You are on page 1of 46

‫قاعدة التصرف يف املال العام‬

‫عند فقد اإلمام العادل‬

‫من كلام الإمام سلطان العلماء‬


‫عز ادلين عبد العزيز بن عبد السالم السليم ‪$‬‬
‫املتوفى سنة ‪660‬‬

‫مع مسائل َّ‬


‫قررها الفقهاء وتكون أمثلة للقاعدة‬

‫أعدها و َّ‬
‫علق عليها‬ ‫َّ‬
‫حسن معلم داود حاج حممد‬
2
‫املقدمة‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا محمد األمين‪ ،‬وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬ومن اقتدى هبم إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فإن اهلل تعالى جعل المال قيا ًما للناس‪ ،‬يقضون به حوائجهم‬
‫ويحققون به مصالحهم ويعبدون به خالقهم‪ ،‬ولذلك كان من أهم وظائف إمام‬
‫المسلمين تدبير المال العام وتصريفه يف مصالح المسلمين‪.‬‬
‫والمال العام ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ -1‬مال بيت المال‪ ،‬وموارده خمسة‪ :‬سهم المصالح من ُخمس الغنيمة‪ ،‬ومن‬
‫ُخمس الفيء‪ ،‬والصدقات‪ ،‬واإلرث‪ُّ ،‬‬
‫وكل مال ُجهل مال ُكه‪.‬‬
‫‪ -2‬واألعيان المشرتكة‪ ،‬كالمعادن والماء المباح واألرض الموات وما عليها‬
‫من الحطب والكأل والخضار ونحوها‪.‬‬
‫‪ -3‬ومنافع األعيان المحبوسة على الحق العام‪ ،‬كالشوارع والمساجد‬
‫والمقابر المسبلة وكل ٍ‬
‫وقف عا ٍّم‪.‬‬ ‫ُ َّ‬
‫وهذه األموال العامة يتولى التصرف فيها اإلمام العادل ون َُّوا ُبه‪ ،‬لكن قد ال‬
‫أصال يف بعض األقطار‪ ،‬وقد يوجد لكنه ال يسوس بالعدل وال يقوم‬
‫يوجد إمام ً‬
‫بالحق وال يحكم بالشرع‪ ،‬وذلك كثير يف هذا الزمان‪.‬‬
‫وهذا الكتاب فيه توضيح أحكام المال العام عند فقد السلطان العادل‪ ،‬وهو‬
‫قسمان‪:‬‬
‫القسم األول فيه كالم اإلمام عز الدين بن عبد السالم ‪ $‬والتعليق عليه‪ ،‬وقد‬
‫جل جوانبِه‪ ،‬وب َّين ما يتعلق به من‬
‫أبدع العز يف المجال فق َّعد أصوله‪ ،‬وج َّلى َّ‬
‫الشرائع والمصالح‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫والقسم الثان فيه مسائل مختارة تكون أمثلة موضحة لقاعدة الباب‪ ،‬انتقيت‬
‫فيها عبارات ألئمة أصحابنا الشافعية‪ ،‬مع التعليق عليها‪.‬‬
‫وأرجو أن يكون يف هذا الجمع علم له نفع‪ ،‬وأسأل اهلل أن يرحمني به يوم‬
‫الجمع‪ ،‬وأن يجعل فيه الربكة والفائدة للمجتمع‪.‬‬
‫وصلى اهلل وس َّلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫* * *‬

‫‪4‬‬
‫القسم األول‪:‬‬
‫كالم العز بن عبد السالم‬
‫عز الدين بن عبد السالم ‪:)1($‬‬
‫قال اإلمام شيخ اإلسالم أبو محمد ُّ‬

‫تصف اآلحاد يف األموال العامة عند جور األئمة‬ ‫فصل‪ :‬يف ر‬


‫ف يف أموال المصالح العا َّم ِة إال األئم ُة و ُن َّواهبم‪.‬‬
‫تصر ُ‬
‫ال ي َّ‬
‫تعذر قيا ُمهم بذلك(‪ ،)2‬وأمكن القيام هبا ممن يص ُلح لذلك مِن‬ ‫فإذا َّ‬
‫اآلحاد(‪ ،)3‬فإن وجد شي ًئا من مال المصالح(‪ ،)4‬فليص ِرفه إلى مستحقيه على‬
‫فاألهم‬ ‫األهم‬ ‫الوجه الذي يجب على اإلمام العا ِ‬
‫دل أن يصرفه فيه‪ ،‬بأن ُيقدم‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫واألصلح فاألصلح‪:‬‬

‫(‪ )1‬يف القواعد الكربى (‪.)117-114/1‬‬


‫(‪ )2‬إما لعدم عدلهم‪ ،‬وهو مراد الشيخ‪ ،‬أو لعدم وجودهم من ٍ‬
‫باب أولى‪.‬‬
‫وأجدر من يقوم بذلك‪ :‬العلما ُء الصالحون؛ فإن الزمان إذا شغر عن اإلمام انتقلت‬
‫ُ‬ ‫(‪) 3‬‬
‫ِ‬
‫أعلم أهل ذلك الزمان‪ ،‬كما قال إمام الحرمين‪ ،‬وال يصير إما ًما بذلك‬ ‫أحكا ُمه إلى‬
‫من غير عقد اإلمامة له‪ ،‬وقيل‪ :‬يصير إما ًما من غير عقد‪ .‬ينظر‪ :‬مغني المحتاج‬
‫(‪ ،)425/5‬وفيه (‪« :)259/6‬ولو خال الزمان عن إمام رجع الناس إلى العلماء‪،‬‬
‫أعلمهم‪ ،‬فإن استووا وتنازعوا ُأقرع»‪.‬‬
‫فإن كثر علماء الناحية فالمتبع ُ‬
‫(‪ )4‬أي‪ :‬المصالح العامة التي لها مصارف خاصة‪ ،‬والمصالح العامة التي ليس لها‬
‫الخاصة‬
‫َّ‬ ‫مصارف خاصة‪ ،‬وال تدخل المصالح الخاصة بين األفراد كالديون‬
‫ونحوها‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫خاص يف جهاته‪ :‬أهمها فأهمها(‪.)1‬‬
‫ٍّ‬ ‫صرف َّ‬
‫كل مال‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬في‬
‫ِ‬
‫أصلحها‬ ‫‪ -‬ويصرف ما وجده من أموال المصالح العا َّمة يف مصارفها‪:‬‬
‫ِ‬
‫فأصلحها(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫صرف تلك األموال إلى مستحقيها‪،‬‬ ‫مصالح‬ ‫أل َّنا لو منعنا ذلك لفاتت‬
‫ُ‬
‫وألثِم أئم ُة الجور بذلك وض ِمنُوه‪ ،‬فكان تحصيل هذه المصالح ودر ُء هذه‬
‫المفاسد أولى من تعطيلها(‪.)3‬‬

‫ِ‬
‫وصرف مال الوقف للجهة‬ ‫ِ‬
‫المستح َّقة‪،‬‬ ‫(‪ )1‬وذلك كإعطاء مال الزكاة لألصناف‬
‫ِ‬
‫الموقوف عليها كوقف المدارس ووقف اللقطاء ووقف األيتام ونحو ذلك‪.‬‬
‫ومن ذلك أن ُوقوف مساجد القرى يصرفها صلحاء القرية يف عمارة المساجد‬
‫ومصالحه‪ ،‬كما يف الروضة (‪ ،)7/6‬وحاشية الشربيني على الغرر البهية‬
‫(‪.)438/3‬‬
‫(‪ ) 2‬ومن ذلك صرف أموال بيت المال يف مصالح المسلمين‪ ،‬كأرزاق المقاتلة وعمارة‬
‫الحصون والقناطر والمساجد وأرزاق القضاة والعلماء واألئمة والمؤذنين وكل ما‬
‫وأهمها سدُّ الثغور وإصالحها‪ .‬ينظر‪ :‬روضة الطالبين‬
‫ُّ‬ ‫ال بدَّ منه للمسلمين‪،‬‬
‫(‪ ،)355/6‬وكفاية األخيار (ص ‪.)506‬‬
‫(‪ )3‬قال يف موضع آخر (‪ )146/1‬يف أمثلة األفعال التي ترتجح مصالحها على‬
‫يختص باألئمة مفسدة‪ ،‬لكنه يجوز يف األموال إذا كان‬
‫ُّ‬ ‫مفاسدها‪« :‬تولي اآلحاد لما‬
‫اإلمام جا ًئرا ال يضع الحق يف مستحقيه‪ ،‬فيجوز لمن ظفر بشيء من ذلك الحق أن‬
‫تحصيال لمصلحة ذلك الحق الذي لو ُدفع إلى اإلمام الجائر‬
‫ً‬ ‫يدفعه إلى مستحقيه‪،‬‬
‫لضاع‪ ،‬ولكان دف ُعه إليه إعانة على العصيان‪ ،‬وقد قال اهلل تعالى‪{ :‬وال تعاونُوا على‬
‫ان}»‪.‬‬ ‫اإلث ِم والعدو ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬

‫‪6‬‬
‫ً‬
‫أمواال مغصوبة‪ ،‬فإن عرف مالكيها فلي ُر َّدها عليهم‪ ،‬وإن لم‬ ‫وإن وجد‬
‫تعذرت معرفتهم بحيث يئس من معرفتهم صرفها يف المصالح‬ ‫يعرفهم‪ :‬فإن َّ‬
‫ستقص عنهم على حسب إمكانه‪ ،‬فإن يئس من‬ ‫ِ‬ ‫العامة‪ .‬وإن تو َّقع معرفتهم فلي‬
‫معرفتهم صرفها يف المصالح العامة‪ :‬أوالها فأوالها(‪.)1‬‬
‫وإنما قلنا ذلك؛‬
‫‪ -1‬ألن اهلل تعالى قال‪{ :‬وتعاونُوا على البِر والتَّقوى}‪ ،‬وهذا بِر وتقوى‪.‬‬
‫واهلل يف عون العبد ما كان العبدُ يف عون أخيه»‪.‬‬
‫‪ -2‬وقال ﷺ‪ُ « :‬‬
‫ٍ‬
‫معروف صدقة»‪.‬‬ ‫كل‬‫‪ -3‬وقال ﷺ‪ُّ « :‬‬
‫‪ -4‬وإذا جوز رسول اهلل ﷺ ٍ‬
‫لهند أن تأخذ من ِ‬
‫مال زوجها أبي سفيان ما‬ ‫َّ‬
‫خاص ًة‪ ،‬فألن يجوز ذلك يف‬
‫َّ‬ ‫يكفيها وولدها بالمعروف‪ ،‬مع كون المصلحة‬
‫المصالح العامة أولى‪ ،‬وال س َّيما مع غلبة من ِع الظلمة للحقوق‪.‬‬
‫أتم مِن ترك هذه األموال‬‫شك أن القيام هبذه الحقوق والمصالح ُّ‬ ‫‪ -5‬وال َّ‬
‫بأيدي الظلمة يأكلوهنا بغير حقها‪ ،‬ويصرفوهنا إلى غير مستحقيها‪.‬‬
‫حد ح ُّقه أن يأخذه مِن مال جاحده إذا ظ ِفر به‬‫‪ -6‬وإذا جوز الشرع لمن ج ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫إن كان من جنسه‪ ،‬وأن يأخذه ويبيعه إن كان من غير جنسه‪ ،‬مع أن هذه‬
‫فجواز ما ذكرناه مع عمومه أولى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫خاصة‪،‬‬
‫مصلحة َّ‬

‫(‪ ) 1‬األدلة اآلتية ترجع للمسألتين السابقتين‪ :‬مسألة األموال العامة‪ ،‬فاألموال المغصوبة‬
‫تصير من األموال العامة بشرط اليأس من مالكيها‪ ،‬وكذلك ُّ‬
‫كل مال ضائع كما‬
‫أيضا بيان حال من ال يعرف كيفية الصرف يف المصالح العامة‪.‬‬
‫سيأيت‪ .‬وسيأيت ً‬

‫‪7‬‬
‫(و ُيحتمل أن يجب ذلك على من ظ ِفر به(‪ ،)1‬كمن وجد اللقطة يف‬
‫م ِضيعة)(‪.)2‬‬
‫وقد خ َّير بعض أصحاب الشافعي واجد ذلك بين أن يصرفه يف مصارفه‪،‬‬
‫صرف ذلك يف مصارفه(‪.)3‬‬ ‫ُ‬ ‫وبين أن يحفظه إلى أن يلي المسلمين من هو أهل ي‬
‫ظهور إمام‬ ‫ٍ‬
‫بوقت ُيتو َّقع فيه‬ ‫وينبغي أن يتق َّيد ما ذكره بعض األصحاب‬
‫ُ‬
‫واجده أن‬ ‫المأيوس فيه من ذلك فيتع َّي ُن على ِ‬
‫ِ‬ ‫عدل‪ ،‬وأ َّما يف مثل هذا الزمان‬

‫ورجح الشيخ الوجوب يف القواعد الصغرى‪ ،‬وسيأيت نقل عبارته يف المسألة الثالثة‪،‬‬
‫(‪َّ )1‬‬
‫وهو المعتمد‪.‬‬
‫جوز الشرع‪ ،»..‬وهو هنا‬
‫(‪ )2‬ما بين المعقوفين كان مكتو ًبا يف األصل قبل قوله‪« :‬وإذا َّ‬
‫أنسب‪ .‬ويف المصباح المنير‪« :‬المضيعة بمعنى الضياع‪ ،‬ويجوز فيها كسر الضاد‬
‫وسكون الياء مثل م ِعيشة‪ ،‬ويجوز سكون الضاد وفتح الياء وزان مسلمة‪ ،‬والمراد‬
‫هبا‪ :‬المفازة المنقطعة»‪.‬‬
‫والمسألة المقيس عليها اختلف فيها األصحاب‪ ،‬والمعتمد أن من غلب على ظنه ضياع‬
‫غيره‪ ،‬وجب عليه التقاطها‪ ،‬كنظيره يف الوديعة‪ ،‬بل‬
‫اللقطة لو تركها ولم يكن ث َّم ُ‬
‫وخص الغزالي الوجوب بما إذا لم يكن عليه تعب غير‬
‫َّ‬ ‫أولى؛ ألن تلك بيد مالكها‪،‬‬
‫معتاد يف حفظها‪ .‬وال ضمان على تارك االلتقاط وإن أثم‪ .‬ينظر‪ :‬هناية المحتاج‬
‫(‪ ،)427/5‬وحاشية ابن قاسم على تحفة المحتاج (‪.)318/6‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬التنبيه (ص ‪ ،)154‬والشرح الكبير (‪ ،)540/12‬والروضة (‪.)199/11‬‬

‫‪8‬‬
‫ِ‬
‫وحرمان مستحقيه‬ ‫يصرفه على الفور يف مصارفه(‪ ،)1‬ل ِما يف إبقائه من التغرير به‬
‫ماس ًة إليه بحيث يجب على‬ ‫ِ‬
‫من تعجي ِل أخذه‪ ،‬وال س َّيما إن كانت الحاجات َّ‬
‫اإلمام تعجي ُلها‪.‬‬
‫* * *‬
‫فصل‪ :‬فيما جيوز أخذه من مال بيت املال‬
‫ٍ‬
‫إنسان شي ًئا(‪،)2‬‬ ‫إذا قال قائل‪ :‬إذا دفع الظلم ُة مما بأيديهم من األموال إلى‬
‫فهل يجوز له ُ‬
‫أخذه منهم أم ال؟‬
‫قيل له‪:‬‬
‫ُ‬
‫المبذول له َّ‬
‫أن ما ُيدفع له مغصوب فله حاالن‪:‬‬ ‫‪ -1‬إن علِم‬

‫(‪ )1‬نقل كالم العز هذا اب ُن حجر يف الفتاوى الفقهية الكربى (‪ ،)357/4‬وقال‪« :‬وبه‬
‫جزم ابن سراقة يف التلقين»‪ ،‬وينظر‪ :‬حاشية الرملي على أسنى المطالب‬
‫(‪.)444/2‬‬
‫وابن سراقة هو محمد بن يحيى بن ُسراقة العامري البصري‪ ،‬تلميذ الدارقطني‪ ،‬من كبار‬
‫األصحاب المتقدمين‪ ،‬وله تصانيف يف الفقه والفرائض والحديث‪ ،‬تويف يف حدود‬
‫سنة ‪ .410‬ينظر‪ :‬المهمات (‪ ،)234/1‬وتاريخ اإلسالم (‪.)172/9‬‬
‫(‪ ) 2‬وكذلك إذا لم يدفعوا له المال لكن ظفر به‪ ،‬وكذلك الظفر بالمال يف مكان ال يوجد‬
‫أصال‪ ،‬وهذا التعميم تدل عليه ترجمة الشيخ للفصل‪ ،‬فمقصود السؤال‬
‫ً‬ ‫فيه إمام‬
‫يدخل فيه ُّ‬
‫كل من وجد ً‬
‫ماال ضائ ًعا‪ :‬هل يأخذه لنفسه أو يجب حفظه لمستحقه؟‬
‫وماذا يفعل به إن لم يعرف مستحقه؟‬

‫‪9‬‬
‫الحال األولى‪ :‬أن يكون ممن ُيقتدى به‪ ،‬ولو أخذه لفسد ظ ُّن الناس فيه‪،‬‬
‫أخذه‪ ،‬ل ِما يف أخذه من فساد‬
‫بحيث ال يقتدون به وال يقبلون ُفتياه‪ ،‬فال يجوز له ُ‬
‫اعتقاد الناس يف صدقه ِ‬
‫ودينه‪ ،‬فال يقبلون له ُفتيا‪ ،‬فيكون قد ض َّيع على الناس‬
‫شك أن حفظ تلك المصالحِ العام ِة الدائمة أولى من ِ‬
‫أخذه‬ ‫مصالح الفتيا‪ ،‬وال َّ‬
‫َّ‬
‫والح َّكام‪ ،‬ما لم يصرحوا بأهنم‬ ‫المغصوب لير َّده على صاحبه‪ .‬وكذلك ُّ‬
‫الشهود ُ‬
‫أخذوه للرد على مالكه(‪.)1‬‬
‫حرم عليه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫المبذول له كذلك‪ ،‬فإن أخذه لنفسه ُ‬ ‫الحال الثانية‪َّ :‬أال يكون‬
‫وإن أخذه لير َّده على مالكه جاز ذلك‪.‬‬
‫وإن ج ِهل مالكه بحث عنه إلى أن يعرفه‪ ،‬فإن َّ‬
‫تعذرت معرف ُته صرفه يف‬
‫المصالح العا َّمة‪ :‬أهمها فأهمها‪ ،‬وأصلحها فأصلحها‪.‬‬
‫فإن لم يعرف تلك المصالح دفعه إلى من يعرفها(‪ ،)2‬فإن لم يجد من‬
‫فيتعرفها منه‪ ،‬أو يدفعها إليه؛ ليصرفها يف‬
‫َّ‬ ‫يعرفها تر َّبص هبا إلى أن يجده‪،‬‬
‫مصارفها إن كان ً‬
‫عدال‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف تحفة المحتاج (‪ )180/7‬وهناية المحتاج (‪« :)174/6‬يجوز األخذ من الحرام‬
‫حاكما أو شاهدً ا‪ ،‬فيلزمه التصريح بأنه‬
‫ً‬ ‫بقصد رده على مالكه‪ ،‬إال إن كان مفت ًيا أو‬
‫إنما يأخذه للرد على مالكه؛ لئال يسوء اعتقاد الناس يف صدقه ودينه‪ ،‬فيردون فتياه‬
‫وحكمه وشهادته»‪ .‬وهذا ال ينفي أن األخذ المذكور واجب على من تع َّين له بأن لم‬
‫يوجد غيره‪ ،‬كما أشار إليه بعض المحشين؛ ألن الجواز بعد المنع يصدُ ق‬
‫بالوجوب‪ ،‬وقد ُيراد بالجائز ما ليس بحرام‪.‬‬
‫(‪ )2‬بشرط كونه ً‬
‫عدال‪ ،‬كما يأيت يف كالمه‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ -2‬وإن كان المال الذي يبذلونه مأخو ًذا ٍّ‬
‫بحق(‪:)1‬‬
‫خاص ٍة كالزكاة ألرباهبا‪ ،‬والخمس ألربابه‪،‬‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬فإن كان المال لمصالح‬
‫المبذول له مِن أهل ذلك المال‬
‫ُ‬ ‫والفيء لألجناد على قول(‪ ،)2‬فإن كان‬
‫الخاص‪ :‬فإن ُأعطي قدر حقه فليأخذه(‪ ،)3‬وإن ُأعطي زائدً ا على حقه فليأخذ‬
‫ُ‬
‫ويكون حكم الزائد على حقه كما ذكرناه يف المال المغصوب(‪.)1‬‬ ‫قدر حقه‪،‬‬

‫حق‪ ،‬ولم يخلطوه بحرام‪ ،‬فإن خلطوه بحرام‬


‫(‪ )1‬أي‪ :‬أخذه هؤالء الظلمة على وجه ٍّ‬
‫ُ‬
‫فأخذ قدر الحق منه مكروه‪ ،‬ويف تحفة المحتاج (‪ )180/7‬وهناية المحتاج‬
‫(‪ُ « )174/6‬يكره األخذ ممن بيده حالل وحرام كالسلطان الجائر‪ ،‬وتختلف‬
‫الكراهة بقلة الشبهة وكثرهتا‪ ،‬وال يحرم إال إن تيقن أن هذا من الحرام الذي يمكن‬
‫معرفة صاحبه»‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال الشيخ يف الكربى (‪« :)176/2‬الفيء لسيد المرسلين وخاتم النبيين لِما نصره‬
‫اهلل به من الرعب يف قلوب الكافرين‪ ،‬وقد جعله الشافعي ‪ $‬على أحد قوليه بعد‬
‫رسول اهلل ﷺ ألجناد المسلمين؛ ألهنم قاموا مقامه يف إرعاب الكافرين»‪ .‬وهذا‬
‫القول هو األظهر‪ ،‬كما يف روضة الطالبين (‪.)358/6‬‬
‫(‪ )3‬ولو لم يعطه أحد لكن ظفر هبذا المال‪ ،‬هل له أن يأخذ منه ح َّقه؟ مقتضى كالم‬
‫الشيخ‪ :‬نعم؛ ألن الحاكم الجائر يعتربه الشيخ كالمفقود يف هذا الحكم‪ ،‬ولذلك‬
‫تصرف واجد المال الضائع‪ ،‬فحصول اإلعطاء من الجائر كعدمه‪ ،‬فكذلك‬
‫صحح ُّ‬
‫َّ‬
‫نفسه‪ .‬وألن الشيخ ذكر أن الواجد يفعل ما‬
‫لو ُعدم إعطاؤه حقيقةً‪ ،‬أو ُعدم الجائر ُ‬
‫كان يفعله اإلمام العادل‪ ،‬ويجوز للعادل إعطاء هذا الواجد لكونه من المستحقين‪.‬‬
‫هرا‪ ،‬فلو ظفر المستحق‬ ‫ِ‬
‫ولو امتنع مالك النصاب من دفع الزكاة أخذها اإلمام منه ق ً‬
‫بجنسها من ماله فال يجوز له ُ‬
‫أخذ قدرها منه؛ ألن المأخوذ ال يقع زكاة لعدم النية‪،‬‬

‫‪11‬‬
‫فيكون مغصو ًبا‪ ،‬وألن الزكاة تتعلق بالمال تع ُّلق شركة‪ ،‬والمال المشرتك يقسمه‬
‫قهرا إذا امتنع بعض الشركاء‪ ،‬وال يجوز لبعضهم االستبداد بقسمته‪ .‬ينظر‪:‬‬
‫اإلمام ً‬
‫فتح الوهاب (‪ ،)282/2 ،137/1‬وهناية المحتاج مع حاشية الشرباملسي‬
‫(‪.)291/8 ،124/3‬‬
‫(‪ )1‬ومن مال المصالح الخاصة ما ُأفرز من بيت المال لجهة معينة كاأليتام أو الجند أو‬
‫نص األصحاب على أن «من سرق مال بيت‬ ‫القضاة أو المؤذنين أو المدارس‪ ،‬وقد َّ‬
‫المال‪ ،‬إن ُأفرز لطائفة ليس هو منهم‪ُ ،‬قطع»‪ ،‬كما يف المنهاج‪ ،‬ويدخل يف ذلك «إذا‬
‫أفرز اإلمام مِن سهم المصالح لطائفة من العلماء أو القضاة أو المؤذنين شي ًئا من‬
‫أيضا أن من أفرز له‬
‫ذلك»‪ ،‬كما يف حاشية أسنى المطالب (‪ ،)140/4‬وذكروا ً‬
‫أيضا‬
‫السلطان عطا ًء يستحقه ورضي به‪ ،‬ملكه وجاز له بيعه‪ ،‬كما يف الروضة ً‬
‫اختص هبا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(‪ ،)512-511/3‬وأسنى المطالب (‪ .)84/2‬فظهر أن ما ُأفرز لجهة‬
‫ويدخل يف هذا ما تبنيه الدولة بالمال العام من المباين لمصلحة جهة من الجهات‬
‫المستحقة‪ ،‬فمنافعها لتلك الجهة إن ُوجدت‪ ،‬فإن لم توجد عادت المباين إلى‬
‫المال العام‪ .‬ومن كان مِن أهلها فله االنتفاع هبا ولو بغير إذن اإلمام إن لم تحصل‬
‫بذلك فتنة؛ ألنه كالظفر بالمال العام وسيأيت‪ .‬ويحرم على من ليس مِن أهلها أن‬
‫يستويف منفعتها بسكنى أو غيرها؛ ألنه غصب‪ ،‬فإن فعل فعليه أجرة مثلها و ُتصرف‬
‫للمستحقين‪ ،‬كما سيأيت يف المسألة الخامسة‪ .‬وعلى ما سبق فلو ُعين بعض العقار‬
‫لمستحق بعينه‪ ،‬فإنه يملك منفعته وال يجوز لغيره سب ُقه إليه‪ ،‬فإن فعل‬ ‫ٍّ‬ ‫العام‬
‫ِ‬
‫للمستحق المع َّين‪.‬‬ ‫واستوىف منفعته فعليه أجرة المثل ُيعطيها‬
‫ومن ملك منفعة عقار عام غير موقوف كالذي تبنيه الدولة وتعينه لشخص‪ ،‬جاز له‬
‫استيفاؤها بأي وجه مباح وإن خالف الغرض المسمى عند اإلعطاء‪ ،‬ما لم يلزم منه‬
‫ُ‬
‫إلحاق ضرر بالرقبة أو‬ ‫تصرف يف الرقبة لغير مصلحة عامة كإحداث بناء خاص‪ ،‬أو‬
‫ُّ‬

‫‪12‬‬
‫وإن كان ذلك من األموال العامة‪ ،‬فليأخذه إن لم ت ُفت بأخذه مصلح ُة‬
‫ِ‬
‫أصلحها فأصلحها(‪.)1‬‬ ‫الفتيا‪ ،‬وليصرف ُه يف المصارف العامة‪:‬‬
‫وإن لم يكن من أهل ذلك‪ ،‬فعل ما ذكرناه يف المال المغصوب‪.‬‬
‫‪ -3‬وإن ُب ِذل له المال من جهة مجهولة(‪:)2‬‬
‫فإن يئس من معرفة مستحقيه فقد صار باليأس للمصالح العامة‪ ،‬فليأخذه‬
‫ويصرف ُه فيها‪.‬‬

‫تعذر الغرض األصلي لهذا‬ ‫ٍ‬


‫منفعة أكثر من حقه‪ .‬ولو َّ‬ ‫ببقية المستحقين‪ ،‬أو استيفا ُء‬
‫العقار جاز لمن هو بيده هتيئتُه لمصلحة أخرى على ما كان يفعله اإلمام العادل؛‬
‫ألنه تصرف يف مال عام‪ .‬أما العقار العام المشرتك الذي ال يستقل بمنفعته أحد‬
‫كالمسجد والشارع والمنتزهات فال يجوز فيه التصرف الخاص المخالف لغرضه‬
‫أو الزائد على الحاجة‪ ،‬إال ما استُثني وسيأيت يف المسألة الخامسة‪ .‬وأما العقار‬
‫ضررا‬
‫ً‬ ‫الموقوف فاستعماله مق َّيد بغرض الواقف‪ ،‬وال يجوز ما يخالفه وإن كان َّ‬
‫أقل‬
‫أو فيه مصلحة عامة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫(‪ )1‬ظاهر كالم الشيخ أن هذا القسم ال يحل أن يأخذه لنفسه من الجائر الدافع وإن كان‬
‫صرح يف القواعد الكربى (‪)145/1‬بأنه‬
‫من المستحقين كالعلماء والمؤذنين‪ ،‬وقد َّ‬
‫ُ‬
‫اآلخذ غير عالم‬ ‫ظفرا‪ ،‬وهو ضعيف إال أن ُيحمل على ما إذا كان‬ ‫ال يأخذه ً‬
‫باألحكام الشرعية أو أخذ فوق حقه‪ ،‬كما سيأيت يف المسألة الثانية من القسم الثاين‪.‬‬
‫بحق‪ ،‬فيحتمل أنه من المصالح العامة‪،‬‬
‫(‪ )2‬أي‪ :‬ال ُيدرى هل أخذه السلطان بظلم أو ٍّ‬
‫الخاصة فهو لمستحقيها‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ف ُيصرف فيها كما سبق‪ ،‬ويحتمل أنه من المصالح‬
‫ويحتمل أنه مغصوب فهو لمالكه‪ ،‬فإن َّ‬
‫تعذرت معرفة المستحق أو المالك ُصرف‬
‫يف المصالح العامة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫وإن تو َّقع معرفة مستحقيه فليأخذه بنية البحث عن مستحقيه‪ ،‬فإن َّ‬
‫تعذرت‬
‫معرف ُتهم بعد البحث التام صار كمال المصالح العامة(‪.)1‬‬
‫انتهى كالم اإلمام عز الدين بن عبد السالم ‪. $‬‬
‫* * *‬

‫مختصرا يف الفتاوى (ص ‪.)130‬‬


‫ً‬ ‫(‪ )1‬ذكر عز الدين هذا الفصل‬

‫‪14‬‬
‫القسم الثاني‪:‬‬
‫مسائل يف التصرف يف املال العام‬

‫املسألة األوىل‪ :‬يف كيفية اتلصف يف املال الضائع‬


‫ملك ٍ‬
‫زيد فح ُّقه يمنع من التصرف فيه بغير إذنه‪،‬‬ ‫قال الغزالي‪« :‬ما ُعلِم أنه ُ‬
‫ولو ُعلم أن له مال ًكا يف العالم ولكن وقع اليأس عن الوقوف عليه وعلى وارثه‬
‫فهو مال ُمرصد لمصالح المسلمين‪ ،‬يجوز التصرف فيه بحكم المصلحة‪.‬‬
‫وكل مال ضائع فقد مالكه يصرفه السلطان إلى المصالح‪ ،‬ومِن المصالح‬
‫تصر ُفه‪ ،‬فلو سرقه منه‬ ‫وغيرهم‪ ،‬فلو صرف إلى ٍ‬
‫فقير ملك ُه ونفذ فيه ُّ‬ ‫ُ‬ ‫الفقرا ُء‬
‫سارق ُقطعت يده‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ذلك يختص بالتصرف فيه السلطان‪ .‬فنقول‪ :‬والسلطان لِم يجوز‬
‫غيره بغير إذنه؟ ال سبب له إال المصلحة‪ ،‬وهو أنه لو ُترك‬ ‫له التصرف يف ِ‬
‫ملك ِ‬
‫أصلح من‬
‫ُ‬ ‫والصرف إلى ُم ِه ٍّم‬
‫ُ‬ ‫لضاع‪ ،‬فهو مر َّدد بين تضييعه وصرفِه إلى ُم ِه ٍّم‪،‬‬
‫التضييع‪ ،‬فرجح عليه‪.‬‬
‫وجهات المصلحة تختلف؛ فإن السلطان تار ًة يرى أن المصلحة أن يبني‬
‫ِ‬
‫المال قنطر ًة‪ ،‬وتار ًة أن يصرفه إلى جند اإلسالم‪ ،‬وتار ًة إلى الفقراء‪،‬‬ ‫بذلك‬
‫ويدور مع المصلحة كيفما دارت‪ ،‬وكذلك الفتوى يف مثل هذا تدور على‬
‫المصلحة»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬إحياء علوم الدين (‪.)110/2‬‬

‫‪15‬‬
‫واملر ُء «يأخذ ما أخذه من السلطان؛ ليتصدق به على الفقراء أو يفرقه على‬
‫المستحقين؛ فإن ما ال يتعين مالكه هذا حكم الشرع فيه‪ .‬فإذا كان السلطان إن‬
‫لم يأخذ منه لم يفرقه واستعان به على ظلم‪ ،‬فقد نقول‪ُ :‬‬
‫أخذه منه وتفرق ُته‬
‫أولى مِن تركه يف يده»(‪.)1‬‬
‫ويف فتاوى البغوي‪« :‬مسألة‪ :‬المال الضائع الذي ُيصرف إلى المصالح إذا‬
‫وقع يف يد إنسان‪ ،‬وهو ال يظفر بإمام(‪ )2‬يدفعه إليه‪ ،‬فصرف ُه الذي وقع يف يده‬
‫األهم‪ُ ،‬‬
‫مثل أن كان يف البلد من يحتاج إلى‬ ‫َّ‬ ‫إلى نوع من المصالح‪ ،‬غير أنه ترك‬
‫ٍ‬
‫مسجد ونحوه‪ ،‬هل يجزئه ذلك؟‬ ‫ِ‬
‫عمارة‬ ‫كسوة ولباس‪ ،‬وهو صرف ُه إلى‬
‫مستحق وثمة من هو أشدُّ‬
‫ٍّ‬ ‫أجاب‪ :‬يجوز وال يأثم‪ ،‬كالزكاة إذا صرفها إلى‬
‫استحقا ًقا جاز‪ ،‬وإن ترك فهو أولى»(‪.)3‬‬
‫وقال الرافعي‪« :‬وأما ما ال يتع َّين له مالك أو حصل اليأس من معرفته‪،‬‬
‫فذكر بعضهم أن له أن يبيعه ويصرف ثمنه إلى المصالح‪ ،‬وأن له أن يحفظه»‪.‬‬
‫المحكي عن بعضهم متعين‪ ،‬وقد قاله جماعة‪ ،‬وال‬
‫ُّ‬ ‫«قلت‪ :‬هذا‬
‫ُ‬ ‫قال النووي‪:‬‬
‫نعرف خالفه‪ ،‬واهلل أعلم»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬إحياء علوم الدين (‪ .)138/2‬وسيأيت أن األخذ المذكور واجب‪.‬‬


‫مر»‪ ،‬قاله ابن حجر يف الفتاوى الكربى (‪.)357/4‬‬ ‫ِ‬
‫(‪« )2‬أي‪ :‬عادل‪ ،‬لما َّ‬
‫(‪ )3‬فتاوى البغوي الملحقة بفتاوى ابن الصالح (‪.)638-637/2‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الكبير (‪ ،)540/12‬والروضة (‪ .)199/11‬وقد سبق يف كالم الشيخ عز‬
‫ظهور إمام عدل‪ ،‬وأ َّما عند اليأس منه فيتع َّي ُن‬ ‫ٍ‬
‫بوقت ُيتو َّقع فيه‬ ‫الدين أن الحفظ يتق َّيد‬
‫ُ‬
‫واجد المال صر ُفه على الفور يف مصارفه‪.‬‬ ‫على ِ‬

‫‪16‬‬
‫قال اإلسنوي‪« :‬وقريب من هذه المسألة‪ :‬ما إذا كان عنده مال لشخص‪،‬‬
‫تعذر تصدَّ ق به‬ ‫ٍ‬
‫قاض يثق به‪ ،‬فإن َّ‬ ‫وغاب المالك وانقطع خربه‪ ،‬فإنه يدفعه إلى‬
‫على الفقراء بنية الغرامة له إن وجده»(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫كمال بيت‬ ‫قال ابن حجر‪« :‬ف ُعلِم أن المال الضائع عند اليأس يكون‬
‫المال(‪ ،)2‬وإن أوهم كالم العز بن جماعة تغايرهما(‪ ،)3‬وكالمه صريح يف أن‬

‫(‪ )1‬المهمات (‪ .)300/9‬وينظر‪ :‬الشرح الكبير (‪ ،)39/13‬والروضة (‪)246/11‬؛‬


‫تعذر تصدَّ ق به على الفقراء‬ ‫ٍ‬
‫قاض ُترضى سيرته وديانته‪ ،‬فإن َّ‬ ‫وعبارهتا‪« :‬دفعه إلى‬
‫بنية الغرامة له إن وجده»‪ .‬والمسألة منقولة يف التائب المتخلص من المظلِمة‪.‬‬
‫تصرف يف المال الضائع بعد اليأس‬
‫أيضا يف حق اإلمام أو القاضي إذا َّ‬
‫والغرم ثابت ً‬
‫من مالكه ثم ظهر المالك‪ ،‬فإن كان المال باق ًيا فهو له‪ ،‬وإن أتلفه لمصلحة الناس أو‬
‫خلطه بمثله غ ِرم له من بيت المال‪ .‬ولو أعطى اإلمام عي ًنا لشخص ثم ظهر مالكها‬
‫فهي للمالك‪ ،‬ويأخذ أرش النقص واألجرة ممن وضع يده عليها‪ .‬ينظر‪ :‬الغرر‬
‫البهية (‪ ،)222/5‬وحاشية الشرباملسي على هناية المحتاج (‪.)333/5‬‬
‫«كل ما ال ُيعرف مالكه وال ُيرجى‬‫(‪ )2‬يف مغني المحتاج (‪ )497/3‬عن السبكي‪ُّ :‬‬
‫ظهوره فهو لبيت المال»‪ ،‬قال الخطيب‪« :‬ويؤخذ منه ما عمت به البلوى مِن ِ‬
‫أخذ‬ ‫َّ‬
‫العشور والمكوس وجلود البهائم ونحوها التي ُتذبح وتؤخذ من ُم َّالكها بغير‬
‫اختيارهم وغير ذلك‪ ،‬وتصير بعد ذلك ال ُيعرف ُم َّالكها أهنا تصير لبيت المال»‪.‬‬
‫وينظر‪ :‬حاشية أسنى المطالب (‪.)444/2‬‬
‫(‪ )3‬ذكر يف هداية السالك إلى المذاهب األربعة يف المناسك (ص ‪ )404‬أن التائب من‬
‫مظالم األموال يجب عليه ر ُّدها إلى أهلها أو من يقوم مقامهم مِن وكيل أو وارث‪،‬‬
‫قال‪« :‬فإ ن عجز عن ذلك وأيس من معرفتهم‪ :‬فإن كان يف الوقت إمام عادل أو نائب‬

‫‪17‬‬
‫مر مِن كونه يدفعه إلى اإلمام؛ مح ُّله إن كان ً‬
‫عادال أو له نائب كذلك‪،‬‬ ‫َّ‬
‫محل ما َّ‬
‫قال‪« :‬وإال س َّلمه لرجل عالم معروف موثوق به‪ ،‬وأعلمه بالحال؛ ليصرفه يف‬
‫مصارفه‪ ،‬وللعال ِم أن يصرفه إليه(‪ )1‬إن كان ممن يجوز الصرف إليه‪ ،‬وله هو أن‬
‫يصرفه مِن نفسه لنفسه إن كان هبذه الصفة وهو عالم باألحكام الشرعية »‬
‫(‪)3( )2‬‬

‫اهـ‪ .‬ويف فتاوى البغوي رحمه اهلل تعالى ما يؤيده»(‪.)4‬‬


‫ومن غصب من جم ٍع دراهم ثم « ُج ِهلوا‪:‬‬
‫فإن لم يحصل اليأس من معرفتهم وجب إعطاؤها لإلمام؛ ليمسكها أو‬
‫ثمنها لوجود ُم َّالكها‪ ،‬وله أن يقرتضها لبيت المال(‪.)5‬‬

‫له كذلك فليسلمه إليه وليعرفه الحال فيه‪ ،‬فهو مال ضائع عند طائفة من الشافعية‪،‬‬
‫ومال بيت المال يف ِ‬
‫قول آخرين‪ ،‬وهو المختار‪ .‬فإن لم يكن يف الوقت من هو هبذه‬
‫الصفة س َّلمه إلى رجل عالم موثوق به» إلخ ما نقله ابن حجر‪.‬‬
‫(‪ )1‬أي‪ :‬إلى نفسه‪ ،‬وقوله اآليت‪( :‬وله هو) أي‪ :‬من كان المال يف يده‪.‬‬
‫صرح هبا ابن جماعة هنا‪،‬‬
‫(‪ )2‬جواز األخذ للنفس بشرط االستحقاق‪ ،‬مسألة مهمة َّ‬
‫وسيقررها ابن حجر يف كالمه اآليت يف المسألة الثانية‪ .‬وينظر‪ :‬الحاوي للفتاوي‬
‫للسيوطي (‪.)148/1‬‬
‫يرتجى معرفة مستحقها فليعزم على‬
‫(‪ )3‬هداية السالك (ص ‪ ،)405‬وأضاف‪« :‬وإن كان َّ‬
‫أنه متى قدر عليه أوصلها إليه»‪.‬‬
‫(‪ )4‬الفتاوى الفقهية الكربى (‪ ،)357/4‬ثم ذكر خالصة فتوى البغوي السابقة‪ ،‬وكالم‬
‫ابن حجر جواب عن سؤال عمن حصل يف يده مال من حرام‪ ،‬ثم جهل مالكه ولم‬
‫يتوقع معرفته‪ ،‬فما حكمه؟‬
‫(‪ )5‬ويف التحفة (‪ )204/6‬أن المال الضائع «أمره لإلمام يف حفظه‪ ،‬أو ِ‬
‫بيعه وحفظ ثمنه‪،‬‬ ‫ُ‬

‫‪18‬‬
‫وإن أيس منها(‪ - )1‬أي‪ :‬عاد ًة‪ ،‬كما هو ظاهر ‪ -‬صارت من أموال بيت‬
‫المال؛‬
‫التصرف فيها بالبيع‪ ،‬وإعطائها لمستحق شيء من بيت‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬فلمتوليه‬
‫المال(‪.)2‬‬
‫‪ -‬وللمستحق أخذها ظف ًرا‪.‬‬
‫‪ -‬ولغيره ُ‬
‫أخذها ليعطيها للمستحق(‪ ،)3‬كما هو ظاهر‪ .‬ثم رأيت ابن‬
‫صرحوا بذلك»(‪.)4‬‬
‫جماعة وغيره َّ‬
‫* * *‬

‫أو استقراضه على بيت المال‪ ،‬إلى ظهور مالكه إن ُرجي‪ ،‬وإال كان مل ًكا لبيت‬
‫المال»‪ .‬قال يف الفتاوى (‪« :)234/2‬وحينئذ فلِمن يستحق يف خمس المصالح‬
‫شي ًئا أن يتم َّلكها بطريق الظفر‪ ،‬إذا لم يتمكن من الوصول إلى حقه من بيت المال»‪.‬‬
‫(‪ )1‬قال الشرباملسي على النهاية (‪« :)187/5‬قوله‪( :‬وإن أيس منها) أي‪ :‬المعرفة‪.‬‬
‫وليس من هذا ما ُيقبض بالشراء الفاسد من جماعة‪ ،‬بل يتصرف فيه من باب الظفر؛‬
‫ألنه دفع يف مقابلته الثمن‪ ،‬وتعذر عليه اسرتجاعه‪ ،‬مع أنه ال مطالبة به يف اآلخرة‬
‫ألخذه برضا مالكيه»‪.‬‬
‫(‪ ) 2‬هذا ظاهر يف جواز اإلعطاء لشخص من المستحقين وإن كان يمكن أن غيره أحوج‬
‫منه‪ ،‬وسيأيت بحثه‪ .‬وفيه جواز إعطاء كل المال لهذا المستحق‪ ،‬أي‪ :‬إن كان بقدر‬
‫حاجته َّ‬
‫فأقل‪.‬‬
‫(‪ )3‬قال الشرواين‪« :‬فيه أن الكالم هنا فيما إذا لم ُيعرف المالك‪ ،‬فكان المناسب أن‬
‫يقول‪ :‬وصر ُفه للمستحق‪ ،‬وكذا للصارف نفسه إن كان من المستحقين»‪.‬‬
‫(‪ )4‬تحفة المحتاج (‪ ،)45/6‬ومثله يف هناية المحتاج (‪.)187/5‬‬

‫‪19‬‬
‫املسألة اثلانية‪ :‬يف قدر ما جيوز أخذه من املال العام وصفة أخذه‬
‫مستحق‪ ،‬فهل يجوز‬
‫ٍّ‬ ‫كل‬‫قال الغزالي‪« :‬السلطان إذا لم ُيعمم بالعطاء َّ‬
‫للواحد أن يأخذ منه‪ ،‬فهذا مما اختلف العلماء فيه على أربع مراتب‪:‬‬
‫كل ما يأخذه فالمسلمون ك ُّلهم فيه شركاء‪ ،‬وال‬
‫‪ -1‬فغال بعضهم وقال‪ُّ :‬‬
‫يدري أن حصته منه دانِق أو ح َّبة‪ ،‬فليرتك َّ‬
‫الكل‪.‬‬
‫‪ -2‬وقال قوم‪ :‬له أن يأخذ قدر ِ‬
‫قوت يومه فقط؛ فإن هذا القدر يستح ُّقه‬
‫لحاجته على المسلمين‪.‬‬
‫حق‬
‫كل يوم عسير‪ ،‬وهو ذو ٍّ‬ ‫قوت ٍ‬
‫سنة؛ فإن أخذ الكفاية َّ‬ ‫‪ -3‬وقال قوم‪ :‬له ُ‬
‫يف هذا المال‪ ،‬فكيف يرتكه؟‬
‫‪ -4‬وقال قوم‪ :‬إنه يأخذ ما ُيعطى‪ ،‬والمظلوم هم الباقون‪ .‬وهذا هو‬
‫القياس؛ ألن المال ليس مشرت ًكا بين المسلمين كالغنيمة بين الغانمين وال‬
‫كالميراث بين الورثة؛ ألن ذلك صار ملكا لهم‪ ،‬وهذا لو لم يتفق قس ُمه حتى‬
‫الحق غير‬
‫مات هؤالء لم يجب التوزيع على ورثتهم بحكم الميراث‪ ،‬بل هذا ُّ‬
‫متعين‪ ،‬وإنما يتعين بالقبض‪ .‬بل هو كالصدقات ومهما ُأعطي الفقراء حصتهم‬
‫من الصدقات وقع ذلك مِل ًكا لهم‪ ،‬ولم يمتنع بظلم المالك بقية األصناف‬
‫بمن ِع حقهم‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫كل المال‪ ،‬بل ُصرف إليه من المال ما لو ُص ِرف‬
‫هذا إذا لم ُيصرف إليه ُّ‬
‫إليه بطريق اإليثار والتفضيل مع تعميم اآلخرين لجاز له أن يأخذه‪ ،‬والتفضيل‬
‫جائز يف العطاء»(‪.)1‬‬
‫أقره النووي(‪.)2‬‬
‫وهذا التقرير َّ‬
‫أحوج‬
‫ُ‬ ‫فيتفرع عليه جواز األخذ ظف ًرا‪ ،‬سواء أكان هناك‬‫قال ابن حجر‪َّ « :‬‬
‫صرح ابن الفركاح‬
‫َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫منه كما اقتضاه كالم البغوي أم ال خال ًفا للسبكي(‪ ،)3‬وبه‬

‫(‪ )1‬إحياء علوم الدين (‪ .)141/2‬وقوله‪« :‬هذا إذا لم ُيصرف إليه كل المال»‪ ،‬لم ينقله‬
‫مر‬ ‫النووي‪ ،‬ولعل المراد به إذا كان المال فوق حاجته‪ ،‬وإال فله ُ‬
‫أخذ كله‪ ،‬كما َّ‬
‫وسيمر‪ ،‬وهذا المعنى يشير إليه قول ابن حجر اآليت قري ًبا‪« :‬واقتصر على ما يليق أن‬
‫ُّ‬
‫ُيصرف إليه من ذلك»‪.‬‬
‫(‪ )2‬المجموع (‪.)350/9‬‬
‫(‪ )3‬سبق كالم البغوي يف المسألة األولى‪ ،‬ويف فتاوى السبكي (‪« :)450/1‬اإلمام ال‬
‫يجوز له تقديم غير األحوج على األحوج‪ ،‬ولو لم يكن إمام فهل لغير األحوج أن‬
‫يتقدَّ م بنفسه فيما بينه وبين اهلل إذا قدر على ذلك؟ ومِل ُت إلى أنه ال يجوز‪،‬‬
‫واستنبطت ذلك من قوله ﷺ‪« :‬إنما أنا قاسم والمعطي اهلل»‪ ،‬وجه الداللة أن‬
‫التمليك واإلعطاء إنما هو من اهلل ال من اإلمام‪ ،‬فليس لإلمام أن يملك أحدً ا إال ما‬
‫م َّلكه اهلل تعالى‪ ،‬وإنما وظيفة اإلمام القسمة‪ ،‬والقسمة ال بدَّ أن تكون بالعدل‪ ،‬ومن‬
‫العدل تقديم األحوج والتسوية بين متساويي الحاجة‪ ،‬فإذا قسم بينهما ودفعه‬
‫إليهما علمنا أن اهلل م َّلكهما قبل الدفع‪ ،‬وأن القسمة إنما هي معينة لما كان ً‬
‫مبهما»‪،‬‬
‫وينظر‪ :‬األشباه والنظائر للسيوطي (ص ‪.)122-121‬‬
‫ويصرح باعتبار األحوجية قول عز الدين يف أول هذا الكتاب‪« :‬فليص ِرفه إلى مستحقيه‬

‫‪21‬‬
‫وابن جماعة حيث قال يف المال الضائع‪« :‬ولمن كان يف يده إذا ُع ِدم الحاكم‬
‫العادل أن يصرفه لنفسه إذا كان هبذه الصفة‪ ،‬وهو عالم باألحكام الشرعية»(‪،)2‬‬
‫أي‪ :‬واقتصر على ما يليق أن ُيصرف إليه من ذلك‪.‬‬
‫صرح األذرعي بح ًثا‪ً ،‬‬
‫قياسا على مال الغريم‪ ،‬قال‪« :‬بل‬ ‫أيضا َّ‬
‫وبالجواز ً‬
‫أولى»‪ ،‬و ُن ِقل عن محقق عصره الجالل المحلي ما يقتضي الجواز ً‬
‫أيضا(‪،)3‬‬

‫فاألهم‬ ‫األهم‬ ‫ِ‬


‫العادل أن يصرفه فيه‪ ،‬بأن ُيقدم‬ ‫على الوجه الذي يجب على اإلمام‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫واألصلح فاألصلح»‪ ،‬وال شك أن هذا هو األصل؛ ألن العدل المتصرف قائم مقام‬
‫تقديم األحوج واألهم بال خالف‪ ،‬وما‬
‫ُ‬ ‫اإلمام‪ ،‬واإلمام يجب عليه يف مال المصالح‬
‫سبق يف كالم البغوي يمكن حمله على أنه ال يجب على الفرد البحث عن األحوج‬
‫محتاجا وأحوج فال يظهر تجويز عدوله عن المصلحة يف‬
‫ً‬ ‫لمشقته‪ ،‬فأما إذا رأى‬
‫تصرف ُبني على المصلحة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ظفرا‪.‬‬
‫(‪ )1‬يعني جواز األخذ ً‬
‫(‪ )2‬هداية السالك (ص ‪ ،)405‬وقد سبق نقله بنصه يف المسألة األولى‪.‬‬
‫(‪ )3‬يف حاشية ابن عابدين الحنفي (‪« :)159/4‬وقد رأيت رسالة لمحقق الشافعية‬
‫السيد السمهودي قال فيها‪ :‬وقد كان شيخنا الوالد قد شرى لي أمة للتسري‪ ،‬فذاكر‬
‫ِ‬
‫والشراء من وكيل بيت‬ ‫شيخنا العالمة محقق العصر الجالل المحلي يف أمر الغنائم‬
‫المال‪ ،‬فقال له شيخنا الوالد‪ :‬نحن نتم َّلكها بطريق الظفر لِما لنا من الحق الذي ال‬
‫نصل إليه يف بيت المال؛ ألن تلك الجارية على تقدير كوهنا من غني ٍ‬
‫مة لم ُتقسم‬
‫قسم ًة شرعية‪ ،‬قد آل األمر فيها إلى بيت المال‪ُّ ،‬‬
‫لتعذر العلم بمستحقيها‪ .‬فقال‬
‫شيخنا المحلي‪ :‬نعم‪ ،‬لكم فيه حقوق من وجوه‪ .‬اهـ»‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫فهو المعتمد(‪.)1‬‬
‫أيضا قول ابن عبد السالم‪« :‬إن قيل‪ :‬الجزية لألجناد على قول‪،‬‬
‫ويدل له ً‬
‫أو المصالح العامة على قول‪ ،‬وقد رأينا جماعة من أهل العلم والصالح ال‬
‫يتورعون عنها‪ ،‬وال يخرجون من الخالف فيها مع ظهوره‪ .‬فالجواب أن الجند‬
‫َّ‬
‫وغيرهم ممن‬
‫ُ‬ ‫قد أكلوا من مال المصالح التي يستح ُّقها ُ‬
‫أهل العلم والورع‬

‫(‪ )1‬قال يف التحفة (‪« :)110/5‬و ُيغتفر اتحاد القابض والمقبض هنا للضرورة»؛ ألن‬
‫مال بيت المال لمستحقه عند عدم العدالة‪ ،‬كالدَّ ين لصاحبه عند ُّ‬
‫تعذر أخذه‬
‫بالقضاء‪ ،‬فله ُ‬
‫أخذه إن ظفر به‪ .‬وهذا بخالف ما لو ُدفع شيء لشخص وقيل له‪:‬‬
‫فقيرا؛ فإنه وكيل وال ضرورة إلى‬
‫تصدَّ ق به على الفقراء‪ ،‬فال يأخذ منه شي ًئا وإن كان ً‬
‫اتحاد القابض والمقبض‪ .‬ينظر‪ :‬حاشية الشرواين‪.‬‬
‫قال ابن قاسم على المنهج‪« :‬وينبغي أن يجوز أن يأخذ منه لنفسه وعياله ما يحتاجه‪،‬‬
‫وانظر مقدار حاجته‪ :‬هل سنة أو ُّ‬
‫أقل أو أكثر؟»‪ .‬قال الشرباملسي على النهاية‬
‫(‪« :)12/6‬وينبغي أن يقال‪ :‬يأخذ ما يكفيه بقية العمر الغالب [أي‪ :‬ينشئ منه‬
‫أحوج منه؛ ألن هذا‬
‫ُ‬ ‫مصدر تجارة أو غلة كما يف الزكاة]‪ ،‬حيث لم يكن ث َّم من هو‬
‫القدر يدفعه له اإلمام العادل»‪ .‬وكالمهما نقله الجمل على المنهج (‪،)11/4‬‬
‫وأقراه‪ ،‬والشرواين على‬‫والبجيرمي عليه (‪ )349/3‬وعلى الخطيب (‪َّ )313/3‬‬
‫التحفة (‪ )392/6‬وقال‪« :‬وسكت شيخنا و«سم» عن قيد الحيثية فل ُيراجع»‪ .‬قلت‪:‬‬
‫يعني بقيد الحيثية اعتبار األحوج‪ ،‬وقد سبق الكالم عليه‪.‬‬
‫ويف حاشية الجمل (‪ )264/2‬والبجيرمي (‪ )37/2‬على شرح المنهج‪« :‬قال بعضهم‪:‬‬
‫ويجوز لواجده أن ي ُمون منه نفسه ومن تلزمه مؤنتُه‪ ،‬حيث كان ممن يستحق يف بيت‬
‫المال»‪ ،‬قال الشرواين (‪« :)290/3‬أي‪ :‬كما هو قياس نظائره»‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫قصاصا ببعض ما أخذوه‬
‫ً‬ ‫يجب تقديمه أكثرها‪ ،‬فيؤخذ من الجزية ما يكون‬
‫وأكلوه‪ ،‬فتصير كمسألة الظفر»(‪ )1‬اهـ‪.‬‬
‫ظفرا من بيت المال(‪،)2‬‬
‫فما نقله عنه الزركشي من إطالق منع األخذ ً‬
‫ُيحمل على ما إذا كان اآلخذ غير عالم باألحكام الشرعية‪ ،‬أو أخذ فوق حقه‪،‬‬
‫وإال فإطال ُقه ضعيف وإن اقتضى كالم السبكي يف فتاويه الميل إليه(‪ ،)3‬ويف‬
‫بعض كتب الحنفية(‪ )4‬أن من له حظ يف بيت المال فظ ِفر بما هو لبيت المال فله‬

‫(‪ )1‬القواعد الكربى (‪.)150-149/1‬‬


‫(‪ )2‬ذكر الزركشي يف المنثور (‪ )394/1‬من شروط التقاص‪ « :‬أال يكون مما يبنى على‬
‫االحتياط‪ ،‬ولهذا قال ابن عبد السالم‪ :‬ظفر المستحق بحقه عند ُّ‬
‫تعذر أخذه ممن هو‬
‫عليه‪ ،‬جائز إال يف حق المجانين واأليتام واألموال العامة ألهل اإلسالم»‪ ،‬وكالم‬
‫العز يف القواعد الكربى (‪.)145/1‬‬
‫وأقره النووي كما سبق قري ًبا‪ ،‬وهو أن من ظ ِفر بقدر حقه من‬
‫رجحه الغزالي َّ‬
‫والمعتمد ما َّ‬
‫بيت المال يجوز له أخذه‪ ،‬وال يلزمه قسمة ما وجده بينه وبين باقي المستحقين‪.‬‬
‫وهذا فرضوه يف حال منع السلطان المستحقين حقوقهم‪ ،‬ومثله باألولى إذا ُفقد‬
‫السلطان‪ .‬وينظر‪ :‬تحفة المحتاج (‪ ،)132/7‬وهناية المحتاج (‪ .)136/6‬وجواز‬
‫األخذ المذكور خاص بما لم ُيفرز ألحد من مستحقيه‪ ،‬أما ذلك فيملكه من ُأفرز له‬
‫إن ُوجد‪ ،‬فال يجوز لغيره أخذ شيء منه‪ ،‬كما يف حاشية َّ‬
‫الشبراملسي (‪.)136/6‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬فتاوى السبكي (‪.)285 ،282/2 ،450/1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬البحر الرائق (‪ ،)128/5‬والدر المختار مع حاشية ابن عابدين (‪،335/2‬‬
‫والعمال والعلماء والمقاتلة‬
‫َّ‬ ‫‪ ،)159/4‬وفيها أن المراد بمن له الحظ‪ :‬القضاة‬
‫وذراريهم والفقراء‪ ،‬وكذلك طالب العلم والواعظ الذي يعظ الناس بالحق‪ ،‬وأن‬

‫‪24‬‬
‫ُ‬
‫أخذه ديان ًة»(‪.)1‬‬
‫* * *‬

‫القدر الذي يجوز لهم أخذه هو كفايتهم‪ .‬قال‪« :‬ألن بيت المال يف زماننا غير منتظم‪،‬‬
‫ولو ر َّد ما وجده إلى بيت المال لزم ضياعه لعدم صرفه اآلن يف مصارفه‪ .‬ولو‬
‫ُجهلت أصحاب الحقوق وانقطع الرجاء من معرفتهم صار مرجعها إلى بيت‬
‫المال‪ ،‬وانقطعت الشركة الخاصة‪ ،‬وصارت من حقوق بيت المال‪ ،‬كسائر أموال‬
‫بيت المال المستح َّقة لعامة المسلمين استحقا ًقا ال بطريق الملك؛ ألن من مات وله‬
‫حق يف بيت المال ال ُيورث ح ُّقه منه‪ ،‬وحيث صار مرجعها بيت المال فلمن يستحق‬
‫ملخصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫من بيت المال أن يتم َّلكها لنفسه» اهـ‬
‫(‪ )1‬الفتاوى الفقهية الكربى (‪.)235-234 /2‬‬

‫‪25‬‬
‫املسألة اثلاثلة‪ :‬يف مصف تركة من ال وارث هل‬
‫قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي‪« :‬فإن لم يكن وارث انتقل ما ُله إلى بيت‬
‫ُ‬
‫المال أن‬ ‫المال ميرا ًثا للمسلمين‪ ،‬فإن لم يكن سلطان عادل كان لمن يف يده‬
‫يصرفه يف المصالح‪ ،‬أو أن يحفظه إلى أن يلي سلطان عادل»(‪.)1‬‬
‫وذكر الشيخ عز الدين أن من مات وترك ً‬
‫ماال‪« :‬فإن ُعرف ُو َّراثه روجعوا‬
‫تعذر معرفتُهم و ُيئس منها فقد صار لمصالح‬ ‫يف ذلك‪ ،‬وإن ُجهلوا بحيث َّ‬
‫المسلمين العامة‪ ،‬فيصرفه من هو يف يده فيها مبتدئًا بما تجب البداية به يف‬
‫مثله‪ ،‬وينزل منه منزلة اإلمام العادل‪ ،‬فليلزم أن يصرفه يف أهم المصالح التي‬
‫يصرف اإلمام مثله فيها‪ :‬أهمها فأهمها(‪ ،)2‬وال ُّ‬
‫يحل له غير ذلك إال أن يكون‬
‫عامال بكتاب اهلل وسنة رسوله ﷺ‪ ،‬فيلزم أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عادال‬ ‫متولي أمور المسلمين‬
‫يدفعه إليه؛ ليقوم اإلمام بما وضعه اهلل(‪ )3‬عليه فيه‪.‬‬

‫(‪ )1‬التنبيه (ص ‪ .)154‬قال ابن الرفعة يف كفاية النبيه (‪« :)518/12‬ألن اإلمام نائب‬
‫عن المسلمين ووكيل لهم‪ ،‬فجاز الدفع إلى الموكل بالصرف يف مصالحهم‪ ،‬وجاز‬
‫الصرب حتى يدفع إلى نائبهم»‪ ،‬وقد سبق أن الصرب مق َّيد بحال تو ُّقع ظهور إمام‬
‫عادل‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال ابن رسالن يف آخر نظم الزبد‪:‬‬
‫إِن لـــــم ي ُكـــــن فأعطِهـــــا لِل ُفقـــــرا‬ ‫فـــإِن يمــ ـت فهــ ـي ِلــ ـو ِار ٍ‬
‫ث ُيــ ـرى‬ ‫ُ‬
‫‪.................................‬‬ ‫مــــع نِ َّيــــ ِة ال ُغــــر ِم لــــ ُه إِذا حضــــر‬
‫وذكر الغرم تنبيه مهم‪ ،‬وقد سبق يف المسألة األولى‪.‬‬
‫(‪ )3‬يف المطبوع‪ :‬ليقوم لإلمام بما وصفه اهلل‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫وإن تو َّقعنا معرفة الوارث ومراجعته وجب حف ُظه إلى أن يظهر ف ُيراجع‬
‫فيه‪ ،‬أو ُيوأس(‪ )1‬من ظهوره فيرجع إلى المصالح العامة»(‪.)2‬‬
‫وقرر األصحاب أن تركة المسلم الذي ال وارث له ُتصرف إلى بيت‬ ‫َّ‬
‫المال إذا انتظم‪ ،‬فإن لم ينتظم «بأن ُفقد اإلمام أو انتفت أهلي ُته كأن جار»(‪،)3‬‬
‫ٍ‬
‫قاض أمين‪ :‬فإن‬ ‫ٍ‬
‫قاض أمين ُدفع المال إليه‪ ،‬وإن لم يكن‬ ‫نُظر‪ :‬فإن كان يف البلد‬
‫كان الذي يف يده المال أمينًا صرفه بنفسه إلى المصالح‪ ،‬وإن لم يكن أمينًا‬
‫ٍ‬
‫ألمين عارف(‪.)4‬‬ ‫فوضه‬
‫َّ‬
‫واستشهد المتأخرون يف ذلك بعبارة عز الدين يف القواعد الصغرى حيث‬
‫قال‪« :‬إذا جار الملوك يف مال المصالح وظ ِفر به أحد يعرف المصارف ُمقدَّ مها‬
‫و ُم َّ‬
‫ؤخرها‪ ،‬أخذ ُه وصرف ُه يف أولى مصارفه فأوالها‪ ،‬كما يفعله اإلمام العادل‪،‬‬
‫وهو مأجور بذلك‪ ،‬والظاهر وجوبه»(‪.)5‬‬

‫واوا؛ ألن ما قبلها‬


‫(‪ )1‬يف األصل‪ :‬ييأس‪ ،‬لكن الفعل مبني للمجهول‪ ،‬فتقلب الياء الثانية ً‬
‫واوا»‪.‬‬
‫مضموم‪ ،‬قال سيبويه (‪ )338/4‬يف الياء‪« :‬فإن أسكنتها وقبلها ضمة قلبتها ً‬
‫(‪ )2‬الفتاوى لعز الدين (ص ‪.)118-117‬‬
‫(‪ )3‬هذه عبارة هناية المحتاج (‪.)12/6‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬مغني المحتاج (‪ ،)13/4‬وتحفة المحتاج (‪ ،)392/6‬وهناية المحتاج‬
‫(‪.)12/6‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬تحفة المحتاج (‪ ،)392/6‬وهناية المحتاج (‪ ،)12/6‬واإلقناع (‪.)383/2‬‬
‫وعبارة عز الدين نقلها شيخ اإلسالم زكريا يف أسنى المطالب ‪ ، 7/3‬ويف فتح‬
‫الوهاب ‪ ، 4/2‬ويف الغرر البهية (‪ ،)438 /3‬وأشار الشهاب الرملي يف حاشيته‬

‫‪27‬‬
‫الشبرامل ِسي‪« :‬الرتكات التي تؤول لبيت المال‪ ،‬من ظفر بشيء‬
‫وقال علي َّ‬
‫منها جاز له أن يأخذ منه قدر ما كان ُيعطاه من بيت المال‪ ،‬وهو يختلف‬
‫باختالف كثرة المحتاجين وقِ َّلتهم فيجب عليه االحتياط‪ ،‬فال يأخذ إال ما كان‬
‫أيضا أن‬
‫يستحقه لو صرفه أمي ُن بيت المال على الوجه الجائز(‪ .)1‬ويجوز له ً‬
‫يأخذ منه لغيره ممن عرف احتياجه ما كان يعطاه» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫قال‪« :‬وال يجب على المباشر لذلك صر ُفه على أهل مح َّلته فقط‪ ،‬بل لو‬
‫رأى المصلحة يف صرفه يف مح َّل ٍة بعيدة عن مح َّلته وجب نق ُله إليها»(‪.)3‬‬
‫* * *‬

‫على األسنى إلى تصحيح الوجوب‪ ،‬ويف حاشية الجمل (‪« :)11/4‬قوله‪( :‬والظاهر‬
‫وجوبه) هو المعتمد»‪.‬‬
‫(‪ ) 1‬وما وقع بيده قد ال يزيد على ذلك‪ ،‬فيجوز له االنفراد به‪ ،‬وقد ذكر الشرباملسي يف‬
‫موضع آخر من حاشيته (‪ )434/2‬أن من وقع يف يده مال ضائع وغلب على ظنه أن‬
‫متولي بيت المال ال يصرفه على مستحقيه‪ ،‬يصرفه هو على المستحقين‪ ،‬وإذا كان‬
‫له استحقاق يف بيت المال «يجوز له االستقالل به والتصرف فيه لكونه من‬
‫المستحقين»‪.‬‬
‫(‪ )2‬حاشية هناية المحتاج (‪.)136/6‬‬
‫(‪ )3‬حاشية هناية المحتاج (‪ .)12/6‬واألحكام المذكورة هنا ليست خاصة برتكة من ال‬
‫أصال إال‬
‫وارث له‪ ،‬بل هي واردة يف كل مال عا ٍّم‪ ،‬بل إن هذه المسائل لم أذكرها ً‬
‫تمثيال لقاعدة المال العام‪ ،‬وقد ن َّبه على ذلك ابن حجر يف قوله اآليت قري ًبا‪:‬‬
‫ً‬
‫«والحاصل أن هذا مال ضائع»‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ُ‬
‫املسألة الرابعة‪ :‬يف مصف الوديعة إذا جهل مالكها‬
‫قال عز الدين‪« :‬إذا يئس من معرفة مالك الوديعة(‪ )1‬بعد البحث التام‬
‫ِ‬
‫ومسيس‬ ‫فليصرفها يف أهم مصالح المسلمين فأهمها(‪ ،)2‬وليقدم أهل الضرورة‬
‫الحاجة على غيرهم‪ ،‬وال يبني من ذلك مسجدً ا‪ ،‬وال يصرفها إال فيما يجب‬
‫على اإلمام العادل صر ُفها فيه‪ ،‬فإن ج ِهل ذلك فليسأل عنه أورع العلماء‬
‫ِ‬
‫الواجبة التقديم‪ ،‬واهلل أعلم»(‪.)3‬‬ ‫وأعرفهم بالمصالح‬
‫قال ابن حجر‪« :‬والحاصل أن هذا مال ضائع‪:‬‬

‫(‪ )1‬قال ابن حجر يف تحفة المحتاج (‪« :)127/7‬ويظهر أن يلحق هبا لقطة الحرم»‪.‬‬
‫أما لقطة غير الحرم المكي‪ ،‬فتفرتق عن عموم المال الضائع بأمور‪ ،‬منها‪ :‬جواز استقالل‬
‫الواجد بتوليها مع وجود اإلمام العادل‪ ،‬ووجوب تعريفها سنة‪ ،‬سواء أأخذها لحفظ‬
‫أم لتم ُّلك‪ ،‬وجواز تم ُّلكها بعد ذلك من غير اليأس مِن مالكها‪ ،‬وتم ُّلكها من غير‬
‫حاجة إليها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لقاض‬ ‫(‪ )2‬يف تحفة المحتاج (‪« :)127/7‬قال األذرعي‪ :‬وكالم غيره يقتضي أنه يدفعها‬
‫أمين‪ ،‬ولعله إنما قال ذلك لفساد الزمان‪ .‬قال ‪-‬كالجواهر‪ :-‬وينبغي أن يعرفها‬
‫كاللقطة؛ فلعل صاحبها نسيها‪ ،‬فإن لم يظهر صرفها فيما ذكر»‪.‬‬
‫(‪ )3‬الفتاوى لعز الدين (ص ‪ ،)52‬وهذه الفتوى نقلها ابن حجر يف التحفة (‪،)127/7‬‬
‫والرملي يف النهاية (‪ ،)132/6‬ونص السؤال المجاب عنه‪« :‬شخص عنده وديعة‬
‫من مدة مديدة‪ ،‬وما يعلم صاحبها أين هو وال من هو‪ ،‬وال سبيل له إلى ذلك‪ ،‬فما‬
‫الذي يخلصه يف هذا الوقت الذي ال يجد فيه من يقوم بالواجب بكل األمور؟‬
‫أيجوز له صر ُفها إلى الفقراء أو إلى الحاكم؟»‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫فمتى لم ييأس من مالكه‪ :‬أمسكه له أبدً ا مع التعريف ند ًبا‪ ،‬أو أعطاه‬
‫للقاضي األمين‪ ،‬فيحفظه له كذلك‪.‬‬
‫ومتى أيس منه ‪-‬أي‪ :‬بأن يب ُعد يف العادة وجوده فيما يظهر‪ -‬صار من‬
‫جملة أموال بيت المال‪:‬‬
‫‪ -‬فيصر ُفه يف مصارفها من هو تحت يده‪ ،‬ولو لبناء نحو مسجد‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫أهم منه‪ ،‬وإال فقد‬
‫«وال يبني هبا مسجدً ا» لعله باعتبار األفضل‪ ،‬وأن غيره ُّ‬
‫صرحوا يف ِ‬
‫مال من ال وارث له بأن له بناءه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫‪ -‬أو يدف ُعه لإلمام ما لم يكن جائ ًرا فيما يظهر»(‪.)1‬‬
‫فالقاعدة‪« :‬أن ما لبيت المال‪ ،‬لإلمام ومن دخل تحت يده صر ُفه لمن له‬
‫حق فيه كالفقراء»(‪.)2‬‬
‫* * *‬

‫(‪ )1‬تحفة المحتاج (‪ ،)128-127/7‬والعبارة نفسها يف هناية المحتاج (‪ .)132/6‬قال‬


‫السيد عمر البصري‪« :‬وحيث ُفرض اإلمام غير جائز فلِم ال يتعين الدفع إليه؛ إذ‬
‫التصرف فيما ذكر حينئذ له؟ فليراجع»‪ .‬نقله الشرواين (‪.)128/7‬‬
‫(‪ )2‬تحفة المحتاج (‪.)290/3‬‬

‫‪30‬‬
‫املسألة اخلامسة‪ :‬يف ضمان منافع عقار املصلحة العامة‬
‫قال ابن حجر‪« :‬ومنفعة المسجد والرباط والمدرسة كمنفعة الحر(‪ ،)1‬فإذا‬
‫ِ‬
‫جميعه‪ُ ،‬تصرف لمصالحه‪ ،‬فإن لم ُيغلقه‬ ‫وضع فيه متاعه وأغلقه لزمه أجر ُة‬
‫ض ِمن أجرة موض ِع متاعه فقط‪ ،‬وإن ُأبيح وض ُعه‪ ،‬أو لم يكن فيه تضييق على‬
‫مهجورا ال يصلي أحد فيه‪ ،‬على ما اقتضاه إطالقهم(‪.)2‬‬ ‫ً‬ ‫المصلين‪ ،‬أو كان‬
‫وكذا الشوارع وعرفة ومنى ومزدلفة وأرض ُوقِفت لدفن الموتى‪.‬‬
‫وإطالقهم ذلك كله مشكل ِجدا‪ ،‬فالذي ي َّتجه أنه ينبغي أن ُيق َّيد ما ُذكر يف‬
‫نحو المسجد بما إذا شغله بمتاع ال يعتاد الجالس فيه وضعه فيه(‪ ،)3‬وال‬
‫مصلحة للمسجد يف وضعه فيه‪ ،‬زمنًا لمثله أجرة‪ ،‬بخالف متا ٍع يحتاج ُ‬
‫نحو‬

‫فعال‪ ،‬ال بالفوات بدون استيفاء‪ ،‬والكل حرام؛‬


‫(‪ )1‬أي‪ :‬فتُضمن بالتفويت واالستيفاء ً‬
‫ألنه غصب‪ .‬ويف أسنى المطالب (‪« :)343/2‬إذا كانت العين ال ُت َّ‬
‫ؤجر‪ ،‬كمسجد‬
‫وشارع ومقربة‪ ،‬فال ُتضمن منفعتها إال بالتفويت»‪ .‬وينظر‪ :‬فتاوى السبكي‬
‫(‪.)386/1‬‬
‫ومنع الناس‬
‫ُ‬ ‫(‪ )2‬قال الرملي يف النهاية (‪« :)171/5‬أما إغالقه من غير وضع متاع به‪،‬‬
‫من الصالة فيه‪ ،‬فال ضمان عليه فيه؛ ألنه ال تثبت عليه يد‪ ،‬ومثله يف ذلك البقية»‪.‬‬
‫(‪ )3‬فلو دخل المسجد بمتاع يبيعه فيه فوضعه فيه‪ :‬فإن لم يحصل به تضييق على‬
‫المصلين ولم يكن فيه إزراء بالمسجد‪ ،‬لم يحرم بل كُره‪ ،‬فال أجرة فيه‪ ،‬وإن ضيق‬
‫على المصلين أو أزرى بالمسجد حرم وض ُعه فيه‪ ،‬ولزمت األجرة إن وضعه مدة‬
‫تقابل بأجرة‪ ،‬وإال فال‪ .‬ينظر‪ :‬حاشية قليوبي (‪ ،)221/1‬وحاشية الشربامسي‬
‫كثيرا من بيع الكتب بالجامع األزهر‪،‬‬‫(‪ )172-171/5‬وفيها‪« :‬ومنه ما اعتيد ً‬
‫فيحرم إن حصل به تضييق‪ ،‬وتجب األجرة إن شغله هبا مدة تقابل بأجرة»‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ِ‬
‫المعتكف لوضعه‪ .‬ويف نحو عرفة بما إذا شغله وقت احتياج‬ ‫المصلي أو‬
‫وأضرهم به‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الناس له يف النسك بما ال يحتاج إليه البتة حتى ض َّيق على الناس‬
‫وحينئذ يصرف اإلمام أو نائبه ما لزمه يف مصالح المسلمين‪ ،‬إال يف‬
‫ِ‬
‫ونحو الرباط فيما يظهر(‪.)1‬‬ ‫األرض الموقوفة للدفن فلمصالحها‪ ،‬كالمسجد‬
‫ِ‬
‫غرس الشجرة يف‬ ‫جمعت يف «شرح العباب» بين إطالق جم ٍع حرمة‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫ِ‬
‫وإطالق آخرين كراهته‪ ،‬بحمل األول على ما إذا غرس لنفسه أو‬ ‫المسجد‬
‫أضر بالمسجد أو ض َّيق على المصلين‪ ،‬والثاين على ما إذا انتفى ذلك(‪.)2‬‬
‫َّ‬

‫(‪ )1‬قال اإلمام النووي يف الفتاوى (ص ‪« :)152‬وإن شغل بالغ َّلة جان ًبا من المسجد‬
‫ولم ُيغلقه‪ ،‬لزمه أجر ُة ما شغله‪ ،‬و ُتصرف األجرة يف مصالح المسجد»‪ .‬وأفتى ابن‬
‫رزين بأهنا لمصالح المسلمين‪ ،‬و ُغلط يف ذلك‪ ،‬والخالف راجع إلى أن وقف‬
‫المسجد ونحوه من باب التحرير كما هو المعتمد‪ ،‬أو من باب الوقف العام الذي‬
‫يملك المسلمون منفعته‪ ،‬وهو اختيار جماعة‪ .‬وأما نحو الشارع وعرفة فتُصرف‬
‫أجرته لمصالح المسلمين بال خالف‪ ،‬إال إن احتيجت يف مصالحه‪ .‬ينظر‪ :‬حاشية‬
‫الشهاب الرملي على أسنى المطالب (‪ ،)363/2‬وحاشية ابن قاسم على الغرر‬
‫البهية (‪.)252/3‬‬
‫(‪ ) 2‬أما غرس الشجرة يف الشارع فإن قصد به مصلحة عموم المسلمين جاز‪ ،‬وإن قصد‬
‫به مصلحة نفسه لم يجز وإن اتسع الطريق وأذن اإلمام وانتفى الضرر؛ ألن ذلك‬
‫يمنع ا لطروق‪ ،‬وألنه إذا طالت المدة يصير الموضع شبه مملوك وينقطع أثر‬
‫استحقاق الطروق فيه‪ .‬ينظر‪ :‬تحفة المحتاج (‪ ،)202/5‬وهناية المحتاج‬
‫(‪ ،)397/4‬واعتمد الرملي حرمة الغرس يف الشارع مطل ًقا ولو لمصلحة عامة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫وصرح الغزالي فيما ُمنع مِن غرسها بأنه يلزمه أجر ُة مِثلها‪ ،‬وظاهره أن ما‬
‫َّ‬
‫ُأبيح ُ‬
‫غرسها ال أجرة فيها‪.‬‬
‫أيضا ‪ -‬يف‬
‫وذكر الرافعي يف «تاريخ قزوين» ما هو صريح ‪ -‬كما ب َّين ُته ث َّم ً‬
‫جواز وضع ُمجاوري الجامع األزهر خزائنهم فيه التي يحتاجوهنا لكتبهم ول ِما‬
‫يضطرون لوضعه فيها(‪ )1‬مِن حيث اإلقامة لتو ُّقفها عليه‪ ،‬دون التي يجعلوهنا‬
‫ألمتعتهم التي يستغنون عنها(‪ .)2‬وإطالق بعض المتأخرين الجواز ردد ُته‬
‫أيضا‪.‬‬
‫عليهم ث َّم ً‬
‫ويؤخذ مما ُذكر عن الغزالي أنه ال أجرة عليهم ل ِما جاز وض ُعه‪ ،‬وأنه‬
‫يلزمهم األجرة ل ِما لم يجز وض ُعه‪.‬‬
‫ويؤخذ من ذلك أن كل ما جاز وضعه ال أجرة فيه‪ ،‬وكل ما لم يجز وضعه‬
‫فيه األجرة‪ ،‬وبه يتأ َّيد ما ذكر ُته فتأ َّمله‪ ،‬وقِس به ما ذكر ُته يف نحو عرفة؛ فإن‬

‫(‪ )1‬قال الشربامسي (‪« :)172/5‬وقوله‪( :‬ولما يضطرون) إلخ‪ُ ،‬يعلم منه أنه ال يجوز‬
‫وض ُعها إلجارهتا ولو لمن يحتاج إليها‪ ،‬وإن وقع ذلك ال يستحق األجرة على‬
‫الساكن‪ ،‬ألهنا موضوعة بغير حق»‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال الرافعي يف التدوين يف أخبار قزوين (‪« :)53/1‬ويف وضع الصناديق يف‬
‫المسجد نظر للفقيه‪ ،‬وكذا يف وضع المنابر الكثيرة‪ ،‬لِما فيه من شغل الموضع‬
‫والمن ِع من الصالة‪ ،‬و ُيشبِه أن يقال‪ :‬إذا لم يكثر أو كان يف المسجد سعة وأذن فيه‬
‫ُ‬
‫وإطباق‬ ‫وضع رسول اهلل ﷺ المنرب يف المسجد‪،‬‬
‫ُ‬ ‫السلطان فال بأس به‪ ،‬ويدل عليه‬
‫المسلمين على نصب المنابر ووض ِع الكتب يف المواضع المه َّيأة لها يف جوامع‬
‫المسلمين‪ ،‬وعُدَّ ذلك من شعائر الدين»‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫ذلك ُم ِهم»(‪.)1‬‬
‫* * *‬

‫(‪ )1‬تحفة المحتاج (‪ ،)30/6‬ونحوه يف هناية المحتاج (‪.)171/5‬‬


‫قال القليوبي يف حاشيته على المحلي (‪ُ « :)389/2‬علِم من هذا ُ‬
‫منع وضع الخزائن يف‬
‫المسجد إال بقدر الحاجة‪ ،‬أو لعموم المسلمين وال ضرر‪ ،‬وتلزم الواضع األجر ُة‬
‫«وضع الخزائن يف المساجد ال‬
‫ُ‬ ‫أيضا (‪:)35/3‬‬
‫حيث امتنع عليه الوضع»‪ .‬وقال ً‬
‫يجوز إال حالة االنتفاع هبا للواضع أو غيره‪ ،‬فال يجوز وض ُعها إذا وعد بوقفها‪ ،‬وإذا‬
‫غيره هبا»‪.‬‬
‫مثال وجب إزالتها ما لم ينتفع ُ‬
‫استغنى عنها برحيله من المسجد ً‬

‫‪34‬‬
‫املسألة السادسة‪ :‬يف وجوب نصب القايض عند فقد اإلمام‬
‫سئل اإلمام أبو الحسن األصبحي عما إذا ُعدم يف ُقط ٍر ذو شوكة وحاكم‪،‬‬
‫ولم يوجد للمرأة ولي وال لألطفال وصي ونحوه‪ ،‬فهل لجماعة من أهل‬
‫تنصيب فقيه يتعاطى األحكام يف األبضاع واألموال؟‬
‫ُ‬ ‫البالد‬
‫فأجاب بقوله‪« :‬نعم‪ ،‬إذا لم يكن رئيس يرجع أمرهم إليه‪ ،‬اجتمع ثالثة مِن‬
‫أهل الحل والعقد‪ ،‬ونصبوا قاض ًيا صف ُته صفة القضاة‪ ،‬ويشرتط يف الثالثة صف ُة‬
‫الكمال كما يف نصب اإلمام»‪.‬‬
‫قال السيد السمهودي يف فتاويه‪« :‬ووجهه أن الميسور ال يسقط‬
‫نصب القاضي وجب؛ ألن الضرورة‬
‫ُ‬ ‫بالمعسور‪ ،‬فحيث َّ‬
‫تعذر اإلمام وأمكن‬
‫داعية إليه‪ ،‬فيأثم أهل تلك البالد برتكه‪ .‬وقوله‪« :‬صف ُته صفة القضاة»‪ ،‬أي‪:‬‬
‫التي يمكن وجودها يف زماهنم‪ ،‬فكما يجوز لإلمام تولية المقلد للضرورة‪،‬‬
‫يتع َّين على هؤالء تولي ُته‪ .‬فإذا اجتمع جماعة مِن أهل الحل والعقد‬
‫حكمه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫تم ذلك ونفذ‬ ‫ِ‬
‫نصب مقلد قاض ًيا‪َّ ،‬‬ ‫الموصوفين بصفة الكمال على‬
‫فيحكم بينهم بما يعلمه من مذهب إمامه‪.‬‬
‫تعم‬
‫وبالجملة فالتمادي على ترك إقامة قاض يف قطر من األقطار معصية ُّ‬
‫أهله‪ ،‬وقد علمت أن إقامته ليست متوقفة على وجود اإلمام الذي يعسر‬
‫عليهم‪ ،‬وال على المجتهد‪ ،‬بل الضرورة مقتضية لما ذكرناه»‪.‬‬
‫وقال الشيخ نصر المقدسي يف «اإلشارات»‪« :‬إذا اجتمع ُ‬
‫أهل بلد على أال‬

‫‪35‬‬
‫يلي أحد فيهم القضاء أثِموا(‪ ،)1‬ل ِما ُروي أن النبي ﷺ قال‪« :‬إن اهلل ال يقدس‬
‫ُأ َّم ًة ليس فيهم من يأخذ للضعيف ح َّقه»‪.‬‬
‫وقال الشيخ ابن ناصر يف بعض أجوبته‪« :‬إن البلد الذي ال حاكم فيه تجب‬
‫الهجرة منه‪ ،‬لقولهم يف باب اإلمامة‪ :‬ال بدَّ للناس من حاكم يأخذ على يد‬
‫الظالم للمظلوم‪ ،‬وينصف الناس بعضهم من بعض»(‪.)2‬‬
‫وذكر القاضي جمال الدين بن ظهيرة أن كبار أهل القرية الذين يملكون‬
‫الحل والعقد فيها‪ُ ،‬يشرع لهم «أن ُيو ُّلوا قاض ًيا يف القرية يحكم بين الناس‪ ،‬وإذا‬
‫َّ‬
‫وصح تزويجه للمجنونة وغيرها‪ ،‬ويبيع مال‬
‫َّ‬ ‫صح ونفذت أحكامه‪،‬‬
‫فعلوا ذلك َّ‬
‫المديون عند امتناعه‪ ،‬ويحفظ مال اليتيم ويتصرف فيه‪ ،‬ويحفظ أموال‬
‫الح َّكام(‪.)3‬‬ ‫الغائبين‪ ،‬ويتولى جميع ما َّ‬
‫يتواله ُ‬
‫وكذا لو كان للقرية شيخ يرجعون إليه يف أمورهم‪ ،‬ويقدمونه عليهم على‬
‫حاكما يحكم بين أهل القرية كما ينصبه اإلمام‬
‫ً‬ ‫عادة العرب‪ ،‬فله أن ينصب‬
‫ونائ ُبه‪ ،‬وال يشرتط يف الشيخ المذكور أن يكون ً‬
‫عدال‪.‬‬
‫بل لو لم يكن ألهل القرية شيخ وال كبير يرجعون إليه‪ ،‬فلهم أن ينصبوا‬

‫(‪ )1‬قال ابن حجر يف الفتاوى (‪« :)299/4‬وما ُذكر مِن تأثيم جميع أهل الحل والعقد‬
‫برتك نصب حاكم يحكم بين الناس يف بالدهم‪ ،‬متجه»‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال ابن حجر يف الفتاوى (‪« :)299/4‬وما ُذكر من وجوب الهجرة من بلد ال‬
‫حاكم فيه‪ ،‬يؤيده قول الغزالي‪ :‬ال تجوز اإلقامة ببلد ال مفتي فيه»‪.‬‬
‫(‪ )3‬هذا التعميم يشمل الحدود والتعازير‪ ،‬ولم أر بعد البحث أحدً ا استثناها هنا‪ ،‬كما‬
‫استثنوها يف حق المح َّكم‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫قاض ًيا يقضي بينهم‪ ،‬ويصح ذلك منهم وتنفذ أحكامه عليهم‪.‬‬
‫وقد أفتى بذلك كله الشيخ اإلمام ابن ُعجيل اليمني فيما وقفت عليه له‪،‬‬
‫وهو ظاهر‪.‬‬
‫و ُيشرتط يف المنصوب المذكور ما يشرتط يف القاضي‪ ،‬والشروط المعتربة‬
‫مفقودة يف هذا الزمان‪ ،‬بل مِن قبله بدهر طويل‪ .‬وقد ذكر الغزالي يف وسيطه ‪-‬‬
‫المحرر‪ -‬أن من َّ‬
‫واله ذو الشوكة‬ ‫َّ‬ ‫وحكاه عنه الرافعي يف الشرح وجزم به يف‬
‫جاهال أو فاس ًقا للضرورة‪ .‬وهذا هو الالئق هبذا‬
‫ً‬ ‫نفذ حكمه وإن كان‬
‫الزمان»(‪.)1‬‬
‫قال اإلمام الماوردي‪« :‬إن لم يمكنهم أن ينصروه على تنفيذ أحكامه كان‬
‫نصره وتقوي ُة يده كان‬
‫باطال لقصوره عن قوة الوالة(‪ ،)2‬وإن أمكنهم ُ‬
‫تقليدهم له ً‬
‫جميع أهل‬
‫ُ‬ ‫جائزا؛ حتى ال يتغالبوا على الحقوق‪ ،‬إذا اجتمع على تقليده‬
‫تقليده ً‬
‫اجتماع أهل االختيار كلهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫االختيار منهم‪ ،‬وإن لم يتع َّين يف تقليد اإلمام‬
‫اجتماع‬
‫ُ‬ ‫والفرق بينهما أن والية اإلمام عامة يف جميع البالد التي ال يمكن‬
‫أهلها على االختيار‪ ،‬فسقط اعتبار اجتماعهم لتعذره‪ ،‬ووالي ُة القاضي خاصة‬
‫على بلد واحد يمكن اجتماع أهل االختيار عليه‪ ،‬فلزم اعتبار اجتماعهم‬

‫(‪ )1‬النقول السابقة كلها موجودة يف الفتاوى الفقهية الكربى البن حجر (‪،297/4‬‬
‫‪.)327-326‬‬
‫(‪ )2‬أفتى الشيخ شهاب الدين بن ظهيرة بأنه إذا ق َّلد أهل االختيار قاض ًيا جاز‪ ،‬إذا‬
‫والذب عنه‪ ،‬وإال فال‪ .‬كما يف الفتاوى الفقهية‬
‫ُّ‬ ‫أمكنهم نصرته وتنفيذ أحكامه‬
‫الكربى (‪.)298 /4‬‬

‫‪37‬‬
‫إلمكانه‪.‬‬
‫فعلى هذا إن ق َّلده ُ‬
‫بعض أهل االختيار منهم ُنظر يف باقيهم‪ :‬فإن ظهر منهم‬
‫صح التقليد‪ ،‬وصاروا بالرضا كالمجتمعين‬
‫الرضا بالسكوت وعدم االختالف َّ‬
‫عليه؛ ألنه ال يمكن أن يباشره جميعهم‪ .‬وإن ظهر منهم اإلنكار بطل التقليدُ‬
‫لعدم شرطه يف االجتماع‪.‬‬
‫صح‬
‫فإن كان للبلد جانبان فرضي بتقليده أهل أحد الجانبين دون اآلخر‪َّ ،‬‬
‫تقليده يف الجانب المرتضى فيه‪ ،‬وبطل يف الجانب المكروه فيه؛ ألن تم ُّيز‬
‫الجانبين كتم ُّيز البلدين‪.‬‬
‫فإذا صحت والية هذا القاضي نفذت أحكامه ولزمت طو ًعا وجربًا‬
‫حكما نفذ على الصحة‪ ،‬وله‬
‫ً‬ ‫النعقاد واليته‪ ،‬فإن تجدَّ د بعده إمام لم ين ُقض له‬
‫عز ُله وإقراره‪ ،‬ولم يجز للقاضي أن يستأنف النظر إال بعد إذن اإلمام»(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫وتعذر‬ ‫جاهال‬
‫ً‬ ‫ويف «الكايف» أن المتغلب على إقليم لو نصب فاس ًقا أو‬
‫ُ‬
‫احتمال‬ ‫رفعه‪ ،‬ففي نفوذ أحكامه من التزويج والتصرف يف أموال األيتام‬
‫التحاكم إلى من هو أهل‪ ،‬فإن َّ‬
‫تعذر‬ ‫ُ‬ ‫وجهين‪ ،‬فعلى المنع أن طريق الناس‬
‫نفذت أحكامه للضرورة‪ ،‬وقال بعض المتأخرين يتعين على السلطان يف هذه‬
‫األزمنة أن يولي من اتصف بصفة العلم بمذهب إمام(‪.)2‬‬

‫قال الشيخ ابن حجر‪« :‬ما ُذكر يف هذه األجوبة صحيح ٍ‬


‫جار على القواعد‪،‬‬

‫(‪ )1‬الحاوي الكبير (‪.)8/16‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الفتاوى الفقهية الكربى (‪.)327 ،298/4‬‬

‫‪38‬‬
‫وغيره(‪ ،)1‬ويوافقه‬ ‫ِ‬
‫وأقره ابن الرفعة ُ‬
‫لما علمت أنه مذكور يف حاوي الماوردي‪َّ ،‬‬
‫كالم صاحب «الكايف»‪ ،‬وكفى باعتماد هؤالء المفتين له‪ ،‬وهو الالئق بقاعدة‬
‫ِ‬
‫وغيرهما‪.‬‬ ‫أن المشقة تجلب التيسير‪ ،‬وأن الضرورات تبيح المحظورات‪،‬‬
‫فإذا خلت بلد أو ُقطر عن نفوذ أوامر السلطان فيها ل ُبعدها وانقطاع‬
‫أخبارها عنه وعدم انقياد أهلها ألوامره لو بلغتهم فلم يرسل لهم قاض ًيا‪،‬‬
‫وجب على كرباء أهلها أن يو ُّلوا من يقوم بأحكامهم‪ ،‬وال يجوز لهم أن يرتكوا‬
‫الناس فوضى؛ ألن ذلك يؤدي إلى ضرر عظيم‪.‬‬
‫جميع أحكامه وصار يف حقهم كالقاضي‪ ،‬وال‬ ‫ُ‬ ‫فإذا و َّلوا ً‬
‫عدال نفذت‬
‫ُيشرتط فيه اجتهاد؛ ألن غايته أنه كالمح َّكم‪ ،‬والمح َّكم ال يشرتط فيه االجتهاد‬
‫فقده فيجوز تحكيم العدل‪ ،‬لكن ال بدَّ من‬ ‫إال مع وجود القاضي‪ ،‬وأما مع ِ‬

‫معرفته لألحكام التي يحتاج إليها ولو باستفادهتا من غيره‪.‬‬


‫ويفهم من كالم الماوردي يف «الحاوي» أنه ال بد أن يتفق على نصبه أهل‬
‫الحل والعقد‪ ،‬وهذا هو الذي يتجه ترجيحه»(‪.)2‬‬
‫اإلمام أو نائبه‪ .‬نعم‪ ،‬الناحي ُة الخارجة‬
‫ُ‬ ‫قال ابن حجر‪« :‬المولي للقاضي‬
‫أمرهم إليه‪ ،‬اتحد أو تعدد‪ ،‬فإن ُفقد فأهل الحل‬
‫عن حكمه يوليه هبا من يرجع ُ‬
‫والعقد منهم‪ .‬وقد يؤخذ من ذلك أن السلطان أو نائبه لو عزل قاض ًيا مِن بلد‬
‫بعيدة عنه‪ ،‬ولم يول غيره‪ ،‬أو و َّلى من لم يصل للبلد لتعويقه يف الطريق‪ ،‬أو‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬بحر المذهب للروياين (‪ ،)50/11‬وكفاية النبيه البن الرفعة (‪.)56/18‬‬
‫(‪ )2‬الفتاوى الفقهية الكربى (‪ )299-298/4‬باختصار‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫مات القاضي‪ ،‬فتعطلت أمور الناس بانتظاره‪ ،‬أن ألهل الحل والعقد تولية من‬
‫ظاهرا وباطنًا للضرورة»(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫يقوم بذلك إلى حضور المتولي‪ ،‬وينفذ حكمه‬
‫وورد إلى ابن حجر سؤال من أحد علماء الشافعية يف أرض اليمن(‪،)2‬‬
‫قاض منصوب من‬‫ٍ‬ ‫يقول فيها‪ :‬إ َّنا يف أرض ب ِ‬
‫جيلة‪ ،‬وليس عندنا سلطان وال‬
‫وغيرهم من القبائل‬
‫ُ‬ ‫جهة السلطان‪ ،‬وأهل بجيلة وناصرة وزهران وغامد‬
‫ير ُّدون أمورهم وأحكامهم وفتواهم إلينا‪ ،‬ويرفعون إلينا قضاياهم العرفية‬
‫والشرعية‪ ،‬ويروننا نصلح لذلك‪ ،‬فهل يا شيخ اإلسالم إذا اجتمع بعض‬
‫شيوخهم ونصبونا نحكم بينهم بحكم اهلل يجوز لنا ذلك‪ ،‬وينفذ منا ما ينفذ من‬
‫القاضي من جهة السلطان مِن تزويج المجنونة‪ ،‬وبيع مال المديون لحق‬
‫الغرماء‪ ،‬وحفظ أموال األيتام والسعي لهم والشراء بالمصلحة‪ ،‬وإنكاح من‬
‫ِ‬
‫وغير ذلك مما يفعله القاضي؟ أم ال يجوز لنا ذلك؟ ثم نقل‬ ‫عضل ول ُّيها‪،‬‬
‫السائل الفتاوى السابقة‪.‬‬
‫فأجاب ابن حجر بقوله‪« :‬إذا تأملت هذه األجوبة وجدت فيها شرو ًطا ال‬
‫توجد فيك وال يف المولين‪ ،‬فال حاجة بك إلى الدخول يف ورط ِة ذلك؛ فإن‬
‫الذين يو ُّلونك ليسوا أهل شوكة‪ ،‬وال يقدرون على تنفيذ أحكامك‪ ،‬وإنما‬
‫يأخذون منها ما وافق أغراضهم‪ ،‬وما ال يوافقها أعرضوا عنه‪ ،‬ويستحيل فيهم‬
‫اجتماعهم على كلمة الحق‪ ،‬كما هو مشاهد من أهل بجيلة‬
‫ُ‬ ‫بمقتضى العادة‬

‫(‪ )1‬تحفة المحتاج (‪.)106-105/10‬‬


‫(‪ )2‬واسمه‪ :‬عبد الباسط بن إبراهيم بن عيسى بن أبي غرارة الشافعي‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫ونواحيها‪.‬‬
‫فالحذر أن تدخل يف أمورهم إال دخول السالمة‪ ،‬بأن تكون ُمص ِل ًحا‪ ،‬أو‬
‫يحكمك الخصمان يف أمر ظاهر معلوم من المذهب بالضرورة‪ ،‬فال بأس‬
‫بحكمك بينهم حينئذ‪ .‬وأما ما عدا ذلك فاحذر الدخول فيه إن أردت السالمة‬ ‫ُ‬
‫لدينك‪ ،‬واهلل سبحانه وتعالى يوف ُقنا وإياك لمرضاته»(‪.)1‬‬‫ِ‬

‫ويف «التحفة» و«النهاية» ما خالصته‪ :‬إن و َّلى سلطان أو من له شوكة ‪-‬بأن‬


‫يكون بناحية انقطع غوث السلطان عنها ولم يرجعوا إال إليه‪ -‬فاس ًقا أو مقلدً ا‬
‫جاهال‪ ،‬نفذ قضاؤه الموافق لمذهبه المعتد به وإن زاد فس ُقه للضرورة؛‬
‫ً‬ ‫ولو‬
‫لئال تتع َّطل مصالح الناس‪ ،‬ويرتتب من الفتن ما ال ُيتدارك خر ُقه‪.‬‬
‫وقد أجمعت األمة على تنفيذ أحكام الخلفاء الظلمة وأحكا ِم من و َّلوه‪،‬‬
‫ولو اب ُتلي الناس بوالية امرأة أو ق ٍّن أو أعمى فيما يضبطه نفذ قضاؤه‬
‫للضرورة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫محض‪ :‬ال ينتحل مذه ًبا وال‬ ‫قال األذرعي‪« :‬والقول بتنفيذ قضاء عام ٍّي‬
‫يعول على رأي مجتهد‪ ،‬بعيد ال أحسب أحدً ا يقول به» اهـ‪ ،‬وال ُبعد فيه إذا‬
‫واله ذو شوكة وعجز الناس عن عزله‪ ،‬فينفذ منه ما وافق الحق للضرورة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وتجب رعاية األمثل فاألمثل؛ رعاي ًة لمصلحة المسلمين‪ ،‬فلو تعارض‬
‫فقيه فاسق وعامي دين‪ُ ،‬قدم األول عند جم ٍع‪ ،‬والثاين عند آخرين‪ ،‬وي َّتجه أن‬
‫فسق العالم إن كان لحق اهلل تعالى فهو أولى‪ ،‬أو بالظلم والرشا فالدين أولى‬

‫(‪ )1‬الفتاوى الفقهية الكربى (‪.)327 ،326/4‬‬

‫‪41‬‬
‫ويراجع العلماء‪ ،‬ومعلوم أنه يشرتط يف غير األهل معرفة طرف من األحكام‪.‬‬
‫ِ‬
‫شوكة موليه‪ ،‬لزوال‬ ‫والمقلد أو الفاسق إذا َّ‬
‫واله ذو شوكة ينعزل بزوال‬
‫السبب المقتضي لنفوذ قضائه‪ ،‬إال إن كان الفاسق حيث ال مجتهد‪ ،‬والفاسق‬
‫حيث ال عدل‪ ،‬فال تزول واليتهما بزوال الشوكة‪ ،‬لعدم توقفها عليها‪.‬‬
‫وصرح جمع متأخرون بأن قاضي الضرورة ‪-‬وهو من ُفقد فيه بعض‬ ‫َّ‬
‫الشروط‪ -‬يلزمه بيان مستنده(‪ )1‬يف سائر أحكامه‪ ،‬وال يقبل قوله‪« :‬حكمت‬
‫بكذا» من غير بيان لمستنده فيه‪ ،‬وكأنه لضعف واليته‪ ،‬ومث ُله المح َّكم بل أولى‬
‫(‪.)2‬‬
‫* * *‬

‫(‪ )1‬أي‪ :‬إذا سئل عنه‪ ،‬والمراد بمستنده‪ :‬ما استند عليه مِن بينة أو نكول أو نحو ذلك‪.‬‬
‫فجوزه ابن حجر‬
‫اهـ رشيدي‪ .‬واختلف يف قاضي الضرورة هل له أن يحكم بعلمه‪َّ ،‬‬
‫وغيره‪ ،‬ومنعه الرملي‪ .‬ينظر‪ :‬التحفة (‪ ،)148/10‬والنهاية (‪.)259/8‬‬
‫(‪ )2‬تحفة المحتاج (‪ ،)115-113/10‬وهناية المحتاج (‪.)241-240/8‬‬

‫‪42‬‬
‫أسئلة الكتاب‬
‫هذه أسئلة تتضمن محتوى الكتاب‪ ،‬وهي من مهمات العلم العملي التي تشتدُّ‬
‫الحاجة إلى معرفتها يف هذا الزمان‪ .‬وكتبتها هنا؛ ألن استخالص أجوبتها يعين على فهم‬
‫ما سبق واإلحاطة به وتثبيته‪.‬‬
‫وهذه األسئلة ك ُّلها واردة عند فقد السلطان أو فقد عدالته‪ ،‬فليكن جواهبا على‬
‫حسب ذلك‪.‬‬
‫‪ -1‬هل يتولى اآلحاد عمل السلطان؛ فيكون من وقع بيده المال العام كالسلطان؟‬
‫‪ -2‬وما هي شروط من يحق له التصرف يف المال العام؟‬
‫‪ -3‬وما هي أدلة جواز تصرف اآلحاد يف المال العام؟‬
‫‪ -4‬وما هي المصارف الشرعية للمال العام التي يجب صرفه فيها؟ وماذا يفعل من‬
‫عنده المال إذا لم يعرف مصارفه؟‬
‫‪ -5‬وهل يجب صرف المال العام إلى أحوج المستحقين‪ ،‬أو يجوز دف ُعه لبعضهم‬
‫أهم منه؟‬
‫وإن كان هناك أحوج أو ُّ‬
‫‪ -6‬وهل يجوز للمستحق أن يأخذ لنفسه وعياله بعض المال العام إذا ظفر به؟ وما‬
‫هو قدر ما يجوز له ُ‬
‫أخذه؟ وكيف يأخذه؟‬
‫‪ -7‬وهل يجوز للمستحق قبض قدر حقه من السلطان الجائر الذي بيده حالل‬
‫وحرام؟‬
‫المرصد لمصالح جهات خاصة دون عموم المسلمين‬
‫‪ -8‬وماذا ُيفعل بالمال ُ‬
‫كالجند واأليتام والمؤذنين والمدارس؟‬
‫‪ -9‬وما حكم االستفادة من العقار الذي تبنيه الدولة بالمال العام لمصلحة جهة‬
‫معينة إذا ُعدمت تلك الجهة؟ وهل يجوز االنتفاع هبذا العقار بغير إذن اإلمام؟‬
‫وماذا يجب على من ليس مِن أهله إذا استوىف منفعته؟‬

‫‪43‬‬
‫‪ -10‬وما حكم االستبداد بمنافع العقار العام كالمسجد والشارع أو استيفائها على‬
‫غير الوجه المباح؟ وكيف ُتضمن منافعه؟ وإذا وجب مال يف ضماهنا فهل‬
‫يصرف يف مصالح العقار أو يف مصالح المسلمين؟‬
‫لمستحق بعينه‪ ،‬فهل يجوز لغيره سب ُقه إليه؟‬
‫ٍّ‬ ‫‪ -11‬وإذا ُعين بعض العقار العام‬
‫وماذا يجب عليه إن فعل؟‬
‫‪ -12‬وما حكم استعمال العقار العام على وجه يخالف الغرض الذي هيئ له؟‬
‫وإذا َّ‬
‫تعذر الغرض األصلي فيه كيف يتصرف فيه؟‬
‫‪ -13‬ومن جاور يف المسجد الجامع هل يجوز له أن يضع فيه كتبه وأغراضه؟‬
‫وهل يتق َّيد ذلك بقدر الحاجة؟ وهل يجوز أن يوضع يف المسجد خزانة‬
‫لإلجارة؟‬
‫‪ -14‬وما حكم غرس شجرة يف المسجد أو يف الشارع لمصلحة خاصة أو عامة؟‬
‫‪ -15‬ومن وجد ماال ضائ ًعا ولم يعرف مستحقه ماذا يفعل؟ وهل يجوز أن يأخذه‬
‫لنفسه؟‬
‫‪ -16‬وماذا ُيفعل باألموال المغصوبة إذا لم ُيعرف مالكوها؟ وكذلك من ظلم ً‬
‫ماال‬
‫ثم تاب ولم يجد صاحب المال وال وار ًثا له‪ ،‬ماذا يفعل به؟‬
‫‪ -17‬وما حكم قبض المال الحرام من األمراء الظلمة ونحوهم بنية رده لمالكه؟‬
‫وهل يجوز ذلك للمفتي ونحوه إذا كان يرتتب عليه إساءة الظن به واهتا ُم دينه؟‬
‫‪ -18‬وإذا َّ‬
‫تعذرت معرفة مالك الوديعة‪ ،‬هل ُيتصرف فيها بصرفها للفقراء أو بناء‬
‫المساجد ونحو ذلك؟‬
‫‪ -19‬ومن كان مستحقا للزكاة فظفر بمال من وجبت عليه الزكاة وامتنع مِن دفعها‪،‬‬
‫هل يجوز له ُ‬
‫أخذ قدرها منه؟‬

‫‪44‬‬
‫‪ -20‬وإذا مات شخص ولم يكن له وارث وال رحم ولم ينتظم بيت المال‪ ،‬فأين‬
‫ُتصرف تركته؟ وهل يجوز للمسلم المحتاج أن يأخذ منها قدر حاجته‪ ،‬وأن‬
‫يأخذ منها لغيره من المحتاجين ولو كانوا يف بلد آخر؟‬
‫نصب فقيه يقوم‬
‫ُ‬ ‫قاض‪ ،‬فهل يجب على أهل الشوكة فيه‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -21‬وإذا خال بلد عن‬
‫ونصرهم له؟ وهل تنفذ أحكامه‬
‫ُ‬ ‫بأعمال القاضي؟ وهل يشرتط اجتماعهم عليه‬
‫وإن كان مقلدً ا أو فاس ًقا؟ وهل يجوز لشيخ القبيلة وإن لم يكن ً‬
‫عدال تولي ُة من‬
‫ُذكر؟‬
‫وباهلل التوفيق‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‪ ،‬وآخر دعوانا‬
‫أن الحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫وكتبه‪:‬‬
‫حسن بن المعلم داود بن الحاج محمد‬
‫بالمدينة النبوية يف ‪ 13‬جمادى اآلخرة ‪1441‬‬

‫‪45‬‬
‫قائمة حمتويات الكتاب‬

‫القسم األول‪ :‬كالم العز بن عبد السالم ‪5....................................‬‬


‫تصرف اآلحاد يف األموال العامة عند جور األئمة ‪5............‬‬
‫فصل‪ :‬يف ُّ‬
‫فصل‪ :‬فيما يجوز أخذه من مال بيت المال ‪9............................‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬مسائل يف التصرف يف المال العام ‪15 .........................‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬يف كيفية التصرف يف المال الضائع‪15 ..................‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬يف قدر ما يجوز أخذه من المال العام وصفة أخذه‪20 ....‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬يف مصرف تركة من ال وارث له‪26 ......................‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬يف مصرف الوديعة إذا ُجهل مالكها ‪29 .................‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬يف ضمان منافع عقار المصلحة العامة ‪31 ............‬‬
‫أسئلة الكتاب ‪43 ...........................................................‬‬
‫قائمة محتويات الكتاب ‪46 .................................................‬‬

‫‪‬‬

‫‪46‬‬

You might also like