Professional Documents
Culture Documents
املستخلص:
تدور هذه الورقة حول األسس املعرفية التي تشكل عىل قواعدها علم الدبلوماتيك ف أواخر القرن السابع عرش امليالدي،
وتتناول الورقة بالتحليل اجلهود السابقة عىل كتاب مابيو املهم حول علم الدبلوماتيك 1681م ،وكيف تشكلت أفكار ومناهج
وأدوات ف سياق عرص النهضة األوربية ،وهذه النزاعات السياسية كانت رمية البداية ف االهتامم بالوثائق ،رسعان ما جتاوزهتا إىل
سياقات قانونية .وساهم تطور اإلنسانيات ف طرح أسئلة وطرق تعاطي جديدة مع الوثائق،من ناحية أخرى كان اإلصالح
الكاثوليكي ف القرن السابع عرش ،هو املجال الذي برزت فيه قواعد نقد النصوص املخطوطة ،وانتقل املنهج والنزاع من
املخطوطات إىل الوثائق ،كل هذه السياقات ،استفاد منها مابيو وهو يضع أول قواعد عملية قابلة للتجريب ،لنقد الوثائق ،وترشح
الورقة كيفية نشأة هذه األسس وهذه السياقات ،ألغراض عملية وليست علمية ،ومن ثم حددت وحدت من أطر علم الوثائق.
وتتوقف الورقة بالتفصيل عند كتاب مابيو لرشح أبوابه ،وما ناله من مدح وقدح ف عرصه ،وكيف تم جتاوزه الحقا،
واهلدف األبعد هلذه الورقة هو فتح احلوار حول إمكانية كتابة /إضافة فصول جديدة ف علم الوثائق .منهج البحث :يستظل البحث
بإطار ،Postmodernismكمظلة لتحليل ورشح القواعد املعرفية التي انطلق منها علم الدبلوماتيك.وتتلخص إشكالية البحث ف
كيفية تطوير منهج علم الدبلوماتيك ،وإضافة فصول جديدة له.
الكلامت املفتاحية :علم الوثائق ؛ تاريخ.
عن املامرسات األوىل صواهبا ،ولكن عندما تم صياغة قانون لكيفية عملها صارت معرفة علمية ،وهذا األمر ينطبق عىل كافة
العلوم ،حيث كانت هناك مرحلة حتولت فيها املعرفة من ممارسات حياتية تؤيت ثامرها ،إىل علم له قوانني ومناهج.
وال خيرج تاريخ علم الوثائق عن هذا النسق؛ حيث كانت بداياته األوىل متعلقة بحاجات عملية استلزمتها رضوريات
احلياة؛ وهي التحقق من صحة الوثائق وكشف املزيف منها ،وما إن عرفت املجتمعات البرشية الكتابة وإنشاء الوثائق واملدونات،
حتى ظهرت حماوالت لتزييف هذه الوثائق ،طمعا ف مكاسب بعينها ،وال ُ
خيل تاريخ شعب من الشعوب التي عرفت الكتابة
والوثائق ف املشارق واملغارب من حاالت كثرية لتزييف وتزوير الوثائق ،هذه األمور استلزمت بالرضورة االنتباه إىل ظاهرة
التزييف والتزوير ،والعمل عىل كيفية كشفها ،وإعامل الفكر ف كيفية متييز الصحيح من املزيف ،در َء ملفاسد وصونا ملصالح ،وعىل
ذلكُ ،بذلت جهود الستنباط وجتريب طرق خمتلفة لكشف الوثائق املزيفة .هنا نشأت رضورة حياتية عملية ،وليست علمية،
ومعظم اجلهود كانت فردية ،ولكنها سمحت برتاكم ما ملعارف ف هذا السياق ،بدأت تتحول هذه املعارف املكتسبة إىل معرفة علمية
عندما بدأ التفكري ف صياغتها وجتريبها ،وهذا سارت عليه معظم العلوم ،ومنها علم الوثائق.وشهدت أوربا ،ف العصور الوسطى،
عدة ملحاوالت كشف زيف الوثائق ،كانت مجيعها ممارسات عملية ،وحماوالت فردية ،استلزمتها ظروف آنية .أي :بعض الناس
كانوا يامرسون بعض الدبلوماتيك دون أن يدركوه ()Guyotjeannin, 1996, p. 415
وما إن ُيذكر تاريخ علم الوثائق حتى يرد عىل الفور اسم جان مابيو ( Jean Mabillonت1707 .م) ،حيث ُينسب إليه
وضع أول قواعد علمية قابلة للتجريب ،للتحقق من صحة الوثائق القانونية املكتوبة ،ويعترب البعض أن عام 1681م شهد التأسيس
األول لعلم الوثائق ،وهو ال عام الذي ظهرت فيه الطبعة األوىل من مؤلف مابيو املهم حول علم الدبلوماتيك ( De re diplomatica
.)libri VI
وما من شك بفضل مابيو ف هذا املضامر -وال ينكر أحد قيمة وأمهية عمل مابيو -حيث وضع اللبنات األوىل لعلم الوثائق،
بتجميعه لبعض فصول علم الوثائق،واإلضافة إليها وتقديمها كمنهج عميل متكامل (ف عرصه) ،والقواعد األوىل هلذا العلم ولدت
من رحم زخم علمي شهدته أوربا ف الفرتة املمتدة من القرن الرابع عرش ،وحتى أوائل القرن السابع عرش ،والعرص الذي عاشه
مابيو وفر مناخا مهام لتبلور عمله؛ إذ حددت سياقات أخرى أطر وأدوات هذا العلم ف مهده ،فال يمكن إدراك كنه علم الوثائق
ونشأته ،بعيدا عن سياق عرص النهضة ،وتاريخ أوربا ،وتاريخ الكنيسة الغربية ،وهذه السياقات كان هلا أدوار حاسمة ف حتديد
أدوات هذا العلم ،وأطره التي أخذ ينفك عنها تباعا ،وهذا اجلانب يشري بوضوح إىل علم الدبلوماتيك الذي ال يمكن فهمه خارج
وأيضا ،وبالرضورة ،ال يمكن االشتغال به دون الوعي واالنفتاح عىل هذه العلوم.
منظومة العلوم اإلنسانيةً ،
وهتدف هذه الورقة إىل تتبع السياق الذي وضعت فيه األسس واللبنات األوىل لعلم الوثائق ف أواخر القرن السابع عرش،
أيضا ،التي شكلت اللبنات
وتتبع هذا السياق مهم من جوانب شتى :فهو يعيننا عىل فهم اخللفيات العلمية واملعرفية ،والسياسية ً
وأيضا ،يمكننا من التفكري بشكل أعمق ف كيفية توظيف
األوىل هلذا العلم؛ كام يساعدنا عىل فهم التطورات الالحقة هلذا العلم؛ ً
أدوات هذا العلم ومناهجه ف دراساتنا ،وإمكانية إض افة طرق وأدوات أخرى.أو بعبارة أخرى ،إمكانية كتابة فصول جديدة ف
علم الوثائق ،وال هتدف هذه الورقة إىل الوقوف عند املعلومات التارخيية ورسدها ،بل الوقوف عىل كيفية حتديد ،وتضييق ،أطر هذا
العلم بسبب املنطلقات املعرفية التي بدأ منها ،وكيف شكلت خربات وختصصات الرواد األوائل مالمح هذا العلم.
219 د .جمدي جرجس
سأتوقف ف هذه املداخلة عند مرحلة كتاب مابيو ،والذي شكل البداية احلقيقية املدونة لعلم الوثائق .ولكني سأتوقف أيضا
أمام أسامء أخرى بعينها ،منهم سابق لعرص مابيو ،ومنهم من عارصه وساعده ف مرشوعه العلمي ،ثم اختتم هذه الورقة بملحق
يشتمل عىل مضمون كتاب مابيو ،وخمترصا لفصوله.
-1برتاراك ( 1374-1304م) هو أحد اآلباء األوائل لعرص النهضة ف إيطاليا ،وكتاباته شكلت نواة لتبلور اللغة اإليطالبة.
تاريخ علم الوثائق :املقدمات واللبنات األول 220
يصري مسيحيًا ،وأثناء تعميد قسطنطني ظهر نور ساطع غلف املعمودية ،وحدثت املعجزة ُ
وشفي قسطنطني متا ًما من مرضه ،وف
Lateran مقابل ذلك أمر قسطنطني باعتامد املسيحية كدين لإلمرباطورية كلها ،وأعطى بسخاء للكنائس ،وقام ببناء قرص التريان
Palaceلألسقف ،وشيد عددا من الكنائس بتجهيزات فاخرة ،وخلع عىل األسقف عباءة إمرباطورية وسلمه صوجلانه ،ومنحه
مدينة روما وكل أقاليم الغرب ،ونقل اإلمرباطور مقر كرسيه إىل القسطنطينية".2
كان من أوائل من تشككوا ف وثيقة "هبة قسطنطني" نيقوال أسقف كوزاNicolas of Cusaف عام 1432م ،حيث تفحص
شكلها اخلارجي وقال بأهنا ال متاثل الوثائق األصلية التي تعود إىل القرن الرابع امليالدي ( .)Levine, 1973, p. 118أما البدايات
العلمية لنقد هذه الوثيقة فجاءت دفعة واحدة من قبل اثنني من رجال الكنيسة ،األول :هولورنزو فاال -1407( Lorenzo Valla
1457م)ف إيطاليا ،والثاين :رجينالد بيكوك )1460-1395( Reginald Peacockف إنجلرتا.
كان الدافع السيايس هو املحفز للورنزو فاال هلدم وثيقة قسطنطني؛ حيث كان عىل عالقة وطيدة بألفونسو األراجوين ملك
نابويل (1495-1448م) ( ،) Camporeale, 1996, p.9واحتدم آنذاك رصاع مرير بني ملك نابويل وبابا روما حول من له سلطة
تعيني وتنصيب ملك نابويل ،ومن ثم أخذ فاال عىل عاتقه ف عام 1440م دراسة هذه الوثيقة التي تعطي لبابا روما سلطة عىل ملك
نابويل ،وخلص فاال ف هناية األمر إىل كوهنا وثيقة مزورة ،تعود إىل القرن التاسع امليالدي ( .)Camporeale, 1996, p.10وف نفس
الوقت تقريبًا ،خلص باحث آخر ف إنجلرتا ،رجينالد بيكوك ،إىل نفس النتيجة ورصح بأن هذه الوثيقة مزورة ،وتشري الدراسات
بأن بيكوك مل يلتق فاال ،ومل يقرأ عمله حول وثيقة قسطنطني،كانت دوافع فاال سياسية ،ف حني كانت دوافع بيكوك دينية إصالحية
(،)Levine, 1973, p. 127واتبع كل من بيكوك وفاال منهجني خمتلفني ف كشف زيف هذه الوثيقة ،وتأسيس أدوات نقد الوثائق.
-2حول هذه الوثيقة ،وتارخيها ومضموهنا ،انظر مادة Donation of Constantineف املوسوعة الربيطانية ،وكذلك النسحة الرقمية عىل الرابط التايل:
.https://www.britannica.com/topic/Donation-of-Constantineولتفاصيل أكثر ،انظر املوسوعة الكاثوليكية عىل الرابط التايل:
. https://www.catholic.org/encyclopedia/view.php?id=3971ولكني آثرت نقل مضموهنا من هذه املقالة التي تعالج كيفية
نقدهاJoseph M. Levine, "Reginald Pecock and Lorenzo Valla on the Donation of Constantine", Studies :
in the Renaissance, Vol. 20 (1973), p. 128.
221 د .جمدي جرجس
أول أسفار العهد القديم وهو سفر التكوين ،ثم بدأ موسى ف كتابة الوحي الذي يتسلمه تباعًا (،)Levine, 1973, p. 125, 126
يظهر هنا فكر ومنهج بيكوك بأن املنطق يغلب عىل اإليامن الغيبي،عرج بيكوك عىل قضية أخرى مهمة ،وهي قضية األصول
نفسها! (Ferguson, 1966, pp. 151- الشفاهية لنص مكتوب ،وقال ب استحالة نقل التقاليد الشفاهية صحيحة مع تغري اللغة
) 56وأوضح بيكوك أن التقاليد الشفاهية التي آلت إىل نصوص مكتوبة تعرتهيا مشاكل مجة ،وأن انتقال هذه التقاليد عرب أجيال
حتام تغيريات بقصد أو بدون قصد ،وبخاصة إذا تغريت اللغات واللهجات التي ُسلمت هبا هذه
خمتلفة سيدخل عليها ً
التقاليد.سيتأثر النص املكتوب ح ًتام بسياق عرص تدوينه وكتابته؛وعىل ذلك نظر بيكوك إىل الكتاب املقدس بأنه وثيقة إنسانية مكتوبة
بناء عىل وحي ( ،)Ferguson, 1966, p. 149, 151ثم وسع األمر ليشمل كل النصوص املقدسة ،والتفاسري ،وتاريخ آباء الكنيسة
وقديسيها وتقاليدها ،وقال بأنه جيب إعادة رشحها ومساءلتها،ثم رصح بوضوح بأن تعاليم الكنيسة وكتاباهتا ال جيب تصديقها
والوثوق هبا إذا كانت ختالف القياس املنطقي (.)Ferguson, 1966, p. 149, 150
النصوص والوثائق ،وبالرغم من تأكيد مابيو عىل رضورة إعامل املنطق ،إال أنه كرجل دين ،يدين سوء استخدام املنطق ف دراسة
الالهوت ،ويقول بأن دراسة الالهوت جيب أن تعتمد عىل الكتاب املقدس وتقاليد الكنيسة وليس عىل املنطق اإلنساين والفلسفة
وعلوم أخرى (.)Quantin, 2011, p. 405
،)15وأنقل هنا النامذج التي أوردها فاال من نص دراسته التي تُرمجت من الالتينية:
يسخر فاال من استخدام مصطلح "امتياز "privilegiiف نص الوثيقة ،ويقول بأن "الرجل املجنون" الذي اصطنع هذه
الوثيقة أخذ هذا املصطلح من سرية سلفسرت ،و هذا املصطلح مل ُيستخدم لوصف منح األرايض (.)Vala, 1922 p.83مصطلح
إداري آخر مل يكن مستخدما ف عرص قسطنطني وهو مصطلح ،Satrapsويقول فاال بأن من زيف هذه الوثيقة ال يعرف حتى
هرياركية اإلمرباطورية ،فلم نسمع عن هذا املصطلح من قبل ،واألكثر من ذلك أنه وضع هذه الرتبة قبل جملس النواب ،ويستشهد
أيضا من
بنامذج من مراسيم سابقة وقطع معدنية وبرونزية بأن هذا املصطلح ال يعود إىل العرص املزعوم هلذه الوثيقة ،وإنام مأخوذ ً
أيضا مصطلح غري مستخدم ف القرن الرابع امليالدي،تشري
مصادر متأخرة ،وباملثل مصطلح Optimatesلوصف النبالء وهو ً
أيضا إىل مدينة القسطنطينية كمركز من مراكز املسيحية ،ف حني إهنا مل تكن بطريركية بعد ،وال حتى مدينة مسيحية ،ومل يكن
الوثيقة ً
اسمها ً
أصال القسطنطينية (،)Vall, 1922,, p. 85, 87, 89وخلص فاال ألن هذا النص مصطنع ف القرن التاسع امليالدي ،أو عىل
أقىص تقدير القرن الثامن ،3يستخدم فاال ف نقده للوثيقة مفهوم "احلجة السلبية" ،الذي استخدمه بيكوك ً
أيضا ،أي :الصمت ف
املصادر ف وقت كان جيب فيه احلديث ،سيتسخدم مابيو نفس هذا املفهوم الح ًقا.
-3يعتقد بعض الباحثني أن نقد فاال هلذه الوثيقة كان هو الدافع ملارتن لوثر (مؤسس املذهب اإلنجييل "الربوتستانت") 1517م النقالبه عىل الكنيسة
الكاثوليكية ورفض كل تارخيها ورجاهلا .انظر حول هذا الطرح:
223 د .جمدي جرجس
لدينا هنا نموذجان مهامن لنقد الوثائق ،ركز بيكوك عل مضمون النص وأحداثه ،وتقاليد انتقال النصوص؛ ف حني وظف
فاال مهاراته اللغوية ف تفكيك لغة النص وصياغتها ومصطلحاهتا ،واالثنان بطريقني خمتلفني قد توصال لنفس النتيجة ،وهي :إهنا
وثيقة مزورة ،وهذان النموذجان للنقد الوثائقي ،يشريان بوضح إىل ما سمى بعد ذلك بالنقد الباطني للوثائق ،وعندما وضع مابيو
تأسيسا لعلم ،ولكنها كانت
ً قواعده استفاد من هذه املسامهات املهمة،واجلدير باملالحظة ؛ هذه املحاوالت لبيكوك وفاال مل تكن
استجابة لظروف بعينها!
Whitford, David M., "The Papal Antichrist: Martin Luther and the Underappreciated Influence of Lorenzo
Valla", Renaissance Quarterly, Vol. 61, No. 1 (Spring 2008), pp. 26-52
-4أشارت سلوى ميالد إىل بعض هذه التطورات ،انظر :سلوى عيل ميالد :علم الوثائق (الدبلوماتيك) احلديث ،ص .21 ،20
تاريخ علم الوثائق :املقدمات واللبنات األول 224
،) 1999, p. 242ولكن ظلت بعض األمور ف طي اإلمهال ،ومن بينها املخطوطات ،إذ يقول اليبنز أنه يأسف لعدم وجود تاريخ
للمخطوطات ،وبعدها بثالث سنوات نرش مابيو عمله حول علم الدبلوماتيك؛ والذي اعتربه الباحثون أول جهد منظم لتقديم
معايري احلكم عىل صحة الوثائق واملخطوطات ،ثم ف عام 1709م ،قام أحد زمالء مابيو ،ف دير القديس مور ،بنرش كتابه العام
حول الباليوجراف اليوناين ،والذي يعد بشكل ما تاريخ نقدي للمخطوطات (.)Grafton, 1999, p. 242
وف هذا اإلطار برز االهتامم بدراسة النقوش ،ولقد أوىل الباحثون ف القرن اخلامس عرش اهتام ًما بنسخ النقوش الرومانية
والالتينية القديمة ،ثم دراستها ،وكان الرتكيز ف أول األمر منصبًا عىل النقوش الوثنية املسجلة عىل البوابات وأقواس النرص ،ثم
تطور األمر إىل االهتامم بالنقوش املسيحية ف أواخر القرن اخلامس عرش ( ،)Yasin, 2000, p.41-43وارتبط االهتامم بالنقوش
املسيحية باالكتشافات األثرية آنذاك ،وبالرغم من وجود مقابر بعينها كانت معروفة ومقصدً ا للزوار إال أنه مل ِ
جتر حماوالت جادة
لدراسة النقوش املسيحية ،وشهدت هنايات القرن السابع عرش هنضة ف اكتشاف املقابر ودراستها ،وهو نفس الوقت الذي شهد
هنضة مماثلة ف تاريخ الكنيسة ،ودراسة النقوش األثرية بالذات ،كانت أحد املحفزات للجامعات الرهبانية البحثية ،ودشنت
مرشوعات عمالقة لدراسة املخطوطات والوثائق ،وحتقيق سري القديسني وكتابات اآلباء األوائل ،ومن بني هذه اجلامعات كانت
مجاعة الرهبان البندكتني بدير القديس مور برئاسة جون مابيو؛ حيث رشعوا ف تنقيح وتنظيم ونرش سري الرهبان القديسني ،وظهر
-5حصل اليبنز عىل بكالوريوس الفلسفة عام 1663م ،نرش أول بحث (رسالة) له ف عام 1667م بعنوان" :طريقة جديدة لتعلم وتعليم فقه القانون" .ف
عام 1672م سافر إىل باريس ف مهمة سياسية ،واصل خالهلا اهتامماته وأعامله البحثية ،وأوىل اهتامم أكرب بالرياضيات (ص .)10تقلب اليبنز ف
اهتامت وحقول معرفية خمتلفة ،ونال حظوة عند أمراء وحكام كثريين .إىل أن آل به املطاف إىل االنخراط ف حقل التاريخ ،حني كلفه األمري أرنست
أوغسطس Ernest Augustusف عام 1679بكتابة تاريخ أرسة برونوزفيتش .the House of Brunswickواستعان اليبنز ف مهتمه هذه
بكل خرباته ومعارفه ،وبدأ ف مجع مواد ومصادر تبدو بعيدة عن موضوعه ،ولكنه استعان بمصادر ف اجليولوجيا ،وفقه اللغة املقارن ،وفلسفة التاريخ،
وسافر عرب مناطق عدة ( 1689-1687م) جيمع الوثائق واملخطوطات والكتب النادرة من مكتبات وأرشيفات متنوعة .ومن خالل هذه املصادر
الثمينة املتنوعة ألف كتابه ، Codex Juris Gentium Diplomaticusوهو عبارة عن كنز من الرسائل والبيانات واالتفاقيات والوثائق العامة
وعقود الزواج امللكية .ظهر الكتاب ف جملدين ،ظهر أوهلام عام 1693م ،والثاين عام 1700م .قام بتأليف كتاب ثان معتمدً ا عىل نفس املصادر .حول
اليبنز وانتاجه ،انظر:
Zwei Bandde "Review of, Gottfried Wilhelm Freiherr von Leibnitz- eine Biographie, by G. E. Guharauer. The
Ediburgh Review or Critical Journal Vol. LXXXIV. 1846.
for July, 1846.... October 1846. Pp. 1-47
225 د .جمدي جرجس
املجلد األول من هذه السري ف عام 1668م ( ،)Yasin, 2000, p.44وف نفس الوقت ،كان هناك مرشوع مماثل بدأته مجاعة من
الرهبان اجلزويت ،وهم املعروفون بجامعة البوالندست ،Bollandisttesوالذين أخذوا عىل عاتقهم مجع سري القديسني الكاثوليك
ونرشها ف ترتيب زمني خالل السنة وف ًقا ليوم عيد القديس ،إضافة إىل ذلك ،كانت هناك عدة أكاديميات رشعت ف مرشوعات
علمية لدراسة العلوم الطبيعية إىل جانب تاريخ الكنيسة ،وضمت بني أعضائها علامء بارزين ف الطب والفلسفة والرياضيات
واآلثار .كانت هذه نقلة مهمة ف تاريخ الكنيسة؛ حيث تم دمج تاريخ الكنيسة ضمن منظومة علمية راسخة ،مما تطلب تعاطي
طرق منهجية جديدة ،ومن ثم ،بدأ املؤرخون يستخدمون العمالت والرنوك والنقوش واآلثار ف كتابة التاريخ ف أواخر القرن
السابع عرش.
الوثائق يف القلب:
االهتامم باستخدام الوثائق كمصدر لكتابة التاريخ يعود إىل فرتة مبكرة ف أوربا ،وتوجد بعض النامذج لتوظيف الوثائق ف
الكتابة التارخيية منذ القرن التاسع امليالدي؛ نذكر من تلك النامذج املبكرة ،مؤلف جمهول كتب تاريخ داجوبرت (ت639 .م) اعتام ًدا
عىل الوثائق املحفوظة ف دير سان دينيه .وف نفس الوقت تقري ًبا طلب لويس األول (ت840 .م) من هيلدوين أن يكتب كتا ًبا عن
القديس دينيه ،اعتمد فيه عىل الكتب اليونانية والالتينية ،وكذلك اعتمد عىل وثائق الكنيسة بباريس ،وهناك نامذج أخرى كثرية
لكتاب وظفوا الوثائق ف كتاباهتم ،وبخاصة تاريخ الكنيسة وسري القديسني ( .)Giry, 1892, p. 228لكن هؤالء املؤرخني الذين
استخدموا الوثائق كمصادر معاونة ،مل يقوموا بأي نوع من النقد عليها ،مع استثناءات قليلة ،لكن البعض أخذ يويل نقد الوثائق
بعض االهتامم ،ف أوائل القرن الرابع عرش امليالدي ،يناقش Bernard Guiبرنارد غوي الدومينيكاين الوثائق التي يمكن أن تكمل
أو تصحح املصادر الروائية ،فعىل سبيل املثال ،يتساءل حول صحة تاريخ إحدى وثائق أسقف ليموج ،والتي يذكر فيها تاريخ نقل
رفاة القديس أوغسطني ،ويعدد جريي أمثلة كثرية منذ القرن الرابع عرش ( .)Giry, 1892, p. 228وهذه األمثلة كافية للداللة عىل
توافر خرباء ف املحاكم واملؤسسات الرسمية عاملني بقواعد كتابة العقود والوثائق ،وعىل خربة كافية بتمييز الصحيح من املزيف
منها ،تناوب عىل حراسة كنوز الوثائق امللكية أجيال متعاقبة ،تشكلت لدهيم خربات بالوثائق ،وجتاوزوا أغراض حفظ هذه الوثائق
أيضا ،نذكر منهم Gérard de Montaigu ،جريارد
من أجل احلفاظ عىل احلقوق امللكية ،إىل النظر إليها باعتبارها مصادر تارخيية ً
دي مونتيجو ،الذي توىل منصب أمني األرشيف ف عهد امللك تشارلز اخلامس (1558-1520م) ،حيث دون مالحظات بخط
يده تدل عىل أنه الحظ ما تفيده هذ الوثائق ف أمور أخرى تتعلق بالتاريخ واألعراف ،أو ما نسميه بالنقد الدبلومايت بمصطلح
اليوم ،وهكذا خلفاؤه ف هذا املنصب فطنوا إىل فائدة هذه الوثائق ف التاريخ والسياسة ( ،)Giry, 1892, p. 229ومنذ بدايات القرن
السابع عرش بدأ نرش هذه الوثائق بكثافة ،بعد أن تبني للجميع أمهيتها ف جماالت قانونية وتارخيية وسياسية شتى،تداعيات القرن
السابع عرش الكثرية كانت هي الدوافع للرتكيز عىل الوثائق ،ووضع قواعد أكثر دقة لتقييم ودراسة الوثائق ،بدأت هذه املرحلة مع
حرب الثالثني عا ًما ف أملان يا ،والتي أدت إىل رصاعات قانونية مريرة ،كذلك انخرط النبالء ف فرنسا ف عمل مشرتك اشتهر باسم
حروب الدبلوماتيك ،للتأكيد عىل امتيازاهتم ف مواجهة احلكم امللكي املطلق (سلوى ،ص ،)21ويقول اليبنز" :لقد تعلمت أننا
نعتمد عىل املنطق ف الرياضيات ،وعىل التجارب ف العلوم الطبيعية ،وعىل السلطة ف القانون ،وعىل الشهادات ف التاريخ"
(،)Spitz, p. 343يأيت كونرينج ف مقدمة الذين استخدموا الوثائق ونرشوها بكثافة ،والذي ألف جملدً ا ضخام عن مدينة
تاريخ علم الوثائق :املقدمات واللبنات األول 226
Lindauلينداو ،تتضح فيه الروح النقدية واألسلوب القوي ،ويعترب رائدً ا ف هذا املجال،وف فرنسا يأيت ف املقدمة du Cangدو
كانج ( 1688-1610م) ،حيث يرسد العنارص األكثر أمهية ف الوثائق ،ويقارن عدد ضخم من وثائق العصور الوسطى
الستخالص خصائصها وعنارصها الرئيسية (،)Giry, 1892, p. 235, 236كان دو كانج واحدً ا من أقرب أصدقاء مابيو ،وقام
بتأليف أفضل قاموس التيني ف العصور الوسطى ،وكان هذا القاموس من أهم األعامل التي اعتمد عليها مابيو ف كتابه ،وكان
أيضا من الطبيعي أن يعتمد مابيو عىل كتابات أعامل زمالئه الرهبان املوريني اآلخرين ( ،)Zouhar, 2010, p. 370وواقع
ً
األمر أنكل من كورنينج ودو كانج قد سامها بشكل مبارش ف كتاب مابيو.
فيام بعد -أدوات وأفكار كورنينج ويشيد هبا ف عمله ويقول عنها :إهنا كانت ملهمة له (انظر القسم األخري من هذه املقالة حول
كتاب مابيو ومضمونه).
.)343بعد وفاة روسفايد توىل املهمة من بعده بوالند) ،Jean Bolland (Bollandousوالذي قام بمراجعة أوراق روسفايد ،ومن
ثم استمر بوالند ف عمله ف هذا املرشوع،صار اسم هذا الفريق "مجاعة البوالندست" Bollandistsنسبة إىل جان بوالند مؤسس
-6الربوتستانتية حركة بدأت ف شامل أوربا ف بدايات القرن السادس عرش امليالدي كرد فعل لتعاليم وممارسات الكنيسة الرومانية الكاثوليكية ،وما لبثت
أن صارت إحدى القوى الرئيسية ف العامل املسيحي ،وبعد سلسلة من احلروب الدينية ف أوربا ف القرنني السادس عرش والسابع عرش ،وبصفة خاصة
ف القرن التاسع عرش ،انترشت الربوتستانتية ف شتى أنحاء العامل وأثرت ف احلياة االجتامعية واالقتصادية والسياسية والثقافية ف أوربا ومناطق خمتلفة
من العامل .حول مزيد من التفاصيل ،انظر :املوسوعة الربيطانية ،حتت مادة ،Protestantismأو النسخة اإللكرتونية هلذه املوسوعة عىل الرابط
التايلhttp://www.britannica.com/EBchecked/topic/479892/Protestantism :
تاريخ علم الوثائق :املقدمات واللبنات األول 228
هذه اجلامعة الرهبانية البحثية،وكانت مهمتهم هي البحث عن املواد املتعلقة بسري القديسني وتصنيفها ،ونرش املواد واملصادر املوثوق
منها حول القديسني الذين اعرتفت هبم الكنيسة الكاثوليكية (سلوى ،ص ،)21وحتديد املصاعب التي تواجهه ف هذا البحث،
نظرا لضخامة العمل ،قام بوالند ف عام 1635م بتعيني مساعد له يسمى جودفري هنشن -1601( Godfrey Henschen
ً
1681م) ،تفرع هنشن بالكامل هلذا املرشوع ،ومتكن من حل مشاكل كثرية ف هذه النصوص مثل :التحقيب الزمني واجلغرافيا،
Daniel van Papenbroeck والتفسريات الفيلولوجية ،ف 1660م انضم هلذا الفريق راهب آخر ُيدعى دانيال فان بابنربوك
(1714-1628م) ،سافر بابن بروك وهنشن عرب أرجاء إيطاليا وفرنسا وأملانيا لتجميع نسخ من خمطوطات سري القديسني ،وانضم
هلم جزويتي بوالندستي آخر ُيدعى جان جامنس.)Gwynn, 1946, p 56( Jean Gamans
سأتوقف ف السطور التالية أمام نموذج لتقليد حول من تسبب كشف زيفه ف ثورة بني نظامني من الرهبان الكاثوليك ،أدى
بنهاية املطاف إىل الطعن ف كل الوثائق ،وهذا النموذج يكشف كيفية انتقال أدوات نقد املصادر من املخطوطات إىل الوثائق ،والذي
شكل الدافع املبارش ملابيو لكي يضع قواعد متييز الوثائق الصحيحة من املزيفة.
بروك أن يضع قواعد للبحث ف أعامل القدي سني ،وكذلك وضع قواعد للتمييز بني الوثائق األصلية والوثائق املزورة ،وحتت تأثري
الفلسفة الفرنسية ف القرن السابع عرش ،قال بابن بروك بأنه ال توجد وثيقة صحيحة ف اإلمرباطورية الفرانكونية قبل Dagobert I
داجوبرت األول ،7وسع باين بروك من شكوكه لتشمل كل حمفوظات أديرة البندكتني ،وكأنه يكرر شكوك مارتن لوثر ،عندما
أسس رفضه للكاثوليكية عىل ما توصل إليه لورنزو فاال من كشفه لزيف وثيقة هبة قسطنطني ( ،)Whitford, 2008, p. 26ووضع
خريا بأن الرهبان هم ف
بابن بروك القاعدة العامة التي تقول" :كلام كانت الوثيقة أقدم كلام زاد احتامل عدم صحتها" ،ثم رصح أ ً
الغالب األعم مزورين للوثائق حتى جيملوا وضعهم املأزوم ،ولكنه بالغ ف تقدير املوقف ألنه اشتغل فقط عىل عدد قليل من
حكام بعدم صحة العديد من الوثائق
املصادر املكتوبة ،كام كانت متاحة ف شكل نسخ فقط ( ،)Zouhar, 2010, p. 389وأصدر ً
القديمة التي بحوزة البندكتني والتي ُيدعى بأهنا تعود إىل القرن السادس امليالدي ،وبخاصة وثائق االمتيازات .وكان دير سان دينيه
امللكي بالقرب من باريس يقتني العديد من الوثائق التارخيية من هذا النوع ،وهذا الدير كان من أشهر أديرة فرنسا وبه مدفن خاص
مللوك فرنسا ،ومن ثم كان ت سمعة هذا الدير ،وكذلك سمعة فرنسا عىل املحك بسبب اهتامات بابن بروك ( Zouhar, 2010, p.
،) 370ومن ثم كان عىل الرهبان البندكتيني أن يدافعوا عن سمعتهم وسمعة فرنسا ،فانربى هؤالء الرهبان للدفاع ودحض هذا
االهتام ،وأخذ مابيو ،وهو من الرهبان البندكتيني ،عىل عاتقه هذه املهمة.
( 1694-1645م) ،وهو الذي قام بكتابة معظم الكتاب الرابع ،وهو الذي زامله ف رحلته العلمية الطويلة إىل إيطاليا (أبريل
-1685يوليو 1686م) ،ونرش الكاتبان ملخصات أبحاثهام ف كتاب ( ،)Zouhar, 2010, p. 360وهناك زمالء آخرين ملابيو
سامهوا بدرجات متفاوتة ف هذا العمل.8
Claude Estiennot de la Serre (1639-1699), Antoine de Vion de Gaillon, Seigneur ďHérouval (c. -8منهم:
1603-1689), Étienne Baluze16 (1630-1718), and Antonio Magliabechi (1633-1714
231 جمدي جرجس.د
ولذلك كان عليه،كان مابيو يرص عىل وصف كتابه حول الدبلوماتيك بأنه "تاريخ" وأنه تاريخ اعتمد عىل مصادر أصلية
وال، "الصفة األوىل للمؤرخ هي أن حيب احلقيقة ويبحث عنها: قال بأن الدور الرئيس للمؤرخ هو،أن يامرس النقد هلذه املصادر
إهنا خمفية ومغلفة باألكاذيب، واآلن جيب عىل من يبحث عن احلقيقة أن يناقشها، وأن جيعل مهنتها مهنة عامة،خيار له ف ذلك
، ينبغي أن نميز بني ما هو حقيقي وما هو زائف، وف دراسة احلقائق، وبخاصة ما يتعلق بحقائق التاريخ والتاريخ القديم،واألخطاء
.)Quantin, 2011, p. 417( "ما هو مؤكد وما هو مشكوك فيه
9
:مضمون وفصول كتاب مابيو
De re diplomatica م حتت عنوان1681 اإلصدار األول كان عام:)لكتاب مابيو ثالث طبعات (إصدارات
الطبعة الثانية.11Librorum de re diplomatica supplementum,: ثم نرش مابيو ملحقا جديدا له حتت عنوان،libri VI10
،12 وهي أكثر الطبعات املعتمدة، بتوجيه من مابيو نفسهDom Thierry Ruinartم وقام بطباعتها تريي روينار1709 صدرت عام
: وهو الوحيد الذي قدم مضمون وملخص كتاب مابيو بلغة أخرى غري الالتينية، Zouhar اعتمد ف هذا امللحق بشكل رئيس عىل مقالة-9
Zouhar, Jakub, “De Re Diplomatica libri sex by Jean Mabillon in outline”, Listy filologické/ Folia philological,
vol. 132, No. 3 / 4 (2010). Pp. 357-388
: العنوان الكامل باللغة الالتينية-10
De re diplomatica libri VI. In quibus quidquid ad veterum instrumentorum antiquitatem, materiam, scripturam,
et stilum; quidquid ad sigilla, monogrammata, subscriptiones, ac notas chronologicas; quidquid inde ad
antiquariam, historicam, forensemque disciplinam pertinet, explicatur et illustratur, [Jean Mabillon].
Accedvnt Commentarius de antiquis Regum Francorum palatiis. Veterum scripturarum varia specimina,
tabulis LX comprehensa. Nova ducentorum, et amplius, monumentorum collectio. Opera et studio Domni
Johannis Mabillon, presbyteri ac monachi Ordinis S. Benedicti e Congregatione S. Mauři, Luteciae-
Parisiorum, sumtibus viduae Lud. Billaine, in palatio Regio MDCLXXXI. Cum privilegio Regis et
superiorum permissu
: العنوان كامل بالالتينية-11
Librorum de re diplomatica supplementum, quo archetypa in his libris pro regulis proposita, ipsaeque regulae
denuo confir mantur, novisque speciminibus et argumentis asseruntur et illustrantur. Opera et dio Domni
Johannis Mabillon, presbyteri ac monachi Ordinis S. Benedicti e Congre gatione S. Mauři, Luteciae-
Parisiorum, sumtibus Caroli Robustel, via Jacobea, insigne arboris Palmae, MDCCIV. Cum privilegio
regis et superiorum facultate.
: العنوان كامل بالالتينية-12
De re diplomatica libri Editio secunda ab ipso auctore recognita, emendata et aucta, Luteciae-Parisiorum,
sumtibus Caroli Robustel, via Jacobea, adinsigne arboris Palmae, MDCCIX. privilegio regis et superiorum
facultate.
تاريخ علم الوثائق :املقدمات واللبنات األول 232
وتضمنت متهيدا للمؤلف وكذلك متهيدا لروينار ،ورسوما توضيحية كثرية ،وظهرت الطبعة الثالثة هلذا العمل ف نابويل عام
1789م ،وهي أقل الطبعات جودة ،كذلك أثقلت بالتعليقات الكثرية الثنني من اللغويني.13
الكتاب األول:
حاول مابيو ف هذا اجلزء أن يضع القواعد التي ربام تساعده عىل حتديد الوثائق املزيفة ومتييزها عن الصحيحة ،واختذ موق ًفا
مناو ًء هلؤالء املنتقدين املبالغني الذين طعنوا ف الوثائق القديمة عامة ،وقال مابيو بأن حكمهم كان غري صائب ألنه من غري املعقول
أال ترى الوثائق الصحيحة بسبب وجود أخرى مزيفة ،وكان عليه أن يصنف أنواع وثائق االمتيازات :امتيازات كنسية (صدرت
بواسطة الرؤساء الدينيني ،والبابوات ،واألساقفة ،أومؤسسات كنسية أخرى)؛ واالمتيازات امللكية ،والوثائق اخلاصة ،كام واجه
ِ
يكتف مابيو هبذه كبريا ،ومل
صعوبة ف حتديد بعض هذه الوثائق ،فاضطر لوضع مسميات (عناوين) هلا ،وبذل ف ذلك جمهو ًدا ً
أيضا نسخ الوثائق املحفوظة ف كتب خمطوطة ،وقال بأن نقد الوثائق املحفوظة ف األرشيفات منذ العصور الوسطى ،بل تقىص ً
أيضا عمل مهم ورشعي إذا اكتشف الباحث أخطاء تارخيية ،وتعبريات التناسب عرصها ،أو ألقاب أو كلامت .واستعرض
النسخ ً
أيضا األصول القديمة جدً ا للوثائق امللكية التي كانت مستخدمة ف شبه جزيرة أيربيا جنوب غرب أوربا ،وىف الفصل اخلامس
مابيو ً
هناك فقرة حول الوثائق اخلاصة ،ووسع مابيو من دائرة النقد والتحليل ووضع ف اعتباره الكم الكبري من الوثائق الرسمية التي
ُفقدت عرب التاريخ ،وقام بتحليل بعض احلاالت والظروف التي تسببت ف فقدان الكثري من الوثائق ،ودرس ً
أيضا الطرق التي
كانت ُجتدد هبا الوثائق ،واستطاع حتديد الطريقة الرئيسية لتجديد الوثائق بأن ُيطلب من حاكم ،أوجملس مدينة ،أو بابا ،أو أي
مسئول كنس أن جيدد الوثيقة أو ينشىء وثيقة نسخة جديدة من وثيقة حتمل عالمات الصحة ،ووصف وظائف هذه النسخ التي
كانت تصدر مع األصول.
ثم رشع مابيو ف وصف اخلصائص اخلارجية للوثائق ،فبدأ بوصف املواد املكتوب عليها (الرق ،وحلاء الشجر ،والربدي)،
وقال بأن الربدي استخدم ف فرتة متأخرة عن تلك التي حددها بابن بروك ،وأوىل مابيو اهتامما أكرب بالورق املصنوع من القامش أو
أيضا إىل فحص أنواع األحبار املستخدمة ف الكتابة( :أسود ،وأمحر ،وذهبي ،وفيض) ،وكان مهتام جدً ا باستخدام
القطن ،وتطرق ً
احلرب األمحر ف توقيعات األباطرة الرومانيني والبيزنطيني ،واحلكام الكارولنجيني ،ثم أخذ يسجل بدقة خصائص الكتابة وطريقتها،
وف الفصل احلادي عرش بنى مابيو عىل خربات سابقيه وبخاصة بيري هامون ،Pierre Hamonالسكرتري اخلاص والكاتب امللكي
لتشارلز التاسع ملك فرنسا ،ومؤلف كتاب Alphabet de l' invention des lettres en diverses escrituresعام
1561م(األبجديات واخرتاع احلروف ف خمتلف النصوص املقدسة) ،ثم وصف مابيو أربعة أنواع من الكتابة ف فرنسا ،وأضاف
أنواعا أخرى من نظم الكتابة.
الكتاب الثاين:
يتعامل م ابيو ف الكتاب الثاين بالتفصيل مع اخلصائص اخلارجية للوثيقة ،ووصف البنية الدبلوماتية للوثائق ،واألسلوب،
والتوقيعات (سواء توقيعات بخط اليد أو فورمات جاهزة) واألختام ،وكتابة التاريخ.
ربام وجد بعض الناس ف القرن السابع عرش يعرتضون عىل األسلوب اهلمجي غري املنمق للوثائق القديمة ،حيث يرد مابيو
عىل مثل هذه اإلدعاءات بعد أن فحص بدقة وثائق قديمة وأعلن أهنا ال تتميز بعدم االنتظام ،وأن ذلك ليس مدعاة للتشكك من
تأرخيها أو نسبتها للعرص الذي ُأنتجت فيه ،ويقول بأن األخطاء اإلمالئية ربام تعود إىل عدم جودة املواد التي كتبت عليها ،أو بسبب
أيضا املزورين ،ومن اخلطأ أن نفهم هذه األمور ونردها إىل املزورين وأهنم قد دسوا وثائق بشكل متعمد.
املوثقني ،وكذلك ً
بعد أن قام مابيو بمقارنات عدة ،اعتقد برضورة فحص مخسة أمور عامة ،وهي :الدعاء االفتتاحي ،والنص ،واملصطلحات
الدقيقة (استخدام صيغة اجلمع ً
بدال من املفرد ،األلقاب الترشيفية) ،وقوائم املمتلكات ،واألنواع املختلفة من العقوبات
واحلرومات ،واستخدم مابيو هذه الطريقة ف دراسة وحتليل الوثائق الكنسية وامللكية واخلاصة ،ألنه اعتقد بإمكانية التمييز بني
الوثائق األصلية وتلك املزيفة بناء عىل حتليل هذه اجلوانب ،وحدد مابيو استنتاجات بابن بروك وأخذ ف ضحضها؛ عىل سبيل
املثال :اعتقد بابنربوك بأن وثائق امللوك الكارولنجية كانت توقع بصيغة ضمري املتكلم لفرتة طويلة؛ ف حني أعلن مابيو بأن هذا
دليل عىل عدم صحة الوثيقة ،ولكن مابيو اعرتف ف نفس الوقت بوجود عدد قليل من الوثائق تم توقيعها بصيغة ضمري املتكلم،
ويبدو أن هذا حدث عىل سبيل املصادفة وليس العادة ،واستنتج مابيو هذه النتيجة من خالل أمثلة من الوثائق اخلاصة.
وضع مابيو قائمة تفصيلية ودقيقة باأللقاب املخصصة لكل فئة ،امللوك وأبناؤهم وبناهتم وزوجاهتم ،والرتب الكنسية،
و أخذ يرشح وحيلل كل لقب ومدلوله وتارخيه ،باإلضافة إىل ذلك أخذ مابيو ف التوقف عند تعبريات وصياغات بعينها ف الللغة
ى وساعد عمله ف إنتاج قواميس للغة
الالتينية ،وبذلك ساهم مابيو ف مناقشات أكثر حول اللغة الالتينية ف العصور الوسط ,
الالتينية ف العصور الوسطى أع دها باحثون آخرون ف أوربا ،وضع مابيو قائمة بالكني والعائالت واألماكن التي كانت هلا قيمة
كبرية .وهنا دحض مابيو حجج بابن بروك؛ حيث َبني للقراء أن قائمة تفصيلية بممتلكات من عرص داجوبرت األول (-603
639م) يمكن االعتامد من موثوقيتها بالرغم من تفاصيلها الكثرية جدً ا ،حيث وجد مابيو نامذج قليلة ف وثائق وقوالب أخرى.
عدد مابيو ،ف هناية الفصل الثامن األنواع املختلفة من العقوبات املستخدمة ف الوثائق ،ودون مالحظات حول ورود
عبارات التحريم ف الوثائق واملراسيم الكنسية ،وقسم العقوبات إىل أربعة أنواع :العقوبة ،واحلرمان ،وعقاب يوم الدينونة ،وعقوبة
املوت،كل هذه العقوبات كانت مستخدمة ف فرنسا قبل عرص األرسة الكارولنجية ،ثم استمر مابيو ف وصف األنواع املختلفة
للتوقيعات (العالمات) وطرق وأماكن وضعها عىل الوثائق ،وأخذ حييص وحيلل أنواع العالمات وطرق وضعها ف كل فرتة،
أيضا عن أعامل املوثقني ،ووضع قائمة ،قدر إمكانه ،باملوثقني الفرنسيني ف عرص القديس لويس ،وأضاف للقائمة
وبحث مابيو ً
املوثقني العموم ،واملوثقني الكنسيني ،وموثقي الكريس البابوي ،وقال مابيو بعدم وجود موثقني ف إنجلرتا ف أوائل العصور
الوسطى ،وثبتت صحة مقولته.
تاريخ علم الوثائق :املقدمات واللبنات األول 234
قدم مابيو وصفا تفصيليًا لكل أشكال األختام املستخدمة من العصور القديمة وحتى أوائل العصور الوسطى ،تلك التي
كانت تعلق ف الوثائق أو تطبع عليها ،ووصف نصوص األختام والصور التي تظهر عليها ،وبخاصة صور احلكام وشعاراهتم،
وألوان األختام ،وتفاصيل أخرى صارت متثل توجها دراسيا معروفا ف وقتنا احلايل.
ف الفصل التاسع ،يرتك مابيو الفرصة لكورنينج ليتحدث عن نفسه ،ويستعري مابيو أفكاره ويقول عنها إهنا ملهمة ،تطرق
أيضا إىل الشهود وأمهية ذلك لصحة الوثيقة ،ولكن كانت قوائم الشهود نادرة ،وتظهر فقط ف الرسائل الصادرة عن جمالس
مابيو ً
أيضا عن كيفية ترتيب أسامء األساقفة،
األسقفيات ،والتي يظهر فيها أسامء العديد من األشخاص بعد اسم األسقف ،حتدث مابيو ً
وهل تتوافق مع ترتيب وضع أختامهم ،ويقول مابيو باستحالة التدليل عىل إن الرتتيبني متوافقني؛ ويعزي ذلك إىل املوثق هو الذي
أيضا عىل نظم التأريخ ،ودرس
كان يكتب األسامء ،ويتميز مابيو هنا بفحصه الدقيق للوثائق بتفاصيل أكثر من كل سابقيه ،ركز مابيو ً
الطرق املتبعة ف الوثائق اإلمرباطورية وملوك جرمانيا وإنجلرتا وإيطاليا وأماكن أخرى.
الكتاب الثالث:
خلص مابيو ف هذا اجلزء خالصة معارفه النظرية للمشكلة ،وطبقها للتأكيد عىل صحة فرضه بصحة الوثائق التي ادعى
بابنربوك زيفها ،وهو مل يقدم دراسات جتريبية عىل حاالت بعينها ،ولكنه وضع قواعد عامة صاحلة للتطبيق عىل العموم ،وبتطبيق
هذه القواعد عىل عدد كبري من الوثائق الرسمية ف أوائل العصور الوسطى ،دافع مابيو عن أرشيف سان دينيه وبرأ ساحته من
احتفاظه بوثائق مزيفة ،وكذلك كل أديرة البندكتني التي طالتها الشبهات ،وأخذ مابيو يعدد األخطاء التي اقرتفها بابن بروك وهو
حيلل وثائق دير القديس مكسيموس بمدينة ترير ، Trierوقال بأن بابن بروك وقع ف عرش إجراءات خاطئة تتعارض مع مبادئ
الدبلوماتيك وهو حيلل وثائق هذا الدير كنموذج لوثائق احلكام املريوفينجيني .أخذ مابيو عىل عاتقه دراسة أجزاء النص بالتفصيل،
واختتم حتليله بنتيجة مثرية للجدل بقوله" :إنه مل تثبت أية هتمة وجهت لألبرياء".
وخصص مابيو اجلزء الثاين من الكتاب الثالث لتدوين مالحظات حول السجالت املدون هبا نسخ الوثائق ،وأكد أمهية هذه
السجالت للمساعدة ف التأريخ والتحقق من صحة بعض الوثائق.
عالوة عىل ذلك أحلق مابيو بكتابه عدة مالحق لوثائق مهمة أخرى؛ من بينها مرسوم البابا أنوسنت الثالث الذي يشري فيه
إىل قضية تزييف الوثائق.
تتضمن الطبعة الثانية من كتاب مابيو كشافات أعدها روينار ،الذي أرشف عىل هذه الطبعة وأقرب زمالء مابيو ف دراساته.
ملحق عام 1704م :قام مابيو بكتابة ملحق إضاف كرد عىل رسالة وقعها جريمون ،Germonأحد الرهبان اجلزويت عام
1703م ،ولكن يبدو أن أكثر من شخص اشرتك ف كتابتها ،واحلقيقة إن هذه الرسالة كانت ضعيفة ف منطقها وحججها؛ حيث
يقول مؤلفها (مؤلفيها) بأنه من املشكوك فيه بشدة أن تصل إلينا وثائق من العصور األوىل وحتى أوائل القرن الثامن عرش ،وقالوا
بأن عىل مابيو أن يتبع طريقة أخرى للتمييز يبني الصحيح والزائف عن طريق تتبع كل حرف من حروف الكتابة بمفرده ،وووجهوا
له اللوم بأنه انربى للدفاع عن أرشيف سان دينيه دون أن يقدم أي عمل بحثي جديد ،ووجه املؤلفون اهتا ًما آخر ملابيو ،حيث قالوا
بأن جاك دوبيل Jaques Doubletنرش كتا ًبا ف عام 1625م يتضمن كل املعلومات التي أعاد مابيو صياغتها ،أي يتهموا مابيو
رصاحة بالغش ،وبالطبع دافع مابيو عن هذه االهتامات ،وقرر أن يكتب هذا امللحق ليس للعامة فقط؛ ولكن من أجله هو شخص ًيا
للتحقق من كل املعلومات التي قام بجمعها من قبل ،ولتجميع األدلة مرة أخرى.
وللتدليل عىل إن وثائق أوائل العصور الوسطى يمكن أن تصل إلينا ساملة حتى أوائل القرن الثامن عرش ،أعاد مابيو احلديث
عن الربدي وعن األخطاء اإلمالئية وأنامط الكتابة ف العصور القديمة أوائل العصور الوسطى ،ثم خصص ً
فصال لتحديد تواريخ
ملوك األرسة املورفينجية والتي كانت أكثر دقة آنذاك ،وخصص ثالثة فصول أخرى مللوك األرسة الكارولنجية ،واختتم هذا امللحق
بنسخ من وثائق أوائل العصور الوسطى التي ذكرت ف كل العمل.
.)p. 362
ويصف أحد النقاد املحدثني قيمة عمل مابيو De re diplomaticaوكتاب معارصه دي مونتيفكو،Paleographia Graeca
بأهنام قدما رؤية بحثية حول طريقة التعامل مع الكتب والوثائق ليس فقط كنصوص ،ولكن كأوعية للمعلومات تُدرس بذاهتا
تاريخ علم الوثائق :املقدمات واللبنات األول 236
كامدة ،أو بلغة فوكو ف ستينيات القرن العرشين "حتول املخطوط من وثيقة إىل شئ" ،وهذه النظرة إىل املكتبات والكتب باعتبارها
مواقع مادية وموضع بذاهتا ،مع زيادة الوعي بالقيمة املادية للمخطوطات القديمة ،غريت بشكل كبري تقنيات تأليف الكتب
(.)Gurd, 2004, p. 91, 92
لكن الكتاب مل يسلم من نقد مرير من قبل آخرين ،يأيت عىل رأسهم هايكه 1715-1642( Hickesم)؛ إذ أعلن عدم اقتناعه
كبريا من مقدمة كتابه لنقض القواعد الست التي وضعها مابيو لنقد
شطرا ً
بمنهج مابيو ف التعامل مع الوثائق املزورة ،وخصص ً
الوثائق ،وبني أن تطبيق هذه القواعد عىل الوثائق املجزوم بزيفها لن يظهر هذا التزييف ،وقال هايكه بأن الوثائق التي قرر مابيو-
بعد تطبيقه قواعد النقد -أهنا وثائق صحيحة ،هي ف واقع األمر مزيفة ،والنقد األشد ملابيو ،هو أنه مل يوظف أية قاعدة مناسبة
للتمييز بني الصحيح واملزيف من الوثائق (.)Hiatt, 2009, p. 353
كذلك هاجم بعض الرهبان اجلزويت عمل مابيو ،وألف اليسوعي جريمون (1718-1663م) Barthelemy Germon
رسالة عنيفة يفند فيها عمل مابيو ،وقال بأن عىل مابيو أن يتبع طريقة أخرى للتمييز بني الصحيح والزائف عن طريق تتبع كل حرف
من حروف الكتابة بمفرده ،كام وجهوا له اللوم بأنه انربى للدفاع عن أرشيف سان دينيه دون أن يقدم أي عمل بحثي جديد ،وجه
املؤلفون اهتا ًما آخر ملابيو ،حيث قالوا بأنه رسق أبحاث جاك دوبيل ،Jaques Doubletالذي نرش كتا ًبا ف عام 1625م يتضمن كل
املعلومات التي أعاد مابيو صياغتها ،أي يتهموا مابيو رصاحة بالغش ( ،)Zouhar, 2010, p. 384وهناك اهتام آخر طريف وجهه
الباحثون اإلنجليز ملابيو ،حيث قال :إن عمل مابيو عظيم الفائدة للمزورين ،حيث سيتمكنوا من جتنب أدوات مابيو لكشف
التزييف ،أي :إن مابيو قد كتب ً
دليال للمزورين حتى يسريوا عىل هنجه ،وينتجوا وثائق مزيفة أكثر حنكة ،ويصعب كشفها
(.)Zouhar, 2010, p. 364
عمل مابيو تعود إىل بدايات القرن العرشين أي :هذا العمل ُأمهل ً
كثريا (.)Zouhar, 2010, p. 258, 259
ف منتصف القرن الثامن عرش نرش كل من توستان Charles Francois Toustainوتاسني Rene Prosper Tassinعملهام
الضخم" :رسالة جديدة ف الدبلوماتيك" ،Nouveau traité de diplomatique (6 vols., Paris, 1750-1765ورسعان ما تم
ترمجته إىل األملانية ،وبالرغم من توصية املؤلفني لقرائهام باالطالع عىل عمل مابيو إال أن هذه العمل اجلديد أخذ مكانة كتاب مابيو،
وغلف النسيان عمل مابيو إال من ذكره عند التعرض لتاريخ الدبلوماتيك ،وفقد الكتاب أمهيته ف نطاق أوربا ف عرص ف القرن
الثامن عرش ،ولعل أكرب دليل عىل تراجع مكانة الكتاب هو عدم اهتامم الباحثني النمساويني باقتناء نسخة من الكتاب ف مكتبة
معهد التاريخ النمساوي الذي أسسوه عام 1850م (،)Zouhar, 2010, p. 361عاد الكتاب إىل الربوز ثانية ف أوربا الغربية ،بفضل
بنيامني جريارد (1854-1797م) ،وبلغت ذروة االهتامم بدراسة هذا الكتاب ف العقود األخرية من القرن التاسع عرش ،حيث
شهدت هذه الفرتة بروز أشهر األسامء ف جمال علم الدبلوماتيك :ف أملانيا والنمسا ملعت أسامء مثل :زيكل Theodor von Sickel
237 د .جمدي جرجس
(1908-1826م)؛ وفيكر (1902-1826م) Julius Ficker؛ وبرسالو (1926-1848م) Harry Breslau؛ ومويلباخر
(1903-1843م) Engelbert Muhlbacher؛ وتانجل (1921-1861م) Michael Tangl؛ وإيربن (1933-1864م)
.Wilhelm Erbenوف فرنسا برزت أسامء كيشورا (1882-1814م) Jules Etienne Joseph Quicherat؛ وماس-التري
(1897-1815م) Louis Mas-Latrie؛ وجريي (1899-1848م) Arthur Giry؛ هافه (1893-1853م) Julien Havet؛
ودوليل (1910-1826م) Leopold Delisle؛ وموريس برو (1930-1861م) .Maurice Prouوف إيطاليا سيزار باويل
(1902-1840م) ،Cesare Paoliمل يتفق بعضهم عىل طول اخلط مع كل شئ كتبه مابيو ،ولكنهم ف هناية املطاف قبلوا معظم ما
طرحه.
تاريخ علم الوثائق :املقدمات واللبنات األول 238
اخلامتة:
وضع مابيو قواعد للكشف عن صحة الوثائق أو زيفها ،تقوم عىل دراسة خصائصها الداخلية واخلارجية ،وعىل الرغم من
فضل مابيو ف تأسيس علم الوثائق ،إال أن هذه املحاولة املنهجية األوىل ،مل تكن هتدف إىل بناء نظرية أو تأسيس علم جديد ،كان
هدفها بكل بساطة السعي إىل حل املشاكل املتعلقة بتزييف الوثائق ف العصور الوسطى ،ولكن هذه اللبنات األوىل تطورت فيام بعد
لتشكل علام مستقال بذاته.
من ناحية أخرى ،مل يبدأ مابيو من فراغ ،والفصول التي كتبها كفصول أولية ،والتي شكلت بدايات علم الوثائق ،كان قد
تبلور معظمها قبل مابيو ،وشاركه زمالء آخرون ف عمله هذا ،واحلق إن الرجل أشاد هبم ،ركز مابيو جل اهتاممه عىل الناحية
القانونية ،وإقامة احلجة كدليل قانوين ،بالرغم من أن توظيف الوثائق ف الكتابة التارخيية قد سبق عرص مابيو بسنوات عديدة ،إال
أنه مل يعر هذه القضية اهتام ًما ،وهذا يؤكد عىل توجهه نحو قضية واحدة ف تعامله مع الوثائق.
اجلانب املهم إن اخللفيات املعرفية التي انطلق منها مابيو ،حددت طرق تعامله مع الوثائق ،ومن ثم نقل خربات التعامل مع
املخطوطات إىل الوثائق ،ف حني اهتم بعض معارصيه بقضايا أكثر عم ًقا ،منهم مثال كورنينج ورؤاه حول القوالب القانونية ،والتي
ستشكل فيام بعد أهم جوانب علم الدبلوماتيك ،وهذا األمر يفتح املجال أمام الباحثني اآلن وف املستقبل السترشاف تصورات
ورؤى جديدة لتطوير علم الدبلوماتيك ،كان اهتامم مابيو بنوع معني من الوثائق ،سب ًبا ف قرص موضوع علم الدبلوماتيك عىل
الوثائق الديوانية ،ف حني تُركت الوثائق غري الديوانية دون إخضاعها ألدوات علم الدبلوماتيك ،مثل الرسائل الشخصية عىل
سبيل املثال ،وهو أمر جيب تداركه بتوسيع أفق تفسرينا ملفهوم السياق وتقاليد الكتابة ،وبخاصة مع تسارع وترية العلوم اإلنسانية
بمختلف أفرعها ف البحث عن مصادر غري رسمية ،لتوظيفها ف البحث العلمي ،ومن ثم كيف نتعامل مع هذه القضية؟ وما هو
العلم الذي جيب أن يتناول هذا النوع من الوثائق بالبحث والدراسة؟
239 جمدي جرجس.د
املصادر واملراجع
Boase, T. S. R.(1940),"A Seventeenth Century Carmelite Legend Based on Tacitus", Journal of the
Warburg and Courtauld Institutes, 3, 1/2 (Oct., 1939 -Jan., 1940), pp. 107-118
Fasolt, Constantin (1997), "A Question of Right: Hermann Conring's New Discourse on the Roman-
German Emperor", The Sixteenth Century Journal, 28, 3, pp. 739-758
Ferguson, Arthur B. (1966), "Reginald Pecock and the Renaissance Sense of History", Studies in the
Renaissance, 13, pp. 147-165
Grafton, Anthony (1999), "Jean Hardouin: The Antiquary as Pariah", Journal of the Warburg and
Courtauld Institutes, 62, pp. 241-267
Gurd, Sean (2004), "On Text-Critical Melancholy", Representations, 88, 1, pp. 81-101
Gwynn, Aubrey (1946), "The Bollandists: Past and Present", Studies: An Irish Quarterly Review,
35, 137, pp. 53-62
Hiatt, Alfred (2009), "Diplomatic Arts: Hickes against Mabillon in the Republic of Letters", Journal
of the History of Ideas, 70, 3, pp. 351-373
Levine, Joseph M. (1973), "Reginald Pecock and Lorenzo Valla on the Donation of Constantine",
Studies in the Renaissance, 20, pp. 118-143
Palmieri, Aurelio (1923), "The Bollandists", The Catholic Historical Review, 9, 3, pp. 341-357
Sellin, Thorsten (1927), "Dom Jean Mabillon: A Prison Reformer of the Seventeenth Century",
Journal of the American Institute of Criminal Law and Criminology, 17, 4, pp. 581-602
املقدمات واللبنات األول:تاريخ علم الوثائق 240
Spitz, Lewis W. (1952), “The Significance of Leibniz for Historiography”, Journal of the History of
Ideas, 13, 3, pp.333-343.
Valla, Lorenzo (1922), The Treatise of Lorenzo Valla on the Donation of Constantine, Texts and
translation into English; Christopher B. Coleman, Yale University Press.
Whitford, David M. (2008), "The Papal Antichrist: Martin Luther and the Underappreciated
Influence of Lorenzo Valla", Renaissance Quarterly, 61, 1, pp. 26-52
Yasin, Ann Marie (2000), "Displaying the Sacred Past: Ancient Christian Inscriptions in Early
Modern Rome", International Journal of the Classical Tradition, 7, 1, pp.39-57
Zouhar, Jakub (2010), “De Re Diplomatica libri sex by Jean Mabillon in outline”, Listy filologické/
Folia philological, 132, 3 / 4 , Pp. 357-388
دراسة، الاتجاهات الحديثة في علم الوثائق (الدبلوماتيك) ومجالات دراسته:)2017( دينا محمود،عبد اللطيف
. دار الفكر العربي: القاهرة،تطبيقية
"علم الوثائق (الدبلوماتيك) الحديثرؤ ية لقواعد النقد الدبلوماتي من مابيو إلى:)2015( سلوى علي،ميلاد
.92-9 صص،13 ،الروزنامة،"دورانتي
●●●
... املستخلصات اإلنجليزي 258