You are on page 1of 5

‫ملخص لمحاضرة الفيلسوف‬

‫غايمون أرون ‪Raymond Aron‬‬

‫عن الفلسفة والتاريخ‪.‬‬

‫إشراف ‪ :‬األستاذ مصطفى المرادي‪.‬‬ ‫إنجاز ‪ :‬أمين المهرس‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫لعل التضايف الذي يجده الناظر في عبارة الفلسفة والتاريخ‪ ،‬مثا ُر استشكاالت جمة‪ .‬فقد طرح‬
‫غايمون أرون (‪ Raymond Aron T)1983 T– 1905‬التصورات التي عكفت بالبحث على‬
‫دراسة مفهومي الفلسفة والتاريخ‪ .‬أول هذه التصورات للمؤرخ السويسري جاكوب بوركارت‬
‫)‪ ،Jacob Burckhardt (1818 – 1897‬الذي جعل العالقة بين الفلسفة والتاريخ تق‪TT‬وم‬
‫على االختالف وأن ليس ثمة بينهما توافقاً؛ فتجد من يلبس جب‪TT‬ة الت‪TT‬اريخي إذ ه‪TT‬و بالض‪TT‬رورة‬
‫ليس فيلسوفا‪ ،‬ثم إن في المقابل‪ ،‬ثمة من يتلحف بلحاف الفيلس‪TT‬وف وه‪TT‬و في مع‪TT‬زل عن م‪TT‬اهو‬
‫تاريخي‪ ،‬حيث أن الغاية التي ترسمها الفلسفة لنفسها هي مغايرة بالتمام مع ما يجعله الت‪TT‬اريخ‬
‫غاي‪TT‬ةً ل‪TT‬ه‪ .‬على اعتب‪TT‬ار أن التص‪TT‬ور المض‪TT‬اد له‪TT‬ذا‪ ،‬يدعم‪TT‬ه الم‪TT‬ؤرخ بيني‪TT‬ديطو كخوتش‪TT‬ي‬
‫)‪ ،Benedetto Croce (1866 – 1952‬فيذهب إلى أن الفلسفة والتاريخ هما شيء واحد‪،‬‬
‫ألن القول باالنفصال بينهما يستتبع معه القول أن ماهية الفلسفة باعتبارها نسقاً‪ ،‬تضع ص‪TT‬وب‬
‫نظره‪T‬ا أط‪T‬اريح عام‪T‬ة‪ :‬قابل‪T‬ة للتعقل‪ 1‬على نط‪T‬اق ك‪T‬وني‪ .‬ثم من ناحي‪T‬ة أخ‪T‬رى‪ ،‬الت‪T‬اريخ ال‪T‬ذي‬
‫يستدمج بداخله المعرفة التاريخية والحقيقة التاريخية‪ .‬مما يجعل السؤال التالي مشروعا‪ :‬على‬
‫أي أساس تنبني هذه المعرفة التاريخية؟ هل على معرفة تامة أم فهم أم تأوي‪TT‬ل أم حكي لوق‪TT‬ائع‬
‫متفردة؟‬
‫من خالل هذا التق‪T‬ديم‪ ،‬ظه‪T‬ر إذن أن ثم‪T‬ة اتج‪T‬اهين‪ ،‬األول يدعم‪T‬ه ج‪T‬اكوب بورك‪T‬ارت ويق‪T‬ول‬
‫بانفص‪TT‬ال ت‪TT‬ام بين الت‪TT‬اريخ والفلس‪TT‬فة؛ دون إغف‪TT‬ال ال‪TT‬دور ال‪TT‬ذي ي‪TT‬دطلع ب‪TT‬ه ك‪TT‬ل من الفيلس‪TT‬وف‬
‫والمؤرخ‪ ،‬حيث األول يهتم بما هو قابل للتعقل على نطاق كوني ببحث‪TT‬ه عن حقيق‪TT‬ة أزلي‪TT‬ة‪ ،‬في‬
‫حين الث‪TT‬اني ل‪TT‬ه اهتم‪TT‬ام بس‪TT‬يل األح‪TT‬داث والوق‪TT‬ائع ال‪TT‬تي اليمكن أن تُ َع‪ِ T‬‬
‫‪T‬او َد نفس‪TT‬ها وال أن تع‪TT‬اد‬
‫تفص‪TTT‬ايلها‪ .‬في حين االتج‪TTT‬اه الث‪TTT‬اني يق‪TTT‬ول ب‪TTT‬االمتزاج والتوح‪TTT‬د في الغاي‪TTT‬ات بين الفلس‪TTT‬في‬
‫والتاريخي‪ ،‬ويدعمه بينيديطو كخوتشي‪ ،‬إذ به يخلق نوعا من التك‪TT‬افؤ بين ص‪TT‬يرورة المجتم‪TT‬ع‬
‫اإلنساني وصيرورة الحقيقة‪ .‬هنا تظهر الفلسفة باعتبارها معرف‪TT‬ة للحقيق‪TT‬ة اإلنس‪TT‬انية‪ ،‬وبم‪TT‬ا أن‬
‫هذه الحقيقة هي صيرورة وتحققها يكون على نهج الص‪TT‬يرورة‪ ،‬ف‪TT‬إن الفلس‪TT‬فة هي الت‪TT‬اريخ‪ ،‬أو‬
‫ي بالضرورة‪.‬‬
‫ي هو تاريخ ٌ‬
‫بصيغة أخرى إن ما هو فلفس ٌ‬

‫‪ universellement valable 1‬إذا ما تمت ترجمتها بشكل حرفي سيقول الناظر أنها تترجم "مقبولة كونيا" لكن السياق‬
‫الذي جاءت به يحثم ترجمتها "بقابلة التعقل على نطاق كوني"‬
‫‪2‬‬
‫رغم أن بين هذين الموقفين المغالِيَين في التضاد‪ ،‬إال أنهما قد يعتبران جوابا أو تجديدا للفلسفة‬
‫الهيجيلية السابقة عليهما‪ ،‬إذ أن هنالك طرح في هذه الفلسفة يقول بوحدة جوهرية بين الت‪TT‬اريخ‬
‫والفلس‪TT‬فة‪ ،‬من جه‪TT‬ة نظ‪TT‬ر هيجيلي‪TT‬ة‪ ،‬وإن ت والي المف اهيم يتبع ه ب التوازي ت والي األح داث‬
‫التاريخية التي هي تحقق للفكر؛ مما يدفع للقول إلى أن الت اريخ في ص ميمه يحكم ه العق ل‪،‬‬
‫وبذلك فالتاريخ هو أرض ومجال تحقق العقل‪ :‬فإذا ما أردنا أن نختزل هذا س‪TT‬نقول أن هنال‪TT‬ك‬
‫من جهة فلسفلة التاريخ ومن جهة أخرى تاريخ الفلسفة‪ ،‬على اعتبار أن بينهما تماهي‪.‬‬
‫تتجسد فلسفة هيجل باعتبارها كلياني‪T‬ة ألس‪T‬باب أبرزه‪T‬ا‪ ،‬أنه‪T‬ا تجم‪T‬ع الج‪T‬زئي لتؤس‪T‬س لم‪T‬ا ه‪T‬و‬
‫كلي‪ .‬تؤل‪TT‬ف بين وعي األف‪TT‬راد لتص‪TT‬نع ال‪TT‬وعي الكلي بالت‪TT‬اريخ‪ ،‬ب‪TT‬ذلك تتح‪TT‬دد بوص‪TT‬فها فهم ‪T‬ا ً‬
‫للصيرورة التاريخية‪ .‬وهو ما جعل فلسفته في النصف الثاني من الق‪TT‬رن العش‪TT‬رين تتف‪TT‬رع إلى‬
‫مدارس ثالثة‪ .‬أولها الماركس‪TT‬ية‪ ،‬إذ أنه‪TT‬ا احتفظت بجوهره‪TT‬ا الهيجيلي القائ‪TT‬ل ب‪TT‬أن ثم‪TT‬ة مع‪TT‬نى‬
‫فلسفي للوجود اإلنساني‪ ،‬حيث تعاقب األنظمة والمجتمعات تمثل مراحل نشوء اإلنسانية‪ ،‬هذه‬
‫المراحل تتسلسل مع بعضها وفقا ً لقانون ديالكتيكي‪ ،‬وحيث أن كل حقبة تجسد وح‪TT‬دة مكتمل‪TT‬ة‪،‬‬
‫وأن المرور من حقبة ألخرى هنالك عالقة تناقض؛ وفي نهاية ه‪T‬ذا المس‪T‬ار (نهاي‪T‬ة الت‪T‬اريخ)‪،‬‬
‫حيث التناقضات بين قوى االنتاج فيما بينه‪TT‬ا‪ ،‬وبين عالق‪T‬ات اإلنت‪TT‬اج فيم‪TT‬ا بينه‪TT‬ا س‪TT‬تنتفي‪ ،‬ه‪TT‬ذا‬
‫الجانب هيجيلي في ماركس‪ :‬باعتبار أن التاريخ تحقق لما هو فلسفي‪.‬‬
‫في حين المدرسة الثانية‪ ،‬والتي تتمثل في التاريخانية ‪ ،Historicisme‬التي ترى أن للوج‪TT‬ود‬
‫اإلنساني معنا ً جوهرياً‪ ،‬لكنها على غير الهيجيلية وحتى الماركس‪TT‬ية ال ت‪TT‬رى أن للت‪TT‬اريخ م‪TT‬آال‬
‫ونهاية‪ ،‬مما يجعل حل التناقضات أمر مستحيل ألنها في منآى عن بعض‪ ،‬فهي ال تعم‪TT‬ل وفق‪T‬ا ً‬
‫لمنطق دياليكتيكي؛ حيث عملية التركيب من المحال أن تحصل‪ .‬يظهر من خالل هذا التصور‬
‫أن مرحلة تحقق العقل الكلي هي ملغية تماماً‪ .‬أما المدرسة األخيرة‪ ،‬فقد تمثلت في الوجودي‪TT‬ة‪،‬‬
‫فهي تتحدد باعتبارها نفيا ً للهيجيلية والكلياني‪TT‬ة التاريخي‪TT‬ة‪ ،‬فتكفي نظ‪TT‬رة إلى كت‪TT‬اب ج‪TT‬ون ب‪TT‬ول‬
‫س‪TT‬ارتر (‪ ، Jean Paul Sartre T)1980-1905‬فس‪TT‬تجد عب‪TT‬ار يع‪TT‬رف ب‪TT‬ه اإلنس‪TT‬ان وتق‪TT‬ول‬
‫‪3‬‬
‫«اإلنسان انفعال ال جدوى منها»‪ 2‬أو حينما يقول في أحد المسرحيات « الجحيم ه‪TT‬و اآلخ‪TT‬ر»‬
‫إذ أن هذه النظر تعتبر األفراد منعزلة ومتفردة بوعيها هي بالضرورة ضد فلسفة هيجل‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪J. Sartre, l’être et le néant, « l’homme est une passion inutile ».‬‬
‫‪3‬‬
‫‪J. Sarte, Huits clots.‬‬
‫‪3‬‬
‫تص‪T‬ور كه‪T‬ذا ينظ‪T‬ر ألعم‪T‬ال اإلنس‪T‬ان أنه‪T‬ا ال تحم‪T‬ل ج‪T‬دوى‪ ،‬وهي م‪T‬ا يع‪T‬بر عنه‪T‬ا شيكس‪T‬بير‬
‫‪Shakespeare‬بعب‪TT‬ارة أن‪ « :‬الت‪TT‬اريخ ه‪TT‬و حكاي‪TT‬ة يحكيه‪TT‬ا أبل‪TT‬ه ممتلئ‪TT‬ة‬ ‫)‪(1564-1616‬‬
‫بالحماس والص‪T‬دى وليس له‪T‬ا أي ج‪T‬دوى »‪ 4‬هي عب‪T‬ارة تخ‪T‬تزل وتهمس بالتص‪T‬ور الوج‪T‬ودي‬
‫للتاريخ‪.‬‬
‫بالعودة إلى مسألة العالقة بين المعرفة التاريخية والفلس‪T‬فة‪ ،‬درج الدارس‪T‬ون على التفري‪T‬ق بين‬
‫مجالين في االشتغال‪ ،‬األول يتمثل في التحليل المنهجي أو اإلبستيمولوجي للمعرفة التاريخية‬
‫ـ بنفس المعنى الذي هو موج‪TT‬ود في المعرف‪TT‬ة الرياض‪TT‬ية أو الفيزيائي‪T‬ة ـ والب‪TT‬د من‪TT‬ه في مج‪T‬ال‬
‫المعرفة التاريخية‪ ،‬ومعه إذن نتحصل على نوعين من المعرفة منفصلين‪ ،‬فهو إما أن نتحصل‬
‫على معرفة بماضي اإلنسان وهي أكثر شمولية كالسوسيولوجيا أو االقتصاد السياس‪TT‬ي‪ ،‬أو أن‬
‫نتحصل على معرف‪TT‬ة أك‪TT‬ثر خصوص‪TT‬ية‪ :‬معرف‪TT‬ة الوق‪TT‬ائع اإلنس‪TT‬انية الماض‪TT‬ية في تواليه‪TT‬ا‪ .‬من‪TT‬ه‬
‫يتبدى أن المعنى الضيق للتاريخ هو إذن توالي األنظم والمجتمع‪T‬ات‪ ،‬ثم وبمعن‪TT‬اه الواس‪TT‬ع فه‪T‬و‬
‫يغطي المعرف‪TT‬ة بمجم‪TT‬ل الوق‪TT‬ائع اإلنس‪TT‬انية في الماض‪TT‬ي‪ :‬بالت‪TT‬الي ه‪TT‬ذه المعرف‪TT‬ة هي إم‪TT‬ا عام‪TT‬ة‬
‫كالسوسيولوجيا أو خاصة كالتاريخ‪ .‬المجال الثاني‪ ،‬الذي هو فلسفة التاريخ‪ ،‬ويتعلق بالتأوي‪TT‬ل‬
‫الكلي للت‪TT‬اريخ في مجمل‪TT‬ه‪ ،‬ف‪TT‬إذا م‪TT‬ا نظرن‪TT‬ا "ل‪TT‬دروس الفلس‪TT‬فة الوض‪TT‬عية" ألوجس‪TT‬ت ك‪TT‬ونت‬
‫‪ ،Auguste Comte‬سنجد لديه تأويال كليا للتاريخ اإلنساني يُعمل من خالله القواعد العام‪TT‬ة‬
‫لمسار الفكر‪ ،‬بقوله أن التاريخ م َّر من المرحل‪TT‬ة الالهوتي‪TT‬ة إلى مرحل‪TT‬ة ميتافيزيقي‪TT‬ة ثم أدى ب‪TT‬ه‬
‫للمرحلة الوضعية‪ ،‬وهو ما ينم عن تأويل كل ّي للصيرورة اإلنسانية ويعطي معه المعنى ال‪TT‬ذي‬
‫تصدره هاته الصيرورة‪.‬‬
‫مما جعل تفرع اتج‪T‬اهين في النظ‪T‬ر‪ ،‬أح‪T‬دها نق‪T‬د المعرف‪T‬ة التاريخي‪T‬ة ثم ثانيه‪T‬ا فلس‪T‬فة الت‪T‬اريخ‪،‬‬
‫وهو ما نجده أيضا بشكل أك‪TT‬ثر ص‪TT‬رامة في العل‪TT‬وم من مث‪TT‬ل الرياض‪TT‬يات أو العل‪TT‬وم الحي‪TT‬اة أو‬
‫الفيزياء‪ ،‬لكن المعرفة التاريخية تختلف عن العل‪T‬وم الدقيق‪T‬ة‪ :‬فعلم الت‪TT‬اريخ تكتفي بإع‪TT‬ادة إنت‪TT‬اج‬
‫الماضي اإلنساني‪ ،‬على أن نستحظر أنه ال يملك نفس الصفات كم‪TT‬ا ل‪TT‬دى العل‪TT‬وم الدقيق‪TT‬ة‪ ،‬لكن‬
‫على أن ال ننسا أن ثمة علوم تارخية‪ ،‬تم ذكرها أعاله‪ :‬االقتصاد السياسي‪ ،‬اللسانيات‪ ،‬لكنها ال‬
‫تخضع في نظام اشتغالها لقانون كما لدى العلوم الطبيعية الدقيقة‪ .‬لكن على أن ال نغفل التجديد‬
‫‪4‬‬
‫‪Schakspaere « l’histoire est le récit fait par idiot plein de bruit et de fureur, et qui ne signifie‬‬
‫» ‪rien.‬‬
‫‪4‬‬
‫الذي عرفته العلوم التاريخية وهو أمر راج‪T‬ع ل‪T‬تراكم العل‪T‬وم الجدي‪T‬دة‪ .‬بين المعرف‪T‬ة التاريخي‪T‬ة‬
‫وفلسفة الت‪TT‬اريخ وس‪TT‬ائط متع‪TT‬ددة‪ ،‬هنال‪TT‬ك تأليف‪TT‬ة من الت‪TT‬أمالت‪ ،‬ال‪TT‬تي ق‪TT‬د ن‪TT‬دعوها‪ ،‬تحلي‪TT‬ل بني‪TT‬ة‬
‫الصيرورة التاريخية‪ ،‬والتي تطرح سؤال الحيثيات التي جاءت فيها ه‪TT‬ذا األح‪TT‬داث؟ وعلى أي‬
‫ميزان نستطيع أن نستخرج قوانين هذه الصيرورة؟‬

‫‪5‬‬

You might also like