Professional Documents
Culture Documents
الحداثة الشعرية
الحداثة الشعرية
وﻋـــﻲ اﻟﺤــﺪاﺛــﺔ
) دراﺳﺎت ﺟﻤﺎﻟﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ (
-دراﺳﺔ -
-2-
-اﻟﻔـــــﮭـﺮس :
ﻛـﻠﻤﺔ أوﻟـﻰ 5 ------------------------------------------------------------------------------------
اﻟﻔﺼﻞ اﻷول 6 -----------------------------------------------------------------------------------
اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ 6 ---------------------------------------------------------
* ﺗﻤﮭﯿﺪ6 ------------------------------------------------------------------------------------------ :
* اﻟﻨﻘﺪ وﻧﺸﺄة اﻟﺤﺪاﺛﺔ7 ----------------------------------------------------------------------------- :
* اﻷﻧﺴﺎق اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ10 ------------------------------------------------------------------------------- :
اﻟــﮭﻮاﻣـــﺶ 22 ----------------------------------------------------------------------------------- :
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ 24 --------------------------------------------------------------------------------
* اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ 24 ----------------------------------------------------------
ﺗﻤﮭﯿﺪ24 ------------------------------------------------------------------------------------------ :
1ـ اﻟﺘﺠﺎدﻟﯿﺔ27 ------------------------------------------------------------------------------------ :
30 آـ اﻟﺸﻜﻞ اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ)*( -------------------- --------------------------------
35 ب ـ اﻟﺒﻨﯿﺔ اﻟﺼﻮرﯾﺔ--------------------- -------------------------------- :
2ـ اﻟﺪراﻣﯿﺔ41 ------------------------------------------------------------------------------------ :
اﻟﻔﻨﯿﺔ43 ------------------------ -------------------------------- : آ ـ اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ
44 ب ـ اﻟﺒﻨﺎء اﻟﺪراﻣﻲ---------------------- -------------------------------- :
3ـ اﻟﻜﻠﯿﺔ47 ----------------------------------------------------------------------------------------:
48 آ ـ اﻟﻤﻮﺿﻮع اﻟﻔﻨﻲ---------------------- -------------------------------- :
50 ب ـ اﻟﺘﻘﻮﯾﻢ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ--------------------- -------------------------------- :
إﺷﺎرة أﺧﯿﺮة56 ----------------------------------------------------------------------------------- :
اﻟﮭﻮاﻣﺶ62 --------------------------------------------------------------------------------------- :
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ 69---------------------------------------------------------------------------------
* ﺟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﺮﻣﺰ اﻟﻔﻨﻲ ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻟﺤﺪاﺛﺔ 65 ----------------------------------------------------------
ﺗـﺄﺳـــﯿـﺲ ﻧـﻈـﺮي65 ------------------------------------------------------------------------- :
ﻣﺴﺘﻮﯾﺎت اﻟﺮﻣﺰ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ69 ------------------------------------------------------------------ :
رﻣـــﺰ اﻟــﺮﯾـﺢ80 ----------------------------------------------------------------------------- :
رﻣـــﺰ اﻟــﺤﺠﺮ86 -----------------------------------------------------------------------------:
اﻟﮭﻮاﻣﺶ99 --------------------------------------------------------------------------------------- :
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ 95 --------------------------------------------------------------------------------
* ﺟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻔﻨﻲ ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻟﺤﺪاﺛﺔ 95 --------------------------------------------------------
ﺗﺄﺳـــﯿــﺲ ﻧـﻈـﺮي95 ------------------------------------------------------------------------- :
أﻧــﻤﺎط اﻟـﻨﻤﺬﺟﺔ ﻓـﻲ اﻟـــﺸﻌﺮ100-------------------------------------------------------------- :
اﻟــﮭﻮاﻣــــﺶ118------------------------------------------------------------------------------ :
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ 120 --------------------------------------------- --------------------------------
* اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺸﻌﺮي واﻷﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ 120 -------------------------------------------------------------
ﺗـﺄﺳــﯿــﺲ ﻧـﻈـﺮي120------------------------------------------------------------------------ :
اﻟﻨـﺺ ﺑـﻮﺻـﻔـﮫ ﺧـﻄـﺎﺑﺎ ً أﯾـﺪﯾـﻮﻟـﻮﺟـﯿـ ﺎً124--------------------------------------------------- :
اﻷﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ ﺑﻮﺻﻔﮭﺎ ﻧﺼﺎً137---------------------------------------------------------------- :
-وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ - -3-
اﻟـﮭـﻮاﻣـــﺶ147-------------------------------------------------------------------------------:
-4-
ﻛـﻠﻤﺔ أوﻟـﻰ
ﻟﻘﺪ ﺗ ّﻢ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ ،ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ،وﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮرات
ﻋﺪّة ﻣﺘﺒﺎﯾﻨﺔ ،ﺳﻮاء أﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﯿﻤﺎ ﯾﺘﻌﻠﻖ ﺑﺘﺤﺪﯾﺪﻣﺎھﻮ ﺟﻮھﺮي ﻓﯿﮭﺎ .ﺑﺤﯿﺚ ﯾﺨﯿﻞ
ﻟﻠﻤﺮء أن اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻟﻢ ﯾﻜﺪ ﯾﺘﺮك ﺟﺎﻧﺒﺎ ً ﻣﻦ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ،ﻣﻦ دون ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ
ﺗﺤﻠﯿﻠﯿﺔ أو ﺗﻨﺎول ﻧﻘﺪي .وواﻗﻊ اﻟﺤﺎل أن ذﻟﻚ اﻟﻨﻘﺪ ﻗﺪ أﺳﮭﻢ إﺳﮭﺎﻣﺎ ً ﻓﻌّﺎﻻً ﻓﻲ
ﺗﺤﺪﯾﺪ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ وﺑﻠﻮرة أطﺮوﺣﺎﺗﮭﺎ اﻟﻔﻨﯿﺔ واﻟﺠﻤﺎﻟﯿﺔ .وﻻﯾﺮﺗﺒﻂ اﻷﻣﺮ ﺑﻤﺎ
ھﻮ ﻧﻈﺮي وﺣﺴﺐ ،ﺑﻞ ﺑﻤﺎ ھﻮﺗﻄﺒﯿﻘﻲ ﺗﺤﻠﯿﻠﻲ أﯾﻀﺎً .وﻻﻧﺒﺎﻟﻎ إذا ﻣﺎذھﺒﻨﺎ إﻟﻰ أ ن
اﻟﺤﺪاﺛﺔ ﻗﺪ أﻧﺠﺰھﺎ اﻟﻨﻘﺎد ﺗﻨﻈﯿﺮاً ،ﻣﺜﻠﻤﺎ أﻧﺠﺰھﺎ اﻟﺸﻌﺮاء إﺑﺪاﻋﺎً .وﻣﻦ ﺣﻖ اﻟﻨﻘﺪ
اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ أن ﯾﻔﺨﺮ ﺑﻤﺎ أﻧﺠﺰه ،وﻣﻦ واﺟﺒﮫ أﯾﻀﺎ ً أن ﯾﻮاﺻﻞ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ واﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ
واﻟﻤﺮاﺟﻌﺔ ﻟﻤﺎ أﻧﺠﺰه ﻧﻘﺪﯾﺎً ،وﻟﻤﺎ ﯾﻨﺠﺰه اﻟﺸﻌﺮاء إﺑﺪاﻋﯿﺎً.
ﻏﯿﺮ أن ذﻟﻚ ﻻﯾﺆدي إﻟﻰ اﻟﺰﻋﻢ أن اﻟﻨﻘﺪ ﻗﺪ ﻗﺎل ﻛﻠﻤﺘﮫ اﻟﻔﺼﻞ ﻓﻲ ﺷﺄن
اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ .ﻓﻠﯿﺲ ﺛﻤﺔ ﻛﻠﻤﺔ ﻓﺼﻞ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ ـ واﻟﻔﻦ ﻋﺎﻣﺔ ـ ﻛﻤﺎ أﻧﮫ ﻟﯿﺲ
ﺛﻤﺔ ﻛﻠﻤﺔ ﻓﺼﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ،واﻟﻨﻘﺪ واﺣﺪ ﻣﻨﮭﺎ .وﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﺈن ھﻨﺎك
ﺷﺮﻋﯿﺔ ﻣﺴﺘﻤﺮة ﻟﻠﻤﻘﺎرﺑﺎت اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة ﺟﺰﺋﯿﺎ ً أوﻛﻠﯿﺎً .وﻟﻌﻞ ھﺬا ﯾﻜﻮن ﺳﺒﺒﺎ ً
وراء ﻣﻘﺎرﺑﺘﻨﺎ اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ ھﺬه ،اﻟﺘﻲ ﻻﻧﺰﻋﻢ ﻟﮭﺎ اﻟﺠﺪّة .ﺑﻞ ﻧﺰﻋﻢ ﻟﮭﺎ اﻻ ﺧﺘﻼف
وﺑﺼﺮف اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺗﻘﻮﯾﻢ ھﺬا اﻻﺧﺘﻼف إﯾﺠﺎﺑﺎ ً أو ﺳﻠﺒﺎً ،ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻌﻮد أﺳﺎﺳﺎ ً إﻟﻰ
اﻧﻄﻼق ھﺬه اﻟﻤﻘﺎرﺑﺔ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ اﻟﺠﻤﺎل .وھﻮ ﻣﺎﻟﻢ ﺗﺘﻢ اﻹﻓﺎدة ﻣﻨﮫ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ
اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ،إﻻ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﺰﺋﻲ ﺣﯿﻨﺎً ،وﺑﺸﻜﻞ ﻋﺮﺿﻲ ﺣﯿﻨﺎ ً آﺧﺮ .وذﻟﻚ ﺑﺨﻼف ھﺬه
اﻟﻤﻘﺎرﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺄﺳﺲ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ اﻟﺠﻤﺎل ،ﻣﻦ دون أن ﺗﻐﻔﻞ ﻣﺎأﻧﺠﺰه اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ
ﺑﺸﺄن اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ.
ﺗﻘﻮم ھﺬه اﻟﻤﻘﺎرﺑﺔ اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ ـ اﻟﺠﻤﺎﻟﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻮﻟﺔ ﻣﺤﻮرﯾﺔ ،ﻣﻔﺎدھﺎ أن اﻟﻔﻦ
ﻋﺎﻣﺔ ھﻮ ﻧﺘﺎج ا ﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ اﻟﺴﺎﺋﺪ واﻟﻤﺸﺮوط ﺑﺎﻟﺒﻨﯿﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﯿﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ .وھﻮ
ﻣﺎﯾﻌﻨﻲ أن اﻟﻔﻦ ﻻﯾﻤﻜﻨﮫ أن ﯾﺘﺒﺪّل ،ﻣﺎﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺛﻤﺔ ﺗﺒﺪّل ﻓﻲ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ .وھﺬا
ﻻﯾﺤﺪث ﺑﻤﻌﺰل ﻋﻦ اﻟﺘﺒﺪﻻت اﻟﺤﺎﺳﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻨﯿﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﯿﺔ .أي أن اﻟﻔﻦ ﻟﯿﺲ
اﻧﻌﻜﺎﺳﺎ ً ﻣﺒﺎﺷﺮا ً ﻟﻠﻮاﻗﻊ ،ﺑﻞ ھﻮ اﻧﻌﻜﺎس ﻟﻠﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ اﻟﻤﺸ ّﺨﺺ ﺗﺎرﯾﺨﯿﺎ ً ﻣﻦ
ﺟﮭﺔ ،واﻟﻤﺸ ّﺨﺺ ﻓﺮدﯾﺎ ً ﻣﻦ ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻧﯿﺔ.
إن اﻟﻔﻦ ھﻮ اﻷﻛﺜﺮ ﻗﺪرة ﻋﻠﻰ ﺗﺒﯿﺎن ذﻟﻚ اﻟﻮﻋﻲ وﺗﺠﺴﯿﺪه وﺗﻤﺜﻠّﮫ.
وﻻﯾﺘﺒﺪى ذﻟﻚ ﻓﻲ طﺒﯿﻌﺔ اﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ اﻟﺠﻤﺎﻟﯿﺔ ﻟﻠﻮاﻗﻊ ﻓﺤﺴﺐ .ﺑﻞ ﯾﺘﺒﺪى أﯾﻀﺎ ً ﻓﻲ
اﻟﺘﻘﻨﯿﺎت اﻟﻔﻨﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﯿﺴﺖ ،ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ،ﺳﻮى ﺗﻤﻈﮭﺮ ﺣﺴﻲ ﻟﻤﺎ ھﻮ ﻣﻌﻨﻮي
ﺟﻤﺎﻟﻲ ﻣﺠ ّﺮد .ﻓﺜﻤﺔ ،إذا ً ،ﻋﻼﻗﺔ ﺟﺪﻟﯿﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ واﻟﺸﻜﻞ اﻟﻔﻨﻲ .وﻣﻦ
ھﻨﺎ ﻓﺈن ﻣﻘﺎرﺑﺔ ذﻟﻚ اﻟﻮﻋﻲ ﻻﺗﺘ ّﻢ ،ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﻮ اﻷﻣﺜﻞ ،إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﺸﻜﻞ
اﻟﺬي ھﻮ اﻟﻮﻋﻲ ﻣﺘﻤﻈﮭﺮاً .أو ﻟﻨﻘﻞ إن اﻟﺸﻜﻞ اﻟﻔﻨﻲ ھﻮ ﺷﻜﻞ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ .
وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈن أي ﺗﺒﺪّل ﻓﻲ اﻟﻮﻋﻲ ﺳﻮف ﯾﻨﻌﻜﺲ ﺗﺒﺪﻻً ﻓﻲ اﻟﺸﻜﻞ .ﻏﯿﺮ أن ھﺬه
اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻻﺗﺘ ّﻢ ﻣﯿﻜﺎﻧﯿﻜﯿﺎً ،أو ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﺣﺘﻤﯿﺔ .ﻓﻘﺪ ﯾﺘﻤﻜﻦ اﻟﺸﻜﻞ ﻣﻦ اﺳﺘﯿﻌﺎب ﺗﺒﺪﻻت
اﻟﻮﻋﻲ ﻏﯿﺮ اﻟﺠﺬرﯾﺔ أو اﻟﺠﻮھﺮﯾﺔ.
وﺗﺄﺳﯿﺴﺎًﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﻧﻈﺮﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﺣﺪاﺛﺔ ﻓﻲ
اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ أوﻻً .وﻻﯾﻤﻜﻦ ﻟﻨﺎ ﻓﮭﻢ اﻻﺧﺘﻼف واﻟﺘﻤﯿّﺰ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺺ اﻟﺤﺪاﺛﻲ ﻣﻦ
ﺟﮭﺔ ،واﻟﻨﺺ اﻟﻜﻼﺳﯿﻜﻲ واﻟﺘﻘﻠﯿﺪي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ أﺧﺮى ،ﻣﺎﻟﻢ ﻧﺄﺧﺬ
ﺑﺎﻻﻋﺘﺒﺎر اﻻﺧﺘﻼف واﻟﺘﻤﯿﺰ ﺑﯿﻦ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ﻟﻜﻞ ﻣﻨﮭﻤﺎ .وﻟﻜﻦ إذا ﻣﺎ ﻛﺎن
-وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ - -5-
اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ھﻮ اﻟﻤﻨﻄﻠﻖ ﻓﻲ ﺗﺒﯿﺎن اﻟﺤﺪاﺛﺔ ،ﻓﺈن ھﺬا ﻻﯾﺆدي ﺑﻨﺎ إﻟﻰ إﻏﻔﺎل
اﻟﺸﻜﻞ اﻟﻔﻨﻲ ،أﻟﻢ ﻧﻘﻞ إن ھﺬا اﻧﻌﻜﺎس ﻟﺬاك .ﻣﻤﺎ ﯾﻌﻨﻲ أن ﺣﺪاﺛﺔ اﻟﻮﻋﻲ ﺗﻨﻌﻜﺲ
ﺣﺪاﺛﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﺺ.
ﻟﻦ ﻧﻄﯿﻞ ﻓﻲ ﻋﺮض ﻣﻨﻄﻠﻘﺎت ھﺬه اﻟﻤﻘﺎرﺑﺔ اﻟﻨﻘﺪﯾﺔـ اﻟﺠﻤﺎﻟﯿﺔ ،ﻓﻔﺼﻮل
اﻟﻜﺘﺎب ﻛﻔﯿﻠﺔ ﺑﺬﻟﻚ .وﻟﻜﻦ ﻣﺎﻻﺑ ّﺪ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﮫ ھﻮ أﻧﻨﺎ ﺣﺎوﻟﻨﺎ أن ﻧﻌﻲ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ﺑﺸﻜﻞ
ﻧﻘﺪي .ﻓﺈذا اﺳﺘﻄﻌﻨﺎ ذﻟﻚ ﻧﻜﻮن ﻗﺪ أﺳﮭﻤﻨﺎ ،ﻗﺪر اﻟﻄﺎﻗﺔ ،ﻓﻲ ﺑﻠﻮرة اﻟﺤﺪاﺛﺔ ﺟﻤﺎﻟﯿﺎ ً،
وإذا ﻋﺠﺰﻧﺎ أو أﺧﻔﻘﻨﺎ ،ﻓﻠﯿﺲ أﻣﺎﻣﻨﺎ إﻻ أن ﻧﻌﯿﺪ اﻟﻘﻮل ﻓﻲ ﻣﺎ ﻗﻠﻨﺎه.
اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ
ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ
* ﺗﻤﮭﯿﺪ:
ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟﻣوﺿوع ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻗد اﺣﺗل ﻣﻛﺎﻧﺔ ﺧﺎﺻﺔ،
ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ؛ ﻏﯾر أﻧﮫ ﯾﻣﻛن اﻟﺗوﻛﯾد أن ﻣوﺿوع اﻟﺣداﺛﺔ
اﻟﺷﻌرﯾﺔ ھو اﻟﻣوﺿوع اﻷﻛﺛر إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ وﺣرارة ،ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻧﻘد .وﻟﻌل ھذا ﯾﻧﮭض
ﻣن أھﻣﯾﺔ اﻟﺷﻌر اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ،ﻓﻲ اﻟذوق اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻛﻣﺎ ﯾﻧﮭض ﻣن أن
اﻟﺣداﺛﺔ ﻧﻔﺳﮭﺎ ،ﻗد طرﺣت ﻋدة إﺷﻛﺎﻟﯾﺎت ﻓﻧﯾﺔ وﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ،ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟذوق اﻟﺳﺎﺋد
،ﻣن ﺟﮭﺔ ،وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﻣﻔﮭوم اﻟﺷﻌرﯾﺔ POETICSﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى .وﻗد
ﻻﻧﺑﺎﻟﻎ إذا ﻣﺎذھﺑﻧﺎ إﻟﻰ أن ﻣﺎ ﺻﺎﺣب ھذه اﻟﺣداﺛﺔ ﻣن ﻣﻘﺎرﺑﺎت ﻧﻘدﯾﺔ ،وﻣن ﺧﻼف
ﺑﯾن ﻣؤﯾد وﻣﻌﺎرض ،ﻛﺎن ﻟﮫ اﻷﺛر اﻟﻛﺑﯾر ،ﻓﻲ ﺗطور اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ،وﺑﻠورة
اﻟﻛﺛﯾر ﻣن ﻣﻔﺎھﯾﻣﮫ اﻟﻧﻘدﯾﺔ .وﻟﻛن ،ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎﺑل ،ﻟم ﯾﻛن ﻟﮭذه اﻟﺣداﺛﺔ أن ﺗﺗﻌﻣﻖ
وﺗﺗﺑﻠور ،ﻟوﻻ ذﻟك اﻟﻧﻘد اﻟذي ﻛﺎﻧت ﻗﺿﯾﺔ اﻟﺗﺣدﯾث اﻟﺷﻌري إﺣدى ﻗﺿﺎﯾﺎه
اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ .وﻧو ﱡد أن ﻧﺳﺟل ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل ،أن ﻗﺿﯾﺔ اﻟﺗﺣدﯾث اﻟﺷﻌري ﻗد ﺷﻐﻠت
اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ،ﻣﻧذ أواﺋل ھذا اﻟﻘرن .أي ﻣﻧذ أن ظﮭرت ﻣدرﺳﺔ اﻟدﯾوان
اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻟﮭﺎ اﻟﻣﺑﺎدرة اﻷوﻟﻰ ،ﻓﻲ اﻟﮭﺟوم ﻋﻠﻰ ﻛل ﻣﺎ ھو ﺗﻘﻠﯾدي ،ﻓﻲ اﻟﺷﻌر
-6-
اﻟﻌرﺑﻲ .وإذا ﻣﺎوﺿﻌﻧﺎ ﻓﻲ اﻻﻋﺗﺑﺎر أن اﻷطروﺣﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،ﻟﮭذه اﻟﻣدرﺳﺔ ،أﻛﺛر
أھﻣﯾﺔ ﻣن ﻧﺗﺎﺟﮭﺎ اﻟﺷﻌري ،وﻻﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ ﺑداﯾﺎﺗﮭﺎ اﻷوﻟﻰ ؛ ﻓﺈن ذﻟك ﯾﻌﻧﻲ أن ﻗﺿﯾﺔ
اﻟﺗﺣدﯾث اﻟﺷﻌري ﻗد ظﮭرت ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﻗﺿﯾﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ،أوﻻً .وﻗد ﯾﺑدو ﻣن اﻟطرﯾف
أن ﻧﺷﯾر إﻟﻰ أن اﻟﻧﻘد اﻟﺣدﯾث ـ واﻟﻣﻌﺎﺻر طﺑﻌﺎًـ ﺑﻌﻛس اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم ،ﻋﻠﻰ
ھذا اﻟﻣﺳﺗوى .ﻓﺑﯾﻧﻣﺎ ﻛﺎن ھذا اﻟﻧﻘد ﻣداﻓﻌﺎ ً ﻋن ﻋﻣود اﻟﺷﻌر ،واﻷﺻول اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ
اﻟﻣﺗوارﺛﺔ ،وﺣذرا ً ﻣن أي ﺗﺟدﯾد ،ﯾﻣﻛن أن ﯾﺄﺗﻲ ﺑﮫ ﺷﺎﻋر ،ﺣﺗﻰ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺧص
اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ واﻟﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ؛ ﻓﺈن اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث راح ﯾﺿﯾﻖ ذرﻋﺎ ً ﺑﻣﺎ
ھو ﺗﻘﻠﯾدي وﻧﻣطﻲ ،ﻓﻲ اﻟﺷﻌر ،ﻣﺛﻠﻣﺎ راح ﯾدﻋو إﻟﻰ ﺿرورة اﻟﺗﻔرد واﻟﺗﻣﯾز،
ﻻﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد ﻣوﻗﻊ اﻟﺗﺣدﯾث ﻣن اﻟﺗراث اﻟﺷﻌري ﻓﺣﺳب .ﺑل ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﺷﻌراء
اﻟﻣﻌﺎﺻرﯾن ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭم أﯾﺿﺎً .وﻟﻌل ﺗﻘوﯾم ھذا اﻟﻧص أو ذاك ﺑﺎﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ واﻟﻧﻣطﯾﺔ
ﯾﻛون ﻣن أﻛﺛر اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت اﻟﺗﻲ ﯾﺳﺗﺧدﻣﮭﺎ اﻟﻧﻘد اﻟﺣدﯾث واﻟﻣﻌﺎﺻر ﺳﻠﺑﯾﺔ.
إن ﻗﺿﯾﺔ اﻟﺗﺣدﯾث ،إذاً ،ھﻲ ﻗﺿﯾﺔ اﻟﻧﻘد ،ﺑﻘدر ﻣﺎھﻲ ﻗﺿﯾﺔ اﻟﺷﻌر اﻟﺣداﺛﻲ.
وﻟﮭذا ﻻﻏراﺑﺔ ﻓﻲ أن ﯾﺗﺄﺛر ﻛل ﻣﻧﮭﻣﺎ ﺑﺎﻵﺧر ،ﻣن ﺣﯾث اﻟﺗﻌﻣﻖ واﻟﺑﻠورة؛ وﻻﻏراﺑﺔ
أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ أن ﺗﺗﻌدد اﻟﻣﻘﺎرﺑﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﺣول اﻟﺣداﺛﺔ وﻣﺳوﻏﺎﺗﮭﺎ وأﺳﺑﺎب ﻧﺷوﺋﮭﺎ
وﻣﺳﺗوﯾﺎﺗﮭﺎ وﺗﯾﺎراﺗﮭﺎ .ﺑﺣﯾث إن اﻟﺗﻌرض ﻟﻛل ذﻟك ﯾﻘﺗﺿﻲ ﺑﺣﺛﺎ ً ﻣطوﻻً ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﺑذاﺗﮫ.
وھو ﻣﺎﻻﯾﺳﺗطﯾﻊ ھذا اﻟﻣﺑﺣث أن ﯾﻘوم ﺑﮫ ،ﺑﺷﻛل ﻣﺳﮭب .وﻟﮭذا ،ﻟم ﯾﻛن ﺑ ﱡد ﻣن
اﻹﯾﺟﺎز اﻟذي ﻻﯾﺧ ّل ﺑﻣوﺿوﻋﮫ.
-8-
وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ﺟﻣﺎل ﺑﺎروت ﯾﺣﺗرز ﻣن اﻟرﺑط اﻟﻣﯾﻛﺎﻧﯾﻛﻲ ﺑﯾن اﻟﺷﻌر
وأﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ اﻟﺻﻐﯾرة ،إﻻ أﻧﮫ ﯾذھب ،ﻓﻲ ﺣدﯾﺛﮫ ﻋن ﺷﺧﺻﯾﺔ
اﻟﻣﻠﻌون ،ﻓﻲ ﺷﻌر أﻧﺳﻲ اﻟﺣﺎج ،إﻻ أﻧﮫ "اﻟﻣﺛﺎل اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻧﻣوذﺟﻲ ﻟﻠﺑرﺟوازي
ﻻﯾﺣس اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ إﻻﺧﻧﻘﺎ ً ﻟﻔردﯾﺗﮫ ،وﻣﺣﻘﺎ ً وﻟﻌﻧﺎًﻟﮫ ،ﻓﻲ
ّ اﻟﺻﻐﯾر ،اﻵﺑﻖ ،اﻟﻣﺎرق ،اﻟذي
ﺣﯾن ﯾرى ﻣروﻗﮫ ﺛورﺗﮫ اﻟوﺣﯾدة").(7
وﻟﻛن ﻣﺎﺗﺟب اﻹﺷﺎرة إﻟﯾﮫ .ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل ،ھو أن ﺛﻣﺔ ﻋدة ﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻣن
اﻟﺗﻔﺳﯾر اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،ﻟﻧﺷﺄة اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ .وﺗﺗرﺟّﺢ ھذه اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت ﺑﯾن ﺟﻌل
اﻟﺣداﺛﺔ اﻧﻌﻛﺎﺳﺎ ً ﻣﺑﺎﺷرا ً ﻷدﯾوﻟوﺟﯾﺔ اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ اﻟﺻﻐﯾرة ،وﺑﯾن اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟﺣداﺛﺔ
ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﻧﺗﺎج اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ـ أﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ،ﻣن دون اﻋﺗﺑﺎرھﺎ اﻧﻌﻛﺎﺳﺎ ً ﺳﻠﺑﯾﺎ ً ﻟﺗﻠك
اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ .أي ﻣن دون رﺑطﮭﺎ اﻟﻣﺑﺎﺷر ﺑﻣﺎ ھو اﻗﺗﺻﺎدي ،ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ اﻟﻌرﺑﻲ .وﻗد
ﯾﺑدو أن ھذا اﻟﺗﻔﺳﯾر ،ﺑﺗرﻛﯾزه ﻋﻠﻰ ﻣﺎھو اﻗﺗﺻﺎدي وأﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ،ﯾﻧﻔﻲ ﻋﻣﻠﯾﺔ
اﻟﻣﺛﺎﻗﻔﺔ ﻣﻊ اﻟﻐرب اﻷورﺑﻲ ،ﻏﯾر أن اﻷﻣر ﻟﯾس ﻛذﻟك .إذ إﻧﮫ ﯾؤﻛد ھذا اﻟﻣﺛﺎﻗﻔﺔ،
وﻟﻛن ﻣن ﺧﻼل اﻟﺿرورات اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ .ﯾﻘول اﻟدﻛﺗور ﻓؤاد اﻟﻣرﻋﻲ ﻓﻲ
ذﻟك :إن "اﻟﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟﻐرب ﻟم ﯾﻛن ﺳﺑﺑﺎ ً ﻓﻲ اﻟﺗﻐﯾرات اﻟﺗﻲ طرأت ﻋﻠﻰ أدﺑﻧﺎ اﻟﺣدﯾث،
ﺑﻘدر ﻣﺎﻛﺎن ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻟﺗﻠك اﻟﺗطورات اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ") .(8ﻓﻼ ﯾﻣﻛن ،وھذه اﻟﺣﺎل ،أن
ﺗﻛون ﺛﻣﺔ ﻣﺛﺎﻗﻔﺔ ﻣﻊ اﻟﺧﺎرج ،ﻣن دون أن ﺗﻛون ﻣﻔروﺿﺔ ﻣن اﻟﺿرورات
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟداﺧﻠﯾﺔ ذات اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ).(9
أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﺗﻔﺳﯾر اﻟﻧﻔﺳﻲ ـ اﻟذوﻗﻲ ،ﻓﺈﻧﮫ ﯾرﺑط ﺑﯾن اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ
واﻟﺗﻐﯾرات اﻟﺗﻲ أﺻﺎﺑت ﻛﻼً ﻣن اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟذوﻗﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﺗﺣت ﺗﺄﺛﯾر
اﻟﻣﺳﺗﺟدات اﻟﺗﻲ ﺟﺎء ﺑﮭﺎ اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرون .وﻟﻌل اﻟدﻛﺗور ﻣﺣﻣد اﻟﻧوﯾﮭﻲ ﻣن أھم
اﻟﻘﺎﺋﻠﯾن ﺑﮭذا اﻟﺗﻔﺳﯾر .ﺣﯾث ﯾرى أن اﻟﺗﻧﺎظر أو اﻟﺳﯾﻣﺗرﯾﺔ SYMMETRYاﻟﺗﻲ
ﯾﺗﺻف ﺑﮭﺎ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺗﻘﻠﯾدي ،ﻟم ﺗﻌد ﺗﺗﻼﺋم واﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟذوﻗﯾﺔ
اﻟﻣﻌﺎﺻرة .إن "ﻧوع اﻹﯾﻘﺎع اﻟذي ﺗﻌرﻓﮫ اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ﻟم ﯾﻌد ﺻﺎﻟﺣﺎ ً
ﻟﺣﺎﺟﺎﺗﻧﺎ اﻟﻔﻧﯾﺔ واﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟذوﻗﯾﺔ ...وإن درﺟﺔ اﻻﻧﺗظﺎم اﻟﺗﻲ ﯾﺗطﻠﺑﮭﺎ ﺷﻛل اﻟﻘﺻﯾدة
اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ زاﺋدة اﻹﺳراف ﻓﻲ اﻟﺳﯾﻣﺗرﯾﺔ واﻟرﺗوب") .(10وﻣن ذﻟك ،ﻓﺈن اﻟﻧوﯾﮭﻲ
ﯾذھب إﻟﻰ أن " اﻟﺑﺣر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﺄﺛور ذو ﻣوﺳﯾﻘﻰ ﺣﺎدة ﺑﺎرزة ،ﺷدﯾدةاﻟﺟﮭر ،ﻋﻧﯾﻔﺔ
اﻟوﻗﻊ ﻋﻠﻰ طﺑﻠﺔ اﻷذن ،ﻋظﯾﻣﺔ اﻟدرﺟﺔ ﻣن اﻟﺗﻛرار واﻟرﺗوب .وھذه طﺑﯾﻌﺔ ﯾﻧﻔر
ﻣﻧﮭﺎ ذوﻗﻧﺎ اﻟﺣدﯾث وﻟم ﺗﻌد آذاﻧﻧﺎ ﺗﺣﺗﻣﻠﮭﺎ ،وأﺻﺑﺣﻧﺎ ﻧراھﺎ ﺷﯾﺋﺎ ً ﺑداﺋﯾﺎ ً ﻻﯾﻌﺟب ﺑﮫ
إﻻ ذوو اﻷذواق اﻟﻔﺟﺔ اﻟﺗﻲ ﻟم ﺗﻧﺿﺞ") .(11وﻟﻛﻲ ﯾؤﻛد ﻣﺎﯾذھب إﻟﯾﮫ ،ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻘﺎرن
ﺑﯾن اﻹﻧﺳﺎن اﻟﺑداﺋﻲ واﻟطﻔل ،ﻣن ﺟﮭﺔ ،وﺑﯾن اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣﺗﺣﺿر و اﻟﻧﺎﺿﺞ ،ﻣن
ﺟﮭﺔ أﺧرى ،ﻓﯾرى أن اﻹﻧﺳﺎن اﻟﺑداﺋﻲ واﻟطﻔل ﻻﯾﻌﺟﺑﮭﻣﺎ ﺳوى اﻟﺣﺎد واﻟﻔﺎﻗﻊ
واﻟﻌﻧﯾف ﻣن اﻟرواﺋﺢ واﻷﻟوان واﻷﻧﻐﺎم ؛ ﻋﻠﻰ ﺣﯾن أﻧﮫ ﻛﻠﻣﺎ " ﻧﺿﺞ اﻹﻧﺳﺎن
وارﺗﻘت ﺛﻘﺎﻓﺗﮫ وﻧﻣﺎ ذوﻗﮫ وﺗﮭذّب ﺣﺳﮫ ،ﺻﺎر أﻣﯾل إﻟﻰ اﻷﻟوان اﻟﺧﺎﻓﺗﺔ واﻟرواﺋﺢ
اﻟﺧﻔﯾﻔﺔ اﻟﺗﻲ ﻻﺗﺷ ّم إﻻھوﻧﺎً ،واﻷﻧﻐﺎم اﻟدﻗﯾﻘﺔ اﻟﻣﺧﺗﻔﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺣﺗﺎج إﻟﻰ ذﻛﺎء وإرھﺎف
ﺳﻣﻊ ﺣﺗﻰ ﺗُﻠﺗﻘط وﺗﺗﺎﺑﻊ")(11
-وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ - -9-
وﺑﺷﻛل ﻋﺎم ،ﻓﺈن ﺛﻣﺔ ﺗﻐﯾرا ً ﻣﺎﻗد طرأ ﻋﻠﻰ اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟذوﻗﯾﺔ
اﻟﻌرﺑﯾﺔ .وھو ﻣﺎﺟﻌﻠﮭﺎ ﺗﻧﻔر ﻣن ﻛل ﻣﺎﯾﺗﻧﺎﻓﻰ ﻣﻌﮭﺎ ،ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﺷﻛل اﻟﺷﻌري
اﻟﻣوروث ،وﻋﻠﻰ أﺻﻌدة أﺧرى ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ أﯾﺿﺎً .وﻣن ذﻟك ،ﻓﺈن اﻟﻣﯾل إﻟﻰ اﻧﺟﺎز
اﻟﺗﺣدﯾث اﻟﺷﻌري ھو ،ﻓﻲ أﺳﺎﺳﮫ ،ﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟطﺑﯾﻌﺔ .أي أن
ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ھو اﻟﺷﻌر اﻷوﺣد اﻟذي ﯾﻣﺛل اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟذوق اﻟﻣﻌﺎﺻرﯾن ،ﻓﻲ ﺣﯾن
أن اﻟﺷﻛل اﻟﻘدﯾم ﻟم ﯾﻌد" ﯾﺻﻠﺢ ﻟﻠﻧﮭوض ﺑﺣﺎﺟﺎﺗﻧﺎ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة").(12
ﺗﻠك ھﻲ أھم اﻟﺗﻔﺳﯾرات اﻟﺗﻲ اﻗﺗرﺣﮭﺎ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﻟﻧﺷﺄة اﻟﺣداﺛﺔ
اﻟﺷﻌرﯾﺔ .وﻟﻛن ﻣﺎﯾﻧﺑﻐﻲ ﻗوﻟﮫ ،ھﻧﺎ ،ھو أن ذﻟك اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ اﻟﺗﻔﺳﯾرات ﻻﯾؤدي
إﻟﻰ ﻧوع ﻣن اﻟﻘطﯾﻌﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ .إذ إن اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻋﺎﻣﺔ ﯾرى أن ﺛﻣﺔ ﺿرورة
ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻟوﺟود اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ،ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌرﺑﻲ .ﻓﺳواء ﻛﺎﻧت اﻟﻣﺛﺎﻗﻔﺔ ھﻲ
اﻷﺳﺎس أم ﻛﺎﻧت اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ،أم اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟذوﻗﯾﺔ؛ ﻓﺈن
ﺿرورة اﻟﺣداﺛﺔ ﺗﺑﻘﻰ ھﻲ اﻟﻣﻧطﻠﻖ ،ﻟﺗﻠك اﻟﺗﻔﺳﯾرات .وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟﻘول
ﺑﺎﻟﻣﺛﺎﻗﻔﺔ ﯾرﺑط اﻟﺣداﺛﺔ ﺑﻣﺎھو ﺧﺎرﺟﻲ ،ﻓﺈﻧﮫ ﯾرى اﻟﻣﺛﺎﻗﻔﺔ ﻣﻊ اﻟﻐرب اﻷورﺑﻲ ھﻲ
ﺿرورة ﺛﻘﺎﻓﯾﺔ وﺣﺿﺎرﯾﺔ ،ﻟﻠﺧروج ﻣن ﺷرﻧﻘﺔ اﻟرﻛود واﻟﺟﻣود اﻟﺗﻲ اﻧﺣﺻرت
ﻓﯾﮭﺎ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ طوﯾﻼً .ﺑﻣﻌﻧﻰ أن ﺛﻣﺔ ﺣﺎﺟﺔ ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ إﻟﻰ اﻟدﺧول ﻓﻲ
ﻣﺛﺎﻗﻔﺔ ﻣﻊ اﻟﻐرب اﻷورﺑﻲ.
* اﻷ ﻧﺴﺎق اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ:
وإذا ﻛﺎن اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻗد اﺷﺗﻣل ﻋﻠﻰ ﻋدة ﺗﻔﺳﯾرات ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،ﻟﻧﺷﺄة
اﻟﺣداﺛﺔ؛ ﻓﺈﻧﮫ ﻗد اﺷﺗﻣل أﯾﺿﺎ ً ﻋﻠﻰ ﻋدة ﻣﻘﺎرﺑﺎت ﻧﻘدﯾﺔ ،ﻟﻣﺎ ھو ﺟوھري ﻓﯾﮭﺎ .أي
أن ﻧﻘﺎد اﻟﺣداﺛﺔ ﯾﺧﺗﻠﻔون ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭم ﺣول اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﺟوھري أو اﻷﻛﺛر أھﻣﯾﺔ ،ﻓﻲ
اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ،واﻟذي ﺟﻌل ﻣﻧﮭﺎ ﻧﻣطﺎ ً ﻣن اﻹﺑداع اﻟﺷﻌري ،ﻣﺧﺗﻠﻔﺎ ً ﻋن اﻟﺷﻌر
اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ .وﯾﻣﻛن أن ﻧﺣﺻر ھذه اﻟﻣﻘﺎرﺑﺎت ﺑﻌدة أﻧﺳﺎق .وھﻲ :اﻟﻧﺳﻖ اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ،
واﻟﻧﺳﻖ اﻷﺳطوري ،واﻟﻧﺳﻖ اﻟﺻوري ،واﻟﻧﺳﻖ اﻟرؤﯾوي .وھﻲ ،ﻛﻣﺎ ﻧﻠﺣظ ،ﺗﻛﺎد
ﺗﺷﻣل ﻣﻌظم اﻟﺟواﻧب ،ﻓﻲ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ .وإذا ﻛﺎﻧت ھذه اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ أو ﺗﻠك
ﺗرى أن اﻟﺟوھري أو اﻷھم ﻓﻲ اﻟﺣداﺛﺔ ،ﯾﻛﻣن ﻓﻲ أﺣد ھذه اﻷﻧﺳﺎق ،ﻓﺈن ذﻟك
ﻻﯾﻌﻧﻲ ﻋدم اﻷﺧذ ﺑﻐﯾره .ﺑل ﯾﻌﻧﻲ أن ﻏﯾره أﻗل أھﻣﯾﺔ ﻣﻧﮫ ﻓﻲ ﺗﺣدﯾد ﻣﺎھو
ﺟوھري ﻓﻲ اﻟﺣداﺛﺔ ،ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد ﯾﻣﯾﻠون إﻟﻰ اﻷﺧذ ﺑﻌدة أﻧﺳﺎق
ﻣﻌﺎً ،ﻣﻌﺗﺑرﯾن إﯾﺎھﺎ ﻣﺣددات أﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﺣداﺛﺔ .وﺳوف ﻧﺗوﻗف ،ﺑﺷﻛل ﻣوﺟز ،ﻋﻧد
ﻛل واﺣد ﻣن ﺗﻠك اﻷﻧﺳﺎق.
أﻣﺎ اﻟﻧﺳﻖ اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ ،ﻓﯾؤﻛد اﻟﻘﺎﺋﻠون ﺑﺟوھرﯾﺗﮫ أن أھﻣﯾﺔ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ
ﺗﻛﻣن ﻓﻲ ﺧروﺟﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻧظﺎم اﻟﺑﯾت اﻟﺷﻌري اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻌﯾﻼت ﻣﺣددة
ﺳﻠﻔﺎً .ھذا اﻟﺑﯾت اﻟذي ﯾﺷﻛل أﺳﺎس اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻣوﺳﯾﻘﯾﺎً ،واﻟذي ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ
ﻧﻣطﯾﺔ ﻋروﺿﯾﺔ ،ﻟم ﺗﻌد ﺗﺗﻼءم واﻟذوق اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن ﺟﮭﺔ ،وﻟم ﺗﻌد ﺗﺗﻼءم وطﺑﯾﻌﺔ
- 10 -
اﻻﻧﻔﻌﺎل اﻟﺷﻌري ﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ .ﺑﺣﯾث ﯾﺻﺢ اﻟﺗوﻛﯾد ،ﺑﺣﺳب ھذا اﻟﻧﺳﻖ ،أن
اﻟﺧروج ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻟﻧظﺎم ھو ﻓﻲ ذاﺗﮫ دﺧول ﻓﻲ اﻟﺣرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻣﯾز اﻟﺗﺟرﺑﺔ
اﻟﺷﻌرﯾﺔ ،وﻣن دوﻧﮫ ﻟن ﯾﺗﻣﻛن اﻟﺷﺎﻋر اﻟﻌرﺑﻲ ﻣن اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﺗﺟرﺑﺗﮫ ﺑﺎﻟﺷﻛل
اﻷﻣﺛل .وﻣن ذﻟك ،ﻓﻘد ﺗ ّم اﻟﻧظر إﻟﻰ ﻣﺣﺎوﻻت اﻟرﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﻓﻲ ﺗﺟﺎوز
اﻟﻧﻣطﯾﺔ ،ﻣن ﺧﻼل ﺑﻌض اﻟﺗﻧوﯾﻌﺎت واﻟﺗﻠوﯾﻧﺎت اﻟﻣوﺳﯾﻘﯾﺔ ،ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﻧوع ﻣن
ﺗﺟﻣﯾل اﻟﻘﯾد .ﯾﻘول اﻟﻧوﯾﮭﻲ ﻓﻲ ذﻟك":وﻣن اﻟﻌﺑث أن ﻧظن أن إﻟﻐﺎء اﻟﻘﺎﻓﯾﺔ واﻟروي
أو ﺗﻧوﯾﻌﮭﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺻﯾدة اﻟواﺣدة ﻣﻊ اﻻﺣﺗﻔﺎظ ﺑﮭذا اﻟﺷﻛل اﻟﮭﻧدﺳﻲ اﻟﺳﯾﻣﺗري
اﻟﺷدﯾد اﻻﻧﺗظﺎم واﻟرﺗوب ﯾﻛﻔﻲ ﻟﺗﺧﻔﯾف ﺣدة اﻟﺟرس أو ﺿﯾﻖ اﻟﻘﯾود اﻟﺷﻛﻠﯾﺔ .وھذا
ﺷﺑﯾﮫ ﺑﻣﺎﯾﻔﻌﻠﮫ اﻟﻣﺣﻛوم ﻋﻠﯾﮫ ﺑﺎﻹﻋدام ﺷﻧﻘﺎ ً ﺣﯾن ﯾطﻠب إﻟﻰ "ﻋﺷﻣﺎوي" أن ﯾوﺳﻊ
ﺣول ﻋﻧﻘﮫ ﻗﻠﯾﻼً ﺣﺗﻰ ﻻﯾؤﻟﻣﮫ").(13وﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ،ﻓﺈن ﺑﻘﺎء ﻧظﺎم اﻟﺑﯾت ھو اﻟﺳﺎﺋد
ﻻﯾؤدي إﻻ إﻟﻰ ﺑﻘﺎء اﻟﻘﯾد ﻋﻠﻰ رﻗﺎب اﻟﺷﻌراء ،وﻟن ﺗﻧﻔﻊ ﻛل اﻟﻣﺣﺎوﻻت اﻟﻣوﺳﯾﻘﯾﺔ
اﻟﺟزﺋﯾﺔ ،ﻟﺗﺟﺎوز اﻟﻧﻣطﯾﺔ ،ﻓﻲ وﺻول اﻟﺷﺎﻋر إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﺗﺟرﺑﺗﮫ ،ﺑﺷﻛل ﺣر
وأﺻﯾل .إذ إن اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﺟوھرﯾﺔ ﺗﻛﻣن أوﻻً ﻓﻲ ﺳﻣﯾﺗرﯾﺔ ذﻟك اﻟﻧظﺎم .ھذه
اﻟﺳﯾﻣﺗرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻟم ﺗﻌد ﺗﺗﻼءم ،ﻛﻣﺎ ﻻﺣظﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎً ،واﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟذوﻗﯾﺔ
اﻟﻣﻌﺎﺻرة.
إن ﻣﺎﯾذھب إﻟﯾﮫ اﻟﻧوﯾﮭﻲ ،ﻛﺎﻧت ﻧﺎزك اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﻗد ذھﺑت إﻟﯾﮫ ﻣن ﻗﺑل ،ﺣﯾن
رأت أن ﺛﻣﺔ أﺳﺑﺎﺑﺎ ً ﺧﻣﺳﺔ أوﺟﺑت وﺟود اﻟﺷﻌر اﻟﺣر ،ﺑﺣﺳب ﻣﺻطﻠﺣﮭﺎ .وھﻲ
اﻟﻧزوع إﻟﻰ اﻟواﻗﻊ ،واﻟﺣﻧﯾن إﻟﻰ اﻻﺳﺗﻘﻼل ،واﻟﻧﻔور ﻣن اﻟﻧﻣوذج ،واﻟﮭرب ﻣن
اﻟﺗﻧﺎظر ،وإﯾﺛﺎر اﻟﻣﺿﻣون) .(14وﻗد ﯾﺑدو أن ﺑﻌض ھذه اﻷﺳﺑﺎب ﻻﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ
ﺑﺎﻟﻧﺳﻖ اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ ،ﻣن ﻣﺛل اﻟﺳﺑﺑﯾن اﻷول واﻷﺧﯾر .ﻏﯾر أن ﻛل ھذه اﻷﺳﺑﺎب
ﺗﺣﯾل ،ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣطﺎف ،إﻟﻰ ذﻟك اﻟﻧﺳﻖ .إذ إن ﻟﮭﺎ ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻣﻧطﻠﻘﺎ ً واﺣدا ً وھو
اﻹﺣﺳﺎس ﺑﺿﯾﻖ ﻧظﺎم اﻟﺑﯾت اﻟﺷﻌري .ﻓﺎﻟﻧزوع إﻟﻰ اﻟواﻗﻊ ﻟن ﯾﺗﯾﺳر ﻟﻠﺷﺎﻋر ،ﻓﻲ
إطﺎر ھذا اﻟﻧظﺎم .ﺗﻘول ،ﺗﺣت ھذا اﻟﺳﺑب "أﻣﺎ اﻟﻘﯾود اﻟﺗﻲ ﺗﺿﯾّﻖ آﻓﺎق اﻷوزان
اﻟﻘدﯾﻣﺔ ،ﻓﮭﻲ ﺗﻠوح ﻟﻠﻔرد اﻟﻣﻌﺎﺻر ﺗرﻓﺎ ً وﺗﺑدﯾدا ً ﻟﻠطﺎﻗﺔ اﻟﻔﻛرﯾﺔ ﻓﻲ ﺷﻛﻠﯾﺎت ﻻﻧﻔﻊ
ﻟﮭﺎ ،ﻓﻲ وﻗت ﯾﻧزع ﻓﯾﮫ ھذا اﻟﻔرد إﻟﻰ اﻟﺑﻧﺎء واﻹﻧﺷﺎء وإﻟﻰ إﻋﻣﺎل اﻟذھن ﻓﻲ
ﻣوﺿوﻋﺎت اﻟﻌﺻر") .(15وﺗرى ﻧﺎزك اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ،ﺗﺣت اﻟﺳﺑب ﻧﻔﺳﮫ ،أن اﻟﺷﻌر
اﻟﺣر ﯾﺻﻠﺢ ﻟﻠﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟﺣﯾﺎة اﻟواﻗﻌﯾﺔ ،ﻷﻧﮫ "ﯾﺧﻠو ﻣن رﺻﺎﻧﺔ اﻷوزان
اﻟﻘدﯾﻣﺔ") .(16وﺗرى ،ﺗﺣت اﻟﺳﺑب اﻷﺧﯾر"إﯾﺛﺎر اﻟﻣﺿﻣون" ،أن اﻟﺷﻛل اﻟﺗﻘﻠﯾدي
ﯾﺗﺣﻛم ﺑﺎﻟﻣﺿﻣون اﻟﺷﻌري ،ﻟﻣﺎ ﻓﯾﮫ ﻣن دﻗﺔ وﺗﻧظﯾم وﺗﻧﺎظر ،وھو ﻣﺎﯾﺟﻌل اﻟﺷﺎﻋر
ﯾﺿﺣﻲ ﺑﻣﻌﺎﻧﯾﮫ ﻣن أﺟل اﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻟﺷﻛل .أﻣﺎ اﻟﺷﻌر اﻟﺣر ،ﻓﮭو "ﻓﻲ
ﺟوھره ،ﺛورة ﻋﻠﻰ ﺗﺣﻛﯾم اﻟﺷﻛل ﻓﻲ اﻟﺷﻌر") ،(17ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻟﺟﻌل اﻟﻣﺿﻣون،
ﻻاﻟﺷﻛل ،ھو اﻷﺳﺎس.
وﺑﺷﻛل ﻋﺎم ،ﻓﺈن اﻟﻣﯾزة اﻟﺟوھرﯾﺔ ﻟﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﺗﻛﻣن ،ﺑﺣﺳب ھذا اﻟﻧﺳﻖ،
ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ ﻣن اﻟﻧص اﻟﺷﻌري .ﻓﺎﻟﺗﺣدﯾث اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ ﻗد أﺗﺎح ﻟﻠﺷﺎﻋر أن
- 14 -
واﻧدﻣﺎﺟﮭﺎ ﻓﻲ وﺣدة ﻋﺿوﯾﺔ ....وﺑذﻟك اﺳﺗطﺎع اﻟﺷﺎﻋر اﻟﻣﻌﺎﺻر أن ﯾﻌﺎﻧﻖ اﻟﻛﻠﯾﺔ
واﻟﺟزﺋﯾﺔ ،وأن ﯾﻧﺟو ﻣن اﻟﻣﺑﺎﺷرة ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر ،أن ﯾﻧﺟو ﻣن اﻟﻧﺛرﯾﺔ").(32
أﻣﺎ اﻟﻧﺳﻖ اﻟﺻوري ،ﻓﯾرى أن دراﺳﺔ اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ،ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ،
ﯾﻣﻛﻧﮭﺎ أن ﺗﺑﯾن ﻣدى اﻻﺧﺗﻼف ﺑﯾﻧﮫ وﺑﯾن اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ واﻟﺗﻘﻠﯾدي
اﻟﻣﻌﺎﺻر .وذﻟك ﻣن ﻣﻧظور أن اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ﺟوھرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر ﻋﺎﻣﺔ .ﻓﯾﻣﺎ أن
اﻟﺻورة ،ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﺣو ﻣن اﻷھﻣﯾﺔ ،ﻓﺈن ﺗﺑﯾﺎﻧﮭﺎ وﺗﺑﯾﺎن ﻋﻼﺋﻘﮭﺎ ،ﻋﺑر اﻟﻣدارس
اﻟﺷﻌرﯾﺔ ،ﯾؤدي ﺑﺎﻟﺿرورة إﻟﻰ ﺗﺑﯾﺎن اﻻﺧﺗﻼف اﻟﺟوھري ﺑﯾن ھذه اﻟﻣدارس ،ﻣﻊ
اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن اﻟﺻورة ﻻﺗﻌﻧﻲ ﻣﺎھو ﺟزﺋﻲ وﺣﺳب .ﺑل ﺗﻌﻧﻲ ﻣﺎھو ﻛﻠﻲ أﯾﺿﺎ ً.
ﺑﻣﻌﻧﻰ أن ﺛﻣﺔ ﺻوراً ﺟزﺋﯾﺔ ،ﻛﻣﺎ أن ﺛﻣﺔ ﺻورا ً ﻛﻠﯾﺔ.
وﺑﻣﺎ أن اﻟدﻛﺗور ﻧﻌﯾم اﻟﯾﺎﻓﻲ ﻣن أھم اﻟدارﺳﯾن ﻟﮭذا اﻟﻧﺳﻖ ،ﻓﺈن اﻟوﻗوف ﻋﻧد
أطروﺣﺎﺗﮫ أو ﺑﻌﺿﮭﺎ ،ﺣول اﻟﺻورة اﻟﺣدﯾﺛﺔ ،ھو وﻗوف ﻋﻧد ھذا اﻟﻧﺳﻖ ،ﺑﺷﻛل أو
ﺑﺂﺧر.
ﯾﻧطﻠﻖ اﻟدﻛﺗور اﻟﯾﺎﻓﻲ ﻣن أن اﻷﺷﻛﺎل اﻟﺑﻼﻏﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ إﻧﻣﺎ ھﻲ "أﺑﻧﯾﺔ ﻣﮭدﻣﺔ
اﺳﺗﻧﻔدت طﺎﻗﺎﺗﮭﺎ ،وﺧﻠﻘت ﺟدﺗﮭﺎ ،وطﺎل ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟزﻣن") .(33وھﻲ ،ﻟذﻟك ،ﻟم ﺗﻌد
ﻣﻼﺋﻣﺔ ﻟﮭذا اﻟﻌﺻر ﺑﺧﻠﻔﯾﺗﮫ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ،ﻣﻣﺎ ﯾﻘﺗﺿﻲ ﺗﻌﺎﻣﻼً ﺻورﯾﺎ ً ﺟدﯾدا ً .وھو
ﻣﺎأﻧﺟزه اﻟﺷﻌر اﻟﺣدﯾث.
أﻣﺎ اﻟﺻﻔﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺻف ﺑﮭﺎ اﻟﺻورة اﻟﺣداﺛﯾﺔ،أو اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،ﺑﺣﺳب ﺗﻌﺑﯾر
اﻟﯾﺎﻓﻲ ،ﻓﯾﻣﻛن إﺟﻣﺎﻟﮭﺎ ﺑﺎﻷﻣور اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ:
آـ ﺗﻌد اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ أﺣد ﻣﻛوﻧﯾن اﺛﻧﯾن ،ﻓﻲ اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،وﻗد ﻋﺑرت
ﻋن ﺗﺟﺎرب اﻟﺷﻌراء رؤﯾﺔ وﺑﻧﺎء ،أﻣﺎ اﻟﻣﻛون اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﮭو اﻹﯾﻘﺎع.
ب ـ إن أﺳﺎس اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ﯾﻛﻣن ﻓﻲ اﻟﺧﻠﻖ ،ﻻﻓﻲ اﻟﻣﺣﺎﻛﺎة ،ﻛﻣﺎ ﻛﺎن ﺳﺎﺋدا ً
ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ ،وﻣن ذﻟك ،ﻓﻘد ﺗﺧﻠت اﻟﺻورة اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻋن وظﺎﺋف
اﻟﺻورة اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷرح واﻟﺗزﯾﯾن.
ج ـ أﺿﺣت اﻟﺻورة ،ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻣﻌﺎﺻر ،وﺳﯾﻠﺔ اﻟﺧﻠﻖ واﻟﻛﺷف واﻟرؤﯾﺎ
وأداة اﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟوﺣﯾدة ﻋن اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻣﺗﺷﺎﺑﻛﺔ اﻟﻣﻌﻘدة ﻣﺎﺑﯾن اﻷﻧﺎ ـ اﻵﺧر،
اﻟداﺧل ـ اﻟﺧﺎرج.
د ـ ﺗﻼﺣﻣت اﻟﺻورة ﺑﺷﻛل أوﺿﺢ وأﻗوى ﻣﻊ أﻧﺳﺎﻗﮭﺎ اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ واﻟداﺧﻠﯾﺔ.
ھـ ـ ﻣن اﻟﺻﻌوﺑﺔ اﻟﺣدﯾث ﻋن ﺑﻧﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺛﺎﺑﺗﺔ ﻟﻠﺻورة ،ﻓﻲ اﻟﻘﺻﯾدة
اﻟﻣﻌﺎﺻرة) .(34
وذﻟك ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أن ھذه اﻟﺻورة ﻗد "أﻟﻐت ﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟﻣﻌروﻓﺔ
ﻓﻛرة +ﺻورة ،وﺟﻌﻠت اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟﻔﻛرة ﯾﺗم ﻣن ﺧﻼل اﻟﺻورة أو
ﺑﺎﻟﺻورة") .(35
- 20 -
-وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ - - 21 -
اﻟــﮭﻮاﻣـــﺶ :
1ـ رزوق ،أﺳﻌﺪ :اﻷﺳﻄﻮرة ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ .ﻣﻨﺸﻮرات ﻣﺠﻠﺔ اﻵﻓﺎق ،ﺑﯿﺮوت،
.1959ص.107:
2ـ ﺟﯿﺪة ،د.ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﯿﺪ :اﻻﺗﺠﺎھﺎت اﻟﺠﺪﯾﺪة ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ .ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻧﻮﻓﻞ ،ﺑﯿﺮوت،
. 1980ص112 :
3ـ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ ،ﻋﺰ اﻟﺪﯾﻦ :اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ .دار اﻟﻌﻮدة ،ﺑﯿﺮوت ،ط .1981 ،1:راﺟﻊ
اﻟﻔﺼﻠﯿﻦ اﻷول واﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﺎب اﻟﺜﺎﻟﺚ.
4ـ اﻟﺸﺮﯾﻒ ،ﺟﻼل ﻓﺎروق :اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ ـ اﻷﺻﻮل اﻟﻄﺒﻘﯿﺔ واﻟﺘﺎرﯾﺨﯿﺔ .اﺗﺤﺎد اﻟﻜﺘﺎب
اﻟﻌﺮب ،دﻣﺸﻖ . 1976 ،ص5:ـ6
5ـ ﺧﻨﺴﺔ ،وﻓﯿﻖ :دراﺳﺎت ﻓﻲ اﻟ ﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺴﻮري .دﯾﻮان اﻟﻤﻄﺒﻮﻋﺎت اﻟﺠﺎﻣﻌﯿﺔ ،اﻟﺠﺰاﺋﺮ،
.1981ص.15:
6ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.79:
7ـ ﺑﺎروت ،ﻣﺤﻤﺪ ﺟﻤﺎل :اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻷوﻟﻰ .اﺗﺤﺎد ﻛﺘﺎب وأدﺑﺎء اﻹﻣﺎرات ،اﻟﺸﺎرﻗﺔ ،ط،1:
. 1991ص.92 :
8ـ اﻟﻤﺮﻋﻲ ،د.ﻓﺆاد :اﻟﻤﺆﺛﺮات اﻷﺟﻨﺒﯿﺔ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ .ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻷدﺑﻲ ـ ﻋﺪد:
.194/193دﻣﺸﻖ.1987 ،ص.53:
9ـ ﻻﺑﺄس ﻣﻦ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أﻧﻨﺎ ﻛﻨﺎ ﻗﺪ أﺧﺬﻧﺎ ﺑﮭﺬا اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ ،ﻓﻲ أطﺮوﺣﺘﻨﺎ ﻟﻠﺪﻛﺘﻮراه "اﻟﻘﯿﻢ اﻟﺠﻤﺎﻟﯿﺔ
ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ" ﻋﺎم.1989
10ـ اﻟﻨﻮﯾﮭﻲ ،د .ﻣﺤﻤﺪ :ﻗﻀﯿﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺠﺪﯾﺪ .دار اﻟﻔﻜﺮ ،ط.1971 ،2:ص.98:
11ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.94:
12ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.98 :
13ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.95:
14ـ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ،ﻧﺎزك :ﻗﻀﺎﯾﺎ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ .دار اﻟﻌﻠﻢ ﻟﻠﻤﻼﯾﯿﻦ ،ﺑﯿﺮوت ،ط ،5:ص56:ـ65
15ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.56 :
16ـ ﻧﻔﺴﮫ،ص.57:
17ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.63:
18ـ اﻟﻨﻮﯾﮭﻲ ،اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص231:ـ.248
19ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.231 :
20ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص239:
21ـ راﺟﻊ :اﻟﻤﻌﺪاوي ،أﺣﻤﺪ :اﻟﺒﻨﯿﺔ اﻹﯾﻘﺎﻋﯿﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة ﻟﻠﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ .ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﻮﺣﺪة" .اﻟﻌﺪد:
.83/82اﻟﺮﺑﺎط .1991 ،ﺣﯿﺚ ﯾﻌﺮض اﻟﺪارس ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻤﺤﺎوﻻت ﻣﺒﯿﻨﺎ ً ﻣﺎﻓﯿﮭﺎ ﻣﻦ ﻗﺼﻮر أو
ﻣﻐﺎﻟﻄﺔ.
- 22
SELDEN, RAMAN, AREADERS GUIDE TO CONTEMPORARY
LITERARY THEORY. LONDON: 1988.P.9.
23ـ اﻟﻤﻌﺪاوي :اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ .ص.57:
24ـ اﻟﯿﻮﺳﻒ ،ﯾﻮﺳﻒ ﺳﺎﻣﻲ :اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ .اﺗﺤﺎد اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮب ،دﻣﺸﻖ.1980 ،
ص.44:
25ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص42:
26ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ر: 1ص 42 :ـ.43
27ـ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ :اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.225 :
28ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.231 :
- 22 -
29ـ ﺟﺒﺮا ،ﺟﺒﺮا إﺑﺮاھﯿﻢ :اﻟﻤﻔﺎزة واﻟﺒﺌﺮ وﷲ .ﻣﺠﻠﺔ "ﺷﻌﺮ" .اﻟﻌﺪد .8/7 :ﺻﯿﻒ .1958ص.57:
30ـ رزوق :اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ .ﺣﯿﺚ ﯾﺪرس أوﻟﺌﻚ اﻟﺸﻌﺮاء ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻤﻨﻈﻮر.
31ـ وھﻮ :أﺳﻄﻮرة اﻟﻤﻮت واﻻﻧﺒﻌﺎث ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ .اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ،ﺑﯿﺮوت،
.1978
32ـ اﻟﯿﻮﺳﻒ :اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص43 :ـ.44
33ـ اﻟﯿﺎﻓﻲ ،د.ﻧﻌﯿﻢ :ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﺪراﺳﺔ اﻟﺼﻮرة اﻟﻔﻨﯿﺔ .وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،دﻣﺸﻖ .1982 ،ص8 :
34ـ اﻟﯿﺎﻓﻲ ،د.ﻧﻌﯿﻢ :اﻟﺼﻮرة ﻓﻲ اﻟﻘﺼﯿﺪة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة .ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻷدﺑﻲ" ،اﻟﻌﺪد:
.256/255دﻣﺸﻖ .1992 ،ص.46:
35ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.26:
36ـ اﻟﯿﺎﻓﻲ ،د.ﻧﻌﯿﻢ :ﺗﻄﻮر اﻟﺼﻮرة اﻟﻔﻨﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ .اﺗﺤﺎد اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮب،
دﻣﺸﻖ.1983 ،ص.364 :
37ـ اﻟﯿﺎﻓﻲ :اﻟﺼﻮرة ﻓﻲ اﻟﻘﺼﯿﺪة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة .ص.46:
38ـ ﺷﻜﺮي ،د .ﻏﺎﻟﻲ :ﺷﻌﺮﻧﺎ اﻟﺤﺪﯾﺚ إﻟﻰ أﯾﻦ؟ .دار اﻵﻓﺎق اﻟﺠﺪﯾﺪة ،ﺑﯿﺮوت ،ط .1978 ،2:ص:
.13
39ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.12 :
40ـ أدوﻧﯿﺲ :زﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ .دار اﻟﻌﻮدة ،ﺑﯿﺮوت ،ط .1983 ،3:ص.9:
41ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.12:
42ـ ﺑﺎروت :اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ر :1ص45:ـ.52
43ـ أدوﻧﯿﺲ :اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص10:ـ .13
44ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.14:
45ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.15:
46ـ داود ،أﺣﻤﺪ ﯾﻮﺳﻒ :ﻟﻐﺔ اﻟﺸﻌﺮ .وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،دﻣﺸﻖ.1980 ،ص.254 :
|
اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ
ﻓﻲ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ
* ﺗﻤﮭﯿﺪ:
AESTHETIC CONSCIOUSNESS ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ
ً
ﯾﺷ ّﻛل اﻷﺳﺎس اﻟذي اﻧطﻠﻘت ﻣﻧﮫ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،إﻻ أﻧﮫ ﺑﻘﻲ ﺛﺎﻧوﯾﺎ أو
ھﺎﻣﺷﯾﺎًﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﻓﻲ إﺟﺎﺑﺗﮫ ﻋﻣﺎ ھو أﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ ھذه
اﻟﺣداﺛﺔ .وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ھذا اﻟﻧﻘد ﻟم ﯾﻛد ﯾﺗرك ظﺎھرة ﻣن ظواھر اﻟﺣداﺛﺔ
اﻟﺷﻌرﯾﺔ ،ﻣن دون ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ أو دراﺳﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ،ﻓﺈن اھﺗﻣﺎﻣﮫ ﺑﻣﺎ ھو ﺟﻣﺎﻟﻲ ﻋﺎﻣﺔ ﺑﻘﻲ
أﻗل ﻗﯾﻣﺔ ﻣن اھﺗﻣﺎﻣﺎﺗﮫ اﻷﺧرى.
وﻟﻌل اﻟﺳﺑب اﻷﺑرز ﻓﻲ ذﻟك ﯾﻛﻣن ﻓﻲ ﻗﻠﺔ ﻋﻧﺎﯾﺔ ھذا اﻟﻧﻘد ﺑﻌﻠم اﻟﺟﻣﺎل
AESTHETICSﺗﻧظﯾرا ً وﺗطﺑﯾﻘﺎً .وھو ﻣﺎاﻧﻌﻛس ﺳﻠﺑﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺑﻌض أطروﺣﺎت ھذا
اﻟﻧﻘد ،ﻣن ﻣﺛل ﻋدم اﻟرﺑط ،أو ﺿﺂﻟﺗﮫ ،ﺑﯾن اﻟظﺎھرة اﻟﺷﻛﻠﯾﺔ وأﺳﺎﺳﮭﺎ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ،وﻣن
ﻣﺛل ﺗﺣوﯾل اﻟﺟزﺋﻲ إﻟﻰ ﻛﻠﻲ ،وﺗﻌﻣﯾم اﻟﺧﺎص ﺑﮭذا اﻟﺷﺎﻋر أو ذاك ﻋﻠﻰ اﻟﺣداﺛﺔ
اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ؛ وﻣن ﻣﺛل اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ ھذا اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻔﻧﻲ أو ذاك ﺑﻣﻌزل ﻋن
اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻷﺧرى ﻣن ﺟﮭﺔ ،وﻋن اﻟﻣﺿﻣون اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ .وﻻﺷك ﻓﻲ
أﻧﻧﺎ ﻻﻧﺗﮭم اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ﺑﺎﻟﻘﺻور ﻋن وﻋﻲ ظﺎھرة اﻟﺣداﺛﺔ .إذ إن واﻗﻊ اﻟﺣﺎل
ﯾؤﻛد أن ھذا اﻟﻧﻘد ،ﻓﻲ ﻣﻌظﻣﮫ ،ﻛﺎن ﻋﻠﻰ درﺟﺔ ﻋﺎﻟﯾﺔ ﻣن اﻟﻔﮭم واﻟﺗﺑﺻر ﺑﮭذه
اﻟظﺎھرة ،ﻛﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ درﺟﺔ ﻣن اﻟﻣﺗﺎﺑﻌﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻟﮭﺎ ،ﺑﺷﻛل ﻟم ﯾﺳﺑﻖ ﻟﮫ ﻣﺛﯾل ﻓﻲ
ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ .ﺑﺣﯾث ﯾﻣﻛن اﻟﻘول إن ﺣرﻛﺔ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻟم ﯾﻛن ﻟﮭﺎ أن
ﺗﺄﺧذ ﻣﺎأﺧذﺗﮫ ﻣن أھﻣﯾﺔ ﻛﺑرى ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،ﺑﮭذه اﻟﺳرﻋﺔ
اﻟﻘﺻوى؛ ﻟو ﻟم ﺗﺻﺎﺣﺑﮭﺎ ﺣرﻛﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﻧﺷطﺔ ،ﺗﺗﻧﺎوﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟدرس واﻟﺑﺣث واﻟﻌﻧﺎﯾﺔ،
وﺗﺗﺣ ّﻣس ﻟﻣﺎ ﺗطرﺣﮫ ﻣن ﺟدﯾد ﯾﺧﺗﻠف ﻋﻣﺎ ھو ﻣﻌﮭود ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ ،وﯾﺗﻼءم
وﻣﻧطﻖ اﻟﺗﺣدﯾث اﻟذي ﯾﺗﺑﻧﺎه اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻋﺎﻣﺔ.
- 24 -
وﻟﻛن اﻟﻼﻓت ﻟﻠﻧظر ﻓﻲ ھذا اﻟﻧﻘد ھو ﻏﯾﺎب اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﻧﻘدي ،أو ﺿﺂﻟﺗﮫ،
ﻟﻌﻼﻗﺔ ظﺎھرة اﻟﺣداﺛﺔ ﺑﺎﻟظﺎھرة اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ ،واﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﺧﺎﺻﺔ .وﻣﻌظم
ﻣﺎﯾﻘﺎل ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ أو ﺗﻠك ﻋن ھذه اﻟﻌﻼﻗﺔ ھو أن ﺛﻣﺔ ذوﻗﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً
ﺟدﯾدا ً راح ﯾﺗﺑﻠور ﻋرﺑﯾﺎً؛ أو أن ﺗﻐﯾرا ً ﻣﺎ ﻗد طرأ ﻋﻠﻰ طﺑﯾﻌﺔ اﻻﺳﺗﯾﻌﺎب اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ
ﻓﻲ اﻹﺑداع واﻟﺗﻠﻘﻲ؛ أو أن اﻟﺷﻌر اﻟﺣدﯾث ذو ﺑﻧﯾﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﻐﺎﯾرة وﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻋن
اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم .وﻟﻛن ﻣﺎھﻲ طﺑﯾﻌﺔ ھذا اﻟذوق اﻟﺟدﯾد أو اﻟﺗﻐﯾر أو اﻟﺑﻧﯾﺔ ،ﻓﺈن
ھذا ﻣﺎﯾﺳﻛت ﻋﻧﮫ اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣﻛﺗﻔﯾﺎ ً ﺑﺎﻹﺷﺎرة أو اﻟﺗﻘرﯾر .وﻛﺄن اﻷﻣر ﺑدھﻲ
ﻻﺧﻼف ﺣوﻟﮫ ،أو ﻛﺄﻧﮫ ﻻﯾﺳﺗﺄھل اﻟﻣﻌﺎﻟﺟﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ .وﻻﺷك ﻓﻲ أن ﻣﺎﯾﻘرره ھذا اﻟﻧﻘد
ﺻﺣﯾﺢ ﻓﻲ ﺟوھره .ﻏﯾر أن ھذا اﻟﺻﺣﯾﺢ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺗﺳوﯾﻎ ﻋﻠﻣﻲ وﻣﻌﺎﻟﺟﺔ ﻧﻘدﯾﺔ
ﺗﺑﯾّن طﺑﯾﻌﺗﮫ واﻧﻌﻛﺎﺳﺎﺗﮫ ،ﻛﻣﺎ ﺗﺑﯾن ﻣﺳﺗوﯾﺎﺗﮫ اﻟﺗﻌﺑﯾرﯾﺔ.
إن اﻟﻔن ﺑوﺻﻔﮫ "أﻋﻠﻰ أﺷﻛﺎل ﺗﻣﻠك اﻟواﻗﻊ ﺑﺣﺳب ﻣﻘﺎﯾﯾس اﻟﺟﻣﺎل") ،(1إﻧﻣﺎ
ھو ﻧﺗﺎج اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ،ﻓﻲ ﻧﻣط ﻣن أﻧﻣﺎطﮫ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ .وﻟﮭذا ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻛﺛف اﻟﺗﺟرﺑﺔ
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺗﻛﺛﯾﻔﺎ ً ﻓﻧﯾﺎ ً راﻗﯾﺎً ،ﻣن ﻣﻧظور ذاﺗﻲ ﺗﺧﯾﻠﻲ ﺗﻘوﯾﻣﻲ .ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ أن إﺣﺎﻟﺔ
اﻟﻔن ﻋﻠﻰ اﻟواﻗﻊ ﻻﯾﻣﻛن أن ﺗﻛون إﺣﺎﻟﺔ ﻣﺑﺎﺷرة ،ﻣﺛﻠﻣﺎ أﻧﮫ ﻻﯾﻣﻛن رﺑطﮫ ﺑﻣﺎ ھو
ﻓردي ﺻرف .وﻟﻌﻠّﮫ ﻣن اﻟﻣﻔﯾد أن ﻧﺳﺗﺄﻧس ﺑﻣﺎ ﯾؤﻛده ﻏوﻟدﻣﺎن ،ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل،
ﻰ ذھﻧﯾﺔ ﻣﺎوراء ﻓردﯾﺔ ﺗﻧﺗﻣﻲ إﻟﻰ ﻣﺟﻣوﻋﺔ وذﻟك ﺑﻣﻘوﻟﺗﮫ ﺑﺻدور اﻟﻔن ﻋن ﺑﻧ ً
ﺧﺎﺻﺔ ،وھﻲ ﺗﺗﺷﻛل ،ﻋﻠﻰ ﻧﺣو داﺋم ،وﺗﻧﺣ ّل ﻓﻲ ﻣﺟﻣوﻋﺎت اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺣﯾن ﺗﻌدّل
ﺻورﺗﮭﺎ ﻋن اﻟﻌﺎﻟم ﻛﺈﺳﺗﺟﺎﺑﺔ ﻟﺗﻐّﯾﱡر اﻟواﻗﻊ أﻣﺎﻣﮭﺎ .وﺗﺑﻘﻰ ھذه اﻟﺻور اﻟذھﻧﯾﺔ
ﻣﻌروﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو رديء ،وﻧﺻف ﻣدرﻛﺔ ﻓﻲ ﺷﻌور اﻟﻣﻣﺛﻠﯾن اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﯾن؛ ﻏﯾر
أن اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌظﺎم ھم اﻟﻘﺎدرون ﻋﻠﻰ ﺑﻠورة ﺗﻠك اﻟﺻور ﻓﻲ ﺷﻛل واﺿﺢ
ﻣﺗﻣﺎﺳك) (2
إن اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ھو أﺣد ﺗﻠك اﻟﺻور اﻟذھﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ راﺣت ﺗﺗﺷﻛل
ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﺑﻔﻌل اﻟﻣﺳﺗﺟدات اﻟﻣﺗﻌدّدة واﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ اﻟﺗﻲ ﺑدأت
ﺑﺎﻟﺑروز ،ﻣﻧذ أواﺋل اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن .وﻣن ھﻧﺎ ،ﻓﺈن ﺗﺑﯾﺎن ھذا اﻟوﻋﻲ ھو ﻓﻲ أﺳﺎﺳﮫ
ﺗﺑﯾﺎن ﻟﻠﺧﻠﻔﯾﺔ اﻟﻧﺎظﻣﺔ ﻟﻠﺣداﺛﺔ اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ ،واﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻣﻧﮭﺎ ﺧﺎﺻﺔ.
وﻧرى أن اﻟﺗﺻﻧﯾف اﻟﻣدرﺳﻲ ﻟﮭذه اﻟظﺎھرة اﻟﻔﻧﯾﺔ أو ﺗﻠك ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻧطﻠﻖ
أوﻻً ﻣن ﺗﺣدﯾد طﺑﯾﻌﺔ اﻟوﻋﻲ اﻟذي ﯾﻘف ﺧﻠﻔﮭﺎ .أﻣﺎ أن ﻧﻧطﻠﻖ ،ﻓﻲ اﻟﺗﺻﻧﯾف ،ﻣن
اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﻔﻧﯾﺔ وﺣﺳب ،ﻓﺈن ﻓﻲ ذﻟك ﻗﺻورا ً ﻋن اﺳﺗﯾﻌﺎب اﻟظﺎھرة ﻧﻘدﯾﺎً.
وﻻﺷك ﻓﻲ أﻧﮫ ﻻﯾﺟوز اﻟﻔﺻل ﺑﯾن اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ واﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﻔﻧﯾﺔ.
وﻟﻛن ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎﺑل .ﻓﺈن ﻛﺛﯾرا ً ﻣن ﺗﻠك اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﻋﺎﻣﺎ ً وﺷﺎﺋﻌﺎ ً ﺑﯾن
ﻣﺧﺗﻠف اﻟﺣرﻛﺎت اﻟﺷﻌرﯾﺔ أو اﻟﻣدارس اﻟﻔﻧﯾﺔ ،ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺔ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ .ﻏﯾر أن
ھذا ﻻﯾﻌﻧﻲ ﻋدم أھﻣﯾﺔ ﺗﻠك اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻓﻲ اﻟﺗﺻﻧﯾف .إذ إن اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻻﯾﻣﻛن
اﺳﺗﻘراؤه ﻣن دوﻧﮭﺎ ،ﻓﮭﻲ اﻟﺣﺎﻣل اﻟﻣﺎدي ﻟﮫ أو ھﻲ ﺷﻛﻠﮫ اﻟﻣﺷ ّﺧص ﻣﺎدﯾﺎً ،وﻻﺳﯾﻣﺎ
ﺣﯾن ﺗﻛون ﺗﻌﺑﯾرا ً ﻣﺑﺎﺷرا ً ﻋﻧﮫ ،ﻛﻣﺎ ﺣﺻل ﻣﻊ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ .ﻓﻣﺎ ھﻲ
1ـ اﻟﺘﺠﺎدﻟﯿﺔ:
ﻟﻌل اﻟﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ)*( ﺗﻛون ھﻲ اﻟﺳﻣﺔ اﻟﺟوھرﯾﺔ ﻣن ﺑﯾن ﺳﻣﺎت اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ
اﻟﺣداﺛﻲ ،ﻓﮭﻲ اﻟﺳﻣﺔ اﻷﻛﺛر ﺗﺑدﯾﺎً ،ﻓﻲ اﻟﺷﻌر ﻓﻧﯾﺎ ً وﺟﻣﺎﻟﯾﺎً .ﻓﻼﯾﻛﺎد ﻣﺳﺗوى ﻣن
ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﻧص اﻟﺷﻌري اﻟﺣداﺛﻲ ﯾﺧﻠو ﻣﻧﮭﺎ ،أو ﻣن ﺑﻌض آﺛﺎرھﺎ .ﺳواء أﻛﺎن ذﻟك
ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ أم ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻹﯾﻘﺎﻋﯾﺔ أم اﻟﺗﺻوﯾرﯾﺔ أم ﻋﻠﻰ
ﺻﻌﯾد اﻟﻘﯾم اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣطروﺣﺔ.
وﻛﻣﺎ ھو ﻣﻌﻠوم ،ﻓﺈن ھذه اﻟﺳﻣﺔ ﺗﺣﯾل ﻋﻠﻰ ﻓﮭم اﻟﻌﺎﻟم واﻟوﺟود اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ
ﻣن ﻣﻧظور اﻟﺗﻧﺎﻗض وﺗﺑﺎدل اﻟﺗﺄﺛﯾر ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾن اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء واﻟﻌﻧﺎﺻر
واﻟﺟواﻧب ...إﻟﺦ .ﻓﻠﯾس ﺛﻣﺔ ﺷﻲء ﯾﻣﻛن أن ﯾوﺟد أو ﯾﺳﺗﻣر أو ﯾﻣوت ،ﺑﻣﻌزل ﻋن
ﻋﻧﺎﺻر اﻟﻣﺣﯾط اﻟذي ھو ﻓﯾﮫ ،أو ﺑﻣﻌزل ﻋن ﻣﺣﯾطﮫ ﻋﺎﻣﺔ .وھو ﻣﺎﯾﻧﻔﻲ إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ
اﺳﺗﻘﻼل اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء ....ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻋن ﺑﻌﺿﮭﺎ اﻵﺧر ،وﯾؤﻛد وﺟودھﺎ اﻟﻘﺎﺋم
ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺎﻗض واﻟﺻراع وﺗﺑﺎدل اﻟﺗﺄﺛﯾر .وﺑﻣﺎ أن اﻷﻣر ﻛذﻟك ،ﻓﻠﯾس ھﻧﺎﻟك ﻣﺎھو
ﻧﺎﺟز ﺑﺷﻛل ﻧﮭﺎﺋﻲ .إذ إن اﻟﺗطور واﻟﺗﺑدل واﻟﺗﻐﯾر ﻣن اﻟﺻﻔﺎت اﻟﻣﻼزﻣﺔ ﻟﻛل ﻣﺎھو
ﻣوﺟود .وﻟﮭذا ﻟم ﯾﻌد اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻷﺷﯾﺎء ﯾﺗ ﱡم ﻣن ﺧﻼل اﻟﺛﺑﺎت أو اﻻﺳﺗﻘﻼل أو
اﻟﻛﻣﺎل .إن ﻛل ﺷﻲء ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾؤﺧذ ﻓﻲ ﺗﺟﺎدﻟﮫ ﻣﻊ اﻷﺷﯾﺎء اﻷﺧرى ،ﻣن دون أن
ﯾﻌﻧﻲ ذﻟك إﻏﻔﺎل اﻟﺗﻣﯾز اﻟذاﺗﻲ اﻟﺧﺎص ﺑﮫ.
ﺗﻠك ھﻲ اﻟﺧﻠﻔﯾﺔ اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ ﻟﻠوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ .ﺣﯾث راح ھذا اﻟوﻋﻲ
ﯾﺗﺳم ﺑﺂﻟﯾﺔ ذھﻧﯾﺔ ﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ ،ﺗرى اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ وﺣدﺗﮫ اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺎﻗض واﻟﺻراع
ﻻﻋﻠﻰ اﻟﺗﻛﺎﻣل واﻟﺗﻧﺎظر SYMMETRYﻛﻣﺎ ھﻲ اﻟﺣﺎل ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ
اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟذي ﺗﺷ ّﻛل اﻟﺗﻛﺎﻣﻠﯾﺔ اﻟﻣﯾﺗﺎﻓﯾزﯾﻘﯾﺔ ﺳﻣﺗﮫ اﻟﺟوھرﯾﺔ .وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم
ﻣن أن اﻟﻣﺟﺎل ﻻﯾﺳﻣﺢ ﺑﺎﻟﺣدﯾث ﻋن ھذا اﻟوﻋﻲ ،إﻻ أﻧﮫ ﺗﻣﻛن اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن
ﻣﻔﮭوم اﻟﻛﻣﺎل ﻣﻔﮭوم ﺟوھري ﻓﻲ اﻟﻔﻛر اﻟﻌرﺑﻲ ـ اﻹﺳﻼﻣﻲ ،ﺳواء أﻛﺎن ذﻟك ﻋﻠﻰ
* -ﻟﻘﺪ ﻓﻀّﻠﻨﺎ اﺳﺘﺨﺪام ﻣﻔﺮدة اﻟﺘﺠﺎدل ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺪل . DIALECTICوھﻤﺎ ﺑﻤﻌﻨﻰ واﺣﺪ
اﺻﻄﻼﺣﯿﺎً .إﻻ أن ﻣﻔﺮدة اﻟﺘﺠﺎدل ﺗﻨﻄﻮي ﻟﻐﻮﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ ﻣﺎﻧﻘﺼﺪه ھﻨﺎ .وھﻮ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ،
وﺗﺒﺎدل اﻟﺘﺄﺛﯿﺮ ،واﻟﺘﺪاﺧﻞ .وذﻟﻚ ﻟﻮزﻧﮭﺎ اﻟﺼﺮﻓﻲ "اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ" اﻟﺬي ﯾﺤﯿﻞ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ.
-وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ - - 27 -
ﺻﻌﯾد اﻟوﺟود أم اﻟﻣﻌرﻓﺔ أم اﻟﻘﯾم ﻋﺎﻣﺔ ،واﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﻧﮭﺎ ﺧﺎﺻﺔ) .(3وﺑﺣﺳب ذﻟك،
ﻓﺈن ﻟﻛل ﻣوﺟود ﻛﻣﺎﻟﮫ اﻟﻼﺋﻖ ﺑﮫ .وھو ﻛﺎﻣل ﻟﻣﺎ ﻓﯾﮫ ﻣن ﻋﻧﺎﺻر اﻟﻛﻣﺎل اﻟﺗﻲ
وھﺑﺗﮭﺎ إﯾﺎه اﻟﻣﺷﯾﺋﺔ اﻹﻟﮭﯾﺔ .أي أن ھذه اﻟﻌﻧﺎﺻر ﻻﺗﺗﺄﺗﻰ ﻟﮫ ذاﺗﯾﺎ ً أو ﻣن اﻟﻣﺣﯾط
اﻟذي ھو ﻓﯾﮫ .ﺑل ﺗﺣﺻل ﻟﮫ ﺑﺣﺳب ﻣﺎھو ﻣﻘرر إﻟﮭﯾﺎً .وﺑﮭذا ﻓﺈن اﻟﻌﺎﻟم اﻟذي ھو
ﻛﺎﻣل ﺑﺎﻟﺿرورة ،ﯾﻧطوي ﻋﻠﻰ ﻣوﺟودات ﻛﺎﻣﻠﺔ ذاﺗﯾﺎ ً وﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ ﻓﯾﻣﺎﺑﯾﻧﮭﺎ ،وﻻﺷك
ﻓﻲ أن ھذا ﻻﯾﻠﻐﻲ ﺗﺑﺎدل اﻟﺗﺄﺛﯾر .ﺑل ﯾﻠﻐﻲ اﻟﺗﻧﺎﻗض اﻟذي ھو ﺟوھر اﻟﺗطور ﺑﺣﺳب
اﻟﻔﮭم اﻟﺗﺟﺎدﻟﻲ.
ﻓﺄﺳﺎس اﻻﺧﺗﻼف ،إذاً ،ﺑﯾن اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ واﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ،ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى
اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ،ﯾﻛﻣن ﻓﻲ أن اﻷول ﯾﻌﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ ﺗﻧﺎﻗﺿﮫ وﺗﺟﺎدﻟﮫ ،ﻋﻠﻰ ﺣﯾن أن
اﻟﺛﺎﻧﻲ ﯾﻌﯾﮫ ﻓﻲ ﺗﻛﺎﻣﻠﮫ وﺗﻧﺎظره ،وھو ﻣﺎأدى إﻟﻰ اﺧﺗﻼﻓﺎت ﻋدﯾدة ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ .وﻟﻛن ﻗﺑل
ﻲ ﺑذﻛر ھذه اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت ،ﻻﺑ ّد ﻣن اﻟﻘول إن اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻋﺎﻣﺔ ﻟﯾس وﻋﯾﺎ ً اﻟﻣﺿ ّ
ﻓﻠﺳﻔﯾﺎ ً ﻧظرﯾﺎ ً ﻟﻠﻌﺎﻟم أو اﻟوﺟود .إﻧﮫ ﻗد ﯾﺗﻘﺎطﻊ أو ﯾﺗداﺧل ﻣﻊ ھذه اﻟﻧظرة اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ أو
ﺗﻠك ،ﻣن دون أن ﯾﺗطﺎﺑﻖ وإﯾﺎھﺎ ﻛﻠﯾﺎً .إذ ﻟو ﺣدث ذﻟك ﻻﻧﺗﻔﻰ ﻛوﻧﮫ وﻋﯾﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎً.
ھذا ﻣن ﺟﮭﺔ ،وﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى ،ﻗد ﺗﺧﺗﻠف اﻟﻧظرة اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ اﺧﺗﻼﻓﺎ ً ﺷدﯾداً ،ﻣن ﻏﯾر
أن ﯾﻘود ذﻟك إﻟﻰ اﺧﺗﻼف ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ .وﻟﻌل أﻛﺑر ﺷﺎھد ﻋﻠﻰ ذﻟك ،ھو
اﺳﺗﻣرار اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺟﺎھﻠﻲ ﺣﺗﻰ ﺑداﯾﺎت اﻟﻌﺻر اﻟﻌﺑﺎﺳﻲ اﻟذي أﺿﺎف ﺑﻌض
اﻟﺗﻐﯾﯾرات اﻟﺟزﺋﯾﺔ إﻟﯾﮫ .وﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻟﺛﺔ ،إن ﺗﺑﻧﻲ ھذا اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ أو ذاك
ﻻﯾﻌﻧﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة ﺗﺑﻧﯾﺎ ً ﻟﻣﺟﻣل اﻟﺧﻠﻔﯾﺔ اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺳﺗﻧد إﻟﯾﮭﺎ .ﻓﻘد ﯾﻛون اﻟﺷﺎﻋر
ﺣداﺛﯾﺎ ً ﻣن دون أن ﯾﻧﺗﻣﻲ ﻓﻛرﯾﺎ ً إﻟﻰ اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﺟدﻟﯾﺔ ﺑﻘواﻧﯾﻧﮭﺎ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،واﻷﻣﺛﻠﺔ
ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻛﺛﯾرة ﺟداً .ﻛﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻧﺗﻣﻲ اﻟﺷﺎﻋر إﻟﻰ ﺗﻠك اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ،ﻏﯾر أن وﻋﯾﮫ
اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ وﻋﻲ ﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﺻرف .واﻟﺣﻖ أن ھذه ﻣن اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﻣﻌﻘدّة اﻟﺗﻲ ﺗﺣﺗﺎج
ﻣن اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن دراﺳﺔ ﻋﻠﻣﯾﺔ ﻣﺗﺄﻧﯾﺔ.
ﻟﻘد أدى ذﻟك اﻻﺧﺗﻼف إﻟﻰ اﻓﺗراق اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ﻋن اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ،ﻋﻠﻰ
ﺻﻌﯾد اﻟﻧظرة إﻟﻰ اﻟﺟﻣﺎل .ﻓﺑﯾﻧﻣﺎ ﻛﺎن اﻟوﻋﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﯾﻣﯾل إﻟﻰ ﺗﻌرﯾف اﻟﺟﻣﺎل
ﺑﺄﻧﮫ اﻟﻛﻣﺎل اﻟﻣوﺻوف ﺑﺎﻻﻋﺗدال) ،(4ﻓﺈن اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ﯾرى أن اﻟﺟﻣﺎل ھو
اﻟﺗﻣﯾز اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ اﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ .أي أن ھذا اﻟوﻋﻲ ﯾﺷﺗرط ﻟﻠﺟﻣﺎل ﺛﻼﺛﺔ
ﻋﻧﺎﺻر ،وھﻲ اﻟﺗﻣﯾّز واﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ.
ﻓﻣﺎ ﯾوﺣﻲ ﺑﺎﻟﻌﺎدﯾﺔ ،أو ﯾﻧدرج ﺗﺣت اﻟﺷﯾوع واﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ ،أو ﻻﯾﻠﻔت اﻻﻧﺗﺑﺎه
ﺑﻣﺎ ﻓﯾﮫ ﻣن ﺻﻔﺎت اﻟﺗﻣﯾّز ،ﯾﺻﻌب أن ﯾﻛون ﺟﻣﯾﻼً ،ﻏﯾر أن اﻟﺗﻣﯾّز وﺣده ﻻﯾﻛﻔﻲ
ﻟﻠﺟﻣﺎل .إذ ﻻﺑ ّد ﻣن أن ﯾﻛون ﻣﺑﻧﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ .أﻣﺎ اﻷوﻟﻰ ﻓﺗﻧﻔﻲ أن
ﯾوﺟد اﻟﺟﻣﺎل ﻓﯾﻣﺎ ھو ﻣﺳﺗﻠب أو ﻣﻘﯾد أو ﻣﻧﺻﺎع ﻟﻧظﺎم ﯾﻔرض ﻋﻠﯾﮫ ﻣﺎﻟﯾس ﻣن
ﺧﺻﺎﺋﺻﮫ أو طﺑﯾﻌﺗﮫ .وأﻣﺎ اﻟﺣﯾوﯾﺔ ﻓﺗﻧﻔﻲ أن ﯾوﺟد اﻟﺟﻣﺎل ﻓﻲ اﻟﺛﺑﺎت أو اﻟﺳﻛون
STATICأو ﻣﺎﯾوﺣﻲ ﺑﮭﻣﺎ ﻛﺎﻟﺟﻣود واﻟرﻛود واﻻﻧﺣطﺎط واﻟﺗﻘﮭﻘر ....إﻟﺦ .وﺑﮭذا
ﻓﺈن اﻟﻌﺎدي أو اﻟﻣﻘﯾد أو اﻟﺳﺎﻛن ﻻﯾﻣﻛﻧﮫ أن ﯾﺗﺻف ﺑﺎﻟﺟﻣﺎل ،ﺑﺣﺳب اﻟوﻋﻲ
- 28 -
اﻟﺣداﺛﻲ .ﺣﯾث إﻧﮫ ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ أﺣد ﻋﻧﺎﺻر اﻟﺟﻣﺎل اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻋﻧﺎﺻر ﻣﺗﺟﺎدﻟﺔ
وﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ.
ﻓﺎﻟﺟﻣﯾل ،ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ،إذاً ،ھو اﻟﻣﺗﻣﯾّز اﻟﺣر واﻟﺣﯾوي ﻓﻲ آن ﻣﻌﺎ ً.
وﻣن ذﻟك ﻓﺈن اﻟﻠذة اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻧﺎﺟﻣﺔ ﻣﻧﮫ ﻟﯾﺳت ﻟذة اﻹﺣﺳﺎس ﺑﺎﻟﻛﻣﺎل واﻻﻋﺗدال،
ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ،ﺑل ھﻲ ﻟذة اﻻﺣﺳﺎس ﺑﺎﻻﻧطﻼق ،وﻛﺄن اﻟﺟﻣﯾل
ﯾدھﺷﻧﺎ ﺑﺎﻵﻓﺎق اﻟﺗﻲ ﯾﻔﺗﺣﮭﺎ أﻣﺎﻣﻧﺎ ،وﯾﺣﯾﻠﻧﺎ ﻋﻠﻰ وﺟودﻧﺎ اﻟذي ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻﯾﻛون
ﻣﻌﺎدا ً وﻣﻛرورا ً أو ﻣﺣدّداً ﺑﺄطر ﺛﺎﺑﺗﺔ ﻣطﻠﻘﺔ ﺗﺣ ّد ﻣن اﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ ﻓﯾﻧﺎ .وﻣن
ھﻧﺎ ﻛﺎﻧت اﻟرﻏﺑﺔ ﻓﻲ ﺗﺟدﯾد اﻟﺷﻌر ﺷﺎﻣﻠﺔ ﺗﻘرﯾﺑﺎً .إذ إن اﻟﺗﺟدﯾد ﯾﻌﻧﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن
ﺗﻠك اﻟﻧظرة اﻟﺟدﯾدة إﻟﻰ اﻟﺟﻣﺎل ،واﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻋن اﻟﻧظرة اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ إﻟﯾﮫ.
وﺑذﻟك ﻧﻔﮭم ﻗول أدوﻧﯾس:
َ
اﻟﻣﺣدث! َ
اﻟﻣﺣدث، اﻟﺑدﻋﺔَ ،اﻟﺑدﻋﺔَ!
ﻧﺑطل ﺳﻧﺔ ﻗدﯾﻣﺔ
ﻧر ّد ﻟﻺﻧﺳﺎن اﺳﻣﮫ)(5
إن اﻟﺑدﻋﺔ أو اﻟﺗﺣدﯾث ﻟﯾس اﻋﺗﺑﺎطﺎ ً أو ﻣﺟرد رﻏﺑﺔ ﻓﻲ ﻣﺟﺎوزة اﻟوﻋﻲ
اﻟﺳﺎﺋد .ﺑل ھو ﻓﻲ اﻷﺳﺎس إﺑطﺎل ﻟﻣﺎ ﯾﺣ ّد ﻣن طﺎﻗﺎت اﻹﻧﺳﺎن ،وﯾﺟﻌﻠﮫ ﻏرﯾﺑﺎ ً ﻋن
طﺑﯾﻌﺗﮫ أو ﻣﺳﺗﻠﺑﺎ ً ﻣن أﻋراف وﻗواﻧﯾن أﺻﺑﺣت ،ﻣﻊ اﻟزﻣن ،ﻗﯾدا ً ﻟﮫ.
إن ھذه اﻟﻧظرة إﻟﻰ اﻟﺟﻣﺎل ھﻲ ﻧظرة ﻋﺎﻣﺔ ﻣﺷﺗرﻛﺔ ﺑﯾن ﺷﻌراء اﻟﺣداﺛﺔ
اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻛﺎﻓﺔ ،ﻓﻌﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ھذه اﻟﺣداﺛﺔ ﻟﯾﺳت ﺗﯾﺎرا ً ﺷﻌرﯾﺎ ً واﺣدا ً) .(6إﻻ
أﻧﮭﺎ ﺗﻧطﻠﻖ ﻓﻲ ﺗﻘوﯾم اﻟﺟﻣﺎل ﻣن ﻧظرة ﻣﺷﺗرﻛﺔ .وﻻﯾﺗﺑﺎﯾن اﻷﻣر إﻻ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد
اﻟﺣواﻣل اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ .ﻛﺄن ﯾﻣﯾل ھذا اﻟﺗﯾﺎر إﻟﻰ اﻋﺗﺑﺎر اﻟﺗﻣﯾز واﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ ﻣن
ﺻﻔﺎت اﻟﻘوى اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﺗﻘدﻣﯾﺔ وﻣﺛﻠﮭﺎ اﻷﻋﻠﻰ اﻟﺑطل اﻟﺛوري ﺧﺎﺻﺔ؛ وﯾﻣﯾل
ذاك اﻟﺗﯾﺎر إﻟﻰ اﻋﺗﺑﺎر ھذه اﻟﻌﻧﺎﺻر ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻔﺋﺔ اﻟﻠﯾﺑراﻟﯾﺔ اﻟﻣﺛﻘﻔﺔ وﻣﺛﻠﮭﺎ اﻷﻋﻠﻰ
اﻟﺑطل اﻟﻔﺎدي .وذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ـ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ .أﻣﺎ ﻣﺎ ﺳوى ذﻟك ،ﻓﻠﯾس
ﺛﻣﺔ ﻣن ﺗﺑﺎﯾن ﯾﻛﺎد ﯾذﻛر ﺟﻣﺎﻟﯾﺎً .وﻏﻧﻲ ﻋن اﻟﺑﯾﺎن أن اﻟﺗﺑﺎﯾن ﻓﻲ اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟﺣواﻣل
ﯾﻧﮭض ﻣن اﻟﺗﺑﺎﯾن ﻓﻲ اﻟﻣوﻗﻊ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻟﮭذا أو ذاك ﻣن اﻟﺗﯾﺎرات واﻟﺷﻌراء.
وھو ،ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣطﺎف ،ﺗﺑﺎﯾن أﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻻ ﺟﻣﺎﻟﻲ ،وﻻ أدل ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻣن
اﻻﺷﺗراك ﻓﻲ اﻟﺳﻣﺎت اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧظم اﻟﻧص اﻟﺷﻌري اﻟﺣداﺛﻲ.
ﻟﻘد أﺷرﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ً إﻟﻰ أن اﻟﻣﻼﻣﺢ اﻷوﻟﻰ ﻟﮭذا اﻟوﻋﻲ ﻗد ظﮭرت ﻣﻊ
اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،وﻧو ﱡد أن ﻧﺷﯾر ،ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل ،إﻟﻰ أن ﺗﻌرﯾف اﻟﺟﻣﺎل ﺑﺄﻧﮫ
اﻟﺗﻣﯾز اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ اﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ ،ﯾدﯾن ﺑﺎﻟﻛﺛﯾر ﻣﻧﮫ ﻟﺗﻠك اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ اﻟﺗﻲ ذھﺑت
إﻟﻰ أن اﻟﺣرﯾﺔ واﻟﻔردﯾﺔ ﺷرطﺎ اﻟﺟﻣﺎل اﻟﻠذان ﯾﻌﻧﯾﺎن اﻟﺗﻣﯾز .وھو ﻣﺎﺳﻌﻰ إﻟﯾﮫ
ظر ﻟﮫ ﻛ ﱞل ﻣن اﻟﻌﻘﺎد واﻟﻣﺎزﻧﻲ) ،(7وﻟﻛن إذا ﻛﺎن اﻟﺷﻌر اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ،وﻧ ّ
ً
ھذا اﻟﺷﻌر ﻗد ﺧطﺎ ﺑﻌض اﻟﺧطوات ،ﻓﻲ طرﯾﻖ اﻟﺗﺟدﯾد ،ﺗﻌﺑﯾرا ﻋن ﻧظرﺗﮫ اﻟﺟدﯾدة
إﻟﻰ اﻟﺟﻣﺎل ،ﻓﺈن اﻟﻧﻘﻠﺔ اﻟﻧوﻋﯾﺔ ﻗد ﺗﻣت ﻣﻊ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ اﻟذي ﺧرج ﺗﺎرﯾﺧﯾﺎ ً
-وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ - - 29 -
وﺟﻣﺎﻟﯾﺎً ،ﻣن ﻣﻌطف اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ وﻟﻘد اﻧﻌﻛس ذﻟك ﻛﻠﮫ ﻓﻲ اﻟﺳﻣﺎت اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ
ﻟﮭذا اﻟﺷﻌر ،وﻧﺗوﺿّﺢ أﺛر ذﻟك ﻓﻲ ﻛل ﻣن اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ واﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﺻورﯾﺔ.
إن ﺗﺟدﯾد اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ ﻟﻠﻘﺻﯾدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ ھو اﻟﺗﺟدﯾد اﻷﻛﺛر ﺳطوﻋﺎً ،ﻓﻲ
ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ،ﻓﻲ ﺑداﯾﺎﺗﮫ اﻷوﻟﻰ ،وﻟﻌﻠﮫ ﯾﻛون أﻛﺛر اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت اﺳﺗﺋﺛﺎرا ً ﻟﻠﺣوار
واﻟﻧﻘﺎش واﻟﺟدل ﺑﯾن اﻟﻣؤﯾدﯾن واﻟﻣﻌﺎرﺿﯾن ،ﻓﻲ ﺧﻣﺳﯾﻧﯾﺎت ھذا اﻟﻘرن .ﺣﺗﻰ ﺑدا،
أﺣﯾﺎﻧﺎً ،وﻛﺄﻧﮫ اﻟﺗﺟدﯾد اﻷوﺣد اﻟذي ﺟﺎءت ﺑﮫ اﻟﺣداﺛﺔ وﯾﻣﻛن ﺗﺳوﯾﻎ ذﻟك اﻟﺟدل ﺑﺄن
ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ،ﺑﺷﻛﻠﮫ اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ اﻟﻣﺧﺗﻠف ،ﻗد ﺗﺟﺎوز اﻟﻣﺳﺗوى اﻷﻛﺛر ﺳطوﻋﺎ ً ،ﻓﻲ
اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،وﻓﻲ وﺣدة اﻟﺑﯾت اﻟﺷﻌري اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ ﺷطرﯾن ﻣﺗﻌﺎدﻟﯾن ﻣوﺳﯾﻘﯾﺎً.
وﻻﯾﻣﻛن ﻓﮭم اﻟﺗﺟدﯾد اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ ،ﺑﻣﻌزل ﻋن اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ وﻣﻔﮭوﻣﮫ ﻋن اﻟﺟﻣﺎل .
إذ إن اﻋﺗﺑﺎر اﻟﺣرﯾﺔ ﺷرطﺎ ً ﻣن ﺷروط اﻟﺟﻣﺎل ﻗد دﻓﻊ إﻟﻰ اﻋﺗﺑﺎر اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ
اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﺷﻛﻼً ﻋﺎﺟزا ً ﻋن اﺳﺗﯾﻌﺎب اﻻﻧﻔﻌﺎل اﻟﺷﻌري ﻓﻲ اﻧطﻼﻗﺗﮫ وﺣﯾوﯾﺗﮫ،
ﺷﻛﻼً ﻻﯾﺗﻼءم واﻟﺣرﯾﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾرﯾﺔ ﻣن ﺟﮭﺔ ،وﻻﯾﺗﻼءم ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى ،واﻟﻧظرة
اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة ،وھو ﻣﺎاﻗﺗﺿﻰ إﯾﺟﺎد ﺷﻛل إﯾﻘﺎﻋﻲ ﯾﺣﻘﻖ ﻣﺎﻗد ﻋﺟز ﻋﻧﮫ ذﻟك
اﻟﺷﻛل .ﻓﻛﺎن أن ظﮭر اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ اﻟﻣﻔﺗوح ﻏﯾر اﻟﻣﺣﻛوم ﺑﺿواﺑط ﻧﻣطﯾﺔ
ﻧﺎﺟزة ﺳﻠﻔﺎً ،واﻟﻣرﺗﺑط ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎل اﻟﺷﻌري .ﺑﺣﯾث أﺻﺑﺢ ھذا اﻟﺷﻛل ھو
اﻟﻣﻌﺎدل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﮭذا اﻟﻧص أو ذاك .وﻗد ﯾﻛون ﻣن
اﻟﻣﺳﺗﺣﯾل أن ﻧﺟد ﻧﺻﯾّن ﻣﺗطﺎﺑﻘﯾن ﺑﺎﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ ،ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ .وﻣﺎ ذﻟك إﻻ
ﻟﻼﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻓﻲ أن ﻧﺟد ﺗﺟرﺑﺗﯾن ﻣﺗطﺎﺑﻘﺗﯾن ﺗﻣﺎﻣﺎً ،ﺣﺗﻰ ﻟدى اﻟﺷﺎﻋر اﻟواﺣد.
إن اﻧﺗﻔﺎء اﻟﻧﻣطﯾﺔ اﻟﻧﺎﺟزة ﻋن اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ﻻﯾﺗﺟﺎوب أﯾﺿﺎ ً
واﻟ ﺣﯾوﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ أﺣد ﺷروط اﻟﺟﻣﺎل .إذ إن ھذا اﻟﺷﻛل ھو اﻟﺗﻣﺛﯾل اﻟﺣﺳﻲ ﻟﺣرﻛﺔ
اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ،ﻓﻲ ﺻﻌودھﺎ وھﺑوطﮭﺎ وﺗﺄرﺟﺣﮭﺎ ،وﻓﻲ ﻛﺛﺎﻓﺗﮭﺎ واﺳﺗطﺎﻻﺗﮭﺎ،
وﻓﻲ ﺗﺳﺎرﻋﮭﺎ أﯾﺿﺎً .وھو ﻣﺎﯾﻔﺳّر اﻟﺗدﻓﻖ اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ أﺣﯾﺎﻧﺎ ً ﺣﺗﻰ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣﻘطﻊ ،أو
ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري ﺑﻛﺎﻣﻠﮫ؛ وﻣﺎﯾﻔﺳر أﯾﺿﺎ ً اﻟوﻗﻔﺎت اﻹﯾﻘﺎﻋﯾﺔ اﻟﻣﺗﻛررة أﺣﯾﺎﻧﺎ ً،
ﺑﺷﻛل ﻣﺗوا ٍل؛ ﻛﻣﺎ ﯾﻔﺳر إﻟﻐﺎء اﻟﻘﺎﻓﯾﺔ أو ﺗﻧوﯾﻌﮭﺎ أو ﺗﻐﯾﯾر ﻣواﻗﻌﮭﺎ ﻣن اﻟﻧص ،ﺑﺣﯾث
ﻟم ﺗﻌد ﺗﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻷﺷطر اﻟﺷﻌرﯾﺔ .أي ﻟم ﺗﻌد اﻟﻘﺎﻓﯾﺔ ﺗﻌﻧﻲ اﻟوﻗف
اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة ،ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟذي ﻛﺎﻧت ﻋﻠﯾﮫ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ.
إن ﻛل ذﻟك ﺟﻌل ﻣن اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ﻣﻔﺗوﺣﺎ ً ﻋﻠﻰ اﺣﺗﻣﻼت ﻻﺗﻛﺎد
ﺗﺣﺻﻰ ﻣن اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت اﻹﯾﻘﺎﻋﯾﺔ ﺑﯾن اﻟﻧﺻوص اﻟﺷﻌرﯾﺔ .وذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن
* ـ ﻟﻦ ﻧﺘﺤﺪث ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻔﻘﺮة ،إﻻ ﻋﻦ اﻹﯾﻘﺎع اﻟﻨﺎﺟﻢ ﻣﻦ اﻟﻮزن ،وذﻟﻚ ﻹﻣﻜﺎﻧﯿﺔ اﻟﻜﻼم ﻋﻠﯿﮫ
ﺑﻌﺎﻣﺔ .أﻣﺎ ﺗﻠﻚ اﻹﯾﻘﺎﻋﺎت اﻟﻨﺎﺟﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻨﺎﻏﻢ اﻟﻠﻐﻮي واﻟﺼﻮري واﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻲ ،ﻓﮭﻲ إﯾﻘﺎﻋﺎت
ﻧﺼﯿﺔ ﺣﺼﺮاً ،وﻻﯾﻤﻜﻦ اﻟﺘﻌﻤﯿﻢ ﻓﯿﮭﺎ.
- 30 -
اﻟﺗﻔﻌﯾﻠﺔ ﺑﻘﯾت ھﻲ اﻟوﺣدة اﻟﺻوﺗﯾﺔ ـ اﻟﻧﻐﻣﯾﺔ ،ﻓﻲ ﺗﯾﺎر اﻟﺗﻔﻌﯾﻠﺔ ﻣن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ.
وﻻﺑﺄس ﻣن اﻹﺷﺎرة ،ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل ،إﻟﻰ أن اﻟﺣدﯾث ﻋن إﯾﻘﺎع ﺳﻣﻌﻲ ﻣﺣدّد ﻓﻲ
ﻗﺻﯾدة اﻟﻧﺛر ،وﻣﺎﯾزال رﺟﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﻐﯾب .وإن ﯾﻛن ﺛﻣﺔ ﻣﺣﺎوﻻت ﻣﺧﻠﺻﺔ ﻟﺗﺳوﯾﻐﮫ،
ﻣن ﺧﻼل اﻟﻧظﺎم اﻟﻧﺑري ،ﻻﻣن ﺧﻼل اﻟﻧظﺎم اﻟﻛﻣﻲ) .(8وﻋﻠﻰ أﯾﺔ ﺣﺎل ،ﻓﺈن
اﻟﺣداﺛﺔ ﻓﻲ طرﺣﮭﺎ ﺷﻛﻼً إﯾﻘﺎﻋﯾﺎ ً ﻣﻔﺗوﺣﺎً ،ﻗد ﻓﺗﺣت اﻟﺑﺎب واﺳﻌﺎ ً أﻣﺎم اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت
اﻹﯾﻘﺎﻋﯾﺔ اﻟﻧﺻﯾّﺔ ،ﺑﺷﻛل ﻟم ﯾﻌد ﻓﯾﮫ ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن اﻟﻛﻼم ﻋﻠﻰ ﻧﻣط أو اﺛﻧﯾن أو ﻏﯾر ذﻟك،
ﻟﻠﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ .وﻟﻧطرح أﻣﺛﻠﺔ ﻋﻠﻰ ھذا ،ﻣن ﺑﻌض اﻟﻧﺻوص اﻟﻣﺑﻧﯾﺔ
ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻌﯾﻠﺔ )ﻣﺗﻔﺎﻋﻠن( ،ﻛﻣﺎ ﺗﺗوﺿﺢ ﺗﻠك اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت ،وذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن
اﻷﻣر أﺻﺑﺢ ﺷﺎﺋﻌﺎ ً وﻣﻌروﻓﺎً:
ﯾﻘول ﻣﺻطﻔﻰ ﺧﺿر ،ﺑﺗدﻓﻖ إﯾﻘﺎﻋﻲ ﯾﺻل إﻟﻰ ﺳﺑﻊ ﻋﺷرة ﺗﻔﻌﯾﻠﺔ:
ﻟﻣن اﻟﺗﻣﺎﺛﯾ ُل اﻟﻣﮭﺷّﻣﺔُ؟
ﺗﮭب ،ﯾطﻣﺳﮭﺎ اﻟﻐﺑﺎ ُر، اﻟوﺟو ُه ﱡ
اﻟﺣﺟر،
ِ وأھداب ﻣن
ٌ ﺗذوب أﻗﻧﻌﺔٌ
ﯾزف ﻣزھوا ً ﺣﺷو َد اﻟﻣﻠﺢ، اﻟﻧﮭﺎ ُر ﱡ
ّس ﯾﻌﻠن اﻟﻧﺳﯾﺎنَ ﻣﻣﻠﻛﺔً: واﻟﻣﻸ ُ اﻟﻣﻘد ُ
رؤوس ﻣن ﺣﺟر)(9 ٌ
وﯾﺳﺗﺧدم ﻣﺣﻣد ﻋﻠﻰ ﺷﻣس اﻟدﯾن ﺳﺗﺎ ً وﻋﺷرﯾن ﺗﻔﻌﯾﻠﺔ ّ
ﻣوزﻋﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻛل
اﻟﺗﺎﻟﻲ [9/10/5/2]:ﻣﻊ اﻟﺗزام ﺑﻘﺎﻓﯾﺔ واﺣدة وذﻟك ﻓﻲ ﻗوﻟﮫ:
ﻗﻣر اﻟﺟﻧوب ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻼل
ﻗﻣ ٌر ﺧﻔﯾف ...ﺛم ﻻﯾﮭوي ﻛﻌﺻﻔور ﻋﻠﻰ ﻛﺗف اﻟﺟﺑﺎل
وﺛﯾﺎﺑﮫ اﻟﺑﯾﺿﺎء ﯾﻧﺷرھﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﺷﺟﺎر آوﻧﺔً
وﯾﺟﻠس ﻣﺛل ﺗﻣﺛﺎل ﻋﻠﻰ ﻗدﻣﯾن ﺣﺎﻓﯾﺗﯾن ﻣن ﻗﺻب اﻟﺧﯾﺎل
وأﻗول ﯾﺎﻗﻣري اﻟذي ﻗﺗﻠوكَ
ھب ﻟﻲ ﻣن أﻗﺎﺻﻲ ﻛﻔِّك اﻟﺑﯾﺿﺎء أﻏﻧﯾﺔً ْ
وﻧﺷرب ﻗﺑل ﺑﺎرﻗﺔ اﻟزوالْ) (10
وﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﯾﻣﯾل ﺑﻠﻧد اﻟﺣﯾدري إﻟﻰ اﻟﺗﺷطﯾر اﻟﻣﺗﻼﺣﻖ واﻟﻣﻧﺗﮭﻲ ﺑﻘواف
ﻣﺗﻧوﻋﺔ ،ﻣن ﻣﺛل ﻗوﻟﮫ:
ﻧﻔس اﻟطرﯾﻖْ
ﻧﻔس اﻟﺑﯾوت ،ﯾﺷدّھﺎ ﺟﮭد ﻋﻣﯾ ْﻖ
ﻧﻔس اﻟﺳﻛوتْ
-وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ - - 31 -
ﻛﻧﺎ ﻧﻘولُ :ﻏدا ﯾﻣوت وﺗﺳﺗﻔﯾ ْﻖ
ﻣن ﻛل دار
ﺻﻐﺎر
ْ أﺻوات أطﻔﺎل
ﯾﺗدﺣرﺟون ﻣﻊ اﻟﻧﮭﺎر ﻋﻠﻰ اﻟطرﯾﻖْ )(11
ﯾﺷﺗﻣل ھذا اﻟﻣﻘﺑوس ﻋﻠﻰ ﺳﺑﻌﺔ أﺷطر ،ﯾﻧﺗﮭﻲ ﻛل ﻣﻧﮭﺎ ﺑﻘﺎﻓﯾﺔ ،أﻣﺎ ﻣن ﺣﯾث
ﻋدد اﻟﺗﻔﻌﯾﻼت ﻓﻲ اﻷﺷطر ،ﻓﻘد ﺟﺎءت ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻲ[ 3/2/1/3/1/3/1]:
ﻓﻠﯾس ﺛﻣﺔ ،إذاً ،ﺷﻛل إﯾﻘﺎﻋﻲ ﻧﻣطﻲ واﺣد .ﺳواء ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠﻖ ﺑﻌدد اﻟﺗﻔﻌﯾﻼت
ﻓﻲ اﻟﺷطر أو اﻟﻣﻘطﻊ ،أم ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠﻖ ﺑﻧﻣط اﻟﺗﻘﻔﯾﺔ .ﻓﯾﻣﻛن أن ﺗﺣذف اﻟﻘﺎﻓﯾﺔ ﻧﮭﺎﺋﯾﺎ ً
ﺗﺗﻧوع ﺗﻧوﻋﺎ ً ﻣﻧﺗظﻣﺎ ً أو ﻏﯾر ﻣﻧﺗظم ،ﻛﻣﺎ ﯾﻣﻛن أنﻣن اﻟﻣﻘطﻊ أو اﻟﻧص ،وﯾﻣﻛن أن ّ
ﺗﺗواﺗر اﻟﻘواﻓﻲ اﻟﻣﺗﻣﺎﺛﻠﺔ ،ﻣن دون أن ﯾﻔﺻل ﺑﯾﻧﮭﺎ ﻋدد ﻣن اﻟﺗﻔﻌﯾﻼت .وﻣن اﻟﺧطﺄ
أن ﻧﺗﺻور إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ اﻟوﺻول إﻟﻰ ﻗﺎﻧون ﯾﻧظم اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ،ﻣﺎﺧﻼ اﻟﻘول
إن اﻟﺗﻔﻌﯾﻠﺔ ھﻲ اﻟوﺣدة اﻟﺻوﺗﯾﺔ ـ اﻟﻧﻐﻣﯾﺔ ،ﻓﻲ ﺗﯾﺎر اﻟﺗﻔﻌﯾﻠﺔ .وﻣﺎذﻟك إﻻ ﻟﻼرﺗﺑﺎط
اﻟدﻗﯾﻖ ﺑﯾن ذﻟك اﻟﺷﻛل واﻻﻧﻔﻌﺎل اﻟﺷﻌري .إذ إن اﻹﯾﻘﺎع اﻟﺣداﺛﻲ ﺗظﮭﯾر أو ﺗﺣﺳﯾس
ﺳﻣﻌﻲ ﻟﮭذا اﻻﻧﻔﻌﺎل.
وﻣن اﻟﻣﻔﯾد أن ﻧﺗوﻗف ،ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل ،ﻋﻧد إﺣدى اﻟدﻋﺎوى اﻟزاﻋﻣﺔ أن ھذا
ﺳﺑﻖ إﻟﯾﮫ ﻣﻧذ اﻟﻘرن اﻟﮭﺟري اﻟﺧﺎﻣس .ﯾﻘول أﺣﻣد اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ ﻟﯾس ﺑﺟدﯾد .ﻓﻘد ُ
اﻟﻣﻌداوي ﻓﻲ ذﻟك " :إن ھذه اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻗُدّﻣت ﻣﻧذ زﻣن ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ أﺣد
اﻹﻧﺟﺎزات اﻹﯾﻘﺎﻋﯾﺔ اﻟﻣﺗﻘدﻣﺔ ﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺷﻌر اﻟﺣدﯾث ﻟﯾﺳت ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ ﻛذﻟك،
وإﻧﻣﺎ ھﻲ ﺗﻘﻧﯾﺔ ﻣﻌروﻓﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﻣﻧذ اﻟﻘرن اﻟﺧﺎﻣس اﻟﮭﺟري")(12
وﯾﺳﺗﺷﮭد ﻋﻠﻰ ذﻟك ﺑﻣﺎ ﻧﺳب إﻟﻰ أﺑﻲ اﻟﻌﻼء اﻟﻣﻌري ﻣن رﺳﺎﻟﺔ وﺻل ﻣﻧﮭﺎ
ﻗول ﻣوزون ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻌﯾﻠﺔ اﻟرﺟز )ﻣﺳﺗﻔﻌﻠن وﺟوازاﺗﮭﺎ( .وﻗد ذﻛره اﺑن ﺧﻠﻛﺎن ﻓﻲ
وﻓﯾﺎﺗﮫ .وﻧﺛﺑﺗﮫ ﻧﺣن ،ھﻧﺎ ،ﺑﺎﻟﺷﻛل اﻟذي أﺛﺑﺗﮫ اﺑن ﺧﻠﻛﺎن ،ﻣﻊ ﺗﻌﻠﯾﻘﮫ ﻋﻠﯾﮫ" ] :
أﺻﻠﺣك ﷲ وأ ﺑﻘﺎك ﻟﻘد ﻛﺎن ﻣن اﻟواﺟب أن ﺗﺄﺗﯾﻧﺎ اﻟﯾوم إﻟﻰ ﻣﻧزﻟﻧﺎ اﻟﺧﺎﻟﻲ ﻟﻛﻲ
ﻧﺣدث ﻋﮭدا ً ﺑك ﯾﺎزﯾن اﻷﺧﻼء ﻓﻣﺎ ﻣﺛﻠك ﻣن ﻏﯾر ﻋﮭد أو ﻏﻔل".....ﻓوﺟدﺗﮫ
ﯾﺧرج ﻣن ﺑﺣر اﻟرﺟز وھو اﻟﻣﺟزوء ﻣﻧﮫ .وﺗﺷﺗﻣل ھذه اﻟﻛﻠﻣﺎت ﻋﻠﻰ أرﺑﻌﺔ
أﺑﯾﺎت ﻋﻠﻰ روي اﻟﻼم وھﻲ ﻋﻠﻰ ﺻورة ﯾﺳوغ اﺳﺗﻌﻣﺎﻟﮭﺎ ﻋﻧد اﻟﻌروﺿﯾﯾن .
وﻣن ﻻﯾﻛون ﻟﮫ ﺑﮭذا اﻟﻔن ﻣﻌرﻓﺔ ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻧﻛرھﺎ ﻷﺟل ﻗطﻊ اﻟﻣوﺻول ﻣﻧﮭﺎ ....وھذا
إﻧﻣﺎ ﯾذﻛره أھل ھذا اﻟﺷﺄن ـ أي أھل اﻟﻌروض ـ ﻟﻠﻣﻌﺎﯾﺎة ﻻ ﻷﻧﮫ ﻣ ن اﻷﺷﻌﺎر
اﻟﻣﺳﺗﻌﻣﻠﺔ[)(13
أﻣﺎ اﻟﻣﻌداوي ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺛﺑﺗﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻲ ،ﻣﻊ ﻣﻼﺣظﺔ اﺧﺗﻼﻓﯾن .أوﻟﮭﻣﺎ أن
ﻣﺎ أﺛﺑﺗﮫ اﻟﻣﻌداوي ﻓﯾﮫ ﺗﺿﻌﯾف اﻟﯾﺎء ﻓﻲ ﻛﻠﻣﺔ )اﻟﺧﺎﻟﻲ( ،وﺣذف اﻟﻼم ﻣن )ﻛﻲ(.
وﻻﯾﺧﺗﻠف اﻟوزن ،وإن ﺗﻛن اﻟﺻورة اﻟﺗﻲ أﺛﺑﺗﻧﺎھﺎ ھﻲ اﻷﺻﻠﺢ ﻟﻐوﯾﺎً .وﺛﺎﻧﯾﮭﻣﺎ ھو
- 32 -
اﻻﺧﺗﻼف ﺑﯾن )زﯾن( اﻟﺗﻲ أﺛﺑﺗﻧﺎھﺎ و )ﺧﯾر( اﻟﺗﻲ أﺛﺑﺗﮭﺎ ھو .وطﺑﻌﺎ ً ﻻﯾﺧﺗﻠف اﻟوزن
ﻓﻲ اﻟﺣﺎﻟﯾن .وﯾﻌود ھذان اﻻﺧﺗﻼﻓﺎن إﻟﻰ اﻻﺧﺗﻼف ﺑﯾن اﻟطﺑﻌﺗﯾن:
أﺻﻠﺣك ﷲ وأﺑﻘﺎك
ﻟﻘد ﻛﺎن ﻣن اﻟواﺟب أن ﺗﺄﺗﯾﻧﺎ اﻟﯾوم
اﻟﺧﺎﻟﻲ
ّ إﻟﻰ ﻣﻧزﻟﻧﺎ
ﻛﻲ ﻧُﺣدث ﻋﮭداً ﺑك ﯾﺎﺧﯾر اﻷﺧﻼء
ﻓﻣﺎ ﻣﺛﻠك ﻣن ﻏﯾر ﻋﮭد أو ﻏﻔل)(14
ﻟﻘد ﻓﺎت اﻟﻣﻌداوي ،ﺑﺗوزﯾﻌﮫ اﻟﻘول ﻋﻠﻰ ھذه اﻟﺻورة ،ﻣﺎﻗﺎﻟﮫ اﺑن ﺧﻠﻛﺎن ﻣن
أن ھذه اﻟﻛﻠﻣﺎت ﺗﺷﺗﻣل ﻋﻠﻰ أرﺑﻌﺔ أﺑﯾﺎت ﻋﻠﻰ روي اﻟﻼم ،ﻣن ﻣﺟزوء اﻟرﺟز ،أي
ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻲ:
أﺻﻠﺣك ﷲ وأﺑﻘﺎك ﻟﻘد ﻛﺎن ﻣن اﻟـ
واﺟب أن ﺗﺄﺗﯾﻧﺎ اﻟﯾوم إﻟﻰ ﻣﻧزﻟﻧﺎ اﻟـ
ﺧﺎﻟﻲ ﻟﻛﻲ ﻧﺣدث ﻋﮭد اً ﺑك ﯾﺎزﯾن اﻷﺧ ّلْ
ﻻء ﻓﻣﺎ ﻣﺛﻠك ﻣن ﻏﯾر ﻋﮭد أو ﻏﻔل
ﻛﻣﺎ ﻓﺎﺗﮫ أﯾﺿﺎ ً ﻗول اﺑن ﺧﻠﻛﺎن ،ﻣن أن ھذا إﻧﻣﺎ ﯾذﻛره أھل ھذا اﻟﺷﺄن
ﻟﻠﻣﻌﺎﯾﺎة ،ﻻﻷﻧﮫ ﻣن اﻷﺷﻌﺎر اﻟﻣﺳﺗﻌﻣﻠﺔ .وھذا اﻟﻘول ﻓﯾﮫ ﻣن اﻟﺑﯾﺎن ﻣﺎﻻﯾﺳﺗدﻋﻲ
اﻟﺗﻌﻠﯾﻖ ﻋﻠﯾﮫ .وﻟﻧﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻘوﻟﮫ اﻟﺟﺎﺣظ ﺣول دﺧول اﻟوزن إﻟﻰ اﻟﻧﺛر ﺧﯾر دﻟﯾل:
" اﻋﻠم ﻟو أﻧك اﻋﺗرﺿت أﺣﺎدﯾث اﻟﻧﺎس وﺧطﺑﮭم ورﺳﺎﺋﻠﮭم ،ﻟوﺟدت ﻓﯾﮭﺎ
ﻣﺛل ﻣﺳﺗﻔﻌﻠن ﻓﺎﻋﻠن ﻛﺛﯾرا ً وﻣﺳﺗﻔﻌﻠن ﻣﺗﻔﺎﻋﻠن ،وﻟﯾس أﺣد ﻓﻲ اﻷرض ﯾﺟﻌل
ذﻟك اﻟﻣﻘدار ﺷﻌراً .وﻟو أن رﺟﻼً ﻣن اﻟﺑﺎﻋﺔ ﺻﺎح :ﻣن ﯾﺷﺗري ﺑﺎذﻧﺟﺎن .ﻟﻘد
ﻛﺎن ﺗﻛﻠّم ﺑﻛﻼم ﻓﻲ وزن ﻣﺳﺗﻔﻌﻠن ﻣﻔﻌوﻻن ،وﻛﯾف ﯾﻛون ھذا ﺷﻌرا ً وﺻﺎﺣﺑﮫ ﻟم
ﯾﻘﺻد إﻟﻰ اﻟﺷﻌر؟").(15
وﻓﻲ اﻟﻣﺣﺻﻠﺔ ،ﻓﺈن اﻷﻣر ﻻﯾرﺗﺑط ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ اﻟوزن ،ﺑل ﺑﺎﻟﻘﺻد إﻟﻰ اﻟﺷﻌر.
وﻟم ﯾﻛن اﻟﻣﻌري ،إذا ﺻﺣت ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻣﻘطوﻋﺔ إﻟﯾﮫ ،ﯾﻘﺻد إﻟﻰ ﻗول اﻟﺷﻌر ﺑﺣﺎل ﻣن
اﻷﺣوال .وﻟﮭذا ﺟﺎءت اﻟﻣﻘطوﻋﺔ ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻛﻼم ﻧﺛري ﻣوزون ﻋﻠﻰ ﻣﺟزوء
اﻟرﺟز ﻓﺣﺳب .واﻟﺣﻖ أن اﻟﻧظرة اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻟم ﺗﻛن ﺗﻌﺗﺑر اﻟرﺟز ﻣن اﻟﺷﻌر .وﻟﮭذا
ﺣﯾن ﻗﺎل اﻟﻧﺑﻲ اﻟﻛرﯾم ﻓﻲ ﻏزوة أﺣد ﻗوﻻً ﻣوزوﻧﺎ ً ﺑﺣﺳب ﻣﺟزوء اﻟرﺟز ،ﻟم ﯾذھب
أﺣد إﻟﻰ اﻻدﻋﺎء ﺑﺄﻧﮫ ﻗﺎل ﺷﻌراً .أﻣﺎ اﻟﻘول ﻓﮭو:
اﻟﻣطﻠب
ْ أﻧﺎ اﺑن ﻋﺑد ﻻﻛذب
ْ أﻧﺎ اﻟﻧﺑﻲ
ب ـ اﻟﺒﻨﯿﺔ اﻟﺼﻮرﯾﺔ:
ﻣن اﻟﻣﻌروف أن ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد) (18ﯾؤﻛد أن ﺛﻣﺔ اﻧﻘﻼﺑﺎ ً ﺟذرﯾﺎ ً ﻗد أﺻﺎب
اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ، ARTISTIC IMAGEﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﺣدﯾث .ﻓﻠم ﺗﻌد اﻟﺻورة ﻣﺟرد
ﺷرح ﻟﻠﻔﻛرة أو ﺗوﺿﯾﺢ ﻟﮭﺎ أو ﻣﺟرد زﺧرﻓﺔ ،ﯾﻣﻛن اﻻﺳﺗﻐﻧﺎء ﻋﻧﮭﺎ ،ﻣن دون أن
ﯾﺧﺗل اﻟﻣﻌﻧﻰ ،ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ واﻟﺗﻘﻠﯾدي اﻟﻣﻌﺎﺻر .ﺑل أﺻﺑﺣت اﻟﺻورة
اﻟﺣداﺛﯾﺔ داﺧﻠﺔ ،ﻓﻲ ﺻﻣﯾم اﻟﻧص اﻟﺷﻌري ،ﺑطرﯾﻘﺔ ﺑﻧﺎﺋﯾﺔ ﺣﯾوﯾﺔ؛ ﻛﻣﺎ أﺻﺑﺣت
اﻟﺻورة ھﻲ اﻟﻔﻛرة ،وﻻاﻧﻔﺻﺎل ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ .وﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى ،ﻓﻘد ﺗﻐﯾرت اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن
ﻋﻧﺎﺻر اﻟﺻورة ،ﺑﺷﻛل أﺻﺑﺣت ﻓﯾﮫ ھذه اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ ﺻﮭر اﻟﻌﻧﺎﺻر،
ﻻﻋﻠﻰ ﺗﺟﺎوزھﺎ وﺗﻘﺎﺑﻠﮭﺎ ،أي ﺗ ﱠم اﻹﻧﺗﻘﺎل " ﻣن اﻟﺛﻧوﯾﺔ اﻟﺑﻼﻏﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﺷﻌرﯾﺔ
اﻟﺻﺎھرة") (19ﻛﻣﺎ ﯾﻘول اﻟدﻛﺗور اﻟﯾﺎﻓﻲ.
- 36 -
ﻣن اﻟﺗﻧﺎظر ﺑﯾن اﻟﺧﯾول واﻟﻌﺻﺎﻓﯾر .ﺑل ﯾﺗ ﱡم ﻣن ﺧﻼل اﻟﺗﻧﺎﻗض واﻟﺻراع اﻟﺣﺎد
ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ .أي أن اﻧﺳﺣﺎق اﻟﻌﺻﺎﻓﯾر ﺑﺄرﺟل اﻟﺧﯾول)ﻣﻊ اﻷﺧذ ﺑﻌﯾن اﻻﻋﺗﺑﺎر ﻣﺎﯾرﻣز
إﻟﯾﮫ ﻛل ﻣﻧﮭﻣﺎ( ھو اﻟذي ﯾدﻋوﻧﺎ إﻟﻰ اﺑﺗﻛﺎر اﻟﯾﺎﺳﻣﯾن .ﻓﻌﻧﺎﺻر ھذه اﻟﺻورة ،إذاً،
أرﺑﻌﺔ ،وھﻲ اﻟﺧﯾول واﻟﻌﺻﺎﻓﯾر و "ﻧﺎ" اﻟداﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن ،ﻓﻲ ﻓﻌل "اﺑﺗﻛرﻧﺎ".
وﺟﻣﯾﻊ ھذه اﻟﻌﻧﺎﺻر ﻣﺗﺟﺎدﻟﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ .ﻓﺎﻟﺧﯾول ﺗﺗﻧﺎﻗض ﻣﻊ اﻟﻌﺻﺎﻓﯾر ﻓﺗﺳﺣﻘﮭﺎ،
وﻧﺣن أو"ﻧﺎ" اﻟداﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن ،ﺗﺗﻧﺎﻗض ﻣﻊ اﻟﺧﯾول وﻣﻊ ﻣوت اﻟﻌﺻﺎﻓﯾر ،ﻓﺗﺑﺗﻛر
اﻟﯾﺎﺳﻣﯾن اﻟذي ھو ﻣن ﻧوﻋﯾﺔ اﻟﻌﺻﺎﻓﯾر .أي أن اﻟﯾﺎﺳﻣﯾن ھو اﻵﺧر ﻋﻠﻰ ﺗﻧﺎﻗض
ﻣﻊ اﻟﺧﯾول واﻟﻣوت ﻣﻌﺎً .وﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى ،ﻓﺛﻣﺔ ﺗﻧﺎﻗض ﺑﯾن ﻓﻌل اﻻﺑﺗﻛﺎر وﻓﻌل
اﻟﻣوت اﻟذي ﺗﻣﺎرﺳﮫ اﻟﺧﯾول .وﻓﻲ اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ ،ﻓﺈن اﻹﯾﺣﺎء اﻟﻣﻧﺳﺟم اﻟذي ﺗﻘدﻣﮫ ھذه
اﻟﺻورة ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺎﻗض ﺑﯾن ﻋﻧﺎﺻرھﺎ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ .وﻣﺎ ﯾﻘﺎل ﻓﻲ ھذه اﻟﺻورة
ﯾﻘﺎل ﻓﻲ اﻟﺻورﺗﯾن اﻟﺗﺎﻟﯾﺗﯾن .ﻓﺎﻟﺗﺟﺎدل ﺑﯾن اﻟﻘطرات ،ﻓﻲ اﻟﺻورة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ،ھو اﻟذي
ﯾﺷﻛّل اﻟﻠون أو اﻟﻠوﺣﺔ اﻟﺗﺷﻛﯾﻠﯾﺔ ،واﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ .ﻓﻼﺑ ّد ﻟﻠﻔن ،ﻟﻛﻲ ﯾﻛون ﻣﻌﺑّراً ،ﻣن أن
ﯾﺗﻛون ﻣﻣﺎ ھو ﻣﺗﻧﺎﻗض ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻛﺎﻟﺻﺣو واﻟظل واﻟﻧدى)ﺑﻣﺎ ﺗرﻣز إﻟﯾﮫ( .وﻛذا ّ
ھﻲ اﻟﺣﺎل ،ﻓﻲ اﻟﺻورة اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ .ﺣﯾث اﻟﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟﻔردﯾﺔ ﺗﻧﮭض ﻣن اﻟﺗﻧﺎﻗض ﺑﯾن
"اﻷﻧﺎ" وﻛ ٍّل ﻣن اﻟدرب واﻟذﺑﺎب واﻟذﺋﺎب.
ھذا ﻣن ﺣﯾث اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﻌﻧﺎﺻر .أﻣﺎ ﻣن ﺣﯾث اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾﻧﮭﺎ ،ﻣن ﻣﺟﺎﻻت
ﺣﯾﺎﺗﯾﺔ ﻣﺗﺑﺎﻋدة وﻣﺧﺗﻠﻔﺔ وﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ أﺣﯾﺎﻧﺎً ،ﻓﺈن ھذا اﻷﻣر ﺑﺎت ﺷﺎﺋﻌﺎ ً ﻓﻲ ﻛﺗب ﻧﻘد
اﻟﺷﻌر اﻟﺣداﺛﻲ .إذ ﻣن اﻟﻣﻌروف أن ھذا اﻟﺷﻌر ﻗد أﻓﺎد ﻣن ﺗﻘﻧﯾﺎت اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ
اﻟﺳورﯾﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘوم أﺳﺎﺳﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺎت واﻟﻣﺗﺑﺎﻋدات .وإذا ﻣﺎﻋدﻧﺎ
إﻟﻰ اﻟﺻور اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ،ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﺟد ،ﻓﻲ اﻟﺻورة اﻷوﻟﻰ ،ﺟﻣﻌﺎ ً ﺑﯾن اﻟﺧﯾول اﻟداﺑّﺔ
واﻟﻌﺻﺎﻓﯾر اﻟﻣﺣﻠّﻘﺔ واﻟﯾﺎﺳﻣﯾن اﻟﻧﺎﺑت واﻟذات اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ؛ ﻛﻣﺎ ﻧﺟد ،ﻓﻲ اﻟﺻورة
اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ،ﺟﻣﻌﺎ ً ﺑﯾن اﻟﻘطرة وﻛ ٍّل ﻣن اﻟﺻﺣو واﻟظل؛ وﻧﺟد ،ﻓﻲ اﻟﺻورة اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ،
ﺟﻣﻌﺎ ً ﺑﯾن اﻟﻠﯾل واﻟزواﯾﺎ ،واﻷﻋﻣﻰ واﻟﻛﻼب ،واﻟﺣﺎﻧﺎت واﻟذﺋﺎب ،واﻟﺻﯾد واﻟذﺑﺎب.
ﻏﯾر أن ﻣﺎﺗﻧﺑﻐﻲ اﻹﺷﺎرة إﻟﯾﮫ ،ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل ،ھو أن ﺗﻠك اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ أو ھذا
اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﻣﺗﺑﺎﻋدات واﻟﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺎت ،ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻧﺗﺞ ﻋﻧﮫ إﯾﺣﺎء ﺟﻣﯾل ﻣﻧﺳﺟم .وﻟن
ﯾﻛون ھذا ﻣﻣﻛﻧﺎً ،إﻻ إذا ﻛﺎﻧت اﻟﺻورة ﺑل اﻟﺗﺧﯾﯾل اﻟﻔﻧﻲ ﻋﺎﻣﺔ ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﻛﯾﻧوﻧﺔ
اﻟواﻗﻌﯾﺔ ،وﻣن دون ذﻟك ﻟن ﯾﻛون اﻟﺗﺧﯾﯾل ،ﻛﻣﺎ ﯾؤﻛد ﺗﯾودور أدورﻧو THEODOR
،ADORNOﺳوى ﺗﺧﯾﯾل ﻣﺟﺎﻧﻲ رﺧﯾص وﻣﺣدود اﻟﻘﯾﻣﺔ).(23
وﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﺣو ،ﻓﺈن اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ﻓﻲ ﺳﻣﺗﮫ اﻟﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ ﻗد اﻧﻌﻛس ﻓﻲ
اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ .وھو ﻣﺎ أدى ﺑﮭﺎ إﻟﻰ أن ﺗﺷﺗﻣل ﻋﻠﻰ ﻋﻧﺎﺻر ﻣﺗداﺧﻠﺔ ﻣﺗﺟﺎدﻟﺔ
ﻣﺳﺗﻘﺎة ﻣن ﻣﺟﺎﻻت ﻣﺗﺑﺎﻋدة أو ﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ .ﻓﺎﻧﻌدﻣت اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺎت اﻟﻣﺗﻘﺎﺑﻠﺔ أو اﻟﻣﺗﻧﺎظرة
اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت اﻟﺻورة اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ ﺗﻘوم ﻋﻠﯾﮭﺎ ،واﻧﻌدﻣت أﯾﺿﺎ ً ﺗﻠك اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ واﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ
اﻟﻠﺗﺎن ﻛﺎﻧﺗﺎ أﺳﺎس ھذه اﻟﺻورة.
- 40 -
* *
ﺣﯾث ﯾﺷﺗﻣل اﻟﺷطر اﻷول ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻛرة ،وﯾﺷﺗﻣل اﻟﺷطر اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ
اﻟﺻورة ،ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ھذا اﻟﺗﻧﺎظر ﻟﯾس ﻗﺎﻧوﻧﺎ ً ﯾﻧظم اﻟﺻور اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ
ﻛﺎﻓﺔ ،ﻓﻲ اﻟﺑﯾت اﻟﺷﻌري اﻟواﺣد .ﺑل إﻧﮫ ﯾﻧظم ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺻورة ﺑﺎﻟﻔﻛرة ﻓﻲ ذﻟك
اﻟﺷﻌر ﻋﺎﻣﺔ .وﻋﻠﻰ أﯾﺔ ﺣﺎل ﻓﺈن اﻷﻣر ﻗد أﺻﺑﺢ ﻣﻌروﻓﺎ ً وﺷﺎﺋﻌﺎً ،ﺑﻣﺎ ﯾﻛﻔﯾﻧﺎ ﻣؤوﻧﺔ
اﻹﻓﺎﺿﺔ ﻓﯾﮫ .وﻟﻛن ﻣﺎﻧرﯾده ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل ھو أن اﻟﺗﻧﺎظر اﻟذي ﻧﻠﻣﺳﮫ ﺑﯾن
ﻋﻧﺻري اﻟﺻورة اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ ،أو ﺑﯾن اﻟﻔﻛرة واﻟﻣﺟﺎز ﻓﯾﮭﺎ ،ﯾﺗﻼءم ﺗﻣﺎﻣﺎ ً ووﻋﯾﮭﺎ
اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟذي ﯾرى اﻟﻌﺎﻟم ﻣن ﺧﻼل اﻟﺗﻛﺎﻣل واﻟﺗﻧﺎظر ،ﻛﻣﺎ أﺳﻠﻔﻧﺎ ﻏﯾر ﻣرة.
2ـ اﻟﺪراﻣﯿﺔ:
ﻣن اﻟﻣﻌﻠوم أن ﻣوﻗف اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ،واﻟﺗﻘﻠﯾدي اﻟﻣﻌﺎﺻر أﯾﺿﺎً،
ھو ﻓﻲ اﻷﺳﺎس ﻣوﻗف ﻏﻧﺎﺋﻲ ﻣن اﻟﻌﺎﻟم .إذ ﯾﺗم اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء ،ﻣن
ﺧﻼل أﺛرھﺎ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻟذات اﻟﻔردﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ اﻟﻣﺣور اﻟذي ﯾﺗﻣﺣور ﺣوﻟﮫ
اﻟﻧﺗﺎج اﻟﺷﻌري .ﺳواء أﻛﺎن ذﻟك ﻓﻲ طﺑﯾﻌﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎل ،أم ﻓﻲ رؤﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم ،أم ﻓﻲ
ﻲ ھذا اﻟﺷﻌر ﻻﯾﺗﻠﻘﻰ اﻟﻌﺎﻟم .ﺑل ﯾﺗﻠﻘﻰ اﻟذات اﻟﺗﻲ أﺳﻠوب اﻟﺗﻌﺑﯾر .وﻟﮭذا ﻓﺈن ﻣﺗﻠﻘ ّ
ﺗرى اﻟﻌﺎﻟم وﺗﺗﺄﺛر ﺑﮫ أو ﺗﻌﺎﻧﯾﮫ.
وﻻﺷك ﻓﻲ أن اﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ ھو ﻣوﻗف ذاﺗﻲ ،وﻻﻧﺳﺗطﯾﻊ اﻟﺑﺗﺔ أن ﻧﺗﻠﻘﻰ اﻟﻌﺎﻟم،
ﻛﻣﺎ ھو ﻓﻲ اﻟﻔن ،إذ ﻻﯾﻣﻛن أن ﻧرى ﻓﯾﮫ اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺷﻛل ﻣوﺿوﻋﻲ .ﺑل ﻧراه ﻣن
ﻣﻧظور اﻟذات اﻟﻣﺑدﻋﺔ .وﻟﻛن ﺛﻣﺔ ﻓرق ﺑﯾن أن ﻧراه ﻣن ﻣﻧظور اﻟذات ،وﺑﯾن أن
ﻧرى اﻟذات اﻟﻔردﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﺄﺛرھﺎ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻲ ﺑﮫ .وھذا اﻟﻔرق ھو اﻟذي ﯾﻘف وراء
اﺧﺗﻼف اﻟﺷﻌر اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ ﻋن اﻟﺷﻌر اﻟدراﻣﻲ أو ﻋن اﻟدراﻣﺎ ﻋﺎﻣﺔ .ﻓﻔﻲ ﺣﯾن ﯾذھب
اﻷول إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟذاﺗﯾﺔ اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻣﺑدع ﻣﺑﺎﺷرة ،وﺑﺷﻛل ﺷﺧﺻﻲ؛
ﯾذھب اﻟﺛﺎﻧﻲ إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﻣﺳﺎﺋل ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ذات طﺎﺑﻊ ﻋﺎم ،ﻻﺗرﺗﺑط ﺑﺎﻟﺿرورة
ﺑﺷﺧص اﻟﻣﺑدع اﻟذي ﯾﺳﺗﺗر داﺋﻣﺎ ً وراء ﺷﺧﺻﯾﺎﺗﮫ اﻟدراﻣﯾﺔ.
وﻟﺳﻧﺎ ،ھﻧﺎ ،ﻓﻲ ﻣﻌرض اﻟﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾن اﻟﻐﻧﺎﺋﯾﺔ LYRICISMواﻟدراﻣﯾﺔ
DRAMATICﻓﻲ اﻷدب .وﻟﻛن ﻣﺎأردﻧﺎه ھو اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ﻣوﻗﻊ اﻟذات اﻟﻔردﯾﺔ
ﻣن اﻟﻧﺗﺎج اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ ﻣوﻗﻌﮭﺎ ﻣن اﻟﻌﺎﻟم ،وطرﯾﻘﺔ ﺗﻌﺎﻣﻠﮭﺎ ﻣﻌﮫ ،ﻓﮭﻲ ﺗرى
ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻣﺣورا ً أﺳﺎﺳﯾﺎ ً ﯾﻘﺎﺑل اﻟﻌﺎﻟم ﺑظواھره وﺟواﻧﺑﮫ ،ﻣﻣﺎ ﯾدﻓﻌﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺎﻣل
ﻣﻌﮫ ذاﺗﯾﺎ ً ﺑﺷﻛل ﯾﻧﺳﺟم وﻣوﻗﻌﮭﺎ اﻟﻣﺣوري.
ﻓﺛﻣﺔ ،إذاً ،ﻗطﺑﺎن اﺛﻧﺎن ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ ﺑﻌﺎﻣﺔ ،وھﻣﺎ اﻟذات اﻟﻔردﯾﺔ واﻟﻌﺎﻟم
اﻟﻣوﺿوﻋﻲ .وھﻣﺎ إذ ﯾﺗﺑﺎدﻻن اﻟﺗﺄﺛﯾر ،ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻲ ،ﻻﯾﺄﺧذان اﻷھﻣﯾﺔ
ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﺗﻌﺑﯾر .ﻓﺎﻟذات ﺑﮭﻣوﻣﮭﺎ وھواﺟﺳﮭﺎ وﺷواﻏﻠﮭﺎ ھﻲ اﻟﻘطب اﻷھم.
وﻟﮭذا ﻓﺈن ﻣﺗﻠﻘﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ ﯾﮭﺗم ﺑﺎﻟذات اﻟﺗﻲ ﺗرى وﺗﺗﺄﺛر وﺗﻌﺎﻧﻲ ،أﻛﺛر ﻣن
* -ﻗﺪ ﯾﻘﺎل ،ھﻨﺎ ،إن ﻣﻮﺿﻮﻋﯿﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻐﻨﺎﺋﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وﻻﺳﯿﻤﺎ اﻟﻮﺻﻔﻲ ﻣﻨﮫ ،أوﺿﺢ ﻣﻦ أن
ﯾﺸﺎر إﻟﯿﮭﺎ .وﻻﺷﻚ ﻓﻲ أن ھﺬا ﺻﺤﯿﺢ .ﻏﯿﺮ أن ھﺬه اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ﺗﺘﺄﺗﻰ ﻋﺒﺮ اﻟﺬات اﻟﻔﺮدﯾﺔ،
وﻻﺗﺘﺄﺗﻰ ﺑﻮﺻﻔﮭﺎ ﻣﻌﺎدﻻً ﻣﻮﺿﻮﻋﯿﺎً ﻟﻠﻤﻮﻗﻒ اﻟﺬاﺗﻲ.
- 42 -
ﻻﺗﺗﻧﺎﻗض وﻣﺎ ﻧﻠﺣظﮫ ﻋﻧد ھذا اﻟﺷﺎﻋر أو ذاك ﻣن ﺑروز ﺣﺎد ﻟﻠﻣﺳﺎﺋل اﻟﻔردﯾﺔ .إذ
إن ھذا اﻟﻣﺳﺎﺋل ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﯾﺗ ّم اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋﻧﮭﺎ ﺑﺷﻛل ﻏﻧﺎﺋﻲ ـ دراﻣﻲ .ﺑﻣﻌﻧﻰ أن ﺛﻣﺔ
ﺗﺣوﻻً ﻓﻲ وﻋﻲ ﺗﻠك اﻟﻣﺳﺎﺋل ،وﻓﻲ طرﯾﻘﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋﻧﮭﺎ .ﻓﺎﻟدراﻣﯾﺔ ﻻﺗﻠﻐﻲ وﺟود ّ
اﻟذاﺗﯾﺔ .ﺑل ﺗﻠﻐﻲ ﻧﻣطﺎ ً ﻣﻌﯾﻧﺎ ً ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻌﮭﺎ .وﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻﻧﻧﺳﻰ أن اﻟﺣداﺛﺔ
اﻟﺷﻌرﯾﺔ ھﻲ ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣطﺎف ﺣرﻛﺔ ﻏﻧﺎﺋﯾﺔ ﺗﺗﺳم ﺑﺎﻟدراﻣﯾﺔ .وﻟﯾﺳت ﺑﺣﺎل ﻣن
اﻷﺣوال ﺣرﻛﺔ دراﻣﯾﺔ.
آ ـ اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ اﻟﻔﻨﯿﺔ:
إن اﻟﻧﻣذ ﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ أﺳﻠوب ﺗﻘﻧﻲ ﺟدﯾد ،طرﺣﺗﮫ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﻓﻲ
ﻣﺣﺎوﻟﺗﮭﺎ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن وﻋﯾﮭﺎ اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ اﻟﻣوﺻوف ﺑﺎﻟدراﻣﯾﺔ .وھو أﺳﻠوب ﻧﻘﻠﺗﮫ
اﻟﺣداﺛﺔ ﻣن اﻟﻔﻧون اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ واﻟدراﻣﯾﺔ ،إﻟﻰ اﻟﺷﻌر اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ .وﻟم ﯾﻛن ﻟﮭذا
اﻷﺳﻠوب ﻣن أھﻣﯾﺔ ﺗذﻛر ،ﻓﯾﻣﺎ ﻗﺑل اﻟﺣداﺛﺔ ﻣن ﺷﻌر ﻋرﺑﻲ .وﻟﻛن ﻗﺑل اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ
ھذا اﻷﺳﻠوب ـ إذ أن اﻟﻣﺟﺎل ﻻﯾﺳﻣﺢ ﺑﺎﻹﻓﺎﺿﺔ)*( -ﻻﺑد ﻣن اﻟﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾن اﻟﻧﻣذﺟﺔ
اﻟﻔﻧﯾﺔ واﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ .ﺣﯾث إن اﻷوﻟﻰ ﺗﻌﻧﻲ ﺧﻠﻖ ﺷﺧﺻﯾﺎت ذات طﺑﯾﻌﺔ ﻧﻔﺳﯾﺔ
أو اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ،ﺗﺗﻧﺎﻣﻰ ﻓﻲ ﺳﯾﺎﻗﮭﺎ اﻟﻔﻧﻲ ،ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ﺑﮭذا اﻟﻘدر أو ذاك ﻋن ذات
اﻟﻣﺑدع .أﻣﺎ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻓﺗﻌﻧﻲ ﺗﺟﺳﯾد إﺣدى اﻟﻘﯾم اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻛﺎﻟﺟﻣﺎل أواﻟﻘﺑﺢ أو اﻟﺟﻼل أو
اﻟﺑطوﻟﯾﺔ ...إﻟﺦ ،ﻣن ﺧﻼل ھذه اﻟﺻورة أو ﺗﻠك اﻟﺣﺎﻟﺔ ،أو ذﻟك اﻟﻣوﻗف .وﻻﯾﺧﻠو
إﺑداع ﻓﻧﻲ ،ﻣﮭﻣﺎ ﯾﻛن ﻧوﻋﮫ أو ﻧﻣطﮫ ،ﻣن ھذه اﻟﻧﻣذﺟﺔ .إن اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ﺗﻧطوي
ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ،ﻏﯾر أن ھذه ﻻﺗﻧطوي ﻋﻠﻰ ﺗﻠك ﺑﺎﻟﺿرورة .إذ إن اﻟﻧﻣذﺟﺔ
اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ھﻲ ﺳﻣﺔ اﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ ،أﻣﺎ اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻓﮭﻲ ﺳﻣﺔ اﻟﻔﻧون اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ
واﻟدراﻣﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ .وﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻓﺈن اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﻗد طرح اﻟﻛﺛﯾر
اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻧﻣﺎذج اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ،وﻟﻛﻧﮫ ﻗﻠّﻣﺎ ﻣﺎل إﻟﻰ طرح اﻟﻧﻣﺎذج اﻟﻔﻧﯾﺔ .ھذه اﻟﻧﻣﺎذج
اﻟﺗﻲ ﺷﻛﻠت ﻗوام اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻧﺻوص اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺣداﺛﯾﺔ وذﻟك ﻣن ﻣﺛل :اﻟﻣوﻣس
اﻟﻌﻣﯾﺎء ﻟﻠﺳﯾﺎب ،واﻷﺧﺿر ﺑن ﯾوﺳف ،ﻟﺳﻌدي ﯾوﺳف ،وﻣﮭﯾﺎر اﻟدﻣﺷﻘﻲ ﻷدوﻧﯾس،
وإﺑراھﯾم ﻟﯾوﺳف اﻟﺧﺎل ،وﻟﻌﺎزر ﻟﺧﻠﯾل ﺣﺎوي....إﻟﺦ.
إن اﻻﺗﻛﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻻﯾﺧﻔّف ﻣن ﺣدة اﻟﻐﻧﺎﺋﯾﺔ ،ﻓﻲ اﻟﺷﻌر،
ﻓﺣﺳب .ﺑل إﻧﮫ أﯾﺿﺎ ً ﯾﻠﻐﻲ اﻟﺗﻘرﯾرﯾﺔ أو ﯾﺧﻔف ﻣﻧﮭﺎ ،ﻛﻣﺎ ﯾﻔﺳﺢ اﻟﻣﺟﺎل ﻟدﺧول ﻋدة
أﺻوات ،ﻓﻲ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري ،وھو ﻣﺎﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ ﺑروز ﺻﻔﺔ اﻟﺻراع اﻟﺗﻲ ﺗﻣﯾز
ﻋﺎدة اﻷﻋﻣﺎل اﻟدراﻣﯾﺔ .وﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى ،ﻓﺈن ھذه اﻟﻧﻣذﺟﺔ ﻗد أﻓﺳﺣت اﻟﻣﺟﺎل،
أﻣﺎم اﻟﺷﺎﻋر ،ﻛﻲ ﯾﺧرج ﻣن اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ذاﺗﯾﺗﮫ ،إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟذوات اﻷﺧرى
اﻟﺗﻲ ﯾﺗﻌﺎطف أو ﯾﺗﻘﺎطﻊ أو ﯾﺗﺻﺎرع أو ﯾﺗﻧﺎﻗض وإﯾﺎھﺎ ،أي أن ھذه اﻟﻧﻣذﺟﺔ ﻗد
وﺳّﻌت اﻟﻣﺳﺎﺣﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗﺻدى ﻟﮭﺎ اﻟﺷﺎﻋر ﺑﻔﻧﮫ .ﻓﻠم ﯾﻌد اﻷﻣر ﻣﺗﻌﻠﻘﺎ ً ﺑﺎﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن
* -ﺳﯿﺄﺗﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻣﻮﺳّﻌﺎ ً ﻋﻦ ھﺬا اﻷﺳﻠﻮب ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﻤﻌﻨﻮن ﺑـ"ﺟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﻨﻤﻮذج
اﻟﻔﻨﻲ ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻟﺤﺪاﺛﺔ".
-وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ - - 43 -
أﺛر اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء ﻓﻲ اﻟذات اﻟﻔردﯾﺔ .ﺑل أﺻﺑﺢ ﻣﺗﻌﻠﻘﺎ ً أﯾﺿﺎ ً ﺑﺎﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ذﻟك
اﻷﺛر ﻓﻲ اﻟذوات اﻷﺧرى اﻟﺗﻲ أﺻﺑﺢ ﻟﮭﺎ اﻟﺣﻖ ﺑﺎﻟوﺟود ،ﻣن ﺧﻼل اﻟﻧﻣذﺟﺔ،
ﺑﻣﻌزل ﻋن ﻓردﯾﺔ اﻟﺷﺎﻋر.
ب ـ اﻟﺒﻨﺎء اﻟﺪراﻣﻲ:
ﯾؤﻛد اﻟدﻛﺗور ﻋز اﻟدﯾن اﺳﻣﺎﻋﯾل ،ﻓﻲ دراﺳﺗﮫ ﻟﻸﺑﻧﯾﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ،ﻓﻲ اﻟﺷﻌر
اﻟﻣﻌﺎﺻر ،أن ﺛﻣﺔ ﻣﯾﻼً واﺿﺣﺎ ً إﻟﻰ اﻟﺷﻛل اﻟدراﻣﻲ ،ظﮭر ذﻟك ﻣن ﺧﻼل إﻧﺗﺎج
اﻟﻘﺻﺎﺋد اﻟطوﯾﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺑدو وﻛﺄﻧﮭﺎ ﻣﻼﺣم ﺷﻌرﯾﺔ ﺣدﯾﺛﺔ) .(31وﯾرى أن ھذه
اﻟﻘﺻﯾدة:
"ﺗزداد ﺑﻧﯾﺗﮭﺎ ﺗﻌﻘﯾداً ﺣﺗﻰ ﺻﺎرت اﻟﻘﺻﯾدة ﻣوﻗﻔﺎ ً ﻓﻛرﯾﺎ ً ﻏﺎﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﻣﯾم
واﻟﺷﻣول ،وﻏﺎﯾﺔ ﻓﻲ اﻟدﻗﺔ واﻟرھﺎﻓﺔ ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ ....وﺗطورت ﻓﻲ اﺗﺟﺎه
اﻟﺷﻛل اﻟدراﻣﻲ ﻓﺻﺎرت ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻷﺻوات اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ واﻟﻣﺗﻣﯾّزة ،وازدادت
ﺗرﻛﯾﺑﺎ ً وﺗﻌﻘﯾدا ً وإﻓراطﺎ ً ﻓﻲ اﻟطول ﺣﺗﻰ ﻗﺎرﺑت ﻣﻧﮭﺞ اﻟﺗﺄﻟﯾف
اﻟﻣوﺿوﻋﻲ.(32)"...
وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟدﻛﺗور إﺳﻣﺎﻋﯾل ﯾﺻف ھذه اﻟﻘﺻﯾدة ﺑﺎﻟطوﯾﻠﺔ ،ﻏﯾر
أﻧﮫ ﻻﯾﺷﺗرط ﻓﯾﮭﺎ اﻟطول اﻟﻛﻣﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة ،ﻓﻘد ﺗﻛون اﻟﻘﺻﯾدة ﻗﺻﯾرة ﻧﺳﺑﯾﺎ ً،
وﺗﻛون ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ ﻣﺗﺻﻔﺔ ﺑﺻﻔﺎت اﻟﻘﺻﯾدة اﻟطوﯾﻠﺔ ﻣن ﺣﯾث اﻟﺗﻌﻘﯾد واﻟﺷﻣول
واﻟدﻗﺔ واﻟرھﺎﻓﺔ .ﻓﺎﻟﺷﻛل أو اﻟﺑﻧﺎء اﻟدراﻣﻲ ھو اﻷﺳﺎس.
وﻻﺷك ﻓﻲ أن ھذا اﻟﺑﻧﺎء ﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ أن ﯾﺗ ّم ،ﻟوﻻ ﺳﻣﺔ اﻟدراﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻣﯾز
اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ اﻟذي راح ﯾﺗﺧﻔف ﻣن اﻟﻐﻧﺎﺋﯾﺔ ،ﺣﯾﻧﺎ ً ﻣن ﺧﻼل اﻟﻧﻣذﺟﺔ،
وﺣﯾﻧﺎ ً ﻣن ﺧﻼل اﻟﺑﻧﺎء اﻟﺷﻌري ،وﺣﯾﻧﺎ ً ﻣن ﺧﻼﻟﮭﻣﺎ ﻣﻌﺎً.
وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟدﻛﺗور إﺳﻣﺎﻋﯾل ﻗد درس ھذا اﻟﺑﻧﺎء ،إﻻ أﻧﮫ ﻻﺑﺄس ﻣن
اﻹﺷﺎرة اﻟﺳرﯾﻌﺔ إﻟﯾﮫ ،ﺗوﺿﯾﺣﺎ ً ﻟﺳﻣﺔ اﻟدراﻣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ.
ﯾﺗﻣﯾز اﻟﺑﻧﺎء اﻟدراﻣﻲ ،ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ،ﺑﺗﻌدّد اﻷﺻوات وﺗﻧﺎﻗﺿﮭﺎ،
وﺑﺗطور اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻣن ﺑﻌﺿﮭﺎ وﺗواﺷﺟﮭﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ ،وﺑﺎﻟﺗﻣﺎﺳك اﻟﺑﻧﯾوي اﻟذي
ﯾﺟﻌل ﻣن اﻟﻧص ﻛﻼً واﺣداً ،ﯾﺻﻌب اﺟﺗزاؤه إﻟﻰ وﺣدات ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ؛ وﯾﺗﻣﯾّز أﯾﺿﺎ ً
ﺑطرح اﻟﻣﺷﺎﻋر اﻟﻣﺻطرﻋﺔ ،وﺑﺎﻟﺗﻧﺎﻣﻲ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻲ ﻟﻠﺣﺎﻟﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻣطروﺣﺔ،
وﺑﺗﻧوع اﻟﺟواﻧب اﻟﺗﻲ ﯾرﺻدھﺎ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري .وﻏﻧﻲ ﻋن اﻟﺑﯾﺎن أن ھذه اﻟﺳﻣﺎت ّ
ﯾﻣﻛن أن ﺗوﺟد ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻓﻲ ﻧص واﺣد ،ﻛﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾوﺟد ﻣﻌظﻣﮭﺎ ﻓﻲ ﻧص آﺧر.
ﺗﻧوع ﻓﻲ اﻟﺟواﻧب ،وﻗد ﯾﺗﻧﺎﻣﻰ اﻻﻧﻔﻌﺎل ﻣن ﻓﻘد ﺗﺗﻌدد اﻷﺻوات ﻓﻲ اﻟﻧص ﻣن دون ّ
دون أن ﺗﺻطرع اﻟﻣﺷﺎﻋر..وﻟﻛن اﻟﺑﻧﺎء اﻟدراﻣﻲ ﯾﺗﻧﺎﻓﻰ ﻋﺎدة وأﺣﺎدﯾﺔ اﻟﺻوت،
ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﺗﻧﺎﻓﻰ واﻟﺗﻔ ّﻛك أو اﻟﻣراوﺣﺔ ﻓﻲ اﻧﻔﻌﺎل ذي طﺑﯾﻌﺔ واﺣدة ﺛﺎﺑﺗﺔ .وﻻﺷك ﻓﻲ أن
اﻟﻧص اﻟﻧﻣوذﺟﻲ ﻟﻠﺑﻧﺎء اﻟدراﻣﻲ ھو ذﻟك اﻟﻧص اﻟذي ﯾﻧطوي ﻋﻠﻰ ﺗﻠك اﻟﺳﻣﺎت
ﻣﺟﺗﻣﻌﺔ .وﻣﺎ أﻛﺛر اﻟﻧﺻوص اﻟﻧﻣوذﺟﯾﺔ ﻓﻲ ذﻟك .وﯾﻛﻔﻲ أن ﻧﺗذﻛر ذﻟك اﻟﻛ ّم اﻟﮭﺎﺋل
- 44 -
ﻣن اﻟﻘﺻﺎﺋد اﻟطوﯾﻠﺔ اﻟﺗﻲ طﺎﻟت ﻟﺗﺷﻣل دﯾواﻧﺎ ً ﺷﻌرﯾﺎ ً ﺑﻛﺎﻣﻠﮫ .وﺑدھﻲ أن اﻟﺑﻧﺎء
اﻟدراﻣﻲ ﻟﯾس ﺧﺎﺻﺎ ً ﺑﺎﻟﻘﺻﺎﺋد اﻟطوﯾﻠﺔ ـ وإن ﯾﻛن أﻛﺛر وﺿوﺣﺎ ً ﻓﯾﮭﺎ ـ ﺑل إﻧﮫ ﯾﺷﻣل
أﯾﺿﺎ ً ﺑﻌض اﻟﻘﺻﺎﺋد اﻟﻘﺻﯾرة ،وﺣﺗﻰ ﺑﻌض اﻟﻣﻘطﻌﺎت اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺑدو ،ﻟﻠوھﻠﺔ
اﻷوﻟﻰ ،ﻏﻧﺎﺋﯾﺔ ﺻرﻓﺎً ،وﻟﺗﺑﯾﺎن ذﻟك ،ﻧﺗوﻗف ﻋﻧد واﺣد ﻣن اﻟﻧﺻوص اﻟﻘﺻﯾرة
ﺟداً .أﻣﺎ اﻟﻧص ﻓﮭو ﻗﺻﯾدة ﻷﺣﻣد ﻋﺑد اﻟﻣﻌطﻲ ﺣﺟﺎزي ،ﺑﻌﻧوان "إﯾﻘﺎﻋﺎت
ﺷرﻗﯾﺔ")(33
أﻏوﯾﺗﻧﻲ
ﯾﺎأﯾﮭﺎ اﻟوﺟﮫ اﻟﺣﺳن
وﻟم ﺗﻘدّم ﻟﻲ اﻟﺛﻣن
ﻻطرﺣﺔ اﻟﻌرس،
وﻻﻓرﺣﺔ أﻋﺿﺎء اﻟﺑدن
*
وﻛﺎن ﺷﻌري ﺧﯾﻣﺔ،
وﻛﺎن ﻧﮭداي ﻋﺷﯾﻘﯾن،
ﺳ ّرﺗﻲ ﻛﺄﺳﺎً،
وﻛﺎﻧت ُ
وﻛﺎﻧت ﻓﺧذي
إﺑرﯾﻖ ﺧﻣر وﻟﺑن !
وذﺑﺣوﻧﻲ!
آه أھﻠﻲ! ذﺑﺣوﻧﻲ!
ﻟم ﺗﻘدّم ﻟﻲ اﻟﻛﻔن
ﯾﺎأﯾﮭﺎ اﻟوﺟﮫ اﻟﺣﺳن
*
وﻛﺎن ﺷﻌري
وﻛﺎن ﻧﮭداي
وﻛﺎﻧت ﺟﺛّﺗﻲ
ﯾﻧﮭﺷﮭﺎ اﻹﯾﻘﺎع
ﯾﻧـ !....
ﻗد ﯾﺑدو ھذا اﻟﻧص ﺧﺎﻟﯾﺎ ً ﻣن اﻟدراﻣﯾﺔ ﻓﻲ ﺑﻧﺎﺋﮫ ،ﻟﻣﺎ ﯾﺗﺻف ﺑﮫ ﻣن طرح ﻟﻣﺎ
ھو ﻓردي ،وﻟﻣﺎ ﯾظﮭر ﻋﻠﯾﮫ ﻣن اﺳﺗﻌﻼء ﻟﻧﺑرة اﻹﯾﻘﺎع اﻟﺑﺎدﯾﺔ ﺑﺎﻟﺗﻘﻔﯾﺔ اﻟﻣﺗواﻟﯾﺔ،
واﻟﺗﺷطﯾر اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ .ﻏﯾر أن ذﻟك ﻟم ﯾﻠﻎ اﻟﺑﻧﺎء اﻟدراﻣﻲ أو ﯾﺧﻔف ﻣﻧﮫ .ﺑل ﻟﻌﻠﮫ
-وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ - - 45 -
ﯾﻌﻣﻖ ﻓﯾﮫ ھذا اﻟﺑﻧﺎء .ﺑﺣﯾث ﯾﺗﻛﺎﻣل اﻟﺷﻛل اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ وﻣﺎﯾطرﺣﮫ اﻟﻧص ﻣن ﺣﺎﻟﺔ
ﯾﺗداﺧل ﻓﯾﮭﺎ اﻹﺣﺳﺎس ﺑﺎﻟﺟﻣﺎل واﻹﺣﺳﺎس اﻟﺗراﺟﯾدي.
إن ھذا اﻟﺗداﺧل ھو اﻟﻣﻠﻣﺢ اﻷول ﻣن ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺑﻧﺎء اﻟدراﻣﻲ ،ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص
اﻟذي ﯾﺑدأ ﺑﺎﻟﻐواﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ اﻹﺣﺳﺎس ﺑﺎﻟﺟﻣﺎل ،وﯾﻧﺗﮭﻲ ﺑﻧﮭش اﻹﯾﻘﺎع )أو اﻟزﻣن(
ﻟﻠﺟﺛﺔ ،وھو ﻣﺎﯾﻌﻧﻲ اﻹﺣﺳﺎس اﻟﺗراﺟﯾدي .وﻣﺎ ﺑﯾن ھذﯾن اﻹﺣﺳﺎﺳﯾن ﻓﻌل ﺻﻔﺗﮫ
اﻟﺑﺷﺎﻋﺔ واﻟﻘﺑﺢ وھو ﻓﻌل اﻟذﺑﺢ .ﺑﻣﻌﻧﻰ أن ﺛﻣﺔ اﺻطراﻋﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻣﺷﺎﻋر ،ﻛﻣﺎ أن ﺛﻣﺔ
ﺗﻧﺎﻣﯾﺎ ً ﻓﻲ اﻻﻧﻔﻌﺎل راح ﯾﻌﻠن ﻋن ﻧﻔﺳﮫ ،ﻣﻧذ أن اﻛﺗﻔﻰ اﻟوﺟﮫ اﻟﺣﺳن ﺑﺎﻟﻐواﯾﺔ،
ﻣﺗﺧﻠّﻔﺎ ً ﻋن دﻓﻊ ﻣﺎﺗﺗطﻠّﺑﮫ ﻣن ﺗﺗوﯾﺞ ﺑطرﺣﺔ اﻟﻌرس أو أو ﻓرﺣﺔ أﻋﺿﺎء اﻟﺑدن.
ﺣﯾث ﺑدا أن ھﻧﺎﻟك ﻧوﻋﺎ ً ﻣن اﻟﺧﯾﺑﺔ ﺑﺎﻟوﺟﮫ اﻟﺣﺳن .ﺛم ﺗﺣوﻟت اﻟﺧﯾﺑﺔ إﻟﻰ ﻓﺟﯾﻌﺔ،
وﺗﻌﻣﻘت اﻟﻔﺟﯾﻌﺔ ﻟﺗﻐدو ﻣﺄﺳﺎة ،ﺣﯾن ﺗﺧﻠّف اﻟوﺟﮫ اﻟﺣﺳن ﺣﺗﻰ ﻋن ﺗﻘدﯾم اﻟﻛﻔن،
ﻟﺗﺑﻘﻰ اﻟﺟﺛﺔ ﻣرﻣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌراء ،ﯾﻧﮭﺷﮭﺎ اﻟزﻣن ﺑﻔﻌل ﻻﯾﻛﺎد ﯾﻧﺗﮭﻲ )ﯾﻧﮭﺷﮭﺎ اﻹﯾﻘﺎع
ﯾﻧـ(!....
وﻧﻠﺣظ أن ھذه اﻟﺗﺣوﻻت ﻟم ﺗﺄت ﺑﻣﻌزل ﻋن اﻟﺻراع أو اﻟﺗﻧﺎﻗض ﺑل إﻧﮫ
اﻷﺳﺎس ﻓﯾﮭﺎ .ﻓﺎﻟﻐواﯾﺔ ﺗﺗﻧﺎﻗض واﻹﺣﺟﺎم ،وﺗﺗﻧﺎﻗض أﯾﺿﺎ ً وﻗواﻧﯾن اﻷھل .ﻛﻣﺎ أن
ذﻟك اﻟﺟﻣﺎل ﯾﺗﻧﺎﻗض وﻓﻌل اﻟذﺑﺢ ،واﻟﻛﻔن ﯾﺗﻧﺎﻗض واﻟوﺟﮫ اﻟﺣﺳن ،واﻟﺟﺛﺔ ھﻲ
اﻷﺧرى ﺗﺗﻧﺎﻗض وﻓﻌل اﻹﯾﻘﺎع أو اﻟزﻣن .وﯾﻣﻛن اﻟﻘول أﯾﺿﺎ ً إن اﻟﻧص ﺑﻣﺟﻣﻠﮫ
ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺎﻗض ﺑﯾن ﻗطﺑﯾن اﺛﻧﯾن .اﻷول ھو اﻟﺟﻣﺎل وﻣﺻﺎﺣﺑﺎﺗﮫ )اﻟﻐواﯾﺔ
واﻟﺣﺳن واﻟﻌرس واﻟﻔرﺣﺔ واﻟﺧﻣر (...واﻟﺛﺎﻧﻲ ھو اﻟﻘﺑﺢ وﻣﺻﺎﺣﺑﺎﺗﮫ )اﻹﺣﺟﺎم
واﻟذﺑﺢ أو اﻟﻧﮭش( وﻣن ﺧﻼل اﻟﺗﻧﺎﻗض واﻟﺻراع ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ﺗﺗوﻟد اﻟﻧﮭﺎﯾﺔ
ﻣدوﯾﺎً .وﻣﺎﯾزال دوﯾﮫ ﻣﺳﺗﻣرا ً .
اﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ....ـ ...ﯾﻧـ /ﺣﯾث ﯾﺳﻘط اﻟﺟﻣﺎل ﺳﻘوطﺎ ً ّ
إن ﻛل ذﻟك ﯾﺟﻌل ﻣن اﻟﻧص ﻛﻼً واﺣداً ،ﻻﯾﻣﻛن اﺟﺗزاؤه؛ وﯾﺟﻌل ﻣن
ﺻوره اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻣﺗواﺷﺟﺔ ،ﯾﺗﻧﺎﻣﻰ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻣن ﺑﻌض ،وﻻﻧﻌﺗﻘد أن ﺛﻣﺔ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻺﻓﺎﺿﺔ
ﻓﻲ ذﻟك وھﻛذا ﻧﻠﺣظ أن ھذا اﻟﻧص ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻧﺎء اﻟدراﻣﻲ ،ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن
ﻗﺻره اﻟﻧﺳﺑﻲ اﻟذي ﯾوﺣﻲ ﺑﺎﻟﻐﻧﺎﺋﯾﺔ .وﻣﺎﻻﺣظﻧﺎه ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص ،ﻧﻼﺣظﮫ أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ
ﻣﻘطﻊ ﺷﻌري ﻣن ﻗﺻﯾدة ﺑﻌﻧوان "ﺛﻼث ﺣﺎﻻت ﻹﻣرأة واﺣدة") (34ﻟﺳﻌدي
ﯾوﺳف ،واﻟﻣﻘطﻊ اﻟذي ﺳوف ﻧﺛﺑﺗﮫ ﯾﻣﺛل اﻟﺣﺎﻟﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ .ﺣﯾث ﯾظﮭر ﻓﯾﮫ اﻟﺗﻧﺎﻣﻲ
اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻲ واﻟﺗطور اﻟﺻوري واﻟﺗﻣﺎﺳك اﻟﺑﻧﯾوي:
ﻓﻲ اﻟﻣﺣطﺔ ،ﻛﺎن اﻟﻘطﺎر اﻷﺧﯾر إﻟﻰ ﺑرﺷﻠوﻧﮫ
ﯾطﻠﻖ اﻟﺻﻔرات اﻷﺧﯾره
ﻛﻧت ﺷﺎﺣﺑﺔ ﻓﻲ ﻏﺻون اﻟﺻﺑﺎح اﻟﺗﻲ
ﺗﺷرب اﻟﺑرد واﻟرﯾﺢ واﻟﺗﻣﺗﻣﺎت اﻷﺧﯾره
ﺗرﺣﻠﯾن إذن؟
ﺗﺑﺣﺛﯾن ﻋن اﻟﻌﻣل اﻟﻣﻧزﻟﻲ...
- 46 -
ﺑﻣﻣﻠﻛﺔ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﺷﻣﺎل
أﻧت ...ﺳﯾدة اﻟﻣطﻌم اﻟﻐﺟري...
أﻟم ﺗﺑﺻري ﻛﯾف طﺎف اﻟﻣﻐﻧّون ﺣوﻟك؟
ﻛﯾف رأوﻧﺎ ﻋروﺳﯾن،
ﺑﯾن زھور اﻟﻧﺣﺎس وأطﺑﺎﻗﮫ وﻏﺻون اﻟظﻼل
ﻟﯾﻠﺔ...
ﺛم ﺗﻣﺿﯾن...
ﺷﺎﺣﺑﺔ...
ﻓﻲ اﻟﻘطﺎر اﻷﺧﯾر إﻟﻰ ﺑرﺷﻠوﻧﮫ)(35
ﻟﻘد اﻧﻌﻛس ﻣﯾل اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ إﻟﻰ اﻟدراﻣﯾﺔ،إذاً ،ﻓﻲ اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ واﻟﺑﻧﺎء
اﻟدراﻣﻲ ،وھو ﻣﺎﯾؤﻛد ﻣﺣﺎوﻟﺗﮭﺎ اﻟﺟﺎدة اﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟﻔﻧﻲ ﻋﻣﺎ اﺳﺗﺟّد ﻣن ﺣﺎﺟﺎت
ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ،ﻟم ﯾﻌد ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن اﻧﻌﻛﺎﺳﮭﺎ ﺑﺎﻟﺷﻛل اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ اﻟﺻرف ،ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﯾﻌﺎدﻟﮭﺎ ﻓﻧﯾﺎً.
وﻣﻣﺎ ﯾﺟب ذﻛره ،أﺧﯾراً ،أن اﻟﻣﯾل إﻟﻰ اﻟدراﻣﯾﺔ ،ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻛﺎن ﻗد ﺑدأ،
ﺑﺷﻛل أوﻟﻲ ،ﻣﻊ اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ" ،وﻟﯾس ﻋﺟﯾﺑﺎ ً أن ﺗظﮭر ﻟدى ﺷﻌراﺋﻧﺎ
اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﯾن ﺑداﯾﺎت دراﻣﯾﺔ .ﻷن ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ وأﻓﻘﮭﺎ ﻗد اﺗﺳﻊ ﻋﻠﻰ
أﯾدﯾﮭم واﺻطﺑﻎ ﺑﻐﯾر ﻗﻠﯾل ﻣن اﻟﺟدﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟﺣﯾﺎة").(36
3ـ اﻟﻜﻠﯿﺔ:
إن اﻟﻛﻠﯾﺔ ھﻲ اﻟﺳﻣﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻣن ﺳﻣﺎت اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ،وﻟﮭﺎ ﻋﻼﻗﺔ
وﺛﯾﻘﺔ ﺑﻛ ّل ﻣن اﻟﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ واﻟدراﻣﯾﺔ .إذ إن اﻟوﻋﻲ اﻟذي ﯾرى اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ وﺣدﺗﮫ اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ
ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺎﻗض وﺗﺑﺎدل اﻟﺗﺄﺛﯾر ،ﻻﯾﻣﻛﻧﮫ أن ﯾﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء ﺑوﺻﻔﮭﺎ
وﺣدات ﺟزﺋﯾﺔ ذات ﻛﯾﻧوﻧﺔ ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ﻣﺗﻣﺎﯾزة ،أي ﻻﯾﻣﻛﻧﮫ إﻻ أن ﯾراھﺎ ﻓﻲ إطﺎرھﺎ
اﻟﻛﻠﻲ .وﻛذا ھﻲ اﻟﺣﺎل ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﺳﻣﺔ اﻟدراﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻔﺗرض رؤﯾﺔ اﻟظﺎھرة ﻓﻲ
ﺗﺣوﻟﮭﺎ ﻣن ﺣﺎﻟﺔ إﻟﻰ أﺧرى ،ﻣن ﺧﻼل اﻟﺻراع ،وﻣن ﺧﻼل ﻋﻼﻗﺎﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟظواھر
اﻷﺧرى ،وھو ﻣﺎﯾﻌﻧﻲ رؤﯾﺔ ﻛﻠﯾﺔ أﯾﺿﺎً .واﻟﺣﻖ أن ھذه اﻟﺳﻣﺎت اﻟﺛﻼث ﺗرﺗﺑط ﻓﯾﻣﺎ
ﺑﯾﻧﮭﺎ ﺑﻌﻼﻗﺔ ﺟدﻟﯾﺔ ،ﯾﺻﻌب اﻟﻧظر إﻟﻰ واﺣدة ﻣﻧﮭﺎ ﺑﻣﻌزل ﻋن اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ .ﻣﻣﺎ ﯾؤﻛد
اﻻﺗﺳﺎق واﻻﻧﺳﺟﺎم ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ،وﯾؤﻛد أﯾﺿﺎ ً أن ھذا اﻟوﻋﻲ ﻣﺗﻛﺎﻣل ﻓﻲ
طرﯾﻘﺔ ﺗﻌﺎﻣﻠﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣﻊ اﻟواﻗﻊ واﻟﻌﺎﻟم.
ﺗﻔﺗرض اﻟﻛﻠﯾﺔ ،إذاً ،اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟظﺎھرة ﻓﻲ ﺟواﻧﺑﮭﺎ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ واﻟﻣﺗﻌددة،
وﻓﻲ ارﺗﺑﺎطﮭﺎ ﺑﺎﻟظواھر اﻷﺧرى .ﻓﻼﺗؤﺧذ ﻣﻌزوﻟﺔ ،أو ﯾؤﺧذ ﺟﺎﻧب ﻣﻧﮭﺎ ﻓﺣﺳب،
وﻣن ھﻧﺎ ﻓﺈن اﻟﻛﻠﯾﺔ ﺗﻔﺗرض ﺗﻘوﯾﻣﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً ﻛﻠﯾﺎً .إذ إن اﻟرؤﯾﺔ اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻟﻠظﺎھرة ﺗﻧﻌﻛس
- 48 -
إﻟﻰ اﻟﺧﻠﻖ ﺑﻣﺎ ﯾﺗﻼءم وطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﺣرﯾض ،وﺑﻣﺎ ﯾﺗﻼءم أﯾﺿﺎ ً وطﺑﯾﻌﺔ اﻻھﺗﻣﺎﻣﺎت
اﻟذاﺗﯾﺔ .وﻣن ھﻧﺎ ،ﻓﺈن اﻟﻣوﺿوع ،ﻣن ﺣﯾث ھو ﻣوﺿوع ﻧﺎﺟز ،ﻗد ﻏﺎب ﻋن ﺷﻌر
اﻟﺣداﺛﺔ ،ﻟﯾﺣﺿر ﺑدﻻً ﻣﻧﮫ ﺗﺣرﯾﺿﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ .ﺑل ﯾﻣﻛن اﻟﻘول إن ﻣﺎﺣﺿر ھو
اﻟﺗﺣرﯾﺿﺎت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻟﻌدة ﻣوﺿوﻋﺎت ﻣﺗﺷﺎﺑﻛﺔ وﻣﺗﻧﺎﻏﻣﺔ ،ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ .وﻟﮭذا
ﻓﻘد ﺗراﺟﻊ ﺷﻌر اﻟﻣوﺿوع إﻟﻰ اﻟﺧﻠف ،وﺗﺻدّر ﺷﻌر اﻟﺗﺟرﺑﺔ POETRY OF
.EXPERIENCEإذ إن ﺷﻌر اﻟﻣوﺿوع ﯾﻔﺗرض ﺷﻌورا ً ﻣﺣددا ً واﺿﺣﺎ ً ﻣرﺗﺑطﺎ ً
ﺑﻣوﺿوﻋﮫ ،أﻣﺎ ﺷﻌر اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﻓﯾﻧطوي ﻋﻠﻰ ﻣﺷﺎﻋر وﺣﺎﻻت وﻣوﺿوﻋﺎت ﻣﺗﻌددة
وﻣﺗﻧوﻋﺔ .وھو ﻣﺎﯾﻧﺳﺟم وﻣﻔﮭوم اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺣﯾث ﺗﺗداﺧل اﻟﻣﺷﺎﻋر
واﻟﻣوﺿوﻋﺎت ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ ﺗداﺧﻼً ﺷدﯾداً ،ﺑﺳﺑب طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺻﮭر ﻓﯾﮭﺎ
اﻟﻣوﺿوﻋﺎت واﻟﻣﺷﺎﻋر ،ﻟﺗﻐدو ﻛﻼً ﻣوﺣداً).(38
إن اﻟﻧص اﻟﺷﻌري اﻟﺣداﺛﻲ ﻻﯾﻌﺎﻟﺞ ﻋﺎدة ،ﻣوﺿوﻋﺎ ً ﻣﺣدداً ،وإﻧﻣﺎ ﯾﻌﺎﻟﺞ
ﺗﺟرﺑﺔ روﺣﯾﺔ أو ﻧﻔﺳﯾﺔ أو اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ أو ﻛﻠﮭﺎ ﻣﻌﺎ ً ـ وھو اﻷﻋ ّم اﻷﻏﻠب ـ وﺑذﻟك ﻓﺈن
اﻟﻣﯾل إﻟﻰ اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻗد دﻓﻊ ﺑﺎﻟﻧص اﻟﺷﻌري إﻟﻰ أن ﯾﻛون ﻧص ﺗﺟرﺑﺔ ،ﻻﻧص
ﻣوﺿوع .ﻣﻣﺎ أدى ﺑﮫ إﻟﻰ ﺗﺟﺎوز ﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟذات واﻟﻣوﺿوع ،وﺗﺟﺎوز اﻟﺷﻌور
اﻟﻣﺣدّد ،وإﻟﻐﺎء اﻷﻏراض اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻣﻌﮭودة .وﻗد ﯾﺑدو أن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﻟم ﯾﻌد
ﯾﻧﺗﺞ ،ﺟراء ذﻟك اﻟﺗﺣول ،ﻣﻌرﻓﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣوﺿوع .ﻷﻧﮫ اﻛﺗﻔﻰ ﻣن اﻟﻣوﺿوع
ﺑﺗﺣرﯾﺿﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻓﺣﺳب .ﻏﯾر أن واﻗﻊ اﻟﺣﺎل ﯾؤﻛد ﻋﻛس ھذا .ﻓﺎﻟﻣﯾل إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر
ﻋن اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﻗد ﺟﻌل ﻣن اﻟﻣﻌرﻓﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ،ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ،ﺗﺗﺳﻊ ﻟﺗﺷﻣل ﻋدة
ﻣوﺿوﻋﺎت وﻣﺷﺎﻋر ﻓﻲ آن ﻣﻌﺎً .وﺑﮭذا ﻓﺈن اﻟﻣﻌرﻓﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﺗﺣﺻﻠﺔ ﻣن ﻗﺻﯾدة
اﻟﺗﺟرﺑﺔ ھﻲ ﻣﻌرﻓﺔ ﻛﻠﯾﺔ ﺗﺷﺗﻣل ﻋﻠﻰ ﻛ ّل ﻣﺎﯾﺗﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻣﺣرض اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ .ﺳواء أﻛﺎن
ذﻟك ﻣوﺿوﻋﺎ ً أم ﺷﻌورا ً أم وﻋﯾﺎً ،ﻣن دون أن ﯾﻌﻧﻲ ھذا اﻧﻔﺻﺎﻻً ﻓﯾﻣﺎﺑﯾﻧﮭﺎ ،أو
ﺑروزا ً ﻟﺟﺎﻧب دون آﺧر .ﻓﺎﻟﺗﺟرﺑﺔ ھﻲ اﻟﻛ ّل اﻟﻣﺗﻧﺎﻏم اﻟﻣﺗﻛﺎﻣل اﻟذي ﻻﯾﻣﻛن ﺗﺟزﯾﺋﮫ
إﻟﻰ وﺣدات ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ .وإذا ﻣﺎ أردﻧﺎ أن ﻧﺣﺎﻓظ ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺧدام ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻣوﺿوع ،ﻓﻲ
ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ،ﻓﺈﻧﮫ ﻻﻣﻧﺎص ﻣن ﻓﮭﻣﮫ ﻓﮭﻣﺎ ً ﻣﺧﺗﻠﻔﺎً ،ﺑﺣﯾث ﻻﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟواﻗﻊ
اﻟﻣوﺿوﻋﻲ ،وإﻧﻣﺎ ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺗﻲ أﺻﺑﺣت ھﻲ اﻟﻣوﺿوع اﻟﻔﻧﻲ ﻓﻲ
ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ .وﻏﻧﻲ ﻋن اﻟﺑﯾﺎن أن ھذا اﻟﺗﺣول ﻻﯾﻧﺳﺟم وﺳﻣﺔ اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻓﺣﺳب .ﺑل
ﯾﻧﺳﺟم أﯾﺿﺎ ً وﺳﻣﺔ اﻟﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ ﺑﻣﺎ ﺗﻌﻧﯾﮫ ﻣن ﺗﺑﺎدل اﻟﺗﺄﺛﯾر واﻧﺗﻔﺎء اﻻﺳﺗﻘﻼﻟﯾﺔ ،ﻋن
اﻟﻌﻧﺎﺻر واﻟﺟواﻧب.
وﻟﻛن ﯾﻧﺑﻐﻲ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻛﺎﻧت ﻗد ﺧطت اﻟﺧطوة
اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﺗﺟﺎوز اﻟﻣوﺿوع اﻟواﻗﻌﻲ ﻣن ﺣﯾث ﻛوﻧﮫ ﻗﺎﺑﻼً ﻟﻠﻣﺣﺎﻛﺎة؛ وﻣﺎﻟت ﺑﺎﺗﺟﺎه
اﻟﻣوﺿوع اﻟﻧﻔﺳﻲ اﻟذي ﯾﻘﺗرب ﻣن اﻟﺗﺟرﺑﺔ .ﻏﯾر أن اﻟﻔرق ﺑﯾن اﻟﺗﺟرﺑﺔ
واﻟﻣوﺿوع اﻟﻧﻔﺳﻲ ﯾﺑﻘﻰ ﻗﺎﺋﻣﺎً ،وﻓﺣواه أن ھذا اﻟﻣوﺿوع ﯾﻧﺣﺻر ﻓﻲ إطﺎر
اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻔرد ،ﻓﻲ ﺣﯾن أن اﻟﺗﺟرﺑﺔ أﻋ ّم وأﺷﻣل ،وھﻲ ﻗﺎﺑﻠﺔﻟﻣﺟﻣل
اﻟﻣوﺿوﻋﺎت ،ﻋﻠﻰ اﺧﺗﻼف ﻣﺻﺎدرھﺎ وطﺑﺎﺋﻌﮭﺎ ،وﻟﻣﺟﻣل اﻷﻧﻣﺎط اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ
ب ـ اﻟﺘﻘﻮﯾﻢ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ:
ﻣن اﻟﺑدھﻲ ،ﻓﻲ ﻋﻠم اﻟﺟﻣﺎل ،أن اﻟﻔن ﺑﻌﺎﻣﺔ ﺗﻘوﯾم ﺟﻣﺎﻟﻲ ﻟﻠظواھر واﻷﺷﯾﺎء،
ﻣن ﻣﻧظور اﻟﻣﺛل اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﻔﻧﺎن .ﻓﮭو ،ﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ،ﺗﻘوﯾم ذاﺗﻲ .ﻏﯾر أن ھذا
اﻟﺗﻘوﯾم اﻟذاﺗﻲ ﻻﯾﻧﺷﺄ ﺑﻣﻌزل ﻋﻣﺎ ھو ﻣوﺿوﻋﻲ ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟظواھر .ﺑل إﻧﮫ ﯾﻧﺷﺄ ﻣن
ﺧﻼل اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﮭﺎ ،وﻋﺑر طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﺄﺛﯾر اﻟذي ﺗﺧﻠّﻔﮫ ﻓﻲ اﻟذات اﻟﺗﻲ ﻻﺗﻘ ّوم ،وﻻﺗﺗﺄﺛر
ھﻲ اﻷﺧرى ﺑﻣﻌزل ﻋن ﻣﺛﻠﮭﺎ اﻷﻋﻠﻰ وذوﻗﮭﺎ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ .وﻷن اﻟﻣﺛل اﻷﻋﻠﻰ واﻟذوق
واﻟوﻋﻲ واﻟﺣﺎﺟﺔ وﻣﻛﺎﻧﺔ اﻟظواھر ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻹﻧﺳﺎن ،ﻛﻼً ﻣﻧﮭﺎ ﯾﺗﻐﯾر ،ﻓﺈن ﺗﻐﯾﱡر
اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﯾﻐدو أﻣراً ﻣﺣﺗوﻣﺎً .إذ إﻧﮭﺎ ﻧﺗﺎج ﺗﻠك اﻟﺟواﻧب ﻣﺟﺗﻣﻌﺔ .وﻣن ھﻧﺎ
ﻻﻏراﺑﺔ ﻓﻲ أن ﻧﺷﮭد اﺧﺗﻼﻓﺎ ً ﻓﻲ اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ،ﻣن ﺑﯾﺋﺔ إﻟﻰ أﺧرى .ﺑل ﻣن
ﻓرد إﻟﻰ آﺧر أﯾﺿﺎ ً ،ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺧص اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت اﻟﺟزﺋﯾﺔ.
ﻧﻘول ذﻟك ،ﺗﻣﮭﯾدا ً ﻟﻠﺣدﯾث ﻋن اﻟﺗﻘوﯾم اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ،ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ .ﺣﯾث إن
ھذا اﻟﺷﻌر ﻗد ﺗﻣ ّﺧض ﻋن ﺗﻘوﯾﻣﺎت ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،ﺑﺷﻛل واﺿﺢ ،ﻋن ﺗﻠك اﻟﺗﻲ
ﺗﻣﺧض ﻋﻧﮭﺎ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ واﻟﺗﻘﻠﯾدي اﻟﻣﻌﺎﺻر .ﺳواء أﻛﺎن ذﻟك
ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﻘوﯾم .أم ﺑﺗﻧوﻋﮫ وﺗﻌدّده ،أم ﺑﻌﻼﻗﺎﺗﮫ ﺑﻛ ّل ﻣن اﻟﻣوﺿوع واﻟذات.
ﻓﻣن اﻟﻣﻌﻠوم أن طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﻘوﯾم ،ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ،ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﺗﻛون طﺑﯾﻌﺔ
ﺣﺳﯾﺔ ،ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟظواھر اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ .وﻗد ظﮭر ذﻟك ﻓﻲ اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻓﻲ ذﻟك
اﻟﺷﻌر ،ﻛﻣﺎ ظﮭر ﻓﻲ دﻓﺎع اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم ﻋن ﺣﺳﯾﺔ اﻟﺻورة) .(39
وﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ ،ﻓﺈن ذﻟك اﻟﺷﻌر ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﯾطرح ﻗﯾﻣﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ واﺣدة
ﻟﻣوﺿوﻋﮫ اﻟﻔﻧﻲ ،وﻣﺎ ﻣﺻطﻠﺢ اﻷﻏراض اﻟﺷﻌرﯾﺔ إﻻ دﻟﯾﻼً ﻋﻠﻰ ھذا .ﻓﻛ ّل ﻏرض
ﯾﺧﺗص ﺑﻘﯾﻣﺔ ﻣﺣددة .ﻓﺎﻟﺟﻣﺎل ﻟﻠﻐزل ،واﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ ﻟﻠرﺛﺎء ،واﻟﺑطوﻟﯾﺔ ﻟﻠﻔﺧر ﱡ
واﻟﻣدﯾﺢ ،أﻣﺎ اﻟﮭﺟﺎء ﻓﻠﮫ اﻟﻘﺑﺢ واﻟﻛوﻣﯾدﯾﺔ .وﻗﻠﻣﺎ ﺗﺗداﺧل ھذه اﻟﻘﯾم ﻓﻲ ﻣوﺿوع
واﺣد .ﻏﯾر أﻧﮭﺎ ﻗد ﺗﺗﻌدّد ﻓﻲ اﻟﻧص اﻟواﺣد ،ﺑﺷﻛل ﺗراﻛﻣﻲ ،ﻣﻊ ﺗواﻟﻲ اﻷﻏراض
اﻟﺷﻌرﯾﺔ .وﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻟﺛﺔ ،ﻓﺈن اﻟﺗﻘوﯾم ،ﻓﻲ ذﻟك اﻟﺷﻌر ،ﯾﻧﮭض ﻣن اﺣﺗرام اﻟذات
ﻟﺻﻔﺎت اﻟﻣوﺿوع اﻟﻔﯾزﯾﺎﺋﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ .ﻣﻣﺎﯾدﻓﻌﮭﺎ إﻟﻰ ﻣﺣﺎﻛﺎﺗﮫ ﻓﻧﯾﺎً ،واﻹﺧﻼص
ﻟﮫ ﻓﻲ إﻋﺎدة إﻧﺗﺎﺟﮫ ﺟﻣﺎﻟﯾﺎً .وﻗد ظﮭر ذﻟك ﻓﻲ ﻛﺛرة اﻟﺻﻔﺎت اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ اﻟﺗﻲ ﯾراھﺎ
اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﻟﮭذا اﻟﻣوﺿوع أو ذاك ،ﻛﺎﻟﺻﺣراء واﻟﻧﺎﻗﺔ واﻷطﻼل
واﻟﻔرس واﻟﺧﻣرة واﻟﻣرأة واﻟﺣرب واﻟﻔﺎرس...إﻟﺦ .وﻗد ظﮭر أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ دﻓﺎع اﻟﻧﻘد
اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم ﻋن ﺻﻔﺎت اﻟﻣوﺿوع ،واﻟﮭﺟوم ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻌراء اﻟذﯾن ﯾﻘﺻّرون أو
ﯾﻐﯾّرون ﻓﻲ ذﻟك ،وﻟو ﺑدرﺟﺎت ﻣﺣدودة .وﻟﻌل ﻓﻲ ﺗﺗﺑّﻊ اﻵﻣدي ﻟﻸﺧطﺎء اﻟﺗﻲ ﯾرى
أن أﺑﺎ ﺗﻣﺎم ﻗد وﻗﻊ ﻓﯾﮭﺎ ً دﻟﯾﻼً واﺿﺣﺎ ً ﻋﻠﻰ ھذا) .(40وﻻﺷك ﻓﻲ أن ھذا اﻟﺗﺗﺑﻊ ﯾﺣﯾل
ﻋﻠﻰ ﻣوﻗف ﺟﻣﺎﻟﻲ ﯾرى ﺿرورة أن ﯾﻛون اﻟﺷﻌر ﻣﺣﺎﻛﺎة ﻟﻠﻣوﺿوع اﻟواﻗﻌﻲ ،ﻣن
- 50 -
ﻣﻧظور اﻟﻣﺛل اﻷﻋﻠﻰ اﻟﺳﺎﺋد .وﻣن اﻟطرﯾف ،ھﻧﺎ ،أن ﻣﺎﻛﺎن اﻵﻣدي ﻗد رآه ﺻﻔﺔ
ﺳﻠﺑﯾﺔ ،ﻓﻲ ﺷﻌر أﺑﻲ ﺗﻣﺎم ،ﺗراه اﻟﺣداﺛﺔ ،ﺷﻌراء وﻧﻘﺎداً ،ﺻﻔﺔ إﯾﺟﺎﺑﯾﺔ ،ﺟﻌﻠت ﻣن
أﺑﻲ ﺗﻣﺎم اﻟﺷﺎﻋر اﻷﺛﯾر ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﺣداﺛﺔ ،وھو ﻣﺎﯾﻌﻧﻲ ﺗﻧﺎﻏم ﺷﻌر أﺑﻲ ﺗﻣﺎم
واﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ.
ﻟﻘد طرﺣت اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﺗﺻورا ً ﺟدﯾدا ً ﻟﻠﺗﻘوﯾم اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ،ﻓﺄﺻﺑﺢ ذا
طﺑﯾﻌﺔ ﻣﻌﻧوﯾﺔ ﻣﺣﻣوﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻧﺎﺻر ﺣﺳﯾﺔ .وھو ﻣﺎاﻧﻌﻛس ﻓﻲ اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ذات
اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﺣﺳﯾﺔ واﻹﯾﺣﺎء اﻟﻣﻌﻧوي؛ واﻧﻌﻛس أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟرﻣزي ﻣﻊ
اﻷﺷﯾﺎء ،ﻓﺑدت ذات طﺑﯾﻌﺔ ﻣﻌﻧوﯾﺔ ،ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﻛوﻧﮭﺎ ﺣﺳﯾﺔ ﻓﻲ واﻗﻌﮭﺎ
اﻟﻣوﺿوﻋﻲ ،أو ﺑدت ﺣﺳﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﻣﻌﻧوﯾﺗﮭﺎ ﻓﻲ ذﻟك اﻟواﻗﻊ .وﻻﺷك ﻓﻲ
أن ھذا ﯾﻧﺳﺟم وﻣﻧطﻖ اﻟﺗﺣرﯾض اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟذي ﺗﺗﺑﻧﺎه اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ .ﺑﻣﻌﻧﻰ أن
أﺛر اﻟﻣوﺿوع اﻟواﻗﻌﻲ ھو اﻟذي ﯾﺗ ّم اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋﻧﮫ ،ﻻ اﻟﺻﻔﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﮭذا
اﻟﻣوﺿوع .وﻷن ذﻟك اﻷﺛر ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﺣﺳﯾﺎً ،ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﻣﻌﻧوﯾﺎً ،ﻓﻘد
ﺗ ّم اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟﻣوﺿوع ﻣن ﺧﻼل أﺛره .وھو ﻣﺎأدى إﻟﻰ ﺗﺣﺳﯾس اﻟﻣﻌﻧوي ،ﻛﻣﺎ
أدى إﻟﻰ ﺗﺣوﯾل اﻟﻣﻌﻧوي إﻟﻰ ﺣﺳﻲ ،ﻋﻠﻰ أن اﻷﻣر ﻣرﺗﺑط ،ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣطﺎف،
ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻷﺛر ﻻطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻣؤﺛّر.
وﻷن اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﺗﺳﻌﻰ إﻟﻰ طرح اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﻻطرح اﻟﻣوﺿوع ،وﻷن
اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﺗﺗداﺧل ﻓﯾﮭﺎ اﻟﻣوﺿوﻋﺎت واﻻﻧﻔﻌﺎﻻت واﻟﻣﺷﺎﻋر واﻟرؤى ،ﻓﻘد ظﮭرت
اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧص ﻣﺗداﺧﻠﺔ وﻣﺗﻌددة وﻣﺗﺻﺎرﻋﺔ .وﻗﻠّﻣﺎ ﻧﻠﺣظ ﻧﺻﺎ ً
ﺣداﺛﯾﺎ ً ﯾطرح ﻗﯾﻣﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ واﺣدة .ﺑل إن اﻟﺗداﺧل واﻟﺗﻌدد واﻟﺗﺻﺎرع ﻓﻲ اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت
ﻣن ﺻﻔﺎت اﻟﻧص اﻟﺷﻌري اﻟﺣداﺛﻲ ﻋﺎﻣﺔ .وﻗد ﻻﻧﺑﺎﻟﻎ ﻓﻲ اﻟﻘول ﺑﺄن اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ
ﻣر ﺑﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ً اﻟﺣدﯾث ﻋن ﺻورة اﻟواﺣدة ﻗد ﺗﻧطوي أﺣﯾﺎﻧﺎ ً ﻋﻠﯨﻌدة ﺗﻘوﯾﻣﺎت .وﻗد ﱠ
ﻣﺣﻣود دروﯾش )ﻣﺷت اﻟﺧﯾول ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺻﺎﻓﯾر اﻟﺻﻐﯾرة ﻓﺎﺑﺗﻛرﻧﺎ اﻟﯾﺎﺳﻣﯾن( .ورأﯾﻧﺎ
ﻛﯾف ﺗﻌددت اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت وﺗﺻﺎرﻋت .وﻻﺑﺄس ﻣن اﻹﺷﺎرة ،ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل ،إﻟﻰ أن
ذﻟك ﯾﺗﻼءم واﻟوظﯾﻔﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ـ اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ اﻟﻣزدوﺟﺔ ﻟﻠﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ،ﻓﻲ ﺷﻌر
اﻟﺣداﺛﺔ ،ﺣﯾث أﺻﺑﺣت اﻟﺻورة اﻧﻌﻛﺎﺳﺎ ً ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ ،وﻻﺑد ﻟﻠﻌﺎﻛس ﻣن أن ﯾﻣﺛ ّل
اﻟﻣﻌﻛوس ،ﺑدرﺟﺔ ﻣﺎ ﻣن اﻟدﻗﺔ واﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ.
وﻛﻲ ﯾﺗوﺿﺢ اﻟﻣﻧطﻖ اﻟﺗﻘوﯾﻣﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ،ﻧﺗوﻗف ﻋﻧد ﺛﻼﺛﺔ ﻣن اﻟﻣﻘﺎطﻊ
اﻟﺷﻌرﯾﺔ ذات اﻟﺣﺎﻻت واﻷﻧﻣﺎط اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ.
ﯾﻘول ﺻﻼح ﻋﺑد اﻟﺻﺑور ،ﻓﻲ ﻗﺻﯾدة ﺑﻌﻧوان "اﻟﺑﺣث ﻋن وردة اﻟﺻﻘﯾﻊ":
أﺑﺣث ﻋﻧك ﻓﻲ ﻣﻼءة اﻟﻣﺳﺎء
أراك ﻛﺎﻟﻧﺟوم ﻋﺎرﯾﮫ
ﻧﺎﺋﻣﺔ ﻣﺑﻌﺛره
ﻣﺷوﻗﺔ ﻟﻠوﺻل واﻟﻣﺳﺎﻣره
- 54 -
وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟﻣﻘطﻊ ﯾﻧطوي ﻋﻠﻰ ﺻور وﺗﻘوﯾﻣﺎت ﺟزﺋﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ
وﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ إﻻأن اﻟﺗﻘوﯾم اﻟﻌﺎم اﻟذي ﯾطرﺣﮫ ھو ﺗﻘوﯾم إﯾﺟﺎﺑﻲ .وﯾﺗﻠﺧص ﺑﻌﻼﻗﺔ
اﻟﺗﻧﺎﻏم واﻟﺗداﺧل واﻻﻧﺳﺟﺎم ﺑﯾن ﻛ ِّل ﻣن اﻟذات وﺑﯾروت اﻟﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ )ﻋﺎﺷﻘﺔ ﺗﻧﺎم
ﻋﻠﻰ دﻣﻲ( .وﻟﻌل ھذا ﻣن اﻟﺷروط اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ .إذ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻘدم
اﻟﻌﻣل ،ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣطﺎف ،طرﺣﺎ ً ﻣﻧﺳﺟﻣﺎ ً ﻣﺗﺳﻘﺎ ً ﯾﺧﻠو ﻣن اﻟﺗﻧﺎﻗض ﻓﻲ اﻟرؤﯾﺎ
واﻟﺗﻘوﯾم ،وإﻻ ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻔﺗﻘد إﻟﻰ اﻟﺷرﻋﯾﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ .ﺣﯾث ﯾﻐدو أﻣﺷﺎﺟﺎ ً ﻣﺗﻧﺎﻓرة ،ﻻﻛﻼً
ﻣوﺣداً.
ي اﻟﻔﻠﻛﻠوريوﯾطرح اﻟﻣﻘطﻊ اﻟﺛﺎﻟث ،ﻣﻘطﻊ اﻟﺑرﻏوﺛﻲ ،ﺗﺷﻛﯾﻼً ﺷﻌرﯾﺎ ً ﻟﻠز ّ
ﻟﻠﻣرأة اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾﺔ ،ﺑﻠوﻧﮫ اﻷﺳﺎﺳﻲ اﻟﻐﺎﺋب )اﻷﺳود( واﻟﻣﻌروف ﻟدى اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ
اﻟﻌرﺑﻲ ،وﺑﺄﻟواﻧﮫ اﻟﺗﺟﻣﯾﻠﯾﺔ ﻛﺎﻷﺧﺿر واﻷزرق واﻷﺣﻣر ،وﺑﺧﯾوطﮫ وﻣﻧﻣﻧﻣﺎﺗﮫ
اﻟزﺧرﻓﯾﺔ .وﻗد أراد اﻟﺷﺎﻋر ﻣن ذﻟك أن ﯾﻛون اﻟﺛوب اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﻲ ﺗﻣﺛﯾﻼً ﻟﻠﺗﺎرﯾﺦ
اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﻲ ذي اﻟﺧﻠﻔﯾﺔ اﻟﻣﺄﺳﺎوﯾﺔ .وﻛﺄن اﻟﻠون اﻷﺳود ھو ﺗﻠك اﻟﺧﻠﻔﯾﺔ ،أﻣﺎ اﻷﻟوان
اﻷﺧرى ﻓﮭﻲ ﻧوﻋﯾﺔ ردّات اﻟﻔﻌل اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﻲ ﻋﺑر اﻟﺗﺎرﯾﺦ .ﺑﻣﻌﻧﻰ آﺧر :إن ذﻟك
اﻟﺛوب ﯾﻣﺛل ﺗﺎرﯾﺦ ﻓﻠﺳطﯾن ﺑﺣدادھﺎ )اﻷﺳود( ،وأﺣزاﻧﮭﺎ اﻟدﻓﯾﻧﺔ )اﻷﺧﺿر
اﻟﻣﺑﺣوح( وأﻓراﺣﮭﺎ وأھﺎزﯾﺟﮭﺎ ) وأزرﻗﮫ دﻓوف ( ،وﻧﺿﺎﻟﮭﺎ وﻣﻘﺎوﻣﺗﮭﺎ )وأﺣﻣره
طﺑول ( ،وﺣﯾﺎة أﺑﻧﺎﺋﮭﺎ اﻟﻌﺎطﻔﯾﺔ )ھﻣس وإﺻﻐﺎء( ،وﻣﯾل اﻟﻘوى اﻟﺑﺎرزة إﻟﻰ اﻟﺧﻣول
)وﻏﺎﻣﻘﮭﺎ ﺑﮫ ﻧﻌس ( ،وﺣﯾوﯾﺔ اﻟﻘوى ﻏﯾر اﻟﺑﺎرزة )وﻓﺎﺗﺣﮭﺎ ﺑﮫ ﻧﻔس( ،وﻗﯾﻣﮭﺎ اﻟﺗﻲ
ﺗﺑﺗذل اﻟﺗﻔﺎﺧر ﺑﺎﻟﻌﯾب واﻟﻔﺟور )وﻓﺎﺟرھﺎ ﺧﺟول(.
وﻻﯾﺧﺗﻠف ھذا اﻟﻣﻘطﻊ ﻋن اﻟﻣﻘطﻊ اﻟﺛﺎﻧﻲ ،ﻣن ﺣﯾث اﻟدﻻﻟﺔ اﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ
ﺻﻠﺔ ﻣﻣﺎ ھو ﺣﺳﻲ .وﻟﻛﻧﮫ ﯾﺧﺗﻠف ﻋﻧﮫ ﻣن ﺣﯾث إن اﻟﺛوب ﻻﯾﻌﻧﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﺑﻘدر اﻟﻣﺗﺣ ّ
ﻣﺎﯾﻣﺛل ﺗﺎرﯾﺧﺎ ً ﻣﺣدداً ،ﻓﻲ ﺣﯾن أن ﺑﯾروت ھﻲ اﻟﻣﻌﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻘطﻊ اﻟﺳﺎﺑﻖ .ھذا ﻣن
اﻟﻣﺻورة ﺗوﺣﻲ ﺑﺈﯾﺣﺎءات ﻣﻌﻧوﯾﺔ ﺣﺻراً. ّ ﺟﮭﺔ ،وﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى ،ﻓﺈن ﺑﯾروت
أﻣﺎ اﻟﺛوب ﻓﯾﻣﻛن أن ﯾوﺣﻲ ﻣﻌﻧوﯾﺎً ،ﺑﺎﻹﺣﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺳواه ،وﯾﻣﻛن أن ﯾوﺣﻲ ﺣﺳﯾﺎ ً
أﯾﺿﺎً ،وذﻟك ﻓﯾﻣﺎ إذا ﻧظرﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﺛوب ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻻﯾﻌﻧﻲ ﺳواه ﺑل ﯾﻌﻧﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﺣﺻرا ً
وھذا ﻣﻣﻛن ﻓﻲ إﺣدى اﻟﻘراءات اﻟﺗﻲ ﺗرى أن اﻟﺷﺎﻋر ﻟم ﯾﮭدف إﻟﻰ ﻏﯾر اﻟﺗﺷﻛﯾل
اﻟﺷﻌري ﻟﻠﺛوب اﻟﻔﻠﻛﻠوري .أي أﻧﮫ ﻧﻘل اﻟﺛوب اﻟﻣﺣﺳوس ﺑﺻرﯾﺎ ً إﻟﻰ ﺛوب
ﻣﺣﺳوس ﺳﻣﻌﯾﺎً .وﯾﺧﺗﻠف ھذا اﻟﻣﻘطﻊ ،ﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻟﺛﺔ ،ﻋن ﺳﺎﺑﻘﮫ ،ﻓﻲ أﻧﮫ ﯾرﺻد
اﻻﻧﺳﺟﺎم اﻟﺣﺎﺻل ﻣن اﻻﺧﺗﻼف واﻟﺗﻧﺎﻗض )ﺑﯾن اﻷﺧﺿر واﻷزرق واﻷﺣﻣر،
وﺑﯾن اﻟﻐﺎﻣﻖ واﻟﻔﺎﺗﺢ( .ﻓﻲ ﺣﯾن أن ﺳﺎﺑﻘﮫ ﻟﯾس ﻣﻌﻧﯾﺎ ً ﺑرﺻد اﻻﻧﺳﺟﺎم .ﺑل ھو
ﯾرﺻد اﻻﺧﺗﻼف واﻟﺗﻧﺎﻗض ﻓﺣﺳب ،ﻓﻲ ﺑﯾروت؛ وﯾرﺻد ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى اﻻﻧﺳﺟﺎم
ﺑﯾن اﻟذات وﺑﯾروت اﻟﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ اﻟﺗﻲ ﻗد ﻻﺗوﺣﻲ ﺑﺎﻻﻧﺳﺟﺎم ،ﺑﺣﺳب اﻟﻣﻘطﻊ.
إن اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻷﺷﯾﺎء ،ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ،ﻻﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ
اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﺣرﯾﺿﺎت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻟﻸﺷﯾﺎء ،ﻓﻲ اﻟذات اﻟﻣﺑدﻋﺔ ﻓﺣﺳب .ﺑل
ﯾﺣﯾل أﯾﺿﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻧﺗﻔﺎء اﻟﻧﻣطﯾﺔ اﻟواﺣدة أو اﻟﻣوﺣّدة ﻓﻲ اﻟطرح اﻟﻔﻧﻲ .ﻓﻌﻠﻰ اﻟرﻏم
ﻣن أن ﻟﻠﺣداﺛﺔ وﻋﯾﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً ﻣوﺣداً ،إﻻ أﻧﮭﺎ ﻻﺗﻧطوي ﻋﻠﻰ ﻧﻣطﯾﺔ ﻓﻧﯾﺔ واﺣدة،
-وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ - - 55 -
وﻣﺎاﺷﺗﻣﺎل اﻟﺣداﺛﺔ ﻋﻠﻰ ﻋدة ﺗﯾﺎرات ﺷﻌرﯾﺔ إﻻ دﻟﯾل ﻋﻠﻰ ذﻟك .ﺻﺣﯾﺢ أن ھﻧﺎﻟك
ﻧواظم ﻣﺷﺗرﻛﺔ ،وﻟﻛن ھﻧﺎﻟك أﯾﺿﺎ ً ﻓوارق ﻣﻠﺣوظﺔ ﺑﯾن ﺗﻠك اﻟﺗﯾﺎرات وﻻ ﺷك ﻓﻲ
أن ﻛ ّل ذﻟك ﯾﻧﺳﺟم وﻣﻔﮭوم اﻟﺟﻣﺎل اﻟذي ﯾُﺷﺗرط ﻓﯾﮫ اﻟﺗﻣﯾّز واﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ،
ﺑﺣﺳب اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ.
* إﺷﺎرة أﺧﯿﺮة:
ﻲ،وھﻛذا ﻧﻠﺣظ أن اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ھو وﻋﻲ ﺗﺟﺎدﻟﻲ دراﻣﻲ ﻛﻠ ّ
ﯾﺧﺗﻠف اﺧﺗﻼﻓﺎ ً ﺟذرﯾﺎ ً ﻋن اﻟوﻋﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟذي ھو وﻋﻲ ﺗﻛﺎﻣﻠﻲ ﻏﻧﺎﺋﻲ
ﺟزﺋﻲ .وھو ﻣﺎأدى إﻟﻰ ﺗﻠك اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت اﻟواﺿﺣﺔ ،ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﺷﻛل اﻟﻔﻧﻲ ﺑﯾن
ﻛ ّل ﻣن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ واﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ .ﻏﯾر أﻧﮫ ﻻﺑد ﻣن اﻹﺷﺎرة ،ﻓﻲ ھذا
اﻟﻣﺟﺎل ،إﻟﻰ أﻣرﯾن ھﺎﻣﯾن .اﻷول ﻣﻧﮭﻣﺎ أن ھذا اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ طﺑﯾﻌﺔ اﻟوﻋﻲ ﻻﯾﻌﻧﻲ
ﺗﺣول أو ﺗﺑدّل ﻓﺣﺳب .إذ إن اﻟﺗطور ﯾﺷﯾر إﻟﻰ أن ﺛﻣﺔ أن ھﻧﺎﻟك ﺗطوراً .ﺑل ھﻧﺎﻟك ّ
أﻓﺿﻠﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻼﺣﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺳﺎﺑﻖ .وھو ﻣﺎﻟﯾس ﻟﮫ ﻣﺻداﻗﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ.
ﻓﻠﯾس ﺻﺣﯾﺣﺎ ً أن اﻟﻔن اﻟﺣدﯾث أﻓﺿل ﻣن اﻟﻔن اﻟﻘدﯾم؛ ﻛﻣﺎ ﻟﯾس ﺻﺣﯾﺣﺎ ً أن ﺷﻌر
اﻟﺣداﺛﺔ أﻓﺿل ﻣن اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ،وﻟﯾس اﻟﻌﻛس ﺻﺣﯾﺣﺎ ً ﺑﺎﻟﺿرورة.
ﻟﻘد ﻛﺎن اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﺗﻠﺑﯾﺔ ﻟﺣﺎﺟﺎت ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﺗﺄﺻﻠﺔ ،وﺗﻌﺑﯾرا ً ﻋن وﻋﻲ
ﺟﻣﺎﻟﻲ ﯾﺗﻼءم وﺗﻠك اﻟﺣﺎﺟﺎت ﻣن ﺟﮭﺔ ،وﯾﺗﻼءم ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى واﻟﻣرﺣﻠﺔ
اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ظﮭر ﻓﯾﮭﺎ .وﺗﻠك ھﻲ اﻟﺣﺎل ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ اﻟذي ﺟﺎء
أﯾﺿﺎ ً ﺗﻠﺑﯾﺔ ﻟﺣﺎﺟﺎت ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﺟدﯾدة ،ﻟم ﺗﻛن ﻣوﺟودة ﻣن ﻗﺑل ،أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗ ّل :ﻟم ﺗﻛن
ﻟﮭﺎ ﺗﻠك اﻷھﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺳﺗدﻋﻲ ﺷﻛﻼً ﻓﻧﯾﺎ ً ﺟدﯾدا ً وﻣﺧﺗﻠﻔﺎً .وﻟﻛن إذا ﻛﺎﻧت اﻟﻣﻔﺎﺿﻠﺔ
ﺑﯾن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ واﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﺧﺎطﺋﺔ وﻣﻐﻠوطﺔ ،إذ إن ﻟﻛ ّل ﻣﻧﮭﻣﺎ
ﺑﯾﺋﺗﮫ وﺣﺎﺟﺗﮫ ووﻋﯾﮫ؛ ﻓﺈن ﻟﻠﻣﻔﺎﺿﻠﺔ ﺑﯾن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ واﻟﺷﻌر اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﺷرﻋﯾﺗﮭﺎ
اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ .ﻓﮭﻣﺎ ﯾﻧﺗﻣﯾﺎن إﻟﻰ ﺑﯾﺋﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﺣدة ،وﯾﺗﻔﺎﺿﻼن ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر
اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻋﻧﮭﺎ.
أﻣﺎ اﻷﻣر اﻟﮭﺎم اﻵﺧر ،ﻓﮭو أن اﺗﺻﺎف اﻟﻧص اﻟﺷﻌري ﺑﺳﻣﺎت اﻟوﻋﻲ
اﻟﺣداﺛﻲ ﻻﯾؤدي ﺣﺗﻣﺎ ً إﻟﻰ اﺗﺻﺎﻓﮫ ﺑﺎﻟﻔﻧﯾﺔ ،إذ إن ھذه ﻣرھوﻧﺔ ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧص
اﻟﺷﻌري ﻻﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟوﻋﻲ اﻟذي ﯾﺻدر ﻋﻧﮫ .ﺑﻣﻌﻧﻰ آﺧر :إذا ﻟم ﯾﻛن اﻟﻧص راﻗﯾﺎ ً
ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻟﻔﻧﻲ ،ﻓﺈن ﺗﻠك اﻟﺳﻣﺎت ﻟن ﺗﻧﻘذه ﻣن اﻟرداءة أو اﻟﮭﺑوط.
إن ﺷﻌراء ھذه اﻟﻣرﺣﻠﺔ أو ﺗﻠك ﻗد ﻻﯾﺗﻔﺎوﺗون ،ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ،
ﻏﯾر أﻧﮭم ﯾﺗﻔﺎوﺗون ،ﺑﺎﻟﺿرورة ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد ﺗﻣﺛﯾﻠﮫ ﻓﻧﯾﺎً .وﻻﺷك ﻓﻲ أن اﻟﺷﺎﻋر
اﻷرﻗﻰ ﻓﻧﯾﺎ ً ھو ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ اﻷﻛﺛر ﺗﻣﺛﯾﻼً ﻟﻠوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ.
ﻟﻘد أدى اﺗﺻﺎف اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ﺑﺗﻠك اﻟﺳﻣﺎت ،إﻟﻰ ﺑروز ظﺎھرة اﻟﻐﻣوض
ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﻋﺎﻣﺔ ـ ﺑدرﺟﺎت ﻣﺗﻔﺎوﺗﺔ ﺑﯾن اﻟﻧﺻوص طﺑﻌﺎ ً ـ ﺣﺗﻰ ﺑدا أن
اﻟﻐﻣوض ﻻزﻣﺔ ﻣن ﻟوازم اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ .وﻗد طرح اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﻓﻲ
- 56 -
ﺗﺳوﯾﻎ ھذه اﻟظﺎھرة ،ﻋدة ﺗﻔﺳﯾرات .ﻣﻧﮭﺎ "أن طﺑﯾﻌﺔ اﻟرؤﯾﺎ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ھﻲ اﻟﻣﺻدر
اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﻟﻣﺎ ﯾﺷﻛوه اﻟﺑﻌض ﻣن ﻏﻣوض اﻟﺷﻌر اﻟﺣدﯾث ،ﻓﻠﯾس اﻟﺗﻼﻋب ﺑﺎﻷوزان أو
"اﻟﺳر" اﻟﻛﺎﻣن وراء ھذا اﻟﻐﻣوض ،وإﻧﻣﺎ ھﻲ اﻟرؤﯾﺎ اﻟﻣﺄﺳﺎوﯾﺔّ اﻟﻠﻐﺔ أو اﻟﺻور ھو
اﻟﻘﺎﺗﻣﺔ ﻓﻲ ﺟوھرھﺎ اﻟﻌﻣﯾﻖ") .(44وﻣﻧﮭﺎ ﻣﺎﯾﻌﯾد اﻟﻐﻣوض إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﺳﺑﺎب ،وھﻲ
اﻋﺗﻣﺎد اﻟﺷﺎﻋر ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺎﻓﺗﮫ ،وﻣوﻗف اﻟرؤﯾﺔ ،وﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻔﻛر واﻟﺗﻌﺑﯾر
اﻟﺷﻌرﯾﯾن) .(45وﻣﻧﮭﺎ ﻣﺎﯾرﺑطﮫ ﺑﺎﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﺷﻌري ﻋﺎﻣﺔ ،ﻻﺑﺎﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟﺷﻌري ،ﻣن
ﺟﮭﺔ وﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى ﯾرﺑطﮫ ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻣﺟﺎزﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر .وھو ﻣﺎﯾﻌﻧﻲ أن
اﻟﻐﻣوض ﻣن طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺷﻌر ﻋﺎﻣﺔ .وﻻﯾﺗﻣﯾز اﻟﺷﻌر اﻟﺣدﯾث ﻣن ﻏﯾره ﻓﻲ ذﻟك إﻻ
ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻗد أﻋطﻰ اﻟﻐﻣوض أھﻣﯾﺔ ﻟم ﺗﻛن ﻟﮫ ﻣن ﻗﺑل) (46وﻣن اﻟﺗﻔﺳﯾرات أﯾﺿﺎ ً
ﻣﺎﯾذھب إﻟﻰ رﺑط اﻟﻐﻣوض ﺑﻣﻔﮭوم اﻟﻧص اﻟﻐﺎﺋب إذ "ﯾﺟب ﻋﻠﻰ أي دارس ﯾﻌﺎﻟﺞ
اﻟﻐﻣوض ﻓﻲ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري أن ﯾﻧظر إﻟﻰ ﻗﺿﯾﺔ اﻟﻧص اﻟﻐﺎﺋب )اﻹﺣﺎﻟﺔ( ...ﺣﺗﻰ
ﯾﻣﻛﻧﮫ ﺿﺑط ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﻘراءة اﻟﺻﺣﯾﺣﺔ ﻟﻐواﻣض اﻟدﻻﻟﺔ") .(47ﻣﻣﺎ ﯾؤدي إﻟﻰ أن
اﻟﻐﻣوض ﯾرﺗﺑط ﺑﺎﻟﻧص ،ﺑﻘدر ﻣﺎﯾرﺗﺑط ﺑﺎﻟﻣﺗﻠﻘﻲ .وﻟﻌل ارﺗﺑﺎطﮫ ﺑﺎﻟﺛﺎﻧﻲ ھو اﻟذي
ﯾﺟﻌل ﻣﻧﮫ إﺷﻛﺎﻟﯾﺎً ،ﻓـ "ﻧظراً ﻟﻐﯾﺎب اﻻھﺗﻣﺎم اﻟﻧﻘدي ﺑﺎﻟﻧص اﻟﻐﺎﺋب ،وﻣﻌﺎﻟﺟﺔ
ﻣﺷﻛﻼﺗﮫ وﺿﺣﺎﻟﺔ اﻟﺧﻠﻔﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ ﻟﻠﺟﻣﮭور اﻟﻌرﺑﻲ ،ﯾﺻﺑﺢ اﻟﻐﻣوض اﻟدﻻﻟﻲ
إﺷﻛﺎﻻً ﺣﻘﯾﻘﺎً")(48
وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أھﻣﯾﺔ اﻟرؤﯾﺎ واﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﺷﻌري واﻟﻌﻣﻖ اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ﻓﻲ ﺑروز
ظﺎھرة اﻟﻐﻣوض ،ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ،إﻻ أن ﺛﻣﺔ ﺟﺎﻧﺑﺎ ً أﺳﺎﺳﯾﺎ ً ﻣﻔﻘوداً ،ﻓﻲ ﺗﻠك
اﻟﺗﻔﺳﯾرات ،وھو طﺑﯾﻌﺔ اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ،وﻻﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ ﺳﻣﺗﮫ اﻟﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ
وﺳﻣﺗﮫ اﻟﻛﻠﯾﺔ.
وﻟﻘد ﺗوﺿﺢ ﻣن ﻣﺳﺎر ھذا اﻟﻣﺑﺣث أن اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ أﻛﺛر ﺗﻌﻘﯾدا ً وﺗرﻛﯾﺑﺎ ً
واﺗﺳﺎﻋﺎ ً وﻋﻣﻘﺎ ً ﻣن اﻟوﻋﻲ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ .ﻓﻼ ﺷك ﻓﻲ أن اﻟوﻋﻲ اﻟذي ﯾﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ
اﻟظواھر ﻣن ﻣﻧظور اﻟﺟزﺋﯾﺔ واﻻﺳﺗﻘﻼﻟﯾﺔ واﻟﺛﺑﺎت ،ﺳوف ﯾﻛون أﻗل ﺗﻌﻘﯾدا ً
وﻋﻣﻘﺎً...ﻣن ذﻟك اﻟوﻋﻲ اﻟذي ﯾﺗﻌﺎﻣل ﻣﻌﮭﺎ ﻣن ﻣﻧظور اﻟﻛﻠﯾﺔ واﻟﺗﺟﺎدﻟﯾﺔ واﻟﺣﯾوﯾﺔ.
أي أن اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻣﻌﻘدة اﻟﻣرﻛﺑﺔ ﻟﻠوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ھﻲ اﻟﻣﺻدر اﻷول ﻟظﺎھرة
اﻟﻐﻣوض ﻓﻲ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري اﻟﺣداﺛﻲ اﻟذي ﻟم ﯾﻛن إﻻ ﺗﻌﺑﯾرا ً ﻓﻧﯾﺎ ً ﻋن ﺗﻠك اﻟطﺑﯾﻌﺔ.
ﻏﯾر أن ذﻟك ﻻﯾﻌﻧﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة أن ﻛل ﻏﻣوض ﻧﻠﺣظﮫ ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص أو ذاك،
ﻣﺻدره طﺑﯾﻌﺔ ذﻟك اﻟوﻋﻲ .ﻓﻘد ﻻﯾﺻدر اﻟﻧص ﻋن وﻋﻲ ﺟﻣﺎﻟﻲ أﺻﻼً ﺑل ﻋن
وﻋﻲ ﻓﻛري ـ ﻓﻠﺳﻔﻲ ﺑﺣت ،وھو ﻣﺎﯾؤدي إﻟﻰ اﻻﻧﺣراف ﻋن اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ
ﻋﺎﻣﺔ ،وﻣن ﺛ َ ﱠم ﻋن اﻟﻔن .وﻗد ﯾﺻدر أﯾﺿﺎ ً ﻋن ﻟﻌب ﻣﺟﺎﻧﻲ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ،ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ اﻧﻌدام
اﻹﺣﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻟوﻋﻲ ،ﻓﯾﻐدو ﻣﺻدر اﻟﻐﻣوض ھو اﻟﻠﻌب اﻟﻠﻐوي اﻟﻣﺟﺎﻧﻲ.
وﻛﺄﻧﻧﺎ ﻧﻘول ﺑذﻟك إن ﺛﻣﺔ ﻏﻣوﺿﺎ ً ﻻ ﺟﻣﺎﻟﯾﺎً ،ﻓﻲ ﺑﻌض ﻧﺻوص اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ.
وﻧﻣﺛّل ﻟذﻟك ﺑﻣﻘطﻌﯾن ﻟﻛل ﻣن أدوﻧﯾس ،وﻓﺎﯾز ﺧﺿور ،ﯾﻣﺛل اﻟﻣﻘطﻊ اﻷول اﻧﺣراﻓﺎ ً
إﻟﻰ اﻟوﻋﻲ اﻟﻔﻛري ـ اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ ،وﯾﻣﺛل اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻟﻠﻌب اﻟﻠﻐوي اﻟﻣﺟﺎﻧﻲ:
ﯾﻘول أدوﻧﯾس:
-وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ - - 57 -
ﺛدي اﻟﻧﻣﻠﺔ ﯾﻔرز ﺣﻠﯾﺑﮫ وﯾﻐﺳل اﻹﺳﻛﻧدر
اﻟﻔرس ﺟﮭﺎت أرﺑﻊ ورﻏﯾف واﺣد
واﻟطرﯾﻖ ﻛﺎﻟﺑﯾﺿﺔ ﻻﺑداﯾﺔ ﻟﮫ)(49
وﯾﻘول ﻓﺎﯾز ﺧﺿور:
اﻟﻌﻔن اﻷزرق ھدّب أﻧﻔﺎق اﻟﺳ ّﻣﺎر ،وﻣﺎزاﻟت
ﺗوﻏل ،ﺗوﻏل أﻗدام اﻟﺗﯾﺎر
اﻟﺷص اﻷﺳود ﻓﻲ ﻛﺑرﯾت اﻟﻔﺟر اﻟﻣطﻔﺄ ّ ﺗﻧﺗظر
وﺣواﻛﯾر اﻟﺻﻔﺻﺎف اﻷﺳﯾﺎن ﺗﺣ ّرش أﺳﺗﺎر
اﻟﺗﺎﺑوت اﻟﻌﺎﺋم)(50
ﻓﻘد ﯾﺑدو ﻏﻣوض اﻟﻣﻘطﻊ اﻷول ﻧﺎﺗﺟﺎ ً ﻣن اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻣﻌﻘدة اﻟﻣرﻛﺑﺔ ﻟﻠوﻋﻲ
اﻟﺣداﺛﻲ .ﻏﯾر أن اﻷﻣر ﻟﯾس ﻛذﻟك اﻟﺑﺗﺔ .إذ إﻧﮫ ﻧﺎﺗﺞ ﻣن اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟذھﻧﻲ ﻻ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ
ﻣﻊ اﻷﺷﯾﺎء ﻣن ﺟﮭﺔ وﻣﻊ اﻟﻠﻐﺔ ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى .ﻓﺎﻟﻧﻣﻠﺔ ﺑدأﺑﮭﺎ اﻟﻣﺗواﺻل ﺗﻌﻠّم
اﻹﺳﻛﻧدر اﻟﻣﻘدوﻧﻲ ﻛﯾﻔﯾﺔ اﻟﺧروج ﻣن اﻹﺣﺑﺎط اﻟذي ﺗﺧﻠّﻔﮫ ﻓﯾﮫ ﺻﻌوﺑﺔ اﻟطرﯾﻖ ـ
طرﯾﻖ اﻟﻔﺗوﺣﺎت .أو إﻧﮭﺎ ﺗﻔرز ﺣﻠﯾﺑﮭﺎ وﺗﻐﺳﻠﮫ ﻣن اﻟﯾﺄس اﻟذي ﯾوﺣﻲ إﻟﯾﮫ ﺑﺄن
اﻟطرﯾﻖ ﻻﯾﻛﺎد ﯾﻧﺗﮭﻲ .ﻓﮭو ﻛﺎﻟداﺋرة )ﻛﺎﻟﺑﯾﺿﺔ( اﻟﺗﻲ ﻻﺑداﯾﺔ وﻻﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ .وﻣﺎ ﯾﻌﻣﻖ
ھذا اﻟﯾﺄس أن اﻟﻌﺎﻟم واﺳﻊ ﺑﺟﮭﺎﺗﮫ اﻷرﺑﻊ )اﻟﻔرس ﺟﮭﺎت أرﺑﻊ( ﻓﻲ ﺣﯾن أن
اﻹﺳﻛﻧدر اﻟﻣﻘدوﻧﻲ ﻻﯾﻣﻠك ﺳوى ﻋﻣر واﺣد )رﻏﯾف واﺣد( .ﻓﻛﯾف ﻟﮫ ،إذاً ،أن
ﯾوزع ھذا اﻟرﻏﯾف ﻋﻠ ﻰ ﺗﻠك اﻟﺟﮭﺎت؟ .أو ﻛﯾف ﯾﺗﻣﻛن ﻣن ﺗروﯾض ﻓرﺳﮫ ـ اﻟﻌﺎﻟم ـ ّ
ﺑرﻏﯾف واﺣد ﻓﺣﺳب؟ .وﻟﻛن ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ذﻟك ﻓﺈن اﻟﺣﻛﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻔﯾدھﺎ
اﻹﺳﻛﻧدر ﻣن اﻟﻧﻣﻠﺔ ﺗؤﻛد ﻗدرة اﻹﻧﺳﺎن ﻋﻠﻰ ﺻﻧﻊ ﻣﺎﯾﺑدو ﻟﮫ ﻣﺳﺗﺣﯾﻼً.
وﻟﻘد أراد أدوﻧﯾس ،ﻣن ﻛل ذﻟك ،أن ﯾؤﻛد إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ اﻛﺗﺷﺎف ھذا
اﻟوﺟود ﻣﻌرﻓﯾﺎً ،ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣﻣﺎ ﯾﻛﺗﻧﻔﮫ ﻣن أﺳرار ﻻﺗﻛﺎد ﺗﻧﺗﮭﻲ .وﻏﻧﻲ ﻋن اﻟﺑﯾﺎن
أن ھذا اﻟطرح ھو طرح ﻓﻛري ـ ﻓﻠﺳﻔﻲ ﺑﺣت ،ﻻﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ ﺑﺎﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﺳواء
أﻛﺎن ﺣداﺛﯾﺎ ً أم ﻛﺎن ﻏﯾر ذﻟك .أﻣﺎ ﻣﺎﯾﺑدو ﻣن ﺗﺻوﯾر ﻏراﺋﺑﻲ ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﻘطﻊ ،ﻓﻠﯾس
ﻟﮫ ﻗﯾﻣﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺑﺗﺔ .إذ ﻟم ﯾﻧﺗﺞ أﺳﺎﺳﺎ ً ﻣن ﺗﻌﺎﻣل ﺟﻣﺎﻟﻲ .ﺑل ﻣن ﺗﻌﺎﻣل ذھﻧﻲ ﻣﻊ
اﻷﺷﯾﺎء وﻋﻼﻗﺎﺗﮭﺎ .ھذا ﻣن ﺟﮭﺔ .وﻣن ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ ،ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻻﻧرى ﻓﻲ ھذا اﻟﺗﺻوﯾر
ﺗﻘرر أن )ﺛدي ﻏراﺋﺑﯾﺔ ﺑﻛل ﻣﺎﺗﻌﻧﯾﮫ اﻟﻛﻠﻣﺔ ﻣن ﻣﻌﻧﻰ .ﻓﺎﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺗﻲ ّ
◌ INTERTEXTUALITY ﺗﻧﺎص ٍ
ٍ اﻟﻧﻣﻠﺔ ﯾﻔرز ﺣﻠﯾﺑﮫ وﯾﻐﺳل اﻹﺳﻛﻧدر( ﺗدﺧل ﻓﻲ
ﻣﻊ أﺣد ا ﻷﻣﺛﺎل اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺻف ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺑﺧﯾل ﺑﻣﺎ ﺣوﻟﮫ ،أﻣﺎ اﻟﻣﺛل ﻓﮭو":ﺣﻼب
اﻟﻧﻣﻠﺔ" .وﻗد أﻓﺎد ﻣﻧﮫ أدوﻧﯾس ـ رﺑﻣﺎ ﺑﺷﻛل ﻏﯾر واع ـ ﻟﺗﺑﯾﺎن أن ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌرﻓﺔ أن
ﺗﺳﺗﻧﻔد اﻷﺷﯾﺎء ﻓﻲ أدق ﺟواﻧﺑﮭﺎ ،ﻛﻣﺎ ﻻﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻧﻧﺳﻰ ﻋﻼﻗﺔ اﻹﺳﻛﻧدر ﺑﺎﻟﻧﻣﻠﺔ ،ﻓﻲ
إﺣدى اﻟﺣﻛﺎﯾﺎت اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﮫ.
- 58 -
أﻣ ﺎ اﻟﺻورة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ،ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﻘطﻊ ،وھﻲ )اﻟﻔرس ﺟﮭﺎت أرﺑﻊ ورﻏﯾف
واﺣد( ،ﻓﮭﻲ ﻻأﻛﺛر ﻣن ﺗﺣوﯾل ﺑﺳﯾط ﻓﻲ اﻟﺷﻲء اﻟواﻗﻌﻲ ،ﻧﺗﺞ ﻣن اﻟﺗداﺧل ﺑﯾن
اﻟﻔرس واﻟﻌﺎﻟم .ﻓﺑدﻻً ﻣن اﻟﻘول :إن اﻟﻔرس ﺑﻘواﺋم أرﺑﻊ ورأس واﺣد ،ﻓﻘد ﻗﯾل:
اﻟﻔرس ﺟﮭﺎت أرﺑﻊ ورﻏﯾف واﺣد .وﻻﺷك ﻓﻲ أﻧﮫ ﻟو ﻗﯾﻠت اﻟﺟﻣﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ،ﻟﻣﺎ
ﻛﺎﻧت إﻻ ﺳطﺣﯾﺔ ﻻﻣﻌﻧﻰ ﻟﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر ،وﻟﻛﻧﻧﺎ أردﻧﺎ ﻣن ذﻟك أن ھذا اﻟﻣﻘطﻊ
ﻻﯾﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟﻐراﺋﺑﻲ ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟدﻗﯾﻖ ﻟﻠﻛﻠﻣﺔ .ﺑل ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺎﻣل ذھﻧﻲ ـ ﻓﻠﺳﻔﻲ
ﻻﺟﻣﺎﻟﻲ .وﻟﮭذا ﻟم ﻧﻠﺣظ ﻓﯾﮫ ﺗﻠك اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻌﻘدة واﻟﻣرﻛﺑﺔ ،وإن ﺑدا أﻧﮫ
ﻏﺎﻣض ﻣﻌﻘد ،ﻣن ﺣﯾث اﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟﻠﻐوي.
أﻣﺎ ﻣﻘطﻊ ﻓﺎﯾز ﺧﺿور ﻓﯾﻘوم ﻋﻠﻰ ﺗﺧﯾﯾل ﺳﺎﺋب ﻻﯾﻧظﻣﮫ إﻻ اﻟﻧﺎظم
اﻟﻣوﺳﯾﻘﻲ اﻟﻠﻐوي .ﺣﯾث ﺗدﺧل اﻟﻣﻔردات ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ اﻋﺗﺑﺎطﯾﺔ ،ﻻﺗﺻدر ﻋن ﺗﺟرﺑﺔ
أو ھ ٍّم ﺷﻌري ﻛﻣﺎ ﻻﺗطرح أﯾﺔ ﻓﻛرة أو ﺷﻌور أو رؤﯾﺎ ﻣﺗﺳﻘﺔ .إذ إن اﻟﻣﺟﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ
اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﻠﻐوي واﻟﺻوري ھﻲ اﻷﺳﺎس ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﻘطﻊ ،وھو ﻣﺎﺟﻌل ﻣﻧﮫ ﻣﺟرد
ﻟﻌب ﻓﺎﻧﺗﺎزي ﻻﯾﻧﺑض ﺑﺄي دﻓﻖ ﺟﻣﺎﻟﻲ.
إن اﻟﻐﻣوض اﻟذي ﯾﺗﺻف ﺑﺷرﻋﯾﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ھو ذﻟك اﻟﺻﺎدر ﻣن اﻟطﺑﯾﻌﺔ
اﻟﻣﻌﻘدة واﻟﻣرﻛﺑﺔ ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ،وﻟﯾس ﻣن اﻟطرح اﻟذھﻧﻲ أو اﻟﺗﺧﯾﯾل اﻟﺳﺎﺋب.
وﻗد ﻻﻧﺑﺎﻟﻎ إذا ﻣﺎذھﺑﻧﺎ إﻟﻰ أن ﻧﺻﯾب اﻟﻐﻣوض اﻟﻼﺟﻣﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﻻﯾﻘ ّل
ﻋن ﻧﺻﯾب اﻟﻐﻣوض اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻓﯾﮫ .وﻻﻏراﺑﺔ ﻓﻲ ذﻟك ،إذ إن اﻟﺣداﺛﺔ ،ﺷﺄﻧﮭﺎ ﺷﺄن
أﯾﺔ ﺣرﻛﺔ ﺷﻌرﯾﺔ أﺧرى ،ﺗﻧطوي ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺎوت ـ ﻗد ﯾﻛون ﺣﺎدا ً ـ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد
اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻔﻧﻲ ،ﻟﻠﺷﻌراء ﻣن ﺟﮭﺔ ،وﻟﻠﻧﺻوص ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى.
إن ﻟﻠﺣداﺛﺔ ﻧﺳﻘﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً ﻣﺣدداً ﯾﻘﺗﺿﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة ﻧﺳﻘﺎ ً ﻣﺣددا ً ﻓﻲ اﻟﺗﻠﻘﻲ
اﻟﻔﻧﻲ .وأي ﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ،ﻣن ﻣﻧظور اﻟﺗﻠﻘﻲ اﻟﺗﻘﻠﯾدي ،ﻟن ﯾؤدي ،ﺑﺄﯾﺔ
ﺣﺎل ،إﻻ إﻟﻰ اﺳﺗﻐﻼق اﻟﻧص واﺗﮭﺎم اﻟﺣداﺛﺔ ،ﻣن ﺛم ،ﺑﺷﺗﻰ اﻹﺗﮭﺎﻣﺎت .ﻟﻌ ّل أﻗﻠّﮭﺎ
ﻧﻔﻲ ﻣﻔﮭوم اﻟﺷﻌرﯾﺔ POETICSﻋﻧﮭﺎ.
إن ﺣداﺛﺔ اﻟﻧص ﺗﺗطﻠب ﺣداﺛﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﻠﻘﻲ ،ﺗﻣﺎﻣﺎ ً ﻣﺛﻠﻣﺎ أن ﺣداﺛﺔ اﻟوﻋﻲ
ﺗﺗطﻠب ﺣداﺛﺔ اﻟﻧص .وﻣن ھﻧﺎ ،ﻓﺈن ﻟدور اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ أھﻣﯾﺔ ﻛﺑرى ﻓﻲ ﺗﺣدﯾد درﺟﺔ
ﻧص ﻣﺎﻏﺎﻣﺿﺎً .ﺑل ﻣﺑﮭﻣﺎ ً، ﱞ اﻟﻐﻣوض ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص اﻟﺣداﺛﻲ أو ذاك .ﻓﻘد ﯾﺑدو
ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﻣﺗﻠﻖ ذي وﻋﻲ ﺗﻘﻠﯾدي ،وﻗد ﯾﺑدو ﻏﻣوﺿﮫ ﺷﻔﺎﻓﺎ ً ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﻣﺗﻠﻖ ذي
وﻋﻲ ﺣداﺛﻲ .ﻏﯾر أن ھذا اﻟﺗﻔﺎوت ﻓﻲ درﺟﺎت اﻟﻐﻣوض ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ أﻧواع اﻟﺗﻠﻘﻲ،
ﻻﯾﻌﻧﻲ ﻋدم أھﻣﯾﺔ اﻟﻧص ﻓﻲ ﺗﺣدﯾد اﻟﻐﻣوض .ﻓﺈذا ﻟم ﯾﻛن اﻟﻐﻣوض ﻣوﺟودا ً ﻓﻲ
اﻟﻧص وﺟودا ً ﻣوﺿوﻋﯾﺎً ،ﻓﻼﻣﻌﻧﻰ ﻟﻼﺧﺗﻼف ﺣول درﺟﺔ ﺣﺿوره .إن اﻧﻌﻛﺎس
اﻟﻐﻣوض ﻓﻲ ذوات اﻟﻣﺗﻠﻘﯾن ھو اﻟذي ﺗﺧﺗﻠف درﺟﺎﺗﮫ ﺑﺣﺳب وﻋﻲ اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ
وطﺑﯾﻌﺗﮫ .وﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ،ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧرى أن اﻟﻐﻣوض ﺻﻔﺔ ﻣوﺿوﻋﯾﺔ ﻣن ﺻﻔﺎت
اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ،ﺑﺳﺑب ﺗﻌﺑﯾرھﺎ ﻋن وﻋﻲ ﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣﻌﻘد ﻣرﻛب ،وﻟﻛن درﺟﺎت
اﻟﻐﻣوض ﺗرﺗﺑط ﺑذاﺗﯾﺔ اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ .ﻓﺎﻟﻐﻣوض ﻓﻲ اﻟﻧص اﻟﺣداﺛﻲ ،إذاً ،ﻣوﺿوﻋﻲ ،أﻣﺎ
درﺟﺎﺗﮫ ﻓذاﺗﯾﺔ.
-وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ - - 59 -
وﺗﻧﺑﻐﻲ اﻹﺷﺎرة ،ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل ،إﻟﻰ أن رﺑط اﻟﻐﻣوض ﺑﻣﻔﮭوم اﻟﻧص
اﻟﻐﺎﺋب ﺧﺎﺻﺔ ،ﻓﯾﮫ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن ﻣﺟﺎﻧﯾﺔ اﻟﺻواب .إذ إن ﻋدم ﻣﻌرﻓﺔ اﻟﻧص اﻟﻐﺎﺋب
ﻻﯾؤدي إﻟﻰ ﻏﻣوض اﻟﻧص ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ .ﺑل ﯾؤدي إﻟﻰ ﻋدم اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﮫ
اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﺎ ً ﻧﻘدﯾﺎ ً ﻣﺗﻛﺎﻣﻼً .وﻛﻣﺎ ﻧﻌﻠم ﻓﺈن اﻟﺗﻠﻘﻲ اﻟﻔﻧﻲ ﯾﺧﺗﻠف ﻋن اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﻧﻘدي ،ﻓﻘد
ﻧﺗﻠﻘﻰ ﻧﺻﺎ ً ﺷﻌرﯾﺎ ً ﺑﺷﻛل ﻓﻧﻲ راق ،ﻣن دون أن ﻧﻌرف أن ھذا اﻟﻧص ﯾدﺧل ﻓﻲ
ﻋﻼﻗﺔ ﺗﻧﺎﺻﯾّﺔ ﻣﻊ ﻧص ﻏﺎﺋب آﺧر .وﻣن اﻟﺑدھﻲ أن ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎﻗد أن ﯾﻛﺗﺷف اﻟﻌﻼﻗﺔ،
ﻓﯾﻣﺎ إذا وﺟدت ،ﺑﯾن ﻧﺻﮫ اﻟﻣﻧﻘود واﻟﻧﺻوص اﻟﻐﺎﺋﺑﺔ ،وﻟﻛن اﻟﻧﺎﻗد ﻻﯾﻛون ﺑذﻟك
ﻣﺗﻠﻘﯾﺎ ً ﻓﺣﺳب ،ﺑل ﯾﻛون دارﺳﺎ ً وﺑﺎﺣﺛﺎً .وﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻓﺈن رﺑط اﻻﺳﺗﯾﻌﺎب اﻟﻧﻘدي
اﻟﻣﺗﻛﺎﻣل ﺑﻣﻌرﻓﺔ اﻟﻧص اﻟﻐﺎﺋب أﻣر ﻣﺷروع ﺟداً .وﻟﻛن رﺑط اﻟﻐﻣوض ﺑﮫ ،ﻓﯾﮫ
اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺧطﺄ اﻟﻌﻠﻣﻲ .وﻣﺎذﻟك إﻻ ﻷن اﻟﻧص اﻟﺷﻌري ﻋﺎﻣﺔ ،ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﺷ ِ ّﻛل
ﻛﯾﺎﻧﺎ ً ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﺑذاﺗﮫ ،ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن إﺣﺎﻻﺗﮫ اﻟﻧﺻﯾﺔ.
إن اﻟﻔن ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣطﺎف ،ﺗﻌﺑﯾر ﻋن وﻋﻲ ﺟﻣﺎﻟﻲ ذي طﺑﯾﻌﺔ ﻣﺣددة .وإذا
ﻟم ﻧﻔﮭ م ھذه اﻟﺑدھﯾﺔ ،ﻓﺈن ﺗﺣوﯾل اﻟﻔن إﻟﻰ ﺷﻛل ﺳﯾﺎﺳﻲ أو ﻓﻠﺳﻔﻲ أو أﺧﻼﻗﻲ أو
دﯾﻧﻲ ،ﯾﻐدو أﻣرا ً ﻣﺣﺗوﻣﺎً؛ ﻛﻣﺎ ﯾﻐدو ﻣن اﻟﻣﺣﺗوم أن ﻧﺑﺣث ﻋن أﺳﺑﺎب ﻏﯾر ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ
ﻓﻲ دراﺳﺔ ﻧﺷﺄة ھذه اﻟظﺎھرة اﻟﻔﻧﯾﺔ أو ﺗﻠك ،وھو ﻣﺎﺣﺻل ﻣﻊ ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد ﻓﻲ
دراﺳﺔ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ.
ﺻل إﻟﯾﮫ ھذا اﻟﻣﺑﺣث ﻣن ﺳﻣﺎت اﻟوﻋﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ،ﻟﯾس ﺑﺎﻟﺿرورة إن ﻣﺎﺗو ّ
ﻧﮭﺎﺋﯾﺎً .ﻓﻘد ﺗﺗﻣﺧض اﻷﺑﺣﺎث اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻋن ﺳﻣﺎت أﺧرى ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،أو ﺗﻘﺗرح ﺗﻌدﯾﻼ ﻣﺎ،
ً
ﺻل إﻟﯾﮫ ..ﻓﮭو ﯾﺑﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ ،ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ،ﻧرﺟو أن ﺗﻛون دﻗﯾﻘﺔ ﻣﻊ ﻟﻣﺎ ﺗو ّ
اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن دراﺳﺗﻧﺎ ﻟﮭذه اﻟﺳﻣﺔ أو ﺗﻠك ،ﻣن ﺧﻼل ﺑﻌض اﻟﺟواﻧب اﻟﻔﻧﯾﺔ،
ﻻﯾﻌﻧﻲ أن ھذه ﻻﺗﺷﻣل اﻟﺟواﻧب اﻷﺧرى .ﺑل إن ﻟﺗﻠك اﻟﺳﻣﺎت ﺟﻣﯾﻌﺎًﻣﻧﻌﻛﺳﺎت ﻓﻲ
ﻣﺟﻣل اﻟﺟواﻧب اﻟﻔﻧﯾﺔ ،وﻣﺎﻗﻣﻧﺎ ﺑﮫ ھو ﻧوع ﻣن اﻟﺗﻣﺛﯾل ﻻ اﻟﺣﺻر .وﻣن ﺟﮭﺔ
أﺧرى ،ﻟم ﯾﻛن ﻟﮭذا اﻟﻣﺑﺣث إﻻ أن ﯾﺳﺗﻔﯾد ﻣن اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻧﺷطﺔ اﻟﺗﻲ ﺻﺎﺣﺑت
اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ .وﻟﻛن ﻣن ﻣﻧظور ﻋﻠم اﻟﺟﻣﺎل اﻟذي ﻻﯾﻧﻘطﻊ اﻟﺑﺗﺔ ﻋﻣﺎ ﯾﻧﺟزه اﻟﻧﻘد
اﻷدﺑﻲ.
- 60 -
-وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ - - 61 -
اﻟﮭﻮاﻣﺶ:
1ـ اﻟﻤﺮﻋﻲ ،د .ﻓﺆاد :اﻟﺠﻤﺎل واﻟﺠﻼل ،دار طﻼس ،دﻣﺸﻖ ،ط ،1991 ،1ص.89:
2- SELDEN RAMAN , AREADERS GUIDE TO CONTEMPORARY
LITERAY THEORY, LONDON: 1988. P. 38.
3ـ راﺟﻊ :ﻛ ﻠﯿﺐ ،د .ﺳﻌﺪ اﻟﺪﯾﻦ :ﻣﻔﮭﻮم اﻟﻜﻤﺎل ﻓﻲ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ .ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ"
اﻟﺴﻮرﯾﺔ .اﻟﻌﺪد ،371 :دﻣﺸﻖ ،1994 ،ص.10:
4ـ ھﺬه إﺣﺪى اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺻﻠﻨﺎ إﻟﯿﮭﺎ ،ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻨﺎ اﻟﻤﺨﻄﻮط :اﻟﺒﻨﯿﺔ اﻟﺠﻤﺎﻟﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ
اﻹﺳﻼﻣﻲ .ﻓﺼﻞ :اﻟﻘﯿﻢ اﻟﺠﻤﺎﻟﯿﺔ ،ﻓﻘﺮة :اﻟﺠﻤﺎل.
5ـ أدوﻧﯿﺲ :اﻵﺛﺎر اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ :م 2:دار اﻟﻌﻮدة ،ط ،2،1971ص.174:
6ـ راﺟﻊ :ﺷﻜﺮي ،د .ﻏﺎﻟﻲ :ﺷﻌﺮﻧﺎ اﻟﺤﺪﯾﺚ إﻟﻰ أﯾﻦ؟ .دار اﻵﻓﺎق اﻟﺠﺪﯾﺪة ،ﺑﯿﺮوت ،ط،2
, 1978ص 23 :ـ .30
7ـ راﺟﻊ :إﺑﺮاھﯿﻢ ،د.زﻛﺮﯾﺎ :اﻟﻔﻨﺎن واﻹﻧﺴﺎن ،ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻏﺮﯾﺐ ،اﻟﻘﺎھﺮة ،د/ﺗﺎ ،ص152 :ـ .156
8ـ راﺟﻊ :اﻟﻤﻌﺪاوي ،أﺣﻤﺪ :اﻟﺒﻨﯿﺔ اﻹﯾﻘﺎﻋﯿﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة ﻟﻠﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ .ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﻮﺣﺪة" اﻟﻌﺪد:
.83/82اﻟﺮﺑﺎط ،1991 ،ﺣﯿﺚ ﯾﻌﺮض اﻟﺪارس ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻤﺤﺎوﻻت ﻣﺒﯿﻨﺎ ً ﻣﺎﻓﯿﮭﺎ ﻣﻦ ﻗﺼﻮر أو
ﻣﻐﺎﻟﻄﺔ.
9ـ ﺧﻀﺮ ،ﻣﺼﻄﻔﻰ :اﻟﻤﺮﺛﯿﺔ اﻟﺪاﺋﻤﺔ .وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،دﻣﺸﻖ،1984،ص 21:
10ـ ﺷﻤﺲ اﻟﺪﯾﻦ ،ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ :ﻻﺗﻨﻢ ھﺬه اﻟﻠﯿﻠﺔ .ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻜﺮﻣﻞ ،اﻟﻌﺪد ،6 :ﻧﯿﻘﻮﺳﯿﺎ ،ﻗﺒﺮص،
،1982ص.167 :
11ـ اﻟﺤﯿﺪري ،ﺑﻠﻨﺪ :دﯾﻮاﻧﮫ ،دار اﻟﻌﻮدة ،ﺑﯿﺮوت ،ط ،1980 ،2ص.265 :
12ـ اﻟﻤﻌﺪاوي :اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.72:
13ـ اﺑﻦ ﺧﻠﻜﺎن :وﻓﯿﺎت اﻷﻋﯿﺎن .ﺟـ .2 :د/ﺗﺎ ،ص .98 :ﻓﻲ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣﻈﻔﺮ ﺑﻦ إﺑﺮاھﯿﻢ اﻟﻌﯿﻼﻧﻲ.
14ـ اﻟﻤﻌﺪاوي :اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.72:
15ـ اﻟﺠﺎﺣﻆ :اﻟﺒﯿﺎن واﻟﺘﺒﯿﯿﻦ ،ﺟـ. 1:ﺗﺢ :ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم ھﺎرون :ﻟﺠﻨﺔ اﻟﺘﺄﻟﯿﻒ واﻟﺘﺮﺟﻤﺔ
واﻟﻨﺸﺮ،اﻟﻘﺎھﺮة ،1948 ،ص288 :ـ289
16ـ اﻟﻤﻌﺪاوي :اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص 70 :ـ .71
17ـ ﻓﺎﺧﻮري :ﻣﺤﻤﻮد :ﻣﻮﺳﯿﻘﺎ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ .ﻣﻨﺸﻮرات ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺣﻠﺐ ،1978 ،ص.46:
18ـ راﺟﻊ :اﻟﯿﺎﻓﻲ ،د .ﻧﻌﯿﻢ :ﺗﻄﻮر اﻟﺼﻮرة اﻟﻔﻨﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ ،اﺗﺤﺎد اﻟﻜﺘﺎب
اﻟﻌﺮب ،دﻣﺸﻖ ، 1983 ،ص364 :ـ .365
19ـ اﻟﯿﺎﻓﻲ ،د .ﻧﻌﯿﻢ :اﻟﺼﻮرة ﻓﻲ اﻟﻘﺼﯿﺪة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ،ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻷدﺑﻲ"
اﻟﻌﺪد ،256/255:دﻣﺸﻖ ،1992 ،ص.30 :
20ـ دروﯾﺶ :ﻣﺤﻤﻮد :دﯾﻮاﻧﮫ ،م ،2:دار اﻟﻌﻮدة ،ﺑﯿﺮوت،ط ،1980 ،3ص.487:
21ـ ﺣﺠﺎزي ،أﺣﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻌﻄﻲ :ﻛﺎﺋﻨﺎت ﻣﻤﻠﻜﺔ اﻟﻠﯿﻞ ،دار اﻵداب ،ﺑﯿﺮوت،ط ،1978 ،1 :ص:
.52
22ـ ﺣﺎوي ،ﺧﻠﯿﻞ :دﯾﻮاﻧﮫ ،دار اﻟﻌﻮدة ،ﺑﯿﺮوت ،ط ،2:ص.45:
23 - ADRONO , THEODOR ; AESTHETIC THEORY. LONDON ; 1985.
P. 248
24ـ اﻟﯿ ﺎﻓﻲ :اﻟﺼﻮرة ﻓﻲ اﻟﻘﺼﯿﺪة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ،ص.26 :
25ـ ﺑﯿﻠﻨﺴﻜﻲ ،ف .غ :ﻧﺼﻮص ﻣﺨﺘﺎرة ،ﺗﺮ :ﯾﻮﺳﻒ ﺣﻼق ،وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،دﻣﺸﻖ،1980 ،
ص.83:
- 62 -
26ـ اﻟﺴﯿﺎب ،ﺑﺪر ﺷﺎﻛﺮ :دﯾﻮاﻧﮫ ،م ، 1:دار اﻟﻌﻮدة ،ﺑﯿﺮوت ،1971ص.274 :
27ـ اﻟﻤﺎﻏﻮط ،ﻣﺤﻤﺪ :اﻵﺛﺎر اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ .دار اﻟﻌﻮدة ،ﺑﯿﺮوت،ط،1982 ،2:ص.45 :
28ـ ﯾﻮﺳﻒ :ﺳﻌﺪي :اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ 1952ـ .1977دار اﻟﻔﺎراﺑﻲ ،ﺑﯿﺮوت . 1979 ،ص121:
29ـ راﺟﻊ :اﻟﯿﺎﻓﻲ :اﻟﺼﻮرة ﻓﻲ اﻟﻘﺼﯿﺪة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ،ص23 :ـ .24
30ـ ﻋﻤﺮان ،ﻣﺤﻤﺪ :اﺳﻢ اﻟﻤﺎء واﻟﮭﻮاء ،وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،دﻣﺸﻖ ،1986 ،ص18 :ـ .19
31ـ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ،د .ﻋﺰ اﻟﺪﯾﻦ :اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ،دا ر اﻟﻌﻮدة ،ﺑﯿﺮوت ،ط،1981 ،3:
ص.248:
32ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص276:ـ .277
33ـ ﺣﺠﺎزي :اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص47:ـ .48
34ـ ﯾﻮﺳﻒ ،اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص144 :ـ .146
35ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص145:
36ـ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ :اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.268:
37ـ ھﯿﻐﻞ :اﻟﻤﺪﺧﻞ إﻟﻰ ﻋﻠﻢ اﻟﺠﻤﺎل ،ﺗﺮ :ﺟﻮرج طﺮاﺑﯿﺸﻲ ،دار اﻟﻄﻠﯿﻌﺔ ،ﺑﯿﺮوت ،ط، 2:
،1980ص.27:
38ـ راﺟﻊ ﻓﻲ ذﻟﻚ :ﻻﻧﻐﯿﻮم ،روﺑﺮت :ﺷﻌﺮ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔـ اﻟﻤﻮﻧﻮﻟﻮج اﻟﺪراﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻷدﺑﻲ
اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ .ﺗﺮ :ﻋﻠﻲ ﻛﻨﻌﺎن وﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﯾﻢ ﻧﺎﺻﯿﻒ .وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،دﻣﺸﻖ ،1983 ،ص:
43ـ88
39ـ راﺟﻊ ﻗﺼﺒﺠﻲ ،د .ﻋﺼﺎم :ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﻤﺤﺎﻛﺎة ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﯾﻢ ،دار اﻟﻘﻠﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ،
ﺣﻠﺐ ،ط ،1980 ،1ص.102 :
40ـ راﺟﻊ :اﻵﻣﺪي :اﻟﻤﻮازﻧﺔ ،ﺗﺢ :ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺤﻲ اﻟﺪﯾﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﯿﺪ ،اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ،ﺑﯿﺮوت.د/ﺗﺎ،
ص123 :ـ ) 226ﻓﺼﻞ :أﺧﻄﺎء أﺑﻲ ﺗﻤﺎم ﻓﻲ اﻟﻠﻔﻆ واﻟﻤﻌﻨﻰ(.
41ـ ﻋﺒﺪ اﻟﺼﺒﻮر ،ﺻﻼح :ﺷﺠﺮ اﻟﻠﯿﻞ ،دار اﻟﻌﻮدة ،ﺑﯿﺮوت ،ط ،1977 2ص13 :ـ .14
42ـ دروﯾﺶ ،ﻣﺤﻤﻮد :ﺣﺼﺎر ﻟﻤﺪاﺋﺢ اﻟﺒﺤﺮ ،دار اﻟﻌﻮدة ،ﺑﯿﺮوت ،ط ،1985 ،2ص.89 :
43ـ اﻟﺒﺮﻏﻮﺛﻲ ،ﻣﺮﯾﺪ :رﻧﺔ اﻹﺑﺮة ،ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻜﺮﻣﻞ،اﻟﻌﺪد ،35 :ﻧﯿﻘﻮﺳﯿﺎ ،ﻗﺒﺮص،1991 ،
ص.142:
44ـ ﺷﻜﺮي :اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.12 :
45ـ راﺟﻊ :اﻟﯿﺎﻓﻲ ،د .ﻧﻌﯿﻢ :اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ ،وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،دﻣﺸﻖ ،1981 ،ص155 :ـ
.156
46ـ راﺟﻊ :إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ :اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص187 :ـ .194
47ـ رﻣﺎﻧﻲ ،إﺑﺮاھﯿﻢ :اﻟﻨﺺ اﻟﻐﺎﺋﺐ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ ،ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﻮﺣﺪة" اﻟﻌﺪد،49 :
اﻟﺮﺑﺎط ،1988 ،ص.53 :
48ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.60 :
49ـ أدوﻧﯿﺲ :اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.177 :
50ـ ﺧﻀﻮر ،ﻓﺎﯾﺰ :دﯾﻮاﻧﮫ ،م .1 :دار اﻷدھﻢ ،د/ﺗﺎ ،ص.150 :
- 66 -
ﻓﻲ اﻟﻣوﻗف اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ .ﻣﻊ اﻟﻌﻠم أن ھذا اﻟﻣوﻗف ھو اﻷﺳﺎس ﻓﻲ اﻟﺗﺑﺎﯾن اﻟﻣدرﺳﻲ ﻓﻲ
اﻟﻔن.
ﻧﻘول ذﻟك ،ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﻛوﻧﮫ ﺑدھﯾﺔ ﻓﻲ اﻟدرس اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻟﻠﻔن .ﻏﯾر أن
ھذه اﻟﺑدھﯾﺔ ﻛﺛﯾرا ً ﻣﺎﯾﺗ ﱡم ﺗﻧﺎﺳﯾﮭﺎ ،ﺣﯾن ﯾذھب ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد إﻟﻰ ﺗﺻﻧﯾف ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ
اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺗﺣت ھذه اﻟﻣدرﺳﺔ أو ﺗﻠك ،وﻻﺳﯾﻣﺎ اﻟرﻣزﯾﺔ.
إن إطﻼق ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺗﯾﺎر اﻟرﻣزي ﻋﻠﻰ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﯾﻐﻔل أن ﺛﻣﺔ ﺗﻌﺎرﺿﺎً.
ﺑل ﺗﻧﺎﻗﺿﺎً ،ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﻣوﻗف اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ـ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ،ﺑﯾن ﻛل ﻣن اﻟرﻣزﯾﺔ وﺷﻌر
اﻟﺣداﺛﺔ.
ﻲ
ﻓﺎﻟواﻗﻊ ھو اﻟﻣﺟﺎل اﻟﺣﯾوي اﻟذي ﯾﺗﺣرك ﻓﯾﮫ ھذا اﻟﺷﻌر ،وھو اﻟﻣﻌﻧ ّ
ﺑﺎﻟﺗﻘوﯾم واﻟﺗﻐﯾﯾر ،ﻻ اﻟﻣﺛﺎل أو اﻟﺟﻣﺎل اﻟﻣﺟرد ،ﻛﻣﺎ ھﻲ اﻟﺣﺎل ﻓﻲ اﻟرﻣزﯾﺔ .وﻟﮭذا
ج ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻓﻲ أﺗون اﻟﺻراع اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،راﻓﺿﺎ ً أن ﯾﻧﻛﻔﺊ ﻓﺈن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﻗد ز ﱠ
ﻋﻠﻰ ﻣﺎھو ذاﺗﻲ أو ﺷﻛﻠﻲ أو وھﻣﻲ .أي أن ﻟﮭذا اﻟﺷﻌر وظﯾﻔﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ـ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ
ذات ﻣﺿﻣون ﺛوري ﺗﻐﯾﯾري .وھو ﻣﺎﯾﻌﻧﻲ أن ﺻﻔﺔ "اﻟﺛوري" ھﻲ اﻟﺗﻲ ﯾﻔﺧر ﺑﮭﺎ
ّ
"اﻟﻣﻧﺣط" .وذﻟك ﺑﺻرف اﻟﻧظر ﻋن طﺑﯾﻌﺔ ﺗﻠك اﻟﺛورﯾﺔ. اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺣداﺛﻲ ،ﻻ ﺻﻔﺔ
وھل ھﻲ طﺑﯾﻌﺔ ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ أو ﻓﻛرﯾﺔ أو ﻗﯾﻣﯾﺔ.
ﻟﻘد طﺑﻌت ﺻﻔﺔ اﻟﺛورﯾﺔ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﺑطﺎﺑﻊ ﺻداﻣﻲ ﻣﻊ ﻛل ﻣﺎﯾﺗﻧﺎﻓﻰ واﻟﻘﯾم
اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾداﻓﻊ ﻋﻧﮭﺎ أو ﯾﺳﻌﻰ إﻟﻰ طرﺣﮭﺎ .وﻟﮭذا ﻻﻏراﺑﺔ ﻓﻲ أن ﺗﺗﺻدّر ﻗﯾﻣﺔ
اﻟﺑطوﻟﻲ HEROICﻻﺋﺣﺔ اﻟﻘﯾم اﻟﻣطروﺣﺔ .إذ إن اﻟﺑطوﻟﻲ ھو اﻟﻣﻌﺎدل اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ
ﺻف اﻟﺟﻣﺎل ،ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ،ﺑطﺎﺑﻊ ﺻداﻣﻲ. ﻟﻠﺛوري .وﻻﻏراﺑﺔ أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ أن ﯾﺗ ّ
ﺑل ﺣﺗﻰ ﻣﻔﮭوم اﻟﻣﻐﺗرب اﻟﻣﻌذب اﻟذي ﻛﺛﯾرا ً ﻣﺎﻧواﺟﮭﮫ ﻓﻲ ھذا اﻟﺷﻌر ،ﻻﯾﻘوم ﻋﻠﻰ
ﻣﺎھو وﺟودي ،ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻟرﻣزﯾﺔ ،وإﻧﻣﺎ ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ ﻣﺎھو اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ وﺳﯾﺎﺳﻲ وﻗﯾﻣﻲ
ذو طﺎﺑﻊ ﺻداﻣﻲ أﯾﺿﺎً .واﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أن دراﺳﺔ اﻟﻘﯾم اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ طرﺣﮭﺎ ﺷﻌر
اﻟﺣداﺛﺔ ﺗؤ ّﻛد ﺑﻣﺎﻻﯾدع ﻣﺟﺎﻻً ﻟﻠﺷك أن ھذا اﻟﺷﻌر ﻋﻠﻰ ﺗﻧﺎﻗض ﻣﻊ اﻟرﻣزﯾﺔ ﺑوﺻﻔﮭﺎ
ﻣوﻗﻔﺎ ً اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺎ ً ـ ﺟﻣﺎﻟﯾﺎً .ﻏﯾر أن ھذا اﻟﺗﺄﻛﯾد ﻻﯾﻧﻔﻲ إﻓﺎدة ھذا اﻟﺷﻌر ﻣن اﻟرﻣزﯾﺔ
ﺑوﺻﻔﮭﺎ أﺳﻠوﺑﺎ ً ﻓﻧﯾﺎً.
ﯾﻣﻛن ﺗﻌرﯾف اﻟرﻣز اﻟﻔﻧﻲ ARTISTIC SYMBOLﺑﺄﻧﮫ ﺻورة اﻟﺷﻲء
ﻣﺣوﻻً إﻟﻰ ﺷﻲء آﺧر ،ﺑﻣﻘﺗﺿﻰ اﻟﺗﺷﺎﻛل اﻟﻣﺟﺎزي ،ﺑﺣﯾث ﯾﻐدو ﻟﻛ ٍّل ﻣﻧﮭﻣﺎ ّ
اﻟﺷرﻋﯾﺔ ﻓﻲ أن ﯾﺳﺗﻌﻠن ﻓﻲ ﻓﺿﺎء اﻟﻧص .ﻓﺛﻣﺔ ،إذاً ،ﺛﻧﺎﺋﯾﺔ ﻣﺿﻣرة ﻓﻲ اﻟرﻣز.
وھذه اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ ﺗﺣﯾل ﻋﻠﻰ ﺗﻘوﯾﻣﯾن ﺟﻣﺎﻟﯾﯾن ﻣﺗﻣﺎﺛﻠﯾن .ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ھذا اﻟﺗﻣﺎﺛل
ھو اﻷﺳﺎس ﻓﻲ اﻟﺗﺣوﯾل اﻟذي ﯾﺟرﯾﮫ اﻟﻣﺑدع .أي ھو اﻷﺳﺎس ﻓﻲ ﺟﻌل اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ
واﺣدﯾﺔ ﻓﻲ اﻟرﻣز .وﻻﺑﺄس ﻣن اﻹﻓﺎدة ﻣن ﺗﻌرﯾف ﻣؤﻟﻔﻲ ﻧظرﯾﺔ اﻷدب ﻟﻠرﻣز،
ﻋﻠﻰ أﻧﮫ "ﻣوﺿوع ﯾﺷﯾر إﻟﻰ ﻣوﺿوع آﺧر .ﻟﻛن ﻓﯾﮫ ﻣﺎﯾؤ ّھﻠﮫ ﻷن ﯾﺗطﻠب اﻻﻧﺗﺑﺎه
إﻟﯾﮫ ﻟذاﺗﮫ ،ﻛﺷﻲء ﻣﻌروض") .(10
* ـ ﻧﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﺮﻣﺰ اﻻﺻﻄﻨﺎﻋﻲ ھﻮ ﻛﻞ ﻣﺎاﺻﻄﻨﻌﮫ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ أﺷﯿﺎء وأدوات ،ﻋﺒﺮ ﺗﺎرﯾﺨﮫ ،ﻣﻦ
ﻣﺜﻞ اﻟﻤﻨﺰل واﻟﻘﻄﺎر واﻟﺴﻔﯿﻨﺔ واﻟﺮاﯾﺔ...إﻟﺦ وﻻﺷﻚ ﻓﻲ أن ھﺬه ﻻﺗﻜﻮن رﻣﻮزاً إﻻ إذا ﻋﺎﻣﻠﮭﺎ
اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻛﺬﻟﻚ.
- 70 -
واﻟﻣوت ﯾﻠﮭث ﻓﻲ ﺳؤال ).(13
وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟﺳﯾﺎب ﻗد ﺗﻣ ّﻛن ،ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﻘﺑوس ،ﻣن اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن
ﺗراﺟﯾدﯾﺔ اﻟﻣوﻣس اﻟﻌﻣﯾﺎء ،ﻣن ﺧﻼل اﻷﺳطورة ،ﻓﺈن اﻟﻣﻘﺑوس ﺑﻘﻲ ﻓﻲ إطﺎر
ﺗرﺟﻣﺔ اﻷﺳطورة إﻟﻰ واﻗﻊ ،ﻻأﺳطرة اﻟواﻗﻊ.ھذا ﻣن ﺟﺎﻧب ،وﻣن ﺟﺎﻧب آﺧر ،ﻓﺈن
ھذه اﻷﺳﻣﺎء ﻟم ﺗﺳﺗطﻊ أن ﺗﺗﺣول إﻟﻰ رﻣوز ،ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﻣﺻطﻠﺣﻲ ،إذ إﻧﮭﺎ ﺑﻘﯾت
ي ﺑﻌد ﺟدﯾد .ﻛﻣﺎ أﻧﮭﺎ ﻟم ﺗﺄﺧذ ﺗﺣﻣل ﻣﻌﻧﺎھﺎ اﻷﺻﻠﻲ ،وﻟم ﯾﺿف اﻟﻣﻘﺑوس إﻟﯾﮭﺎ أ ّ
ﺷرﻋﯾﺗﮭﺎ ﻣن اﻟﻧص ،ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ أن اﻟﻣﻘﺑوس ﻟم ﯾﺗرك ﻟﮭﺎ ﻓﺳﺣﺔ ،ﻛﻲ ﺗﺗﻧﻔس ،أو
أن ﺗﻌﻠن ﻋن ﻧﻔﺳﮭﺎ ،وإﻧﻣﺎ ﺟﺎءت ﻣﺗراﻛﻣﺔ ﺑﺷﻛل أﻓﻘدھﺎ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟدﻓﻖ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ،
ﻣﺛﻠﻣﺎ أﻓﻘدھﺎ اﻹﯾﺣﺎﺋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻣن دوﻧﮭﺎ ،ﻻﻣﻌﻧﻰ ﻻﺳﺗﺧدام اﻟرﻣز واﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟرﻣزي
ﻋﺎﻣﺔ .وﻟﻌل اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﺗراﻛﻣﻲ ﯾﺗوﺿّﺢ أﻛﺛر ،ﺣﯾن ﻧﻘرأ اﻟﻣﻘﺑوس اﻟﺗﺎﻟﻲ ،ﻟﻣﺣﻣد
ﻋﻣران:
إرم ذات اﻟﻌﻣﺎد
ذاك ﺷدّاد ﺑن ﻋﺎد ﯾزﺣم اﻷﺑواب
ﺣﺷد ﻣن ﻋﺑﺎد
ﯾﻔﺗﺣون اﻷرض ،أودﯾب ﻋﻠﻰ ﺻﮭوة طﯾﺑﮫ
ﯾﺷﻧﻖ اﻟﻐول .وھذا ﻗﯾدر
ﯾﻌﻘر اﻟﻧﺎﻗﺔ .ھذا ﯾوﺳف
ﻛف زﻟﯾﺧﺎﯾﺗﻌرى ﻣن ﻗﻣﯾص اﻟﺣﺳن ﻓﻲ ّ ٍ
ﺗﻛﺷف اﻟﺳﺎﻗﯾن ﺑﻠﻘﯾس ﻟدى اﻟﺻرح
اﺑﻧﺔ اﻟﺷﯾﺦ ﻋﻠﻰ اﻟﺑﺋر
وﻣوﺳﻰ ﯾرﻓﻊ اﻟدﻟو ،وﯾرﺗﺎح إﻟﻰ اﻟظ ّل
"أﺑﻲ ﯾدﻋوك"
ھذي ﺑﺎﺑل ! ھذي ﺳدوم ) (14
إن ﻣراﻛﻣﺔ ﻣﺛل ھذه اﻟرﻣوز ،ﻓﻲ ﻧص ﺷﻌري واﺣد ،ﻻﯾُﻔﻘد اﻟرﻣز إﯾﺣﺎﺋﯾﺗﮫ
وﺣﺳب .ﺑل ﯾُﻔﻘد اﻟﻧص ﺷﻌرﯾﺗﮫ أﯾﺿﺎً .ﻓﻛﯾف ﺗراﻛﻣت ھذه اﻟرﻣوز ،ﻓﻲ ﻣﻘﺑوس
ﻗﺻﯾر ﻛﮭذا .ﻓﻘد اﻧﻌدﻣت ﺣرﻛﺔ اﻟرﻣز ﻓﻲ اﻟﺳﯾﺎق ،وﻟم ﯾﺑﻖ ﻣﻧﮭﺎ ﻏﯾر اﻹﺣﺎﻟﺔ
اﻷﺳطورﯾﺔ ،أو اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟﻣؤﺳطرة .أي أن اﻹﺣﺎﻟﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﺷﺑﮫ ﻣﻌدوﻣﺔ .وﺣﯾن
ﺗﻧﻌدم ھذه ،ﯾﻧﻌدم ﺑﺎﻟﺿرورة ﺟﻣﺎل اﻟرﻣز واﻟﻧص ﻋﺎﻣﺔ.
ﻗد ﯾﺑدو ،ﻟﻠوھﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ،أن ﻋﻣران ﻗد ﺳﻌﻰ ،ﻣن ﺧﻼل ﻣراﻛﻣﺔ ﺗﻠك
اﻟرﻣوز ،إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﻓوﺿوﯾﺔ اﻟواﻗﻊ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ـ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ،ھذه اﻟﻔوﺿوﯾﺔ
اﻟﺗﻲ ﺳوف ﺗؤدي ﺑﮫ إﻟﻰ اﻟدﻣﺎر واﻟﺧراب ،ﺗﻣﺎﻣﺎ ً ﻛﻣﺎ ﺣدث ﻟﺑﺎﺑل وﺳدوم .ﻏﯾر أن
اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟﻔوﺿوﯾﺔ ﻻﯾﺗﺄﺗﻰ ﻣن ﺧﻼل ﻓوﺿوﯾﺔ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري ،أو ﻓوﺿوﯾﺔ
-وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ - - 71 -
اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﻔﻧﻲ ﻣﻊ اﻟرﻣوز .ﻓﺎﻟﻘﺑﺢ ﻻﯾﺗ ّم اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋﻧﮫ ،ﻓﻲ اﻟﻔن ،ﺑﺷﻛل ﻗﺑﯾﺢ ،وإﻧﻣﺎ
ﺑﺷﻛل ﯾوﺣﻲ ﺑﺎﻟﺟﻣﺎل .وھذه ھﻲ ﻣﯾزة اﻟﻔن ﺧﺎﺻﺔ.
إن ﻋﻣران ﻟم ﯾﻛن ﯾﺗﻌﺎﻣل ،ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﻘﺑوس ،ﻣﻊ رﻣوز ،ﻟﮭﺎ اﻟﺣﻖ ﻓﻲ
اﻟﺗﻌﺑﯾر واﻹﯾﺣﺎء واﻟﺣرﻛﺔ داﺧل اﻟﻧص ،ﺑﻘدر ﻣﺎﻛﺎن ﯾﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ إﺷﺎرات ذات ﻣﻌﻧﻰ
ﻣﺣدّد .وﻣن اﻟﻣﻼﺣظ أن ﻋﻣران ،ﻓﻲ ﺳﻌﯾﮫ إﻟﻰ ﻣراﻛﻣﺔ اﻟرﻣوزـ اﻹﺷﺎرات ،ﻟم ﯾﻛن
ﻣدﻓوﻋﺎ ً ﻣن ھﺎﺟس اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ـ ﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣﺣدد ،ﻣﻣﺎ ﺟﻌل اﻟﻧص ﻣﺷﺗّت اﻹﯾﺣﺎء،
وﻣﺗﻧﺎﻗض اﻹﺣﺎﻻت أﯾﺿﺎً .وھذا ﻣﺎﺗوﺿّﺢ ﻓﻲ ﻣﺣﻣوﻻت اﻟرﻣوز ـ اﻹﺷﺎرات.
ﻓﻣﺣﻣول اﺑن ﻋﺎد وأودﯾب ،ﻓﻲ اﻟﻧص ،ﻣﺣﻣول ﺑطوﻟﻲ .وﻓﻲ ﻗﯾدر ـ أو ﻗدار ﻋﺎﻗر
ﻧﺎﻗﺔ ﺻﺎﻟﺢ ـ ﻣﺣﻣول ﻗﺑﯾﺢ .وﺛﻣﺔ ﻣﺣﻣول ﺟﻣﯾل ﻓﻲ ﯾوﺳف وزﻟﯾﺧﺎ ،وﺳﻠﯾﻣﺎن
وﺑﻠﻘﯾس ،وﻣوﺳﻰ واﺑﻧﺔ اﻟﺷﯾﺦ ـ زوﺟﮫ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد ـ ﻛﻣﺎ أن ﺛﻣﺔ ﻣﺣﻣوﻻً ﺑطوﻟﯾﺎ ً ﻓﻲ
"ﻣوﺳﻰ ﯾرﻓﻊ اﻟدﻟو" ﻟﯾﻧﺗﮭﻲ اﻟﻧص ﺑﻣﺣﻣول ﺗراﺟﯾدي )ﺑﺎﺑل ،ﺳدوم( .ﻏﯾر أن ھذه
اﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ ﻣﻔﺗﻌﻠﺔ وﻣﺑﺗﺳرة أﯾﺿﺎً .إذ إن ﻛل اﻟﻣﺣﻣوﻻت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣطروﺣﺔ،
ﻣﺎﺧﻼ ﻣﺣﻣول ﻗﯾدر ،ﻻﺗوﺣﻲ ﺑﺄن ﺛﻣﺔ ﺧطﯾﺋﺔ ﺗُوﻗﻌﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺗراﺟﯾدﯾﺔ .أﻣﺎ ﺧطﯾﺋﺔ
ﻗﯾدر اﻟﺗﻲ أدت إﻟﻰ دﻣﺎر ﺛﻣود .ﺣﯾث أﺧذﺗﮭم اﻟرﺟﻔﺔ ﻓﺄﺻﺑﺣوا ﻓﻲ دارھم
ﺟﺎﺛﻣﯾن (1)ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻟﯾﺳت ﺧطﯾﺋﺔ ﺗراﺟﯾدﯾﺔ .ﻷن اﻟﻘﺑﯾﺢ ﻻﯾﻣﻛﻧﮫ أن ﯾﻛون
ﺗراﺟﯾدﯾﺎً ،ﺑﺣﺎل ﻣن اﻷﺣوال.
وﺑﮭذا ﻓﺈن اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﺗراﻛﻣﻲ ﯾﺳﻲء إﻟﻰ اﻟﻧص ،ﻗﺑل أن ﯾﺳﻲء إﻟﻰ اﻟرﻣز.
إذ إن ﺷﻌرﯾﺔ ھذا ﺗﺗﺄﺗﻰ ﻣن ﺷﻌرﯾﺔ ذاك .وﻻﯾﻣﻛن أن ﺗﻧﻔﺻل إﺣداھﻣﺎ ﻋن اﻷﺧرى.
أﻣﺎ ﻣن ﺣﯾث اﻟﻣﺳﺗوى اﻻﺳﺗﻌﺎري ،ﻓﺈن اﻟﺷﺎﻋر ﻻﯾﺑدو ﻓﯾﮫ ﻣﻌﻧﯾّﺎ ً ﺑﺎﻟرﻣز .ﺑل
ﺑﻣﺿﻣوﻧﮫ اﻟذي ﯾﺑدو ﻟﮫ ﺟﺎھزاً ،وذا إﯾﺣﺎء ﻣﺣدد ﻧﮭﺎﺋﻲ؛ ﻣﻣﺎ ﯾدﻓﻌﮫ إﻟﻰ اﺳﺗﻌﺎرﺗﮫ
ﻟﻠﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﺣﺎﻟﺔ أو ﻣﻌﻧﻰ ﻣﺎ ،أو ﯾدﻓﻌﮫ إﻟﻰ ﺟﻌﻠﮫ ﻣﺷﺑﮭﺎ ً ﺑﮫ .وﻣن اﻟﻣﻌﻠوم أن
اﻟﻣﺷﺑّﮫ ﻓﻲ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﺷﺑﯾﮫ ھو اﻟﻐرض ﻣن إﻗﺎﻣﺔ ھذه اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ،وﻟﯾس اﻟﻣﺷﺑﮫ ﺑﮫ اﻟذي
ﯾﻛون اﻟﻐرض ﻣﻧﮫ اﻟﺗوﺿﯾﺢ أو اﻟﺗﺄﻛﯾد أو اﻟﺗدﻟﯾل ﻋﻠﻰ ﻣﺿﻣون اﻟﻣﺷﺑّﮫ .وھذا
ّ
ﺳﺗﺣﻖ ﻣﺎﯾﺗﻧﺎﻓﻰ وﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟرﻣز اﻟﺗﻲ ﺗؤﻛد أھﻣﯾﺔ اﻟرﻣز ﺑذاﺗﮫ ،ﺑوﺻﻔﮫ ﻣوﺿوﻋﺎ ً ﯾ
اﻻﻧﺗﺑﺎه إﻟﯾﮫ ﺑذاﺗﮫ ﻓﻔﻲ اﻟﻣﺳﺗوى اﻻﺳﺗﻌﺎري ،إ ذاً ،ﺗﻘزﯾم ﻟﻠرﻣز ،وﺗﺣوﯾل ﻟﮫ إﻟﻰ
إﺷﺎرة ﻣﺣددة اﻟﻣﺿﻣون ﺑﺷﻛل ﻧﮭﺎﺋﻲ ،ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﻗول ﺻﻼح ﻋﺑد اﻟﺻﺑور:
وأﺑﻲ ﯾﺛﻧﻲ ذراﻋﮫ
ﻛﮭرﻗل )(15
أو ﻗول ﻋﻠﻲ ﻛﻧﻌﺎن:
ﯾﺎﺗﺟﺎر ﻗرﯾش
ﯾﺎأﻋداء ﻧﺑوءات اﻟدم
- 78 -
ﺗﺟﺳﯾدا ً ﻟﻼﻧﺑﻌﺎث ،ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻷﺳطورة اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾﺔ ﻻﺗرى ﻓﯾﮫ واﺣدا ً ﻣن آﻟﮭﺔ
اﻻﻧﺑﻌﺎث ،وإن ﯾﻛن ﻗد ﻧزل إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺳﻔﻠﻲ وﺧرج ﻣﻧﮫ ﺣﯾﺎً.
ﻟﻘد ﺗﻛﺎﻣل ھذا اﻟﻧص ،ﻣن أﺟل إﻧﺗﺎج اﻟﻣﻧﺎخ اﻻﻧﺑﻌﺎﺛﻲ .ﺣﯾث إن ﺑﻧﯾﺗﮫ ﺗﻧﮭض
ﻣن اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺗﺣوﯾﻠﯾﺔ ،وذﻟك ﻓﻲ )أﺗدﺣرج ،أﺿﻲء ،ﺗﮭز ،ﯾﺟﻲء(؛ وﺛﻣﺔ اﻻﻧدﻏﺎم
اﻟروﺣﻲ ﺑﺎﻷﺷﯾﺎء)ﻋﺎﺷﻖ ،اﻟﻛﺎھﻧﺎت ،ﻏﻧﺎﺋﻲ(؛ وﺛﻣﺔ أﯾﺿﺎ ً ﻣﺎﯾدل ﻋﻠﻰ أداة اﻟﺗﺣوﯾل
)رﯾﺎح ،إﻟﮫ ،ﺳﺎﺣر( .ھذا ﻣن ﺟﮭﺔ ،وﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى ،ﺛﻣﺔ اﻟﺗﻧﺎﻗض واﻟﺻراع ﺑﯾن
اﻟﻌﺎﺷﻖ واﻟﺣﺟر ،وﺑﯾن اﻹﻟﮫ اﻟﻘدﯾم واﻹﻟﮫ اﻟذي ﯾﺟﻲء ،وﺑﯾن اﻟﻌﺗﻣﺔ واﻟﺿوء ،وﺑﯾن
اﻟﺟﺣﯾم واﻟﺣﯾﺎة .إن ھذا اﻟﺗﻧﺎﻗض ،ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻧص ،ﯾﺟد أﺳﺎﺳﮫ ﻓﻲ اﻟﺗﻧﺎﻗض ﺑﯾن
اﻟرﻏﺑﺔ واﻟواﻗﻊ ،ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻛﺎﻣﻧﺔ وراء ھذا اﻟﻧص.
ﻟﻘد ﺗﺣول اﻟﻌﺎﺷﻖ ﻓﻲ ﺻراﻋﮫ ﻣﻊ اﻟواﻗﻊ أو اﻟﺟﺣﯾم إﻟﻰ ﺳﺎﺣر ،وﺗﺣوﻟت
اﻟﺟﺣﯾم إﻟﻰ ﻏﺑﺎر .وذﻟك ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟذي أرادﺗﮫ ﻓﯾﮫ اﻟﺟﺣﯾم أن ﯾﻛون ﺣﺟرا ً أو ﻛﺎﺋﻧﺎ ً
ﯾﻌﺎﻧﻲ اﻟﺗﺷﯾؤ واﻻﻏﺗراب .أي ﻟﻘد اﺳﺗطﺎع اﻟﻌﺎﺷﻖ أن ﯾﺗﺧﻠص ﻣن آﺛﺎر اﻟﺟﺣﯾم،
وھو ﻣﺎ ﺟﻌل ﺗﻠك اﻟﺟﺣﯾم ﻏﺑﺎرا ً ﻻﯾﻣﺗﻠك إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗﺄﺛﯾر.
وھﻛذا ﻧﻠﺣظ أن اﻟﮭﺎﺟس اﻟذي ﯾﻌﺑر ﻋﻧﮫ ھذا اﻟﻧص ھﺎﺟس اﻧﺑﻌﺎﺛﻲ ﺗﺣوﯾﻠﻲ.
وﻟﻛن ھل ﺣﻘﺎً ،ﯾﻣﻛن اﻟﺗوﻛﯾد أن أورﻓﯾوس ،ھﻧﺎ ،ھو رﻣز اﻧﺑﻌﺎﺛﻲ ﻓﺣﺳب؟.
أﻻ ﯾﺣﯾل ھذا اﻟرﻣز ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺑدع ﻓﻲ ﺗﺟرﺑﺗﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ .ﺣﯾث ﯾﻠﺞ إﻟﻰ ﺟوھر
ﻣﺣوﻻً إﯾﺎھﺎ إﻟﻰ ﻛﯾﻧوﻧﺔ ﺷﻌرﯾﺔ .وذﻟك ﺑﺣﺳب أورﻓﯾوس ﺷﺎﻋر ّ اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء
اﻷﺳطورة اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾﺔ؛ أو أﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﺑطل اﻟﻔرد ،ﺑﺣﺳب ﻓﻠﺳﻔﺔ
أدوﻧﯾس؛ وأﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﺷﻖ ﻓﺣﺳب ...إﻟﻰ ﻣﺎﺳوى ذﻟك ﻣن دﻻﻻت
ﯾﻧﺑض ﺑﮭﺎ ھذا اﻟﻧص.
إن أورﻓﯾوس ،ﻓﻲ ھذا اﻟﻧص ،رﻣز ﺑﻘدر ﻣﺎ ھو ﻧﻣوذج ﻓﻧﻲ .وﻟﮭذا ﻓﮭو
ﻻﯾﺳﺗوﻋب ذاﺗﯾﺔ اﻟﺷﺎﻋر ﻓﺣﺳب .ﺑل ﯾﺳﺗوﻋب أﯾﺿﺎ ً اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺣﺎﻻت واﻟﺗﺟﺎرب
اﻟﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺔ أو اﻟﺗﻲ ﯾﺗﻘﺎطﻊ ﻣﻌﮭﺎ .أي أن ﻏﻧﺎه اﻟﺗﻌﺑﯾري ﯾﻧﮭض ﻣن اﻧﻔﺗﺎﺣﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﺎھو
ﻣوﺟود ،وﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺳﺗﺟ ﱠد ﻣن ﺣﺎﻻت وﺗﺟﺎرب .وﻧرى ﻣن اﻟﻣﻔﯾد أن ﻧﺷﯾر إﻟﻰ
أن اﻧﺑﻧﺎء ھذا اﻟﻧص ﻋﻠﻰ اﻟرﻣز ـ اﻟﻧﻣوذج ﻗد ﺟﻌل ﻣﻧﮫ ﻧﺻﺎ ً دراﻣﯾﺎً ،ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم
ﻣن ﻗﺻره .ﻓﮭو ﻟﯾس ﺗﻌﺑﯾرا ً ﻏﻧﺎﺋﯾﺎ ً ﻋن ذاﺗﯾﺔ اﻟﺷﺎﻋر ،وإﻧﻣﺎ ھو ﻣﻌﺎدل ﻓﻧﻲ دراﻣﻲ
ﻟﮭذه اﻟذاﺗﯾﺔ .ﻓﺄورﻓﯾوس ﻣﺳﺗﻘل ﻋن اﻟﺷﺎﻋر ،وھو ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﮫ ،ﻣﺗﻘﺎطﻊ ﻣﻌﮫ،
ﻣﻣﺎ ﯾﺳﻣﺢ ﻟﻧﺎ ﺑﺄن ﻧﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ أورﻓﯾوس ﺑوﺻﻔﮫ ﻛﺎﺋﻧﺎ ً ﻣوﺟودا ً وﺟودا ً ﻣوﺿوﻋﯾﺎً،
وإن ﯾﻛن ھذا ﻻﯾؤدي إﻟﻰ ﻋزﻟﮫ اﻟﻣطﻠﻖ ﻋن اﻟﺷﺎﻋر.
وﻧود أن ﻧﺳﺟل ،ﻓﻲ ھذا اﻹطﺎر ،أن اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺣداﺛﻲ ﻓﻲ ﺗﻧﺎوﻟﮫ ﻟﻠرﻣوز
اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻷﺳطورﯾﺔ ،ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﻛﺎن ﯾﻌود إﻟﻰ ﺗﻠك اﻟﺷﺧﺻﯾﺎت ذات ّ
اﻟﺗﺄزم اﻟدراﻣﻲ
ﻓﻲ ﺳﯾﺎﻗﮭﺎ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ أو اﻷﺳطوري.
اﻟﺗﺄزم .وﻻﺷك ﻓﻲ أن ﻟﮭذه ّ وﻗﻠﻣﺎ ﯾﻌود إﻟﻰ ﺗﻠك اﻟﺗﻲ ﺗﺧﻠو ﺣﯾﺎﺗﮭﺎ ﻣن ھذا
اﻟﻌودة أﺳﺑﺎﺑﺎ ً دراﻣﯾﺔ واﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ واﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ .ﺣﯾث إن ھذا اﻟﺗﺄزم أﻛﺛر ﻟﻔﺗﺎ ً ﻟﻠﻧظر،
-وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ - - 79 -
وأﻛﺛر ﺗﻌﺑﯾراً ،وأﻛﺛر اﻣﺗﻼء ﺑﺎﻟﺣﯾوﯾﺔ واﻟﻔﺎﻋﻠﯾﺔ .وھو ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ذﻟك ﯾﺗﻼءم وﺳﻣﺔ
اﻟدراﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗﺳم ﺑﮭﺎ اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣداﺛﻲ ،ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﺗﻼءم واﻟواﻗﻊ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ـ
اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ .ﻓﻼﻏراﺑﺔ ،إذاً ،ﻓﻲ أن ﯾﻛﺛر ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﻣن رﻣوز اﻟﺣﺳﯾن ،وأﺑﻲ ذر،
وﺻﻘر ﻗرﯾش ،واﻟﺣﺟﺎج ،واﻟﺣﻼج ،وأﺑﻲ ﻧواس ،وﻗﺎﺑﯾل وھﺎﺑﯾل ،واﻟﻣﺳﯾﺢ،
وﯾوﺳف ،وﺗﻣوز ،وﻓﯾﻧﯾﻖ ،وأوﻟﯾس ،وأودﯾب...إﻟﺦ ﻓﻠﻛ ِّل ﻣن ھذه اﻟرﻣوز ّ
ﺗﺄزﻣﮫ
اﻟدراﻣﻲ اﻟﺧﺎص.
* رﻣـــﺰ اﻟــﺮﯾـﺢ:
درﺳﻧﺎ ،ﻓﯾﻣﺎ ﺳﺑﻖ ،ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟرﻣز اﻟﻔﻧﻲ ،وﻻﺳﯾﻣﺎ اﻷﺳطوري واﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ،
وﻟم ﻧﺗﻌرض ﻟﻠرﻣز اﻟطﺑﯾﻌﻲ ،ﻓﻘد أرﺟﺄﻧﺎ اﻟﻛﻼم ﻓﯾﮫ ﻟﻣﺎ ﻟﮫ ﻣن ﺗﻣﯾز ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل
اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ .وﺳوف ﻧﺧﺻص ﻟﮫ ﻣﺎﺗﺑﻘﻰ ﻣن ھذا اﻟﻔﺻل ،ﻣن ﺧﻼل رﻣزي اﻟرﯾﺢ
واﻟﺣﺟر .وﻟﻛن إذا ﻛﺎن ھذا اﻟرﻣز ﻣﺧﺗﻠﻔﺎ ً ﻋن ﻏﯾره ،ﻓﺈن ذﻟك ﻻﯾﻌﻧﻲ أن ﺗﻠك
اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻻﺗﺳري ﻋﻠﯾﮫ ،وﻻﺳﯾﻣﺎ اﻟﻣﺳﺗوى اﻹﺷﺎري اﻟﻣﻔﮭوﻣﻲ واﻟﻣﺳﺗوى
اﻟﻣﺣوري .ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ﻣﺎﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل ﻓﻲ اﻟرﻣز اﻟطﺑﯾﻌﻲ ،ﻻﯾﺧﺗﻠف ﻛﺛﯾرا ً
ﻋﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل ﻓﻲ اﻟرﻣز اﻻﺻطﻧﺎﻋﻲ ،إذ اﻟﻔرق ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ أن ھذا ﻣن ﻋﻣل
اﻹﻧﺳﺎن ،وذاك ﻣن ﻋﻣل اﻟطﺑﯾﻌﺔ ،وﯾﺑﻘﻰ أن ﻟﻛ ّل ﻣﻧﮭﻣﺎ ﻋﻼﻗﺗﮫ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﻌﻣﻠﯾﺔ
واﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ واﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ ﺑﺎﻹﻧﺳﺎن.
ﯾﺗﺳم اﻟرﻣز اﻟطﺑﯾﻌﻲ ﺑﻛون ﻗﯾﻣﺗﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﺗﺑدﻟﺔ ﻣﺗﻐﯾرة ،ﺑﺷﻛل داﺋم ،ﻣﻣﺎ
ﯾﺟﻌل ﺗﺎرﯾﺧﮫ ﻣﺳﺗﻣرا ً وﻏﯾر ﻣﺣدد ﻧﮭﺎﺋﯾﺎً .وﻟﻌل ھذا ﻣﻣﺎﯾﻣﯾزه ﻣن اﻟرﻣزﯾن
اﻷﺳطوري واﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ اﻟﻠذﯾن ﯾﻣﺗﻠﻛﺎن وﺟودا ً ﻣﺣددا ً ﻓﻲ اﻟذاﻛرة اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،ھذه
اﻟذاﻛرة اﻟﺗﻲ ﺗﻔرض ﻧﺳﻘﺎ ً ﻣﻌﯾﻧﺎ ً ﻓﻲ ﺗﻠﻘﻲ ھذﯾن اﻟرﻣزﯾن .أي أﻧﮭﻣﺎ ﻻﯾﺗﺻﻔﺎن
ﺑﺎﻟﺣﯾوﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗﺻف ﺑﮭﺎ ﻛل ﻣن اﻟرﻣز اﻟطﺑﯾﻌﻲ واﻻﺻطﻧﺎﻋﻲ .
إن ھذه اﻟﺣﯾوﯾﺔ ﺗﻌطﻲ اﻟﻣﺑدع ﺣرﯾﺔ ﻋظﻣﻰ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟرﻣزي ،ﺑﺣﯾث
ﻻﯾﺑدو ﻣﻘﯾدا ً ﺑﺗﻠك اﻟذاﻛرة .وﻧﺣن إذ ﻧؤﻛد ذﻟك ،ﻻﻧﻐﻔل أن ﻟﻸﺷﯾﺎء ﺗوارﯾﺦ ،ﻓﻲ
اﻟوﻋﻲ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،ﻻﯾﻣﻛن ﻟﻠﻣﺑدع أن ﯾﮭﻣﻠﮭﺎ أو ﯾﺗﻐﺎﺿﻰ ﻋﻧﮭﺎ؛ ﻏﯾر أن ھذه
اﻟﺗوارﯾﺦ ﻣﺗواﺻﻠﺔ اﻟﻧﻣو واﻟﺗﺑدل واﻟﺗﻐﯾر واﻹﺿﺎﻓﺔ واﻟﺣذف واﻟﺗﻌدﯾل ،ﺑﺣﺳب
اﻟﺗﺟﺎرب اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﻣﺗﺑدﻟﺔ أﯾﺿﺎً.
ﻓﺎﻟﻧﮭر ،ﻣﺛﻼً ،ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻘﺑﻠﻲ ،ﻏﯾره ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ
اﻟﻣدﻧﻲ؛ ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﺳﻛﺎن اﻟﻣﻧﺎطﻖ اﻟﺻﺣراوﯾﺔ ﻏﯾره ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﺳﻛﺎن
اﻟﻣﻧﺎطﻖ اﻟﺣراﺟﯾﺔ أو اﻟﺟﺑﻠﯾﺔ .ھذا ﻣن ﺟﺎﻧب ،وﻣن ﺟﺎﻧب آﺧر ،ﻓﺈن ﻟﻠﻧﮭر أطوارا ً
ﺗﺧﺗﻠف ﺑﺎﺧﺗﻼف ﻓﺻول اﻟﺳﻧﺔ؛ ﻣﺛﻠﻣﺎ أن ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻊ أﻏراﺿﺎ ً ﺗﺧﺗﻠف ﺑﺎﺧﺗﻼف
اﻟﺣﺎﺟﺎت ...إﻟﺦ .إن ھذه اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت ﻓﻲ اﻟﻧﮭر وﻓﻲ اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﯾﮫ ،ﺗﻧﻌﻛس اﺧﺗﻼﻓﺎت
ﻓﻲ اﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ واﻟﺗﻘوﯾﻣﺎت اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ.
- 80 -
وﻟﯾس ﻣن اﻟﻌﺑث أن ﺗرى اﻷﺳطورة اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾﺔ أن ﻟﻸﻧﮭﺎر آﻟﮭﺔ وﺣورﯾﺎت.
أي ﻟﯾس ﻣن اﻟﻌﺑث أن ﺗرى ﻓﻲ اﻟﻧﮭر إﻟﮭﺎ ً ﺟﻠﯾﻼً ﺟﺑﺎراً ،ﺣﯾن ﯾﻛون اﻟﻧﮭر ھﺎﺋﺟﺎً؛
وأن ﺗرى ﻓﯾﮫ ﺣورﯾﺔ ﺟﻣﯾﻠﺔ وادﻋﺔ ،ﺣﯾن ﯾﻛون ھﺎدﺋﺎ ً ﻣﻧﺳﺎﺑﺎً.
وﻓﻲ اﻟﻣﺣﺻﻠﺔ ،إن ھذه اﻟﺗﻌددﯾﺔ ﻓﻲ أطوار اﻷﺷﯾﺎء ،وﻓﻲ اﻟﺣﺎﺟﺎت إﻟﯾﮭﺎ،
وﻓﻲ أﺳﺎﻟﯾب اﺳﺗﺧداﻣﮭﺎ ،وﻓﻲ اﻟﻣواﻗف اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻣﻧﮭﺎ ،ﺗﻧﻌﻛس ﺗﻌددﯾﺔ ھﺎﺋﻠﺔ ﻏﯾر
ﻣﺣدودة ،ﻓﻲ اﻟذات اﻟﻣﺑدﻋﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ اﻷﺧرى ﻟﮭﺎ أطوارھﺎ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟروﺣﯾﺔ
اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ واﻟﻣﺗﻌددة .وﻟﮭذا ﻻﻏرو ﻓﻲ أن ﯾﻛون اﻟرﻣز اﻟطﺑﯾﻌﻲ ـ واﻻﺻطﻧﺎﻋﻲ
أﯾﺿﺎ ً ـ ذا ﻗﯾم ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﺗﺑﺎﯾﻧﺔ وﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ أﯾﺿﺎً .ﻏﯾر أن ھذه اﻟﺗﻌددﯾﺔ ﻏﯾر اﻟﻣﺣدودة
ﻻﺗﻌﻧﻲ اﻹﻋﺗﺑﺎطﯾﺔ واﻟﻔوﺿﻰ ،ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣﻊ اﻷﺷﯾﺎء ،ﺑﺣﯾث ﯾﻔﺗﻘد اﻟرﻣز
إﻟﻰ اﻹﺣﺎﻟﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ .أي أن ھذه اﻟﺗﻌددﯾﺔ ﻟﯾﺳت ﻧﺗﺎج اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﻣﺟﺎﻧﻲ اﻻﻋﺗﺑﺎطﻲ،
وإﻧﻣﺎ ھﻲ ﺳﻣﺔ اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟﺣﯾﺎة اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺑﻣﺧﺗﻠف أﺷﻛﺎﻟﮭﺎ.
وﻟﮭذا ﻓﺈن أي إﯾﺣﺎء ﯾﻣﻛن أن ﯾﺳﺗوﻟده اﻟﻣﺑدع ﻣن اﻟرﻣز ،ﯾﺟد أﺳﺎﺳﮫ ﻓﻲ إﺣدى
ﺳﻣﺎت اﻟﺷﻲء ﻣﻧظورا ً إﻟﯾﮭﺎ ﻣن اﻟذات اﻟﻣﺑدﻋﺔ ،ﻓﻲ طور ﻣن أطوارھﺎ .وﻟﯾﺳت
ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗرﻣﯾز ،ﺑﺣﺎل ﻣن اﻷﺣوال ،ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻋﺗﺑﺎطﯾﺔ ﻣﺟﺎﻧﯾﺔ ،ﻛﻣﺎ ﯾﺧﯾل ﻟﺑﻌض
اﻟﺷﻌراء ،ﻣﻣن ﺗﺳﺗﮭوﯾﮭم اﻟﻠﻌﺑﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ اﻟﻔﺎﻧﺗﺎزﯾﺔ.
ﻟﻘد ﺷﺎع رﻣز اﻟرﯾﺢ ،ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ،ﺑﺷﻛل ﻻﻓت ﻟﻠﻧظر ،ﺣﺗﻰ ﯾﻣﻛن
اﻟﺗوﻛﯾد أﻧﮫ ﻗﻠﻣﺎ ﻧﺟد ﺷﺎﻋرا ً ﺣداﺛﯾﺎ ً ﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ ﻣوﻗف ﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣن اﻟرﯾﺢ ﺑوﺻﻔﮭﺎ
رﻣزاً ،وﺑوﺻﻔﮭﺎ ﺣﻘﯾﻘﺔ أﯾﺿﺎً .وھو ﻣﺎ أدى إﻟﻰ أن ﺗﺗﻛﺛّر إﯾﺣﺎءات ھذا اﻟرﻣز
وﺗﺗﻧوع وﺗﺗﻧﺎﻗض ،ﺑﻣﺎ ﯾﺻﻌب ﻓﯾﮫ اﻟﺗﺻﻧﯾف اﻟدﻗﯾﻖ واﻟﺷﺎﻣل .وﻟذﻟك ﻓﺈن ﻣﺎﺳوف ّ
ﻧﺳﺟﻠﮫ ،ھﻧﺎ ،ﻟن ﯾﻛون ﺳوى إﺷﺎرة إﻟﻰ ھذا اﻟﺗﻛﺛر.
ﻣن اﻟﻣﻌﻠوم أن اﻟرﯾﺢ ﻣن اﻟﻧﻣﺎذج اﻟﺑدﺋﯾﺔ ARCHETYPESاﻟﺗﻲ ﯾﺗﺷﻛل ﻣﻧﮭﺎ
اﻟﻼﺷﻌور اﻟﺟﻣﻌﻲ ،COLLECTIVE UNCONSCIOUSوذﻟك ﺑوﺻﻔﮭﺎ رﻣزاً ﻟﻠدﻣﺎر
واﻟﺧراب .إذ إن اﻵﻟﮭﺔ ﺣﯾن ﻛﺎﻧت ﺗﻐﺿب ﻋﻠﻰ ﻗوم ﻣﺎ ،ﺗﺳﻠّط ﻋﻠﯾﮭم أداﺗﮭﺎ
اﻟﺗدﻣﯾرﯾﺔ اﻟﻔﺗﺎﻛﺔ ،وھﻲ اﻟرﯾﺢ ،ﻓﺗﺟﻌﻠﮭم ﻧﺳﯾﺎ ً ﻣﻧﺳﯾﺎً .وﻛﻣﺎ ﯾﻘول ﺑﯾﯾر داﻛو ،ﻓﺈن
اﻟﺷﻌوب اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻗد ﻣﻧﺣت آﻟﮭﺗﮭﺎ أﺳﻠﺣﺔ ﻓﺗﺎﻛﺔ واﺣدة ،وھﻲ اﻟﺻﺎﻋﻘﺔ واﻟرﻋد
واﻟرﯾﺢ) .(24وﻻﺷك ﻓﻲ أن ذﻟك ﯾﻧﮭض ﻣن طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ـ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ
اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺎوﻟت اﻟرﯾﺢ واﻟﺻﺎﻋﻘﺔ واﻟرﻋد.
وﻓﻲ اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم ،ﻣﺎﯾﺷﯾر إﻟﻰ ذﻟك ﺑﺷﻛل واﺿﺢ .ﻓﻐﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﺗﻛون اﻟرﯾﺢ،
ﻓﯾﮫ ،داﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟدﻣﺎر واﻟﺧراب واﻟﻌﻘم واﻟﺟدب .وﻣن اﻟﻼﻓت ﻟﻠﻧظر ،ﻓﻲ ھذا
اﻟﻣﺟﺎل ،أن اﻟرﯾﺢ ﺣﯾن ﺗﺳﺗﺧدم ﻓﻲ اﻵﯾﺎت ،ﺑﺻﯾﻐﺔ اﻟﻣﻔرد ،ﺗﻛون داﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟدﻣﺎر
واﻟﺧراب .أﻣﺎ ﺣﯾن ﺗﺳﺗﺧدم ﺑﺻﯾﻐﺔ اﻟﺟﻣﻊ ،ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗدل ﻋﻠﻰ اﻟﺧﯾر واﻟﺧﺻب ،ﺣﯾث
ﺗﺳوق اﻟﻣطر.
ﯾﺗﻌوذ ﻋﻧد رؤﯾﺗﮫ اﻟرﯾﺢ وﯾﺿطرب، وﻟﻘد ﻋُرف ﻋن اﻟﻧﺑﻲ اﻟﻛرﯾم أﻧﮫ ﻛﺎن ّ
ﻓﯾﺧرج ﻣن ﺑﯾﺗﮫ ،وﯾدﺧل ،وﯾُﻘﺑل وﯾُدﺑر ) .(25وﺛﻣﺔ ﺣدﯾث ﻧﺑوي ﻓﻲ اﻟرﯾﺢ ﯾﻘول:
- 82 -
ﻧﻘﯾض اﻟﻔرد ،ﻋﻠﻰ ﺣﯾن أﻧﮭﺎ ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﺗﻛون ،ﻋﻧد اﻟﺳﯾﺎب ،ﻧﻘﯾض اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ،ﯾﻘول
ﺣﺎوي:
ﻓﻲ ﻟﯾﺎﻟﻲ اﻟﺿﯾﻖ واﻟﺣرﻣﺎن
اﻟﻣدوي ﻓﻲ ﻣﺗﺎھﺎت اﻟدروب ّ واﻟرﯾﺢ
ﻣن ﯾﻘوﯾﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻣل اﻟﺻﻠﯾب )(30
وﯾﻘول أﯾﺿﺎً:
ﻋﻠّﮫ ﯾﻔرخ ﻣن أﻧﻘﺎﺿﻧﺎ ﻧﺳل ﺟدﯾد
ﯾﻧﻔض اﻟﻣوت ،ﯾﻐ ﱡل اﻟرﯾﺢ
ﯾدوي ﻧﺑﺿﺔ ﺣرى ﺑﺻﺣراء اﻟﺟﻠﯾد ) (31
وﯾﻘول:
ﺳوف ﯾﻣﺿون وﺗﺑﻘﻰ
ﺻﻧﻣﺎ ً ﺧﻠﻔﮫ اﻟﻛﮭﺎن ﻟﻠرﯾﺢ
اﻟﺗﻲ ﺗوﺳﻌﮫ ﺟﻠدا ً وﺣرﻗﺎ ً )(32
وﯾرى ﻓﯾﮭﺎ ﻋﻠﻲ اﻟﺟﻧدي رﻣزا ً ﻟﻠﺗﯾﮫ ﺑﺄﺷﻛﺎﻟﮫ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟروﺣﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ
ﺑﻌﺎﻣﺔ .وﻟﮭذا ﻓﺈن اﻟﻘﻠﻖ ﺑﻣرادﻓﺎﺗﮫ ﻣن ﻣﺻﺎﺣﺑﺎت اﻟرﯾﺢ ﻋﻧد اﻟﺟﻧدي .أي أن ﺛﻣﺔ
ﺗﺷﺎﻛﻼً ﺑﯾن ﺣﺎوي واﻟﺟﻧدي ،ﻓﻲ ﺗﻧﺎول رﻣز اﻟرﯾﺢ .وﻟﻛن ﻓﻲ ﺣﯾن اﺗﺟﮫ ﺣﺎوي ﺑﮫ
إﻟﻰ ﻣوﺿوﻋﺔ اﻻﻏﺗراب ،اﺗﺟﮫ ﺑﮫ اﻟﺟﻧدي إﻟﻰ ﺳﻣﺔ ﻣﻼزﻣﺔ ﻟﻼﻏﺗراب ،وھﻲ اﻟﺗﯾﮫ
اﻟﻧﻔﺳﻲ واﻟروﺣﻲ .ﯾﻘول:
..ﯾﺗﮭﺎ اﻟرﯾﺢ اﻟﺗﻲ ﺗﺣﻣﻠﻧﻲ ﻣن رﺻﯾف ﻟرﺻﯾف
ﺣﻔرت وﺟﮭﻲ أﺧﺎدﯾد اﻟﺻراﺣﮫ
ﻧﮭﺷت ﻟﺣﻣﻲ أﻗﻼم اﻟﺟراﺣﮫ
أﻧزﻟﯾﻧﻲ ﯾﺗﮭﺎ اﻟرﯾﺢ ﻋﻠﻰ ﻗﺎرﻋﺔ اﻟﻠﯾل
اﺗرﻛﯾﻧﻲ ﻓﻲ ﺑﺳﺎﺗﯾن اﻟﻣﺳﺎﻛﯾن اﻟذﯾن اﻧﺗﺑذوا
ﺗﺣت ﺳور اﻟﻧﻔﻲ.
أوﻋودي ﺑﺟﺛﻣﺎﻧﻲ إﻟﻰ اﻟﺻﺣراء ﻓﻲ اﻷرض اﻟﻣﺑﺎﺣﮫ )(33
وﯾﻘول:
ﻧﻧﺎم ﻋﻠﻰ اﻟرﯾﺢ ﻟﯾس ﻟﻧﺎ ﻣن ﻗواﺋم
وﻟﯾس ﻟﻧﺎ ﻏﯾر أﺟﻧﺣﺔ وﻋﯾون وﻣﻧﺎﻗﯾر ﺟﺎرﺣﺔ ﻧﺎﻓره )(34
- 84 -
أن ﺛﻣﺔ أﻓﺿﻠﯾﺔ ﻟﮭذا اﻟﺷﻛل أو ذاك ﻣن اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣﻊ اﻟرﻣوز .إذ اﻟﻣﺣك
اﻟﻧﮭﺎﺋﻲ ھو اﻟﻛﯾﻔﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾظﮭر ﻓﯾﮭﺎ اﻟرﻣز ﻓﻲ ﺳﯾﺎﻗﮫ اﻟﻔﻧﻲ.
إن أﺣﻣد ﻋﺑد اﻟﻣﻌطﻲ ﺣﺟﺎزي ﻣن اﻟﺷﻌراء اﻟذﯾن ﻟم ﯾﺗﺧذوا ذﻟك اﻟﻣوﻗف
ﺷﺑﮫ اﻟﻧﮭﺎﺋﻲ ﻣن اﻟرﯾﺢ .ﻣﻣﺎ ﺟﻌﻠﮭﺎ ﺗﺧﺗﻠف إﯾﺣﺎﺋﯾﺎ ً ﻣن ﻧص إﻟﻰ آﺧر .ﻏﯾر أن
أﺑﻌﺎدھﺎ اﻹﯾﺣﺎﺋﯾﺔ ﻓﻲ ﺟﻣﻠﺔ ﻧﺻوﺻﮫ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ،ﺗﺄﺗﻠف ﺗﻣﺎﻣﺎ ً واﻷﺑﻌﺎد اﻟﺗﻲ ﻣرت ﺑﻧﺎ
ﺳﺎﺑﻘﺎً .وﻻﻏراﺑﺔ ﻓﻲ ذﻟك .إذ إن اﻟﺣﺎﺿن اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ واﻟﺟﻣﺎﻟﻲ واﺣد ،ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ
ﺷﻌراء اﻟﺣداﺛﺔ ،ﻋﻠﻰ اﺧﺗﻼف طﺑﺎﺋﻌﮭم وﺗﺟﺎرﺑﮭم اﻟذاﺗﯾﺔ.
ﯾﺧص
ّ وﻻﺑﺄس ﻣن اﻟﺗﻣﺛﯾل ﻟﺑﻌض ﻣواﻗف ﺣﺟﺎزي ﻣن رﻣز اﻟرﯾﺢ .ﻓﻔﯾﻣﺎ
اﻹﺣﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟدﻣﺎر واﻟﺧراب ،ﯾﻘول:
ﻛﯾف ﺻﺎر ﻛل ھذا اﻟﺣﺳن ﻣﮭﺟوراً
وﻣﻠﻘﻰ ﻓﻲ اﻟطرﯾﻖ اﻟﻌﺎم،
ﯾﺳﺗﺑﯾﺣﮫ اﻟﺷرطﻲ واﻟزاﻧﯾ!
ﻛﺄﻧﻲ ﺻرت ﻋﻧﯾﻧﺎ ً ﻓﻠم أﺟب ﻧداءھﺎ اﻟﺣﻣﯾم اﻟﻣﺳﺗﺟﯾر
ﺗﻠك ھﻲ اﻟرﯾﺢ اﻟﻌﻘور) (39
وﯾﻘول ﻓﻲ إﺣﺎﻟﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﻏﺗراب:
ﺳوف ﺗﺿرب ﻧﺎﻓذﺗﻲ طﯾﻠﺔ اﻟﻠﯾل
أﺟﻧﺣﺔ اﻟﻣطر اﻟﻣﺗوﺣش
ﻧﺎﻋﻘﺔ ﻓوق رأﺳﻲ،
وﺗﺳﺗﺄﻧف اﻟرﯾﺢ ﻣﺎﺑدأت ﻣن ﻋوﯾل)(40
إن ﻋودة إﻟﻰ ﻣﺣﻣوﻻت رﻣز اﻟرﯾﺢ ،ﻛﻣﺎ ﺟﺎءت ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ،ﺗوﺿّﺢ
أن ﻛﻼً ﻣن ﺗﻠك اﻟﻣﺣﻣوﻻت ﻟﮫ ﻣﺎﯾﺳﻧده ﻓﻲ إﺣدى ﺳﻣﺎت اﻟرﯾﺢ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟﺗﺟرﺑﺔ
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ ،وﺑﺎﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ .ﻓﺑﻣﺎ أن اﻟرﻣز ھو ﺻورة اﻟﺷﻲء
ﻣﺣوﻻً إﻟﻰ ﺷﻲء آﺧر ،ﺑﻣﻘﺗﺿﻰ اﻟﺗﺷﺎﻛل اﻟﻣﺟﺎزي ،ﻓﯾﻣﻛن اﻟﻘول ﺷﻌرﯾﺎ ً إن اﻟرﯾﺢ
ھﻲ اﻟدﻣﺎر واﻟﺧراب ،ﻣن ﻣﻧظور ﺗﺄﺛﯾرھﺎ اﻟﻣدﻣر ﻓﻲ اﻟﺣﻘول واﻟﻣزروﻋﺎت
واﻟﻣﻧﺎزل اﻟﻔﻘﯾرة .أي ان ﺗﺄﺛﯾر اﻟرﯾﺢ اﻟﺳﻠﺑﻲ أﺻﺑﺢ ھو اﻟرﯾﺢ ،وأﺻﺑﺣت اﻟرﯾﺢ ھﻲ
اﻟدﻣﺎر ﻓﻲ اﻟﻼﺷﻌور اﻟﺟﻣﻌﻲ وﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ .ﻓﺛﻣﺔ ،إذاً ،ﺗﺷﺎﻛل ﻣﺟﺎزي ﺑﯾن
اﻟرﯾﺢ واﻟدﻣﺎر.
وﻣن ﺣﯾث إﺣﺎﻟﺔ اﻟرﯾﺢ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﯾﮫ ،ﻓﺈن ﺧﺎﺻﯾﺔ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟداﺋﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻣﯾز
ﺑﮭﺎ اﻟرﯾﺢ ،ﺗد ﱡل ﻋﻠﻰ ﻋدم اﻻﺳﺗﻘرار .وھذا ﻣن ﺻﻔﺎت اﻟﺗﺎﺋﮫ ﻧﻔﺳﯾﺎ ً وروﺣﯾﺎً .وﻛذا
ھﻲ اﻟﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﻣﻐﺗرب اﻟذي ھو ﺗﺎﺋﮫ ﺑﺎﻟﺿرورة .ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن دوي اﻟرﯾﺢ
ي<< اﻟﺣﯾﺎة اﻟﻣﺎدﯾﺔ اﻟﻣﺑﺗذﻟﺔ. ﻻﯾﺧﺗﻠف ﻣﺟﺎزﯾﺎ ً ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻐﺗرب ﻋن >>دو ّ
* رﻣـــﺰ اﻟــﺤﺠﺮ:
وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أھﻣﯾﺔ رﻣز اﻟرﯾﺢ ﻓﻲ ﺗﺑﯾﺎن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻹﯾﺣﺎء اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ
وﻛ ّل ﻣن ﺳﻣﺎت اﻟﺷﻲء أو اﻟظﺎھرة اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ ،واﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،إﻻ أن رﻣز
اﻟﺣﺟر ﺑﻣﺣﻣوﻻﺗﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ أﻛﺛر إﯾﺿﺎﺣﺎ ً وﺗﺑﯾﺎﻧﺎ ً ﻟﺗﻠك اﻟﻌﻼﻗﺔ ،ﻟﻣﺎ ﯾﺗ ّﺳم ﺑﮫ اﻟﺣﺟر
ﻣن ارﺗﺑﺎط ﻣﺑﺎﺷر ﺑﺎﻟﺣﯾﺎة اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،وﻻﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ ﻓﻠﺳطﯾن
اﻟﻣﺣﺗﻠﺔ.
إن دراﺳﺔ ھذا اﻟرﻣز ،ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ،ﺗﺑﯾن أن ﺛﻣﺔ ﻣوﻗﻔﯾن ﻣﺗﻧﺎﻗﺿﯾن
ﻋﺎ ّﻣﯾن ﻣﻧﮫ ،ﯾﺗﺑدى اﻟﻣوﻗف اﻷول ﻓﻲ اﻟﻧﺗﺎج اﻟﺷﻌري ذي اﻷﺟواء اﻻﻏﺗراﺑﯾﺔ،
وﯾﺗﻠﺧص ھذا اﻟﻣوﻗف ﻓﻲ اﻋﺗﺑﺎر اﻟﺣﺟر رﻣزا ً ﻟﻠﺗﺷﯾؤ واﻻﻏﺗراب .وﯾﺗﺑدى اﻟﻣوﻗف
اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾﺔ وﻻﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ ﺳﺑﻌﯾﻧﯾﺎت اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن .ﺣﯾث
أن ﻣﺣﻣوﻻت ھذا اﻟرﻣز ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﺗﻛون إﯾﺟﺎﺑﯾﺔ ،ﺗﻛﺛف ﺗﺟرﺑﺔ اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾﺔ.
أﻣﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺧص اﻟﻣوﻗف اﻷول ،ﻓﺈن اﻟﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟروﺣﯾﺔ ﻟﻠﻔرد اﻟﻣﻐﺗرب ،ﻗد
وﺟدت ﻓﻲ اﻟﺣﺟر ﻣﻌﺎدﻻً ﻣوﺿوﻋﯾﺎ ً ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن إﺷﻛﺎﻻﺗﮭﺎ .ﻓﻣن ﺧﻼل رﻣز
اﻟﺣﺟر ،ﺗم اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟﻔراغ اﻟروﺣﻲ ،وﻋن اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻣﺗﺄزﻣﺔ ﺑﯾن اﻟﻔرد اﻟﻣﻐﺗرب
واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ،وﻋن اﻟﻘﻠﻖ اﻟﻧﻔﺳﻲ ،وﻋن اﻹﺣﺳﺎس اﻟﺣﺎد ﺑﺎﻟﻌزﻟﺔ واﻟﺗوﺣّد .وﻧرى أن
ﻛﺛﯾرا ً ﻣن اﻟﻧﺻوص أو اﻟﺻور اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﯾﺻﻌب اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﮭﺎ ﻣن دون ﻓﮭم ﺗﻠك
اﻟﺟواﻧب اﻟﺗﻲ رؤﯾت ﻓﻲ رﻣز اﻟﺣﺟر .وﺳوف ﻧﺗرك ﻟﺑﻌض اﻟﻣﻘﺑوﺳﺎت أن ﺗﻌﺑر
ﻋن ﻧﻔﺳﮭﺎ ،ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺧص رﻣز اﻟﺣﺟر ،وذﻟك ﻟﺿﯾﻖ اﻟﻣﺟﺎل ﻣن ﺟﮭﺔ ،وﺧوﻓﺎ ً ﻣن
اﻟﺗﻛرار ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى.
ﯾﻘول أدوﻧﯾس:
ﻓﻲ اﻟﺣﺟر اﻟﺗﺎﺋﮫ ﻟون اﻟﻘﻠﻖ
ﻟون ﺧﯾﺎل ﺳرى
ﻣن ﯾﺎﺗرى
ﻣ ﱠر ھﻧﺎ واﺣﺗرق)(41
وﯾﻘول ﺣﺎوي:
ﺿﺟر ﻓﻲ دﻣﮫ
ﻓﻲ ﻋﯾﻧﮫ اﻟﺻﻣت اﻟذي
ﺣ ﺟّره طول اﻟﺿﺟر
- 86 -
وﺟﮭﮫ ﻣن ﺣﺟر
ﺑﯾن وﺟوه ﻣن ﺣﺟر)(42
وﯾﻘول ﻧذﯾر اﻟﻌظﻣﺔ:
وﺟﮭﻲ أﻧﺎ ﻣﻣﺗﻠﺊ ﺑﺎﻟﺷوك واﻟﺣﺟﺎرة
ﯾﺑﺣث ﻋن ﺑداءة طرﯾﺔ
ﯾﺑﺟث ﻋن ﺑﻛﺎره )(43
وﯾﻘول اﻟﺳﯾﺎب:
أﻗض ﯾﺎﻣطر
ّ
ﻣﺿﺎﺟﻊ اﻟﻌظﺎم واﻟﺛﻠوج واﻟﮭﺑﺎء
ﻣﺿﺎﺟﻊ اﻟﺣﺟر)(44
وﯾطرح ﺳﻌدي ﯾوﺳف ﻋدة إﯾﺣﺎءات ﻟﻠﺣﺟر ،ﺑﺣﯾث ﯾﺑدو ﻣﺗﺑ ّدﻻً ﻣن ﺣﺎل
إﻟﻰ ﺣﺎل ،ﺑﺣﺳب اﻟﺗﺑدﻻت اﻟﺗﻲ ﺗﻣر ﺑﮭﺎ اﻟذات اﻟﺷﻌرﯾﺔ ،ﻓﻲ واﻗﻌﮭﺎ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ،
وذﻟك ﻓﻲ اﻟﻣﻘطﻊ اﻟﺗﺎﻟﻲ:
ﯾوم ﻋﺎﻟﺟﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟﺣﺟر
-ھذه اﻟروح -ﻗﺎل اﻟﺣﺟر:
ھل أﻛون اﻧﺗﮭﯾت؟
ﻧطوف دھرا ً ﺑﮫ...
ﻛم دﻓﻌﻧﺎ إﻟﻰ ﺣﺟر ،ﻛﻲ ّ
أﻣس ﻗ ّﻠﺑﺗﮫ ﻓﻲ ﯾدي ..أﯾﮭﺎ اﻟﺣﺟر اﻟﻧﯾزك ،اﻟﺣﺟر
أي زﻣﺎن ﻗطﻌﻧﺎ ﻣﻌﺎً! اﻷﺑﯾض ،اﻟﺣﺟر اﻟﻣﺗﻠون :ﱡ
وأي ﻣواطن ﻟم ﺗﻧﻔﺗﺢ وطﻧﺎً! أي أرض ﺣﻠﻠﻧﺎ! ﱡ ﱠ
ً ً
رﺑﻣﺎ ﻛﻧت ﻟﻲ ﺳﺎﻋدا ﯾوم ﻛﻧﺎ ﺻﻐﺎرا ..وﺻرت اﻟﮭراوة
ﻓﻲ اﻟرأس ﺣﯾﻧﺎً ،وﻟﻛﻧﻧﺎ اﻵن ﻧدّان :أﻧت اﻟذي
ﺟﺋت ﻣن أول اﻟﻛون ..ھل ﺟﺋﺗﻧﻲ؟ وأﻧﺎ اﻟﻧﺎھض
-اﻟدھر -ھل أﻧﺛﻧﻲ؟)(45
ﻟﻘد أردﻧﺎ ﻣن ھذا اﻟﻣﻘطﻊ أن ﯾﻛون ﺻﻠﺔ اﻟوﺻل ﺑﯾن ذﯾﻧك اﻟﻣوﻗﻔﯾن ﻣن ھذا
اﻟرﻣز ،ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ .إذ إﻧﮫ ﻗد ﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟﺣﺟر ﺑوﺻﻔﮫ اﻟﻌﻼج اﻟﺳﺣري
ﺗﻧﺎص ﻣﻊ ﺣﺟر ّ ﻟﻠروح اﻟﻣﺗﺄزﻣﺔ )ﯾوم ﻋﺎﻟﺟﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟﺣﺟر-ﺛﻣﺔ ﻓﻲ ھذا اﻻﺳﺗﺧدام
اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ( ،وﻋﺎﻣﻠﮫ ﺑوﺻﻔﮫ رﻣزا ً ﻟﻠﻌﺑث واﻟﻼﺟدوى )ﻛﻲ ﻧطوف دھراً ﺑﮫ ـ وﺛﻣﺔ
ﺗﻧﺎصّ ﻣﻊ ﺻﺧرة ﺳﯾزﯾف(؛ وﻋﺎﻣﻠﮫ ﺑوﺻﻔﮫ رﻣزا ً ﻟﻠﺻﯾرورة )أﯾﮭﺎ اﻟﺣﺟر
- 88 -
أﻧﺎ اﻟﺣﺟر...
أﻧﺎ اﻟﺣﺟر اﻟذي ﻣﺳﺗّﮫ زﻟزﻟﺔ
رأﯾت اﻷﻧﺑﯾﺎء ﯾؤﺟرون ﺻﻠﯾﺑﮭم
واﺳﺗﺄﺟرﺗﻧﻲ آﯾﺔ اﻟﻛرﺳﻲ دھرا ً
ﺛم ﺻرت ﺑطﺎﻗﺔ ﻟﻠﺗﮭﻧﺋﺎت
ﺗﻐﯾر اﻟﺷﮭداء واﻟدﻧﯾﺎ
وھذا ﺳﺎﻋدي
ﺗﺗﺣرك اﻷﺣﺟﺎر
ﻓﺎﻟﺗﻔوا ﻋﻠﻰ أﺳطورﺗﻲ ) (47
إن ﻣﺎﯾﻠﻔت اﻟﻧظر ﻓﻲ أﻣﺛﺎل ھذا اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟرﻣزي ﻣﻊ اﻟﺣﺟر ،ھو أن
ﻣﺻﺎﺣﺑﺎت ھذا اﻟرﻣز ﻛﺛﯾرا ً ﻣﺎﯾﻛون ﻟﮭﺎ ارﺗﺑﺎط ﺑﺎﻟﺧﺻب واﻻﺧﺿرار واﻟطﻔوﻟﺔ.
ﻓﺄﺣﻣد دﺣﺑور ﯾﻘرن " ﺣﺟﺎرة اﻟﺻﺑﺎح " ﺑـ "ﺧﺿرة اﻟدﻧﯾﺎ" ) .(48أﻣﺎ ﺑﺳﯾﺳو ﻓﺈﻧﮫ
ﯾﺗﻠو ﺑﻼغ اﻟﺷﺟر وﺑﻼغ اﻟﺣﺟر) ،(49ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﯾرى ﺗ ﱠل اﻟزﻋﺗر ﻣرﺻﻌﺎ ً ﺑﺎﻟﻘﻣﺢ
واﻷﺣﺟﺎر) .(50وﯾﻘرن دروﯾش اﻟﺣﺟر ﺑﺎﻟزﻋﺗر ،ﻓﻲ ﻗﺻﯾدﺗﮫ اﻟﺷﮭﯾرة "أﺣﻣد
اﻟزﻋﺗر" ﺣﯾث )ﻟﯾدﯾن ﻣن ﺣﺟر وزﻋﺗر .ھذا اﻟﻧﺷﯾد() (51؛ وﯾرى ﻧﺷﯾده ،ﻓﻲ ﻧص
آﺧر ،ﻣﺗﺑدﯾﺎ ً ﺑﺎﺧﺿرار اﻟﻣدى واﺣﻣرار اﻟﺣﺟﺎرة ) .(52أﻣﺎ ﺳﻣﯾﺢ اﻟﻘﺎﺳم ﻓﯾرى
اﻟﺣﺟر ﻣرﺗﺑطﺎ ً ﺑﺎﻟوردة واﻟﺗﻔﺎﺣﺔ .وھذا ﻣﺎﺳوف ﻧﺗﺣدث ﻋﻧﮫ ﺗﺎﻟﯾﺎً .وﯾﻘول ﻋﺻﺎم
ﺗرﺷﺣﺎﻧﻲ:
ھم ..ﻋﻠّﻣوﻧﺎ ﻛﯾف ﻧﻣﺳك ﻧﺎرھم
وﻧﺷ ﱡد أزر ﺟﺣﯾﻣﮭﺎ
ھم ..ﻋﻠّﻣوﻧﺎ ﻛﯾف ﺗﻧﺗﻔض اﻟﺣﺟﺎرة
واﻟﺣداﺋﻖ واﻟطﯾور )(53
وﻣن ﻣﻧظور أن اﻟﺑطوﻟﯾﺔ ھﻲ اﻟﻣﺧﻠّص ﻣن اﻻﺣﺗﻼل واﻻﺳﺗﻼب ،ﻓﻘد رؤﯾت
اﻟﺑطوﻟﯾﺔ ﺷﻛﻼً ﻣن أﺷﻛﺎل اﻟﺧﺻب واﻻﻧﺑﻌﺎث .أي أن اﻟﺣﺟر ﻗد أﺻﺑﺢ ﺑطﻼً
اﻧﺑﻌﺎﺛﯾﺎً .واﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أن ھذا ﻣن أﻏرب اﻻﺳﺗﺧداﻣﺎت ﻟرﻣز اﻟﺣﺟر .ﻏﯾر أن اﻟﻐراﺑﺔ
ﺗﻧﺗﻔﻲ ﺣﯾن ﻧﺗذﻛر واﻗﻊ اﻻﻧﺗﻔﺎﺿﺔ اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾﺔ وأھﻣﯾﺔ اﻟﺣﺟﺎرة ﻓﻲ ﻧﺿﺎﻟﮭﺎ؛ وﺣﯾن
ﻧﺗذﻛر أﯾﺿﺎ ً أن إﯾﺣﺎﺋﯾﺔ اﻟرﻣز ﺗﺗﺄﺗﻰ أوﻻً ﻣن طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﺗﻲ
ﺗﺗﻧﺎوﻟﮫ.
ﻟﻘد ﺻﻌد دروﯾش ﺑرﻣز اﻟﺣﺟر إﻟﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﺑطل اﻷﺳطوري ،وﺻﻌد ﺑﮫ
ﺳﻣﯾﺢ اﻟﻘﺎﺳم إﻟﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﺑطل اﻹﻧﺑﻌﺎﺛﻲ ﻣرﺗﻛزاً ﻋﻠﻰ اﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ اﻻﻧﺗﻔﺎﺿﺎت ﻣن
- 90 -
ﻣن طﻔل ﻧﺑﺗت ﺑﯾن أﺻﺎﺑﻌﮫ اﻟﻧﺎر
ﻣن طﻔل ﯾﻛﺗب ﻓوق ﺟدار
ﯾﻛﺗب ﺑﻌض اﻷﺣﺟﺎر
وﺑﻌض اﻷﺷﺟﺎر ،وﺑﻌض اﻷﺷﻌﺎر )(56
وھﻛذا ﻓﺈن اﻟﺗوﺣد ﺑﯾن اﻟﺣﺟر واﻟﺷﺟر واﻟﺷﻌر أو ﺑﯾن اﻟﺣﻖ واﻟﺧﯾر
واﻟﺟﻣﺎل ،واﺿﺢ ﻓﻲ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن ﺷﻌر اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ.
ﻧﻠﺣظ ،ﻣﻣﺎ ﺳﻠف ،ﻛﯾف ﺗم اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ رﻣز اﻟﺣﺟر ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﻋﺎﻣﺔ،
وﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻣﻧﮫ ﺧﺎﺻﺔ .وﻟﻛن ﻣﺎﺗﻧﺑﻐﻲ اﻹﺷﺎرة إﻟﯾﮫ ،ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل ،ھو
أن رﻣز اﻟﺣﺟر ﻓﻲ دﻻﻟﺗﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ ،ﻗد ﺗم اﺑﺗذاﻟﮫ ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺗﺳﻌﯾﻧﯾﺎت اﻟذي
ﺟﻌل ﻣن اﻻﻧﺗﻔﺎﺿﺔ اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾﺔ ﻣوﺿوﻋﺎ ً ﻟﮫ ) .(57ﻓﻠم ﯾﻌد رﻣزا ً ﺑﻘدر ﻣﺎأﺻﺑﺢ
ﻣﺟرد إﺷﺎرة إﻟﻰ اﻻﻧﺗﻔﺎﺿﺔ .أي ﻛﺄن رﻣز اﻟﺣﺟر ﻓﻲ دﻻﻟﺗﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ ،ﻗد دﺧل
ﻓﯾﻣﺎ دﺧل ﻓﯾﮫ رﻣز اﻟزﯾﺗون ﻣن طرﯾﻖ ﻣﺳدود ،ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻹﯾﺣﺎﺋﻲ واﻟﺟﻣﺎﻟﻲ.
ﻣﻣﺎ ﻗد ﯾﺳﺗدﻋﻲ رﻣزا ً آﺧر ﯾواﺻل ﻣﺎﻛﺎن رﻣز اﻟﺣﺟر ﻗد ﺑدأه.
وﺑﮭذا ،ﻓﻘد طرح ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ أﻧﻣﺎطﺎ ً ﻋدة ﻣن اﻟرﻣوز اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ اﺳﺗوﻋﺑت
ﻣوﻗﻔﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ واﻻﺟﺗﻣﺎﻟﻲ ﻣن اﻟواﻗﻊ اﻟذي راح ﯾﺗﻧﺎﻣﻰ ﻓﯾﮫ .وﻟم ﯾﻛن ﺛﻣﺔ وﻋﻲ
ﺟﻣﺎﻟﻲ ﺟدﯾد ،ﯾرى أن ﺗﺣرﯾض اﻷﺷﯾﺎء ،ﻓﻲ ھذا اﻟﺷﻌر ،ﻟو ﻟم ﯾﻛن ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن أن
ﯾﺑرز اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟرﻣزي ﻣﻊ اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء ،ﻻ اﻷﺷﯾﺎء ،ھو أﺳﺎس اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ
ﻓﻲ اﻟﺷﻌر ،واﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ .وﻗد ﯾﺑدو أن ھذا اﻟﻣﻧطﻠﻖ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﯾﻧﺳﺟم وﻣﺎ ﯾذھب إﻟﯾﮫ
ﺷﻛﻠوﻓﺳﻛﻲ ﻣن أن " اﻟﻔن ھو أﺣد طرق اﻟﻣﻌﺎﯾﺷﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻟﻠﻣوﺿوع ،أﻣﺎ اﻟﻣوﺿوع
ﻓﻠﯾس ﺑذي أھﻣﯾﺔ ") .(58ﻏﯾر أن اﻷﻣر ﻟﯾس ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﺣو ﺗﻣﺎﻣﺎً .ﻓﻼﺷك ﻓﻲ أن
اﻟﻔن ﻣﻌﺎﯾﺷﺔ ﻓﻧﯾﺔ أو ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻟﻠﻣوﺿوع .وﻟﻛن ﻟﻠﻣوﺿوع أھﻣﯾﺔ ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﻌﺎﯾﺷﺔ.
ﻓﮭو أﺣد ﻗطﺑﻲ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ،وﻣن دوﻧﮫ ﻻﯾﻛون ﺛﻣﺔ ﻣﻌﺎﯾﺷﺔ أو ﻋﻼﻗﺔ .ﻓﮭو
اﻟﻣﺣرض واﻟﻣؤﺛّر .وﻻﺑد ﻣن أن ﺗﻧﻌﻛس ﺑﻌض ﺻﻔﺎﺗﮫ ،ﻓﻲ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻹدراك .وﻣﺎ ّ
ﯾؤﻛد ذﻟك أن ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻣﻠﮫ اﻟرﻣزي ﻣﻊ اﻟﻣوﺿوﻋﺎت ﻟم ﯾﻛن ﯾﻐﻔل ھذه
اﻟﺻﻔﺔ أو ﺗﻠك ﻣﻧﮭﺎ .وﻟوﻻ ذﻟك ﻟﻣﺎ ﺗﯾﺳّر ﻟﮫ أن ﯾﻧﺗﺞ رﻣوزا ً ذات إﯾﺣﺎء ﻣﻛﺛف،
رﻣوزا ً ﺗﺗﻛﺊ ﻋﻠﻰ ﺑﻌض ﺻﻔﺎت اﻷﺷﯾﺎء أو اﻟﻣوﺿوﻋﺎت ،ﻣﺛﻠﻣﺎ ﺗﺗﻛﺊ ﻋﻠﻰ اﻟطﺑﯾﻌﺔ
اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻟروﺣﯾﺔ ﻟﻠﻣﺑدع .وﻓﻲ ھذا ﺗﻛﻣن اﻟﺣرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻧﺎﻟﮭﺎ اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺣداﺛﻲ .ﻓﻲ
ّ
اﻟﺣﻖ ﺗﻌﺎﻣﻠﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣﻊ اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء .ﻓﻠم ﯾﻌد ﻣو ّﻛﻼً ﺑﻣﺣﺎﻛﺎﺗﮭﺎ .ﺑل أﺻﺑﺢ ﻟﮫ
ﺑﺗﺷﻛﯾﻠﮭﺎ ﺗﺷﻛﯾﻼً ﺟدﯾداً ،ﯾﺧرج ﺑﮭﺎ ﻣن ﻋﻼﻗﺎﺗﮭﺎ اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ ،ﻣن دون أن ﯾﻠﻐﻲ
ﺗﺄﺛﯾراﺗﮭﺎ ﻓﯾﮫ .
- 92 -
24ـ ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ ،ج .3دار اﻟﻄﺒﺎﻋﺔ اﻟﻌﺎﻣﺮة ،اﻟﻘﺎھﺮة 1330 .ه .را :ص 26:ـ 27
25ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.27 :
26ـ اﻟﺴﯿﺎب :اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.438 :
27ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.438 :
28ـ ﺣﺎوي ،اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.22:
29ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص92:ـ .93
30ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.139 :
31ـ اﻟﺠﻨﺪي،ﻋﻠﻲ :ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻣﻮﻗﻮﺗﺔ .دار اﻟﻨﺪﯾﻢ ،ﺑﯿﺮوت ،د/ﺗﺎ .ص76 :ـ .77
32ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.87 :
33ـ أدوﻧﯿﺲ :اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.412 :
34ـ أدوﻧﯿﺲ :اﻵﺛﺎر اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ،م .2 :دار اﻟﻌﻮدة ،ﺑﯿﺮوت .1971 ،ص519 :ـ .520
35ـ ﺧﻀﻮر ،ﻓﺎﯾﺰ :ﻧﺬﯾﺮ اﻷرﺟﻮان .دار ﻓﻜﺮ ،ﺑﯿﺮوت . 1989 ،ص68:ـ .69
36ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص117:ـ .118
37ـ ﺣﺠﺎزي ،أﺣﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻌﻄﻲ :ﻛﺎﺋﻨﺎت ﻣﻤﻠﻜﺔ اﻟﻠﯿﻞ ،دار اﻵداب .ﺑﯿﺮوت.1978 .ص10:ـ
.11
38ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.126:
39ـ أدوﻧﯿﺲ :اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،م .1 :ص.50:
40ـ ﺣﺎوي :اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.208:
41ـ اﻟﻌﻈﻤﺔ ،ﻧﺬﯾﺮ :اﻟﺨﻀﺮ وﻣﺪﯾﻨﺔ اﻟﺤﺠﺮ .اﺗﺤﺎد اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮب ،دﻣﺸﻖ ،1979،ص44:
42ـ اﻟﺴﯿﺎب ،اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.463 :
43ـ ﯾﻮﺳﻒ:اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص33:ـ .34
44ـ ﺑﺴﯿﺴﻮ ،ﻣﻌﯿﻦ :اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ .دار اﻟﻌﻮدة ،ﺑﯿﺮوت .1979 ،ص.665 :
45ـ دروﯾﺶ ،ﻣﺤﻤﻮد :دﯾﻮاﻧﮫ ،م .2:دار اﻟﻌﻮدة ،ﺑﯿﺮوت . 1980 ،ص.245:
46ـ دﺣﺒﻮر ،أﺣﻤﺪ :ﻣﺠﻠﺔ ﻓﻜﺮ ،اﻟﻌﺪد ،57/56ﺑﯿﺮوت .1984 ،ص.118:
47ـ ﺑﺴﯿﺴﻮ :اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.668:
48ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.625 :
49ـ دروﯾﺶ :اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.469:
50ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.523:
51ـ ﺗﺮﺷﺤﺎﻧﻲ ،ﻋﺼﺎم :ﻣﻨﺎرات ﻷﺣﺰان اﻟﻌﺸﺐ .دار اﻟﻘﺪس ،ﺑﯿﺮوت . 1979 ،ص.37 :
52ـ اﻟﻘﺎﺳﻢ ،ﺳﻤﯿﺢ :ﺟﮭﺎت اﻟﺮوح .دار اﻟﺤﻮار ،اﻟﻼذﻗﯿﺔ .1984 ،ص114 :ـ .115
53ـ ﻧﻔﺴﮫ ،ص.70:
54ـ ﺑﺴﯿﺴﻮ :اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص652:ـ .653
55ـ ﻛﻠﯿﺐ ،د .ﺳﻌﺪ اﻟﺪﯾﻦ :ﻗﺼﯿﺪة اﻻﻧﺘﻔﺎﺿﺔ "اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺴﻮري أﻧﻤﻮذﺟﺎً" ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ"
اﻟﻌﺪد .365:دﻣﺸﻖ .1994 ،را :ص84:ـ .102
56 - SELDEN , RAMAN . AREADER’S GUIDE TO CONTEMPORARY
LITERARY THEORY . LOKDON : 1988 . P . 10 .
-وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ - - 93 -
- 94 -
اﻟﻔﺼﻞ اﻟ ﺮاﺑﻊ
* ﺗﺄﺳـــﯿــﺲ ﻧـﻈـﺮي:
ﯾﻌ ّد اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ ARTISTIC TYPEﻣن أھم اﻷﺳﺎﻟﯾب اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ
اﺳﺗﺧدﻣﮭﺎ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﻓﻲ ﺗﻌﺑﯾره ﻋن وﻋﯾﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟذي ﯾﺗﺻف
ﺑﺎﻟدراﻣﯾﺔ DRAMATICﻣن ﺟﮭﺔ؛ وﻓﻲ ﺗﻌﺑﯾره ﻋن اﻟواﻗﻊ اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ﻣن ﺟﮭﺔ
أﺧرى ،إذ إن إﻧﺗﺎج اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ ﻻﯾﻌﻧﻲ اﻟﺗﺧﻔّف ﻣن اﻟﻐﻧﺎﺋﯾﺔ LYRICISMﻓﺣﺳب.
ﺑل ﯾﻌﻧﻲ أﯾﺿﺎ ً اﻟﻣﻌﺎﻟﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻷوﺳﻊ ﻣﺳﺎﺣﺔ ﻣﻣﻛﻧﺔ ،ﻣن اﻟواﻗﻊ ﺑﻌﻼﻗﺎﺗﮫ وﻗﯾﻣﮫ
اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ .وﻟﮭذا ،ﻓﺈن دراﺳﺔ ھذه اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ ھﻲ،ﻓﻲ أﺣد ﻣﺳﺗوﯾﺎﺗﮭﺎ ،دراﺳﺔ ﻟﺗﺟﻠﻲ
اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﺑﺷﻛل دراﻣﻲ ،ﻓﻲ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ؛ ﻣﺛﻠﻣﺎ ھﻲ دراﺳﺔ ﻟطرﯾﻘﺔ اﻟﺗﻧﺎول
اﻟﻔﻧﻲ ﻟﻠواﻗﻊ.
ﻓﻣن اﻟﻣﻌﻠوم أن اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺣداﺛﻲ ﻟم ﯾﻌد ،ﻓﻲ اﻷﻋ ّم اﻷﻏﻠب ،ﯾﻌﺑّر ﻋن
ﺗﺟرﺑﺗﮫ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﺑﺷﻛل ﻏﻧﺎﺋﻲ ﺻرف ،ﻛﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﺷﺎﻋر اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﯾﻧﺣو ﻓﻲ
ﺷﻌره .ﺑل ﺑﺎت أﻗرب إﻟﻰ اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﻧﺎول ﺗﺟرﺑﺗﮫ ،وﻓﻲ إﻧﺗﺎﺟﮭﺎ ﺷﻌرﯾﺎً.
وھو ﻣﺎأدى إﻟﻰ اﺳﺗﺗﺎر ذاﺗﯾﺗﮫ ،ﻓﻲ ﺑﻌض اﻟﻧﺻوص اﺳﺗﺗﺎرا ً ﺗﺻﻌب ﻓﯾﮫ إﺣﺎﻟﺔ ھذه
اﻟﻧﺻوص ﻋﻠﻰ ﺗﻠك اﻟذاﺗﯾﺔ ،ﻣن دون أن ﯾﻌﻧﻲ ذﻟك اﺳﺗﺗﺎر اﻟﻣوﻗف اﻟذاﺗﻲ ﻣن ھذه
اﻟظﺎھرة أو ﺗﻠك .أي أﻧﻧﺎ ﻟم ﻧﻌد ﻧﺗﻠﻘﻰ ذاﺗﯾﺔ اﻟﺷﺎﻋر ﻣن ﺧﻼل ﻧﻣﺎذﺟﮫ اﻟﻔﻧﯾﺔ ،ﺑﻘدر
ﻣﺎﻧﺗﻠﻘﻰ ﻣوﻗﻔﮫ اﻟذاﺗﻲ ﻣﻧﮭﺎ .وﻟذﻟك ﻓﺈن اﻟﻛﻼم ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻣوذج ﺑوﺻﻔﮫ ﺗﻌﺑﯾرا ً ﻋن ﺗﻠك
اﻟذاﺗﯾﺔ ،ﺳوف ﯾﻘﻊ ﻓﻲ ﻣﻐﺎﻟطﺔ ﻧﻘدﯾﺔ وﻋﻠﻣﯾﺔ ﻓﻲ آن ﻣﻌﺎً .وذﻟك ﻛﻣﺎ ﻓﻌل اﻟﻧﺎﻗد
ﯾوﺳف اﻟﯾوﺳف ) (1ﺑﻧﻣوذج "ﺣﻔﺎر اﻟﻘﺑور" ﻟﻠﺳﯾﺎب .ﺣﯾث راح اﻟﯾوﺳف ﯾﺳﺗﻘرئ
* ـ ﻟﻌﻠﮫ ﻣﻦ اﻟﻀﺮوري أن ﻧﺸﯿﺮ إﻟﻰ أن اﺳﺘﺨﺪاﻣﻨﺎ ﻟﻤﺼﻄﻠﺢ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻔﻨﻲ ﻻﯾﻌﻨﻲ أﻧﻨﺎ ﻧﻘﻮل
ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻮاﻗﻌﯿﺔ اﻻﺷﺘﺮاﻛﯿﺔ ﺗﻘﻮﻟﮫ ﺑﻀﺮورة أن ﺗﻜﻮن اﻟﻨﻤﺎذج ﺗﻤﺜﯿﻼً ﻟﻠﻄﺒﻘﺎت أو اﻟﺸﺮاﺋﺢ
اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ .ﺑﻞ إﻧﻨﺎ ﻧﺮى أن اﻟﻨﻤﻮذج ﻻﯾﻤﻜﻨﮫ ذﻟﻚ إطﻼﻗﺎ ً .وإﻧﻤﺎ ﻧﺮى أن اﻟﻨﻤﻮذج ھﻮ ﺗﻤﺜﯿﻞ
ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﻤﺒﺪع ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻈﻮاھﺮ اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ أو اﻟﺮوﺣﯿﺔ أو اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ .ﻓﮭﻮ ﺑﮭﺬا
اﻟﻤﻌﻨﻰ ﺑﻠﻮرة ﺟﻤﺎﻟﯿﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ﻟﻠﻤﻮﻗﻒ اﻟﺬاﺗﻲ.
- 96 -
ﻛﯾﻧوﻧﺗﮫ اﻟﻘﯾﻣﯾﺔ ،ﻻ ﻋﻠﻰ ﺣﯾﺎﺗﮫ اﻟﻣﺎدﯾﺔ واﻟروﺣﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،ﻛﻣﺎ ﻧﻠﺣظ ﻓﻲ
اﻟرواﯾﺔ واﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ.
وﯾﺧﺗﻠف اﻟﻧﻣوذج اﻟﺷﻌري ﻋن ﻛ ٍّل ﻣن اﻟﻧﻣوذج اﻟرواﺋﻲ واﻟﻣﺳرﺣﻲ ،ﻓﻲ أﻧﮫ
ﻣوﺿوﻋﻲ ـ ذاﺗﻲ ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ ﻣوﻗف اﻟﺷﺎﻋر ﻣن اﻟظﺎھرة اﻟﻣﻧﻣذﺟﺔ إﯾﺟﺎﺑﺎ ً أو ﺳﻠﺑﺎ ً.
ﻓﻣﺳﺗﻘﻼن ﻋن ذات اﻟﻣﺑدع .وﻟﮭذا ﻓﮭﻣﺎ أﻛﺛر ﻣوﺿوﻋﯾﺔ ﻣن اﻟﻧﻣوذج ّ أﻣﺎ اﻵﺧران
اﻟﺷﻌري .إذ إن طﺑﯾﻌﺔ اﻹﺑداع اﻟﺷﻌري ﺗﺟﻌل اﻟﺷﺎﻋر ﻻﯾﺗﺧﻠﻰ ﻋن طرح ﻣوﻗﻔﮫ
اﻟذاﺗﻲ .ﻓﻣوﻗف اﻟﺳﯾﺎب ،ﻣﺛﻼً ،ﻣن "ﺣﻔﺎر اﻟﻘﺑور" أو "اﻟﻣوﻣس اﻟﻌﻣﯾﺎء" ﻣوﻗف
واﺿﺢ وﺻرﯾﺢ .أﻣﺎ ﻣوﻗف دوﺳﺗوﯾﻔﺳﻛﻲ ،ﻣﺛﻼً ،ﻣن أﻓراد اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﻣﺗﮭرﺋﺔ ـ ﻋﺎﺋﻠﺔ
ﻛراﻣﺎزوف ـ ﻓﻠﯾس واﺿﺣﺎ ً ﺗﻣﺎم اﻟوﺿوح .ﻓﻣﺎ ﻣوﻗﻔﮫ ﻣن اﻷخ اﻷﺻﻐر اﻟﻣﺗرھﺑن،
أو اﻷخ اﻷوﺳط اﻟﻣﺗﺛﺎﻗف ،أو اﻷخ اﻷﻛﺑر اﻟﻣﺗﮭﺗك ،أو اﻷخ اﻟﻣﻧﺳﻲ اﻟﻣﺻروع...
إﻟﺦ؟ وﻻﺷك ﻓﻲ أن ﻣوﻗف دوﺳﺗوﯾﻔﺳﻛﻲ اﻟﺳﻠﺑﻲ ﻣن ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻛراﻣﺎزوف ﺟﻣﻠﺔ،
واﺿﺢ ﺗﻣﺎﻣﺎً .ﻏﯾر أﻧﮫ رﺳم ﺷﺧﺻﯾﺎﺗﮫ ﺗﻠك ،ﺑﺷﻛل ﻣوﺿوﻋﻲ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ذاﺗﮫ .أﻣﺎ
اﻟﺷﺎﻋر ،ﺑﺳﺑب طﺑﯾﻌﺔ ﻓﻧﮫ ،ﻓﻼﯾﻣﻛﻧﮫ ذﻟك .وﻋﻠﻰ أﯾﺔ ﺣﺎل ،ﻓﺈن ﻟﻛل ﻓن طﺑﯾﻌﺗﮫ
اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﮫ.
إن ﺳﻣﺔ اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ اﻟﺟدﯾرة ﺑﺎﻻھﺗﻣﺎم ﺗﻛﻣن ﻓﻲ أﻧﮫ ﯾﺳﺗطﯾﻊ اﺣﺗواء
ظواھر اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺟدﯾدة داﺋﻣﺎً) .(2وذﻟك ﺑﺳﺑب اﻟﺗﻌﻣﯾم اﻟﻣﺟﺎزي اﻟذي ﯾﺗﺻف ﺑﮫ،
وﺑﺳﺑب اھﺗﻣﺎﻣﮫ ﺑﻣﺎ ھو ﺟوھري ﻓﻲ اﻟظﺎھرة اﻟﻣﻧﻣذﺟﺔ .وﯾﻣﻛن اﻟﻘول إن اﻟﻧﻣوذج
اﻟذي ﻻﯾﻧﮭض ﺑذﻟك ،ﻟن ﯾﺗﻣﻠّك اﻟظﺎھرة اﻟﺗﻲ ﯾﻧﻣذﺟﮭﺎ ،ﻛﻣﺎ ﻟن ﯾﺗﻣﻛن ﻣن اﻹﯾﺣﺎء
اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ .ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ أن اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻻﺗﺗم ﺑﻣﺟرد إﯾﺟﺎد ﺷﺧﺻﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻋن
ﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﺷﺎﻋر .ﻓﻼﺑد ﻣن أن ﺗﻛون ھذه اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ذات إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ ﺗﻌﺑﯾرﯾﺔ ﻋن
ﻣوﻗف أو ﺗﺟرﺑﺔ أو ظﺎھرة ﻣﺎ ،وذات إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ إﯾﺣﺎﺋﯾﺔ ،ﯾﻣﻛن ﺑﮭﺎ أن ﺗﺳﺗوﻋب
ظواھر أﺧرى ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،وأن ﺗﺗواﺻل وﻣﺎ ﯾﺳﺗﺟ ﱡد ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟواﻗﻊ .وﻟﻛن ذﻟك
ﻏﯾر ﻣﻣﻛن ،إذا ﻣﺎﻛﺎن اﻟﻧﻣوذج ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻣﻘوﻟﺔ ﻋﻘﻠﯾﺔ .إذ إن ﻟﻠﻣﻘوﻟﺔ ﻧﺳﻘﺎ ً ﻣﻐﺎﯾرا ً
ﻟﻧﺳﻖ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺳﻌﻰ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋﻧﮭﺎ .ھذا ﻣن ﺟﮭﺔ ،وﻣن ﺟﮭﺔ
أﺧرى ،ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟﻧﻣوذج ﺻﺎدرا ً ﻣن ﺗﻌﻣﯾم ﻣﺟﺎزي ،ﻓﺈن ذﻟك ﻻﯾؤدي إﻟﻰ أﻧﮫ ﺗﻌﻣﯾم
ﻋﻘﻠﻲ ﻟﻠظﺎھرة .ﺑل إن اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ ﺑﯾن اﻟذاﺗﻲ واﻟﻣوﺿوﻋﻲ ﺗوﺟب أن ﯾﻛون
اﻟﻧﻣوذج ذا ﻧﺳﻖ اﻧﻔﻌﺎﻟﻲ ﻣﺟﺎزي ﻻﯾﻣﻛن اﺧﺗزاﻟﮫ ﺑﻣﻘوﻟﺔ ﻋﻘﻠﯾﺔ .إن ھدف اﻟﺷﻌر
اﻟﺣدﯾث ـ ﻛﻣﺎ ﯾﻘول ﺻﺎﺣب ﻛﺗﺎب ﺷﻌر اﻟﺗﺟرﺑﺔ ـ "ﯾﺗﺟﻠﻰ ﻓﻲ ﻓﺗﺢ ﻗﻧﺎة ﻣن
اﻟﻣوﺿوع اﻟﺷﺧﺻﻲ إﻟﻰ ﻧﻣوذﺟﮫ اﻷﺻﻠﻲ ﻋﺑر ﺗﺟﻧّب اﻟﻣﻘوﻟﺔ اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ
ﻟﻠﻧﻣوذج") .(3وﻟﮭذا ﻓﺈن اﻟﻧﻣوذج ﺑﻣﺎ ھو ﺗﻌﻣﯾم ﻣﺟﺎزي ،ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟطﺑﯾﻌﺔ
اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ.
وﺗﻧﺑﻐﻲ اﻹﺷﺎرة ،ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﺎل ،إﻟﻰ أن اﻟﻧﻣوذج ﻻﯾﺗ ﱡم ،ﻣن دون اﻟوﺣدة
اﻟﻌﺿوﯾﺔ ORGANIC UNITYاﻟﺗﻲ ھﻲ ﺳﻣﺔ أﺳﺎﺳﯾﺔ ﻣن ﺳﻣﺎت اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ
AESTHETIC VALUEﻋﺎﻣﺔ .ﻓﺎﻟﺗﻧﺎﻓر واﻟﻧﺷﺎز وﻋدم اﻻﺗﺳﺎق ﻻﯾﻣﻛﻧﮭﺎ أن ﺗﻧﺗﺞ
ﻗﯾﻣﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ .ﺳواء أﻛﺎن ذﻟك ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻧﻣوذج ،أم ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻧص ﻋﺎﻣﺔ.
-وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ - - 97 -
وﻟﮭذا ،ﻻﺑ ﱠد ﻣن أن ﯾﻛون اﻟﻧﻣوذج اﻟﻣطروح ﻣﺗﻣﺎﺳﻛﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻟﺑﻧﯾوي ﻟﺗﺷﻛﯾﻠﮫ
اﻟﻔﻧﻲ ،وﻹﺣﺎﻻﺗﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ .ﺑﺣﯾث ﻻﯾﺑدو ﺟﻣﻌﺎ ً اﻋﺗﺑﺎطﯾﺎ ً ﻟﺑﻌض اﻟﺻﻔﺎت اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ
اﻟﻣﺗﻧﺎﻓرة ،أو ﻻﯾﺑدو ﺧﺎﻟﯾﺎ ً ﻣن اﻻﺗﺳﺎق اﻹﯾﺣﺎﺋﻲ أو اﻹﯾﺣﺎﺋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻣﺗﺳﻖ.
إن اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ ﺑوﺻﻔﮫ ﺣﺎﻣﻼً ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ،ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻣﺗﻠك اﻹﻣﻛﺎﻧﯾﺔ
ﻓﻲ أن ﯾﻛون ذا ﻛﯾﻧوﻧﺔ ذاﺗﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،ﺑﮭذا اﻟﻘدر أو ذاك ،ﻋن ﻛﯾﻧوﻧﺔ اﻟﺷﺎﻋر اﻟذاﺗﯾﺔ،
ﺑﺣﯾث ﯾﺳﺗﺣ ّﻖ اﻻﻧﺗﺑﺎه إﻟﯾﮫ ﺑذاﺗﮫ ،ﺷﺄﻧﮫ ﻓﻲ ذﻟك ﺷﺄن اﻟرﻣز اﻟﻔﻧﻲ ،ﺑﻣﻌزل ﻋن
ﻣﺑدﻋﮫ .ﺑل ﻛﺛﯾرا ً ﻣﺎﻧﺟد اﻟﺷﺎﻋر ﯾدﺧل ﻓﻲ ﺣوار أو ﺗﻧﺎﻗض أو ﺻراع ﻣﻊ ﻧﻣوذﺟﮫ
اﻟذي ﻗد ﯾﺑدو ،ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ،ﺟﻣﯾﻼً أو ﻗﺑﯾﺣﺎً ،وﺑطوﻟﯾﺎ ً أو ﺗﺎﻓﮭﺎً ،وﺗراﺟﯾدﯾﺎ ً
أو ﻣﻌذﺑﺎ ً أو ﻛوﻣﯾدﯾﺎً .وﻣن ھﻧﺎ ،ﻓﺈن اﻟﻧﻣوذج ﻟﯾس اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﺎ ً دراﻣﯾﺎ ً ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ ﻓﺣﺳب
ﺑل إﻧﮫ أﯾﺿﺎ ً ﯾﻔرض ﺑﻧﺎء ﺷﻌرﯾﺎ ً دراﻣﯾﺎ ً ﺑﺎﻟﺿرورة .أي أن اﻟﻧص اﻟﺷﻌري اﻟذي
ﯾﻧﮭض ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻣذﺟﺔ ،ﻻﺑ ّد ﻣن أن ﯾﻛون ﺑﻧﺎؤه اﻟﻔﻧﻲ دراﻣﯾﺎً .ﺣﯾث ﺗﺗﻌدد اﻷﺻوات
وﺗﺗﻧﺎﻗض ،وﯾﺗﻧﺎﻣﻰ اﻻﻧﻔﻌﺎل ،وﺗﺗطور اﻟﺻور ﻣن ﺑﻌﺿﮭﺎ ،وﺗﺗواﺷﺞ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ،
وﺗﺻطرع اﻟﻣﺷﺎﻋر واﻷﺣﺎﺳﯾس ..إﻟﺦ.وإذا ﻣﺎ أﺿﻔﻧﺎ إﻟﻰ ﻛل ذﻟك أن اﻟﻧﻣوذج ﻏﺎﻟﺑﺎ ً
ﻣﺎﯾﺗﺻف ﺑﺗﺄزم دراﻣﻲ ﺣﺎدّ ،ﻓﺈن دراﻣﯾﺔ اﻟﺑﻧﺎء اﻟﻔﻧﻲ ﻟﻠﻧص ﺗﻐدو ،ﻋﻧدﺋذ ،أوﺿﺢ
ﻣن أن ﯾﺷﺎر إﻟﯾﮭﺎ ،وﯾﻐدو اﻟﺗداﺧل ﺑﯾن اﻟذاﺗﻲ واﻟﻣوﺿوﻋﻲ ﻋﺎﻣﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻧص ﻛﻠﮫ.
"ﻓﺎﻟﺷﺎﻋر ﯾﺗﺣدث ﻋن ﻧﻔﺳﮫ ﻋﺑر اﻟﺣدﯾث ﻋن آﺧر )ﻣوﺿوع( ،وھو ﯾﺗﺣدث ﻋن
آﺧر ﻋﺑر اﻟﺣدﯾث ﻋن ﻧﻔﺳﮫ ،وھو ﻻﯾﺧﺎطب ﻧﻔﺳﮫ أو اﻵﺧر ،ﻛﻼً ﻋﻠﻰ ﺣدة ،وإﻧﻣﺎ
ﯾﺧﺎطﺑﮭﻣﺎ ﻣﻌﺎً ،ﻓﻧراه ﯾﺧﺎطب اﻵﺧر ﻟﯾﻧﺑﺊ ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺷﻲء ﻣﺎ ،وﻣﻊ ذﻟك ﻓﺈن اﻟﺷﻲء
اﻟذي ﯾﻧﺑﺊ ﺑﮫ ﻧﻔﺳﮫ ﯾﺗﺄﺗﻰ ﻣن اﻵﺧر" ) .(4وﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ،ﻓﺈن اﻟﺷﺎﻋر ﻓﻲ اﻧﺗﺎﺟﮫ
ﻟﻠﻧﻣوذج ﯾﺧﺗﻠﻖ ﺷﺧﺻﯾﺔ ﻣوﺿوﻋﯾﺔ ،ﺗﻛﺛف ﻣوﻗﻔﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ـ اﻟذاﺗﻲ ،ﻟﯾدﺧل ﻣﻌﮭﺎ
ﻓﻲ ﺣوار ﯾﺑﻠورھﺎ وﯾﺑﻠور ﻣوﻗﻔﮫ أﯾﺿﺎً.وﻗد ﯾﺳﻧد إﻟﯾﮭﺎ ﻣﺎﯾﺳﻌﻰ إﻟﻰ أن ﯾﻘوﻟﮫ .ﻓﺗﻘول
ﻗوﻟﮫ ،ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻗوﻟﮭﺎ؛ ﻛﻣﺎ ﻗد ﯾﺳﻧد إﻟﯾﮭﺎ ﻣﺎﯾﺗﻧﺎﻓر أو ﯾﺗﻧﺎﻗض وﻗوﻟﮫ .ﻓﺗﻘول ،ﻋﻧدﺋذ،
ﻧﻘﯾض ﻗوﻟﮫ ،ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻗوﻟﮭﺎ أﯾﺿﺎً .وﺗﺑﻘﻰ ھذه اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ـ أو ھذا اﻟﻧﻣوذج ـ ھﻲ
اﻟﻣﻌﺎدل اﻟﻣوﺿوﻋﻲ ﻟﻠﻣوﻗف اﻟذاﺗﻲ اﻟﻧﮭﺎﺋﻲ ﻟﻠﻣﺑدع ،ﻣن ھذه اﻟظﺎھرة أو ﺗﻠك .ﺳواء
أﻛﺎن اﻟﻣوﻗف ﺳﻠﺑﯾﺎ ً أم ﻛﺎن إﯾﺟﺎﺑﯾﺎً .ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن اﻟﺳﻠﺑﯾﺔ أو اﻹﯾﺟﺎﺑﯾﺔ ،ھﻧﺎ،
ﺗﺑﻘﻰ ﻧﺳﺑﯾﺔ .ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟﻧﻣوذج ﻟﯾس ﻓﻛرة أو ﻣﻘوﻟﺔ ﯾﻣﻛن أن ﻧﺻﻔﮭﺎ ﺑﺎﻟﺻواب أو
اﻟﺧطﺄ .ﺑل ھو ﻛﺎﺋن ﻓﻧﻲ ﻣﺗﻌدد اﻷﺑﻌﺎد وﻣﺧﺗﻠف اﻟﻣواﻗف واﻟﻣﺷﺎﻋر .وﻟﮭذا ﻛﺛﯾراً ﻣﺎ
ﯾﺻﻌب وﺻﻔﮫ ﺑﺎﻹﯾﺟﺎﺑﯾﺔ أو اﻟﺳﻠﺑﯾﺔ اﻟﻣطﻠﻘﺔ .وإن ﯾﻛن ﻟﻠﻣﺑدع ﻣوﻗﻔﮫ اﻟﻧﮭﺎﺋﻲ ﻣﻧﮫ.
ﻓﺑﻣﺎ أن ﻟﻠﻧﻣوذج اﺳﺗﻘﻼﻻً ﻣﺎ ﻋن ذات اﻟﻣﺑدع ،ﻓﻣن ﺣﻘﮫ أن ﯾﻣﺗﻠك اﻹﻣﻛﺎﻧﯾﺔ
اﻹﯾﺣ ﺎﺋﯾﺔ ﻓﻲ أن ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ ﻣوﻗف ﺗﻘوﯾﻣﻲ ﻻ ﯾﺗﻘﺎطﻊ ﺑﺎﻟﺿرورة وﺗﻘوﯾم اﻟﻣﺑدع ﻟﮫ.
واﻟﺣﻖ أن ھذا ﺷﺎﺋﻊ ﻓﻲ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻧﻣﺎذج اﻟﺗﻲ طرﺣﮭﺎ ﺷﻌر اﻟﺣداﺛﺔ .وھو ﻣﺎ
ﺳوف ﻧﻠﺣظﮫ ﻓﻲ ﺑﻌض اﻟﻧﻣﺎذج اﻟﺗﻲ ﺳوف ﻧﺗﻌرض ﻟﮭﺎ ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺑﺣث.
ﻧﺧﻠص إﻟﻰ أن ﺳﻣﺎت اﻟﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ ،ﻓﻲ اﻟﺷﻌر ،ﺗﺗﺣدد ﺑﺎﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﺟوھر
اﻟظﺎھرة اﻟﻣﻧﻣذﺟﺔ ﺗﻌﺑﯾرا ً ﻣﻛﺛﻔﺎ ً ﻣرﻛزاً ،ﻣن دون اﻻﻟﺗﻔﺎت إﻟﻰ ﻣﺎ ھو ﺛﺎﻧوي أو
ﻋرﺿﻲ أو ﯾوﻣﻲ ،ﻣﻣﺎ ﻗد ﯾﺷ ّﻛل أﺳﺎﺳﺎ ً ﻣن أﺳس اﻟﻧﻣذﺟﺔ ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ واﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ؛
- 98 -
وﯾﺗﺣدد ﺑﺎﻟﺗﻌﻣﯾم اﻟﻣﺟﺎزي اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟذاﺗﻲ
واﻟﻣوﺿوﻋﻲ ،وﺑدراﻣﯾﺔ اﻟﻣوﻗف ،واﻟﺗﻧﺎﻣﻲ ﻓﻲ إطﺎر اﻟﻧوﻋﯾﺔ اﻟﻣﺣدّدة ،وﺑﺎﻟوﺣدة
اﻟﻌﺿوﯾﺔ ،وﺑﺎﻹﯾﺣﺎء اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻣﺗﻛﺛّر؛ ﻛﻣﺎ ﯾﺗﺣدد أﯾﺿﺎ ً ﺑﺎﻟﺣﺳﯾﺔ اﻟﺻورﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻣن
دوﻧﮭﺎ ﻻ ﯾﻛون ﻟﻠﻧﻣوذج ﻛﯾﺎن ﻗﺎﺋم ﺑذاﺗﮫ ،وﻻ ﯾﺳﺗطﯾﻊ أن ﯾﺗﻛﺛّر إﯾﺣﺎﺋﯾﺎً .ﻓﻣن دون
اﻟﺣﺳﯾﺔ اﻟﺻورﯾﺔ ﯾﻐدو اﻟﻧﻣوذج ﻣﺟرّ د رأي ﻣطروح ،ﯾﺗطﻠب اﻟﻣﺣﺎورة اﻟذھﻧﯾﺔ ﻻ
اﻟﻣﻌﺎﯾﺷﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ .أوﻣن اﻟﻼﻓت ﻟﻠﻧظر أن اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺧﺎص ﺑﺎﻟﺷﻌر اﻟﺣداﺛﻲ ،ﻟم
ﯾﻠﺗﻔت إﻟﻰ اﻟﺗﻧظﯾر ﻟﻠﻧﻣوذج اﻟﻔﻧﻲ ،ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن اﻷھﻣﯾﺔ اﻟﻌظﻣﻰ اﻟﺗﻲ ﻟﮫ ،ﻓﻲ ھذا
اﻟﺷﻌر اﻟذي ﻗﺎم ﻓﻲ ﻣﻌظم ﻧﺻوﺻﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻣذﺟﺔ .ﻣﻊ اﻟﻌﻠم أن ذﻟك اﻟﻧﻘد ﻗد ﺗﻧﺎول
ھذه اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ ،ﻏﯾر أﻧﮫ ﻛﺎن ﯾرى ﻓﯾﮭﺎ ﻧوﻋﺎ ً ﻣن اﻟﻘﻧﺎع اﻟﻔﻧﻲ ) ،(5ﻻ ﻧﻣوذﺟﺎ ً ﻓﻧﯾﺎً.
وﻧرى أن ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻘﻧﺎع MASKﻗﺎﺻر ﻋن اﻹﺣﺎطﺔ ﺑﮭذه اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻧﻣذﺟﺔ
ﺑﻛل ﻣﺎ ﯾﻌﻧﯾﮫ اﻟﻣﺻطﻠﺢ .إذ إن اﻟﻔرق ﺑﯾن اﻟﻘﻧﺎع واﻟﻧﻣوذج ﯾﻧﮭض ﻣن أن اﻷول
ﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ ذات اﻟﺷﺎﻋر اﻟﻣﺗﻘﻧﻌﺔ ،أﻣﺎ اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟظﺎھرة اﻟﻣﻧﻣذﺟﺔ ﻓﻲ
ﻋﻼﻗﺗﮭﺎ ﺑذات اﻟﺷﺎﻋر .ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ أن اﻟﻘﻧﺎع ﯾُﻌﻧﻰ ـ ﻛﻣﺎ ھو ﻣطروح ﻧﻘدﯾﺎ ً ـ
ﺑﺎﻟﺷﺧﺻﯾﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻷﺳطورﯾﺔ ،أﻣﺎ اﻟﻧﻣوذج ﻓﮭو أﻋم وأﺷﻣل .ﺣﯾث ﯾﺗﻧﺎول
ﻛل ﺷﺧﺻﯾﺔ ،ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق ،ﺳواء أﻛﺎﻧت ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ أم أﺳطورﯾﺔ أم واﻗﻌﯾﺔ أم
ﻣﺗﺧﯾﻠﺔ .ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن اﻟﺗﺧﯾل أﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ ،ﺣﺗﻰ ﻟو ﻛﺎن
اﻟﻧﻣوذج واﻗﻌﯾﺎ ً ﺑﺣﺗﺎً.
إن أﺳﻠوب اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ھو اﻷﺳﻠوب اﻷﻗدر ﻋﻠﻰ اﺳﺗﯾﻌﺎب اﻟﻘﯾم اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ
ﺑﺷﻛل ﺗﺟﺳﯾدي ﺗﺧﯾﯾﻠﻲ .ﺣﯾث ﺗﺑدو اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻓﯾﮫ ﻣﺣﻣوﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺧﺻﯾﺔ ﻓﻧﯾﺔ
ﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ؛ ﻛﻣﺎ ﺗدﺧل ھذه اﻟﻘﯾﻣﺔ ،ﻣن ﺧﻼل اﻟﻧﻣذﺟﺔ ،ﻓﻲ ﺗﺟﺎدل ﻣﻊ اﻟﻘﯾم اﻷﺧرى.
ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ أن اﻟﻧص اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻣذﺟﺔ ﯾﺷﺗﻣل ﻋﻠﻰ ﻋدة ﻗﯾم ﻓﻲ آن ﻣﻌﺎً .وھذه اﻟﻘﯾم
ﻻﺗﺗﺟﺎور ﺑل ﺗﺗﻧﺎﻗض ،وﻻﺗﺗواﻟﻰ ،ﺑل ﺗﺗداﺧل .وھﻲ ﻓﻲ ﻛ ّل ذﻟك ﻻﺗظﮭر ﺑوﺻﻔﮭﺎ
آراء ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ،وإﻧﻣﺎ ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﻛﺎﺋﻧﺎت ﺣﯾﺔ ﺗﺗﻔﺎﻋل وﺗﺗﺻﺎرع وﺗﺗﻧﺎﻣﻰ .وﻟﮭذا ﻓﺈن
اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﺟﻣﺎ ﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺟﺳدھﺎ اﻟﻧﻣوذج ﺗﺗطور وﺗﺗﻌﻣﻖ ﺑﺣﺳب ﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻣوذج ﻓﻲ
اﻟﻧص ،وﺑﺣﺳب ﺗﺟﺎدﻟﮫ ﻣﻊ اﻷﺻوات اﻷﺧرى .وﻣن ذﻟك ﻓﺈن اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ إذ
ﺗﺗﺟﺳّد ﺑﺎﻟﻧﻣوذج ،ﻻﯾﻣﻛن ﻓﮭﻣﮭﺎ أو اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﮭﺎ ﻣن دون اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﮫ .وﻟﻌ ﱠل اﻟﻧﻣﺎذج
اﻟرواﺋﯾﺔ أو اﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ ﺗﻛون ﻣﺛﺎﻻً ﺣﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ ذﻟك.
إن اﺳﺗﯾﻌﺎب اﻟﻧﻣذﺟﺔ ﻟﻠﻘﯾم اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻻﯾﻌﻧﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﺑﻘدر ﻣﺎﯾﻌﻧﻲ اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﺎ ً
ﻟﻠظواھر واﻷﺷﯾﺎء اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻧﺎوﻟﮭﺎ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ .وإذا ﻣﺎﻛﺎن اﻟﺷﻌر ـ واﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ ـ
ﻓﻲ ﺟﺎﻧب ﻣﻧﮫ ،ﺗﻘوﯾﻣﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ً ﻟﻠظواھر واﻷﺷﯾﺎء ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟﻣﺑدع ،ﻓﺈن ذﻟك
ﻻﯾﻧﻔﻲ أن ﺛﻣﺔ أﺳﻠوﺑﺎ ً أﻗدر ﻣن ﻏﯾره ﻓﻲ اﺳﺗﯾﻌﺎب ھذا اﻟﺗﻘوﯾم .وﻟﻌ ﱠل اﻟﻧﻣذﺟﺔ ھﻲ
اﻷﻗدر ﻣن ﺑﯾن اﻷﺳﺎﻟﯾب اﻷﺧرى ،ﻛﺎﻟﺻورة واﻟرﻣز ،ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻻﺳﺗﯾﻌﺎب ،ﻟﻣﺎ
اﻟﻣﻘوﻣﺔ .ﻓﺎﻟﺻورةّ ﺗﺗﺳم ﺑﮫ ﻣن ﺗﻌﻣﯾم وﺷﻣول وﻛﻠﯾﺔ وﺗﻌدّد ﻓﻲ ﺗﻧﺎول اﻟظﺎھرة
اﻟﺟزﺋﯾﺔ ﻣﺛﻼً ﺗﺗﻧﺎول ﺑﺎﻟﺗﻘوﯾم ھذا اﻟﺟﺎﻧب أو ذاك ﻣن اﻟظﺎھرة ،وﻻﺗﺗﻧﺎول اﻟظﺎھرة
ﻓﻲ ﻛﻠﯾﺗﮭﺎ؛ ﻋﻠﻰ ﺧﻼف اﻟﻧﻣذﺟﺔ اﻟﺗﻲ ﻣن ﺳﻣﺎﺗﮭﺎ ﻛﻠﯾّﺔ اﻟﺗﻘوﯾم وﺗﻌدّده .ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة
-وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ - - 99 -
إﻟﻰ أن اﻟﻧﻣوذج ھو ،ﺑﺷﻛل أو ﺑﺂﺧر ،ﺻورة ﻓﻧﯾﺔ ﻏﯾر أﻧﮭﺎ ﻛﻠﯾﺔ .ﺑﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ
اﻟﺻورة اﻟﻣﺗﺣﺻﻠﺔ ﻣن اﻟﻧص ﺑﻣﺟﻣﻠﮫ .وﻟﮭذا ،ﻓﺈن اﻟﻧﻣوذج ﺑوﺻﻔﮫ ﺻورة ﻛﻠﯾﺔ
ﯾﻧطوي ﻋﻠﻰ ﺻور ﺟزﺋﯾﺔ ﻋدﯾدة ،ﺗﺷ ّﻛل ﻗواﻣﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ واﻟﻔﻧﻲ ﻣﻌﺎً.
* ﺗـﺄﺳــﯿــﺲ ﻧـﻈـﺮي:
ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ﻟﻸﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ)*( .ﻧﺳﻘﺎ ً ﻣﺧﺗﻠﻔﺎ ً ﻋن اﻟﺷﻌر ،واﻟﻔن ﻋﺎﻣﺔ،
إﻻ أن ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ﻣن اﻻرﺗﺑﺎط ﻣﺎ ﻻ ﯾﻣﻛن إﻏﻔﺎﻟﮫ أو ﺗﺟﺎوزه .وﻻﯾﻧﮭض ذﻟك ﻣن أن
اﻟﺷﻌر ﻣوﻗف ﺟﻣﺎﻟﻲ ﻣن اﻟواﻗﻊ ﻓﺣﺳب .ﺑل ﯾﻧﮭض أﯾﺿﺎ ً ﻣن أﻧﮫ ﺧطﺎب
DISCOURSEﯾﺗوﺳط ﺑﯾن اﻟﻣرﺳل واﻟﻣﺗﻠﻘﻲ اﻟﻠذﯾن ﻟﻛل ﻣﻧﮭﻣﺎ ﻣوﻗﻌﮫ وﻣﻧظوره.
ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟﺷﻌر ﺑوﺻﻔﮫ ﻣوﻗﻔﺎ ً وﺧطﺎﺑﺎ ً ﺟﻣﺎﻟﯾﯾن ،ﯾﻧطوي ﺑﺎﻟﺿرورة ﻋﻠﻰ ﺧطﺎب
أﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻣﺎ .وﻣن ذﻟك ،ﻓﺈن اﻟﺷﻌر ﯾﺗﺣدد أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎً ،ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﺗﺣدد ﻟﻐوﯾﺎ ً وذاﺗﯾﺎ ً
) .( 1ﻏﯾر أن ﺗﺣدﯾده اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻻﯾؤدي ﺑﮫ إﻟﻰ أن ﯾﺗﺣول إﻟﻰ أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ .وإذا
ﻣﺎﺣﺻل ذﻟك ،ﻓﺈن اﻧﺗﻔﺎء اﻟﺷﻌري POETICﻋن اﻟﻧص اﻟذي ﻣن اﻟﻣﻔﺗرض أن ﯾﻛون
ﺷﻌرﯾﺎً ،ﯾﻐدو أﻣرا ً ﻣﺣﺗوﻣﺎ ً أو ﺷﺑﮫ ﻣﺣﺗوم.
وﻟﻌﻠﻧﺎ ﻻﻧﺑﺎﻟﻎ إذا ﻣﺎذھﺑﻧﺎ إﻟﻰ أن اﻟﻧﺛرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر ھﻲ ﺣﺻﺎن طروادة اﻟذي
ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﺗﺳﺗﺧدﻣﮫ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻟﺗﮭﺎ اﻟﮭﯾﻣﻧﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻌر ،ﻣن أﺟل ﺗوظﯾﻔﮫ
ﻓﻲ ﺻراﻋﮭﺎ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،ﻏﯾر أﻧﮭﺎ إذ ﺗﻔﻌل ذﻟك ،ﺗﺟﻌل ﻣن طروادة أﺛراً ﺑﻌد ﻋﯾن.
إﻧﻧﺎ ﻧرﯾد أن ﻧؤﻛد ،ﻣن وراء ھذا ،أن ﺗﺣوﯾل اﻟﺷﻌر إﻟﻰ أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻟن ﯾﻘود
إﻻ إﻟﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﺷﻌر وإﺛﺑﺎت اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ .وﻣﻊ ذﻟك ،ﻓﺈن ﻟﻠﺧطﺎب اﻟﺷﻌري ﺑﻌدا ً
أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ً ﯾﺗﺑدى ﻋﻠﻰ ﻋدة ﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻣن اﻟﻧص ،وﻋﻠﻰ ﻋدة ﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻣن اﻟﺗﻠﻘﻲ.
وإذا ﻛﺎن ﻣن اﻟﺻﻌوﺑﺔ ﺑﻣﻛﺎن أن ﻧدرس ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﺗﻠﻘﻲ ،ﻻرﺗﺑﺎطﮭﺎ ﺑﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﻘراءة
ذات اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻔردﯾﺔ .وإن ﯾﻛن ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن ﺗﺻﻧﯾﻔﮭﺎ ﺑﺄﻧﻣﺎط اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ ،ﻓﺈن
دراﺳﺔ ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﻧص أﻣر أﻛﺛر ﺗﯾﺳّراً ،ﻻرﺗﺑﺎطﮭﺎ ﺑﺎﻟﻧص ﻻﺑﺎﻟﻣﺗﻠﻘﻲ .وﻟﻛن ﻗﺑل
* -ﺗﻨﺒﻐﻲ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أﻧﻨﺎ ﻧﻌﻨﻲ ﺑﺎﻷﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ ،ھﻨﺎ ،ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﻨ ّﻈﻢ ﻣﺨﺘﻠﻒ
اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ واﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪّد طﺒﯿﻌﺔ اﻟﺴﻠﻮك واﻟﺘﻮﺟّﮫ اﻟﻔﺮدﯾﯿﻦ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﯿﻦ .وﺑﮭﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ
ﻓﺈن اﻟﻔﻦ واﻟﻌﻠﻢ ﻻﯾﻨﻄﻮﯾﺎن ﺗﺤﺖ اﻷﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ .ﻏﯿﺮ أن ﻛﻼً ﻣﻨﮭﻤﺎ ﯾﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪاﻣﮫ أﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺎ ً.
ﺳﻌﮭﺎ ﻟﺘﺸﻤﻞ ﻛﻞ ﻧﻘﻮل ذﻟﻚ ﻷن ﺛﻤﺔ ﻣﻦ ﯾﺨﺼّﺺ اﻷﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ ﺑﻤﺎ ھﻮ ﺳﯿﺎﺳﻲ ،وﺛﻤﺔ ﻣﻦ ﯾﻮ ّ
أﺷﻜﺎل اﻟﻮﻋﻲ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ.
- 120 -
اﻟﺷروع ﺑﮭذه اﻟدراﺳﺔ ،ﻻﺑد ﻣن اﻟوﻗوف ﻋﻧد طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ،واﻟﺷﻛل اﻟذي
ﺗﺗﺧذه ﻓﻲ اﻟﺷﻌر ،ﻟﻣﺎ ﻟذﻟك ﻣن أھﻣﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﺑﯾﺎن ﻧﻣط اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﺧطﺎب اﻟﺷﻌري
واﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ.
ﺗﺗﺻف اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺑﺛﻼث ﺻﻔﺎت أﺳﺎﺳﯾﺔ وھﻲ اﻟﺣﺳﯾﺔ
واﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ واﻟﻼﻧﻔﻌﯾﺔ ﺣﯾث إﻧﮭﺎ ﺗﺷﻛل ﻗوام اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟذات واﻟﻣوﺿوع اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ.
أﻣﺎ اﻟﺣﺳﯾﺔ ﻓﺗﺣ ﯾل ﻋﻠﻰ أن ﻛل ﻣﺎھو ﻣﺣﺳوس ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﻣﺎدة ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ،
ﻛﻣﺎ ﺗﺣﯾل ﻋﻠﻰ أن اﻟﻣﻌﻧوي أو اﻟﻣﺟرد ﻏﯾر ﻗﺎﺑل ﻷن ﯾﻛون ﻣﺎدة ﻟﮭﺎ ،ﻣن ﺣﯾث
اﻟﻣﺑدأ .أو ﻛﻣﺎ ﯾﻘول ﺗﺷﯾرﻧﯾﺷﻔﺳﻛﻲ "ﻏﯾر اﻟﻣﺣﺳوس ﻏﯾر ﻣوﺟود ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ
اﻹﺣﺳﺎس ﺑﺎﻟﺟﻣﺎل") .(2إذ إن ھذه اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﺗﺗﻧﺎول اﻟظواھر واﻷﺷﯾﺎء ،وﻻﺗﺗﻧﺎول
اﻷﻓﻛﺎر واﻟﻣﻌﺎﻧﻲ واﻟﻣﻔﺎھﯾم .وﻟﻛن ھذا ﻻﯾؤدي إﻟﻰ أن ﻏﯾﺎب اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت ﯾﻐﯾّب
ﺑﺎﻟﺿرورة ھذه اﻟﺗﺟرﺑﺔ .ﻓﻘد ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺻور أو اﻻﺳﺗﺣﺿﺎر اﻟذھﻧﻲ ،وﻻﺳﯾﻣﺎ
ﻓﻲ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻹﺑداع .ﺣﯾث ﻧﻠﺣظ ﻏﯾﺎب اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت وﺣﺿور آﺛﺎرھﺎ وﺗﺣرﯾﺿﺎﺗﮭﺎ
ﻛوﻧﮫ اﻟﻣﺑدع ﻣن ﺗﺟﺎرﺑﮫ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ـ اﻟﺣﯾﺎﺗﯾﺔ اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ .وﻛﺄن ﻋﻣﻠﯾﺔوﺗﻘوﯾﻣﺎﺗﮭﺎ ،ﻣﻣﺎ ّ
اﻹﺑداع ﺗﺄﺗﻲ ﺗﺗوﯾﺟﺎ ً ﻟﻣﺟﻣل اﻟﺗﺟﺎرب اﻟﺗﻲ اﺧﺗزﻧﺗﮭﺎ اﻟذات اﻟﻣﺑدﻋﺔ .أﻣﺎ ﻣﺎﯾﺑدو ﻋﻠﻰ
ھذه اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻣن أﻧﮫ ﺗﺟرﺑﺔ ذاﺗﯾﺔ روﺣﯾﺔ داﺧﻠﯾﺔ ،ﻓﻠﯾس ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺗﮫ ﺳوى ﻣﻌﺎﯾﺷﺔ
اﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ ﻟﻣﺎ ﺗ ّم اﺧﺗزاﻧﮫ ﻣن ﺗﺣرﯾﺿﺎت ﺣﺳﯾﺔ وﺗﻘوﯾﻣﺎت ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣن ﻗﺑل .وﺑﮭذا
اﻟﻣﻌﻧﻰ ،ﻓﺈن اﻟﻣﺣﺳوس ،ﺣﺎﺿرا ً ﻛﺎن أو ﻏﺎﺋﺑﺎً ،ھو ﻣﺎدة اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻹﺑداﻋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ
أرﻗﻰ أﺷﻛﺎل اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ،وذﻟك أﻧﮭﺎ ﺗﺟرﺑﺔ ﻣﻧﺗﺟﺔ ،ﻻﻣﺳﺗﮭﻠﻛﺔ ﻓﻘط.
أﻣﺎ ﺻﻔﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ ،ﻓﺗﺣﯾل ﻋﻠﻰ أن ھذه اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﺗﻧﮭض أﺳﺎﺳﺎ ً ﻣﻣﺎ ھو
ﺗﺄﺛري ﻋﺎطﻔﻲ ،ﻻﻣﻣﺎ ھو ذھﻧﻲ ﻣﻧطﻘﻲ .أي أن اﻟذات ،ﻓﻲ ھذه اﻟﺗﺟرﺑﺔ ،ﺗﺗﺄﺛر
وﺗﻧﻔﻌل وﺗﺗﻔﺎﻋل ،وﻻﺗﺗﻠﻘﻰ ﻣوﺿوﻋﮭﺎ ﻣن ﻣﻧظور اﻟﻣﺣﺎﻛﻣﺔ اﻟﻣﻧطﻘﯾﺔ أو اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ أو
اﻷﺧﻼﻗﯾﺔأو اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ .ﻏﯾر أن اﻧﻔﻌﺎﻟﮭﺎ أو ﺗﻔﺎﻋﻠﮭﺎ ﻻﯾﺗﻧﺎﻗض ﻣﻊ ﺗﻠك اﻟﻣﺣﺎﻛﻣﺎت
ﺑﺎﻟﺿرورة .ﺑل إﻧﮫ ﻗد ﯾﺗﻘﺎطﻊ ﻣﻊ ﺑﻌﺿﮭﺎ ،وذﻟك ﺑﺣﺳب اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠذات ذھﻧﯾﺎ ً
وﻧﻔﺳﯾﺎ ً وروﺣﯾﺎً .إن ﺻﻔﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ إذ ﺗﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟﻣوﺿوع ،ﺗﺣﯾل أﯾﺿﺎ ً
ﻋﻠﻰ ﺑروز ﻣﺎھو ﻧﻔﺳﻲ ﻓﻲ اﻟذات .ﻓﻼﻧﺳﺗطﯾﻊ وھذه اﻟﺣﺎل أن ﻧﺣدّد درﺟﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎل
اﻟذي ﺗواﺟﮫ ﺑﮫ اﻟذات ﻣوﺿوﻋﮭﺎ .ﻏﯾر أﻧﻧﺎ ﻧﺳﺗطﯾﻊ أن ﻧؤﻛد أن اﻻﻧﻔﻌﺎل اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ
ﻣﻣﺗﻠﺊ ﺑﻣوﺿوﻋﮫ ،وﻣﺗﻣﺣور ﺣوﻟﮫ .وﻟﮭذا ،ﻓﮭو ﻟﯾس اﻧﻔﻌﺎﻻً ﺳﺎﺋﺑﺎً ،أو ذا آﻟﯾﺔ
ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ﻋن ﺻﻔﺎت اﻟﻣوﺿوع ﺑﻌﺿﮭﺎ أو ﻛﻠﮭﺎ ،ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﻻﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ ﺑﺎﻟﮭﯾﺟﺎن اﻟﻧﻔﺳﻲ
أو ﺑﺎﻟﻣﺷﺎﻋر اﻟﺣﺎدة ﻣن ﻣﺛل اﻟﺧوف واﻷﻟم واﻟﻘﻠﻖ.
ﻓﺎﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﺣﻛوﻣﺔ ،إذاً ،ﺑﺎﻟﺣﺳﯾﺔ واﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ .ﻓﺈذا ﻛﺎﻧت اﻟﺣﺳﯾﺔ ھﻲ
اﻟﺣﺎﻣل اﻟﻣﺎدي ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ ،ﻓﺈن اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﯾﺔ ھﻲ ﻣظﮭرھﺎ اﻟﻧﻔﺳﻲ ،ﻣﺛﻠﻣﺎ أن اﻟﺗﻘوﯾم
اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻧﺎﺗﺞ ﻣﻧﮭﺎ ھو ﺗﻌﺑﯾرھﺎ اﻟروﺣﻲ .أي أن اﻟﺗﻘوﯾم ﻻﯾﻧﺗﺞ ﻣﻌرﻓﺔ ﺑﺎﻟﻣوﺿوع
أو ﺑﺎﻟذات .ﺑل إﻧﮫ ﯾﻧﺗﺞ ﻣﻌرﻓﺔ ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟذات واﻟﻣوﺿوع .وﻣن ھذه
اﻟﻌﻼﻗﺔ ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ أن ﻧﺣدد اﻟذات واﻟﻣوﺿوع ﻣﻌﺎً .ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ھذه اﻟﻣﻌرﻓﺔ
*ـ ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﺬاب اﻟﺬي ھﻮ اﻟﺠﻮھﺮ ﻓﻲ ﻣﻔﮭﻮم اﻟﻤﻌﺬب ﺟﻤﺎﻟﯿﺎ ً.
-وﻋ ﻲ اﻟ ﺤ ﺪا ﺛ ﺔ - - 125 -
*
ﻛﺎن ﺣﺑك ﻣرﺗﺳﻣﺎ ً ﻓوق وﺟﮭﻲ
اﻟﺷذى ﻓﻲ ﻓﻣﻲ
واﻟرؤى ﻓﻲ ﻋﯾوﻧﻲ
وﻟذا ﺣﯾﻧﻣﺎ أﺑﺻروﻧﻲ
أﺑﺻروﻧﺎ ﻣﻌﺎ ً) (11
وﯾﻘول أدوﻧﯾس ،ﻓﻲ اﻟﺑطل اﻟﻼﻣﻧﺗﻣﻲ:
أﺣرق ﻣﯾراﺛﻲ ،أﻗول أرﺿﻲ
ﺑﻛر ،وﻻﻗﺑور ﻓﻲ ﺷﺑﺎﺑﻲ ّ
أﻋﺑر ﻓوق ّ واﻟﺷﯾطﺎن
)درﺑﻲ أﻧﺎ أﺑﻌد ﻣن دروب اﻹﻟﮫ واﻟﺷﯾطﺎن(
أﻋﺑر ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻲ
ﻓﻲ ﻣوﻛب اﻟﺻﺎﻋﻘﺔ اﻟﻣﺿﯾﺋﮫ
ﻓﻲ ﻣوﻛب اﻟﺻﺎﻋﻘﺔ اﻟﺧﺿراء
أھﺗف ـ ﻻﺟﻧﺔ ﻻﺳﻘوط ﺑﻌدي
وأﻣﺣو ﻟﻐﺔ اﻟﺧطﯾﺋﺔ) (12
ﻟﻘد طرح ﻛل ﻣن ھذﯾن اﻟﻣﻘطﻌﯾن ﻣوﻗﻔﺎ ً أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ً ﺛورﯾﺎ ً ﻣن اﻟواﻗﻊ ،وﻟﻛن
ﺑﯾﻧﻣﺎ اﻧطﻠﻖ اﻟﻣﻘطﻊ اﻷول ﻣن اﻟﺛورﯾﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﺟد أن اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻗد اﻧطﻠﻖ ﻣن
اﻟﺛورﯾﺔ اﻟﻔردﯾﺔ .وﻟﻘد ﺻﺎغ ﻛل ﻣﻧﮭﻣﺎ ﻣوﻗﻔﮫ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﺑﺷﻛل ﺟﻣﺎﻟﻲ ،ﺑﺣﯾث إن
ھذا اﻟﻣوﻗف ﻻﯾﺷﻛل إﻻ أﺣد ﻣﺳﺗوﯾﺎﺗﮫ .أي أن ھذا اﻟﻣوﻗف ﻻﯾﺳﺗﻐرق اﻟﺧطﺎب
اﻟﺷﻌري ﻓﯾﮭﻣﺎ.
أﻣﺎ اﻟﻧﻣط اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣن اﻟرؤﯾﺎ اﻟﻛﻠﯾﺔ ،ﻓﮭو اﻟﻧﻣط اﻟﺗراﺟﯾدي .ﺣﯾث ﺗطرح ﺑﻌض
اﻟﻧﺻوص اﻟﺣداﺛﯾﺔ ﺻورة ﺗراﺟﯾدﯾﺔ ﻟﻠواﻗﻊ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ .ﻓﯾﺑدو ھذا اﻟواﻗﻊ ﻣﺣﻛوﻣﺎ ً
ﺑﻛل ﻣﺎھو اﺳﺗﻼﺑﻲ وﻗﻣﻌﻲ وﻣؤﻟم ،وﯾﺑدو اﻹﻧﺳﺎن ﻓﯾﮫ ﻣطﺣوﻧﺎ ً ﺑﻛل أﺷﻛﺎل اﻹذﻻل
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ واﻟﺳﯾﺎﺳﻲ واﻟروﺣﻲ .وﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎﺗﻧطوي ھذه اﻟﻧﺻوص ﻋﻠﻰ ﺗﺻوﯾر
اﻻﻧﻛﺳﺎرات اﻟﺗﻲ ﯾﻌﺎﻧﯾﮭﺎ اﻟﺑطل اﻟﺛوري اﻟذي ﺗم اﻟﻧظر إﻟﯾﮫ ﻋﻠﻰ أﻧﮫ اﻟﻘ ِﯾّم اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺎً،
أي ﻋﻠﻰ أﻧﮫ اﻟﺟﻣﯾل واﻟﺑطوﻟﻲ ﻣﻌﺎً .وإذا ﻣﺎأﻓدﻧﺎ ﻣن ﺗﻌرﯾف ﯾﯾﺗس Yeatsﻟﻠﺗراﺟﯾدي
ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ذﻟك اﻟذي ﯾﻧﻣو وﯾﻧﻛﺳر اﻣﺎم اﻟﺣواﺟز اﻟﺗﻲ ﺗﻔﺻل اﻹﻧﺳﺎن ﻋن اﻹﻧﺳﺎن،
وأﻧﮫ ﻓوق ﺗﻠك اﻟﺣواﺟز اﻟﻛوﻣﯾدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺣﺗﻔظ ﺑﮭﺎ اﻟﻣﻧزل ) .(13ﻓﺈن اﻟﻣوﻗف
اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ذا اﻟﺑﻌد اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻣن اﻟواﻗﻊ ،ﯾﻐدو واﺿﺣﺎ ً ﺗﻣﺎﻣﺎً .إذ إن ھذا اﻟواﻗﻊ،
وﻋﻲ اﻟﺤﺪاﺛﺔ :دراﺳﺎت ﺟﻤﺎﻟﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ /ﺳﻌﺪ اﻟﺪﯾﻦ ﻛﻠﯿﺐ -دﻣﺸﻖ
:اﺗﺤﺎد اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮب 156 - 1997 ،ص ؛ 25ﺳﻢ .
811.9009 -1ك ل ي و.
-2اﻟﻌﻨﻮان
-3ﻛﻠﯿﺐ