You are on page 1of 24

‫جامعة محمد لمين دبَّاغين –سطيف‪-2‬‬

‫قسم الفلسفة‬ ‫كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫األستاذ‪ :‬طالبي عبد الحق‬ ‫المستوى‪ :‬السنّة الثالثة فلسفة‬

‫محاضرات مقياس‪ :‬مناهج فلسفية معاصرة‬


‫محاضرة المنهج األركيولوجي‬

‫مفهوم المنهج‪:‬‬

‫مفه ==وم المنهج‪ :‬يف اللغ ة‪ ،‬يعرف ه "ابن منظ ور" يف لس ان الع رب على أن كلم ة منهج من‬
‫الفعل هنج مبعىن الطريق البني الواضح‪ .‬ويقال فالن استنهج طريق فالن مبعىن سلك طريقه‬
‫أو مشى على هنجه‪ ،‬واملنهج هو الطريق املستقيم‪.‬‬

‫أم ا "أفالط ون" ف ريى بأن ه البحث والنظ ر واملعرف ة‪ ،‬ف املنهج اذن ه و الطري ق املؤدي إىل‬
‫للكشف عن احلقيقة يف العلوم بواسطة جمموعة من القواعد العامة‪ .‬هتيمن على سري العقل‬
‫وحتدد عملياته‪ ،‬حىت يصل إىل نتيجة معلومة‪.‬‬

‫مفهوم المنهج األركيولوجي‪:‬‬

‫األركيولوجي ا من حيث املص طلح‪ ،‬تع ين العلم ال ذي يُع ىن بدراس ة احلض ارات ال يت َش يَّ َدها‬
‫اإلنس ان ق دميًا‪ ،‬باس تعمال األدوات والوس ائل املختلف ة‪ ،‬هبدف احلف ر والتَّنقيب عن اآلث ار‬
‫واملع امل ال يت خلَّفته ا تل ك احلض ارات؛ َّأما بالنِّس بة لـ"فوك و"؛ فإنَّه يس تخدم ه ذا املفه وم‬
‫للمنهج ال ذي وض عه يف دراس ته وحتليل ه للب ىن املعرفيَّة الغربيَّة‪ ،‬حيث يُِق ُّر يف أركيولوجي ا‬
‫املعرفة‪ ،‬أنَّه أطلق على منهجه "وبكيفية رمَّب ا رمسيَّة إسم احلفريات‪ ،‬اليَّت ستعمل على وصف‬
‫أن املن اهج‬ ‫املمارس ات اخلطابي ة بطريق ة خمالف ة لب اقي املن اهج التارخيي ة؛ ففي نظ ر "فوك و" َّ‬
‫املعم ول هبا غ ري ق ادرة ‪-‬أو لنق ل قاص رة‪ -‬على وص ف اخلط اب وحتليل ه بالكيفي ة الاَّل زم ة‪،‬‬
‫وانطالقا من هذا‪ ،‬يَُبِّرر "فوكو" اعتماده على املنهج األركيولوجي يف قوله‪" :‬فقد سبق أن‬
‫دت مناهج كثرية قادرة على وصف اللُّغة وحتليلها‪ ،‬حبيث ال ميكن ٍّ‬
‫ألي كان أن يزهو‬ ‫َو َج ُ‬
‫منهجا جديدا إليها‪.‬‬
‫ضيف ً‬‫بنفسه ويُعجب هبا‪ُ ،‬مدَّعيًّا أنَّه يُ ُ‬

‫َّ‬
‫أن األركيولوجي ا ال تس عى للبحث عن الب دايات األوىل‪ ،‬فهي ليس ت مبحث ا جيولوجي ا أو‬
‫تنقيبيًّا‪َّ ،‬‬
‫ألن الوص ف األركيولوجي يس عى يف أساس ه إىل اس تنطاق املنطوق ات أو العب ارات‬
‫أن منهجية النَّقد األركيولوجي‪ ،‬تسعى للكشف عن‬ ‫تمثَّلة يف األرشيف؛ وميكن القول َّ‬
‫املُ َ‬
‫األس س التارخيي ة ال يت تش َّكلت يف ظلِّه ا اخلطاب ات‪ ،‬من خالل حتلي ل القط ائع(‪Les‬‬
‫‪ )Ruptures‬ال يت ش هدهتا خمتل ف اإلبس تيميات‪ ،‬حبكم َّ‬
‫أن اخلط اب ه و م ا تس عى‬
‫األركيولوجيا إىل وصفه وحتليله ودراسته‪ ،‬إضافة إىل أهَّن ا هتدف أساسا إىل وضع اليد على‬
‫طريق ة ُمغَ ايرة يف رص د نُظم املعرف ة‪ ،‬عن طري ق حتلي ل اخلط اب يف مس توى ظه وره وأفول ه‬
‫تصور تاريخ الثَّقافات كما لو كان سلسلة من النُّظم املعرفية‬
‫واندثاره‪" ،‬ويتمثَّل ذلك يف ُّ‬
‫تتقاسم لفرتات تارخيي ة دائ رة احلقيقة"؛ وهبذا يك ون الت اريخ األركيول وجي‪ ،‬دراس ة نقدية‬
‫ملختلف اخلطابات اليت َش َّكلت يف فرتة ما مركزيَّة احلقيقة‪َّ ،‬‬
‫ألن األركيولوجيا مبثابة "وصف‬
‫وحتليل للتاريخ الع ام جملموع املمارسات اخلطابي ة وغ ري اخلطابية‪ ،‬فتحليليَّة ت اريخ اخلطاب‬
‫فيها ختلِّي مطلق عن الشُّمولية التارخيية‪ ،‬لكنَّها يف الوقت نفسه تُعىَن مبجموع اآلثار الفعلية‬
‫للخطاب عرب التاريخ"‪ ،‬إذ َي ْغ ُدو التاريخ عبارة عن سلسلة من األحداث املتقطِّعة‪ ،‬اليت ال‬
‫الش تات والتَّبع ثر؛ فك ل مرحلة تارخيي ة‪ ،‬هلا من‬
‫تع رف االتِّص ال أب دا‪ ،‬لكوهنا خاضعة ملبدأ َّ‬
‫الص فات واخلصائص ما جيعلها تتميَّز عن باقي املراحل اليت تليها؛ وبناءاً على هذا‪ ،‬تتَّجه‬
‫ِّ‬
‫األركيولوجي ا حنو تل ك اإلنفص االت ال يت يش هدها اخلط اب‪ ،‬ب النَّظر إىل أمهِّيته ا يف بل ورة‬
‫خطاب احلقيقة‪.‬‬

‫فاإلسرتاتيجية الفوكوية‪ ،‬تُس لِّط الضَّوء على اجملال املعريف يف مجيع مستوياته وجتلِّيَّاته‪،‬‬
‫ه ذا م ا يص طلح علي ه "فوك و" بـ"اإلبس تمي"( ‪ )épistémè‬ال ذي يع ين ب ه‪" :‬جمم وع‬
‫وحد يف فرتة ُم َعيَّنة بني املمارس ات اخلطابية‪ ،‬ال يت تفس ح اجملال‬ ‫العالقات ال يت بإمكاهنا أن تُ ِّ‬
‫صو ِريًّا‪ ،‬إهَّن ا النَّمط الذي يَتِ ُّم‬
‫أمام أشكال ابستيومولوجيا وعلوم وأحيانا مبنظومات ُمصاغة ُ‬
‫حس به االنتق ال داخ ل تش كيلة خطابي ة‪ ،‬إىل التَّنظ ري اإلبس تيمولوجي والعملي ة والص ياغة‬
‫الصورية‬

‫الش رعية ملعرف ة‬


‫فاإلبس تيمي إذن‪ ،‬ه و جمم وع العالق ات املرتابط ة؛ ال يت من ش أهنا أن تُعطي َّ‬
‫لم ا‪ ،‬وهي أيض ا من مَي نح التَّأش رية لظه ور‬ ‫ِ‬
‫ُمعيَّن ة‪ ،‬أو جملم وع مع ارف ليص طلح عليه ا ع ً‬
‫التَّنظريات اإلبستمولوجية‪ ،‬سواء يف مستواها النَّظري أو العملي؛ وإضافة إىل ما سبق ميكن‬
‫اعتبار اإلبستيمي‪" :‬جمموع العالقات اليت مُي كننا الوقوف عليها يف فرتة ما بني العلوم فيما‬
‫حُن لِّل مستوى انتظاماهتا اخلطابية"‪ .‬وهلذا حُت دَّد وظيفة املنهج األركيولوجي‪ ،‬يف كونه يسعى‬
‫للكشف عن األسس املعرفية اليت قامت عليها معرفة عصر ُم َعنَّي ‪ ،‬من خالل حتليل سلسلة‬
‫العالقات القائمة بني خمتلف العلوم؛ هذا ما يُ َؤ ِّدي إىل تنقيَّة التاريخ امليتافيزيقي من خمتلف‬
‫مقوالت ه‪ ،‬ومن ج ِّل املظ اهر ال يت تُ ِ‬
‫وحي َّ‬
‫بالذاتيَّة‪ ،‬وبالتَّايل إلغ اء القداس ة ال يت تُعطَى ملقول ة‬ ‫ُ‬
‫الذات يف التحليالت التارخيية‪.‬‬

‫وعلى ه ذا األس اس‪ ،‬جه د "فوك و" يف ع زل ووص ف خمتل ف النُّظم املعرفي ة‪ ،‬ال يت َت ْرت ُّد يف‬
‫حقيقة تاريخ تكوينها وظهورها‪ ،‬إىل ثالث ِح ْقبَات كربى يف تاريخ الفكر الغريب‪ ،‬اصطلح‬
‫عليها تباعا‪ :‬عصر النهضة‪ ،‬العصر الكالسيكي و العصر احلديث‪ ،‬دون أن يكون بني هذه‬
‫َأي اس تمرار أو اتِّص ال‪ ،‬ب ل جُم َّرد فواص ل وتقطُّع ات (‪.)Des Ruptures‬‬ ‫املراح ل ُّ‬
‫اس تنادا إىل ه ذا‪ ،‬س يعمل "فوك و" على َتتَبُّع خمتل ف املع ارف ال يت تك َّونت وظه رت يف‬
‫تتب ًعا تارخييا وفقا ملنظور حتليلي أركيولوجي‪ ،‬كاشفا من‬
‫احلقب الزمانية الكربى واملختلفة‪ُّ ،‬‬
‫الس يَّاق التَّارخيي ب املفهوم‬
‫خالل ه عن البُىَن الدَّاخلي ة جملم ل اخلطاب ات‪ ،‬بعي دا يف ذل ك عن ِّ‬
‫أن "فوك و" يف مع رض حتليالت ه‪ ،‬ال‬ ‫الكالس يكي ال ذي تعتم ده املن اهج األخ رى؛ خصوص ا َّ‬
‫شكلت عرب التاريخ‪،‬‬ ‫يفتأ أن يَصف تلك املناهج املعتمدة يف حتليل املنظومات املعرفية اليت تَ َّ‬
‫بأهَّن ا قاصرة أو عاجزة عن الوصف الدَّقيق‪،‬‬

‫همة األساسية لألركيولوجي ا‪ ،‬ليس ت ُمتمح ورة يف البحث عن األفك ار واملع ارف ال يت‬
‫فامل َّ‬
‫ُ‬
‫تتجسد يف "حتديد هذه اخلطابات‬ ‫َّ‬
‫من شأهنا أن تظهر أو ختتفي يف خطاب ما‪ ،‬بل إن غايتها َّ‬
‫من حيث هي ممارسات حتكمها قواعد ُمعيَّنة‪ ،‬فهي تنظر للخطاب على أنَّه وثيقة"‪ ،‬فيكون‬
‫مادة‬ ‫وج ًها إىل خمتلف البىن اخلطابية‪ ،‬مبعىن َّ‬
‫أن اخلطاب يُعترب َّ‬ ‫معول التَّحليل األركيولوجي‪ُ ،‬م َّ‬
‫يتم التَّمييز بينه وبني‬
‫الوصف األركيولوجي‪ ،‬لكونه موضوع البحث والدِّراسة‪ ،‬شريطة أن َّ‬
‫الوثيق ة‪َّ ،‬‬
‫ألن األركيولوجي ا تُلغي دور الوثيق ة يف عملي ة البحث الت ارخيي‪ ،‬لكوهنا ليس ت‬
‫مبحثا تأويليا يسعى إلنتاج خطاب من خطاب آخر يُعترب َّأوليا‪ ،‬بل َّ‬
‫إن األركيولوجيا تُعىَن‬
‫صبًا أثريًّا قائما بذاته‪ ،‬له جتلِّياته وآليَّاته وإسرتاتيجيته يف املمارسة‪.‬‬
‫باخلطاب باعتباره نُ ْ‬

‫إض افة إىل ه ذا‪ ،‬ي رى "فوك و" َّ‬


‫أن ينفي فوك و أن تك ون األركيولوجي ا تس عى للبحث عن‬
‫والس عي إىل حتديد حلظة‬
‫مظاهر التَّواصل أو االستمرارية بني اخلطابات يف احلقب املختلفة‪َّ ،‬‬
‫البداية والتَّغرُّي يف خطاب ما‪ ،‬بل ينحصر دورها يف‪" :‬حتديد اخلطابات يف خصوص يَّتها‪ ،‬ويف‬
‫ألن غايته ا حتلي ل‬ ‫ص َّورها َّ‬
‫الذاتي ة‪َّ ،‬‬ ‫تَتبُّع تل ك اخلطاب ات من خالل مظاهره ا اخلارجيَّة ويف ُ‬
‫الف وارق واالختالف ات بني ِص يَّ ِغ اخلط اب ووجوه ه‪ ،‬بعي دا يف ذل ك عن اإلهتم ام بت اريخ‬
‫س "فوكو"‬
‫ؤس ُ‬
‫االستمراريَّة‪ ،‬الذي يُ ْعتََب ُر من قبيل التاريخ األسطوري؛ ومن هذه النقطة يُ ِّ‬
‫لفكرة أساسية يف وصف اخلطاب‪ ،‬وهي القطيعة أو االنفصالية (‪ ،)La Rupture‬اليت‬
‫تُلغِي معها مقولة َّ‬
‫الذات كمحور يف حتليل األرشيف‪.‬‬

‫زيَّادة على ما سبق‪ ،‬تتميَّز األركيولوجيا خبصائص جتعل منها منهجا مغايرا لباقي املناهج‬
‫التارخيية والنقدية‪ ،‬تَتمثَّل يف إسقاط األثر وعدم اإلعالء من شأنه‪ ،‬وإمَّن ا البحث عن اللَّحظة‬
‫اليت يظهر فيها‪ ،‬بعيدا يف ذلك عن ربطه بالذات اليت أنتجته‪ ،‬سواء منفرد ًة أو جمتمعة‪ ،‬عن‬
‫طريق عزل األحداث اخلطابية عن ِس يَّاقها االجتماعي والنَّفسي على السواء‪َّ ،‬‬
‫ألن "اإلحلاح‬
‫على دور ال َّذات املبدع ة‪ ،‬واعتباره ا علَّة وج ود األث ر ومب دأ وحدت ه‪ ،‬أم ر ال تُق ُّر علي ه‬
‫نص كب اقي‬ ‫أركيولوجي ا املعرف ة"‪ ،‬فمهم ا ك ان ن وع اخلط اب‪ ،‬جيب النَّظ ر إلي ه على أنَّه ٌّ‬
‫ب‬‫النُّصوص األخرى‪ ،‬دون إضفائه هبالة من القداسة‪ ،‬جتعل من جوهر ممارساته مغطَّى حِب ُ ُج ٍ‬
‫كل االعتبارات َّ‬
‫الذاتية‬ ‫يتمكن الباحث األركيولوجي من إدراكها‪ ،‬فاألركيولوجيا تُلغِي َّ‬ ‫ال َّ‬
‫واأليديولوجية‪ ،‬مهما كان مص درها‪ ،‬وهبذا يصل الت اريخ إىل حتقيق املوضوعية‪ ،‬متجاوزا‬
‫نسقيَّة التَّحليل امليتافيزيقي‪.‬‬

‫آخر اخلصائص اليت يُفردها "فوكو" لألركيولوجيا‪ ،‬نفيه أن تكون حماولة "لرتديد ما قيل‪،‬‬
‫من خالل التَّعم ق يف ماهيَّة اخلط اب وهويَّت ه"‪ ،‬فالوص ف األركيول وجي ليس تك رارا‬
‫خلطابات قد تَبلورت‪ ،‬وال إعادة صيَّاغتها بلغة خمالفة‪ ،‬وال يكون ذلك إاَّل بنزع تلك ِّ‬
‫الص لة‬
‫الوثيقة بني املؤلَّف وأث ره‪ ،‬بتجاهل هدف الكشف َّ‬
‫عما أراد أن يقوله البش ر من خالل ما‬
‫ك انوا يُ َف ِّكرون في ه؛ ألنَّه ع ادة م ا يتح َّول التحلي ل إىل دراس ة اجلانب الس يكولوجي أو‬
‫السوس يولوجي‪ ،‬وه ذا م ا يُبع د النَّص عن س ياقه ال ذي ُو ِض َع في ه‪ ،‬ك ون التحلي ل‬
‫األركيول وجي ال يس عى للكش ف عن البني ة النفس ية للنَّص‪ ،‬من خالل ربطه ا ب املؤلف؛‬
‫أن اخلطاب كأرشيف‪ ،‬خمتلف عن باقي العناصر‬ ‫فالتَّعامل يكون مع اخلطاب ُمنعزال‪ ،‬مبعىن َّ‬
‫األخ رى‪ ،‬ال يت من ش أهنا أن تُبعِ ده عن س ياقه احلقيقي‪ ،‬ويك ون ذل ك بتحلي ل منطوق ات‬
‫اخلطاب‪ ،‬و الكشف عن آثارها ومدى ارتباطها بالواقع الذي ظهرت فيه‪.‬‬

‫أهم اخلص ائص ال يت تتميَّز هبا األركيولوجي ا‪ ،‬نالح ظ بأهَّن ا تَ ربُز كمنهج ق ائم‬
‫من خالل ِّ‬
‫بذات ه‪ُ ،‬متميِّز عن بقيَّة املن اهج ال يت تُع ىن بدراس ة الرُّت اث اإلنس اين‪ ،‬فهي وص ف منتظم‬
‫ادة دراس تها؛ إض افة إىل َّ‬
‫أن تل ك املب ادئ ال يت مُت يِّز‬ ‫للخط اب ال ذي يُعت رب موض وعها وم َّ‬
‫فكل خاص يَّة سنجد َّ‬
‫بأن هلا‬ ‫األركيولوجيا‪ ،‬نلمس فيها انسجاما وتناسقا إىل أبعد احلدود‪ُّ ،‬‬
‫فاعليَّة يف وصف البىن املعرفية‪ ،‬وسنجدها حاضرة يف نقد خمتلف اخلطابات اليت بُنيَّت على‬
‫يتم ذل ك عن طري ق أرب ع مف اهيم أساس ية‪ ،‬حُي دِّدها "فوك و"‬
‫أساس ها احلض ارة الغربي ة؛ ُّ‬
‫السلسلة‪ ،‬مفهوم اإلطِّراد‪ ،‬مفهوم شرط اإلمكان؛‬
‫بالتسلسل اآليت‪ :‬مفهوم احلادث‪ ،‬مفهوم ِّ‬
‫السلس لة م ع‬
‫أن "احلادث يتع ارض م ع اخلل ق واإلب داع‪ ،‬وتتع ارض ِّ‬ ‫حيث ي رى "فوك و" َّ‬
‫الوحدة‪ ،‬واالطِّراد يتعارض مع الطَّريقة‪ ،‬وشرط اإلمكان يتعارض مع الدَّاللة"‪.‬‬

‫يعتم د املنهج األركيول وجي يف وص فه وحتليل ه ونق ده للخطاب ات باختالفه ا على جمموع ة‬
‫من اآللي ات والقواع د‪ ،‬وه و م ا بين ه فوك و يف كتاب ه أكيولوجي ا املعرف ة ميكن حتدي دها يف‬
‫اخلطوات التالية‪:‬‬
‫الندرة اليت توظف يف التحليل العباري‪ ،‬الندرة تعاكس مقوليت الكلية والوفرة اليت تأخذها‬
‫املن اهج التارخيي ة منطلق ا هلا‪ .‬وه ذا يع ين "أن ذات املؤل ف ع ادة م ا تنحص ر يف التحلي ل‬
‫وتتجاوز خمتلف التقنيات واملوضوعات اليت أبدعها اإلنسان‪.‬‬

‫حتليل العبارة يف خارجيتها‪ ،‬وفيها يرى "فوكو" أنه البد من أن تتجه التحليالت التارخيية‬
‫ص وب البحث يف ج وهر املوض وعات ويف ثناياه ا الداخلي ة ال اخلارجي ة‪ ،‬ل ذلك وجب‬
‫االهتمام بباطن العبارات ال باملظهر اخلارجي هلا‪.‬‬

‫الرتاكمي ة‪ :‬وتتمث ل وظيفته ا األركيولوجي ا يف الكش ف عن منط الوج ود ال ذي مييز العب ارة‬
‫حيث يتم الكشف عن وجودية العبارة‪ ،‬يف حني ال يشرتط مراعاة زمن تلك العبارة‪.‬‬

‫وآخ ر آلي ة يف املنهج األركيول وجي هي‪ :‬القبلي الت ارخيي‪ ،‬وهي ش رط أساس ي لنش وء‬
‫العبارات‪ ،‬وهي البحث يف اخللفيات اليت مبوجبها ظهر حطاب معني يف فرتة تارخيية معينة‪.‬‬

‫محاضرة المنهج الفينومينولوجي‪ :‬الظواهري‬

‫أهم أعالم الفكر الفلسفي املعاصر‪ ،‬من خالل منهجه الذي وضعه ساعيًّا‬
‫يُعترب هوسرل من ِّ‬
‫من ورائه إىل جعل الفلسفة خاليا من كل ما هو ميتافيزيقي‪،‬من خالل حتديد موضوعاهتا‬
‫ومنهجه ا‪ ،‬فق د اعتق د َّ‬
‫أن منهج الظ واهر ‪-‬كم ا َبنَّي ذل ك من خالل مقالت ه املعنون ة‬
‫املهمة‪.‬‬
‫بـ"الفلسفة كعلم حمكم"‪ -‬هو أنسب املناهج هلذه َّ‬

‫ومن حيث الدالل ة االش تقاقية ملص طلح الفينومينولوجي ا‪ ،‬مص طلح ينقس م اىل قس مني‪:‬‬
‫فينومان ولوغوس‪ ،‬وهبذا الشكل يأخذ املفهوم معىن‪ :‬علم الظواهر‪ ،‬واملعىن من هذا حماولة‬
‫الوصف املوضوعي للمعرفة بالتخلي املطلق عن جمموعة االحكام املسبقة اليت من شاهنا ان‬
‫تش وه املع ىن احلقيقي للمعرف ة واغراقه ا يف املف اهيم امليتافيزيقي ة‪ ،‬وهبذا الش كل س تكون‬
‫الفينومينولوجيا الدعوة للعودة اىل األساس األول للمعرفة وهو املستوى األنطولوجي‪ ،‬ومن‬
‫هن ا تق وم الفينومينولوجي ا على ض رورة الع ودة اىل املع اين الكامن ة وراء الظ واهر األبدي ة‬
‫للعي ان‪ ،‬وانطالق ا من ه ذا ك ان منهج ا وص فيا ح اول من خالل ه هوس رل التاس يس لفهم‬
‫جديد للحقيقة خالفا ملا هو ساد عند الطبيعيني‪.‬‬

‫حيث يق ول هوس رل يف ه ذا الس ياق‪" :‬الس مة الفارق ة للفينومينولوجي ا اهنا حتلي ل للماهي ة‪،‬‬
‫وحبث يف املاهية يف نطاق اعتبار نظري حمض‪ ،‬ويف نطاق انعطاء بالنفس مطلق‪ .‬تلك هي‬
‫ص فتها الض رورية‪ ،‬فهي تع تزم ان تك ون علم ا ومنهج ا يُ بنِّي املمكن ات‪ :‬ممكن ات املعرف ة‬
‫وممكنات التقومي‪ ،‬ويبينها انطالقا من أسس املاهية اليت هلا امنا هي ممكنات مشكلة عموما‬
‫ومباحثه ا تبع ا ل ذلك هي مب احث هام ة يف املاهي ة" ومن ه ذه الزاوي ة س تكون املاهي ة هي‬
‫جوهر البحث الظواهري‪ ،‬الذي يتجه صوب البحث عن كوامن الذات املدركة يف اجتاهها‬
‫صوب املوضوع املدرك‪،‬‬
‫ُ‬
‫وهبذا الش كل عملت الفينومينولوجي ا على الع ودة اىل األش ياء يف ذاهتا بالكش ف عن‬
‫الدالالت الكامنة وراءها‪ ،‬فانطالقا من مقولة اإليبوخيا ) وضع كل األحكام بني قوسني)‬
‫تتعام ل الفينومينولوجي ا م ع املوض وعات تع امال موض وعيا يتج اوز االحك ام املس بقة بغاي ة‬
‫التأسيس العلمي للمعرفة باملوضوعات باختالفها‪.‬‬

‫الرؤيا هي املصدر األعلى جلميع اإلثباتات العقلية‪ ،‬وحبسب تعبريه‬ ‫حيث رأى هوسرل َّ‬
‫أن ُّ‬
‫الشعور األصيل الذي ُوهب لإلنسان‪ ،‬فقد اعتقد َّ‬
‫أن اإلنسان جيب أن يتَّجه إىل األشياء يف‬
‫ذاهتا‪ ،‬وهي مبثابة القاعدة األساسية يف املنهج الفينومينولوجي‪ ،‬ومن هنا بىن هوسرل منهجه‬
‫على فك رة القص د أو ال نزوع ‪ ))L’intentionnalité‬الق ائم على مب دأ الش عور‪ ،‬تل ك‬
‫ألي‬ ‫العملية احليَّة فينا؛ واملقصود من هذا‪َّ ،‬‬
‫أن شعورا ما هو شعور بشيء ُمعنَّي ‪ ،‬إذ ال معىن ِّ‬
‫جهد فكري دون أن تكون هنالك أفكار‪ ،‬وال معىن لرغبة ما يف غياب موضوعات تلك‬
‫الرغب ة‪َّ ،‬‬
‫ألن خمتل ف ه ذه األفك ار والرغب ات‪ ،‬هي حمت وى الش عور ومقص ده‪ ،‬وخمتل ف‬
‫العمليات العقلية اليت يقوم هبا اإلنسان‪.‬‬
‫ميكن رص د جمموع ة من القواع د ال يت تق وم عليه ا الفينومينولوجي ا عن د هوس رل يف النق اط‬
‫التالية‪:‬‬

‫البداه = =ة= القطعية‪:‬وهي وعي اإلنس ان املس تقل‪ ،‬وهي تتم يز عن البداه ة البس يطة ب اليقني‬
‫‪.‬‬ ‫املطلق‬
‫القص= ==دية=‪ :‬واملقص ود هبا الط ابع املوج ه بش كل أساس ي لل وعي‪ ،‬فالقص دية هي الص يغة‬
‫األساسية اليت متيز اجلانبني النفسي عن اجلانب الفيزيائي‪ ،‬فالشعور عند هوسرل هو الذي‬
‫يعطي للموضوعات املعىن اليت هي عليه‪ ،‬فاملوضوع ال ميتلك قيمة يف ذاته‪ ،‬بل الذات اليت‬
‫تدركه عن طريق وعيها هي من متنح له تلك القيمة الوجودية‪.‬‬

‫التع==الي‪ :‬قص د هبا هوس رل أن املع ىن املوض وعي ينش أ بع د االرت داد من ع امل احملسوس ات‬
‫اخلارجي ة املادي ة إىل ع امل الش عور ال داخلي‪ ،‬فالتع ايل ه و األس اس القبلي لكينون ة املوض وع‬
‫املدرك‪.‬‬

‫الماهية‪ :‬ت دل املاهي ة الفينومينولوجي ة على بني ة املوض وع‪ ،‬وي بني ذل ك هوس رل يف قول ه‪:‬‬
‫"ليس ت ه ذه األش ياء ال ذي ينبغي الرج وع إليه ا هي أش ياء املنهج التجري يب ال ذي ي دعي‬
‫حيرفه ‪ ،‬لذلك فإن الغىن احلقيقي ‪ ،‬ال يكمن يف األوراق‬
‫اإللتصاق بواقع الشيء يف حني أنه ِّ‬
‫ا"‬ ‫ذي يغمنه‬ ‫ة و لكن يف ذهب ال‬ ‫النقدي‬
‫الذاتية=‪ :‬وهي الفك رة ال يت من خالهلا يتمأس س وجودن ا اخلاص‪ ،‬ال ذي يق وم أساس ا على‬
‫عملي ة التفك ري فق د أعطى هوس رل اهتمام ا كب ريا لل ذات‪ ،‬بألهَّن ا احملور األساسي يف عملية‬
‫الفهم‪ ،‬و البحث عن املع ىن التأس يس‪ :‬التأس يس ال يع ين هن ا عملي ة إنت اج موض وع م ا يف‬
‫العامل‪ ،‬بل العملية اليت من خالهلا يتكون معىن موضوع ما يف سياق التجربة‪ ،‬يقول هوسرل‬
‫يف هذا السياق‪" :‬جيب تأسيس نظرية معرفة تكون مهمتها أساسا مهمة نقدية هتدف إىل‬
‫فض ح الس خافات ال يت يق ع فيه ا بص ورة ال مف ر منه ا التفك ري الط بيعي ‪.‬‬
‫ال==رد الفينومينول==وجي‪:‬ال رد املاهوي أو الفينومينول وجي ه و عمل ة إرج اع موض وع م ا إىل‬
‫ماهيته احلقيقية‪ ،‬وهو ما يُتيح لنا إدراك العامل كظاهرة‪ ،‬وليس يف صورة واقعه الفعلي‪ ،‬و‬
‫إمنا يف واقع ه املالزم واحملايث للش عور‪ ،‬واملع ىن من ه ذا‪ ،‬أن نفهم أن كينون ة الع امل مل تع د‬
‫تعىن وجوده أو حقيقته بل معناه احلقيقي الذي يتجلى عن طريق الشعور‪.‬‬

‫المحايثة‪ :‬احملايثة هي عكس املفارقة‪ ،‬وقد اعتربها هوسرل دالله على االهتمام بالشيء يف‬
‫ذاته فتكون بالطابع االجيايب للرد الفينومينولوجي‪.‬‬

‫الش كل‪ ،‬للتَّأص يل إىل م ا ميكن أن يع رف وم ا ميكن أن‬


‫يتَّج ه املنهج الفينومينول وجي هبذا َّ‬
‫نتع َّرض إلي ه بالش ك؛ والغاي ة من ذل ك‪،‬هي الوص ول إىل وص ف املاهي ات وص فا دقيق ا‬
‫وإدراكها إدراكا يصل بنا على معرفة صادقة يقينية‪ ،‬وهذا ال يكون إىل باحلدس الذهين‪،‬‬
‫الذي يعتربه هوسرل جمهودا ذهنيا يبذله الفكر يف االنتباه إىل املوضوعات املنص بَّة يف خانة‬
‫تضمناهتا التجريبية‪ ،‬ومنه فمعرفة املاهيات ضرورة موضوعية البُ َّد‬
‫التفكري‪ ،‬بتخليصها من ُّ‬
‫بالر ِّد املاهوي‪ ،‬مبعىن االنتقال من ما هو جترييب‬
‫أي تفكري‪ ،‬وهذا ما يسميه هوسرل َّ‬
‫منها يف ِّ‬
‫إىل فهم طبيعة املوضوع األساسية‪.‬‬

‫أهم املن اهج الفلس فية ال يت أثَّرت‬


‫ميكن الق ول إمجاال‪ ،‬أنَّالفينومينولوجي ا اهلوس رلية‪،‬تُعتَ رب من ِّ‬
‫دل على ذل ك‪ ،‬ه و اقتحامه ا لكث ري من األنس اق‬ ‫بالفع ل يف حرك ة الفك ر الفلس في‪ ،‬وم ا ي ُّ‬
‫الفلسفية املعاصرة‪ ،‬وعلى سبيل ِّ‬
‫الذكرال احلصر‪ ،‬اعتماد"سارتر" على هذا املنهج يف حتليل‬
‫مشكلة الوجود اإلنساين‪ ،‬إضافة إىل "هيدغر" و"غادامري"‪.‬‬

‫محاضرة المنهج البنيوي‪:‬‬


‫الفن واجل ِ‬
‫مال َتتَغرَّي‬ ‫التطور ُس نَّةُ كونية؛ لذلك َّ‬ ‫من املتعارف عليه َّ‬
‫فإن نظْ ر َة اإلنسان إىل ِّ َ‬ ‫أن ُّ‬
‫أيض ا وتتط َّور ألس باب خمتلف ة ومتع دِّدة‪ ،‬ومن مظ اهر ه ذا التغرُّي يف اجملال الفلس في‪ :‬تط ُّور‬
‫ً‬
‫اإلب داعات املنهجي ة وتع دُّد أجناس ها وأنواعه ا‪ ،‬وه و تط ُّور ص احبَْته ث ورة يف األس اليب‬
‫والدراس ات والتحليالت والق راءات‪ .‬وهك ذا ظه رت ع دة من اهج تتب ىن مب ادئ معيَّن ةً يف‬
‫مقاربة نقد النصوص وحتليلها‪ ،‬ومنها املنهج البنيوي الذي عرف النور يف ستينيات القرن‬
‫العشرين على يد جمموعة من النقاد والفالسفة باختالف انتماءاهتم وحقوهلم املعرفية‪ .‬‬

‫تعريف البنيوية‪:‬‬
‫لتحدي د مفهوم البنيوية ال ب د من الع ودة للدَّاللة اللغوية‪ ،‬فبالعودة إىل املعاجم والق واميس‬
‫اللغوية يتضح أن البنيويةمشتقة من بىن ْيب ين بناءً وبنية‪ ،‬وهبذا فهي تأخذ معىن الصورة أو‬
‫اهليئة اليت ُش يِّد عليها بناءٌ معني‪ ،‬هذا ال يعين عملية البناء نفسها أو املواد اليت تتكون منه‬
‫املواد وتركيبها وتأليفها لتكوين‬
‫تلك العملية‪ ،‬بل تعين الكيفية اليت مت من خالهلا مجع تلك ِّ‬
‫شيء ما؛ هبدف تأدية وظائف وأغراض معينة‪.‬‬

‫عرف على أهَّن ا منهج حبث‪ ،‬يتناول من خالله‬


‫أما من الناحية االصطالحية‪ ،‬فالبنيوية تُ َّ‬
‫الباحث املعطيات اليت تنتمي إىل حقل ُمعنَّي من حقول املعرفة‪ ،‬حبيث ختضع هذه املعطيات‬
‫فيما يراه البنيويون للمعايري العقلية‪ ،‬حيث ظهرت البنيوية كمنهج نقدي صارم يف ستينيات‬
‫الق رن املاض ي‪ ،‬وم ا أن ب رز ه ذا املنهج ح ىت ص ار موض ة ذل ك العص ر‪ ،‬فته افتت احلق ول‬
‫املعرفي ة املختلف ة لألخ ذ ب ه كنم وذج يف حتقي ق الدق ة واليقني يف الدراس ات واألحباث‬
‫باختالفها‪ ،‬من قبيل علم االجتماع علم النفس األنثروبولوجيا االدب والفلسفة‪.‬فقد سعت‬
‫الدقَّة يف العل وم اإلنس انية‪ ،‬على غ رار النَّت ائج امل َّ‬
‫حص ل عليه ا يف العل وم‬ ‫البنيوي ة إىل حتقي ق ِّ‬
‫ُ‬
‫رواج ا واس ع‬
‫الس بب الَقَى املنهج الب نيوي ً‬ ‫األخ رى‪ ،‬كالفيزي اء والبيولوجي ة مثال‪ ،‬وهلذا َّ‬
‫الس احة‬
‫النِّط اق يف احلق ول املعرفيَّة املختلف ة‪ .‬هلذه األس باب فَرض ت البنيوي ة نفس ها على َّ‬
‫قواما أساسيا ودعامة صلبة للفكر الغريب املعاصر‪.‬‬ ‫الفكرية‪ ،‬وغدت مُت ثِّل ً‬
‫هذا التَّيار الفك ري ال ذي فتح له "دوسوسري" األبواب انطالقا من حتديده ملوضوع‬
‫اللغ ة‪ ،‬عن د متي يزه بني ثنائيَّة اللغ ة والكالم؛ إذ اعت رب دوسوس ري اللغ ة عب ارة عن نس ق منظَّم‬
‫من العالق ات‪ُ ،‬م ِّ‬
‫ؤكدا ب ذلك على فك رة النس ق‪ ،‬املكتش ف من خالل دراس ة العالق ات‬
‫الدَّاخلي ة للُّغ ة يف التَّح ُّوالت احلاص لة يف تل ك العالق ات‪ ،‬هبدف الكش ف عن العالق ة ال يت‬
‫الص وري وال واقعي للُّغ ة‪ ،‬ه ذه الرؤي ة املنبثق ة من أعم ال ك ل من دوسوس ري‬
‫حتكم البن اء ُّ‬
‫و"جاكوبسون" و"تروبتسكوي"؛ فكانت املبادئ اليت وضعها هؤالء‪ ،‬مبثابة القواعد اليت‬
‫أرست دعائم اللِّسانيات احلديثة‪ ،‬ومن هنا أصبح النَّموذج األلسين قدوة لبلوغ العلمية يف‬
‫همني يف الفكر الغريب‪ ،‬استثمروا ووظَّفوا األلسنية‬
‫باقي العلوم‪ .‬وانبثق عن ذلك أقطاب ُم ِّ‬
‫البنيوي ة فيمج االت ش ىَّت ‪ ،‬وميكن حص ر التَّأثري الب نيوي يف جماالت اللغ ة‪ ،‬علم النفس‪،‬‬
‫األنثروبولوجيا والفلسفة‪.‬‬

‫أهم مصادر البنيوية وأصولها‪:‬‬


‫تأثرت البنيوية بأفكار مدرسة الشكالنيني الروس اليت ظهرت يف موسكو عام ‪-1910‬‬
‫‪ 1915‬اليت َّ‬
‫امتد أثرها اىل حلقة براغ خالل فرتة ‪ ،1913- 1915‬فقد ركزت هاتني‬
‫املدرس تني اهتمامهم ا على الش كل وال رتتيب ال داخلي للنص‪ ،‬بعي دا عن جمموع ة الظ روف‬
‫فس ر على أساس‬
‫واإلطار اخلارجي اليت َّأدت اىل ظهور النصوص باختالفها‪ ،‬فالنص كان يُ َّ‬
‫انَّه انعكاس للواقع اخلارجي اخلاضع لتأثريات خمتلفة‪ ،‬فلسفية‪ ،‬اجتماعية وغريها‪ .‬فكاتب‬
‫النص قصيدة أو نثرا‪ ،‬يقوم بإعادة ترتيب وتنسيق تلك الكلمات يف قوالب لغوية‪ ،‬صياغة‬
‫يف شكل جديد خمتلف عن السائد‪،‬وهبذا تنفي البنيوية أن يكون كاتب النص هو من أبدع‬
‫تلك النصوص‪ ،‬فمختلف املفردات اليت استعملها كاتب النص موجودة يف اللغات املختلفة‬
‫حبصب القواعد النحوية والصرفية للغة اليت كتب هبا النص‪.‬‬

‫دوسوسير= واللسانيات البنيوية‪:‬‬


‫األول للمنهج البنيوي‪ ،‬من خالل حماضراته اليت نشرها تالمذته بعد‬ ‫يُعترب دوسوسري املنظِّر َّ‬
‫ُ‬
‫الع َّامة"‪ .‬وتُعت رب اخلط وة ال يت ق ام هبا‬ ‫ِ‬
‫اَأللس نيَّة َ‬
‫اض َرات يف ُ‬
‫وفات ه س نة ‪1916‬م بعن وان‪" :‬حُمَ َ‬
‫دوسوسري يف جمال البحث اللُّغوي باجلريئة‪ ،‬ألنَّه َح دَّد املناخ الفكري واملنهجي للدِّراسات‬
‫اللغوي ة القادم ة واملتص اعدة من اللَّبن ات األوىل ال يت ض بط قواع دها‪ ،‬وميكن حتدي د جماالت‬
‫َّنوع‬
‫السوس رييَّة‪ ،‬يف دراس ة طبيع ة اللغ ة واللس انيات من جه ة‪ ،‬وعالق ة اللغ ة ب الت ُّ‬
‫البحث ُّ‬
‫الص احلة‪،‬‬
‫االجتم اعي من جه ة أخ رى؛ إذ تتمح ور نظريَّة دوسوس ري يف اعتب ار اللغ ة األداة َّ‬
‫تمكن البشر من حتقيق فهم منطقي للعامل الذي يعيشون فيه‪ ،‬من منطلق َّ‬
‫أن‬ ‫اليت بفضلها يَ ِّ‬
‫الص حيح للع امل‪ ،‬يعتم د أساس ا على اس تعمال جمموع اإلش ارات اللفظي ة‪ ،‬ال يت تُعت رب‬
‫الفهم َّ‬
‫الذات‬‫أن وجود َّ‬ ‫البنية األساسية يف تكوين اللغة اليت يستعملها اإلنسان‪ ،‬هذا ما يُوحي إىل َّ‬
‫َّد باللُّغة‪ ،‬لكوهنا مُت ثِّل األداة ِّ‬
‫لكل معرفة يقينيَّة واضحة وصحيحة‪ ،‬وهي يف الوقت نفسه‬ ‫حمد ٌ‬
‫"جمال للمعرفة‪ ،‬تَتمتَّع بقوانينها وبنياهتا وشروط تواجدها‪.‬‬

‫شكلت اللغة جوهر البحث األلسين‪ ،‬لكوهنا كيان قائم بذاته‪،‬‬ ‫وبناءا على ما سبق‪َّ ،‬‬
‫بالدقَّة واليقني‪ ،‬واهلدف من ذلك كما‬ ‫ميكن أن يُدرس دراسة تُفضي إىل نتائج علميَّة تتَّسم ِّ‬
‫َّصرف ببنية اللغة‪ ،‬بل على حتديد هذه البنية ووصفها‬ ‫يرى دوسوسري‪" :‬ال يقوم على الت ُّ‬
‫انطالقا من هذا املبدأ باشر دوسوسري مشروعه األلسين‪ ،‬بداية بضبط مفهوم اللغة على أهَّن ا‬
‫واقع قائم بذاته‪ ،‬أو كيان ال حُت دِّده عناصر خارجة عنه‪ ،‬ويتَّضح ذلك من خالل الثُّنائيات‬
‫مؤسس ة اجتماعي ة‪ ،‬يف‬ ‫ال يت أبرزه ا يف اللغ ة؛ بداي ة بتمي يزه بني اللغ ة والكالم‪ُ ،‬معت ربا اللغ ة َّ‬
‫أن اللغ ة هي جمم وع املص طلحات املتواض ع عليه ا من‬ ‫مؤسس ة فردي ةمبعىن َّ‬
‫أن الكالم َّ‬ ‫حني َّ‬
‫ُ‬
‫قبل جمموعة بشريَّة ُم َعيَّنة‪ ،‬هبدف ممارسة الفعل اللِّساين‪ ،‬بينما الكالم فهو من مُي ثِّل وجُي ِّس د‬
‫الذات املتكلِّمة‪ ،‬فموضوع اللغة َيتَحدَّد على‬ ‫تلك املمارسة؛ ومبعىن آخر‪ ،‬يُعترب الكالم فعل َّ‬
‫الس معية عن د‬ ‫السلس لة َّ‬ ‫الرم وز واإلش ارات‪" ،‬يَتولَّد من التَّحدي د املتب ادل بني ِّ‬‫أنَّه نس ق من ُّ‬
‫َّصوريَّة للموضوع املشار إليه‪ ،‬أو املعىن القائم‬ ‫والسلسلة الت ُّ‬
‫ليدل على موضوع ما‪ِّ ،‬‬ ‫املتكلم َّ‬
‫الرم وز وال دَّالالت عن د دوسوس ري ذات وجهني اث نني‪،‬‬ ‫يف ال ذهن واملع ىن من ه ذا‪َّ ،‬‬
‫أن ُّ‬
‫والعالمة اللغوية عبارة عن احِّت اد وتطابق بني صورة صوتيَّة‪ ،‬وهو ما يُصطلح عليه بالدَّال(‬
‫قر‬
‫‪ ،)Signifié‬يُقابله معىن ذهين جُم َّرد وهو املدلول(‪ ،)Signifiant‬ومن هذا املنطلق يُّ ُّ‬
‫بالرغم من االختالف‬ ‫والص وريَّة يف اللغة‪َّ ،‬‬
‫الصوتيَّة ُّ‬‫دوسوسري باستحالة الفصل بني النَّواحي َّ‬
‫املادي يف العالم ة‬‫يت ال دَّال واملدلول‪ ،‬لك ون ال دَّال يُعرِّب عن اجلانب ِّ‬ ‫اجلوهري بني ثن ائيَّ ِّ‬
‫جمردة‪ ،‬ألنَّه تعبري عن املعىن الذي حيمله املتلقِّي‬ ‫اللغوية‪ ،‬يف حني َّ‬
‫أن املدلول يُعترب من طبيعة َّ‬
‫ُ‬
‫يف ذهن ه عن ال دَّال ال ذي اس تقبله؛ فالدَّاللة(‪ )Signification‬أو املع ىن‪ ،‬ال ميكن أن‬
‫يتح دَّد إاَّل ب التَّالحم بني ال دَّال واملدلول‪" ،‬ف الكالم إذن ميثِّل نظام ا س يميولوجيا متك امال‬
‫أي إشارة لغوية دون‬ ‫ولكل منها دال ومدلول‪ ،‬وال ميكن تعريف ُّ‬ ‫لإلشارات ثنائيَّة األوجه‪ٍّ ،‬‬
‫اإلشارة إىل كال الوجهني"‪.‬‬
‫وكنتيجة هلذا‪ ،‬يكون الكالم يف ارتباط وثيق باللُّغة‪ ،‬ألنَّه نتيجة الزمة الستعماهلا‪ ،‬إاَّل‬
‫أن بينهما فروقات ش ىَّت ‪ ،‬ميكن حتديدها يف كون اللغة تتميَّز بالثَّبات‪ ،‬يف حني الكالم الذي‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫اج اجتماعي يُطبع به الفرد‪،‬‬ ‫أن اللغة تَتميَّز بأهَّن ا نتَ ُ‬
‫يتميَّز بالتَّغرُّي من مكان آلخر‪ ،‬إضافة إىل َّ‬
‫وأخريا ميكن اعتبار اللغة اجلزء االجتماعي من عمليَّة التَّكلُّم؛ ومن خالل هذه اخلصائص‪،‬‬
‫يتح دَّد الطَّابع الاَّل ش عوري أو الاَّل واعي يف اللغ ة‪ ،‬ه ذه امليزة ال يت س تأخذ مكان ة احملور يف‬
‫األحباث والدراس ات البنيوي ة الالحق ة بع د دوسوس ري‪ ،‬كم ا ه و احلال عن د كل ود ليفي‬
‫سرتوس يف دراسة أنظمة القرابة‬
‫السوسرييَّة‪،‬‬‫آخر تفرقة يقوم هبا دوسوسري‪ ،‬واليت تُعترب جوهر العمل يف اللسانيات ُّ‬
‫اقب(‬ ‫ائييت التَّزامن(‪ )Synchronique‬والتَّع‬ ‫يز بني ثن‬ ‫تتمثَّل يف التَّمي‬
‫‪ )Diachronique‬يف الدِّراس ات اللغوي ة؛ فالتَّزامني ة ميكن من خالهلا حتلي ل أيَّة لغ ة‬
‫بعينها‪" ،‬كوهنا منظومة من الوحدات والروابط املوجودة مع بعضها البعض"‪ ،‬فدراسة أيَّة‬
‫للزم ان أي دور فيه ا‪ ،‬ه ذا م ا حُي ي ل إىل دراس ة اللغ ة‬ ‫لغ ة تك ون من ج انب وص في ليس َّ‬
‫وحتليله ا انطالق ا من ص ورهتا البنيوي ة ال يت مُت ثِّل جوهره ا؛ َّأما فيم ا خيص التَّع اقب‪ ،‬فيع ين‬
‫"دراس ة التَّغرُّي ات ال يت تت داخل يف تسلس ل ت ارخيي هلذه األنظم ة‪ ،‬ال يت تتع اقب الواح د تل و‬
‫الزمنيَّة الواحدة"‪.‬‬‫اآلخر يف احلقبة َّ‬
‫أن التحلي ل اللغ وي يُع ىن بدراس ة خمتل ف العالق ات املوج ودة بني الب ىن‬ ‫واملع ىن من ه ذا‪َّ ،‬‬
‫جراء التَّغرُّي ات التارخيية‪ ،‬ومبعىن أكثر دقَّة‪َّ ،‬‬
‫إن التَّعاقبيَّة هي‬ ‫اللغوية‪ ،‬وما يطرأ عليها من تغرُّي َّ‬
‫ؤكد‬ ‫َّطورات اليت وقعت عليها‪.‬إذ يُ ِّ‬ ‫دراسة اللغة من زاويَّة تارخيية‪ ،‬دراسة وصفيَّة ملختلف الت ُّ‬
‫دوسوسري يف هذه النقطة‪ ،‬على ضرورة الفصل بني هاتني الثُّنائيتني‪ ،‬الستحالة وجود وسط‬
‫ألن التَّناقض بني وجهيت النَّظر التزامنية والتعاقبية مطلق‪ ،‬وال يدع جماال أليَّة‬ ‫جامع بينهما‪َّ ،‬‬
‫حلول وسطية‪.‬‬
‫أن اهلدف األساسي الذي سعى إليه دوسوسري يف دراسة اللغة‪،‬‬ ‫ميكن القول أخريا‪َّ ،‬‬
‫تطور تارخيي‪ ،‬وهذا بطبيعة األمر اقتداء‬ ‫أي ُّ‬‫هو التَّعامل معها كظاهرة يف ذاهتا‪ ،‬مبعزل عن ِّ‬
‫مبا ه و معم ول ب ه يف اجملال الوض عي‪ ،‬فكم ا جيب أن تُ درس الظَّاهرة كم ا هي على أرض‬
‫دخل للج وانب الذاتي ة‪ ،‬ينبغي أن يُنظ ر للُّغ ة على أهَّن ا نس ق وبني ة ذات‬ ‫الواق ع دون أدىن ت ُّ‬
‫فالبد من التَّسليم بأهَّن ا ال تنطوي يف ذاهتا على أيَّة أبعاد تارخيية‪.‬‬
‫صيغة رمزيَّة‪َّ ،‬‬

‫تابع للمنهج البنيوي‬


‫البنيوية= األنتربولوجية‪/‬كلود ليفي ستروس‪:‬‬
‫مل تنحصر البنيويَّة على اجملال األلسين فحسب‪ ،‬بل امتدَّت الدِّراسات البنيويَّة واتَّسع‬
‫جماهلا إىل مي ادين حبثيَّة جدي دة‪ ،‬مث ل األنثروبولوجي ا‪ ،‬الت اريخ والفلس فة؛ ومن أب رز ال ذين‬
‫اعتم دوا املنهج الب نيوي يف الدراس ات األنرتبولوجي ة وعلم االجتم اع‪ ،‬جند "كل ود ليفي‬
‫سرتوس" (‪ )Claude Lévi-Strauss‬من خالل دراسة أنظمة القرابة‪.‬‬
‫تبلورت أحباث ليفي سرتوس األنرتبولوجية من خالل ُمؤلَّفه "األنرتبولوجية البنيوية"(‬
‫‪ ،)Anthropologie Structurale‬الذي يُعترب حماولة منهجية للكشف عن األبنية‬
‫العقلية الكلِّية العميقة‪ ،‬كما تتجلَّى يف أنظمة القرابة واألبنية االجتماعية الكربى‪ ،‬إضافة إىل‬
‫الس لوك‬ ‫األدب والفلس فة والرياض يات‪ ،‬وخمتل ف األمناط النفس ية الالواعيَّة‪ ،‬ال يت حُت ِّرك ُّ‬
‫وجهه‪.‬‬
‫اإلنساين وتُ ِّ‬
‫فالدِّراس ات األنرتبولوجي ة من وجه ة النَّظ ر البنيوي ة‪ ،‬ال ينبغي أن تق وم على أس اس‬
‫مالحظة ما هو مشرتك بني خمتلف الثقافات‪ ،‬وهو املنهج املتَّبع من قبل األنرتبولوجيني قبل‬
‫ُ‬
‫ألن البن اء ه و‬ ‫س رتوس‪ ،‬ب ل جيب أن يُ درك ذل ك التَّداخل على مس توى البن اء العقلي‪َّ ،‬‬
‫أي ثقافة بشريَّة‪ ،‬وطبيعة البناء األساس يَّة أنَّه‬ ‫امل ِّ‬
‫شكل وامل َر ِّكب األساسي للعنصر الكلِّي يف ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خفي ال يب دو للعي ان‪ ،‬وال ميكن التَّحقُّق من ه عن طري ق املالحظ ة‪ ،‬وإمَّن ا يك ون عن طري ق‬ ‫ٌّ‬
‫ألن مفه وم البني ة عن د س رتوس "ال يس تند إىل الواق ع التَّجري يب‪ ،‬ب ل إىل النَّم اذج‬ ‫العق ل‪َّ ،‬‬
‫املوض وعة مبقتض ى ه ذا الواق ع‪ ،‬وهك ذا يظه ر االختالف بني مفه ومني متج اورين ج دًّا‪،‬‬
‫حبيث وق ع االلتب اس بينهم ا غالب ا‪ ،‬أقص د مفه وم البني ة االجتماعي ة‪ ،‬ومفه وم العالق ات‬
‫توض ح البني ة االجتماعي ة‪ ،‬إذ ال‬ ‫املادة األوىل املس تعملة يف ص ياغة مناذج ِّ‬ ‫االجتماعي ة‪ ،‬وهي َّ‬
‫ميكن إرج اع ه ذه البني ة إىل جمم ل العالق ات االجتماعي ة ال يت تس ىَّن مالحظته ا يف جمتم ع‬
‫الزاويَّة‪ ،‬يسعى التَّحليل البنيوي يف مي دان األنثروبولوجيا‪ ،‬لتحقي ق الدقَّة‬ ‫ُم َعنَّي "‪ .‬ومن هذه َّ‬
‫الرياضي‪ ،‬وبالتايل "الوصول إىل‬ ‫يتوص ل إليها‪ ،‬نتائج تضاهي يف دقَّتها اجملال ِّ‬ ‫يف النَّتائج اليت َّ‬
‫َّجمع ات‬ ‫ن وع من اجلدول الرياض ي‪ ،‬أو املص فوفة اجلربيَّة‪ ،‬ال يت تُعرِّب عن التَّح ُّوالت والت ُّ‬
‫املمكن ة يف ال ذهن البش ري الالش عوري"‪ ،‬ه ذا الالش عور ال ذي يتجلَّى من خالل األس اطري‬
‫ال يت تُب دعها مجاع ة بش ريَّة ُمعيَّن ة‪ ،‬أو يف خمتل ف األمناط الثقافي ة املوج ودة يف اجملتمع ات‬
‫املختلفة‪.‬‬
‫فكر هبا الناس‬ ‫إذا فالتحليل األنرتبولوجي البنيوي‪ ،‬ال يهدف إىل بيان الطريقة اليت يُ ِّ‬
‫فكرت ب ه‪ ،‬من خالل اجملموع ة‬ ‫يف األس اطري‪ ،‬وإمَّن ا مس ائلة األس طورة عن النس ق ال ذي َّ‬
‫البش رية ال يت أب دعت تل ك األس طورة دون وعي منهم؛ إذ يق وم الب احث األن رتبولوجي‬
‫ض َّمن يف األسطورة‪ ،‬فكل حكاية شعبية مهما كان مصدرها‪،‬‬ ‫باستنطاق املسكوت عنه املتَ َ‬
‫ُ‬
‫الرمزيَّة اليِّت تتوارى‬ ‫َّ‬ ‫تفكيك‬ ‫يف‬ ‫تتمحور‬ ‫البنيوي‪،‬‬ ‫األنرتبولوجي‬ ‫همة‬
‫فم َّ‬
‫تتضمن خطابًا ما؛ ُ‬
‫َّ‬
‫تضمنتها تلك األسطورة امل َحلَّلَ ة‪،‬‬ ‫بني ثنايا املدلوالت ودواهلا‪ ،‬كاشفا عن البنية اخلفيَّة اليت َّ‬
‫ُ‬
‫وهن ا تكمن نقط ة التَّجدي د ال ذي أتت ب ه البنيوي ة على املس توى األن رتبولوجي؛ من خالل‬
‫حد ذاهتا‪ ،‬للكشف‬ ‫إسقاط مقولة الذات كوهنا املنتج للخطاب‪ ،‬واالجِّت اه إىل األسطورة يف ِّ‬
‫عن املستوى الالشعوري الذي احتوته‪.‬‬
‫نتائج المنهج البنيوي‪=:‬‬
‫قدَّمت البنيوية النموذج العلمي األمثل لكثري من العلوم‪ ،‬على غرار األنثروبولوجيا‪،‬‬
‫حيث رأى س رتوس أنَّه بظه ور اللس انيات البنيويَّة‪ ،‬وم ا حقَّقت ه من دقَّة وص رامة‪ ،‬ص ار‬
‫بإمك ان العل وم االجتماعي ة األخ رى أن تتخلَّص من م أزق ال َّريب يف النت ائج‪ .‬م ع العلم َّ‬
‫أن‬
‫ركز علي ه س رتوس أحباث ه األنرتبولوجية ه و الفونولوجية(‪،)Phonologie‬‬ ‫احلق ل ال ذي َّ‬
‫الص وتية من خالل وظيفته ا يف لغ ة معيَّن ة‪ ،‬إذ يع ود‬
‫املختص بدراس ة الوح دات َّ‬‫ُّ‬ ‫وه و العلم‬
‫األص ل يف تأسيس ه إىل الع امل الروس ي"تروبتس كوي"؛ فبظه ور ه ذا العلم من وجه ة نظ ر‬
‫س رتوس‪ ،‬انقلبت األوض اع يف العل وم االجتماعي ة‪" ،‬فلم جُت دَّد فق ط اآلف اق اللغوي ة‪َّ ،‬‬
‫إن‬
‫إن الفونولوجية ال ميكن أن تتخلَّف عن‬ ‫حَتَ ُّوالت هبذا االتِّساع مل يقتصر على علم خاص‪َّ ،‬‬
‫القي ام إزاء العل وم االجتماعي ة بال دور املج دِّد ال ذي ق امت ب ه الفيزي اء النووي ة؛ فبتط بيق‬
‫ُ‬
‫اللس انيات البنيوي ة يف الدراس ات األنرتبولوجي ة‪ ،‬ميكنن ا ال حمال ة الوص ول إىل نت ائج دقيق ة‬
‫أن الشروط األساسية للقيام بدراسة‬ ‫كتلك اليت جندها يف حقل العلوم الرياضية‪ ،‬من منطلق َّ‬
‫رياض ية توج د جمتمع ة يف علم اللغ ة‪ ،‬والس يَّما يف علم اللغ ة الب نيوي يف حبث ه من زاوي ة‬
‫اخلاص يتني األساس يتني اللَّتني‬
‫فونولوجي ة‪ ،‬فاللغ ة أوض ح الظَّاهرات االجتماعي ة ال يت تع رض ِّ‬
‫مادة دراسة عمليَّة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫شكلتا َّ‬

‫توص لت إليه املعرفة‬


‫نشأ املنهج البنيوي يف جمال النقد مواكب ةً ملتطلبات العصر وثقافته وما َّ‬
‫أهم عوامل النشأة توفُّر املقدِّمات اليت ذكرناها‪ ،‬واليت كانت‬
‫ومن ِّ‬‫يف تلك الفرتة املعرفية‪ِ .‬‬
‫من مص ادر ه ذه املدرس ة ورواف دها‪ ،‬حيث اتف ق عدي د من الدارس ني والب احثني على أن‬
‫ضد الالعقالنية الرومانسية‪ ،‬وعلى التحليالت‬ ‫كرد ٍ‬
‫فعل َّ‬ ‫مع ا ِّ‬
‫الشكالنية والبنيوية قد ظهرتا ً‬
‫اليت تربط كل شيء باجملتمع وظروفه املستجدَّة‪ ،‬يف إشارة إىل النزعة املاركسية وما انتجته‬
‫من أفكار‪.‬‬

‫أهم الأعالم ال يت رفعت ش عار النق د الب نيوي‪ ،‬ميكم ذك ر روالن ب ارت‪ ،‬وتزفيت ان‬
‫ومن ِّ‬
‫تودوروف‪ ،‬وجريار جينيت‪ ،‬ميشيل فوكو يف بداياته الفلسفية‪ ،‬ألتوسري‪ ،‬وغريهم‪.‬‬

‫رون بـأنه نظام من الرموز والدالالت‬


‫التطوري‪ ،‬إذ يَ ْ‬
‫ال يعرتف البنيويون بالبُعد التارخيي أو ُّ‬
‫اليت تولَد يف النص وتعيش فيه وليس هلا عالقة خبارجه‪ ،‬هلذا يعدُّون أية دراسة ذات منظور‬
‫معوق ةً جله ود الناق د ال راغب يف اكتش اف األبني ة ال يت تنط وي عليه ا‬
‫تط وري أو تع اقيب ِّ‬
‫النصوص‪ ،‬حيث يرى روالن بارت َّ‬
‫أن اللغة أساس العمل األديب وعنصر جناح كل إبداع‪،‬‬
‫ومهمة الناقد تكمن يف تقدمي معىن للعمل األديب‪.‬‬
‫َ‬
‫انتقادات البنيوية‪:‬‬
‫غري ان البنيوية مل تصمد أمام النقد اجملَّه هلا‪ ،‬فقد بدأت باالهنيار يف أوائل السبعينيات من‬
‫الق رن العش رين‪ ،‬وظهر م ا اص طلح على تس ميته مبا بعد البنيوية‪ ،‬من اهم اعالمه ا‪ :‬روالن‬
‫ب ارت وج اك ديري دا‪ ،‬وك ان ب ارت ق د حتول عن‪ ‬البنيوية‪ ‬إىل م ا بع د البنيوي ة‪ ،‬وانتق ل يف‬
‫دراس ته من أمهي ة الكاتب يف ت ركيب النص األديب باعتماد مع ايري وبِىًن جاهزة الصنع‪ ،‬إىل‬
‫أكد بارت يف كتابه «متعة النص» (‬ ‫دور املتلقِّي يف توليد ٍ‬
‫معان جديدة ال هناية هلا‪ .‬حيث َّ‬
‫ُ‬
‫‪ )1975‬أنه يف غياب الكاتب تصبح عملية إجياد تأويالت للنص عملية عبثية ال هناية هلا‪،‬‬
‫لكنها ممتعة‪ ،‬وتأيت املتعة من امتالك النص إلمكانات اللعبباملعاين‪ ،‬ولكن هذا ال يعين ختلِّيً ا‬
‫وهدما منظَّمني إلنتاج معاين جديدة‪ ،‬وكأن القارئ‬ ‫فوضويًّا عن كل القيود‪ ،‬وإمنا تفكي ًكا ً‬
‫يعي د كتاب ة النص بطريقت ه اخلاص ة‪ ،‬فتنتق ل العملي ة من االس تهالك اىل اإلنت اج‪ ،‬وه ذا م ا‬
‫تأسس عليه املنهج التفكيكي مع جاك ديريدا‪.‬‬
‫َّ‬

‫ومن أهم االنتق ادات ال يت وجهت اىل البنيوي ة‪ ،‬تل ك ال يت وجهه ا الناق د الربيط اين‪" ‬ليون ارد‬
‫وَأماهَت ا ه و أهنا منهج ينط وي على‬ ‫جاكس ون"‪ ،‬إذ ي رى َّ‬
‫أن الس بب ال ذي أودى بالبنيوي ة َ‬
‫ِّع ا خبص ائص‬ ‫الكث ري من التناقض ات‪ ،‬على ال رغم من َّ‬
‫أن أص حابه أرادوه أن يك ون متمت ً‬
‫أن أي نظرية ترمي إىل الكلِّيَّة هي مستحيلة من حيث املبدأ‪.‬‬
‫الكمال والتماسك‪ ،‬يف حني َّ‬

‫محاضرة المنهج الجدلي‪ :‬هيجل نموذجا‬


‫يعت رب اجلدل من أهم املن اهج الفلس فية وأواله ا يف الظه ور على الس احة اإلبيس تيمولوجية‪،‬‬
‫فكما يُقال َّ‬
‫أن الفلسفة ولدت من رحم اجلدل‪ ،‬فقد عرف اليونان قدميا منذ سقراط اجلدل‬
‫ومارس وه كفن يف احلوار يف مع اجلتهم للقض ايا الفكري ة ل يت ش غلتهم يف تل ك املرحل ة‪،‬‬
‫فص حيح ان س قراط ق د اعتم د منهج التهكم والتولي د يف مس ريته الفلس فية‪ ،‬لكن ه مل يكن‬
‫بعي دا عن اجلدل حبكم ان املنهج الس قراطي يق وم أساس ا على الس ؤال واجلواب‪ ،‬م ا يع ين‬
‫ال راي وال راي النقيض‪ ،‬ام ا افالط ون فق د ط ور من اجلدل من خالل نظريت ه يف املعرف ة‪ ،‬اذ‬
‫قس م افالط ون اجلل اىل ن وعني الص اعد والن ازل فمن خالل نظري ة املث ل االفالطوني ة ي رى‬
‫افالط ون ان النفس تس ري يف ت درج حنو املعرف ة من احملس وس اىل الالمعق ول او من األج زاء‬
‫البسيط احلسية اىل العقلية الكامنة يف عامل املثل الذي يعترب املكن احلقيقي للمعرفة اليقينية‪،‬‬
‫وهبذا الش كل تك ون املعرف ة يف عملي ة جدلي ة تناوب ا بني الص عود وال نزول من احلس ي اىل‬
‫العقلي والعكس‪،‬‬

‫لكن الفلس فة احلديث ة ع رفت ظه ورا للمنهج اجلديل ولن ليس بالطريق ة نفس ها ال يت وج د‬
‫فيها عند اليونان‪ ،‬فقد بىن ماركس فلسفته على الطريقة اجلدلية وهيجل أيضا ‪.‬‬

‫مفهوم الجدل‪:‬‬
‫اجلدل يف اللغة مشتق من الفعل جادل‪ ،‬ويعين مقابلة احلجة باحلجة‪ ،‬ومن هنا يأيت املعىن‬
‫االصطالحي للجدل على انه املناظرة واملخاصمة كما ورد يف لسان العرب البن منظور؛‬
‫أما اجلرجاين فيعرفه بقوله‪ :‬اجلدل‪ :‬هو القياس املؤلف من املشهورات واملسلمات‪ ،‬والغرض‬
‫منه‪ ،‬إلزام اخلصم وإفحام من هو قاصر عن إدراك مقدمات الربهان‪.‬‬

‫غ ري َّ‬
‫أن اجلدل أو ال ديالكتيك‪ ،‬ش هدالعديد من التغ ريات والتح والت ع رب مراح ل التفك ري‬
‫الفلسفي املختلفة‪ ،‬ومن اهم الذين قدَّموا وجها جديدا للديالكتيك‪ ،‬جند الفيلسوف األملاين‬
‫فري ديريك هيج ل؛ ال ذي ح اول أن يُعطي تص ورا مثالي ا خالص ا للمنهج ال ديالكتيكي يف‬
‫حتليل الظواهر ودراستها‪ ،‬وخصوصا الظواهر واألحداث التارخيية‪.‬‬

‫الديالكتيك= هند هيجل‪:‬‬


‫أخذ الديالكتيك وجها جديدا مع هيجل‪،‬الذي حاول صياغة هذه النظرية صياغة علمية‬
‫شاملة يف تفسري الظواهر التارخيية يف حدوثها‪ ،‬فقد قام هيجل بوضع اهم القوانني والقواعد‬
‫اليت يقوم عليها املنهج الدياليكتيكي‪ ،‬بداية بتعريف الديالكتيك على انه اخلربة اليت حيسها‬
‫ال وعي عن ذات ه وعن املوض وع‪ ،‬فه و عب ارة عن حرك ة انتقالي ة من اس فل اىل اعلى ومن‬
‫الداخل حنو اخلارج‪ ،‬وبناء على هذا أكد هيجل على أن حقيقة األشياء والظواهر يف حالة‬
‫دائمة من التغري واحلركة بشكل تطوري دائم االستمرارية وال ميكن تفسري التطور احلاصل‬
‫يف الظواهر اال عن طريق املنهج الديالكتيكي‪.‬‬

‫ومن أجل بيان الوجه احلقيق للجدل وضع هيجل جمموعة من القوانني اليت حيتكم إليها‬
‫الديالكتيك تتمثل فيما يلي‪:‬‬

‫قوانين الديالكتيك الهيجلي‪:‬‬


‫‪_1‬قانون التغير= من الكم إلى= ال ـن ــوع‪:‬‬
‫يق وم ه ذا الق انون ببي ان الكيفي ة ال يت بفعله ا تتع رض الظ واهر للتح والت الكمي ة بش كل‬
‫ت درجيي ح ىت بلوغه ا ص ورة معين ة‪ ،‬ويك ون نتيج ة هلذا ظه ور تغ ريات وحتوالت نوعي ة يف‬
‫طبيع ة األش ياء وخصائص ها املكون ة هلا‪ ،‬من ص ورهتا وش كلها الق دمي‪ ،‬اىل ص ورة وش كل‬
‫جديد مغاير ملا كانت عليه مبعىن َّ‬
‫أن خمتلف التطورات اليت تقع لألشياء والظواهر‪ ،‬تكون‬
‫نتيجة حتمية وإلزامية جملموع ما طرأ على األشياء من تغريات على مستوى احلالة والكمية‬
‫ال يت يتم ز هبا ذل ك املوض وع‪ .‬كتغرُّي يف خص ائص املوض وع من ناحي ة الش كل واحلجم‬
‫والل ون‪...‬اخل‪ ،‬ح ىت يبل غ ح دًّا معين ا‪،‬ليس مح ل ه ب التغري والتط ور‪ ،‬ومن هن ا يظه ر املوضوع‬
‫يتعرض‬
‫على صورته اجلديدة‪ ،‬صورة منافية لصورته وشكله القدمي الذي كان عليه‪ .‬فعندما َّ‬
‫املاء مثال اىل درج ة ح رارة معين ة‪ ،‬فانَّه يتغ ري م ع احلف اظ على ص يغته الكيميائي ة‪ ،‬ولكن ان‬
‫التبخر‪.‬‬ ‫بلغت درجة احلرارة ُحدودا معينة‪َّ ،‬‬
‫فان املاء يصل إىل درجة الغليان مث ُّ‬
‫‪ _2‬قانون= وحدة وصراع األضداد‪:‬‬
‫ومعىن هذا القانون حبسب هيجل‪ ،‬أن األشياء يف حالة صراع وتناقض دائم‪ ،‬تلك احلركية‬
‫من التناقض الداخلي هي اليت تدفع باألشياء حنو التغري والتحول‪ ،‬فمختلف الظواهر تشهد‬
‫املكونة هلا‪ ،‬فهذا الصراع الداخلي جملموعة‬
‫ديناميكية داخلية بني عناصرها وأجزائها ِّ‬
‫املكونات والعناصر للظاهرة يُولِّد طاقة وقوة داخلية تدفع حبركة التغري الدائم لألشياء حنو‬
‫االمام‪ ،‬ويشري هيجل يف هذه النقطة‪ ،‬إىل َّ‬
‫أن الصراع ميكن ان يكون داخليا بني عناصر‬
‫الظاهرة‪ ،‬كما ميكن له أن يكون خارجيا بني ظواهر أخرى تبعا لعنصري التأثريوالتأثر‪،‬‬
‫هذا الصراع الذي يعتربه هيجل احملرك األساسي للظواهر واالحداث عرب التاريخ‪ ،‬وهو ما‬
‫شار اليه "هريبرت ماركيوز" الذي يرى أن فكرة التناقض هي جوهر الديالكتيك عند‬
‫هيجل يف حتليل الظواهر املختلفة‪.‬‬

‫‪ _3‬قانون= نفي النفي‪:‬‬


‫يقوم قانون نفي النفي بتحليل جمموع النتائج املستخلصة من مراحل الديالكتيك املختلفة‪،‬‬
‫وهو ما عرب عنه هيجل باألطروحة ‪ ، La Thèse‬وهو ما حُي يل اىل وجود تعارض‬
‫وتناقض داخل الفكرة او الظاهرة الواحدة وهو ما عرب عنه هيجل ب ـ ــ‪ Antithèse :‬وما‬
‫ينتج عن هذين املقولتني املتعارضني يصطلح عليه هيجل ب ـ ــ‪Le Synthèse :‬‬
‫وهبذه الكيفية يبقى قانون نفي النفي يعمل باستمرار‪ ،‬يف حلقات متسلسلة منسجمة‪،‬يف‬
‫نوع من االنتظام الدائم؛ وهو ما يسمح حبدوث التغري والتطور يف الظواهر املختلفة‪ ،‬فقد‬
‫أن الصراع بني االطروحات‪ ،‬هو احملرك األساسي والدافع اجلوهري حلدوث‬ ‫اعترب هيجل‪َّ ،‬‬
‫الظواهر عرب ِح َق ِ‬
‫ب التاريخ املختلفة‪.‬‬

‫م ا ميكن استخالص ه من ه ذا‪ ،‬ان فك رة التن اقض عن د هيج ل فك رة جوهري ة يف تفس ري‬
‫الوقائعواالحداث اليت تقع عرب التاريخ‪ ،‬فال ميكن ان نتصور حدوث ظاهرة دون ان تسبقها‬
‫ظاهرة أخ رى منافية ومناقض ة هلا‪ ،‬فان أردنا حتلي ل ظاهرة معينة ال ميكن اب دا فصلها عن‬
‫سابقتها‪ ،‬وكان هناك تشابك ال انفصال فيه بني ما حدث وما سيحدث‪،‬‬

‫َّ‬
‫ختاماأن الديالكتيك عند هيجل اتص ف بالعقلية اخلالصة او املثالية‪ ،‬اذ يقول‬ ‫ميكن القول‬
‫هيج ل يف كتاب ه فينومينولوجي ا ال روح‪" :‬كم ا انن ا يف فينومينولوجي ا ال روح ب دانا ب الوعي‬
‫املباشر‪ ،‬ومبا اننا يف ميدان العلم اخلالص فال بد أن نبدأ باملباشرة اخلالصة‪ ،‬واملباشرة اخلالصة‬
‫هي الوج ود اخلالص" وعلى ه ذا األس اس ُوص فت نظري ة ال ديالكتيك اهليجلي بـ " النظري ة‬
‫الديالكتيكية املثالية‪".‬‬

‫المراجع= يمكن الرج ـ ـ ــوع اليها‪:‬‬


‫‪ _01‬ب ول فريابان د‪ ،‬العلم يف جمتم ع ح ر‪ ،‬ترمجة الس يد نف ادي‪ ،‬اجمللس األعلى للثقاف ة‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬سنة ‪.2000‬‬

‫‪ _02‬بول فرياباند‪ ،‬ثالثة حماور يف املعرفة‪ ،‬ترمجة حممد أمحد السيد‪ ،‬مكتبة اإلسكندرية‪.‬‬

‫‪ _03‬جاك ديريدا‪ ،‬الكتابة واالختالف‪،‬‬

‫‪ _04‬عبداهلل إب راهيم‪ ،‬نق د املركزي ة الغربي ة‪ ،‬إش كالية التك ون والتمرك ز ح ول ال ذات‪،‬‬
‫املركز الثقايف العريب‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار البيضاء‪ ،‬سنة ‪.1997‬‬
‫‪ _05‬مسارات فلسفية‪ ،‬تأليف جمموعة من الكتاب‪ ،‬ترمجة حممد ميالد‪ ،‬دار احلوار للنشر‬
‫والتوزيع‪،‬‬

‫‪ _06‬إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬املنهج اجلديل عند هيجل‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪.1969 ،‬‬

‫‪ _07‬روجي غارودي‪ ،‬فكر هيجل‪ ،‬ترمجة إلياس مرفص‪ ،‬دار احلقيقة‪ ،‬بريوت‪.1983 ،‬‬

‫‪ _08‬الزواوي بغورة‪ ،‬املنهج البنيوي‪،‬‬

‫‪ _09‬إديث كريزويل‪ ،‬عصر البنيوية‪( ،‬تر‪ :‬جابر عصفور)‪ ،‬دار سعاد الصباح‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫ط‪.1993 ،1‬‬

‫‪ _10‬زكري ا إب راهيم‪ ،‬مش كلة البني ة‪ ،‬أو أض واء على البنيوي ة‪ ،‬مكتب ة مص ر‪ ،‬الق اهرة‪،‬‬
‫‪.1976‬‬

‫‪ _11‬جون شوك‪ ،‬البنيوي ة وم ا بع دها‪ ،‬ترمجة حممد عصفور‪،‬ع امل املعرفة‪ ،‬اجمللس ال وطن‬
‫للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬سنة ‪1996‬‬

‫‪ _12‬الزواوي بغورة‪ ،‬املنهج البنيوي‪ ،‬حبث يف األصول واملبادئ والتطبيقات‪ ،‬دار اهلدى‪،‬‬
‫اجلزائر‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة ‪2001‬م‬

‫‪ _13‬الطاهر وعزيز‪ ،‬املناهج الفلسفية‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫سنة ‪1990‬م‬

‫‪ _14‬فريديناند دوسوسري‪ ،‬حماضرات يف األلسنية العامة‪.‬‬

‫‪ _15‬كلود ليفي سرتوس‪ ،‬األنرتبولوجية البنيوية‪ ،‬ترمجة مصطفى صاحل‪ ،‬منشورات وزارة‬
‫الثقافة واإلرشاد القومي‪ ،‬دمشق سنة ‪1977‬‬

You might also like