You are on page 1of 144

‫المحتوى‬

‫كلمة‬
‫التحرير‬
‫التم�سك بالقيم الفا�ضلة‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫أهم �أ�سباب رقي المجتمعات ومقومات النه�ضة الحقيقية‬ ‫من � ّ‬
‫وال�سالم‪� ،‬سواء على الم�ستوى الفردي �أو الأ�سري �أو‬ ‫وبخا�ص ٍة قيم العدالة والتعاي�ش ّ‬ ‫ّ‬
‫االجتماعي �أو الوطني �أو الإن�ساني‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ركيزة‬ ‫والمجتمعات في �إفريقيا في �أ�شدّ الحاجة لتر�سيخ مثل هذه المعاني ال�سامية‪ ،‬فهي‬
‫ٌ‬
‫القيم ونهضة‬
‫أ�سا�سية في تهذيب ال�سلوك الإن�ساني‪ ،‬وتنظيم العالقات بين �أفراد المجتمعات وم�ؤ�س�ساته‬ ‫�‬
‫وطوائفه‪ ،‬على �أُ�س�س قويمةٍ من المحبة والتعاون والتما�سك والترابط في المجتمع‪� ،‬أفراد ًا‬
‫و�أُ�سر ًا وقبائل و�شعوب ًا‪ ،‬كما �أنها منبعٌ رئي�س للتعاي�ش ّ‬
‫ال�سلمي الب ّناء‪.‬‬
‫إفريقيا‬
‫نه�ضة ت�سعى �إليها المجتمعات‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫تم�سك ال�شعوب بقيمها هو البداية الحقيقية لأيّ‬ ‫و�إنّ ُّ‬
‫تحل بالدول‪ ،‬ف�إنّ اللجوء �إلى غر�س القيم‬ ‫حتى في حاالت االنك�سارات وال�صراعات التي ّ‬
‫وتعميقها والمحافظة عليها هو ال�سبيل للنهو�ض من جديد‪ ،‬كما حدث في‪ :‬التجربة‬
‫الألمانية‪ ،‬والتجربة الكورية‪ ،‬والتجربة ال�صينية‪ ،‬والتجربة الهندية‪ ،‬وكلها تجارب‬
‫مهزومة ومحتلة‪ ،‬وقد حاول الغالبون‪ -‬في معظم‬ ‫ً‬ ‫ل�شعوب خرجت من الحروب التي خا�ضتها‬ ‫ٍ‬
‫الأحيان‪ -‬ا�ستكمال هزيمة هذه ال�شعوب من خالل هزيمة ثقافتها‪ ،‬وتغيير منظومة القيم‬
‫تتم الهيمنة الكاملة لهم‪ ،‬لكنّ دفاع هذه ال�شعوب عن قيمها‪،‬‬ ‫والعادات والتقاليد فيها‪ ،‬لكي ّ‬
‫جديد‪ ،‬وت�صبح على ر�أ�س الدول المتقدّ مة‬ ‫ٍ‬ ‫واعتبار ذلك مدخ ًال للإ�صالح‪ ،‬جعلها تنه�ض من‬
‫والمنتجة والغنية‪ ،‬وي�أتي هذا ك ّله من تب ّني المحافظة على قيمها وخ�صو�صيتها‪ ،‬وتب ّنى‬
‫الإ�صالح التنموي في �إطارها‪.‬‬

‫هيئة التحرير‬ ‫رئيس مجلس اإلدارة‬


‫�أ‪.‬د‪ .‬جالل الدين محمد �صالح‬ ‫عبداهلل بن عبد المغني الفايز‬
‫�أ‪.‬د‪ .‬محمد عا�شور مهدي عا�شور‬
‫د‪ .‬ربيع محمد القمر الحاج‬
‫�أ‪ .‬محمد العقيد محمد �أحمد‬ ‫رئيس التحرير‬
‫د‪ .‬محمد بن عبد اهلل اللعبون‬
‫اإلخراج الفني‬ ‫‪Chief@qiraatafrican.com‬‬
‫محكمة متخ�ص�صة‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬ ‫وائل خالد كريزان‬
‫المدقق اللغوي‬ ‫مدير التحرير‬
‫في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫محمد فهمي‬ ‫ب�سام ح�سن الم�سلماني‬
‫أسعار البيع واالشتراك السنوي‬
‫المراسالت ‪ :‬بريطانيا ‪ -‬لندن‪:‬‬ ‫‪Editors@qiraatafrican.com‬‬
‫لمجلة قراءات إفريقية‬ ‫‪7 Bridges Place، Parsons Green‬‬
‫ا�شرتاكات‬ ‫‪Fulham، London SW6 4HW، UK‬‬
‫�أفراد م�ؤ�س�سات‬
‫اجلهة �سعر البيع‬ ‫الدول‬ ‫هاتف ‪0044-207-4718261 :‬‬ ‫المشاركات‬
‫‪20‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪1.5‬‬ ‫فاكس ‪0044-207-7364255 :‬‬ ‫‪info@qiraatafrican.com‬‬
‫مصر وإفريقيا‬
‫دوالر ًا‬ ‫دوالرات‬ ‫دوالر‬ ‫المملكة العربية السعودية ‪ -‬الرياض‪:‬‬
‫‪100‬‬ ‫‪10‬‬ ‫هاتف ‪0096614944949 :‬‬ ‫الهيئة االستشارية‬
‫‪ 60‬ريا ًال‬ ‫السعودية والخليج‬ ‫فاكس ‪0096614942900 :‬‬
‫ريال‬ ‫رياالت‬
‫جوال ‪00966555097415 :‬‬ ‫د‪� .‬إبراهيم �أبو عباة (ال�سعودية)‬
‫‪30‬‬ ‫‪20‬‬
‫‪-‬‬ ‫أوروبا وأمريكا‬ ‫جمهورية مصر العربية ‪ -‬القاهرة‪:‬‬ ‫�أ‪� .‬إبراهيم كنتاو (مالي)‬
‫دوالر ًا‬ ‫دوالر ًا‬
‫هاتف ‪002 02 22874277 :‬‬ ‫د‪ .‬حقار محمد �أحمد (ت�شاد)‬
‫المواد المن�شورة ال تعبر‬ ‫فاكس ‪002 02 22874275 :‬‬ ‫�أ‪ .‬د‪ .‬حمدي عبد الرحمن ح�سن (م�صر)‬
‫بال�ضرورة عن ر�أي المجلة‬ ‫جمهورية السودان ‪ -‬الخرطوم‪:‬‬ ‫�أ‪ .‬د‪ .‬عبدالغفور البو�سعيدي (كينيا)‬
‫هاتف ‪00249188266666 :‬‬
‫رقم الإيداع‪1437 /1611 :‬‬ ‫فاكس ‪00249183285830 :‬‬ ‫د‪ .‬محمد �أحمد لوح (ال�سنغال)‬
‫التسويق ‪ /‬التوزيع‪marketing@qiraat.org :‬‬ ‫د‪ .‬محمد الثاني عمر (نيجيريا)‬
‫‪7235-1658‬‬ ‫الترقيم الدولي‪ :‬ردمد‬
‫‪56‬‬ ‫قراءات تنموية‬ ‫‪4‬‬ ‫االفتتاحية‬
‫التكامل المالي في �إفريقيا ‪ ..‬درا�سة حالة‬ ‫القيادات ال�شابة وم�ستقبل القارة الإفريقية‬
‫الجماعة االقت�صادية لدول �شرق �إفريقيا ‪EAC‬‬
‫د‪ .‬جيهان عبد ال�سالم عبا�س ‪ -‬م�صر‬

‫‪70‬‬ ‫عمالة الأطفال في �أفريقيا بين الواقع‬ ‫‪6‬‬ ‫قراءات دينية‬


‫واالتفاقيات الدولية‬ ‫الإثيوبيان َّية ك�أ�سا�س للحركات القوم َّية‬
‫�أ‪ .‬جيهان عبد الرحمن جاد ‪ -‬م�صر‬ ‫والدينية الإفريق َّية‬
‫�أ‪ .‬نا�صر كرم رم�ضان ‪ -‬م�صر‬
‫‪82‬‬ ‫قراءات اجتماعية‬ ‫‪16‬‬ ‫قراءات تاريخية‬
‫الآليات التقليدية لحل النزاعات بمجتمعات‬ ‫عناية �أهل غرب �إفريقيا بتاريخهم‪ :‬مظاهرها‪،‬‬
‫�إفريقيا و�أهميتها المعا�صرة‬ ‫و�آفاقها‪ ،‬والتّحديات التّي تواجهها‬
‫د‪� .‬آدم بمبا ‪ -‬كوت ديفوار‬ ‫�أ‪ .‬عبدالرحمن خليفة جالو‪ -‬مالي‬
‫‪94‬‬ ‫قراءات ثقافية‬ ‫‪28‬‬ ‫قراءات �سيا�سية‬
‫الهوية الثقافية العربية‪ :‬ق�ضايا على‬ ‫الواليات المتحدة الأمريكية والبحث عن الأمن‬
‫هام�ش �أجندة �إفريقيا ‪2063‬‬ ‫النفطي في منطقة خليج غينيا‬
‫د‪ .‬محمد عبد الكريم ‪ -‬م�صر‬ ‫�أ‪ .‬حفيظة طالب ‪ -‬الجزائر‬

‫‪108‬‬ ‫الم�شهد الإفريقي‬ ‫‪42‬‬ ‫ال�سيا�سة الخارجية الإ�سرائيلية تجاه �إفريقيا‪..‬‬


‫تحرير المجلة‬ ‫قراءة في المقومات والمحددات ال�سيا�سية‬
‫�أ‪ .‬هناء خلف ‪� -‬أ‪ .‬خديجة محمد‬
‫‪ -‬م�صر‬
‫‪116‬‬ ‫تقارير �إفريقية‬
‫ا�ستقاللية م�ؤ�س�سات الق�ضاء الد�ستوري‬
‫في الدول الإفريقية الغربية‬
‫د‪ .‬فوزية قا�سي ‪ -‬الجزائر‬

‫‪124‬‬ ‫ديناميات ال�صراع والت�سوية ال�سيا�سية‬


‫في جنوب ال�سودان‬
‫�أ‪ .‬تيكواج فتير‪ -‬جنوب ال�سودان‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة‬


‫يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫العدد ‪41‬‬
‫االفتتاحية‬

‫القيادات الشابة ومستقبل القارة اإلفريقية‬


‫اغتياله) وعمره ‪ 33‬عاماً‪ ،‬وكان أول رئيس وزراء البالد‪ -‬من‬ ‫إفريقيا قارة الش���باب‪ ،‬حيث تُق��� ّدر اإلحصائيات عدد‬
‫يونيو حتى س���بتمبر عام ‪1960‬م‪ -‬و ُعمره ‪ 35‬عاماً‪ .‬يُضاف‬ ‫سكان إفريقيا الذين تتراوح أعمارهم بين (‪ 15‬و ‪ 24‬عاماً) بـ‬
‫إلى ما س���بق زعماء محل ّيون وق���ادة تغييرٍ آخرون كانوا أق ّل‬ ‫‪ 200‬مليون نس���مة‪ ،‬وأكثر من ‪ %60‬من سكانها دون س ّن ‪،35‬‬
‫من المذكورين س��� ّناً‪ ،‬وتركوا بصماتهم اإليجابية في تشكيل‬ ‫لكن على الرغم من ذلك فإ ّن نس���بة مش���اركتهم في الحياة‬
‫مستقبل أراضيهم وشعوبهم سياس ّياً واقتصاد ّياً واجتماع ّياً‪.‬‬ ‫تمس حياتهم ومس���تقبلهم ال تزال ضئيلة‪،‬‬ ‫السياس���ية التي ّ‬
‫على أنه اليوم‪ ،‬وبالرغم م���ن اإلقصاء ال ُمتع ّمد وارتفاع‬ ‫وتتو ّقع تقارير مختلفة وصول ‪ 375‬مليون شاب بإفريقيا إلى‬
‫الح ّد األدنى ِلس��� ّن مناصب القيادة في مختلف الدس���اتير‪،‬‬ ‫س ّن العمل بحلول عام ‪2030‬م‪.‬‬
‫كاقتراح مس���ؤولين من حزب «زانو– ب���ي اف» الحاكم في‬ ‫إ ّن اس���تجابة القادة األفارقة بفاعليةٍ الحتياجات القارة‬
‫زيمباب���وي بزيادة الح ّد األدنى ِلس��� ّن المرش���ح الرئاس���ي‬ ‫وح ّل مش���كالتها باتت ضرورية‪ ،‬وإ ّن من العوامل األساسية‬
‫وال���ذي هو حال ّياً ‪ 40‬عاماً‪ ،‬بدعوى حظر «األش���خاص غير‬ ‫في ح ّل تلك المش���كالت فت َح األب���واب أمام الجيل الصاعد‬
‫الناضجي���ن» من أعل���ى المناصب في الب�ل�اد‪ ،‬فقد أوجد‬ ‫من الشباب‪ ،‬ألنهم يم ّثلون القوة الدافعة الحيوية في القارة‪،‬‬
‫الشباب في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ألنفسهم ُطرقاً‬ ‫حاس���م في بناء بلدانهم‪ ،‬وتحقيق‬ ‫ٍ‬ ‫وباس���تطاعتهم لعب دَورٍ‬
‫مختلف���ة ألداء واجباته���م القيادية‪ ،‬والمس���اهمة في تغيير‬ ‫التح��� ّول االقتصادي الناج���ح والتمثيل السياس���ي الف ّعال‬
‫المسارات السياس���ية‪ ،‬وح ّل القضايا التنموية واالجتماعية‬ ‫والخدمة العا ّمة المتميزة‪.‬‬
‫والبيئي���ة‪ ،‬األمر الذي أجبر بعض الحكومات على االعتراف‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يص��� ّور لنا التاريخ اإلفريقي وضعا مغايرا لما نش���هده‬
‫به���م وإدراجهم ف���ي إدارته���م‪ ،‬ليكونوا جزءاً في تش���كيل‬ ‫اليوم من قلّة مشاركة الشباب في تو ّلي القيادات والمناصب‬
‫السياسات الوطنية‪.‬‬ ‫المه ّمة‪ ،‬حيث تح ّد الدس���اتير الوطنية في عدة دول إفريقية‬
‫على أ ّن األمر ال يخل���و حال ّياً من بعض التق ّدم المحرز‬ ‫من وصول الش���باب إل���ى البرلمان الفيدرال���ي أو مناصب‬
‫بش���كل عام‪ ،‬فقد اختار االتحاد اإلفريقي‬ ‫ٍ‬ ‫في هذه القضية‬ ‫سياس���ية أخرى‪ ،‬وكأ ّن واضع���ي هذه الدس���اتير والحكام‬
‫عام ‪2017‬م موضوع «االس���تفادة من األرباح الديموغرافية‬ ‫الحال ّيي���ن ال يثقون في ق���درة األجيال الش���ابة الصاعدة‪،‬‬
‫من خالل االستثمار في الشباب» ليكون جدول أعمال لذلك‬ ‫ويغلقون الطرق التي قد تم ّكنهم من المشاركة الحقيقية في‬
‫الع���ام‪ ،‬كما يَعِ ُد إطار جدول أعم���ال االتحاد اإلفريقي لعام‬ ‫عمليات صنع القرار‪.‬‬
‫بمس���تقبل إيجابي ال يمكن تحقيقه دون تو ّلي القادة‬ ‫ٍ‬ ‫‪2063‬‬ ‫فبالرجوع إل���ى التاريخ نج���د نماذج كثي���رة تؤكد أ ّن‬
‫ً‬
‫الشباب دفة هذه األعمال‪ .‬هذا فضال عن التطورات األخرى‬ ‫ّ‬ ‫الش���باب في الماضي كان لهم َدور ف ّع���ا ٌل في تطور الحياة‬
‫في ك ٍّل من‪ :‬جنوب إفريقيا‪ ،‬بوتسوانا‪ ،‬كينيا‪ ،‬رواندا‪ ،‬أوغندا‪،‬‬ ‫السياس���ية في إفريقيا‪ ،‬ومن هؤالء مث ًال‪« :‬نيهاندا تشاروي‬
‫نيجيريا‪ ،‬بوركينا فاس���و‪ ،‬زيمباب���وي‪ ،‬الكونغو الديمقراطية‪،‬‬ ‫نياكاس���يكانا»‪ ،‬والتي كانت في س��� ّن ‪ 34‬عام���اً فقط عام‬
‫وغيرها من بلدان القارة التي بدأت تش���هد مشاركة الشباب‬ ‫قاومت هي وزعماء آخرون احتالل بريطانيا‬ ‫ْ‬ ‫‪1889‬م عندم���ا‬
‫في القيادة واإلدارة وصنع القرار‪.‬‬ ‫لـ«ماش���وناالند» و«ماتيبيالن���د» (فيما يعرف اليوم باس���م‬
‫تحدي الحر�س القديم في �أوغندا‪:‬‬ ‫زيمبابوي)؛ والزعيم الكيني «ديدان كيماثي» كان ابن ‪ 33‬عاماً‬
‫يعكس التحوالت السياس���ية الراهن���ة في القارة ظهو ُر‬ ‫وأس���س مجلس‬ ‫عندما تص ّدر المش���هد في تم ّرد « َم ْو َم ْو»‪ّ ،‬‬
‫موجة من السياس��� ّيين والناشطين الش���باب الذين يتح ّدون‬ ‫حرب عام ‪1953‬م لمواجهة االحتالل البريطاني؛ ولم يتجاوز‬
‫الزعماء الكب���ار‪ ،‬فهذا الجيل الجديد من السياس��� ّيين في‬ ‫ُع ْمر «س���يكو توري» ‪ 36‬عاماً عندما تسلّم رئاسة غينيا عام‬
‫منتصف الثالثينيات من عمره���م‪ ،‬وال يحملون أ ّية ذكريات‬ ‫‪1958‬م؛ وس���اهم «باتريس لومومبا» في استقالل بالده‪ ،‬بل‬
‫من فترة الحرب الب���اردة أو الصراعات التي جاءت بالكثير‬ ‫وقاد حزب «الحرك���ة الوطنية الكونغولية» (من ‪1958‬م حتى‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪4‬‬


‫مختلف ٌة مؤ ّلفة من الش���باب في نيجيريا عن نتائج ملموسة‪،‬‬ ‫من القادة والزعماء الحال ّيين إلى السلطة‪ ،‬وغالباً ما يكونون‬
‫وو ّقع رئي���س البالد «محمد بخاري» على مش���روع القانون‬ ‫خب���راء ومثقّفين ف���ي مجاالتهم‪ ،‬ومدن ّيين ف���ي تحركاتهم‬
‫المعن���ون ‪ Not Too Young To Run‬بع���د الموافقة‬ ‫وأنش���طتهم‪ ،‬ليجدوا أنفسهم عند تقاطع تغييرات كبيرة‪ ،‬قد‬
‫مجلسي البرلمان‪ ،‬وذلك لتخفيض الحدود ال ُع ْمرية‬ ‫َ‬ ‫عليه في‬ ‫تعزز الحوكمة والتنمية في إفريقيا في العقود القادمة‪.‬‬
‫ً‬
‫للرئاس���ة م���ن ‪ 40‬إلى ‪ 35‬عاما‪ ،‬وم���ن ‪ 35‬إلى ‪ 30‬لمنصب‬ ‫على أ ّن هناك من الزعماء الكبار َمن لم يس���تع ّدوا بع ُد‬
‫حكام الواليات‪.‬‬ ‫لتق ّبل الوضع الجديد الذي يفرضه جيل الش���باب الصاعد‪،‬‬
‫ومع ذلك؛ فإ ّن تخفيض الح ّد األدنى ِلس��� ّن الترشح ال‬ ‫فالرئي���س األوغندي «يوري موس���يفيني» البالغ ‪ 74‬عاماً لم‬
‫يعني س���هولة الوصول إلى تلك المناصب السياسية‪ ،‬بل في‬ ‫يس���تطع– مث ًال‪ -‬إخفاء صدمته من تج��� ّرؤ عضو البرلمان‬
‫الس���ياق النيجيري يعتبر وصول الش���باب إلى أية مناصب‬ ‫«بوبي واين» البالغ ‪ 36‬عاماً على تح ّدي حكومته‪ ،‬وكيف نجح‬
‫سياسية أو قيادية رحلة شاقة تتطلب إجراءات طويلة‪ ،‬وعلى‬ ‫في حش���د الشعبية ودعم الش���باب لمعارضة إدارته‪ ،‬وعلى‬
‫سبيل المثال‪ :‬س���يتع ّين عليهم التغلب على التكلفة الباهظة‬ ‫واتهامات ومحاكمات؛ لم ت ُكفَّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫اعتقاالت‬ ‫الرغم من سلس���لة‬
‫لتذاكر الترش���ح والحمالت السياس���ية‪ ،‬وكسب رضا ودعم‬ ‫النس���بة الكبرى من الش���باب األوغند ّيين عن مناداة «بوبي‬
‫«الرجال األقوياء» في البالد‪.‬‬ ‫واين» باسم‪« :‬رئيس األحياء الفقيرة» أو «رئيس الفقراء»‪.‬‬
‫القيادات ال�شابة وم�ستقبل �إفريقيا‪:‬‬ ‫جنوب �إفريقيا و�إرث القيادات ال�شابة‪:‬‬
‫إ ّن تشجيع مشاركة الش���باب في القيادة وإدارة شؤون‬ ‫ما يم ّيز المشهد السياسي في جنوب إفريقيا أ ّن شبابها‪-‬‬
‫صواب في ك ّل قراراتهم‪ ،‬أو أنهم‬ ‫بالدهم ال يعن���ي أنهم على ٍ‬ ‫على م ّر العقود‪ -‬لم ينتظروا اإلذن الرس���مي كي يتو ّلوا قيادة‬
‫محصنون من االس���تغالل من قوى أجنبي���ة‪ ،‬ومن إغراءات‬ ‫ّ‬ ‫المواقف وتحديد مس���ار األحداث‪ ،‬وكأ ّن «جوليوس ماليما»‬
‫المكاس���ب المادية غير المش���روعة أو الشعوبية‪ ،‬ولكن أل ّن‬ ‫و«ا ّموسي مايمان»‪ ،‬وغيرهما من زعماء األحزاب السياسية‬
‫دمج الشباب في األدوار القيادية االستراتيجية الرئيسة من‬ ‫الشباب‪ -‬الذين يضغطون اليوم داخل البرلمان على حكومة‬
‫ضروري‬
‫ٌّ‬ ‫متطلبات التق ّدم في عص���ر التكنولوجيا‪ ،‬بل األمر‬ ‫حزب «المؤتمر الوطني اإلفريق���ي» الحاكم‪ -‬بمثابة حاملي‬
‫للتنمية االقتصادية المس���تدامة‪ ،‬ونج���اة إفريقيا من القيود‬ ‫الرايات التي تركها القادة الس���ابقون؛ م���ن أمثال‪« :‬روبرت‬
‫باالس���تفادة من مواردها ومواهبها الش���ابة‪ ،‬كم���ا أ ّن النمو‬ ‫س���وبوكوي» الذي أوجد حزب مؤتمر الوحدة اإلفريقية عام‬
‫السريع في عدد السكان يم ّثل فرص ًة كبيرة لتنفيذ االبتكارات‬ ‫‪1959‬م لمعارضة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا‪،‬‬
‫واألفكار المتعلقة بالمشاريع المجتمعية الشعبية‪.‬‬ ‫وأسس في‬ ‫و«س���تيف بيكو» الذي قاد «حركة وعي الس���ود» ّ‬
‫ومع ذل���ك؛ يتطلب األمر إرادة سياس���ية قوية لتمكين‬ ‫ع���ام ‪1968‬م «منظمة طالب جن���وب إفريقيا» وهو دون ‪23‬‬
‫وتهيئة البيئة المناسبة لتش���جيع انخراط جيل الشباب في‬ ‫عاماً من عمره‪ ،‬ليؤدي اغتياله وهو ابن ‪ 30‬عاماً إلى تكثيف‬
‫المحادثات والحوارات السياس���ية والمجتمعية‪ ،‬ليكتس���بوا‬ ‫التحركات والضغوطات إلنهاء الفصل العنصري واإلفراج عن‬
‫المعرفة والخبرة‪ ،‬ويش���اركوا في مناقش���ة الحلول المتاحة‬ ‫«نيلسون مانديال»‪.‬‬
‫والبدائ���ل الممكنة لبناء إفريقيا الت���ي يتطلع الجميع إليها‪،‬‬ ‫ً‬
‫جدي ٌر بالذكر هن���ا أيضا‪ :‬أ ّن جمهورية بوتس���وانا في‬
‫وه���ذا يؤكد أهمية مراجعة المناه���ج التعليمية في مختلف‬ ‫أبريل ‪2018‬م أضافت اس���مها إلى فري���ق الداعمين للجيل‬
‫الدول اإلفريقية؛ لتشمل التدريبات والتطبيقات العملية التي‬ ‫نت «بوغولو‬ ‫السياس���ي الجديد في إفريقيا‪ ،‬وذلك عندما ُع ّي ْ‬
‫من ش���أنها تطوير جيل من الشباب يمكنهم ح ّل المشكالت‬ ‫جوي كينويندو» البالغة من العمر ‪ 30‬عاماً وزيرة لالس���تثمار‬
‫من منظورٍ إفريقي‪.‬‬ ‫والتج���ارة والصناعة في البالد‪ ،‬وق���د كانت «كينويندو» قبل‬
‫وما على الزعماء الكبار والقادة السياس��� ّيين الحال ّيين‬ ‫ذلك عضواً في البرلمان منذ عام ‪2016‬م بدعوة من الرئيس‬
‫التشجع وإتاحة المجال لش���باب بلدانهم لتو ّلي أدوارٍ‬
‫ّ‬ ‫سوى‬ ‫السابق «إيان خاما»‪ ،‬لتكون أصغر نواب البالد وقتذاك‪.‬‬
‫قيادية وسياسية‪ ،‬وذلك لس ّد الفجوة بين األجيال في القيادة‬ ‫نيجيريا وتخفي�ض ّ‬
‫�سن التر�شح للبرلمان‬
‫السياس���ية‪ ،‬وضمان االنتقال الس���لس وتعاقب السلطة في‬ ‫والرئا�سة‪:‬‬
‫الدول اإلفريقية ‬ ‫مجموعات‬
‫ٌ‬ ‫في مايو ‪2018‬م؛ أسفرت الحملة التي قادتها‬

‫‪5‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫دينية‬

‫اإلثيوبيانية بوصفها أساسًا للحركات‬


‫القومية والدينية اإلفريقية‬
‫�أ‪ .‬نا�صر كرم رم�ضان‬
‫باحث �سيا�سي ‪ -‬م�صر‬

‫«الإثيوبياني�ة» �إط�ار ًا عن�ص�ر ّي ًا �أمري�كا م�ا قب�ل الث�ورة‪ ،‬وانت�ش�رت بع�د ذل�ك‬
‫ودين ّي� ًا و�أخالق ّي� ًا ل َف ْه�م التفاوت ف�ي منطقة البح�ر الكاريبي و�أوروب�ا و�إفريقيا‪.‬‬
‫وفرت‬
‫ظل نظ�ام العبودية في وف�ي جاميكا نمت ج�ذور الإثيوبيانية العميقة‪،‬‬ ‫العرق�ي الذي ن�ش��أ ف�ي ّ‬
‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪6‬‬
‫اإلثيوبيانية واسعة االنتشار عميقة الجذور(((‪.‬‬ ‫حيث �أنجب�ت الجزي�رة العديد م�ن الجماعات‬
‫باإلضاف����ة إلى ذلك؛ فق����د اختلط الفك����ر القومي‬ ‫الم�ؤي�دة لل�س�ود والم�ؤي�دة لإفريقي�ا‪ .‬لت�ص�بح‬
‫اإلفريقي‪ -‬الذي كان س����ائداً في القرن التاس����ع عش����ر‪-‬‬
‫بالفكر الديني المس����يحي‪ ،‬فقد كان المش����روع التبشيري‬
‫الإثيوبياني�ة‪ -‬فيم�ا بع�د‪ -‬بمثاب�ة قط�ب �أقامت‬
‫والتحضر ونشر‬
‫ُّ‬ ‫المس����يحي وقتها متأثراً بدعاوى التم ُّدن‬ ‫حول�ه العدي�د م�ن المجموع�ات االجتماعي�ة‬
‫الثقافة اإلنس����انية المادية‪ ،‬ف����كان مصطلح «اإلثيوبيانية»‬ ‫معتق�دات ووعي‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫الجدي�دة �أيديولوجياته�ا من‬
‫إف����رازاً طبيع ّياً لهذا الفكر القوم����ي والديني معاً(((‪ ،‬فقد‬ ‫لتتج ّل�ى ه�ذه الأيديولوجي�ة الإثيوبيانية في‬
‫تش����ابك هذا المصطلح مع بعض المصطلحات األخرى‪-‬‬
‫رق مختلفة(((‪.‬‬ ‫الممار�سة ُ‬
‫بط ٍ‬
‫في مرحلةٍ تالية‪ -‬كالراس����تفارية ف����ي جاميكا‪ ،‬واإلثيوبية‬
‫فقد شهدت المسيحية في أواخر القرن الثامن عشر‬
‫المحلية التي تش����كلت في دول����ة إثيوبيا خالل فترة حكم‬
‫والقرن التاس����ع عش����ر إحيا ًء لنصوص الكتاب المقدس‪،‬‬
‫هيال سالسي (حكم ‪1974-1930‬م)‪.‬‬
‫حركات مناهضة لل ّرق و ُمطا ِل َبة بإلغاء العبودية‬
‫ٌ‬ ‫لتظهر معها‬
‫ومن هنا تأتي أهمية تناول هذا المصطلح من الناحية‬
‫وعودة األفارقة من الش����تات إل����ى أرض األجداد‪ ،‬وهو ما‬
‫التاريخي����ة والسياس����ية‪ ،‬ومحاولة َف ْهم دوافعه وأس����باب‬
‫ترك بالغ األثر في نفوس الس����ود(((‪ ،‬وجعل جورج ليسلي‬
‫ظهوره‪ ،‬ومدى ارتباطه بحركات القومية اإلفريقية‪.‬‬
‫(وأيضاً‪ :‬ليل أو ليلي) ‪ George Liele‬أول ُم ِّ‬
‫بش����ر أسود‬
‫الم�صطلح والن�ش�أة والجذور‪:‬‬ ‫يقوم بتأسيس أول كنيسة معمدانية للسود في جاميكا(((‪،‬‬
‫ظهرت «اإلثيوبيانية» كأيديولوجية في بداية األمر في‬
‫مما ألهم المس����يح ّيين الس����ود إلى أ ّن اإلثيوبيانية بمثابة‬
‫خُ طب وكتابات األفارقة في الش����تات‪ ،‬والتي كانت ترتكز‬
‫نبوءة للخالص م����ن العبودية(((‪ ،‬ولتصبح اإلثيوبيانية فيما‬
‫باألس����اس على ال ُهو ّية اللونية والعرقية كجوهر أساس����ي‬
‫بعد مظلة لعدة مفاهيم وحركات دينية وثقافية وسياس����ية‬
‫لك ّل الحركات‪ ،‬حيث ظهرت في ش����كل «رومانسية عرقية»‬
‫ذات عالقة بالهوية اإلفريقية‪ ،‬مث����ل‪ :‬العودة إلى إفريقيا‪،‬‬
‫‪ Romantic Racialism‬كما س���� ّماها المؤرخ جورج م‪.‬‬
‫والكنائ����س المس����تقلة‪ ،‬والقومي����ة الزنجي����ة‪ ،‬والجامعة‬
‫فريدريكس����ون ‪« :George M. Fredrickson‬وهو أن‬
‫اإلفريقي����ة‪ ،‬والق����وة الس����وداء‪ ،‬والزنوج����ة‪ ...‬فقد كانت‬
‫خاص ًة تجعله‬
‫يرى اإلفريقي أو األس����ود أ ّن لدي����ه صفات ّ‬
‫وخاص ًة البيض»‪ .‬وفي أواسط‬ ‫ّ‬ ‫يختلف عن األعراق األخرى‬
‫القرن التاس����ع عش����ر وحتى آخره؛ تطورت «اإلثيوبيانية»‬
‫‪Fredrickson, George M. ‬‬ ‫(((  ‪Black Liberation:‬‬
‫ِّ‬
‫المبش����رين‬ ‫���كل أكثر ش����موالً من قِ َب����ل المثقفين من‬
‫بش� ٍ‬ ‫‪A comparative history of Black ideologies in‬‬
‫‪the United States and South Africa. Oxford‬‬
‫الس����ود‪ -‬الذين يمك����ن أن يُطلق عليهم «قوم ُّيون س����ود»‪،‬‬
‫‪.9-University Press, 1996, pp.8‬‏‬
‫مثل هن����ري جارني����ت ‪،Henry Highland Garnet‬‬
‫(((  ‪Joel E. Tishken. «Neither Anglican nor‬‬
‫ومارت����ن ديالن����ي ‪ ،Martin Delaney‬وإدوارد باليدن‬ ‫‪Ethiopian: Schism, Race, and Ecclesiastical‬‬
‫‪Politics in the Nineteenth-Century Liberian‬‬
‫‪ ،Edward Blyden‬وألكس����ندر كروميل ‪Alexander‬‬ ‫‪Episcopal Church. Journal of Africana Religions,‬‬
‫‪.vol.2, no.1, 2014, p.75‬‬

‫(((  ‪Chude-Sokei, Louis. «When Echoes Return.‬‬ ‫(((  ‪Irons, Charles F. The Origins of Proslavery‬‬
‫‪.Transition, no. 104, 2011, p.77‬‬ ‫‪Christianity: White and Black Evangelicals in‬‬
‫‪Colonial and Antebellum Virginia. University of‬‬
‫(((  ‪Reid, George W. «Missionaries and West‬‬
‫‪.51-North Carolina Press, 2008, pp.50‬‏‬
‫‪African Nationalism. Phylon (1960-), vol.39,‬‬
‫‪.no.3, 1978, p.230‬‬ ‫(((  ‪.Fredrickson, George M. op.cit., p.61‬‬

‫‪7‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫دينية‬
‫أ ّن المعن����ى الحقيقي لتلك الجملة م����ن اإلصحاح هو‪ :‬أ ّن‬ ‫‪ ،Crummell‬والذين جعلوها مقبول ًة من الناحية الفكرية‬
‫يوم من األيام سوف يحكم العالم‪ .‬ويبدو‬ ‫الرجل األسود في ٍ‬ ‫مقارن ًة بما كانت عليه من مشاعر انفعالية(((‪.‬‬
‫أ ّن هذه النظرة للنبوءة اإلثيوبية كانت معروف ًة بين الس����ود‬ ‫ويش����ير الم����ؤرخ ج����ورج شيبرس����ون ‪George‬‬
‫األحرار قبل الحرب األهلية األمريكية (‪.((()1865-1861‬‬ ‫‪ Shepperson‬إلى أ ّن االس����م يرجع إلى إصدار نس����خة‬
‫عليه؛ فقد أصبحت «اإلثيوبيانية» ‪:Ethiopianism‬‬ ‫المل����ك جيمس للكتاب المق����دس ‪ Holy Bible‬في عام‬
‫مصطلحاًعا ّماً لوصف مجموعةٍ كاملة من جهود وتحركات‬ ‫‪1611‬م؛ والذي ت ّمت ترجمته من اللغتَيْن العبرية واليونانية‬
‫الرجل األسود؛ من أجل تحسين وضعه الديني والسياسي‬ ‫إلى اللغ����ة اإلنجليزية في ذلك الوقت‪ ،‬واس����تُخدمت فيه‬
‫ف����ي المجتمع خالل الفترة االس����تعمارية‪ .‬وبهذا التعريف‬ ‫كلم����ة «إثيوبي» ‪ Ethiopian‬لتكون مرادفة لـ«الش����عوب‬
‫ال يمكن اعتبار «اإلثيوبيانية»‪ -‬ببس����اطة‪ -‬مصطلحاً دين ّياً‬ ‫الس����وداء» ‪ .Black People‬وكان هذا االستخدام العام‬
‫نص ديني؛‬ ‫فقط‪ ،‬بالرغم من أنها اعتمدت في البداية على ٍّ‬ ‫لكلمة «إثيوبيا» ‪ Ethiopia‬يشمل أراضي وشعوب إفريقيا‬
‫سواء في التسمية أو الحركة(((‪.‬‬ ‫جنوب الصحراء ومملكة الحبش����ة آنذاك‪ .‬لكن األفارقة‬
‫حركات قومية إفريقية‬‫ٍ‬ ‫وارتبط����ت «اإلثيوبيانية» بعدة‬ ‫في الشتات أصبحوا يس���� ُّمون أنفسهم باإلثيوب ّيين‪ .‬ونظراً‬
‫أُخرى؛ استخدمت هذه الحركات «اإلثيوبيانية» في خطابها‬ ‫لعدم الس����ماح لهم بالقراءة آنذاك‪ ،‬باستثناء قراءة الكتاب‬
‫القومي‪ ،‬ب����دأت بالكنائس المس����تقلة ‪Independent‬‬ ‫انعكاس‬
‫ٌ‬ ‫المقدس‪ ،‬فق����د رأوا ف����ي «اإلثيوبيانية»‪ :‬أنه����ا‬
‫‪ ،Churches‬ث����م تطورت بين األفارقة المثقفين في غرب‬ ‫لظروفه����م االجتماعية والسياس����ية والفكرية في مواجهة‬
‫إفريقيا‪ ،‬واقترنت بأفكار الجامعة الزنجية ‪،Pan-Negro‬‬ ‫الشعور بالدونية التي رسخها االستعمار في العقل الجمعي‬
‫ثم اس����تُخدمت في أدبيات المثقفين األفارقة األنجلوفون‬ ‫اإلفريقي(((‪.‬‬
‫في الش����تات (الدياسبورا) الذين تملكتهم مشاعر القومية‬ ‫تجدر اإلشارة إلى أ ّن مصطلح «اإلثيوبيانية» مشتقٌّ من‬
‫اإلفريقية‪ ،‬فأسسوا من أجل ذلك حركة الجامعة اإلفريقية‬ ‫نص الكتاب المق����دس‪« :‬يأتي العظماء من مصر‪ ،‬وإثيوبيا‬ ‫ّ‬
‫‪ ،Pan-Africanism‬وأخي����راً الراس����تفارية‪ ،‬الت����ي‬ ‫ت ُم ّد يديها إلى الل����ه»((( (مزمور ‪ ،)31 :68‬فاعتبر البعض‬
‫اس����تخدمت مصطلح «اإلثيوبيانية» ف����ي بدايتها‪ .‬وهو ما‬ ‫ه����ذا اإلصحاح بمثابة نبوءة مفاده����ا أ ّن إفريقيا (إثيوبيا‬
‫سيتم تناوله خالل السطور التالية‪:‬‬ ‫أو كوش في اإلصحاح المذكور س����ابقاً) س����وف تخرج من‬
‫�أو ًال‪ :‬الإثيوبيانية والحركات الدينية‪:‬‬ ‫ظلم����ات الوثنية ع ّما قريب‪ .‬في حي����ن يذهب آخرون إلى‬
‫كان هن����اك اتفا ٌق س����ائد بين األفارقة ب����أ ّن إثيوبيا‬
‫هي رم ٌز للخالص اإلفريقي‪ ،‬وأنها أيديولوجية سياس����ية‬ ‫(((  ‪Price, Charles Reavis. ‘Cleave To The Black’:‬‬
‫إلهام لألجيال اإلفريقية‬ ‫ودينية‪ ،‬ويجب أن تكون مص����در ٍ‬
‫‪Expressions of Ethiopianism In Jamaica.‬‬
‫‪NWIG: New West Indian Guide/ Nieuwe West-‬‬
‫نصاً دين ّياً ال يختلف األس����ود واألبيض‬ ‫المتعاقبة‪ ،‬بوصفها ّ‬ ‫‪.2003 ,2/IndischeGids, vol.77, no.1 pp.32–33‬‬

‫عليه‪ .‬وقد س����اهمت حركة «إفريقيا لإلفريق ّيين» ‪Africa‬‬ ‫(((  ‪Shepperson, George. «The Afro-American‬‬
‫‪Contribution to African Studies. Journal of‬‬
‫‪.American Studies, vol.8, no.3, 1974, p.282‬‬

‫(((  ‪Blyden, Edward W. Christianity, Islam and the‬‬ ‫الن�ص الإغريقي‬


‫كل من ّ‬ ‫(((   «�إثيوبيا» ‪ :Ethiopia‬وردت في ٍّ‬
‫‪.Negro race. Black Classic Press,1887 p.167‬‬ ‫الن�صين العبري والآرامي الذي‬
‫والالتيني‪ ،‬وهو المنقول عن َّ‬
‫ ‪Duncan, Graham A. «Ethiopianism in Pan-‬‬ ‫(((‬ ‫ي�ستعمل كلمة «كو�ش» ‪ Cush‬ا�سم ًا لإثيوبيا‪ ،‬وتذهب بع�ض‬
‫‪Studia‬‬ ‫‪.1920-African perspective, 1880‬‬ ‫الم�صادر الى �أنّ الكلمة ذات �أ�صل م�صري قديم؛ «كا�ش»‬
‫‪Historiae Ecclesiasticae, vol.41, no.2, 2015,‬‬ ‫بمعنى ذوي الب�شرة ال�سوداء‪ ،‬ا�ستعملها الم�صريون لو�صف‬
‫‪.199-pp.198‬‏‬ ‫�سكان بالد ال�سودان القديم‪.‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪8‬‬


‫كنائس مستقلة للسود(((‪.‬‬
‫‪ ،for the Africans‬والمتمثلة في الكنيس����ة األس����قفية‬
‫وكان على رأس هذا التحرك‪ :‬تأس����يس أول كنيس����ة‬
‫الميثودية اإلفريقية ‪AMEc- African Methodist-‬‬
‫قبلية في عام ‪1884‬م «كنيسة تيمبو» ‪،Tembu church‬‬‫‪ ،Episcopal Church‬ف����ي صع����ود «اإلثيوبيانية» في‬
‫بداي����ة تش���� ّكلها كمصطلح ع����ام ‪1815‬م ف����ي فيالدلفيا‬
‫وذلك بواس����طة القس «نحيميا تيلي» ‪Nehemiah Tile‬‬
‫ف����ي جنوب إفريقي����ا(((‪ .‬ووصل األمر إل����ى ذروته األولى‬
‫بالواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬والتي ع ّبرت من خاللها عن‬
‫عام ‪1892‬م مع تأس����يس الكنيسة اإلثيوبية ‪Ethiopian‬‬ ‫ُهو ّية ثقافية إفريقية مشتركة(((‪.‬‬
‫‪ Church‬من قِ َبل القس مانجينا م‪ .‬موكوني ‪Mangena‬‬
‫وفي ع����ام ‪1858‬م؛ استش����هدت جمعي����ة الحضارة‬
‫‪ ،M. Mokone‬وهو أول َمن س���� ّمى الكنيسة باإلثيوبية‪.‬‬
‫اإلفريقي����ة ‪ African Civilization Society‬بما ورد‬
‫في اإلصحاح (إثيوبيا ت ُم ّد يديها إلى الله) في دس����تورها‪،‬‬
‫وبحل����ول عام ‪1912‬م وصل عدد الكنائس المس����تقلة إلى‬
‫ست وس����بعين كنيسة منشقَّة‪ ،‬وفي غضون‬ ‫ما ال يق ّل عن ٍّ‬
‫إل����ى جانب تفس����ير «هنري هايالن����د جارنيت» ‪Henry‬‬
‫‪ ،Highland Garnet‬فوفق����اً لجارنيت‪« :‬إثيوبيا تحتاج‬
‫الس����نوات الثالثين التالي����ة ازداد عددها إل����ى ثمانمائة‬
‫إلى أن يعمل ك ّل إفريقي من أجل عرقه لكي تم ّد يديها إلى‬
‫كنيسة(((‪.‬‬
‫وكانت هناك تحركات في غ����رب إفريقيا تهدف إلى‬ ‫الله‪ ،‬فالمس����ؤولية لتحقيق النبوءة تقع على عاتق األفارقة‬
‫أنفسهم»‪ .‬وقد ض ّم المو ّقعون على الدستور أبرز القوم ّيين‬
‫إنش����اء كنائس مسيحية تخضع لسيطرة األفارقة أنفسهم‪،‬‬
‫لتتواءم مع الثقاف����ات والتقاليد المحلية‪ .‬حين كتب رجال‬
‫السود في ذلك اليوم‪ ،‬ومن بينهم‪« :‬دانيال أليكسندر باين»‬
‫دين أس����قُف ّيين إلى الكنيس����ة األ ّم بالواليات المتحدة عام‬
‫‪ ،Daniel Alexander Payne‬أس����قُف (‪ ،)AMEc‬و‬
‫ٍ‬
‫‪1864‬م؛ يش����رحون بأنهم غير قادرين على تح ّمل المعاملة‬
‫أس����س‬‫«روبرت هاملتون» ‪ ،Robert Hamilton‬الذي ّ‬
‫العنصرية لرجال الدين البيض‪ ،‬وأنهم بالفعل قد أنش����ؤوا‬
‫فيما بعد «المجلة األنجلو‪ -‬إفريقية» ‪Anglo-African‬‬
‫الخاصة عام ‪1863‬م‪ ،‬وأطلقوا عليها الكنيس����ة‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،Magazine‬والت����ي كان يح ّرره����ا األفارقة األحرار في‬
‫كنيس����تهم‬
‫البروتس����تانتية األس����قُفية ف����ي ليبيري����ا ‪Protestant‬‬ ‫الواليات األمريكية الشمالية(((‪.‬‬
‫‪ ،Episcopal Church in Liberia‬ر ّداً على ممارسات‬
‫نتيج ًة له���ذه التحركات من المبش���رين القوم ّيين‬
‫رج����ال الدين البيض في حقّهم‪ ،‬إال أنه����م ظلوا جزءاً من‬
‫األفارق���ة‪ ،‬خ���ارج الق���ارة وداخلها‪ ،‬ج���اءت الكنائس‬
‫الطائفة األنجليكانية ‪ ،Anglican Communion‬لكن‬ ‫فعل إفريقي قومي‬ ‫االنفصالية أو المنش���قة بمثابة ر ّد ٍ‬
‫في النهاية لم يُكتب لها النجاح(((‪.‬‬
‫ض ّد االس���تعمار‪ ،‬واتسمت بطابعها التحرري‪ ،‬واجتذبت‬
‫لها المبشرين األفارقة من المثقفين‪ ،‬وتو ّلت الدفاع عن‬
‫في هذه األثناء؛ قامت الكنيسة األسقُفية البروتستانتية‬
‫الحقوق السياسية لإلفريق ّيين‪ ،‬وطالبت بتنمية وتطوير‬
‫(((  ‪Mphahlele, Ezekiel. «Race and Colour at‬‬ ‫مس���تقبل إفريقيا‪ ،‬ورفضوا تقويض العادات والتقاليد‬
‫‪.Copenhagen». Transition, no.23, 1965, p.19‬‬ ‫اإلفريقية داخل الكنائس‪ ،‬فقاموا بالس���عي إلى إنش���اء‬
‫(((  ‪Ajayi, JF Ade, ed. UNESCO General History of‬‬
‫‪Africa, Vol.VI: Africa in the Nineteenth Century‬‬
‫‪Until the 1880s. Vol.6. Univ of California Press,‬‬
‫  ‪Killingray, David. «The Black Atlantic Missionary‬‬ ‫(((‬
‫‪.1989‬‏‏ ‪.p.52‬‬
‫‪Movement and Africa, 1780s-1920s», Journal of‬‬
‫(((  ‪Shepperson, George. «Ethiopianism and‬‬ ‫‪.7-Religion in Africa, vol.33, no.1, 2003, pp.6‬‬
‫‪,)1956-African Nationalism», Phylon (1940‬‬
‫(((  ‪Moses, Wilson J. «The Poetics of Ethiopianism:‬‬
‫‪.vol.14, no.1, 1953, p.9‬‬
‫»‪W.E.B. Du Bois and Literary Black Nationalism.‬‬
‫(((  ‪.Joel E. Tishken. «op.cit., p.68‬‬ ‫‪.American Literature, vol.47, no.3, 1975, p.412‬‬

‫‪9‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫دينية‬
‫���كل كبيرٍ‬
‫‪ Watch Tower‬التي كانت تنمو وتنتش����ر بش� ٍ‬ ‫‪ Protestant Episcopal Church‬بالتح����رك وتعيين‬
‫من نياس����االند إلى روديس����ا الجنوبية بين شعب «الشونا»‬ ‫ثالثة من األساقفة السود في كنائسها‪ :‬األول كان صامويل‬
‫‪ ،Shona‬حيث أصبحت حرك ًة دينية ذات مالمح سياسية‬ ‫أج����اي ك����روذر ‪ Samuel Ajayi Crowther‬أس����قُفاً‬
‫قوية‪ ،‬وكان النتشارها في إفريقيا الوسطى والكونغو صف ٌة‬ ‫لغرب إفريقي����ا (‪1877-1864‬م)‪ ،‬وكانت هذه أفضل فترة‬
‫مميزة‪ ،‬وتعود في أصولها إلى حركة الكنيس����ة االنفصالية‬ ‫خاص ًة بعد ط����رد األوروب ّيين من أبيكوتا‬
‫للكنيس����ة هناك‪ّ ،‬‬
‫في المنطقة‪ ،‬التي أسس����ها إليوت كاموانا ‪Kamwana‬‬ ‫‪ Abeokuta‬بنيجيريا عام ‪1867‬م‪ ،‬تلك الفترة التي تح ّمل‬
‫‪ Elliot‬في ش����مال نياس����االند عام ‪1908‬م‪ ،‬ثم أصبحت‬ ‫فيها كروذر ورعاته األفارقة المسؤولية عن الكنيسة‪ ،‬بينما‬
‫تُعرف باسم كياتاواال ‪( Kitawala‬المملكة) أو كنيسة برج‬ ‫كان الرع����اة األوروب ُّي����ون محصورين‪ -‬ف����ي الغالب‪ -‬في‬
‫المراقبة(((‪.‬‬ ‫الساحل خالل هذه الفترة(((‪ ،‬والثاني جيمس ثيودور هولي‬
‫باإلضافة إلى ذلك؛ ظهرت في جنوب إفريقيا كنائس‬ ‫‪ James Theodore Holly‬أس����قُفاً لهايت����ي (‪-1874‬‬
‫صهيون ‪ ،The Zionist churches‬والتي طالبت بتغييرٍ‬ ‫‪1911‬م)(((‪ ،‬والثال����ث صامويل دي فيرجس����ون ‪Samuel‬‬
‫في جوانب مع ّينة في علم الالهوت المس����يحي؛ ولكنها لم‬ ‫‪ D. Ferguson‬أس����قُفاً لليبيريا (‪1916-1885‬م)‪ .‬ولكن‬
‫باهتمام كبيرٍ من الكنائس المنشقّة(((‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫تحظ‬ ‫َمن َخلَفَ هؤالء األساقفة الس����ود في مناصبهم كانوا من‬
‫ومع دخول الح����رب العالمية األول����ى تضاءلت هذه‬ ‫البيض(((‪.‬‬
‫الحركة االنفصالية‪ ،‬ولكنها ظلّت حتى س����بعينيات القرن‬ ‫وفيم����ا بع����د أس����س «ج����ون ش����يلمبوي» ‪John‬‬
‫العشرين‪ ،‬وارتبط وجودها بالفكر القومي باألساس‪ ،‬الذي‬ ‫‪ Chilembwe‬إرس����الية «المقاطع����ة الصناعي����ة» في‬
‫ساد في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين‪.‬‬ ‫نياس����االند (مالوي حال ّياً)‪ ،‬وكانت كنيس����تها االنفصالية‬
‫ثاني ًا‪ :‬الإثيوبيانية والحركات الثقافية‪:‬‬ ‫تابع ًة للكنائس اإلثيوبية آنذاك‪ ،‬وهاجم بعنف ما كانت تقوم‬
‫ظهرت «اإلثيوبيانية» في خطب وكتابات المبش����رين‬ ‫به اإلدارة االس����تعمارية البريطاني����ة من فرض الضرائب‬
‫من المثقفي����ن األفارقة ف����ي غرب إفريقي����ا‪ ،‬فقد ظهر‬ ‫والتجني����د اإلجباري‪ ،‬ثم قاد في النهاية مقاوم ًة مس����لحة‬
‫جي ٌل من المتعلمين الس����ود مع إنش����اء أول كلية في غرب‬ ‫فاشلة ض ّد اإلدارة االس����تعمارية البريطانية‪ ،‬والتي انتهت‬
‫إفريقيا‪ ،‬وهي كلية «خليج فوره» ‪Fourah Bay College‬‬ ‫بالقبض عليه وإعدامه عام ‪1915‬م‪ ،‬مما يؤكد أ ّن التحرك‬
‫بس����يراليون‪ ،‬والتي أسستها جمعية الكنيس����ة التبشيرية‬ ‫أساس قومي وليس ديني(((‪.‬‬‫كان على ٍ‬
‫‪ Church Missionary Society‬ع����ام ‪1826‬م‪ .‬ث����م‬ ‫أيضاً؛ انتشرت في ذلك الوقت حركة «برج المراقبة»‬
‫تبعها تأسيس كلية ليبيريا ‪Liberia College ‬بمنروفيا‬
‫(((  ‪Hess, Robert A. «J. F. Ade Ajayi and the New‬‬
‫ف����ي ع����ام ‪1862‬م‪ ،‬ومع عودة بعض ه����ؤالء المثقفين من‬
‫‪Historiography in West Africa», African Studies‬‬
‫أحفاد المستعبدين في بريطانيا وأمريكا‪ ،‬والعمل أساتذة‬ ‫‪.Review, vol.14, no.2, 1971, p.278‬‬

‫  «‪JAMES THEODORE HOLLY» Negro History‬‬ ‫(((‬


‫‪.Bulletin, vol.4, no.8, 1941, p.173‬‬
‫  ‪Hooker, J. R. «Witnesses and Watchtower in‬‬ ‫(((‬
‫‪the Rhodesias and Nyasaland» The Journal of‬‬ ‫(((  ‪Bennett, Robert A. «Black Episcopalians:‬‬
‫‪.African History, vol.6, no.1, 1965, pp.91–93‬‬ ‫‪A History From The Colonial Period To The‬‬
‫‪Present», Historical Magazine of the Protestant‬‬
‫  ‪Schoffeleers, Matthew. «Ritual Healing and‬‬ ‫(((‬ ‫‪.Episcopal Church, vol.43, no.3, 1974, p.241‬‬
‫‪Political Acquiescence: The Case of the Zionist‬‬
‫‪Churches in Southern Africa», Africa: Journal of‬‬ ‫(((  ‪See Morris, Brian. «The Chilembwe Rebellion»,‬‬
‫‪the International African Institute, vol.61, no.1,‬‬ ‫‪The Society of Malawi Journal, vol.68, no.1,‬‬
‫‪ .1991, pp.3–4‬‬ ‫‪ .2015, pp.20–52‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪10‬‬


‫فإ ّن «اإلثيوبيانية» كان����ت عرقي ًة في مناطق غرب إفريقيا‬ ‫به����ذه الكليات‪ ،‬ب����دأت دعواهم للقومي����ة والفخر بالعرق‬
‫وجنوبه����ا‪ ،‬ناش����ئ ًة عن سياس����ة التمايز اللون����ي للحكام‬ ‫الزنجي(((‪.‬‬
‫البيض(((‪.‬‬ ‫ونظراً لعمله����م بحقل التدري����س بالجامعة‪ ،‬وتلقيهم‬
‫���ب اهتمامهم على التعلي����م‪ ،‬بهدف تو ّلي‬ ‫لذلك انص� ّ‬ ‫تعليم����اً أوروب ّياً وأمريك ّياً‪ ،‬فقد اطلع����وا على األفكار التي‬
‫المناصب بدالً من البي����ض‪ ،‬وكان في مقدمتهم مارتن ر‪.‬‬ ‫كانت س����ائدة في عصرهم‪ ،‬ومنها الكتاب����ات اإلثنولوجية‬
‫ديالن����ي ‪1885-1812( Martin R. Delany‬م) أح����د‬ ‫‪( ethnological‬علم األعراق البش����رية)‪ ،‬حيث المدرسة‬
‫أبرز الدعاة األمريك ّيين لحلم «العودة إلى إفريقيا» ‪Back‬‬ ‫اإلنجليزية لألنثروبولوجي����ا بقيادة جيمس هانت ‪James‬‬
‫‪ ،To Africa‬وكان من بينهم‪ :‬جيمس أفريكانوس هورتون‬ ‫‪ Hunt‬وريتشارد بيرتون ‪ .Richard Burton‬باإلضافة‬
‫‪1883-1835( James Africanus Horton‬م)‪ ،‬والذي‬ ‫إلى كتابات الفرنس����ي الكونت آرثر دي جوبينو ‪Arthur‬‬
‫عمل ف����ي جامعة «خليج فوره»‪ ،‬والدكت����ور إدوارد باليدن‬ ‫‪ ،de Gobineau‬وال����ذي كانت دراس����اته وكتاباته حول‬
‫‪١٩١٢-١٨٣٢( Edward Blyden‬م) ال����ذي عم����ل في‬ ‫«عدم المس����اواة بين األعراق البشرية»‪ ،‬وهي وجهة النظر‬
‫كلية ليبيريا‪ ،‬ودعا إلى إنش����اء جامع����ة في غرب إفريقيا‬ ‫الكالس����يكية المعتبرة في القرن التاس����ع عشر حول هذا‬
‫يقوم عليه����ا الزنوج فقط‪ ،‬وأكد بالي����دن أ ّن اإلفريقي له‬ ‫الموض����وع‪ ،‬والتي اعتب����رت الزنجي في الق����اع من هذا‬
‫ش����خصي ٌة مس����تقلة‪ ،‬ودعا إلى وحدة إفريقية جامعة بين‬ ‫التسلسل أو قريباً من القاع(((‪.‬‬
‫دول غرب إفريقيا‪ .‬ومن بعدهم‪ :‬كاسيلي هايفورد ‪Casely‬‬ ‫وجد هؤالء المثقفون األفارقة أ ّن البيض يس����يطرون‬
‫‪1930-1866( Hayford‬م) ونامدي أزيكيوي ‪Azikiwe‬‬ ‫عل����ى المناصب السياس����ية في غرب إفريقي����ا‪ ،‬وكذلك‬
‫‪1996-1904( Nmamdi‬م)‪ ،‬جميعهم رأوا أ ّن التعليم هو‬ ‫المؤسس����ات المركزية والحيوية‪ ،‬باإلضاف����ة إلى إقصاء‬
‫الوسيلة لقيام «قومية زنجية» في غرب إفريقيا(((‪.‬‬ ‫المبش����رين الس����ود من أية أنشطة سياس����ية والتضييق‬
‫وألنهم كانوا في األس����اس من المبشرين الزنوج؛ فقد‬ ‫عليهم‪ ،‬وعدم الس����ماح لهم بالتعبير ع����ن آرائهم‪ ،‬فتعالت‬
‫قرؤوا الكتاب المقدس‪ ،‬واستندوا إلى النصوص التي تربط‬ ‫روح القومية في نفوس����هم وطالبوا باالستقالل السياسي‪.‬‬
‫بين الكوش ّيين وبني إسرائيل‪ ،‬واعتقدوا أسطورة الخالص‬ ‫وبحسب الدراس����ات التي قام بها س����ندكلر ‪Bengt G.‬‬
‫المس����يحي ومهمته الحضارية‪ ،‬وذلك من خالل االحتفاء‬ ‫‪ M. Sundkler‬في كتابه (أنبي����اء من البانتو في جنوب‬
‫بالمس����يحية الس����وداء باعتبارها النتيجة الغائية من أجل‬ ‫إفريقي����ا) ‪Bantu Prophets in South Africa‬‬
‫عب����ور الزنجي لمرحلة العبودي����ة‪ ،‬وأ ّن تجارة الرقيق عبر‬ ‫وج����ورج شيبرس����ون ‪ Shepperson george‬في كتاب‬
‫أرض وثنية‪ ،‬وأنها‬ ‫المحيط األطلس����ي كان����ت هروباً م����ن ٍ‬ ‫(األفارق����ة المس����تقلون) ‪:Independent African‬‬
‫مد ّبرةٌ م����ن «العناية اإللهية» لتخليص األفارقة من ش���� ّر‬
‫(((  ‪Nwauwa, Apollos O. «Far Ahead of His Time:‬‬
‫‪James Africanus Horton›s Initiatives for a‬‬
‫(((  ‪Ayandele, E. A. «An Assessment Of James‬‬ ‫‪West African University and His Frustrations,‬‬
‫‪Johnson And His Place In Nigerian History,‬‬ ‫‪James Africanus Horton: Un( 1871-1862‬‬
‫‪Journal of the ,»1890-Part I, 1874 :1917-1874‬‬ ‫‪Précurseur Malheureux Du Projet De Création‬‬
‫‪Historical Society of Nigeria, vol.2, no.4, 1963,‬‬ ‫‪,»)1871-D›uneUniversité Ouest-Africaine, 1862‬‬
‫‪.p.489‬‬ ‫‪Cahiers D›Études Africaines, vol.39, no.153,‬‬
‫‪.1999, p.108‬‬
‫  ‪Van Rinsum, Henk J. «Wipe the Blackboard‬‬ ‫(((‬
‫‪Clean: Academization and Christianization-‬‬ ‫  ‪Hunt, James. «On the Negro›s Place in‬‬ ‫(((‬
‫‪Siblings in Africa?», African Studies Review,‬‬ ‫‪Nature», Journal of the Anthropological Society‬‬
‫‪.vol.45, no.2, 2002, p.33‬‬ ‫‪.of London, vol.2, 1864, pp.xv-lvi‬‬

‫‪11‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫دينية‬
‫وفي كتاب للغاني كاس����يلي هايفورد في عام ‪1911‬م‬ ‫الوثني����ة‪ .‬وأنهم عادوا إلى إفريقيا للقيام ب َدورهم التعليمي‬
‫بعنوان (إثيوبيا طليق����ة) ‪ ،Ethiopia Unbound‬وهو‬ ‫وتثقي����ف أبن����اء العرق الزنج����ي‪ ،‬من أج����ل القضاء على‬
‫دراس����ات في تحرير الع����رق الزنجي‪ ،‬وأف����كار الجامعة‬ ‫االنحط����اط والتخلّف‪ ،‬وأ ّن مهمتهم األولى والرئيس����ة هي‬
‫الزنجية‪ ،‬كتب في إه����داء كتابه‪ :‬إلى «أبناء إثيوبيا في ك ّل‬ ‫وتحضرها(((‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫تم ُّدن إفريقيا‬
‫مكان في العالم»‪ ،‬وكذلك اس����تخدم نامدي أزيكيوي كلمة‬ ‫ومع عودة هؤالء المثقفين إلى غرب إفريقيا انتشرت‬
‫«إثيوبيا» في كتابه (إفريقيا الناشئة) عام ‪1937‬م(((‪.‬‬ ‫الصحف والمج��ل�ات الزنجية‪ ،‬على غ����رار‪ :‬أكرا هيرالد‬
‫على ال ُّرغم من أ َّن حركة «الجامعة الزنجية» قد بدت‬ ‫‪ Accra Herald‬بغان����ا‪ ،‬وأنجل����و أفري����كان ‪Anglo-‬‬
‫نصوص من‬ ‫ٍ‬ ‫ف����ي دعواها قومية؛ فإ َّنها قد اس����تندت على‬ ‫‪ African‬الت����ي صدرت في الج����وس بنيجيريا‪ ،‬والجوس‬
‫الكت����اب المقدس في دعواها‪ ،‬وتح���� ّول رفضها إلى ك ّل ما‬ ‫ويكلي ريك����ورد((( ‪ ،Lagos Weekly Record‬وظهرت‬
‫هو أبيض‪ ،‬فرفضت المسيحية الغربية‪ ،‬وطالبت بمسيحيةٍ‬ ‫أيضاً كتب ومؤلفات خالل هذه الفترة للدفاع عن القومية‬
‫إفريقية للسود‪ ،‬تستطيع أن تس����توعب العادات والتقاليد‬ ‫الزنجي����ة‪ ،‬ومنه����ا كتاب (المس����يحية واإلس��ل�ام والعرق‬
‫مقاالت تتحدث عن تف ّوق‬
‫ٌ‬ ‫المحلي����ة‪ ،‬وظهرت في الصحف‬ ‫الزنجي) ‪Christianity, Islam And The Negro‬‬
‫واحتجوا بأ ّن‬
‫ّ‬ ‫الع����رق الزنجي على جميع األعراق األخرى‪،‬‬ ‫‪ ،Race‬ح����اول فيه كاتبه إدوارد باليدن جمع الدالئل على‬
‫النبي موس����ى‪ -‬عليه الس��ل�ام‪ُ -‬ولد وتر ّبى ف����ي إفريقيا‪،‬‬ ‫أ ّن «إثيوبي����ا» في الكت����اب المقدس ه����ي «إفريقيا»‪ ،‬وأ ّن‬
‫وأ ّن الس����يد المسيح‪ -‬عليه الس��ل�ام‪ -‬لجأ إليها‪ ،‬وأ ّن آباء‬ ‫«اإلثيوبيين» في الكتاب المقدس ُهم «األفارقة»(((‪.‬‬
‫الكنيس����ة ترتليانوس ‪ Tertullian‬وسيبريان ‪Cyprian‬‬ ‫كان هن����اك تح ُّر ٌك آخر في غ����رب إفريقيا من القس‬
‫وس����ان أغس����طس ‪ St. Augustine‬كانوا من األفارقة‪،‬‬ ‫جيمس جونس����ون ‪ James Johnson‬ال����ذي ت ّم تعيينه‬
‫وأنهم ُهم َمن ش���� ّكلوا الفكر الالهوتي المسيحي األول إلى‬ ‫ف����ي نيجيريا من ‪1874‬م إلى ‪1890‬م‪ ،‬ونش����ط خالل هذه‬
‫ح ٍّد كبير(((‪.‬‬ ‫الفترة‪ ،‬حيث دعا إل����ى القومية داخل نيجيريا حتى وفاته‬
‫ثالث ًا‪ :‬الإثيوبيانية والحركات ال�سيا�سية‪:‬‬ ‫عام ‪1917‬م‪ ،‬فقد طالب ف����ي البداية بالكنائس اإلفريقية‬
‫جاءت حركة «الجامعة اإلفريقي����ة» ر ّداً على الوجود‬ ‫المستقلة عن البيض‪ ،‬ثم دعا إلى تحويل غرب إفريقيا إلى‬
‫االس����تعماري على أرض الق����ارة‪ ،‬وامت����داداً طبيع ّياً لما‬ ‫المسيحية‪ ،‬وهو ما س����يم ّهد لتحويل إفريقيا بالكامل إلى‬
‫حركات قومية‪ ،‬ومثلها مثل أية حركة قومية؛‬ ‫ٍ‬ ‫س����بقها من‬ ‫المس����يحية في نهاية األمر‪ ،‬من أجل تأسيس ثيوقراطية‬
‫فقد جاءت في البداية نتيجة جهود األفارقة في الشتات‪،‬‬ ‫مس����يحية الحتضان القارة بأكملها‪ ،‬ودع����ا إلى «إفريقيا‬
‫وبخاصةٍ أفارقة الواليات المتح����دة وجزر الهند الغربية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫نيجيريا لإلفريق ّيين» في نيجيريا في فترة الستينيات من‬
‫ولكنها تم ّيزت عن الح����ركات األخرى في أنها امتدت لما‬ ‫القرن التاسع عشر(((‪.‬‬
‫بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬ليقودها جي ٌل من الشباب نحو‬
‫استقالل وتح ّرر إفريقيا من نير االستعمار‪.‬‬ ‫  ‪Johnson, Sylvester A. African American‬‬ ‫(((‬
‫ح����اول رواد هذه الحركة ترجم����ة تحركاتهم في عدة‬ ‫‪Religions, 1500–2000. Cambridge University‬‬
‫‪.Press, 2015‬‏ ‪.p.300‬‬

‫(((   عواطف عبد الرحمن و�آخرون‪ ،‬الإعالم الإفريقي في ع�صر‬


‫المعلومات (الجيزة‪ ،‬الطبعة الأول��ى‪ ،‬المكتبة الأكاديمية‪،‬‬
‫(((  ‪Shepperson, George. «Abolitionism and‬‬
‫‪� ،)2011‬ص‪�.‬ص (‪.)71-69‬‬
‫‪African Political Thought», Transition, no. 12,‬‬
‫‪.1964, p.25‬‬ ‫(((  ‪.Blyden, Edward W. op.cit pp.168--171‬‬

‫  ‪.Blyden, Edward W.op.cit pp.131--134‬‬ ‫(((‬ ‫  ‪.Ayandele, E. A. op.cit., pp.489–490‬‬ ‫(((‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪12‬‬


‫مؤتم����رات ولقاءات خ����ارج إفريقيا‪ ،‬كان����ت الدعوة فيها‬
‫إلى قوميةٍ إفريقية واحدة وجامع����ة لك ّل األفارقة‪ ،‬جاءت‬
‫ٌ‬
‫مصطلح‬ ‫«اإلثيوبيانية» هي‬ ‫نتيج����ة للمعان����اة الطويلة الت����ي عانى منها الس����ود في‬
‫الش����تات من التفرقة‪ ،‬وعانى منه����ا إفريقيو الداخل من‬
‫داللي‪ ،‬ارتبط بعدة حركات‬
‫العنصرية العرقية واتهام العرق األس����ود بالدونية‪ ،‬وأشهر‬
‫دينية وثقافية وسياسية‬ ‫هؤالء الرواد‪ :‬سلفس����تر وليامز ‪Sylvester Williams‬‬
‫وقومية‪ ،‬في ظروف استثنائية‬ ‫(‪1911-1869‬م)(((‪ ،‬وبوك����ر واش����نطن ‪Booker T.‬‬
‫ّمرت بها القارة اإلفريقية‬ ‫‪ ،Washington‬وولي����م ديب����وا ‪William Du Bois‬‬
‫(‪1963-1868‬م)(((‪.‬‬
‫س����عى رواد هذه الحركة‪ -‬كأس��ل�افهم من القوم ّيين‬
‫الكاريبي‪ ،‬ث����م تولى زعامة الحركة الدكت����ور وليام ديبوا‪،‬‬ ‫األفارقة‪ -‬إلى البحث في التاريخ الزنجي‪ ،‬ومحاولة التدليل‬
‫وتم ّكن من عقد خمسة مؤتمرات للجامعة اإلفريقية أعوام‪:‬‬ ‫وخاص ًة أنها‬
‫ّ‬ ‫على إسهامات الزنجي في الحضارة العالمية‪،‬‬
‫‪1919‬م و‪1921‬م و‪1923‬م و‪1927‬م و‪1945‬م(((‪.‬‬ ‫نبتت بذورها في الش����تات‪ .‬ولكنه����ا تم ّيزت أيضاً بالطابع‬
‫واس����تخدم رواد الجامعة اإلفريقية كلمة «إثيوبيا» في‬ ‫األدبي المتنامي لروادها‪ ،‬بعد أن س����بقهم جي ٌل من الرواد‬
‫كتاباتهم في إشارةٍ إلى الحضارة اإلفريقية القديمة‪ ،‬ففي‬ ‫اختلطت مشاعرهم القومية بالنصوص الدينية المسيحية‪.‬‬
‫كتابه (تاريخ العرق الزنجي في أمريكا) ‪History of the‬‬ ‫لكن على عكس س����ابقيهم تص����درت الصفوف األولى في‬
‫‪1886( Negro Race in America‬م)؛ ق���� ّدم الم����ؤرخ‬ ‫الحركة مجموع ٌة م����ن المثقفين الذين غلب على كتاباتهم‬
‫األسود جورج واشنطن ويليامز ‪George Washington‬‬ ‫الخطاب العلماني واأليديولوج����ي‪ ،‬فقد كان معظمهم من‬
‫‪ Williams‬أه ّم س����ردٍ مب ّكر إلفريقيا القديمة‪ ،‬وأش����ار‬ ‫أصحاب المهن الحرة(((‪.‬‬
‫إلى مصر باعتبارها حضارة إفريقية عظيمة‪ ،‬واستش����هد‬ ‫وأصبحت ال ُهو ّية العرقية ومفهوم «القومية اإلفريقية»‬
‫بشهادات للمؤرخ هيرودوت ‪ Herodotus‬اليوناني(((‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قو ًة دافع ًة ومه ّمة له����ذه الحركة‪ ،‬فانعقدت عدة مؤتمرات‬
‫ف����ي حين كان هناك رأي لبوكر واش����نطن؛ مفاده أ ّن‬ ‫لها‪ ،‬كان أولها عام ‪1900‬م‪ ،‬بدعوة من سيلفس����تر ويليامز‬
‫المبش����رين األفارقة الذين قاموا باالنفصال عن الكنائس‬ ‫أصول إفريقية من جزي����رة ترنداد بالبحر‬ ‫المحام����ي من ٍ‬
‫الغربية مد ّمرون‪ ،‬حيث كتب واش����نطن‪« :‬بما أ ّن الس����ود‬
‫سيعيشون في ظ ّل الحكومة اإلنجليزية؛ فيجب أن يتعلموا‬ ‫  ‪Donnell, Alison. «The African Presence in‬‬ ‫(((‬
‫مؤسسة‬ ‫أن يح ّبوا هذه الحكومة ويحترموها أفضل من أية ّ‬ ‫‪Caribbean Literature’ Revisited: Recovering the‬‬
‫‪Politics of Imagined Co-Belonging 1930–2005»,‬‬
‫أخرى»(((‪.‬‬ ‫‪Research in African Literatures, vol.46, no.4,‬‬
‫‪.2015, pp.43–44‬‬

‫(((   الفاتح عبد اهلل عبد ال�سالم‪« ،‬حركة الوحدة الإفريقية‪:‬‬


‫(((   حلمي �شعراوي‪ ،‬الفكر ال�سيا�سي واالجتماعي في �إفريقيا‬
‫درا�سة نقدية لأ�صولها الفكرية و�أطرها التنظيمية»‪ ،‬مجلة‬
‫(القاهرة‪ :‬مركز البحوث العربية والإفريقية‪ ،‬الطبعة الأولى‪،‬‬
‫درا�سات‪� ‬إفريقية‪ ،‬العدد ‪ ،26‬دي�سمبر ‪2001‬م‪� ،‬ص‪�.‬ص (‪-12‬‬
‫‪2010‬م)‪� ،‬ص‪�.‬ص (‪.)178-174‬‬
‫‪.)13‬‬
‫  ‪Ater, Renée. «Making History: Meta Warrick‬‬ ‫(((‬
‫  ‪West, Michael O. «Global Africa: The‬‬ ‫(((‬
‫‪Fuller›s ‘Ethiopia», American Art, vol.17, no.3,‬‬
‫‪Emergence and Evolution of an Idea», Review‬‬
‫‪.2003, p.22‬‬
‫‪(Fernand Braudel Center), vol.28, no.1, 2005,‬‬
‫‪Harlan, Louis R. «Booker T. Washington‬‬ ‫(((  ‬ ‫‪.p.95‬‬

‫‪13‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫دينية‬
‫نبي مرس ٌل إلى السود(((‪.‬‬
‫إليه على أنه ٌّ‬ ‫ويعود االس����تخدام األقدم لإلثيوبياني����ة كأداةٍ أدبية‬
‫ورك����ز جارفي في دع����واه إلى العودة إل����ى إفريقيا‬ ‫ألحد رائدي الجامعة اإلفريقية‪ ،‬وذلك من قِ َبل وليام دوبوا‬
‫‪ ،Back to Africa‬وإعادة توطين الس����ود بها‪ ،‬متمس����كاً‬ ‫في كلمته في جامعة هارفارد عام ‪1890‬م‪ ،‬والتي اختتمها‬
‫بمبدأ «إفريقيا الحرة وطناً للس����ود من ك ّل أنحاء العالم»‪،‬‬ ‫بكلمة للجمهور الذي يغلب عليه البيض‪« :‬إ ّن العرق البشري‬
‫وذلك تحت نداءٍ مثي����ر‪« :‬إفريقيا لإلفريقيين‪ ،‬في الداخل‬ ‫مدي���� ٌن ِب َديْ ٍن عظيم إلثيوبيا التي ت ُم ّد ذراعيها»‪ ،‬وفي العام‬
‫والخارج»‪ .‬وج����ادل بأنه كما اس����تخدم األوروبيون العرق‬ ‫التالي كررها ولكن لجمهورٍ من الس����ود‪« :‬إ ّن إثيوبيا التي‬
‫والتاريخ والثقافة كجزءٍ من مشروعهم االستعماري األكبر؛‬ ‫كنا نجعلها في دعائنا‪ ،‬قد م ّدت ذراعيها نحو أبنائها»(((‪.‬‬
‫فيجب على األفارقة أيضاً أن يس����تخدموا ُ‬
‫الح َجج نفسها‬ ‫م ّر ًة أخرى؛ يستخدم ديبوا كلمة «إثيوبيا» في العرض‬
‫من أجل نزع الش����رعية عن المس����تعمر‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫الذي كتبه في عام ‪1913‬م بعن����وان (نجمة إثيوبيا) ‪The‬‬
‫التع����رف على مفاهي����م النقاء العرقي والتف����وق الثقافي‬ ‫‪ ،Star of Ethiopia‬والذي ق ّدمه في إحدى المناس����بات‬
‫للسود(((‪.‬‬ ‫ف����ي الواليات المتح����دة(((‪ .‬وبعد ع����ام ‪1930‬م كان دوبوا‬
‫إ ّن الجماهي����ر التي اس����تمعت إلى ن����داءات جارفي‬ ‫يستخدم «إثيوبيا» في إشارةٍ إلى دولة إثيوبيا الحالية‪ ،‬وكان‬
‫ونبوءاته قد اس����تقر في ذهنه����ا‪ :‬أ ّن إثيوبيا هي جنّة الله‬ ‫يعت ّز بذكرها دوماً بس����بب تاريخها في مقاومة اإليطال ّيين‬
‫في أرضه بالنس����بة للس����ود‪ ،‬وأ ّنه يوماً ما سوف يأتي َمن‬ ‫وهزيمتهم في معركة «عدوة» ‪ Adwa‬في عهد اإلمبراطور‬
‫يخلّص األفارقة من محنتهم‪ ،‬فاس����تقبلت هذه الجماهير‬ ‫مينيليك الثاني ‪ Menilek II‬في القرن التاسع عشر(((‪.‬‬
‫ف����ي ك ٍّل م����ن جاميكا وإفريقي����ا تنصي����ب «راس تفاري‬ ‫رابع ًا‪ :‬الإثيوبيانية وحركة الرا�ستفارية‬
‫ماكونين» ‪ ،Ras Tafari Makonnen‬في عام ‪1930‬م‪،‬‬ ‫‪:Rastafarian movement‬‬
‫إمبراطوراً عل����ى إثيوبيا‪ ،‬والذي أطلق على نفس����ه فيما‬
‫تراجع استخدام المصطلح في أوائل القرن العشرين‬
‫بعد هيال سالس����ي (‪1975-1892‬م)؛ بأنه هو المخلّص‬
‫وحتى نهاية الحرب العالمية األولى‪ ،‬ولكنه عاد إلى الزخم‬
‫الذي طال انتظاره كما ج����اء في النبوءات التوراتية‪ ،‬وأنه‬
‫م ّر ًة أخرى مع بروز ش����خصية زنجية حركية على الساحة‬
‫هو اإلله الحي والمس����يح األسود الذي سوف يعلن بداية‬
‫السياس����ية؛ وهو ماركوس جارف����ي ‪Marcus Garvey‬‬
‫حكم الس����ود للعالم‪ .‬وأطلقت هذه الحركة على نفس����ها‪:‬‬
‫(‪1940-1887‬م)‪ ،‬من مواليد جامي����كا بأمريكا الجنوبية‪،‬‬
‫«الراستفارية»(((‪.‬‬
‫خاصة بهم‪،‬‬
‫والذي دعا إلى إنش����اء وطن للس����ود وكنيسة ّ‬
‫وجادل بأنه على الرغم من االضطهاد الذي عانى ويعاني‬
‫منه السود؛ «فسوف يخرج العظماء من مصر‪ ،‬وتَ ُم ّد إثيوبيا‬
‫(((  ‪Watson, G. Llewellyn. «Patterns of Black‬‬
‫‪Protest in Jamaica: The Case of the Ras-‬‬ ‫يديها إلى الله»‪ ،‬وه����و ما جعل العديد من أتباعه ينظرون‬
‫‪Tafarians.» Journal of Black Studies, vol.4,‬‬
‫‪.330-no.3, 1974, pp.329‬‬

‫‪Singh,‬‬ ‫‪Simboonath.‬‬ ‫ ‪«Resistance,‬‬ ‫(((‬ ‫‪and the White Man›s Burden», The American‬‬
‫‪Essentialism, and Empowerment in Black‬‬ ‫‪.Historical Review, vol.71, no.2, 1966, p.449‬‬
‫‪Nationalist Discourse in the African Diaspora: A‬‬
‫  ‪Quirin, James. «W.E.B. Du Bois, Ethiopianism‬‬ ‫(((‬
‫‪Comparison of the Back to Africa, Black Power,‬‬
‫‪International Journal ,»1955-and Ethiopia, 1890‬‬
‫‪and Rastafari Movements», Journal of African‬‬
‫‪.of Ethiopian Studies, vol.5, no.2, 2010, p.3‬‬
‫‪.American Studies, vol.8, no.3, 2004, p.23‬‬
‫‪Rabaté, Jean-Michel. ‬‬ ‫ ‪1913: the cradle of‬‬ ‫(((‬
‫(((  ‪Kebede, alemseghed. «Projective framing,‬‬
‫‪.modernism. John Wiley & Sons, 2008 pp.126--127‬‬
‫‪cultural opportunity milieu, and the rastafari»,‬‬
‫‪.Sociological focus, vol.36, no.4, 2003, p.358‬‬ ‫  ‪.10-Quirin, James. op.cit., pp.9‬‬ ‫(((‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪14‬‬


‫نص المزمور (‪ :68‬العبودية وحماية جميع ش����عوب إثيوبيا الكبرى من الوقوع‬ ‫واس����تندت الراستفارية أيضاً إلى ّ‬
‫النص فريس ًة لإلمبريالية األوروبية(((‪.‬‬
‫‪« :)31‬س����رعان ما ت ُم ّد إثيوبيا يديها إلى الله»‪ ،‬وهو ّ‬
‫وختام ًا‪:‬‬ ‫نفسه الذي استندت إليه الحركات السابقة لها(((‪ ،‬ويعتقد‬
‫«اإلثيوبياني���ة» هي مصطل ٌح داللي‪ ،‬ارتبط بعدة‬ ‫الكثير في كتاباتهم أ ّن «الراس����تفارية» هي و«اإلثيوبيانية»‬
‫شي ٌء واحد‪ ،‬حيث إ َّن الراستفارية هي محاولة إعادة هيكلة حركات دينية وثقافية وسياسية وقومية‪ ،‬في ظروف‬
‫ال ُهو ّية؛ بحيث يس����تطيع الش����خص الراستفاري أن يعيش استثنائية م ّرت بها القارة اإلفريقية في أواخر القرن‬
‫بوعي����ه من خالل منظورٍ إفريقي‪ .‬وبذلك يمكن مناقش����ة التاس���ع عش���ر وبدايات القرن العشرين‪ ،‬تقاطرت‬
‫معها الكتابات والتصنيفات والمناقشات في حينه‪،‬‬ ‫الراستفارية بوصفها مفهوماً ثقاف ّياً دين ّياً أيضاً(((‪.‬‬
‫ثم تراجع استخدام مصطلح «اإلثيوبيانية» أخيراً إلى كانت تهدف للر ّد عل���ى االدعاءات اإلمبريالية التي‬
‫داخل إثيوبيا حصراً؛ ليقتصر على األمهر ّيين والتيجر ّيين‪ ،‬ادعت تخلّف ش���عوب القارة وتف ّوق العرق األبيض‪،‬‬
‫الذي����ن هيمنوا على الس����لطة في الدول����ة اإلثيوبية على وم���ن ث ّم كان���ت تلك المرحل���ة مه ّمة ف���ي تاريخ‬
‫التوال����ي‪ .‬في عام ‪1931‬م غ ّير هيال سيالس����ي رس����م ّياً تط���ور ال ُهو ّية اإلفريقية‪ .‬وعل���ى الرغم من توظيف‬
‫اسم «الحبش����ة» ‪ Abyssinia‬إلى «إثيوبيا» في الدستور‪ ،‬العمليات التبش���يرية في المشروع اإلمبريالي؛ فقد‬
‫واستخدمت النخب الحبشية المتعاقبة «اإلثيوبيانية» خالل ت ّم التوظيف نفس���ه من قِ َبل األفارقة من المبشرين‬
‫القوم ّيين‪.‬‬ ‫خطاباتهم تعبيراً عن إثيوبيا الكبرى(((‪.‬‬
‫ومع التق ّدم العلمي الكبير‪ ،‬في شكله الحالي‪ ،‬لم‬ ‫إ ّن أيديولوجية إثيوبيا الكبرى ‪Greater Ethiopia‬‬
‫ت ّدعي‪ :‬أ ّن إثيوبيا لم تكن مس����تعمرة‪ ،‬مثل أجزاء أخرى من يعد الس���ؤال عن العرق مه ّماً بعد أن أصبح الجميع‬
‫بشكل مباشر أو غير مباشر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إفريقيا‪ ،‬بسبب ش����جاعة األحباش ووطنيتهم التي جعلت مشاركاً في هذا التق ّدم‬
‫ه����ذه اإلمبراطورية فريد ًة في إفريقي����ا‪ .‬ويزعم الخطاب وبانتهاء االس���تعمار القديم ت ّم استحداث استعمارٍ‬
‫ثقافي جديد‪ ،‬وهو ما بات يُعرف بمصطلح «العولمة»‬ ‫ٍّ‬ ‫اإلثيوب����ي التاريخي أ ّن الح����دود اإلثيوبية مق ّدس���� ٌة منذ‬
‫مصطلحات‬
‫ٌ‬ ‫تأسيس����ها قبل ثالث����ة آالف عام‪ .‬عالو ًة عل����ى ذلك؛ يت ّم والهيمنة الثقافي���ة‪ ،‬ومن ث ّم برزت معه‬
‫التأكيد على أ ّن المجتمع الحبش����ي يم ّثل مستوى متق ّدماً جدي���دة للهيمنة‪ ،‬تتطلب مواجهته���ا أدوات وآليات‬
‫من التنظيم االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬م ّكنه من الدفاع عن جديدة من ش���أنها الحفاظ على ُهو ّية وخصوصية‬
‫نفس����ه ض ّد االس����تعمار األوروبي‪ ،‬من خالل القضاء على المجتمعات اإلفريقية‪ ،‬منها على س���بيل المثال ال‬
‫الحصر‪ :‬الس���عي إلى التكامل في شتّى المجاالت‬
‫بي���ن دول القارة‪ ،‬ومن ث ّم االس���تفادة م���ن المزايا‬ ‫  ‪Kebede, Alemseghed, and J. David‬‬ ‫(((‬
‫النسبية لك ّل دولة‪ .‬وأصبحت التنمية المستدامة في‬ ‫‪Knottnerus. «Beyond the Pales of Babylon:‬‬
‫‪The Ideational Components and Social‬‬
‫إفريقيا من أه ّم متطلبات ه���ذه المرحلة من أجل‬ ‫‪Psychological Foundations of Rastafari»,‬‬
‫‪Sociological Perspectives, vol.41, no.3, 1998,‬‬
‫تلبية احتياجات األجيال القادمة‪ ،‬وإنش���اء جامعات‬ ‫‪.p.502‬‬
‫علمية تهدف إلى التواص���ل اإلفريقي‪ -‬اإلفريقي‪،‬‬ ‫(((  ‪Semaj, LeahcimTufani. «Rastafari: From‬‬
‫وإقامة التجمعات الثقافية والعلمية‪ ،‬ونقل الخبرات‬ ‫‪Religion to Social Theory», Caribbean Quarterly,‬‬
‫‪.vol.26, no.4, 1980, p.22‬‬
‫العلمية المشتركة بين دول القارة ‬
‫(((  ‪Jalata, Asafa. «Being in and out of Africa: The‬‬
‫‪Impact of Duality of Ethiopianism», Journal of‬‬
‫(((  ‪.Ibid., p.194‬‬ ‫‪.Black Studies, vol.40, no.2, 2009, p.192‬‬

‫‪15‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫تاريخية‬

‫عناية أهل غرب إفريقيا بتاريخهم‪:‬‬


‫مظاهرها‪ ،‬وآفاقها‪ ،‬والتحديات التي تواجهها‬

‫عبدالرحمن خليفة جالو‬


‫باح�ث ف�ي التاري�خ الإ�سلامي والدرا�س�ات‬
‫الإفريقية – مالي‬

‫والديني�ة للمنطق�ة ب�� ّ‬


‫أدق تفا�ص�يلها؛ بم�ا فيه�ا‬
‫ورواي�ات ووقائع‪ ،‬وكان لال�س�تقرار‬
‫ٍ‬ ‫أحداث‬
‫م�ن � ٍ‬
‫فئات من مختلف طبقات مجتمع‬ ‫ُعنيت ٌ‬
‫غ�رب �إفريقي�ا قديم ًا وحديث� ًا بتاريخ‬
‫لقد‬
‫ال�سيا�س�ي واالقت�ص�ادي– نوع ًا ما ف�ي المنطقة‬ ‫أ�ش�كال و�ص�و ٍر متن ّوعة م�ن العناية‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫بلدانهم‪ ،‬وب�‬
‫الدور الب�ارز في تلك‬‫خلال القرون الما�ض�ية‪َّ -‬‬ ‫تف�اوت ف�ي درجاتها وح�ص�يلتها‪ ،‬وب�س�بب‬ ‫ٍ‬ ‫م�ع‬
‫العناية وفي تحقيق ذلك الإنجاز‪.‬‬ ‫عنايته�م تل�ك و�ص�ل �إلين�ا تاري�خ الأو�ض�اع‬
‫ال�سيا�سية والثقافية واالجتماعية واالقت�صادية‬
‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪16‬‬
‫وقد ذك���ر بع���ض الباحثي���ن أ ّنه بمج���يء العرب‬ ‫الظاه����ر أ ّن حركة عناية أهل غ����رب إفريقيا بتاريخ‬‫ّ‬
‫المس���لمين إلى ش���مال إفريقيا‪ ،‬ث��� ّم اتّصالهم بإفريقيا‬ ‫بلدانهم تمت���� ّد جذورها إلى ما قبل مجيء اإلس��ل�ام إلى‬
‫الصحراء‪ ،‬ب���دأ تدوين تاري���خ المنطقة‪ ،‬وبذلك‬ ‫جنوب ّ‬ ‫المنطقة؛ حيث يالحظ أ ّنه ُوجد في تلك الفترة التاريخية‬
‫دخلت مرحلة التاريخ المكتوب‪ ،‬وأ ّن الفترة التي س���بقت‬ ‫رواةٌ تقليد ّيون لألسر الحاكمة ولألعيان في مختلف مناطق‬
‫بال عن‬ ‫مجيء العرب المس���لمين لم تخلّف لنا ش���يئاً ذا ٍ‬ ‫غرب إفريقيا‪ ،‬يُطلق عليهم اس����م ‪ ،Griots‬وكانوا يتو ّلون‬
‫وبغض النّظر عن صحة هذه اإلفادة أو‬ ‫ّ‬ ‫السودان(((‪،‬‬‫بالد ّ‬ ‫قصص‬ ‫ٍ‬ ‫مه ّمة حفظ تاريخه����ا وأخبارها وما يتعلّق بها من‬
‫ع���دم صحتها؛ فإ ّن المصادر الجغرافية ومصادر التاريخ‬ ‫وأح����داث‪ ،‬ويتمتّعون بالمقدرة عل����ى أدائها عند الحاجة‪،‬‬
‫وال ّرحالت واألدب العربي‪ ،‬التي وضعها مؤلفون مشارقة‬ ‫ويورثون تلك المادة التاريخية الخصبة لألجيال الالحقة‪.‬‬
‫ومغاربة وأندلس��� ّيون في القرون اإلسالمية األولى‪ ،‬تم ّثل‬ ‫إ ّن وجود هذا الزّخم من المادة التاريخية الش���فوية‬
‫القاع���دة األولية للمعلومات العا ّمة عن المنطقة(((‪ ،‬ولع ّل‬ ‫في تلك الفترة‪ ،‬التي ورثها األجيال من أهل غرب إفريقيا‬
‫التاريخي‬
‫ّ‬ ‫تل���ك المصادر هي التي جعلت فك���رة التدوين‬ ‫منذ أزمنةٍ سحيقة‪ ،‬وسارت بها ركاب التجار المغاربة‪ ،‬هو‬
‫الغربي واألوسط تتبلور في أذهان علماء‬‫ّ‬ ‫لبالد الس���ودان‬ ‫الذي أتاح لكتّاب «المسالك والممالك» وقدامى المؤ ّرخين‬
‫المنطقة في عصور قيام الممالك اإلسالمية وما بعدها‪،‬‬ ‫العمري (ت‪749‬هــ) وابن‬‫ّ‬ ‫واألدباء العرب‪ ،‬مثل ابن فضل‬
‫وجعلتهم يتجه���ون إليه‪ ،‬ويضع���ون مد ّوناتهم وأعمالهم‬ ‫خلدون (ت‪805‬هــ) والقلقش���ندي (ت‪812‬هــ)‪ ،‬أن يبنوا‬
‫التاريخية‪ ،‬وذلك في حدود اإلمكان ّيات ووس���ائل البحث‬ ‫الغربي‬
‫ّ‬ ‫معظ���م ما ّدته���م اإلخبارية حول بالد الس���ودان‬
‫والج ْمع المتاحة لهم؛ وهي‪ :‬اس���تخدام الرواية الشفوية‬ ‫َ‬ ‫واألوس���ط عليها‪ ،‬وش��� ّكلت تلك الما ّدة األساس لكتابة‬
‫النص الس���وداني الم ّدون‪ ،‬والنقل من مصدر متق ّدم‪،‬‬ ‫في ّ‬ ‫تاريخ المنطقة في المراحل الالحقة‪ ،‬وانعكس���ت عليها‬
‫ومش���اركة بعض المؤلفي���ن في بعض أح���داث الكتاب‬ ‫بشكل إيجابي‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ومش���اهداتهم الش���خصية‪ ،‬وتدخلّهم بالتأويل والتفسير‬ ‫الشفوية لم تنقطع‬ ‫غير أ ّن ظاهرة االهتمام بالمـــا ّدة ّ‬
‫لبعض األحداث التاريخية والظواهر الطبيعية‪.‬‬ ‫تماماً بمجيء اإلس�ل�ام إلى المنطق���ة‪ ،‬بل ظلّت حاضرة‬
‫التاريخي لب�ل�اد غرب إفريقيا‬
‫ّ‬ ‫ولع��� ّل والدة التراث‬ ‫بق ّوة في كثيرٍ من مصنّف���ات المراحل الالحقة‪ ،‬يالحظ‬
‫جاءت نتيج��� ًة حتمية لمجموعة من العوامل التي لم تكن‬ ‫خصوصاً أ ّن معظم الم���ا ّدة اإلخبارية في كتابات ال ّرواد‬
‫وقت واحد وال متساوية في التأثير‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫مجتمعة في ٍ‬ ‫من باحثي المنطقة ومؤ ّرخيها المعاصرين((( تتشك ّل من‬
‫الش���عور بأ ّن التاريخ ذاكرةٌ نابضة وحية للشعوب‪،‬‬ ‫‪ّ -‬‬ ‫الشفوية؛ فمعظمهم يستعملونها باستمرار على‬ ‫ال ّروايات ّ‬
‫ينبغي أن يستفيدوا منه لصالح الحاضر والمستقبل‪.‬‬ ‫أ ّنها تحمل– في الغالب‪ -‬اليقين والتّصديق في نظرهم‪،‬‬
‫‪ -‬التأث���ر بحرك���ة التدوي���ن التاريخي ف���ي مراكز‬ ‫وليست ظني ًة ال ينبغي االلتفات إليها أص ًال‪ -‬كما يتصو ّر‬
‫الحضارة والتفاعل الحضاري في بلدان الشمال اإلفريقي‬ ‫بعض النّاس‪.-‬‬
‫والشرق اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -‬تش���جيع كثيرٍ من الحكام واألم���راء على العناية‬ ‫(((   مثل كتابات بوبو حما‪ ،‬و�شيخ �أنت جوب‪ ،‬وجبريل تما�سير‬
‫نياني‪ ،‬وجوزيف كي زيربو‪ ،‬و�سيكيني مودي �سي�سكو‪ ،‬ومامبي‬
‫�سدبي‪ ،‬وزكريا درمان‪ ،‬و�آمدو همباتي باه‪ ،‬وغيرهم‪ .‬ينظر‪:‬‬
‫(((   �أحمد ال�شكري‪ ،‬الإ�سالم والمجتمع ال�سوداني �إمبراطورية‬ ‫التاريخي لمملكة‬ ‫عبدالرحمن خليفة �سادو جالو‪ ،‬التدوين‬
‫ّ‬
‫مالي ‪1230‬م‪1430-‬م‪� ،‬أبو ظبي‪ ،‬الإمارات العربية المتحدة‪،‬‬ ‫�سنغاي م��ن ال�ق��رن ‪10‬ه �ـ �إل��ى ال�ق��رن ‪15‬ه �ـ درا� �س��ة نقدية‬
‫‪1420‬هـ ‪1999/‬م‪� ،‬ص‪.18‬‬ ‫مو�ضوعية‪ ،‬ر�سالة علمية مقدّمة لنيل درجة الماج�ستير بق�سم‬
‫(((   عبدالرحمن خليفة �سادو جالو‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص (‪-174‬‬ ‫التاريخ الإ�سالمي‪ ،‬الجامعة الإ�سالمية بالمدينة المن ّورة‪،‬‬
‫‪.)175‬‬ ‫‪1438‬هـ ‪1439‬هـ‪� ،‬ص‪.335‬‬

‫‪17‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫تاريخية‬
‫القومي للمنطقة‪ ،‬وذلك إلها ًء لهم عن األلم وتسلي ًة‬
‫ّ‬ ‫التاريخ‬ ‫بالتاريخ القومي‪.‬‬
‫لهم‪ ،‬كم���ا كان يُعقد لألطفال بصفةٍ عا ّم���ةٍ في الليالي‬ ‫‪ُ -‬ح ّب المعرفة لدى بعض المؤلفين والكتّاب‪ ،‬وسعيهم‬
‫مجالس س���مر‪ ،‬تُحكى لهم فيها القص���ص والملحمات‬ ‫إلى نشر الفكر والوعي التاريخي لدى المواطنين‪.‬‬
‫التاريخية لألج���داد وأمجادهم‪ .‬ولكن في الوقت ال ّراهن‬ ‫‪ -‬لف���ت االنتب���اه إلى تج ّذر التأثير اإلس�ل�امي في‬
‫صار هناك بدي ٌل لتلك الظاهرة‪ ،‬وهو قيام وزارات التعليم‬ ‫منطقة الس���ودان الغربي‪ ،‬والتص ّدي لمحاولة الس���لطة‬
‫والتربي���ة بتضمين مناهجها الدراس���ية مق ّررات للتاريخ‬ ‫االس���تعمارية فص َل الش���عب الس���وداني عن مق ّوماته‬
‫القوم���ي؛ بحيث يُعط���ى الطالب جرعات م���ن التاريخ‬ ‫وأصالته وانتمائه اإلسالمي‪.‬‬
‫الوطني واإلقليم���ي منذ مرحلة التعليم المتوس���ط إلى‬ ‫‪ -‬الرغبة في إبراز العطاء الحضاري الذي أسهمت‬
‫يتخصص‬ ‫ّ‬ ‫مرحل���ة التعليم الثانوي‪ ،‬ث ّم إن ش���اء بعد ذلك‬ ‫به ش���عوب المنطقة‪ ،‬وتبرئة تاريخ المنطقة من األحكام‬
‫ف���ي تاريخ المنطقة أو في غيره م���ن التخصصات التي‬ ‫المسبقة واالتهامات التي اختلقتها السلطة االستعمارية‪،‬‬
‫تميل إليها نفسه‪.‬‬ ‫وحاولت إلصاقه���ا بالحركات اإلصالحي���ة وبالممالك‬
‫‪ -3‬فت ��ح �أق�س ��ام للتاري ��خ القوم ��ي والإقليم� � ّي ف ��ي‬ ‫والدول اإلس�ل�امية التي قامت في المنطقة قبل مجيء‬
‫الجامع ��ات‪ :‬يُع ّد هذا المظهر من أنشط مظاهر االهتمام‬ ‫االس���تعمار وخدمت اإلس�ل�ام وقضاياه‪ ،‬وتلك األحكام‬
‫العلمي الحدي���ث بتاريخ غرب إفريقي���ا؛ بحيث ال تكاد‬ ‫ّ‬ ‫واالتهامات مبني ٌة على مفاهيم ال ترتبط ارتباطاً عضو ّياً‬
‫قس���م‬
‫ٍ‬ ‫وجود‬ ‫من‬ ‫تخلو‬ ‫المنطقة‬ ‫جامع���ات‬ ‫م���ن‬ ‫ٌ‬
‫ة‬ ‫جامع‬ ‫بالحقائق التاريخية‪ ،‬بل تس���عى لهدمها ونس���ف األُسس‬
‫خاص فيها يُعنى بتاريخ المنطقة؛ دراس ًة‪ ،‬وبحثاً‪ ،‬وجمعاً‬ ‫ٍّ‬ ‫التي قامت عليها‪.‬‬
‫ً‬
‫لمصادره‪ ،‬وإعدادا للمتخصصين فيه‪.‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬المظاهر‪:‬‬
‫‪� -4‬أعم ��ال النح ��ت‪ :‬برع بعض س���كان غرب إفريقيا‬ ‫لم تقتصر حركة عناية أهل غرب إفريقيا بتاريخهم‬
‫ف���ي الزمن القديم في أعمال البرون���ز والنحاس والعاج‬ ‫نمط ومظهرٍ واحد فقط‪ ،‬بل شملت مظاهر متن ّوعة‬ ‫على ٍ‬
‫والفض���ة؛ فق���د كان ألش���غال البرونز ف���ي إيفه وبنين‬ ‫وأنماطاً مختلفة من العناية الشعبية والعلمية‪ ،‬فقد تم ّكنت‬
‫وظيفت���ان‪ :‬إحداهما توفير األش���ياء الالزم���ة للمعابد‪،‬‬ ‫من رصد عددٍ منها‪ ،‬ويمكن إبراز أه ّمها فيما يأتي‪:‬‬
‫واألخرى تصوير تاريخ الشعب‪ ،‬فهذه الصور والتماثيل–‬ ‫‪ -1‬حف ��ظ الرواة التقليديين للتاريخ و�إن�ش ��ادهم له‪ :‬ال‬
‫الت���ي جاء اإلس�ل�ام بتحريمه���ا‪ -‬تعرض م���ن الناحية‬ ‫وبخاصة‬
‫ّ‬ ‫ت���زال كثي ٌر من مجتمعات غ���رب إفريقيا اليوم‬
‫التاريخية الجوانب المختلفة لتط ّور المجتمع‪ ،‬ويس���تعين‬ ‫في المناطق ال ّريفية تحتفظ ب���رواةٍ تقليد ّيين‪ ،‬يحفظون‬
‫به���ا الباحثون في َف ْهم التاريخ؛ فمن خالل أعمال الحفر‬ ‫أنس���اب العشائر وملحمات القبائل وأمجادها التاريخية‪،‬‬
‫األثري ووترلوت‬
‫ُّ‬ ‫على نقوش قص���ر الملك آهومي خلُص‬ ‫ٍ‬
‫مناس���بات اجتماعية وديني���ة مختلفة‪،‬‬ ‫وينش���دونها في‬
‫الح َرفية كانوا أعضا ًء‬ ‫إلى‪ :‬أ ّن رؤس���اء مختلف ّ‬
‫الطبقات ِ‬ ‫فض النزاعات‬ ‫وله���ؤالء الرواة التقليد ّيي���ن دو ٌر كبي ٌر في ّ‬
‫الملكي في داهومي ‪.‬‬
‫(((‬
‫ّ‬ ‫في البالط‬
‫والخالفات التي تنش���ب ع َرضاً بي���ن القبائل؛ وذلك من‬
‫‪ -5‬الكتاب ��ة والت�ألي ��ف التاريخ ��ي‪ :‬يُع ّد النش���اط في‬ ‫خالل إبرازهم ونبش���هم لتاريخ ُحسن الجوار والعالقات‬
‫هذا المجال من أبرز مظاه���ر عناية أهل غرب إفريقيا‬ ‫الحميمية التي كانت تربط القبائل بعضها ببعض‪.‬‬
‫‪ -2‬التعليم والتربية‪ :‬كانت بعض المجتمعات الريفية‬
‫في غرب إفريقيا– وال تزال‪ -‬تعمد إلى اس���تغالل فترة (((   ك‪ .‬مادهو بانيكار‪ ،‬الإ�سالم والوثنية– تاريخ الإمبراطورية‬
‫الزنجية في غرب �إفريقيا‪ ،‬ترجمه وع ّلق عليه وحقّقه على‬
‫مراجعه العربية‪� :‬أحمد ف�ؤاد بلبع‪ ،‬المجل�س الأعلى لل ّثقافة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫جرعات من‬ ‫خت���ان البنات والبنين م���ن األوالد لتعليمهم‬
‫‪1998‬م‪� ،‬ص‪.483‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪18‬‬


‫تاريخي فقهي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫كتاب‬
‫لمحمود كعت الثاني (ت‪1002‬هــ)‪ :‬هو ٌ‬ ‫بتاريخهم‪ ،‬ولع��� ّل (الوثائق والمذك���رات التاريخية) التي‬
‫تناول المؤلف في القسم األول منه‪ -‬حسبما أفاد الباحث‬ ‫بدأ محم���ود كعت األول (ت ‪1000‬هـ) بتحريرها س���نة‬
‫إس���ماعيل جاجي حيدره‪ -‬تاريخ أس���رة كع���ت العلمية‪،‬‬ ‫‪925‬هـ((( ‪ ،‬في ظ ّل حكم مملكة س���نغاي‪ ،‬تم ّثل االنطالق‬
‫وعالقاتها باألسرة المالكة في مملكة سنغاي‪ ،‬والمساجد‬ ‫لحركة عناية أهل غرب إفريقيا بتدوين تاريخ بلدانهم‪ ،‬ث ّم‬
‫والقصور التي بناها أس���كيا الحاج محمد الكبير‪ ،‬بينما‬ ‫تال ذلك ظهور مجموعة كبيرة من المصنّفات السودانية‬
‫اشتمل القسم الثاني منه على رسائل وفتاوى المؤلف(((‪.‬‬ ‫في التاريخ والتراجم واألنساب في العصور الالحقة‪.‬‬
‫ج‪ -‬كت ��اب (درر الح�س ��ان ف ��ي �أخب ��ار بع� ��ض مل ��وك‬ ‫ويمك���ن تصنيف تل���ك المؤلفات ف���ي الجملة إلى‬
‫ال�س ��ودان)((( لب ��اب غور ب ��ن الحاج محمد بن الح ��اج الأمين‬ ‫قس��� َميْن‪« :‬مصادر أصلية»‪ ،‬يعتبر مؤلفوها ُهم الواسطة‬
‫كن ��وا‪ :‬من اإلش���ارات التاريخية التي تناولها المؤلف في‬ ‫الرئيس���ة لنقل المعلومات التاريخية حول غرب إفريقيا‬
‫علي بير وابنه أبي بكر داعو‪،‬‬
‫كتابه‪ :‬بعض أخبار س���وني ّ‬ ‫لألجيال الالحقة‪ ،‬و«مص���ادر فرعية» تعتمد في مادتها‬
‫وبعض أخبار أس���كيا محمد بنكان‪ ،‬وبعض أخبار أسكيا‬ ‫التاريخية أساس���اً على المصادر األصلية‪ ،‬يستفيد منها‬
‫الحاج محمد بن أسكيا داود‪ ،‬وبعض أخبار الفقيه محمود‬ ‫الباحث طبقاً لمقتضى الحال‪.‬‬
‫بن عمر بن أقيت‪ ،‬وبعض أحداث الغزو المغربي(((‪.‬‬ ‫ونظراً إلى كثرة المص���ادر الفرعية لتاريخ منطقة‬
‫د‪ -‬كت ��اب (ني ��ل االبتهاج بتطري ��ز الديب ��اج) لأحمد بابا‬ ‫غرب إفريقيا؛ فإ ّنني س���أكتفي في هذه العجالة بسرد‪:‬‬
‫التنبكت ��ي (ت‪1036‬هـ� �ـ)‪ :‬يُع��� ّد هذا الكت���اب مصدراً مه ّماً‬ ‫أه ّم المصادر األصلية والتعريف الموجز بها‪:‬‬
‫في رص���د تاريخ الحركة الثقافية والعلمية وروافدها في‬ ‫�أ‪ -‬كتاب (تاريخ م َْي �إدري�س وغزواته) للإمام محمد بن‬
‫مملكة س���نغاي خالل القرنَيْن‪ :‬التاسع والعاشر الهجري؛‬ ‫فرت ��وا البرنويّ (ت‪991‬هــ)‪ :‬يُع ّد من أش���هر المؤ ّلفات في‬
‫ً‬
‫رج�ل�ا من فقهاء‬ ‫فقد ترجم فيه المؤلف ألربعة عش���ر‬ ‫وخاصة ف���ي عصرها الذهبي‪ .‬وهو‬ ‫تاري���خ مملكة برنو‪،‬‬
‫ّ‬
‫العلمي‬
‫ّ‬ ‫المالكي���ة بتلك المملكة‪ ،‬مع ذكر مناب���ع التكوين‬ ‫كت���اب يجمع مناقب ألماي إدري���س ألومه وفضائله‪ ،‬وما‬
‫ٌ‬
‫ألولئ���ك العلم���اء‪ ،‬وتقاليدهم في التدري���س‪ ،‬وجهودهم‬ ‫ٍ‬
‫مجاهدات تقوم على التقوى والتوكل على‬ ‫كان يلتزمه من‬
‫الخاصة‬
‫ّ‬ ‫التعليمية‪ ،‬وإنتاجاتهم العلمية‪ ،‬والخزائن العلمية‬ ‫الل���ه‪ ،‬كما أم ّدنا هذا المؤلف بتفاصيل كثيرة عن غزوات‬
‫لبعضهم‪ ،‬والخطط والوالي���ات الدينية التي تو ّلى أمرها‬ ‫ألماي إدريس وحروبه ض ّد الكافرين المشركين في تلك‬
‫بعضهم‪ ،‬كم���ا ترجم المؤلف لثالثة م���ن علماء المغرب‬ ‫المملكة(((‪.‬‬
‫العرب���ي ارتحلوا إلى بالد الس���ودان زمن حكم س���نغاي‬
‫ّ‬ ‫ب‪ -‬كت ��اب (تذك ��رة الإخ ��وان بــم ��ا ترك ��وا م ��ن الإخوان)‬
‫وأقاموا بها وانتفع الناس بعلمهم‪ ،‬كما ترجم فيه لخمسة‬

‫(((   برغم �أنّ هذه الوثائق لم تُجمع في م�ؤ َّل ٍف واحد‪ ،‬ولم يكن‬
‫(((   محمود كعت بن المختار ال ُق ْن َب ِّلي‪ ،‬م�صدر �سابق‪� ،‬ص‪،30‬‬ ‫خا�ص‪ ،‬ف�إ ّنها �صارت زاد ًا د�سم ًا‪ ،‬ورافد ًا علم ّي ًا قو ّي ًا‬
‫لها عنوا ٌن ّ‬
‫نق ًال عن‪� :‬إ�سماعيل جاجي حيدره‪� ،‬ألفا قاتي محمود حياته‬ ‫لحفيده محمود كعت ال ّثاني ول�سبط حفيده و�سم ّيهما محمود‬
‫و�أعماله‪� ،‬ضمن مجموعة بحوث في كتاب‪Tombouctou: :‬‬ ‫الحقيقي لكتاب (تاريخ الفتّا�ش)‪ .‬ينظر‪:‬‬ ‫كعت الثالث الم�ؤ ّلف‬
‫ّ‬
‫‪son savoir etre multiple, edution Yeredon,‬‬ ‫ِّ‬
‫محمود كعت بن المختار ال ُق ْن َبلي‪ ،‬تاريخ الفتّا�ش في �أخبار‬
‫‪.pp.206, 207‬‬
‫البلدان والجيو�ش‪ ،‬درا�سة وتحقيق‪ :‬عبدالر�ؤوف �أحمد ميغا‬
‫(((   يع ّد هذا الكتاب في عداد الكتب ال�سودانية المفقودة‪ ،‬ولكن‬ ‫و�آخرون‪1435 ،‬هـ‪2014/‬م‪� ،‬ص‪.30‬‬
‫�أح��ال عليه محمود كعت الثالث في موا�ضع ع�دّة من كتابه‬ ‫(((   �آدم �أيبايو �سراج الدين‪ ،‬ر�ؤية نقدية لكتاب (تاريخ الماي‬
‫(تاريخ الفتّا�ش)‪.‬‬ ‫�إدري����س وغ��زوات��ه) ل�ل�إم��ام �أحمد البرنوي‪ ،‬مجلة ق��راءات‬
‫(((   عبدالرحمن خليفة �سادو جالو‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص (‪-196‬‬ ‫الحجة ‪1429‬هـ‪/‬دي�سمبر ‪2008‬م‪،‬‬ ‫�إفريقية‪ ،‬ال�ع��دد‪ ،3:‬ذو ّ‬
‫‪.)197‬‬ ‫�ص‪.38‬‬

‫‪19‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫تاريخية‬
‫يُع��� ّد هذا الكتاب ثاني مصادر تاريخ مملكة س���نغاي من‬ ‫صالت‬
‫ٌ‬ ‫آخرين من علماء المالكية في المش���رق كان لهم‬
‫حيث األهمية والغنى في المــادة العلمية‪ ،‬ال يكاد يستغني‬ ‫ببعض علماء سنغاي(((‪.‬‬
‫عنه أح ٌد من الباحثين والمؤلفين في تاريخ هذه المملكة‪،‬‬ ‫كت���اب آخر يُع��� ّد تلخيصاً‬
‫ٌ‬ ‫التنبكتي‬
‫ّ‬ ‫وألحمد باب���ا‬
‫فقد أب���رز مؤلفه رصيداً حضار ّياً كبيراً لها‪ ،‬س���واء في‬ ‫للكتاب السابق‪ ،‬س��� ّماه (كفاية المحتاج لمعرفة من ليس‬
‫المجال السياسي والديني والثقافي واالجتماعي(((‪.‬‬ ‫ف���ي الديباج)‪ ،‬غير أنه يمتاز على كتاب النّيل بما يحتوي‬
‫ز‪ -‬كت ��اب (تذك ��رة الن�سي ��ان ب�أخب ��ار مل ��وك ال�س ��ودان)‬ ‫علي���ه من معلومات تتعلّق بالترجم���ة للمؤ ّلف‪ ،‬وهو أحد‬
‫بس��� َير الباش���وات‬‫لم�ؤ ّل ��ف مجه ��ول‪ :‬هذا الكتاب زاخ ٌر ِ‬ ‫علماء مملكة سنغاي؛ من ذكر تاريخ مولده‪ ،‬وسرد سلسلة‬
‫المغاربة‪ ،‬الذين حكموا مدينة تنبكت بعد س���قوط مملكة‬ ‫مفصلة لشيوخه ومــقروءاته عليهم‬ ‫نسبه‪ ،‬وتقديمه قائمة ّ‬
‫س���نغاي خالل الفترة ‪1000‬هـ‪1249-‬هــ‪ ،‬والكتاب زاخ ٌر‬ ‫في تنبك���ت‪ ،‬والئحة بمصنّفاته‪ ،‬والمحنة التي تع ّرض لها‬
‫أيضاً ببعض األحداث التي ارتبط بها بعض أعيان القادة‬ ‫المغربي لمملكة‬
‫ّ‬ ‫وطائفة من أفراد أسرته ج ّراء االحتالل‬
‫العس���كر ّيين وزعماء القبائل التقليد ّيين‪ ،‬الذين عاصروا‬ ‫س���نغاي‪ ،‬وقائمة بالكتب التي ُعني بتدريس���ها في جامع‬
‫أولئك الباشوات المغاربة‪.‬‬ ‫الش���رفاء بمدينة م ّراكش بعد تسريحه من السجن‪ ،‬وثناء‬
‫ح‪ -‬كت ��اب (تاريخ �سكت) لم�ؤلف مجهول‪ :‬تناول هذا‬
‫(((‬
‫بعض أهل العلم عليه(((‪.‬‬
‫الكتاب أخبار ثالثة من سالطين سلطنة سكتو العثمانية‪،‬‬ ‫ه� �ـ‪ -‬كتاب (تاريخ ال�سّ ��ودان) لعبدالرحمن ال�سّ عدي (ت‬
‫و ُهم‪ :‬محمد بيلو بن عثمان دان فوديو‪ ،‬وعتيق بن عثمان‬ ‫بع ��د ‪1065‬هـ� �ـ)‪ :‬يُع ّد هذا الكتاب أه ّم مصادر تاريخ مملكة‬
‫الخلقية‪ ،‬وبعض‬‫وعلي بن محمد بيلو؛ صفاتهم َ‬ ‫دان فوديو‪ّ ،‬‬ ‫س���نغاي وأوس���عها على اإلطالق؛ إذ إ ّن أكثر من نصف‬
‫مناقبه���م‪ ،‬وكيفية تول ّيهم الحكم‪ ،‬والث���ورات التي قامت‬ ‫الكت���اب يتناول تاري���خ تلك المملكة‪ ،‬ابت���دا ًء من الفترة‬
‫ف���ي عهدهم‪ ،‬وجهود بعضهم في نش���ر التعليم والثقافة‬ ‫الفعلي على‬
‫ّ‬ ‫الممت ّدة ممـــّا قبل اإلس�ل�ام إلى س���قوطها‬
‫اإلس�ل�امية‪ ،‬وغزوات بعضهم مع الكفّار المجاورين لهم‪،‬‬ ‫أيدي الدولة الس���عدية عام ‪1003‬م‪ ،‬كم���ا تناول الكتاب‬
‫ووفاتهم‪.‬‬ ‫نب���ذ ًة من تاري���خ مملكتَي غانة ومال���ي‪ ،‬وأحداثاً ومحناً‬
‫ط‪ -‬كت ��اب (فت ��ح ال�شك ��ور ف ��ي معرف ��ة �أعي ��ان علم ��اء‬ ‫وقعت في الدولة السعدية بالمغرب‪ ،‬وتناول أيضاً ّ‬
‫بتوس ٍع‬
‫التك ��رور) للطالب محمد بن �أبي بكر ال�صديق الوالتي‪ :‬هو‬ ‫تاريخ دولة المغاربة في بالد السودان‪ ،‬وأودع المؤلف في‬
‫كت���اب ذو أهمية بالغة في تاريخ الحياة الثقافية والعلمية‬
‫ٌ‬ ‫ه���ذا الكتاب رحالته التي قام بها إلى أماكن مختلفة من‬
‫في منطقة التكرور الت���ي ح ّددها المؤلف بقوله‪( :‬إقليم‬ ‫بالد الس���ودان الغربي‪ ،‬سواء ما قام بها برفقة الباشوات‬
‫ممت ّد ش���رقاً إلى أدغاغ‪ ،‬ومغرباً إلى بحر زناقية‪ ،‬وجنوباً‬ ‫والق ّواد المغاربة في إطار أداء وظائف رسمية‪ ،‬أو ما قام‬
‫إلى بيط‪ ،‬وش���ماالً إل���ى أدرار)(((‪ ،‬وذل���ك خالل الفترة‬ ‫بها بدوافع شخصية‪.‬‬
‫و‪ -‬كت ��اب (تاري ��خ الف ّتا�ش في �أخب ��ار البلدان والجيو�ش الممت ّدة من حدود سنة ‪890‬هــ إلى سنة ‪1215‬هــ‪.‬‬
‫و�أكاب ��ر النا� ��س)((( لمحم ��ود كع ��ت الثال ��ث (ت بعد‪1075‬هـ)‪:‬‬
‫وعظائم الأمور‪ ،‬وتفريق �أن�ساب العبيد من الأحرار)‪.‬‬
‫(((   عبدالرحمن خليفة �سادو جالو‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.230‬‬ ‫(((   لمعرفة المزيد راجع‪ :‬الم�صدر نف�سه‪� ،‬ص (‪.)255-249‬‬
‫(((   طبع هذا الكتاب بذيل كتاب (تذكرة الن�سيان ب�أخبار ملوك‬ ‫(((   انظر‪� :‬أحمد بابا التنبكتي‪ ،‬كفاية المحتاج لمعرفة من لي�س‬
‫ال�سودان) �سنة ‪1966‬م‪.‬‬ ‫في الدّيباج‪ ،‬دار ابن ح��زم‪ ،‬ط‪1422 ،1/‬ه � �ـ‪2002/‬م‪� ،‬ص‬
‫ال�صديق الوالتي‪ ،‬فتح ّ‬
‫ال�شكور في‬ ‫(‪.)516-513‬‬
‫(((   الطالب محمد بن �أبي بكر ّ‬
‫معرفة �أعيان علماء التكرور‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد �إبراهيم الكتّاني‬ ‫(((   العنوان الكامل لهذا الكتاب هو‪( :‬تاريخ الفتّا�ش في �أخبار‬
‫إ�سالمي‪ ،‬ط‪1981 ،1/‬م‪� ،‬ص‪.26‬‬
‫ّ‬ ‫حجي‪ ،‬دار الغرب ال‬
‫ومحمد ّ‬ ‫البلدان والجيو�ش و�أك��اب��ر ال� ّن��ا���س‪ ،‬وذك��ر وق��ائ��ع التكرور‪،‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪20‬‬


‫خالف وس���وء تفاهم‪ ،‬وذلك بخصوص إيواء األخير‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫ي‪ -‬كت ��اب (تاري ��خ ب�ل�اد التك ��رور) لج� � ّد ب ��ن الطال ��ب‬
‫للاّ ج���ئ «علو دامونزو جارا» ملك مملكة س���يغو الوثنية‪،‬‬ ‫ال�صغير الوالتي‪ :‬يُعرف هذا الكتاب أيضاً بـاس���م «تاريخ‬
‫وما أعقب ذلك من وقائع وغزوات بين الطر َفيْن‪ ،‬مدافعاً‬ ‫ج ّد الوالتي»‪ ،‬فق���د أ ّرخ فيه المؤلف لألحداث التاريخية‬
‫بالحجج واألد ّلة الش���رعية من خالل الرسائل‬
‫عن موقفه ُ‬ ‫التي تتعلّ���ق بالملوك والس�ل�اطين واألعيان في منطقة‬
‫الخمس���ة التي بعث بها إلى أمير ماس���ينا‪ ،‬وموضحاً ما‬ ‫السودان الغربي ومنطقة الحوض الشرقي في موريتانيا‬
‫وهتك لألعراض‬ ‫س���فك للدماء ٍ‬
‫ٍ‬ ‫نتج عن تلك الغزوات من‬ ‫خالل سنتَي ‪1001‬هـ ‪1271-‬هـ(((‪.‬‬
‫وتخريب للبالد‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ك‪ -‬كت ��اب (�أزه ��ار الرّبى في �أخبار ب�ل�اد يوربا) لمحمد‬
‫� ��س‪ -‬كت ��اب (تاريخ قبائ ��ل اّ‬
‫الفلن في فوت ��ا) ل�سعيد بن‬ ‫م�سن ��ا الك�شن ��اوي (ت‪1078‬هـ)‪ :‬أش���ار العلاّ مة آدم اإللوري‬
‫إل���ى أ ّن هذا الكت���اب يُع ّد في عداد الكتب الس���ودانية مود باكر ال�سّ يلي‪ :‬يتناول هذا الكتاب قبائل الفلاّ ن ّيين في‬
‫المفقودة‪ ،‬ول���و عثرنا عليه ألفادنا الكثير من أخبار بالد فوتا جالون وأصولها‪ ،‬وتاريخ هجرتهم إلى تلك المنطقة‪،‬‬
‫وجهادهم ض ّد الوثن ّيين‪ ،‬وقيامهم بتأسيس «دولة األئمة»‬ ‫اليوربا القديمة(((‪.‬‬
‫وس َير‬ ‫اإلداري لتلك الدولة‪ِ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ل‪ -‬كت ��اب (�إنف ��اق المي�س ��ور ف ��ي تاري ��خ ب�ل�اد التك ��رور) فيها‪ ،‬ونظام الحكم والتقسيم‬
‫لمحم ��د بيل ��و بن عثم ��ان دان فودي (ت‪1253‬ه� �ـ)‪ :‬يُلقي هذا حياة األئمة الذين تو ّلوا الحكم فيها(((‪.‬‬
‫ع‪ -‬كت ��اب (زهور الب�ساتين في تاري ��خ ال�سّ وادين) للحاج‬ ‫مقتضب على التاريخ القديم لبالد‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل‬
‫الكتاب الضوء ٍ‬
‫الهوسا واليوربا وبرنو وآيير‪ ،‬كما ألقى الضوء على تراجم مو�س ��ى كام ��ره (ت‪1365‬ه� �ـ)‪ :‬ال ي���كاد أحد م���ن الباحثين‬
‫أعي���ان علمائها‪ ،‬مع تركيزه االهتمام بمملكة س���كتو في المعاصرين يس���تغني عن هذا الكت���اب؛ بوصفه مد ّون ًة‬
‫بمعلوم���ات تاريخيةٍ مه ّم���ة ال وجود لها‬
‫ٍ‬ ‫مؤسس���ها عثمان ب���ن دان فوديو؛ بذك���ر كراماته‪ ،‬جامع��� ًة تزخر‬ ‫عهد ّ‬
‫وعقبه‪ ،‬ورحالته العلمية‪ ،‬وجه���وده التعليمية‪ ،‬ورجاالت في غي���ره‪ ،‬وتتعلق تل���ك المعلومات بالواقع السياس���ي‬
‫دولت���ه‪ ،‬وغزواته‪ ،‬ومراس�ل�اته مع بعض أعي���ان زمانه‪ ،‬واالجتماعي والنش���اط االقتص���ادي والتفاعل الثقافي‪،‬‬
‫وبأوصاف جغرافية لمعظم بلدان الس���ودان الغربي‪ ،‬منذ‬ ‫ٍ‬ ‫ومؤلفاته‪ ،‬وأوراده(((‪.‬‬
‫م‪ -‬كتاب (فتح ال�صّ مد في ذكر �شيء من �أخالق �شيخنا) انتشار اإلس�ل�ام بين أهاليها حتى فترة تم ّكن األوروب ّيين‬
‫لمحمد علي فييرج‪ :‬يتناول المؤلف في هذا الكتاب سيرة م���ن القضاء عل���ى نفوذ الح��� ّكام التقيلد ّيي���ن في هذه‬
‫مؤس���س دولة المنطقة(((‪.‬‬
‫حياة ش���يخه أحم���د ل ّبو بن حمدي باري ّ‬
‫ماس���ينا؛ مناقبه‪ ،‬وأخالقه‪ ،‬وعبادت���ه‪ ،‬وبعض كراماته‪،‬‬
‫وبعض آرائه الفقهية في قضايا عصره‪.‬‬
‫(((   �إفادة �شفوية من الزميل‪ :‬محمد م�ؤمن �أحمد جالو بالمدينة‬
‫المنو ّرة‪ ،‬بتاريخ‪1440/8/3:‬ه‪.‬‬ ‫ن‪ -‬كت ��اب (بي ��ان م ��ا وق ��ع بيننا وبي ��ن ّ‬
‫ال�شي ��خ �أحمد بن‬
‫(((   عبدالرحمن خليفة �سادو جالو‪ ،‬مرجع �سابق‪��� ،‬ص‪.241‬‬ ‫�أحم ��د) للح ��اج عم ��ر بن �سعيد الفوتي (ت‪1278‬هـ)‪ :‬ش���رح‬
‫للم�ؤ ّلف كتب �أخ��رى في تاريخ المنطقة‪ ،‬ه��ي‪( :‬المجموع‬ ‫المؤل���ف في هذا الكت���اب حقيقة ما ج���رى بينه وبين‬
‫ال ّنفي�س �س ّر ًا وعالنية في ذكر بع�ض ّ‬
‫ال�سادات البي�ضانية‬
‫اإلمام أحمد بن أحمد بن أحمد ل ّبو باري أمير ماس���ينا‬
‫والفلاّ نية)‪ ،‬و(�أك�ث��ر ال ّراغبين في الجهاد بعد نب ّينا من‬
‫الظهور وملك البالد وال يبالي بمن هلك في جهاده‬ ‫يختار ّ‬
‫من العباد)‪ ،‬و(�أ�شهى العلوم و�أطيب الخبر في �سيرة الحاج‬
‫ال�سائغ عن �س�ؤال مو�سى برالدي‬
‫ال�سهل ّ‬
‫عمر)‪ ،‬و(الجواب ّ‬ ‫(((   عبدالرحمن خليفة �سادو جالو‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.235‬‬
‫ع ّما عندي من �أخبار �أهل زاغ)‪ .‬ينظر‪ :‬الحاج مو�سى �أحمد‬
‫ال�سوادين‪ ،‬تقديم وتحقيق‬ ‫(((   الإ�سالم في نيجيريا وال�شيخ عثمان بن فوديو الفلاّ ني‪،‬‬
‫كامره‪ ،‬زهور الب�ساتين في تاريخ ّ‬
‫وتعليق‪ :‬د‪ .‬نا�صر الدين �سعيدوني ود‪ .‬معاوية �سعيدوني‪،‬‬ ‫مكتبة وهبة‪2012 ،‬م‪� ،‬ص‪.39‬‬
‫م� ّؤ�س�سة جائزة عبدالعزيز �سعود البابطين للإبداع ال�شعري‪،‬‬ ‫(((   عبدالرحمن خليفة �سادو جالو‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.237‬‬

‫‪21‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫تاريخية‬
‫ج‪ -‬برنام ��ج ف ��ي قل ��ب وطنن ��ا ‪Au Coeur de‬‬ ‫ف‪ -‬كت ��اب (�إزال ��ة ال ّري ��ب ّ‬
‫وال�ش ��ك والتفري ��ط ف ��ي ذك ��ر‬
‫أس���بوعي تب ّثه قناة‬
‫ّ‬ ‫الم�ؤلفي ��ن م ��ن علم ��اء التك ��رور وال�صحراء و�أه ��ل �شنجيط) ‪ :notre patrie‬هو أيضاً برنامج‬
‫لأحم ��د بلع ��راف التكن ��ي (ت‪1375‬ه� �ـ)‪ :‬يتناول هذا الكتاب (‪ )RTI‬الوطنية ك ّل يوم الثالثاء‪ ،‬يُستضاف فيهم باحثون‬
‫وأكاديم ّيون لتناول تاريخ الممالك وال ّدول التي قامت على‬ ‫ِس��� َير حياة حوالي أربعمائة وتس���عة خمسين عالماً من‬
‫أرض ساحل العاج(((‪ ،((( ،‬وسقطت بعض تلك الدول على‬ ‫اإلفريقي م ّمن خلّف���وا لنا تراثاً‬
‫ّ‬ ‫علم���اء منطقة الغ���رب‬
‫أيدي الق ّوات الفرنسية‪ ،‬وبعضها على أيدي ق ّوات اإلمام‬ ‫مكتوباً من إنتاجاتهم الفكرية‪ ،‬كما تناول استطراداً نبذ ًة‬
‫ساموري توري‪.‬‬ ‫عن الدول اإلسالمية التي حكمت مدينة تنبكت‪ ،‬كما أفرد‬
‫‪� -7‬إن�ش ��اء دوائر البحوث والدرا�سات الإفريقية ومراكز‬ ‫جزءاً من حديثه لمحاوالت حركات التنصير والتبش���ير‬
‫العلم���ي وتوفير مختلف‬
‫ّ‬ ‫المخطوط ��ات‪ :‬ل ّما كان البحث‬ ‫نشر دينهم في تلك المدينة‪.‬‬
‫‪ -6‬اال�ستف ��ادة م ��ن برام ��ج الإذاع ��ات وقن ��وات الب ��ث المصادر والوثائق الضرورية له أحد مقاييس التق ّدم في‬
‫ّ‬
‫التلفزيون ��ي‪ :‬ل ّما كانت (الروايات الش���فوية (الش���عبية) العصر الحديث‪ ،‬أضف إلى ذل���ك النّزعة التي أ ّدت إلى‬
‫هي الطريق���ة األولى والعفوية في النق���ل‪ ،‬ومن خاللها س��� ّد الحاجة التي اقتضاها ظهور ال ّدول المس���تقلّة في‬
‫التاريخي في الحضارات المكتوبة كلّها)(((‪ ،‬المنطقة في أوائل س���تّينيات القرن العش���رين‪ ،‬سارعت‬ ‫ّ‬ ‫بدأ التدوي���ن‬
‫اتّجهت كثي ٌر من اإلذاعات المحلية وقنوات البثّ الهوائي ع���د ٌد من تلك الدول إلى إنش���اء مراك���ز ودوائر بحثية‬
‫متخصصة في التاريخ القومي واإلقليمي للمنطقة بصفةٍ‬ ‫ّ‬ ‫ساعات مع ّينة‪ ،‬ضمن برامجها األسبوعية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫إلى تخصيص‬
‫القاري إلفريقيا بصفة عا ّمة‪ ،‬ومن‬
‫ّ‬ ‫خاصة‪ ،‬وف���ي التاريخ‬
‫ّ‬ ‫لتثقيف المواطنين الذين لم يحظوا بالتخصص في علم‬
‫التاري���خ‪ ،‬أو الذين لم يحظوا بالتعلي���م النظامي بتاريخ أشهر تلك المراكز وال ّدوائر‪:‬‬
‫�أ‪ -‬المعهد الأ�سا�س ّي لإفريقيا ال�سوداء �إيفان ‪:IFAN‬‬ ‫بالدهم‪ ،‬ويس���تفيد بعض الباحثين والكتّاب من معطيات‬
‫السنغال على يدي‬ ‫حلقات تلك البرامج في أعمالهم وأبحاثهم العلمية‪ ،‬ومن ت ّم إنشاء هذا المعهد بمدينة دكار في ّ‬
‫الحاكم المستعمر الفرنسي‪« :‬جيل بريفيا»‪ ،‬وذلك بتاريخ‪:‬‬ ‫تلك البرامج على سبيل المثال‪:‬‬
‫�أ‪ -‬برنام ��ج نجم �سنغ ��اي ‪ :Songai handara‬هو ‪1936/8/19‬م‪ ،‬ويُعنى هذا المعهد حال ّياً باألبحاث العلمية‬
‫وبخاصةٍ غربها‪ ،‬في مجال العلوم اإلنسانية‬ ‫ّ‬ ‫أس���بوعي يق ّدمه المؤ ّرخ القدير‪ :‬محمد سوميلو‪ ،‬حول إفريقيا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫برنامج‬
‫مجاالت أخرى؛ كبيولوجيا وعلم النّبات‬ ‫ٍ‬ ‫على أثير إذاعة ‪ ،Nata‬حول تاريخ مملكة سنغاي بصفةٍ والطبيعية‪ ،‬وفي‬
‫خاص���ة‪ ،‬وذلك في جميع ليالي األربعاء بمدينة غاوو في وعلم الحفر ّيات وغيرها‪ ،‬ومن أهداف المعهد‪ :‬تش���جيع‬ ‫ّ‬
‫وج ْمع المؤ ّلفات‬ ‫ّ‬
‫إنجاز دراس���ات علمية متعلقة بإفريقيا‪َ ،‬‬ ‫شمال جمهورية مالي‪.‬‬
‫الضروري���ة المتعلّقة‬‫ب‪ -‬برنام ��ج تاري ��خ مال ��ي ‪ :Mali dofe‬هو برنامج العلمي���ة والمخطوط���ات والوثائق ّ‬
‫أس���بوعي يق ّدمه د‪.‬عبدالقادر كيجيرى‪ ،‬على أثير إذاعة‬
‫‪ ،Dambe‬حول سيرة حياة اإلمام ساموري توري‪ ،‬وذلك‬
‫في جميع ليالي الخميس بمدينة بماكو عاصمة جمهورية (((   هي مملكة �أب��رون الوثنية‪ ،‬ومملكة نافانا الوثنية‪ ،‬ومملكة‬
‫بونا الإ�سالمية‪ ،‬ومملكة كونغ الإ�سالمية‪ ،‬ومملكة كبادوغو‬ ‫مالي‪.‬‬
‫إ�سالمي‪ ،‬ومملكة فاكرو بمبا‬
‫ّ‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬ومركز بندوغو ال‬
‫الإ�سالمية في طوبى‪ ،‬ين ّبه �إل��ى �أنّ هذه الممالك لم تحظ‬
‫بالدرا�سة والبحث الكافي لدى دار�سي اللغة العربية من �أهل‬ ‫الكويت‪2010 ،‬م‪ ،‬ق�سم الدرا�سة‪� ،‬ص‪.12‬‬
‫منطقة غرب �إفريقيا‪.‬‬ ‫(((   مجموعة من الم�ؤلفين‪ ،‬التاريخ ال�شفويّ – مقاربات في‬
‫(((   �إفادة �شفوية من الزّميل‪ :‬دومبيا عي�سى بالمدينة المنو ّرة‪،‬‬ ‫الحقل االجتماعي الإنثربولوجي‪ ،‬المركز العربي للأبحاث‬
‫بتاريخ‪1440/8/3:‬ه‪.‬‬ ‫ودرا�سة ال�سيا�سات‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1/‬فبراير ‪2015‬م‪� ،‬ص‪.18‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪22‬‬


‫الغرب���ي بتاريخهم؛ بحيث‬
‫ّ‬ ‫مظاهر عناية أهل الس���ودان‬ ‫بإفريقيا في متاحفه ومكاتبه(((‪.‬‬
‫وخاصة‬
‫ّ‬ ‫يوجد في معظم دول المنطق���ة متاحف وطنية‬ ‫ب‪ -‬معه ��د �أحم ��د باب ��ا للتعلي ��م العال ��ي والبح ��وث‬
‫القومي وتوثيق مسيرة الشعوب السودانية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تهت ّم بالتاريخ‬ ‫الإ�سالمي ��ة‪ :‬أُ ّس���س هذا المعهد سنة ‪1973‬م في مدينة‬
‫القومي والمحافظة على األعمال‬ ‫ّ‬ ‫كما تهت ّم بحماية التراث‬ ‫تنبكت باس���م «مرك���ز أحمد باب���ا للتوثي���ق والبحوث‬
‫الفنية ذات القيمة التراثية‪ ،‬وبتثقيف المجتمع بأهم ّيتها‪،‬‬ ‫التاريخية»(((‪ ،‬بغرض الحفاظ على المخطوطات العربية‬
‫وتقوم تلك المتاحف بإفساح المجال للباحثين والدارسين‬ ‫وتخزينه���ا بطريقةٍ س���ليمة‪ ،‬ث ّم تغ ّير اس���م المركز إلى‬
‫لالستفادة منها‪ ،‬ومن تلك المتاحف على سبيل المثال‪:‬‬ ‫«معهد أحمد بابا للتعليم العالي والبحوث اإلس�ل�امية»‪،‬‬
‫�أ‪ -‬متح ��ف فوت ��ا‪ :‬يقع ه���ذا المتحف في فوتا جالون‬ ‫وهو يُع ّد من أكبر مراكز المخطوطات في غرب إفريقيا‪،‬‬
‫بمنطقة البـــِي في الش���مال الشرقي من جمهورية غينيا‬ ‫ويض ّم ثالثة أقس���ام‪ ،‬هي‪ :‬قسم المكتبة وتحته الفهرسة‬
‫السيدة‪ :‬زينب‬ ‫تأسس س���نة ‪2001‬م على يدي ّ‬ ‫كوناكري‪ّ ،‬‬ ‫والتوثيق‪ ،‬وقس���م صيانة وترميم المخطوطات‪ ،‬وقس���م‬
‫ُكومانْ ِتيُو جالو‪ ،‬بالتّعاون مع جمعية أديبات وكاتبات غينيا‪،‬‬ ‫ع���ال للتعليم‬
‫ٍ‬ ‫المس���ح الضوئ���ي‪ ،‬باإلضافة إل���ى ٍ‬
‫معهد‬
‫يتك��� ّون مبنى هذا المتحف من صال���ة للعروض وأخرى‬ ‫ً‬
‫والتدري���ب المهني‪ ،‬ويترأس هذا المعهد حال ّيا د‪ .‬محمد‬
‫للتدري���ب‪ ،‬ويديرها لجن ٌة علمية بقي���ادة‪ :‬عثمان تُنْ َكارا‪،‬‬ ‫جغايتي‪.‬‬
‫وق���د بلغت مقتنيات هذا المتحف (‪ )2500‬قطعة تراثية‪،‬‬ ‫ج‪ -‬مرك ��ز م�ش ��روع بح ��ث تاري ��خ �شم ��ال نيجيري ��ا‪ :‬هو‬
‫تجسد تاريخ منطقة البي وثقافتها(((‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫حكومي كبير‪ ،‬تابع لقس���م التاريخ بجامعة أحمدو‬ ‫ّ‬ ‫مركز‬
‫ب‪ -‬متح ��ف جُ و� � ْ�س الوطن ��ي‪ :‬يقع ه���ذا المتحف في‬ ‫الخاصة بتاريخ‬
‫ّ‬ ‫بج ْمع المخطوط���ات‬ ‫بيل���و بزاريا‪ ،‬يُعنى َ‬
‫ش���مال نيجيريا‪ ،‬وه���و أقدم المتاحف فيه���ا‪ ،‬يبلغ عدد‬ ‫ش���مال نيجيريا وحفظها وفهرستها‪ ،‬كما يُعنى باألبحاث‬
‫مقتنياته المعروضة (‪ )4000‬قطعة تراثية‪ ،‬ويحتفظ هذا‬ ‫التاريخي���ة التي تُنجز حول تاريخ تلك المنطقة‪ .‬وتحتوي‬
‫المتح���ف أيضاً بمجموعةٍ من المخطوطات العربية التي‬ ‫محفظة ه���ذا المرك���ز عل���ى مجموعة البروفيس���ور‬
‫أسس نواتها المستشرق اإلنجليزي‪ :‬بالمــر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مري الس���ت في الس���تين ّيات التي ك ّونت الن���واة األولى‬
‫ج‪ -‬متح ��ف مال ��ي الوطن ��ي‪ :‬يقع ه���ذا المتحف في‬ ‫لمخطوطات المركز‪ ،‬كما يحتفظ المركز بع ّدة مجموعات‬
‫تأس���س في ‪ 14‬فبراير س���نة ‪1953‬م‬ ‫بمــاكو العاصمة‪ّ ،‬‬ ‫وثائقي���ة‪ ،‬منها‪ :‬مجموعة برنو وفي���كا‪ ،‬ومجموعة الوزير‬
‫الفرنس���ي‬
‫ّ‬ ‫باس���م‪« :‬المتحف الس���وداني» تبعاً للمعهد‬ ‫جني���د‪ ،‬ومجموعة كس���ندل‪ ،‬ومجموع���ة متحف جوس‪،‬‬
‫إلفريقي���ا الس���وداء إيفان ‪ ،IFAN‬وذل���ك تحت رعاية‬ ‫ومجموعة عبدالله أس���ميث‪ ،‬ومجموع���ة محمد أحمد‬
‫المهندس البولوني‪ :‬زوموسكي ‪ ،Szumowski‬ث ّم تغ ّير‬ ‫الحاج‪ ،‬ومجموعة سكتو(((‪.‬‬
‫حكومي إلى‬
‫ّ‬ ‫بمرس���وم‬
‫ٍ‬ ‫اس���م هذا المتحف سنة ‪1960‬م‬ ‫‪� -8‬إن�ش ��اء المتاح ��ف‪ :‬يُع��� ّد هذا المظه���ر من أبرز‬
‫«متحف مالي الوطني»(((‪.‬‬

‫(((   ينظر‪ :‬د‪ .‬الحاج مو�سى فال‪ ،‬اللغة العربية في نظام التعليم‬
‫ال�سنغالي‪� ،‬ص (‪.)168 ،162‬‬‫ّ‬
‫  ‪Le muse du Fouta, memoire vivante du‬‬ ‫(((‬
‫‪patrimoine culturel peul‬‬ ‫(((   معهد �أحمد بابا للتّعليم العالي والبحوث الإ�سالمية‪ ،‬موقع‪:‬‬
‫مقال ُن�شر ف��ي‪ Lims.mondoblog.org :‬ب�ت��اري��خ‪ 5 :‬فبراير‬ ‫‪ ،www.tombouctoumanuscripts.org‬تاريخ االقتبا�س‪:‬‬
‫‪2017‬م‪ ،‬تاريخ االقتبا�س‪� 10 :‬أبريل ‪2018‬م‪.‬‬ ‫‪2019/4/14‬م‪.‬‬
‫(((   ‪.Musee nationale du Mali‬‬ ‫ال�سودان‬
‫(((   �أ‪.‬د‪� .‬أحمد محمد كاني‪ ،‬المخطوطات العربية في ّ‬
‫مقال من�شور على موقع‪ ،www.wikipedia.org :‬تاريخ االقتبا�س‪:‬‬ ‫الأو�سط‪ ،‬مجلة «درا�سات �إفريقية»‪ ،‬العدد‪ ،27 :‬ربيع الثاني‬
‫‪2019/4/10‬م‪.‬‬ ‫‪1423‬ه‪/‬يونيو ‪2002‬م‪� ،‬ص‪.187‬‬

‫‪23‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫تاريخية‬
‫‪� -9‬صيانة المعالم الأثرية التاريخية وترميمها‪ :‬إيماناً فوتا جالون باللّغة الفلاّ نية‪.‬‬
‫ب‪� -‬صفح ��ة ‪ Songhay‬على الفي�سبوك‪ :‬التي تُعنى‬ ‫ملموس على التاريخ‪ ،‬نجد‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كشاهد‬ ‫بأهمية التراث األثري‬
‫أ ّن معظ���م دول غرب إفريقيا اتّجهت إلى إصالح ما تلف بتاريخ سنغاي؛ أصول شبعها وعشائرها‪ ،‬وممالكها‪ ،‬وما‬
‫من معالمها األثرية والتاريخي���ة وفق األصول والتقاليد يتعلّق بها‪ ،‬وذلك من خالل لغة مكتوبة بالحرف الفرنسي‪.‬‬
‫‪ -12‬تخ�صي� ��ص بع�ض الفنانين بع� ��ض �أغنياتهم و�سيل ًة‬ ‫المختصين في علم‬
‫ّ‬ ‫والمعايي���ر المتع���ارف عليها ل���دى‬
‫اآلثار‪ ،‬مس���تعين ًة في ذلك بالخب���رات األجنبية التي لها لن�ش ��ر الوع ��ي التاريخ ��ي(((‪ :‬يالحظ أ ّن بعض فنّاني غرب‬
‫خصصوا‬ ‫دراي ٌة واس���ع ٌة باألسس العلمية والفنية التي تحكم أعمال إفريقيا الذين يتمتّعون بشهرةٍ فائقة بين النّاس‪ّ ،‬‬
‫القومي‬
‫ّ‬ ‫الترميم والصيانة؛ من حيث طبيعة ما ّدة المعالم األثرية‪ ،‬بعض أغنياتهم وسيل ًة لتمجيد بعض أبطال التاريخ‬
‫وخصائصها‪ ،‬وأشكالها‪ ،‬وظروف تواجدها‪ ،‬وهل الترميم في المنطق���ة؛ تنبيهاً منهم إلى ضرورة اعتناء ش���عوب‬
‫ونسجل هنا كنموذج لتلك‬ ‫ّ‬ ‫معماري أو هندسي؟ وطبيعة المواد الكيمائية والطبيعية المنطقة بتاريخ أولئك األبطال‪،‬‬
‫والبيولوجي���ة التي يُحقن بها الت���راث األثري ويطلى بها األغنيات ذات الطابع التاريخي‪ :‬أغنية ‪Bory Samory‬‬
‫للفنّان العاجي‪ :‬أَلْفا بُلُونْدِ ي ‪Alpha Blondy‬؛ وهي في‬ ‫صيان ًة له ليبقى وقتاً أطول‪.‬‬
‫محطات مقاومة اإلمام ساموري توري لالستعمار‬ ‫س���رد ّ‬ ‫‪ -10‬بن ��اء ال ُّن�صُ ��ب الت ��ذكاري ك�شاه ��د عل ��ى التاري ��خ‬
‫الفرنس���ي‪ ،‬وأغنية ‪ Sundjata‬للفنّ���ان العاجي‪ :‬تيكان‬ ‫القوم ��ي(((‪ :‬على ال ّرغم من كون الن ُُّصب التذكاري مجرد‬
‫ج���ان فاكولي ‪Tiken Jah Fakoly‬؛ وهي أغني ٌة تتناول‬ ‫رمز صامت ال حياة فيه؛ فإ ّن معظم بلدان غرب إفريقيا‬
‫أمجاد ُسونْجاتا كيتا ملك مملكة مالي اإلسالمية‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كش���اهد على التاريخ‪ ،‬وتت ّم حمايته وفق‬ ‫قد ُعنيت ببنائه‬
‫‪� -13‬إنت ��اج الأف�ل�ام التمثيلي ��ة والوثائقي ��ة والر�س ��وم‬ ‫قوانين مع ّينة‪ ،‬ومنها الن ُُّصب التذكاري الذي بناه الرئيس‬
‫المالي األس���بق ألفا عمر كوناكري لإلمام ساموري توري المتح ّرك ��ة لأبط ��ال التاري ��خ القوم ��ي‪ :‬تُعرض هذه األفالم‬‫ّ‬
‫وكتيبته العس���كرية ‪ ،Sofa‬في الضاحية الش���مالية من والرس���وم المتحركة في الغالب باللغات المحلية السائدة‬
‫ف���ي المنطقة‪ ،‬وتأثير هذا المظه���ر في إيصال المـــادة‬ ‫مدينة بماكو عاصمة جمهورية مالي‪.‬‬
‫‪ -11‬ا�ستخ ��دام �شب ��كات التوا�ص ��ل االجتماع ��ي ف ��ي ن�شر التاريخي���ة إلى جماهير المش���اهدين وترس���يخها في‬
‫الوعي التاريخ ّي‪ :‬فهذه الشبكات تس ّهل التواصل والتفاعل أذهانه���م أقوى م���ن غيره من مظاهر العناية الش���عبية‬
‫بي���ن الناس‪ ،‬ولهذا نجد أ ّن بعض المثقفين لم يغفلوا عن والعلمية بخدمة التاري���خ القومي‪ ،‬غير أ ّنه يُالحظ وقوع‬
‫التاريخي أو تنميته لدى التش���ويه والتحريف المتع ّمد لبعض الحقائق التاريخية‬ ‫ّ‬ ‫اس���تغاللها في تش���كيل الوعي‬
‫مواطني غرب إفريقيا‪ ،‬فاتجهوا إلى فتح حس���ابات على المه ّم���ة ف���ي بعض تل���ك اإلنتاجات‪ ،‬أض���ف إلى ذلك‬
‫الفيس���بوك‪ ،‬وكذلك فتح قنوات على اليوتيوب‪ ،‬لينشروا المخالفات الش���رعية التي تتخلّلها‪ ،‬ويحس���ن أن نق ّدم‬
‫فيها المواد المتعلّقة بالتاريخ القومي واإلقليمي‪ ،‬من ذلك مثاالً لهذا المظهر من العناية بالتاريخ السوداني الغربي‪:‬‬
‫فيلم (أمراء س���يغو) ‪ Les rois de Segou‬بأداء بعض‬ ‫على سبيل المثال‪:‬‬
‫�أ‪ -‬قناة �أحمد �سيكو باري على اليوتيوب‪ :‬التي يبثّ من‬
‫ٍ‬
‫حلقات متسلسلة‪ ،‬تتناول تاريخ «دولة األئمة» في‬ ‫خاللها‬
‫(((   حكم الغناء والمو�سيقى عند جمهور الفقهاء المعتبرين‬
‫هو التحريم مع بع�ض اال�ستثناءات مثل ال��دف في �إع�لان‬
‫النكاح وغيره‪ ،‬خالف ًا البن حزم ومن تبعه من المت�أخرين‬ ‫المج�سد للأحياء هو التحريم؛ وذلك‬‫ّ‬ ‫(((   حكم بناء ال ُّن ُ�صب‬
‫والمعا�صرين‪ ،‬وم��ن حيث ال��واق��ع الم�شاهد ف ��إنّ الأغنيات‬ ‫�س ّد ًا لذريعة ّ‬
‫ال�شرك‪ ،‬ومن حيث الواقع الم�شاهد ف�إنّ �إقامة‬
‫�أ�صبحت اليوم من و�سائط نقل المادة التاريخية ومظهر ًا من‬ ‫ال ُّن ُ�صب التذكاري �صارت مظهر ًا حديث ًا من مظاهر العناية‬
‫مظاهر العناية ال�شعبية بالتاريخ‪.‬‬ ‫ال�شعبية بالتاريخ القومي‪.‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪24‬‬


‫الممثلي���ن المال ّيين‪ ،‬وفيلم (س���اموري توري) ‪ Samory‬للمجتمعات وخصائصه‪.‬‬
‫‪ -6‬ذك ��ر الك ��وارث الطبيعية والظواه ��ر الطبيعية‪ :‬مثل‬ ‫‪ toure‬بأداء بعض الممثلين الغين ّيين‪.‬‬
‫تحديد سنوات األوبئة التي تح ّل بالسكان واألمراض التي‬ ‫ثاني ًا‪ :‬الآفاق‪:‬‬
‫إ ّن نظر ًة س���ريعة في حركة عناية أهل غرب إفريقيا تصيب البهائم من ج���رب وغيره‪ ،‬وذكر موجات الجفاف‬
‫بتاريخه���م تب ّين أ ّنها س���لكت أنحاء ووجه���ات مح ّددة‪ ،‬والمجاع���ة نتيجة القحط أو نتيجة تلف الزروع بس���بب‬
‫تض ّمنت عدداً من مظاهر العناية العلمية والش���عبية‪ ،‬من تس���اقط األمطار الغزي���رة أو بظهور الج���راد بأنواعه‪،‬‬
‫والسلع وأسباب‬
‫وذكر مستويات أس���عار المواد التموينية ّ‬ ‫أه ّمها‪:‬‬
‫‪ -1‬الميثولوجي ��ا ال�سودانية‪ :‬هي األساطير والقصص رخصها وغالئها‪ ،‬وتحديد وقت حدوث األنواء من كسوف‬
‫التراثية الموروثة‪ ،‬التي تش��� ّكل ج���زءاً كبيراً من حضارة وخسوف وأمطار وعواصف ونحوها‪.‬‬
‫‪ -7‬حرك ��ة التدوي ��ن التاريخ ّي وم�صادره‪ :‬اتّجه قلّة من‬ ‫شعوب هذه المنطقة وتاريخها‪.‬‬
‫وح َك ٌم وأقوا ٌل خالدة المؤرخين المحل ّيين إل���ى رصد حركة التدوين التاريخي‬
‫نكت ِ‬
‫‪ -2‬الأمث ��ال ال�شعبي ��ة‪ :‬وهي ٌ‬
‫موروثة نتداولها في حياتن���ا ال ّيومية‪ ،‬وهي في الحقيقة للمنطق���ة عب���ر مختلف العصور اإلس�ل�امية؛ من حيث‬
‫مرآةٌ تعكس تاريخ المجتمعات في غرب إفريقيا وثقافتها؛ نش���أتها وتطورها ودوافعها وخصائصها‪ ،‬وكذلك دراسة‬
‫إذ ترتبط موارد أغلب تلك األمثال وتشكيلها بوقائع مع ّينة مصادر التدوين التاريخ���ي؛ لمعرفة اتجاهات أصحابها‬
‫وس���بل‬
‫وخلف ّياته���م الفكري���ة‪ ،‬وكيفي���ة التعامل معها ُ‬ ‫ضاربة في العمق التاريخي‪.‬‬
‫‪ -3‬الأن�س ��اب‪ :‬نج���د أ ّن عدداً م���ن قدامى المؤ ّرخين استخدامها في البحوث العلمية‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬التحديات‪:‬‬ ‫وال ُّرواة التقليد ّيين اتجهوا إلى العناية بأنس���اب القبائل‬
‫إ ّن مظاه���ر العناية الش���عبية والعلمية بتاريخ غرب‬ ‫والعش���ائر‪ ،‬وتمييز العبيد من األح���رار‪ ،‬حفظاً وكتابة‪،‬‬
‫يتطلع الباحث والقارئ‬‫إفريقي���ا ال تزال قاصرة‪ ،‬لذل���ك ّ‬ ‫وذلك لسب َبيْن‪ :‬نظراً إلى كون بناء المجتمع بغرب إفريقيا‬
‫آفاق جديدة‬ ‫إلى تنمية تلك العناية ومظاهرها‪ ،‬وإلى فتح ٍ‬ ‫قبل ّياً‪ ،‬وأل ّن االهتمام بدراس���ة علم القبائل واألنساب م ّما‬
‫وجا ّدة لها‪ ،‬لتصل إلى المستوى المطلوب في المستقبل‪،‬‬ ‫تمس الحاجة إليه في كثيرٍ من المه ّمات‪ ،‬ومن نماذج هذا‬ ‫ّ‬
‫غير أ ّن هناك جمل ًة من التحديات التي تقف س��� ّداً منيعاً‬ ‫التادلسي) وهو‬
‫ّ‬ ‫االهتمام مخطوط (نسب س���يدي يحي‬
‫في سبيل تحقيق ذلك‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫لمؤلف مجهول‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫‪ -1‬م�شكل ��ة التمويل‪ :‬يُالح���ظ أ ّن كثيراً من الباحثين‬ ‫خاصة‬‫ّ‬ ‫‪ -4‬التاري ��خ ال�سيا�س ��ي‪ :‬وه���و يتن���اول بصفةٍ‬
‫والمؤسس���ات التي تعتني بتاريخ غ���رب إفريقيا لديهم‬ ‫ّ‬ ‫والس�ل�اطين‪ِ ،‬‬
‫وس��� َير حياتهم‬ ‫أح���داث تولي���ة الملوك ّ‬
‫طم���و ٌح في أن تعط���ي جهودهم المبذول���ة نتائج أفضل‬ ‫وحواش���يهم وقادتهم العس���كر ّيين‪ ،‬وعالقته���م بالقوى‬
‫وأرقى‪ ،‬كما يهدفون إلى التخطيط ألنش���طةٍ ومشروعات‬ ‫الخارجي���ة‪ ،‬وذكر الث���ورات والحروب والمع���ارك التي‬
‫القومي واإلقليمي‪ ،‬يكون لها‬
‫ّ‬ ‫تاريخية أخرى تخدم التاريخ‬ ‫دارت بين القوى المتنافس���ة‪ ،‬وذك���ر وفيات األعيان من‬
‫آث���ا ٌر إيجابية على المنطقة‪ ،‬ولديهم اس���تعدا ٌد لتنفيذها‬ ‫الح ّكام والوزراء والقادة العسكر ّيين وشيوخ القبائل‪ ،‬وذكر‬
‫على أرض الواق���ع‪ ،‬إال أ ّن القيام بها يحتاج في كثيرٍ من‬ ‫االغتياالت التي حصلت لهؤالء األعيان‪.‬‬
‫مادي كبيرٍ ال يُس���تهان به‪ ،‬وهو ما‬
‫تمويل ٍّ‬
‫األحيان إل���ى ٍ‬ ‫‪ -5‬التاري ��خ الح�ض ��اري‪ :‬يتناول المك ّونات االقتصادية‬
‫المؤسسات‪ ،‬سواء‬ ‫ّ‬ ‫يقف عائقاً أمام أولئك الباحثين وتلك‬ ‫والثقافية والدينية لغ���رب إفريقيا ومعطياتها التاريخية‪،‬‬
‫في االس���تمرار أو في تنفيذ تلك األنشطة والمشروعات‬ ‫والتش���كيالت االجتماعية والتط ّور التاريخي الذي حصل‬

‫‪25‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫تاريخية‬
‫«الرواية الش����فوية» في أعماله����م في الظهور بعد‬ ‫التاريخية‪.‬‬
‫الحرب العالمية الثاني����ة‪ ،‬وتزايد االهتمام بها في‬ ‫وللتغلّ����ب على هذه المعضل����ة؛ يقترح الباحث‬
‫ستينيات القرن العشرين؛ فاهت ّم بها عد ٌد منهم أكثر‬ ‫تخص����ص المجموع����ة االقتصادية لدول غرب‬ ‫أن ّ‬
‫من اعتمادهم على الحقائق التاريخية المد ّونة في‬ ‫إفريقي����ا (إيكواس) في ميزانيتها الس����نوية العا ّمة‬
‫المصادر األصلية‪ ،‬وذلك إلبراز حضارة السودانيين‬ ‫صندوقاً لدع����م الهيئات والجمع ّي����ات التي تبدي‬
‫بأي ثم����ن‪ ،‬وإن كانت تل����ك الروايات‬ ‫وتاريخه����م ّ‬ ‫عناية واهتماماً بتاريخ المنطقة‪ ،‬وإمدادها بالخبراء‬
‫الشفوية ممزوج ًة باألساطير والخرافات‪ ،‬وإن كانت‬ ‫الذين يساعدونها على تطوير أعمالها‪.‬‬
‫معطياتها على حس����اب الدين اإلسالمي‪ ،‬وإن أ ّدى‬ ‫‪ -2‬انح�ص ��ار نط ��اق العناي ��ة بالتاريخ ف ��ي �شريحة‬
‫عملهم إلى التنازالت المنهجية في البحث العلمي‪،‬‬ ‫مع ّين ��ة في المجتم ��ع‪ :‬الواقع أ ّن شرائح المجتمعات‬
‫وي����رى هؤالء أ ّن الروايات الش����فوية ال تق ّل أصال ًة‬ ‫في غ����رب إفريقيا الت����ي تبدي عناي���� ًة واهتماماً‬
‫وأهمي ًة عن المصادر والوثائق المد ّونة المختلفة‪.‬‬ ‫بتاري����خ المنطقة تكاد تنحصر ف����ي فئتَيْن‪ :‬بعض‬
‫وال ّرأي الوسط– فيما يظهر‪ -‬هو عدم إهمال‬ ‫���ن م ّم����ن لم يتلقوا‬
‫الفئ����ة المثقفة‪ ،‬وفئة كبار الس� ّ‬
‫هذه الما ّدة التاريخية الغنية بإطالق‪ ،‬وعدم األخذ‬ ‫التعليم النظامي‪ ،‬والذي����ن يالزمون برامج التاريخ‬
‫بها بإطالق‪ ،‬ولكن يكون األخذ بها بين هذا وذاك‪،‬‬ ‫القومي واإلقليمي ف����ي اإلذاعات المحلية وقنوات‬
‫بضوابط صارمة تختبر‬‫َ‬ ‫فيُس����تعان ويُس����تأنس بها‬ ‫البثّ التلفزيوني‪ ،‬وفي المقابل يُالحظ– لألس����ف‬
‫جدارتها‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫الشديد‪ -‬غياب الفئة الشبابية عن واجهة االهتمام‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬أن تكون الرواية الشفوية م ّما يقبلها المنطق‬ ‫بشكل كبير‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫والعناية بتاريخ بالدهم ومنطقتهم‬
‫والواق����ع‪ ،‬فيجب التفرقة بي����ن الحقيقة التاريخية‬ ‫ال�سليمة في‬
‫‪ -3‬م�شكل ��ة عدم االلت ��زام بالمنهجية ّ‬
‫واألسطورة العجائبية‪.‬‬ ‫الرواية والبح ��ث التاريخي للمنطقة‪ :‬تتضح مظاهر‬
‫‌‪ -‬أن تكون الرواية الش����فوية متواتر ًة لدى نقلة‬ ‫السليمة في ع ّدة نواح‪ ،‬هي‪:‬‬
‫االنفالت من المنهجية ّ‬
‫األخبار‪.‬‬ ‫�أ‪ -‬غلب ��ة ال ّذاتي ��ة ف ��ي ال�س ��رد ال ُّنطق ��ي والعر� ��ض‬
‫‪ -‬وألاّ يُلجأ إلى الرواية الش����فوية إال لس���� ّد‬ ‫الكتاب ��ي‪ :‬صار الت����زام الحقيقة التاريخية واألمانة‬
‫الثغرات التي ال تسعفنا فيها الوثائق‪.‬‬ ‫في نقلها كما هي عس����يراً في س����رد ّيات األخبار‬
‫‪ -‬ألاّ تتع����ارض الرواية الش����فوية مع معطيات‬ ‫التاريخية واألنساب لدى ٍ‬
‫عدد من الرواة التقليد ّيين‬
‫رواي����ات المؤرخي����ن والجغراف ّيي����ن القدامى في‬ ‫الي����وم‪ ،‬كما صار غياب الموضوعي����ة العلمية أمراً‬
‫كتاباتهم‪.‬‬ ‫مألوفاً لدى بع����ض الكتّاب والمؤرخين في العرض‬
‫���س الرواية الش����فوية جوهر العقيدة‬ ‫‪ -‬ألاّ تم� ّ‬ ‫خاص ًة إذا كان عرض الحقيقة‬ ‫لألحداث التاريخية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫المطهر‪.‬‬ ‫اإلسالمية وكل ّيات شرعنا‬ ‫التاريخية ال يخدم مصالحهم أو يسيء إلى القبائل‬
‫‪ -‬ض����رورة تجري����د الرواي����ة الش����فوية من‬ ‫التي ينتمون إليها‪ ،‬وهذا مشك ٌل خطير ينبغي تداركه‬
‫التأثيرات الذاتية؛ ب����أن تخلو من عاطفة قرابة أو‬ ‫وعالجه قبل أن يستفحل وتصل آثاره السلبية إلى‬
‫دين أو قبلية أو سياس����ية‪ ،‬التي تميل إلى تضخيم‬ ‫األجيال الالحقة‪.‬‬
‫َدور صان����ع الحدث التاريخ����ي‪ ،‬أو إلى التقليل من‬ ‫ب‪ -‬ع ��دم التميي ��ز بي ��ن الأ�ساطي ��ر والحقائ ��ق‬
‫َدور اآلخرين‪.‬‬ ‫التاريخي ��ة‪ :‬ب����دأ اهتم����ام الباحثي����ن األفارق����ة‬
‫وبعد تأ ّكد الباحث م����ن تحقّق هذه الضوابط‬ ‫المعاصرين في السودان الغربي واألوسط بتوظيف‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪26‬‬


‫الم����دارس يل ّونون الحقائ����ق التاريخية بما يتوافق‬ ‫يمكنه نقل المعلومة التاريخية الش����فوية‪ ،‬وتحويلها‬
‫مع تلك التصورات مس����تبعدين ك ّل تص ّور إسالمي‬ ‫إلى مص����درٍ مكتوب‪ ،‬بع����د مقارنته����ا بمعطيات‬
‫يفس����رون األحداث التاريخية‬ ‫صحيح‪ .‬كما تجدهم ّ‬ ‫المصادر األخرى إن ُوجدت(((‪.‬‬
‫على وفق مقتضيات أحوال عصرهم الذي يعيشون‬ ‫ج‪ -‬االعتم ��اد الكل � ّ�ي عل ��ى م ��وارد الم�ست�شرقي ��ن‬
‫ُهم فيه‪ ،‬وحس����بما يجول في خواطرهم ‪ ،‬دون أن‬ ‫ف ��ي تدوي ��ن التاري ��خ‪ :‬لقد اتّخذ كتّاب غرب إفريقيا‬
‫يحقّق����وا أوالً ثبوت الواقع����ة التاريخية‪ ،‬ودون أن‬ ‫ومؤ ّرخ����وه معظم المادة التاريخية االستش����راقية‬
‫يراع����وا ظروف العصر الذي وقع����ت فيه الحادثة‬ ‫عمدتهم في كتاب����ة تاريخهم‪ ،‬وتز ّودوا بما فيها من‬
‫وتوجهاتهم في ذلك الوقت‪ ،‬والعقيدة‬ ‫وأحوال الناس ّ‬ ‫أخب����ارٍ تاريخية ومعلومات على أنها مس����لّمات أو‬
‫التي تحكمهم ويدينون بها‪ ،‬فإ ّنه قبل تفسير الحادثة‬ ‫تمحيص وتحقيق‪ ،‬فتأ ّثروا‬‫ٍ‬ ‫بديه ّيات ال تحتاج إل����ى‬
‫كتاب‬
‫ال ب ّد من ثب����وت وقوعها‪ ،‬وليس وجودها في ٍ‬ ‫بها‪ ،‬خصوصاً كتابات ال���� ّرواد األوائل منهم‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫من الكتب كافياً لثبوتها؛ أل ّن مرحلة الثبوت مرحل ٌة‬ ‫والس����ير‬
‫تريمنغه����ام‪ ،‬وديالف����وس‪ ،‬وبول مارتي‪ّ ،‬‬
‫سابق ٌة للبحث في تفس����ير الحادثة التاريخية‪ ،‬كما‬ ‫توم����اس أرنولد‪ ،‬وجون روت����ش‪ ،‬وفيجي جي دي‪،‬‬
‫ينبغ����ي أن يكون التفس����ير متماش����ياً مع منطوق‬ ‫وهنري بارث‪ ،‬وفليكس ديبو‪ ،‬وباس����يل دافيدسون‪،‬‬
‫الخبر التاريخي موضوع البحث‪ ،‬ومع الطابع العام‬ ‫وريموند موني‪ ،‬وج����ون هونويك‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬ومن ث ّم‬
‫للمجتم����ع والعصر والبيئة الت����ي حدثت فيها‪ ،‬كما‬ ‫جاءت نتائج دراساتهم ص ًدى للدراسات التاريخية‬
‫يُشترط ألاّ يكون هذا التفسير متعارضاً مع واقعة‬ ‫االستشراقية التي «تحمل كثيراً من لوثة االنحراف‬
‫أو جمل����ة وقائع أخرى ثابتة(((‪ .‬على أ ّن التفس����ير‬ ‫الفكري‪ ،‬والغ����زو الثقافي‪ ،‬وتم ّثل الفهم المش���� ّوه‬
‫التاريخي للحوادث في الجمل����ة يبقى دائماً جهداً‬ ‫للشريعة»(((‪ ،‬وأدا ًة لنس����ف أُسس القيم واألخالق‬
‫والصواب‪ ،‬ف��ل�ا يعرف إلى‬ ‫ّ‬ ‫بش����ر ّياً قاب ً‬
‫ال للخطأ‬ ‫والمبادئ المجتمعية‪.‬‬
‫والح ْسم سبي ً‬
‫ال‪.‬‬ ‫القطع َ‬ ‫ويع����ود س����بب تعلّقه����م بنتائ����ج دراس����ات‬
‫ختام ًا‪:‬‬ ‫المستشرقين‪ ،‬حول تاريخ منطقتهم‪ ،‬إلى انبهارهم‬
‫لم أقص����د من هذا المقال اس����تقصاء جميع‬ ‫بها وإعجابهم بش����خص ّياتهم‪ ،‬وتأ ّثرهم ّ‬
‫بالش����كل‬
‫مظاهر عناية أهل غرب إفريقيا بتاريخهم‪ ،‬وجميع‬ ‫التنظيمي ال ّذي اتّبعوه في أبحاثهم‪.‬‬
‫آفاقها‪ ،‬وجميع التحدي����ات التي تواجهها‪ ،‬وإ ّنمــــا‬ ‫�ل�امي في التفسير‬
‫ّ‬ ‫التوجه اإلس�‬
‫ّ‬ ‫د‪ -‬البعد عن‬
‫كان الهدف اإلش����ارة إلى بعضها بصورةٍ مقتضبة‪،‬‬ ‫والتعليل‪ :‬لق����د تع ّددت م����دارس التأويل الخاطئ‬
‫ال للمبتدئين‪،‬‬ ‫تكون تذكر ًة لكاتب الس����طور ومدخ ً‬ ‫والتعليل ألحداث تاري����خ المنطقة‪ ،‬التي تنطلق من‬
‫ولع���� ّل هذه النّب����ذة تكون حاف����زاً لباحثين آخرين‬ ‫���ات فكرية منحرفة وقومي����ة ما بين علمانية‬ ‫خلف ّي� ٍ‬
‫ٍ‬
‫وبمنهجية‬ ‫���كل أوفى‪،‬‬
‫لدراس����ة هذا الموضوع بش� ٍ‬ ‫وماركسية وغيرهما؛ بحيث تجد المنتمين إلى هذه‬
‫وتوازن في الع����رض والتحليل‬
‫ٍ‬ ‫صحيح����ة‪ ،‬وبد ّق� ٍ‬
‫���ة‬
‫(((   عبدالرحمن خليفة �سادو جالو‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص (‪ -335‬والتعليل ‬
‫‪.)226‬‬
‫(((   د‪ .‬محمد بن �صامل ال�سلمي‪ ،‬منهج كتابة التاريخ الإ�سالمي‬
‫مع درا�سة لتط ّور التدوين ومناهج الم�ؤرخين حتى نهاية‬
‫(((   د‪ .‬محمد بن �صامل ال�سلمي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص (‪-503‬‬ ‫القرن الثالث الهجري‪ ،‬دار طيبة للن�شر والتوزيع‪ ،‬ط‪،1/‬‬
‫‪.)504‬‬ ‫‪1406‬هـ ‪1986‬م‪� ،‬ص‪.240‬‬

‫‪27‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫سياسية‬

‫الواليات المتحدة األمريكية والبحث عن‬


‫األمن النفطي في منطقة خليج غينيا‬
‫�أ‪ .‬حفيظة طالب‬
‫باحث�ة دكت�وراه ف�ي العل�وم ال�سيا�س�ية‪ -‬مخب�ر الدرا�س�ات‬
‫ال�سيا�سية والدولية ‪ -‬جامعة �أمحمد بوقرة‪ -‬بومردا�س‪ /‬الجزائر‬

‫م�س�تهلك له�ذا الأخير عل�ى ال�ص�عيد العالمي‪،‬‬


‫نظ�ر ًا الحتياجاته�ا الطاقوية وا�س�تعماالته في‬
‫ال�ص�راع عل�ى الم�وارد الطاقوية‬
‫واقع ًا مم ّي�ز ًا للبيئ�ة الدولية بعد‬
‫�أ�صبح‬
‫مختلف ال�ص�ناعات التحويلية‪ ،‬مما ّ‬
‫�ش�كل دافع ًا‬ ‫نهاي�ة الح�رب الب�اردة‪ ،‬فق�د تحول االقت�ص�اد‬
‫له�ا نح�و تبنّ�ي مجموعة م�ن اال�س�تراتيجيات‬ ‫�إل�ى متغ ّي�ر رئي��س لقيا�س ق�وة الدول�ة‪ ،‬وهو ما‬
‫ال�سيا�س�ية واالقت�صادية والع�س�كرية‪ ،‬للتغلغل‬ ‫�أل�زم البحث ع�ن م�ص�ادر الطاق�ة وعلى ر�أ�س�ها‬
‫في المجاالت الحيوية الغنية بمورد النفط‪.‬‬ ‫ُعد �أكبر‬
‫النفط؛ فالواليات المتحدة الأمريكية ت ّ‬
‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪28‬‬
‫باهتمام دولي األدوات االستراتيجية المتبعة من قِ َبل الواليات المتحدة‬
‫ٍ‬ ‫وتحظى الق���ارة اإلفريقية عموم���اً‬
‫مكثف بفضل الث���روات الطاقوية والموارد النفطية التي األمريكية في المنطق���ة؛ وأخيراً عرض نموذج للتواجد‬
‫تزخ���ر بها‪ ،‬فبعدما كانت دولها عبارة عن مس���تعمرات األمريكي في خليج غنيا عبر التطرق إلى مثال نيجيريا‪.‬‬
‫المحور الأول‪ :‬تعريف الأمن النفطي‪:‬‬ ‫أوروبية بامتياز‪ ،‬تغ ّير الوضع نتيجة انجذاب العديد من‬
‫يُعتبر «األمن النفطي» من بين المصطلحات األمنية‬ ‫وبخاصة منطقة‬
‫ّ‬ ‫القوى الدولي���ة إلى مقدرات الق���ارة‪،‬‬
‫خليج غينيا‪ ،‬وفي مقدمتها الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬الجديدة التي ش���اع تداولها على المس���توى األكاديمي‬
‫والتي أقرت اهتمامها بالمنطقة عبر سياس���ات إداراتها بع���د نهاية الحرب الباردة وب���روز قضايا دولية جديدة‪،‬‬
‫المتعاقبة إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر ‪2001‬م‪ .‬وتهديدات نوعية لم تعد منحصر ًة في الجانب العسكري‬
‫فخصوصية القارة اإلفريقية عموماً وتعقّد قضاياها فقط‪ ،‬وإنما تعدته إلى جوانب أخرى اقتصادية‪ ،‬سياسية‪،‬‬
‫المختلفة يجعل من الس���هل اختراقها من قِ َبل الفواعل بيئية‪ ،‬واجتماعية‪ .‬وحتى نتمكن من َف ْهم مضمون األمن‬
‫الدولية‪ ،‬وعليه؛ ف���إ ّن توفر الذرائع األمنية واالقتصادية النفطي ارتأينا تفكيك المصطلح إلى عناصره الرئيسية‪.‬‬
‫تعريف الأمن‪:‬‬ ‫للتواج���د األجنبي خل���ق نوعاً من التناف���س بين القوى‬
‫يُقص���د باألمن‪« :‬ك ّل التدابير الت���ي تتبعها دول ٌة أو‬ ‫خاص��� ًة بعد االكتش���افات النفطية الضخمة‬ ‫العظمى‪ّ ،‬‬
‫بالمنطق���ة‪ ،‬وقرب س���واحل خليج غينيا م���ن الممرات مجموع ٌة م���ن الدول لتحقيق البق���اء‪ ،‬وذلك عن طريق‬
‫تهيئة االس���تقرار وتنمية وتطوير الق���درات‪ ،‬بما يحمي‬ ‫البحرية الدولية‪.‬‬
‫تكمن أهمية هذه الدراس���ة في البحث عن الدوافع المصالح التي تسعى الدول لتحقيقها»(((‪.‬‬
‫وفي هذا السياق أكد باري بوزان ‪Barry Bozan‬‬ ‫االستراتيجية التي تجعل من خليج غينيا منطقة تجاذب‬
‫واستقطاب دولي‪ ،‬وفهم أدوات وأساليب التغلغل األمريكي على أ ّن األمن ال ينحصر في قضيةٍ وطنية واحدة تش ّكل‬
‫في أبرز دولها‪ ،‬وهذا بالتركيز على التواجد األمريكي في أمن الدولة فحس���ب‪ ،‬بل يتس���ع ليدرج كذلك مجموعة‬
‫نيجيريا‪ ،‬بغية الوقوف على أه ّم االستراتيجيات األمريكية م���ن المج���االت الجديدة عل���ى غرار‪ :‬األم���ن البيئي‪،‬‬
‫ً‬
‫المعتم���دة عمل ّيا لتحقيق األمن النفط���ي‪ ،‬واإلبقاء على المجتمع���ي‪ ،‬العس���كري‪ ،‬االقتصادي‪ ،...‬نظ���راً لتعدد‬
‫التهديدات وتمتعها بالطابع فوق القومي(((‪ .‬حتى طبيعة‬ ‫االحتكار األمريكي لنفط خليج غينيا‪.‬‬
‫وفي ضوء م���ا تق��� ّدم؛ تنطلق هذه الدراس���ة من مجابهة التهديدات الجديدة ووس���ائل تحقيق األمن في‬
‫إشكاليةٍ مفادها‪ :‬لماذا تندرج منطقة خليج غينيا ضمن واق���ع ما بعد الحرب الباردة عرف تغييراً عمل ّياً‪ ،‬فالقوة‬
‫األولوي���ات االس���تراتيجية لتحقيق األم���ن النفطي في لم تع���د مقترن ًة بالقدرات العس���كرية فق���ط؛ كون أ ّن‬
‫القضايا األمنية الجديدة كاإلرهاب والجرائم المنظمة‪،‬‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية؟‬
‫َ‬
‫ولف ْهم وتفسير الظاهرة المدروسة ستنطلق الورقة والمجاعات لم تعد إمكانية حلّها والتعامل معها متوقف ًة‬
‫البحثي���ة من «الفرضية» التالي���ة‪ :‬كلما تمكنت الواليات‬
‫المتحدة األمريكية من تعزيز تواجدها في منطقة خليج‬
‫غينيا‪ ،‬كلم���ا تمكنت من تأمين تدف���ق النفط وتحجيم (((  وراء زكي الطويل‪ ،‬الأم��ن الدولي وا�ستراتيجيات التغيير‬
‫والإ�صالح‪( ،‬الأردن‪ :‬دار �أ�سامة للن�شر والتوزيع‪2012 ،‬م)‪،‬‬
‫�ص‪.19‬‬ ‫األدوار المنافسة لها‪.‬‬
‫((( ‪Ayse Ceybon, « Analyse la sécurité : Dillon, 1‬‬ ‫وعليه؛ تُلقي هذه الدراسة الضوء على تعريف األمن‬
‫‪Waver ,Williams et les autres, cultures et‬‬ ‫النفطي‪ ،‬واألهمية االس���تراتيجية لمنطقة خليج غينيا‪،‬‬
‫‪conflits, centre d’études sur les conflits, 27‬‬
‫‪.october, 2011 .p.3‬‬ ‫ودواف���ع االهتمام األمريكي به���ا‪ ،‬إضاف ًة إلى طرح أه ّم‬

‫‪29‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫سياسية‬
‫يُستخدم في تهيئة ُّ‬
‫الطرق(((‪.‬‬ ‫عل���ى القوة العس���كرية فق���ط‪ ،‬نظراً لتع��� ّدد ميادينها‬
‫ويُع ّد النفط مص���دراً مه ّماً من مصادر الطاقة في‬ ‫وتأثيراتها ومصادرها‪.‬‬
‫العالم‪ ،‬لهذا يُطلق عليه تس���مية «الذهب األسود»‪ ،‬فهو‬ ‫وفي هذا الش���أن؛ ُعرف األمن على أنه‪« :‬تحرر من‬
‫باهتم���ام دولي كبير يصل إل���ى درجة الصراع‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫يحظى‬ ‫الفقر وال َع َوز»‪ ،‬وفي الوقت نفسه‪« :‬مجموع االحتياطات‬
‫نظراً لحجم الطاقة التي يحتويها‪ ،‬وس���هولة نقله‪ .‬حيث‬ ‫التي يت ّم اتخاذها لضمان بيئةٍ مس���تقرة وقابلة للعيش»؛‬
‫يعود أول نشاط إنساني الستخراج البترول وتكريره إلى‬ ‫كم���ا يمكن النظر إليه من زاوي���ةٍ أخرى على أنه‪« :‬دفاع‬
‫ع���ام ‪1859‬م بوالية بنس���لفانيا األمريكية‪ ،‬حيث وصلت‬ ‫عن س�ل�امة َمن يس���كنون ضمن إقليم الدولة»‪ ،‬أو على‬
‫قيمة اإلنت���اج آنذاك إلى ‪ 20‬برمي ً‬
‫ال ف���ي اليوم‪ ،‬وبهذا‬ ‫أن���ه‪« :‬إدارة األزمات المتنوعة ومن���ع المخاطر المادية‬
‫كانت أول محطة تاريخية لبداية إنتاج النفط في العالم‬ ‫والمعنوية»‪ ،‬وبالتالي ف���إ ّن تع ّدد المصالح األمنية تجعل‬
‫على مس���توى االكتشاف العلمي‪ ،‬والنش���اط الصناعي‬ ‫تعريف األمن وتداوله يختلف باختالف الزمن‪ ،‬والمكان‪،‬‬
‫والتجاري(((‪.‬‬ ‫والس���ياق(((‪ ،‬فك ّل مج���االت الحياة المادي���ة والروحية‬
‫كما أ ّن الالف���ت للنظر هو أ ّن الوالي���ات المتحدة‬ ‫تتطلب أقص���ى درجات األمن‪ ،‬فاالقتصاد على س���بيل‬
‫األمريكية كانت الس��� ّباقة لالس���تثمار في مجال النفط‬ ‫المثال يحتاج لبيئةٍ آمنة ومالئمة لالس���تثمار‪ ،‬واإلنتاج‪،‬‬
‫عام ‪1970‬م‪ ،‬من خالل شركتها النفطية ستاندريد أويل‬ ‫والتسويق‪ ،‬بما يضمن زيادة النمو وتنويع الفرص‪.‬‬
‫الموجودة في والية كاليفالند‪ ،‬والتي تح ّولت من التنقيب‬ ‫النفط‪:‬‬
‫ع���ن النفط وتكريره إلى الحرص عل���ى نقل اإلمدادات‬ ‫يُعرف «النفط» بأنه‪« :‬مادة بسيطة‪ ،‬فهو مش ّكل من‬
‫النفطي���ة بحراً إلى الس���واحل األمريكي���ة‪ ،‬إضاف ًة إلى‬ ‫عنص َريْن هما الهيدروجين والكربون‪ ،‬وفي اآلن ذاته يُع ّد‬
‫تسويقه‪ .‬ففي بداية التسعينيات ظهرت كبرى الشركات‬ ‫مادة مركبة‪ ،‬أل ّن المواد المش���تقة منه تختلف باختالف‬
‫النفطية التي ُعرفت فيما بعد بتسمية «األخوات السبع»‪،‬‬ ‫التركيبة الجزيئي���ة التي يحتويها‪ ،‬فهو يض ّم خليطاً غير‬
‫وهي‪ :‬إيكس���ون‪ ،‬تيكساكو‪ ،‬شيفرون‪ ،‬موبيل أويل‪ ،‬غولف‬ ‫متجانس من الم���واد الهيدروكربونية المتقاربة‪ ،‬كما أنه‬
‫أويل‪ ،‬روايال دتش‪ /‬ش���ل (‪ %60‬أس���هم هولندية‪ ،‬و‪%40‬‬ ‫قاب ٌل لالشتعال»(((‪.‬‬
‫بريطانية)‪ ،‬ش���ركة النفط البريطانية‪ .‬ثم التحقت ب َر ْكب‬ ‫فأصل كلمة «النفط» في ح ّد ذاتها مأخو ٌذ من معنى‬
‫هذه الش���ركات ش���ركة توتال الفرنس���ية لتكون األخت‬ ‫الكلم���ة الالتينية بيتروليوم ‪ ،Petroleum‬وتعني «نفط‬
‫الثامنة(((‪ .‬فعدد هذه الش���ركات وتعدد جنسياتها يبرز‬ ‫الصخ���ور»؛ ففي غالب األحي���ان يوجد النفط في عمق‬
‫أهمية النفط على المس���توى الدولي م���ن ناحية‪ ،‬ومن‬ ‫ال وهو النفط التقليدي‪،‬‬ ‫ال سائ ً‬
‫الصخور‪ ،‬وقد يأخذ شك ً‬
‫ناحي���ةٍ ثانية‪ :‬يوضح حجم االهتم���ام األمريكي بالنفط‬ ‫أو غاز ّياً على ش���كل غاز طبيع���ي عندما يرتفع ضغط‬
‫درج���ة الحرارة‪ ،‬أو في ش���كل األس���فلت (القار) الذي‬
‫(((  ‪An Introduction to the petroleum Industry, in:‬‬
‫‪https://www.nr.gov.nl.ca/nr/publications/energy/‬‬
‫‪intro.pdf‬‬
‫  ‪David J. Brooks, What is security: Definition‬‬ ‫(((‬
‫(((   «الذهب الأو�سود ‪ ،Black Gold‬ن�شرة �إ�ضاءات‪ ،‬معهد‬ ‫‪Through Knowledge Categorization, Security‬‬
‫الدرا�سات الم�صرفية‪2013 ،‬م‪� ،‬ص‪.1‬‬ ‫‪.Journal, 2009, p.2‬‬

‫(((   يو�سف خليفة اليو�سف‪« ،‬االقت�صاد ال�سيا�سي للنفط ر�ؤية‬ ‫(((   مراد علة‪« ،‬درا�سة تقلبات �أ�سعار النفط و�أثرها في التنمية‬
‫عربية لتطوراته»‪ ،‬مجلة الم�ستقبل العربي‪� ،‬ص‪ .105‬في‪:‬‬ ‫االقت�صادية‪ :‬قراءة نظرية تحليلية في حالة الجزائر لفترة‬
‫‪http://www.caus.org.lb/PDF/EmagazineArticles/‬‬ ‫(عام ‪2017 -2000‬م)‪ ،‬مجلة ر�ؤى ا�ستراتيجية‪ ،‬د ع‪ ،‬جانفي‬
‫‪mustaqbal_435_yousef_khalifa_alyousef.pdf‬‬ ‫‪� ،2017‬ص‪.95‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪30‬‬


‫تلت الحرب العالمية األولى‪ ،‬عندما ق ّرر تشرش���ل تزويد‬ ‫كس���لعةٍ حيوية القتصادها‪ ،‬والتي دفعت بها نحو تجنيد‬
‫البارجات والس���فن البريطانية بالنفط بدالً من الفحم‪،‬‬ ‫شركاتها لالستثمار في هذه السلعة الطاقوية‪.‬‬
‫لتقوية أس���طولها ف���ي حربه ض ّد ألماني���ا‪ ،‬فمنذ ذلك‬ ‫وباعتب���ار أ ّن النفط هو ثروةٌ مادي���ة غير متجددة‬
‫التاريخ زادت مجاالت استخدامات النفط(((‪.‬‬ ‫وآيلة إلى الزوال؛ فإنه قد تح ّول إلى أه ّم س���لعة ومورد‬
‫والظاهر أ ّن المفهوم الش���ائع هو «األمن الطاقوي»‪،‬‬ ‫اقتصادي عالمي‪ ،‬فاحتكار تس���ويقه والتحكم في توزيع‬
‫الذي قد تح ّول بعد أحداث الحادي عش���ر من سبتمبر‬ ‫الحصص الطاقوية يس���هم في الس���يطرة على مقاليد‬
‫إلى أحد المعايي���ر التقليدية للحفاظ على مكانة الدول‬ ‫السياس���ة الدولية‪ ،‬وفي اآلن ذاته يجعل السوق العالمية‬
‫وضمان بقائه���ا‪ ،‬مثله مثل «القوة العس���كرية»‪ ،‬فرغبة‬ ‫النفطية تتم ّيز بعدم االس���تقرار‪ ،‬جراء تضارب مصالح‬
‫ال���دول الكب���رى في الحص���ول على إم���دادات النفط‬ ‫الدول والفواعل من غير الدولة‪ ..‬هذا من جهة‪ ،‬ونتيجة‬
‫بالدرج���ة األولى‪ ،‬وع���دم القدرة عل���ى تحقيق االكتفاء‬ ‫تغ ّير أس���عار النفط التي تؤثر فيها عوامل عدة سياسية‬
‫الذات���ي زاد من أهميته‪ ،‬وفي ض���وء ذلك تولدت قناع ٌة‬ ‫واقتصادية من جهةٍ ثانية(((‪.‬‬
‫وبخاصةٍ األمريكي‪ ،‬بضرورة استمرار‬
‫ّ‬ ‫لدى صانع القرار‪،‬‬ ‫فالنفط قد تح ّول إلى أداة ضغط ووسيلة للسيطرة‬
‫تدفق النفط لتعزيز النمو االقتصادي ‪.‬‬
‫(((‬
‫العالمية؛ ك���ون أ ّن القوة االقتصادية ف���ي عالم ما بعد‬
‫ومن هنا يمكن القول بأ ّن «األمن النفطي» هو الجزء‬ ‫الح���رب الباردة أصبحت المح���دد الرئيس لقوة الدول‬
‫المهم م���ن «أمن الطاقة»‪ ،‬في ظ ّل اعتماد وتركيز الدول‬ ‫سياس��� ّياً‪ ،‬فالدولة القوية اقتصاد ّياً سيكون لها مواقف‬
‫على وفرة إمدادات النفط واس���تمرارها‪ ،‬بوصفه المادة‬ ‫سياس���ية ف ّعالة‪ ،‬وهو ما يجعل الساحة الدولية في حالة‬
‫األولية التي تقوم عليها مختلف الصناعات الثقيلة‪.‬‬ ‫صراع حول الم���وارد النفطية؛ للتحك���م في مصادرها‬ ‫ٍ‬
‫وما يد ّل عل���ى أهمية النفط عالم ّي���اً هو ضخامة‬ ‫وضمان تدفق حصصها باستمرار‪.‬‬
‫إنتاج���ه اليومي التي بلغ���ت ‪ 92.656‬برميل في اليوم‪،‬‬ ‫الأمن النفطي‪:‬‬
‫حيث تنتج منطقة الش���رق األوس���ط بمفردها نس���بة‬ ‫بش���كل‬
‫ٍ‬ ‫يُع ّد األمن النفطي جزءاً من أمن الطاقة‬
‫(((·‬

‫‪ ،%34‬وأمريكا الش���مالية حوالي ‪ ،%20‬وآسيا الوسطى‬ ‫عام‪ ،‬أو هو العنصر األكثر أهمي ًة فيه(((؛ أل ّن مش���تقات‬
‫ما يقارب ‪ ،%15‬وأمري���كا الجنوبية ‪ ،%10‬وإفريقيا ‪،%9‬‬ ‫النفط هي من بي���ن موارد الطاقة التي تُس���تخدم في‬
‫وآسيا الباس���يفيك ‪ ،%8‬وأوروبا ‪ ،(((%4‬في حين قد بلغ‬ ‫مختلف المجاالت الصناعية‪ .‬وفي هذا الس���ياق؛ تعود‬
‫إنتاج الغاز الطبيعي‪ -‬على س���بيل المقارنة‪ -‬ما يقارب‬ ‫بداي���ة االهتمام بأم���ن النفط عموماً إل���ى الفترة التي‬

‫(((   مراد علة‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.93‬‬


‫(((   لهب عطا عبد الوهاب‪ ،‬درا�سات في الطاقة‪� :‬أمن الإمدادات‬
‫وال�م�خ��اط��ر الجيو�سيا�سية‪( ،‬ال�م�ن��ام��ة‪ :‬م��رك��ز البحرين‬ ‫(((  ت �ع��رف وك��ال��ة الطاقة ال��دول�ي��ة «�أم ��ن ال�ط��اق��ة» على �أن��ه‪:‬‬
‫للدرا�سات اال�ستراتيجية والدولية والطاقة‪2015 ،‬م)‪� ،‬ص‪.18‬‬ ‫توافر ا�ستمرار تدفق الطاقة دون انقطاع وب�أ�سعار معقولة‪.‬‬
‫للمزيد ان �ظ��ر‪International Energy Agency, :‬‬
‫(((   «الإدراك اال�ستراتيجي الأمريكي لـ «�أمن الطاقة»‪ ،‬مركز‬ ‫‪Energy Supply Security 2014, in: https://‬‬
‫الم�ستقبل للدرا�سات اال�ستراتيجية‪ 12 ،‬جانفي ‪2017‬م‪ ،‬في‪:‬‬ ‫‪www.iea.org/media/freepublications/security/‬‬
‫‪http://mcsr.net/news221‬‬ ‫‪EnergySupplySecurity2014_PART1.pdf‬‬

‫(((  ‪World Oil Review 2018, Report Eni SpA,‬‬ ‫  ‪Oil and Security, Stockholm I nternational‬‬ ‫(((‬
‫‪volume 1, p.7, in: https://www.eni.com/docs/‬‬ ‫‪Peace Research Institute, in: https://www.‬‬
‫‪en_IT/enicom/company/fuel-cafe/WORLD-OIL-‬‬ ‫‪sipri.org/sites/default/files/files/books/‬‬
‫‪REVIEW-2018-Volume-1.pdf‬‬ ‫‪SIPRI74Heineback.pdf‬‬

‫‪31‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫سياسية‬
‫س���احل طوله ‪ 3500‬ميل‪ ،‬يمتد من‬ ‫ٍ‬ ‫خليج(((‪ ،‬يتربع على‬ ‫‪ 36.8‬ألف متر مكعب(((‪ ،‬وهو ما يعكس االهتمام الدولي‬
‫غرب إفريقيا إلى غاية أنغوال(((‪.‬‬ ‫بالمورد النفطي‪ ،‬فحجم اإلنتاج اليومي بالنس���بة للنفط‬
‫تض��� ّم منطق���ة خليج غيني���ا ما يق���ارب ‪ 18‬دول ًة‬ ‫يوضح مكانته الطاقوية؛ أضف إلى ذلك أ ّن أهمية تحقيق‬
‫واقع ًة في غرب القارة اإلفريقية ووس���طها‪ ،‬على غرار‪:‬‬ ‫األم���ن النفطي قد تمظهرت في الح���رص على حماية‬
‫أنغ���وال‪ ،‬بنين‪ ،‬الكاميرون‪ ،‬جمهورية إفريقيا الوس���طى‪،‬‬ ‫إمدادات النفط‪ ،‬وتنويع ط���رق ومصادر النفط‪ ،‬وتعزيز‬
‫كوت ديف���وار‪ ،‬جمهورية الكونغ���و الديمقراطية‪ ،‬غينيا‬ ‫قدرات الرب���ط البيني بين الدول‪ ،‬وتفعيل الش���راكات‬
‫االس���توائية‪ ،‬غينيا بيس���او‪ ،‬غينيا‪ ،‬ليبيري���ا‪ ،‬نيجيريا‪،‬‬ ‫االستراتيجية بين الدول المنتجة والمستهلكة(((‪ .‬فمعظم‬
‫الس���نغال‪ ،‬س���يراليون‪ ،‬توغو‪ ،‬غامبيا‪ ،‬غانا‪ ،‬ساوتومي‬ ‫السياسات واالستراتيجيات الدولية قد أخذت مس ّميات‬
‫وبرينس���يب‪ ،‬الغابون‪ .‬ومعظم هذه ال���دول تتمتع بتن ّوع‬ ‫عدة وأدوات متنوعة ش���كل ّياً‪ ،‬لك���ن من حيث المضمون‬
‫جغراف���ي‪ ،‬وثقافي‪ ،‬وطبيعي‪ ،‬ولغوي‪ ،‬فهنالك دول ناطقة‬ ‫وهدف واحد‪ ،‬وهو الحصول‬ ‫ٍ‬ ‫والخلفية انطلقت من مبدأٍ‬
‫باإلنجليزية وأخرى بالفرنس���ية‪ ،‬كما تعتمد دول أخرى‬ ‫على النف���ط‪ ،‬حيث كان هنالك تكييف للسياس���ات مع‬
‫على اللغة اإلسبانية والبرتغالية لغ ًة رسمية لها(((‪.‬‬ ‫تطورات البيئة الدولية ومخرجاتها‪ ،‬وعليه؛ بقي البحث‬
‫ومصطل���ح «خليج غيني���ا» في ح ّد ذات���ه قد يبدو‬ ‫عن النفط ثابتاً‪ ،‬وش��� ّكل غاي��� ًة حتمية ينبغي تحصيلها‪،‬‬
‫خاص ًة لدى سكان العالم الغربي‪،‬‬ ‫حديثاً بالنسبة للبعض‪ّ ،‬‬ ‫ووسيل ًة رئيسية للتحكم في مجريات السياسة الدولية‪.‬‬
‫ولكنه مصطل ٌح شاع استخدامه قديماً في شمال إفريقيا‬ ‫المحور الثاني‪ :‬جيوبوليتيك خليج غينيا‪:‬‬
‫والقارة األوروبية‪ ،‬فقد ت��� ّم تداول المصطلح في إحدى‬ ‫إ ّن المتع���ارف عليه هو أ ّن منطقة خليج غينيا ليس‬
‫الخرائ���ط القديمة الت���ي يرجع تاريخه���ا إلى حوالي‬ ‫لها تعري���ف مضبوط‪ ،‬فم���ن الناحي���ة الجغرافية تُع ّد‬
‫‪1320‬م‪ ،‬من قِ َبل رسام الخرائط جيوفاني دي كاريجنانو‬ ‫المنطقة هالمية القوام‪ ،‬تتسع وتضيق حسب المصلحة‬
‫‪ ،Giovanni di Carignano‬إل���ى جانب ذلك هنالك‬ ‫الجيواس���تراتيجية للفواعل الدولية‪ ،‬لك���ن في الغالب‬
‫العديد من الكتابات الجغرافية التي تقس���م خليج غينيا‬ ‫يع ّرفه���ا الباحثون عل���ى أنها‪ :‬تلك المس���احة البحرية‬
‫إلى قس َميْن شمالي يُدعى بـ«غينيا العليا»‪ ،‬وشرقي يُطلق‬ ‫التي تش���مل الجزء الغربي الجنوبي من إفريقيا‪ ،‬المطلة‬
‫عليه تسمية «غينيا السفلى»(((‪.‬‬ ‫على المحيط األطلس���ي‪ ،‬والتي تتجه للداخل في شكل‬

‫(((   فريدوم �أونوها‪« ،‬القر�صنة والأمن البحري في خليج غينيا‪:‬‬


‫نيجيريا نموذجا»‪ ،‬تر‪ :‬الحاج ولد براهيم‪ ،‬مركز الجزيرة‬
‫للدرا�سات‪ 13 ،‬ماي ‪2012‬م‪� ،‬ص‪.4‬‬ ‫(((  ‪World natural gas production in 2017, by country‬‬
‫‪(in billion cubic meters), The Statistics portal,‬‬
‫(((  ‪Freedom C. Onuoha, The Geo-strategy of Oil‬‬
‫‪in: https://www.statista.com/statistics/264101/‬‬
‫‪in the Gulf of Guinea: Implications for Regional‬‬
‫‪world-natural-gas-production-by-country‬‬
‫‪Stability, Journal of Asian and African Studies,‬‬
‫‪.Volume 45, Number 3, 2010, p.370‬‬ ‫(((  ‪Gordana Sekulić, Oil Pipeline Infrastructure for‬‬
‫‪Security of Crude Oil Supply of Central Eastern‬‬
‫(((  ‪Damian Ondo Mañe, Emergence of the Gulf of‬‬
‫‪and South Eastern Europe, 3 rd JANAF’s‬‬
‫‪Guinea in the Global Economy: Prospects and‬‬
‫‪International Energy & Oil Conference, Energy‬‬
‫‪Challenges, IMF Working Paper, December‬‬
‫‪Strategies - Challenges for Oil Companies,‬‬
‫‪.2005, p3‬‬
‫‪Zagreb, 5 December 2017, in: http://www.janaf.‬‬
‫  ‪Babagana Abubakar, Gulf of Guinea‬‬ ‫(((‬ ‫‪-20171205/12/hr/site/wp-content/uploads/2017‬‬
‫‪Resources, Economy and Development:‬‬ ‫‪_8 7 %0 3 - J A N A F _ G o r d a n a - S e k u l i % C 4‬‬
‫‪Yesterday, Today and Tomorrow, in: https://‬‬ ‫‪Presentation.pdf‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪32‬‬


‫ومن الناحية الجيواس���تراتيجية تتمتع منطقة خليج الجدي���دة والتنقيب عن النفط أب���رز احتياط ّياً ضخماً‬
‫بمخزون ضخم من المع���ادن‪ ،‬وتعرف تن ّوعاً في في غرب إفريقيا‪ ،‬وتحدي���داً بمنطقة خليج غينيا‪ ،‬وهو‬ ‫ٍ‬ ‫غيني���ا‬
‫الغط���اء النباتي‪ ،‬ووفرة في الغاب���ات‪ ،‬كما تُع ّد المنطقة م���ا جعل الباحثين ف���ي مجال التنقي���ب يُطلقون عليها‬
‫مص���دراً للم���واد الهيدروكربونية في العال���م‪ ،‬وملتقى تس���مية «الكويت الجديدة» أو «الجنة الجديدة»(((‪ ،‬حيث‬
‫للتجارة والمالحة البحرية لمعظم دول إفريقيا الساحلية تس���اهم منطقة خليج غينيا بـ ‪ %10.6‬من إنتاج النفط‬
‫والحبيسة في اآلن ذاته‪ ،‬وهذا راج ٌع إلى اشتمال المنطقة العالم���ي‪ ،‬أي ما يقارب ‪ 7.9‬ماليين برمي���ل يوم ّياً‪ ،‬إذ‬
‫عل���ى نه َريْن م���ن أكبر األنهار في إفريقي���ا‪ ،‬وهما نهرا تُق��� ّدر احتياطات نفط المنطقة ف���ي المياه العميقة ما‬
‫النيجر والكونغو اللذان يتدفق���ان في الخليج‪ ،‬وبالتالي يقارب ‪ 15‬مليار برميل(((‪ .‬أما على مس���توى دول خليج‬
‫هي تش��� ّكل مم ّراً حيو ّياً للس���لع والبضائ���ع‪ ،‬ولكن على غينيا فيوضح الجدول أدناه احتياطي أه ّم دول المنطقة‬
‫الرغم من توفره���ا على موارد معدنية وطبيعية مختلفة ومساهماتها في اإلنتاج العالمي‪.‬‬
‫جدول (‪ :)1‬يو�ضح احتياطي بع�ض دول خليج غينيا‬ ‫فإ ّن النفط يُع ّد المورد الرئيسي للمنطقة(((‪ .‬حيث تعتبر‬
‫وم�ساهمتها في الإنتاج العالمي‬ ‫في هذا الشأن منطقة خليج غينيا موطناً أله ّم المعادن‬
‫االحتياطي (مليون الإنتاج العالمي‬ ‫الحيوية على غ���رار‪( :‬المنغنيز‪ ،‬خام الحديد‪ ،‬النحاس‪،‬‬
‫الدولة‬
‫‪%‬‬ ‫برميل)‬ ‫القصدير‪ ،‬اليورانيوم‪ ،‬الكولت���ان ‪ ،Coltan‬الكوبالت)‪،‬‬
‫‪2.2‬‬ ‫‪37.5‬‬ ‫نيجيريا‬ ‫كما أنها تُع ّد ثاني أكبر منتج لمادة الكولمباين‪-‬تانتاليات‬
‫‪0.6‬‬ ‫‪9.5‬‬ ‫�أنغوال‬ ‫‪ Columbine-tantalite‬وهي مادةٌ أساس���ية إلنتاج‬
‫‪0.2‬‬ ‫‪3.3‬‬ ‫غينيا اال�ستوائية‬ ‫الهواتف الخلوية‪ ،‬والحواس���يب‪ ،‬وغيره���ا من األجهزة‬
‫‪0.1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫الغابون‬ ‫التكنولوجي���ة‪ ،‬إضاف ًة إلى توفرها على احتياطات كبيرة‬
‫‪0.1‬‬ ‫‪1.6‬‬ ‫جمهورية الكونغو‬ ‫من الفضة والذهب والم���اس‪ ،‬في ك ٍّل من‪ :‬أنغوال‪ ،‬غانا‪،‬‬
‫الم�صدر‪BP Statistical Review of World Energy, 67 :‬‬
‫سيراليون‪ ،‬وليبيريا(((‪.‬‬
‫‪edition, June 2018, p.12‬‬
‫وأم���ا م���ن الناحي���ة الطاقوية فقد ظ ّل الش���مال‬
‫يت�ضح من خالل الجدول �أعاله‪:‬‬ ‫اإلفريقي يحت��� ّل الصدارة من حي���ث احتياطي النفط‬
‫أ ّن نيجيريا تس���تأثر بأكبر مخ���زون نفطي‪ ،‬بقيمة‬ ‫واإلنتاج العالمي في القرن الماضي‪ ،‬لك ّن االكتش���افات‬
‫‪ 37.5‬ملي���ون برميل‪ ،‬مس���اهمة ب���ـ ‪ %2.2‬من اإلنتاج‬
‫العالم���ي‪ ،‬تليها أنغوال ب���ـ ‪ 9.5‬ماليين برميل من حيث‬ ‫_‪www.researchgate.net/publication/320806876‬‬
‫_‪Gulf_of_Guinea_Resources_Economy‬‬
‫_‪and_Development_Yesterday_Today_and‬‬
‫‪Tomorrow‬‬
‫(((   �أيمن �شبانة‪« ،‬النفط الإفريقي‪ :‬عندما تتحرك ال�سيا�سة‬
‫الأمريكية وراء ال�م��وارد»‪ ،‬مجلة �إفريقيا قارتنا‪ ،‬العدد ‪،2‬‬ ‫(((  ‪Yoslán Silverio González, The Golf of Guinea:‬‬
‫فيفري ‪2013‬م‪� ،‬ص‪�.‬ص (‪.)2 ،1‬‬ ‫‪The Future African Persian Gulf?, Brazilian‬‬
‫‪Journal of African Studies, Volume 1, Number‬‬
‫(((  ‪Johannes Dieterich, The Gulf of Guinea and‬‬
‫‪.1, jan/ Juin 2016, p.95‬‬
‫‪the Global Oil Market Supply and Demand,‬‬
‫‪Rudolf Traub-Merz and Douglas Yates, in: Oil‬‬ ‫  ‪Kevin H. Delano, The Gulf of Guinea and its‬‬ ‫(((‬
‫‪Policy In The Gulf of Guinea, Security & Conflict,‬‬ ‫‪Strategic Center Point: How Nigeria Will Bridge‬‬
‫‪Economic Growth, Social Development, The‬‬ ‫‪American and African Cooperation, p.6, in:‬‬
‫‪In: http:// .32-Friedrich-Ebert-Stiftung, pp.30‬‬ ‫‪http://www.dtic.mil/dtic/tr/fulltext/u2/a539609.‬‬
‫‪library.fes.de/pdf-files/iez/02115-inf.htm‬‬ ‫‪pdf‬‬

‫‪33‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫سياسية‬
‫غياب األم���ن الغذائ���ي‪ ،‬وتدهور الخدم���ات الصحية‬ ‫حجم االحتياطي‪ ،‬وبنس���بة ‪ %0.6‬م���ن اإلنتاج العالمي‪.‬‬
‫والتعليمي���ة‪ ،‬فغياب فرص العم���ل وتهميش العديد من‬ ‫فاألرق���ام المصنفة في الجدول تظه���ر مدى غنى دول‬
‫العرقي���ات‪ ،‬وغياب المس���اواة االقتصادي���ة والعدالة‬ ‫خليج غينيا بالنفط‪ ،‬الذي يم ّثل المورد األساسي للطاقة‬
‫االجتماعية‪ ،‬أنتج البيئة الخصب���ة للجماعات المتمردة‬ ‫والصناعة التحويلية لدى العديد من الدول الكبرى‪ ،‬التي‬
‫وشبكات اإلجرام(((‪.‬‬ ‫تهت ّم بالبحث عن النفط واالستثمار فيه وضمان حصتها‬
‫وغالبي���ة الدول الت���ي تعتمد على الري���ع مصدراً‬ ‫منه‪.‬‬
‫لدخله���ا القومي تعيش على الدع���م الخارجي‪ ،‬وتعرقل‬ ‫لكن في مقاب���ل ذلك‪ :‬تواجه منطق���ة خليج غينيا‬
‫العمل المحلي‪ ،‬وبالعودة إلى معدالت اإلنتاج النفطي في‬ ‫مجموعة من التحديات األمنية التي تولدت عن تغاضي‬
‫دول خلي���ج غينيا نصل إلى نتيج���ة مفادها‪ :‬أ ّن تصدير‬ ‫حكوم���ات دول المنطقة عن تأمي���ن المعابر البحرية‪،‬‬
‫النفط هو الركيزة األساسية القتصادياتها‪ ،‬مما يجعلها‬ ‫نتيجة تركيزهم على حاالت األمن واالستقرار الداخلي‪،‬‬
‫رهناً لتقلبات األسعار من جهة‪ ،‬وسوء توزيع عائداته من‬ ‫مما خلق مجموع��� ًة من التهديدات في خليج غينيا على‬
‫جهةٍ ثانية‪ ،‬فأغلب النخ���ب الحاكمة في إفريقيا تعيش‬ ‫غرار‪( :‬عمليات القرصنة‪ ،‬واإلجرام المسلح للسطو على‬
‫بمنطق الرشوة الدولية‪ ،‬والتحالف مع القوى االستعمارية‬ ‫المواد الهيدروكربونية‪ ،‬وتهريب الوقود‪ ،‬وتخريب خطوط‬
‫الس���ابقة‪ ،‬مما يجعل سياس���اتها االقتصادية خاضع ًة‬ ‫وأنابي���ب نقل البت���رول والغاز)‪ ،‬وغيره���ا من مظاهر‬
‫لمنطق التبعية والبقاء في الحكم‪ ،‬بدالً من تنمية الدولة‬ ‫الجريم���ة المنظمة‪ ،‬كاالتجار باألس���لحة والمخدرات‪.‬‬
‫والمجتمع معاً‪.‬‬ ‫وهذا م���ر ّده إلى حال���ة الفقر‪ ،‬وهشاش���ة الحكومات‬
‫كما أ ّن الحدود المصطنعة الموروثة عن المستعمر‬ ‫المركزية‪ ،‬وانتش���ار الفقر بالرغم من موارد دول خليج‬
‫خلّفت عدة مش���اكل حدودية بين دول خليج غينيا‪ ،‬على‬ ‫غيني���ا الطبيعية والمعدنية(((‪ ،‬فضع���ف توزيع الموارد‪،‬‬
‫غرار‪ :‬النزاع الحدودي بين س���احل العاج وغانا‪ ،‬وبنين‬ ‫وتهميش السكان‪ ،‬يجعل الكثير منهم يتمردون ويمارسون‬
‫وبوركينا فاس���و‪ ،‬غينيا وس���يراليون والنيجر‪ ،‬نيجيريا‬ ‫مختلف أنواع اإلج���رام لتحصيل األموال‪ ،‬وهو ما خلّف‬
‫والكاميرون‪ .‬وإضاف ًة إلى نش���وب نزاعات أهلية داخل‬ ‫بيئ ًة س���احلية مضطربة يغلب عليها الفس���اد والعنف‪.‬‬
‫ال���دول‪ ،‬كتلك التي ش���هدتها بنين‪ ،‬نيجيري���ا‪ ،‬ليبيريا‪،‬‬ ‫فالممارسات السياسية للنخب الحاكمة اإلفريقية تفتقد‬
‫سيراليون‪ ،‬غينيا بيساو‪ ،‬جمهورية الكونغو‪ ،‬ساحل العاج‪.‬‬ ‫إلى معايي���ر العدالة التوزيعية للم���وارد والفرص‪ ،‬وهو‬
‫فف���ي الوقت الذي نجحت فيه الكاميرون‪ ،‬وبنين‪ ،‬وغانا‪،‬‬ ‫ما يدف���ع بالمجموعات الخاضعة للتهميش االقتصادي‪،‬‬
‫من تجنّب الصراع العنيف‪ ،‬تس���عى دول ليبيريا وساحل‬ ‫واإلقصاء السياسي‪ ،‬إلى العنف للتعبير عن مطالبها من‬
‫العاج وس���يراليون وتوغو وغينيا نحو تحقيق االستقرار‪،‬‬ ‫جهة‪ ،‬ولتلبية احتياجاتها من جهةٍ ثانية‪.‬‬
‫في حين ال تزال نيجيريا تواجه مشكلة النزاعات وغياب‬ ‫فالالفت للنظر أ ّن مجتمعات خليج غينيا تعاني من‬
‫االستقرار(((‪.‬‬ ‫غياب أدنى مس���تويات األمن اإلنساني‪ ،‬وهو ما يدفعهم‬
‫نح���و االكتفاء بمهنة الزراعة من أج���ل البقاء‪ ،‬بدالً من‬
‫المش���اركة في بناء مستقبل اقتصاديات بلدانهم‪ ،‬نتيجة‬
‫(((  «‪Insecurity in the Gulf of Guinea: Assessing the‬‬
‫‪Threats, Preparing the Response”, International‬‬
‫‪.Pease Institute, January 2014, p.2‬‬

‫  ‪Patrice Sarter, Responding to Insecurity in the‬‬ ‫(((‬ ‫((( ‪Maritime Security in the Gulf of Guinea, Report ‬‬
‫‪Gulf of Guinea, International Pease Institute,‬‬ ‫‪of the conference held at Chatham House,‬‬
‫‪.July 2014, p.2‬‬ ‫‪.London, 6 December 2012, p.9‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪34‬‬


‫الش���رق األوس���ط‪ ،‬وكذا تعقّد أزماته‪ ،‬أسهم في توسيع‬ ‫فعل���ى الرغم م���ن م���رور العديد من الس���نوات‬
‫خاص ًة أ ّن‬
‫رؤية الواليات المتح���دة األمريكية الطاقوية‪ّ ،‬‬ ‫على اس���تقالل دول المنطق���ة؛ فإنها ال ت���زال تعيش‬
‫استراتيجيتها القائمة على الحرب على اإلرهاب ليست‬ ‫تبعات ومخلفات االس���تعمار على مختلف المستويات‪،‬‬
‫حك���راً على منطقةٍ مع ّينة‪ ،‬بل هي اس���تراتيجي ٌة عالمية‬ ‫بسبب اس���تكمال النخب الحاكمة نهجها في المشاريع‬
‫تتوافق وتعريف اإلرهاب الذي ال حدود له‪ ،‬وإفريقيا هي‬ ‫االستعمارية‪ ،‬وغياب برامج تنموية نابعة من خصوصية‬
‫من بين المناطق التي تش���هد العديد من االضطرابات‬ ‫الدول���ة اإلفريقي���ة‪ ،‬وأيضاً اقتصار ه���دف الحكم في‬
‫األمنية التي تضفي هي األخرى الش���رعية على الوجود‬ ‫االس���تمرارية والحفاظ على الوض���ع الراهن؛ بدالً من‬
‫العسكري األمريكي‪ ،‬وبالتالي تم ّهد الطريق نحو تحقيق‬ ‫البحث عن شروط النهضة التي تدفع نحو واقع أفضل‪.‬‬
‫المصالح الطاقوية المرجوة‪.‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬دوافع االهتمام الأمريكي‬
‫ال مه ّم���اً في تاريخ خليج‬
‫فالع���ام ‪2000‬م كان مفص ً‬ ‫بمنطقة خليج غينيا‪:‬‬
‫ال نفط ّياً في غرب‬ ‫غينيا بعد اكتشاف أكثر من ‪ 275‬حق ً‬ ‫إ ّن اهتم���ام الواليات المتح���دة األمريكية بمنطقة‬
‫إفريقي���ا‪ ،‬وهو ما دفع نائب الرئيس األمريكي األس���بق‬ ‫خليج غينيا ال يرتبط بغناها بالموارد النفطية فحس���ب‪،‬‬
‫ريتش���ارد تش���يني ‪ Richard Cheney‬إلى التصريح‬ ‫وإنم���ا يعود أيض���اً إل���ى بروزها كملعب اس���تراتيجي‬
‫بأهمي���ة خليج غينيا النفطية في الفكر االس���تراتيجي‬ ‫اس���تقطب العديد من القوى التنافس���ية الدولية‪ ،‬على‬
‫األمريكي عام ‪2001‬م‪ ،‬بقوله‪« :‬من المتوقع أن تكون غرب‬ ‫غرار‪ :‬الصين وروسيا واليابان والهند‪ ،‬والتي تريد إثبات‬
‫إفريقيا واحد ًة من أس���رع مصادر النفط والغاز نم ّواً في‬ ‫وجودها في المنطقة دبلوماس��� ّياً واقتصاد ّياً وعسكر ّياً‪،‬‬
‫توصل المختصين إلى أ ّن‬ ‫خاص ًة بعد ّ‬
‫السوق األمريكية»‪ّ ،‬‬ ‫فزيادة المنافس���ة العالمية بين الدول الناش���ئة والدول‬
‫وخال من المواد الكبريتية‪،‬‬‫نف���ط إفريقيا عالي الجودة‪ٍ ،‬‬ ‫العظمى‪ ،‬في ظ ّل الحاجة إلى الموارد النفطية‪ ،‬أدى إلى‬
‫مما يجعله مناسباً لطبيعة المنتجات الصناعية الصلبة‪،‬‬ ‫عدم االستقرار في تدفق النفط التقليدي من جهة‪ ،‬وإلى‬
‫ويعطي فرص ًة لتكرير بترول خليج غينيا في الس���واحل‬ ‫تزايد احتكار الدول المص���درة للنفط من جهةٍ أخرى‪،‬‬
‫الشرقية للواليات المتحدة األمريكية(((‪.‬‬ ‫وهو ما دفع بالدول المس���تهلكة إلى البحث عن مصادر‬
‫ويمك ��ن تلخي� ��ص دوافع االهتم ��ام الأمريك ��ي بمنطقة‬ ‫نفطية جديدة أكثر موثوقية‪.‬‬
‫خليج غينيا في النقاط الآتية(((‪:‬‬ ‫وفي ه���ذا الصدد؛ بدأ اهتم���ام الواليات المتحدة‬
‫‪ -‬تراجع معدالت االس���تهالك المحلي لدول خليج‬ ‫األمريكية بخليج غينيا مباشر ًة بعد أحداث الحادي عشر‬
‫غيني���ا وغرب إفريقيا عموماً؛ دف���ع بالواليات المتحدة‬ ‫من س���بتمبر ‪2001‬م‪ ،‬وبداية التوس���ع األمني األمريكي‬
‫األمريكية إلى بذل جه���ودٍ عملية لتطوير وتنمية اإلنتاج‬ ‫لمحاربة اإلرهاب‪ ،‬وف���ي اآلن ذاته رغب ًة منها في إيجاد‬
‫مص���ادر نفطي���ة بديلة عن ضغوطات وأزمات الش���رق‬
‫  ‪Robert G.M. Nyemah, Economics of Oil‬‬ ‫(((‬
‫األوسط والخليج العربي(((‪ .‬فصحي ٌح أ ّن القارة اإلفريقية‬
‫‪Discovrey in West Africa: the Nigerian‬‬ ‫تحدي���داً لم تكن ضم���ن أولويات السياس���ة الخارجية‬
‫‪Experience, p.2, https://www.researchgate.net/‬‬
‫_‪publication/280131660_ECONOMICS_OF‬‬
‫األمريكي���ة؛ لكن زي���ادة التنافس الدول���ي على منطقة‬
‫_‪OIL_DISCOVERY_IN_WEST_AFRICA_THE‬‬
‫‪NIGERIAN_EXPERIENCE‬‬
‫  ‪Idahosa Osaretin, From the Latent to the‬‬ ‫(((‬
‫(((   �آمال و�شنان‪« ،‬االهتمام الأمريكي بنفط نيجيريا‪ :‬درا�سة في‬ ‫‪Manifest: US Strategic Interests in the Gulf‬‬
‫الأ�سباب والآليات»‪ ،‬موقع الحوار المتمدن‪ ،‬في‪:‬‬ ‫‪of Guinea, Kamla-Raj Journal,, Volume 27,‬‬
‫‪http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=395045&r=0‬‬ ‫‪.Number 2, 2011, p.125‬‬

‫‪35‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫سياسية‬
‫فبعد سيطرة ش���ركتَي ش���ل البريطانية وبريتيش‬ ‫المحلي النفطي‪ ،‬وضمان تدفقه إلى األسواق األمريكية‬
‫بيتروليوم (‪ )pb‬على إنتاج وتكرير البترول في نيجيريا‪،‬‬ ‫والعالمية‪.‬‬
‫أضخ���م بلد نفط���ي في خلي���ج غينيا‪ ،‬تقلّ���ص دورها‬ ‫‪ -‬س���هولة نق���ل المنتجات النفطية إلى األس���واق‬
‫ٍ‬
‫ش���ركات متعددة الجنس���يات على‬ ‫واحتكارها بدخول‬ ‫األمريكية عبر الط���رق البحرية القريبة منها‪ ،‬وفي هذا‬
‫غرار‪ :‬ش���ركة إيني اإليطالي���ة (‪ ،)AGIP‬توتال إلف‪،‬‬ ‫الس���ياق تُع ّد نيجيريا المنطقة األبرز لعبور اإلمدادات‬
‫ش���يفرون تيكس���اكو‪ ،‬والتي تهيمن على نف���ط أنغوال‪،‬‬ ‫النفطية القادمة من تشاد والكاميرون‪.‬‬
‫والشركات األمريكية األخرى‪ :‬إيكسون موبيل‪ ،‬ماراثون‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫إمدادات‬ ‫‪ -‬بحث الواليات المتح���دة األمريكية عن‬
‫وأميرادا هيس متواجدة في غينيا االس���توائية‪ ،‬إضاف ًة‬ ‫نفطية جديدة؛ مثل نيجيريا‪.‬‬
‫إلى الشركة الفرنسية ‪.SAFRAB‬‬ ‫‪ -‬سعي الواليات المتحدة األمريكية إلى تحقيق األمن‬
‫وفي هذا الصدد؛ قد اش���تد التنافس الدولي على‬ ‫النفط����ي كأحد أه ّم أهداف سياس����تها الخارجية‪ ،‬وهو ما‬
‫نف���ط خليج غينيا ولم يعد اس���تغالله حكراً على القوى‬ ‫توجهه‪ -‬يعمل على تعزيز‬ ‫يجعل الرئيس شخص ّياً‪ -‬مهما كان ّ‬
‫االس���تعمارية القديم���ة فحس���ب‪ ،‬وإنم���ا دخلت خط‬ ‫الوجود األمريكي بمختلف مستوياته في دول خليج غينيا‪.‬‬
‫المنافسة على امتيازات النفط شركات أمريكية أيضاً(((‪،‬‬ ‫ويتضح من خالل هذه العناصر‪ :‬أ ّن اهتمام الواليات‬
‫حيث يظهر من خالل ما تق ّدم أ ّن الش���ركات األمريكية‬ ‫المتحدة األمريكية بمنطقة خليج غينيا متعلّ ٌق بأس� ٍ‬
‫���باب‬
‫موجودة بق���وة في خلي���ج غينيا لالس���تثمار في نفط‬ ‫إفريقي����ة محلية؛ متعلق����ة بغياب الخب����رة اإلفريقية في‬
‫المنطقة‪ ،‬وبالتال���ي أدارت بوصلة اهتمامها إلى منطقة‬ ‫االس����تفادة من اإلنتاج النفطي في الصناعات التحويلية‬
‫جديدة كانت حكراً عل���ى االهتمام األوروبي فقط‪ ،‬ومن‬ ‫مث��ل� ًا‪ ،‬وهو م����ا يُع ّد بمثاب����ة محفّز للوالي����ات المتحدة‬
‫هنا يمكن القول بأ ّن الوالي���ات المتحدة األمريكية بعد‬ ‫األمريكية من أجل زيادة معدالت اس����تثماراتها في إنتاج‬
‫نهاية الحرب الباردة أصبحت تس���عى إلى إيجاد موضع‬ ‫نفط خليج غينيا وتسويقه؛ وفي اآلن ذاته يرتبط اهتمامها‬
‫ق���دم لها في ك ّل المناطق في العالم‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن‬ ‫بنفط خليج غينيا بعوامل أمنية طاقوية‪ ،‬فهي ترى منطقة‬
‫أي َدور اقتصادي آخر في‬ ‫جه���ةٍ ثانية‪ :‬تحاول تحجي���م ّ‬
‫خليج غينيا على أنها مصد ٌر مه ٌّم الستمرار تدفق النفط‪.‬‬
‫مناطق نفوذها‪.‬‬ ‫وإلى جانب هذه العوامل؛ نجد أيضاً قرب س���احل‬
‫فتفاقم أزمات الش���رق األوس���ط‪ ،‬وانخفاض إنتاج‬ ‫خليج غينيا من األسواق األمريكية‪ ،‬وتو ّفر المياه العميقة‬
‫النفط في الداخل‪ ،‬إلى جانب تزايد الطلب عليه بالنسبة‬ ‫على احتياطي ضخم من النفط؛ واأله ّم من ذلك محاولة‬
‫القتصادي���ات بعض الدول اآلس���يوية‪ ،‬كالهند والصين‪،‬‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية االستفادة من اختالف طبيعة‬
‫التي قدمت مجموع ًة من المحفزات والمساعدات للدول‬ ‫االتفاقيات النفطية بين الشركات النفطية األجنبية ودول‬
‫الواقعة في خليج غينيا للحصول على النفط ومنافس���ة‬ ‫خليج غينيا‪ ،‬فهذه الشركات تنتج النفط وتضخّ ه وتبيعه‬
‫الشركات األمريكية(((‪ ،‬جعل الواليات المتحدة األمريكية‬ ‫لنفس���ها نظراً لقلة إمكانيات الدول اإلفريقية‪ ،‬عكس ما‬
‫هو سائد في فضاءات جغرافية أخرى‪ ،‬إذ تقوم الشركات‬
‫مجلة العلوم ال�سيا�سية‪ ،‬العدد ‪ ،43‬د�س ن‪� ،‬ص‪.16‬‬ ‫المحلية فيها باإلنتاج والتوزيع على المس���تهلكين‪ .‬لهذا‬
‫(((  ‪Chuks Onwumere Iheme, Security Challenges‬‬ ‫تس���عى الواليات المتحدة األمريكي���ة للتحكم في نفط‬
‫‪in the Gulf Guinea Sub- Region: Strategy for‬‬ ‫خليج غينيا(((‪.‬‬
‫‪Nigeria, Naval Postgraduate School, Monterey,‬‬
‫‪.California, 2008, p.24‬‬

‫(((  ‪Godwin Onuoha, Energy and security in the‬‬ ‫(((   �سعد حقي توفيق‪« ،‬التناف�س الدولي و�ضمان �أمن النفط»‪،‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪36‬‬


‫�أو ًال‪ :‬ا�ستراتيجية �إعادة اال�ستقرار‪:‬‬ ‫تعود بقوةٍ إلى القارة اإلفريقي���ة عموماً‪ ،‬ومنطقة خليج‬
‫تشهد منطقة خليج غينيا وغيرها من مناطق إفريقيا‬ ‫غينيا خصوصاً‪ ،‬س���واء عب���ر تعزيز تواجد ش���ركاتها‬
‫جنوب الصحراء حال ًة من عدم االس���تقرار السياس���ي‪،‬‬ ‫النفطية‪ ،‬أو عبر اس���تراتيجياتها العسكرية التي تنطوي‬
‫حيث تعاني معظم دولها هشاش��� ًة في بنائها السياسي‬ ‫على خلفية مصلحية طاقوية بحتة‪ ،‬حتى إن كان ش���كلها‬
‫واالقتصادي واالجتماعي‪ ،‬وهو ما جعلها مركزاً للحروب‬ ‫ومضمونها يوحي بأنها تبحث عن سبل تحقيق االستقرار‬
‫واإلره���اب والجرائم المنظم���ة‪ ،‬وأصبحت مح ّل تهديد‬ ‫العالمي‪.‬‬
‫للمصال���ح األمريكية‪ ،‬فهذه األخيرة أك���دت أ ّن مجابهة‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ا�ستراتيجيات الواليات‬
‫هذه التهديدات تتطلب وجود شركاء أفارقة قادرين على‬ ‫المتحدة الأمريكية في خليج غينيا‪ :‬‬
‫التعاون األمني مع الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬مما دفع‬ ‫قبل التطرق إلى أه ّم االس���تراتيجيات التي تعتمد‬
‫بها إلى تعزيز الش���راكات األمنية ع���ام ‪2015‬م‪ ،‬ودعم‬ ‫عليها الواليات المتح���دة األمريكية‪ ،‬للتغلغل في منطقة‬
‫تدخل القوات اإلفريقية في الصومال وبحيرة التشاد(((‪،‬‬ ‫خليج غينيا‪ ،‬الب ّد من عرض أه ّم المرتكزات والمقومات‬
‫إلنهاء الصراعات الداخلية‪ ،‬وتقديم الدعم السياسي لها‬ ‫التي بُنيت عليها االستراتيجيات األمريكية‪ ،‬والتي يمكن‬
‫بترويج وصفة الحكم الرشيد ومبادئ الديمقراطية التي‬ ‫ح�صرها في مجموعة العنا�صر الرئي�سة الآتية(((‪:‬‬
‫من شأنها أن تعزز األمن واالستقرار الداخلي‪ ،‬فالقضاء‬ ‫‪ -‬حماية األمن القومي األمريكي عبر الحفاظ على‬
‫الهش في دول إفريقيا يس���تدعي‬‫على مخرجات الوضع ّ‬
‫المصال���ح الحيوية األمريكية‪ ،‬تطبيق���اً لنظرية المجال‬
‫توفير المناخ األنس���ب لتقوية مؤسسات الدولة‪ ،‬وتفعيل‬ ‫ُوس���ع من الح���دود الجغرافية األمريكية‬ ‫الحيوي التي ت ّ‬
‫مقومات العدال���ة االقتصادي���ة واالجتماعية للح ّد من‬ ‫باتساع مصالحها الطاقوية‪ ،‬وعلى رأسها النفطية‪.‬‬
‫مصادر الجرائم المختلفة‪ .‬‬ ‫‪ -‬تروي���ج مضامي���ن الحك���م الرش���يد‪ ،‬التنمي���ة‬
‫يخص تسوية النزاعات في خليج غينيا؛ فقد‬ ‫وفيما ّ‬ ‫االقتصادية‪ ،‬التسوية السلمية للنزاعات‪.‬‬
‫كان للوالي���ات المتحدة األمريكية جه���و ٌد عدة في إنهاء‬ ‫‪ -‬محاربة اإلرهاب وك ّل أنواع الجريمة المنظمة‪.‬‬
‫الصراع بين حركة يونيت���ا المتمردة وحكومة أنغوال في‬ ‫‪ -‬مساعدة السلطات الحاكمة والمنظمات اإلقليمية‬
‫بدايات ع���ام ‪2002‬م‪ ،‬وليبيريا عام ‪2003‬م‪ ،‬كما حاولت‬ ‫لمواجهة التهديدات المحلية واإلقليمية‪.‬‬
‫الشركات األمريكية إنهاء الصراع الطائفي في نيجيريا‬ ‫وف���ي ضوء ه���ذه المرتك���زات؛ صاغ���ت اإلدارة‬
‫للحفاظ على تدفق النفط‪ ،‬مما اضطرها إلى مضاعفة‬ ‫األمريكية ثالث اس���تراتيجيات محورية لضمان المورد‬
‫مساعداتها االقتصادية والعسكرية لنيجيريا(((‪ .‬إضاف ًة‬ ‫النفطي واس���تمرار تدفقه من خليج غينيا‪ ،‬حيث أخذت‬
‫إل���ى تركيز الحكومة األمريكية على تنمية قدرات الدول‬ ‫أش���كاالً عدة تراوحت بين‪ :‬نهج سياس���ي‪ ،‬واقتصادي‪،‬‬
‫اإلفريقي���ة الواقعة في خليج غينيا لتمكينها من التعامل‬ ‫وآخر عسكري‪ ،‬وفي الوقت نفسه تعددت أبعادها لتأخذ‬
‫مع عمليات القرصنة البحرية والس���رقة المسلحة‪ ،‬عن‬ ‫بعداً ديمقراط ّياً‪ ،‬وليبرال ّياً‪ ،‬وأمن ّياً‪.‬‬

‫  ‪Grant T. Harris, Why Africa Matters to US‬‬ ‫(((‬


‫‪National Security, Atlantic Council, Africa‬‬ ‫‪Gulf of Guinea: a Nigerian perspective, South‬‬
‫‪.Center, May 2017, pp.3, 4‬‬ ‫‪African Journal of International Affairs, Volume‬‬
‫‪.16, Number 2, August 2009, p.250‬‬
‫(((   نجالء محمد مرعي‪« ،‬الثروة النفطية والتناف�س الدولي‬
‫اال�ستعماري الجديد في �إفريقيا‪ ،‬في‪:‬‬ ‫(((   عا�صم فتح الرحمان �أحمد الحاج‪« ،‬ال�سيا�سة الأمريكية‬
‫‪http://www.albayan.co.uk/fileslib/articleimages/‬‬ ‫الجديدة تجاه �إفريقيا‪ :‬الفر�ص والتحديات»‪ ،‬بوابة �إفريقيا‬
‫‪7a.pdf-1-takrir/5‬‬ ‫الإخبارية‪ 18 ،‬جانفي ‪2014‬م‪.‬‬

‫‪37‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫سياسية‬
‫‪ -‬تشجيع االستثمارات األمريكية في المنطقة‪.‬‬ ‫طريق تحس���ين دوريات مراقبة المياه اإلقليمية‪ ،‬إضاف ًة‬
‫‪ -‬تش���جيع الدول اإلفريقية على انتهاج سياس���ات‬ ‫إلى التركيز على التعاون اإلقليمي‪ ،‬من خالل دفعهم نحو‬
‫اقتصادية ناجحة لتحقيق التنمية المستدامة‪.‬‬ ‫االستجابة للتحديات األمنية‪ ،‬وحماية مصالحها النفطية‬
‫‪ -‬طرح قانون النمو والفرص في إفريقيا ‪.‬‬
‫(((‬
‫واالقتصادي���ة في المنطق���ة‪ ،‬بالحرص عل���ى تحقيق‬
‫‪ -‬تش���جيع التجارة بدالً من المساعدات‪ ،‬وهذا ال‬ ‫االستقرار في دلتا النيجر التي تعتبر منبع اإلجرام الذي‬
‫يعني إلغاء أو تخفيض المس���اعدات األمريكية المقدمة‬ ‫يهدد أمن نيجيريا وجوارها اإلقليمي(((‪.‬‬
‫للقارة ولدول غرب إفريقيا‪ ،‬بل تعني المساعدة من أجل‬ ‫فعامل االس���تقرار يش��� ّكل اللبنة األساسية لحماية‬
‫تبنّي اإلصالحات االقتصادية والسياسية‪.‬‬ ‫خاص ًة ما يتعلق بتأمين‬
‫المصالح األمريكية الطاقوي���ة‪ّ ،‬‬
‫‪ -‬االستفادة من التجمعات االقتصادية اإلقليمية في‬ ‫وصول النفط‪ ،‬أل ّن استمرار عمليات القرصنة والسرقة‬
‫غرب إفريقيا على غرار منظمة اإليكواس(((‪.‬‬ ‫س���يهدد أمن الش���ركات النفطية ورعاياه���ا وبوارجها‬
‫فالمالح���ظ لهذه االس���تراتيجية ي���رى‪ :‬أ ّن صيغة‬ ‫البحري���ة الناقل���ة للنفط‪ ،‬وهو ما يحت���م على الواليات‬
‫الش���راكة األمريكية مع دول الق���ارة اإلفريقية عموماً‪،‬‬ ‫المتحدة األمريكية تقديم المساعدات لتحجيم األخطار‬
‫بش���كل حصري مع منطقة خلي���ج غينيا‪ ،‬قائم ٌة‬
‫ٍ‬ ‫وليس‬ ‫وإدارتها؛ وفق ما يخدم المصالح األمنية األمريكية‪.‬‬
‫على مبدأ المش���روطية من حيث الجان���ب التطبيقي‪،‬‬ ‫ثانياً‪ :‬ا�ستراتيجية ال�شراكة االقت�صادية‪:‬‬
‫بمعنى‪ :‬مزيد من االمتيازات الممنوحة للواليات المتحدة‬ ‫تُع ّد «الش���راكة االقتصادية» أه ّم االس���تراتيجيات‬
‫األمريكي���ة؛ يقابلها مزي���د من المس���اعدات والدعم‬ ‫المتبعة م���ن قِ َبل الواليات المتحدة األمريكية لتوس���يع‬
‫االقتصادي والتجاري‪.‬‬ ‫نفوذه���ا في خليج غيني���ا‪ ،‬فمن جهةٍ الحتكار أس���واق‬
‫ثالث� �اً‪ :‬ا�ستراتيجي ��ة التواج ��د الع�سك ��ري وت�أمي ��ن‬ ‫المنطق���ة‪ ،‬ومن جهةٍ أخرى لتثبيت تواجدها القريب من‬
‫عبور النفط‪:‬‬ ‫حقول النفط عبر ش���ركاتها النفطية‪ ،‬وفي هذا الصدد‪:‬‬
‫تحرص الواليات المتح���دة األمريكية على التواجد‬ ‫تق ��وم ال�شراكة الأمريكية على مجموعة من الركائز‪ ،‬يمكن‬
‫العس���كري ف���ي منطقة خليج غينيا منذ أن ش��� ّكلت ما‬ ‫تلخي�صها فيما ي�أتي(((‪:‬‬
‫‪ -‬محاول���ة إدماج اقتصادات ال���دول اإلفريقية في يُعرف بقاع���دة أفريكوم في فيف���ري‪ /‬فبراير ‪2007‬م‪،‬‬
‫االقتصاد العالمي‪.‬‬
‫‪ -‬تطبيق مفاهيم الشراكة األمريكية اإلفريقية التي‬
‫(((  هذا القانون تم الت�صديق عليه من قبل الكونغر�س الأمريكي‬
‫في العام ‪2001‬م‪ ،‬يت�ضمن مجموعة من المبادئ في �صيغة‬ ‫تقوم عل���ى إنهاء مرحلة المس���اعدات المالية‪ ،‬وإحالل‬
‫م�شروطية تجمع البلدين كمحاربة الف�ساد‪ ،‬التخلي عن الدعم‬ ‫مرحلة التبادل التجاري‪.‬‬
‫الحكومي‪ ،‬ومقابل ذلك يتم منح ال�صادرات الإفريقية �إلى‬
‫الواليات المتحدة الأمريكية معاملة تف�ضيلية‪ .‬للمزيد انظر‪:‬‬
‫نجالء محمد مرعي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.423‬‬ ‫  ‪Elisa Lopez Lucia, Fragility, Violence and‬‬ ‫(((‬
‫(((  ت�شكلت هذه المنظمة عام ‪1975‬م‪ ،‬ت�ضم ال��دول الواقعة‬ ‫‪Criminality in the Gulf of Guinea, Rapid literature‬‬
‫غرب القارة الإفريقية‪ ،‬تهدف �إلى بلورة ر�ؤية �إقليمية متكاملة‬ ‫‪review, GSDRC Applied Knowledge Services,‬‬
‫توفر الأم��ن واال�ستقرار وال��رف��اه لمواطنيها‪ ،‬حيث ت�سعى‬ ‫‪pp.2, 3, in: https://assets.publishing.service.‬‬
‫‪gov.uk/media/57a0898f40f0b64974000146/‬‬
‫الواليات المتحدة الأمريكية‪ ،‬وغيرها من القوى العظمى‪� ،‬إلى‬
‫‪FragilityGulfGuinea.pdf‬‬
‫احتواء المجموعة‪ ،‬وفر�ض الو�صاية على مختلف قراراتها‪.‬‬
‫للمزيد انظر‪ :‬محمود نتاري وقوي بوحنية‪" ،‬الإيكوا�س‪ ...‬ما‬ ‫(((   حمدي عبد الرحمان‪« ،‬ال�سيا�سة الأمريكية تجاه �إفريقيا‬
‫بين الهواج�س الأمنية‪ ...‬ورهان التنمية االقت�صادية"‪ ،‬دفاتر‬ ‫من العزلة �إلى ال�شراكة»‪ 25 ،‬دي�سمبر ‪2013‬م‪ ،‬بوابة �إفريقيا‬
‫ال�سيا�سة والقانون‪ ،‬العدد ‪ ،18‬جانفي ‪2013‬م‪� ،‬ص‪.259‬‬ ‫الإخبارية‪ ،‬في‪https://www.afrigatenews.net/article :‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪38‬‬


‫زيادة التواجد العس���كري في المنطقة‪ ،‬وبالتالي ضمان‬ ‫والت���ي حاولت أن تش���رعن الهدف من إنش���ائها عبر‬
‫تأمين النفط وغيره من الموارد التي يزخر بها س���احل‬ ‫مجموع���ة من الش���عارات على غ���رار‪« :‬تحقيق األمن‬
‫خليج غينيا‪ ،‬حيث أرس���لت الواليات المتحدة األمريكية‬ ‫واالستقرار لشعوب إفريقيا‪ ،‬ودفع الدول اإلفريقية نحو‬
‫في هذا الصدد عدداً من أفراد قوات المش���اة البحرية‬ ‫تحقي���ق التنمية االقتصادية عبر الش���راكة مع الواليات‬
‫األمريكية‪ ،‬وأع ّدت لها وحدة تدريب صغيرة للتنسيق مع‬ ‫المتحدة األمريكية»‪ ،‬هذه الشراكة في األصل هي شراكة‬
‫الفرق البحرية ل���دول المنطقة(((‪ ،‬كون أ ّن هذه األخيرة‬ ‫عسكرية– عس���كرية لتطوير كفاءة الجيوش اإلفريقية‪،‬‬
‫تفتقر للخبرة الميدانية في تسيير وإدارة هذه المشاكل‬ ‫وتمكينهم من محاربة اإلرهاب وك ّل أش���كال اإلجرام(((‪،‬‬
‫األمنية‪ ،‬إلى جانب أنه���ا تُع ّد مالذاً لألعمال اإلجرامية‬ ‫عبر التنسيق ما بين الجان َبيْن على المستوى العسكري‪،‬‬
‫كالسطو والقرصنة واالختطاف‪ ،‬وهو ما يضطر الواليات‬ ‫لالس���تفادة من الخبرة األمريكية في كيفية التعامل مع‬
‫المتح���دة األمريكية إلى تعزيز قواتها لدعم جيوش دول‬ ‫حروب العصابات‪ ،‬إلى جان���ب تقديم الواليات المتحدة‬
‫خليج غينيا الس���تعادة االس���تقرار‪ ،‬ومواجهة مثل هذه‬ ‫األمريكية الدعم التقن���ي والتدريبي للجيوش اإلفريقية‬
‫التحديات‪ ،‬ولك ّن هذه الجهود األمريكية في حقيقة األمر‬ ‫لتطوير كفاءتها الميدانية‪.‬‬
‫هدف رئي���س‪ ،‬وهو تأمين وصول إمدادات‬ ‫تنطوي على ٍ‬ ‫وقد أفادت دراس��� ٌة نش���رتها كلية الدراسات العليا‬
‫النفط إلى السواحل األمريكية‪.‬‬ ‫البحرية التابعة للواليات المتحد األمريكية‪ :‬أ ّن سياس���ة‬
‫المحور الخام�س‪ :‬التواجد الأمريكي في‬ ‫األخيرة في إفريقيا عموماً ترتكز على محاربة اإلرهاب‬
‫نيجيريا نموذج ًا‪:‬‬ ‫الدولي‪ ،‬ولكنها تهدف أساس���اً للحص���ول على النفط‪،‬‬
‫تُع��� ّد نيجيريا البل���د المحوري ف���ي منطقة خليج‬ ‫خاصة في منطقة خليج غينيا‪ ،‬وتقليص الدور المتنامي‬
‫غينيا‪ ،‬نظراً لحجم االكتش���افات النفطية التي شهدها‬ ‫للصين في المنطقة‪ ،‬وهو ما ش��� ّكل الدافع األساس���ي‬
‫في الس���نوات األخيرة‪ ،‬وهو ما أدى إلى رفع مستويات‬ ‫نحو تأسيس األفريكوم وإقامة قواعد لها في دول غرب‬
‫االقتصاد النيجيري‪ ،‬وتنويع عالق���ات الدولة اقتصاد ّياً‬ ‫إفريقيا‪ ،‬وف���ي أوغندا تحديداً‪ ،‬إضاف ًة إلى مس���اعدة‬
‫مع مختلف دول العالم‪ ،‬حيث يسهم ميدان تصدير النفط‬ ‫الجيش النيجي���ري تقن ّياً‪ ،‬وتدريبه لمحاربة جماعة بوكو‬
‫بحوالي ‪ %90‬من الدخل القومي النيجيري‪ ،‬فبالرغم من‬ ‫ح���رام اإلرهابية‪ ،‬وأيضاً التعاون العس���كري الثنائي مع‬
‫ٍ‬
‫بثروات معدنية وباطنية أخرى؛ فإ ّن النفط‬ ‫تمت���ع الدولة‬ ‫ال���دول األخرى الواقعة في خلي���ج غينيا وباقي مناطق‬
‫يُع ّد أه ّم موردٍ للتصدير في نيجيريا‪.‬‬ ‫القارة اإلفريقية(((‪.‬‬
‫وتتركز أه ّم نقاط اإلنتاج النفطي في منطقتي بورت‬ ‫فالمثي���ر لالنتباه هو أ ّن في ك ّل م��� ّرةٍ تحدث فيها‬
‫هاركوت ودلتا النيجر‪ ،‬وقد وصل معدل الحقول النفطية‬ ‫عملي���ات قرصن���ة أو اختطاف في خلي���ج غينيا يكون‬
‫النيجيرية إلى حوالي ‪ 606‬حقول‪ ،‬وبهذا فإنها تُع ّد أه ّم‬ ‫هنال���ك تغطي ٌة إعالمية أمريكي���ة ضخمة‪ ،‬الهدف منها‬
‫وأكبر ال���دول إنتاجاً للنفط‪ ،‬مم���ا جعلها تحتل المرتبة‬
‫الثامنة عالم ّياً في ميدان تصدير النفط‪ ،‬كونها تنتج في‬
‫(((   �إبراهيم �شابير الدين‪« ،‬الأف��ري�ك��وم‪ ..‬حماية الم�صالح‬
‫الأمريكية تحت غطاء ال�شراكة»‪ ،‬تر‪ :‬الحاج ولد �إبراهيم‪ ،‬اليوم ما يقارب ‪ 2.4‬مليون برميل من النفط‪ ،‬أي نصف‬
‫تقرير مركز الجزيرة للدرا�سات‪ 23 ،‬جوان ‪2013‬م‪� ،‬ص‪.3‬‬
‫  ‪Abayomi Azikiwe, United States Expands‬‬ ‫(((‬ ‫(((  ‪Abdullahi Ayoade Ahmad, U.S. Africa‬‬
‫‪Focus on Gulf Guinea, in: https://www.‬‬ ‫‪Command: Military Operations or Good‬‬
‫‪pambazuka.org/governance/united-states-‬‬ ‫‪Governance, IOSR Journal Of Humanities And‬‬
‫‪expands-focus-gulf-guinea‬‬ ‫‪.Social Science, Volume 20, Issue 6, 2015, p.6‬‬

‫‪39‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫سياسية‬
‫يق���ارب ‪ %11‬من االحتياجات النفطية(((‪ ،‬وهو ما يعكس‬ ‫ما تنتجه القارة اإلفريقية‪ ،‬الت���ي بلغ إنتاجها اإلجمالي‬
‫أهمية النفط في صياغة عقود الش���راكة األمريكية في‬ ‫حوالي ‪ 4.5‬ماليين برميل يوم ّياً(((‪.‬‬
‫نيجيري���ا وغيرها من الدول الغنية بالنفط‪ ،‬فهذا األخير‬ ‫بتنافس‬
‫ٍ‬ ‫وفي هذا الشأن؛ تحظى منطقة دلتا النيجر‬
‫يُع ّد المحدد الرئيس���ي للتواج���د األمريكي االقتصادي‬ ‫شديد بين الش���ركات الكبرى متعددة الجنسيات‪ ،‬على‬ ‫ٍ‬
‫والعسكري في مختلف المناطق عبر العالم‪.‬‬ ‫غرار‪ :‬ش���ركتَي شيفرون وإيكس���ون موبيل األمريكيتَيْن‪،‬‬
‫وتبقى اس���تراتيجيات الواليات المتحدة األمريكية‬ ‫وش���ركة شل البريطانية وشركة إيني اإليطالية؛ كما أنها‬
‫في نيجيريا جزءاً من االس���تراتيجية األمريكية الشاملة‬ ‫تش���هد في اآلن ذاته العديد م���ن االضطرابات األمنية‬
‫ف���ي إفريقيا جنوب الصحراء‪ ،‬والت���ي تمثلت في تعزيز‬ ‫نتيجة انتش���ار األعمال اإلجرامية‪ ،‬كتفجير المنش���آت‬
‫المؤسس���ات الديمقراطية‪ ،‬والنمو االقتصادي‪ ،‬التبادل‬ ‫النفطي���ة من قِ َبل ما يُطلق عليهم تس���مية «منتقمو دلتا‬
‫التجاري‪ ،‬واالس���تثمار‪ ،‬وتعزيز األمن والسلم‪ ،‬ومكافحة‬ ‫النيج���ر»‪ ،‬الذين يطالب���ون بتوزيع العائ���دات النفطية‬
‫اإلرهاب‪ ،‬والتعاون األمني‪ ،‬وإص�ل�اح ومراجعة القطاع‬ ‫فئات قليلة تقيم عالقات مع‬ ‫التي أصبحت حكراً عل���ى ٍ‬
‫األمني‪ ،‬وهذا كله لتأمين عب���ور النفط وضمان تدفقه‪،‬‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية وغيرها من القوى العظمى‪،‬‬
‫وبالتالي محاولة تنفيذ االس���تراتيجية الطاقوية القومية‬ ‫فالواليات المتحدة تهت ّم كثيراً بنفط خليج غينيا عموماً‪،‬‬
‫األمريكية‪.‬‬ ‫ونيجيريا خصوصاً‪ ،‬حيث تستورد ما يقارب ‪ 1.5‬مليون‬
‫وقد تمثل���ت أدوات االس���تراتيجية األمريكية في‬ ‫خاص��� ًة بعد تصاعد أزمات‬ ‫برمي���ل يوم ّياً من نيجيريا‪ّ ،‬‬
‫عناص���ر عدة‪ ،‬تمحورت في‪ :‬اعتم���اد قوات األفريكوم‪،‬‬ ‫الش���رق األوس���ط(((‪ ،‬ففي الس���نوات القليلة الماضية‬
‫وك���ذا قوات الط���وارئ اإلفريقية التي تس���عى لتدريب‬ ‫ازدادت االضطراب���ات في الش���رق األوس���ط بفعل ما‬
‫القوات اإلفريقية ومس���اعدتها‪ ،‬اعتم���اد مجموعة من‬ ‫يُطلق عليه تسمية «الحراك العربي»‪ ،‬وتداعياته السلبية‬
‫البرام���ج لمحاربة اإلره���اب وتحقيق األم���ن البحري‬ ‫التي أثرت في أم���ن المنطقة‪ ،‬بفعل بروز تنظيم داعش‬
‫الش���امل؛ حيث ته���دف هذه البرام���ج لتعزيز القدرات‬ ‫اإلرهاب���ي‪ ،‬مما ضاع���ف معدالت االس���تيراد النفطي‬
‫العسكرية لنيجيريا وغيرها من دول المنطقة‪ ،‬والوصول‬ ‫األمريك���ي من مناطق أخرى بعيدة عن توترات الش���رق‬
‫بها لدرجة االحترافية ف���ي مواجهة مختلف المخاطر‪،‬‬ ‫األوس���ط‪ ،‬بتركيزها على س���واحل خليج غينيا‪ ،‬وآسيا‬
‫وتحقيق األمن القومي واإلقليمي‪ ،‬ومنه المش���اركة في‬ ‫الباسيفيك‪.‬‬
‫تحقيق األم���ن العالمي‪ ،‬فقوات األفريك���وم تعتمد على‬ ‫كم���ا أ ّن نيجيريا تُع ّد أه ّم ش���ريك تجاري للواليات‬
‫التعاون األمني والتمارين والعمليات التدريبية لمكافحة‬ ‫المتحدة األمريكية في منطقة خليج غينيا‪ ،‬وأكبر الدول‬
‫اإلرهاب والقرصنة البحرية في سواحل نيجيريا‪.‬‬ ‫خاص ًة في‬
‫المس���تفيدة من االس���تثمارات األمريكي���ة‪ّ ،‬‬
‫وفي ه���ذا اإلطار؛ اس���تضافت البحرية النيجيرية‬ ‫المج���ال النفطي‪ ،‬حيث تعتبر نيجيري���ا خامس ُمص ّدر‬
‫التماري���ن التدريبية التي ش���اركت فيها حوالي ‪ 11‬دول ًة‬ ‫للنفط في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬فهي تو ّفر لها ما‬
‫بإشراف أمريكي‪ ،‬وفي‬‫ٍ‬ ‫إفريقية‪ ،‬بمشاركة ‪ 36‬س���فينة‪،‬‬
‫هذا اإلطار ت ّم تنفيذ ما يق���ارب ‪ 47‬تمريناً‪ .‬كما قد ت ّم‬ ‫(((   �إياد عبد الكريم مجيد‪�« ،‬سيا�سة نيجيريا النفطية (الواقع‬
‫تأس���يس مبادرة عملية الس�ل�ام الدولية ‪ GPOI‬عام‬ ‫والطموح)»‪ ،‬مجلة درا�سات دولية‪ ،‬العدد ‪ ،33‬د �س ن‪� ،‬ص‪�.‬ص‬
‫(‪.)163–161‬‬
‫(((   غادة �إ�سماعيل‪« ،‬النفط �أزم اقت�صادية جديد في نيجيريا»‪،‬‬
‫  ‪Nigeria: Background and U.S. Relations, CRS‬‬ ‫(((‬ ‫مركز الدرا�سات الإفريقية‪ ،‬انظر‪http://africansc.iq/ :‬‬
‫‪.Report for Congress, 26 January 2007, p.15‬‬ ‫‪index.php?news_view&req=45335a0cbb936fd5‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪40‬‬


‫في عمليات حفظ الس�ل�ام‪ ،‬وه���ذا كله ليس بمنأى عن‬ ‫‪2004‬م‪ ،‬وأصبح برنام���ج ‪ -ACOTA‬الذي يقوم على‬
‫حماية مصالح واستثمارات الشركات النفطية األمريكية‪،‬‬ ‫تعزيز تعاون الدول الشريكة عبر برامج التدريب متعدد‬
‫تمس عمليات نقل‬
‫والحيلولة دون وقوع تهديدات مباشرة ّ‬ ‫الجنس���يات‪ -‬أدا ًة من أدوات هذه المب���ادرة‪ ،‬وفي هذا‬
‫النفط إلى السواحل األمريكية‪.‬‬ ‫الصدد أنش���أت نيجيريا مراكز لدعم عمليات الس�ل�ام‬
‫الخاتمة‪:‬‬ ‫في كانتونتي���ون وكادونا‪ ،‬لتدريب قوات حفظ الس�ل�ام‬
‫وصلت ه���ذه الورقة البحثية ف���ي ختامها‬ ‫اإلفريقية في إطار محاربتها لجماعة بوكو حرام(((‪.‬‬
‫أن الواليات المتحدة األمريكية قد عنونت‬ ‫إلى‪ّ :‬‬ ‫فمن���ذ اتض���اح اس���تراتيجية الوالي���ات المتحدة‬
‫اس���تراتيجيات تواجدها في منطقة خليج غينيا‬ ‫األمريكي���ة بعد أحداث ‪ 11‬س���بتمبر ‪2001‬م‪ ،‬وش���نّها‬
‫يات عدة‪ ،‬منها ما هو متعلّق بالمس���ائل‬ ‫بمس��� ّم ٍ‬ ‫لحروب اس���تباقية ض��� ّد اإلرهاب الدول���ي‪ ،‬أصبحت‬‫ٍ‬
‫الديمقراطية‪ ،‬ومنها ما هو مرتبط باالستثمارات‬ ‫مس���ؤولة في نظره���ا أيضاً عن محارب���ة جماعة بوكو‬
‫االقتصادية‪ ،‬ومحاربة اإلرهاب‪ ،‬ومختلف أشكال‬ ‫ح���رام في نيجيريا‪ ،‬من خالل تقديم الدعم العس���كري‬
‫اإلجرام األخرى‪ ،‬ولكن خلفياتها مدعومة بمصالح‬ ‫واللوجستي للجيش النيجيري وشركائه‪ ،‬إلدارة هجمات‬
‫طاقوية‪ ،‬تنطوي على الرغبة في استمرار تدفق‬ ‫ض ّد الجماع���ات اإلرهابية‪ ،‬فالمصلحة األمريكية تكمن‬
‫نفط خليج غينيا بالدرجة األولى‪.‬‬ ‫في الحفاظ على االستقرار‪ ،‬وهذا لضمان تدفق النفط‬
‫فالمس���اعدات األمريكي���ة‪ ،‬السياس���ية‬ ‫وتأمين ط���رق وصوله‪ ،‬حيث تعمل الوالي���ات المتحدة‬
‫واالقتصادي���ة واألمنية‪ ،‬مر ّدها فع ً‬
‫ال إلى رغبتها‬ ‫األمريكية على مقاومة ك ّل أش���كال اإلرهاب‪ ،‬والجرائم‬
‫في خلق ش���ركاء قادرين على التعامل مع حجم‬ ‫المنظم���ة في نيجيريا‪ ،‬ومنطقة غ���رب إفريقيا عموماً‪،‬‬
‫التهدي���دات الحاصلة في خلي���ج غينيا‪ ،‬وهذا‬ ‫وبالتالي تحرص على سالمة منطقة خليج غينيا(((‪.‬‬
‫لضم���ان تأمين عب���ور النفط إلى الس���واحل‬ ‫فقصارى القول حول وس���ائل الوالي���ات المتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬وفي الوقت ذاته‪ :‬تس���هيل أنش���طة‬ ‫األمريكي���ة ف���ي نيجيريا ه���و‪ :‬أنه قد س���يطر عليها‬
‫الشركات األمريكية المستثمرة في حقول النفط‪.‬‬ ‫المنظور األمني‪ ،‬نظراً لحج���م التهديدات األمنية التي‬
‫أن مفهوم األمن النفطي‬ ‫ومنته���ى القول هو‪ّ :‬‬ ‫تعيش فيها البالد بفعل تم���رد جماعة بوكو حرام‪ ،‬التي‬
‫بوصفه مصطلحاً ش���اع تداوله مؤخرا قد تبلور‬
‫ً‬ ‫ُصنّفت ضمن القائمة اإلرهابي���ة في الواليات المتحدة‬
‫نتيجة ح���رص الواليات المتحدة األمريكية على‬ ‫حرص كبي ٌر على تعزيز‬
‫ٌ‬ ‫األمريكي���ة؛ وبالتالي كان هنالك‬
‫قدر م���ن النفط‪ ،‬ومحاولة تكييف‬ ‫تحصيل أكبر ٍ‬ ‫التواجد العس���كري األمريكي في نيجيريا‪ ،‬س���واء عبر‬
‫الظ���روف المالئم���ة لذلك‪ ،‬فهي ت���درك تمام‬ ‫المشاركة في تدريب جيوش المنطقة‪ ،‬أو عبر المساهمة‬
‫أن التحكم ف���ي منابع النفط‪ ،‬والتمكن‬ ‫اإلدراك ّ‬
‫ً‬
‫من إدارة توزيع الحصص سيتيح لها فرصا أكبر‬
‫(((  – ‪Abubakar A. Mustapha, United States‬‬
‫اقتصاد ّياً وسياس��� ّياً‪ ،‬وعليه؛ فه���ي تعمل على‬ ‫‪Nigeria Relations: Impact on Nigeria’s Security,‬‬

‫أي منافس‬‫التواج���د في ك ّل المناط���ق لتقويض ّ‬ ‫‪Naval Postgraduate School, Thesis, December‬‬


‫‪.49-2014, pp.43‬‬
‫من ش���أنه أن يه ّدد أمنها النفطي وميزان القوة‬
‫  ‪Michael I. Ugwueze and outhers, The United‬‬ ‫(((‬
‫السائد ‬ ‫‪States’ National Interests and the Fight Against‬‬
‫‪Boko Haram Terrorism in Nigeria, Mediterranean‬‬
‫‪Journal of Social Sciences, Volume 7, Number‬‬
‫‪.483-3, May 2016, pp.479‬‬

‫‪41‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫سياسية‬

‫السياسة الخارجية اإلسرائيلية تجاه إفريقيا‪..‬‬


‫قراءة في المقومات والمحددات السياسية‬
‫هناء خلف ‪-‬‬
‫جامعة بني �سويف ‪ -‬ق�سم العلوم ال�سيا�سية‪.‬‬
‫خديجه محمد ‪ -‬جامعة بني �سويف ‪ -‬ق�سم العلوم ال�سيا�سية‪.‬‬

‫انطلقت السياس���ة الخارجية اإلس���رائيلية من‬


‫إقليمي‬
‫ٍّ‬ ‫بطابع‬
‫ٍ‬ ‫مصلحي وأيديولوجي‪ ،‬واتس���مت‬
‫ٍّ‬ ‫مزيج‬
‫ٍ‬
‫�أه�داف �إ�س�رائيل وم�ص�الحها‬
‫ف�ي �إفريقي�ا‪ ،‬وتعتم�د ف�ي‬
‫تتعدد‬
‫ّ‬
‫باألساس‪ ،‬مركزة على منطقة الشرق األوسط بمعناها‬
‫العربي‬ ‫الواس���ع‪ ،‬وبامتداداتها الجغرافية من المغرب‬
‫مح�ددة‬
‫تنفي�ذ �سيا�س�تها عل�ى ا�س�تراتيجية ّ‬
‫ّ‬
‫وحتى أفغانس���تان‪ .‬وكان هدفها الرئيس هو الهيمنة‬ ‫لتحقي�ق تل�ك الأه�داف‪ ،‬نظ�ر ًا لم�ا تحظى به‬
‫والس���يطرة في إطار محيطها الشرق أوسطي‪ ،‬وش ّد‬ ‫الق�ارة الإفريقي�ة م�ن �أهمي� ٍة جيو�سيا�س�ية‪،‬‬
‫ط���راف نُ ُظم الجوار اإلقليمية الكبرى بما يُم ّكنها من‬
‫ِ‬ ‫أَ‬
‫وا�ستراتيجية‪ ،‬واقت�صادية لإ�سرائيل‪.‬‬
‫االختراق والسيطرة‪.‬‬
‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪42‬‬
‫لصنع‬ ‫ُ‬
‫تمتلك برامج مختلفة ُ‬ ‫وعليه؛ فإ ّن إسرائي َل‬
‫سياسة خارجية ف ّعالة ونش���طة في القارة اإلفريقية‬
‫تعمل إسرائيل على ترويج‬ ‫أساليب متنوع ًة لتطبيقها‬
‫َ‬ ‫لتحقيق أهدافها‪ ،‬وتستخدم‬
‫على أرض الواقع‪ ،‬وقد ت ّم تقس���يم هذه الدراسة إلى‬
‫كتاب سنوي‪ ،‬يصدر عن‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫رئيسيْنِ ‪:‬‬
‫َ‬ ‫مطل َبيْنِ‬
‫سة إسرائيلية‪ ،‬يحمل اسم‬‫مؤس ٍ‬ ‫يتناول المطلب األول‪ :‬مق ّومات السياسة الخارجية‬
‫ّ‬
‫(حقائق عن إسرائيل)‪ ،‬يوزع‬ ‫اإلسرائيلية في إفريقيا‪ ،‬بينما يناقش المطلب الثاني‪:‬‬
‫ّ‬
‫في كل الدول اإلفريقية‪،‬‬ ‫برامج السياسة الخارجية في إفريقيا‪.‬‬
‫وبلغات مختلفة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ال��م��ط��ل��ب الأول‪ :‬م��ق � ّوم��ات ال�سيا�سة‬
‫الخارجية الإ�سرائيلية في �إفريقيا‪:‬‬
‫يتطل���ب تحقيق أه���داف السياس���ة الخارجية‬
‫اإلسرائيلية استخدا َم مجموعةٍ من العوامل المناسبة‬
‫وبخاصةٍ الحزب االش���تراكي الفرنسي‪ ،‬الذي ساهم‬ ‫ّ‬ ‫لتحقي���ق تلك السياس���ة؛ ألنه م���ن دون توافر هذه‬
‫عالقات مع أحزاب السنغال ومالي‪ .‬كذلك‬ ‫ٍ‬ ‫في إقامة‬ ‫الصعب تطبيق أهداف السياس���ة‬ ‫العوام���ل يكون من َّ‬
‫عالقات دبلوماس���يةٍ مع‬
‫ٍ‬ ‫عملت إس���رائيل على إقامة‬ ‫الخارجية للدولة(((‪.‬‬
‫النقابات العمالية المستقرة في القارة اإلفريقية‪ ،‬لكي‬ ‫وبتطبيق هذه المفاهيم على السياسة الخارجية‬
‫تتم ّكن من م ّد نفوذها في المنطقة‪ ،‬وتس���اعدها في‬ ‫اإلس���رائيلية في إفريقيا؛ نج���د أ ّن هناك العديد من‬
‫ذلك نقابة الع ّمال الصهاينة (الهستدروت)(((‪.‬‬ ‫المقومات التي تس���تخدمها إس���رائيل ف���ي القارة‬
‫وأيضاً س���عت إس���رائيل إلى توطي���د عالقاتها‬ ‫اإلفريقية‪ ،‬وهي المقومات الدبلوماسية واالقتصادية‬
‫بالقارة اإلفريقية عن طريق الجوالت اإلسرائيلية في‬ ‫والعس���كرية والقوة الناعمة والعامل االس���تخباراتي‬
‫إفريقي���ا‪ ،‬ومنها الجوالت التي قام به���ا وزير الدفاع‬ ‫والعامل الديني‪ ،‬وس���وف نتن���اول ك ّل ٍ‬
‫عامل من هذه‬
‫اإلس���رائيلي أفيغ���دور ليبرمان‪ ،‬حي���ث كانت جولته‬ ‫العوامل بالتفصيل‪.‬‬
‫األولى في (‪2009‬م)‪ ،‬زار خاللها ُكلاّ ً من إثيوبيا وكينيا‬ ‫‪ -1‬المقومات الدبلوما�سية‪:‬‬
‫ونيجيريا‪ ،‬وفي جولته الثاني���ة (‪2014‬م) زار ليبرمان‬ ‫تحاول إس���رائيل جاهد ًة توطيد عالقاتها بالقارة‬
‫إثيوبيا وكينيا ورواندا من شرق إفريقيا؛ وكوت ديفوار‬ ‫اإلفريقية عن طريق اس���تخدام العوامل الدبلوماسية‪،‬‬
‫وغانا من غربها(((‪ ،‬وبذلك تعمل "الدولة اإلسرائيلية"‬ ‫ٍ‬
‫وحركات‬ ‫أحزاب‬
‫ٍ‬ ‫عالقات وطيدةٍ مع‬
‫ٍ‬ ‫والمتم ّثلة في إقامة‬
‫على توس���يع نفوذها في القارة اإلفريقية؛ من خالل‬ ‫سياس���يةٍ في قارة إفريقيا‪ ،‬عبر أحزابها‪ ،‬ومنها حزب‬
‫الخاصةِ بها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫استخدامها الجيد للعوامل الدبلوماسية‬ ‫ع ّمال إس���رائيل (الماباي)‪ ،‬وبقي���ة األحزاب العمالية‬
‫اإلس���رائيلية‪ ،‬التي تمارس َدوراً مه ّماً في م ّد جسور‬
‫التعاون مع األح���زاب اإلفريقية‪ ،‬عن طريق األحزاب (((  ‪� ،......‬إ�سرائيل ت�ستعد لل�سيطرة على القارة الإفريقية‪،‬‬
‫�إيوان ليبيا‪( ،‬ليبيا‪ ،‬تاريخ الن�شر‪2017/5/8 :‬م)‪ ،‬تم ر�ؤيته‬
‫االش���تراكية الغربية‪ ،‬والمنظمة الدولية االشتراكية‪،‬‬
‫‪2017/11/25‬م‪.‬‬
‫(((   ه�شام مراد‪� ،‬إ�سرائيل و�إفريقيا‪ ،‬م�ؤ�س�سة الأهرام‪( ،‬م�صر‪،‬‬
‫ع‪ 6 ،141‬تاريخ الن�شر‪� 6:‬أغ�سط�س‪2016‬م)‪ ،‬تم ر�ؤيته في‬ ‫(((   محمد ال�سيد �سليم‪ ،‬تحليل ال�سيا�سة الخارجية‪ ،‬مكتبة‬
‫‪2017/11/20‬م‪.‬‬ ‫النه�ضة الم�صرية‪( ،‬م�صر‪ ،‬ط‪2013 ،3‬م)‪� ،‬ص‪.83‬‬

‫‪43‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫سياسية‬
‫م���ن تأمين متطلباتها النفطية من خالل تواجدها في‬ ‫‪ -2‬العوامل االقت�صادية‪:‬‬
‫تسعى إسرائيل إلى توطيد عالقاتها االقتصادية القارة اإلفريقية‪.‬‬
‫كذل ��ك ا�ستخدم ��ت �إ�سرائي ��ل بع� ��ض الو�سائ ��ل لك ��ي‬ ‫م���ع القارة اإلفريقية بش���تّى الطرق‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫إنش���اء أول لوبي إس���رائيلي في الكنيس���ت لتعزيز تتمكن من تدعيم اقت�صاديات ال�سّ وق لديها في �إفريقيا‪،‬‬
‫العالق���ات بين إس���رائيل وال���دول اإلفريقية‪ ،‬وذلك وهي كالآتي‪:‬‬
‫‪ -‬مسح األسواق اإلفريقية‪ :‬عملت إسرائيل على‬ ‫برئاس���ة العضو «ش���معون س���ليمان»‪ ،‬وفي ‪ 19‬مايو‬
‫والطاقات‬ ‫بعثات تجاريةٍ لدراس���ة األوضاع ّ‬ ‫ٍ‬ ‫‪2014‬م حضر وزير الخارجي���ة أفيغدور ليبرمان أول إرس���ال‬
‫اجتماع لهذا اللوبي‪ ،‬وأ ّكد أ ّن إس���رائيل بوصفها قو ًة االستهالكية‪ ،‬ومعرفة التركيب االقتصادي واحتياجاته‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫اقتصادية تجن���ي فوائ َد كثيرة من عالقاتها مع القارة وكانت الدراس���ة ُط ّبقت على غانا‪ ،‬ثم إثيوبيا وأوغندا‬ ‫ً‬
‫وكينيا‪.‬‬ ‫اإلفريقية(((‪.‬‬
‫‪ -‬عقد االتفاقيات التجارية‪ :‬حيث و ّقعت إسرائيل‬ ‫وعملت إس���رائيل أيضاً على التغلغل في القارة‬
‫اتفاقيات مع عددٍ من ال���دول اإلفريقية‪ ،‬مثل إثيوبيا‬ ‫ٍ‬ ‫اإلفريقي���ة من خالل ش���راء أكبر ع���ددٍ من صكوك‬
‫س��� ّد النهضة‪ ،‬وعقد اتفاقيةٍ مع إثيوبيا كي تنقل لها وأوغندا وإفريقيا الوسطى ومالي والكونغو‪.‬‬
‫‪ -‬إقامة المعارض التجارية الثابتة والمتنقلة(((‪.‬‬ ‫الكهرباء التي س���يتم إنتاجها من س��� ّد النهضة‪ ،‬وقد‬
‫‪ -3‬العامل الع�سكري‪:‬‬ ‫ب���دأت في تنفيذ اإلج���راءات التابع���ة لالتفاقية من‬
‫خط لنقل الكهرباء إلى كينيا‪ٍّ ،‬‬
‫وخط آخر‬ ‫خالل إنشاء ٍّ‬
‫تبذل إس���رائيل أقصى جهدها لك���ي تتمكن من‬
‫إلى جنوب الس���ودان ‪ ،‬كذلك تسيطر إسرائيل على تكثيف نش���اطها العسكري‪ ،‬عن طريق إرسال البعثات‬
‫(((‬

‫بعض القطاعات الناش���ئة في جنوب الس���ودان‪ ،‬مثل اإلسرائيلية إلى إفريقيا بأعدادٍ كبيرةٍ إلى دولة الكونغو‬
‫قطاع الفندقة والس���ياحة ‪ .‬باإلضافة إلى ما سبق‪ :‬الديمقراطية‪ ،‬وتسعى إسرائيل إلى إنشاء‬
‫(((‬
‫ٍ‬
‫مستوطنات‬
‫احتياطي نفطي في في الق���ارة اإلفريقية‪ ،‬مثل مس���توطنات «الناحال»‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫تمكنت إس���رائيل من اكتش���اف‬
‫دولة الكونغو‪ ،‬ومالك الش���ركة هو «دان جارتلر»‪ ،‬وهو وتعمل على اإلش���راف على الوحدات العسكرية وشبه‬
‫إسرائيلي الجنس���ية‪ ،‬وتستخرج هذه الشركة ‪ 50‬ألف العس���كرية وتدريبها‪ ،‬وتس���تقبل األفارق���ة للتدريب‬
‫كامل ‪ 250‬والدراسة في المعاهد العسكرية اإلسرائيلية‪ ،‬وترسل‬ ‫بشكل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫برميل يوم ّياً‪ ،‬بينما يبلغ إنتاج الدولة‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ً(((‬
‫برميل يوم ّيا ‪ ،‬وتمكنت إسرائيل من خالل ذلك بعض المستشارين من أجل تدريب الجيوش اإلفريقية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ألف‬
‫كذلك عملت إس���رائيل على تصدير بعض األس���لحة‬
‫(((  ‪� ،......‬إ�سرائيل ت�ستعد لل�سيطرة على القارة الإفريقية‪ ،‬إس���رائيلية الصنع إلى الدول اإلفريقية‪ ،‬مثل رشاش‬
‫مرجع �سابق‪.‬‬
‫العوزي ومدافع الهاون‪ ،‬وقد عقدت إسرائيل أكثر من‬
‫(((   نبيل المغربي‪ ،‬االختراق الإ�سرائيلي لإفريقيا‪ ،‬مجلة ر�ؤية ‪ 12‬اتفاقي ًة بينها وبين الكونغو لتبادل األسلحة وتدريب‬
‫تركية‪( ،‬تركيا‪ :‬مركز �سيتا للدرا�سات‪ ،‬ربيع ‪2015‬م)‪ ،‬تم‬
‫ر�ؤيته في ‪2017/11/25‬م‪.‬‬
‫(((   ح�م��دي عبدالرحمن‪ ،‬ت�أثير الفرا�شة و�إع���ادة اخ�ت��راق‬
‫�إ�سرائيل لدول حو�ض النيل‪ ،‬مجلة ق��راءات �إفريقية‪ ،‬تاريخ‬
‫(((   نجم الدين محمد عبداهلل جابر‪ ،‬الوجود الإ�سرائيلي في‬ ‫الن�شر‪2017/2/20 :‬م)‪ ،‬تمت ر�ؤيته في ‪2017/11/25‬م‪.‬‬
‫�إفريقيا دوافعه و�أدواته «درا�سة»‪( ،‬موقع منبر الخبر والتحليل‬ ‫(((   محمد البحيري‪� ،‬إ�سرائيل في �إفريقيا حقائق و�أرق��ام‪،‬‬
‫ال�صحراوي‪2017/6/18 ،‬م)‪http://www.saharawi. ،‬‬ ‫جريدة الم�صري اليوم‪(،‬م�صر‪2015/4/21،‬م)‪ ،‬تم ر�ؤيته‬
‫‪ ،net‬تم ر�ؤيته في ‪2017/11/25‬م‪.‬‬ ‫في ‪2017/11/25‬م‪.‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪44‬‬


‫مع غانا(((‪.‬‬ ‫الجيش الكونغولي(((‪.‬‬
‫‪ -6‬العامل الديني‪:‬‬ ‫‪ -4‬العامل اال�ستخباراتي‪:‬‬
‫تتأثر السياس���ة الخارجية اإلس���رائيلية ببعض‬ ‫تس���عى إس���رائيل إلى تثبيت أقدامها في القارة‬
‫المنطلقات الدينية والقومية‪ ،‬وهي ذات أهميةٍ ال يمكن‬ ‫اإلفريقية‪ ،‬وفي إطار هذا الهدف تس���تخدم األدوات‬
‫االس���تهانة بها‪ ،‬وقد استخدمت إسرائيل ك ّل الوسائل‬ ‫الخاصة بها‪ ،‬التي تعمل على تدعيم‬ ‫ّ‬ ‫االس���تخباراتية‬
‫واألس���اليب الممكنة((( للحفاظ على تلك المعتقدات‬ ‫ال‪-‬‬ ‫وجودها ف���ي دول القارة اإلفريقي���ة‪ ،‬ومنها‪ -‬مث ً‬
‫في القارة اإلفريقية‪ ،‬من خالل االتجاه إلى الجاليات‬ ‫إريتري���ا‪ ،‬ف���ي عام ‪2012‬م كش���ف مركز دراس���ات‬
‫اإلس���رائيلية‪ ،‬وعملت على تش���جيع الهجرة اليهودية‬ ‫ٍ‬
‫وحدات‬ ‫«س���تراتفور» األمريكي أ ّن إس���رائيل تمتلك‬
‫إلسرائيل‪ ،‬وكذلك عملت على تهجير يهود الفالشا من‬ ‫ال عن‬ ‫بحريةٍ في أرخبيل دهل���ك وميناء مصوع‪ ،‬فض ً‬
‫إثيوبيا إلى إسرائيل‪ ،‬وفي إطار التعاون «اإلسرائيلي‪-‬‬ ‫التنصت في جبال أمباسوبرا‪ ،‬وتستهدف‬ ‫ّ‬ ‫وجود مركز‬
‫اإلفريقي» أرسلت جنوب إفريقيا حوالي ‪ 800‬متطوع‬ ‫أي‬
‫هذه القواعد جمع المعلومات االس���تخباراتية عن ّ‬
‫إلى إس���رائيل‪ ،‬وأيضاً ‪ 30‬مليون دوالر‪ ،‬وذلك من أجل‬ ‫أنشطةٍ غير معتادةٍ في مياه البحر األحمر‪ ،‬وخصوصاً‬
‫تدعيم "الدولة اإلسرائيلية"((( في سياستها الخارجية‬ ‫من قِ َبل إيران(((‪.‬‬
‫تجاه الدول األخ���رى‪ ،‬وكذلك تمكنت إس���رائيل من‬ ‫‪ -5‬عامل القوة الناعمة‪:‬‬
‫تدعيم قوتها في القارة اإلفريقية من خالل استخدام‬ ‫اس���تخدمت إس���رائيل قوتها الناعمة في تقديم‬
‫العامل الديني‪.‬‬ ‫المس���اعدة للدول اإلفريقية‪ ،‬في مج���االت الزراعة‬
‫ال��م��ط��ل��ب ال��ث��ان��ي‪ :‬ب���رام���ج ال�سيا�سة‬ ‫والط���ب ومكافحة اإلرهاب‪ ،‬وتدعيم القدرات‬ ‫ّ‬ ‫والمياه‬
‫الخارجية الإ�سرائيلية في �إفريقيا‪:‬‬ ‫الفني���ة والتكنولوجي���ة في الق���ارة اإلفريقي���ة‪ .‬بَيْد‬
‫إ ّن طبيعة السياسة الخارجية تقوم على تص ّور‪ :‬أ ّن‬ ‫أ ّن إس���رائيل في أثناء س���عيها لتحقيق هذا الهدف‬
‫عملية صنع السياس���ة الخارجية في النسق السياسي‬ ‫تقوم بعقد ش���راكةٍ مع الدول المانح���ة الكبرى‪ ،‬مثل‬
‫تتألف من ثالثة أبعاد‪ ،‬يتمث���ل أولها في المدخالت‪،‬‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية وإيطاليا‪ ،‬من أجل القيام‬
‫تليها القرارات‪ ،‬وثالثها هي المخرجات(((‪.‬‬ ‫بالمشروعات االس���تثمارية المختلفة‪ ،‬ويمكن اإلشارة‬
‫عمل‬
‫ومن خالل هذه األبع���اد؛ نصل إلى برنامج ٍ‬ ‫في هذا السياق إلى المبادرة «اإلسرائيلية‪-‬األلمانية»‬
‫التي ت ّم إبرامها بي���ن البل َديْن في فبراير ‪2014‬م‪ ،‬من‬
‫(((  ‪� ،......‬إ�سرائيل ت�ستعد لل�سيطرة على القارة الإفريقية‪،‬‬ ‫أجل تحقي���ق البرنامج اإلنمائي ف���ي ك ٍّل من بوركينا‬
‫موقع �إيوان ليبيا‪ ،‬مرجع �سابق‪.‬‬ ‫فاس���و والكاميرون وبورندي‪ ،‬كذلك كانت إس���رائيل‬
‫(((   منيب عبد الرحمن �شبيب‪ ،‬نظرية الأمن الإ�سرائيلي في‬ ‫تعمل عل���ى توطيد عالقاتها ب���دول القارة اإلفريقية‬
‫ظل الت�سوية ال�سلمية في ال�شرق الأو�سط و�أثرها على عملية‬
‫التحول ال�سيا�سي واالقت�صادي لل�شعب الفل�سطيني في ال�ضفة‬ ‫من خ�ل�ال االعتراف الفوري بال���دول اإلفريقية فور‬
‫الغربية وقطاع غزة (‪2002-1991‬م)‪ ،‬ر�سالة ماج�ستير‪،‬‬ ‫حصولها على االس���تقالل‪ ،‬ومثا ٌل على ذلك تجربتها‬
‫(كلية الدرا�سات العليا‪ ،‬جامعة النجاح الوطنية‪2003 ،‬م)‪.‬‬
‫(((   بوفرا�ش يعقوب‪ ،‬ال�سيا�سة الخارجية الإ�سرائيلية تجاه دول‬
‫القارة الإفريقية‪ ،‬المركز العربي الديمقراطي‪ ،‬تم ر�ؤيته في‬ ‫(((   نجم الدين محمد عبداهلل جابر‪ ،‬الوجود الإ�سرائيلي في‬
‫‪2017/12/4‬م‪.‬‬ ‫�إفريقيا دوافعه و�أدواته «درا�سة»‪ ،‬مرجع �سابق‪.‬‬
‫(((   محمد ال�سيد �سليم‪ ،‬تحليل ال�سيا�سة الخارجية‪ ،‬مكتبة‬ ‫(((   ح�م��دي عبدالرحمن‪ ،‬ت�أثير الفرا�شة و�إع���ادة اخ�ت��راق‬
‫النه�ضة الم�صرية‪ ،‬القاهرة‪1989 ،‬م‪ ،‬ط‪.2‬‬ ‫�إ�سرائيل لدول حو�ض النيل‪ ،‬مرجع �سابق‪.‬‬

‫‪45‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫سياسية‬
‫إس���رائيلي من دول القرن اإلفريقي‪ ،‬أو‬
‫ٍّ‬ ‫نابعاً من توت ٍّر‬ ‫يحقّق أهداف الدولة خارج ّياً‪ ،‬وتقييم أدائها من خالل‬
‫مباش���ر ألمنها؛ ِب َقدْرِ ما هو‬
‫ٍ‬ ‫اعتبارها مصدر تهديد‬ ‫مقارنتها بمدى قدرتها على تحقيق األهداف المح ّددة‬
‫تخ ّو ٌف من محاوالت الس���يطرة عل���ى صانعي القرار‬ ‫مس���بقاً لها‪ ،‬وهو ما يع ّب���ر عنه بفعالية سياس���تها‬
‫ٍ‬
‫أطراف‬ ‫في تل���ك الدول‪ ،‬والتأثي���ر عليهم م���ن قِ َبل‬ ‫الخارجية‪ ،‬وبأق��� ّل َقدرٍ من الم���وارد‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫أخرى‪ ،‬تعتبرهم إس���رائيل مهد ّداً رئيس���اً لوجودها‪،‬‬ ‫الكف���اءة‪ ،‬وذلك للوصول للعقالني���ة في اتخاذ القرار‬
‫والسيما الدول العربية‪ ،‬في ظ ّل حالة الرفض العربي‬ ‫الخارجي‪.‬‬
‫لالعتراف والتعامل معها‪ .‬لذلك أدركت إس���رائيل أ ّن‬ ‫وعلى ذلك اش���تملت االس���تراتيجية اإلسرائيلية‬
‫منطقة القرن اإلفريقي ستش��� ّكل مس���تقبلاً إحدى‬ ‫على ثالثة برامج رئيسية في سياستها الخارجية تجاه‬
‫س���احات الصراع «العربي‪-‬اإلسرائيلي»‪ ،‬فق ّررت خلق‬ ‫إفريقيا لتحقيق أهدافها ومصالحها القوم ّية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫حالةٍ من التنافس بينها وبين العرب‪.‬‬ ‫‪ -1‬برنام ��ج بلقن ��ة المنطق ��ة‪ :‬ويس���تهدف تكريس‬
‫وهن ��اك معايي� � ٌر لتقيي ��م �أداء برنام ��ج ال�سيا�س ��ة‬ ‫حال���ة التجزئ���ة الحالية للوطن العرب���ي‪ ،‬ولدويالت‬
‫الخارجية‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫مزي���د من التفتت‪،‬‬ ‫القرن اإلفريق���ي‪ ،‬وتعميقها نحو‬
‫‪-‬الأن�ساق‪ :‬أي انس���جام وتكامل ك ّل أبعاد برنامج‬ ‫وذلك باس���تغالل مش���كالت األقل ّيات المنتشرة في‬
‫السياسة الخارجية (التوجهات‪ ،‬األهداف‪ ،‬األدوار)‪.‬‬ ‫العالم العربي‪ ،‬والتي تدعو إلى االنفصال واالستقالل‪.‬‬
‫استراتيجي بعيد‬
‫ٍّ‬ ‫‪ -‬اال�ستمرارية‪ :‬أي وجود منظورٍ‬ ‫فإس���رائيل تحاول جعل عالقتها الخارجية في خدمة‬
‫الم َدى للسياس���ة الخارجية‪ ،‬على مس���توى الصياغة‬ ‫األمن القومي اإلس���رائيلي‪ ،‬ومن ثَ ّم يتضح أ ّن مطلب‬
‫والتنفيذ‪.‬‬ ‫اكتساب الشرعية السياس���ية الواقعية‪ ،‬التي تتجاوز‬
‫‪ -‬التوافق‪ :‬توافق السياسة الخارجية مع الظروف‬ ‫مج َّرد االعتراف القانوني‪ ،‬يصبح في مقدمة أهداف‬
‫بش���كل‬
‫ٍ‬ ‫الدولية والداخلية‪ ،‬وكذلك مع قدرات الدولة‬ ‫السياسة الخارجية اإلسرائيلية(((‪.‬‬
‫عام‪.‬‬ ‫‪ -‬برنام ��ج �ش� � ّد الأط ��راف‪ :‬وذل���ك بإقح���ام الدول‬
‫‪ -‬التك ّي ��ف‪ :‬ومعناه القدرة عل���ى التأقلم‪ ،‬وتعديل‬ ‫ٍ‬
‫صراعات‬ ‫العربي���ة في أط���راف الوطن العربي ف���ي‬
‫السياسة طبقاً لتغ ّير الظروف‪.‬‬ ‫دول أخرى غي���ر عرب ّية‪ ،‬في دائرة الجوار‬ ‫جانبيةٍ مع ٍ‬
‫دور الم� ّؤ�س�سات الإ�سرائيلية في �صياغة‬ ‫الجغرافي‪ ،‬ويهدف إلى زعزعة االستقرار‪.‬‬
‫ال�سيا�سة الخارجية وتنفيذها تجاه القارة‬ ‫‪-‬برنام ��ج حل ��ف المحي ��ط‪ :‬وذل���ك للحفاظ على‬
‫الإفريقية‪:‬‬ ‫أمن إس���رائيل‪ ،‬من خالل تعميق العالقات بينها وبين‬
‫اعتم���دت إس���رائيل ف���ي صياغ���ة وتنفي���ذ‬ ‫وربط مصالح تلك الدول بالموارد‬ ‫الدول غير العربية‪ِ ،‬‬
‫اس���تراتيجيتها على مؤسس���اتها‪ ،‬لتحقيق األهداف‬ ‫اإلسرائيلية لضمان تمتين العالقات ‪.‬‬
‫(((‬

‫صالحيات‬
‫ُ‬ ‫المخططة لها مسبقاً‪ ،‬فكان لرئيس الوزراء‬ ‫إ ّن التح ّول في السياس���ة اإلس���رائيلية؛ لم يكن‬
‫إدارة ُشؤون الدولة الداخلية والخارجية حسب النظام‬
‫السلطة في‬‫(((   عبد ال�سالم بغدادي‪ ،‬التحرك ال�صهيوني المعا�صر في السياسي اإلسرائيلي‪ ،‬ولوزارة الخارجية ُّ‬
‫�إفريقيا‪ ،‬معهد ال��درا��س��ات الآ�سيوية والإفريقية‪� ،‬سل�سلة تمثيل الدولة خارج ّياً‪ ،‬ورعاية ُش���ؤون الدولة‪ ،‬وإقامة‬
‫درا�سات م�ستقبلية‪ ،‬العدد‪1986 ،224‬م‪� ،‬ص‪.2‬‬
‫عالقات دبلوماسيةٍ مع مختلف دول العالم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫(((   محمود خليفة جودة‪،‬العالقات الإ�سرائيلية الإثيوبية في‬
‫المؤسس���ات المؤثرة ف���ي تنفيذ وصياغة‬ ‫ّ‬ ‫ومن‬ ‫�ضوء النظرية الواقعية‪،‬المركز الديموقراطي العربي‪:‬‬
‫‪http//:democraticac.de?/p748,13=.‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪46‬‬


‫وم���ن األمثلة على ذلك‪ :‬مش���اركة رئيس الوزراء‬ ‫السياسة الخارجية إلسرائيل تجاه إفريقيا‪ :‬البرلمان‬
‫اإلس���رائيلي‪ ،‬في ع���ام ‪2012‬م‪ ،‬العزاء مع الش���عب‬ ‫اإلسرائيلي واألجهزة األمنية والعسكرية‪ ،‬وغيرها من‬
‫اإلثيوبي في وفاة رئيس وزراء إثيوبيا (ميليس زيناوي)‪،‬‬ ‫المؤسسات غير الرسمية التي ال يق ّل َدورها أيضاً عن‬
‫ّ‬
‫ووصفه بأنه كان حليفاً اس���تراتيج ّياً إلسرائيل‪ ،‬وأنه‬ ‫المؤسسات الرسمية‪ ،‬مثل االتحادات العمالية‪.‬‬‫ّ‬
‫جعل إثيوبيا بوابة إسرائيل للدخول لقلب إفريقيا‪.‬‬ ‫خاص‪،‬‬
‫ّ‬ ‫باهتمام‬
‫ٍ‬ ‫اإلفريقي���ة‬ ‫الدول‬ ‫حظي���ت‬ ‫وقد‬
‫‪ -2‬البرلمان الإ�سرائيلي «الكني�ست»‪:‬‬ ‫واعتُبرت من أولويات السياسة الخارجية اإلسرائيلية‪.‬‬
‫السلطة التش���ريعية ذات الصلة المطلقة في‬ ‫هو ُّ‬ ‫�أ‪ -‬دَور الم�ؤ�سّ �سات الر�سمية‪:‬‬
‫لس���ن القوانين ومنح الحكومة الثقة ومراقبة‬
‫ّ‬ ‫الدولة‬ ‫‪ -1‬رئي�س الوزراء‪:‬‬
‫عمله���ا‪ ،‬ويتك ّون م���ن بين أعضائه ع���د ٌد من اللجان‬ ‫طبقاً للنظام السياسي اإلسرائيلي؛ فإ ّن الحكومة‬
‫المتخصصة لتس���هيل عمليات مناقشة المشروعات‬ ‫ّ‬ ‫هي مركز الق���وة‪ ،‬وفيها تت ّم عملي���ة صنع القرارات‬
‫المطروحة من قِ َب���ل الحكومة‪ .‬وعلى الرغم من عمل‬ ‫الرس���مية‪ ،‬ويتولى رئيسها رئاسة الحكومة التي تتمتع‬
‫الكنيست المتع ّمق في الشؤون الداخلية؛ فإنه كان له‬ ‫بصالحي���ات مه ّمة‪ ،‬وتنبع قوة رئيس الحكومة (رئيس‬‫ٍ‬
‫مهم في خدمة السياس���ة الخارجية اإلسرائيلية؛‬ ‫َدو ٌر ٌّ‬ ‫الوزراء) من العوامل الآ ِتية ‪:‬‬
‫(((‬

‫عن طريق تأيي���ده للحكومة بطريقةٍ غير مباش���رة‪،‬‬ ‫‪ -‬استقالته هي استقال ٌة للحكومة كلّها‪.‬‬
‫وتعزيز التع���اون مع تلك الدول من خ�ل�ال موافقته‬ ‫أي وزير من الحكومة‪.‬‬ ‫‪ -‬يتمتع باختصاص إقالة ّ‬
‫على الميزانية العا ّمة للدولة‪ ،‬والتي تشمل مصروفات‬ ‫‪ -‬هو زعي���م حزبه‪ ،‬ومكانته ف���ي الحزب تدعم‬
‫وزارة الخارجية واألجهزة العسكرية واألمنية المتعلقة‬ ‫مكانته في الحكومة‪.‬‬
‫بالعمل خارج حدود الدولة(((‪.‬‬ ‫‪ -‬تش���مل مها ّمه ومس���ؤولياته جه���ازَي األمن‪:‬‬
‫‪ -3‬وزارة الخارجية‪:‬‬ ‫الموساد والشاباك‪.‬‬
‫هي جهاز الدولة الرئيس���ي المسؤول عن إقامة‬ ‫ومنذ تأس���يس "دولة إس���رائيل"؛ أولت حكومتها‬
‫وتطوير وتعزيز العالقات مع ال���دول المختلفة‪ ،‬ومن‬ ‫عالقات مختلفةٍ مع دول العالم‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫اهتماماً كبيراً إلقامةِ‬
‫بينها الدول اإلفريقية‪ ،‬وغيرها من المنظمات البيئية‬ ‫وخاص ًة الدول العربية واإلفريقية‪ ،‬وكان لدولِ منطقة‬ ‫ّ‬
‫واإلقليمية والدولية‪ ،‬وتنظي���م رحالت الهجرة‪ ،‬وفتح‬ ‫القرن اإلفريقي ق ْدراً من االهتمام‪ ،‬حيث احت ّل ش���ر ُق‬
‫ٍ‬
‫س���فارات تابع���ة للدولة في الدول الت���ي تربطها بها‬ ‫إفريقي���ا األولوية في عالقات إس���رائيل بعد تأمين‬
‫عالقات دبلوماسية‪.‬‬ ‫حرية المالحة في ميناء إيالت‪ .‬لذلك سعت إسرائيل‬
‫ٍ‬
‫إدارات‬ ‫قام���ت وزارة الخارجية بتأس���يس ع���دة‬ ‫لكسب ثقة رؤس���اء وش���عوب دول القارة اإلفريقية؛‬
‫اختصاص من أجل تنفيذ الخطط االس���تراتيجية‬ ‫ٍ‬ ‫ذات‬ ‫عن طري���ق توفير الدع���م االقتصادي والعس���كري‬
‫للسياس���ة الخارجية اإلس���رائيلية‪ ،‬وقد اهتمت وزارة‬ ‫والتقني والخدماتي‪ ،‬وفي س���بيل ذلك‪ :‬حرص رؤساء‬
‫الخارجية اإلسرائيلية بالقارة اإلفريقية لما تحمله من‬ ‫الحكومات اإلس���رائيلية على تب���ادل الزيارات على‬
‫متخصصتَيْن في‬
‫ّ‬ ‫مزايا‪ ،‬لذلك قامت بإنش���اء إدارتَيْن‬ ‫الصحية‬ ‫المستوى الدبلوماسي‪ ،‬وتقديم المساعدات ّ‬
‫لهم‪ ،‬ومشاركتهم في ك ّل المناسبات الدينية والوطنية‪.‬‬
‫(((   حامد ربيع‪ ،‬من يحكم في تل �أبيب‪ -‬حول تحليل عالقة‬
‫التما�سك في النظام الإ�سرائيلي ومتغيرات الحركة ال�سيا�سية‬
‫في منطقة ال�شرق الأو�سط‪ ،‬الم�ؤ�س�سة العربية للدرا�سات‬ ‫(((   بركات نظام محمود‪ ،‬النخبة الحاكمة في �إ�سرائيل‪ ،‬مطابع‬
‫والن�شر‪ ،‬بيروت‪1975 ،‬م‪.‬‬ ‫الكرمل‪ ،‬بيروت‪ :‬من�شورات فل�سطين المحتلة‪1988 ،‬م‪.‬‬

‫‪47‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫سياسية‬
‫"الدولة اإلس���رائيلية" وس�ل�امة مواطنيها‪ ،‬وإحباط‬ ‫تختص‬
‫ّ‬ ‫الشؤون اإلفريقية‪ ،‬وهما‪ :‬ش���عبة إفريقيا(‪:)1‬‬
‫ٍ‬
‫عمليات ته ّدد أمن إس���رائيل القومي‪ ،‬وتعمل تلك‬ ‫أي‬
‫ّ‬ ‫بدول شمال وشرق القارة اإلفريقية‪ .‬شعبة إفريقيا‪:)2( ‬‬
‫متخصصةٍ في مجال‬‫ّ‬ ‫المؤسسة من خالل عدة أجهزةٍ‬ ‫تختص بدول جنوب القارة اإلفريقية وغربها‪.‬‬
‫ّ‬
‫الدفاع والقتال‪ ،‬ويتفرع منها ثالثة لواءات رئي�سية‪:‬‬ ‫‪ -4‬الأجهزة الأمنية‪:‬‬
‫‪ -‬س�ل�اح وقوات الجو اإلسرائيلية‪ :‬وهو مسؤول‬ ‫تق���وم األجهزة األمنية اإلس���رائيلية بدَورٍ ال يق ّل‬
‫عن بناء وتنشيط القوة الجوية لجيش الدفاع‪.‬‬ ‫المؤسس���ات الرس���مية في خدمة‬ ‫ّ‬ ‫أهمي��� ًة عن باقي‬
‫‪ -‬س�ل�اح وقوات البحري���ة اإلس���رائيلية‪ :‬وهو‬ ‫وخاص��� ًة تجاه إفريقيا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫توجيه���ات الدولة الخارجية‪،‬‬
‫المسؤول عن تأسيس وبناء القوة البحرية للجيش‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫قنوات‬ ‫لذلك قام جهاز المخابرات اإلسرائيلية بإنشاء‬
‫‪ -‬ال���ذراع البري‪ :‬وهو القائم على تجهيز الجيش‬ ‫خاصةٍ لالتصال بدول إفريقيا‪ ،‬حيث قام بإنشاء دائرةٍ‬ ‫ّ‬
‫وحرس الحدود(((‪.‬‬ ‫تهت ّم بش���ؤون تلك الدول‪ ،‬وتعمل عل���ى رصد جميع‬
‫حرصت المؤسسة العسكرية منذ بداية تأسيس‬ ‫التحركات اإلفريقية‪ ،‬كذلك تقوم األجهزة العس���كرية‬
‫العالق���ات اإلس���رائيلية اإلفريقي���ة على اس���تقبال‬ ‫كثير من الكوادر العس���كرية اإلفريقية داخل‬ ‫بتدريب ٍ‬
‫المتدربي���ن األفارق���ة‪ ،‬وتدريبهم داخل معس���كرات‬ ‫إسرائيل‪.‬‬
‫خاصةٍ في إسرائيل(((‪.‬‬
‫ومراكز تدريب ّ‬ ‫‪ -5‬المو�ساد‪:‬‬
‫ب‪ -‬دور الم�ؤ�سّ �سات غير الر�سمية‪:‬‬ ‫الخاصة المكلّف‬
‫ّ‬ ‫هو جهاز االستخبارات والمها ّم‬
‫المؤسس���ات ال تساهم مباشر ًة في صناعة‬ ‫ّ‬ ‫هذه‬ ‫من قِ َبل "دولة إس���رائيل" بجم���ع المعلومات‪ ،‬وعمل‬
‫الدراسات االس���تخباراتية‪ ،‬وتنفيذ العمليات الس ّرية الق���رارات والتوجيه���ات الخارجي���ة‪ ،‬إال أ ّن مكانتها‬
‫والخاص���ة خارج حدود إس���رائيل‪ ،‬ويعمل الموس���اد ونفوذها جميعاً قادرةٌ على تدعيم الوجود اإلسرائيلي‬ ‫ّ‬
‫مؤسس ًة رس���مي ًة‪ ،‬وبتوجيهٍ من رئيس الوزراء بما يخدم مصالحه ويع ّمق نفوذه‪.‬‬ ‫بوصفه ّ‬
‫‪ -1‬الجالية اليهودية في �إفريقيا‪:‬‬ ‫مباشر ًة(((‪.‬‬
‫يمارس اليه���ود األفارقة َدوراً مه ّم���اً ومحور ّياً‬ ‫يتكون جهاز المو�ساد من ثالثة �أق�سام رئي�سة‪:‬‬
‫– ق�س ��م المعلوم ��ات‪ :‬يتو ّل���ى جم���ع المعلومات في دع���م العالق���ات اإلفريقية اإلس���رائيلية‪ ،‬فمن‬
‫خ�ل�ال تنقلهم بين إس���رائيل وإفريقي���ا‪ ،‬وحصولهم‬ ‫واستقرائها‪ ،‬وتحليلها‪ ،‬ووضع االستنتاجات بشأنها‪.‬‬
‫– ق�س ��م الح ��رب النف�سية‪ :‬ويش���رف على خطط على الجنس���يات المزدوج���ة للبل َديْ���ن‪ ،‬والتي تكون‬
‫خاصةٍ باالتصال من‬ ‫قنوات ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كفيل ًة بإنشاء وتأس���يس‬ ‫الخاصة بالحرب النفسية وتنفيذها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫العمليات‬
‫– ق�س ��م العملي ��ات‪ :‬مهمت���ه وضع خطط العمليات أجل خدم���ة العالقات والتوجيهات اإلس���رائيلية في‬
‫جس���ر ثقافي وسياس���ي اقتصادي‬ ‫ٍ‬ ‫الخاص���ة بأعم���ال الخط���ف والقت���ل واالغتي���ال‪ .‬إفريقيا‪ ،‬وبتكوين‬ ‫ّ‬
‫مختص بشؤون البحر األحمر بين الدولتَيْن‪ .‬كما يخدم الوجو ُد اليهودي في إفريقيا‬ ‫ٌّ‬ ‫وقد أُضيف قس��� ٌم راب ٌع‬
‫توجهات إس���رائيل في تلك المنطقة‪ ،‬وذلك عن طريق‬ ‫ِ‬ ‫والقرن اإلفريقي؛ لشدة ارتباط المنطقة بأمن إسرائيل‪.‬‬
‫‪ -6‬الم�ؤ�س�سة الع�سكرية‪:‬‬
‫(((   ن�صر الدين ديب �سعيد خ�ضر‪ ،‬دور الم�ؤ�س�سة الع�سكرية‬ ‫هي مجموع ُة األجهزة المسؤولة عن حماية ووجود‬
‫في �صناعة القرار ال�سيا�سي الخارجي )ال�سلطة الفل�سطينية‬
‫ولبنان نموذج ًا)‪ ،‬ر�سالة ماج�ستير‪ ،‬جامعة الأزه��ر‪ ،‬ق�سم‬
‫العلوم ال�سيا�سية‪2012 ،‬م‪� ،‬ص‪.194‬‬ ‫(((   ب��راه��ام م�شاعلي محمد‪� ،‬إ�سرائيل م��ن �أي��ن و�إل��ى �أي��ن‪،‬‬
‫(((   المرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.118‬‬ ‫القاهرة‪ :‬العربي للن�شر والتوزيع‪2008 ،‬م‪� ،‬ص‪.224‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪48‬‬


‫العام العالمي حولها‪ ،‬وجعله���ا قضي ًة عالمي ًة تحظى‬ ‫سعيها لتش���كيل جمعيات الصداقة األفروإسرائيلية‬
‫المؤسسات وسائلَها‬
‫ّ‬ ‫باهتمام ورعاية‪ .‬وقد ص ّوبت تلك‬
‫ٍ‬ ‫ف���ي مختلف المجاالت الخدمي���ة‪ ،‬والتي تعمل تحت‬
‫للعم���ل في ال���دول النامية باعتباره���ا أرضاً خصبة‬ ‫وبتمويل من الوكاالت اليهودية‬
‫ٍ‬ ‫المنظمة اإلس���رائيلية‪،‬‬
‫س���جل اإلعالم‬
‫ّ‬ ‫لزرع األفكار المراد تس���ويقها‪ ،‬حيث‬ ‫باهتمام من قادة‬
‫ٍ‬ ‫العالمية‪ ،‬وتحظى هذه الجمعي���ات‬
‫اإلسرائيلي مركز الصدارة من حيث الوكاالت األجنب ّية‬ ‫تلك ال���دول لمكانتها الدولي���ة‪ ،‬وإمكانياتها المالية‪،‬‬
‫الفاعلة في الدول اإلفريقية‪ ،‬ليصل عدد تلك الوسائل‬ ‫وقدرتها على خدمة وتوفير احتياجات شرائح عديدة‬
‫موحدة‪،‬‬‫إلى ‪ 32‬وكال ًة رس���مية‪ ،‬تعمل باس���تراتيجيةٍ ّ‬ ‫من الشعوب اإلفريقية(((‪.‬‬
‫نابعة من عدة مرتكزاتٍ �أ�سا�سية‪� ،‬أهمّها‪:‬‬ ‫‪ -2‬االتحاد العام لنقابات العمّال الإ�سرائيلية‪:‬‬
‫–إظهار "دولة إس���رائيل" عل���ى أنها دولة تؤمن‬ ‫أُنش���ئ االتحاد ع���ام ‪1920‬م ليخدم السياس���ة‬
‫بالمس���اواة بين الش���عوب وبين أبناء الشعب الواحد‪،‬‬ ‫الصهيونية في تشجيع الهجرة وتوطين المهاجرين في‬
‫للش���عوب واألقليات المضطه���دة‪ ،‬ورفضها‬ ‫ومؤيدة ّ‬ ‫فلس���طين‪ ،‬حال ّياً يعمل بالشراكة مع الوكالة اليهودية‬
‫لسياسة التمييز العنصري‪.‬‬ ‫العالمية في خدمة السياسة اإلسرائيلية‪ ،‬وال يقتصر‬
‫–تش���جيع األفارقة على العمل ومشاركة اليهود‪،‬‬ ‫عل���ى العمل النقابي الع ّمالي فقط‪ ،‬فقد ع ّبر عن ذلك‬
‫وذلك الرتباطهم بالحضارة الغربية المتم ّدنة‪.‬‬ ‫شعب‬
‫«ديفيد بن غورين» عند تأسيس���ه بأنه «اتحاد ٍ‬
‫–إظهار العرب بصورةٍ رديئةٍ وس���يئة؛ بوصفهم‬ ‫وشعب جديد‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫موطن جديد‪ ،‬ودولةٍ جديدة‪،‬‬‫ٍ‬ ‫يقوم ببناء‬
‫بمظاهر التآمر والتخلُّف واإلرهاب‪.‬‬ ‫ومشاريع جديدة»‪.‬‬
‫الخاص بتلك الدول اإلفريقية؛‬
‫ّ‬ ‫ومن خالل عملها‬ ‫‪ -3‬و�سائل الإعالم‪:‬‬
‫تق���وم هذه المؤسس���ة برص���د النش���اط اإلعالمي‬ ‫المؤسس���ات اإلعالمية في إسرائيل بدَورٍ‬ ‫ّ‬ ‫تقوم‬
‫اإلفريقي تجاه إس���رائيل‪ ،‬وبنا ًء علي���ه؛ تقوم بإعداد‬ ‫متقن في خدمة السياس���ة اإلس���رائيلية الخارجية‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫التقارير لذوي االختصاص بالشؤون اإلفريقية داخل‬ ‫م���ن خالل المؤث���رات الدعائية التي تقوم بنش���رها‬
‫كتاب سنوي‪ ،‬يصدر عن‬ ‫إس���رائيل‪ ،‬وتعمل على ترويج ٍ‬ ‫عبر وس���ائل متعددة‪ ،‬وتتميز تلك المؤسسة بضخامة‬
‫مؤسسةٍ إسرائيلية‪ ،‬يحمل اسم (حقائق عن إسرائيل)‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ميزانيتها المالية وتقنياتها الحديثة‪ ،‬واالهتمام البالغ‬
‫ٍ‬
‫وبلغات مختلفة‪ ،‬يحمل‬ ‫يوزّع في ك ّل الدول اإلفريقية‪،‬‬‫من صانعي القرار اإلسرائيلي الذي ساعدها على أداء‬
‫أفكاراً ي ُهود ّية لتسويقها لدول العالم النامي ‪.‬‬
‫(((‬
‫مها ّمها والقيام بواجباتها بد ّقةٍ وإتقان(((‪.‬‬
‫‪ -4‬الجامعات ومراكز الأبحاث المتخ�ص�صة‪:‬‬ ‫فقد اهت ّم الساس��� ُة اإلسرائيل ّيون بتلك المؤسسة‬
‫حرصت إس���رائيل على إنش���اء مراكز ومعاهد‬ ‫منذ قيام الدولة‪ ،‬لتكون وس���يل ًة لالتصال بالطوائف‬
‫متخصصة بالش���ؤون اإلفريقية؛ لبحث س���بل توثيق‬ ‫ّ‬ ‫اليهودية العالمية‪ ،‬وتعبئتهم نفس ّياً وعقائد ّياً‪ ،‬ومحاولة‬
‫إبراز القضية اليهودية‪ ،‬وما تعانيه من سياسة التمييز العالقات بين الجان َبيْن‪ ،‬وأنس���ب اآلليات والوس���ائل‬
‫تأثير عل���ى توجهات ال َّرأي لتحقي���ق المخططات اإلس���رائيلية في المنطقة‪ ،‬من‬ ‫واالضطه���اد‪ ،‬لما لها من ٍ‬
‫خالل عمل الدراس���ات الدقيقة‪ ،‬وتدعيم المعلومات‬

‫(((   �أحمد الحاج عا�صم فتح الرحمان‪� ،‬إ�سرائيل و�إفريقيا‬


‫(((   نيت�سر �أول��ك‪ ،‬فيرو�س التع�صب حل ال�شيفرة ال�سيا�سية‬ ‫(الجهود الإ�سرائيلية الختراق القارة الإفريقية)‪ ،‬ال�سودان‪:‬‬
‫الإ�سرائيلية‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد ال��وه��اب محمود وه��ب ااهلل‪،‬‬ ‫بحوث �إفريقيا للن�شر‪ ،‬جويلية ‪2012‬م‪.‬‬
‫القاهرة‪ :‬مركز الدرا�سات ال�شرقية‪2003 ،‬م‪.‬‬ ‫(((   ن�صر الدين ديب �سعيد خ�ضر‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.122‬‬

‫‪49‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫سياسية‬
‫تعادل القوة التي تتمتع بها الدول الكبرى(((‪.‬‬ ‫الخاصة بش���ؤون األفارقة وتحدياتهم المس���تقبلية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫أن العالق���ات‬ ‫وق���د اعتب���رت إس���رائيل ّ‬ ‫تصورات مس���تقبليةٍ تس���تبق به���ا األحداث‬ ‫ٍ‬ ‫لوضع‬
‫والصداقات التي تقوم بها هي خُ طوةٌ أساس���ي ٌة‬ ‫وتحاول أن تطابقها بالواقع الفعلي‪ ،‬وفي هذا الش���أن‬
‫في صراعها مع الدول العربية‪ ،‬ووسيل ٌة لزعزعة‬ ‫إلثب���ات حضورها في الق���ارة اإلفريقية وفي منطقة‬
‫األمن العرب���ي ومصالحه التي له���ا جذو ٌر في‬ ‫مباش���ر من وزير الخارجية‬ ‫ٍ‬ ‫القرن اإلفريقي‪ ،‬وبإيعازٍ‬
‫المناط���ق اإلفريقي���ة‪ ،‬كما اتخ���ذت عالقاتها‬ ‫اإلسرائيلية أفيغدور ليبرمان‪ ،‬قامت جامعة بن غوريون‬
‫اإلفريقية وسيل ًة لتحقيق األمن للكيان الصهيوني‪،‬‬ ‫جديد للدراسات اإلفريقية‪ ،‬في محاولةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مركز‬
‫بإنشاء ٍ‬
‫من خ�ل�ال إقامة العالقات مع الدول اإلفريقية‪،‬‬ ‫هادفةٍ لتوصيل رس���الةٍ إلى األفارقة بأ ّن إس���رائيل‬
‫واكتس���اب الشرعية السياس���ية‪،‬ومن ثَ َّم تحقيق‬ ‫حريص ٌة على تنمية مواردهم البشرية وتق ُّدمها(((‪.‬‬
‫الس���يطرة والهيمنة على المنطقة اإلقليمية لها‪،‬‬ ‫المؤسس���ات‬ ‫ّ‬ ‫م���ن خالل تحلي���ل أب���رز جهود‬
‫تطويق للكيان العربي‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وما يترتّ���ب على هذا من‬ ‫اإلس���رائيلية‪ ،‬في سعيها لتقوية العالقات اإلسرائيلية‬
‫وإضعاف س���يطرته ونف���وذه‪ ،‬وعرقلة مصالحه‬ ‫بدول القرن اإلفريقي‪ ،‬تب ّين أ ّن هناك تعاوناً مش���تركاً‬
‫خاص تلك المصالح المشتركة‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫وبوجه‬ ‫العديدة‪،‬‬ ‫والمؤسسات غير‬ ‫َّ‬ ‫المؤسسات الرسمية الحكومية‬‫ّ‬ ‫بين‬
‫مع مجموعة دول حوض النيل ‪.‬‬
‫(((‬
‫الرس���مية األهلية‪ ،‬التي مارس���ت َدوراً حيو ّياً وف ّعاالً‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وسياسات‬ ‫ٍ‬
‫اس���تراتيجيات‬ ‫قد اتبعت إس���رائيل‬ ‫وساهمت في تنشيط الحراك السياسي بين الجان َبيْن‪.‬‬
‫خارجي��� ًة نش���ط ًة وف ّعال ًة ف���ي عالقاتها م���ع الدول‬ ‫م�����ح�����ددات ال�����س��ي��ا���س��ة ال���خ���ارج���ي���ة‬
‫اإلفريقي���ة‪ ،‬والتي ب َدورها تس���اعدها ف���ي تحقيق‬ ‫الإ�سرائيلية تجاه �إفريقيا‪:‬‬
‫ولكن هناك‬
‫مصالحها والحفاظ عل���ى أمنها وكيانها‪ّ ،‬‬ ‫إ ّن االس���تراتيجية التي لجأت إليه���ا الخارجية‬
‫تساؤالً مه ّماً‪ -‬بخصوص تلك السياسيات التي تتبعها‬ ‫اإلس���رائيلية‪ ،‬بعد قي���ام "الدولة اإلس���رائيلية" على‬
‫إس���رائيل مع دول إفريقيا‪ ،-‬وهو ما العوامل المؤثرة‬ ‫أساسي إلى تحقيق‬
‫ٍّ‬ ‫بشكل‬
‫األراضي الفلسطينية‪ ،‬تهدف ٍ‬
‫في السياسة الخارجية اإلسرائيلية في تعامالتها في‬ ‫المصالح اإلسرائيلية الصهيونية في المنطقة العربية‬
‫القارة اإلفريقية؟‬
‫والمحي���ط اإلقليمي لها‪ ،‬ولهذا في ظ ّل الرفض الذي‬
‫ومن ث َّم؛ في هذا المبحث؛ سيتم التركيز على تلك‬ ‫تع ّرضت له من قِ َبل الدول العربية؛ وجدت إس���رائيل‬
‫العوامل المتمثلة في المحددات الداخلية والخارجية‬ ‫طريقها لتحقيق السيطرة على المنطقة بوصفها ق ًوى‬
‫الخاصة بالسياسة الخارجية اإلسرائيلية في إفريقيا‪،‬‬ ‫ّ‬‫التوج���ه نحو القارة اإلفريقية‪،‬وقد‬
‫ّ‬ ‫فاعل ًة إقليم ّياً في‬
‫وذلك كاآلتي‪:‬‬
‫وضح فيه‬ ‫تجلّى هذا ف���ي تصريح بن غوريون‪ ،‬والذي ّ‬
‫أ ّن الصداق���ة التي تقيمها إس���رائيل مع إفريقيا أكثر‬
‫أهمي ًة من تل���ك التي تقيمها م���ع جارتها الحدودية (((   للمزيد انظر‪ :‬بدر �شافعي‪،‬نجاحات �إ�سرائيلية وهزائم‬
‫عربية في �إفريقيا‪،‬مجلة العربي الجديد‪،‬تاريخ الدخول‪:‬‬ ‫المتمثلة في مصر‪ ،‬حيث إنها بالرغم من عدم غناها؛‬
‫‪2017/11/30‬م‪،‬على الرابط الآتي‪:‬‬
‫‪https://www.google.com.eg/amp/s/www.alaraby.‬‬ ‫فإ ّن األصوات التي تعود إليه���ا في المحافل الدولية‬
‫‪/15/10/co.uk/amp//opinion/2017‬ن� � � � �ج � � � ��اح � � � ��ات‪-‬‬
‫�إ�سرائيلية‪-‬وهزائم‪-‬عربية‪-‬في‪�-‬إفريقيا‪1-‬‬
‫(((   للمزيد انظر‪ :‬زكي البحيري‪ ،‬م�صر وم�شكلة مياه النيل �أزمة‬
‫�سد النه�ضة‪ ،‬وزارة الثقافة‪( ،‬الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬م�صر‪:‬‬ ‫(((   عبد الرحمن حمدي‪� ،‬إفريقيا و�إ�سرائيل في عالم متغير‪،‬‬
‫رم�سي�س‪ ،‬ط‪�،)1،2016‬ص‪.266‬‬ ‫متاح على الرابط‪www.alraice :‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪50‬‬


‫األولية من الدول اإلفريقية‪.‬‬ ‫�أ‪ -‬المح ��ددات الداخلي ��ة لل�سيا�س ��ة الخارجي ��ة‬
‫وتُع��� ّد المياه في إس���رائيل مش���كل ًة تتفوق على‬ ‫الإ�سرائيلية تجاه �إفريقيا‪:‬‬
‫مشكلة الموقع اإلقليمي لها‪ ،‬حيث تعاني إسرائيل من‬ ‫إ ّن المح���ددات الداخلي���ة الت���ي تؤث���ر ف���ي‬
‫الفقر المائي منذ نش���أتها؛ أل ّن وعد بلفور لم يتطرق‬ ‫السياسة الخارجية اإلس���رائيلية‪ ،‬وتوجهها نحو قارة‬
‫لجانب توزيع الموارد المائية مع الفلس���طين ّيين‪ ،‬ومن‬ ‫إفريقي���ا‪ ،‬تتم ّثل في مجموعةٍ م���ن العوامل الداخلية‬
‫ثَ َّم تزيد االحتياجات المائية اإلسرائيلية عن المتوفر‬ ‫الخاصةِ بالمجتمع اإلس���رائيلي‪ ،‬س���واء تلك العوامل‬‫ّ‬
‫من الم���وارد المائية‪ ،‬وهذا قد يرجع لعدة أس���باب؛‬ ‫الجيوبولوتيكي���ة‪ ،‬أو العوام���ل األخ���رى المتم ّثلة في‬
‫منها‪ :‬الزيادة السكانية‪ ،‬سواء الطبيعية أو التي حدثت‬ ‫العوام���ل الديموغرافي���ة للكيان اإلس���رائيلي‪ ،‬وفي‬
‫بسبب هجرة اليهود إلى إسرائيل‪ ،‬والذين يت ّم توزيعهم‬ ‫هذا المطلب س���تتم مناقش��� ُة تلك العوامل المختلفة‬
‫على مناطق فقيرة من الموارد المائية‪ ،‬وكذلك التوسع‬ ‫والمتنوعة(((‪.‬‬
‫في المجال الزراعي اإلس���رائيلي‪ ،‬والنمو الصناعي‪،‬‬ ‫‪ -1‬العوامل الجيوبولوتيكية‪:‬‬
‫والتل���وث البيئ���ي الناتج ع���ن تغ ّير المن���اخ‪،‬ك ّل تلك‬ ‫يتم ّثل العامل الجيوبولوتيكي المؤثر في السياسة‬
‫العوامل تزيد من أهمية البعد المائي لدى السياس���ة‬ ‫الخارجية اإلس���رائيلية‪ -‬من وجه���ه نظر العديد من‬
‫اإلسرائيلية‪ ،‬حيث أصبح يش ّكل مرتكزاً أساس ّياً لألمن‬ ‫خبراء السياس���ة‪ -‬في المش���كالت المتعلقة بموقع‬
‫القومي اإلسرائيلي‪.‬‬ ‫إس���رائيل من ناحيةٍ ‪ ،‬ومش���كلة المياه فيها‪ ،‬فالموقع‬
‫وقد دخلت إس���رائيل في العديد من الصراعات‬ ‫له تأثيره في السياس���ة الخارجية اإلسرائيلية‪ ،‬حيث‬
‫مع الدول العربية ألجل تأمين البعد المائي لها‪ ،‬حيث‬ ‫تتمتع فلسطين التي احتلها اإلسرائيليون بموقع فريد‪،‬‬
‫ص ّرح شارون رئيس الوزراء اإلسرائيلي‪ -‬السابق‪ :-‬أ ّن‬ ‫فهي تقع متوسطة بين الدول العربية‪ ،‬ولها حدو ٌد على‬
‫من الدوافع األساس���ية لقيام حرب ‪1967‬م تتم ّثل في‬ ‫البحر األحمر والمتوس���ط‪ ،‬وتُع ّد في ملتقى القارات‬
‫إبطال المخططات العربية في اجتماع الق ّمة العربية‬ ‫الث�ل�اث‪ .‬ولكن نظراً لصغر حجم إقليمها‪ ،‬وتوس���طه‬
‫‪1964‬م لتحويل مجرى نهر األردن لمنع إس���رائيل من‬ ‫بين الدول العربية‪ ،‬فهي تتأث���ر بالمتغيرات العربية‪،‬‬
‫االستفادة منه‪ ،‬وأيضاً ما حدث في ‪1978‬م من االجتياح‬ ‫وتتأثر بالسياس���ات العربية نحوها‪ ،‬كسياسة ال ُعزلَة‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬والذي ُس���مي بـ«عملية الليطاني»‪ .‬وهذا‬ ‫العربية في مواجهتها س���ابقاً‪ ،‬والتي قد حرمتها من‬
‫ما يعكس أهمية مياه هذا النهر لإلسرائيل ّيين‪ ،‬وأهمية‬ ‫القدرة على المرور من قناة السويس وتمرير تجارتها‪،‬‬
‫البعد المائي و َدوره في السياسات اإلسرائيلية‪.‬‬ ‫وله���ذا حفّزها ه���ذا الوضع على االهتم���ام بالبحر‬
‫وحاولت إسرائيل في مفاوضاتها مع العرب جعل‬ ‫األحم���ر وخليج العقبة وباب المن���دب‪ ،‬ومن ثَ َّم فهي‬
‫ولكن العرب‬‫البعد المائي من مرتكزات المفاوضات‪ّ ،‬‬ ‫تتوجه لل���دول اإلفريقية للتمكن من الس���يطرة على‬
‫ل���م يعطوا للمبدأ فرصة‪ ،‬مما كان محفّزاً للسياس���ة‬ ‫ال لقناة السويس تستطيع‬ ‫باب المندب‪ ،‬وتنش���ئ بدي ً‬
‫للتوج���ه إلقامة العالقات م���ع الدول‬ ‫ّ‬ ‫اإلس���رائيلية‬ ‫بواس���طته تصدير منتجاتها والحص���ول على المواد‬
‫اإلفريقي���ة‪ ،‬وتقديم الدعم والمس���اعدات في إقامة‬
‫حص ٌة من‬‫المش���روعات المائية التي يتوفر لها فيها ّ‬ ‫(((   للمزيد انظر‪ :‬يا�سمين ال�سيد �أحمد عبد ال�سالم محمد‪�،‬أثر‬
‫المياه‪ ،‬أو تس���تطيع ش���راء المياه من الدول المعن ّية‬ ‫المتغيرات الإقليمية على ال�سيا�سة الخارجية الإ�سرائيلية‬
‫بالمشروع‪ ،‬وهذا يتم ّثل في مس���اعداتها إلنشاء س ّد‬ ‫‪2016-2011‬م‪،‬المركز الديموقراطي العربي‪،‬على الرابط‪:‬‬
‫‪https://www.google.com.eg/amp/democraticac.‬‬
‫النهضة اإلثيوبي‪ ،‬والذي ت ّم بواس���طة بعض الشركات‬ ‫‪de/%3fp=34868&=1‬‬

‫‪51‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫سياسية‬
‫يهود إس���رائيل بتهجير الجاليات اليهودية الموجودة‬ ‫بش���كل غير مباشر‪ ،‬بهدف حماية األمن‬
‫ٍ‬ ‫اإلسرائيلية‬
‫في الدول اإلفريقية‪ ،‬كجماعات الفالش���ا واإلشكناز‬ ‫القومي إلس���رائيل من ناحية توفي���ر المياه المرادة‪،‬‬
‫والسفارديم‪ ،‬وغيرها من اليهود في العديد من الدول‬ ‫وإضعاف الجانب العربي بإيج���اد أزمات المياه التي‬
‫اإلفريقية‪ ،‬حيث رأت إسرائيل في إفريقيا مجاالً حيو ّياً‬ ‫ته ّدد أمنه القومي؛ مما يس��� ّهل لها الفوز في الصراع‬
‫لدعم البعد الديموغرافي اليهودي في إسرائيل‪.‬‬ ‫«العربي‪-‬اإلسرائيلي»‪.‬‬
‫ب‪ -‬المح ��ددات الخارجي ��ة لل�سيا�سة الخارجية‬ ‫‪ -2‬العوامل الديموغرافية‪:‬‬
‫يتم ّثل العامل الديموغراف���ي للدولة في الموارد الإ�سرائيلية تجاه �إفريقيا‪:‬‬
‫تُع ّد السياس���ات اإلس���رائيلية من السياس���ات‬ ‫البشر ّية والسكان‪ ،‬والذي يع ّبر عن القدرة التي تتمتع‬
‫الدقيقة الس���ريعة‪ ،‬التي ال تترك الف���رص تم ّر دون‬ ‫بها الدولة في بناء قوةٍ اقتصاديةٍ وعس���كريةٍ مناسبةٍ‬
‫االس���تفادة منها‪،‬ومن هنا فإس���رائيل تتابع األحداث‬ ‫لإلقليم‪ ،‬وقد عانت "دولة إس���رائيل" منذ قيامها في‬
‫في اإلقليم اإلفريقي ليكون دائماً على قائمة أولويات‬ ‫‪1948‬م من مشكلةٍ ديموغرافية‪ ،‬تتم ّثل في قلّة السكان‬
‫اهتماماتها‪.‬‬ ‫اليهود في إس���رائيل‪ ،‬حيث لم تتمكن من اس���تقطاب‬
‫وفي ه���ذا المطلب؛ س���يتم تناول ع���دة ٍ‬
‫نقاط‬ ‫اليهود من مناطق العالم المختلفة‪،‬حيث كان س���كان‬
‫أساس���ية‪ ،‬تم ّثل المح���ددات المؤثرة في السياس���ة‬ ‫إس���رائيل ينقسمون بنس���بة ‪ %75.5‬لليهود و‪%20.5‬‬
‫الخارجية اإلس���رائيلية في إفريقيا‪،‬حيث سيتم تناول‬ ‫للعرب من إجمالي عدد السكان‪ ،‬ويزيد النمو السكاني‬
‫المحددات السياس���ية واألمني���ة‪ ،‬ومن ثم المحددات‬ ‫لليه���ود بنس���بة ‪ ،%2‬ويزيد العرب بنس���بةٍ تصل إلى‬
‫االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬والتي ب َدورها ستُب ّين طبيعة‬ ‫‪ ،%4‬وباقي الس���كان فيها كانوا مهاجرين يهود‪ -‬غير‬
‫السياسة الخارجية اإلسرائيلية‪.‬‬ ‫مسجلين على أنهم يهود‪ -‬بنسبة ‪ %4.2‬من اإلجمالي‬ ‫ّ‬
‫المحددات ال�سيا�سية‪:‬‬ ‫السكاني‪.‬‬
‫تتم ّثل المحددات السياسية التي تدفع إسرائيل‬ ‫وقد اتبعت إس���رائيل سياس ًة استيطانية؛ بالرغم‬
‫إلقامة العالقات مع الدول اإلفريقية في‪ :‬أوالً‪ :‬صراعها‬ ‫من الرفض الدولي لتلك السياس���ات التي أدت لطرد‬
‫مع الدول العربية لبناء "دولة إس���رائيل الكبرى"‪ ،‬ومن‬ ‫عرب فلس���طين م���ن منازلهم ألجل تس���كين اليهود‬
‫ثم كيفية استغالل تقربها للدول اإلفريقية‪ ،‬كما حدث‬ ‫الوافدين إلس���رائيل‪ ،‬واأله ّم من ذلك‪ :‬فقد كان عدد‬
‫بعد اس���تقاللها في الخمسينيات‪ ،‬لتستطيع السيطرة‬ ‫اليهود المغادرين إلس���رائيل‪ ،‬بسبب عدم القدرة على‬
‫على أبعاد صراعها مع العرب‪ .‬ومن ثَ َّم ثانياً‪ :‬استغالل‬ ‫التك ّي���ف مع الظروف اإلقليمي���ة الجديدة والتغيرات‬
‫المكان���ة الدولية لل���دول اإلفريقي���ة متجمعة‪ ،‬والتي‬ ‫المناخية‪ ،‬أكبر من عدد اليهود القادمين إليها(((‪.‬‬
‫وضحت في العديد من التجمعات الدولية‪.‬‬ ‫ونتيج ًة لما س���بق؛ اتجهت السياسات الخارجية‬
‫وم���ن هن���ا س���نتناول َدور «الص���راع العربي‪-‬‬ ‫اإلس���رائيلية نحو القارة اإلفريقي���ة إلقامة العالقات‬
‫اإلس���رائيلي» والمكان���ة الدولية لل���دول اإلفريقية؛‬ ‫أساس���ي يتمثل في زيادة عدد‬
‫ٍّ‬ ‫التعاونية معهم‪ٍ ،‬‬
‫لهدف‬
‫كمحد ٍّد للسياسات اإلسرائيلية‪:‬‬
‫‪ -‬ال�صراع العربي‪-‬الإ�سرائيلي‪:‬‬ ‫(((   للمزيد انظر‪ :‬على بدران‪،‬التركيبة ال�سكانية لإ�سرائيل‬
‫يُع ّد األمن القومي اإلس���رائيلي من أه ّم األهداف‬ ‫وال �ت �ط��ور ال�سكاني ل�ل�ع��رب الفل�سطينيين‪،‬مجلة ال�شرق‬
‫الأو�سط (ع ‪9182،2004‬م)‪،‬على الرابط‪http://archive. :‬‬
‫التي تس���عى إس���رائيل لحمايتها‪ ،‬والذي يُع ّد أساساً‬
‫‪aawsat.com/details.asp?article=213298&issue‬‬
‫لصراعها م���ع العرب‪ .‬وفي ظ ّل التغيرات التي تحدث‬ ‫‪no=9182#.WiHPBRkVvqA‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪52‬‬


‫المس���اعدات إلى كونها دول ًة صغي���ر ًة حديثة القيام‪،‬‬ ‫بالدول العربية من حيث التغ ّير في الن ُُّظم السياس���ية‬
‫وأنها دول ٌة حيادي ٌة ال تنتمي للرأسمالية الغربية‪ ،‬وليس‬ ‫والقيادية‪ ،‬والس���يما مصر رائدة الص���راع «العربي‪-‬‬
‫أهداف اس���تعمارية في المنطقة‬ ‫ٍ‬ ‫أطم���اع أو‬
‫ٍ‬ ‫أي‬
‫لها ّ‬ ‫مجال‬
‫اإلسرائيلي»‪ ،‬كان الب ّد إلسرائيل من البحث عن ٍ‬
‫اإلفريقية‪ ،‬ولكن رغبت في التعاون والمس���اعدة فقط‬ ‫بديل تس���تطيع تحقي���ق أهدافها من خالل‬ ‫إقليم���ي ٍ‬
‫ٍّ‬
‫ألنها قد وجدت تش���ابهاً بينها وبين الدول اإلفريقية‪،‬‬ ‫التواجد فيه‪ ،‬وقد كان هذا النطاق الجديد يتم ّثل في‬
‫والذي تم ّثل في أ ّن كلاّ ً من اليهود واألفارقة قد عانوا‬ ‫األراضي اإلفريقية‪ ،‬حيث مثلت العالقات الدبلوماسية‬
‫من الظلم والمعامالت غير السوية والعبودية والشتات‬ ‫التي أقامتها إس���رائيل في إفريقي���ا حوالي ‪ %48‬من‬
‫والكبت على م ّر السنين(((‪.‬‬ ‫إجمالي العالقات الخارجية للسياسة اإلسرائيلية في‬
‫وقد اعتمدت إسرائيل في تحقيق أهدافها بتكوين‬ ‫ك ّل العالم(((‪.‬‬
‫عالقاتها مع الدول اإلفريقية‪ ،‬واكتساب رضا القيادات‬ ‫لقد كان المناخ السياس���ي الذي تك ّون في القارة‬
‫بش���كل كبير‪ ،‬حيث‬
‫ٍ‬ ‫اإلفريقية‪ ،‬على الجانب الدعائي‬ ‫اإلفريقية محفّزاً قو ّياً التجاه السياس���ة اإلسرائيلية‬
‫قام���ت المنــظمات الصهيوني���ة والهيئات اإلعالمية‬ ‫ف���ي عالقاتها م���ع ال���دول اإلفريقية‪ ،‬حي���ث كانت‬
‫الـتابـعـة لـوزارة الخـارجـية اإلس���رائيلية بالتــرويج‬ ‫الدول اإلفريقية تحت س���يطرة الدول االس���تعمارية‬
‫ل���ـ "الدولة اإلس���رائيلية" وسياس���اتها التعاونية في‬ ‫حتى الخمس���ينيات من القرن العشرين‪ ،‬ومن ثَ َّم أثر‬
‫المنطقة اإلقليمية لها‪ ،‬وهذا ما نالحظه حتى اآلن في‬ ‫االستعمار في كيانات الدول اإلفريقية‪ ،‬سواء من حيث‬
‫السياس���ات اإلسرائيلية‪ ،‬وهي اعتمادها على الجانب‬ ‫تش��� ّبع التراث الفكري اإلفريق���ي بالثقافات الغربية‪،‬‬
‫الدعائي ألعمالها‪ ،‬والجانب المؤسس���ي االجتماعي‬ ‫أو أثر فيها م���ن خالل تكوينه للمجتمع���ات ال َم َدن ّية‬
‫والمؤسسات والمراكز اإلعالمية‬ ‫ّ‬ ‫بتجنيد الشخصيات‬ ‫وقوى الضغط الت���ي تم ّثلت في النقاب���ات والهيئات‬
‫اليهودية وغي���ر اليهودية للترويج لـ"دولة إس���رائيل"‬ ‫والجمعي���ات‪ ،‬والتي هدفت أساس���اً إل���ى الحفاظ‬
‫وقيامها في المنطقة العربية‪ ،‬وقد نجحت في تحقيق‬ ‫على المتغي���رات الناتجة عن االس���تعمار في الدول‬
‫مناسب‬
‫ٍ‬ ‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫هدفها بالترويج لسياساتها في إفريقيا‬ ‫اإلفريقي���ة‪ ،‬والمحافظة على أوضاعها التقليدية دون‬
‫ألهدافها ومصالحها الوطنية(((‪.‬‬ ‫تط ّورٍ أو تغ ّي ٍر لصالح تلك الدول اإلفريقية(((‪.‬‬
‫وقد س���اعدها في تحقيق وجودها في إفريقيا‪:‬‬ ‫وقد س���عت إس���رائيل س���ريعاً الس���تغالل تلك‬
‫االنحسار والتراجع الكبير في ال َّدور والنفوذ المصري‬ ‫الظروف السياس���ية في ال���دول اإلفريقية‪ ،‬واتبعت‬
‫ف���ي إفريقيا خالل فترتَي حكم ك ٍّل من الرئيس محمد‬ ‫سياسات م ّد يد العون والتعاون مع القيادات اإلفريقية‬
‫أنور السادات‪ ،‬والرئيس األسبق محمد حسني مبارك‬ ‫الجديدة‪ ،‬وتقديم المساعدات الفنية واإلنسانية للدول‬
‫بشكل كبير مع الدول اإلفريقية‬‫الذي قد قطع عالقاته ٍ‬ ‫اإلفريقية التي حصلت على االستقالل‪.‬‬
‫ولك���ن كيف قد س��� ّوغت لل���دول اإلفريقية تلك‬
‫المساعدات التي تق ّدمها؟ لقد لجأت في تسويغ تلك‬
‫(((   يحي غانم‪� ،‬أ�سرار العالقات الخا�صة بين �شارون وحركات‬
‫التمرد في �إفريقيا‪ ،‬مجلة ال�سيا�سة الدولية (القاهرة‪،‬ع‬
‫‪130،2006‬م)‪،‬ع �ل��ى الرابط‪http://www.ahram.org. :‬‬ ‫(((   للمزيد ان �ظ��ر‪ :‬م�ي�ل��ود و� �ض��اح��ي‪ ،‬ال�سيا�سة الخارجية‬
‫‪REPO3.HTM/10/1/eg/Archive/2006‬‬ ‫الإ�سرائيلية تجاه دول �إفريقيا درا�سة حالة القرن الإفريقي‬
‫‪ ،2013-1990‬ر�سالة ماج�ستير (جامعة محمد بو�ضياف‬
‫(((   ن �ج��دت زري �ق��ة‪،‬ال��دع��اي��ة الإ��س��رائ�ي�ل�ي��ة‪،‬م�ج�ل��ة ال��وح��دة‬
‫بالم�سيلة‪2015،‬م)‪�،‬ص‪.111‬‬
‫(الالذقية‪،‬ع ‪7008،2017‬م)‪ ،‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://wehda.alwehda.gov.sy/node/334743‬‬ ‫(((   للمزيد انظر‪ :‬مرجع �سابق ميلود و�ضاحي‪�،‬ص‪.108‬‬

‫‪53‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫سياسية‬
‫بمعنى أ ّن إس���رائيل قد صادق���ت وتعاونت مع الدول‬ ‫بعد حادثة محاولة االغتيال في أديس أبابا اإلثيوبية‪.‬‬
‫اإلفريقي���ة؛ بهدف أن تحظى بدعمه���م وتأييدهم في‬ ‫كما اعتمدت السياسة الخارجية اإلسرائيلية في‬
‫المنظمات الدولية في نطاق صراعها مع العرب‪ ،‬بحيث‬ ‫صراعها على سياس���ة ش��� ّد األطراف ثم بترها‪ ،‬تلك‬
‫تُضعف تأييدهم للقضايا العربية األساس���ية في هذا‬ ‫بطريق‬
‫ٍ‬ ‫الطريقة التي تتعامل بها ألجل إضعاف خصمها‬
‫الصراع‪،‬حتى إ ْن لم تحظ بالتأييد‪ ،‬فال تُواجه سياساتها‬ ‫غير مباش���ر‪ ،‬حيث تتعاون مع ال���دول اإلفريقية ومن‬
‫حيادي‬
‫ٌّ‬ ‫بالرفض‪ ،‬ويكون لدى ال���دول اإلفريقية موقفٌ‬ ‫ث ّم تحفّز الخالف���ات العِ ْرقية والدينية وال َق َبل ّية‪ ،‬وتم ّد‬
‫من التصرفات اإلسرائيلية في التجمعات الدولية‪.‬‬ ‫المتمردين بالس�ل�اح والعتاد‪ ،‬لينتهي األمر بالحروب‬
‫كبير للحصول على‬ ‫بش���كل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وقد س���عت إسرائيل‬ ‫األهلية واألزمات واالنقس���امات‪ ،‬ومن ثَ َّم ضعف تلك‬
‫الثقل التمثيلي في األصوات اإلفريقية في المنظمات‬ ‫المناطق التي تحدث بها الصراعات األهلية‪ ،‬ومن ثَ ّم‬
‫الدولي���ة‪ ،‬حيث بلغت نس���به التمثي���ل اإلفريقي في‬ ‫ضعف الجانب العربي في مواجهتها‪ ،‬وهذا بالفعل ما‬
‫الجمعي���ة العا ّم���ة لألمم المتح���دة ‪ %32‬من مجموع‬ ‫قامت به في الس���ودان‪ ،‬والذي انتهي باالنقس���ام في‬
‫للتوجه اإلسرائيلي‬ ‫ّ‬ ‫األصوات‪ ،‬وقد ت ّدعم هذا التبرير‬ ‫عام ‪2011‬م ما بين الشمال والجنوب‪ ،‬وما ترتّب عليه‬
‫نحو إفريقيا بتصريح جولدا مائير‪« :‬قد يقول البعض‬ ‫من خس���ارة الجانب العربي ألحد أطرافه األساس ّيين‬
‫أصوات‬‫ٍ‬ ‫إننا قد ذهبنا إلى إفريقي���ا ألننا بحاجةٍ إلى‬ ‫في الصراع مع إسرائيل‪ ،‬وهذا ما تصبو إليه إسرائيل‬
‫مؤيدة في األمم المتح���دة‪ ،‬وهذا صحي ٌح‪ ،‬فهو عام ٌل‬ ‫جدي في عالقاتها اإلفريقية والعربية(((‪.‬‬ ‫بشكل ٍّ‬‫ٍ‬
‫مهم‪،‬وإن كان ليس العامل الوحيد»(((‪.‬‬ ‫ومن المستنتج من ك ّل تلك األحداث‪ :‬أ ّن العالقات‬
‫المحددات االقت�صادية‪:‬‬ ‫كبير بالصراع‬ ‫بش���كل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫اإلس���رائيلية اإلفريقية ترتبط‬
‫يُع ّد المن���اخ االقتصادي للدول اإلفريقية التي عانت‬ ‫«العربي‪-‬اإلس���رائيلي»‪ ،‬حيث تبنَّ���ت األخيرة ب َدورها‬
‫عام�ل�ا مؤثراً في السياس���ات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫طوي�ل�ا من االس���تعمار‬ ‫سياس���ة ال ُعزلَة ض ّد العرب أنفس���هم‪ ،‬بسبب سياسة‬
‫اإلس���رائيلية تجاه المنطقة‪ ،‬حيث أرادت إس���رائيل أن‬ ‫ال ُعزلَ���ة التي واجهتها من قِ َبل العرب‪ ،‬بحيث س���عت‬
‫تستغ َّل الظروف االقتصادية للدول اإلفريقية‪ ،‬حيث تم ّيز‬ ‫لعزل العرب عن مناطق مختلف���ةٍ من العالم‪ ،‬كعزلهم‬
‫االقتص���اد اإلفريقي بكونه اقتصاداً فقي���راً‪ ،‬وقد واجه‬ ‫عن إفريقيا‪ ،‬والدول الغربية أيضاً‪ .‬كما رأت إسرائيل‬
‫العديد من المشكالت والعقبات التي تم ّثلت في االعتماد‬ ‫إفريقيا مجاالً مناس���باً لتحقيق مصالحها وأهدافها‬
‫عل���ى التجارة الخارجي���ة‪ ،‬وانخفاض الطل���ب والدخل‪،‬‬ ‫العربي في صراعها معه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫على حساب الطرف‬
‫وسيطرة األجانب على رؤوس األموال واالستثمارات في‬ ‫‪ -‬المكانة الإفريقية في المنظمات الدولية‪:‬‬
‫المشروعات االقتصادية التي تحقّق المصالح األجنبية(((‪.‬‬ ‫تُع��� ّد المكانة الت���ي تتمتع بها ال���دول اإلفريقية‬
‫وس���عت القي���ادات اإلفريقية بعد االس���تقالل‬ ‫في المنظمات الدولية‪ ،‬والس���يما األمم المتحدة‪ ،‬من‬
‫ٍ‬
‫سياس���ات وبرام���ج تنموية اقتصادية تدعم‬ ‫إلى اتباع‬ ‫المحفزات إلس���رائيل في توجهها إلقامة العالقات مع‬
‫اس���تقالل تلك الدول وتق ّويه‪ ،‬ولكن كيف تحقق الدول‬ ‫الدول اإلفريقية‪ ،‬بحيث س���عت إس���رائيل إلى تحييد‬
‫ال���دول اإلفريقية في الصراع «العربي‪-‬اإلس���رائيلي»‪،‬‬

‫(((   ج ��ول ��دا م��ائ��ي��ر‪،‬اع��ت��راف��ات ج ��ول ��دا م��ائ �ي��ر‪،‬ت��رج �م��ة‬ ‫(((   للمزيد ان �ظ��ر‪� :‬إب��راه �ي��م ي��و��س��ف ح �م��ادة ع ��ودة‪،‬ال ��دور‬
‫ع ��زي ��ز ع���زم���ي‪(،‬ال� �ق���اه���رة‪ :‬دار ال� �ت� �ع ��اون ل�ل�ط�ب��اع��ة‬ ‫الإ�سرائيلي في انف�صال جنوب ال�سودان وتداعياته على‬
‫والن�شر‪1979،‬م)‪�،‬ص‪.242‬‬ ‫ال�صراع العربي الإ�سرائيلي‪،‬ر�سالة ماج�ستير(جامعة النجاح‬
‫(((   ميلود و�ضاحي‪،‬مرجع �سابق‪�،‬ص‪.116‬‬ ‫الوطنية‪،‬فل�سطين‪ :‬نابل�س‪2014،‬م)‪�،‬ص (‪.)78-77‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪54‬‬


‫المؤثرة في العالقات اإلسرائيلية اإلفريقية‪.‬‬ ‫اإلفريقية االس���تقاللية االقتصادية في ظ ّل العقبات‬
‫تع��� ّددت الجالي���ات اليهودي���ة الت���ي تحتضنها‬ ‫التمويلي���ة‪ ،‬وغيرها من المش���كالت التقنية والفنية‬
‫الدول اإلفريقية عل���ى أراضيها‪ ،‬وتباينت في حجمها‬ ‫الالزمة لنجاح المشروعات االقتصادية؟ وفي ظ ّل تلك‬
‫ونفوذها وقوتها‪،‬حيث انتش���رت في الشمال اإلفريقي‬ ‫الرغبات واألهداف اإلفريقية؛ وجدت إسرائيل المنفذ‬
‫الجماعات اليهودية الس���فارديم القادمة من البرتغال‬ ‫الذي من خالله تستطيع الدخول للقارة اإلفريقية‪.‬‬
‫وإس���بانيا‪،‬وجماعات األش���كناز في الشمال والشرق‬ ‫ق ّدمت إس���رائيل للدول اإلفريقية المس���اعدات‬
‫للق���ارة اإلفريقي���ة‪ ،‬باإلضافة للجالي���ات الموجودة‬ ‫الفني���ة والتقنية المتمثلة في الكوادر البش���رية ذات‬
‫بإثيوبي���ا‪ ،‬وهم يهود الفالش���ا الذين قد ت ّم تهجيرهم‬ ‫الخبرات المد ّرب���ة‪ ،‬ودعمتها برؤوس األموال الالزمة‬
‫س��� ّراً إلى إسرائيل عبر السودان فيما ُعرف بـ«عملية‬ ‫لبدء المشروعات االقتصادية‪.‬‬
‫موس���ي»‪ ،‬وذلك بتعاون جهاز الموس���اد اإلسرائيلي‬ ‫ٌ‬
‫أهداف إس���رائيلي ٌة من وراء تلك‬ ‫ولكن هل يوجد‬
‫مع جهاز األمن الس���وداني برئاس���ة جعفر النميري‪.‬‬ ‫أهداف لها‪ ،‬حيث تنظر‬‫ٌ‬ ‫المس���اعدات؟‪ ..‬نعم؛ هناك‬
‫باإلضاف���ة للجاليات الموجودة بجنوب إفريقيا‪ ،‬والتي‬ ‫إس���رائيل للق���ارة اإلفريقية بوصفها مج���اال ً للربح‬
‫تتميز بغناها على مس���توى الجالي���ات اليهودية في‬ ‫اإلسرائيلي على المدى البعيد‪ ،‬إذ تتوافر فيها المواد‬
‫العالم‪،‬ويوجد اليهود أيضاً ف���ي ٍ‬
‫دول إفريقيةٍ عديدةٍ‬ ‫األولية والثروات الطبيعي���ة الالزمة لدعم االقتصاد‬
‫أخرى‪ ،‬كأوغندا وكينيا وزيمبابوي ونيجيريا‪ ،‬وهذا ما‬ ‫والصناعات اإلس���رائيلية‪ ،‬كما تُع ّد األسواق اإلفريقية‬
‫دفع إس���رائيل للتوجه نحو إفريقيا وإقامة العالقات‬ ‫من أه ّم األس���واق العالمية‪ ،‬من ثَ ّم تساعد في توفير‬
‫االقتصادية والتجارية والدبلوماسية معها(((‪.‬‬ ‫فرص العمل للخبرات والكوادر الفائضة في إسرائيل؛‬
‫بهذا الوجود اليهودي في القارة اإلفريقية؛ اندفعت‬ ‫بما يدعم العالقات التجارية اإلس���رائيلية والمصالح‬
‫إس���رائيل لتحقيق أهدافها من خالل تل���ك الجاليات‬ ‫اإلسرائيلية في الوقت نفسه(((‪.‬‬
‫اليهودية الستخدامها في تنفيذ السياسات اإلسرائيلية‬ ‫المحددات االجتماعية‪:‬‬
‫بحجة أنها تهدف لحماية اليهود األفارقة‬
‫ف���ي إفريقيا‪ّ ،‬‬ ‫إ ّن المب���دأ األساس���ي الذي تس���ير الصهيونية‬
‫من أشكال التمييز والعنصرية‪ .‬وعليه؛ فإ ّن من أولويات‬ ‫وفقاً له‪ ،‬وه���و تجميع اليهود المش���تّتين في مناطق‬
‫الصهيونية تهجير اليهود األفارقة إلى إس���رائيل لدعم‬ ‫واحد بوصفه أرض الميعاد‬ ‫وط���ن ٍ‬‫ٍ‬ ‫العالم ليكونوا في‬
‫العامل الديموغرافي اإلسرائيلي قليل العدد في مواجهة‬ ‫ّ‬
‫المخطط الصهيوني‬ ‫وإنش���اء "دولة إس���رائيل"‪ ،‬هذا‬
‫الع���رب من ناحي���ةٍ ‪ ،‬ومن ناحيةٍ أخرى اس���تغالل تلك‬ ‫موطن لليهود‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫تحقّقت من���ه الخطوة األولى بإيج���اد‬
‫الجاليات لتكون عمال ًة رخيص ًة داخل إس���رائيل‪ ،‬يمكن‬ ‫ومن ثَ ّم سعت لتحقيق الخطوات التالية‪ ،‬وهي تجميع‬
‫من خاللها أن تحقق أهدافها االقتصادية((( ‬ ‫اليهود من البلدان المختلف���ة على أرض هذا الوطن‬
‫الجدي���د‪ ،‬لمعالجة والتغلب على االختالل الس���كاني‬
‫وقلّ���ة عدد اليهود‪ ،‬ومن ثَ َّم يُع ّد المحدد الديموغرافي‬
‫ال مؤثراً في اهتمام إسرائيل بالجاليات اليهودية (((   �شريف عبدالعظيم محمود‪ ،‬الهيمنة الإ�سرائيلية في �إفريقيا‬ ‫عام ً‬
‫ودور الجاليات اليهودية‪،‬موقع �إيالف‪،‬على الرابط‪:‬‬
‫‪.61357 /5 /http://elaph.com/Web/AsdaElaph/2005‬‬ ‫اإلفريقية‪ ،‬والتي تُع ّد ب َدورها من العوامل األساس���ية‬
‫‪htm?sectionarchive=AsdaElaph‬‬

‫(((   للمزيد انظر‪ :‬عبدالنا�صر �سرر‪،‬ال�سيا�سة الإ�سرائيلية تجاه‬


‫�إفريقيا(جنوب ال�صحراء) بعد الحرب الباردة‪ ،‬مجلة جامعة‬ ‫(((   ل �ل �م��زي��د ان� �ظ ��ر‪ :‬م �ي �ل��ود و� �ض��اح��ي‪،‬ال �م��رج��ع ال���س��اب��ق‬
‫الخليل للبحوث (فل�سطين‪،‬مج ‪،5‬ع ‪2،2010‬م)‪� ،‬ص‪.162‬‬ ‫نف�سه‪�،‬ص‪.116‬‬

‫‪55‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫تنموية‬

‫التكامل المالي في إفريقيا‪:‬‬


‫دراسة حالة الجماعة‬
‫االقتصادية لدول شرق إفريقيا‬
‫)‪East African Community (EAC‬‬

‫د‪ .‬جيهان عبد ال�سالم عبا�س‬


‫مدر��س االقت�ص�اد– كلية الدرا�س�ات الإفريقية‬
‫العليا‪ /‬جامعة القاهرة‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪56‬‬


‫األس���واق المالية من صغر الحجم وتراجع السيولة‪،‬‬
‫كذلك القطاع المصرفي الذي يس���تحوذ على معظم‬
‫معظ�م ال�دول الإفريقي�ة م�ن ع�دة‬
‫م�ش�كالت اقت�ص�ادية‪� ،‬أهمه�ا ارتف�اع‬
‫تعاني‬
‫األصول المالية وتشوبه بعض المشكالت‪ ،‬مثل ارتفاع‬
‫التكاليف‪ ،‬ومحدودية الربحية‪ ،‬واقتصار البنوك ذات‬
‫مع�دالت الفق�ر والبطال�ة‪ ،‬وتراجع مع�دالت االدخار‬
‫الكفاءة على البنوك األجنبية العاملة في شرق إفريقيا‪.‬‬ ‫واال�س�تثمار‪ ،‬وزي�ادة االعتم�اد عل�ى المعون�ات‬
‫وبالتالي؛ فإ ّن االهتم���ام بتحقيق التكامل المالي‬ ‫ت�ص�ب �آث�اره‬
‫والم�س�اعدات الإنمائي�ة‪ ،‬الأم�ر ال�ذي ّ‬
‫س���يكون خطو ًة مه ّمة نحو تعزي���ز النمو االقتصادي‬ ‫النهائي�ة ف�ي تراج�ع مع�دالت النم�و االقت�ص�ادي‬
‫خاص ًة في ظ ّل كونه أحد أه ّم التكتالت‬
‫لدول التكتل‪ّ ،‬‬
‫االقتصادية الواعدة في إفريقيا‪.‬‬
‫و�ض�عف عملية التنمية‪ .‬ومع انفتاح اقت�صادات الدول‬
‫ومن هذا المنطلق تستعرض هذه الدراسة النقاط‬ ‫الإفريقي�ة عل�ى العال�م الخارج�ي‪ ،‬وتبنّ�ي برام�ج‬
‫اآلتية‪:‬‬ ‫الإ�صلاح االقت�ص�ادي‪� ،‬أ�ص�بح لزام� ًا عل�ى �إفريقيا �أن‬
‫مفهوم التكامل المالي ومراحله‪ ،‬ومالمح التكامل‬ ‫تتبع برامج التحرير المالي �ضمن برامج الإ�صالح‪.‬‬
‫المال���ي في إفريقيا في إط���ار التكتالت االقتصادية‬ ‫ٍ‬
‫توجهات نحو التكامل‬ ‫وفي ظ ّل ما يشهده العالم من‬
‫القائمة‪ ،‬والتكامل المالي بين دول الجماعة االقتصادية‬ ‫وتشكيل التكتالت االقتصادية اإلقليمية‪ ،‬زادت حاجة‬
‫لدول شرق إفريقيا على مستويي القطا َعيْن المصرفي‬ ‫الدول اإلفريقية إلى تحقيق هذا التكامل من خالل ما‬
‫وغير المصرفي‪ ،‬وأثر التكامل المالي على اقتصادات‬ ‫تكتالت اقتصادية عديدة‪ .‬ومن هذا المنطلق‬‫ٍ‬ ‫لديها من‬
‫وس���بل تعزيز التكامل المالي في‬
‫دول شرق إفريقيا‪ُ ،‬‬ ‫السبل الالزمة لتحقيق‬‫يعتبر التكامل المالي أحد أه ّم ُّ‬
‫إفريقيا‪ ،‬وفيما يلي التفصيل‪:‬‬ ‫التكامل االقتصادي‪ ،‬والخطوة الرئيس���ية التي يمكن‬
‫�أو ًال‪ :‬مفهوم التكامل المالي‪:‬‬ ‫من خاللها تحقيق العديد م���ن المزايا‪ ،‬التي أهمها‪:‬‬
‫يُقص���د بـ«التكامل المالي» تل���ك المرحلة التي‬ ‫زيادة المنافس���ة واالبتكار في القطاع المالي‪ ،‬وتنويع‬
‫تتزاي���د فيها تدفق���ات رأس المال بي���ن الدول التي‬ ‫المخاطر بتن ّوع األدوات المالية‪ ،‬ورفع مس���توى كفاءة‬
‫اقتصادي مع ّين‪ ،‬كذلك التنس���يق بين‬
‫ٍّ‬ ‫تكتل‬
‫تنتمي إلى ٍ‬ ‫ً‬
‫فض�ل�ا عن رفع‬ ‫القط���اع المالي وزي���ادة إنتاجيته‪،‬‬
‫أسواق األوراق المالية والبنوك‪ ،‬وتوحيد ُسبل الرقابة‬ ‫معدالت االس���تثمار األجنبي‪ ،‬وتحقيق التنمية المالية‬
‫والتنظيم واإلشراف‪ ،‬حتى يؤدي ذلك تدريج ّياً إلى ميل‬ ‫والعمق المالي‪.‬‬
‫أسعار وعوائد األصول المالية نحو التعادل‪ ،‬مما يح ّد‬ ‫وقد أُنش���ئ تكت���ل الجماع���ة االقتصادية لدول‬
‫من احتماالت وف���رص المراجحة‪ ،‬وتظهر في النهاية‬ ‫ش���رق إفريقي���ا ‪East African Community:‬‬
‫عمل ٌة واح���دة تجمع بين دول التكت���ل‪ٌ ،‬‬
‫وبنك مركزي‬ ‫‪ EAC‬ع���ام ‪1967‬م‪ ،‬ثم تج ّمد عمل���ه عام ‪1977‬م‪،‬‬
‫واحد مسؤول عن إصدارها(((‪.‬‬ ‫ليبدأ العمل به م���ن جديد عام ‪2000‬م بوصفه تكت ً‬
‫ال‬
‫ويمكن القول ب�أ ّن التكامل المالي ي�شمل الآتي(((‪:‬‬ ‫اقتصاد ّي���اً يجمع بين دول الش���رق اإلفريقي (كينيا‪،‬‬
‫تنزاني���ا‪ ،‬أوغندا‪ ،‬رواندا‪ ،‬بورون���دي) من أجل تحقيق‬
‫  ‪African Development Bank، Financial Sector‬‬ ‫(((‬ ‫التنمية المستدامة في دول المنطقة‪ ،‬ويعتبر التكامل‬
‫‪Integration In Three Regions of Africa، (Tunis،‬‬
‫‪.African Development Bank، 2010)، P.38‬‬ ‫المالي اإلقليمي وس���يل ًة جيدة للتغل���ب على عقبات‬
‫(((  ‪Leo Frey and Ulrich Volz، Regional Financial‬‬ ‫القطاع المالي في ش���رق إفريقيا‪ ،‬وأهمها ما تعانيه‬
‫‪Integration in Sub-Saharan Africa– An Empirical‬‬

‫‪57‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫تنموية‬
‫المالية‪ ،‬ومالءة القطاع المصرفي ونُظم المدفوعات‪،‬‬ ‫‪ -‬زي���ادة تدفقات روؤس األم���وال عبر الحدود‪،‬‬
‫وفي الوقت نفس���ه تس���عى الدول نحو تحقيق أولى‬ ‫سواء من خالل البنوك اإلقليمية‪ ،‬أو من خالل الدمج‬
‫مراحل التكامل االقتص���ادي؛ حتى تصل إلى مرحلة‬ ‫بين األس���واق المالية‪ ،‬األمر الذي يقلل من احتماالت‬
‫قيام «منطقة تجارة حرة»‪.‬‬ ‫المخاطر‪ ،‬ويح ّد من أثر الصدمات المالية‪.‬‬
‫‪ )2‬مرحل ��ة التن�سي ��ق‪ :‬وفي إطار تلك المرحلة يت ّم‬ ‫‪ -‬سيادة قانون «السعر الواحد» لألصول المالية‪،‬‬
‫تحديث األنظمة المالية‪ ،‬ومحاولة التزامها بالمعايير‬ ‫مما يؤدي إلى تراجع عملية المراجحة‪ ،‬وتقليل الفروق‬
‫الدولية‪ ،‬وتقوية ُسبل الرقابة واإلشراف على البنوك‪،‬‬ ‫بين أسعار الفائدة‪.‬‬
‫وتحسين المعايير المحاسبية‪ ،‬وإلغاء ضوابط الصرف‬ ‫‪ -‬التشابه في الهياكل المالية‪ ،‬والهياكل القانونية‬
‫بين الدول للح��� ّد من تكاليف المعام�ل�ات‪ ،‬وتحرير‬ ‫والتنظيمية‪ ،‬وتن ّوع المنتجات واألدوات المالية‪.‬‬
‫تدفقات االس���تثمار األجنبي‪ ،‬وتعزي���ز َدور بورصات‬ ‫وتجدر االش���ارة في هذا الص���دد إلى اختالف‬
‫األوراق المالي���ة‪ ،‬وتفعيل التب���ادل التجاري في إطار‬ ‫مفه���وم «التكام���ل المالي» ع���ن مفه���وم «التكامل‬
‫منطقة التجارة الحرة‪.‬‬ ‫النق���دي»‪ ،‬حيث إ ّن التكامل النق���دي خطوةٌ أبعد من‬
‫‪ )3‬مرحل ��ة التع ��اون‪ :‬يت ّم م���ن خالل تلك المرحلة‬ ‫التكامل المالي ومترتب ٌة عليه‪ ،‬فمن خالل المضي في‬
‫التنس���يق البيني لدول التكتل فيم���ا يتعلق بالقواعد‬ ‫تحقيق التكامل المالي تتحقق أعلى مراحله‪ ،‬وهي أن‬
‫الحاكمة للمؤسسات المالية‪ ،‬حيث تت ّم مراقبتها وتنسيق‬ ‫ٍ‬
‫بسياس���ات نقدية واح���دة بين دول التكتل‬ ‫يت ّم العمل‬
‫العمل بها من قِ َبل مجلس وزراء إقليمي‪ ،‬وتنسيق ُسبل‬ ‫االقتصادي‪ ،‬وظهور بنك مركزي وعملة موحدة(((‪.‬‬
‫الرقابة واإلش���راف واإلجراءات المحاسبية الالزمة‬ ‫‪ -‬مراحل التكامل المالي‪:‬‬
‫لربط األسواق المالية‪ ،‬وتعزيز التعاون في المجاالت‬ ‫بشكل تدريجي‬
‫ي ُم ّر التكامل بعدة مراحل‪ ،‬تتماشى ٍ‬
‫النقدية وسياسات سعر الصرف‪ ،‬كذلك المضي ُقدماً‬ ‫مع مراحل التكامل االقتصادي بوجهٍ عام‪ ،‬وتتمثل فيما‬
‫ف���ي مراحل التكامل االقتصادي؛ من خالل العمل في‬ ‫يأتي(((‪:‬‬
‫إطار االتحاد الجمركي‪.‬‬ ‫‪ )1‬المرحل ��ة التح�ضيري ��ة‪ :‬وفيها تت ّم تهيئة البيئة‬
‫‪ )4‬مرحلة التكامل‪ :‬وهنا يت ّم توحيد المؤسس���ات‬ ‫االقتصادي���ة حتى تك���ون مالئم ًة لتحقي���ق التكامل‬
‫والقواع���د والقواني���ن التي تتعلق بالقط���اع المالي‪،‬‬ ‫المال���ي‪ ،‬حيث يت ّم العمل على اس���تقرار مؤش���رات‬
‫وتوحيد األس���واق المالية‪ ،‬واالس���تمرار في تحقيق‬ ‫االقتص���اد الكل���ي‪ ،‬والحفاظ على س�ل�امة األنظمة‬
‫التكامل االقتصادي من خالل إنشاء السوق المشتركة‪.‬‬
‫‪ )5‬المرحل ��ة النقدي ��ة‪ :‬وه���ي المرحل���ة النهائية‬
‫للتكامل المالي‪ ،‬وهنا يت ّم إنش���اء سلطة إقليمية تتولى‬ ‫‪Examination of its Effects on Financial Market‬‬
‫‪:Development، May.2005، P.3، at‬‬
‫تنفيذ سياس���ة نقدية ومالية موحدة‪ ،‬حيث يت ّم إنشاء‬ ‫‪html.29/https://ideas.repec.org/p/zbw/gdec11 .‬‬
‫بنك مركزي واحد‪ ،‬وإصدار عملة واحدة‪ ،‬وهي مرحل ٌة‬ ‫‪:And‬‬
‫‪Amadou Sy، Four Instruments to Strengthen -‬‬
‫صعبة‪ ،‬تتطلب إرادة سياسية تؤمن بمبدأ اإلقليمية في‬ ‫‪Financial Integration in Sub-Saharan Africa،‬‬
‫المجال االقتصادي‪.‬‬ ‫‪:Working Paper No.108، May.2014، P.5، at‬‬
‫_‪http:// www.ferdi.fr/.../wp108_amadou_sy_financial‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬التكامل المالي في �إفريقيا‪:‬‬ ‫‪...integration_instrumen‬‬

‫للتغلب على مش���كالت القطاع المال���ي‪ ،‬كمحدودية‬ ‫  ‪.African Development Bank، Op.cit، P.38‬‬ ‫(((‬
‫(((  ‪.African Development Bank، Op.cit، PP.34--37‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪58‬‬


‫�شكل رقم (‪ :)1‬معدل الزيادة المتوقعة في‬ ‫الخدمات المالية والمصرفية‪ ،‬وارتفاع التكاليف والمخاطر‪،‬‬
‫النمو االقت�صادي لدول �إفريقيا جنوب ال�صحراء‪،‬‬ ‫وتراجع مستوى الكفاءة التشغيلية‪ ،‬فهناك خياران‪:‬‬
‫والدول منخف�ضة الدخل‪ ،‬والدول الم�صدرة‬ ‫�أولهم ��ا‪ :‬فت���ح األس���واق المالية لالس���تثمارات‬
‫للنفط خالل عام ‪2020‬م‬ ‫األجنبية‪ ،‬وهي الوس���يلة األكثر انتش���اراً في إفريقيا‬
‫بشكل عام‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وثانيهم ��ا‪ :‬هو العمل على تحقيق التكامل المالي‬
‫الكلي أو الجزئي على مس���توى القطاع المالي‪ ،‬وهي‬
‫الوسيلة األكثر تناس���باً لتحقيق عمق السوق‪ ،‬وتفادي‬
‫اآلثار الس���لبية لالستثمارات األجنبية(((‪ ،‬حيث أكدت‬
‫العديد من الدراس���ات أ ّن التكامل المالي من ش���أنه‬
‫‪Source:‬‬
‫تسريع وتيرة تنمية القطاع المالي ورفع درجة كفاءته‪،‬‬
‫‪- Montfort Mlachila، Regional Financial‬‬
‫‪Integration in Sub-Saharan Africa، October.‬‬
‫خاص ًة في حالة الدول اإلفريقية التي يعاني معظمها‬ ‫ّ‬
‫‪2017، P.4. at:‬‬ ‫من صغر حج���م القطاع وضحالته‪ ،‬حيث من المتوقع‬
‫‪http://www.bcplp.org/.../Regional%20‬‬ ‫أن يرتفع مس���توى التنمية المالي���ة في معظم الدول‬
‫‪Financial%20Integration%20-%20M.‬‬ ‫اإلفريقي���ة‪ ،‬وبالتالي النم���و االقتصادي‪ ،‬وذل ��ك لعدة‬
‫�أ�سباب‪� ،‬أهمها‪:‬‬
‫وقد ظهرت العديد من المحاوالت في إفريقيا من‬ ‫‪ -‬أ ّن البنوك وأس���واق رأس الم���ال في إفريقيا‬
‫أجل تحقيق التكامل المالي‪ ،‬كان أهمها تجربة ك ٍّل من‪:‬‬ ‫سوف تستفيد من تحقيق وفورات الحجم‪.‬‬
‫‪� -‬إيكوا�س (‪1975‬م)‪:‬‬ ‫‪ -‬توفير فرصة أفضل لوج���ود بنية تحتية مالية‬
‫الجماعة االقتصادية ل���دول غرب إفريقيا ‪The‬‬ ‫إقليمية‪ ،‬مما يوسع نطاق الموارد المتاحة للتمويل‪.‬‬
‫‪Economic Community of West African‬‬ ‫‪ -‬كبر حجم القطاع المالي سوف يمنح فرص ًة أكبر‬
‫‪ ،States: ECOWAS‬حيث انقسم هذا التكتل إلى‬ ‫لتنويع المحافظ المالية‪ ،‬وتقاس���م المخاطر الناجمة‬
‫مجموعتَيْن فرعيتَيْ���ن‪ ،‬المجموعة األولى‪ :‬هي الدول‬ ‫عنها؛ وبالتالي س���وف يرتفع النمو االقتصادي بمقدارٍ‬
‫الناطقة باللغة اإلنجليزي���ة ‪The West African‬‬ ‫ال يق ّل عن ‪ %7،1‬في المتوس���ط لدول إفريقيا جنوب‬
‫‪ ،Monetary Zone: WAMZ‬وتض��� ّم (غان���ا‪،‬‬ ‫الصحراء‪ ،‬بينما س���وف ترتفع تلك النسبة إلى ‪%5،2‬‬
‫غينيا‪ ،‬جامبيا‪ ،‬س���يراليون‪ ،‬نيجيري���ا)‪ .‬والمجموعة‬ ‫بالنسبة للدول منخفضة الدخل في إفريقيا‪ ،‬وتتراجع‬
‫الثانية‪ :‬هي الدول الناطقة بالفرنسية (اتحاد اإليموا)‬ ‫في الدول المصدرة للنفط لتصل إلى ‪.(((%5.0‬‬
‫‪The Union Economique et Monétaire‬‬
‫‪ ،،Ouest Africaine: UEMOA‬أو م���ا يُس��� ّمى‬ ‫(((   ‪.5-Leo Frey and Ulrich Volz، Op.cit، PP.3‬‬
‫باإلنجليزي���ة ‪West African Economic and‬‬ ‫‪: And‬‬
‫‪The World Bank: Financial Sector Integration -‬‬
‫‪ ،.Monetary Union: WAEMU‬وتش���مل‪:‬‬ ‫‪In Two Region of Sub –Saharan Africa، How‬‬
‫(بنين‪ ،‬بوركينافاسو‪ ،‬كوت ديفوار‪ ،‬غينيا بيساو‪ ،‬مالي‪،‬‬ ‫‪Creating Scale In Financial Markets Can‬‬
‫‪Support Growth and Development، (Washigton‬‬
‫النيجر‪ ،‬الس���نغال‪ ،‬توجو)‪ ،‬وهي الدول األعضاء في‬ ‫‪.10-، D.C; WB، January.2007)، PP.9‬‬
‫منطقة الفرنك اإلفريقي‪ ،‬وتُدار سياس���اتهم النقدية‬ ‫  ‪.7-Ibid، PP.5‬‬ ‫(((‬

‫‪59‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫تنموية‬
‫أنها م���ا زالت تعاني من ضعف القط���اع المالي بها‪،‬‬ ‫من خالل بنك مركزي إقليمي لإليموا مركزه السنغال‪،‬‬
‫وع���دم التزامه بالمعايير المصرفي���ة الدولية‪ ،‬وعدم‬ ‫وذلك في إطار اتحاد نقدي بين الدول األعضاء‪ ،‬كما‬
‫تن ّوعه في ظ ّل س���يطرة القط���اع المصرفي على نحو‬ ‫أ ّن لديهم لجاناً إقليمية مصرفية تتولى تنظيم البنوك‬
‫‪ %85‬من األصول المالية‪ ،‬بينما القطاع غير المصرفي‬ ‫واإلشراف عليها‪.‬‬
‫صغي ٌر للغاية‪ .‬كما أ ّن البنوك غير موزعة بالتوازن بين‬ ‫ترخيص‬
‫ٍ‬ ‫وقد ت ّم وض���ع قواعد تتعلق بإص���دار‬
‫الدول‪ ،‬فنحو ثلثي البنوك يتركز في دولة الكاميرون‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ومتطلبات واحدة للح ّد األدنى من رأس‬ ‫واحد للبنوك‬
‫وفيما يتعلق باألس���واق المالية؛ هناك بورصتان‬ ‫المال(((‪.‬‬
‫ف���ي س���يماك‪ ،‬أولهم���ا ‪The Central African‬‬ ‫وفيما يتعلق بخطوات التكامل المالي على مستوى‬
‫‪ Stock Exchange‬ف���ي ليفربي���ل‪ ،‬أُنش���ئت عام‬ ‫األس���واق المالية؛ فقد أنشئت البورصة اإلقليمية في‬
‫‪2003‬م‪ ،‬وت��� ّم دعمها بإنش���اء لجن���ةٍ لمراقبة عمل‬ ‫غرب إفريقيا ع���ام ‪1998‬م ‪Bourse Régionale‬‬
‫الس���وق ‪The Central African Financial‬‬ ‫‪ ،des Valeurs Mobilières: BRVM‬ومقره���ا‬
‫‪ ،Market Monitoring Commission‬وف���ي‬ ‫أبيدجان‪ ،‬وتض ّم الدول األعضاء في تكتل اإليموا(((‪.‬‬
‫الكاميرون أُنش���ئت بورص ٌة أخرى عام ‪2003‬م‪ ،‬وهي‬ ‫‪� -‬سيماك (‪1994‬م)‪:‬‬
‫‪ ، The Douala Stock Exchange‬وبالرغ���م من‬ ‫الجماع���ة االقتصادي���ة والنقدية لدول وس���ط‬
‫وجود تلك البورصتَيْن اإلقليميتَيْن فإنهما يواجهان عدة‬ ‫إفريقي���ا ‪The Central African Economic‬‬
‫مشكالت قانونية‪ ،‬نظراً للتداخل بين لوائح اإلشراف‬ ‫‪،And Monetary Community: CEMAC‬‬
‫والرقابة بين السوقين‪ ،‬وازدواجية النفقات التشغيلية‬ ‫وتض ّم (الكاميرون‪ ،‬جمهورية إفريقيا الوسطى‪ ،‬تشاد‪،‬‬
‫والرأسمالية بين السو َقيْن(((‪.‬‬ ‫جمهوري���ة الكونغ���و الديمقراطية‪ ،‬الجاب���ون‪ ،‬غينيا‬
‫‪ -‬الكومي�سا (‪1994‬م)‪:‬‬ ‫االستوائية)‪ ،‬فقد حاولت المضي في تحقيق التكامل‬
‫الجماع���ة االقتصادية لدول الش���رق والجنوب‬ ‫المالي من خالل إنشاء لجنة مصرفية مشتركة برئاسة‬
‫رئيس البنك المركزي لإلشراف على عمل البنوك‪ ،‬إال اإلفريق���ي ‪The Common Market For‬‬
‫‪Eastern and Southern Africa: COMESA‬‬
‫ُقس���م دول الكوميس���ا من حيث التأهيل لتحقيق‬ ‫‪،‬ت ّ‬
‫((( ‪ Mark Tomlinson، Financial Sector Integration‬التكامل المالي إلى أربع مجموعات‪ ،‬المجموعة األولى‬
‫‪In Two Regions of Sub –Saharan Africa ، How‬‬
‫‪ Creating Scale In Financial Markets Can‬تض ّم س���ت دول‪( :‬بوروندي‪ ،‬الكونغ���و‪ ،‬إريتريا‪ ،‬ليبيا‪،‬‬
‫‪ Support Growth and Development، World‬سيشل‪ ،‬زيمبابوي)‪ ،‬ولم تمتلك تلك الدول أية مقومات‬
‫‪:at ،7-Bank، January .2007، PP.6‬‬
‫‪ h t t p : / / s i t e r e s o u r c e s . w o r l d b a n k . o r g /‬لتطبيق مراحل التكامل المالي‪ .‬أما المجموعة الثانية‪،‬‬
‫_‪ INTAFRSUMAFTPS/Resources/Working‬وتشمل (إثيوبيا‪ ،‬جزر القمر‪ ،‬السودان)‪ ،‬فقد استوفت‬
‫_‪Paper_on_Regional_Financial_Integration‬‬
‫الشروط المسبقة للدخول في المرحلة األولى للتكامل‬ ‫‪: Jan07.pdf The World Bank :Financial And‬‬

‫كل من (جيبوتي‪ ،‬مدغش���قر‪ ،‬ماالوي‪،‬‬ ‫المالي‪ .‬أم���ا ٌّ‬ ‫‪Sector‬‬ ‫‪Integration In Two Region of Sub –Saharan -‬‬
‫‪.61-Africa، Op.cit، PP.58‬‬

‫‪Montfort‬‬ ‫‪Mlachila،‬‬ ‫‪Regional‬‬ ‫((( ‪Financial‬‬


‫‪Integration in Sub-Saharan Africa، October‬‬
‫  ‪The World Bank: Financial Sector Integration‬‬ ‫(((‬ ‫‪،.4-2017.، PP.2‬‬
‫‪In Two Region of Sub –Saharan Africa، Op.cit،‬‬ ‫‪www.bcplp.org/.../Regional%20Financial%20‬‬
‫‪.61-PP.58‬‬ ‫‪Integration%20-%20M‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪60‬‬


‫كل من (بوروندي‪ ،‬ورواندا) عام ‪2007‬م‪.‬‬ ‫إليها ٌّ‬ ‫روان���دا‪ ،‬وس���وازيالند)؛ فقد تدرجت إل���ى المرحلة‬
‫وقد وضع���ت الجماعة خط��� ًة اقتصادية‪ ،‬بدأت‬ ‫كل من (مصر‪ ،‬كينيا‪،‬‬ ‫الثاني���ة للتكامل المالي‪ .‬بينم���ا ٌّ‬
‫بتنفي���ذ االتح���اد الجمركي ع���ام ‪2005‬م‪ ،‬ثم توقيع‬ ‫موريش���يوس‪ ،‬أوغن���دا‪ ،‬زامبيا) قد اتخ���ذت تدابير‬
‫بروتوكول الس���وق المش���تركة ع���ام ‪2010‬م‪ ،‬وأخيراً‬ ‫ناجح ًة لالنتق���ال للمرحلة الثالثة من مراحل التكامل‬
‫استهداف تحقيق االتحاد النقدي عام ‪2015‬م(((‪.‬‬ ‫المالي(((‪.‬‬
‫وتض��� ّم الجماع���ة االقتصادي���ة لدول ش���رق‬ ‫وقد اتبعت الكوميس���ا نهج الت���درج نحو تحقيق‬
‫ٍ‬
‫اقتصادات متباين���ة األداء االقتصادي‪ ،‬ومن‬ ‫إفريقيا‬ ‫التكام���ل المالي‪ ،‬ففي عام ‪1999‬م ت ّم تنس���يق بعض‬
‫خ�ل�ال الجدول رقم (‪ )1‬يت ّم إيضاح أه ّم المؤش���رات‬ ‫اإلجراءات المالية‪ ،‬كما ت ّم إنشاء جمعية المصرف ّيين‬
‫االقتصادية لدول التكتل‪ ،‬كما يأتي‪:‬‬ ‫لتعزيز تبادل المعلومات والعالقات بين البنوك ‪The‬‬
‫جدول رقم (‪� :)1‬أهم الم�ؤ�شرات االقت�صادية‬ ‫‪ ،COMESA Bankers Association‬وف���ي عام‬
‫الكلية لدول الجماعة االقت�صادية لدول �شرق‬ ‫‪2003‬م اعتمدت دول الكوميسا خط ًة لمواءمة وتنسيق‬
‫�إفريقيا لعام ‪2016‬م‬ ‫ُس���بل اإلش���راف والتنظيم على القطاع المصرفي‪،‬‬
‫�إجمالي‬ ‫الناتج‬ ‫والتأكد م���ن تطبيق قواعد بازل‪ ،‬وف���ي عام ‪2007‬م‬
‫اال�ستثمار‬ ‫ن�صيب‬
‫خدمة‬ ‫المحلى‬
‫الدين‬
‫معدل الأجنبي‬ ‫الفرد من‬
‫الإجمالي‬ ‫وضعت خط ًة للتنسيق الفعال بين النُّظم المالية(((‪.‬‬
‫الت�ضخم المبا�شر‬ ‫‪GDP‬‬ ‫المتغيرات‬
‫كن�سبة‬
‫‪ %‬كن�سبة من‬ ‫(دوالر‬
‫الإ�سمي‬ ‫الدولة‬ ‫‪ -‬ال�سادك (‪1980‬م)‪:‬‬
‫من‬ ‫(مليون‬
‫‪GDP‬‬ ‫�أمريكي)‬ ‫وفيما يتعل���ق بالجماعة‪ :‬تنمية الجنوب اإلفريقي‬
‫‪GNP‬‬ ‫دوالر)‬
‫‪6،1‬‬ ‫‪6،0 %3،6 4،1455‬‬ ‫‪Southern‬‬
‫‪70529‬‬
‫كينيا‬ ‫‪African‬‬ ‫‪Development‬‬
‫‪1،1‬‬ ‫‪9،2 %1،5 5،877‬‬ ‫‪47340‬‬ ‫تنزانيا‬ ‫‪ ،Community: SADC‬وه���ي منظم��� ٌة تهدف‬
‫‪6،3‬‬ ‫‪2،2 %5،5 4،580‬‬ ‫‪24078‬‬ ‫�أوغندا‬ ‫إلى تعزيز التنمي���ة االقتصادية في إفريقيا الجنوبية‪،‬‬
‫‪6،1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪%2،7 8،702‬‬ ‫‪8376‬‬ ‫رواندا‬ ‫مبادرات أخرى من التكتالت االقتصادية‬
‫ٌ‬ ‫فقد ظهرت‬
‫‪1،2‬‬ ‫‪.... %5،5 7،285‬‬ ‫‪3007‬‬ ‫بوروندي‬ ‫في إفريقيا‪ ،‬كان أهمها إنش���اء لجنة أسواق األوراق‬
‫المالي���ة‪ ،‬للمواءمة بي���ن قواعد اإلدراج المش���ترك ‪ -‬من إعداد الباحثة‪ ،‬استناداً إلى المراجع اآلتية‪:‬‬
‫‪-The World Bank، at:‬‬ ‫للشركات العاملة ضمن مجموعة دول السادك(((‪.‬‬
‫‪https://data.worldbank.org/indicator/‬‬ ‫ث��ال��ث� ًا‪ :‬التكامل ال��م��ال��ي ف��ي الجماعة‬
‫‪NY.GNS.ICTR.ZS‬‬
‫االقت�صادية لدول �شرق �إفريقيا‪:‬‬
‫‪- African Development Bank Group: African‬‬
‫‪Statistical Yearbook 2017، (Addis Ababa: African‬‬
‫ت ّم إنشاء الجماعة االقتصادية لدول شرق إفريقيا‬
‫‪Development Bank Group، 2017)، PP.48--50.‬‬ ‫بش���كل‬
‫ٍ‬ ‫‪East African Community: EAC‬‬
‫رس���مي عام ‪1999‬م‪ ،‬ودخلت ح ّيز النفاذ عام ‪2000‬م‪،‬‬
‫حيث سجلت دولة كينيا أعلى قيمة للناتج المحلي‬ ‫لتض ّم كلاّ ً من (كينيا‪ ،‬وتنزانيا‪ ،‬وأوغندا)‪ ،‬ثم انضمت‬
‫اإلجمالي االس���مي‪ ،‬كذلك نصيب الف���رد منه‪ ،‬بينما‬
‫كانت دولة بوروندي هي األقل على مستوى دول شرق‬
‫إفريقيا‪ .‬في الوقت الذي تراجعت فيه نس���بة صافي‬ ‫  ‪.Ibid، PP.87--88‬‬ ‫(((‬
‫  ‪.African Development Bank، Op.cit ، P.106‬‬ ‫(((‬
‫(((  ‪.Ibid، P.28‬‬ ‫  ‪.Ibid، P.22--23‬‬ ‫(((‬

‫‪61‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫تنموية‬
‫‪Bank-Global-Financial-Development‬‬ ‫تدفقات االس���تثمار األجنبي إل���ى الناتج المحلي في‬
‫‪- The World bank، Financial Sector، at:‬‬
‫كينيا لتصل إلى ‪ ،%6،0‬بينما ارتفعت النس���بة إلى ‪%3‬‬
‫‪- https://data.worldbank.org/topic/financial-‬‬
‫‪sector?view=chart‬‬
‫في رواندا و‪ %9،2‬في تنزانيا‪ .‬أما فيما يتعلق بنس���بة‬
‫خدمة الدين من الناتج القومي اإلجمالي فكانت األعلى‬
‫حيث اتس���م القطاع المصرفي في شرق إفريقيا‬ ‫ال عن‬ ‫في دولة أوغن���دا واألدنى في دولة تنزانيا‪ .‬فض ً‬
‫تقارب معدالت التضخم بين دول ش���رق إفريقيا‪ ،‬وإن بتراج���ع مؤش���رات الربحية (هامش س���عر الفائدة‪،‬‬
‫والعائد على األص���ول‪ ،‬والعائد على حقوق الملكية)‪،‬‬ ‫كانت النسبة األعلى قد سجلتها دولة رواندا(((‪.‬‬
‫�أ‪ -‬التكامل المالي على م�ستوى القطاع الم�صرفي‪ :‬وإن كانت كينيا قد س���جلت مستوى ربحية أعلى من‬
‫يتس���م القطاع المالي والمصرفي في دول شرق غيرها من الدول‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بمستوى كفاءة القطاع المصرفي‬ ‫إفريقي���ا بصغر الحجم والضحالة‪ ،‬وهو ما يتضح من‬
‫ٍ‬
‫للقيام بوظيفته‪ ،‬كوسيط مالي بين جمهور المدخرين‬ ‫خالل مؤشرات العمق المالي في الجدول اآلتي‪:‬‬
‫جدول رقم (‪ :)2‬م�ؤ�شرات العمق المالي للقطاع والمقترضين‪ ،‬فقد شهدت نسبة االئتمان إلى الودائع‬
‫الم�صرفي في دول الجماعة االقت�صادية لدول �شرق ارتفاعاً مالحظ���اً في كينيا وأوغن���دا‪ ،‬كذلك الحال‬
‫بالنس���بة إلى نس���بة االئتمان المصرف���ي من الناتج‬ ‫�إفريقيا لعام ‪2016‬م‬
‫كفاءة الو�ساطة جودة هيكل المحلي اإلجمالي‪.‬‬
‫وبالنس���بة إل���ى ج���ودة األص���ول ف���ي القطاع‬ ‫ال�صناعة‬ ‫م�ؤ�شرات الربحية‬
‫الأ�صول‬ ‫المالية‬
‫الم�صرفية‬
‫المصرف���ي؛ فيُع ّبر عنها بـ«نس���بة القروض المتعثرة‬
‫ن�سبة العائد على حقوق الملكية ‪%‬‬
‫ن�سبة االئتمان المقدم للقطاع‬
‫الخا�ص من الناتج المحلى ‪%‬‬
‫ن�سبة االئتمان الى الودائع ‪%‬‬
‫ن�سبة القرو�ض المتعثرة الى‬

‫إل���ى إجمالي القروض»‪ ،‬وهي النس���بة التي تراجعت‬ ‫ن�سبة العائد على الأ�صول ‪%‬‬
‫هام�ش �سعر الفائدة‬
‫�إجمالي القرو�ض ‪%‬‬
‫درجة التركز‬

‫تدريج ّي���اً مقارن ًة بما كان عليه الحال قبل المضي في‬

‫الم�ؤ�شر‬
‫التطبيق النسبي لمعايير بازل‪ ،‬حيث كانت أدناها في‬ ‫ال�سنة‬
‫كينيا بنس���بة قدرها ‪ ،%5‬وأعالها في بوروندي بنسبة‬
‫‪.%10 35.08 5‬‬ ‫كينيا ‪34 82 20.88 3.32 8.1‬‬
‫أم���ا هيكل الصناع���ة المصرفية‪ ،‬والذي يوضح‬
‫‪48.5‬‬ ‫‪8‬‬ ‫تنزانيا ‪15 62 15.97 2.04 6.3‬‬
‫ما إذا كانت الصناعة المصرفية يس���يطر عليها نمط‬
‫�أوغندا ‪ 50.13 5.8 14 78 11.44 2.74 10.7‬االحتكار أم المنافس���ة‪ ،‬فيت ّم قياسه من خالل درجة‬
‫رواندا ‪ 59.46 8.5 12 66 14.97 3 9.9‬التركز التي تش���ير إلى نسبة األصول المصرفية التي‬
‫تمتلكها أكبر ثالثة مصارف في ك ّل دولة‪ ،‬وكلما زادت‬
‫بوروندي ‪ 83.85 10 11 67 9.17 1.25 ....‬تلك النس���بة د ّل ذلك على ارتفاع مس���توى االحتكار‬
‫وتراجع مستوى التنافسية‪ ،‬وهو ما شهدته معظم دول‬ ‫‪ -‬من إعداد الباحثة‪ ،‬استناداً إلى المصادر اآلتية‪:‬‬
‫وخاصة دولة بوروندي‪ ،‬بينما تراجعت‬‫ّ‬ ‫شرق إفريقيا‪،‬‬ ‫‪- Quandle: World Bank Global Financial‬‬
‫ٍ‬
‫مالحظ في دولة كينيا(((‪.‬‬ ‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫‪ Development، at:‬تلك النسبة‬
‫‪https://www.quandl.com/data/WGFD-World-‬‬
‫وفي ظ ّل طموح التكتل نحو أن يكون سوقاً مشتركة‬

‫(((   تحليل بيانات الجدول رقم (‪.)2‬‬ ‫(((   تحليل بيانات الجدول رقم (‪.)1‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪62‬‬


‫ويوضح الش���كل رقم (‪ )2‬أ ّن النس���بة األكبر من‬ ‫وواجه ًة اس���تثمارية واحدة؛ س���تكون نقطة االنطالق‬
‫البن���وك مح ّل الع ّينة (‪ )%35‬قد بلغت المرحلة الرابعة‬
‫الرئيس���ية لدول الش���رق اإلفريقي نحو تعميق القطاع‬
‫أي ال تواجه قيوداً في‬‫م���ن مراحل التكامل المال���ي‪ّ ،‬‬
‫كبير‬ ‫بش���كل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫المالي وتحقيق تكامله‪ ،‬معتمد ًة في ذلك‬
‫أس���اس إقليم���ي‪ ،‬على حين أ ّن‬
‫ٍ‬ ‫خدمة عمالئها على‬ ‫على كينيا‪ ،‬باعتبارها الالعب الرئيس���ي في المنطقة‬
‫ما نس���بته ‪ %22‬من البنوك م���ا زال في المرحلة رقم‬ ‫والمركز اإلقليمي للتكامل‪ ،‬حيث تستحوذ على نحو ‪%40‬‬
‫صفر من التكامل‪ ،‬أي ال تس���عى إلى تحقيق التكامل‬ ‫من الناتج المحلي اإلجمالي لمنطقة الشرق اإلفريقي‪.‬‬
‫المصرف���ي في منطقة ش���رق إفريقي���ا‪ .‬وكانت أه ّم‬ ‫ويس���اعد على ذلك ما تشهده دول التكتل من استقرارٍ‬
‫العقب���ات‪ ،‬التي تح���ول دون تحقي���ق التكامل المالي‬‫سياس���ي بعد تحس���ن األوضاع نس���ب ّياً‪ ،‬وتراجع حدة‬
‫نظام ضريبي مش���ترك‪،‬‬ ‫الكام���ل‪ ،‬هي عدم وج���ود ٍ‬ ‫االنقالبات العسكرية والحروب األهلية واالضطرابات‬
‫ً‬
‫فض�ل�ا عن القيود‬ ‫وضعف البني���ة التحتية المادية‪،‬‬
‫االجتماعي���ة‪ ،‬وتزايد الطلب على الس���لع التي تنتجها‬
‫المفروضة على حركة األيدي العاملة‪ ،‬ووجود اختالف‬ ‫هذه الدول في ظ ّل االرتفاع الحالي لألسعار‪ ،‬مدفوع ًة‬
‫بين السياسات الحاكمة لحركة رؤوس األموال(((‪.‬‬ ‫وتحسن‬ ‫ّ‬ ‫بذلك من الصين وبعض االقتصادات الناشئة‪،‬‬
‫�شكل رقم (‪ :)2‬ن�سب البنوك العاملة في �شرق‬ ‫السياسات االقتصادية المتبعة في تلك الدول‪ ،‬وتراجع‬
‫�إفريقيا وفقاً لمراحل التكامل الخم�س‬ ‫حدة الديون واستقرار االقتصاد الكلي‪.‬‬
‫واس���تطاعت كينيا أن تكون رائدة التكامل المالي‬
‫اإلقليمي في منطقة شرق إفريقيا‪ ،‬حيث كشفت دراس ٌة‬
‫اس���تقصائية عن البنوك العاملة ف���ي دول الجماعة‬
‫االقتصادية لش���رق إفريقيا أ ّن نح���و ‪ %56‬منها هي‬
‫كل‬‫بنوك كينية‪ ،‬فهناك أربعة بنوك كينية‪ ،‬وعلى رأسها ٌّ‬
‫من‪Kenyan Commercial Bank، Citibank :‬‬
‫‪Source:‬‬ ‫‪ ،Standard Charted Bank‬و‪Stanbic Bank‬‬
‫‪- Smita Wagh، et.al، Scaling-up Regional‬‬
‫لديهم ‪ 63‬فرعاً‪ ،‬منها ‪ 16‬في تنزانيا و‪ 31‬في أوغندا‬
‫‪Financial Integration in the East African‬‬
‫‪Community، P.28، at:‬‬
‫و‪ 16‬ف���ي روان���دا‪ .‬كما افتتحت تنزاني���ا بعض فروع‬
‫‪http://documents.worldbank.org/curated/‬‬ ‫البنوك لها في بوروندي عام ‪2012‬م‪.‬‬
‫وقامت نحو ثلثي البنوك في تكتل ش���رق إفريقيا ‪en/974441468247855194/Scaling-up-regional-‬‬
‫‪financial-integration-in-the-EAC‬‬ ‫ترخيص واحد‪ ،‬بمتطلبات رأس‬ ‫ٍ‬ ‫على العمل على إصدار‬
‫ب‪ -‬التكامل المالي على م�ستوى القطاع غير الم�صرفي‪:‬‬ ‫مال واحدة‪ ،‬إلنشاء البنوك لتعزيز التكامل المالي ‪.‬‬
‫(((‬

‫‪� -1‬أ�سواق الأوراق المالية‪:‬‬ ‫كما توصلت الدراس���ة إلى أ ّن معظم البنوك في‬
‫تتس���م أس���واق األوراق المالية في شرق إفريقيا‬ ‫ش���رق إفريقيا لم تس���تطع تحقيق التكام���ل المالي‬
‫بش���كل كامل‪ ،‬ولكن حدث تكام ٌل جزئي في مجاالت‬ ‫ٍ‬
‫تكنولوجيا المعلومات واالتص���االت وإدارة المخاطر‬
‫(((  ‪Smita Wagh & Others، Scalling Up Financial‬‬
‫‪:Integration in The EAC، July.2011، at‬‬ ‫وخدمة العمالء وعمليات الخزانة‪.‬‬
‫‪http://documents.worldbank.org/curated/‬‬
‫‪en/974441468247855194/Scaling-up-regional-‬‬
‫‪financial-integration-in-the-EAC‬‬ ‫  ‪.Mark Tomlinson، Op.cit، PP.25--27‬‬ ‫(((‬

‫‪63‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫تنموية‬
‫كبير في قيمتها الس���وقية‪.‬‬ ‫ودون أن يؤدي ذلك إلى تغ ّي ٍر ٍ‬ ‫بصغر الحجم وتراجع مس���توى الس���يولة‪ ،‬باستثناء‬
‫أي‬
‫وتزداد سيولة السوق كلما زادت قدرته على معالجة ّ‬ ‫بورصة نيروب���ي لألوراق المالية ف���ي كينيا‪ ،‬وهو ما‬
‫خل���ل بين جان َبي العرض والطلب‪ ،‬ف���ي ظ ّل تزايد عدد‬ ‫ٍ‬ ‫س���وف يتضح من خالل التعرض إلى مؤشرات حجم‬
‫أوامر البيع والش���راء لألوراق المالية المختلفة‪ ،‬وتقاس‬ ‫السوق وسيولته‪ ،‬كما في الجدول اآلتي‪:‬‬
‫درجة سيولة السوق من خالل مؤش َريْن رئيس َّييْن‪ ،‬أولهما‪:‬‬ ‫جدول رقم (‪ :)3‬م�ؤ�شرات حجم و�سيولة �أ�سواق‬
‫نس���بة إجمالي القيمة المتداولة ل�ل�أوراق المالية إلى‬ ‫الأوراق المالية في دول الجماعة االقت�صادية لدول‬
‫الناتج المحلي اإلجمالي‪ ،‬وكانت األعلى في كينيا بنسبةٍ‬ ‫�شرق �إفريقيا لعام ‪2016‬م‬
‫تصل إلى ‪ ،%53.2‬واألقل في بورصة أوغندا بنسبةٍ تصل‬
‫م�ؤ�شرات �سيولة ال�سوق‬ ‫م�ؤ�شرات حجم ال�سوق‬
‫إلى ‪ .%09.0‬وثانيهما‪ :‬معدل دوران األسهم الذي يعكس‬
‫نس���بة إجمالي القيمة المتداولة لألس���هم إلى إجمالي‬ ‫ن�سبة القيمة‬
‫ن�سبة ر�أ�س‬
‫معدل‬ ‫المال ال�سوقي‬ ‫عدد‬ ‫الم�ؤ�شر‬
‫قيمة رأس المال الس���وقي‪ ،‬وكان األعلى في بورصة دار‬ ‫المتداولة من‬
‫دوران‬ ‫�إلى الناتج‬ ‫ال�شركات‬ ‫الدولة‬
‫السالم بتنزانيا‪ ،‬يليها بورصة نيروبي لألوراق المالية(((‪.‬‬ ‫الأ�سهم الى‬
‫الأ�سهم‬ ‫المحلي‬ ‫الم�سجلة‬
‫‪GDP‬‬
‫وفيما يتعل���ق بالتكامل المالي بين البورصات في‬ ‫الإجمالي‬
‫دول جماعة ش���رق إفريقيا؛ فقد بدأت أولى خطوات‬ ‫‪90،7‬‬ ‫‪53،2‬‬ ‫‪25 ،3‬‬ ‫‪65‬‬ ‫كينيا‬
‫منصات‬ ‫التكام���ل منذ عام ‪2012‬م‪ ،‬حيث ت��� ّم تطوير ّ‬ ‫‪2،22‬‬ ‫‪9،0‬‬ ‫‪7،30‬‬ ‫‪26‬‬ ‫تنزانيا‬
‫موح���دة لعملي���ات المقاصة والت���داول اآللي‪ ،‬حيث‬ ‫‪9،0‬‬ ‫‪09،0‬‬ ‫‪8،7‬‬ ‫‪16‬‬ ‫�أوغندا‬
‫اتبعت تنزانيا النظام اآللي نفس���ه الذي تطبقه كينيا‪،‬‬ ‫‪.....‬‬ ‫‪...‬‬ ‫‪....‬‬ ‫‪....‬‬ ‫رواندا‬
‫كذلك رواندا‪ .‬كما أتيحت الفرصة لإلدراج المشترك‬ ‫‪ -‬من إعداد الباحثة‪ ،‬استناداً إلى المرجع اآلتي‪:‬‬
‫للش���ركات؛ مما أدى إلى زي���ادة تدفقات رأس المال‬ ‫‪https://data.worldbank.org/indicator/‬‬
‫‪CM.MKT.LDOM.NOeThe World Bank، at:‬‬
‫الخاص بين األس���واق المالية لدول المنطقة‪ ،‬لتصل‬ ‫ّ‬
‫ويتضح من الجدول الس���ابق‪ :‬أ ّن مؤشرات حجم‬
‫إلى ‪ 88،2‬مليار دوالر أمريكي عام ‪2016‬م‪ ،‬نحو ‪%99‬‬
‫الس���وق تُعتبر مؤش���راً إيجاب ّياً على نشاط االستثمار‬
‫منها يت��� ّم تداوله من خالل بورص���ة نيروبي لألوراق‬
‫باألوراق المالية‪ ،‬حيث يعتبر السوق في تطورٍ إيجابي‬
‫المالية بكينيا‪ ،‬وباقي النس���بة تتم خالل بورصة دار‬
‫مع اتساع حجمه‪ .‬ويمكن قياس هذا الحجم من خالل‬
‫الس�ل�ام في تنزانيا وبورصة أوغندا لألوراق المالية‪،‬‬
‫مؤش��� َريْن رئيس َّييْن‪ ،‬هما‪ :‬عدد الش���ركات المسجلة‬
‫وذلك كما هو موضح في الجدول رقم (‪.)4‬‬
‫بالسوق‪ ،‬ونسبة رأس المال السوقي إلى الناتج المحلي‬
‫في الوقت الذي تس���مح فيه كيني���ا بملكية األجانب‬
‫اإلجمال���ي‪ ،‬حيث س���جلت بورصة نيروب���ي لألوراق‬
‫لألس���هم لنس���بة تصل إلى ‪ ،%75‬وال تصنف مس���تثمري‬
‫المالية العدد األكبر من الش���ركات المس���جلة‪ ،‬كما‬
‫دول ش���رق إفريقيا ضمن المستثمرين األجانب‪ ،‬وذلك في‬
‫تزايدت نسبة رأس المال السوقي إلى الناتج المحلي‪،‬‬
‫محاولةٍ منها لتعزي���ز التكامل المالي بين تلك الدول‪ ،‬وفي‬
‫يليها ف���ي ذلك تنزانيا‪ ،‬بينما ج���اءت بورصة أوغندا‬
‫تنزانيا تصل هذه النسبة إلى ‪ ،%60‬بينما ال توجد قيود في‬
‫ورواندا لتكون األصغر حجماً في شرق إفريقيا‪.‬‬
‫أوغندا ورواندا‪ ،‬سواء في اإلصدارات األولية أو الثانوية(((‪.‬‬
‫أما بالنسبة إلى مؤشرات سيولة السوق؛ فهي تع ّبر‬
‫عن األوراق المالية المتداولة في البورصة وإمكانية بيعها‬
‫تحليل بيانات الجدول رقم (‪.)3‬‬ ‫((( ‬
‫وقت قصير وتكاليف منخفضة‪،‬‬ ‫وش���رائها بسهولة‪ ،‬وفي ٍ‬
‫(((  ‪.4-Smita Wagh & Others، Op.cit، PP.3‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪64‬‬


‫وتواجه البورصات في دول ش���رق إفريقيا‬ ‫جدول رقم (‪ :)4‬القيمة ال�سوقية لأ�سهم ال�شركات‬
‫المدرجة في �أكثر من بور�صة بدول الجماعة االقت�صادية العديد من المش���كالت الت���ي ّ‬
‫تحد من التكامل‬
‫المالي بينهم‪ ،‬وأهمها‪ :‬قواعد اإلدراج الصارمة‬ ‫ب�شرق �إفريقيا لعام ‪2015‬م �ألف دوالر �أمريكي‬
‫التي تتعلق بتس���جيل الش���ركات في األس���واق‬ ‫الأ�سواق بور�صة‬

‫بور�صة دار ال�سالم‬


‫بور�صة �أوغندا‬
‫المالية محل نيروبي‬
‫المالي���ة‪ ،‬وط���ول م���دة التس���وية والمقاصة‪،‬‬

‫الإجمالي‬

‫البور�صة‬
‫ال�شركة‬
‫الإدراج للأوراق‬
‫وارتفاع تكاليف اإلدراج والت���داول‪ ،‬نظراً لعدم‬ ‫الم�شترك المالية‬
‫وجود نظام ٍ‬
‫ربط بين هيئات اإليداع باألس���واق‬ ‫بور�صة‬
‫نيروبي‪،‬‬
‫المالية‪ ،‬مم���ا يتطلب نقل وثائق األس���هم عبر‬

‫‪East African‬‬
‫‪Breweries‬‬
‫‪47.1433937‬‬
‫‪08.1436483‬‬
‫بور�صة دار‬

‫‪93.1541‬‬
‫‪68.1003‬‬
‫الحدود‪ ،‬وبالتالي ارتفاع التكاليف التي يتحملها‬ ‫ال�سالم‪،‬‬
‫المس���تثمرون‪ ،‬كذلك تكاليف تحويل العمالت‪،‬‬ ‫بور�صة‬
‫�أوغندا‬
‫والتي قد تكون أعل���ى من العوائد التي يحققها‬ ‫بور�صة‬
‫صغار المس���تثمرين‪ ،‬كم���ا ال توجد هيئة رقابة‬

‫‪Kenya Airways‬‬
‫نيروبي‪،‬‬

‫‪733.132329‬‬
‫‪35.132984‬‬
‫مالية تعمل على تنظيم األسواق وح ّل النزاعات‬ ‫دار‬ ‫بور�صة‬
‫‪307.127‬‬
‫‪308.527‬‬
‫ال�سالم‪،‬‬
‫وحماية المستثمرين(((‪.‬‬ ‫بور�صة‬
‫كما توسعت فروع شركات الوساطة المالية‬ ‫�أوغندا‬
‫في دول شرق إفريقيا‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬ ‫بور�صة‬
‫نيروبي‪،‬‬
‫‪Dyer and Blair Investment Bank (Uganda‬‬
‫‪267.528536‬‬
‫‪20.107583‬‬

‫بور�صة‬
‫‪933.570‬‬

‫‪KCB‬‬
‫‪---‬‬

‫)‪and Rwanda)، Faida Securities (Rwanda‬‬


‫�أوغندا‪،‬‬
‫‪and Kingdom Securities (Rwanda).‬‬ ‫بور�صة‬
‫‪ -2‬قطاع الت�أمين‪:‬‬ ‫رواندا‬
‫بور�صة‬
‫ال توجد ش���ركات تأمين تنزانية أو أوغندية‬
‫‪Equity Bank‬‬
‫‪53.662267‬‬

‫‪8.661562‬‬

‫نيروبي‬
‫‪726.704‬‬
‫‪---‬‬

‫له���ا وجو ٌد إقليمي في المنطق���ة‪ ،‬ولكن تتواجد‬ ‫وبور�صة‬


‫الشركات الكينية التي لديها نحو ‪ 30‬فرعاً بدول‬ ‫�أوغندا‬
‫بور�صة‬
‫اس���تثمار يصل إلى ‪30‬‬
‫ٍ‬ ‫ش���رق إفريقيا‪ ،‬بحجم‬ ‫نيروبي‪،‬‬
‫‪Jubilee Group‬‬

‫مليون دوالر‪ ،‬وكان من أهمها ‪:‬‬


‫(((‬
‫‪24.65627‬‬

‫بور�صة دار‬
‫‪5817.66‬‬
‫‪655.160‬‬

‫‪65400‬‬

‫‪APA Insurance، Insurance Company of‬‬ ‫ال�سالم‪،‬‬


‫‪East Africa، Jubilee Insurance، Phoenix of East‬‬ ‫بور�صة‬
‫‪Africa، Real Insurance and UAP Insurance.‬‬ ‫�أوغندا‬
‫�إجمالي ر�أ�س المال ال�سوقي‬
‫‪39.2880469‬‬

‫‪27.2875766‬‬
‫‪48.3011‬‬

‫‪65.1691‬‬
‫‪%10،0‬‬

‫‪%06،0‬‬

‫‪%8،99‬‬

‫المدرج في بور�صات ( نيروبي‪ ،‬دار‬


‫(((  ‪.Mark Tomlinson، Op.cit، PP.39--40‬‬ ‫ال�سالم ‪� ،‬أوغندا )‬
‫  ‪The World Bank، Scaling –Up Regional‬‬ ‫(((‬
‫‪Source: Scaling –Up Regional Financial‬‬
‫‪Financial Integration In The East African‬‬
‫‪Community، Financial Sector Study No. 69337،‬‬ ‫‪Integration In The East African Community،‬‬
‫‪at: http://documents.worldbank. ،21-2012، P.20‬‬ ‫‪P.23، at: http://documents.worldbank.org/curated/‬‬
‫‪org/curated/en/850921468003573459/Scaling-‬‬
‫‪en/850921468003573459/Scaling-up-regional-‬‬
‫‪up-regional-financial-integration-in-the-East-‬‬
‫‪African-community‬‬
‫‪financial-integration-in-the-East-African-community‬‬

‫‪65‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫تنموية‬
‫الصنادي���ق تعان���ي من الضع���ف‪ ،‬نظ���راً الرتباطها‬ ‫جدول رقم (‪ :)5‬ا�ستثمارات �شركات الت�أمين‬
‫بالعاملين في القطاع الرسمي‪ ،‬في الوقت الذي تعمل‬ ‫العابرة للحدود في دول الجماعة االقت�صادية ل�شرق‬
‫الغالبية العظمى من الس���كان بالقطاع غير الرسمي‪،‬‬ ‫�إفريقيا لعام ‪2015‬م‬
‫وإن كانت كينيا قد حاولت توسيع نطاق تلك الصناديق‬ ‫حجم‬
‫�إجمالي‬ ‫عدد‬
‫ٍ‬
‫معاش���ات طوعية للعاملين بالقطاع‬ ‫عن طريق تقديم‬ ‫اال�ستثمار‬ ‫عدد الفروع‬ ‫ ‬
‫عدد‬ ‫الفروع في‬
‫(مليون‬ ‫في تنزانيا‬
‫غير الرس���مي‪ ،‬ولكن تلك الخطوة لم تتطرق إليها ٌّ‬
‫كل‬ ‫دوالر)‬
‫الفروع‬ ‫�أوغندا‬
‫من تنزانيا وأوغندا‪.‬‬ ‫ثالثة فروع في‬
‫‪APA‬‬
‫وما زالت صناديق المعاش���ات تعاني من سيطرة‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ال يوجد‬ ‫(دار ال�سالم‪،‬‬
‫‪Insurance‬‬
‫�أرو�شا‪ ،‬موانا)‬
‫الدول���ة عليه���ا‪ ،‬وتوجيه مج���االت االس���تثمار إلى‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ال يوجد‬ ‫ال يوجد‬ ‫‪ICEA‬‬
‫توجهات تخدم مصالح الدولة‪ ،‬مثل‪( :‬األوراق المالية‬ ‫خم�سة فروع‬
‫الحكومية‪ ،‬والعقارات والمشروعات الحكومية)‪ ،‬بدالً‬ ‫فرع واحد‬
‫(دار ال�سالم‪،‬‬
‫‪Jubilee‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪6‬‬ ‫موانا‪� ،‬أرو�شا‪،‬‬
‫من تلبية احتياجات المس���تفيدين منها‪ ،‬كما أ ّن معظم‬ ‫في كمباال‬
‫زنجبار‪،‬‬
‫‪Insurance‬‬
‫تلك الصناديق ممنوع ٌة من االس���تثمار بالخارج حتى‬ ‫ناميبيا)‬
‫في دول الجماعة االقتصادية لش���رق إفريقيا‪ ،‬وكان‬ ‫‪Phoenix‬‬
‫�ستة فروع‬ ‫خم�سة فروع في‬
‫‪6‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪of East‬‬
‫نتيجة ذلك هو تراجع َدور تلك الصناديق‪ ،‬وعدم تنوع‬ ‫في كمباال‬ ‫دار ال�سالم‬
‫‪Africa‬‬
‫محافظهم االستثمارية(((‪.‬‬ ‫�أربعة فروع في‬
‫‪Real‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪4‬‬ ‫ال يوجد‬ ‫(�أرو�شا‪ ،‬دار‬
‫رابع ًا‪� :‬أثر التكامل المالي على اقت�صادات‬ ‫ال�سالم‪ ،‬موانا)‬
‫‪Insurance‬‬
‫دول �شرق �إفريقيا‪:‬‬ ‫خم�سة فروع‬
‫إ ّن تحقي���ق التكامل المالي يفتح المجال واس���عاً‬ ‫في (ليرا‪،‬‬
‫كمباال‪،‬‬ ‫‪UAP‬‬
‫أمام تحقيق العديد من النتائج اإليجابية المترتبة على‬ ‫‪2‬‬ ‫‪5‬‬
‫مبارارا‪،‬‬
‫ال يوجد‬
‫‪Insurance‬‬
‫تلك الخطوة‪ ،‬وإن كانت تشوبها بعض المخاوف بشأن‬ ‫موبيل‪،‬‬
‫اآلثار الس���لبية المحتملة التي قد تنتج عنه‪ ،‬ومن هذا‬ ‫جينجا)‬
‫ً ‪ 18‬مليون‬
‫المنطلق �سيت� � ّم عر�ض مزايا تحقيق التكامل المالي في‬ ‫‪ 30‬فرعا‬ ‫الإجمالي‬
‫دوالر‬
‫�شرق �إفريقيا فيما ي�أتي(((‪:‬‬ ‫‪Source:‬‬ ‫‪Scaling‬‬ ‫‪–Up‬‬ ‫‪Regional‬‬ ‫‪Financial‬‬
‫يعتبر تحقي���ق التكامل المالي أحد أه ّم الخطوات‬ ‫‪Integration In The East African Community،‬‬
‫الالزمة للحفاظ على اس���تقرار االقتصاد الكلي‪ ،‬وإن‬ ‫‪:P.21. At‬‬
‫‪http://documents.worldbank.org/curated/‬‬
‫‪en/850921468003573459/Scaling-up-regional-‬‬
‫  ‪The World Bank ، Financial Sector Integration‬‬ ‫(((‬ ‫‪financial-integration-in-the-East-African-‬‬
‫‪In Two Region of Sub –Saharan Africa، Op.cit،‬‬
‫‪community‬‬
‫‪.P.40‬‬

‫(((   ‪Kizito Uyi Ehigiamusoe، & Hooi Hooi Lean،‬‬


‫‪� -3‬صناديق المعا�شات التقاعدية‪:‬‬
‫‪Do economic and financial integration stimulate‬‬ ‫صناديق المعاش���ات التقاعدية تس���يطر عليها‬
‫‪economic growth? A critical survey، Discussion‬‬
‫‪:at.18-paper No.51، June 2018.PP.17‬‬ ‫الدول���ة‪ ،‬وأكبرها ه���و الصندوق الوطن���ي للتضامن‬
‫‪http://www.economics-ejournal.org/economics/‬‬ ‫االجتماع���ي الموج���ود في ك ّل دولة‪ .‬وم���ا زالت تلك‬
‫‪51-discussionpapers/2018‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪66‬‬


‫‪ -‬التحسن في كفاءة وتخصيص رأس المال‪ ،‬وتنوع‬ ‫كان هناك جد ٌل بين الباحثين حول أيهما يسبق اآلخر‪،‬‬
‫ال عن‬‫المخاطر وتقاس���مها بين عددٍ من الدول‪ ،‬فض ً‬ ‫فالبعض ي���رى أ ّن التكامل يؤدي إلى النمو االقتصادي‪،‬‬
‫تحسين عمليات األسواق المالية والبنوك المحلية‪.‬‬ ‫والبعض اآلخر يرى أ ّن النمو االقتصادي هو الذي يؤدي‬
‫‪ -‬يدفع تحقيق التكامل المال���ي واالقتصادي إلى‬ ‫إلى التكامل‪ .‬وعلى الرغ���م من هذا الجدل فإ ّن هناك‬
‫تعزيز التجارة البينية اإلقليمية بين دول شرق إفريقيا(((‪.‬‬
‫كبير في‬ ‫إجماعاً على أ ّن التكامل المالي يس���هم ٍ‬
‫بشكل ٍ‬
‫�شكل رقم (‪� :)3‬أثر التكامل المالي على النمو‬ ‫رفع معدالت النمو االقتصادي‪ ،‬وذلك من خالل الآتي‪:‬‬
‫االقت�صادي والتجارة‬ ‫‪ -‬زيادة االستثمار المحلي‪ ،‬من خالل توفير ٍ‬
‫مزيد‬
‫م���ن فرص التموي���ل أمام الش���ركات المحلية‪ ،‬حيث‬
‫يمكنها االقتراض من األسواق اإلقليمية‪ ،‬ويزداد ذلك‬
‫في حالة دول الشرق اإلفريقي التي تعاني من تراجع‬
‫حجم المدخرات بها وارتف���اع تكاليف االقتراض من‬
‫القطاع المصرفي المحلي‪.‬‬
‫‪ -‬زيادة تدفقات االس���تثمار األجنبي‪ ،‬بما يحققه‬
‫من العدي���د من المزايا‪ ،‬مثل جلب التكنولوجيا وحقن‬
‫بأموال جديدة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫االقتصاد‬
‫الم�صدر‪ :‬من �إعداد الباحث‪ ،‬ا�ستناداً �إلى المرجع‬ ‫‪ -‬العمل على تحقي���ق التنمية المالية‪ ،‬من خالل‬
‫الآتي‪:‬‬ ‫زيادة حجم وكفاءة القطاع المالي بمكوناته المختلفة‪.‬‬
‫‪ -‬تطوير اإلطار المؤسسي والتنظيمي للمؤسسات ‪- Kizito Uyi Ehigiamusoe and Hooi Hooi‬‬
‫‪Lean، Do Economic and Financial Integration‬‬
‫المالي���ة‪ ،‬حيث إ ّن تواجد المؤسس���ات األجنبية ذات‬
‫‪Stimulate Economic Growth? A critical survey،‬‬
‫‪Discussion Paper، No.51، 2018، P.5. at:‬‬
‫األطر المؤسس���ية القوية سوف تق ّدم أفضل المعايير‬
‫التنظيمية واإلشرافية‪ ،‬وس���وف تكون حافزاً لتطبيق ‪www.economics-ejournal.org/economics/‬‬
‫‪discussionpapers/201851-‬‬ ‫اللوائح المحاسبية العالمية‪.‬‬
‫خام�س ًا‪� :‬سبل تعزيز التكامل المالي‬ ‫‪ -‬يؤدي التكامل المالي إلى تحس���ين أداء القطاع‬
‫تخفيض نسبي في معدالت في �شرق �إفريقيا‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫المالي‪ ،‬مما قد يدفع إلى‬
‫حتى تتمكن التكتالت االقتصادية في إفريقيا‬ ‫التضخم التي تعاني منها معظم دول ش���رق إفريقيا‪،‬‬
‫بصفة عا ّمة‪ ،‬وفي الجماع���ة االقتصادية لدول‬ ‫ٍ‬ ‫ويؤدي إلى تآكل التنافسية الدولية‪ ،‬ويجعل االستيراد‬
‫خاص ٍة‪ ،‬من تحقيق التكامل‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫بصفة‬ ‫خاصة في ظ ّل كون دول ش���رق إفريقيا شرق إفريقيا‬
‫أكث���ر تكلف ًة‪ّ ،‬‬
‫مس���تورداً في األساس للعديد من المنتجات الغذائية‬
‫‪Financial Integration and Economic Growth in‬‬ ‫للغذاء والمدخالت الصناعية والمنتجات النفطية(((‪.‬‬
‫‪The East African Community “، International‬‬
‫‪Journal of Economics and Management‬‬
‫(((  ‪Catherine McAuliffe، Sweta C. Saxena، and‬‬
‫‪:Sciences، Vol.2، No.9، 2013، P.64. at‬‬
‫‪Masafumi Yabara، The East African Community:‬‬
‫‪https://www.omicsonline.org/economics-and-‬‬
‫‪Prospects for Sustained Growth، IMF Working‬‬
‫‪management-sciences.php‬‬
‫‪Paper No.272، (Washington ، D.C: IMF ،‬‬
‫  ‪Kizito Uyi Ehigiamusoe ، & Hooi Hooi Lean،‬‬ ‫(((‬ ‫‪.November.2012)، P.6‬‬
‫‪.Op.cit، P.21‬‬ ‫‪And : -Samuel Muthoga، & Others، “ Regional‬‬

‫‪67‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫تنموية‬
‫يخ�ص التكامل المال ��ي على م�ستوى‬ ‫�أما فيم ��ا ّ‬ ‫المال���ي‪ ،‬فعليها توفير ش���روط نجاحه‪ ،‬فالدول‬
‫التي تستوفي الح ّد األدنى من تلك الشروط هي الجماع ��ة االقت�صادي ��ة ل ��دول �ش ��رق �إفريقيا؛ فهي‬
‫الت���ي تحقق توازناً أفضل بي���ن مخاطر وفوائد بحاج ٍة �إلى �إنجاز الآتي(((‪:‬‬
‫‪ -‬تحتاج الجماعة االقتصادية لدول ش���رق‬ ‫التكامل المالي‪ ،‬وتتمثل تلك ال�شروط فيما ي�أتي‪:‬‬
‫إفريقيا إلى مراجعة الجهاز اإلداري والسكرتارية‬ ‫‪ -‬رف���ع مس���توى العم���ق المال���ي‪ ،‬وجذب‬
‫عمل قادر‬
‫الخاصة بالجماعة‪ ،‬وتزويدها بفريق ٍ‬ ‫ّ‬ ‫االستثمارات األجنبية‪.‬‬
‫بش���كل أكثر كفاءة‬
‫ٍ‬ ‫على تنفيذ توجهات الجماعة‬ ‫‪ -‬العم���ل عل���ى تحقيق نُظ���م إدارة أفضل‬
‫يتالءم مع أهدافها‪.‬‬ ‫للقطاع المال���ي‪ ،‬وتطبيق نُظم الحوكمة الجيدة‪،‬‬
‫‪ -‬مواءمة األط���ر القانونية والتنظيمية التي‬ ‫تحد من الفساد‬‫ووضع أطر قانونية وإش���رافية ّ‬
‫تحك���م المؤسس���ات المالي���ة المصرفية وغير‬ ‫وتحقّ���ق الش���فافية‪ ،‬مما يؤث���ر باإليجاب على‬
‫ٍ‬
‫واح���د للتراخيص‬ ‫نظام‬
‫ٍ‬ ‫المصرفي���ة‪ ،‬واعتماد‬ ‫تخصيص الموارد المالية في االقتصاد‪.‬‬
‫خاصة للبنوك وشركات السمسرة والتأمين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫‪ -‬االنفت���اح التجاري‪ ،‬والمض���ي ُقدما في‬
‫‪ -‬اعتماد المعايير الدولية لرفع كفاءة القطاع‬ ‫تحقيق مراحل التكامل االقتصادي‪ ،‬مما يح ّد من‬
‫المالي في دول ش���رق إفريقيا‪ ،‬مثل معايير بازل‬ ‫احتمالية األزمات الناتجة من التدفقات المالية‪.‬‬
‫والمنظمة الدولية لهيئة األوراق المالية‪.‬‬ ‫‪ -‬تحرير حسابات رأس المال‪ ،‬مع األخذ في‬
‫‪ -‬تنوي���ع القطاع المالي في ش���رق إفريقيا‬ ‫االعتبار تطبيق سياسات مالية ونقدية فاعلة(((‪.‬‬
‫ليشمل العديد من المؤسسات المصرفية وغير‬ ‫‪ -‬تنس���يق السياس���ات النقدية بين البنوك‬
‫ال���دور المهيمن للبنوك‬
‫َّ‬ ‫المصرفي���ة‪ ،‬للح ّد من‬ ‫المركزي���ة لل���دول األعض���اء ف���ي التكتالت‬
‫على القطاع‪ ،‬والتركيز على مؤسس���ات التمويل‬ ‫االقتصادية‪ ،‬والعمل على تس���ريع وتيرة االتحاد‬
‫الصغير التي تخدم الشركات الصغيرة السائدة‬ ‫عملة واحدة‪ ،‬واتباع نُظم س���عر‬
‫ٍ‬ ‫النق���دي وخلْق‬
‫في دول الشرق اإلفريقي‪.‬‬ ‫الصرف المرنة‪ ،‬فف���ي الدول التي لديها أنظمة‬
‫‪ -‬التوس���ع في إنشاء البنوك العابرة للحدود‬ ‫مرنة ق���د يكون س���عر الص���رف أدا ًة لتوحيد‬
‫أو البن���وك اإلقليمية التي تنتش���ر فروعها في‬ ‫السياسات النقدية‪.‬‬
‫أكثر من دولة‪ ،‬لالس���تفادة من وفورات الحجم‪،‬‬ ‫‪ -‬الح��� ّد من ازدواجية القواع���د والقوانين‬
‫ورفع مس���توى التنافس���ية بي���ن البنوك‪ .‬حيث‬ ‫الحاكمة للصناعة المصرفية بين دول التكتالت‬
‫اس���تطاعت كيني���ا التوس���ع في إنش���اء ٍ‬
‫بنوك‬ ‫االقتصادية‪ ،‬وتخفيض تكاليف المعامالت‪.‬‬
‫إقليمي���ة تابعة لها والعمل ف���ي العديد من دول‬ ‫‪ -‬الح ّد من ارتفاع هامش سعر الفائدة‪ ،‬وقد‬
‫ش���رق إفريقيا‪ ،‬وعلى رأسها بنك كينيا التجاري‬ ‫يساعد على ذلك تحسين الخدمات المصرفية‪،‬‬
‫‪ ،Kenyan Commercial Bank‬كما جعلت‬ ‫والح ّد من التركز واحتكار القلة؛ وبالتالي تزداد‬
‫بعض البن���وك األجنبية م���ن العاصمة نيروبي‬ ‫المنافس���ة في السوق المحلي وينخفض هامش‬
‫الفائدة(((‪.‬‬
‫‪Integration in Africa : Implications For Monetary‬‬
‫‪:at ،20-Policy and Financial Stability، PP. 18‬‬
‫‪.http://www.bis.org/publ/bppdf/bispap76c.pdf‬‬ ‫(((  ‪.Amadou Sy، Op.cit، PP.2 -4‬‬

‫  ‪.7-Smita Wagh & Others، Op.cit، PP.4‬‬ ‫(((‬ ‫‪Benedicte Vibe Christensen ، Financial‬‬ ‫(((  ‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪68‬‬


‫بالنسبة لبعض الدول مثل تنزانيا وأوغندا‪ .‬ويؤدي‬ ‫مق ّراً رئيس��� ّياً ألنش���طتها‪ ،‬مثل ‪ Citibank‬و‬
‫ازدواج العضوي���ة إلى العديد من المش���كالت‪،‬‬ ‫‪ ،Standard Charted Bank‬و‪Stanbic‬‬
‫أهمه���ا صعوبة تنفيذ إجراءات ومراحل التكامل‬ ‫‪ Bank‬ومق ّره كمباال‪.‬‬
‫االقتصادي‪ ،‬وتضارب السياسات‪ ،‬وتشتت الدول‬ ‫‪ -‬إنش���اء بنية تحتية مالي���ة إقليمية‪ ،‬حيث‬
‫األعضاء في تنفيذ أهداف ومراحل التكامل في‬ ‫تقدماً‬
‫كل م���ن كينيا وتنزاني���ا وأوغندا ّ‬ ‫حققت ٌّ‬
‫ك ّل تكتل(((‪.‬‬ ‫كبيراً في دمج نظم التسوية في األسواق المالية‪،‬‬
‫‪ -‬ض���رورة إتاح���ة الفرصة لجمي���ع الدول‬ ‫بينما تحتاج روان���دا وبوروندي إلى مواءمة نُظم‬
‫األعضاء في الجماعة االقتصادية لدول ش���رق‬ ‫الخاصة بها م���ع النظام اإلقليمي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫المدفوعات‬
‫إفريقيا بتحقيق التكامل المالي واالقتصادي‪ ،‬دون‬ ‫وإنش���اء مراك���ز اإلي���داع المرك���زي الموحدة‬
‫كأساس لهذا التكامل‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫التركيز على كينيا بعينها‬ ‫ومنصات للتداول اإلقليمي(((‪.‬‬
‫إن الهيمنة االقتصادي���ة لكينيا يمكن أن‬‫حي���ث ّ‬ ‫ٍ‬
‫واحد للش���ركات‬ ‫‪ -‬اعتماد نظ���ام ضريبي‬
‫تكون عقب ًة أمام تحقيق التعاون المس���تقبلي في‬ ‫المدرجة في األس���واق المالي���ة‪ ،‬كذلك النُّظم‬
‫مجال التكامل‪ ،‬وقد يتس ّبب في تفكك الجماعة‬ ‫المتعلقة بالمكاسب الرأس���مالية‪ ،‬والعمل على‬
‫كما سبق وحدث في عام ‪1977‬م((( ‬ ‫المقاصة‬
‫ّ‬ ‫تطبيق نظ���ام موحد ف���ي عملي���ات‬
‫والتسوية‪.‬‬
‫‪ -‬يج���ب على دول ش���رق إفريقي���ا إعادة‬
‫يخص العضوي���ة المزدوجة لبعض‬ ‫ّ‬ ‫النظر فيما‬
‫تكتل اقتص���ادي إقليمي‪،‬‬‫ال���دول في أكث���ر من ٍ‬
‫ال كينيا عض ٌو في الس���وق المشتركة لدول‬ ‫فمث ً‬
‫الش���رق والجنوب اإلفريقي (الكوميس���ا)‪ ،‬كما‬
‫أنها عض ٌو في الجماعة االقتصادية لدول شرق‬
‫إفريقي���ا والهيئة الحكومية للتنمي���ة (اإليجاد)‬
‫‪Intergovernmental‬‬ ‫‪Authority‬‬
‫‪ ،On Development: IGAD‬والش���راكة‬
‫الجدي���دة من أجل التنمية ف���ي إفريقيا (نيباد)‬
‫‪The New Partnership for Africa›s‬‬
‫‪Elna Fredriksson، Economic Integration in‬‬ ‫‪ ، Development: NEPAD‬كذل���ك الحال (((  ‬
‫‪East Africa، Trade Effects of the East African‬‬
‫‪:Community، 2009، P.32، at‬‬
‫(((  ‪Ombeni N. Mwasha، The Benefits of Regional‬‬
‫‪https://lup.lub.lu.se/student-papers/search/‬‬
‫‪Economic Integration for Developing Countries‬‬
‫‪.publication/1481166‬‬
‫‪in Africa: A Case of East African Community‬‬
‫(((   ‪Elna Fredriksson ، Economic Integration in‬‬ ‫‪(EAC)*، Korea Review of International Studies،‬‬
‫‪East Africa، Trade Effects of the East African‬‬ ‫‪:P.90، at‬‬
‫‪Community،‬‬ ‫‪Lund University، School of‬‬ ‫‪https://www.semanticscholar.org/paper/The-‬‬
‫‪:Economics and Management ، 2009، P.32، at‬‬ ‫‪Benefits-of-Regional-Economic-Integration-for-‬‬
‫‪https://lup.lub.lu.se/student-papers/search/‬‬ ‫‪%3A-Mwasha/18beea4e9968371264a4a0b3a5‬‬
‫‪publication/1481166‬‬ ‫‪77d657073bde88‬‬

‫‪69‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫تنموية‬

‫عمالة األطفال في إفريقيا‬


‫جريمة إنسانية وتنموية‬
‫�أ‪ .‬جيهان عبد الرحمن جاد‬
‫باحثة دكتوراه كلية الدرا�سات الإفريقية العليا‬
‫‪ -‬جامعة القاهرة‬

‫العمل لتحقيق الك�س�ب والإعال�ة‪ ،‬وقد يعملون في بع�ض‬


‫الأن�شطة الخطرة التي تعوق نموّهم البدني والعقلي‪.‬‬
‫المواثي�ق الدولي�ة عل�ى حري�ة‬
‫الإن�س�ان وحمايته و�ض�مان رفاهيته‪،‬‬
‫تحر�ص‬
‫تظل منطقة �إفريقيا جنوب ال�ص�حراء تواجه �أكبر‬ ‫ولذا ّ‬ ‫مع التركيز على الأطفال جيل الم�س�تقبل‪ ،‬فيما ال يزال‬
‫التحديات المطروحة �أمام الأو�ساط الإنمائية؛ نظر ًا لأنها‬ ‫الطف�ل يم ّثل ال�ض�حية الكب�رى الرتفاع مع�دالت الفقر‬
‫ت�س�جّ ل �أعل�ى معدالت ن�س�ب عمالة الأطفال ف�ي العالم‪،‬‬ ‫والبطالة في �إفريقيا‪� ،‬إذ تدفع الأ�س�ر ب�أطفالها �إلى �س�وق‬
‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪70‬‬
‫االس���تعمارية ف���ي يناير ‪1912‬م‪ ،‬لف���ت االنتباه فيه إلى‬ ‫كم�ا �أنه�ا مت�أخر ٌة ف�ي الحدّ م�ن ظاهرة عمال�ة الأطفال‬
‫مش���كلة عمالة األطفال القسرية‪ ،‬مما دفع الحكومة إلى‬ ‫ب�شك ٍل يثير القلق‪.‬‬
‫معالجة المش���كلة‪ ،‬فقرر وزير الشؤون المحلية التحقيق‬ ‫وتشير‪ ‬التقديرات العالمية لعام ‪2016‬م حول عمالة‬
‫في المشكلة‪ ،‬لك ّن الحكومة االس���تعمارية لم يكن لديها‬ ‫األطفال‪ ‬إلى‪ :‬أ ّن خُ مس األطفال األفارقة منخرطون في‬
‫النية إلنهاء استخدام عمالة األطفال(((‪.‬‬ ‫عمالة األطفال‪ ،‬وهي نس���ب ٌة تزيد عن ضعفي النسبة في‬
‫وفي منتصف الثالثينيات اقترح مكتب المستعمرات‬ ‫أي منطقة أخ���رى‪ .‬وهناك طف ٌل عامل من ك ّل خمس���ة‬ ‫ّ‬
‫في غانا عدداً من التغييرات في عمل األطفال‪ ،‬ش���ملت‬ ‫أطفال‪ ،‬كم���ا أ ّن ‪ %9‬من األطف���ال العاملين يعملون في‬
‫حظ���ر العمل الليل���ي لألطفال‪ ،‬وتش���غيلهم في البحر؛‬ ‫أعمال خطيرة‪ ،‬وهي أعلى نسبة في جميع مناطق العالم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كما أوصى بااللتزام باللوائ���ح المتعلقة بالفحص الطبي‬ ‫بشكل عام‪ ،‬في جميع‬ ‫وبينما يتناقص عدد عمالة األطفال ٍ‬
‫اإللزامي لألطفال‪ ،‬لكن لم يك���ن لالتفاقيات تأثير على‬ ‫أنحاء العالم‪ ،‬فإنه ال يزال يرتفع في إفريقيا‪ ،‬حيث يُق ّدر‬
‫العمل القس���ري القائم(((‪ .‬جدي ٌر بالذكر أ ّن التوس���ع في‬ ‫بحوالي ‪ 72.113‬مليون طفل إفريقي عامل‪ ،‬منهم حوالي‬
‫زراعة الكاكاو في فترة الس���تينيات والسبعينيات تطلّب‬ ‫‪ 31.538‬مليون طفل يعملون في أعمال خطرة‪ ،‬وبخاصة‬
‫الكثير من الع ّمال الصغ���ار‪ ،‬مما أﻋﺎق اﻟﺣﻣﻼت الرامية‬ ‫الزراعة‪ ،‬تتراوح أعمارهم بين ‪ 7‬و ‪ 17‬عاماً(((‪.‬‬
‫ﺑﺷكل ﻋﺎم (((‪.‬‬
‫إﻟى اﻟﻘﺿﺎء على عمل األطفال ﻓﻲ إفريقيا ٍ‬ ‫وهناك أمثل��� ٌة عديدة لتنامي ظاهرة عمالة األطفال‬
‫بينما ف���ي أنجوال راف���ق معظم األطف���ال آباءهم‬ ‫في إفريقيا مثل ماالوي‪ ،‬والتي تُع ّد من أق ّل البلدان نم ّواً‬
‫المجندي���ن بالقوة ف���ي مناجم الماس‪ ،‬وقام���وا بالعمل‬ ‫في العالم‪ ،‬حيث يعتمد اقتصادها على زراعة التبغ‪ ،‬ولك ّن‬
‫في م���زارع ش���ركة التنقيب عل���ى الم���اس «ديامانج»‬ ‫ه���ذه الزراعة تعتمد على األطفال‪ ،‬األمر الذي يس��� ّبب‬
‫‪ ،(((Diamang‬أو عملوا خدم���اً في المنازل‪ ،‬أو صبية‬ ‫عدة أمراض لألطفال مثل مرض التبغ األخضر‪ .‬وهناك‬
‫مراس���لين في المناجم وما حولها‪ ،‬مما ع ّرضهم لظروف‬ ‫مئات اآلالف م���ن األطفال في غرب إفريقيا يعملون في‬
‫ٍ‬
‫لمسافات طويلة إلى المناجم‪،‬‬ ‫العمل الصعبة‪ ،‬مثل السير‬ ‫مزارع الكاكاو– فالق���ارة اإلفريقية المنتج األول للكاكاو‬
‫والتعرض لإلصابات‪ ،‬كثيراً ما تعرضوا لإليذاء الجسدي‬ ‫في العالم– وتتعرض حي���اة الكثير منهم لظروف العمل‬
‫القاس���ية‪ ،‬بجان���ب الضرب واإلهانة‪ ،‬وذل���ك في مقابل‬
‫القليل ج ّداً من المال‪.‬‬
‫(((  ‪Akurang-Parry, Kwabena O.: The Loads Are‬‬
‫‪Heavier than Usual”: Forced Labor by Women‬‬ ‫تمهيد‪ :‬جذور ظاهرة عمالة الأطفال في‬
‫‪and Children in the Central Province, Gold‬‬
‫‪African ,1940-Coast (Colonial Ghana), CA. 1900‬‬ ‫�إفريقيا‪:‬‬
‫‪.Economic History, No. 30 (2002), pp.31,36‬‬‫يرجع تاريخ عمالة األطفال إلى الحقبة االستعمارية‪،‬‬
‫ففي غانا مث ًال كان يت��� ّم إجبار األطفال‪ ،‬الذين تراوحت‬
‫  ‪.Ibid., pp.42--43‬‬ ‫(((‬
‫(((  ‪Lawrance, Benjamin N.: From Child Labor‬‬ ‫أعمارهم ما بين ‪ 9‬سنوات و ‪ 14‬سنة‪ ،‬على العمل كح ّمالين‬
‫‪«Problem» to Human Trafficking «Crisis»: Child‬‬
‫‪Advocacy and Anti-Trafficking Legislation in‬‬ ‫لنقل المحاصيل الزراعية الثقيلة إلى الساحل‪ ،‬وكان على‬
‫‪Ghana, International Labor and Working-Class‬‬ ‫األطفال تح ّمل الظروف المناخية والطبوغرافية الوعرة‪.‬‬
‫‪.History, No.78 (FALL 2010), p.69‬‬
‫وق ّدم كبير موظفي الصحة في غانا تقريراً للحكومة‬
‫(((   �شركة ت�أ�س�ست ف��ي ‪� 16‬أك�ت��وب��ر ‪1917‬م م��ن مجموعة‬
‫م�ستثمرين‪ ،‬م��ن ال�ب��رت�غ��ال وبلجيكا وال��والي��ات المتحدة‬
‫وبريطانيا وجنوب �إفريقيا‪ ،‬ال�ستغالل مناجم الما�س في‬
‫�أنجوال‪ ،‬وتم ح ّل ال�شركة ر�سم ّي ًا في ‪ 17‬فبراير ‪1988‬م‪.‬‬ ‫(((  ‪/https://www.ilo.org‬‬

‫‪71‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫تنموية‬
‫والتخل���ف‪ ،‬وكثيراً ما يُش���ار إلى أ ّن الفقر هو الس���بب‬ ‫على أيدي المش���رفين األوروب ّيين واألفارقة‪ ،‬في مقابل‬
‫بش���كل عام‪ ،‬كم���ا هو الحال‬
‫ٍ‬ ‫الرئيس���ي لعمل األطفال‬ ‫أجورٍ زهيدة وكميات قليلة من الطعام‪.‬‬
‫ف���ي جميع البلدان النامية‪ ،‬بما ف���ي ذلك غينيا وإثيوبيا‬ ‫وبعد ازدياد الطلب على الماس بعد الحرب العالمية‬
‫وأوغندا وموزامبيق وماالوي والسودان وتشاد‪ ،‬مما يدفع‬ ‫الثانية؛ ازدادت الحاجة إلى الش���باب لتوسيع قوة العمل‪،‬‬
‫األطفال إلى المساهمة االقتصادية لزيادة دخل أسرهم‪،‬‬ ‫لذا نجد أنه في عام ‪1944‬م كان بش���ركة ديامانج حوالي‬
‫لكنه ال يبرر وضع األطفال في العمل الشاق الذي يعرض‬ ‫‪ 400‬قاص���ر على قوة العمل‪ ،‬وارتف���ع العدد بحلول عام‬
‫حياتهم للخطر‪.‬‬ ‫‪1947‬م إلى أكثر من ‪ 1400‬قاصر‪ ،‬واس���تمر في االزدياد‬
‫ويضطر مئات اآلالف من األطفال‪ ،‬بس���بب الفقر‪،‬‬ ‫بفترة الستينيات(((‪.‬‬
‫إلى العمل قبل دخولهم المدرس���ة‪ ،‬ويتع ّين على الكثيرين‬ ‫�أو ًال‪ :‬الأ�سباب الرئي�سية لعمالة الأطفال‪:‬‬
‫منهم ترك المدرس���ة في منتصف الدراس���ة‪ ،‬مما يؤدي‬ ‫وفق���اً التفاقي���ة منظم���ة العم���ل الدولي���ة ‪The‬‬
‫إلى فصلهم عن التطور الطبيع���ي والتعليمي والعالقات‬ ‫‪ ،-International Labour Organisation ILO‬يت��� ّم‬
‫االجتماعية(((‪.‬‬ ‫تعريف «عمل األطفال» بأنه‪ :‬انخ���راط جميع األطفال الذين‬
‫• وفاة ربّ الأ�سرة‪:‬‬ ‫تق ّل أعمارهم عن ‪ 18‬عاماً في المهن أو أنشطة العمل الضارة‪،‬‬
‫هناك أس��� ٌر إفريقية معيش���ية يعليها أطفال‪ ،‬سواء‬ ‫والتي تمنعه ع���ن االنتظام في التعلي���م‪ ،‬أو تؤثر على أدائهم‬
‫فتيان أو فتيات‪ ،‬والتي قد تنشأ عن وفاة الوال َديْن بسبب‬ ‫الدراسي‪ ،‬مما يس ّبب أضراراً صحية ونفسية بالطفل(((‪.‬‬
‫وب���اء اإليدز مث ًال‪ ،‬أو اإلب���ادة الجماعية مثلما حدث في‬ ‫إ ّن ظاه���رة عمال���ة األطف���ال ف���ي إفريقيا جنوب‬
‫رواندا(((‪ .‬وانتشار ظاهرة األس���ر المعيشية التي يعيلها‬ ‫الصح���راء تق���وم على االس���تغالل‪ ،‬بس���بب الظروف‬
‫أطفال يرتفع مع حاالت الفقر‪ ،‬والنزاع المسلح‪ ،‬والكوارث‬ ‫االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬أو بس���بب الكوارث الطبيعية‬
‫الطبيعية‪ّ ،‬‬
‫وتفشي األمراض(((‪.‬‬ ‫المتكررة والنزاعات المسلحة(((‪.‬‬
‫وهناك دراس��� ٌة أُجريت على مجموعةٍ من األطفال‬ ‫ومن �أه ّم دوافع الظاهرة‪:‬‬
‫العاملين في كينيا أوضح���ت عوامل أخرى للعمل‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫• الفقر‪:‬‬
‫الموجه‬
‫ّ‬ ‫ترتبط مش���كلة عمالة األطفال ارتباطاً وثيقاً بالفقر المجاعة والطالق أو االستخدام المفرط للعنف‬
‫نحو الطفل‪ ،‬أو الهجرة نتيجة الحروب والمجاعات ‪.‬‬
‫(((‬

‫• ج�شع ال�شركات العالمية وف�ساد الحكومات‪:‬‬ ‫  ‪Cleveland, Todd: Minors in Name Only:‬‬ ‫(((‬
‫‪Child Laborers on the Diamond Mines of‬‬
‫وقد زاد من هدر حقوق األطفال جش���ع الش���ركات‬ ‫‪the Companhia de Diamantes de Angola‬‬
‫‪Journal of Family ,1975-(Diamang), 1917‬‬
‫‪.History, Vol, 35, issue 1, Oct. 2009, pp.92, 97‬‬
‫(((  ‪.Rena, Ravinder: Op. Cit., p.4‬‬ ‫  ‪Rena, Ravinder: The Child Labor in Developing‬‬ ‫(((‬
‫  ‪Andvig, Jens Christopher: Child Labor in Sub-‬‬ ‫(((‬ ‫‪Countries: A Challenge to Millennium Development‬‬
‫‪Saharan Africa - A Bargaining Approach, Working‬‬ ‫‪Goals, Indus Journal of Management & Social‬‬
‫‪Paper, NUPI Norwegian Institute of International‬‬ ‫‪.Sciences, 3(1), spring 2009, p.1‬‬
‫‪.Affairs, No. 612, December 2000, p.2‬‬ ‫(((   ‪Admassie, Assefa: Explaining the High‬‬
‫(((  ‪ L.29/Rev.1/70/A/C.3‬تعزيز حقوق الطفل وحمايتها‪،‬‬ ‫‪Incidence of Child Labour in Sub–Saharan‬‬
‫‪Africa, African Development Review, vol. 14,‬‬
‫الجمعية العامة للأمم المتحدة‪ ،‬الدورة ال�سبعون‪ ،‬اللجنة الثالثة‪،‬‬
‫‪.issue 2, 2002, p.252‬‬
‫البند ‪�( 68‬أ) من جدول الأعمال‪ 17 ،‬نوفمبر ‪2015‬م‪� ،‬ص‪.4‬‬
‫‪-1467/https://onlinelibrary.wiley.com/doi/pdf/10.1111‬‬
‫  ‪.Andvig, Jens Christopher: Op. Cit., p.3‬‬ ‫(((‬ ‫‪8268.00054‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪72‬‬


‫العالمية في اس���تخدام األطفال تحت أس���وء الظروف‪،‬‬
‫فنجد على س���بيل المثال‪ :‬أنه بالرغ���م من أ ّن حكومتَي‬
‫ُ‬ ‫الصين وجمهورية الكونغو الديمقراطية قد ص ّدقتا على‬
‫خمس األطفال األفارقة‬
‫الخاصة بحقوق الطفل‪ ،‬والتي‬‫ّ‬ ‫عددٍ من المعايير الدولية‬
‫منخرطون في عمالة األطفال‪،‬‬
‫بطبيعة األمر ينبغي احترامها من جانب جميع الشركات‬
‫وهي نسبة تزيد عن ضعفي‬ ‫العاملة في كاتانجا‪ ،‬فإ ّن هذا لم يحدث على أرض الواقع!‬
‫النسبة في أي منطقة أخرى‬ ‫عمال���ة األطفال ف���ي مناجم النح���اس والكوبالت‬
‫في الكونغو زودت الش���ركات الصيني���ة‪ ،‬ويقوم األطفال‬
‫فيها بحف���ر مواقع المعدن بالي���د‪ ،‬وحمل األكياس على‬
‫ظهورهم‪ ،‬وتمتلك الش���ركات الصيني���ة أكثر من ‪ 60‬من‬
‫والنفسية‪ ،‬والتعليم(((‪.‬‬ ‫بين ‪ 75‬م���ن المصانع الصناعية ف���ي مقاطعة كاتانجا‪.‬‬
‫• ال�صحة الج�سدية‪:‬‬ ‫وأوضح تقري ٌر‪ ‬صحفي لمنظمةٍ غير حكومية إفريقية‪ :‬أ ّن‬
‫ع ّرفت منظم���ة الصحة العالمي���ة «صحة الطفل»‬ ‫‪ 80.000‬عامل ُهم من األطفال دون س��� ّن ‪ 15‬عاماً‪ ،‬أي‬
‫بأنها‪ :‬اكتمال السالمة بدن ّياً وعقل ّياً‪ ،‬وليس مجرد غياب‬ ‫حوالي ‪ %40‬من جميع المشتغلين بالتعدين‪.‬‬
‫المرض أو العجز(((‪.‬‬ ‫واتهمت «بي بي سي» في عام ‪2012‬م شركة جلينكور‬
‫تس���جل أعلى‬
‫ّ‬ ‫وف���ي إفريقيا جنوب الصحراء‪ ،‬التي‬ ‫للطاقة باس���تخدام عمالة األطفال في عمليات التعدين‬
‫معدالت لعمالة األطفال ف���ي العالم(((‪ ،‬تتراوح أعمارهم‬ ‫والصهر في إفريقيا‪ ،‬بينما أنكرت جلينكور ذلك‪ ،‬وأكدت‬
‫ٍ‬
‫ظ���روف خطرة‬ ‫بي���ن ‪ 5‬و ‪ 17‬س���نة‪ ،‬يعمل األطفال في‬ ‫أ ّن لديها سياس ًة صارم ًة بعدم استخدام عمالة األطفال‪،‬‬
‫ٍ‬
‫قطاعات متنوعة‪ ،‬مث���ل‪ :‬الزراعة‪ ،‬والتعدين‪ ،‬والبناء‪،‬‬ ‫في‬ ‫وا ّدعت أ ّن األطفال‪ ‬العاملي���ن في‪ ‬المناجم ُهم جز ٌء من‬
‫والتصنيع‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫مجموعة‪ ‬عمال‪ ‬مناجم‪ ‬حرف ّيي���ن هجم���وا على‪ ‬منطقة‬
‫وغالبية األطفال ُهم ع ّما ٌل زراعيون مع أس���رهم أو‬ ‫امتياز‪ ‬الش���ركة‪ ‬منذ ‪2010‬م بدون ترخي���ص‪ ،‬وأنها قد‬
‫عند اآلخرين‪ ،‬عاد ًة ما يواجهون خطر التعرض لمبيدات‬ ‫ناش���دت الحكومة إلخراج‪ ‬العمال‪ ‬الحرف ّيين من منطقة‬
‫رش المحاصي���ل الزراعية‪ ،‬فض ًال‬ ‫اآلفات أثن���اء عملية ّ‬ ‫امتيازها دون جدوى‪.‬‬
‫عن المياه واألغذية الملوثة بالمبيدات‪ ،‬وكثيراً ما يُس���هم‬ ‫ثاني ًا‪� :‬أث��ر العمل على ال�صحة الج�سدية‬
‫والنف�سية للطفل‪:‬‬
‫  ‪Bermudez, Laura Gauer & Others:‬‬ ‫(((‬ ‫السماح لعمالة األطفال تعني سرقة «طفولة» ماليين‬
‫‪Understanding female migrant child labor within‬‬
‫األطفال‪ ،‬كم���ا أنهم يخضعون لالس���تغالل االقتصادي‬
‫‪a cumulative risk framework: The case for‬‬
‫‪combined interventions in Ghana, International‬‬ ‫بحصوله���م على أجورٍ زهي���دة(((‪ ،‬وارتبط عمل الصغار‬
‫‪.Social Work, July 2018, p.4‬‬
‫بنتائج س���لبية خطيرة على األطفال في الصحة البدنية‪،‬‬
‫(((  ‪Hurst, Peter: Health and child labor in‬‬
‫‪agriculture, Food and Nutrition Bulletin, vol. 28,‬‬
‫‪.no. 2 (supplement), 2007, p.S366‬‬
‫  ‪Arat, Zehra F.: Analyzing Child Labor as a‬‬ ‫(((‬
‫(((  ‪Chatterjee, Biswajit & Ray, Runa: Impact of‬‬ ‫‪Human Rights Issue: Its Causes, Aggravating‬‬
‫‪Trade vs. Non-trade Policies on the Incidence‬‬ ‫‪Policies, and Alternative Proposals, Human‬‬
‫‪of Child Labour, Foreign Trade Review, vol. 51,‬‬ ‫‪Rights Quarterly, Vol. 24, No. 1 (Feb., 2002),‬‬
‫‪No.4, November2016, p.288‬‬ ‫‪.p.179‬‬

‫‪73‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫تنموية‬
‫يصبحوا ذوي آفاق ضيق���ة(((‪ ،‬وهناك الماليين من‬ ‫نقص المياه النظيفة الصالحة للشرب عن سوء األحوال‬
‫الفتي���ات منخرطات في عمالة األطفال في أس���وأ‬ ‫الصحي���ة(((‪ ،‬وغالباً ما تتس��� ّبب البيئ���ات غير الصحية‬
‫أش���كالها‪ ،‬حيث يواجهن عبئاً مزدوج���اً؛ إذ يتع ّين‬ ‫والخطيرة والس���امة في حدوث تش��� ّوهات جسدية‪ ،‬أو‬
‫عليهن الجم���ع بين األنش���طة االقتصادية والمهام‬ ‫ّ‬ ‫ما يمكن أن يض ّر بالصح���ة اإلنجابية للفتيات في ٍ‬
‫وقت‬
‫يحرمهن من طفولته���ن‪ ،‬ويقلل من‬‫ّ‬ ‫المنزلية‪ ،‬مم���ا‬ ‫الحق(((‪.‬‬
‫حصولهن على التعليم‪ ،‬وعلى العمل المناسب‬
‫ّ‬ ‫فرص‬ ‫كم����ا يمكن أن يتطلب عملهم الوقوف أو االنحناء‬
‫فيما بعد ‪.‬‬
‫(((‬
‫لفت����رات طويل����ة‪ ،‬أو حم����ل أحمال ثقيلة والس����ير‬
‫كم���ا أ ّن صدمة رؤي���ة الجنود األطف���ال لألحداث‬ ‫بها لمس� ٍ‬
‫���افات طويلة‪ ،‬مما يض���� ّر بالتطور العضلي‬
‫المؤلمة‪ ،‬في أثناء الح���رب‪ ،‬قد تصيبهم باألرق‪ ،‬والتبول‬ ‫الهيكلي لألطف����ال‪ ،‬وقد تؤدي إلى عجز دائم‪ ،‬وكثيراً‬
‫الالإرادي‪ ،‬واالكتئاب(((‪ ،‬فالجروح الجس���دية والنفس���ية‬ ‫م����ا يس����تخدم األطف����ال أدوات اﻟﻘ َْطﻊ اﻟﺧطرة في‬
‫التي يتعرض لها ه���ؤالء األطفال تح ّد من قدراتهم على‬ ‫المزارع‪ ،‬مما يعرضهم أحيان����اً للبتر أو العجز‪ ،‬وقد‬
‫العمل والتعلم(((‪.‬‬ ‫يواجه الصغار خطر الس����قوط عند جني المحاصيل‬
‫• الأثر االجتماعي‪:‬‬ ‫الزراعية‪ ،‬وكثي ٌر من المحاصيل قد تحتوي على مواد‬
‫ويعمل الطفل تحت إش���راف العمال البالغين‪ ،‬وقد‬ ‫مه ّيجة للجلد يمكن أن تس���� ّبب الحساس����ية والطفح‬
‫يؤدي اختالط الطفل به���م إلى إدمان بعض المخدرات‪،‬‬ ‫الجلدي والحمى‪ ..‬إلخ‪ ،‬باإلضافة إلى تعرضهم لخطر‬
‫واكتس���اب بعض الس���لوكيات غير األخالقي���ة‪ .‬كما أن‬ ‫اإلصابة أو الموت على ي����د اآلالت الزراعية الثقيلة‬
‫تع ّرضه لإلي���ذاء على أيديه���م يُفق���ده احترامه لذاته‬ ‫والجرارات‪.‬‬
‫وارتباطه األسرى‪.‬‬ ‫وفي المصان����ع يتعرض األطف����ال لخطر التيار‬
‫• الأثر الثقافي‪:‬‬ ‫الكهربائي‪ ،‬كما أ ّن التعرض المستمر للضوضاء يمكن‬
‫يتأثر التط���ور الثقافي واألخالق���ي للطفل العامل‬ ‫أن يؤدي إلى مش����اكل في الس����مع‪ ،‬نظ����راً ألنهم في‬
‫بقدرت���ه على القراءة والكتابة‪ ،‬مم���ا يؤثر على تحصيله‬ ‫مرحلة النمو البدني(((‪.‬‬
‫الدراس���ي‪ ،‬ومهارته المعرفية‪ ،‬وبالتالي يقلل من الفرص‬ ‫• ال�صحة النف�سية‪:‬‬
‫المتاحة له مستقب ًال في تحسين تطوره المعرفي‪ ،‬ويُفقده‬ ‫يتع���رض األطف���ال العاملين ألضرار نفس���ية‬
‫أيضاً القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ‪ ،‬مما يقود‬ ‫بسبب التهميش أو المضايقة أو التعرض للعنف(((‪،‬‬
‫في النهاية لنمو الجريمة‪ ،‬وتهريب الس�ل�اح والمخدرات‪،‬‬ ‫و ُه���م أكثر عرض ًة لإلس���اءة اللفظية والجس���دية‬
‫واالتج���ار باألعضاء البش���رية‪ ،‬قبل وبع���د بلوغ هؤالء‬ ‫والجنسية(((‪ ،‬ويتس��� ّبب حرمانهم من التعليم في أن‬

‫(((  ‪.Arat, Zehra F.: Op. Cit., p.178‬‬

‫  ‪.Andvig, Jens Christopher: Op. Cit., p.43‬‬ ‫(((‬ ‫  ‪.Hurst, Peter: Op. Cit., pp. S365- S366‬‬ ‫(((‬
‫  ;‪Brownell, Gracie & Praetorius, Regina T‬‬ ‫(((‬ ‫(((  ‪.Andvig, Jens Christopher: Op. Cit., p 43‬‬
‫‪Experiences of former child soldiers in Africa:‬‬
‫  ‪.Hurst, Peter: Op. Cit., p.S367‬‬ ‫(((‬
‫‪A qualitative interpretive meta-synthesis,‬‬
‫‪International Social Work, Vol. 60, issue. 2, Dec.‬‬ ‫(((  ‪.Idem‬‬
‫‪2015, p.454‬‬
‫(((  ‪Bermudez, Laura Gauer & Others: Op. Cit.,‬‬
‫(((  ‪.Andvig, Jens Christopher: Op. Cit., p.43‬‬ ‫‪.p.4‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪74‬‬


‫التراجع مدى استجابة جزءٍ مه ٍّم من القوى االقتصادية‬ ‫(((‬
‫األطفال س ّن الرشد‪.‬‬
‫والديموغرافي���ة األوس���ع نطاقاً للجه���ود الحكومية‪،‬‬ ‫• التعليم‪:‬‬
‫خاص��� ًة أ ّن منطقة إفريقيا من بين أكثر المناطق تأ ّثراً‬
‫ّ‬ ‫غالباً ما يترك األطفال المدرس���ة من أجل العمل‪،‬‬
‫بحاالت هشاشة وأزمات الدولة‪ ،‬األمر الذي أدى بدوره‬ ‫فليس لديهم الوقت أو الجهد ألداء واجباتهم المدرس���ية‬
‫إلى زيادة خطر عمل األطفال‪.‬‬ ‫والتحصيل الدراس���ي(((‪ ،‬ففي ساحل العاج‪ :‬لم يكن ثلث‬
‫ويش���غل قط���اع الزراعة أكبر حص���ة من عمالة‬ ‫األطفال الذين يعيش���ون مع أس���رٍ منتجة لل���كاكاو قد‬
‫األطفال ف���ي إفريقيا‪ ،‬حيث يم ّثل (‪ )%85‬من نس���بة‬ ‫التحقوا بالمدرس���ة(((‪ .‬أما أطفال غان���ا‪ :‬فإ ّن االلتحاق‬
‫العمل‪ ،‬بقيم���ة تعادل حوالي ‪ 61.4‬مليون طفل‪ ،‬يتعلق‬ ‫بالمدرس���ة مس���تحي ٌل عمل ّياً‪ ،‬حيث تقع قراهم على بُعد‬
‫عمل األطفال ف���ي الزراعة بالدرج���ة األولى بمزارع‬ ‫نوع من‬
‫أي ٍ‬
‫أمي���ال عديدة من أقرب مدرس���ة‪ ،‬وال يوجد ّ‬
‫الزراع���ة التجارية وتربية الماش���ية‪ ،‬وغالباً ما تكون‬ ‫أنواع المواصالت(((‪.‬‬
‫خط���رة في طبيعتها‪ ،‬ومن بي���ن األطفال المتبقين في‬ ‫ثالث ًا‪� :‬أ�شـكال‪ ‬عمالـة الأطفال‪:‬‬
‫عمل األطفال في إفريقيا يوجد ‪ 8.1‬ماليين (بنس���بة‬ ‫يبدو أ ّن التق ّدم ف���ي مكافحة عمالة األطفال قد‬
‫‪ )%11‬في قطاع الخدمات‪ ،‬و ‪ 2.7‬مليون (بنس���بة ‪)%4‬‬ ‫توقف في إفريقيا‪ ،‬حي���ث ارتفعت عمالة األطفال في‬
‫في الصناعة‪ .‬وجدي ٌر بالذكر أ ّن معظم عمالة األطفال‬ ‫إفريقيا جن���وب الصحراء خالل الفت���رة من ‪2012‬م‬
‫غير مدفوعة األجر‪ ،‬ألنهم يعملون في المزارع األسرية‬ ‫إل���ى ‪2016‬م‪ ،‬على النقيض من التق ّدم المس���تمر في‬
‫والمشروعات العائلية‪ .‬‬ ‫أماك���ن أخرى من العال���م‪ ،‬وبالرغم من السياس���ات‬
‫المس���تهدفة الت���ي تنفذه���ا الحكوم���ات اإلفريقية‬
‫لمكافح���ة عمل األطفال‪ ،‬ومن المرج���ح أ ّن وراء هذا‬

‫(((   محمد �أحمد عبد الظاهر‪ :‬دور التعاونيات في الت�صدي‬


‫ل�ظ��اه��رة عمالة الأط��ف��ال‪� ،‬أع �م��ال ال �ن��دوة القومية ل��دور‬
‫التعاونيات ف��ي الحد م��ن عمالة الأط �ف��ال‪ ،‬منظمة العمل‬
‫العربية‪ ،‬القاهرة ‪2012‬م‪� ،‬ص (‪.)12-11‬‬
‫  ‪Canagarajah , Sudharshan & Nielsen, Helena‬‬ ‫(((‬
‫‪Skyt: Child Labor in Africa: A Comparative Study,‬‬
‫‪he Annals of the American Academy of Political‬‬
‫‪and Social Science, Vol. 575, Children›s Rights‬‬
‫ويش���ير تفصيل أعمار األطفال إلى‪ :‬أ ّن نس���بة‬ ‫‪.(May, 2001), p.73‬‬
‫‪ %59‬من مجم���وع األطفال العاملي���ن ُهم في الفئة‬ ‫(((   ‪Combating child labour in Cocoa growing,‬‬
‫العمرية ‪ 11-5‬سنة‪ ،‬ونس���بة ‪ %26‬تتراوح أعمارهم‬ ‫‪International Programme on the Elimination of‬‬
‫‪Child Labour -IPEC, International Labour Office,‬‬
‫سن ‪ 17-15‬سنة‪.‬‬ ‫بين ‪ 14-12‬سنة‪ ،‬ونسبة ‪ %15‬في ّ‬ ‫‪.Geneva, Feb. 2005, p.2‬‬
‫وهذا المظهر العمري لعمال���ة األطفال في إفريقيا‬ ‫‪https://www.ilo.org/public/english//standards/ipec/‬‬
‫‪themes/cocoa/download/2005_02_cl_cocoa.‬‬
‫مكان آخر‪ ،‬ويش ّكل األطفال‬
‫أي ٍ‬ ‫هو «أصغر» كثيراً من ّ‬ ‫‪pdf‬‬
‫في الش���ريحة العمرية األصغر أيضاً أكبر مجموعة‬ ‫  ‪Report of The Department of Labor›s 2012‬‬ ‫(((‬
‫في العمل الخطر في إفريقيا‪ .‬إ ّن مجموعة األطفال‬ ‫‪Findings on the Worst Forms of Child Labor,‬‬
‫‪the Bureau of International Labor Affairs, U.S.‬‬
‫األفارقة الصغار الذين يواجهون ظروف عمل خطرة‪،‬‬ ‫‪.Department of Labor, Washington 2013, p.279‬‬

‫‪75‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫تنموية‬
‫بش���كل مباش���ر صحتهم وأمنه���م وتطورهم باعتقال وتعذيب األطفال المشتبه في دعمهم لجماعات‬
‫ٍ‬ ‫ته ّدد‬
‫المعارضة ‪ ،‬وبالرغم من التجنيد القسري لألطفال فإ ّن‬
‫(((‬
‫األخالقي‪ ،‬تش ّكل مصدر قلق خاص ‪.‬‬
‫(((‬

‫أساس تطوعي لحاجتهم‬‫ٍ‬ ‫الفتيان ينضمون للجيوش على‬


‫للغذاء والمأوى(((‪.‬‬
‫راب��ع � ًا‪ :‬بع�ض ن��م��اذج لعمالة الأط��ف��ال في‬
‫الدول الإفريقية‪:‬‬
‫• في �إثيوبيا‪:‬‬
‫يعمل األطف���ال في مزارع التف���اح والقهوة والقطن‬
‫والبصل والموز والزهور وقصب الس���كر والش���اي‪ ،‬وقد‬
‫يس���تخدم األطفال أدوات الزراعة الخط���رة‪ ،‬ويحملون‬
‫رش‬‫أحماالً ثقيلة‪ ،‬ويس���تخدمون المبيدات الحشرية في ّ‬
‫المحاصي���ل‪ ،‬وقد تعاني خادمات المن���ازل األطفال من‬ ‫ويش���ارك األطف���ال ف���ي إفريقيا ف���ي العديد من‬
‫مشاكل الصحة العقلية‪.‬‬ ‫األنش���طة االقتصادي���ة‪ ،‬كالتعدين والبناء‪ ،‬واألنش���طة‬
‫أما ف���ي المناطق الحضرية؛ فيعم���ل األطفال في‬ ‫غير الرس���مية مثل الخدمات المنزلية‪ ،‬ونُ ُدل المطاعم‪،‬‬
‫ٍ‬
‫لس���اعات‬ ‫صناعة النس���ج التقليدية‪ ،‬والتي قد تس���تمر‬ ‫والبيع في الش���وارع‪ ،‬والبغاء(((‪ .‬وتحصل معظم الفتيات‬
‫طويل���ة‪ ،‬أو يش���ارك األطفال في األعم���ال الخطرة في‬ ‫(ما بين ‪12-8‬س���نة) العامالت بالخدمات المنزلية على‬
‫الش���وارع‪ ،‬مثل ماس���حي األحذية‪ ،‬ومس���اعدي سائقي‬ ‫رواتب ضئيلة للغاية‪ ،‬بالمقارنة بس���اعات العمل الطويلة‬
‫سيارات األجرة‪ ،‬والباعة‪ ،‬والح ّمالين‪ ،‬والمتسولين‪.‬‬ ‫وبالمعاملة القاس���ية؛ بما في ذل���ك العقاب البدني‪ .‬أما‬
‫أما اس���تغالل الفتيات للعمل في تجارة الجنس فهو‬ ‫الفتيات األكبر س ّناً فرواتبهم أعلى كثيراً‪ ،‬لكنه ّن يتعرضن‬
‫األكثر انتشاراً في المناطق الحضرية‪ ،‬ويت ّم استخدامه ّن‬ ‫في أغلب األحيان للتحرش الجنسي‪ ،‬وخطر البغاء(((‪.‬‬
‫في بيوت الدعارة والفنادق والحانات‪.‬‬ ‫أما مشاركة األطفال كجنود في الحروب والنزاعات‬
‫وقد و ّقع���ت إثيوبيا في عام ‪2012‬م على خطة عمل‬ ‫المسلحة فهي الس���مة البارزة في إفريقيا‪ ،‬وهي ظاهرةٌ‬
‫ً‬
‫مث�ل�ا(((‪ ،‬فالذكور الذي���ن يتمتعون‬ ‫ش���ائع ٌة في أوغندا‬
‫وطنية للقضاء على أسوأ أشكال عمل األطفال‪ ،‬وص ّدقت‬
‫ف���ي مارس ‪2012‬م على بروتوك���ول باليرمو ‪Palermo‬‬ ‫بقوى جس���دية وبعض المهارات عاد ًة م���ا تحتاج إليهم‬
‫(((‪ Protocol‬بش���أن االتجار باألش���خاص‪ ،‬واعتمدت‬ ‫الجيوش المتحاربة‪ ،‬وتجبرهم عل���ى التجنيد‪ ،‬كما تقوم‬
‫قائم ًة بالمهن الخطرة لألطفال‪.‬‬ ‫بع���ض الجماعات بإعط���اء األطفال عقاقير منش���طة‬
‫لتحس���ين أدائهم‪ ،‬في حين تقوم بعض القوات الحكومية‬

‫(((  ‪Glasgow, Jacqueline N. & Baer, Allison L.:‬‬


‫(((  ‪/https://www.ilo.org‬‬
‫‪Lives beyond Suffering: The Child Soldiers of‬‬
‫‪African Wars, the English Journal, Vol. 100, No.‬‬ ‫  ‪.Admassie, Assefa: Op. Cit., p.256‬‬ ‫(((‬
‫‪.6 (July 2011), p.68‬‬
‫  ‪.Andvig, Jens Christopher: Op. Cit., p.32‬‬ ‫(((‬
‫(((  ‪.Andvig, Jens Christopher: Op. Cit., p.42‬‬
‫  ‪Pillay, Jace: Advancement of children’s rights‬‬ ‫(((‬
‫(((   هو بروتوكول منع وقمع ومعاقبة االت�ج��ار بالأ�شخا�ص‪،‬‬ ‫‪in Africa: A social justice framework for school‬‬
‫وبخا�صة الن�ساء والأطفال‪ ،‬المكمل التفاقية الأمم المتحدة‬ ‫‪psychologists, School Psychology International,‬‬
‫لمكافحة الجريمة المنظمة‪.‬‬ ‫‪.Vol. 35, Issue.3, June 2014, p.226‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪76‬‬


‫األطفال‪ .‬لك ّن اليونيسف استطاعت تنفيذ مشرو َعيْن في عام‬ ‫وبالتع���اون بين الحكومة اإلثيوبية واليونيس���يف ت ّم‬
‫‪2012‬م إلع���ادة إدماج الجنود األطفال في جمهورية الكونغو‬ ‫توفير التعليم والرعاية الصحية المجانية‪ ،‬في ‪ 14‬مدينة‬
‫الديمقراطية‪ ،‬وس���اعد هذا المشروع ‪ 797‬طف ًال‪ ،‬من بينهم‬ ‫رئيس���ية‪ ،‬ألكثر من ‪ 6000‬طفل من أطفال الشوارع‪ ،‬بما‬
‫‪ 29‬فتاة‪.‬‬ ‫في ذلك أدي���س أبابا(((‪ ،‬واعتمد مجلس الوزراء اإلثيوبي‬
‫وهناك تقارير تفيد بأ ّن األطف���ال يواصلون العمل في‬ ‫ف���ي عام ‪2017‬م السياس���ة الوطنية لألطف���ال‪ ،‬ود ّربت‬
‫األنش���طة الزراعية الخطيرة‪ ،‬وفي استخراج الذهب‪ ،‬وخام‬ ‫الحكومة ‪ 110‬مفتش عمل على قضايا عمالة األطفال‪.‬‬
‫القصدير‪ ،‬وفي مناج���م الكوبالت‪ ،‬معرضين حياتهم للخطر‬ ‫وبالرغم من أ ّن الحكومة تعمل على تحس���ين جودة‬
‫نتيجة انهيار األلغام واالنفجارات والمرض‪ ،‬وذلك في مقابل‬ ‫التعلي���م؛ فإ ّن األطفال يواجه���ون العديد من العوائق في‬
‫دوالر واح���د يوم ّياً‪ .‬وهناك حوالي ‪ 30.000‬طفل يعيش���ون‬ ‫تلقي التعليم‪ ،‬مثل بُعد المسافة على طلبة الريف للوصول‬
‫في شوارع كينشاسا يمارسون البغاء ويوزعون المخدرات(((‪.‬‬ ‫إلى المدرسة‪ ،‬ونقص الخدمات الصحية‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫وقد التزمت الكونغو في أغس���طس ‪2017‬م بوضع ح ّد‬ ‫ٍ‬
‫ثغرات في اإلطار القانوني إلثيوبيا من أجل توفير الحماية‬
‫لتش���غيل األطفال في قطاع المناجم بحل���ول عام ‪2025‬م‪،‬‬ ‫الكافية لألطفال من أسوأ أش���كال العمل‪ ،‬بما في ذلك‬
‫حيث باش���رت وزارة المناجم تطبيق «االستراتيجية الوطنية‬ ‫الح ّد األدنى لس ّن العمل وس��� ّن التعليم اإللزامي‪ ،‬وقيمة‬
‫لمكافح���ة عمل األطفال ف���ي المناج���م»‪ .‬وأُتيح لمنظمات‬ ‫العقوبات المفروضة على انتهاك قوانين عمالة األطفال‬
‫المجتم���ع المدني الوطنية والدولية فرصة تقديم توصياتها‪،‬‬ ‫الت���ي تتراوح من ‪ 11‬إلى ‪ 44‬دوالراً‪ ،‬وهي منخفضة ج ّداً‬
‫وأكدت الحكومة أنها ستعمل على تنفيذها‪ ،‬وهي خطوةٌ مه ّمة‬ ‫لردع االنتهاكات(((‪.‬‬
‫باتجاه القضاء على اس���تخدام األطفال في س ّن السابعة في‬ ‫• في الكونغو‪:‬‬
‫المناجم(((‪.‬‬ ‫على الرغم من توقيع جمهوري���ة الكونغو الديمقراطية‬
‫باإلضاف���ة إل���ى أ ّن حكوم���ة الكونغو اعتم���دت على‬ ‫خطة األمم المتحدة لوضع ح ٍّد لتجنيد واس���تخدام الجنود‬
‫قانون تعدين منقّ���ح‪ ،‬يتض ّمن عقوبات على توظيف األطفال‬ ‫األطفال في قواتها المس���لحة‪ ،‬في ع���ام ‪2012‬م‪ ،‬فإ ّن بعض‬
‫العاملين في ع���ام ‪2017‬م‪ ،‬وفصلت حوالي ‪ 2360‬طف ًال من‬ ‫عناص���ر الجيش الوطني الكونغولي والجماعات المس���لحة‬
‫الجماعات المس���لحة‪ ،‬ومع ذلك أكدت بعثة األمم المتحدة‬ ‫استمرت في اختطاف األطفال وتجنيدهم قسراً‪.‬‬
‫لتحقيق االس���تقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية في‬ ‫وال ي���زال مجن���دو الجن���ود األطف���ال المعروف���ون‬
‫تقريرها‪ :‬أ ّن هناك حوالي ‪ 125‬مجموعة مسلحة من السكان‬ ‫يش���غلون مناصب في القوات المس���لحة لجمهورية الكونغو‬
‫األصل ّيين واألجانب تعمل داخل الكونغو‪ ،‬وأ ّن بعضها استمر‬ ‫الديمقراطي���ة‪ ،‬وق���د عرقل بعضهم جه���ود األمم المتحدة‬
‫في اختطاف األطفال وتجنيدهم‪.‬‬ ‫لإلش���راف على اإلفراج عن الجن���ود األطفال‪ ،‬مما قلل من‬
‫وم���ع أ ّن التعليم االبتدائي مجاني ف���ي الكونغو؛ إال أ ّن‬ ‫أثر سياس���ات الحكومة في مكافحة أس���وأ أش���كال عمل‬
‫القواني���ن لم تنفذ في جميع أنحاء البالد‪ ،‬ولذا ال تس���تطيع‬
‫بعض العائالت الفقيرة إرسال أطفالها للتعليم بسبب الرسوم‬
‫  ‪Report of The Department of Labor›s 2012‬‬ ‫(((‬
‫‪Findings on the Worst Forms of Child Labor,‬‬
‫(((  ‪Report of The Department of Labor›s 2012‬‬ ‫‪.Op. Cit., pp.247, 249‬‬
‫‪Findings on the Worst Forms of Child Labor,‬‬
‫  ‪Report of The Department of Labor›s 2015‬‬ ‫(((‬
‫‪.Op. Cit., pp.171, 174‬‬
‫‪Findings on the Worst Forms of Child Labor,‬‬
‫(((   تقرير منظمة العفو الدولية لعام ‪2018/2017‬م‪ ،‬حالة‬ ‫‪the Bureau of International Labor Affairs, U.S.‬‬
‫حقوق الإن�سان في العالم‪ ،‬المملكة المتحدة ‪2018‬م‪� ،‬ص‪.277‬‬ ‫‪.Department of Labor, p.2‬‬

‫‪77‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫تنموية‬
‫غانا إلى البلدان المجاورة في غرب إفريقيا الستغاللهم في‬ ‫الدراس���ية الباهظة‪ ،‬ويعاني األطفال والمعلمون من صعوبة‬
‫العمل(((‪.‬‬ ‫الوصول إلى المدارس بس���بب التش���ريد الداخلي الواسع‬
‫وقد ص ّدق���ت غانا عل���ى اتفاقية حق���وق الطفل في‬ ‫النطاق‪ ،‬والخوف من العنف‪ ،‬أو تجنيدهم قسراً‪ ،‬أو االعتداء‬
‫فبراير ‪1990‬م‪ ،‬واتفاقية منظمة العمل الدولية ‪ 182‬في عام‬ ‫عليهم جنس ّياً(((‪.‬‬
‫(((‪ ،2000‬واعتم���دت غانا خطة العمل الوطنية للقضاء على‬ ‫• في غانا‪:‬‬
‫أسوأ أشكال عمل األطفال في عام ‪2010‬م(((‪ ،‬وص ّدقت على‬
‫بشكل كبير في القوة العاملة في إنتاج‬
‫يس���اهم األطفال ٍ‬
‫اتفاقية ميناماتا ‪ The Minamata Convention‬في ‪23‬‬‫ال���كاكاو في غانا(((‪ ،‬وغالبيتهم أق ّل من ‪ 14‬عاماً‪ ،‬منهم ‪%40‬‬
‫مارس ‪2017‬م‪ ،‬لمنع تعرض األطفال للزئبق في مواقع تعدين‬
‫م���ن الفتيات‪ ،‬ويقض���ي األطفال س���اعات طويلة في جني‬
‫الذهب(((‪.‬‬
‫المحصول دون أخذ اس���تراحات(((‪ ،‬ل���ذا قد يُصاب الطفل‬
‫كما عمدت الحكومة إلى تعمي���م االهتمام بالطفل من‬
‫بتمزقات في عضالت الرأس‪ ‬والرقبة والظهر‪ ،‬وكس���ور في‬
‫خالل االس���تراتيجية الوطنية للحماية االجتماعية‪ ،‬والخطة‬ ‫الذرا َعيْن‪ ،‬وخلع الكت َفيْن‪.‬‬
‫االستراتيجية للتعليم للقضاء على عمالة األطفال(‪ ،((1‬وبدأت‬
‫لرش المحاصيل‬ ‫ومع اس���تعماله المبيدات الحش���رية ّ‬
‫في نشر برنامج التغذية المدرسية في غانا في عام ‪2017‬م‬
‫بدون معدات وقائية(((؛ يكون عرضة لخطر التس���مم الكلوي‬
‫ليشمل المدارس في مخيمات الالجئين(‪ ،((1‬وتقوم منظمات‬
‫العض���وي‪ ،‬أو لإلصابة بح���رق العينَيْن والجل���د‪ ،‬والطفح‬
‫غير حكومية محلية بالعديد من األنش���طة المهتمة بالطفل‪،‬‬
‫الجلدي‪ ،‬والس���عال‪ ،‬أو بلدغات الثعابين ولس���عات النحل‪.‬‬
‫مثل منظمة «العمل الكاثوليكي ألطفال الش���وارع»‪ ،‬و«العمل‬
‫وعموم���اً يتعرض األطفال ألخطارٍ صحي���ة كبيرة تزامناً مع‬
‫المجتمع���ي من أجل التنمية»(‪ .((1‬وبالرغم من أ ّن التعليم في‬ ‫تطورهم الجسدي(((‪.‬‬
‫غانا مجان���ي حتى نهاية المرحلة اإلعدادية؛ فإ ّن على اآلباء‬
‫بينما يعمل أطفا ٌل آخرون في صيد األس���ماك‪ ،‬بما في‬
‫شراء الزي المدرس���ي والكتب‪ ،‬وغيرها من اللوازم التي قد‬
‫ذل���ك الصيد في أعماق البح���ار‪ ،‬وصيد البحيرة‪ ،‬معرضين‬
‫أنفس���هم لإلصاب���ات أو حت���ى الموت‪ .‬ويخض���ع األطفال‬
‫(((  ‪Report of The Department of Labor›s 2012‬‬
‫لالس���تغالل الجنس���ي التجاري‪ ،‬خصوصاً في منطقة فولتا‬
‫‪Findings on the Worst Forms of Child Labor,‬‬ ‫والمناطق الغربية الغني���ة بالنفط‪ ،‬ويت ّم أيضاً تهريب أطفال‬
‫‪.Op. Cit., p.279‬‬

‫  ‪Okyere, Samuel: Are working children’s rights‬‬ ‫(((‬


‫  ‪Report of The Department of Labor›s 2015‬‬ ‫(((‬
‫‪and child labour abolition complementary or‬‬
‫‪Findings on the Worst Forms of Child Labor,‬‬
‫‪opposing realms?, International Social Work,‬‬
‫‪.Op. Cit., p.2‬‬
‫‪Vol. 56, issue. 1, Jan. 2013, p.88‬‬

‫(((  ‪Report of The Department of Labor›s 2012‬‬


‫(((   ثاني �أكبر بلد منتِج للكاكاو في العالم‪.‬‬
‫‪Findings on the Worst Forms of Child Labor,‬‬ ‫  ‪Mull, L. Diane & Kirkhorn, Steven R.: Child‬‬ ‫(((‬
‫‪.Op. Cit., p.281‬‬ ‫‪Labor in Ghana Cocoa Production: Focus upon‬‬
‫‪Agricultural Tasks, Ergonomic Exposures, and‬‬
‫(((   تقرير منظمة العفو الدولية لعام ‪2018/2017‬م‪ ،‬حالة‬
‫‪Associated Injuries and Illnesses, public Health‬‬
‫حقوق الإن�سان في العالم‪ ،‬المملكة المتحدة ‪2018‬م‪� ،‬ص‪.230‬‬
‫‪Reports (1974-), Vol. 120, No. 6, Hazardous‬‬
‫(‪Report of The Department of Labor›s 2012  ((1‬‬ ‫‪.Child Labor (Nov. - Dec.,2005), p.650‬‬
‫‪Findings on the Worst Forms of Child Labor,‬‬
‫(((  ‪Combating child labour in Cocoa growing, Op.‬‬
‫‪.Op. Cit., p.281‬‬
‫‪.Cit., p.3‬‬
‫  ‪Okyere, Samuel: Op. Cit., p.86‬‬ ‫(‪((1‬‬
‫  ‪Mull, L. Diane & Kirkhorn, Steven R.: Op. Cit.,‬‬ ‫(((‬
‫(‪.Lawrance, Benjamin N.: Op. Cit., p.72  ((1‬‬ ‫‪.p.652‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪78‬‬


‫التابع���ة للش���ركة البريطانية األمريكية للتب���غ في ماالوي‪،‬‬ ‫تكون باهظة التكاليف‪ ،‬مما دفع األطفال الفقراء إلى س���وق‬
‫ففي البداية ق ّدمت الش���ركة نفسها على أنها «مؤسسة ذات‬ ‫العمل(((‪.‬‬
‫مسؤولية اجتماعية»‪ ،‬وتكفلت بتحسين الظروف االجتماعية‬ ‫• في ماالوي‪:‬‬
‫واالقتصادية لعمال المزارع التبغ األطفال والراشدين‪ ،‬لكنها‬ ‫تُع ّد ماالوي م���ن أكبر الدول إنتاج���اً للتبغ في العالم‪،‬‬
‫م���ع الوقت لم تُط ّبق سياس��� ًة رادعة للقضاء على مش���كلة‬ ‫بش���كل كبير‪ ،‬مما‬
‫ٍ‬ ‫والذي تعتمد زراعته على العمال الصغار‬
‫عمالة األطفال‪ ،‬بل أدى نهمها للحصول على التبغ إلى تفاقم‬ ‫يس���بب العديد من األمراض لهؤالء األطفال‪ ،‬وذلك لقيامهم‬
‫بشكل كبير‪.‬‬
‫المشكلة ٍ‬ ‫بمهام قد تكون خطرة في مزارع التبغ‪ ،‬مثل تطهير الحقول‪،‬‬
‫أم���ا الحكومة؛ فلم تُلق‪ ‬باالً للمش���كلة‪ ،‬نظ���راً لهيمنة‬ ‫والزراع���ة والحصاد‪ ،‬مما يعرضه���م لإلصابة بمرض التبغ‬
‫صناع���ة التبغ على حس���ابات الحكومة‪ ،‬وارتفاع مكاس���به‬ ‫األخضر(((‪ ،‬نتيجة امتصاص نسبة كبيرة من النيكوتين(((‪.‬‬
‫األجنبية‪ ،‬حيث يق ّدم ممثلو الحكومة ورجال األعمال أكثر من‬ ‫ويت��� ّم االتج���ار ب���األوالد‪ -‬على وج���ه الخصوص من‬
‫‪ 3000‬دوالر من بيع التبغ ك ّل دقيقة تقريباً‪ ،‬وال تزال مس���ألة‬ ‫الجن���وب‪ -‬للعمل في م���زارع التبغ في المناطق الش���مالية‬
‫تطبيق قوانين عمالة األطفال تُش ّكل تحد ّياً في ماالوي(((‪.‬‬ ‫بلدان أخرى‪ ،‬مثل‬‫والوسطى لماالوي‪ ،‬ومن ماالوي نفسها إلى ٍ‬
‫• في �سيراليون‪:‬‬ ‫ً‬
‫موزمبيق وجنوب إفريقي���ا وتنزانيا وزامبيا‪ .‬وكثيرا ما تُجبر‬
‫يت ّم تجنيد األطفال‪ -‬باإلجبار‪ -‬دون س��� ّن ‪ 15‬عاماً في‬ ‫الفتيات على االنخراط في االستغالل الجنسي التجاري(((‪.‬‬
‫جيوش الفصائ���ل المتحاربة في س���يراليون‪ ،‬بينما ينخرط‬ ‫يح��� ّدد قانون التوظيف في م���االوي لعام ‪2000‬م الح ّد‬
‫أطفال آخ���رون في العمل ف���ي مناجم الم���اس والزراعة‪،‬‬ ‫األدنى لس��� ّن العمل عند ‪ 14‬س���نة‪ ،‬ويحمي دستور ماالوي‬
‫ويُجب���رون على البغاء ف���ي بعض األحي���ان نتيجة لالتجار‬ ‫األطفال «من االستغالل االقتصادي» الذي يمكن أن يتداخل‬
‫بالبشر(((‪.‬‬ ‫مع تعليمه���م أو تطورهم‪ ،‬لك ّن الحكوم���ة تفتقر إلى تدابير‬
‫وعلى الرغ���م من أ ّن القان���ون يكفل مجاني���ة التعليم‬ ‫التنفيذ لهذا القانون؛ بالرغم من توقيعها على اتفاقية األمم‬
‫األساس���ي للطف���ل؛ فإ ّن العدي���د من األطف���ال ال يكملون‬ ‫المتحدة لحقوق الطفل‪ ،‬واتفاقية منظمة العمل الدولية رقم‬
‫دراس���تهم االبتدائية بس���بب ارتفاع تكاليف الزي المدرسي‬ ‫‪ 182‬التي تحظر «أسوأ أشكال» عمل األطفال‪.‬‬
‫نقص‬
‫والكتب والرسوم الدراس���ية‪ ،‬كما تعاني سيراليون من ٍ‬ ‫ومن المثير للدهش���ة‪ :‬أ ّن عدد األطفال العاملين ارتفع‬
‫في عدد المدارس والمدرسين‪.‬‬ ‫منذ بداية أنش���طة مؤسس���ة القضاء على عمالة األطفال‬
‫وال تحم���ي القوانين ف���ي س���يراليون األطفال‬
‫حماية كافية من المشاركة في األعمال الخطرة‪ ،‬وقد‬ ‫(((   ‪Okyere, Samuel: Op. Cit., p.86‬‬

‫(((   هو ن��و ٌع من‪ ‬الت�سمم بالنيكوتين‪ ‬الناجم عن امت�صا�ص اتخذت وكاالت تنفيذ القانون إجراءات لمكافحة عمل‬
‫النيكوتين عبر الجلد‪ ‬من �سطح‪ ‬نباتات التبغ‪ ‬الرطبة �أثناء‬
‫جمع الأوراق‪ ،‬و�أعرا�ضه‪ :‬الغثيان‪ ‬والـقيء‪ ‬وال�صـداع‪ ‬والدوار‪  ‬األطفال‪ ،‬ومع ذل���ك توجد فجوات داخل وزارة العمل‬
‫والضمان االجتماعي تعوق ذلك(((‪.‬‬ ‫وال�ضعف ال�شديد‪ .‬لمزيد من المعرفة انظر‪:‬‬
‫‪https://www.osha.gov/Publications/OSHA3765.pdf‬‬

‫  ‪Otañez, M. G. & others: Eliminating child‬‬ ‫(((‬


‫(((  ‪.Otañez, M. G. & others: Op. Cit., pp.225, 228‬‬
‫‪labour in Malawi: a British American Tobacco‬‬
‫  ‪Monforte, Tanya M.: Razing Child Soldiers,‬‬ ‫(((‬ ‫‪corporate responsibility project to sidestep‬‬
‫‪Journal of Comparative Poetics, No. 27, 2007,‬‬ ‫‪tobacco labour exploitation, Tobacco Control,‬‬
‫‪.p.185‬‬ ‫‪.Vol. 15, No. 3 (June 2006), pp.225‬‬

‫  ‪Report of The Department of Labor›s 2015‬‬ ‫(((‬ ‫  ‪Report of The Department of Labor›s 2015 Findings‬‬ ‫(((‬
‫‪Findings on the Worst Forms of Child Labor,‬‬ ‫‪.on the Worst Forms of Child Labor, Op. Cit., p.2‬‬

‫‪79‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫تنموية‬
‫ظاهرة العمال الصغار(((‪.‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬دور الحكومات وال�شركات‪ ‬والمنظمات‬
‫ومن �ضمن المبادرات الدولية والبرامج‪:‬‬ ‫الدولية في حماية حقوق الطفل‪:‬‬
‫وافقت‪ ‬األم���م المتحدة عل���ى اتفاقية حق���وق الطفل • الربنامج‪ ‬الدويل‪ ‬للق�ضاء‪ ‬على‪ ‬عمالة الأطفال ‪:IPEC-‬‬
‫أسس���ته منظمة العمل الدولية في ع���ام ‪1992‬م للح ّد‬ ‫ّ‬ ‫ف���ي‪1990‬م‪ ،‬وص ّدق���ت عليها جميع ال���دول اإلفريقية عدا‬
‫من عمالة األطفال‪ ،‬وحقّق تق ّدماً كبيراً في معالجة مش���كلة‬ ‫جنوب الس���ودان والصوم���ال(((‪ ،‬واعتم���دت منظمة العمل‬
‫عمل األطفال في ‪ 40‬دولة إفريقية‪ ،‬ويتسم بدرجة عالية من‬ ‫الدولية اتفاقية أس���وأ أش���كال عمل األطفال في ‪ 17‬يونيو‬
‫خاص ًة أنه يكيف اس���تراتيجيته ويط ّبق مبادئه‬‫الالمركزية‪ّ ،‬‬ ‫‪1999‬م‪ ،‬وحصل���ت على ‪ 99‬تصديقاً‪ ،‬تعطي األولوية للنضال‬
‫ّ‬
‫حس���بما تقتضيه ظروف كل بلد‪ ،‬ولذا قام بعدة تدابير تعزز‬ ‫ض��� ّد أﺳوأ أﺷﻜﺎل ﻋﻤﻞ األطفال‪ ،‬وتدعو إلى إلغائها لجميع‬
‫تطوير السياس���ات واإلصالح القانوني وبناء المؤسس���ات‬ ‫األشخاص دون س ّن الثامنة عشر‪.‬‬
‫والتعبئة االجتماعية‪ ،‬وغيرها من التدابير التي تساعد على‬ ‫وأش���ارت في (الم���ادة الثالث���ة) إلى أرب���ع فئات من‬
‫تهيئة بيئة مواتية لمكافحة عمل األطفال‪.‬‬ ‫العمالة ضارة بالطفل يجب القض���اء عليها‪ ،‬وهي‪ :‬العبودية‬
‫وتستند اس���تراتيجية البرنامج الدولي على االتفاقيات‬ ‫الحديث���ة؛ بما ف���ي ذلك التجني���د القس���ري أو اإلجباري‬
‫األساس���ية لمنظمة العمل الدولية‪ ،‬واتبعت مس���ا َريْن‪ ،‬هما‪:‬‬ ‫لألطفال الستخدامهم في النزاعات المسلحة‪ ،‬واالستخدام‬
‫(تحفي���ز الجهود الوطنية‪ ،‬وتهيئة بيئ���ة دولية داعمة إلنهاء‬ ‫االس���تغاللي لألطفال في الدعارة أو غيرها‪ ،‬واألنشطة غير‬
‫ظاهرة عمالة األطفال)‪ ،‬ويعتمد البرنامج على مس���اهمات‬ ‫وأي عمل آخر‬‫المش���روعة‪ ،‬وال س���يما االتجار بالمخدرات‪ّ ،‬‬
‫الجهات المانحة الطوعية لمساعدة الدول‪ .‬وساعدت جهود‬ ‫يض ّر بطبيعته بصحة األطفال وسالمتهم وأخالقهم(((‪.‬‬
‫البرنامج الدولي في الح ّد من عمل األطفال في زراعة التبغ‬ ‫يتم ّثل أحد التحديات الرئيس���ية‪ ،‬الت���ي تواجه تعزيز‬
‫وال���كاكاو والتعدين‪ ،‬ومنذ عام ‪2002‬م قام بتطوير أنش���طة‬ ‫حقوق الطفل في إفريقي���ا‪ ،‬في عدم التزام قادة العديد من‬
‫التدريب على المهارات في وس���ط إفريقيا؛ بهدف س���حب‬ ‫البل���دان اإلفريقية ببنود االتفاقي���ة‪ ،‬باإلضافة إلى االفتقار‬
‫وإعادة إدماج الجنود األطفال(((‪.‬‬ ‫إلى الديمقراطية في أج���زاء عديدة من إفريقيا التي تدعم‬
‫• مب ��ادرة ال ��كاكاو الدولي ��ة ‪International Cocoa‬‬ ‫ثقاف���ة الوعي بحقوق اإلنس���ان‪ ،‬عالو ًة عل���ى ذلك‪ :‬ال تزال‬
‫‪:-Initiative ICI‬‬ ‫ال���دول اإلفريقية تعاني من الحروب والنزاعات المس���لحة‬
‫تأسست هذه الش���راكة في يوليه ‪2002‬م‪ ،‬لتوحيد قوى‬ ‫واالضطرابات المدنية واالحتجاجات العنيفة(((‪.‬‬
‫صناعة الكاكاو والشوكوالتة‪ ،‬والمجتمع المدني‪ ،‬والمجتمعات‬ ‫واهتمت وكاالت عمال���ة األطفال‪ ،‬في أعقاب البرنامج‬
‫الزراعية والحكوم���ات الوطنية في البلدان المنتجة للكاكاو؛‬ ‫الدولي لمنظمة العم���ل الدولية للقضاء على عمل األطفال‪،‬‬
‫للقض���اء على عمال���ة األطفال في زراعة ال���كاكاو وضمان‬ ‫بتحسين مستويات المعيشة على المدى الطويل للقضاء على‬
‫مستقبل لألطفال(((‪.‬‬
‫‪.Op. Cit., pp.1,3‬‬

‫(((  ‪.Lawrance, Benjamin N.: Op. Cit., p.72‬‬ ‫  ‪.Arat, Zehra F.: Op. Cit., p.178‬‬ ‫(((‬
‫(((   ‪The International Programme on the‬‬ ‫(((   اتفاقية ب�ش�أن حظر �أ�سو�أ �أ�شكال عمل الأطفال والإجراءات‬
‫‪Elimination of Child Labour -IPEC, International‬‬ ‫الفورية للق�ضاء عليها (رقم ‪1999 ،)182‬م‪.‬‬
‫‪.7-Labour Organization, Geneva, pp.5‬‬ ‫‪https://www.ilo.org/wcmsp5/groups/public/-‬‬
‫‪http://www.ilo.org/ipecinfo/product/download.‬‬ ‫‪--ed_norm/---normes/documents/‬‬
‫‪do?type=document&id=13334‬‬ ‫‪normativeinstrument/wcms_c182_ar.pdf‬‬

‫(((  ‪Combating child labour in Cocoa growing, Op.‬‬ ‫(((  ‪.Pillay, Jace: Op. Cit., p.226‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪80‬‬


‫وتش���جيع تنمية رأس المال البش���ري على المدى الطويل‪،‬‬ ‫تعمل في كوت ديفوار وغانا منذ عام ‪2007‬م‪ ،‬من خالل‬
‫ويم ّثل تنفيذ البرنامج رؤية حكومة غانا في إنش���اء مجتمع‬ ‫دع���م تنمية المجتمع الراعي للطفل‪ ،‬وتقوم بتنفيذ أنش���طة‬
‫ش���امل‪ ،‬ويت ّم تنفيذ البرنامج في جمي���ع المقاطعات البالغ‬ ‫رفع الوعي حول عمالة األطف���ال‪ ،‬وحقوق الطفل واألعمال‬
‫عددها ‪ 216‬مقاطعة(((‪.‬‬ ‫في مجاالت التعلي���م والصحة والمي���اه والصرف الصحي‬
‫خاتمة‪:‬‬ ‫وسبل المعيشة‪ ،‬وقد استفاد منها الكثير من األسر المشتغلة‬ ‫ُ‬
‫من العرض السابق؛ يتضح أ ّن ثمن الشوكوالتة الفاخرة‬ ‫بالكاكاو‪ ،‬وتلتزم المبادرة بالعمل نحو التق ّدم في خطة التنمية‬
‫والتبغ الفاخر حياة ماليي���ن األطفال األفارقة الفقراء‪ ،‬وأ ّن‬ ‫المستدامة لعام ‪2030‬م(((‪.‬‬
‫• م�شروع زراعة الكاكاو والزراعة التجارية يف غرب �إفريقيا هن���اك عالقة طردية ما بين عمالة األطفال والفقر‪ ،‬إذ كلما‬
‫ملكافحة عمالة الأطفال اخلطرة واال�ستغاللية –‪ :WACAP‬زاد الفقر زادت عمالة األطفال‪ ،‬والعكس صحيح‪ ،‬لذا فيجب‬
‫أعدت منظمة العمل الدولية مش���روعاً واس���ع النطاق أن تكون هناك شراكة قوية بين الحكومة والمنظمات المحلية‬
‫لتفعي���ل اإلجراءات؛ بهدف القض���اء على عمل األطفال في والقطاع الخاص‪ ،‬من خالل التوسع االقتصادي وخلق فرص‬
‫إنتاج الكاكاو في البلدان المعنية مباش���رة‪ ،‬ويجمع المشروع عمل آلباء األطفال‪ ،‬وبالتالي تقليل عدد األطفال العاملين‪.‬‬
‫والحقيق���ة الواضحة للعيان‪ :‬أ ّن القضاء الس���ريع على‬ ‫بين توعية األس���ر والمجتمعات‪ ،‬وتعزيز قدرات المزارعين‬
‫والعاملين‪ ،‬بهدف إبعاد األطفال عن العمل‪ ،‬وذلك من خالل عم���ل األطفال يتجاوز قدرة العديد م���ن البلدان اإلفريقية‪،‬‬
‫نظ���ام ف ّعال لمراقبة عمل األطف���ال‪ ،‬يت ّم إدخاله في مناطق ومع ذل���ك؛ يجب التقلي���ل إلى أدنى ح ٍّد من أش���كال عمل‬
‫ٍ‬
‫مخت���ارة‪ ،‬وتقوم وزارة العمل في الوالي���ات المتحدة بتمويل األطفال التي ال يمكن تحملها‪ ،‬إن لم يكن القضاء عليها كلية‪،‬‬
‫المش���روع بالتعاون مع رابطة الحلويات الدولية‪ ،‬ومؤسس���ة ويجب على الحكومات اإلفريقية والمنظمات غير الحكومية‪،‬‬
‫والمنظمات الدولية األخرى ذات الصلة‪ ،‬إجراء عملية تفتيش‬ ‫الكاكاو العالمية(((‪.‬‬
‫بشكل دوري‪.‬‬
‫على عمل األطفال المستغل ٍ‬ ‫• برنامج تمكين �سُ بل العي�ش �ضد الفقر‪:LEAP -‬‬
‫وأ ّن تقوم الحكومات‪ ،‬بالتعاون مع المؤسسات الدولية‪،‬‬ ‫ش���رعت غانا عام ‪2008‬م في تنفي���ذ برنامج طموح‪،‬‬
‫ه���و «تمكين ُس���بل العيش ض���د الفق���ر» ‪ Livelihood‬على تسهيل إقامة مش���روعات صغيرة للمرأة المعيلة‪ ،‬تكون‬
‫‪ ،Empowerment Against Poverty -LEAP‬بداخل المنزل؛ حتى ال تضط���ر لترك أبنائها‪ ،‬مثل‪ :‬صناعة‬
‫(((‬

‫وه���و برنامج تحويل نق���دي اجتماعي‪ ،‬يُق��� ّدم منح ًة نقدية المنسوجات‪ ،‬والحياكة‪ ،‬وتربية الدواجن والماشية‪ ،‬ومنتجات‬
‫لألسر الفقيرة للغاية‪ ،‬شريطة أن يلتحق األطفال بالمدارس األلبان‪ ،‬أو إعداد األطعمة والمأكوالت الش���عبية‪ ،‬وصناعات‬
‫الفخار والحلي‪ ،‬حتى تضمن عيش��� ًة كريمة لتلك األسر‪ .‬أما‬ ‫وال ينخرطوا بالعمل‪.‬‬
‫استهدف البرنامج تخفيف الفقر على المدى القصير‪ ،‬األطفال ب�ل�ا مأوى أو عائل فيت ّم تخصي���ص مباني تأويهم‬
‫تابعة لمنظمة اليونيسيف وتحت حراسة الحكومة‪ ،‬كما يجب‬
‫أن تنش���ئ الحكومات المدارس الليلية لتعليم األطفال الذين‬ ‫‪.Cit., p.2‬‬
‫ُحرموا من التعليم بسبب عملهم نهاراً ‬ ‫  ‪/https://cocoainitiative.org/about-ici/about-us‬‬ ‫(((‬
‫  ‪Combating child labour in Cocoa growing, Op.‬‬ ‫(((‬
‫‪.Cit., p. 4‬‬

‫(((   �أن�ش�أته حكومة الحزب الوطني الجديد‪ ،‬وتو�سع من ‪1645‬‬


‫  ‪Tabatabai, Hamid: Conditional Cash Transfers‬‬ ‫(((‬ ‫�أ�سرة م�ستفيدة في ‪ 21‬مقاطعة في ‪2008‬م؛ �إلى ‪213044‬‬
‫‪and Child Labour, Global Social Policy, Vol.9,‬‬ ‫�أ�سرة م�ستفيدة في ‪ 216‬مقاطعة‪ .‬لمزيد من المعرفة انظر‪:‬‬
‫‪.issue 2, July 2009, p.180‬‬ ‫الموقع الر�سمي للبرنامج‪/http://leap.gov.gh :‬‬

‫‪81‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫إجتماعية‬

‫ّ‬
‫اآلليات التقليدية لحل النزاعات بمجتمعات‬
‫إفريقيا وأهميتها المعاصرة‬
‫� َآد َم َب ْـمبا‬
‫�أكاديمي�ة الدرا�س�ات الإ�سلامية ‪ -‬جامعة مااليا‬
‫‪ -‬ماليزيا‬

‫النزاعات الأهلية ب�إفريقيا الحديثة وفل�سفة عدد الحروب األهلية في العالَ���م ثالثين حرباً عنيفة‪ ،‬وكان‬
‫الصح���راء وحدها (‪.((()%50‬‬‫حظ منطق���ة إفريقيا جنوب َّ‬ ‫ُّ‬ ‫االجتماع الب�شري‪:‬‬
‫وتُض���اف إلى الكثرة ض���راوة تلك الحروب وبش���اعتها؛ إ ْذ‬ ‫ل‬ ‫ِّ‬
‫ث‬ ‫تم‬ ‫الحديثة‬ ‫بإفريقيا‬ ‫األهلي���ة‬ ‫النزاعات‬ ‫ال يخفى أ َّن‬
‫عقب��� ًة كبير ًة في وجه التنمية والتق ُّدم بجميع مجاالته‪ ،‬فعلى يُصنَّف معظ ُمها ضمن أعنف الح���روب األهلية في التاريخ‬
‫حظ الحديث‪ ،‬منها مث ًال‪ :‬حرب كاتانغ���ا في كونغو الديمقراطية‬ ‫ال ُّرغم من أ َّن الحروب والنزاعات ظاهرةٌ عالمية(((؛ فإ َّن َّ‬
‫الق���ا َّرة اإلفريقية منها أَ ْو َف ُر‪ ،‬ففي ع���ام (‪2002‬م) مث ًال‪ :‬بلغ‬

‫  ‪Volker D. & Susumu Suzuki. (2005). “Causes‬‬ ‫(((‬


‫‪of Civil War in Asia and Sub-Saharan Africa: A‬‬ ‫(((  ‪Serge Michailof, et al. (2002). «Post Conflict‬‬
‫‪Comparison”, Social Science Quarterly, Vol.86,‬‬ ‫‪Recovery in Africa», Africa Region Working‬‬
‫‪.No.1, 160--177‬‬ ‫‪.Paper Series, No.30., 2‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪82‬‬


‫يحس��� ُن إيراد تعري���ف مصطلح «ح ّل‬ ‫المضي؛ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫وقب���ل‬ ‫(‪1977-1960‬م)‪ ،‬وح���رب بياف���را في نيجيري���ا (‪-1967‬‬
‫يُتَّخذ‬ ‫إجراءٍ‬ ‫َّ‬
‫الن���زاع» ‪ ،Conflict Resolution‬ويعني‪ :‬كل‬ ‫‪1970‬م)‪ ،‬الت���ي حصدت ما يربو ع���ن مليون نفس‪ ،‬والحرب‬
‫م���ن أجل إنه���اء النزاع إنه���ا ًء جذر ّياً(((‪ ،‬وه���و يختلف عن‬ ‫األنغولي���ة‪ ،‬واليوغندية‪ ،‬وح���رب اإلبادة ف���ي رواندا‪ ،‬وفي‬
‫الس�ل�ام‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫مصطلح���ات ومفاهيم رائجة في دراس���ات َّ‬ ‫ٍ‬ ‫الصومال‪ ،‬وليبيريا وس���يراليون‪ ...‬كم���ا تع ُّد بعض المناطق‬ ‫ُّ‬
‫الس�ل�ام‪ .‬أ َّما «آل َّيات‬ ‫إدارة الن���زاع‪ ،‬وتحويل النزاع‪ ،‬أو حفظ َّ‬ ‫في إفريقيا مناطق «وبائي���ة» للحروب المزمنة؛ حيث تتك َّرر‬
‫ح ّل النزاع���ات» ‪Indigenous Dispute Resolution,‬‬ ‫فترات متعاقبة‪ ،‬أو تطول لعقود‪،‬‬ ‫فيه���ا الحروب األهلية على ٍ‬
‫‪ ،IDR‬أو‪Indigenous Conflict Management, :‬‬ ‫وتنتق ُل من دولةٍ ألخرى(((‪ .‬ويضيق المقام بسرد اإلحصاءات‬
‫‪ ،ICM‬فهو من المصطلحات التي غدت مألوف ًة في دراسات‬ ‫السيئة للحروب‬ ‫عن الخس���ائر البش���رية والمادية‪ ،‬واآلثار َّ‬
‫السالم وح ِّل النزاعات‪ ،‬منذ عقد التسعينيات من القرن‬ ‫بناء َّ‬ ‫والنزاعات األهلية بإفريقيا الحديثة‪.‬‬
‫الماضي‪ .‬كما غدا موضوعاً أكاديم ّياً وبحث ّياً مح َّدداً في كثيرٍ‬ ‫بعيد‪ -‬على‬ ‫مفروض– إلى ح ٍّد ٍ‬
‫ٌ‬ ‫شك بأ َّن هذا الواقع‬ ‫وال َّ‬
‫من الجامعات ومراكز البحوث الدولية‪ ،‬وذلك ضمن موضوع‬ ‫توصلت– مثل‬ ‫إفريقيا‪ .‬أ َّما إفريقيا األصلية؛ فإ َّن شعوبها قد َّ‬
‫«النزاع���ات» الذي أصبح‪ ،‬كما يق���ول الباحث ويتاكي ْر‪ ،‬علماً‬ ‫الش���عوب‪َ -‬عبْر تاريخها االجتماعي الطويل؛ إلى‬ ‫غيرها من ُّ‬
‫قائماً بذاته(((‪.‬‬ ‫إيجاد الكثير من الوس���ائل واآلل َّيات لمكافح���ة النزاعات‪،‬‬
‫هذا‪ ،‬وق���د ع َّرف الباح���ث برانْ���دون وآخ‪ .‬آل َّيات ح ّل‬ ‫أو حلّه���ا وإدارته���ا‪ ،‬ويش���مل ذل���ك الخالف���ات المصغَّرة‬
‫ات قضائية‬ ‫«إجراءات وآل َّي ٌ‬
‫ٌ‬ ‫النزاعات التقليدية بأ َّنها‪ -‬عا َّم ًة‪:-‬‬ ‫على المس���توى األُس���ري‪ ،‬وكذلك الخالفات بين الجيران‪،‬‬
‫مجتمعية‪ ،‬يستخدمها الفاعلون وأصحاب القرار المحل ُّيون؛‬ ‫والخالفات بي���ن القرى‪ ،‬والنزاعات في الجرائم االجتماعية‬
‫م���ن أجل إدارة النزاع���ات‪ ،‬وحلّها بي���ن المجموعات داخل‬ ‫بجميع مس���توياتها‪ .‬ويد ُّل على ذلك كثرة اآلل َّيات التقليدية‬
‫المجتم���ع المحلي‪ ،‬أو بينها وبي���ن المجموعات الكبرى في‬ ‫إفريقي‪ ،‬وتش ُّعبها وتع ُّدد ُص َورها وإجراءاتها‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫مجتمع‬
‫ٍ‬ ‫في ك ِّل‬
‫موس���ع»(((‪ ،‬وهذا تعريفٌ يمكن قبوله جزئ ّياً؛ القتصاره‬ ‫إطارٍ َّ‬ ‫والطقوس‬ ‫وش���مولية تلك اآلل َّيات في الع���ادات والتقاليد‪ُّ ،‬‬
‫العالجي في ح ّل النزاع���ات‪ .‬بينما األقرب‬ ‫ِّ‬ ‫على المس���توى‬ ‫الديني���ة‪ ،‬فالمجتمعات اإلفريقية األصلي���ة‪ ،‬بتأكيد الباحث‬
‫ٌ‬
‫للصواب أ َّن اآلل َّيات التقليدية شاملة لجان َب ْي‪ :‬الوقاية والعالج‬ ‫َّ‬ ‫ُهرت‬
‫الس�ل�ام‪« ..‬قد اش���ت ْ‬ ‫زارتْمان‪ ،‬وهو من رواد دراس���ات َّ‬
‫ّ‬
‫الج���ذري للنِّزاعات‪ .‬فاآلل َّي���ات التقليدية لح���ل النزاعات‬ ‫الخاصة‪ ،‬وهي ُطرقٌ‬ ‫َّ‬ ‫السالم بطريقتها‬ ‫بحيازتها مفتاح صنع َّ‬
‫خط���وات إجرائية قائم ٌة على المع���ارف‪ ،‬والتقاليد والتاريخ‬ ‫ٌ‬ ‫الس���نين قبل حلول االس���تعمار‪ .‬إ َّن تلك‬ ‫تط َّورت عبر مئات ِّ‬
‫المحلي(((‪ ،‬ش���امل ٌة لعناصر ثقافية كثيرة‪ ،‬من مفاهيم ورؤى‪،‬‬ ‫السلمية ال زالت قيد التنفيذ حتى في مناطق م َّرت‬ ‫التقاليد ّ‬
‫وأداءات فنية‪ ،‬وس���رد‬ ‫ٍ‬ ‫ومعتقدات ومعارف‪ ،‬وطقوس روحية‪،‬‬ ‫بها الكولونيالي���ة‪ ،‬وال زالت تل ُّم المجتمعات في تنا ُغ ٍم‪ ،‬بينما‬
‫تعم���ل العناصر الوافدة من نظ���ام دولة ونقود‪ ،‬على تحطيم‬
‫تلك المجتمعات»(((‪.‬‬
‫(((  ‪Parrillo, Vencent N. (ed). ). (2008),‬‬
‫‪Encyclopaedia of Social Problems, Vol.1,‬‬
‫‪.SAGE, 158‬‬
‫  ‪Emmanuel Gyimah-Boadi. (2004). Democratic‬‬ ‫(((‬
‫(((  ‪Whittaker, D. (1999). Conflict and Reconciliation‬‬
‫‪Reform in Africa: The Quality of Progress,‬‬
‫‪in the Contemporary World, London: Taylor and‬‬
‫‪.142-Lynne Rienner Publishers. 141‬‬
‫‪.Francis, 1‬‬
‫(((   ‪Zartman, W. I. (2005). Traditional Cures for‬‬
‫(((  ‪Adebayo, A. G. (2015). Indigenous conflict‬‬
‫‪Modern Conflicts: African Conflict «Medicine»,‬‬
‫‪management strategies in West Africa: beyond‬‬
‫‪.Boulder, Co. Lynne Rienner Publishers‬‬
‫‪.right and wrong. Lanham : Lexington Books, 1‬‬
‫‪In: Olowu, Dejo. (2018). Indigenous Approaches‬‬
‫  ‪Bukari, K. Noagah. (2013). «Exploring‬‬ ‫(((‬ ‫‪to Conflict Resolution in Africa: A Study of the‬‬
‫‪Indigenous Approaches to Conflict Resolution:‬‬ ‫‪Barolong People of the North-West Province,‬‬
‫‪The Case of the Bawku Conflict in Ghana», J. of‬‬ ‫‪South Africa», J. of Law and Judicial System.‬‬
‫‪.Sociological Research, Vol.4, (2), 89‬‬ ‫‪.Vol.1.- Olowu, Dejo. 2018, 11‬‬

‫‪83‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫إجتماعية‬
‫إدماجها في النماذج (الغربية) المعاصرة(((‪.‬‬ ‫السلم‪ ،‬واألخ َّوة في المجتمع‪،‬‬ ‫قصص وأشعار‪ ...‬لنشر ثقافة ّ‬
‫أس���فرت نتائج الدراسات الس���ابقة عن عمق‬ ‫ْ‬ ‫كذلك؛‬ ‫وإلقناع األطراف المتنازعة– في حال النزاع‪ -‬على التسامح‪،‬‬
‫الثقافة السلمية بالمجتمعات اإلفريقية األصلية؛ خالفاً لما‬ ‫عالقات ج ِّيدة فيما بينهم(((‪ .‬ولع َّل المصطلح‬ ‫ٍ‬ ‫والحفاظ على‬
‫اإلفريقي المعاصر‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫تر ّوج له وس���ائل اإلعالم‪ ،‬ويؤ ِّكده الواقع‬ ‫السالم»؛ لشموله‪.‬‬‫األد َّق هنا‪« :‬آل َّيات ثقافة َّ‬
‫فالمجتمع���ات اإلفريقية كانت تؤمن بأ َّن الخالف والنزاعات‬ ‫السياق‬ ‫تجدر اإلش���ارة إلى‪ :‬أ َّن آل َّيات ح ّل النزاعات في ّ‬
‫الزم ٌة ضرورية في االجتماع البشري‪ ،‬فأينما ُوجِ د شخصان‬ ‫بحث���ي مك َّثف‪ ،‬ويُع ُّد الكتاب‬
‫ٍّ‬ ‫باهتمام‬
‫ٍ‬ ‫اإلفريق���ي‪ ،‬قد ِ‬
‫حظ َي ْت‬ ‫ّ‬
‫خالف مهم���ا د َّق وق َّل؛ الختالف‬ ‫فأكثر؛ فالب َّد م���ن وجود ٍ‬ ‫الذي ح َّرره ويليام زارتْمان (‪2000‬م)‪ ،‬من أبرز الدراسات في‬
‫ُّ‬
‫البش���ر في ال ُّرؤى‪ ،‬وفي األمزجة والمي���ول‪ ،‬وفي التطلعات‬ ‫َ‬ ‫ه���ذا المجال؛ ففيه رص ٌد للكثير م���ن تلك اآلل َّيات بمختلف‬
‫واالهتمام���ات‪ ،‬فال بأس بالخالف واالخت�ل�اف‪ ،‬وإ َّنما بر ِّد‬ ‫مناطق إفريقي���ا وثقافاتها‪ :‬عند إيبو في نيجيريا‪ ،‬وبُ ِويْم في‬
‫فعل المختلفين‪ ،‬فإ ْن كانت ردود الفعل إيجابية كان الخالف‬ ‫توغو وغانا‪ ،‬وفولبي ف���ي كاميرون‪ ،‬وأكا ْن في غانا‪ ،‬وأرومو‪،‬‬
‫واالختالف والنزاع مصدر فوائ���د اجتماعية‪ ،‬وإ َّال أ َّدى إلى‬ ‫والدينْ���كا(((‪ .‬أيضاً؛ م���ن المرجع َّيات األساس���ية في هذا‬
‫اجتماعي س���لبي(((‪ .‬وهنا يشيرون إلى آليةٍ من آل َّيات‬ ‫ٍّ‬ ‫مردودٍ‬ ‫المجال‪ :‬الكتاب الذي وضعه مجموع ٌة من الباحثين بتحرير‬
‫ح ّل النزاعات عند أش���انْتي هي‪Ese Ne Takyerema :‬‬ ‫أديباي���و (‪2014‬م)‪ ،‬يمكن ترجمة عنوانه بـ(اس���تراتيج َّيات‬
‫أي‪ :‬اللِّس���ان واألس���نان‪ ،‬رمزاً لض���رورة التضا ُمن والتعاون‬ ‫المجتمعات األصلية إلدارة النزاعات بغرب إفريقيا)‪ ،‬وحوى‬
‫السلمي بين األفراد‪ ،‬على ال ّرغم من بعض حاالت‬ ‫والتعايُش ّ‬ ‫فصول‪ ،‬أ َّولها ع���ن المفاهيم العا َّمة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫(‪ )21‬مق���االً في أربعة‬
‫الخالف والتصا ُدم؛ فمهما أخطأ أحد األفراد في ح ِّق غيره؛‬ ‫ٍ‬
‫مجموعات‬ ‫وبقية الكت���اب عن آل َّيات ح��� ّل النزاعات ف���ي‬
‫رأب وتسامح(((‪.‬‬ ‫فال ب َّد من البحث عن وسيلة ٍ‬ ‫إثنية مح َّددة مثل‪ :‬يوربا‪ ،‬وإيبو‪ ،‬وأس���انْتي (غانا)‪ ،‬وبانْس���و‬
‫الموجبة عن الخالف‪،‬‬ ‫َ‬ ‫زياد ًة على ه���ذه ال ُّرؤية الواقعية‬ ‫الجغرافي لمادة‬
‫ّ‬ ‫(كامي���رون)‪ ،‬وعلى ال ُّرغم من ضيق الح��� ّد‬
‫وض���رورة الركون إل���ى التصال���ح‪ ،‬فإ َّن ل���دى المجتمعات‬ ‫دول بين ‪)16‬؛ فإ َّن وفرةَ النماذج فيه لَدلي ٌل‬ ‫هذا الكت���اب (‪ٍ 3‬‬
‫اإلفريقية التقليدية رؤية ج ُّد سلبية حول النزاع والشقاق؛ إ ْذ‬ ‫الس���لمية بالمجتمعات اإلفريقية‪ .‬وقبل‬ ‫على وفرة الخبرات ّ‬
‫تحسبها نقم ًة من اآللهة وأرواح األسالف على األحياء؛ لذلك‬ ‫ذلك‪( ،‬نوفمب���ر ‪1999‬م)‪ُ ،‬عقد مؤتم ٌر ش���هي ٌر بأديس أبابا‪،‬‬
‫طقوس روحية كثيرة في حال نش���وء النزاعات‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫يهرعون إلى‬ ‫تح���ت عنوان «األس���س اإلفريقية لح��� ّل النزاعات وتحقيق‬
‫وانتهاك في نظر كثيرٍ‬‫ٍ‬ ‫وهنا تم ِّثل حاالت القتل أخطر ٍ‬
‫تهديد‬ ‫المصالحة»‪.‬‬
‫من المجموع���ات‪ ،‬ففي مجتم���ع ‪ Ngbiwidi‬في نيجيريا‬ ‫بنا ًء على نتائج تلك الدراسات السابقة؛ يُن ّبه الباحثون‪،‬‬
‫خاصة‬ ‫طقوس َّ‬‫ٍ‬ ‫مث ًال‪ :‬تشترك عش���يرتا القاتل والمقتول في‬ ‫السؤال في الدراسات الراهنة ينبغي‬ ‫أمثال برانْدون‪ ،‬على أ َّن ُّ‬
‫تطهيرية(((‪ ،‬وإذا كان المقاتلون يُستقبلون باألهازيج في كثيرٍ‬ ‫اس���تراتيجيات تقليدية لح ّل النزاعات‬
‫ٌ‬ ‫أن يتج���اوز‪« :‬أتوجد‬
‫رس���لون إلى‬ ‫من ال َّثقافات؛ فإ َّنهم‪ ،‬بمجتمع أكولي (يوغندا)‪ ،‬يُ َ‬ ‫السؤال عن طبيعة تلك االستراتيج ّيات‪،‬‬ ‫بغرب إفريقيا؟»؛ إلى ُّ‬
‫حجر في الغابة المق َّدس���ة‪ ،‬تُقام له���م بها طقوس تطهيرية‬ ‫ْ‬ ‫وإمكانية اس���تفادة آل َّيات إدارة النزاعات الحديثة في سائر‬
‫تُدعى ني���و تونغ غوينو ‪ ،Nyouo Tong Gweno‬قبل أن‬ ‫أنحاء العالَم من الخبرة اإلفريقية(((‪ ،‬وما مدى إسهامها في‬
‫الطقوس بـ‬ ‫يمتزجوا بالنَّاس(((‪ .‬وف���ي موزامبيق تُعرف هذه ُّ‬ ‫تف���ادي النزاعات المعاصرة أو الح��� ّد منها؟ ومدى إمكانية‬

‫(((  ‪.16-Olowu, Dejo. 2018, 10‬‬

‫  ‪.Olowu, Ibid, 11‬‬ ‫(((‬


‫(((  ‪.Adebayo, Op. Cit., 80‬‬
‫  ‪.Brandon, Op. Cit., 38‬‬ ‫(((‬
‫(((  ‪.Zartman, Op. Cit‬‬
‫  ‪.Meek. 1970, in: Coe Kathrine, 120‬‬ ‫(((‬
‫  ‪Brandon, D. Lundy. (2015). Indigenous‬‬ ‫(((‬
‫(((  ‪Vicencio, C. & D. Tutu. (2010). Walk with us‬‬ ‫‪Conflict Management in West Africa: Beyond‬‬
‫‪and listen : political reconciliation in Africa.‬‬ ‫‪.Right and Wrong, Lanham : Lexington Books, 4‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪84‬‬


‫مثالي في ج ٍّو من األخ َّوة»(((‪.‬‬
‫إنساني ٍّ‬‫ٍّ‬ ‫الشريرة التي يُعتقد أ َّنها المو َّكلة‬ ‫‪ ،magamba‬اسماً لل ُّروح ِّ‬
‫ً‬
‫منه���ا أيضا‪ :‬م���ا يُعرف عن���د يوربا ف���ي نيجيريا بـ‬ ‫بالحروب‪ ،‬وهم يتشاءمون بالمقتول في الحرب‪ ،‬ويعتقدون أ َّنه‬
‫اإلنس���اني‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫‪ ،Omoluwabi‬وهو مفهو ٌم ش���ام ٌل ُّ‬
‫للس���لوك‬ ‫حظوه بطقوس الدفن‬ ‫ال يلتحق بزمرة أرواح األسالف؛ لعدم ْ‬
‫وحس���ن الجوار‪ ،‬ومعالجة الخالفات بي���ن األفراد ‪ ،‬وعند‬
‫(((‬
‫ُ‬ ‫الطقوس ‪.‬‬
‫(((‬ ‫المعهودة؛ لذلك يقيمون لضحايا الحرب هذه ُّ‬
‫هوس���ا ‪ ،Mutumin Kirki‬وعند فوالن���ي ‪،Pulaaku‬‬ ‫م���ن هنا تأتي أهمي���ة آل َّيات ح ِّل النزاع���ات؛ بوصفها‬
‫ويُع���رف نظ���ام ‪ bonyang‬بين مجموع���ات ‪ Banso‬في‬ ‫حواجز واقي��� ًة بين المجتمع وبين ب���وادر العنف والحروب‪،‬‬
‫الصومال يُع���رف ‪ ،Gurtii‬ويُعرف بمجتمع‬ ‫كاميرون‪ ،‬وفي ُّ‬ ‫والخالفات الداخلية‪.‬‬
‫بانْس���و في كاميرون‪ .‬نظام ‪ ،bonyang‬يقول عنه الباحثان‬ ‫ّ‬
‫ث���م إ َّن ما نصطلح عليه هنا بـ«آل َّي���ات حل النزاعات»‪،‬‬
‫لوش���ا وأغبو ْر‪ :‬إ َّنه نظا ٌم ش���ام ٌل‪« ..‬يعتمدون عليه؛ للحفاظ‬ ‫جزئي؛ إ ْذ إ َّن تلك اآلليات هي أنظم ٌة ش���مولية‬ ‫هو إط�ل�ا ٌق ٌّ‬
‫المجتمعي‪ ،‬وف���ي التربية الج ِّي���دة‪ ،‬وتحقيق‬
‫ِّ‬ ‫الس�ل�ام‬ ‫على َّ‬ ‫اإليجابي‪،‬‬
‫َّ‬ ‫االجتماعي‬
‫َّ‬ ‫لالجتماع البش���ري‪ ،‬تحدِ د ُّ‬
‫الس���لوك‬
‫االستقرار» ‪.‬‬
‫(((‬
‫وال��� ُّرؤى األخالقية في المجتمع‪ ،‬وعالق���ة الفرد مع غيره‪،‬‬
‫بالمثل؛ ح َّدد الباحث���ون مفهو َميْن مه َّمين بمجتمع آنْيُوا‬ ‫الس�ل�ام والوئ���ام والتناغم في الحياة‪.‬‬ ‫وواجبه في إحداث َّ‬
‫‪ Anyuwaa‬القاطن���ة في إثيوبيا وجنوب الس���ودان‪ ،‬هما‪:‬‬ ‫عليه؛ ف���إ َّن األنظمة المذكورة ال تقتص���ر مه َّمتُها على ح ّل‬
‫االجتماعي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫‪ ،Nyieye, Kwaaro‬وهم���ا مفهوم���ان للوئام‬ ‫النزاعات‪ ،‬وإ َّنما هي في األص���ل تعمل في مكافحتها‪ ،‬وفي‬
‫وف���ض الخصوم���ات‪ ،‬والتعايُش‬ ‫ّ‬ ‫يش���مالن ح َّل النزاعات‪،‬‬ ‫نزع البذور التي قد تُنبت الخالفات والنزاعات‪.‬‬
‫الس���لمي(((‪ .‬كذلك نظام ‪ ،Seera‬بمجتم���ع كا ْمباتا‪ ،‬يصفه‬ ‫ّ‬ ‫المحور الأوَّل‪� :‬آليَّات ّ‬
‫حل النزاعات الإفريقية‪،‬‬
‫الباح���ث أبيبي بأ َّنه نظا ٌم ش���ام ٌل يحدِّد عالق���ات األفراد‬ ‫كثرة االنت�شار والتنوُّع‪:‬‬
‫السلوك الجيدة وح ِّل النزاعات‪.‬‬ ‫وقواعد ُّ‬ ‫والحس المجتمعي رؤي ًة‬‫ّ‬ ‫بنا ًء على كون الوئام االجتماعي‬
‫أش��� َهر نماذجه التي حظيت‬ ‫الصنف اآلخر؛ فمن ْ‬ ‫وأ َّما ّ‬ ‫مؤصل ًة في الثقاف���ة اإلفريقية‪ ،‬فقد انبثقت عن هذه ال ُّرؤية‬ ‫َّ‬
‫بدراسات الباحثين‪ :‬آليات «ماتوهْ أبوت» ‪ ،Mato-oput‬عند‬ ‫وسالم ُمستدام في المجتمع‪،‬‬ ‫عدالةٍ‬ ‫إجراءات عملية لتحقيق‬
‫ٌ‬
‫قبائل أكولي في يوغندا(((‪ ،‬وآليات «غاشاشا» ‪ Gacaca‬بين‬ ‫���ات مح َّددة معروفة بك ِّل‬ ‫وتمظ َه���رت تلك اإلجراءات في آل َّي ٍ‬ ‫ْ‬
‫بانْيارواند في رواندا‪ ،‬وكونغو الديمقراطية‪ ،‬وبورندي‪ .‬ومنها‬ ‫مجموعةٍ إثنية‪ ،‬ويمكن تصنيفها في صنْفَين اثنَيْن‪:‬‬
‫عن���د إثنية ‪ Buem‬ما يُع���رف ب���ـ ‪ ،(((bate kate‬وآليات‬ ‫فلسفات مثالية في البناء‬ ‫ٌ‬ ‫(أ) آل َّيات عا َّمة شاملة‪ :‬وهي‬
‫‪ Arara‬بين أرومو في إثيوبيا والصومال وكينيا‪.‬‬ ‫للسلوك اإلنساني‪.‬‬ ‫الكلي‪ ،‬ضابطة ُّ‬ ‫االجتماعي ِّ‬
‫ِّ‬
‫وقد ح َّدد الباحث موانْغي وزمالؤه خمسة ٍ‬
‫أنواع من آل َّيات‬ ‫َّ‬
‫تخص ح���ل النزاعات‬ ‫خاصة‪ :‬وهي التي ُّ‬ ‫(ب) آل َّي���ات َّ‬
‫بمختلف أنواعها ومس���توياتها‪ ،‬وهي مجال اهتمام الدراسة‬
‫(((  ‪.Chuwa, Leonard. 12‬‬ ‫الصنف كثي ٌر متش��� ّع ٌب‪ ،‬قد يس���تعصي على‬ ‫الحالية‪ ،‬وهذا ّ‬
‫(((  ‪.Olowu, 2018, 11‬‬
‫الحصر وال َّرصد في دراسةٍ مفردة‪.‬‬
‫الصنف األ َّول فهو‪ :‬فلسفة أُبونْتو‬ ‫أش َه ُر النماذج في ِّ‬ ‫أ َّما ْ‬
‫(((  ‪.Adebayo, Op. Cit., 16‬‬
‫ْ‬
‫برودري���ك ‪ Broodryk‬بأ َّنها‪:‬‬ ‫‪ ،Ubuntu‬يُع ّرفه���ا الباحث‬
‫  ‪Tafese, Tasew. (2016). «Conflict Management‬‬ ‫(((‬
‫‪through African Indigenous Institutions: A Study‬‬ ‫«رؤية إفريقي���ة متكاملة للعالَم‪ ،‬تقوم على الق َيم األصيلة في‬
‫‪of the Anyuaa Community», World J. of Social‬‬ ‫مجتمع‬
‫ٍ‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬من تعاون‪ ،‬وتش���ارك‪ ،‬وتعاطف‪ ،‬وتحقيق‬
‫‪.32-Science, Vol.3, 22‬‬

‫(((  ‪.Vicencio, Op. Cit., 137‬‬

‫(((  ‪Ben K. Fred-Mensah. «Bases of Traditional‬‬


‫‪Conflict Management Among the Buems of the‬‬
‫‪.Georgetown Univ. Press, 137‬‬
‫‪Ghana-Togo Border», in: Managing Conflicts in‬‬
‫‪.48-Traditional African Societies, 31‬‬ ‫  ‪.Ibid., 142‬‬ ‫(((‬

‫‪85‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫إجتماعية‬
‫األس�ل�اف» ‪ ،Ancestor Worship‬وعلى ال ُّرغم م َّما يُثار‬ ‫(((‬
‫ح ّل النزاعات بين مجموعات أباكوريا شمالي تنزانيا‪ ،‬هي‪:‬‬
‫جدل بين الباحثين‪ ،‬فإ َّنهم‬ ‫حول مدى د َّقة هذا المصطلح من ٍ‬ ‫‪Inchama, Avaragoli, Iritongo, Sungusungu,‬‬
‫يتَّفقون–تقريباً‪ -‬عل���ى مضمونه وتأثيره في ل ِّم المجموعات‬ ‫‪ .Ihama‬أيض���اً‪ ،‬بمجتمع غوراجي ‪ Gurage‬بإثيوبيا؛ ح َّدد‬
‫التي تعتقد انتماء أفرادها إلى ج ٍّد أعلى مش���ترك؛ ففي ظ ّل‬ ‫الباح���ث زي ْودي نمو َذ َجين من القضاء وح ّل النزاعات‪ ،‬يُعرف‬
‫«عبادة األس�ل�اف» يُعتقد أ َّن األس�ل�اف ال يزالون حريصين‬ ‫األ َّول باس���م ‪ ،Yajoba Qicha‬واآلخ���ر ‪Gordanna‬‬
‫إزعاج لهذا الوئام هو عصيا ٌن‬ ‫عل���ى وئام المجموعة‪ ،‬وأ َّن ك َّل ٍ‬ ‫(((‪.sera‬‬
‫وإهان ٌة لألس�ل�اف‪ .‬والوسطاء المباش���رون ألولئك ُهم كبار‬ ‫إ َّن ك ّل واح���دةٍ م���ن تل���ك اآلل َّيات التقليدي���ة في ح ّل‬
‫والحنكة والخبرة‪ ،‬ومه َّمتُهم‬ ‫الس��� ّن الذين يتَّصفون بالحكمة ُ‬ ‫ٍ‬
‫دراسات‬ ‫النزاعات‪ ،‬وغيرها من اآلل َّيات‪ ،‬يمكن معالجتها في‬
‫والس���هر على تنا ُغم‬ ‫َّ‬ ‫�ل�ام‪،‬‬ ‫والس‬
‫«تحقيق العدالة االجتماعية َّ‬ ‫مس���تقلَّة؛ للنَّظر في طبيعتها‪ ،‬وفي خطواتها‪ ،‬وفي إجراءاتها‬
‫أفراد المجموعة»(((‪ .‬وال تتو َّقف هذه ال ُّرؤية في اس���ترضاء‬ ‫التفصيلية‪ ،‬وقد قامت ع َّدة دراس���ات بذلك حول بعض تلك‬
‫األس�ل�اف في الحي���اة الدنيوي���ة‪ ،‬وإ َّنما تتع��� َّدى إلى ربط‬ ‫اآلل َّيات المذكورة‪ .‬هذا ولتع ُّذر ذلك في الدراس���ة الحالية‪،‬‬
‫«خالص» الفرد وقبوله في عالم األسالف الغيبي‪ ،‬بما يحقّقه‬ ‫وال َّرغبة في االستعراض المختصر‪ ،‬فإ َّن المحاولة هنا– كما‬
‫حفاظ على انس���جام المجموعة‪ ،‬ونزع جذور الخالفات‬ ‫من ٍ‬ ‫تنصب في مناقشة بعض القواسم المشتركة بين تلك‬ ‫ُّ‬ ‫تق َّدم‪-‬‬
‫بين أفرادها‪.‬‬ ‫اآلل َّيات‪ :‬في إجراءاته���ا‪ ،‬وفي خصائصها‪ ،‬وفي أهم َّيتها في‬
‫ّ‬
‫أ َّم���ا كبار الس��� ّن؛ فيمثلون الواس���طة بي���ن المجتمع‬ ‫السالم والوئام االجتماعي‪.‬‬ ‫تحقيق ّ‬
‫وبين األس�ل�اف‪ ،‬ويوصفون عاد ًة في الثقاف���ات اإلفريقية‬ ‫المحور الثاني‪ :‬قوا�سم م�شتركة‪:‬‬
‫بـ«األس�ل�اف األحي���اء» ‪ ،Living Ancestors‬ويقومون‬ ‫آلل َّيات ح ّل النزاعات التقليدية بإفريقيا قواسم مشتركة‪:‬‬
‫االجتماع���ي باعتبارهم المم ّثلين ال ُّروح ِّيين‬
‫ِّ‬ ‫الضبط‬ ‫بوظيفة َّ‬ ‫في القائمين بها‪ ،‬وفي طقوسها وإجراءاتها‪.‬‬
‫والقانون ِّيين لألس�ل�اف داخل المجموعة‪ ،‬وفي هذا اإلطار؛‬ ‫‪ -1‬محورية الدين والطقو�س الروحية‪:‬‬
‫والتوسط‬
‫ُّ‬ ‫فإ َّن مه َّمتهم األولى هي تحقيق الوئام في المجتمع‬ ‫توص���ف المجتمع���ات اإلفريقية بأ َّنه���ا متدينة روحية‬
‫وقعت منازعات‪ ،‬واإلشراف على طقوس‬ ‫بين المتنازعين إذا ْ‬ ‫بامتياز‪ ،‬فال شيء فيها ين ُّد عن الدين‪ ،‬وبتعبير رائد الدراسات‬
‫ّ‬
‫المصالحة(((‪ .‬هنا؛ ال نكاد نجد آلية من آل َّيات حل النزاعات‬ ‫الالهوتية بإفريقيا ا ْمبيتي ج‪ .‬فإ َّن الدين يستحوذ على جميع‬
‫حظ في إجراءاتها وطقوسها؛ حيث‬ ‫التقليدية إال ولألسالف ٌّ‬
‫مناش���ط الحياة‪ ،‬فال َف ْص َل بين المق َّدس والمد َّنس‪ ،‬وال بين‬
‫الصلح‪،‬‬ ‫يُحلَّف المتنازعون باألسالف على قول الحقّ‪ ،‬وقبول ُّ‬ ‫الدين���ي وال َّالدين���ي‪ ،‬أو بين ال ُّروحي والمادي من مناش���ط‬
‫الكف ع َّما يُع ُّد ُعنفاً في المنظور َّ‬
‫الشعبي(((‪.‬‬ ‫أو ِّ‬
‫اإلفريق���ي؛ ُوجِ د معه دينُه»(((‪ .‬عليه؛‬
‫ُّ‬ ‫الحياة‪« ،‬فحيثما ُوجد‬
‫الطق���وس الدينية ال تتو َّقف عند‬ ‫باختصارٍ ؛ إ َّن أهمية ُّ‬
‫فإ َّن الدي���ن بإفريقيا– وبغيرها من المجتمعات البش���رية‪-‬‬
‫تحقي���ق المصالحة فحس���ب‪ ،‬وإ َّنما تتج���اوز ذلك إلى منع‬ ‫يقوم بمه َّمة التح ُّكم في تص ُّرفات األفراد والمجموعات‪ ،‬وهو‬
‫خالفات ونزاعات قادمة محتملة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حدوث‬ ‫ف���ي إفريقيا التقليدية يتمحور حول م���ا يُطلق عليه «عبادة‬
‫‪ -2‬محورية الأ�سرة وكبار ّ‬
‫ال�سن‪:‬‬
‫تنطل���ق آل َّيات ح��� ّل النزاع���ات التقليدية م���ن البؤرة‬
‫الصغرى‪ ،‬أي األس���رة‪ ،‬وهن���ا يكون أكبر األفراد‬ ‫المجتمعية ُّ‬ ‫(((  ‪Kungu, D. Mwangi, et al. (2015). «A Journey‬‬
‫‪into the Indigenous Conflict Management‬‬
‫‪Mechanisms among the Abakuria Community,‬‬
‫  ‪.Daniels, 2010, 24. In: Coe Katherine, 115‬‬ ‫(((‬ ‫‪Kenya:, European Scientific Jour. Vol.11, (16),‬‬
‫‪.203‬‬
‫  ‪.Calame-Griaule. 1986. in: Coe Katherine, 117‬‬ ‫(((‬
‫(((  ‪.Bahru Zewde, in: Abebe, 2015, 230‬‬
‫(((  ‪Tanye, Gerarld K. (2010). The Church as‬‬
‫‪Family and Ethnocentrism in Sub-Saharan‬‬ ‫  ‪Mbiti, John. (1999). African Religions and‬‬ ‫(((‬
‫‪.Africa. Berlin : Lit., 341‬‬ ‫‪.Philosophy, Heinemann Publishers, 2‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪86‬‬


‫‪ -4‬تقديم القرابين ودفع الغرامات‪:‬‬ ‫س��� ّناً ‪( Olori Ebi‬بلغة يوربا)‪ ،‬هو المسؤول المباشر عن‬
‫يصاحب طق���وس المصالحة وح��� ّل النزاعات‪ -‬عاد ًة‪-‬‬ ‫التدخُّ ل في النزاعات وحلّه���ا‪ ،‬وال تتع َّدى المفاوضة دائرته‬
‫تقديم قرابين إلى األسالف واألرواح التي يُعت َق ُد أ َّنها ساخط ٌة‬ ‫إال عندما يتع َّمق الخالف ويتعقَّ���د‪ ،‬أو يطول أم ُدهُ؛ فينطلق‬
‫والش���قاق في المجتمع؛ من أجل استرضائها‪،‬‬ ‫بسبب النزاع ّ‬ ‫إلى دائرة زعيم العش���يرة ‪ ،Olori Adugbo‬ومنه إ َّما إلى‬
‫وتطهير المجتمع‪ ،‬وأحياناً تعود مسؤولية توفير القربان إلى‬ ‫لطوي‬
‫الس ِّ‬ ‫جماعةٍ ُمخ َّولة بح ّل النزاعات‪ ،‬وإ ّما إلى المستوى ُّ‬
‫بأسرِ ه‪،‬‬‫الجاني والطرف المخطئ في النزاع‪ ،‬أو إلى المجتمع ْ‬ ‫عند الملك‪ ،‬ويكون ذل���ك عاد ًة في حاالت اإلجرام الخطرة‪،‬‬
‫ويتف���ا َو ُت نوع القربان وحجمه بتف���ا ُوت مدى النزاع‪ ،‬وعمق‬ ‫مثل‪ :‬القتل‪ ،‬وس���رقة الجواه���ر‪ ،‬واالغتصاب(((‪ .‬في مجتمع‬
‫المش���كلة‪ ،‬فقد يكون مج َّرد عصارة النَّخيل يشربها الجميع‬ ‫َهوس���ا مث ًال؛ ال يصا ُر إلى المحكمة الشرعية إال بعد عجز‬
‫اجتماع���ي عميق‪ ،‬وقد يكون‬ ‫ٍّ‬ ‫في جلس���ة رمزية ذات تعبيرٍ‬ ‫الوسائل االسترضائية التقليدية عن ح ّل المشكلة‪ ،‬وتبدأ تلك‬
‫خاصة‪ .‬أيضا؛ ق���د تكون الغرامة‬ ‫ً‬ ‫طقوس َّ‬ ‫ٍ‬ ‫بهيم ًة تُذب���ح في‬
‫الوسائل بكبار الس��� ّن ‪ shugabanni‬على مستوى األسرة‪،‬‬
‫رمزية‪ ..‬مج َّرد جوزات ثمرة كوال يتقاس���مها كبار الس ّن كما‬ ‫ومنه إلى زعيم العش���يرة ‪ ،Mai Ugunwa‬وعاد ًة ال تصل‬
‫بنوع‬
‫الحال عند َه ْوس���ا‪ ،‬وقد يعمد الوس���طاء إلى المطالبة ٍ‬ ‫الخالفات إلى هذا المس���توى إال إذا كان���ت جماعية‪ ،‬فإن‬
‫نادرٍ من اللُّح���وم؛ إلعطاء الحدث وقعاً نفس��� ّياً واجتماع ّياً‬ ‫عجزت وس���اطات الزعيم؛ نُقل الخالف إل���ى زعيم البلدة‬
‫فري���داً‪ ،‬ولتثبيط الفرقاء من الوق���وع في النزاع م َّر ًة أخرى‪.‬‬ ‫‪ ،Dagaci‬وبع���ده يأخذ ح ُّل النزاع صبغ ًة رس���مية بانتقاله‬
‫ففي مجتمع غانْدا ‪ Ganda‬وس���ط يوغندا‪ ،‬يُغرم المتنازع‬ ‫إلى حاكم المدينة ‪ ،Wakilin Fuska‬وأخيراً إلى القاضي‬
‫كبش أبيض لش���قيق ُمنازِع���ه‪ .‬كما تُغ َّرم‬ ‫المخط���ئ بتقديم ٍ‬ ‫َّ‬
‫الشرعي(((‪.‬‬
‫المرأة المشاكس���ة لزوجها دجاجة بيض���اء بمجتمع إيبو ‪.‬‬
‫(((‬
‫رق�صات طقو�سية‪:‬‬ ‫‪ٌ -3‬‬
‫رقصات والقاسم المشترك في معظم ثقافات إفريقيا؛ أ َّن الغرامات‬ ‫ٌ‬ ‫تصاحب إج���راءات المصالحة وح ِّل النزاعات‬
‫للضحية مباشر ًة‪ ،‬وإ َّنما ألقرب فردٍ إليه‪ ،‬فإ ْن رضي‬ ‫طقوس���ية متعدِّدةُ الدالالت‪ ،‬فقد تكون السترضاء األسالف ال تُعطى َّ‬
‫الضحية إال ال ّرضا والقبول والمصالحة‪.‬‬ ‫واألرواح‪ ،‬وق���د تكون ابتهاجاً بتحقيق الس�ل�ام والمصالحة‪ .‬فال يَ َس ُع َّ‬
‫َّ‬
‫‪ -5‬تخيُّر موقع جل�سات الم�صالحة‪:‬‬ ‫مجتمع���ات ذات ثقافةٍ‬
‫ٌ‬ ‫وبم���ا أ َّن المجتمعات اإلفريقية هي‬
‫لموقع المصالحة تأثي ٌر مباش��� ٌر في القيمة االجتماعية‬ ‫أداءات شفاهية كثيرة تصاحب طقوس‬ ‫ٍ‬ ‫شفاهية بامتياز؛ فإ َّن‬
‫المصالحة؛ حيث يقوم الق َّوالون بإنشاد أشعار‪ ،‬وسرد نثر َّيات المضف���اة على المصالح���ة؛ ففي معظ���م المجموعات يت ّم‬
‫من أج���ل تأكيد المصالحة‪ .‬كما تتض َّم���ن نصائح ومواعظ اختيار موقع جلس���ات المصالحة وطقوس���ها طبقاً لحجم‬
‫السلوك االجتماعي المثالي‪ ،‬وقد يزعمون في النزاع وخطره‪ ،‬فيُعقد ب���دار زعيم المجموعة‪ ،‬أو بدار أكبر‬ ‫ٍ‬
‫وتوجيهات في ُّ‬
‫زوجين أو فر َدين‬ ‫آالت ُمس ٍّن بالمجموعة‪ ،‬إذا كان نزاعاً عابراً بين َ‬ ‫بعض الحاالت أ َّن ما يقول���ه الق َّوال الحاكي‪ ،‬على وقع ٍ‬
‫وبحركات كأ َّنه تحت تأثير قوى غيبية‪ ،‬إ َّنما أو غي���ر ذلك‪ .‬أ َّما في الحاالت الجا َّدة من س���حرٍ ‪ ،‬وطالق‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫موسيقية مح َّددة‪،‬‬
‫ناقل لـ«وحي» وقتل‪ ،‬فتت ُّم الجلس���ة في الغابة المق َّدس���ة‪ Jolo-Tu ،‬بلغة‬ ‫هو ترجما ٌن مباش ٌر لخطاب األسالف‪ ،‬مج َّرد ٍ‬
‫مادينغ‪ ،‬و ‪ Igbo-Igbale‬بلغة يوربا‪ ،‬أو بمقبرة األس�ل�اف‬ ‫األسالف(((‪.‬‬
‫بعيداً عن أعين النس���اء‪ ،‬والفتيان الذين ل���م يخضعوا بع ُد‬
‫االجتماع���ي ‪ .Rites Of Passage‬ففي‬ ‫ِّ‬ ‫لطقوس التأهيل‬ ‫(((  ‪.Adebayo, Op. Cit., 92‬‬
‫مث�ل�ا‪ :‬إذا تع َّذرت المصالحة في الخالفات‬ ‫ً‬ ‫مجتمع ماندينغ‬
‫(((   ‪Paden, J. (2005). Muslim civic cultures and‬‬
‫���د من الطالق؛ فإ َّنه‬ ‫‪ conflict resolution: the challenge of democratic‬الزَّوجية (بين العش���ي َرتَيْن)‪ ،‬ولم يكن بُ ٌّ‬
‫‪ federalism in Nigeria, Washington, D.C.‬يت ُّم خارج البلدة؛ لتش���اؤمهم بالطالق‪ .‬أ َّما مجموعات يوربا؛‬
‫‪.94-Brookings Institution, 93‬‬

‫  ‪Coe, Kathrine, et al. (2013). “The Resolution of‬‬ ‫(((‬


‫‪.Review, Vol.3, Issue (2), 122‬‬
‫‪Conflict: Traditional African Ancestors, Kinship,‬‬
‫  ‪.Amadiume, I. 1987. In: Coe, Katherine, 120‬‬ ‫(((‬ ‫‪and Rituals of Reconciliation”, African Conflict‬‬

‫‪87‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫إجتماعية‬
‫مجموعة حكماء مختارين من عش���ائر متع ّددة‪ ،‬تقوم بمه َّمة‬ ‫فتقيم من أغصان شجر النخيل خيم ًة خارج البلدة؛ سرعان‬
‫الموس���عة بين المجموعات‪ ،‬أو بين مجموعة‬ ‫َّ‬ ‫ح ّل النزاعات‬ ‫فض الجلس���ة(((‪ .‬كذلك؛ تُقام جلسة التسوية‬ ‫ما تُق َّوض بعد ِّ‬
‫‪ Turkana‬وغيرها في كينيا ‪ .‬وتقع مسؤولية ح ّل النزاعات‬
‫(((‬
‫بمجتمع أكولي في الغابة المق َّدسة أو على ضفَّة نهر؛ إلبعاد‬
‫الضيقة‪ ،‬في مجتمع توركانا‬ ‫على مس���توى الجيران واألحياء َّ‬ ‫شرور الخالف‪.‬‬
‫نفسه‪ ،‬على جماعةٍ تُدعى «أداكا ْر»‪ .‬كذلك في كونغو بمنطقة‬ ‫‪ -6‬الو�سطاء و ُبن ��اة ال�سَّ الم والم�س�ؤولية الجماعية عن‬
‫كيفو ‪ ،Kivu‬تُس���ند مفاوضات ح ّل النزاعات إلى عش���ائر‬ ‫الو�ساطة‪:‬‬
‫ضالعة في الثقافة المحلية‪ ،‬يُطلق عليها (((‪.Mpatanisha‬‬ ‫تنش���أ ضرورة الوس���اطة ف���ي حال نش���وب الخالف‬
‫أيضاً؛ يقوم بمه َّمة الوساطة في مجتمع ُد َواال ‪Douala‬‬ ‫والصراعات‪ ،‬عن رؤيا الجماعية ‪ ،Communalism‬حيث‬
‫في كاميرون‪ ،‬أبناء األخ���وال ‪،Mulalo a si mawobila‬‬ ‫خصوصي بين‬
‫ٌّ‬ ‫ش���خصي‬
‫ٌّ‬ ‫ال يُنظر إلى النزاع على أ َّنه ش���أ ٌن‬
‫والمعروف في الثقافات األصلية أ َّن العش���يرة ال يَس ُعها ر ُّد‬
‫جماعي تعود عواقبه على‬ ‫ٌّ‬ ‫المتناز َعيْن فحسب‪ ،‬وإ َّنما هو شأ ٌن‬
‫ألحد من أبناء بناتها‪ .‬بالمثل؛ يقوم بمه َّمة الوس���اطة‬ ‫طل���ب ٍ‬
‫ٍ‬
‫بأسره‪ .‬من هذا المنطلق؛ فإ َّن مه َّمة الوساطة يقوم‬ ‫المجتمع ْ‬
‫األخوال والخاالت ‪ ،Malome & Rakgadi‬في مجتمعات‬ ‫ً‬
‫بها جميع األفراد– تقريبا‪ -‬في المجتمعات األصلية‪ .‬غير أ َّن‬
‫بارولونْ���غ ‪ ،BaRolong‬وتنتم���ي لمجموعات تس���وانا في‬ ‫أبرزها‪ :‬زعماء العش���ائر‪ ،‬وكبار الس ّن‪ ،‬والزُّعماء ال ُّروح ُّيون‪،‬‬
‫الشمال الغربي من جمهورية إفريقيا الجنوبية(((‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وأفراد األس���ر المالكة‪ ،‬وقادة الحرب‪ ،‬والجماعات السرية‪،‬‬
‫وأ َّما الوسطاء األفراد؛ فيُع َرف منهم بمجتمع ‪Lamba‬‬ ‫الش���عب ُّيون‪ ،‬والنس���اء العجائز‪ ،‬وك ُّل َم ْن ُعرِ ف‬ ‫والمعالجون َّ‬
‫في توغ���و ‪ ،Tchonto‬وهو حامل «العق���د المق َّدس»‪ ،‬إذا‬ ‫برجاحة العقل‪ ،‬وغيرهم‪ .‬ولع َّل ما يُم ِّيز المجتمعات اإلفريقية‬
‫وضعه بي���ن المتخاصمين كفَّ الجميع ع���ن الكالم‪ ،‬ويُطلق‬ ‫أكثر في هذا المجال‪ :‬إسناد الوساطة إلى «الق َّوالين»‪ ،‬وكونها‬
‫الش���عبي ‪ Nkune‬بين مجموعات بامو ْم في‬ ‫على الوسيط َّ‬‫مهن ًة اجتماعي ًة لهم‪ ،‬و ُهم عش���ائر مح��� َّددة‪ ،‬تحترف مهنة‬
‫كامي���رون‪ .‬بالمثل؛ ف���إ َّن المرأة– بوصفها أنث���ى‪ -‬فرداً أم‬ ‫«القول» والسفارة بين الزعماء واألفراد‪.‬‬
‫وفض النزاعات‪.‬‬ ‫الس�ل�ام ّ‬ ‫جماعة‪ ،‬تقوم بدَورٍ بارزٍ في جهود َّ‬ ‫َّ‬
‫الش���مال الشرقي من كاميرون‬ ‫على سبيل المثال‪ :‬في َّ‬
‫على سبيل المثال‪ :‬يكفُّ المتنازعون بمجتمع كا ْمباتا عن كلّ‬ ‫وس���طاء يُعرفون باس���م ‪ bekem‬بي���ن مجموعة ‪،Nweh‬‬
‫ُع ٍنف إذا ألقت العجائز أغطية رؤوس���ه َّن وصرخن ‪ele ele‬‬ ‫الس�ل�ام والوئام في المجتمع‪،‬‬ ‫وهي عش���ائر مه َّمتها تحقيق َّ‬
‫‪ ،!!ele‬ويعتق���دون أ َّن َمن ال ينصاع له���ذا األمر يجلب على‬ ‫التوس���ط ف���ي النزاع���ات‪ ،‬ويحظى‬ ‫الناس في ُّ‬
‫يقصده���ا ُ‬
‫نفسه وعلى أسرته وعقبه لعنة اإلله ‪ ،Ayyaana‬حتى سبعة‬ ‫ش���عبي كبير ‪ .‬ومثلهم عش���ائر ‪ Jali‬في‬ ‫(((‬
‫ٍّ‬ ‫باحترام‬
‫ٍ‬ ‫أفرا ُدها‬
‫ماساي إذا ألقت المرأة الحامل نطاقها‬ ‫ْ‬ ‫أجيال(((‪ .‬كذلك بين‬
‫بالد مادينغ‪ .‬ويطلق عليهم بين مجموعات ‪ Nawdeba‬في‬
‫‪ Leketio‬التي تش��� ُّد به بطنها بين المتنازعين؛ كفَّ الجميع‬ ‫توغو‪ ،Tomparwama :‬وبمجتمع أشانْتي ‪،Okyeame‬‬
‫عن القتال‪.‬‬
‫وهو الق َّوال البليغ المف َّوه ال���ذي ينقل عاد ًة كالم الملك إلى‬
‫َّ‬
‫وتبع���ا لطبيعة عمل الوس���طاء ومس���ؤول َّيتهم؛ فإنهم‬‫ً‬ ‫الجمه���ور(((‪ .‬كما يُطلق على الوس���طاء المحترفين بمجتمع‬
‫الس���لم والحرب لدى الجميع‪،‬‬ ‫يحظ ْون بحصانةٍ مطلقة في ّ‬ ‫َ‬
‫بانْياروانْدا ‪ ،Bashingantahe‬و ُهم عشائر مح َّددة ضالع ٌة‬
‫القومي‪ ،‬يخضع أفرادها‬ ‫ّ‬ ‫ف���ي معرفة التقاليد وحفظ التاريخ‬
‫خاصة في فنون الوساطة والخطاب‪ .‬من المجموعات‬ ‫لتربيةٍ َّ‬
‫(((  ‪,Kungu. 204‬‬
‫ً‬
‫الش���عبية في الوساطة أيضا ‪ ،Ekitoe Ng›ekeliok‬وهي‬ ‫َّ‬
‫  ‪.Vicencio, C. V., Op. Cit., 144‬‬ ‫(((‬
‫(((  ‪.Dowu, 13‬‬

‫(((  ‪Abebe, D. M. et al. (2015). “Indigenous Conflict‬‬ ‫(((  ‪.Drewal. 1974. In: Coe Katherine, 121‬‬
‫‪Resolution Mechanisms among the Kembata‬‬
‫(((  ‪.Adebayo, Op. Cit, 17‬‬
‫‪Society.” American Journal of Educational‬‬
‫‪,Research, vol. 3, no. 2, 239‬‬ ‫(((  ‪.Adebayo, Op. Cit, 89‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪88‬‬


‫كم���ا يحظى الالجئ المعتصم بهم بالحصانة نفس���ها‪ ،‬ففي كما أسماه الباحث روغومامو(((‪.‬‬
‫‪ -2‬ال�سَّ بر العميق لجذور النزاع وواقعه‪:‬‬ ‫بحال َمن دخل دار الق َّوالين ‪،Jeliso‬‬ ‫مس ٍ‬ ‫مجتمع مادينغ ال يُ ُّ‬
‫من دواعي نجاح الوسطاء في المجتمعات التقليدية في‬ ‫جميع‬ ‫مع‬ ‫القاتل‬ ‫يهرب‬ ‫القتل‪،‬‬ ‫حال‬ ‫في‬ ‫باتا‪،‬‬ ‫وف���ي مجتمع كا ْم‬
‫أقاربه المباشرين إلى الوسيط ‪ ،Illamidana‬تاركين جميع ح ّل النزاعات حلاّ ً جذر ّياً َس���بْرهم لج���ذور النزاع‪ ،‬ومعرفة‬
‫وزروع ‪ ،‬ف�ل�ا يؤخذ من أحدهم ثأ ٌر مالبساته‪ ،‬ورصد الكثير من جزئ َّياته‪ .‬ويتح َّق ُق ذلك باستماع‬ ‫مواش ٍ‬ ‫ممتلكاته���م من ٍ‬
‫(((‬

‫ما دام في حدود ديار إالميدانا‪ ،‬وقد يس���تغرق ُمكثُهم بدار كبار الس ّن والوسطاء مباش���ر ًة إلى األطراف المتنازعة‪ ،‬إ َّما‬
‫علني أو س��� ّراً‪ ،‬وقد تُستخدم بعض الوسائل غير‬ ‫اجتماع ٍّ‬
‫ٍ‬ ‫الوسيط‪ -‬قبل نهاية المفاوضات‪ -‬أش ُهراً ور َّبما سنة كاملة‪ .‬في‬
‫باختصار؛ إ ّن الوس���اطة والبحث عن التس���وية ش���أ ٌن المادية لكش���ف الحقائق‪ ،‬مثل الق ََس���م‪ ،‬وقراءة الطالع‪ .‬في‬
‫الصواعق ‪،Sango‬‬ ‫القس���م بإل���ه َّ‬‫مجتم���ع يوربا مث ًال‪ :‬يت ُّم َ‬ ‫مجتمعي؛ أل َّن عواقب النزاع تشمل الجميع‪.‬‬ ‫ٌّ‬
‫المحور الثالث‪ :‬خ�صائ�ص �آليات حل النزاعات أو بإله���ة النه���ر ‪ ،Yemoja‬أو بإله األخ�ل�اق ‪،Ayelala‬‬
‫ويُعتَقد أ َّن كلاّ ً من تلك اآللهة ش���ديدة الغضب واالنتقام من‬ ‫وطقو�سها‪:‬‬
‫ات حل النزاعات التقليدية عن غيرها بقيامها الكاذب ‪ .‬ويُعرف مثله بين أشانتي باسم ‪ ،Ntam‬ويُستعمل‬
‫(((‬ ‫ِّ‬ ‫تتم َّيز آل َّي ُ‬
‫خاص���ة‪ ،‬واتصافها بخصائ���ص واقعية تكفل لكش���ف الحقائق واالعتراف‪ ،‬وحمل األطراف على االلتزام‬ ‫ِّ‬ ‫���س َّ‬ ‫أس ٍ‬ ‫على ُ‬
‫لها النَّج���اح والتأثير العميق في المجتم���ع‪ ،‬وبلوغ مصالحة بمقتضى التحكيم والوساطة(((‪.‬‬
‫على ك ٍّل؛ ف���إ َّن التـأكيد يكون على االس���تماع المحايد‬ ‫استعراض لبعض تلك‬
‫ٌ‬ ‫وسالم ُمستدام‪ .‬وفيما يأتي‬ ‫ٍ‬ ‫حقيقية‪،‬‬
‫األسس والخصائص ومقارنتها بالنظام القضائي الحديث‪ .‬م���ن جميع األطراف‪ ،‬ويُع ِّبر المثَل عن���د مجموعة يوربا عن‬ ‫ُ‬
‫هذا المبدأ ف���ي قولهم‪agb’ ejo enikan d’are agba :‬‬ ‫‪ -1‬االن�صهار في المجتمع المحليِّ‪:‬‬
‫السالم في اندماجهم ‪ osika‬أي‪« :‬المس��� ُّن األخرق؛ َمن يحكم بعد اس���تماعه إلى‬ ‫ينبع نجاح الوس���طاء في مساعي ّ‬
‫واحد فحس���ب»(((‪ .‬لذلك؛ فإ َّن الوس���اطة قد تطول‬ ‫طرف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫العمي���ق ف���ي المجتم���ع‪ ،‬وانخراطهم الكامل في النس���يج‬
‫الجذري‬
‫ُّ‬ ‫االجتماعي‪ ،‬بمعارفهم وعالقاتهم االجتماعية‪ ،‬ومعتقداتهم‪ ،‬نس���ب ّياً؛ تبعاً لطبيعة النزاع؛ أل َّن اله���دف هو الح ُّل‬
‫المحطمة إلى‬‫َّ‬ ‫ضروري من أج���ل مخاطبة للمشكلة‪ ،‬وعالج الجراحات‪ ،‬وإعادة العالقات‬ ‫ٌّ‬ ‫ووجدانه���م‪ ،‬وهذا االندم���اج‬
‫فري���ق بما يناس���ب موقفه ورؤيته ومطالب���ه في النزاع‪ ،‬أفضل م َّما كانت عليه قبل النزاع(((‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ك ّل‬
‫‪ -3‬الحكم الجمْعي ولي�س الأكثرية‪:‬‬ ‫موقف لحل النزاع واالنخراط في‬‫ّ‬ ‫وبالتالي إقناعه في اتخاذ ٍ‬
‫ّ‬
‫يح���رص الفاعلون ف���ي حل النزاع���ات التقليدية على‬ ‫السالم‪.‬‬ ‫المصالحة وبناء ّ‬
‫ُّ‬
‫مجمع عليه حول النزاع‪ ،‬وليس اللجوء إلى‬ ‫ٍ‬ ‫أ َّما أجهزة الدولة القضائية الحديثة من شرطة ومحاكم اس���تصدار قرارٍ‬
‫إفريقي‬
‫ٍّ‬ ‫مجتم���ع‬
‫ٍ‬ ‫ل‬‫ِّ‬ ‫ك‬ ‫في‬ ‫نجد‬ ‫لذلك‬ ‫األغلبي���ة‪،‬‬ ‫الس���ر في إخفاقها في كثيرٍ من ميادين ح ّل ف���رض رأي‬ ‫وقضاة‪ ...‬فإ َّن ّ‬
‫الشؤون اليومية‬ ‫النزاعات هو غرابة تلك األجهزة عن مسرح األحداث‪ ،‬وعن تقريباً أنظم ًة تقليدية لبلوغ هذا الهدف في ُّ‬
‫المجتمع واألطراف المتنازعة‪ ،‬وقد تكون الغرابة أش��� َّد في التي تعترض المجموعة‪ .‬توج���د عند مجموعات زولو مث ًال‬
‫ثقافات بعيدة‪ ،‬وإسناد ح ّل النزاع‬ ‫ٍ‬ ‫حال استيراد الوسطاء من‬
‫(((  ‪Rugumamu, Severine M. (2002), Conflict‬‬
‫الس�ل�ام»‪ ،‬أو‬
‫هيئ���ات عالمية‪ ،‬وما يُدعى «قوات حفظ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫إلى‬
‫‪Management in Africa: Diagnosis of Current‬‬ ‫حمل المتنازعين إلى عواصم غربية بعيدة‪ .‬فهذه اإلجراءات‬
‫‪,Practices and Future Prospects”. Ethiopia, 5‬‬
‫حلول سطحية‬ ‫جميعاً؛ تؤ ّدي إ َّما إلى تعميق الخالف‪ ،‬أو إلى ٍ‬
‫(((  ‪Olaoba, O. B. (2001). An Introduction to Africa‬‬ ‫هشة‪ ،‬أو إلى «استقرار اصطناعي» ‪Artificial Stability‬؛‬ ‫َّ‬
‫‪.Legal Culture, Ibadan: Hope Publications, 15‬‬

‫(((  ‪.Adebayo, Op. Cit., 40‬‬

‫(((  ‪.Ibid, 89‬‬

‫  ‪.Brandon, Op. Cit., 38‬‬ ‫(((‬ ‫(((  ‪.Ibid., 236‬‬

‫‪89‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫إجتماعية‬
‫للمجتمعات الحضَ ري���ة‪ ،‬فهو ال يولي العالقات اإلنس���انية‬ ‫‪ ،Indaba‬وعن���د جيرانه���ا سوس���ا ‪ ،Imbizo‬ويعني كال‬
‫طرف يمضي لحال س���بيله‬ ‫اهتماماً كبيراً‪ ،‬بل يفترض أ َّن ك َّل ٍ‬ ‫راشد خضع‬ ‫شج ُع ك ُّل ٍ‬ ‫االصطالحيْن‪ :‬اجتماع تشا ُوري‪ ،‬وفيه يُ َّ‬
‫َ‬
‫بعد الحكم‪ ،‬وال يرتبط بالطرف اآلخر بعالقةٍ قرابية؛ لذلك‬ ‫لطق���وس التأهيل االجتماعي التقليدية على المش���اركة في‬
‫يلجأ هذا النظا ُم إلى الحكم بطريقةٍ حاسمةٍ دون اعتبارٍ كبيرٍ‬ ‫توصل‬
‫النقاش‪ ،‬وإبداء ال َّرأي‪ ،‬والب َّد أن يستم َّر النقاش حتى يُ َّ‬
‫لما بعد الحكم وح ِّل النزاع‪ .‬كما يلجأ إلى إشراك الغرباء من‬ ‫بالضرورة أن يكون هذا‬ ‫إجماع���ي‪ ،‬وليس َّ‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫وموقف‬ ‫إلى قرارٍ‬
‫المنظمات غير الحكومية‪ ،‬ومعظم أولئك ال يدركون الجذور‬ ‫َّ‬ ‫رأي األكثرية‪ .‬يُطلَق على هذا اإلجراء بين مجموعات‬ ‫ال َّرأي َ‬
‫االجتماعي الذي يحمل‬
‫ّ‬ ‫العميقة للنّزاع‪ ،‬وال يتمتَّعون باالعتبار‬ ‫ُّ‬
‫تسوانا (((‪ ،kgotla‬بالمثل؛ يقوم حل النزاعات في بوتسوانا‬
‫األطراف على قبول وساطتهم(((‪.‬‬ ‫نظام شوري يُعرف باسم ‪ ،Therisanyo‬ويعتمد على‬ ‫على ٍ‬
‫‪ -5‬تحويل النزاع �إلى �أداة اجتماعية للوئام‪:‬‬ ‫النقاش المفتوح بحضرة كبار الس ّن والزعماء القبل ِّيين(((‪.‬‬
‫من االستراتيج ّيات التي يحرص الوسطاء على رعايتها‬ ‫لذل���ك؛ ال تعرف تل���ك األنظمة في ح��� ِّل النزاعات–‬
‫في ح��� ّل النزاعات؛ حرصهم عل���ى أ ْن تتمخَّ ض المصالحة‬ ‫تقريباً‪ -‬حاالت اس���تئناف‪ ،‬أو طعن في الحكم‪ ،‬وسبب ذلك‬
‫عالقات وروابط اجتماعية جدي���دة بين الفرقاء‪ ،‬تكون‬ ‫ٍ‬ ‫عن‬ ‫أ َّوالً النَّفس الطويل الذي يتَّبعه الوس���طاء في َسبْر المشكلة‬
‫الس���ياق؛‬‫أفضل م َّما كانت عليه بينهم قبل النزاع‪ .‬في هذا ِّ‬ ‫التوصل إلى ح ّل‪ ،‬وثانياً إيمان الجميع بنزاهة الوسطاء‪،‬‬ ‫قبل ُّ‬
‫فإ َّنهم يبادرون– مث ًال‪ -‬بتجديد أحالف األخ َّوة بين الفري َقيْن‪،‬‬ ‫وأيضاً تركيز الوس���طاء على الحفاظ عل���ى كرامة الجميع‪،‬‬
‫زيجات جديدة بينهما‪ ،‬أو بإطالق اس���م بعض كبار‬ ‫ٍ‬ ‫أو بعقد‬ ‫وعلى وحدة لحمة الجماعة‪ ،‬وتوطيد دعائم حسن الجوار‪.‬‬
‫طرف على المواليد الجدد عند الطرف اآلخر‪.‬‬ ‫الس ّن من ك ِّل ٍ‬ ‫‪ -4‬ا�ستراتيجية الك�سب الم�شترك ‪:Win-Win‬‬
‫ففي مجتمع أكولي ش���مال يوغندا‪ -‬مث ًال‪ -‬يبادر كبار الس ّن‬ ‫تحرص اآلل َّيات التقليدية على أ ْن يت َّم ح ُّل النزاعات في‬
‫بمباركة المصالحة بطقوس روحية تُعرف بـ‪Lamo oloke‬‬ ‫ج��� ٍّو من الو ِّد واألخ َّوة على التراضي‪ ،‬يحفظ فيه الجميع ماء‬
‫‪ olwedo‬تذب���ح فيها قرابي���ن‪ ،‬ويأكل الجمي���ع في قصعةٍ‬ ‫وجهه دون ش���عورٍ بأ َّن طرفاً خاس��� ٌر وآخر كاسب؛ فالجميع‬
‫واحدة؛ دالل ًة على اس���تحالة نقض العه���د بعد هذه األكلة‪.‬‬ ‫الصادر‪ ،‬وإ َّنما تمت ُّد‬
‫يكس���ب؛ أل َّن عالقاتهم ال تنتهي بالحكم َّ‬
‫وماس���اي بكينيا يتبادل النساء‬
‫ْ‬ ‫كذلك؛ في مجتمع ليو ‪Luo‬‬ ‫بانتظام في الحي���اة اليومية‪ .‬إ َّن هذه‬
‫ٍ‬ ‫بعد ذل���ك‪ ،‬ويتعاملون‬
‫كل منهم‬ ‫المرضع���ات من كال ط َر َفي النزاع أطفاله َّن ليرضع ٌّ‬ ‫ال ُّرؤية في ح ّل النزاعات هي م���ا نجده واضحاً في العنوان‬
‫من ثدي نساء الطرف اآلخر؛ دالل ًة على عودة «عالقة اللَّبن»‬ ‫ال َّثان���وي لكتاب أديبايو المش���ار إليه أ َّول هذه الدراس���ة‪:‬‬
‫بي���ن المجموعتَين وتج ُّددها‪ ،‬ويصاح���ب ذلك ترديد أدعية‬ ‫الص���واب والخطأ)‪ ،‬وتأكي���د الكاتب بأ َّن األنظمة‬ ‫(ما وراء َّ‬
‫تعويذية من ل ُدن كبار الس��� ّن من المجموعتَيْن؛ لمباركة هذه‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫القضائية التقليدية‪ ،‬ال تولي اهتماما كبيرا بتحديد المخطئ‬
‫العالقة المتج���دِّدة(((‪ .‬وتقوم النس���اء العجائز‪ ،‬في مجتمع‬ ‫والضحية‪ ،‬أو المتَّهم والـ ُمدافع‪( ،‬وإ َّنما)‬
‫والبريء‪ ،‬أو الجاني َّ‬
‫ليو نفس���ه‪ ،‬بالترتيب للزيجات بين العش���ائر المتحاربة بعد‬ ‫تس���عى من أجل الحفاظ على التنا ُغ���م والتوازن في النظام‬
‫والسالم‪.‬‬
‫المصالحة ّ‬ ‫االجتماعي(((‪.‬‬
‫المحور الرابع‪ :‬معوقات التطبيق المعا�صر‪:‬‬ ‫الغرب���ي الذي ُو ِضع‬
‫ّ‬ ‫وه���ذا بخالف النظ���ام القضائي‬
‫عل���ى ال ُّرغ���م من ك ِّل ما س���بق من مزاي���ا آلل َّيات ح ّل‬
‫النزاعات التقليدية بإفريقيا‪ ،‬وكفاءتها في تحقيق المصالحة‬
‫(((  ‪Shuttle, A. (2001). Ubuntu an Ethical for a New‬‬
‫والوئام االجتماعي‪ ،‬باستثناء ما فيها من شرك ووثنيات‪ ،‬فإ َّن‬
‫‪.South Africa, Cluster Publications, 28‬‬
‫ث ّمة اعتراضات يثيرها بعض الباحثين حولها‪ ،‬مثل القول إ َّنها‬
‫(((  ‪Kwaku, Osei-Hwedi and Morena J. Rankopo,‬‬
‫‪«Indigenous Conflict Resolution in Africa: The‬‬
‫‪Case of Ghana and Botswana, University of‬‬
‫  ‪.Bukari, K. Noagah, 2013, 90‬‬ ‫(((‬ ‫‪.Botswana, 42‬‬

‫(((  ‪.Daniel, 2010. 26. In: Coe, Katherine, 122‬‬ ‫  ‪.4-Adebayo, Op. Cit, 3‬‬ ‫(((‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪90‬‬


‫الصغيرة‪ ،‬أي‬ ‫وف���ي دائرة الق���رى واألري���اف والتج ُّمع���ات َّ‬ ‫ٍ‬
‫خطوات‬ ‫غير مقنَّنة‪ ،‬وإ َّنها ليس���ت عالمي���ة‪ ،‬وال تحتوي على‬
‫المنازعات البس���يطة ‪ .Simple Conflicts‬أ َّما النزاعات‬ ‫إجرائية واضح���ة(((‪ .‬وللباحثين المس���اندين لتبنِّي اآلل َّيات‬
‫على مستوى الدولة القُطرية أو الدولية المعقَّدة ‪Complex‬‬ ‫التقليدية ردود حول تلك االعتراضات وغيرها‪.‬‬
‫‪Conflicts‬؛ ف���إ َّن تلك اآلل َّيات عاجزةٌ ع���ن تطويقها‪ .‬وقد‬ ‫‪ -1‬الطابع ال ُّ‬
‫أبوي الذكوري‪:‬‬
‫ر َّد المس���اندون بأ َّن كثيراً من «النزاعات المعقَّدة» منشؤها‬ ‫ينعى بعض الباحثين على آل َّيات ح ّل النزاعات التقليدية‬
‫كان بس���يطاً‪ ،‬كما أ َّن النجاح في تطويق النزاعات البسيطة‬ ‫غلبة الطابع البطريركي األبَ َوي عليها‪ ،‬وش َّدة نفوذ حكم كبار‬
‫سبب مباش��� ٌر‪ ،‬ومقدِّم ٌة لتفادي بزوغ النزاعات ذات النطاق‬ ‫الس��� ّن في إجراءاتها وطقوسها‪ ،‬وأ َّن في ذلك هضماً لحقوق‬
‫ٌ‬
‫خاصة‪ -‬بأنهاَّ‬ ‫الموس���ع ‪ .‬أ ّما ما يُقال عن اآلل َّيات الغربية– َّ‬
‫(((‬
‫َّ‬
‫الطبق���ات األضعف؛ ففي بعض المجتمع���ات كان األطفال‬
‫«عالمية»‪ ،‬ففي ذلك نظ���ر؛ إلخفاقها في كثيرٍ من الميادين‬ ‫أو النس���اء يُتَّخذون رهائن أو ثمن���اً لدفع الغرامات‪ ،‬وقد ر َّد‬
‫حول العالم‪.‬‬
‫الباحث آجي ومريث���ي (‪ )2008 ,Murithi‬وغيرهما‪ ،‬على‬
‫مث ًال‪ :‬في حقبة التس���عين ّيات من القرن الماضي‪ ،‬حين‬ ‫خاص���ة بالمجتمعات‬ ‫الس���مة ليس���ت َّ‬ ‫هذه التُّهمة بأ َّن هذه ِّ‬
‫نزاعات عديدة بإفريقيا‪ :‬في الصومال‪ ،‬والسودان‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫نش���بت‬
‫األصلي���ة‪ ،‬ففي األنظمة القضائية الغربية ال وجود لألطفال‬
‫وكونغو‪ ،‬ودلتا النيجر‪ ،‬وقد كانت جميع المس���اعي لح ّل تلك‬ ‫«القاصرين» في الش���هادات أو القضاء‪ .‬كما أ َّن الدراس���ات‬
‫النزاعات غربية ُم ْس���تَ ْو َرد ًة‪ ،‬فلم تنجح ٌّأي من تلك المساعي‬
‫ال تزال تكش���ف عن الكثير من ُص َور التمييز في ح ّق النساء‬
‫والمقاربات «العالمية» للح ِّد من استفحال تلك النزاعات‪ ،‬بَل ْ َه‬ ‫القاضيات والمحاميات‪ .‬وكما سبقت اإلشارة إليه؛ فإ َّن معظم‬
‫نزاعات جديدةٍ‬
‫ٍ‬ ‫القضاء عليها‪ .‬كما لم تُفلح في منع نش���وب‬ ‫اآلل َّيات التقليدية المعروفة تقوم المرأة فيها بمه َّمة محورية‬
‫���دت عن تلك القديمة‪ .‬بل إ َّن الوس���ائل التقليدية (نظام‬ ‫تو َّل ْ‬
‫في ح ِّل النزاع‪ ،‬من ذلك مث ًال بين مجموعة ‪ Laimbwe‬في‬
‫غورتي ‪ Gurtii‬مث ًال)‪ ،‬هي التي قامت بمه َّمة إنقاذ الموقف‬ ‫شوري‪،‬‬ ‫مجلس ٌّ‬‫ٌ‬ ‫كاميرون ما يُعرف باسم ‪ ،Beitonheke‬وهو‬
‫حين انهارت الدول���ة الصومالية‪ ،‬ونجحت في ح ّل النزاعات‬ ‫الصبيان؛ حيث يجلسون مستمعين‬ ‫يُشرك فيه النساء وحتى ِّ‬
‫بين العشائر الصومالية(((‪.‬‬
‫خاص‬ ‫ً‬
‫بأسلوب مباشرٍ (((‪ .‬أيضا؛ بمجتمع إيبو تنظيم ٌّ‬
‫ٍ‬ ‫متعلّمين‬
‫ال �م �ح��ور ال�خ��ام����س‪� :‬آل �ي��ات ح��ل ال �ن��زاع��ات‬ ‫لفض النزاعات‪ .‬باإلضافة إلى‬ ‫للنساء يُع َرف بـ ‪ّ Umuada‬‬
‫إس���هاماته ّن الكثيرة في كثيرٍ من إجراءات ح ّل النزاعات كما التقليدية والمنظور الإ�سالمي‪:‬‬
‫في محاولتنا اس���تعراض آل َّيات ح ّل النزاعات بإفريقيا؛‬ ‫تق َّدم في مواض���ع مبثوثة في الدراس���ة الحالية‪ .‬إذ ْن؛ فإ َّن‬
‫اإلس�ل�امي في‬
‫ِّ‬ ‫األنظم���ة التقليدية إذا لم تَ ُف ْق نظيراتها الغربية الحديثة في فإ َّن الحديث ال يس���تقيم إال بعرض الجانب‬
‫بحث في‬ ‫ِّ‬
‫رعاية حقوق المرأة واألطفال؛ فإ َّنها ليس���ت بأق َّل منها في هذا المجال‪ ،‬وتلك منهجية وخطوة ضرورية في كل ٍ‬
‫السياق اإلفريقي‪ ،‬أش���ارت إليها الباحثة المعمارية بروسي ْن‬ ‫هذا المجال‪.‬‬
‫موضوع ذي صلةٍ بالسودان الغربي؛‬ ‫ٍ‬ ‫أي‬
‫ِّ‬ ‫مناقشة‬ ‫«عند‬ ‫بقولها‪:‬‬ ‫‪ -2‬محدودية الكفاءة‪:‬‬
‫ي���رى بعض الباحثين أ َّن آل َّيات ح��� ّل النزاعات صالح ٌة فالب َّد من استحضار أمرٍ واحد‪ ،‬الحضور اإلسالمي (‪ ،)...‬إ َّن‬
‫فحس���ب لدائرةٍ مغلقة من النزاعات والخالفات األس���رية اإلسالم هو الذي آ َذن بنشوء المساجد‪ ،‬والقصور واألضرحة‬
‫والعش���يرية‪ ،‬والمنازعات حول األراضي الزراعية والرعوية‪ ،‬الموجودة هناك»(((‪.‬‬

‫(((  ‪.Ibid., 99‬‬


‫(((   بمبا‪ ،‬آدم‪ :‬النزاعات األهلية في إفريقيا‪ :‬قراءة في الموروث السلمي‬
‫(((   ديفيد‪ ،‬ج‪ .‬فران�سي�س‪� :)2010( .‬إفريقيا ال�سلم والنزاع‪،‬‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬مكة‪ :‬رابطة العالم اإلسالمي‪2010 ،‬م‪ .82 ،‬وانظر‪:‬‬
‫ترجمة‪ :‬عبد ال��وه��اب ع�ل��وب‪ ،‬ال�ق��اه��رة‪ :‬المركز القومي‬ ‫‪ -‬بمبا‪ ،‬آدم‪2016( .‬م)‪“ :‬مخاطر الصراعات القبلية والجهوية في إفريقيا”‪،‬‬
‫للترجمة‪� ،‬ص‪.313‬‬ ‫المؤتمر العلمي الثاني لجماعة أنصار السنة المحمدية بالسودان‪-22 ،‬‬
‫‪ 24‬أبريل‪.‬‬
‫  ‪Prussin, Labelle. (1968). The Architecture of‬‬ ‫(((‬
‫‪.Islam in West Africa, African Arts, Vol1, N.2, 35‬‬ ‫(((  ‪.Adebayo, Op. Cit., 15‬‬

‫‪91‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫إجتماعية‬
‫�أ‪ -‬العقب ��ة ال َّذاتي ��ة‪ :‬تكمن ف���ي أ َّن اآلل َّيات التقليدية لم‬ ‫ف ��ي ه ��ذا ال�سي ��اق؛ ف ��إ َّن الموق ��ف الإ�سالم � ّي م ��ن الآل َّي ��ات‬
‫تَ ُعد نقي ًة صافي��� ًة؛ إ ْذ إ َّن الق َيم والمفاهيم والمعتقدات التي‬ ‫المذكورة وغيرها‪ ،‬يمكن ح�صره في وج َهيْن‪ ،‬هما‪:‬‬
‫الت داخلية كبرى‪،‬‬ ‫قامت عليها تلك اآلل َّيات قد ش���هدت تح ُّو ٍ‬ ‫اإلسالمي‬
‫ُّ‬ ‫�أ‪ -‬ر�سالة الإ�سالم ر�سالة �سالم و�إخاء‪ :‬المقصد‬
‫فصام حا ٍّد مع تلك المكتس���بات‬ ‫وغ���دا الجيل المعاصر في ٍ‬ ‫الس�ل�ام واإلخاء‪ ،‬والعدالة‬ ‫المجتمعي هو تحقيق ّ‬ ‫ِّ‬ ‫في البناء‬
‫الس���لمية القديمة‪ .‬ث َّم إ َّن أنظمة الحك���م الحديثة بإفريقيا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫السلمية تهدف للمقصد‬ ‫ّ‬ ‫ات‬ ‫ي‬
‫َّ‬ ‫اآلل‬ ‫ن‬
‫َّ‬ ‫أ‬ ‫وبما‬ ‫البش���ر‪،‬‬ ‫جميع‬ ‫بين‬
‫ومن قبْلها القوى االستعمارية والكنيسة المسيحية بال َّذات–‬ ‫اإلسالمي نفس���ه؛ فهي داخل ٌة في مفهوم «مكارم األخالق»‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫بتعبير الباحثة اندوكايْهي‪ -‬قد نجحت في مس���خ الكثير من‬ ‫الطقوس الوثنية المرتبطة‬ ‫و«الحكمة اإلنس���انية»‪ .‬أ َّما بعض ُّ‬
‫خصائص الثقافة اإلفريقية األصيلة(((‪ ،‬فالزُّعماء المحلّيون‬ ‫بتلك اآلل َّيات؛ فهي التي ينالها التغيير في المنظور اإلسالمي‪.‬‬
‫واالجتماعي‬
‫ّ‬ ‫يحظ ْون في الغالب باالعتبار ال ُّروحي‬ ‫لم يعودوا َ‬ ‫ب‪ -‬ا�ستب ��دال بع�ض الركائز والعنا�صر‪ :‬شهدت الكثير من‬
‫القديم‪ .‬بل إ َّن كثيراً من السياس��� ّيين قد نجحوا في إفساد‬ ‫اآلل َّيات التقليدية تغ ُّيراً ملحوظاً؛ لتغلغُل اإلسالم في تشكيل‬
‫الزعامات الق َبلية باألموال وغيرها‪.‬‬ ‫ثقافة كثيرٍ م���ن المجموعات اإلفريقية‪ :‬هوس���ا‪ ،‬وفوالني‪،‬‬
‫ب‪ -‬العقب ��ة الخارجي ��ة‪ :‬تكم���ن في اإلقص���اء الواضح‬ ‫ومادينغ‪ ،‬وس���واحيلي‪ ...‬فالوسطاء في تلك المجموعات ُهم‬
‫للهي���اكل التقليدية ع���ن أنظمة الحكم والسياس���ة والتأثير‬ ‫والحج���اج والقضاة(((‪ .‬والمرجعية الروحية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫العلماء واألئ َّمة‬
‫الش���عوب اإلفريقية الحديث���ة‪ ،‬فال اعتراف بها ال‬ ‫في حياة ّ‬ ‫س���واء في حثِّ الفرق���اء على قول الحقيق���ة أو على قبول‬
‫في الدس���اتير الوطنية‪ ،‬وال في التربية والتعليم الرس���مي‪،‬‬ ‫المصالح���ة‪ ،‬هي القرآن الكريم؛ فيُحلَّ���ف المتنازعون على‬
‫ناهيك عن القضاء‪ .‬ومن الواضح أ َّن اآلل َّيات الغربية في ح ّل‬ ‫الس���ور لمباركة المصالحات وفرض‬ ‫المصحف‪ ،‬وتُقرأ بعض ُّ‬
‫النزاعات وإدارة الصراعات‪ ،‬تلك التي تُف َر ُض على الشعوب‬ ‫االلتزام بها‪.‬‬
‫في ح ّل نزاعاتها‪ ،‬يص ُعب وصفها بـ «س���لمية»؛ إ ْذ يظهر في‬ ‫كذل���ك؛ فإ َّن ال ُّرموز اإلس�ل�امية‪ ،‬مثل مك���ة والمدينة‪،‬‬
‫الحربي الج َّبار‪،‬‬
‫ّ‬ ‫معظم وس���اطات القوى الكبرى من العت���اد‬ ‫أصبح���ت مرجعية في تأكي���د ال ُهو َّيات‪ ،‬وف���ي خلق بعض‬
‫وأسلحة الدمار‪ ،‬ما لم يظهر في النزاع نفسه‪ ،‬ويذوق األبرياء‬ ‫ال َّروابط االجتماعية المفيدة في الوئام‪ ،‬وفي الوس���اطة في‬
‫في ظ ّل تلك الوساطات من المآسي ما لم يذوقوه في النزاع‬ ‫النزاعات‪ ،‬مث ًال تزعم معظم العشائر بغرب إفريقيا أ َّن أصل‬
‫جماعي وغيرها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وتجويع‬
‫ٍ‬ ‫الداخلي من عقوبات حظر تجاري‪،‬‬ ‫أحالف التمازج بينها‪ ،‬قد نش���أ حي���ن كان أجدادها جيراناً‬
‫نزاعات‬‫ٍ‬ ‫السالم» في‬ ‫ولدينا شواهد من تدخُّ الت قوات «حفظ ّ‬ ‫باألراضي المق َّدس���ة‪ ،‬أو في بعض غزواتهم مع النَّبي (صلى‬
‫حديثة بإفريقيا‪ :‬في رواندا (‪1994‬م)‪ ،‬وفي مالي (‪2012‬م)‪،‬‬ ‫الله عليه وس���لم)‪ ،‬أو في رحالت الح��� ّج‪ ...‬ففي ربط تلك‬
‫وفي إفريقيا الوسطى (‪2013‬م)‪ ،‬ونزع أسلحة بعض األطراف‬ ‫المفردات الثقافية باألصل المق��� َّدس ق َّوةٌ روحية في ثقافة‬
‫دون األخرى‪ ،‬قد أفضى إلى مجازر واسعة النطاق‪.‬‬ ‫السالم في المجتمع‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫ح���االت ع َّدة ق���د بر َهن َْت على أ َّن‬ ‫وم���ع ك ِّل ذلك؛ فإ َّن‬ ‫وقبل ذلك كلِّه؛ فإ َّن اإلسالم بقيمه‪ ،‬وعقائده‪ ،‬وشعائره‪،‬‬
‫ال ُّرك���ون إلى اآلل َّي���ات التقليدية لح��� ّل النزاعات هو أفضل‬ ‫الس�ل�ام والوئام‬ ‫وعباداته‪ ،‬وأحكامه‪ ...‬ك ُّل ذلك يدعم ثقافة ّ‬
‫ناجح‬ ‫ٍ‬
‫توظيف ٍ‬ ‫الخي���ارات‪ ،‬من ذلك ما ح َدثَ ف���ي رواندا من‬ ‫االجتماعي‪.‬‬
‫لنظام «غاشاشا» في التسوية وفي محاكمة مجرمي الحرب‪.‬‬ ‫ّ‬
‫هذا‪ ،‬وعلى ال ُّرغم من كل ما س���بق‪ ،‬ف���إ َّن العقبة التي‬
‫وفي معاهدة جوبا بي���ن الحكومة اليوغندية ومقاتلي «جنود‬ ‫يتخطاه���ا العامل���ون من أجل ترجم���ة اآلل َّيات‬ ‫ينبغ���ي أن َّ‬
‫���ص فيها على ضرورة البح���ث عن آل َّيات‬ ‫ال���رب» ‪ ،LRA‬نُ َّ‬ ‫السالم‬‫التقليدية إلى الواقع ال َّراهن‪ ،‬وتفعيلها في زرع ثقافة ّ‬
‫ّ‬
‫تقليدي���ة إلى جان���ب اآلل َّيات القانوني���ة الحديثة لحل هذا‬
‫وح��� ّل النزاعات‪ ،‬هي عقب ٌة ذات نتو َءيْن اثنَيْن‪ ،‬أحدهما ٌّ‬
‫ذاتي‬
‫داخلي‪ ،‬واآلخر خارجي‪.‬‬ ‫ٌّ‬

‫(((  ‪Ndukaihe, Emeka, V. (2008). Achievement as‬‬


‫‪Value in The Igbo/African Identity, Berlin : Lit‬‬ ‫(((   ينظر‪� :‬آدم بمبا‪ ،‬النزاعات الأهلية‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‬
‫‪.Verlag, 286‬‬ ‫(‪.)95-89‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪92‬‬


‫با ْن�سو ‪Banso,‬‬ ‫وظف تقليد «حلف الممازحة»‬ ‫النزاع(((‪ .‬في الس���نغال أيضاً ِّ‬
‫بو ْنيا ْنغ ‪.Bonyang‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪Cameroun‬‬ ‫بين مجموعة س���يري ْر وج���وال في ح ّل النزاع المس���لَّح بين‬
‫با ْنيارواندا ‪Banyarwand,‬‬ ‫الحكومة وبين مجموعات جوال بمنطقة كازامانْس (‪1994‬م)‬
‫غا�شا�شا ‪.Awassia‬‬ ‫‪Rwanda, Burundi,‬‬ ‫‪8‬‬ ‫السالف ال ّذكر‪،‬‬
‫(((‪ .‬كما أوصى مؤتمر أديس أبابا (‪1999‬م)‪َّ ،‬‬
‫‪Congo RDC‬‬ ‫الزعماء األفارقة باالس���تفادة من الخبرات الثقافية المحلية‬
‫كو ْتال ‪ ،Kgotla‬تري�سا ْنيو‬ ‫ت�سوانا ‪Tswana,‬‬ ‫السالم‪ ،‬وتحقيق المصالحة الوطنية‪.‬‬ ‫في بالدهم في بناء ّ‬
‫‪9‬‬
‫‪Therisanyo‬‬ ‫‪Botswana‬‬
‫الخال�صة‪:‬‬
‫تيغراي‬
‫جريب ‪.Gereb‬‬
‫‪Tigray,Ethiopia‬‬
‫‪10‬‬ ‫ينبغي إلفريقيا أ ّن ترجع إلى نفسها رجوعاً جريئاً صادقاً؛‬
‫من أجل اس���تعادة ُهو َّيتها األصيلة‪ ،‬مع استصحاب الخبرات‬
‫�إ ْندابا ‪.Indaba‬‬ ‫زولو ‪.Zulu, South Af‬‬ ‫‪11‬‬
‫والتج���ارب األخرى م���ن الثقافات الوافدة به���ا‪ ،‬ومنجزات‬
‫�سو�سا ‪Xhosa, South‬‬
‫�إمْبيزو ‪.Imbizo‬‬ ‫‪12‬‬ ‫الحضارة اإلنسانية كك ٍّل‪ ،‬فال المكتسبات الحضارية القديمة‬
‫‪/////.Af‬‬
‫إلفريقيا وحدها بكافية في عالج المشكالت الحديثة‪ ،‬وال ما‬
‫غورتي ‪.Gurtii‬‬ ‫ال�صومال ‪Somaliland‬‬ ‫‪13‬‬
‫حلول غير منسجمةٍ مع واقعها‪ ..‬إ َّنما‬
‫يُفرض على القا َّرة من ٍ‬
‫مابْلو ‪.Mablo‬‬ ‫عف ْر ‪Afar, Ethiopia‬‬ ‫‪14‬‬ ‫الح ُّل في الجمع بين هذا وذاك بحنكة‪.‬‬
‫ياجوبا ‪ ،Yajoba Qicha‬غورْدانا‬ ‫غوراجي ‪Gurage,‬‬
‫‪15‬‬
‫�سيرا ‪.Gordanna Sera‬‬ ‫‪Ethiopia‬‬
‫آليات لح ّل النزاعات في بع�ض‬
‫ملحق‪ :‬جدول ‪ٌ � :1‬‬
‫فوالني ‪Nigeria, Guinea,‬‬
‫بوالكو ‪.Pulaaku‬‬
‫‪.Mali, West Af‬‬
‫‪16‬‬ ‫المجموعات الإثنية ب�إفريقيا‪ ،‬من �إعداد الباحث‪:‬‬
‫كامْباتا ‪Kambata,‬‬ ‫�آليات الحل‬ ‫مجموعة �إثنية‪ /‬موطن‬ ‫م‬
‫�سيرا ‪.Seera‬‬ ‫‪17‬‬
‫‪Ethiopia‬‬ ‫�إ ْن�شاما ‪،Inchama‬‬
‫المبوي ‪Laimbwe,‬‬ ‫�إهاما ‪� ،Ihama‬إريتا ْنغو‬
‫بيتو ْنهيكي ‪.Beitonheke‬‬ ‫‪18‬‬ ‫�أباكوريا ‪Abakuria,‬‬
‫‪Cameroun‬‬ ‫‪� ،Iritongo‬أفارا ْنغولي‬ ‫‪1‬‬
‫‪Tanzania‬‬
‫‪� ،Avarangoli‬سو ْنغو‪-‬‬
‫مادي ْنغ ‪Mande,‬‬ ‫�سونغو ‪.Sungusungu‬‬
‫‪Mali, Guinea,‬‬
‫�سيناكويا ‪.Sinankuya‬‬ ‫‪19‬‬ ‫جر�سوما ‪ ،Jarsumma‬حافي‬
‫‪Ivory Coast,‬‬ ‫�أرومو ‪Oromo,‬‬
‫‪.West Af‬‬ ‫حامي ‪،Haffi Hamee‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Ethiopia‬‬
‫غوما ‪� ،Guma‬أرارا ‪.Arara‬‬
‫متك ْل ‪Metekel,‬‬
‫مي�شو ‪.Michu‬‬ ‫‪20‬‬ ‫�أبو�سُ وَا ُدوَا ‪Abosua Dua‬‬ ‫�أ�شانتي ‪Ashante,‬‬
‫‪Ethiopia‬‬ ‫‪3‬‬
‫�أي �شجرة العائلة‪ :‬الت�ضامن‪.‬‬ ‫‪Ghana‬‬
‫هر ْر ‪Harar,‬‬
‫�أفو�شا ‪.Afocha‬‬ ‫‪21‬‬ ‫ماتو �أبوت ‪،Mato Oput‬‬ ‫�أكولي ‪Acholi,‬‬
‫‪Ethiopia‬‬ ‫‪4‬‬
‫غومو تونغ ‪.Gomo Tong‬‬ ‫‪Uganda‬‬
‫هوْ�سا ‪Hausa,‬‬
‫غا�سكيا ‪.Gaskiya‬‬
‫ْ‬
‫‪Nigeria, Ghana‬‬
‫‪22‬‬ ‫كوَارو ‪ ،Kwaaro‬ني‪-‬يي‬ ‫� ْآن ُي َوا ‪Anyuwaa, Ethiopia‬‬
‫‪5‬‬
‫‪.Nyieye‬‬ ‫‪& Sout-Sudan‬‬
‫ولو ‪Wollo,‬‬
‫�أبَق ْر ‪.Abagar‬‬ ‫‪23‬‬ ‫بانتو ‪Bantu, Central,‬‬
‫‪Ethiopia‬‬
‫�أبو ْنتو ‪.Ubuntu‬‬ ‫& ‪Eastern‬‬ ‫‪6‬‬
‫وليتا ‪Walyta,‬‬ ‫‪Southern Africa‬‬
‫�أوا�سيا ‪.Awassia‬‬ ‫‪24‬‬
‫‪Ethiopia‬‬
‫�أمو ُلوَابي ‪،Omoluwabi‬‬ ‫يوربا ‪Yoruba,‬‬
‫‪25‬‬
‫�إليبا ‪.Ilepa‬‬ ‫‪Nigeria, Benin‬‬ ‫(((  ‪.Vicencio, 2010, 137‬‬

‫(((  ‪.Adebayo, Op. Cit., 46‬‬

‫‪93‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫ثقافية‬

‫الهوية الثقافية العربية‪:‬‬


‫قضايا على هامش أجندة إفريقيا ‪2063‬‬
‫د‪ .‬محمد عبد الكريم �أحمد‬
‫باح�ث م�ص�ري ‪ -‬معه�د البح�وث والدرا�س�ات‬
‫الإفريقية ‪ -‬جامعة �أ�سوان‪.‬‬

‫«ا�ستراتيجية �ش�املة من �أجل تعظيم اال�ستفادة‬


‫من الموارد الإفريقية ل�ص�الح جمي�ع الأفارقة»‪،‬‬
‫خط�ة تنمي�ة �إفريقي�ا (�أجن�دة‬
‫‪ )2063‬خريط�ة طري�ق لإفريقيا‪،‬‬
‫تم ّثل‬
‫و�أنه�ا «مقارب�ة لكيفي�ة تع ّل�م القارة م�ن درو�س‬ ‫مدته�ا خم�س�ون عام� ًا‪ ،‬اقترحه�ا وتبنّاه�ا القادة‬
‫التق�دم الجاري‪،‬‬
‫الما�ض�ي بفاعلي�ة‪ ،‬والبناء على ّ‬ ‫الأفارق�ة به�دف توجي�ه التنمي�ة الإفريقي�ة‪.‬‬
‫واال�س�تغالل اال�س�تراتيجي لجمي�ع الفر��ص‬ ‫وت�ص�ف الأجن�دة نف�س�ها عل�ى وج� ٍه �أكث�ر‬
‫المديي�ن الآن�ي والمتو�س�ط‪ ،‬من‬
‫المتاح�ة عل�ى َ‬ ‫اخت�ز ًاال وتجري�د ًا‪ -‬عل�ى نح� ٍو وا�ض�ح‪ -‬ب�أنها‪:‬‬
‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪94‬‬
‫�أج�ل �ض�مان التح�ول ال�سو�سيو‪-‬اقت�ص�ادي‬
‫الإيجابي خالل الخم�س�ين عام ًا التالية (بدء ًا من‬
‫صاغت أجندة ‪ 2063‬مفهوم‬ ‫العام ‪.(((»)2013‬‬
‫«الوحدة اإلفريقية» وفق‬ ‫وته���دف األجندة إلى تحقيق التطلعات اإلفريقية‬
‫تصورات اآلباء المؤسسين‬ ‫الخاص بال ُهو ّية‬
‫ّ‬ ‫(الس���بعة‪ ،‬ومن بينها التطلع الخامس‬
‫تعميق‬ ‫لهذه الحركة؛ دون‬ ‫اإلفريقي���ة) بحلول العام ‪ ،2063‬وله���ا مراحل مهمة‬
‫ٍ‬
‫لتشمل مكونات الثقافة‬ ‫وأهداف ومحركات رئيسة ومخاطر وتهديدات‪ .‬ويمكن‬
‫إجمال هذه التطلعات في‪ :‬جعل إفريقيا قار ًة متكاملة‬
‫العربية اإلسالمية في أجزاء‬
‫وموحدة سياس ّياً وقائمة على أفكار الوحدة اإلفريقية‪،‬‬
‫َّ‬
‫كبيرة من القارة‬ ‫حيث تكون إفريقيا مستقلة تماماً(؟؟)‪ ،‬ومعتمدة على‬
‫نفسها ومتكاملة(((‪.‬‬
‫أق���دم في ق ّمته في الع���ام ‪2015‬م على تبنّي أجندته‬
‫ٍ‬
‫لمشكالت‬ ‫وبالرغم من مواجهة االتحاد اإلفريقي‬
‫للع���ام ‪ 2063‬لتحقي���ق التكامل اإلفريق���ي وتحقيق‬
‫في أنح���اء الق���ارة اإلفريقية‪ ،‬مث���ل الصراعات في‬
‫االعتم���اد الكامل على ال���ذات‪ ،‬وذلك على الرغم من‬
‫الكونغ���و الديمقراطية ودارف���ور والصومال‪ ،‬والنزاع‬
‫أ ّن أغلب المؤش���رات تقود إلى تزاي���د اعتماد القارة‬
‫الحدودي بين إريتريا وإثيوبيا‪ ،‬والحركات المسلحة في‬
‫ومنظمته���ا اإلقليمية على األطراف الدولية‪ ،‬س���واء‬
‫دلتا النيجر وفي اإلقليم الذي يجمع أوغندا والكونغو‬
‫منظم���ات دولية أو دوالً‪ ،‬في تقدي���م وتمويل الحلول‬
‫الديمقراطية والس���ودان وجمهورية إفريقيا الوسطى‬
‫الالزمة للمشكالت اإلفريقية المختلفة‪ ،‬في ظ ّل عدم‬
‫وتش���اد‪ ،‬وأزمة جن���وب الس���ودان‪ ،‬والقرصنة قبالة‬
‫تو ّفر حلول إفريقية حاس���مة (ومنها إش���راف فرنسا‬
‫س���واحل الصومال وخليج غينيا‪ ،‬ومواجهة عددٍ ٍ‬
‫كبير‬
‫بتمويل أوروبي وأمريكي‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫على تدريب قوة الس���احل ‪5‬‬
‫من الدول اإلفريقية لمش���كالت االستبداد السلطوي‪،‬‬
‫بمشاركة رمزية من االتحاد في هذه المنطقة المهمة‪،‬‬
‫وتصاعد أزمة ع���دم األمن الغذائي والتقلبات الحا ّدة‬
‫وتمويل االتح���اد األوروبي لقوات البعثة اإلفريقية في‬
‫بس���بب نُ ُظم الحكم الهشة وأطماع قوى دولية(((‪ ،‬فإنه‬
‫الصوم���ال «أميصوم»‪ ،‬وارتهان أنش���طة هذه القوات‬
‫بالمقاربة األوروبية‪ ،‬إضاف ًة إلى الدور المتآكل لالتحاد‬
‫اإلفريقي في ليبيا‪ -‬على سبيل المثال)‪.‬‬ ‫(((   يرجع �أ�سا�س ه��ذه الورقة �إل��ى خطوط عامة ومداخالت‬
‫طرحها الباحث خالل ور�شة عمل واجتماع فني حول �أجندة‬
‫وفي راهنيةٍ مألوفة ف���ي مقاربة منظمات القارة‬ ‫�إفريقيا ‪� ،2063‬شارك فيها مع �أ�ساتذة وباحثين من جنوب‬
‫اإلفريقية ومبادراتها لمشكالتها‪ ،‬واالنطالق مما يمكن‬ ‫�إفريقيا وكينيا وم�صر‪ ،‬برعاية االتحاد الإفريقي ومكتب‬
‫ال�شباب الإفريقي بالقاهرة‪ ،‬في دي�سمبر ‪2017‬م‪.‬‬
‫تس���ميته «ظواهر غربية»‪ ،‬عمد االتحاد اإلفريقي إلى‬
‫(((  ‪Bu-Makaya, Emmanuel Bueya, Stability‬‬
‫خاص ًة ف���ي قضايا الهوية‬‫تخفيف صدم���ة إفريقيا‪ّ ،‬‬ ‫‪in Africa: Indeterminacy and Credence, a‬‬
‫الثقافي���ة‪ ،‬من تحديات العولمة (وهو مصطل ٌح بحاجةٍ‬ ‫‪Dissertation Submitted in partial fulfillment‬‬
‫‪of the requirements for the degree of Doctor‬‬
‫مزي���د من التفكيك وإعادة النظ���ر فيه إفريق ّياً)‬
‫ٍ‬ ‫إلى‬ ‫‪in Philosophy, Boston College, the Graduate‬‬
‫‪School of Arts and Sciences Department of‬‬
‫‪.Philosophy, 2014, p.702‬‬

‫‪International Affairs, Vol.62, No.2, Africa in the‬‬ ‫ ‪Okumu, Wafula, the African Union: Pitfalls‬‬ ‫(((‬
‫‪.4-21st Century (SPRING/SUMMER 2009), p.93‬‬ ‫‪and Prospects for Uniting Africa, Journal of‬‬

‫‪95‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫ثقافية‬
‫اإلفريقي إلى تعظيم إدارةٍ ف ّعالة واالستفادة القصوى‬‫قيم إيجابية مثل‪ :‬الحكم الرشيد واحترام‬ ‫وإلى تنقية ٍ‬
‫من الموارد اإلفريقية‪.‬‬
‫ثقافة حقوق اإلنسان والس�ل�ام والمساواة الجندرية‪،‬‬
‫ويتض���ح لنا من خ�ل�ال األجن���دة أ ّن التحوالت‬ ‫من أجل تمكين التنمية والتكامل في القارة اإلفريقية‪.‬‬
‫األساس���ية المأمولة للمجتمعات اإلفريقية س���تكون‬ ‫كم���ا صاغ���ت أجن���دة ‪ 2063‬مفه���وم «الوحدة‬
‫اقتصادية وصناعية‪ ،‬من خ�ل�ال المعدالت المرتفعة‬ ‫اإلفريقي���ة» وفق تص���ورات اآلباء المؤسس���ين لهذه‬
‫والمس���تدامة للنمو االقتصادي‪ ،‬والتنويع والتصنيع‪،‬‬ ‫الحركة (بالرغم من االنتقادات والمراجعات التي ت ّمت‬
‫وتنمية رأس المال البشري‪ ،‬والزراعة واألمن الغذائي‪،‬‬ ‫لمفهوم الوحدة اإلفريقية على المستوى القاري‪ ،‬ونقد‬
‫وتطوير البنية األساسية‪ ،‬وتقديم الخدمات األساسية‬ ‫انحصاره في المسألة العرقية والدينية لدى البعض)‬
‫والس���لع العا ّمة‪ ،‬وتعزيز التجارة واالستثمار اإلفريقي‬
‫أجيال مختلف���ة‪ ،‬وتبنّي فكرة «الثقافات التقليدية‬
‫ٍ‬ ‫في‬
‫ال َبيْن���ي‪ .‬وحددت األجندة أنه م���ن أجل تحقيق هذه‬‫تعميق لتشمل مكونات الثقافة العربية‬
‫ٍ‬ ‫اإلفريقية» دون‬
‫األهداف‪ :‬فإن���ه على دول الق���ارة التعجيل بعمليات‬ ‫اإلس�ل�امية في أجزاء كبيرة من الق���ارة اإلفريقية؛‬
‫التكامل اإلقليمي(((‪.‬‬
‫وإدراج ه���ذه الثقافة على هامش أو في فروع التفاهم‬
‫ويتضح من خالل القراءة السريعة لألجندة ميلها‬ ‫بين الثقافات اإلفريقية المختلفة‪.‬‬
‫لتبنّي نهج «ليبرالي جديد» ‪ ،Neo-liberal‬في سياق‬ ‫بنا ًء على ما سبق؛ تطرح هذه الورقة نقداً لمقاربة‬
‫تح���والت ما بعد الحرب الباردة‪ ،‬من النزعة اإلقليمية‬
‫األجن���دة لمش���روعات النهضة اإلفريقي���ة والوحدة‬
‫القديمة إلى نزعة إقليمية جديدة (وهي فكرة ظهرت‬ ‫اإلفريقية على الصعيد الثقافي وموقع الثقافة العربية‬
‫عمليات كانت تهدف إلى تغيير البناء السياسي‬‫ٍ‬ ‫اإلسالمية منها‪ ،‬كما تُفنّد قصور اإلسهام العربي في‬
‫نتيجة‬
‫االقتصادي العالمي لعكس التطورات الجديدة عالم ّياً‬ ‫رسم سياسات األجندة على الصعيد الثقافي‪ ،‬وتُق ّدم‬
‫عقب س���قوط االتح���اد الس���وفييتي واأليديولوجية‬ ‫مقترحات لإلسهام العربي في هذه األجندة اإلطارية‬ ‫ٍ‬
‫الشيوعية‪ ،‬وما اعتُبر وقتها انتصاراً لليبرالية الجديدة‬
‫المهم���ة‪ ،‬من أجل تعزيز أهداف األجندة وجعلها أكثر‬
‫واقعي ًة وتف ُّهم���اً ألهمية الثقافة العربية اإلس�ل�امية‬
‫وأفكارها عن «السوق»)‪.‬‬
‫وف���ي هذا الس���ياق؛ ارتبط���ت فعالي���ة النزعة‬ ‫في الس���ياق اإلفريقي‪ ،‬والخروج من فكرة عزلها عن‬
‫اإلقليمية بمدى تم ّكن المنظمات اإلقليمية من القيام‬‫محيطه���ا وما يبدو على أنه اس���تئثار بوضع األفكار‬
‫بمهام متزايدة‪ ،‬بما في ذلك مشاركة المجتمع المدني‬ ‫والخطط من قِ َبل دع���اة الوحدة اإلفريقية بمفهومها‬
‫ٍ‬
‫عمليات عبر قومية(((‪ ،‬وهو ما ال يزال‬ ‫الضيق القاصر على «إفريقيا جنوب الصحراء» (مثل‪:‬‬
‫(اإلفريقي) في‬
‫أمراً بعيد المنال في القارة اإلفريقية‪ ،‬وال يتم إال عبر‬
‫ليوبولد سنجور المخلص ألفكار اآلباء المؤسسين)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫أطراف ثالثة (خارج إطار العالقات البينية اإلفريقية)‬‫ووفق األجندة؛ فإنه س���يتم تكوي���ن اتحاد الدول‬
‫اإلفريقي���ة في الع���ام ‪ .2051‬كما تس���تهدف الخطة‬
‫(((   ‪Bu-Makaya, Emmanuel Bueya, Stability in‬‬ ‫أن يصل نصيب القارة م���ن الناتج المحلي اإلجمالي‬
‫‪Africa: Indeterminacy and Credence, Op. Cit.‬‬ ‫العالم���ي إلى ‪( %10‬في الوقت الذي س���يكون نصيب‬
‫‪.3-p.702‬‬
‫القارة من س���كان العالم ‪ %30‬بعد آس���يا ‪ ،)%50‬وأن‬
‫(((   ‪Fagbayibo, Babatunde, Nkrumahism, Agenda‬‬
‫‪2063, and the Role of Intergovernmental‬‬
‫ً‬ ‫كمحرك أساسي للخطة مصحوبا‬ ‫ٍ‬ ‫تعتمد على التصنيع‬
‫‪Institutions in Fast-tracking Continental Unity,‬‬ ‫باالهتمام بالزراعة واألمن الغذائي‪ .‬ومن أجل تحقيق‬
‫‪Journal of Asian and African Studies, Vol.14,‬‬
‫‪.5-2017, pp.4‬‬ ‫التحول والنم���و والتصنيع الف ّعال؛ س���يعمد االتحاد‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪96‬‬


‫بش���كل أكبر في ش���ؤون القارة اإلفريقية على (حي���ث أكد الرئي���س الجنوب إفريقي األس���بق تابو‬
‫ٍ‬ ‫فاعلة‬
‫كافة األصعدة السياس���ية واالقتصادية والعس���كرية‪ ،‬مبيكي‪ :‬أ ّن نيباد عكس���ت إجماعاً وتصميماً مشتركاً‬
‫ويصعب تو ّقع تحول هذا الوضع على الم َديين القريب بين قادة إفريقيا وشعوبها لتغيير مصير القارة‪ ،‬وإعادة‬
‫والمتوس���ط؛ في ضوء تزايد تعقد التدخل اإلقليمي تعريف محددات عالقاتها مع العالم الخارجي) وأداتها‬
‫المهم���ة‪ :‬آلية مراجع���ة النظراء أفارق���ة ‪African‬‬ ‫والدولي في شؤون القارة اإلفريقية‪.‬‬
‫ال‪ :‬ت�صورات �أج��ن��دة �إفريقيا ‪،-Peer Review Mechanism –APRM 2063‬‬ ‫�أو ً‬
‫وأرس���ت مفاهيم من قبيل مفهوم النهضة اإلفريقية‬ ‫لتطوير الهوية الثقافية‪:‬‬
‫منظري ودعاة الوحدة‬ ‫تأتي أه���داف أجندة االتح���اد اإلفريقي لتنمية (ذو الجذور العميقة في أفكار ّ‬
‫خاص ًة في غرب القارة وجنوبها) والتخلّص‬‫القارة اإلفريقية حت���ى العام ‪ 2063‬في إطارٍ عام من اإلفريقية؛ ّ‬
‫جه���ود االتحاد منذ التزامه ف���ي يوليو ‪2002‬م بتبنّي من المشروطية السياسية واالقتصادية‪ ..‬وغيرهما ‪.‬‬
‫(((‬

‫وجاءت األجندة نتاجاً لسلسلةٍ من المشاورات بين‬ ‫أجندة طموحة؛ تشمل تعزيز السلم واالستقرار وحقوق‬
‫اإلنس���ان والديمقراطية والحكم الرش���يد والتنمية المعن ّيين في أنحاء الق���ارة (وإن لوحظ على الوثيقة‬
‫المس���تدامة‪ .‬وقد كان من بين الدوافع المؤدية لقيام غلب���ة التصور الجن���وب إفريقي للق���ارة اإلفريقية‪،‬‬
‫وبخاصةٍ فكرة تاب���و مبيكي عن «النهضة اإلفريقية»‪،‬‬
‫ّ‬ ‫منص���ة وصوت إلفريقيا‬‫االتح���اد اإلفريقي‪« :‬توفير ّ‬
‫لمواجهة موجة العولمة واالس���تفادة منها» (في نزعةٍ أي أنها باألساس فكرة سياسية جنوب إفريقية تبناها‬
‫توفيقية تتجاهل عدم التمتع بالقدرة الكافية لالنتقاء حزب المؤتمر الوطني الحاكم في جنوب إفريقيا‪ ،‬وهو‬
‫ف���ي مواجهة «العولمة»)‪ ،‬وكما أكد االتحاد في قانونه األمر الذي ال يتس���ع له المج���ال هنا) ومنهم ممثلون‬
‫الدس���توري فإنه– بوصفه مؤسس���ة‪ -‬جاء ليش���كل للقط���اع الخ���اص والمجتمع المدن���ي واألفارقة في‬
‫اس���تجابة إفريقيا «للتحديات متع���ددة األوجه‪ ،‬التي المهجر والتكنوقراط‪ .‬وكان���ت النتيجة وثيق ًة مهمة‪،‬‬
‫تواجه قارتنا وشعوبنا‪ ،‬في ضوء التغيرات االجتماعية أوجزت س���بعة تطلعات عا ّمة ضرورية لتحقيق القارة‬
‫واالقتصادية والسياسية التي تتم في العالم»‪ .‬واعتبر اإلفريقية التكامل المطلوب بين دولها‪.‬‬
‫و ُق�سّ ��م تطبي ��ق الأجندة (المفتر� ��ض تح ّققها خالل‬ ‫االتحاد نفس���ه وسيل ًة لتس���ريع «االندماج السياسي‬
‫والسوس���يو‪-‬اقتصادي للق���ارة»‪ ،‬وإلرس���اء الظروف فترة خم�سين عاماً ‪� )2063-2013‬إلى ثالث مراحل‪:‬‬
‫‪ -1‬الم���دى القصي���ر‪ ،‬وهي فترة عش���رة أعوام‬ ‫الضرورية التي تم ّكن القارة من لعب دورها الصحيح‬
‫(‪ ،)2023-2014‬وتتعام���ل هذه الفت���رة مع التطبيق‬ ‫في االقتصاد العالمي وفي المفاوضات الدولية(((‪.‬‬
‫الفوري لبرامج مثل‪ :‬منطق���ة التجارة الحرة القارية‪،‬‬ ‫وكما ق���ادت جن���وب إفريقي���ا‪ ،‬الت���ي تح ّولت‬
‫وجواز الس���فر اإلفريق���ي‪ ،‬والش���بكة المتكاملة من‬ ‫للديمقراطية في عمليةٍ صعبة وفق موائمات انتقصت‬
‫الس���كك الحديدية للقطارات فائقة السرعة‪ ،‬وتوحيد‬ ‫من حقوق مواطنيها األفارقة الكثير‪ ،‬مبادرة الشراكة‬
‫المجال الجوي اإلفريقي‪ ،‬وتطبيق مشروع سد جراند‬ ‫الجديدة من أجل تنمية إفريقيا ‪New Partnership‬‬
‫‪-for Africa’s Development –NEPAD‬‬
‫  ‪Achieng, Roseline M., Can We Speak of‬‬ ‫(((‬
‫‪African Agency?: APRM and Africa›s Agenda‬‬ ‫  ‪Okumu, Wafula, the African Union: Pitfalls‬‬ ‫(((‬
‫‪2063, African Sociological Review / Revue‬‬ ‫‪and Prospects for Uniting Africa, Journal of‬‬
‫‪Africaine de Sociologie, Vol.18, No.1 (2014),‬‬ ‫‪International Affairs, Vol.62, No.2, Africa in the‬‬
‫‪.4-pp.53‬‬ ‫‪.21st Century (SPRING/SUMMER 2009), p.93‬‬

‫‪97‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫ثقافية‬
‫الئقة‪ ،‬وإنج���از زراعةٍ حديثة من أجل زيادة اإلنتاجية‬ ‫إنجا والشبكة اإللكترونية اإلفريقية‪.‬‬
‫واإلنت���اج‪ ،‬ودع���م االقتص���اد األزرق ‪blue/ocean‬‬ ‫ً‬
‫‪ -2‬المدى المتوسط (‪ 25-10‬عاما)‪.‬‬
‫‪ economy‬لتس���ريع النمو االقتصادي‪ ،‬واقتصاديات‬ ‫‪ -3‬المدى البعيد (‪ 50-25‬عاماً)(((‪.‬‬
‫مس���تديمة وقادرة على مواجه���ة التغ ّيرات المناخية‪،‬‬ ‫وبش���كل عام؛ فإ ّن وثيقة األجندة اإلطارية تؤكد‬
‫ٍ‬
‫أولويات للعمل‬ ‫وتتحقق ه���ذه األهداف جميعاً عب���ر‬ ‫أنه���ا توفر الفرصة إلفريقي���ا لالنقطاع عن متالزمة‬
‫وضعتها األجندة – في هذا التطلع تحديداً‪ -‬وتشمل‬ ‫«اللح���اق باألف���كار الجديدة دون تحقي���ق منجزات‬
‫مواجهة الفقر والتفاوت‪ ،‬وتحقيق فرص عمل‪ ،‬وتوفير‬ ‫كبيرة»‪ ،‬وتفعيل مس���تويات رفيعة من اإلنتاجية والنمو‬
‫األمن االجتماعي‪ ،‬واالهتمام بمجال الصحة والتغذية‪،‬‬ ‫وريادة األعمال والتح��� ّول‪« ،‬إ ّن األجندة ‪ 2063‬مقاربة‬
‫ونم ّو اقتصادي ش���امل ومستدام‪ ،‬والتركيز في مجال‬ ‫حول كيفية تعلّم القارة م���ن دروس الماضي‪ ،‬والبناء‬
‫التح���ول الصناعي والتنويع االقتص���ادي‪ ،‬واالهتمام‬ ‫على التق ّدم الذي يت ّم حال ّياً واالستغالل االستراتيجي‬
‫بالموارد البحرية وتش���غيل الموان���ئ والنقل البحري‬ ‫لجميع الفرص الممكنة المتاحة على المستويين اآلني‬
‫بش���كل مس���تديم‪ ،‬والحفاظ‬
‫ٍ‬ ‫وإدارة الموارد الطبيعية‬ ‫والمتوس���ط‪ ،‬وذلك لضمان تح ّو ٍل سوسيو‪-‬اقتصادي‬
‫على التن ّوع البيئي)(((‪.‬‬ ‫في غضون الخمسين عاماً المقبلة‪ .‬إ ّن األجندة ‪2063‬‬
‫‪ -2‬ق ��ارة متكامل ��ة‪ ،‬وموحَّ ��دة �سيا�س ّي� �اً‪ ،‬وقائم ��ة على‬ ‫رؤي ٌة وخطة عمل مع���اً إلنجاز رؤية االتحاد اإلفريقي‬
‫�أفكار الوحدة الإفريقية ور�ؤية نه�ضة �إفريقيا‪ :‬وتتض ّمن‬ ‫بإفريقيا متكاملة ومزدهرة وتنعم بالس�ل�ام‪ ،‬يقودها‬
‫موحدة (فيدرالية‬‫أه���داف هذا التطلع تكوين إفريقيا َّ‬ ‫أبناؤها‪ ،‬وتم ّثل قو ًة نشطة في المجال العالمي‪ .‬كما أ ّن‬
‫أو كونفيدرالية)‪ ،‬وقيام مؤسسات مالية ونقدية قارية‬ ‫األجندة دعوةٌ للتحرك موجه ٌة لك ّل قطاعات المجتمع‬
‫راس���خة وف ّعالة‪ ،‬وبنية أساس���ية عالمية عبر القارة‪،‬‬ ‫اإلفريق���ي للعمل معاً من أجل بن���اء إفريقيا مزدهرة‬
‫ووضعت األجندة مجاالت اهتمام لتحقيق هذا التطلع‬ ‫ومصير واحد»(((‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وموحدة اعتماداً على ٍ‬
‫قيم مشتركة‬
‫موح���دة‪ ،‬وإقامة‬
‫طر ومؤسس���ات إلفريقيا َّ‬ ‫بوض���ع أُ ٍ‬ ‫وأق ّرت األجندة في تمهيده���ا لعرض التطلعات‬
‫مؤسس���ات مالية ونقدية‪ ،‬وربط الق���ارة باالتصاالت‬ ‫بتن ّوع التكوينات االجتماعية لألفارقة‪ ،‬وسعيها للعمل‬
‫والبنية األساسية(((‪.‬‬ ‫على تحقي���ق إفريقيا متكاملة ومزدهرة ومس���المة‪.‬‬
‫‪� -3‬إفريقيا الحكم الر�شيد‪ ،‬واحترام حقوق الإن�سان‪،‬‬ ‫و�أوجزت هذه التطلعات على النحو الآتي(((‪:‬‬
‫‪� -1‬إفريقيا مزدهرة معتمدة على نم ٍّو �شامل وتنمي ٍة والعدال ��ة وحك ��م القان ��ون‪ :‬وح��� ّددت األجندة أهداف‬
‫م�ستدام ��ة‪( :‬ووضعت األجندة أهدافاً في هذا التطلع هذا التطلع بتعزيز القيم والممارس���ات الديمقراطية‬
‫لتحقيق مس���توى معيش���ةٍ مرتفع لجميع المواطنين‪ ،‬والقي���م العالمي���ة لحقوق اإلنس���ان والع���دل وحكم‬
‫ٍ‬
‫مؤسسات قادرة وقيادة ف ّعالة للتغيير‪.‬‬ ‫وتمكينه���م من نيل تعليم ومه���ارات وخدمات صحية القانون‪ ،‬وإقامة‬

‫(((  ‪The African Union Commission, Agenda 2063:‬‬ ‫  ‪Fagbayibo, Babatunde, Nkrumahism, Agenda‬‬ ‫(((‬
‫‪.Framework Document, Op. Cit. pp.94--95‬‬ ‫‪2063, and the Role of Intergovernmental‬‬
‫‪Institutions in Fast-tracking Continental Unity,‬‬
‫(((   ‪.Ibid, p.95‬‬
‫‪.Op. Cit. p.2‬‬
‫ن�ص «فيدرالية �أو كونفيدرالية» ت�سا�ؤالت– ربما لي�س هنا‬
‫ويثير ّ‬
‫مكانها‪ ،-‬وذلك حول جدية �سعي الأجندة لتحقيق الوحدة‬ ‫(((  ‪www.agenda2063.au.int‬‬

‫الإفريقية في ظ ّل اال�ضطراب المفهومي ومبدئية الطرح في‬ ‫  ‪The African Union Commission, Agenda 2063:‬‬ ‫(((‬
‫م�س�ألة مهمة مثل �شكل االرتباط ال�سيا�سي الإقليمي لدول‬ ‫‪Framework Document «the Africa We Want»,‬‬
‫القارة‪.‬‬ ‫‪.September 2015, p.2‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪98‬‬


‫تمويل تنميتها‪ ،‬ويتحقق هذا الهدف من خالل اهتمام‬ ‫كل من تعزيز‬‫ومج���ال العملِ لتحقيق هذه األه���داف ٌّ‬
‫األجندة بمجاالت مكانة إفريقيا في الشؤون العالمية‪،‬‬ ‫الديمقراطية والحكم الرش���يد‪ ،‬والمؤسسات والقيادة‬
‫والشراكات‪ ،‬وأسواق المال اإلفريقية‪ ،‬والنُّظم المالية‬ ‫والتنمية التشاركية والحكم المحلي(((‪.‬‬
‫وعائدات القطاع العام‪ ،‬المساعدات التنموية(((‪.‬‬ ‫‪� -4‬إفريقي ��ا م�سالمة و�آمنة‪ :‬وذلك لتحقيق أهداف‬
‫ويمك���ن إجمال أه��� ّم المالحظ���ات بخصوص‬ ‫الحفاظ على الس�ل�ام واألمن واالستقرار في القارة‪،‬‬
‫«الثقافة اإلفريقية» هنا ف���ي رؤية أ ّن هدف األجندة‬ ‫وذلك باالهتمام بمجال صيانة السلم واألمن والحفاظ‬
‫يقوم على ت ّبني ونشر أفكار «الوحدة اإلفريقية»؛ ولكن‬ ‫عليهما‪ ،‬وتأس���يس بن���اءٍ مؤسس���ي ألدوات االتحاد‬
‫تفص���ل الوثيقة اإلطارية مفهوم هذه الوحدة‪،‬‬ ‫دون أن ّ‬ ‫اإلفريق���ي حول الس���لم واألمن‪ ،‬واالهتم���ام بالدفاع‬
‫وهل هو قاص ٌر على المفه���وم التقليدي (القائم على‬ ‫واألمن والسلم(((‪.‬‬
‫أُس���س عِ رقية ودينية إقصائية بطبيع���ة الحال)‪ ،‬أو‬ ‫‪� -5‬إفريقي ��ا ذات هوي ��ة ثقافي ��ة و�إرث م�شت ��رك وقيم‬
‫أ ّن ث ّم���ة تطويراً للمفهوم؟ كما تُب���رز األجندة مفهوم‬ ‫و�أخ�ل�اق قويم ��ة‪ :‬وهدف���ت األجندة من ه���ذا التطلع‬
‫«النهض���ة الثقافية اإلفريقي���ة» دون أن تح ّدد آليات‬ ‫إلى جعل النهض���ة الثقافية اإلفريقية أولوية قصوى‪،‬‬
‫بشكل واضح (باستثناء استخدام‬ ‫ٍ‬ ‫تحقيق هذه النهضة‬ ‫وذلك من خالل االهتم���ام بمجاالت تعزيز قيم ومثل‬
‫ببعض أنها‬
‫عبارات عا ّمة يتضح عن���د ربطها بعضها ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حرك���ة الوحدة اإلفريقي���ة والقيم الثقافي���ة وأفكار‬
‫متناقضة‪ ،‬وتتجاهل األوضاع والتباينات على األرض)‪،‬‬ ‫النهض���ة اإلفريقية واإلرث الثقافي والفنون واألعمال‬
‫نوع م���ن «عولمة إقليمية»‬‫ويوحي المفه���وم بتحقيق ٍ‬ ‫اإلبداعية(((‪.‬‬
‫للثقاف���ة اإلفريقية‪ ،‬وتجاوز مك ّو ٍ‬
‫ن���ات مه ّمة بها مثل‬ ‫‪� -6‬إفريقي ��ا حي ��ث تكون التنمية بها بقي ��ادة ال�شعب‪،‬‬
‫الثقافة العربية اإلسالمية‪ -‬كما سنوضح الحقاً‪.-‬‬ ‫وتعتم ��د عل ��ى �إمكانات ال�شعب الإفريق ��ي‪ ،‬وخا�صة ن�سائه‬
‫كما تؤك���د األجندة في المس���ألة الثقافية‪ ،‬التي‬ ‫و�شباب ��ه‪ ،‬وتهت ��م بالأطف ��ال‪ :‬ويهدف ه���ذا التطلع إلى‬
‫خصص لها التطلع الخامس من بين التطلعات السبعة‬ ‫ّ‬ ‫تحقيق المساواة التامة في الجندر (النوع االجتماعي)‬
‫الرئيس���ة السابقة‪ ،‬أ ّن ش���عب إفريقيا ومواطنيها في‬ ‫ف���ي جميع مناح���ي الحياة‪ ،‬وتمكين ودعم الش���باب‬
‫المهجر‪ ،‬متحدون ف���ي تن ّو ٍع‪ ،‬ش���باب وكبار‪ ،‬ورجال‬ ‫واألطفال‪ ،‬ويتحقق ذلك م���ن خالل االهتمام بتمكين‬
‫ونساء‪ ،‬وفتيات وفتيان‪ ،‬من ك ّل مناحي الحياة‪ ،‬يدركون‬ ‫النساء والفتيات‪ ،‬وبقضية العنف والتمييز ض ّد النساء‬
‫عم���ق تاريخهم‪ ،‬ويع ّبرون عن تقديرهم العميق لجميع‬ ‫والفتي���ات‪ ،‬وكذلك بتمكين الش���باب‪ ،‬واحترام حقوق‬
‫وبخاصةٍ مؤسس���و‬
‫ّ‬ ‫أجيال دعاة الوح���دة اإلفريقية‪،‬‬ ‫األطفال(((‪.‬‬
‫منظم���ة الوح���دة اإلفريقية‪ ،‬الذي���ن أورثونا إفريقيا‬ ‫‪� -7‬إفريقي ��ا كالع ��ب و�شري ��ك عالم ��ي ق ��وي وم ّتحد‬
‫ٍ‬
‫نجاح���ات نموذجية في محاربة العبودية‪،‬‬ ‫وهي تحقق‬ ‫و�صام ��د وم�ؤث ��ر‪ :‬ويهدف هذا التطلع إلى جعل إفريقيا‬
‫واالستعمار‪ ،‬واألبارتهايد‪.‬‬ ‫شريكاً رئيساً في الشؤون العالمية والوجود المشترك‬
‫وتُق ّدم أجندة ‪ ،2063‬ذات الجذور الراس���خة في‬ ‫الس���لمي‪ ،‬وأن تتولى إفريقيا المس���ؤولية الكاملة في‬
‫عمل‬
‫الوحدة اإلفريقي���ة والنهضة اإلفريقي���ة‪ ،‬إطار ٍ‬
‫متماس���ك وقوي لمعالجة مظال���م الماضي‪ ،‬وتحقيق‬ ‫  ‪.Ibid‬‬ ‫(((‬
‫(((  ‪.Ibid‬‬

‫ ‪.Ibid, pp.95--96‬‬ ‫(((‬


‫(((  ‪.Ibid‬‬ ‫  ‪.Ibid. p.96‬‬ ‫(((‬

‫‪99‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫ثقافية‬
‫إلى ح ٍّد كبير(((‪.‬‬ ‫القرن الحادي والعشرين على أنه القرن اإلفريقي(((‪.‬‬
‫وتؤكد األجندة في تطلعاتها على أ ّن إفريقيا قارةٌ‬ ‫ويرى البع���ض‪ -‬اتباعاً ألفكار عل���ي مزروعي‪-‬‬
‫واثقة في ُهو ّيتها‪ ،‬وإرثها‪ ،‬وثقافتها وقيمها المشتركة‪،‬‬ ‫أس���اس تاريخي‬
‫ٌ‬ ‫مس���اع توفيقية قد ال يكون لها‬
‫ٍ‬ ‫(في‬
‫موحداً ومؤ ِّثراً في الساحة الدولية‪،‬‬
‫وفي كونها شريكاً َّ‬ ‫متماس���ك) أ ّن ت���راث إفريقي���ا يعك���س االختالف‬
‫يقوم بإسهامه في الس�ل�ام والتق ّدم البشري والوجود‬ ‫والتنوع داخل المص���ادر التاريخية للمعرفة وال ُهو ّيات‬
‫المشترك الس���لمي والرفاهية‪ .‬باختصار فإ ّن إفريقيا‬ ‫والتطلع���ات؛ ويش���مل (التقاليد المحلي���ة‪ ،‬والتراث‬
‫واثق ٌة في إفريقيا مختلفة وأفضل حاالً‪.‬‬ ‫العربي‪ -‬اإلس�ل�امي‪ ،‬واإلرث الغربي)‪ ،‬وأنه من خالل‬
‫ووفق األجن���دة؛ فإنه س���يتم إدراج ُمثُل ومبادئ‬ ‫الوجود المشترك والتفاعل وأحياناً الصدام بين هذه‬
‫بش���كل كامل ف���ي جميع المناهج‬ ‫ٍ‬ ‫الوحدة اإلفريقية‬ ‫الموروثات الثالثة تكمن العناصر الرئيسة التي تك ّون‬
‫الدراس���ية‪ ،‬وس���تتم تقوية األصول الثقافية للوحدة‬ ‫ال ُهو ّية الجماعية لألفارقة(((‪.‬‬
‫الثقافية (اإلرث‪ ،‬والفلكلور واللغات والمسرح واألدب‬ ‫وتحتل المساواة الجندرية ‪،Gender Equality‬‬
‫والمهرجان���ات واألدي���ان والروحانيات)‪ ،‬كما س���يتم‬ ‫وبخاصةٍ حقوق المرأة‪ ،‬أهمي ًة متزايدة في سياس���ات‬‫ّ‬
‫االحتف���اء بالفنون والصناع���ات اإلبداعية اإلفريقية‬ ‫االتحاد اإلفريق���ي وخطاب أجن���دة إفريقيا ‪.2063‬‬
‫بشكل كبير‬
‫في أنحاء القارة‪ ،‬وفي الش���تات‪ ،‬وتس���هم ٍ‬ ‫ويؤك���د متابعون أ ّن التقدي���ر المتنامي للدور القيادي‬
‫في الوعي الذاتي‪ ،‬وس�ل�امة وازدهار الثقافي واإلرث‬ ‫للمرأة في جميع نواحي التنمية‪ ،‬بما فيها مش���اركتها‬
‫العالمي‪ ،‬وستكون اللغات اإلفريقية هي أساس اإلدارة‬ ‫في صنع القرار على المس���تويات الدولية واإلقليمية‬
‫الخاصة‬
‫ّ‬ ‫والتكامل‪ ،‬كما س���تت ّم تقوية القيم اإلفريقية‬ ‫منص ٍات للعمل مرتبطة‬ ‫والوطنية‪ ،‬قد انعكس في وضع ّ‬
‫باألس���رة والجماع���ة ‪ community‬والعمل الجاد‬ ‫بالجندر‪ .‬كما طور االتحاد اإلفريقي في هذا السياق‬
‫بحزم‬
‫واالحت���رام المتب���ادل والتماس���ك االجتماعي ٍ‬ ‫سياس���ة جندرية وأدوات أخرى تر ّك���ز على معالجة‬
‫كبير‪ ،‬وستتم اس���تعادة الثقافة واإلرث والقِ طع الفنية‬ ‫التف���اوت الجن���دري‪ ،‬وتبنّى قراراً جدي���داً في العام‬
‫كامل وتأمينها‪.‬‬
‫بشكل ٍ‬‫ٍ‬ ‫اإلفريقية المسروقة‬ ‫‪2011‬م يدعو الدول التخ���اذ خطوات واضحة لزيادة‬
‫كم���ا تؤكد األجندة‪« :‬س���تكون الثقاف���ة والتراث‬ ‫المشاركة السياس���ية للمرأة وقيادتها‪ ،‬وتبليغ األمين‬
‫والهوية والمصير المشترك محور جميع استراتيجياتنا‬ ‫العام لألمم المتحدة حول المسألة‪.‬‬
‫لتيسير مقاربة الوحدة اإلفريقية والنهضة اإلفريقية»‪،‬‬ ‫وتظ ّل مسألة تحقيق «المساواة الجندرية» ضبابي ًة‬
‫‪«...‬سيلعب النساء والش���باب في إفريقيا دوراً ها ّماً‬
‫كدواف���ع ‪ Drivers‬للتغيي���ر‪ .‬وس���يضمن الح���وار‬ ‫(((   �صدرت ترجم ٌة عربية للأجندة «الن�سخة ال�شعبية»‪ُ ،‬ن�شرت‬
‫الحكومي (بي���ن الحكومات) أن تك���ون إفريقيا قار ًة‬ ‫بالن�ص الإنجليزي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫على موقع االتحاد‪ ،‬لكنها ناق�ص ٌة مقارنة‬
‫يف�ضل الباحث االعتماد عليها‪ .‬والفكرة التي �أق�صدها‬ ‫ولم ّ‬
‫هنا‪ :‬داللة عدم االهتمام بتقديم ن�سخة عربية �سليمة‪� ،‬سواء‬
‫من الوثيقة الإطارية �أو من الن�سخة ال�شعبية منها! مما يتنافى‬
‫  ‪Nkenkana, Akhona Nkenkana, No African‬‬ ‫(((‬ ‫مع �صلب ما تدعو �إليه الأجندة في جانبها الثقافي‪.‬‬
‫‪Futures without the Liberation of Women:‬‬
‫‪A Decolonial Feminist Perspective, Africa‬‬ ‫(((  ‪Lo, Mbaye, Islam and the Idea of the «African‬‬
‫‪Development/ Afrique et Développement,‬‬ ‫‪University»: An Analytical Framework (in:‬‬
‫‪Vol. 40, No. 3, TransformingGlobal Relations‬‬ ‫‪Lo, Mbaye and Haron, Muhammed (editors),‬‬
‫‪for a Just World/Transformer les relations‬‬ ‫‪Muslim Institutions of Higher Education in‬‬
‫‪internationales pour unmonde juste (2015),‬‬ ‫‪Postcolonial Africa) Palgrave Macmillan, New‬‬
‫‪.p.43‬‬ ‫‪.York, 2016, p.13‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪100‬‬


‫رب واحد‪ ،‬ومصير واحد»(((‪.‬‬ ‫تحت شعار «هدف واحد‪ّ ،‬‬ ‫متك ّيفة مع التغ ّير االجتماعي والثقافي»‪« ،‬إ ّن إفريقيا‬
‫ويحت���اج وض���ع «ال ُهو ّي���ة العربية» ف���ي أجندة‬ ‫معتقدات دينية وروحانية‪ ،‬والتي تلعب‬
‫ٌ‬ ‫قارةٌ ٍ‬
‫لشعب لديه‬
‫‪ 2063‬إل���ى بذل مجهودٍ عربي أكب���ر لتفكيك مفهوم‬ ‫بدورها دوراً عميقاً في بناء ال ُهو ّية اإلفريقية والتفاعل‬
‫س���ياق‬
‫ٍ‬ ‫«الوح���دة اإلفريقية»‪ ،‬الذي ت ّمت صياغته في‬ ‫االجتماعي‪ .‬وستواصل القارة المعا َرضة التا ّمة لجميع‬
‫كان المفه���وم الفرنس���ي عن ـ«المه ّم���ة الحضارية»‬ ‫أشكال تسييس الدين والتطرف الديني»‪.‬‬
‫‪ ،Mission Civilisatrice‬ونظي���ره البريطاني عن‬ ‫ث��ان��ي � ًا‪ :‬م�لام��ح «ال���وح���دة الإف��ري��ق��ي��ة»‬
‫«عبء الرجل األبي���ض»‪،white man’s burden‬‬ ‫والعولمة والإره����اب ف��ي الأج��ن��دة‪ :‬م ��أزق‬
‫هما المبرران الرئيسيان لالتصال بـ«القارة المظلمة»‬ ‫الهوية الثقافية العربية‪:‬‬
‫و«تنويرها»‪ ،‬ومواجهة األفارقة للتناقض األوروبي في‬ ‫ظ��� ّل مفهوم «الوح���دة اإلفريقية» يتط���ور لفترةٍ‬
‫التعامل معهم‪ ،‬إذ بينما ا ّدع���ى األوروبيون احترامهم‬
‫بأحداث تاريخية كبرى‪ ،‬وقد بدأ المفهوم‬ ‫ٍ‬ ‫طويلة‪ ،‬ما ّراً‬
‫للثقاف���ات التقليدي���ة اإلفريقية فإنه���م احتقروا في‬
‫كفكرة وطنية تجمع األفارقة‪ -‬الذين تحلّلوا من القبيلة‬
‫واقع األمر (وكذلك عد ٌد كبي ٌر من رواد حركة الوحدة‬
‫بدرج���ةٍ أو بأخرى‪ -‬في العال���م الجديد خالل فترة‬
‫اإلفريقي���ة‪ ،‬بمن فيهم جورج بادم���ور الذي يُؤثَر عنه‬
‫بمؤثرات كثي���رة من‪ :‬اندالع الحرب‬ ‫ٍ‬ ‫العبودية‪ ،‬وم ّرت‬
‫قوله‪ :‬إنه «س���يظل يناضل من أجل األفارقة‪ ،‬لكن ال‬ ‫األهلية األمريكية وحركة جارفي واالستعمار األوروبي‬
‫يري���د إطالقاً أن يعيش مثلهم حي���ا ًة قبلية») العادات‬
‫إلفريقيا والثورة االشتراكية في روسيا وحركات التحرر‬
‫والتقاليد اإلفريقية «المعادية» للحساسيات األوروبية‬
‫السوداء في إفريقيا والواليات المتحدة والكاريبي منذ‬
‫أو «المخالف���ة» للمصالح األوروبي���ة‪ .‬وتم ّثل ذلك في‬
‫محاوالت‬
‫ٌ‬ ‫الع���ام ‪1945‬م‪ .‬وبُذلت طوال ه���ذه الفترة‬
‫التخلّص الدائم من الزعماء التقليديين الذين رفضوا‬ ‫متفرقة إلرفاد مفهوم الوحدة اإلفريقية بأفكارٍ ُمك ّملة‬
‫التعاون معه���م وإحالل زعماء أكثر تو ّدداً معهم‪ .‬ورأى‬
‫(مثل‪ :‬تضمين االشتراكية كملمح للوحدة اإلفريقية في‬
‫المستعمر األوروبي– ثم عد ٌد من أنصار الحركة الحقاً‬‫مؤتمر الوحدة اإلفريقية الخامس بمانشس���تر الذي‬
‫في مس���عى لتحقيق «الحداثة اإلفريقية»‪ -‬أ ّن إفريقيا‬
‫بش���كل‬
‫ٍ‬ ‫ُعقد في العام ‪1945‬م) وإن لم يتغير المفهوم‬
‫بحاجةٍ إلى االلتحاق بالعالم الحديث بأية وسيلة(((‪.‬‬
‫أي اتجاه‪ .‬وظ ّل هناك تشاب ٌه كبي ٌر بين أفكار‬ ‫كبير في ّ‬ ‫ٍ‬
‫وعلى س���بيل المث���ال‪ :‬فقد ترك���ز انتقاد جورج‬ ‫رواد المفهوم (والحركة) منذ عشرينيات القرن التاسع‬
‫بادمور للمجتمع التقليدي اإلفريقي في بعض جوانبه‬ ‫عشر‪ ،‬مثل دانيل كوكر ‪ ،D. Coker‬و”روبرت كامبل”‬
‫خاصة مس���ألة القبلية؛ وأكد في أكثر من مناس���بة‬ ‫و”مارتن ديالني” و”هن���ري جارنت” و”إدوارد باليدن”‬
‫أنه «إنس���ان أس���ود غير قبلي» ‪De-Tribalised‬‬ ‫و”ماركوس جارف���ي” و”دوبوا”‪ ،‬واعتمد روا ٌد متأخرون‬
‫‪ .Man‬كما أثارت قناعة بادمور بأ ّن استقالل إفريقيا‬‫نسب ّياً لحركة الوحدة اإلفريقية‪ ،‬مثل‪“ :‬جورج بادمور”‬
‫الحقيقي ال يمك���ن تحقيقه إال من خالل تب ّدل للهيئة‬
‫و”فرانز فانون” و”كوام���ي نكروما” و”نامدي أزيكوي”‬
‫و”توم مبويا” و”باتريس لومومبا”‪ ،‬بقوة على هذا اإلرث‬
‫(((  ‪Tsomondo, Micah S. From Pan-Africanism‬‬
‫‪to Socialism: The Modernization of an African‬‬
‫المتراك���م من رواد الوحدة اإلفريقية بالش���تات‪ ،‬كما‬
‫‪Liberation Ideology, Issue: A Journal of Opinion,‬‬ ‫س���عت حركة الوحدة اإلفريقي���ة بمفهومها التقليدي‬
‫‪.Vol.5, No.4 (Winter, 1975), p.39‬‬
‫إلى تحقيق اتحادٍ روحاني بين جميع الشعوب السوداء‬
‫  ‪Houngnikpo, Mathurin C. Africa›s Elusive‬‬ ‫(((‬
‫‪Quest for Development, Palgrave Macmillan,‬‬
‫‪.New York, 2006, p.17‬‬

‫‪101‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫ثقافية‬
‫‪ Conference‬بمدينة نيمب���ا ‪ Nimba‬في ليبيريا‬ ‫‪( Transfiguration‬وه���و مصطل���ح الهوتي أيضاً‬
‫(‪ 19‬يوليو ‪1959‬م‪ ،‬وفيم���ا ُعرف بعد ذلك بمجموعة‬ ‫يشير لتجلي المس���يح أو تغ ّير الهيئة أو األقنوم)‪ ،‬بما‬
‫منروفيا)‪ ،‬والذي وضع س���تة مبادئ لتحقيق «جماعة‬ ‫يش���مل التخلّي عن «القبلية»‪ ،‬انتقادات حادة من قِ َبل‬
‫الدول اإلفريقية المس���تقلة»‪ ،‬وكان منها‪« :‬ستحافظ‬ ‫قطاع من الحرك���ة الوطنية الت���ي امتلكت تصورات‬
‫ك ُّل دول���ة واتحاد‪ ،‬عض���و بالجماعة‪ ،‬عل���ى ُهو ّيتها‬ ‫أخرى لتحول المجتمع (وبشكل خاص لدى األشانتي‬
‫الوطنية وبنائها الدستوري‪ .‬وستتكون الجماعة بهدف‬ ‫الذي���ن رأوا في االس���تقالل عن االس���تعمار فرصة‬
‫تحقي���ق الوحدة بين الدول اإلفريقية المس���تقلة‪ .‬وال‬ ‫الس���تعادة تقاليده���م في دولةٍ مس���تقلة جديدة)(((‪.‬‬
‫تستهدف (الجماعة) اإلضرار بالسياسات والعالقات‬ ‫ب���ل إ ّن بعض المحللي���ن رأوا أنه بالرغ���م من جنوح‬
‫وااللتزام���ات الدولية الحالية أو المس���تقبلية للدول‬ ‫بادمور لألفكار الماركسية لتفكيك البناء الطبقي في‬
‫المنضم���ة للجماعة»(((‪ .‬وقد تبدلت رؤى أغلب هؤالء‬ ‫«س���احل الذهب» فإنه قبل‪ -‬على نحوٍ سافر‪ -‬وجهة‬
‫الزعماء الشباب حينذاك بمرور الوقت تجاه «الوحدة‬ ‫النظر التي تقول بأ ّن الحضارة وأوروبا تس���يران يداً‬
‫اإلفريقي���ة»‪ ،‬وأثبت���ت مواقف مختلفة ع���دم واقعية‬ ‫بي���د‪ ،‬وهذا– وفق م���ا كتبه بادمور‪ -‬س���بب امتالك‬
‫(وبخاصةٍ ما عانى من���ه نظام كوامي‬
‫ّ‬ ‫أطروحاته���م‬ ‫اإلمبراطورية البريطانية «أقس���اماً» (استخدم كلمة‬
‫نكروما في غانا)‪.‬‬ ‫‪ Sections‬بدالً م���ن ‪ )Colonies‬كانت «أكثر تق ّدماً‬
‫وبعد االس���تقالل؛ فقدت الرؤية اإلقليمية‪ -‬التي‬ ‫ال بأ ّن بعض المس���تعمرات‬ ‫من غيره���ا»‪ .‬وضرب مث ً‬
‫طالم���ا ألهمت حركة الوح���دة اإلفريقية‪ -‬زخمها مع‬ ‫اإلفريقية كانت تُحكم من خالل «الحكم المباش���ر»؛‬
‫مزيد من الدول اإلفريقية على اس���تقاللها‪،‬‬ ‫حصول ٍ‬ ‫أل ّن «المحل ّيين أصبحوا ُمت َأ ْوربين ‪Europeanized‬‬
‫وقاد كوامي نكروم���ا تنظيراً الفت���اً للحركة بتأكيده‬ ‫وأكثر تق ّدماً في الحض���ارة على النحو الذي يصعب‬
‫( ُقبيل االنقالب عليه وس���قوط نظام حكمه في العام‬ ‫معه أن يحكمهم زعماء (قبائل) أُ ّميون»‪ .‬وأ ّن «ش���عوب‬
‫‪1966‬م)‪ ،‬ف���ي كتابه الش���هير (االس���تعمار الجديد‪:‬‬ ‫ج���زر الهند الغربية وصلت في عهد االس���تعمار إلى‬
‫آخ���ر مراح���ل اإلمبريالية)‪ ،‬أنه بالرغ���م من تحقيق‬ ‫درج���ةٍ أعلى من الحض���ارة (أو الحداثة‪ ،‬وهي أفكا ٌر‬
‫المس���تعمرات الس���ابقة اس���تقاللها‪ ،‬وتك ّون الدول‬ ‫تحتاج لتفسير‪ ،‬لكن ال يتس���ع المقام لها هنا) بسبب‬
‫الوطنية المس���تقلة‪ ،‬ف���إ ّن التح���رر الوطني ال يمكن‬ ‫طول اتصالهم بالثقافة الغربية»(((!‬
‫اكتماله حتى تحقيق االستقالل االقتصادي من خالل‬ ‫ووسط النزاعات األيديولوجية داخل تيار الوحدة‬
‫االنقطاع مع االستعمار الجديد‪ ،‬وهو ما يمكن تحقيقه‬ ‫اإلفريقية‪ -‬قبل تكوين منظمة الوحدة اإلفريقية ‪-‬عقد‬
‫بشكل أفضل‪ .‬واستكمل الرئيس‬ ‫ٍ‬ ‫أس���اس إقليمي‬
‫ٍ‬ ‫على‬ ‫كل من وليام توبم���ان (رئيس ليبيريا الحقاً)‪ ،‬وكوامي‬ ‫ٌّ‬
‫الليبي السابق مع ّمر القذافي فكرة كوامي نكروما‪ ،‬في‬ ‫نكروما (رئيس غانا الحقاً)‪ ،‬وأحمد سيكوتوري (رئيس‬
‫محاولة تجديد َدور منظم���ة الوحدة اإلفريقية‪ ،‬فيما‬ ‫غيني���ا الحقاً) مؤتم���ر س���انيكيلي ‪Sanniquellie‬‬

‫  ‪Bruey, Veronica Fynn, African Union Agenda‬‬ ‫(((‬ ‫(((  ‪James, Leslie, George Padmore and‬‬
‫‪2063: Aspiring for Justice and the Rule of Law in‬‬
‫‪Decolonization from Below Pan-Africanism,‬‬
‫‪Liberia (in: A.C. Onuora-Oguno ,W.O. Egbewole‬‬
‫‪the Cold War, and the End of Empire, Palgrave‬‬
‫‪and T.E. Kleven, editors, Education Law,‬‬
‫‪.Macmillan, New York, 2015, p.154‬‬
‫‪Strategic Policy and Sustainable Development‬‬
‫‪in Africa: Agenda 2063), Palgrave Macmillan,‬‬ ‫  ‪James, Leslie, George Padmore and‬‬ ‫(((‬
‫‪.2018, pp.220--221‬‬ ‫‪.Decolonization from Below, Op. Cit., p.157‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪102‬‬


‫مؤكداً أنه «من خالل هذا النوع من الوعي والتضامن‬ ‫تجس���د الحقاً في إعادة تنظيم المنظمة وتس���ميتها‬ ‫ّ‬
‫يمكن التغلب على الحكم االستعماري األوروبي»(((‪.‬‬ ‫مؤتمر كبي���ر بطرابلس في‬ ‫ٍ‬ ‫«االتح���اد اإلفريقي» في‬
‫أما رؤية األجندة للعولمة‪ :‬فإنها رؤية «وس���طية»‪،‬‬ ‫الع���ام ‪1999‬م (وتم ّكن القذافي من حش���د ‪ 42‬دول ًة‬
‫تش���به كثيراً الرؤي���ة العربية‪ ،‬حيث تؤك���د على دفع‬ ‫إفريقية وراء مقررات مؤتمر طرابلس)(((‪.‬‬
‫أضرارها واالستفادة من فوائدها‪ .‬ويمكن الرجوع هنا‬ ‫وعلى الرغ���م من االنخراط العرب���ي في حركة‬
‫لخلفية المفهوم اإلفريقي عن العولمة في تعريف علي‬ ‫التح���رر اإلفريق���ي (بالمعنى الجغرافي الش���امل)‪،‬‬
‫مزروعي لها بأنها‪« :‬العمليات التي تقود نحو االعتماد‬ ‫دول مث���ل مصر والجزائر‪ ،‬في تعزيز‬ ‫وبخاصةٍ جهود ٍ‬
‫ّ‬
‫المتب���ادل العالمي‪ ،‬والس���رعة المتزايدة للتبادل عبر‬ ‫العمل اإلفريقي المشترك‪ ،‬فإنه يمكن مالحظة وجود‬
‫مس���افات بعيدة»‪ ،‬ويح ّدد أربع ق���وى تم ّثل «محركات‬ ‫استبعاد‪ ،‬ربما غير ش���عوري‪ ،‬لـ«إفريقيا العربية» من‬
‫العولم���ة»‪ ،‬أحده���ا الدين‪ ،‬إضاف ًة إل���ى التكنولوجيا‬ ‫حركة الوحدة اإلفريقية الفكرية! وذلك بسبب طبيعة‬
‫واالقتصاد واإلمبراطورية‪.‬‬ ‫نشأة الحركة على يد أسالف العبيد األفارقة بالواليات‬
‫لك���ن بي���دي ب���ادرو ‪ Pade Badru‬ع ّمق فكرة‬ ‫ّ‬ ‫المتحدة وجزر الهن���د الغربية‪ ،‬وتطورها في حركات‬
‫العولم���ة إفريق ّي���اً‪ -‬بالتطبي���ق على غ���رب إفريقيا‬ ‫التحرر الوطني اإلفريقي���ة «جنوب الصحراء»‪ ،‬ووفق‬
‫ف���ي كتاب���ه‪The Spread of Islam in West :‬‬ ‫االعتقاد السائد‪ -‬الكولونيالي بطبيعة الحال‪ -‬لعقودٍ‬
‫‪Africa: Colonization, Globalization and‬‬ ‫طويل���ة بأنه ث ّمة حاجز بين ش���مال إفريقيا وجنوبها‬
‫‪-the Emergence of Fundamentalism‬‬ ‫يتمثل في الصحراء الكبرى‪ ،‬وأ ّن القس��� َميْن يتمايزان‬
‫وأكد (بعد مناقشته لوجهات النظر التنظيرية لمفهوم‬ ‫ثقاف ّياً‪ ،‬ومن غير الممك���ن دمجهما معاً بفاعلية‪ .‬مع‬
‫العولمة) وجود ثالثة أنواع من العولمة‪ ،‬وهي‪ :‬العولمة‬ ‫مالحظة أ ّن انتش���ار اإلس�ل�ام والثقافة العربية عبر‬
‫االقتصادي���ة؛ والعولم���ة الرأس���مالية؛ ووجهة نظر‬ ‫ربط‬ ‫أجزاء ممتدة جنوب الصحراء الكبرى و ّفر عامل ٍ‬
‫الماركس���ية الجديدة في العولمة باعتبارها النتيجة‬ ‫ضروري بين «إفريقيا العربية» و«إفريقيا الزنجية» ‪.‬‬
‫(((‬

‫الضرورية للتطور الرأس���مالي؛ ورؤية العولمة كنتيجة‬ ‫ويمكن أن نضرب هنا مثاالً عابراً لجورج بادمور‬
‫للتغيرات االجتماعية في القرن العشرين‪.‬‬ ‫‪ ،George Pdmore‬الذي تبنّى موقفاً ملتبس���اً من‬
‫واإلضافة التي ق ّدمها بادرو (وغابت عن كثيرين‪،‬‬ ‫القضية الفلس���طينية في الع���ام ‪1946‬م‪ ،‬عندما آزر‬
‫من بينهم علي مزروعي) أ ّن هذه الرؤى تتجاهل العامل‬ ‫تمام���اً رأي أحد الجنود من ج���زر الهند الغربية في‬
‫التاريخ���ي للعولم���ة التي يعتبرها «امت���داداً منطق ّياً‬ ‫فلسطين‪« :‬نحن األفارقة والهنود الغربيين نتعاطف مع‬
‫لعملية االس���تعمار القديمة»‪ ،‬وأ ّن ما تغ ّير هو السياق‬ ‫تطلعات اليهود والعرب‪ ،‬وال نريد أن نُستغل في إطالق‬
‫فحسب وليس العملية نفسها(((‪.‬‬ ‫النار على إخوتنا لصالح اإلمبريالية»‪ .‬وأضاف بادمور‬

‫(((  ‪James, Leslie, George Padmore and‬‬ ‫(((  ‪Berger, Mark T. After the Third World? History,‬‬
‫‪Decolonization from Below Pan-Africanism,‬‬ ‫‪Destiny and the Fate of Third Worldism, Third‬‬
‫‪the Cold War, and the End of Empire, Palgrave‬‬ ‫‪World Quarterly, Vol. 25, No. 1, After the Third‬‬
‫‪.Macmillan, New York, 2015, p.85‬‬ ‫‪.World? (2004), p.18‬‬

‫(((  ‪Mamarame Seck, Contemporary Islamic‬‬ ‫(((  ‪Saha, Sisir Ranjan, Pan-Africanism: An‬‬
‫‪Discourses in Senegal: Between the Local‬‬ ‫‪Appraisal, The Indian Journal of Political‬‬
‫‪and the Global (in: Sahle, Eunice N. (editor),‬‬ ‫‪Science, Vol. 28, No. 4 (October-December‬‬
‫‪Globalization and Socio-Cultural Processes‬‬ ‫‪.230-1967), pp.229‬‬

‫‪103‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫ثقافية‬
‫وهن���ا‪ -‬تعقيباً على ما س���بق‪ -‬ن���رى أ ّن الرؤية‬
‫البنيوية التي تُس���هم في انتشار اإلرهاب‪ ،‬وبناء قدرة‬
‫ال���دول األعضاء بهدف زي���ادة قدرتها على الصمود‪،‬‬
‫اإلفريقية‪ -‬ويمكن أن نضيف «العربية» حتى التواضع‬
‫واإلجراءات الوقائية‪ ،‬وتعزيز حقوق اإلنس���ان وحكم‬
‫بش���كل واضح في‬
‫ٍ‬ ‫عل���ى تضمي���ن الثقاف���ة العربية‬
‫األجندة‪ -‬للعولمة تواجه قصوراً معرف ّياً‪ ،‬وتحتاج إلى‬
‫القان���ون خالل مكافح���ة اإلره���اب(((‪ .‬وبالرغم من‬
‫مقاربةٍ أكثر واقعية بعيداً عن الصياغات التوفيقية‪.‬‬
‫تبنّ���ي االتح���اد اإلفريقي منذ س���بتمبر م���ن العام‬
‫‪2002‬م خطة عم���ل لمنع ومكافح���ة اإلرهاب ‪AU‬‬ ‫كم���ا أ ّن ال ُهو ّي���ة الثقافية العربي���ة تواجه مأزق‬
‫‪Plan of Action on the Prevention and‬‬ ‫الص���ورة النمطية التي يس���وقها اإلعالم الغربي عن‬
‫‪ Combating of Terrorism‬فإ ّن اس���تراتيجياته‬ ‫بشكل تلقائي‪ ،‬وتبعا لذلك‬‫ٍ‬ ‫اإلرهاب وربطه باإلس�ل�ام‬
‫في مكافحة اإلرهاب (عوضاً عن عدم ش���مول مفهوم‬ ‫يروج أنّ األصولية اإلس�ل�امية في إفريقيا ترجع في‬
‫اإلرهاب للتطرف الديني المس���يحي في نماذج مثل‪:‬‬ ‫أصولها وتطوره���ا إلى تاريخ الحركات اإلس�ل�امية‬
‫إفريقيا الوسطى وإثيوبيا وأنجوال‪ ،‬وما يمكن تسميته‬
‫التي نش���أت في البلدان العربية وتنسب إلى اإلسالم‬
‫خاص ٌة به‪،‬‬
‫باإلرهاب المؤسس���اتي و َدور األط���راف الدولية في‬ ‫الس���نّي‪ .‬أما المذهب الشيعي فله أصولي ٌة ّ‬
‫بش���كل مباش���ر بنم ّو‬
‫ٍ‬ ‫لكن تأثيرها ال يُذكر في القارة اإلفريقية بس���بب قلّة‬
‫تزكية الصراعات التي ترتبط‬ ‫ّ‬
‫اإلرهاب) فش���لت في اإلس���هام الملم���وس في هذه‬ ‫عدد معتنقي المذهب الشيعي في إفريقيا‪.‬‬
‫المس���ألة‪ ،‬وكان ذل���ك راجعاً لعدة عوام���ل من بينها‬
‫تل���ك الصورة الذهنية الس���ابقة نمطي��� ٌة أكثر من‬
‫دول إفريقية كثيرة الس���تراتيجية مكافحة‬‫اس���تغالل ٍ‬
‫الالزم‪ ،‬وتنتشر في أدبيات العمل اإلقليمي‪ ،‬وعلى سبيل‬
‫اإلرهاب في قمع أية معارضة سياسية ‪.‬‬
‫(((‬
‫المثال‪ :‬تعالج معظم مبادرات مواجهة اإلرهاب‪ ،‬س���واء‬
‫وفيما يتعل���ق بالتهديدات أم���ام تطبيق (أجندة‬ ‫من االتحاد اإلفريقي أو المنظمات الفرعية مثل إيكواس‬
‫اإلرهاب على أنه مس���أل ٌة منقطعة‬
‫‪)2063‬؛ كان اإلره���اب والتط���رف م���ن بي���ن هذه‬ ‫َ‬ ‫أو تج ّمع الس���احل‪،‬‬
‫التهديدات– حسب األجندة(((‪ ،-‬فقد رأت أ ّن الصراع‬‫عن األوضاع االقتصادية والسياسية واالجتماعية التي‬
‫أزمات نتجت عن االفتقار‬
‫ٌ‬ ‫توفر بيئ��� ًة حاضنة لإلرهاب بمختلف األطراف الدولية‬
‫وانعدام االس���تقرار واألمن‬
‫إلى الحك���م الرش���يد والديمقراطية‪ ،‬وس���وء إدارة‬
‫بش���كل‬
‫ٍ‬ ‫واإلقليمية الحكومية المحلية الفاعلة في دعمه‬
‫مباش���ر أم غير مباش���ر‪ ،‬وأنه ظاهرةٌ تس ّبب الكثير من‬
‫التنوعات (اإلثنية والدينية)‪ ،‬والمنافس���ة الحادة على‬
‫موارد ش���حيحة‪ ،‬وسوء اإلدارة االقتصادية‪ ،‬والكوارث‬
‫المشكالت‪ ،‬وتتجاوز رؤية أ ّن اختالالت التنمية والفساد‬
‫الطبيعية والبشرية‪ ،‬وتهديد تأثير هشاشة بعض الدول‬‫وشبكات اإلرهاب الدولي‪ ،‬وربما بعض األطراف الدولية‬
‫على االس���تقرار في الدول المج���اورة لها‪ ،‬وض ّمنت‬
‫وتفضل‬
‫بص َورٍ متعددة‪ّ ،‬‬ ‫أو من غير الدول‪ ،‬تدعم اإلرهاب ُ‬
‫األجندة قضي���ة الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات‬‫معظم تلك المبادرات االقتصار على فكرة الدعم العربي‬
‫الفكري والمادي للتنظيمات اإلرهابية‪.‬‬
‫وأكدت معاهدة الجزائر لمنع ومكافحة اإلرهاب‬
‫(((   ‪Solomon, Hussein, Terrorism and Counter-‬‬
‫‪Terrorism in Africa Fighting Insurgency from‬‬ ‫(يولي���و ‪1999‬م) أ ّن مواجهة اإلره���اب تأتي بالتركيز‬
‫‪Al Shabaab, Ansar Dine and Boko Haram,‬‬ ‫على أربعة مجاالت رئيس���ة‪ ،‬وهي‪ :‬معالجة األوضاع‬
‫‪.Palgrave Macmillan, New York, 2015, p.06‬‬

‫  ‪.109-Ibid. pp.07‬‬ ‫(((‬


‫  ‪The African Union Commission, Agenda 2063:‬‬ ‫(((‬ ‫‪in Contemporary Africa), Palgrave Macmillan,‬‬
‫‪Framework Document, Op. Cit. pp.02--3‬‬ ‫‪.New York, p.94‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪104‬‬


‫بين مسيح ّيين ومسلمين تصوي ٌر سطحي للغاية وخاط ٌئ‬ ‫والتدفقات المالي���ة المحظورة بوصفها جرائم مؤثرة‬
‫وس���اذج‪ ،‬ألنه يقوم عل���ى ثنائيةٍ تقليدي���ة‪ ،‬ويتجاهل‬ ‫(خاص ًة في‬
‫ّ‬ ‫على فس���اد المس���ؤولين الحكوم ّيي���ن‬
‫حقيقة وقوع الهجمات على مدن ّيين من المس���يح ّيين‬ ‫غرب إفريقيا التي أصبح���ت الطريق الرئيس لمرور‬
‫والمسلمين والوثن ّيين بالقدر نفسه‪ ،‬وأ ّن سوء القراءة‪-‬‬ ‫المخدرات من أمريكا الالتيني���ة إلى أوروبا‪ ،‬دون أن‬
‫وبالتالي س���وء الفهم‪ -‬للصراع في إفريقيا الوسطى؛‬ ‫تشير األجندة الرتباط هذه الجرائم بتمويل اإلرهاب)‬
‫فش���ل في معرفة نمط التحالفات المؤقتة‬ ‫ٍ‬ ‫يسفر عن‬ ‫وأحياناً العس���كر ّيين في بعض الدول‪ .‬كما أ ّن انتشار‬
‫ٍ‬
‫مجموعات إثنية ودينية متعددة‬ ‫التي تظهر وتختفي بين‬ ‫القرصنة البحرية في إفريقيا ارتبط بقوةٍ بهشاش���ة‬
‫قيادات مختلف���ة‪ .‬وأ ّن الصراع في جمهورية‬ ‫ٍ‬ ‫وفي ظ ّل‬ ‫(خاص ًة في القرن اإلفريق���ي وخليج غينيا)‪،‬‬‫ّ‬ ‫الدول���ة‬
‫إفريقيا الوسطى ليس متعدد الطبقات فحسب؛ ولكنه‬ ‫بينما وضعت اإلرهاب والتطرف وس���ط تهديد سوء‬
‫يخضع الستغالل (أو سوء استغالل) سلطة الدولة(((‪.‬‬ ‫إدارة التنوع���ات‪ ،‬وربطت مش���كالت التطرف الديني‬
‫وتش��� ّكل هذه القضايا أزم ًة أمام مس���ألة ال ُهو ّية‬ ‫(واإلثني والفساد أيضاً) بتح ّديات إدارة التنوع‪.‬‬
‫الثقافية العربية‪ -‬اإلسالمية‪ ،‬حيث يتوجب العمل في‬ ‫ويمكن هنا طرح نموذجَ يْن بار َزيْن‪:‬‬
‫أكثر من مسارٍ للفهم والتوضيح والتطبيق في األجندة‪.‬‬ ‫فقد ُص ّور الصراع بين ش���مال السودان وجنوبه‬
‫ثالث ًا‪ :‬نقد المقاربة العربية لأجندة‬ ‫(في وس���ائل اإلعالم الغربية‪ ،‬وهو ما تم ّثلته وس���ائل‬
‫�إفريقيا ‪:2063‬‬ ‫اإلع�ل�ام العربي���ة واإلفريقية) على أن���ه صرا ٌع بين‬
‫خرجت الوثيقة اإلطارية ألجندة ‪ 2063‬دون وجود‬ ‫اإلسالم والمسيحية‪ ،‬وأ ّن سعي «الحكومات األصولية‬
‫إسهام عربي واضح في صياغتها‪ ،‬وهو ما عكس خل ً‬
‫ال‬ ‫ٍ‬ ‫اإلس�ل�امية» في الخرطوم لفرض عقيدتها والشريعة‬
‫ّ‬
‫في وضع ال ُهو ّية الثقافية العربية (التي تمثل االرتباط‬ ‫اإلس�ل�امية على الجنوب ّيين المسيح ّيين (مع مالحظة‬
‫بشكل أعمق بالثقافات اإلفريقية‬ ‫األوثق والممتد زمنياً ٍ‬ ‫تقارب نس���بة المس���يح ّيين والمس���لمين في جنوب‬
‫التقليدية‪ ،‬سواء في مناطق االلتقاء الحضاري أو عند‬ ‫الس���ودان‪ ،‬وأ ّن األغلبية ظلّت لعقودٍ بعد االس���تقالل‬
‫خطوط المواجهة)‪.‬‬ ‫من غير الدين ّيين أو الوثن ّيين) هو الس���بب األساسي‬
‫ويمكن القول بأ ّن المقاربة العربية (نقصد هنا «إفريقيا‬ ‫في تصاعد الص���راع‪ .‬غير أ ّن األزمة (الس���ودانية‪-‬‬
‫العربية») تجاه األجندة ‪ 2063‬تتسم‪ -‬مع مقاربةٍ عربية عا ّمة‬ ‫الجنوب س���ودانية) كانت لها ج���ذو ٌر داخلية تتجاوز‬
‫تجاه قضاي���ا القارة اإلفريقية‪ -‬بالتركي���ز على االرتباطات‬ ‫ٍ‬
‫بسياس���ات مستمرة من‬ ‫«التعصب الديني»‪ ،‬وترتبط‬
‫السياس���ية‪ ،‬والقضاي���ا ذات األبعاد اإلقليمية‪ ،‬وهامش���ية‬ ‫قِ َبل الحكومات االس���تعمارية (تجاه ما كانت تُس ّميه‬
‫االنخ���راط في العمل الجماعي اإلفريق���ي (وقد ظلّت دولة‬ ‫اإلدارة االستعمارية البريطانية ‪)Southern Sudan‬‬
‫عربية مه ّمة مثل المغرب خارج المنظمة اإلقليمية اإلفريقية‬ ‫وحكومات ما بعد االستعمار في الخرطوم(((‪.‬‬
‫لسنوات طويلة)‪.‬‬ ‫وضع مقابل؛ يؤكد بعض الباحثين أ ّن تصوير‬ ‫وفي ٍ‬
‫الصراع في جمهورية إفريقيا الوسطى على أنه صرا ٌع‬

‫((( ‪Isaacs-Martin, Wendy, The Séléka and anti-‬‬ ‫(((  ‪Wanjala S. Nasong’o, Deep- Seated Historical‬‬
‫‪Balaka Rebel Movements in the Central African‬‬ ‫‪and Socioeconomic Grievances: The North-‬‬
‫‪Republic (in: Varin, Caroline and Abubakar,‬‬ ‫‪South Conflict in Sudan (in: Nasong’o, Wanjala‬‬
‫‪Dauda , editors, Violent Non-State Actors in‬‬ ‫‪S. (editor), The Roots of Ethnic Conflict in‬‬
‫‪Africa: Terrorists, Rebels and Warlords), Palgrave‬‬ ‫‪Africa From Grievance to Violence), Palgrave‬‬
‫‪.Macmillan, New York, 2017, pp.137--138‬‬ ‫‪.Macmillan, New York, 2015, p.22‬‬

‫‪105‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫قراءات‬
‫ثقافية‬
‫به‪ ،‬مثل عدد الطالب «األفارقة الس���ود» الذين يدرسون في‬ ‫كم���ا أ ّن هذه المقاربة تقوم عل���ى تلقي المخرجات ثم‬
‫المؤسسات التعليمية الدينية في شمال إفريقيا(((‪.‬‬ ‫بشكل قاصر‪ ،‬ووفق توجيهات المنظمة القارية‪.‬‬ ‫التفاعل معها ٍ‬
‫الملح���ة إلى مقاربةٍ‬
‫يوضح لنا ه���ذا النموذج الحاجة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ولهذا ن���رى أ ّن «إفريقيا العربية» بحاج���ةٍ إلى تطوير‬
‫عربية أصيلة تجاه المس���ائل الثقافية اإلفريقية‪ ،‬واالندماج‬ ‫مقارب���ات جديدة‪ ،‬تك���ون واقعي��� ًة وأكثر التحام���اً بالعمل‬
‫ٍ‬
‫في عملي���ة صياغة ُهو ّية ثقافية إفريقية حقيقية‪ ،‬تخرج من‬ ‫الجماعي اإلفريقي‪.‬‬
‫معضلة التص ّور اإلفريقي التقليدي (الذي هيمنت على وضعه‬ ‫توضح هذا المأزق‪ ،‬ففي‬ ‫ويمك���ن أن نعود هنا إلى حالةٍ ّ‬
‫جنوب إفريقيا وبع���ض دول غرب إفريقيا)‪ ،‬ومعضلة قصور‬ ‫تحليل يس���تحق مزيداً من النقاش للتص ّور الجزائري لحركة‬ ‫ٍ‬
‫التقارب العرب���ي‪ -‬اإلفريقي‪ ،‬واعتماد ال���دول العربية على‬ ‫الوحدة اإلفريقية؛ رأى محللون غربيون أ ّن مشاركة الجزائر‬
‫التفاعل المتأخر مع العمل الجماعي اإلفريقي؛ مما ينعكس‬ ‫القوية في حركة «الوحدة اإلفريقية» الثقافية والسياس���ية‪،‬‬
‫سياق غير سليم‪.‬‬‫على تهميش الثقافة العربية أو وضعها في ٍ‬ ‫في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين مع األمم اإلفريقية‬
‫راب�ع� ًا‪ :‬نحو �إ�سهام ثقافي عربي في م�شروع‬ ‫«الس���وداء» (حس���ب مفردات هذا التحلي���ل)‪ ،‬كانت مح ّكاً‬
‫«الوحدة الإفريقية»‪:‬‬ ‫«للفرنس���ة الثقافية»‪ ،‬وتجنّباً لما ق ّيمه بع���ض الجزائريين‬
‫وضع���ت األجن���دة تص��� ّوراً لمواجه���ة العدي���د من‬ ‫ذوو التعلي���م الغربي بأن���ه «ضحالة ثقافي���ة للعالم العربي‬
‫التهديدات وتعزي���ز فرص النجاح‪ ،‬وأهمه���ا(((‪ :‬البناء على‬ ‫واإلسالمي»؛ في ظل انفتاح الشعب الجزائري على الصحف‬
‫األمر القائم بالفعل ف���ي المجتمعات اإلفريقية‪ ،‬وتعزيز دور‬ ‫(وخاص ًة من مصر)‪ ،‬وأ ّن‬
‫ّ‬ ‫والكتب العربية من المشرق العربي‬
‫المرأة اإلفريقية التي تساهم بقوةٍ في تماسك السالم وإعادة‬ ‫الجزائر تعتبر نفس���ها قو ًة إفريقية بقدر ما أنها قوةٌ عربية‪.‬‬
‫بناء ظروف المعيش���ة‪ ،‬وبناء ش���راكات ومؤسسات متشابكة‬ ‫وشعر كثيرون من الجزائريين المتعلمين بأ ّن المشترك بينهم‬
‫على مستويات المجتمع‪ /‬الجماعة والدول األعضاء واإلقليم‬ ‫وبين إفريقيا (من حيث اللغة الفرنسية أو التثاقف الفرنسي)‬
‫والقارة؛ بما يساعد على استيعاب التغ ّيرات السلبية وتقليل‬ ‫يفوق ما بينهم وبين الشرق األوسط‪.‬‬
‫هشاش���ة الجماعة والدولة إزاءها‪ .‬والبناء على رأس المال‬ ‫وتلخّ ص هذه الرؤية فكرتها بأ ّن نزعة الوحدة اإلفريقية‬
‫البشري‪ ،‬وتعزيز حدوث ثورة في مهارات األفارقة‪.‬‬ ‫لدى الجزائر ال تع ّبر عن ُهو ّية (ثقافية) وطنية‪ ،‬بل إ ّن إفريقيا‬
‫وتض���ع األجندة اإلفريقية ‪ 2063‬أولوي��� ًة كبيرة لتكوين‬ ‫تو ّفر للجزائر ساح ًة للتحرك ومجاالً للقيادة‪ ،‬وأنها ال تكترث‬
‫مواطني���ن أفارق���ة ذوي تعليم ج ّيد‪ ،‬ومس���تفيدين من ثورة‬ ‫كثيراً بنزعة الوحدة اإلفريقية خارج االهتمام السياس���ي(((‪.‬‬
‫المه���ارات والعل���وم والتكنولوجي���ا واالبت���كار؛ المصحوب‬ ‫وبالتأكي���د؛ فإ ّن هن���اك رابط ًة مه ّمة تتمث���ل في الحضارة‬
‫بالوصول الكامل لرعاية صحية ج ّيدة‪ .‬ويحمل ذلك إمكانية‬ ‫اإلسالمية التي يتش���ارك فيها الجزائريون ومناطق شاسعة‬
‫تحقيق تح ّول مخاط���ر النمو الديموغرافي وأعباء األمراض‬ ‫من «إفريقيا الس���وداء»‪ ،‬لك ّن هؤالء المحللين (أبرزهم ليون‬
‫عائد ديموغرافي ويقود إلى تح ّول اقتصادي للقارة‪.‬‬ ‫إلى ٍ‬ ‫كارل براون في دراس���ته‪Color in Northern Africa :‬‬
‫وتتض ّمن هذه الرؤية لمواجهة التهديدات تعديالت في‬ ‫المنشورة في العام ‪1967‬م) يرفضون فكرة أ ّن اإلرث اإلفريقي‬
‫المناهج الدراسية‪ ،‬لتش���مل تأكيد مبادئ الوحدة اإلفريقية‬ ‫موحداً‪ّ ،‬‬
‫وفس���روا ذلك بأ ّن‬ ‫المحلّي يمك���ن أن يكون عام ًال ّ‬
‫االنجذاب األيديولوجي إلفريقيا الس���وداء من جانب شمال‬
‫  ‪Walker, Dennis, Islam, the Arab West and Sub-‬‬ ‫(((‬ ‫انعكاس النتش���ار اإلس�ل�ام والقضايا المتعلقة‬‫ٌ‬ ‫إفريقيا هو‬
‫‪Saharan Africa, 1935—1980, Islamic Studies,‬‬
‫‪.Vol.44, No.1 (Spring 2005), p.54‬‬
‫  ‪Walker, Dennis, Islam, the Arab West and Sub-‬‬ ‫(((‬
‫  ‪The African Union Commission, Agenda 2063:‬‬ ‫(((‬ ‫‪Saharan Africa, 1935—1980, Islamic Studies,‬‬
‫‪.Framework Document, Op. Cit. pp. 103--104‬‬ ‫‪.4-Vol.44, No.1 (Spring 2005), pp.53‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪106‬‬


‫األكثر وضوحاً هو ضرورة القراءة الواقعية للمش���هد‬ ‫والعمل الجماعي المشترك وتعزيز ثقافة إفريقية «واحدة»‪.‬‬
‫اإلفريقي‪ ،‬وعدم التجاوز في تفسير بعض المؤشرات‬ ‫ويس���تلزم ذلك اس���تجابة عربية ضرورية وعاجلة؛ حتى يت ّم‬
‫«االنتقائية» لتغلي���ب رؤيةٍ تفاؤلية لمس���تقبل القارة‬ ‫التعبير عن مك ّو ٍن رئيس ومه ٍّم في هذا المشروع‪ ،‬وهو ال ُهو ّية‬
‫بأوضاع صعبة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫اإلفريقية دون ربط هذه المؤش���رات‬ ‫الثقافية العربية‪ ،‬من خالل بع�ض المقترحات المبدئية‪:‬‬
‫مث���ل التفاوت في توزيع الدخل‪ ،‬واس���تنزاف الموارد‬ ‫‪ -‬دفع المؤسس���ات العلمية الوطنية بك ّل الدول العربية‬
‫الطبيعية‪ ،‬وطبيعة مصالح ش���ركاء االتحاد اإلفريقي‬ ‫في الق���ارة اإلفريقية إلى االنخراط واإلس���هام في صياغة‬
‫ال‪ ،‬والتنوع الثقافي الكبير بين‬ ‫في القارة اآلن ومستقب ً‬ ‫ومناقشة وتقييم ودراس���ة وثائق العمل الجماعي اإلفريقي‪،‬‬
‫أحيان كثيرة‬ ‫ٍ‬ ‫مكونات ثقافية ذات مصالح متعارضة في‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل مباشر‪ ،‬أو من خالل إرفاد المؤسسات الوطنية‬ ‫سواء ٍ‬
‫تصل إلى ح ّد المواجهات‪.‬‬ ‫المنخرطة مباشر ًة في أعمال االتحاد اإلفريقي بمخرجاتها‬
‫وعلى الرغم م���ن أ ّن أجن���دة ‪ 2063‬تُع ّد خطوة‬ ‫إزاء هذه الوثائق‪.‬‬
‫في االتج���اه الصحيح‪ ،‬إلحداث تح��� ّو ٍل في األوضاع‬ ‫‪ -‬تعزيز التص ّور الض���روري باالنتماء للقارة اإلفريقية‪،‬‬
‫السوس���يو‪-‬اقتصادية والمادي���ة للغالبية العظمى من‬ ‫وتبنّي قضاياها بتف ّه ٍم أكبر‪ ،‬والتأكيد المستمر على االنتماء‬
‫مواطني إفريقيا‪ ،‬فإ ّن بها قصوراً واضحاً‪ ،‬ألنها تتوقع‬ ‫إلفريقي���ا من عدة ن���واح‪ ،‬وليس من الجانب السياس���ي أو‬
‫تحقيق آمال إفريقيا في تحس���ين أحوال شعوبها من‬ ‫الجغرافي فق���ط‪ ،‬ولكن من خ�ل�ال أدوات الثقافة والتعليم‬
‫خالل مساعدات اآلخرين‪ .‬وبعبارة أخرى‪ :‬فإ ّن أجندة‬ ‫والحوار المجتمعي البيني المباشر‪.‬‬
‫شامل‬
‫ٍ‬ ‫إفريقيا ‪ 2063‬يجب أن تستند إلى إطارٍ فلسفي‬ ‫‪ -‬الب���دء بمقاربة عربية «موح���دة» (بقدر اإلمكان) مع‬
‫يمكن أن يس���اعد في تش���كيل جهود تنمية إفريقيا‪،‬‬ ‫المؤسس���ات والدول الفاعلة في الشأن الثقافي في إفريقيا‬
‫والتفصي���ل والدراس���ة الكاف َييْن لقضايا سياس���ات‬ ‫(س���واء كانت دوالً أو منظمات إقليمي���ة)‪ ،‬لتحقيق قدرٍ أكبر‬
‫االتحاد اإلفريق���ي(((‪ ،‬ومن بينه���ا القضايا المتعلقة‬ ‫وأكثر مباشر ًة من التفاهم المشترك‪ ،‬وتعزيز ال ُهو ّية الثقافية‬
‫بال ُهو ّية الثقافية اإلفريقية‪.‬‬ ‫العربية بوصفها مك ّوناً رئيس���اً في ال ُهو ّية الثقافية اإلفريقية‬
‫وقد ق ّدمت ه���ذه الورقة محاول ًة مبدئية لتفكيك‬ ‫بشكل عام‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مفاهيم الوحدة اإلفريقية والنهضة اإلفريقية‪ ،‬وتص ّور‬ ‫سياقات خارج‬‫ٍ‬ ‫‪ -‬تنش���يط التبادل الطالبي والعلمي في‬
‫أجن���دة ‪ 2063‬لل ُهو ّي���ة الثقافي���ة اإلفريقية‪ ،‬وموضع‬ ‫التعليم الديني (مع أهميته بطبيعة الحال)‪ ،‬إلرساء عالقات‬
‫ال ُهو ّية الثقافية العربي���ة الفعلي والمتوقع داخل هذه‬ ‫ثقافية تقوم على التفاهم المتبادل‪ ،‬وتعظيم ما هو مش���ترك‬
‫ٍ‬
‫النخراط أكبر‬ ‫األجندة‪ .‬ومن هنا؛ فإنها تمث���ل دعو ًة‬ ‫بالفعل من خالل هذا التفاهم‪.‬‬
‫في مس���ائل هذه الوثيقة اإلطارية المه ّمة‪ ،‬بحيث يت ّم‬ ‫‪ -‬االنخ���راط في رؤية وتص ّور أجن���دة ‪ 2063‬لمواجهة‬
‫التعبي���ر عن مصالح الدول العربية اإلفريقية و ُهو ّيتها‬ ‫التهديدات على الصعيد الثقافي‪ ،‬وتقديم مقترحات بشأنها‬
‫ويصحح الكثير من التصورات النمطية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بشكل واضح‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫للجهات المعنية‪.‬‬
‫ويخفف من س���يطرة نخبة مح���دودة على آلية وضع‬ ‫خاتمة‪:‬‬
‫وصياغة وثائق العمل الجماعي اإلفريقي ‬
‫تشير القراءة المبدئية ألجندة إفريقيا ‪ 2063‬إلى‬
‫قضايا عديدة‪ ،‬تتعلق بفُرص وتهديدات نجاح الوثيقة‬
‫(((  ‪Gumede, Vusi, Exploring Thought Leadership,‬‬ ‫اإلطارية في رس���م سياسات حركة التكامل اإلفريقي‬
‫‪Thought Liberation and Critical Consciousness for‬‬
‫‪Africa’s Development, Africa Development/ Afrique‬‬
‫خالل نصف ق���رن (‪ ،)2063-2013‬وربما كان األمر‬
‫‪et Développement, Vol.40, No.4 (2015), p.97‬‬

‫‪107‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫المشهد‬
‫اإلفريقي‬

‫أهم األحداث‬

‫‪ 16‬شهراً احتجاجاً على استشهاد ‪ 52‬فلسطين ّياً‬ ‫■ ال�صوم ��ال‪ :‬تعيي ��ن ق ��ادة ج ��دد ل�ل��أركان‬
‫ٍ‬
‫صدامات مع القوات «اإلسرائيلية»‪.‬‬ ‫في‬ ‫والقوات البرية والبحرية‪:‬‬
‫فرنس برس‪2019/4/8 -‬م‬ ‫ع ّي���ن الرئيس الصومالي محم���د عبد الله‬
‫فرماجو ق���اد ًة جدداً لألركان والق���وات البرية‬
‫ٍ‬
‫جه���ود إلع���ادة هيكلة بنية‬ ‫والبحري���ة‪ ،‬ضمن‬
‫■ قاع ��دة جديدة للق ��وات الفرن�سية و�سط‬
‫الجي���ش‪ ،‬ورفع قدرات���ه القتالية ف���ي مواجهة‬
‫مالي‪:‬‬
‫مقاتلي «حركة الشباب»‪.‬‬
‫ش���رعت القوات الفرنس���ية في بناء قاعدةٍ‬
‫وكالة الصحافة اإلفريقية (آبا)‪-‬‬
‫جديدةٍ وس���ط مالي‪ ،‬والقاعدة هي األحدث في‬
‫‪2019/3/31‬م‬
‫إطار عملية «برخان» الفرنس���ية‪ ،‬التي تتخذ من‬
‫تشاد مق ّراً رئيس ّياً لها‪ ،‬وينشط جنودها ال‪4,500‬‬
‫في مواجهة المسلحين في بوركينا فاسو ومالي‬ ‫■ النيج ��ر‪ :‬الح ��زب الحاك ��م يخت ��ار وزي ��ر‬
‫والنيجر‪.‬‬ ‫الداخلية محمد بازوم مر�شحاً للرئا�سة‪:‬‬
‫فرانس‪2019/4/9 -24‬م‬ ‫اختار الحزب النيجري من أجل الديمقراطية‬
‫واالشتراكية ‪ ،PNDS‬الحاكم في النيجر‪ ،‬وزير‬
‫الداخلية النيجيري محمد بازوم‪ ،‬مرشحاً رئاس ّياً‬
‫■ بوركين ��ا فا�س ��و‪ :‬وزي ��ر الثقاف ��ة ال�ساب ��ق‬
‫للحزب في انتخابات ‪2021‬م‪ ،‬والتي لن يش���ارك‬
‫يعلن تر�شحه لالنتخابات الرئا�سية ‪2020‬م‪:‬‬
‫فيها الرئيس الحالي محمد اسوفو‪.‬‬
‫أعلن تاهيرو ب���اري وزير الثقافة الس���ابق‬
‫وكالة الصحافة اإلفريقية (آبا)‪-‬‬
‫ترشحه لالنتخابات الرئاسية ‪2020‬م في بوركينا‬
‫‪2019/4/1‬م‬
‫فاس���و‪ ،‬ويأتي ترش���ح باري بعد ترشح الرئيس‬
‫الحالي روك مارك كريس���تيان كابوري‪ ،‬وكادري‬
‫دزيرري ودراوغو الوزير األول الس���ابق في عهد‬ ‫■ جن ��وب �إفريقي ��ا تخ ّف� ��ض تمثيله ��ا‬
‫الرئيس الس���ابق بليز كومباوري‪ ،‬وجيلبير نويل‬ ‫الدبلوما�سي مع «�إ�سرائيل»‪:‬‬
‫أعلنت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا لينديوي ودراوغو من التحالف م���ن أجل الديمقراطية‪/‬‬
‫أن بالدها خفّضت مس���توى تمثيلها التجمع الديمقراطي اإلفريقي‪.‬‬ ‫سيس���ولو‪ّ :‬‬
‫وكالة بانا برس – ‪2019/4/15‬م‬ ‫الدبلوماسي مع «إسرائيل» تنفيذاً لقرار اتّخذ قبل‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪108‬‬


‫أن مفاوضي جنوب السودان اتفقوا‬
‫الس���ودان‪ّ ،‬‬ ‫■ حكومة ال�سنغال توافق على �إلغاء من�صب‬
‫بعد مفاوضات أديس أبابا على‪ :‬تأخير تش���كيل‬ ‫رئي�س الوزراء‪:‬‬
‫وافقت حكومة الس���نغال على إلغاء منصب حكومة الوفاق الوطني لجمهورية جنوب السودان‬
‫رئيس الوزراء‪ ،‬وس���يتم إرس���ال ه���ذا القانون لستة أشهر أخرى‪.‬‬
‫وكالة بنا برس‪2019/5/6 -‬م‬ ‫بس���رعة إلى البرلم���ان‪ ،‬حيث يتمت���ع الحزب‬
‫الرئاس���ي بالغالبية‪ ،‬للمصادقة عليه‪ .‬وهذه أول‬

‫■ م�ص ��رع ‪ 10‬م ��ن رواد كني�س ��ة كاثوليكي ��ة‬ ‫مبادرة للرئيس ماكي س���ال‪ ،‬الذي أُعيد انتخابه‬

‫وتخري ��ب مبن ��ى لل ��درك ف ��ي هجم ��ات �شم ��ال‬ ‫ٍ‬
‫لوالية ثانية‪.‬‬

‫بوركينا فا�سو‪:‬‬ ‫فرنس‪2019/4/18 -24‬م‬

‫أن مسلحين مجهولين‬‫أفادت مصادر محلية‪ّ :‬‬


‫شنّوا هجوماً على مركز للدرك في بينسا بمقاطعة‬ ‫■ داع� ��ش يتب ّن ��ى مقت ��ل ‪ 10‬جن ��ود ف ��ي‬
‫سانماتينغا الواقعة بوسط شمال بوركينا فاسو‪،‬‬ ‫نيجيريا‪:‬‬
‫قال تنظيم الدولة (داعش) عبر وكالة أعماق والتي ش���هدت في ٍ‬
‫وقت س���ابق من هذا الشهر‬
‫هجوم مصرع عش���رة من رواد كنيسة كاثوليكية‪ ،‬وأفاد‬
‫ٍ‬ ‫التابع���ة له‪ :‬إنه قتل عش���رة جن���ود في‬
‫أن‪«« :‬الهجوم لم يس���فر عن قتلى‪ ،‬لكن‬‫على بلدة ماجوميري في ش���مال شرق نيجيريا‪ .‬المصدر ّ‬
‫أن المس���لحين اقتحموا البلدة مبنى مركز الدرك تعرض للتخريب»‪.‬‬
‫وذكرت المصادر ّ‬
‫وكالة بنا برس‪2019/5/16 -‬م‬ ‫في الس���اعة ‪ 17:45‬بالتوقيت المحلي (‪16:45‬‬
‫بتوقي���ت غرينت���ش)‪ ،‬وأغاروا على عس���كر ّيين‬
‫وداهموا بعض المتاجر‪.‬‬
‫رويترز‪2019/5/5 -‬م‬

‫■ فرق ��اء جن ��وب ال�س ��ودان يتفق ��ون عل ��ى‬


‫ت�أجيل ت�شكيل الحكومة �ستة �أ�شهر‪:‬‬
‫ذكرت الهيئ���ة الحكومية للتنمي���ة (إيغاد)‪،‬‬
‫التي تش���رف على محادثات السالم في جنوب‬

‫‪109‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫المشهد‬
‫اإلفريقي‬

‫إفريقيا باألرقام‬
‫■ تقرير‪ :‬من�صات التجارة الإلكترونية توفر ‪ 3‬ماليين وظيفة في �إفريقيا ‪2025‬م‪:‬‬
‫كش���ف تقري ٌر حديث‪ ،‬صدر مؤخراً لمجموعة بوسطن االستش���ارية ‪ ،BCG‬تحت عنوان‪« :‬كيف‬
‫يمكن لألسواق على اإلنترنت توفير فرص العمل في إفريقيا؟»‪ ،‬النقاب عن أ ّن المنصات الرقمية عبر‬
‫اإلنترنت يمكنها توفير ما يقرب من ‪ 3‬ماليين وظيفة جديدة في إفريقيا بحلول عام ‪2025‬م‪ ،‬وبالتالي‬
‫يمكن لمتاجر اإلنترنت أن تعزز أيضاً النمو االقتصادي الش���امل مع الح ّد األدنى من التأثير الس���لبي‬
‫على األعمال التجارية الحالية‪.‬‬
‫ووفقاً للبنك الدولي؛ تمثل نس���بة الشباب المتعطل عن العمل في إفريقيا حوالي ‪ %60‬من القوى‬
‫العاملة المتعطلة في القارة الس���مراء‪ ،‬ومع تزايد عدد السكان البالغ ‪ 1.3‬مليار نسمة بمتوسط عمر‬
‫بشكل سريع إلى ‪ 1.1‬مليار من أصل ‪ 2.5‬مليار‬ ‫‪ 20‬عاماً‪ ،‬وتوقع وصول الطبقة المتوسطة التي تتراجع ٍ‬
‫إفريقي بحلول عام ‪ ،2050‬يؤكد ضرورة توفير المزيد من فرص العمل في القارة‪.‬‬
‫ال عن العمل‬‫وم���ن بين ‪ 420‬ملیون إفريقي تتراوح أعمارهم بين ‪ 15‬و‪ 35‬عام���اً‪ ،‬كان ثلثهم متعط ً‬
‫اعتباراً من عام ‪2015‬م‪ ،‬وفقاً لتقدیرات بنك التنمية اإلفريقي‪ ،‬ووفقاً للتقریر‪ :‬سیتم توفير حوالي ‪%58‬‬
‫من إجمالي فرص العمل الناتجة عن متاجر التس��� ّوق عبر اإلنترنت في قطاع السلع االستهالكية‪ ،‬في‬
‫حين ستنتج خدمات النقل ‪ ،%18‬وقطاع السفر والضیافة ‪ %9‬من عدد الوظائف‪.‬‬
‫وتؤكد الدراسة على التأثيرات االقتصادية اإليجابية لمتاجر التس ّوق عبر اإلنترنت في إفريقيا‪ ،‬من‬
‫طرق جديدة للوصول إلى العمالء وزيادة رأس المال‪ ،‬وتعمل األسواق عبر اإلنترنت على‬ ‫خالل إنش���اء ٍ‬
‫زيادةٍ كبيرةٍ في توفير السلع والخدمات لتلبية الطلب غير المستغل‪.‬‬
‫موقع مجموعة بوسطن االستشارية ‪ BCG‬على اإلنترنت– ‪2019/3/26‬م‬
‫■ وفقاً لتقرير عالمي جديد‪ ..‬الإنفاق الع�سكري الكيني يتجاوز تنزانيا و�أوغندا‪:‬‬
‫ارتفع اإلنفاق العس���كري الكيني العام الماضي إلى مستوى جديد بلغ ‪ 109.7‬بليون شلن‪ ،‬ليتجاوز‬
‫المبلغ الذي أنفقته الجارتان تنزانيا وأوغندا معاً‪ ،‬وفقاً لتقرير عالمي جديد‪.‬‬
‫وارتفع إنفاق نيروبي على جيش���ها العام الماضي بمقدار ‪ 8.2‬باليين ش���لن– من ‪ 101.5‬بليون‬
‫شلن في عام ‪2017‬م‪ ،‬مما جعل فاتورة الدفاع في البالد تحتل مرتبة سادس أكبر ميزانية في إفريقيا‪،‬‬
‫بحسب ما نشرت صحيفة ديلي نايشن الكينية‪.‬‬
‫وتُظهر البيانات الصادرة عن معهد س���توكهولم الدولي لبحوث الس�ل�ام ‪ ،Sipri‬وهو مركز فكري‬
‫عالمي مستقل لألمن‪ ،‬أ ّن ميزانية البلدان المجاورة لكينيا في المنطقة كانت أقل من إنفاق األخيرة في‬
‫المجال العس���كري‪ ،‬فقد ارتفع اإلنفاق التنزاني العام الماضي إلى ‪ 67.5‬بليون شلن‪ ،‬في حين احتلت‬
‫أوغندا المرتبة الثالثة بـ ‪ 40.8‬بليون‪.‬‬
‫ويُظهر التقرير أ ّن كينيا استمرت طيلة السنوات الخمس الماضية في احتالل مرتبة الصدارة أمام‬
‫جيرانها اإلقليم ّيين من حيث حجم الميزانية ونمو اإلنفاق السنوي‪ ،‬وهو ما أثار المخاوف من أن يؤدي‬
‫ذلك إلى سباق تسلح في منطقةٍ متقلبة‪.‬‬
‫وكان إنفاق جنوب الس���ودان األدنى عسكر ّياً في المنطقة‪ ،‬حيث بلغ ‪ 4.9‬باليين شلن‪ ،‬مقارن ًة مع‬
‫بش���كل رئيس إلى المشكالت االقتصادية الحادة التي‬
‫ٍ‬ ‫‪ 100‬بليون ش���لن في عام ‪2016‬م‪ ،‬ويُعزى ذلك‬
‫تواجهها البالد‪.‬‬
‫وتتصدر الجزائر القائمة على مستوى القارة السمراء بميزانيةٍ دفاعية تبلغ ‪ 980‬بليون شلن‪ ،‬تليها‬
‫المغرب بمبلغ ‪ 369‬بليون شلن‪ ،‬وجنوب إفريقيا بمبلغ ‪ 339‬بليون شلن‪.‬‬
‫موقع ‪ daily nation‬الكيني– ‪2019/5/1‬م‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪110‬‬


‫قالو عن إفريقيا‬

‫■ «التجربة الطموحة والمتقدمة التي راكمها المغرب‪ ،‬في العديد من السياس���ات القطاعية‬
‫المرتبطة بالنقل والطاقة والس���ياحة‪ ،‬تجعله مرجع���اً يُعتمد عليه لدعم التجربة اإلفريقية‪ّ ،‬‬
‫إن‬
‫بالدنا مس���تعدة لدعم الدول اإلفريقية؛ باعتبارها حاضن��� ًة لمجموعة من التجارب المتقدمة‬
‫والناجحة ف���ي العديد من المجاالت القطاعية‪ .‬كما أننا مس���تعدون على االنخراط بإيجابية‬
‫ف���ي المنتديات المرتبطة بقطاعات البنى التحتية والنقل والس���ياحة والطاقات المتجددة في‬
‫إفريقيا‪ ،‬والعمل بجدية داخل العديد من اللجان المختصة على اس���تعراض التجربة المغربية‬
‫ووضعها رهن إشارة بلدان القارة»‪.‬‬
‫محمد نجيب بوليف‪ ،‬وزير النقل المغربي المنتدب‪ ،‬خالل كلمته التي ألقاها باسم‬
‫المغرب في الدورة العادية الثانية للجنة الفنية المتخصصة في النقل والبنية التحتية العابرة‬
‫للقارات والطاقة والسياحة‪ ،‬التابعة لالتحاد اإلفريقي‪2019/4/17 ،‬م‬
‫■ «نعرب عن اعتزاز الجامعة العربية بعالقات التعاون االس���تراتيجية والممتدة مع االتحاد‬
‫اإلفريقي ومختلف ش���ركائنا في القارة اإلفريقية‪ ،‬ونؤكد انفتاح الجامعة الكامل على مواصلة‬
‫تعاونها وعملها التكاملي مع االتحاد اإلفريقي في ك ّل ما من شأنه تعزيز الشراكة االستراتيجية‬
‫بين المنظمتَيْن‪ ،‬بما يدفع جهود السالم واالستقرار والتنمية والتعاون اإلقليمي»‪.‬‬
‫األمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط‪ ،‬خالل لقائه بوفد من االتحاد اإلفريقي‬
‫برئاسة تابو مبيكي رئيس جنوب إفريقيا األسبق والرئيس الحالي آللية االتحاد اإلفريقي‪،‬‬
‫‪2019/5/13‬م‬
‫■ «إفريقيا والصين تواجه تحديات مشتركة‪ ،‬فالبلدان اإلفريقية والصين كالها بلدان سائرة‬
‫على طريق التنمية‪ .‬ونواجه جميعاً تحديات مشتركة‪ ،‬مثل‪ :‬جور وعدم مساواة النظام السياسي‬
‫واالقتصادي الدولي‪ ،‬وسياس���ة الحماية‪ ،‬والقرارات أحادية الجانب‪ .‬لدينا أيضاً عراقيل ينبغي‬
‫تخطيها لتعزيز المصير المش���ترك بين الصين وإفريقي���ا‪ ،‬وتلتزم بلدنا على ضوء هذا اليقين‬
‫إن الصين انتقلت خالل ‪70‬‬ ‫نحو أوسع لتقاسم النم ّو الصيني مع باقي العالم‪ّ ،‬‬‫بفتح أبوابها على ٍ‬
‫بشكل نهائي في آفاق ‪2020‬م‪ ،‬وتكمن‬ ‫ٍ‬ ‫بلد مصنّع يطمح الجتثاث الفقر‬ ‫فقير إلى ٍ‬
‫بلد ٍ‬‫س���نة من ٍ‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫استعداد لتقاسم كل خبراتنا ومعارفنا‬ ‫الخاص بنا‪ .‬ونحن على‬
‫ّ‬ ‫مهارتنا في ش���قّ طريق التنمية‬
‫أي تحفظ مع أصدقائنا األفارقة»‪.‬‬ ‫بدون ّ‬
‫السفير الصيني لدى بوركينا فاسو لي جيان‪ ،‬خالل كلمته التي ألقاها في افتتاح أعمال‬
‫ملتقى حول الذكرى األولى الستئناف العالقات الدبلوماسية بين البلدين‪2019/5/15 ،‬م‬

‫‪111‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫المشهد‬
‫اإلفريقي‬

‫ذاكرة التاريخ‬
‫■ مملكة وداي ‪16015( Wadai Sultanate‬م‪1909 -‬م)‪:‬‬
‫يبدأ تاريخ مملكة وداي‪ -‬الواقعة ش���رق تشاد‪ -‬من عام ‪1615‬م‪ ،‬حسبما ورد في بعض المصادر التاريخية‪،‬‬
‫ولكنها أُنش���ئت حوالي القرن العاشر الميالدي؛ أل ّن قبل قيام مملكة وداي‪ ،‬بوصفها دول ًة إسالمية قائم ًة بذاتها‬
‫مستقل ًة بسلطاتها التنفيذية والقضائية والتشريعية‪ ،‬سبقتها عدة سلطنات صغيرة متنازعة ومتصارعة فيما بينها‬
‫حول َمن يحكم المنطقة‪ ،‬إال أنها اعتراها الضعف واالضمحالل‪.‬‬
‫وأسسوا مملك ًة واسعة األرجاء كانت عاصمتها (كتم)‪ ،‬وبسطت‬ ‫فقد استولى التنجر على بالد الزغاوة والمبا‪ّ ،‬‬
‫هذه المملكة نفوذها على دارفور‪ ،‬وفي أوائل القرن الس���ابع عش���ر استطاع الفقيه «عبد الكريم بن جامع»‪ ،‬في‬
‫الفترة من عام (‪1655-1615‬م)‪ ،‬أن يس���تولي على السلطة بمساعدة قبائل (كدوك‪ ،‬ومابا‪ ،‬وماالنقه) وعددٍ آخر‬
‫أسسه حتى احتلت القوات االستعمارية الفرنسية مدينة «أبشي»‬ ‫من األنصار‪ ،‬وقد استمر النظام السياسي الذي ّ‬
‫عاصمة المملكة الحديثة‪.‬‬
‫اتخذت مملكة وداي «كدمة» عاصم ًة لها‪ ،‬ثم تح ّولت إلى «وارة»‪ ،‬ومنها إلى مدينة «أبش���ي» ‪1856‬م‪ ،‬هيمنت‬
‫األس���رة العباس���ية على عرش «وداي»‪ ،‬وتوارث أبناؤها العرش‪ ،‬وقد جرت الع���ادة أن يرث عرش المملكة أكبر‬
‫أبناء السلطان‪ ،‬بشرط أن يكون ابناً شرع ّياً سليم العقل والبدن‪ ،‬ولكن كثيراً ما كان يقوم أحد األمراء باغتصاب‬
‫العرش؛ بعد مقتل أو طرد الوريث الشرعي‪ ،‬أو السلطان الجالس‪.‬‬
‫ويتك ّون نظام مملكة «وداي» من الس���لطان‪ ،‬وهو أعلى س���لطة في المملكة‪ ،‬يساعده مجلس أصحاب الشورى‬
‫(أهل الحل والعقد)‪ ،‬ويتك ّون أعضاؤه من أه ّم رجال الدولة‪ ،‬مثل‪ :‬الجرما (رئيس الوزراء)‪ ،‬والكماكلة األربعة‪ ،‬وهم‬
‫قضاة المملكة العليا‪ ،‬ويليهم في العظمة منصب «المومو» أُ ّم السلطان‪ -‬إن كانت على قيد الحياة؛ وإال فـ«الهبابة»‪،‬‬
‫وهي أكبر زوجات السلطان وأجلّهن‪ ،‬ويليه في العظمة مناصب «العقدة»‪ ،‬و ُهم حكام الواليات‪ ،‬ويليهم في العظمة‬
‫مناصب الوزراء‪ ،‬و«الكامنة» وهو إذا ركب السلطان يكون أمام الجيش‪ ،‬ويلي هذه المناصب كلها مناصب «التراقنة»‪،‬‬
‫و ُهم رسل الغضب والمحافظون على جسم السلطان وداره‪ ...‬ثم بعد ذلك ملوك الجبال وعقدة األعراب‪.‬‬
‫وأمراء العائلة الملكية‪ ،‬و ُهم اإلخوة واألعمام واألخوال‪ ،‬تُسند إليهم مناصب رؤساء قبائل أو قرى أو ما شابه ذلك‪،‬‬
‫وليس من نصيبهم الوصول إلى أعلى المناصب‪ ،‬وال يتوجب عليهم إبداء الخضوع للسلطان كما يفعل غيرهم من الرعية‪.‬‬
‫وم���ن عادة أهل «وداي»‪ :‬أ ّن المناصب ال يتوالها أح ٌد منهم أكثر من س���نتَيْن في الغالب‪ ،‬ثم يُعزَل المتو ّلي‪،‬‬
‫غضب يمكث في الس���جن م ّدة حتى يرضى‬ ‫ٍ‬ ‫منصب آخر أعلى‪ ،‬وإن كان عزله عن‬ ‫ٍ‬ ‫فإن ُعزِ َل عن رضى نُقِ َل إلى‬
‫عنه السلطان‪.‬‬
‫وقد لعبت مملكة «وداي» َدوراً مه ّماً في نش���ر اإلسالم وتطور اللغة العربية والثقافة اإلسالمية في إفريقيا‬
‫جنوب الصحراء‪ ،‬وذلك يرجع لموقعها الجغرافي ش���رق بحيرة تشاد‪ ،‬والمتاخم للسودان ومصر وليبيا‪ ،‬والحكام‬
‫أصول عربية‪ ،‬ويستخدمون العربية والشريعة اإلسالمية في محاكمهم المحلية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فيها كانوا من‬
‫ً‬
‫وتعا َقب على عرش المملكة ثالثة وعش���رون ملكا‪ ،‬حتى س���قوطها على يد المحتلين الفرنس��� ّيين في عام‬
‫‪1909‬م‪ ،‬وكان آخر ملك في ذلك الوقت هو‪ :‬السلطان أصيل بن العقيد المحمود بن السلطان شريف‪.‬‬
‫المراجع‪:‬‬
‫‪ -‬الهجرات العربية إلى إفريقيا وأثرها في نشر الثقافة العربية اإلسالمية جنوب الصحراء‪ ،‬د‪ .‬أحمد قاسم‬
‫أحمد‪ ،‬موقع قراءات إفريقية‪.‬‬
‫‪ -‬المؤتمر الدولي اإلس�ل�ام في إفريقيا ‪ 27-26‬نوفمبر ‪2006‬م‪ ،‬نش���أة الممالك والدويالت اإلسالمية في‬
‫إفريقيا مملكة وداي اإلسالمية نموذجاً– الصادق أحمد آدم‪.‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪112‬‬


‫■ رواندا تحيي ذكرى مرور ربع قرن على الإبادة الجماعية‪:‬‬ ‫عين على‬
‫ق���رن على اإلبادة الجماعية التي وقعت في‬
‫وافق الس���ابع من أبريل مرور نحو ربع ٍ‬ ‫افريقيا‬
‫رواندا عام ‪1994‬م‪ ،‬وتبدأ االحتفاالت بالذك���رى في كيغالي بحضور حوالي ‪ 20‬وفداً أجنب ّياً‪،‬‬
‫بما في ذلك عشرات الرؤساء ورؤساء الحكومات‪.‬‬
‫وقد تمكنت البالد من تجاوز الحقبة الس���وداء‪ ،‬وانخرطت ف���ي عمليات تطوير وتنمية‪ ،‬حتى باتت‬
‫توصف اليوم بأنها رمز الحداثة في القارة اإلفريقية ووجه إفريقيا المشرق‪.‬‬
‫الخاصة بإحياء ذكرى اإلبادة الجماعية‪ ،‬التي أسفرت عن مقتل نحو ‪ 800‬ألف‬‫ّ‬ ‫وبدأت رواندا االس���تعدادات‬
‫شخص قبل ‪ 25‬عاماً‪ ،‬في الدولة الواقعة بشرق إفريقيا‪.‬‬
‫ووصل العديد من الوفود الدولية إلى العاصمة كيغالي يوم السبت؛ لحضور مراسم إحياء الذكرى الخامسة والعشرين‪.‬‬
‫فرنس‪2019/4/7 -24‬م‬
‫■ �إثيوبيا ورو�سيا توقعان اتفاقية ال�ستخدام التكنولوجيا النووية للأغرا�ض ال�سلمية‪:‬‬
‫و ّقعت إثيوبيا وروس���يا مذكرة تفاهم الس���تخدام التكنولوجيا النووية لألغراض السلمية في مجاالت الطب‬
‫والزراعة والصناعة‪.‬‬
‫وو ّقع المذكرة من الجانب اإلثيوبي وزي���ر االبتكار والتكنولوجيا جيتاهون مكورياو‪ ،‬بينما و ّقعها عن الجانب‬
‫الروسي المدير العام لمؤسسة الدولة الروسية للطاقة الذرية أليكسي ليكيشوف‪.‬‬
‫وأوضح وزي���ر االبتكار والتكنولوجيا اإلثيوبي‪ :‬أ ّن وزارته تخطط الس���تخدام التكنولوجيا النووية في مجال‬
‫الطب وتحسين العملية الجراحية‪ ،‬مشيراً إلى أ ّن هذه االتفاقية ستتيح إمكانية استخدام خيارات الطاقة البديلة‪،‬‬
‫باإلضاف���ة إلى االعتماد على الطاقة المائية لبناء الصناعات الكبيرة‪ .‬وتس���اعد روس���يا في اس���تخدام العلوم‬
‫ُسهل نقل مثل هذه التكنولوجيا والمعارف إلى الدول األخرى بطريقةٍ‬‫والتكنولوجيا النووية لألغراض السلمية‪ ،‬وت ِ ّ‬
‫مستدامة‪ ،‬وتسمح مذكرة التفاهم باستخدام التكنولوجيا النووية في مجال الزراعة وتحديث عملية المعالجة‪.‬‬
‫وكالة األنباء اإلثيوبية «إينا»– ‪2019/4/17‬م‬
‫■ مجلة «جون �أفريك»‪ :‬التكنولوجيا الرقمية تغزو القارة الإفريقية‪:‬‬
‫المتخصصة في الشؤون اإلفريقية‪ :‬أ ّن إتاحة الهواتف المحمولة بجميع‬‫ّ‬ ‫ذكرت مجلة جون أفريك الفرنس���ية‬
‫أنواعها بأسعار زهيدة في األسواق اإلفريقية‪ ،‬إضاف ًة إلى سهولة الدخول على شبكات االتصاالت المختلفة‪ ،‬أمو ٌر‬
‫من شأنها تعزيز مجال التكنولوجيا الرقمية هناك‪.‬‬
‫فعلي س���بيل المثال ال الحصر‪ :‬بدأت ش���ركة تيليك���وم ناميبيا لالتصاالت في اس���تغالل مواقع التواصل‬
‫االجتماعي لحثّ المواطنين هناك على االحتفال بالذكرى التاس���عة والعش���رين لحصول البالد على استقاللها‪،‬‬
‫وذلك عن طريق دعوتهم إلى إرس���ال فيديو م ّدته ‪ 15‬ثانية‪ ،‬يبرزون فيه مواهبهم الغنائية‪ ،‬ومن ث ّم أطلقت أغنية‬
‫تحمل عدداً كبيراً من هذه المقاطع يوم عيد االستقالل والقت نجاحاً ساحقاً‪.‬‬
‫بيان أصدرته في هذا الخصوص‪ :‬أ ّن التنمية التي باتت تش���هدها‬ ‫وأكدت ش���ركة االتصاالت الناميبية في ٍ‬
‫إفريقي���ا بوجهٍ عام في كافة المجاالت‪ ،‬وبخاصةٍ مجال االتص���االت وتكنولوجيا المعلومات‪ ،‬جعلت من الهواتف‬
‫المحمولة أدا ًة جديد ًة للتواصل وحشد الجماهير‪ .‬معتبر ًة أ ّن الوقت قد حان لمواكبة الثورة اإللكترونية الحديثة‪.‬‬
‫وأش���ارت إلى أ ّن تلك التكنولوجيا الحديثة من شأنها الس���ماح للمواطنين األفارقة بالمشاركة والتعبير عن‬
‫آرائهم على نحوٍ أفضل‪ ،‬وأ ّن الحملة التي أطلقتها الشركة لم تكن سوى بداية‪.‬‬
‫وكالة أنباء الشرق االوسط‪2019/4/28 -‬م‬

‫‪113‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫المشهد‬
‫اإلفريقي‬

‫آراء ورؤى‬

‫■ لماذا جي�ش و�شرطة الكونغو الديموقراطية غير قادرين بعد على حماية المواطنين؟‪:‬‬
‫حاولت جمهورية الكونغو الديموقراطية أن تقف على قدميها بعد االنتخابات الرئاسية الشائكة التي أُجريت‬
‫في ديس����مبر الماضي‪ ،‬فقد س����بق تلك االنتخابات شه ٌر من التوتر السياس����ي وتأخير االنتخابات‪ ،‬وقد أصبح‬
‫الرئيس فيليكس تشيسيكدي هو قائد السفينة اآلن لثاني أكبر دولة في إفريقيا‪ ،‬والتي يقطنها ‪ 86‬مليون نسمة‪.‬‬
‫قوات أمنية منهكة‪ ،‬وتلك‬ ‫جيش ضعيفٌ غير متماس����ك‪ ،‬باإلضافة إلى ٍ‬ ‫ومن بين تركته الواهنة التي ورثها‪ٌ :‬‬
‫وخاص ًة أ ّن مه ّمة إحالل االستقرار التابعة لألمم المتحدة في البالد‬ ‫ّ‬ ‫قضية يجب على الرئيس معالجتها فوراً‪،‬‬
‫تريد أن تخفض وجودها‪.‬‬
‫خُطط تقليل وجود مه ّمة األمم المتحدة تشتمل أيضاً على زيادة نقل األدوار األمنية إلى حكومة الكونغو الديموقراطية‪،‬‬
‫ولكن في واقع الحال فإ ّن قوات تلك المه ّمة ُهم المصدر الرئيس لحماية المواطنين الكونغول ّيين العاد ّيين‪.‬‬
‫والقوات األمنية التابعة للدولة ال تبدو أنها جاهزةٌ اآلن لس ّد تلك الثغرة‪ ،‬فبالرغم من الكثير من التحسينات‬
‫التي أُجريت عليها‪ ،‬فيما يتعلق بحجمها وقدرتها العملياتية‪ ،‬ال تزال قوات الش����رطة والجيش والقوات األمنية‬
‫واسع أنها غير احترافية‪.‬‬ ‫األخرى تعتبر على نطاق ٍ‬
‫ق�ضاي ��ا نظامي ��ة‪ :‬لقد ت ّم إطالق برنامج إصالح القطاع األمن���ي في الكونغو الديموقراطية منذ عام ‪2003‬م‪،‬‬
‫وقد ُحكم على ذلك البرنامج بأنه فاشل‪ ،‬سواء كان ذلك حقيق ّياً أم غير ذلك‪ ،‬وذلك ألنه حتى اآلن لم يدمج تماماً‬
‫فاعل مسلح من غير الدول إلى أن يصبح مؤسس ًة أمنية وطنية فاعلة تعمل باحتراف‪.‬‬ ‫في الدولة‪ ،‬ولم يتح ّول من ٍ‬
‫ووحدات‬
‫ٌ‬ ‫د‬‫ٌ‬ ‫أفرا‬ ‫فهناك‬ ‫إنكارها‪،‬‬ ‫���ن‬
‫�‬ ‫يمك‬ ‫ال‬ ‫���كالت‬
‫ٌ‬ ‫�‬ ‫مش‬ ‫هناك‬ ‫يزال‪،‬‬ ‫ال‬ ‫النجاحات‪،‬‬ ‫وبالرغم من وجود بعض‬
‫كاملة من الجيش متهم ٌة بارتكاب جرائم حرب‪ ،‬كما أ ّن الفس����اد والنش����اطات غير القانونية ال تزال منتش����رة‪،‬‬
‫معدات ضرورية‪ ،‬وفي بعض األوقات يكونون بحاجةٍ إلى الذخيرة ذاتها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كما أ ّن الجنود ال يزالون بحاجةٍ إلى‬
‫إصالح‬ ‫ٍ‬ ‫الرقابة المدنية‪ :‬هناك عد ٌد من العوامل يمكن أن تساعد في الحكم بالنجاح أو الفشل ألي برامج‬
‫للقطاع األمني‪ ،‬فبعيداً عن تحديد األولويات في اإلطارات القانونية والعملياتية؛ فإ ّن البرنامج يجب أن يخضع‬
‫لرقابةٍ مدنية صارمة‪.‬‬
‫كما على المانحين أيضا َدو ٌر كبي ٌر في إحداث قفزة في برامج اإلصالح‪ ،‬ويكون ذلك بصورةٍ أساسية عبر‬ ‫ً‬
‫مبادرات‬‫ٍ‬ ‫التركيز على أجندتهم السياسية المحلية‪ ،‬وعلى المصالح الذاتية‪ ،‬وعلى البرامج السيئة‪ ،‬وعلى فرض‬
‫خارج الصندوق في البلد المعنية‪ .‬ويوضح بحثٌ ‪ :‬أ ّن موظفي الجهات المانحة يجنحون إلى اس����تخدام األدوات‬
‫القياسية التقليدية مع برامج إصالح القطاع األمني‪ ،‬بالرغم من أنها يجب تفصيلها على االحتياجات المحلية‬
‫للدولة المعنية‪.‬‬
‫حقائ ��ق الأم ��ن الداخلي‪ :‬يج����ب أن تأخذ برامج إصالح القطاع األمني في اعتبارها حقائق األمن الداخلي‬
‫للبل����دان المعني����ة‪ ،‬ففي حالة الكونغو‪ :‬دائماً ما كان يت ّم اتخاذ حلول وس����ط؛ ولكن يكون لها آثا ٌر س����لبية على‬
‫المس����تويَين المتوسط والطويل‪ ،‬مثل حالة التسرع في إدماج قوات المتمردين في القطاع األمني‪ ،‬حيث إنها لم‬
‫تكن موالي ًة بصورةٍ كاملة للحكومة ولكن لقادتهم السابقين‪.‬‬
‫العدي����د من المواطنين العاد ّيين يواجهون يوم ّياً حقيقة وجود فواعل مس����لحة من غير الدولة تتحكم في‬
‫مصائرهم‪ ،‬كما أنه من ناحيةٍ أخرى فإ ّن قوات الجيش والش����رطة الوطنية غير االحترافية يتصرفون في كثيرٍ‬
‫من األحيان مثلما تتصرف تلك الميليش����يات تماماً‪ ،‬لذلك فإ ّن الكونغو الديموقراطية بحاجةٍ إلى إعادة برامج‬
‫إصالح القطاع األمني إلى مسارها الصحيح ‪.‬‬
‫بقلم‪ :‬توماس ماندراب – موقع ‪ -theconversation‬ترجمة واختصار‪ :‬قراءات إفريقية‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪114‬‬


‫فعاليات‬

‫■ المنتدى الإفريقي الأول حول العلوم والتكنولوجيا واالبتكار ينعقد في مراك�ش‪:‬‬


‫تحتضن مدينة م ّراكش عاصمة الس���ياحة المغربية‪ ،‬في الس���ادس عش���ر من أبريل‪ ،‬المنتدى‬
‫اإلفريقي األول حول العلوم والتكنولوجيا واالبتكار‪ ،‬بهدف تقييم التق ّدم المحرز في هذه المجاالت‪.‬‬
‫ويش���كل هذا المنتدى‪ ،‬الذي تنظم���ه لجنة األمم المتحدة االقتصادي���ة إلفريقيا وقطاع العلوم‬
‫والتكنولوجيا في جنوب إفريقيا واالتحاد اإلفريقي ونيباد ومؤسس���ات ش���ريكة من األمم المتحدة‪،‬‬
‫منص ًة لدارس���ة التق ّدم المحرز وتقاسم التجارب في استخدام العلوم والتكنولوجيا واالبتكار لتسريع‬
‫ّ‬
‫إنجاز برنامج ‪2030‬م وأجندة ‪ :2063‬أي إفريقيا التي نريدها من االتحاد اإلفريقي‪.‬‬
‫ويركز المنتدى على َدور العلوم والتكنولوجيا واالبتكار؛ لتسريع إنجاز أهداف التنمية المستدامة‬
‫‪ 4‬و‪ 8‬و‪ 10‬و‪ 13‬و‪ ،16‬كما يس���مح إلفريقيا بإعداد رسائل أساسية وتعزيز مواقفها لتوجيه المسارات‬
‫العالمية واإلقليمية والوطنية في هذا الشأن‪.‬‬
‫بانا برس‪2019/4/14 -‬م‬
‫■ تح ��ت عن ��وان «تعزي ��ز االقت�ص ��اد الرقم ��ي لإفريقي ��ا»‪ ..‬روان ��دا ت�ست�ضي ��ف القم ��ة الخام�سة‬
‫لتحول �إفريقيا‪:‬‬
‫تنعقد الق ّمة الخامسة لتح ّول إفريقيا في الفترة من ‪ 14‬إلى ‪ 17‬مايو‪ ،‬في مدينة كيجالي برواندا‪،‬‬
‫تحت عنوان «تعزيز االقتصاد الرقمي إلفريقيا»‪.‬‬
‫وعق���ب نجاح القمم األربع الس���ابقة؛ من المتوقع أن تجتذب الق ّمة الخامس���ة أكثر من ‪4000‬‬
‫مشارك من رؤس���اء الدول والحكومات والسيدات األوليات‪ ،‬ومفوضي لجنة النطاق العريض باألمم‬
‫المتحدة‪ ،‬ووزراء ومنظمين ومحافظين‪ ،‬ومسؤولين من القطاع العام والخاص‪ ،‬ومنظمات دولية وقادة‬
‫الصناعة‪ ،‬ومستثمرين ورواد أعمال‪ ،‬والمبدعين من الشباب والمجتمع المدني واألوساط األكاديمية‪.‬‬
‫وبجانب انعقاد ق ّمة قادة إفريقيا الذكية‪ ،‬وق ّمة إفريقيا الذكية للمرأة‪ ،‬وعدد من الجلسات العا ّمة‬
‫على هامش الحدث‪ ،‬س���تناقش الق ّم���ة عدداً من الموضوعات في مج���االت تكنولوجيا المعلومات‬
‫ٍ‬
‫مجموعة من حلقات النقاش والندوات‬ ‫واالتصاالت الحالية‪ ،‬كما سيتمكن الحضور من المشاركة في‬
‫المتخصصة التي يعقدها شركاء الق ّمة‪.‬‬
‫وكان���ت الق ّمة األولى لتح ّول إفريقيا قد انعقدت بالعاصمة الرواندية كيجالي في أكتوبر ‪2013‬م‬
‫تحت رعاي���ة وحضور رئيس رواندا؛ وخالل هذه الق ّمة ت ّم إط�ل�اق مبادرة ‪ ،Smart Africa‬وهي‬
‫مبادرة تهدف إلى استخدام وسائل االتصاالت وتكنولوجيا المعلومات من أجل دفع التنمية االقتصادية‬
‫واالجتماعية في القارة اإلفريقية‪ ،‬ومواجهة تحديات التنمية المستدامة في بلدان القارة‪.‬‬
‫وكاالت‪2019/5/7 -‬م‬

‫‪115‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫تقارير‬

‫استقاللية‬
‫مؤسسات القضاء‬
‫الدستوري في‬
‫دول غرب إفريقيا‬
‫الدكتورة فوزية قا�سي‬
‫�أ�ستاذة محا�ضرة «ب»‪ -‬ع�ضو مخبر القانون المجتمع‬
‫وال�سلطة ‪ -‬كلية الحقوق والعلوم ال�سيا�سية‪ /‬جامعة وهران‬
‫– الجزائر‪.‬‬

‫ومن ث ّم؛ فإ ّن الدول اإلفريقية قد ط ّورت نُ ُظمها القانونية‬ ‫مق ّدمة‪ :‬الخلفية التاريخية للق�ضاء الد�ستوري‬
‫باالستناد على ثقافاتها وتاريخها الخاص‪ ،‬بما في ذلك التقاليد‬ ‫في الدول الإفريقية‪:‬‬
‫وبخاص���ةٍ واالس���تعمارية‪ ،‬إذ كان للن ُُّظم‬
‫ّ‬ ‫القانوني���ة العرفية‪،‬‬ ‫تتض ّمن التجربة اإلفريقي���ة نماذج مختلفة من القضاء‬
‫القانونية االس���تعمارية تأثي ٌر دائ ٌم على التصميم المؤسس���ي‬ ‫الدستوري‪ ،‬والسبب ال يعود إلى اختالف األنظمة السياسية‬
‫آلليات ومؤسسات القضاء الدستوري في الدول اإلفريقية(((‪.‬‬ ‫وحس���ب‪ ،‬بل أيضاً إلى اختالف أصول العائالت اإلفريقية‪،‬‬
‫إ ّن المس���ارات التاريخية والثقافات القانونية المختلفة‬ ‫باإلضافة إلى التاريخ االستعماري في القارة‪ ،‬التي انقسمت‬
‫لتقالي���د القانون العام من جه���ة‪ ،‬والقانون المدني من جهةٍ‬ ‫خاصةٍ ما بين‪ :‬االستعمار البريطاني‪ ،‬الذي يعتمد على‬ ‫بصفةٍ ّ‬
‫أخرى‪ ،‬والتي تجد أصولها في الفكر والممارس���ة القانونية‬ ‫نظام القانون العام ‪ ،common law system‬مثل غامبيا‬
‫الغربية‪ ،‬قد تركت فروق���اً واضح ًة في َدور القضاء‪ ،‬بوصفه‬ ‫وغانا ونيجيريا وس���يراليون بمنطقة غرب إفريقيا‪ .‬في حين‬
‫السلطة الثالثة في الدولة‪ ،‬بما في ذلك َدور القضاة‪ ،‬ونشأتهم‬ ‫تس���تند الدول اإلفريقية التي س���ادها االستعمار الفرنسي‪،‬‬
‫ومسارهم المهني‪ ،‬ونوعية الفكر أو المنطق القضائي‪ ،‬وتع ّدد‬ ‫أو حت���ى البرتغالي‪ ،‬على نظ���ام القانون المدني ‪civil law‬‬
‫الحلول‪ .‬ونتيج ًة لذلك؛ فإ ّن مفهوم «القضاء الدس���توري» قد‬ ‫‪ ،system‬حي���ث إ ّن لك ٍّل من ه َذيْن النظا َميْن مقارب ًة مختلف ًة‬
‫للقضاء الدستوري‪ ،‬بالرغم من بعض السمات المشتركة(((‪.‬‬
‫‪in West Africa: A Comparative Analysis,‬‬
‫‪.(Strömsborg: International IDEA, 2016), p.18‬‬
‫ ‪Markus Böckenförde, “Introduction”, In. Markus‬‬ ‫(((‬
‫(((  ‪.Ibid. p.21‬‬ ‫‪Böckenförde et al., Judicial Review Systems‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪116‬‬


‫إ ّن الدراسات المعاصرة حول تطور القضاء الدستوري في‬ ‫ومقاربات مختلفة‪ .‬وبصفةٍ عا ّمة؛‬
‫ٍ‬ ‫تط ّور كذلك في شكل صورٍ‬
‫الدول اإلفريقية غالباً ما تباشر التحليل ابتدا ًء من فترة ما بعد‬ ‫فإ ّن مقاربة القانون المدني للقضاء الدس���توري تنحدر من‬
‫االستعمار‪ ،‬حيث يجادل األساتذة‪ ،‬مثل «بريمبيه» ‪H. Kwesi‬‬ ‫الفكر الكلس���يني لـ«هانس كلس���ن» ‪ Hans Kelsen‬الذي‬
‫‪ ،Prempeh‬في أ ّن القضاء اإلفريقي أو الس���لطة القضائية‬ ‫يدعو إلى تركيز الرقابة على دستورية القوانين في مؤسسةٍ‬
‫في الدول اإلفريقية قد تخلّت عن مسؤولياتها لصالح السلطة‬ ‫قضائي���ةٍ واحدة‪ ،‬تتمث���ل في المحكمة الدس���تورية(((‪ .‬غير‬
‫التنفيذية‪ ،‬وذلك في العقود التي تلت االستقالل مباشرة‪ .‬في‬ ‫أ ّن المقاربة الفرنس���ية في ه���ذا اإلطار لم يتم الفصل فيها‬
‫حين يرى أس���اتذةٌ آخرون‪ ،‬مثل “فومباد” ‪Charles Manga‬‬ ‫بعد‪ ،‬إذ يميل المنظرون الفرنس���يون في القانون الدستوري‬
‫‪ ،Fombad‬أ ّن نُ ُظم القضاء الدستوري الفعلية‪ ،‬والقادرة على‬ ‫إلى معارضة تأس���يس (محكمة) دس���تورية‪ ،‬مفضلين خيار‬
‫تقديم إضافة لدراس���ة الدس���تورية ‪constitutionalism‬‬ ‫(المجلس) الدستوري بدال من ذلك‪ ،‬باإلضافة إلى الخالف‬
‫وحك���م القان���ون‪ ،‬قد برزت خ�ل�ال الموجة الثالث���ة للتحول‬ ‫المتعلق بالطبيعة القانونية لهذه المؤسسة‪ ،‬وما إذا كان ينبغي‬
‫خاص‬
‫بش���كل ٍّ‬
‫ٍ‬ ‫الديمقراطي في التس���عينيات‪ .‬وهو ما ينطبق‬ ‫اعتبارها مؤسس��� ًة قضائي ًة أم سياسية‪ .‬واقتصر اختصاص‬
‫على دول غرب إفريقيا الفرنكوفونية‪ ،‬حيث لم يشهد القضاء‬ ‫المجلس في رقابة ما إذا حافظ المش��� ّرع‪ ،‬أو لم يتع ّد‪ ،‬على‬
‫شكل من أش���كال االستقاللية إلى غاية‬ ‫الدس���توري فيها ّأي ٍ‬ ‫المبادئ الدس���تورية قبل صدور القانون‪ ،‬وأنه قد ت ّم احترام‬
‫بداي���ة التحوالت الديمقراطية مع نهاية التس���عينيات‪ ،‬وير ّكز‬ ‫مبدأ الفصل بين السلطات لدى التشريع(((‪.‬‬
‫هذا المنظور على النماذج المؤسسية والممارسات في مجال‬ ‫إ ّن درجة تأ ّثر مؤسس���ات القضاء الدستوري في الدول‬
‫القضاء الدس���توري الموروثة عن األنظمة االس���تعمارية‪ ،‬أو‬ ‫اإلفريقية‪ ،‬بمقاربة القانون العام األنجلوسكسونية أو مقاربة‬
‫وقت الحق(((‪.‬‬ ‫المستوحاة من األنظمة الغربية في ٍ‬ ‫القان���ون المدن���ي الفرنكوفونية‪ ،‬تنعكس عل���ى هياكل هذه‬
‫ول َف ْه���م تط ّور القضاء الدس���توري‪ ،‬ف���ي حقبة ما بعد‬ ‫المؤسسات وش���كل وتوقيت ممارستها للرقابة أو المراجعة‬
‫االس���تعمار‪ ،‬من المفيد التطرق لفترتَيْ���ن زمنيتَيْن‪ :‬األولى‬ ‫القضائي���ة ‪ .Juridical Review‬إذ إن���ه‪ ،‬وم���ن الناحية‬
‫جاءت مباش���ر ًة بعد االس���تقالل (من نهاية الستينيات إلى‬ ‫المؤسس���ية‪ ،‬نجد أ ّن الدول اإلفريقية التي تستند على نظام‬
‫نهاي���ة الثمانينيات)‪ ،‬أي في فترة ظهور دول الحزب الواحد‪،‬‬ ‫القانون العام‪ ،‬تعتمد على نموذج المحكمة العليا‪ ،‬وأ ّن قضاة‬
‫ثم تليها الفترة التي ت ّم من خاللها فتح المجال للديمقراطية‬ ‫هذه األخيرة يظلون في مناصبهم مدى الحياة (إلى غاية س ّن‬
‫التعددية (منذ التسعينيات فصاعداً)(((‪.‬‬ ‫التقاعد)‪ .‬في المقابل؛ فإ ّن جميع المس���تعمرات الفرنسية‪-‬‬
‫الفترة الأولى (‪1989-1960‬م)‪:‬‬ ‫السابقة‪ -‬اتجهت نحو خيار المحكمة أو المجلس الدستوري‪،‬‬
‫يخص الفترة األول���ى (‪1989-1960‬م)؛ فإ ّن‬ ‫أم���ا فيما ّ‬ ‫خ���ارج هرمية المحاك���م القضائية‪ ،‬مع قض���اة يتم تعيينهم‬
‫اآلليات المؤسس���ية التي ت ّم إنشاؤها في كثيرٍ من الدساتير‪،‬‬ ‫لفت���رة زمنية محددة‪ .‬من جانب آخ���ر؛ فإ ّن اختصاص هذه‬
‫القائم���ة ما بين س���نة ‪1960‬م و‪1989‬م‪ ،‬اختلفت اس���تناداً‬ ‫المؤسسات الدستورية وأس���اليب صياغة أحكامها تختلف‬
‫إل���ى طبيعة القوة االس���تعمارية الت���ي أدارت ذلك اإلقليم‪،‬‬ ‫أي من الدول اإلفريقية‪ ،‬التي تستند على‬ ‫كذلك‪ ،‬إذ ال يوجد ّ‬
‫ففي إفريقيا الفرنكوفونية؛ فإ ّن الس���لطة المكلّفة بتفس���ير‬ ‫نظام القانون المقارن‪َ ،‬من تتيح أو تسمح بالرقابة السابقة ‪A‬‬
‫الدس���تور‪ ،‬أو التأكد من مطابقة القواع���د القانونية األدنى‬ ‫‪ Priori‬على دس���تورية القوانين قبل صدورها‪ ،‬في حين أ ّن‬
‫الدول اإلفريقية التي تندرج ضمن سياق الفرنكوفونية تقوم‬
‫بتفعيل هذه الرقابة السابقة على القوانين(((‪.‬‬
‫ ‪Yuhniwo Ngenge, «Traditional and historical‬‬ ‫(((‬
‫‪antecedents of constitutional justice in West Africa»,‬‬
‫‪In. Markus Böckenförde et al., Judicial Review‬‬
‫  ‪.Ibid. p.22‬‬ ‫(((‬
‫‪Systems in West Africa: A Comparative Analysis,‬‬
‫‪.(Strömsborg: International IDEA, 2016), p.29‬‬ ‫(((  ‪.Ibid. p.23‬‬

‫(((  ‪.Ibid. p.36‬‬ ‫(((  ‪.Ibid. p.23‬‬

‫‪117‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫تقارير‬
‫الباب الثاني)(((‪ ،‬توغو (دس���تور ‪ ،1963‬الباب الثاني) وغينيا‬ ‫معيار ّياً مع القانون األس���مى‪ ،‬كان���ت عموماً من اختصاص‬
‫كوناكري (دستور ‪ ،1982‬الباب الثاني)‪.‬‬ ‫المحاك���م العليا(((‪ ،‬وهو ما انعك���س على دول غرب إفريقيا‬
‫أما التفس���ير اآلخر الذي يمكن أن نورده‪ ،‬في س���ياق‬ ‫الناطقة بالفرنسية على سبيل المثال‪ .‬ولقد سادت الترتيبات‬
‫عدم منح اختصاص الرقابة على انتهاكات حقوق اإلنس���ان‬ ‫نفسها في الدول اإلفريقية الناطقة باإلنجليزية‪ ،‬حيث كانت‬
‫للمحاك���م العلي���ا أو المحاكم فإنه يتم ّثل ف���ي أ ّن الدعاوى‬ ‫المس���ائل المتعلقة بالدستور من اختصاص المحكمة العليا‪،‬‬
‫المتعلقة بحقوق اإلنسان كان يت ّم رفعها إلى المحاكم العادية‪،‬‬ ‫مثل غامبيا (دس���تور ‪ ،1970‬الم���ادة ‪ ،)1-93‬مثلها في ذلك‬
‫وقت الحق‪ -‬بأهمية‬ ‫ولم تعترف هذه األنظمة‪ -‬س���وى ف���ي ٍ‬ ‫مثل سيراليون (دستور ‪ ،1978‬المادة ‪.((()105‬‬
‫حقوق اإلنسان وتمكين المواطنين من الوصول المباشر إلى‬ ‫أما في ال���دول اإلفريقية الناطقة باللغة البرتغالية؛ فإنه‬
‫مؤسسات القضاء الدستوري المختصة(((‪.‬‬ ‫ق���د يكون من المضلل الحديث عن قضاءٍ دس���توري في هذه‬
‫الفترة الثانية (منذ الت�سعينيات �إلى الوقت الحالي)‪:‬‬ ‫الفترة‪ ،‬إذ لم يت ّم تفعيل أية مؤسس���ة قضائية في تلك الدول‪.‬‬
‫ش���هد التطور التاريخي للقضاء الدس���توري في الدول‬ ‫في المقابل؛ فإ ّن دس���اتير ك ٍّل من الرأس األخضر (دس���تور‬
‫اإلفريقية مرحل��� ًة تح ّولية أخرى‪ ،‬وذلك ف���ي ظ ّل التغ ّيرات‬ ‫‪ ،1980‬المادة ‪ ،)62‬وغينيا بيساو (دستور ‪ ،1984‬المادة ‪،)98‬‬
‫السياسية الواس���عة التي عرفتها القارة خالل التسعينيات‪،‬‬ ‫أتاحت للبرلمان مسألة الرقابة على دستورية القوانين‪ .‬ولقد‬
‫وهذا ما كان أكثر وضوحاً ف���ي دول إفريقيا الفرنكوفونية‪،‬‬ ‫منحت دساتير غانا (دستور ‪ ،1979‬المادة ‪ ،)1-35‬وسيراليون‬
‫حيث ت ّم استحداث المحاكم المختصة بالقضايا الدستورية‬ ‫(دس���تور ‪ ،1978‬المادة ‪ ،)18‬اختصاص الفصل في انتهاكات‬
‫ف���ي الدول الناطق���ة بالبرتغالية أو الفرنس���ية‪ ،‬بخالف ما‬ ‫الحقوق األساسية التي يضمنها الدستور‪ ،‬إلى المحاكم العليا‪.‬‬
‫حدث بالدول الناطق���ة باإلنجليزية في تلك الحقبة‪ ،‬وقامت‬ ‫بينما نجد أنه لم يت ّم منح هذا االختصاص بمثل هذه القضايا‬
‫الدس���اتير المعدلة أو الجديدة بإدراج تح��� ّو ٍل جذري على‬ ‫للمحاك���م العلي���ا أو المحاكم المختصة في ال���دول الناطقة‬
‫البنية المؤسسية القائمة من أجل القضاء الدستوري‪.‬‬ ‫بالبرتغالية‪ ،‬وقد يرجع تفسير ذلك إلى درجة القيمة الدستورية‬
‫وعلي���ه؛ فبدالً م���ن مبدأ وح���دة القض���اء ‪Unity Of‬‬ ‫الممنوحة لحقوق اإلنسان في مختلف األنظمة اإلفريقية‪ ،‬ففي‬
‫‪ ،Jurisdictions‬الذي م ّيز الحقبة السابقة‪ ،‬ت ّمت إتاحة السبيل‬ ‫بعض البلدان األنجلوسكس���ونية‪ -‬على س���بيل المثال‪ -‬ت ّمت‬
‫الزدواجية القض���اء ‪ ،Jurisdictions Duality Of‬وكنتيجةٍ‬ ‫دس���ترة حقوق اإلنسان األساس���ية خالل هذه الفترة‪ :‬غامبيا‬
‫لذلك‪ :‬فقَ��� َد القضاء الع���ادي اختصاصه في تس���يير القضاء‬ ‫(‪1970‬م)‪ ،‬غانا (‪1969‬م‪1979 ،‬م)‪ ،‬ليبيريا (‪1987‬م)‪ ،‬نيجيريا‬
‫الدستوري‪ ،‬بسبب منح المحاكم العليا سلطة النظر في القضايا‬ ‫(‪1963‬م و ‪1979‬م)‪ ،‬وسيراليون (‪1978‬م)(((‪.‬‬
‫الدستورية‪ ،‬وكبديلٍ عن ذلك؛ برزت نماذج كلسينية من مؤسسات‬ ‫ف���ي المقابل أيضاً؛ نج���د في دول إفريقي���ا الناطقة‬
‫متخصصة‪ُ ،‬منِحت االختصاص الحصري بالمسائل الدستورية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بالفرنسية والبرتغالية قلّ ًة من الدساتير التي تناولت الحقوق‬
‫وهي التي يُشار إليها عا ّمة بالمحاكم أو المجالس الدستورية(((‪.‬‬ ‫األساس���ية خالل ه���ذه الفترة‪ ،‬من بينها ال���رأس األخضر‬
‫إ ّن تط��� ّور المحاكم الدس���تورية في هذا الس���ياق؛ لَ ُهو‬ ‫(دس���تور ‪ ،1980‬المواد ‪ ،)44-22‬غينيا بيس���او (دس���تور‬
‫فعل على الحكم االس���تبدادي الذي س���اد في‬ ‫من قبيل ر ّدة ٍ‬ ‫‪ ،1984‬المواد ‪ ،)45-24‬الس���نغال (دستور ‪ 1960‬و ‪،1963‬‬
‫دول إفريقي���ا ما بعد االس���تعمار‪ ،‬مثله في ذلك مثلما حصل‬
‫عدد من الأق�سام في أوروبا بعد الحرب العالمي���ة الثانية‪ .‬ومن جهةٍ ثانية؛ ت ّم‬ ‫(((  في العموم؛ كانت «المحاكم العليا» ُت ّ‬
‫ق�سم �إلى ٍ‬
‫المختلفة‪ ،‬بحيث يكون ك ّل ق�سم م�س�ؤو ًال عن م�سائل قانونية‬
‫يهتم‬
‫مختلفة‪ ،‬ومن هنا‪ :‬فبالإ�ضافة �إلى الق�سم الد�ستوري الذي ّ‬
‫بالم�سائل الد�ستورية؛ ف�إنه عاد ًة ما كان هناك �أي�ض ًا ق�س ٌم ّ‬
‫يهتم‬
‫(((  ‪.Ibid. p.38‬‬ ‫بالم�سائل الإدارية‪ ،‬و�آخر بالق�ضايا المدنية‪ ،‬وكذلك الجنائية‪.‬‬
‫(((  ‪.Ibid. p.39‬‬ ‫  ‪.Ibid. p.37‬‬ ‫(((‬
‫(((  ‪.Ibid. p.39‬‬ ‫  ‪.Ibid. p.38‬‬ ‫(((‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪118‬‬


‫مستقل عن النظام القضائي العادي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫مختص بالمس���ائل الدستورية في‬
‫ٍّ‬ ‫اس���تحداث جهازٍ قضائي‬
‫تختص فقط بالنزاعات حول‬ ‫ّ‬ ‫ثانيا‪ :‬ينبغي للمؤسسة أن‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫الرأس األخضر الناطقة بالبرتغالية‪ ،‬والذي تمثل في إنش���اء‬
‫المس���ائل الدستورية‪ ،‬ويجب أال تشترك في هذه المه ّمة مع‬ ‫المحكمة الدس���تورية وفقاً للنموذج الكلس���يني‪ ،‬وذلك بدل‬
‫المؤسسات القضائية األخرى‪.‬‬ ‫نظر البرلمان س���ابقاً في هذه المس���ائل‪ .‬في حين حافظت‬
‫ثالث ��اً‪ :‬يجب أن يكون القرار الصادر عن هذه المؤسسة‬ ‫غينيا بيس���او على القسم الذي ينظر في القضايا الدستورية‬
‫نهائ ّياً (غير قابل للطعن)‪ ،‬وأن يكون ُملزِ ماً للنظام السياسي‬ ‫ف���ي المحكمة العليا‪ ،‬والذي كان س���ائداً في العقد الذي تال‬
‫بأكمله (وليس فقط ألطراف النزاع)‪.‬‬ ‫االس���تقالل في دول إفريقيا الفرنكوفوني���ة‪ .‬من جهةٍ ثالثة؛‬
‫ويمك���ن القول‪ ،‬في ه���ذا اإلطار‪ ،‬بأ ّن هن���اك اختالفاً‬ ‫هناك من الدول اإلفريقية الناطقة باإلنجليزية من حافظت أو‬
‫في درجة تطبيق النموذج الكلس���يني ف���ي الدول اإلفريقية‪،‬‬ ‫عادت إلى البنية المؤسس���ية للقضاء الدستوري التي ُوضعت‬
‫بش���كل كامل‪ ،‬أي بحذافي���ره‪ ،‬مثل‪ :‬بنين‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فمنها َمن يط ّبقه‬ ‫قبل ‪1989‬م‪ ،‬كنتيجة لذلك؛ واصلت المحاكم العليا ممارس���ة‬
‫بوركينافاسو‪ ،‬كوت ديفوار‪ ،‬غينيا‪ ،‬مالي‪ ،‬موريتانيا وتوغو‪ .‬في‬ ‫درجات مختلفة من القضاء في المسائل الدستورية(((‪.‬‬‫ٍ‬
‫حين نجد من الدول َمن يفتقر القضاء الدس���توري فيها إلى‬ ‫�أو ًال‪ :‬نماذج م�ؤ�س�سات الق�ضاء الد�ستوري في‬
‫احتكار االختصاص بالمسائل الدستورية‪ ،‬أو أنها تقع ضمن‬ ‫الدول الإفريقية المعا�صرة‪:‬‬
‫نظام القضاء العادي(((‪.‬‬ ‫يمكن‪ -‬عموماً‪ -‬تقس���يم مؤسس���ات القضاء الدستوري‬
‫ف���ي الرأس األخض���ر‪ :‬نجد أ ّن المحكمة الدس���تورية‬ ‫الموجودة في الدول اإلفريقية إلى ثالث مجموعات‪ ،‬تأتي على‬
‫مس���تقل ٌة عن بقية النظ���ام القضائي الع���ادي‪ ،‬بمعنى أنها‬ ‫رأسها الدول التي تعتمد على نظام القانون المدني‪ ،‬أي الدول‬
‫ليس���ت جزءاً من «السلطة القضائية»‪ ،‬ويقتصر اختصاصها‬ ‫الناطقة بالفرنس���ية‪ ،‬والتي تبنّت النموذج الكلسيني للمؤسسة‬
‫الحصري في النظر في المس���ائل الدستورية على المراجعة‬ ‫في ش���كل محكمة أو مجلس دس���توري‪ .‬يأت���ي بعدها نموذج‬
‫المجردة ‪( Abstract Review‬المادة ‪.)278‬‬ ‫الالمركزي���ة األمريكي‪ ،‬ثم نم���وذج المركزية للدول التي تمنح‬
‫من جه���ةٍ أخرى؛ فإ ّن للمحكمة الدس���تورية في النيجر‪،‬‬ ‫اختصاص النظر في المسائل الدستورية للمحاكم العليا(((‪.‬‬
‫والمجل���س الدس���توري في الس���نغال‪ ،‬اختصاص���اً حصر ّياً‬
‫‪ -1‬النموذج الكل�سيني ‪Kelsenian-type‬‬
‫بالنزاعات الدس���تورية‪ ،‬بيد أنها غير مفصولةٍ عن بقية النظام‬
‫‪:institutions‬‬
‫القضائي العادي‪ ،‬بحكم أنها تُع ّد دس���تور ّياً‪ ،‬جزءاً ال يتجزأ عن‬
‫خاصةٍ‬
‫أما النموذج الكلس���يني؛ فقد اعتمدت���ه بصفةٍ ّ‬
‫وينص الباب الس���ادس من دستور‬ ‫الس���لطة القضائية‪ .‬هذا‪ّ ،‬‬
‫الدول اإلفريقية الناطقة بالفرنس���ية‪ ،‬مثل دول‪ :‬بنين‪ ،‬غينيا‪،‬‬
‫النيجر (‪ )2010‬على أ ّن‪« :‬الس���لطة القضائية تت ّم ممارس���تها‬
‫مالي‪ ،‬النيجر‪ ،‬وتوغو‪ ،‬التي اعتمدت المحاكم الدس���تورية‪.‬‬
‫من قِ َبل المحكمة الدس���تورية‪ ،‬ومحكمة النقض‪ ...‬والمحاكم‬
‫أما بوركينا فاسو‪ ،‬كوت ديفوار‪ ،‬موريتانيا‪ ،‬والسنغال‪ ،‬فتبنّت‬
‫والهيئات القضائية األخرى»‪ .‬وبالمثل يفتتح دس���تور السنغال‬
‫المجالس الدستورية‪.‬‬
‫تنص على أ ّن‪« :‬الس���لطة‬ ‫(‪ )2001‬باب���ه الثامن بالم���ادة التي ّ‬
‫القضائي���ة‪ ...‬يت ّم ممارس���تها من قِ َبل المجلس الدس���توري‪،‬‬ ‫وي�ستند هذا النموذج على ثالثة معايير‪:‬‬
‫المحكمة العليا‪ ،‬محكمة الحسابات والمحكمتين»‪ .‬وعليه؛ فإنه‪،‬‬ ‫الأول‪ :‬يجب أن تكون المؤسس���ة هيئ ًة مس���تقل ًة‪ ،‬تعمل‬
‫من الناحية التقنية‪ ،‬يمكن القول بأ ّن كلاّ ً من النيجر والس���نغال‬
‫نموذجيْن للدول اإلفريقية الت���ي تنتهج النموذج‬ ‫َ‬ ‫تُع ّدان أمث���ل‬
‫  ‪.Ibid. p.39‬‬ ‫(((‬
‫الكلس���يني‪ ،‬والتي تتم ّيز بوجود مؤسس���ات مختصة بالقضاء‬
‫ ‪Yuhniwo Ngenge, «Institutional models for‬‬ ‫(((‬
‫الدس���توري في إطار النظام القضائي الواس���ع؛ بدل أن تكون‬ ‫‪constitutional justice in contemporary West Africa»,‬‬
‫‪In. Markus Böckenförde et al., Judicial Review‬‬
‫‪Systems in West Africa: A Comparative Analysis,‬‬
‫  ‪.Ibid. p.49‬‬ ‫(((‬ ‫‪.(Strömsborg: International IDEA, 2016), p.48‬‬

‫‪119‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫تقارير‬
‫‪ -3‬نموذج المحكمة العليا المركزي ‪Centralized‬‬ ‫كيانات منفصلة ومستقلة تماماً عن هذا األخير(((‪.‬‬
‫عبارة عن ٍ‬
‫‪ -2‬نم ��وذج المحكم ��ة العلي ��ا الالمرك ��زي ‪:Supreme-Court Model‬‬
‫أما فيما يتعل���ق بـنموذج المحكمة العليا المركزي؛ فإنه‬
‫‪:Decentralized Supreme-Court Model‬‬
‫على عك���س المجموعة األولى والثانية‪ ،‬التي تش���مل الدول‬
‫من الدول َم���ن تتبنّى نموذج «المحكمة العليا»‪ ،‬وتتمثل‬
‫اإلفريقية المعتمدة على إرث نظ���ام القانون المدني أو إرث‬
‫الس���مة الرئيس���ية المم ّيزة لهذا النموذج في وجود طبقات‬
‫نظام القانون العام‪ ،‬فإ ّن هذه الفئة تجمع تقاليد كال النظا َميْن‪.‬‬
‫نظام قضائ���ي واحد‪ ،‬وهي‬ ‫متع���ددة م���ن المحاكم ضم���ن ٍ‬
‫ومن بين الدول الرئيس���ية التي تستخدم هذا النموذج نذكر‪:‬‬
‫المسؤولة عن القضاء الدستوري‪ ،‬ويمكن‪ -‬في هذا السياق‪-‬‬
‫غينيا بيساو الناطقة بالبرتغالية‪ ،‬باإلضافة إلى غانا وغامبيا‬
‫أن نق��� ّدم مثال ك ٍّل من ليبيري���ا ونيجيريا‪ ،‬اللتَيْن تتبعان هذا‬
‫وس���يراليون الناطقة باإلنجليزية‪ .‬تتمثل السمة المم ّيزة لهذا‬
‫ينص الدس���تور الفيدرالي النيجيري على أ ّن‬ ‫النموذج‪ ،‬حيث ّ‬
‫النموذج في ال َّدور المهيمن للمحكمة العليا(((‪.‬‬
‫البنية المؤسس���ية القضائية تتكون من‪ :‬المحكمة الفيدرالية‬
‫ففي غانا‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬تمنح المادة ‪ 130‬من الدستور‬
‫العليا‪ ،‬محكمة االستئناف الفيدرالية‪ ،‬ومحاكم الدولة العليا‪.‬‬
‫للمحكمة العليا «االختصاص األصل���ي الحصري» على جميع‬
‫ويمن���ح النظام النيجيري للمحاك���م العليا اختصاصاً يتعدى‬
‫المس���ائل المرتبطة بإنفاذ الدستور وتفسيره‪ .‬ولدى ممارستها‬
‫الفصل في المس���ائل المتعلقة بحقوق اإلنسان الدستورية؛‬
‫لهذا االختصاص؛ فإنها وحدها (المحكمة العليا) هي َمن يح ّدد‬
‫إلى إنفاذ الدستور وتفسيره‪ .‬وبنا ًء على المواد ‪ 2( 233‬ب‪-‬ج)‬
‫ما إذا كانت أية س���لطة أو ش���خص قد تص ّرف بشكلٍ يتجاوز‬
‫و ‪ )1(241‬من الدستور؛ فإ ّن كلاّ ً من المحكمة العليا ومحكمة‬
‫الس���لطة الممنوحة له‪ .‬وفي الس���ياق نفسه؛ يستحضر القسم‬
‫االس���تئناف تحتفظ باختصاص االستئناف فقط على إنفاذ‬
‫‪ )2(3‬م���ن قانون محاكم غانا ‪ Ghana Courts Act‬صياغة‬
‫الدس���تور وتفس���يره‪ ،‬بما ف���ي ذلك الفصل في المس���ائل‬
‫النص على أنه متى ما ت ّم طرح مسائل إنفاذ‬ ‫مماثلة‪ ،‬من خالل ّ‬ ‫المرتبطة بحقوق اإلنسان الدستورية‪.‬‬
‫أو تفسير الدس���تور في ّأي محكمة غير المحكمة العليا؛ فإنه‬
‫واألمر نفس���ه ينطبق على ليبيريا الت���ي تعتمد نموذج‬
‫على هذه المحكمة وقف الدعوى وإحالتها إلى المحكمة العليا‬
‫المحاكم العلي���ا الالمركزي كذلك‪ ،‬إذ تمن���ح المادة ‪ 02‬من‬
‫للفصل فيها‪ .‬وتتبع المادة ‪ )2-1(124‬من دس���تور س���يراليون‬
‫دس���تور ليبيريا للمحكمة العليا س���لطة المراجعة القضائية‬
‫أسلوب مشابه‪ .‬األمر نفسه ينطبق‬ ‫المقاربة نفسها‪ ،‬وباستخدام ٍ‬
‫‪ ،Judicial Review‬وم���ع ذل���ك ف���إ ّن ه���ذا االختصاص‬
‫كذلك على غامبيا‪ ،‬بموجب المادة ‪ )1(127‬من دستورها‪ ،‬حيث‬
‫بأصل���ي وال هو بحصري‪ ،‬إذ تس���تبعد المادة ‪ 66‬هذه‬ ‫ٍّ‬ ‫ليس‬
‫تحتفظ المحكم���ة العليا باالختصاص األصلي‪ ،‬مع اس���تبعاد‬
‫صيغ ش���مولية وإقصائية؛ أما الصيغة‬ ‫اإلمكاني���ة‪ ،‬من خالل ٍ‬
‫جميع المحاكم األخرى‪ ،‬وذلك بشأن المسائل المتعلقة بتنفيذ‬ ‫«الحكمَ‬
‫الش���مولية‪ :‬فتح ّدد المحكمة العليا على أساس أنها َ‬
‫الدستور وتفسيره‪ ،‬في حين تُلزِ ُم المادة ‪ )1(124‬جمي َع المحاكم‬
‫النهائي» للقضايا الدس���تورية‪ ،‬حيث يشير استخدام مصطلح‬
‫بأن تقوم بإحالة المس���ائل المتعلقة بالتفس���ير الدستوري إلى‬
‫«النهائي» إلى أ ّن اختصاص المحكمة بالمس���ائل الدستورية‬
‫المحكمة العليا‪ ،‬وذلك على جناح السرعة(((‪.‬‬
‫اختصاص اس���تئنافي‪ .‬أما الصيغة اإلقصائية‪ :‬فهي تورد‬ ‫ٌ‬ ‫هو‬
‫يتضح لنا مما تق ّدم‪ :‬أ ّن البنية المؤسسية لن ُُظم القضاء‬ ‫ً‬
‫صراح���ة الحاالت الت���ي يكون فيها للمحكم���ة االختصاص‬
‫الدستوري في إفريقيا يطغى عليها النموذج المركزي‪ ،‬الذي‬
‫األصلي‪ ،‬وهي تش���مل الحاالت التي يكون فيها الس���فراء أو‬
‫يتص���ف بعدم اس���تقاللية القضاء الدس���توري عن النظام‬
‫الوزراء طرفاً‪ ،‬أو الحاالت التي تكون فيها الدولة طرفاً‪ ،‬وهي‬
‫القضائي العادي‪ ،‬وذلك من خالل هيمنة المحاكم العليا على‬
‫حاالت تستبعد المسائل الدستورية(((‪.‬‬
‫النظر في القضايا الدستورية‪ ،‬مقارن ًة بعدد الدول اإلفريقية‬

‫  ‪.Ibid. p.52‬‬ ‫(((‬ ‫(((  ‪.Ibid. p.50‬‬

‫  ‪.Ibid. p.53‬‬ ‫(((‬ ‫  ‪.Ibid. p.51‬‬ ‫(((‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪120‬‬


‫موحد في الدس���اتير اإلفريقية‪ ،‬حيث نجد أ ّن‬ ‫تطبي ٌق عملي ّ‬ ‫التي تط ّبق النموذج الكلسيني‪ ،‬الذي يؤكد على ضرورة فصل‬
‫ً‬
‫النيجر والسنغال تُدرج صراحة المحكمة‪/‬المجلس الدستوري‬ ‫مؤسسات القضاء الدستوري عن السلطة القضائية‪.‬‬
‫بوصفها جزءاً من السلطة القضائية‪ .‬كما يمنح دستور الرأس‬ ‫ثاني ًا‪ :‬الإطار الد�ستوري ال�ستقاللية م�ؤ�س�سات‬
‫األخضر ألعضاء المحكمة الدس���تورية‪ ،‬نف���س الضمانات‬ ‫الق�ضاء الد�ستوري في �إفريقيا‪:‬‬
‫الممنوح���ة لقض���اة المحاك���م األخرى‪ .‬ف���ي المقابل؛ نجد‬ ‫بشكل عام‪ ،‬هو‬ ‫هناك إجما ٌع على أ ّن استقالل القضاء‪ٍ ،‬‬
‫أ ّن دس���اتير بنين وكوت ديفوار ال تُ���درج المحاكم‪/‬المجالس‬ ‫شرط جوهري للحفاظ على حكم القانون والنمو االقتصادي‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫الدستورية ضمن قائمة المحاكم التي تمارس سلطات قضائية‬ ‫وتشترك غالبية الدساتير في جميع أنحاء العالم في االلتزام‬
‫مس���تقلة‪ .‬وفي حاالت أخرى؛ يبدو الدستور غامضاً فيما إذا‬ ‫باستقاللية القضاء‪ ،‬والدول اإلفريقية ليست استثناء‪.‬‬
‫كانت المحكمة الدستورية جزءاً من السلطة القضائية‪ ،‬التي‬ ‫وبينما ال يوجد مفهو ٌم مش���ترك لما يعنيه «اس���تقالل‬
‫تتمتع باالستقاللية‪ ،‬أو ما إذا كانت تُع ّد مؤسس ًة مستقلة(((‪.‬‬ ‫القضاء» بالضبط‪ ،‬أو كيفية قياس���ه‪ ،‬فإ ّن هناك اتفاقاً على‬
‫‪ -1‬عهدة القا�ضي الد�ستوري‪:‬‬ ‫أ ّن استقاللية القضاء تتض ّمن عدداً من السمات األساسية‪،‬‬
‫إ ّن وجود مؤسس���ات القضاء الدس���توري‪ ،‬سواء كانت‬ ‫تتمثل في‪ :‬اس���تقاللية وحياد القضاة؛ اس���تقالل الس���لطة‬
‫محاكم أو مجالس دس���تورية أو محاكم عليا على هرم نظام‬ ‫القضائية وفعالية أحكامها‪.‬‬
‫المحكمة‪ ،‬ينعكس كذلك على ُمدد عهدة القضاة (فترة البقاء‬ ‫ولقد قامت الدول اإلفريقية بدسترة هذه السمات‪ ،‬لكن‬
‫بالمنصب)‪ ،‬إذ بمج���رد تعيين القضاة في الدول التي تعتمد‬ ‫بدرجات مختلفة‪ ،‬إذ يظ ّل التنفيذ يش��� ّكل تحدياً بين الواقع‬
‫ٍ‬
‫المحاكم العليا للنظر في المس���ائل الدس���تورية؛ فإ ّن هؤالء‬ ‫والممارس���ة‪ .‬ولقد أعرب الباحثون األفارقة عن انش���غالهم‬
‫القضاة يظلون في مناصبهم إلى غاية س��� ّن التقاعد‪ ،‬الذي‬ ‫بش���أن التحديات التي تنطوي عليها ترجم���ة هذه المبادئ‬
‫يمك���ن أن يصل في ه���ذه الدول إلى س��� ّن ‪ 65‬أو ‪ 70‬عاماً‬ ‫خوف‬‫الدس���تورية‪ ،‬مما يتيح للقضاة تطبيق القانون من دون ٍ‬
‫أي إعفاءٍ خاص‪ .‬ولهذه العتبة‬ ‫كأقصى تقدير‪ ،‬في ظ ّل غياب ّ‬ ‫أو محاب���اة‪ ،‬ذلك أ ّن القضاء الذي يتمتع بس���لطة المراجعة‬
‫العالية لس��� ّن التقاعد أهمية؛ على اعتبار أنه إذا ما كان س ّن‬ ‫الدستورية ‪ ،Constitutional Review‬والذي ينظر في‬
‫التقاعد أق ّل؛ فإنه قد ي���ؤدي إلى دفع القضاة المعنيين إلى‬ ‫توافق سلوكيات السلطة التنفيذية والتشريعية مع الدستور‪،‬‬
‫ممارسة المحاباة من أجل البقاء في مناصبهم بعد التقاعد‪،‬‬ ‫ل���ه تأثي ٌر كبي ٌر على ديناميات الضواب���ط والتوازنات‪ ،‬فكلما‬
‫وهو ما ش��� ّكل قضي ًة في بعض الدول مث���ل الهند‪ .‬ومن ث ّم؛‬ ‫كان للمحاكم السلطة في المش���اركة في قرارات السلطتَيْن‬
‫فإ ّن رفع س ّن التقاعد يساعد على حماية القضاة من نزوات‬ ‫الس���ابقتَيْن؛ تع���ززت أهمية اإلطار الدس���توري في حماية‬
‫السلطتَيْن التشريعية والتنفيذية(((‪.‬‬ ‫اس���تقاللية مؤسس���ات القضاء‪ ،‬وفي هذا الس���ياق؛ يمكن‬
‫عل���ى النقيض من ذلك؛ فإ ّن قضاة المحاكم أو المجالس‬ ‫اعتبار أ ّن مؤسسات القضاء الدستوري ضعيف ٌة نسب ّياً مقارن ًة‬
‫لفترات محدودة‪ ،‬تتراوح ما بين ‪5‬‬‫ٍ‬ ‫الدس���تورية يتولون مهامهم‬ ‫بالسلطات األخرى‪ ،‬وال سيما التشريعية والتنفيذية(((‪.‬‬
‫إلى ‪ 9‬س���نوات‪ ،‬ومن منظور استقاللية القضاء؛ فإ ّن العهدات‬ ‫وقد يكون من المه ّم البحث في مدى امتداد أو ش���مول‬
‫المح���ددة المدة يمك���ن أن تترافق مع خط���ر انجذاب بعض‬ ‫استقاللية قضاء السلطة القضائية‪ ،‬بالنظر إلى دول إفريقيا‬
‫منصب آخر‬
‫ٍ‬ ‫منصب سياس���ي أو‬
‫ٍ‬ ‫القضاة إلى التخطيط لتولي‬ ‫التي تعتم���د المحاكم أو المجالس الدس���توري‪ ،‬إذ ال يوجد‬
‫في القطاع الخاص‪ .‬فإذا ما كان هذا المسار الوظيفي شائعاً‬
‫في الدولة؛ فإ ّن االس���تقاللية الفعلية تكون أكثر صعوبة؛ نظراً‬
‫  ‪Markus Böckenförde and Yuhniwo Ngenge,‬‬ ‫(((‬
‫‪“Constitutional framework for the independence‬‬
‫‪of constitutional review institutions”, In. Markus‬‬
‫‪Böckenförde et al., Judicial Review Systems‬‬
‫(((  ‪.Ibid. p.58‬‬
‫‪in West Africa: A Comparative Analysis,‬‬
‫  ‪.Ibid. p.59‬‬ ‫(((‬ ‫‪.(Strömsborg: International IDEA, 2016), p.57‬‬

‫‪121‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫تقارير‬
‫وتختلف إج���راءات اإلقالة بين الدول اإلفريقية‪ ،‬إذ في‬ ‫إلى أ ّن المصير المهن���ي للقاضي‪ ،‬بعد انتهاء فترة واليته‪ ،‬قد‬
‫حين يت ّم تعيين فواعل خارجي���ة معنية بهذه اإلجراءات في‬ ‫يتوقف على مخرجات أحكامه حينما كان في منصبه بالقضاء‪.‬‬
‫أغل���ب دول إفريقيا الناطقة باإلنجليزي���ة التي تعتمد نظام‬ ‫كما أ ّن إشكالية استقاللية القضاة وحيادهم قد تكون عرض ًة‬
‫القان���ون العام‪ ،‬ففي غامبيا وليبيريا‪ -‬على س���بيل المثال‪-‬‬ ‫لتهديدٍ أكب����ر‪ ،‬وهذا في حالة ما إذا كانت م����دة عهداتهم قصيرة‬
‫تتولى السلطة التشريعية المبادرة إقالة القضاة الدستور ّيين‪،‬‬ ‫خاص ًة إذا كانت مثل هذه الحالة تنطوي على‬
‫لكن قابل����ة للتجديد‪ّ ،‬‬
‫مخصصة ‪Ad Hoc‬‬ ‫وفي س���يراليون وغانا يت ّم إنشاء لجنة ّ‬ ‫تدخالت المؤسسات المعنية بإجراءات التعيين‪ ،‬مثل قوانين السلطة‬
‫‪ Committee‬للنظر في القضية‪ ،‬ولجنة الخدمة القضائية‬ ‫التش����ريعية‪ ،‬أو أوامر السلطة التنفيذية‪ .‬ومن الدول اإلفريقية التي‬
‫‪ Judicial Service Commission‬في نيجيريا؛ نجد أ ّن‬ ‫تسمح بإعادة تعيين القضاة‪ ،‬بعد عهدة تدوم ‪ 7‬سنوات‪ ،‬نذكر‪ :‬مالي‬
‫عملية اإلقالة في أغلب دول إفريقيا الفرنكوفونية تظ ّل شأناً‬ ‫وتوغو‪ ،‬أو بعد ‪ 5‬سنوات مثل‪ :‬دولة بنين‪ ،‬مع مالحظة أ ّن بنين ومالي‬
‫يخص المحكمة أو السلطة القضائية(((‪.‬‬ ‫داخل ّياً‪ّ ،‬‬ ‫تحددان إعادة تجديد التعيين بم ّرة واحدة وحسب‪.‬‬
‫ومن الدساتير أو القوانين العضوية ما يتصف بالغموض‬ ‫يج���ب على آلية تعيين القضاة الدس���تور ّيين أن تعكس‬
‫حول مس���ألة إقالة القاضي الدستوري أو إنهاء مهامه‪ ،‬ففي‬ ‫َدورهم المح ّدد في الدس���تور‪ ،‬وينبغ���ي أن تختلف إجراءات‬
‫موريتاني���ا‪ -‬على س���بيل المث���ال‪ -‬ال الدس���تور وال القانون‬ ‫تعيينه���م عن تل���ك المتبعة في المحاكم األخ���رى‪ .‬وبما أ ّن‬
‫العضوي يتض ّمن أحكاماً بشأن إمكانية إقالة أعضاء المجلس‬ ‫للمراجعة النهائية لدستورية األشغال والقرارات الحكومية‪،‬‬
‫الدس���توري من عدمه‪ ،‬وتحت أية ش���روط‪ .‬في غينيا‪ ،‬توغو‪،‬‬ ‫تأثي ٌر قوي على السياسات‪ ،‬فإنه بات من المقبول‪ -‬عموماً‪ -‬أن‬
‫الس���نغال‪ ،‬وكوت ديفوار‪ ،‬ال يمكن إقالة أعضاء مؤسس���ات‬ ‫يكون للفواعل السياسية َدو ٌر في تعيين القضاة الدستور ّيين‪،‬‬
‫القضاء الدستوري أثناء فترة توليهم؛ إال إذا كان ذلك بمحض‬ ‫في سبيل زيادة احتمال تحقيق التوازن السياسي(((‪.‬‬
‫إرادتهم‪ .‬ومع ذلك؛ يمك���ن أن يت ّم القبض عليهم واحتجازهم‬ ‫‪ -2‬طرق تعيين القا�ضي الد�ستوري و�إنهاء مهامه‪:‬‬
‫ومحاكمتهم في المس���ائل الجنائية أو حاالت التلبس‪ ،‬وذلك‬ ‫جانب آخ���ر؛ مهم���ا اختلفت طرق تعيي���ن القضاة‬‫م���ن ٍ‬
‫بترخيص من المجلس أو المحكمة الدستورية(((‪.‬‬ ‫الدستور ّيين في إفريقيا؛ فإ ّن حتى أفضل إجراءات تعيين قضاة‬
‫ثالث ًا‪� :‬إل��زام�ي��ة ق ��رارات م�ؤ�س�سات الق�ضاء‬ ‫مستقلين سوف تثبت عدم جدواها‪ ،‬وذلك إذا ما كان القضاة‪-‬‬
‫الد�ستوري في �إفريقيا‪:‬‬ ‫حال تعيينهم‪ -‬عرض ًة لإلقالة من مناصبهم‪ ،‬وعليه؛ وفي سبيل‬
‫تنبع إلزامية قرارات مؤسس���ات القضاء الدستوري من‬ ‫أن تعمل مؤسسات القضاء الدستوري بشكلٍ مستقل؛ فإنه من‬
‫عدة عوامل‪ ،‬بم���ا في ذلك الوضعي���ة الهرمية للمحكمة أو‬ ‫الضروري أن يح ّدد الدس���تور‪ ،‬أو القانون العضوي ‪Organic‬‬
‫القاضي‪ ،‬ونطاق الحكم‪.‬‬ ‫‪ ،Law‬شروطاً وإجراءات واضحة إلنهاء مهام القضاة‪.‬‬
‫ونظ���راً للطبيعة السياس���ية للقضايا الت���ي تنظر فيها‬ ‫وتتشابه أسباب إنهاء مهام القضاة أو إقالتهم بين الدول‬
‫مؤسسات القضاء الدستوري؛ فإنه غالباً ما يدور جد ٌل حول‬ ‫في العموم‪ ،‬وتش���مل‪ :‬اإلعاقة الجسدية أو العقلية الدائمة؛‬
‫ما إذا كانت لألحكام الصادرة عن هذه المؤسسات‪ ،‬وباألخص‬ ‫س���وء الس���لوك (إذا ما ت ّم إثباته)؛ إخ�ل�ال خطير في أداء‬
‫المحاكم أو المجالس الدس���تورية‪ ،‬نفس القوة اإللزامية التي‬ ‫الواجب؛ إدانة من المحاكم بتهمة الخيانة؛ الرشوة أو غيرها‬
‫تتمتع به���ا المحاكم العادية‪ ،‬حيث يج���ادل البعض بأ ّن هذه‬ ‫من الجرائم الخطيرة؛ عدم احترام اليمين المتخذ‪.‬‬
‫المؤسس���ات هي عبارةٌ عن كيانات سياسية‪ ،‬وعليه ال يمكنها‬ ‫وفي الدول التي تضع حدوداً لمدة عهدة القضاة؛ فإ ّن التزام‬
‫إصدار أحكام ذات قوةٍ إلزامية نهائية وال رجعية‪ .‬مع اإلشارة‬ ‫القاضي الدس���توري بمهام ال تتوافق م���ع المحكمة أو المجلس‬
‫إلى أ ّن أغلب هذه النقاش���ات هي تلك التي تثار في المجال‬ ‫الدستوري يكون س���بباً كذلك إلى إقالته‪ ،‬وهو ما يعكس مسلّمة‬
‫عدم انتقال القضاة إلى مناصب أخرى أثناء فترة مهامهم‪.‬‬
‫  ‪.Ibid. p.60‬‬ ‫(((‬
‫  ‪Ibid. pp.60, 61‬‬ ‫(((‬ ‫(((  ‪.Ibid. p.59‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪122‬‬


‫وتؤ ّثر األحكام الصادرة عن المحاكم الدستورية والعليا‬ ‫األكاديم���ي‪ ،‬ويتج ّدد النق���اش أكثر في أوق���ات االنتخابات‬
‫على الس���لطات اإلدارية‪ ،‬ذلك أ ّن هذه األخيرة يت ّم إنشاؤها‬ ‫الرئاسية إذا ما آلت نتائجها إلى نزاع قضائي‪.‬‬
‫بموجب القانون‪ ،‬وتمارس س���لطاتها الت���ي تخضع بدورها‬ ‫هذا‪ ،‬ويعتبر بروز مؤسسات القضاء الدستوري كحامية‬
‫للقانون‪ ،‬لذلك فإنه من المه ّم ضمان دستورية ممارساتها من‬ ‫للحقوق األساس���ية خطوة مه ّمة ف���ي تاريخ تطورها‪ ،‬وألنها‬
‫قِ َبل مؤسس���ات القضاء الدستورية‪ ،‬وخصوصاً أ ّن السلطات‬ ‫ما فتئت تكتس���ب المزيد من األهمية والشرعية؛ فإنه بات‬
‫اإلدارية تُع ّد جزءاً من السلطة التنفيذية‪.‬‬ ‫يت ّم االعتراف بهذه المؤسسات والقبول بطبيعتها القضائية‬
‫إ ّن س���لطة المحاك���م الدس���تورية‪/‬العليا في صناعة‬ ‫نطاق واس���ع‪ ،‬ففي بعض الدول التي تعتمد «المجالس‬ ‫على ٍ‬
‫القرارات التي تؤثر على السلطات السياسية‪ ،‬خصوصاً فيما‬ ‫اقتراحات‬
‫ٌ‬ ‫الدس���تورية» بدل «المحاكم الدس���تورية» برزت‬
‫يخص البرلمان والسلطة التنفيذية‪ ،‬تعتبر ظاهر ًة جديدة في‬ ‫ّ‬ ‫إلعادة تصنيفها كمحاكم دس���تورية‪ ،‬بغرض تعزيز شرعيتها‬
‫إفريقيا‪ ،‬وأحد أهداف ومخرج���ات التحوالت الديمقراطية‬ ‫القضائي���ة‪ ،‬وتمكينها من تأكيد قوته���ا اإللزامية بثقةٍ أكبر‪،‬‬
‫ومشاريع اإلصالحات الدس���تورية التي شهدتها القارة منذ‬ ‫وه���ي إحدى التوصيات التي وردت في تقرير س���نة ‪2013‬م‬
‫أوائل سنوات التس���عينيات‪ .‬وفي السياق نفسه؛ نشير إلى‬ ‫للجنة الوطنية حول اإلصالح المؤسس���ي في السنغال‪ .‬أما‬
‫أ ّن مبدأ س���مو الدس���تور على بقية القواني���ن‪ ،‬مما يجعل‬ ‫بالنسبة للدول التي تعتمد «المحاكم الدستورية»‪ ،‬فإنه غالباً‬
‫جميع األشخاص والس���لطات تخضع ألحكام الدستور‪ ،‬هو‬ ‫ما يت ّم االعتراف بطابعها القضائ���ي‪ ،‬وبالتالي فإ ّن األحكام‬
‫مب���دأ مك ّرس صراح ًة في العديد من الدس���اتير في الدول‬ ‫الت���ي تصدر عنها تكون ُملزِ َم ًة ب���دون منازع‪ ،‬مما يعني أنها‬
‫اإلفريقية‪ ،‬نذك���ر منها‪ :‬غانا (الم���ادة ‪ ،)04‬ليبيريا (المادة‬ ‫نهائي ٌة وغير قابلةٍ للطعن و ُملزِ َمة للجميع‪ ،‬وبالرغم من ذلك؛‬
‫‪ ،)02‬ونيجيريا (المادة ‪ .)01‬باإلضافة إلى ذلك؛ فإ ّن دساتير‬ ‫فإنها تظ ّل تواجه تحديات بشأن تنفيذها(((‪.‬‬
‫ك ٍّل من غامبيا وغانا وس���يراليون تتض ّمن حكماً بتجريم ك ّل‬ ‫تن���ص القواني���ن المتعلقة بإنش���اء وتنظي���م المحاكم‬ ‫ّ‬
‫نص على عدم‬ ‫شخص ال يمتثل لقرار المحكمة العليا إذا ما ّ‬ ‫ٍ‬ ‫الدس���تورية أو العليا عل���ى أ ّن األحكام الص���ادرة عن هذه‬
‫دس���تورية قانون أو فعل‪ .‬أما إذا بدر هذا العصيان أو عدم‬ ‫األخيرة ال ينبغي أن يكون لها أث ٌر رجعي‪ ،‬وهذا ينطبق س���وا ًء‬
‫االمتث���ال من رئيس الجمهورية أو نائبه؛ فإ ّن دس���اتير غانا‬ ‫عل���ى الدول التي تتبع نظام القان���ون العام أو نظام القانون‬
‫وغامبيا تجعل ذلك سبباً لإلقالة والعزل من المنصب(((‪.‬‬ ‫المدني‪ ،‬ومع ذلك نجد بعض االس���تثناءات‪ ،‬مثل دولة توغو‪،‬‬
‫من جهة أخرى؛ وبما أ ّن المؤسسة العسكرية تُع ّد عنصراً‬ ‫حيث يمكن للقاضي الدستوري أن يمنح المش ّرع وقتاً لتكييف‬
‫من عناصر س���لطة الدولة؛ فإنه غالباً ما يتم اس���تبعاد القوة‬ ‫التشريعات‪ .‬وهو مبدأ قانوني عام‪ ،‬يُط ّب ُق في جميع األنظمة‬
‫اإللزامية لألحكام الصادرة عن مؤسس���ات القضاء الدستوري‬ ‫القانونية التي تحترم حكم القانون‪.‬‬
‫بشأنها‪ ،‬بيد أنه نظراً للنزعة التاريخية لالضطرابات السياسية‬ ‫فروقات بين نوع النزاع ومضمون‬ ‫ٌ‬ ‫ومع ذلك؛ تظ ّل هناك‬
‫واالنقالبات العسكرية في القارة اإلفريقية؛ اتجهت بعض الدول‬ ‫الحكم‪ ،‬فنط���اق القوة اإللزامية لألحكام يختلف وفق طبيعة‬
‫إلى خيار التأكيد على الطابع اإللزامي للقرارات القضائية على‬ ‫المس���ألة المعروضة أمام المحكمة‪ ،‬ففي حالة الرقابة على‬
‫الجيش في دس���اتيرها‪ ،‬ومن أمثلة ذلك نذكر‪ :‬التوغو (المادة‬ ‫دس���تورية القوانين‪ ،‬على س���بيل المثال‪ ،‬يصبح هذا المبدأ‬
‫‪)106‬؛ بوركينافاس���و (الم���ادة ‪)159‬؛ النيج���ر (المادة ‪)115‬؛‬ ‫مطلقاً أي ُملزِ ماً(((‪.‬‬
‫الكوت ديفوار (الم���ادة ‪)98‬؛ غينيا (المادة ‪)99‬؛ وبنين (المادة‬
‫‪ 34‬والقانون األساسي حول المحكمة)((( ‬
‫((( ‪Babacar Kante and H. Kwasi Prempeh, “Authority‬‬
‫‪of the decisions of constitutional review institutions”,‬‬
‫‪In. Markus Böckenförde et al., Judicial Review‬‬
‫‪Systems in West Africa: A Comparative Analysis,‬‬
‫(((  ‪.Ibid. p.131‬‬ ‫‪.(Strömsborg: International IDEA, 2016), p.125‬‬

‫(((  ‪.Ibid. p.132‬‬ ‫  ‪.Ibid. p.130‬‬ ‫(((‬

‫‪123‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫تقارير‬

‫ديناميات الصراع والتسوية السياسية‬


‫في جنوب السودان‬
‫تيكواج فتير‬
‫باح�ث ماج�س�تير– كلية الدرا�س�ات الإفريقية‬
‫العليا جامعة القاهرة ‪ -‬جنوب ال�سودان‬

‫الحاك�م‪ ،‬ولك�ن ثب�ت ع�دم �ص�حتها محل ّي� ًا‪ -‬عب�ر‬


‫الجهاز الق�ض�ائي‪ -‬بالإفراج ع�ن المعتقلين المتهمين‬
‫دول�ة جن�وب ال�س�ودان عل�ى‬
‫اال�س�تقالل الر�س�مي ع�ن ال�س�ودان‬
‫ح�صلت‬
‫بال�ض�لوع ف�ي ه�ذه المحاول�ة االنقالبي�ة الفا�ش�لة‪،‬‬ ‫ف�ي ‪ 9‬يولي�و‪2011‬م‪ ،‬وبع�د عا َم ْي�ن م�ن اال�س�تقالل‬
‫وعالم ّي� ًا �أثبت�ت ال�دول والمنظم�ات الدولي�ة ع�دم‬ ‫وحرب‬
‫ٍ‬ ‫م�س�لح‬
‫ٍ‬ ‫دخل�ت الدول�ة الحديثة في �ص�را ٍع‬
‫حدوث �أيّ محاول ٍة لالنقالب في جنوب ال�سودان‪.‬‬ ‫�أهلي�ة ابت�دا ًء من دي�س�مبر ‪2013‬م‪ ،‬ب�د�أت العمليات‬
‫وتمكن الطرفان‪ ،‬وبمس���اعدةٍ وجه���ود دوليةٍ وإقليمية‪،‬‬ ‫الع�س�كرية المتبادلة بين طر َفي ال�ص�راع بعد �إعالن‬
‫من التوصل إلى تس���ويةٍ سياس���ية لم تدم طوي ًال‪ ،‬وتجددت‬ ‫انقالب فا�ش�لة‪ ،‬يقودها‬
‫الحكومة عن حدوث محاولة ٍ‬
‫العمليات العس���كرية مر ًة أخرى‪ ،‬حينها ت ّم بالتعاون اإلقليمي‬ ‫الدكتور رياك م�ش�ار نائب الرئي�س ال�س�ابق ٌ‬
‫وبع�ض‬
‫والدولي عزل وفرض إقامة جبرية بدولة جنوب إفريقية على‬ ‫من القيادات ال�سيا�سية التقليدية المن�سوبين للحزب‬
‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪124‬‬
‫تفجرت األزم���ة‪ ،‬وأضحت أكثر وضوح���اً‪ ،‬نتيج ًة لعجز‬ ‫زعيم المعارضة المسلحة‪ ،‬ونتيج ًة الستمرار تدهور األوضاع‬
‫القنوات المؤسسية في ح ّل مشكلة القيادة‪ ،‬بعد إعالن الدكتور‬ ‫االقتصادية واالجتماعي���ة واألمنية وتزايدها؛ تمكن أطراف‬
‫رياك مش���ار الرغبة في الترش���ح في االنتخاب���ات‪ ،‬التي كان‬ ‫الص���راع من توقيع اتفاقيةٍ في س���بتمبر ‪2018‬م لتنش���يط‬
‫م���ن المفترض إجراؤها في يوليو ‪2015‬م‪ ،‬وس���انده عد ٌد من‬ ‫االتفاقية السابقة‪ ،‬أُضيفت إليها بعض التعديالت في بعض‬
‫القيادات التقليدية واألكثر تأثيراً على المس���تويَيْن (الحزب‪،‬‬ ‫البنود والقضايا وااللتزام بتنفيذها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫أص���وات مؤثرة‬ ‫رفض‪ -‬من‬
‫والدول���ة)‪ ،‬وهو ما يعن���ي وجود ٍ‬ ‫ومما س���بق؛ سوف نتناول في هذه الدراسة‪ -‬من خالل‬
‫داخل الحزب الحاكم‪ -‬في اس���تمرار السيد سلفاكير ميادريت‬ ‫أربع نقاط‪ :-‬أوالً‪ :‬أس���باب الصراع وجذوره‪ ،‬ثانياً‪ :‬أطراف‬
‫في رئاس���ة الدولة بعد المرحلة االنتقالية‪ ،‬ومن أس���باب هذا‬ ‫الصراع‪ ،‬ثالث���اً‪ :‬تداعيات الص���راع‪ ،‬رابعاً‪ :‬جهود تس���وية‬
‫الرف���ض قيام ه���ذا الرئيس بإدارة الدولة بش���كلٍ دكتاتوري‪،‬‬ ‫الصراع‪ .‬وذلك على النحو اآلتي‪:‬‬
‫واالستئثار بالسلطة من خالل الدستور االنتقالي لدولة جنوب‬ ‫�أو ًال‪� :‬أ�سباب ال�صراع وجذوره‪:‬‬
‫الس���ودان لعام ‪2011‬م‪ ،‬بالرغم من المشاركة الرئيسية لهؤالء‬ ‫بعض م���ن األس���باب الموضوعي���ة المرتبطة‬ ‫يوج���د ٌ‬
‫الرافضين و َدورهم الكبير في صياغة هذا الدستور(((‪.‬‬ ‫بالج���ذور التاريخي���ة‪ ،‬وما ترتّ���ب عليها من بروز مش���كلة‬
‫ب‪ -‬التعدد االجتماعي الثقافي‪:‬‬ ‫التعددي���ة االجتماعي���ة الثقافية‪ ،‬وتدور مش���كلة التعددية‬
‫يتك���ون جنوب الس���ودان من ثالث مجموع���ات إثنية‪،‬‬ ‫السياسية وتداول السلطة في جنوب السودان في إطار هذه‬
‫وينض���وي تحت ه���ذه المجموع���ات ‪ 64‬قبيل���ة‪ ،‬وتصنف‬ ‫التعددية االجتماعية الثقافية باألساس‪ ،‬وإن وجدت األحزاب‬
‫الدراس���ات قبائل (الدينكا‪ ،‬ونوير‪ ،‬والشلك)‪ -‬على التوالي‪-‬‬ ‫السياس���ية إال أ ّن الصراع الحقيقي ال يدور محوره سوى في‬
‫بوصفها أكبر قبائل جنوب السودان‪ ،‬من حيث التأثير وحجم‬ ‫إطار التعددية االجتماعية الثقافية‪ ،‬وال نعتبرها مس��� ّوغات‬
‫أفرادها‪ ،‬ويش ّكلون ‪ %65‬من إجمالي السكان(((‪ .‬ويرتبط هذا‬ ‫لتبرير س���لوك وممارس���ات كبار رجال الجيش واألمن‪ ،‬وما‬
‫العنصر بالطبيعة والتركيبة العسكرية في الدولة‪ ،‬والوالءات‬ ‫تمخض عنهم من قادة سياس ّيين وكبار وصغار البرجواز ّيين‪،‬‬
‫الضيقة على حساب الوالء الوطني‪.‬‬ ‫ليس باعتبارهم منسوبين للفريق األول‪ ،‬بل باعتبارهم عام ًال‬
‫ج‪ -‬الف�ساد وال�سيطرة على الموارد االقت�صادية‪:‬‬ ‫يقوم القيادات العس���كرية والسياس���ية بتوظيفه في تأجيج‬
‫ويرتبط الس���عي إلى الس���يطرة على الموارد بالسب َبيْن‬ ‫الصراع من أجل السلطة والنفوذ والثروة‪ ،‬أي تغليب المصالح‬
‫(مش���كلة القيادة‪ ،‬والخصائص اإلثنية)‪ ،‬فقد قامت الحكومة‬ ‫الخاصة على حساب المصالح العا ّمة‪.‬‬
‫ّ‬
‫منذ استقالل الدولة‪ ،‬بل وقبل االستقالل منذ ‪2005‬م‪ ،‬بإهدار‬ ‫ويمكن أن نلخص أس���باب الصراع وجذوره‪ -‬ليس على‬
‫الموارد االقتصادية‪ ،‬واس���تغالل الس���لطة السياسية في نهب‬ ‫وجه الحصر‪ -‬فيما ي�أتي‪:‬‬
‫هذه الموارد‪ ،‬وتبنّت الحكومة سياسة شراء مواقف المعارضين‬ ‫�أ‪ -‬م�شكلة القيادة‪:‬‬
‫لسياساتها‪ ،‬وهو ما جعل النخبة السياسية تتناوب في التحرك‬ ‫ال تعتبر هذه المشكلة وليدة اللحظة في عام ‪2013‬م‪ ،‬أي‬
‫تابع‬
‫حين وآخر في خط الجيئة والذهاب‪ ،‬من ٍ‬ ‫بسالس���ةٍ بين ٍ‬ ‫مع بداية الخالفات داخل الحزب الحاكم (الحركة الش���عبية‬
‫ومعارض في صفوف المعارضة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ومؤيد للحكومة للس���ودانية‬ ‫لتحرير الس���ودان) ‪ ،SPLM‬بل لها جذو ٌر طويلة‪ ،‬وأخفقت‬
‫المسلحة‪ ،‬قبل االنفصال‪ ،‬واستمرت على النهج نفسه بعده‪.‬‬ ‫القيادة السياس���ة في ح ّل الخالفات منذ ‪2005‬م‪ ،‬واقتصر‬
‫األمر على استخدام عوائد البترول في احتواء الخالفات(((‪.‬‬

‫(((  وحدة تحليل ال�سيا�سات في المركز العربي‪ :‬ال�صراع في‬


‫جنوب ال�سودان‪ :‬خلفياته وتداعياته المحتملة‪ ،‬تقدير موقف‪،‬‬
‫ ‪Daniel Large: China and South Sudan’s Civil‬‬ ‫(((‬
‫(الدوحة‪ :‬المركز العربي للأبحاث ودرا�سة ال�سيا�سات‪ ،‬يناير‬
‫‪African Studies Quarterly (Florida: ،2015-war،2013‬‬
‫‪� ،)2014‬ص‪�.‬ص (‪.)2-1‬‬
‫‪Center for African Studies، University of Florida،‬‬
‫(((   المرجع ال�سابق‪� ،‬ص ‪2‬‬ ‫‪.)Dec 2016)، P1 (Introduction ،4-Vol.16، Issue 3‬‬

‫‪125‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫تقارير‬
‫الخاصة‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬ ‫في الس���لطة‪ ،‬بالتهديد أو استخدام هذه القوات‬ ‫وفيما يتعلق باس���تغالل موارد الدولة‪ ،‬في سياس���ات‬
‫ما أدى إلى تفاقم األزمة في ديس���مبر ‪2013‬م حتى اآلن‪ ،‬وقد‬ ‫التمكين بحس���ب المكانة في السلطة السياسية‪ ،‬فلقد لعبت‬
‫حين وآخر إن لم تُح ّل هذه المشكلة‪ ،‬ويت ّم‬
‫يس���تمر الصراع بين ٍ‬ ‫القيادات السياس���ية‪ ،‬ومن ضمنهم الدكتور رياك مشار نائب‬
‫جي���ش وطني يكون والء أفراده قائم���اً من أجل حماية‬
‫ٍ‬ ‫تكوين‬ ‫الرئيس الس���ابق وباقان أموم األمين العام الس���ابق للحركة‬
‫الدول���ة‪ ،‬بما فيها من مواطنين ومؤسس���ات وم���وارد وحدود‬ ‫الشعبية‪ ،‬أدواراً قيادية في القرارات السياسية واالقتصادية‬
‫تدخل خارجي‪.‬‬
‫أي ٍ‬ ‫الدولة‪ ،‬من ّ‬ ‫بعد االس���تقالل‪ ،‬وفي عام ‪2012‬م اتهم الرئيس س���لفاكير‬
‫ثاني ًا‪� :‬أطراف ال�صراع(((‪:‬‬ ‫عدداً من الوزراء ومسؤولين في الدولة بسرقة ما يق ّدر بـ ‪4‬‬
‫من الجدير بالذكر؛ أنه كان يوجد ميليش���يات وحركات‬ ‫مليارات دوالر‪ ،‬وطالب بإعادتها‪ ،‬فأعيد منها ‪ %1.5‬فقط‪.‬‬
‫مسلحة تعارض الحكومة باستخدام القوة المسلحة‪ ،‬وبما أ ّن‬ ‫وباإلضاف���ة إلى ذلك؛ ف���إ ّن معظم األم���وال التي يت ّم‬
‫تأثيرهم كان محدوداً نسب ّياً؛ فسوف نكتفي بالفترة الممتدة‬ ‫اس���تخدامها في الفس���اد السياس���ي ال يت ّم استثمارها في‬
‫م���ن أواخر ديس���مبر ‪2013‬م (أحداث بيلف���ام) حتى توقيع‬ ‫الدول���ة‪ ،‬بل تُح ّول إلى خ���ارج الدولة‪ ،‬وهو ما تس��� ّبب في‬
‫اتفاقية السالم المنشط في ‪2018‬م في العاصمة السودانية‬ ‫تده���ور الوضع االقتصادي للدولة وتأزمه‪ ،‬نتيج ًة للس���لوك‬
‫(الخرطوم)‪ ،‬كما يأتي‪:‬‬ ‫االستهالكي دون إعادة ضخها في اإلنتاج المحلي(((‪.‬‬
‫�أ‪ -‬الأطراف الداخلية‪:‬‬ ‫د‪ -‬الطبيعة والتركيبة الع�سكرية‪:‬‬
‫‪ -1‬الأط ��راف الداخلي ��ة الأ�سا�سي ��ة‪ :‬نقصد بها الفاعلين‬ ‫تتسم الطبيعة العسكرية في جنوب السودان بقدرٍ كبيرٍ من‬
‫الداخل ّيي���ن‪ ،‬الذين كان لهم َدو ٌر مباش��� ٌر ذو تأثير كبيرٍ في‬ ‫التعقيد‪ ،‬ظلت دولة جنوب السودان منذ االستقالل تنفق بدرجةٍ‬
‫مجريات األح���داث والمعارك في مي���دان الحرب ومناطق‬ ‫أكب���ر على زيادة القدرات العس���كرية‪ ،‬وأهمل���ت جانب تقديم‬
‫العمليات العسكرية‪ ،‬وهي كاآلتي‪:‬‬ ‫الخدمات العا ّمة للمواطنين(((‪ ،‬وذلك من أجل سب َبيْن‪ :‬التجهيز‬
‫‪ -‬الحكوم ��ة والح ��زب الحاك ��م‪ :‬تُع��� ّد الحكومة والحزب‬ ‫حرب متوقعة من الس���ودان بس���بب المناط���ق الحدودية‬ ‫ألي ٍ‬
‫الحاكم كياناً واح���داً نتيج ًة للتداخل ش���به الكامل بينهما‪،‬‬ ‫المتن���ازع عليها‪ ،‬والثاني من أج���ل مواجهة الحركات المتمردة‬
‫ويتزعمهما س���لفاكير مياردي���ت رئيس الدول���ة‪ ،‬بمختلف‬ ‫بالقوة العسكرية‪.‬‬
‫مؤسساتها الرسمية وأعضاء حزب الحركة الشعبية لتحرير‬ ‫بينما التركيبة العس���كرية أخذت الطاب���ع الق َبلي‪ ،‬يتمثل‬
‫الس���ودان‪ ،‬ويتمسك برئاسة الدولة واالستمرار في السلطة‪،‬‬ ‫لقوات‬ ‫ذلك في امتالك أغلب القيادات السياس���ية والعسكرية ٍ‬
‫ويعتمد بدرجةٍ أكبر على قاعدته اإلثنية‪.‬‬ ‫خاصة‪ ،‬تتكون من أفرادٍ ينتمون للقبيلة المنتمي لها ‪،‬‬
‫(((‬
‫عسكرية ّ‬
‫‪ -‬الحرك ��ة ال�شعبي ��ة لتحري ��ر ال�س ��ودان ف ��ي المعار�ض ��ة‪:‬‬ ‫وهو ما عزز الوالءات دون الوطنية في جنوب الس���ودان‪ ،‬نتيج ًة‬
‫ويتزعمها الدكتور رياك مش���ار‪ ،‬ويدعو لتداول الس���لطة عبر‬ ‫العتماد هذه القوات على قيادتها السياسية أو العسكرية‪ ،‬التي‬
‫المنافسة الديمقراطية‪ ،‬وفي ذات الوقت يقبل بتسويةٍ سياسية‬ ‫تنفق من موارد الدولة عل���ى تأمين موقعها‪ ،‬للوصول أو البقاء‬
‫تعي���ده إلى منصب نائب الرئيس‪ ،‬ويتبنّى نهجاً إصالح ّياً وفقاً‬
‫لم���ا يعلنه‪ ،‬وإن كان يتع���ارض مع الممارس���ات الفعلية على‬
‫((( ‪Aziza Geleta Dessalegn: The cause and consequence of‬‬
‫مس���توى الحركة الت���ي يتزعمها‪ ،‬ويعتمد بدرج���ةٍ أكبر على‬ ‫‪conflict in South Sudan، International Journal pf Political‬‬
‫قاعدته اإلثنية (قبيلة النوير)‪ ،‬وقد تحالف مع قادة سياس ّيين‬ ‫‪Science and Development، (Addis Ababa: Academic‬‬
‫‪.Research Journals، Vol .5، January 2017)، P.17‬‬
‫بتأييد من قواعدهم اإلثنية أيضاً‪.‬‬
‫وعسكر ّيين يتمتعون ٍ‬
‫  ‪.18-Ipd، PP.17‬‬ ‫(((‬
‫(((  كلير مك �إيفوي واميل ليبرن‪ :‬م�ستقبل غام�ض‪ :‬العنف الم�سلح‬
‫(((   �سعيد �إ�سماعيل ندا‪ :‬ال�صراع في جنوب ال�سودان م�ستقبل‬ ‫في جنوب ال�سودان‪ ،‬ورقة عمل التقييم الأ�سا�سي للأمن الب�شري‬
‫الت�سوية‪( ،‬الدوحة‪ :‬مركز حرمون للدرا�سات المعا�صرة‪5 ،‬‬ ‫التابع لم�سح الأ�سلحة ال�صغيرة‪( ،‬جنيف‪ :‬المعهد العالي‬
‫مايو ‪� ،)2017‬ص‪�.‬ص (‪.)25-13‬‬ ‫للدرا�سات الدولية والتنموية‪� ،)2010 ،‬ص‪�.‬ص (‪.)34-33‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪126‬‬


‫المتحدة في جنوب الس���ودان ‪ UNMISS‬عن احتوائها حتى‬ ‫‪ -2‬الأطراف الداخلية الثانوية‪ :‬ت�ضمّ‪:‬‬
‫انس���حبت منها(((‪ ،‬واتضح من خالل هذه الصراعات أ ّن القادة‬ ‫‪ -‬المعتقلين الس���ابقين بزعامة باق���ان أموم األمين العام‬
‫السياس��� ّيين كانوا قادرين على احتواء تلك الصراعات وإدارتها‬ ‫السابق لحزب الحركة الشعبية لتحرير السودان‪.‬‬
‫وفق���اً لمصالحه���م‪ ،‬وتط ّور الصراع في ديس���مبر ‪2013‬م كان‬ ‫‪ -‬وتحالف األحزاب والحركات المعارضة المسلحة‪ ،‬ويض ّم‬
‫مرتبطاً بمدى تحقق المصالح السياسية‪.‬‬ ‫قيادات تقليدية‪ ،‬أبرزهم الدكتور الم أكول وغيره‪ ،‬ولقد انقسم هذا‬
‫ٌ‬
‫مرتبط باس���تخدام القوة‬ ‫وأيضاً؛ فإ ّن العنف السياس���ي‬ ‫ومعارض لبنود اتفاقية السالم المنشط‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫التحالف ما بين ٍ‬
‫مؤيد‬
‫المس���لحة كوس���يلة لتحقيق األهداف السياسية‪ ،‬وكما أسلفنا‬ ‫‪ -‬باإلضافة إلى تحالف األحزاب السياس���ية التي تعمل داخل‬
‫الذكر؛ فإ ّن معظم األحزاب التي تأسس���ت خالل فترة الصراع‬ ‫ألي قاعدةٍ شعبية‬
‫جنوب السودان‪ ،‬وتتسم بالضعف المؤسسي‪ ،‬وتفتقد ّ‬
‫جناحيْن (الجناح العسكري‪ ،‬والجناح السياسي)‪.‬‬ ‫تك ّونت من َ‬ ‫تم ّكنها من التأثير أو التنافس‪ ،‬ويدعو تحالف األحزاب السياسية إلى‬
‫‪ -3‬الم�ست ��وى االقت�ص ��ادي‪ :‬فيم���ا يتعلق بالوض���ع االقتصادي‬ ‫تبنّي نهج العمل السلمي واإلصالح والتعددية السياسية‪ ،‬ومعظم تلك‬
‫لجنوب الس���ودان‪ ،‬نتيج ًة للحرب‪ ،‬تأثر الوض���ع االقتصادي تماماً‪،‬‬ ‫األحزاب تاب ٌع للنظام الحاكم بسبب التمويل المالي‪.‬‬
‫وارتفع���ت معدالت التضخم والبطالة‪ ،‬وغيرها من مؤش���رات األداء‬ ‫ب‪ -‬الأطراف الخارجية‪:‬‬
‫االقتصادي‪ ،‬بتس���جيلها أرقاماً س���لبية‪ ،‬حيث ارتفع معدل التضخم‬ ‫تش���مل ك ّل الدول والتنظيمات الدولي���ة واإلقليمية التي‬
‫إلى أكثر من ‪ %400‬بالنسبة للجنيه الجنوب السوداني مقابل الدوالر‬ ‫تدعم تنفيذ اتفاقية السالم المنشط‪ ،‬والدول التي تدعم أحد‬
‫األمريكي(((‪ ،‬وذلك بس���بب الحرب‪ ،‬وتوجي���ه معظم الموارد المالية‬ ‫األطراف الرئيسية في الصراع‪ ،‬أو تدعم الطر َفيْن وفق منظومة‬
‫للتسليح العسكري والعمليات العسكرية المختلفة‪ ،‬واستخدام الموارد‬ ‫أهدافها ومصالحها في تنفيذ االتفاقية أو اس���تمرار الصراع‬
‫في استقطاب وكس���ب والوالءات والتأييد السياسي‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫في جنوب الس���ودان‪ ،‬س���واء كان في إطار العالقات الثنائية‬
‫ظاهرة الفساد السياسي على ك ّل المستويات‪ ،‬وال يمكن استبعاد ٍّأي‬ ‫أو متع���ددة األطراف‪ ،‬وتعتبر دول الترويكا (الواليات المتحدة‬
‫من األطراف منها‪ ،‬حتى استشرت على مستوى الدولة‪.‬‬ ‫األمريكية‪ ،‬بريطانيا‪ ،‬نروي���ج)‪ ،‬والصين التي بدأت تبحث عن‬
‫‪ -4‬الم�ست ��وى الخدم ��ي‪ :‬لقد عجلت الحرب من التدهور‬ ‫أدوارٍ سياسية وعسكرية في جنوب السودان‪ ،‬واألمم المتحدة‪،‬‬
‫في مستوى الخدمات المختلفة (الصحة والتعليم وغيرها)‪،‬‬ ‫من ضمن األطراف الخارجية على المس���توى العالمي‪ .‬بينما‬
‫وال س���يما افتقاد جنوب الس���ودان لبنيةٍ تحتية قادرة على‬ ‫السودان وأوغندا‪ ،‬واالتحاد اإلفريقي واإليغاد‪ ،‬من ضمن أبرز‬
‫الرفع من أداء وإنتاج القطاعات االقتصادية والخدمية‪.‬‬ ‫هؤالء األطراف الخارجية على المستوى اإلقليمي‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬جهود ت�سوية ال�صراع‪:‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬تداعيات ال�صراع‪:‬‬
‫يمكن أن نقس���م الجهود‪ ،‬التي بُذلت من أجل تس���وية‬ ‫لقد ترت���ب على الصراع ف���ي جنوب الس���ودان عدة‬
‫الصراع‪ ،‬إلى الجهود الداخلية والجهود الخارجية‪ ،‬كما يأتي‪:‬‬ ‫تداعيات وخسائر‪ ،‬يمكن تناولها على المستويات اآلتية‪:‬‬
‫�أ‪ -‬الجهود الداخلية‪:‬‬ ‫‪ -1‬الم�ستوى الإن�ساني‪ :‬يتمثل في االنتهاكات والخس���ائر‬
‫نقص���د بها الجهود الوطنية‪ ،‬أي التي بادرت بها ٌّأي من‬ ‫في األرواح‪ ،‬والتجنيد القس���ري لألطفال‪ ،‬واغتصاب النساء‬
‫واألطفال‪ ،‬والتي ش���كلت في مجملها عملية إبادة ممنهجة من‬
‫جيوش غير مؤهلين وغير ملتزمين بقوانين الحرب‪.‬‬ ‫قِ َبل أفراد ٍ‬
‫(((   د‪ .‬منى ح�سين عبيد‪« :‬التركيبة المجتمعية لدولة جنوب‬
‫ال�سودان و�أثرها في االندماج الوطني»‪ ،‬مجلة كلية التربية‬ ‫‪ -2‬الم�ست ��وى ال�سيا�س ��ي‪ :‬على المس���توى السياس���ي برز الطابع‬
‫للبنات (بغداد‪ :‬مركز الدرا�سات اال�ستراتيجية والدولية‪،‬‬ ‫الق َبلي العسكري كسمة مرتبطة بمعظم التنظيمات التي تشكلت خالل‬
‫جامعة بغداد‪ ،‬المجلد ‪� ،)2014 ،)3( 25‬ص‪.750‬‬ ‫فترة الصراع‪ ،‬هذه اإلشكالية ذات أثرٍ كبير في تحقيق االندماج الوطني‪.‬‬
‫والصراعات القبلية في جنوب الس���ودان لها تاري ٌخ ممتد‪   ((( ،‬رادي ��و ال�ت�م��ازج‪“ :‬تدهور قيمة العملة المحلية يفاقم‬
‫ارتفاع معدالت الت�ضخم بجنوب ال�سودان»‪https:// ،‬‬
‫‪ ،radiotamazuj.org‬تاريخ الدخول ‪2019/1/20‬م‪،‬‬ ‫وبخاص���ةٍ الصراع بين الدنيكا والنوير «لو نوير»‪ ،‬في ‪2006‬م و‬ ‫ّ‬
‫متاح على‪/https://radiotamazuj.org/ar/all-news :‬‬ ‫‪2007‬م‪2009-‬م‪ ،‬و«لو نوير» و«مورلي» عجزت قوات بعثة األمم‬

‫‪127‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫تقارير‬
‫كحزب سياس���ي ينافس الحزب الحاكم واألحزاب األخرى في‬ ‫المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية‪ ،‬بحكم االنتماء لدولة‬
‫االنتخابات التالية للمرحلة االنتقالية بحس���ب «اتفاقية السالم‬ ‫جنوب السودان‪ ،‬وتتمثل في اآلتي‪:‬‬
‫المنشط» الموقعة في الخرطوم ‪ 12‬سبتمبر ‪2018‬م‪.‬‬ ‫لجن ��ة الح ��وار الوطني‪ :‬لقد دعا الرئيس س���لفاكير ميارديت‬
‫‪ -2‬اتفاقي ��ة ال�س�ل�ام «�أدي� ��س �أباب ��ا» �أغ�سط� ��س ‪ : 2015‬تنفيذاً‬
‫(((‬
‫رئيس الجمهورية للحوار الوطني من أجل إنقاذ الوضع اإلنس���اني‬
‫تنص‬‫التفاقية الس�ل�ام الموقع���ة بين الحكومة والمعارض���ة‪ ،‬التي ّ‬ ‫المتدهور في البالد‪ ،‬ورحب بمش���اركة جمي���ع األطراف‪ ،‬وعودة‬
‫على تش���كيل حكومة الوحدة الوطنية‪ ،‬يك���ون للحكومة ‪ 16‬وزارة‪،‬‬ ‫الدكتور رياك مش���ار نائبه السابق لجنوب السودان والمشاركة في‬
‫وللمعارض���ة ‪ 10‬وزارات‪ ،‬ووزارت���ان لك ّل من مجموع���ة المعتقلين‬ ‫الحوار الوطني(((‪ ،‬إال أ ّن هذه اللجنة وجدت العديد من االنتقادات؛‬
‫الس���ابقين وتحالف أحزاب جنوب السودان برئاس���ة الدكتور الم‬ ‫من حيث مدى أهميتها‪ ،‬وطريقة التكوين‪ ،‬وأهدافها‪ ،‬وجهة التمويل‪.‬‬
‫أك���ول رئيس ح���زب التغيير الديمقراطي المع���ارض للحكومة‪ ،‬ت ّم‬ ‫ب‪ -‬الجهود الخارجية‪:‬‬
‫تنص اتفاقية الس�ل�ام في ظ ّل‬ ‫تكوين حكومة الوحدة الوطنية‪ ،‬كما ّ‬ ‫نقصد بها الجهود المبذولة من الدول األخرى‪ ،‬أو المنظمات‬
‫استقطاب حا ٍّد بين الطر َفيْن‪ ،‬إلى أن وقعت أحداث القصر الرئاسي‬ ‫ٍ‬ ‫اإلقليمية والدولية‪ ،‬من أجل تس���وية الصراع في جنوب السودان‪،‬‬
‫األخيرة‪ ،‬عقب ه���ذه األحداث تم إعفاء الدكتور رياك مش���ار من‬ ‫وسوف نركز على اتفاقية أروشا‪ ،‬واتفاقيتَي السالم في أغسطس‬
‫منصبه (النائب األول لرئيس الجمهوري���ة)‪ ،‬مع تعيين تعبان دينق‪،‬‬ ‫‪2015‬م بأديس أبابا وسبتمبر ‪ 2018‬بالخرطوم‪ ،‬وذلك في اآلتي‪:‬‬
‫وينص اتفاق الس�ل�ام على أ ّن حق اختي���ار نائب رئيس الجمهورية‬ ‫ّ‬ ‫‪ -1‬اتفاقي ��ة �أرو�ش ��ا يناي ��ر ‪2015‬م(((‪ :‬بع���د أن أخفق���ت قيادات‬
‫يكون من نصيب حزب الحركة الش���عبية في المعارضة‪ ،‬وثار جد ٌل‬ ‫الحزب الحاكم في تس���وية الخالفات الداخلي���ة‪ ،‬وتفاقمها إلى ح ّد‬
‫وخالف حول تنفيذ هذه العملية سياس ّياً وقانون ّياً وأخالق ّياً‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫حا ٌّد‬ ‫الصراع المس���لح‪ ،‬انقسم الحزب الحاكم إلى ثالثة فصائل‪( :‬الحركة‬
‫‪ -3‬تن�شي ��ط اتفاقية ال�س�ل�ام «الخرطوم» ‪� 12‬سبتمبر ‪:2018‬‬ ‫الشعبية لتحرير السودان بقيادة سلفاكير ميارديت رئيس الجمهورية‪،‬‬
‫بعد تجدد االش���تباكات والصراع بين األطراف الرئيس���ية في‬ ‫والحركة الش���عبية لتحرير الس���ودان في المعارضة المسلحة بقيادة‬
‫أحداث القصر في يوليو ‪2016‬م‪ ،‬ومحاوالت رياك مشار العودة‬ ‫الدكتور رياك مشار‪ ،‬ومجموعة المعتقلين السابقين بقيادة باقان أموم‬
‫وتنظيم قواته‪ ،‬ت ّمت مواجهته من قِ َبل التعاون الدولي واإلقليمي‪،‬‬ ‫األمين العام الس���ابق للحزب الحاكم)‪ ،‬فت ّم توقيع هذه االتفاقية في‬
‫و ُفرضت عليه اإلقامة الجبرية في جوهانسبورج بجنوب إفريقيا‪.‬‬ ‫أروشا بتنزانيا‪ ،‬نتيج ًة للجهود اإلقليمية في ‪ 21‬يناير ‪2015‬م‪ ،‬بمبادرةٍ‬
‫ثم أدرك المجتمع الدولي أهمية الدكتور رياك مش���ار في‬ ‫من الرئيس التنزاني جاكايا مريش���و كيكويت���ي‪ ،‬والرئيس األوغندي‬
‫تحقيق األمن واالس���تقرار في جنوب الس���ودان‪ ،‬لكونه طرفاً له‬ ‫يوري موسوفيني‪ ،‬والرئيس الكيني أهورو كينياتا‪ ،‬ونائب رئيس جنوب‬
‫قاعدة عسكرية وسياسية مؤثرتان في جنوب السودان‪ ،‬وبالتالي‬ ‫إفريقيا س���يريل رامافوس���ا (رئيس جنوب إفريقيا الحالي)‪ ،‬بهدف‬
‫في منطقة شرق إفريقيا‪ ،‬وبس���بب الثقل العسكري الذي يتمتع‬ ‫إع���ادة توحيد هذه الفصائل‪ ،‬وت ّم النظر إليها على أنها الح ّل الوحيد‬
‫ب���ه‪ ،‬والدعم المتواصل من قياداته العس���كرية في الميدان‪ ،‬مع‬ ‫لتس���وية الصراع في جنوب الس���ودان‪ ،‬باعتبارها أس���اس المشكلة‬
‫استمرار العمليات العسكرية بين المعارضة المسلحة والحكومة‪،‬‬ ‫وبس���بب الخالف فيما بينهم‪ ،‬فالح ّل يك���ون في توحيد القيادة تحت‬
‫خصوصاً مع ما ترتب عليها م���ن توقف إنتاج العديد من حقول‬ ‫مظلةٍ واح���دة‪ ،‬وتض ّمنت االتفاقي���ة عدداً من النق���اط‪ ،‬تم ّثلت في‬
‫النف���ط‪ ،‬وتأثر حركة التجارة‪ ،‬وزيادة تده���ور األداء االقتصادي‬ ‫إصالحات داخلية للحزب في القضايا السياس���ية والتنظيمية‬ ‫ٍ‬ ‫وضع‬
‫بش���كل عام‪ ،‬وتشرد المواطنين ونزوحهم إلى مناطق متفرقة من‬ ‫ٍ‬ ‫والمسائل القيادية‪ ،‬وبضمانٍ من الرؤساء المذكورين بأعاله‪.‬‬
‫جنوب السودان‪ ،‬واللجوء إلى الدول المجاورة‪ ،‬وتأثر هذه األعداد‬ ‫ولم يتم البدء في تنفيذ هذه االتفاقية‪ ،‬مع العلم أ ّن الدكتور‬
‫الكبيرة بأداء القطاعات الخدمي���ة‪ ،‬وتهديد األمن الحدودي مع‬ ‫رياك مش���ار لم يو ّقع عليها‪ ،‬إذ إنه قد يقوم بتس���جيل حركته‬
‫ال���دول المجاورة‪ ،‬جعل���ت الدول اإلقليمية والدولية تُس���رع في‬
‫الدعوة لمبادرةٍ من أجل تسوية الصراع‪ ،‬وفي مقدمتهم السودان‬
‫(((   راديو التمازج‪« :‬رئي�س جنوب ال�سودان يدعو لحوار وطني التي تأثر اقتصادها‪ ،‬والتي تعتمد على النفط الجنوب سوداني‪.‬‬
‫جامع»‪( ،‬رادي��و تمازج الإلكترونية‪ ،)2016/12/14 ،‬متاح‬
‫على‪/https://radiotamazuj.org/ar/all-news :‬‬

‫(((  وثيقة اتفاقية �أرو�شا لتوحيد ف�صائل الحركة ال�شعبية لتحرير ال�سودان‪   ((( .‬وثيقة اتفاقية ال�سالم‪� -‬أغ�سط�س ‪2015‬م‪.‬‬

‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬ ‫‪128‬‬


‫السياسية ومنسوبيها فقط‪ ،‬حيث تعتبر تحقق هذا السيناريو‬ ‫وتمكنت األطراف من التوقيع على اتفاقية «إعادة تنش���يط‬
‫هو األقرب‪ ،‬وإن كان تحققه هو الس���بيل األنسب لألصوات‬ ‫اتفاقية السالم» في العاصمة السودانية (الخرطوم)‪ ،‬تحت رعاية‬
‫المنادية بالتغيير التدريجي من الداخل بعد تحقق االستقرار‬ ‫االتحاد اإلفريقي‪ ،‬وواجهت جوالت المفاوضات عدة صعوبات‪،‬‬
‫السياسي واألمني‪ ،‬ونعني به َذيْن االستقرا َريْن‪:‬‬ ‫حلول وسط‬‫تمكنت األطراف من المساومة عليها والتوصل إلى ٍ‬
‫‪ -‬االستقرار السياسي‪ :‬بتجمد الحراك السياسي‪ ،‬والحياة‬ ‫في بعض القضايا الجوهري���ة‪ ،‬تمثلت في مطالبة ك ّل الحركات‬
‫السياسية بشكلٍ عام‪ ،‬في ظ ّل غياب التعددية‪ ،‬وإن وجدت تكون‬ ‫المس���لحة المعارضة بتطبيق النظام الفيدرالي‪ ،‬وتحديد حدود‬
‫غير نش���طة‪ ،‬بل تابعة للحزب الحاكم‪ ،‬في حالة تنفيذ اتفاقية‬ ‫وعدد الواليات‪ ،‬والترتيبات األمنية‪ ،‬وتقاسم السلطة(((‪.‬‬
‫أروشا‪ ،‬وتوحيد أجنحة الحركة الشعبية لتحرير السودان‪.‬‬ ‫وقام سلفاكير ميارديت بدعوة هذه األطراف‪ ،‬بعد التوقيع‬
‫‪ -‬واالستقرار األمني‪ :‬وهو األهم‪ ،‬ولكنه قد يأخذ طابعه‬ ‫عل���ى االتفاقية‪ ،‬لزي���ارة «جوبا» لالحتفال بالس�ل�ام‪ ،‬وبالرغم‬
‫الس���لبي‪ ،‬المتمثل في األمن مقابل جمود الحراك السياسي‬ ‫من رفض رياك مش���ار لهذه الدعوة‪ ،‬بحج���ة ضرورة االلتزام‬
‫تداول‬
‫أي ٍ‬ ‫وع���دم انتقاد النظام الحاكم وع���دم الحديث عن ّ‬ ‫بمصفوفة االتفاقية‪ ،‬إال أنه ذهب إلى جوبا وعاد إلى الخرطوم‬
‫للس���لطة‪ ،‬وما يرتبط بها من الحريات وحقوق اإلنسان كقيم‬ ‫بحضور رؤساء الدول الممثلين عن المجتمع الدولي‪.‬‬
‫الديمقراطية الليبرالية‪.‬‬ ‫وتحديات أمام تنفيذ المرحلة ما‬
‫ٌ‬ ‫عقبات‬
‫ٌ‬ ‫وم���ا زالت هناك‬
‫ال�سيناريو الثاني‪:‬‬ ‫قبل االنتقالية‪ ،‬وال سيما البحث عن الدعم والتمويل المالي من‬
‫أن تتحقق اإلرادة السياس���ية لدى القادة السياس��� ّيين‬ ‫نصت عليها االتفاقية‪.‬‬
‫أجل تشكيل بعض اللجان التي ّ‬
‫الخاصة‬
‫ّ‬ ‫خالل المرحلة االنتقالية‪ ،‬نتيج���ة تالقي المصالح‬ ‫الخاتمة‪:‬‬
‫مع المصالح العا ّمة‪ ،‬المتمثلة في تحقيق األمن واالس���تقرار‬ ‫ف���ي المجمل؛ يمكن الق���ول بأ ّن جنوب الس���ودان تعتبر‬
‫والتنمية االقتصادية ولو نسب ّياً‪ ،‬وقدرة الضامنين على إدارة‬ ‫أرضي���ة خصبة للصراعات الق َبلية من أجل الس���لطة والثروة‪،‬‬
‫تصب في مصلحة المواطن العادي‪،‬‬ ‫عملية التسوية‪ ،‬والتي قد ّ‬ ‫وذلك نتيج ًة لطبيع���ة التعددية االجتماعية والثقافية وتأثيرها‬
‫لحي���ن دخول البالد لمرحلة االنتخاب���ات‪ -‬وفقاً لالتفاقية‪-‬‬ ‫على الطبيعة والتركيب العس���كري في الدولة‪ ،‬وسعي القيادات‬
‫بع���د المرحلة االنتقالية‪ ،‬والتي تس���ير وفق فرضية العالقة‬ ‫السياسية إلى اس���تغاللها في الوصول أو البقاء في السلطة‪،‬‬
‫العكسية بين االنتخابات (التنافس على السلطة) واالستقرار‬ ‫فبالرغ���م من وج���ود دس���تورٍ انتقالي للدولة يفص���ل ما بين‬
‫السياسي في أغلب الدول اإلفريقية‪ ،‬القائمة على مبدأ « َمن‬ ‫الس���لطات الث�ل�اث إال أنه لم يك���ن مفع ًال‪ ،‬ولم تُس���هم هذه‬
‫بيده الس���لطة يملك ك ّل ش���يء»‪ ،‬فهي عملية حياة أو موت‪،‬‬ ‫اإلجراءات المؤسس���ية ف���ي منع أو احتواء نش���وب الصراع‪،‬‬
‫بس���بب هذا االرتباط الوثيق بين الس���لطة وتحقيق الثراء‪،‬‬ ‫واحد على الحياة السياسية‪،‬‬‫حزب ٍ‬ ‫وذلك باإلضافة إلى هيمنة ٍ‬
‫خاص ًة في جنوب السودان‪ ،‬وفق التجربة السابقة‪.‬‬‫ّ‬ ‫القائمة على الوالءات الضيقة دون الوطنية‪ ،‬والجدير بالذكر أ ّن‬
‫ال�سيناريو الثالث‪:‬‬ ‫تحالف األحزاب المعارضة لجنوب الس���ودان تع ّرض لالنقسام‬
‫بعد انتهاء المرحلة ما قبل االنتقالية‪ ،‬ودخول الدكتور رياك‬ ‫إلى مجموعتَيْن‪ ،‬إال أن تأثيرهم العس���كري ضئي ٌل في الصراع‪،‬‬
‫مش���ار وتحالف أحزاب المعارضة لجنوب السودان إلى البالد‪،‬‬ ‫وبالتالي يمكن �أن نتوقع تحقق �أحد ال�سيناريوهات الآتية‪:‬‬
‫وتش���كيل حكومة الوحدة الوطنية‪ ،‬قد تدخ���ل البالد مجدداً‬ ‫ال�سيناريو الأول‪:‬‬
‫حرب بين األطراف الرئيس���ية‪ ،‬بس���بب عدم التزام‬ ‫في حالة ٍ‬ ‫الفعل���ي التفاقية‬
‫ّ‬ ‫تواف���ر اإلرادة السياس���ية للتنفي���ذ‬
‫القوات المش���تركة بالمهام المكلفة بها‪ ،‬واستمرار والء األفراد‬ ‫السالم المنش���ط بالتوازي‪ ،‬مع تنفيذ اتفاقية أروشا‪ ،‬إال أ ّن‬
‫المشكلة لها لوالءاتهم السياسية قبل التشكيل‪ ،‬وباإلضافة إلى‬ ‫نتائجها س���لبي ٌة في الجانب التنموي ووضع ح ٍّد للصراعات‬
‫االحتكاكات السياسية التي قد تتطور بين أعضاء الطر َفيْن إلى‬ ‫المس���تقبلية‪ ،‬ألنها س���وف تكون مرتبط ًة بالفساد السياسي‬
‫ح ّد النزاع المس���لح‪ ،‬ونتيج ًة العتبار أ ّن جنوب الس���ودان تم ّثل‬ ‫والمالي‪ ،‬واالس���تفادة س���وف تكون مقتص���ر ًة على النخبة‬
‫أرضي ًة خصب ًة إلشعال فتيل الصراع الق َبلي‪ ،‬وهو ما قد يتجاوز‬
‫قدرة الضامنين على احتواء الوضع ‬
‫(((  وثيقة �إعادة تن�شيط اتفاقية ت�سوية النزاع في جنوب ال�سودان‪.‬‬

‫‪129‬‬ ‫ثقافية ف�صلية َّ‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
summary

Dynamics of conflict and


political settlement in
southern Sudan

Tikwaj Viter Oyan Kor


Master researcher of Political Science - Southern Sudan

This paper addresses the conflict in South Sudan, which


was erupted after two years of independence of the state,
when the government announced a failed coup attempt in
December 2013, by presenting both the causes and roots of
this conflict and its parties between the government and the
opposition groups, in particularly SPLM/A-IO. Then the paper
discussed the repercussions and impact on the several areas,
finally the regional and international efforts made to reach
a political settlement that can end the conflict and enter a
new phase led by a new government in a transitional period
for three years. We conclude three possible scenarios if there
are some objective reasons, although the situation in South
Sudan is complicated by a political and tribal conflict that is
difficult to predict 

‫هـ‬1440 ‫ �شوال‬- ‫ م‬2019 ‫ يونية‬- ) 41 ( ‫ العدد‬- ‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة‬ 130


Independence of constitutional
justice institutions in Western
African countries
Dr. Kassi Fawzia
Lecturer Professor “B” - Member of Law Society and Power institute,
Faculty of Law and Political Science / University of Oran - Algeria.

The constitutional justice is a core element for the


enshrinement of the rule of law, it endeavors to ensure
that the compliance of legal subjects’ behaviors with the
constitutional texts, which are the supreme law of the State.
Thus, all legal and regulatory texts must be in conformity with
the constitution, and all the authorities and public institutions
of the State must follow the constitution while exercising
their functions, otherwise it would be subject to abolition for
unconstitutionality. From this point onward appeared the need
to establish ad hoc bodies mandated with the control of the
unconstitutionality of laws; those bodies may differ regarding
their nature and composition, they may be embodied in the
form of special institutions, represented in constitutional
courts/councils, or through normal courts, which is mandated
with constitutional jurisdiction. In this case, there must be a
hierarchy of courts, and the adjudication in constitutional
matters and cases is often mandated to the supreme courts.
This is what will be addressed by this article, which seeks
to demonstrate the importance of operationalization of
the independence of constitutional justice from the rest of
authorities, focusing on the model of West African countries 

131 َّ ‫ثقافية ف�صلية‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
summary

Arab Cultural Identity:


Issues for African Agenda
2063

Dr. Muhammad Abdul- Karim Ahmed


Institute of African Research & Studies - Aswan University, Egypt.

According to the African Union’s documents, African


Agenda 2063 represents a road map guiding the African
development schemes for the next 50 years after the adoption
of Agenda (201320163-). More specifically, the Agenda treated
the important issue of African Identity as a cornerstone of its
structure and in the context of ideas such as African Renaissance,
Pan- Africanism, and integration of African cultures.
It was remarkable that the Agenda orientations was
based on general and traditional concepts such as facing
the globalization side effects, supporting good governance,
respecting the culture of human rights, enabling peace for
empowered development, and integration across the whole
African continent. Meanwhile the agenda neglected a very
important component of Africa’s cultural identity which is
represented in the Arab-Islamic identity and relied completely,
or maybe exclusively, on the pan-Africanism perceptions of the
African cultural identity.
The article tended to deconstruct the Agenda’s approach to
these issues, and paid its much part to reconstruct a proposed
vision of putting the Arab-Islamic identity in the context of the
wide African cultural identity as been set by the AU.
In addition, the article provides a critic review to the
Arab contributions in the African collective work. It also
recommended several actions to be taken to reinforce the Arab
role inside the African cultural policies and agendas 

‫هـ‬1440 ‫ �شوال‬- ‫ م‬2019 ‫ يونية‬- ) 41 ( ‫ العدد‬- ‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة‬ 132


Indigenous Conflict Resolution
Mechanisms in the African Societies
& Their Contemporary Relevance

Adama Bamba
Academician and Researcher - Cote d’Ivoire - Academy of Islamic Studies,
University of Malaya, Malaysia

If poverty, illness and hunger are Africa’s lasting plagues,


civil conflicts have entered this list and rendered it into a vicious
cycle since the end of the Cold War. In this regard, the present
paper aims at exploring the indigenous conflict resolution
mechanisms (ICRMs) in Africa in terms of their traditions
and general characteristics. By adopting a Social Descriptive
method, the present paper has noted the presence of a
variety of the traditional mechanisms almost in every African
ethnic group. In addition to that, some commonalities are
found among these mechanisms accross Africa. Also, as some
Muslim communities are involved, such as: Hausa, Mande,
Fulbe, Swahili etc, some deep Islamic influences are found in
the (ICRMs). However, the major challenges to the effective
use of the (ICRMs) in solving the contemporary conflicts, are
among others: the cultural alienation of the African elites and
societies. The present paper is expected to bring this issue to
the attention of the researchers to explore these traditional
mechanisms and search for possible ways to implement them
in solving the contemporary conflicts 

133 َّ ‫ثقافية ف�صلية‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
summary

Child labor in Africa


between reality and
International Agreements
Jihan Abdel Rahman Gad
PhD researcher at the Institute of African Research and Studies - Cairo
University

This paper discusses a phenomenon of Child labor that remains


a global problem of enormous proportions. It is more prevalent in the
less developed countries than in the developed ones. The 2016 Global
Estimates of Child Labor, Africa has the largest number of child laborers;
72.1 million African children are estimated to be in child labor and 31.5
million in hazardous work. Progress against child labor appears to have
stalled in Africa. Child labor went up in Sub-Saharan Africa over the
2012 to 2016 period, in contrast to continued progress elsewhere in
the world, and despite the targeted policies implemented by African
governments to combat child labor.
Scholars and policy-makers have enriched our understanding
of this complex social phenomenon by focusing mostly on its
determinants and its consequences. and many of studies have found
poverty to be the most prominent factor, and child labor has been
found to have evolved as a result of need to socialize children for their
future occupations, and with regard to the consequences of child labor,
considerable number of scholars have noted that child labor practices
often have a negative effect children›s health and its education.
Child labor is a global issue that exists in both industrialized and
developing countries. With the unanimous adoption of International
Labor Organization (ILO) Convention No. 182 in 1999 calling for the
immediate elimination of the worst forms of child labor, ratifying
member countries have committed themselves to identifying
hazardous work for children in the context of their respective legislative
frameworks, and it is important to start with a proper theoretical
understanding of the phenomenon 
‫هـ‬1440 ‫ �شوال‬- ‫ م‬2019 ‫ يونية‬- ) 41 ( ‫ العدد‬- ‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة‬ 134
Financial Integration in Africa:
A Case Study of the Economic
Community of East African States (EAC)

Dr. Jihan Abdul-Salam Abbas


Instructor of Economy, Politics and Economy sections, Institute of African
research and Studies, Cairo University

Most of the African countries suffer from several economic problems,


such as poverty, unemployment, the decline in savings and investment rates,
and the increasing dependence on aid and development assistances. As
African economies opened up to the outside world and adopted economic
reform programs, Africa had to follow financial liberalization programs within
reform programs. With the world witnessing trends towards integration and
the formation of regional economic blocs, the need for African countries to
achieve such integration has increased through their many economic blocs.
In this sense, financial integration is one of the most important ways to
achieve economic integration and the main step through which it can achieve
many advantages, the most important of which are: increasing competition
and innovation in the financial sector, diversifying risks by various financial
instruments, raising the efficiency of the financial sector and increasing its
productivity, foreign investments, financial development and financial depth.
The Economic Community of West African States (ECOWAS) was
established in 1967 and then dissolved in 1977 to be re-established in 2000 as
an economic bloc that brings together the countries of the East Africa (Kenya,
Tanzania, Uganda, Rwanda and Burundi) to achieve sustainable development
in the region. Regional financial integration is a good way to overcome the
financial sector hurdles in East Africa, the most important of which is the small
size of the financial markets and the decline in liquidity. The banking sector,
which absorbs most of the financial assets and is plagued by problems such as
high costs, limited profitability and limited banks to foreign banks operating in
East Africa. Hence, the importance of achieving financial integration will be an
important step towards enhancing the economic growth of the bloc countries,
especially as it is one of the most important economic blocs promising in Africa 
135 َّ ‫ثقافية ف�صلية‬
‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
summary

Israeli Foreign Policy towards


Africa: A reading of political
determinants and foundations
Hana Khalaf
Egyptian Researcher - Beni Suef University, Department of Political Science.
Khadija Mohammed
Egyptian Researcher - Beni Suef University, Department of Political Science.

There are many goals and interests for Israel in the African continent,
which make it follows specific programs and policies to be able to achieve
them and hence to be able to create the Zionist entity it always aspire for in
the Middle East.
Israel followed these specific programs to enact cooperation with
African leaders to present itself as a regional active power and to support its
presence in the Middle East and Africa. Therefore, in this study we will try to
clarify several points regarding the Israeli policies in Africa. We will outline the
fundamentals of Israeli foreign policy and clarify the means and the programs
which it depends on to achieve its goals, and we will mention the determinants
of the Israeli foreign policy towards Sub-Sahara Africa.
Israel had used diplomatic factors through making communication
with African political parties and movements and also made many visits to
the African countries specially the Nile River basin countries. Israel had also
resorted to the economic factor through providing the African countries
with support, technical, scientific and financial aids and helping them in their
economic projects. It also had used intelligence, religious and soft power
factors to strengthen its actual presence in Africa.
As well as there is the economic side as Africa had suffered a lot from
weak and bad economy in the time of colonization, so Israel exploited that by
helping in improving the African economies to be like their friend that wants
to developing their situation and to be their ally all the time.
Also there are social factors which is presented in the issue of creating a
home for Jews that is known as the promised land so Israel had create their
nation Israel and now seeks to collect the Jews from the world, as Africa has
a lot of Jewish communities so Israel sought to exploit these communities to
support its existence 

‫هـ‬1440 ‫ �شوال‬- ‫ م‬2019 ‫ يونية‬- ) 41 ( ‫ العدد‬- ‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة‬ 136


United States and the
search for oil security in
the Gulf of Guinea
Hafida Taleb
PhD researcher in political science - institute of political and international
studies - University of Amhamed Bougherra - Boumerdes / Algeria

The Gulf of Guinea has become a destination for many


oil companies as it occupies a geo-strategic position in the
Western strategic thought because of its vast oil reserves.
Despite its disregard for the region in recent years, the United
States has managed the compass towards it, European and
Chinese, and to increase tensions in the Middle East. The coast
of the Gulf of Guinea has thus become an area of international
conflict.
In light of the fragile conditions and conditions that
characterize the African nation in general, the United States
has provided a range of assistance in the form of cooperative
programs based on the idea of partnership, but apparently
do not fall outside the framework of conditionality, which
primarily serves US interests and leads to achieving oil security.
Therefore, the US presence in the Gulf of Guinea and the
combination of political, economic and military strategies are
part of the US national energy strategy, which is based on the
idea that interests do not recognize borders and distances as
long as tools and means exist, which reflects the desire of the
United States of America to shift from the stage of leadership
to the stage of global management, to maintain hegemony
and to give way to a competitive power 

137 َّ ‫ثقافية ف�صلية‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
summary

How West African people cared for their history:

manifestations, prospects
and challenges

Abdulrahman Khalifa Sadou Jallow


Researcher in Islamic history and African studies from Mali.

This paper aims to scientifically trace the origins of the movement where the western
Africans started to be interested in their history until now, and explore the factors that led
to the establishment of the historical heritage of the region. The paper also addressed some
manifestations indicating that the western Africans were interested in their history as follows:
-The traditional narrators kept and narrated this history.
-Instruction and education.
-Universities established departments to teach the national and regional history.
- Sculpture work.
- writing history.
-Learning from radio and TV.
-Centers for African research, and manuscripts were established.
- Museums were established.
-Historic and archaeological sites and monuments were maintained.
-Memorials for national heroes were built.
-Social media are used to disseminate historical awareness and culture.
_Folklore and songs were used to disseminate historical awareness and culture.
-Documentary movies and animations were produced.
This paper also addressed paths taken to assure scientific and popular interest in the
history of the region as follows:
-Sudanese mythology
- Popular proverbs
- Generations and races
-Political history
-History of civilization
-History of disasters and natural phenomena
- The movement of writing history and its resources
The paper also addressed some challenges and obstacles that faced popular and scientific
interest in the history of Western Africa to achieve better results in the future as follows:
-Finance difficulties
-Interest in history was limited to a certain group of the society.
-Historical narration and research were not committed to sound methodology of
history writing in the region 

‫هـ‬1440 ‫ �شوال‬- ‫ م‬2019 ‫ يونية‬- ) 41 ( ‫ العدد‬- ‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة‬ 138


Ethiopianism as a base
for African nationalist and
religious movements

Nasser Karam Ramadan


Political Researcher – Egypt

This article is a historical overview of the Ethiopianism


concept and its manifestations in a three Dimensional
perspective, namely: Religious, Cultural and Political. In this
regard, this article provided a historical perspective of the
emergence of the Ethiopianism since the emergence of the
“Ethiopia” in the Biblical verse (Psalms, 68:31), to its adoption
by the various African movements and individuals as a refusal
of the European/white supremacist ideology and attitudes
towards black people and their culture. This paper concludes
that the Ethiopianism concept and ideology has encompasses
all the African national movements in the recent history, such
as the Independent Churches, the Anti-Colonial movements,
the Pan African, the Rastafarian movements, etc 

139 َّ ‫ثقافية ف�صلية‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
Editorial

led by various youth groups in escape its limitations by leveraging


Nigeria resulted in tangible results. its young resources and talents.
President Mohamed Buk hari Rapid population growth is also
signed the bill “Not Too Young a great opportunity to implement
to Run” after its approval in both innovations and ideas for grassroots
Houses of Parliament to reduce the community projects. However,
presidential age limits from 40 to strong political will is required to
35, and 35 to 30 for state governors. enable the creation of the right
H o w e v e r, r e d u c i n g t h e environment to encourage young
minimum age for candidacy does people and youth to engage in
not mean easy access to those conversations and dialogues to
political positions, but in the see what solutions and possible
Nigerian context, the arrival of alternatives are available to build
young people to any political or Africa that everyone looks forward
leadership positions is an arduous to. This underscores the importance
journey that requires lengthy action. of reviewing curricula in various
For example: they will have to African countries to include
overcome the high cost of running practical exercises and applications
tickets and political campaigns, and that will develop young people
gain the satisfaction and support who can solve problems from an
of the “strong men” in the country. African perspective.
Young Leaders and the Future The current leaders and political
of Africa: leaders need only to encourage
Encouraging young people’s their youth to take leadership
participation in leadership and roles and political offices, in order
managing their country’s affairs to bridge the generational gap in
does not mean that they are right political leadership and to ensure
in all their decisions, immune from smooth transition and succession
exploitation by foreign forces and of power in African States 
enticing illegal material gains or
populism, but the integration of
young people into key strategic
leadership roles is a prerequisite for
progress in the technology age. It is
essential for sustainable economic
development and for Africa to

‫هـ‬1440 ‫ �شوال‬- ‫ م‬2019 ‫ يونية‬- ) 41 ( ‫ العدد‬- ‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة‬ 140


the new generation of politicians positions and to determine the
in their mid-30s, with no memories course of events. Julius Malema,
of the Cold War or the conflicts that Amusi Mayman and other young
brought many of the current leaders political party leaders - who are now
to power. They are mostly educated pressing the ruling African National
and prominent in their fields and Congress (ANC) government - are
are civilians in their movements and the bearers of the banners left
activities, to find themselves at the by their former masters, Robert
crossroads of enormous changes Sobokoy, who established the party
that could strengthen governance in 1959 to oppose apartheid in
and development in Africa in the South Africa; Steve Pico, who led the
coming decades. Black Consciousness Movement;
However, there are also some and in 1968 founded the South
leaders who are not yet ready to African Student Organization,
accept the new situation imposed by under the age of 23, what led to
young people. Ugandan President his assassination while he was only
Yoweri Museveni of 74 years could 30, that in return led to the popular
not - for example - hide his shock of pressure to end the apartheid
the 36-year-old MP Bobby Wayne, regime and the release of “Nelson
when he challenged his authority, Mandela”.
and how he has succeeded in The Republic of Botswana, in
rallying people and gaining the April 2018, added its name to the new
support of young people to oppose generation of politicians in Africa
his administration. In spite of a when it appointed the 30-year-old
series of arrests, accusations and Bogoglu Joey Kenwendo as Minister
trials, the large proportion of young of Investment, Trade and Industry
Ugandans have not stopped calling of the country. Kenwendo was
Bobby Wayne “slum president” or “ previously a member of parliament
President of the poor”. from 2016 at the invitation of
South Africa and the legacy of former President Ian Khama, to
young leaders: become the country’s youngest
What distinguishes the political deputy at the time.
scene in South Africa is that its young Nigeria reduces the age of
people over the decades have not candidacy for Parliament and
waited for the official permission Presidency:
to take over the leadership of In May 2018, the campaign

141 َّ ‫ثقافية ف�صلية‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
Editorial

years old in 1889 when she and other highest positions in the country;
leaders resisted Britain’s occupation young people in sub-Saharan Africa
of Mashunaland and Mateipeland have created different ways of
(now known as Zimbabwe); Kenyan carrying out their leadership duties,
leader Dedan Kimathi, he was 33 contributing to changing political
when he led the scene in the Mo tracks and solving developmental,
Mo rebellion and founded a 1953 social and environmental issues,
war council to counter the British forcing some governments to
occupation, while Omar Siko Tori recognize and include them in
was 36 years old when he assumed their administration to be part of
the presidency of Guinea in 1958. shaping national policies.
Patrice Lumumba contributed Among overall progress that
to the independence of his has been made is the fact that the
country and even led the National 2017 African Union selection of the
Congolese Movement (MNC) From theme “Making use of demographic
1958 until his assassination) at the dividends through investment
age of 33, and was the first Prime in youth” as its agenda for that
Minister of the country from June to year. The AU agenda for 2063 is
September 1960, aged 35 years. In promising with a positive future
addition to the above, local leaders that cannot be achieved without
and other change leaders were young leaders taking ownership
less than those mentioned and of the framework. As well as other
left their positive mark in shaping developments in South Africa,
the future of their lands and their Botswana, Kenya, Rwanda, Uganda,
peoples politically, economically Nigeria, Burkina Faso, Zimbabwe,
and socially. the Democratic Republic of Congo
To d ay, h owe ve r, d e s p i te and other countries of the continent
deliberate exclusion and putting that witness youth participation
a limit to the minimum age in in leadership, management and
various constitutions, like the decision-making.
suggestions from the officials Challenging the old guard in
of Zanu-PF, Zimbabwe’s ruling Uganda:
party, that have proposed an The current political
increase in the minimum age of transformations in the continent
the presidential candidate, now reflect the emergence of a wave
40, on the grounds that “immature of politicians and young activists
persons” will be banned from the who defy old leaders. These are

‫هـ‬1440 ‫ �شوال‬- ‫ م‬2019 ‫ يونية‬- ) 41 ( ‫ العدد‬- ‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة‬ 142


Young leaders and the
future of the Africa

Africa is a the continent of play an effective role in building


youth; as statistics estimate the their countries and achieving the
number of African population successful economic transformation
ranging between the age of 15 and and the political representation and
24 with 200 million people, while public service.
more than 60% of the population African history portrays the
are under the age of 35. However, opposite of what we witness today
their participation in the policies from a low youth participation in
that affect their lives and their important leadership; as national
future still a small percentage. constitutions in many countries
Many reports estimate prevent youth from entering the
that the number will reach 375 federal parliament or other political
million youth in Africa by 2030, posts, as if the current leaders
so it is highly important that the don’t trust their youth and they
leaders of the continent respond are blocking the roads that enable
effectively to their needs. Among them to participate in decision
the requirements of the solution making process.
is opening the doors in front of By reference to history, Nihanda
the young generation that can Charui Nyakasikana was only 34

143 َّ ‫ثقافية ف�صلية‬


‫محكمة متخ�ص�صة في �ش�ؤون القارة الإفريقية‬
‫ال�سنة الخام�سة ع�شرة ‪ -‬العدد ( ‪ - ) 41‬يونية ‪ 2019‬م ‪� -‬شوال ‪1440‬هـ‬

You might also like