Professional Documents
Culture Documents
7907 000 000 016
7907 000 000 016
261
د .عبد اهلل حدادي
المدرسة العليا للتربية والتكوين بني مالل
ﻟﻺﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻗﻢ ﺑﻨﺴﺦ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﺇﺳﻠﻮﺏ ﺍﻹﺳﺘﺸﻬﺎﺩ
ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ:
شغل االهتمام بالقراءة حيزا كبيرا من الكد المنهجي المعاصر ،في نظرية
خاصة ،التي عُدت في النقد الغربي مطافا متأخرا من مطافات النظرية التلقي
ﺇﺳﻠﻮﺏ APA
ﺍﻟﻤؤﺗﻤﺮميشيل
ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ على عبارة
ﺃﺷﻐﺎﻝقياسا األدبي،
ﺍﻟﻘﺮﺍءﺓ. الصنيع
ﻭﺑﻮﻳﻄﻴﻘﺎ قارئ» في
ﺍﻷﺩﺑﻲ ).(2022ال ﺍﻟﻨﺺ
ﻋﺒﺪﺍﷲ«.وظيفة
وأخذت حصة النقدية،
ﺣﺪﺍﺩﻱ،
ﺍﻟﺴﻨﻮﻱ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ :ﺍﻟﻘﺮﺍءﺓ ﻭﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺺ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻴﺎﺭﻳﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ()1ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻧﻔﺘﺎﺡ
فوكو «وظيفة المؤلف» ،تتأكد وتحظى باالعتراف ،وحتى بالمطالبة بها ،بحيث
ﺍﻟﻘﺮﺍﺋﻲ ﺍﻟﻤﺘﻌﺪﺩ ،ﻣﻜﻨﺎﺱ :ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻟﻤﻮﻟﻰ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﻭﺍﻷﺑﺤﺎﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻐﺔ
ﻣﻦ النقد األدبي ،بالتفاتها إلى عنصر تاريخ حاسما في
ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ منعطفا.277 ﻭﺍﻵﺩﺍﺏالنظرية
ﻭﺍﻟﻔﻨﻮﻥ- 261 ، شكلت هذه
http://search.mandumah.com/Record/1342497
عملت البداهة على إقصائه من دائرة االهتمام الفاعل ضمن أقطاب التواصل األدبي،
ﺇﺳﻠﻮﺏ MLA
حظوة ﺍﻟﻤؤﺗﻤﺮفيها
ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ تضخمت أخرى
ﺃﺷﻐﺎﻝ حقبﻓﻲ وتصرمت
ﺍﻟﻘﺮﺍءﺓ". بالمؤلف
ﻭﺑﻮﻳﻄﻴﻘﺎ االهتمام
ﺍﻷﺩﺑﻲ فيها "ﺍﻟﻨﺺ حقبة تم
ﻋﺒﺪﺍﷲ. لقد مرت
ﺣﺪﺍﺩﻱ،
ﺍﻻﻧﻔﺘﺎﺡ كتاب ﺇﻟﻰ
(خوسيه ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺍﻟﻤﻌﻴﺎﺭﻳﺔ
عنوان ﺍﻟﻨﺺ ﻣﻦ
استدعاء ﺍﻟﻤﻌﻨﻰماﻓﻲ
جاز لنا ﻭﺇﻧﺘﺎﺝ
القارئ إذا ﺍﻟﻘﺮﺍءﺓ
ساعة ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ:
النهاية ﺍﻟﺴﻨﻮﻱفي
النص ،لتدق
ﺍﻟﻘﺮﺍﺋﻲ ﺍﻟﻤﺘﻌﺪﺩﻣﻜﻨﺎﺱ :ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻟﻤﻮﻟﻰ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﻭﺍﻷﺑﺤﺎﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻐﺔ
نظرية التلقي ضمن األرضية جاءت ﻣﻦ
ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ هكذا،.277التنبؤي.)2(- ﻭﺍﻟﻔﻨﻮﻥ(Jose ،
)261 :(2022 )Castellelt كاستيلت)
ﻭﺍﻵﺩﺍﺏ
مسكونة بهاجس مجاوزة القصور http://search.mandumah.com/Record/1342497
الماهدة لها ،والمتمثلة في (جماعة كونستانس)،
الذي اعتور نظريات النقد المتجهة إلى مصدر النص)المؤلف( ،أو تلك التي يممت
شطر النص ،في ذاته ولذاته(.)3
( )1إمانويل فريس وبرنار موراليس :قضايا أدبية عامة :آفاق جديدة في نظرية األدب ،تــر .لطيــف زيتــوني ،الكويــت،
سلسلة عالم المعرفة ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،ع ،300 .فبراير ،2004ص.144 .
( )2نقال عن أمبرتو إيكو :التأويل :بين السميائيات والتفكيكية ،ترجمة وتقديم سعيد بنكراد ،الدار البيضــاء المغــرب/
بيروت لبنان ،المركز الثقافي العربي ،ط ،2004 ،2 .ص.63 .
( )3في هذا الصدد ،يقول (أمبرتو إيكو)« :بيد أنه إبان انطالقة السيميائيات البنيويــة ،عنيــت بدايــة الســتينيات ،كــان
االعتقــاد الســائد أن الــنص ينبغــي أن يعــالج فــي صــلب بنيتــه الموضــوعية ،كمــا تتبــدى للناقــد فــي ســطحها الــدال.
وبالمقابل فقد أهملت مداخلة المرسل إليه )المتلقي( التأويلية ،وباتت في الظل ،هذا إن لم تلغ كليا ،العتبارها لوثــة
عن التذكير ،ومن وجهة بنيوية أكيــدة ،بضــرورة اعتبــار الفئــات ،مــن مثــل جاكبسن نفسه
ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ. يكف ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ
ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ.لمﺟﻤﻴﻊ
2023وحتى لو
منهجية.
©
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ،ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ .ﻳﻤﻜﻨﻚ
المرسل والمرسل إليه والسياق ،الزمة وضرورية في معالجة مسألة التواصل الجمالي»:
ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ ،ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ
ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ .أبو زيد ،الدار البيضاء المغرب/
الحكائية،ﺃﻭتر .أنطوان النصوص
ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﻦفي
ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺧﻄﻲيلي
التعاضد التأو الحكاية:
ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ القارئ في
ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( إيكو:ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ أمبرتو
ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ
بيروت لبنان ،المركز الثقافي العربي ،1996 ،ص.47 .
261
د .عبد اهلل حدادي
المدرسة العليا للتربية والتكوين بني مالل
شغل االهتمام بالقراءة حيزا كبيرا من الكد المنهجي المعاصر ،في نظرية
التلقي خاصة ،التي عُدت في النقد الغربي مطافا متأخرا من مطافات النظرية
النقدية ،وأخذت حصة «وظيفة القارئ» في الصنيع األدبي ،قياسا على عبارة ميشيل
فوكو «وظيفة المؤلف» ،تتأكد وتحظى باالعتراف ،وحتى بالمطالبة بها( ،)1بحيث
شكلت هذه النظرية منعطفا حاسما في تاريخ النقد األدبي ،بالتفاتها إلى عنصر
عملت البداهة على إقصائه من دائرة االهتمام الفاعل ضمن أقطاب التواصل األدبي،
لقد مرت حقبة تم فيها االهتمام بالمؤلف وتصرمت حقب أخرى تضخمت فيها حظوة
النص ،لتدق في النهاية ساعة القارئ إذا ما جاز لنا استدعاء عنوان كتاب (خوسيه
كاستيلت) ) (Jose Castelleltالتنبؤي( .)2هكذا ،جاءت نظرية التلقي ضمن األرضية
الماهدة لها ،والمتمثلة في (جماعة كونستانس) ،مسكونة بهاجس مجاوزة القصور
الذي اعتور نظريات النقد المتجهة إلى مصدر النص)المؤلف( ،أو تلك التي يممت
شطر النص ،في ذاته ولذاته(.)3
( )1إمانويل فريس وبرنار موراليس :قضايا أدبية عامة :آفاق جديدة في نظرية األدب ،تــر .لطيــف زيتــوني ،الكويــت،
سلسلة عالم المعرفة ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،ع ،300 .فبراير ،2004ص.144 .
( )2نقال عن أمبرتو إيكو :التأويل :بين السميائيات والتفكيكية ،ترجمة وتقديم سعيد بنكراد ،الدار البيضــاء المغــرب/
بيروت لبنان ،المركز الثقافي العربي ،ط ،2004 ،2 .ص.63 .
( )3في هذا الصدد ،يقول (أمبرتو إيكو)« :بيد أنه إبان انطالقة السيميائيات البنيويــة ،عنيــت بدايــة الســتينيات ،كــان
االعتقــاد الســائد أن الــنص ينبغــي أن يعــالج فــي صــلب بنيتــه الموضــوعية ،كمــا تتبــدى للناقــد فــي ســطحها الــدال.
وبالمقابل فقد أهملت مداخلة المرسل إليه )المتلقي( التأويلية ،وباتت في الظل ،هذا إن لم تلغ كليا ،العتبارها لوثــة
منهجية .وحتى لو لم يكف جاكبسن نفسه عن التذكير ،ومن وجهة بنيوية أكيــدة ،بضــرورة اعتبــار الفئــات ،مــن مثــل
المرسل والمرسل إليه والسياق ،الزمة وضرورية في معالجة مسألة التواصل الجمالي»:
أمبرتو إيكو :القارئ في الحكاية :التعاضد التأويلي في النصوص الحكائية ،تر .أنطوان أبو زيد ،الدار البيضاء المغرب/
بيروت لبنان ،المركز الثقافي العربي ،1996 ،ص.47 .
261
ضمن هذا األفق ،يعد تأكيد دور القارئ في صوغ أدبية النص هو التعديل
األساسي الذي طـرأ على نظرية األدب بعد منتصف القرن العشرين(« ،)1فبينما ساد
في فترة من تاريخ النقد النظر إلى األدب باعتباره صورة لمؤلفه ووسطه االجتماعي
وبيئته عموما ،أو مظهرا من مظاهر العبقرية فيما بعد ،نظر اتجاه نقدي آخر إلى
النص األدبي بإكبار ،باعتباره بذاته ،يمتلك أدوات اشتغاله ،واألدوات الكفيلة بالكشف
عن معناه دون اللجوء إلى االستعانة بمـا هو خارج عنه حتى ولو كان المؤلف نفسه!
وبهذا فالنص األدبي بنية مغلقة مكتفية بذاتها .وهكذا قوبل تطرف بتطرف أكبر
منه ،إلى أن جـاء اتجاه نقدي ثالث فأنكر التوجهين النقديين السابقين عليه ،ونادى
بضرورة العناية بمن يتوجه إليه النص في أصل الوضع :أي القارئ ) (...نفــــــ] النص
ال يوجد إال بالقراءة والقراءة وحدها ومن هنا تنبع أهمية القارئ أو المتلقي»(.)2
لقد تنبهت نظرية التلقي إلى أن النقاد بتبئيرهم البحث األدبي على الكاتب
والعمل األدبي قد اختزلوا النسق العالئقي بدون موجب لذلك ،إذ يجب على هذا
النسق أن يأخذ متلقي الرسالة األدبية (الجمهور القارئ) بعين االعتبار ،فتلك ضرورة
ال محيد عنها ،ألن األدب والفن ال يصيران صيرورة تاريخية ملموسة إال بواسطة
تجربة أولئك الذين يتلقون المؤلفات ويتمتعون بها ،ويقومونها ،ومن ثم يعترفون بها
أو يرفضونها ،يختارونها أو يهملونها(.)3
لقد كانت نظرية التلقي بمثابة تغير حقيقي في النموذج النظري لدرجة أن
الشعرية خالل العقود األخيرة يمكن أن توصف بحق بأنها "شعرية القراءة"( ،)4بعد أن
أصبحت قـراءة النص هي األكـثر استئثارا باالهـتمام واألكثر استحواذا على أسئلة
النظرية األدبية وافتراضاتها ،حيث اكتسبت أهمية كبيرة لم تحظ بمثلها عبر تاريخ
النقد كله ،كما صاحب ذلك ازدياد كبير في تقدير فاعلية دور القراءة والتلقي في
عملية فهم النص واكتشافه وإنتاجه وتشكيله وتصنيعه ،فعد التلقي في أحد أهـم
مظاهره وأخطرها بمثابة إعادة إنتاج وتصنيع للنص من جديد ،وذلك بعد أن تم
( )1جان ستروبنسكي :نـحو جمالية للتلقي ،ضمن مؤلف جمــاعي :نظريــة األدب فــي القــرن عشــرين ،ترجمــة وإعــداد
محمد العمري ،الدار البيضاء ،إفريقيا الشرق ،ط ،2004 ،2 .ص.5 .
( ) 2محمد المتقن :في مفهــومي القــراءة والتأويــل ،مجلــة عــالم الفكــر ،الكويــت ،المجلــس الــوطني للثقافــة والفنــون
واآلداب ،ع ،2 .المجلد ،33أكتوبر – ديسمبر ،2004ص.8 .
( )3جان ستروبنسكي :نـحو جمالية للتلقي ،ضمن نظرية األدب في القرن العشرين ،مرجع سابق ،ص.148 .
( )4خوسيه ماريا بوثويلو إيفانكوس :نظرية اللغة األدبية ،تر .حامد أبو أحمد ،القاهرة ،دار غريب ،1992 ،ص.119 .
262
انجازه بصورة أولية مفـتوحة من قبل مؤلفه .من هنا ،لـيس باإلمكـان تصور النص
في وجوده المتعـين إال من خالل تحقـقه في التلـقي والقراءة ،فأن تعرف ما هو النص
هو أن تعرف كيف قرئ ،وكيف تم تـلقيه في سلـسلة القراءات والتلـقيات المتعاقبة
والمتداخلة ،حيث النص ال يعيش إال من خالل الـقارئ ومن خالل تاريخ اشتغال
المتلقي به ،بل ال معنى لنص حتى يقرأه شخص ما ويمنحه داللة معينة( ،)1وبدا
التحويل المنهجي الذي طرأ على تحليل النص باالستناد إلى نظرية التلقي ،ينم عن
إدراج (فعل الفهم) في القراءة ،وجعل نتائجه بنية من بنيات النص ،وتمظهر الفهم
بوصفه القسيم المعرفي للذات .وما ينتج عنه من تباين االستـنتاجات لتباين الذوات
المعرفية( ،)2إذ حولت نظرية التلقي «( )...مشهد الدراسات األدبـية بإعادتها األدب إلى
وظيفـته التواصلية التي حجبتها البنيوية النصية»( .)3ومنذ سنة 1973أعلن (هنري
ميشونيك) ( ،)Henri Meschonnicفي كتابه ألجـل الشعرية عن «نهاية الحماقات
التي تعد أن فعل الكتابة فعل الزم»( ،)4فـقد أصبحت الكتابة غير منفصلة عن "قول
شيء ما لشخص ما" .ولذلك سننهي مسيرتنا عبر حقول النقد األدبي محاولين أن
نستوعب كيف استطاع التبئير النقدي على فعل القراءة أن يحول طريقة التفكير في
األدب ،ويفسر من اآلن فصاعدا اشتغال النص من خالل الدور الذي يلعبه المرسل
إليه في تكونه ،وكذا في فهمه وتأويله؛ ألن األدب يشيد تواصال مؤجال بين كتاب ما
وقراء ليسوا بالضرورة كلهم معاصرين لبعضهم البعض ،وال حاضرين جميعهم في
المكان نفسه(.)5
من منظور جمالية التلقي ،ال ينفصل النص الذي يقرأ عن تاريخ تلقيه ،فتاريخ
التلقيات والقراءات الخاص بنص ما ،هو الذي يمكننا من فهمه بعد أن أنجز وصار
ماضيا .إن التلقي بهذا المدلول ،فرصة يتجاوز فيها كل من النص والمتلقي ذاتهما
( )1نادر كاظم :المقامات والتلقي :بحث فــي أنمــاط التلقــي لمقامــات الهمــذاني فــي النقــد العربــي الحــديث ،بيــروت،
المؤسسة العربية للدراسة والنشر ،2003 ،ص.12 .
( )2بشرى موسى صالح :نظرية التلقي :أصول...وتطبيقات ،الدار البيضاء ـ المغرب /بيــروت ـ لبنــان ،المركــز الثقــافي
العربي ،2001 ،ص.53 .
( )3آن موريل :النقد من منظور القــارئ ،تــر .إبــراهيم أولحيــان ،مجلــة نـــزوى ،ســلطنة عمــان ،ع ،43 .يوليــوز ،2005
جمادى األولى 1926هـ ،ص.100 .
( )4نقال عن :المرجع السابق نفسه ،الصفحة نفسها.
( )5آن موريل :النقد من منظور القارئ ،مرجع سابق ،ص.100 .
263
ليمتدا خارج حدودهما ،حيث النص ال يتحقق إال من خالل القارئ ،والقارئ ال يحقق
شرط وجوده إال من خالل فعل القراءة.
وعلى هذا ،ال يعد التلقي توصيفا لحالة استقبال سلبي لنص قد تم إنجازه
بصورة تامة ومنتهية ،بل هو فاعلية نشطة بها يتحقق النص ويتجسد .فالعمل
الفني ،حسبما يرى (أمبرتو إيكو) ( ،)Umberto Ecoحتى ولو كان شكال منتهيا ومغلقا
ومنظما في غاية الكمال ،ومضبوطا بدقة ،فإنه مع ذلك يبقى "مفتوحا" ،على األقل
لكونه قابال للتأويل بطرق مختلفة(« ،)1إن االستمتاع بعمل فني نيقول (أمبرتو إيكو)]
يرجع إلى إعطائه تأويال وإنجازا ،بحيث يعاد إحياؤه من زاوية فريدة»( ،)2حيث إن
النص ،من هذا المنظور ،وجود ناقص ،أو لعله مشروع وجود ال يقتنص من إمكانيات
النص إال بعضها .فالنقص ،إذن ،هو السمة المشتركة بين النص والقارئ ،وفي هذا
النقص ،تحديدا ،يكمن سر احتياج كل منهما إلى اآلخر.
إن اهتمام نظرية التلقي بالقارئ والقراءة ،وعالقتهما بالنص ،إنما هو تركيز
على الجانب التواصلي في نظرية األدب(« ،)3وذلك ألن الظاهرة األدبية نكما يؤكد
(ميكائيل ريفاتير) ( ])Michael Riffaterreليست في المؤلف ،كما ظن النقاد زمنا
طويال ،وال في النص المعزول ،بل هي في جدلية بين النص والقارئ»(.)4
لقد تضامنت نظرية التلقي مع اتجاهات ما بعد البنيوية في نبذ الشكل الواحد
للمعنى ،وتقويض مبدإ اإليمان بالملفوظ اللساني دليال وحيدا ،أو وسيطا وحيدا لبناء
جمالية للنص ومحاورة بنيته .وخطا منهج القراءة ونظرية التلقي خطوات أشد إيغاال
في تشييد جمالية من نوع خاص ،استقت أصولها من الفلسفة الظاهراتية التي تجعل
من الذات مصدرا أوال للفهم .فصارت الذات المتلقية ،ضمن هذا األفق ،قادرة على
إعادة إنتاج النص بواسطة فعل الفهم واإلدراك ،ومتمكنة بذلك من إفسال تعددية
المعنى وتشقيق وجوه النهائية من بنيته ،مما يجعله قادرا على الديمومة والخلود
( ) 1نقال عن :رشيد اإلدريسي :سيمياء التأويل :الحريري بين العبارة واإلشارة ،الدار البيضاء ،سلسلة المكتبــة األدبيــة،
شركة النشر والتوزيع المدارس ،2000 ،ص.16 .
( )2نفسه ،الصفحة نفسها.
( ) 3أحمد بوحسن :نظرية التلقــي والنقــد األدبــي العربــي الحــديث ،ضــمن مؤلــف مشــترك :نظريــة التلقــي :إشــكاالت
وتطبيقات ،الرباط ،منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ،سلسلة ندوات ومناظرات رقم ،1993 ،24ص.18 .
( )4ميكائيــل ريفـاتير :دالئليــات الشــعر ،ترجمــة ودراســة ،محمــد معتصــم ،الربــاط ،منشــورات كليــة اآلداب والعلــوم
اإلنسانية ،1997 ،ص.7 .
264
بفعل الحوارية المستمرة بين بنية النص وبنية المتلقي( ،)1ولعل هذا ما دفع محمد
مفتاح إلى اعتبار أن نظرية التلقي تنزع إلى تحليل النص ضمن ما أسماه بـ
"اإلبستيمولوجية التشييدية" ،التي شعارها« :ال شيء معطى ،وإنما كل شيء
مبني»(.)2
يتعارض هذا الطرح ،مع ذاك الذي شيدته المقاربات المشدودة إلى النص،
والمعنية بتحليل النص األدبي في ذاته ولذاته ،كما هو الشأن عند الشكالنيين
الروس والنقد الجديد والبنيوية وغيرها ،حيث كان التأكيد دائما ينصب على النظر
إلى النص بوصفه )معطى( موضوعيا ،يملك وجودا مستقال عن أي أشكال االرتباط،
سواء بالقارئ أم بالمجتمع أم بالمؤلف .فقد كان النص ،بحسب أشهر االستعارات،
عبارة عن "جرة حسنة الصنع" أو "أيقونة لفظية"( ،)3أي معطى ناجزا ومكتفيا بذاته.
لقد كان لهذا التصور األيقوني الشائع عن النص ،دور كبير في توجيه النقد
الحديث إلى االهتمام بالنص في ذاته ولذاته ،والوقوف ،ضمن أشراط التحليل
المحايث ،عند مستوى الكلمات واألصوات والتراكيب والمقاطع ...من ثم ،فإن اقتضاء
دراسة النص ،بوصفه معطى موضوعيا ،يفترض وصفه بصورة )محايثة( ،وبـــ)وفاء(
تام دونما تدخل من ذات القارئ أو المؤول ،حيث ال يتم هذا الوفاء التام للنص إال
على حساب إمحاء حضور القارئ ومحق وجوده .فأي تهاون في الوفاء للنص إنما يقود،
حتما ،إلى محذور شدد عليه النقاد الجدد بوصفه خطأ في التقويم والتأويل ،وهو ما
عرف بـ "المغالطة التأثيرية" ) ،)4((affective fallacyأي الخلط بين ما هو للنص ،وما
هو من نتائجه وتأثيراته في القارئ ،وهي التأثيرات نفسها التي طالما أكدت نظرية
التلقي تعذر فهم النص بمبعد عنها.
وبطبيعة الحال ،ال تشكل االتجاهات المختلفة التي تنضوي تحت إطار نظرية
التلقي نقدا موحدا من الناحية المفهومية ،بل تمثل مجموعة متباينة من المنطلقات
والمناهج واألدوات(« ،)5فـنظرية التلقي ليست نظرية واحدة ،وإنما هي نظريات
( )1بشرى موسى صالح :نظرية التلقي :أصول ...وتطبيقات ،مرجع سابق ،ص.52 .
( )2محمد مفتاح :من أجل تلق نسقي ،مرجع سابق ،ص.45 .
( )3نادر كاظم :المقامات والت لقي :بحث في أنماط التلقي لمقامات الهمذاني في النقد العربي الحديث ،مرجــع ســابق،
ص.24 .
( )4نفسه ،ص.25 .
( )5بشرى موسى صالح :نظرية التلقي :أصول ...وتطبيقات ،مرجع سابق ،ص.41 .
265
كثيرة ( ،)1(»)...ولعله األمر الذي دفع (رمان سلدن) ( )Raman Seldenإلى أن يؤطر
الحديث عن نظرية التلقي ،ضمن كتابه النظرية األدبية المعاصرة ،تحت تسمية:
"النظريات المتجهة إلى القارئ :نظريات القارئ"( ،)2بصيغة الجمع ال اإلفراد .غير أن
هذه النظريات ،وإن اختلفت رؤى وأدوات ،فإنها تتفق فيما بينها ،على األقل ،في
أمرين ،حسبما يالحظ محمد المتقن ،هما(:)3
- 1نبذ الدور التقليدي للقارئ ،ومنحه دورا حاسما في تحديد المعنى.
- 2كون النص ،في تصور هذه النظريات ،ال يحمل معنى جاهزا ،فالقارئ هو من
يمأل فراغات النص ويشغل بياضاته بشكول المعنى.
ولعله يجمل التنويه هنا أن مفهوم القراءة قد تجاوز اإلحالة على الفعل
المسلط على ما هو مكتوب حصرًا ،ذلك أنه قد أصبح «( )...لفعل "قـرأ" المتعدي ،في
النقد المعاصر ،استعماالت كثيرة ومتنوعة (قرأت النص واللوحة والمدينة
()4
حسبما يؤكد رشيد بنحدو .ولعل هذا األمر هو ما جعل من مفهوم والجسد»)...
القراءة مفهوما فَلـوتاً ليست له أداوت واضحة وال مرجعية قارة وال موضوع خاص،
ويمكن أن يظهر كل مرة ضمن احتمال مفهومي مختلف(.)5
وعموما ،إن «( )...القراءة إذا أطلقت في الدراسات المعاصرة ،فإنه يقصد بها:
-التلقي اإليجابي للنصوص ،ال االستسالم لها والوقوع في أسرها.
-معرفة الطريقة التي كتب بها النص ،أي كيفية تشكله.
-القراءة بناء يحاور النص من أجل التوصل إلى ما يشكل تفرده وتميزه عن
سواه من النصوص؛ ومن ثم معرفة سر خلوده واالهتمام به على مر
العصور.
القراءة عملية غير محايدة ،تقتضي تدخل القارئ بمعارفه المسبقة وذخيرته -
المكتسبة من خالل قراءاته السابقة لنصوص مماثلة.
( )1خوسيه ماريا بوثويلو ايفانكوس :نظرية اللغة األدبية ،مرجع سابق ،ص.124 .
( )2محمد المتقن :في مفهومي القراءة والتأويل ،مرجع سابق ،ص.12 .
( )3رمان سلدن :النظرية األدبية المعاصرة ،مرجع سابق ،ص.163 .
( )4رشيد بنحدو :قراءة في القراءة ،مجلة الفكر العربي المعاصــر ،بيروت/بــاريس ،مركــز اإلنمــاء القــومي ،ع،4948 .
،1988ص.19 .
( )5محمد الدغمومي :نقد النقد :وتنظير النقد العربي المعاصر ،مرجع سابق ،ص.273 .
266
-القراءة تـأويـل»(.)1
ليست القراءة ،إذن ،عند النقاد والباحثين المعاصرين «( )...ذلك الفعل البسيط
الذي يمرر به البصر على السطور؛ وليست هي أيضا بالقراءة التقبلية التي نكتفي
فيها ،عادة ،بتلقي الخطاب تلقيا سلبيا اعتقادا منا أن معنى النص قد صيغ نهائيا
وحدد فلم يبق إال العثور عليه كما هو ،أو كما كان نية في ذهن الكاتب )...( .إنها فعل
خالق يقرب الرمز إلى الرموز ويضم العالمة إلى العالمة (.)2(»)...
في هذا الصدد ،يقول (تزفيطان تودوروف) ( )Tzvetan Todorovإن «()...
القراءة مسار في فضاء النص ،مسار ال ينحصر في وصل األحرف بعضها ببعض من
اليمين إلى اليسار ومن أعلى إلى أسفل (وهو بمفرده المسار الوحيد ولهذا فليس
للنص معنى مفرد) وإنما هو يفصل المتالحم ويجمع المتباعد وهو على التدقيق
يشكل النص في فـضائه ال في خطيته (.)3(»)...
وبما أن «ال نص يوجد بغير عملية قراءة»( ،)4فإن هذه األخيرة تنتصب فاعلية
تنقل النص ،أي نص ،من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل ،فهي التي تحيل النص
إلى معنى ،وتجعله قوال معلنا عبر فاعليتها الخالقة( ،)5تلك القراءة الواعية التي
تتفاعل مع النص تفاعال كليا ،وتتحرك معه من البداية إلى النهاية( .)6بهذا ،كانت
نصية النص مرهونة التحقق بفعل القراءة ذاته(« ،)7إن النص نيقول (جان بول
سارتر) ( ])Jean-Paul Sartreخذروف عجيب ( )...ألجل استعراضه أمام العين البد
من عملية حسية تسمى :القراءة .وهو يدوم مادامت القراءة ،وفيما عدا هذا ال يوجد
سوى عالمات سود على الورق»( ،)8إن هذه العالمات السود التي يتحدث عنها (سارتر)
هي ،على وجه التحديد ،ما يظهر عليه النص قبل أن يطوله فعل القراءة .فالنص
( )1محمد المتقن :في مفهومي القراءة والتأويل ،مرجع سابق ،ص.18 .
( )2حسين الواد :مناهج الدراسات األدبية ،الدار البيضاء ،مطبعة النجاح الجديدة ،ط ،1988 ،4 .ص.72 .
( )3تزفيطان تودوروف :الشعرية ،تر .شكري المبخــوت ورجــاء بــن ســالمة ،الــدار البيضــاء ،دار توبقــال للنشــر ،ط،2 .
،1990ص.22 .
( )4فريد الزاهي :النص والجسد والتأويل ،مرجع سابق ،ص.56 .
( )5محمد المتقن :في مفهومي القراءة والتأويل ،مرجع سابق ،ص.19 .
( )6نبيلة ابراهيم :القارئ في النص :نظرية التأثير واالتصال ،مرجع سابق ،ص.101 .
( )7نصر حامد أبو زيد :الــنص ،الســلطة ،الحقيقــة ،بيــروت لبنــان /الــدار البيضــاء المغــرب ،المركــز الثقــافي العربــي،
،1997ص.11 .
( )8جان بول سارتر :ما األدب؟ تر .محمد غنيمي هالل ،القاهرة ،دار نهضة مصر ،د.ت ،ص.43 .
267
قبل القراءة ،أي قبل تعلق الوعي به ،مجرد هيكل فارغ ال يقدم إال "مظاهر خطاطية"
جوفاء .إذ النص ،كما يشير إلى ذلك (تودوروف) ،بمكر ،هو نـزهة يقوم فيها المؤلف
بوضع الكلمات ليأتي القراء بالمعنى(« ،)1إذا ،فالنص إن هو إال نسيج فضاءات بيضاء،
وفرجات ينبغي ملؤها ،ومن يبثه يتكهن بأنها (فرجات) سوف تمأل ( )...نفـ] النص
بقدر ما يمضي من وظيفته التعليمية إلى وظيفته الجمالية ،فإنه يترك للقارئ
المبادرة التأويلية ،حتى لو غلبت فيه الرغبة بعامة في أن يكون النص مؤوال وفق
هامش من األحادية كافٍ .إن النص غالبا ما يتطلب إعانة أحدهم لكي يتحقق
عمله»( .)2ولعله األمر نفسه الذي دفع (إيزر) إلى التمييز في النص بين جانبين)...(« :
جانب فني خاص بالمؤلف ،وجانب جماعي تولده عملية القراءة .وبهذا يكون العمل
األدبي أكبر من النص في حد ذاته ،ألن النص ال تدب فيه الحياة إال إذا تحقق ،كما أن
عملية تحقيق النص ال تتم إال إذا أحيل النص إلى حركة ،عندما تتحول المنظورات
المختلفة التي يقدمها للقارئ إلى عالقة دينامية بين مخططات النص االستراتيجية
ووجهات نظر القارئ المخططة كذلك»( .)3وهنا يصر (إيـزر) على أنه كما أن للنص
بناء ،فإن القراءة ،بما هي «( )...جملة اآلليات اإلدراكية والنفسية والثقافية التي
تحصل عند مواجهة نص ما»( ،)4لها بناء كذلك ،يقف موازيا لبناء النص ومتحاورا
معه(.)5
إن التفاعل بين النص والقارئ ،إذن ،هو الشيء األساسي في فعل القراءة من
منظور (إيـزر) ،لكن السؤال الملحاح الذي يطرح نفسه هنا هو :كيف يمكننا أن نجعل
هذا التفاعل موضوعا لدراسة منهجية ملموسة؟ فإذا كان مهما القول إن عملية
القراءة هي ما يضمن تحقق النص ،فإنه من المهم أيضا أن يكون في الوسع تجاوز
مستوى التوصيف النظري المجرد لفعل القراءة ولماهيته .لكن ،كيف يتأتى لنا تجاوز
ذلك لدراسة فعل القراءة أثناء تحققه الفعلي ،ثم ،ضمن مستوى ثانٍ ،كيف يمكن
تعرف ما يفرزه هذا الفعل من أنماط القراء؟ أسئلة مثل هذه كانت األس الحافز،
( )1نقال عن :أمبرتو إيكو :التأويل :بين السيميائيات والتفكيكية ،مرجع سابق ،ص.22 .
( )2أمبرتو إيكو :القارئ ،في الحكاية ،مرجع سابق ،ص.ص.6364 .
( )3نبيلة إبراهيم :القارئ في النص :نظرية التأثير واالتصال ،مرجع سابق ،ص.103 .
( )4نقال عن :محمد الدغمومي :نقد النقد وتنظير النقد العربي المعاصر ،مرجع سابق ،ص.272 .
( )5نبيلة إبراهيم :القارئ في النص :نظرية التأثير واالتصال ،مرجع سابق ،ص.103 .
268
لدوائر النقد األدبي ،على إنسال تفريعات على قدر كبير من التنوع ،بصدد أنماط
القراءة وصنوف القراء.
-1أنماط القـراءة
لعل المتأمل في النتاج النظري المتحصل من تعيين أنماط القراءة ،ليندهش
إزاء العدد الهائل لتفريعاتها ،وال بأس في هذا السياق من التأشير على بعض أنماط
القراءة بما يقرب وضعية التنوع تلك.
()1
عند (ياوس) مثال ،نجد تحديدا لنوعين من القراءة هما على التوالي :
-القراءة االستعادية التي تعمل على تبرير الدهشة الجمالية التي يخلقها
النص ،عن طريق الفهم والتفسير والتقويم.
-القراءة التاريخية التي تنبثق عنها ردود أفعال تأويلية ،تبرر الدهشة وتبني
القراءات االستعادية لتجعل منها أجهزة متكاملة لتلقي األثر خالل تاريخه
الممتد(.)2
في حين نجد عند (تزفيطان تودوروف) تمييزا بين ثالثة أنواع من القراءة:
اإلسقاطية ،والشارحة ،ثم الشاعرية(.)3
-فـالقراءة اإلسقاطية «ال تركز على النص ولكنها تمر من خالله ومن فوقه،
متجهة نـحو المؤلف أو المجتمع ،وتعامل النص كأنه وثيقة إلثبات قضية
شخصية أو اجتماعية أو تاريخية.)4(»...
-أما القراءة الشارحة ،فقراءة تعيد إنتاج المكتوب بلغة مغايرة ،وهي تجتر وال
تبدع(.)5
في حين تتم القراءة الشاعرية بقراءة النص من خالل شفرته في ضوء سياقه
الخاص ،في سبيل السعي «( )...إلى كشف ما هو باطن في النص ونقراءة] ( )...أبعد مما هو
في لفظه الحاضر»(.)6
( )1فولفجانج إيزر :فعل القراءة :نظرية الوقع الجمالي ،ترجمة وتقديم أحمد المديني ،مجلة آفــاق ،منشــورات اتحــاد
كتاب المغرب ،ع ،1987 ،6 .ص.29 .
( )2نبيلة إبراهيم :القارئ في النص :نظرية التأثير واالتصال ،مرجع سابق ،ص.103 .
( )3نقال عن :محمد المتقن :في مفهومي القراءة والتأويل ،مرجع سابق ،ص.21 .
( )4عاطف جودة نصر :النص الشعري ومشكالت التفسير ،القاهرة ،دار نوبار للطباعة ،1996 ،ص.152 .
( )5محمد المتقن :في مفهومي القراءة والتأويل ،مرجع سابق ،ص.21 .
( )6عاطف جودة نصر :النص الشعري ومشكالت التفسير ،مرجع سابق ،ص.152 .
269
ضمن مستوى آخر ،يقترح (ميكائيل ريفاتير) ( )Michael Riffaterreضربين
من القراءة ،تشكالن مرحلتين مختلفتين في االقتراب من الكون النصي للعمل
األدبي ،ولكنهما تتكامالن بحيث تمهد أوالهما للثانية؛
- 1القراءة االستكشافية ،وفيها يتم االحتكاك األولي بالنص وخاللها يجري
التفسير األول لـه(.)1
- 2القراءة االسترجاعية ،وهي قراءة تأويلية يعمد خاللها القارئ إلى "استرجاع"
ما قرأه واستحضاره أثناء محاولة فهم النص وتأويلـه(.)2
أما عند (روالن بارت) ( )Roland Barthesفنلفي تحديدات ألنماط أخرى
للقراءة ،يمكن تعرفها كاآلتي(:)3
-قراءة مهووسة تتلذذ بإنتاج خطاب ميتا-نصي يـوازي ويناظـر خطاب النص
األدبي.
-قراءة عصابية تندفع منجذبة إلى كون النص واالنغمار في التباساته.
-قراءة انفصامية (بارونية) تنتج نصا استيهاميا على هامش النص األدبي.
-قراءة ملتذة أو فيتيشية تتحسس مناطق من جسد النص وتتلذذ بها.
في خطاب النقد العربي الحديث يورد كل من فاضل ثامر ورشيد بنحدو
مصطلحات قرائية عديدة ،بحيث نجد عند األول مصطلح القراءة العمودية والقراءة
األفقية والقراءة االستنساخية( ،)4أما الثاني فيورد مصطلح القراءة العارفة والقراءة
المستهلكة( ،)5ونجد عند سعيد علوش مصطلح القراءة الجمعية ،وهي تأويالت
متعددة لنص عبر مستويات مجازية غالبا( ،)6ويطرح الدكتور محمد عبد المطلب
أنماطا ثالثة من القراءة للنص األدبي هي القراءة الجمالية ،والقراءة التأويلية والقراءة
( )1نقال عن :محمد المتقن :في مفهومي القراءة والتأويل ،مرجع سابق ،ص.21 .
( )2نفسه ،الصفحة نفسها.
( )3نقال عن :محمد الدغمومي :نقد النقد :وتنظير النقد العربي المعاصر ،مرجع سابق ،ص.ص.270271 .
( )4فاضل ثامر :من سلطة النص إلى ســلطة القــراءة ،مجلــة الفكــر العربــي المعاصــر ،بيروت/بــاريس ،مركــز اإلنمــاء
القومي ،ع ،1988 ،4849 .ص.94 .
( )5نقال عن :محمد المتقن :في مفهومي القراءة والتأويل ،مرجع سابق ،ص.22 .
( )6سعيد علوش :معجم المصطلحات األدبية المعاصرة ،مرجع سابق ،ص.100 .
270
اإلسترجاعية( ،)1ونجد محمد بنيس يتحدث عن القراءة العاشقة ،ضمن دوائر خطاب
النقد األدبي العربي الحديث ،داخل مرحلة سبعينيات القرن المنصرم ،وعند إدريس
بلمليح نلفي مصطلح القراءة التفاعلية( ،)2وعند صالح بوسريف نجد القراءة
العارفة( ،)3ونتعرف على القراءة الداللية مع منذر عياشي(.)4
تأسيسا على ما تقدم ،يغدو من البدهي اإلقرار بأن التعدد الواسم لمفهوم
القراءة وأنوعها ،سيطول ،بالتبعية ،أنماط الذوات الممارسة لها ،تعدد ال يني يؤكد
دور القارىء في رسم قسمات القراءة والنص على حد سواء ،فبدونه ال تحقق القراءة
حضورها األنطولوجي ،مثلما ال يتاح للنص العبور من الوجود بالقوة إلى الوجود
بالفعل.
-2أنواع القــراء
لقد اجتهدت النظرية النقدية المعاصرة اجتهادات ثرة باتجاه محاولة تحديد
هذه الذات القارئة ،حتى تتمكن تاليا من فهم مختلف أفعالها .فقد أدى «( )...االهتمام
المتزايد بالقراءة وأنماطها نيقول محمد المتقن] إلى كثير من التفريع فيما يتعلق
()5
دور كبير في تعدد أنواع القراء. بالقارئ ،وقد كان لعامل الترجمة المضاعفة
( )1محمد عبد المطلب :قراءات أسلوبية في الشعر الحــديث ،القــاهرة ،الهيئــة المصــرية العامــة للكتــاب ،د.ط،1995 ،
تنظر الصفحات 23 22 15 14 13و.50
( )2إدريس بلمليح :القراءة التفاعلية ،مرجع سابق ،ص.10 .
(« )3إن ما نسميه بالقراءة العارفة نيقول صالح بوســريف] ،هــي تلــك القــراءة التــي تكــون ذات صــلة بــالنص ،قــراءة
وتأمال ،كما أنها ،في تقصيها ،تكون محكومة بشرطها المعرفي الذي تتخذه وسيلة عمل ،وبه ،أو مــن خاللــه تبــرر مــا
تصل إليه من نتائج ،ال بما تخوض فيه من نزوات ذات مشغولة بالتمجيد فقط .القراءة العارفة ،بهــذا المعنــى ،تخــدم
المعرفة ،وتساهم في بناء التصورات والمفاهيم ،كما تقترح أفق التحوالت الممكنة التي يكون النص مالذها»:
صالح بوسريف :القراءة العارفة ،الملحق الثقافي لجريدة العلم ،السبت 19نونبر ،2005ص.7 .
(« )4القراءة الداللية هي تلك القراءة التي ينفــتح فيهــا التأويــل علــى تعــدد المعــاني بتعــدد الممكنــات النحويــة التــي
ينتظم بها الكالم ،موضوع القراءة ،جملة ونصا .ويجب أن نعلم أن هذه القــراءة ال تــأتي مــن لــبس فــي الكــالم فقــط
على نحو مخصوص ،ولكنها تأتي من ممكنات توليدية يقوم عليها الكالم في أصل بنائه»:
منذر عياشي :التعــدد النحــوي :بــين القــراءة الدالليــة والبنيــة اللغويــة ،مجلــة ثقافــات ،البحــرين ،كليــة اآلداب جامعــة
البحرين ،ع ،78 .صيف/خريف ،2003ص.18 .
( )5يبين المتقن ما يعنيه بهذا المصطلح بقوله« :أعني بالترجمة المضاعفة ،ترج مة نص ما مــن لغتــه األم إلــى لغــة
أخرى ثانية أو ثالثة ،ثم ترجمته إلى اللغة العربية ،وكتــاب إيــزر فعــل الترجمــة نمــوذج لهــا ،حيــث تــرجم الكتــاب مــن
األلمانية إلى اإلنجليزية ثم إلى الفرنسية فالعربية (:»)...
محمد المتقن :في مفهومي القراءة والتأويل ،مرجع سابق ،ص.23 .
271
فاالختالف في ترجمة المصطلح يوهم بأننا إيزاء مفاهيم متعددة ،ولكن عند التمعن،
ينجلي األمر ،لنجد أنفسنا أمام مصطلح واحد بتسميات مختلفة»(.)1
غير أن الترجمة سواء أكانت بسيطة أم مضاعفة ،ليست السبب الرئيس "ذي
الدور الكبير" -حسب تعبير المتقن -المفسر لهذا التفريع الشديد في أنماط القراء،
ذلك أن في داخل تعقد فعل القراءة في ذاته ،وتعدد مستوياته وأبعاده ،ينتصب
السبب األهم المولد لهذا القدر من التفريع في أنماط القراء.
فقول محمد المتقن اآلنف وإن أشّر إلى جانب من تجليات الظاهرة ،فإنه مع
ذلك لم يوفق إلى تحديد أصلها .ويكفي تدليال على ذلك أننا نلفي ،حتى في ظل
اللغة المصدر ،تفريعات ألنماط القراء ال حصر لها ،مما سينعكس بداهة على
ترجمتها إلى اللغة/اللغات الهدف.
وإذا كان الحال على ما قدمنا ،فإن االسترسال في استقصاء جميع أنواع القراء
مطلب ليس هاهنا مقامه .وعليه ،سوف يتم االكتفاء ،بالمقابل ،بالوقوف عند بعض
من أهم أنواع القراء وأكثرها شيوعا ،كما أفرزتها اجتهادات النظرية النقدية
المعاصرة ،أنواع نُجمل الحديث عنها في أربعة أساسية.
أ -القارئ النموذجي
إنه عند (إيـزر) «القارئ الذي نرجع إليه في الغالب ،والذي يصعب جدا تحديد
جوهره ،بل إننا نستطيع أن نذهب إلى حد اعتبار الناقد األدبي أو فقيه اللغة بمنزلة
جوهر لهذا التجريد»( .)2وهو عند (ميكائيل ريفاتير) مجموعة من المخبرين الذين
يلتقون دائما عند النقط المحورية في النص ،وبالتالي يؤسسون وجود "واقع
أسلوبي" عبر ردود أفعالهم المشتركة ،والقارئ النموذجي مثل أداة استطالع لمنبهات
النص والكتشاف كثافة المعنى الكامن المسنن فيه( ،)3فضال عن كونه معيارا يساهم
في إقصاء الذاتية من ردود أفعال القراء مما يجعله أداة لتحقيق قراءة موضوعية –
حسب (ريفاتير) دائما -تستند إلى المؤشر األسلوبي باعتباره حافزا نصيا وعنصرا
( )1محمد المتقن :في مفهومي القراءة والتأويل ،مرجع سابق ،ص.23 .
( )2فولفجانج إيزر :فعل القراءة :نظرية الوقع الجمالي ،ترجمة وتقديم أحمد المديني ،مجلــة آفــاق ،منشــورات اتحــاد
كتاب المغرب ،ع ،1987 ،6 .ص.29 .
( )3ميكائيل ريفاتير :معايير تحليل األسلوب ،ترجمة وتقديم وتعليقــات حميــد لحميــداني ،منشــورات دراســات ســال،
،1993ص.42 .
272
هاما في خلق التفاعل بين النص والقارئ .إال أن (ريفاتير) يعتبر القارئ النموذجي
معيارا محكوما بالمحدودية ،لذلك يأتي السياق متمما ومصححا لكفايته ،ألن اإلجراء
األسلوبي الذي يحدده القارئ النموذجي «يمتلك كسياق خلفية ملموسة دائمة ،وكل
من اإلجراء األسلوبي والخلفية ال يوجد أحدهما بدون اآلخر»(.)1
أمـا القـارئ النموذجي الذي يتحدث عنه (أمبرتو إيكو) في كتابه القـارئ في
الحكاية (lector in
( .Fabulaفإنه ال يحضر بصفته القارىء الذي يشارك ويتفاعل مع النص
فحسب ،بل إنه يولد إلى حد كبير من النص نفسه( .)2يقول (إيكو) في سبيل توضيح
ما يعنيه بمفهوم القارئ النموذجي« :إن القارئ النموذجي في قصة ما ليس هو
القارئ الفعلي ،إن القارئ الفعلي هو أي كان ،نـحن جميعا ،أنت وأنا ونـحن نقرأ
النص ،فهذا القارئ ،قد يقرأ بطرق مختلفة ،فال وجود لقانون يفرض عليه طريقة
معينة في القراءة ،وعادة ما يتخذ النص وعاء ألهوائه الخاصة ،وهي أهواء مصدرها
عالم آخر غير عالم النص ،وال يقوم النص سوى بإثارتها بشكل عرضي .قد يكون
فيكم من جرب رؤية فيلم كوميدي وهو في أقصى حاالت الحزن ،ولذلك فأنتم
تعرفون كم هو صعب االستمتاع بشيء ما في لحظة كهذه ،هناك ما هو أكثر من
هذا .قد تشاهدون هذا الفيلم سنوات بعد ذلك دون أن تنجحوا في االبتسام ألن كل
صورة تذكركم بحزن التجربة األولى ،فباعتباركم قراء فعليين ،فإن قراءتكم هذه
هي قراءة خاطئة ،لكنها خاطئة بالنسبة لماذا؟ إنها كذلك في عالقتها بنوعية
المتفرج الذي كان المخرج يفكر فيه ،ذاك المتفرج الذي يجب أن يبتسم ويتابع قصة
ال تعنيه بشكل مباشر .أطلق على هذا المتفرج (أو القارئ) القارئ النموذجي ،إنه
قارئ نوعي يتوقعه النص باعتباره محفال للتعاون .فإذا استهل نص ما بـ"حدث ذات
يوم "...فإنه يرسم عالمة تقود إلى انتقاء مباشر لقارئه النموذجي الذي سيكون
بالضرورة طفال أو شخصا مستعدا لقبول قصة ال تكثرت للحس المشترك»(.)3
273
ب -القارئ الخبير أو المؤهل
طور (ستانلي فيش) ( )Stanley Fishهذا المفهوم( ،)1وهو عنده يحيل إلى
ذلك «( )...القارئ الحقيقي الذي يفعل كل شيء من أجل أن يكون خبيرًا»( .)2إن هذا
القارئ ،حسب توصيفٍ إلدريس بلمليح «( )...يسعى باستمرار إلى إخصاب مضامين
النصوص وتوسيع دائرة المعلومات التي تنطوي عليها ،هادفا إلى اعتبار النص
وثيقة لألفكار واألحاسيس التي تنقلها اللغة ،وتمررها عبر مسالكها الوعرة ومساربها
الضيقة»( ،)3وهو األمر الذي دفع ناقدا مثل (خوسيه ماريا بوثويلو ايفانكوس) ( José
)Maria Pozuelo Yvancosإلى اإللماع إلى أن القارئ المؤهل عند (ستانلي فيش)
موصول بمعنى القراءة المتخصصة أو القراءة النقدية(.)4
القارئ المقصـود
يحيل هذا المفهـوم على تـلك «الذات الجماعية التي عاشت األوضاع التاريخية
للمبدع ،فتوجه إليها النص حين ظهوره المبدئي ،ثم الذات القادرة على أن تعيد
تصورات المقصد المباشرة لهذا النص ،في إطار نوع من التكامل بينها وبين
المقصد ،أي أنها استمرار له ،وتقـمص جديد لفعله»( .)5هكذا )...(« ،فالقارئ المقصود
باعتباره قاطنا تخيـيليا في النص ال يمكن أن يجسد ،فحسب ،مفاهـيم وتقاليد
الجمهور المعاصر ،بل أيضا رغبة المؤلف سواء في االرتباط بهذه المفاهـيم أو
االشتغال عليها»(.)6
القارئ الضمني
يذهب (فولفجانج إيـزر) في كتابه فعـل القـراءة إلى أن مفهوم "القارئ
الضمني" يحيل على «بنية نصية تتوقع حضور متلق دون أن تحدده بالضرورة»( ،)7إن
( )1نقال عن :محمد المتقن :في مفهومي القراءة والتأويل ،مرجع سابق ،ص.24 .
( )2حسن ناظم :مفاهيم الشعرية :دراسة مقارنة في األصول والمنهج والمفاهيم ،الدار البيضاء المغرب/بيروتلبنان،
المركز الثقافي العربي ،1994 ،ص.137 .
( )3إدريس بلمليح :القراءة التفاعلية ،مرجع سابق ،ص.8 .
( )4خوسيه ماريا بوثويلو إيفانكوس :نظرية اللغة األدبية ،مرجع سابق ،ص.141 .
( )5إدريس بلمليح :القراءة التفاعلية ،مرجع سابق ،ص.8 .
( )6فولفجانج إيزر :فعل القراءة :نظرية جمالية التجاوب في األدب ،تر .حميد لحميــداني والجاللــي الكديــة ،منشــورات
مكتبة المناهل ،د.ط ،د.ت ،ص .ص.2728 .
( )7فولفجانج إيـزر :فعل القراءة :نظرية جمالية التجاوب في األدب ،مرجع سابق ،ص.30 .
274
األمر ال يمكن أن يتعلق بقارئ ملموس ،تاريخي أو معاصر ،بل إن القارئ المقصود
عند (إيـزر) هو بالضرورة «( )...تجريد ،وحادث عارض تبنى خصائصه قبليا باستقالل
()1
كما يوضح (إلرود إبـش) .على هذا النحو ،يبين (إيـزر) عن كل وجود حقيقي»
مفهومه للقارئ الضمني داخل فعـل القـراءة« :هكذا عندما يتعلق األمر بالقارئ في
الفصول التالية من هذا الكتاب ،فإنه يجب أن نفهم بنية القارئ الضمني القائمة
داخل النصوص ( )...فالقارئ الضمني ال يملك وجودا حقيقيا ألنه يجسد مجموع
التوجهات األولية التي يقترحها نص تخييلي على قرائه الممكنين والتي هي شروط
تلقيه .نتيجة لذلك فإن القارئ الضمني ليس منغرسا في جوهر تجريبي ،بل هو
متجذر داخل بنية النصوص نفسها»(.)2
أما عند (أمبرتو إيكو) في كتابه القـارئ في الحكـاية فالقـارئ الضمنـي هو
قـارىء «( )...يوصله نشـاطه التعـاوني إلى أن يستخرج من النص مـا ال يقولـه ،وإنمـا
يفترضه ،ويعدنـا به ،ينطوي عليه أو يتضمنه ،وكذا إلى ملء الفضاءات الفارغة،
وربط ما يوجد في النص بغيره مما يتناص معه ،حيث يتولد من هذا التناص ويذوب
فيه»( .)3إن القارئ الضمني ،حسبما توضحه نبيلة إبراهيم« ،قارئ ذو قدرات خيالية،
شأنه شأن النص .وهو ال يرتبط مثله بشكل من أشكال الواقع المحدد ،بل يوجه
قدراته الخيالية للتحرك مع النص ،باحثا عن بنائه ،ومركز القوى فيه ،وتوازنه،
وواضعا يده على الفراغات الجدلية فيه فيمألها باستجابات اإلثارة الجمالية التي
تحدث له .وهو منتج بقدر ما هو مدرك ألسرار األساليب اللغوية للنص الذي يقرأه،
وعندما ينتهي من قراءة النص يكون قد حقق ما تطلبه القراءة الظواهرية .أي أن
األنا المفكرة ال تكون إال عندما تدخل دخوال فعليا في عالقات وارتباطات مع اللغة
وحركتها»(.)4
ومهما يكن من أمر تعدد توصيفات الجهد القرائي ومسميات فعل القراءة،
وأنماط الذوات القائمة به ،فإن هذا الفعل ،ضمن األفق النظري الذي رسمته جمالية
275
التلقي خاصة ،صار ينأى بنفسه عن الوصفية الساذجة ،ليستعلن ،في مقابل ذلك،
جهدا مخصبا يخلق النص أنطولوجيا ويسهم في تحققه.
276
ريفاتير (ميكائيل) :معايير تحليل األسلوب ،ترجمة وتقديم وتعليقات حميد لحميداني، -
منشورات دراسات سال.1993 ،
سارتر (جان بول) :ما األدب؟ تر .محمد غنيمي هالل ،القاهرة ،دار نهضة مصر ،د.ت. -
ستروبنسكي (جان) :نـحو جمالية للتلقي ،ضمن مؤلف جماعي :نظرية األدب في القرن -
عشرين ،ترجمة وإعداد محمد العمري ،الدار البيضاء ،إفريقيا الشرق ،ط.2004 ،2 .
عياشي (منذر) :التعدد النحوي :بين القراءة الداللية والبنية اللغوية ،مجلة ثقافات، -
البحرين ،كلية اآلداب -جامعة البحرين ،ع ،8-7 .صيف/خريف .2003
فريس (إمانويل) وموراليس (برنار) :قضايا أدبية عامة :آفاق جديدة في نظرية األدب، -
تر .لطيف زيتوني ،الكويت ،سلسلة عالم المعرفة ،المجلس الوطني للثقافة والفنون
واآلداب ،ع ،300 .فبراير .2004
كاظم (نادر) :المقامات والتلقي :بحث في أنماط التلقي لمقامات الهمذاني في النقد -
العربي الحديث ،بيروت ،المؤسسة العربية للدراسة والنشر.2003 ،
المتقن (محمد) :في مفهومي القراءة والتأويل ،مجلة عالم الفكر ،الكويت ،المجلس -
الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،ع ،2 .المجلد ،33أكتوبر – ديسمبر .2004
موريل (آن) :النقد من منظور القارئ ،تر .إبراهيم أولحيان ،مجلة نـزوى ،سلطنة عمان، -
ع ،43 .يوليوز .2005
موسى صالح (بشرى) :نظرية التلقي :أصول...وتطبيقات ،الدار البيضاء ـ المغرب /بيروت -
ـ لبنان ،المركز الثقافي العربي.2001 ،
ناظم (حسن) :مفاهيم الشعرية :دراسة مقارنة في األصول والمنهج والمفاهيم ،الدار -
البيضاء -المغرب/بيروت-لبنان ،المركز الثقافي العربي.1994 ،
نصر (عاطف جودة) :النص الشعري ومشكالت التفسير ،القاهرة ،دار نوبار للطباعة، -
.1996
الواد (حسين) :مناهج الدراسات األدبية ،الدار البيضاء ،مطبعة النجاح الجديدة ،ط،4 . -
.1988
277