You are on page 1of 26

‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬

‫المقاربة التشاكلية لرواية(اللجنة)‬


‫للناقد المغربي عبد المجيد نوسي‬
‫د‪ .‬دبيح محمد‬
‫جامعة تيارت‬

‫‪- 115 -‬‬


‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬

‫المل ّخص‪ :‬تتناول هذه الدراسة اإلجراء السيميائي لفرعية التشاكل في الخطاب‬
‫قدمته مدرسة باريس السيميائية‬
‫السردي‪ ،‬انطالقا من التصور النظري الذي ّ‬
‫وكذلك توسيعات فرانسوا راستي في هذا المجال‪ ،‬وقد جاء هذا المقال ليبرز‬
‫كيفية تلقي نقادنا العرب المحدثين لهذا المفهوم السيميائي ومدى تفعيله في‬
‫الخطاب السردي‪ ،‬إذ ُيظهر التشاكل في آخر المطاف االنسجام واالتساق الذي‬
‫يسم العالم الحكائي الداخلي للرواية‪ .‬ومقاربة عبد المجيد نوسي لرواية (اللجنة)‬
‫للروائي صنع اهلل إبراهيم تختبر مدى إجرائية هذا المفهوم‪.‬‬
‫الكلمات المفتاحية‪ :‬التشاكل الداللي‪ ،‬الخطاب الروائي‪ ،‬سيميوطيقا السرد‪،‬‬
‫التقطيع السردي‪ ،‬البنية السردية‪ ،‬مبدأ التراكم‪.‬‬
‫توطئة‪:‬‬
‫اهتمت المدرسة السيميوطيقية بمفهوم التشاكل‪ ،‬ودأبت على إجرائه بتجريبه‬
‫ّ‬
‫على الخطاب السردي‪ ،‬ضمن ثالث بنيات متضافرة‪ ،‬بنية التجلي(الخطاب‬
‫الظاهر)‪ ،‬البنية السطحية‪ ،‬البنية العميقة‪.‬‬
‫على مستوى البنية األولى يقوم النموذج السيميوطيقي على تقطيع‬
‫يصدر كل مقطع بموضوع‬ ‫ّ‬ ‫الخطاب إلى مقاطع سردية متسلسلة ومتكاملة‪،‬‬
‫داللي شامل تساهم في تشكيله مجموعة من التك اررات والتواردات البارزة‪ ،‬والتي‬
‫محددا‬
‫ويعد التشاكل في هذه المرحلة معيا ار هاما ّ‬
‫تؤسس قاعدة تشاكلية أولى‪ّ ،‬‬
‫للعمل التقطيعي‪ ،‬إضافة للمعايير السيميائية األخرى(المعيار المكاني‪ ،‬المعيار‬
‫الزمني‪ ،‬المعيار السردي‪ ،‬المعيار الفاعلي‪ ،‬المعيار األسلوبي‪ ،‬المعيار‬
‫أما على مستوى البنية الثانية فيهتم المحلّل السردي بدراسة‬
‫الطبوغرافي‪ّ ،)...‬‬
‫تتحدد‬
‫ّ‬ ‫المكون الخطابي‪ ،‬بينما على مستوى البنية الثالثة‬
‫المكون السردي و ّ‬ ‫ّ‬
‫النسخة المجردة العميقة الثاوية وراء البنيات السطحية‪ ،‬وتبرز األسس الجوهرية‬
‫المد التنوعي واالختالفي‬
‫المنطقية التي تقوم بإنتاج المعنى والتي تكون سببا في ّ‬

‫‪116‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫للخطابات والنصوص‪.45‬‬
‫المقومات النووية ضمن المستوى‬
‫ّ‬ ‫وفي هذا المستوى يدرس السيميوطيقي‬
‫السيميولوجي والمقّومات السياقية ضمن المستوى الداللي‪ ،‬ومن خاللهما يكتشف‬
‫التشاكالت السيميولوجية والداللية‪.‬‬
‫‪-1‬التشاكل كمعيار تقطيعي في الخطاب الروائي‪:‬‬
‫يعتبر التشاكل من المعايير الهامة التي يستعين بها المحلّل السيميوطيقي في‬
‫تقطيع الخطابات السردية على مستوى الوحدة الداللية‪ ،‬برصد أهم التواردات‬
‫مقومات نووية وسياقية مشتركة‬
‫التي تطفو على السطح وتبرز من خالل تراكم ّ‬
‫في مقوالت داللية تساهم في النسيج االتساقي واالنسجامي للملفوظات السردية‪،‬‬
‫موحدة بعيدة عن اإلبهام والغموض ويعتمد التشاكل في‬
‫مما يؤدي إلى قراءة ّ‬
‫للمقومات‪.‬‬
‫هذه الحالة على التحليل الداللي ّ‬
‫و يهدف التقطيع التشاكلي في هذه المرحلة إلى‪:‬‬
‫‪ -‬تتبع التشاكالت الداللية لكشف انسجام واتساق الملفوظات السردية‬
‫يهدد‬
‫وتجنب كل تأويل مشتت يتسم بالغموض واإلبهام ّ‬ ‫ّ‬ ‫والخطابيـ ـ ـ ـ ــة‬
‫انسجام هذه الملفوظـ ـ ــات‪.‬‬
‫التكون والميالد‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬رصد الحركة الدينامية للخطاب السردي‪ ،‬من لحظة‬
‫والتناسل إلى غاية التشظي والتش ّكل النهائي للصورة السردية العامة‪،‬‬
‫عبر وسائط التمطيـ ــط واإلثراء والتفاعل‪ ،‬حيث تنتظم التشاكالت "داخل‬
‫مسارات تصويرية هي التي تؤدي إلى تصوير البرامج السردية‪،‬‬
‫والمسارات السردية لعوامل السرد "‪ ،46‬وبفعل التوارد االختي ـ ــاري‬

‫‪ -45‬ينظر جميل حمداوي‪ ":‬السيميوطيقا والعنوان" مجلة عالم الفكر‪ ،‬مجلد ‪ 25‬رقم‪،3‬‬
‫الكويت‪ ،‬ص ‪79‬‬
‫‪46‬‬
‫‪ -‬عبد المجيد نوسي‪ :‬التحليل السيميائي للخطاب الروائي‪ ،‬البنيات الخطابية‪-‬التركيب‪-‬‬
‫الداللة‪ ،‬ط‪ ،1‬شركة النشر و التوزيع المدارس‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2002 ،‬ص ‪92‬‬

‫‪117‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫المقومات السياقية تنتج الشبكة‬
‫ّ‬ ‫والقسري للعناصر اللسانية التي تولّد‬
‫التشاكلية للملفوظات‪.‬‬
‫‪-‬آلية التراكم و التوارد في الخطاب السردي‪:‬‬
‫هناك آليتان أساسيتان يعتمدهما التشاكل في اشتغاله على طول السلسلة‬
‫التركيبية لضمان انسجام الرسالة‪ :‬آلية التراكم القسري‪ ،‬و آلية التراكم االختياري‪.‬‬
‫أ‪-‬آلية التراكم القسري‪:‬‬
‫يتم التراكم والتوارد بداية على مستوى البنية السطحية التي تستند إلى‬
‫مكونين أساسين مستقلين متمفصلين‪ ،‬فالمكـ ـ ّـون السردي يتناول األفعال‬
‫المكون الثاني فيقارب‬
‫ّ‬ ‫أما‬
‫التحوالت ومنطق الجهات والبنية العاملية‪ّ ،‬‬
‫والحاالت و ّ‬
‫المحددة لتوليد وتنمية‬
‫ّ‬ ‫التسلسل التصويري الذي تقترحه الوحدة المعجمية‬
‫المكونان –في نظر غريماس‪ -‬يحالن مشكلة الخطوة الغامضة‬ ‫ّ‬ ‫الخطاب‪ .‬وهذان‬
‫لفعل السرد الذي ينهج مسارين تركيبين متوازيين‪ :‬مسار البرنامج السردي‬
‫المحدد بتوزيع األدوار العاميلية‪ ،‬ومسار التصوير الخطابي‪.47‬‬
‫ألن‬
‫فالمساران على الرغم من انفصالهما منهجيا‪ ،‬هما متصالن ومتوازيان‪ّ ،‬‬
‫التسريد ال يمكنه أن يرتبط فقط بالبنية العاملية والبرنامج السردي فقط‪ ،‬واّنما‬
‫المكون السردي إلنتاج الملفوظات السردية و تناسلها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يشتغل بتضافر مع‬
‫إن وضع وتحقيق وحدة معجمية تتعالق بتشاكل الخطاب العام‪ ،‬يفضي إلى‬ ‫" ّ‬
‫تسلسل قسري لمجموعة من الوحدات المعجمية التي تكون متعالقة بالتشاكل‬
‫العام للخطاب‪ .‬وتراكمها الذي يؤدي إلى التمطيط والتوسع لوحدات ترتبط‬
‫المقومات السياقية هو الذي يضمن انسجام النص‬ ‫ّ‬ ‫بقاعدة موحدة من‬
‫واتساقه"‪ .48‬وعلى ذلك تكون أول آلية لتحقيق التشاكل المرتبط بالخطاب العام‬

‫‪47‬‬
‫‪Voir :Greimas : Du sense 2 op, cit, P61-‬‬
‫‪48‬‬
‫‪ -‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪106‬‬

‫‪118‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫هي آلية التراكم القسري للصور المعجمية التي تساهم في تكوين مسارات‬
‫تصويرية على طول السلسلة التركيبية للملفوظات السردية‪.‬‬
‫ب‪-‬آلية التراكم االختياري‪:‬‬
‫الصور المعجمية ليست صو ار محدودة ضيقة‪ ،‬واّنما تتسم بالمرونة واالتساع‬
‫مقوماتها السياقية عن طريق التجاور االلتقائي أو‬
‫وقابلية التمدد بتفعيل وتحيين ّ‬
‫االختياري ضمن المسار الخطابي وذلك كلّه لتجميع مشهد تصويري له تنظيمه‬
‫واشتغاله الخاص‪.‬‬
‫يوضح غريماس هذا التداعي بمثال عن الوحدة المعجمية (الشمس) التي‬
‫تستقطب إلى حقلها مجاال تصويريا يتضمن الوحدات اآلتية‪ :‬األشعة‪ ،‬الضوء‪،‬‬
‫الح اررة‪ ،‬الوضوح‪ "...‬فإذا كانت الوحدات المعجمية تتمظهر مبدئيا في إطار‬
‫فإنها تتعالى بكل سهولة على هذا اإلطار وتؤسس شبكة تصويرية‬
‫األقوال‪ّ ،‬‬
‫تكون مجموعة تصويرات خطابية"‪ ،49‬وهو‬
‫عالئقية على المقاطع في كليتها و ّ‬
‫ما نالحظه في المثال السابق حيث قامت الوحدات المنضوية في مجال الشمس‬
‫بتأسيس كوكبة تصويرية يمكنها أن تتعالق مع وحدات أخرى في مقاطع‬
‫متسلسلة‪ ،‬مش ّكلة نموذجا تراكميا بطريق التداعـ ــي والتوارد‪.‬‬
‫فالتراكم الذي يحصل به التشاكل يتم بآليتين‪:‬‬

‫التشاكل‬

‫التراكم االختياري‬ ‫التراكم القسري‬

‫تسلسل قسري بمراكمة وحدات معجمية الوحدات المعجمية تتراكم بطريق االلتقاء‬
‫تندرج في اإلطار التشاكلي والتداعي‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪106‬‬

‫‪119‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫‪-2‬التشاكل و الخطاب الروائي‪:‬‬
‫لقد حاول النقاد العرب تطبيق هذه المفاهيم على الخطاب الروائي‪ ،‬بكيفيات‬
‫متعددة‪ ،‬ومن زوايا محددة‪ ،‬مع اختالفهم في الهدف المنشود من كل دراسة‪،‬‬
‫فهناك من حاول إثبات االنسج ــام و االتساق في بعض الروايات التي أثارت‬
‫جدال واسعا في الساحة النقدية‪ ،‬مثل رواية (ذات) لصنع اهلل إبراهيم‪ ،‬والتي‬
‫حاول من خاللها الناقد المغربي محمد الداهي دحض مزاعم بعض المتابعين‬
‫بأن رواية ذات ال تقوى على خلق عملية التراتب‬
‫للمشهد الروائي العربي ّ‬
‫المكونة لها‪ ،‬ومن خالل إجراء التشاكل أثبت محمد‬
‫ّ‬ ‫العضوي بين األجزاء‬
‫أن المقاطع السرديــة للرواية متسقة ومنسجمة فيما بينها‪ ،‬ومن جهة‬
‫الداهي ّ‬
‫أخرى قام نقاد آخرون بالبحث عن التشاكالت بين مجموعة من الروايات التي‬
‫تصدر عن مبدع واحد‪ ،‬بالبحث عن االنسجام الخارجي بين هذه الروايات‬
‫وتحديد بنيتها المتعالية‪.‬‬
‫أما الناقد المغربي عبد المجيد نوسي فيتناول التشاكل الحكائي لرواية‬
‫(اللجنة) من زاوية أخرى‪ ،‬حيث يحاول الكشف عن البنى التشاكلية األساسية‬
‫المنظّمة للخطاب الروائي الخاص بالرواية‪ ،‬وهو ما سنقوم بمتابعته في هذا‬
‫البحث‪.‬‬
‫يقدم لنا عبد المجيد نوسي في كتابه(التحليل السميائي للخطاب الروائي)‬
‫ّ‬
‫دراسة سميائيـة للخطاب الروائي العربي‪ ،‬ويتخذ من رواية( اللجنة) للروائي‬
‫المصري صنع اهلل إبراهيم‪ 50‬نموذجا محددا لتحليله‪ ،‬وقد ّبرر هذا االختيار‬
‫تحوالت حاسمة في تاريخ‬ ‫بالمسار المتميز للروائي الذي ش ّكلت نصوصه ّ‬
‫الرواية العربية عامة والمصرية خاصة من خالل طرح أسئلة الكتابة‪ ،‬وتأسيس‬

‫‪50‬‬
‫‪ -‬صنع اهلل إبراهيم (مواليد القاهرة ‪1937‬م) روائي مصرى يميل إلى الفكر اليسارى ومن‬
‫الكتاب المثيرين للجدل وخصوصاً بعد رفضه استالم جائزة الرواية العربية عام ‪ 2003‬م‪،‬‬
‫والتي يمنحها المجلس األعلى للثقافة‬

‫‪120‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫عناصر بناء واشتغال بكيفية جديدة‪ ،‬تتضافر فيها مستويات الخطاب‬
‫السردي‪ ،51‬وهو ما حاولت السيميوطيقا السردية تجليته‪ ،‬بما وفرته من إمكانات‬
‫تحليلية وأدوات علمية جديدة‪ ،‬وقد ش ّكل ذلك المرجعية النظرية للناقد الذي دأب‬
‫على استثمار مفاهيم واجراءات مدرسة باريس السيميائية‪ ،‬غير ّأننا سنركز‬
‫قدمها عبد المجيد نوسي بمناسبة‬‫متابعتنا هذه فقط للتحليالت التشاكلية التي ّ‬
‫مقاربته لرواية (اللجنة) مقاربة سيميائية‪.‬‬
‫تشغل الدراسة التشاكلية للناقد الفصل الثالث من الكتاب تحت عنوان‪:‬‬
‫(تشاكالت الخطاب الروائي‪ :‬نحو االنسجام الداللي)‪ ،‬يتزاوج في هذا الفصل‬
‫النظري بالتطبيقي‪ ،‬والنظرة الشاملة بالنظرة الخاصة‪ ،‬واإلجراء الغربي باإلجراء‬
‫العربي‪.‬‬
‫يقدم لنا عبد المجيد نوسي التصورات النظرية الغربية التي أسست‬ ‫بعدما ّ‬
‫مفهوم التشاكل تحدي ـ ـدا وتنويعا وتوسيعا‪ ،‬يحاول تفعيل هذا المفهوم بإجرائه على‬
‫رواية (اللجنة)‪ ،‬ويفتتح تحليله التشاكلي بأول عتبة نصية يتحقق فيها التشاكل‬
‫العام‪ ،‬هي عتبة العنوان( اللجنة)‪.‬‬
‫يشرف العنوان على المقاطع الروائية كوحدة معجمية رئيسة تتناسل منها‬
‫المسارات التصويرية للملفوظات الخطابية التي تنتج تشاكالت سياقية تتوالد من‬
‫إن‬
‫أسسه العنوان باعتباره " تجميع مكثّف لدالالت النص‪ّ .‬‬‫التشاكل العام الذي ّ‬
‫البؤرة قد يستقطبها العنوان ثم يتم تردادها في مقاطع النص‪ ،‬فتأتي تلك المقاطع‬
‫تمطيطا للعنوان وتقليبا له في صورة مختلفة‪ ،‬فالكلمة المحور والتي هي العنوان‬
‫ليمر‬
‫تتحول إلى الجملة المنطلق لتناسب النص عبر تشاكالت وتقابالت عدة ّ‬
‫ّ‬

‫‪51‬‬
‫‪ -‬عبد المجيد نوسي‪ :‬التحليل السيميائي للخطاب الروائي‪ ،‬ص ‪5‬‬

‫‪121‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫‪52‬‬
‫على الجملة الرابطة وتتالقى هذه اآلليات جميعها في الجملة الهدف"‬
‫تتعين للكلية التي‬
‫نما ّ‬‫والجملة هنا ال يقصد بها المستوى التركيبي للخطاب‪ ،‬وا ّ‬
‫يوضحه المخطط اآلتي‪:‬‬
‫تسم الملفوظات في انطالقها وتدرجها وغايتها‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫الجملة المنطلق‬

‫الجملة ال اربطة‬

‫الجملة الهدف‬

‫ومادام العنوان كذلك فهو ينطوي على مستويات مترابطة و متضافرة‬


‫بد من فصلها فصال إجرائيا حتى يسهل تتبع و تحليل العناصر‬ ‫عضويا‪ ،‬ال ّ‬
‫المكونة للوحدة المعجمية الرئيسة‪.‬‬
‫ّ‬
‫يمر عبر المستويات اآلتية‪:‬‬
‫إن تحليل العنوان – حسب عبد المجيد نوسي‪ّ -‬‬
‫ّ‬
‫‪-‬المستوى التركيبي‪:‬‬
‫المكونة للعنوان"‪ ،53‬بدراسة‬
‫ّ‬ ‫يتم فيه " تحليل مجمل العالقات بين مختلف الدالئل‬ ‫ّ‬
‫وتحليل البنية التركيبية للعنوان‪.‬‬
‫‪-‬المستوى الداللي‪:‬‬
‫المكونة للعنوان و بين التمثيالت الذهنية‬
‫ّ‬ ‫يتناول " مجموع العالقات بين الدالئل‬
‫لهذه الدالئل"‪ 54‬بفحص بنيته الداللية‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫‪ -‬عبد الجليل منقور‪" :‬المقاربة السيميائية للنص األدبي‪ ،‬أدوات و نماذج"‪ ،‬محاضرات‬
‫الملتقى الوطني األول( لسيميائية والنص األدبي) قسم األدب العربي‪ ،‬جامعة محمد‬
‫خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،2001 ،‬ص‪61‬‬
‫‪53‬‬
‫‪ -‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪111‬‬
‫‪54‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪111‬‬

‫‪122‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫‪-‬المستوى المرجعي‪:‬‬
‫المكونة للعنوان وبين األشياء التي‬
‫ّ‬ ‫يهتم بـ " العالقات التي توجد بين الدالئل‬
‫تحيل إليها"‪ 55‬بالنظر إلى البنية المرجعية التي تربط الدالئل باألشياء‪ ،‬ويكون‬
‫هذا االرتباط ارتباطا غير مباشر‪ ،‬أي ّأنه يتحقق بواسطة ( أثر المعنى) الذي‬
‫تفرزه البنية الداللية للعنوان‪.‬‬
‫‪-‬المستوى التداولي‪:‬‬
‫يكمن في " العالقات التي توجد بين دالئل العنوان بصفته قوال وبين‬
‫‪56‬‬
‫ويتم دراسة ذلك من خالل البنية التداولية للعنوان‪ ،‬من‬ ‫مستعملي العنوان"‬
‫إما كموقع نجدة للقارئ الستيعاب‬
‫جهتين‪ ،‬من جهة السارد الذي يحدد العنوان‪ّ ،‬‬
‫العمل الروائي‪ ،‬أو كموقع مضلل يخلط حسابات المتلقي حينما تتوافد عليه‬
‫المقاطع السردية األخرى‪ ،‬ومن جهة القارئ الذي يتمركز في المنظور المناسب‬
‫لتقبل ما سيقوله له السارد‪.‬‬
‫‪-3‬المستوى التركيبي لعنوان الرواية ( اللجنة)‪:‬‬
‫يميز عبد المجيد نوسي في هذا المستوى ثالث بنيات أساسية‪:‬‬ ‫ّ‬
‫‪-‬البنية األيقونية للعنوان‪:‬‬
‫يتكون‬
‫إن شكل الوحدة المعجمية(اللجنة) يظهر في غالف الكتاب" أيقونا ّ‬‫ّ‬
‫من حروف تيبوغرافية غليظة‪ ،‬مائلة ومثبتة في أعلى صفحة الكتاب‪ .‬ويحتل‬
‫حي از نصيا واسعا بالمقارنة مع عناصر الغالف األخرى‪ :‬اسم الكتاب واسم دار‬
‫‪57‬‬
‫التميز في مواجهة العناصر‬
‫النشر " ‪ ،‬وهو ما يسم العنوان طبولوجيا بالبروز و ّ‬
‫الشكلية األخرى‪ ،‬مما دفع الناقد إلى استخالص جملة من المؤشرات الخطابية‬
‫والتداولية‪:‬‬

‫‪55‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪111‬‬
‫‪56‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪111‬‬
‫‪57‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪112‬‬

‫‪123‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫موجهة للقارئ‪.‬‬
‫‪-‬العنوان يمثّل عالمة إخبارية ّ‬
‫يعبر عن مقصدية الكاتب الضمنية في عالقته بالقارئ من‬
‫‪-‬العنوان ّ‬
‫حيث اإلقناع أو التأثير‪.‬‬
‫‪ -‬هو عامل تهيئة الستقبال ما سيرد عليه من دفقات سردية‪.‬‬
‫الموجه إليه‬
‫ّ‬ ‫يحرض على قراءة الخطاب‬
‫‪-‬يكتسي بعدا تداوليا متمي از ّ‬
‫عبر الرواية‪.58‬‬
‫‪-‬البنية الصوتية‪:‬‬
‫اللجنة تحيل على مجموعة من الفونيمات( ال‪+‬ل‪+‬ج‪+‬نة) ترتبط ببعض آثار‬
‫‪59‬‬
‫أن هذا التحديد يبقى‬
‫المعنى االفتتاحي المتعلق بشيء عام و جماعي ‪ ،‬غير ّ‬
‫يوضح الناقد كيف تشتغل هذه البنية الصوتية المشرفة‬
‫ّ‬ ‫عاما وغامضا‪ ،‬إذ لم‬
‫على الرواية‪ ،‬والعالقة التي تساهم بها في تأسيس اإلطار العام للتشاكل وما‬
‫يتفرع عنه‪.‬‬
‫‪-‬البنية التركيبية‪:‬‬
‫يتميز باإلضمار السياقي‪ ،‬أي‬
‫أن العنوان تركيبيا ّ‬
‫يالحظ عبد المجيد نوسي ّ‬
‫كونة للجملة في اللغة العربية وبناء على هذه‬
‫بإضمار بعض العناصر الم ّ‬
‫أن‪:‬‬
‫المالحظة يرى الناقد ّ‬
‫‪-‬الوحدة المعجمية ( اللجنة) غير مسبوقة بفعل‪ ،‬وهو أمر مفترض من‬
‫خالل فحص بنية التركيب في الجملة ‪.‬‬
‫‪-‬هذه الوحدة ال تتعالق مع عنصر آخر بعالقة اإلسناد‪.‬‬
‫‪-‬اإلضمار السياقي‪:‬‬
‫ينفصل العنوان في شكل جملة توحي بإضمار سياقي يتمحور حول‬
‫العالقة بين اللجنة ومترشحها السارد‪ ،‬وانطالقا من هذا اإلضمار يقترح الناقد‬

‫‪58‬‬
‫‪ -‬ينظر المرجع نفسه‪ :‬ص ‪112‬‬
‫‪59‬‬
‫‪ -‬ينظر المرجع نفسه‪ :‬ص ‪112‬‬

‫‪124‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫قراءة تأويلية للعنوان بإضافة اسم معطوف للوحدة المعجمية لتصبح(اللجنة‬
‫‪60‬‬
‫أن(اللجنة)مبتدأ خبره محذوف يدل‬
‫والمترشح) ‪ ،‬فيما يرى محللون آخرون ّ‬
‫عليه خطاب الرواية بعد قراءته‪.61‬‬

‫وغرض هذا اإلضمار – في تقدير عبد المجيد نوسي‪ -‬هو التبئير على‬
‫العنوان وابراز الهيمنة التي يمارسها على المسارات التصويرية المؤسسة في‬
‫المقاطع السردية‪ " ،‬فالتبئير التركيبي للجنة يجعل داللتها ستكون أساسية‬
‫ألنها تمثّل بصفتها عنوانا النواة االستهالل التي‬
‫بالنسبة لداللة خطاب الرواية‪ّ ،‬‬
‫سيتولد عنها خطاب الرواية"‪.62‬‬
‫وانطالقا من هذه الجزئية التركيبية يعيد الناقد ترتيب المؤشرات التي‬
‫تؤسس التشاكل العام بين العنوان والمقاطع السردية التي تليه‪ ،‬والتي تتناسل‬
‫منها تشاكالت فرعية ترتبط بخيوط متشابكة مع التشاكل العام‪ ،‬وفق ما يأتي‪:‬‬
‫التميز األيقوني مع العناصر األخرى‪.‬‬
‫"‪ّ -‬‬
‫‪-‬التبئير بإضمار العناصر التركيبية و السياقية"‪.63‬‬
‫وبناء على النتيجتين السابقتين يصبح العنوان " نواة أساسية تمثّل داللتها‬
‫إطا ار عاما ترتبط به كل الدالالت الجزئية األخرى التي ينتجها الخطاب‪ ،‬مما‬
‫يجعل من العنوان نقطة توالد وانسجام الخطاب"‪.64‬‬

‫‪60‬‬
‫‪ -‬ينظر المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪112‬‬
‫‪61‬‬
‫‪ -‬ينظر جميل حمداوي‪" :‬السخرية في رواية اللجنة لصنع اهلل إبراهيم"‪ ،‬الحوار المتمدن‪،‬‬
‫‪www.m.ahewaar.org ،2006/10/25‬‬
‫‪62‬‬
‫‪ -‬عبد المجيد نوسي‪ :‬التحليل السيميائي للخطاب الروائي ص ‪113‬‬
‫‪63‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪113‬‬
‫‪64‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪113‬‬

‫‪125‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫‪-4‬المستوى الداللي للعنوان‪:‬‬
‫البنية الداللية تنبثق من عنصرين متعالقين يمثالن بداية تناسل الخطاب‬
‫وتوالده‪:‬‬
‫يتكون من الدالئل اللغوية التي ترّكب العنوان‪.‬‬
‫‪-‬العنصر(أ)‪ّ :‬‬
‫‪-‬العنصر(ب)‪ :‬يشمل التمثيالت الذهنية الداللية التي تتصل بالمركبات‬
‫اللغوية عندما تتفاعل بالسياق السوسيوثقافي للدالالت‪.65‬‬
‫إّن العالقة بين ( أ) و (ب) يمكن تحليلها تحليال سيميوطيقيا كاآلتي‪:‬‬
‫لمكونات العنوان يفترض فحص العالقة‬
‫‪-‬تحليل البنية الداللية ّ‬
‫بين التركيب اللغوي والتمثيالت التي تحيل إليها في عالقتها‬
‫بداللة الرواية‪.‬‬
‫المقوماتي للعنوان لتتّبع خيوط‬
‫ّ‬ ‫‪-‬االعتماد على التحليل‬
‫بالمقومات النووية‬
‫ّ‬ ‫التشاكل‪ ،‬بتحليل الداللة السيميائية المرتبطة‬
‫بالمقومات السياقية‪.66‬‬
‫ّ‬ ‫والداللة السياقية المرتبطة‬

‫المقوم النووي للعنوان‪:‬‬


‫‪ّ -‬‬
‫(اللجنة) تتركب من مجموعة من المقومات النووية‪:‬‬
‫‪+/‬أناس‪+/،/‬عاقلون‪+/،/‬أحياء‪+/،/‬مجموعة أفراد‪+/،/‬عام‪+/،/‬مجرد‪+/،/‬غير معدود‪،/‬‬
‫‪-/‬فرد واحد‪-/ ،/‬مخصصة‪/‬‬
‫مقومات ملتصقة بالوحدة المعجمية للعنوان‪،‬‬ ‫المقومات الجوهرية ّ‬
‫تعتبر هذه ّ‬
‫وهي التي تش ّكل نواة الوحدة المعجمية‪ ،‬وهذه النواة تتّسم بالثبات واالستقرار‪،‬‬
‫المقوماتية‪ ،‬بحيث يجعلها السياق‬
‫ومع ذلك تتش ّكل منها مجموعة من المسارات ّ‬
‫ممكنة ومحتملة على مستوى الملفوظات السردية للرواية‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫‪ -‬ينظر‪:‬المرجع نفسه‪ :‬ص‪113‬‬
‫‪66‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪114‬‬

‫‪126‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫للمقومات النووية السابقة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وبعد هذا التحليل يكتشف الناقد الداللة الجامعة‬
‫ّإنها تحيل على مجموعة من األفراد و تلغي وجود فرد‪.67‬‬

‫المقومات النووية السابقة يستخلص الناقد‪ -‬بعد تتبع المسارات‬


‫ّ‬ ‫إضافة إلى‬
‫المقومات الناشئة التي ولّدتها‬
‫ّ‬ ‫التصويرية لخطاب الرواية‪ -‬مجموعة من‬
‫المقوالت المقوماتية المتدرجة والمتعددة وفق ما يلي‪:‬‬
‫معين‪ ،‬تحيل إلى أفراد‬
‫"‪ -‬اللجنة يمكن أن تحيل إلى فضاء قانوني يحكمه إطار ّ‬
‫عاديين ينجزون نشاطا ما‪ ،‬تحيل إلى أفراد عسكريين‪ ،‬تدل على أفراد مدنيين‬
‫يقومون بعمل إداري‪ ،‬تؤ ّشر على مجموعة أفراد يبتون في ملفات‪ ،‬تحيل إلى‬
‫‪68‬‬
‫المقوماتية‬
‫أفراد يصدرون أحكاما‪ ،‬تمثّل مجموعة مسـ ـ ــؤولين " ‪ .‬هذه المقوالت ّ‬
‫نشأت من رحم النواة الجوهرية‪ ،‬ونمت في السياق التصويري للخطاب باعتبارها‬
‫مسارات ممكنة ومحتملة وهو ما تؤكده مقولة غريماس في هذا السياق‪ ":‬الوحدة‬
‫مقوماتيا ممكنا ال يتحقّق –باستثناءات قليلة‪( -‬حينما‬
‫المعجمية تمثّل تنظيما ّ‬
‫يكون أحاديا على مستوى الداللة) أبدا على هذه الشاكلة داخل الخطاب‬
‫يحدد فيه تشاكله الداللي الخاص‪،‬‬
‫المتمظهر في كل خطاب‪ ،‬في الوقت الذي ّ‬
‫ال يمثّل إال استثما ار جزئيا جدا لإلمكانات الكبيرة التي يتيحها له المستودع‬
‫فإنما يتركه مزروعا بصور العالم التي لفظها‪،‬‬
‫المعجمي‪ .‬واذا كان يتابع طريقه‪ّ ،‬‬
‫وهي التي تستمر في ممارسة وجودها الممكن‪ ،‬وهي قابلة لالنتعاش والتمظهر‬
‫‪69‬‬
‫إثر أقل مجهود للتذكر"‬
‫تبرز المقولة الغريماسية السابقة التنظيم الداللي للوحدات المعجمية التي‬
‫المقوماتية‬
‫ّ‬ ‫تشتمل على مقومات جوهرية وأخرى واردة ناشئة عن المسارات‬

‫‪67‬‬
‫‪ -‬ينظر المرجع نفسه‪ :‬ص ‪115‬‬
‫‪68‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪115‬‬
‫‪69‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪116‬‬

‫‪127‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫المقوم النووي‬
‫المزروعة في السياق الخطابي‪ ،‬والتي نمت وتناسلت انطالقا من ّ‬
‫المقومات‬
‫أن أقساما جزئية منها ترتبط بالتشاكل العام الذي تفرزه ّ‬
‫األصيل‪ ،‬كما ّ‬
‫النووية المهيمنة على الخطاب في افتتاحيته والمسيطرة في توجيهه‪ .‬ومع ذلك‬
‫تبقى هذه المسارات تأويلية ممكنة ومحتملة قد ال يتحقق بعضها على مستوى‬
‫المقاطع السردية‪.‬‬
‫أن العنوان يتمظهر في شكل بنية داللية‬
‫اعتمادا على ما سبق يرى الناقد ّ‬
‫يمكن تمثيلها في المخطط اآلتي‪:‬‬

‫البنية التشاكلية للعنوان‬ ‫البنية الداللية للعنوان‪ (:‬اللجنة)‬

‫التشاكل العام‪ :‬تشاكل اجلماعة‬ ‫المقوم النووي‪/ :‬مجموعة أفراد‪/‬‬


‫ّ‬

‫تشاكالت جزئية منبثقة عن التشاكل العام‪:‬‬ ‫مسارات مقوماتية ممكنة‪:‬‬


‫القوة‬ ‫‪-‬جماعة عادية‬
‫الهيمنة‬ ‫‪-‬جماعة مدنيين‬
‫السيطرة‬ ‫‪ -‬جماعة عسكريين‬
‫القهر‬ ‫‪ -‬مكلفين بمهمة‬

‫إن التشاكالت الجزئية السابقة المنبثقة عن التشاكل العام سوغتها المؤشرات‬ ‫ّ‬
‫التي حددتها بنية العنوان التركيبية واأليقونية والداللية‪:‬‬
‫‪ -‬اإلضمار التركيبي والتبئير للجنة‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬

‫‪-‬التميز األيقوني‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫‪-‬اإلضمار السياقي‪".‬‬
‫‪-5‬اإلطار العام المنظّم للخطاب( تشاكل اللجنة)‪:‬‬
‫باستثمار المفاهيم التي جاءت بها النظرية الكارثية‪ ،‬وبناء على الفرضية‬
‫الموقعية حاول عبد المجيد نوسي تقديم مقاربة سيميائية للعنوان في عالقته‬
‫المتميـ ــز والتجريد الخالص وموضعته‬
‫ّ‬ ‫بالخطاب ككل‪ ،‬من حيث البناء المقولي‬
‫الطوبولوجية في مواجهة العناصر الشكلية األخرى‪.‬‬
‫إن الخطاب‪ ،‬بصفته نسقا‪ ،‬يتمفصل إلى مجموعة من الحاالت الداخلية‬ ‫" ّ‬
‫التي توجد بينها مجموعة عالقات تحكمها سيرورة داخلية‪ ،‬وأول هذه الحاالت‬
‫‪71‬‬
‫هي الحالة األولية المتمثلة في العنوان‪ :‬اللجنة"‬
‫فإن العنوان يشرف على‬
‫وطبقا لالعتبار الطوبولوجي والفرضية الموقعية ّ‬
‫الخطاب الروائي كوحدة رئيسة تتح ّكم في استقرار وتناسل النسق السردي من‬
‫خالل المؤشرات اآلتية‪:‬‬
‫‪ -‬يحتل العنوان موقعا بار از على صفحة الغالف بالمقارنة مع العناصر‬
‫األخرى‪ ،‬وهو ما يوحي باستقالليته في عالقته مع خطاب الرواية‪ ،‬وبذلك يش ّكل‬
‫أول نقطة التقاء بين الخطاب والمتلقي بحيث يتحاوران في عالقة مباشرة‪.‬‬
‫‪ "-‬يش ّكل العنوان النواة االستهاللية التي تمثّل دليال إخباريا واقناعيا ودالليا‪،‬‬
‫فهو يخبر عن وجود خطاب من جنس الرواية"‪.72‬‬
‫‪ -‬يتسم العنوان بالهيمنة الخطابية‪ ،‬أي بالتبئير عليه من خالل إضمار‬
‫العناصر التركيبية األخرى المشكلة للجملة‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪117‬‬
‫‪71‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪121‬‬
‫‪72‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪122‬‬

‫‪129‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫ك ّل هذه العناصر تؤ ّكد على احتالل العنوان موقعا مركزيا منظّما للخطاب‬
‫تتوالد منه المسارات التصويرية السردية‪ ،‬وانطالقا منه تنمو مقاطع الرواية‬
‫وتتناسل لتخصيص تشاكل اللجنة العـ ــام‪ ،‬وذلك بــ‪:‬‬
‫المكونة لهذه الكلية والعمل الجماعي‪.‬‬
‫" –تحديد العناصر الجزئية و ّ‬
‫تخصص العامل الجماعي"‪.73‬‬
‫ّ‬ ‫‪-‬التأشير على جملة السمات والصفات التي‬
‫يحدد عبد المجيد نوسي تشاكالت فرعية تابعة للتشاكل‬
‫وتبعا لهذين العنصرين ّ‬
‫العام‪ ،‬وهي تشاكالت تتوزع عبر مقاطع الرواية لتضمن انسجام الخطاب‬
‫واتساقه‪ ،‬ثم يقوم بتحليل آليات الت اركم التي تقيم التشاكالت‪.‬‬
‫‪ -6‬آليات توالد التشاكل‪:‬‬
‫‪ -‬التشاكل العام‪:‬‬
‫يتجسد التشاكل العام في الوحدة المعجمية الرئيسة التي تتصدر الخطاب‬
‫الروائي‪ ،‬والمتمثلة في العنوان(اللجنة) حيث يتأسس على مستواه تشاكل‬
‫الجماعة طبقا لموقعه األيقوني والتركيبــي والداللي‪.‬‬
‫ويمثّل العنوان من خالل هذا الوصف حالة أولية (أ) تحتل المجال األول‬
‫مج‪.1‬‬
‫‪-‬التشاكالت المتناسلة‪:‬‬
‫التشاكل كما هو معروف يعتمد على خاصيتي التوارد والتراكم اللتين‬
‫تتحكمان في إثراء الخطاب وتوالده بواسطة آلتين أساسيتين‪:‬‬
‫‪ -‬التراكم القسري‪ :‬حينما يتحدد في الخطاب تشاكال تتسلسل منه تسلسال‬
‫مقومات سياقية مرتبطة‬
‫ضروريا وحدات معجمية تنشئ في السياق ّ‬
‫بالمقوم النووي‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫‪ -‬المرجع نف ص‪124 :‬‬

‫‪130‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫‪ -‬التراكم االختياري‪ :‬من خالله تتداعى الوحدات المعجمية بتلك المتعالقة‬
‫بالتشاكل العام للخطاب عن طريق التقارب أو الترادف أو التشابه‪.74‬‬

‫التحول من الحالة‬
‫ّ‬ ‫درج الخطاب نحو‬‫عن طريق اآلليتين السابقتين يت ّ‬
‫األولية(أ) إلى حالة ثانيــــــة(ب) تتعالق باألولى انطالقا من المسار‬
‫الداخلي الذي يتحكم في كل الحاالت حيث يتمطّط الخطاب ويتوالد من‬
‫مقومات سياقية جديدة تؤسس تشاكال‬‫الحالة األولية (أ)‪ ،‬ويبدأ بتشكيل ّ‬
‫فرعيا مرتبطا بالتشاكل العام‪ ،‬واعتبا ار لهذا حاول عبد المجيد نوسي تتبع‬
‫المسارات التصويرية وتحليلها‬
‫الكتشاف التشاكالت الفرعية األخرى المنبثقة عن اإلطار العام‬
‫للتشاكل الذي أفرزه العنوان‪ ،‬ومن هذه التشاكالت يمكن أن نذكر‪:‬‬
‫أ‪-‬تشاكل العضوية‪ :‬يالحظ الناقد في الوحدات المعجمية‪( :‬الحارس ص‪،5‬‬
‫أعضاء اللجنة ص‪ ،5‬واحد منهم ص‪ ،6‬لجمع المعلومات عن أعضائهم‬
‫ص‪ ،10‬كان عددهم كبي ار ص‪ ،11‬أعضاء اللجنة ص ‪ ،61‬بقية أعضاء‬
‫اللجنة ص ‪.75)65‬‬
‫المقوم النووي الجوهري للعنوان‪.‬‬
‫مقوم سياقي يتناسل من ّ‬‫تراكم ّ‬
‫أعضاء اللجنة ‪ +/ :‬عضوية‪+/ ،/‬أفراد‪/‬‬
‫عددهم كبير ‪+/ :‬أفراد‪+/ ،/‬الكثرة‪/‬‬
‫مقوم العضوية‬
‫مقوم سياقي متراكم هو ّ‬
‫المقومات الناتجة على ّ‬
‫ّ‬ ‫تحيل هذه‬
‫الذي ينسجم في تعالقه بوحدات المسار التصويري األخرى‪:‬‬
‫( يدخلون منه ص‪ ،6‬لقد حرصنا في كل أعمالنا ص ‪.76)106‬‬

‫‪74‬‬
‫‪ -‬ينظر المرجع نفسه‪ :‬ص ‪125-124‬‬
‫‪75‬‬
‫‪ -‬ينظر المرجع نفسه ص‪126 :‬‬
‫‪76‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪127-126‬‬

‫‪131‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫ب‪-‬تشاكل غرابة و سرية اللجنة‪:‬‬

‫في فحص المسارات التصويرية الستخراج المقومات‬ ‫يتدرج الناقد‬


‫المقوم النووي‪ ،‬والتي تؤسس تشاكالت فرعية‬
‫ّ‬ ‫السياقية المتولدة والمتفرعة عن‬
‫المحدد لإلطار العام التشاكلي في مركزه الخطابي‬
‫ّ‬ ‫تخصص تشاكل الجماعية‬ ‫ّ‬
‫الموجه و المنظّم للمقاطع السردية المتسلسة والمتوالدة‪.‬‬
‫ّ‬
‫بعد المالحظة والفحص يجد الناقد أن المسارين التصويريين‪:‬‬
‫‪ ( -‬لغة اللجنة ص‪ ،9‬عمل اللجنة ص‪ ،10‬ستار من السرية المحكمة قد‬
‫أسدل على أسمائهم و مهنهم ص‪)10‬‬
‫محددة لعمل‬
‫‪ ( -‬هناك باب آخر يدخلون منه ص‪ ،9‬ليس ثمة قاعدة ّ‬
‫اللجنة ص‪ ،10‬فعكفت على دراسة اللغة التي تستخدمها اللجنة في‬
‫‪77‬‬
‫مقابلتها ص‪)9‬‬
‫يقومان على وحدة خطابية مركزية تتمثل في الوحدة ( وجدت ستا ار من‬
‫السرية) والتي تطبع باقي الوحدات بسمة الغموض والسرية التي تكتنف وضعية‬
‫مقوما سياقيا جديدا يتمحور حول السرية يقود إلى تأسيس‬
‫اللجنة‪ ،‬مما ينشئ ّ‬
‫تشاكل فرعي هو تشاكل السرية يخصص و يحدد سمة الجماعية التي يتمركز‬
‫حولها التشاكل العام‪.‬‬
‫ج‪-‬تشاكل قوة اللجنة‪:‬‬

‫يستخلص الناقد هذا النوع من التشاكل من المسار التصويري اآلتي‪:‬‬


‫( كانت الشرائط الحمراء الموشاة بالذهب فوق ياقات ستراتهم تنطق برفعة‬
‫‪78‬‬
‫شأنهم ص ‪)11‬‬

‫‪77‬‬
‫‪ -‬عبد المجيد نوسي‪ :‬التحليل السيميائي للخطاب الروائي‪ ،‬ص ‪127‬‬
‫‪78‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص‪128‬‬

‫‪132‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫مقوم سياقي ناشئ هو‬
‫بحيث تحيل الوحدتين ( الشرائط‪ ،‬رفعة شأنهم) على ّ‬
‫العلو في هرم السلطة‪.‬‬
‫أما المسار التصويري‪(:‬وليس معنى هذا ّأني الذي سعيت إلى هذا اللقاء‪،‬‬
‫ّ‬
‫واّنما قيل لي ّإنه ال مندوحة منه‪ ،‬ولهذا جئت ص‪ )8‬فتحيل وحداته على نوعية‬
‫العالقة التي تربط اللجنة بالسارد العامل‪ ،‬وهي عالقة غير متكافئة المواقع تقوم‬
‫على الثنائيات اآلتية‪:‬‬
‫السارد‪-‬الذات‪-‬العامل‬ ‫اللجنة(العامل الجماعي)‬
‫الضعف‬ ‫القوة‬
‫المهيمن عليه‬ ‫المهيمن‬
‫تثبت هذه الثنائيات في تعالقها مكانة اللجنة وعالقتها بالسارد الذات‪ ،‬فهي‬
‫ليست لجنة عادية تتسم بالجماعية فقط‪ ،‬واّنما لجنة ذات مكانة عالية في هرم‬
‫السلطة‪ ،‬وهو ما يؤ ّشر على تشاكل فرعي جديد يتمثل في تشاكل القوة‬
‫والسلطة‪.‬‬
‫لقد م ّكن تحليل تشاكالت الخطاب الناقد من تحديد " تشاكالت‪ :‬الجماعية‪،‬‬
‫غرابة وسرية اللجنة‪ ،‬قوة اللجنة‪ ،‬وقد نتجت عن تحليل التراكم الحشوي للمعجم‬
‫والتراكم الداللي للمقومات السياقية‪ .‬وتعد هذه التشاكالت متعالقة‪ ،‬ويظهر‬
‫تعالقها في الوظائف التي تحققها على مستوى خطاب الرواية بتحديد قراءة‬
‫موحدة ومنسجمة"‪.79‬‬‫ّ‬
‫تثبت هذه الثنائيات في تعالقها مكانة اللجنة وعالقتها بالسارد الذات‪ ،‬فهي‬
‫ليست لجنة عادية تتسم بالجماعية فقط‪ ،‬واّنما لجنة ذات مكانة عالية في هرم‬
‫السلطة‪ ،‬وهو ما يؤ ّشر على تشاكل فرعي جديد يتمثل في تشاكل القوة‬
‫والسلطة‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص‪129 :‬‬

‫‪133‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫لقد م ّكن تحليل تشاكالت الخطاب الناقد من تحديد " تشاكالت‪ :‬الجماعية‪،‬‬
‫غرابة وسرية اللجنة‪ ،‬قوة اللجنة‪ ،‬وقد نتجت عن تحليل التراكم الحشوي للمعجم‬
‫والتراكم الداللي للمقومات السياقية‪ .‬وتعد هذه التشاكالت متعالقة‪ ،‬ويظهر‬
‫تعالقها في الوظائف التي تحققها على مستوى خطاب الرواية بتحديد قراءة‬
‫موحدة ومنسجمة"‪.80‬‬
‫ّ‬
‫‪-7‬التشاكل الداللي ونظرية الكوارث‪:‬‬
‫اعتمادا على نظرية الكوارث يميز عبد المجيد نوسي نوعين من الكوارث‬
‫يحددان القيمة الطبولوجية للتشاكالت الداللية‪ ،‬كارثة المواجهة وكارثة التشعب‪.‬‬
‫‪-‬كارثة المواجهة‪(:‬الصراع والجدلية)‪:‬‬
‫ال يقتصر دور التشاكل الداللي على إبراز آليات التوالد واالنسجام داخل‬
‫الخطاب فقط‪ ،‬بل يتعدى ذلك إلى تتبع دينامية الملفوظات الخطابية‪" ،‬وتسهم‬
‫هذه الدينامية القائمة على التفاعل بين العوامل والمواقع في توالد الخطاب وفي‬
‫ضمان انسجامه"‪ .81‬وفي رواية اللجنة يبرز الناقد دينامية المقاطع السردية من‬
‫خالل تشاكل القوة الذي يميز العامل الجماعي‪ :‬اللجنة‪ ،‬و يحيل – في تقدير‬
‫الناقد‪ -‬تركيبيا إلى عامل ثان‪:‬‬
‫‪-‬تشاكل قوة اللجنة‪ :‬يمثل تركيبيا إشارة للعامل الجماعي الثاني( اللجنة‬
‫والسارد‪-‬العامل الذات)‬
‫‪-‬تشاكل قوة اللجنة‪ :‬دالليا يشكل سمة من سمات العامل الجماعي‪.82‬‬
‫المقومات السياقية الجزئية التي تبني هذا التشاكل‪:‬‬
‫وهذا باعتبار ّ‬
‫‪ -‬سلطة اللجنة‪.‬‬ ‫"‬
‫‪ -‬االستخبار عن المترشح‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص‪129 :‬‬
‫‪81‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ص ‪130‬‬
‫‪82‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪:‬ص ‪130‬‬

‫‪134‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫‪ -‬اقتحام الفضاء المكاني للعامل‪-‬الذات‪.‬‬
‫‪ -‬محاصرة العامل الذات داخل الفضاء المكاني الذي يرتبط به‪.‬‬
‫‪ -‬إصدار قرار لمعاقبة العامل الذات"‪.83‬‬

‫أن تشاكل القوة يحيل تركيبيا إلى وجود عاملين‪:‬‬


‫يالحظ الناقد مما سبق ّ‬
‫‪ -‬العامل الذات في ارتباطه بالعامل الجماعي الثاني‪.‬‬
‫‪ -‬تشاكل القوة يحيل تركيبيا إلى السارد‪-‬العامل الذات‪/1‬العامل‬
‫الجماعي‪2‬‬

‫ومن هذه العالقة التركيبية يستخلص الناقد نوعية العالقة الرابطة بينهما‪،‬‬
‫وهي عالقة مبنية على الصراع والمجابهة " لكون العامل الجماعي يحاول‬
‫الهيمنة على السارد‪-‬العامل الذات‪ .‬وهذه العالقة القائمة بين عاملين داخل‬
‫خطاب الرواية‪ ،‬والمبنية على الصراع والجدل هي في األصل عالقة من‬
‫عالقات التركيب العاملي‪ ،‬لكن يمكن النظر إليها من المنظور الكارثي بوصفها‬
‫تحقق على مستوى الحالة الثانية‪ :‬بعد المركز المنظّم"‪.84‬‬
‫من خالل هذا التحليل يظهر جليا تأثّر الكاتب بمفاهيم سيميوطيقا السرد‬
‫وخاصة نظرية العوامل التي يحاول مالقحتها بمفاهيم النظرية الكارثية في‬
‫التوزيع الطبولوجي لفضاء الخطاب مستفيدا مما توصل إليه روني توم وجون‬
‫بيتيتو في هذا المجال‪.‬‬
‫تقوم النظرية الكارثية على مبدأ أساسي يتخذه الناقد منطلقا لتحليله الموقعي‬
‫والطبولوجي للخطاب‪ ،‬ومؤدى هذا المبدأ ّأنه" حين التوفّر على عنصرين غير‬
‫منهارين عا‪ 1‬وعا‪ 2‬لوظيفة ممكنة ويكونان على نفس المستوى(عا‪ )1‬و(عا‪.)2‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص‪130‬‬
‫‪84‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪130‬‬

‫‪135‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫إن هذه الوضعية الال مستقرة يمكن أن تستقر بطريقتين‪ :‬يمكن لـ عا‪ 1‬أن يهمين‬
‫ّ‬
‫‪85‬‬
‫على عا‪ 2‬والعكس" ‪.‬‬
‫يتميز بالدينامية التي تقوم‬
‫أن الخطاب الروائي خطاب ّ‬ ‫يؤ ّكد المبدأ السابق ّ‬
‫على عناصر االنسجام والتناسل والتوالد والحوار والصراع والحركة والتحول‬
‫واالنتقال والقوة والتغيير والتغير‪...‬‬
‫وفي رواية اللجنة يتمظهر الحوار والصراع والحركة في فضاء الخطاب في‬
‫العالقة القائمة بين العامل األول(اللجنة) والعامل الثاني(السارد‪-‬الذات)‪ ،‬مما‬
‫ألن الخطاب ينتقل من المركز المنظّم‪:‬‬
‫يؤدي إلى حدوث كارثة المواجهة" ّ‬
‫العنوان‪ ،‬إلى حالة ثانية بعد دخول قيمة جديدة هي قيمة توالد وتناسل الخطاب‪،‬‬
‫أن الخطاب ينتقل من موقع‪ ،‬على المستوى الطبولوجي إلى موقع‬ ‫وهذا يعني ّ‬
‫آخر من الموقع الذي يحتله العنوان والذي يتميز بوجود تحقّق عامل واحد هو‬
‫يتميز بتعددية العوامل المتصارعة‪ ،‬ويش ّكل‬
‫العامل الجماعي‪ :‬اللجنة‪ ،‬إلى موقع ّ‬
‫يحدد كارثة المواجهة التي‬
‫انتقال الخطاب إلى هذه الحالة الثانية انتقاال كارثيا ّ‬
‫تقوم على احتالل مجال جديد هو المجال الثاني"‪.86‬‬
‫المحددة تظهر كما يلي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أن القيمة الطبولوجية للتشاكالت‬
‫أي ّ‬

‫الموقع الثاني‬ ‫الموقع األول‬

‫اللجنة‪/‬السارد‪-‬‬ ‫كارثة المواجهة‬ ‫اللجنة وحدها‬


‫الذات‬
‫المجال األول‬
‫المجال الثاني‬

‫‪85‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص‪131‬‬
‫‪86‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪131‬‬

‫‪136‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬

‫يوضح المخطّط السابق كيفية انتقال الخطاب من المجال األول إلى المجال‬
‫ّ‬
‫الثانـي انتقاال كارثيــا‪ ،‬وذلك باالنتقال من عنصر فاعل واحد إلى عنصرين‬
‫فاعلين‪ ،‬هما ‪ :‬العامل الجماعي المتمثّل في اللجنة‪ ،‬والسارد الذات‪ ،‬وهو ما يقيم‬
‫االستقرار انطالقا من العالقة الجديدة المنتجة في المجال الثاني‪ ،‬أي عالقة‬
‫التضاد النوعي بين اللجنة والسارد والتي تدخلهما في مواجهة وصراع تظهر‬
‫في‪:‬‬
‫‪-‬المواجهة‬
‫‪-‬السارد الذات‪ :‬يواجه اللجنة ويستخدم كل أساليب اإلقناع‪ ،‬انطالقا من‬
‫موقعه كمثقـ ــف وباحث عن المعرفة يحاول تفسير بعض الظواهر‬
‫االجتماعية والواقعية‪.‬‬
‫يقدمه‪ ،‬وتواجهه ببعض األفعال والتصرفات التي‬
‫‪-‬اللجنة‪ :‬ال تقتنع بما ّ‬
‫تعرقل حركته‪ ،‬من خالل جمع معلومات عنه‪ ،‬محاصرته في أماكن تموقعه‪،‬‬
‫إصدار ق اررات قاسية بشأنه‪.‬‬
‫‪ -‬مواجهة اللجنة‪:‬‬
‫‪ -‬العامالن يظهران في مستوى واحد بناء على المواجهة القائمة بينهما‪.‬‬
‫‪ -‬عدم استقرار الخطاب لتساوي الطرفين‪.‬‬
‫‪-‬نتيجة المواجهة‪:‬‬
‫بناء على التشاكل األخير الذي حلّله الناقد(تشاكل القوة) يتجه الخطاب نحو‬
‫االستقرار بهيمنة العامل الجماعي(اللجنة) على السارد الذات‪ ،‬مما يقود‬
‫الخطاب إلى تحقيق انسجامه الداخلي تبعا للتشاكالت الداللية التي تحقّقه والتي‬
‫تخصص العامل الجماعي(اللجنة)‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪-‬تشاكل الجماعية‪.‬‬
‫‪-‬تشاكل العضوية‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫‪-‬تشاكل الغرابة والسرية‪.‬‬
‫‪-‬تشاكل القوة‪.‬‬
‫تحيل كل هذه التشاكالت على قراءة منسجمة ومتشاكلة يهمين فيها العامل‬
‫ألن أغلب المقاطع‬
‫الجماعي(اللجنة)على العامل الذات وجودا وموقعا وامتدادا‪ّ ،‬‬
‫السردية التي ترّكب المجال الثاني تتمحور حول سمات العامل الجماعي‬
‫(اللجنة)‪.‬‬
‫يلخص الناقد محتواها‬
‫يترّكب المجال الثاني من خمسة مقاطع سردية ّ‬
‫كاآلتي‪:‬‬
‫‪"-‬م‪ :1‬تتمحور المسارات التصويرية فيه حول اللقاء بين اللجنة والعامل‪-‬الذات‪،‬‬
‫أن أغلب هذه المسارات تسم اللجنة بسمة الجماعية وسريتها وغرابتها‪.‬‬
‫غير ّ‬
‫يتميز بتمحور مساراته التصويرية حول بحث السارد‪ -‬العامل الذات في‬
‫ّ‬ ‫‪-‬م‪:2‬‬
‫سيرة الدكتور‪ ،‬وحول عالقة المواجهة التي تربط بينه و بين اللجنة‪.‬‬
‫‪-‬م‪ :3‬تتمحور مساراته التصويرية حول قوة اللجنة التي تقتحم الفضاء المكاني‬
‫للعامل الذات وتأمره بتوقيف بحثه في سيرة الدكتور‪.‬‬
‫المكونة له حول حصار القصير عضو‬ ‫ّ‬ ‫‪-‬م‪ :4‬تتمركز المسارات التصويرية‬
‫اللجنة العامل الذات داخل الفضاء المكاني المرتبط به‪ :‬البيت إلرغامه على‬
‫التخلي عن موضوع البحث في مسار الدكتور‪.‬‬
‫المكونة لهذا المقطع بتوجيه األسئلة من‬
‫ّ‬ ‫تتميز المسارات التصويرية‬
‫‪-‬م‪ّ :5‬‬
‫طرف العامل الجماعي للسارد‪-‬الذات حول إنجازه لفعل القتل ضد الممثل‪:‬‬
‫يقرر العامل الجماعي إلحاق العقوبة القاسية بالعامل‬
‫القصير‪ ،‬عضو اللجنة و ّ‬
‫الذات"‪.87‬‬

‫‪87‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪133‬‬

‫‪138‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫يالحظ الناقد من خالل هذه المسارات التصويرية اتساع مواقع تواجد‬
‫العامل الجماعـ ــي(اللجنة) في مقابل انحصار موقع السارد‪-‬الذات داخل‬
‫الفضاء الروائي‪ ،‬مما يؤ ّشر على هيمنة العامل األول و فرض االستقرار‬
‫على الخطاب في جميع مقاطعه‪ ،‬وهذا إن دل على شيء ّإنما يدل على‬
‫االنسجام الذي يسم الخطاب في كليته‪.88‬‬
‫أن "عالقة المواجهة بين‬
‫يصل نوسي بعد ذلك إلى نتيجة مهمة‪ ،‬مفادها‪ّ :‬‬
‫العاملين هي التي تجعل خطاب الرواية ينمو انطالقا من المركز المنظّم‬
‫يخصص هذا‬
‫ّ‬ ‫يحدد العامل الجماعي‪ :‬اللجنة إلى المجال الثاني الذي‬
‫الذي ّ‬
‫العامل في عالقته بالسارد‪-‬العامل الذات‪ .‬فالخطاب ال يمكن أن ينمو خارج‬
‫ألن تمطيطه وتناسله من مقاطع ومسارات تصويرية عن‬
‫عالقة المواجهة‪ّ ،‬‬
‫طريق التراكم القسري للوحدة المعجمية‪ّ ،‬إنما يتم لتخصيص العامل‬
‫الجماعي بمجموعة من السمات‪:‬‬
‫‪-‬الجماعية‪.‬‬
‫‪-‬الغرابة و السرية‪.‬‬
‫‪-‬القوة‪.‬‬
‫في عالقته بالسارد‪-‬العامل الذات"‪.89‬‬
‫اإلحاالت‪:‬‬
‫‪ -1‬جميل حمداوي‪ ":‬السيميوطيقا والعنوان" مجلة عالم الفكر‪ ،‬مجلد ‪ 25‬رقم‪ ،3‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -2‬عبد المجيد نوسي‪ :‬التحليل السيميائي للخطاب الروائي‪ ،‬البنيات الخطابية‪-‬التركيب‪-‬‬
‫الداللة‪ ،‬ط‪ ،1‬شركة النشر والتوزيع المدارس‪ ،‬الدار البيضاء‪.2002 ،‬‬
‫‪Voir :Greimas : Du sense2 -3‬‬

‫‪88‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪133‬‬
‫‪89‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪134:‬‬

‫‪139‬‬
‫مجلة اآلداب واللغات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد‪ 3‬جانفي‪2015‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬عبد الجليل منقور‪" :‬المقاربة السيميائية للنص األدبي‪ ،‬أدوات و نماذج"‪ ،‬محاضرات‬
‫الملتقى الوطني األول( لسيميائية والنص األدبي) قسم األدب العربي‪ ،‬جامعة محمد‬
‫خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،2001 ،‬ص‪61‬‬
‫‪5‬‬
‫جميل حمداوي‪" :‬السخرية في رواية اللجنة لصنع اهلل إبراهيم"‪ ،‬الحوار المتمدن‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪www.m.ahewaar.org ،2006/10/25‬‬

‫‪140‬‬

You might also like