Professional Documents
Culture Documents
أسامة بدندي
فهرس احملتوايت
الصفحة املوضوع
اإلهداء
فهرس احملتوايت
إقرار
متهيد
أقر أان املوقع أدانه أبن األفكار املوجودة هبذه الكتاب مسروقة من كل الكتب اليت قرأهتا وطالعتها واطّلعت
عليها ،ولكنين حىت أُخفي آاثر جرمييت قمت إبعادة صياغة األفكار بكلمايت وتعابريي اخلاصة ،ولكن ال تسألوين من
أين هم سرقوا أفكارهم.
ال جديد حتت الشمس
وضحتها بقصص نقلتها لك بطريقيت
ما تراه بني يديك هي أفكار مجعتها من جمموعة كبرية من الكتب ،ولكنين ّ
كل يسردها بطريقته
إرث تناقله الكتّاب من جيل آلخرّ ،
اخلاصةّ ،أما األفكار فهي ليست ملكي أان وحدي ،إمنا هي ُ
وإبسلوبه حماواال أن جيمع فيها ما توافق مع وجهة نظره.
يقول الشاعر اإلجنليزي يت أس إليوت" :الشعراء غري الناضجني يقلدون ،والشعراء الناضجون يسرقون ،والشعراء
السيئون يشوهون ما سرقوه ،أما الشعراء اجليدون فيصنعون منه شيئاا أفضل ،أو على األقل شيئا خمتلفا .الشاعر اجليد
عما أُنتزعت منه" .يف حني يقول الروائي األمريكي جوانثن ليثيم:
حيول سرقته إىل كتلة من املشاعر الفريدة خمتلفة متاما ّ
أمرا ما أصيل فإن تسعة من أصل عشرة ال يعرفون املصدر أو املرجع األصلي ملا أتوا به ".يف
"عندما يدعي البعض أن ا
حني يؤكد الكاتب األمريكي أوسنت كليون نفس الفكرة حيث يرى أن كل األعمال اإلبداعية بُنيت على ما جاء قبلها،
مصدرا .يف حني يدعي الروائي الفرنسي (أندريه جيد) أن "كل ما يراد
ا متاما ،وأن لكل شيء
وأنه ليس مثة عمل فريد ا
قوله قد قيل ،ولكن ،وأل ّن ال أحد ينصت ،فال بد أن يقال كل شيء مرة أخرى".
أ ه ل ل للل عرف ل ل للت ال ل ل للدار بع ل ل للد توهم ه للل غ للادر الشل ل ل ل ل ل للعراءُ من ُمرتد
العريب!
شعرا ،وهذا يف بواكري الشعر ّ
أب ّن الشعراء مل يرتكوا شيئاا إال وقد أتوا عليه وقالوه ا
يقو هذا الكتاب على فكرة أن نسبة اإلتيان ابلفريد الفريد يف هذا العامل قليلٌ قليل ،فكم هو النتاج اإلبداعي
اخلارج عن املألوف يف عمر البشرية كم احتاجت البشرية لتنتقل من عصر آلخر وكم معدل االبتكارات اليت غريت
جمرى التاريخ وفق املؤرخني امتد العصر احلجري آالف السنني ومل ينته إال مبرور حوايل ستة آالف سنة قبل امليالد من
أجل أن يدخل اإلنسان العصر النحاسي ،ما أريد قوله إن الطريقة اليت ُخلق هبا اإلنسان قائمة على البقاء واالستمراية
أكثر من أي شيء آخر .مييل اإلنسان بطبعه إىل التماثل أو التقليد .أستشهد هبذه فقط ألقول إن حجم اإلتيان جبديد
قليل لدرجة كبرية جتعلك تعلم أنه ينبغي أن تعي فكرة أن املبدعني هم فقط أانس شغوفون حياولون قول ما قيل بطريقة
أخرى.
إن هذه الفكرة من أكثر األفكار غرابة ابلنسبة يل؛ فبمجرد إداركي هلذا األمر وجدتين أغ ّري نظريت لكثري من
ماتعا.
أيضا إىل أن أخرج هبذا الكتاب لعله يكون هنباا ا
األشياء اليت حتدث حويل ،وهذا ما دفعين ا
تمهيد
متاما ما تعنيه لك السطور األوىل وأدرك أنك من خالهلا ستقرر إما أن تكمل قراءة الكتاب وتقد الشكر
أعلم ا
ملن أعارك إايه برهة من الزمن ،أو -أن كنت اشرتيته -ستشكر نفسك املتلهفة ملا هو جديد وملعرفة املزيد على قرار
اقتناء هذا الكتاب أو قد تتوقف عن قرائته وينتابك شعور ابلند لشراء هذا الكتاب وتشعر أنه ال يساوي ذنب سرقته
أو استعارته أو الثمن اليت دفعته لشرائه ،فينتهي به املسار يف مكتبة ميلىء مكان فارغ وحسب ،حىت ال تُصاب خبيبة
شرائه فتكون قد حصلت على فائدة بشكل أو آبخر تعزي هبا نفسك.
لكنين أرجو منك أال تستعجل احلكم عليه من السطور األوىل؛ فهو خمتلف عن غريه من الكتب ،والسبب
الرئيس هو أنه غري موجه لفئة معينة من القراء ،وال ميكن تصنيفه ضمن نوع معني من الكتب ،أو أن تنسبه حلقل حمدد
كتاب حيرض على اإلبداع .هذا الكتاب ليس رواية وال قصة وال كتاب أكادميي،
متاما ،ولكنه قد يكون أكثر ما يكون ٌ
ا
ولكنه أقرب إىل أن يكون كتاابا حتفيزايا أحاول فيه أن أثبت لك أنك مبدع ،مث أزودك ببعض املهارات اليت حتتاجها
شاعرا أ
ا مهندسا أ
ا مصمما أ
ا لتكون أكثر إبداعا ،وأقد لك األدوات املناسبة لتستخدمها يف حرفتك .كاتباا كنت أ
معلما أ رايدي أعمال ...هذا الكتاب لك.
اتجرا أ مرتمجاا أ مرش ادا أ ا
ا
عزيزي القارىء إن كنت تبحث يف هذا الكتاب عن مهارات اإلبداع وكيف تعززها يف ذاتك أو يف اآلخرين
فيمكنك أن جتدها يف الفصل الثالث ،ولكنين ال أنصحك أبن تتخطى القسمني :األول والثاين ،فهما يهدفان أواال:
لتغيري توجهك حنو ذاتك؛ ألن التغيري ينبع من داخلك ،اثنياا :لتصحيح بعض املفاهيم عن اإلبداع ،ألنه بتغيري التوجه
وتصحيح بعض املغالطات عن اإلبداع سيتسارع اكتسابك هلذه املهارات.
ماذا ستستفيد من قراءة هذا الكتاب؟
سيساعدك هذا الكتاب على النظر إىل احلياة بطريقة جديدة كلياا ،ورؤية األشياء اليت اعتدان رؤيتها من زاوية
خمتلفة ،وسوف يزودك أبهم مهارات التفكري اإلبداعي وكيفية صقلها ،واليت ستنعكس بكل أتكيد على سلوكك
بدال من النظرة
أفكارا ملشاريع؛ ا
فرصا أو ا
اإلبداعي ،إ ْذ ستتغري طريقة تعاملك مع املشكالت ،وتبدأ ابلنظر هلا بوصفها ا
السل بية اليت اعتدان عليها .وستتعرف على كيفية االستثمار يف املالحظة إلجياد فكرة مشروعك التجاري.
عوان لك يف عملك أو
أيضا على حتسني مهارة توليد أفكار نوعية جديدة قد تكون ا
سيساعدك هذا الكتاب ا
مشروعك التجاري الذي تنوي أتسيسه ،وعلى اخلروج من عباءة التفكري التقليدي واالفرتاضات واملسلمات اليت نتعامل
أخريا ٍ
هبا بشكل يومي ،كما أن هذه املهارات ستسهل إجياد حلول للمشكالت اليت قد تواجهك يف حياتك اليومية .و ا
سيجعل منك الكتاب أيقونة األفكار يف مكان عملك ،وسيمدك بكثري من األدوات لتكون أكثر إبداعا.
هذا الكتاب نتاج أكثر من عشر سنوات من القراءة يف اإلبداع ،ومع ذلك؛ فقد جاء بوصفه حماولة لتغيري
مفاهيم أسهمت يف كثري من األحيان يف سحق احلس اإلبداعي داخل العنصر البشري ،سواء بشكل غري مباشر من
خالل طريقة تعاملنا مع أنفسنا ،أو غري مباشرة بطريقة تعامل احمليط معنا.
يساعدك هذا الكتاب على اكتشاف قدراتك اإلبداعية من خالل إعادة تعريفها ،فبتغيري هذه النظرة ستتغري
متاما نظرتك لنفسك ،وابإلمكاانت والقدرات اإلبداعية اليت متلكها .بقراءتك هلذا الكتاب ستعيد تعريف كل شيء
من حولك ،وتغيري معىن أشياء كثرية مرتبطة بك وكيفية اإلب داع فيها ،وستغري نظرتك خلرباتك ،وكيف ميكن االستفادة
منها من أجل حتقيق النجاح على املستوى الشخصي واملهين.
أهدف يف الفصل األول لبناء نظرة إجيابية ذاتيه حنو قدراتك اإلبداعية يف حماولة لتغيريها ،من خالل إثبااتت
عوان لك يف تعديل
كبريا يف تغيري توجهك وابلتايل تغيري سلوكاتك اإلبداعية .واليت ستكون ا
دورا ا
علمية ستلعب بال شك ا
توجهاتك حنو القدرات اإلبداعية الكامنة يف ذاتك.
علما،
هديف من الفصل الثاين تغيري بعض املفاهيم عن ذاتك اإلبداعية ،وال أنوي أن أغري يف اإلبداع بوصفه ا
جديدا على ما قاله علماء اإلبداع واملختصون والباحثون ،ولكنين سأحاول إلقاء الضوء على كثري من
ا ولن أضيف
املفاهيم املغلوطة حنو اإلبداع ،فعندما تتغري نظرتنا لشىء ما يتغري الشيء ذاته ابلتبعية.
أقد يف الفصل الثالث جمموعة من املهارات اليت ينبغي التسلح هبا من أجل زايدة اإلبداع وما يعزز هذه
املهارات ،حيث يش مل مهارة بناء التوجه اإلبداعي ،ومهارة تغيري املنظور اليت هتدف إىل توسيع املدارك ،ومهارة حتدي
االفرتاضات وتوليد االحتماالت وربط ومزج األفكار ،ومهارة التجريب واالحتفاء ابلفشل.
تعال معي يف رحلة ليست طويلة ،حناول فيها تغيري تراكمات سنوات طويلة عن مفهو اإلبداع ،فأان أضمن
لك أن تغيري املفاهيهم سيغري التوجهات لديك ،وبتغيري التوجهات ستتغري السلوكات وإن استطعنا تغيري السلوكات
فدع عنك الصفحات وأقرأ الصناديق الصغرية اليت جتد فيها ما
ستتغري النتيجة ال حمالة ،وإن شعرت بلحظة من امللل ْ
قاله العلماء عن إبداعك؛ فقد تطرب هلا إُذنيك ،وتزيد ثقتك بنفسك.
عزيزي القارئ ،أمتىن لك قراءة ماتعة.
أسامة بدندي
الفصل األول
فوجادي
فوجادي ( )Vuja deكلمة فرنسية األصل ،وتعين القدرة على النظر لألشياء بعني املبتدىء والنظر لألشياء
املألوفة بطريقة غري مألوفة .املبدعون يرون األشياء وكأهنم مل يروها من قبل ،فالرتكيز وحماولة الكشف واالستكشاف من
بعض مساهتم .يف هذا الكتاب ،سأحاول تغيري الطريقة اليت تنظر هبا لألشياء اليت ألفتها من خالل تغيري املنظور وكشف
طرق جديدة للرؤية األشياء .يقول آلربت انجريابولت الطبيب اجملري احلائز على جائزة نوبل للطب:
قادرا على النظر للمألوف بطريقة غري مألوفة ،وترى األشياء وكأنك تراها أول مرة ،وتفكر مبا ال يفكر به
لكي تكون ا
أمر يتطلب القيا أبربعة أشياء هي:
غريك؛ فذلك ٌ
توجها إجيابياا حنو ذاتك.
أوال :تبين ا
ا
تذكر أن املبدع ال يتنازل عن حسه الفضويل ،وشكه املستمر يف األشياء ،ورغبته الطفولية يف اكتشاف العامل
من حوله ،فهو يرى العامل مليئاا ابلفرص احلقيقية ،ألنه ينظر إىل العامل وكأنه يراه أول مرة!
إحلاحا عن اإلبداع واملبدعني :كيف يصل املبدعون هلذه األفكار؟ وما هي االسرتاتيجيات
من أكثر األسئلة ا
اليت يتبعها هؤالء لتوليد مثل هذه األفكار؟ وما هي أهم املهارات اليت ميارسها هؤالء الناهبون من البشر؟ عقد من
الزمان وأان أحاول فيه أن أصل فيه إىل أجوبة مقنعة ،أخذت ترتاشقين األسئلة ،فتارة أسأل" :هل مثة عادات ملثل هؤالء
أحياان
املبدعني يصلون هبا إىل مثل هذه األفكار واترة أخرى أتساءل" :هل كل مبدع ذكي أ كل ذكي مبدع " و ا
أخرى أستفسر" :هل اإلبداع مهارة ميكن أن تتحسن ابلتدريب واملران أ أهنا حمض موهبة " جملرد حبثي عن أجوبة هلذه
األسئلة؛ أخذت أسئلة أخرى تتزاحم يف عقلي ،وشرعت أحبث عن جواب لكل سؤال يدور يف خلدي ،فتارة أجد كاتباا
عما يؤكد ما
يؤكد ،واترةا أخرى كاتب آخر يشكك ،ولكن الشك مل يبخل مبالزميت ،األمر الذي دفعين إىل البحث ّ
يقوله كاتب بعينه.
مرت عدة سنوات يف البحث ،وجدت أجوبة كثري ألسئلة عديدة ،أجوبة غريت من أفكاري ومن توجهايت حنو
مباشرا ألن يرى هذا الكتاب
اإلبداع ،ولعل هذه البحث املتواصل هو ما حفزين لكتابة هذه الكلمات ،وكان سبباا ا
النور .من جهة أخرى تغري توجهي حنو ذايت ،وأعطاين دفعة من "الثقة اإلبداعية" حفزتين وغريت من توجهي اإلبداعي،
وقد كانت حمصلة حبثي املتواصل نقاط مهمة ،سأوردها بني دفيت هذا الكتاب.
يف جزء آخر يف حبثي عن جواب للسؤال مماثل" :هل مثة مهارات أو عادات ميارسها هؤالء املبدعون تساعدهم
يف الوصول ملثل هذه األفكار وما هي هذه املهارات وهل ميكن تدريب الناس عليها طالعت أكثر من مئة كتاب
عن اإلبداع واملبدعني .كان هؤالء الكتّاب من الصف األول ممّن كتبوا عن اإلبداع وطرق تنميته أمثال :إدوارد ديبونو،
وروجر فان اوخ ،ومايكل م يكالكو ،واألخوين تو وديفيد كيلي وتينا سيلغ ترييزا أمابيل ،وغريهم الكثري الكثري ممن
اهتموا ابإلبداع وطرق تنميته .ابإلضافة لذلك قمت بدراسة أغلب طرق اإلبداع وحل املشكالت بطرق إبداعية ،إبتداء
مرورا بقبعات التفكري الست والتفكري اجلانب وبرامج تنمية
بربانمج هنري التشلر حل املشكالت بطرق إبداعية ،ا
التفكري مثل الكورت إلدوارد ديبونو ،وبرانمج سكامرب لبوب أبريل ،ومفاتيح املفكرين حل املشكالت بطرق إبداعية
مثل ترفنجر ،انتهاء مبنهجية التفكري التصميمي.
يف أثناء ذلك الحظت أن هنالك سبعة مهارات لتنمية التفكري اإلبداعي تكررت يف كتب املؤلفني ،يف حني
اعتمد عليها بعض آخر من املؤلفني لصياغة براجمهم اإلبداعية ابلرغم من اختالف املسميات ،إال إهنا تصب يف إانء
واحد .هذه املهارات هذه املهارات هي صلب هذا الكتاب.
اإلبداع وإال...
الصعد ما هو اال إبداع فئة معينة خرجت من منط التفكري العا
إن ما وصلت إليه البشرية من تقد على كل ُّ
لتصل إىل ذروة استخدامها لعقوهلا ،ولكن هل سيظل اإلبداع أسري الوراثة واملوهبة أ علينا حتريره ليخرج من هذه الدائرة
نريب اإلبداع والتفكري اإلبداعي وننميه عند كل فرد مهما كان مستوى اإلبداع لديه إن كل
الضيقة أ أنه إبمكاننا أن ّ
األحباث اليت أُجريت على اإلنسان يف جمال علم النفس والرتبية والتفكري والدماغ تُظْهر أن كال منا لديه نسبة من اإلبداع
يف حقل معني ،سواء أكان يف احلقل الرايضي أ احلسايب أ اجلسماين أ االجتماعي أ الشخصي أ الروحي.
إن هذا الزمن هو زمن اإلبداع ،فمن ال يبدع ستكون فرصته يف املنافسة ضيئلة ،بل إنه قد يعاين على كل
املستوايت االجتماعية واجلماعية بشىت أنواعها :املؤسسات والشركات واملنظمات الرحبية وغري الرحبية ،وعلى مستوى
متاحا بنقرة فأرة ،أو ملسة شاشة ،وأصبحت
أيضا .لقد أصبح اإلبداع يف عصر املعلومات الذي فيه املعلومة ا
األفراد ا
املعلومات تتهافت علينا من كل حدب وصوب ،وأصبحت التكنولوجيا أتكل وتعيش معنا ،لذا صار اإلبداع وخلق
األفكار نقطة التميز ،فاجرتار األفكار مل يعد صاحلاا يف هذا الزمن ،وأصبح التغيري والتحسني والتطوير ضرورةا ملحةا
للتقد ،سواء أكان على املسلتوى ال شخصي أ على صعيد العمل أ على مستوى الشركات واملؤسسات اخلاصة منها،
واحلكومية.
متاحا لكثري من الدول مثل الصني واهلند وغريمها ،فلم تعد تلك امليزة
لقد أصبح ُمعطى التكنولوجيا والتصنيع ا
(التكنولوجيا والتصنيع) يف عصر التجارة احلرة هي اليت تفرق بني الدول ،إمنا أصبح مستوى اإلبداع هو الفارق .لقد
مقبوال أن تبقى مكانك وجترت
ازدادت التنافسية يف القرن الواحد والعشرين ،وصار التغيري أسرع من ذي قبل ،فلم يعد ا
األفكار ،وصار لز ااما على املنظمات واملؤسسات بكافة أنواعها اإلتيان مبا هو جديد ،وأصبحت اللمسة الفريدة جزءاا
أساسياا من النجاح واالستمرار.
أظهرت دراسة حديثة أجريت يف شركة (آي يب أ ) على أكثر من ألف ومخس مئة مدير تنفيذي أن املديرين
احدا من أهم الكفاءات القيادية يف خضم تعقيدات التجارة العاملية يف الوقت
التنفيذيني يعتقدون أن اإلبداع يعد و ا
احلايل.
إن الطريقة اليت ينظر هبا اجملتمع لإلبداع واإلرث التارخيي عن اإلبداع واملبدعني أسهمت يف خلق انطباع سليب
أيضا
عن اإلبداع واملبدعني؛ الرتباط اإلبداع ابحلالة املرضية يف كثري من األحيان .كما أن طريقة نظرة اجملتمع أسهمت ا
أمرا ميكن القبول به على استحياء ،بل إن كثريا من القناعات
يف ربط اإلبداع ابلوراثة ،وصارت مسألة التدريب عليه ا
ترى أن حتسني هذه املهارة ال ميكن أن حيدث أصالا.
وميكن القول إن من أهم األسباب اليت أدت إىل عد التدريب على اإلبداع؛ القناعة الراسخة أبن اإلبداع ما
هو إال هبة ،إما أن متتلكها وإما ال .وعلى الرغم من كل هذا تبقى مقدرة اإلنسان على التدرب والتطوير ألي مهارة -
أيًّلا كانت -مرتبطة ارتباطا وثيقا بوجود ما يكفي من الرغبة واإلرادة.
غريت يف طريقة التعامل معه.
لكن مع مرور الزمن تغريت النظرة لإلبداع والتمييز بني أنواعه فتحت أبو اااب كثريةا ّ
فبدأت ابلظهور بعض مقاييس اإلبداع اليت تزامنت مع ظهور بعض الربامج اليت هتدف إىل تنمية التفكري اإلبداعي،
إيذاان بظهور حقبة جديدة يف تنمية التفكري اإلبداعي.
ا
.3القيود الذهنية
دورا كبريا يف تقييد التفكري ،فكم من األفكار اليت كنت تعتقد أهنا ممكنة ،و ٍ
لسبب أو آلخر ُكبح تلعب الرتبية ا ا
هذا االعتقاد ،فكم من األفكار قوبلت ابلرفض وكم من مرة طُلب منك أن تكون منطقياا يف الطرح وكم مرة جتاهلوك
ألنك مل تسأل السؤال الصحيح وكم مرة نُبذت ألنك سألت أكثر من سؤال يف دقيقة واحدة اترة من أبيك ،واترة
أخرى من أخيك ،وأخرى من أمك ،وأخرى من أختك .تكرب الدائرة وتكرب وتتقلص الرغبة يف البحث عن املعرفة،
وتتشكل مع الوقت القيود اليت متنعك من التفكري خارج الصندوق الذي رمسوه لك من خالل جمموعة من القوانني اليت
ال يُسمح ابخلروج عنها ،ومن خالل معتقدات جمتمعية تنكرها ابلبداية ،مث تتبناها الحقا ،وتصبح أنت من يدافع عنها.
مث أييت دور املدرسة ،فاجلميع هناك يصب جا غضبه عليك إن سألت سؤاال خارج نطاق املنطق ،أو طرحت
سؤاال قد يكون لغريك بديهياا أو منطقي ا ،أو رمبا سخيف ا .أما ابلنسبة لك فهو استفسار تبحث فيه مع معلومة حتاول
أن تكمل هبا دائرة غري مكتملة ،أو مزيج ينقصه مكون آخر ليجعله أكثر مجاالا أو اختالفاا .تبقى هذه القيود وتتحول
إىل قيود ذهنية يصعب إزال تها أو حتديها ،فكم من معتقد كان من املسلمات يوما ما ،وكان يعاقب أو يصبح عرضة
للسخرية كل من حياول أن يشكك يف مصداقيته.
يف عا 1633مثُل عامل الفلك اإليطايل جاليليو أما احملكمة الرومانية آنذاك ،ووجهت له هتمة اإلحلاد
بسبب اإلقرار بصحة أفكار نيكوالس كوبرنيكوس عن أن األرض ليست هي مركز اجملموعة الشمسية إمنا هي جمرد
كوكب كغريه من الكواكب يدور حول الشمس اليت تُعد مركز اجملموعة الشمسية ،واألرض هي اليت تدور يف رحاها.
وألن هذا األمر كان يعارض املعتقدات السائدة آنذاك ،اهتم جاليليو ابخليانة ،وأُجرب على االعرتاف علناا خبطأ أفكاره
وحظر كتابه الذي حيوي هذه األفكار ،وانتهى به املطاف يف املنفى ومات فيه .ولكن
وحكم عليه ابلسجن مدى احلياةُ ،
أثبتت التج ارب الالحقة صحة فرضيات كوبرنيكوس وجاليلو ،وأثبتت أن الشمس هي مركز اجملموعة الشمسية.
.4اإلشكالية اللغوية
لقد تسبب عد وضوح مفهو اإلبداع ،أو حتدجية مفهو واضح يف تعظيم مشكلة تعليم اإلبداع ،وأن
اإلشكالية تكمن يف وضع تعريف لإلبداع .من جانب آخر ينبغي التفريق بني نوعني رئيسني من اإلبداع :اإلبداع الفين،
وهذا النوع من اإلبداع يُقصد به اإلبداع اخلارق ،أي اإلتيان مبا هو نوعي مل أيت به شخص من قبل ،أو اإلبداع الفين
املرتبط ابلرسم ،مثل ليوانردو دافنشي ومايكل أجنلو .أما النوع اآلخر من اإلبداع فهو ما يعرف ابإلبداع "اليومي"
(ديبونو) أو "إبداع األفكار".
لكن هل سنظل أسرى لألفكار السائدة أبن اإلبداع هو فقط اإلتيان ابلفريد الذي مل يسبق له مثيل .إن التغيري
يف النظرة لإلبداع أبنه ال ينطوي فقط على الفريد ،وأنه ميكن أن يكون هنالك إبداع األفكار ،أو ما أطلق عليه العلماء
إبداع احلياة اليومية .أعتقد أن التمييز بني أنواع اإلبداع يُسهم بشكل كبري يف تغيري املنظور جتاه اإلبداع ،وحيل إشكالية
مهمة يف وضع تعريف حمدد جيعل من السهل أن يدرك البعض أمهية اإلبداع يف الوقت اآلين.
مبدعا .إن
ما حنن بصدده يف هذه الصفحات هو اإلبداع اليومي ،فليس شرطاا أن أتيت بنظرية جديدة لتكون ا
ابتكارا ملنتج جديد أو خدمة نوعية تقدمها شركة ما هو ابتكار نشأ عن فكرة مبدعة أصبحت فكرة مبتكرة وجتد من
يتبناها.
فريى البعض أن اإلبداع والذكاء أمران متواراثن ليس لنا حنن البشر إية دور مؤثر يف ذلك .يف املقابل يعتقد
متاما .وبني مؤيد ومعارض ظهرت وجهة
البعض اآلخر أن البيئة هي اليت تشكل هذا الذكاء فأغفلوا الوراثة وحيّدوا دورها ا
نظر أخرى جتمع النقيضني وهي اليت أرها أكثر اعتداالا أن األمر هو مزيج بني وجهيت النظر .وقد أسهم علم دراسات
الدماغ يف إثبات وجهة النظر القائلة أبن الوراثة تلعب دورا أساسيا يف اإلبداع ولكنها أثبتت أيضا دور البيئة يف تنميته.
مستوايت اإلبداع
أعتقد إن خلق مرونة يف تعريف اإلبداع سيساهم يف رفع الثقة اإلبداعية عند األفراد الذي يصيبهم الشك يف
قدراهتم بسبب أن أفكارهم ال ترقى إىل األفكار اإلبداعية االخرتاقية اليت قدمها من سبقوهم .لقد قد رينكو منوذجا
مهما قسم فيه املنتجات اإلبداعية إىل مستويني رئيسيني :اإلبداع الكبري واإلبداع الصغري .كان هلذه التقسم األثر
الكبري -ظاهرايا -يف توسيع رقعة مفهو اإلبداع لتقع فيه مستوايت كثرية.
.1اإلبداع البارز
يتصف اإلبداع الكبري ابإلتيان ابألعمال اإلبداعية الفريدة اليت أبدعها جمموعة من األفراد االستثنائيون؛ حيث
قا هؤالء بتغيري قواعد اللعبة ،وغريوا املنظور بشكل كامل من خالل أفكارهم واخرتاعاهتم ،أو من خالل ابتكار
منهجيات معينة .تعترب "النظرية النسبية" اليت ابتكرها آينشتاين خري مثال على ذلك .ويشمل هذا النوع من اإلبداع
جمموعة ضيقة من األشخاص.
.2إبداع اخلرباء
ينطبق هذه اإلبداع على أشخاص أبدعوا يف حقل معني؛ إذ يتطلب هذه اإلبداع االخنراط يف احلقل يف مدة ال
تقل عن عشرة أعوا .فعلى سبيل املثال ،ميكن إطالق هذا النوع من اإلبداع على عامل نشر عشرات األحباث يف حقل
معني ،أو ابتكر نظرية معينة يف االقتصاد ،أو العلو االجتماعية .وعلى الرغم من أمهية هؤالء إال أن إجنازاهتم ال تصل
احلد الذي وصل إليه املبدعون يف النوع األول؛ فهي مل تغري تفكريا سائدا أو تصنع تغيريا جذراي.
.3اإلبداع اليومي
يُعرف هذا اإلبداع أبنه "التصرف مبرونة وبطرائق فريدة يف األنشطة اليومية" وتضمن هذا النوع من اإلبداع
مصورا حمرتفاا يصور بطريقة إبداعية.
القدرة على حل املشكالت املعقدة بطريقة إبداعية يف العمل ،أو قد يشمل ا
.4اإلبداع التفسريي الشخصي
يُعرف بيغيتو وكوفمان اإلبداع الشخصي أبنه حالة من التفسري الشخصي الفريد ذي معىن للخربات واألفعال
واألحداث ،وهو ما أطلق عليه سترينربغ اسم اإلبداع الفردي .أن إجياد مثل النماذح ستسهم بصورة كبرية رفع الثقة
اإلبداعية أبفكارهم لتكون ضمن دائرة كبرية من اإلبداع وابلتايل زايدة املنتجات اإلبداعية امللموسة منها وغري امللموسة.
فجأة يتقلص هذا اإلبداع -لألسف -مع دخولنا املدرسة ،فنبدأ يف تعلم كيف فكر من قبلنا ونتوقف عن كيفية
التفكري ،فبدالا من أن نتعلم كيف نولد االحتماالت ،نبدأ بتعلم كيف نستثنيها ابستخدا املنطق.
تكون العقول عند الوالدة مثل هذه الكأس السائلة (أنظر الشكل أسفل الصفحة) ،ال تفرق بني الكيمياء
والفيزايء وبني األدب والعلو وبني حقول املعرفة املتنوعة .مع دخول املدرسة تبدأ التصنيفات ،ويبدا تقسيم األشياء.
ومع مرور الوقت ي بدأ ظهور احلواجز بني هذه احلقول ،ويصبح من غري املنطق أن يدخل علم ما يف علم آخر .ابلرغم
أ ن كثريا من االبتكارت جاءت نتيجة مزيج بني فكرتني أو أكثر من حقول خمتلفة .واعترب عصر النهضة يف أورواب نتاج
متازج هذه احلقول ،وتواصل جمموعة متنوعة من العلماء من فنانني ومصممني ومهندسني وكتاب.
يعتقد عامل النفس الرتبوي السري كني روبنسون يف جممل حديثه عن اإلبداع يف إحدى مقاالته املنشورة بعنوان
"هل تقتل املدرسة اإلبداع؟" أن "اإلبداع مهم يف التعليم كأمهية حمو األمية ،وعلينا أن نتعامل معه بذات األمهية".
موهبة أم مهارة
ماذا يتبادر إىل ذهنك عندما ترى هذه الكلمة "إبداع" إذا كنت مثل األغلبية وخطر على ابلك "ليوانردو
دافنشين" وعبقريته ،وآينشتاين وجنونه ،أو سلفادور دايل وهذاينه ،فهذا أمر طبيعي ،لكن إذا كنت تعتقد أن املبدعني
هم أانس غري طبيعيني فهذا هو األمر غري الطبيعي .عندها ميكن أن جتز أبن اإلبداع ال ميكن أن يتم تعليمه أو حتسينة
وتدريبه فمن املمكن أن يسأل سائل :هل ميكن أن جتعل أحدا ما بعبقرية دافنشي أو آينشتاين عندها سيكون اجلواب
حتما ال ونقع يف مأزق .لألسف يعتقد البعض أن اإلبداع حمض موهبة إما أن متتلكها فتكون من احملظوظني أو ال
ا
متتلكها فتكون من غريهم ،ولكن أكد كثري من الدراسات ومن عدد كبري من العلماء أن اإلبداع مهارة ميكن تطويرها
وحتسينها ابلتدريب واملران ،فلم إذن جنلس مكتويف األيدي جتاه اإلبداع ،وال نسعى لتطويره وتنميته ببعض التدريبات
دفرتا وتشرع
حتسن من هذا املهارة .فإذا أردت أن تنمي الكتابة عندك فما عليك إال أن تشرتي قلما وحتضر ا
الىت ّ
ابلكتابة.
فإذا كان مساع املوسيقى واجللوس على ضفة هنر قد يزيد من أفكارك اإلبداعية وتدفقها؛ فلعل األحرى بنا
عوان لنا خللق أفكا ٍر جديدةٍ وفريدةٍ .فحىت ختلق عندك عادة
أيضا أن نقد بعض هذه األدوات اليت ميكن أن تكون ا
ا
فما عليك إال أن تبدأ هبا ومتارسها وتلتز هبا وتضعها ابلفعل ،فاملهارة خيلقها املران .يقول األخوان ديفيد وتيم كيلي يف
كتاهبما "الثقة اإلبداعية"" :الثقة اإلبداعية مثل عضلة ميكن تقويتها أو تنميتها من خالل اجلهد واخلربة".
إدوارد ديبونو
إبداع أم ابتكار
لقد أسهم اخللط بني هذين املصطلحني :اإلبداع االبتكار ،يف مقدار األمهية اليت توليها كل اجلهات األكادميية
هلما ،ولألسف أالحظ خلطا كبريا بني هذه املصطلحني جند الكثري ممن ال مييزون بني اإلبداع وبني االخرتاع .فلو قلنا،
شخصا ما مبدع ،فهذا ال يعين أنه مبتكر ،ولكن كل مبتكر هو شخص مبدع ،فاإلبداع مرحلة
ا علي سبيل املثال إن
أوىل ،أو لنقل اجلانب النظري من االبتكار ،ولكي نصل لالبتكار جيب أن ننمي اإلبداع ،وننمي فن توليد األفكار من
أجل حتويلها البتكارات .ابختصار ميكن القول إنه ليس كل مبدع مبتكر ،ولكن كل مبتكر مبدع .فاالبتكار هو اجلانب
العملي والتطبيقي من اإلبداع الذي يضاف فيه قيمة للفرد املبتكر وملتلقي النتج أو اخلدمة االبتكارية وللمجتمع من
حوهلما.