً‪124--------------------------------------------------- :‬‬
‫‪ ‬اﻷﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ ﺑﻮﺻﻔﮭﺎ ﻧﺼﺎً‪137---------------------------------------------------------------- :‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪-3-‬‬
‫‪ ‬اﻟـﮭـﻮاﻣـــﺶ‪147-------------------------------------------------------------------------------:‬‬

‫‪-4-‬‬
‫ﻛـﻠﻤﺔ أوﻟـﻰ‬
‫ﻟﻘﺪ ﺗ ّﻢ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪ ،‬وﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮرات‬
‫ﻋﺪّة ﻣﺘﺒﺎﯾﻨﺔ ‪ ،‬ﺳﻮاء أﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﯿﻤﺎ ﯾﺘﻌﻠﻖ ﺑﺘﺤﺪﯾﺪﻣﺎھﻮ ﺟﻮھﺮي ﻓﯿﮭﺎ‪ .‬ﺑﺤﯿﺚ ﯾﺨﯿﻞ‬
‫ﻟﻠﻤﺮء أن اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻟﻢ ﯾﻜﺪ ﯾﺘﺮك ﺟﺎﻧﺒﺎ ً ﻣﻦ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺤﺪاﺛﺔ‪ ،‬ﻣﻦ دون ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ‬
‫ﺗﺤﻠﯿﻠﯿﺔ أو ﺗﻨﺎول ﻧﻘﺪي‪ .‬وواﻗﻊ اﻟﺤﺎل أن ذﻟﻚ اﻟﻨﻘﺪ ﻗﺪ أﺳﮭﻢ إﺳﮭﺎﻣﺎ ً ﻓﻌّﺎﻻً ﻓﻲ‬
‫ﺗﺤﺪﯾﺪ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ وﺑﻠﻮرة أطﺮوﺣﺎﺗﮭﺎ اﻟﻔﻨﯿﺔ واﻟﺠﻤﺎﻟﯿﺔ ‪ .‬وﻻﯾﺮﺗﺒﻂ اﻷﻣﺮ ﺑﻤﺎ‬
‫ھﻮ ﻧﻈﺮي وﺣﺴﺐ‪ ،‬ﺑﻞ ﺑﻤﺎ ھﻮﺗﻄﺒﯿﻘﻲ ﺗﺤﻠﯿﻠﻲ أﯾﻀﺎً‪ .‬وﻻﻧﺒﺎﻟﻎ إذا ﻣﺎذھﺒﻨﺎ إﻟﻰ أ ن‬
‫اﻟﺤﺪاﺛﺔ ﻗﺪ أﻧﺠﺰھﺎ اﻟﻨﻘﺎد ﺗﻨﻈﯿﺮاً‪ ،‬ﻣﺜﻠﻤﺎ أﻧﺠﺰھﺎ اﻟﺸﻌﺮاء إﺑﺪاﻋﺎً‪ .‬وﻣﻦ ﺣﻖ اﻟﻨﻘﺪ‬
‫اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ أن ﯾﻔﺨﺮ ﺑﻤﺎ أﻧﺠﺰه‪ ،‬وﻣﻦ واﺟﺒﮫ أﯾﻀﺎ ً أن ﯾﻮاﺻﻞ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ واﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ‬
‫واﻟﻤﺮاﺟﻌﺔ ﻟﻤﺎ أﻧﺠﺰه ﻧﻘﺪﯾﺎً‪ ،‬وﻟﻤﺎ ﯾﻨﺠﺰه اﻟﺸﻌﺮاء إﺑﺪاﻋﯿﺎً‪.‬‬
‫ﻏﯿﺮ أن ذﻟﻚ ﻻﯾﺆدي إﻟﻰ اﻟﺰﻋﻢ أن اﻟﻨﻘﺪ ﻗﺪ ﻗﺎل ﻛﻠﻤﺘﮫ اﻟﻔﺼﻞ ﻓﻲ ﺷﺄن‬
‫اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ‪ .‬ﻓﻠﯿﺲ ﺛﻤﺔ ﻛﻠﻤﺔ ﻓﺼﻞ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ ـ واﻟﻔﻦ ﻋﺎﻣﺔ ـ ﻛﻤﺎ أﻧﮫ ﻟﯿﺲ‬
‫ﺛﻤﺔ ﻛﻠﻤﺔ ﻓﺼﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ‪ ،‬واﻟﻨﻘﺪ واﺣﺪ ﻣﻨﮭﺎ ‪ .‬وﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﺈن ھﻨﺎك‬
‫ﺷﺮﻋﯿﺔ ﻣﺴﺘﻤﺮة ﻟﻠﻤﻘﺎرﺑﺎت اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة ﺟﺰﺋﯿﺎ ً أوﻛﻠﯿﺎً‪ .‬وﻟﻌﻞ ھﺬا ﯾﻜﻮن ﺳﺒﺒﺎ ً‬
‫وراء ﻣﻘﺎرﺑﺘﻨﺎ اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ ھﺬه‪ ،‬اﻟﺘﻲ ﻻﻧﺰﻋﻢ ﻟﮭﺎ اﻟﺠﺪّة‪ .‬ﺑﻞ ﻧﺰﻋﻢ ﻟﮭﺎ اﻻ ﺧﺘﻼف‬
‫وﺑﺼﺮف اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺗﻘﻮﯾﻢ ھﺬا اﻻﺧﺘﻼف إﯾﺠﺎﺑﺎ ً أو ﺳﻠﺒﺎً‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻌﻮد أﺳﺎﺳﺎ ً إﻟﻰ‬
‫اﻧﻄﻼق ھﺬه اﻟﻤﻘﺎرﺑﺔ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ اﻟﺠﻤﺎل‪ .‬وھﻮ ﻣﺎﻟﻢ ﺗﺘﻢ اﻹﻓﺎدة ﻣﻨﮫ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ‬
‫اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪ ،‬إﻻ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﺰﺋﻲ ﺣﯿﻨﺎً‪ ،‬وﺑﺸﻜﻞ ﻋﺮﺿﻲ ﺣﯿﻨﺎ ً آﺧﺮ‪ .‬وذﻟﻚ ﺑﺨﻼف ھﺬه‬
‫اﻟﻤﻘﺎرﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺄﺳﺲ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ اﻟﺠﻤﺎل‪ ،‬ﻣﻦ دون أن ﺗﻐﻔﻞ ﻣﺎأﻧﺠﺰه اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ‬
‫ﺑﺸﺄن اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ‪.‬‬
‫ﺗﻘﻮم ھﺬه اﻟﻤﻘﺎرﺑﺔ اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ ـ اﻟﺠﻤﺎﻟﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻮﻟﺔ ﻣﺤﻮرﯾﺔ‪ ،‬ﻣﻔﺎدھﺎ أن اﻟﻔﻦ‬
‫ﻋﺎﻣﺔ ھﻮ ﻧﺘﺎج ا ﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ اﻟﺴﺎﺋﺪ واﻟﻤﺸﺮوط ﺑﺎﻟﺒﻨﯿﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﯿﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ .‬وھﻮ‬
‫ﻣﺎﯾﻌﻨﻲ أن اﻟﻔﻦ ﻻﯾﻤﻜﻨﮫ أن ﯾﺘﺒﺪّل‪ ،‬ﻣﺎﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺛﻤﺔ ﺗﺒﺪّل ﻓﻲ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ‪ .‬وھﺬا‬
‫ﻻﯾﺤﺪث ﺑﻤﻌﺰل ﻋﻦ اﻟﺘﺒﺪﻻت اﻟﺤﺎﺳﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻨﯿﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﯿﺔ‪ .‬أي أن اﻟﻔﻦ ﻟﯿﺲ‬
‫اﻧﻌﻜﺎﺳﺎ ً ﻣﺒﺎﺷﺮا ً ﻟﻠﻮاﻗﻊ‪ ،‬ﺑﻞ ھﻮ اﻧﻌﻜﺎس ﻟﻠﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ اﻟﻤﺸ ّﺨﺺ ﺗﺎرﯾﺨﯿﺎ ً ﻣﻦ‬
‫ﺟﮭﺔ‪ ،‬واﻟﻤﺸ ّﺨﺺ ﻓﺮدﯾﺎ ً ﻣﻦ ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻧﯿﺔ‪.‬‬
‫إن اﻟﻔﻦ ھﻮ اﻷﻛﺜﺮ ﻗﺪرة ﻋﻠﻰ ﺗﺒﯿﺎن ذﻟﻚ اﻟﻮﻋﻲ وﺗﺠﺴﯿﺪه وﺗﻤﺜﻠّﮫ‪.‬‬
‫وﻻﯾﺘﺒﺪى ذﻟﻚ ﻓﻲ طﺒﯿﻌﺔ اﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ اﻟﺠﻤﺎﻟﯿﺔ ﻟﻠﻮاﻗﻊ ﻓﺤﺴﺐ‪ .‬ﺑﻞ ﯾﺘﺒﺪى أﯾﻀﺎ ً ﻓﻲ‬
‫اﻟﺘﻘﻨﯿﺎت اﻟﻔﻨﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﯿﺴﺖ ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ‪ ،‬ﺳﻮى ﺗﻤﻈﮭﺮ ﺣﺴﻲ ﻟﻤﺎ ھﻮ ﻣﻌﻨﻮي‬
‫ﺟﻤﺎﻟﻲ ﻣﺠ ّﺮد‪ .‬ﻓﺜﻤﺔ ‪ ،‬إذا ً ‪ ،‬ﻋﻼﻗﺔ ﺟﺪﻟﯿﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ واﻟﺸﻜﻞ اﻟﻔﻨﻲ‪ .‬وﻣﻦ‬
‫ھﻨﺎ ﻓﺈن ﻣﻘﺎرﺑﺔ ذﻟﻚ اﻟﻮﻋﻲ ﻻﺗﺘ ّﻢ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﻮ اﻷﻣﺜﻞ ‪ ،‬إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﺸﻜﻞ‬
‫اﻟﺬي ھﻮ اﻟﻮﻋﻲ ﻣﺘﻤﻈﮭﺮاً‪ .‬أو ﻟﻨﻘﻞ إن اﻟﺸﻜﻞ اﻟﻔﻨﻲ ھﻮ ﺷﻜﻞ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ‪.‬‬
‫وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈن أي ﺗﺒﺪّل ﻓﻲ اﻟﻮﻋﻲ ﺳﻮف ﯾﻨﻌﻜﺲ ﺗﺒﺪﻻً ﻓﻲ اﻟﺸﻜﻞ‪ .‬ﻏﯿﺮ أن ھﺬه‬
‫اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻻﺗﺘ ّﻢ ﻣﯿﻜﺎﻧﯿﻜﯿﺎً‪ ،‬أو ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﺣﺘﻤﯿﺔ‪ .‬ﻓﻘﺪ ﯾﺘﻤﻜﻦ اﻟﺸﻜﻞ ﻣﻦ اﺳﺘﯿﻌﺎب ﺗﺒﺪﻻت‬
‫اﻟﻮﻋﻲ ﻏﯿﺮ اﻟﺠﺬرﯾﺔ أو اﻟﺠﻮھﺮﯾﺔ‪.‬‬
‫وﺗﺄﺳﯿﺴﺎًﻋﻠﻰ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻧﻈﺮﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﺣﺪاﺛﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ أوﻻً‪ .‬وﻻﯾﻤﻜﻦ ﻟﻨﺎ ﻓﮭﻢ اﻻﺧﺘﻼف واﻟﺘﻤﯿّﺰ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺺ اﻟﺤﺪاﺛﻲ ﻣﻦ‬
‫ﺟﮭﺔ‪ ،‬واﻟﻨﺺ اﻟﻜﻼﺳﯿﻜﻲ واﻟﺘﻘﻠﯿﺪي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ أﺧﺮى‪ ،‬ﻣﺎﻟﻢ ﻧﺄﺧﺬ‬
‫ﺑﺎﻻﻋﺘﺒﺎر اﻻﺧﺘﻼف واﻟﺘﻤﯿﺰ ﺑﯿﻦ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ﻟﻜﻞ ﻣﻨﮭﻤﺎ‪ .‬وﻟﻜﻦ إذا ﻣﺎ ﻛﺎن‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪-5-‬‬
‫اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ھﻮ اﻟﻤﻨﻄﻠﻖ ﻓﻲ ﺗﺒﯿﺎن اﻟﺤﺪاﺛﺔ‪ ،‬ﻓﺈن ھﺬا ﻻﯾﺆدي ﺑﻨﺎ إﻟﻰ إﻏﻔﺎل‬
‫اﻟﺸﻜﻞ اﻟﻔﻨﻲ‪ ،‬أﻟﻢ ﻧﻘﻞ إن ھﺬا اﻧﻌﻜﺎس ﻟﺬاك‪ .‬ﻣﻤﺎ ﯾﻌﻨﻲ أن ﺣﺪاﺛﺔ اﻟﻮﻋﻲ ﺗﻨﻌﻜﺲ‬
‫ﺣﺪاﺛﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﺺ‪.‬‬
‫ﻟﻦ ﻧﻄﯿﻞ ﻓﻲ ﻋﺮض ﻣﻨﻄﻠﻘﺎت ھﺬه اﻟﻤﻘﺎرﺑﺔ اﻟﻨﻘﺪﯾﺔـ اﻟﺠﻤﺎﻟﯿﺔ‪ ،‬ﻓﻔﺼﻮل‬
‫اﻟﻜﺘﺎب ﻛﻔﯿﻠﺔ ﺑﺬﻟﻚ‪ .‬وﻟﻜﻦ ﻣﺎﻻﺑ ّﺪ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﮫ ھﻮ أﻧﻨﺎ ﺣﺎوﻟﻨﺎ أن ﻧﻌﻲ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ﺑﺸﻜﻞ‬
‫ﻧﻘﺪي‪ .‬ﻓﺈذا اﺳﺘﻄﻌﻨﺎ ذﻟﻚ ﻧﻜﻮن ﻗﺪ أﺳﮭﻤﻨﺎ‪ ،‬ﻗﺪر اﻟﻄﺎﻗﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺑﻠﻮرة اﻟﺤﺪاﺛﺔ ﺟﻤﺎﻟﯿﺎ ً‪،‬‬
‫وإذا ﻋﺠﺰﻧﺎ أو أﺧﻔﻘﻨﺎ‪ ،‬ﻓﻠﯿﺲ أﻣﺎﻣﻨﺎ إﻻ أن ﻧﻌﯿﺪ اﻟﻘﻮل ﻓﻲ ﻣﺎ ﻗﻠﻨﺎه‪.‬‬

‫*د‪ .‬ﺳﻌﺪ اﻟﺪﯾﻦ ﻛﻠﯿﺐ‬

‫اﻟﻔﺼﻞ اﻷول‬

‫اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‬

‫* ﺗﻤﮭﯿﺪ‪:‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟﻣوﺿوع ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻗد اﺣﺗل ﻣﻛﺎﻧﺔ ﺧﺎﺻﺔ‪،‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ؛ ﻏﯾر أﻧﮫ ﯾﻣﻛن اﻟﺗوﻛﯾد أن ﻣوﺿوع اﻟﺣداﺛﺔ‬
‫اﻟﺷﻌرﯾﺔ ھو اﻟﻣوﺿوع اﻷﻛﺛر إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ وﺣرارة ‪ ،‬ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻧﻘد‪ .‬وﻟﻌل ھذا ﯾﻧﮭض‬
‫ﻣن أھﻣﯾﺔ اﻟﺷﻌر اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟذوق اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾﻧﮭض ﻣن أن‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ ﻧﻔﺳﮭﺎ ‪ ،‬ﻗد طرﺣت ﻋدة إﺷﻛﺎﻟﯾﺎت ﻓﻧﯾﺔ وﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ‪ ،‬ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟذوق اﻟﺳﺎﺋد‬
‫‪ ،‬ﻣن ﺟﮭﺔ ‪ ،‬وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﻣﻔﮭوم اﻟﺷﻌرﯾﺔ ‪ POETICS‬ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى ‪ .‬وﻗد‬
‫ﻻﻧﺑﺎﻟﻎ إذا ﻣﺎذھﺑﻧﺎ إﻟﻰ أن ﻣﺎ ﺻﺎﺣب ھذه اﻟﺣداﺛﺔ ﻣن ﻣﻘﺎرﺑﺎت ﻧﻘدﯾﺔ ‪ ،‬وﻣن ﺧﻼف‬
‫ﺑﯾن ﻣؤﯾد وﻣﻌﺎرض ‪ ،‬ﻛﺎن ﻟﮫ اﻷﺛر اﻟﻛﺑﯾر‪ ،‬ﻓﻲ ﺗطور اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ‪ ،‬وﺑﻠورة‬
‫اﻟﻛﺛﯾر ﻣن ﻣﻔﺎھﯾﻣﮫ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ‪ .‬وﻟﻛن ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎﺑل‪ ،‬ﻟم ﯾﻛن ﻟﮭذه اﻟﺣداﺛﺔ أن ﺗﺗﻌﻣﻖ‬
‫وﺗﺗﺑﻠور ‪ ،‬ﻟوﻻ ذﻟك اﻟﻧﻘد اﻟذي ﻛﺎﻧت ﻗﺿﯾﺔ اﻟﺗﺣدﯾث اﻟﺷﻌري إﺣدى ﻗﺿﺎﯾﺎه‬
‫اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ‪ .‬وﻧو ﱡد أن ﻧﺳﺟل ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬أن ﻗﺿﯾﺔ اﻟﺗﺣدﯾث اﻟﺷﻌري ﻗد ﺷﻐﻠت‬
‫اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ‪ ،‬ﻣﻧذ أواﺋل ھذا اﻟﻘرن ‪ .‬أي ﻣﻧذ أن ظﮭرت ﻣدرﺳﺔ اﻟدﯾوان‬
‫اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻟﮭﺎ اﻟﻣﺑﺎدرة اﻷوﻟﻰ ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﮭﺟوم ﻋﻠﻰ ﻛل ﻣﺎ ھو ﺗﻘﻠﯾدي‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺷﻌر‬
‫‪-6-‬‬
‫اﻟﻌرﺑﻲ ‪ .‬وإذا ﻣﺎوﺿﻌﻧﺎ ﻓﻲ اﻻﻋﺗﺑﺎر أن اﻷطروﺣﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ‪ ،‬ﻟﮭذه اﻟﻣدرﺳﺔ‪ ،‬أﻛﺛر‬
‫أھﻣﯾﺔ ﻣن ﻧﺗﺎﺟﮭﺎ اﻟﺷﻌري ‪ ،‬وﻻﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ ﺑداﯾﺎﺗﮭﺎ اﻷوﻟﻰ ؛ ﻓﺈن ذﻟك ﯾﻌﻧﻲ أن ﻗﺿﯾﺔ‬
‫اﻟﺗﺣدﯾث اﻟﺷﻌري ﻗد ظﮭرت ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﻗﺿﯾﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ‪ ،‬أوﻻً ‪ .‬وﻗد ﯾﺑدو ﻣن اﻟطرﯾف‬
‫أن ﻧﺷﯾر إﻟﻰ أن اﻟﻧﻘد اﻟﺣدﯾث ـ واﻟﻣﻌﺎﺻر طﺑﻌﺎًـ ﺑﻌﻛس اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم ‪ ،‬ﻋﻠﻰ‬
‫ھذا اﻟﻣﺳﺗوى ‪ .‬ﻓﺑﯾﻧﻣﺎ ﻛﺎن ھذا اﻟﻧﻘد ﻣداﻓﻌﺎ ً ﻋن ﻋﻣود اﻟﺷﻌر ‪ ،‬واﻷﺻول اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‬
‫اﻟﻣﺗوارﺛﺔ ‪ ،‬وﺣذرا ً ﻣن أي ﺗﺟدﯾد ‪ ،‬ﯾﻣﻛن أن ﯾﺄﺗﻲ ﺑﮫ ﺷﺎﻋر ‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺧص‬
‫اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ واﻟﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ؛ ﻓﺈن اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث راح ﯾﺿﯾﻖ ذرﻋﺎ ً ﺑﻣﺎ‬
‫ھو ﺗﻘﻠﯾدي وﻧﻣطﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺷﻌر‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ راح ﯾدﻋو إﻟﻰ ﺿرورة اﻟﺗﻔرد واﻟﺗﻣﯾز‪،‬‬
‫ﻻﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد ﻣوﻗﻊ اﻟﺗﺣدﯾث ﻣن اﻟﺗراث اﻟﺷﻌري ﻓﺣﺳب‪ .‬ﺑل ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﺷﻌراء‬
‫اﻟﻣﻌﺎﺻرﯾن ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭم أﯾﺿﺎً‪ .‬وﻟﻌل ﺗﻘوﯾم ھذا اﻟﻧص أو ذاك ﺑﺎﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ واﻟﻧﻣطﯾﺔ‬
‫ﯾﻛون ﻣن أﻛﺛر اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت اﻟﺗﻲ ﯾﺳﺗﺧدﻣﮭﺎ اﻟﻧﻘد اﻟﺣدﯾث واﻟﻣﻌﺎﺻر ﺳﻠﺑﯾﺔ‪.‬‬
‫إن ﻗﺿﯾﺔ اﻟﺗﺣدﯾث‪ ،‬إذاً‪ ،‬ھﻲ ﻗﺿﯾﺔ اﻟﻧﻘد‪ ،‬ﺑﻘدر ﻣﺎھﻲ ﻗﺿﯾﺔ اﻟﺷﻌر اﻟﺣداﺛﻲ‪.‬‬
‫وﻟﮭذا ﻻﻏراﺑﺔ ﻓﻲ أن ﯾﺗﺄﺛر ﻛل ﻣﻧﮭﻣﺎ ﺑﺎﻵﺧر‪ ،‬ﻣن ﺣﯾث اﻟﺗﻌﻣﻖ واﻟﺑﻠورة؛ وﻻﻏراﺑﺔ‬
‫أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ أن ﺗﺗﻌدد اﻟﻣﻘﺎرﺑﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﺣول اﻟﺣداﺛﺔ وﻣﺳوﻏﺎﺗﮭﺎ وأﺳﺑﺎب ﻧﺷوﺋﮭﺎ‬
‫وﻣﺳﺗوﯾﺎﺗﮭﺎ وﺗﯾﺎراﺗﮭﺎ‪ .‬ﺑﺣﯾث إن اﻟﺗﻌرض ﻟﻛل ذﻟك ﯾﻘﺗﺿﻲ ﺑﺣﺛﺎ ً ﻣطوﻻً ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﺑذاﺗﮫ‪.‬‬
‫وھو ﻣﺎﻻﯾﺳﺗطﯾﻊ ھذا اﻟﻣﺑﺣث أن ﯾﻘوم ﺑﮫ‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﻣﺳﮭب‪ .‬وﻟﮭذا‪ ،‬ﻟم ﯾﻛن ﺑ ﱡد ﻣن‬
‫اﻹﯾﺟﺎز اﻟذي ﻻﯾﺧ ّل ﺑﻣوﺿوﻋﮫ‪.‬‬

‫* اﻟﻨﻘﺪ وﻧﺸﺄة اﻟﺤﺪاﺛﺔ‪:‬‬


‫ﻟﻘد ذھب اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﻔﺳﯾره ﻟﻧﺷﺄة اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬ﻋدة ﻣذاھب‬
‫ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ‪ .‬وھﻲ اﻟﺗﻔﺳﯾر اﻟﺗﺄﺛري اﻟﺗﺛﺎﻗﻔﻲ‪ ،‬واﻟﺗﻔﺳﯾر اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬واﻟﺗﻔﺳﯾر‬
‫اﻟﻧﻔﺳﻲ ـ اﻟذوﻗﻲ‪ .‬وإن ﯾﻛن اﻟﺗﻔﺳﯾران اﻷوﻻن ھﻣﺎ اﻷﻛﺛر ﺷﯾوﻋﺎً‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻧﻘد‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﻣن ﺣﯾث اﻟﺗﻔﺳﯾر اﻟﺗﺄﺛري اﻟﺗﺛﺎﻗﻔﻲ‪ .‬ﻓﻘد ﺗم اﻟﻧظر إﻟﻰ‬
‫اﻟﻣﺛﺎﻗﻔﺔ ‪ acculturation‬ﻣﻊ اﻟﻐرب اﻷورﺑﻲ ھﻲ اﻷﺳﺎس ﻓﻲ ﻧﺷﺄة اﻟﺣداﺛﺔ‪ .‬وھﻲ‬
‫ﻣﺛﺎﻗﻔﺔ ﻣن طرف واﺣد‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن ﻣﺳﺗوى اﻟﺗﺄﺛر أوﺿﺢ ﻣن ﻣﺳﺗوى اﻟﺗﻔﺎﻋل أو‬
‫اﻟﺗﺑﺎدل اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﺛﺎﻗﻔﺔ‪ .‬وﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﯾﻛون إﻟﯾوت ھو ﻣﺣور ھذا اﻟﺗﻔﺳﯾر‪.‬‬
‫ﺑﻣﻌﻧﻰ أن ﻹﻟﯾوت ﻣن اﻟﺗﺄﺛﯾر ﻓﻲ ﻧﺷﺄة اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺻل إﻟﻰ درﺟﺔ اﻟداﻓﻊ‬
‫اﻟﺟوھري‪ .‬ﯾﻘول أﺳﻌد رزوق ﻓﻲ ذﻟك" إن اﻟﻣﺛﺎل اﻹﻟﯾوﺗﻲ ﻛﺎن ﻣﻧﮭﺟﺎ ً اﺣﺗذى ﺣذوه‬
‫اﻟﻛﺛﯾرون ﻣن ﺷﻌراﺋﻧﺎ وﺗﺄﺛروا ﺑﮫ وﺳﺎروا ﻓﻲ ﺧطواﺗﮫ")‪ .(1‬وﺛﻣﺔ ﻣن ﯾذھب إﻟﻰ "‬
‫ان ﻛل ﻣذھب ﺳﯾﺎﺳﻲ وﻓﻠﺳﻔﻲ وأدﺑﻲ ﯾظﮭر ﻓﻲ أورﺑﺎ ﯾﻧﻌﻛس ﺑطرﯾﻘﺔ ﻣﺑﺎﺷرة أو‬
‫ﻏﯾر ﻣﺑﺎﺷرة ﻋﻠﻰ اﻟواﻗﻊ )اﻟﻣﻘﺻود‪ :‬اﻟواﻗﻊ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر(‪ .‬ﺣﺗﻰ ﻧرى ﺗﺄﺛﯾره‬
‫ﻓﻲ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﺷﻌرا ً وﻧﺛراً‪ ،‬وﻓﻲ طرق اﻟﺗﻔﻛﯾر واﻟﺳﻠوك”" )‪ .(2‬وﻣن ذﻟك ﻓﻘد ﻧﺷطت‬
‫اﻟدراﺳﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗرﺑط ﺑﯾن اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ وأﺳﺳﮭﺎ اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ‪ .‬وﺗﺳﺗﺟﻠﻲ‬
‫ﻣظﺎھر اﻟﺗﺄﺛر‪ ،‬وﻧﻘﺎط اﻻﺗﻔﺎق واﻻﺧﺗﻼف‪ ،‬وﻣﺎ إﻟﻰ ذﻟك‪ .‬ﻣﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠﻖ ﺑﻣﻘوﻟﺔ اﻟﻣﺛﺎﻗﻔﺔ‬
‫ﺑوﺻﻔﮭﺎ أﺳﺎس اﻟﺣداﺛﺔ‪.‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪-7-‬‬
‫واﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أن اﻟﻧﺎظر‪ ،‬ﻓﻲ ﻣﺛل ھذه اﻟدراﺳﺎت‪ ،‬ﯾﻛﺎد ﯾﺧرج ﺑﺄن ﻣﺷروﻋﯾﺔ‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ ﻻﺗﺗﺄﺗﻰ ﻣن ﺑﻧﯾﺔ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬ﺑﻘدر ﻣﺎﺗﺗﺄﺗﻰ ﻣن اﻟﺗﺄﺛر اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ‬
‫اﻟﻧﺧﺑوي ﺑﺎﻟﻐرب اﻷورﺑﻲ‪ .‬ﺳواء أﻛﺎن ذﻟك‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﺗﺟدﯾد اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ‪ ،‬أم‬
‫اﻟﺗﺻوﯾر اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬أم اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻷﺳطوري‪ ،‬أم اﻟﻣوﺿوﻋﺎت اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ .‬وﻗد ﯾﺑدو ﻣن‬
‫اﻟﻣﻔﯾد أن ﻧﺷﯾر إﻟﻰ أن اﻟدﻛﺗور ﻋز اﻟدﯾن إﺳﻣﺎﻋﯾل اﻟذي ﯾﺣﺗرز ﻣن اﻷﺧذ ﺑﮭذا‬
‫اﻟﺗﻔﺳﯾر‪ ،‬ﯾﺟد ﻧﻔﺳﮫ ﻣدﻓوﻋﺎ ً إﻟﻰ رﺑط ظﺎھرة اﻟﻣدﯾﻧﺔ ‪ ،‬وظﺎھرة اﻟﺣزن‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺷﻌر‬
‫اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬ﺑﺈﻟﯾوت وﻗﺻﯾدﺗﮫ " اﻷرض اﻟﯾﺑﺎب"‪ .‬وذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن‬
‫ﺗوﻛﯾده أن اﻟواﻗﻊ اﻟﻌرﺑﻲ ھو اﻟذي أﻓرز ھﺎﺗﯾن اﻟظﺎھرﺗﯾن)‪.(3‬‬
‫وﯾذھب اﻟﺗﻔﺳﯾر اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ إﻟﻰ رﺑط ظﺎھرة اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﺑﺎﻷطروﺣﺎت‬
‫اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻟطﺑﻘﺔ اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺻﻐﯾرة‪ .‬ﺑﺣﯾث ﺗﺑدو اﻟﺣداﺛﺔ‬
‫اﻧﻌﻛﺎﺳﺎ ً‪ reflection‬ﻟﻣﺟﻣل اﻟﺗﻐﯾرات اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ اﻟﺗﻲ أﺻﺎﺑت ﺑﻧﯾﺔ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌرﺑﻲ‬
‫اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬ﻣﻊ ﺑروز ﺗﻠك اﻟطﺑﻘﺔ‪ .‬ﻓﻼ ﯾﻣﻛن ﻓﮭم اﻟﺣداﺛﺔ ﺑﺣﺳب ذﻟك ‪ ،‬ﻣن دون ﻓﮭم‬
‫ﺗﻠك اﻟﺗﻐﯾرات‪ ،‬وﻣن دون ﻓﮭم اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟطﺑﻘﯾﺔ أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ً وﻧﻔﺳﯾﺎً‪ ،‬ﻟﻠﺑرﺟوازﯾﺔ‬
‫اﻟﺻﻐﯾرة ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬واﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻣﻧﮭﺎ ﺧﺎﺻﺔ‪ .‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ھذا اﻟﺗﻔﺳﯾر ﯾؤﻛد أن‬
‫اﻟﺻراع اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ" ﻓﻲ اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻷﺧﯾر ﻻﯾﻛﻔﻲ وﺣده ﻟﺗﻔﺳﯾر اﻟﻔن‪ ،‬إﻻ أن ھذا‬
‫اﻟﺻراع ﻻﯾﻣﻛن إﻻ أن ﯾﺗﺟﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﻔن‪ ،‬وﺑواﺳطﺗﮫ ‪ .‬ﺑل إﻧﮫ ﻓﻲ ﺑﻌض اﻟﻣراﺣل‬
‫ﯾﻐدو ﺟوھرﯾﺎ ً وﺣﺎﺳﻣﺎً")‪.(4‬‬
‫ﻧﻘول‪ :‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ھذا اﻟﺗﻔﺳﯾر ﻗد ﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟﺣداﺛﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ‬
‫إﺣدى اﻷطروﺣﺎت اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻟﻠﺑرﺟوازﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺻﻐﯾرة‪ .‬وﺑﻣﺎ أﻧﮭﺎ ﻛذﻟك ‪،‬‬
‫ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﺗﺻف ﺑﻣﺎ ﺗﺗﺻف ﺑﮫ ھذه اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ ﻣن ﺗرﺟّﺢ أﯾدﯾوﻟوﺟﻲ وﻧﻔﺳﻲ‪ ،‬وﻣن‬
‫ﺛورﯾﺔ أو ﻋدﻣﯾﺔ‪ ،‬وذﻟك ﺑﺣﺳب ﻣوﻗﻌﮭﺎ ﻣن اﻟﻣﺷﮭد اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ .‬أي ﺑﻣﺎ أن ھذه‬
‫اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ ﻟﯾﺳت ﻣﺗﺑﻠورة أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎً‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﻧﮭﺎﺋﻲ أو ﺷﺑﮫ ﻧﮭﺎﺋﻲ‪ ،‬ﻓﺈن اﺷﺗﻣﺎل‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎھو ﺛوري وﻋدﻣﻲ‪ ،‬ﯾﻐدو أﻣراً ﺑدﯾﮭﯾﺎً‪ .‬وﺑذﻟك ﻓﻘد أﻋﯾدت ﻣظﺎھر‬
‫اﻟﺣزن واﻟﻘﻠﻖ واﻟﺿﯾﺎع واﻟﻌدﻣﯾﺔ واﻻﻏﺗراب واﻟﺛورﯾﺔ واﻟﺗوﺗر اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻲ اﻟﺗﻲ‬
‫ﻧواﺟﮭﮭﺎ ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬إﻟﻰ طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬ﻣن ﺣﯾث ھو ﺑرﺟوازي‬
‫ﺻﻐﯾر‪ .‬ﯾﻘول وﻓﯾﻖ ﺧﻧﺳﺔ ﻓﻲ ﺷﻌراء اﻟﺣداﺛﺔ " إﻧﮭم ﯾﺗﻣﺣورون ﺣول ﻣﺷﺟب‬
‫اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ اﻟﺻﻐﯾرة‪ ،‬ﺛم ﯾﺗوزﻋون ﻋﻠﻰ درﺟﺎﺗﮭﺎ وﻣﺳﺗوﯾﺎﺗﮭﺎ وأﻟواﻧﮭﺎ‪ ،‬ﻛﻣﺎ‬
‫ﺗوزﻋوا ﻋﻣﻠﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ أﺣزاﺑﮭﺎ وﻓﺋﺎﺗﮭﺎ وﺗﻧظﯾﻣﺎﺗﮭﺎ" ) ‪ .(5‬وﯾﻘول‪ ،‬ﺧﻧﺳﺔ ﻓﻲ ﻣﺣﻣد‬
‫اﻟﻣﺎﻏوط‪ ،‬ﺑﻌد أن ﺗﻧﺎول ﺷﻌره ﺑﺎﻟﻧﻘد"ھذا ھو ﻛﺷﺎﻋر‪ ،‬ﻓﻣﻊ ﻣن ﻧﺻﻧﻔﮫ؟ ﺑﻣﻌﻧﻰ ھل‬
‫ﻧدرﺳﮫ ﻛﺷﺎﻋر؟ أﻋﺗﻘد أن ذﻟك ﻟﯾس ﻣﮭﻣﺎ ً ﺗﻣﺎﻣﺎً‪ ،‬وﻟﻛن اﻷﻛﯾد أﻧﮫ ﻟﯾس واﻗﻌﯾﺎ ً‬
‫اﺷﺗراﻛﯾﺎً‪ ،‬وﻻرﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺎوﻻﺑوھﯾﻣﯾﺎً‪ ،‬وﻻرﺟﻌﯾﺎً‪ .‬إﻧﮫ ﺣﺻﯾﻠﺔ ھذه ﻛﻠﮭﺎ‪ .‬إﻧﮫ ﻧﻣوذج‬
‫ﺻﺎدق وﺻرﯾﺢ ﻟﻣﺛﻘﻔﻲ اﻟرﯾف اﻟﻔﻘراء اﻟذﯾن ھﺑطوا إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ‪ ،‬وﻟم ﯾﺛروا‪ ،‬ﻛﻣﺎ‬
‫أﻧﮭم ﻟم ﯾﻧﺿﻣوا إﻟﻰ ﺻف اﻟﺛورة اﻟﺗﻲ ﺗﻣﺛﻠﮭم")‪ .(6‬أي أن اﻟﻣﺎﻏوط ﺑرﺟوازي‬
‫ﺻﻐﯾر‪ ،‬ﺑﻛل ﻣﺎﯾﻌﻧﯾﮫ اﻟﻣﺻطﻠﺢ‪.‬‬

‫‪-8-‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ﺟﻣﺎل ﺑﺎروت ﯾﺣﺗرز ﻣن اﻟرﺑط اﻟﻣﯾﻛﺎﻧﯾﻛﻲ ﺑﯾن اﻟﺷﻌر‬
‫وأﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ اﻟﺻﻐﯾرة‪ ،‬إﻻ أﻧﮫ ﯾذھب‪ ،‬ﻓﻲ ﺣدﯾﺛﮫ ﻋن ﺷﺧﺻﯾﺔ‬
‫اﻟﻣﻠﻌون‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر أﻧﺳﻲ اﻟﺣﺎج‪ ،‬إﻻ أﻧﮫ "اﻟﻣﺛﺎل اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻧﻣوذﺟﻲ ﻟﻠﺑرﺟوازي‬
‫ﻻﯾﺣس اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ إﻻﺧﻧﻘﺎ ً ﻟﻔردﯾﺗﮫ‪ ،‬وﻣﺣﻘﺎ ً وﻟﻌﻧﺎًﻟﮫ‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫ّ‬ ‫اﻟﺻﻐﯾر‪ ،‬اﻵﺑﻖ‪ ،‬اﻟﻣﺎرق‪ ،‬اﻟذي‬
‫ﺣﯾن ﯾرى ﻣروﻗﮫ ﺛورﺗﮫ اﻟوﺣﯾدة")‪.(7‬‬
‫وﻟﻛن ﻣﺎﺗﺟب اﻹﺷﺎرة إﻟﯾﮫ‪ .‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬ھو أن ﺛﻣﺔ ﻋدة ﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻣن‬
‫اﻟﺗﻔﺳﯾر اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻟﻧﺷﺄة اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ .‬وﺗﺗرﺟّﺢ ھذه اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت ﺑﯾن ﺟﻌل‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ اﻧﻌﻛﺎﺳﺎ ً ﻣﺑﺎﺷرا ً ﻷدﯾوﻟوﺟﯾﺔ اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ اﻟﺻﻐﯾرة‪ ،‬وﺑﯾن اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟﺣداﺛﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﻧﺗﺎج اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ـ أﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ ،‬ﻣن دون اﻋﺗﺑﺎرھﺎ اﻧﻌﻛﺎﺳﺎ ً ﺳﻠﺑﯾﺎ ً ﻟﺗﻠك‬
‫اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ‪ .‬أي ﻣن دون رﺑطﮭﺎ اﻟﻣﺑﺎﺷر ﺑﻣﺎ ھو اﻗﺗﺻﺎدي‪ ،‬ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ اﻟﻌرﺑﻲ‪ .‬وﻗد‬
‫ﯾﺑدو أن ھذا اﻟﺗﻔﺳﯾر‪ ،‬ﺑﺗرﻛﯾزه ﻋﻠﻰ ﻣﺎھو اﻗﺗﺻﺎدي وأﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ ،‬ﯾﻧﻔﻲ ﻋﻣﻠﯾﺔ‬
‫اﻟﻣﺛﺎﻗﻔﺔ ﻣﻊ اﻟﻐرب اﻷورﺑﻲ‪ ،‬ﻏﯾر أن اﻷﻣر ﻟﯾس ﻛذﻟك‪ .‬إذ إﻧﮫ ﯾؤﻛد ھذا اﻟﻣﺛﺎﻗﻔﺔ‪،‬‬
‫وﻟﻛن ﻣن ﺧﻼل اﻟﺿرورات اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ .‬ﯾﻘول اﻟدﻛﺗور ﻓؤاد اﻟﻣرﻋﻲ ﻓﻲ‬
‫ذﻟك‪ :‬إن "اﻟﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟﻐرب ﻟم ﯾﻛن ﺳﺑﺑﺎ ً ﻓﻲ اﻟﺗﻐﯾرات اﻟﺗﻲ طرأت ﻋﻠﻰ أدﺑﻧﺎ اﻟﺣدﯾث‪،‬‬
‫ﺑﻘدر ﻣﺎﻛﺎن ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻟﺗﻠك اﻟﺗطورات اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ") ‪ .(8‬ﻓﻼ ﯾﻣﻛن‪ ،‬وھذه اﻟﺣﺎل‪ ،‬أن‬
‫ﺗﻛون ﺛﻣﺔ ﻣﺛﺎﻗﻔﺔ ﻣﻊ اﻟﺧﺎرج‪ ،‬ﻣن دون أن ﺗﻛون ﻣﻔروﺿﺔ ﻣن اﻟﺿرورات‬
‫اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟداﺧﻠﯾﺔ ذات اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ)‪.(9‬‬
‫أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﺗﻔﺳﯾر اﻟﻧﻔﺳﻲ ـ اﻟذوﻗﻲ‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﯾرﺑط ﺑﯾن اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‬
‫واﻟﺗﻐﯾرات اﻟﺗﻲ أﺻﺎﺑت ﻛﻼً ﻣن اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟذوﻗﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﺗﺣت ﺗﺄﺛﯾر‬
‫اﻟﻣﺳﺗﺟدات اﻟﺗﻲ ﺟﺎء ﺑﮭﺎ اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرون‪ .‬وﻟﻌل اﻟدﻛﺗور ﻣﺣﻣد اﻟﻧوﯾﮭﻲ ﻣن أھم‬
‫اﻟﻘﺎﺋﻠﯾن ﺑﮭذا اﻟﺗﻔﺳﯾر‪ .‬ﺣﯾث ﯾرى أن اﻟﺗﻧﺎظر أو اﻟﺳﯾﻣﺗرﯾﺔ‪ SYMMETRY‬اﻟﺗﻲ‬
‫ﯾﺗﺻف ﺑﮭﺎ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺗﻘﻠﯾدي‪ ،‬ﻟم ﺗﻌد ﺗﺗﻼﺋم واﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟذوﻗﯾﺔ‬
‫اﻟﻣﻌﺎﺻرة‪ .‬إن "ﻧوع اﻹﯾﻘﺎع اﻟذي ﺗﻌرﻓﮫ اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ﻟم ﯾﻌد ﺻﺎﻟﺣﺎ ً‬
‫ﻟﺣﺎﺟﺎﺗﻧﺎ اﻟﻔﻧﯾﺔ واﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟذوﻗﯾﺔ‪ ...‬وإن درﺟﺔ اﻻﻧﺗظﺎم اﻟﺗﻲ ﯾﺗطﻠﺑﮭﺎ ﺷﻛل اﻟﻘﺻﯾدة‬
‫اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ زاﺋدة اﻹﺳراف ﻓﻲ اﻟﺳﯾﻣﺗرﯾﺔ واﻟرﺗوب")‪ .(10‬وﻣن ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻧوﯾﮭﻲ‬
‫ﯾذھب إﻟﻰ أن " اﻟﺑﺣر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﺄﺛور ذو ﻣوﺳﯾﻘﻰ ﺣﺎدة ﺑﺎرزة‪ ،‬ﺷدﯾدةاﻟﺟﮭر‪ ،‬ﻋﻧﯾﻔﺔ‬
‫اﻟوﻗﻊ ﻋﻠﻰ طﺑﻠﺔ اﻷذن‪ ،‬ﻋظﯾﻣﺔ اﻟدرﺟﺔ ﻣن اﻟﺗﻛرار واﻟرﺗوب‪ .‬وھذه طﺑﯾﻌﺔ ﯾﻧﻔر‬
‫ﻣﻧﮭﺎ ذوﻗﻧﺎ اﻟﺣدﯾث وﻟم ﺗﻌد آذاﻧﻧﺎ ﺗﺣﺗﻣﻠﮭﺎ‪ ،‬وأﺻﺑﺣﻧﺎ ﻧراھﺎ ﺷﯾﺋﺎ ً ﺑداﺋﯾﺎ ً ﻻﯾﻌﺟب ﺑﮫ‬
‫إﻻ ذوو اﻷذواق اﻟﻔﺟﺔ اﻟﺗﻲ ﻟم ﺗﻧﺿﺞ")‪ .(11‬وﻟﻛﻲ ﯾؤﻛد ﻣﺎﯾذھب إﻟﯾﮫ‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻘﺎرن‬
‫ﺑﯾن اﻹﻧﺳﺎن اﻟﺑداﺋﻲ واﻟطﻔل ‪ ،‬ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﺑﯾن اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣﺗﺣﺿر و اﻟﻧﺎﺿﺞ‪ ،‬ﻣن‬
‫ﺟﮭﺔ أﺧرى ‪،‬ﻓﯾرى أن اﻹﻧﺳﺎن اﻟﺑداﺋﻲ واﻟطﻔل ﻻﯾﻌﺟﺑﮭﻣﺎ ﺳوى اﻟﺣﺎد واﻟﻔﺎﻗﻊ‬
‫واﻟﻌﻧﯾف ﻣن اﻟرواﺋﺢ واﻷﻟوان واﻷﻧﻐﺎم ؛ ﻋﻠﻰ ﺣﯾن أﻧﮫ ﻛﻠﻣﺎ " ﻧﺿﺞ اﻹﻧﺳﺎن‬
‫وارﺗﻘت ﺛﻘﺎﻓﺗﮫ وﻧﻣﺎ ذوﻗﮫ وﺗﮭذّب ﺣﺳﮫ‪ ،‬ﺻﺎر أﻣﯾل إﻟﻰ اﻷﻟوان اﻟﺧﺎﻓﺗﺔ واﻟرواﺋﺢ‬
‫اﻟﺧﻔﯾﻔﺔ اﻟﺗﻲ ﻻﺗﺷ ّم إﻻھوﻧﺎً‪ ،‬واﻷﻧﻐﺎم اﻟدﻗﯾﻘﺔ اﻟﻣﺧﺗﻔﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺣﺗﺎج إﻟﻰ ذﻛﺎء وإرھﺎف‬
‫ﺳﻣﻊ ﺣﺗﻰ ﺗُﻠﺗﻘط وﺗﺗﺎﺑﻊ")‪(11‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪-9-‬‬
‫وﺑﺷﻛل ﻋﺎم‪ ،‬ﻓﺈن ﺛﻣﺔ ﺗﻐﯾرا ً ﻣﺎﻗد طرأ ﻋﻠﻰ اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟذوﻗﯾﺔ‬
‫اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ .‬وھو ﻣﺎﺟﻌﻠﮭﺎ ﺗﻧﻔر ﻣن ﻛل ﻣﺎﯾﺗﻧﺎﻓﻰ ﻣﻌﮭﺎ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﺷﻛل اﻟﺷﻌري‬
‫اﻟﻣوروث‪ ،‬وﻋﻠﻰ أﺻﻌدة أﺧرى ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ أﯾﺿﺎً‪ .‬وﻣن ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻣﯾل إﻟﻰ اﻧﺟﺎز‬
‫اﻟﺗﺣدﯾث اﻟﺷﻌري ھو‪ ،‬ﻓﻲ أﺳﺎﺳﮫ‪ ،‬ﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟطﺑﯾﻌﺔ ‪ .‬أي أن‬
‫ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ھو اﻟﺷﻌر اﻷوﺣد اﻟذي ﯾﻣﺛل اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟذوق اﻟﻣﻌﺎﺻرﯾن‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﯾن‬
‫أن اﻟﺷﻛل اﻟﻘدﯾم ﻟم ﯾﻌد" ﯾﺻﻠﺢ ﻟﻠﻧﮭوض ﺑﺣﺎﺟﺎﺗﻧﺎ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة")‪.(12‬‬
‫ﺗﻠك ھﻲ أھم اﻟﺗﻔﺳﯾرات اﻟﺗﻲ اﻗﺗرﺣﮭﺎ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬ﻟﻧﺷﺄة اﻟﺣداﺛﺔ‬
‫اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ .‬وﻟﻛن ﻣﺎﯾﻧﺑﻐﻲ ﻗوﻟﮫ ‪ ،‬ھﻧﺎ‪ ،‬ھو أن ذﻟك اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ اﻟﺗﻔﺳﯾرات ﻻﯾؤدي‬
‫إﻟﻰ ﻧوع ﻣن اﻟﻘطﯾﻌﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ‪ .‬إذ إن اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻋﺎﻣﺔ ﯾرى أن ﺛﻣﺔ ﺿرورة‬
‫ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻟوﺟود اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌرﺑﻲ‪ .‬ﻓﺳواء ﻛﺎﻧت اﻟﻣﺛﺎﻗﻔﺔ ھﻲ‬
‫اﻷﺳﺎس أم ﻛﺎﻧت اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ‪ ،‬أم اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟذوﻗﯾﺔ؛ ﻓﺈن‬
‫ﺿرورة اﻟﺣداﺛﺔ ﺗﺑﻘﻰ ھﻲ اﻟﻣﻧطﻠﻖ ‪ ،‬ﻟﺗﻠك اﻟﺗﻔﺳﯾرات ‪ .‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟﻘول‬
‫ﺑﺎﻟﻣﺛﺎﻗﻔﺔ ﯾرﺑط اﻟﺣداﺛﺔ ﺑﻣﺎھو ﺧﺎرﺟﻲ‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﯾرى اﻟﻣﺛﺎﻗﻔﺔ ﻣﻊ اﻟﻐرب اﻷورﺑﻲ ھﻲ‬
‫ﺿرورة ﺛﻘﺎﻓﯾﺔ وﺣﺿﺎرﯾﺔ‪ ،‬ﻟﻠﺧروج ﻣن ﺷرﻧﻘﺔ اﻟرﻛود واﻟﺟﻣود اﻟﺗﻲ اﻧﺣﺻرت‬
‫ﻓﯾﮭﺎ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ طوﯾﻼً‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن ﺛﻣﺔ ﺣﺎﺟﺔ ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ إﻟﻰ اﻟدﺧول ﻓﻲ‬
‫ﻣﺛﺎﻗﻔﺔ ﻣﻊ اﻟﻐرب اﻷورﺑﻲ‪.‬‬

‫* اﻷ ﻧﺴﺎق اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ‪:‬‬
‫وإذا ﻛﺎن اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻗد اﺷﺗﻣل ﻋﻠﻰ ﻋدة ﺗﻔﺳﯾرات ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ ،‬ﻟﻧﺷﺄة‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ؛ ﻓﺈﻧﮫ ﻗد اﺷﺗﻣل أﯾﺿﺎ ً ﻋﻠﻰ ﻋدة ﻣﻘﺎرﺑﺎت ﻧﻘدﯾﺔ‪ ،‬ﻟﻣﺎ ھو ﺟوھري ﻓﯾﮭﺎ ‪ .‬أي‬
‫أن ﻧﻘﺎد اﻟﺣداﺛﺔ ﯾﺧﺗﻠﻔون ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭم ﺣول اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﺟوھري أو اﻷﻛﺛر أھﻣﯾﺔ ‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬واﻟذي ﺟﻌل ﻣﻧﮭﺎ ﻧﻣطﺎ ً ﻣن اﻹﺑداع اﻟﺷﻌري‪ ،‬ﻣﺧﺗﻠﻔﺎ ً ﻋن اﻟﺷﻌر‬
‫اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ‪ .‬وﯾﻣﻛن أن ﻧﺣﺻر ھذه اﻟﻣﻘﺎرﺑﺎت ﺑﻌدة أﻧﺳﺎق‪ .‬وھﻲ‪ :‬اﻟﻧﺳﻖ اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ‪،‬‬
‫واﻟﻧﺳﻖ اﻷﺳطوري‪ ،‬واﻟﻧﺳﻖ اﻟﺻوري‪ ،‬واﻟﻧﺳﻖ اﻟرؤﯾوي ‪ .‬وھﻲ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻧﻠﺣظ‪ ،‬ﺗﻛﺎد‬
‫ﺗﺷﻣل ﻣﻌظم اﻟﺟواﻧب‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ‪ .‬وإذا ﻛﺎﻧت ھذه اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ أو ﺗﻠك‬
‫ﺗرى أن اﻟﺟوھري أو اﻷھم ﻓﻲ اﻟﺣداﺛﺔ ‪ ،‬ﯾﻛﻣن ﻓﻲ أﺣد ھذه اﻷﻧﺳﺎق‪ ،‬ﻓﺈن ذﻟك‬
‫ﻻﯾﻌﻧﻲ ﻋدم اﻷﺧذ ﺑﻐﯾره‪ .‬ﺑل ﯾﻌﻧﻲ أن ﻏﯾره أﻗل أھﻣﯾﺔ ﻣﻧﮫ ﻓﻲ ﺗﺣدﯾد ﻣﺎھو‬
‫ﺟوھري ﻓﻲ اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد ﯾﻣﯾﻠون إﻟﻰ اﻷﺧذ ﺑﻌدة أﻧﺳﺎق‬
‫ﻣﻌﺎً‪ ،‬ﻣﻌﺗﺑرﯾن إﯾﺎھﺎ ﻣﺣددات أﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﺣداﺛﺔ‪ .‬وﺳوف ﻧﺗوﻗف‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﻣوﺟز ‪ ،‬ﻋﻧد‬
‫ﻛل واﺣد ﻣن ﺗﻠك اﻷﻧﺳﺎق‪.‬‬
‫أﻣﺎ اﻟﻧﺳﻖ اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ‪ ،‬ﻓﯾؤﻛد اﻟﻘﺎﺋﻠون ﺑﺟوھرﯾﺗﮫ أن أھﻣﯾﺔ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‬
‫ﺗﻛﻣن ﻓﻲ ﺧروﺟﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻧظﺎم اﻟﺑﯾت اﻟﺷﻌري اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻌﯾﻼت ﻣﺣددة‬
‫ﺳﻠﻔﺎً‪ .‬ھذا اﻟﺑﯾت اﻟذي ﯾﺷﻛل أﺳﺎس اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻣوﺳﯾﻘﯾﺎً‪ ،‬واﻟذي ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ‬
‫ﻧﻣطﯾﺔ ﻋروﺿﯾﺔ‪ ،‬ﻟم ﺗﻌد ﺗﺗﻼءم واﻟذوق اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﻟم ﺗﻌد ﺗﺗﻼءم وطﺑﯾﻌﺔ‬
‫‪- 10 -‬‬
‫اﻻﻧﻔﻌﺎل اﻟﺷﻌري ﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ‪ .‬ﺑﺣﯾث ﯾﺻﺢ اﻟﺗوﻛﯾد‪ ،‬ﺑﺣﺳب ھذا اﻟﻧﺳﻖ‪ ،‬أن‬
‫اﻟﺧروج ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻟﻧظﺎم ھو ﻓﻲ ذاﺗﮫ دﺧول ﻓﻲ اﻟﺣرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻣﯾز اﻟﺗﺟرﺑﺔ‬
‫اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬وﻣن دوﻧﮫ ﻟن ﯾﺗﻣﻛن اﻟﺷﺎﻋر اﻟﻌرﺑﻲ ﻣن اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﺗﺟرﺑﺗﮫ ﺑﺎﻟﺷﻛل‬
‫اﻷﻣﺛل‪ .‬وﻣن ذﻟك‪ ،‬ﻓﻘد ﺗ ّم اﻟﻧظر إﻟﻰ ﻣﺣﺎوﻻت اﻟرﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﺟﺎوز‬
‫اﻟﻧﻣطﯾﺔ‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ﺑﻌض اﻟﺗﻧوﯾﻌﺎت واﻟﺗﻠوﯾﻧﺎت اﻟﻣوﺳﯾﻘﯾﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﻧوع ﻣن‬
‫ﺗﺟﻣﯾل اﻟﻘﯾد‪ .‬ﯾﻘول اﻟﻧوﯾﮭﻲ ﻓﻲ ذﻟك‪":‬وﻣن اﻟﻌﺑث أن ﻧظن أن إﻟﻐﺎء اﻟﻘﺎﻓﯾﺔ واﻟروي‬
‫أو ﺗﻧوﯾﻌﮭﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺻﯾدة اﻟواﺣدة ﻣﻊ اﻻﺣﺗﻔﺎظ ﺑﮭذا اﻟﺷﻛل اﻟﮭﻧدﺳﻲ اﻟﺳﯾﻣﺗري‬
‫اﻟﺷدﯾد اﻻﻧﺗظﺎم واﻟرﺗوب ﯾﻛﻔﻲ ﻟﺗﺧﻔﯾف ﺣدة اﻟﺟرس أو ﺿﯾﻖ اﻟﻘﯾود اﻟﺷﻛﻠﯾﺔ‪ .‬وھذا‬
‫ﺷﺑﯾﮫ ﺑﻣﺎﯾﻔﻌﻠﮫ اﻟﻣﺣﻛوم ﻋﻠﯾﮫ ﺑﺎﻹﻋدام ﺷﻧﻘﺎ ً ﺣﯾن ﯾطﻠب إﻟﻰ "ﻋﺷﻣﺎوي" أن ﯾوﺳﻊ‬
‫ﺣول ﻋﻧﻘﮫ ﻗﻠﯾﻼً ﺣﺗﻰ ﻻﯾؤﻟﻣﮫ")‪.(13‬وﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ‪ ،‬ﻓﺈن ﺑﻘﺎء ﻧظﺎم اﻟﺑﯾت ھو اﻟﺳﺎﺋد‬
‫ﻻﯾؤدي إﻻ إﻟﻰ ﺑﻘﺎء اﻟﻘﯾد ﻋﻠﻰ رﻗﺎب اﻟﺷﻌراء‪ ،‬وﻟن ﺗﻧﻔﻊ ﻛل اﻟﻣﺣﺎوﻻت اﻟﻣوﺳﯾﻘﯾﺔ‬
‫اﻟﺟزﺋﯾﺔ‪ ،‬ﻟﺗﺟﺎوز اﻟﻧﻣطﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ وﺻول اﻟﺷﺎﻋر إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﺗﺟرﺑﺗﮫ‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﺣر‬
‫وأﺻﯾل‪ .‬إذ إن اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﺟوھرﯾﺔ ﺗﻛﻣن أوﻻً ﻓﻲ ﺳﻣﯾﺗرﯾﺔ ذﻟك اﻟﻧظﺎم‪ .‬ھذه‬
‫اﻟﺳﯾﻣﺗرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻟم ﺗﻌد ﺗﺗﻼءم‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻻﺣظﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎً‪ ،‬واﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟذوﻗﯾﺔ‬
‫اﻟﻣﻌﺎﺻرة‪.‬‬
‫إن ﻣﺎﯾذھب إﻟﯾﮫ اﻟﻧوﯾﮭﻲ‪ ،‬ﻛﺎﻧت ﻧﺎزك اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﻗد ذھﺑت إﻟﯾﮫ ﻣن ﻗﺑل‪ ،‬ﺣﯾن‬
‫رأت أن ﺛﻣﺔ أﺳﺑﺎﺑﺎ ً ﺧﻣﺳﺔ أوﺟﺑت وﺟود اﻟﺷﻌر اﻟﺣر‪ ،‬ﺑﺣﺳب ﻣﺻطﻠﺣﮭﺎ‪ .‬وھﻲ‬
‫اﻟﻧزوع إﻟﻰ اﻟواﻗﻊ‪ ،‬واﻟﺣﻧﯾن إﻟﻰ اﻻﺳﺗﻘﻼل‪ ،‬واﻟﻧﻔور ﻣن اﻟﻧﻣوذج‪ ،‬واﻟﮭرب ﻣن‬
‫اﻟﺗﻧﺎظر‪ ،‬وإﯾﺛﺎر اﻟﻣﺿﻣون) ‪ .(14‬وﻗد ﯾﺑدو أن ﺑﻌض ھذه اﻷﺳﺑﺎب ﻻﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ‬
‫ﺑﺎﻟﻧﺳﻖ اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ‪ ،‬ﻣن ﻣﺛل اﻟﺳﺑﺑﯾن اﻷول واﻷﺧﯾر‪ .‬ﻏﯾر أن ﻛل ھذه اﻷﺳﺑﺎب‬
‫ﺗﺣﯾل‪ ،‬ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣطﺎف‪ ،‬إﻟﻰ ذﻟك اﻟﻧﺳﻖ‪ .‬إذ إن ﻟﮭﺎ ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻣﻧطﻠﻘﺎ ً واﺣدا ً وھو‬
‫اﻹﺣﺳﺎس ﺑﺿﯾﻖ ﻧظﺎم اﻟﺑﯾت اﻟﺷﻌري‪ .‬ﻓﺎﻟﻧزوع إﻟﻰ اﻟواﻗﻊ ﻟن ﯾﺗﯾﺳر ﻟﻠﺷﺎﻋر‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫إطﺎر ھذا اﻟﻧظﺎم‪ .‬ﺗﻘول‪ ،‬ﺗﺣت ھذا اﻟﺳﺑب "أﻣﺎ اﻟﻘﯾود اﻟﺗﻲ ﺗﺿﯾّﻖ آﻓﺎق اﻷوزان‬
‫اﻟﻘدﯾﻣﺔ‪ ،‬ﻓﮭﻲ ﺗﻠوح ﻟﻠﻔرد اﻟﻣﻌﺎﺻر ﺗرﻓﺎ ً وﺗﺑدﯾدا ً ﻟﻠطﺎﻗﺔ اﻟﻔﻛرﯾﺔ ﻓﻲ ﺷﻛﻠﯾﺎت ﻻﻧﻔﻊ‬
‫ﻟﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻲ وﻗت ﯾﻧزع ﻓﯾﮫ ھذا اﻟﻔرد إﻟﻰ اﻟﺑﻧﺎء واﻹﻧﺷﺎء وإﻟﻰ إﻋﻣﺎل اﻟذھن ﻓﻲ‬
‫ﻣوﺿوﻋﺎت اﻟﻌﺻر") ‪ .(15‬وﺗرى ﻧﺎزك اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ‪ ،‬ﺗﺣت اﻟﺳﺑب ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬أن اﻟﺷﻌر‬
‫اﻟﺣر ﯾﺻﻠﺢ ﻟﻠﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟﺣﯾﺎة اﻟواﻗﻌﯾﺔ‪ ،‬ﻷﻧﮫ "ﯾﺧﻠو ﻣن رﺻﺎﻧﺔ اﻷوزان‬
‫اﻟﻘدﯾﻣﺔ")‪ .(16‬وﺗرى‪ ،‬ﺗﺣت اﻟﺳﺑب اﻷﺧﯾر"إﯾﺛﺎر اﻟﻣﺿﻣون"‪ ،‬أن اﻟﺷﻛل اﻟﺗﻘﻠﯾدي‬
‫ﯾﺗﺣﻛم ﺑﺎﻟﻣﺿﻣون اﻟﺷﻌري‪ ،‬ﻟﻣﺎ ﻓﯾﮫ ﻣن دﻗﺔ وﺗﻧظﯾم وﺗﻧﺎظر‪ ،‬وھو ﻣﺎﯾﺟﻌل اﻟﺷﺎﻋر‬
‫ﯾﺿﺣﻲ ﺑﻣﻌﺎﻧﯾﮫ ﻣن أﺟل اﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻟﺷﻛل‪ .‬أﻣﺎ اﻟﺷﻌر اﻟﺣر‪ ،‬ﻓﮭو "ﻓﻲ‬
‫ﺟوھره‪ ،‬ﺛورة ﻋﻠﻰ ﺗﺣﻛﯾم اﻟﺷﻛل ﻓﻲ اﻟﺷﻌر")‪ ،(17‬ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻟﺟﻌل اﻟﻣﺿﻣون‪،‬‬
‫ﻻاﻟﺷﻛل‪ ،‬ھو اﻷﺳﺎس‪.‬‬
‫وﺑﺷﻛل ﻋﺎم ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻣﯾزة اﻟﺟوھرﯾﺔ ﻟﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﺗﻛﻣن‪ ،‬ﺑﺣﺳب ھذا اﻟﻧﺳﻖ‪،‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ ﻣن اﻟﻧص اﻟﺷﻌري‪ .‬ﻓﺎﻟﺗﺣدﯾث اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ ﻗد أﺗﺎح ﻟﻠﺷﺎﻋر أن‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 11 -‬‬


‫ﯾﺗﺧﻠّص ﻣن اﻟﻘﯾود اﻟﺗﻲ ﺗﻣﻧﻌﮫ ﻣن اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﺗﺟرﺑﺗﮫ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬وﻋن واﻗﻌﮫ‬
‫اﻟﻣﻌﺎﺻر ﺗﻌﺑﯾراً ﺣﯾﺎً‪ ،‬ﯾﻧﺑض ﺑﺎﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺟﻣﺎل اﻟﻔﻧﻲ‪.‬‬
‫وﺑﻣﺎ أن اﻟﻧﺳﻖ اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ ھواﻟﺟوھري‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻓﻼﻏراﺑﺔ ﻓﻲ أن ﺗﺗواﻟﻰ‬
‫اﻟدراﺳﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻧﺎول ھذا اﻟﻧﺳﻖ ﺑﺎﻟﺑﺣث واﻟﻣﻌﺎﻟﺟﺔ‪ ،‬وأن ﺗﺧﺗﻠف ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ ﺣول‬
‫اﻟﺷﻛل اﻟﻧﮭﺎﺋﻲ اﻟذي ﯾﻣﻛن أن ﯾﺄﺧذه ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ‪ ،‬وﻟن‬
‫ﻧﺗﻌرض‪ ،‬ھﻧﺎ‪ ،‬إﻟﻰ اﻟﺣدﯾث ﻋن ذﻟك ‪ ،‬إﻻ أﻧﮫ ﻻﺑﺄس ﻣن اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ﻧﺎزك‬
‫اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﻛﺎﻧت ﻣن أﻛﺛر اﻟﻣﺗﺣﻣﺳﯾن إﻟﻰ "ﻗﻧوﻧﺔ" ھذا اﻟﺷﻛل‪ .‬وھو ﻣﺎﯾﺗﻧﺎﻓﻰ أﺳﺎﺳﺎ ً‬
‫واﻟﻣﻧطﻖ اﻟذي اﻧطﻠﻘت ﻣﻧﮫ ﻓﻲ اﻋﺗﺑﺎر اﻟﺣرﯾﺔ ﺷرطﺎ ً ﻣن ﺷروط اﻟﺷﻌر اﻟﺟدﯾد؛‬
‫وھو اﻟذي ﺟﻌﻠﮭﺎ ﺗﺳﺗﺧدم ﻣﺻطﻠﺢ "اﻟﺷﻌر اﻟﺣر" ﻓﻲ وﺻف ھذا اﻟﻧﻣط اﻟﺷﻌري‬
‫اﻟﺟدﯾد‪.‬‬
‫وإذا ﻛﺎﻧت اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﻗد رأت أن اﻟﺗﻔﻌﯾﻠﺔ ھﻲ اﻷﺳﺎس اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا‬
‫اﻟﺷﻌر‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻧوﯾﮭﻲ ﯾرى أن اﻟﺗﻔﻌﯾﻠﺔ ھﻲ اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬ﻣن ﻣراﺣل اﻟﺗﺟدﯾد‬
‫اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ‪ .‬إذ ﯾﻧﺑﻐﻲ ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﺷﻌر أن ﯾﺳﺗﻛﻣل ﺗﺟدﯾده ﺑﺎﻟﺧروج ﻣن اﻟﻧظﺎم اﻟﻛﻣﻲ‬
‫إﻟﻰ اﻟﻧظﺎم اﻟﻧﺑري‪ .‬أي ﺑﺎﻟﺧروج ﻣن ﻧظﺎم اﻟﺗﻔﻌﯾﻠﺔ إﻟﻰ ﻧظﺎم اﻟﻧﺑر)‪ .(18‬وﻟﮭذا‬
‫ﻻﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻧرى ﻓﻲ " وﺣدة اﻟﺗﻔﻌﯾﻠﺔ اﻟﻌروﺿﯾﺔ إﻻ ﻛﻣرﺣﻠﺔ اﻧﺗﻘﺎل ‪ ،‬ﻛﻘﻧطرة ﯾﻌﺑر‬
‫ﻋﻠﯾﮭﺎ ﺷﻌرﻧﺎ إﻟﻰ ﻣﯾﺎدﯾن أﻋظم اﺗﺳﺎﻋﺎً‪ ،‬وﺗطوﯾر أﺑﻌد ﻣدى وأﻋﻣﻖ ﺟذرﯾﺔ")‪.(19‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن إﻗرار اﻟﻧوﯾﮭﻲ ﺑﺄن ﺛﻣﺔ اﺧﺗﻼﻓﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻘراءات ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد ﻗواﻋد‬
‫إﯾﻘﺎع اﻟﻧﺑر‪ ،‬وأن ﺛﻣﺔ ﻧوﻋﺎ ً ﻣن اﻟﺗطور ﻓﯾﮭﺎ)‪ ،(20‬ﻏﯾر أﻧﮫ ﻻﯾرى ﺣرﺟﺎ ً ﻣن ﺗوﻛﯾد‬
‫اﻹﻣﻛﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ إﻧﺗﺎج اﻟﻣوﺳﯾﻘﺎ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ﻧظﺎم اﻟﻧﺑر‪.‬‬
‫واﻟﺣﻖ أن ﻣﺎاﻓﺗرﺿﮫ اﻟﻧوﯾﮭﻲ ﻗد وﺟد ﺻدى ﻛﺑﯾرا ً ﻋﻧد اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻧﻘﺎد‪،‬‬
‫ظرون ﻹﻣﻛﺎﻧﯾﺔ إﻧﺷﺎء ﻣوﺳﯾﻘﺎ ﺷﻌرﯾﺔ ﺧﺎﻟﯾﺔ‬ ‫ﻣﻣن ﯾﺗﺑﻧون اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺑﻧﯾوي‪ ،‬ﻓراﺣوا ﯾﻧ ّ‬
‫ﻣن اﻟﺗﻔﻌﯾﻠﺔ‪ ،‬وﻗﺎﺋﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻧظﺎم اﻟﻧﺑر‪ .‬وﻓﺎﺗﮭم ﻓﻲ ذﻟك اﺧﺗﻼف ﻣواﻗﻊ اﻟﻧﺑر‪ ،‬ﺑﯾن‬
‫اﻟﻠﮭﺟﺎت اﻟﻣﺣﻠﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ) ‪ .(21‬وﻏﻧﻲ ﻋن اﻟﺑﯾﺎن أن اﻟﺑﻧﯾوﯾﯾن اﻟﻌرب ﻗد أﻋطوا‬
‫اﻟﻧﺳﻖ اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ‪ ،‬ﻣن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬أھﻣﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺗﻛﺎد ﺗﻔوق أي ﻧﺳﻖ آﺧر‪ .‬وذﻟك‬
‫ﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﮭﺗم ﺑﻣﺎ ھو ﻟﻐوي وﺻوﺗﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎم اﻷول‪ .‬وﻣن اﻟﻣﻌﻠوم أن‬
‫اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ ﻗد ﺗﺎﺑﻌت اﻟﺷﻛﻼﻧﯾﯾن اﻟروس ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻣﻠﺗﮭم ﻟﻠﺷﻌر "ﻋﻠﻰ أﻧﮫ اﺳﺗﺧدام أدﺑﻲ‬
‫ﺟوھري ﻟﻠﻐﺔ‪ :‬ﻓﮭو ﻛﻼم ﻣﻧظم ﻓﻲ ﺑﻧﯾﺗﮫ اﻟﺻوﺗﯾﺔ اﻟﻛﻠﯾﺔ‪ .‬واﻹﯾﻘﺎع‪ RHYTHM‬ھو‬
‫ﻋﺎﻣﻠﮫ اﻷﺳﺎﺳﻲ اﻷﻛﺛر أھﻣﯾﺔ") ‪ .(22‬أي أن اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻗد ﺗﻌﺎﻣﻠت ﻣﻊ ھذا‬
‫اﻟﻧﺳﻖ‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﻧﻘدي ﻣﻣﻧﮭﺞ‪ ،‬ﯾﻔﺗرض أن اﻹﯾﻘﺎع أو اﻟﻣوﺳﯾﻘﻰ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﺟوھرﯾﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺷﻌر‪ .‬وﺑﻣﺎ أن ﻣﻌظم اﻟﺑﻧﯾوﯾﯾن اﻟﻌرب ﻗد ﺗﺣﻣﺳوا ﻟﻧظﺎم اﻟﻧﺑر‪ ،‬ﻓﻠم ﯾﻛن ﺑ ﱞد ﻣن أن‬
‫ﯾﻔﺗرﺿوا أن اﻟﻣوﺳﯾﻘﺎ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﯾﻣﻛن أن ﺗﻛون داﺧﻠﯾﺔ ﻻﺧﺎرﺟﯾﺔ‪ ،‬وﻣﻌﻧوﯾﺔ ﻻﺣﺳﯾﺔ‪.‬‬
‫وھو ﻣﺎﺟﻌل ﻣن ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻣوﺳﯾﻘﺎ اﻟداﺧﻠﯾﺔ ﯾﺑدو وﻛﺄﻧﮫ ﺑدھﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟدراﺳﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ‬
‫اﻟﻣﻌﺎﺻرة‪.‬‬
‫وﻧرى أن ھذا اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻣن أﺷ ّد اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﺗﺑﺎﺳﺎ ً وﻏﻣوﺿﺎ ً ﻓﻲ اﻟوﻗت‬
‫ﻧﻔﺳﮫ‪ .‬إذ إن اﻟﻣوﺳﯾﻘﺎ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻻﯾﻣﻛﻧﮭﺎ إﻻ أن ﺗﻛون ﺣﺳﯾﺔ‪ .‬وﻷﻧﮭﺎ ﺣﺳﯾﺔ‪ ،‬ﻓﮭﻲ‬
‫‪- 12 -‬‬
‫ﺧﺎرﺟﯾﺔ ﺑﺎﻟﺿرورة‪ .‬وذﻟك ﺑﺻرف اﻟﻧظر ﻋﻣﺎ إذا ﻛﺎﻧت ﺣﺳﯾﺔ اﻟﻣوﺳﯾﻘﺎ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‬
‫ﺳﻣﻌﯾﺔ أو ﺑﺻرﯾﺔ أو ﻛﻠﯾﮭﻣﺎ ﻣﻌﺎً‪ .‬أﻣﺎ اﻟﺳﺑب ﻓﻲ ھذا‪ ،‬ﻓﯾﻧﮭض ﻣن أن ﻛل ﻣﺎ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬ھو ﺣﺳﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة‪ .‬وﺣﺗﻰ ﻣﺎھو ﻣﻌﻧوي ﻻﯾﻣﻛن إﻻ أن ﯾﺗﺑدّى ﻓﻧﯾﺎ ً‬
‫ﺑﺷﻛل ﺣﺳﻲ‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﻣن اﻟطرﯾف أن ﯾذھب ﻣروان ﻓﺎرس إﻟﻰ أن "اﻹﯾﻘﺎع ﻻﯾﻣﻛن‬
‫أن ﯾﻛون إﻻ داﺧﻠﯾﺎ ً ﻷن ﻋﻼﻗﺗﮫ ﺑﺎﻟﺻور واﻷﻓﻛﺎر ﻋﻼﻗﺔ ﺳﺑﺑﯾﺔ ﻻﯾﻣﻛن‬
‫ﻋزﻟﮭﺎ")‪ .(23‬وﻻﻧدري ﻣﺎاﻟذي ﯾﺟﻌل ﻣن اﻹﯾﻘﺎع داﺧﻠﯾﺎً‪ ،‬إذا ﻛﺎﻧت ﻟﮫ ﻋﻼﻗﺔ ﺳﺑﺑﯾﺔ‬
‫ﺑﻛل ﻣن اﻟﺻور واﻷﻓﻛﺎر؟‪ .‬وھل اﻟﺻور اﻟﻔﻧﯾﺔ ھﻲ ﻣﻌﻧوﯾﺔ أو ﺣﺳﯾﺔ‪ ،‬ﺛم ھل ﺗﺄﺗﻲ‬
‫اﻷﻓﻛﺎر ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ إﻻ ﻣﺻورة‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﺣﺳﻲ؟‪.‬‬
‫إن ﻣﺎﻻﯾﻣﻛن ﺗظﮭﯾره ﺣﺳﯾﺎً‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻔن‪ ،‬ﻻﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﻣﺎدة ﻟﮫ‪ .‬وﻻﻏراﺑﺔ‬
‫ﻓﻲ أن ﯾﺿطر اﻟﺷﻌر اﻟﺻوﻓﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﻣﺛﯾﻠﮫ ﻟﻣﺎ ھو روﺣﺎﻧﻲ‪ ،‬إﻟﻰ اﻹﺗﻛﺎء ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟرﻣوز ذات اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺣﺳﯾﺔ‪ ،‬ﻣن ﻣﺛل اﻟﻣرأة واﻟﺧﻣرة واﻟﻛﺄس‪..‬إذ إن اﻟﺷﻌر‪،‬‬
‫واﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬إﻣﺎ أن ﯾﻛون ﺣﺳﯾﺎً‪ ،‬أو ﻻﯾﻛون‪ .‬وﻻﺷك ﻓﻲ أن ﺛﻣﺔ ﻓرﻗﺎ ً ﺑﯾن اﻟﺗﻣﺛﯾل‬
‫اﻟﺣﺳﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻔن‪ ،‬وﺑﯾن اﻟوﻋﻲ اﻟﺣﺳﻲ اﻟذي ھو ﻣرﺣﻠﺔ ﻣن ﻣراﺣل اﻟوﻋﻲ‬
‫اﻟﺑﺷري‪.‬‬
‫وﯾذھب اﻟﻧﺳﻖ اﻷﺳطوري إﻟﻰ " أن اﻟﺷﻌر اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻗد ﺗﺄﺳس ﻣﻧذ أن‬
‫وﻟﺟت اﻷﺳطورة ﻛﺑﻌد ﺑﻧﯾوي ﺷﻌوري إﻟﻰ ﺟﺳد اﻟﻘﺻﯾدة‪ ،‬أي ﻣﻧذ ظﮭور"أﻧﺷودة‬
‫اﻟﻣطر" ﻟﻠﺳﯾﺎب ‪ ،‬ﻓﻲ أوﺳﺎط اﻟﺧﻣﺳﯾﻧﺎت‪ ،‬وﻟﯾس ﻣﻊ ﻛﺳر اﻟﻌﻣود اﻟﺷﻌري اﻟﺗﻘﻠﯾدي‪،‬‬
‫أو اﻟﺧﻠﯾﻠﻲ‪ ،‬ﻓﻲ أواﺧر اﻷرﺑﻌﯾﻧﺎت‪ ،‬وإن ﻛﺎن ھذا اﻟﻛﺳر ھو اﻟﺷرط اﻟﻘﺑﻠﻲ‬
‫اﻟﺿروري ﻻﺗﺧﺎذ اﻷﺳطورة ﻧﮭﺟﺎ ً ﺷﺑﮫ ﺻوﻓﻲ ﻟﻠرؤﯾﺎ اﻟﺷﻌرﯾﺔ”)‪ .(24‬وﺑﮭذا‬
‫اﻟﻣﻌﻧﻰ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻧﺳﻖ اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ ﻟﯾس ﻟﮫ ﺗﻠك اﻷھﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻣرت ﺑﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎً‪ .‬ﺑل اﻷھﻣﯾﺔ‬
‫اﻟﻛﺑرى ﯾﺗﺻف ﺑﮭﺎ اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﺷﻌري اﻟﺣداﺛﻲ ﻣﻊ اﻟواﻗﻊ ‪ ،‬ﻣن ﻣﻧظور اﻷﺳطورة‪.‬‬
‫وﯾرى ﯾوﺳف اﻟﯾوﺳف أن اﻷﺳطورة ﻟم ﺗدﺧل إﻟﻰ اﻟﺷﻌر‪ ،‬ﻟﻛﻲ ﺗﻛون‬
‫"ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ ﻋﺗﻠﺔ راﻓﻌﺔ ﻟﻠﻘﺻﯾدة‪ .‬وإﻧﻣﺎ ﺟﺎءت ﺑوﺻﻔﮭﺎ اﻟرؤﯾﺎ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻧﻔﺳﮭﺎ‪،‬‬
‫وﺑوﺻﻔﮭﺎ ﺟوھر اﻟﺗرﻛﯾب اﻟﺑﻧﯾوي ﻟﻠﻘﺻﯾدة ﻋﯾﻧﮭﺎ") ‪ .(25‬وﻟﻛﻲ ﯾؤﻛد ذﻟك ‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ‬
‫ﯾذھب إﻟﻰ ﺗﻌداد اﻟﻣﻧﺎﻓﻊ اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻗدﻣﺗﮭﺎ اﻷﺳطورة إﻟﻰ اﻟﺷﻌر‪ ،‬ﻓﯾرى أﻧﮭﺎ ﺧﻣﺳﺔ‪.‬‬
‫وھﻲ‪ :‬ﺗﻌﻣﯾﻖ اﻟﻛﯾف اﻟدراﻣﻲ ﻟﻠﻘﺻﯾدة‪ ،‬وإﻋطﺎء اﻟﻣﻔﺎھﯾم واﻟﺗﺻورات ﺑﻌدا ً‬
‫ﺷﺧﺻﯾﺎً‪ ،‬وإﻋطﺎء اﻟﻣﺿﻣون ﺑﻌدا ً ﻛوﻧﯾﺎً‪ ،‬واﻟﺗﺧﻠص ﻣن اﻟزﻣن أو ﺗﻌطﯾﻠﮫ‪ ،‬واﻟﺗﻌﺑﯾر‬
‫ﻋن رﻏﺑﺔ اﻟﺷﺎﻋر ﻓﻲ اﻟﺗطﮭر واﻟﺗﺟدد‪.(26 ).‬‬
‫أي أن اﻷﺳطورة ﻟم ﺗدﺧل ﻓﻲ ﺑﻧﯾﺔ اﻟﻧص اﻟﺣداﺛﻲ ﻓﺣﺳب‪ .‬ﺑل دﺧﻠت أﯾﺿﺎ ً‬
‫ﻓﻲ ﺑﻧﯾﺔ اﻟوﻋﻲ اﻟﺷﻌري اﻟﺣداﺛﻲ‪ .‬وﺑﮭذا‪ ،‬ﻟم ﯾﻌد ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن ﻋزل اﻟﻧص ﻋن‬
‫اﻷﺳطورة‪ ،‬أو ﻋزل ذﻟك اﻟوﻋﻲ ﻋن اﻟوﻋﻲ اﻷﺳطوري‪ .‬وھذا ﻣﺎﯾﻘول ﺑﮫ اﻟدﻛﺗور‬
‫اﺳﻣﺎﻋﯾل‪ ،‬ﺣﯾن ﯾؤﻛد أن اﻟطرﯾﻘﺔ اﻷﺳطورﯾﺔ‪ ،‬أو ﻣﺎﻧﺳﻣﯾﮫ اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻷﺳطوري‪ ،‬ھﻲ‬
‫اﻟﺗﻲ ﺗﺟﻌل ﻟﻠﺷﻌر طﺎﺑﻌﺎ ً ﻣﻣﯾزا ً ﻓﻲ ﺑﺎب اﻟﻣﻌﺎرف اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬ﯾﻣﯾزه ﻋن اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ‬
‫وﻋن اﻟﻌﻠوم اﻟﺗﺟرﯾﺑﯾﺔ ‪ ،‬وﯾﺟﻌﻠﮫ ﺷﻌراً") ‪.(27‬وﻣن ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﺗﺑﺎع" ھذا اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻌﺻر اﻟﺣﺎﺿر ﻟﯾس ﻣﺟرد طرﯾﻘﺔ ﻟﺣل ﻣوﻗف إﻧﺳﺎﻧﻲ‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ھو ﻛذﻟك أﺳﻠوب‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 13 -‬‬
‫ﺷﻌري وﻓﻧﻲ ﻣن اﻟطراز اﻷول")‪ .(28‬وﻟﮭذا ﻻﻏراﺑﺔ ﻓﻲ أن ﯾﺗم اﻟﻧظر إﻟﻰ‬
‫اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺷﻌر‪ ،‬ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﻣن آﺛﺎر اﻟوﻋﻲ اﻷﺳطوري اﻟﻘدﯾم أو ﺑﻘﺎﯾﺎه‪.‬‬
‫وھذا‪ ،‬ﻛﻣﺎ ھو ﻣﻌﻠوم‪ ،‬ﻣن أطروﺣﺎت اﻟﻧﻘد اﻷﺳطوري ‪ myth criticism‬اﻟذي ﻛﺎن‬
‫ﻧورﺛروب ﻓراي ﻣن أھم ﻣﻣﺛﻠﯾﮫ‪.‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن إﺳﻣﺎﻋﯾل ﻻﯾﻣﯾل ﻋﺎدة إﻟﻰ اﻷﺧذ ﺑﻧﺳﻖ واﺣد‪ .‬ﺑل ﯾﺄﺧذ‬
‫ﺑﻌدة أﻧﺳﺎق ﻣﻌﺎً‪ .‬ﻏﯾر أﻧﮫ ﻓﻲ ﺗﻧﺎوﻟﮫ ﻟﮭذا اﻟﻧﺳﻖ أو ذاك‪ ،‬ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﯾﻧﺳﺎق وراء اﻟﺗﻌﻣﯾم‬
‫اﻟذي ﯾؤدي إﻟﻰ إﻋطﺎء ﻣﺎھو ﺟزﺋﻲ أو ﺟﺎﻧﺑﻲ ﺑﻌدا ً ﻋﺎﻣﺎ ً أو ﺟوھرﯾﺎ ً ﻻﯾﺣﺗﻣﻠﮫ‪،‬‬
‫ﺑﺣﯾث ﯾﺑدو أن إﺳﻣﺎﻋﯾل ﻻﯾﻘول إﻻ ﺑﮭذا اﻟﻧﺳﻖ‪ .‬ﻏﯾر أن اﻷﻣر ﻟﯾس ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﺣو‪،‬‬
‫وإﻧﻣﺎ ھﻲ اﻟﺣﻣﺎﺳﺔ ﻟﻣﺎ ھو ﻣدروس وﺣﺳب‪ .‬وﻗد ظﮭر ذﻟك‪ ،‬ﻓﻲ ﻣﺟﻣل ﻓﺻول‬
‫ﻛﺗﺎﺑﮫ"اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر"‪.‬‬
‫وﻋﻠﻰ أﯾﺔ ﺣﺎل‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻘول ﺑﺟوھرﯾﺔ اﻷﺳطورة‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻏﺎﻟﺑﺎ ً‬
‫ﻣﺎﯾﻧﮭض ﻣن اﻋﺗﺑﺎرھﺎ ﺷﻛﻼً ﻣن أﺷﻛﺎل اﻟوﻋﻲ‪ ،‬وﺷﻛﻼً ﻣن أﺷﻛﺎل اﻟﺗﺻوﯾر اﻟﻔﻧﻲ‪.‬‬
‫وإذا ﻣﺎوﺿﻌﻧﺎ ﻓﻲ اﻻﻋﺗﺑﺎر أن ﺛﻣﺔ ﻧوﻋﺎ ً ﻣن اﻟﺗوﺣﯾد ﺑﯾن اﻟوﻋﻲ اﻟﺷﻌري اﻟﺣداﺛﻲ‬
‫واﻟوﻋﻲ اﻷﺳطوري‪ ،‬وﺑﯾن اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ واﻷﺳطورة ‪ ،‬ﻓﺈن ذﻟك ﯾﻌﻧﻲ أن ﺷﻌر‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ ﻻﯾﻣﻛن ﻋزﻟﮫ ﻋن اﻷﺳطورة‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻓﻲ ﺗﻧﺎوﻟﮫ ﻟﻠواﻗﻊ‪ .‬إذ إن اﻟواﻗﻊ ﯾﻧﺑﻐﻲ‪،‬‬
‫ﺑﺣﺳب ذﻟك‪ ،‬أن ﯾﺑدو ﻣؤﺳطرا ً ﻓﻲ اﻟﺷﻌر‪ .‬واﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﻛﺛﯾرا ً ﻣﺎرأى‬
‫ﻓﻲ اﻷﺳطورة ﺣﺎﻣﻼً ﻣوﺿوﻋﯾﺎ ً ﻟﺗﺟﺎرﺑﮫ وﺗﺻوراﺗﮫ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬ﻏﯾر أن اﻟﻘول ﺑذﻟك‬
‫ﺷﻲء‪ ،‬واﻟﻘول ﺑﺟوھرﯾﺔ اﻷﺳطورة ﺷﻲء آﺧر ﺗﻣﺎﻣﺎً‪.‬‬
‫ﻟﻘد ﺷﺎع ھذا اﻟﻧﺳﻖ ﺷﯾوﻋﺎ ً ﻛﺑﯾراً‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬ﻣﻧذ أن أطﻠﻖ ﺟﺑرا‬
‫إﺑراھﯾم ﺟﺑرا ﻣﺻطﻠﺢ"اﻟﺷﻌراء اﻟﺗﻣوزﯾﯾن" ﺳﻧﺔ‪.1958‬وﻛﺎن ﯾﻘﺻد ﺑﮫ أدوﻧﯾس‬
‫واﻟﺳﯾﺎب واﻟﺧﺎل وﺣﺎوي‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﯾﮫ) ‪ .(29‬وﻗد ﺗﺎﺑﻌﮫ أﺳﻌد رزوق‪ .‬ﻓﻲ دراﺳﺔ‬
‫ھؤﻻء اﻟﺷﻌراء اﻟﺧﻣﺳﺔ‪ ،‬ﻣن ﻣﻧظور اﻷﺳطورة اﻟﺗﻣوزﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘوم أﺳﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻻﻧﺑﻌﺎث ﻣن اﻟﻣوت واﻟﺟدب واﻟﯾﺑﺎب) ‪ .(30‬وواﻗﻊ اﻟﺣﺎل أن ﻣﺟﻣل اﻟﻣﻘﺎرﺑﺎت‬
‫اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻟﮭذا اﻟﻧﺳﻖ‪ ،‬ﺗﻧﮭض أﺳﺎﺳﺎ ً ﻣن أﺳطورة اﻟﻣوت واﻹﻧﺑﻌﺎث اﻟﺗﻲ ﺑدت وﻛﺄﻧﮭﺎ‬
‫اﻟﻣﺣور اﻟذي ﯾﺗﻣﺣور ﺣوﻟﮫ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮫ ﺑﺎﻟواﻗﻊ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‬
‫واﻟﺣﺿﺎري اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ آﺧر‪ :‬إن اﻟﺣدﯾث ﻋن ﺟوھرﯾﺔ اﻷﺳطورة‬
‫ﻟﯾس ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺗﮫ ﺳوى ﺣدﯾث ﻋن ﺟوھرﯾﺔ أﺳطورة اﻟﻣوت واﻻﻧﺑﻌﺎث أو اﻷﺳطورة‬
‫اﻟﺗﻣوزﯾﺔ ﺣﺻراً‪ .‬وھو ﻣﺎ ﺧﺻﺻت ﻟﮫ رﯾﺗﺎ ﻋوض ﻛﺗﺎﺑﺎ ً ﻣﺳﺗﻘﻼً)‪ ،(31‬ﯾدرس‬
‫ﺗﺟﻠﯾﺎت ھذه اﻷﺳطورة‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪.‬‬
‫وﺑﺷﻛل ﻋﺎم‪ ،‬ﯾﻣﻛن اﻟﺗوﻛﯾد أن اﻟﻘﺎﺋﻠﯾن ﺑﮭذا اﻟﻧﺳﻖ‪ ،‬ﯾذھﺑون إﻟﻰ أن ﻣﺄﺛرة‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ ﺗﻛﻣن ﻓﻲ ﺗﻧﺎوﻟﮭﺎ اﻷﺳطوري ﻟﻠواﻗﻊ‪ ،‬ﺑﺣﯾث اﺳﺗطﺎﻋت أن ﺗرﺗﻘﻲ ﺑﮫ إﻟﻰ‬
‫ﻣﺳﺗوى اﻷﺳطورة‪ .‬وھﻲ ﺑذﻟك ﺗﻛون ﻗد ﺗﺧﻠﺻت ﻣن اﻟﻧﺛرﯾﺔ واﻟﺗﻘرﯾرﯾﺔ اﻟﻠﺗﯾن‬
‫ﺗﻧﺷﺂن ﻣن اﻟﺗﻧﺎول اﻟواﻗﻌﻲ اﻟﻣﺑﺎﺷر‪ .‬وﺗﻛون أﯾﺿﺎ ً ﻗد ارﺗﻘت إﻟﻰ اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻣن ﺧﻼل‬
‫اﻟﺟزﺋﯾﺔ‪ ،‬أو ﻛﻣﺎ ﯾﻘول اﻟﯾوﺳف" ﺑرھﻧت اﻷﺳطورة ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﺗﺷﺎﺑك اﻟﻣﺗﺑﺎﯾﻧﺎت‬

‫‪- 14 -‬‬
‫واﻧدﻣﺎﺟﮭﺎ ﻓﻲ وﺣدة ﻋﺿوﯾﺔ‪ ....‬وﺑذﻟك اﺳﺗطﺎع اﻟﺷﺎﻋر اﻟﻣﻌﺎﺻر أن ﯾﻌﺎﻧﻖ اﻟﻛﻠﯾﺔ‬
‫واﻟﺟزﺋﯾﺔ‪ ،‬وأن ﯾﻧﺟو ﻣن اﻟﻣﺑﺎﺷرة ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر‪ ،‬أن ﯾﻧﺟو ﻣن اﻟﻧﺛرﯾﺔ")‪.(32‬‬
‫أﻣﺎ اﻟﻧﺳﻖ اﻟﺻوري‪ ،‬ﻓﯾرى أن دراﺳﺔ اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪،‬‬
‫ﯾﻣﻛﻧﮭﺎ أن ﺗﺑﯾن ﻣدى اﻻﺧﺗﻼف ﺑﯾﻧﮫ وﺑﯾن اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ واﻟﺗﻘﻠﯾدي‬
‫اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ .‬وذﻟك ﻣن ﻣﻧظور أن اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ﺟوھرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬ﻓﯾﻣﺎ أن‬
‫اﻟﺻورة‪ ،‬ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﺣو ﻣن اﻷھﻣﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈن ﺗﺑﯾﺎﻧﮭﺎ وﺗﺑﯾﺎن ﻋﻼﺋﻘﮭﺎ‪ ،‬ﻋﺑر اﻟﻣدارس‬
‫اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬ﯾؤدي ﺑﺎﻟﺿرورة إﻟﻰ ﺗﺑﯾﺎن اﻻﺧﺗﻼف اﻟﺟوھري ﺑﯾن ھذه اﻟﻣدارس ‪ ،‬ﻣﻊ‬
‫اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن اﻟﺻورة ﻻﺗﻌﻧﻲ ﻣﺎھو ﺟزﺋﻲ وﺣﺳب ‪ .‬ﺑل ﺗﻌﻧﻲ ﻣﺎھو ﻛﻠﻲ أﯾﺿﺎ ً‪.‬‬
‫ﺑﻣﻌﻧﻰ أن ﺛﻣﺔ ﺻوراً ﺟزﺋﯾﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎ أن ﺛﻣﺔ ﺻورا ً ﻛﻠﯾﺔ‪.‬‬
‫وﺑﻣﺎ أن اﻟدﻛﺗور ﻧﻌﯾم اﻟﯾﺎﻓﻲ ﻣن أھم اﻟدارﺳﯾن ﻟﮭذا اﻟﻧﺳﻖ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟوﻗوف ﻋﻧد‬
‫أطروﺣﺎﺗﮫ أو ﺑﻌﺿﮭﺎ‪ ،‬ﺣول اﻟﺻورة اﻟﺣدﯾﺛﺔ‪ ،‬ھو وﻗوف ﻋﻧد ھذا اﻟﻧﺳﻖ‪ ،‬ﺑﺷﻛل أو‬
‫ﺑﺂﺧر‪.‬‬
‫ﯾﻧطﻠﻖ اﻟدﻛﺗور اﻟﯾﺎﻓﻲ ﻣن أن اﻷﺷﻛﺎل اﻟﺑﻼﻏﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ إﻧﻣﺎ ھﻲ "أﺑﻧﯾﺔ ﻣﮭدﻣﺔ‬
‫اﺳﺗﻧﻔدت طﺎﻗﺎﺗﮭﺎ‪ ،‬وﺧﻠﻘت ﺟدﺗﮭﺎ‪ ،‬وطﺎل ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟزﻣن")‪ .(33‬وھﻲ‪ ،‬ﻟذﻟك‪ ،‬ﻟم ﺗﻌد‬
‫ﻣﻼﺋﻣﺔ ﻟﮭذا اﻟﻌﺻر ﺑﺧﻠﻔﯾﺗﮫ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﯾﻘﺗﺿﻲ ﺗﻌﺎﻣﻼً ﺻورﯾﺎ ً ﺟدﯾدا ً‪ .‬وھو‬
‫ﻣﺎأﻧﺟزه اﻟﺷﻌر اﻟﺣدﯾث‪.‬‬
‫أﻣﺎ اﻟﺻﻔﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺻف ﺑﮭﺎ اﻟﺻورة اﻟﺣداﺛﯾﺔ‪،‬أو اﻟﻣﻌﺎﺻرة‪ ،‬ﺑﺣﺳب ﺗﻌﺑﯾر‬
‫اﻟﯾﺎﻓﻲ‪ ،‬ﻓﯾﻣﻛن إﺟﻣﺎﻟﮭﺎ ﺑﺎﻷﻣور اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ‪:‬‬
‫آـ ﺗﻌد اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ أﺣد ﻣﻛوﻧﯾن اﺛﻧﯾن‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﻣﻌﺎﺻرة‪ ،‬وﻗد ﻋﺑرت‬
‫ﻋن ﺗﺟﺎرب اﻟﺷﻌراء رؤﯾﺔ وﺑﻧﺎء‪ ،‬أﻣﺎ اﻟﻣﻛون اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﮭو اﻹﯾﻘﺎع‪.‬‬
‫ب ـ إن أﺳﺎس اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ﯾﻛﻣن ﻓﻲ اﻟﺧﻠﻖ‪ ،‬ﻻﻓﻲ اﻟﻣﺣﺎﻛﺎة‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻛﺎن ﺳﺎﺋدا ً‬
‫ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬وﻣن ذﻟك ‪ ،‬ﻓﻘد ﺗﺧﻠت اﻟﺻورة اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻋن وظﺎﺋف‬
‫اﻟﺻورة اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷرح واﻟﺗزﯾﯾن‪.‬‬
‫ج ـ أﺿﺣت اﻟﺻورة‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬وﺳﯾﻠﺔ اﻟﺧﻠﻖ واﻟﻛﺷف واﻟرؤﯾﺎ‬
‫وأداة اﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟوﺣﯾدة ﻋن اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻣﺗﺷﺎﺑﻛﺔ اﻟﻣﻌﻘدة ﻣﺎﺑﯾن اﻷﻧﺎ ـ اﻵﺧر‪،‬‬
‫اﻟداﺧل ـ اﻟﺧﺎرج‪.‬‬
‫د ـ ﺗﻼﺣﻣت اﻟﺻورة ﺑﺷﻛل أوﺿﺢ وأﻗوى ﻣﻊ أﻧﺳﺎﻗﮭﺎ اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ واﻟداﺧﻠﯾﺔ‪.‬‬
‫ھـ ـ ﻣن اﻟﺻﻌوﺑﺔ اﻟﺣدﯾث ﻋن ﺑﻧﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺛﺎﺑﺗﺔ ﻟﻠﺻورة‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻘﺻﯾدة‬
‫اﻟﻣﻌﺎﺻرة) ‪.(34‬‬
‫وذﻟك ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أن ھذه اﻟﺻورة ﻗد "أﻟﻐت ﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟﻣﻌروﻓﺔ‬
‫ﻓﻛرة‪ +‬ﺻورة‪ ،‬وﺟﻌﻠت اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟﻔﻛرة ﯾﺗم ﻣن ﺧﻼل اﻟﺻورة أو‬
‫ﺑﺎﻟﺻورة") ‪.(35‬‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 15 -‬‬


‫وإذا ﻣﺎﻗﺎﺑﻠﻧﺎ ھذه اﻟﺻﻔﺎت ﺑﺻﻔﺎت اﻟﺻوررة اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺗطور ﻓﻲ‬
‫اﻟﺻورة اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﯾﻐدو أﻛﺛر وﺿوﺣﺎً‪ .‬أﻣﺎ ھذه اﻟﺻﻔﺎت ﻓﮭﻲ ‪ :‬اﻟﺗﻌﺎرض ﺑﯾن‬
‫اﻟﻔﻛرة واﻟﺻورة‪ ،‬واﻟﺗزﯾﻧﯾﺔ‪ ،‬وطﻐﯾﺎن اﻟﺻور اﻟﻣﻔردةﺟﺎھزة وﻣﻛررة وﺛﺎﺑﺗﺔ‪،‬‬
‫واﻟﺗﻔﻛﯾك واﻟﺗراﻛم واﻟﺗﻧﺎﻗض)‪ .(36‬وذﻟك ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘوم ﻋﻠﯾﮭﺎ‬
‫اﻟﺻورة اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻣﺣﺎﻛﺎة أوﻻً‪ .‬وﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻘﻔزة اﻟﻧوﻋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻗﺎم‬
‫ﺑﮭﺎ اﻟﺷﻌر اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬ﺗﺟد ﺻداھﺎ اﻷﺳﺎﺳﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ ،‬وﻻﻏراﺑﺔ ﻓﻲ ذﻟك‪،‬‬
‫إذ إن اﻟﺻورة ﻓﻲ اﻟﺷﻌر ھﻲ "أداﺗﮫ اﻟرﺋﯾﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﺧﻠﻖ واﻟﺗﺻوﯾر")‪.(37‬‬
‫ﻏﯾر أن ﻣﺎﺗﻧﺑﻐﻲ اﻹﺷﺎرة إﻟﯾﮫ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬ھو أن اﻟﯾﺎﻓﻲ ﻻﯾرى ﻓﻲ‬
‫اﻟﺻورة وﻓﻲ ﺗطوﯾرھﺎ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻧﯾﺔ ﻓﺣﺳب‪ .‬ﺑل إﻧﮫ ﯾرى ﻓﯾﮭﻣﺎ أﯾﺿﺎ ً إﺣﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻹطﺎر اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﻟﻠﻌﺻر‪ .‬أو ﻛﻣﺎ ﯾﻘول "ﯾﻌد اﻹطﺎر اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ واﻟﺛﻘﺎﻓﻲ‬
‫واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ واﻟﻔﻧﻲ اﻟﻣﮭﺎد اﻟﺗﻲ ﺗﺄﺳﺳت ﻋﻠﯾﮭﺎ ﺗﻘﻧﯾﺎت اﻟﻘﺻﯾدة ﻋﺎﻣﺔ وﺗﻘﻧﯾﺎت‬
‫اﻟﺻورة ﺧﺎﺻﺔ") ‪ .(37‬ﻓﺗطور اﻟﺻورة إذاً‪ ،‬ﻻﯾﻧﮭض ﻣﻣﺎ ھو ﻓﻧﻲ وﺣﺳب‪ .‬ﺑل‬
‫ﯾﻧﮭض أﯾﺿﺎ ً ﻣن ﻛل ﻣﺎ ﯾﻧطوي ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻌﺻر اﻟﺣدﯾث وﺑذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ‬
‫ﺗﻣﺛل اﻟﻣﺑدع ‪ ،‬ﺑﻘدر ﻣﺎﺗﻣﺛل ﻋﺻره‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻛل اﻷﺻﻌدة‪ .‬وﻻﺷك ﻓﻲ أن ھذه اﻟﻧظرة‬
‫ﺗﺗﺳم ﺑﺎﻟﺣﯾوﯾﺔ واﻟﺟدﻟﯾﺔ‪ .‬وذﻟك ﻣن ﺧﻼل رﺑطﮭﺎ ﺑﺎﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ﺑﻣﺟﻣل اﻟﻌﻼﺋﻖ‬
‫اﻟداﺧﻠﯾﺔ واﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ‪ ،‬وﻋدم اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟﺻورة ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ذات ﻣﺳﺗوى ﻓﻧﻲ وﺣﺳب‪،‬‬
‫وﻟﻛن اھﺗﻣﺎﻣﮭﺎ اﻟﺷدﯾد ﺑﺎﻟﺻورة‪ ،‬ﯾﺟﻌل ﻣﻧﮭﺎ ذات ﺑﻌد ﺟزﺋﻲ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن‬
‫ﻣﺣﺎوﻟﺔ ھذه اﻟﻧظرة ﺗوﺳﯾﻊ ﻣﻔﮭوم اﻟﺻورة‪ ،‬ﻟﯾﺷﻣل اﻟﻧص اﻟﺷﻌري اﻟﺣداﺛﻲ ﻋﺎﻣﺔ‪،‬‬
‫ﻓﻲ أﺣد ﻣﺳﺗوﯾﺎﺗﮫ‪.‬‬
‫وھﻛذا ﻧﻠﺣظ أن اﻟﻧﺳﻖ اﻟﺻوري ﯾرى أن ﺗطور اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﯾﻧﮭض‬
‫أﺳﺎﺳﺎ ً ﻣن ﺗطور ﺗﻘﻧﯾﺎت اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ .‬وﻻﯾﻣﻛن ﻷي ﺗﺟدﯾد‪ ،‬ﻣﮭﻣﺎ ﯾﻛن ﻣﺳﺗواه ‪،‬‬
‫إﻻ أن ﯾﻧﻌﻛس ﻓﻲ اﻟﺻورة‪ ،‬أو اﻷﺻﺢ‪ :‬ﻻﯾﻣﻛن إﻻ أن ﯾطﺎل اﻟﺻورة أوﻻً‪ ،‬وﻣﺎ‬
‫ذﻟك إﻻ ﻷن اﻟﺻورة ھﻲ اﻷداة اﻟرﺋﯾﺳﯾﺔ أو اﻟﺟوھرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر‪.‬‬
‫وﯾذھب اﻟﻧﺳﻖ اﻟرؤﯾوي أﺧﯾراً‪ ،‬إﻟﻰ أن ﻣﺎھو ﺟوھري‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪،‬‬
‫ﯾﻛﻣن أوﻻً ﻓﻲ اﻟرؤﯾﺎ‪ .‬ﻓﺎﻟرؤﯾﺎ اﻟﺣداﺛﯾﺔ ھﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﺳوغ وﺟود اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬وﻟﯾس‬
‫اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﻔﻧﯾﺔ أو اﻟﺷﻛﻠﯾﺔ‪ .‬وﯾﺗم اﻟﺗوﻛﯾد ﻓﻲ ھذا اﻟﻧﺳﻖ‪ ،‬أن اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ‬
‫اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ھو‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎم اﻷول‪ ،‬ﺷﻌر رؤﯾﺔ؛ ﻋﻠﻰ ﺣﯾن أن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ھو ﺷﻌر‬
‫رؤﯾﺎ‪ ،‬وﯾؤﻛد اﻟدﻛﺗور ﻏﺎﻟﻲ ﺷﻛري "أن ﻛﻠﻣﺔ اﻟرؤﯾﺎ ـ إذا ﺷﺋﻧﺎ اﻟدﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر‬
‫واﻟﺗﺄرﯾﺦ ـ ﻻﺗﻧطﺑﻖ أﺑﻌﺎدھﺎ إﻻ ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﺷﻌر اﻟﺣدﯾث") ‪ .(38‬وﯾرﺑط ﺷﻛري ﺑﯾن‬
‫اﻟرؤﯾﺎ اﻟﻣﺄﺳﺎوﯾﺔ اﻟﻘﺎﺗﻣﺔ وﺑﯾن اﻟﻐﻣوض اﻟذي ﯾﺗﺳم ﺑﮫ ھذا اﻟﺷﻌر‪ ،‬ﻣؤﻛدا ً أن "ﻟﯾس‬
‫اﻟﺗﻼﻋب ﺑﺎﻷوزان أو اﻟﻠﻐﺔ أو اﻟﺻور ھو اﻟﺳر اﻟﻛﺎﻣن وراء ھذا اﻟﻐﻣوض‪ ،‬وإﻧﻣﺎ‬
‫ھﻲ اﻟرؤﯾﺎ اﻟﻣﺄﺳﺎوﯾﺔ اﻟﻘﺎﺗﻣﺔ ﻓﻲ ﺟوھرھﺎ اﻟﻌﻣﯾﻖ") ‪ .(39‬وﻣن ذﻟك ﻓﺈن أھﻣﯾﺔ ھذا‬
‫اﻟﺷﻌر وﺗﻣﯾزه ﯾﻘوﻣﺎن أوﻻً ﻋﻠﻰ ﺗﺣوﻟﮫ ﻣن اﻟرؤﯾﺔ إﻟﻰ اﻟرؤﯾﺎ‪ .‬وﻟﻌل ھذا ﻣﺎدﻓﻊ‬
‫أدوﻧﯾس إﻟﻰ ﺗﻌرﯾف اﻟﺷﻌر اﻟﺣداﺛﻲ ﺑﻘوﻟﮫ‪":‬إﻧﮫ رؤﯾﺎ‪ .‬واﻟرؤﯾﺎ ﺑطﺑﯾﻌﺗﮭﺎ ﻗﻔزة ﺧﺎرج‬
‫اﻟﻣﻔﮭوﻣﺎت اﻟﺳﺎﺋدة‪ .‬ھﻲ‪ ،‬إذن‪ ،‬ﺗﻐﯾﯾر ﻓﻲ ﻧظﺎم اﻷﺷﯾﺎء وﻓﻲ ﻧظﺎم اﻟﻧظر إﻟﯾﮭﺎ")‪.(40‬‬
‫‪- 16 -‬‬
‫وﺑﻣﺎ أن اﻷﻣر ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﺣو‪ ،‬ﻓﻼﯾﻧﺑﻐﻲ "أن ﻧﺑﺣث ﻓﻲ اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﺟدﯾدة ﻋن‬
‫اﻟﺻورة أو اﻟﻔﻛرة ﺑﺣد ذاﺗﮭﺎ‪ .‬ﺑل ﻋن اﻟﻛون اﻟﺷﻌري ﻓﯾﮭﺎ وﻋن ﺻﻠﺗﮭﺎ ﺑﺎﻹﻧﺳﺎن‬
‫ووﺿﻌﮫ")‪.(41‬‬
‫وﯾﺧﺗﻠف اﻟﻘﺎﺋﻠون ﺑﮭذا اﻟﻧﺳﻖ ﺣول طﺑﯾﻌﺔ اﻟرؤﯾﺎ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬وھل‬
‫ھﻲ رؤﯾﺎ ﻣﺄﺳﺎوﯾﺔ‪ ،‬أو ﺛورﯾﺔ‪ ،‬أو ﻣﯾﺗﺎﻓﯾزﯾﻘﯾﺔ‪ .‬وﻣن دون أن ﻧدﺧل ﻓﻲ ﺗﻔﺻﯾﻼت‬
‫ھذه اﻟرؤى‪ ،‬ﯾﻣﻛن اﻟﻘول إن ﺷﻌراء ﻣﺟﻠﺔ "ﺷﻌر" وﻧﻘﺎدھﺎ ﯾﻣﯾﻠون إﻟﻰ اﻋﺗﺑﺎر أن‬
‫اﻟﻣﯾﺗﺎﻓﯾزﯾﻘﺎ ھﻲ اﻷﺳﺎس اﻷول ﻓﻲ ﻛل ﺷﻌر ﻋظﯾم)‪ .(42‬وﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﺗﺗم اﻟﻣزاوﺟﺔ ﺑﯾن‬
‫اﻟرؤﯾﺎ اﻟﻣﯾﺗﺎﻓﯾزﯾﻘﯾﺔ واﻟرؤﯾﺎ اﻟﻣﺄﺳﺎوﯾﺔ؛ ﻋﻠﻰ ﺣﯾن أن ﻧﻘﺎد اﻟواﻗﻌﯾﺔ ﻛﺎﻧوا ﯾﻣﯾﻠون إﻟﻰ‬
‫اﻟرؤﯾﺎ اﻟﺛورﯾﺔ‪ .‬ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ھؤﻻء ﯾﻔﺿﻠون اﺳﺗﺧدام ﻣﺻطﻠﺢ "اﻟﻣﺿﻣون"‬
‫ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺧدام ﻣﺻطﻠﺢ "اﻟرؤﯾﺎ"‪ .‬وﯾؤﻛدون‪ ،‬ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬أن اﻟﻔن اﻟﻌظﯾم‬
‫ﻻﯾﻣﻛن إﻻ أن ﯾﻛون ذا ﻣﺿﻣون ﻋظﯾم‪ .‬وﻓﻲ ﻛﻠﺗﺎ اﻟﺣﺎﻟﺗﯾن‪ ،‬ﻓﺈن ھذا اﻟﻧﺳﻖ ﯾﺑﺣث‬
‫ﻋن اﻟﺟوھري ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﺧﺎرج اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ ،‬وإن ﯾﻛن ھذا اﻟﺟوھري‬
‫ﻻﯾﻣﻛن إﻻ أن ﯾظﮭر ﻣن ﺧﻼل ھذه اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟﺣداﺛﺔ ھﻲ ﻣوﻗف‬
‫رؤﯾوي أوﻻً‪ .‬وﻣن دون ھذا اﻟﻣوﻗف ﺗﻐدو اﻟﺣداﺛﺔ ﻣﺟرد ﻧﻘﻠﺔ ﺷﻛﻠﯾﺔ ﻻطﺎﺋل ﻣﻧﮭﺎ‪.‬‬
‫وﻧو ّد أن ﻧﺗوﻗف‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬ﻋﻧد ﺗﺣدﯾد أدوﻧﯾس ﻟﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ .‬إذ إﻧﮫ‬
‫ﯾﻣﺛل وﺟﮭﺔ اﻟﻧظر اﻟرؤﯾوﯾﺔ‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﻋﺎم‪.‬‬
‫ﯾرى أدوﻧﯾس أن ھذا اﻟﺷﻌر ﯾﺗﺧﻠﻰ ﻋن ﻋدة أﻣور‪ ،‬ﺗﻣﻧﻌﮫ ﻣن أن ﯾﻛون‬
‫ﺣداﺛﯾﺎً‪ .‬وھﻲ‪:‬‬
‫آ ـ اﻟﺗﺧﻠﻲ ﻋن اﻟﺣﺎدﺛﺔ‪ ،‬ﻷن ﺛﻣﺔ ﺗﻧﺎﻓرا ً ﺑﯾن اﻟﺣﺎدﺛﺔ واﻟﺷﻌر‪.‬‬
‫ب ـ اﻟﺗﺧﻠﻲ ﻋن اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﻧﺛري اﻟﻌﺎدي‪ ،‬واﺳﺗﺧدام‬
‫اﻟﻛﻠﻣﺎت وﻓﻘﺎ ً ﻟدﻻﻻﺗﮭﺎ اﻟﻣﺄﻟوﻓﺔ‪.‬‬
‫ج ـ اﻟﺗﺧﻠﻲ ﻋن اﻟﺟزﺋﯾﺔ واﻟﻣﯾل إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﻛﻠﯾﺔ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ‪.‬‬
‫د ـ اﻟﺗﺧﻠﻲ ﻋن اﻟرؤﯾﺔ اﻷﻓﻘﯾﺔ‪ ،‬واﻟﻣﯾل إﻟﻰ اﻟﻐوص ﻓﯾﻣﺎ وراء اﻟظواھر‬
‫واﻷﺷﯾﺎء‪.‬‬
‫ھـ ـ اﻟﺗﺧﻠﻲ ﻋن اﻟﺗﻔﻛك اﻟﺑﻧﺎﺋﻲ)‪.(43‬‬
‫إن اﻟﺗﺧﻠﻲ ﻋن ﻛل ذﻟك ﯾﻌﻧﻲ اﻻﻧطﻼق ﻣن اﻟرؤﯾﺎ‪ .‬ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ اﻟدﺧول ﻓﻲ‬
‫ﻋﺎﻟم اﻟﺷﻌر اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ واﻟﺧﺎﻟد اﻟذي ھو ﻛﺷف وارﺗﯾﺎد ﻟﻠﻣﺟﺎھﯾل‪ ،‬أو ﻛﻣﺎ ﯾﻘول‬
‫أدوﻧﯾس " إن ﺗﺣدﯾد ﺷﻌر ﺟدﯾد ﺧﺎص ﺑﻧﺎ ﻧﺣن‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻌﺻر‪ ،‬ﻻﯾُﺑﺣث ﻋﻧﮫ‪،‬‬
‫ﺟوھرﯾﺎً‪ ،‬ﻓﻲ ﻓوﺿﻰ اﻟﺷﻛل وﻻﻓﻲ اﻟﺗﺧﻠﻲ اﻟﻣﺗزاﯾد ﻋن ﺷروط اﻟﺑﯾت‪ ،‬ﺑل ﻓﻲ‬
‫وظﯾﻔﺔ اﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ طﺎﻗﺔ ارﺗﯾﺎد وﻛﺷف") ‪.(44‬‬
‫وﻗد ﯾﺑدو أن ﺗرﻛﯾز أدوﻧﯾس‪ ،‬وﻣن وراﺋﮫ اﻟﻧﺳﻖ اﻟرؤﯾوي ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرؤﯾﺎ‬
‫ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﺟوھرﯾﺔ‪ ،‬ﻗد أدى إﻟﻰ إھﻣﺎل اﻟﺷﻛل اﻟﻔﻧﻲ ﻟﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ .‬ﻏﯾر أن واﻗﻊ‬
‫اﻟﺣﺎل ﻋﻛس ذﻟك ﺗﻣﺎﻣﺎً‪.‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 17 -‬‬
‫ﻓﻘد ﺗم إﯾﻼء اﻟﺷﻛل أھﻣﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻧﺳﻖ‪ ،‬أو اﻷﺻﺢ أن ﻧﻘول إﻧﮫ ﻗد‬
‫ﺗم اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟﺷﻛل واﻟرؤﯾﺎ ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﻣﺿﻣوﻧﺎ ً ﻋﻠﻰ أﻧﮭﻣﺎ ﯾﺷﻛﻼن وﺣدة ﻻاﻧﻔﺻﺎم‬
‫ﻓﯾﮭﺎ‪ .‬ﯾﻘول أدوﻧﯾس‪ ،‬ﻓﻲ ذﻟك "ﻓﺎﻟﺷﻛل واﻟﻣﺿﻣون وﺣدة ﻓﻲ ﻛل أﺛر ﺷﻌري ﺣﻘﯾﻘﻲ‪.‬‬
‫وھﻲ وﺣدة اﻧﺻﮭﺎر أﺻﯾل‪ .‬وﯾﺄﺗﻲ ﺿﻌف اﻟﻘﺻﯾدة ﻣن اﻟﺗﻔﺳﺧﺎت واﻟﺗﺷﻘﻘﺎت اﻟﺗﻲ‬
‫ﺗُﺳﺗ َﺷف ﻓﻲ ھذه اﻟوﺣدة")‪ .(45‬ﻓﺄھﻣﯾﺔ اﻟرؤﯾﺎ ﻻﺗﻠﻐﻲ أھﻣﯾﺔ اﻟﺷﻛل‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ﺗﻛﻣن‬
‫اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻠﻖ اﻷول‪ .‬أي ھل اﻟﺣداﺛﺔ ﻣوﻗف أوﻻً‪ ،‬أو أﻧﮭﺎ ﺷﻛل أوﻻً‪ .‬وﻟﻘد‬
‫أﺟﺎب ھذا اﻟﻧﺳﻖ ﻋن ذﻟك‪ ،‬ﺑﺄن اﻟﻣوﻗف أو اﻟرؤﯾﺎ ھﻲ اﻷﺳﺎس اﻟﺟوھري ﻓﻲ‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ‪ .‬وﺑﻣﺎ أﻧﮫ ﻛذﻟك‪ ،‬ﻓﻼﯾﻣﻛن إﻻ أن ﯾﻔرض ﺷﻛﻠﮫ اﻟﺧﺎص ﺑﮫ‪ .‬وﻣن اﻟﻣﻌﻠوم أن‬
‫اﻟﺗﺟرﯾﺑﯾﺔ اﻟﺷﻛﻼﻧﯾﺔ ھﻲ أﺳﺎس ﻧﺗﺎج ﺷﻌراء اﻟرؤﯾﺎ‪ .‬وﻗد ﯾﺑدو ﻣن اﻟطرﯾف‪ ،‬ھﻧﺎ‪ ،‬أن‬
‫ﻣن ﯾذھب إﻟﻰ أن اﻟرؤﯾﺎ ھﻲ اﻟﺟوھري ﻓﻲ اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﯾﻘﻊ ﻓﻲ اﻻھﺗﻣﺎم ﺑﻣﺎ ھو‬
‫ﺷﻛﻼﻧﻲ؛ إﻻ أن اﻟطراﻓﺔ ﺗﺗﻼﺷﻰ ‪ ،‬ﺣﯾن ﻧؤﻛد أن ﻗﯾﺎم اﻟرؤﯾﺎ ﻣﻣﺎ ھو ﺣدﺳﻲ‬
‫ﻣﯾﺗﺎﻓﯾزﯾﻘﻲ ﻏراﺋﺑﻲ‪ ،‬ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ أوﻟﺋك اﻟﺷﻌراء‪ ،‬ﯾﺗﻛﺎﻣل واﻟﺑﺣث ﻋن أﺷﻛﺎل‬
‫ﻏراﺋﺑﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻧرى ﻟزاﻣﺎ ً ﻋﻠﯾﻧﺎ أن ﻧﺷﯾر إﻟﻰ أﻧﮫ إذا ﻛﺎن أدوﻧﯾس ـ وﺷﻌراء اﻟرؤﯾﺎ أﯾﺿﺎ ً ـ‬
‫ﻗد ذھب إﻟﻰ ﺿرورة أن ﺗﻛون اﻟرؤﯾﺎ‪ ،‬ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﻣﺿﻣوﻧﺎً‪ ،‬ﺣدﺳﯾﺔ وﻣﯾﺗﺎﻓﯾزﯾﻘﯾﺔ‪،‬‬
‫ﻓﺈن اﻟﻛﺛﯾرﯾن ﻣن اﻟﻧﻘﺎد واﻟﺷﻌراء ـ وﻻﺳﯾﻣﺎ اﻟﻘﺎﺋﻠﯾن ﺑﺎﻟواﻗﻌﯾﺔ ـ ﻗد رﻓﺿوا ھذا‬
‫اﻟطرح ﻟﻣﻔﮭوم اﻟرؤﯾﺎ‪ ،‬ﻣﻌﺗﺑرﯾن أن اﻟرؤﯾﺎ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﺛورﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻧﺎﻏم وﺣرﻛﺔ‬
‫اﻟواﻗﻊ ھﻲ اﻟرؤﯾﺎ اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ أن ﯾﺻدر ﻣﻧﮭﺎ‪ ،‬وأن ﯾﻌﻣﻘﮭﺎ ﻓﻲ‬
‫اﻟواﻗﻊ واﻟﻧص ﻣﻌﺎً‪ .‬ﯾﻘول أﺣﻣد ﯾوﺳف داود‪ ،‬ﻓﻲ ﻣﻌرض رده ﻋﻠﻰ أدوﻧﯾس‬
‫اﻟﻧﺑوة وإﻧﻣﺎ ﺑﺎﻟرؤﯾﺔ‪/‬اﻟﻣﻌرﻓﺔ‪ .‬وھﻛذا ﻻﺗﻧﻔﺻل‬
‫ﺑﺎﻟرؤﯾﺎ‪/‬اﻹﻟﮭﺎم‪/‬ﺣس ّ‬
‫ّ‬ ‫"ﻓﺎﻹﺑداع ﻻﯾﻛون‬
‫اﻟﻠﻐﺔ ﻋن أﺻوﻟﮭﺎ إﻻ ﺑﻣﻘدار أﻧﻔﺻﺎل اﻟﻣﻣﻛن ﻋن اﻟراھن") ‪ .(46‬أو ﺑﻣﻌﻧﻰ آﺧر‪:‬‬
‫ﻟﯾس ﺛﻣﺔ رؤﯾﺎ ﯾﻣﻛن أن ﺗﻧﻔﺻل ﻋن اﻟرؤﯾﺔ‪ .‬وﻟﮭذا ﻓدﻋوى اﻟﺗﺟﺎوز واﻟﺗﺧطﻲ اﻟﺗﻲ‬
‫ﯾدﻋﯾﮭﺎ ﺷﻌراء اﻟرؤﯾﺎ ﻟﯾﺳت ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺗﮭﺎ‪ ،‬ﺳوى ﻣﻘوﻟﺔ وھﻣﯾﺔ‪ ،‬ﻻأﺳﺎس ﻟﮭﺎ ﻣن‬
‫اﻟﺻﺣﺔ‪.‬‬
‫ﺗﻠك ھﻲ اﻷﻧﺳﺎق اﻟﺗﻲ ﺳﺎدت اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬ﻓﻲ ﻣﻘﺎرﺑﺗﮫ ﻟﻣﺎ ھو ﺟوھري‬
‫ﻓﻲ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ .‬ﺣﯾث اھﺗم ﻛل ﻧﺳﻖ ﺑﺄﺣد ﺟواﻧب اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬وﺟﻌل ﻣﻧﮫ‬
‫ﺟوھرﯾﺎً‪ ،‬ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﺟواﻧب اﻷﺧرى‪.‬‬
‫وإذا ﻣﺎ ﻛﻧﺎ ﻗد أوﺟزﻧﺎ اﻟﻘول ﻓﻲ ھذه اﻷﻧﺳﺎق‪ ،‬ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻗد ﺣﺎوﻟﻧﺎ أن ﻧﻌطﻲ‪ ،‬ﻗدر‬
‫اﻹﻣﻛﺎن‪ ،‬ﺻورة ﻛﻠﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻋﻧﮭﺎ‪ .‬وﻧرﺟو أن ﻧﻛون ﻗد اﺳﺗطﻌﻧﺎ ذﻟك‪ .‬وﯾﺑﻘﻰ اﻟﺳؤال‬
‫ﻣﺎاﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺎﻧﯾﮭﺎ ھذه اﻷﻧﺳﺎق ﻣﻧﻔردة وﻣﺟﺗﻣﻌﺔ؟‪.‬‬
‫إن أوﻟﻰ ﺗﺑدﯾﺎت ھذه اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ ﺗﻛﻣن ﻓﻲ اﻟﻧظرة اﻟﺟزﺋﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﺣﯾث‬
‫ﯾﺗم اﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧب واﺣد‪ ،‬ﻓﻲ أﻏﻠب اﻷﺣﯾﺎن‪ ،‬وﯾﺗم اﻟﻧظر إﻟﯾﮫ ﻋﻠﻰ أﻧﮫ‬
‫اﻟﺟوھري‪ ،‬وأن ﻣﺎﺳواه ﺛﺎﻧوي‪ .‬وﻛﺄن اﻟﺣداﺛﺔ ﻟﯾﺳت ﻛﻼً ﻣوﺣداً‪ ،‬ﯾﺻﻌب ﺗﺟزﯾﺋﮫ‪،‬‬
‫أو ﺗوزﯾﻌﮫ ﻋﻠﻰ وﺣدات ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ‪ .‬وﻻﺷك ﻓﻲ أن ﺛﻣﺔ ﺟوھرﯾﺎ ً وﺛﺎﻧوﯾﺎ ً ﻓﻲ ﻛل ظﺎھرة‬
‫ﻓﻧﯾﺔ أو ﺛﻘﺎﻓﯾﺔ أو اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ .‬وﻟﻛن أن ﻧﺟﻌل ﻣن اﻟﺟزﺋﻲ ﻛﻠﯾﺎً‪ ،‬وﻣن اﻟﺧﺎص ﻋﺎﻣﺎً‪،‬‬
‫‪- 18 -‬‬
‫وﻣن اﻟﺛﺎﻧوي ﺟوھرﯾﺎً‪ ،‬ﻓﺈن ﻓﻲ ذﻟك ﻣﻐﺎﻟطﺔ‪ ،‬ﻟن ﺗؤدي إﻻﱠ إﻟﻰ اﻟﺗوھم‪ .‬وﻟﻘد ﺑدا ذﻟك‬
‫واﺿﺣﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻧﺳﻖ اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ واﻟﻧﺳﻖ اﻷﺳطوري‪ .‬ﺣﯾث ذھب اﻷول إﻟﻰ ﺟﻌل‬
‫اﻹﯾﻘﺎع اﻟذي ھو ﺟزﺋﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺻدارة ﻣن اﻟﻛﻠﯾﺔ‪ .‬وذھب اﻟﺛﺎﻧﻲ إﻟﻰ ﺟﻌل اﻟﺛﺎﻧوي‬
‫اﻟﻣرﺣﻠﻲ ﺟوھرﯾﺎ ً اﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺎً‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻷﺳطورة ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ أھم‬
‫ﻣﻛوﻧﺎت اﻟﺣداﺛﺔ‪ .‬وﻗد أﺛﺑﺗت اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد اﻟﺳﺑﻌﯾﻧﺎت ﻣن ھذا اﻟﻘرن‪ ،‬ﻋﻛس‬
‫ذﻟك‪ .‬ﺣﯾث ﺗﺧﻠت ﻋن اﻷﺳطورة‪ ،‬وﺑﻘﯾت ھﻲ‪ ،‬ﻣن دون أن ﺗﺗﺄﺛر ﺑﻧﯾﺗﮭﺎ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪.‬‬
‫وﺗﺗﺑدى ﺗﻠك اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ اﺿﻣﺣﻼل اﻟﻣﻌﺎﻟﺟﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻟظﺎھرة‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ‪ .‬ﻓﻌﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﺗوﻛﯾد ﺗﻠك اﻷﻧﺳﺎق أن اﻟﺷﻌر ﺷﻛل ﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬إﻻ أن‬
‫ﻣﺟرﯾﺎت اﻟﺗﻧﺎول اﻟﻧﻘدي ﺗﺛﺑت أن ﻣﺎھو ﺟﻣﺎﻟﻲ أﻗل ﺣﺿورا ً ﻣﻣﺎ ھو ﻓﻧﻲ أو‬
‫رؤﯾوي‪ .‬واﻟﺣﻖ أن اﻟﻧﺳﻖ اﻟﺻوري ھو اﻷﻗرب إﻟﻰ اﻟﻣﻌﺎﻟﺟﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ .‬وذﻟك ﻣن‬
‫ﺧﻼل رﺑطﮫ ﺗﻘﻧﯾﺎت اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ﺑﺎﻷطر اﻟﻧظرﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ؛ وﻣن ﺧﻼل‬
‫ﻓﮭﻣﮫ ﻟﺗﻠك اﻟﺗﻘﻧﯾﺎت ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ أﺳﻠوب ﻓﻲ وﻋﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﻏﯾر أن اھﺗﻣﺎﻣﮫ اﻷﻛﺑر‬
‫ﻓوت ﻋﻠﯾﮫ ﻓرﺻﺔ اﻟﻧظر إﻟﻰ ظﺎھرة اﻟﺣداﺛﺔ ﻣن ﻋدة ﺟواﻧب‬ ‫ﺑﺎﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻗد ّ‬
‫ھﺎﻣﺔ أﺧرى‪ .‬ﻟﻌل أھﻣﮭﺎ ﺟﺎﻧب اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬وطﺑﯾﻌﺗﮫ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻋن‬
‫اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺗﻘﻠﯾدي أو اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ‪.‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟﻣﻧطﻠﻖ اﻟذي اﻧطﻠﻖ ﻣﻧﮫ اﻟﻧﺳﻖ اﻟرؤﯾوي ﻛﺎن ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن‬
‫أن ﯾﺗﻌﻣﻖ ﺑﺎﺗﺟﺎه اﻟﻣﻌﺎﻟﺟﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻏﯾر أن ﺗوھﺎن ھذا اﻟﻧﺳﻖ ﻓﯾﻣﺎ ھو ﺣدﺳﻲ‬
‫وﻏراﺋﺑﻲ وﻣﯾﺗﺎﻓﯾزﯾﻘﻲ‪ ،‬ﻗد ﺟﻌل ﻣﻧﮫ ﻗﺎﺻرا ً ﻋن وﻋﻲ اﻟﺣداﺛﺔ‪ .‬ﻧﻘول ذﻟك‪ ،‬وﻧﺣن‬
‫ﻧﻌﻲ ﺟﯾدا ً أن ﺟﻣﻠﺔ "اﻟﺗﺧﻠﯾﺎت" اﻟﺗﻲ اﻗﺗراﺣﮭﺎ أدوﻧﯾس‪ ،‬ﻻﯾﻣﻛن ﺻرف اﻟﻧظرﻋﻧﮭﺎ‪،‬‬
‫أو ﻋن ﺑﻌﺿﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻲ ﻓﮭم اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪.‬‬
‫وﺗظﮭر ﺗﻠك اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻟﺛﺔ‪ ،‬ﻓﻲ أﻧﮭﺎ ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﺗﻘطﻊ اﻟﺻﻠﺔ ﺑﯾن‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ وﻣﺎﺳﺑﻘﮭﺎ ﻣن ﻣﺣﺎوﻻت ﺗﺟدﯾدﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﻲ‪ .‬ﺑﺣﯾث‬
‫ﺗﺑدو اﻟﺣداﺛﺔ ﻧﻘﻠﺔ ﻧوﻋﯾﺔ ﻻﺗراﻛم ﻛﻣﯾﺎ ً ﻟﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﯾن أن اﻟﺷﻌر اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﻲ ﻛﺎن ﻟﮫ‬
‫اﻟﻔﺿل اﻷول أو اﻟﻣﺑﺎدرة اﻷوﻟﻰ‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﺟدﯾد اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث‪ ،‬ﻣﻧذ أواﺋل‬
‫اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن‪ .‬وﻟم ﯾظﮭر ذﻟك‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻣوﺳﯾﻘﺎ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻓﺣﺳب‪ .‬ﺑل ظﮭر‬
‫أﯾﺿﺎ ً ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻋدة ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ .‬ﺣﺗﻰ إن اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻷﺳطورة ﯾﻌود إﻟﻰ ھذا‬
‫اﻟﺷﻌر‪ .‬وﻗد ﯾﻛون ﻣن اﻟﻣﺷروع‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬أن ﻧﺗﺳﺎءل‪ :‬ﻟﻣﺎذا ﯾﺗم اﻟﺗوﻛﯾد‬
‫داﺋﻣﺎ ً أن اﻟﺣداﺛﺔ ﻗد أﻓﺎدت ﻣن إﻟﯾوت‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻷﺳطوري‪ ،‬وﻻﺗﺑدر‬
‫ﺣﺗﻰ إﺷﺎرة إﻟﻰ اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ ذﻟك‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟﺣداﺛﺔ ﻗد‬
‫ﺧرﺟت ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً وﺗﺎرﯾﺧﯾﺎ ً ﻣن ﻣﻌطف اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ .‬ﻻﺷك ﻓﻲ أن ﺛﻣﺔ‬
‫ﺗﺟﺎوزا ً ﻛﺑﯾرا ً ﻓﻲ اﻟﺣداﺛﺔ ﻷطروﺣﺎت اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ؛ ﻏﯾر أن ذﻟك ﻻﯾﻠﻐﻲ أھﻣﯾﺗﮭﺎ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻣﺑﺎدرة إﻟﻰ اﻟﺗﺣدﯾث‪.‬‬
‫ﻟﻘد أﻏﻔﻠت ﻣﻌظم ﺗﻠك اﻷﻧﺳﺎق‪ ،‬ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻟﺗﮭﺎ ﺑﻠورة اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬أن ﺗﺷﯾر إﻟﻰ‬
‫أھﻣﯾﺔ ﻣﺎﻗﺎﻣت ﺑﮫ اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ‪ ،‬وھو ﻣﺎأوﺣﻰ ﺑﺄن ﺛﻣﺔ ﻗطﯾﻌﺔ ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ وﺷﺎﻣﻠﺔ‪ ،‬ﻗﺎﻣت‬
‫ﺑﮭﺎ اﻟﺣداﺛﺔ ﻣﻊ ﻛل ﻣﺎھو ﻧﺎﺟز ﺷﻌرﯾﺎً‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻟﻌرﺑﻲ‪ .‬وذﻟك ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟذي‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 19 -‬‬
‫ﻟم ﺗﻛن ﻓﯾﮫ اﻟﺣداﺛﺔ إﻻ ﻧﻘﻠﺔ ﻧوﻋﯾﺔ ﻟﺗراﻛم ﻛﻣﻲ‪ ،‬اﻣﺗد إﻟﻰ ﺧﻣﺳﯾن ﺳﻧﺔ ﻣن ﻗﺑل‪ ،‬ﺣﯾن‬
‫راﺣت اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ ﺗطرح وﻋﯾﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً ﺟدﯾدا ً ﻣﺧﺗﻠﻔﺎً‪ ،‬ﺑﻘدر ﻣﺎ‪ ،‬ﻋن اﻟوﻋﻲ اﻟﺳﺎﺋد‪.‬‬
‫وﯾﺑﻘﻰ أن ﻧؤﻛد أن اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ﺑﺄﻧﺳﺎﻗﮫ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻗد أﻧﺗﺞ ﻣﻌرﻓﺔ ﻧﻘدﯾﺔ‬
‫ﺑﺎﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬ﻻﯾﻣﻛن اﻟﺗﻘﻠﯾل ﻣن أھﻣﯾﺗﮭﺎ ﺑﺣﺎل ﻣن اﻷﺣوال‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻻﯾﻣﻛن‬
‫ﺗﺟﺎوزھﺎ ﻓﻲ أي ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﻣﻣﻛﻧﺔ‪ .‬ﻓﻌﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ﺛﻣﺔ إﺷﻛﺎﻟﯾﺎت ﻓﻲ ﻓﮭم ھذا‬
‫اﻟﻧﻘد ﻟﻠﺣداﺛﺔ‪ ،‬إﻻ أن ذﻟك ﻻﯾؤدي إﻟﻰ اﻟﻘول إن ھذا اﻟﻧﻘد ﻗﺎﺻر ﻋن وﻋﻲ ظﺎھرة‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬أو أﻧﮫ ﻟم ﯾﺳﺗطﻊ اﻟﻛﺷف ﻋﻣﺎ ھو إﯾﺟﺎﺑﻲ أو ﺳﻠﺑﻲ ﻓﯾﮭﺎ‪.‬‬

‫‪- 20 -‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 21 -‬‬
‫اﻟــﮭﻮاﻣـــﺶ ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ رزوق‪ ،‬أﺳﻌﺪ‪ :‬اﻷﺳﻄﻮرة ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪ .‬ﻣﻨﺸﻮرات ﻣﺠﻠﺔ اﻵﻓﺎق‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪،‬‬
‫‪.1959‬ص‪.107:‬‬
‫‪ 2‬ـ ﺟﯿﺪة‪ ،‬د‪.‬ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﯿﺪ‪ :‬اﻻﺗﺠﺎھﺎت اﻟﺠﺪﯾﺪة ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪ .‬ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻧﻮﻓﻞ‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪،‬‬
‫‪. 1980‬ص‪112 :‬‬
‫‪ 3‬ـ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ‪ ،‬ﻋﺰ اﻟﺪﯾﻦ‪ :‬اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪ .‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ ،‬ط‪ .1981 ،1:‬راﺟﻊ‬
‫اﻟﻔﺼﻠﯿﻦ اﻷول واﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﺎب اﻟﺜﺎﻟﺚ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ اﻟﺸﺮﯾﻒ‪ ،‬ﺟﻼل ﻓﺎروق‪ :‬اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ ـ اﻷﺻﻮل اﻟﻄﺒﻘﯿﺔ واﻟﺘﺎرﯾﺨﯿﺔ‪ .‬اﺗﺤﺎد اﻟﻜﺘﺎب‬
‫اﻟﻌﺮب‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪ . 1976 ،‬ص‪5:‬ـ‪6‬‬
‫‪5‬ـ ﺧﻨﺴﺔ‪ ،‬وﻓﯿﻖ‪ :‬دراﺳﺎت ﻓﻲ اﻟ ﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺴﻮري‪ .‬دﯾﻮان اﻟﻤﻄﺒﻮﻋﺎت اﻟﺠﺎﻣﻌﯿﺔ‪ ،‬اﻟﺠﺰاﺋﺮ‪،‬‬
‫‪.1981‬ص‪.15:‬‬
‫‪6‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.79:‬‬
‫‪ 7‬ـ ﺑﺎروت‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ ﺟﻤﺎل‪ :‬اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻷوﻟﻰ‪ .‬اﺗﺤﺎد ﻛﺘﺎب وأدﺑﺎء اﻹﻣﺎرات‪ ،‬اﻟﺸﺎرﻗﺔ‪ ،‬ط‪،1:‬‬
‫‪. 1991‬ص‪.92 :‬‬
‫‪ 8‬ـ اﻟﻤﺮﻋﻲ‪ ،‬د‪.‬ﻓﺆاد‪ :‬اﻟﻤﺆﺛﺮات اﻷﺟﻨﺒﯿﺔ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ‪ .‬ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻷدﺑﻲ ـ ﻋﺪد‪:‬‬
‫‪ .194/193‬دﻣﺸﻖ‪.1987 ،‬ص‪.53:‬‬
‫‪ 9‬ـ ﻻﺑﺄس ﻣﻦ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أﻧﻨﺎ ﻛﻨﺎ ﻗﺪ أﺧﺬﻧﺎ ﺑﮭﺬا اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ‪ ،‬ﻓﻲ أطﺮوﺣﺘﻨﺎ ﻟﻠﺪﻛﺘﻮراه "اﻟﻘﯿﻢ اﻟﺠﻤﺎﻟﯿﺔ‬
‫ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ" ﻋﺎم‪.1989‬‬
‫‪ 10‬ـ اﻟﻨﻮﯾﮭﻲ‪ ،‬د‪ .‬ﻣﺤﻤﺪ‪ :‬ﻗﻀﯿﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺠﺪﯾﺪ‪ .‬دار اﻟﻔﻜﺮ‪ ،‬ط‪.1971 ،2:‬ص‪.98:‬‬
‫‪ 11‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.94:‬‬
‫‪ 12‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.98 :‬‬
‫‪ 13‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.95:‬‬
‫‪ 14‬ـ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ‪ ،‬ﻧﺎزك‪ :‬ﻗﻀﺎﯾﺎ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪ .‬دار اﻟﻌﻠﻢ ﻟﻠﻤﻼﯾﯿﻦ‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ ،‬ط‪ ،5:‬ص‪56:‬ـ‪65‬‬
‫‪ 15‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.56 :‬‬
‫‪16‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪،‬ص‪.57:‬‬
‫‪ 17‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.63:‬‬
‫‪ 18‬ـ اﻟﻨﻮﯾﮭﻲ‪ ،‬اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪231:‬ـ‪.248‬‬
‫‪ 19‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.231 :‬‬
‫‪ 20‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪239:‬‬
‫‪ 21‬ـ راﺟﻊ‪ :‬اﻟﻤﻌﺪاوي‪ ،‬أﺣﻤﺪ‪ :‬اﻟﺒﻨﯿﺔ اﻹﯾﻘﺎﻋﯿﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة ﻟﻠﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ‪ .‬ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﻮﺣﺪة"‪ .‬اﻟﻌﺪد‪:‬‬
‫‪ .83/82‬اﻟﺮﺑﺎط‪ .1991 ،‬ﺣﯿﺚ ﯾﻌﺮض اﻟﺪارس ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻤﺤﺎوﻻت ﻣﺒﯿﻨﺎ ً ﻣﺎﻓﯿﮭﺎ ﻣﻦ ﻗﺼﻮر أو‬
‫ﻣﻐﺎﻟﻄﺔ‪.‬‬
‫‪- 22‬‬
‫‪SELDEN, RAMAN, AREADERS GUIDE‬‬ ‫‪TO‬‬ ‫‪CONTEMPORARY‬‬
‫‪LITERARY THEORY. LONDON: 1988.P.9.‬‬
‫‪ 23‬ـ اﻟﻤﻌﺪاوي‪ :‬اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ .‬ص‪.57:‬‬
‫‪ 24‬ـ اﻟﯿﻮﺳﻒ‪ ،‬ﯾﻮﺳﻒ ﺳﺎﻣﻲ‪ :‬اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪ .‬اﺗﺤﺎد اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮب‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪.1980 ،‬‬
‫ص‪.44:‬‬
‫‪ 25‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪42:‬‬
‫‪26‬ـ ﻧﻔﺴﮫ ‪،‬ر‪: 1‬ص ‪42 :‬ـ‪.43‬‬
‫‪ 27‬ـ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ‪ :‬اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.225 :‬‬
‫‪ 28‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.231 :‬‬

‫‪- 22 -‬‬
‫‪ 29‬ـ ﺟﺒﺮا‪ ،‬ﺟﺒﺮا إﺑﺮاھﯿﻢ‪ :‬اﻟﻤﻔﺎزة واﻟﺒﺌﺮ وﷲ‪ .‬ﻣﺠﻠﺔ "ﺷﻌﺮ"‪ .‬اﻟﻌﺪد‪ .8/7 :‬ﺻﯿﻒ‪ .1958‬ص‪.57:‬‬
‫‪ 30‬ـ رزوق‪ :‬اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ .‬ﺣﯿﺚ ﯾﺪرس أوﻟﺌﻚ اﻟﺸﻌﺮاء ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻤﻨﻈﻮر‪.‬‬
‫‪ 31‬ـ وھﻮ‪ :‬أﺳﻄﻮرة اﻟﻤﻮت واﻻﻧﺒﻌﺎث ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ‪ .‬اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪،‬‬
‫‪.1978‬‬
‫‪ 32‬ـ اﻟﯿﻮﺳﻒ‪ :‬اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪43 :‬ـ‪.44‬‬
‫‪ 33‬ـ اﻟﯿﺎﻓﻲ‪ ،‬د‪.‬ﻧﻌﯿﻢ‪ :‬ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﺪراﺳﺔ اﻟﺼﻮرة اﻟﻔﻨﯿﺔ‪ .‬وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪ .1982 ،‬ص‪8 :‬‬
‫‪ 34‬ـ اﻟﯿﺎﻓﻲ‪ ،‬د‪.‬ﻧﻌﯿﻢ‪ :‬اﻟﺼﻮرة ﻓﻲ اﻟﻘﺼﯿﺪة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة‪ .‬ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻷدﺑﻲ"‪ ،‬اﻟﻌﺪد‪:‬‬
‫‪ .256/255‬دﻣﺸﻖ‪ .1992 ،‬ص‪.46:‬‬
‫‪ 35‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.26:‬‬
‫‪ 36‬ـ اﻟﯿﺎﻓﻲ‪ ،‬د‪.‬ﻧﻌﯿﻢ‪ :‬ﺗﻄﻮر اﻟﺼﻮرة اﻟﻔﻨﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ‪ .‬اﺗﺤﺎد اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮب‪،‬‬
‫دﻣﺸﻖ‪.1983 ،‬ص‪.364 :‬‬
‫‪ 37‬ـ اﻟﯿﺎﻓﻲ‪ :‬اﻟﺼﻮرة ﻓﻲ اﻟﻘﺼﯿﺪة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة‪ .‬ص‪.46:‬‬
‫‪ 38‬ـ ﺷﻜﺮي‪ ،‬د‪ .‬ﻏﺎﻟﻲ‪ :‬ﺷﻌﺮﻧﺎ اﻟﺤﺪﯾﺚ إﻟﻰ أﯾﻦ؟‪ .‬دار اﻵﻓﺎق اﻟﺠﺪﯾﺪة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ ،‬ط‪ .1978 ،2:‬ص‪:‬‬
‫‪.13‬‬
‫‪ 39‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.12 :‬‬
‫‪ 40‬ـ أدوﻧﯿﺲ‪ :‬زﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ‪ .‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت ‪ ،‬ط‪ .1983 ،3:‬ص‪.9:‬‬
‫‪ 41‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.12:‬‬
‫‪ 42‬ـ ﺑﺎروت‪ :‬اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ر‪ :1‬ص‪45:‬ـ‪.52‬‬
‫‪ 43‬ـ أدوﻧﯿﺲ‪ :‬اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪10:‬ـ ‪.13‬‬
‫‪ 44‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.14:‬‬
‫‪ 45‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.15:‬‬
‫‪ 46‬ـ داود‪ ،‬أﺣﻤﺪ ﯾﻮﺳﻒ ‪ :‬ﻟﻐﺔ اﻟﺸﻌﺮ‪ .‬وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪.1980 ،‬ص‪.254 :‬‬
‫‪|‬‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 23 -‬‬


‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ‬

‫اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ‬
‫ﻓﻲ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ‬

‫* ﺗﻤﮭﯿﺪ‪:‬‬
‫‪AESTHETIC CONSCIOUSNESS‬‬ ‫ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‬
‫ً‬
‫ﯾﺷ ّﻛل اﻷﺳﺎس اﻟذي اﻧطﻠﻘت ﻣﻧﮫ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬إﻻ أﻧﮫ ﺑﻘﻲ ﺛﺎﻧوﯾﺎ أو‬
‫ھﺎﻣﺷﯾﺎًﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬ﻓﻲ إﺟﺎﺑﺗﮫ ﻋﻣﺎ ھو أﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ ھذه‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ‪ .‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ھذا اﻟﻧﻘد ﻟم ﯾﻛد ﯾﺗرك ظﺎھرة ﻣن ظواھر اﻟﺣداﺛﺔ‬
‫اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬ﻣن دون ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ أو دراﺳﺔ ﻧﻘدﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اھﺗﻣﺎﻣﮫ ﺑﻣﺎ ھو ﺟﻣﺎﻟﻲ ﻋﺎﻣﺔ ﺑﻘﻲ‬
‫أﻗل ﻗﯾﻣﺔ ﻣن اھﺗﻣﺎﻣﺎﺗﮫ اﻷﺧرى‪.‬‬
‫وﻟﻌل اﻟﺳﺑب اﻷﺑرز ﻓﻲ ذﻟك ﯾﻛﻣن ﻓﻲ ﻗﻠﺔ ﻋﻧﺎﯾﺔ ھذا اﻟﻧﻘد ﺑﻌﻠم اﻟﺟﻣﺎل‬
‫‪ AESTHETICS‬ﺗﻧظﯾرا ً وﺗطﺑﯾﻘﺎً‪ .‬وھو ﻣﺎاﻧﻌﻛس ﺳﻠﺑﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺑﻌض أطروﺣﺎت ھذا‬
‫اﻟﻧﻘد‪ ،‬ﻣن ﻣﺛل ﻋدم اﻟرﺑط‪ ،‬أو ﺿﺂﻟﺗﮫ‪ ،‬ﺑﯾن اﻟظﺎھرة اﻟﺷﻛﻠﯾﺔ وأﺳﺎﺳﮭﺎ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬وﻣن‬
‫ﻣﺛل ﺗﺣوﯾل اﻟﺟزﺋﻲ إﻟﻰ ﻛﻠﻲ‪ ،‬وﺗﻌﻣﯾم اﻟﺧﺎص ﺑﮭذا اﻟﺷﺎﻋر أو ذاك ﻋﻠﻰ اﻟﺣداﺛﺔ‬
‫اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ؛ وﻣن ﻣﺛل اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ ھذا اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻔﻧﻲ أو ذاك ﺑﻣﻌزل ﻋن‬
‫اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻷﺧرى ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﻋن اﻟﻣﺿﻣون اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ‪ .‬وﻻﺷك ﻓﻲ‬
‫أﻧﻧﺎ ﻻﻧﺗﮭم اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ﺑﺎﻟﻘﺻور ﻋن وﻋﻲ ظﺎھرة اﻟﺣداﺛﺔ‪ .‬إذ إن واﻗﻊ اﻟﺣﺎل‬
‫ﯾؤﻛد أن ھذا اﻟﻧﻘد‪ ،‬ﻓﻲ ﻣﻌظﻣﮫ‪ ،‬ﻛﺎن ﻋﻠﻰ درﺟﺔ ﻋﺎﻟﯾﺔ ﻣن اﻟﻔﮭم واﻟﺗﺑﺻر ﺑﮭذه‬
‫اﻟظﺎھرة‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ درﺟﺔ ﻣن اﻟﻣﺗﺎﺑﻌﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻟﮭﺎ‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﻟم ﯾﺳﺑﻖ ﻟﮫ ﻣﺛﯾل ﻓﻲ‬
‫ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ‪ .‬ﺑﺣﯾث ﯾﻣﻛن اﻟﻘول إن ﺣرﻛﺔ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻟم ﯾﻛن ﻟﮭﺎ أن‬
‫ﺗﺄﺧذ ﻣﺎأﺧذﺗﮫ ﻣن أھﻣﯾﺔ ﻛﺑرى ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة‪ ،‬ﺑﮭذه اﻟﺳرﻋﺔ‬
‫اﻟﻘﺻوى؛ ﻟو ﻟم ﺗﺻﺎﺣﺑﮭﺎ ﺣرﻛﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﻧﺷطﺔ‪ ،‬ﺗﺗﻧﺎوﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟدرس واﻟﺑﺣث واﻟﻌﻧﺎﯾﺔ‪،‬‬
‫وﺗﺗﺣ ّﻣس ﻟﻣﺎ ﺗطرﺣﮫ ﻣن ﺟدﯾد ﯾﺧﺗﻠف ﻋﻣﺎ ھو ﻣﻌﮭود ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬وﯾﺗﻼءم‬
‫وﻣﻧطﻖ اﻟﺗﺣدﯾث اﻟذي ﯾﺗﺑﻧﺎه اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻋﺎﻣﺔ‪.‬‬
‫‪- 24 -‬‬
‫وﻟﻛن اﻟﻼﻓت ﻟﻠﻧظر ﻓﻲ ھذا اﻟﻧﻘد ھو ﻏﯾﺎب اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﻧﻘدي‪ ،‬أو ﺿﺂﻟﺗﮫ‪،‬‬
‫ﻟﻌﻼﻗﺔ ظﺎھرة اﻟﺣداﺛﺔ ﺑﺎﻟظﺎھرة اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬واﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﺧﺎﺻﺔ‪ .‬وﻣﻌظم‬
‫ﻣﺎﯾﻘﺎل ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ أو ﺗﻠك ﻋن ھذه اﻟﻌﻼﻗﺔ ھو أن ﺛﻣﺔ ذوﻗﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً‬
‫ﺟدﯾدا ً راح ﯾﺗﺑﻠور ﻋرﺑﯾﺎً؛ أو أن ﺗﻐﯾرا ً ﻣﺎ ﻗد طرأ ﻋﻠﻰ طﺑﯾﻌﺔ اﻻﺳﺗﯾﻌﺎب اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‬
‫ﻓﻲ اﻹﺑداع واﻟﺗﻠﻘﻲ؛ أو أن اﻟﺷﻌر اﻟﺣدﯾث ذو ﺑﻧﯾﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﻐﺎﯾرة وﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻋن‬
‫اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم‪ .‬وﻟﻛن ﻣﺎھﻲ طﺑﯾﻌﺔ ھذا اﻟذوق اﻟﺟدﯾد أو اﻟﺗﻐﯾر أو اﻟﺑﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫ھذا ﻣﺎﯾﺳﻛت ﻋﻧﮫ اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣﻛﺗﻔﯾﺎ ً ﺑﺎﻹﺷﺎرة أو اﻟﺗﻘرﯾر‪ .‬وﻛﺄن اﻷﻣر ﺑدھﻲ‬
‫ﻻﺧﻼف ﺣوﻟﮫ‪ ،‬أو ﻛﺄﻧﮫ ﻻﯾﺳﺗﺄھل اﻟﻣﻌﺎﻟﺟﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ‪ .‬وﻻﺷك ﻓﻲ أن ﻣﺎﯾﻘرره ھذا اﻟﻧﻘد‬
‫ﺻﺣﯾﺢ ﻓﻲ ﺟوھره‪ .‬ﻏﯾر أن ھذا اﻟﺻﺣﯾﺢ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺗﺳوﯾﻎ ﻋﻠﻣﻲ وﻣﻌﺎﻟﺟﺔ ﻧﻘدﯾﺔ‬
‫ﺗﺑﯾّن طﺑﯾﻌﺗﮫ واﻧﻌﻛﺎﺳﺎﺗﮫ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﺗﺑﯾن ﻣﺳﺗوﯾﺎﺗﮫ اﻟﺗﻌﺑﯾرﯾﺔ‪.‬‬
‫إن اﻟﻔن ﺑوﺻﻔﮫ "أﻋﻠﻰ أﺷﻛﺎل ﺗﻣﻠك اﻟواﻗﻊ ﺑﺣﺳب ﻣﻘﺎﯾﯾس اﻟﺟﻣﺎل")‪ ،(1‬إﻧﻣﺎ‬
‫ھو ﻧﺗﺎج اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﻧﻣط ﻣن أﻧﻣﺎطﮫ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻛﺛف اﻟﺗﺟرﺑﺔ‬
‫اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺗﻛﺛﯾﻔﺎ ً ﻓﻧﯾﺎ ً راﻗﯾﺎً‪ ،‬ﻣن ﻣﻧظور ذاﺗﻲ ﺗﺧﯾﻠﻲ ﺗﻘوﯾﻣﻲ‪ .‬ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ أن إﺣﺎﻟﺔ‬
‫اﻟﻔن ﻋﻠﻰ اﻟواﻗﻊ ﻻﯾﻣﻛن أن ﺗﻛون إﺣﺎﻟﺔ ﻣﺑﺎﺷرة‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ أﻧﮫ ﻻﯾﻣﻛن رﺑطﮫ ﺑﻣﺎ ھو‬
‫ﻓردي ﺻرف‪ .‬وﻟﻌﻠّﮫ ﻣن اﻟﻣﻔﯾد أن ﻧﺳﺗﺄﻧس ﺑﻣﺎ ﯾؤﻛده ﻏوﻟدﻣﺎن‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪،‬‬
‫ﻰ ذھﻧﯾﺔ ﻣﺎوراء ﻓردﯾﺔ ﺗﻧﺗﻣﻲ إﻟﻰ ﻣﺟﻣوﻋﺔ‬ ‫وذﻟك ﺑﻣﻘوﻟﺗﮫ ﺑﺻدور اﻟﻔن ﻋن ﺑﻧ ً‬
‫ﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬وھﻲ ﺗﺗﺷﻛل‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻧﺣو داﺋم‪ ،‬وﺗﻧﺣ ّل ﻓﻲ ﻣﺟﻣوﻋﺎت اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺣﯾن ﺗﻌدّل‬
‫ﺻورﺗﮭﺎ ﻋن اﻟﻌﺎﻟم ﻛﺈﺳﺗﺟﺎﺑﺔ ﻟﺗﻐّﯾﱡر اﻟواﻗﻊ أﻣﺎﻣﮭﺎ‪ .‬وﺗﺑﻘﻰ ھذه اﻟﺻور اﻟذھﻧﯾﺔ‬
‫ﻣﻌروﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو رديء‪ ،‬وﻧﺻف ﻣدرﻛﺔ ﻓﻲ ﺷﻌور اﻟﻣﻣﺛﻠﯾن اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﯾن؛ ﻏﯾر‬
‫أن اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌظﺎم ھم اﻟﻘﺎدرون ﻋﻠﻰ ﺑﻠورة ﺗﻠك اﻟﺻور ﻓﻲ ﺷﻛل واﺿﺢ‬
‫ﻣﺗﻣﺎﺳك) ‪(2‬‬
‫إن اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ھو أﺣد ﺗﻠك اﻟﺻور اﻟذھﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ راﺣت ﺗﺗﺷﻛل‬
‫ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬ﺑﻔﻌل اﻟﻣﺳﺗﺟدات اﻟﻣﺗﻌدّدة واﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ اﻟﺗﻲ ﺑدأت‬
‫ﺑﺎﻟﺑروز‪ ،‬ﻣﻧذ أواﺋل اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن‪ .‬وﻣن ھﻧﺎ‪ ،‬ﻓﺈن ﺗﺑﯾﺎن ھذا اﻟوﻋﻲ ھو ﻓﻲ أﺳﺎﺳﮫ‬
‫ﺗﺑﯾﺎن ﻟﻠﺧﻠﻔﯾﺔ اﻟﻧﺎظﻣﺔ ﻟﻠﺣداﺛﺔ اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬واﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻣﻧﮭﺎ ﺧﺎﺻﺔ‪.‬‬
‫وﻧرى أن اﻟﺗﺻﻧﯾف اﻟﻣدرﺳﻲ ﻟﮭذه اﻟظﺎھرة اﻟﻔﻧﯾﺔ أو ﺗﻠك ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻧطﻠﻖ‬
‫أوﻻً ﻣن ﺗﺣدﯾد طﺑﯾﻌﺔ اﻟوﻋﻲ اﻟذي ﯾﻘف ﺧﻠﻔﮭﺎ‪ .‬أﻣﺎ أن ﻧﻧطﻠﻖ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺗﺻﻧﯾف‪ ،‬ﻣن‬
‫اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﻔﻧﯾﺔ وﺣﺳب‪ ،‬ﻓﺈن ﻓﻲ ذﻟك ﻗﺻورا ً ﻋن اﺳﺗﯾﻌﺎب اﻟظﺎھرة ﻧﻘدﯾﺎً‪.‬‬
‫وﻻﺷك ﻓﻲ أﻧﮫ ﻻﯾﺟوز اﻟﻔﺻل ﺑﯾن اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ واﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﻔﻧﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻟﻛن ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎﺑل‪ .‬ﻓﺈن ﻛﺛﯾرا ً ﻣن ﺗﻠك اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﻋﺎﻣﺎ ً وﺷﺎﺋﻌﺎ ً ﺑﯾن‬
‫ﻣﺧﺗﻠف اﻟﺣرﻛﺎت اﻟﺷﻌرﯾﺔ أو اﻟﻣدارس اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺔ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ‪ .‬ﻏﯾر أن‬
‫ھذا ﻻﯾﻌﻧﻲ ﻋدم أھﻣﯾﺔ ﺗﻠك اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻓﻲ اﻟﺗﺻﻧﯾف‪ .‬إذ إن اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻻﯾﻣﻛن‬
‫اﺳﺗﻘراؤه ﻣن دوﻧﮭﺎ‪ ،‬ﻓﮭﻲ اﻟﺣﺎﻣل اﻟﻣﺎدي ﻟﮫ أو ھﻲ ﺷﻛﻠﮫ اﻟﻣﺷ ّﺧص ﻣﺎدﯾﺎً‪ ،‬وﻻﺳﯾﻣﺎ‬
‫ﺣﯾن ﺗﻛون ﺗﻌﺑﯾرا ً ﻣﺑﺎﺷرا ً ﻋﻧﮫ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﺣﺻل ﻣﻊ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ .‬ﻓﻣﺎ ھﻲ‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 25 -‬‬


‫طﺑﯾﻌﺔ اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪ .‬وﻣﺎﻋﻼﻗﺗﮫ ﺑﺗﻠك اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت‪ ،‬وﺑﻣﺎذا ﯾﺗﻣﯾز ﻣن‬
‫ﻧظﯾره اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ؟‪.‬‬
‫ﯾﻣﻛن ﺗﻌرﯾف اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻋﺎﻣﺔ ﺑﺄﻧﮫ اﻟوﻋﻲ اﻟذي ﯾﺗﻧﺎول اﻟظواھر‬
‫واﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ﺳﻣﺎﺗﮭﺎ اﻟﺣﺳﯾﺔ وأﺛرھﺎ ﻓﻲ اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟروﺣﯾﺔ ﻟﻠﻣﺗﻠﻘﻲ‪،‬‬
‫ﻣﻧطﻠﻘﺎ ً ﻣن اﻟﻣﻘﺎﯾﯾس اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ AESTHETIC STANDARDS‬اﻟﺗﻲ ﺗﺷﻛل ﻣﺿﻣوﻧﮫ‬
‫اﻟﻘﯾﻣﻲ‪ .‬وﯾﺗﻼءم اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ طرداً ﻣﻊ ﺗﻠك اﻟﻣﻘﺎﯾﯾس‪ ،‬ﺑﺣﯾث إن أي ﺗﻐﯾر ﯾطرأ‬
‫ﻋﻠﻰ واﺣد ﻣﻧﮭﻣﺎ‪ ،‬ﯾطرأ ﻋﻠﻰ اﻵﺧر ﺑﺎﻟﺿرورة‪ .‬ﻏﯾر أن ﺗﻐﯾر اﻟوﻋﻲ ﯾﻛﻣن ﻓﻲ‬
‫آﻟﯾﺗﮫ اﻟذھﻧﯾﺔ ـ اﻹﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺣﯾن أن ﺗﻐﯾر اﻟﻣﻘﺎﯾﯾس ﯾﻛﻣن ﻓﻲ اﻟﻣﺛل اﻟﻌﻠﯾﺎ اﻟﻧﺎظﻣﺔ‬
‫ﻟﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻠﯾس ﺛﻣﺔ وﻋﻲ ﺟﻣﺎﻟﻲ دون ﻣﻘﺎﯾﯾس‪ ،‬وﻟﯾس ﺛﻣﺔ ﻣﻘﺎﯾﯾس ﻣن دون ﻣﺛل ﻋﻠﯾﺎ‪.‬‬
‫وﺗدﺧل ھذه اﻷﻗﺎﻧﯾم‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﯾﺻﻌب ﻓﯾﮫ اﻟﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾﻧﮭﺎ‪ .‬إﻻ أﻧﮫ ﯾﻣﻛن اﻟﻘول إن اﻟوﻋﻲ‬
‫ھو اﻵﻟﯾﺔ اﻟذھﻧﯾﺔ ـ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻧﺗﺟﺔ ﻟﻠظﺎھرة‪ ،‬واﻟﻣﻘﺎﯾﯾس ھﻲ اﻟﻧﺎظﻣﺔ ﻟﮭﺎ‪ ،‬أﻣﺎ‬
‫اﻟ ُﻣﺛُل ﻓﮭﻲ اﻟﻣﻌﯾﺎر اﻷﻋﻠﻰ اﻟذي ﺗﺳﻌﻰ اﻟظﺎھرة إﻟﻰ ﺗﺷﺧﯾﺻﮫ وﺗﻣﺛﯾﻠﮫ ﺑوﺳﺎطﺔ ﺗﻠك‬
‫اﻟﻣﻘﺎﯾﯾس‪.‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ أﻛﺛر ﺛﺑﺎﺗﺎً‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ‪ ،‬ﻣن‬
‫أﺷﻛﺎل اﻟوﻋﻲ اﻷﺧرى‪ ،‬إﻻ أن ھذا ﻻﯾؤدي إﻟﻰ اﻟﻘول ﺑﺛﺑﺎﺗﮫ اﻟﻣطﻠﻖ‪ .‬ﻓﺑﻣﺎ أﻧﮫ ﻧﺗﺎج‬
‫اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﺗﺎرﯾﺧﻲ‪ ،‬ﻓﺈن ﻗﺎﺑﻠﯾﺗﮫ ﻟﻠﺗﻐﯾر واﻟﺗﺑدل أﻣر ﻻﺷك ﻓﯾﮫ‪ .‬وﺗﺑدو ھذه اﻟﻘﺎﺑﻠﯾﺔ‬
‫أﻛﺛر وﺿوﺣﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻣراﺣل اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺳم ﺑﻧﮭوض ـ أو ﻧﻛوص ـ ﺛﻘﺎﻓﻲ‬
‫ﻗﯾﻣﻲ ﺷﺎﻣل‪ .‬وﺑﻣﺎ أن اﻟﻔن أﻋﻠﻰ أﺷﻛﺎل ﺗﻣﻠّك اﻟواﻗﻊ ﺑﺣﺳب ﻣﻘﺎﯾﯾس اﻟﺟﻣﺎل‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ‬
‫اﻟﻣؤﺷر اﻷﻛﺛر ﻣﺻداﻗﯾﺔ ﻓﻲ اﻟدﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻟﺗﺑدل أو اﻟﺗﻐﯾر ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪،‬‬
‫إذ إن ﻣﺎﯾﺻﯾب ھذا ﯾﻧﻌﻛس ﻓﻲ ذاك ﺑﺎﻟﺿرورة‪ .‬وﻟﻌﻠﻧﺎ ﻻﻧﺟﺎﻧب اﻟﺻواب إذا‬
‫ﻣﺎذھﺑﻧﺎ إﻟﻰ أن اﻟﺗﻐﯾر اﻟﺟزﺋﻲ اﻟذي أﺻﺎب اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟﻌﺑﺎﺳﻲ‬
‫وﻓﻲ اﻷﻧدﻟس ﯾﺗﻼءم واﻟﺗﻐﯾر اﻟﺟزﺋﻲ اﻟذي أﺻﺎب اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻔﺗرﺗﯾن اﻟﻌﺑﺎﺳﯾﺔ واﻷﻧدﻟﺳﯾﺔ ‪ ،‬ﻛﻣﺎ أن اﻟﺗﻐﯾر اﻟﻛﻠﻲ اﻟذي ﺟﺎءت ﺑﮫ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‬
‫اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﯾﺗﻼءم واﻟﺗﻐﯾر اﻟﻛﻠﻲ اﻟذي أﺻﺎب اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ .‬ھذا اﻟوﻋﻲ‬
‫اﻟذي ظﮭرت ﻣﻼﻣﺣﮫ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﯾﺎء‪ ،‬ﻓﻲ أواﺋل اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن‪ ،‬ﻣﻊ‬
‫اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬وﻻأد ّل ﻋﻠﻰ ھذا ﻣن اﺗﺳﺎع رﻗﻌﺔ اﻟﻔﻧون اﻷدﺑﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ‪ .‬ﺣﯾث‬
‫ﻟم ﯾﻌد اﻟﺷﻌر ھو اﻹﺑداع اﻷدﺑﻲ اﻷوﺣد أو اﻷﻛﺛر أھﻣﯾﺔ‪ .‬ﺑل أﺻﺑﺢ أﺣد ﻓﻧون‬
‫اﻷدب إﻟﻰ ﺟﺎﻧب اﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ واﻟرواﯾﺔ واﻟﻘﺻﺔ اﻟﻘﺻﯾرة‪ .‬وﻻﺷك ﻓﻲ أن دﺧول ھذه‬
‫اﻟﻔﻧون إﻟﻰ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ﯾﻌﻧﻲ‪ ،‬ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻌﻧﯾﮫ‪ ،‬اﺗﺳﺎع اﻟﺣﺎﺟﺎت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‬
‫ﻲ ﻋن اﻟﺗوﻛﯾد‬ ‫وﺗﻧوﻋﮭﺎ ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬واﺧﺗﻼف اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى‪ .‬وﻏﻧ ﱞ‬
‫أن اﻟﻣﺛﺎﻗﻔﺔ ‪ ACCULTURATION‬ﻣﻊ اﻟﻐرب اﻷورﺑﻲ ﻛﺎن ﻟﮭﺎ دور ﻓﺎﻋل ﻓﻲ ذﻟك‪،‬‬
‫ﻏﯾر أﻧﮭﺎ ﻟم ﺗﻛن‪ ،‬ﺑﺣﺎل ﻣن اﻷﺣوال‪ ،‬ھﻲ اﻷﺳﺎس ﻓﯾﮫ‪ .‬إذ إن اﻟﺧﺎرج ﻻﯾﻣﻛﻧﮫ أن‬
‫ﯾؤﺛر ﺗﺄﺛﯾراً ﻓﺎﻋﻼً ﻓﻲ اﻟداﺧل‪ ،‬إﻻ ﺑﺣﺳب اﻟﺿرورات واﻟﺣﺎﺟﺎت اﻟداﺧﻠﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻘد ﺟﺎءت اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺗﻠﺑﯾﺔ ﻟﺣﺎﺟﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻧﺎﺷﺋﺔ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‬
‫اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬وﺗﻌﺑﯾرا ً ﻋن وﻋﻲ ﺟﻣﺎﻟﻲ راح ﯾﺗﺑﻠور ﻋﺑر ﻧﺻف ﻗرن ﺗﻘرﯾﺑﺎً‪.‬‬
‫‪- 26 -‬‬
‫وإذا ﻛﺎن ھذا اﻟوﻋﻲ ﻗد ارﺗﺑط ﺗﺎرﯾﺧﯾﺎ ً ﺑظﮭور ﻗوى اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ﻛﺎﻟطﺑﻘﺔ‬
‫اﻟوﺳطﻰ‪ ،‬واﻟﻔﺋﺔ اﻟﻣﺛﻘﻔﺔ ﻣﻧﮭﺎ ﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬ﻓﻼﯾؤدي ذﻟك إﻟﻰ أن ھذا اﻟوﻋﻲ ﺧﺎص ﺑﺗﻠك‬
‫اﻟطﺑﻘﺔ‪ ،‬أو ﯾﻣﻛن أن ﯾزول ﺑزوال ﺻدارﺗﮭﺎ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ ،‬أو أن ﯾﻛون اﻧﻌﻛﺎﺳﺎ ً‬
‫‪ REFLECTION‬ﻋن طﺑﯾﻌﺗﮭﺎ اﻟطﺑﻘﯾﺔ وأطروﺣﺎﺗﮭﺎ اﻷﯾدوﻟوﺟﯾﺔ‪.‬‬
‫ﯾﺗﻣﯾز اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻣن اﻟوﻋﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ‬
‫اﻟﻌرﺑﻲ ﺑﻌدة ﺳﻣﺎت ﺗﺟﻌﻠﮫ وﻋﯾﺎ ً ﺟدﯾدا ً ﺑﻛل ﻣﺎﺗﻌﻧﯾﮫ اﻟﻛﻠﻣﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﺗﺟﻌل ﻧﺗﺎﺟﮫ‬
‫اﻟﺷﻌري ﻣﺧﺗﻠﻔﺎ ً ﻋن اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ واﻟﺗﻘﻠﯾدي اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ .‬وﻓﯾﻣﺎﯾﻠﻲ‬
‫ﻧﺗﺣدث ﻋﻧﮭﺎ‪ ،‬وﻋن ﺗﺟﻠﯾﺎﺗﮭﺎ ﻓﻧﯾﺎً‪ ،‬وﻋﻣﺎ ﯾﻘﺎﺑﻠﮭﺎ ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ اﻟﺘﺠﺎدﻟﯿﺔ‪:‬‬
‫ﻟﻌل اﻟﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ)*( ﺗﻛون ھﻲ اﻟﺳﻣﺔ اﻟﺟوھرﯾﺔ ﻣن ﺑﯾن ﺳﻣﺎت اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‬
‫اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬ﻓﮭﻲ اﻟﺳﻣﺔ اﻷﻛﺛر ﺗﺑدﯾﺎً‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺷﻌر ﻓﻧﯾﺎ ً وﺟﻣﺎﻟﯾﺎً‪ .‬ﻓﻼﯾﻛﺎد ﻣﺳﺗوى ﻣن‬
‫ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﻧص اﻟﺷﻌري اﻟﺣداﺛﻲ ﯾﺧﻠو ﻣﻧﮭﺎ‪ ،‬أو ﻣن ﺑﻌض آﺛﺎرھﺎ‪ .‬ﺳواء أﻛﺎن ذﻟك‬
‫ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ أم ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻹﯾﻘﺎﻋﯾﺔ أم اﻟﺗﺻوﯾرﯾﺔ أم ﻋﻠﻰ‬
‫ﺻﻌﯾد اﻟﻘﯾم اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣطروﺣﺔ‪.‬‬
‫وﻛﻣﺎ ھو ﻣﻌﻠوم ‪ ،‬ﻓﺈن ھذه اﻟﺳﻣﺔ ﺗﺣﯾل ﻋﻠﻰ ﻓﮭم اﻟﻌﺎﻟم واﻟوﺟود اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ‬
‫ﻣن ﻣﻧظور اﻟﺗﻧﺎﻗض وﺗﺑﺎدل اﻟﺗﺄﺛﯾر ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾن اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء واﻟﻌﻧﺎﺻر‬
‫واﻟﺟواﻧب ‪...‬إﻟﺦ‪ .‬ﻓﻠﯾس ﺛﻣﺔ ﺷﻲء ﯾﻣﻛن أن ﯾوﺟد أو ﯾﺳﺗﻣر أو ﯾﻣوت‪ ،‬ﺑﻣﻌزل ﻋن‬
‫ﻋﻧﺎﺻر اﻟﻣﺣﯾط اﻟذي ھو ﻓﯾﮫ‪ ،‬أو ﺑﻣﻌزل ﻋن ﻣﺣﯾطﮫ ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬وھو ﻣﺎﯾﻧﻔﻲ إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ‬
‫اﺳﺗﻘﻼل اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء‪ ....‬ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻋن ﺑﻌﺿﮭﺎ اﻵﺧر‪ ،‬وﯾؤﻛد وﺟودھﺎ اﻟﻘﺎﺋم‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺎﻗض واﻟﺻراع وﺗﺑﺎدل اﻟﺗﺄﺛﯾر‪ .‬وﺑﻣﺎ أن اﻷﻣر ﻛذﻟك‪ ،‬ﻓﻠﯾس ھﻧﺎﻟك ﻣﺎھو‬
‫ﻧﺎﺟز ﺑﺷﻛل ﻧﮭﺎﺋﻲ‪ .‬إذ إن اﻟﺗطور واﻟﺗﺑدل واﻟﺗﻐﯾر ﻣن اﻟﺻﻔﺎت اﻟﻣﻼزﻣﺔ ﻟﻛل ﻣﺎھو‬
‫ﻣوﺟود‪ .‬وﻟﮭذا ﻟم ﯾﻌد اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻷﺷﯾﺎء ﯾﺗ ﱡم ﻣن ﺧﻼل اﻟﺛﺑﺎت أو اﻻﺳﺗﻘﻼل أو‬
‫اﻟﻛﻣﺎل‪ .‬إن ﻛل ﺷﻲء ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾؤﺧذ ﻓﻲ ﺗﺟﺎدﻟﮫ ﻣﻊ اﻷﺷﯾﺎء اﻷﺧرى‪ ،‬ﻣن دون أن‬
‫ﯾﻌﻧﻲ ذﻟك إﻏﻔﺎل اﻟﺗﻣﯾز اﻟذاﺗﻲ اﻟﺧﺎص ﺑﮫ‪.‬‬
‫ﺗﻠك ھﻲ اﻟﺧﻠﻔﯾﺔ اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ ﻟﻠوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪ .‬ﺣﯾث راح ھذا اﻟوﻋﻲ‬
‫ﯾﺗﺳم ﺑﺂﻟﯾﺔ ذھﻧﯾﺔ ﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ‪ ،‬ﺗرى اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ وﺣدﺗﮫ اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺎﻗض واﻟﺻراع‬
‫ﻻﻋﻠﻰ اﻟﺗﻛﺎﻣل واﻟﺗﻧﺎظر‪ SYMMETRY‬ﻛﻣﺎ ھﻲ اﻟﺣﺎل ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‬
‫اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟذي ﺗﺷ ّﻛل اﻟﺗﻛﺎﻣﻠﯾﺔ اﻟﻣﯾﺗﺎﻓﯾزﯾﻘﯾﺔ ﺳﻣﺗﮫ اﻟﺟوھرﯾﺔ‪ .‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم‬
‫ﻣن أن اﻟﻣﺟﺎل ﻻﯾﺳﻣﺢ ﺑﺎﻟﺣدﯾث ﻋن ھذا اﻟوﻋﻲ‪ ،‬إﻻ أﻧﮫ ﺗﻣﻛن اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن‬
‫ﻣﻔﮭوم اﻟﻛﻣﺎل ﻣﻔﮭوم ﺟوھري ﻓﻲ اﻟﻔﻛر اﻟﻌرﺑﻲ ـ اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺳواء أﻛﺎن ذﻟك ﻋﻠﻰ‬

‫* ‪ -‬ﻟﻘﺪ ﻓﻀّﻠﻨﺎ اﺳﺘﺨﺪام ﻣﻔﺮدة اﻟﺘﺠﺎدل ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺪل ‪ . DIALECTIC‬وھﻤﺎ ﺑﻤﻌﻨﻰ واﺣﺪ‬
‫اﺻﻄﻼﺣﯿﺎً‪ .‬إﻻ أن ﻣﻔﺮدة اﻟﺘﺠﺎدل ﺗﻨﻄﻮي ﻟﻐﻮﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ ﻣﺎﻧﻘﺼﺪه ھﻨﺎ‪ .‬وھﻮ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ‪،‬‬
‫وﺗﺒﺎدل اﻟﺘﺄﺛﯿﺮ‪ ،‬واﻟﺘﺪاﺧﻞ‪ .‬وذﻟﻚ ﻟﻮزﻧﮭﺎ اﻟﺼﺮﻓﻲ "اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ" اﻟﺬي ﯾﺤﯿﻞ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ‪.‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 27 -‬‬
‫ﺻﻌﯾد اﻟوﺟود أم اﻟﻣﻌرﻓﺔ أم اﻟﻘﯾم ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬واﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﻧﮭﺎ ﺧﺎﺻﺔ)‪ .(3‬وﺑﺣﺳب ذﻟك‪،‬‬
‫ﻓﺈن ﻟﻛل ﻣوﺟود ﻛﻣﺎﻟﮫ اﻟﻼﺋﻖ ﺑﮫ‪ .‬وھو ﻛﺎﻣل ﻟﻣﺎ ﻓﯾﮫ ﻣن ﻋﻧﺎﺻر اﻟﻛﻣﺎل اﻟﺗﻲ‬
‫وھﺑﺗﮭﺎ إﯾﺎه اﻟﻣﺷﯾﺋﺔ اﻹﻟﮭﯾﺔ‪ .‬أي أن ھذه اﻟﻌﻧﺎﺻر ﻻﺗﺗﺄﺗﻰ ﻟﮫ ذاﺗﯾﺎ ً أو ﻣن اﻟﻣﺣﯾط‬
‫اﻟذي ھو ﻓﯾﮫ‪ .‬ﺑل ﺗﺣﺻل ﻟﮫ ﺑﺣﺳب ﻣﺎھو ﻣﻘرر إﻟﮭﯾﺎً‪ .‬وﺑﮭذا ﻓﺈن اﻟﻌﺎﻟم اﻟذي ھو‬
‫ﻛﺎﻣل ﺑﺎﻟﺿرورة‪ ،‬ﯾﻧطوي ﻋﻠﻰ ﻣوﺟودات ﻛﺎﻣﻠﺔ ذاﺗﯾﺎ ً وﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ ﻓﯾﻣﺎﺑﯾﻧﮭﺎ‪ ،‬وﻻﺷك‬
‫ﻓﻲ أن ھذا ﻻﯾﻠﻐﻲ ﺗﺑﺎدل اﻟﺗﺄﺛﯾر‪ .‬ﺑل ﯾﻠﻐﻲ اﻟﺗﻧﺎﻗض اﻟذي ھو ﺟوھر اﻟﺗطور ﺑﺣﺳب‬
‫اﻟﻔﮭم اﻟﺗﺟﺎدﻟﻲ‪.‬‬
‫ﻓﺄﺳﺎس اﻻﺧﺗﻼف‪ ،‬إذاً‪ ،‬ﺑﯾن اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ واﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى‬
‫اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﯾﻛﻣن ﻓﻲ أن اﻷول ﯾﻌﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ ﺗﻧﺎﻗﺿﮫ وﺗﺟﺎدﻟﮫ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺣﯾن أن‬
‫اﻟﺛﺎﻧﻲ ﯾﻌﯾﮫ ﻓﻲ ﺗﻛﺎﻣﻠﮫ وﺗﻧﺎظره ‪ ،‬وھو ﻣﺎأدى إﻟﻰ اﺧﺗﻼﻓﺎت ﻋدﯾدة ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ‪ .‬وﻟﻛن ﻗﺑل‬
‫ﻲ ﺑذﻛر ھذه اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت‪ ،‬ﻻﺑ ّد ﻣن اﻟﻘول إن اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻋﺎﻣﺔ ﻟﯾس وﻋﯾﺎ ً‬ ‫اﻟﻣﺿ ّ‬
‫ﻓﻠﺳﻔﯾﺎ ً ﻧظرﯾﺎ ً ﻟﻠﻌﺎﻟم أو اﻟوﺟود‪ .‬إﻧﮫ ﻗد ﯾﺗﻘﺎطﻊ أو ﯾﺗداﺧل ﻣﻊ ھذه اﻟﻧظرة اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ أو‬
‫ﺗﻠك‪ ،‬ﻣن دون أن ﯾﺗطﺎﺑﻖ وإﯾﺎھﺎ ﻛﻠﯾﺎً‪ .‬إذ ﻟو ﺣدث ذﻟك ﻻﻧﺗﻔﻰ ﻛوﻧﮫ وﻋﯾﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎً‪.‬‬
‫ھذا ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى‪ ،‬ﻗد ﺗﺧﺗﻠف اﻟﻧظرة اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ اﺧﺗﻼﻓﺎ ً ﺷدﯾداً‪ ،‬ﻣن ﻏﯾر‬
‫أن ﯾﻘود ذﻟك إﻟﻰ اﺧﺗﻼف ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬وﻟﻌل أﻛﺑر ﺷﺎھد ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬ھو‬
‫اﺳﺗﻣرار اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺟﺎھﻠﻲ ﺣﺗﻰ ﺑداﯾﺎت اﻟﻌﺻر اﻟﻌﺑﺎﺳﻲ اﻟذي أﺿﺎف ﺑﻌض‬
‫اﻟﺗﻐﯾﯾرات اﻟﺟزﺋﯾﺔ إﻟﯾﮫ‪ .‬وﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻟﺛﺔ‪ ،‬إن ﺗﺑﻧﻲ ھذا اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ أو ذاك‬
‫ﻻﯾﻌﻧﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة ﺗﺑﻧﯾﺎ ً ﻟﻣﺟﻣل اﻟﺧﻠﻔﯾﺔ اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺳﺗﻧد إﻟﯾﮭﺎ‪ .‬ﻓﻘد ﯾﻛون اﻟﺷﺎﻋر‬
‫ﺣداﺛﯾﺎ ً ﻣن دون أن ﯾﻧﺗﻣﻲ ﻓﻛرﯾﺎ ً إﻟﻰ اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﺟدﻟﯾﺔ ﺑﻘواﻧﯾﻧﮭﺎ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ ،‬واﻷﻣﺛﻠﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻛﺛﯾرة ﺟداً‪ .‬ﻛﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻧﺗﻣﻲ اﻟﺷﺎﻋر إﻟﻰ ﺗﻠك اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ‪ ،‬ﻏﯾر أن وﻋﯾﮫ‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ وﻋﻲ ﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﺻرف‪ .‬واﻟﺣﻖ أن ھذه ﻣن اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﻣﻌﻘدّة اﻟﺗﻲ ﺗﺣﺗﺎج‬
‫ﻣن اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن دراﺳﺔ ﻋﻠﻣﯾﺔ ﻣﺗﺄﻧﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻘد أدى ذﻟك اﻻﺧﺗﻼف إﻟﻰ اﻓﺗراق اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ﻋن اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ‪ ،‬ﻋﻠﻰ‬
‫ﺻﻌﯾد اﻟﻧظرة إﻟﻰ اﻟﺟﻣﺎل‪ .‬ﻓﺑﯾﻧﻣﺎ ﻛﺎن اﻟوﻋﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﯾﻣﯾل إﻟﻰ ﺗﻌرﯾف اﻟﺟﻣﺎل‬
‫ﺑﺄﻧﮫ اﻟﻛﻣﺎل اﻟﻣوﺻوف ﺑﺎﻻﻋﺗدال) ‪ ،(4‬ﻓﺈن اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ﯾرى أن اﻟﺟﻣﺎل ھو‬
‫اﻟﺗﻣﯾز اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ اﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ‪ .‬أي أن ھذا اﻟوﻋﻲ ﯾﺷﺗرط ﻟﻠﺟﻣﺎل ﺛﻼﺛﺔ‬
‫ﻋﻧﺎﺻر‪ ،‬وھﻲ اﻟﺗﻣﯾّز واﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻣﺎ ﯾوﺣﻲ ﺑﺎﻟﻌﺎدﯾﺔ‪ ،‬أو ﯾﻧدرج ﺗﺣت اﻟﺷﯾوع واﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ‪ ،‬أو ﻻﯾﻠﻔت اﻻﻧﺗﺑﺎه‬
‫ﺑﻣﺎ ﻓﯾﮫ ﻣن ﺻﻔﺎت اﻟﺗﻣﯾّز ‪ ،‬ﯾﺻﻌب أن ﯾﻛون ﺟﻣﯾﻼً‪ ،‬ﻏﯾر أن اﻟﺗﻣﯾّز وﺣده ﻻﯾﻛﻔﻲ‬
‫ﻟﻠﺟﻣﺎل‪ .‬إذ ﻻﺑ ّد ﻣن أن ﯾﻛون ﻣﺑﻧﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ‪ .‬أﻣﺎ اﻷوﻟﻰ ﻓﺗﻧﻔﻲ أن‬
‫ﯾوﺟد اﻟﺟﻣﺎل ﻓﯾﻣﺎ ھو ﻣﺳﺗﻠب أو ﻣﻘﯾد أو ﻣﻧﺻﺎع ﻟﻧظﺎم ﯾﻔرض ﻋﻠﯾﮫ ﻣﺎﻟﯾس ﻣن‬
‫ﺧﺻﺎﺋﺻﮫ أو طﺑﯾﻌﺗﮫ‪ .‬وأﻣﺎ اﻟﺣﯾوﯾﺔ ﻓﺗﻧﻔﻲ أن ﯾوﺟد اﻟﺟﻣﺎل ﻓﻲ اﻟﺛﺑﺎت أو اﻟﺳﻛون‬
‫‪ STATIC‬أو ﻣﺎﯾوﺣﻲ ﺑﮭﻣﺎ ﻛﺎﻟﺟﻣود واﻟرﻛود واﻻﻧﺣطﺎط واﻟﺗﻘﮭﻘر ‪ ....‬إﻟﺦ‪ .‬وﺑﮭذا‬
‫ﻓﺈن اﻟﻌﺎدي أو اﻟﻣﻘﯾد أو اﻟﺳﺎﻛن ﻻﯾﻣﻛﻧﮫ أن ﯾﺗﺻف ﺑﺎﻟﺟﻣﺎل‪ ،‬ﺑﺣﺳب اﻟوﻋﻲ‬

‫‪- 28 -‬‬
‫اﻟﺣداﺛﻲ‪ .‬ﺣﯾث إﻧﮫ ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ أﺣد ﻋﻧﺎﺻر اﻟﺟﻣﺎل اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻋﻧﺎﺻر ﻣﺗﺟﺎدﻟﺔ‬
‫وﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺟﻣﯾل‪ ،‬ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬إذاً‪ ،‬ھو اﻟﻣﺗﻣﯾّز اﻟﺣر واﻟﺣﯾوي ﻓﻲ آن ﻣﻌﺎ ً‪.‬‬
‫وﻣن ذﻟك ﻓﺈن اﻟﻠذة اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻧﺎﺟﻣﺔ ﻣﻧﮫ ﻟﯾﺳت ﻟذة اﻹﺣﺳﺎس ﺑﺎﻟﻛﻣﺎل واﻻﻋﺗدال‪،‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬ﺑل ھﻲ ﻟذة اﻻﺣﺳﺎس ﺑﺎﻻﻧطﻼق‪ ،‬وﻛﺄن اﻟﺟﻣﯾل‬
‫ﯾدھﺷﻧﺎ ﺑﺎﻵﻓﺎق اﻟﺗﻲ ﯾﻔﺗﺣﮭﺎ أﻣﺎﻣﻧﺎ‪ ،‬وﯾﺣﯾﻠﻧﺎ ﻋﻠﻰ وﺟودﻧﺎ اﻟذي ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻﯾﻛون‬
‫ﻣﻌﺎدا ً وﻣﻛرورا ً أو ﻣﺣدّداً ﺑﺄطر ﺛﺎﺑﺗﺔ ﻣطﻠﻘﺔ ﺗﺣ ّد ﻣن اﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ ﻓﯾﻧﺎ‪ .‬وﻣن‬
‫ھﻧﺎ ﻛﺎﻧت اﻟرﻏﺑﺔ ﻓﻲ ﺗﺟدﯾد اﻟﺷﻌر ﺷﺎﻣﻠﺔ ﺗﻘرﯾﺑﺎً‪ .‬إذ إن اﻟﺗﺟدﯾد ﯾﻌﻧﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن‬
‫ﺗﻠك اﻟﻧظرة اﻟﺟدﯾدة إﻟﻰ اﻟﺟﻣﺎل‪ ،‬واﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻋن اﻟﻧظرة اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ إﻟﯾﮫ‪.‬‬
‫وﺑذﻟك ﻧﻔﮭم ﻗول أدوﻧﯾس‪:‬‬
‫َ‬
‫اﻟﻣﺣدث!‬ ‫َ‬
‫اﻟﻣﺣدث‪،‬‬ ‫اﻟﺑدﻋﺔَ‪ ،‬اﻟﺑدﻋﺔَ!‬
‫ﻧﺑطل ﺳﻧﺔ ﻗدﯾﻣﺔ‬
‫ﻧر ّد ﻟﻺﻧﺳﺎن اﺳﻣﮫ)‪(5‬‬
‫إن اﻟﺑدﻋﺔ أو اﻟﺗﺣدﯾث ﻟﯾس اﻋﺗﺑﺎطﺎ ً أو ﻣﺟرد رﻏﺑﺔ ﻓﻲ ﻣﺟﺎوزة اﻟوﻋﻲ‬
‫اﻟﺳﺎﺋد‪ .‬ﺑل ھو ﻓﻲ اﻷﺳﺎس إﺑطﺎل ﻟﻣﺎ ﯾﺣ ّد ﻣن طﺎﻗﺎت اﻹﻧﺳﺎن‪ ،‬وﯾﺟﻌﻠﮫ ﻏرﯾﺑﺎ ً ﻋن‬
‫طﺑﯾﻌﺗﮫ أو ﻣﺳﺗﻠﺑﺎ ً ﻣن أﻋراف وﻗواﻧﯾن أﺻﺑﺣت ‪ ،‬ﻣﻊ اﻟزﻣن‪ ،‬ﻗﯾدا ً ﻟﮫ‪.‬‬
‫إن ھذه اﻟﻧظرة إﻟﻰ اﻟﺟﻣﺎل ھﻲ ﻧظرة ﻋﺎﻣﺔ ﻣﺷﺗرﻛﺔ ﺑﯾن ﺷﻌراء اﻟﺣداﺛﺔ‬
‫اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻛﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻓﻌﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ھذه اﻟﺣداﺛﺔ ﻟﯾﺳت ﺗﯾﺎرا ً ﺷﻌرﯾﺎ ً واﺣدا ً)‪ .(6‬إﻻ‬
‫أﻧﮭﺎ ﺗﻧطﻠﻖ ﻓﻲ ﺗﻘوﯾم اﻟﺟﻣﺎل ﻣن ﻧظرة ﻣﺷﺗرﻛﺔ‪ .‬وﻻﯾﺗﺑﺎﯾن اﻷﻣر إﻻ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد‬
‫اﻟﺣواﻣل اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ .‬ﻛﺄن ﯾﻣﯾل ھذا اﻟﺗﯾﺎر إﻟﻰ اﻋﺗﺑﺎر اﻟﺗﻣﯾز واﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ ﻣن‬
‫ﺻﻔﺎت اﻟﻘوى اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﺗﻘدﻣﯾﺔ وﻣﺛﻠﮭﺎ اﻷﻋﻠﻰ اﻟﺑطل اﻟﺛوري ﺧﺎﺻﺔ؛ وﯾﻣﯾل‬
‫ذاك اﻟﺗﯾﺎر إﻟﻰ اﻋﺗﺑﺎر ھذه اﻟﻌﻧﺎﺻر ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻔﺋﺔ اﻟﻠﯾﺑراﻟﯾﺔ اﻟﻣﺛﻘﻔﺔ وﻣﺛﻠﮭﺎ اﻷﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺑطل اﻟﻔﺎدي‪ .‬وذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ـ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬أﻣﺎ ﻣﺎ ﺳوى ذﻟك‪ ،‬ﻓﻠﯾس‬
‫ﺛﻣﺔ ﻣن ﺗﺑﺎﯾن ﯾﻛﺎد ﯾذﻛر ﺟﻣﺎﻟﯾﺎً‪ .‬وﻏﻧﻲ ﻋن اﻟﺑﯾﺎن أن اﻟﺗﺑﺎﯾن ﻓﻲ اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟﺣواﻣل‬
‫ﯾﻧﮭض ﻣن اﻟﺗﺑﺎﯾن ﻓﻲ اﻟﻣوﻗﻊ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻟﮭذا أو ذاك ﻣن اﻟﺗﯾﺎرات واﻟﺷﻌراء‪.‬‬
‫وھو‪ ،‬ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣطﺎف‪ ،‬ﺗﺑﺎﯾن أﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻻ ﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬وﻻ أدل ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻣن‬
‫اﻻﺷﺗراك ﻓﻲ اﻟﺳﻣﺎت اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧظم اﻟﻧص اﻟﺷﻌري اﻟﺣداﺛﻲ‪.‬‬
‫ﻟﻘد أﺷرﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ً إﻟﻰ أن اﻟﻣﻼﻣﺢ اﻷوﻟﻰ ﻟﮭذا اﻟوﻋﻲ ﻗد ظﮭرت ﻣﻊ‬
‫اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬وﻧو ﱡد أن ﻧﺷﯾر‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬إﻟﻰ أن ﺗﻌرﯾف اﻟﺟﻣﺎل ﺑﺄﻧﮫ‬
‫اﻟﺗﻣﯾز اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ اﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ‪ ،‬ﯾدﯾن ﺑﺎﻟﻛﺛﯾر ﻣﻧﮫ ﻟﺗﻠك اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ اﻟﺗﻲ ذھﺑت‬
‫إﻟﻰ أن اﻟﺣرﯾﺔ واﻟﻔردﯾﺔ ﺷرطﺎ اﻟﺟﻣﺎل اﻟﻠذان ﯾﻌﻧﯾﺎن اﻟﺗﻣﯾز‪ .‬وھو ﻣﺎﺳﻌﻰ إﻟﯾﮫ‬
‫ظر ﻟﮫ ﻛ ﱞل ﻣن اﻟﻌﻘﺎد واﻟﻣﺎزﻧﻲ)‪ ،(7‬وﻟﻛن إذا ﻛﺎن‬ ‫اﻟﺷﻌر اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﻲ اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬وﻧ ّ‬
‫ً‬
‫ھذا اﻟﺷﻌر ﻗد ﺧطﺎ ﺑﻌض اﻟﺧطوات‪ ،‬ﻓﻲ طرﯾﻖ اﻟﺗﺟدﯾد‪ ،‬ﺗﻌﺑﯾرا ﻋن ﻧظرﺗﮫ اﻟﺟدﯾدة‬
‫إﻟﻰ اﻟﺟﻣﺎل‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻧﻘﻠﺔ اﻟﻧوﻋﯾﺔ ﻗد ﺗﻣت ﻣﻊ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ اﻟذي ﺧرج ﺗﺎرﯾﺧﯾﺎ ً‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 29 -‬‬
‫وﺟﻣﺎﻟﯾﺎً‪ ،‬ﻣن ﻣﻌطف اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ وﻟﻘد اﻧﻌﻛس ذﻟك ﻛﻠﮫ ﻓﻲ اﻟﺳﻣﺎت اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‬
‫ﻟﮭذا اﻟﺷﻌر‪ ،‬وﻧﺗوﺿّﺢ أﺛر ذﻟك ﻓﻲ ﻛل ﻣن اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ واﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﺻورﯾﺔ‪.‬‬

‫آـ اﻟﺸﻜﻞ اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ)*(‬

‫إن ﺗﺟدﯾد اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ ﻟﻠﻘﺻﯾدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ ھو اﻟﺗﺟدﯾد اﻷﻛﺛر ﺳطوﻋﺎً‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺑداﯾﺎﺗﮫ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬وﻟﻌﻠﮫ ﯾﻛون أﻛﺛر اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت اﺳﺗﺋﺛﺎرا ً ﻟﻠﺣوار‬
‫واﻟﻧﻘﺎش واﻟﺟدل ﺑﯾن اﻟﻣؤﯾدﯾن واﻟﻣﻌﺎرﺿﯾن‪ ،‬ﻓﻲ ﺧﻣﺳﯾﻧﯾﺎت ھذا اﻟﻘرن‪ .‬ﺣﺗﻰ ﺑدا‪،‬‬
‫أﺣﯾﺎﻧﺎً‪ ،‬وﻛﺄﻧﮫ اﻟﺗﺟدﯾد اﻷوﺣد اﻟذي ﺟﺎءت ﺑﮫ اﻟﺣداﺛﺔ وﯾﻣﻛن ﺗﺳوﯾﻎ ذﻟك اﻟﺟدل ﺑﺄن‬
‫ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﺑﺷﻛﻠﮫ اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ اﻟﻣﺧﺗﻠف‪ ،‬ﻗد ﺗﺟﺎوز اﻟﻣﺳﺗوى اﻷﻛﺛر ﺳطوﻋﺎ ً‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬وﻓﻲ وﺣدة اﻟﺑﯾت اﻟﺷﻌري اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ ﺷطرﯾن ﻣﺗﻌﺎدﻟﯾن ﻣوﺳﯾﻘﯾﺎً‪.‬‬
‫وﻻﯾﻣﻛن ﻓﮭم اﻟﺗﺟدﯾد اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ‪ ،‬ﺑﻣﻌزل ﻋن اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ وﻣﻔﮭوﻣﮫ ﻋن اﻟﺟﻣﺎل ‪.‬‬
‫إذ إن اﻋﺗﺑﺎر اﻟﺣرﯾﺔ ﺷرطﺎ ً ﻣن ﺷروط اﻟﺟﻣﺎل ﻗد دﻓﻊ إﻟﻰ اﻋﺗﺑﺎر اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ‬
‫اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﺷﻛﻼً ﻋﺎﺟزا ً ﻋن اﺳﺗﯾﻌﺎب اﻻﻧﻔﻌﺎل اﻟﺷﻌري ﻓﻲ اﻧطﻼﻗﺗﮫ وﺣﯾوﯾﺗﮫ‪،‬‬
‫ﺷﻛﻼً ﻻﯾﺗﻼءم واﻟﺣرﯾﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾرﯾﺔ ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﻻﯾﺗﻼءم ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى‪ ،‬واﻟﻧظرة‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة‪ ،‬وھو ﻣﺎاﻗﺗﺿﻰ إﯾﺟﺎد ﺷﻛل إﯾﻘﺎﻋﻲ ﯾﺣﻘﻖ ﻣﺎﻗد ﻋﺟز ﻋﻧﮫ ذﻟك‬
‫اﻟﺷﻛل‪ .‬ﻓﻛﺎن أن ظﮭر اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ اﻟﻣﻔﺗوح ﻏﯾر اﻟﻣﺣﻛوم ﺑﺿواﺑط ﻧﻣطﯾﺔ‬
‫ﻧﺎﺟزة ﺳﻠﻔﺎً‪ ،‬واﻟﻣرﺗﺑط ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎل اﻟﺷﻌري‪ .‬ﺑﺣﯾث أﺻﺑﺢ ھذا اﻟﺷﻛل ھو‬
‫اﻟﻣﻌﺎدل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﮭذا اﻟﻧص أو ذاك‪ .‬وﻗد ﯾﻛون ﻣن‬
‫اﻟﻣﺳﺗﺣﯾل أن ﻧﺟد ﻧﺻﯾّن ﻣﺗطﺎﺑﻘﯾن ﺑﺎﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ .‬وﻣﺎ ذﻟك إﻻ‬
‫ﻟﻼﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻓﻲ أن ﻧﺟد ﺗﺟرﺑﺗﯾن ﻣﺗطﺎﺑﻘﺗﯾن ﺗﻣﺎﻣﺎً‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻟدى اﻟﺷﺎﻋر اﻟواﺣد‪.‬‬
‫إن اﻧﺗﻔﺎء اﻟﻧﻣطﯾﺔ اﻟﻧﺎﺟزة ﻋن اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ﻻﯾﺗﺟﺎوب أﯾﺿﺎ ً‬
‫واﻟ ﺣﯾوﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ أﺣد ﺷروط اﻟﺟﻣﺎل‪ .‬إذ إن ھذا اﻟﺷﻛل ھو اﻟﺗﻣﺛﯾل اﻟﺣﺳﻲ ﻟﺣرﻛﺔ‬
‫اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺻﻌودھﺎ وھﺑوطﮭﺎ وﺗﺄرﺟﺣﮭﺎ‪ ،‬وﻓﻲ ﻛﺛﺎﻓﺗﮭﺎ واﺳﺗطﺎﻻﺗﮭﺎ‪،‬‬
‫وﻓﻲ ﺗﺳﺎرﻋﮭﺎ أﯾﺿﺎً‪ .‬وھو ﻣﺎﯾﻔﺳّر اﻟﺗدﻓﻖ اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ أﺣﯾﺎﻧﺎ ً ﺣﺗﻰ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣﻘطﻊ‪ ،‬أو‬
‫ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري ﺑﻛﺎﻣﻠﮫ؛ وﻣﺎﯾﻔﺳر أﯾﺿﺎ ً اﻟوﻗﻔﺎت اﻹﯾﻘﺎﻋﯾﺔ اﻟﻣﺗﻛررة أﺣﯾﺎﻧﺎ ً‪،‬‬
‫ﺑﺷﻛل ﻣﺗوا ٍل؛ ﻛﻣﺎ ﯾﻔﺳر إﻟﻐﺎء اﻟﻘﺎﻓﯾﺔ أو ﺗﻧوﯾﻌﮭﺎ أو ﺗﻐﯾﯾر ﻣواﻗﻌﮭﺎ ﻣن اﻟﻧص‪ ،‬ﺑﺣﯾث‬
‫ﻟم ﺗﻌد ﺗﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻷﺷطر اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ .‬أي ﻟم ﺗﻌد اﻟﻘﺎﻓﯾﺔ ﺗﻌﻧﻲ اﻟوﻗف‬
‫اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟذي ﻛﺎﻧت ﻋﻠﯾﮫ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ‪.‬‬
‫إن ﻛل ذﻟك ﺟﻌل ﻣن اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ﻣﻔﺗوﺣﺎ ً ﻋﻠﻰ اﺣﺗﻣﻼت ﻻﺗﻛﺎد‬
‫ﺗﺣﺻﻰ ﻣن اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت اﻹﯾﻘﺎﻋﯾﺔ ﺑﯾن اﻟﻧﺻوص اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ .‬وذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن‬

‫* ـ ﻟﻦ ﻧﺘﺤﺪث ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻔﻘﺮة‪ ،‬إﻻ ﻋﻦ اﻹﯾﻘﺎع اﻟﻨﺎﺟﻢ ﻣﻦ اﻟﻮزن‪ ،‬وذﻟﻚ ﻹﻣﻜﺎﻧﯿﺔ اﻟﻜﻼم ﻋﻠﯿﮫ‬
‫ﺑﻌﺎﻣﺔ‪ .‬أﻣﺎ ﺗﻠﻚ اﻹﯾﻘﺎﻋﺎت اﻟﻨﺎﺟﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻨﺎﻏﻢ اﻟﻠﻐﻮي واﻟﺼﻮري واﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﮭﻲ إﯾﻘﺎﻋﺎت‬
‫ﻧﺼﯿﺔ ﺣﺼﺮاً‪ ،‬وﻻﯾﻤﻜﻦ اﻟﺘﻌﻤﯿﻢ ﻓﯿﮭﺎ‪.‬‬
‫‪- 30 -‬‬
‫اﻟﺗﻔﻌﯾﻠﺔ ﺑﻘﯾت ھﻲ اﻟوﺣدة اﻟﺻوﺗﯾﺔ ـ اﻟﻧﻐﻣﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﯾﺎر اﻟﺗﻔﻌﯾﻠﺔ ﻣن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪.‬‬
‫وﻻﺑﺄس ﻣن اﻹﺷﺎرة‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬إﻟﻰ أن اﻟﺣدﯾث ﻋن إﯾﻘﺎع ﺳﻣﻌﻲ ﻣﺣدّد ﻓﻲ‬
‫ﻗﺻﯾدة اﻟﻧﺛر‪ ،‬وﻣﺎﯾزال رﺟﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﻐﯾب‪ .‬وإن ﯾﻛن ﺛﻣﺔ ﻣﺣﺎوﻻت ﻣﺧﻠﺻﺔ ﻟﺗﺳوﯾﻐﮫ‪،‬‬
‫ﻣن ﺧﻼل اﻟﻧظﺎم اﻟﻧﺑري‪ ،‬ﻻﻣن ﺧﻼل اﻟﻧظﺎم اﻟﻛﻣﻲ) ‪ .(8‬وﻋﻠﻰ أﯾﺔ ﺣﺎل‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ ﻓﻲ طرﺣﮭﺎ ﺷﻛﻼً إﯾﻘﺎﻋﯾﺎ ً ﻣﻔﺗوﺣﺎً‪ ،‬ﻗد ﻓﺗﺣت اﻟﺑﺎب واﺳﻌﺎ ً أﻣﺎم اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت‬
‫اﻹﯾﻘﺎﻋﯾﺔ اﻟﻧﺻﯾّﺔ‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﻟم ﯾﻌد ﻓﯾﮫ ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن اﻟﻛﻼم ﻋﻠﻰ ﻧﻣط أو اﺛﻧﯾن أو ﻏﯾر ذﻟك‪،‬‬
‫ﻟﻠﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪ .‬وﻟﻧطرح أﻣﺛﻠﺔ ﻋﻠﻰ ھذا‪ ،‬ﻣن ﺑﻌض اﻟﻧﺻوص اﻟﻣﺑﻧﯾﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻌﯾﻠﺔ )ﻣﺗﻔﺎﻋﻠن(‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﺗﺗوﺿﺢ ﺗﻠك اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت‪ ،‬وذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن‬
‫اﻷﻣر أﺻﺑﺢ ﺷﺎﺋﻌﺎ ً وﻣﻌروﻓﺎً‪:‬‬
‫ﯾﻘول ﻣﺻطﻔﻰ ﺧﺿر‪ ،‬ﺑﺗدﻓﻖ إﯾﻘﺎﻋﻲ ﯾﺻل إﻟﻰ ﺳﺑﻊ ﻋﺷرة ﺗﻔﻌﯾﻠﺔ‪:‬‬
‫ﻟﻣن اﻟﺗﻣﺎﺛﯾ ُل اﻟﻣﮭﺷّﻣﺔُ؟‬
‫ﺗﮭب‪ ،‬ﯾطﻣﺳﮭﺎ اﻟﻐﺑﺎ ُر‪،‬‬ ‫اﻟوﺟو ُه ﱡ‬
‫اﻟﺣﺟر‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وأھداب ﻣن‬
‫ٌ‬ ‫ﺗذوب أﻗﻧﻌﺔٌ‬
‫ﯾزف ﻣزھوا ً ﺣﺷو َد اﻟﻣﻠﺢ‪،‬‬ ‫اﻟﻧﮭﺎ ُر ﱡ‬
‫ّس ﯾﻌﻠن اﻟﻧﺳﯾﺎنَ ﻣﻣﻠﻛﺔ‪ً:‬‬ ‫واﻟﻣﻸ ُ اﻟﻣﻘد ُ‬
‫رؤوس ﻣن ﺣﺟر)‪(9‬‬ ‫ٌ‬
‫وﯾﺳﺗﺧدم ﻣﺣﻣد ﻋﻠﻰ ﺷﻣس اﻟدﯾن ﺳﺗﺎ ً وﻋﺷرﯾن ﺗﻔﻌﯾﻠﺔ ّ‬
‫ﻣوزﻋﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻛل‬
‫اﻟﺗﺎﻟﻲ‪ [9/10/5/2]:‬ﻣﻊ اﻟﺗزام ﺑﻘﺎﻓﯾﺔ واﺣدة وذﻟك ﻓﻲ ﻗوﻟﮫ‪:‬‬
‫ﻗﻣر اﻟﺟﻧوب ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻼل‬
‫ﻗﻣ ٌر ﺧﻔﯾف‪ ...‬ﺛم ﻻﯾﮭوي ﻛﻌﺻﻔور ﻋﻠﻰ ﻛﺗف اﻟﺟﺑﺎل‬
‫وﺛﯾﺎﺑﮫ اﻟﺑﯾﺿﺎء ﯾﻧﺷرھﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﺷﺟﺎر آوﻧﺔً‬
‫وﯾﺟﻠس ﻣﺛل ﺗﻣﺛﺎل ﻋﻠﻰ ﻗدﻣﯾن ﺣﺎﻓﯾﺗﯾن ﻣن ﻗﺻب اﻟﺧﯾﺎل‬
‫وأﻗول ﯾﺎﻗﻣري اﻟذي ﻗﺗﻠوكَ‬
‫ھب ﻟﻲ ﻣن أﻗﺎﺻﻲ ﻛﻔِّك اﻟﺑﯾﺿﺎء أﻏﻧﯾﺔً‬ ‫ْ‬
‫وﻧﺷرب ﻗﺑل ﺑﺎرﻗﺔ اﻟزوالْ) ‪(10‬‬
‫وﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﯾﻣﯾل ﺑﻠﻧد اﻟﺣﯾدري إﻟﻰ اﻟﺗﺷطﯾر اﻟﻣﺗﻼﺣﻖ واﻟﻣﻧﺗﮭﻲ ﺑﻘواف‬
‫ﻣﺗﻧوﻋﺔ‪ ،‬ﻣن ﻣﺛل ﻗوﻟﮫ‪:‬‬
‫ﻧﻔس اﻟطرﯾﻖْ‬
‫ﻧﻔس اﻟﺑﯾوت‪ ،‬ﯾﺷدّھﺎ ﺟﮭد ﻋﻣﯾ ْﻖ‬
‫ﻧﻔس اﻟﺳﻛوتْ‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 31 -‬‬
‫ﻛﻧﺎ ﻧﻘولُ‪ :‬ﻏدا ﯾﻣوت وﺗﺳﺗﻔﯾ ْﻖ‬
‫ﻣن ﻛل دار‬
‫ﺻﻐﺎر‬
‫ْ‬ ‫أﺻوات أطﻔﺎل‬
‫ﯾﺗدﺣرﺟون ﻣﻊ اﻟﻧﮭﺎر ﻋﻠﻰ اﻟطرﯾﻖْ )‪(11‬‬
‫ﯾﺷﺗﻣل ھذا اﻟﻣﻘﺑوس ﻋﻠﻰ ﺳﺑﻌﺔ أﺷطر‪ ،‬ﯾﻧﺗﮭﻲ ﻛل ﻣﻧﮭﺎ ﺑﻘﺎﻓﯾﺔ‪ ،‬أﻣﺎ ﻣن ﺣﯾث‬
‫ﻋدد اﻟﺗﻔﻌﯾﻼت ﻓﻲ اﻷﺷطر‪ ،‬ﻓﻘد ﺟﺎءت ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻲ‪[ 3/2/1/3/1/3/1]:‬‬
‫ﻓﻠﯾس ﺛﻣﺔ‪ ،‬إذاً‪ ،‬ﺷﻛل إﯾﻘﺎﻋﻲ ﻧﻣطﻲ واﺣد‪ .‬ﺳواء ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠﻖ ﺑﻌدد اﻟﺗﻔﻌﯾﻼت‬
‫ﻓﻲ اﻟﺷطر أو اﻟﻣﻘطﻊ‪ ،‬أم ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠﻖ ﺑﻧﻣط اﻟﺗﻘﻔﯾﺔ‪ .‬ﻓﯾﻣﻛن أن ﺗﺣذف اﻟﻘﺎﻓﯾﺔ ﻧﮭﺎﺋﯾﺎ ً‬
‫ﺗﺗﻧوع ﺗﻧوﻋﺎ ً ﻣﻧﺗظﻣﺎ ً أو ﻏﯾر ﻣﻧﺗظم‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن‬‫ﻣن اﻟﻣﻘطﻊ أو اﻟﻧص‪ ،‬وﯾﻣﻛن أن ّ‬
‫ﺗﺗواﺗر اﻟﻘواﻓﻲ اﻟﻣﺗﻣﺎﺛﻠﺔ‪ ،‬ﻣن دون أن ﯾﻔﺻل ﺑﯾﻧﮭﺎ ﻋدد ﻣن اﻟﺗﻔﻌﯾﻼت‪ .‬وﻣن اﻟﺧطﺄ‬
‫أن ﻧﺗﺻور إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ اﻟوﺻول إﻟﻰ ﻗﺎﻧون ﯾﻧظم اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬ﻣﺎﺧﻼ اﻟﻘول‬
‫إن اﻟﺗﻔﻌﯾﻠﺔ ھﻲ اﻟوﺣدة اﻟﺻوﺗﯾﺔ ـ اﻟﻧﻐﻣﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﯾﺎر اﻟﺗﻔﻌﯾﻠﺔ‪ .‬وﻣﺎذﻟك إﻻ ﻟﻼرﺗﺑﺎط‬
‫اﻟدﻗﯾﻖ ﺑﯾن ذﻟك اﻟﺷﻛل واﻻﻧﻔﻌﺎل اﻟﺷﻌري‪ .‬إذ إن اﻹﯾﻘﺎع اﻟﺣداﺛﻲ ﺗظﮭﯾر أو ﺗﺣﺳﯾس‬
‫ﺳﻣﻌﻲ ﻟﮭذا اﻻﻧﻔﻌﺎل‪.‬‬
‫وﻣن اﻟﻣﻔﯾد أن ﻧﺗوﻗف‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬ﻋﻧد إﺣدى اﻟدﻋﺎوى اﻟزاﻋﻣﺔ أن ھذا‬
‫ﺳﺑﻖ إﻟﯾﮫ ﻣﻧذ اﻟﻘرن اﻟﮭﺟري اﻟﺧﺎﻣس‪ .‬ﯾﻘول أﺣﻣد‬ ‫اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ ﻟﯾس ﺑﺟدﯾد‪ .‬ﻓﻘد ُ‬
‫اﻟﻣﻌداوي ﻓﻲ ذﻟك‪ " :‬إن ھذه اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻗُدّﻣت ﻣﻧذ زﻣن ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ أﺣد‬
‫اﻹﻧﺟﺎزات اﻹﯾﻘﺎﻋﯾﺔ اﻟﻣﺗﻘدﻣﺔ ﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺷﻌر اﻟﺣدﯾث ﻟﯾﺳت ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ ﻛذﻟك‪،‬‬
‫وإﻧﻣﺎ ھﻲ ﺗﻘﻧﯾﺔ ﻣﻌروﻓﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﻣﻧذ اﻟﻘرن اﻟﺧﺎﻣس اﻟﮭﺟري")‪(12‬‬
‫وﯾﺳﺗﺷﮭد ﻋﻠﻰ ذﻟك ﺑﻣﺎ ﻧﺳب إﻟﻰ أﺑﻲ اﻟﻌﻼء اﻟﻣﻌري ﻣن رﺳﺎﻟﺔ وﺻل ﻣﻧﮭﺎ‬
‫ﻗول ﻣوزون ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻌﯾﻠﺔ اﻟرﺟز )ﻣﺳﺗﻔﻌﻠن وﺟوازاﺗﮭﺎ( ‪ .‬وﻗد ذﻛره اﺑن ﺧﻠﻛﺎن ﻓﻲ‬
‫وﻓﯾﺎﺗﮫ‪ .‬وﻧﺛﺑﺗﮫ ﻧﺣن‪ ،‬ھﻧﺎ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺷﻛل اﻟذي أﺛﺑﺗﮫ اﺑن ﺧﻠﻛﺎن‪ ،‬ﻣﻊ ﺗﻌﻠﯾﻘﮫ ﻋﻠﯾﮫ‪" ] :‬‬
‫أﺻﻠﺣك ﷲ وأ ﺑﻘﺎك ﻟﻘد ﻛﺎن ﻣن اﻟواﺟب أن ﺗﺄﺗﯾﻧﺎ اﻟﯾوم إﻟﻰ ﻣﻧزﻟﻧﺎ اﻟﺧﺎﻟﻲ ﻟﻛﻲ‬
‫ﻧﺣدث ﻋﮭدا ً ﺑك ﯾﺎزﯾن اﻷﺧﻼء ﻓﻣﺎ ﻣﺛﻠك ﻣن ﻏﯾر ﻋﮭد أو ﻏﻔل"‪.....‬ﻓوﺟدﺗﮫ‬
‫ﯾﺧرج ﻣن ﺑﺣر اﻟرﺟز وھو اﻟﻣﺟزوء ﻣﻧﮫ‪ .‬وﺗﺷﺗﻣل ھذه اﻟﻛﻠﻣﺎت ﻋﻠﻰ أرﺑﻌﺔ‬
‫أﺑﯾﺎت ﻋﻠﻰ روي اﻟﻼم وھﻲ ﻋﻠﻰ ﺻورة ﯾﺳوغ اﺳﺗﻌﻣﺎﻟﮭﺎ ﻋﻧد اﻟﻌروﺿﯾﯾن ‪.‬‬
‫وﻣن ﻻﯾﻛون ﻟﮫ ﺑﮭذا اﻟﻔن ﻣﻌرﻓﺔ ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻧﻛرھﺎ ﻷﺟل ﻗطﻊ اﻟﻣوﺻول ﻣﻧﮭﺎ‪ ....‬وھذا‬
‫إﻧﻣﺎ ﯾذﻛره أھل ھذا اﻟﺷﺄن ـ أي أھل اﻟﻌروض ـ ﻟﻠﻣﻌﺎﯾﺎة ﻻ ﻷﻧﮫ ﻣ ن اﻷﺷﻌﺎر‬
‫اﻟﻣﺳﺗﻌﻣﻠﺔ[)‪(13‬‬
‫أﻣﺎ اﻟﻣﻌداوي ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺛﺑﺗﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻣﻊ ﻣﻼﺣظﺔ اﺧﺗﻼﻓﯾن‪ .‬أوﻟﮭﻣﺎ أن‬
‫ﻣﺎ أﺛﺑﺗﮫ اﻟﻣﻌداوي ﻓﯾﮫ ﺗﺿﻌﯾف اﻟﯾﺎء ﻓﻲ ﻛﻠﻣﺔ )اﻟﺧﺎﻟﻲ(‪ ،‬وﺣذف اﻟﻼم ﻣن )ﻛﻲ(‪.‬‬
‫وﻻﯾﺧﺗﻠف اﻟوزن‪ ،‬وإن ﺗﻛن اﻟﺻورة اﻟﺗﻲ أﺛﺑﺗﻧﺎھﺎ ھﻲ اﻷﺻﻠﺢ ﻟﻐوﯾﺎً‪ .‬وﺛﺎﻧﯾﮭﻣﺎ ھو‬

‫‪- 32 -‬‬
‫اﻻﺧﺗﻼف ﺑﯾن )زﯾن( اﻟﺗﻲ أﺛﺑﺗﻧﺎھﺎ و )ﺧﯾر( اﻟﺗﻲ أﺛﺑﺗﮭﺎ ھو‪ .‬وطﺑﻌﺎ ً ﻻﯾﺧﺗﻠف اﻟوزن‬
‫ﻓﻲ اﻟﺣﺎﻟﯾن‪ .‬وﯾﻌود ھذان اﻻﺧﺗﻼﻓﺎن إﻟﻰ اﻻﺧﺗﻼف ﺑﯾن اﻟطﺑﻌﺗﯾن‪:‬‬
‫أﺻﻠﺣك ﷲ وأﺑﻘﺎك‬
‫ﻟﻘد ﻛﺎن ﻣن اﻟواﺟب أن ﺗﺄﺗﯾﻧﺎ اﻟﯾوم‬
‫اﻟﺧﺎﻟﻲ‬
‫ّ‬ ‫إﻟﻰ ﻣﻧزﻟﻧﺎ‬
‫ﻛﻲ ﻧُﺣدث ﻋﮭداً ﺑك ﯾﺎﺧﯾر اﻷﺧﻼء‬
‫ﻓﻣﺎ ﻣﺛﻠك ﻣن ﻏﯾر ﻋﮭد أو ﻏﻔل)‪(14‬‬
‫ﻟﻘد ﻓﺎت اﻟﻣﻌداوي‪ ،‬ﺑﺗوزﯾﻌﮫ اﻟﻘول ﻋﻠﻰ ھذه اﻟﺻورة‪ ،‬ﻣﺎﻗﺎﻟﮫ اﺑن ﺧﻠﻛﺎن ﻣن‬
‫أن ھذه اﻟﻛﻠﻣﺎت ﺗﺷﺗﻣل ﻋﻠﻰ أرﺑﻌﺔ أﺑﯾﺎت ﻋﻠﻰ روي اﻟﻼم‪ ،‬ﻣن ﻣﺟزوء اﻟرﺟز‪ ،‬أي‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻲ‪:‬‬
‫أﺻﻠﺣك ﷲ وأﺑﻘﺎك ﻟﻘد ﻛﺎن ﻣن اﻟـ‬
‫واﺟب أن ﺗﺄﺗﯾﻧﺎ اﻟﯾوم إﻟﻰ ﻣﻧزﻟﻧﺎ اﻟـ‬
‫ﺧﺎﻟﻲ ﻟﻛﻲ ﻧﺣدث ﻋﮭد اً ﺑك ﯾﺎزﯾن اﻷﺧ ّلْ‬
‫ﻻء ﻓﻣﺎ ﻣﺛﻠك ﻣن ﻏﯾر ﻋﮭد أو ﻏﻔل‬
‫ﻛﻣﺎ ﻓﺎﺗﮫ أﯾﺿﺎ ً ﻗول اﺑن ﺧﻠﻛﺎن‪ ،‬ﻣن أن ھذا إﻧﻣﺎ ﯾذﻛره أھل ھذا اﻟﺷﺄن‬
‫ﻟﻠﻣﻌﺎﯾﺎة‪ ،‬ﻻﻷﻧﮫ ﻣن اﻷﺷﻌﺎر اﻟﻣﺳﺗﻌﻣﻠﺔ‪ .‬وھذا اﻟﻘول ﻓﯾﮫ ﻣن اﻟﺑﯾﺎن ﻣﺎﻻﯾﺳﺗدﻋﻲ‬
‫اﻟﺗﻌﻠﯾﻖ ﻋﻠﯾﮫ‪ .‬وﻟﻧﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻘوﻟﮫ اﻟﺟﺎﺣظ ﺣول دﺧول اﻟوزن إﻟﻰ اﻟﻧﺛر ﺧﯾر دﻟﯾل‪:‬‬
‫" اﻋﻠم ﻟو أﻧك اﻋﺗرﺿت أﺣﺎدﯾث اﻟﻧﺎس وﺧطﺑﮭم ورﺳﺎﺋﻠﮭم‪ ،‬ﻟوﺟدت ﻓﯾﮭﺎ‬
‫ﻣﺛل ﻣﺳﺗﻔﻌﻠن ﻓﺎﻋﻠن ﻛﺛﯾرا ً وﻣﺳﺗﻔﻌﻠن ﻣﺗﻔﺎﻋﻠن‪ ،‬وﻟﯾس أﺣد ﻓﻲ اﻷرض ﯾﺟﻌل‬
‫ذﻟك اﻟﻣﻘدار ﺷﻌراً‪ .‬وﻟو أن رﺟﻼً ﻣن اﻟﺑﺎﻋﺔ ﺻﺎح‪ :‬ﻣن ﯾﺷﺗري ﺑﺎذﻧﺟﺎن ‪ .‬ﻟﻘد‬
‫ﻛﺎن ﺗﻛﻠّم ﺑﻛﻼم ﻓﻲ وزن ﻣﺳﺗﻔﻌﻠن ﻣﻔﻌوﻻن‪ ،‬وﻛﯾف ﯾﻛون ھذا ﺷﻌرا ً وﺻﺎﺣﺑﮫ ﻟم‬
‫ﯾﻘﺻد إﻟﻰ اﻟﺷﻌر؟")‪.(15‬‬
‫وﻓﻲ اﻟﻣﺣﺻﻠﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻷﻣر ﻻﯾرﺗﺑط ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ اﻟوزن‪ ،‬ﺑل ﺑﺎﻟﻘﺻد إﻟﻰ اﻟﺷﻌر‪.‬‬
‫وﻟم ﯾﻛن اﻟﻣﻌري‪ ،‬إذا ﺻﺣت ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻣﻘطوﻋﺔ إﻟﯾﮫ‪ ،‬ﯾﻘﺻد إﻟﻰ ﻗول اﻟﺷﻌر ﺑﺣﺎل ﻣن‬
‫اﻷﺣوال‪ .‬وﻟﮭذا ﺟﺎءت اﻟﻣﻘطوﻋﺔ ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻛﻼم ﻧﺛري ﻣوزون ﻋﻠﻰ ﻣﺟزوء‬
‫اﻟرﺟز ﻓﺣﺳب‪ .‬واﻟﺣﻖ أن اﻟﻧظرة اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻟم ﺗﻛن ﺗﻌﺗﺑر اﻟرﺟز ﻣن اﻟﺷﻌر‪ .‬وﻟﮭذا‬
‫ﺣﯾن ﻗﺎل اﻟﻧﺑﻲ اﻟﻛرﯾم ﻓﻲ ﻏزوة أﺣد ﻗوﻻً ﻣوزوﻧﺎ ً ﺑﺣﺳب ﻣﺟزوء اﻟرﺟز‪ ،‬ﻟم ﯾذھب‬
‫أﺣد إﻟﻰ اﻻدﻋﺎء ﺑﺄﻧﮫ ﻗﺎل ﺷﻌراً‪ .‬أﻣﺎ اﻟﻘول ﻓﮭو‪:‬‬
‫اﻟﻣطﻠب‬
‫ْ‬ ‫أﻧﺎ اﺑن ﻋﺑد‬ ‫ﻻﻛذب‬
‫ْ‬ ‫أﻧﺎ اﻟﻧﺑﻲ‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 33 -‬‬


‫وذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ھذا اﻟﻘول أﻛﺛر ﻣوﺳﯾﻘﯾﺔ ﺑﻣﺎ ﻻﯾﻘﺎس ﻣن ﻗول‬
‫اﻟﻣﻌري‪ ،‬وﻣن ھﻧﺎ‪ ،‬ﻓﺈن دﻋوى اﻟﻣﻌداوي ﺑﺄن اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ﻟﯾس ﺑﺟدﯾد‪،‬‬
‫وﺑﺄﻧﮫ ﺗﻘﻧﯾﺔ ﻣﻌروﻓﺔ ﻣﻧذ اﻟﻘرن اﻟﮭﺟري اﻟﺧﺎﻣس‪ ،‬ھﻲ دﻋوى ﺑﺎطﻠﺔ أﺳﺎﺳﺎً‪ .‬وﻟو‬
‫اﻓﺗرﺿﻧﺎ ﺟدﻻً أن ﺛﻣﺔ ﻣﺣﺎوﻻت ﺷﻌرﯾﺔ )ﻧﻘول‪ :‬ﺷﻌرﯾﺔ( ﻗدﯾﻣﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﺷﻛل‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫ذﻟك ﻻﯾﻘدّم وﻻﯾؤﺧر ﺷﯾﺋﺎً‪ .‬ﻷن اﻷﻣر ﻻﯾﺗﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺣﺎﻟﺔ اﻟﻔردﯾﺔ اﻟﻣﻧﻘطﻌﺔ ‪ .‬ﺑل ﯾﺗﻌﻠﻖ‬
‫أوﻻً وأﺧﯾرا ً ﺑﺎﻟظﺎھرة اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ .‬وﯾﺑﻘﻰ أن ﻧذﻛر أن اﻟذوق اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻌرﺑﻲ‬
‫اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﻻﯾﻘرر أن ﺗواﻟﻲ اﻟﺗﻔﻌﯾﻼت ھو ﻣﺎ ﯾﺻﻧﻊ اﻟﺑﯾت اﻟﺷﻌري‪ .‬ﺑل ﯾﻘرر أن‬
‫اﻟﺗواﻟﻲ اﻟﻣﻧﺗظم اﻟﻣﺣدد ھو اﻟذي ﯾﺻﻧﻌﮫ ‪ .‬وھذا ﻣﺎﻗد ﺗﺟﺎوزه ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪.‬‬
‫وﻟﻛن إذا ﻛﺎن اﻟﻣﻌداوي ﻗد أﺧطﺄ ﻓﻲ دﻋواه ھذه‪ ،‬ﻓﺈن ﻣﺎﯾذھب إﻟﯾﮫ ﻣن أن‬
‫ﻟﺟﻣﺎﻋﺔ أﺑوﻟو أﺳﺑﻘﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ اﻟﺟدﯾد ﻋﻠﻰ اﻟﺣداﺛﺔ)‪ ، (16‬ﺣﯾث ظﮭرت‬
‫اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﺑﺄﺷطر ﻣﺗﻔﺎوﺗﺔ اﻟطول‪ ،‬ﻋﻧد ﺧﻠﯾل ﺷﯾﺑوب وﻋﻠﻲ أﺣﻣد ﺑﺎﻛﺛﯾر‬
‫وﻣﺣﻣد ﻓرﯾد أﺑو ﺣدﯾد وﻏﯾرھم‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﺻﺣﯾﺢ وﻣﻌروف أﯾﺿﺎً‪ .‬وھذا ﯾؤﻛد ﻣﺎﻧذھب‬
‫إﻟﯾﮫ ﻣن أن اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻗد ﺧرﺟت ﻣن ﻣﻌطف اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺎ ً‬
‫وﺟﻣﺎﻟﯾﺎً‪.‬‬
‫واﻟﺣﻖ أن ھذه اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ ﻗد ﻛﺎﻧت ﻟﮭﺎ اﻟﻣﺣﺎوﻟﺔ اﻟﺗﺟدﯾدﯾﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺻﻌﯾد اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث‪ .‬ﺣﯾث ظﮭر اﻟﺗﻧوﯾﻊ ﻓﻲ اﻟﻘواﻓﻲ‪،‬‬
‫واﻟﻣﯾل إﻟﻰ اﻟﻠوازم اﻹﯾﻘﺎﻋﯾﺔ ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﺑﻌض اﻟﻣﻘﺎطﻊ‪ ،‬واﻟﻣﯾل إﻟﻰ اﻟﻣﻘطﻌﺎت‬
‫اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻘﺻﯾرة‪ ،‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺧدام اﻷﺷطر اﻟﻣﺗﻔﺎوﺗﺔ اﻟطول‪ ،‬وﻟﻛن ﻣن دون‬
‫أن ﯾﺧرج اﻟﺷﺎﻋر‪ ،‬ﻓﻲ ﻣﺟﻣل ﻧﺗﺎﺟﮫ اﻟﺷﻌري‪ ،‬ﻋن وﺣدة اﻟﺑﯾت‪ .‬وﻻﺷك ﻓﻲ أن ھذا‬
‫ﯾﻧﺳﺟم واﻟﺗﻐﯾرات اﻟﺗﻲ أﺻﺎﺑت اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﺑداﯾﺎت ھذا اﻟﻘرن‪.‬‬
‫وﻟﻘد ﺗﺎﺑﻌت اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻣﺎﻛﺎﻧت اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ ﻗد ﺑدأﺗﮫ‪ ،‬ﻓﺄﻧﺟزت ﺷﻛﻠﮭﺎ‬
‫اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ اﻟﻣﻔﺗوح ﻏﯾر اﻟﻣﺣدد ﺳﻠﻔﺎً‪ ،‬أو ﻏﯾر اﻟﻧﻣطﻲ‪ .‬ﻓظﮭرت اﻷﺷطر اﻟﺷﻌرﯾﺔ‬
‫اﻟﻣﺗداﺧﻠﺔ إﯾﻘﺎﻋﯾﺎً‪ ،‬واﻟﻣﺗراﺑطﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ‪ ،‬وﺗم اﻟﺗﺟﺎوز اﻟﻧﮭﺎﺋﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﻧﺗﺎج ﺷﻌراء‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻟﻣﻔﮭوم وﺣدة اﻟﺑﯾت‪ ،‬ھذا اﻟﻣﻔﮭوم اﻟذي ﻟم ﯾﻌد ﯾﺗﻼءم واﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‬
‫اﻟﺣداﺛﻲ ﻓﻲ رؤﯾﺗﮫ ﻟﻠﻌﺎﻟم ﻣن ﻣﻧظور اﻟﺗداﺧل وﺗﺑﺎدل اﻟﺗﺄﺛﯾر؛ ﻛﻣﺎ ﻟم ﯾﻌد ﯾﺗﻼءم‬
‫وﻣﻔﮭوﻣﮫ ﻋن اﻟﺟﻣﺎل اﻟذي ﯾُﺷﺗرط ﻓﯾﮫ اﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ‪ ،‬وﻛﻲ ﯾﺗوﺿﺢ ﻋدم اﻟﺗﻼؤم‬
‫ھذا‪ ،‬ﻧﺗوﻗف ﻗﻠﯾﻼً ﻋﻧد اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ ﻟﻠﻘﺻﯾدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﻌﺑﯾره ﻋن‬
‫وﻋﯾﮭﺎ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪.‬‬
‫ﺗﻘوم ھذه اﻟﻘﺻﯾدة‪ .‬ﻛﻣﺎ ھو ﻣﻌﻠوم‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺗواﻟﻲ اﻷﺑﯾﺎت اﻟﻣﺳﺗﻘﻠﺔ إﯾﻘﺎﻋﯾﺎ ً‬
‫وﻣﻌﻧوﯾﺎ ً )واﻟﻣرﺗﺑطﺔ ﻓﯾﻣﺎﺑﯾﻧﮭﺎ ﺷﻌورﯾﺎ ً طﺑﻌﺎً( ‪ .‬ﺣﯾث ﯾﺷ ّﻛل ﻛل ﺑﯾت وﺣدة إﯾﻘﺎﻋﯾﺔ‬
‫ﻗﺎﺋﻣﺔ ﺑذاﺗﮭﺎ‪ ،‬ﻻﺗﺗﺄﺛر ﺑﻣﺎ ھو ﺧﺎرج ﻋﻧﮭﺎ‪ ،‬أي أن اﻟﻛﻣﺎل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ واﻟﻣﻌﻧوي ﻣن‬
‫ﺳﻣﺎت اﻟﺑﯾت اﻟﺷﻌري‪ .‬وﻟﻘد أﺷرﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ً إﻟﻰ أن اﻟﺟﻣﺎل‪ ،‬ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ھو‬
‫اﻟﻛﻣﺎل اﻟﻣوﺻوف ﺑﺎﻻﻋﺗدال‪ .‬أﻣﺎ أﯾن ظﮭر اﻻﻋﺗدال ﻓﻲ اﻟﺑﯾت اﻟﺷﻌري‪ ،‬ﻓﻧﻘول‪ :‬إﻧﮫ‬
‫ﯾظﮭر ﻓﻲ اﺷﺗﻣﺎل اﻟﺑﯾت ﻋﻠﻰ ﺷطرﯾن ﻣﺗﻣﺎﺛﻠﯾن وﻣﺗﻧﺎظرﯾن إﯾﻘﺎﻋﯾﺎً‪ .‬أي أن‬
‫اﻟﺷطراﻷول ﯾﻌﺎدل اﻟﺷطر اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ .‬وﻻﯾﺻﺢ ﺑﺣﺎل ﻣن اﻷﺣوال ﺧﻼف ذﻟك‪ .‬ﺳواء‬
‫‪- 34 -‬‬
‫أﻛﺎن ھذا ﻓﻲ اﻷﺑﺣر اﻟﺗﺎﻣﺔ‪ ،‬أم اﻟﻣﺟزوءة‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ آﺧر‪ :‬إن اﻟﺷطر اﻟﺷﻌري ﯾﻧﺑﻐﻲ‬
‫أن ﯾﻛون ﻛﺎﻣﻼً‪ ،‬ﻻﯾﺣﺗﺎج إﯾﻘﺎﻋﯾﺎ ً إﻟﻰ أن ﯾﻛﺗﻣل ﺑﺎﻟﺷطر اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ .‬وﻻﯾﻧﻔﻲ ذﻟك ﺗدوﯾر‬
‫اﻟوزن أﺣﯾﺎﻧﺎ ً ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺑﯾﺎت‪ .‬وﻻﺳﯾﻣﺎ ﻣن اﻟﺑﺣر اﻟﺧﻔﯾف اﻟذي ﯾﻘول ﻓﯾﮫ ﺻﺎﺣب‬
‫اﻟﻣدورة ﻓﻲ‬
‫ّ‬ ‫"ﻣوﺳﯾﻘﺎ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ " وﻣن اﻟﺟدﯾر ﺑﺎﻟذﻛر أن أﻛﺛر ﻣﺎﺗﻘﻊ اﻷﺑﯾﺎت‬
‫ﻋروض ھذا اﻟﺑﺣر‪ .‬وھو دﻟﯾل ﻋﻠﻰ ا ﻟﻘوة‪ ،‬إﻻ أﻧﮫ ﻓﻲ ﻏﯾر اﻟﺧﻔﯾف ﻣﺳﺗﺛﻘل ﺣﺗﻰ‬
‫ﻋﻧد اﻟﻣطﺑوﻋﯾن ﻣن اﻟﺷﻌراء") ‪(17‬‬
‫ً‬
‫إن ﻛﻣﺎل اﻟﺑﯾت اﻟﺷﻌري ﯾﻘوم‪ ،‬إذا‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺎظر واﻟﺗﻣﺎﺛل واﻟﺗﻌﺎدل واﻟﺗﻛﺎﻣل‬
‫ﺑﯾن ﺷطرﯾن ﻛﺎﻣﻠﯾن إﯾﻘﺎﻋﯾﺎً‪ ،‬وﯾﻣﻛن اﻟﻘول أﯾﺿﺎ ً إن اﻟﺷطر ﻧﻔﺳﮫ ﻻﯾﺧﻠو ﻣن ﺗﻠك‬
‫اﻟﺳﻣﺎت‪ ،‬وﻻﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ اﻷﺑﺣر اﻟﻣﻣﺗزﺟﺔ‪ ،‬ﺣﯾث ﺗﺗواﻟﻰ اﻟﺗﻔﻌﯾﻼت اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﺑﺷﻛل‬
‫ﻣﺣدد ﻣﻧﺗظم ﻣن ﻣﺛل ﺗﻛرار ‪" .‬ﻣﺳﺗﻔﻌﻠن ﻓﺎﻋﻠن" ﻓﻲ اﻟﺑﺣر اﻟﺑﺳﯾط‪ ،‬أو‬
‫ﺗﻛرار"ﻓﻌوﻟن ﻣﻔﺎﻋﯾﻠن" ﻓﻲ اﻟﺑﺣر اﻟطوﯾل‪ ...‬إﻟﺦ‪ .‬أو ﻟﻧﻘل ﺑﺻورة أﺧرى‪ :‬إن‬
‫اﻟﻘﺻﯾدة ﺗﺷﺗﻣل ﻋﻠﻰ أﺑﯾﺎت ﻛﺎﻣﻠﺔ ذاﺗﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ وﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ ﻓﯾﻣﺎﺑﯾﻧﮭﺎ‪.‬‬
‫واﻟﺑﯾت ﯾﺷﺗﻣل ﻋﻠﻰ ﺷطرﯾن ﻛﺎﻣﻠﯾن ذاﺗﯾﺎ ً وﻣﺗﻛﺎﻣﻠﯾن ﺗﻧﺎظرﯾﺎ ً ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ‪ .‬وﯾﺷﺗﻣل‬
‫اﻟﺷطر‪ ،‬ﻓﻲ اﻷﺑﺣر اﻟﻣﻣﺗزﺟﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ وﺣدﺗﯾن إﯾﻘﺎﻋﯾﺗﯾن ﻛﺎﻣﻠﺗﯾن وﻣﻛﺗﻣﻠﺗﯾن ﻓﯾﻣﺎ‬
‫ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ أﯾﺿﺎً‪ .‬ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ھﺎﺗﯾن اﻟوﺣدﺗﯾن ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﺗﻛوﻧﺎن ﻣﺗداﺧﻠﺗﯾن ﻓﻲ‬
‫اﻟﺷطر اﻟواﺣد‪.‬‬
‫إن ھذا اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ ﯾﻌﺑّر ﺧﯾر ﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟوﻋﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ اﻟذي ﯾرى‬
‫اﻟﻌﺎﻟم ﻣن ﺧﻼل اﻟﺗﻧﺎظر واﻟﺗﻛﺎﻣل‪ ،‬وﯾرى ﻓﻲ اﻟﺟﻣﺎل ﻋﻠﻰ أﻧﮫ اﻟﻛﻣﺎل اﻟﻣوﺻوف‬
‫ﺑﺎﻻﻋﺗدال‪ .‬ﻏﯾر أن ھذا اﻟﺷﻛل ﻟﯾس ﺑﺈﻣﻛﺎﻧﮫ أن ﯾﻛون ﺣﺎﻣﻼً ﻟﻠوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ اﻟذي‬
‫ﯾرى اﻟﻌﺎﻟم ﻣن ﺧﻼل اﻟﺗداﺧل واﻟﺗﻧﺎﻗض وﺗﺑﺎدل اﻟﺗﺄﺛﯾر‪ .‬إذ إن ﺛﻣﺔ اﺧﺗﻼﻓﺎ ً ﺣﺎدا ً ﺑﯾن‬
‫ھذا اﻟوﻋﻲ وذﻟك اﻟﺷﻛل‪ .‬وﻟﮭذا اﻟﺳﺑب ﻻﻏراﺑﺔ ﻓﻲ أن ﺗﺳﻌﻰ اﻟﺣداﺛﺔ إﻟﻰ إﻧﺟﺎز‬
‫ﺷﻛﻠﮭﺎ اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ اﻟذي ﻻﯾﻧﮭض ﻣن اﻟﺗﻧﺎظر واﻟﺗﻣﺎﺛل‪ ...‬ﺑل ﻣن اﻟﺗداﺧل وﺗﺑﺎدل‬
‫اﻟﺗﺄﺛﯾر واﻟﺗﻧوع ﻓﻲ إطﺎر اﻟوﺣدة اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻧص‪.‬‬

‫ب ـ اﻟﺒﻨﯿﺔ اﻟﺼﻮرﯾﺔ‪:‬‬
‫ﻣن اﻟﻣﻌروف أن ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد)‪ (18‬ﯾؤﻛد أن ﺛﻣﺔ اﻧﻘﻼﺑﺎ ً ﺟذرﯾﺎ ً ﻗد أﺻﺎب‬
‫اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ‪ ، ARTISTIC IMAGE‬ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﺣدﯾث‪ .‬ﻓﻠم ﺗﻌد اﻟﺻورة ﻣﺟرد‬
‫ﺷرح ﻟﻠﻔﻛرة أو ﺗوﺿﯾﺢ ﻟﮭﺎ أو ﻣﺟرد زﺧرﻓﺔ‪ ،‬ﯾﻣﻛن اﻻﺳﺗﻐﻧﺎء ﻋﻧﮭﺎ‪ ،‬ﻣن دون أن‬
‫ﯾﺧﺗل اﻟﻣﻌﻧﻰ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ واﻟﺗﻘﻠﯾدي اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ .‬ﺑل أﺻﺑﺣت اﻟﺻورة‬
‫اﻟﺣداﺛﯾﺔ داﺧﻠﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺻﻣﯾم اﻟﻧص اﻟﺷﻌري ‪ ،‬ﺑطرﯾﻘﺔ ﺑﻧﺎﺋﯾﺔ ﺣﯾوﯾﺔ؛ ﻛﻣﺎ أﺻﺑﺣت‬
‫اﻟﺻورة ھﻲ اﻟﻔﻛرة‪ ،‬وﻻاﻧﻔﺻﺎل ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ‪ .‬وﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى‪ ،‬ﻓﻘد ﺗﻐﯾرت اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن‬
‫ﻋﻧﺎﺻر اﻟﺻورة‪ ،‬ﺑﺷﻛل أﺻﺑﺣت ﻓﯾﮫ ھذه اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ ﺻﮭر اﻟﻌﻧﺎﺻر‪،‬‬
‫ﻻﻋﻠﻰ ﺗﺟﺎوزھﺎ وﺗﻘﺎﺑﻠﮭﺎ‪ ،‬أي ﺗ ﱠم اﻹﻧﺗﻘﺎل " ﻣن اﻟﺛﻧوﯾﺔ اﻟﺑﻼﻏﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‬
‫اﻟﺻﺎھرة") ‪ (19‬ﻛﻣﺎ ﯾﻘول اﻟدﻛﺗور اﻟﯾﺎﻓﻲ‪.‬‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 35 -‬‬


‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟﺻورة اﻟﺣداﺛﯾﺔ ﻗد دُرﺳت دراﺳﺔ ﻣﺳﺗﻔﯾﺿﺔ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧﻘد‬
‫اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث‪ ،‬ﺑﺣﯾث ﻻﻣﺟﺎل ﻟﻺﺿﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻹطﺎر‪ ،‬إﻻ أﻧﻧﺎ ﻧﺗوﻗف ﻋﻧد ﺗﺑﯾﺎن‬
‫ﺻﻠﺔ ھذه اﻟﺻورة ﺑﺎﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪ .‬وھو ﻣﺎ ﻟم ﯾﻌط ﺣﻘّﮫ ﻣن اﻟدرس‪.‬‬
‫وﺳوف ﻧﺗﻧﺎول ھذه اﻟﺻﻠﺔ ﻣن ﺟﺎﻧﺑﯾن اﺛﻧﯾن‪ .‬ھﻣﺎ‪ :‬ﺑﻧﯾﺔ اﻟﺻورة‪ ،‬وﺧﻠﻔﯾﺗﮭﺎ‬
‫اﻟﺗﻌﺑﯾرﯾﺔ‪ .‬وذﻟك ﺑﺈﯾﺟﺎز ﺷدﯾد‪ ،‬ﻗدر اﻹﻣﻛﺎن‪.‬‬
‫ﺗﻧﮭض ﺑﻧﯾﺔ اﻟﺻورة اﻟﺣداﺛﯾﺔ ﻣن اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ ﺑﯾن ﻋﻧﺎﺻرھﺎ‪ ،‬ﺑﺷﻛل‬
‫ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻓﯾﮫ اﻟﻔﺻل ﺑﯾﻧﮭﺎ‪ ،‬أو اﻟﻧظر إﻟﻰ أﺣد اﻟﻌﻧﺎﺻر ﺑﻣﻌزل ﻋن ﺗداﺧﻠﮫ ﺑﺎﻵﺧر‪.‬‬
‫واﻟﻌﻧﺎﺻر‪ ،‬ھﻧﺎ‪ ،‬ﻻﺗﻌﻧﻲ اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻛون ﻣﻧﮭﺎ اﻟﺻورة ﻓﺣﺳب‪ ،‬ﺑل‬
‫ﺗﻌﻧﻲ أﯾﺿﺎ ً اﻷﻓﻛﺎر واﻻﻧﻔﻌﺎﻻت واﻷﺳﺎﻟﯾب اﻟﺑﻼﻏﯾﺔ اﻟﻣﺳﺗﺧدﻣﺔ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺻورة اﻟﺣداﺛﯾﺔ‪ ،‬ﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ‪ ،‬ھﻲ ﻧﺗﺎج ﻛﻠﻲ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ اﻟﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ ﺑﯾن ﺗﻠك‬
‫اﻟﻌﻧﺎﺻر‪ .‬وﻟﻧﺿرب ﺑﻌض اﻷﻣﺛﻠﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟك‪.‬‬
‫ﯾﻘول ﻣﺣﻣود دروﯾش‪:‬‬
‫ﻣﺷت اﻟﺧﯾول ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺻﺎﻓﯾر اﻟﺻﻐﯾرة‬
‫ﻓﺎﺑﺗﻛرﻧﺎ اﻟﯾﺎﺳﻣﯾن) ‪(20‬‬
‫وﯾﻘول أﺣﻣد ﻋﺑد اﻟﻣﻌطﻲ ﺣﺟﺎزي‪ ،‬ﻓﻲ إﺣدى اﻟﻠوﺣﺎت اﻟﺗﺷﻛﯾﻠﯾﺔ‪:‬‬
‫ﻗطرﺗﺎن ﻣن اﻟﺻﺣو‪،‬‬
‫ﻓﻲ ﻗطرﺗﯾن ﻣن اﻟظ ِ ّل‬
‫ﻓﻲ ﻗطرة ﻣن ﻧدى‬
‫ﻗل ھو اﻟﻠون ﻓﻲ اﻟﺑدء ﻛﺎن‬
‫وﺳوف ﯾﻛون ﻏدا)‪(21‬‬
‫وﯾﻘول ﺧﻠﯾل ﺣﺎوي‪:‬‬
‫ﻟﯾﺗﻧﻲ ﻣﺎزﻟت ﻓﻲ اﻟﺷﺎرع أﺻطﺎد اﻟذﺑﺎب‬
‫أﻧﺎ واﻷﻋﻣﻰ اﻟﻣﻐﻧﻲ واﻟﻛﻼب‬
‫وطواﻓﻲ ﺑزواﯾﺎ اﻟﻠﯾل‪،‬‬
‫ﺑﺎﻟﺣﺎﻧﺎت ﻣن ﺑﺎب ﻟﺑﺎب‬
‫أﺗﺻدّى ﻟذﺋﺎب اﻟدرب‪!....‬‬
‫ﻣﺎذا؟ ﻟﯾﺗﻧﻲ ﻣﺎزﻟت درﺑﺎ ً ﻟﻠذﺋﺎب)‪(22‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ھذه اﻟﺻور ﺗﺧﺗﻠف ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻌﻧﺎﺻر واﻷﺟواء‬
‫واﻹﯾﺣﺎءات‪ ،‬ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﻧﮭض ﻣن ا ﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ﻓﻲ ﺳﻣﺗﮫ اﻟﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻓﮭﻲ ﻣﺑﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺗﺟﺎدل ﻻﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺎظر ﺑﯾن اﻟﻌﻧﺎﺻر‪ .‬ﻓﺎﻟﯾﺎﺳﻣﯾن‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺻورة اﻷوﻟﻰ‪ ،‬ﻻﯾﺗ ّم اﺑﺗﻛﺎره‬

‫‪- 36 -‬‬
‫ﻣن اﻟﺗﻧﺎظر ﺑﯾن اﻟﺧﯾول واﻟﻌﺻﺎﻓﯾر‪ .‬ﺑل ﯾﺗ ﱡم ﻣن ﺧﻼل اﻟﺗﻧﺎﻗض واﻟﺻراع اﻟﺣﺎد‬
‫ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ‪ .‬أي أن اﻧﺳﺣﺎق اﻟﻌﺻﺎﻓﯾر ﺑﺄرﺟل اﻟﺧﯾول)ﻣﻊ اﻷﺧذ ﺑﻌﯾن اﻻﻋﺗﺑﺎر ﻣﺎﯾرﻣز‬
‫إﻟﯾﮫ ﻛل ﻣﻧﮭﻣﺎ( ھو اﻟذي ﯾدﻋوﻧﺎ إﻟﻰ اﺑﺗﻛﺎر اﻟﯾﺎﺳﻣﯾن ‪ .‬ﻓﻌﻧﺎﺻر ھذه اﻟﺻورة‪ ،‬إذاً‪،‬‬
‫أرﺑﻌﺔ‪ ،‬وھﻲ اﻟﺧﯾول واﻟﻌﺻﺎﻓﯾر و "ﻧﺎ" اﻟداﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن‪ ،‬ﻓﻲ ﻓﻌل "اﺑﺗﻛرﻧﺎ"‪.‬‬
‫وﺟﻣﯾﻊ ھذه اﻟﻌﻧﺎﺻر ﻣﺗﺟﺎدﻟﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ‪ .‬ﻓﺎﻟﺧﯾول ﺗﺗﻧﺎﻗض ﻣﻊ اﻟﻌﺻﺎﻓﯾر ﻓﺗﺳﺣﻘﮭﺎ‪،‬‬
‫وﻧﺣن أو"ﻧﺎ" اﻟداﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن‪ ،‬ﺗﺗﻧﺎﻗض ﻣﻊ اﻟﺧﯾول وﻣﻊ ﻣوت اﻟﻌﺻﺎﻓﯾر‪ ،‬ﻓﺗﺑﺗﻛر‬
‫اﻟﯾﺎﺳﻣﯾن اﻟذي ھو ﻣن ﻧوﻋﯾﺔ اﻟﻌﺻﺎﻓﯾر‪ .‬أي أن اﻟﯾﺎﺳﻣﯾن ھو اﻵﺧر ﻋﻠﻰ ﺗﻧﺎﻗض‬
‫ﻣﻊ اﻟﺧﯾول واﻟﻣوت ﻣﻌﺎً‪ .‬وﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى‪ ،‬ﻓﺛﻣﺔ ﺗﻧﺎﻗض ﺑﯾن ﻓﻌل اﻻﺑﺗﻛﺎر وﻓﻌل‬
‫اﻟﻣوت اﻟذي ﺗﻣﺎرﺳﮫ اﻟﺧﯾول‪ .‬وﻓﻲ اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻹﯾﺣﺎء اﻟﻣﻧﺳﺟم اﻟذي ﺗﻘدﻣﮫ ھذه‬
‫اﻟﺻورة ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺎﻗض ﺑﯾن ﻋﻧﺎﺻرھﺎ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ .‬وﻣﺎ ﯾﻘﺎل ﻓﻲ ھذه اﻟﺻورة‬
‫ﯾﻘﺎل ﻓﻲ اﻟﺻورﺗﯾن اﻟﺗﺎﻟﯾﺗﯾن‪ .‬ﻓﺎﻟﺗﺟﺎدل ﺑﯾن اﻟﻘطرات‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺻورة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬ھو اﻟذي‬
‫ﯾﺷﻛّل اﻟﻠون أو اﻟﻠوﺣﺔ اﻟﺗﺷﻛﯾﻠﯾﺔ‪ ،‬واﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬ﻓﻼﺑ ّد ﻟﻠﻔن‪ ،‬ﻟﻛﻲ ﯾﻛون ﻣﻌﺑّراً‪ ،‬ﻣن أن‬
‫ﯾﺗﻛون ﻣﻣﺎ ھو ﻣﺗﻧﺎﻗض ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻛﺎﻟﺻﺣو واﻟظل واﻟﻧدى)ﺑﻣﺎ ﺗرﻣز إﻟﯾﮫ(‪ .‬وﻛذا‬ ‫ّ‬
‫ھﻲ اﻟﺣﺎل‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺻورة اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ‪ .‬ﺣﯾث اﻟﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟﻔردﯾﺔ ﺗﻧﮭض ﻣن اﻟﺗﻧﺎﻗض ﺑﯾن‬
‫"اﻷﻧﺎ" وﻛ ٍّل ﻣن اﻟدرب واﻟذﺑﺎب واﻟذﺋﺎب‪.‬‬
‫ھذا ﻣن ﺣﯾث اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﻌﻧﺎﺻر‪ .‬أﻣﺎ ﻣن ﺣﯾث اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾﻧﮭﺎ‪ ،‬ﻣن ﻣﺟﺎﻻت‬
‫ﺣﯾﺎﺗﯾﺔ ﻣﺗﺑﺎﻋدة وﻣﺧﺗﻠﻔﺔ وﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ أﺣﯾﺎﻧﺎً‪ ،‬ﻓﺈن ھذا اﻷﻣر ﺑﺎت ﺷﺎﺋﻌﺎ ً ﻓﻲ ﻛﺗب ﻧﻘد‬
‫اﻟﺷﻌر اﻟﺣداﺛﻲ‪ .‬إذ ﻣن اﻟﻣﻌروف أن ھذا اﻟﺷﻌر ﻗد أﻓﺎد ﻣن ﺗﻘﻧﯾﺎت اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ‬
‫اﻟﺳورﯾﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘوم أﺳﺎﺳﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺎت واﻟﻣﺗﺑﺎﻋدات‪ .‬وإذا ﻣﺎﻋدﻧﺎ‬
‫إﻟﻰ اﻟﺻور اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﺟد‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺻورة اﻷوﻟﻰ‪ ،‬ﺟﻣﻌﺎ ً ﺑﯾن اﻟﺧﯾول اﻟداﺑّﺔ‬
‫واﻟﻌﺻﺎﻓﯾر اﻟﻣﺣﻠّﻘﺔ واﻟﯾﺎﺳﻣﯾن اﻟﻧﺎﺑت واﻟذات اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ؛ ﻛﻣﺎ ﻧﺟد‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺻورة‬
‫اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬ﺟﻣﻌﺎ ً ﺑﯾن اﻟﻘطرة وﻛ ٍّل ﻣن اﻟﺻﺣو واﻟظل؛ وﻧﺟد‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺻورة اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ‪،‬‬
‫ﺟﻣﻌﺎ ً ﺑﯾن اﻟﻠﯾل واﻟزواﯾﺎ‪ ،‬واﻷﻋﻣﻰ واﻟﻛﻼب‪ ،‬واﻟﺣﺎﻧﺎت واﻟذﺋﺎب‪ ،‬واﻟﺻﯾد واﻟذﺑﺎب‪.‬‬
‫ﻏﯾر أن ﻣﺎﺗﻧﺑﻐﻲ اﻹﺷﺎرة إﻟﯾﮫ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬ھو أن ﺗﻠك اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ أو ھذا‬
‫اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﻣﺗﺑﺎﻋدات واﻟﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺎت‪ ،‬ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻧﺗﺞ ﻋﻧﮫ إﯾﺣﺎء ﺟﻣﯾل ﻣﻧﺳﺟم‪ .‬وﻟن‬
‫ﯾﻛون ھذا ﻣﻣﻛﻧﺎً‪ ،‬إﻻ إذا ﻛﺎﻧت اﻟﺻورة ﺑل اﻟﺗﺧﯾﯾل اﻟﻔﻧﻲ ﻋﺎﻣﺔ ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﻛﯾﻧوﻧﺔ‬
‫اﻟواﻗﻌﯾﺔ‪ ،‬وﻣن دون ذﻟك ﻟن ﯾﻛون اﻟﺗﺧﯾﯾل‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾؤﻛد ﺗﯾودور أدورﻧو ‪THEODOR‬‬
‫‪ ،ADORNO‬ﺳوى ﺗﺧﯾﯾل ﻣﺟﺎﻧﻲ رﺧﯾص وﻣﺣدود اﻟﻘﯾﻣﺔ)‪.(23‬‬
‫وﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﺣو‪ ،‬ﻓﺈن اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ﻓﻲ ﺳﻣﺗﮫ اﻟﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ ﻗد اﻧﻌﻛس ﻓﻲ‬
‫اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ .‬وھو ﻣﺎ أدى ﺑﮭﺎ إﻟﻰ أن ﺗﺷﺗﻣل ﻋﻠﻰ ﻋﻧﺎﺻر ﻣﺗداﺧﻠﺔ ﻣﺗﺟﺎدﻟﺔ‬
‫ﻣﺳﺗﻘﺎة ﻣن ﻣﺟﺎﻻت ﻣﺗﺑﺎﻋدة أو ﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ‪ .‬ﻓﺎﻧﻌدﻣت اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺎت اﻟﻣﺗﻘﺎﺑﻠﺔ أو اﻟﻣﺗﻧﺎظرة‬
‫اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت اﻟﺻورة اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ ﺗﻘوم ﻋﻠﯾﮭﺎ‪ ،‬واﻧﻌدﻣت أﯾﺿﺎ ً ﺗﻠك اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ واﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ‬
‫اﻟﻠﺗﺎن ﻛﺎﻧﺗﺎ أﺳﺎس ھذه اﻟﺻورة‪.‬‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 37 -‬‬


‫وﺛﻣﺔ أﻣر آﺧر‪ ،‬ﯾﻧﺑﻐﻲ اﻟﺣدﯾث ﻋﻧﮫ‪ ،‬ﻓﻲ ﺑﻧﯾﺔ اﻟﺻورة‪ ،‬وھو اﻟﺗداﺧل ﺑﯾن‬
‫اﻟﻔﻛرة واﻟﻣﺟﺎز أو اﻟﺷﻛل اﻟﺑﻼﻏﻲ ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬إذ أن اﻟﻔﻛرة‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺻورة اﻟﺣداﺛﯾﺔ‪ ،‬ﺗﺄﺗﻲ‬
‫ﻣﺻورة أو ﺻورة ﻣﻔ ّﻛرة‪ .‬ﯾﻘول اﻟدﻛﺗور اﻟﯾﺎﻓﻲ‪:‬‬
‫ﱠ‬ ‫ﻋﺑر اﻟﻣﺟﺎز‪ ،‬ﻓﮭﻲ ﻓﻛرة‬
‫" ﻟﻌل ﺧﯾر ﺑداﯾﺔ ﻧﻧطﻠﻖ ﻣﻧﮭﺎ ﻟﻠﺣدﯾث ﻋن ﺗﻘﻧﯾﺎت اﻟﺻورة اﻟﻣﻔردة أن‬
‫ﻧﺗذﻛر أﻣرﯾن ﯾﺧﺻﱠﺎن اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﻣﻌﺎﺻرة‪ .‬أوﻟﮭﻣﺎ أﻧﮭﺎ أﻟﻐت ﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾر‬
‫اﻟﻣﻌروﻓﺔ‪ :‬ﻓﻛرة‪ +‬ﺻورة‪ ،‬وﺟﻌﻠت اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟﻔﻛرة ﯾﺗ ﱡم ﻣن ﺧﻼل اﻟﺻورة أو‬
‫ﺑﺎﻟﺻورة‪ ،‬وﺛﺎﻧﯾﮭﻣﺎ أﻧﮭﺎ رأت ﻓﻲ اﻟﺻورة أداة اﻟﺧﻠﻖ أو اﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟوﺣﯾدة ﻋن‬
‫اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌورﯾﺔ ﺑﺄﺑﻌﺎدھﺎ ﻛﻠﮭﺎ وﻣﺿﺎﻣﯾﻧﮭﺎ وﺧﺻﺎﺋﺻﮭﺎ‪ .‬أي ﺟﻌﻠت ﻣن اﻟﺻورة‬
‫اﻟﻣ ّﻛِون اﻟرﺋﯾس ﻟﮭﺎ")‪(24‬‬
‫ﺑﻣﻌﻧﻰ أن ﻣﺎﺟﺎء ﺑﮫ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﺻورة ﯾﻧﺳﺟم واﻟﻣﻘوﻟﺔ‬
‫اﻟﻣﻌروﻓﺔ اﻟﺗﻲ أطﻠﻘﮭﺎ ﺑﯾﻠﻧﺳﻛﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﻌرﯾﻔﮫ ﻟﻠﻔن‪ ،‬وھﻲ " اﻟﻔن ﺗﻔﻛﯾر ﻓﻲ ﺻور "‬
‫)‪.(25‬‬
‫ﻟﻘد ردم اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺣداﺛﻲ ﺗﻠك اﻟﻔﺟوة ﺑﯾن اﻟﻔﻛرة واﻟﺻورة‪ ،‬اﻟﺗﻲ ﻻﺣظﮭﺎ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ واﻟﺗﻘﻠﯾدي اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ .‬ﻓراح ﯾرى ﻣﺎﺣوﻟﮫ وﯾﻔﻛر ﻓﯾﮫ‪ ،‬ﻣن‬
‫ﺧﻼل اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ أﺻﺑﺢ ﻟﮭﺎ‪ ،‬ﻋﻧده‪ ،‬وظﯾﻔﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﻌرﻓﯾﺔ ﻣزدوﺟﺔ‪ .‬وھذا‬
‫ﻣﺎﯾﺗﻼءم وﺳﻣﺔ اﻟﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻧﮭض ﻣﻧﮭﺎ وﻋﯾﮫ اﻟﺣداﺛﻲ‪ .‬وﻟﻌل ﻋودة إﻟﻰ اﻟﺻور‬
‫اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻟﻣذﻛورة ﺳﺎﺑﻘﺎ ً ﺗؤﻛد ھذه اﻟﻧﺎﺣﯾﺔ‪ .‬وﻻﺑﺄس ﻣن اﻟﺗﻣﺛل ﺑﺑﻌض اﻟﺻور‬
‫اﻷﺧرى‪:‬‬
‫ﯾﻘول اﻟﺳﯾﺎب‪:‬‬
‫ﯾﺎﻏﯾﻣﺔ ﻓﻲ أول اﻟﺻﺑﺎح‬
‫ﺗﻌرﺑد اﻟرﯾﺎح‬
‫ﻣن ﺣوﻟﮭﺎ‪ ،‬ﺗﻧﺗف ﻣن ﺧﯾوطﮭﺎ‪ ،‬ﺗطﯾر‬
‫ﺑﮭﺎ إﻟﻰ ﺳﻣﺎوة ﺗﺟوع ﻟﻠﺣرﯾر‬
‫ﺳﯾﻧطوي اﻟﺟﻧﺎح‪،‬‬
‫ﺳﺗﻧﺗف اﻟرﯾﺎح رﯾﺷﮫ ﻣﻊ اﻟﻐروب‬
‫ﯾﺎﻏﯾﻣﺔ ﻣﺎأﻣطرت‪ ،‬ﺗذوب) ‪(26‬‬
‫وﯾﻘول ﻣﺣﻣد اﻟﻣﺎﻏوط‪:‬‬
‫ﻣﻛﺳوة ﺑﺎﻟﺷﻌر‬
‫ﱠ‬ ‫ﻛﺳﻧﺑﻠﺔ‬
‫رأﯾﺗك ﺗﻧزف ﻋﻠﻰ ﻓوھﺔ اﻟﺧﻠﯾﺞ‬
‫اﻟﻣﺷوه‬
‫ﱠ‬ ‫أﯾﮭﺎ‬
‫ﺗﺣﺻﻲ ﺟراﺣك وﻧدوﺑك‬
‫‪- 38 -‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﺗﺣﺻﻲ اﻟﻐﺎﺑﺔ طﯾورھﺎ ﻋﻧد اﻟﻣﺳﺎء‬
‫ﯾﺎﻣﻌﯾﻠﻲ أﯾﺎم اﻟﻣﺣﻧﮫ‬
‫أﯾﮭﺎ اﻟﻣطر واﻟرﻋب واﻟرﺻﺎص) ‪(27‬‬
‫وﯾﻘول ﺳﻌدي ﯾوﺳف‪:‬‬
‫ﻻﺗﮭب اﻟﻌﺷﯾﺔ‬
‫ﱡ‬ ‫اﻟرﯾﺎح اﻟﺗﻲ‬
‫ﻻﺗﮭب اﻟﺻﺑﺎح‬
‫ﱡ‬ ‫واﻟرﯾﺎح اﻟﺗﻲ‬
‫ﺣ ﱠﻣﻠﺗﻧﻲ ﻛﺗﺎب اﻟﻐﺻون‪:‬‬
‫أن أرى ﺻﯾﺣﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﺳﻛون)‪(28‬‬
‫إن ﻓﻲ ھذه اﻟﺻور ﺗداﺧﻼً ﺣﺎدا ً ﺑﯾن اﻟﻔﻛر واﻟﻣﺟﺎز‪ ،‬ﺑﺣﯾث ﯾﺳﺗﺣﯾل اﻟﺗﻌﺎﻣل‬
‫ﻣﻊ ھذا ﻣن دون ذاك‪ .‬ﻓﮭﻣﺎ ﯾﺷﻛﻼن وﺣدة ﻣطﻠﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر‪ ،‬وﻓﻲ اﻟوظﯾﻔﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‬
‫اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ اﻟﻣزدوﺟﺔ ﻟدى اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺣداﺛﻲ‪ .‬ﻓﺳﻌدي ﯾوﺳف‪ ،‬ﻣﺛﻼً‪ ،‬ﺳﻌﻰ إﻟﻰ اﻟﻘول‬
‫إن اﻟﺣﯾﺎة ﺗﺧرج ﻣن أﺣﺷﺎء اﻟﻣوت‪ ،‬أو إن اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﯾﺧرج ﻣن اﻟواﻗﻊ اﻟراﻛد أو‬
‫اﻟذي ﯾﺑدو راﻛداً‪ ،‬ﻏﯾر أن ھذه اﻟﻔﻛرة ﻟم ﺗﺄت ﺑﺎﻟﺷﻛل اﻟذي ﺳردﻧﺎه ـ وھو ﺷﻛل‬
‫ﻗﺎﺻر ﻋن اﻹﺣﺎطﺔ ﺑﺗﻠك اﻟﺻورة ـ ﺑل أﺗت ﺻورﯾﺔ ـ ﻣﻌرﻓﯾﺔ ﻣﻣﺗﻠﺋﺔ ﺑﺎﻹﯾﺣﺎءات‪،‬‬
‫وﻣﺣﻣوﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﻣﺟﺎزي ﻣﻊ اﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﺟﻌﻠﮭﺎ ﺗﺷ ّﻊ ﻓﻲ اﺗﺟﺎھﺎت ﺗﻌﺑﯾرﯾﺔ‬
‫ﻣﺗﻌددة‪ ،‬ﻻﯾﺻ ّﺢ ﺣﺻرھﺎ أو ﺣﺟزھﺎ ﺑﻣﺎ ﺳردﻧﺎه ﻣن ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺻورة أو ﻓﻛرﺗﮭﺎ‪.‬‬
‫وﻓﻲ اﻟﺣدﯾث ﻋن اﻟﺧﻠﻔﯾﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾرﯾﺔ ﻟﻠﺻورة اﻟﺣداﺛﯾﺔ‪ ،‬ﯾﻣﻛن اﻟﻘول إن ھذه‬
‫اﻟﺻورة ﺗﺻدر ﻋن رؤﯾﺔ ورؤﯾﺎ ﺗﺟﺎدﻟﯾﺗﯾن ﻟﻠظواھر واﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬واﻟواﻗﻊ اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ‬
‫ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬أي أن ھذه اﻟﺻورة ﻻﺗﻌﺑّر ﻋن اﻟﺛﺑﺎت واﻟﺳﻛون‪ ،‬ﺑل ﻋن اﻟﺣرﻛﺔ واﻟﺗﻔﺎﻋل‬
‫واﻟﺗﺣول‪ .‬ﺳواء أﻛﺎن ذﻟك ﻓﻲ ﻣﺎﯾﺧص ﻣﺎھو ﻧﺎﺟز‪ ،‬أم ﻣﺎھو ﻓﻲ ﻗﯾد اﻹﻧﺟﺎز‪ .‬وﻣن‬
‫ھﻧﺎ‪ ،‬ﻓﺈن ﺳﻣﺔ اﻟﺗﺣول) ‪ (29‬ﻣن اﻟﺳﻣﺎت اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﺧﻠﻔﯾﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾرﯾﺔ ﻟﮭذه اﻟﺻورة‪.‬‬
‫وإن وﻗﻔﺔ ﻋﻧد ﺑﻌض ﻣﺎﺳﻠف ﻣن ﺻور‪ ،‬ﺗﺛﺑت ذﻟك وﺗوﺿّﺣﮫ‪.‬‬
‫ﻓﺻورة ﻣﺣﻣود دروﯾش ﺗﺻدر ﻋن ﺗﺣول اﻟﻣوت إﻟﻰ ﺣﯾﺎة‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل‬
‫اﻟﺻراع اﻟﻣﻣﯾت ﺑﯾن اﻟﺧﯾول واﻟﻌﺻﺎﻓﯾر؛ وﺻورة ﺧﻠﯾل ﺣﺎوي ﺗﺻدر ﻋن ﺗﺣول‬
‫اﻟﻔرد اﻟﻣﻌذب ﻣن اﻟﻣﻧﺎوأة إﻟﻰ اﻻﻧﺳﺣﺎق؛ وﺻورة اﻟﺳﯾﺎب ﺗﺻدر ﻋن ﺗﺣول‬
‫إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ اﻟﺣﯾﺎة إﻟﻰ ﻣوت وﺗﻼش‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ﻋرﺑدة اﻟرﯾﺎح ﺣول اﻟﻐﯾﻣﺔ؛ وﺻورة‬
‫ﺳﻌدي ﯾوﺳف ﺗﺻدر ﻋن وﻋﻲ اﻟﺗﺣول اﻟﺧﻔﻲ ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ ﻣن اﻟﺳﻛون إﻟﻰ‬
‫اﻟﺣرﻛﺔ‪ ....‬إن ھذه اﻟﺻور ﻣﺟرد أﻣﺛﻠﺔ ﻋﻔوﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺻدور اﻟﺻورة اﻟﺣداﺛﯾﺔ ﻋن‬
‫وﻋﻲ اﻟﺗﺣول ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ واﻟﻌﺎﻟم‪ .‬أﻣﺎ اﻟﺻور اﻟﺗﻲ ﺗﻌﻠن ھذا اﻟﺗﺣول ﺻراﺣﺔ‪،‬‬
‫ﻓﻼﺗﻛﺎد ﺗﺣﺻﻰ‪ ،‬ﻧذﻛر واﺣدة ﻣﻧﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬ﯾﻘول ﻣﺣﻣد ﻋﻣران‪:‬‬
‫أﻣﺷﻲ ﻋﻠﻰ ﻏﺿب اﻟﮭواء‪ /‬أﻧﺎ اﻟﻧذﯾر‪،‬‬
‫ﯾﻛون زﻟزال‪ ،‬ﻓﺗﻧﮭدم اﻟﺟﮭﺎت‪،‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 39 -‬‬
‫وﺗﺳﻘط اﻷﻧﻘﺎض ﻓﻲ ﻗﺎﻋﻲ‪ ،‬وﯾﺧﺗﻠط اﻟرﻛﺎ ْم‬
‫ﺟﺛث‪ /‬وﯾﻧﻌﺟن اﻟﻘﺗﯾل ﺑﻘﺎﺗﻠﯾﮫ‪،‬‬
‫اﻟﺣرب اﻟﺳﻼ ْم‬
‫ُ‬ ‫وﺗدﺧل‬
‫ﺗﺗداﺧل اﻷﺿداد ـ‬
‫ﺗﻠﺑس ﺧوذةٌ ﻛوﻓﯾﺔً‬
‫ب‬
‫ﺛﯾﺎب ﻣﺣﺎر ٍ‬ ‫َﺟ َﻣ ٌل َ‬
‫ﻣﻠ ٌك ﻓداﺋﯾﺎً‪.‬‬
‫ْ‬
‫ﻋﻣﺎﻣﺔ‬ ‫ﻲ‬
‫ﻓداﺋ ﱞ‬
‫ﻓﯾﻠﺗف اﻟظﻼم ﻋﻠﻰ اﻟظﻼم‬
‫ﱡ‬ ‫ٌ‬
‫وﺗﻛون ﻋﺎﺻﻔﺔ‪،‬‬
‫وﺗﻛون ﻓﺎﺗﺣﺔُ اﻟﻘﯾﺎﻣ ْﮫ)‪(30‬‬
‫وھﻛذا ﻧﻠﺣظ أن اﻟﺻورة اﻟﺣداﺛﯾﺔ ﻗد ﺟﺎءت ﺗﻌﺑﯾرا ً ﻋن وﻋﯾﮭﺎ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻓﻲ‬
‫ﺳﻣﺗﮫ اﻟﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ‪ .‬ﺳواء أﻛﺎن ذﻟك ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﻌﻧﺎﺻر‪ ،‬أم اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾﻧﮭﺎ ﻣن‬
‫ﻣﺟﺎﻻت ﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ أو ﻣﺗﺑﺎﻋدة‪ ،‬أم ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﺗداﺧل ﺑﯾن اﻟﻔﻛر واﻟﻣﺟﺎز‪ ،‬أم ﻛﺎن ﻓﻲ‬
‫ﺧﻠﻔﯾﺗﮭﺎ اﻟﺗﻌﺑﯾرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺻف ﺑﺎﻟﺗﺣول‪ ،‬أم ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟوظﯾﻔﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ‬
‫اﻟﻣزدوﺟﺔ ﻟﮭﺎ‪.‬‬
‫إن ﻛل ذﻟك ﻗد ﺟﻌل ﻣن ھذه اﻟﺻورة ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ اﺧﺗﻼﻓﺎ ً ﺟذرﯾﺎ ً ﻋن ﻣﺛﯾﻠﺗﮭﺎ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ واﻟﺗﻘﻠﯾدي اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ .‬وﻟﻛﻲ ﯾﺗوﺿﺢ ھذا اﻻﺧﺗﻼف‪ ،‬ﻧﺷﯾر‬
‫إﺷﺎرة ﺳرﯾﻌﺔ إﻟﻰ أن اﻟﺻورة اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ واﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﺑﯾن‬
‫اﻟﻌﻧﺎﺻر واﻷﺷﯾﺎء اﻟﻣﻛوﻧﺔ ﻟﮭﺎ؛ وﺗﻘوم أﯾﺿﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟﺑﻼﻏﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺣﺗﻔظ‬
‫ﺑﺎﺳﺗﻘﻼﻟﯾﺔ ﻋﻧﺻري اﻟﺻورة‪ ،‬ﻓﻼﯾﺗداﺧﻼن إﻻ ﻣﺎﻧدر؛ وﺗﻘوم ﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻟﺛﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺗوﺿﯾﺢ اﻟﻣﻌﻧﻰ أو ﺷرﺣﮫ أو زﺧرﻓﺗﮫ وﺗزﯾﯾﻧﮫ‪ .‬ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ اﺳﺗﻘﻼل اﻟﺻورة ﻋن‬
‫اﻟﻔﻛرة‪ .‬ﻓﻛﺛﯾرا ً ﻣﺎﯾﺷﺗﻣل اﻟﺑﯾت اﻟﺷﻌري اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺎظر ﺑﯾن اﻟﻔﻛرة‬
‫واﻟﺻورة‪ .‬وذﻟك ﻣن ﻣﺛل اﻷﺑﯾﺎت اﻟﻣﺷﮭورة اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻟﻛ ِّل ﻣن اﻣرىء اﻟﻘﯾس‬
‫واﻟﺧﻧﺳﺎء واﻟﻣﺗﻧﺑﻲ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟﺗواﻟﻲ‪:‬‬

‫ﻛﺟﻠﻣود ﺻﺧر ﺣ ّطﮫ اﻟﺳﯾل ﻣن ﻋ ِل‬ ‫ﻣدﺑر ﻣﻌﺎ ً‬


‫ﻣﻛر ﻣﻔ ٍ ّر ﻣﻘﺑ ٍل ٍ‬
‫ٍّ‬
‫*‬ ‫*‬
‫ﻛﻧﮫ ﻋﻠم ﻓﻲ رأﺳﮫ ﻧﺎر‬ ‫وإن ﺻﺧرا ً ﻟﺗﺄﺗ ّم اﻟﮭداة ﺑﮫ‬
‫*‬ ‫*‬
‫ﺗﺟري اﻟرﯾﺎح ﺑﻣﺎ ﻻ ﺗﺷﺗﮭﻲ اﻟﺳﻔن‬ ‫ﻣﺎﻛ ّل ﻣﺎﯾﺗﻣﻧﻰ اﻟﻣرء ﯾدرﻛﮫ‬

‫‪- 40 -‬‬
‫*‬ ‫*‬
‫ﺣﯾث ﯾﺷﺗﻣل اﻟﺷطر اﻷول ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻛرة‪ ،‬وﯾﺷﺗﻣل اﻟﺷطر اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺻورة‪ ،‬ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ھذا اﻟﺗﻧﺎظر ﻟﯾس ﻗﺎﻧوﻧﺎ ً ﯾﻧظم اﻟﺻور اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ‬
‫ﻛﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺑﯾت اﻟﺷﻌري اﻟواﺣد‪ .‬ﺑل إﻧﮫ ﯾﻧظم ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺻورة ﺑﺎﻟﻔﻛرة ﻓﻲ ذﻟك‬
‫اﻟﺷﻌر ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬وﻋﻠﻰ أﯾﺔ ﺣﺎل ﻓﺈن اﻷﻣر ﻗد أﺻﺑﺢ ﻣﻌروﻓﺎ ً وﺷﺎﺋﻌﺎً‪ ،‬ﺑﻣﺎ ﯾﻛﻔﯾﻧﺎ ﻣؤوﻧﺔ‬
‫اﻹﻓﺎﺿﺔ ﻓﯾﮫ‪ .‬وﻟﻛن ﻣﺎﻧرﯾده ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل ھو أن اﻟﺗﻧﺎظر اﻟذي ﻧﻠﻣﺳﮫ ﺑﯾن‬
‫ﻋﻧﺻري اﻟﺻورة اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ‪ ،‬أو ﺑﯾن اﻟﻔﻛرة واﻟﻣﺟﺎز ﻓﯾﮭﺎ‪ ،‬ﯾﺗﻼءم ﺗﻣﺎﻣﺎ ً ووﻋﯾﮭﺎ‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟذي ﯾرى اﻟﻌﺎﻟم ﻣن ﺧﻼل اﻟﺗﻛﺎﻣل واﻟﺗﻧﺎظر‪ ،‬ﻛﻣﺎ أﺳﻠﻔﻧﺎ ﻏﯾر ﻣرة‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ اﻟﺪراﻣﯿﺔ‪:‬‬
‫ﻣن اﻟﻣﻌﻠوم أن ﻣوﻗف اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ‪ ،‬واﻟﺗﻘﻠﯾدي اﻟﻣﻌﺎﺻر أﯾﺿﺎً‪،‬‬
‫ھو ﻓﻲ اﻷﺳﺎس ﻣوﻗف ﻏﻧﺎﺋﻲ ﻣن اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬إذ ﯾﺗم اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬ﻣن‬
‫ﺧﻼل أﺛرھﺎ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻟذات اﻟﻔردﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ اﻟﻣﺣور اﻟذي ﯾﺗﻣﺣور ﺣوﻟﮫ‬
‫اﻟﻧﺗﺎج اﻟﺷﻌري‪ .‬ﺳواء أﻛﺎن ذﻟك ﻓﻲ طﺑﯾﻌﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎل‪ ،‬أم ﻓﻲ رؤﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬أم ﻓﻲ‬
‫ﻲ ھذا اﻟﺷﻌر ﻻﯾﺗﻠﻘﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﺑل ﯾﺗﻠﻘﻰ اﻟذات اﻟﺗﻲ‬ ‫أﺳﻠوب اﻟﺗﻌﺑﯾر‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن ﻣﺗﻠﻘ ّ‬
‫ﺗرى اﻟﻌﺎﻟم وﺗﺗﺄﺛر ﺑﮫ أو ﺗﻌﺎﻧﯾﮫ‪.‬‬
‫وﻻﺷك ﻓﻲ أن اﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ ھو ﻣوﻗف ذاﺗﻲ‪ ،‬وﻻﻧﺳﺗطﯾﻊ اﻟﺑﺗﺔ أن ﻧﺗﻠﻘﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪،‬‬
‫ﻛﻣﺎ ھو ﻓﻲ اﻟﻔن‪ ،‬إذ ﻻﯾﻣﻛن أن ﻧرى ﻓﯾﮫ اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺷﻛل ﻣوﺿوﻋﻲ‪ .‬ﺑل ﻧراه ﻣن‬
‫ﻣﻧظور اﻟذات اﻟﻣﺑدﻋﺔ‪ .‬وﻟﻛن ﺛﻣﺔ ﻓرق ﺑﯾن أن ﻧراه ﻣن ﻣﻧظور اﻟذات‪ ،‬وﺑﯾن أن‬
‫ﻧرى اﻟذات اﻟﻔردﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﺄﺛرھﺎ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻲ ﺑﮫ‪ .‬وھذا اﻟﻔرق ھو اﻟذي ﯾﻘف وراء‬
‫اﺧﺗﻼف اﻟﺷﻌر اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ ﻋن اﻟﺷﻌر اﻟدراﻣﻲ أو ﻋن اﻟدراﻣﺎ ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬ﻓﻔﻲ ﺣﯾن ﯾذھب‬
‫اﻷول إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟذاﺗﯾﺔ اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻣﺑدع ﻣﺑﺎﺷرة‪ ،‬وﺑﺷﻛل ﺷﺧﺻﻲ؛‬
‫ﯾذھب اﻟﺛﺎﻧﻲ إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﻣﺳﺎﺋل ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ذات طﺎﺑﻊ ﻋﺎم‪ ،‬ﻻﺗرﺗﺑط ﺑﺎﻟﺿرورة‬
‫ﺑﺷﺧص اﻟﻣﺑدع اﻟذي ﯾﺳﺗﺗر داﺋﻣﺎ ً وراء ﺷﺧﺻﯾﺎﺗﮫ اﻟدراﻣﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻟﺳﻧﺎ‪ ،‬ھﻧﺎ‪ ،‬ﻓﻲ ﻣﻌرض اﻟﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾن اﻟﻐﻧﺎﺋﯾﺔ ‪ LYRICISM‬واﻟدراﻣﯾﺔ‬
‫‪ DRAMATIC‬ﻓﻲ اﻷدب‪ .‬وﻟﻛن ﻣﺎأردﻧﺎه ھو اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ﻣوﻗﻊ اﻟذات اﻟﻔردﯾﺔ‬
‫ﻣن اﻟﻧﺗﺎج اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ ﻣوﻗﻌﮭﺎ ﻣن اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وطرﯾﻘﺔ ﺗﻌﺎﻣﻠﮭﺎ ﻣﻌﮫ‪ ،‬ﻓﮭﻲ ﺗرى‬
‫ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻣﺣورا ً أﺳﺎﺳﯾﺎ ً ﯾﻘﺎﺑل اﻟﻌﺎﻟم ﺑظواھره وﺟواﻧﺑﮫ‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﯾدﻓﻌﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺎﻣل‬
‫ﻣﻌﮫ ذاﺗﯾﺎ ً ﺑﺷﻛل ﯾﻧﺳﺟم وﻣوﻗﻌﮭﺎ اﻟﻣﺣوري‪.‬‬
‫ﻓﺛﻣﺔ‪ ،‬إذاً‪ ،‬ﻗطﺑﺎن اﺛﻧﺎن ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ ﺑﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬وھﻣﺎ اﻟذات اﻟﻔردﯾﺔ واﻟﻌﺎﻟم‬
‫اﻟﻣوﺿوﻋﻲ‪ .‬وھﻣﺎ إذ ﯾﺗﺑﺎدﻻن اﻟﺗﺄﺛﯾر‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻻﯾﺄﺧذان اﻷھﻣﯾﺔ‬
‫ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﺗﻌﺑﯾر‪ .‬ﻓﺎﻟذات ﺑﮭﻣوﻣﮭﺎ وھواﺟﺳﮭﺎ وﺷواﻏﻠﮭﺎ ھﻲ اﻟﻘطب اﻷھم‪.‬‬
‫وﻟﮭذا ﻓﺈن ﻣﺗﻠﻘﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ ﯾﮭﺗم ﺑﺎﻟذات اﻟﺗﻲ ﺗرى وﺗﺗﺄﺛر وﺗﻌﺎﻧﻲ‪ ،‬أﻛﺛر ﻣن‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 41 -‬‬


‫اھﺗﻣﺎﻣﮫ ﺑﺎﻟﻌﺎﻟم‪ (*).‬وإذا ﻣﺎاھﺗ ّم ﺑﮫ‪ ،‬ﻓﻠﻛﻲ ﯾﺗوﺿّﺢ أﺛره ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟذات اﻟﺗﻲ ﻏﺎﻟﺑﺎ ً‬
‫ﻣﺎﺗﺗﺟﺎوب وذاﺗﮫ اﻟﻔردﯾﺔ‪ .‬وﻛﺄﻧﻧﺎ ﻧﻘول ﺑذﻟك إن اﻟﺷﻌر اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ ﯾﻔرض ﺗﻠﻘﯾﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً‬
‫ﻣﻧﺎﺳﺑﺎ ً ﻟﮫ ﻓﻲ اﻟﻣوﻗف‪ .‬وﻻﺷك ﻓﻲ أن ھذا ﯾﻌود إﻟﻰ أن ذﻟك اﻟﺷﻌر ﯾﻧﮭض ﻣن‬
‫ﺣﺎﺟﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ذات طﺎﺑﻊ ذاﺗﻲ ـ ﻏﻧﺎﺋﻲ‪ .‬وﻟم ﯾﻛن ﻟﻠﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ أن ﯾﻧﺷﺄ‪،‬‬
‫وأن ﯾﺳﺗﻣرﱠ ‪ ،‬ﻟﻘرون ﻋدﯾدة‪ ،‬ﺑﺷﻛﻠﮫ اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ‪ ،‬ﻟوﻻ ﺳﯾطرة اﻟﺣﺎﺟﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻐﻧﺎﺋﯾﺔ‬
‫ووﻋﯾﮭﺎ اﻟذاﺗﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌرﺑﻲ‪.‬‬
‫ﻏﯾر أن ﻣﺎﺣﻣﻠﮫ اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرون ﻣن ﺗﻐﯾرات وﺗﺑدﻻت ﻣﺗﻧوﻋﺔ وﻣﺗﻌددة‬
‫أﺻﺎﺑت اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث‪ ،‬ﻗد أﺛرت ﺗﺄﺛﯾرا ً ﻛﺑﯾرا ً ﻓﻲ اﻟﺣﺎﺟﺎت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ وﻓﻲ‬
‫اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ أﯾﺿﺎً‪ .‬ﻓظﮭرت اﻟﻔﻧون اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ واﻟدراﻣﯾﺔ‪ ،‬ﺛم ﺗﺻدّرت ھذه‬
‫اﻟﻔﻧون‪ ،‬ﻣﻊ ﺗﻧﺎﻣﻲ ﺣﺎﺟﺎﺗﮭﺎ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﺳﺎﺣﺔ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث‪ ،‬وﻟم ﯾﻌد ﻟﻠﺣﺎﺟﺔ‬
‫اﻟﻐﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟﺻرف ﺗﻠك اﻷھﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻟﮭﺎ ﻣن ﻗﺑل‪ .‬وھو ﻣﺎاﻗﺗﺿﻰ ﺗﺣوﻻً ﻣﻼﺋﻣﺎ ً‬
‫ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟوﻋﻲ اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ‪ ،‬ﻓﻛﺎن أن اﺗﺻف ﺑﺎﻟدراﻣﯾﺔ‪.‬‬
‫أي أن اﻟﺗﺣول اﻟذي أﺻﺎب اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌرﺑﻲ ﻗد دﻓﻊ ﺑﺎﻟﺣﺎﺟﺎت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬إﻟﻰ‬
‫اﻻﺗﺳﺎع واﻟﺗﻧوع واﻻﺧﺗﻼف‪ .‬ﻣﻣﺎ أﻓﻘد اﻟوﻋﻲ اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ اﻟﺻرف ﻣﺷروﻋﯾﺗﮫ‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬وﺟﻌﻠﮫ ﯾﺗﺣول ﺑﻣﺎ ﯾﺗﻼءم واﻟﻣﺳﺗﺟدات‪ .‬ﻓظﮭر ﻣﺎﯾﻣﻛن ﺗﺳﻣﯾﺗﮫ ﺑﺎﻟوﻋﻲ‬
‫اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ ـ اﻟدراﻣﻲ‪.‬‬
‫إﻧﮫ وﻋﻲ ﻏﻧﺎﺋﻲ‪ ،‬ﻷﻧﮫ ﯾﻧطﻠﻖ ﻣن اﻟذات اﻟﻔردﯾﺔ ﻓﻲ وﻋﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬وھو‬
‫دراﻣﻲ‪ ،‬ﻷﻧﮫ ﯾﺟﺳد اﻟﻌﺎﻟم ﻣن ﺧﻼل اﻟﺻراع اﻟذي ھو ﺟوھر اﻟدراﻣﺎ‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﯾﺑدو‬
‫ﻓﯾﮫ اﻟﺻراع ﺷﺑﮫ ﻣوﺿوﻋﻲ‪ .‬أو ﻟﻧﻘل‪ :‬ﻷن ﺛﻣﺔ ذاﺗﺎ ً ﻓردﯾﺔ ﻣﺗﻣوﺿﻌﺔ‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن‬
‫"ﻣوﺿﻌﺔ" اﻟذاﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ھﻲ اﻟﺷﻛل اﻷﻧﺳب ﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺣﺎﺟﺎت‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ أﻓرزت اﻟﻔﻧون اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ واﻟدراﻣﯾﺔ ﻛﺎﻟرواﯾﺔ واﻟﻘﺻﺔ‬
‫ﻲ ﺑﺎﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن إﯾﻘﺎع‬ ‫اﻟﻘﺻﯾرة واﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ‪ ،‬وﻟم ﯾﻛن ﺑﺈﻣﻛﺎن اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺣداﺛﻲ اﻟﻣﻌﻧ ّ‬
‫ﯾﻐض اﻟﻧظر ﻋن ذﻟك اﻟﺗﺣول ﻓﻲ اﻟﺣﺎﺟﺎت‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾﻔﻌل اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺗﻘﻠﯾدي‬ ‫ّ‬ ‫اﻟﻌﺻر‪ ،‬أن‬
‫اﻟﻣﻌﺎﺻر اﻟذي ﻣﺎﯾزال ﯾﻧظر إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟم ﻣن اﻟﻣﻧظور اﻟذاﺗﻲ اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ اﻟﺻرف‪.‬‬
‫إن ﻣوﺿﻌﺔ اﻟذاﺗﻲ ﺗﻌﻧﻲ اﻟﺗﺧﻔﯾف ﻣن ﺑروز اﻟذات اﻟﻔردﯾﺔ أو إﺣﺎﻻﺗﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫اﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟﺷﻌري‪ ،‬ﺑﺣﯾث ﻻﯾﺑدو اﻟﻧص اﻟﺷﻌري إﺣﺎﻟﺔ ﻣﺑﺎﺷرة ﻋﻠﻰ ذات اﻟﻣﺑدع‪ .‬ﺑل‬
‫ﯾﺑدو ﻣﻌﺎدﻻً ﻣوﺿوﻋﯾﺎ ً ﻟذاﺗﮫ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮫ ﺑﺎﻟﻌﺎﻟم‪ .‬وﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﺣو‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻧص‬
‫اﻟﺣداﺛﻲ ﯾﺗﻘﺎطﻊ وذات اﻟﻣﺑدع‪ ،‬ﻏﯾر أﻧﮫ ﻻﯾﺗطﺎﺑﻖ وإﯾﺎھﺎ‪ .‬إذ إﻧﮫ ﯾﻌﺎدﻟﮭﺎ ﻓﻧﯾﺎً‪،‬‬
‫وﻻﯾﻣﺎﺛﻠﮭﺎ ﺷﺧﺻﯾﺎً‪ .‬وﻗد اﻧﻌﻛﺳت ھذه اﻟﻣوﺿﻌﺔ اﻟذاﺗﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻟﺗﻌﺑﯾري ﻣن‬
‫ﺧﻼل اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ واﻟﺑﻧﺎء اﻟﺷﻌري اﻟدراﻣﻲ‪ ،‬وﻟﻛن ﻗﺑل اﻟﺣدﯾث ﻋن ھذﯾن‬
‫اﻟﺟﺎﻧﺑﯾن‪ ،‬ﻻﺑﺄس ﻣن اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ﻣوﺿﻌﺔ اﻟذاﺗﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪،‬‬

‫*‪ -‬ﻗﺪ ﯾﻘﺎل‪ ،‬ھﻨﺎ‪ ،‬إن ﻣﻮﺿﻮﻋﯿﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻐﻨﺎﺋﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ‪ ،‬وﻻﺳﯿﻤﺎ اﻟﻮﺻﻔﻲ ﻣﻨﮫ‪ ،‬أوﺿﺢ ﻣﻦ أن‬
‫ﯾﺸﺎر إﻟﯿﮭﺎ‪ .‬وﻻﺷﻚ ﻓﻲ أن ھﺬا ﺻﺤﯿﺢ‪ .‬ﻏﯿﺮ أن ھﺬه اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ﺗﺘﺄﺗﻰ ﻋﺒﺮ اﻟﺬات اﻟﻔﺮدﯾﺔ‪،‬‬
‫وﻻﺗﺘﺄﺗﻰ ﺑﻮﺻﻔﮭﺎ ﻣﻌﺎدﻻً ﻣﻮﺿﻮﻋﯿﺎً ﻟﻠﻤﻮﻗﻒ اﻟﺬاﺗﻲ‪.‬‬
‫‪- 42 -‬‬
‫ﻻﺗﺗﻧﺎﻗض وﻣﺎ ﻧﻠﺣظﮫ ﻋﻧد ھذا اﻟﺷﺎﻋر أو ذاك ﻣن ﺑروز ﺣﺎد ﻟﻠﻣﺳﺎﺋل اﻟﻔردﯾﺔ‪ .‬إذ‬
‫إن ھذا اﻟﻣﺳﺎﺋل ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﯾﺗ ّم اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋﻧﮭﺎ ﺑﺷﻛل ﻏﻧﺎﺋﻲ ـ دراﻣﻲ‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن ﺛﻣﺔ‬
‫ﺗﺣوﻻً ﻓﻲ وﻋﻲ ﺗﻠك اﻟﻣﺳﺎﺋل‪ ،‬وﻓﻲ طرﯾﻘﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋﻧﮭﺎ‪ .‬ﻓﺎﻟدراﻣﯾﺔ ﻻﺗﻠﻐﻲ وﺟود‬ ‫ّ‬
‫اﻟذاﺗﯾﺔ‪ .‬ﺑل ﺗﻠﻐﻲ ﻧﻣطﺎ ً ﻣﻌﯾﻧﺎ ً ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻌﮭﺎ‪ .‬وﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻﻧﻧﺳﻰ أن اﻟﺣداﺛﺔ‬
‫اﻟﺷﻌرﯾﺔ ھﻲ ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣطﺎف ﺣرﻛﺔ ﻏﻧﺎﺋﯾﺔ ﺗﺗﺳم ﺑﺎﻟدراﻣﯾﺔ‪ .‬وﻟﯾﺳت ﺑﺣﺎل ﻣن‬
‫اﻷﺣوال ﺣرﻛﺔ دراﻣﯾﺔ‪.‬‬

‫آ ـ اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ اﻟﻔﻨﯿﺔ‪:‬‬
‫إن اﻟﻧﻣذ ﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ أﺳﻠوب ﺗﻘﻧﻲ ﺟدﯾد‪ ،‬طرﺣﺗﮫ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫ﻣﺣﺎوﻟﺗﮭﺎ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن وﻋﯾﮭﺎ اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ اﻟﻣوﺻوف ﺑﺎﻟدراﻣﯾﺔ‪ .‬وھو أﺳﻠوب ﻧﻘﻠﺗﮫ‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ ﻣن اﻟﻔﻧون اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ واﻟدراﻣﯾﺔ‪ ،‬إﻟﻰ اﻟﺷﻌر اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ‪ .‬وﻟم ﯾﻛن ﻟﮭذا‬
‫اﻷﺳﻠوب ﻣن أھﻣﯾﺔ ﺗذﻛر‪ ،‬ﻓﯾﻣﺎ ﻗﺑل اﻟﺣداﺛﺔ ﻣن ﺷﻌر ﻋرﺑﻲ‪ .‬وﻟﻛن ﻗﺑل اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ‬
‫ھذا اﻷﺳﻠوب ـ إذ أن اﻟﻣﺟﺎل ﻻﯾﺳﻣﺢ ﺑﺎﻹﻓﺎﺿﺔ)*( ‪ -‬ﻻﺑد ﻣن اﻟﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾن اﻟﻧﻣذﺟﺔ‬
‫اﻟﻔﻧﯾﺔ واﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ .‬ﺣﯾث إن اﻷوﻟﻰ ﺗﻌﻧﻲ ﺧﻠﻖ ﺷﺧﺻﯾﺎت ذات طﺑﯾﻌﺔ ﻧﻔﺳﯾﺔ‬
‫أو اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ‪ ،‬ﺗﺗﻧﺎﻣﻰ ﻓﻲ ﺳﯾﺎﻗﮭﺎ اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ﺑﮭذا اﻟﻘدر أو ذاك ﻋن ذات‬
‫اﻟﻣﺑدع ‪ .‬أﻣﺎ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻓﺗﻌﻧﻲ ﺗﺟﺳﯾد إﺣدى اﻟﻘﯾم اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻛﺎﻟﺟﻣﺎل أواﻟﻘﺑﺢ أو اﻟﺟﻼل أو‬
‫اﻟﺑطوﻟﯾﺔ‪ ...‬إﻟﺦ‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ھذه اﻟﺻورة أو ﺗﻠك اﻟﺣﺎﻟﺔ‪ ،‬أو ذﻟك اﻟﻣوﻗف‪ .‬وﻻﯾﺧﻠو‬
‫إﺑداع ﻓﻧﻲ‪ ،‬ﻣﮭﻣﺎ ﯾﻛن ﻧوﻋﮫ أو ﻧﻣطﮫ‪ ،‬ﻣن ھذه اﻟﻧﻣذﺟﺔ‪ .‬إن اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ﺗﻧطوي‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻏﯾر أن ھذه ﻻﺗﻧطوي ﻋﻠﻰ ﺗﻠك ﺑﺎﻟﺿرورة‪ .‬إذ إن اﻟﻧﻣذﺟﺔ‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ھﻲ ﺳﻣﺔ اﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬أﻣﺎ اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻓﮭﻲ ﺳﻣﺔ اﻟﻔﻧون اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ‬
‫واﻟدراﻣﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ‪ .‬وﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻓﺈن اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﻗد طرح اﻟﻛﺛﯾر‬
‫اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻧﻣﺎذج اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬وﻟﻛﻧﮫ ﻗﻠّﻣﺎ ﻣﺎل إﻟﻰ طرح اﻟﻧﻣﺎذج اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ .‬ھذه اﻟﻧﻣﺎذج‬
‫اﻟﺗﻲ ﺷﻛﻠت ﻗوام اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻧﺻوص اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺣداﺛﯾﺔ وذﻟك ﻣن ﻣﺛل‪ :‬اﻟﻣوﻣس‬
‫اﻟﻌﻣﯾﺎء ﻟﻠﺳﯾﺎب‪ ،‬واﻷﺧﺿر ﺑن ﯾوﺳف‪ ،‬ﻟﺳﻌدي ﯾوﺳف‪ ،‬وﻣﮭﯾﺎر اﻟدﻣﺷﻘﻲ ﻷدوﻧﯾس‪،‬‬
‫وإﺑراھﯾم ﻟﯾوﺳف اﻟﺧﺎل‪ ،‬وﻟﻌﺎزر ﻟﺧﻠﯾل ﺣﺎوي‪....‬إﻟﺦ‪.‬‬
‫إن اﻻﺗﻛﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻻﯾﺧﻔّف ﻣن ﺣدة اﻟﻐﻧﺎﺋﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺷﻌر‪،‬‬
‫ﻓﺣﺳب‪ .‬ﺑل إﻧﮫ أﯾﺿﺎ ً ﯾﻠﻐﻲ اﻟﺗﻘرﯾرﯾﺔ أو ﯾﺧﻔف ﻣﻧﮭﺎ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾﻔﺳﺢ اﻟﻣﺟﺎل ﻟدﺧول ﻋدة‬
‫أﺻوات‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري‪ ،‬وھو ﻣﺎﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ ﺑروز ﺻﻔﺔ اﻟﺻراع اﻟﺗﻲ ﺗﻣﯾز‬
‫ﻋﺎدة اﻷﻋﻣﺎل اﻟدراﻣﯾﺔ‪ .‬وﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى‪ ،‬ﻓﺈن ھذه اﻟﻧﻣذﺟﺔ ﻗد أﻓﺳﺣت اﻟﻣﺟﺎل‪،‬‬
‫أﻣﺎم اﻟﺷﺎﻋر‪ ،‬ﻛﻲ ﯾﺧرج ﻣن اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ذاﺗﯾﺗﮫ‪ ،‬إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟذوات اﻷﺧرى‬
‫اﻟﺗﻲ ﯾﺗﻌﺎطف أو ﯾﺗﻘﺎطﻊ أو ﯾﺗﺻﺎرع أو ﯾﺗﻧﺎﻗض وإﯾﺎھﺎ‪ ،‬أي أن ھذه اﻟﻧﻣذﺟﺔ ﻗد‬
‫وﺳّﻌت اﻟﻣﺳﺎﺣﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗﺻدى ﻟﮭﺎ اﻟﺷﺎﻋر ﺑﻔﻧﮫ‪ .‬ﻓﻠم ﯾﻌد اﻷﻣر ﻣﺗﻌﻠﻘﺎ ً ﺑﺎﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن‬

‫*‪ -‬ﺳﯿﺄﺗﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻣﻮﺳّﻌﺎ ً ﻋﻦ ھﺬا اﻷﺳﻠﻮب ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﻤﻌﻨﻮن ﺑـ"ﺟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﻨﻤﻮذج‬
‫اﻟﻔﻨﻲ ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻟﺤﺪاﺛﺔ"‪.‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 43 -‬‬
‫أﺛر اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء ﻓﻲ اﻟذات اﻟﻔردﯾﺔ‪ .‬ﺑل أﺻﺑﺢ ﻣﺗﻌﻠﻘﺎ ً أﯾﺿﺎ ً ﺑﺎﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ذﻟك‬
‫اﻷﺛر ﻓﻲ اﻟذوات اﻷﺧرى اﻟﺗﻲ أﺻﺑﺢ ﻟﮭﺎ اﻟﺣﻖ ﺑﺎﻟوﺟود‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل اﻟﻧﻣذﺟﺔ‪،‬‬
‫ﺑﻣﻌزل ﻋن ﻓردﯾﺔ اﻟﺷﺎﻋر‪.‬‬

‫ب ـ اﻟﺒﻨﺎء اﻟﺪراﻣﻲ‪:‬‬
‫ﯾؤﻛد اﻟدﻛﺗور ﻋز اﻟدﯾن اﺳﻣﺎﻋﯾل‪ ،‬ﻓﻲ دراﺳﺗﮫ ﻟﻸﺑﻧﯾﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺷﻌر‬
‫اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬أن ﺛﻣﺔ ﻣﯾﻼً واﺿﺣﺎ ً إﻟﻰ اﻟﺷﻛل اﻟدراﻣﻲ‪ ،‬ظﮭر ذﻟك ﻣن ﺧﻼل إﻧﺗﺎج‬
‫اﻟﻘﺻﺎﺋد اﻟطوﯾﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺑدو وﻛﺄﻧﮭﺎ ﻣﻼﺣم ﺷﻌرﯾﺔ ﺣدﯾﺛﺔ) ‪ .(31‬وﯾرى أن ھذه‬
‫اﻟﻘﺻﯾدة‪:‬‬
‫"ﺗزداد ﺑﻧﯾﺗﮭﺎ ﺗﻌﻘﯾداً ﺣﺗﻰ ﺻﺎرت اﻟﻘﺻﯾدة ﻣوﻗﻔﺎ ً ﻓﻛرﯾﺎ ً ﻏﺎﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﻣﯾم‬
‫واﻟﺷﻣول‪ ،‬وﻏﺎﯾﺔ ﻓﻲ اﻟدﻗﺔ واﻟرھﺎﻓﺔ ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ‪ ....‬وﺗطورت ﻓﻲ اﺗﺟﺎه‬
‫اﻟﺷﻛل اﻟدراﻣﻲ ﻓﺻﺎرت ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻷﺻوات اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ واﻟﻣﺗﻣﯾّزة‪ ،‬وازدادت‬
‫ﺗرﻛﯾﺑﺎ ً وﺗﻌﻘﯾدا ً وإﻓراطﺎ ً ﻓﻲ اﻟطول ﺣﺗﻰ ﻗﺎرﺑت ﻣﻧﮭﺞ اﻟﺗﺄﻟﯾف‬
‫اﻟﻣوﺿوﻋﻲ‪.(32)"...‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟدﻛﺗور إﺳﻣﺎﻋﯾل ﯾﺻف ھذه اﻟﻘﺻﯾدة ﺑﺎﻟطوﯾﻠﺔ‪ ،‬ﻏﯾر‬
‫أﻧﮫ ﻻﯾﺷﺗرط ﻓﯾﮭﺎ اﻟطول اﻟﻛﻣﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة‪ ،‬ﻓﻘد ﺗﻛون اﻟﻘﺻﯾدة ﻗﺻﯾرة ﻧﺳﺑﯾﺎ ً‪،‬‬
‫وﺗﻛون ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ ﻣﺗﺻﻔﺔ ﺑﺻﻔﺎت اﻟﻘﺻﯾدة اﻟطوﯾﻠﺔ ﻣن ﺣﯾث اﻟﺗﻌﻘﯾد واﻟﺷﻣول‬
‫واﻟدﻗﺔ واﻟرھﺎﻓﺔ‪ .‬ﻓﺎﻟﺷﻛل أو اﻟﺑﻧﺎء اﻟدراﻣﻲ ھو اﻷﺳﺎس‪.‬‬
‫وﻻﺷك ﻓﻲ أن ھذا اﻟﺑﻧﺎء ﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ أن ﯾﺗ ّم‪ ،‬ﻟوﻻ ﺳﻣﺔ اﻟدراﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻣﯾز‬
‫اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ اﻟذي راح ﯾﺗﺧﻔف ﻣن اﻟﻐﻧﺎﺋﯾﺔ‪ ،‬ﺣﯾﻧﺎ ً ﻣن ﺧﻼل اﻟﻧﻣذﺟﺔ‪،‬‬
‫وﺣﯾﻧﺎ ً ﻣن ﺧﻼل اﻟﺑﻧﺎء اﻟﺷﻌري‪ ،‬وﺣﯾﻧﺎ ً ﻣن ﺧﻼﻟﮭﻣﺎ ﻣﻌﺎً‪.‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟدﻛﺗور إﺳﻣﺎﻋﯾل ﻗد درس ھذا اﻟﺑﻧﺎء‪ ،‬إﻻ أﻧﮫ ﻻﺑﺄس ﻣن‬
‫اﻹﺷﺎرة اﻟﺳرﯾﻌﺔ إﻟﯾﮫ‪ ،‬ﺗوﺿﯾﺣﺎ ً ﻟﺳﻣﺔ اﻟدراﻣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪.‬‬
‫ﯾﺗﻣﯾز اﻟﺑﻧﺎء اﻟدراﻣﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﺑﺗﻌدّد اﻷﺻوات وﺗﻧﺎﻗﺿﮭﺎ‪،‬‬
‫وﺑﺗطور اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻣن ﺑﻌﺿﮭﺎ وﺗواﺷﺟﮭﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗﻣﺎﺳك اﻟﺑﻧﯾوي اﻟذي‬
‫ﯾﺟﻌل ﻣن اﻟﻧص ﻛﻼً واﺣداً‪ ،‬ﯾﺻﻌب اﺟﺗزاؤه إﻟﻰ وﺣدات ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ؛ وﯾﺗﻣﯾّز أﯾﺿﺎ ً‬
‫ﺑطرح اﻟﻣﺷﺎﻋر اﻟﻣﺻطرﻋﺔ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗﻧﺎﻣﻲ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻲ ﻟﻠﺣﺎﻟﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻣطروﺣﺔ‪،‬‬
‫وﺑﺗﻧوع اﻟﺟواﻧب اﻟﺗﻲ ﯾرﺻدھﺎ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري‪ .‬وﻏﻧﻲ ﻋن اﻟﺑﯾﺎن أن ھذه اﻟﺳﻣﺎت‬ ‫ّ‬
‫ﯾﻣﻛن أن ﺗوﺟد ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻓﻲ ﻧص واﺣد‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾوﺟد ﻣﻌظﻣﮭﺎ ﻓﻲ ﻧص آﺧر‪.‬‬
‫ﺗﻧوع ﻓﻲ اﻟﺟواﻧب‪ ،‬وﻗد ﯾﺗﻧﺎﻣﻰ اﻻﻧﻔﻌﺎل ﻣن‬ ‫ﻓﻘد ﺗﺗﻌدد اﻷﺻوات ﻓﻲ اﻟﻧص ﻣن دون ّ‬
‫دون أن ﺗﺻطرع اﻟﻣﺷﺎﻋر‪..‬وﻟﻛن اﻟﺑﻧﺎء اﻟدراﻣﻲ ﯾﺗﻧﺎﻓﻰ ﻋﺎدة وأﺣﺎدﯾﺔ اﻟﺻوت‪،‬‬
‫ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﺗﻧﺎﻓﻰ واﻟﺗﻔ ّﻛك أو اﻟﻣراوﺣﺔ ﻓﻲ اﻧﻔﻌﺎل ذي طﺑﯾﻌﺔ واﺣدة ﺛﺎﺑﺗﺔ‪ .‬وﻻﺷك ﻓﻲ أن‬
‫اﻟﻧص اﻟﻧﻣوذﺟﻲ ﻟﻠﺑﻧﺎء اﻟدراﻣﻲ ھو ذﻟك اﻟﻧص اﻟذي ﯾﻧطوي ﻋﻠﻰ ﺗﻠك اﻟﺳﻣﺎت‬
‫ﻣﺟﺗﻣﻌﺔ‪ .‬وﻣﺎ أﻛﺛر اﻟﻧﺻوص اﻟﻧﻣوذﺟﯾﺔ ﻓﻲ ذﻟك‪ .‬وﯾﻛﻔﻲ أن ﻧﺗذﻛر ذﻟك اﻟﻛ ّم اﻟﮭﺎﺋل‬
‫‪- 44 -‬‬
‫ﻣن اﻟﻘﺻﺎﺋد اﻟطوﯾﻠﺔ اﻟﺗﻲ طﺎﻟت ﻟﺗﺷﻣل دﯾواﻧﺎ ً ﺷﻌرﯾﺎ ً ﺑﻛﺎﻣﻠﮫ‪ .‬وﺑدھﻲ أن اﻟﺑﻧﺎء‬
‫اﻟدراﻣﻲ ﻟﯾس ﺧﺎﺻﺎ ً ﺑﺎﻟﻘﺻﺎﺋد اﻟطوﯾﻠﺔ ـ وإن ﯾﻛن أﻛﺛر وﺿوﺣﺎ ً ﻓﯾﮭﺎ ـ ﺑل إﻧﮫ ﯾﺷﻣل‬
‫أﯾﺿﺎ ً ﺑﻌض اﻟﻘﺻﺎﺋد اﻟﻘﺻﯾرة‪ ،‬وﺣﺗﻰ ﺑﻌض اﻟﻣﻘطﻌﺎت اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺑدو‪ ،‬ﻟﻠوھﻠﺔ‬
‫اﻷوﻟﻰ‪ ،‬ﻏﻧﺎﺋﯾﺔ ﺻرﻓﺎً‪ ،‬وﻟﺗﺑﯾﺎن ذﻟك‪ ،‬ﻧﺗوﻗف ﻋﻧد واﺣد ﻣن اﻟﻧﺻوص اﻟﻘﺻﯾرة‬
‫ﺟداً‪ .‬أﻣﺎ اﻟﻧص ﻓﮭو ﻗﺻﯾدة ﻷﺣﻣد ﻋﺑد اﻟﻣﻌطﻲ ﺣﺟﺎزي‪ ،‬ﺑﻌﻧوان "إﯾﻘﺎﻋﺎت‬
‫ﺷرﻗﯾﺔ")‪(33‬‬
‫أﻏوﯾﺗﻧﻲ‬
‫ﯾﺎأﯾﮭﺎ اﻟوﺟﮫ اﻟﺣﺳن‬
‫وﻟم ﺗﻘدّم ﻟﻲ اﻟﺛﻣن‬
‫ﻻطرﺣﺔ اﻟﻌرس‪،‬‬
‫وﻻﻓرﺣﺔ أﻋﺿﺎء اﻟﺑدن‬
‫*‬
‫وﻛﺎن ﺷﻌري ﺧﯾﻣﺔ‪،‬‬
‫وﻛﺎن ﻧﮭداي ﻋﺷﯾﻘﯾن‪،‬‬
‫ﺳ ّرﺗﻲ ﻛﺄﺳﺎً‪،‬‬
‫وﻛﺎﻧت ُ‬
‫وﻛﺎﻧت ﻓﺧذي‬
‫إﺑرﯾﻖ ﺧﻣر وﻟﺑن !‬
‫وذﺑﺣوﻧﻲ!‬
‫آه أھﻠﻲ! ذﺑﺣوﻧﻲ!‬
‫ﻟم ﺗﻘدّم ﻟﻲ اﻟﻛﻔن‬
‫ﯾﺎأﯾﮭﺎ اﻟوﺟﮫ اﻟﺣﺳن‬
‫*‬
‫وﻛﺎن ﺷﻌري‬
‫وﻛﺎن ﻧﮭداي‬
‫وﻛﺎﻧت ﺟﺛّﺗﻲ‬
‫ﯾﻧﮭﺷﮭﺎ اﻹﯾﻘﺎع‬
‫ﯾﻧـ ‪!....‬‬
‫ﻗد ﯾﺑدو ھذا اﻟﻧص ﺧﺎﻟﯾﺎ ً ﻣن اﻟدراﻣﯾﺔ ﻓﻲ ﺑﻧﺎﺋﮫ‪ ،‬ﻟﻣﺎ ﯾﺗﺻف ﺑﮫ ﻣن طرح ﻟﻣﺎ‬
‫ھو ﻓردي‪ ،‬وﻟﻣﺎ ﯾظﮭر ﻋﻠﯾﮫ ﻣن اﺳﺗﻌﻼء ﻟﻧﺑرة اﻹﯾﻘﺎع اﻟﺑﺎدﯾﺔ ﺑﺎﻟﺗﻘﻔﯾﺔ اﻟﻣﺗواﻟﯾﺔ‪،‬‬
‫واﻟﺗﺷطﯾر اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ‪ .‬ﻏﯾر أن ذﻟك ﻟم ﯾﻠﻎ اﻟﺑﻧﺎء اﻟدراﻣﻲ أو ﯾﺧﻔف ﻣﻧﮫ‪ .‬ﺑل ﻟﻌﻠﮫ‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 45 -‬‬
‫ﯾﻌﻣﻖ ﻓﯾﮫ ھذا اﻟﺑﻧﺎء‪ .‬ﺑﺣﯾث ﯾﺗﻛﺎﻣل اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ وﻣﺎﯾطرﺣﮫ اﻟﻧص ﻣن ﺣﺎﻟﺔ‬
‫ﯾﺗداﺧل ﻓﯾﮭﺎ اﻹﺣﺳﺎس ﺑﺎﻟﺟﻣﺎل واﻹﺣﺳﺎس اﻟﺗراﺟﯾدي‪.‬‬
‫إن ھذا اﻟﺗداﺧل ھو اﻟﻣﻠﻣﺢ اﻷول ﻣن ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺑﻧﺎء اﻟدراﻣﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص‬
‫اﻟذي ﯾﺑدأ ﺑﺎﻟﻐواﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ اﻹﺣﺳﺎس ﺑﺎﻟﺟﻣﺎل‪ ،‬وﯾﻧﺗﮭﻲ ﺑﻧﮭش اﻹﯾﻘﺎع )أو اﻟزﻣن(‬
‫ﻟﻠﺟﺛﺔ‪ ،‬وھو ﻣﺎﯾﻌﻧﻲ اﻹﺣﺳﺎس اﻟﺗراﺟﯾدي‪ .‬وﻣﺎ ﺑﯾن ھذﯾن اﻹﺣﺳﺎﺳﯾن ﻓﻌل ﺻﻔﺗﮫ‬
‫اﻟﺑﺷﺎﻋﺔ واﻟﻘﺑﺢ وھو ﻓﻌل اﻟذﺑﺢ‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن ﺛﻣﺔ اﺻطراﻋﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻣﺷﺎﻋر‪ ،‬ﻛﻣﺎ أن ﺛﻣﺔ‬
‫ﺗﻧﺎﻣﯾﺎ ً ﻓﻲ اﻻﻧﻔﻌﺎل راح ﯾﻌﻠن ﻋن ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬ﻣﻧذ أن اﻛﺗﻔﻰ اﻟوﺟﮫ اﻟﺣﺳن ﺑﺎﻟﻐواﯾﺔ‪،‬‬
‫ﻣﺗﺧﻠّﻔﺎ ً ﻋن دﻓﻊ ﻣﺎﺗﺗطﻠّﺑﮫ ﻣن ﺗﺗوﯾﺞ ﺑطرﺣﺔ اﻟﻌرس أو أو ﻓرﺣﺔ أﻋﺿﺎء اﻟﺑدن‪.‬‬
‫ﺣﯾث ﺑدا أن ھﻧﺎﻟك ﻧوﻋﺎ ً ﻣن اﻟﺧﯾﺑﺔ ﺑﺎﻟوﺟﮫ اﻟﺣﺳن‪ .‬ﺛم ﺗﺣوﻟت اﻟﺧﯾﺑﺔ إﻟﻰ ﻓﺟﯾﻌﺔ‪،‬‬
‫وﺗﻌﻣﻘت اﻟﻔﺟﯾﻌﺔ ﻟﺗﻐدو ﻣﺄﺳﺎة‪ ،‬ﺣﯾن ﺗﺧﻠّف اﻟوﺟﮫ اﻟﺣﺳن ﺣﺗﻰ ﻋن ﺗﻘدﯾم اﻟﻛﻔن‪،‬‬
‫ﻟﺗﺑﻘﻰ اﻟﺟﺛﺔ ﻣرﻣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌراء‪ ،‬ﯾﻧﮭﺷﮭﺎ اﻟزﻣن ﺑﻔﻌل ﻻﯾﻛﺎد ﯾﻧﺗﮭﻲ )ﯾﻧﮭﺷﮭﺎ اﻹﯾﻘﺎع‬
‫ﯾﻧـ‪(!....‬‬
‫وﻧﻠﺣظ أن ھذه اﻟﺗﺣوﻻت ﻟم ﺗﺄت ﺑﻣﻌزل ﻋن اﻟﺻراع أو اﻟﺗﻧﺎﻗض ﺑل إﻧﮫ‬
‫اﻷﺳﺎس ﻓﯾﮭﺎ‪ .‬ﻓﺎﻟﻐواﯾﺔ ﺗﺗﻧﺎﻗض واﻹﺣﺟﺎم‪ ،‬وﺗﺗﻧﺎﻗض أﯾﺿﺎ ً وﻗواﻧﯾن اﻷھل‪ .‬ﻛﻣﺎ أن‬
‫ذﻟك اﻟﺟﻣﺎل ﯾﺗﻧﺎﻗض وﻓﻌل اﻟذﺑﺢ‪ ،‬واﻟﻛﻔن ﯾﺗﻧﺎﻗض واﻟوﺟﮫ اﻟﺣﺳن‪ ،‬واﻟﺟﺛﺔ ھﻲ‬
‫اﻷﺧرى ﺗﺗﻧﺎﻗض وﻓﻌل اﻹﯾﻘﺎع أو اﻟزﻣن‪ .‬وﯾﻣﻛن اﻟﻘول أﯾﺿﺎ ً إن اﻟﻧص ﺑﻣﺟﻣﻠﮫ‬
‫ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺎﻗض ﺑﯾن ﻗطﺑﯾن اﺛﻧﯾن‪ .‬اﻷول ھو اﻟﺟﻣﺎل وﻣﺻﺎﺣﺑﺎﺗﮫ )اﻟﻐواﯾﺔ‬
‫واﻟﺣﺳن واﻟﻌرس واﻟﻔرﺣﺔ واﻟﺧﻣر‪ (...‬واﻟﺛﺎﻧﻲ ھو اﻟﻘﺑﺢ وﻣﺻﺎﺣﺑﺎﺗﮫ )اﻹﺣﺟﺎم‬
‫واﻟذﺑﺢ أو اﻟﻧﮭش( وﻣن ﺧﻼل اﻟﺗﻧﺎﻗض واﻟﺻراع ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ﺗﺗوﻟد اﻟﻧﮭﺎﯾﺔ‬
‫ﻣدوﯾﺎً‪ .‬وﻣﺎﯾزال دوﯾﮫ ﻣﺳﺗﻣرا ً ‪.‬‬
‫اﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ‪....‬ـ ‪...‬ﯾﻧـ ‪/‬ﺣﯾث ﯾﺳﻘط اﻟﺟﻣﺎل ﺳﻘوطﺎ ً ّ‬
‫إن ﻛل ذﻟك ﯾﺟﻌل ﻣن اﻟﻧص ﻛﻼً واﺣداً‪ ،‬ﻻﯾﻣﻛن اﺟﺗزاؤه؛ وﯾﺟﻌل ﻣن‬
‫ﺻوره اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻣﺗواﺷﺟﺔ‪ ،‬ﯾﺗﻧﺎﻣﻰ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻣن ﺑﻌض‪ ،‬وﻻﻧﻌﺗﻘد أن ﺛﻣﺔ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻺﻓﺎﺿﺔ‬
‫ﻓﻲ ذﻟك وھﻛذا ﻧﻠﺣظ أن ھذا اﻟﻧص ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻧﺎء اﻟدراﻣﻲ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن‬
‫ﻗﺻره اﻟﻧﺳﺑﻲ اﻟذي ﯾوﺣﻲ ﺑﺎﻟﻐﻧﺎﺋﯾﺔ‪ .‬وﻣﺎﻻﺣظﻧﺎه ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص‪ ،‬ﻧﻼﺣظﮫ أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ‬
‫ﻣﻘطﻊ ﺷﻌري ﻣن ﻗﺻﯾدة ﺑﻌﻧوان "ﺛﻼث ﺣﺎﻻت ﻹﻣرأة واﺣدة")‪ (34‬ﻟﺳﻌدي‬
‫ﯾوﺳف‪ ،‬واﻟﻣﻘطﻊ اﻟذي ﺳوف ﻧﺛﺑﺗﮫ ﯾﻣﺛل اﻟﺣﺎﻟﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪ .‬ﺣﯾث ﯾظﮭر ﻓﯾﮫ اﻟﺗﻧﺎﻣﻲ‬
‫اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻲ واﻟﺗطور اﻟﺻوري واﻟﺗﻣﺎﺳك اﻟﺑﻧﯾوي‪:‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﻣﺣطﺔ‪ ،‬ﻛﺎن اﻟﻘطﺎر اﻷﺧﯾر إﻟﻰ ﺑرﺷﻠوﻧﮫ‬
‫ﯾطﻠﻖ اﻟﺻﻔرات اﻷﺧﯾره‬
‫ﻛﻧت ﺷﺎﺣﺑﺔ ﻓﻲ ﻏﺻون اﻟﺻﺑﺎح اﻟﺗﻲ‬
‫ﺗﺷرب اﻟﺑرد واﻟرﯾﺢ واﻟﺗﻣﺗﻣﺎت اﻷﺧﯾره‬
‫ﺗرﺣﻠﯾن إذن؟‬
‫ﺗﺑﺣﺛﯾن ﻋن اﻟﻌﻣل اﻟﻣﻧزﻟﻲ‪...‬‬
‫‪- 46 -‬‬
‫ﺑﻣﻣﻠﻛﺔ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﺷﻣﺎل‬
‫أﻧت‪ ...‬ﺳﯾدة اﻟﻣطﻌم اﻟﻐﺟري‪...‬‬
‫أﻟم ﺗﺑﺻري ﻛﯾف طﺎف اﻟﻣﻐﻧّون ﺣوﻟك؟‬
‫ﻛﯾف رأوﻧﺎ ﻋروﺳﯾن‪،‬‬
‫ﺑﯾن زھور اﻟﻧﺣﺎس وأطﺑﺎﻗﮫ وﻏﺻون اﻟظﻼل‬
‫ﻟﯾﻠﺔ‪...‬‬
‫ﺛم ﺗﻣﺿﯾن‪...‬‬
‫ﺷﺎﺣﺑﺔ‪...‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﻘطﺎر اﻷﺧﯾر إﻟﻰ ﺑرﺷﻠوﻧﮫ)‪(35‬‬
‫ﻟﻘد اﻧﻌﻛس ﻣﯾل اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ إﻟﻰ اﻟدراﻣﯾﺔ‪،‬إذاً‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ واﻟﺑﻧﺎء‬
‫اﻟدراﻣﻲ‪ ،‬وھو ﻣﺎﯾؤﻛد ﻣﺣﺎوﻟﺗﮭﺎ اﻟﺟﺎدة اﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟﻔﻧﻲ ﻋﻣﺎ اﺳﺗﺟّد ﻣن ﺣﺎﺟﺎت‬
‫ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻟم ﯾﻌد ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن اﻧﻌﻛﺎﺳﮭﺎ ﺑﺎﻟﺷﻛل اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ اﻟﺻرف‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﯾﻌﺎدﻟﮭﺎ ﻓﻧﯾﺎً‪.‬‬
‫وﻣﻣﺎ ﯾﺟب ذﻛره‪ ،‬أﺧﯾراً‪ ،‬أن اﻟﻣﯾل إﻟﻰ اﻟدراﻣﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬ﻛﺎن ﻗد ﺑدأ‪،‬‬
‫ﺑﺷﻛل أوﻟﻲ‪ ،‬ﻣﻊ اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪" ،‬وﻟﯾس ﻋﺟﯾﺑﺎ ً أن ﺗظﮭر ﻟدى ﺷﻌراﺋﻧﺎ‬
‫اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﯾن ﺑداﯾﺎت دراﻣﯾﺔ‪ .‬ﻷن ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ وأﻓﻘﮭﺎ ﻗد اﺗﺳﻊ ﻋﻠﻰ‬
‫أﯾدﯾﮭم واﺻطﺑﻎ ﺑﻐﯾر ﻗﻠﯾل ﻣن اﻟﺟدﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟﺣﯾﺎة")‪.(36‬‬

‫‪ 3‬ـ اﻟﻜﻠﯿﺔ‪:‬‬
‫إن اﻟﻛﻠﯾﺔ ھﻲ اﻟﺳﻣﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻣن ﺳﻣﺎت اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬وﻟﮭﺎ ﻋﻼﻗﺔ‬
‫وﺛﯾﻘﺔ ﺑﻛ ّل ﻣن اﻟﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ واﻟدراﻣﯾﺔ‪ .‬إذ إن اﻟوﻋﻲ اﻟذي ﯾرى اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ وﺣدﺗﮫ اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺎﻗض وﺗﺑﺎدل اﻟﺗﺄﺛﯾر‪ ،‬ﻻﯾﻣﻛﻧﮫ أن ﯾﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء ﺑوﺻﻔﮭﺎ‬
‫وﺣدات ﺟزﺋﯾﺔ ذات ﻛﯾﻧوﻧﺔ ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ﻣﺗﻣﺎﯾزة‪ ،‬أي ﻻﯾﻣﻛﻧﮫ إﻻ أن ﯾراھﺎ ﻓﻲ إطﺎرھﺎ‬
‫اﻟﻛﻠﻲ‪ .‬وﻛذا ھﻲ اﻟﺣﺎل ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﺳﻣﺔ اﻟدراﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻔﺗرض رؤﯾﺔ اﻟظﺎھرة ﻓﻲ‬
‫ﺗﺣوﻟﮭﺎ ﻣن ﺣﺎﻟﺔ إﻟﻰ أﺧرى‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل اﻟﺻراع‪ ،‬وﻣن ﺧﻼل ﻋﻼﻗﺎﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟظواھر‬
‫اﻷﺧرى‪ ،‬وھو ﻣﺎﯾﻌﻧﻲ رؤﯾﺔ ﻛﻠﯾﺔ أﯾﺿﺎً‪ .‬واﻟﺣﻖ أن ھذه اﻟﺳﻣﺎت اﻟﺛﻼث ﺗرﺗﺑط ﻓﯾﻣﺎ‬
‫ﺑﯾﻧﮭﺎ ﺑﻌﻼﻗﺔ ﺟدﻟﯾﺔ‪ ،‬ﯾﺻﻌب اﻟﻧظر إﻟﻰ واﺣدة ﻣﻧﮭﺎ ﺑﻣﻌزل ﻋن اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪ .‬ﻣﻣﺎ ﯾؤﻛد‬
‫اﻻﺗﺳﺎق واﻻﻧﺳﺟﺎم ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬وﯾؤﻛد أﯾﺿﺎ ً أن ھذا اﻟوﻋﻲ ﻣﺗﻛﺎﻣل ﻓﻲ‬
‫طرﯾﻘﺔ ﺗﻌﺎﻣﻠﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣﻊ اﻟواﻗﻊ واﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫ﺗﻔﺗرض اﻟﻛﻠﯾﺔ‪ ،‬إذاً‪ ،‬اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟظﺎھرة ﻓﻲ ﺟواﻧﺑﮭﺎ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ واﻟﻣﺗﻌددة‪،‬‬
‫وﻓﻲ ارﺗﺑﺎطﮭﺎ ﺑﺎﻟظواھر اﻷﺧرى‪ .‬ﻓﻼﺗؤﺧذ ﻣﻌزوﻟﺔ‪ ،‬أو ﯾؤﺧذ ﺟﺎﻧب ﻣﻧﮭﺎ ﻓﺣﺳب‪،‬‬
‫وﻣن ھﻧﺎ ﻓﺈن اﻟﻛﻠﯾﺔ ﺗﻔﺗرض ﺗﻘوﯾﻣﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً ﻛﻠﯾﺎً‪ .‬إذ إن اﻟرؤﯾﺔ اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻟﻠظﺎھرة ﺗﻧﻌﻛس‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 47 -‬‬


‫ﻓﻲ ﺗﻘوﯾم ﺟﻣﺎﻟﻲ ﻛﻠﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة‪ ،‬وﻗد ﯾﻘﺎل‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬إن اﻟﻛﻠﯾﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو‬
‫اﻟﻣذﻛور‪ ،‬ھﻲ ﺳﻣﺔ اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ‪ ،‬ﻻﺳﻣﺔ اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪.‬‬
‫ﻻﺷك ﻓﻲ أن ھﻧﺎﻟك اﺧﺗﻼﻓﺎ ً ﻛﺑﯾرا ً ﺑﯾن اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ‪ ،‬واﻟﻛﻠﯾﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬ﻓﻔﻲ ﺣﯾن أن اﻷول ﯾﺗﺟﮫ إﻟﻰ وﻋﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت واﻟﺳﻣﺎت اﻟﻛﻠﯾﺔ اﻟﺗﻲ‬
‫ﺗﻧظم اﻟظﺎھرة‪ ،‬ﻓﻲ ذاﺗﮭﺎ ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﻓﻲ ﻣﺣﯾطﮭﺎ ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى‪ ،‬وذﻟك ﺑﺄدوات‬
‫ﻣﻌرﻓﯾﺔ ﻣﺟردة‪ ،‬وﺑذھﻧﯾﺔ ﻋﻠﻣﯾﺔ ﻣﻧطﻘﯾﺔ‪ ،‬ﺗﺳﻌﻰ إﻟﻰ ﺗﺣوﯾل اﻟظﺎھرة اﻟﺣﯾﺔ إﻟﻰ‬
‫ﻗﺎﻧون ﻧظري ﻣﺟرد‪ .‬ﻓﺈن اﻟﺛﺎﻧﻲ ـ اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ـ ﯾﺗﺟﮫ إﻟﻰ وﻋﻲ‬
‫اﻟظﺎھرة ﺑﺳﻣﺎﺗﮭﺎ وﻋﻼﻗﺎﺗﮭﺎ وذﻟك ﺑﺄدوات ﺣﺳﯾﺔ ﻓﻧﯾﺔ‪ ،‬وذھﻧﯾﺔ اﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ ﺗﺻوﯾرﯾﺔ‪،‬‬
‫وھو ﻣﺎﯾﻌﻧﻲ رﺻد اﻷﺛر اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻲ اﻟﻧﺎﺟم ﻋن اﻟظﺎھرة‪ ،‬ﻻرﺻد اﻟظﺎھرة‪ ،‬ﻛﻣﺎ ھﻲ‪،‬‬
‫ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﻔﺗرض ﻓﻲ اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ‪ .‬وﻣن ھﻧﺎ ﻓﺈن اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻻﯾﻘوم ﻋﻠﻰ ﻓﮭم‬
‫اﻟظواھر‪ ،‬ﻛﻣﺎ ھﻲ ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬ﺑل ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ ﻓﮭﻣﮭﻣﺎ‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﺄﺛﯾرھﺎ اﻹﻧﻔﻌﺎﻟﻲ ـ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻓﻲ‬
‫اﻟذات اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻟﯾس وﻋﯾﺎ ً ﻣوﺿوﻋﯾﺎً‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ھو وﻋﻲ‬
‫ذاﺗﻲ ـ أﻧﻔﻌﺎﻟﻲ‪ .‬وﻟذﻟك ﻣن اﻟﺧطﺄ أن ﻧﺑﺣث ﻋن اﻟواﻗﻊ اﻟﻣوﺿوﻋﻲ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ھو‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫اﻟﻔن‪ ،‬واﻟﺻﺣﯾﺢ ھو اﻟﺑﺣث ﻋن ذﻟك اﻟواﻗﻊ ﻓﻲ ﺗﺷ ّﻛﻠﮫ اﻟذاﺗﻲ‪ .‬ﻓﻠﯾس ﺛﻣﺔ ﺣﻘﺎﺋﻖ‬
‫ﻣوﺿوﻋﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻔن‪ .‬ﺑل ﺛﻣﺔ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻓﻧﯾﺔ‪ ،‬ورﺑﻣﺎ اﻷﺻﺢ أن ﻧﻘول إن ﺛﻣﺔ ظواھر‬
‫ﻓﻧﯾﺔ‪ .‬ﻓﺎﻟﻔن ﯾﻧﺗﺞ ظواھر‪ ،‬ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﯾﺣﯾﺎ ﻋﻠﻰ اﻟظواھر‪ ،‬ﺣﺳﺑﻣﺎ ﯾﻘول ھﯾﻐل)‪.(37‬‬
‫وﺑﺎﺗﺻﺎف اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺔ ﯾﻛون ﻗد اﻓﺗرق ﻣرة ﺛﺎﻟﺛﺔ ﻋن اﻟوﻋﻲ‬
‫اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﻲ ﺻﻔﺗﮫ اﻟﺟزﺋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ظﮭرت واﺿﺣﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺳ ّﻣﻰ ﺑﺎﻷﻏراض‬
‫اﻟﺷﻌرﯾﺔ؛ وظﮭرت أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ ﺷﻛل اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ أﺑﯾﺎت‪ ،‬ﻛل ﻣﻧﮭﺎ ﯾﺷﻛل‬
‫ﺟزﺋﯾﺔ ﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ ﻏﯾر ﻣﻧﻘوﺻﺔ؛ ﻛﻣﺎ ظﮭرت ﻓﻲ اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺟزﺋﯾﺔ ﻟﺑﻌض‬
‫اﻷﻋﺿﺎء اﻷﻧﺛوﯾﺔ‪ ،‬وﺑﻌض اﻟﺣﯾواﻧﺎت واﻟﻧﺑﺎﺗﺎت وﺑﻌض اﻷﻓﻌﺎل واﻟﺣﺎﻻت‬
‫اﻻﺟﺗﻣﺎ ﻋﯾﺔ واﻟﻧﻔﺳﯾﺔ‪ ،‬ﺣﯾث ﯾﻣﻛن اﻟﺗوﻛﯾد أن اﻟوﻋﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﻗد اﺻطﺑﻎ‬
‫ﺑﺎﻟﺟزﺋﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﻣﺟﻣل ﻧﺷﺎطﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬وﻗﻠّﻣﺎ ﯾﻣﯾل إﻟﻰ اﻟﻛﻠﯾّﺔ ﻓﻲ اﻟرؤﯾﺔ واﻟرؤﯾﺎ‬
‫واﻟﺗﻘوﯾم واﻟﺗﺄﺛﯾر اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻲ‪ ،‬أي ﻓﻲ ﻧﺷﺎطﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬واﻧﻌﻛﺎﺳﮫ اﻟﻔﻧﻲ‪.‬‬
‫ﻟﻘد اﻧﻌﻛﺳت اﻟﻛﻠﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﻏﯾر ﻣﺳﺗوى ﻣن ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﻧص اﻟﺷﻌري اﻟﺣداﺛﻲ‪.‬‬
‫ﻓﺑدا ھذا اﻟﻧص وﻛﺄﻧﮫ ﯾﺳﻌﻰ إﻟﻰ اﻹﺣﺎطﺔ واﻟﺷﻣول‪ ،‬ﻓﻲ ﻛل ﻣﺎﯾﺗﻧﺎوﻟﮫ أو ﯾﺗﻌرض‬
‫ﻟﮫ‪ .‬وﻷن اﻟﻣﺟﺎل ﻻﯾﺳﻣﺢ ﺑرﺻد ﻛل ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﻧص‪ ،‬ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﻛﺗﻔﻲ ﺑﺎﻟﺣدﯾث ﻋن‬
‫اﺛﻧﯾن ﻣﻧﮭﺎ ﻓﻘط‪ ،‬ﺟرﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ ﻋﺎدﺗﻧﺎ ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺑﺣث‪ .‬أﻣﺎ ھذان اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎن‪ ،‬ﻓﮭﻣﺎ‪:‬‬
‫اﻟﻣوﺿوع اﻟﻔﻧﻲ واﻟﺗﻘوﯾم اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪.‬‬
‫آ ـ اﻟﻤﻮﺿﻮع اﻟﻔﻨﻲ‪:‬‬
‫ﻟﻘد ﺗﻐﯾرت اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﺑﯾن اﻟذات اﻟﻣﺑدﻋﺔ وﻣوﺿوﻋﮭﺎ اﻟﻔﻧﻲ ﺗﻐﯾرا ً‬
‫ﻛﺑﯾراً‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻋﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﻋﻠﯾﮫ ﻣن ﻗﺑل ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ‪ ،‬ﻓﻘد ﻛﺎﻧت‬
‫اﻟﻣﺣﺎﻛﺎة ھﻲ اﻷﺳﺎس ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﻌﻼﻗﺔ‪ .‬ﻋﻠﻰ ﺣﯾن أﺻﺑﺣت‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻗﺎﺋﻣﺔ‬
‫ﻣﺣرض ﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﺗﻧطﻠﻖ ﻣﻧﮫ اﻟذات اﻟﻣﺑدﻋﺔ‬
‫ّ‬ ‫ﻋﻠﻰ اﻟﺧﻠﻖ‪ .‬ﻓﻠم ﯾﻌد اﻟﻣوﺿوع ﺳوى‬

‫‪- 48 -‬‬
‫إﻟﻰ اﻟﺧﻠﻖ ﺑﻣﺎ ﯾﺗﻼءم وطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﺣرﯾض‪ ،‬وﺑﻣﺎ ﯾﺗﻼءم أﯾﺿﺎ ً وطﺑﯾﻌﺔ اﻻھﺗﻣﺎﻣﺎت‬
‫اﻟذاﺗﯾﺔ‪ .‬وﻣن ھﻧﺎ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻣوﺿوع‪ ،‬ﻣن ﺣﯾث ھو ﻣوﺿوع ﻧﺎﺟز‪ ،‬ﻗد ﻏﺎب ﻋن ﺷﻌر‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻟﯾﺣﺿر ﺑدﻻً ﻣﻧﮫ ﺗﺣرﯾﺿﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬ﺑل ﯾﻣﻛن اﻟﻘول إن ﻣﺎﺣﺿر ھو‬
‫اﻟﺗﺣرﯾﺿﺎت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻟﻌدة ﻣوﺿوﻋﺎت ﻣﺗﺷﺎﺑﻛﺔ وﻣﺗﻧﺎﻏﻣﺔ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ‪ .‬وﻟﮭذا‬
‫ﻓﻘد ﺗراﺟﻊ ﺷﻌر اﻟﻣوﺿوع إﻟﻰ اﻟﺧﻠف‪ ،‬وﺗﺻدّر ﺷﻌر اﻟﺗﺟرﺑﺔ ‪POETRY OF‬‬
‫‪ .EXPERIENCE‬إذ إن ﺷﻌر اﻟﻣوﺿوع ﯾﻔﺗرض ﺷﻌورا ً ﻣﺣددا ً واﺿﺣﺎ ً ﻣرﺗﺑطﺎ ً‬
‫ﺑﻣوﺿوﻋﮫ‪ ،‬أﻣﺎ ﺷﻌر اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﻓﯾﻧطوي ﻋﻠﻰ ﻣﺷﺎﻋر وﺣﺎﻻت وﻣوﺿوﻋﺎت ﻣﺗﻌددة‬
‫وﻣﺗﻧوﻋﺔ‪ .‬وھو ﻣﺎﯾﻧﺳﺟم وﻣﻔﮭوم اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺣﯾث ﺗﺗداﺧل اﻟﻣﺷﺎﻋر‬
‫واﻟﻣوﺿوﻋﺎت ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ ﺗداﺧﻼً ﺷدﯾداً‪ ،‬ﺑﺳﺑب طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺻﮭر ﻓﯾﮭﺎ‬
‫اﻟﻣوﺿوﻋﺎت واﻟﻣﺷﺎﻋر‪ ،‬ﻟﺗﻐدو ﻛﻼً ﻣوﺣداً)‪.(38‬‬
‫إن اﻟﻧص اﻟﺷﻌري اﻟﺣداﺛﻲ ﻻﯾﻌﺎﻟﺞ ﻋﺎدة‪ ،‬ﻣوﺿوﻋﺎ ً ﻣﺣدداً‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ﯾﻌﺎﻟﺞ‬
‫ﺗﺟرﺑﺔ روﺣﯾﺔ أو ﻧﻔﺳﯾﺔ أو اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ أو ﻛﻠﮭﺎ ﻣﻌﺎ ً ـ وھو اﻷﻋ ّم اﻷﻏﻠب ـ وﺑذﻟك ﻓﺈن‬
‫اﻟﻣﯾل إﻟﻰ اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻗد دﻓﻊ ﺑﺎﻟﻧص اﻟﺷﻌري إﻟﻰ أن ﯾﻛون ﻧص ﺗﺟرﺑﺔ‪ ،‬ﻻﻧص‬
‫ﻣوﺿوع‪ .‬ﻣﻣﺎ أدى ﺑﮫ إﻟﻰ ﺗﺟﺎوز ﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟذات واﻟﻣوﺿوع‪ ،‬وﺗﺟﺎوز اﻟﺷﻌور‬
‫اﻟﻣﺣدّد‪ ،‬وإﻟﻐﺎء اﻷﻏراض اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻣﻌﮭودة‪ .‬وﻗد ﯾﺑدو أن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﻟم ﯾﻌد‬
‫ﯾﻧﺗﺞ‪ ،‬ﺟراء ذﻟك اﻟﺗﺣول‪ ،‬ﻣﻌرﻓﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣوﺿوع‪ .‬ﻷﻧﮫ اﻛﺗﻔﻰ ﻣن اﻟﻣوﺿوع‬
‫ﺑﺗﺣرﯾﺿﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻓﺣﺳب‪ .‬ﻏﯾر أن واﻗﻊ اﻟﺣﺎل ﯾؤﻛد ﻋﻛس ھذا‪ .‬ﻓﺎﻟﻣﯾل إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر‬
‫ﻋن اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﻗد ﺟﻌل ﻣن اﻟﻣﻌرﻓﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﺗﺗﺳﻊ ﻟﺗﺷﻣل ﻋدة‬
‫ﻣوﺿوﻋﺎت وﻣﺷﺎﻋر ﻓﻲ آن ﻣﻌﺎً‪ .‬وﺑﮭذا ﻓﺈن اﻟﻣﻌرﻓﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﺗﺣﺻﻠﺔ ﻣن ﻗﺻﯾدة‬
‫اﻟﺗﺟرﺑﺔ ھﻲ ﻣﻌرﻓﺔ ﻛﻠﯾﺔ ﺗﺷﺗﻣل ﻋﻠﻰ ﻛ ّل ﻣﺎﯾﺗﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻣﺣرض اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬ﺳواء أﻛﺎن‬
‫ذﻟك ﻣوﺿوﻋﺎ ً أم ﺷﻌورا ً أم وﻋﯾﺎً‪ ،‬ﻣن دون أن ﯾﻌﻧﻲ ھذا اﻧﻔﺻﺎﻻً ﻓﯾﻣﺎﺑﯾﻧﮭﺎ‪ ،‬أو‬
‫ﺑروزا ً ﻟﺟﺎﻧب دون آﺧر‪ .‬ﻓﺎﻟﺗﺟرﺑﺔ ھﻲ اﻟﻛ ّل اﻟﻣﺗﻧﺎﻏم اﻟﻣﺗﻛﺎﻣل اﻟذي ﻻﯾﻣﻛن ﺗﺟزﯾﺋﮫ‬
‫إﻟﻰ وﺣدات ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ‪ .‬وإذا ﻣﺎ أردﻧﺎ أن ﻧﺣﺎﻓظ ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺧدام ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻣوﺿوع‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﻻﻣﻧﺎص ﻣن ﻓﮭﻣﮫ ﻓﮭﻣﺎ ً ﻣﺧﺗﻠﻔﺎً‪ ،‬ﺑﺣﯾث ﻻﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟواﻗﻊ‬
‫اﻟﻣوﺿوﻋﻲ‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺗﻲ أﺻﺑﺣت ھﻲ اﻟﻣوﺿوع اﻟﻔﻧﻲ ﻓﻲ‬
‫ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ .‬وﻏﻧﻲ ﻋن اﻟﺑﯾﺎن أن ھذا اﻟﺗﺣول ﻻﯾﻧﺳﺟم وﺳﻣﺔ اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻓﺣﺳب‪ .‬ﺑل‬
‫ﯾﻧﺳﺟم أﯾﺿﺎ ً وﺳﻣﺔ اﻟﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ ﺑﻣﺎ ﺗﻌﻧﯾﮫ ﻣن ﺗﺑﺎدل اﻟﺗﺄﺛﯾر واﻧﺗﻔﺎء اﻻﺳﺗﻘﻼﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻋن‬
‫اﻟﻌﻧﺎﺻر واﻟﺟواﻧب‪.‬‬
‫وﻟﻛن ﯾﻧﺑﻐﻲ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻛﺎﻧت ﻗد ﺧطت اﻟﺧطوة‬
‫اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﺗﺟﺎوز اﻟﻣوﺿوع اﻟواﻗﻌﻲ ﻣن ﺣﯾث ﻛوﻧﮫ ﻗﺎﺑﻼً ﻟﻠﻣﺣﺎﻛﺎة؛ وﻣﺎﻟت ﺑﺎﺗﺟﺎه‬
‫اﻟﻣوﺿوع اﻟﻧﻔﺳﻲ اﻟذي ﯾﻘﺗرب ﻣن اﻟﺗﺟرﺑﺔ‪ .‬ﻏﯾر أن اﻟﻔرق ﺑﯾن اﻟﺗﺟرﺑﺔ‬
‫واﻟﻣوﺿوع اﻟﻧﻔﺳﻲ ﯾﺑﻘﻰ ﻗﺎﺋﻣﺎً‪ ،‬وﻓﺣواه أن ھذا اﻟﻣوﺿوع ﯾﻧﺣﺻر ﻓﻲ إطﺎر‬
‫اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻔرد‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﯾن أن اﻟﺗﺟرﺑﺔ أﻋ ّم وأﺷﻣل‪ ،‬وھﻲ ﻗﺎﺑﻠﺔﻟﻣﺟﻣل‬
‫اﻟﻣوﺿوﻋﺎت‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﺧﺗﻼف ﻣﺻﺎدرھﺎ وطﺑﺎﺋﻌﮭﺎ‪ ،‬وﻟﻣﺟﻣل اﻷﻧﻣﺎط اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 49 -‬‬


‫واﻟروﺣﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ .‬وﻧﻌﺗﻘد أن اﻷﻣﺛﻠﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻣﺛﺑﺗﺔ ﻓﻲ ھذا اﻟﺑﺣث ﺗؤﻛد‬
‫ﻣﺎذھﺑﻧﺎ إﻟﯾﮫ وﺗﻐﻧﻲ ﻋن اﻟﺗﻣﺛﯾل ﻋﻠﻰ ذﻟك‪.‬‬

‫ب ـ اﻟﺘﻘﻮﯾﻢ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ‪:‬‬
‫ﻣن اﻟﺑدھﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﻋﻠم اﻟﺟﻣﺎل‪ ،‬أن اﻟﻔن ﺑﻌﺎﻣﺔ ﺗﻘوﯾم ﺟﻣﺎﻟﻲ ﻟﻠظواھر واﻷﺷﯾﺎء‪،‬‬
‫ﻣن ﻣﻧظور اﻟﻣﺛل اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﻔﻧﺎن‪ .‬ﻓﮭو‪ ،‬ﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ‪ ،‬ﺗﻘوﯾم ذاﺗﻲ‪ .‬ﻏﯾر أن ھذا‬
‫اﻟﺗﻘوﯾم اﻟذاﺗﻲ ﻻﯾﻧﺷﺄ ﺑﻣﻌزل ﻋﻣﺎ ھو ﻣوﺿوﻋﻲ ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟظواھر‪ .‬ﺑل إﻧﮫ ﯾﻧﺷﺄ ﻣن‬
‫ﺧﻼل اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﮭﺎ‪ ،‬وﻋﺑر طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﺄﺛﯾر اﻟذي ﺗﺧﻠّﻔﮫ ﻓﻲ اﻟذات اﻟﺗﻲ ﻻﺗﻘ ّوم‪ ،‬وﻻﺗﺗﺄﺛر‬
‫ھﻲ اﻷﺧرى ﺑﻣﻌزل ﻋن ﻣﺛﻠﮭﺎ اﻷﻋﻠﻰ وذوﻗﮭﺎ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬وﻷن اﻟﻣﺛل اﻷﻋﻠﻰ واﻟذوق‬
‫واﻟوﻋﻲ واﻟﺣﺎﺟﺔ وﻣﻛﺎﻧﺔ اﻟظواھر ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻹﻧﺳﺎن‪ ،‬ﻛﻼً ﻣﻧﮭﺎ ﯾﺗﻐﯾر‪ ،‬ﻓﺈن ﺗﻐﯾﱡر‬
‫اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﯾﻐدو أﻣراً ﻣﺣﺗوﻣﺎً‪ .‬إذ إﻧﮭﺎ ﻧﺗﺎج ﺗﻠك اﻟﺟواﻧب ﻣﺟﺗﻣﻌﺔ‪ .‬وﻣن ھﻧﺎ‬
‫ﻻﻏراﺑﺔ ﻓﻲ أن ﻧﺷﮭد اﺧﺗﻼﻓﺎ ً ﻓﻲ اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻣن ﺑﯾﺋﺔ إﻟﻰ أﺧرى ‪ .‬ﺑل ﻣن‬
‫ﻓرد إﻟﻰ آﺧر أﯾﺿﺎ ً‪ ،‬ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺧص اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت اﻟﺟزﺋﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻧﻘول ذﻟك‪ ،‬ﺗﻣﮭﯾدا ً ﻟﻠﺣدﯾث ﻋن اﻟﺗﻘوﯾم اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ .‬ﺣﯾث إن‬
‫ھذا اﻟﺷﻌر ﻗد ﺗﻣ ّﺧض ﻋن ﺗﻘوﯾﻣﺎت ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ ،‬ﺑﺷﻛل واﺿﺢ‪ ،‬ﻋن ﺗﻠك اﻟﺗﻲ‬
‫ﺗﻣﺧض ﻋﻧﮭﺎ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ واﻟﺗﻘﻠﯾدي اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ .‬ﺳواء أﻛﺎن ذﻟك‬
‫ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﻘوﯾم‪ .‬أم ﺑﺗﻧوﻋﮫ وﺗﻌدّده‪ ،‬أم ﺑﻌﻼﻗﺎﺗﮫ ﺑﻛ ّل ﻣن اﻟﻣوﺿوع واﻟذات‪.‬‬
‫ﻓﻣن اﻟﻣﻌﻠوم أن طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﻘوﯾم‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ‪ ،‬ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﺗﻛون طﺑﯾﻌﺔ‬
‫ﺣﺳﯾﺔ‪ ،‬ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟظواھر اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ‪ .‬وﻗد ظﮭر ذﻟك ﻓﻲ اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻓﻲ ذﻟك‬
‫اﻟﺷﻌر‪ ،‬ﻛﻣﺎ ظﮭر ﻓﻲ دﻓﺎع اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم ﻋن ﺣﺳﯾﺔ اﻟﺻورة) ‪.(39‬‬
‫وﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈن ذﻟك اﻟﺷﻌر ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﯾطرح ﻗﯾﻣﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ واﺣدة‬
‫ﻟﻣوﺿوﻋﮫ اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬وﻣﺎ ﻣﺻطﻠﺢ اﻷﻏراض اﻟﺷﻌرﯾﺔ إﻻ دﻟﯾﻼً ﻋﻠﻰ ھذا‪ .‬ﻓﻛ ّل ﻏرض‬
‫ﯾﺧﺗص ﺑﻘﯾﻣﺔ ﻣﺣددة‪ .‬ﻓﺎﻟﺟﻣﺎل ﻟﻠﻐزل‪ ،‬واﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ ﻟﻠرﺛﺎء‪ ،‬واﻟﺑطوﻟﯾﺔ ﻟﻠﻔﺧر‬ ‫ﱡ‬
‫واﻟﻣدﯾﺢ‪ ،‬أﻣﺎ اﻟﮭﺟﺎء ﻓﻠﮫ اﻟﻘﺑﺢ واﻟﻛوﻣﯾدﯾﺔ‪ .‬وﻗﻠﻣﺎ ﺗﺗداﺧل ھذه اﻟﻘﯾم ﻓﻲ ﻣوﺿوع‬
‫واﺣد‪ .‬ﻏﯾر أﻧﮭﺎ ﻗد ﺗﺗﻌدّد ﻓﻲ اﻟﻧص اﻟواﺣد‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﺗراﻛﻣﻲ‪ ،‬ﻣﻊ ﺗواﻟﻲ اﻷﻏراض‬
‫اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ .‬وﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻟﺛﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺗﻘوﯾم‪ ،‬ﻓﻲ ذﻟك اﻟﺷﻌر‪ ،‬ﯾﻧﮭض ﻣن اﺣﺗرام اﻟذات‬
‫ﻟﺻﻔﺎت اﻟﻣوﺿوع اﻟﻔﯾزﯾﺎﺋﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ .‬ﻣﻣﺎﯾدﻓﻌﮭﺎ إﻟﻰ ﻣﺣﺎﻛﺎﺗﮫ ﻓﻧﯾﺎً‪ ،‬واﻹﺧﻼص‬
‫ﻟﮫ ﻓﻲ إﻋﺎدة إﻧﺗﺎﺟﮫ ﺟﻣﺎﻟﯾﺎً‪ .‬وﻗد ظﮭر ذﻟك ﻓﻲ ﻛﺛرة اﻟﺻﻔﺎت اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ اﻟﺗﻲ ﯾراھﺎ‬
‫اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﻟﮭذا اﻟﻣوﺿوع أو ذاك‪ ،‬ﻛﺎﻟﺻﺣراء واﻟﻧﺎﻗﺔ واﻷطﻼل‬
‫واﻟﻔرس واﻟﺧﻣرة واﻟﻣرأة واﻟﺣرب واﻟﻔﺎرس‪...‬إﻟﺦ‪ .‬وﻗد ظﮭر أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ دﻓﺎع اﻟﻧﻘد‬
‫اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم ﻋن ﺻﻔﺎت اﻟﻣوﺿوع‪ ،‬واﻟﮭﺟوم ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻌراء اﻟذﯾن ﯾﻘﺻّرون أو‬
‫ﯾﻐﯾّرون ﻓﻲ ذﻟك‪ ،‬وﻟو ﺑدرﺟﺎت ﻣﺣدودة‪ .‬وﻟﻌل ﻓﻲ ﺗﺗﺑّﻊ اﻵﻣدي ﻟﻸﺧطﺎء اﻟﺗﻲ ﯾرى‬
‫أن أﺑﺎ ﺗﻣﺎم ﻗد وﻗﻊ ﻓﯾﮭﺎ ً دﻟﯾﻼً واﺿﺣﺎ ً ﻋﻠﻰ ھذا) ‪ .(40‬وﻻﺷك ﻓﻲ أن ھذا اﻟﺗﺗﺑﻊ ﯾﺣﯾل‬
‫ﻋﻠﻰ ﻣوﻗف ﺟﻣﺎﻟﻲ ﯾرى ﺿرورة أن ﯾﻛون اﻟﺷﻌر ﻣﺣﺎﻛﺎة ﻟﻠﻣوﺿوع اﻟواﻗﻌﻲ‪ ،‬ﻣن‬

‫‪- 50 -‬‬
‫ﻣﻧظور اﻟﻣﺛل اﻷﻋﻠﻰ اﻟﺳﺎﺋد‪ .‬وﻣن اﻟطرﯾف‪ ،‬ھﻧﺎ‪ ،‬أن ﻣﺎﻛﺎن اﻵﻣدي ﻗد رآه ﺻﻔﺔ‬
‫ﺳﻠﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر أﺑﻲ ﺗﻣﺎم‪ ،‬ﺗراه اﻟﺣداﺛﺔ ‪ ،‬ﺷﻌراء وﻧﻘﺎداً‪ ،‬ﺻﻔﺔ إﯾﺟﺎﺑﯾﺔ‪ ،‬ﺟﻌﻠت ﻣن‬
‫أﺑﻲ ﺗﻣﺎم اﻟﺷﺎﻋر اﻷﺛﯾر ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬وھو ﻣﺎﯾﻌﻧﻲ ﺗﻧﺎﻏم ﺷﻌر أﺑﻲ ﺗﻣﺎم‬
‫واﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪.‬‬
‫ﻟﻘد طرﺣت اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﺗﺻورا ً ﺟدﯾدا ً ﻟﻠﺗﻘوﯾم اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﺄﺻﺑﺢ ذا‬
‫طﺑﯾﻌﺔ ﻣﻌﻧوﯾﺔ ﻣﺣﻣوﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻧﺎﺻر ﺣﺳﯾﺔ‪ .‬وھو ﻣﺎاﻧﻌﻛس ﻓﻲ اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ذات‬
‫اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﺣﺳﯾﺔ واﻹﯾﺣﺎء اﻟﻣﻌﻧوي؛ واﻧﻌﻛس أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟرﻣزي ﻣﻊ‬
‫اﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬ﻓﺑدت ذات طﺑﯾﻌﺔ ﻣﻌﻧوﯾﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﻛوﻧﮭﺎ ﺣﺳﯾﺔ ﻓﻲ واﻗﻌﮭﺎ‬
‫اﻟﻣوﺿوﻋﻲ‪ ،‬أو ﺑدت ﺣﺳﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﻣﻌﻧوﯾﺗﮭﺎ ﻓﻲ ذﻟك اﻟواﻗﻊ‪ .‬وﻻﺷك ﻓﻲ‬
‫أن ھذا ﯾﻧﺳﺟم وﻣﻧطﻖ اﻟﺗﺣرﯾض اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟذي ﺗﺗﺑﻧﺎه اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن‬
‫أﺛر اﻟﻣوﺿوع اﻟواﻗﻌﻲ ھو اﻟذي ﯾﺗ ّم اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋﻧﮫ‪ ،‬ﻻ اﻟﺻﻔﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﮭذا‬
‫اﻟﻣوﺿوع‪ .‬وﻷن ذﻟك اﻷﺛر ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﺣﺳﯾﺎً‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﻣﻌﻧوﯾﺎً‪ ،‬ﻓﻘد‬
‫ﺗ ّم اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟﻣوﺿوع ﻣن ﺧﻼل أﺛره‪ .‬وھو ﻣﺎأدى إﻟﻰ ﺗﺣﺳﯾس اﻟﻣﻌﻧوي‪ ،‬ﻛﻣﺎ‬
‫أدى إﻟﻰ ﺗﺣوﯾل اﻟﻣﻌﻧوي إﻟﻰ ﺣﺳﻲ‪ ،‬ﻋﻠﻰ أن اﻷﻣر ﻣرﺗﺑط‪ ،‬ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣطﺎف‪،‬‬
‫ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻷﺛر ﻻطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻣؤﺛّر‪.‬‬
‫وﻷن اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﺗﺳﻌﻰ إﻟﻰ طرح اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﻻطرح اﻟﻣوﺿوع‪ ،‬وﻷن‬
‫اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﺗﺗداﺧل ﻓﯾﮭﺎ اﻟﻣوﺿوﻋﺎت واﻻﻧﻔﻌﺎﻻت واﻟﻣﺷﺎﻋر واﻟرؤى‪ ،‬ﻓﻘد ظﮭرت‬
‫اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧص ﻣﺗداﺧﻠﺔ وﻣﺗﻌددة وﻣﺗﺻﺎرﻋﺔ‪ .‬وﻗﻠّﻣﺎ ﻧﻠﺣظ ﻧﺻﺎ ً‬
‫ﺣداﺛﯾﺎ ً ﯾطرح ﻗﯾﻣﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ واﺣدة‪ .‬ﺑل إن اﻟﺗداﺧل واﻟﺗﻌدد واﻟﺗﺻﺎرع ﻓﻲ اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت‬
‫ﻣن ﺻﻔﺎت اﻟﻧص اﻟﺷﻌري اﻟﺣداﺛﻲ ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬وﻗد ﻻﻧﺑﺎﻟﻎ ﻓﻲ اﻟﻘول ﺑﺄن اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ‬
‫ﻣر ﺑﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ً اﻟﺣدﯾث ﻋن ﺻورة‬ ‫اﻟواﺣدة ﻗد ﺗﻧطوي أﺣﯾﺎﻧﺎ ً ﻋﻠﯨﻌدة ﺗﻘوﯾﻣﺎت‪ .‬وﻗد ﱠ‬
‫ﻣﺣﻣود دروﯾش )ﻣﺷت اﻟﺧﯾول ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺻﺎﻓﯾر اﻟﺻﻐﯾرة ﻓﺎﺑﺗﻛرﻧﺎ اﻟﯾﺎﺳﻣﯾن(‪ .‬ورأﯾﻧﺎ‬
‫ﻛﯾف ﺗﻌددت اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت وﺗﺻﺎرﻋت‪ .‬وﻻﺑﺄس ﻣن اﻹﺷﺎرة‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬إﻟﻰ أن‬
‫ذﻟك ﯾﺗﻼءم واﻟوظﯾﻔﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ـ اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ اﻟﻣزدوﺟﺔ ﻟﻠﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﺣﯾث أﺻﺑﺣت اﻟﺻورة اﻧﻌﻛﺎﺳﺎ ً ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ‪ ،‬وﻻﺑد ﻟﻠﻌﺎﻛس ﻣن أن ﯾﻣﺛ ّل‬
‫اﻟﻣﻌﻛوس‪ ،‬ﺑدرﺟﺔ ﻣﺎ ﻣن اﻟدﻗﺔ واﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻛﻲ ﯾﺗوﺿﺢ اﻟﻣﻧطﻖ اﻟﺗﻘوﯾﻣﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬ﻧﺗوﻗف ﻋﻧد ﺛﻼﺛﺔ ﻣن اﻟﻣﻘﺎطﻊ‬
‫اﻟﺷﻌرﯾﺔ ذات اﻟﺣﺎﻻت واﻷﻧﻣﺎط اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪.‬‬
‫ﯾﻘول ﺻﻼح ﻋﺑد اﻟﺻﺑور‪ ،‬ﻓﻲ ﻗﺻﯾدة ﺑﻌﻧوان "اﻟﺑﺣث ﻋن وردة اﻟﺻﻘﯾﻊ"‪:‬‬
‫أﺑﺣث ﻋﻧك ﻓﻲ ﻣﻼءة اﻟﻣﺳﺎء‬
‫أراك ﻛﺎﻟﻧﺟوم ﻋﺎرﯾﮫ‬
‫ﻧﺎﺋﻣﺔ ﻣﺑﻌﺛره‬
‫ﻣﺷوﻗﺔ ﻟﻠوﺻل واﻟﻣﺳﺎﻣره‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 51 -‬‬


‫وﻻﻗﺗراح اﻟﺧﻣر واﻟﻐﻧﺎء‬
‫وﺣﯾﻧﻣﺎ ﺗﮭﺗّز أﺟﻔﺎﻧﻲ‪ /‬وﺗﻔﻠﺗﯾن ﻣن ﺷﺑﺎك رؤﯾﺗﻲ اﻟﻣﻧﺣﺳره‬
‫ﺗذوﯾن ﺑﯾن اﻷرض واﻟﺳﻣﺎء‬
‫وﯾﺳﻘط اﻹﻋﯾﺎء‬
‫ﻣﻧﮭﻣرا ً ﻛﺎﻟﻣطره‬
‫ﻋﻠﻰ ھﺷﯾم ﻧﻔﺳﻲ اﻟذاﺑﻠﺔ اﻟﻣﻧﻛﺳره‬
‫ﻛﺄﻧﮫ اﻹﻏﻣﺎء‪(41 ).‬‬
‫وﯾﻘول ﻣﺣﻣود دروﯾش‪ ،‬ﻓﻲ ﻗﺻﯾدة "ﺑﯾروت"‪:‬‬
‫ﺗﻔﺎﺣﺔ ﻟﻠﺑﺣر‪ ،‬ﻧرﺟﺳﺔ اﻟرﺧﺎم‬
‫ﻓراﺷﺔ ﻏﺟرﯾﺔ‪ ،‬ﺑﯾروت‪ .‬ﺷﻛل اﻟروح ﻓﻲ اﻟﻣرآة‬
‫وﺻف اﻟﻣرأة اﻷوﻟﻰ‪ ،‬وراﺋﺣﺔ اﻟﻐﻣﺎم‬
‫ﺑﯾروت ﻣن ﺗﻌب وﻣن ذھب‪ ،‬وأﻧدﻟس وﺷﺎم‬
‫ﻓﺿﺔ‪ .‬زﺑد‪ .‬وﺻﺎﯾﺎ اﻷرض ﻓﻲ رﯾش اﻟﺣﻣﺎم‬
‫ﺗﺷرد ﻧﺟﻣﺔ ﺑﯾﻧﻲ وﺑﯾن ﺣﺑﯾﺑﺗﻲ ﺑﯾروت‬ ‫وﻓﺎة ﺳﻧﺑﻠﺔ‪ .‬ﱡ‬
‫ﻟم أﺳﻣﻊ دﻣﻲ ﻣن ﻗﺑل ﯾﻧطﻖ ﺑﺎﺳم ﻋﺎﺷﻘﺔ ﺗﻧﺎم ﻋﻠﻰ دﻣﻲ‪...‬وﺗﻧﺎم‪(42)...‬‬
‫وﯾﻘول ﻣرﯾد اﻟﺑرﻏوﺛﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﻗﺻﯾدة "رﻧﺔ اﻹﺑرة"‪:‬‬
‫ﺗطرﯾز ﺛوﺑك ﺻﺎﻣت‪...‬وﯾﻘو ُل‬
‫اﻷﺧﺿر اﻟﻣﺑﺣوح ﻧﺎي ﻧﺎﻋم‬
‫ﻛف اﻟرﯾﺢ واﻟراﻋﻲ‬‫ﺳﺗﮫ ﱞ‬ ‫ﻣ ﱡ‬
‫وأزرﻗﮫ دﻓوف ﺣوﻟﮭﺎ ﺷُﻌل وأﺣﻣره طﺑولُ‬
‫وﻣﻧﻣﻧﻣﺎت رﺳوﻣﮫ ھﻣس وإﺻﻐﺎء‬
‫وﻏﺎﻣﻘﮭﺎ ﺑﮫ ﻧﻌَس‬
‫وﻓﺎﺗﺣﮭﺎ ﻟﮫ ﻧﻔَس وﻓﺎﺟرھﺎ ﺧﺟو ُل) ‪(43‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ھذه اﻟﻣﻘﺎطﻊ ﻣﺗﺑﺎﯾﻧﺔ ﻓﻲ اﻷﺳﻠوب واﻟﺣﺎﻟﺔ اﻟﻣرﺻودة‬
‫واﻹﯾﺣﺎء‪ ،‬ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﺻدر ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻣن ﻣﻧطﻖ ﺗﻘوﯾﻣﻲ ﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣوﺣّد ‪ .‬ﻓﺛﻣﺔ اﻟطﺑﯾﻌﺔ‬
‫اﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ ﻟﻠﺗﻘوﯾم‪ ،‬وﺗداﺧل اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت‪ ،‬واﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻷﺷﯾﺎء ﻣن ﺧﻼل ﺗﺣرﯾﺿﮭﺎ‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ـ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻲ‪.‬‬
‫ﻓﻔﻲ اﻟﻣﻘطﻊ اﻷول اﻟذي ﯾﻣﻛن أن ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟوﺟودﯾﺔ أو ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟﻔﻛرﯾﺔ ـ اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ أو ﻛﻠﺗﯾﮭﻣﺎ ﻣﻌﺎً‪ ،‬ﻧﻠﺣظ أن اﻟذات ﺗﻌﺎﻧﻲ ﺑﺣﺛﺎ ً ﻣرﯾرا ً ﻋن‬
‫‪- 52 -‬‬
‫اﻟﻔﻛرة اﻟﻣﻧﺷودة أو اﻟﻣﺛل اﻷﻋﻠﻰ‪ ،‬ﻓﻲ اﻷﺷﯾﺎء اﻟﻐﺎﻣﺿﺔ)وﻧﺷﯾر إﻟﻰ أن ﺑﻘﯾﺔ ﻣﻘﺎطﻊ‬
‫اﻟﻘﺻﯾدة ﺗﺗﺎﺑﻊ اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻔﻛرة ﻓﻲ ﻣﺟﺎﻻت اﻟﺣﯾﺎة ﻛﺎﻓﺔ(‪ .‬ﻓﺗرى اﻟﻔﻛرة ﻋﺎرﯾﺔ‪،‬‬
‫ﻧﺎﺋﻣﺔ‪ ،‬ﻣﺑﻌﺛرة‪ ،‬وﻟﻛن ﺗراھﺎ أﯾﺿﺎ ً راﻏﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﺟﺳّد)اﻟوﺻل(‪ ،‬وﻓﻲ اﻻﻧﺗﺷﺎر‬
‫اﻟﺟﻣﯾل )اﻟﺧﻣر واﻟﻐﻧﺎء(‪ .‬ﻏﯾر أن اﻟذات ﺳرﻋﺎن ﻣﺎﯾﺻﯾﺑﮭﺎ اﻹﻋﯾﺎء‪ ،‬وﻛﺄﻧﮭﺎ‬
‫ﻣﺎاﺳﺗطﺎﻋت ﺗﺣ ّﻣل ﻣﺎرأت أو ﺣﻣﻠﮫ واﻋﺗﻧﺎﻗﮫ‪ ،‬ﻓﺗذوب اﻟﻔﻛرة‪ ،‬وﺗﻌود اﻟذات إﻟﻰ ﻣﺎ‬
‫ﻛﺎﻧت ﻋﻠﯾﮫ ﻣن ذﺑول واﻧﻛﺳﺎر‪ ،‬ﻓﻲ ﻏﯾﺎب اﻟﻣﺛل اﻷﻋﻠﻰ أو اﻟﻔﻛرة اﻟﻣﻧﺷودة‪.‬‬
‫ﻧﻠﺣظ أن ﻣﺣور اﻟﻣﻘطﻊ ﻣﺣور ﻣﻌﻧوي‪ ،‬ﻓﻲ اﻷﺳﺎس ‪ ،‬وﻟﻛﻧﮫ ﺗﺟﺳد ﺑﻌﻧﺎﺻر‬
‫ﺣﺳﯾﺔ‪ ،‬ﻣﺛل اﻟﻣﻼءة واﻟﻣﺳﺎء واﻟﻧﺟوم واﻟﺧﻣر واﻟﻐﻧﺎء واﻟﺷﺑﺎك واﻟﮭﺷﯾم‪ .‬إﻻ أن‬
‫دﻻﻻت ھذه اﻟﻌﻧﺎﺻر ذات طﺑﯾﻌﺔ ﻣﻌﻧوﯾﺔ ﺑﺣت‪ .‬ﻓﻼﯾﻣﻛن طﺑﻌﺎ ً أن ﯾﺑﺣث اﻟﺷﺎﻋر‬
‫ﻋن اﻟﻣﺛل اﻷﻋﻠﻰ ﻓﻲ ﻣﻼءة اﻟﻣﺳﺎء‪ ،‬ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﺣرﻓﻲ ﻟﻠﺗرﻛﯾب ﺑل ﻟﯾس ﺛﻣﺔ ﻣﻼءة‬
‫ﯾﺗﺷوق اﻟﻣﺛل اﻷﻋﻠﻰ إﻟﻰ اﻟوﺻل واﻟﻣﺳﺎﻣرة أو‬ ‫ّ‬ ‫ﻟﻠﻣﺳﺎء أﺻﻼً‪ .‬ﻛﻣﺎ ﻻﯾﻣﻛن أن‬
‫اﻟﺧﻣر واﻟﻐﻧﺎء‪ .‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ھذه اﻹﺷﺎرة ﺗﺑدو ﺳﺎذﺟﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﻠﻘﻲ اﻟﺷﻌر‪ ،‬إذ‬
‫ﻣن اﻟﺑدھﻲ أن ﯾﻧﮭض اﻟﺷﻌر ﻣن اﻟﻣﺟﺎز‪ ،‬إﻻ أﻧﻧﺎ أردﻧﺎ ﻣﻧﮭﺎ أن ﺗﺷﯾر إﻟﻰ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ‬
‫اﻟﺗﻲ ﺗﻧظم ھذا اﻟﻣﻘطﻊ‪ ،‬وھﻲ ﺗﺣﺳﯾس اﻟﻣﻌﻧوي‪ ،‬وإﻋطﺎء اﻟﺣﺳﻲ ﻣﻧﺣﻰ ﻣﻌﻧوﯾﺎً‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ‪.‬‬
‫وذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻲ‪:‬‬

‫ﻣﻌﻧوي‬ ‫=‬ ‫ﺣﺳﻲ‬ ‫=‬ ‫ﻣﻌﻧوي‬

‫دﻻﻟﺔ‬ ‫ﺷﻛل‬ ‫ﻓﻛرة‬


‫وﺑﮭذا اﻟﻧﺣو‪ ،‬ﯾﻛون اﻟﻣﻘطﻊ ﻗد ﺣﺎﻓظ ﻋﻠﻰ طﺑﯾﻌﺗﮫ اﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾﻛون أﯾﺿﺎ ً‬
‫ﻗد ﺣﺎﻓظ ﻋﻠﻰ ﻋﻧﺎﺻر اﻟﺻورة اﻟﺣﺳﯾﺔ‪ .‬إذ إن اﻟﺣﺳﻲ ھو اﻟﺣﺎﻣل اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻟﻠﻣﻌﻧوي‬
‫ﻓﻲ اﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬ﺣﺗﻰ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺳ ّﻣﻰ ﺑﺎﻟﻔن اﻟﺗﺟرﯾدي ﻓﺈن اﻟﺣﺳﯾﺔ ھﻲ اﻟﺣﺎﻣل ﻷﺷﻛﺎﻟﮫ‬
‫اﻟﺗﺟرﯾدﯾﺔ‪.‬‬
‫واﺿﺢ ﻣن اﻟﻣﻘطﻊ أن اﻟﺷﺎﻋر ﻟم ﯾﮭدف إﻟﻰ ﻣﺣﺎﻛﺎة ﺷﻲء أو ﻣوﺿوع ﻣﺎ‪،‬‬
‫وإﻧﻣﺎ ﻋﺑّر ﻋن اﻷﺛر اﻟذي ﺗرﻛﺗﮫ ﻓﯾﮫ اﻟﻔﻛرة‪ ،‬ﺑﺣﺎﻟﺗﮭﺎ اﻟﻣرﺻودة‪ ،‬وھو أﺛر ﻣﺗﻌدد‬
‫ﻣﺗﻧوع‪ ،‬أدى إﻟﻰ ﺗﻘوﯾﻣﺎت ﻣﺗﻌددة ﻣﺗﻧوﻋﺔ‪ .‬ﻓﻔﻲ اﻟﺑدء‪ ،‬ﻧﻠﺣظ اﻟﻔﻛرة ﺧﺎرﻗﺔ اﻟﺟﻣﺎل‬
‫)ﻛﺎﻟﻧﺟوم(‪ ،‬ﺛم ﻧﻠﺣظﮭﺎ ﻣؤﺳﯾﺔ )ﻣﺑﻌﺛرة(‪ ،‬ﺛم ﺗﻐدو ذات ﺟﻣﺎل أﻟﯾف ھﺎدئ )اﻟوﺻل‬
‫واﻟﻣﺳﺎﻣرة(‪ ،‬ﻓذات ﺟﻣﺎل ﻟذﯾذ ﺻﺎﺧب )اﻟﺧﻣر واﻟﻐﻧﺎء(‪ ،‬ﺛم ﻧﻠﺣظﮭﺎ‬
‫ﻣﺄﺳﺎوﯾﺔ)ﺗذوﯾن(‪ ،‬وﯾﻧﺗﮭﻲ اﻟﻣﻘطﻊ ﺑطرح ﻗﯾﻣﺔ اﻟﻣﻌذب‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل اﻹﻋﯾﺎء اﻟﻣﻧﮭﻣر‬
‫واﻟﻧﻔس اﻟذاﺑﻠﺔ اﻟﻣﻧﻛﺳرة‪ .‬وﺑﮭذا‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻣﻘطﻊ ﻗد طرح ﺛﻼﺛﺔ ﺗﻘوﯾﻣﺎت ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪:‬‬
‫اﻟﺟﻣﯾل ﺑﺄﺷﻛﺎﻟﮫ اﻟﻣﺗﻌددة‪ ،‬واﻟﻣﺄﺳﺎوي‪ ،‬واﻟﻣﻌذب‪ .‬وﻻﺗﺗﻛﺎﻣل اﻟﺗﺟرﺑﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا‬
‫اﻟﻣﻘطﻊ‪ ،‬إﻻ ﻋﺑر اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن ھذه اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت‪.‬‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 53 -‬‬


‫أﻣﺎ اﻟﻣﻘطﻊ اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻣﻘطﻊ دروﯾش‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ أﻛﺛر ﺗﻌﻘﯾداً‪ ،‬وأﻛﺛر ﻏﻧﻰ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد‬
‫اﻟﻣﻧطﻖ اﻟﺗﻘوﯾﻣﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬ﻣن دون أن ﯾﻌﻧﻲ ھذا ﺣﻛﻣﺎ ً ﻓﻧﯾﺎًﻋﻠﻰ أﺣد اﻟﻣﻘطﻌﯾن‪.‬‬
‫ﺣﯾث ﺗﺗواﻟﻰ اﻟﺻور اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ ،‬ﺣول ﺑﯾروت‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﯾﺑدو ﻓﯾﮫ اﻟﻣﻘطﻊ ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻟﺻور‬
‫اﻟﻣﺗﻼﺣﻘﺔ واﻟﻣﺗزاﺣﻣﺔ واﻟﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻣﺣور ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﺣول ﺗﻌﻣﯾﻖ اﻹﺣﺳﺎس ﺑﺄن‬
‫ﺑﯾروت ھﻲ ﻣدﯾﻧﺔ اﻟﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺎت‪ .‬إﻧﮭﺎ اﻟﻛ ﱡل اﻟراﺋﻊ اﻟﺟﻣﯾل اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺎﻗض‪ .‬ﻓﮭﻲ‪،‬‬
‫ﺑﺣﺳب ﻗراءﺗﻧﺎ اﻟﺗﻲ ﻟن ﺗﺧﻠو ﻣﻣﺎ ھو ذاﺗﻲ وﻋﯾﺎ ً وذوﻗﺎً‪ ،‬ﺗﻠك اﻟﻔﺗﺎة اﻟراﺋﻌﺔ اﻟﺣﺳن‬
‫واﻟﻣﻧذورة ﻟﻠﻣوت ﻓداء ﻟﻶﺧرﯾن ـ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻧﺗذﻛر‪ ،‬ھﻧﺎ‪ ،‬اﻷﺳﺎطﯾر واﻟﺣﻛﺎﯾﺎ ﺣول‬
‫ﺗﻘدﯾم أﺟﻣل اﻟﻔﺗﯾﺎت ﻛﺄﺿﺣﯾﺔ ﻟﻠﺑﺣر أو اﻟﻧﮭر اﻟﮭﺎﺋﺞ ـ وھﻲ اﻟﺟﻣﺎل اﻟﻣﺗﺣﺟر اﻟﺻﻠد‬
‫)ﻧرﺟﺳﺔ اﻟرﺧﺎم (‪ ،‬ورﺑﻣﺎ ﺗﻛون اﻟﺟﻣﺎل اﻟﺣﯾوي اﻟطﺎﻟﻊ ﻣن اﻟﺻﻼدة؛ وھﻲ اﻟﺣﯾوﯾﺔ‬
‫واﻟﻌﻔوﯾﺔ واﻟﺣرﯾﺔ واﻻﺣﺗراق )اﻟﻔراﺷﺔ = اﻟﺣﯾوﯾﺔ واﻻﺣﺗراق‪ .‬واﻟﻐﺟرﯾﺔ = اﻟﻌﻔوﯾﺔ‬
‫واﻟﺣرﯾﺔ(؛ وھﻲ اﻟﻌدم أو اﻟذي ﻻﺗﻣﻛن ﻣﻌرﻓﺗﮫ )ﺷﻛل اﻟروح ﻓﻲ اﻟﻣرآة(؛ وھﻲ‬
‫اﻟﺟﻣﺎل اﻟﻣﺗﺧﯾّل ﺟراء اﻟﺷﮭوة )وﺻف اﻟﻣرأة اﻷوﻟﻰ(‪ ،‬وھﻲ اﻷﻟﻔﺔ اﻟﻣﺻﺣوﺑﺔ‬
‫اﻟﺧﺑو واﻟﺑرﯾﻖ )ﺗﻌب وذھب(‪ ،‬وھﻲ اﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ‬ ‫ﱡ‬ ‫ﺑﺎﻟدھﺷﺔ )راﺋﺣﺔ اﻟﻐﻣﺎم(‪ ،‬وھﻲ‬
‫وا ﻟﺑطوﻟﯾﺔ )أﻧدﻟس وﺷﺎم(‪ ،‬وھﻲ اﻟﺷﻲء اﻟﺛﻣﯾن واﻟﺷﻲء اﻟذي ﻻﻗﯾﻣﺔ ﻟﮫ )ﻓﺿﺔ‬
‫اﻟﻣﺳﺗﻘر ﻓﻲ اﻟﺣﯾوﯾﺔ واﻟﺣرﯾﺔ )وﺻﺎﯾﺎ اﻷرض ﻓﻲ رﯾش‬ ‫ﱡ‬ ‫وزﺑد( وھﻲ اﻟرﺳوخ‬
‫اﻟﺣﻣﺎم(‪ ،‬وھﻲ ﻣوت اﻟﺟﻣﺎل اﻟﻣﺧﺻب )وﻓﺎة ﺳﻧﺑﻠﺔ(‪ ،‬وھﻲ اﻟﺿﯾﺎع واﻟﺗوھﺎن‬
‫)ﺗﺷرد ﻧﺟﻣﺔ(‪ .‬ﺗﻠك ھﻲ ﺑﯾروت اﻟﺗﻲ ﯾﺗﻌﺷﻘﮭﺎ اﻟﺷﺎﻋر‪ ،‬وﺗﻧﻌم ﺑﺎﻟراﺣﺔ ﻋﻠﻰ دﻣﮫ‬ ‫ﱡ‬
‫)ﺗﻧﺎم ﻋﻠﻰ دﻣﻲ(‬
‫ﻧﻠﺣظ ﻣن ذﻟك أن ﻛل ﺻورة‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻣﻘطﻊ‪ ،‬ھﻲ ﺗﻘوﯾم ﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬وﻗد ﺗﺷﺗﻣل‬
‫اﻟﺻورة ﻋﻠﻰ ﺗﻘوﯾﻣﯾن ﻣﻌﺎً‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﯾﻣﻛن اﻟﻘول ﻓﯾﮫ إن اﻟﻣﻘطﻊ ﯾﻧطوي ﻋﻠﻰ ﺧﻣﺳﺔ‬
‫ﻋﺷر ﺗﻘوﯾﻣﺎً‪ ،‬وھﻲ ﻋدد اﻟﺻور اﻟﺟزﺋﯾﺔ ﻓﯾﮫ‪ .‬وھذه اﻟﺻور أواﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت ﻻﺗﺣﺎﻛﻲ‬
‫ﺑﯾروت ﺑل ﺗرﺻد اﻟﺗﺣرﯾض اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻟﺑﯾروت ﻓﻲ اﻟذات اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ .‬وھو ﻣﺎﯾﻌﻧﻲ‬
‫إﻧﺗﺎج ﻣﻌرﻓﺔ ﺑﺑﯾروت وﺑﺎﻟذات ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮭﻣﺎ ﻣﻌﺎً‪.‬‬
‫وﻣن اﻟﻼﻓت ﻟﻠﻧظر ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﻘطﻊ‪ ،‬أﻧﮫ ﻻوﺟود ﻷي ﻋﻧﺻر ﻣﻌﻧوي ﯾدﺧل‬
‫ﻓﻲ ﺗرﻛﯾب اﻟﺻور اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ .‬ﻓﻛل ﻋﻧﺎﺻرھﺎ ﺣﺳﯾﺔ‪ ،‬ﻛﺎﻟﺗﻔﺎﺣﺔ واﻟﺑﺣر واﻟﻧرﺟﺳﺔ‬
‫واﻟرﺧﺎم واﻟﻔراﺷﺔ واﻟراﺋﺣﺔ واﻟرﯾش‪....‬إﻟﺦ‪ ،‬ﺣﺗﻰ اﻟروح‪ ،‬وھﻲ ﻣﻌﻧوﯾﺔ‪ ،‬ﺗم اﻟﻧظر‬
‫إﻟﯾﮭﺎ ﺣﺳﯾﺎ ً )ﺷﻛل اﻟروح(‪ .‬أي ﻟﯾس ﺛﻣﺔ ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻟﺗﺣﺳﯾس اﻟﻣﻌﻧوي‪ ،‬ﻓﺑﯾروت‬
‫ﺣﺳﯾﺔ‪ ،،‬وﻋﻧﺎﺻر اﻟﺻورة ﺣﺳﯾﺔ ﻛذﻟك‪ .‬ﻏﯾر أن دﻻﻻت اﻟﺻور ﻣﻌﻧوﯾﺔ ﺑﺣت‪،‬‬
‫وﻻوﺟود ﻓﯾﮭﺎ ﻟﻠﺣﺳﯾﺔ إطﻼﻗﺎً‪ .‬وﻓﻲ ھذا ﺗﻛﻣن اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ .‬إذ ﻧﺗﺣﺻل ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻣﻌﻧوي ﻣﻣﺎ ھو ﺣﺳﻲ ‪ .‬وﻣن اﻟﺑدھﻲ أن ھذا ﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ أن ﯾﺣدث‪ ،‬ﻟو ﻟم ﯾﻛن‬
‫اﻟﺗﺣرﯾض اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ھو اﻷﺳﺎس ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر‪ ...‬ﻓﺄﺛر اﻟﺣﺳﻲ ﻟﯾس ﺑﺎﻟﺿرورة ﺣﺳﯾﺎ ً‬
‫ﻓﻘط ﺑل إن ﻓﯾﮫ ﺑﻌدا ً ﻣﻌﻧوﯾﺎً‪ ،‬وﻗد ﯾﻛون اﻷﺛر اﻟﻣﻌﻧوي أوﺿﺢ وأﻋﻣﻖ ﻣن اﻷﺛر‬
‫اﻟﺣﺳﻲ‪ ...‬ﻓﺎﻟﺿرب ﻗد ﯾؤﺛر ﻓﻲ اﻟﻛراﻣﺔ ﺗﺄﺛﯾرا ً أﻛﺑر وأدوم وأﻋﻣﻖ‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﯾؤﺛر ﻓﻲ‬
‫اﻟﺟﺳم‪.‬‬

‫‪- 54 -‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟﻣﻘطﻊ ﯾﻧطوي ﻋﻠﻰ ﺻور وﺗﻘوﯾﻣﺎت ﺟزﺋﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‬
‫وﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ إﻻأن اﻟﺗﻘوﯾم اﻟﻌﺎم اﻟذي ﯾطرﺣﮫ ھو ﺗﻘوﯾم إﯾﺟﺎﺑﻲ‪ .‬وﯾﺗﻠﺧص ﺑﻌﻼﻗﺔ‬
‫اﻟﺗﻧﺎﻏم واﻟﺗداﺧل واﻻﻧﺳﺟﺎم ﺑﯾن ﻛ ِّل ﻣن اﻟذات وﺑﯾروت اﻟﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ )ﻋﺎﺷﻘﺔ ﺗﻧﺎم‬
‫ﻋﻠﻰ دﻣﻲ(‪ .‬وﻟﻌل ھذا ﻣن اﻟﺷروط اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬إذ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻘدم‬
‫اﻟﻌﻣل‪ ،‬ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣطﺎف‪ ،‬طرﺣﺎ ً ﻣﻧﺳﺟﻣﺎ ً ﻣﺗﺳﻘﺎ ً ﯾﺧﻠو ﻣن اﻟﺗﻧﺎﻗض ﻓﻲ اﻟرؤﯾﺎ‬
‫واﻟﺗﻘوﯾم‪ ،‬وإﻻ ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻔﺗﻘد إﻟﻰ اﻟﺷرﻋﯾﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ .‬ﺣﯾث ﯾﻐدو أﻣﺷﺎﺟﺎ ً ﻣﺗﻧﺎﻓرة‪ ،‬ﻻﻛﻼً‬
‫ﻣوﺣداً‪.‬‬
‫ي اﻟﻔﻠﻛﻠوري‬‫وﯾطرح اﻟﻣﻘطﻊ اﻟﺛﺎﻟث‪ ،‬ﻣﻘطﻊ اﻟﺑرﻏوﺛﻲ‪ ،‬ﺗﺷﻛﯾﻼً ﺷﻌرﯾﺎ ً ﻟﻠز ّ‬
‫ﻟﻠﻣرأة اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾﺔ‪ ،‬ﺑﻠوﻧﮫ اﻷﺳﺎﺳﻲ اﻟﻐﺎﺋب )اﻷﺳود( واﻟﻣﻌروف ﻟدى اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ‬
‫اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬وﺑﺄﻟواﻧﮫ اﻟﺗﺟﻣﯾﻠﯾﺔ ﻛﺎﻷﺧﺿر واﻷزرق واﻷﺣﻣر‪ ،‬وﺑﺧﯾوطﮫ وﻣﻧﻣﻧﻣﺎﺗﮫ‬
‫اﻟزﺧرﻓﯾﺔ‪ .‬وﻗد أراد اﻟﺷﺎﻋر ﻣن ذﻟك أن ﯾﻛون اﻟﺛوب اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﻲ ﺗﻣﺛﯾﻼً ﻟﻠﺗﺎرﯾﺦ‬
‫اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﻲ ذي اﻟﺧﻠﻔﯾﺔ اﻟﻣﺄﺳﺎوﯾﺔ‪ .‬وﻛﺄن اﻟﻠون اﻷﺳود ھو ﺗﻠك اﻟﺧﻠﻔﯾﺔ‪ ،‬أﻣﺎ اﻷﻟوان‬
‫اﻷﺧرى ﻓﮭﻲ ﻧوﻋﯾﺔ ردّات اﻟﻔﻌل اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﻲ ﻋﺑر اﻟﺗﺎرﯾﺦ‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ آﺧر‪ :‬إن ذﻟك‬
‫اﻟﺛوب ﯾﻣﺛل ﺗﺎرﯾﺦ ﻓﻠﺳطﯾن ﺑﺣدادھﺎ )اﻷﺳود(‪ ،‬وأﺣزاﻧﮭﺎ اﻟدﻓﯾﻧﺔ )اﻷﺧﺿر‬
‫اﻟﻣﺑﺣوح( وأﻓراﺣﮭﺎ وأھﺎزﯾﺟﮭﺎ ) وأزرﻗﮫ دﻓوف (‪ ،‬وﻧﺿﺎﻟﮭﺎ وﻣﻘﺎوﻣﺗﮭﺎ )وأﺣﻣره‬
‫طﺑول (‪ ،‬وﺣﯾﺎة أﺑﻧﺎﺋﮭﺎ اﻟﻌﺎطﻔﯾﺔ )ھﻣس وإﺻﻐﺎء(‪ ،‬وﻣﯾل اﻟﻘوى اﻟﺑﺎرزة إﻟﻰ اﻟﺧﻣول‬
‫)وﻏﺎﻣﻘﮭﺎ ﺑﮫ ﻧﻌس (‪ ،‬وﺣﯾوﯾﺔ اﻟﻘوى ﻏﯾر اﻟﺑﺎرزة )وﻓﺎﺗﺣﮭﺎ ﺑﮫ ﻧﻔس(‪ ،‬وﻗﯾﻣﮭﺎ اﻟﺗﻲ‬
‫ﺗﺑﺗذل اﻟﺗﻔﺎﺧر ﺑﺎﻟﻌﯾب واﻟﻔﺟور )وﻓﺎﺟرھﺎ ﺧﺟول(‪.‬‬
‫وﻻﯾﺧﺗﻠف ھذا اﻟﻣﻘطﻊ ﻋن اﻟﻣﻘطﻊ اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻣن ﺣﯾث اﻟدﻻﻟﺔ اﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ‬
‫ﺻﻠﺔ ﻣﻣﺎ ھو ﺣﺳﻲ‪ .‬وﻟﻛﻧﮫ ﯾﺧﺗﻠف ﻋﻧﮫ ﻣن ﺣﯾث إن اﻟﺛوب ﻻﯾﻌﻧﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﺑﻘدر‬ ‫اﻟﻣﺗﺣ ّ‬
‫ﻣﺎﯾﻣﺛل ﺗﺎرﯾﺧﺎ ً ﻣﺣدداً‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﯾن أن ﺑﯾروت ھﻲ اﻟﻣﻌﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻘطﻊ اﻟﺳﺎﺑﻖ‪ .‬ھذا ﻣن‬
‫اﻟﻣﺻورة ﺗوﺣﻲ ﺑﺈﯾﺣﺎءات ﻣﻌﻧوﯾﺔ ﺣﺻراً‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى‪ ،‬ﻓﺈن ﺑﯾروت‬
‫أﻣﺎ اﻟﺛوب ﻓﯾﻣﻛن أن ﯾوﺣﻲ ﻣﻌﻧوﯾﺎً‪ ،‬ﺑﺎﻹﺣﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺳواه‪ ،‬وﯾﻣﻛن أن ﯾوﺣﻲ ﺣﺳﯾﺎ ً‬
‫أﯾﺿﺎً‪ ،‬وذﻟك ﻓﯾﻣﺎ إذا ﻧظرﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﺛوب ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻻﯾﻌﻧﻲ ﺳواه ﺑل ﯾﻌﻧﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﺣﺻرا ً‬
‫وھذا ﻣﻣﻛن ﻓﻲ إﺣدى اﻟﻘراءات اﻟﺗﻲ ﺗرى أن اﻟﺷﺎﻋر ﻟم ﯾﮭدف إﻟﻰ ﻏﯾر اﻟﺗﺷﻛﯾل‬
‫اﻟﺷﻌري ﻟﻠﺛوب اﻟﻔﻠﻛﻠوري‪ .‬أي أﻧﮫ ﻧﻘل اﻟﺛوب اﻟﻣﺣﺳوس ﺑﺻرﯾﺎ ً إﻟﻰ ﺛوب‬
‫ﻣﺣﺳوس ﺳﻣﻌﯾﺎً‪ .‬وﯾﺧﺗﻠف ھذا اﻟﻣﻘطﻊ‪ ،‬ﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻟﺛﺔ‪ ،‬ﻋن ﺳﺎﺑﻘﮫ‪ ،‬ﻓﻲ أﻧﮫ ﯾرﺻد‬
‫اﻻﻧﺳﺟﺎم اﻟﺣﺎﺻل ﻣن اﻻﺧﺗﻼف واﻟﺗﻧﺎﻗض )ﺑﯾن اﻷﺧﺿر واﻷزرق واﻷﺣﻣر‪،‬‬
‫وﺑﯾن اﻟﻐﺎﻣﻖ واﻟﻔﺎﺗﺢ(‪ .‬ﻓﻲ ﺣﯾن أن ﺳﺎﺑﻘﮫ ﻟﯾس ﻣﻌﻧﯾﺎ ً ﺑرﺻد اﻻﻧﺳﺟﺎم‪ .‬ﺑل ھو‬
‫ﯾرﺻد اﻻﺧﺗﻼف واﻟﺗﻧﺎﻗض ﻓﺣﺳب‪ ،‬ﻓﻲ ﺑﯾروت؛ وﯾرﺻد ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى اﻻﻧﺳﺟﺎم‬
‫ﺑﯾن اﻟذات وﺑﯾروت اﻟﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ اﻟﺗﻲ ﻗد ﻻﺗوﺣﻲ ﺑﺎﻻﻧﺳﺟﺎم‪ ،‬ﺑﺣﺳب اﻟﻣﻘطﻊ‪.‬‬
‫إن اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻻﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ‬
‫اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﺣرﯾﺿﺎت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻟﻸﺷﯾﺎء‪ ،‬ﻓﻲ اﻟذات اﻟﻣﺑدﻋﺔ ﻓﺣﺳب‪ .‬ﺑل‬
‫ﯾﺣﯾل أﯾﺿﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻧﺗﻔﺎء اﻟﻧﻣطﯾﺔ اﻟواﺣدة أو اﻟﻣوﺣّدة ﻓﻲ اﻟطرح اﻟﻔﻧﻲ‪ .‬ﻓﻌﻠﻰ اﻟرﻏم‬
‫ﻣن أن ﻟﻠﺣداﺛﺔ وﻋﯾﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً ﻣوﺣداً‪ ،‬إﻻ أﻧﮭﺎ ﻻﺗﻧطوي ﻋﻠﻰ ﻧﻣطﯾﺔ ﻓﻧﯾﺔ واﺣدة‪،‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 55 -‬‬
‫وﻣﺎاﺷﺗﻣﺎل اﻟﺣداﺛﺔ ﻋﻠﻰ ﻋدة ﺗﯾﺎرات ﺷﻌرﯾﺔ إﻻ دﻟﯾل ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ .‬ﺻﺣﯾﺢ أن ھﻧﺎﻟك‬
‫ﻧواظم ﻣﺷﺗرﻛﺔ‪ ،‬وﻟﻛن ھﻧﺎﻟك أﯾﺿﺎ ً ﻓوارق ﻣﻠﺣوظﺔ ﺑﯾن ﺗﻠك اﻟﺗﯾﺎرات وﻻ ﺷك ﻓﻲ‬
‫أن ﻛ ّل ذﻟك ﯾﻧﺳﺟم وﻣﻔﮭوم اﻟﺟﻣﺎل اﻟذي ﯾُﺷﺗرط ﻓﯾﮫ اﻟﺗﻣﯾّز واﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ‪،‬‬
‫ﺑﺣﺳب اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪.‬‬

‫* إﺷﺎرة أﺧﯿﺮة‪:‬‬
‫ﻲ‪،‬‬‫وھﻛذا ﻧﻠﺣظ أن اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ھو وﻋﻲ ﺗﺟﺎدﻟﻲ دراﻣﻲ ﻛﻠ ّ‬
‫ﯾﺧﺗﻠف اﺧﺗﻼﻓﺎ ً ﺟذرﯾﺎ ً ﻋن اﻟوﻋﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟذي ھو وﻋﻲ ﺗﻛﺎﻣﻠﻲ ﻏﻧﺎﺋﻲ‬
‫ﺟزﺋﻲ‪ .‬وھو ﻣﺎأدى إﻟﻰ ﺗﻠك اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت اﻟواﺿﺣﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﺷﻛل اﻟﻔﻧﻲ ﺑﯾن‬
‫ﻛ ّل ﻣن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ واﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ‪ .‬ﻏﯾر أﻧﮫ ﻻﺑد ﻣن اﻹﺷﺎرة‪ ،‬ﻓﻲ ھذا‬
‫اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬إﻟﻰ أﻣرﯾن ھﺎﻣﯾن‪ .‬اﻷول ﻣﻧﮭﻣﺎ أن ھذا اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ طﺑﯾﻌﺔ اﻟوﻋﻲ ﻻﯾﻌﻧﻲ‬
‫ﺗﺣول أو ﺗﺑدّل ﻓﺣﺳب‪ .‬إذ إن اﻟﺗطور ﯾﺷﯾر إﻟﻰ أن ﺛﻣﺔ‬ ‫أن ھﻧﺎﻟك ﺗطوراً‪ .‬ﺑل ھﻧﺎﻟك ّ‬
‫أﻓﺿﻠﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻼﺣﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺳﺎﺑﻖ‪ .‬وھو ﻣﺎﻟﯾس ﻟﮫ ﻣﺻداﻗﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻠﯾس ﺻﺣﯾﺣﺎ ً أن اﻟﻔن اﻟﺣدﯾث أﻓﺿل ﻣن اﻟﻔن اﻟﻘدﯾم؛ ﻛﻣﺎ ﻟﯾس ﺻﺣﯾﺣﺎ ً أن ﺷﻌر‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ أﻓﺿل ﻣن اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ‪ ،‬وﻟﯾس اﻟﻌﻛس ﺻﺣﯾﺣﺎ ً ﺑﺎﻟﺿرورة‪.‬‬
‫ﻟﻘد ﻛﺎن اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﺗﻠﺑﯾﺔ ﻟﺣﺎﺟﺎت ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﺗﺄﺻﻠﺔ‪ ،‬وﺗﻌﺑﯾرا ً ﻋن وﻋﻲ‬
‫ﺟﻣﺎﻟﻲ ﯾﺗﻼءم وﺗﻠك اﻟﺣﺎﺟﺎت ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﯾﺗﻼءم ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى واﻟﻣرﺣﻠﺔ‬
‫اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ظﮭر ﻓﯾﮭﺎ‪ .‬وﺗﻠك ھﻲ اﻟﺣﺎل ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ اﻟذي ﺟﺎء‬
‫أﯾﺿﺎ ً ﺗﻠﺑﯾﺔ ﻟﺣﺎﺟﺎت ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﺟدﯾدة‪ ،‬ﻟم ﺗﻛن ﻣوﺟودة ﻣن ﻗﺑل‪ ،‬أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗ ّل‪ :‬ﻟم ﺗﻛن‬
‫ﻟﮭﺎ ﺗﻠك اﻷھﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺳﺗدﻋﻲ ﺷﻛﻼً ﻓﻧﯾﺎ ً ﺟدﯾدا ً وﻣﺧﺗﻠﻔﺎً‪ .‬وﻟﻛن إذا ﻛﺎﻧت اﻟﻣﻔﺎﺿﻠﺔ‬
‫ﺑﯾن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ واﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﺧﺎطﺋﺔ وﻣﻐﻠوطﺔ‪ ،‬إذ إن ﻟﻛ ّل ﻣﻧﮭﻣﺎ‬
‫ﺑﯾﺋﺗﮫ وﺣﺎﺟﺗﮫ ووﻋﯾﮫ؛ ﻓﺈن ﻟﻠﻣﻔﺎﺿﻠﺔ ﺑﯾن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ واﻟﺷﻌر اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﺷرﻋﯾﺗﮭﺎ‬
‫اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ‪ .‬ﻓﮭﻣﺎ ﯾﻧﺗﻣﯾﺎن إﻟﻰ ﺑﯾﺋﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﺣدة‪ ،‬وﯾﺗﻔﺎﺿﻼن ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻋﻧﮭﺎ‪.‬‬
‫أﻣﺎ اﻷﻣر اﻟﮭﺎم اﻵﺧر‪ ،‬ﻓﮭو أن اﺗﺻﺎف اﻟﻧص اﻟﺷﻌري ﺑﺳﻣﺎت اﻟوﻋﻲ‬
‫اﻟﺣداﺛﻲ ﻻﯾؤدي ﺣﺗﻣﺎ ً إﻟﻰ اﺗﺻﺎﻓﮫ ﺑﺎﻟﻔﻧﯾﺔ‪ ،‬إذ إن ھذه ﻣرھوﻧﺔ ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧص‬
‫اﻟﺷﻌري ﻻﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟوﻋﻲ اﻟذي ﯾﺻدر ﻋﻧﮫ‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ آﺧر‪ :‬إذا ﻟم ﯾﻛن اﻟﻧص راﻗﯾﺎ ً‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬ﻓﺈن ﺗﻠك اﻟﺳﻣﺎت ﻟن ﺗﻧﻘذه ﻣن اﻟرداءة أو اﻟﮭﺑوط‪.‬‬
‫إن ﺷﻌراء ھذه اﻟﻣرﺣﻠﺔ أو ﺗﻠك ﻗد ﻻﯾﺗﻔﺎوﺗون‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪،‬‬
‫ﻏﯾر أﻧﮭم ﯾﺗﻔﺎوﺗون‪ ،‬ﺑﺎﻟﺿرورة ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد ﺗﻣﺛﯾﻠﮫ ﻓﻧﯾﺎً‪ .‬وﻻﺷك ﻓﻲ أن اﻟﺷﺎﻋر‬
‫اﻷرﻗﻰ ﻓﻧﯾﺎ ً ھو ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ اﻷﻛﺛر ﺗﻣﺛﯾﻼً ﻟﻠوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪.‬‬
‫ﻟﻘد أدى اﺗﺻﺎف اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ﺑﺗﻠك اﻟﺳﻣﺎت‪ ،‬إﻟﻰ ﺑروز ظﺎھرة اﻟﻐﻣوض‬
‫ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﻋﺎﻣﺔ ـ ﺑدرﺟﺎت ﻣﺗﻔﺎوﺗﺔ ﺑﯾن اﻟﻧﺻوص طﺑﻌﺎ ً ـ ﺣﺗﻰ ﺑدا أن‬
‫اﻟﻐﻣوض ﻻزﻣﺔ ﻣن ﻟوازم اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ .‬وﻗد طرح اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫‪- 56 -‬‬
‫ﺗﺳوﯾﻎ ھذه اﻟظﺎھرة‪ ،‬ﻋدة ﺗﻔﺳﯾرات‪ .‬ﻣﻧﮭﺎ "أن طﺑﯾﻌﺔ اﻟرؤﯾﺎ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ھﻲ اﻟﻣﺻدر‬
‫اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﻟﻣﺎ ﯾﺷﻛوه اﻟﺑﻌض ﻣن ﻏﻣوض اﻟﺷﻌر اﻟﺣدﯾث‪ ،‬ﻓﻠﯾس اﻟﺗﻼﻋب ﺑﺎﻷوزان أو‬
‫"اﻟﺳر" اﻟﻛﺎﻣن وراء ھذا اﻟﻐﻣوض‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ھﻲ اﻟرؤﯾﺎ اﻟﻣﺄﺳﺎوﯾﺔ‬‫ّ‬ ‫اﻟﻠﻐﺔ أو اﻟﺻور ھو‬
‫اﻟﻘﺎﺗﻣﺔ ﻓﻲ ﺟوھرھﺎ اﻟﻌﻣﯾﻖ")‪ .(44‬وﻣﻧﮭﺎ ﻣﺎﯾﻌﯾد اﻟﻐﻣوض إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﺳﺑﺎب‪ ،‬وھﻲ‬
‫اﻋﺗﻣﺎد اﻟﺷﺎﻋر ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺎﻓﺗﮫ‪ ،‬وﻣوﻗف اﻟرؤﯾﺔ‪ ،‬وﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻔﻛر واﻟﺗﻌﺑﯾر‬
‫اﻟﺷﻌرﯾﯾن)‪ .(45‬وﻣﻧﮭﺎ ﻣﺎﯾرﺑطﮫ ﺑﺎﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﺷﻌري ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬ﻻﺑﺎﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟﺷﻌري‪ ،‬ﻣن‬
‫ﺟﮭﺔ وﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى ﯾرﺑطﮫ ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻣﺟﺎزﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر‪ .‬وھو ﻣﺎﯾﻌﻧﻲ أن‬
‫اﻟﻐﻣوض ﻣن طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺷﻌر ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬وﻻﯾﺗﻣﯾز اﻟﺷﻌر اﻟﺣدﯾث ﻣن ﻏﯾره ﻓﻲ ذﻟك إﻻ‬
‫ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻗد أﻋطﻰ اﻟﻐﻣوض أھﻣﯾﺔ ﻟم ﺗﻛن ﻟﮫ ﻣن ﻗﺑل) ‪ (46‬وﻣن اﻟﺗﻔﺳﯾرات أﯾﺿﺎ ً‬
‫ﻣﺎﯾذھب إﻟﻰ رﺑط اﻟﻐﻣوض ﺑﻣﻔﮭوم اﻟﻧص اﻟﻐﺎﺋب إذ "ﯾﺟب ﻋﻠﻰ أي دارس ﯾﻌﺎﻟﺞ‬
‫اﻟﻐﻣوض ﻓﻲ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري أن ﯾﻧظر إﻟﻰ ﻗﺿﯾﺔ اﻟﻧص اﻟﻐﺎﺋب )اﻹﺣﺎﻟﺔ(‪ ...‬ﺣﺗﻰ‬
‫ﯾﻣﻛﻧﮫ ﺿﺑط ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﻘراءة اﻟﺻﺣﯾﺣﺔ ﻟﻐواﻣض اﻟدﻻﻟﺔ")‪ .(47‬ﻣﻣﺎ ﯾؤدي إﻟﻰ أن‬
‫اﻟﻐﻣوض ﯾرﺗﺑط ﺑﺎﻟﻧص‪ ،‬ﺑﻘدر ﻣﺎﯾرﺗﺑط ﺑﺎﻟﻣﺗﻠﻘﻲ‪ .‬وﻟﻌل ارﺗﺑﺎطﮫ ﺑﺎﻟﺛﺎﻧﻲ ھو اﻟذي‬
‫ﯾﺟﻌل ﻣﻧﮫ إﺷﻛﺎﻟﯾﺎً‪ ،‬ﻓـ "ﻧظراً ﻟﻐﯾﺎب اﻻھﺗﻣﺎم اﻟﻧﻘدي ﺑﺎﻟﻧص اﻟﻐﺎﺋب‪ ،‬وﻣﻌﺎﻟﺟﺔ‬
‫ﻣﺷﻛﻼﺗﮫ وﺿﺣﺎﻟﺔ اﻟﺧﻠﻔﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ ﻟﻠﺟﻣﮭور اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬ﯾﺻﺑﺢ اﻟﻐﻣوض اﻟدﻻﻟﻲ‬
‫إﺷﻛﺎﻻً ﺣﻘﯾﻘﺎً")‪(48‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أھﻣﯾﺔ اﻟرؤﯾﺎ واﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﺷﻌري واﻟﻌﻣﻖ اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ﻓﻲ ﺑروز‬
‫ظﺎھرة اﻟﻐﻣوض‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬إﻻ أن ﺛﻣﺔ ﺟﺎﻧﺑﺎ ً أﺳﺎﺳﯾﺎ ً ﻣﻔﻘوداً‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﻠك‬
‫اﻟﺗﻔﺳﯾرات‪ ،‬وھو طﺑﯾﻌﺔ اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬وﻻﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ ﺳﻣﺗﮫ اﻟﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ‬
‫وﺳﻣﺗﮫ اﻟﻛﻠﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻟﻘد ﺗوﺿﺢ ﻣن ﻣﺳﺎر ھذا اﻟﻣﺑﺣث أن اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ أﻛﺛر ﺗﻌﻘﯾدا ً وﺗرﻛﯾﺑﺎ ً‬
‫واﺗﺳﺎﻋﺎ ً وﻋﻣﻘﺎ ً ﻣن اﻟوﻋﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ‪ .‬ﻓﻼ ﺷك ﻓﻲ أن اﻟوﻋﻲ اﻟذي ﯾﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ‬
‫اﻟظواھر ﻣن ﻣﻧظور اﻟﺟزﺋﯾﺔ واﻻﺳﺗﻘﻼﻟﯾﺔ واﻟﺛﺑﺎت‪ ،‬ﺳوف ﯾﻛون أﻗل ﺗﻌﻘﯾدا ً‬
‫وﻋﻣﻘﺎً‪...‬ﻣن ذﻟك اﻟوﻋﻲ اﻟذي ﯾﺗﻌﺎﻣل ﻣﻌﮭﺎ ﻣن ﻣﻧظور اﻟﻛﻠﯾﺔ واﻟﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ‪.‬‬
‫أي أن اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻣﻌﻘدة اﻟﻣرﻛﺑﺔ ﻟﻠوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ھﻲ اﻟﻣﺻدر اﻷول ﻟظﺎھرة‬
‫اﻟﻐﻣوض ﻓﻲ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري اﻟﺣداﺛﻲ اﻟذي ﻟم ﯾﻛن إﻻ ﺗﻌﺑﯾرا ً ﻓﻧﯾﺎ ً ﻋن ﺗﻠك اﻟطﺑﯾﻌﺔ‪.‬‬
‫ﻏﯾر أن ذﻟك ﻻﯾﻌﻧﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة أن ﻛل ﻏﻣوض ﻧﻠﺣظﮫ ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص أو ذاك‪،‬‬
‫ﻣﺻدره طﺑﯾﻌﺔ ذﻟك اﻟوﻋﻲ‪ .‬ﻓﻘد ﻻﯾﺻدر اﻟﻧص ﻋن وﻋﻲ ﺟﻣﺎﻟﻲ أﺻﻼً ﺑل ﻋن‬
‫وﻋﻲ ﻓﻛري ـ ﻓﻠﺳﻔﻲ ﺑﺣت‪ ،‬وھو ﻣﺎﯾؤدي إﻟﻰ اﻻﻧﺣراف ﻋن اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‬
‫ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬وﻣن ﺛ َ ﱠم ﻋن اﻟﻔن‪ .‬وﻗد ﯾﺻدر أﯾﺿﺎ ً ﻋن ﻟﻌب ﻣﺟﺎﻧﻲ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ اﻧﻌدام‬
‫اﻹﺣﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻟوﻋﻲ‪ ،‬ﻓﯾﻐدو ﻣﺻدر اﻟﻐﻣوض ھو اﻟﻠﻌب اﻟﻠﻐوي اﻟﻣﺟﺎﻧﻲ‪.‬‬
‫وﻛﺄﻧﻧﺎ ﻧﻘول ﺑذﻟك إن ﺛﻣﺔ ﻏﻣوﺿﺎ ً ﻻ ﺟﻣﺎﻟﯾﺎً‪ ،‬ﻓﻲ ﺑﻌض ﻧﺻوص اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻧﻣﺛّل ﻟذﻟك ﺑﻣﻘطﻌﯾن ﻟﻛل ﻣن أدوﻧﯾس‪ ،‬وﻓﺎﯾز ﺧﺿور‪ ،‬ﯾﻣﺛل اﻟﻣﻘطﻊ اﻷول اﻧﺣراﻓﺎ ً‬
‫إﻟﻰ اﻟوﻋﻲ اﻟﻔﻛري ـ اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ‪ ،‬وﯾﻣﺛل اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻟﻠﻌب اﻟﻠﻐوي اﻟﻣﺟﺎﻧﻲ‪:‬‬
‫ﯾﻘول أدوﻧﯾس‪:‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 57 -‬‬
‫ﺛدي اﻟﻧﻣﻠﺔ ﯾﻔرز ﺣﻠﯾﺑﮫ وﯾﻐﺳل اﻹﺳﻛﻧدر‬
‫اﻟﻔرس ﺟﮭﺎت أرﺑﻊ ورﻏﯾف واﺣد‬
‫واﻟطرﯾﻖ ﻛﺎﻟﺑﯾﺿﺔ ﻻﺑداﯾﺔ ﻟﮫ)‪(49‬‬
‫وﯾﻘول ﻓﺎﯾز ﺧﺿور‪:‬‬
‫اﻟﻌﻔن اﻷزرق ھدّب أﻧﻔﺎق اﻟﺳ ّﻣﺎر‪ ،‬وﻣﺎزاﻟت‬
‫ﺗوﻏل‪ ،‬ﺗوﻏل أﻗدام اﻟﺗﯾﺎر‬
‫اﻟﺷص اﻷﺳود ﻓﻲ ﻛﺑرﯾت اﻟﻔﺟر اﻟﻣطﻔﺄ‬ ‫ّ‬ ‫ﺗﻧﺗظر‬
‫وﺣواﻛﯾر اﻟﺻﻔﺻﺎف اﻷﺳﯾﺎن ﺗﺣ ّرش أﺳﺗﺎر‬
‫اﻟﺗﺎﺑوت اﻟﻌﺎﺋم)‪(50‬‬
‫ﻓﻘد ﯾﺑدو ﻏﻣوض اﻟﻣﻘطﻊ اﻷول ﻧﺎﺗﺟﺎ ً ﻣن اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻣﻌﻘدة اﻟﻣرﻛﺑﺔ ﻟﻠوﻋﻲ‬
‫اﻟﺣداﺛﻲ‪ .‬ﻏﯾر أن اﻷﻣر ﻟﯾس ﻛذﻟك اﻟﺑﺗﺔ‪ .‬إذ إﻧﮫ ﻧﺎﺗﺞ ﻣن اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟذھﻧﻲ ﻻ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‬
‫ﻣﻊ اﻷﺷﯾﺎء ﻣن ﺟﮭﺔ وﻣﻊ اﻟﻠﻐﺔ ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى‪ .‬ﻓﺎﻟﻧﻣﻠﺔ ﺑدأﺑﮭﺎ اﻟﻣﺗواﺻل ﺗﻌﻠّم‬
‫اﻹﺳﻛﻧدر اﻟﻣﻘدوﻧﻲ ﻛﯾﻔﯾﺔ اﻟﺧروج ﻣن اﻹﺣﺑﺎط اﻟذي ﺗﺧﻠّﻔﮫ ﻓﯾﮫ ﺻﻌوﺑﺔ اﻟطرﯾﻖ ـ‬
‫طرﯾﻖ اﻟﻔﺗوﺣﺎت‪ .‬أو إﻧﮭﺎ ﺗﻔرز ﺣﻠﯾﺑﮭﺎ وﺗﻐﺳﻠﮫ ﻣن اﻟﯾﺄس اﻟذي ﯾوﺣﻲ إﻟﯾﮫ ﺑﺄن‬
‫اﻟطرﯾﻖ ﻻﯾﻛﺎد ﯾﻧﺗﮭﻲ‪ .‬ﻓﮭو ﻛﺎﻟداﺋرة )ﻛﺎﻟﺑﯾﺿﺔ( اﻟﺗﻲ ﻻﺑداﯾﺔ وﻻﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ‪ .‬وﻣﺎ ﯾﻌﻣﻖ‬
‫ھذا اﻟﯾﺄس أن اﻟﻌﺎﻟم واﺳﻊ ﺑﺟﮭﺎﺗﮫ اﻷرﺑﻊ )اﻟﻔرس ﺟﮭﺎت أرﺑﻊ( ﻓﻲ ﺣﯾن أن‬
‫اﻹﺳﻛﻧدر اﻟﻣﻘدوﻧﻲ ﻻﯾﻣﻠك ﺳوى ﻋﻣر واﺣد )رﻏﯾف واﺣد(‪ .‬ﻓﻛﯾف ﻟﮫ‪ ،‬إذاً‪ ،‬أن‬
‫ﯾوزع ھذا اﻟرﻏﯾف ﻋﻠ ﻰ ﺗﻠك اﻟﺟﮭﺎت؟‪ .‬أو ﻛﯾف ﯾﺗﻣﻛن ﻣن ﺗروﯾض ﻓرﺳﮫ ـ اﻟﻌﺎﻟم ـ‬ ‫ّ‬
‫ﺑرﻏﯾف واﺣد ﻓﺣﺳب؟‪ .‬وﻟﻛن ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ذﻟك ﻓﺈن اﻟﺣﻛﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻔﯾدھﺎ‬
‫اﻹﺳﻛﻧدر ﻣن اﻟﻧﻣﻠﺔ ﺗؤﻛد ﻗدرة اﻹﻧﺳﺎن ﻋﻠﻰ ﺻﻧﻊ ﻣﺎﯾﺑدو ﻟﮫ ﻣﺳﺗﺣﯾﻼً‪.‬‬
‫وﻟﻘد أراد أدوﻧﯾس‪ ،‬ﻣن ﻛل ذﻟك‪ ،‬أن ﯾؤﻛد إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ اﻛﺗﺷﺎف ھذا‬
‫اﻟوﺟود ﻣﻌرﻓﯾﺎً‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣﻣﺎ ﯾﻛﺗﻧﻔﮫ ﻣن أﺳرار ﻻﺗﻛﺎد ﺗﻧﺗﮭﻲ‪ .‬وﻏﻧﻲ ﻋن اﻟﺑﯾﺎن‬
‫أن ھذا اﻟطرح ھو طرح ﻓﻛري ـ ﻓﻠﺳﻔﻲ ﺑﺣت‪ ،‬ﻻﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ ﺑﺎﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﺳواء‬
‫أﻛﺎن ﺣداﺛﯾﺎ ً أم ﻛﺎن ﻏﯾر ذﻟك‪ .‬أﻣﺎ ﻣﺎﯾﺑدو ﻣن ﺗﺻوﯾر ﻏراﺋﺑﻲ ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﻘطﻊ‪ ،‬ﻓﻠﯾس‬
‫ﻟﮫ ﻗﯾﻣﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺑﺗﺔ‪ .‬إذ ﻟم ﯾﻧﺗﺞ أﺳﺎﺳﺎ ً ﻣن ﺗﻌﺎﻣل ﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬ﺑل ﻣن ﺗﻌﺎﻣل ذھﻧﻲ ﻣﻊ‬
‫اﻷﺷﯾﺎء وﻋﻼﻗﺎﺗﮭﺎ‪ .‬ھذا ﻣن ﺟﮭﺔ‪ .‬وﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻻﻧرى ﻓﻲ ھذا اﻟﺗﺻوﯾر‬
‫ﺗﻘرر أن )ﺛدي‬ ‫ﻏراﺋﺑﯾﺔ ﺑﻛل ﻣﺎﺗﻌﻧﯾﮫ اﻟﻛﻠﻣﺔ ﻣن ﻣﻌﻧﻰ‪ .‬ﻓﺎﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺗﻲ ّ‬
‫◌ ‪INTERTEXTUALITY‬‬ ‫ﺗﻧﺎص ٍ‬
‫ٍ‬ ‫اﻟﻧﻣﻠﺔ ﯾﻔرز ﺣﻠﯾﺑﮫ وﯾﻐﺳل اﻹﺳﻛﻧدر( ﺗدﺧل ﻓﻲ‬
‫ﻣﻊ أﺣد ا ﻷﻣﺛﺎل اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺻف ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺑﺧﯾل ﺑﻣﺎ ﺣوﻟﮫ‪ ،‬أﻣﺎ اﻟﻣﺛل ﻓﮭو‪":‬ﺣﻼب‬
‫اﻟﻧﻣﻠﺔ"‪ .‬وﻗد أﻓﺎد ﻣﻧﮫ أدوﻧﯾس ـ رﺑﻣﺎ ﺑﺷﻛل ﻏﯾر واع ـ ﻟﺗﺑﯾﺎن أن ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌرﻓﺔ أن‬
‫ﺗﺳﺗﻧﻔد اﻷﺷﯾﺎء ﻓﻲ أدق ﺟواﻧﺑﮭﺎ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻻﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻧﻧﺳﻰ ﻋﻼﻗﺔ اﻹﺳﻛﻧدر ﺑﺎﻟﻧﻣﻠﺔ‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫إﺣدى اﻟﺣﻛﺎﯾﺎت اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﮫ‪.‬‬

‫‪- 58 -‬‬
‫أﻣ ﺎ اﻟﺻورة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﻘطﻊ‪ ،‬وھﻲ )اﻟﻔرس ﺟﮭﺎت أرﺑﻊ ورﻏﯾف‬
‫واﺣد(‪ ،‬ﻓﮭﻲ ﻻأﻛﺛر ﻣن ﺗﺣوﯾل ﺑﺳﯾط ﻓﻲ اﻟﺷﻲء اﻟواﻗﻌﻲ‪ ،‬ﻧﺗﺞ ﻣن اﻟﺗداﺧل ﺑﯾن‬
‫اﻟﻔرس واﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﻓﺑدﻻً ﻣن اﻟﻘول‪ :‬إن اﻟﻔرس ﺑﻘواﺋم أرﺑﻊ ورأس واﺣد‪ ،‬ﻓﻘد ﻗﯾل‪:‬‬
‫اﻟﻔرس ﺟﮭﺎت أرﺑﻊ ورﻏﯾف واﺣد‪ .‬وﻻﺷك ﻓﻲ أﻧﮫ ﻟو ﻗﯾﻠت اﻟﺟﻣﻠﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬ﻟﻣﺎ‬
‫ﻛﺎﻧت إﻻ ﺳطﺣﯾﺔ ﻻﻣﻌﻧﻰ ﻟﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر‪ ،‬وﻟﻛﻧﻧﺎ أردﻧﺎ ﻣن ذﻟك أن ھذا اﻟﻣﻘطﻊ‬
‫ﻻﯾﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟﻐراﺋﺑﻲ ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟدﻗﯾﻖ ﻟﻠﻛﻠﻣﺔ‪ .‬ﺑل ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺎﻣل ذھﻧﻲ ـ ﻓﻠﺳﻔﻲ‬
‫ﻻﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬وﻟﮭذا ﻟم ﻧﻠﺣظ ﻓﯾﮫ ﺗﻠك اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻌﻘدة واﻟﻣرﻛﺑﺔ‪ ،‬وإن ﺑدا أﻧﮫ‬
‫ﻏﺎﻣض ﻣﻌﻘد‪ ،‬ﻣن ﺣﯾث اﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟﻠﻐوي‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﻣﻘطﻊ ﻓﺎﯾز ﺧﺿور ﻓﯾﻘوم ﻋﻠﻰ ﺗﺧﯾﯾل ﺳﺎﺋب ﻻﯾﻧظﻣﮫ إﻻ اﻟﻧﺎظم‬
‫اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ اﻟﻠﻐوي‪ .‬ﺣﯾث ﺗدﺧل اﻟﻣﻔردات ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ اﻋﺗﺑﺎطﯾﺔ‪ ،‬ﻻﺗﺻدر ﻋن ﺗﺟرﺑﺔ‬
‫أو ھ ٍّم ﺷﻌري ﻛﻣﺎ ﻻﺗطرح أﯾﺔ ﻓﻛرة أو ﺷﻌور أو رؤﯾﺎ ﻣﺗﺳﻘﺔ‪ .‬إذ إن اﻟﻣﺟﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﻠﻐوي واﻟﺻوري ھﻲ اﻷﺳﺎس ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﻘطﻊ‪ ،‬وھو ﻣﺎﺟﻌل ﻣﻧﮫ ﻣﺟرد‬
‫ﻟﻌب ﻓﺎﻧﺗﺎزي ﻻﯾﻧﺑض ﺑﺄي دﻓﻖ ﺟﻣﺎﻟﻲ‪.‬‬
‫إن اﻟﻐﻣوض اﻟذي ﯾﺗﺻف ﺑﺷرﻋﯾﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ھو ذﻟك اﻟﺻﺎدر ﻣن اﻟطﺑﯾﻌﺔ‬
‫اﻟﻣﻌﻘدة واﻟﻣرﻛﺑﺔ ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬وﻟﯾس ﻣن اﻟطرح اﻟذھﻧﻲ أو اﻟﺗﺧﯾﯾل اﻟﺳﺎﺋب‪.‬‬
‫وﻗد ﻻﻧﺑﺎﻟﻎ إذا ﻣﺎذھﺑﻧﺎ إﻟﻰ أن ﻧﺻﯾب اﻟﻐﻣوض اﻟﻼﺟﻣﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﻻﯾﻘ ّل‬
‫ﻋن ﻧﺻﯾب اﻟﻐﻣوض اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻓﯾﮫ‪ .‬وﻻﻏراﺑﺔ ﻓﻲ ذﻟك‪ ،‬إذ إن اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﺷﺄﻧﮭﺎ ﺷﺄن‬
‫أﯾﺔ ﺣرﻛﺔ ﺷﻌرﯾﺔ أﺧرى‪ ،‬ﺗﻧطوي ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺎوت ـ ﻗد ﯾﻛون ﺣﺎدا ً ـ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد‬
‫اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬ﻟﻠﺷﻌراء ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﻟﻠﻧﺻوص ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى‪.‬‬
‫إن ﻟﻠﺣداﺛﺔ ﻧﺳﻘﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً ﻣﺣدداً ﯾﻘﺗﺿﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة ﻧﺳﻘﺎ ً ﻣﺣددا ً ﻓﻲ اﻟﺗﻠﻘﻲ‬
‫اﻟﻔﻧﻲ‪ .‬وأي ﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻣن ﻣﻧظور اﻟﺗﻠﻘﻲ اﻟﺗﻘﻠﯾدي‪ ،‬ﻟن ﯾؤدي‪ ،‬ﺑﺄﯾﺔ‬
‫ﺣﺎل‪ ،‬إﻻ إﻟﻰ اﺳﺗﻐﻼق اﻟﻧص واﺗﮭﺎم اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻣن ﺛم‪ ،‬ﺑﺷﺗﻰ اﻹﺗﮭﺎﻣﺎت‪ .‬ﻟﻌ ّل أﻗﻠّﮭﺎ‬
‫ﻧﻔﻲ ﻣﻔﮭوم اﻟﺷﻌرﯾﺔ ‪ POETICS‬ﻋﻧﮭﺎ‪.‬‬
‫إن ﺣداﺛﺔ اﻟﻧص ﺗﺗطﻠب ﺣداﺛﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﻠﻘﻲ‪ ،‬ﺗﻣﺎﻣﺎ ً ﻣﺛﻠﻣﺎ أن ﺣداﺛﺔ اﻟوﻋﻲ‬
‫ﺗﺗطﻠب ﺣداﺛﺔ اﻟﻧص‪ .‬وﻣن ھﻧﺎ‪ ،‬ﻓﺈن ﻟدور اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ أھﻣﯾﺔ ﻛﺑرى ﻓﻲ ﺗﺣدﯾد درﺟﺔ‬
‫ﻧص ﻣﺎﻏﺎﻣﺿﺎً‪ .‬ﺑل ﻣﺑﮭﻣﺎ ً‪،‬‬ ‫ﱞ‬ ‫اﻟﻐﻣوض ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص اﻟﺣداﺛﻲ أو ذاك‪ .‬ﻓﻘد ﯾﺑدو‬
‫ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﻣﺗﻠﻖ ذي وﻋﻲ ﺗﻘﻠﯾدي‪ ،‬وﻗد ﯾﺑدو ﻏﻣوﺿﮫ ﺷﻔﺎﻓﺎ ً ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﻣﺗﻠﻖ ذي‬
‫وﻋﻲ ﺣداﺛﻲ‪ .‬ﻏﯾر أن ھذا اﻟﺗﻔﺎوت ﻓﻲ درﺟﺎت اﻟﻐﻣوض ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ أﻧواع اﻟﺗﻠﻘﻲ‪،‬‬
‫ﻻﯾﻌﻧﻲ ﻋدم أھﻣﯾﺔ اﻟﻧص ﻓﻲ ﺗﺣدﯾد اﻟﻐﻣوض‪ .‬ﻓﺈذا ﻟم ﯾﻛن اﻟﻐﻣوض ﻣوﺟودا ً ﻓﻲ‬
‫اﻟﻧص وﺟودا ً ﻣوﺿوﻋﯾﺎً‪ ،‬ﻓﻼﻣﻌﻧﻰ ﻟﻼﺧﺗﻼف ﺣول درﺟﺔ ﺣﺿوره‪ .‬إن اﻧﻌﻛﺎس‬
‫اﻟﻐﻣوض ﻓﻲ ذوات اﻟﻣﺗﻠﻘﯾن ھو اﻟذي ﺗﺧﺗﻠف درﺟﺎﺗﮫ ﺑﺣﺳب وﻋﻲ اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ‬
‫وطﺑﯾﻌﺗﮫ‪ .‬وﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧرى أن اﻟﻐﻣوض ﺻﻔﺔ ﻣوﺿوﻋﯾﺔ ﻣن ﺻﻔﺎت‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬ﺑﺳﺑب ﺗﻌﺑﯾرھﺎ ﻋن وﻋﻲ ﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣﻌﻘد ﻣرﻛب‪ ،‬وﻟﻛن درﺟﺎت‬
‫اﻟﻐﻣوض ﺗرﺗﺑط ﺑذاﺗﯾﺔ اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ‪ .‬ﻓﺎﻟﻐﻣوض ﻓﻲ اﻟﻧص اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬إذاً‪ ،‬ﻣوﺿوﻋﻲ ‪ ،‬أﻣﺎ‬
‫درﺟﺎﺗﮫ ﻓذاﺗﯾﺔ‪.‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 59 -‬‬
‫وﺗﻧﺑﻐﻲ اﻹﺷﺎرة‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬إﻟﻰ أن رﺑط اﻟﻐﻣوض ﺑﻣﻔﮭوم اﻟﻧص‬
‫اﻟﻐﺎﺋب ﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬ﻓﯾﮫ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن ﻣﺟﺎﻧﯾﺔ اﻟﺻواب‪ .‬إذ إن ﻋدم ﻣﻌرﻓﺔ اﻟﻧص اﻟﻐﺎﺋب‬
‫ﻻﯾؤدي إﻟﻰ ﻏﻣوض اﻟﻧص ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ‪ .‬ﺑل ﯾؤدي إﻟﻰ ﻋدم اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﮫ‬
‫اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﺎ ً ﻧﻘدﯾﺎ ً ﻣﺗﻛﺎﻣﻼً‪ .‬وﻛﻣﺎ ﻧﻌﻠم ﻓﺈن اﻟﺗﻠﻘﻲ اﻟﻔﻧﻲ ﯾﺧﺗﻠف ﻋن اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﻧﻘدي‪ ،‬ﻓﻘد‬
‫ﻧﺗﻠﻘﻰ ﻧﺻﺎ ً ﺷﻌرﯾﺎ ً ﺑﺷﻛل ﻓﻧﻲ راق‪ ،‬ﻣن دون أن ﻧﻌرف أن ھذا اﻟﻧص ﯾدﺧل ﻓﻲ‬
‫ﻋﻼﻗﺔ ﺗﻧﺎﺻﯾّﺔ ﻣﻊ ﻧص ﻏﺎﺋب آﺧر‪ .‬وﻣن اﻟﺑدھﻲ أن ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎﻗد أن ﯾﻛﺗﺷف اﻟﻌﻼﻗﺔ‪،‬‬
‫ﻓﯾﻣﺎ إذا وﺟدت‪ ،‬ﺑﯾن ﻧﺻﮫ اﻟﻣﻧﻘود واﻟﻧﺻوص اﻟﻐﺎﺋﺑﺔ‪ ،‬وﻟﻛن اﻟﻧﺎﻗد ﻻﯾﻛون ﺑذﻟك‬
‫ﻣﺗﻠﻘﯾﺎ ً ﻓﺣﺳب‪ ،‬ﺑل ﯾﻛون دارﺳﺎ ً وﺑﺎﺣﺛﺎً‪ .‬وﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻓﺈن رﺑط اﻻﺳﺗﯾﻌﺎب اﻟﻧﻘدي‬
‫اﻟﻣﺗﻛﺎﻣل ﺑﻣﻌرﻓﺔ اﻟﻧص اﻟﻐﺎﺋب أﻣر ﻣﺷروع ﺟداً‪ .‬وﻟﻛن رﺑط اﻟﻐﻣوض ﺑﮫ‪ ،‬ﻓﯾﮫ‬
‫اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺧطﺄ اﻟﻌﻠﻣﻲ‪ .‬وﻣﺎذﻟك إﻻ ﻷن اﻟﻧص اﻟﺷﻌري ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﺷ ِ ّﻛل‬
‫ﻛﯾﺎﻧﺎ ً ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﺑذاﺗﮫ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن إﺣﺎﻻﺗﮫ اﻟﻧﺻﯾﺔ‪.‬‬
‫إن اﻟﻔن ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣطﺎف‪ ،‬ﺗﻌﺑﯾر ﻋن وﻋﻲ ﺟﻣﺎﻟﻲ ذي طﺑﯾﻌﺔ ﻣﺣددة‪ .‬وإذا‬
‫ﻟم ﻧﻔﮭ م ھذه اﻟﺑدھﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈن ﺗﺣوﯾل اﻟﻔن إﻟﻰ ﺷﻛل ﺳﯾﺎﺳﻲ أو ﻓﻠﺳﻔﻲ أو أﺧﻼﻗﻲ أو‬
‫دﯾﻧﻲ‪ ،‬ﯾﻐدو أﻣرا ً ﻣﺣﺗوﻣﺎً؛ ﻛﻣﺎ ﯾﻐدو ﻣن اﻟﻣﺣﺗوم أن ﻧﺑﺣث ﻋن أﺳﺑﺎب ﻏﯾر ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‬
‫ﻓﻲ دراﺳﺔ ﻧﺷﺄة ھذه اﻟظﺎھرة اﻟﻔﻧﯾﺔ أو ﺗﻠك‪ ،‬وھو ﻣﺎﺣﺻل ﻣﻊ ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد ﻓﻲ‬
‫دراﺳﺔ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪.‬‬
‫ﺻل إﻟﯾﮫ ھذا اﻟﻣﺑﺣث ﻣن ﺳﻣﺎت اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬ﻟﯾس ﺑﺎﻟﺿرورة‬ ‫إن ﻣﺎﺗو ّ‬
‫ﻧﮭﺎﺋﯾﺎً‪ .‬ﻓﻘد ﺗﺗﻣﺧض اﻷﺑﺣﺎث اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻋن ﺳﻣﺎت أﺧرى ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ ،‬أو ﺗﻘﺗرح ﺗﻌدﯾﻼ ﻣﺎ‪،‬‬
‫ً‬
‫ﺻل إﻟﯾﮫ‪ ..‬ﻓﮭو ﯾﺑﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ‪ ،‬ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻧﻘدﯾﺔ‪ ،‬ﻧرﺟو أن ﺗﻛون دﻗﯾﻘﺔ ﻣﻊ‬ ‫ﻟﻣﺎ ﺗو ّ‬
‫اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن دراﺳﺗﻧﺎ ﻟﮭذه اﻟﺳﻣﺔ أو ﺗﻠك‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ﺑﻌض اﻟﺟواﻧب اﻟﻔﻧﯾﺔ‪،‬‬
‫ﻻﯾﻌﻧﻲ أن ھذه ﻻﺗﺷﻣل اﻟﺟواﻧب اﻷﺧرى‪ .‬ﺑل إن ﻟﺗﻠك اﻟﺳﻣﺎت ﺟﻣﯾﻌﺎًﻣﻧﻌﻛﺳﺎت ﻓﻲ‬
‫ﻣﺟﻣل اﻟﺟواﻧب اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ ،‬وﻣﺎﻗﻣﻧﺎ ﺑﮫ ھو ﻧوع ﻣن اﻟﺗﻣﺛﯾل ﻻ اﻟﺣﺻر‪ .‬وﻣن ﺟﮭﺔ‬
‫أﺧرى‪ ،‬ﻟم ﯾﻛن ﻟﮭذا اﻟﻣﺑﺣث إﻻ أن ﯾﺳﺗﻔﯾد ﻣن اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻧﺷطﺔ اﻟﺗﻲ ﺻﺎﺣﺑت‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ .‬وﻟﻛن ﻣن ﻣﻧظور ﻋﻠم اﻟﺟﻣﺎل اﻟذي ﻻﯾﻧﻘطﻊ اﻟﺑﺗﺔ ﻋﻣﺎ ﯾﻧﺟزه اﻟﻧﻘد‬
‫اﻷدﺑﻲ‪.‬‬

‫‪- 60 -‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 61 -‬‬
‫اﻟﮭﻮاﻣﺶ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ اﻟﻤﺮﻋﻲ‪ ،‬د‪ .‬ﻓﺆاد‪ :‬اﻟﺠﻤﺎل واﻟﺠﻼل‪ ،‬دار طﻼس‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪ ،‬ط ‪ ،1991 ،1‬ص‪.89:‬‬
‫‪2- SELDEN RAMAN , AREADERS GUIDE TO CONTEMPORARY‬‬
‫‪LITERAY THEORY, LONDON: 1988. P. 38.‬‬
‫‪3‬ـ راﺟﻊ‪ :‬ﻛ ﻠﯿﺐ‪ ،‬د‪ .‬ﺳﻌﺪ اﻟﺪﯾﻦ‪ :‬ﻣﻔﮭﻮم اﻟﻜﻤﺎل ﻓﻲ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ .‬ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ"‬
‫اﻟﺴﻮرﯾﺔ‪ .‬اﻟﻌﺪد‪ ،371 :‬دﻣﺸﻖ‪ ،1994 ،‬ص‪.10:‬‬
‫‪ 4‬ـ ھﺬه إﺣﺪى اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺻﻠﻨﺎ إﻟﯿﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻨﺎ اﻟﻤﺨﻄﻮط ‪ :‬اﻟﺒﻨﯿﺔ اﻟﺠﻤﺎﻟﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ‬
‫اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ .‬ﻓﺼﻞ‪ :‬اﻟﻘﯿﻢ اﻟﺠﻤﺎﻟﯿﺔ‪ ،‬ﻓﻘﺮة‪ :‬اﻟﺠﻤﺎل‪.‬‬
‫‪5‬ـ أدوﻧﯿﺲ‪ :‬اﻵﺛﺎر اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ‪ :‬م‪ 2:‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ط‪ ،2،1971‬ص‪.174:‬‬
‫‪ 6‬ـ راﺟﻊ ‪ :‬ﺷﻜﺮي‪ ،‬د‪ .‬ﻏﺎﻟﻲ‪ :‬ﺷﻌﺮﻧﺎ اﻟﺤﺪﯾﺚ إﻟﻰ أﯾﻦ؟‪ .‬دار اﻵﻓﺎق اﻟﺠﺪﯾﺪة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪ , 1978‬ص‪ 23 :‬ـ ‪.30‬‬
‫‪ 7‬ـ راﺟﻊ‪ :‬إﺑﺮاھﯿﻢ‪ ،‬د‪.‬زﻛﺮﯾﺎ‪ :‬اﻟﻔﻨﺎن واﻹﻧﺴﺎن‪ ،‬ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻏﺮﯾﺐ‪ ،‬اﻟﻘﺎھﺮة‪ ،‬د‪/‬ﺗﺎ‪ ،‬ص‪152 :‬ـ ‪.156‬‬
‫‪8‬ـ راﺟﻊ‪ :‬اﻟﻤﻌﺪاوي‪ ،‬أﺣﻤﺪ‪ :‬اﻟﺒﻨﯿﺔ اﻹﯾﻘﺎﻋﯿﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة ﻟﻠﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ‪ .‬ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﻮﺣﺪة" اﻟﻌﺪد‪:‬‬
‫‪ .83/82‬اﻟﺮﺑﺎط‪ ،1991 ،‬ﺣﯿﺚ ﯾﻌﺮض اﻟﺪارس ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻤﺤﺎوﻻت ﻣﺒﯿﻨﺎ ً ﻣﺎﻓﯿﮭﺎ ﻣﻦ ﻗﺼﻮر أو‬
‫ﻣﻐﺎﻟﻄﺔ‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ ﺧﻀﺮ‪ ،‬ﻣﺼﻄﻔﻰ‪ :‬اﻟﻤﺮﺛﯿﺔ اﻟﺪاﺋﻤﺔ‪ .‬وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪،1984،‬ص ‪21:‬‬
‫‪ 10‬ـ ﺷﻤﺲ اﻟﺪﯾﻦ‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ‪ :‬ﻻﺗﻨﻢ ھﺬه اﻟﻠﯿﻠﺔ‪ .‬ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻜﺮﻣﻞ‪ ،‬اﻟﻌﺪد‪ ،6 :‬ﻧﯿﻘﻮﺳﯿﺎ‪ ،‬ﻗﺒﺮص‪،‬‬
‫‪،1982‬ص‪.167 :‬‬
‫‪ 11‬ـ اﻟﺤﯿﺪري‪ ،‬ﺑﻠﻨﺪ‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ ،‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ ،‬ط‪ ،1980 ،2‬ص‪.265 :‬‬
‫‪ 12‬ـ اﻟﻤﻌﺪاوي‪ :‬اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.72:‬‬
‫‪ 13‬ـ اﺑﻦ ﺧﻠﻜﺎن‪ :‬وﻓﯿﺎت اﻷﻋﯿﺎن‪ .‬ﺟـ‪ .2 :‬د‪/‬ﺗﺎ‪ ،‬ص‪ .98 :‬ﻓﻲ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣﻈﻔﺮ ﺑﻦ إﺑﺮاھﯿﻢ اﻟﻌﯿﻼﻧﻲ‪.‬‬
‫‪ 14‬ـ اﻟﻤﻌﺪاوي‪ :‬اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.72:‬‬
‫‪ 15‬ـ اﻟﺠﺎﺣﻆ‪ :‬اﻟﺒﯿﺎن واﻟﺘﺒﯿﯿﻦ‪ ،‬ﺟـ‪. 1:‬ﺗﺢ‪ :‬ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم ھﺎرون‪ :‬ﻟﺠﻨﺔ اﻟﺘﺄﻟﯿﻒ واﻟﺘﺮﺟﻤﺔ‬
‫واﻟﻨﺸﺮ‪،‬اﻟﻘﺎھﺮة‪ ،1948 ،‬ص‪288 :‬ـ‪289‬‬
‫‪ 16‬ـ اﻟﻤﻌﺪاوي‪ :‬اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪ 70 :‬ـ ‪.71‬‬
‫‪ 17‬ـ ﻓﺎﺧﻮري‪ :‬ﻣﺤﻤﻮد‪ :‬ﻣﻮﺳﯿﻘﺎ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ‪ .‬ﻣﻨﺸﻮرات ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺣﻠﺐ‪ ،1978 ،‬ص‪.46:‬‬
‫‪ 18‬ـ راﺟﻊ ‪ :‬اﻟﯿﺎﻓﻲ‪ ،‬د‪ .‬ﻧﻌﯿﻢ‪ :‬ﺗﻄﻮر اﻟﺼﻮرة اﻟﻔﻨﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ‪ ،‬اﺗﺤﺎد اﻟﻜﺘﺎب‬
‫اﻟﻌﺮب‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪ ، 1983 ،‬ص‪364 :‬ـ ‪.365‬‬
‫‪ 19‬ـ اﻟﯿﺎﻓﻲ‪ ،‬د‪ .‬ﻧﻌﯿﻢ‪ :‬اﻟﺼﻮرة ﻓﻲ اﻟﻘﺼﯿﺪة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة‪ ،‬ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻷدﺑﻲ"‬
‫اﻟﻌﺪد‪ ،256/255:‬دﻣﺸﻖ‪ ،1992 ،‬ص‪.30 :‬‬
‫‪ 20‬ـ دروﯾﺶ‪ :‬ﻣﺤﻤﻮد‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ ،‬م‪ ،2:‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪،‬ط‪ ،1980 ،3‬ص‪.487:‬‬
‫‪ 21‬ـ ﺣﺠﺎزي‪ ،‬أﺣﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻌﻄﻲ‪ :‬ﻛﺎﺋﻨﺎت ﻣﻤﻠﻜﺔ اﻟﻠﯿﻞ‪ ،‬دار اﻵداب‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪،‬ط‪ ،1978 ،1 :‬ص‪:‬‬
‫‪.52‬‬
‫‪ 22‬ـ ﺣﺎوي‪ ،‬ﺧﻠﯿﻞ‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ ،‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ ،‬ط‪ ،2:‬ص‪.45:‬‬
‫‪23 - ADRONO , THEODOR ; AESTHETIC THEORY. LONDON ; 1985.‬‬
‫‪P. 248‬‬
‫‪24‬ـ اﻟﯿ ﺎﻓﻲ‪ :‬اﻟﺼﻮرة ﻓﻲ اﻟﻘﺼﯿﺪة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة‪ ،‬ص‪.26 :‬‬
‫‪ 25‬ـ ﺑﯿﻠﻨﺴﻜﻲ‪ ،‬ف‪ .‬غ‪ :‬ﻧﺼﻮص ﻣﺨﺘﺎرة‪ ،‬ﺗﺮ‪ :‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﻼق‪ ،‬وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪،1980 ،‬‬
‫ص‪.83:‬‬

‫‪- 62 -‬‬
‫‪ 26‬ـ اﻟﺴﯿﺎب‪ ،‬ﺑﺪر ﺷﺎﻛﺮ ‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ ،‬م‪ ، 1:‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت ‪ ،1971‬ص‪.274 :‬‬
‫‪ 27‬ـ اﻟﻤﺎﻏﻮط‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ‪ :‬اﻵﺛﺎر اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ‪ .‬دار اﻟﻌﻮدة ‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪،‬ط‪،1982 ،2:‬ص‪.45 :‬‬
‫‪ 28‬ـ ﯾﻮﺳﻒ‪ :‬ﺳﻌﺪي‪ :‬اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ ‪ 1952‬ـ ‪ .1977‬دار اﻟﻔﺎراﺑﻲ‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ . 1979 ،‬ص‪121:‬‬
‫‪ 29‬ـ راﺟﻊ‪ :‬اﻟﯿﺎﻓﻲ ‪ :‬اﻟﺼﻮرة ﻓﻲ اﻟﻘﺼﯿﺪة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة‪ ،‬ص‪23 :‬ـ ‪.24‬‬
‫‪ 30‬ـ ﻋﻤﺮان‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ‪ :‬اﺳﻢ اﻟﻤﺎء واﻟﮭﻮاء‪ ،‬وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪ ،1986 ،‬ص‪18 :‬ـ ‪.19‬‬
‫‪ 31‬ـ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ‪،‬د‪ .‬ﻋﺰ اﻟﺪﯾﻦ‪ :‬اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪ ،‬دا ر اﻟﻌﻮدة ‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ ،‬ط‪،1981 ،3:‬‬
‫ص‪.248:‬‬
‫‪ 32‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪276:‬ـ ‪.277‬‬
‫‪ 33‬ـ ﺣﺠﺎزي‪ :‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪47:‬ـ ‪.48‬‬
‫‪ 34‬ـ ﯾﻮﺳﻒ‪ ،‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪144 :‬ـ ‪.146‬‬
‫‪ 35‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪145:‬‬
‫‪ 36‬ـ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ‪ :‬اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.268:‬‬
‫‪ 37‬ـ ھﯿﻐﻞ‪ :‬اﻟﻤﺪﺧﻞ إﻟﻰ ﻋﻠﻢ اﻟﺠﻤﺎل‪ ،‬ﺗﺮ‪ :‬ﺟﻮرج طﺮاﺑﯿﺸﻲ‪ ،‬دار اﻟﻄﻠﯿﻌﺔ‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ ،‬ط‪، 2:‬‬
‫‪ ،1980‬ص‪.27:‬‬
‫‪ 38‬ـ راﺟﻊ ﻓﻲ ذﻟﻚ ‪ :‬ﻻﻧﻐﯿﻮم‪ ،‬روﺑﺮت‪ :‬ﺷﻌﺮ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔـ اﻟﻤﻮﻧﻮﻟﻮج اﻟﺪراﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻷدﺑﻲ‬
‫اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪ .‬ﺗﺮ‪ :‬ﻋﻠﻲ ﻛﻨﻌﺎن وﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﯾﻢ ﻧﺎﺻﯿﻒ‪ .‬وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪ ،1983 ،‬ص‪:‬‬
‫‪43‬ـ‪88‬‬
‫‪ 39‬ـ راﺟﻊ ﻗﺼﺒﺠﻲ‪ ،‬د‪ .‬ﻋﺼﺎم‪ :‬ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﻤﺤﺎﻛﺎة ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﯾﻢ‪ ،‬دار اﻟﻘﻠﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ‪،‬‬
‫ﺣﻠﺐ‪ ،‬ط‪ ،1980 ،1‬ص‪.102 :‬‬
‫‪ 40‬ـ راﺟﻊ‪ :‬اﻵﻣﺪي‪ :‬اﻟﻤﻮازﻧﺔ‪ ،‬ﺗﺢ‪ :‬ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺤﻲ اﻟﺪﯾﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﯿﺪ‪ ،‬اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪.‬د‪/‬ﺗﺎ‪،‬‬
‫ص‪123 :‬ـ ‪) 226‬ﻓﺼﻞ‪ :‬أﺧﻄﺎء أﺑﻲ ﺗﻤﺎم ﻓﻲ اﻟﻠﻔﻆ واﻟﻤﻌﻨﻰ(‪.‬‬
‫‪ 41‬ـ ﻋﺒﺪ اﻟﺼﺒﻮر‪ ،‬ﺻﻼح‪ :‬ﺷﺠﺮ اﻟﻠﯿﻞ‪ ،‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ ،‬ط‪ ،1977 2‬ص‪13 :‬ـ ‪.14‬‬
‫‪ 42‬ـ دروﯾﺶ‪ ،‬ﻣﺤﻤﻮد‪ :‬ﺣﺼﺎر ﻟﻤﺪاﺋﺢ اﻟﺒﺤﺮ‪ ،‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ ،‬ط‪ ،1985 ،2‬ص‪.89 :‬‬
‫‪ 43‬ـ اﻟﺒﺮﻏﻮﺛﻲ‪ ،‬ﻣﺮﯾﺪ‪ :‬رﻧﺔ اﻹﺑﺮة‪ ،‬ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻜﺮﻣﻞ‪،‬اﻟﻌﺪد‪ ،35 :‬ﻧﯿﻘﻮﺳﯿﺎ‪ ،‬ﻗﺒﺮص‪،1991 ،‬‬
‫ص‪.142:‬‬
‫‪ 44‬ـ ﺷﻜﺮي‪ :‬اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.12 :‬‬
‫‪ 45‬ـ راﺟﻊ‪ :‬اﻟﯿﺎﻓﻲ‪ ،‬د‪ .‬ﻧﻌﯿﻢ‪ :‬اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ‪ ،‬وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪ ،1981 ،‬ص‪155 :‬ـ‬
‫‪.156‬‬
‫‪ 46‬ـ راﺟﻊ‪ :‬إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ‪ :‬اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪187 :‬ـ ‪.194‬‬
‫‪ 47‬ـ رﻣﺎﻧﻲ‪ ،‬إﺑﺮاھﯿﻢ ‪ :‬اﻟﻨﺺ اﻟﻐﺎﺋﺐ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ‪ ،‬ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﻮﺣﺪة" اﻟﻌﺪد‪،49 :‬‬
‫اﻟﺮﺑﺎط‪ ،1988 ،‬ص‪.53 :‬‬
‫‪ 48‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.60 :‬‬
‫‪ 49‬ـ أدوﻧﯿﺲ‪ :‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.177 :‬‬
‫‪ 50‬ـ ﺧﻀﻮر‪ ،‬ﻓﺎﯾﺰ‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ ،‬م‪ .1 :‬دار اﻷدھﻢ‪ ،‬د‪/‬ﺗﺎ‪ ،‬ص‪.150 :‬‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 63 -‬‬


- 64 -
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‬

‫ﺟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﺮﻣﺰ اﻟﻔﻨﻲ‬


‫ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻟﺤﺪاﺛﺔ‬
‫* ﺗـﺄﺳـــﯿـﺲ ﻧـﻈـﺮي‪:‬‬
‫إذا ﻛﺎﻧت اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟرﻣزﯾﺔ ‪ SYMBOLISM‬ﻗد ﺟﻌﻠت ﻣن اﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟرﻣزي‬
‫ھو اﻟﺷﻛل اﻷوﺣد ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔﻓﻲ اﻟﻔن؛ ﻓﺈن ذﻟك ﻻﯾﻌﻧﻲ أن اﻟرﻣز ﺑوﺻﻔﮫ‬
‫ﺷﻛﻼً ﻣن أﺷﻛﺎل اﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ وﺟود أو أھﻣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻔن ﻣن ﻗﺑل‪ .‬ﻛﻣﺎ‬
‫ﻻﯾﻌﻧﻲ أن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻧﺿوي ﺗﺣت اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟرﻣزﯾﺔ‪ ،‬ﻻﺗﻛﺎﺋﮫ‬
‫اﻟﻛﺑﯾر ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟرﻣزي‪ ،‬أو ﻹﻓﺎدﺗﮫ اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ ﻣن ھذه اﻟﻣدرﺳﺔ‪ ،‬ﺑﺣﺳب ﻣﺎﯾذھب‬
‫إﻟﯾﮫ ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد ) ‪ .(1‬إذ ﯾؤﻛدون أن ھذا اﻟﺷﻌر ﯾﻧﺗﻣﻲ ﻣدرﺳﯾﺎ ً إﻟﻰ اﻟرﻣزﯾﺔ‪ .‬وھم‪،‬‬
‫ﻓﻲ ھذا اﻟﺗﺄﻛﯾد‪ ،‬ﯾﻧﺳون أن اﻟﺗﺻﻧﯾف اﻟﻣدرﺳﻲ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻧطﻠﻖ ﻣن ﺗﺣدﯾد ھذا‬
‫اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻔﻧﻲ أو ذاك‪ ،‬ﻛﻣﺎ أﺳﻠﻔﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎً‪.‬‬
‫وﻟﺗﻌﻣﯾﻖ ھذه اﻟﻣﻘوﻟﺔ‪ ،‬ﻧﺷﯾر إﻟﻰ أن اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟرﻣزي‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﻣدرﺳﺔ‪ ،‬ﻟم‬
‫ﯾﻛن أﺳﻠوﺑﺎ ً ﻓﻧﯾﺎ ً ﻓﺣﺳب‪ .‬ﺑل ﻛﺎن أﯾﺿﺎ ً ﻣوﻗﻔﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً وﻓﻠﺳﻔﯾﺎ ً ﻣن اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وﻗد ﺗﺑدّى‬
‫ھذا ﻓﻲ اﻷطروﺣﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻷﺧﻼﻗﯾﺔ واﻟﻔﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻟﺗﻠك اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟﺗﻲ ﺗرى "أن‬
‫اﻟواﻗﻊ ﻻﯾﺻﻠﺢ أن ﯾﻛون ﻣﻧطﻠﻘﺎ ً ﻟﻠﻔن‪ ،‬ﻓﺎﻟﻣﺛﺎل ھو اﻟﻣطﻣﺢ‪ .‬واﻟﺟﻣﺎل وﺣده ھو‬
‫اﻟﻣوﺿوع")‪ .(2‬وﻣن ذﻟك‪ ،‬ﻟم ﯾﻛن ﻣﺎﻻرﻣﯾﮫ ـ أﺣد أھم اﻟﺷﻌراء اﻟرﻣزﯾﯾن ـ ﯾﮭدف‬
‫ﻣن اﻟﺟﻣﺎل إﻻ إﻟﻰ اﻟﺟﻣﺎل )‪ .(3‬وﻟﯾس ھذا ﻓﺣﺳب‪ .‬ﺑل إن ﺳﻌﯾﮫ اﻟدؤوب إﻟﻰ‬
‫اﻟﺟﻣﺎل اﻟﻣﺛﺎﻟﻲ ﻗد ﺟﻌﻠﮫ ﯾﺣﻠم ‪ ،‬ﻟﻣدة ﻋﺷرﯾن ﻋﺎﻣﺎً‪ ،‬ﺑﺄن ﯾﻧﺗﺞ ﺷﻌرا ً ﺻﺎﻓﯾﺎ ً ﻣن دون‬
‫ﺗطرف ﻣﺎﻻرﻣﯾﮫ‪ ،‬ﺑوﺻﻔﮫ ﻣﻣﺛﻼً ﻟﻠرﻣزﯾﺔ ‪،‬‬ ‫أن ﯾﻧﺗﺞ إﻻ اﻟﻘﻠﯾل ﻣن اﻟﺷﻌر)‪ .(4‬وﻗد ّ‬
‫ﻓﻲ اﻻھﺗﻣﺎم ﺑﻣﺎ ھو ﺗﻘﻧﻲ‪ ،‬إﻟﻰ اﻟﺣد اﻟذي ﯾﻣﻛن ﻓﯾﮫ أن ﺗﺗم اﻟﻣﺻﺎﻟﺣﺔ ﺑﯾن ﺟﻣﺎﻟﯾﺎت‬
‫اﻟﺷﻌر اﻟﺻﺎﻓﻲ ـ ﻛﻣﺎ ظﮭرت ﻋﻧده ـ وﺑﯾن اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺎت اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ اﻟﻣﺗﻛﻠﻔﺔ)‪ .(5‬وﻟم‬
‫ﯾﻛن اﻷﺳﺎس ﻓﻲ ذﻟك إﻻ اﻟرﻏﺑﺔ اﻟﺟﺎﻣﺣﺔ ﻓﻲ اﻟوﺻول إﻟﻰ اﻟﺟﻣﺎل اﻟﻣﺛﺎﻟﻲ اﻟﻣطﻠﻖ‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 65 -‬‬
‫اﻟذي ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟواﻗﻊ وﻻﯾﺗدﻧّس ﺑﺳﻠﺑﯾﺎﺗﮫ‪ .‬وﻣﺎﯾﺻ ّﺢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﻻرﻣﯾﮫ ﯾﺻ ّﺢ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻏﯾره ﻣن ﺷﻌراء اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟرﻣزﯾﺔ‪ ،‬ﻣن ﻣﺛل ﺑودﻟﯾر وراﻣﺑو اﻟﻠذﯾن ﻟم ﯾﻛوﻧﺎ أﻗل‬
‫ﻧزوﻋﺎ ً إﻟﻰ اﻟﺟﻣﺎل اﻟﻣﺛﺎﻟﻲ ﻣن ﻣﺎﻻرﻣﯾﮫ‪ ،‬وﻟم ﯾﻛوﻧﺎ أﯾﺿﺎ ً أﻛﺛر ﻏزارة ﻣﻧﮫ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺻﻌﯾد اﻹﻧﺗﺎج اﻟﺷﻌري‪.‬‬
‫ﯾﺳوغ دﻋوة اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟرﻣزﯾﺔ‬ ‫إن ھذا اﻟﻧزوع إﻟﻰ اﻟﺟﻣﺎل اﻟﻣﺛﺎﻟﻲ ھو اﻟذي ّ ِ‬
‫إﻟﻰ ﻣﻘوﻟﺔ اﻟﻔن ﻟﻠﻔن‪.‬‬
‫ﺣﯾث ﻻﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﺣﯾل اﻟﻔن ﻋﻠﻰ ﺳواه‪ ،‬إذ اﻟﮭدف ﻣن اﻟﺟﻣﺎل ھو اﻟﺟﻣﺎل‪،‬‬
‫ﻓﺣﺳب وﻏﻧﻲ ﻋن اﻟﺑﯾﺎن أن ﻣﻔﮭوم اﻟﺟﻣﺎل‪ ،‬ھﻧﺎ‪ ،‬ﯾﻌﻧﻲ ﻣﺎ ھو ﺗﻘﻧﻲ ‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ‬
‫ﻣﺎھو ﻣﺛﺎﻟﻲ ﻣﺟرد‪.‬‬
‫ھذا ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى‪ ،‬ﻓﺈن ﻟﻘب "اﻟﻣﻧﺣط" ‪ DECADENT‬اﻟذي‬
‫ﯾﻛرم ﻧﻔﺳﮫ وأﺻدﻗﺎءه ﺑﮫ‪ ،‬ﻛﺎن ﻓﻲ أﺳﺎﺳﮫ ﻣوﻗﻔﺎ ً ﺳﻠﺑﯾﺎ ً ﺣﺎداً ﻣن‬
‫ﻛﺎن اﻟﺷﺎﻋر اﻟرﻣزي ّ‬
‫ﻋﺎﻟم ﻣﺎدي ﻣﺑﺗذل‪ .‬أي "ﻛﺎﻧت ﺑدﻋﺔ اﻻﻧﺣطﺎط وﺳﯾﻠﺔ ﯾﺣﻣﻲ ﺑﮭﺎ اﻟﻣرء )أي اﻟﺷﺎﻋر‬
‫اﻟرﻣزي( ﻧﻔﺳﮫ ﻣن ﺗﻔﺎھﺔ اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ وﺑﻼدة ﻋﺎﻟم ﯾﺳﺗﺳﻠم أﻛﺛر ﻓﺄﻛﺛر ﻟﻼﺗﺟﺎه‬
‫اﻟﺻﻧﺎﻋﻲ)‪ ."(6‬وﻛﺄن اﻻﻧﺣطﺎط ‪ DECADENCE‬ھو اﻟوﺟﮫ اﻵﺧر ﻟﻠﺟﻣﺎل‬
‫اﻟﻣﺛﺎﻟﻲ‪ ....‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟﺷﺎﻋر اﻟذي ﯾﺳﻌﻰ إﻟﻰ ھذا اﻟﻧوع ﻣن اﻟﺟﻣﺎل‪ ،‬ﺳوف ﯾﻛون‬
‫ﺻف ﺑﺎﻻﻧﺣطﺎط‪ ،‬ﻓﻲ واﻗﻊ ﻣﺑﺗذل ﺧﺎل ﻣن اﻟﺟﻣﺎل‪ .‬ﻓﻌدم اﻻﻧﺣطﺎط‬ ‫ﻣﻣﺗﻧﺎً‪ ،‬إذا ُ‬
‫ﻣﺎو ِ‬
‫ﯾﺑدو ﻟﻠﺷﺎﻋر اﻟرﻣزي اﻧﻐﻣﺎﺳﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻘﺑﺢ اﻟﺳﺎﺋد‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن اﻓﺗﺧﺎره ﺑﺎﻻﻧﺣطﺎط ھو‬
‫ﻓﻲ أﺳﺎﺳﮫ رﻓض ﻟﻠواﻗﻊ ﺑﻘﯾﻣﮫ وﻋﻼﻗﺎﺗﮫ‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ ھو دﻓﺎع ﻋن اﻟﺟﻣﺎل اﻟﻣﺛﺎﻟﻲ اﻟذي ﻟم‬
‫ﯾﺗﻠوث ﺑﺎﻟﻧﻔﻌﯾﺔ اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻻﯾﻧﺟو ﻣﻧﮭﺎ ﺷﻲء أو ﻗﯾﻣﺔ‪ .‬وﻣن ھﻧﺎ‪ ،‬ﻓﺈن طرح‬ ‫ّ‬
‫اﻟرﻣزﯾﺔ ﻟﻣﻘوﻟﺔ اﻟﻔن ﻟﻠﻔن ﻻﯾﻧﺳﺟم واﻟﺟﻣﺎل اﻟﻣﺛﺎﻟﻲ اﻟذي ﺗﺳﻌﻰ إﻟﯾﮫ ﻓﺣﺳب‪ ،‬ﺑل‬
‫ﯾﻧﺳﺟم أﯾﺿﺎ ً ورﻓض اﻟﺟوھر اﻟﻘﯾﻣﻲ ﻟﻠﺑرﺟوازﯾﺔ أﻻ وھو اﻟﻧﻔﻌﯾﺔ‪ .‬وﻛﻣﺎ ﯾﻘول‬
‫ﻣﺟرد ‪ .‬ﺑل‬
‫ّ‬ ‫ﺳﺎرﺗر‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ "ﻻﺗﻔﮭم اﻟﻌﻣل اﻷدﺑﻲ ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﺧﻠﻖ ﻣﺟﺎﻧﻲ‬
‫ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﺧدﻣﺔ ﻣﺄﺟورة")‪.(7‬‬
‫وﻟﮭذا ﻓﺈن رﻓض ذﻟك اﻟﺟوھر ﻗد أدى إﻟﻰ اﻻرﺗﻔﺎع ﺑﺎﻟﺟﻣﺎل إﻟﻰ ﻣﺎھو ﻣﺛﺎﻟﻲ‬
‫ﻣﺟرد‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ أدّى إﻟﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﻧﻔﻌﯾﺔ ﻋن اﻟﻔن‪ .‬ﺣﺗﻰ ﻗﺎل ﻏوﺗﯾﯾﮫ " ﻛل ﻓﻧﺎن ﯾﮭدف‬
‫إﻟﻰ ﻣﺎﺳوى اﻟﺟﻣﺎل ﻓﻠﯾس ﺑﻔﻧﺎن") ‪.(8‬‬
‫أﻣﺎ أوﺳﻛﺎر واﯾﻠد‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺻﻔﺢ " ﻋن ﺻﺎﺣب اﻟﻔن اﻟﻣﻔﯾد إذا أدرك أن ﻓﻧﮫ‬
‫ﻟﯾس ﺟﻣﯾﻼً") ‪.(9‬‬
‫ﻓﺎﻟرﻣزﯾﺔ إذاً‪ ،‬ﻣوﻗف اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ـ ﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻗﺑل أن ﺗﻛون أﺳﻠوﺑﺎ ً ﻓﻧﯾﺎً‪ ،‬أو‬
‫اﻷﺻ ّﺢ أن ھذا اﻟﻣوﻗف ھو اﻟذي اﻧﻌﻛس ﺑﺷﻛل ﻓﻧﻲ رﻣزي‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن أي ﺣرﻛﺔ‬
‫ﺷﻌرﯾﺔ ﻻﺗﺗﻼءم ﻓﻲ أطروﺣﺎﺗﮭﺎ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻣﻊ أطروﺣﺎت ﺗﻠك‬
‫اﻟﻣدرﺳﺔ‪ ،‬ﻻﯾﻣﻛن ﻟﻧﺎ أن ﻧﻌدّھﺎ ﻣﻧﺗﻣﯾﺔ إﻟﯾﮭﺎ أو ﻣﻧﺿوﺑﺔ ﺗﺣﺗﮭﺎ‪ ،‬وإن ﺗﻛن ﻗد أﻓﺎدت‬
‫ﻣن ﻣﻧﺟزاﺗﮭﺎ اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ‪ .‬ﻓﺎﻟﺗﺷﺎﻛل ﻓﻲ اﻷﺳﻠوب اﻟﻔﻧﻲ ﻻﯾؤدي ﺑﺎﻟﺿرورة إﻟﻰ اﻟﺗﺷﺎﻛل‬

‫‪- 66 -‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﻣوﻗف اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬ﻣﻊ اﻟﻌﻠم أن ھذا اﻟﻣوﻗف ھو اﻷﺳﺎس ﻓﻲ اﻟﺗﺑﺎﯾن اﻟﻣدرﺳﻲ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻔن‪.‬‬
‫ﻧﻘول ذﻟك‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﻛوﻧﮫ ﺑدھﯾﺔ ﻓﻲ اﻟدرس اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻟﻠﻔن‪ .‬ﻏﯾر أن‬
‫ھذه اﻟﺑدھﯾﺔ ﻛﺛﯾرا ً ﻣﺎﯾﺗ ﱡم ﺗﻧﺎﺳﯾﮭﺎ‪ ،‬ﺣﯾن ﯾذھب ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد إﻟﻰ ﺗﺻﻧﯾف ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‬
‫اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺗﺣت ھذه اﻟﻣدرﺳﺔ أو ﺗﻠك‪ ،‬وﻻﺳﯾﻣﺎ اﻟرﻣزﯾﺔ‪.‬‬
‫إن إطﻼق ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺗﯾﺎر اﻟرﻣزي ﻋﻠﻰ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﯾﻐﻔل أن ﺛﻣﺔ ﺗﻌﺎرﺿﺎ‪ً.‬‬
‫ﺑل ﺗﻧﺎﻗﺿﺎً‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﻣوﻗف اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ـ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﺑﯾن ﻛل ﻣن اﻟرﻣزﯾﺔ وﺷﻌر‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ‪.‬‬
‫ﻲ‬
‫ﻓﺎﻟواﻗﻊ ھو اﻟﻣﺟﺎل اﻟﺣﯾوي اﻟذي ﯾﺗﺣرك ﻓﯾﮫ ھذا اﻟﺷﻌر‪ ،‬وھو اﻟﻣﻌﻧ ّ‬
‫ﺑﺎﻟﺗﻘوﯾم واﻟﺗﻐﯾﯾر‪ ،‬ﻻ اﻟﻣﺛﺎل أو اﻟﺟﻣﺎل اﻟﻣﺟرد‪ ،‬ﻛﻣﺎ ھﻲ اﻟﺣﺎل ﻓﻲ اﻟرﻣزﯾﺔ‪ .‬وﻟﮭذا‬
‫ج ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻓﻲ أﺗون اﻟﺻراع اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬راﻓﺿﺎ ً أن ﯾﻧﻛﻔﺊ‬ ‫ﻓﺈن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﻗد ز ﱠ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻣﺎھو ذاﺗﻲ أو ﺷﻛﻠﻲ أو وھﻣﻲ ‪ .‬أي أن ﻟﮭذا اﻟﺷﻌر وظﯾﻔﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ـ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‬
‫ذات ﻣﺿﻣون ﺛوري ﺗﻐﯾﯾري‪ .‬وھو ﻣﺎﯾﻌﻧﻲ أن ﺻﻔﺔ "اﻟﺛوري" ھﻲ اﻟﺗﻲ ﯾﻔﺧر ﺑﮭﺎ‬
‫ّ‬
‫"اﻟﻣﻧﺣط"‪ .‬وذﻟك ﺑﺻرف اﻟﻧظر ﻋن طﺑﯾﻌﺔ ﺗﻠك اﻟﺛورﯾﺔ‪.‬‬ ‫اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬ﻻ ﺻﻔﺔ‬
‫وھل ھﻲ طﺑﯾﻌﺔ ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ أو ﻓﻛرﯾﺔ أو ﻗﯾﻣﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻘد طﺑﻌت ﺻﻔﺔ اﻟﺛورﯾﺔ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﺑطﺎﺑﻊ ﺻداﻣﻲ ﻣﻊ ﻛل ﻣﺎﯾﺗﻧﺎﻓﻰ واﻟﻘﯾم‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾداﻓﻊ ﻋﻧﮭﺎ أو ﯾﺳﻌﻰ إﻟﻰ طرﺣﮭﺎ‪ .‬وﻟﮭذا ﻻﻏراﺑﺔ ﻓﻲ أن ﺗﺗﺻدّر ﻗﯾﻣﺔ‬
‫اﻟﺑطوﻟﻲ ‪ HEROIC‬ﻻﺋﺣﺔ اﻟﻘﯾم اﻟﻣطروﺣﺔ‪ .‬إذ إن اﻟﺑطوﻟﻲ ھو اﻟﻣﻌﺎدل اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‬
‫ﺻف اﻟﺟﻣﺎل‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﺑطﺎﺑﻊ ﺻداﻣﻲ‪.‬‬ ‫ﻟﻠﺛوري‪ .‬وﻻﻏراﺑﺔ أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ أن ﯾﺗ ّ‬
‫ﺑل ﺣﺗﻰ ﻣﻔﮭوم اﻟﻣﻐﺗرب اﻟﻣﻌذب اﻟذي ﻛﺛﯾرا ً ﻣﺎﻧواﺟﮭﮫ ﻓﻲ ھذا اﻟﺷﻌر‪ ،‬ﻻﯾﻘوم ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣﺎھو وﺟودي‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻟرﻣزﯾﺔ‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ ﻣﺎھو اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ وﺳﯾﺎﺳﻲ وﻗﯾﻣﻲ‬
‫ذو طﺎﺑﻊ ﺻداﻣﻲ أﯾﺿﺎً‪ .‬واﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أن دراﺳﺔ اﻟﻘﯾم اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ طرﺣﮭﺎ ﺷﻌر‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ ﺗؤ ّﻛد ﺑﻣﺎﻻﯾدع ﻣﺟﺎﻻً ﻟﻠﺷك أن ھذا اﻟﺷﻌر ﻋﻠﻰ ﺗﻧﺎﻗض ﻣﻊ اﻟرﻣزﯾﺔ ﺑوﺻﻔﮭﺎ‬
‫ﻣوﻗﻔﺎ ً اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺎ ً ـ ﺟﻣﺎﻟﯾﺎً‪ .‬ﻏﯾر أن ھذا اﻟﺗﺄﻛﯾد ﻻﯾﻧﻔﻲ إﻓﺎدة ھذا اﻟﺷﻌر ﻣن اﻟرﻣزﯾﺔ‬
‫ﺑوﺻﻔﮭﺎ أﺳﻠوﺑﺎ ً ﻓﻧﯾﺎً‪.‬‬
‫ﯾﻣﻛن ﺗﻌرﯾف اﻟرﻣز اﻟﻔﻧﻲ ‪ ARTISTIC SYMBOL‬ﺑﺄﻧﮫ ﺻورة اﻟﺷﻲء‬
‫ﻣﺣوﻻً إﻟﻰ ﺷﻲء آﺧر‪ ،‬ﺑﻣﻘﺗﺿﻰ اﻟﺗﺷﺎﻛل اﻟﻣﺟﺎزي‪ ،‬ﺑﺣﯾث ﯾﻐدو ﻟﻛ ٍّل ﻣﻧﮭﻣﺎ‬ ‫ّ‬
‫اﻟﺷرﻋﯾﺔ ﻓﻲ أن ﯾﺳﺗﻌﻠن ﻓﻲ ﻓﺿﺎء اﻟﻧص‪ .‬ﻓﺛﻣﺔ‪ ،‬إذاً‪ ،‬ﺛﻧﺎﺋﯾﺔ ﻣﺿﻣرة ﻓﻲ اﻟرﻣز‪.‬‬
‫وھذه اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ ﺗﺣﯾل ﻋﻠﻰ ﺗﻘوﯾﻣﯾن ﺟﻣﺎﻟﯾﯾن ﻣﺗﻣﺎﺛﻠﯾن‪ .‬ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ھذا اﻟﺗﻣﺎﺛل‬
‫ھو اﻷﺳﺎس ﻓﻲ اﻟﺗﺣوﯾل اﻟذي ﯾﺟرﯾﮫ اﻟﻣﺑدع‪ .‬أي ھو اﻷﺳﺎس ﻓﻲ ﺟﻌل اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ‬
‫واﺣدﯾﺔ ﻓﻲ اﻟرﻣز‪ .‬وﻻﺑﺄس ﻣن اﻹﻓﺎدة ﻣن ﺗﻌرﯾف ﻣؤﻟﻔﻲ ﻧظرﯾﺔ اﻷدب ﻟﻠرﻣز‪،‬‬
‫ﻋﻠﻰ أﻧﮫ "ﻣوﺿوع ﯾﺷﯾر إﻟﻰ ﻣوﺿوع آﺧر‪ .‬ﻟﻛن ﻓﯾﮫ ﻣﺎﯾؤ ّھﻠﮫ ﻷن ﯾﺗطﻠب اﻻﻧﺗﺑﺎه‬
‫إﻟﯾﮫ ﻟذاﺗﮫ ‪ ،‬ﻛﺷﻲء ﻣﻌروض") ‪.(10‬‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 67 -‬‬


‫وﺗﺣول إﻟﻰ‬
‫ّ‬ ‫إن ﻟﻠرﻣز اﻟﻔﻧﻲ ﻋدة ﺳﻣﺎت إذا اﻧﺗﻔت ﻋﻧﮫ‪ ،‬اﻧﺗﻔﻰ ﻛوﻧﮫ رﻣزاً‪،‬‬
‫أن ﯾﻛون ﻣﺟرد إﺷﺎرة أو ﻋﻼﻣﺔ ‪ MARK‬أﻣﺎ ﺗﻠك اﻟﺳﻣﺎت ﻓﮭﻲ‪ :‬اﻹﯾﺣﺎﺋﯾﺔ‪،‬‬
‫واﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ واﻟﺗﺧﯾﯾل‪ ،‬واﻟﺣﺳﯾﺔ‪ ،‬واﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ) ‪ .(11‬إن ﺳﻣﺔ اﻹﯾﺣﺎﺋﯾﺔ ﺗﻌﻧﻲ أن ﻟﻠرﻣز‬
‫اﻟﻔﻧﻲ دﻻﻻت ﻣﺗﻌددة‪ ،‬وﻻﯾﺟوز أن ﯾﻛون ﻟﮫ دﻻﻟﺔ واﺣدة ﻓﺣﺳب‪ ،‬وإن ﯾﻛن ھذا‬
‫ﻻﯾﻣﻧﻊ ﻣن أن ﺗﺗﺻدر إﺣدى اﻟدﻻﻻت‪.‬‬
‫إن ﺗﻌدد اﻟدﻻﻻت ﯾﻧﮭض ﻣن اﻟﻛﺛﺎﻓﺔ اﻟﺷﻌورﯾﺔ واﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﺑر ﻋﻧﮭﺎ‬
‫اﻟرﻣز‪ ،‬وﯾﻘوم ﻋﻠﯾﮭﺎ‪ .‬أي أن اﻹﯾﺣﺎﺋﯾﺔ إذ ﺗﻛون ﺳﻣﺔ ﻟﻠرﻣز‪ ،‬ﺗﻛون أﯾﺿﺎ ً ﺳﻣﺔ‬
‫ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣن ﺣﯾث اﻟﻛﺛﺎﻓﺔ واﻟﻌﻣﻖ واﻟﺗﻧوع‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن اﻟﻣﺟﺎﻧﯾﺔ أو‬
‫اﻻﻋﺗﺑﺎطﯾﺔ ﻓﻲ طرح اﻟرﻣوز‪ ،‬ﻟن ﺗؤدي‪ ،‬ﺑﺣﺎل ﻣن اﻷﺣوال‪ ،‬إﻟﻰ إﯾﺣﺎﺋﯾﺔ ذات‬
‫وظﯾﻔﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ـ ﺗﻌﺑﯾرﯾﺔ‪ .‬ﻓﺎﻹﯾﺣﺎء اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ھو إﯾﺣﺎء ﻣﻛﺛف ﻣﻣﺗﻠﺊ ﺑﻣوﺿوﻋﮫ‪،‬‬
‫ﯾؤدي وظﯾﻔﺔ ﯾﻌﺟز ﻋﻧﮭﺎ اﻟﺗﻧﺎول اﻟﻣﺑﺎﺷر ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ أو ﻟﻠظواھر واﻷﺷﯾﺎء‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﺳﻣﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺗﻌﻧﻲ أن ھذا اﻟرﻣز ھو ﺣﺎﻣل اﻧﻔﻌﺎل ﻻﺣﺎﻣل ﻣﻘوﻟﺔ‪.‬‬
‫وھو ﺑذﻟك ﯾﺧﺗﻠف ﻋن اﻟرﻣوز اﻟدﯾﻧﯾﺔ واﻟﻣﻧطﻘﯾﺔ واﻟﻌﻠﻣﯾﺔ واﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻣﻘوﻻت‬
‫وﻣﻔﺎھﯾم‪ ،‬ﻻاﻧﻔﻌﺎﻻت وأﺣﺎﺳﯾس‪.‬‬
‫وﻣن اﻟﺑدھﻲ أن ھذه اﻟﺳﻣﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﻣن طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ طﺑﯾﻌﺔ‬
‫اﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ ﺑﺎﻟﺿرورة‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن اﻟرﻣز اﻟﻔﻧﻲ ﻻﯾﻠ ّﺧص ﻓﻛرة أو ﯾﻌﺑّر ﻋن رأي ‪ ،‬أو‬
‫ﯾطرح ﻣوﻗﻔﺎ ً ﻓﻛرﯾﺎً؛ وإﻧﻣﺎ ﯾﻛﺛف اﻧﻔﻌﺎﻻً‪ ،‬وﯾﻌﺑر ﻋن ﺗﺟرﺑﺔ‪.‬‬
‫وﺗﻌﻧﻲ ﺳﻣﺔ اﻟﺗﺧﯾﯾل أن اﻟرﻣز ﻧﺗﺎج اﻟﻣﺟﺎز ﻻﻧﺗﺎج اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن ﺛﻣﺔ‬
‫ﺗﻧﺎوﻻً ﻣﺟﺎزﯾﺎ ً ﻟﻠظواھر واﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬ﺑﺣﯾث ﺗﺗﺣول ﻋن ﺻﻔﺎﺗﮭﺎ اﻟﻣﻌﮭودة‪ ،‬ﻟﺗدﺧل ﻓﻲ‬
‫ﻋﻼﻗﺔ ﺟدﯾدة ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻋن ﺳﯾﺎﻗﮭﺎ اﻟواﻗﻌﻲ‪ .‬ﻏﯾر أن ھذا اﻟﺗﺣول ﻣﺣﻛوم ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻷﺛر‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟذي ﺗﺧﻠﻔﮫ اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء ﻓﻲ اﻟذات اﻟﻣﺑدﻋﺔ‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟﺗﺧﯾﯾل‬
‫ﻻﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻛون ﺳﺎﺋﺑﺎً‪ ،‬ﻓﻲ اﻟرﻣز‪ ،‬ﻣن اﻟﻛﯾﻧوﻧﺔ اﻟواﻗﻌﯾﺔ‪ .‬وھذا ﻟﯾس ﺧﺎﺻﺎ ً ﺑﺎﻟرﻣز‬
‫وﺣده‪ .‬ﺑل ھو أﺳﺎس اﻟﺗﺧﯾﯾل ﻓﻲ اﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬وذﻟك ﻛﻣﺎ ﯾؤﻛد ادورﻧو‪ADORNO‬‬
‫ﺣﯾث ﯾرى أن اﻻﻧﻔﻼت اﻟﻣطﻠﻖ ﻣن اﻟﻛﯾﻧوﻧﺔ اﻟواﻗﻌﯾﺔ‪ .‬ﻟن ﯾؤدي إﻻ إﻟﻰ ﺗﺧﯾﯾل‬
‫ﻣﺟﺎﻧﻲ رﺧﯾص وﻣﺣدود اﻟﻘﯾﻣﺔ)‪.(12‬‬
‫وﻻﯾﺟرد‪ ،‬ﺑﺧﻼف اﻟرﻣوز‬ ‫ّ‬ ‫وﺗﺣﯾل ﺳﻣﺔ اﻟﺣﺳﯾﺔ ﻋﻠﻰ أن ھذا اﻟرﻣز ﯾﺟﺳّد‬
‫اﻷﺧرى‪ ،‬أي أن اﻟﺗﺣوﯾل اﻟذي ﯾﺗم ﻓﻲ اﻟرﻣز ﻻﯾﻧﮭض ﺑﺗﺟرﯾد اﻷﺷﯾﺎء ﻣن ﺣﺳﯾﺗﮭﺎ‬
‫ﺑل ﯾﻧﻘﻠﮭﺎ ﻣن ﻣﺳﺗواھﺎ اﻟﺣﺳﻲ اﻟﻣﻌروف إﻟﻰ ﻣﺳﺗوى ﺣﺳﻲ آﺧر‪ ،‬ﻟم ﯾﻛن ﻟﮭﺎ ﻣن‬
‫ﻗﺑل أو ﻟم ﻧﻌﮭده ﻓﯾﮭﺎ‪ .‬وھو ﻣﺎﯾﺗﻼءم وﺻﻔﺔ اﻟﺣﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗﺻف ﺑﮭﺎ اﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ‪.‬‬
‫ﻏﯾر أﻧﮫ ﻻﺑ ّد ﻣن اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن اﻟﺣﺳﯾﺔ ﻓﻲ اﻟرﻣز ﻻﺗﺗﻧﺎﻓﻰ واﻹﯾﺣﺎﺋﯾﺔ اﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ‬
‫ﻓﯾﮫ‪ .‬ﻓﻘد ﺗﻛون ﻋ ﻧﺎﺻر اﻟﻧص اﻟﺷﻌري ﻛﻠﮭﺎ ﺣﺳﯾﺔ‪ ،‬إﻻ أن دﻻﻻﺗﮫ ﻣﻌﻧوﯾﺔ‪ .‬إذ إن‬
‫اﻟﻣﻌﻧوي‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻔن‪ ،‬ﻻﯾﻣﻛن إﻻ أن ﯾﺗﺑدّى ﺣﺳﯾﺎً‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﺳﻣﺔ اﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗّﺳم ﺑﮭﺎ اﻟرﻣز اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬ﻣن دون اﻟرﻣوز اﻷﺧرى‪،‬‬
‫ﻓﺗﻌﻧﻲ أن ھذا اﻟرﻣز ﻻ أھﻣﯾﺔ ﻟﮫ ﺧﺎرج اﻟﺳﯾﺎق اﻟﻔﻧﻲ‪ .‬إن اﻟﺳﯾﺎق ھو اﻟذي ﯾﻌطﯾﮫ‬
‫‪- 68 -‬‬
‫أھﻣﯾﺗﮫ وﻛﯾﻧوﻧﺗﮫ اﻟﻣﺗﻣﯾزة‪ ،‬وﻣﺿﻣوﻧﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬وﻣن ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻟظﺎھرة اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ‬
‫اﻟواﺣدة ﯾﻣﻛن أن ﯾﺗوﻟّد ﻣﻧﮭﺎ ﻋدد ﻏﯾر ﻣﺣدود ﻣن اﻟرﻣوز اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ ،‬ﺑﺣﺳب ﻋدد اﻵﺛﺎر‬
‫أو اﻟﺗﺣرﯾﺿﺎت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻼﻏراﺑﺔ‪ ،‬إذاً‪ ،‬ﻓﻲ أن ﯾﺗﻧﺎﻗض رﻣزان‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ واﻹﯾﺣﺎﺋﻲ‪ ،‬وھﻣﺎ ﻣن ﻛﯾﻧوﻧﺔ واﻗﻌﯾﺔ واﺣدة‪ ،‬وﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ ﯾﻛون ﻟﻛ ٍّل‬
‫ﻣﻧﮭﻣﺎ اﻷھﻣﯾﺔ ذاﺗﮭﺎ‪.‬‬
‫إن ھذا اﻟرﻣز‪ ،‬ﺑﺎرﺗﺑﺎطﮫ ﺑﺎﻟﺳﯾﺎق اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬ﻣﺗﻐﯾّر وﻣﺗﺟدّد داﺋﻣﺎً‪ ،‬ﻣن ﺣﯾث‬
‫اﻟﻣﺿﻣون‪ .‬ﻓﻛل ﺳﯾﺎق ﯾﻔرض ﻣﺿﻣوﻧﺎ ً ﺧﺎﺻﺎ ً ﺑﮫ‪ .‬وﻻﯾﺟوز اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟرﻣز‬
‫اﻟﻔﻧﻲ ﺑﻣﻌزل ﻋن ﺳﯾﺎﻗﮫ‪ ،‬وﻛﺄن ﻟﮫ ﻛﯾﺎﻧﺎ ً ﻋﺎﻣﺎ ً ﻣﺷﺗرﻛﺎ ً ﺑﯾن اﻟﻧﺻوص اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻛﺎﻓﺔ‪،‬‬
‫أو ﻛﺄن اﻟﻛﯾﻧوﻧﺔ اﻟواﻗﻌﯾﺔ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﺗﻔرض ﻛﯾﻧوﻧﺔ رﻣزﯾﺔ ﻣﺣدّدة‪.‬‬
‫إن ﺳﻣﺔ اﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ ھﻲ إﺣدى اﻟﺳﻣﺎت اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟرﻣز اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬ﺣﯾث ﻧﻠﺣظ أن‬
‫اﻟرﻣوز اﻷﺧرى ھﻲ رﻣوز ﻏﯾر ﺳﯾﺎﻗﯾﺔ‪ .‬أي أن ﻟﮭﺎ ﻣﻌﻧﻰ ﻣﺣدداً‪ ،‬ﺑﻣﻌزل ﻋن‬
‫اﻟﺳﯾﺎق اﻟذي ﺗرد ﻓﯾﮫ‪ ،‬وذﻟك ﺑﺳﺑب ﻛوﻧﮭﺎ ﻣﻘوﻻت ﻣﻌرﻓﯾﺔ‪ ،‬ﻻاﻧﻔﻌﺎﻻت ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻟﻧﺄﺧذ اﻟرﻣز اﻟﺻوﻓﻲ ﻣﺛﻼً ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ .‬ﻓﮭذا اﻟرﻣز رﻣز ﻋﻘدي ـ ﻣﻌرﻓﻲ ﯾﻧﺗﻣﻲ إﻟﻰ‬
‫ﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ‪ ،‬ﺑﺧﻼف اﻟرﻣز اﻟﻔﻧﻲ اﻟذي ﯾﻧﺗﻣﻲ إﻟﻰ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ .‬وﻣن ھﻧﺎ‪،‬‬
‫ﻓﺈن ﺛﻣﺔ رﻣوزا ً ﺻوﻓﯾﺔ ﯾﺗﻌﺎﻣل ﺑﮭﺎ اﻟﺻوﻓﻲ ﺷﺎﻋرا ً ﻛﺎن أم ﻣﺗﻔﻠﺳﻔﺎ ً أم ﺳﺎﻟﻛﺎ ً أم‬
‫واﺻﻼً أم ﻋﺎرﻓﺎً‪ .‬وذﻟك ﻣن ﻣﺛل رﻣوز اﻟﻣﺣﺑوب واﻻرﺗﺣﺎل واﻟﺧﻣر واﻟﺳﱡﻛر‬
‫واﻟﺣﻣﺎﻣﺔ واﻟﺣﯾﺔ‪...‬إﻟﺦ‪ .‬ﻓرﻣز اﻟﺳﻛر ﻣﺛﻼً‪ ،‬ﻟدى اﻟﺣﻼج واﺑن ﻋرﺑﻲ واﺑن اﻟﻔﺎرض‬
‫واﺑن اﻟدﺑﺎغ‪ ،‬ھو ﻧﻔﺳﮫ ﻣن ﺣﯾث اﻟﻣﺿﻣون‪ .‬ﺳواء أﻛﺎن ھذا ﻓﻲ اﻟﺷﻌر أم ﻓﻲ اﻟﻧﺛر‬
‫أم ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺎھدة اﻟﺻوﻓﯾﺔ‪ .‬وﻟﯾس اﻷﻣر ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﺣو ﻓﻲ اﻟرﻣز اﻟﻔﻧﻲ اﻟذي‬
‫ﻻﻣﺿﻣون ﻣﺣددا ً ﻟﮫ‪ .‬وھو ﻣﺎﺳوف ﻧﻠﺣظﮫ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺄﺗﻲ ﻣن ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ ﻟرﻣزي اﻟرﯾﺢ‬
‫واﻟﺣﺟر‪ .‬وﻟﻛن ﻻﺑ ّد ﻣن اﻟﻘول إن اﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ ﻻﺗﻧﻔﻲ أن ﯾﺷﺗرك ﻋدة ﺷﻌراء أو‬
‫ﻧﺻوص ﻓﻲ ﻣﺿﻣون واﺣد ﻟﮭذا اﻟرﻣز أو ذاك‪ ،‬أو أن ﯾﮭﯾﻣن ﻣﺿﻣون ﻣﺣدد ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣرﺣﻠﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ‪ .‬إذ إن ھذا ﯾﻌود إﻟﻰ ھﯾﻣﻧﺔ ھﺎﺟس اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ـ ﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣﻌﯾن‪ ،‬ﻋﻠﻰ‬
‫ھذه اﻟﻣرﺣﻠﺔ أو ﺗﻠك‪ ،‬ﺑﺳﺑب اﻟﺿرورات اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‪ .‬واﻟﺣﻖ أن ھذا‬
‫اﻻﺷﺗراك ﯾﻔﯾد ﻓﻲ ﺗﺑﯾﺎن ﻧﺑض اﻟواﻗﻊ وﺣرﻛﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﻧﺻوص اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪.‬‬

‫* ﻣﺴﺘﻮﯾﺎت اﻟﺮﻣﺰ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ‪:‬‬


‫ﻟﻘد طرح ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ أﻧﻣﺎطﺎ ً ﻋدة‪ ،‬ﻣن اﻟرﻣوز اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻣﻛﻧت‬
‫ﻣن ﺗﻛﺛﯾف ﺗﺟرﺑﺗﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮫ ﺑﺎﻟواﻗﻊ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ـ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ اﻟذي راح‬
‫ﯾﺗﻧﺎﻣﻰ ﻓﯾﮫ‪ ،‬ﺑﺣﯾث ﺟﺎءت ھذه اﻟرﻣوز ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﻣﻌﺎدﻻً ﻓﻧﯾﺎ ً ﻣوﺿوﻋﯾﺎً‪ ،‬ﻟﻠﮭواﺟس‬
‫اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻟﻔردﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺑرزت ﻣﻊ ﺑروز ھذا اﻟﺷﻌر‪ .‬وﻣن دون أﺧذ ذﻟك ﺑﻌﯾن‬
‫اﻻﻋﺗﺑﺎر‪ ،‬ﯾﺻﻌب أن ﻧﻔﮭم ﺷﯾوع رﻣوز اﻟﺧﺻب واﻻﻧﺑﻌﺎث‪ ،‬ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﻧﮭوض‬
‫اﻟوطﻧﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﺧﻣﺳﯾﻧﯾﺎت اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن‪ .‬ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﺻﻌب أن ﻧﻔﮭم ﺷﯾوع رﻣوز‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 69 -‬‬


‫اﻟﯾﺑﺎب واﻟﺗﺷﯾؤ واﻻﻏﺗراب‪ ،‬ﻣﻊ ﺗﻧﺎﻣﻲ اﻹﺣﺳﺎس ﺑﺈﺧﻔﺎق ﺣرﻛﺔ اﻟﺗﺣرر اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ‬
‫إﻧﺟﺎز ﻣﺷروﻋﮭﺎ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ـ اﻟﺣﺿﺎري‪.‬‬
‫وﻣن اﻟﺑدھﻲ أﻧﻧﺎ ﻻﻧرﺑط ﺑﺷﻛل ﻣﯾﻛﺎﻧﯾﻛﻲ ﺑﯾن اﻟرﻣز اﻟﻔﻧﻲ واﻟﮭﺎﺟس‬
‫اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ﻧﺳﻌﻰ إﻟﻰ ﺗﺄﻛﯾد أن ﻛﺛﯾرا ً ﻣن اﻟرﻣوز ﯾﺻﻌب ﻓﮭﻣﮭﺎ‪ ،‬ﺑﻣﻌزل ﻋن‬
‫اﻟﮭﺎﺟس اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬وﻻﺳﯾﻣﺎ اﻟرﻣوز اﻟﻌﺎﻣﺔ أو اﻟﺧﺎﺻﺔ ﻣﻧﮭﺎ‪ ،‬ﻓﺈن ﻟﻠطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ‬
‫واﻟروﺣﯾﺔ ﻟﻠﻣﺑدع أﺛرا ً ﺣﺎﺳﻣﺎً‪ ،‬ﻓﻲ إﻧﺗﺎﺟﮭﺎ‪ .‬ﻏﯾر أن ھذه اﻟرﻣوز ﻗد ﻻﺗﺑﻘﻰ رﻣوزا ً‬
‫ﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬ﻓﯾﻣﺎ إذا ﺗﻘﺎطﻊ ﻓﯾﮭﺎ ﻏﯾر ﻣﺑدع‪ .‬وذﻟك ﻣن ﻣﺛل رﻣز "اﻟﺟدار" اﻟذي طرﺣﮫ‬
‫أﺣﻣد ﻋﺑد اﻟﻣﻌطﻲ ﺣﺟﺎزي‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ﻣﻌﺎﻧﺎﺗﮫ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟروﺣﯾﺔ‪ ،‬وﻗد ظﮭر ﺑﻌده‬
‫ﻋﻧد اﻟﻌدﯾد ﻣن ﺷﻌراء ﺟﯾﻠﮫ‪.‬‬
‫أﻣﺎ أﻧﻣﺎط اﻟرﻣوز اﻟﺗﻲ طرﺣﮭﺎ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻓﮭﻲ اﻟرﻣز اﻷﺳطوري‪،‬‬
‫واﻟرﻣز اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ واﻟرﻣز اﻻﺻطﻧﺎﻋﻲ)*( واﻟرﻣز اﻟطﺑﯾﻌﻲ‪ ،‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻧﯾﺔ‬
‫اﻟرﻣزﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ .‬وﻧﻠﺣظ أن ﺛﻣﺔ ﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻋدة ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ ﺗﻠك اﻟرﻣوز‪ ،‬وﻻﺳﯾﻣﺎ‬
‫اﻟرﻣز اﻷﺳطوري واﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻣﻧﮭﺎ‪.‬‬
‫وھذه اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت ھﻲ‪ :‬اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﺗراﻛﻣﻲ‪ ،‬واﻻﺳﺗﻌﺎري‪ ،‬واﻹﺷﺎري‬
‫اﻟﻣﻔﮭوﻣﻲ‪ ،‬واﻟﻣﺣوري‪ .‬وﻻﺑﺄس ﻣن اﻟﺗﻣﺛل ﻟﻛل ﻣﺳﺗوى ﻣن ھذه اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﻗد‬
‫ﺗﺗﺟﺎور ﻓﻲ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري اﻟواﺣد‪.‬‬
‫ﻓﻣن ﺣﯾث اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﺗراﻛﻣﻲ‪ ،‬ﻓﻘد ﺑدا أن اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺣداﺛﻲ وﻛﺄﻧﮫ اﻛﺗﺷف ﻓﻲ‬
‫اﻷﺳطورة ﻧﺻﺎ ً ﻓﻧﯾﺎ ً ﻣﻌﺎدﻻً ﻟﻣﺎ ﯾﺳﻌﻰ إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋﻧﮫ ‪ ،‬ﻓراح ﯾﺗرك ﻟﻸﺳطورة‬
‫ﺣرﯾﺔ اﻟﻘول ﻋﻧﮫ‪ ،‬ﻣﻣﺎﺟﻌل ﻣن ﺑﻌض اﻟﻧﺻوص اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻣزدﺣﻣﺎ ً ﺑﺎﻟرﻣوز‬
‫اﻷﺳطورﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎدت أن ﺗﻛون ھﻲ اﻟﻘول اﻟﺷﻌري ﻧﻔﺳﮫ ‪ .‬ﺑﻛﻠﻣﺔ أﺧرى‪ :‬إن‬
‫اﻷﺳطورة ﺑدت ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺳﺗوى ‪ ،‬وﻛﺄﻧﮭﺎ اﻟﺣﺎﻣل ﻟﻠﮭﺎﺟس اﻟﺷﻌري ‪ ،‬ﺣﺗﻰ‬
‫ﺗراﻛﻣت اﻟرﻣوز ﺑﺣﯾث ﻟم ﺗﻌد رﻣوزاً ﺑﻘدر ﻛوﻧﮭﺎ إﺷﺎرات إﻟﻰ اﻷﺳطورة ﻣن ﺟﮭﺔ‪.‬‬
‫وإﻟﻰ اﻟﮭﺎﺟس اﻟﺷﻌري ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى‪ ،‬وﻟﻌل اﻟﺳﯾﺎب ﻣن أواﺋل اﻟﺷﻌراء اﻟذﯾن‬
‫أﻏرﻗوا ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟرﻣوز‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺳﺗوى‪ .‬وﻟﻧﻘرأ اﻟﺳﯾﺎب ﻓﻲ ﻣﻘﺑوس ﯾﻌﺎﻟﺞ‬
‫ﻓﯾﮫ ﺗراﺟﯾدﯾﺔ اﻟﻣوﻣس اﻟﻌﻣﯾﺎء‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ﺗراﺟﯾدﯾﺔ اﻟﻣﻠك أودﯾب‪ ،‬ﻓﻲ أﺳطورﺗﮫ‬
‫اﻟﻣﻌروﻓﺔ‪:‬‬
‫ﻣن ھؤﻻء اﻟﻌﺎﺑرون‬
‫أﺣﻔﺎد )أودﯾب( اﻟﺿرﯾر ووارﺛوه اﻟﻣﺑﺻرون‬
‫)ﺟوﻛﺳت ( أرﻣﻠﺔ ﻛﺄﻣس‪ ،‬وﺑﺎب )طﯾﺑﺔ( ﻣﺎﯾزال‬
‫ﯾﻠﻘﻲ )أﺑو اﻟﮭول( اﻟرھﯾب ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬ﻣن رﻋب ظﻼل‬

‫* ـ ﻧﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﺮﻣﺰ اﻻﺻﻄﻨﺎﻋﻲ ھﻮ ﻛﻞ ﻣﺎاﺻﻄﻨﻌﮫ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ أﺷﯿﺎء وأدوات‪ ،‬ﻋﺒﺮ ﺗﺎرﯾﺨﮫ‪ ،‬ﻣﻦ‬
‫ﻣﺜﻞ اﻟﻤﻨﺰل واﻟﻘﻄﺎر واﻟﺴﻔﯿﻨﺔ واﻟﺮاﯾﺔ‪...‬إﻟﺦ وﻻﺷﻚ ﻓﻲ أن ھﺬه ﻻﺗﻜﻮن رﻣﻮزاً إﻻ إذا ﻋﺎﻣﻠﮭﺎ‬
‫اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻛﺬﻟﻚ‪.‬‬
‫‪- 70 -‬‬
‫واﻟﻣوت ﯾﻠﮭث ﻓﻲ ﺳؤال )‪.(13‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟﺳﯾﺎب ﻗد ﺗﻣ ّﻛن‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﻘﺑوس‪ ،‬ﻣن اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن‬
‫ﺗراﺟﯾدﯾﺔ اﻟﻣوﻣس اﻟﻌﻣﯾﺎء‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل اﻷﺳطورة‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻣﻘﺑوس ﺑﻘﻲ ﻓﻲ إطﺎر‬
‫ﺗرﺟﻣﺔ اﻷﺳطورة إﻟﻰ واﻗﻊ‪ ،‬ﻻأﺳطرة اﻟواﻗﻊ‪.‬ھذا ﻣن ﺟﺎﻧب‪ ،‬وﻣن ﺟﺎﻧب آﺧر‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫ھذه اﻷﺳﻣﺎء ﻟم ﺗﺳﺗطﻊ أن ﺗﺗﺣول إﻟﻰ رﻣوز‪ ،‬ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﻣﺻطﻠﺣﻲ‪ ،‬إذ إﻧﮭﺎ ﺑﻘﯾت‬
‫ي ﺑﻌد ﺟدﯾد‪ .‬ﻛﻣﺎ أﻧﮭﺎ ﻟم ﺗﺄﺧذ‬ ‫ﺗﺣﻣل ﻣﻌﻧﺎھﺎ اﻷﺻﻠﻲ‪ ،‬وﻟم ﯾﺿف اﻟﻣﻘﺑوس إﻟﯾﮭﺎ أ ّ‬
‫ﺷرﻋﯾﺗﮭﺎ ﻣن اﻟﻧص‪ ،‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ أن اﻟﻣﻘﺑوس ﻟم ﯾﺗرك ﻟﮭﺎ ﻓﺳﺣﺔ‪ ،‬ﻛﻲ ﺗﺗﻧﻔس‪ ،‬أو‬
‫أن ﺗﻌﻠن ﻋن ﻧﻔﺳﮭﺎ‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ﺟﺎءت ﻣﺗراﻛﻣﺔ ﺑﺷﻛل أﻓﻘدھﺎ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟدﻓﻖ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪،‬‬
‫ﻣﺛﻠﻣﺎ أﻓﻘدھﺎ اﻹﯾﺣﺎﺋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻣن دوﻧﮭﺎ‪ ،‬ﻻﻣﻌﻧﻰ ﻻﺳﺗﺧدام اﻟرﻣز واﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟرﻣزي‬
‫ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬وﻟﻌل اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﺗراﻛﻣﻲ ﯾﺗوﺿّﺢ أﻛﺛر‪ ،‬ﺣﯾن ﻧﻘرأ اﻟﻣﻘﺑوس اﻟﺗﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻟﻣﺣﻣد‬
‫ﻋﻣران‪:‬‬
‫إرم ذات اﻟﻌﻣﺎد‬
‫ذاك ﺷدّاد ﺑن ﻋﺎد ﯾزﺣم اﻷﺑواب‬
‫ﺣﺷد ﻣن ﻋﺑﺎد‬
‫ﯾﻔﺗﺣون اﻷرض‪ ،‬أودﯾب ﻋﻠﻰ ﺻﮭوة طﯾﺑﮫ‬
‫ﯾﺷﻧﻖ اﻟﻐول‪ .‬وھذا ﻗﯾدر‬
‫ﯾﻌﻘر اﻟﻧﺎﻗﺔ‪ .‬ھذا ﯾوﺳف‬
‫ﻛف زﻟﯾﺧﺎ‬‫ﯾﺗﻌرى ﻣن ﻗﻣﯾص اﻟﺣﺳن ﻓﻲ ّ ٍ‬
‫ﺗﻛﺷف اﻟﺳﺎﻗﯾن ﺑﻠﻘﯾس ﻟدى اﻟﺻرح‬
‫اﺑﻧﺔ اﻟﺷﯾﺦ ﻋﻠﻰ اﻟﺑﺋر‬
‫وﻣوﺳﻰ ﯾرﻓﻊ اﻟدﻟو‪ ،‬وﯾرﺗﺎح إﻟﻰ اﻟظ ّل‬
‫"أﺑﻲ ﯾدﻋوك"‬
‫ھذي ﺑﺎﺑل ! ھذي ﺳدوم ) ‪(14‬‬
‫إن ﻣراﻛﻣﺔ ﻣﺛل ھذه اﻟرﻣوز‪ ،‬ﻓﻲ ﻧص ﺷﻌري واﺣد‪ ،‬ﻻﯾُﻔﻘد اﻟرﻣز إﯾﺣﺎﺋﯾﺗﮫ‬
‫وﺣﺳب‪ .‬ﺑل ﯾُﻔﻘد اﻟﻧص ﺷﻌرﯾﺗﮫ أﯾﺿﺎً‪ .‬ﻓﻛﯾف ﺗراﻛﻣت ھذه اﻟرﻣوز‪ ،‬ﻓﻲ ﻣﻘﺑوس‬
‫ﻗﺻﯾر ﻛﮭذا‪ .‬ﻓﻘد اﻧﻌدﻣت ﺣرﻛﺔ اﻟرﻣز ﻓﻲ اﻟﺳﯾﺎق‪ ،‬وﻟم ﯾﺑﻖ ﻣﻧﮭﺎ ﻏﯾر اﻹﺣﺎﻟﺔ‬
‫اﻷﺳطورﯾﺔ‪ ،‬أو اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟﻣؤﺳطرة‪ .‬أي أن اﻹﺣﺎﻟﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﺷﺑﮫ ﻣﻌدوﻣﺔ‪ .‬وﺣﯾن‬
‫ﺗﻧﻌدم ھذه‪ ،‬ﯾﻧﻌدم ﺑﺎﻟﺿرورة ﺟﻣﺎل اﻟرﻣز واﻟﻧص ﻋﺎﻣﺔ‪.‬‬
‫ﻗد ﯾﺑدو‪ ،‬ﻟﻠوھﻠﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬أن ﻋﻣران ﻗد ﺳﻌﻰ‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ﻣراﻛﻣﺔ ﺗﻠك‬
‫اﻟرﻣوز‪ ،‬إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﻓوﺿوﯾﺔ اﻟواﻗﻊ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ـ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ‪ ،‬ھذه اﻟﻔوﺿوﯾﺔ‬
‫اﻟﺗﻲ ﺳوف ﺗؤدي ﺑﮫ إﻟﻰ اﻟدﻣﺎر واﻟﺧراب‪ ،‬ﺗﻣﺎﻣﺎ ً ﻛﻣﺎ ﺣدث ﻟﺑﺎﺑل وﺳدوم‪ .‬ﻏﯾر أن‬
‫اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟﻔوﺿوﯾﺔ ﻻﯾﺗﺄﺗﻰ ﻣن ﺧﻼل ﻓوﺿوﯾﺔ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري‪ ،‬أو ﻓوﺿوﯾﺔ‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 71 -‬‬
‫اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﻔﻧﻲ ﻣﻊ اﻟرﻣوز‪ .‬ﻓﺎﻟﻘﺑﺢ ﻻﯾﺗ ّم اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋﻧﮫ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻔن‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﻗﺑﯾﺢ‪ ،‬وإﻧﻣﺎ‬
‫ﺑﺷﻛل ﯾوﺣﻲ ﺑﺎﻟﺟﻣﺎل‪ .‬وھذه ھﻲ ﻣﯾزة اﻟﻔن ﺧﺎﺻﺔ‪.‬‬
‫إن ﻋﻣران ﻟم ﯾﻛن ﯾﺗﻌﺎﻣل‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﻘﺑوس‪ ،‬ﻣﻊ رﻣوز‪ ،‬ﻟﮭﺎ اﻟﺣﻖ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺗﻌﺑﯾر واﻹﯾﺣﺎء واﻟﺣرﻛﺔ داﺧل اﻟﻧص‪ ،‬ﺑﻘدر ﻣﺎﻛﺎن ﯾﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ إﺷﺎرات ذات ﻣﻌﻧﻰ‬
‫ﻣﺣدّد‪ .‬وﻣن اﻟﻣﻼﺣظ أن ﻋﻣران‪ ،‬ﻓﻲ ﺳﻌﯾﮫ إﻟﻰ ﻣراﻛﻣﺔ اﻟرﻣوزـ اﻹﺷﺎرات‪ ،‬ﻟم ﯾﻛن‬
‫ﻣدﻓوﻋﺎ ً ﻣن ھﺎﺟس اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ـ ﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣﺣدد‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﺟﻌل اﻟﻧص ﻣﺷﺗّت اﻹﯾﺣﺎء‪،‬‬
‫وﻣﺗﻧﺎﻗض اﻹﺣﺎﻻت أﯾﺿﺎً‪ .‬وھذا ﻣﺎﺗوﺿّﺢ ﻓﻲ ﻣﺣﻣوﻻت اﻟرﻣوز ـ اﻹﺷﺎرات‪.‬‬
‫ﻓﻣﺣﻣول اﺑن ﻋﺎد وأودﯾب‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧص‪ ،‬ﻣﺣﻣول ﺑطوﻟﻲ‪ .‬وﻓﻲ ﻗﯾدر ـ أو ﻗدار ﻋﺎﻗر‬
‫ﻧﺎﻗﺔ ﺻﺎﻟﺢ ـ ﻣﺣﻣول ﻗﺑﯾﺢ‪ .‬وﺛﻣﺔ ﻣﺣﻣول ﺟﻣﯾل ﻓﻲ ﯾوﺳف وزﻟﯾﺧﺎ‪ ،‬وﺳﻠﯾﻣﺎن‬
‫وﺑﻠﻘﯾس‪ ،‬وﻣوﺳﻰ واﺑﻧﺔ اﻟﺷﯾﺦ ـ زوﺟﮫ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد ـ ﻛﻣﺎ أن ﺛﻣﺔ ﻣﺣﻣوﻻً ﺑطوﻟﯾﺎ ً ﻓﻲ‬
‫"ﻣوﺳﻰ ﯾرﻓﻊ اﻟدﻟو" ﻟﯾﻧﺗﮭﻲ اﻟﻧص ﺑﻣﺣﻣول ﺗراﺟﯾدي )ﺑﺎﺑل‪ ،‬ﺳدوم(‪ .‬ﻏﯾر أن ھذه‬
‫اﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ ﻣﻔﺗﻌﻠﺔ وﻣﺑﺗﺳرة أﯾﺿﺎً‪ .‬إذ إن ﻛل اﻟﻣﺣﻣوﻻت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣطروﺣﺔ‪،‬‬
‫ﻣﺎﺧﻼ ﻣﺣﻣول ﻗﯾدر‪ ،‬ﻻﺗوﺣﻲ ﺑﺄن ﺛﻣﺔ ﺧطﯾﺋﺔ ﺗُوﻗﻌﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ‪ .‬أﻣﺎ ﺧطﯾﺋﺔ‬
‫ﻗﯾدر اﻟﺗﻲ أدت إﻟﻰ دﻣﺎر ﺛﻣود‪ .‬ﺣﯾث ‪ ‬أﺧذﺗﮭم اﻟرﺟﻔﺔ ﻓﺄﺻﺑﺣوا ﻓﻲ دارھم‬
‫ﺟﺎﺛﻣﯾن‪ (1)‬ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻟﯾﺳت ﺧطﯾﺋﺔ ﺗراﺟﯾدﯾﺔ‪ .‬ﻷن اﻟﻘﺑﯾﺢ ﻻﯾﻣﻛﻧﮫ أن ﯾﻛون‬
‫ﺗراﺟﯾدﯾﺎً‪ ،‬ﺑﺣﺎل ﻣن اﻷﺣوال‪.‬‬
‫وﺑﮭذا ﻓﺈن اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﺗراﻛﻣﻲ ﯾﺳﻲء إﻟﻰ اﻟﻧص‪ ،‬ﻗﺑل أن ﯾﺳﻲء إﻟﻰ اﻟرﻣز‪.‬‬
‫إذ إن ﺷﻌرﯾﺔ ھذا ﺗﺗﺄﺗﻰ ﻣن ﺷﻌرﯾﺔ ذاك‪ .‬وﻻﯾﻣﻛن أن ﺗﻧﻔﺻل إﺣداھﻣﺎ ﻋن اﻷﺧرى‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﻣن ﺣﯾث اﻟﻣﺳﺗوى اﻻﺳﺗﻌﺎري‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺷﺎﻋر ﻻﯾﺑدو ﻓﯾﮫ ﻣﻌﻧﯾّﺎ ً ﺑﺎﻟرﻣز‪ .‬ﺑل‬
‫ﺑﻣﺿﻣوﻧﮫ اﻟذي ﯾﺑدو ﻟﮫ ﺟﺎھزاً‪ ،‬وذا إﯾﺣﺎء ﻣﺣدد ﻧﮭﺎﺋﻲ؛ ﻣﻣﺎ ﯾدﻓﻌﮫ إﻟﻰ اﺳﺗﻌﺎرﺗﮫ‬
‫ﻟﻠﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﺣﺎﻟﺔ أو ﻣﻌﻧﻰ ﻣﺎ‪ ،‬أو ﯾدﻓﻌﮫ إﻟﻰ ﺟﻌﻠﮫ ﻣﺷﺑﮭﺎ ً ﺑﮫ‪ .‬وﻣن اﻟﻣﻌﻠوم أن‬
‫اﻟﻣﺷﺑّﮫ ﻓﻲ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﺷﺑﯾﮫ ھو اﻟﻐرض ﻣن إﻗﺎﻣﺔ ھذه اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ‪ ،‬وﻟﯾس اﻟﻣﺷﺑﮫ ﺑﮫ اﻟذي‬
‫ﯾﻛون اﻟﻐرض ﻣﻧﮫ اﻟﺗوﺿﯾﺢ أو اﻟﺗﺄﻛﯾد أو اﻟﺗدﻟﯾل ﻋﻠﻰ ﻣﺿﻣون اﻟﻣﺷﺑّﮫ‪ .‬وھذا‬
‫ّ‬
‫ﺳﺗﺣﻖ‬ ‫ﻣﺎﯾﺗﻧﺎﻓﻰ وﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟرﻣز اﻟﺗﻲ ﺗؤﻛد أھﻣﯾﺔ اﻟرﻣز ﺑذاﺗﮫ‪ ،‬ﺑوﺻﻔﮫ ﻣوﺿوﻋﺎ ً ﯾ‬
‫اﻻﻧﺗﺑﺎه إﻟﯾﮫ ﺑذاﺗﮫ ﻓﻔﻲ اﻟﻣﺳﺗوى اﻻﺳﺗﻌﺎري‪ ،‬إ ذاً‪ ،‬ﺗﻘزﯾم ﻟﻠرﻣز‪ ،‬وﺗﺣوﯾل ﻟﮫ إﻟﻰ‬
‫إﺷﺎرة ﻣﺣددة اﻟﻣﺿﻣون ﺑﺷﻛل ﻧﮭﺎﺋﻲ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﻗول ﺻﻼح ﻋﺑد اﻟﺻﺑور‪:‬‬
‫وأﺑﻲ ﯾﺛﻧﻲ ذراﻋﮫ‬
‫ﻛﮭرﻗل )‪(15‬‬
‫أو ﻗول ﻋﻠﻲ ﻛﻧﻌﺎن‪:‬‬
‫ﯾﺎﺗﺟﺎر ﻗرﯾش‬
‫ﯾﺎأﻋداء ﻧﺑوءات اﻟدم‬

‫‪ -1‬ﺳﻮرة اﻷﻋﺮاف‪.78 :‬‬


‫‪- 72 -‬‬
‫ﯾﺎاﻟﻌﻠﻖ اﻟراﺑﻲ ﻓﻲ اﻷﺣواض اﻟرطﺑﺔ‬
‫ھﺎأﻧذا أﺷﻌل ﻓﻲ ﺑﺎب اﻟﺳوق‬
‫ﻓﺗﯾل دﻣﻲ ﺑﺷرى ﻟﻠﻔﻘراء)‪(16‬‬
‫أو ﻗول أﺣﻣد ﺳﻠﯾﻣﺎن اﻷﺣﻣد‪:‬‬
‫ﻣﺎﻛﺎﻧت ﻛﻠﻣﺎت اﻟﺷﺎﻋر‬
‫ﺗﺣﻣل أي ﻣﻌﺎن ﻟوﻻ اﻟﺛورة واﻟﺛوار‬
‫ﻟم ﺗوﻟد )ﻛﺄﺛﯾﻧﺎ( ﺟﺎھزة ﻣن ﻓﻛر إﻟﮫ‬
‫ھذي اﻷﺷﻌﺎر)‪(17‬‬
‫وﻟﻌل اﻟﻣﺳﺗوى اﻹﺳﺗﻌﺎري ﻣن أﺳوأ اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت ﺗﻌﺎﻣﻼً ﻣﻊ اﻟرﻣوز‪ .‬ﺣﯾث‬
‫ﯾﺧﺗزل اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻷﺳطورﯾﺔ أو اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ أو اﻟواﻗﻌﯾﺔ ﺑﺈﺷﺎرة‪ ،‬وﯾﺧﺗزل اﻹﺷﺎرة‬
‫ﺑﻣﻘوﻟﺔ ﻧﺎﺟزة‪ ،‬وﻟﯾس ھذا ﻓﺣﺳب‪ .‬ﺑل إن اﻹﺷﺎرة ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻌدوﻣﺔ اﻟدﻓﻖ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪،‬‬
‫وﯾﻣﻛن ﺣذﻓﮭﺎ ﻣن اﻟﺳﯾﺎق أو اﺳﺗﺑداﻟﮭﺎ‪ ،‬ﻣن دون أن ﯾؤﺛر ذﻟك ﻓﯾﮫ ‪،‬أو ﻓﻲ اﻟﺗﺟرﺑﺔ‬
‫اﻟﻣطروﺣﺔ ‪،‬ﻓﮭرﻗل ‪،‬ﻣﺛﻼً ‪،‬ﯾﻣﻛن اﺳﺗﺑداﻟﮫ ﺑﺂﺧﯾل أو أﻧﻛﯾدو أو ﻋﻧﺗرة ‪..‬اﻟﺦ ‪ ،‬ﻣن‬
‫دون أن ﯾﺗﺄﺛر اﻟﻣﻌﻧﻰ أو اﻟﺣﺎﻟﺔ اﻟﺷﻌورﯾﺔ ‪ .‬وذﻟك ﺑﻣﺎ أن اﻟﻐرض ﻣﻧﮫ إﺑراز اﻟﻣﻘدرة‬
‫اﻟﺑدﻧﯾﺔ اﻟﻔﺎﺋﻘﺔ ﻓﺣﺳب ‪.‬أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ) أﺛﯾﻧﺎ ( ﻓﺈن ﺣذﻓﮭﺎ ﻣن اﻟﺳﯾﺎق ﯾﺑدو أﻓﺿل‬
‫ﻣن إﺛﺑﺎﺗﮭﺎ ﻓﯾﮫ ‪.‬ﻛﺄن ﻧﻘول )ﻟوﻻ اﻟﺛورة واﻟﺛوار ‪،‬ﻟم ﺗوﻟد ھذي اﻷﺷﻌﺎر ( وإن ﯾﻛن‬
‫ھذا اﻟﻘول ﻣﺑﺗذﻻً‬
‫وﻏﯾر ﺷﻌري‪ .‬ﺣﯾث إن اﻟﺷﺎﻋر ﻓﻲ اﺳﺗﻌﺎرﺗﮫ ﻷﺛﯾﻧﺎ‪ ،‬ﻗد أﺷﺎر أﯾﺿﺎ ً إﻟﻰ ﻣﺎ‬
‫ﯾﻘﺻده ﻣن ھذه اﻻﺳﺗﻌﺎرة‪ ،‬وھو اﻟوﻻدة ﻣن رأس اﻹﻟﮫ‪ .‬وﻛﺄن ھذه اﻹﺷﺎرة ﺟﺎءت‬
‫ﺑوﺻﻔﮭﺎ وﺟﮫ اﻟﺷﺑﮫ‪ ،‬ﻓﻲ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﺷﺑﯾﮫ اﻟﺗﻲ ﻋﻘدھﺎ اﻟﺷﺎﻋر ﺑﯾن اﻟﺷﻌر وأﺛﯾﻧﺎ‪.‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن رﻣز "ﺗﺟﺎر ﻗرﯾش" رﻣز ﻗد وﻓّﻖ ﺑﮫ اﻟﺷﺎﻋر‪ ،‬ﻣن ﺣﯾث‬
‫اﻹﯾﺣﺎء اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﺑﻣﺎ ﯾﺟري ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن ﻣﺗﺎﺟرة ﺑﻘﺿﯾﺔ اﻟﻔﻘراء‪،‬‬
‫وﻣﺻﺎدرة ﻟﮭﺎ‪ .‬ﻏﯾر أن ﻣﺗﺎﺑﻌﺔ ھذا اﻟرﻣز ﺑﺟﻣﻠﺗﻲ اﻟﻧداء اﻟﺗﺎﻟﯾﺗﯾن‪ ،‬ﺑﻣﺎ ﯾوﺣﻲ وﻛﺄن‬
‫ﺛﻣﺔ ﺷرﺣﺎ ً ﻟﮫ‪ ،‬ﻗد ﺿﯾّﻘت اﻟﻣﺟﺎل اﻹﯾﺣﺎﺋﻲ اﻟذي ﯾﻣﻛن أن ﯾﺣوزه ھذا اﻟرﻣز‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ‬
‫أن ﺟﻣﻠﺗﻲ اﻟﻧداء ﺗﺣدّدان اﻟﺗﻠﻘﻲ ﺑﺎﻟﻣﻧﺣﻰ اﻟذي ﺳﺎرﺗﺎ ﻓﯾﮫ‪ .‬وﻓﻲ ھذا ﺗﺿﯾﯾﻖ ﻟﻣﺎ ھو‬
‫واﺳﻊ‪ ،‬وإﻏﻼق ﻟﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﻣﻔﺗوﺣﺎً‪.‬‬
‫وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻹﺷﺎري اﻟﻣﻔﮭوﻣﻲ‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺗﺑدّى ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر اﻟرﻣز ﻣﻘوﻟﺔ‬
‫ﻓﻠﺳﻔﯾﺔ‪ ،‬أو ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‪ ،‬أو أﺧﻼﻗﯾﺔ‪ .‬ﻣﻣﺎ ﯾؤدي ﺑﺎﻟرﻣز إﻟﻰ اﻻﻧﺣراف ﻋن اﻟﺣﻘل‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ إﻟﻰ ﺣﻘول أﺧرى ذات ﻣﺎھﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ .‬وھو ﻣﺎ ﯾؤدي‪ ،‬ﺑدوره‪ ،‬إﻟﻰ‬
‫اﻻﻧﺣراف ﻋن اﻟﺷﻌري إﻟﻰ اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ أو اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ أو اﻷﺧﻼﻗﻲ‪ .‬ﻏﯾر أن اﻟرﻣز ﻟﯾس‬
‫ھو اﻟﺳﺑب ﻓﻲ ذﻟك‪ .‬ﺑل اﻟوﻋﻲ اﻟﺷﻌري اﻟذي إذا ﻣﺎ اﻧﺣرف ﻋن ﻧﺳﻘﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪،‬‬
‫اﻧﺣرف اﻟﻧص ﺑﻛﺎﻣﻠﮫ ﻋن اﻟﺷﻌرﯾﺔ ‪ . POETICS‬ﻓﺑدﻻً ﻣن أن ﯾﺗﻌﺎﻣل اﻟﺷﺎﻋر ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 73 -‬‬


‫ﻣﻊ اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء واﻟﺣﺎﻻت واﻟرﻣوز‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻌﺎﻣﻠﮭﺎ ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﻣﻘوﻻت ﯾﻣﻛن‬
‫ﻧﻘﻠﮭﺎ ﻣن ﺣﻘوﻟﮭﺎ اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﺣﻘل اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬وﻓﻲ ذﻟك ﻣﺎﻓﯾﮫ ﻣن إﺷﻛﺎﻟﯾﺎت ﻓﻧﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻧﻠﺣظ‪ ،‬ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺧص ھذا اﻟﻣﺳﺗوى‪ ،‬أن اﻟرﻣز ﻻﯾﺄﺗﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧص‪ ،‬إﻻ ﺑوﺻﻔﮫ‬
‫ﺣﺎﻣﻼً ﻟﻸﻓﻛﺎر اﻟﺗﻲ ﯾﺗﺑﻧﺎھﺎ اﻟﺷﺎﻋر‪ .‬ﻓﺎﻟﻣﺑدع اﻟﻘوﻣﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ﯾﻣﯾل إﻟﻰ رﻣوز ذات‬
‫ﺳﻣﺔ ﻋرﺑﯾﺔ؛ واﻟﻣﺑدع اﻟﻘوﻣﻲ اﻟﺳوري ﯾﻣﯾل إﻟﻰ رﻣوز ذات أﺻل ﺳوري ﻗدﯾم؛‬
‫واﻟﻣﺑدع اﻷﻣﻣﻲ ﯾﻣﯾل إﻟﻰ رﻣوز ذات ﺑﻌد أﻣﻣﻲ ‪...‬إﻟﺦ‪ .‬وﻣن اﻟﺑدھﻲ أﻧﻧﺎ ﻻﻧﻌﺗرض‬
‫اﻟﺗوزع‪ ،‬ﻣن ﺣﯾث ھو ﺗﻌﺑﯾر ﺟﻣﺎﻟﻲ ـ وإن ﯾﻛن ﻟﮭذا اﻟﺗوزع أﺳﺎس‬ ‫ّ‬ ‫ﻋﻠﻰ ھذا‬
‫أﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻻ ﺟﻣﺎﻟﻲ ـ ﻏﯾر أن اﻻﻋﺗراض ﯾﻧﺻبﱡ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ ﺗﻠك اﻟرﻣوز‪،‬‬
‫ﻣن ﻣﻧظور ﻛوﻧﮭﺎ أﻓﻛﺎراً وﻣﻘوﻻت وﻣﻔﺎھﯾم‪ ،‬ﻻﻣن ﻣﻧظور اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ‬
‫ﯾﻣﻛن أن ﺗﺷﺣﻧﮭﺎ ﺑطﺎﻗﺔ اﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ وإﯾﺣﺎﺋﯾﺔ‪.‬‬
‫إن ھذا اﻟﻣﺳﺗوى ﻗد أدﺧل اﻟرﻣوز‪ ،‬ﻓﻲ داﺋرة ﻣﻐﻠﻘﺔ‪ ،‬ﻟم ﯾﻌد ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن أن‬
‫ﺗﻔﻠت ﻣﻧﮭﺎ‪ .‬وھو ﻣﺎﯾﺳوغ إھﻣﺎﻟﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺛﻣﺎﻧﯾﻧﺎت‪ ،‬ﺑﻌد أن اﺳﺗﻧﻔدت اﻟﻐرض‬
‫ﻣﻧﮭﺎ‪ ،‬وأﺻﺑﺣت ﻣﺑﺗذﻟﺔ‪ ،‬ﻣن ﺣﯾث اﻹﯾﺣﺎء‪ .‬أﻣﺎ ھذه اﻟرﻣوز ﻓﮭﻲ ﻧﻔﺳﮭﺎ ﺗﻘرﯾﺑﺎ ً‬
‫اﻟرﻣوز اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟداﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺧﺻب واﻻﻧﺑﻌﺎث؛ أو رﻣوز اﻟﺑطوﻟﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﺳﻣﺗﮭﺎ‬
‫اﻻﺷﺗراﻛﯾﺔ‪ ،‬ﻣن ﻣﺛل اﻟﺻﻌﺎﻟﯾك وأﺑﻲ ذر اﻟﻐﻔﺎري واﻟﻘراﻣطﺔ؛ أو رﻣوز اﻟﻘﺑﺢ اﻟداﻟﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻣﻊ واﻻﺳﺗﻼ ب ﻣن ﻣﺛل اﻟﺣﺟﺎج وﺗﯾﻣور ﻟﻧك وھوﻻﻛو‪ .‬وﻻﺑﺄس ﻣن‬
‫اﻹﺷﺎرة‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬إﻟﻰ أن ھذه اﻟرﻣوز ﻗد اﺑﺗذﻟت‪ ،‬ﻻ ﻷﻧﮭﺎ أﺻﺑﺣت رﻣوزا ً‬
‫ﻋﺎﻣﺔ ﻣﺗداوﻟﺔ ﺑﯾن اﻟﻧﺻوص اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺣداﺛﯾﺔ‪ .‬ﺑل ﻷن ﻛﺛﯾراً ﻣﻧﮭﺎ ﻗد ﺗ ﱠم إﻧﺗﺎﺟﮫ‬
‫ﺗﺣت ﺿﻐط اﻟﺣﻘول ﻏﯾر اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ وﻧﻣﺛّل ﻋﻠﻰ ذﻟك ﺑﻣﻘﺑوﺳﯾن ﻟﻛل ﻣن أدوﻧﯾس‬
‫وﺧﻠﯾل ﺣﺎوي‪.‬‬
‫ﯾﻘول أدوﻧﯾس ﻓﻲ طﺎﺋر اﻟﻔﯾﻧﯾﻖ‪:‬‬
‫ﻓﯾﻧﯾﻖ ﻟﯾس ﻣن ﯾرى ﺳوادﻧﺎ‬
‫ﯾﺣس ﻛﯾف ﻧ ّﻣﺣﻲ‬‫ﱡ‬
‫ﻓﯾﻧﯾﻖ‪ ،‬أﻧت ﻣن ﯾرى ﺳوادﻧﺎ‬
‫ﯾﺣس ﻛﯾف ﻧ ّﻣﺣﻲ‬ ‫ﱡ‬
‫ﻓدى ﻟﻧﺎ‬
‫ﻓﯾﻧﯾﻖ ﻣت ً‬
‫ﻓﯾﻧﯾﻖ وﻟﺗﺑدأ ﺑك اﻟﺣراﺋﻖ‬
‫ﻟﺗﺑدأ اﻟﺷﻘﺎﺋﻖ‬
‫ﻟﺗﺑدأ اﻟﺣﯾﺎة‬
‫ﯾﺎأﻧت‪ ،‬ﯾﺎرﻣﺎد‪ ،‬ﯾﺎﺻﻼة)‪(18‬‬
‫وﯾﻘول ﺧﻠﯾل ﺣﺎوي ﻓﻲ ﺗﻣوز إﻟﮫ اﻟﺧﺻب‪:‬‬
‫ﯾﻔض اﻟﺗرﺑﺔ اﻟﻌﺎﻗر‬
‫ﱡ‬ ‫ﯾﺎإﻟﮫ اﻟﺧﺻب‪ ،‬ﯾﺎﺑﻌﻼً‬
‫‪- 74 -‬‬
‫ﯾﺎﺷﻣس اﻟﺣﺻﯾد‬
‫ﯾﺎإﻟﮭﺎ ً ﯾﻧﻔض اﻟﻘﺑر وﯾﺎﻓﺻﺣﺎ ً ﻣﺟﯾد‬
‫أﻧت ﯾﺎﺗﻣوز‪ ،‬ﯾﺎﺷﻣس اﻟﺣﺻﯾد‬
‫ﻧﺟّﻧﺎ‪ ،‬ﻧ ّﺞ ﻋروق اﻷرض‬
‫ﻣن ﻋﻘم دھﺎھﺎ ودھﺎﻧﺎ‬
‫أدﻓﺊ اﻟﻣوﺗﻰ اﻟﺣزاﻧﻰ‬
‫واﻟﺟﻼﻣﯾد اﻟﻌﺑﯾد)‪(19‬‬
‫واﺿﺢ ﻣن ھذﯾن اﻟﻣﻘﺑوﺳﯾن أن ﻓﯾﻧﯾﻖ وﺗﻣوز ﯾﻧﮭﺿﺎن ﻣن ﻣﻘوﻟﺔ واﺣدة‪،‬‬
‫وھﻲ ﻣﻘوﻟﺔ اﻻﻧﺑﻌﺎث‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ﻣﻔﮭوم اﻟﺑطوﻟﯾﺔ اﻟﻔردﯾﺔ‪ ،‬وﺑﻣﺎ أن اﻷﻣر ﻋﻠﻰ ھذا‬
‫ﯾﺗﺿرر ﺳﯾﺎﻗﺎ اﻟﻣﻘﺑوﺳﯾن‪ ،‬إذا ﻣﺎاﺳﺗﺑدل ﻓﯾﻧﯾﻖ ﺑﺗﻣوز أو اﻟﻌﻛس‪ .‬ﻓﻛل ﻣن‬ ‫ّ‬ ‫اﻟﻧﺣو‪ ،‬ﻓﻠن‬
‫اﻟرﻣزﯾن ﯾﻣﺗﻠك اﻻﺳﺗﻘﻼﻟﯾﺔ ﻋن ﺳﯾﺎﻗﮫ‪ ،‬ﺑوﺻﻔﮫ ﻣﻘوﻟﺔ ﻧﺎﺟزة‪ .‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن‬
‫اﻟﻣﻘﺑوس اﻟﺛﺎﻧﻲ أﻛﺛر ﺻدورا ً ﻋن اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻣن اﻟﻣﻘﺑوس اﻷول؛ إﻻ أﻧﮫ‬
‫وﻗﻊ ﻓﯾﻣﺎ وﻗﻊ ﻓﯾﮫ اﻷول‪ ،‬ﻣن ﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ رﻣز ﻧﺎﺟز‪ ،‬ﻻﯾﺣﺗﺎج ﻣن اﻟﺷﺎﻋر إﻻ إﻟﻰ‬
‫إدﺧﺎﻟﮫ ﻓﻲ اﻟﺳﯾﺎق اﻟﻔﻧﻲ‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن اﺳﺗﺑداﻟﮫ ﺑرﻣز آﺧر‪ ،‬ﻟﮫ اﻟﺑﻌد اﻟرﻣزي ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬ﻟن‬
‫ﯾؤﺛر ﺳﻠﺑﺎ ً ﻓﻲ ذﻟك اﻟﺳﯾﺎق‪ .‬وﻓﻲ اﻟﻣﺣﺻﻠﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻘول اﻟﻔﻛري ھو اﻟذي ﯾﻘف وراء‬
‫ھذﯾن اﻟﻣﻘﺑوﺳﯾن‪.‬‬
‫ﺗﻠك ھﻲ اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﺛﻼﺛﺔ اﻟدﻧﯾﺎ اﻟﺗﻲ ﺷﺎﻋت ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮫ‬
‫ﺑﺎﻟرﻣز اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬وﻻﺳﯾﻣﺎ اﻷﺳطوري واﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ‪ .‬وﻻﺷك ﻓﻲ أﻧﮭﺎ ﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻣﺗداﺧﻠﺔ‪،‬‬
‫وﻣﺗﺷﺎﻛﻠﺔ أﯾﺿﺎً‪ .‬ﻏﯾر أن اﻟﻔرق اﻷﺳﺎﺳﻲ ﺑﯾﻧﮭﺎ ﯾﻛﻣن ﻓﻲ ﻏرﺿﯾﺔ اﻟرﻣز داﺧل‬
‫اﻟﻧص‪ .‬ﻓﻌﻠﻰ ﺣﯾن ﺗﻛﻣن ﻏرﺿﯾّﺔ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﺗراﻛﻣﻲ ﻓﻲ أن اﻟرﻣوز ﻣﻌﺎدﻟﺔ‬
‫ﻟﻠﮭﺎﺟس اﻟﺷﻌري؛ ﺗﻛﻣن ﻏرﺿﯾﺔ اﻟﻣﺳﺗوى اﻻﺳﺗﻌﺎري ﻓﻲ أن اﻟرﻣز ﺗوﺿﯾﺢ أو‬
‫ﺗوﻛﯾد أو ﺗدﻟﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻛرة اﻟﻣطروﺣﺔ؛ وﺗﻛﻣن ﻏرﺿﯾّﺔ اﻟﻣﺳﺗوى اﻹﺷﺎري‬
‫اﻟﻣﻔﮭوﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟﻣوﻗف اﻟﻔﻛري‪ .‬وﺗﺑﻘﻰ ھذه اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﺛﻼﺛﺔ ﻓﻲ إطﺎر‬
‫اﻹﺷﺎرة أو اﻟﻌﻼﻣﺔ‪ ،‬وﻗﻠّﻣﺎ ﺗﺗﺟﺎوزھﺎ إﻟﻰ ﺣدود اﻟرﻣز اﻟﻔﻧﻲ ﺑوﺻﻔﮫ ﺷﻛﻼً ﯾﺳﺗوﻋب‬
‫اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻗد ﯾﻘﺎل‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬ﻛﯾف ﯾﻣﻛن أن ﻧﺻﻧف ھذه اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت ﺗﺣت‬
‫ﻣﺻطﻠﺢ اﻟرﻣز اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬إذا ﻟم ﺗﻔﺎرق ﻛوﻧﮭﺎ إﺷﺎرة أو ﻋﻼﻣﺔ‪..‬؟‬
‫وﻧﻘول‪ :‬إن ﺗﺻﻧﯾﻔﮭﺎ ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﺣو ﯾﻧطﻠﻖ ﻣن أن اﻟﺷﺎﻋر ﺣﯾن ﻛﺎن‬
‫ﯾﺳﺗﺧدﻣﮭﺎ‪ ،‬إﻧﻣﺎ ﻛﺎن ﯾرى ﻓﯾﮭﺎ رﻣوزا ً ﺗﻌﺑّر ﻋن ﺗﺟرﺑﺗﮫ‪ ،‬وﻟﯾس ﻟﻧﺎ أن ﻧﺻﺎدر ﺣﻘّﮫ‬
‫ﻓﻲ ذﻟك‪ .‬أﻣﺎ أن ﯾﻛون ﻗد ﻧﺟﺢ أو أﺧﻔﻖ ﻓﻲ اﺳﺗﺧداﻣﮭﺎ‪ ،‬ﻓﮭذا ﺷﺄن آﺧر ﺗﻣﺎﻣﺎ ً‪ .‬وﻟﻧﺎ‬
‫ﻧﻘوم اﺳﺗﺧداﻣﮫ ﺳﻠﺑﺎ ً أو إﯾﺟﺎﺑﺎً‪.‬‬
‫اﻟﺣﻖ ﻓﻲ أن ﻧﺣﺎوره ﻓﻲ ذﻟك‪ ،‬أو أن ّ ِ‬‫ّ‬ ‫ﻛ ﱡل‬
‫وأﻣﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻣﺣوري ﻣن اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟرﻣوز‪ ،‬ﻓﯾﻣﻛن اﻟﺗوﻛﯾد‬
‫أن ھذا اﻟﻣﺳﺗوى ھو اﻟذي ﯾﻧطﺑﻖ ﻋﻠﯾﮫ ﻣﺻطﻠﺢ اﻟرﻣز اﻟﻔﻧﻲ ﺑﻛل ﻣﺎﯾﻌﻧﯾﮫ‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 75 -‬‬
‫اﻟﻣﺻطﻠﺢ‪ ،‬ﺣﯾث ﻧﻠﺣظ اﻹﯾﺣﺎﺋﯾﺔ واﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ واﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ واﻟﺗﺧﯾﯾل واﻟﺣﺳﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا‬
‫اﻟﻣﺳﺗوى اﻟذي ﯾﺷ ّﻛل ﻣﺣور اﻟﻘول اﻟﺷﻌري‪ .‬وﻟﻘد ﺗوزع ھذا اﻟﻣﺳﺗوى‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر‬
‫اﻟﺣدا ﺛﺔ‪ ،‬إﻟﻰ ﺷﻛﻠﯾن اﺛﻧﯾن‪ .‬وھﻣﺎ‪ :‬ﻣﺣورﯾﺔ اﻟرﻣز ﻓﻲ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري ﻋﺎﻣﺔ‪،‬‬
‫وﻣﺣورﯾﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ‪ .‬أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﺷﻛل اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻓﺈن ﺑﻧﯾﺔ‬
‫اﻟﺻورة ﻓﯾﮫ ﺗﻧﮭض ﻣن أﺑﻌﺎد اﻟرﻣز اﻹﯾﺣﺎﺋﯾﺔ‪ ،‬وﺗﺗﺄﺳس ﻋﻠﯾﮭﺎ‪ .‬ﺑﺣﯾث إن إﯾﺣﺎﺋﯾﺔ‬
‫اﻟﺻورة ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ إﯾﺣﺎﺋﯾﺔ اﻟرﻣز‪ ،‬ﻛﻣﺛل ﻗول اﻟﺳﯾﺎب‪:‬‬
‫أھذه ﻣدﯾﻧﺗﻲ؟ ﺟرﯾﺣﺔ اﻟﻘﺑﺎب‬
‫ﻓﯾﮭﺎ ﯾﮭوذا أﺣﻣر اﻟﺛﯾﺎب‬
‫ﯾﺳﻠّط اﻟﻛﻼب‬
‫ﻋﻠﻰ ﻣﮭود إﺧوﺗﻲ اﻟﺻﻐﺎر‪ ...‬واﻟﺑﯾوت)‪(20‬‬
‫إن ﯾﮭوذا ﻟﯾس ﻣﺣور ھذه اﻟﺻورة ﻓﺣﺳب‪ .‬ﺑل ھو ﺑؤرة اﻹﯾﺣﺎء اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‬
‫ﻓﯾﮭﺎ أﯾﺿﺎً‪ .‬ﻓﺎﻟﻘﺑﺎب ﻟم ﺗﻧﺟرح إﻻ ﺑﯾﮭوذا‪ ،‬وﻟم ﺗﻧوﺟد اﻟﻛﻼب إﻻ ﺑﮫ‪ ،‬وﻟم ﯾرﺗﻌب‬
‫اﻟﺻﻐﺎر واﻟﺑﯾوت ﻟوﻻه‪.‬‬
‫وإذا ﻛﺎن ﯾﮭوذا أﺣﻣر اﻟﺛﯾﺎب ﻟﺷﮭواﻧﯾﺗﮫ اﻟدﻣوﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻘﺑﺎب ﺣﻣر ﺑدﻣﮭﺎ‬
‫اﻟﻣراق‪ ،‬وأﯾﺿﺎ ً ﻓﺈن اﻟﻛﻼب ﻣﺗداﻓﻌﺔ ﻧﺣو اﻟدﻣﺎء‪ .‬وﻣﺎﯾﻘﺎل ﻓﻲ اﻟﻘﺑﺎب ﯾﻘﺎل أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ‬
‫اﻟﺻﻐﺎر واﻟﺑﯾوت ﺣﯾث دﻣﮭﺎ اﻟﻣراق ﺑﻔﻌل اﻟﻛﻼب‪ .‬أي أن ﺷﮭواﻧﯾﺔ ﯾﮭوذا اﻟﺣﻣراء‬
‫ﻗد اﻧﻌﻛﺳت إﯾﺟﺎﺑﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟﻛﻼب اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻣن ﻣرادﻓﺎﺗﮫ‪ ،‬واﻧﻌﻛﺳت ﺳﻠﺑﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻘﺑﺎب واﻟﺻﻐﺎر واﻟﺑﯾوت اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻣن ﻧﻘﺎﺋﺿﮫ‪ .‬وﻗد اﻧﻌﻛس ﻛ ّل ذﻟك ﻓﻲ ﺗوﺟﯾﮫ‬
‫اﻟﺻورة ﻧﺣو اﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻣن اﻟﻣﻔﯾد‪ ،‬ھﻧﺎ‪ ،‬أن ﻧﺷﯾر إﻟﻰ أن ﯾﮭوذا ﻓﻲ اﻷﻧﺎﺟﯾل‪ ،‬ﻟﯾﺳت ﻟﮫ ھذه اﻷﻓﻌﺎل‬
‫اﻟﺗﻲ ﺣﻣﻠﮫ إﯾﺎھﺎ اﻟﺳﯾﺎب‪ ،‬ﻓﻲ ھذه اﻟﺻورة‪ ،‬ﻏﯾر أن ﻟﻠﺷﺎﻋر اﻟﺣﻖ‪ ،‬ﻓﻲ أن ﯾﻌﺎﻣل‬
‫اﻟرﻣز ﻣن اﻟﻣﻧظور اﻟذي ﯾﺧدم ھﺎﺟﺳﮫ اﻟﺷﻌري وﺗﺟرﺑﺗﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬إذا ﻣﺎﻛﺎن اﻟرﻣز‬
‫ﯾﺣﻣل اﻟطﺎﻗﺔ اﻹﯾﺣﺎﺋﯾﺔ ﻓﻲ ذﻟك‪ .‬ﻟﻘد رأى اﻟﺳﯾﺎب‪ ،‬ﻓﻲ ﯾﮭوذا‪ ،‬رﻣزا ً ﻟﻠدﯾﻛﺗﺎﺗور‪ .‬ﻣن‬
‫ﻣﻧظور أن ﯾﮭوذا ﻗد أراق دم اﻟﻣﺳﯾﺢ‪ ،‬أو ﻛﺎن اﻟﺳﺑب ﻓﻲ إراﻗﺗﮫ‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ﺗﺳﻠﯾﻣﮫ‬
‫اﻟﻣﺳﯾﺢ ﻟﺟﻧود اﻟطﺎﻏﯾﺔ ھﯾرودس‪ .‬ﻓﺎﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن ﯾﮭوذا وھﯾرودس ھﻲ اﻟﺗﻲ أوﺣت‬
‫ﻟﻠﺳﯾﺎب ﺑﺗﺣوﯾل ﯾﮭوذا إﻟﻰ رﻣز ﻟﻠطﺎﻏﯾﺔ أو اﻟدﯾﻛﺗﺎﺗور‪ ،‬ﻣﻊ اﺣﺗﻔﺎظ ﯾﮭوذا ﺑﻔﻌل‬
‫اﻟﺧﯾﺎﻧﺔ واﻟﻐدر‪ .‬وﻛﺄن ﯾﮭوذا‪ ،‬ﻓﻲ ﺻورة اﻟﺳﯾﺎب‪ ،‬ﻟﯾس رﻣز اﻟدﯾﻛﺗﺎﺗور ﻓﺣﺳب ﺑل‬
‫ھو رﻣز اﻟدﯾﻛﺗﺎﺗور اﻟذي ﻛﺎن ﻗد وﻋد اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺑﺎﻷﻣﺎن‪ ،‬واﻧﻘﻠب ﻋﻠﯾﮭﺎ ﺑﺎﻟﺧﯾﺎﻧﺔ‬
‫واﻟﻐدر واﻻﺳﺗﻼب‪ .‬ﻓﺎﻟﻣدﯾﻧﺔ‪ ،‬ﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ‪ ،‬ﻻﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣن اﻟطﻐﯾﺎن ﻓﻘط‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ﺗﻌﺎﻧﻲ‬
‫أﯾﺿﺎ ً ﻣن اﻟﺧﯾﺎﻧﺔ واﻧﻛﺳﺎر اﻷﺣﻼم‪ .‬وھو ﻣﺎ ﯾﺿﺎﻋف اﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ ﻓﯾﮭﺎ‪ .‬وﺑﮭذا ﻓﻘد‬
‫ﺗﺻرف اﻟﺳﯾﺎب ﺑرﻣز ﯾﮭوذا ﺑﻣﺎ ﯾﺗﻼءم وھﺎﺟﺳﮫ اﻟﺷﻌري ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﺑﻣﺎ ﯾﺗﻼءم‬ ‫ّ‬
‫وطﺎﻗﺔ اﻟرﻣز اﻹﯾﺣﺎﺋﯾﺔ ﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ‪.‬‬
‫إن اﻧﺑﻧﺎء اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟرﻣز إذ ﯾﺿﯾف إﻟﯾﮭﺎ طﺎﻗﺔ إﯾﺣﺎﺋﯾﺔ‪ ،‬ﯾوﺳّﻊ‬
‫إﻣﻛﺎﻧﯾﺗﮭﺎ اﻟﺗﻌﺑﯾرﯾﺔ ﻓﻲ اﺳﺗﯾﻌﺎب ظواھر وﺣﺎﻻت وﺗﺟﺎرب اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ وﻧﻔﺳﯾﺔ‬
‫‪- 76 -‬‬
‫وروﺣﯾﺔ ﺟدﯾدة‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﯾؤ ّﻛد ﺳﯾرورﺗﮭﺎ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ .‬وھذا ﻣﺎﻧﻠﻣﺳﮫ ﻓﻲ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺻور‬
‫اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻟﻣﺑﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟرﻣز‪ ،‬ﺳواء أﻛﺎن أﺳطورﯾﺎ ً أم ﺗﺎرﯾﺧﯾﺎ ً أم اﺻطﻧﺎﻋﯾﺎ ً أم طﺑﯾﻌﯾﺎً‪.‬‬
‫ﯾﻘول ﺳﻌدي ﯾوﺳف ﻓﻲ اﻟﻣﻧزل ﺑوﺻﻔﮫ رﻣزا ً اﺻطﻧﺎﻋﯾﺎً‪:‬‬
‫ﻣﻧذ ﻋﺷرﯾن ﻋﺎﻣﺎ ً وﻋﺎﻣﯾن‬
‫ﻟﻲ ﻣﻧزل ﺑدﻣﺷﻖ اﻟﻌﺗﯾﻘﺔ‪،‬‬
‫ﺟدراﻧﮫ راﺣﺗﺎي‬
‫وأﺷﺟﺎره ﻟﮭﻔﺗﻲ‬
‫ﻣﻧزل ﻓﻲ دﻣﺷﻖ اﻟﻌﺗﯾﻘﺔ‬
‫ﺣﺎذرت أن ﯾطﺄ اﻟﻌﺎﺑر اﻟﻣﺗﻌﺟل أﻋﺗﺎﺑﮫ‬
‫أو ﯾراه اﻟﻣﺗﺎﺟر‪،‬‬
‫أو ﺗدّﻋﯾﮫ اﻟﻐﯾوم اﻟﺟدﯾدة‬
‫إﻧﮫ اﻵن ﯾﻣﺷﻲ ﻣﻌﻲ‬
‫ﻓﻲ اﻟﺑﻼد اﻟﺗﻲ ﻛرھت‬
‫واﻟﺑﻼد اﻟﺗﻲ ھوﯾت‬
‫واﻟﺑﻼد اﻟﺗﻲ ﻻأراھﺎ )‪(21‬‬
‫إن اﻟﻣﻧزل‪ ،‬ﻓﻲ ھذه اﻟﺻورة ـ اﻟﻣﻘطﻊ‪ ،‬ھو ﻣﻧزل ﺣﻘﯾﻘﻲ ﺑﻘدر ﻣﺎھو رﻣزي‪.‬‬
‫إﻧﮫ اﻟوﺟود واﻟﻛﯾﻧوﻧﺔ واﻟﻣﺻﯾر واﻟذات‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ ھو ﺟدران وأﻋﺗﺎب وأﺷﺟﺎر‪ .‬وﻟﮭذا‬
‫ﻻﻏراﺑﺔ ﻓﻲ أن ﯾﻛون اﻟﻣﻧزل ھو ﺑؤرة اﻹﯾﺣﺎء اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ھذه اﻟﺻورة‪ .‬وﻋﻠﻰ‬
‫اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟﺷﺎﻋر ﻗد ﺗوﻗف ﻋﻧده طوﯾﻼً‪ ،‬إﻻ أﻧﮫ ﻟم ﯾﺣﺎول ﺷرﺣﮫ أو ﺗوﻛﯾده‪ .‬ﺑل‬
‫ﻛﺎن ﯾﻧطﻠﻖ ﻣﻧﮫ ﻟﺗوﺳﯾﻊ داﺋرﺗﮫ اﻟﺗﻌﺑﯾرﯾﺔ‪ .‬وھو ﻣﺎﺟﻌل إﯾﺣﺎءه ﻣﺗﻌددا ً وﻣﺗﻧوﻋﺎ ً‪،‬‬
‫ﺑﺣﯾث ﻣن اﻟﺻﻌب أن ﯾﺗﺣدد ﻓﻲ ﺑﻌد واﺣد‪ .‬وﻻﺑﺄس ﻣن اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ﺳﻣﺎت‬
‫اﻟرﻣز اﻟﻔﻧﻲ ﻗد ﺗﺟﺳدت ﻛﻠﮭﺎ ﻓﻲ ھذا اﻟرﻣز اﻟﻣﺣوري ـ اﻟﻣﻧزل‪ .‬ﻓﮭو رﻣز ﺳﯾﺎﻗﻲ‬
‫أوﻻً‪ ،‬ﻟم ﯾﺗﻛﺊ اﻟﺷﺎﻋر ﻓﯾﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﺎھو ﻧﺎﺟز ﻣن أﻓﻛﺎر ﺣول اﻟﻣﻧزل؛ ﻛﻣﺎ ﻻﯾﻣﻛن‬
‫اﺳﺗﺑداﻟﮫ أو ﺣذﻓﮫ ﺑﺄﯾﺔ ﺣﺎل ﻣن اﻷﺣوال‪ .‬وﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈن ھذا اﻟرﻣز ﻣﻣﺗﻠﺊ‬
‫ﺑﺎﻻﻧﻔﻌﺎل اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬إﻧﮫ ﯾﺻدر ﻋن اﻹﺛﺎرة واﻟﺗﺣرﯾض واﻟﺗﻔﺎﻋل‪ .‬ﻻﻋن اﻟﻣﻌﺎﻟﺟﺔ‬
‫اﻟذھﻧﯾﺔ‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن إﯾﺣﺎءه اﻧﻔﻌﺎﻟﻲ ﻻذھﻧﻲ أو ﻓﻛري‪.‬‬
‫ﯾﺟرد اﻟﻣﻧزل‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ﻧﻘﻠﮫ ﻣن‬ ‫أﻣﺎ ﻣن ﺣﯾث اﻟﺣﺳﯾﺔ‪ ،‬ﻓواﺿﺢ أن اﻟرﻣز ﻟم ِ ّ‬
‫ﻣﺳﺗوى ﺣﺳﻲ إﻟﻰ آﺧر ﻣﺧﺗﻠف‪ ،‬ﻣﻊ اﺣﺗﻔﺎظﮫ ﺑﺈﯾﺣﺎء اﻟﻣﺳﺗوى اﻷول‪ .‬وﻓﻲ ھذا‬
‫ﯾﻛﻣن اﻟﺗﺧﯾﯾل اﻟذي ﯾﻧﮭض ﻣن اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﻣﺟﺎزي ﻣﻊ اﻟﻣﻧزل‪ .‬إﻧﮫ ﺗﺧﯾﯾل ﯾﺳﺗﻧﺑط‬
‫اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻟﻠﻣﻧزل‪ ،‬ﻟﯾﻌﻣﻘﮭﺎ ﺑﻘﯾﻣﺔ أﺧرى‪.‬‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 77 -‬‬


‫واﻟﺣﻖ أن ھذا اﻟرﻣز ـ واﻟﺻورة ﻋﺎﻣﺔ ـ ﻻﯾﻣﻛن اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﮫ ﻧﻘدﯾﺎ ً ﻣن دون‬
‫اﻷﺧذ ﺑﻌﯾن اﻻﻋﺗﺑﺎر ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻛﺎن‪ ،‬واﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺷﻌورﯾﺔ واﻟﻼﺷﻌورﯾﺔ ﻟﻌﻼﻗﺔ‬
‫اﻹﻧﺳﺎن ﺑﺎﻟﻣﻛﺎن اﻟذي ﻟﯾس ﻟﮫ وﺟود ﻣوﺿوﻋﻲ ﻓﺣﺳب‪ .‬ﺑل إن ﻟﮫ وﺟودا ً ذاﺗﯾﺎ ً‪،‬‬
‫ﻻﯾﻘل ﻗﯾﻣﺔ وأھﻣﯾﺔ وﺣﺳﺎﺳﯾﺔ ﻋن وﺟوده اﻟﻣوﺿوﻋﻲ‪.‬‬
‫ﯾﺧص ﻣﺣورﯾﺔ اﻟرﻣز ﻓﻲ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬ﻓﺈن ﺛﻣﺔ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن‬ ‫ّ‬ ‫وأﻣﺎ ﻣﺎ‬
‫اﻟﻧﺻوص اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺗﻲ أﻧﺑﻧت ﻋﻠﻰ رﻣز ﻣﺣدد‪ ،‬وﺗﻣﺣورت ﻋﻠﻰ إﯾﺣﺎﺋﮫ‪ ،‬وﯾﻣﻛن‬
‫أن ﻧﺷﯾر‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬إﻟﻰ "اﻟﻣﺳﯾﺢ ﺑﻌد اﻟﺻﻠب" و "ﺳرﺑروس ﻓﻲ ﺑﺎﺑل"‬
‫ﻟﻠﺳﯾﺎب‪ ،‬و "اﻷﺧﺿر ﺑن ﯾوﺳف" ﻟﺳﻌدي ﯾوﺳف‪ ،‬و "ﻓﻲ ﺟوف ﺣوت" و "اﻟﻌﺎزر‬
‫ﻋﺎم ‪ "1962‬ﻟﺧﻠﯾل ﺣﺎوي‪ ،‬و "اﻟﺻﻘر" و "ﺗﺣوﻻت اﻟﺻﻘر" و "ﻣﮭﯾﺎر اﻟدﻣﺷﻘﻲ"‬
‫ﻷدوﻧﯾس‪ ،‬و "ﺷﺎھﯾن" و" اﻟﻣﻼﺟﺔ" ﻟﻣﺣﻣد ﻋﻣران‪ ،‬و "ھﯾﻠﯾن" ﻟﻧزﯾﮫ أﺑو ﻋﻔش‪ ،‬و‬
‫"زرﻗﺎء اﻟﯾﻣﺎﻣﺔ" ﻷﻣل دﻧﻘل‪...‬إﻟﺦ‪.‬‬
‫ﻏﯾر أن ﻣﺎﺗﻧﺑﻐﻲ اﻹﺷﺎرة إﻟﯾﮫ ھو أن اﻟرﻣز اﻟﻣﺣوري ﻓﻲ اﻟﻧص ﻏﺎﻟﺑﺎ ً‬
‫ﻣﺎﯾﺗداﺧل ﻓﻲ اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟرﻣز ﯾﺑدو ﻧﻣوذﺟﺎً‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﺑدو اﻟﻧﻣوذج‬
‫رﻣزاً‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن ﺗﺣﻠﯾل اﻟﻧﺻوص اﻟﻣذﻛورة آﻧﻔﺎ ً ﻻﯾﻣﻛن أن ﯾﻐﻔل ھذا اﻟﺗداﺧل اﻟذي‬
‫ﻛﺛﯾرا ً ﻣﺎﯾﺻل إﻟﻰ ﻣﺳﺗوى اﻻﺗﺣﺎد أو اﻟوﺣدة‪.‬‬
‫وإذا ﻛﺎن اﻟﻣﺟﺎل ﻻﯾﺳﻣﺢ ﺑﺗﺣﻠﯾل ﻧص ﺷﻌري‪ ،‬ﻣن ﻧﻣط اﻟﻧﺻوص اﻵﻧﻔﺔ‬
‫اﻟذﻛر‪ ،‬ﺑﺳﺑب طوﻟﮭﺎ اﻟﻧﺳﺑﻲ‪ ،‬ﻓﺈن ذﻟك ﻻﯾﻣﻧﻊ ﻣن ﺗﺣﻠﯾل ﻧص ﻗﺻﯾر‪ ،‬ھو أﻗرب إﻟﻰ‬
‫اﻟﻣﻘطﻊ ﻣﻧﮫ إﻟﻰ اﻟﻘﺻﯾدة‪ .‬أﻣﺎ اﻟﻧص ﻓﮭو اﻟﻣﻌﻧون ﺑـ "أورﻓﯾوس")‪ (23‬ﻷدوﻧﯾس‪:‬‬
‫ﻋﺎﺷﻖ أﺗدﺣرج ﻓﻲ ﻋﺗﻣﺎت اﻟﺟﺣﯾم‬
‫ﺣﺟراً‪ ،‬ﻏﯾر أﻧﻲ أﺿﻲء‬
‫إن ﻟﻲ ﻣوﻋدا ً ﻣﻊ اﻟﻛﺎھﻧﺎت‬
‫ﻓﻲ ﺳرﯾر اﻹﻟﮫ اﻟﻘدﯾم‬
‫ﻛﻠﻣﺎﺗﻲ رﯾﺎح ّ‬
‫ﺗﮭز اﻟﺣﯾﺎة‬
‫وﻏﻧﺎﺋﻲ ﺷرار‬
‫إﻧﻧﻲ ﻟﻐﺔ ﻹﻟﮫ ﯾﺟﻲء‬
‫إﻧﻧﻲ ﺳﺎﺣر اﻟﻐﺑﺎر‬
‫إن ﺛﻣﺔ ﺗﻌﺎﻣﻼً رﻣزﯾﺎ ً ﻣﻊ اﻟﻠﻐﺔ‪ ،‬ﯾﺟﻌﻠﮭﺎ ﺗﺷ ّﻊ ﻓﻲ اﺗﺟﺎھﺎت ﻣﺗﻌددة‪ ،‬ﻏﯾر أﻧﮭﺎ‬
‫ﻣﻧﺳﺟﻣﺔ وﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ‪ .‬وھﻲ ﻓﻲ إﺷﻌﺎﻋﮭﺎ ﺗﻧطﻠﻖ ﻣن ھﺎﺟس ﺷﻌري ﻣﺣدد‪ .‬وھو‬
‫اﻟرﻏﺑﺔ اﻟﺟﺎﻣﺣﺔ ﻓﻲ اﻟﺧروج ﻣن ﻋﺎﻟم اﻟﻘﺑﺢ أو اﻻﻏﺗراب واﻟﺗﺷﯾؤ‪ ،‬إﻟﻰ ﻋﺎﻟم اﻟﺣرﯾﺔ‬
‫اﻟذي ھو اﻟﺟﻣﺎل اﻷﻣﺛل‪ .‬وذﻟك ھو اﻷﺳﺎس ﻓﻲ ﻣﻘوﻟﺔ اﻻﻧﺑﻌﺎث‪ .‬إﻻ أن ھذه اﻟﻣﻘوﻟﺔ‬
‫ﺟﺎءت اﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ ﺗﺧﯾﯾﻠﯾﺔ‪ .‬وﻟم ﯾظﮭر ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟﺑﻌد اﻟذھﻧﻲ أو اﻟﻔﻛري‪ .‬ﻓﺑدا أورﻓﯾوس‬

‫‪- 78 -‬‬
‫ﺗﺟﺳﯾدا ً ﻟﻼﻧﺑﻌﺎث‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻷﺳطورة اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾﺔ ﻻﺗرى ﻓﯾﮫ واﺣدا ً ﻣن آﻟﮭﺔ‬
‫اﻻﻧﺑﻌﺎث‪ ،‬وإن ﯾﻛن ﻗد ﻧزل إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺳﻔﻠﻲ وﺧرج ﻣﻧﮫ ﺣﯾﺎً‪.‬‬
‫ﻟﻘد ﺗﻛﺎﻣل ھذا اﻟﻧص‪ ،‬ﻣن أﺟل إﻧﺗﺎج اﻟﻣﻧﺎخ اﻻﻧﺑﻌﺎﺛﻲ‪ .‬ﺣﯾث إن ﺑﻧﯾﺗﮫ ﺗﻧﮭض‬
‫ﻣن اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺗﺣوﯾﻠﯾﺔ‪ ،‬وذﻟك ﻓﻲ )أﺗدﺣرج‪ ،‬أﺿﻲء‪ ،‬ﺗﮭز‪ ،‬ﯾﺟﻲء(؛ وﺛﻣﺔ اﻻﻧدﻏﺎم‬
‫اﻟروﺣﻲ ﺑﺎﻷﺷﯾﺎء)ﻋﺎﺷﻖ‪ ،‬اﻟﻛﺎھﻧﺎت‪ ،‬ﻏﻧﺎﺋﻲ(؛ وﺛﻣﺔ أﯾﺿﺎ ً ﻣﺎﯾدل ﻋﻠﻰ أداة اﻟﺗﺣوﯾل‬
‫)رﯾﺎح‪ ،‬إﻟﮫ‪ ،‬ﺳﺎﺣر(‪ .‬ھذا ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى‪ ،‬ﺛﻣﺔ اﻟﺗﻧﺎﻗض واﻟﺻراع ﺑﯾن‬
‫اﻟﻌﺎﺷﻖ واﻟﺣﺟر‪ ،‬وﺑﯾن اﻹﻟﮫ اﻟﻘدﯾم واﻹﻟﮫ اﻟذي ﯾﺟﻲء‪ ،‬وﺑﯾن اﻟﻌﺗﻣﺔ واﻟﺿوء‪ ،‬وﺑﯾن‬
‫اﻟﺟﺣﯾم واﻟﺣﯾﺎة‪ .‬إن ھذا اﻟﺗﻧﺎﻗض‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻧص‪ ،‬ﯾﺟد أﺳﺎﺳﮫ ﻓﻲ اﻟﺗﻧﺎﻗض ﺑﯾن‬
‫اﻟرﻏﺑﺔ واﻟواﻗﻊ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻛﺎﻣﻧﺔ وراء ھذا اﻟﻧص‪.‬‬
‫ﻟﻘد ﺗﺣول اﻟﻌﺎﺷﻖ ﻓﻲ ﺻراﻋﮫ ﻣﻊ اﻟواﻗﻊ أو اﻟﺟﺣﯾم إﻟﻰ ﺳﺎﺣر‪ ،‬وﺗﺣوﻟت‬
‫اﻟﺟﺣﯾم إﻟﻰ ﻏﺑﺎر‪ .‬وذﻟك ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟذي أرادﺗﮫ ﻓﯾﮫ اﻟﺟﺣﯾم أن ﯾﻛون ﺣﺟرا ً أو ﻛﺎﺋﻧﺎ ً‬
‫ﯾﻌﺎﻧﻲ اﻟﺗﺷﯾؤ واﻻﻏﺗراب‪ .‬أي ﻟﻘد اﺳﺗطﺎع اﻟﻌﺎﺷﻖ أن ﯾﺗﺧﻠص ﻣن آﺛﺎر اﻟﺟﺣﯾم‪،‬‬
‫وھو ﻣﺎ ﺟﻌل ﺗﻠك اﻟﺟﺣﯾم ﻏﺑﺎرا ً ﻻﯾﻣﺗﻠك إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗﺄﺛﯾر‪.‬‬
‫وھﻛذا ﻧﻠﺣظ أن اﻟﮭﺎﺟس اﻟذي ﯾﻌﺑر ﻋﻧﮫ ھذا اﻟﻧص ھﺎﺟس اﻧﺑﻌﺎﺛﻲ ﺗﺣوﯾﻠﻲ‪.‬‬
‫وﻟﻛن ھل ﺣﻘﺎً‪ ،‬ﯾﻣﻛن اﻟﺗوﻛﯾد أن أورﻓﯾوس‪ ،‬ھﻧﺎ‪ ،‬ھو رﻣز اﻧﺑﻌﺎﺛﻲ ﻓﺣﺳب؟‪.‬‬
‫أﻻ ﯾﺣﯾل ھذا اﻟرﻣز ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺑدع ﻓﻲ ﺗﺟرﺑﺗﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ .‬ﺣﯾث ﯾﻠﺞ إﻟﻰ ﺟوھر‬
‫ﻣﺣوﻻً إﯾﺎھﺎ إﻟﻰ ﻛﯾﻧوﻧﺔ ﺷﻌرﯾﺔ‪ .‬وذﻟك ﺑﺣﺳب أورﻓﯾوس ﺷﺎﻋر‬ ‫ّ‬ ‫اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء‬
‫اﻷﺳطورة اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾﺔ؛ أو أﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﺑطل اﻟﻔرد‪ ،‬ﺑﺣﺳب ﻓﻠﺳﻔﺔ‬
‫أدوﻧﯾس؛ وأﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﺷﻖ ﻓﺣﺳب ‪ ...‬إﻟﻰ ﻣﺎﺳوى ذﻟك ﻣن دﻻﻻت‬
‫ﯾﻧﺑض ﺑﮭﺎ ھذا اﻟﻧص‪.‬‬
‫إن أورﻓﯾوس‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص‪ ،‬رﻣز ﺑﻘدر ﻣﺎ ھو ﻧﻣوذج ﻓﻧﻲ‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﮭو‬
‫ﻻﯾﺳﺗوﻋب ذاﺗﯾﺔ اﻟﺷﺎﻋر ﻓﺣﺳب‪ .‬ﺑل ﯾﺳﺗوﻋب أﯾﺿﺎ ً اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺣﺎﻻت واﻟﺗﺟﺎرب‬
‫اﻟﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺔ أو اﻟﺗﻲ ﯾﺗﻘﺎطﻊ ﻣﻌﮭﺎ‪ .‬أي أن ﻏﻧﺎه اﻟﺗﻌﺑﯾري ﯾﻧﮭض ﻣن اﻧﻔﺗﺎﺣﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﺎھو‬
‫ﻣوﺟود‪ ،‬وﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺳﺗﺟ ﱠد ﻣن ﺣﺎﻻت وﺗﺟﺎرب‪ .‬وﻧرى ﻣن اﻟﻣﻔﯾد أن ﻧﺷﯾر إﻟﻰ‬
‫أن اﻧﺑﻧﺎء ھذا اﻟﻧص ﻋﻠﻰ اﻟرﻣز ـ اﻟﻧﻣوذج ﻗد ﺟﻌل ﻣﻧﮫ ﻧﺻﺎ ً دراﻣﯾﺎً‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم‬
‫ﻣن ﻗﺻره‪ .‬ﻓﮭو ﻟﯾس ﺗﻌﺑﯾرا ً ﻏﻧﺎﺋﯾﺎ ً ﻋن ذاﺗﯾﺔ اﻟﺷﺎﻋر‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ھو ﻣﻌﺎدل ﻓﻧﻲ دراﻣﻲ‬
‫ﻟﮭذه اﻟذاﺗﯾﺔ‪ .‬ﻓﺄورﻓﯾوس ﻣﺳﺗﻘل ﻋن اﻟﺷﺎﻋر‪ ،‬وھو ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬ﻣﺗﻘﺎطﻊ ﻣﻌﮫ‪،‬‬
‫ﻣﻣﺎ ﯾﺳﻣﺢ ﻟﻧﺎ ﺑﺄن ﻧﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ أورﻓﯾوس ﺑوﺻﻔﮫ ﻛﺎﺋﻧﺎ ً ﻣوﺟودا ً وﺟودا ً ﻣوﺿوﻋﯾﺎً‪،‬‬
‫وإن ﯾﻛن ھذا ﻻﯾؤدي إﻟﻰ ﻋزﻟﮫ اﻟﻣطﻠﻖ ﻋن اﻟﺷﺎﻋر‪.‬‬
‫وﻧود أن ﻧﺳﺟل‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻹطﺎر‪ ،‬أن اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺣداﺛﻲ ﻓﻲ ﺗﻧﺎوﻟﮫ ﻟﻠرﻣوز‬
‫اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻷﺳطورﯾﺔ‪ ،‬ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﻛﺎن ﯾﻌود إﻟﻰ ﺗﻠك اﻟﺷﺧﺻﯾﺎت ذات ّ‬
‫اﻟﺗﺄزم اﻟدراﻣﻲ‬
‫ﻓﻲ ﺳﯾﺎﻗﮭﺎ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ أو اﻷﺳطوري‪.‬‬
‫اﻟﺗﺄزم‪ .‬وﻻﺷك ﻓﻲ أن ﻟﮭذه‬ ‫ّ‬ ‫وﻗﻠﻣﺎ ﯾﻌود إﻟﻰ ﺗﻠك اﻟﺗﻲ ﺗﺧﻠو ﺣﯾﺎﺗﮭﺎ ﻣن ھذا‬
‫اﻟﻌودة أﺳﺑﺎﺑﺎ ً دراﻣﯾﺔ واﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ واﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ .‬ﺣﯾث إن ھذا اﻟﺗﺄزم أﻛﺛر ﻟﻔﺗﺎ ً ﻟﻠﻧظر‪،‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 79 -‬‬
‫وأﻛﺛر ﺗﻌﺑﯾراً‪ ،‬وأﻛﺛر اﻣﺗﻼء ﺑﺎﻟﺣﯾوﯾﺔ واﻟﻔﺎﻋﻠﯾﺔ‪ .‬وھو ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ذﻟك ﯾﺗﻼءم وﺳﻣﺔ‬
‫اﻟدراﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗﺳم ﺑﮭﺎ اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﺗﻼءم واﻟواﻗﻊ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ـ‬
‫اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ‪ .‬ﻓﻼﻏراﺑﺔ‪ ،‬إذاً‪ ،‬ﻓﻲ أن ﯾﻛﺛر ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﻣن رﻣوز اﻟﺣﺳﯾن‪ ،‬وأﺑﻲ ذر‪،‬‬
‫وﺻﻘر ﻗرﯾش‪ ،‬واﻟﺣﺟﺎج‪ ،‬واﻟﺣﻼج‪ ،‬وأﺑﻲ ﻧواس‪ ،‬وﻗﺎﺑﯾل وھﺎﺑﯾل‪ ،‬واﻟﻣﺳﯾﺢ‪،‬‬
‫وﯾوﺳف‪ ،‬وﺗﻣوز‪ ،‬وﻓﯾﻧﯾﻖ‪ ،‬وأوﻟﯾس‪ ،‬وأودﯾب‪...‬إﻟﺦ ﻓﻠﻛ ِّل ﻣن ھذه اﻟرﻣوز ّ‬
‫ﺗﺄزﻣﮫ‬
‫اﻟدراﻣﻲ اﻟﺧﺎص‪.‬‬

‫* رﻣـــﺰ اﻟــﺮﯾـﺢ‪:‬‬
‫درﺳﻧﺎ‪ ،‬ﻓﯾﻣﺎ ﺳﺑﻖ‪ ،‬ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟرﻣز اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬وﻻﺳﯾﻣﺎ اﻷﺳطوري واﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ‪،‬‬
‫وﻟم ﻧﺗﻌرض ﻟﻠرﻣز اﻟطﺑﯾﻌﻲ‪ ،‬ﻓﻘد أرﺟﺄﻧﺎ اﻟﻛﻼم ﻓﯾﮫ ﻟﻣﺎ ﻟﮫ ﻣن ﺗﻣﯾز ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬وﺳوف ﻧﺧﺻص ﻟﮫ ﻣﺎﺗﺑﻘﻰ ﻣن ھذا اﻟﻔﺻل‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل رﻣزي اﻟرﯾﺢ‬
‫واﻟﺣﺟر‪ .‬وﻟﻛن إذا ﻛﺎن ھذا اﻟرﻣز ﻣﺧﺗﻠﻔﺎ ً ﻋن ﻏﯾره‪ ،‬ﻓﺈن ذﻟك ﻻﯾﻌﻧﻲ أن ﺗﻠك‬
‫اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻻﺗﺳري ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬وﻻﺳﯾﻣﺎ اﻟﻣﺳﺗوى اﻹﺷﺎري اﻟﻣﻔﮭوﻣﻲ واﻟﻣﺳﺗوى‬
‫اﻟﻣﺣوري‪ .‬ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ﻣﺎﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل ﻓﻲ اﻟرﻣز اﻟطﺑﯾﻌﻲ‪ ،‬ﻻﯾﺧﺗﻠف ﻛﺛﯾرا ً‬
‫ﻋﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل ﻓﻲ اﻟرﻣز اﻻﺻطﻧﺎﻋﻲ‪ ،‬إذ اﻟﻔرق ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ أن ھذا ﻣن ﻋﻣل‬
‫اﻹﻧﺳﺎن‪ ،‬وذاك ﻣن ﻋﻣل اﻟطﺑﯾﻌﺔ‪ ،‬وﯾﺑﻘﻰ أن ﻟﻛ ّل ﻣﻧﮭﻣﺎ ﻋﻼﻗﺗﮫ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﻌﻣﻠﯾﺔ‬
‫واﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ واﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ ﺑﺎﻹﻧﺳﺎن‪.‬‬
‫ﯾﺗﺳم اﻟرﻣز اﻟطﺑﯾﻌﻲ ﺑﻛون ﻗﯾﻣﺗﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﺗﺑدﻟﺔ ﻣﺗﻐﯾرة‪ ،‬ﺑﺷﻛل داﺋم‪ ،‬ﻣﻣﺎ‬
‫ﯾﺟﻌل ﺗﺎرﯾﺧﮫ ﻣﺳﺗﻣرا ً وﻏﯾر ﻣﺣدد ﻧﮭﺎﺋﯾﺎً‪ .‬وﻟﻌل ھذا ﻣﻣﺎﯾﻣﯾزه ﻣن اﻟرﻣزﯾن‬
‫اﻷﺳطوري واﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ اﻟﻠذﯾن ﯾﻣﺗﻠﻛﺎن وﺟودا ً ﻣﺣددا ً ﻓﻲ اﻟذاﻛرة اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ ،‬ھذه‬
‫اﻟذاﻛرة اﻟﺗﻲ ﺗﻔرض ﻧﺳﻘﺎ ً ﻣﻌﯾﻧﺎ ً ﻓﻲ ﺗﻠﻘﻲ ھذﯾن اﻟرﻣزﯾن‪ .‬أي أﻧﮭﻣﺎ ﻻﯾﺗﺻﻔﺎن‬
‫ﺑﺎﻟﺣﯾوﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗﺻف ﺑﮭﺎ ﻛل ﻣن اﻟرﻣز اﻟطﺑﯾﻌﻲ واﻻﺻطﻧﺎﻋﻲ ‪.‬‬
‫إن ھذه اﻟﺣﯾوﯾﺔ ﺗﻌطﻲ اﻟﻣﺑدع ﺣرﯾﺔ ﻋظﻣﻰ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟرﻣزي‪ ،‬ﺑﺣﯾث‬
‫ﻻﯾﺑدو ﻣﻘﯾدا ً ﺑﺗﻠك اﻟذاﻛرة‪ .‬وﻧﺣن إذ ﻧؤﻛد ذﻟك‪ ،‬ﻻﻧﻐﻔل أن ﻟﻸﺷﯾﺎء ﺗوارﯾﺦ‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫اﻟوﻋﻲ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻻﯾﻣﻛن ﻟﻠﻣﺑدع أن ﯾﮭﻣﻠﮭﺎ أو ﯾﺗﻐﺎﺿﻰ ﻋﻧﮭﺎ؛ ﻏﯾر أن ھذه‬
‫اﻟﺗوارﯾﺦ ﻣﺗواﺻﻠﺔ اﻟﻧﻣو واﻟﺗﺑدل واﻟﺗﻐﯾر واﻹﺿﺎﻓﺔ واﻟﺣذف واﻟﺗﻌدﯾل‪ ،‬ﺑﺣﺳب‬
‫اﻟﺗﺟﺎرب اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﻣﺗﺑدﻟﺔ أﯾﺿﺎً‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻧﮭر‪ ،‬ﻣﺛﻼً‪ ،‬ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻘﺑﻠﻲ‪ ،‬ﻏﯾره ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‬
‫اﻟﻣدﻧﻲ؛ ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﺳﻛﺎن اﻟﻣﻧﺎطﻖ اﻟﺻﺣراوﯾﺔ ﻏﯾره ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﺳﻛﺎن‬
‫اﻟﻣﻧﺎطﻖ اﻟﺣراﺟﯾﺔ أو اﻟﺟﺑﻠﯾﺔ‪ .‬ھذا ﻣن ﺟﺎﻧب‪ ،‬وﻣن ﺟﺎﻧب آﺧر‪ ،‬ﻓﺈن ﻟﻠﻧﮭر أطوارا ً‬
‫ﺗﺧﺗﻠف ﺑﺎﺧﺗﻼف ﻓﺻول اﻟﺳﻧﺔ؛ ﻣﺛﻠﻣﺎ أن ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻊ أﻏراﺿﺎ ً ﺗﺧﺗﻠف ﺑﺎﺧﺗﻼف‬
‫اﻟﺣﺎﺟﺎت ‪ ...‬إﻟﺦ‪ .‬إن ھذه اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت ﻓﻲ اﻟﻧﮭر وﻓﻲ اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﯾﮫ‪ ،‬ﺗﻧﻌﻛس اﺧﺗﻼﻓﺎت‬
‫ﻓﻲ اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ واﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪.‬‬

‫‪- 80 -‬‬
‫وﻟﯾس ﻣن اﻟﻌﺑث أن ﺗرى اﻷﺳطورة اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾﺔ أن ﻟﻸﻧﮭﺎر آﻟﮭﺔ وﺣورﯾﺎت‪.‬‬
‫أي ﻟﯾس ﻣن اﻟﻌﺑث أن ﺗرى ﻓﻲ اﻟﻧﮭر إﻟﮭﺎ ً ﺟﻠﯾﻼً ﺟﺑﺎراً‪ ،‬ﺣﯾن ﯾﻛون اﻟﻧﮭر ھﺎﺋﺟﺎً؛‬
‫وأن ﺗرى ﻓﯾﮫ ﺣورﯾﺔ ﺟﻣﯾﻠﺔ وادﻋﺔ‪ ،‬ﺣﯾن ﯾﻛون ھﺎدﺋﺎ ً ﻣﻧﺳﺎﺑﺎً‪.‬‬
‫وﻓﻲ اﻟﻣﺣﺻﻠﺔ‪ ،‬إن ھذه اﻟﺗﻌددﯾﺔ ﻓﻲ أطوار اﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬وﻓﻲ اﻟﺣﺎﺟﺎت إﻟﯾﮭﺎ‪،‬‬
‫وﻓﻲ أﺳﺎﻟﯾب اﺳﺗﺧداﻣﮭﺎ‪ ،‬وﻓﻲ اﻟﻣواﻗف اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻣﻧﮭﺎ‪ ،‬ﺗﻧﻌﻛس ﺗﻌددﯾﺔ ھﺎﺋﻠﺔ ﻏﯾر‬
‫ﻣﺣدودة‪ ،‬ﻓﻲ اﻟذات اﻟﻣﺑدﻋﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ اﻷﺧرى ﻟﮭﺎ أطوارھﺎ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟروﺣﯾﺔ‬
‫اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ واﻟﻣﺗﻌددة‪ .‬وﻟﮭذا ﻻﻏرو ﻓﻲ أن ﯾﻛون اﻟرﻣز اﻟطﺑﯾﻌﻲ ـ واﻻﺻطﻧﺎﻋﻲ‬
‫أﯾﺿﺎ ً ـ ذا ﻗﯾم ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﺗﺑﺎﯾﻧﺔ وﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ أﯾﺿﺎً‪ .‬ﻏﯾر أن ھذه اﻟﺗﻌددﯾﺔ ﻏﯾر اﻟﻣﺣدودة‬
‫ﻻﺗﻌﻧﻲ اﻹﻋﺗﺑﺎطﯾﺔ واﻟﻔوﺿﻰ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣﻊ اﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬ﺑﺣﯾث ﯾﻔﺗﻘد اﻟرﻣز‬
‫إﻟﻰ اﻹﺣﺎﻟﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ .‬أي أن ھذه اﻟﺗﻌددﯾﺔ ﻟﯾﺳت ﻧﺗﺎج اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﻣﺟﺎﻧﻲ اﻻﻋﺗﺑﺎطﻲ‪،‬‬
‫وإﻧﻣﺎ ھﻲ ﺳﻣﺔ اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟﺣﯾﺎة اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺑﻣﺧﺗﻠف أﺷﻛﺎﻟﮭﺎ‪.‬‬
‫وﻟﮭذا ﻓﺈن أي إﯾﺣﺎء ﯾﻣﻛن أن ﯾﺳﺗوﻟده اﻟﻣﺑدع ﻣن اﻟرﻣز‪ ،‬ﯾﺟد أﺳﺎﺳﮫ ﻓﻲ إﺣدى‬
‫ﺳﻣﺎت اﻟﺷﻲء ﻣﻧظورا ً إﻟﯾﮭﺎ ﻣن اﻟذات اﻟﻣﺑدﻋﺔ‪ ،‬ﻓﻲ طور ﻣن أطوارھﺎ‪ .‬وﻟﯾﺳت‬
‫ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗرﻣﯾز‪ ،‬ﺑﺣﺎل ﻣن اﻷﺣوال‪ ،‬ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻋﺗﺑﺎطﯾﺔ ﻣﺟﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾﺧﯾل ﻟﺑﻌض‬
‫اﻟﺷﻌراء‪ ،‬ﻣﻣن ﺗﺳﺗﮭوﯾﮭم اﻟﻠﻌﺑﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ اﻟﻔﺎﻧﺗﺎزﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻘد ﺷﺎع رﻣز اﻟرﯾﺢ‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﻻﻓت ﻟﻠﻧظر‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﯾﻣﻛن‬
‫اﻟﺗوﻛﯾد أﻧﮫ ﻗﻠﻣﺎ ﻧﺟد ﺷﺎﻋرا ً ﺣداﺛﯾﺎ ً ﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ ﻣوﻗف ﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣن اﻟرﯾﺢ ﺑوﺻﻔﮭﺎ‬
‫رﻣزاً‪ ،‬وﺑوﺻﻔﮭﺎ ﺣﻘﯾﻘﺔ أﯾﺿﺎً‪ .‬وھو ﻣﺎ أدى إﻟﻰ أن ﺗﺗﻛﺛّر إﯾﺣﺎءات ھذا اﻟرﻣز‬
‫وﺗﺗﻧوع وﺗﺗﻧﺎﻗض‪ ،‬ﺑﻣﺎ ﯾﺻﻌب ﻓﯾﮫ اﻟﺗﺻﻧﯾف اﻟدﻗﯾﻖ واﻟﺷﺎﻣل‪ .‬وﻟذﻟك ﻓﺈن ﻣﺎﺳوف‬ ‫ّ‬
‫ﻧﺳﺟﻠﮫ‪ ،‬ھﻧﺎ‪ ،‬ﻟن ﯾﻛون ﺳوى إﺷﺎرة إﻟﻰ ھذا اﻟﺗﻛﺛر‪.‬‬
‫ﻣن اﻟﻣﻌﻠوم أن اﻟرﯾﺢ ﻣن اﻟﻧﻣﺎذج اﻟﺑدﺋﯾﺔ ‪ ARCHETYPES‬اﻟﺗﻲ ﯾﺗﺷﻛل ﻣﻧﮭﺎ‬
‫اﻟﻼﺷﻌور اﻟﺟﻣﻌﻲ ‪ ،COLLECTIVE UNCONSCIOUS‬وذﻟك ﺑوﺻﻔﮭﺎ رﻣزاً ﻟﻠدﻣﺎر‬
‫واﻟﺧراب‪ .‬إذ إن اﻵﻟﮭﺔ ﺣﯾن ﻛﺎﻧت ﺗﻐﺿب ﻋﻠﻰ ﻗوم ﻣﺎ‪ ،‬ﺗﺳﻠّط ﻋﻠﯾﮭم أداﺗﮭﺎ‬
‫اﻟﺗدﻣﯾرﯾﺔ اﻟﻔﺗﺎﻛﺔ‪ ،‬وھﻲ اﻟرﯾﺢ‪ ،‬ﻓﺗﺟﻌﻠﮭم ﻧﺳﯾﺎ ً ﻣﻧﺳﯾﺎً‪ .‬وﻛﻣﺎ ﯾﻘول ﺑﯾﯾر داﻛو‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫اﻟﺷﻌوب اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻗد ﻣﻧﺣت آﻟﮭﺗﮭﺎ أﺳﻠﺣﺔ ﻓﺗﺎﻛﺔ واﺣدة‪ ،‬وھﻲ اﻟﺻﺎﻋﻘﺔ واﻟرﻋد‬
‫واﻟرﯾﺢ) ‪ .(24‬وﻻﺷك ﻓﻲ أن ذﻟك ﯾﻧﮭض ﻣن طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ـ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ‬
‫اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺎوﻟت اﻟرﯾﺢ واﻟﺻﺎﻋﻘﺔ واﻟرﻋد‪.‬‬
‫وﻓﻲ اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم‪ ،‬ﻣﺎﯾﺷﯾر إﻟﻰ ذﻟك ﺑﺷﻛل واﺿﺢ‪ .‬ﻓﻐﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﺗﻛون اﻟرﯾﺢ‪،‬‬
‫ﻓﯾﮫ‪ ،‬داﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟدﻣﺎر واﻟﺧراب واﻟﻌﻘم واﻟﺟدب‪ .‬وﻣن اﻟﻼﻓت ﻟﻠﻧظر‪ ،‬ﻓﻲ ھذا‬
‫اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬أن اﻟرﯾﺢ ﺣﯾن ﺗﺳﺗﺧدم ﻓﻲ اﻵﯾﺎت‪ ،‬ﺑﺻﯾﻐﺔ اﻟﻣﻔرد‪ ،‬ﺗﻛون داﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟدﻣﺎر‬
‫واﻟﺧراب‪ .‬أﻣﺎ ﺣﯾن ﺗﺳﺗﺧدم ﺑﺻﯾﻐﺔ اﻟﺟﻣﻊ‪ ،‬ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗدل ﻋﻠﻰ اﻟﺧﯾر واﻟﺧﺻب‪ ،‬ﺣﯾث‬
‫ﺗﺳوق اﻟﻣطر‪.‬‬
‫ﯾﺗﻌوذ ﻋﻧد رؤﯾﺗﮫ اﻟرﯾﺢ وﯾﺿطرب‪،‬‬ ‫وﻟﻘد ﻋُرف ﻋن اﻟﻧﺑﻲ اﻟﻛرﯾم أﻧﮫ ﻛﺎن ّ‬
‫ﻓﯾﺧرج ﻣن ﺑﯾﺗﮫ‪ ،‬وﯾدﺧل‪ ،‬وﯾُﻘﺑل وﯾُدﺑر )‪ .(25‬وﺛﻣﺔ ﺣدﯾث ﻧﺑوي ﻓﻲ اﻟرﯾﺢ ﯾﻘول‪:‬‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 81 -‬‬


‫>> ﻧُﺻرتُ ﺑﺎﻟﺻﱠﺑﺎ وأُھﻠﻛت ﻋﺎد ﺑﺎﻟدﺑﱠور<< )‪.(26‬‬
‫ﺻﺑﺎ ‪-‬رﯾﺢ اﻟﺷرق‪-‬‬ ‫ﻓﻠﻘد اﻧﺗﺻر اﻟﻧﺑﻲ وﺻﺣﺑﮫ ﻓﻲ ﯾوم اﻷﺣزاب ﺑوﺳﺎطﺔ اﻟ ﱠ‬
‫ﻛﻣﺎ أھﻠﻛت ﻋﺎد ﺑرﯾﺢ اﻟﺟﻧوب‪.‬‬
‫وﻟﻛن إذا ﻛﺎﻧت اﻟرﯾﺢ ﺳﻼﺣﺎ ً ﺑﯾد اﻹﻟﮫ‪ ،‬ﯾﺳﺗﺧدﻣﮫ ﻣن اﺟل اﻟﺗدﻣﯾر‪ ،‬ﻓﺈن ھذا‬
‫ﻻﯾﻌﻧﻲ أﻧﮭﺎ رﻣز ﺳﻠﺑﻲ وﺣﺳب‪ .‬ﻓﮭﻲ ﺗﺣﻣل أﯾﺿﺎ ً ﻣﻌﻧﻰ إﯾﺟﺎﺑﯾﺎً‪ ،‬وذﻟك ﻣن ﻣﻧظور‬
‫أن اﻟرﯾﺢ ﻻﺗﺳﻠّط إﻻ ﻋﻠﻰ اﻷﻗوام اﻟﺧﺎطﺋﺔ ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟدﯾﻧﻲ‪ ،‬ﻓﺗﺗطﮭر اﻷرض ﻣن‬
‫اﻟﺧطﯾﺋﺔ اﻟدﯾﻧﯾﺔ واﻷﺧﻼﻗﯾﺔ‪ ،‬ﻓﯾﻛون اﻟﺗدﻣﯾر‪ ،‬ﻋﻧدﺋذ‪ ،‬ﺷﻛﻼً ﻣن أﺷﻛﺎل اﻟﺗطﮭﯾر‪.‬‬
‫ﻟﻘد أردﻧﺎ ﻣن ھذه اﻹﺷﺎرة اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟﺳرﯾﻌﺔ‪ ،‬اﻟﻘول ﺑﺄن اﻟرﯾﺢ ﻓﻲ اﻟﻼﺷﻌور‬
‫اﻟﺟﻣﻌﻲ ﺗﺣﻣل ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺧﯾر واﻟﺷرّ ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬وإن ﯾﻛن اﻟﺧﯾر ُﻣﺿﻣراً ﻓﻲ‬
‫اﻷﻋ ّم اﻷﻏﻠب‪ .‬ﻛﻣﺎ أردﻧﺎ أﯾﺿﺎ ً اﻟﺗوﻛﯾد أن طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ‪-‬اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ‬
‫ھﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﺣدّد ﻣﺣﻣوﻻت اﻷﺷﯾﺎء وذﻟك ﺑﺎﻻﺳﺗﻧﺎد إﻟﻰ ﺳﻣﺎت ھذه اﻻﺷﯾﺎء ﻓﻲ‬
‫ﺗﺄﺛﯾرھﺎ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺎً‪.‬‬
‫وإذا أﺗﯾﻧﺎ إﻟﻰ رﻣز اﻟرﯾﺢ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧﺻوص اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺣداﺛﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﻠﺣظ ﺗﺑﺎﯾﻧﺎ ً‬
‫ﺷدﯾدا ً ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣﻌﮫ‪ .‬ﻓﺎﻟﺳﯾﺎب ﻣﺛﻼً‪ ،‬ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﯾرى ﻓﻲ اﻟرﯾﺢ رﻣزا ً ﺳﻠﺑﯾﺎ ً‬
‫ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﺧراب واﻟدﻣﺎر اﻟﻠذﯾن ﯾﺷﯾﻌﮭﻣﺎ ﻓﺣش اﻟواﻗﻊ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن‬
‫اﻟرﯾﺢ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﺳﺗﻌﻣﺎﻻت اﻟﺳﯾﺎب‪ ،‬ﺳﻼح ﺑﯾد اﻟدﯾﻛﺗﺎﺗور‪ ،‬ﯾﺷ ّل ﺑﮫ ﺣرﻛﺔ‬
‫اﻟواﻗﻊ واﻹﻧﺳﺎن‪ ،‬وﯾؤﺑّد ﺑﮫ اﻷﺟواء اﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺧدم اﺳﺗﻣراره اﻟﻘﻣﻌﻲ‬
‫اﻻﺳﺗﻼﺑﻲ‪ .‬ﻓﺎﻟرﯾﺢ‪ ،‬ﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ‪ ،‬ﻣن أھم ﻣﻌﺎﻟم اﻟواﻗﻊ اﻟﺗراﺟﯾدي‪ ،‬ﻋﻧد اﻟﺳﯾﺎب‪.‬‬
‫ﯾﻘول‪:‬‬
‫اﻟظﻠﻣﺔ ﺗﻌﺑس ﻓﻲ ﻗﻠﺑﻲ‬
‫واﻟﺟو رﺻﺎص‬
‫ﺗﮭب ﻋﻠﻰ ﺷﻌﺑﻲ‬
‫واﻟرﯾﺢ ﱡ‬
‫واﻟرﯾﺢ رﺻﺎص ) ‪(27‬‬
‫وﯾﻘول‪:‬‬
‫وﺗوﺷك أن ﺗدق طﺑول ﺑﺎﺑل ﺛم ﯾﻐﺷﺎھﺎ‬
‫ﺻﻔﯾر اﻟرﯾﺢ ﻓﻲ أﺑراﺟﮭﺎ وأﻧﯾن ﻣرﺿﺎھﺎ )‪(28‬‬
‫أﻣﺎ ﺧﻠﯾل ﺣﺎوي‪ ،‬ﻓﺈن ﻟﻠرﯾﺢ‪ ،‬ﻋﻧده ﻣﺣﻣوﻻً ﻣﺧﺗﻠﻔﺎً‪ ،‬وھو اﻟﺗﺷﯾؤ واﻻﻏﺗراب‪.‬‬
‫وﻟﮭذا ﻓﺈن اﻟﺻﻘﯾﻊ واﻟﺟﻠﯾد واﻟﻌراء ﻣن ﻣﺻﺎﺣﺑﺎت اﻟرﯾﺢ ﻋﻧده‪ .‬وإذا ﻛﺎن اﻟﺳﯾﺎب‬
‫ﯾرى ﻓﻲ اﻟرﯾﺢ ﺳﻼﺣﺎ ً ﺑﯾد اﻟدﯾﻛﺗﺎﺗور‪ ،‬ﻓﺈن ﺣﺎوي ﯾراھﺎ ﺳﻼﺣﺎ ً ﺑﯾد اﻟواﻗﻊ اﻟﻣﺎدي‬
‫اﻟﻣﺑﺗذل‪ .‬ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ أن اﻟﺛورة ﻋﻠﻰ اﻟرﯾﺢ ھﻲ ﺛورة ﻋﻠﻰ اﻟﻘﯾم اﻟﻣﺎدﯾﺔ اﻟﻣﺑﺗذﻟﺔ اﻟﺗﻲ‬
‫ﺗﻐرب اﻹﻧﺳﺎن ﻋن ذاﺗﮫ وﻋن ﻣﺣﯾطﮫ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ أن اﻟﻣﻌﺎﻧﺎة ﻣن اﻟرﯾﺢ ھﻲ ﻣﻌﺎﻧﺎة‬ ‫ّ‬
‫ﻣن ﺗﻠك اﻟﻘﯾم‪ .‬وﻻﺑﺄس ﻣن اﻹﺷﺎرة‪ ،‬ھﻧﺎ‪ ،‬إﻟﻰ أن اﻟرﯾﺢ ﻋﻧد ﺣﺎوي ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﺗﻛون‬

‫‪- 82 -‬‬
‫ﻧﻘﯾض اﻟﻔرد‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺣﯾن أﻧﮭﺎ ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﺗﻛون‪ ،‬ﻋﻧد اﻟﺳﯾﺎب‪ ،‬ﻧﻘﯾض اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‪ ،‬ﯾﻘول‬
‫ﺣﺎوي‪:‬‬
‫ﻓﻲ ﻟﯾﺎﻟﻲ اﻟﺿﯾﻖ واﻟﺣرﻣﺎن‬
‫اﻟﻣدوي ﻓﻲ ﻣﺗﺎھﺎت اﻟدروب‬ ‫ّ‬ ‫واﻟرﯾﺢ‬
‫ﻣن ﯾﻘوﯾﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻣل اﻟﺻﻠﯾب )‪(30‬‬
‫وﯾﻘول أﯾﺿﺎً‪:‬‬
‫ﻋﻠّﮫ ﯾﻔرخ ﻣن أﻧﻘﺎﺿﻧﺎ ﻧﺳل ﺟدﯾد‬
‫ﯾﻧﻔض اﻟﻣوت‪ ،‬ﯾﻐ ﱡل اﻟرﯾﺢ‬
‫ﯾدوي ﻧﺑﺿﺔ ﺣرى ﺑﺻﺣراء اﻟﺟﻠﯾد ) ‪(31‬‬
‫وﯾﻘول‪:‬‬
‫ﺳوف ﯾﻣﺿون وﺗﺑﻘﻰ‬
‫ﺻﻧﻣﺎ ً ﺧﻠﻔﮫ اﻟﻛﮭﺎن ﻟﻠرﯾﺢ‬
‫اﻟﺗﻲ ﺗوﺳﻌﮫ ﺟﻠدا ً وﺣرﻗﺎ ً )‪(32‬‬
‫وﯾرى ﻓﯾﮭﺎ ﻋﻠﻲ اﻟﺟﻧدي رﻣزا ً ﻟﻠﺗﯾﮫ ﺑﺄﺷﻛﺎﻟﮫ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟروﺣﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‬
‫ﺑﻌﺎﻣﺔ‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن اﻟﻘﻠﻖ ﺑﻣرادﻓﺎﺗﮫ ﻣن ﻣﺻﺎﺣﺑﺎت اﻟرﯾﺢ ﻋﻧد اﻟﺟﻧدي‪ .‬أي أن ﺛﻣﺔ‬
‫ﺗﺷﺎﻛﻼً ﺑﯾن ﺣﺎوي واﻟﺟﻧدي‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﻧﺎول رﻣز اﻟرﯾﺢ‪ .‬وﻟﻛن ﻓﻲ ﺣﯾن اﺗﺟﮫ ﺣﺎوي ﺑﮫ‬
‫إﻟﻰ ﻣوﺿوﻋﺔ اﻻﻏﺗراب‪ ،‬اﺗﺟﮫ ﺑﮫ اﻟﺟﻧدي إﻟﻰ ﺳﻣﺔ ﻣﻼزﻣﺔ ﻟﻼﻏﺗراب‪ ،‬وھﻲ اﻟﺗﯾﮫ‬
‫اﻟﻧﻔﺳﻲ واﻟروﺣﻲ‪ .‬ﯾﻘول‪:‬‬
‫‪ ..‬ﯾﺗﮭﺎ اﻟرﯾﺢ اﻟﺗﻲ ﺗﺣﻣﻠﻧﻲ ﻣن رﺻﯾف ﻟرﺻﯾف‬
‫ﺣﻔرت وﺟﮭﻲ أﺧﺎدﯾد اﻟﺻراﺣﮫ‬
‫ﻧﮭﺷت ﻟﺣﻣﻲ أﻗﻼم اﻟﺟراﺣﮫ‬
‫أﻧزﻟﯾﻧﻲ ﯾﺗﮭﺎ اﻟرﯾﺢ ﻋﻠﻰ ﻗﺎرﻋﺔ اﻟﻠﯾل‬
‫اﺗرﻛﯾﻧﻲ ﻓﻲ ﺑﺳﺎﺗﯾن اﻟﻣﺳﺎﻛﯾن اﻟذﯾن اﻧﺗﺑذوا‬
‫ﺗﺣت ﺳور اﻟﻧﻔﻲ‪.‬‬
‫أوﻋودي ﺑﺟﺛﻣﺎﻧﻲ إﻟﻰ اﻟﺻﺣراء ﻓﻲ اﻷرض اﻟﻣﺑﺎﺣﮫ )‪(33‬‬
‫وﯾﻘول‪:‬‬
‫ﻧﻧﺎم ﻋﻠﻰ اﻟرﯾﺢ ﻟﯾس ﻟﻧﺎ ﻣن ﻗواﺋم‬
‫وﻟﯾس ﻟﻧﺎ ﻏﯾر أﺟﻧﺣﺔ وﻋﯾون وﻣﻧﺎﻗﯾر ﺟﺎرﺣﺔ ﻧﺎﻓره )‪(34‬‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 83 -‬‬


‫أﻣﺎ أدوﻧﯾس‪ ،‬ﻓﯾرى ﻓﻲ اﻟرﯾﺢ رﻣزا ً إﯾﺟﺎﺑﯾﺎً‪ ،‬ﯾﻣﻛن أن ﯾﺣﻣل ﻣﻔﮭوﻣﻲ اﻟﺟﻣﯾل‬
‫واﻟﺟﻠﯾل ﻣﻌﺎً‪ .‬إن ﻟﻠرﯾﺢ ﻋﻧده طﺎﻗﺔ ﺗﺣوﯾﻠﯾﺔ‪ ،‬ﺗﺑﻌث ﻓﻲ اﻟﻣوات دﻣﺎ ً ﺟدﯾدا ً‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﺗﺣول‬
‫اﻟوﺟود اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ﺗﺣوﯾﻼً ﺛورﯾﺎً‪.‬‬
‫وﻣن ھﻧﺎ‪ ،‬ﻓﻘد اﺳﺗوﻋب رﻣز اﻟرﯾﺢ ﻓﻠﺳﻔﺔ أدوﻧﯾس اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺿرورة‬
‫اﻟﺗﺟﺎوز واﻟﺗﺧطﻲ ﻟﻣﺎ ھو ﻧﺎﺟز ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ ﺑﻌﻼﻗﺎﺗﮫ وﻗﯾﻣﮫ‪ .‬ﺣﺗﻰ ﯾﺻ ّﺢ اﻟﻘول إن‬
‫رﻣز اﻟرﯾﺢ ﻛﺛﯾرا ً ﻣﺎﯾرادف اﻟﺑطل اﻷدوﻧﯾﺳﻲ ﻣﮭﯾﺎر اﻟدﻣﺷﻘﻰ‪ .‬ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻣﮭﯾﺎر داﺋم‬
‫اﻟﺛورة ﻋﻠﻰ واﻗﻌﮫ‪ ،‬وﻋﻠﻰ ذاﺗﮫ أﯾﺿﺎً‪ ،‬ﻓﺈن اﻟرﯾﺢ ھﻲ ﺳﻼﺣﮫ ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﺛورة‪ ،‬او ھﻲ‬
‫ﺳﻼﺣﮫ وﺛورﺗﮫ ﻓﻲ آن ﻣﻌﺎً‪.‬‬
‫ﯾﻘول‪:‬‬
‫ھﺎأﻧﺎ ﻓﻲ طرﯾﻘﻲ إﻟﻰ أرﺿﻲ اﻟﺛﺎﻧﯾﮫ‬
‫وﻣﻌﻲ راﯾﺗﻲ ورﯾﺎﺣﻲ )‪(35‬‬
‫وﯾﻘول أﯾﺿﺎً‪:‬‬
‫ﻛﺎﻧت اﻟرﯾﺢ ﻋﯾﻧﯾن ﻣﺳﻧوﻧﺗﯾن‬
‫ﺗﺧرﻗﺎن اﻟظﻼم وﻋﺎداﺗﮫ‪ ،‬ﺗﺟرﺣﺎن‬
‫ﺟﺳد اﻟﻠﯾل‪ ،‬ﺗﺷرﺑﺎن‬
‫دﻣﮫ اﻷﺳود اﻟﻣﺻﻔّﻰ‬
‫ﺣﯾﻧﻣﺎ ﺗﺻﻌد اﻟﻣﻘﺎﺑر‪ ،‬أو ﯾﺳﻘط اﻟﻣﻼك‬
‫ﻛﺎﻧت اﻟرﯾﺢ ﺟﻧﯾﺔ واﻷﻏﺎﻧﻲ‬
‫وﺟﮭﮭﺎ واﻟﯾدﯾن)‪(36‬‬
‫وﻟﻌل اﻟﻣﺣﻣول ﻧﻔﺳﮫ ﻧﺟده ﻋﻧد ﻓﺎﯾز ﺧﺿور‪ .‬ﺣﯾث اﻟﺛورة اﻟﺗﻲ ﺗﺣﯾل ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺧﺻب اﻟﻣﺗﺟدد‪ ،‬وﺗﻧﻔﻲ اﻟﻌﻘم واﻟﯾﺑس واﻟﺟدب ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ واﻟذات ﻣﻌﺎً‪ .‬وﻟﮭذا ﻏﺎﻟﺑﺎ ً‬
‫ﻣﺎﯾﻛون اﻟﻣطر واﻟﻐﯾم واﻷﻏﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻣن ﻣﺻﺎﺣﺑﺎت رﻣز اﻟرﯾﺢ ﻋﻧده‪ .‬ﯾﻘول ﺧﺿور‪:‬‬
‫وﺣدھﺎ اﻟرﯾﺢ ﺗﺳﺗﻠﻧﻲ ﻣن رﻣﺎد اﻟﮭﺷﺎﺷﺔ‬
‫ﺗﻐري ﺑﮭﺗك ﻧﺳﯾﺞ اﻟﻛﺂﺑﮫ)‪(37‬‬
‫وﯾﻘول أﯾﺿﺎً‪:‬‬
‫أﯾﮭذا اﻟﻣﻐﻧﻲ اﻟﺟﻣﯾل اﻟﺳﻔﯾﮫ‬
‫أ ﱡﻣك اﻟرﯾﺢ ﻓﺎﺳﻠم ﻟﮭﺎ ‪ ..‬ﯾﺎﻣطر)‪(38‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وإذا ﻛﺎن ﺑﻌض اﻟﺷﻌراء ﻗد اﺗﺧذ ﻣوﻗﻔﺎ ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ﺷﺑﮫ ﻧﮭﺎﺋﻲ ﻣن اﻟرﯾﺢ ‪ ،‬ﻧﻠﻣﺳﮫ‬
‫ﻓﻲ ﻣﻌظم ﻧﺗﺎﺟﮫ اﻟﺷﻌري‪ .‬ﻓﺈن ﺑﻌﺿﺎ ً ﻣﻧﮭم ﻗد اﺗﺧذ ﻣﻧﮭﺎ ﻣواﻗف ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‬
‫وﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ أﺣﯾﺎﻧﺎً‪ ،‬وذﻟك ﺑﺣﺳب ﺗﺟرﺑﺗﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص أو ذاك‪ .‬وﻻﻧرى‬

‫‪- 84 -‬‬
‫أن ﺛﻣﺔ أﻓﺿﻠﯾﺔ ﻟﮭذا اﻟﺷﻛل أو ذاك ﻣن اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣﻊ اﻟرﻣوز‪ .‬إذ اﻟﻣﺣك‬
‫اﻟﻧﮭﺎﺋﻲ ھو اﻟﻛﯾﻔﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾظﮭر ﻓﯾﮭﺎ اﻟرﻣز ﻓﻲ ﺳﯾﺎﻗﮫ اﻟﻔﻧﻲ‪.‬‬
‫إن أﺣﻣد ﻋﺑد اﻟﻣﻌطﻲ ﺣﺟﺎزي ﻣن اﻟﺷﻌراء اﻟذﯾن ﻟم ﯾﺗﺧذوا ذﻟك اﻟﻣوﻗف‬
‫ﺷﺑﮫ اﻟﻧﮭﺎﺋﻲ ﻣن اﻟرﯾﺢ‪ .‬ﻣﻣﺎ ﺟﻌﻠﮭﺎ ﺗﺧﺗﻠف إﯾﺣﺎﺋﯾﺎ ً ﻣن ﻧص إﻟﻰ آﺧر‪ .‬ﻏﯾر أن‬
‫أﺑﻌﺎدھﺎ اﻹﯾﺣﺎﺋﯾﺔ ﻓﻲ ﺟﻣﻠﺔ ﻧﺻوﺻﮫ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬ﺗﺄﺗﻠف ﺗﻣﺎﻣﺎ ً واﻷﺑﻌﺎد اﻟﺗﻲ ﻣرت ﺑﻧﺎ‬
‫ﺳﺎﺑﻘﺎً‪ .‬وﻻﻏراﺑﺔ ﻓﻲ ذﻟك‪ .‬إذ إن اﻟﺣﺎﺿن اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ واﻟﺟﻣﺎﻟﻲ واﺣد‪ ،‬ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ‬
‫ﺷﻌراء اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﺧﺗﻼف طﺑﺎﺋﻌﮭم وﺗﺟﺎرﺑﮭم اﻟذاﺗﯾﺔ‪.‬‬
‫ﯾﺧص‬
‫ّ‬ ‫وﻻﺑﺄس ﻣن اﻟﺗﻣﺛﯾل ﻟﺑﻌض ﻣواﻗف ﺣﺟﺎزي ﻣن رﻣز اﻟرﯾﺢ‪ .‬ﻓﻔﯾﻣﺎ‬
‫اﻹﺣﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟدﻣﺎر واﻟﺧراب‪ ،‬ﯾﻘول‪:‬‬
‫ﻛﯾف ﺻﺎر ﻛل ھذا اﻟﺣﺳن ﻣﮭﺟوراً‬
‫وﻣﻠﻘﻰ ﻓﻲ اﻟطرﯾﻖ اﻟﻌﺎم‪،‬‬
‫ﯾﺳﺗﺑﯾﺣﮫ اﻟﺷرطﻲ واﻟزاﻧﯾ!‬
‫ﻛﺄﻧﻲ ﺻرت ﻋﻧﯾﻧﺎ ً ﻓﻠم أﺟب ﻧداءھﺎ اﻟﺣﻣﯾم اﻟﻣﺳﺗﺟﯾر‬
‫ﺗﻠك ھﻲ اﻟرﯾﺢ اﻟﻌﻘور) ‪(39‬‬
‫وﯾﻘول ﻓﻲ إﺣﺎﻟﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﻏﺗراب‪:‬‬
‫ﺳوف ﺗﺿرب ﻧﺎﻓذﺗﻲ طﯾﻠﺔ اﻟﻠﯾل‬
‫أﺟﻧﺣﺔ اﻟﻣطر اﻟﻣﺗوﺣش‬
‫ﻧﺎﻋﻘﺔ ﻓوق رأﺳﻲ‪،‬‬
‫وﺗﺳﺗﺄﻧف اﻟرﯾﺢ ﻣﺎﺑدأت ﻣن ﻋوﯾل)‪(40‬‬
‫إن ﻋودة إﻟﻰ ﻣﺣﻣوﻻت رﻣز اﻟرﯾﺢ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﺟﺎءت ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﺗوﺿّﺢ‬
‫أن ﻛﻼً ﻣن ﺗﻠك اﻟﻣﺣﻣوﻻت ﻟﮫ ﻣﺎﯾﺳﻧده ﻓﻲ إﺣدى ﺳﻣﺎت اﻟرﯾﺢ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟﺗﺟرﺑﺔ‬
‫اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ‪ .‬ﻓﺑﻣﺎ أن اﻟرﻣز ھو ﺻورة اﻟﺷﻲء‬
‫ﻣﺣوﻻً إﻟﻰ ﺷﻲء آﺧر‪ ،‬ﺑﻣﻘﺗﺿﻰ اﻟﺗﺷﺎﻛل اﻟﻣﺟﺎزي‪ ،‬ﻓﯾﻣﻛن اﻟﻘول ﺷﻌرﯾﺎ ً إن اﻟرﯾﺢ‬
‫ھﻲ اﻟدﻣﺎر واﻟﺧراب‪ ،‬ﻣن ﻣﻧظور ﺗﺄﺛﯾرھﺎ اﻟﻣدﻣر ﻓﻲ اﻟﺣﻘول واﻟﻣزروﻋﺎت‬
‫واﻟﻣﻧﺎزل اﻟﻔﻘﯾرة‪ .‬أي ان ﺗﺄﺛﯾر اﻟرﯾﺢ اﻟﺳﻠﺑﻲ أﺻﺑﺢ ھو اﻟرﯾﺢ‪ ،‬وأﺻﺑﺣت اﻟرﯾﺢ ھﻲ‬
‫اﻟدﻣﺎر ﻓﻲ اﻟﻼﺷﻌور اﻟﺟﻣﻌﻲ وﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ .‬ﻓﺛﻣﺔ‪ ،‬إذاً‪ ،‬ﺗﺷﺎﻛل ﻣﺟﺎزي ﺑﯾن‬
‫اﻟرﯾﺢ واﻟدﻣﺎر‪.‬‬
‫وﻣن ﺣﯾث إﺣﺎﻟﺔ اﻟرﯾﺢ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﯾﮫ‪ ،‬ﻓﺈن ﺧﺎﺻﯾﺔ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟداﺋﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻣﯾز‬
‫ﺑﮭﺎ اﻟرﯾﺢ‪ ،‬ﺗد ﱡل ﻋﻠﻰ ﻋدم اﻻﺳﺗﻘرار‪ .‬وھذا ﻣن ﺻﻔﺎت اﻟﺗﺎﺋﮫ ﻧﻔﺳﯾﺎ ً وروﺣﯾﺎً‪ .‬وﻛذا‬
‫ھﻲ اﻟﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﻣﻐﺗرب اﻟذي ھو ﺗﺎﺋﮫ ﺑﺎﻟﺿرورة‪ .‬ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن دوي اﻟرﯾﺢ‬
‫ي<< اﻟﺣﯾﺎة اﻟﻣﺎدﯾﺔ اﻟﻣﺑﺗذﻟﺔ‪.‬‬ ‫ﻻﯾﺧﺗﻠف ﻣﺟﺎزﯾﺎ ً ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻐﺗرب ﻋن >>دو ّ‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 85 -‬‬


‫ﯾدﻣر ﺑﻧﯾﺔ اﻟواﻗﻊ‬
‫ّ‬ ‫أﻣﺎ ﻓﻲ إﺣﺎﻟﺔ اﻟرﯾﺢ ﻋﻠﻰ اﻟﺛورة‪ ،‬ﻓﺈن ﻓﻌل اﻟﺛورة اﻟذي‬
‫اﻟﺳﺎﺋد ﯾﻣﻛن ﻣﺟﺎزﯾﺎ ً أن ﯾﻛون ھو ﻓﻌل اﻟرﯾﺢ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺑﮭﺎ اﻟﺗدﻣﯾري اﻟذي ﻟﮫ ﺑﻌد‬
‫ﺗطﮭﯾري ﺑﺣﺳب اﻟﻼﺷﻌور اﻟﺟﻣﻌﻲ‪.‬‬

‫* رﻣـــﺰ اﻟــﺤﺠﺮ‪:‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أھﻣﯾﺔ رﻣز اﻟرﯾﺢ ﻓﻲ ﺗﺑﯾﺎن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻹﯾﺣﺎء اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‬
‫وﻛ ّل ﻣن ﺳﻣﺎت اﻟﺷﻲء أو اﻟظﺎھرة اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ‪ ،‬واﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ ،‬إﻻ أن رﻣز‬
‫اﻟﺣﺟر ﺑﻣﺣﻣوﻻﺗﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ أﻛﺛر إﯾﺿﺎﺣﺎ ً وﺗﺑﯾﺎﻧﺎ ً ﻟﺗﻠك اﻟﻌﻼﻗﺔ‪ ،‬ﻟﻣﺎ ﯾﺗ ّﺳم ﺑﮫ اﻟﺣﺟر‬
‫ﻣن ارﺗﺑﺎط ﻣﺑﺎﺷر ﺑﺎﻟﺣﯾﺎة اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة‪ ،‬وﻻﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ ﻓﻠﺳطﯾن‬
‫اﻟﻣﺣﺗﻠﺔ‪.‬‬
‫إن دراﺳﺔ ھذا اﻟرﻣز‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﺗﺑﯾن أن ﺛﻣﺔ ﻣوﻗﻔﯾن ﻣﺗﻧﺎﻗﺿﯾن‬
‫ﻋﺎ ّﻣﯾن ﻣﻧﮫ‪ ،‬ﯾﺗﺑدى اﻟﻣوﻗف اﻷول ﻓﻲ اﻟﻧﺗﺎج اﻟﺷﻌري ذي اﻷﺟواء اﻻﻏﺗراﺑﯾﺔ‪،‬‬
‫وﯾﺗﻠﺧص ھذا اﻟﻣوﻗف ﻓﻲ اﻋﺗﺑﺎر اﻟﺣﺟر رﻣزا ً ﻟﻠﺗﺷﯾؤ واﻻﻏﺗراب‪ .‬وﯾﺗﺑدى اﻟﻣوﻗف‬
‫اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾﺔ وﻻﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ ﺳﺑﻌﯾﻧﯾﺎت اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن‪ .‬ﺣﯾث‬
‫أن ﻣﺣﻣوﻻت ھذا اﻟرﻣز ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﺗﻛون إﯾﺟﺎﺑﯾﺔ‪ ،‬ﺗﻛﺛف ﺗﺟرﺑﺔ اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾﺔ‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺧص اﻟﻣوﻗف اﻷول‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟروﺣﯾﺔ ﻟﻠﻔرد اﻟﻣﻐﺗرب‪ ،‬ﻗد‬
‫وﺟدت ﻓﻲ اﻟﺣﺟر ﻣﻌﺎدﻻً ﻣوﺿوﻋﯾﺎ ً ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن إﺷﻛﺎﻻﺗﮭﺎ‪ .‬ﻓﻣن ﺧﻼل رﻣز‬
‫اﻟﺣﺟر‪ ،‬ﺗم اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟﻔراغ اﻟروﺣﻲ‪ ،‬وﻋن اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻣﺗﺄزﻣﺔ ﺑﯾن اﻟﻔرد اﻟﻣﻐﺗرب‬
‫واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‪ ،‬وﻋن اﻟﻘﻠﻖ اﻟﻧﻔﺳﻲ‪ ،‬وﻋن اﻹﺣﺳﺎس اﻟﺣﺎد ﺑﺎﻟﻌزﻟﺔ واﻟﺗوﺣّد‪ .‬وﻧرى أن‬
‫ﻛﺛﯾرا ً ﻣن اﻟﻧﺻوص أو اﻟﺻور اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﯾﺻﻌب اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﮭﺎ ﻣن دون ﻓﮭم ﺗﻠك‬
‫اﻟﺟواﻧب اﻟﺗﻲ رؤﯾت ﻓﻲ رﻣز اﻟﺣﺟر‪ .‬وﺳوف ﻧﺗرك ﻟﺑﻌض اﻟﻣﻘﺑوﺳﺎت أن ﺗﻌﺑر‬
‫ﻋن ﻧﻔﺳﮭﺎ‪ ،‬ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺧص رﻣز اﻟﺣﺟر‪ ،‬وذﻟك ﻟﺿﯾﻖ اﻟﻣﺟﺎل ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﺧوﻓﺎ ً ﻣن‬
‫اﻟﺗﻛرار ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى‪.‬‬
‫ﯾﻘول أدوﻧﯾس‪:‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﺣﺟر اﻟﺗﺎﺋﮫ ﻟون اﻟﻘﻠﻖ‬
‫ﻟون ﺧﯾﺎل ﺳرى‬
‫ﻣن ﯾﺎﺗرى‬
‫ﻣ ﱠر ھﻧﺎ واﺣﺗرق)‪(41‬‬
‫وﯾﻘول ﺣﺎوي‪:‬‬
‫ﺿﺟر ﻓﻲ دﻣﮫ‬
‫ﻓﻲ ﻋﯾﻧﮫ اﻟﺻﻣت اﻟذي‬
‫ﺣ ﺟّره طول اﻟﺿﺟر‬
‫‪- 86 -‬‬
‫وﺟﮭﮫ ﻣن ﺣﺟر‬
‫ﺑﯾن وﺟوه ﻣن ﺣﺟر)‪(42‬‬
‫وﯾﻘول ﻧذﯾر اﻟﻌظﻣﺔ‪:‬‬
‫وﺟﮭﻲ أﻧﺎ ﻣﻣﺗﻠﺊ ﺑﺎﻟﺷوك واﻟﺣﺟﺎرة‬
‫ﯾﺑﺣث ﻋن ﺑداءة طرﯾﺔ‬
‫ﯾﺑﺟث ﻋن ﺑﻛﺎره )‪(43‬‬
‫وﯾﻘول اﻟﺳﯾﺎب‪:‬‬
‫أﻗض ﯾﺎﻣطر‬
‫ّ‬
‫ﻣﺿﺎﺟﻊ اﻟﻌظﺎم واﻟﺛﻠوج واﻟﮭﺑﺎء‬
‫ﻣﺿﺎﺟﻊ اﻟﺣﺟر)‪(44‬‬
‫وﯾطرح ﺳﻌدي ﯾوﺳف ﻋدة إﯾﺣﺎءات ﻟﻠﺣﺟر‪ ،‬ﺑﺣﯾث ﯾﺑدو ﻣﺗﺑ ّدﻻً ﻣن ﺣﺎل‬
‫إﻟﻰ ﺣﺎل‪ ،‬ﺑﺣﺳب اﻟﺗﺑدﻻت اﻟﺗﻲ ﺗﻣر ﺑﮭﺎ اﻟذات اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ واﻗﻌﮭﺎ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪،‬‬
‫وذﻟك ﻓﻲ اﻟﻣﻘطﻊ اﻟﺗﺎﻟﻲ‪:‬‬
‫ﯾوم ﻋﺎﻟﺟﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟﺣﺟر‬
‫‪ -‬ھذه اﻟروح ‪ -‬ﻗﺎل اﻟﺣﺟر‪:‬‬
‫ھل أﻛون اﻧﺗﮭﯾت؟‬
‫ﻧطوف دھرا ً ﺑﮫ‪...‬‬
‫ﻛم دﻓﻌﻧﺎ إﻟﻰ ﺣﺟر‪ ،‬ﻛﻲ ّ‬
‫أﻣس ﻗ ّﻠﺑﺗﮫ ﻓﻲ ﯾدي‪ ..‬أﯾﮭﺎ اﻟﺣﺟر اﻟﻧﯾزك‪ ،‬اﻟﺣﺟر‬
‫أي زﻣﺎن ﻗطﻌﻧﺎ ﻣﻌﺎً!‬ ‫اﻷﺑﯾض‪ ،‬اﻟﺣﺟر اﻟﻣﺗﻠون‪ :‬ﱡ‬
‫وأي ﻣواطن ﻟم ﺗﻧﻔﺗﺢ وطﻧﺎً!‬ ‫أي أرض ﺣﻠﻠﻧﺎ! ﱡ‬ ‫ﱠ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رﺑﻣﺎ ﻛﻧت ﻟﻲ ﺳﺎﻋدا ﯾوم ﻛﻧﺎ ﺻﻐﺎرا‪ ..‬وﺻرت اﻟﮭراوة‬
‫ﻓﻲ اﻟرأس ﺣﯾﻧﺎً‪ ،‬وﻟﻛﻧﻧﺎ اﻵن ﻧدّان‪ :‬أﻧت اﻟذي‬
‫ﺟﺋت ﻣن أول اﻟﻛون‪ ..‬ھل ﺟﺋﺗﻧﻲ؟ وأﻧﺎ اﻟﻧﺎھض‬
‫‪-‬اﻟدھر ‪-‬ھل أﻧﺛﻧﻲ؟)‪(45‬‬
‫ﻟﻘد أردﻧﺎ ﻣن ھذا اﻟﻣﻘطﻊ أن ﯾﻛون ﺻﻠﺔ اﻟوﺻل ﺑﯾن ذﯾﻧك اﻟﻣوﻗﻔﯾن ﻣن ھذا‬
‫اﻟرﻣز‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ .‬إذ إﻧﮫ ﻗد ﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟﺣﺟر ﺑوﺻﻔﮫ اﻟﻌﻼج اﻟﺳﺣري‬
‫ﺗﻧﺎص ﻣﻊ ﺣﺟر‬ ‫ّ‬ ‫ﻟﻠروح اﻟﻣﺗﺄزﻣﺔ )ﯾوم ﻋﺎﻟﺟﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟﺣﺟر‪-‬ﺛﻣﺔ ﻓﻲ ھذا اﻻﺳﺗﺧدام‬
‫اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ(‪ ،‬وﻋﺎﻣﻠﮫ ﺑوﺻﻔﮫ رﻣزا ً ﻟﻠﻌﺑث واﻟﻼﺟدوى )ﻛﻲ ﻧطوف دھراً ﺑﮫ ـ وﺛﻣﺔ‬
‫ﺗﻧﺎصّ ﻣﻊ ﺻﺧرة ﺳﯾزﯾف(؛ وﻋﺎﻣﻠﮫ ﺑوﺻﻔﮫ رﻣزا ً ﻟﻠﺻﯾرورة )أﯾﮭﺎ اﻟﺣﺟر‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 87 -‬‬


‫اﻟﻧﯾزك‪ ..‬اﻟﻣﺗﻠون(؛ ﻛﻣﺎ ﻋﺎﻣﻠﮫ ﺑوﺻﻔﮫ ﺳﻼﺣﺎ ً )ﺳﺎﻋداً‪ ،‬اﻟﮭراوة(؛ وﻋﺎﻣﻠﮫ أﺧﯾرا ً‬
‫ﺑوﺻﻔﮫ رﻣزا ً ﻟﻸﺑدﯾﺔ )ﺟﺋت ﻣن أول اﻟﻛون‪(...‬‬
‫وﻣن اﻟﻼﻓت ﻟﻠﻧظر أن ھذا اﻟرﻣز‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﺗﻌدد إﯾﺣﺎءاﺗﮫ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻣﻘطﻊ‪ ،‬ﻟم ﯾﻘﻊ ﻓﻲ اﻻﻋﺗﺑﺎطﯾﺔ أو اﻟﻣﺟﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬وﻣﺎذﻟك إﻻ ﺑﺳﺑب اﻟﻣﻧطﻖ اﻟﺗﺣوﯾﻠﻲ‬
‫ﻣر ﺑﮭﺎ اﻟﺣﺟر‬ ‫اﻟذي ﯾﻘف وراء ﺗﻠك اﻹﯾﺣﺎءات ﺣﯾث إﻧﮭﺎ ﺗﺻدر ﻋن أطوار ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﱠ‬
‫ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮫ ﺑﺎﻟذات اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪.‬‬
‫ﯾﻣﻛن اﻟﺗوﻛﯾد أن رﻣز اﻟﺣﺟر‪ ،‬ﻗﻠﻣﺎ ﯾﺳﺗﺧدم ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر‪،‬‬
‫ﺑوﺻﻔﮫ رﻣزا ً ﺳﻠﺑﯾﺎً‪ ،‬أو رﻣزا ً داﻻً ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺷﯾؤ واﻻﻏﺗراب‪ .‬وﺗﻛﺎد ﺗﺗﻣﺣور إﺣﺎﻻﺗﮫ‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﺣول اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ‪ ،‬وﺣول اﻟﺧﺻب واﻻﻧﺑﻌﺎث أﯾﺿﺎ ً!‪.‬‬
‫وﻻﺑﺄس ﻣن اﻹﺷﺎرة‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬إﻟﻰ أن رﻣز اﻟﺣﺟر ﻗد ﺣ ّل ﻣﺣ ّل‬
‫رﻣوز اﻟزﯾﺗون واﻟﺑرﺗﻘﺎل واﻟﻠﯾﻣون اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻗد اﺳﺗوﻋﺑت ﻣرﺣﻠﺔ اﻟذھول‬
‫واﻻﻟﺗﯾﺎع واﻟﺣﻧﯾن اﻟﺗﻲ ﺧﻠﻔت اﻟﻧﻛﺑﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم ‪ .1948‬ﻏﯾر أﻧﮭﺎ اﺳﺗﻧﻔدت طﺎﻗﺎﺗﮭﺎ‬
‫ﺗﺣوﻟﮭﺎ إﻟﻰ ﻣﺟرد إﺷﺎرة ﻓﺣﺳب؛ ﻛﻣﺎ أﻧﮭﺎ اﺳﺗﻧﻔدت ﻣﮭﺎﻣﮭﺎ‬ ‫اﻹﯾﺣﺎﺋﯾﺔ‪ ،‬ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد‪ ،‬ﻓﻲ ّ‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾرﯾﺔ‪ ،‬ﺑﻌد أن أﺧذت اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺑروز‪ .‬وھو ﻣﺎاﻗﺗﺿﻰ‬
‫رﻣوزا ً ﺟدﯾدة ﺗﻘوم ﺑﺎﻟﻣﮭﺎم اﻟﺟدﯾدة اﻟﺗﻲ أﻧﺗﺟﮭﺎ واﻗﻊ اﻟﺻراع اﻟﻌرﺑﻲ ـ اﻟﺻﮭﯾوﻧﻲ‪.‬‬
‫ﻓﻛﺎن رﻣز اﻟﺣﺟر أﺣد اﻟرﻣوز اﻟﺗﻲ ظﮭرت ﺟراء اﻻﻧﺗﻔﺎﺿﺎت اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ اﻟﻣﺗﻧﺎﺛرة‪،‬‬
‫ﻋﻠﻰ ﻣدار اﻟﻌﻘدﯾن اﻟﺳﺎﺑﻊ واﻟﺛﺎﻣن‪ .‬أي أن ﺧﺻوﺻﯾﺔ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﻧﺿﺎﻟﯾﺔ اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾﺔ‬
‫ھﻲ اﻟﺗﻲ ﻓرﺿت ﺗﻠك اﻟﺧﺻوﺻﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ رﻣز اﻟﺣﺟر اﻟذي ﻛﺛﯾرا ً ﻣﺎﺑدا‬
‫ﺣﺎﻣﻼً ﻟﻣﻔﮭوم اﻟﺑطوﻟﻲ‪.‬‬
‫ﯾﻘول ﻣﻌﯾن ﺑﺳﯾﺳو‪:‬‬
‫ﺗﻔﺎﺟﺋﻧﻲ اﻷرض‪ ،‬إن اﻟﺣﺟﺎره‬
‫ﺗﻘﺎﺗل واﻷﻧظﻣﮫ‬
‫ﺑﻧﺎدﻗﮭﺎ ﻣﻠﺟﻣﮫ‬
‫أﻛف اﻟﺻﺑﺎﯾﺎ‬
‫ﺗﻔﺎﺟﺋﻧﻲ اﻷرض‪ ،‬إن ّ‬
‫ﻣراﯾﺎ‬
‫وﻛف اﻟﺷﮭﯾد ﺑﺣﺟم اﻟﺳﻣﺎء )‪(46‬‬
‫ﱡ‬
‫إن ﺛﻣﺔ ﺗﻛﺎﻣﻼً وﺗﺟﺎدﻻً ﺑﯾن اﻟﺣﺟﺎرة واﻟﺻﺑﺎﯾﺎ واﻟﺷﮭﯾد واﻷرض‪ .‬ﻓﺎﻷرض‬
‫ﺗﻠد اﻟﺣﺟﺎرة‪ ،‬وھذه ﺗﺗﻣرأى ﺑﺄﻛف اﻟﺻﺑﺎﯾﺎ‪ ،‬ﻟﺗﺻﺑﺢ ھﻲ اﻟﻘﺿﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﻛف‬
‫اﻟﺷﮭﯾد‪ .‬ﻓﺎﻟﺣﺟﺎرة ﻓﻲ ﺗﺣول داﺋم‪ ،‬ﻓﻣن اﻷرض إﻟﻰ اﻟﺻﺑﺎﯾﺎ‪ ،‬وﻣﻧﮭن إﻟﻰ اﻟﺷﮭﯾد‪،،‬‬
‫وﻣﻧﮫ إﻟﻰ اﻷرض ـ اﻟﺳﻣﺎء وﻣن اﻷرض إﻟﻰ اﻟﺑطوﻟﯾﺔ‪.‬‬
‫إن ھذا اﻟﺗﻛﺎﻣل واﻟﺗﺟﺎدل ھﻣﺎ ﻣﺎﻧﻠﻣﺳﮫ ﻓﻲ اﻟﺣﺟر ـ اﻷﺳطورة‪ ،‬ﻋﻧد ﻣﺣﻣود‬
‫دروﯾش ﻓﻲ ﻗوﻟﮫ‪:‬‬

‫‪- 88 -‬‬
‫أﻧﺎ اﻟﺣﺟر‪...‬‬
‫أﻧﺎ اﻟﺣﺟر اﻟذي ﻣﺳﺗّﮫ زﻟزﻟﺔ‬
‫رأﯾت اﻷﻧﺑﯾﺎء ﯾؤﺟرون ﺻﻠﯾﺑﮭم‬
‫واﺳﺗﺄﺟرﺗﻧﻲ آﯾﺔ اﻟﻛرﺳﻲ دھرا ً‬
‫ﺛم ﺻرت ﺑطﺎﻗﺔ ﻟﻠﺗﮭﻧﺋﺎت‬
‫ﺗﻐﯾر اﻟﺷﮭداء واﻟدﻧﯾﺎ‬
‫وھذا ﺳﺎﻋدي‬
‫ﺗﺗﺣرك اﻷﺣﺟﺎر‬
‫ﻓﺎﻟﺗﻔوا ﻋﻠﻰ أﺳطورﺗﻲ ) ‪(47‬‬
‫إن ﻣﺎﯾﻠﻔت اﻟﻧظر ﻓﻲ أﻣﺛﺎل ھذا اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟرﻣزي ﻣﻊ اﻟﺣﺟر‪ ،‬ھو أن‬
‫ﻣﺻﺎﺣﺑﺎت ھذا اﻟرﻣز ﻛﺛﯾرا ً ﻣﺎﯾﻛون ﻟﮭﺎ ارﺗﺑﺎط ﺑﺎﻟﺧﺻب واﻻﺧﺿرار واﻟطﻔوﻟﺔ‪.‬‬
‫ﻓﺄﺣﻣد دﺣﺑور ﯾﻘرن " ﺣﺟﺎرة اﻟﺻﺑﺎح " ﺑـ "ﺧﺿرة اﻟدﻧﯾﺎ" )‪ .(48‬أﻣﺎ ﺑﺳﯾﺳو ﻓﺈﻧﮫ‬
‫ﯾﺗﻠو ﺑﻼغ اﻟﺷﺟر وﺑﻼغ اﻟﺣﺟر)‪ ،(49‬ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﯾرى ﺗ ﱠل اﻟزﻋﺗر ﻣرﺻﻌﺎ ً ﺑﺎﻟﻘﻣﺢ‬
‫واﻷﺣﺟﺎر)‪ .(50‬وﯾﻘرن دروﯾش اﻟﺣﺟر ﺑﺎﻟزﻋﺗر‪ ،‬ﻓﻲ ﻗﺻﯾدﺗﮫ اﻟﺷﮭﯾرة "أﺣﻣد‬
‫اﻟزﻋﺗر" ﺣﯾث )ﻟﯾدﯾن ﻣن ﺣﺟر وزﻋﺗر‪ .‬ھذا اﻟﻧﺷﯾد() ‪(51‬؛ وﯾرى ﻧﺷﯾده‪ ،‬ﻓﻲ ﻧص‬
‫آﺧر‪ ،‬ﻣﺗﺑدﯾﺎ ً ﺑﺎﺧﺿرار اﻟﻣدى واﺣﻣرار اﻟﺣﺟﺎرة ) ‪ .(52‬أﻣﺎ ﺳﻣﯾﺢ اﻟﻘﺎﺳم ﻓﯾرى‬
‫اﻟﺣﺟر ﻣرﺗﺑطﺎ ً ﺑﺎﻟوردة واﻟﺗﻔﺎﺣﺔ‪ .‬وھذا ﻣﺎﺳوف ﻧﺗﺣدث ﻋﻧﮫ ﺗﺎﻟﯾﺎً‪ .‬وﯾﻘول ﻋﺻﺎم‬
‫ﺗرﺷﺣﺎﻧﻲ‪:‬‬
‫ھم‪ ..‬ﻋﻠّﻣوﻧﺎ ﻛﯾف ﻧﻣﺳك ﻧﺎرھم‬
‫وﻧﺷ ﱡد أزر ﺟﺣﯾﻣﮭﺎ‬
‫ھم‪ ..‬ﻋﻠّﻣوﻧﺎ ﻛﯾف ﺗﻧﺗﻔض اﻟﺣﺟﺎرة‬
‫واﻟﺣداﺋﻖ واﻟطﯾور )‪(53‬‬
‫وﻣن ﻣﻧظور أن اﻟﺑطوﻟﯾﺔ ھﻲ اﻟﻣﺧﻠّص ﻣن اﻻﺣﺗﻼل واﻻﺳﺗﻼب‪ ،‬ﻓﻘد رؤﯾت‬
‫اﻟﺑطوﻟﯾﺔ ﺷﻛﻼً ﻣن أﺷﻛﺎل اﻟﺧﺻب واﻻﻧﺑﻌﺎث‪ .‬أي أن اﻟﺣﺟر ﻗد أﺻﺑﺢ ﺑطﻼً‬
‫اﻧﺑﻌﺎﺛﯾﺎً‪ .‬واﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أن ھذا ﻣن أﻏرب اﻻﺳﺗﺧداﻣﺎت ﻟرﻣز اﻟﺣﺟر‪ .‬ﻏﯾر أن اﻟﻐراﺑﺔ‬
‫ﺗﻧﺗﻔﻲ ﺣﯾن ﻧﺗذﻛر واﻗﻊ اﻻﻧﺗﻔﺎﺿﺔ اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾﺔ وأھﻣﯾﺔ اﻟﺣﺟﺎرة ﻓﻲ ﻧﺿﺎﻟﮭﺎ؛ وﺣﯾن‬
‫ﻧﺗذﻛر أﯾﺿﺎ ً أن إﯾﺣﺎﺋﯾﺔ اﻟرﻣز ﺗﺗﺄﺗﻰ أوﻻً ﻣن طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﺗﻲ‬
‫ﺗﺗﻧﺎوﻟﮫ‪.‬‬
‫ﻟﻘد ﺻﻌد دروﯾش ﺑرﻣز اﻟﺣﺟر إﻟﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﺑطل اﻷﺳطوري‪ ،‬وﺻﻌد ﺑﮫ‬
‫ﺳﻣﯾﺢ اﻟﻘﺎﺳم إﻟﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﺑطل اﻹﻧﺑﻌﺎﺛﻲ ﻣرﺗﻛزاً ﻋﻠﻰ اﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ اﻻﻧﺗﻔﺎﺿﺎت ﻣن‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 89 -‬‬


‫ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﻋﻠﻰ أﺳطورة اﻻﻧﺑﻌﺎث ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى‪ .‬ﯾﻘول اﻟﻘﺎﺳم ﻓﻲ ﻣﻣﻠﻛﺔ اﻵر‪ .‬ﺑﻲ‪.‬‬
‫ﺟﻲ‪:‬‬
‫ﻛﺎن ﺷﻌﺑﮭﺎ ﻣن اﻷطﻔﺎل‬
‫وﻛﺎﻧت ﻣﻠﯾﻛﺗﮭم‬
‫ﺳﻧوﻧوة ﺗطﯾر دوﻣﺎ ً ﻧﺣو اﻟرﺑﯾﻊ‬
‫أﻣﺎ اﻟﻣﻠك ‪ /‬ﻓﻛﺎن ﺣﺟرا ً‬
‫ﻣﺎت اﻟﺣﺟر ‪ /‬ﻓﺻﺎر وردة‬
‫ﻣﺎﺗت اﻟوردة ‪ /‬ﻓﺻﺎرت ﺗﻔﺎﺣﺔ‬
‫ﻣن رﻣﺎد اﻟﻣوﺗﻰ اﻧطﻠﻘت ﻋﻧﻘﺎء ﺟدﯾدة‬
‫ﺗطﯾر دوﻣﺎ ً ﻧﺣو اﺳﻣﮭﺎ )‪(54‬‬
‫إن زواج اﻟﺣﺟر ﺑﺎﻟﺳﻧوﻧوة اﻟرﺑﯾﻌﯾﺔ‪ ،‬ﻗد ﺟﻌل ﻣﻧﮫ ﺑطﻼً اﻧﺑﻌﺎﺛﯾﺎً‪ ،‬ﯾﻣوت‬
‫ﻻﻟﯾﻔﻧﻰ‪ ،‬ﺑل ﻛﻲ ﯾﺗﺣول إﻟﻰ طور أرﻗﻰ‪ ،‬ﻟﯾﺗﺣول إﻟﻰ وردة‪ ،‬ﻓﺗﻔﺎﺣﺔ‪ ،‬ﻓﻌﻧﻘﺎء ﺟدﯾدة‬
‫ﺗﻌﻠن ﻋن اﻟرﺑﯾﻊ أو اﻻﻧﺑﻌﺎث‪.‬‬
‫ﻟﻘد دﺧل اﻟﺣﺟر‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬ﻣرﺣﻠﺔ اﻷﻟوھﺔ اﻟﻣؤﻧﺳﻧﺔ‪،‬‬
‫أو ﺑﺣﺳب ﻣﺻطﻠﺣﺎت ﻋﻠم اﻟﺟﻣﺎل‪ ،‬دﺧل ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺟﻼل‪ ،‬وھذا ﻣﺎﯾؤﻛده اﻟﻘﺎﺳم ﺣﯾن‬
‫ﯾﻘول‪:‬‬
‫ھﻛذا‪ ،‬ﺑﺎﻟﺿرﺑﺔ اﻟﻘﺎﺿﯾﮫ‬
‫ﺑﺎﻟوردة واﻟﺗﻔﺎﺣﺔ واﻟﺣﺟر‬
‫اﻟﺛﺎﻟوث اﻟﻣﻘدّس‬
‫اﻹﻟﮫ اﻟذي ﻻﯾﻐﺎدر ﺿﺣﺎﯾﺎه‬
‫دون ﺻﻼة ﺻﻐﯾرة )‪(55‬‬
‫ﻟﻌل اﻗﺗران اﻟﺣﺟر ﺑﺎﻟوردة واﻟﺗﻔﺎﺣﺔ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺑوﺳﯾن اﻟﺳﺎﺑﻘﯾن‪ ،‬ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ‬
‫ﺗﻼزم اﻟﻘﯾم اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ اﻟﺛﻼث‪ .‬وھﻲ اﻟﺣﻖ واﻟﺧﯾر واﻟﺟﻣﺎل‪ .‬ﻓﺈذا ﻛﺎﻧت اﻟوردة ھﻲ‬
‫اﻟﺟﻣﺎل‪ ،‬واﻟﺗﻔﺎﺣﺔ ھﻲ اﻟﺧﯾر ﻣرﺗﺑطﺎ ً ﺑﺎﻟﺟﻣﺎل‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺣﺟر ھو اﻟﺣﻖ ﻣرﺗﺑطﺎ ً ﺑﻛل‬
‫ﻣن اﻟﺧﯾر واﻟﺟﻣﺎل‪ .‬إن اﻟﻘﺎﺳم ﻓﻲ ﺗوﺣﯾده ﻟﮭذه اﻟﻘﯾم ﺑﺈﻟﮫ واﺣد ـ وھذا اﻹﻟﮫ ھو رﻣز‬
‫ﻟﻠﻣﻘﺎوﻣﺔ ـ ﯾﻛون ﻗد أوﺣﻰ ﺑﺷﻛل ﻓﻧﻲ ذﻛﻲ‪ ،‬ﺑﺄن اﻟﺣﻖ واﻟﺧﯾر واﻟﺟﻣﺎل ﻣن ﺳﻣﺎت‬
‫اﻟﻘﺿﯾﺔ اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾﺔ‪ .‬وھو ﻣﺎﯾﻌﻧﻲ أن اﻟﻌداء أو اﻟﺣﯾﺎد ﺗﺟﺎه ھذه اﻟﻘﺿﯾﺔ ﯾﻌﻧﻲ ﻣوﻗﻔﺎ ً‬
‫ﺳﻠﺑﯾﺎ ً ﻣن ﻗﯾم اﻟﺣﻖ واﻟﺧﯾر واﻟﺟﻣﺎل‪.‬‬
‫إن ھذه اﻟﻘﯾم اﻟﺛﻼث ﻧﺟدھﺎ ﻣﺗﺟﻠﯾﺔ أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ ﻗول ﺑﺳﯾﺳو‪:‬‬
‫أﯾﺗﮭﺎ اﻟﺧوذات اﻟﺑﯾﺿﺎء ﺣذار‬

‫‪- 90 -‬‬
‫ﻣن طﻔل ﻧﺑﺗت ﺑﯾن أﺻﺎﺑﻌﮫ اﻟﻧﺎر‬
‫ﻣن طﻔل ﯾﻛﺗب ﻓوق ﺟدار‬
‫ﯾﻛﺗب ﺑﻌض اﻷﺣﺟﺎر‬
‫وﺑﻌض اﻷﺷﺟﺎر‪ ،‬وﺑﻌض اﻷﺷﻌﺎر )‪(56‬‬
‫وھﻛذا ﻓﺈن اﻟﺗوﺣد ﺑﯾن اﻟﺣﺟر واﻟﺷﺟر واﻟﺷﻌر أو ﺑﯾن اﻟﺣﻖ واﻟﺧﯾر‬
‫واﻟﺟﻣﺎل‪ ،‬واﺿﺢ ﻓﻲ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن ﺷﻌر اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ‪.‬‬
‫ﻧﻠﺣظ‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﺳﻠف‪ ،‬ﻛﯾف ﺗم اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ رﻣز اﻟﺣﺟر ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﻋﺎﻣﺔ‪،‬‬
‫وﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻣﻧﮫ ﺧﺎﺻﺔ‪ .‬وﻟﻛن ﻣﺎﺗﻧﺑﻐﻲ اﻹﺷﺎرة إﻟﯾﮫ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬ھو‬
‫أن رﻣز اﻟﺣﺟر ﻓﻲ دﻻﻟﺗﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ‪ ،‬ﻗد ﺗم اﺑﺗذاﻟﮫ ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺗﺳﻌﯾﻧﯾﺎت اﻟذي‬
‫ﺟﻌل ﻣن اﻻﻧﺗﻔﺎﺿﺔ اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾﺔ ﻣوﺿوﻋﺎ ً ﻟﮫ ) ‪ .(57‬ﻓﻠم ﯾﻌد رﻣزا ً ﺑﻘدر ﻣﺎأﺻﺑﺢ‬
‫ﻣﺟرد إﺷﺎرة إﻟﻰ اﻻﻧﺗﻔﺎﺿﺔ‪ .‬أي ﻛﺄن رﻣز اﻟﺣﺟر ﻓﻲ دﻻﻟﺗﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ‪ ،‬ﻗد دﺧل‬
‫ﻓﯾﻣﺎ دﺧل ﻓﯾﮫ رﻣز اﻟزﯾﺗون ﻣن طرﯾﻖ ﻣﺳدود‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻹﯾﺣﺎﺋﻲ واﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪.‬‬
‫ﻣﻣﺎ ﻗد ﯾﺳﺗدﻋﻲ رﻣزا ً آﺧر ﯾواﺻل ﻣﺎﻛﺎن رﻣز اﻟﺣﺟر ﻗد ﺑدأه‪.‬‬
‫وﺑﮭذا‪ ،‬ﻓﻘد طرح ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ أﻧﻣﺎطﺎ ً ﻋدة ﻣن اﻟرﻣوز اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ اﺳﺗوﻋﺑت‬
‫ﻣوﻗﻔﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ واﻻﺟﺗﻣﺎﻟﻲ ﻣن اﻟواﻗﻊ اﻟذي راح ﯾﺗﻧﺎﻣﻰ ﻓﯾﮫ‪ .‬وﻟم ﯾﻛن ﺛﻣﺔ وﻋﻲ‬
‫ﺟﻣﺎﻟﻲ ﺟدﯾد‪ ،‬ﯾرى أن ﺗﺣرﯾض اﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﺷﻌر‪ ،‬ﻟو ﻟم ﯾﻛن ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن أن‬
‫ﯾﺑرز اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟرﻣزي ﻣﻊ اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬ﻻ اﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬ھو أﺳﺎس اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‬
‫ﻓﻲ اﻟﺷﻌر‪ ،‬واﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬وﻗد ﯾﺑدو أن ھذا اﻟﻣﻧطﻠﻖ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﯾﻧﺳﺟم وﻣﺎ ﯾذھب إﻟﯾﮫ‬
‫ﺷﻛﻠوﻓﺳﻛﻲ ﻣن أن " اﻟﻔن ھو أﺣد طرق اﻟﻣﻌﺎﯾﺷﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻟﻠﻣوﺿوع‪ ،‬أﻣﺎ اﻟﻣوﺿوع‬
‫ﻓﻠﯾس ﺑذي أھﻣﯾﺔ ")‪ .(58‬ﻏﯾر أن اﻷﻣر ﻟﯾس ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﺣو ﺗﻣﺎﻣﺎً‪ .‬ﻓﻼﺷك ﻓﻲ أن‬
‫اﻟﻔن ﻣﻌﺎﯾﺷﺔ ﻓﻧﯾﺔ أو ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻟﻠﻣوﺿوع‪ .‬وﻟﻛن ﻟﻠﻣوﺿوع أھﻣﯾﺔ ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﻌﺎﯾﺷﺔ‪.‬‬
‫ﻓﮭو أﺣد ﻗطﺑﻲ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬وﻣن دوﻧﮫ ﻻﯾﻛون ﺛﻣﺔ ﻣﻌﺎﯾﺷﺔ أو ﻋﻼﻗﺔ‪ .‬ﻓﮭو‬
‫اﻟﻣﺣرض واﻟﻣؤﺛّر‪ .‬وﻻﺑد ﻣن أن ﺗﻧﻌﻛس ﺑﻌض ﺻﻔﺎﺗﮫ‪ ،‬ﻓﻲ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻹدراك‪ .‬وﻣﺎ‬ ‫ّ‬
‫ﯾؤﻛد ذﻟك أن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻣﻠﮫ اﻟرﻣزي ﻣﻊ اﻟﻣوﺿوﻋﺎت ﻟم ﯾﻛن ﯾﻐﻔل ھذه‬
‫اﻟﺻﻔﺔ أو ﺗﻠك ﻣﻧﮭﺎ‪ .‬وﻟوﻻ ذﻟك ﻟﻣﺎ ﺗﯾﺳّر ﻟﮫ أن ﯾﻧﺗﺞ رﻣوزا ً ذات إﯾﺣﺎء ﻣﻛﺛف‪،‬‬
‫رﻣوزا ً ﺗﺗﻛﺊ ﻋﻠﻰ ﺑﻌض ﺻﻔﺎت اﻷﺷﯾﺎء أو اﻟﻣوﺿوﻋﺎت‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ ﺗﺗﻛﺊ ﻋﻠﻰ اﻟطﺑﯾﻌﺔ‬
‫اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟروﺣﯾﺔ ﻟﻠﻣﺑدع‪ .‬وﻓﻲ ھذا ﺗﻛﻣن اﻟﺣرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻧﺎﻟﮭﺎ اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺣداﺛﻲ‪ .‬ﻓﻲ‬
‫ّ‬
‫اﻟﺣﻖ‬ ‫ﺗﻌﺎﻣﻠﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣﻊ اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء‪ .‬ﻓﻠم ﯾﻌد ﻣو ّﻛﻼً ﺑﻣﺣﺎﻛﺎﺗﮭﺎ‪ .‬ﺑل أﺻﺑﺢ ﻟﮫ‬
‫ﺑﺗﺷﻛﯾﻠﮭﺎ ﺗﺷﻛﯾﻼً ﺟدﯾداً‪ ،‬ﯾﺧرج ﺑﮭﺎ ﻣن ﻋﻼﻗﺎﺗﮭﺎ اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ‪ ،‬ﻣن دون أن ﯾﻠﻐﻲ‬
‫ﺗﺄﺛﯾراﺗﮭﺎ ﻓﯾﮫ ‪.‬‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 91 -‬‬


‫اﻟﮭﻮاﻣﺶ‪:‬‬
‫‪1‬ـ راﺟﻊ ﻓﻲ ذﻟﻚ‪ :‬اﻷﯾﻮﺑﻲ‪ ،‬د‪ .‬ﯾﺎﺳﯿﻦ‪ :‬ﻣﺬاھﺐ اﻷدب ـ اﻟﺮﻣﺰﯾﺔ‪.‬ﺟـ‪ .1 :‬اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﺠﺎﻣﻌﯿﺔ‪،‬‬
‫ﺑﯿﺮوت‪ .‬ط ‪ .1982 ،1‬ص‪ 206 :‬ـ ‪.253‬‬
‫‪ 2‬ـ اﻟﯿﺎﻓﻲ‪ ،‬د‪ .‬ﻧﻌﯿﻢ‪ :‬ﺗﻄﻮر اﻟﺼﻮرة اﻟﻔﻨﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ‪ .‬اﺗﺤﺎد اﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪،‬‬
‫‪ . 1983‬ص‪.287:‬‬
‫‪3 - BOWRA , C. M , THE HERITAGE OF SYMBOLISM . LONDON : 1943‬‬
‫‪.P.3.‬‬
‫‪4 - IBID . P . 13.‬‬
‫‪5 - RAYMOND ,MARCEL , FROM BAUDELAIRE TO SURREALISM ,‬‬
‫‪LONDON : 1970 P.111.‬‬
‫‪6‬ـ وﯾﻤﺰات وﺑﺮوﻛﺲ ‪ :‬اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ‪ ،‬ﺟـ ‪ .4 :‬ﺗﺮ‪ :‬د‪ .‬ﺣﺴﺎم اﻟﺨﻄﯿﺐ وﻣﺤﻲ اﻟﺪﯾﻦ ﺻﺒﺤﻲ‪.‬‬
‫اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻷﻋﻠﻰ ﻟﺮﻋﺎﯾﺔ اﻟﻔﻨﻮن واﻵداب واﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪ . 1977 ،‬ص‪.65 :‬‬
‫‪ 7‬ـ ﺳﺎرﺗﺮ‪ ،‬ﺟﺎن ﺑﻮل‪ :‬اﻷدب اﻟﻤﻠﺘﺰم ‪ .‬ﺗﺮ‪ :‬ﺟﻮرج طﺮاﺑﯿﺸﻲ‪ .‬دار اﻵداب‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ ،‬ط‪.1967 ،2:‬‬
‫ص‪144 :‬‬
‫‪ 8‬ـ أﺣﻤﺪ‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺘﻮح‪ :‬اﻟﺮﻣﺰ واﻟﺮﻣﺰﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪ .‬دار اﻟﻤﻌﺎرف‪ ،‬اﻟﻘﺎھﺮة‪ ،‬ط‪،2:‬‬
‫‪ ،1978‬ص‪21:‬‬
‫‪ 9‬ـ واﯾﻠﺪ‪ ،‬أوﺳﻜﺎر‪ :‬ﺻﻮرة دورﯾﺎن ﺟﺮاي‪ .‬ﺗﺮ‪:‬ﻟﻮﯾﺲ ﻋﻮض‪ .‬دار اﻟﻤﻌﺎرف‪ ،‬اﻟﻘﺎھﺮة‪.1969 ،‬‬
‫ص‪)5 :‬ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ(‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ وارﯾﻦ ووﯾﻠﯿﻚ‪ :‬ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻷدب‪ .‬ﻣﺤﻲ اﻟﯿﻦ ﺻﺒﺤﻲ‪ ،‬ﻣﺮا‪ :‬د‪ .‬ﺣﺴﺎم اﻟﺨﻄﯿﺐ‪ .‬اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻷﻋﻠﻰ‬
‫ﻟﺮﻋﺎﯾﺔ اﻟﻔﻨﻮن واﻵداب واﻟﻌﻠﻮم اﻹﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪ .1972 ،‬ص‪.243:‬‬
‫‪ 11‬ـ رﺑﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻔﯿﺪ أن ﻧﺸﯿﺮ إﻟﻰ أن اﻟﺪﻛﺘﻮر اﻟﯿﺎﻓﻲ ﯾﺮى أن ﻟﻠﺮﻣﺰ اﻟﻔﻨﻲ ﺳﺒﻊ ﺧﺼﺎﺋﺺ‪ .‬وھﻲ‪:‬‬
‫اﻷﺻﺎﻟﺔ واﻹﺑﺘﻜﺎر واﻟﺤﺮﯾﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﻘﯿﺪة‪ ،‬واﻟﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﺤﺴﯿﺔ‪ ،‬واﻟﻜﯿﻔﯿﺔ اﻟﺘﺠﺮﯾﺪﯾﺔ‪،‬‬
‫واﻟﺮؤﯾﺔ اﻟﺤﺪﺳﯿﺔ‪ ،‬واﻟﻨﺴﻘﯿﺔ‪ ،‬وﺛﻨﺎﺋﯿﺔ اﻟﺪﻻﻟﺔ‪ .‬راﺟﻊ اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪ 280 :‬ـ ‪.283‬‬
‫وﯾﻠﺤﻆ اﻟﻘﺎرئ أن ﺛﻤﺔ ﺗﻘﺎطﻌﺎ ً ﺑﯿﻦ ﻣﺎﻧﻄﺮﺣﮫ وﻣﺎ ﯾﻄﺮﺣﮫ اﻟﯿﺎﻓﻲ‪.‬‬
‫‪12 - ADORNO, THEODOR, AESTHETIC THEORY . LONDON : 1985. P:‬‬
‫‪248‬‬
‫‪ 13‬ـ اﻟﺴﯿﺎب‪ ،‬ﺑﺪر ﺷﺎﻛﺮ‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ ،‬م‪ .1:‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت ـ ‪ .1971‬ص‪ 510:‬ـ ‪.511‬‬
‫‪ 14‬ـ ﻋﻤﺮان‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ‪ :‬اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ ﺷﻌﺐ ﺑﻮان‪ .‬اﺗﺤﺎد اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮب‪ .‬دﻣﺸﻖ‪ .1972 ،‬ص‪14 :‬ـ‪.15‬‬
‫‪ 15‬ـ ﻋﺒﺪ اﻟﺼﺒﻮر‪ ،‬ﺻﻼح‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ ،‬م‪ .2+1 :‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ .1972 ،‬ص‪.26 :‬‬
‫‪16‬ـ ﻛﻨﻌﺎن‪ ،‬ﻋ ﻠﻲ‪ :‬أﻋﺮاس اﻟﮭﻨﻮد اﻟﺤﻤﺮ‪ .‬دار اﻟﻤﺴﯿﺮة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ .1979 ،‬ص‪.27:‬‬
‫‪ 17‬ـ اﻷﺣﻤﺪ‪ ،‬أﺣﻤﺪ ﺳﻠﯿﻤﺎن‪ :‬اﻟﺮﺣﯿﻞ إﻟﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ اﻟﺘﺬﻛﺎر‪ .‬دار اﻷﺟﯿﺎل‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪.1970 ،‬ص‪98 :‬ـ‬
‫‪99‬‬
‫‪ 18‬ـ أدوﻧﯿﺲ‪ :‬اﻵﺛﺎر اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ‪ ،‬م‪ .1:‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ .1971 ،‬ص‪264:‬ـ ‪.265‬‬
‫‪ 19‬ـ ﺣﺎوي‪ ،‬ﺧﻠﯿﻞ‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ ،‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ .1982 ،‬ص‪89 :‬ـ ‪.90‬‬
‫‪ 20‬ـ اﻟﺴﯿﺎب‪ :‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪ 472 :‬ـ ‪.473‬‬
‫‪21‬ـ ﯾﻮﺳﻒ‪ ،‬ﺳﻌﺪي‪ :‬ﻗﺼﺎﺋﺪ أﻗﻞ ﺻﻤﺘﺎً‪ .‬دار اﻟﻔﺎراﺑﻲ‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ ،‬ط‪ .1979 ،1 :‬ص‪.85:‬‬
‫‪ 22‬ـ أدوﻧﯿﺲ‪ :‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.377 :‬‬
‫‪ 23‬ـ داﻛﻮ‪ ،‬ﺑﯿﯿﺮ‪ :‬اﻧﺘﺼﺎرات اﻟﺘﺤﻠﯿﻞ اﻟﻨﻔﺴﻲ‪ .‬ﺗﺮ‪ :‬وﺟﯿﮫ أﺳﻌﺪ‪ .‬وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪ .1983 ،‬را‪:‬‬
‫ص‪334 :‬‬

‫‪- 92 -‬‬
‫‪ 24‬ـ ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ‪ ،‬ج‪ .3‬دار اﻟﻄﺒﺎﻋﺔ اﻟﻌﺎﻣﺮة‪ ،‬اﻟﻘﺎھﺮة‪ 1330 .‬ه‪ .‬را‪ :‬ص‪ 26:‬ـ ‪27‬‬
‫‪ 25‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.27 :‬‬
‫‪ 26‬ـ اﻟﺴﯿﺎب‪ :‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.438 :‬‬
‫‪ 27‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.438 :‬‬
‫‪ 28‬ـ ﺣﺎوي‪ ،‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.22:‬‬
‫‪ 29‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪92:‬ـ ‪.93‬‬
‫‪ 30‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.139 :‬‬
‫‪ 31‬ـ اﻟﺠﻨﺪي‪،‬ﻋﻠﻲ‪ :‬ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻣﻮﻗﻮﺗﺔ‪ .‬دار اﻟﻨﺪﯾﻢ‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ ،‬د‪/‬ﺗﺎ‪ .‬ص‪76 :‬ـ ‪.77‬‬
‫‪ 32‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.87 :‬‬
‫‪ 33‬ـ أدوﻧﯿﺲ‪ :‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.412 :‬‬
‫‪ 34‬ـ أدوﻧﯿﺲ‪ :‬اﻵﺛﺎر اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ‪ ،‬م‪ .2 :‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ .1971 ،‬ص‪519 :‬ـ ‪.520‬‬
‫‪ 35‬ـ ﺧﻀﻮر‪ ،‬ﻓﺎﯾﺰ‪ :‬ﻧﺬﯾﺮ اﻷرﺟﻮان‪ .‬دار ﻓﻜﺮ‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ . 1989 ،‬ص‪68:‬ـ ‪.69‬‬
‫‪ 36‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪117:‬ـ ‪.118‬‬
‫‪ 37‬ـ ﺣﺠﺎزي‪ ،‬أﺣﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻌﻄﻲ‪ :‬ﻛﺎﺋﻨﺎت ﻣﻤﻠﻜﺔ اﻟﻠﯿﻞ‪ ،‬دار اﻵداب‪ .‬ﺑﯿﺮوت‪.1978 .‬ص‪10:‬ـ‬
‫‪.11‬‬
‫‪ 38‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.126:‬‬
‫‪ 39‬ـ أدوﻧﯿﺲ‪ :‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬م‪ .1 :‬ص‪.50:‬‬
‫‪ 40‬ـ ﺣﺎوي‪ :‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.208:‬‬
‫‪ 41‬ـ اﻟﻌﻈﻤﺔ‪ ،‬ﻧﺬﯾﺮ‪ :‬اﻟﺨﻀﺮ وﻣﺪﯾﻨﺔ اﻟﺤﺠﺮ‪ .‬اﺗﺤﺎد اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮب‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪ ،1979،‬ص‪44:‬‬
‫‪ 42‬ـ اﻟﺴﯿﺎب‪ ،‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.463 :‬‬
‫‪ 43‬ـ ﯾﻮﺳﻒ‪:‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪33:‬ـ ‪.34‬‬
‫‪ 44‬ـ ﺑﺴﯿﺴﻮ‪ ،‬ﻣﻌﯿﻦ‪ :‬اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ‪ .‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ .1979 ،‬ص‪.665 :‬‬
‫‪ 45‬ـ دروﯾﺶ‪ ،‬ﻣﺤﻤﻮد‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ ،‬م‪ .2:‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ . 1980 ،‬ص‪.245:‬‬
‫‪ 46‬ـ دﺣﺒﻮر‪ ،‬أﺣﻤﺪ‪ :‬ﻣﺠﻠﺔ ﻓﻜﺮ‪ ،‬اﻟﻌﺪد‪ ،57/56‬ﺑﯿﺮوت‪ .1984 ،‬ص‪.118:‬‬
‫‪ 47‬ـ ﺑﺴﯿﺴﻮ‪ :‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.668:‬‬
‫‪ 48‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.625 :‬‬
‫‪ 49‬ـ دروﯾﺶ‪ :‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.469:‬‬
‫‪ 50‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.523:‬‬
‫‪ 51‬ـ ﺗﺮﺷﺤﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻋﺼﺎم‪ :‬ﻣﻨﺎرات ﻷﺣﺰان اﻟﻌﺸﺐ‪ .‬دار اﻟﻘﺪس‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ . 1979 ،‬ص‪.37 :‬‬
‫‪ 52‬ـ اﻟﻘﺎﺳﻢ‪ ،‬ﺳﻤﯿﺢ‪ :‬ﺟﮭﺎت اﻟﺮوح‪ .‬دار اﻟﺤﻮار‪ ،‬اﻟﻼذﻗﯿﺔ‪ .1984 ،‬ص‪114 :‬ـ ‪.115‬‬
‫‪ 53‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.70:‬‬
‫‪ 54‬ـ ﺑﺴﯿﺴﻮ‪ :‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪652:‬ـ ‪.653‬‬
‫‪55‬ـ ﻛﻠﯿﺐ‪ ،‬د‪ .‬ﺳﻌﺪ اﻟﺪﯾﻦ‪ :‬ﻗﺼﯿﺪة اﻻﻧﺘﻔﺎﺿﺔ "اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺴﻮري أﻧﻤﻮذﺟﺎً" ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ"‬
‫اﻟﻌﺪد‪ .365:‬دﻣﺸﻖ‪ .1994 ،‬را‪ :‬ص‪84:‬ـ ‪.102‬‬
‫‪56 - SELDEN , RAMAN . AREADER’S GUIDE TO CONTEMPORARY‬‬
‫‪LITERARY THEORY . LOKDON : 1988 . P . 10 .‬‬

‫‪‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 93 -‬‬
- 94 -
‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟ ﺮاﺑﻊ‬

‫ﺟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻔﻨﻲ‬


‫ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻟﺤﺪاﺛﺔ‬

‫* ﺗﺄﺳـــﯿــﺲ ﻧـﻈـﺮي‪:‬‬
‫ﯾﻌ ّد اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ ‪ ARTISTIC TYPE‬ﻣن أھم اﻷﺳﺎﻟﯾب اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ‬
‫اﺳﺗﺧدﻣﮭﺎ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﻌﺑﯾره ﻋن وﻋﯾﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟذي ﯾﺗﺻف‬
‫ﺑﺎﻟدراﻣﯾﺔ ‪ DRAMATIC‬ﻣن ﺟﮭﺔ؛ وﻓﻲ ﺗﻌﺑﯾره ﻋن اﻟواﻗﻊ اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ﻣن ﺟﮭﺔ‬
‫أﺧرى‪ ،‬إذ إن إﻧﺗﺎج اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ ﻻﯾﻌﻧﻲ اﻟﺗﺧﻔّف ﻣن اﻟﻐﻧﺎﺋﯾﺔ ‪ LYRICISM‬ﻓﺣﺳب‪.‬‬
‫ﺑل ﯾﻌﻧﻲ أﯾﺿﺎ ً اﻟﻣﻌﺎﻟﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻷوﺳﻊ ﻣﺳﺎﺣﺔ ﻣﻣﻛﻧﺔ‪ ،‬ﻣن اﻟواﻗﻊ ﺑﻌﻼﻗﺎﺗﮫ وﻗﯾﻣﮫ‬
‫اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ .‬وﻟﮭذا‪ ،‬ﻓﺈن دراﺳﺔ ھذه اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ ھﻲ‪،‬ﻓﻲ أﺣد ﻣﺳﺗوﯾﺎﺗﮭﺎ‪ ،‬دراﺳﺔ ﻟﺗﺟﻠﻲ‬
‫اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﺑﺷﻛل دراﻣﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ؛ ﻣﺛﻠﻣﺎ ھﻲ دراﺳﺔ ﻟطرﯾﻘﺔ اﻟﺗﻧﺎول‬
‫اﻟﻔﻧﻲ ﻟﻠواﻗﻊ‪.‬‬
‫ﻓﻣن اﻟﻣﻌﻠوم أن اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺣداﺛﻲ ﻟم ﯾﻌد‪ ،‬ﻓﻲ اﻷﻋ ّم اﻷﻏﻠب‪ ،‬ﯾﻌﺑّر ﻋن‬
‫ﺗﺟرﺑﺗﮫ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﺑﺷﻛل ﻏﻧﺎﺋﻲ ﺻرف‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﺷﺎﻋر اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﯾﻧﺣو ﻓﻲ‬
‫ﺷﻌره‪ .‬ﺑل ﺑﺎت أﻗرب إﻟﻰ اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﻧﺎول ﺗﺟرﺑﺗﮫ‪ ،‬وﻓﻲ إﻧﺗﺎﺟﮭﺎ ﺷﻌرﯾﺎً‪.‬‬
‫وھو ﻣﺎأدى إﻟﻰ اﺳﺗﺗﺎر ذاﺗﯾﺗﮫ‪ ،‬ﻓﻲ ﺑﻌض اﻟﻧﺻوص اﺳﺗﺗﺎرا ً ﺗﺻﻌب ﻓﯾﮫ إﺣﺎﻟﺔ ھذه‬
‫اﻟﻧﺻوص ﻋﻠﻰ ﺗﻠك اﻟذاﺗﯾﺔ‪ ،‬ﻣن دون أن ﯾﻌﻧﻲ ذﻟك اﺳﺗﺗﺎر اﻟﻣوﻗف اﻟذاﺗﻲ ﻣن ھذه‬
‫اﻟظﺎھرة أو ﺗﻠك‪ .‬أي أﻧﻧﺎ ﻟم ﻧﻌد ﻧﺗﻠﻘﻰ ذاﺗﯾﺔ اﻟﺷﺎﻋر ﻣن ﺧﻼل ﻧﻣﺎذﺟﮫ اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ ،‬ﺑﻘدر‬
‫ﻣﺎﻧﺗﻠﻘﻰ ﻣوﻗﻔﮫ اﻟذاﺗﻲ ﻣﻧﮭﺎ‪ .‬وﻟذﻟك ﻓﺈن اﻟﻛﻼم ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻣوذج ﺑوﺻﻔﮫ ﺗﻌﺑﯾرا ً ﻋن ﺗﻠك‬
‫اﻟذاﺗﯾﺔ‪ ،‬ﺳوف ﯾﻘﻊ ﻓﻲ ﻣﻐﺎﻟطﺔ ﻧﻘدﯾﺔ وﻋﻠﻣﯾﺔ ﻓﻲ آن ﻣﻌﺎً‪ .‬وذﻟك ﻛﻣﺎ ﻓﻌل اﻟﻧﺎﻗد‬
‫ﯾوﺳف اﻟﯾوﺳف )‪ (1‬ﺑﻧﻣوذج "ﺣﻔﺎر اﻟﻘﺑور" ﻟﻠﺳﯾﺎب‪ .‬ﺣﯾث راح اﻟﯾوﺳف ﯾﺳﺗﻘرئ‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 95 -‬‬


‫ﻧﻔﺳﯾﺔ اﻟﺳﯾﺎب اﻟﺗدﻣﯾرﯾﺔ اﻟﺳﺎدﯾﺔ‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ھذا اﻟﻧﻣوذج اﻟﺳﻠﺑﻲ اﻟذي أﺑدﻋﮫ اﻟﺳﯾﺎب‬
‫ﺗﻌﺑﯾرا ً ﻋن ﻣوﻗﻔﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ واﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ اﻟﺳﻠﺑﻲ ﻣن ظﺎھرة اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻣﺣددة )*( ‪.‬‬
‫وﻣن اﻟطﺑﯾﻌﻲ أﻧﻧﺎ ﻻﻧﻧﻔﻲ أن ﯾﻛون ﻟﻧﻔﺳﯾﺔ اﻟﺷﺎﻋر أو ذاﺗﯾﺗﮫ ﺣﺿور ﻣﺎ‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫ﺑﻌض ﻧﻣﺎذﺟﮫ اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ .‬إذ إن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ھو‪ ،‬ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣطﺎف‪ ،‬ﺷﻌر ﻏﻧﺎﺋﻲ‬
‫ﯾﺗﺻف ﺑﺎﻟدراﻣﯾﺔ‪ ،‬وﻟﻛن ﻧﻧﻔﻲ أن ﺗﻛون ھذه اﻟﻧﻣﺎذج ﺗﻌﺑﯾرا ً ﻣﺑﺎﺷرا ً وﺻرﻓﺎ ً ﻋن‬
‫ذاﺗﯾﺗﮫ‪ .‬وﻟو ﻛﺎن اﻷﻣر ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﺣو‪ ،‬ﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﺛﻣﺔ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻠﺣدﯾث ﻋن اﻟﻧﻣذﺟﺔ‬
‫اﻟﻔﻧﯾﺔ ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﻣﻌﺎدﻻً ﻣوﺿوﻋﯾﺎ ً ﻟﻣوﻗف اﻟﺷﺎﻋر ﻣن ھذه اﻟظﺎھرة أو ﺗﻠك؛‬
‫وﺑوﺻﻔﮭﺎ ﺗﻘﻧﯾﺔ ﺗﺳﺗوﻋب ﻣﺟﻣل اﻟظواھر اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟروﺣﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﺗﻲ‬
‫ﯾﻌﺎﻟﺟﮭﺎ اﻟﺷﺎﻋر أو ﯾﻌﺎﻧﯾﮭﺎ‪.‬‬
‫إن اﻟﻣﯾل إﻟﻰ إﻧﺗﺎج اﻟﻧﻣوذج ﯾﻧﮭض‪ ،‬أﺳﺎﺳﺎً‪ ،‬ﻣن ﻣﺣﺎوﻟﺔ اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺣداﺛﻲ‪،‬‬
‫ﻓﻲ اﺳﺗﯾﻌﺎب اﻟواﻗﻊ اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﺎ ً دراﻣﯾﺎً‪ ،‬ﯾﺗﻣﻛن ﺑﮫ ﻣن ﺗﻣﻠك اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺟدﻟﯾﺔ‬
‫ﺑﯾن اﻟذاﺗﻲ واﻟﻣوﺿوﻋﻲ‪ ،‬ﺑﯾن اﻷﻧﺎ واﻵﺧر‪ ،‬وھو ﻣﺎﻟم ﯾﻌد ﻣﻣﻛﻧﺎ ً ﺑﺎﻟﺷﻛل اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ‬
‫اﻟﺻرف اﻟذي ﯾﻣﻛن اﻟﻘول إﻧﮫ أﺻﺑﺢ ﻋﺎﺟزا ً ﻋن اﺳﺗﯾﻌﺎب اﻟواﻗﻊ‪ ،‬وﻋن اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن‬
‫إن ﻋﺟز ھذا اﻟﺷﻛل ھو اﻟذي دﻓﻊ اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺣداﺛﻲ إﻟﻰ‬ ‫اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪ّ .‬‬
‫اﻟﺑﺣث ﻋن ﺗﻘﻧﯾﺔ ﺟدﯾدة‪ ،‬ﺗﻧﮭض ﺑﻣﺎ ﻋﺟز ﻋﻧﮫ ذﻟك اﻟﺷﻛل‪ ،‬ﻓوﺟده ﻓﻲ اﻷﺳﻠوب‬
‫اﻟﺗﻘﻧﻲ اﻟذي ﺗﺗﻛﺊ ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ واﻟرواﯾﺔ‪ ،‬وھو اﻟﻧﻣوذج أو اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ .‬إذ‬
‫ﻣن اﻟﻣﻌروف أن اﻟﻣﺳﺎﺣﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺎﻟﺟﮭﺎ اﻟرواﯾﺔ أو اﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ‪ ،‬ﺑﺳﺑب‬
‫أﺳﻠوب اﻟﻧﻣذﺟﺔ‪ ،‬أﻛﺛر اﺗﺳﺎﻋﺎ ً وﻋﻣﻘﺎ ً ﻣن اﻟﻣﺳﺎﺣﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﺎﻟﺟﮭﺎ اﻟﺷﻌر اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ؛ ﻏﯾر‬
‫أن اﻟﺷﻌر اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬ﺑﻣﯾﻠﮫ إﻟﻰ اﻟﻧﻣذﺟﺔ‪ ،‬راح ﯾﺳﺗوﻋب‪ ،‬إﻟﻰ ﺣد ﻣﺎ‪ ،‬ﺗﻠك اﻟﻣﺳﺎﺣﺔ‪.‬‬
‫ﺣﯾث ﺑﺎت ﯾﺗﻧﺎول ﻛﺛﯾرا ً ﻣن اﻟظواھر اﻟﺗﻲ ﻛﺎن اﻟﺷﻌر اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ ﻋﺎﻣﺔ ﯾﺑﺗﻌد ﻋن‬
‫ﺗﻧﺎوﻟﮭﺎ‪.‬‬
‫وﻣﻣﺎ ﻻﺷك ﻓﯾﮫ أن ﺛﻣﺔ اﺧﺗﻼﻓﺎ ً واﺿﺣﺎً‪ ،‬ﻓﻲ أﺳﻠوب اﻟﻧﻣذﺟﺔ‪ ،‬ﺑﯾن اﻟﺷﻌر‬
‫اﻟﺣداﺛﻲ وﻛ ٍّل ﻣن اﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ واﻟرواﯾﺔ‪ .‬ﻓﻌﻠﻰ ﺣﯾن أن ھذﯾن اﻟﻧوﻋﯾن ﯾطرﺣﺎن‬
‫ﺣﯾوات اﻷﺷﺧﺎص ﻓﻲ ظروف اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻣﺣددة‪ ،‬وﯾﺻوران ﺗﻧﺎﻣﯾﮭﺎ وﺗﺑدﻻﺗﮭﺎ ﻓﻲ‬
‫ﻋﻼﻗﺗﮭﺎ ﺑﺎﻷﺣداث‪ ،‬وﻋﻼﻗﺗﮭﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ؛ ﻧﺟد أن اﻟﺷﻌر ﯾﻣﯾل إﻟﻰ إﻧﺗﺎج اﻟﻧﻣوذج ـ‬
‫اﻟﻣوﻗف ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮫ ﺑﮭذا اﻟﻣﺳﺗوى أو ذاك ﻣن ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟواﻗﻊ‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟﻧﻣوذج‬
‫اﻟﺷﻌري ﯾﺗﻧﺎﻣﻰ ذاﺗﯾﺎً‪ ،‬ﻓﻲ إطﺎر ﺳﻣﺎﺗﮫ اﻟﻧوﻋﯾﺔ اﻟﻣﺣددة‪ .‬إﻧﮫ ﻻﯾﺣﺗﻣل اﻟﺗﻧﺎﻣﻲ ﻣن‬
‫ﻧوﻋﯾﺔ إﻟﻰ ﻧوﻋﯾﺔ أﺧرى ﻣﻐﺎﯾرة‪ ،‬واﻟﺳﺑب ھو أن اﻟﺷﻌر ﻻﯾﺳﺗوﻋب ﺣﯾﺎة اﻟﻣﻧﻣذج‬
‫ﻛﺎﻣﻠﺔ‪ .‬ﺑل ﯾطرح ﻣوﻗﻔﮫ اﻟذي ﯾوﺿّﺢ ﺳﻣﺎﺗﮫ‪ .‬ﻓﮭو ﺣﯾن ﯾﻧﺗﺞ ﻧﻣوذﺟﺎ ً ﻣﺎ‪ ،‬ﯾﺗﻛﺊ ﻋﻠﻰ‬

‫* ـ ﻟﻌﻠﮫ ﻣﻦ اﻟﻀﺮوري أن ﻧﺸﯿﺮ إﻟﻰ أن اﺳﺘﺨﺪاﻣﻨﺎ ﻟﻤﺼﻄﻠﺢ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻔﻨﻲ ﻻﯾﻌﻨﻲ أﻧﻨﺎ ﻧﻘﻮل‬
‫ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻮاﻗﻌﯿﺔ اﻻﺷﺘﺮاﻛﯿﺔ ﺗﻘﻮﻟﮫ ﺑﻀﺮورة أن ﺗﻜﻮن اﻟﻨﻤﺎذج ﺗﻤﺜﯿﻼً ﻟﻠﻄﺒﻘﺎت أو اﻟﺸﺮاﺋﺢ‬
‫اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ‪ .‬ﺑﻞ إﻧﻨﺎ ﻧﺮى أن اﻟﻨﻤﻮذج ﻻﯾﻤﻜﻨﮫ ذﻟﻚ إطﻼﻗﺎ ً‪ .‬وإﻧﻤﺎ ﻧﺮى أن اﻟﻨﻤﻮذج ھﻮ ﺗﻤﺜﯿﻞ‬
‫ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﻤﺒﺪع ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻈﻮاھﺮ اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ أو اﻟﺮوﺣﯿﺔ أو اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ‪ .‬ﻓﮭﻮ ﺑﮭﺬا‬
‫اﻟﻤﻌﻨﻰ ﺑﻠﻮرة ﺟﻤﺎﻟﯿﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ﻟﻠﻤﻮﻗﻒ اﻟﺬاﺗﻲ‪.‬‬
‫‪- 96 -‬‬
‫ﻛﯾﻧوﻧﺗﮫ اﻟﻘﯾﻣﯾﺔ‪ ،‬ﻻ ﻋﻠﻰ ﺣﯾﺎﺗﮫ اﻟﻣﺎدﯾﺔ واﻟروﺣﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻧﻠﺣظ ﻓﻲ‬
‫اﻟرواﯾﺔ واﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ‪.‬‬
‫وﯾﺧﺗﻠف اﻟﻧﻣوذج اﻟﺷﻌري ﻋن ﻛ ٍّل ﻣن اﻟﻧﻣوذج اﻟرواﺋﻲ واﻟﻣﺳرﺣﻲ‪ ،‬ﻓﻲ أﻧﮫ‬
‫ﻣوﺿوﻋﻲ ـ ذاﺗﻲ ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ ﻣوﻗف اﻟﺷﺎﻋر ﻣن اﻟظﺎھرة اﻟﻣﻧﻣذﺟﺔ إﯾﺟﺎﺑﺎ ً أو ﺳﻠﺑﺎ ً‪.‬‬
‫ﻓﻣﺳﺗﻘﻼن ﻋن ذات اﻟﻣﺑدع‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﮭﻣﺎ أﻛﺛر ﻣوﺿوﻋﯾﺔ ﻣن اﻟﻧﻣوذج‬ ‫ّ‬ ‫أﻣﺎ اﻵﺧران‬
‫اﻟﺷﻌري‪ .‬إذ إن طﺑﯾﻌﺔ اﻹﺑداع اﻟﺷﻌري ﺗﺟﻌل اﻟﺷﺎﻋر ﻻﯾﺗﺧﻠﻰ ﻋن طرح ﻣوﻗﻔﮫ‬
‫اﻟذاﺗﻲ‪ .‬ﻓﻣوﻗف اﻟﺳﯾﺎب‪ ،‬ﻣﺛﻼً‪ ،‬ﻣن "ﺣﻔﺎر اﻟﻘﺑور" أو "اﻟﻣوﻣس اﻟﻌﻣﯾﺎء" ﻣوﻗف‬
‫واﺿﺢ وﺻرﯾﺢ‪ .‬أﻣﺎ ﻣوﻗف دوﺳﺗوﯾﻔﺳﻛﻲ‪ ،‬ﻣﺛﻼً‪ ،‬ﻣن أﻓراد اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﻣﺗﮭرﺋﺔ ـ ﻋﺎﺋﻠﺔ‬
‫ﻛراﻣﺎزوف ـ ﻓﻠﯾس واﺿﺣﺎ ً ﺗﻣﺎم اﻟوﺿوح‪ .‬ﻓﻣﺎ ﻣوﻗﻔﮫ ﻣن اﻷخ اﻷﺻﻐر اﻟﻣﺗرھﺑن‪،‬‬
‫أو اﻷخ اﻷوﺳط اﻟﻣﺗﺛﺎﻗف‪ ،‬أو اﻷخ اﻷﻛﺑر اﻟﻣﺗﮭﺗك‪ ،‬أو اﻷخ اﻟﻣﻧﺳﻲ اﻟﻣﺻروع‪...‬‬
‫إﻟﺦ؟ وﻻﺷك ﻓﻲ أن ﻣوﻗف دوﺳﺗوﯾﻔﺳﻛﻲ اﻟﺳﻠﺑﻲ ﻣن ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻛراﻣﺎزوف ﺟﻣﻠﺔ‪،‬‬
‫واﺿﺢ ﺗﻣﺎﻣﺎً‪ .‬ﻏﯾر أﻧﮫ رﺳم ﺷﺧﺻﯾﺎﺗﮫ ﺗﻠك‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﻣوﺿوﻋﻲ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ذاﺗﮫ‪ .‬أﻣﺎ‬
‫اﻟﺷﺎﻋر‪ ،‬ﺑﺳﺑب طﺑﯾﻌﺔ ﻓﻧﮫ‪ ،‬ﻓﻼﯾﻣﻛﻧﮫ ذﻟك‪ .‬وﻋﻠﻰ أﯾﺔ ﺣﺎل‪ ،‬ﻓﺈن ﻟﻛل ﻓن طﺑﯾﻌﺗﮫ‬
‫اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﮫ‪.‬‬
‫إن ﺳﻣﺔ اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ اﻟﺟدﯾرة ﺑﺎﻻھﺗﻣﺎم ﺗﻛﻣن ﻓﻲ أﻧﮫ ﯾﺳﺗطﯾﻊ اﺣﺗواء‬
‫ظواھر اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺟدﯾدة داﺋﻣﺎً)‪ .(2‬وذﻟك ﺑﺳﺑب اﻟﺗﻌﻣﯾم اﻟﻣﺟﺎزي اﻟذي ﯾﺗﺻف ﺑﮫ‪،‬‬
‫وﺑﺳﺑب اھﺗﻣﺎﻣﮫ ﺑﻣﺎ ھو ﺟوھري ﻓﻲ اﻟظﺎھرة اﻟﻣﻧﻣذﺟﺔ‪ .‬وﯾﻣﻛن اﻟﻘول إن اﻟﻧﻣوذج‬
‫اﻟذي ﻻﯾﻧﮭض ﺑذﻟك‪ ،‬ﻟن ﯾﺗﻣﻠّك اﻟظﺎھرة اﻟﺗﻲ ﯾﻧﻣذﺟﮭﺎ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻟن ﯾﺗﻣﻛن ﻣن اﻹﯾﺣﺎء‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ أن اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻻﺗﺗم ﺑﻣﺟرد إﯾﺟﺎد ﺷﺧﺻﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻋن‬
‫ﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﺷﺎﻋر‪ .‬ﻓﻼﺑد ﻣن أن ﺗﻛون ھذه اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ذات إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ ﺗﻌﺑﯾرﯾﺔ ﻋن‬
‫ﻣوﻗف أو ﺗﺟرﺑﺔ أو ظﺎھرة ﻣﺎ‪ ،‬وذات إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ إﯾﺣﺎﺋﯾﺔ‪ ،‬ﯾﻣﻛن ﺑﮭﺎ أن ﺗﺳﺗوﻋب‬
‫ظواھر أﺧرى ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ ،‬وأن ﺗﺗواﺻل وﻣﺎ ﯾﺳﺗﺟ ﱡد ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟواﻗﻊ‪ .‬وﻟﻛن ذﻟك‬
‫ﻏﯾر ﻣﻣﻛن‪ ،‬إذا ﻣﺎﻛﺎن اﻟﻧﻣوذج ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻣﻘوﻟﺔ ﻋﻘﻠﯾﺔ‪ .‬إذ إن ﻟﻠﻣﻘوﻟﺔ ﻧﺳﻘﺎ ً ﻣﻐﺎﯾرا ً‬
‫ﻟﻧﺳﻖ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺳﻌﻰ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋﻧﮭﺎ‪ .‬ھذا ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﻣن ﺟﮭﺔ‬
‫أﺧرى‪ ،‬ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟﻧﻣوذج ﺻﺎدرا ً ﻣن ﺗﻌﻣﯾم ﻣﺟﺎزي‪ ،‬ﻓﺈن ذﻟك ﻻﯾؤدي إﻟﻰ أﻧﮫ ﺗﻌﻣﯾم‬
‫ﻋﻘﻠﻲ ﻟﻠظﺎھرة‪ .‬ﺑل إن اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ ﺑﯾن اﻟذاﺗﻲ واﻟﻣوﺿوﻋﻲ ﺗوﺟب أن ﯾﻛون‬
‫اﻟﻧﻣوذج ذا ﻧﺳﻖ اﻧﻔﻌﺎﻟﻲ ﻣﺟﺎزي ﻻﯾﻣﻛن اﺧﺗزاﻟﮫ ﺑﻣﻘوﻟﺔ ﻋﻘﻠﯾﺔ‪ .‬إن ھدف اﻟﺷﻌر‬
‫اﻟﺣدﯾث ـ ﻛﻣﺎ ﯾﻘول ﺻﺎﺣب ﻛﺗﺎب ﺷﻌر اﻟﺗﺟرﺑﺔ ـ "ﯾﺗﺟﻠﻰ ﻓﻲ ﻓﺗﺢ ﻗﻧﺎة ﻣن‬
‫اﻟﻣوﺿوع اﻟﺷﺧﺻﻲ إﻟﻰ ﻧﻣوذﺟﮫ اﻷﺻﻠﻲ ﻋﺑر ﺗﺟﻧّب اﻟﻣﻘوﻟﺔ اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ‬
‫ﻟﻠﻧﻣوذج") ‪ .(3‬وﻟﮭذا ﻓﺈن اﻟﻧﻣوذج ﺑﻣﺎ ھو ﺗﻌﻣﯾم ﻣﺟﺎزي‪ ،‬ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟطﺑﯾﻌﺔ‬
‫اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ‪.‬‬
‫وﺗﻧﺑﻐﻲ اﻹﺷﺎرة‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬إﻟﻰ أن اﻟﻧﻣوذج ﻻﯾﺗ ﱡم‪ ،‬ﻣن دون اﻟوﺣدة‬
‫اﻟﻌﺿوﯾﺔ ‪ ORGANIC UNITY‬اﻟﺗﻲ ھﻲ ﺳﻣﺔ أﺳﺎﺳﯾﺔ ﻣن ﺳﻣﺎت اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‬
‫‪ AESTHETIC VALUE‬ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬ﻓﺎﻟﺗﻧﺎﻓر واﻟﻧﺷﺎز وﻋدم اﻻﺗﺳﺎق ﻻﯾﻣﻛﻧﮭﺎ أن ﺗﻧﺗﺞ‬
‫ﻗﯾﻣﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ .‬ﺳواء أﻛﺎن ذﻟك ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻧﻣوذج‪ ،‬أم ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻧص ﻋﺎﻣﺔ‪.‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 97 -‬‬
‫وﻟﮭذا‪ ،‬ﻻﺑ ﱠد ﻣن أن ﯾﻛون اﻟﻧﻣوذج اﻟﻣطروح ﻣﺗﻣﺎﺳﻛﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻟﺑﻧﯾوي ﻟﺗﺷﻛﯾﻠﮫ‬
‫اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬وﻹﺣﺎﻻﺗﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ .‬ﺑﺣﯾث ﻻﯾﺑدو ﺟﻣﻌﺎ ً اﻋﺗﺑﺎطﯾﺎ ً ﻟﺑﻌض اﻟﺻﻔﺎت اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ‬
‫اﻟﻣﺗﻧﺎﻓرة‪ ،‬أو ﻻﯾﺑدو ﺧﺎﻟﯾﺎ ً ﻣن اﻻﺗﺳﺎق اﻹﯾﺣﺎﺋﻲ أو اﻹﯾﺣﺎﺋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻣﺗﺳﻖ‪.‬‬
‫إن اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ ﺑوﺻﻔﮫ ﺣﺎﻣﻼً ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻣﺗﻠك اﻹﻣﻛﺎﻧﯾﺔ‬
‫ﻓﻲ أن ﯾﻛون ذا ﻛﯾﻧوﻧﺔ ذاﺗﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ ،‬ﺑﮭذا اﻟﻘدر أو ذاك‪ ،‬ﻋن ﻛﯾﻧوﻧﺔ اﻟﺷﺎﻋر اﻟذاﺗﯾﺔ‪،‬‬
‫ﺑﺣﯾث ﯾﺳﺗﺣ ّﻖ اﻻﻧﺗﺑﺎه إﻟﯾﮫ ﺑذاﺗﮫ‪ ،‬ﺷﺄﻧﮫ ﻓﻲ ذﻟك ﺷﺄن اﻟرﻣز اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬ﺑﻣﻌزل ﻋن‬
‫ﻣﺑدﻋﮫ‪ .‬ﺑل ﻛﺛﯾرا ً ﻣﺎﻧﺟد اﻟﺷﺎﻋر ﯾدﺧل ﻓﻲ ﺣوار أو ﺗﻧﺎﻗض أو ﺻراع ﻣﻊ ﻧﻣوذﺟﮫ‬
‫اﻟذي ﻗد ﯾﺑدو‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﺟﻣﯾﻼً أو ﻗﺑﯾﺣﺎً‪ ،‬وﺑطوﻟﯾﺎ ً أو ﺗﺎﻓﮭﺎً‪ ،‬وﺗراﺟﯾدﯾﺎ ً‬
‫أو ﻣﻌذﺑﺎ ً أو ﻛوﻣﯾدﯾﺎً‪ .‬وﻣن ھﻧﺎ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻧﻣوذج ﻟﯾس اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﺎ ً دراﻣﯾﺎ ً ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ ﻓﺣﺳب‬
‫ﺑل إﻧﮫ أﯾﺿﺎ ً ﯾﻔرض ﺑﻧﺎء ﺷﻌرﯾﺎ ً دراﻣﯾﺎ ً ﺑﺎﻟﺿرورة‪ .‬أي أن اﻟﻧص اﻟﺷﻌري اﻟذي‬
‫ﯾﻧﮭض ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻣذﺟﺔ‪ ،‬ﻻﺑ ّد ﻣن أن ﯾﻛون ﺑﻧﺎؤه اﻟﻔﻧﻲ دراﻣﯾﺎً‪ .‬ﺣﯾث ﺗﺗﻌدد اﻷﺻوات‬
‫وﺗﺗﻧﺎﻗض‪ ،‬وﯾﺗﻧﺎﻣﻰ اﻻﻧﻔﻌﺎل‪ ،‬وﺗﺗطور اﻟﺻور ﻣن ﺑﻌﺿﮭﺎ‪ ،‬وﺗﺗواﺷﺞ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ‪،‬‬
‫وﺗﺻطرع اﻟﻣﺷﺎﻋر واﻷﺣﺎﺳﯾس‪ ..‬إﻟﺦ‪.‬وإذا ﻣﺎ أﺿﻔﻧﺎ إﻟﻰ ﻛل ذﻟك أن اﻟﻧﻣوذج ﻏﺎﻟﺑﺎ ً‬
‫ﻣﺎﯾﺗﺻف ﺑﺗﺄزم دراﻣﻲ ﺣﺎدّ‪ ،‬ﻓﺈن دراﻣﯾﺔ اﻟﺑﻧﺎء اﻟﻔﻧﻲ ﻟﻠﻧص ﺗﻐدو‪ ،‬ﻋﻧدﺋذ‪ ،‬أوﺿﺢ‬
‫ﻣن أن ﯾﺷﺎر إﻟﯾﮭﺎ‪ ،‬وﯾﻐدو اﻟﺗداﺧل ﺑﯾن اﻟذاﺗﻲ واﻟﻣوﺿوﻋﻲ ﻋﺎﻣﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻧص ﻛﻠﮫ‪.‬‬
‫"ﻓﺎﻟﺷﺎﻋر ﯾﺗﺣدث ﻋن ﻧﻔﺳﮫ ﻋﺑر اﻟﺣدﯾث ﻋن آﺧر )ﻣوﺿوع(‪ ،‬وھو ﯾﺗﺣدث ﻋن‬
‫آﺧر ﻋﺑر اﻟﺣدﯾث ﻋن ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬وھو ﻻﯾﺧﺎطب ﻧﻔﺳﮫ أو اﻵﺧر‪ ،‬ﻛﻼً ﻋﻠﻰ ﺣدة‪ ،‬وإﻧﻣﺎ‬
‫ﯾﺧﺎطﺑﮭﻣﺎ ﻣﻌﺎً‪ ،‬ﻓﻧراه ﯾﺧﺎطب اﻵﺧر ﻟﯾﻧﺑﺊ ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺷﻲء ﻣﺎ‪ ،‬وﻣﻊ ذﻟك ﻓﺈن اﻟﺷﻲء‬
‫اﻟذي ﯾﻧﺑﺊ ﺑﮫ ﻧﻔﺳﮫ ﯾﺗﺄﺗﻰ ﻣن اﻵﺧر" )‪ .(4‬وﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺷﺎﻋر ﻓﻲ اﻧﺗﺎﺟﮫ‬
‫ﻟﻠﻧﻣوذج ﯾﺧﺗﻠﻖ ﺷﺧﺻﯾﺔ ﻣوﺿوﻋﯾﺔ‪ ،‬ﺗﻛﺛف ﻣوﻗﻔﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ـ اﻟذاﺗﻲ‪ ،‬ﻟﯾدﺧل ﻣﻌﮭﺎ‬
‫ﻓﻲ ﺣوار ﯾﺑﻠورھﺎ وﯾﺑﻠور ﻣوﻗﻔﮫ أﯾﺿﺎً‪.‬وﻗد ﯾﺳﻧد إﻟﯾﮭﺎ ﻣﺎﯾﺳﻌﻰ إﻟﻰ أن ﯾﻘوﻟﮫ‪ .‬ﻓﺗﻘول‬
‫ﻗوﻟﮫ‪ ،‬ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻗوﻟﮭﺎ؛ ﻛﻣﺎ ﻗد ﯾﺳﻧد إﻟﯾﮭﺎ ﻣﺎﯾﺗﻧﺎﻓر أو ﯾﺗﻧﺎﻗض وﻗوﻟﮫ‪ .‬ﻓﺗﻘول‪ ،‬ﻋﻧدﺋذ‪،‬‬
‫ﻧﻘﯾض ﻗوﻟﮫ‪ ،‬ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻗوﻟﮭﺎ أﯾﺿﺎً‪ .‬وﺗﺑﻘﻰ ھذه اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ـ أو ھذا اﻟﻧﻣوذج ـ ھﻲ‬
‫اﻟﻣﻌﺎدل اﻟﻣوﺿوﻋﻲ ﻟﻠﻣوﻗف اﻟذاﺗﻲ اﻟﻧﮭﺎﺋﻲ ﻟﻠﻣﺑدع‪ ،‬ﻣن ھذه اﻟظﺎھرة أو ﺗﻠك‪ .‬ﺳواء‬
‫أﻛﺎن اﻟﻣوﻗف ﺳﻠﺑﯾﺎ ً أم ﻛﺎن إﯾﺟﺎﺑﯾﺎً‪ .‬ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن اﻟﺳﻠﺑﯾﺔ أو اﻹﯾﺟﺎﺑﯾﺔ‪ ،‬ھﻧﺎ‪،‬‬
‫ﺗﺑﻘﻰ ﻧﺳﺑﯾﺔ‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟﻧﻣوذج ﻟﯾس ﻓﻛرة أو ﻣﻘوﻟﺔ ﯾﻣﻛن أن ﻧﺻﻔﮭﺎ ﺑﺎﻟﺻواب أو‬
‫اﻟﺧطﺄ‪ .‬ﺑل ھو ﻛﺎﺋن ﻓﻧﻲ ﻣﺗﻌدد اﻷﺑﻌﺎد وﻣﺧﺗﻠف اﻟﻣواﻗف واﻟﻣﺷﺎﻋر‪ .‬وﻟﮭذا ﻛﺛﯾراً ﻣﺎ‬
‫ﯾﺻﻌب وﺻﻔﮫ ﺑﺎﻹﯾﺟﺎﺑﯾﺔ أو اﻟﺳﻠﺑﯾﺔ اﻟﻣطﻠﻘﺔ‪ .‬وإن ﯾﻛن ﻟﻠﻣﺑدع ﻣوﻗﻔﮫ اﻟﻧﮭﺎﺋﻲ ﻣﻧﮫ‪.‬‬
‫ﻓﺑﻣﺎ أن ﻟﻠﻧﻣوذج اﺳﺗﻘﻼﻻً ﻣﺎ ﻋن ذات اﻟﻣﺑدع‪ ،‬ﻓﻣن ﺣﻘﮫ أن ﯾﻣﺗﻠك اﻹﻣﻛﺎﻧﯾﺔ‬
‫اﻹﯾﺣ ﺎﺋﯾﺔ ﻓﻲ أن ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ ﻣوﻗف ﺗﻘوﯾﻣﻲ ﻻ ﯾﺗﻘﺎطﻊ ﺑﺎﻟﺿرورة وﺗﻘوﯾم اﻟﻣﺑدع ﻟﮫ‪.‬‬
‫واﻟﺣﻖ أن ھذا ﺷﺎﺋﻊ ﻓﻲ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻧﻣﺎذج اﻟﺗﻲ طرﺣﮭﺎ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ .‬وھو ﻣﺎ‬
‫ﺳوف ﻧﻠﺣظﮫ ﻓﻲ ﺑﻌض اﻟﻧﻣﺎذج اﻟﺗﻲ ﺳوف ﻧﺗﻌرض ﻟﮭﺎ ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺑﺣث‪.‬‬
‫ﻧﺧﻠص إﻟﻰ أن ﺳﻣﺎت اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺷﻌر‪ ،‬ﺗﺗﺣدد ﺑﺎﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﺟوھر‬
‫اﻟظﺎھرة اﻟﻣﻧﻣذﺟﺔ ﺗﻌﺑﯾرا ً ﻣﻛﺛﻔﺎ ً ﻣرﻛزاً‪ ،‬ﻣن دون اﻻﻟﺗﻔﺎت إﻟﻰ ﻣﺎ ھو ﺛﺎﻧوي أو‬
‫ﻋرﺿﻲ أو ﯾوﻣﻲ‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﻗد ﯾﺷ ّﻛل أﺳﺎﺳﺎ ً ﻣن أﺳس اﻟﻧﻣذﺟﺔ ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ واﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ؛‬
‫‪- 98 -‬‬
‫وﯾﺗﺣدد ﺑﺎﻟﺗﻌﻣﯾم اﻟﻣﺟﺎزي اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟذاﺗﻲ‬
‫واﻟﻣوﺿوﻋﻲ‪ ،‬وﺑدراﻣﯾﺔ اﻟﻣوﻗف‪ ،‬واﻟﺗﻧﺎﻣﻲ ﻓﻲ إطﺎر اﻟﻧوﻋﯾﺔ اﻟﻣﺣدّدة‪ ،‬وﺑﺎﻟوﺣدة‬
‫اﻟﻌﺿوﯾﺔ‪ ،‬وﺑﺎﻹﯾﺣﺎء اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻣﺗﻛﺛّر؛ ﻛﻣﺎ ﯾﺗﺣدد أﯾﺿﺎ ً ﺑﺎﻟﺣﺳﯾﺔ اﻟﺻورﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻣن‬
‫دوﻧﮭﺎ ﻻ ﯾﻛون ﻟﻠﻧﻣوذج ﻛﯾﺎن ﻗﺎﺋم ﺑذاﺗﮫ‪ ،‬وﻻ ﯾﺳﺗطﯾﻊ أن ﯾﺗﻛﺛّر إﯾﺣﺎﺋﯾﺎً‪ .‬ﻓﻣن دون‬
‫اﻟﺣﺳﯾﺔ اﻟﺻورﯾﺔ ﯾﻐدو اﻟﻧﻣوذج ﻣﺟرّ د رأي ﻣطروح‪ ،‬ﯾﺗطﻠب اﻟﻣﺣﺎورة اﻟذھﻧﯾﺔ ﻻ‬
‫اﻟﻣﻌﺎﯾﺷﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ .‬أوﻣن اﻟﻼﻓت ﻟﻠﻧظر أن اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺧﺎص ﺑﺎﻟﺷﻌر اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬ﻟم‬
‫ﯾﻠﺗﻔت إﻟﻰ اﻟﺗﻧظﯾر ﻟﻠﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن اﻷھﻣﯾﺔ اﻟﻌظﻣﻰ اﻟﺗﻲ ﻟﮫ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا‬
‫اﻟﺷﻌر اﻟذي ﻗﺎم ﻓﻲ ﻣﻌظم ﻧﺻوﺻﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻣذﺟﺔ‪ .‬ﻣﻊ اﻟﻌﻠم أن ذﻟك اﻟﻧﻘد ﻗد ﺗﻧﺎول‬
‫ھذه اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻏﯾر أﻧﮫ ﻛﺎن ﯾرى ﻓﯾﮭﺎ ﻧوﻋﺎ ً ﻣن اﻟﻘﻧﺎع اﻟﻔﻧﻲ )‪ ،(5‬ﻻ ﻧﻣوذﺟﺎ ً ﻓﻧﯾﺎً‪.‬‬
‫وﻧرى أن ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻘﻧﺎع ‪ MASK‬ﻗﺎﺻر ﻋن اﻹﺣﺎطﺔ ﺑﮭذه اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻧﻣذﺟﺔ‬
‫ﺑﻛل ﻣﺎ ﯾﻌﻧﯾﮫ اﻟﻣﺻطﻠﺢ‪ .‬إذ إن اﻟﻔرق ﺑﯾن اﻟﻘﻧﺎع واﻟﻧﻣوذج ﯾﻧﮭض ﻣن أن اﻷول‬
‫ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ ذات اﻟﺷﺎﻋر اﻟﻣﺗﻘﻧﻌﺔ‪ ،‬أﻣﺎ اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟظﺎھرة اﻟﻣﻧﻣذﺟﺔ ﻓﻲ‬
‫ﻋﻼﻗﺗﮭﺎ ﺑذات اﻟﺷﺎﻋر‪ .‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ أن اﻟﻘﻧﺎع ﯾُﻌﻧﻰ ـ ﻛﻣﺎ ھو ﻣطروح ﻧﻘدﯾﺎ ً ـ‬
‫ﺑﺎﻟﺷﺧﺻﯾﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻷﺳطورﯾﺔ‪ ،‬أﻣﺎ اﻟﻧﻣوذج ﻓﮭو أﻋم وأﺷﻣل‪ .‬ﺣﯾث ﯾﺗﻧﺎول‬
‫ﻛل ﺷﺧﺻﯾﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق‪ ،‬ﺳواء أﻛﺎﻧت ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ أم أﺳطورﯾﺔ أم واﻗﻌﯾﺔ أم‬
‫ﻣﺗﺧﯾﻠﺔ‪ .‬ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن اﻟﺗﺧﯾل أﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻟو ﻛﺎن‬
‫اﻟﻧﻣوذج واﻗﻌﯾﺎ ً ﺑﺣﺗﺎً‪.‬‬
‫إن أﺳﻠوب اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ھو اﻷﺳﻠوب اﻷﻗدر ﻋﻠﻰ اﺳﺗﯾﻌﺎب اﻟﻘﯾم اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‬
‫ﺑﺷﻛل ﺗﺟﺳﯾدي ﺗﺧﯾﯾﻠﻲ‪ .‬ﺣﯾث ﺗﺑدو اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻓﯾﮫ ﻣﺣﻣوﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺧﺻﯾﺔ ﻓﻧﯾﺔ‬
‫ﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ؛ ﻛﻣﺎ ﺗدﺧل ھذه اﻟﻘﯾﻣﺔ‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل اﻟﻧﻣذﺟﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﺟﺎدل ﻣﻊ اﻟﻘﯾم اﻷﺧرى‪.‬‬
‫ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ أن اﻟﻧص اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻣذﺟﺔ ﯾﺷﺗﻣل ﻋﻠﻰ ﻋدة ﻗﯾم ﻓﻲ آن ﻣﻌﺎً‪ .‬وھذه اﻟﻘﯾم‬
‫ﻻﺗﺗﺟﺎور ﺑل ﺗﺗﻧﺎﻗض‪ ،‬وﻻﺗﺗواﻟﻰ‪ ،‬ﺑل ﺗﺗداﺧل‪ .‬وھﻲ ﻓﻲ ﻛ ّل ذﻟك ﻻﺗظﮭر ﺑوﺻﻔﮭﺎ‬
‫آراء ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﻛﺎﺋﻧﺎت ﺣﯾﺔ ﺗﺗﻔﺎﻋل وﺗﺗﺻﺎرع وﺗﺗﻧﺎﻣﻰ‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن‬
‫اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﺟﻣﺎ ﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺟﺳدھﺎ اﻟﻧﻣوذج ﺗﺗطور وﺗﺗﻌﻣﻖ ﺑﺣﺳب ﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻣوذج ﻓﻲ‬
‫اﻟﻧص‪ ،‬وﺑﺣﺳب ﺗﺟﺎدﻟﮫ ﻣﻊ اﻷﺻوات اﻷﺧرى‪ .‬وﻣن ذﻟك ﻓﺈن اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ إذ‬
‫ﺗﺗﺟﺳّد ﺑﺎﻟﻧﻣوذج‪ ،‬ﻻﯾﻣﻛن ﻓﮭﻣﮭﺎ أو اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﮭﺎ ﻣن دون اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﮫ‪ .‬وﻟﻌ ﱠل اﻟﻧﻣﺎذج‬
‫اﻟرواﺋﯾﺔ أو اﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ ﺗﻛون ﻣﺛﺎﻻً ﺣﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ ذﻟك‪.‬‬
‫إن اﺳﺗﯾﻌﺎب اﻟﻧﻣذﺟﺔ ﻟﻠﻘﯾم اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻻﯾﻌﻧﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﺑﻘدر ﻣﺎﯾﻌﻧﻲ اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﺎ ً‬
‫ﻟﻠظواھر واﻷﺷﯾﺎء اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻧﺎوﻟﮭﺎ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ .‬وإذا ﻣﺎﻛﺎن اﻟﺷﻌر ـ واﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ ـ‬
‫ﻓﻲ ﺟﺎﻧب ﻣﻧﮫ‪ ،‬ﺗﻘوﯾﻣﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً ﻟﻠظواھر واﻷﺷﯾﺎء ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟﻣﺑدع‪ ،‬ﻓﺈن ذﻟك‬
‫ﻻﯾﻧﻔﻲ أن ﺛﻣﺔ أﺳﻠوﺑﺎ ً أﻗدر ﻣن ﻏﯾره ﻓﻲ اﺳﺗﯾﻌﺎب ھذا اﻟﺗﻘوﯾم‪ .‬وﻟﻌ ﱠل اﻟﻧﻣذﺟﺔ ھﻲ‬
‫اﻷﻗدر ﻣن ﺑﯾن اﻷﺳﺎﻟﯾب اﻷﺧرى‪ ،‬ﻛﺎﻟﺻورة واﻟرﻣز‪ ،‬ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻻﺳﺗﯾﻌﺎب‪ ،‬ﻟﻣﺎ‬
‫اﻟﻣﻘوﻣﺔ‪ .‬ﻓﺎﻟﺻورة‬‫ّ‬ ‫ﺗﺗﺳم ﺑﮫ ﻣن ﺗﻌﻣﯾم وﺷﻣول وﻛﻠﯾﺔ وﺗﻌدّد ﻓﻲ ﺗﻧﺎول اﻟظﺎھرة‬
‫اﻟﺟزﺋﯾﺔ ﻣﺛﻼً ﺗﺗﻧﺎول ﺑﺎﻟﺗﻘوﯾم ھذا اﻟﺟﺎﻧب أو ذاك ﻣن اﻟظﺎھرة‪ ،‬وﻻﺗﺗﻧﺎول اﻟظﺎھرة‬
‫ﻓﻲ ﻛﻠﯾﺗﮭﺎ؛ ﻋﻠﻰ ﺧﻼف اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﺗﻲ ﻣن ﺳﻣﺎﺗﮭﺎ ﻛﻠﯾّﺔ اﻟﺗﻘوﯾم وﺗﻌدّده‪ .‬ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 99 -‬‬
‫إﻟﻰ أن اﻟﻧﻣوذج ھو‪ ،‬ﺑﺷﻛل أو ﺑﺂﺧر‪ ،‬ﺻورة ﻓﻧﯾﺔ ﻏﯾر أﻧﮭﺎ ﻛﻠﯾﺔ‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ‬
‫اﻟﺻورة اﻟﻣﺗﺣﺻﻠﺔ ﻣن اﻟﻧص ﺑﻣﺟﻣﻠﮫ‪ .‬وﻟﮭذا‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻧﻣوذج ﺑوﺻﻔﮫ ﺻورة ﻛﻠﯾﺔ‬
‫ﯾﻧطوي ﻋﻠﻰ ﺻور ﺟزﺋﯾﺔ ﻋدﯾدة‪ ،‬ﺗﺷ ّﻛل ﻗواﻣﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ واﻟﻔﻧﻲ ﻣﻌﺎً‪.‬‬

‫* أﻧــﻤﺎط اﻟـﻨﻤﺬﺟﺔ ﻓـﻲ اﻟـــﺸﻌﺮ‪:‬‬


‫ﻟﻘد طرح ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻧﻣﺎذج اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ اﺳﺗوﻋﺑت‬
‫ﺗﺟرﺑﺗﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮫ ﺑﺎﻟواﻗﻊ‪ .‬ﺑﺣﯾث ﯾﻣﻛن اﻟﻘول إﻧﮫ ﻻوﺟود ﻟظﺎھرة أو‬
‫ﻗﯾﻣﺔ أو ﺣﺎﻟﺔ ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ ،‬ﻟم ﯾﻛن ﺛﻣﺔ ﻧﻣوذج ﻓﻧﻲ ﯾﺳﺗوﻋﺑﮭﺎ أو‬
‫ﯾﺟﺳدھﺎ‪ .‬ﺳواء أﻛﺎن اﻷﻣر ﻣرﺗﺑطﺎ ً ﺑﻣﺎ ھو اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ أم ﺳﯾﺎﺳﻲ أو وﺟودي أو‬
‫ﻣﺎﯾﺳوغ اﻟﺗﻌدد اﻟﮭﺎﺋل ﻓﻲ اﻟﻧﻣﺎذج ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﻓﻲ اﻟﻘﯾم اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣن‬
‫ّ‬ ‫ﻧﻔﺳﻲ‪ ...‬وھو‬
‫ﺟﮭﺔ أﺧرى‪ .‬وإذا ﻣﺎﻛﺎن ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن أن ﻧﺻﻧّف اﻟﻧﻣﺎذج ﺑﺣﺳب اﻟﻘﯾم اﻟﺗﻲ ﺗﺟﺳدھﺎ‪،‬‬
‫وھﻲ ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎ ﺗﺗﻣﺣور ﺣول اﻟﺟﻣﺎل واﻟﻘﺑﺢ واﻟﺟﻼل واﻟﺑطوﻟﯾﺔ واﻟﺗﻔﺎھﺔ واﻟﻌذاب‬
‫واﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ واﻟﻛوﻣﯾدﯾﺔ؛ ﻓﺈن طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻣوﻗف ﻣن ھذه اﻟﻘﯾم ﺗﺗﺑﺎﯾن وﺗﺧﺗﻠف ﺑﺣﺳب‬
‫اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﮭذا اﻟﺷﺎﻋر أو ذاك ﺑل ﺑﮭذا اﻟﻧص أو ذاك أﯾﺿﺎ ً‪ .‬وإذا‬
‫ﻣﺎﻛﺎن ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن أﯾﺿﺎ ً أن ﻧﺣدد اﻷﻧﻣﺎط اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧظم ھذه اﻟﻧﻣﺎذج‪ ،‬ﻓﺈن ﺛﻣﺔ‬
‫ﺻﻌوﺑﺔ ﻓﻲ اﻟزﻋم أن اﻟﻧﻣﺎذج ﯾﻣﻛن أن ﺗﻧﺻﺎع ﻛﻠﯾﺎ ً ﻟﺗﻠك اﻷﻧﻣﺎط‪ .‬ﻓﻠﻛ ّل ﻧص‬
‫طرﯾﻘﺗﮫ ﻓﻲ ﺗﻧﺎول اﻟﻧﻣوذج‪ ،‬وﻓﻲ ﺻﯾﺎﻏﺗﮫ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬وﻓﻲ إﺣﺎﻻﺗﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬وإن‬
‫ﯾﻛن ھذا ﻻ ﯾﻠﻐﻲ إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗﺻﻧﯾف اﻟﻌﺎم‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ﻋدة أﻧﻣﺎط ﺷﺎﻋت ﺑﯾن‬
‫اﻟﻧﺻوص‪.‬‬
‫إن اﻟﻧﻣط اﻷول‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﻘﻧﯾﺔ اﻟﻧﻣوذج‪ ،‬ﻛﻣﺎ طر ﺣﮫ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ‬
‫ﺗﻛﺷّف اﻟﻧﻣوذج ذاﺗﯾﺎً‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل اﻟﻣوﻗف اﻟدراﻣﻲ اﻟﻣﺗﺄزم‪ ،‬ﻣﻊ ﺗد ّﺧل اﻟذات‬
‫اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺳﯾرورة اﻟﻧﻣوذج وﺻﯾرورﺗﮫ‪ ،‬ﻣن أﺟل إﻋطﺎء ﺻورة ﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ ﻋﻧﮫ‪.‬‬
‫أي ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎ ﯾﻛون اﻟﻧﻣوذج ھو اﻟﻣﺗﺣدّث اﻷﺳﺎﺳﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧص‪ .‬أﻣﺎ اﻟذات اﻟﺷﻌرﯾﺔ‬
‫ﻓﺗﻐدو وﻛﺄﻧﮭﺎ اﻟراوي ‪ NARRATOR‬اﻟذي ﯾﺗدﺧل ﻓﻲ ﺳﯾر اﻟﻣوﻗف‪ ،‬ﻛﻲ ﯾﺑﻠور‬
‫اﻟﻧﻣوذج وﯾﻌﻣﻘﮫ‪ .‬ﻣﻣﺎ ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ أن ﺛﻣﺔ ﻧوﻋﺎ ً ﻣن اﻟﺗﻧﺎﻏم اﻟﻔﻧﻲ ﺑﯾن اﻟﻧﻣوذج‬
‫واﻟراوي‪ ،‬ﻣن أﺟل ﺑﻠورة اﻟﻣوﻗف اﻟدراﻣﻲ اﻟﻣطروح‪ ،‬ﻋﺑر دﺧول اﻟﻧﻣوذج ﻓﻲ‬
‫ﺗﺟﺎدل ﻣﻊ ﻧﻘﺎﺋﺿﮫ‪ .‬وﻗد ﯾﻛون اﻟراوي أﺣد ھذه اﻟﻧﻘﺎﺋض‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻗد ﯾﻛون اﻟراوي ﻋﻠﻰ‬
‫اﻧﺳﺟﺎم ﻗﯾﻣﻲ ﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣﻊ اﻟﻧﻣوذج‪ .‬ﻓﺎﻟﺗﻧﺎﻏم اﻟﻔﻧﻲ ﺑﯾن اﻟﻧﻣوذج واﻟراوي ﻻ ﯾﻌﻧﻲ‪،‬‬
‫إذاً‪ ،‬ﺗﻧﺎﻏﻣﺎ ً أو اﻧﺳﺟﺎﻣﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻟﻘﯾﻣﻲ ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ﺑﺎﻟﺿرورة‪.‬‬
‫وﻧﺗوﻗف ﻋﻧد ﻗﺻﯾدة "اﻟﺻﻘر" )‪ (6‬ﻷدوﻧﯾس‪ ،‬ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﻣﺛﺎﻻً ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﻣط‪.‬‬
‫ﺣﯾث إن اﻟﻧﻣوذج ھو اﻟﻣﺗﺣدث اﻷﺳﺎﺳﻲ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺣﯾن أن اﻟراوي ﻻ ﯾﺗدﺧل‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫ﺳﯾﺎق اﻟﻣوﻗف اﻟدراﻣﻲ‪ ،‬إﻻ ﻗﻠﯾﻼً‪ ،‬ﺑﻣﺎ ﯾﻛﻔل ﺗوﺿﯾﺢ ھذا اﻟﻣوﻗف‪ ،‬وﺗوﺿﯾﺢ ﻣﻌﺎﻧﺎة‬
‫اﻟﻧﻣوذج أﯾﺿﺎً‪.‬‬

‫‪- 100 -‬‬


‫ﺗﻌﺎﻟﺞ اﻟﻘﺻﯾدة ﺷﺧﺻﯾﺔ ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن اﻟداﺧل اﻟﻣﻌروف ﺑﺻﻘر ﻗرﯾش‪،‬‬
‫واﻟذي ﺗﺷ ّﻛل ﺣﯾﺎﺗﮫ ﺳﯾرة دراﻣﯾﺔ ﺑﺣ ّﻖ‪ .‬ﻏﯾر أن اﻟﻘﺻﯾدة إذ ﺗﻧطﻠﻖ ﻣن ھذه‬
‫اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ‪ ،‬ﺗﺗﺟﺎوز اﻟﺳﯾرة اﻟذاﺗﯾﺔ ﻟﮭﺎ‪ ،‬ﻟﺗطرح ﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﺑطل اﻟﻔرد‪ .‬ﺑﻣﺎ‬
‫ﯾﺗﻼءم واﻟﻣﺛل اﻷﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻟﻠﺑطوﻟﯾﺔ اﻟﻔردﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻧطﻠﻖ ﻣﻧﮭﺎ ﺷﻌر أدوﻧﯾس‬
‫ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬وﻣن ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﻧﻣوذج اﻟﺻﻘر اﻟﺑطوﻟﻲ ﻟﯾس ﺻﯾﺎﻏﺔ ﻓﻧﯾﺔ ﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ﻋﺑد‬
‫اﻟرﺣﻣن اﻟداﺧل اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ‪ .‬ﺑل ھو ﺻﯾﺎﻏﺔ ﻟﻠﻣﺛل اﻷﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻟﻠﺑطوﻟﯾﺔ اﻟﻔردﯾﺔ‪.‬‬
‫وإن ﺗﻛن ھذه اﻟﺻﯾﺎﻏﺔ ﺗﻧﮭض ﻣﻣﺎ ھو ﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻓﻲ ﺳﯾرة ﺻﻘر ﻗرﯾش‪ .‬وﺗﻘﺗﺿﻲ‬
‫اﻹﺷﺎرة‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل إﻟﻰ أن ﻛ ّل اﻟﺷﺧﺻﯾﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻹﺳطورﯾﺔ واﻟواﻗﻌﯾﺔ‬
‫اﻟﺗﻲ ﻋﺎﻟﺟﮭﺎ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬وﺟﻌﻠﮭﺎ ﻧﻣﺎذج ﻓﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻗد ﻋوﻟﺟت ﻣن ﻣﻧظور اﻟﻣﺛل‬
‫اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﺷﺎﻋر‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن ھذا اﻟﺷﺎﻋر ﻟم ﯾﻛن ﯾﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ ﺗﻠك اﻟﺷﺧﺻﯾﺎت ﺑﺷﻛل‬
‫ﺣﯾﺎدي أو ﻣن ﻣﻧظور ﻣﺛﻠﮭﺎ ھﻲ‪ ،‬أو ﺑﺣﺳب اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﻌﺑّر ﻋﻧﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫واﻗﻌﮭﺎ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ أو اﻷﺳطوري‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻣﺷﺎﻛﻠﺔ اﻟﺗﺎﻣﺔ أو ﺷﺑﮫ‬
‫اﻟﺗﺎﻣﺔ ﺑﯾن اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﻧﻣوذج اﻟذي ﯾﻌﺎﻟﺟﮭﺎ‪ ،‬ھو ﺑﺣث ﻻطﺎﺋل ﻣﻧﮫ)‪.(7‬‬
‫ﺗﺗﺄﺳس دراﻣﯾﺔ ﻗ ﺻﯾدة "اﻟﺻﻘر" ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﺣﺎور‪ .‬اﻷول ھو اﻟﺻﻘر أو‬
‫اﻟﻧﻣوذج اﻟﺑطوﻟﻲ‪ .‬واﻟﺛﺎﻧﻲ ھو اﻟﺳﯾﺎق اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ اﻟﺗراﺟﯾدي‪ .‬واﻟﺛﺎﻟث ھو اﻟﺟﻣﺎل‬
‫اﻟطﺑﯾﻌﻲ ـ اﻟﻣﻛﺎﻧﻲ‪ .‬وﻣن ﺧﻼل اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺟدﻟﯾﺔ ﺑﯾن اﻟﺻﻘر وﻛ ّل ﻣن اﻟﺳﯾﺎق‬
‫واﻟطﺑﯾﻌﺔ‪ ،‬ﺗﺗﻛﺎﻣل ﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﺻﻘر‪ ،‬وﺗﺗﺑﻠور ﺑطوﻟﯾﺗﮫ‪ ،‬وﺗﺗﻛﺷف ﻟﮫ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ‪ .‬وھﻲ‬
‫أن ﺑطوﻟﯾﺗﮫ اﻟﻔردﯾﺔ ھﻲ اﻟﻣﻧﻘذ اﻷوﺣد ﻣن اﻟﺳﯾﺎق اﻟﺗراﺟﯾدي‪ ،‬وھﻲ اﻟﺗﻲ ﺳوف‬
‫ﺗﺟﻌﻠﮫ ﯾﺑﻧﻲ "أﻧدﻟس اﻷﻋﻣﺎق" ) ‪ ،(8‬أو ﯾﻘﯾم واﻗﻌﺎ ً إﻧﺳﺎﻧﯾﺎ ً ﯾﺗﻼءم وﺟوھر اﻟذات‬
‫ﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺣرﯾﺔ‪ .‬وﻣن ھﻧﺎ‪ ،‬ﻓﮭو ﯾﻧﺗﻘل ﻣن "ﻣوت" إﻟﻰ آﺧر‪ ،‬ﻣن دون‬ ‫اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ اﻟﻣﺑﻧ ّ‬
‫أن ﯾﺳﻘط ﺗراﺟﯾدﯾﺎً‪ ،‬وﻣن دون أن ﯾﺗﺧﻠﻰ أو ﯾﺗراﺟﻊ ﻋن ﺑطوﻟﯾﺗﮫ ﻟﺣظﺔ واﺣدة‪:‬‬
‫ھدأت ﻓوق وﺟﮭﻲ ﺑﯾن اﻟﻔرﯾﺳﺔ واﻟﻔﺎرس اﻟرﻣﺎح‬
‫ﺟﺳدي ﯾﺗدﺣرج واﻟﻣوت ﺣوذﯾّﮫ واﻟرﯾﺎح‬
‫ﺟﺛث ﺗﺗدﻟﻰ وﻣرﺛﯾّﮫ )‪(9‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ھذا اﻟﺳﯾﺎق اﻟﺗراﺟﯾدي‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺻﻘر ﯾﻌﻠو ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬راﻓﺿﺎ ً أن‬
‫ﯾﺗﺣول إﻟﻰ ﺟﺛﺔ أو إﻟﻰ ﻣرﺛﯾﺔ‪ .‬إﻧﮫ ﯾﻧﺗﻣﻲ إﻟﻰ اﻟﺣﯾﺎة‪ ،‬وﯾﻣﺗﻠﺊ ﺑﺎﻟرﻏﺑﺔ ﻓﯾﮭﺎ‪ .‬ﻓﺈﻧﮫ ﻓﻲ‬
‫ﺑرھﺔ اﻟﻣوت‪ ،‬ﯾﺗواﺻل وﺟﻼل اﻟﻔرات‪ ،‬ﻣﺳﺗﻣدا ً ﻣﻧﮫ ﻣﺎﯾﻌ ّﻣﻖ إﺣﺳﺎﺳﮫ ﺑﺎﻟﺣﯾﺎة‬
‫وﺑﺎﻟﺑطوﻟﯾﺔ أﯾﺿﺎً‪:‬‬
‫أﺳﻣﻊ ﺻوت اﻟﻔرات‪:‬‬
‫ﻗرﯾش‪..‬‬
‫ﻗﺎﻓﻠﺔ ﺗﺑﺣر ﺻوب اﻟﮭﻧد‬
‫ﺗﺣﻣل ﻣن أﻓرﯾﻘﯾﺎ‪ ،‬ﻣن آﺳﯾﺎ ﻟﻠﮭﻧد‬
‫ﺗﺣﻣل ﻧﺎر اﻟﻣﺟد ) ‪(10‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 101 -‬‬
‫ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟﺟﻼل ﻓﻲ ﺻوت اﻟﻔرات ﺻﺎدر ﻣن ﺟﻼل ﻗرﯾش‪ .‬ﺣﯾث ﻧﺎر‬
‫اﻟﻣﺟد اﻟﺗﻲ ﯾﺗﻣﺛﻠﮭﺎ اﻟﺻﻘر‪ ،‬ﻣن أﺟل إﺑداع أﻧدﻟس اﻷﻋﻣﺎق‪ .‬وﻛﻣﺎ راح ﯾﺗﻣﺛل ﺗﻠك‬
‫اﻟﻧﺎر‪ ،‬راح ﯾﺗﻣﺛل أﯾﺿﺎ ً اﻟﻣﺎء اﻟداﻓﻖ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻔرات‪:‬‬
‫وﻗﻠت ﻟﻸﺷﯾﺎء واﻟﻔﺻول‬
‫ﺗواﺻﻠﻲ ﻛﮭذه اﻷﺟواء‬
‫ﻣدّي ﻟﻲ اﻟﻔرات‬
‫ﺧﻠّﯾﮫ ﻣﺎء داﻓﻘﺎ ً أﺧﺿر ﻛﺎﻟزﯾﺗون‬
‫ﻓﻲ دﻣﻲ اﻟﻌﺎﺷﻖ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺧﻲ اﻟﻣﺳﻧون)‪.(11‬‬
‫وﺣﯾن ﯾﺗﺷرد اﻟﺻﻘر‪ ،‬ﻻ ﯾﻧﻛﺳر أو ﯾﻘﻊ ﻓﻲ اﻟﺿﯾﺎع واﻟﺗﯾﮫ‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ﯾﺳﻌﻰ إﻟﻰ‬
‫اﻟﺗﻌرف إﻟﻰ ﻛل ﺷﻲء‪ ،‬ﻣﺗﻣﺛﻼً إﯾﺎه ﻓﻲ ﺗﺑدّﯾﺎﺗﮫ اﻟﺟﻣﯾﻠﺔ‪ .‬ﻓﮭو ﯾﺻﻐﻲ إﻟﻰ اﻟﻌﻘﺎرب‪،‬‬
‫وھﻲ ﺗﺻﻲء‪ ،‬وﯾﮭدي اﻟﻘطﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺎھل‪ ،‬وﯾﺗوﺣد ﺑﺎﻷرض‪ ،‬وﯾوﺷوش ﺣﺗﻰ‬
‫اﻟﺣﺟﺎر )‪ .(12‬ﺑﻛﻠﻣﺔ أﺧرى‪ :‬ﻟﻘد ﻋﺎﻧﻰ اﻟﺻﻘر وﻋﺎﯾن ﻛ ّل ﺷﻲء‪ :‬ذاﺗﮫ‪ ،‬وﺗﺎرﯾﺧﮫ‪،‬‬
‫وواﻗﻌﮫ‪ ،‬واﻟوﺟود ﻣن ﺣوﻟﮫ‪ .‬وﻓﮭم اﻟﺳر اﻟﻛﺎﻣن وراء ﻛل ذﻟك‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﺟﻌل ﺑطوﻟﯾﺗﮫ‬
‫ﺷﺎﻣﻠﺔ‪ .‬ﺳواء أﻛﺎن ذﻟك ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮫ ﺑﺎﻟﻣوت‪ ،‬أم ﺑﺎﻟﺣﯾﺎة‪ ،‬أم ﺑﺣﻠﻣﮫ اﻟﺟﻣﯾل ـ أﻧدﻟس‬
‫ﻓﺗﺣول اﻟﻣوت‬‫ّ‬ ‫اﻷﻋﻣﺎق‪ .‬إن ﺑطوﻟﯾﺗﮫ ھﻲ اﻟﻛﯾﻣﯾﺎء اﻟﺗﻲ ﺗﺑدّل ﻓﻲ طﺑﯾﻌﺔ اﻷﺷﯾﺎء‪،‬‬
‫وﺟودا ً ﺟدﯾداً‪ ،‬واﻟﺧوف ﺑﺎﻋﺛﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟﺣرﯾﺔ‪:‬‬
‫ﻣﺗﻌب‪ ،‬ﺣﻣﻠﺗﮫ ﻣﺗﺎھﺎﺗﮫ‪ ،‬ﺣﻣﻠﺗﮫ اﻟﺻﺧور‬
‫ﻓﺣﻧﻰ ﻓوﻗﮭﺎ‪ ،‬ﯾﻐذّي ﻣﺗﺎھﺎﺗﮫ‪ ،‬وﯾﻐذّي اﻟﺻﺧور‬
‫واﻟﻔﺿﺎء‬
‫ﻣوﻗد‪،‬‬
‫ﺗﻘص ﺣﻛﺎﯾﺎﺗﮭﺎ‬
‫ّ‬ ‫واﻟرﯾﺎح ﻋﺟوز‬
‫واﻟﺻﻘور‬
‫ﻣوﻛب ﯾﻔﺗﺢ اﻟﺳﻣﺎء )‪(13‬‬
‫ﺗﺣول إﻟﻰ وﺟﮫ واﻟﺷﻣس‬ ‫وﺑﮭذا‪ ،‬ﻓﺎﻟﺟﺳد اﻟذي ﻛﺎن ﯾﺗدﺣرج واﻟﻣوت ﺣوذﯾّﮫ‪ّ ،‬‬
‫ﺣوذﯾّﮫ‪ ،‬ﻓﺎﺗﺣﺎ ً اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وﻣﺗﺣوﻻً إﻟﻰ ﺻﻘور ﺗﻔﺗﺢ اﻟﺳﻣﺎء‪ .‬ﻓﺎﻟﺑطل ﻏدا أﺑطﺎﻻ‪ً،‬‬
‫ﺳد‬‫واﻟﺑطوﻟﯾﺔ ﻏدت ﺟﻣﺎﻋﯾﺔ‪ .‬ذﻟك ھو ﻧﻣوذج اﻟﺻﻘر ﻣن ﺣﯾث ھو ﻗﯾﻣﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﺗﺟ ّ‬
‫اﻟﻣﺛل اﻷﻋﻠﻰ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺑطل اﻟﻔرد اﻟذي ھو أﺳﺎس اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ وأﺳﺎس اﻟﺗﻐﯾﯾر ﺑﺣﺳب‬
‫أدوﻧﯾس‪.‬‬
‫واﺿﺢ أن ھذا اﻟﻧﻣوذج دراﻣﻲ‪ ،‬ﻣن اﻟطراز اﻟرﻓﯾﻊ‪ .‬إذ إﻧﮫ ﯾﺗﻧﺎﻣﻰ ﻣن ﺧﻼل‬
‫ﺗﺟﺎدﻟﮫ ﻣﻊ اﻟﺳﯾﺎق اﻟﺗراﺟﯾدي ﻟﻠواﻗﻊ‪ ،‬وﻣﻊ اﻟﺟﻣﺎل اﻟطﺑﯾﻌﻲ ـ اﻟﻣﻛﺎﻧﻲ‪ .‬ﻓﺎرﺗﺑﺎطﮫ‬
‫اﻟﺟدﻟﻲ ﻣﻊ ذﻟك اﻟﺳﯾﺎق أوﺿﺢ ﻓﯾﮫ ﺳﻣﺔ اﻟﺑطوﻟﯾﺔ‪ ،‬وارﺗﺑﺎطﮫ ﺑﺎﻟﻔرات ﻋ ّﻣﻖ ﻓﯾﮫ ھذه‬

‫‪- 102 -‬‬


‫اﻟﺳﻣﺔ‪ ،‬وارﺗﺑﺎطﮫ ﺑﺎﻷرض وﺟّﮫ ھذه اﻟﺑطوﻟﯾﺔ إﻟﻰ ﺑﻧﺎء أﻧدﻟس اﻷﻋﻣﺎق‪ .‬ﻓﻛل ﺷﻲء‬
‫ﻛﺎن ﯾﻧﮭض ﺑﺑﻠورة اﻟﺑطوﻟﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺻﻘر‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﺗﺣول اﻟﺻﻘر إﻟﻰ ﺻﻘور‪ .‬ﻣﻊ اﻟﻌﻠم‬
‫أن ﺑطوﻟﯾﺔ اﻟﺻﻘر ﻛﺎﻧت واﺿﺣﺔ ﻣﻧذ أن ﻛﺎن ﺟﺳده ﯾﺗدﺣرج واﻟﻣوت ﺣوذﯾﮫ‪.‬‬
‫ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟﺻﻘر ﻟم ﯾﺗﺣول ﻣن ﻧوﻋﯾﺔ إﻟﻰ ﻧوﻋﯾﺔ ﻣﻐﺎﯾرة‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪.‬‬
‫ﺑل إﻧﮫ ﺗﻧﺎﻣﻰ ﻓﻲ إطﺎر ﻧوﻋﯾﺗﮫ اﻟﻣﺣددة‪.‬‬
‫إن ﻧﻣوذج اﻟﺻﻘر ھو اﻟﻣﺗﺣدث اﻷﺳﺎﺳﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص‪ .‬إﻧﮫ ھو اﻟذي‬
‫ﯾروي ﻣﺎﺣدث وﯾﺣدث ﻟﮫ‪ ،‬وھو اﻟذي ﯾﺗﻘﻠب ﻣن ﺣﺎل إﻟﻰ ﺣﺎل‪ ،‬ﻣن دون ﺗد ﱡﺧل ﻣن‬
‫اﻟذات اﻟﺷﻌرﯾﺔ أو اﻟراوي إﻻ ﻓﻲ أواﺧر اﻟﻧص‪ .‬ﺣﯾث ﺗوﻗّف اﻟﺻﻘر ﻋن اﻟﻛﻼم‪،‬‬
‫ﻟﯾﺗﻛﻠم اﻟراوي ﺑدﻻً ﻣﻧﮫ‪ .‬وﻧﺷﯾر‪ ،‬ھﻧﺎ‪ ،‬إﻟﻰ أن ﻧﻣوذج اﻟﺻﻘر ﻛﺎن ﯾروي ﻣﺎ ﻋﺎﻧﺎه‬
‫وﻣﺎ ﻋﺎﯾﻧﮫ‪ ،‬ﺣﺗﻰ وﺻل إﻟﻰ إﻧﺟﺎز ﺣﻠﻣﮫ‪ ،‬ﻟﯾﺗوﻗف ﻋن اﻟﻛﻼم‪ .‬وﻛﺄﻧﮫ ﻻﯾﺻ ّﺢ أن‬
‫ﯾﺗﺣدث اﻟﺻﻘر ﻋن اﻧﺗﺻﺎراﺗﮫ وﻓﺗوﺣﺎﺗﮫ‪ .‬ھذه اﻟﺗﻲ أﺧذ اﻟراوي ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﮫ أن‬
‫ﯾﺳردھﺎ ﺑﺗﻌﺎطف ﺷدﯾد‪:‬‬
‫اﻟﺻﻘر ﻓﻲ ﻣﺗﺎھﮫ‪ ،‬ﻓﻲ ﯾﺄﺳﮫ اﻟﺧﻼق‬
‫ﯾﺑﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟذروة ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻷﻋﻣﺎق‬
‫أﻧدﻟس اﻷﻋﻣﺎق‬
‫أﻧدﻟس اﻟطﺎﻟﻊ ﻣن دﻣﺷﻖ‬
‫ﯾﺣﻣل ﻟﻠﻐرب ﺣﺻﺎد اﻟﺷرق )‪(14‬‬
‫ﻓﺛﻣﺔ ﺗﻧﺎﻏم‪ ،‬إذاً‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾدﯾن اﻟﻔﻧﻲ واﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﺑﯾن اﻟﻧﻣوذج اﻟﺑطوﻟﻲ‬
‫واﻟراوي‪ .‬وھو ﻣﺎﺟﻌل اﻟراوي ﯾﺑﺎدر إﻟﻰ اﻟﻛﻼم ﻋن ﻓﺗوﺣﺎت ﺑطﻠﮫ‪ ،‬ﺣﯾن رﻓض ھذا‬
‫اﻟﺣدﯾث ﻋﻧﮭﺎ‪ .‬وھو ﻣﺎﺟﻌﻠﮫ أﯾﺿﺎ ً ﯾرى أن اﻟوﺟود ﻛﻠﮫ ﯾﺗرﻧم ﺑﺑطﻠﮫ‪:‬‬
‫ﻛل ﺳﻣﺎء ﺑﺎﺳﻣﮫ ﻛﺗﺎب‬
‫وﻛل رﯾﺢ ﺑﺎﺳﻣﮫ ﻧﺷﯾد ) ‪(15‬‬
‫إن اﻟﺗﻧﺎﻏم اﻟذي ﻧﻠﺣظﮫ ﺑﯾن اﻟﺻﻘر واﻟراوي‪ ،‬ﻧﻠﺣظﮫ أﯾﺿﺎ ً ﺑﯾن اﻟﺻﻘر‬
‫واﻟﻔرات اﻟذي ﯾﻣﻛن اﻟﻘول إﻧﮫ اﻟراوي اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ اﻟذي ﯾﻣ ﱡد اﻟﺻﻘر ﺑﺄﻧﺑﺎء اﻟﻣﺎﺿﻲ‬
‫ﻣن ﺑطوﻻت واﻧﺗﺻﺎرات وﻣﺂس‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن ﺛﻣﺔ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧص‪ ،‬ﺛﻼﺛﺔ رواة‪ .‬اﻷول ھو‬
‫اﻟﻧﻣوذج‪ ،‬وھو اﻟﻣﺗﺣدث اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﻧص‪ .‬واﻟﺛﺎﻧﻲ ھو اﻟﻔرات اﻟذي ﯾﻧﺑﺊ اﻟﺻﻘر‬
‫ﺑﻣﺎ ﻗد ﺣدث ﻣﺎﺿﯾﺎً‪ ،‬وأﻣﺎ اﻟﺛﺎﻟث ﻓﮭو اﻟذات اﻟﺷﻌرﯾﺔ أو اﻟراوي اﻟﻣﻌﻠّﻖ‪ .‬وﻟﻘد ﺗﻛﺎﻣل‬
‫ھؤﻻء اﻟرواة ﻣن أﺟل ﺗﻘدﯾم ﺻورة ﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ ﻋن ﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﺻﻘر واﻟﻣواﻗف‬
‫اﻟدراﻣﯾﺔ اﻟﻣﺗﺄزﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﻣرﱠ ت ﺑﮭﺎ‪ .‬وﻧﺷﯾر إﻟﻰ أن ھذا اﻟﺗﻛﺎﻣل ﻗد ظﮭر ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو‬
‫اﻟﺗﺎﻟﻲ‪ :‬اﻟﻧﻣوذج ﯾروي ﻣﺎﯾﺣدث ﻟﮫ اﻵن‪ .‬واﻟﻔرات ﯾروي ﻟﻠﻧﻣوذج ﻣﺎ ﺣدث ﻷﺟداده‬
‫اﻟﻘداﻣﻰ‪ .‬واﻟراوي اﻟﻣﻌﻠّﻖ ﯾروي ﻟﻧﺎ ﻣﺎ أﻧﺟزه اﻟﺻﻘر ﻣن ﻓﺗوﺣﺎت‪ .‬وﻣﻣﺎ ﯾﻠﻔت‬
‫اﻟﻧظر ﻓﻲ ﻟﻐﺔ ھؤﻻء اﻟرواة أﻧﮭﺎ ﺗﺗﻣﺣور ﺣول اﻟزﻣن اﻟﺣﺎﺿر‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن‬
‫اﺧﺗﻼف ﻣوﻗﻊ ھذا اﻟراوي ﻋن ذاك‪ ،‬واﺧﺗﻼف اﻷزﻣﻧﺔ أﯾﺿﺎً‪ .‬أي أن زﻣن اﻟﻧص‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 103 -‬‬
‫ھو اﻟزﻣن اﻟراھن‪ .‬واﻟﺣﻖ أن راھﻧﯾﺔ اﻟزﻣن ﻗد ﺟﻌﻠت ﻣن اﻟﻣوﻗف اﻟدراﻣﻲ ﯾﺑدو‬
‫ﯾﺗﺄزم اﻵن‪ ،‬وﺟﻌﻠت ﻣن اﻟﺻﻘر ﯾﻌﺎﻧﻲ وﯾﻌﺎﯾن وﯾﻧﻛﺳر وﯾﻧﺗﺻر اﻵن أﯾﺿﺎً‪.‬‬ ‫وﻛﺄﻧﮫ ّ‬
‫ﻓﻠﯾس ﺛﻣﺔ ﻣﺎض‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ھﻧﺎﻟك رواﯾﺔ ﻟﻣﺎ ھو ﻣﺎض‪ .‬إﻻ أن ھذه اﻟرواﯾﺔ‬
‫ﺟﺎءت ﺑﻠﻐﺔ اﻟﺣﺎﺿر‪ .‬وﻛﺄن اﻟﻧص ﯾﻘول ﻣن ﺧﻼل ذﻟك إن ﻛل ﻣﺎ ﯾﻣﻛن اﺳﺗﺣﺿﺎره‬
‫ﻣن اﻟﻣﺎﺿﻲ ھو ﺣﺎﺿر ﺑﺎﻟﺿرورة‪ .‬ﻓﺎﻟﻣﺎﺿﻲ ﻻ ﯾﻛون ﻣﺎﺿﯾﺎ ً إذا ﻣﺎ دﺧل ﻓﻲ ﺑﻧﯾﺔ‬
‫اﻟراھن‪ .‬وﻣن ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﺣﺿور ﻗرﯾش ﻓﻲ اﻟﻧص ھو ﺣﺿور اﻟراھن ﻻ ﺣﺿور‬
‫اﻟﻣﺎﺿﻲ‪ .‬وھو ﻻ ﯾﻘ ﱡل أھﻣﯾﺔ ﻋن ﺣﺿور اﻟﺳﯾﺎق اﻟﺗراﺟﯾدي اﻟذي ﯾﻌﺎﻧﯾﮫ اﻟﺻﻘر‪:‬‬
‫‪ ..‬أﺳﻣﻊ ﺻوت اﻟﻔرات‪:‬‬
‫" ﻗرﯾش‪..‬‬
‫ﻟؤﻟؤة ﺗﺷ ّﻊ ﻣن دﻣﺷﻖ‬
‫ﯾﺧﺑﺋﮭﺎ اﻟﺻﻧدل واﻟﻠﺑﺎن‬
‫أر ﱡق ﻣﺎ ر ﱠق ﻟﮫ ﻟﺑﻧﺎن‬
‫أﺟﻣل ﻣﺎ ﺣدﱠث ﻋﻧﮫ اﻟﺷرق‪.(16 ) "...‬‬
‫وﻻﺷك ﻓﻲ أن ﻗﺻﯾدة "اﻟﺻﻘر" ‪ x104‬ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﺗﺳﺗوﻋﺑﮭﺎ ھذه اﻹﺷﺎرات‬
‫اﻟﺗﻲ ھدﻓﮭﺎ دراﺳﺔ اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ ﻻ دراﺳﺔ اﻟﻘﺻﯾدة‪ .‬وﻟﻛن ﻻ ﺑﺄس ﻣن اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ‬
‫أن اﻟدراﻣﯾﺔ ﻗد وﺳﻣت ھذا اﻟﻧص ﺑﻣﺟﻣل ﻣﻧﺎﺣﯾﮫ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧﻣوذج‪ ،‬واﻟﺑﻧﺎء‪ ،‬واﻟﺻورة‪،‬‬
‫واﻟﻠﻐﺔ اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺎﻗض‪ ،‬وﻓﻲ اﻟرﻣوز اﻟﻔﻧﯾﺔ‪.‬‬
‫أﻣﺎ اﻟﻧﻣط اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﻘﻧﯾﺔ اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬ﻓﮭو أن ﯾﻛون اﻟراوي ھو اﻟﻣﺗﺣدث‬
‫اﻷوﺣد‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧص‪ .‬أي أن اﻟﻧﻣوذج ﯾﻧﻛﺷف ﻣن ﺧﻼل رواﯾﺔ اﻟراوي اﻟذي ﯾرﺻد‬
‫ﺗﺣرﻛﺎت ﻧﻣوذﺟﮫ‪ ،‬واﻟﺗﺄزم اﻟذي ﯾﻘﻊ ﻓﯾﮫ‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﻌﻠن ﻋن ﻣوﻗﻔﮫ ﻣﻧﮫ‪ .‬وھذا اﻟﻧﻣط‬
‫وﯾﻘوم‪ ،‬ﺑﺧﻼف اﻟﻧﻣط اﻷول اﻟذي ﯾﺣ ﱡد‬
‫ِّ‬ ‫ﯾﻌطﻲ ﻣﺟﺎﻻً أوﺳﻊ ﻟﻠراوي‪ ،‬ﻓﻲ أن ﯾﺻف‬
‫ﻣن ﻓﺎﻋﻠﯾﺗﮫ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻧﻣوذج‪ .‬وﻧطرح ﻣﺛﺎﻻً ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻗﺻﯾدة "ﺣﺎﻟﺔ" )‪(17‬‬
‫ﻟﺳﻌدي ﯾوﺳف‪ .‬أﻣﺎ اﻟﻘﺻﯾدة ﻓﮭﻲ‪:‬‬
‫ﺷﯾﺦ ﻓﻲ اﻟﻌﺷرﯾن‬
‫ﯾﺳﺗﯾﻘظ‪ ،‬دوﻣﺎ ً‪ ،‬ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺎت اﻟﺻﺑﺢ اﻷوﻟﻰ‬
‫ﯾﻣﺷط ﺷﻌرا ً ﻣﺑﻠوﻻً‬
‫وﯾدﯾر اﻟﻣذﯾﺎع‪ ،‬وﯾﻧﺻت ﻟﻠﺑﺎﻛﯾن‬
‫ﯾﺧﺗﺎر ﻗﻣﯾﺻﺎ ً وردﯾﺎ‬
‫وﺣذاء ذا ﻛﻌب ﻋﺎل‪ ،‬وﻛﺗﺎﺑﺎ ً أﺑﯾض‬
‫ﯾﻘرأ ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣﻧﮫ‪ ،‬وإذ ﯾﻧﮭض‬
‫ﯾﺻﻧﻊ ﻣﺎﯾﻘرأ ﻛرﺳﯾﺎ‬
‫ﻓﻲ ﻏرﻓﺗﮫ‪ ،‬ﺣﯾث اﻟﻌﻣل اﻟﻣﺄﺟور‬
‫ﺛﻼﺛﺔ أطﻔﺎل ﺑدﻧﺎء‪:‬‬
‫‪- 104 -‬‬
‫أوﻟﮭم‪ :‬ﻻﯾﻘرأ ﺣﺗﻰ ﻧﻔﺳﮫ‬
‫ﺛﺎﻧﯾﮭم‪ :‬ﺿﯾﱠﻊ ﻓﻲ ﻣزﺑﻠﮫ رأﺳﮫ‬
‫ﺛﺎﻟﺛﮭم‪ :‬ﯾﺣﻠم ﺑﺎﻟﻔﻘراء‬
‫ﻛ ﱠل ﻣﺳﺎء‪ ،‬ﯾﻐﻠﻖ ﺷﯾﺦ ﻓﻲ اﻟﻌﺷرﯾن‬
‫ﺷﻘّﺗﮫ‪ ،‬وﯾﻧﺎم وﺣﯾدا‬
‫أﻣس اﺳﺗﯾﻘظ ﻓﻲ ﻣﻧﺗﺻف اﻟﻠﯾل‬
‫ﺗﻧﺎول ﻣوﺳﺎه‬
‫ّ‬
‫وﺣز ﺑﯾﺳراه ورﯾدا‬
‫وأدار اﻟﻣذﯾﺎع وأﻧﺻت ﻟﻶﺗﯾن‬
‫ل وﺻل ھذا اﻟﻧﻣوذج إﻟﻰ اﻻﻧﺗﺣﺎر‪ ،‬ﺣﯾن اﻛﺗﺷف ﺣﻘﯾﻘﺔ وﺟوده اﻟذاﺗﻲ‪ .‬وھﻲ أﻧﮫ‬
‫ﻣﺟرد ﻣﺧﻠوق ﺻﻐﯾر ﻣﻌذب‪ ،‬ﻻﯾﻣﻠك ﺣﺗﻰ ﻣﻣﺎرﺳﺔ ﺣﻠﻣﮫ‪ .‬ﻟﻘد اﻓﺗﻘد ھذا اﻟﻧﻣوذج‬
‫اﻟﺣﯾوﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻠﺣظﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﺗﻣﺗﻊ ﺑﮭﺎ )ﺷﯾﺦ ﻓﻲ اﻟﻌﺷرﯾن(‪ .‬وﺑﻣﺎ أﻧﮫ ﻗد‬
‫اﻓﺗﻘدھﺎ ﻧﮭﺎﺋﯾﺎً‪ ،‬ﻓﺈن ﻛل ﻣﺣﺎوﻻﺗﮫ اﻟﺷﻛﻠﯾﺔ‪ ،‬ﻣن أﺟل اﻹدﻋﺎء ﺑﮭﺎ‪ ،‬ھﻲ ﻣﺣﺎوﻻت‬
‫زاﺋﻔﺔ أﺳﺎﺳﺎً‪ .‬وذﻟك ﻛﺄن ﯾرﺗدي ﻗﻣﯾﺻﺎ ً وردﯾﺎ ً ـ دﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺣﯾوﯾﺔ ـ أو ﻛﺄن ﯾﺑ ﱡل‬
‫ﺷﻌره ﺑﺎﻟﻣﺎء ـ دﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺣﯾوﯾﺔ أﯾﺿﺎً‪.‬‬
‫ﻟﻘد ﺷﺎﺧت روﺣﮫ‪ ،‬وﻟم ﯾﻌد ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن أن ﯾﺗﺟﺎوز ذﻟك‪ .‬ﻣﻣﺎ ﯾﺟﻌل اﻻﻧﺗﺣﺎر‬
‫ﺧﺎﺗﻣﺔ ﻣﻧﺎﺳﺑﺔ‪ ،‬ﻟﺷﯾﺧوﺧﺔ داﺋﻣﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﻋز اﻟﺻﺑﺎ اﻟذي ﻣن اﻟﻣﻔﺗرض أن ﯾﻛون ھو‬
‫اﻟذروة ﻓﻲ اﻟﺣﯾوﯾﺔ‪.‬‬
‫ﯾﺣﯾل ھذا اﻟﻧﻣوذج ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ ﻣﻔﮭوم اﻟﻣﻌذب‪ .‬ﺣﯾث ﻧﻠﺣظ أﻧﮫ ﯾﻣﺗﻠﺊ‬
‫ﺑﺎﻟﺗﻧﺎﻗﺿﺎت اﻟروﺣﯾﺔ واﻷﻣراض اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ )ﺛﻼﺛﺔ أطﻔﺎل ﺑدﻧﺎء( ‪ .‬وﻧرى أن ھؤﻻء‬
‫اﻷطﻔﺎل اﻟﺑدﻧﺎء ﻟﯾﺳوا ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﺳوى طﻔل واﺣد ﺑﺳﻣﺎت ﺛﻼث‪ .‬أي ﻟﯾﺳوا ﺳوى‬
‫ھذا اﻟﻧﻣوذج اﻟﻣﻌذب اﻟذي ﺳﻣﺗﮫ اﻟﻣﻌﻠﻧﺔ ھﻲ اﻟﺣﻠم ﺑﺎﻟﻔﻘراء‪ ،‬وﺛورﺗﮭم‪ .‬ﻏﯾر أﻧﮫ‬
‫)ﻻﯾﻘرأ ﺣﺗﻰ ﻧﻔﺳﮫ( ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮫ ﺑﮭذا اﻟﺣﻠم‪ .‬وﻣن ھﻧﺎ ﻓﺈﻧﮫ ﻗد )ﺿﯾّﻊ ﻓﻲ ﻣزﺑﻠﺔ‬
‫رأﺳﮫ(‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ ﻻﯾﻣﺗﻠك وﻋﯾﺎ ً أﺻﯾﻼً ﺑذاﺗﮫ‪ ،‬وﺑﺣﻠﻣﮫ‪ ،‬وﺑﻔﻘراﺋﮫ اﻟﻣﺗﺧﯾّﻠﯾن‪ .‬إن ﻋدم‬
‫وﻋﯾﮫ ھو اﻟذي ﯾؤﺳس ﻟﻌذاﺑﺎﺗﮫ اﻟروﺣﯾﺔ واﻟﻧﻔﺳﯾﺔ اﻟﺣﺎدة‪ ،‬ﺣﯾث ﯾﻌﯾش اﻧﺗظﺎرا ً ﺻﻌﺑﺎ ً‬
‫ووھﻣﯾﺎ ً ﺧﺑر ﻗﯾﺎم اﻟﺛورة ﻣن اﻟﻣذﯾﺎع ـ ورﺑﻣﺎ ﺧﺑر ﻗﯾﺎم اﻻﻧﻘﻼب اﻟﻌﺳﻛري ـ إﻧﮫ‬
‫ﯾﻧﺗظر ﻓﺣﺳب‪ ،‬ﻣﺻﻐﯾﺎ ً إﻟﻰ أﺻوات اﻟﺑﺎﻛﯾن‪ ،‬ﻟﻌﻠّﮭﺎ ﺗﺗﺣول ﻣن ﺗﻠﻘﺎء ﻧﻔﺳﮭﺎ إﻟﻰ‬
‫أﺻوات ﻟﻶﺗﯾن‪ .‬أﺿف إﻟﻰ ﻛل ذﻟك أﻧﮫ ﻻ ﯾﻘرأ أو ﯾﺗﺛﻘّف إﻻ ﻣن أﺟل أن ﯾﺑدو‬
‫ﻣﺛﻘﻔﺎً‪ ،‬وﻟﯾس ﻣن أﺟل أن ﯾﻌﻲ ﻣﺎ ﺣوﻟﮫ‪ .‬ﻓﮭو ﻛﻠﻣﺎ ﻗرأ ﺷﯾﺋﺎً‪ ،‬ﺟﻌل ﻣﻧﮫ ﻛرﺳﯾﺎ ً ﻟﮫ‪،‬‬
‫ﯾﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﮫ‪ .‬أو ﻟﻧﻘل‪ :‬إن إﺣﺳﺎﺳﮫ ﺑﻔردﯾﺗﮫ إﺣﺳﺎس ﻣﺗﻌﺎظم‪ ،‬ﻻ ﯾﻛﺎد ﯾﻔﺎرﻗﮫ ﻟﺣظﺔ‬
‫واﺣدة‪ ،‬ﺑدءاً ﺑﺗﺳرﯾﺢ ﺷﻌره اﻟﻣﺑﻠول‪ ،‬واﻧﺗﮭﺎ ًء ﺑﻧوﻣﮫ وﺣﯾداً‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻘّﺗﮫ‪ .‬ﻓﺎﻟﻔردﯾﺔ‪ ،‬إذاً‪،‬‬
‫ھﻲ اﻟﻣزﺑﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﺿﯾﻊ ﻓﯾﮭﺎ ھذا اﻟﻧﻣوذج رأﺳﮫ‪ .‬وھذه اﻟﻔردﯾﺔ ھﻲ اﻟﺣﺎﺟز اﻟذي‬
‫ﯾﻧﮭض ﺑﯾﻧﮫ وﺑﯾن ﺣﻠﻣﮫ‪ ،‬وﺑﯾﻧﮫ وﺑﯾن اﻟﺣﯾوﯾﺔ‪ ،‬وﺑﯾﻧﮫ وﺑﯾن وﻋﯾﮫ اﻷﺻﯾل ﻟذاﺗﮫ‬
‫وﻟﻣوﻗﻌﮫ‪.‬‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 105 -‬‬


‫إن دراﻣﯾﺔ اﻟﻣوﻗف اﻟذي ﯾﻌﺎﻧﯾﮫ ھذا اﻟﻧﻣوذج‪ ،‬ﺗﺗﺄﺗﻰ ﻣن اﻟﺗﻌﺎرض اﻟﺣﺎد ﺑﯾن‬
‫ﺷف‬ ‫ﻓردﯾﺗﮫ وﺣﻠﻣﮫ‪ ،‬وﺑﯾن اﻟﺣﯾوﯾﺔ اﻟﻣﻔﻘودة واﻟرﻏﺑﺔ ﻓﯾﮭﺎ‪ ،‬وﺑﯾن ﺗﺻوره ﻟذاﺗﮫ وﺗﻛ ّ‬
‫ﺣﻘﯾﻘﺗﮭﺎ ﻟﮫ‪ ،‬وھذه ھﻲ اﻟﺑرھﺔ اﻟدراﻣﯾﺔ اﻟﻌﻠﯾﺎ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص‪ .‬ﺣﯾث ﯾﻧﮭض اﻟﺻراع‬
‫ﺑﯾن ﻣواﺻﻠﺔ اﻟﺣﯾﺎه ﻛﻣﺎ ھﻲ‪ ،‬وﺑﯾن اﻻﻧﺗﺣﺎر اﻟﻣﻧﻘذ ﻣن اﻟﻌذاﺑﺎت اﻟروﺣﯾﺔ واﻟﻧﻔﺳﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻣن ﺧﻼل ذﻟك‪ ،‬ﺗﻧﺎﻣﻰ اﻟﻧﻣوذج‪ ،‬وﺗﺑﻠورت ﻣﻼﻣﺣﮫ وﺳﻣﺎﺗﮫ‪ .‬ﻓﮭو ﺑﺈﺣﺳﺎﺳﮫ اﻟداﺋم‬
‫ﺑﺎﻟﻣوت )ﺷﯾﺧوﺧﺗﮫ( اﻧدﻓﻊ إﻟﻰ ﺧوض ﺗﺟرﺑﺔ اﻟﻣوت اﻟﺗﻲ ھﻲ آﺧر ﺗﺟﺎرﺑﮫ‬
‫اﻟﻣؤﻟﻣﺔ‪ .‬وﺑﻔﻌل ﺗﻧﺎﻣﯾﮫ‪ ،‬ﻻﺣظﻧﺎ ﻛﯾف اﺳﺗﯾﻘظ ﻓﻲ ﺑداﯾﺔ اﻟﻧص ﻋﻠﻰ ﻗﻧﺎﻋﮫ اﻟﺷﻛﻠﻲ‬
‫)أﻧﺎﻗﺗﮫ اﻟﺷﻛﻠﯾﺔ(‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﯾن أﻧﮫ اﺳﺗﯾﻘظ ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺗﮫ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ذاﺗﮫ اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻏﯾر اﻟﻣزﯾﻔﺔ أو‬
‫اﻟﻣﻘﻧﻌﺔ‪ .‬ﻣﻊ اﻟﻌﻠم أن ذاﺗﮫ واﺣدة‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺣﺎﻟﺗﯾن‪ ،‬ﻓﻘد ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﺑداﯾﺔ ﻋﺎﺟزا ً ﻋن‬
‫ﻣواﺟﮭﺔ ﻗﻧﺎﻋﮫ؛ وﻓﻲ اﻟﻧﮭﺎﯾﺔ ﻛﺎن ﻋﺎﺟزاً أﯾﺿﺎ ً ﻋن ﻣواﺟﮭﺔ ذاﺗﮫ اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ‪ .‬وﺑﮭذا ﻓﮭو‬
‫ﻟم ﯾﺗطور ﻧوﻋﯾﺎً‪ ،‬ﺑل ﺗﻧﺎﻣﻰ وﻋﯾﮫ ﻟذاﺗﮫ‪.‬‬
‫إن ھذا اﻟﺷﯾﺦ اﻟذي ﻓﻲ اﻟﻌﺷرﯾن ﻟم ﯾر اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﺳوى ﺑرھﺔ واﺣدة‪ ،‬وھﻲ‬
‫ﺑرھﺔ اﺳﺗﯾﻘﺎظﮫ ﻣﻧﺗﺣراً‪ .‬وﻣﺎﺗﺑﻘّﻰ ﻣن ﺣﯾﺎﺗﮫ‪ ،‬ﻓﻣﻣﺗﻠﺊ ﺑﺎﻟوھم واﻟزﯾف‪ .‬ﺣﺗﻰ ﻓﻲ ﺑرھﺔ‬
‫اﻧﺳراب اﻟدم ﻣن ﻋروﻗﮫ‪ ،‬ﺧ ٍﯾّل إﻟﯾﮫ أن أﺻوات اﻵﺗﯾن راﺣت ﺗﻧﺳرب ﻣن اﻟﻣذﯾﺎع‪،‬‬
‫ﻓراح ﯾﻧﺻت إﻟﯾﮭﺎ ﻣﺗﺧﯾﻼً أن ﺣﻠﻣﮫ ﯾﺗﺣﻘﻖ؛ ﺗﻣﺎﻣﺎ ً ﻛﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻧﺻت إﻟﻰ أﺻوات‬
‫اﻟﺑﺎﻛﯾن ﻣﺗﺧﯾﻼً أﻧﮭﺎ ﺳوف ﺗﺗﺣول ﺑﻣﺎ ﯾﺗﻼءم وإﻧﺟﺎز ﺣﻠﻣﮫ‪.‬‬
‫ﻧﻠﺣظ أن ھذا اﻟﻧﻣوذج ﻣﺑﻧﻲ ﺑﺷﻛل دراﻣﻲ داﺧﻠﻲ‪ .‬ﻓﺻراﻋﺎﺗﮫ ﻓﻲ داﺧﻠﮫ أﻛﺛر‬
‫ﻣﻧﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺧﺎرج‪ ،‬وإﺷﻛﺎﻟﯾﺗﮫ ذاﺗﯾﺔ ﻓﻲ اﻟدرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ‪ .‬وﻟﻌ ّل ھذا ﻣﺎﺟﻌل اﻟﻌﺎﻟم‬
‫اﻟﺧﺎرﺟﻲ ﺑﺎھﺗﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻧص‪ .‬ﺻﺣﯾﺢ أن اﻻﺳﺗﻼب واﻧﺗﻔﺎء اﻟﻌداﻟﺔ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ ،‬وﺷﯾوع‬
‫اﻟﻘﺑﺢ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺧﺎرﺟﻲ‪ ،‬ھﻲ اﻟﺗﻲ اﻧﻌﻛﺳت ﺳﻠﺑﯾﺎ ً ﻓﻲ ذات اﻟﻧﻣوذج‪ .‬ﻏﯾر أﻧﮫ‪ ،‬ﺑﻣﺎ‬
‫ﯾﻌﺎﻧﯾﮫ ﻣن إﺷﻛﺎﻻت روﺣﯾﺔ وﻧﻔﺳﯾﺔ‪ ،‬ﻋﺟز ﻋن أن ﯾﻛون ﻓﺎﻋﻼً ﻻ ﻣﻧﻔﻌﻼً‪ .‬ﻟﻘد ﻋﺟز‬
‫ﻋن اﻟﻣواﺟﮭﺔ ﻓﺎﻧﻛﻔﺄ إﻟﻰ ذاﺗﮫ اﻟﺗﻲ ﻣﺎاﺳﺗطﺎع أن ﯾواﺟﮫ ﺣﻘﯾﻘﺗﮭﺎ أﯾﺿﺎً‪.‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟدراﻣﯾﺔ ﻓﻲ ھذا اﻟﻧﻣوذج ھﻲ دراﻣﯾﺔ داﺧﻠﯾﺔ‪ ،‬إﻻ أﻧﮭﺎ‬
‫ﺗﻧطوي ﻋﻠﻰ ﺗﺄزم ﺣﺎد ﺟداً‪ ،‬ﺗﺄزم ظﮭر ﻓﻲ اﻟﻌزﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﺎﻧﯾﮭﺎ اﻟﻧﻣوذج )ﯾﻧﺎم‬
‫وﺣﯾداً(‪ ،‬ﻛﻣﺎ ظﮭر ﻓﻲ اﺳﺗﯾﻘﺎظﮫ ﻣﻧﺗﺣراً‪ .‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن اﻟﺳردﯾﺔ اﻟﺗﻲ اﺗﺻف ﺑﮭﺎ‬
‫َﺿ ْﻊ ﻓﻲ اﻷﻣور اﻟﺛﺎﻧوﯾﺔ اﻟﺟﺎﻧﺑﯾﺔ‪ .‬ﻓﺣﺗﻰ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ ﺣذاء ھذا‬ ‫اﻟﻧص‪ ،‬ﻏﯾر أﻧﮭﺎ ﻟم ﺗ ِ‬
‫اﻟﺷﯾﺦ اﻟﻣﻌذب ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ذو "ﻛﻌب ﻋﺎل" ھﻲ إﺷﺎرة إﻟﻰ ﻣﺎ ھو ﺟوھري ﻓﻲ ذات‬
‫اﻟﻧﻣوذج‪ .‬إذ إﻧﮭﺎ ﺗﺣﯾل ﻋﻠﻰ ﺳﻣﺔ اﻟﺗﻌﺎﻟﻲ ﻓﯾﮫ ﻋﻠﻰ ﻛل ﻣﺎھو ﺣﻘﯾﻘﻲ‪ .‬ﻓﺣذاؤه ذو‬
‫ﻛﻌب ﻋﺎل‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ أﻧﮫ ﯾﺻﻧﻊ ﻣن ﻗراءاﺗﮫ ﻛرﺳﯾﺎ ً ﻟﮫ‪ .‬أي أن ﺛﻘﺎﻓﺗﮫ ذات ﻛﻌب ﻋﺎل‬
‫أﯾﺿﺎً‪ .‬وھو ﻣﺎﯾؤﻛد أن ﺛﻣﺔ وﺣدة ﻋﺿوﯾﺔ ﻓﻲ ھذا اﻟﻧﻣوذج‪ .‬ﻓﻛل اﻟﺳﻣﺎت واﻟﻣﻼﻣﺢ‬
‫اﻟﻣطروﺣﺔ ﺗﺗﻛﺎﻣل ﻣﻧﺗﺟﺔ ﻧﻣوذﺟﺎ ً ذا ﻧﺳﻖ ﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﯾﺗﺳم ﺑﺎﻟوﺣدة اﻟﻌﺿوﯾﺔ‪ .‬ﻓﻠﯾس‬
‫ﺛﻣﺔ ﺗﻧﺎﻓر أو ﻧﺷﺎز ﻓﻲ ﺑﻧﯾﺗﮫ اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ ،‬وﻓﻲ ﻣﺿﻣوﻧﮫ اﻟﻘﯾﻣﻲ‪ ،‬وﻓﻲ إﺣﺎﻻﺗﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﻧﻠﺣظ أن اﻟراوي ھو اﻟﻣﺗﺣدث اﻷوﺣد‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص‪ .‬ﻓﻘد ﺗﻌرﻓﻧﺎ إﻟﻰ‬
‫اﻟﻧﻣوذج ﻣن ﺧﻼل اﻟراوي‪ ،‬ﻻﻣن ﺧﻼﻟﮫ ھو‪ ،‬وﻟﻛن إذا ﻣﺎﺗﺳﺎءﻟﻧﺎ ﻋن ھوﯾﺔ اﻟراوي‪،‬‬
‫وﻋن ﻣوﻗﻌﮫ ﻣن اﻟﻧﻣوذج‪ ،‬ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻟن ﻧﺟد ﺟواﺑﺎ ً دﻗﯾﻘﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻧص‪ .‬وﻛل ﻣﺎھﻧﺎﻟك أن‬
‫‪- 106 -‬‬
‫ﻟﻠراوي ﻣوﻗﻔﺎ ً ﻣﺳﺑﻘﺎ ً ﻣن اﻟﻧﻣوذج‪ .‬وﻗد ﺗﺑدّى ھذا اﻟﻣوﻗف ﺑﺑﻌض اﻟﺗﻌﺑﯾرات اﻟﺷﻌرﯾﺔ‬
‫ﻣن ﻣﺛل )ﺷﯾﺦ ﻓﻲ اﻟﻌﺷرﯾن(‪ ،‬و)ﺛﻼﺛﺔ أطﻔﺎل ﺑدﻧﺎء( و)ﺿﯾﻊ ﻓﻲ ﻣزﺑﻠﺔ رأﺳﮫ(‪.‬‬
‫ﺣﯾث إن ﻓﻲ ھذا اﻟﺗﻌﺑﯾرات ﻣوﻗﻔﺎ ً ﺗﻘوﯾﻣﯾﺎ ً واﺿﺣﺎً‪ ،‬ﯾﻣﻛن أن ﻧﻔﮭم ﻣﻧﮫ أن اﻟراوي‬
‫ﻋﻠﻰ ﺗﻧﺎﻗض ﻣﻊ اﻟﻧﻣوذج‪ ،‬وﯾﻣﻛن أن ﻧﻔﮭم ﻣﻧﮫ أﯾﺿﺎ ً أن اﻟراوي ﯾﻌرف ﻛل ﺷﻲء‬
‫ﻋن ﻧﻣوذﺟﮫ‪ .‬وﻛ ّل ﻣن ھذه اﻟﻣﻌرﻓﺔ وذﻟك اﻟﺗﻧﺎﻗض‪ ،‬ﯾﺗﯾﺢ ﻟﮫ أن ﯾﺗﺧذ ھذا اﻟﻣوﻗف‬
‫اﻟذي ﯾﺑدو ﺳﻠﺑﯾﺎ ً ﺑﺷﻛل ﻋﺎم‪ .‬ﻏﯾر أن ھذه اﻟﺳﻠﺑﯾﺔ ﻻﺗﻣﻧﻊ أن ﯾﻛون ﺛﻣﺔ ﺗﻌﺎطف ﻣﺎ‪،‬‬
‫ﺑﯾن اﻟراوي واﻟﻧﻣوذج‪ .‬ﻓﺎﻟراوي‪ ،‬وإن اﺗﺧذ ذﻟك اﻟﻣوﻗف‪ ،‬ﯾﺗﻌﺎطف ﻣﻊ اﻟﺣﺎﻟﺔ‬
‫اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﺎﻧﯾﮭﺎ اﻟﻧﻣوذج‪ ،‬وﻻﺳﯾﻣﺎ ﺣﯾن وﺻل ھذا إﻟﻰ ﻟﺣظﺔ اﻻﻧﺗﺣﺎر‪ ،‬ﻓﺑدت‬
‫ﻟﻐﺔ اﻟراوي ﻣﺣزوﻧﺔ ﻣﻧﻛﺳرة‪ .‬وﯾﻛﻔﻲ ﺗوﻛﯾدا ً ﻟﺗﻌﺎطف اﻟراوي ﻣﻊ اﻟﻧﻣوذج أن ھذا‬
‫اﻟﻧﻣوذج ﯾﺣﯾل ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌذب‪ ،‬وﻻﯾﺣﯾل ﻣﺛﻼً ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺑﯾﺢ أو اﻟﻛوﻣﯾدي أو‬
‫ﻧﻘوم اﻟﻣﻌذب ﺑﻣﻌزل ﻋن ﻣﺷﺎﻋر اﻷﺳﻰ‬ ‫اﻟﺗﺎﻓﮫ‪ .‬إذ ﻣن اﻟﻣﻌﻠوم أﻧﻧﺎ ﻻﻧﺳﺗطﯾﻊ أن ّ‬
‫ﻻﻧﻘوﻣﮫ ﺑﻣﻌزل اﻟﻠوم واﻟﻧﻘد‪ .‬وھو ﻣﺎﺑدا ﺑوﺿوح‪ ،‬ﻓﻲ ﻣوﻗف‬ ‫ّ‬ ‫واﻟﺣزن‪ ،‬وﻟﻛن أﯾﺿﺎ ً‬
‫اﻟراوي ﻣن اﻟﻧﻣوذج‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص‪.‬‬
‫إن ﻣﺎﻟﻣﺳﻧﺎه ﻓﻲ ﻗﺻﯾدة "اﻟﺻﻘر" ﻧﻠﻣﺳﮫ ﻓﻲ ھذه اﻟﻘﺻﯾدة‪ ،‬ﻣن ﺣﯾث ھﯾﻣﻧﺔ‬
‫اﻟزﻣن اﻟﺣﺎﺿر‪ ،‬ﻣﻊ اﺧﺗﻼف ھﺎم‪ ،‬وھو أن ھذه اﻟﻘﺻﯾدة إذ ﺗطرح اﻟﻧﻣوذج وھو‬
‫ﯾﺗﻧﺎﻣﻰ ﻓﻲ اﻟزﻣن اﻟراھن ﺗﻧﻘﻠب ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺗﮭﺎ ﻟﺗطرﺣﮫ ﻣن ﺧﻼل اﻟزﻣن اﻟﻣﺎﺿﻲ‪.‬‬
‫ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟﻧص اﺑﺗدأ ﺑﺎﻟراھن واﻧﺗﮭﻰ ﺑﺎﻟﻣﺎﺿﻲ‪ .‬وھو ﻣﺎﺟﻌل ﻣن ﺣرﻛﺔ اﻟﻧص‬
‫ﺣرﻛﺔ ﻣرﺗدة إﻟﻰ اﻟوراء ﻓﻘد ﻛﺎن اﻟﻧﻣوذج )ﯾﺳﺗﯾﻘظ‪ ،‬ﯾﻣﺷط‪ ،‬ﯾدﯾر‪ ،‬ﯾﻧﺻت‪ ،‬ﯾﺧﺗﺎر‪،‬‬
‫ﺣز‪ ،‬أدار‪ ،‬أﻧﺻت(‪ .‬وھو‬‫ﯾﻘرأ‪ ،‬ﯾﻧﮭض‪ ،‬ﯾﺻﻧﻊ(‪ ،‬وأﺻﺑﺢ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد )اﺳﺗﯾﻘظ‪ ،‬ﺗﻧﺎول‪ّ ،‬‬
‫ﻣﺎ ﯾﺗﻼءم وﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻣوذج اﻟدراﻣﯾﺔ ﻣن ﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟﺣﯾﺎة إﻟﻰ اﻟدﺧول ﻓﻲ اﻟﻣوت‪ ،‬ﻣن‬
‫اﻟوﺟود إﻟﻰ اﻟﻌدم‪.‬‬
‫وإذا ﻛﺎن ھذا اﻟراوي ﻓرداً‪ ،‬ﻻ ﻧﻌرف ﻣوﻗﻌﮫ ﺗﻣﺎﻣﺎ ً ﻣن اﻟﻧﻣوذج‪ ،‬وإن ﯾﻛن‬
‫ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ ذات اﻟﺷﺎﻋر؛ ﻓﺈن ﺛﻣﺔ ﻧﺻوﺻﺎ ً ﺗطرح رواة واﺿﺣﯾن ﻣن ﺣﯾث اﻟﮭوﯾﺔ‬
‫واﻟﻣوﻗﻊ‪ ،‬ﻛﻣﺎ أن ﺛﻣﺔ ﻧﺻوﺻﺎ ً ﻻ ﺗطرح اﻟراوي اﻟﻔرد‪ ،‬وإﻧﻣﺎ اﻟراوي ـ اﻟﻣﺟﻣوﻋﺔ‬
‫أو اﻟﻛورس اﻟذي ﯾﺣﯾل ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟذات اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ .‬وﻧﺷﯾر إﻟﻰ أن اﻟراوي‬
‫اﻟﻛورس ﯾﺑدو أﻛﺛر ﻣوﺿوﻋﯾﺔ ﻣن اﻟراوي اﻟﻔرد‪ ،‬ﻷن اﻟﺳرد ﯾﻛون ﻋﻧدﺋذ ﺻﺎدرا ً‬
‫ﻣن ﻣﺟﻣوﻋﺔ‪ ،‬ﻻ ﻣن ﻓرد‪ .‬وﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎ ﺗﻔﺳّر اﻟﻣﺟﻣوﻋﺔ ھوﯾﺗﮭﺎ وطﺑﯾﻌﺗﮭﺎ وﻣوﻗﻌﮭﺎ ﻣن‬
‫اﻟﻧﻣوذج‪ ،‬ﻓﻲ أﺛﻧﺎء اﻟﺳرد اﻟﺷﻌري‪ .‬وإذا ﻣﺎ اﺳﺗﺧدﻣﻧﺎ‪ ،‬ھﻧﺎ‪ ،‬ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺳرد‬
‫‪ ،NARRATIVE‬وھو ﻣﺻطﻠﺢ ﺧﺎص ﺑﺎﻟﻧﺻوص اﻟﺳردﯾﺔ ﻻ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻻ‬
‫ﻧﻘﺻد ﺑﮫ أن ﺛﻣﺔ أﺳﻠوﺑﺎ ً ﺳردﯾﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري اﻟدراﻣﻲ‪ ،‬إذ إن ﻟﻸﺳﻠوب‬
‫اﻟﺳردي طﺑﯾﻌﺗﮫ وﺧﺻﺎﺋﺻﮫ وﺷروطﮫ؛ وإﻧﻣﺎ ﻧﻘﺻد ﺑﮫ أن اﻟراوي ﯾﻌرض ﺑﺷﻛل‬
‫ﺷﻌري ﻣﻛﺛف ﺣﺎﻟﺔ ﻧﻣوذﺟﮫ واﻟﻣوﻗف اﻟدراﻣﻲ اﻟذي ﯾدﺧل ﻓﯾﮫ‪ .‬أي أن اﻟﺳرد‬
‫اﻟﺷﻌري ﻻ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﺑدو ﻗﺻﺻﯾﺎً‪ .‬وإن ﺣدث ھذا‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻌﻧﻲ اﻻﻧﺣراف ﻋن‬
‫اﻟﺷﻌرﯾﺔ ‪ .POETICS‬واﻟﺣﻖ أن ﺑﻌض اﻟﻧﺻوص اﻟﺣداﺛﯾﺔ وﻗﻌت ﻓﻲ ﻣﺛل ذﻟك‪.‬‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 107 -‬‬


‫ﺣﯾث اﻧﻘﻠب اﻟﺳرد اﻟﺷﻌري إﻟﻰ ﺳرد ﻗﺻﺻﻲ‪ ،‬وﺗﺣوﻟت اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ‬
‫اﻟﻣﻛﺛﻔﺔ‪ ،‬إﻟﻰ ﻟﻐﺔ ﻧﺛرﯾﺔ ﻋﺎدﯾﺔ أو ﺣﯾﺎدﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻣﺛﺎﻻً ﻋﻠﻰ اﻟراوي اﻟﻛورس اﻟذي ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟذات اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ ،‬ﻧﺗوﻗف‬
‫ﻋﻧد ﻗﺻﯾدة "ﺷﮭرﯾﺎر اﻟزﻣن اﻷﺧﯾر" )‪ (18‬ﻟﻣﺣﻣد ﻋﻣران‪ ،‬اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺎﻟﺞ ﺷﺧﺻﯾﺔ‬
‫ﺷﮭرﯾﺎر اﻟﺧﯾﺎﻟﯾﺔ‪.‬‬
‫ﺗﻧﻘﺳم ھذه اﻟﻘﺻﯾدة إﻟﻰ ﻧﺻﯾن اﺛﻧﯾن‪ :‬اﻷول ﺑﻌﻧوان "ﺷﮭرﯾﺎر واﻟﻣراﯾﺎ"‬
‫ﺻﺎن ﻣﺳﺗﻘﻼن ﻋن ﺑﻌﺿﮭﻣﺎ‬ ‫واﻟﺛﺎﻧﻲ ﺑﻌﻧوان "ﻣذﻛرات ﺷﮭرﯾﺎر اﻟﻣﻠك"‪ .‬وھﻣﺎ ﻧ ّ‬
‫ﺑﻧﯾوﯾﺎً‪ .‬وﻗد ُﻛﺗﺑﺎ ﻓﻲ ﻓﺗرﺗﯾن ﻣﺧﺗﻠﻔﯾن‪ ،‬وﻻ ﯾﺟﻣﻊ ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ إﻻ اﻟﺣدﯾث ﻋن ﺷﺧﺻﯾﺔ‬
‫ﺷﮭرﯾﺎر‪ .‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟﺣدﯾث ﻋﻧﮫ ﻣﺗﺳﻖ ﻓﻲ اﻟﻧﺻﯾن‪ ،‬إﻻ أﻧﻧﺎ ﺳوف‬
‫ﻧﺗوﻗف ﻋﻧد اﻟﻧص اﻷول اﻟذي ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟراوي اﻟﻛورس‪ .‬أﻣﺎ اﻟﻧص اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﯾﻘوم‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻣط اﻷول ﻣن ﺗﻘﻧﯾﺔ اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬ﺣﯾث اﻟﻧﻣوذج ھو اﻟﻣﺗﺣدث اﻷﺳﺎﺳﻲ‪،‬‬
‫ﻋﻠﻰ ﺣﯾن أن ﻟﻠراوي ﻓﯾﮫ دورا ً ﺛﺎﻧوﯾﺎً‪.‬‬
‫ﯾطرح اﻟﻧص‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ﺷﺧﺻﯾﺔ ﺷﮭرﯾﺎر اﻟرﻣز‪ ،‬ﻧﻣوذج اﻟدﯾﻛﺗﺎﺗور اﻟذي‬
‫ﻣﺣوﻻً إﯾﺎه إﻟﻰ ﻣﺎدة ﻟﻼﺳﺗﻼب واﻟﻘﻣﻊ‪ ،‬وإﻟﻰ ﻣﺎدة ﻻﺳﺗﮭﻼﻛﮫ‬ ‫ّ‬ ‫ﯾﺳﺗﻌﺑد ﻛل ﺷﻲء‪،‬‬
‫اﻟﺷﺧﺻﻲ ورﻓﺎھﯾﺗﮫ اﻟﻔردﯾﺔ‪ .‬إﻧﮫ ﯾﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ ﺷﻌﺑﮫ أو "رﻋﺎﯾﺎه" ﺗﻌﺎﻣل اﻟذﺋب ﻣﻊ‬
‫وﯾروع وﯾﻘﺗل وﯾﺄﻛل‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﻛﺎد ﯾﻧﺟو ﺷﻲء ﻣن ﺑطﺷﮫ أو ﻣن‬ ‫ّ‬ ‫اﻟﺧراف‪ ،‬ﯾﺳﺑﻲ‬
‫اﺳﺗﻼﺑﮫ‪:‬‬
‫وﺷﮭرﯾﺎر‬
‫ﺑﯾت ﺑﻼ ﺟدار‬
‫ﻟﯾل ﻣن اﻟﻌﮭر‪ ،‬ﻣن اﻟﺟﻧون‪ ،‬واﻟدﻣﺎر‬
‫وﺷﮭرﯾﺎر‬
‫ﻣﺣﺎرب‪ .‬أﺑوه ﻣن ﻓوارس اﻟﺗﺗﺎر‬
‫وأﻣﮫ ﻣن ﺳﺑﻲ ھوﻻﻛو‬
‫وﺷﮭرﯾﺎر‬
‫ﻗرﺻﻧﺔ ﻓﻲ ﻋﺗﻣﺔ اﻟﺑﺣﺎر‬
‫ﺟﻣوح راﻋﻲ ﺑﻘر‪.‬‬
‫وﺷﮭرﯾﺎر‬
‫ﺳﯾد ھذي اﻟﻣدن اﻟﺧرﺳﺎء )‪.(19‬‬
‫وﻷﻧﮫ ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﺣو ﻣن اﻟﺻﻔﺎت اﻟﻼإﻧﺳﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻣن اﻟﺑدھﻲ أن ﯾﻛون اﻟدم‬
‫ﻟذّﺗﮫ اﻷوﻟﻰ‪ .‬إﻧﮫ ﯾﻠﺗذّ ﺑﺎﻟدﻣﺎء‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﻠﺗذ ﺑﺎﻟﻣواﺋد اﻟﻌﺎﻣرة واﻷﺟﺳﺎد اﻟﻌﺎرﯾﺔ‪ .‬ﺑل‬
‫ﯾﻣﻛن اﻟﻘول إﻧﮫ ﻻﯾﻠﺗذّ ﺑﺎﻟﺟﻧس واﻟطﻌﺎم‪ ،‬إذا ﻟم ﯾﻛن ﻗﺻره ﻣﺷﺑﻌﺎ ً ﺑﺎﻟدﻣﺎء‪:‬‬

‫‪- 108 -‬‬


‫"ﯾﺎﺷﮭرﯾﺎر‬
‫ﺻﻔﻔﻧﺎ اﻟﻣواﺋد ﻣن ﻛل ﻟون‬
‫دف‪،‬‬
‫أﺗﯾﻧﺎ ﺑﻧﺎﻗر ّ ٍ‬
‫ﺑراﻗﺻﺔ ﻣن وراء اﻟﺑﺣﺎر‬
‫ﻓرﺷﻧﺎ ﺳرﯾرك ﺑﺎﻟﻌري‪..‬‬
‫ﯾﺎ ﺷﮭرﯾﺎر "‬
‫وﯾﻌﺑﻖ ﺑﺎﻟدم ﻗﺻر اﻷﻣﯾر‬
‫ﯾطﯾر ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺗﻲ ﺳﻧدﺑﺎد )‪(20‬‬
‫واﺿﺢ أن ﺷﮭرﯾﺎر‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص‪ ،‬ھو ﻧﻣوذج ﻟﻠﻘﺑﺢ واﻟﻔظﺎﻋﺔ‪ ،‬ﻻﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ‬
‫اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻓﺣﺳب‪ .‬ﺑل ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬وﻷن ھذا اﻟﻧﻣوذج ﻣرھون ﺑﻌﻼﻗﺗﮫ‬
‫ﺑﺎﻵﺧرﯾن اﻟذﯾن ھم ﻣﺎدة اﺳﺗﻼﺑﮫ‪ ،‬ﻓﻠم ﯾﻛن ﺑ ﱞد ﻣن أن ﯾﻛون اﻵﺧرون ھم اﻟراوي‪ .‬أي‬
‫أن ھذا اﻟﻧﻣوذج ﯾﺗوﺿﺢ وﺗﺗﻛﺎﻣل ﺻﻔﺎﺗﮫ‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ﺳرد اﻟراوي ـ اﻟﻛورس اﻟذي‬
‫ﻻﯾﺧﻔﻲ ﻣوﻗﻔﮫ ﻣﻧﮫ؛ ﻷن ھذا اﻟراوي ﻻﯾﺳرد‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ‪ ،‬ﺳوى اﻟﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ‬
‫اﻟﺗﻲ ﯾﻌﺎﻧﯾﮭﺎ ﺗﺣت ھﯾﻣﻧﺔ ﺷﮭرﯾﺎر‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن ﺳرد اﻟراوي ذو ﻣﻧﺣﯾﯾن‪ :‬اﻟﻣﻧﺣﻰ‬
‫اﻷول ھو ﺗﺑﯾﺎن اﻟﻣﻌﺎﻧﺎة اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﺎﻧﯾﮭﺎ‪ ،‬واﻟﻣﻧﺣﻰ اﻟﺛﺎﻧﻲ ھو‬
‫ﺗﺑﯾﺎن اﻷﺳﺎس اﻟذي ﯾﻘف وراء ھذه اﻟﻣﻌﺎﻧﺎة‪ ،‬وﯾﻛﻣن ﻓﻲ وﺟود ﺷﮭرﯾﺎر اﻟدﯾﻛﺗﺎﺗور‬
‫ﺣول اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ إﻟﻰ ﺻدى ﻟﮫ‪ ،‬وإﻟﻰ ﻣراﯾﺎ ﻷﻓﻌﺎﻟﮫ‪:‬‬ ‫اﻟذي ّ‬
‫وﺣوش اﻟرﯾﺎح ﻧﺣﺎس‪.‬‬
‫ﺗﺳﯾل اﻷﻧﺎﺷﯾد ﻧﮭراً‪،‬‬
‫ﺟرﻓﻧﺎ ﻣﻊ اﻟﻣوج‪.‬‬
‫ھذا ﻣداﻧﺎ اﻟﺳﺣﯾﻖ ﯾرنﱡ ‪،‬‬
‫اﻟﺳﻧﺎ اﻟﺻدى واﻟﻣراﯾﺎ؟ )‪(21‬‬
‫إن ﻛون اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ھﻲ اﻟﺻدى واﻟﻣراﯾﺎ‪ ،‬ﯾﻌﻧﻲ أن ھذه اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ﻻ ﺗﺳرد إﻻ‬
‫ﻣﺎ ﺣدث ﻓﻌﻼً ﻟﻛﻧﮭﺎ ﺗﺳرده ﻣن ﺧﻼل اﻧﻌﻛﺎﺳﮫ ﻓﯾﮭﺎ )ﻣراﯾﺎ(‪ ،‬ﻓﮭﻲ اﻟﺷﺎھد اﻟﻌدل‪،‬‬
‫وھﻲ اﻟﻣدّﻋﻲ اﻟﻣظﻠوم ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ‪ .‬وﻣن ذﻟك ﻓﺈن ﻣوﻗﻊ اﻟراوي‪ ،‬ﻣن اﻟﻧﻣوذج‬
‫واﺿﺢ ﺗﻣﺎم اﻟوﺿوح‪ ،‬وﻛذا ھﻲ اﻟﺣﺎل ﻓﻲ طﺑﯾﻌﺗﮫ وھوﯾﺗﮫ‪ .‬إﻧﮫ "اﻟرﻋﯾﺔ" اﻟﻣﺳﺑﯾﺔ‬
‫اﻟﺗﻲ أراد ﻟﮭﺎ ﺷﮭرﯾﺎر أن ﺗﻛون ﺧرﺳﺎء‪ ،‬أو ﻣﺟرد‪" ،‬ﺻدى" ﻓﺣﺳب‪.‬‬
‫ﻟﻘد ﻗﺎم ھذا اﻟﻧص‪ ،‬إذاً‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟراوي ـ اﻟﻛورس ﺑوﺻﻔﮫ اﻟﻣﺗﺣدث اﻷوﺣد‪.‬‬
‫ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ أن ﻛل اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت اﻟﺗﻲ طرﺣﮭﺎ اﻟراوي‪ ،‬ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻧﻔﮭﻣﮭﺎ ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﻣوﻗف‬
‫اﻟراوي ﻣن اﻟﻧﻣوذج‪ ،‬ﻻ ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ رأي اﻟﻧﻣوذج ﺑﻧﻔﺳﮫ‪ .‬ﻓﻼ ﺷك ﻓﻲ أن ﻟﻠﻧﻣوذج رأﯾﺎ ً‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 109 -‬‬


‫ﻣﺧﺗﻠﻔﺎ ً إﻻ أن اﻟراوي ﻻ ﯾُﻌﻧﻰ ﺑذﻟك اﻟرأي‪ ،‬ﻣﮭﻣﺎ ﺗﻛن ﻣﺳوﻏﺎﺗﮫ‪ .‬واﻟﺳﺑب ﯾﻛﻣن ﻓﻲ‬
‫أن اﻟﻘﺗﯾل ﻟن ﯾُﻌﻧﻰ‪ ،‬ﺑﺣﺎل ﻣن اﻷﺣوال‪ ،‬ﺑﻣﺳوﻏﺎت ﻗﺎﺗﻠﮫ‪.‬‬
‫إن ﻛون اﻟراوي ـ اﻟﻛورس ھو اﻟﻣﺗﺣدث‪ ،‬ﻗد ﺟﻌل اﻟﻧص ﯾﻧﺣﺎز إﻟﻰ ﺻف‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ اﻟﻣﻘﻣوﻋﺔ اﻟﻣﺳﺗﻠﺑﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﺟﻌﻠﮫ ﯾﮭﺎﺟم اﻻﺳﺗﻼب واﻟﻘﻣﻊ ﻣن ﺧﻼل ھذا‬
‫اﻟﻧﻣوذج‪ .‬وﻓﻲ ھذا ﯾﺑرز اﻟﻣوﻗف اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ـ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻟﻠذات اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻏﺎﺑت‬
‫ﻓﻧﯾﺎ ً ﻋن اﻟﻧص‪ ،‬وﺣﺿرت ﺟﻣﺎﻟﯾﺎً‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟذات اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻗد طرﺣت ﻛل ﻣﺎ‬
‫ﺗﻌﺎﻧﯾﮫ وﺗرﯾده‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل اﻟراوي ـ اﻟﻛورس‪ .‬ﻓﺛﻣﺔ ﻣوﺿﻌﺔ ﻟﻠذاﺗﻲ ﻣن ﺧﻼل‬
‫اﻟراوي‪ ،‬ﺑﺣﯾث ﯾﺑدو أن ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻠذات اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﺑﺎﻟراوي‪ ،‬واﻟﻧص ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬ﻏﯾر أن‬
‫واﻗﻊ اﻟﺣﺎل أن اﻟراوي ﻻ ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟذات اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ ،‬إﻻ ﻣن ﺧﻼل اﻟذات‬
‫اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﺎ ﺗﻌﺎﻧﯾﮫ ﺗﻠك اﻟذات‪ .‬وھو ﻣﺎ ﯾﺳّر ﻣوﺿﻌﺔ اﻟذات ﺑﺎﻟراوي‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫ھذا اﻟﻧص‪.‬‬
‫أﻣﺎ اﻟﻧﻣط اﻟﺛﺎﻟث‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﻘﻧﯾﺔ اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬ﻓﯾﻘوم ﻋﻠﻰ أن اﻟراوي ھو‬
‫اﻟﻣﺗﺣدث اﻷﺳﺎﺳﻲ‪ ،‬واﻟﻧﻣوذج ھو اﻟﻣﺗﺣدث اﻟﺛﺎﻧوي‪ .‬أي أن ھذا اﻟﻧﻣط ﻋﻛس اﻟﻧﻣط‬
‫اﻷول اﻟذي ﯾﻛون ﻓﯾﮫ ﺣدﯾث اﻟﻧﻣوذج أﺳﺎﺳﯾﺎً‪ ،‬وﺣدﯾث اﻟراوي ﺛﺎﻧوﯾﺎً‪.‬‬
‫وﯾﺗﻔﻖ ھذان اﻟﻧﻣطﺎن ﻓﻲ ﺳﻣﺔ اﻟﺗﻧﺎﻏم اﻟﻔﻧﻲ ـ ﻻاﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة ـ ﺑﯾن‬
‫اﻟراوي واﻟﻧﻣوذج ﻣن أﺟل ﺗﻘدﯾم ﺻورة ﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ ﻋن اﻟﻣوﻗف اﻟدراﻣﻲ اﻟذي ﯾﻌﺎﻧﯾﮫ‬
‫اﻟﻧﻣوذج‪ .‬وﯾﺧﺗﻠﻔﺎن ﻓﻲ أن اﻟﻧﻣط اﻷول ﯾﻌطﻲ ﻟﻠﻧﻣوذج اﻟﺣﻖ اﻷﻛﺑر ﻓﻲ ﻗول‬
‫ﻣﺎﯾرﯾد‪ .‬ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ أن اﻟﻧص ھو ﻓﻲ ﻣﻌظﻣﮫ ﺻوت اﻟﻧﻣوذج ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً وأﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎً‪ .‬أﻣﺎ‬
‫اﻟﻧﻣط اﻵﺧر ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻌطﻲ اﻟﺣﻖ ﻟﻠراوي اﻟذي ﯾﮭﯾﻣن ﺻوﺗﮫ ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً وأﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻧص‪ .‬واﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أن ھذا اﻻﺧﺗﻼف أﺳﺎﺳﻲ‪ ،‬ﻻﺛﺎﻧوي‪ .‬ﻓﻌﻠﻰ ﺣﯾن أﻧﮫ ﻣطﻠوب ﻣﻧﺎ أن‬
‫ﻧﺗﻔﺎﻋل‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧﻣط اﻷول‪ ،‬ﻣﻊ اﻟﻧﻣوذج؛ ﻓﺈﻧﮫ ﻣطﻠوب ﻣﻧﺎ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧﻣط اﻵﺧر‪ ،‬أن‬
‫ﻧﺗﻔﺎﻋل ﻣﻊ اﻟراوي وﻧﺻﻐﻲ إﻟﯾﮫ‪ ،‬وﻧﻧدﻣﺞ ﻓﯾﮫ أﺣﯾﺎﻧﺎً‪.‬‬
‫إن اﺧﺗﻼف دور اﻟراوي واﻟﻧﻣوذج‪ ،‬ﻓﻲ ھذه اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻻﯾﻌﻧﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﺑﻘدر‬
‫ﻣﺎﯾﻌﻧﻲ اﺧﺗﻼف اﻟﻣﻧظور اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ واﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ اﻟﻠذﯾن ﯾﻧطﻠﻖ ﻣﻧﮭﻣﺎ اﻟﻧص‪،‬‬
‫وﯾﺳﻌﻰ إﻟﻰ طرﺣﮭﻣﺎ‪ .‬ﻓﺣﯾن ﯾﻛون اﻟﻧﻣوذج ھو اﻟﻣﺗﺣدث اﻷﺳﺎﺳﻲ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻧص‬
‫ﯾﻛون ﺗﻌﺑﯾرا ً أﺳﺎﺳﯾﺎ ً ﻋن ﻣﻧظور اﻟﻧﻣوذج‪ .‬وﺣﯾن ﯾﻛون اﻟراوي ھو اﻟﻣﺗﺣدث‬
‫اﻷوﺣد‪ ،‬ﻓﺈن ﻣﻧظوره ھو اﻷوﺣد ﻓﻲ اﻟﻧص‪ .‬أﻣﺎ ﺣﯾن ﯾﻛون اﻟراوي ھو اﻟﻣﺗﺣدث‬
‫اﻷﺳﺎﺳﻲ‪ ،‬ﻓﺈن ﻣﻧظوره ﯾﻛون ھو اﻷﺳﺎﺳﻲ أﯾﺿﺎ ً ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧص‪ .‬وذﻟك ﺑﺻرف اﻟﻧظر‬
‫ﻋن إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ أن ﯾﻛون ﺛﻣﺔ ﺗﻧﺎﻏم ﺟﻣﺎﻟﻲ ـ وأﯾدﯾوﻟوﺟﻲ أﯾﺿﺎ ً ـ ﺑﯾن اﻟراوي واﻟﻧﻣوذج‬
‫ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص أو ذاك‪ .‬ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ھذا اﻟﺗﻧﺎﻏم ﯾﻔرض رؤﯾﺎ ﻣوﺣﱠدة‬
‫ﺑﺎﻟﺿرورة‪ .‬ﺣﯾث ﻻﯾﻛون ھﻧﺎﻟك اﺧﺗﻼف ﺟﻣﺎﻟﻲ أو أﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ‪ .‬أﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ‬
‫ﻋدم اﻟﺗﻧﺎﻏم‪ ،‬أو ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺗﻧﺎﻗض واﻻﺧﺗﻼف‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻧص ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﯾطرح ﻧﺳﻘﯾن‬
‫ﻣﺧﺗﻠﻔﯾن ﻣن اﻟرؤﯾﺎ‪ :‬ﻧﺳﻖ اﻟراوي‪ ،‬وﻧﺳﻖ اﻟﻧﻣوذج‪ .‬وإن ﯾﻛن اﻟﻧص ﻻﯾﻣﻛن إﻻ أن‬
‫ﯾﻧﺣﺎز إﻟﻰ رؤﯾﺎ ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣطﺎف‪.‬‬

‫‪- 110 -‬‬


‫وﻣﺛﺎﻻً ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻣط اﻟﺛﺎﻟث‪ ،‬ﻧﺗوﻗف ﻋﻧد ﻗﺻﯾدة "ﻗﺻﺔ اﻷﻣﯾرة واﻟﻔﺗﻰ اﻟذي‬
‫ﯾﻛﻠم اﻟﻣﺳﺎء" ) ‪ (22‬ﻷﺣﻣد ﻋﺑد اﻟﻣﻌطﻲ ﺣﺟﺎزي‪ .‬ﺣﯾث ﻧﻠﺣظ أن اﻟراوي ﻗد أﺧذ‬
‫ﻣﻌظم اﻟﺳرد اﻟﺷﻌري‪ ،‬وﺣﺗﻰ ﺻوت اﻟﻧﻣوذج ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﯾﺄﺗﻲ ﻣﺣﻣوﻻً ﻋﻠﻰ ﺻوت‬
‫اﻟراوي‪ .‬وﺛﻣﺔ ﺻوت آﺧر ﯾﺄﺗﻲ أﯾﺿﺎ ً ﻣﺣﻣوﻻً ﻋﻠﻰ ﺻوت اﻟراوي‪ .‬وھو ﺻوت‬
‫اﻷﻣﯾرة اﻟﺗﻲ ھﻲ أﺣد أﺳس اﻟﻣوﻗف اﻟدراﻣﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص‪.‬‬
‫وﻧﺷﯾر ﻓﻲ اﻟﺑداﯾﺔ إﻟﻰ أن اﻟراوي ﯾرى ﻓﻲ ﻧﻣوذﺟﮫ " اﻟﻔﺗﻰ" ﺗﻌﺑﯾرا ً ﻋن‬
‫ﻣﻔﮭوم اﻟﻣﻌذب؛ وﻟﮭذا ﻓﺈن ﻣﺷﺎﻋر اﻷﺳﻰ واﻟﺣزن واﻟﻠوم واﺿﺣﺔ ﻓﻲ ﺳرده‪ ،‬ﻟﻣﺎ‬
‫ﯾﺟري ﻣﻊ ﻧﻣوذﺟﮫ‪ .‬ﻏﯾر أﻧﻧﺎ ﻧرى أن ھذا اﻟﻧﻣوذج أﻣﯾل إﻟﻰ أن ﯾﻛون ﻛوﻣﯾدﯾﺎً‪ ،‬ﻣن‬
‫ﻧﻣط دون ﻛﯾﺷوت‪ ،‬ﻣﻧﮫ إﻟﻰ أن ﯾﻛون ﻣﻌذﺑﺎً‪ .‬وﯾﻛﻣن اﻟﺳﺑب ﻓﻲ ذﻟك‪ ،‬أن ھذا‬
‫اﻟﻧﻣوذج ﯾﻘﻊ ﻓﻲ ﺗﻧﺎﻗض ﺣﯾﺎﺗﻲ ﺣﺎد ﺣﯾث اﻟوﺳﯾﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘﺻر ﻋن إﻧﺟﺎز اﻟﻐﺎﯾﺔ‪،‬‬
‫وﺣﯾث اﻟﺗوھم اﻟذي ﯾﺑﻌد اﻟﻐﺎﯾﺔ ﻋن اﻹﻧﺟﺎز؛ ﺗﻣﺎﻣﺎ ً ﻣﺛﻠﻣﺎ ﺣدث ﻣﻊ دون ﻛﯾﺷوت‬
‫اﻟذي ﻛﺎﻧت ﻏﺎﯾﺎﺗﮫ ﻧﺑﯾﻠﺔ وراﺋﻌﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﯾن ﻛﺎﻧت وﺳﯾﻠﺗﮫ ﻻﺗﺗﻼءم وﻣﺎﯾﺳﻌﻰ إﻟﻰ‬
‫إﻧﺟﺎزه‪ ،‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ اﻟﺗوھم اﻟذي ﺳﺑﺑﮫ ﻏﺎﯾﺎﺗﮫ‪ ،‬وﻗﺻور وﻋﯾﮫ اﻟواﻗﻌﻲ‪ .‬وﻓﻲ ذﻟك‬
‫إﺷﻛﺎﻟﯾﺗﮫ اﻟﻛوﻣﯾدﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻘد وﻗﻊ اﻟﻔﺗﻰ ﻓﻲ اﻟﺷرك اﻟذي ﻧﺻﺑﺗﮫ اﻷﻣﯾرة ﻷﻣﺛﺎﻟﮫ ﻣن "اﻷﺑطﺎل"‬
‫ﻋش ﺣب‪ ،‬ﺑﮫ رﻏﯾف واﺣدوطﻔﻠﺔ ﺿﺣوك")‪.(23‬‬ ‫ّ‬ ‫اﻟﺣﺎﻟﻣﯾن ﺑﺄن "ﺗﺻﺑﺢ اﻟﺣﯾﺎة‬
‫وذﻟك ﺑﺄن راﺣت ﺗﻌﻠن أﻧﮭﺎ "ﻧﺻﯾرة اﻟﺟﯾﺎع"‪ ،‬و‪:‬‬
‫ﻗﻠﺑﻲ ﻋﻠﻰ طﻔل ﺑﺟﺎﻧب اﻟﺟدار‬
‫ﻻﯾﻣﻠك اﻟرﻏﯾف)‪(24‬‬
‫ﻟﻘد ﻛﺎن ﻟﮭذا اﻹﻋﻼن وﻗﻌﮫ اﻹﯾﺟﺎﺑﻲ اﻟﻣﺑﺎﺷر‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺗﻰ اﻟذي ﻛﺎن ﯾﺗﻛﻠم ﻣﻊ‬
‫اﻟﻣﺳﺎء ﻋن أﺣزاﻧﮫ وأﺣﻼﻣﮫ ﺑﻌﺎﻟم ﺟﻣﯾل‪ ،‬ﻗواﻣﮫ اﻟﺣب واﻟﺳﻌﺎدة‪ .‬وﻷن وﻗﻊ ذﻟك‬
‫اﻹﻋﻼن ﻛﺎن إﯾﺟﺎﺑﯾﺎ ً ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬ﻓﻘد اﻧدﻓﻊ إﻟﻰ ﻋﺷﻖ اﻷﻣﯾرة اﻟﺗﻲ ﺑدت ﻣﻧﻘذة ﻟﮫ ﻣﻣﺎ ھو‬
‫ﻓﯾﮫ ﻣن ﻣﻌﺎﻧﺎة‪ ،‬وراح ﯾﻛﯾل ﻟﮭﺎ اﻟﻣداﺋﺢ واﻟﻌواطف‪ .‬وﻟﻛن‪:‬‬
‫ﻓﺎﺑﺗﺳﻣت ﻟﮫ ﻗﺎﺋﻠﺔ‪" :‬ﻻ أﻧت ﺷﺎﻋر ﻛﺑﯾر‬
‫ﯾﺎﺳﯾدي أﻧﺎ ﺑﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ أﻣﯾر‬
‫إﻟﻰ أﻣﯾر"‬
‫واﻧﺳ ﱠد ﻓﻲ اﻟﺳﻛون ﺑﺎب )‪(25‬‬
‫ﺑﺣﻖ )ﺷﺎﻋر ﻛﺑﯾر(‪ ،‬ﺣﯾن ﺗو ّھم أن أﺣﻼم اﻟﻔﻘراء‬ ‫ّ‬ ‫ﻟﻘد ﻛﺎن اﻟﻔﺗﻰ طوﺑﺎوﯾﺎ ً‬
‫ﯾﻣﻛن أن ﯾﻧﺟزھﺎ اﻟﺳﺎدة اﻷﻣراء‪ .‬وھو ﻟم ﯾﻛن طوﺑﺎوﯾﺎ ً ﻓﺣﺳب‪ .‬ﺑل ﻛﺎن أﯾﺿﺎ ً‬
‫ﻣﻧﺧوراًﻣن اﻟداﺧل‪ .‬ﻓﻌﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﺣﻠم ﺑﺎﻟﻌداﻟﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ ،‬ظﺎھرﯾﺎ ً ﻓﺈﻧﮫ‬
‫ﺷك ﻣن إﻧﺟﺎزھﺎ ﻣﻣﺎ ﯾﻌ ّﻣﻖ اﻟﺗﻧﺎﻗض ﺑﯾﻧﮫ وﺑﯾن ﺣﻠﻣﮫ‪ ،‬ﺗﻣﺎﻣﺎًﻛﻣﺎ ﻛﺎن ﻧﻣوذج‬ ‫ﻛﺎن ﻓﻲ ّ‬
‫ﺳﻌدي ﯾوﺳف‪:‬‬
‫‪ ...‬وﻓﻲ ﻟﯾﺎﻟﻲ اﻟﺧوف طﺎﻟﻣﺎ رأﯾﺗﮫ ﯾﺟول ﻓﻲ اﻟطرﯾﻖ‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 111 -‬‬
‫ﯾﺳﺗﻘﺑل اﻟﻔﺎ ّرﯾن ﻣن وﺟﮫ اﻟظﻼم‬
‫وﯾوﻗد اﻟﺷﻣوع ﻣن ﻛﻼﻣﮫ اﻟودﯾﻊ‬
‫ﻓﻔﻲ ﻛﻼﻣﮫ ﺿﯾﺎء ﻧﺟﻣﺔ ﻻﺗﻧطﻔﺊ‬
‫وﯾﺗرك اﻟﯾدﯾن ﺗﻣﺷﯾﺎن ﺑﺎﻟدﻋﺎء‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟرؤوس واﻟوﺟوه‬
‫وﺗﻣﺳﺣﺎن ﻣﺎﯾﺳﯾل ﻣن دﻣوع‬
‫"اﻟﺻﺑﺢ ﻓﻲ اﻟطرﯾﻖ‬
‫ﯾﺎأﺻدﻗﺎﺋﻲ إﻧﻧﻲ أراه‬
‫ﻓﻼﺗﺧﺎﻓوا ‪ ...‬ﺑﻌد ﻋﺎم ﯾﻘﺑل اﻟﺿﯾﺎء"‪.‬‬
‫وﻋﻧدﻣﺎ ﯾﻣﺷون ﺗﻣﺷﻲ ﻓوق ﺧدّﯾﮫ اﻟدﻣوع‬
‫وﯾﻔﻠت اﻟﻛﻼم ﻣﻧﮫ‪ ،‬ﯾﻔﻠت اﻟﻛﻼم‬
‫ھل ﯾﻘﺑل اﻟﺿﯾﺎء ﺣﻘﺎ ً ﺑﻌد ﻋﺎم")‪(26‬‬
‫وﻷﻧﮫ ﻟم ﯾﻛن واﺛﻘﺎ ً ﻣن ﺣﺗﻣﯾﺔ اﻟﺿﯾﺎء‪ ،‬ﻓﻘد ﺗوھم أن اﻷﻣﯾرة ﯾﻣﻛن أن ﺗﻧﮭض‬
‫ﺑﻣﺎ ﻋﺟز ھو ﻋن اﻟوﺛوق ﺑﺣﺗﻣﯾﺗﮫ‪ .‬إذ اﻷﻣﯾرة" ﺟوھرة ﻧﺎدرة ﻓﻲ ﺗﺎج‬
‫ﻋﺻرﻧﺎ")‪.(27‬‬
‫ﻟﻘد ﻛﺎن ھذا اﻟﻔﺗﻰ ـ اﻟﻧﻣوذج ﯾرى أن ذروة اﻟﺳﻌﺎدة اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﺗﻛﻣن ﻓﻲ أن‬
‫ﯾﻣﻠك اﻟﻣرء اﻟﻣﺎس واﻟﺣرﯾر واﻟﻶﻟﺊ‪ .‬وھو ﻟم ﯾﻛن ﯾﺣﻠم ﺑرﻏﯾف واﺣد‪ ،‬إﻻ أﻧﮫ‬
‫ﯾﺣس ﺑﺿﺂﻟﺗﮫ وﺗﻔﺎھﺗﮫ ﺑﺳﺑب ﻓﻘره‪ ،‬أﻣﺎم‬‫ّ‬ ‫ﻻﯾﻣﻠك اﻟرﻏﯾف‪ .‬وﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻓﮭو‬
‫ﺗﻠك اﻷﻣﯾرة اﻟﺷرﻗﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﮭوى اﻟﻐﻧﺎء‪ ،‬ﺗﮭواه ﻻﺗﺣﺗرﻓﮫ)‪ .(28‬أﻣﺎ ﺣﯾن ﯾﺟد ﻧﻔﺳﮫ‬
‫أﻣﺎم اﻟﻔﻘراء ﻓﻼﯾﺣس ﺑﺎﻻﻧﺗﻣﺎء إﻟﯾﮭم‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﻛوﻧﮫ واﺣدا ً ﻣﻧﮭم‪ ،‬ﺑل ﯾﺣس‬
‫ﺑﺎﻟﺷﻔﻘﺔ ﻋﻠﻰ وﺿﻌﮭم‪ .‬ﻣﻣﺎ ﯾﺟﻌﻠﮫ ﯾدﻋﻲ أن اﻟﺿﯾﺎء ﺳوف ﯾﺄﺗﻲ ﺑﻌد ﻋﺎم‪ .‬أي أﻧﮫ‬
‫ﯾﻣوه اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ‪ .‬ﻓﺎﻟﺿﯾﺎء ﻟن ﯾﺄﺗﻲ ﺑﻌد ﻋﺎم‪ .‬وﻷﻧﮫ ﯾﻌرف ھذا ﻓﻘد ﺳﺎرع إﻟﻰ إﻧﻘﺎذ‬ ‫ّ‬
‫ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬وﻟﻛن ﻣن دون ﺟدوى‪ .‬ﻓﺎﻷﻣﯾرة ﺑﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ أﻣﯾر ﻻ إﻟﻰ ﻣدّع ﺻﻐﯾر‪ .‬وﺑﮭذا‬
‫ﯾﺗوﺿّﺢ أن ﺣﻠﻣﮫ ﺑرﻏﯾف واﺣد‪ ،‬وطﻔﻠﺔ ﺿﺣوك‪ ،‬ﻟم ﯾﻛن ﻓﻲ أﺳﺎﺳﮫ إﻻ ﺣﻠﻣﺎ ً‬
‫ﺑﺎﻟﻣﺎس واﻟﺣرﯾر‪ ،‬وﺑﺎﻷﻣﯾرة اﻟﺷرﻗﯾﺔ‪ .‬ﻓﺛﻣﺔ إذاً‪ ،‬ﺗﻧﺎﻗض ﺣﺎد ﺑﯾن ﻣﺎﯾﺑطﻧﮫ وﻣﺎ ﯾﻌﻠﻧﮫ‪،‬‬
‫ﺑﯾن ﺣﻠﻣﮫ اﻟﻔردي وادﻋﺎﺋﮫ ﺑﺎﻟﺣﻠم اﻟﺟﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬ﺑﯾن رﻏﺑﺗﮫ وواﻗﻌﮫ‪ ،‬ﺑﯾن ﻏﺎﯾﺎﺗﮫ‬
‫ووﺳﺎﺋﻠﮫ‪ .‬وھذا اﻟﺗﻧﺎﻗض ﻻﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﺗراﺟﯾدي أو ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌذب ﻛﻣﺎ أوﺣﻰ إﻟﯾﻧﺎ‬
‫اﻟراوي‪ .‬وإﻧﻣﺎ ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﻛوﻣﯾدي ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﻋذاﺑﺎﺗﮫ‪ .‬ﺑل إن ھذه اﻟﻌذاﺑﺎت‬
‫ذات طﺑﯾﻌﺔ ﻛوﻣﯾدﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎم اﻷول ‪ .‬إذ إن ﺑﻌﺿﮭﺎ ﺻﺎدر ﻣن ﻋﺷﻘﮫ اﻟواھم‬
‫ﻷﻣﯾرﺗﮫ اﻟﺷرﻗﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﮭوى اﻟﻐﻧﺎء‪ ،‬ﺗﮭواه ﻻ ﺗﺣﺗرﻓﮫ‪ .‬واﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أن ھذا اﻟﻔﺗﻰ ﻟم ﯾﻛن‬
‫أﯾﺿﺎ ً ﯾﺣﺗرف اﻟﻐﻧﺎء ـ أو اﻟﺣﻠم اﻟﺟﻣﺎﻋﻲ ـ ﺑل ﻛﺎن ﯾﮭواه ﻓﺣﺳب‪ .‬ﻏﯾر أﻧﮫ ﻟم ﯾﻛن‬
‫ﻣﺳوﻏﺎ ً ﻣﺛل ﻣوﻗف اﻷﻣﯾرة‪ .‬إﻧﮫ ﺷﺧﺻﯾﺔ ﻣوھوﻣﺔ ﻣﻧﻔﻌﻠﺔ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أﻣﯾراً‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﯾﺑدو ﻣوﻗﻔﮫ‬
‫‪- 112 -‬‬
‫وﻟم ﯾﻛن ﻓﺎﻋﻼً ﻓﻲ أي ﺳﻠوك أو ﻣوﻗف ﻗﺎم ﺑﮫ‪ .‬ﺳواء أﻛﺎن ذﻟك ﻣرﺗﺑطﺎ ً ﺑﺎﻟرﻏﯾف ـ‬
‫اﻟﺣرﯾر‪ ،‬أم ﺑﺎﻟطﻔﻠﺔ ـ اﻷﻣﯾرة‪ ،‬أم ﺑدﻣوع اﻟﻔﺎرﯾن ﻣن وﺟﮫ اﻟظﻼم‪ ،‬أم ﺑﻣﺧﺎوﻓﮫ‬
‫وھواﺟﺳﮫ‪ ،‬أم ﺑﺗﺻرﯾﺢ اﻷﻣﯾرة‪ ،‬أم ﺑطرده ﻣن ﻗﺻره ـ اﻟﺣﻠم‪ ،‬ﺣﺗﻰ وﺻل إﻟﻰ‬
‫ﻧﮭﺎﯾﺗﮫ اﻟﻣﺣﺗوﻣﺔ‪:‬‬
‫ﯾﺟﺎھد اﻟﺣﻧﯾن ﯾوﻗﻔﮫ‬
‫ﻛﺎن اﻟﺣﻧﯾن ﯾﺟرﻓﮫ ) ‪(29‬‬
‫وھﻛذا‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻔﺗﻰ ـ اﻟﻧﻣوذج راح ﯾﺗﻧﺎﻣﻰ‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ﺗﻧﺎﻗﺿﺎﺗﮫ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت‬
‫أﺳﺎس اﻟﻣوﻗف اﻟدراﻣﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص‪ .‬وﺗﻛﻣن ذروة ذﻟك اﻟﻣوﻗف ﻓﻲ طرد اﻟﻔﺗﻰ‬
‫ﻣن اﻟﻘﺻر اﻟذي ھو‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ‪ ،‬ﺣﻠﻣﮫ وﻏﺎﯾﺗﮫ‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن ھذا اﻟﻧﻣوذج راح‬
‫ﯾﺗﻛﺎﻣل ذاﺗﯾﺎً‪ ،‬ﻓﻲ ﺳﻣﺎﺗﮫ اﻟﻧوﻋﯾﺔ اﻟﻣﺣددة‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻟﺣظﺔ ﺳﻘوط اﻟﻛوﻣﯾدي‪.‬‬
‫وﻟﻘد ﻛﺎن اﻟراوي ھو اﻟﻣﺗﺣدث اﻷﺳﺎﺳﻲ اﻟذي وﺿّﺢ ﺗﻠك اﻟﺳﻣﺎت‪ ،‬وذﻟك‬
‫اﻟﺳﻘوط‪ .‬أﻣﺎ اﻟراوي‪ ،‬ﻓﮭو اﻟذات اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﺻﻠﺔ ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻧﻣوذج‪ ،‬ﺗﺗﯾﺢ ﻟﮭﺎ أن‬
‫ﺗﻌرض وﺗﺳرد‪ .‬ﺣﯾث إﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧت ﺗﺷﮭد ﺗﻧﺎﻗﺿﺎﺗﮫ وﺗﻧﺎﻣﯾﮫ‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ ﺷﮭدت ﺳﻘوطﮫ‪.‬‬
‫وﻧﻠﺣظ أن اﻟراوي ھو ﻣﺣور اﻟﺳرد اﻟﺷﻌري‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺣﯾن‬
‫ﻛﺎن اﻟﻧﻣوذج ھو ﻣﺣور اﻟﻣوﻗف اﻟدراﻣﻲ‪ ،‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ دوره اﻟﺛﺎﻧوي ﻓﻲ اﻟﻘول‪.‬‬
‫ﯾﻘوم اﻟﻧﻣوذج ﺗﻘوﯾﻣﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً ﻣﺑﺎﺷرا ً‪ ،‬ﻏﯾر أن‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟراوي ﺣﺎول أﻻّ ّ‬
‫أﺳﻠوﺑﮫ ﻓﻲ اﻟﻌرض واﻟﺳرد‪ ،‬وﻓﻲ طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺻور اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻟﻣﺳﺗﺧدﻣﺔ‪ ،‬اﻧطوى ﻋﻠﻰ‬
‫ذﻟك اﻟﺗﻘوﯾم اﻟذي ﯾﻧﮭض ﻣن ﻣﺷﺎﻋر اﻷﺳﻰ واﻟﺣزن أوﻻً ‪:‬‬
‫أﻋرﻓﮭﺎ‪ ،‬وأﻋرﻓﮫ‬
‫ﺗﻠك اﻟﺗﻲ ﻣﺿت وﻟم ﺗﻘل ﻟﮫ اﻟوداع ‪ ..‬ﻟم ﺗﺷﺄ‬
‫وذﻟك اﻟذي ﻋﻠﻰ إﺑﺎﺋﮫ اﺗﻛﺄ‬
‫ﯾﺟﺎھد اﻟﺣﻧﯾن ﯾوﻗﻔﮫ‬
‫ﻛﺎن اﻟﺣﻧﯾن ﯾﺟرﻓﮫ ) ‪(30‬‬
‫أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻷﻣﯾرة اﻟﺗﻲ ﺗﺷ ّﻛل أﺣد ﻣﺣﺎور ھذا اﻟﻧص‪ ،‬ﻓﻠوﻻ وﺟودھﺎ‪،‬‬
‫ﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن اﻟﺣدﯾث ﻋن ﺗﺄزم دراﻣﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻧﻣوذج‪ .‬وﻛﺄن اﻷﻣﯾرة ھﻲ‬
‫اﻟﻌﺎﻣل اﻟدراﻣﻲ اﻟذي ﺟﻌل ﻣن اﻟﻧﻣوذج ﯾﺗﺄزم وﯾﺗﻧﺎﻣﻰ وﯾﺳﻘط‪ .‬ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن‬
‫اﻷﻣﯾرة ھﻲ اﻟﺻوت اﻟذي ﯾﺣﺎوره ﺻوت اﻟﻧﻣوذج ﺑﺷﻛل ﺣوار ﺧﺎرﺟﻲ )دﯾﺎﻟوج(‪،‬‬
‫ﻣﺛﻠﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺣﺎور ﺻوت اﻟﻣﺳﺎء ﺑﺷﻛل ﺣوار داﺧﻠﻲ )ﻣوﻧوﻟوج(‪ .‬إﻻ أن ﺣواره ﻣﻊ‬
‫اﻟﻣﺳﺎء أﻛﺛر ﺷﻌرﯾﺔ ﻣن ﺣواره ﻣﻊ اﻷﻣﯾرة‪ .‬ﺣﯾث ﺑدا ﻧﺛرﯾﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻛﺛﯾر ﻣﻧﮫ‪.‬‬
‫ﺗﻠك ھﻲ اﻷﻧﻣﺎط اﻟﺛﻼﺛﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻣﻛن أن ﺗﺳﺗوﻋب ﺗﻘﻧﯾﺔ اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻣن دون أن ﯾﻌﻧﻲ ذﻟك أن ﻻوﺟود ﻷﻧﻣﺎط أﺧرى‪ ،‬وإن ﺗﻛن أﻗل‬
‫أھﻣﯾﺔ وﺷﯾوﻋﺎ ً ﻓﻲ ذﻟك اﻟﺷﻌر‪.‬‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 113 -‬‬


‫وﻟﻛن ﻻﺑد ﻣن اﻟﻘول‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬إن ھذه اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ ﻻﺗﻔرض ﺣﺟﻣﺎ ً ﻣﺣددا ً‬
‫ﻟﻠﻧص اﻟﺷﻌري‪ .‬ﻓﻘد ﯾﻛون اﻟﻧص ﻣﺟرد ﻣﻘطﻊ ﻗﺻﯾر ﺟداً‪ ،‬وﻗد ﯾﻛون ﻗﺻﯾدة ﻋﺎدﯾﺔ‬
‫اﻟﺣﺟم‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻗد ﯾﺷﻐل دﯾواﻧﺎ ً ﺑﻛﺎﻣﻠﮫ‪ .‬وﻣن اﻟﺑدھﻲ أن ذﻟك ﯾﻌود إﻟﻰ طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻣوﻗف‬
‫اﻟدراﻣﻲ اﻟذي ﯾطرﺣﮫ اﻟﻧص‪ .‬ﻓﻛﻠﻣﺎ اﺗﺳﻊ اﻟﻧص اﺗﺳﻊ ﺑﺎﻟﺿرورة اﻟﻣوﻗف اﻟدراﻣﻲ‪،‬‬
‫واﺗﺳﻌت أﯾﺿﺎ ً ﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻣوذج‪ ،‬وﺗﻌددت ﺟواﻧﺑﮫ‪ ،‬وﺗﻌﻣﻘت ﺳﻣﺎﺗﮫ‪ .‬ﻏﯾر أن ذﻟك ﻟن‬
‫ﯾﺿﯾف ﺷﯾﺋﺎ ً إﻟﻰ ھذه اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ‪ ،‬وإﻧﻣﺎ إﺿﺎﻓﺗﮫ ﺗﺗﻣﺣور ﺣول طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧﻣوذج وﺧﻠﻔﯾّﺗﮫ‪،‬‬
‫وإﺷﻛﺎﻻﺗﮫ وأطروﺣﺎﺗﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ واﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‪ .‬وﻻﺑﺄس ﻣن اﻟﺗﻣﺛﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﻧص ـ‬
‫اﻟﻣﻘطﻊ اﻟذي ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ ھذه اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ ﺑﻧﻣطﮭﺎ اﻟﺛﺎﻟث‪ ،‬ﺣﯾث اﻟراوي ھو اﻟﻣﺗﺣدث‬
‫اﻷﺳﺎﺳﻲ‪.‬‬
‫ﯾﻘول ﻓﺎﯾز ﺧﺿور‪،‬ﺗﺣت ﻋﻧوان "اﻏﺗﯾﺎل")‪:(31‬‬
‫ﻋﻧدﻣﺎ ودّع أھﻠﮫ‬
‫وﻟﻔﯾف اﻟرﻓﻘﺎء‬
‫ﻛﺎن ﻓﻲ ﯾﻣﻧﺎه ورده‬
‫اﻟرﻣﺎدي رﻓﯾف ﻻﺑﺗﺳﺎﻣﮫ‬
‫ّ‬ ‫وﻋﻠﻰ اﻟﺛﻐر‬
‫ﺣذرا ً ﻛﺎن‪ ،‬وﻟم ﺗﺳﻌﻔﮫ ﻧﺄﻣﮫ‬
‫ﺧوف ﺧوف اﻟﺻﺑﺢ ﻣن ﻏدر اﻟﻣﺳﺎء‪...‬‬
‫ﻗﺎل‪ :‬ﺑﻌد اﻟﻔﺟر آﺗﯾﻛم‬
‫طراﺣﺔ اﻟﺻوف ﻷﺟﻠﻲ‬ ‫ﻓﯾﺎ أﻣﻲ اﻓرﺷﻲ ّ‬
‫ﻛﺎﻓر ﺑرد اﻟﺷﺗﺎء‪..‬‬
‫‪...‬‬
‫أوﺻد اﻟﺑﺎب ﺑﯾﺳراه وﺷدّه‬
‫ﺷﺎء ﯾﮭﻣﻲ دﻣﻌﺔ اﻟﺷوق‪ ،‬وﻟﻛن ﺧﻧﻘﺗﮭﺎ اﻟﻛﺑرﯾﺎء‬
‫‪...‬‬
‫ﻏﯾر أن اﻟﺷﻣس ﻣﺎواﻓﺗﮫ‪ ..‬ﻗﺑل اﻟﻔﺟر ﺟﺎء‪..‬‬
‫ﻟم ﯾﻛن ﯾﺣﻣل ورده‬
‫ﻛﺎن ﺗﺎﺑوﺗﺎً‪ ،‬وﺣﻣﺎﻟﯾن ﻣﺑﺗﻠﯾن دﻣﻌﺎ ً ودﻣﺎء‬
‫واﻟرﺻﺎﺻﺎت ﻋﻼﻣﮫ‬
‫إن دراﻣﯾﺔ ھذا اﻟﻧص ﺗﻧﮭض أﺳﺎﺳﺎ ً ﻣن اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ ﺑﯾن ﻣﺎﻛﺎن ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻧﻣوذج‪،‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﺑداﯾﺔ‪ ،‬وﺑﯾن ﻣﺎﺻﺎر إﻟﯾﮫ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧﮭﺎﯾﺔ‪ .‬ﻓﻣن اﻟﻧﺑض ﺑﺎﻟﺣﯾوﯾﺔ واﻹﺷراق‪ ،‬إﻟﻰ‬
‫اﻟﻧﺑض ﺑﺎﻟدم واﻟﻣوت‪ .‬ﻏﯾر أن ھذه اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻟم ﺗﺄت ﺑﺷﻛل ﻣﻔﺎﺟﺊ‪ .‬ﺑل ﺟﺎءت ﺑﺷﻛل‬
‫‪- 114 -‬‬
‫ﻣﺗﻧﺎم‪ .‬إذ إن اﻟﻧﻣوذج ﻛﺎن ﯾﺧﺎف اﻟﻐدر‪ ،‬وﯾﺗوﻗﻊ أن ﯾﺣدث ﻓﻲ ﻛل ﻟﺣظﺔ‪ .‬وﻟﻛن‬
‫ﻗﺳوة اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ ﺗﻛﻣن ﻓﻲ أن اﻟﻧﻣوذج ﻗد ودّع أھﻠﮫ ورﻓﻘﺎءه‪ ،‬وھو ﯾﺣﻣل ﺑﯾﻣﻧﺎه وردة‪،‬‬
‫وﻟﻛﻧﮫ ﺣﯾن ﻋﺎد‪ ،‬ﻋﺎد ﻣﺣﻣوﻻً ﻋﻠﻰ ﺗﺎﺑوت أو ﻋﺎد ﺗﺎﺑوﺗﺎً‪.‬‬
‫ﻟن ﻧطﯾل اﻟوﻗوف‪ ،‬ﻋﻧد ھذا اﻟﻧص‪ ،‬إذ إن ﻣﺎﺳﻠف ﻣن ﺣدﯾث ﻋن اﻟﻧﺻوص‬
‫اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ﻗد ﯾﺿﻲء اﻟﻣوﻗف اﻟدراﻣﻲ ﻓﯾﮫ‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﺿﻲء ﻋﻼﻗﺔ اﻟراوي ﺑﺎﻟﻧﻣوذج‪،‬‬
‫وﻧﺗوﻗف أﺧﯾرا ً ﻋﻧد أﺣد اﻟﻧﺻوص اﻟﺗﻲ ﻟم ﺗﻧﺟﺢ ﻓﻲ ﺻوغ ﻧﻣوذج ﻣﻧﺳﺟم ﻓﻧﯾﺎ ً‬
‫وﺟﻣﺎﻟﯾﺎً؛ ﻟﺗﺑﯾﺎن أن ھذه اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ ﻟﯾﺳت ﻣﺟرد ﺟﻣﻊ اﻋﺗﺑﺎطﻲ ﻟﺑﻌض اﻟﺳﻣﺎت‪ .‬ﻓﻼﺑ ّد‬
‫ﻣن وﺟود اﻻﻧﺳﺟﺎم ﻓﻲ ﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻧﻣوذج‪ ،‬وﻓﻲ ﺗﻣﺛﯾﻠﮫ ﻟﻣﺎ ﯾﻧﻣذﺟﮫ‪ .‬واﻟﺣﻖ أن‬
‫اﻻﻧﺳ ﺟﺎم اﻟﻔﻧﻲ ھو أﺣد ﺷروط اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻟﻠﻔن ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬ﻻ ﻟﻠﻧﻣوذج ﻓﺣﺳب‪ .‬ﻋﻠﻰ‬
‫أن ﻻ ﻧﻔﮭم اﻻﻧﺳﺟﺎم ﻓﮭﻣﺎ ً ﺷﻛﻠﯾﺎً‪ .‬ﺑل ﻋﻠﻰ أﻧﮫ اﻟﻣﻧطﻠﻖ اﻟداﺧﻠﻲ اﻟﻣﺗوازن واﻟﻣﺗﻛﺎﻣل‪،‬‬
‫ﻟﻠﻌﻣل اﻟﻔﻧﻲ )‪.(32‬‬
‫أﻣﺎ اﻟﻧص اﻟذي ﺳوف ﻧﺗوﻗف ﻋﻧده‪ ،‬ﻓﮭو ﻗﺻﯾدة "ﻛﻠﻣﺎت ﺳﺑﺎرﺗﻛوس‬
‫اﻷﺧﯾرة" ) ‪ (33‬ﻷﻣل دﻧﻘل‪ .‬ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن دﻧﻘل ﻗد أﻧﺗﺞ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻧﻣﺎذج‬
‫اﻟﻣﻧﺳﺟﻣﺔ اﻟﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ ﻓﻧﯾﺎ ً وﺟﻣﺎﻟﯾﺎً‪ .‬واﻟوﻗوف ﻋﻧد ھذا اﻟﻧص‪ ،‬ﻻﯾﻌﻧﻲ أن دﻧﻘل ﻻﯾﺟﯾد‬
‫ﺗﻘﻧﯾﺔ اﻟﻧﻣذﺟﺔ‪ ،‬ﺑل ﺷﺄﻧﮫ ﺷﺄن ﺷﻌراء اﻟﺣداﺛﺔ اﻟذﯾن أﺧﻔﻘوا ﺣﯾﻧﺎً‪ ،‬وﻧﺟﺣوا ﺣﯾﻧﺎً‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫ھذه اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ‪.‬‬
‫ﯾظﮭر ﺳﺑﺎرﺗﻛوس ﻓﻲ اﻟﻣﻘطﻊ اﻷول ﻣن اﻟﻧص‪ ،‬ﻣﺛﻼً أﻋﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﺑطوﻟﯾﺔ‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻋﯾﺔ‪ .‬ﺣﯾث ﯾﻌﻠن اﻟرﻓض اﻟﻣطﻠﻖ‪ ،‬ﻟﻛ ّل أﺷﻛﺎل اﻻﺳﺗﻼب واﻟﻘﻣﻊ واﻟﯾﺄس‬
‫واﻟﻌﺑﺛﯾﺔ‪ .‬ﻓﯾﻘول‪:‬‬
‫اﻟﻣﺟد ﻟﻠﺷﯾطﺎن‪ ...‬ﻣﻌﺑود اﻟرﯾﺎح‬
‫ﻣن ﻗﺎل "ﻻ" ﻓﻲ وﺟﮫ ﻣن ﻗﺎﻟوا "ﻧﻌم"‬
‫ﻣن ﻋﻠّم اﻹﻧﺳﺎن ﺗﻣزﯾﻖ اﻟﻌدم‬
‫ﻣن ﻗﺎل "ﻻ" ﻓﻠم ﯾﻣت‬
‫وظ ّل روﺣﺎ ً أﺑدﯾﺔ اﻷﻟم) ‪(34‬‬
‫ﺗﻠك ھﻲ ﻛﻠﻣﺎت ﺳﺑﺎرﺗﻛوس اﻷوﻟﻰ‪ ،‬أﻣﺎ ﻛﻠﻣﺎﺗﮫ اﻷﺧﯾرة‪ ،‬ﻓﮭﻲ‪:‬‬
‫ﯾﺎأﺧوﺗﻲ‪ :‬ﻗرطﺎﺟﺔ اﻟﻌذراء ﺗﺣﺗرق‬
‫ﻓﻘﺑّﻠوا زوﺟﺎﺗﻛم‬
‫إﻧﻲ ﺗرﻛت زوﺟﺗﻲ ﺑﻼوداع‬
‫وإن رأﯾﺗم طﻔﻠﻲ اﻟذي ﺗرﻛﺗﮫ ﻋﻠﻰ ذراﻋﮭﺎ‪ ..‬ﺑﻼ ذراع‬
‫ﻓﻌﻠّﻣوه اﻻﻧﺣﻧﺎء‪،‬‬
‫ﻋ ّﻠﻣوه اﻻﻧﺣﻧﺎء‪ ،‬ﻋ ّﻠﻣوه اﻻﻧﺣﻧﺎء )‪.(35‬‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 115 -‬‬


‫ﺗﺣوﻻً‪ ،‬ﻓﻲ ﺳﺑﺎرﺗﻛوس‪ ،‬ﻣن اﻟﺑطوﻟﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ‪ .‬ﻏﯾر‬‫ﻗد ﯾﺑدو أن ﺛﻣﺔ ّ‬
‫أن اﻷﻣر ﻟﯾس ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﺣو‪ .‬ﻓﺎﻟﺑطوﻟﻲ ﻻﯾﺗﺣول ﺑﺳﻘوطﮫ اﻟﺗراﺟﯾدي‪ ،‬إﻟﻰ‬
‫ﺷﺧﺻﯾﺔ ﺿﺋﯾﻠﺔ ﺗﺎﻓﮭﺔ وإﻧﻣﺎ ﯾﺗﺣول إﻟﻰ ﺑطل ﺗراﺟﯾدي‪ ،‬ﻧﺗﻌﺎطف ﻣﻌﮫ‪ ،‬وﻧﺷﻔﻖ ﻋﻠﯾﮫ‬
‫ﻣن اﻟﺳﻘوط؛ ﻷﻧﮫ ﯾدﻋوﻧﺎ إﻟﻰ ﺗﺟﺎوز ﻣﺎوﻗﻊ ﻓﯾﮫ ﻣن ﺧطﯾﺋﺔ ﺳﺑّﺑت ﻟﮫ اﻟﺳﻘوط؛ وﻷﻧﻧﺎ‬
‫أﯾﺿﺎ ً ﻧﻔﺗﻘد ﺑﺳﻘوطﮫ ﻣﺎھو ﻗﯾّم اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺎً‪ .‬أﻣﺎ ﺳﺑﺎرﺗﻛوس ـ اﻟﻧﻣوذج ﻓﮭو ﺑطوﻟﻲ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺑداﯾﺔ‪ ،‬ﻗﺑﯾﺢ ﺗﺎﻓﮫ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧﮭﺎﯾﺔ‪ .‬وھو اﻟذي ﻟم ﯾﺣن ﺟﺑﮭﺗﮫ ﺣﯾﺎً‪ ،‬ﯾطﺎﻟب ﺑﺷﯾوع‬
‫اﻻﻧﺣﻧﺎء‪ ،‬وﯾﻔﻠﺳﻔﮫ إﯾﺟﺎﺑﯾﺎً‪ ،‬ﺣﯾن وﺻل إﻟﻰ اﻟﻣﺷﻧﻘﺔ‪.‬‬
‫إن دﻧﻘل ﻟم ﯾﺗﺧذ ﻣوﻗﻔﺎ ً ﻣﺣددا ً ﻣن ﻧﻣوذﺟﮫ‪ ،‬وﻟﮭذا‪ ،‬ﻓﻘد وﻗﻊ ﻧﻣوذﺟﮫ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺗﻧﺎﻗض اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ واﻟﺑﻧﺎﺋﻲ واﻹﯾﺣﺎﺋﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ‪ .‬وﻣﺎﯾوﺿّﺢ ذﻟك ھو اﻟﺑﻧﯾﺔ‬
‫اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻟﻠﻧص‪ ،‬اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺄﻟف ﻣن أرﺑﻌﺔ ﻣﻘﺎطﻊ ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ﺷﻌورﯾﺎً‪ ،‬ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ‪ ،‬ﺗﻣﺎم‬
‫اﻻﺳﺗﻘﻼل‪ .‬ﻓﻔﻲ اﻟﻣﻘطﻊ اﻷول ﻧﺟد اﻟﻧﻣوذج ﺑطوﻟﯾﺎً‪ ،‬ﯾﻌﻠن رﻓﺿﮫ ﻟﻠﻘﺑﺢ واﻟﺗﻔﺎھﺔ‪.‬‬
‫وﻓﻲ اﻟﻣﻘطﻊ اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻧﺟده ﯾطرح رؤﯾﺎه اﻟﺗﻲ ﺗؤﻛد اﺳﺗﻔﺣﺎل اﻟﻘﺑﺢ ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪ ،‬وأن‬
‫ﻣر" ﻓﺈن‬‫اﻟﻧﺎس ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻣﻌﻠّﻘون "ﻋﻠﻰ ﻣﺷﺎﻧﻖ اﻟﻘﯾﺻر") ‪ .(36‬وﺑﻣﺎ أن "اﻻﻧﺣﻧﺎء ﱞ‬
‫اﻟﻧﻣوذج ﯾدﻋو اﻟﻧﺎس إﻟﻰ أن ﯾرﻓﻌوا رؤوﺳﮭم ﻋﺎﻟﯾﺎً‪ .‬وﺑﻌد ذﻟك ﻣﺑﺎﺷرة ـ أي اﻟﻣﻘطﻊ‬
‫اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻧﻔﺳﮫ ـ ﻧﺗﻔﺎﺟﺄ ﺑﺎﻟﻧﻣوذج اﻟﺑطوﻟﻲ وھو ﯾﻘول‪:‬‬
‫ﻓﺎﻻﻧﺣﻧﺎء ﻣ ﱞر‬
‫واﻟﻌﻧﻛﺑوت ﻓوق أﻋﻧﺎق اﻟرﺟﺎل ﯾﻧﺳﺞ اﻟردى‬
‫ﻓﻘﺑّﻠوا زوﺟﺎﺗﻛم‪ ..‬إﻧﻲ ﺗرﻛت زوﺟﺗﻲ ﺑﻼوداع‬
‫وإن رأﯾﺗم طﻔﻠﻲ اﻟذي ﺗرﻛﺗﮫ ﻋﻠﻰ ذراﻋﮭﺎ ﺑﻼذراع‬
‫ﻓﻌ ّﻠﻣوه اﻻﻧﺣﻧﺎء‬
‫ﻋﻠّﻣوه اﻻﻧﺣﻧﺎء )‪.(37‬‬
‫إن ھذا اﻻﻧﺗﻘﺎل اﻟﻣﻔﺎﺟﺊ‪ ،‬ﻣن اﻟرﻓض اﻟﻣطﻠﻖ ﻟﻼﻧﺣﻧﺎء‪ ،‬إﻟﻰ اﻟدﻋوة إﻟﻰ‬
‫ﻣﺎﯾﺳوﻏﮫ ﺷﻌورﯾﺎ ً وﻓﻧﯾﺎ ً‪ .‬ﻓﻛﯾف‬
‫ّ‬ ‫اﻻﻧﺻﯾﺎع ﻟﮫ‪ ،‬ھرﺑﺎ ً ﻣن اﻟﻣوت‪ ،‬ﻻﯾﺟد‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧص‪،‬‬
‫إذا ﻛﺎن اﻟذي ﯾدﻋو إﻟﻰ اﻻﻧﺣﻧﺎء ھو اﻟﺑطوﻟﻲ ﺳﺑﺎرﺗﻛوس اﻟذي ﻟم ﯾﺣن ﺟﺑﮭﺗﮫ‪ ،‬وھو‬
‫ﻲ؟‬
‫ﺣ ّ‬
‫وﯾﺟﻲء اﻟﻣﻘطﻊ اﻟﺛﺎﻟث‪ ،‬ﻟﻧﺟد ﻓﯾﮫ ﺳﺑﺎرﺗﻛوس ﯾﻘدّم آﯾﺎت اﻟﺧﺿوع‬
‫واﻻﻋﺗذار‪ ،‬إﻟﻰ ﺳﯾده اﻟﻌظﯾم‪:‬‬
‫ﯾﺎﻗﯾﺻر اﻟﻌظﯾم‪ :‬ﻗد أﺧطﺄت ‪ ...‬إﻧﻲ أﻋﺗرف‬
‫دﻋﻧﻲ ـ ﻋﻠﻰ ﻣﺷﻧﻘﺗﻲ ـ أﻟﺛم ﯾدك )‪.(38‬‬
‫ﺛم ﯾرﺟوه أن ﯾرﺣم اﻟﺷﺟر واﻟﺟذوع ﻣن اﻟﻘطﻊ واﻟﺑﺗر‪ ،‬ﺑﻣﺎ أﻧﮫ ﯾﺳﻌﻰ إﻟﻰ‬
‫ﺷﻧﻖ اﻟﺟﻣﯾﻊ‪ .‬أي ﻟﻘد ﺗﺎب اﻟﺑطوﻟﻲ ﻋن ﺑطوﻟﯾﺗﮫ‪ ،‬وﺑﺎت واﺣدا ً ﻣن اﻟداﻋﯾن إﻟﻰ‬

‫‪- 116 -‬‬


‫ﺷﯾوع اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻘﻣﻌﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻔرزھﺎ اﻟﻘﯾﺻر‪ .‬وھﻲ اﻻﻧﺣﻧﺎء‪ ،‬وإن ﯾﻛن ﺑﺷﻛل ﺳﺎﺧر‬
‫ﻣر ﺑﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎً‪.‬‬
‫وﺗﻠك ھﻲ اﻟﺣﺎل‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻣﻘطﻊ اﻟراﺑﻊ اﻟذي ﱠ‬
‫إن ھذه اﻟﺗﻧﺎﻗﺿﺎت اﻟﺗﻲ اﺗﺻف ﺑﮭﺎ اﻟﻧﻣوذج ﻗد أﻓﻘدﺗﮫ اﻻﯾﺣﺎء اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‬
‫اﻟﻣﻧﺳﺟم‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ أﻓﻘدﺗﮫ اﻟوﺣدة اﻟﻌﺿوﯾﺔ‪ .‬وﻣن ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﻻﯾﻧﻣذج ﺷﯾﺋﺎً‪ ،‬ﻷﻧﮫ ﻟﯾس‬
‫ﺳوى أﻣﺷﺎج ﺳﻣﺎت وﻣواﻗف ﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ وﻣﺗﺑﺎﯾﻧﺔ‪.‬‬
‫وﻧﻌﺗﻘد أن دﻧﻘل ﻗد ﺳﻌﻰ إﻟﻰ أن ﯾﺻور ﺷﺧﺻﯾﺔ ﺗراﺟﯾدﯾﺔ‪ ،‬ﻣن ﺣﯾث‬
‫اﻷﺳﺎس؛ وﻟﻛﻧﮫ ﻟم ﯾﻧﺟﺢ ﻓﻲ ذﻟك‪ ،‬ﺣﯾن ﺟﻌل ﻧﻣوذﺟﮫ ﯾﻧﻘﻠب رأﺳﺎ ً ﻋﻠﻰ ﻋﻘب‪،‬‬
‫ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً وأﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎً‪ ،‬ﻣن دون ﺗﺳوﯾﻎ ھذا اﻻﻧﻘﻼب ﻓﻧﯾﺎً‪.‬‬
‫وﯾﺑﻘﻰ أن ﻧﻘول إن اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻗد أﺳﮭم إﺳﮭﺎﻣﺎ ً ﻓﻌﺎﻻً‬
‫ﻓﻲ ﺗوﻛﯾد ﺳﻣﺔ اﻟدراﻣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ أﺳﮭم ﻓﻲ ﺗوﺳﯾﻊ داﺋرة‬
‫اﻟﻣﺳﺎﺣﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﺎﻟﺟﮭﺎ اﻟﺷﺎﻋر‪ ،‬وﻓﻲ اﻟﻣﯾل إﻟﻰ اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ ﻓﻲ ﻓﮭم‬
‫اﻟﻌﺎﻟم ﺷﻌرﯾﺎً‪ .‬وھو ﻣﺎﻟم ﯾﻛن ﻣوﺟوداً‪ ،‬ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﺣو‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ‬
‫اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ واﻟﺗﻘﻠﯾدي اﻟﻣﻌﺎﺻر‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 117 -‬‬


‫اﻟــﮭﻮاﻣــــﺶ‪:‬‬
‫‪1‬ـ اﻟﯿﻮﺳﻒ‪ ،‬ﯾﻮﺳﻒ ﺳﺎﻣﻲ‪ :‬اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪ .‬اﺗﺤﺎد اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮب‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪ .1980 ،‬ص‪:‬‬
‫‪ 101‬ـ ‪122‬‬
‫‪ 2‬ـ ﺧﺮاﺑﺘﺸﯿﻨﻜﻮ‪ :‬اﻹﺑﺪاع اﻟﻔﻨﻲ واﻟﻮاﻗﻊ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ‪ .‬ﺗﺮ‪ :‬ﺷﻮﻛﺖ ﯾﻮﺳﻒ‪ .‬وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪،‬‬
‫‪ . 1983‬را‪ :‬ص‪.305 :‬‬
‫‪ 3‬ـ ﻻﻧﻐﯿﻮم‪ ،‬روﺑﺮت‪ :‬ﺷﻌﺮ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ‪ .‬ﺗﺮ‪ :‬ﻋﻠﻲ ﻛﻨﻌﺎن وﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﯾﻢ ﻧﺎﺻﯿﻒ‪ .‬وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪،‬‬
‫‪ . 1983‬ص‪.79 :‬‬
‫‪4‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.62 :‬‬
‫‪ 5‬ـ راﺟﻊ ﻓﻲ ذﻟﻚ‪ :‬ﻋﺒﺎس‪ .‬د‪ .‬إﺣﺴﺎن‪ :‬اﺗﺠﺎھﺎت اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪ .‬ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ‪،‬‬
‫اﻟﻌﺪد‪ ،2:‬اﻟﻜﻮﯾﺖ ‪ .1978‬ص‪ 154 :‬ـ ‪.155‬‬
‫‪6‬ـ أدوﻧﯿﺲ‪ :‬اﻵﺛﺎراﻟﻜﺎﻣﻠﺔ‪ ،‬م‪ .2:‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ .1971 ،‬ص‪ 27 :‬ـ ‪.42‬‬
‫‪ 7‬ـ ھﺬا ﻣﺎﯾﻨﮭﺾ ﺑﮫ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻛﺘﺎب ﻣﺤﻲ اﻟﺪﯾﻦ ﺻﺒﺤﻲ‪ :‬اﻟﺮؤﯾﺎ ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻟﺒﯿﺎﺗﻲ‪ .‬اﺗﺤﺎد‬
‫اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮب‪ ،‬دﻣﺸﻖ ‪.1986‬‬
‫‪8‬ـ أدوﻧﯿﺲ‪ ،‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.40:‬‬
‫‪9‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.27:‬‬
‫‪ 10‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪ 27 :‬ـ ‪.28‬‬
‫‪ 11‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.35:‬‬
‫‪ 12‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬را‪ :‬ص‪.33:‬‬
‫‪ 13‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.41:‬‬
‫‪ 14‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.40:‬‬
‫‪ 15‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.42:‬‬
‫‪ 16‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.29 :‬‬
‫‪ 17‬ـ ﯾﻮﺳﻒ‪ ،‬ﺳﻌﺪي‪ :‬اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ )‪ 1952‬ـ ‪ .(1977‬دار اﻟﻔﺎراﺑﻲ‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ .1979 ،‬ص‪:‬‬
‫‪.100‬‬
‫‪ 18‬ـ ﻋﻤﺮان‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ‪ :‬أﻏﺎن ﻋﻠﻰ ﺟﺪار ﺟﻠﯿﺪي‪ .‬وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪ .1968 ،‬ص‪ 69:‬ـ ‪.81‬‬
‫‪ 19‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪ 72 :‬ـ‪.73‬‬
‫‪ 20‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.71 :‬‬
‫‪ 21‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.69:‬‬
‫‪ 22‬ـ ﺣﺠﺎزي‪ ،‬أﺣﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻌﻄﻲ‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ .‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ . 1973 ،‬ص‪ 134 :‬ـ ‪.142‬‬
‫‪23‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.134 :‬‬
‫‪ 24‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.136 :‬‬
‫‪ 25‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.141 :‬‬
‫‪ 26‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪ 137:‬ـ ‪.138‬‬
‫‪ 27‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.140 :‬‬
‫‪ 28‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.135 :‬‬
‫‪ 29‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.142:‬‬

‫‪- 118 -‬‬


‫‪ 30‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪ 141 :‬ـ ‪.142‬‬
‫‪ 31‬ـ ﺧﻀﻮر‪ ،‬ﻓﺎﯾﺰ‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ ،‬م‪ .1 :‬دار اﻷدھﻢ‪ ،‬ط‪ .1 :‬د‪/‬ﺗﺎ‪ .‬ص‪.394 :‬‬
‫‪ 32‬ـ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﺳﺎﺗﺬة اﻟﺴﻮﻓﯿﯿﺖ‪ :‬أﺳﺲ ﻋﻠﻢ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻤﺎرﻛﺴﻲ ـ اﻟﻠﯿﻨﯿﻨﻲ‪ ،‬ﺟـ ‪ .2‬ﺗﺮ‪ :‬د‪ .‬ﻓﺆاد‬
‫اﻟﻤﺮﻋﻲ‪ .‬دار اﻟﺠﻤﺎھﯿﺮ ودار اﻟﻔﺎراﺑﻲ‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ ،‬ط‪ .1978 ،2:‬را‪ :‬ص‪.64 :‬‬
‫‪ 33‬ـ دﻧﻘﻞ‪ ،‬أﻣﻞ‪ :‬اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ‪ .‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ ،‬ط‪ .1985 .2 :‬ص‪ 110 :‬ـ‬
‫‪.116‬‬
‫‪ 34‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.100:‬‬
‫‪ 35‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪ 115 :‬ـ ‪.116‬‬
‫‪ 36‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪111 :‬‬
‫‪ 37‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪111 :‬ـ ‪.112‬‬
‫‪ 38‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.112 :‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 119 -‬‬


‫اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ‬

‫اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺸﻌﺮي واﻷﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ‬

‫* ﺗـﺄﺳــﯿــﺲ ﻧـﻈـﺮي‪:‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ﻟﻸﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ)*(‪ .‬ﻧﺳﻘﺎ ً ﻣﺧﺗﻠﻔﺎ ً ﻋن اﻟﺷﻌر‪ ،‬واﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ‪،‬‬
‫إﻻ أن ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ﻣن اﻻرﺗﺑﺎط ﻣﺎ ﻻ ﯾﻣﻛن إﻏﻔﺎﻟﮫ أو ﺗﺟﺎوزه‪ .‬وﻻﯾﻧﮭض ذﻟك ﻣن أن‬
‫اﻟﺷﻌر ﻣوﻗف ﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣن اﻟواﻗﻊ ﻓﺣﺳب‪ .‬ﺑل ﯾﻧﮭض أﯾﺿﺎ ً ﻣن أﻧﮫ ﺧطﺎب‬
‫‪ DISCOURSE‬ﯾﺗوﺳط ﺑﯾن اﻟﻣرﺳل واﻟﻣﺗﻠﻘﻲ اﻟﻠذﯾن ﻟﻛل ﻣﻧﮭﻣﺎ ﻣوﻗﻌﮫ وﻣﻧظوره‪.‬‬
‫ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟﺷﻌر ﺑوﺻﻔﮫ ﻣوﻗﻔﺎ ً وﺧطﺎﺑﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﯾن‪ ،‬ﯾﻧطوي ﺑﺎﻟﺿرورة ﻋﻠﻰ ﺧطﺎب‬
‫أﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻣﺎ‪ .‬وﻣن ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺷﻌر ﯾﺗﺣدد أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎً‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﺗﺣدد ﻟﻐوﯾﺎ ً وذاﺗﯾﺎ ً‬
‫)‪ .( 1‬ﻏﯾر أن ﺗﺣدﯾده اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻻﯾؤدي ﺑﮫ إﻟﻰ أن ﯾﺗﺣول إﻟﻰ أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‪ .‬وإذا‬
‫ﻣﺎﺣﺻل ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻧﺗﻔﺎء اﻟﺷﻌري‪ POETIC‬ﻋن اﻟﻧص اﻟذي ﻣن اﻟﻣﻔﺗرض أن ﯾﻛون‬
‫ﺷﻌرﯾﺎً‪ ،‬ﯾﻐدو أﻣرا ً ﻣﺣﺗوﻣﺎ ً أو ﺷﺑﮫ ﻣﺣﺗوم‪.‬‬
‫وﻟﻌﻠﻧﺎ ﻻﻧﺑﺎﻟﻎ إذا ﻣﺎذھﺑﻧﺎ إﻟﻰ أن اﻟﻧﺛرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر ھﻲ ﺣﺻﺎن طروادة اﻟذي‬
‫ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﺗﺳﺗﺧدﻣﮫ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻟﺗﮭﺎ اﻟﮭﯾﻣﻧﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻌر‪ ،‬ﻣن أﺟل ﺗوظﯾﻔﮫ‬
‫ﻓﻲ ﺻراﻋﮭﺎ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻏﯾر أﻧﮭﺎ إذ ﺗﻔﻌل ذﻟك‪ ،‬ﺗﺟﻌل ﻣن طروادة أﺛراً ﺑﻌد ﻋﯾن‪.‬‬
‫إﻧﻧﺎ ﻧرﯾد أن ﻧؤﻛد‪ ،‬ﻣن وراء ھذا‪ ،‬أن ﺗﺣوﯾل اﻟﺷﻌر إﻟﻰ أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻟن ﯾﻘود‬
‫إﻻ إﻟﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﺷﻌر وإﺛﺑﺎت اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‪ .‬وﻣﻊ ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﻟﻠﺧطﺎب اﻟﺷﻌري ﺑﻌدا ً‬
‫أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ً ﯾﺗﺑدى ﻋﻠﻰ ﻋدة ﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻣن اﻟﻧص‪ ،‬وﻋﻠﻰ ﻋدة ﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻣن اﻟﺗﻠﻘﻲ‪.‬‬
‫وإذا ﻛﺎن ﻣن اﻟﺻﻌوﺑﺔ ﺑﻣﻛﺎن أن ﻧدرس ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﺗﻠﻘﻲ‪ ،‬ﻻرﺗﺑﺎطﮭﺎ ﺑﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﻘراءة‬
‫ذات اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻔردﯾﺔ‪ .‬وإن ﯾﻛن ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن ﺗﺻﻧﯾﻔﮭﺎ ﺑﺄﻧﻣﺎط اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫دراﺳﺔ ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﻧص أﻣر أﻛﺛر ﺗﯾﺳّراً‪ ،‬ﻻرﺗﺑﺎطﮭﺎ ﺑﺎﻟﻧص ﻻﺑﺎﻟﻣﺗﻠﻘﻲ‪ .‬وﻟﻛن ﻗﺑل‬

‫*‪ -‬ﺗﻨﺒﻐﻲ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أﻧﻨﺎ ﻧﻌﻨﻲ ﺑﺎﻷﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ‪ ،‬ھﻨﺎ‪ ،‬ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﻨ ّﻈﻢ ﻣﺨﺘﻠﻒ‬
‫اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ واﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪّد طﺒﯿﻌﺔ اﻟﺴﻠﻮك واﻟﺘﻮﺟّﮫ اﻟﻔﺮدﯾﯿﻦ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﯿﻦ‪ .‬وﺑﮭﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ‬
‫ﻓﺈن اﻟﻔﻦ واﻟﻌﻠﻢ ﻻﯾﻨﻄﻮﯾﺎن ﺗﺤﺖ اﻷﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ‪ .‬ﻏﯿﺮ أن ﻛﻼً ﻣﻨﮭﻤﺎ ﯾﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪاﻣﮫ أﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺎ ً‪.‬‬
‫ﺳﻌﮭﺎ ﻟﺘﺸﻤﻞ ﻛﻞ‬ ‫ﻧﻘﻮل ذﻟﻚ ﻷن ﺛﻤﺔ ﻣﻦ ﯾﺨﺼّﺺ اﻷﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ ﺑﻤﺎ ھﻮ ﺳﯿﺎﺳﻲ‪ ،‬وﺛﻤﺔ ﻣﻦ ﯾﻮ ّ‬
‫أﺷﻜﺎل اﻟﻮﻋﻲ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪.‬‬
‫‪- 120 -‬‬
‫اﻟﺷروع ﺑﮭذه اﻟدراﺳﺔ‪ ،‬ﻻﺑد ﻣن اﻟوﻗوف ﻋﻧد طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬واﻟﺷﻛل اﻟذي‬
‫ﺗﺗﺧذه ﻓﻲ اﻟﺷﻌر‪ ،‬ﻟﻣﺎ ﻟذﻟك ﻣن أھﻣﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﺑﯾﺎن ﻧﻣط اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﺧطﺎب اﻟﺷﻌري‬
‫واﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‪.‬‬
‫ﺗﺗﺻف اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺑﺛﻼث ﺻﻔﺎت أﺳﺎﺳﯾﺔ وھﻲ اﻟﺣﺳﯾﺔ‬
‫واﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ واﻟﻼﻧﻔﻌﯾﺔ ﺣﯾث إﻧﮭﺎ ﺗﺷﻛل ﻗوام اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟذات واﻟﻣوﺿوع اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪.‬‬
‫أﻣﺎ اﻟﺣﺳﯾﺔ ﻓﺗﺣ ﯾل ﻋﻠﻰ أن ﻛل ﻣﺎھو ﻣﺣﺳوس ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﻣﺎدة ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ‪،‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﺗﺣﯾل ﻋﻠﻰ أن اﻟﻣﻌﻧوي أو اﻟﻣﺟرد ﻏﯾر ﻗﺎﺑل ﻷن ﯾﻛون ﻣﺎدة ﻟﮭﺎ‪ ،‬ﻣن ﺣﯾث‬
‫اﻟﻣﺑدأ‪ .‬أو ﻛﻣﺎ ﯾﻘول ﺗﺷﯾرﻧﯾﺷﻔﺳﻛﻲ "ﻏﯾر اﻟﻣﺣﺳوس ﻏﯾر ﻣوﺟود ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ‬
‫اﻹﺣﺳﺎس ﺑﺎﻟﺟﻣﺎل")‪ .(2‬إذ إن ھذه اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﺗﺗﻧﺎول اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬وﻻﺗﺗﻧﺎول‬
‫اﻷﻓﻛﺎر واﻟﻣﻌﺎﻧﻲ واﻟﻣﻔﺎھﯾم‪ .‬وﻟﻛن ھذا ﻻﯾؤدي إﻟﻰ أن ﻏﯾﺎب اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت ﯾﻐﯾّب‬
‫ﺑﺎﻟﺿرورة ھذه اﻟﺗﺟرﺑﺔ‪ .‬ﻓﻘد ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺻور أو اﻻﺳﺗﺣﺿﺎر اﻟذھﻧﻲ‪ ،‬وﻻﺳﯾﻣﺎ‬
‫ﻓﻲ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻹﺑداع‪ .‬ﺣﯾث ﻧﻠﺣظ ﻏﯾﺎب اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت وﺣﺿور آﺛﺎرھﺎ وﺗﺣرﯾﺿﺎﺗﮭﺎ‬
‫ﻛوﻧﮫ اﻟﻣﺑدع ﻣن ﺗﺟﺎرﺑﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ـ اﻟﺣﯾﺎﺗﯾﺔ اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ‪ .‬وﻛﺄن ﻋﻣﻠﯾﺔ‬‫وﺗﻘوﯾﻣﺎﺗﮭﺎ‪ ،‬ﻣﻣﺎ ّ‬
‫اﻹﺑداع ﺗﺄﺗﻲ ﺗﺗوﯾﺟﺎ ً ﻟﻣﺟﻣل اﻟﺗﺟﺎرب اﻟﺗﻲ اﺧﺗزﻧﺗﮭﺎ اﻟذات اﻟﻣﺑدﻋﺔ‪ .‬أﻣﺎ ﻣﺎﯾﺑدو ﻋﻠﻰ‬
‫ھذه اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻣن أﻧﮫ ﺗﺟرﺑﺔ ذاﺗﯾﺔ روﺣﯾﺔ داﺧﻠﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻠﯾس ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺗﮫ ﺳوى ﻣﻌﺎﯾﺷﺔ‬
‫اﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ ﻟﻣﺎ ﺗ ّم اﺧﺗزاﻧﮫ ﻣن ﺗﺣرﯾﺿﺎت ﺣﺳﯾﺔ وﺗﻘوﯾﻣﺎت ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣن ﻗﺑل‪ .‬وﺑﮭذا‬
‫اﻟﻣﻌﻧﻰ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻣﺣﺳوس‪ ،‬ﺣﺎﺿرا ً ﻛﺎن أو ﻏﺎﺋﺑﺎً‪ ،‬ھو ﻣﺎدة اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻹﺑداﻋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ‬
‫أرﻗﻰ أﺷﻛﺎل اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬وذﻟك أﻧﮭﺎ ﺗﺟرﺑﺔ ﻣﻧﺗﺟﺔ‪ ،‬ﻻﻣﺳﺗﮭﻠﻛﺔ ﻓﻘط‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﺻﻔﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺗﺣﯾل ﻋﻠﻰ أن ھذه اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﺗﻧﮭض أﺳﺎﺳﺎ ً ﻣﻣﺎ ھو‬
‫ﺗﺄﺛري ﻋﺎطﻔﻲ‪ ،‬ﻻﻣﻣﺎ ھو ذھﻧﻲ ﻣﻧطﻘﻲ‪ .‬أي أن اﻟذات‪ ،‬ﻓﻲ ھذه اﻟﺗﺟرﺑﺔ‪ ،‬ﺗﺗﺄﺛر‬
‫وﺗﻧﻔﻌل وﺗﺗﻔﺎﻋل‪ ،‬وﻻﺗﺗﻠﻘﻰ ﻣوﺿوﻋﮭﺎ ﻣن ﻣﻧظور اﻟﻣﺣﺎﻛﻣﺔ اﻟﻣﻧطﻘﯾﺔ أو اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ أو‬
‫اﻷﺧﻼﻗﯾﺔأو اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‪ .‬ﻏﯾر أن اﻧﻔﻌﺎﻟﮭﺎ أو ﺗﻔﺎﻋﻠﮭﺎ ﻻﯾﺗﻧﺎﻗض ﻣﻊ ﺗﻠك اﻟﻣﺣﺎﻛﻣﺎت‬
‫ﺑﺎﻟﺿرورة‪ .‬ﺑل إﻧﮫ ﻗد ﯾﺗﻘﺎطﻊ ﻣﻊ ﺑﻌﺿﮭﺎ‪ ،‬وذﻟك ﺑﺣﺳب اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠذات ذھﻧﯾﺎ ً‬
‫وﻧﻔﺳﯾﺎ ً وروﺣﯾﺎً‪ .‬إن ﺻﻔﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ إذ ﺗﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟﻣوﺿوع‪ ،‬ﺗﺣﯾل أﯾﺿﺎ ً‬
‫ﻋﻠﻰ ﺑروز ﻣﺎھو ﻧﻔﺳﻲ ﻓﻲ اﻟذات‪ .‬ﻓﻼﻧﺳﺗطﯾﻊ وھذه اﻟﺣﺎل أن ﻧﺣدّد درﺟﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎل‬
‫اﻟذي ﺗواﺟﮫ ﺑﮫ اﻟذات ﻣوﺿوﻋﮭﺎ‪ .‬ﻏﯾر أﻧﻧﺎ ﻧﺳﺗطﯾﻊ أن ﻧؤﻛد أن اﻻﻧﻔﻌﺎل اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‬
‫ﻣﻣﺗﻠﺊ ﺑﻣوﺿوﻋﮫ‪ ،‬وﻣﺗﻣﺣور ﺣوﻟﮫ‪ .‬وﻟﮭذا‪ ،‬ﻓﮭو ﻟﯾس اﻧﻔﻌﺎﻻً ﺳﺎﺋﺑﺎً‪ ،‬أو ذا آﻟﯾﺔ‬
‫ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ﻋن ﺻﻔﺎت اﻟﻣوﺿوع ﺑﻌﺿﮭﺎ أو ﻛﻠﮭﺎ‪ ،‬ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﻻﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ ﺑﺎﻟﮭﯾﺟﺎن اﻟﻧﻔﺳﻲ‬
‫أو ﺑﺎﻟﻣﺷﺎﻋر اﻟﺣﺎدة ﻣن ﻣﺛل اﻟﺧوف واﻷﻟم واﻟﻘﻠﻖ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﺣﻛوﻣﺔ‪ ،‬إذاً‪ ،‬ﺑﺎﻟﺣﺳﯾﺔ واﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ‪ .‬ﻓﺈذا ﻛﺎﻧت اﻟﺣﺳﯾﺔ ھﻲ‬
‫اﻟﺣﺎﻣل اﻟﻣﺎدي ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ ھﻲ ﻣظﮭرھﺎ اﻟﻧﻔﺳﻲ‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ أن اﻟﺗﻘوﯾم‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻧﺎﺗﺞ ﻣﻧﮭﺎ ھو ﺗﻌﺑﯾرھﺎ اﻟروﺣﻲ‪ .‬أي أن اﻟﺗﻘوﯾم ﻻﯾﻧﺗﺞ ﻣﻌرﻓﺔ ﺑﺎﻟﻣوﺿوع‬
‫أو ﺑﺎﻟذات‪ .‬ﺑل إﻧﮫ ﯾﻧﺗﺞ ﻣﻌرﻓﺔ ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟذات واﻟﻣوﺿوع‪ .‬وﻣن ھذه‬
‫اﻟﻌﻼﻗﺔ ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ أن ﻧﺣدد اﻟذات واﻟﻣوﺿوع ﻣﻌﺎً‪ .‬ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ھذه اﻟﻣﻌرﻓﺔ‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 121 -‬‬


‫ﻟﯾﺳت ﻣﻌرﻓﺔ ﻋﻠﻣﯾﺔ أو ﻣﻧطﻘﯾﺔ‪ .‬ﺑل ھﻲ ﻣﻌرﻓﺔ ﻗﯾﻣﯾﺔ‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أﻧﮭﺎ ﻣﻌرﻓﺔ ﺑﺎﻟﻘﯾم ﻻ‬
‫ﺑﺎﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬وإن ﺗﻛن ﺗﺷﻛّل اﻷﺳﺎس اﻟذي ﺗﻧﺑﻧﻲ ﻋﻠﯾﮫ ﺗﻠك اﻟﻘﯾم‪.‬‬
‫ﻏﯾر أن ھذه اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﻻﯾﻣﻛن أن ﺗﻛون ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﺑﻛل ﻣﺎﯾﻌﻧﯾﮫ ﻣﺻطﻠﺢ‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ‪ ،AESTHETIC‬إذا ﻟم ﺗﻛن ﻣﺗﺣررة ﻣن اﻟﺷواﻏل اﻟﻣﺎدﯾﺔ أو اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‬
‫اﻟﻣﻠﺣﺔ‪ .‬أي أن ﺻﻔﺔ اﻟﻼﻧﻔﻌﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ھذه اﻟﺗﺟرﺑﺔ‪ ،‬ﺗﻘﺗﺿﻲ أن ﺗﺗوﺟﮫ اﻟذات إﻟﻰ‬
‫ﻣوﺿوﻋﮭﺎ‪ ،‬ﻣن دون رﻏﺑﺔ ﻣﻧﮭﺎ ﻓﻲ اﺳﺗﮭﻼﻛﮫ اﻟﻣﺎدي أو ﺗﺧدﯾﻣﮫ اﻟﻌﻣﻠﻲ أو‬
‫اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ .‬وﻣن ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﺗﺣررة ﻣن اﻟﻧوازع أو اﻷطﻣﺎع‬
‫اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ‪ ،‬واﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‪ ،‬إﻧﮭﺎ ﻗﻔزة ﺧﺎرج اﻟﺿراﺋر ﺑﺄﺷﻛﺎﻟﮭﺎ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ .‬وﻟﮭذا‪،‬‬
‫ﻓﮭﻲ ﺗﺑدو ﻧﺎﻓذة ﻣﻔﺗوﺣﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟم اﻟﺣرﯾﺔ‪ ،‬ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟوﺟودي واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻣﻌﺎً‪.‬‬
‫وﻟﻌﻠﻧﺎ ﻻﻧﺑﺎﻟﻎ إذا ﻣﺎﻗﻠﻧﺎ إن اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ھﻲ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟوﺣﯾدة اﻟﺗﻲ ﯾدﺧﻠﮭﺎ‬
‫اﻹﻧﺳﺎن ﻣن دون أن ﯾﻛون ﻣﺣﻛوﻣﺎ ً ﻓﯾﮭﺎ ﺑدواﻓﻌﮫ اﻟﻣﺎدﯾﺔ أو اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ أو اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻣن ذﻟك ﺗﺄﺗﻲ أھﻣﯾﺔ ھذه اﻟﺗﺟرﺑﺔ‪ .‬ﺣﯾث إﻧﮭﺎ ﺗﺣررﻧﺎ ﻣن اﻟﺿراﺋر‪ ،‬وﺗﻐﻧﯾﻧﺎ روﺣﯾﺎ ً‬
‫ﻧﻰ‬
‫ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن ﻋدم رﻏﺑﺗﻧﺎ ﺑﺎﺳﺗﮭﻼك اﻟﻣوﺿوع اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﯾﻧﻌﻛس ﻏ ً‬
‫روﺣﯾﺎ ً ﻛﺑﯾراً‪ ،‬ﻓﻲ وﺟودﻧﺎ اﻟذاﺗﻲ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬وﻟﻌل ھذا ﻣﺎﻗﺻده ﻛﺎﻧط ﺑﺎﻟﻐﺎﺋﯾﺔ ﻣن‬
‫دون ﻏﺎﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺣدﯾﺛﮫ ﻋن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﺟﻣﺎﻟﻲ)‪.(3‬‬
‫إن اﻟﺷﻌر ﺑوﺻﻔﮫ ﻧﺗﺎج اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﯾﺗﺻف‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻛﻠﮫ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺣﺳﯾﺔ‬
‫واﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﺗﺻف ﻓﻲ ﺗﻧﺎوﻟﮫ ﻟﻠﻣوﺿوﻋﺎت ﺑﺎﻟﻼﻧﻔﻌﯾﺔ‪ .‬ﻓﻼﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون‬
‫اﻟﺷﻌر ﺗﺟرﯾدا ً ﻣﻔﮭوﻣﯾﺎ ً أو ذھﻧﯾﺎً‪ ،‬وﻻﯾﻣﻛﻧﮫ أن ﯾﻛون ﻣﻧطﻘﯾﺎً‪ .‬وﻛذا ھﻲ اﻟﺣﺎل‬
‫ﻻﯾﺟوز أن ﻧﺗﻌﺎﻣل ﻣﻌﮫ ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ذو وظﯾﻔﺔ أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻣﺑﺎﺷرة‪ ،‬ﻷﻧﮫ ﻟﯾس اﻧﻌﻛﺎﺳﺎ ً‬
‫‪ REFLECTION‬ﻟﻸﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‪ .‬ﺑل ھو اﻧﻌﻛﺎس ﻟﻛل ﻣن اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟذاﺗﯾﺔ واﻟوﻋﻲ‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻌﺎم‪ .‬وﻷﻧﮫ ﻛذﻟك ﻓﮭو ﯾﺗﻘﺎطﻊ ﻣﻊ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‪ ،‬وﻟﻛﻧﮫ ﻻﯾﻣﺛﻠﮭﺎ أو ﯾﺗﺄﺳس‬
‫ﻋﻠﻰ أطروﺣﺎﺗﮭﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ أو اﻷﺧﻼﻗﯾﺔ‪...‬إﻟﺦ‪.‬‬
‫وإﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺣﺳﯾﺔ واﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺷﻌر ﯾﺗﺻف ﺑﺎﻟﻣﺟﺎزﯾﺔ واﻟﺻورﯾﺔ‬
‫اﻟﻠﺗﯾن ﺑﮭﻣﺎ ﯾﻌﯾد اﻟﺷﻌر إﻧﺗﺎج اﻟﻣوﺿوﻋﺎت اﻟﺣﺳﯾﺔ واﻻﻧﻔﻌﺎﻻت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﺑﺣﯾث‬
‫ﺗﺑدو ﺑﺷﻛل ﺗﺧﯾﯾﻠﻲ ﻣﺟﺎزي ﻣﺧﺗﻠف‪ ،‬ﺑﮭذه اﻟدرﺟﺔ أو ﺗﻠك‪ ،‬ﻋن ﻛﯾﻧوﻧﺗﮭﺎ اﻟواﻗﻌﯾﺔ‪.‬‬
‫أي أن اﻟﺷﻌر إذ ﯾﻧﺷﺊ ﻋﺎﻟﻣﮫ اﻟﺗﺧﯾﯾﻠﻲ اﻟﻣﺟﺎزي ﯾﻛﻣل ﺑذﻟك ﻣﺎﺑدأﺗﮫ اﻟﺗﺟرﺑﺔ‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣن ﺗﺣرر ﻣن اﻟدواﻓﻊ اﻟﻧﻔﻌﯾﺔ‪ .‬وﯾﻛﻣن ذﻟك ﻓﻲ ﺗﺣرره ﻣن اﻟﻌﻼﻗﺎت‬
‫اﻟواﻗﻌﯾﺔ ﺑﯾن اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬وﻣن ﺳﻣﺎﺗﮭﺎ اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ أﯾﺿﺎً‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ آﺧر‪ :‬إذا ﻛﺎﻧت‬
‫اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﺗﺗﺣرر ﻣن اﻟدواﻓﻊ اﻟﻧﻔﻌﯾﺔ ﻟﻠذات‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺷﻌر ﯾﺗﺣرر ﻣن اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟواﻗﻌﯾﺔ‬
‫ﻟﻠﻣوﺿوع‪ ،‬وھو ﻣﺎﯾﻌﻣﻖ ﻓﻛرة اﻟﻘﻔز ﺧﺎرج اﻟﺿرورة ﻓﻲ اﻟﺷﻌر‪ ،‬وﻓﻲ اﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ‪.‬‬
‫أو ﺑﺗﻌﺑﯾر أدورﻧو " إن اﻟﻔن ھو ﻣﺟﺎل اﻟﺣرﯾﺔ ﻓﻲ وﺳط اﻟﺿرورة")‪ (4‬وﻟﻛن اﻟﻘﻔز‬
‫ﺧﺎرج اﻟﺿرورة ﻻﯾﻌﻧﻲ إطﻼﻗﺎ ً أن اﻟﺷﻌر ﻻﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ ﺑﺎﻟواﻗﻊ واﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‪ .‬ﺑل ھو‬
‫ﻣوﻗف ﻣن اﻟواﻗﻊ وﻣن اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻣﻌﺎً‪ .‬إﻧﮫ ﺑﻘﻔزه ﺧﺎرج اﻟﺿرورة ﯾﺑدو أﻛﺛر‬
‫وأﺣر طرﺣﺎ ً ﻟﮭﺎ أﯾﺿﺎً‪ .‬وﻣن ذﻟك ﯾﺑدو ﺑﻌض‬ ‫ﱠ‬ ‫وﻋﯾﺎ ً ﺑﮭﺎ‪ ،‬وأﻋﻣﻖ ﺗﺻورا ً ﻟﮭﺎ‪،‬‬
‫اﻟﻧﺻوص اﻟﺷﻌرﯾﺔ إﺿﺎءة ﻟﻣﺎ ھو ﻏﺎﻣض أو ﻣﺟﮭول ﻓﻲ طﺑﯾﻌﺗﻧﺎ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬وﯾﺑدو‬
‫‪- 122 -‬‬
‫ﺑﻌﺿﮭﺎ اﻵﺧر إﺿﺎءة ﻟﺑﮭﺎء ﻣﺎاﺑﺗذﻟﻧﺎه ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻧﺎ اﻟﯾوﻣﯾﺔ‪ ،‬وإظﮭﺎرا ً ﻟﺟﻣﺎل ﻣﺎأﻏﻔﻠﻧﺎه‪،‬‬
‫ﺑﺳﺑب اﻟﺣﻣﻰ اﻟﻧﻔﻌﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘودﻧﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟم اﻟﺿرورة واﻻﻧﺳﺣﺎق ﺑﺷروطﮭﺎ اﻟﺗﻲ‬
‫ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﺗﻛون ﻏﯾر إﻧﺳﺎﻧﯾﺔ‪ .‬وﻟﻌﻠﮫ ﻓﻲ ذﻟك ﯾﻛﻣن أﺣد ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﺧطﺎب‬
‫اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻓﻲ اﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬وﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟذي ھو ﻣﺟﺎﻟﻧﺎ ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺑﺣث‪ .‬ﺣﯾث إن‬
‫اﻟﺷﻌر ﯾﺳﻌﻰ إﻟﻰ ﺗﺑﯾﺎن ﻣﺎھو زاﺋف واﺳﺗﻼﺑﻲ وﻻإﻧﺳﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟوﺟود اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪،‬‬
‫ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﺳﻌﻰ إﻟﻰ ﺑﻠورة ﻣﺎھو أﺻﯾل وﺟﻣﯾل‪ .‬وﻷن اﻟﺷﻌر ﯾطرح ذﻟك ﻣن ﻣﻧظور‬
‫اﻟذات‪ ،‬ﻓﻼﯾﻣﻛن إﻻ أن ﯾﻛون ھذا اﻟطرح ذا ﺑﻌد أﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﺧﺎص ﺑﺗﻠك اﻟذات‪ ،‬ﻏﯾر‬
‫أن ھذا ﻻﯾﻠﻐﻲ أن ﯾﻧطوي اﻟﺷﻌر ﻋﻠﻰ اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ واﻟﻣوﺿوﻋﻲ‪ ،‬ﺑﺎﻟرﻏم ﻣن ﺣﺿور‬
‫اﻟذاﺗﻲ واﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻓﯾﮫ‪ ،‬وﻛﻣﺎ ﯾﻘول أدورﻧو‪ ،‬ﻓﺈن "ﺑﻌض أﻋﻣﺎل اﻟﻔن ﺗﻛون‬
‫أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻗﻠﺑﺎ ً وﻗﺎﻟﺑﺎً‪ .‬وﻣﻊ ذﻟك ﻓﺈن ﻣﺿﻣون اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﯾﺑﻘﻰ ﻗﺎدرا ً ﻋﻠﻰ اﻟﺣﺿور ﻓﻲ‬
‫ھذه اﻷﻋﻣﺎل")‪ .(5‬ﻣﻊ ﺗوﻛﯾده "أن اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ واﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻻﺗﻣﺛﻼن اﻟﺟﯾد واﻟرديء‪،‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﺗواﻟﻲ‪ ،‬إذ إن اﻟﻔن ﯾﺣﺗوي ﻛﻠﯾﮭﻣﺎ ﻣﻌﺎً")‪ .(6‬وﺑﻣﺎ أن ﺛﻣﺔ ﺗﺟﺎدﻻً ﺑﯾن اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ‬
‫واﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻔن‪ ،‬ﻓﻣن اﻻﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﺑﻣﻛﺎن أن ﻧﺷﯾر إﻟﻰ واﺣد ﻣﻧﮭﻣﺎ‪ ،‬ﻣن دون‬
‫اﻵﺧر‪ .‬ﻓﮭﻣﺎ ﻻ ﯾﻣﺛﻼن ﺛﻧﺎﺋﯾﺔ‪ ،‬ﺑﻘدر ﻣﺎﯾدﺧﻼن ﻓﻲ وﺣدة ﺗﺧﯾﯾﻠﯾﺔ‪ ،‬ﯾﺻﻌب ﺗﺟزﯾﺋﮭﺎ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻔن‪ .‬وﻣن ھﻧﺎ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟذي ﯾطرﺣﮫ اﻟﻔن ھو ﻧﺗﺎج اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ‬
‫واﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ ھو ﻧﺗﺎج اﻟذاﺗﻲ واﻟﺗﺧﯾﯾﻠﻲ‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن ﻗﯾﻣﺔ اﻟﻔن ﺗﻛﻣن‪ ،‬ﻓﻲ أﺣد‬
‫ﻣﺳﺗوﯾﺎﺗﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻲ إﺣﺎﻟﺗﮫ ﻋﻠﻰ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻣن دون أن ﯾﺗﺣول إﻟﻰ أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‬
‫ﺻرف‪ .‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أھﻣﯾﺔ اﻟﺧطﺎب اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر‪ ،‬واﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬إﻻ‬
‫أن ذﻟك ﻻﯾؤدي إﻟﻰ أن ﻗﯾﻣﺔ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري ﺗﻧﮭض ﻣن ذﻟك اﻟﺧطﺎب وھل ھو ذو‬
‫طﺑﯾﻌﺔ ﺗﻘدﻣﯾﺔ أو رﺟﻌﯾﺔ‪ .‬ﻓﻼﯾﺻ ﱡﺢ اﻟﻘول‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾؤﻛد إﯾﻐﻠﺗون‪ ،‬ﺑﺄن اﻟﻧص اﻟﻘ ِﯾّم ھو‬
‫اﻟذي ﯾﺣﻣل داﺋﻣﺎ ً اﻟﻘﯾم واﻟﻘﺎﺑﻠﯾﺎت اﻟﺗﻘدﻣﯾﺔ‪ .‬أو أﻧﮫ اﻟذي ﯾﻌﻛس اﻟذات اﻟطﺑﻘﯾﺔ‬
‫اﻟﺗﻘدﻣﯾﺔ‪ ،‬وذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﺗﻘرﯾره ﺑﺄن ﻗﯾﻣﺔ اﻟﻧص ﺗﺗﺣدد ﺑﻧﻣطﮭﺎ اﻟﻣﺿﺎﻋف‬
‫ﻣن اﻟﺗﺷﻛﯾل اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ وﻗواﻧﯾن اﻟﺧطﺎب اﻷدﺑﻲ ) ‪(7‬؛ وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﻗوﻟﮫ‬
‫أﯾﺿﺎ ً ﺑﺄن اﻟﻧص ھو ﻧﺗﺎج اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ )‪.(8‬‬
‫ﻟﻘد أﺷرﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ً إﻟﻰ أن اﻟﺧطﺎب اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر‪ ،‬ﻻﯾﻛﻣن ﻓﻲ اﻟﻧص‬
‫وﺣﺳب‪ ،‬ﺑل ﯾﻛﻣن أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﻠﻘﻲ‪ ،‬وﻟﻌل ﻟﮭذه اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻣن اﻷھﻣﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ذﻟك‪،‬‬
‫ﻣﺎﻻﯾﻘ ﱡل ﻋن أھﻣﯾﺔ اﻟﻧص‪ .‬إذ إن اﻟﻧص ﯾﺗم إﻧﺗﺎﺟﮫ ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً وأﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ً‪ ،‬ﻓﻲ ﻓﻌل‬
‫اﻹﺑداع ﻣن ﻣﻧظور اﻟذات اﻟﻣرﺳﻠﺔ‪ ،‬وﯾﺗم إﻧﺗﺎﺟﮫ أﯾﺿﺎً‪ ،‬ﻓﻲ ﻓﻌل اﻟﺗﻠﻘﻲ‪ ،‬ﻣن ﻣﻧظور‬
‫اﻟذات اﻟﻣﺗﻠﻘﯾﺔ‪ .‬وﻣن ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻧص ﻓﻲ ﺗﻐﯾّر ﻣﺳﺗﻣر‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﺧطﺎب‪ ،‬ﺑﺣﯾث‬
‫ﻻﻧﺳﺗطﯾﻊ أن ﻧﻘرر ﻟﻠﻧص ﻧﺳﻘﺎ ً واﺣدا ً ﻣن اﻟﺧطﺎب اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ .‬واﻟﺣﻖ أن ھذا ﻣن‬
‫إﺷﻛﺎﻟﯾﺎت اﻟﺧطﺎب اﻷدﺑﻲ‪ .‬ﻓﮭو ﻣن ﺟﮭﺔ ﻧﺗﺎج اﻟﺗﺎرﯾﺦ‪ ،‬وھو ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى ﻧﺗﺎج‬
‫اﻟﻘﺎرئ‪ .‬ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟﺣﺎﺿر )‪ .(9‬وﻻﺷك ﻓﻲ أن ھذا ﯾﻧﮭض ﻣن أن اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ‬
‫ھو ﻧص ﻣﺟﺎزي ﺗﺧﯾﯾﻠﻲ‪ .‬إذ إن ذﻟك ﯾﺟﻌﻠﮫ ﻗﺎدرا ً ﻋﻠﻰ اﻹﯾﺣﺎء اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻓﻲ‬
‫اﺗﺟﺎھﺎت ﻣﺗﻌددة وﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾﺟﻌﻠﮫ ﻣﺣﺗﻣﻼً ﻟﻌدة ﺗﺄوﯾﻼت ﻓﻲ آن ﻣﻌﺎً‪ .‬وﻟﻛن ھذا‬
‫ﻻﯾؤدي إﻟﻰ اﻻﻋﺗﺑﺎطﯾﺔ ﻓﻲ ﻓﻌل اﻟﺗﺄوﯾل‪ .‬ﻓﻼﺑد ﻣن أن ﯾﻛون ﻣﺣﻛوﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﻧص‪ ،‬أي‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 123 -‬‬
‫ﻻﺑد أن ﯾﺗﯾﺢ اﻟﻧص ھذا اﻟﺗﺄوﯾل أو ذاك‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ آﺧر‪ :‬ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻛون ﻟﻛل اﻟﻘراءات‬
‫اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ أﺳﺎس ﻣن اﻟﻧص‪ .‬وﻣن دون ذﻟك ﻻﯾﻛون اﻟﻧص ھو اﻟﻣﻘروء ﺑﻘدر ﻣﺎﯾﻛون‬
‫ﺻدى زاﺋﻔﺎ ً ﻟﻣﺎ ﯾرﯾد اﻟﻘﺎرئ أن ﯾﻘرأه ﻓﯾﮫ‪.‬‬
‫ﻧﺧﻠص إﻟﻰ أن اﻟﺧطﺎب اﻟﺷﻌري ھو ﺧطﺎب ﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﯾﻧطوي ﻋﻠﻰ درﺟﺔ ﻣﺎ‬
‫ﻣن اﻟﺧطﺎب اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ .‬وذﻟك ﻷﻧﮫ‪ ،‬أوﻻً‪ ،‬ﻣوﻗف ﻣن اﻟواﻗﻊ‪ ،‬وﻷﻧﮫ‪ ،‬ﺛﺎﻧﯾﺎً‪ ،‬ﺻﺎدر‬
‫ﻣن ﻣرﺳل إﻟﻰ ﻣﺗﻠﻖ‪ .‬وﺑﻣﺎ أن اﻟﻧص اﻟﺷﻌري ﻧص ﻣﺟﺎزي ﺗﺧﯾﯾﻠﻲ‪ ،‬ﻓﮭو ﻗﺎﺑل ﻷن‬
‫ﯾﺗﻐﯾر ﺧطﺎﺑﮫ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻣن ﻣرﺣﻠﺔ إﻟﻰ أﺧرى‪ ،‬وﻣن ﻗﺎرئ إﻟﻰ آﺧر‪ ،‬ﻣن دون‬
‫أن ﯾﺗﺣول اﻟﻧص إﻟﻰ أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‪ .‬أي ﻣن دون أن ﯾﺳﺗﻌﻠﻲ اﻟﺧطﺎب اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻧص‪ .‬وإذا ﻣﺎﺣدث ذﻟك‪ ،‬ﻓﻠن ﯾﻛون اﻟﻧص ﺷﻌرﯾﺎ ً ﺑﺄﯾﺔ ﺣﺎل‪ .‬ﻷﻧﮫ‬
‫ﻻﯾﻛون‪ ،‬ﻓﻲ اﻷﺳﺎس‪ ،‬ﻧﺗﺎج اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻻﯾﻛون ﺗﻌﺑﯾراً ﻋن اﻟوﻋﻲ‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟذي ﯾﺧﺗﻠف‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﺟﻠﻲ‪ ،‬ﻋن أﺷﻛﺎل اﻟوﻋﻲ اﻷﺧرى‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن‬
‫ﺗﻘﺎطﻌﮫ ﻣﻌﮭﺎ‪.‬‬
‫ﻟﻘد ﺗﺟﻠﻰ اﻟﺧطﺎب اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬ﺑﻌدة‬
‫ﻣﺳﺗوﯾﺎت‪ .‬وھﻲ ﻣﺳﺗوى اﻟرؤﯾﺎ اﻟﻛﻠﯾﺔ‪ ،‬وﻣﺳﺗوى اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬واﻟﺻورة‪،‬‬
‫واﻟرﻣز‪ ،‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻘوﯾم اﻟﺟزﺋﻲ اﻟﻣﺑﺎﺷر‪ .‬أي ﻟﻘد ﺗﺟﻠﻰ ھذا اﻟﺧطﺎب ﻓﻲ ﻣﺟﻣل‬
‫اﻟﻧ ص‪ ،‬وھو ﻣﺎﺳوف ﻧﺗوﺿﺣﮫ ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺣﺎت اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻣن دون اﻹﻓﺎﺿﺔ ﻓﯾﮫ‪ ،‬إذ إﻧﻧﺎ‬
‫ﺳوف ﻧﺗوﺿﺢ أﯾﺿﺎ ً ﺗﺄﺛﯾر اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ اﻟﺳﻠﺑﻲ ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈﻧﻧﺎ ﺳوف‬
‫ﻧﺗﺣدث ﻋن ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺷﻌر ﺑﺎﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ﻣن ﺧﻼل ﻣﺣورﯾن اﺛﻧﯾن‪ :‬اﻷول ﺗﺣت‬
‫ﻋﻧوان‪ :‬اﻟﻧص ﺑوﺻﻔﮫ ﺧطﺎﺑﺎ ً أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎً‪ ،‬وﻓﯾﮫ ﻧﻠﺣظ ﻛﯾف ﯾﺷﺗﻣل اﻟﺷﻌري ﻋﻠﻰ‬
‫اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ .‬ﻣن دون أن ﯾﻧﺣرف ﻋن ﻧﺳﻘﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬واﻟﺛﺎﻧﻲ ﺗﺣت ﻋﻧوان‪:‬‬
‫اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﻧﺻﺎً‪ .‬ﺣﯾث ﻧﻠﺣظ ﻛﯾف ﯾﻧﺣرف اﻟﻧص ﻣن ﻛوﻧﮫ ﺧطﺎﺑﺎ ً‬
‫ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً إﻟﻰ ﻛوﻧﮫ أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ وﺣﺳب‪.‬‬

‫اﻟﻨـﺺ ﺑـﻮﺻـﻔـﮫ ﺧـﻄـﺎﺑﺎ ً أﯾـﺪﯾـﻮﻟـﻮﺟـﯿـﺎ ً‪:‬‬


‫ﻟم ﺗﻛد اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺗﺗرك ظﺎھرة ﻣن ظواھر اﻟواﻗﻊ اﻟﻣﻌﺎﺻر‪،‬‬
‫ﻣن دون ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ ﻓﻧﯾﺔ وﻣن دون ﺗﻘوﯾم ﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﺑﺣﯾث ﯾﻣﻛن اﻟﺗوﻛﯾد أن ھذه اﻟﺣداﺛﺔ‬
‫ﻗد اﺳﺗوﻋﺑت ﻣﺟﻣل ﻣﺎطرﺣﮫ اﻟواﻗﻊ ﻣن إﺷﻛﺎﻟﯾﺎت ذاﺗﯾﺔ وروﺣﯾﺔ واﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ .‬وھﻲ‬
‫ﻟﻠواﻗﻊ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﺗﻛون‬
‫ِ‬ ‫ﺑﺎﺳﺗﯾﻌﺎﺑﮭﺎ ذﻟك ﺗﻛون ﻗد أﻧﺟزت ﻣﺷروﻋﮭﺎ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻣﻌﺎدل ﻓﻧﯾﺎ ً‬
‫ﻗد ﺣﺎﻛﻣﺗﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟﺣداﺛﺔ ﻗد اﺗﺧذت ﻣوﻗﻔﺎ ً‬
‫أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ً ﻣن اﻟواﻗﻊ‪ ،‬ﻓﻲ أﺛﻧﺎء اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﮭﺎ اﻟﻔﻧﻲ وﺗﻘوﯾﻣﮭﺎ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻟﮫ‪ .‬وﻗد ظﮭر‬
‫ذﻟك‪ ،‬ﻛﻣﺎ أﺳﻠﻔﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎً‪ ،‬ﺑﻌدّة ﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻣن اﻟﻧص اﻟﺷﻌري اﻟﺣداﺛﻲ‪ ،‬ﻧﺗﻧﺎوﻟﮭﺎ ﻓﯾﻣﺎ‬
‫ﯾﻠﻲ‪:‬‬
‫أﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟرؤﯾﺎ اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻓﯾﻣﻛن أن ﻧﺣﺻر اﻟرؤى اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ‬
‫ھﯾﻣﻧت ﻋﻠﻰ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮫ ﺑﺎﻟواﻗﻊ‪ ،‬ﺑﺛﻼﺛﺔ أﻧﻣﺎط‪ ،‬وھﻲ اﻟﻧﻣط اﻟﺑطوﻟﻲ‪،‬‬
‫‪- 124 -‬‬
‫واﻟﻧﻣط اﻟﺗراﺟﯾدي‪ ،‬واﻟﻧﻣط اﻟﻌذاﺑﻲ*‪ . *2‬ﺣﯾث ﻧﻠﺣظ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﻧﻣط اﻷول أن‬
‫اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺣداﺛﻲ ﻗد ﺑﻠور ﻣوﻗﻔﮫ اﻟﺛوري اﻟﻌﺎم ﻣن اﻟواﻗﻊ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ﺑﻘﯾﻣﺔ‬
‫اﻟﺑطوﻟﻲ‪ .‬أي أﻧﮫ ارﺗﻔﻊ ﺑﺎﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ اﻟﺛورﯾﺔ إﻟﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻹﯾﺟﺎﺑﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻓﻲ ذﻟك ﻣﺎﻓﯾﮫ ﻣن ﺗﻘوﯾم إﯾﺟﺎﺑﻲ ﻟﻣﺎ ھو ﺛوري ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎ أن ﻓﯾﮫ‬
‫ﻣن اﻟرﻓض ﻟﻣﺎ ھو ﺗﻘﻠﯾدي وﺳﺎﻛن وﻣﺗﺧﻠف‪ ،‬ﺑﺣﯾث ﻻﯾﺧﻔﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎرئ‪ .‬وﻗد‬
‫ﺗوزع ھذا اﻟﻧﻣط ﻋﻠﻰ ﻧﺳﻘﯾن اﺛﻧﯾن‪ .‬اﻷول ھو ﻧﺳﻖ اﻟﺛورﯾﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﺗﻘدﻣﯾﺔ‪.‬‬
‫واﻟﺛﺎﻧﻲ ھو ﻧﺳﻖ اﻟﺛورﯾﺔ اﻟﻔردﯾﺔ ذات اﻟﻣﻧﺣﻰ اﻟﻘﯾﻣﻲ‪ .‬ﻓﻌﻠﻰ ﺣﯾن أن اﻟﻧﺳﻖ اﻻول‬
‫ﺳﻌﻰ إﻟﻰ ﺗﺛوﯾر اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣن ﺧﻼل اﻟطﻠﯾﻌﺔ اﻟﺛورﯾﺔ وﻧﻣوذﺟﮭﺎ اﻟﺑطل اﻟﻣﻧﺗﻣﻲ‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻗد ﺳﻌﻰ إﻟﻰ ﺗﺛوﯾر اﻟﻘﯾم ﻣن ﺧﻼل اﻟﻧﺧﺑﺔ وﻧﻣوذﺟﮭﺎ اﻟﺑطل اﻟﻼﻣﻧﺗﻣﻲ‪ .‬ﻣﻊ‬
‫اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ﻛﻼً ﻣﻧﮭﻣﺎ ﯾرى ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ اﺳﺗﻼﺑﯾﺎ ً وﻏﯾر إﻧﺳﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻣﻣﺎ‬
‫ﯾﻌﻧﻲ ﺿرورة ﺗﺟﺎوزه وﺗﺧطﯾﮫ ﺑﻣﺎ ﯾﻧﺳﺟم واﻟﻣﺛل اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﺛورﯾﺔ‪ .‬وﻟﻛن ﻓﻲ ﺣﯾن‬
‫ذھب اﻷول إﻟﻰ ﺿرورة اﻻﻧﺗﻣﺎء إﻟﻰ اﻟﻘوى اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟراﻏﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﻐﯾﯾر‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫اﻟﺛﺎﻧﻲ ذھب إﻟﻰ أن اﻻﻧﺗﻣﺎء إﻟﻰ اﻟواﻗﻊ ﺑﻘﯾﻣﮫ و ُﻣﺛﻠﮫ‪ ،‬ھو ﺧﯾﺎﻧﺔ ﻟﻠﺛورﯾﺔ‪ .‬وﯾﻣﻛن‬
‫اﻟﻘول ﺑﺎن ﺷﻌراء ﻣﺟﻠﺔ >>ﺷﻌر<< وﻣن ﻓﻲ ﺣﻛﻣﮭم‪ ،‬ﯾﻣﺛﻠون ھذا اﻟﻧﺳﻖ )‪(10‬‬
‫ﺑﻌﺎﻣﺔ‪ .‬وﯾﻣﺛل اﻟﻧﺳﻖ اﻷول ﺷﻌراء اﻟﯾﺳﺎر اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﺑﻌﺎﻣﺔ أﯾﺿﺎً‪ ،‬وﻣن دون أن ﯾﻌﻧﻲ‬
‫ذﻟك أن ﺛﻣﺔ ﺣواﺟز ﺗﻣﻧﻊ اﻟﺗداﺧل ﺑﯾن ھذﯾن اﻟﻧﺳﻘﯾن‪.‬‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ھذا ﺷﺎﺋﻊ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻧﺻوص اﻟﺣداﺛﯾﺔ‪ ،‬ﻏﯾر أﻧﮫ‬
‫ﻻﺑﺄس ﻣن اﻟﺗﻣﺛﯾل ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﻣط ﺑﻧﺳﻘﯾﮫ اﻻﺛﻧﯾن‪.‬‬
‫ﯾﻘول ﻣﺣﻣد اﻟﻔﯾﺗوري‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺑطل اﻟﻣﻧﺗﻣﻲ‪:‬‬
‫ﻛﺎﻧت اﻷرض ﻋذراء‬
‫واﻟﻔﺟر ﻟم ﯾﺷﺗﻌل ﺑﻌد‪...‬‬
‫ﻓﻠﯾﺑﻖ وﺟﮭك ﻣﺷﺗﻌﻼً ﺑﺎﻟﺟﻣﺎل‬
‫اﺷﺗﻌ ْل أﺑد اً ﺑﺎﻟﺟﻣﺎل‬
‫اﻟﻐﺟري اﻟﻣﻐﻧﻲ‬
‫ّ‬ ‫اﺷﺗﻌل ﻣﺛﻠﮭﺎ أﯾﮭﺎ‬
‫‪ ...‬اﻟطواﺣﯾن ﻓﺎرﻏﺔ‬
‫واﻟزواﺑﻊ ﻣدﻓوﻧﺔ ﻓﻲ ﺑطون اﻟرﻣﺎل‬
‫واﻟرﺟﺎل‬
‫ﻣﻌﻠّﻘﺔ ﻣن ﺿﻔﺎﺋرھﺎ‬
‫واﻟﺳﻧﺎﺑل ﻣﺛﻘﻠﺔ ﺑﺎﻷﺳﻰ واﻟﺣﻧﯾن‬
‫وأﻧﺎ ﻓﯾكِ ﺳﻧﺑﻠﺔ‪ .‬ﻓﺎذﻛرﯾﻧﻲ!‬

‫*ـ ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﺬاب اﻟﺬي ھﻮ اﻟﺠﻮھﺮ ﻓﻲ ﻣﻔﮭﻮم اﻟﻤﻌﺬب ﺟﻤﺎﻟﯿﺎ ً‪.‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 125 -‬‬
‫*‬
‫ﻛﺎن ﺣﺑك ﻣرﺗﺳﻣﺎ ً ﻓوق وﺟﮭﻲ‬
‫اﻟﺷذى ﻓﻲ ﻓﻣﻲ‬
‫واﻟرؤى ﻓﻲ ﻋﯾوﻧﻲ‬
‫وﻟذا ﺣﯾﻧﻣﺎ أﺑﺻروﻧﻲ‬
‫أﺑﺻروﻧﺎ ﻣﻌﺎ ً) ‪(11‬‬
‫وﯾﻘول أدوﻧﯾس‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺑطل اﻟﻼﻣﻧﺗﻣﻲ‪:‬‬
‫أﺣرق ﻣﯾراﺛﻲ‪ ،‬أﻗول أرﺿﻲ‬
‫ﺑﻛر‪ ،‬وﻻﻗﺑور ﻓﻲ ﺷﺑﺎﺑﻲ‬ ‫ّ‬
‫أﻋﺑر ﻓوق ّ واﻟﺷﯾطﺎن‬
‫)درﺑﻲ أﻧﺎ أﺑﻌد ﻣن دروب اﻹﻟﮫ واﻟﺷﯾطﺎن(‬
‫أﻋﺑر ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻲ‬
‫ﻓﻲ ﻣوﻛب اﻟﺻﺎﻋﻘﺔ اﻟﻣﺿﯾﺋﮫ‬
‫ﻓﻲ ﻣوﻛب اﻟﺻﺎﻋﻘﺔ اﻟﺧﺿراء‬
‫أھﺗف ـ ﻻﺟﻧﺔ ﻻﺳﻘوط ﺑﻌدي‬
‫وأﻣﺣو ﻟﻐﺔ اﻟﺧطﯾﺋﺔ) ‪(12‬‬
‫ﻟﻘد طرح ﻛل ﻣن ھذﯾن اﻟﻣﻘطﻌﯾن ﻣوﻗﻔﺎ ً أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ً ﺛورﯾﺎ ً ﻣن اﻟواﻗﻊ‪ ،‬وﻟﻛن‬
‫ﺑﯾﻧﻣﺎ اﻧطﻠﻖ اﻟﻣﻘطﻊ اﻷول ﻣن اﻟﺛورﯾﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﺟد أن اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻗد اﻧطﻠﻖ ﻣن‬
‫اﻟﺛورﯾﺔ اﻟﻔردﯾﺔ‪ .‬وﻟﻘد ﺻﺎغ ﻛل ﻣﻧﮭﻣﺎ ﻣوﻗﻔﮫ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﺑﺷﻛل ﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﺑﺣﯾث إن‬
‫ھذا اﻟﻣوﻗف ﻻﯾﺷﻛل إﻻ أﺣد ﻣﺳﺗوﯾﺎﺗﮫ‪ .‬أي أن ھذا اﻟﻣوﻗف ﻻﯾﺳﺗﻐرق اﻟﺧطﺎب‬
‫اﻟﺷﻌري ﻓﯾﮭﻣﺎ‪.‬‬
‫أﻣﺎ اﻟﻧﻣط اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣن اﻟرؤﯾﺎ اﻟﻛﻠﯾﺔ‪ ،‬ﻓﮭو اﻟﻧﻣط اﻟﺗراﺟﯾدي‪ .‬ﺣﯾث ﺗطرح ﺑﻌض‬
‫اﻟﻧﺻوص اﻟﺣداﺛﯾﺔ ﺻورة ﺗراﺟﯾدﯾﺔ ﻟﻠواﻗﻊ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ .‬ﻓﯾﺑدو ھذا اﻟواﻗﻊ ﻣﺣﻛوﻣﺎ ً‬
‫ﺑﻛل ﻣﺎھو اﺳﺗﻼﺑﻲ وﻗﻣﻌﻲ وﻣؤﻟم‪ ،‬وﯾﺑدو اﻹﻧﺳﺎن ﻓﯾﮫ ﻣطﺣوﻧﺎ ً ﺑﻛل أﺷﻛﺎل اﻹذﻻل‬
‫اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ واﻟﺳﯾﺎﺳﻲ واﻟروﺣﻲ‪ .‬وﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﺗﻧطوي ھذه اﻟﻧﺻوص ﻋﻠﻰ ﺗﺻوﯾر‬
‫اﻻﻧﻛﺳﺎرات اﻟﺗﻲ ﯾﻌﺎﻧﯾﮭﺎ اﻟﺑطل اﻟﺛوري اﻟذي ﺗم اﻟﻧظر إﻟﯾﮫ ﻋﻠﻰ أﻧﮫ اﻟﻘ ِﯾّم اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺎً‪،‬‬
‫أي ﻋﻠﻰ أﻧﮫ اﻟﺟﻣﯾل واﻟﺑطوﻟﻲ ﻣﻌﺎً‪ .‬وإذا ﻣﺎأﻓدﻧﺎ ﻣن ﺗﻌرﯾف ﯾﯾﺗس ‪ Yeats‬ﻟﻠﺗراﺟﯾدي‬
‫ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ذﻟك اﻟذي ﯾﻧﻣو وﯾﻧﻛﺳر اﻣﺎم اﻟﺣواﺟز اﻟﺗﻲ ﺗﻔﺻل اﻹﻧﺳﺎن ﻋن اﻹﻧﺳﺎن‪،‬‬
‫وأﻧﮫ ﻓوق ﺗﻠك اﻟﺣواﺟز اﻟﻛوﻣﯾدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺣﺗﻔظ ﺑﮭﺎ اﻟﻣﻧزل )‪ .(13‬ﻓﺈن اﻟﻣوﻗف‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ذا اﻟﺑﻌد اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻣن اﻟواﻗﻊ‪ ،‬ﯾﻐدو واﺿﺣﺎ ً ﺗﻣﺎﻣﺎً‪ .‬إذ إن ھذا اﻟواﻗﻊ‪،‬‬

‫‪- 126 -‬‬


‫ﺑﺣﺳب اﻟﺗﻘوﯾم اﻟﺗراﺟﯾدي‪ ،‬ﻻ ﯾﺗﯾﺢ ﻟﻠطﺎﻗﺎت اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ أن ﺗﺗﻔﺗﺢ‪ .‬وھو ﻣﺎﯾﻌﻧﻲ أن‬
‫اﻷﺟواء اﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ ﺳوف ﺗﺑﻘﻰ ھﻲ اﻟﻣﮭﯾﻣﻧﺔ‪ ،‬ﻣﺎﻟم ﯾﺗﻐﯾر ذﻟك اﻟواﻗﻊ‪.‬‬
‫وﻟﻘد أﺟﻣﻊ ﺷﻌراء اﻟﺣداﺛﺔ ﻋﻠﻰ أن اﻟﺧطﯾﺋﺔ اﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ ھﻲ اﻟواﻗﻊ ﻧﻔﺳﮫ‪،‬‬
‫وﻻﺳﯾﻣﺎ ﺟﺎﻧﺑﮫ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟﻘﻣﻌﻲ اﻟذي ﯾﺷﻛل ﻧﻘﯾﺿﺎ ً ﻟﻛل ﻣﺎھو ﺛوري‪ ،‬وﻓﻲ ذﻟك‬
‫ﯾﻘول اﻟﻣﺎﻏوط‪:‬‬
‫ﻧﺎﻣﻲ ﺗﺣت اﻷﻋﻼم ّ‬
‫اﻟﻣزﻗﺔ‬
‫أﯾﺗﮭﺎ اﻟﺣﻣﺎﻣﺔ اﻟﻣﻧﺳﯾﺔ‬
‫اﻟوﺣل ﯾﺗﮭﺎدى ﻛﺎﻷﻣﯾر‬
‫ﯾﺗﺄﻟﻖ ﻋﻠﻰ ﺳرﺟﮫ اﻟذھﺑﻲ‬
‫واﻟﺷﺗﺎء اﻷﺧﯾر‬
‫ﻛﺎﻟﻣﺗﺳول ﻋﻠﻰ أﻗداﻣك ﯾﺎﺑردى ) ‪(14‬‬
‫ّ‬ ‫ﯾﻧﺣﻧﻲ‬
‫وﯾﻘول اﻟﺑﯾﺎﺗﻲ‪:‬‬
‫ﻣﺎت اﻟﻣﻐﻧﻲ‪ ،‬ﻣﺎﺗت اﻟﻐﺎﺑﺎت‬
‫واﻟﻌﻧدﻟﯾب ﻣﺎت‬
‫ث ھذا اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻣدﻓون ﻓﻲ اﻹﻋﻣﺎق‬ ‫ورﯾ ُ‬
‫ﯾﻠﮭث ﻣﮭزوﻣﺎ ً ﻋﻠﻰ ﻗﺎرﻋﺔ اﻟطرﯾﻖ‬
‫ﯾﺣﻣل وﺟﮫ ھﺎﻟك ﻏرﯾﻖ‬
‫ﯾﻧﺎم ﻓﻲ اﻟﻣﻘﮭﻰ‪ ،‬ﻛﻛﻠب ﺟﺎﺋﻊ أﻓﱠﺎق)‪(15‬‬
‫وﯾﻘول ﻣﺣﻣد ﻋﻣران‪:‬‬
‫أﻧﺎ اﻟذي رأﯾت‬
‫أرﻣﻲ ﻧﺑوءﺗﻲ ﻓﻲ ھﺟﻌﺔ اﻟﺳﺎﺣﺎت ﺛم أﻣﺿﻲ‬
‫ﻣﻛﻠﻼً ﺑﺷوك أرﺿﻲ‬
‫‪...‬‬
‫ﺟﻠﺟﻠﺗﻲ أﻋرﻓﮭﺎ‪ ،‬وﺧﺷب اﻟﺻﻠﯾب‬
‫وأﻋرف اﻟﻣﺳﻣﺎر واﻟﻌﻼﻣﮫ‬
‫وأﻧﻧﻲ ﺑﻼﻗﯾﺎﻣﮫ ) ‪(16‬‬
‫اﻟﻣﺻوره‪.‬‬
‫ﱠ‬ ‫وﻻﯾﺧﺗﻠف اﻟﻧﻣط اﻟﻌذاﺑﻲ ﻋن اﻟﺗراﺟﯾدي ﻣن ﺣﯾث اﻷﺟواء‬
‫ﻓﻛﻼھﻣﺎ ﯾﻘدم ﺻورة ﺳﻠﺑﯾﺔ ﻟﻠواﻗﻊ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬أي أﻧﮫ ﯾدﯾﻧﮫ ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً وأﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎً‪.‬‬
‫وﻟﻛن ﻓﻲ ﺣﯾن ﯾﻘدم اﻟﻧﻣط اﻟﺗراﺟﯾدي ﺻراع اﻹﻧﺳﺎن ـ وﻏﺎﻟﺑﺎ ً اﻟﺑطل اﻟﺛوري ـ ﻣﻊ‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 127 -‬‬
‫اﻟواﻗﻊ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻧﻣط اﻟﻌذاﺑﻲ ﺻورة ﻟﻠﺗﺄزم اﻟﻧﻔﺳﻲ واﻟروﺣﻲ اﻟذي ﯾﻌﺎﻧﯾﮫ اﻟﻔرد ﻓﻲ‬
‫ﺗﻠك اﻻﺟواء‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ آﺧر‪ :‬إن اﻟﻧﻣط اﻟﺗراﺟﯾدي ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﯾﺗرك ﻓﺳﺣﺔ ﻹﻣﻛﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗﻐﯾﯾر‬
‫اﻟﺛوري‪ .‬وﻟﮭذا ﻗﻠﻣﺎ ﺗﻛون رؤﯾﺎه ﺳوداوﯾﺔ ﺑﺷﻛل ﻣطﻠﻖ‪ .‬أﻣﺎ اﻟﻧﻣط اﻵﺧر ﻓﺈﻧﮫ ﻻﯾﻛﺎد‬
‫ﯾوﺣﻲ ﺑﺄن ﺛﻣﺔ أﻓﻘﺎ ً وراء ﻣﺎھو ﻧﺎﺟز واﻗﻌﯾﺎً‪ .‬وﻟﻌل أﻛﺑر ﻣﺛل ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﻣط ﻣن‬
‫اﻟرؤﯾﺎ ھو ﻗﺻﯾدة ﺧﻠﯾل ﺣﺎوي >>ﻟﻌﺎزر ﻋﺎم ‪ <<1962‬اﻟﺗﻲ وﺻل ﻓﯾﮭﺎ اﻟﺷﺎﻋر‬
‫إﻟﻰ إﻏﻼق أﯾﺔ إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻻﻧﺑﻌﺎث اﻟﺣﺿﺎري ﻟﻠواﻗﻊ اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ﺷﺧﺻﯾﺔ‬
‫ﻟﻌﺎزر اﻟذي ﻛﺎن ھو اﻟﻣرﺗﺟﻰ‪ .‬ﻏﯾر أﻧﮫ‪:‬‬
‫‪ ...‬ﻋﺎد ﻣن ﺣﻔرﺗﮫ‬
‫ﻣﯾْﺗﺎ ً ﻛﺋﯾب‬
‫ﯾﻧزف اﻟﻛﺑرﯾت ﻣﺳو ﱠد اﻟﻠﮭﯾب) ‪(17‬‬
‫وﻟﮭذا ﻻﻏراﺑﺔ ﻓﻲ أن ﯾرﻏب ﻓﻲ اﻟﻌودة إﻟﻰ ﻗﺑره‪:‬‬
‫ﻋ ّﻣﻖ اﻟﺣﻔرة ﯾﺎﺣﻔﺎ ُر‬
‫ﻋ ّﻣﻘﮭﺎ ﻟﻘﺎع ﻻﻗرار) ‪(18‬‬
‫ﺗﻠك ھﻲ اﻷﻧﻣﺎط اﻟﺛﻼﺛﺔ ـ ﺑﺈﯾﺟﺎز ﺷدﯾدـ اﻟﺗﻲ اﺳﺗوﻋﺑت اﻟرؤﯾﺎ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‬
‫اﻟﺣداﺛﯾﺔ وھﻲ ﻛﻣﺎ ﻧﻠﺣظ‪ ،‬أﻧﻣﺎط ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ وأﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ‪ .‬أﻣﺎ أﻧﮭﺎ‬
‫ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻸﻧﮭﺎ ﺗﺻدر ﻣن ﻣوﻗف ﺣﺳﻲ اﻧﻔﻌﺎﻟﻲ ﻣﺻوغ ﺑﺷﻛل ﻣﺟﺎزي ﺗﺧﯾﯾﻠﻲ‪،‬‬
‫وﻣن وﻋﻲ ﺟﻣﺎﻟﻲ ﯾﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟواﻗﻊ ﻣن ﺧﻼل اﻟﻣﺛل اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﺟﻣﺎل ﻓﻲ اﻟﻔرد‬
‫واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣﻌﺎً‪ .‬وھﻲ أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‪ ،‬ﻷﻧﮭﺎ ﺗﺗﻘﺎطﻊ ﻣﻊ اﻟوﻋﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﻣﺣﺎﻛﻣﺗﮭﺎ‬
‫ﻟﻠواﻗﻊ‪ ،‬وﻓﻲ ﻧظرﺗﮭﺎ إﻟﯾﮫ‪ ،‬ﻣن دون أن ﺗﺳﺗﺧدم أدواﺗﮫ اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ‪ .‬وھو ﻣﺎأﺑﻌدھﺎ ﻋن‬
‫أن ﺗﻛون رؤى ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﺧﺎﻟﺻﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﺧطﺎﺑﮭﺎ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ـ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬ﻓﻧﻠﺣظ أن ﺛﻣﺔ ﺗﻘوﯾﻣﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً ذا ﺑﻌد‬
‫أﯾدﯾوﻟوﺟﻲ أﻗل ﺗﻌﻣﯾﻣﺎ ً ﻣن اﻟرؤﯾﺎ اﻟﻛﻠﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻧﺎول اﻟواﻗﻊ ﻓﻲ ﻣﺟﻣﻠﮫ ﺑﺎﻟﺣﻛم‬
‫واﻟﺗﻘوﯾم‪ .‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟﻧﻣوذج ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﯾﺗم ﺗﻘدﯾﻣﮫ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮫ ﺑﺎﻟﺳﯾﺎق‬
‫ﻲ أوﻻً ﺑﺎﻟﺗﻧﺎول واﻟﺗﻘوﯾم اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ واﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ .‬وﻟن‬ ‫اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻏﯾر أﻧﮫ ھو اﻟﻣﻌﻧ ﱡ‬
‫ً‬
‫ﻧﺗوﻗف طوﯾﻼً ﻋﻧد ھذا اﻟﻣﺳﺗوى‪ ،‬ﻷن ﻟﮫ ﻣﻛﺎﻧﺎ آﺧر ﻣن ھذا اﻟﺑﺣث‪ ،‬وﻟﻛن ﻣﺎ ﻻﺑ ّد‬
‫ّ‬
‫ﻣن اﻹﺷﺎرة إﻟﯾﮫ ھو أن اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ھﻲ ﻓﻲ ذاﺗﮭﺎ ﺗﻘوﯾم ﺟﻣﺎﻟﻲ وأﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‬
‫ﻟﻠﻣوﺿوع اﻟﻣﻧﻣذج‪.‬‬
‫وإذا ﻣﺎذﻛرﻧﺎ ان ﻛﺛﯾرا ً ﻣن اﻟﻧﺻوص اﻟﺣداﺛﯾﺔ ﺗطرح رؤﯾﺎھﺎ اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻣن‬
‫ﺧﻼل اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬ﻓﺈن ذﻟك ﯾﻌﻧﻲ ان ﻣﺛل ھذه اﻟﻧﺻوص ﯾﻧطوي ﻋﻠﻰ ﻧوﻋﯾن‬
‫ﻣن اﻟﺗﻘوﯾم‪ :‬ﻧوع ﻛﻠﻲ ﺧﺎص ﺑﺎﻟواﻗﻊ‪ ،‬وﻧوع ﺟزﺋﻲ ﺧﺎص ﺑﺎﻟﻧﻣوذج‪ .‬أﻣﺎ ﻣﺎﯾﺧص‬
‫ھذا‪ ،‬ﻛﺄن ﯾﺗﻧﺎول اﻟﻧص ﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟدﯾﻛﺗﺎﺗور ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﻧﻣوذج اﻟﻘﺑﯾﺢ أو اﻟﻛوﻣﯾدي‬
‫ﻣﺛﻼً‪ ،‬ﻓﻼﺑد ﻣن أن ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ أن ﺛﻣﺔ ﻣوﻗﻔﺎ ً أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ً ﺳﻠﺑﯾﺎ ً ﻣن ھذه اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ وﻣﺎ‬

‫‪- 128 -‬‬


‫ﯾﻣﺎﺛﻠﮭﺎ‪ ،‬ﻻ ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﺷﺧﺻﯾﺔ ﻓﻘط‪ .‬ﺑل ﺑوﺻﻔﮭﺎ أﯾﺿﺎ ً ﺷﻛﻼً ﻣن أﺷﻛﺎل اﻟﺳﻠطﺔ‪،‬‬
‫وذﻟك ﻛﻘول أﻣل دﻧﻘل‪:‬‬
‫ﻗﻠت ﻟﻛم ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺑﻌﯾده‬
‫اﻟﺟﻧدي‬
‫ّ‬ ‫ﻋن ﺧطر‬
‫ﻋن ﻗﻠﺑﮫ اﻷﻋﻣﻰ‪ ،‬وﻋن ھ ّﻣﺗﮫ اﻟﻘﻌﯾده‬
‫اﻟﺷﮭري‬
‫ّ‬ ‫ﯾﺣرس ﻣن ﯾﻣﻧﺣﮫ راﺗﺑﮫ‬
‫وزﯾﮫ اﻟرﺳﻣ ّﻲ‬
‫ﻟﯾرھب اﻟﺧﺻوم ﺑﺎﻟﺟﻌﺟﻌﺔ اﻟﺟوﻓﺎء‬
‫واﻟﻘﻌﻘﻌﺔ اﻟﺷدﯾدة‬
‫ﻟﻛﻧﮫ‪ ...‬إن ﯾﺣن اﻟوﻗت‪..‬‬
‫ﻓداء اﻟوطن اﻟﻣﻘﮭور واﻟﻌﻘﯾده‬
‫ﻓر ﻣن اﻟﻣﯾدان‬‫ﱠ‬
‫وﺣﺎﺻر اﻟﺳﻠطﺎن‬
‫واﻏﺗﺻب اﻟﻛرﺳ ّﻲ‬
‫وأﻋﻠن "اﻟﺛورة" ﻓﻲ اﻟﻣذﯾﺎع واﻟﺟرﯾدة)‪(19‬‬
‫وﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﯾﺗداﺧل اﻟﺧطﺎب اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻷﺧﻼﻗﻲ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد‬
‫اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻧﻼﺣظ ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص‪ ،‬ﺣﯾث ﺑدا أن اﻟدﯾﻛﺗﺎﺗور ﻣدان أﺧﻼﻗﯾﺎ ً‬
‫وﺳﯾﺎﺳﯾﺎً‪ .‬ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻣدان ﺟﻣﺎﻟﯾﺎً‪ .‬وﻟﻌل اﻟﺳﺑب ﻓﻲ ذﻟك ﯾﻛﻣن ﻓﻲ أن اﻟﻧﻣذﺟﺔ‬
‫اﻟﻔﻧﯾﺔ ﺗﻧﮭض ﻣن طرح ﺷﺧﺻﯾﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻣﺗﻌددة اﻟﺟواﻧب‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن ﺧطﺎﺑﮭﺎ‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﯾﻐدو ﻣﺗﻌدد اﻟﺟواﻧب أﯾﺿﺎ ً‪ .‬ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ھذا اﻟﺧطﺎب ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﯾﻛون‬
‫ﻣﻔﺗوﺣﺎً‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺗﻘوﯾﻣﺎت ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ ،‬ﺑﺣﺳب طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ و اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‪،‬‬
‫وﻻﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻧﺻوص اﻟﺗﻲ ﺗطرح ﻧﻣوذج اﻟﻣﻌذب‪ ،‬واﻟﺗﻲ ﻻﺗﻔرض ﺗﻘوﯾﻣﺎ ً ﻣﺣددا ً‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻣوذج‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻷﻣر ﻓﯾﮫ ﻣﺧﺗﻠف ﻋن‬
‫اﻟﻣﺳﺗوﯾﯾن اﻟﺳﺎﺑﻘﯾن‪ ،‬ﻟﻠطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺟزﺋﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺻورة‪ ،‬ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﻹﺣﺎطﺗﮭﺎ ﺑﻛل‬
‫اﻟﺟواﻧب اﻟﺣﯾﺎﺗﯾﺔ ﺗﻘرﯾﺑﺎً‪ ،‬اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ﻣﻧﮭﺎ واﻟروﺣﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ واﻟﻌﻣﻠﯾﺔ‪،‬‬
‫ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى‪ .‬ﻓﻣن اﻟﻣﻌﻠوم أن ﻛل اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟوﺟود‪ ،‬ﯾﻣﻛن أن‬
‫ﺗﻛون ﻣﺎدة ﻟﻠﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﺗﺗﺷ ّﻛل ﻣﻧﮭﺎ ﻋﻧﺎﺻرھﺎ اﻟﺣﺳﯾﺔ‪ .‬وﻷن‬
‫طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺻورة ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟﺣﺳﻲ واﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻲ واﻟﺗﻘوﯾﻣﻲ‪ ،‬ﻓﺈن ذﻟك ﯾﻌﻧﻲ أن‬
‫اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺷﻛل ﻣﻧﮭﺎ اﻟﺻورة ھﻲ ﻋﻧﺎﺻر ﻗد ﺗم اﻹﺣﺳﺎس ﺑﮭﺎ‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ ﺗم‬
‫ﺗﻘوﯾﻣﮭﺎ‪ .‬وﯾﻣﻛن اﻟﺗوﻛﯾد أن ﺑﻧﺎء اﻟﺻورة ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻌﻧﺻر او ذاك‪ ،‬ھو ﻓﻲ اﺳﺎﺳﮫ‪،‬‬
‫ﻣوﻗف ﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣن اﻟﻌﻧﺻر وﻣن دﻻﻟﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﺻورة ﻣﻌﺎً‪ ،‬ﻛﻣﺎ ان اﻹﯾﺣﺎء اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 129 -‬‬
‫اﻟﻣﺗﺣﺻل ﻣﻧﮭﺎ ﯾﻧطوي ﻋﻠﻰ ﺗﻘوﯾم ﻣﺎ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺿرورة‪ .‬وﻣن ﺧﻼل اﻟﺗﻘوﯾم واﻹﯾﺣﺎء‪،‬‬
‫ﯾﺑرز ھذا اﻟﻧﺳﻖ أو ذاك ﻣن اﻟﺧطﺎب‪ .‬وﺑﻣﺎ أن اﻟﺣدﯾث‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬ﺣول‬
‫اﻟﺧطﺎب اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﺗوﻗف ﻋﻧد اﻟﻛﯾﻔﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺣﯾل ﺑﮭﺎ اﻟﺻورة ﻋﻠﻰ ھذا‬
‫اﻟﺧطﺎب‪.‬‬
‫ﯾﻘول ﺧﻠﯾل ﺣﺎوي‪:‬‬
‫ﻏﺑت ﻋﻧﻲ‪ ،‬واﻟﺛواﻧﻲ ﻣرﺿت‪.‬‬
‫ﻣﺎﺗت ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺑﻲ‪.‬‬
‫ﻓﻣﺎ دار اﻟﻧﮭﺎر‪،‬‬
‫‪ ...‬ﻟﯾﻠﻧﺎ ﻓﻲ اﻷرز ﻣن دھر ﺗراه؟‬
‫أم ﺗراه اﻟﺑﺎرﺣﺔ)‪(20‬‬
‫وﯾﻘول ﺳﻌدي ﯾوﺳف ﻓﻲ ﺻورة أﻛﺛر ﺗداﺧﻼً واﻣﺗداداً‪:‬‬
‫ﺗطﯾر اﻟﺣﻣﺎﻣﺎت ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟطﯾران‪ .‬اﻟﺑﻧﺎدق ﺗﺗﺑﻌﮭﺎ‪،‬‬
‫ﺗطﯾر اﻟﺣﻣﺎﻣﺎت ﺗﺳﻘط داﻓﺋﺔ ﻓوق أذرع ﻣن ﺟﻠﺳوا‬
‫ﻓﻲ اﻟرﺻﯾف ﯾﺑﯾﻌون أذرﻋﮭم‪ .‬ﻟﻠﺣﻣﺎﻣﺔ وﺟﮭﺎن‪:‬‬
‫اﻟﻧﺑﻲ‬
‫ّ‬ ‫اﻟﺻﺑﻲ اﻟذي ﻟﯾس ﯾؤﻛل ﻣﯾﺗﺎً‪ ،‬ووﺟﮫ‬
‫ّ‬ ‫وﺟﮫ‬
‫اﻟذي ﺗﺗﺄﻛّﻠﮫ ﺧطوة ﻓﻲ اﻟﺳﻣﺎء اﻟﻐرﯾﺑﺔ)‪(21‬‬
‫وﯾﻘول ﻣﺣﻣود دروﯾش‪:‬‬
‫ﻣرة أﺧرى‪ ،‬ﯾﻧﺎم اﻟﻘﺗﻠﮫ‬
‫ﺗﺣت ﺟﻠدي وﺗﺻﯾر اﻟﻣﺷﻧﻘﮫ‬
‫ﻋﻠَﻣﺎ ً او ﺳﻧﺑﻠﮫ‬
‫ﻓﻲ ﺳﻣﺎء اﻟﻐﺎﺑﺔ اﻟﻣﺣﺗرﻗﺔ)‪(22‬‬
‫وﯾﻘول ﻓﺎﯾز ﺧﺿور‪:‬‬
‫ﻻﺗﻠوﻣﻲ اﻟﻘﺎﻓﻠﮫ‬
‫واﺧﻠﻌﻲ ﻟون اﻟﺣداد‬
‫ﺣﻠﻣك اﻟﻣﺄﻣول ﻣﻘﺗول‪ ،‬وﻗﺗ ّﺎﻟوه ﯾﻐزون اﻟﺑﻼد‬
‫ﺷﯾّﻌﻲ اﻟﺟرﺣﻰ ﺑورد‪ ،‬ﻻزورد‪،‬‬
‫أي ﻋﺷب‪ ،‬ﻋﻧﺑر‪ ،‬رﻣل رﻣﺎد‪..‬‬
‫واﺳﺗﺷﯾري اﻟﺳﺎﺑﻠﮫ)‪.(23‬‬

‫‪- 130 -‬‬


‫ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أﻧﻧﺎ ﻟم ﻧﻘﺻد اﻹﺗﯾﺎن ﺑﺻور ﻓﻧﯾﺔ ﺗﺗﻣﺣور ﺣول اﻟﻔﺟﯾﻌﺔ‬
‫واﻷﺟواء اﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ إﻻ أﻧﮭﺎ‪ ،‬ﻋﻠﻰ أﯾﮫ ﺣﺎل‪ ،‬ﺗوﺟﮫ ﺣدﯾﺛﻧﺎ ﻓﻲ اﺗﺟﺎه ﻣﻌﯾن‪ ،‬وھو‬
‫ﻣوﻗف اﻟﺻورة ﻣن اﻟواﻗﻊ‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ﺗﻘوﯾﻣﮭﺎ ﻟﺑﻌض اﻟﻌﻧﺎﺻر ﻓﯾﮫ‪.‬‬
‫ﺗﻧﺣو ﺻورة ﺣﺎوي ﻧﺣو إداﻧﺔ اﻟﺛﺑﺎت واﻟﺳﻛوﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪ ،‬وذﻟك ﻣن‬
‫ﺧﻼل ﺗﺟﺳﯾد ﺟﻣﺎﻟﻲ ﻟﻠزﻣن اﻟذي ﯾﺑدو ﻋدﯾم اﻟﺣرﻛﺔ‪ ،‬ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﺷﺎﻋر‪ .‬وﻗد‬
‫اﻧطوت اﻟﺻورة ﻋﻠﻰ إﺣﺳﺎس واﺣد‪ ،‬ﻓﺣواه اﻟﻣوت‪ .‬ﻓﺎﻟﻐﯾﺎب واﻟﻣرض واﻟﻣوت‬
‫وﻋدم اﻟدوران أو اﻟﺣرﻛﺔ واﻟﺳﻛوﻧﯾﺔ اﻟﻣطﻠﻘﺔ ھﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻛون ﻣﻧﮭﺎ ھذه اﻟﺻورة‬
‫اﻟﺗﻲ اﺗﺧذت ﻣوﻗﻔﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً ﺳﻠﺑﯾﺎ ً ﻣﻧﮭﺎ‪ ،‬وھذا اﻟﻣوﻗف اﻟﺳﻠﺑﻲ ھو اﻟذي ﯾﺷﻛل إﯾﺣﺎءھﺎ‬
‫اﻟﻌﺎم وﺧطﺎﺑﮭﺎ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ أﯾﺿﺎً‪ .‬وﻟﻌل اﻟﻐﯾﺎب ‪-‬ﻏﯾﺎب اﻟﻣﻧﻘذ‪ -‬اﻟذي ﺗم ﺗﻘوﯾﻣﮫ‬
‫ﺗراﺟﯾدﯾﺎ ً ‪ -‬ﻗد اﻧﻌﻛس ﺳﻠﺑﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻷﺧرى‪ ،‬ﻓﺑدت ذات طﺑﯾﻌﺔ ﻣﻣﻠﺔ‬
‫ﻣﺿﺟرة‪ ،‬ﻓﺎﻟﺛواﻧﻲ ﻣرﯾﺿﺔ ﻣﯾﺗﺔ‪ ،‬واﻟﻧﮭﺎر راﻛد ﺳﺎﻛن‪ .‬ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻣﻖ اﻹﺣﺳﺎس ﺑﺗﻔﺎھﺔ‬
‫اﻟواﻗﻊ وﺑﺿرورة ﺗﺟﺎوزه‪ ،‬وﻟن ﯾﻛون ذﻟك إﻻ ﺑﻌودة اﻟﻐﺎﺋب اﻟﻣﻧﻘذ‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﻓﻲ ﺻورة ﺳﻌدي ﯾوﺳف‪ ،‬ﻓﺛﻣﺔ إﺣﺳﺎس واﺣد أﯾﺿﺎً‪ ،‬وﺗﻘوﯾﻣﺎت ﻋدة‪.‬‬
‫اﻟﻣﻘوﻣﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ اﻟﺟﻣﺎل ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻌﺎﻧﺎة ﺗراﺟﯾدﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮭﺎ‬ ‫ّ‬ ‫ﻓﺎﻟﺣﻣﺎﻣﺎت‬
‫ً‬
‫اﻟﻣﻘوﻣﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ اﻟﻘﺑﺢ واﻟﻔظﺎﻋﺔ ﻣﻌﺎ‪ .‬ﻓﺛﻣﺔ ﺻراع ﻏﯾر ﻣﺗﻛﺎﻓﺊ ﺑﯾن‬ ‫ّ‬ ‫ﺑﺎﻟﺑﻧﺎدق‬
‫اﻟﺟﻣﺎل واﻟﻘﺑﺢ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪ ،‬ﺑﺣﺳب اﻟﺻورة‪ .‬وﻣﺎﯾؤﻛد ذﻟك أن اﻟﺟﻣﺎل ‪-‬أو‬
‫اﻟﺣﻣﺎﻣﺎت‪ -‬ﯾﺳﻘط ﻣﯾﺗﺎً‪ ،‬ﻓوق ﺟﻣﺎل آﺧر ﻣﻌروض ﻟﻠﺑﯾﻊ‪ ،‬وھو اﻷذرع رﻣز اﻟﻌﻣل‬
‫اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ‪ ،‬أي أن اﻹﻧﺳﺎن ﻣﮭﺎن وﻣﺳﺗﻠب‪ ،‬وﻣﺟروح ﻓﻲ ﻗﯾﻣﺗﮫ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ‬
‫اﻟﺣﻣﺎﻣﺎت اﻟﻣﻼﺣﻘﺔ ﺑﺎﻟﺑﻧﺎدق‪ .‬وﻣﺎﯾﻠﻔت اﻻﻧﺗﺑﺎه ھﻧﺎ‪ ،‬أن اﻟﺣﻣﺎﻣﺎت إذ ﺗﺳﻘط‪ ،‬ﺗﺳﻘط‬
‫إﻟﻰ ﺟﺎﻧب ﺗﻠك اﻷذرع‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﯾوﺣﻲ ﺑﺄن ﺛﻣﺔ ﺗﻌﺎطﻔﺎ ً ﺑﯾن اﻟﺣﻣﺎﻣﺎت واﻷذرع )ﺗﺳﻘط‬
‫داﻓﺋﺔ( ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﺑﺄن ﻧﻘﯾض اﻟﺣﻣﺎﻣﺎت ھو ﻧﻔﺳﮫ ﻧﻘﯾض اﻷذرع‪ ،‬ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟذي أﺳﻘطﮭﺎ ﻛﺎن اﻟﺳﺑب ﻓﻲ إﺳﻘﺎط ﺗﻠك‪.‬‬
‫وﯾﺗﺎﺑﻊ اﻟﺷﺎﻋر ﺑﻠورة اﻟﻣوﻗف اﻟﺗراﺟﯾدي اﻟذي ﺗﻌﺎﻧﯾﮫ اﻟﺣﻣﺎﻣﺎت‪ .‬ﺣﯾث ﯾرى‬
‫أن ﻟﮭﺎ وﺟﮭﯾن اﺛﻧﯾن ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻧﺎﺗﮭﺎ‪ .‬وﺟﮫ اﻟﺑراءة اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ اﻟﻣﻘﺗوﻟﺔ )اﻟﺻﺑﻲ(‪ .‬ووﺟﮫ‬
‫اﻟﺣﻠم اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ اﻟﻣﺷرد واﻟﻣﺿﯾﱠﻊ )اﻟﻧﺑﻲ(‪.‬‬
‫وھو ﻣﺎﯾﺗﻛﺎﻣل وﻣﺎﺑدأﺗﮫ اﻟﺻورة‪ .‬أي أن اﻟوﺟﮫ اﻷول ﯾﺗﻛﺎﻣل وﺳﻘوط‬
‫اﻟﺣﻣﺎﻣﺎت‪ .‬وﯾﺗﻛﺎﻣل اﻟوﺟﮫ اﻟﺛﺎﻧﻲ وﺑﯾﻊ اﻷذرع‪.‬‬
‫إن ﻛل ذﻟك ﯾﺣدث ﻓﻲ ﻣﻛﺎن ﺑﻌﯾﻧﮫ‪ ،‬ھو ﺳﺎﺣﺔ اﻟطﯾران‪ ،‬أي ﺳﺎﺣﺔ اﻟواﻗﻊ‬
‫اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ اﻟذي ﺗﮭﯾﻣن ﻓﯾﮫ رﻣوز اﻟﻘﺑﺢ واﻟﻔظﺎﻋﺔ‪ ،‬وﯾﻧدﺣر ﻓﯾﮫ ﻛل ﻣﺎھو إﻧﺳﺎﻧﻲ‬
‫وﺟﻣﯾل‪ .‬وﺑﮭذا ﻓﺈن اﻟﺧطﺎب اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ ،‬ﻟﮭذه اﻟﺻورة‪ ،‬أوﺿﺢ ﻣن أن ﯾﺷﺎر‬
‫ﻋﻠﯾﮫ‪ .‬وﻟﻛن ﻣﺎﯾﻧﺑﻐﻲ ﺗوﻛﯾده ھو أن ھذا اﻟﺧطﺎب ﺟﺎء ﻣﺣﻣوﻻً ﻋﻠﻰ ﺧطﺎب ﺟﻣﺎﻟﻲ‬
‫أﻋم وأﺷﻣل‪.‬‬
‫وﺗﻠك ھﻲ اﻟﺣﺎل ﻓﻲ ﺻورﺗﻲ دروﯾش وﺧﺿور اﻟﻠﺗﯾن ﺗﺻدران ﻣن‬
‫اﻹﺣﺳﺎس اﻟﺗراﺟﯾدي ﻧﻔﺳﮫ‪ .‬ﺣﯾث ﯾﺗم ﺗﻘوﯾم اﻟﻘﺗﻠﺔ ﺑﺎﻟﻘﺑﺢ واﻟﻔظﺎﻋﺔ‪ ،‬وﯾﺗم ﺗﻘوﯾم اﻟﻐﺎﺑﺔ‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 131 -‬‬
‫اﻟﻣﺣﺗرﻗﺔ واﻟﺑﻼد‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺻورﺗﯾن‪ ،‬ﺑﺎﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ‪ .‬وﻣﺎﯾﻠﻔت اﻟﻧظر ﻓﻲ ﺻورة دروﯾش‬
‫ھو أن اﻟﻣﺷﻧﻘﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ اﻟﻘﺑﺢ ﺑذاﺗﮫ‪ ،‬ﻟﮭﺎ وﺟﮫ آﺧر‪ ،‬وھو اﻟﺑطوﻟﯾﺔ واﻟﺟﻣﺎل )ﻋﻠم‪،‬‬
‫ﺳﻧﺑﻠﺔ(‪ .‬أﻣﺎ أﻧﮭﺎ ﻗﺑﯾﺣﺔ‪ ،‬ﻓﻸﻧﮭﺎ رﻣز ﻟﻠطﻐﯾﺎن‪ ،‬وأﻣﺎ أﻧﮭﺎ ذات وﺟﮫ ﺑطوﻟﻲ وﺟﻣﯾل‪،‬‬
‫ﻓذﻟك ﻻﯾﻧﮭض ﻣﻧﮭﺎ‪ .‬ﺑل ﯾﻧﮭض ﻣن اﻟذﯾن ﯾﻌﻠّﻘون ﻋﻠﯾﮭﺎ‪ .‬أي أن ﻗﺑﺣﮭﺎ ﯾرﺗﺑط‬
‫ﺑﻌﻼﻗﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟطﻐﯾﺎن‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺣﯾن أن اﻟﺑطوﻟﯾﺔ ﻓﯾﮭﺎ ﺗرﺗﺑط ﺑﻌﻼﻗﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟﺷﺧﺻﯾﺎت‬
‫اﻟﻣﻧﺎﺿﻠﺔ اﻟﺑطوﻟﯾﺔ‪ .‬وﺑﮭذا ﻓﺈن اﻟﺧطﺎب اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﺷﻧﻘﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ‬
‫ﻣﺣور اﻟﺻورة‪ ،‬ھو ﺧطﺎب ﻣزدوج‪ :‬إداﻧﺔ اﻟطﻐﯾﺎن ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬واﻟﺛورة ﻋﻠﯾﮫ ﻣن‬
‫ﺟﮭﺔ أﺧرى‪.‬‬
‫وﻣﺎﯾﻠﻔت اﻟﻧظر أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ ﺻورة ﺧﺿور‪ ،‬ھو أن اﻟﻘﺗﻠﺔ إذا ﯾﻐزون اﻟﺑﻼد‬
‫ﺑﺎﻟﻘﺗل واﻟﮭﺗك‪ ،‬ﻻﯾﺳﺗطﯾﻌون اﻻرﺗﻔﺎع ﺑﺎﻟﻣوت إﻟﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻔﻧﺎء اﻟﻣطﻠﻖ‪ ،‬وﻟﮭذا ﻓﺈن‬
‫اﻟﺷﺎﻋر ﯾدﻋو إﻟﻰ ﺧﻠﻊ ﻟون اﻟﺣداد‪ ،‬ﻷن اﻟذﯾن ﻣﺎﺗوا أو ﻗُﺗﻠوا ﻟﯾﺳوا إﻻ ﺟرﺣﻰ‪ .‬وﻓﻲ‬
‫ھذا أﯾﺿﺎ ً ﺧطﺎب ﻣزدوج‪ :‬ﺗوﻛﯾد ﺗﻔﺎھﺔ اﻟﻘﺗﻠﺔ وﻋرﺿﯾﺗﮭم ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﺣﯾﺎة‪،‬‬
‫وﺗوﻛﯾد ﻋظﻣﺔ اﻟﺑﻼد اﻟﺗﻲ ﻻﺗﻣوت‪.‬‬
‫اﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟرﻣز اﻟﻔﻧﻲ‪ ،‬ﻓﺈن ﺗﻘﻧﯾﺔ اﻟرﻣز ﺗﻘﺗﺿﻲ اﻟﺗﻘوﯾم اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‬
‫اﻟﻣزدوج ﺣﯾث ﯾﺣﻣل اﻟرﻣز ﺗﻘوﯾﻣﺎ ً ﻟﻠﻣوﺿوع اﻟﻣر ّﻣز‪ ،‬وﺗﻘوﯾﻣﺎ ً ﻟﻺﺣﺎﻟﺔ اﻟرﻣزﯾﺔ‪،‬‬
‫ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬وﻟﻌل اﻟرﻣوز اﻷﺳطورﯾﺔ واﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﺗﻛون أوﺿﺢ اﻟرﻣوز ﻓﻲ‬
‫ذﻟك‪ .‬وﻧﻛﺗﻔﻲ ﺑﻣﻘﺑوس واﺣد‪ ،‬ﻟﻠدﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺧطﺎب اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻓﻲ اﻟرﻣز‪ .‬ﯾﻘول‬
‫اﻟﺳﯾﺎب‪:‬‬
‫اﻟﻣوت ﻓﻲ اﻟﺑﯾوت ﯾوﻟدُ‪،‬‬
‫ﯾوﻟد ﻗﺎﺑﯾل ﻟﻛﻲ ﯾﻧﺗزع اﻟﺣﯾﺎه‬
‫ﻣن رﺣم اﻷرض وﻣن ﻣﻧﺎﺑﻊ اﻟﻣﯾﺎه‪،‬‬
‫ﻓﯾُظﻠِم اﻟﻐ ُد‬
‫وﺗﺟﮭض اﻟﻧﺳﺎء ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺎزر‬
‫وﯾرﻗص اﻟﻠﮭﯾب ﻓﻲ اﻟﺑﯾﺎدر‪،‬‬
‫وﯾﮭﻠك اﻟﻣﺳﯾﺢ ﻗﺑل اﻟﻌﺎزر)‪(24‬‬
‫ﯾﻧطوي اﻟﻣﻘﺑوس ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺛﺔ رﻣوز‪ ،‬وھﻲ ﻗﺎﺑﯾل واﻟﻣﺳﯾﺢ واﻟﻌﺎزر‪ ،‬ﯾﺣﯾل ﻛل‬
‫ﻣﻧﮭﺎ ﻋﻠﻰ دﻻﻟﺔ وﺗﻘوﯾم وإﯾﺣﺎء‪ ،‬وﯾﺷ ّﻛل ﻗﺎﺑﯾل ﺑوﺻﻔﮫ ﻗﺑﯾﺣﺎ ً وﻓظﯾﻌﺎً‪ ،‬ﻣﺣور‬
‫اﻟﻣﻘﺑوس‪ .‬ﺣﯾث ﺗ ﱠﺧﯾم أﺟواؤه ﻋﻠﻰ ﻓﺿﺎء اﻟﻣﻘﺑوس ‪-‬واﻟﻧص ﺑﻣﺟﻣﻠﮫ‪ -‬وھو ﻣﺎﯾُﮭﻠك‬
‫رﻣز اﻟﺧﻼص )اﻟﻣﺳﯾﺢ( وﻣن ﺛم إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ اﻟﺣﯾﺎة )اﻟﻌﺎزر(‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن رﻣز ﻗﺎﺑﯾل ذو‬
‫ﺑﻌد اﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻧﻘﯾض ﻟﻠﯾﺣﺎة اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻣﺛﻠﮭﺎ رﻣزا اﻟﻣﺳﯾﺢ واﻟﻌﺎزر‪ .‬أﻣﺎ‬
‫اﻟﺗﻘوﯾم اﻟﻣزدوج ﻓﯾظﮭر‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻣوﻗف اﻟﺳﻠﺑﻲ ﻣن ﺷﺧﺻﯾﺔ ﻗﺎﺑﯾل اﻷﺳطورﯾﺔ‬
‫وﻣﺎﺗﻣﺛﻠﮫ ﻣن ﻗﯾم ﻻإﻧﺳﺎﻧﯾﺔ‪ .‬وﯾظﮭر ﻓﻲ اﻟﻣوﻗف اﻟﺳﻠﺑﻲ أﯾﺿﺎ ً ﻣن ﻗﺎﺑﯾل اﻟرﻣز اﻟذي‬
‫ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟدﯾﻛﺗﺎﺗور‪ .‬إن ھذا اﻟﻣوﻗف اﻟﺳﻠﺑﻲ ھو اﻟذي ﺟﻌل ﻣن ﻗﺎﺑﯾل ﻗﺑﯾﺣﺎ ً‬
‫‪- 132 -‬‬
‫وﻓظﯾﻌﺎً‪ .‬وﻷن ﻣﺣﺗوى رﻣز ﻗﺎﺑﯾل ھو ﻣﺣﺗوى اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ‪ -‬ﺳﯾﺎﺳﻲ‪ .‬ﻓﺈن ﺧطﺎب‬
‫اﻟرﻣز ﺑدا ﺧطﺎﺑﺎ ً أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎً‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﺻرﯾﺢ‪ ،‬وﻛذا ھﻲ اﻟﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﻣﺳﯾﺢ اﻟرﻣز‬
‫اﻟذي ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﺧﻼص اﻟﻣﺟ َﮭض‪.‬‬
‫وﻻﯾﺧﺗﻠف اﻷﻣر‪ ،‬ﻓﻲ ﻣﺳﺗوى اﻟﺗﻘوﯾم اﻟﺟزﺋﻲ اﻟﻣﺑﺎﺷر‪ ،‬ﻋن اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت‬
‫ﯾﻘوم اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء ﻣن‬ ‫اﻷﺧرى‪ ،‬ﻣن ﺣﯾث اﻟﺧطﺎب اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ ،‬إﻻ ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ّ‬
‫ﺧﻼل ﺟزﺋﯾﺔ ﻣن ﺟزﺋﯾﺎﺗﮭﺎ‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﻣﺑﺎﺷر‪ .‬وھذا اﻟﻣﺳﺗوى ﺷﺎﺋﻊ ﻓﻲ ﻣﺟﻣل‬
‫اﻟﻧﺻوص اﻟﺣداﺛﯾﺔ‪ ،‬ﺣﯾث ﺗﺗﻼﺣﻖ اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت اﻟﺟزﺋﯾﺔ ﻟﺗﻌطﻲ اﻧطﺑﺎﻋﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً ﻋﺎﻣﺎً‪،‬‬
‫ﻋن اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻣطروﺣﺔ‪ ،‬ﻛﺄن ﯾﻘول ﻧزﯾﮫ أﺑو ﻋﻔش‪:‬‬
‫إﻧﻧﺎ ﻧﺑﻛﻲ‪...‬‬
‫ﺣزﯾﻧون‪،‬‬
‫وﺣﯾدون‪،‬‬
‫ﺧراب‪،‬‬
‫ﻗﻣر ﯾذوي‪،‬‬
‫دﺧﺎن‪...‬‬
‫ﯾﻔر ﻣن ﻣﻼءة اﻟﻠﯾل اﻟذي ﯾﺑﻛﻲ‬ ‫ﻧﯾزك ﱡ‬
‫ﻣﮭﺟورة ﻗﻠوﺑﻧﺎ‬
‫ﻛﺣدوة اﻟﺣﺻﺎن ﻓوق ﺣﺟر ﯾﺑﻛﻲ‬
‫ﺗﺂﻛﻠت أرواﺣﻧﺎ ﻣن ﻛﺛرة اﻹھﻣﺎل واﻟﺳﯾر‪..‬‬
‫رﻣﺎ ٌد وﻗﺗﻧﺎ‪...‬‬
‫اﻷرض اﻟﺗﻲ ﻧطﻠب‬
‫ُ‬ ‫رﻣﺎ ٌد‬
‫اﻟﺳر‬
‫ﱠ‬ ‫أﻓﺷﯾﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻣرأى ﻣن اﻟﺧراﺑﺔ‬
‫وأﺧﻠدْﻧﺎ إﻟﻰ اﻹھﻣﺎل)‪(25‬‬
‫وإذا ﻣﺎأﺷرﻧﺎ‪ ،‬أﺧﯾراً‪ ،‬إﻟﻰ أن ﻛل ﺗﻠك اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﺗﺟﺗﻣﻊ ﻓﻲ ﻧص‬
‫ﺷﻌري واﺣد‪ ،‬ﻓﺈن ذﻟك ﯾؤﻛد أن ﻟﻠﺧطﺎب اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﺣﺿورا ً واﺿﺣﺎً‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ‪ .‬وﻻﻏراﺑﺔ ﻓﻲ ھذا‪ ،‬إذ إﻧﮫ ﺷﻌر ﯾﺗﺑﻧﻰ ﻗﺿﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬وھﻲ ﻗﺿﯾﺔ ﺗﺛوﯾر‬
‫اﻟواﻗﻊ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر‪ .‬ﺳواء أﻛﺎن ذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ أم اﻷﺧﻼﻗﻲ أم‬
‫اﻟﻔﻛري‪ .‬وﻣن ھﻧﺎ‪ ،‬ﻓﺈذا ﻣﺎﺑدا أن اﻟﺧطﺎب اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻟﮭذا اﻟﺷﻌر ھو ﺧطﺎب‬
‫ﻣﻌﺎرض‪ ،‬ﺑﻛل اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻻﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻓﻘط‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺳﺑب اﻟﺟوھري ﻓﻲ ذﻟك‬
‫ﯾﻛﻣن ﻓﻲ ﺗﻧﺎﻗض اﻟواﻗﻊ ﻣﻊ اﻟﻣﺛل اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﺟﻣﺎل ﻓﻲ اﻟﻔرد واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣﻌﺎً‪ ،‬ھذا‬
‫اﻟﻣﺛل اﻟذي ﺗﺷ ّﻛل اﻟﺣرﯾﺔ أﺣد أھ ّم ﺷروطﮫ‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ آﺧر‪ :‬إن اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺣداﺛﻲ اﻟذي‬
‫رأى ﻓﻲ اﻟﺷﻛل اﻟﺷﻌري اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﻗﯾدا ً ﻟﺣرﯾﺗﮫ اﻹﺑداﻋﯾﺔ‪ ،‬ﻗد رأى أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 133 -‬‬
‫ﯾﻘوﻣﮫ ﺗﻘوﯾﻣﺎ ً‬
‫اﻟﻧﺎﺟز ﻗﯾدا ً ﻟﻠﺣرﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﺟﻌﻠﮫ ّ‬
‫أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ً ﺳﻠﺑﯾﺎً‪ ،‬ﻓﻲ إطﺎر ﻣوﻗﻔﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻌﺎم ﻣﻧﮫ‪.‬‬
‫وﺗوﻛﯾدا ً ﻟﺗﻘﺎطﻊ اﻟﺧطﺎب اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻣﻊ اﻟﺧطﺎب اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻧﺗوﻗف ﺑﺎﻟﺗﺣﻠﯾل ﻋﻧد ﻧص ﻻﯾﺑدو أن ﻟﮫ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﺧطﺎب اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ .‬وھو‬
‫ﻗﺻﯾدة >>ﺛﻠﺞ<< ﻷﺣﻣد ﻋﺑد اﻟﻣﻌطﻲ ﺣﺟﺎزي‪ ،‬اﻟﺗﻲ ﯾﺟﺳد ﻓﯾﮭﺎ ﻟﺣظﺔ ھطول‬
‫اﻟﺛﻠﺞ‪ ،‬واﻻﻧدھﺎش اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﻠﻘّﯾﮫ‪ ،‬وﻣﺎﯾوﺣﻲ ﺑﮫ ذﻟك >>اﻟﻧدﯾف اﻟذي ﻛﺎن ﯾﮭطل‬
‫ﻣﺗﺋداً<<‪ .‬ﯾﻘول‪:‬‬
‫اﻟﺑﯾﺎض ﻣﻔﺎﺟﺄة‪،‬‬
‫ﻋرﯾت ﻧﺎﻓذﺗﻲ‬‫ﺣﯾن ﱠ‬
‫ﺷدﱠﻧﻲ ﻣن ﻣﻧﺎﻣﻲ‬
‫اﻟﻧدﯾف‬
‫ُ‬
‫اﻟذي ﻛﺎن ﯾﮭطل ﻣﺗﺋداً‬
‫ﻣﺎﻧﺣﺎ ً ﻛ ﱠل ﺷﻲء ﻧﺻﺎﻋﺗﮫ‬
‫اﻟﺷﻔﯾف‬
‫ْ‬ ‫وﻣداه‬
‫ﺷدّﻧﻲ‬
‫رﻓﯾف‬
‫ْ‬ ‫دواﻣﺔ ﻣن‬
‫ﻛﺎن ﱠ‬
‫ﺟذﺑﺗﻧﻲ ﻟﮭﺎ‪ ،‬ﻓرﺣﻠﻧﺎ ﻣﻌﺎ ً واﻧطﻠﻘﻧﺎ‬
‫ﻧرﻓرف ﻣن ﻏﯾر ظ ِ ّل‬
‫وﻧرﻗص ﺑﯾن اﻟﺻﻌود وﺑﯾن اﻟﮭﺑوط )‪(26‬‬
‫ﺛﻣﺔ ﻟﺣظﺔ ﻣن أﺷد اﻟﻠﺣظﺎت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻛﺛﺎﻓﺔ‪ .‬ﺣﯾث ﺗذھل اﻟذات ﻋن‬
‫ﻣﺷﺎﻏﻠﮭﺎ‪ ،‬ﺣﯾن ﯾﻔﺎﺟﺋﮭﺎ ﻣﺷﮭد اﻟﺛﻠﺞ اﻟذي راح ﯾﻠون اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺎﻷﺑﯾض‪ ،‬ﻛﺎﺷﻔﺎ ً ﻋن‬
‫ﻧﺻﺎﻋﺔ اﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬أو ﺟوھرھﺎ اﻟﺣﯾوي‪ .‬وﺣﯾن ﯾﺗﻛﺷف ذﻟك اﻟﺟوھر‪ ،‬أﻣﺎم اﻟذات‪،‬‬
‫ﺗﺟد ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻣﺄﺧوذة ﺑﻠطﺎﻓﺔ ﻛل ﺷﻲء‪ .‬وھو ﻣﺎﯾدﻓﻌﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺗﻧﺎﻏم ﻣﻊ ﺣرﻛﺔ اﻟﺛﻠﺞ‬
‫اﻟﻣﺗراﻗﺻﺔ‪ ،‬واﻟﻣﻌﺑرة ﻋن اﻟﻔرح اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ‪ .‬ﻟﻘد اﻧﺟذﺑت اﻟذات إﻟﻰ اﻟﺛﻠﺞ‪ ،‬ﺗﺎرﻛﺔ‬
‫وراءھﺎ أﻋﺑﺎءھﺎ اﻟﯾوﻣﯾﺔ )ﻣن ﻏﯾر ظل(‪ ،‬وﻣﺗﻣﺛﻠﺔ اﻟﺛﻠﺞ ﻓﻲ ﺣرﻛﺗﮫ اﻟﺻﺎﻋدة‬
‫اﻟﮭﺎﺑطﺔ‪ ،‬ﻓﻘﺎدھﺎ ھذا اﻟﺗﻣﺛل إﻟﻰ اﻛﺗﺷﺎف اﻟﺟﻣﺎل ﻣن ﺣوﻟﮭﺎ‪:‬‬
‫ﯾراودﻧﺎ اﻟﻌﺷب‪،‬‬
‫واﻟﺷﺟرات اﻟﻌراﯾﺎ‪،‬‬
‫وﻣﺗﻛﺂت اﻟﻧواﻓذ واﻟﺷرﻓﺎت‬
‫وأﯾدي اﻟﺻﻐﺎر وأﯾدي اﻟﺗﻣﺎﺛﯾل‬

‫‪- 134 -‬‬


‫اﻟﺳﻘوف‬
‫ْ‬ ‫واﻟﻛﺎﺋﻧﺎت اﻟﻣطﻠّﺔ ﺣول‬
‫ﺑﯾﺎﺿﺎ ً ﺗﻘ ﻠﱠب ﻓﻲ ذاﺗﮫ‬
‫ﻛرﻓوف ﻣن اﻟﺑﺟﻌﺎت ﻋﻠﻰ ﻧﺑﻊ ﻣﺎء‬
‫ﺳﺣن ﺷﮭﺑﺔ اﻋﻧﺎﻗﮭن اﻟطوال‬ ‫ﯾﻣ ّ‬
‫اﻟورﯾف) ‪(27‬‬
‫ْ‬ ‫ﻋﻠﻰ رﯾش أﺟﺳﺎدھنﱠ‬
‫ﻓﺣﯾن اﻧدﻏﻣت اﻟذات ﺑﺣرﻛﺔ اﻟﺛﻠﺞ‪ ،‬ﺷﻌرت ﺑﺄن ﻛل ﺷﻲء ﯾﺗﻘﻠب ﺑﯾﺎﺿﺎ ً ﻓﻲ‬
‫ذاﺗﮫ‪ .‬ﺣﯾث اﻟﻌﺷب واﻟﺷﺟر اﻟﻌﺎري‪ ،‬واﻟﺑﯾوت واﻟﺻﻐﺎر‪ ،‬وﺗﻣﺎﺛﯾل اﻟﺛﻠﺞ‪ ،‬واﻟﺻﺑﺎﯾﺎ‬
‫اﻟﺟﻣﯾﻼت‪ .‬ﺑﻛﻠﻣﺔ أﺧرى‪ :‬إن ﺟﻣﺎل اﻟﺛﻠﺞ ﻛﺷف ﻋن رﻏﺑﺔ اﻟذات ﻓﻲ ﺷﯾوع اﻟﺟﻣﺎل‪،‬‬
‫ﻣﺛﻠﻣﺎ ﻛﺷف ﻋن ﻧﺻﺎﻋﺔ ﻛل ﺷﻲء‪ ،‬وﻟﻛن‪:‬‬
‫ﺛم أﺷرﻗت اﻟﺷﻣس ﻣن ﻓوﻗﻧﺎ‬
‫ﻓﺳﻘطﻧﺎ ﻣﻌﺎ ً‬
‫واﻧﺣﻠﻠﻧﺎ ﻣﻌﺎ ً‬
‫ﻓﻲ رﺗﺎﺑﺔ ھذا اﻟﺳواد اﻷﻟﯾف)‪(28‬‬
‫ﻣﺛﻠﻣﺎ ھطل اﻟﺛﻠﺞ ﻓﺟﺄة‪ ،‬أﺷرﻗت اﻟﺷﻣس ﻓﺟﺄة‪ ،‬وﻣﺛﻠﻣﺎ أﺣّﺳت اﻟذات ﺑﺎﻟﺟﻣﺎل‬
‫ﺑﺷﻛل ﻣﻔﺎﺟﺊ ﺳﻘطت واﻧﺣﻠّت ﻓﻲ رﺗﺎﺑﺔ اﻟﻘﺑﺢ اﻷﻟﯾف!‪.‬‬
‫ﺗﻠك ھﻲ اﻟﻘﺻﯾدة ﻛﺎﻣﻠﺔ‪ ،‬وذﻟك ھو ﺟوھﺎ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬ﺣﯾث ﺗﻣ ﱠﻛن ﺣﺟﺎزي ﻣن‬
‫أن ﯾﻧﻘل اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ إﻟﻰ ﻟﺣظﺔ ﻣن أﺟﻣل اﻟﻠﺣظﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺑدى ﺑﮭﺎ اﻟطﺑﯾﻌﺔ‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن‬
‫اﻟﻧص ﯾﻧﮭض ﻣن اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻟﻠظﺎھرة اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ‪ ،‬ﻏﯾر أﻧﮫ ﯾﻌﯾد إﻧﺗﺎﺟﮭﺎ ﺑﻣﺎ ﯾﺗﻼءم‬
‫واﻟذات اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ .‬وھو ﻣﺎﺟﻌﻠﮭﺎ ﺗﻧطوي ﻋﻠﻰ إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ إﯾﺣﺎﺋﯾﺔ ﻛﺑﯾرة‪ ،‬ﻻﯾﺳﺗوﻋﺑﮭﺎ‬
‫ﻣﺷﮭد اﻟﺛﻠﺞ اﻟطﺑﯾﻌﻲ‪ .‬وﻣن ذﻟك‪ ،‬ﯾﻣﻛن ﻟﻠﻧص أن ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﺣﻠم اﻟﺟﻣﯾل‪ ،‬أو‬
‫اﻟﻌﺷﻖ اﻟﻣﻔﺎﺟﺊ‪ ،‬أو ﻟﺣظﺔ اﻟﺻﻔﺎء اﻟﻧﻔﺳﻲ واﻟروﺣﻲ‪ ،‬أو ﻟﺣظﺔ اﻻﻧﺳﺟﺎم ﻣﻊ‬
‫اﻟوﺟود‪ ،‬أو ﻟﺣظﺔ اﻟﺗﻔﺎؤل اﻟﻣطﻠﻖ‪ ..‬إﻟﻰ آﺧر ﻣﺎھﻧﺎﻟك ﻣن اﺣﺗﻣﺎﻻت إﯾﺣﺎﺋﯾﺔ ﻣﻣﻛﻧﺔ‪.‬‬
‫ﻏﯾر أﻧﮭﺎ ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﺗﻧط ﻠﻖ ﻣن ھﺎﺟس روﺣﻲ أﺳﺎﺳﻲ‪ ،‬وھو اﻟرﻏﺑﺔ اﻟﻣﻠﺣﺔ ﻓﻲ ﺷﯾوع‬
‫اﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ‪ ،‬وﺗﻌﺎرض ھذه اﻟرﻏﺑﺔ ﻣﻊ اﻟﺷﻛل اﻟﺳﺎﺋد اﻟرﺗﯾب )اﻟﺳواد اﻷﻟﯾف(‬
‫ﻧﻔﺳﯾﺎ ً أو روﺣﯾﺎ ً أو اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺎ ً أو ﻛﻠﮭﺎ ﻣﻌﺎً‪.‬‬
‫ﻟﻘد ﺑدت اﻟﺷﻣس‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧص ﻗﺑﯾﺣﺔ ﻛرﯾﮭﺔ‪ .‬إﻧﮭﺎ ﺷﻣس ﺳوداء‪ ،‬ﻻﺗﺷرق إﻻ‬
‫ﻣن أﺟل ﺗﻌﻣﯾﻖ اﻟﺳواد اﻷﻟﯾف‪ ،‬أو اﻟﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟﯾوﻣﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ واﻗﻊ اﻟﻘﺑﺢ‪ .‬ﻋﻠﻰ ﺣﯾن أن‬
‫اﻟﺛﻠﺞ ﺑدا ﺟﻣﯾﻼً راﺋﻌﺎً‪ ،‬وذﻟك أﻧﮫ ﻗد أﺧرج اﻟذات ﻣن رﺗﺎﺑﺔ اﻟﺳواد اﻟذي ﺗﻔرزه‬
‫اﻟﺷﻣس ﺑﺷﻛل ﻣﺳﺗﻣر وطﺎغ‪ .‬وﯾﻣﻛن اﻟﻘول إن رﻣز اﻟﺷﻣس ﯾﻠﻘﻲ ﺿوءا ً ﻛﺎﺷﻔﺎ ً ﻋﻠﻰ‬
‫أﺳﺑﺎب ذﻟك اﻟﻔرح اﻟﻣﻔﺎﺟﺊ ﺑﺎﻟﺛﻠﺞ‪ ،‬ﻓﻠو ﻟم ﯾﻛن ﺛﻣﺔ ﻣﻌﺎﻧﺎة ذاﺗﯾﺔ ‪-‬اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ ،‬ﻣن‬
‫ھﯾﻣﻧﺔ اﻟﻘﺑﺢ‪ ،‬ﻟﻣﺎ ﻛﺎن ذﻟك اﻟﻔرح اﻟﻣذھل ﺑﺎﻟﺟﻣﺎل‪ ،‬وﻟو ﻟم ﺗﺣس اﻟذات ﺑﺷروق اﻟﻘﺑﺢ‬
‫اﻟداﺋم‪ ،‬ﻟﻣﺎ ﻓرﺣت ﺑﺷروق اﻟﺟﻣﺎل اﻟﻣﻔﺎﺟﺊ‪ ،‬اﻟذي ﯾﻌﻧﻲ ﻏروب اﻟﻘﺑﺢ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﯾﮭﺎ‪.‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 135 -‬‬
‫وﺑﮭذا‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻧص ﯾﺳﻌﻰ إﻟﻰ ﺗﻌﻣﯾﻖ اﻹﺣﺳﺎس ﺑﺎﻟﺟﻣﺎل‪ ،‬ﺑﻘدر ﻣﺎﯾﺳﻌﻰ إﻟﻰ ﺗﻌﻣﯾﻖ‬
‫اﻹﺣﺳﺎس ﺑﺿرورة ﻧﻔﻲ اﻟﻘﺑﺢ وإزاﻟﺗﮫ‪ ،‬وھو ﻣﺎﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ أن ذﻟك اﻟﺛﻠﺞ ھو‬
‫>>ﺛﻠﺞ<< اﻟذات اﻟﺟﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻓﻲ واﻗﻊ اﻟﻘﺑﺢ‪ ،‬ﻣﻌﺎﻧﺎة ﺗراﺟﯾدﯾﺔ‪ ،‬وأن ﺗﻠك‬
‫اﻟﺷﻣس ھﻲ >>ﺷﻣس<< اﻟﺳﻠطﺔ أو اﻟﻘﻣﻊ‪ ،‬أو اﻟﻛﺑت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ )ورﺑﻣﺎ ﺗﻛون‬
‫ھﻲ رﻣز اﻷب‪ ،‬ﻣن وﺟﮭﺔ ﻧظر ﻧﻔﺳﯾﺔ(‪ .‬وﻣن ھﻧﺎ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺷﻣس ﻗد أﺷرﻗت )ﻣن‬
‫ﻗوﻗﻧﺎ( أﻣﺎ اﻟﺛﻠﺞ‪ ،‬ﻓﻘد اﻧﺑﺛﻖ ﻣن داﺧل اﻟذات )ﺷدﻧﻲ ﻣن ﻣﻧﺎﻣﻲ اﻟﻧدﯾف(‪ .‬ﻓﺎﻟﺗﻧﺎﻗض‬
‫اﻟﻣﺟﺎزي ﺑﯾن اﻟﺷﻣس واﻟﺛﻠﺞ‪ ،‬ﯾﻧﮭض‪ ،‬إذاً‪ ،‬ﻣن اﻟﺗﻧﺎﻗض اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﺑﯾن اﻟﺟﻣﺎل واﻟﻘﺑﺢ‬
‫أو ﺑﯾن اﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬واﻟﻘﻣﻊ واﻟﺳﻛوﻧﯾﺔ ﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ‪.‬‬
‫وﺑﻣﺎ أن اﻟﻧص ﯾﻧﮭض ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً ﻣن ذﻟك اﻟﺗﻧﺎﻗض‪ ،‬ﻓﻘد ﺟﺎءت ﺑﻧﯾﺗﮫ اﻟﻔﻧﯾﺔ‬
‫ﻣﺗﻣﺣورة ﺣول اﻟﺗﻧﺎﻗض واﻟﺗﻌﺎرض‪ .‬ﺣﯾث ﻧﻠﺣظ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺑدء أن ﺛﻣﺔ ﺳﻘوطﺎ ً ﻣﻔﺎﺟﺋﺎ ً‬
‫ﻟﻠﺳواد )وھو ﺳﻘوط ﻏﺎﺋب ﻋن اﻟﻧص(‪ ،‬ﯾﻘﺎﺑﻠﮫ ﺻﻌود ﻣﻔﺎﺟﺊ ﻟﻠﺑﯾﺎض‪ .‬ﻣﻣﺎ ﯾﺳﺗﺗﺑﻊ‬
‫ﺗﻌرﯾﺔ اﻟﻧﺎﻓذة ﻣن اﻟﺳﺗﺎﺋر اﻟﺗﻲ ﺗﺣﺟب اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺧﺎرﺟﻲ ﻋن اﻟﻐرﻓﺔ‪ ،‬وﺧروج اﻟذات‬
‫ﻣن ﻣﻧﺎﻣﮭﺎ او ﺳوادھﺎ اﻷﻟﯾف‪ .‬ﻟﯾﺻل اﻟﻧص إﻟﻰ إﺷﺎﻋﺔ ﺟو ﺻرف ﻣن اﻟﻔرح‬
‫اﻷﺑﯾض اﻟذي ﻻﯾﻌ ّﻛره أي ﻋﻧﺻر أﺳود‪ .‬أي ﯾﻐﯾب اﻟﺳواد ﻏﯾﺎﺑﺎ ً ﺗﺎﻣﺎً‪ ،‬وﯾﺣﺿر‬
‫اﻟﺑﯾﺎض ﺣﺿورا ً ﺗﺎﻣﺎ ً أﯾﺿﺎً‪ .‬وﻓﻲ ذروة ھذا اﻟﺣﺿور‪ ،‬ﺣﯾث اﻟﺻﺑﺎﯾﺎ‪ -‬اﻟﺑﺟﻌﺎت‪،‬‬
‫ﯾﺑدأ ﻏﯾﺎب اﻟﺑﯾﺎض‪ ،‬وﺣﺿور اﻟﺳواد‪ ،‬أو ﯾﻧﺣ ﱡل اﻟﺑﯾﺎض ﻓﻲ رﺗﺎﺑﺔ اﻟﺳواد اﻷﻟﯾف‬
‫اﻟذي ﯾﻐدو ھو اﻷوﺣد ﻓﻲ اﻟﻣﺷﮭد اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻷﺧﯾر ﻣن اﻟﻧص‪ .‬وﺑﮭذا‪ ،‬ﻓﻠﺣظﺔ‬
‫اﻟﺷروق ھﻲ ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻟﺣظﺔ اﻟﻐروب ﻓﻲ اﻟﺣﺎﻟﺗﯾن‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ أن وﺟود ھذا ﯾﻠﻐﻲ‬
‫ﺑﺎﻟﺿرورة وﺟود ذاك‪.‬‬
‫ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أن ﺛﻣﺔ ﺗﻧﺎﻗﺿﺎ ً ﺑﯾن اﻟﺑﯾﺎض واﻟﺳواد‪ ،‬واﻟﺛﻠﺞ واﻟﺷﻣس‪،‬‬
‫واﻟﺣﯾوﯾﺔ واﻟرﺗﺎﺑﺔ ﻓﺈن ﺛﻣﺔ اﻧﺳﺟﺎﻣﺎ ً وﺗﻧﺎﻣﯾﺎ ً ﺑﯾن اﻟﺛﻠﺞ‪ ،‬وﺑﻘﯾﺔ اﻷﺷﯾﺎء‪ .‬ﻓﺎﻟذات ﻗد‬
‫وﺗﻌرت ھﻲ ﻣن ﻣﻧﺎﻣﮭﺎ‪ ،‬وﻣن ظﻠﮭﺎ ‪-‬أو ﻣﻌﺎﻧﺎﺗﮭﺎ‪ -‬وﺛﻣﺔ اﻟﻌﺷب اﻟذي‬ ‫ّ‬ ‫ﻋرت اﻟﻧﺎﻓذة‪،‬‬‫ّ‬
‫)ﯾراودﻧﺎ( أو اﻟذي ﯾﺗﻌرى‪ ،‬وﯾدﻋوﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﺗﻌري أﯾﺿﺎً‪ ،‬وﺛﻣﺔ اﻟﺷﺟرات اﻟﻌراﯾﺎ‪،‬‬
‫واﻟﺻﺑﺎﯾﺎ اﻟﻠواﺗﻲ ﯾﻛﺷﻔن ﻋن ﺷﮭﺑﺔ أﻋﻧﺎﻗﮭن‪ ،‬واﻟﻛﺎﺋﻧﺎت اﻟﻣطﻠﺔ )أي ﻏﯾر اﻟﻣﺗﺣﺟﺑﺔ(‬
‫وﻗﺑل ﻛل ذﻟك‪ ،‬ﻛﺎن اﻟﺛﻠﺞ ﻗد اﻧﻛﺷف ﺑﺷﻛل ﻣﻔﺎﺟﺊ‪.‬‬
‫إن ھذه اﻟﺟوﻗﺔ اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ واﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻌرى ﻣﻣﺎ ﯾﺧﻔﻲ ﺟوھرھﺎ‪ ،‬ﺗﻌزف‬
‫أﻧﺷودة اﻟﺟﻣﺎل اﻟﺗﻲ ﯾﺑدﻋﮭﺎ اﻟﺛﻠﺞ‪ ،‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟﺛﻠﺞ ھو اﻟذي ﯾﻘود ﺣرﻛﺔ اﻟﻌري أو‬
‫اﻟﺻﻔﺎء اﻟروﺣﻲ‪ .‬ﻓﺛﻣﺔ‪ ،‬إذن‪ ،‬ﺗﻧﺎﻏم واﻧﺳﺟﺎم ﺑﯾن ﺣرﻛﺔ اﻟﺛﻠﺞ وﺣرﻛﺔ اﻷﺷﯾﺎء ﺗﺟﺎه‬
‫اﻟﻌري‪ .‬وھذا اﻟﺗﻧﺎﻏم ﻓﻲ اﻟﺣرﻛﺔ ھو اﻟذي ﺟﻌل اﻟﻧص ﯾﻘول >>ﺛم أﺷرﻗت‬
‫اﻟﺷﻣس<<‪ .‬ﻓﺎﻹﺷراق ھو اﻹﻧﻛﺷﺎف أو اﻟﺗﻌري‪ .‬وﻟﻛن ھذا اﻟﺗﻌري ھو ﺗﻌري‬
‫اﻟﻘﺑﺢ‪ ،‬أو ﺗﺑدّﯾﮫ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﯾﻘﺗﮫ‪ .‬ﻓﺣرﻛﺔ اﻟﺛﻠﺞ ﻟم ﺗﻛﺷف ﻋن ﺟوھر اﻟﺟﻣﺎل ﻓﻲ اﻷﺷﯾﺎء‬
‫ﻓﺣﺳب‪ .‬ﺑل ﻛﺷﻔت أﯾﺿﺎ ً ﻋن ﺟوھر اﻟﻘﺑﺢ ﻓﻲ اﻟﺷﻣس ﺑوﺻﻔﮭﺎ رﻣزاً ﻟﻛل ﻣﺎھو‬
‫ﺟﺎﺋر‪.‬‬
‫واﺿﺢ أن اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘف وراء ھذا اﻟﻧص‪ ،‬ھﻲ ﺗﺟرﺑﺔ ﺣﺳﯾﺔ‬
‫اﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﺗﻣظﮭرت ﺑﺷﻛل ﺣﺳﻲ اﻧﻔﻌﺎﻟﻲ ﺻوري‪ .‬وھو ﻣﺎﺟﻌﻠﮭﺎ ﺗﺣﺗﻣل ﻋدة أﻧﺳﺎق‬
‫‪- 136 -‬‬
‫ﻣن اﻟﺧطﺎب‪ :‬ﻧﻔﺳﻲ‪ ،‬وروﺣﻲ‪ ،‬وﺳﯾﺎﺳﻲ‪ ،‬وﺟﻣﺎﻟﻲ ‪-‬ﺷﻛﻠﻲ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﺟﻌﻠﮭﺎ ﺗﺣﺗﻣل ﻋدة‬
‫إﯾﺣﺎءات ﺑﺎﻟرﻏم ﻣن ﺻدورھﺎ ﻣن ھﺎﺟس ﻣوﺣد‪ .‬وﻧﺣن ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬ﻧود‬
‫اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن اﻟﺧطﺎب اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ‪ -‬اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻟﯾس ﻋرﺿﯾﺎ ً ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص‪ .‬ﺑل‬
‫إن ﻟﮫ ﺷرﻋﯾﺗﮫ اﻟﺗﻲ ﻻﯾﻣﻛن ﺗﺟﺎوزھﺎ‪ .‬وﻗد ﺗﺑدى ذﻟك ﻓﻲ ﻣوﻗف اﻟﻧص ﻣن اﻟﻘﺑﺢ‬
‫اﻟذي ﺑﺎت أﻟﯾﻔﺎً‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة اﻟﯾوﻣﯾﺔ‪ ،‬وﻓﻲ ﻣوﻗﻔﮫ ﻣن اﻟﺟﻣﺎل اﻟذي ﯾﺗﻌرض ﻟﻠﺳﻘوط‬
‫واﻻﻧﺣﻼل‪ ،‬ﻓﻲ رﺗﺎﺑﺔ اﻟﻘﺑﺢ أو اﻟﺳواد اﻷﻟﯾف‪ .‬وھذا اﻟﺟﺎﻧب ﻛﻣﺎ ﯾﻠﺣظ اﻟﻘﺎرئ ھو‬
‫اﻷﺳﺎس ﻓﻲ رؤﯾﺎ اﻟﻧص اﻟﻛﻠﯾﺔ‪ ،‬وإن ﺑدا اﻟﻧص أن ﻻﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ ﺑﻣﺎ ھو أﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪،‬‬
‫ﺑﺷﻛل ﻣﺑﺎﺷر‪.‬‬

‫اﻷﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ ﺑﻮﺻﻔﮭﺎ ﻧﺼﺎ ً‪:‬‬


‫ﻟﻘد درﺳﻧﺎ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻔﻘرة اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ‪ ،‬اﺷﺗﻣﺎل اﻟﺧطﺎب اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﺧطﺎب اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ ،‬ﻣن دون أن ﯾﺗﺣول اﻟﻧص اﻟﺷﻌري إﻟﻰ أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‪.‬‬
‫وذﻟك ﺑﺎﻹﻧطﻼق ﻣن أن اﻟﻧص ﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬وﻋن اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‬
‫اﻟﻌﺎم ﻟﻠﻣﺑدع‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن ﺗﻘﺎطﻊ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣﻊ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﯾﻛﺎد ﯾﻛون ﺑدھﯾﺎً‪ .‬وﻻﺳﯾﻣﺎ‬
‫ﻓﻲ ﺣرﻛﺔ ﺷﻌرﯾﺔ ﺗﺗﺑﻧﻰ ﻗﺿﯾﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ وﺣﺿﺎرﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬ﻛﺣرﻛﺔ اﻟﺣداﺛﺔ‪ .‬ﻏﯾر أن‬
‫ھذه اﻟﻘﺿﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗم اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋﻧﮭﺎ ﺑﺷﻛل ﺷﻌري راق‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻧﺻوص‬
‫اﻟﺣداﺛﯾﺔ‪ ،‬ﻛﺎن ﻟﮭﺎ اﻧﻌﻛﺎس ﺳﻠﺑﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻧﺻوص أﯾﺿﺎً‪ .‬وﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﻛﺎن‬
‫ذﻟك ﯾﻌود إﻟﻰ طﺑﯾﻌﺔ ﻓﮭم اﻟوظﯾﻔﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر‪ ،‬واﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ‪ .‬ﻓﮭل ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺷﻌر أن ﯾﻧﮭض ﺑﮭذه اﻟوظﯾﻔﺔ ﺑﺷﻛل ﻣﺑﺎﺷر‪ ،‬أو ﻋﻠﯾﮫ أن ﯾﻧﮭض ﺑوظﯾﻔﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ‪-‬‬
‫روﺣﯾﺔ‪ ،‬ﺗﺣﯾل ﺑﮭذا اﻟﻧﺣو أو ذاك‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻣﺎھو اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ وأﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن ﻓﮭم‬
‫وظﯾﻔﺔ اﻟﺷﻌر ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ وظﯾﻔﺔ أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ أوﻻً وأﺧﯾراً‪ ،‬ﻗد أدى إﻟﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﺷﻌري‪،‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻧﺻوص‪ ،‬وإﺛﺑﺎت اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻓﯾﮭﺎ‪ .‬وھو ﻣﺎ ﻋﻧﯾﻧﺎه ﺳﺎﺑﻘﺎً‪ ،‬ﻣن أن‬
‫اﻟﻧﺛرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر‪ ،‬ھﻲ ﺣﺻﺎن طروادة اﻟذي ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎ ﺗﺳﺗﺧدﻣﮫ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‬
‫ﻟﻠﮭﯾﻣﻧﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻌر‪ ،‬ﻣن أﺟل ﺗوظﯾﻔﮫ‪ ،‬ﻓﻲ ﺻراﻋﮭﺎ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ .‬وﻻﯾﻛون ﻟﮭﺎ ذﻟك‪،‬‬
‫إﻻ إذا ﺗﺧﻠﻰ اﻟﺷﺎﻋر ﻋن ﻣوﻗﻌﮫ ﺑوﺻﻔﮫ ﺷﺎﻋراً‪ ،‬ﻟﯾﺟﻠس ﻋﻠﻰ ﻛرﺳﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ أو‬
‫اﻟﻣﻧظر أو اﻟواﻋظ‪ .‬ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن اﻟﻧﺛرﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺷﻌر‪ ،‬ﻻﺗﺄﺗﯾﮫ ﻣن اﻟﮭﯾﻣﻧﺔ‬‫ّ‬
‫اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ وﺣﺳب‪ .‬ﺑل ﺗﺄﺗﯾﮫ أﯾﺿﺎً‪ ،‬وﻓﻲ اﻷﺳﺎس‪ ،‬ﻣن اﻻﻧﺣراف ﻋن طﺑﯾﻌﺔ‬
‫اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬وﻋن اﻟوﻋﻲ اﻟذي ﯾﻧظﻣﮭﺎ أﯾﺿﺎً‪ ،‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟﻧﺛرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧص‬
‫اﻟذي ﻣن اﻟﻣﻔﺗرض أن ﯾﻛون ﺷﻌرﯾﺎً‪ ،‬ﺗﻧﮭض ﻣن اﻻﻧﺣراف ﻓﻲ اﻟﺗﺟرﺑﺔ واﻟوﻋﻲ‬
‫اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﯾن‪ .‬وﯾﻧﻌﻛس ھذا اﻻﻧﺣراف ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﻧﻌﻛس ﻓﻲ اﻟﺻورة‬
‫واﻟﺗﻘوﯾم واﻟﻣﻧطﻖ اﻟﻌﺎم ﻟﻠﻧص‪ .‬وﻧرى أن درﺟﺔ اﻻﻧﺣراف ﻋن اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧص‬
‫ﺗﺗﻧﺎﺳب طردا ً ودرﺟﺔ اﻻﻧﺣراف ﻋن اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺗﺟرﺑﺔ واﻟوﻋﻲ‪ .‬وﻟﻌل ھذا‬
‫ﻣﺎﯾﺳوغ وﺟود ﺟواﻧب ﺷﻌرﯾﺔ وﻧﺛرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧص اﻟواﺣد أﺣﯾﺎﻧﺎً‪.‬‬
‫وﺑﻣﺎ أن ﻣﺟﺎل ھذه اﻟﻔﻘرة ھو اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﻧﺻﺎً‪ ،‬ﻓﺈﻧﻧﺎ ﺳوف ﻧﺗﺑﯾن‬
‫ذﻟك اﻻﻧﺣراف ﻣن ﺧﻼل اﺳﺗﻌﻼء اﻟوﻋﻲ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻹﺑداع‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 137 -‬‬
‫اﻟﺷﻌري‪ .‬ھذا اﻻﺳﺗﻌﻼء اﻟذي ﯾدﻓﻊ اﻟﺷﺎﻋر إﻟﻰ ﺗﺣوﯾل أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺗﮫ إﻟﻰ ﻧص‪ .‬ﻏﯾر‬
‫أﻧﮫ إذ ﯾﻔﻌل ذﻟك‪ ،‬ﯾﺧﺳر اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟذي ﯾﻣﻛن أن ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ ،‬ﺑﺷﻛل‬
‫أرﻗﻰ وأﻋﻣﻖ وأدوم‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺗﺳم ﺑﮫ ﺗﺣوﯾل اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ إﻟﻰ ﻧص‪ ،‬ﺗﺳﺗﻌﻠﻲ‬
‫ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻧﺛرﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻘد ظﮭرت اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﻧﺻﺎً‪ ،‬ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻧﻣطﯾن اﺛﻧﯾن‬
‫اﻷول ھو اﻟﻧﻣط اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟذي ﺑرزت ﻓﯾﮫ اﻟﻣﻘوﻻت واﻟﺷﻌﺎرات اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ‬
‫ﺑﺣزب اﻟﺷﺎﻋر أو أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺗﮫ‪ ،‬ﺑﺣﯾث أﺻﺑﺣت ﻣﮭﻣﺔ اﻟﻧص ﻣﮭﻣﺔ إﻋﻼﻣﯾﺔ‬
‫وإﻋﻼﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬وذﻟك ﻓﻲ إطﺎر ﻛوﻧﮭﺎ ﻣﮭﻣﺔ ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‪.‬‬
‫أﻣﺎ اﻟﻧﻣط اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻓﮭو اﻟﻧﻣط اﻟذھﻧﻲ ‪ -‬اﻟﻔﻛري اﻟذي ﺑرزت ﻓﯾﮫ اﻟﻣﻘوﻻت‬
‫واﻟﻣﺣﺎﻛﻣﺎت اﻟﻔﻛرﯾﺔ واﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ‪ .‬ﺑﺣﯾث إن ﻣﮭﻣﺔ اﻟﻧص ﺗﺑدو ﻣﮭﻣﺔ ﻓﻛرﯾﺔ إﻗﻧﺎﻋﯾﺔ‪،‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎم اﻷول‪ .‬ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ھذﯾن اﻟﻧﻣطﯾن*‪ *3‬ﻗد ﯾﺗدﺧﻼن‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻧص‬
‫اﻟواﺣد‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻗد ﯾﺳﺗﻘل اﻟﻧص ﺑﻧﻣط واﺣد ﺑﻌﯾﻧﮫ‪ ،‬وذﻟك ﺑﺣﺳب اﻟﻧزوع اﻟﻔﻛري أو‬
‫اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟﻌﺎم ﻟﻠﺷﺎﻋر‪ .‬وﻓﻲ ﻛل اﻷﺣوال‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻧﺛرﯾﺔ ھﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﮭﯾﻣن ﻋﻠﻰ اﻟﻧص‪،‬‬
‫وﯾﺗﺑدى ذﻟك ﻣن ﺧﻼل ﻣﯾل اﻟﻧص إﻟﻰ ﺻﯾﺎﻏﺔ اﻟﻣﻘوﻟﺔ اﻟﻔﻛرﯾﺔ أو اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‪ ،‬ﻻ إﻟﻰ‬
‫ﺗﺟﺳﯾد اﻹﺣﺳﺎس اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣﻊ اﻟﻌﻠم أن ﺛﻣﺔ ﻓرﻗﺎ ً ﺑﯾن ﺻﯾﺎﻏﺔ اﻟﻣﻘوﻟﺔ >> ﻓﻧﯾﺎً<<‬
‫وﺑﯾن ﺗﻌﻣﯾم اﻟﺧﺎص ﺗﻌﻣﯾﻣﺎ ً ﻣﺟﺎزﯾﺎً‪ ،‬أو ﺗﺟﺳﯾد اﻟﻣﺛل اﻷﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﺑﺎﻟﺧﺎص‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺧص اﻟﻧﻣط اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ‪ ،‬وھو اﻟﻧﻣط اﻷﻛﺛر ﺷﯾوﻋﺎً‪ ،‬ﻟﺑروز ﻣﺎھو‬
‫ﺳﯾﺎﺳﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ اﻟﻌرﺑﻲ ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﻟﺳوء ﻓﮭم وظﯾﻔﺔ اﻟﻔن ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى‪،‬‬
‫ﻓﯾﻣﻛن اﻟﺗوﻛﯾد أن إﺷﻛﺎﻟﯾﺗﮫ ﺗﻧﮭض ﻣن اﻋﺗﺑﺎره أن اﻟﻣوﺿوع اﻟﮭﺎم ھو اﻟذي ﯾﻌطﻲ‬
‫ﻟﻠﻧص أھﻣﯾﺗﮫ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ واﻟﻔﻧﯾﺔ‪ .‬وﻏﻔل ﻋن أن اﻟﻣوﺿوع اﻟﻌظﯾم ﻻﯾﻌﻧﻲ‬
‫ﺷﯾﺋﺎً‪ ،‬إذا ﻟم ﯾﻛن اﻟﻧص ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻋظﯾﻣﺎً‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻟﻔﻧﻲ واﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬أي أن‬
‫إﺷﻛﺎﻟﯾﺗﮫ ﺗﻛﻣن ﻓﻲ ﻓﮭم ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻔن ﺑﺎﻟواﻗﻊ واﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻣﻌﺎً‪ .‬وﻟﺗﺑﯾﺎن ذﻟك ﻧﺗوﻗف‬
‫ﻋﻧد ﺑﻌض اﻟﻧﺻوص‪.‬‬
‫ﯾﻘول ﻋﺑد اﻟوھﺎب اﻟﺑﯾﺎﺗﻲ‪:‬‬
‫أﯾﺎ ﺟﯾل اﻟﮭزﯾﻣﺔ‪ ،‬ھذه اﻟﺛوره‬
‫ﺳﺗﻣﺣو ﻋﺎرﻛم وﺗزﺣزح اﻟﺻﺧره‬
‫وﺗﻧزع ﻋﻧﻛم اﻟﻘﺷره‬
‫وﺗﻔﺗﺢ ﻓﻲ ﻗﻔﺎر ﺣﯾﺎﺗﻛم زھره‬
‫وﺗ ُﻧﺑت‪ ،‬أﯾﮭﺎ اﻟﺟوف اﻟﺻﻐﺎر‪ ،‬ﺑرأﺳﻛم ﻓﻛره‬
‫ﺳﯾﻐﺳل ﺑرﻗُﮭﺎ ھذي اﻟوﺟوه وھذه اﻟﻧظره‬
‫*‪ -‬ﻗﺪ ﯾﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﻤﻔﯿﺪ أن ﻧﺸﯿﺮ إﻟﻰ أن ﺑﺮوز ھﺬﯾﻦ اﻟﻨﻤﻄﯿﻦ ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ﯾﺤﯿﻞ ﻋﻠ ﻰ‬
‫ﺑﺮوزھﻤﺎ ﻓ ﻲ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‪ .‬إذ أن ﺑﺮوز ھﺬا اﻟﺸﻜﻞ اﻷﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﻲ أو ذاك ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ‬
‫ﯾ ّﻌﺒﺮ ﺑﺎﻟﻀﺮورة ﻋﻦ ﺑﺮوزه ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪.‬‬
‫‪- 138 -‬‬
‫ﺳﺗﺻﺑﺢ ھذه اﻟﺣﺳره‬
‫ﺟﺳورا ً وﻗﻧﺎدﯾل‬
‫زھور اً وﻣﻧﺎدﯾل‬
‫وﯾﺻﺑﺢ ﺑﺎطل اﻟﺣزن أﺑﺎطﯾل‬
‫وﺗزھر ﻓﻲ ﻓم اﻟﺷﻌب اﻟﻣواوﯾل‬
‫ﺳﺗﮭوي ﺗﺣت أﻗداﻣك‪ ،‬ﯾﺎﺟﯾﻠﻲ‪ ،‬اﻟﺗﻣﺎﺛﯾل‬
‫وﺗﺳﻘط ﻋن رؤوس اﻟﺳﺎدة اﻟﺗﯾﺟﺎن‬
‫ﻛﺄوراق اﻟﺧرﯾف‪ ،‬ﺳﺗﺳﻘط اﻟﺗﯾﺟﺎن‬
‫وﺗﺟرﻓﮭﺎ رﯾﺎح اﻟﻛﺎدﺣﯾن ﻟﮭوة اﻟﻧﺳﯾﺎن) ‪(29‬‬
‫واﺿﺢ أن اﻟﺑﯾﺎﺗﻲ ﻟم ﯾﻌﺑر‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص‪ ،‬ﻋن ﺗﺟرﺑﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬وﻟم ﯾﻧطﻠﻖ‬
‫ﻣن وﻋﯾﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬إﻟﻰ ﺗﻧﺎول ﻣوﺿوع اﻟﺗﻐﯾﯾر اﻟﺛوري‪ .‬إﻧﻣﺎ اﻟﺳﺎﺋﻖ اﻷوﺣد ﻓﯾﮫ ھو‬
‫اﻟوﻋﻲ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ‪ -‬اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن اﻟﻧص راح ﯾﺳﺗﻌرض اﻷﻋﻣﺎل اﻟﺗﻲ‬
‫ﺳوف ﺗﻘوم ﺑﮭﺎ اﻟﺛورة‪ ،‬ﻣن ﻣﺣو ﻋﺎر اﻻﻧﮭزاﻣﯾﯾن اﻟذﯾن ﺷوھوا اﻟواﻗﻊ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‬
‫ﺑﺄﺑﺎطﯾﻠﮭم‪ ،‬وﻣن إﺳﻘﺎط اﻟطﺑﻘﺎت اﻟﺣﺎﻛﻣﺔ‪ ،‬وﻣن إﻋﻼن دوﻟﺔ اﻟﻛﺎدﺣﯾن ‪ ..‬إﻟﻰ آﺧر‬
‫ﻣﺎھﻧﺎﻟك ﻣن ﻣﻘوﻻت أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ اﻧطوى ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟﻧص‪.‬‬
‫وﺑﻣﺎ أن اﻟﺑﯾﺎﺗﻲ ﻗد اﻧﺣرف ﻋن اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺗﺟرﺑﺔ واﻟوﻋﻲ‪ ،‬ﻓﻣن اﻟﺑدھﻲ‬
‫أن ﯾﻧﺣرف ﻋﻣﺎ ھو ﺷﻌري‪ ،‬وﯾﻘﻊ ﻓﯾﻣﺎ ھو ﻧﺛري ﺑﺣت‪ .‬وھو ﻣﺎظﮭر ﻓﻲ ﻟﻐﺔ اﻟﻧص‬
‫اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻟﻐﺔ ﻧﺛرﯾﺔ ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‪ ،‬ﺗﺧﻠو ﻣن أي إﺣﺳﺎس ﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﺗﺧﻠو ﻣن اﻟﺗﻌﺎﻣل‬
‫اﻟﻣﺟﺎزي اﻟﺗﺧﯾﯾﻠﻲ‪ ،‬ﻣﻊ اﻷﺷﯾﺎء‪ .‬وإذا ﻣﺎاﺳﺗﺧدﻣﻧﺎ ﻣﺻطﻠﺢ ﻛﻣﺎل أﺑو دﯾب‬
‫>>اﻟﻔﺟوة‪ /‬ﻣﺳﺎﻓﺔ اﻟﺗوﺗر<<)‪ ،(30‬ﻓﺈن اﻟﻘول ﺑﺎن اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻣﺳﺗﺧدﻣﺔ ﻻﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﻣﺎ‬
‫ھو ﺷﻌري‪ ،‬ﯾﻧطﻠﻖ ﻣن ان ھذه اﻟﻠﻐﺔ ذات دﻻﻻت ﻣﺑﺎﺷرة وﻣﺗداوﻟﺔ وﻣﺣددة‪،‬‬
‫وﻻﺗﻧطوي ﻋﻠﻰ أي ﻧوع ﻣن اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ‪ .‬ﻓﻛل ﻣﺎﻓﯾﮭﺎ ﻣﺗوﻗﻊ‪ ،‬وﻣﺑﺗذل ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة‬
‫اﻟﯾوﻣﯾﺔ‪ .‬وذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ﻟﻐﺔ اﻟﻧص ﻗد اﻧطوت ﻋﻠﻰ ﻋدة ﻣﺟﺎزات‪ .‬ﻏﯾر‬
‫أﻧﮭﺎ ﻣن اﻟﻧوع اﻟﺷﺎﺋﻊ اﻟﻣﺑﺗذل‪ ،‬ﻻ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬ﻋﺑر ﺗﺎرﯾﺧﮫ ﻓﺣﺳب‪ .‬ﺑل ﻓﻲ‬
‫اﻟﺣﯾﺎة اﻟﻣﻌﺎﺻرة اﻟﯾوﻣﯾﺔ أﯾﺿﺎً‪ .‬ﻣن ﻣﺛل )ﺳﺗﻣﺣو ﻋﺎرﻛم‪ ،‬ﺳﯾﻐﺳل ﺑرﻗﮭﺎ‪ ،‬وﺗﺟرﻓﮭﺎ‬
‫رﯾﺎح اﻟﻛﺎدﺣﯾن‪ .(...‬وإﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟك‪ ،‬ﻓﻘد ﻛﺛرت أدوات اﻟرﺑط ﺑﯾن أﺷطر اﻟﻧص‪،‬‬
‫ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ ان اﻟﺷﺎﻋر أراد أن ﯾﻘول ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣﺗراﺑطﺎ ً ﻣﺗﺳﻠﺳﻼً ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮫ ﻣﻧطﻘﯾﺎً‪ .‬وﻣن‬
‫اﻟﻣﻌروف أن ﺣﺎﺟﺔ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري إﻟﻰ أدوات اﻟرﺑط أﻗل‪ ،‬ﺑﻣﺎ ﻻﯾﻘﺎس‪ ،‬ﻣن ﺣﺎﺟﺔ‬
‫اﻟﻧص اﻟﻧﺛري إﻟﯾﮭﺎ‪ .‬وذﻟك أن اﻷول ﯾﻧﮭض ﻣن اﻟﺗراﺑط اﻟﺷﻌوري اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻻ ﻣن‬
‫اﻟﺗراﺑط اﻟﻣﻧطﻘﻲ أو اﻟﺗراﺑط اﻟﺳردي‪.‬‬
‫وھذا ﯾﺣﯾﻠﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧطﻖ اﻟذي ھﯾﻣن ﻋﻠﻰ اﻟﻧص‪ ،‬وھو ﻣﻧطﻖ ﻋﻘﻠﻲ ﺑﺣت‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺛورة ﺳوف ﺗﻠﻐﻲ اﻟﻣﻣﺎرﺳﺎت اﻟﺷﺎﺋﻧﺔ ﻟﻠطﺑﻘﺔ اﻟﺣﺎﻛﻣﺔ‪ ،‬وﺗرﻓﻊ اﻟظﻠم واﻟﺣﯾف ﻋن‬
‫اﻟﻛﺎدﺣﯾن‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن اﻟﻘﻧﺎع )اﻟﻘﺷرة( اﻟذي ﺗﺗﻘﻧﻊ ﺑﮫ ﺗﻠك اﻟطﺑﻘﺔ ﺳوف ﯾزول‪ .‬وھو‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 139 -‬‬
‫ﻻﯾﻧﻌﻛس إﯾﺟﺎﺑﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟﻛﺎدﺣﯾن ﻓﺣﺳب‪ .‬ﺑل ﯾﻧﻌﻛس أﯾﺿﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺗﻠك اﻟطﺑﻘﺔ اﻟﺗﻲ‬
‫ﯾﻣﻛن أن ﺗﻔﻛر وﺗﻌﻣل ﺑﺷﻛل أﻓﺿل‪ .‬وذﻟك ﺑﻌد أن ﯾزول اﺳﺗﻌﻼؤھﺎ )اﻟﻧظرة( ﻋﻠﻰ‬
‫طﺑﻘﺎت اﻟﺷﻌ ب‪ .‬وﻣن ھﻧﺎ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺑﻼد ﺳوف ﺗزدھر‪ ،‬وﯾﺻل اﻟﺷﻌب إﻟﻰ اﻟرﻓﺎھﯾﺔ‬
‫)اﻟﻣواوﯾل(‪ ،‬وﻻﯾﺑﻘﻰ ھﻧﺎﻟك ﺳﺎدة وﻋﺑﯾد‪ .‬ﻓﺎﻟﻛﺎدﺣون ﺑﺛورﺗﮭم ﺳوف ﯾﺟﻌﻠون ﻣن‬
‫اﻟﺗﻣﺎﯾز اﻟطﺑﻘﻲ ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣن اﻟﻣﺎﺿﻲ )ھوة اﻟﻧﺳﯾﺎن(‪.‬‬
‫ذﻟك ھو ﻣﻧطﻖ اﻟﻧص‪ .‬وھو‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻧﻠﺣظ‪ ،‬ﻣﻧطﻖ ﻋﻘﻠﻲ ﺑﺣت‪ .‬ﻻأﺛر ﻓﯾﮫ‬
‫ﻟﻠﻣﻧطﻖ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟذي ﯾﻘوم أﺳﺎﺳﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺷﻌورﯾﺔ ﺑﯾن اﻷﺷﯾﺎء‪ .‬ﻻ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺳﺑﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص‪.‬‬
‫واﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أﻧﮫ ﻟم ﯾﻛن ﺑﺈﻣﻛﺎن اﻟﺑﯾﺎﺗﻲ إﻻ أن ﯾﺻدر ﻓﻲ ﻧﺻﮫ‪ ،‬ﻣن ﻣﻧطﻖ‬
‫ﻋﻘﻠﻲ‪ .‬ﻷﻧﮫ ﻛﺎن‪ ،‬ﻓﻲ اﻷﺳﺎس‪ ،‬ﻗد ﺻدر ﻋن اﻟوﻋﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ‪ ،‬أي أن اﻟوﻗوع ﺗﺣت‬
‫وطﺄة وﻋﻲ ﻏﯾر اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻻﺑد ﻣن أن ﯾؤدي إﻟﻰ اﺳﺗﺧدام أدوات ذﻟك‬
‫اﻟوﻋﻲ واﺳﺗﺧدام ﻣﻧطﻘﮫ أﯾﺿﺎً‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﺣﺻل ﻣﻊ اﻟﺑﯾﺎﺗﻲ‪ .‬وإذا ﻣﺎوﺿﻌﻧﺎ ﻓﻲ اﻻﻋﺗﺑﺎر‬
‫ﺗﺳوغ وﺗﻌد وﺗﻔّﻧد وﺗﮭﺎﺟم وﺗﺗﮭم وﺗداﻓﻊ‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺻﺑﺢ واﺿﺣﺎ ً‪ ،‬ﻟﻣﺎذا‬
‫أن اﻻﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ّ‬
‫ﻣﺎل ھذا اﻟﻧص إﻟﻰ اﻟﺗﺳوﯾﻎ واﻟوﻋد واﻻﺗﮭﺎم‪ ..‬إﻟﺦ إذ إﻧﮫ ﯾﻧﮭض ﻣن ھذه اﻟﺟواﻧب‬
‫اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻣﺟﺗﻣﻌﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾﺻﺑﺢ واﺿﺣﺎً‪ ،‬ﻟﻣﺎذا ﺟﺎءت اﻟﻠﻐﺔ ﻓﯾﮫ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﺣو‬
‫ﻣن اﻟﺗﻘرﯾرﯾﺔ واﻟﺧطﺎﺑﯾﺔ‪ .‬إذ إن ھﺎﺗﯾن اﻟﺳﻣﺗﯾن ﻣن أﺑرز اﻟﺳﻣﺎت اﻟﺗﻲ ﯾﺗﻣﯾز ﺑﮭﺎ‬
‫اﻟﻧﻣط اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ‪.‬‬
‫وﺑﻣﺎ أن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﻗد راﻓﻖ ﺣرﻛﺔ اﻟﺗﺣرر اﻟوطﻧﻲ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺗﻧوﻋﮭﺎ‬
‫اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ ،‬ﻓﻘد ﻛﺎن ﻣن اﻟﻣﺗوﻗﻊ ان ﯾﻧﻌﻛس ذﻟك ﻓﯾﮫ‪ .‬ﺣﯾث ﺣﻣﻠت ﺑﻌض‬
‫ﻧﺻوص ھذا اﻟﺷﻌر‪ ،‬ذﻟك اﻟﺗﻧوع‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﻓﺞّ‪ .‬ﻓﺛﻣﺔ ﻧﺻوص ذات ﺧطﺎب أﻣﻣﻲ‪،‬‬
‫وأﺧرى ذات ﺧطﺎب ﻗوﻣﻲ ﻋرﺑﻲ أو ﺳوري‪ .‬ﺑل ﺛﻣﺔ ﺧطﺎب إﻓرﯾﻘﻲ أﯾﺿﺎً‪ .‬وھو‬
‫ﻣﺎﯾﻌﻧﻲ أن اﻟوﻋﻲ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ھو اﻟﺳﺎﺋﻖ ﻟﻠﻧص‪ ،‬ﻻ اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‬
‫اﻟذي ﻻﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ ﺑذﻟك اﻟﺗﻧوع‪ ،‬وإن ﯾﻛن ﻟﻧﺗﺎﺟﮫ ﺑﻌد أﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻣﺎ‪.‬ﯾﻘول ﺳﻣﯾﺢ اﻟﻘﺎﺳم‬
‫ﻓﻲ ﺧطﺎب أﻣﻣﻲ‪:‬‬
‫رﻓﯾﻘﻲ‪ -‬آه ﯾﺎإﯾﻔﺎن اﻟﻛﺳﯾﯾﻔﺗش‬
‫أﺗﺎﻧﻲ اﻟﺻوت‪ ..‬ﺻوت اﻟﺟد أﻛﺗوﺑر‬
‫أﺗﺎﻧﻲ طﯾﺑﺎ ً‪ ..‬أﺧﺿر‬
‫وﻗﺎل‪ :‬ﺗﻌﺎل ﯾﺎوﻟدي اﻟﺷﻘ ّﻲ‪ ..‬ﺗﻌﺎل!‬
‫‪...‬‬
‫ﺳﻼﻣﺎ ً ﯾﺎﺳواﻋد أﺧوﺗﻲ اﻟﻌﻣﺎل‬
‫ﺳﻼﻣﺎ ً ﯾﺎﻣداﺧﻧﮭم‪ /‬ﺳﻼﻣ ﺎ ً ﯾﺎﻣﻧﺎزﻟﮭم‬
‫ﺳﻼﻣﺎ ً ﻟﻠﺟﺳور اﻟﺷﮭل‪،‬‬

‫‪- 140 -‬‬


‫ﻟﻶﻻت‪ ،‬ﻟﻸﺑراج‪ ،‬ﻟﻸزھﺎر‪ ،‬ﻟﻸطﻔﺎل!) ‪(31‬‬
‫وﯾﻘول أﺣﻣد ﻋﺑد اﻟﻣﻌطﻲ ﺣﺟﺎزي ﻓﻲ ﺧطﺎب ﻗوﻣﻲ ﻋرﺑﻲ‪:‬‬
‫ﯾﺎﻓﺎرﺳﻧﺎ اﻵﺗﻲ ﻣن أوراس‬
‫ﯾﺎﺧﯾﺎﻻً أﻟﻘﻰ ﻋن ﻋﺎﺗﻘﮫ ﺛﻠﺞ اﻟﻘﻣﮫ‬
‫ﯾﺎﻧﺎرا ً ﺷﺑّت ﻓﻲ اﻟﻧﺟﻣﮫ‬
‫ﯾﺎﺧﯾﻼً ﻋﺎدت ﻣن ﻏﺎب اﻟﻌﺗﻣﮫ‬
‫ﯾﺎﺻوﺗﺎ ً داﻣت ھﺟرﺗﮫ أﻟﻔﺎ ً وﺛﻼﺛﻣﺎﺋﮫ‬
‫وأط ﱠل أﺧﯾرا ً ﯾﺣدوﻧﺎ‬
‫ﺑﺎﻟﺣرﯾﮫ‬
‫ﺑﺎﻟﺷﻌب اﻟواﺣد ﻣن ﺑﻐداد إﻟﻰ اﻟدار اﻟﺑﯾﺿﺎء‬
‫ﺑﺎﻷرض ﻷﺑﻧﺎء اﻟﻔﻘراء)‪(32‬‬
‫وﯾﻘول ﻣﺣﻣد اﻟﻔﯾﺗوري ﻓﻲ ﺧطﺎب إﻓرﯾﻘﻲ‪ -‬زﻧﺟﻲ‪:‬‬
‫ﻗﻠﮭﺎ ﻻﺗﺟﺑن‪ ..‬ﻻﺗﺟﺑن!‬
‫ﻗﻠﮭﺎ ﻓﻲ وﺟﮫ اﻟﺑﺷرﯾﺔ‬
‫أﻧﺎ زﻧﺟﻲ‪ ..‬وأﺑﻲ زﻧﺟﻲ اﻟﺟدّ‪ ..‬وأﻣﻲ زﻧﺟﯾﺔ‬
‫أﻧﺎ أﺳود‪...‬‬
‫أﺳود ﻟﻛﻧﻲ ﺣ ّر أﻣﺗﻠك اﻟﺣرﯾﮫ‬
‫أرﺿﻲ إﻓرﯾﻘﯾﮫ‬
‫ﻋﺎﺷت أرﺿﻲ‪ ..‬ﻋﺎﺷت إﻓرﯾﻘﯾﺔ)‪(33‬‬
‫ﺗﺣول اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ إﻟﻰ ﻧص‪ ،‬ﺗﻘﻊ ﻓﯾﻣﺎ وﻗﻊ ﻓﯾﮫ‬ ‫ﻧﻠﺣظ أن ھذه اﻟﻣﻘﺑوﺳﺎت إذ ّ‬
‫ﻧص اﻟﺑﯾﺎﺗﻲ اﻟﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ﺣﯾث اﻟﻧﺛرﯾﺔ اﻟﺗﺎﻣﺔ‪ ،‬واﻟﻣﻧطﻖ اﻟﻌﻘﻠﻲ‪ ،‬واﻟﺗﻘرﯾرﯾﺔ واﻟﺧطﺎﺑﯾﺔ‪،‬‬
‫وﻏﯾﺎب اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﻣﺟﺎزي أو ﺗداوﻟﮫ واﺑﺗذاﻟﮫ‪ ،‬واﻧﻌدام اﻹﯾﺣﺎء اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪.‬‬
‫ﻓﻌﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن اﻻﺧﺗﻼف اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﺑﯾن ھذه اﻟﻧﺻوص‪ ،‬إﻻ أﻧﮭﺎ ﻣﺗﻔﻘﺔ‬
‫ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ‪ ،‬أﺳﻠوﺑﯾﺎً‪ ،‬وھو ﻣﺎ ﯾؤﻛد أن اﻟوﻋﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﯾﻔرض أﺳﻠوﺑﺎ ً ﻣوﺣداً‪ ،‬ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻧص‪ ،‬وإن اﺧﺗﻠﻔت ﻣﻧطﻠﻘﺎت ذﻟك اﻟوﻋﻲ‪ .‬إذ إن ﻟﻺﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻣﻧطﻘﺎ ً ﻣﺣددا ً‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣطﺎف‪.‬‬
‫وﻧو ّد اﻹﺷﺎرة‪ ،‬ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل‪ ،‬إﻟﻰ أن ﺣﺟﺎزي ﻗد ﺻﺎغ‪ ،‬ﻓﻲ اﻷﺷطر‬
‫اﻟﺛﻼﺛﺔ اﻷﺧﯾرة ﻣن اﻟﻣﻘﺑوس‪ ،‬اﻟﺷﻌﺎر اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟذي ﺗﺑﻧﺗﮫ اﻷﺣزاب اﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪،‬‬
‫واﻟذي ﯾﺗﻛون ﻣن ﻣﻔﺎھﯾم اﻟﺣرﯾﺔ واﻟوﺣدة واﻻﺷﺗراﻛﯾﺔ‪ .‬وﺑﻣﺎ أن ﺣﺟﺎزي ﻛﺎن ﯾﻧﺗﻣﻲ‬
‫إﻟﻰ ﺣزب اﻻﺗﺣﺎد اﻻﺷﺗراﻛﻲ اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬ﻓﻘد رﺗب ھذه اﻟﻣﻔﺎھﯾم ﺑﺎﻟﺷﻛل اﻟذي ذﻛرﻧﺎه‪،‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 141 -‬‬
‫وﻟو ﻛﺎن ﯾﻧﺗﻣﻲ إﻟﻰ ﺣزب‪ ،‬ﯾرﺗﺑﮭﺎ ﺗرﺗﯾﺑﺎ ً ﻣﺧﺗﻠﻔﺎً‪ ،‬ﻟﻔﻌل ﺣﺟﺎزي ذﻟك‪ ،‬ﻣن دون أن‬
‫ﯾﺧﺗ ّل اﻟﻣﻌﻧﻰ أو اﻟﺳﯾﺎق‪ ،‬ﻛﺄن ﯾﻘول ﻣﺛﻼً‪:‬‬
‫ﺑﺎﻟﺷﻌب اﻟواﺣد ﻣن ﺑﻐداد إﻟﻰ اﻟدار اﻟﺑﯾﺿﺎء‪.‬‬
‫ﺑﺎﻟﺣرﯾﺔ‪.‬‬
‫ﺑﺎﻷرض ﻷﺑﻧﺎء اﻟﻔﻘراء‪.‬‬
‫وﺗﻛون ﺑذﻟك ﻣرﺗﺑﺔ ﺑﺣﺳب ﺷﻌﺎر اﻟوﺣدة واﻟﺣرﯾﺔ واﻻﺷﺗراﻛﯾﺔ‪ .‬ﻏﯾر أن‬
‫اﻹﺧﻼص ﻟﻠﺣزب ھو اﻟذي دﻓﻌﮫ إﻟﻰ ذﻟك اﻟﺗرﺗﯾب‪ ،‬ﻻ اﻟﺿرورة اﻟﻔﻧﯾﺔ أو اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪.‬‬
‫أﻣﺎ اﻟﻧﻣط اﻟذھﻧﻲ‪ -‬اﻟﻔﻛري‪ ،‬ﻓﯾﻣﯾل إﻟﻰ طرح اﻟﻣوﻗف أو اﻟﻔﻛر اﻟﻧظري‬
‫ﻟﻠﺷﺎﻋر‪ .‬ﺑﺣﯾث ﯾﺑدو اﻟﻧص ﻋرﺿﺎ ً ﻵراﺋﮫ وأﻓﻛﺎره‪ ،‬ﻻﺗﻌﺑﯾرا ً ﻋن ﺗﺟﺎرﺑﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻟﮭذا ﻓﺈن اﻟﻧص ﯾﺗطﻠب ﻣن اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ اﻟﺗﻔﻛﯾر واﻟﻣﺣﺎﻛﻣﺔ‪ ،‬ﻻ اﻟﺗﻔﺎﻋل اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬وﻻ‬
‫ﯾﺧﺗﻠف ھذا اﻟﻧﻣط ﻋن اﻟﻧﻣط اﻷول ﻣن ﺣﯾث اﻟﻧﺛرﯾﺔ‪ ،‬ﻏﯾر أﻧﮫ ﯾﺧﺗﻠف ﻋﻧﮫ‪ ،‬ﻓﻲ‬
‫اﺑﺗﻌﺎده ﻋن اﻟﺧطﺎﺑﯾﺔ‪ ،‬وھو ﻣﺎ ﯾﻧﺳﺟم واﻟﺣوار اﻟذھﻧﻲ‪ -‬اﻟﻔﻛري‪.‬‬
‫وﻟﻌ ّل أدوﻧﯾس‪ ،‬ﻓﻲ ﺻﯾﺎﻏﺗﮫ ﻟﻔﻠﺳﻔﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﻔرد اﻟﻣﻧﻘذ‪ ،‬ﯾﻛون ﻣﺛﻼً واﺿﺣﺎ ً‬
‫ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﻣط‪ .‬إذ إن اﻟﻛﺛﯾر ﻣن ﻣﻘﺎطﻊ >>ﻣﮭﯾﺎر اﻟدﻣﺷﻘﻲ<< ﻟﯾس ﺳوى ﺗﺣوﯾل‬
‫ﻟﻣﺎ ھو إﯾدﯾوﻟوﺟﻲ إﻟﻰ ﻧص‪ .‬وﻟﻛﻧﻧﺎ ﻧﺗوﻗف ‪ ،‬ھﻧﺎ ﻋﻧد ﻗﺻﯾدة >> أوراق ﻓﻲ‬
‫اﻟرﯾﺢ<< اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺄﻟف ﻣن ﺧﻣﺳﺔ وﺳﺑﻌﯾن ﻣﻘطﻌﺎ ً أو ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻟﺻﯾﺎﻏﺔ اﻟﻣﻔﮭوم‬
‫اﻟﻔﻛري‪ .‬وذﻟك ﻣﺛل‪:‬‬
‫* ﻟﻛﻲ ﺗﻘول اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ‬
‫ﻏﯾّر ﺧطﺎك‪ ،‬ﺗﮭﯾّﺄ‬
‫ﻟﻛﻲ ﺗﺻﯾر ﺣرﯾﻘﺔ )‪(34‬‬
‫ﻲ ﺟدﯾد‬ ‫* ﻛل اﻟﻌﺎﻟم ﻓ ﱠ‬
‫ﺣﯾن أرﯾد )‪(35‬‬
‫* أﻋط ﻟﻠﻔﺄرة ﺳوطﺎ ً‬
‫ﺗﺗﺑﺧﺗر ﻛﺎﻟطﻐﺎة‬
‫ْ‬
‫أو ﻓﮭﺑْﮭﺎ ﻗﺑﱠﻌﺔ‬
‫ﺗﺗﻔﺟﱠر زوﺑﻌﺔ‬
‫وﺗ ُ ِﻌ ْد ﺷﻛل اﻟﺣﯾﺎة‬
‫رﺣم اﻟﻔﺄرة ﻣزﺣوم ﺑذﺋب وﺑﺷﺎة ) ‪(36‬‬
‫* أطﻌم اﻷﯾﺎم زﻧدك‬
‫ﺗﻛﺑر اﻷﺷﯾﺎء ﺑﻌدك )‪(37‬‬
‫‪- 142 -‬‬
‫إن ھذه اﻟﻣﻘﺎطﻊ ﻣﺟرد أﻗوال ﻓﻛرﯾﺔ‪ ،‬أرادھﺎ أدوﻧﯾس أن ﺗﻛون ﺷﻌرﯾﺔ‪ .‬إﻻ‬
‫أﻧﮭﺎ ﻟم ﺗﻔﺎرق ﻣﺳﺗواھﺎ اﻟﻔﻛري‪ .‬ﺣﯾث ﻗﺎﻣت ﻋﻠﻰ اﻟﺳﺑب واﻟﻧﺗﯾﺟﺔ‪ ،‬أو ﻋﻠﻰ أﺳﻠوب‬
‫اﻟﻣﺣﺎﻛﻣﺔ اﻟﻣﻧطﻘﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻻﺣﺗراق ﻣرھون ﺑﻘول اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ‪ ،‬و ﺟدة اﻟﻌﺎﻟم ﻣرھوﻧﺔ ﺑﺈرادة‬
‫اﻟذات‪ ،‬وﻛﺑر اﻷﺷﯾﺎء ﻣرھون ﺑﻌﻣﻖ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺣﯾﺎﺗﯾﺔ‪ .‬أﻣﺎ اﻟﻣﻘطﻊ اﻟذي ﯾرى أن‬
‫)رﺣم اﻟﻔﺄرة ﻣزﺣوم ﺑذﺋب وﺑﺷﺎة(‪ ،‬ﻓﮭو ﯾﺻوغ ﻗوﻻً ﻣﺛﺎﻟﯾﺎ ً ﻣﻛروراً‪ ،‬وھو أن اﻟﻧﻔس‬
‫اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﺗﺗﻛون ﻣن اﻟﺧﯾر واﻟﺷر‪ .‬ھذا ﺑﻐض اﻟﻧظر ﻋن اﻟﺗﻧﺎﻗض اﻹﯾﺣﺎﺋﻲ ﻓﻲ ھذا‬
‫اﻟﻣﻘطﻊ‪.‬‬
‫إن اﻟﻧﺛري‪ ،‬ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﻘﺎطﻊ ‪ ،‬ﯾﻧﮭض ﻣن أن أدوﻧﯾس أراد أن ﯾﻌﺑر ﻋن‬
‫ﻣوﻗﻔﮫ اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ -‬اﻟﻔﻛري ﻣن ﺑﻌض اﻟﺟواﻧب اﻟﺣﯾﺎﺗﯾﺔ‪ ،‬ﺑﺷﻛل ﻓﻛري ﺑﺣت‪ ،‬ﻓﻛﺎن‬
‫أﺳﻠوب اﻟﻣﺣﺎﻛﻣﺔ اﻟﻣﻧطﻘﯾﺔ ھو اﻟﺳﺎﺋد ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎطﻊ اﻟﻧص‪.‬‬
‫وﯾﻘول ﯾوﺳف اﻟﺧﺎل‪:‬‬
‫ﻋﺑﯾد ﻧﺣن ﻟﻠﻣﺎﺿﻲ‪ ،‬ﻋﺑﯾد ﻧﺣن ﻟﻶﺗﻲ‬
‫ﻋﺑﯾد ﻧرﺿﻊ اﻟذ ﱠل‬
‫ﻣن اﻟﻣﮭد إﻟﻰ اﻟﻠﺣد‪ ،‬ﺧطﺎﯾﺎﻧﺎ؟‬
‫ﯾد اﻷﯾﺎم ﻟم ﺗﺻﻧﻊ ﺧطﺎﯾﺎﻧﺎ‬
‫ﺧطﺎﯾﺎﻧﺎ ﺻﻧﻌﻧﺎھﺎ ﺑﺄﯾدﯾﻧﺎ‬
‫ﻟﻌ ﱠل اﻟﺷﻣس ﻟم ﺗﺷرق ﻟﺗ ُﺣﯾﯾﻧﺎ‪:‬‬
‫ھﻧﺎ ﯾﺳﺗﻧﺳر اﻟﺑﻐﺎث‪ ،‬ﺗﻔﻧﻰ اﻟﻘﻣﺣﺔ اﻷوﻟﻰ‬
‫ھﻧﺎ ﯾﻧﻌدم اﻟﺷكﱡ‬
‫ﯾﻣوت اﻟﻘول ﻓﻲ اﻷﻟﺳﻧﺔ اﻟﺣ ّﻖ‬
‫ﺻﻠﯾب ﷲ ﻟم ﯾﻣ ُﺢ ﺧطﺎﯾﺎﻧﺎ‬
‫ﻓﮭل ﺗ ُﻣﺣﻰ إذا ﻣﺎ ﺳﺎﺑﻖ اﻟرﯾ َﺢ ﺟﻧﺎﺣﺎﻧﺎ‪،‬‬
‫اﻧﻔض ﺧﺗم اﻟﺳ ِ ّر أو داﻧت ﻟﻧﺎ اﻟدﻧﯾﺎ )‪(38‬‬
‫ﱠ‬ ‫إذا ﻣﺎ‬
‫ﻟﻘد أراد اﻟﺧﺎل أن ﯾﻘول إن اﻹﻧﺳﺎن ھو ﺳﺑب اﻟﺧطﯾﺋﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ‬
‫اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ ﻟﻠﺧطﯾﺋﺔ‪ .‬وﻷﻧﮫ ﺳﺑﺑﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻘد أﺻﺑﺢ ﻋﺑدا ً ﻟﮭﺎ‪ ،‬وﻟن ﯾﺗﺧﻠص ﻣن ﻋﺑودﯾﺗﮫ‬
‫ﻟﺧطﯾﺋﺗﮫ‪ ،‬إﻻ ﺑﺎﻟﻣوت اﻟﻔﺎدي‪ .‬ﻓﺎﻟﻣﻘوﻟﺔ اﻟﻧﺎﺟزة اﻟﺗﻲ ﺻﺎﻏﮭﺎ اﻟﻣﻘطﻊ ﻣﻘوﻟﺔ‬
‫أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‪-‬دﯾﻧﯾﺔ‪ .‬وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟﺷﻌور اﻟدﯾﻧﻲ ﻗد أﻧﺗﺞ‪ ،‬ﻋﺑر ﺗﺎرﯾﺧﮫ‪،‬‬
‫ﻧﺻوﺻﺎ ً ﺷﻌرﯾﺔ راﻗﯾﺔ‪ ،‬ﻛﺎﻟﺷﻌر اﻟﺻوﻓﻲ ﻣﺛﻼً‪ ،‬إﻻأن ﺛﻣﺔ ﻓرﻗﺎ ً ﻧوﻋﯾﺎ ً ﺑﯾن ﺗﺟﺳﯾد‬
‫اﻟﺷﻌور اﻟدﯾﻧﻲ وﺑﯾن ﺻﯾﺎﻏﺔ اﻟﻣﻘوﻟﺔ اﻟدﯾﻧﯾﺔ‪ .‬وھذا اﻟﻔرق ﯾﺗوﺿﺢ ﺣﯾن ﻧﻘﺎرن ﺑﯾن‬
‫ﺷﻌر اﻟﻣﺗﺻوﻓﺔ وﺷﻌر اﻟﻔﻘﮭﺎء‪ .‬إﻧﮫ اﻟﻔرق ﺑﯾن ﻣن ﯾﺟﺳد روﺣﮫ وإﺣﺳﺎﺳﮫ‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 143 -‬‬


‫وﻣﺷﺎﻋره‪ ،‬وﺑﯾن ﻣن ﯾﺻوغ ﻣﻘوﻟﺔ دﯾﻧﯾﺔ ذات أﺳس أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻣﺣددة‪ .‬وھو اﻟﻔرق‬
‫أﯾﺿﺎ ً ﺑﯾن ﻣن ﯾﻌﺎﯾش ﺟﻣﺎﻟﯾﺎً‪ ،‬وﻣن ﯾﺣﺎﻛم إﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎً‪.‬‬
‫ﻟﻘد ﺗوﺿﺢ ﻣن ﺧﻼل اﻟﻣﻘﺑوﺳﺎت اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ أن اﻹﻧﺣراف ﻋن اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺗﺟرﺑﺔ واﻟوﻋﻲ‪ ،‬ﻟن ﯾﻧﺗﺞ ﺳوى ﻧﺻوص أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ھزﯾﻠﺔ‪ .‬واﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أن ﻣﺎ ﯾﺳﮭم‬
‫ﻓﻲ ذﻟك ‪ ،‬ھو طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻣﺎدة اﻟﺗﻲ ﯾﺳﺗﺧدﻣﮭﺎ اﻟﺷﺎﻋر‪ ،‬وھﻲ اﻟﻠﻐﺔ‪ .‬إذ إن ارﺗﺑﺎط اﻟﻠﻐﺔ‬
‫ﺑﺎﻟﻣﻌرﻓﺔ واﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﯾﺿﺎﻋف ﻣن ﺻﻌوﺑﺔ ﻋﻣل اﻟﺷﺎﻋر‪ ،‬ھذا اﻟﻌﻣل اﻟذي ﯾﻧﺑﻐﻲ‬
‫أن ﯾﻛون ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً ﺑﻣﺎدة ﻣﺷﺎﻋﺔ‪ ،‬ﻟﻛل أﺷﻛﺎل اﻟوﻋﻲ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ .‬وھو ﻣﺎﻻ ﻧﺟده ﻓﻲ‬
‫ﻋﻣل اﻟﻔﻧﺎن اﻟﺗﺷﻛﯾﻠﻲ واﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ ﻣﺛﻼً‪ .‬ﺣﯾث إﻧﮭﻣﺎ ﯾﺗﻌﺎﻣﻼن ﺑﻣﺎدة ﺧﺎﺻﺔ ﺑﮭﻣﺎ‬
‫ﺗﻘرﯾﺑﺎً‪ ،‬أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗل‪ ،‬ﻻﯾﺗﻌﺎﻣﻼن ﺑﻣﺎدة ﺗﺣﻣل ﻣﻌﺎﻧﻲ ودﻻﻻت‪ ،‬ﻗﺑل أن ﯾﺷ ّﻛﻼھﺎ‬
‫ﺟﻣﺎﻟﯾﺎً‪ .‬وﻣن ھﻧﺎ‪ ،‬ﻓﺈن اﻷﯾﻘوﻧﺎت اﻟدﯾﻧﯾﺔ واﻟﻣوﺳﯾﻘﺎ اﻟﻛﻧﺳﯾﺔ ھﻲ أﻋﻣﺎل ﻓﻧﯾﺔ ﺑﻛل ﻣﺎ‬
‫ﯾﻌﻧﯾﮫ اﻟﻣﺻطﻠﺢ‪ ،‬ﺑﺻرف اﻟﻧظر ﻋن اﻟذوق اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟذي ﺗﻣﺛﻠﮫ‪ .‬أﻣﺎ ﺷﻌر اﻟﻔﻘﮭﺎء‪،‬‬
‫واﻟﺷﻌر اﻟﺗﻌﻠﯾﻣﻲ‪ ،‬ﻓﻠﯾﺳﺎ ﺷﻌرا ً اﻟﺑﺗﺔ‪ .‬إذ إن اﻻﻧﺣراف ﻋن اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺗﺟرﺑﺔ‬
‫واﻟوﻋﻲ‪ ،‬ﯾﻧﻌﻛس ﻣﺑﺎﺷرة ﻓﻲ ﻟﻐﺔ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري‪ .‬وﯾﻛون اﻧﺣراف اﻟﻠﻐﺔ ﻋﻣﺎ ھو‬
‫ﺷﻌري ﻣرﺗﺑطﺎ ً ﺑﺎﺗﺟﺎه اﻻﻧﺣراف ﻋن اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ ،‬وھل ھو ﺳﯾﺎﺳﻲ أو ﻓﻛري أو‬
‫أﺧﻼﻗﻲ‪ ،‬ﻓﻠﻛل اﻧﺣراف ﻟﻐﺗﮫ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﮫ‪ .‬وﻟﻌﻠﻧﺎ ﻓﻲ ذﻟك ﻧﻔﮭم ﻟﻣﺎذا >>ﻋﺎﻣل‬
‫اﻟﺷﻛﻼﻧﯾون اﻟروس اﻟﺷﻌر ﻋﻠﻰ أﻧﮫ اﺳﺗﺧدام أدﺑﻲ ﺟوھري ﻟﻠﻐﺔ‪ :‬ﻓﮭو ﻛﻼم ﻣﻧظم‬
‫ﻓﻲ ﺑﻧﯾﺗﮫ اﻟﺻوﺗﯾﺔ اﻟﻛﻠﯾﺔ‪ .‬واﻹﯾﻘﺎع ‪ Rhythm‬ھو ﻋﺎﻣﻠﮫ اﻷﺳﺎﺳﻲ اﻷﻛﺛر أھﻣﯾﺔ<<‬
‫)‪ (39‬ﺣﯾث ﻣﯾّزوا ﺑﯾﻧﮫ وﺑﯾن اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻣن ﺧﻼل ﻧوﻋﯾﺗﮫ اﻟﻣﺗﺷﻛﻠﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻧﻔﮭم‬
‫أﯾﺿﺎ ً ﻟﻣﺎذا ذھب ھﯾﻐل إﻟﻰ أن اﻟﺷﻌر ھو أﺻﻌب أﻧواع اﻟﻔﻧون) ‪(40‬‬
‫وﺑﺻرف اﻟﻧظر ﻋن ﺗﻌرﯾف ااﻟﺷﻛﻼﻧﯾﯾن اﻟروس ﻟﻠﺷﻌر‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﻣﻣﺎ ﻻﺷك‬
‫ﻓﯾﮫ‪ ،‬أن اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﺗﻣﺎﻣﺎ ً ﻋن اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ أو اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ أو اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‪.‬‬
‫وذﻟك ﺑﺳﺑب طﺑﯾﻌﺗﮭﺎ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ واﻟﺣﺳﯾﺔ ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﺗﻛوﯾﻧﮭﺎ اﻟﻔﻧﻲ ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى‪،‬‬
‫ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ﻛوﻧﮭﺎ ﻟﻐﺔ ﻣﺟﺎزﯾﺔ ﺗﺧﯾﯾﻠﯾﺔ‪ .‬ﻣن ذﻟك ﻓﺈن اﻟدﻓﻖ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟذي ﺗﺗﻣﯾز ﺑﮫ‬
‫ھذه اﻟﻠﻐﺔ ﯾﻧﮭض أﺳﺎﺳﺎ ً ﻣن طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺻدر ﻋﻧﮭﺎ‪ .‬ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ أن‬
‫اﻓﺗﻘﺎد ذﻟك اﻟدﻓﻖ ﻓﻲ اﻟﻧﺻوص اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ أﻣر ﺑدھﻲ‪ .‬إذ إن ﻟﻸﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻧﺳﻘﺎ ً‬
‫ﻣﺧﺗﻠﻔﺎ ً ﻋن اﻟﻧﺳﻖ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪.‬‬
‫إن اﻻﻧﺣراف ﻋن اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬إذاً‪ ،‬ﯾﻧﻌﻛس اﻧﺣراﻓﺎ ً ﻋن اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ‬
‫ﺑﺎﻟﺿرورة‪ .‬وﻟن ﯾﻧﻘذ اﻟﻧص ﻣن اﻟﻧﺛرﯾﺔ ﻛل اﻷﻟﻌﺎب اﻟﻔﺎﻧﺗﺎزﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘوم‬
‫ﺑﮭﺎ اﻟﺷﺎﻋر ﺗﻣوﯾﮭﺎ ً ﻟذﻟك اﻻﻧﺣراف‪ ،‬ﻛﺄن ﯾوھم ﺑﺎﻟﻐﻣوض أو اﻹﺑﮭﺎم‪ .‬وذﻟك ﻛﻘول‬
‫أدوﻧﯾس اﻟﻔﻛري اﻟذي ﯾﺻوغ ﻣﻘوﻟﺔ‪ ،‬وﻻﯾﺟﺳد إﺣﺳﺎﺳﺎ ً او ﻣوﻗﻔﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎً‪:‬‬
‫ﺛدي اﻟﻧﻣﻠﺔ ﯾﻔرز ﺣﻠﯾﺑﮫ وﯾﻐﺳل اﻻﺳﻛﻧدر‬
‫اﻟﻔرس ﺟﮭﺎت أرﺑﻊ ورﻏﯾف واﺣد‬
‫واﻟطرﯾﻖ ﻛﺎﻟﺑﯾﺿﺔ ﻻﺑداﯾﺔ ﻟﮫ)‪(41‬‬

‫‪- 144 -‬‬


‫وﻧود اﻹﺷﺎرة أﺧﯾرا ً إﻟﻰ أن ﺗﺣوﯾل اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ إﻟﻰ ﻧص‪ ،‬اﻟذي ﻗﻠﻣﺎ ﻧﺟﺎ‬
‫ﻣﻧﮫ ﺷﺎﻋر‪ ،‬ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﯾﻣﻛن ﺗﻘوﯾﻣﮫ ﺑﺎﻟﺗﻘدﻣﯾﺔ أو اﻟرﺟﻌﯾﺔ‪ ،‬ھذا اﻟﺗﻘوﯾم اﻟذي ﻧرﻓض أن‬
‫ﻧﺻدره ﻋﻠﻰ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري اﻟﺻﺎدر ﻋن اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺗﺟرﺑﺔ واﻟوﻋﻲ‪ .‬واﻟﺳﺑب‬
‫ﻓﻲ ذﻟك أن اﻟﻧﺻوص اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ھﻲ ﻧﻔﺳﮭﺎ اﻟﺗﻲ ﺗدﻋوﻧﺎ إﻟﻰ ھذا‪ ،‬ﺑﺳب أﻧﮭﺎ‬
‫ﺗﺻدر ﻋﻧﮫ‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ إذا ﻛﺎن ﻣن اﻟﺧطﺄ ﺗﻘوﯾم اﻟﻧص اﻟﺷﻌري ﺳﯾﺎﺳﯾﺎً‪ ،‬ﻓﻣن‬
‫اﻟﺻواب ﺗﻘوﯾم اﻟﻧص اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﺣو‪ .‬ﻷﻧﮫ ﯾﺻدر أﺳﺎﺳﺎ ً ﻣن اﻟﻣوﻗف‬
‫اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺣﯾن أن اﻟﻧص اﻟﺷﻌري ﯾﺻدر ﻋﻣﺎ ھو ﺟﻣﺎﻟﻲ‪ .‬وﻟﮭذا ﻓﺈن‬
‫وﺻﻔﮫ ﺑﺎﻟﺗﻘدﻣﯾﺔ أو اﻟرﺟﻌﯾﺔ ﯾﻌﻧﻲ أﻧﻧﺎ ﻧﻔرض ﻣوﻗﻔﻧﺎ ﻋﻠﯾﮫ‪ .‬وھو ﻣﺎ ﻻﯾﻧﺑﻐﻲ أن‬
‫ﯾﻛون ﻓﻲ اﻟﺗﻠﻘﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ واﻟﺗﻧﺎول اﻟﻧﻘدي‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ﻟﻠﻧص اﻟﺷﻌري ﺧطﺎﺑﺎ ً‬
‫أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ً ﻣﺎ‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 145 -‬‬


- 146 -
‫اﻟـﮭـﻮاﻣـــﺶ‪:‬‬
‫‪1-‬‬ ‫‪EASTHOPE,‬‬ ‫‪ANTONY,‬‬ ‫‪POETRY‬‬ ‫‪AS‬‬ ‫‪DISCOURSE.‬‬
‫‪LONDON:1983.P.31.‬‬
‫‪2‬ـ ﺗﺸﯿﺮﻧﯿﺸﻔﺴﻜﻲ‪ :‬ﻋﻼﻗﺎت اﻟﻔﻦ اﻟﺠﻤﺎﻟﯿﺔ ﺑﺎﻟﻮاﻗﻊ‪ .‬ﺗﺮ‪ :‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﻼق‪ .‬وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪،‬‬
‫‪ . 1983‬ص‪.83 :‬‬
‫‪ 3‬ـ راﺟﻊ ﻓﻲ ذﻟﻚ‪ :‬ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﺴﻮﻓﯿﯿﺖ‪ :‬اﻟﺠﻤﺎل ﻓﻲ ﺗﻔﺴﯿﺮه اﻟﻤﺎرﻛﺴﻲ‪ .‬ﺗﺮ‪ :‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﻼق‪،‬‬
‫ﻣﺮا‪ :‬أﺳﻤﺎء ﺻﺎﻟﺢ‪ .‬وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪ .1986 .‬ص‪5 :‬ـ ‪.39‬‬
‫‪4 - ADORNO , THEODOR, AESTHETIC THEORY, LONDON: 1985. P.‬‬
‫‪249.‬‬
‫‪5 - IBID., P. 331.‬‬
‫‪6 - ,IBID P. 332.‬‬
‫‪7 - EAGLETON, TERRY, CRITICISM AND IDEOLOGY. LONDON:‬‬
‫>‪1990. P. 186‬‬
‫‪8 - .IBID, P. 64.‬‬
‫‪9 - EASTHOPE, POETRY AS DISCOURSE. P. 35.‬‬
‫‪ 10‬ـ راﺟﻊ ﻓﻲ ذﻟﻚ‪ :‬ﺑﺎروت‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ ﺟﻤﺎل‪ :‬اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻷوﻟﻰ‪ .‬اﺗﺤﺎد ﻛﺘﺎب وأدﺑﺎء اﻹﻣﺎرات‪،‬‬
‫اﻟﺸﺎرﻗﺔ‪،‬ط‪ .1991. 1:‬ص‪ 83:‬ـ ‪107‬‬
‫‪ 11‬ـ اﻟﻔﯿﺘﻮري‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ ،‬م‪ . 2:‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ . 1979 ،‬ص‪ 130 :‬ـ ‪131‬‬
‫‪ 12‬ـ أدوﻧﯿﺲ‪ :‬اﻵﺛﺎر اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ‪ ،‬م‪ .1 :‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ .1971 ،‬ص‪.368 :‬‬
‫‪13 - STEAD, C. K, TH NEW POETIC, YEATS TO ELIOT. LONDON:‬‬
‫‪1975. P. P. 36. 37.‬‬
‫‪ 14‬ـ اﻟﻤﺎﻏﻮط‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ‪ :‬اﻵﺛﺎر اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ‪ .‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪1973 ،‬ص‪.188 :‬‬
‫‪ 15‬ـ اﻟﺒﯿﺎﺗﻲ‪ ،‬ﻋﺒﺪ اﻟﻮھﺎب‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ ،‬م‪ .2:‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ .1972 ،‬ص‪ 250 :‬ـ ‪.251‬‬
‫‪ 16‬ـ ﻋﻤﺮان‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ‪ :‬أﻧﺎ اﻟﺬي رأﯾﺖ‪ .‬وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪ .1978 ،‬ص‪ 107:‬ـ ‪.108‬‬
‫‪ 17‬ـ ﺣﺎوي‪ ،‬ﺧﻠﯿﻞ‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ ،‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ .1982 ،‬ص‪.323 :‬‬
‫‪ 18‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.313 :‬‬
‫‪ 19‬ـ دﻧﻘﻞ‪ :‬أﻣﻞ‪ :‬اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ‪ .‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪،‬ط‪ .1985 .2:‬ص‪ 210 :‬ـ ‪.211‬‬
‫‪ 20‬ـ ﺣﺎوي‪ :‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.195:‬‬
‫‪ 21‬ـ ﯾﻮﺳﻒ‪ ،‬ﺳﻌﺪي‪ :‬اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ )‪1952‬ـ‪ .(1977‬دار اﻟﻔﺎراﺑﻲ‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪.1979،‬‬
‫ص‪.149:‬‬
‫‪ 22‬ـ دروﯾﺶ‪ ،‬ﻣﺤﻤﻮد‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪،‬م‪ .2:‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ .1980،‬ص‪131:‬ـ ‪132‬‬
‫‪ 23‬ـ ﺧﻀﻮر‪ ،‬ﻓﺎﯾﺰ‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ ،‬م‪ .1:‬دار اﻷدھﻢ‪،‬ط‪ .1:‬د‪/‬ﺗﺎ‪ .‬ص‪.420:‬‬
‫‪ 24‬ـ اﻟﺴﯿﺎب‪ ،‬ﺑﺪر ﺷﺎﻛﺮ‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ ،‬م‪ .1:‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ .1971،‬ص‪470:‬‬
‫‪ 25‬ـ أﺑﻮ ﻋﻔﺶ‪ ،‬ﻧﺰﯾﮫ‪ :‬ﺑﯿﻦ ھﻼﻛﯿﻦ‪ .‬اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻟﻠﺪراﺳﺎت‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪ .‬ط‪ ،1982 ،1:‬ص‪ 61:‬ـ ‪.62‬‬
‫‪ 26‬ـ ﺣﺠﺎزي‪ ،‬أﺣﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻌﻄﻲ‪ :‬ﻛﺎﺋﻨﺎت ﻣﻤﻠﻜﺔ اﻟﻠﯿﻞ‪ .‬دار اﻵداب‪ .‬ﺑﯿﺮوت‪ .1978 .‬ص‪27:‬ـ‬
‫‪.28‬‬
‫‪ 27‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪28:‬‬
‫‪ 28‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.29:‬‬
‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 147 -‬‬
‫‪ 29‬ـ اﻟﺒﯿﺎﺗﻲ‪ ،‬ﻋﺒﺪ اﻟﻮھﺎب‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ ،‬م‪ .2:‬دار اﻟﻌﻮدة‪ .‬ﺑﯿﺮوت‪ .1972 ،‬ص‪141:‬ـ ‪.142‬‬
‫‪ 30‬ـ ﻟﻘﺪ أﻗﺎم أﺑﻮ دﯾﺐ ﻧﻈﺮﺗﮫ إﻟﻰ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل "اﻟﻔﺠﻮة ‪/‬ﻣﺴﺎﻓﺔ اﻟﺘﻮﺗﺮ"‪ .‬وذﻟﻚ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ‪:‬‬
‫اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ‪ .‬ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻷﺑﺤﺎث اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ ،‬ط‪.1987 .1 :‬‬
‫‪ 31‬ـ اﻟﻘﺎﺳﻢ‪ ،‬ﺳﻤﯿﺢ‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ ،‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ . 1973 ،‬ص‪291:‬ـ‪.292‬‬
‫‪ 32‬ـ ﺣﺠﺎزي‪ ،‬اﺣﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻌﻄﻲ‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ ،‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ .1973 ،‬ص‪420:‬ـ‪421‬‬
‫‪ 33‬ـ اﻟﻔﯿﺘﻮري‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ‪ :‬دﯾﻮاﻧﮫ‪ ،‬م‪ .1 :‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ ،‬ط‪ .1979 .3:‬ص‪80:‬ـ‪.81‬‬
‫‪ 34‬ـ أدوﻧﯿﺲ‪ :‬اﻵﺛﺎر اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ‪ ،‬م‪ .1:‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ .1971 ،‬ص‪.200:‬‬
‫‪ 35‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.201:‬‬
‫‪ 36‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.207:‬‬
‫‪ 37‬ـ ﻧﻔﺴﮫ‪ ،‬ص‪.217:‬‬
‫‪ 38‬ـ اﻟﺨﺎل‪ ،‬ﯾﻮﺳﻒ‪ :‬اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ‪ .‬دار اﻟﻌﻮدة‪ .‬ﺑﯿﺮوت‪ ،‬ط‪ .1979 .2:‬ص‪224 :‬ـ‬
‫‪.225‬‬
‫‪39 -SELDEN, RAMAN, AREADER `S GUIDE TO CONTEMPORARY‬‬
‫‪LITERARY THEORY, LONDON: 1988. P. 9.‬‬
‫‪ 40‬ـ ھﯿﺠﻞ‪ :‬ﻓﻦ اﻟﺸﻌﺮ‪ ،‬ﺟـ‪ .1 :‬ﺗﺮ‪ :‬ﺟﻮرج طﺮاﺑﯿﺸﻲ‪ .‬دار اﻟﻄﻠﯿﻌﺔ‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ ،‬ط‪ .1981 ،1:‬ص‪:‬‬
‫‪56‬ـ ‪.57‬‬
‫‪ 41‬ـ أدوﻧﯿﺲ‪ :‬اﻵﺛﺎر اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ‪ ،‬م‪ .2 :‬دار اﻟﻌﻮدة‪ ،‬ﺑﯿﺮوت‪ .1971 ،‬ص‪.177 :‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 148 -‬‬


‫رﻗﻢ اﻻﯾﺪاع ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻷﺳﺪ اﻟﻮطﻨﯿﺔ ‪:‬‬

‫وﻋﻲ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ‪ :‬دراﺳﺎت ﺟﻤﺎﻟﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ ‪ /‬ﺳﻌﺪ اﻟﺪﯾﻦ ﻛﻠﯿﺐ ‪ -‬دﻣﺸﻖ‬
‫‪ :‬اﺗﺤﺎد اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮب ‪ 156 - 1997 ،‬ص ؛ ‪ 25‬ﺳﻢ ‪.‬‬
‫‪ 811.9009 -1‬ك ل ي و‪.‬‬
‫‪ -2‬اﻟﻌﻨﻮان‬
‫‪ -3‬ﻛﻠﯿﺐ‬

‫ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻷﺳﺪ‬ ‫ع ‪. 1997/5/688‬‬

‫‪ -‬وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ ‪-‬‬ ‫‪- 149 -‬‬

You might also like