You are on page 1of 16

‫مفهوم الن�ساخة في علم المخطوطات‬

‫د‪ .‬م�صطفى الطوبي‬


‫كلية الآ داب والعلوم الإن�سانية‬
‫جامعة بن زهر ‪ -‬أ�كَادير‬

‫� إذا كان علم المخطوطات في �صورته العامة هو نوعا من الحفر عن الكتاب الم�صنوع‬
‫بطريقة تقليدية �أي المخطوط‪ ،‬ف� إن الفهم الغائي للعلم‪ � ،‬إذا �أردنا ذلك‪ ،‬هو التما�س ال�شعور‬
‫المخطوط �أي الكوالي�س ال�صناعية غير الظاهرة في لحظة المعاينة �أو الفح�ص‪ ،‬ولكنها‬
‫كامنة في بقايا ال�صناعة القديمة‪ ،‬وبناء على ذلك ف� إن للن�ساخة‪ ،‬باعتبارها لبنة جوهرية‬
‫في العلم‪ ،‬مفهوما خا�صا مختلفا نوعيا عن ذلك الم�ألوف عند فقهاء المخطوطات‪،‬‬
‫هذا الأ خير الذي ين�صرف‪ ،‬في غالب الأ حيان‪ � ،‬إلى الكتابة �أو الن�سخ �أو النقل ‪« :‬قال‬
‫ال�صولي‪� :‬أن ين�سخ ال�شيء فيجيء بمثله‪ .‬وهو نقل الن�ص من الأ �صل‪ )1(»..‬ويقابلها‬
‫باللغة الفرن�سية م�صطلح ‪ .transcription‬والمعنى الثاني للن�ساخة‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬هو النقل �أو‬
‫الن�سخ‪ ،‬ويرتبط بالخط ب�شكل من الأ �شكال‪ ،‬وقد �أ�شبع الخط العربي كتابة تفحم ال�سائل‬
‫عن �ضروب الخطوط وتاريخها‪ ،‬وهي تعج بالثراء والتنوع(‪ .)2‬بيد �أنها تبقى ف�ضاء خا�صا‬
‫�أقرب � إلى علم الخطوط القديمة والتاريخ الثقافي منه � إلى علم المخطوطات‪ ..‬وقد عالج‬
‫الفيلولوجي «�ألفون�س دان» الن�ساخة فيلولوجيا من خالل باب ‪« :‬المخطوطات وم�س�ألة‬
‫الن�ساخة» �ضمن كتاب «المخطوطات» )‪ ،Les manuscrits(3‬ورغم ذلك فما نريده من‬

‫‪201‬‬

‫‪Dalil Makhtoutat.indd 201‬‬ ‫‪26/06/2012 10:38:23‬‬


‫الن�ساخة بال�صورة التي نقترح في هذا المجال العلمي الفتي هو �أمر مختلف عما �أره�ص‬
‫� إليه» �ألفون�س دان» في الن�صف الأ ول من القرن الع�شرين‪ ،‬فهو قد تحدث مثال عن المظهر‬
‫المادي لعملية الن�ساخة‪ ،‬ويتجلى هذا الأ مر في معطيات كثيرة منها اال�ستف�سار عن �أدوات‬
‫الكتابة؛ التي يكتب بها �أو التي يكتب عليها‪ ،‬واالهتمام بجل�سة النا�سخ‪� ،‬أو النموذج الذي‬
‫يقترح للن�ساخة‪ ،‬وفعل الن�ساخة‪ ،‬ثم ما يثبت بعد الن�ساخة من معلومات عن التاريخ‪،‬‬
‫و�أحوال الن�ساخة � إلخ‪ ..‬ثم ت�أتي لحظة الزخرفة؛ وفيها يتم االهتمام بالعناوين الملونة؛‬
‫عناوين الأ عمال الكاملة‪ ،‬والف�صول‪ ،‬والحروف التي تبتدئ بها الكتابة‪ .‬و�أخيرا ت�أتي لحظة‬
‫المراجعة‪ ،‬ثم التزيين‪ ،‬والتجليد(‪ .)4‬وهو اقتراح فيه كثير من التعميم وال�شمولية ومفتقد‬
‫� إلى نظرية مف�سرة وا�ضحة‪ ،‬ويرجع هذا الأ مر في ر�أينا � إلى ال�سبب التاريخي لأ ن �أمور‬
‫العلم في المنت�صف الأ ول من القرن الع�شرين لم ت�ستقر على �أمرها كما وقع ابتداء من‬
‫نهاية ال�سبعينيات من القرن الع�شرين‪ ،‬حينما �ألف «جل�سان» كتابه ‪ :‬القيم «تمهيد لعلم‬
‫المخطوطات»‪ ،‬ومع ذلك يجب �أن نعترف �أن «�ألفون�س دان» هو �أول من اقترح م�صطلح‬
‫علم المخطوطات‪ ،‬ولكن هذا المجال العلمي كان عنده مجاال عائما منفتحا على مجاالت‬
‫تاريخية وفهر�سية وثقافية كثيرة‪ ،‬فكان من البدهي �أن تكون الن�ساخة‪ ،‬عنده مختلفة في‬
‫حدها‪ .‬وجعل الم�شارقة‪ ،‬في التما�س ف�ضولي ومتعجل للكوديكولوجيا الن�ساخة �صنوا‬
‫لعلم المخطوطات على نحو ما فعله �أيمن ف�ؤاد �سيد‪ ،‬وقد �سقط في خطل كبير لكون‬
‫الن�ساخة لي�ست‪ ،‬ب�أي حال من الأ حوال‪ ،‬هي علم المخطوطات‪ ،‬ومن جهة �أخرى لكون‬
‫مقاربة عنا�صر الن�ساخة لي�ست تجميعا للتقاييد ور�صها للقارئين بقدر ما هي تحليل‬
‫وا�ستنطاق والتما�س للحمة العلم التي تجمع بين كل العنا�صر الن�ساخية وغيرها‪..‬‬
‫وتحدث �أحمد �شوقي بنبين عن الن�ساخة �ضمن كتابه‪« :‬درا�سات في علم المخطوطات‬
‫والبحث الببليوغرافي»‪ ،‬منطلقا مما يلحق المخطوطات من ت�شويه‪ ،‬وحذف‪ ،‬وتغيير‪.‬‬
‫داعيا � إلى التركيز على عملية المقابلة في �أدق تفا�صيلها‪ ،‬خا�صة و�أن عملية الن�ساخة ح�سب‬
‫التحليل النف�سي عملية وعرة تمر بمراحل البد �أن توقع �صاحبها في الخط� إ(‪ .)5‬وهو يريد‬

‫‪202‬‬

‫‪Dalil Makhtoutat.indd 202‬‬ ‫‪26/06/2012 10:38:23‬‬


‫من الن�ساخة في نهاية المطاف عملية �ضبط تاريخ الن�ساخة‪ ،‬ومعطيات متعلقة ب�أمور خارج‬
‫عن الن�ص بمفهومه ال�صميم‪ .‬خا�صة وقد ذهبنا منذ البداية � إلى �أن الن�ساخة بمفهوم الن�سخ‪،‬‬
‫�أو التدوين‪� ،‬أو الكتابة‪ ،‬هي مجال مخ�صو�ص بعلماء الخطوط القديمة بالدرجة الأ ولى‪..‬‬
‫وهكذا فالمن�شود عندنا هو ما �أثبته الن�ساخ �أو الم�صححون على �أ�سا�س �أنه كمالي �أو‬
‫خارج ن�صي‪ .‬وعلى هذا الأ �سا�س‪ ،‬ف� إن مباحث علم المخطوطات‪ ،‬في الن�ساخة‪� ،‬ستتوجه‬
‫� إلى هذه المعطيات الهام�شية التي كان يراد منها الت�أريخ و�ضبط �أمكنة المخطوطات‪ .‬وهو‬
‫الأ مر نف�سه الذي ن�ص عليه «جاك لومير» في حديثه عن الن�ساخة؛ فبد أ� هو بدوره بالحديث‬
‫عن ال�شروط المادية لعملية الن�ساخة‪ .‬وفي هذا الباب تحدث عن كيفية ن�سخ الن�صو�ص‬
‫وتدوينها‪ ،‬وحركات النا�سخ لحظة الن�سخ‪ ،‬و�أدوات الن�سخ‪ .‬وتحدث بعد هذا عن اختبار‬
‫مادة الكتابة‪ ،‬وحجمها‪ ،‬ثم طرق وتنظيم عمل الن�سخ؛ كيف كان النا�سخ الو�سيطي مثال‬
‫يعمل وحده على قمطره‪ ،‬وكيف تحول الأ مر � إلى م�س�ألة التن�سيخ الجماعي في الجامعة‪..‬‬
‫وبعد كل هذه المباحث يف�صل «جاك لومير» الحديث عن مهنة االنت�ساخ‪ ،‬ونتائجها التي‬
‫هي بيت الق�صيد عنده في الن�ساخة‪ .‬ف� إذا كان قد رف�ض االهتمام بالمظاهر المادية للكتابة‬
‫والمتجلية �أ�سا�سا في ت�شكل الخطوط‪ ،‬وحجمها‪ ،‬وطريقة كتابتها‪ ،‬ومعدل الحروف في‬
‫ال�سطر � إلخ‪ ...‬معتبرا �أنها ال تعني علم المخطوطات مبا�شرة‪ ،‬ف� إنه ن�ص‪ ،‬بالمقابل‪ ،‬على‬
‫االهتمام بت�شكالت مادة الكتابة في عالقتها بالنا�سخ؛ ومن ذلك مثال تعامل النا�سخ مع‬
‫انتفاخات المادة‪ ،‬وثقوبها‪ ،‬وانتفا�شاتها ك�أن تتوقف عملية االنت�ساخ في مكان قطاعة مرممة‬
‫�أو ما �شابه هذا‪ ..‬ويالحظ عالم المخطوطات‪ ،‬فوق هذا وذاك‪ ،‬مدى احترام الم�ساحة‬
‫المكتوبة‪ ..‬هل تم احترام الم�ساحة المكتوبة �أم ال؟؟‪ .‬وما � إذا وجد �ساكف (‪)Linteau‬‬
‫يغلق الم�ساحة المكتوبة �أم ال؟ وما ي�ضيفه النا�سخ في وقت الن�سخ لأ ن النَّ�سَ خَ ة يت�صرفون‬
‫كثيرا في مادة الكتابة التي ي�شتغلون بها‪ ،‬فيدونون في غالب الأ حيان �أفكارهم ال�شاردة‪،‬‬
‫و�أحالمهم المطمورة على طررها‪ .‬ثم يالحظ عالمات الإرجاع و�أ�شكالها‪ ،‬وتقاييد‬

‫‪203‬‬

‫‪Dalil Makhtoutat.indd 203‬‬ ‫‪26/06/2012 10:38:23‬‬


‫الن�صو�ص(‪ )6‬التي نذكر منها التقاييد التاريخية؛ ومن ذلك مثال العنوان النهائي‪ ،‬وحرود‬
‫المتن‪ ،‬وبدايات الن�صو�ص‪ ،‬ونهايات الن�صو�ص‪ ،‬وعالمات التملك �أو االنتماء‪ ،‬وقيود‬
‫الوقف والتملك والإجازة ‪ ..‬وعلى عالم المخطوطات �أن يجيد ا�ستعمال ح�سه النقدي‬
‫ب� إزاء هذه التقاييد‪� .‬أي �أن يعمل ر�أيه في هذه الأ مور‪ ،‬لأ نها لي�ست عجماء تمرر المعلومة‬
‫الأ ولى فقط‪ ،‬بل هي ناطقة بلغة التاريخ الثقافي‪ ،‬ومثال ذلك �أن بداية الن�ص تعك�س لنا في‬
‫غالب الأ حيان التوجه المذهبي والعقدي ل�صاحب الن�ص‪..‬‬
‫تقاييد �إجرائية ‪ :‬وتتكون هذه التقاييد خ�صو�صا من العناوين‪ ،‬والعناوين الجارية‪،‬‬
‫ور� ؤو�س المو�ضوعات‪ ،‬والمداخل المكتوبة بلون مغاير �أو بماء الذهب‪ ،‬والحوا�شي‪،‬‬
‫ومختلف �أنظمة الترقيم‪ ،‬والت�صفيح‪ ..‬ويدون هذه الإ�شارات النا�سخ �أو كاتب العناوين‪.‬‬
‫ونحن قادرون على ن�ستبدل في تراثنا الإ�سالمي العناوين‪ ،‬والعناوين الكبرى‪ ،‬بعناوين‬
‫الأ بواب‪ ،‬والف�صول‪ ،‬والكتب في معنى من المعاني‪ ،‬والمداخل البارزة بتغيير اللون‬
‫�أو ا�ستعمال ماء الذهب‪� ،‬أو � إدخال العناوين في ف�ضاءات �سرلوحية في غاية الزخرفة‬
‫والتذهيب‪ ،‬وتعد هذه الأ مور �سلوكات ثقافية � إلى جانب حمولتها اللغوية البحتة‪..‬‬
‫تقاييد تقنية ‪ :‬ويتعلق الأ مر �أ�سا�سا بمجموعة من الإ�شارات ذات الطابع التقني من مثل‬
‫نظام التعقيبة‪� ،‬أو الإ�شارة الخطية التي تكتب �أ�سفل ال�صفحة جهة الطرة الداخلية‪ ،‬لربط‬
‫�آخر المكتوب في ال�صفحة اليمنى ب�أول المكتوب بال�صفحة الي�سرى‪ ،‬علما �أن �صفحتي‬
‫الورقة الواحدة لي�ستا محتاجتين لرقا�ص يلحمهما‪ ،‬لأ نهما ملتحمتان في الأ �صل‪.‬‬
‫تقاييد ذاتية ‪ :‬وت�ستوعب هذه التقاييد الأ دعية‪ ،‬والأ فكار ال�شخ�صية للنا�سخ‪ ،‬وما‬
‫ين�شده هذا الأ خير من القارئ ومن اهلل من �أجر‪� ،‬أو دعاء‪� ،‬أو ما �شابه هذا‪ � .‬إذ � إن النا�سخ‬
‫كان ينف�س على نف�سه �أحيانا ب�أدعية منثورة �أو منظومة ين�شد فيها مغفرة اهلل وثوابه ويلتم�س‬
‫من اهلل تعالى الرحمة والزحزحة عن النار‪ .‬وتدفعنا هذه التقاييد � إلى الك�شف عن منظومة‬
‫ثقافية الفتة للنظر في �أو�ساط محترفي الن�سخ في العالم الإ�سالمي‪.‬‬

‫‪204‬‬

‫‪Dalil Makhtoutat.indd 204‬‬ ‫‪26/06/2012 10:38:23‬‬


‫ن�صل‪ � ،‬إذن‪ � ،‬إلى نتيجة �صارخة �أال وهي االختالف النوعي بين مدلول الن�ساخة في‬
‫علم المخطوطات عن نظيرتها في علم الخطوط القديمة ‪ ،Paléographie‬ف� إذا كانت‬
‫الن�ساخة في علم الخطوط القديمة تدفع الباحث � إلى �أن يعاين مادية الخطوط ونوعيتها‪،‬‬
‫وطريقة كتابتها‪ ،‬ومعدل الحروف في ال�سطر‪ ،‬ومعدل الكلمات في الأ دراج‪ ،‬ف� إنها في‬
‫علم المخطوطات �ستدفعنا � إلى �أن نهتم بما هو هام�شي عن المتن المكتوب‪ ،‬ومن ذلك‬
‫بدايات الن�صو�ص‪ ،‬ونهاياتها‪ ،‬وبدايات الكتب‪ ،‬ونهايات الكتب‪ ،‬وبدايات الن�صو�ص‬
‫الفعلية‪ ،‬ونهايات الن�صو�ص الفعلية‪ ،‬والعناوين‪ ،‬وحرود المتن‪ ،‬والوقفيات‪ ،‬والترقيمات‪،‬‬
‫وال�ضبات‪ ،‬والأ دعيـــة‪ ،‬والأ فكار‬
‫وال�سماعات‪ ،‬والإجازات‪ ،‬والقراءات‪ ،‬والت�شقيقات‪ُّ ،‬‬
‫ال�شاردة‪ ،‬والفوائد‪ ،‬وين�ضاف � إلى ذلك عالقة � إنجاز الكتابة بمادة المخطوط؛ ونعني‬
‫بذلك تعامل النا�سخ مثال مع تمزقات الرق �أو الورق‪ ،‬ومع التحدبات‪ ،‬والثقب البارزة‪،‬‬
‫والت�آكالت التي تحدثها الح�شرات والقوار�ض‪ .‬كما ت�ستوعب الن�ساخة م�ساحات المحو‪،‬‬
‫والت�شطيب‪ ،‬والك�شط‪ ،‬ونظام الإحاالت‪ ،‬وال�ضبات‪ ،‬وغير هذا من المباحث ذات الأ همية‬
‫الق�صوى في التما�س نواة �صناعة المخطوط‪ .‬وبهذه الر� ؤية في الن�ساخة نف�سر ما ن�سميه‬
‫في م�شروعنا في علم المخطوطات بالتقنيات الن�سقية‪ .‬وتظل هذه المباحث كلها تابعة‬
‫للن�ساخة بالرغم من � إمكانية فرز عنا�صرها‪ ،‬وتخ�صي�صها بمزيد من البحث والتعقب‪..‬‬
‫على نحو تخ�صي�ص �أبواب خا�ص �أو �أبحاث خا�صة بالتعقيبة‪� ،‬أو بالتمليكات‪� ،‬أو بالإجازة‪،‬‬
‫�أو بال�سماعات �أو بتقييد «ياكيكتج» � إلخ‪ ..‬وهو ما فعله مجموعة من الباحثين في هذا‬
‫المجال‪ ،‬على نحو ما قام به الأ �ستاذ �أحمد �شوقي بنبين بخ�صو�ص مو�ضوع الوقف‪ � ،‬إذ‬
‫� إنه كان �سباق � إلى اقتحام هذا المجال بالو�صف والتحليل والدرا�سة ‪ .‬والوقف عندنا لبنة‬
‫داخل الن�ساخة‪ ،‬وهو ي�ست�أهل درا�سة متق�صية تتغيى الت�أريخ �أو �ضبط المكان‪ ،‬وما كتب‬
‫في هذا الباب � إال القليل‪ .‬وكان العلماء يعرفون بهذه الظاهرة دون درا�ستها وفق علم‬
‫المخطوطات‪� ،‬أو الإ�شعار ب� إمكانية وجود هذه الدرا�سة يقول «ديفيد جيم�س» في درا�سته‬

‫‪205‬‬

‫‪Dalil Makhtoutat.indd 205‬‬ ‫‪26/06/2012 10:38:23‬‬


‫لمخطوطات قر�آنية‪« :‬ويحدث �أحيانا �أن تحمل هذه الأ جزاء المخطوطة �شهادة الوقف‬
‫في �أول �صفحاتها وهذه ال�شهادات نافعة‪ � ،‬إذ � إنها تذكر تاريخ ومكان ن�سخ القر�آن»(‪� .)7‬أما‬
‫«فران�سوا ديرو�ش» في فهر�سة المخطوطات العربية ‪Catalogue des manuscrits Arabes‬‬

‫ف�أ�شاد بمحتوى الن�صو�ص الوقفية‪ ،‬و�أظهر �أنها ت�ساعد على تبيان معلومات جغرافية عن‬
‫المخطوط مادام �أنه و�ضع في هذه الم�ؤ�س�سة الدينية �أو تلك(‪ .)8‬وجعل عبد ال�ستار‬
‫الحلوجي الوقف من روافد � إغناء الخزانة العربية دون �أن ينتبه � إلى �أهم فائدة يمكن‬
‫�أن ن�أخذها منه في الن�ساخة بمفهومها في علم المخطوطات‪ � ..‬إن تتبع الوقف في معطياته‬
‫الن�صية وربطه بتقاييد �أخرى بغاية الحفر عن � إواليات قد تخطئها المالحظة المبا�شرة لم‬
‫يكن لي�شغل ه�ؤالء الباحثين‪ ،‬فهم كانوا في الأ �صل م� ؤرخين ي�شغلهم الو�صف‪ ،‬وربط‬
‫الظواهر الن�صية بالح�ضارة المعاينة في لحظة الدرا�سة‪.‬‬
‫خوارج الكتاب ‪:‬‬

‫�أق�صد بخوارج الكتاب جملة من التقاييد التي تملأ المخطوطات والتي يعز علينا‬
‫في هذا المقام ح�صرها �أو تعدادها؛ من مثل بدايات الن�صو�ص‪ ،‬ونهاياتها‪ ،‬والقراءات‪،‬‬
‫والإجازات‪ ،‬وفوائد �أخرى‪ ..‬وتعد هذه المعطيات في ذاتها مادة هامة للحفريات الن�سقية‬
‫ت�ضاف � إلى نتائج الحفريات التقنية(‪ .)9‬وت�أتي في طليعة هذه المعطيات الهام�شية الإجازة‪،‬‬
‫و«تعني توثيق ن�سخة المخطوط المجازة‪ ،‬بمعنى �أنها بعد اختبارها بالإقراء �أو ال�سماع تعد‬
‫�سليمة ومطابقة لحقيقة م�ضامين الكتاب مبنى ومعنى كما و�ضعها و�أرادها الم�ؤلف»(‪،)10‬‬
‫وقد ي�ضاف � إلى � إجازة الن�سخة � إجازة راويها‪� .‬أما الإقراء �أو القراءة‪ ،‬فيعني �أن يقر أ� الكتاب‬
‫على الم�ؤلف �أو غيره من دون �أن يكون هناك �شخ�ص �آخر ي�ستمع(‪ .)11‬وال�سماع عك�س‬
‫الإقراء‪ ،‬و�صيغته «�أنه ينبغي للطالب �أن يكتب بعد الب�سملة ا�سم ال�شيخ الذي �سمع الكتاب‬
‫منه‪ ،‬وكنيته‪ ،‬ون�سبه‪ ،‬ثم ي�سوق ما �سمعه منه على لفظه‪ ..‬و� إذا كتب الكتاب الم�سموع‬
‫فينبغي �أن يكتب فوق �سطر الت�سمية �أ�سماء من �سمع معه‪ ،‬وت�أريخ وقت ال�سماع‪ ،‬و� إن‬

‫‪206‬‬

‫‪Dalil Makhtoutat.indd 206‬‬ ‫‪26/06/2012 10:38:23‬‬


‫�أحب كتب ذلك في حا�شية �أول ورقة من الكتاب»(‪ .)12‬ويذكر الحلوجي من خالل‬
‫وقوفه على �أقدم �سماع في كتاب «�سر النحو» �أن عنا�صره قد ا�شتملت على ا�سم القارئ‪،‬‬
‫وا�سم ال�سامع‪ ،‬والقدر الم�سموع من الكتاب‪ ،‬وتاريخ ال�سماع‪ ،‬وا�سم كاتبه‪ ،‬ويثبت في‬
‫الهام�ش �أنه في �أقدم ال�سماعات ورد ا�سم الم�سمع‪ ،‬و�أ�سماء ال�سامعين‪ ،‬والقدر الذي‬
‫�سمعوه من الكتاب‪ ،‬وكاتب ال�سماع‪ ،‬وتاريخه(‪ .)13‬وفيما يخ�ص التمليكات‪ ،‬فقد كان‬
‫العرب يذكرون ا�سمهم على ما يملكون من كتب‪ .‬وكانوا يذكرون‪ ،‬في بع�ض الأ حيان‪،‬‬
‫تاريخ التمليك‪ ،‬ومكان التمليك � إذ � إنه كان يوجد في الغالب في ال�صفحة الأ ولى من‬
‫المخطوط‪ ،‬وقد توجد �أحيانا تمليكات في �أواخر المخطوطات‪ .‬وعموما ت�سهم هذه‬
‫المعطيات الخارج‪ -‬ن�صية وغيرها مما ذكرناه في هذا الباب في تبين تاريخ المخطوط‪،‬‬
‫ومكانه‪ ،‬غير �أنه يجب �أن نتعامل معها بحذر‪ ،‬و�أن ننظر � إليها باعتبارها عنا�صر متكاملة في‬
‫مجموع العلم‪.‬‬
‫وهناك ظواهر �أخرى يمكن �أن ندرجها في �سياق الهوام�ش الن�صية من مثل‬
‫الت�صحيحات‪ ،‬والإ�شارات ال�شخ�صية المتعلقة بالن�ساخ‪ .‬وال نن�سى �أنه في � إطار الن�ساخة‬
‫نف�سها يجب على عالم المخطوطات �أن يعنى بانتفاخات المادة‪ ،‬والك�شط‪ ،‬والمحو‪ ،‬وما‬
‫� إلى ذلك من تغيرات م�صاحبة للكتابة‪ ،‬لأ ن وجودها في الوعاء يك�شف �سلوكات ن�ساخية‬
‫معينة في التعامل معها‪ .‬وهناك الفوائد الن�صية التي ال تنح�صر في مجال معرفي محدد‪،‬‬
‫على النحو الذي نجد فيه � إ�شارات في التنجيم‪ ،‬والطب‪ ،‬والفقه‪ ،‬والفلك‪ ،‬ومن ذلك‬
‫ما جاء في المخطوط خ‪ .‬ح‪ 12189 ،‬في ظهر �آخر �صحيفة بعد حرد المتن ‪« :‬ومن �أراد‬
‫حمل زوجته ذكرا‪ ،‬في�ضع يده على بطنها‪ ،‬وليقل � إن كان هذا الحمل ذكرا فقد �سميته‬
‫محمد‪ ،‬ف� إنه يكون ب� إذن اهلل وكذا من نوى �أن ي�سميه محمد ف� إنه يحوله اهلل ذكرا و� إن كان‬
‫�أنثى‪ »...‬والكتاب �أ�صال في التوحيد بيد �أن هذا التقييد يجلو لنا مجموعة من المعطيات‬
‫الفكرية المرتبطة بح�ضارة المخطوط‪ .‬ومثل هذا التقييد ما جاء في المخطوط خ‪ .‬ح‪،‬‬

‫‪207‬‬

‫‪Dalil Makhtoutat.indd 207‬‬ ‫‪26/06/2012 10:38:23‬‬


‫‪ 13429‬في ال�صحيفة ‪� 3‬أ‪ � ...« ،‬إذا �سرق �شيء تكتب هذه الأ �سماء في يدك عند النوم‪،‬‬
‫وت�ضع يدك تحت ر�أ�سك‪ ،‬ف� إنك ترى متاعك عند من كان‪ ،‬وهذا ما تكتب في يدك‪»...‬‬
‫� إن هذه «الفوائد» بح�سب ما ي�سمونها في ثقافة المخطوطات ت�سهم في رفد ف�ضاء تاريخي‬
‫م�سكوت عنه مرتبط �أ�شد ما يكون االرتباط بتاريخ الثقافة‪ ،‬وما �أحوجنا اليوم � إلى القيام‬
‫بمو�سوعات دقيقة لهذه البيانات الن�صية و�ضبطها في الأ وعية الموجودة فيها‪ ،‬هدفا لإيجاد‬
‫�أر�ضية منا�سبة للبحث الكوديكولوجي والتاريخي في الآ ن نف�سه‪.‬‬
‫وهي‪ ،‬من جهة �أخرى‪ ،‬تندرج في � إطار المعطيات الن�ساخية الخارجة عن الن�ص بمفهومه‬
‫ال�صميم‪ .‬ومن ذلك �أي�ضا تقييد ال�صيانة ‪« :‬ياكيكتج» ويطلق عليه الم�شارقة «كبيكج» وهو‪،‬‬
‫ح�سب معتقد القدامى‪ ،‬كائن خفي �أو نوع من الجن‪ ،‬كان النا�س يعتقدون �أن التو�سل‬
‫به يحمي الكتاب من الأ ر�ضة‪ ،‬والت�سو�س‪ ،‬والح�شرات‪ ،‬وكانت تك�سى به الورقة الأ ولى‬
‫وظهر �آخر �صحيفة‪ ،‬وتارة يكتب «يكيكتيج» �أو «يككتج» ح�سب العرف الثقافي المرتبط‬
‫ب�أمكنة الن�سخ التقيليدي في تاريخ المجتمع الإ�سالمي‪ ،‬وقد يتجاوز النا�سخ �أو المالك‬
‫الكلمة في ذاتها � إلى الإف�صاح عن رغبته في مناداته «ياكيكتج» كما هو الأ مر في المخطوط‬
‫خ‪ .‬ح‪ � ،12894 ،‬إذا كتب في باطن الدفة الأ ولى وفي وجه ورقة الوقاية‪ ،‬وفي بطن الدفة‬
‫الأ خيرة ما يلي ‪« :‬يا كيكتج لح لمح ال ت�أكل هذا الكتاب بحق من كلم اهلل العزيز‪ ،‬وما‬
‫فيه من الآ يات والذكر الحكيم‪ ،‬يا رب‪ )14(»..‬وكذلك الأ مر بالن�سبة للمخطوط خ‪ .‬ح‪،‬‬
‫‪ � 13374‬إذا كتب في ظهر ال�صحيفة ‪ 10‬ما يلي ‪« :‬يكيكتج ال تودي كتابي هذا‪ � ،»....‬إن‬
‫«كيكتج» � إذن هو ا�سم كائن خفي م�س� ؤول عن كل ما من �ش�أنه �أن يتلف المخطوطات‪،‬‬
‫ويعر�ضها للت�آكل وال�ضياع‪ .‬ولذلك كان الم�ؤلفون والن�ساخ يعتقدون �أن مناداته با�سمه‬
‫وطلب الإعرا�ض عن �أ�سفارهم �سيجعله يخاف من هذا الحرز المكتوب ويتجنب �أوعيتهم‬
‫دون �أن ي�صيبها منه �أي �أذى‪.‬‬

‫‪208‬‬

‫‪Dalil Makhtoutat.indd 208‬‬ ‫‪26/06/2012 10:38:24‬‬


‫أ�نظمة الترقيم ‪:‬‬

‫لعل العالمة الم�شهورة والمعروفة في ترقيم المخطوطات العربية الإ�سالمية هي الرقا�ص‬


‫�أو الو�صلة‪ ،‬وقد تفنن وراقو التراث الإ�سالمي في و�ضعها في �أ�سفارهم ب�أ�شكال و�صور‬
‫متنوعة‪ ،‬ومع ذلك ف�أنظمة الترقيم �أو�سع من �أن تكون منح�صرة‪ .‬وتعددت هذه العالمات‬
‫بح�سب تنوع �أوعية الثقافات الواردة فيها؛ فعلماء المخطوطات الغربيون وقفوا على‬
‫ال�صالئب‪ ،‬والدارات‪� ،‬أو الدوائر والخطوط‪ ،‬والنجوم‪ ،‬وحتى الأ �شكال‪ ،‬والكلمات‬
‫ا�ستعملت للترقيم(‪ ،)15‬وا�ستعملت في المخطوطات الالتينية التي هي من �أ�صل م�شرقي‬
‫بيزنطي حروف ا�سم �أو النقط‪ ،‬حيث � إن عدد النقاط يطابق مكان كل ملزمة‪ .‬ويذهب‬
‫«بي�شوف» ‪ � Bischoff‬إلى �أنه قد ا�ستعمل في بع�ض المخطوطات الترقيم الم�ستمر‬
‫لل�صفحات‪ ،‬وحتى الأ عمدة والخطوط(‪ .)16‬وبالإ�ضافة � إلى هذه ال�ضروب المتعددة من‬
‫�أنظمة الترقيم‪� ،‬سجل العلماء ظاهرة الترقيمات الإ�ضافية من مثل �أن تزود الملزمة بالأ رقام‬
‫والتعقيبات‪� ،‬أو �أن يتكرر رقم الترتيب في بداية ونهاية الملزمة‪ ،‬ويمكن �أن تتجاوز ثالثة‬
‫�أنواع من �ضروب العد(‪ .)17‬وكانت م�س�ألة التعقيبة من �أهم الم�سائل التي برزت من خالل‬
‫الحديث عن �أنظمة الترقيم‪ .‬ويراد بها تكرار �أوائل الكلمات في ملزمة جديدة في �أ�سفل‬
‫�آخر �صفحة من الملزمة ال�سابقة‪ ،‬والبحوث في هذه الم�س�ألة نادرة ال تكاد توجد(‪.)18‬‬
‫وهي عند الأ �ستاذ �أحمد �شوقي بنبين ‪« :‬عبارة عن نوع من الترقيم ا�ستعمله القدماء‬
‫لترتيب الم� ؤلفات من جهة ولم�ساعدة المخت�صين في �صناعة المخطوط كالمترجمين‪،‬‬
‫والم�سفرين‪ ،‬و�سواهم في ترتيب مالزم المخطوط من جهة �أخرى»(‪ .)19‬وبعد � إعطاء نبذة‬
‫تارخية عن م�س�ألة التعقيبة التي يثبت من خاللها �أن التعقيبة �أ�صيلة في المخطوط العربي‬
‫قديمة فيه‪ ،‬تعود بداياتها � إلى حوالي القرن الثالث الهجري(‪ ،)20‬وهو تاريخ متقدم عما‬
‫حدده عبد ال�ستار الحلوجي من �أنها تعود � إلى ما بعد القرن الرابع الهجري(‪ .)21‬وهناك‬
‫�أنواع كثيرة من التعقيبات في المخطوطات العربية‪ ،‬من مثل التعقيبة العامة وهي التي‬

‫‪209‬‬

‫‪Dalil Makhtoutat.indd 209‬‬ ‫‪26/06/2012 10:38:24‬‬


‫ت�شمل كل �صحائف المخطوط‪ ،‬والتعقيبة الجزئية وهي التي تكون في بع�ض الأ وراق �أو‬
‫في جزء من �أجزاء المخطوط‪ ،‬وهناك مخطوطات ت�ستعمل التعقيبة ح�سب الكراري�س‪،‬‬
‫وهذا ال�صنف ال يظهر � إال بعد ع�شر ورقات‪� .‬أما عن مكوناتها بو�صفها �شكال كتابيا‪ .‬فيذهب‬
‫هذا العالم � إلى �أنها قد ترد في �شكل حرف �أو كلمة �أو كلمتين �أو عبارة‪ ،‬وقد تتنوع داخل‬
‫المخطوط الواحد بح�سب هذه ال�صنوف التي ذكرها‪� .‬أما عن ر�سمها في ف�ضاء ال�صحيفة‬
‫فهي ترد �أفقية �أو مائلة �أو عمودية‪ )22(.‬بح�سب تنوع مراكز الن�سخ(‪ .)23‬وهذا الأ مر يجعلنا‬
‫نعتبر �أن درا�سة التعقيبة �أمر هام بالن�سبة لعالم المخطوطات الذي ينزع � إلى مو�ضعة‬
‫المخطوط �أو ربطه بمكان محدد‪..‬‬
‫وهكذا يتبين لنا �أن الن�ساخة في عموم الأ حوال هي ما يكتب في الن�سخة من تقاييد‬
‫كثيرة ال يمكن ح�صرها والتي ال تنتمي � إلى الن�ص بمفهومه ال�صميم و� إنما ترتبط به‬
‫ب�شكل �أو ب�آخر‪ ..‬وهي في واقع الأ مر مادة قيمة لعلماء المخطوطات وم�ؤرخي الثقافة‪،‬‬
‫والفيلولوجيين‪ ،‬ومفهر�سي المخطوطات وغيرهم‪ ،‬لأ ن هذه المادة الغفل تك�شف‬
‫ال�شعورا ما زال غمي�سا � إلى الآ ن‪ ،‬من منطلق �أن للمخطوطة حرمتها وتفردها‪ ،‬تختلف في‬
‫التقليد المخطوطي نوعيا عن باقي الن�سخ الأ خرى حتى و� إن تعلق الأ مر ب�أ�سرة مخطوطية‬
‫واحدة‪ � ..‬إن الن�ساخة‪ ،‬اعتبارا لتبوئها ال�صدارة في ما ي�سمى بالتقنيات الن�سقية في علم‬
‫المخطوطات‪ ،‬تعد مرجعا ال جدال فيه للمفهر�سين‪ ..‬فقد اقتحم هذا المجال كثيرون من‬
‫الغرباء عن المخطوطات وكالوا له �أو�صافا خا�صة ال ت�سجل مفهوم التفرد بتاتا‪ ،‬وو�ضعوا‬
‫مفاتيح �أقرب ما تكون � إلى المطبوعات وتداولوا �أ�سماء مفتقدة � إلى الح�س بالمخطوط‪..‬‬
‫ثم � إن الن�ساخة �أي�ضا جوهرية في الدر�س الحفري القمين بهذا الإ�سم لأ ن المعطيات‬
‫المادية ال�صميمة الم�ستنطقة في علم المخطوطات في الوقت الحا�ضر ال ت�ستطيع وحدها‬
‫�أن تقدم �أجوبة عن التجاوب الداخلي لمنظومة من الفر�ضيات العلمية المبنية على الطرر‬
‫الن�ساخية المتعددة التي تحبل بها المخطوطات‪ ..‬وهي فوق هذا وذاك موجه ال غبار‬

‫‪210‬‬

‫‪Dalil Makhtoutat.indd 210‬‬ ‫‪26/06/2012 10:38:24‬‬


‫عليه للمفهر�سين‪ ،‬لأ ن الن�ساخة داخل علم المخطوطات تجعلنا نميز مثال داخل مجموعة‬
‫مفاتيح الفهر�سة بين بداية المخطوط‪ ،‬وبداية الكتاب‪ ،‬وبداية الن�ص‪ ،‬والبداية الحقيقية‬
‫للن�ص‪ ،‬وهي تجعلنا من جهة �أخرى نميز بين نهاية المخطوط‪ ،‬ونهاية الكتاب‪ ،‬ونهاية‬
‫الن�ص‪ ،‬ونهاية الن�ص الفعلي‪ ،‬وحرد المتن �أو التختيمة �أو قيد الفراغ‪ ..‬ثم � إنها تجعلنا‬
‫ن�ؤطر الطرر في مجموعات من�سجمة تليق �أن تكون مداخل للفهر�سة‪ ،‬على النحو الذي‬
‫يمكن �أن نتحدث فيه عن البيانات التاريخية‪ ،‬ونميز بينها وبين البيانات التقنية‪ ،‬والبيانات‬
‫ال�شخ�صية �أو الذاتية � إلخ‪ ..‬لأ ن ح�صر عناوين المداخل في فهر�سة المخطوط في �شكل‬
‫مداخل بعينها من مثل التملك‪� ،‬أو الوقف‪� ،‬أو الإجازة‪ ،‬هو خرق �سافر لنوعية المداخل‬
‫العلمية التي يجب �أن تنماز بالمرونة لكي تتيح � إدخال عنا�صر متعددة �ضمن المدخل‬
‫الواحد‪ ..‬فقد نقترح‪ ،‬داخل البيانات التاريخية مدخل التملك وبعد معاينة المخطوطات‬
‫نقف بالإجازة‪� ،‬أو بقيد ال�شراء‪� ،‬أو بالإقراء‪� ،‬أو بمعلومات عابرة فتنفلت منا معلومات‬
‫ن�ساخية قيمة لمجرد االنح�صار داخل المداخل ال�صلبة‪ ،‬و�أنا �أحب �أن �أ�سميها المداخل‬
‫ال�صلبة في مقابل المداخل المرنة‪ .‬وهكذا تتبين لنا �أهمية هذا المجال بالن�سبة لكثير من‬
‫العلوم‪ ،‬فنقتنع �أن الم�صطلح ال يمكن �أن يحيى � إال داخل العلم‪.‬‬

‫‪211‬‬

‫‪Dalil Makhtoutat.indd 211‬‬ ‫‪26/06/2012 10:38:24‬‬


‫الهوام�ش ‪:‬‬

‫(‪� )1‬أحمد �شوقي بنبين‪ ،‬م�صطفى الطوبي‪« ،‬معجم م�صطلحات المخطوط العربي قامو�س‬
‫كوديكولوجي»‪ ،‬ط‪� ،2005 ،3‬ص ‪.359 :‬‬
‫(‪ )2‬جاء تحديد الخط في كثير من الكتب منها «�أطل�س الخط والمخطوط» لحبيب اهلل‬
‫ف�ضائلي ترجمة محمد تونجي‪ � ،‬إذ يتحدث الم�ؤلف في هذا الكتاب عن الخطوط‬
‫الكوفية ال�شرقية‪ ،‬والخطوط الكوفية المغربية‪ ،‬وت�شتمل الأ خيرة على عدة �أ�شكال منها‬
‫القيرواني (الأ ندل�سي‪ ،‬والقطربي والفا�سي) والتون�سي‪ ،‬والجزائري‪ ،‬وال�سوداني‪.‬‬
‫�أما الخطوط الكوفية ال�شرقية ففيها المب�سط‪ ،‬والتزيني‪ ،‬والبنائي‪ .‬وبعد ذلك‬
‫يتحدث الم�ؤلف عن الخط المحقق والريحان‪ ،‬والمحقق هو �أقرب الخطوط � إلى‬
‫الخط الكوفي وي�أتي بعده الريحان‪ ،‬والخطان ترقيا في زمن ابن البواب‪ ،‬ثم الثلث‬
‫وفروعه‪ ،‬ثم خط الن�سخ‪ ،‬والتعليق‪ ،‬والديواني‪ ،‬والرقعة‪ ،‬وال�سنبلي‪ ،‬والن�ستعليق‪،‬‬
‫وال�شك�سته‪ .‬ويف�صل الم� ؤلف في كل خط من هذه الخطوط المذكورة كما يذكر‬
‫�أ�ساتذته والبارزين فيه‪ .‬وو�ضع علي راوي كتابا في هذا الفن بعنوان «الخط العربي‬
‫ن�ش�أته‪ ،‬تطوره‪ ،‬قواعده» وهو � إنما يتق�صى فيه الخطوط العربية‪ ،‬ويتحدث عن‬
‫الخطاطين في نوع من التف�صيل ال�شجري مبتدئا بعلي بن �أبي طالب ‪ d‬ثم الح�سن‬
‫الب�صري ‪ ..‬ويتحدث عن ابن مقلة وتالمذته‪ ،‬وعن ابن البواب ومن �أخذ عنه‪ ،‬من‬
‫مثل من�صور بن مالك وياقوت الم�ستع�صمي‪ ،‬وحمد اهلل الأ مامي‪ ،‬والحافظ عثمان‪،‬‬
‫وحامد الأ مدي وغيرهم ‪� ..‬أما عفيف البهن�سي فيتميز كتابه‪ « :‬الخط العربي‪� :‬أ�صوله‪،‬‬
‫نه�ضته انت�شاره» بالإ�ضافة � إلى تق�صيه لأ �ساليب الخط ببحثه في عالقة الخط مع الرق�ش‬
‫وال�شروط التي تفر�ض على الخطاط لو�ضع خط جميل ‪ ..‬فم�س�ألة التداخل ما بين‬
‫الخط والرق�ش هي ما يميز كتاب «الفن في الخط العربي»‪ ،‬ليو�سف محمود غالم‪،‬‬
‫� إذ يحاول هذا الباحث �أن يربط ما بين الخط والفنون الإ�سالمية معتبرا �أن الخط‬
‫عن�صر �ضمن فن الزخرفة ‪� ..‬أما كتاب «درا�سات في تاريخ الخط العربي منذ بدايته‬

‫‪212‬‬

‫‪Dalil Makhtoutat.indd 212‬‬ ‫‪26/06/2012 10:38:24‬‬


‫� إلى نهاية الع�صر اللأ موي» للدكتور �صالح الدين المنجد‪ ،‬فيتميز بالحديث عن‬
‫الخط في عالقته بمادة الكتابة من مثل الرقوق‪ ،‬والبرديات‪ ،‬والأ حجار‪ ،‬والنقود‪.‬‬
‫ويتعر�ض محمود �شكر الجبوري في كتابه «ن�ش�أة الخط العربي وتطوره» لواقع‬
‫مدار�س الخط العربي من مثل المدر�سة العراقية العبا�سية‪ ،‬والمدر�سة الم�صرية‬
‫المملوكية‪ ،‬والمدر�سة ال�سلجوقية الأ ثابكية‪ ،‬والمدر�سة التركية العثمانية ‪ ..‬كما‬
‫يعر�ض للخطوط العربية عبر التاريخ‪..‬‬
‫(‪ ) 3‬يطرح «�ألفون�س دان» في هذا الف�صل �ضمن كتابه « ‪ »Les manuscrits‬م�س�ألة الن�سخ‬
‫الأ �صلية‪ ،‬والن�سخ القديمة المعتمدة‪ .‬فيظهر �أنه في الثقافة الغربية ال يعتمد � إال على‬
‫ن�سخ قديمة بعيدة عن الن�سخ الأ �صلية‪ .‬ويتناول «�ألفون�س دان» الن�ساخة من خالل‬
‫مظهرين �أ�سا�سيين ‪:‬‬
‫‪ - 1‬المظهر المادي؛ وفيه يعالج م�س�ألة الإمالء �أو الن�ساخة‪ ،‬و�أدوات الن�ساخة‪،‬‬ ‫ ‬
‫وجل�سة النا�سخ‪ ،‬ونموذج الن�ساخة‪ ،‬وفعل الن�ساخة ‪ ..‬ويتناول فيه الحالة الج�سدية‬
‫للنا�سخ �أثناء مزاولته لمهنته‪ ،‬فيربط في هذا الإطار بين �أنماط الخطوط‪ ،‬وتغير الفرد‬
‫ذاته‪ .‬فقد نالحظ مجموعة من الخطوط متمايزة وهي � إنما تن�سب � إلى نا�سخ واحد‬
‫موغل في االنفعال‪ .‬ويتناول �أي�ضا م�س�ألة الزخرفة‪ ،‬والمراجعة التي يقوم بها رئي�س‬
‫المحترف‪ ،‬والتزيين‪ ،‬والتجليد‪..‬‬
‫‪ - 2‬المظهر النف�سي؛ ويتناول فيه التحليل النف�سي لعملية الن�ساخة‪ ،‬وكيف �أن هذه‬ ‫ ‬
‫العملية معقدة ورا�ضخة لمجموعة من المراحل‪ ،‬كما يتناول المعدل ال�شخ�صي‬
‫للأ خطاء مبينا �أن كل فرد له معدل في الأ خطاء وله مركب نق�ص يجعله ي�سقط في‬
‫�أخطاء دون �سواها‪.‬‬
‫(‪ )4‬يراجع �ألفون�س دان‪« ،‬المخطوطات» ‪� ، Les manuscrits‬ص ‪ 20‬وما يليها‪.‬‬
‫(‪ )5‬درا�سات في علم المخطوطات والبحث الببليوغرافي �ص‪ 29 :‬وما يليها‪..‬‬
‫‪(6) Introduction à la codicologie p. 165 et p. s‬‬

‫‪213‬‬

‫‪Dalil Makhtoutat.indd 213‬‬ ‫‪26/06/2012 10:38:24‬‬


‫(‪ )7‬بدائع المخطوطات القر�آنية �ضمن مجلة �آفاق عربية‪ ،‬العدد ‪� ،1982 ،1‬ص‪.6‬‬
‫(‪ )8‬ينظر‪.F. Déroche, «Catalogue des manuscrits arabes», p. 15 :‬‬
‫(‪ )9‬الحفريات الن�سقية والحفريات التقنية هي محور علم المخطوطات كما اقترحته‬
‫في ر�سالة دبلوم الدرا�سات العليا التي تقدمت بها في كلية الآ داب �أكدال جامعة‬
‫محمد الخام�س الرباط ‪ 1997‬م‪.‬‬
‫(‪ )10‬عبد الهادي الف�ضلي‪« ،‬تحقيق التراث»‪� ،‬ص‪.109 .‬‬
‫(‪ )11‬المرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.111 :‬‬
‫(‪� )12‬أحمد �شاكر‪« ،‬ت�صحيح الكتب و�ضع الفهار�س المعجمة»‪� ،‬ص‪.36 .‬‬
‫(‪ )13‬المخطوط العربي‪� ،‬ص‪.168 :‬‬
‫(‪ )14‬العبارة نف�سها وجدتها في المخطوط خ‪ .‬ح‪ 13483 ،‬بزيادة الب�سملة والت�صلية‬
‫في مطلعها‪.‬‬
‫‪(15) J. Lemaire, « Introduction à la codicologie », p. 61 et p. s‬‬

‫(‪ )16‬يظهر «بي�شوف» �أن ترقيم الخطوط كان محددا في � إنجلترا وخا�صة في �أك�سفورد‪،‬‬
‫وعرف ذلك تاريخيا منذ �أوا�سط القرن ‪ � 13‬إلى بداية القرن الموالي يراجع‪:‬‬
‫‪Paléographie de l’antiquité romaine et du moyen âge occidental p. 30 et‬‬
‫‪31.‬‬
‫‪(17) Introduction à la codicologie, p. 64‬‬
‫‪ Albert‬في كتابه «علم المخطوطات الرقية‬ ‫‪Derolez‬‬ ‫(‪ )18‬قام «�ألبيرت دورلز»‬
‫‪Codicologie des manuscrits en écriture 53‬‬ ‫المكتوبة بخط �آن�سي» �ص‬
‫‪ humanistique sur parchemin‬بدرا�سة � إح�صائية لتوزع �أنواع التعقيبات في‬
‫المخطوطات الإن�سية الإيطالية في القرن الخام�س ع�شر‪ .‬وانتهى � إلى فرز ن�سب‬
‫مائوية من خالل المتن المدرو�س‪ .‬فهناك مخطوطات بدون تعقيبات وعددها ‪172‬‬
‫بمعدل ‪ % 14,3‬من المتن‪ .‬وهناك تعقيبات عمودية متوزعة على مواطن مختلفة من‬

‫‪214‬‬

‫‪Dalil Makhtoutat.indd 214‬‬ ‫‪26/06/2012 10:38:24‬‬


‫المخطوط‪ .‬ففي الو�سط هناك ‪ 181‬بن�سبة ‪ % 15,1‬وفي الأ يمن ‪ 94‬بن�سبة ‪،% 7,8‬‬
‫وفي الخط الطويل الأ يمن ‪ 29‬بن�سبة ‪ ،% 2,4‬وفي الهام�ش ال�سفلي ‪ 247‬بن�سبة‬
‫‪� .% 20,6‬أما التعقيبات الأ فقية فتوزعت هي بدورها بح�سب مواطن متنوعة في‬
‫المخطوط‪ ،‬فهي بين الخط الطويل المزدوج ‪� 18‬أي بن�سبة ‪ .% 34,8‬وفي �أيمن‬
‫الخط الطويل المزدوج ‪� 25‬أي بن�سبة ‪ % 2,1‬وعلى طول الطية ‪ 11‬بن�سبة ‪0,9%‬‬
‫ومن الجهة المعاك�سة ‪ 20‬بن�سبة ‪ ،% 1,7‬وخل�ص في النهاية � إلى �سيطرة التعقيبات‬
‫العمودية‪.‬‬
‫(‪ )19‬مقال ن�شره �أحمد �شوقي بنبين في مجلة «عالم الكتب» المجلد ‪ 14‬العدد ‪،1993 ،5‬‬
‫�ص‪.519 :‬‬
‫(‪ )20‬يذهب الأ �ستاذ بنبين � إلى �أن هذه الظاهرة كانت معروفة في اللغات ال�سامية‪ ،‬واللغات‬
‫الهندو‪�-‬أوربية‪ ،‬واختفت في القرون الم�سحية الأ ولى وفي الع�صر الو�سيط‪ ،‬ومع‬
‫النه�ضة ظهرت من جديد‪ .‬ويعزو بنبين هذا الظهور � إلى احتكاك الثقافة الغربية‬
‫بالح�ضارة العربية خا�صة و�أن الدول التي ظهرت فيها هي الأ ولى (� إ�سبانيا و� إيطاليا)‬
‫كانت �أقرب الدول الغربية جغرافيا وح�ضاريا من الح�ضارة العربية‪ ،‬فالتعقيبة � إذن‬
‫مت�أ�صلة في المخطوط العربي‪ ،‬وا�ستعملت منذ البدايات الأ ولى للت�أليف العربي‪..‬‬
‫(‪ )21‬يقول الحلوجي في كتابه ‪« :‬المخطوط العربي» (ويبدو �أن تلك التعقيبات لم تظهر‬
‫� إال في القرن الرابع الهجري لأ ننا ال نجد لها �أثرا في �أي مخطوط من مخطوطات‬
‫القرنين الثالث والرابع التي تحت �أيدينا) �ص ‪.167‬‬
‫(‪ )22‬التعقيبة في المخطوط العربي‪ ،‬مجلة عالم الكتب‪ ،‬نف�س المجلد والعدد ال�سابقين‪،‬‬
‫�ص ‪.521‬‬
‫(‪ )23‬نف�سه‪� ،‬ص ‪.522 :‬‬

‫‪215‬‬

‫‪Dalil Makhtoutat.indd 215‬‬ ‫‪26/06/2012 10:38:25‬‬


Dalil Makhtoutat.indd 216 26/06/2012 10:38:25

You might also like