Professional Documents
Culture Documents
القيادة واإلدارة
النموذج اإلسالمي في القيادة واإلدارة
تأليف
هايل عبد المولى طشطوش
دار الكندي
د.هايل عبدالمولى ▪
أساسيات في القيادة واإلدارة ▪
الطبعة األولى2008 : ▪
جميع الحقوق محفوظة ▪
جميع الحقوق محفوظة ،ال يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو تخزينه في نطاق
استعادة
المعلومات أو نقله بأي شكل مـــن األشكــــال دون إذن خطي مسبـــق من الناشر.
2
قال تعالى:
" وقل ربي زدني علما "
"طه آية "114
صدق هللا العظيم
3
اإلهداء
إلى خير القادة...
وزعيم السادة...
إلى أفضل من تولى القيادة..
وأعظم من تصدر الريادة...
إلى اشرف من امتطى صهوة اإلدارة..
فكان خير قائد ،وأعظم دليل ومرشد..
فأنقذ الحيران ،وزرع األمن واالطمئنان..
فرفع الظلم عن اإلنسان ،وأضاء عتمة المكان..
إلى اشرف الخلق ،سيد ولد عدنان..
إلى (الرسول القائد) والى (القائد الرسول)
ثم إلى....
إلى كل من تولى القيادة في األمة فاخلص في عملة وقام بة حق القيام .
4
5
بسم هللا الرحمن الرحيم
مقدمــــــــه
الحمد هلل رب العالمين وأتم الصالة وأفضل التسليم على نبي الهدى والرحمة المبعوث
رحمه وشفاعة للعالمين ليخرجهم من الظلمات إلى النور ،وبعد:
أن حديثنا اليوم عن أساسيات القيادة واإلدارة هو حديث تفرضه ضرروات العصر
ومعطيات الواقع المعاش ،فاإلنسان الذي وولد على هذة البسيطة كمخلوق اجتماعي ،احتاج
وخالل مراحل حياته المختلفة الى قيادة تقودة وإدارة ترعى شؤونه وتوجيه مستمر يقودة إلى
ما يحقق أهدافه وغاياته في هذة الحياة والتي ابسطها تحقيق العيش الكريم ،فمنذ البدء احتاج
هذا اإلنسان الذي هو اجتماعي بطبعه ومن خالل الجماعة التي كان يعيش في إطارها الى ما
يسمى بالقيادة واإلدارة ،وذلك ألنه أدرك وبفطرته التي فطرة هللا عليها إن وجود الجماعة بدون
قائد هو بمثابة القطيع الهائم السائم على وجهه بدون راع يرعى شؤونه ويذود عنه المخاطر
التي قد تحدق به ،وقد تطورت فكرة القيادة واإلدارة مع تطور واختالف مراحل الحياة االنسانيه
من بدائية إلى اقطاعيه إلى مجتمعات منظمه شيوعية وراسماليه إلى أن وصلت البشرية الى
أرقى مراحل تطور علومها ومعارفها ودخلت _ وبقوة _ إلى ما يسمى بعصر العولمة من أوسع
األبواب وأكبرها ،فتطورت نظم الحياة وتغيرت حتى شمل التطور والتغير كافه جوانبها من
سياسية واقتصاديه واجتماعيه وثقافية وفكرية وتربوية....الخ ،وقد كان ابرز ما في هذة
التطورات هو ثورة التكنولوجيا واالتصاالت والمواصالت واألقمار الصناعية وتطور الحاسوب
وانتشاره بشكل منقطع النظير وظهور شبكه االنترنت والفضائيات والهواتف النقالة...الخ ،كل
ذلك جعل حياة اإلنسان سهله وميسرة واختصر عليه الوقت والمسافات ،فصار يدير أعماله
ومصالحه من خالل الحاسوب والهاتف النقال أو القمر الصناعي أو يتابع أخبار أعماله وتجارته
من خالل القنوات الفضائية ،وبمعنى أخر أصبح يشاهد العالم كله بكبسه زر واحدة وهو جالس
مكانه ال يحرك ساكنا ،فاختصر الزمان والمكان وتحول العالم إلى قرية صغيرة يسهل التجوال
فيها .
ان كل هذة التغيرات والتطورات اجتاحت وبالتأكيد مجال اإلدارة والقيادة ففرضت عليه
واقعا جديدا يجاري العلوم والمعارف والتكنولوجيا الحديثة ،فدخلت إلى مجال اإلدارة والقيادة
مفاهيم جديدة ومتطلبات جديدة البد ان يتقنها كل من اراد النجاح في قيادته وادارته لمؤسسته
ورجاله واعماله وامواله ،فاصبح على قائد اليوم ومدير اليوم ان يتقن فنون الحاسوب واللغات
واالنترنت ومهارات القيادة واالتصال واالبداع ودخول الدورات المختلفه التي تعزز من كفاءته
وقدراته وتمكنه من قيادة وادارة منظمته بنجاح وصوال الى تحقيق االهداف المبتغاة.
لذا فان البحث في موضوع القيادة واالدارة في هذا العصر هو ضرورة البد منها لكي
يطلع المهتمون على المفاهيم والنظريات والواجبات والخصائص والمشاكل والمعوقات وكل ما
يدخل في موضوع القيادة واالدارة وخاصه ان كل االعمال والواجبات اصبحت بحاجه الى ادارة
ناجحه وقيادة كفؤة لكي تصل الى ما تريد من اهداف وغايات ،فلم يعد االمر فوضويا او خبط
عشوا،بل ان االدارة بما تحتويه من واجبات يجب ان تطبق على كل االعمال لكي يكتب لها
النجاح ،وكذلك حال القائد الذي يجب ان يتمتع بالحزم والقوة وبعد النظر واالدارك وسعه االفق
واتساع الثقافه ...الخ من صفات حتى يكون قائدا ناجحا في اعماله ووظائفه .
اما حديثنا عن النموذج االسالمي في القيادة واالدارة فقد جاء بسبب الظروف
القاسيه واالزمات المتالحقه والنكسات الخطيرة واالتهامات الكثيرة التي تعيشها وتتعرض لها
االمه وهو واجب يحتم على كل من كان في جوفه كلمه صدق واخالص وعلى كل من يجود قلمه
بالكلمه الصادقه الهادفه الداعيه الى ايضاح الحقائق ووضع النقاط على الحروف وتسميه
6
االشياء بمسمياتها ،ان يقدم ما لديه على بساط العلم والمعرفه وينشرة على المالء ليعرفه
القاصي والداني لتنجلي الحقائق وتنزاح الغمائم ويبرئ المتهم من التهمه.
ان واقع العالم اليوم وفي ظل االضطراب الذي تعيشه البشريه قد ادى الى طمس
وتشويه كثير من المعالم الحقيقه الصادقه عن االسالم ،مما ادى الى اتهام االسالم بصفات
واتهامه بتهم هو بريء منها براءة الذئب من دم يوسف ،عندما اختلط الحابل بالنابل اتهم
االسالم بالتطرف والعنف والتخلف والجهل واالصوليه والرجعيه وكان ابشع هذة الصفات
والنعوت هو اتهام االسالم العظيم باالرهاب ،ان االسالم اليمثله شخص ما او قوم ما او طائفه
ما ،فاالسالم منهج حياة وهو عقيدة وعبادة وهو دين ودوله وهو نظم اقتصاديه وسياسيه
واجتماعية وعسكريه راقيه ومتحضرة ومتطورة ،بل انها صالحه لكل زمان ومكان ال بل ان كل
االمكنه واالزمنه تصلح لها،ان اطالق الصفات واالتهامات على دين رباني الهي عظيم بسبب
مخالفه فرد او قوم او طائفه او خروجهم عن الطريق المستقيم امر مرفوض وغير مقبول ال
عقال وال منطقا ،فاالسالم اعظم واكبر من ان يمثله فرد متطرف او جهه متشددة او طائفه
رجعيه او قوم جاحدون متشدقون متفيهقون ،ان الدارس لالسالم كمنهج حياة يدرك عظم هذا
الدين وحضاريته ورقيه وقدرته على المتابعه ومجاراة الواقع ومواكبه التغيرات والتطورات
والتماشي معها ،والسبب بسيط لذلك،انه دين هللا الذي اوحى به الى نبيه بالقران العظيم الذي
يستحيل ان يأتيه الباطل ال من بين يديه وال من خلفه ،انه معجزة الزمان التي حيرت العقول
وااللباب .
لذا ومن باب أيضاح الصورة وبيان عظم اخالقيات االسالم حتى في أقسى وأشد
الظروف ضراوة وهو ساحة الحرب والقتال وجدت لزاما علي ان أكتب عن اخالقيات ومبادئ
االدارة والقيادة االسالميه التي كان بطلها رسول هللا الكريم وصحابته من الخلفاء الراشدين
االجالء وتابعيهم الذي اخلصوا العمل واتبعوا نهج نبيهم في قيادتهم وادارتهم لالمه فضربوا
بذلك أروع االمثله وسطروا حروفا من نور في أخالقياتهم ومثالياتهم وشكلوا لنا حجه وبيانا
نحتج بها ونبينها للناس دفاعا عن االسالم وتبرئه له من التهم الباطله التي بات ينعت ويوصف
بها ،حيث شكلت اخالقيات ومبادئ القيادة اسالميه نقطه مضيئه في التاريخ االنساني اليستطيع
احد التعامي عنها او تجاهلها وال يفعل ذلك اال حاقد او جاهل او من اولئك النفر الذين يلبسون
الحق بالباطل وليس لهم غايه او هدف اال تشويه صورة االمه واالنتقاص من دورها الحضاري
واالنساني والتقليل من إسهاماتها في اثراء الحضارة االنسانية ورفدها بما هو مفيد عبر
مسيرتها التي امتدت منذ اربعه عشر قرناالى اليوم ،انها اخالقيات عز نظيرها سواء في
التاريخ القديم او الحديث ،وما على الذين يوجهون التهم الى االسالم ويرون بانه دين القتل
والحرب والعنف والتطرف واالرهاب ان ينظروا الى تاريخهم وماضيهم وحروبهم واخالقياتهم
القياديه واالداريه في ادارة الشعوب واالمم ويقارنوها مقارنه بسيطه مع اخالقيات ومثاليات
االسالم ،فاالسالم لم يستخدم االرهاب في حربه وقتاله ولم يستخدم نظام االبادة البشريه ولم
يستخدم هدم البيوت وال تشريد النساء واالطفال والشيوخ وال ترويع االمنين المطمئنين في
بيوتهم ولم ينغص عبادة المتعبدين ولم يحرق دور العبادة وال اماكن العلم والمعرفه ولم يخطف
االطفال ولم يغتصب النساء ولم يهتك االعراض ولم يجبر احد على اتباعه قسرا وعنوة ،بل انه
كان دين الرحمه واالخالق الفاضله وكان يستخدم نظام العفو والمغفرة حتى في نشوة النصر
وزهوة القوة والمنعه،حيث لم يكن االسالم قاسيا وال جبارا الفي حربه وال في سلمه بل كان
رحيما حليما شعارة العفو عند المقدرة وحال لسانه هو كالم نبيه الكريم لمن وقع تحت رحمته
وصار ذليال صاغرا بان يقول له " اذهبوا فأنتم الطلقاء " لذا ومن هذة المنطلقات كلها تنبع
اهميه هذا الكتاب الذي ارجوا هللا ان يكون فيه النفع والفائدة .
أما طريقه تركيب وبناء أجزاء وأبواب هذا الكتاب فقد ارتأيت فيها -ولتسهيل أجراء
المقارنه على القارئ الكريم -ان أورد في الباب االول منه كل ما يتعلق بدراسه نظم القيادة
7
واالدارة الحديثه من حيث التعريف والمعنى وأراء العلماء والمفكرين في هذا المجال ثم
النظريات التي درست القيادة واالدارة وعالقه كل منهما باالخر ،كل ذلك جعلته في باب واحد
لينتقل القارئ بعد ذلك للباب الثاني اي الى القيادة االسالميه وكل ما يتعلق بها من تعريف
للعقيدة العسكريه االسالميه واهداف واخالقيات الحرب في االسالم...الخ ويجري مقارنه مع ما
درسه في الباب االول ليدرك ان كل ما جاء به علماء هذا العصر من مبادئ اداريه قد طبقته
القيادة واالدارة االسالميه من خالل قادتها واداريوها الذين كان على راسهم القائد االول
والمدير الناجح محمد رسول هللا عليه افضل الصالة واتم التسليم ،ونظرا لزخم المعلومات
وتزاحمها والعطاء المزيد من التوضيح فقد تم تخصيص الباب الثالث للحديث عن االدارة في
االسالم من جميع النواحي وبشكل تفصيلي ،لذا يكون الكتاب مكون من ثالثه اجزاء ،االول
يتحدث عن اساسيات القيادة واالدارة المعاصرة ،والثاني يتحدث عن القيادة في االسالم والثالث
يتحدث عن االدارة في االسالم .
ان الدراسات السابقه في هذا المجال كثيرة ومتنوعه ولكن – وبعد االطالع على كثير
منها -وجدتها ال تتحدث اال عن الموضوع بشق واحد أي انها تتحدث عن القيادة االسالميه من
خالل الحديث عن الرسول القائد او عن العقيدة واالستراتيجيه العسكريه االسالميه فقط او عن
نظم القيادة لوحدها او نظم االدارة والقيادة معا ،ولكن ومن خالل هذا الكتاب يستطيع القارئ ان
يجمع في دراسته ومعرفته عن الموضوع بين نظم واساسيات االدارة والقيادة المعاصرة
ويقارنها على الفور مع ما كان يطبق ويجري في القيادة واالدارة االسالميه فيحصل عندها على
نتيجه وغايه من هذة الدراسه ،وقد تم بحث الموضوع بمنهجيه بسيطه وباسلوب سهل وميسر
بعيدا عن الغموض والتعقيد ليكون في متناول الجميع على اختالف مستوياتهم العلميه والثقافيه
ولتعم الفائدة منه على كل من يطلع عليه ،وقد تم ذلك من خالل استخدام المنهج الكالني الشامل
على المقارنه والوصف والتاريخ ....الخ باسلوب ميسر وسهل انشاء هللا ،حيث تم طرح مادة
هذا الكتاب بطريقه تتمازج فيها الدراسه االكاديميه النظريه الصرفه وبين الخبرة العمليه
للمؤلف الذي كان له الشرف في امتطاء صهوة القيادة العمليه -قيادة الرجال -لمدة قاربت
العشرين عاما ،مما اثرى البحث وزادة وضوحا وبيانا.
وأخيرا نقول:إن نجاح األعمال والمنظمات اليوم يتوقف على نجاح القادة وتقدمهم
ومجاراتهم لعلوم ومعارف العصر وخاصة بعد أن دخل العالم إلى عصر العلم والتكنولوجيا
وثورة االتصاالت والمواصالت ودخول البشرية إلى ما يسمى عصر العولمة الذي زالت فيه
الحدود والقيود وانفتح العالم فيه وأصبحت نظم القيادة تحتاج إلى فكر إداري متطور يتماشى
مع روح العصر ويستخدم وسائل التكنولوجيا الحديثة كاالنترنت والفضائيات واألقمار الصناعية
والهواتف النقالة...الخ ،ولكن السؤال المطروح أالن هو ،هل زادت هذة المعطيات من تعقيد
مهمة القادة أم أنها سهلت ويسرت عليهم إدارة مؤسساتهم وشركاتهم ،دون ان يروا ويتعرفوا
حتى على وجوه العاملين معهم ...؟؟ ،أن من قدر عليه أن يقود الرجال واألعمال ويريد النجاح
لها وبها عليه أن يتابع ويتعلم ويتطور ويتثقف ليعرف ويلم بكل ما يدور حوله من تغيرات
سريعة ومتسارعه في عالم األعمال والرجال .
لذلك ارجوا من هللا أوال أن يكون هذا العمل في سبيله وخالصا لوجهه الكريم وان يكون
صدقـة جارية لي بعد الممات لينتفع به كل طالب علم ومعرفه وثقافة وان يكون خدمه هلل والدين
وأألمه بغيه تحقيق أهدافها وأمالها في الرقي والتقدم واالزدهار .أنه نعم المولى ونعم النصير .
وهللا الموفق
المؤلف
8
اربد في 1/1/2008
9
10
الباب األول
11
12
الفصل األول
القيادة واإلدارة (عام )
13
الفصل األول
القيادة واإلدارة (عام)
تمهيد :
قبل الحديث عن نظم القيادة واإلدارة في اإلسالم ومبادئها وأخالقها فأنة حري بنا أن
نتحدث عن فن ممارسة القيادة واإلدارة واألساليب واألنماط التي تمارس بها عملية التأثير في
اآلخرين بشكل عام ،باإلضافة إلى معرفة أساليب التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة التي
يستطيع بها الشخص المعني – المدير أو القائد – من تحقيق أهداف خطته بواسطة مرؤوسيه
والعاملين تحت إمرته – كل حسب موقعة – بأعلى كفاءة واقل تكلفة ،والقيادة عنصر هام من
عناصر حياة البشر ال تستطيع أي منظمة االستغناء عنة ابتداء من األسرة وانتهاء بالدولة،
فالناس بدون قائد عبارة مجموعات ال تحقق شيء وال تنجز مهمة ،تعيش على هامش الحياة
دون تخطيط أو تنظيم ،وقد أدركت األمم السابقة أهمية القيادة فأولتها العناية واالهتمام
والرعاية ،فقد اهتم الرومان مثال بتنشئة أبنائهم على حب القيادة وغرس الصفات القيادية فيهم
وتنمية سماتها بالتدريب والتعليم ،وذلك استعدادا لخوض المعارك الشرسة وتحقيق األهداف
والغايات ،وكذلك الحال عند إسبارطة القديمة التي كانت تعود األطفال منذ سنين عمرهم األولى
على مفاهيم القيادة وصعوبة المواقف والظروف القاسية التي تجعل منهم محاربين وقادة أشداء
إلدراكها ان المحن والشدائد هي مصانع الرجال ،أما امتنا العربية فلم تغفل عن القيادة وعن
تنميتها وتقوية سماتها لدى األبناء منذ نعومة األظفار ،والقيادة عند العرب ارتبطت بمفاهيم
الشجاعة والقوة والذكاء والفطنة وسرعة البديهة والصبر واإلقدام ...الخ من الصفات القيادية
التي
سنأتي على ذكرها الحقا ،ومن جميل ما قيل من أشعار العرب والتي تدل على أهمية
القيادة في حياتهم حيث يقول الشاعر الجاهلي األفوه األودي:
ال يصلح الناس فوضى ال سراة لهم وال سـراة إذا جهالهـم سـادوا
والبيـت ال يبتنـى إال على عمد وال عمـاد إذا لم تـرس أوتـا ُد
وفي اإلسالم كان للقيادة الناجحة الشجاعة الصبورة الحكيمة الدور البارز في بناء
الدولة االسالميه على أسس عصريه أضافه إلى نشر اإلسالم والحفاظ علية وهذا ما
()1
سنستعرضه بالتفصيل في الباب الثاني من هذا الكتاب.
مفهوم القيادة LEADER SHIP:
تعددت وتنوعت واختلفت تعاريف مفهوم "القيادة " وذلك حسب اختالف الزمان
والمكان ولكن في مجمل التعاريف نجد أنها تركز على عدة عناصر أبرزها :فن إدارة األفراد ،
تحقيق الهدف باستخدام الكفاءة العالية ،تحمل اقل التكاليف أو الخسائر ....الخ ويتبادر إلى
الذهن -وفور سمع كلمة القيادة – الجندية أو العسكرية وكذلك الحال فان أول ما يتبادر إلى
ذهن السامع عند الحديث عن العسكرية أو الجندية هو مفهوم القيادة أو اإلدارة ،الن القيادة
()2
تتجسد في العسكرية والعسكرية تتجسد في القيادة ،والقيادة الناجحة تحديدا .
) )3زهاء الدين عبيدات ،القيادة واإلدارة التربوية في اإلسالم ،دار البيارق ،عمان ،2001 ،ص ص .40،41
) )4للمزيد يمكن اإلطالع على :صامويل هيز ،وليم توماس ،تولي القيادة ،فن القيادة العسكرية ،ترجمه سامي هاشم
،5المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت.1984،ص.20 – 18
) ) للمزيد راجع :المصدر سابق . ،ص.20 – 18
) )67جميل كاظم ألمناف ،القيادة واألزمة الحضارية ،دار الرشيد ،بغداد ،1980 ،ص .40
) ) حلمي أللوزي ،فن القيادة ،مجلة األقصى ،العدد 764،لسنة ،1986ص.52
15
إنها التأثير على المرؤوسين لجعلهم يجهدون في تحقيق األهداف -
المرسومة عن طيب خاطر ورغبة وتعاون وحماس ،وذلك عن طريق اإلقناع
()8
وليس اإلجبار واإلكراه".
أما ( ليترر) فأنة يعرف القيادة بأنها ":ممارسة التأثير من قبل فرد على -
()9
فرد أخر لتحقيق هدف معين " .
" القيادة هي :فن التأثير في المرؤوسين إلنجاز المهام المحددة لهم -
()10
بكل حماس وإخالص ".
أما ( )bassفانه يعرف القيادة بأنها ":عمليه يتم عن طريقها إثارة -
()11
اهتمام اآلخرين وإطالق طاقاتهم وتوجيهها في االتجاه المرغوب ".
-أما القيادة وحسب المفهوم العسكري " :فإنها السلطة القانونية التي يمارسها أي
عضو في القوات المسلحة على مرؤوسيه بفضل رتبته ومنصبة " والقائد في هذه الحالة مكلف
بتنفيذ اإلعمال واإلشراف على نشاطات وحدته وتنفي ما يصدر لة من أوامر تساهم في تحقيق
األهداف .
أما القيادة وحسب المفهوم اإلداري فإنها تعني ":القدرة على التأثير على سلوك -
اآلخرين واألفراد المرؤوسين وتوجيههم نحو تحيق األهداف المنشودة ".
وهي أيضـا ":تحفيز األفراد وكسب تعاونهم من اجل الوصول إلى األهداف " (.)12 -
وقد عرفت أيضا بأنها ":التأثير الفعال على نشاط الجماعة وتوجيهها نحو الهدف -
()13
والسعي لبلوغ هذا الهدف".
وهي أيضا ":عالقة بين الرئيس والمرؤوسين ". -
ويعرفها :Langبأنها ":ألعمليه التي تهدف إلى تحقيق األهداف المرسومة -
()14
والموضوعة مسبقا للتنظيم".
أما القيادة من وجهة نظر علم النفس العسكري فإنها تعني ":فن التأثير في الرجال -
وتوجيههم نحو هدف معين بطريقة تضمن بها احترامهم وثقتهم وطاعتهم ووالءهم
وتعاونهم"( )15وهذا التعريف يبين المعايير التي قررها علم النفس العسكري الختيار القادة،
حيث سيتم الحديث عن ذلك بالتفصيل الحقا.
وكذلك فان القيادة من وجهه نظر عسكريه تعني " :الصالحيات القانونية التي -
يمارسها الرجل العسكري على مرؤوسيه بقوة رتبته وواجبة وموقعه وهذا يعني ببساطة
ممارسته للفعاليات الشاملة لإلدارة والقيادة الناشئة عن منصبه ،والواجبات المكلف بها،
) )8المصدر السابق ،ص.53
) )109نواف كنعان ،القيادة االداريه ،دار العلوم ،الرياض ، 1980 ،ص.70
) )11علي محمد منصور ،مبادئ االداره ،مجموعه النيل العربية ،القاهرة ،ص. 211
) ) نواف كنعان ،مصدر سابق ،ص .66
. Richard l. Daft , Management, Dryden Press , 2000, P503 ( )12
) )13عبد الكريم درويش وليلى تكال ،أصول اإلدارة ألعامه ،مكتبه االنجلو مصريه ،القاهرة ،1977 ،ص .399
) )14ماهر محمد صالح حسن ،القيادة أساسيات ،ونظريات ومفاهيم ،دار الكندي ،اربد ،2004 ،ص.19
) )15محمد جمال الدين محفوظ ،المدخل إلى العقيدة واالستراتيجيه العسكرية اإلسالمية ،الدار المصرية للكتاب ،القاهرة ،
،1976ص.275
16
وتبنى القيادة أساسا ً على السلطة المفوضة من خالل تسلسل القيادات ،ويمكن تعريف السلطة
بأنها :القوة الشرعية التي يستخدمها القائد في توجيه مرؤوسيه للعمل في حدود مهام
المنصب المعين فيه ،وتعتبر المسؤولية جزءاً أساسيا ً ومكمالً لسلطة القائد ،حيث إن جميع
()16
الرجال العسكريين يعتـبرون أشخاصا ً مسئولين من الناحية القانونية والناحية المعنوية".
وتعرفها إدارة الخدمة المدنية األميركية بأنها ":تختص بالتأثير الفعال على نشاط -
((17
ألجماعه وتوجيهها نحو الهدف والسعي لبلوغ هذا الهدف ".
ويعرفها (صامويل هيز)":هي فن التأثير في السلوك اإلنساني بغيه تحقيق المهمة -
()18
باألسلوب الذي يرغب فيه القائد".
ويبدو أن أبسط تعريف للقيادة هو أن نقول" :هي عملية تحريك الناس نحو -
((19
الهدف".
وقالوا في القيادة أيضا ":ليست القيادة خلق شيء بقدر ما هي خلق رجال أو -
السيطرة عليهم وحبهم والحول على محبتهم وعظمه هذة المهمة ناشئة عن توحيد الصفوف
()20
في سبيل واجب مقدس "
ويرى بعض الباحثين ان القيادة " هي فن يكتسب وينمى ويمارس بالخبرة والمهارة
والتدريب والتعليم والمتابعة ليصبح القائد مؤهال ومدربا على األساليب الصحيحة في القيادة،
()21
وتلعب الرغبة لدى الفرد دورا هاما في اكتسابه المهارات القيادية وإتقانه لها.
نرى من خالل التعاريف السابقة أن معظمها -إن لم يكن كلها -تركز على عدة محاور-
وهي ما تسمى عناصر القيادة والتي من أهمها:
إن القيادة هي (فن ) :وان الفن يحتاج إلى براعة ومهارة وإتقان لكي يخرج بنتيجة .1
وغاية ال أن يفشل ،وهذا يقودنا إلى الحديث عن الشخص ألذي يمتلك هذه المهارات والمواهب
أال وهو ( القائد ) ،وهو ما يحقق عنصر هام وهو االنسجام والتعاون بين فريق العمل .
التأثير :الشك أن القيادة الناجحة هي عملية تأثير من قبل شخص على مجموعه .2
أشخاص بهدف تحقيق غاية معينة ،وهوة العملية يجب ان تكون بطريقة مهذبة مقنعه لكي
تحظى باالحترام والتقدير وتكون قابلة للتطبيق.
المرؤوسين ( األفراد ) :بدون األفراد المرؤوسين تكون أحدى حلقات سلسلة القيادة .3
مفقودة وناقصة الن أهم عناصر القيادة هي الرئيس والمرؤوس.
األهداف :المهمة لها غية وهدف تسعى لتحقيقه وعملية التحقيق تتم من خالل .4
ممارسة القيادة من قبل القائد ،وال فما فائدة التأثير في المرؤوسين وإقناعهم.
اإلقناع -القدرة على التأثير :-وليس اإلكراه واإلجبار الن النتائج تتحقق في حالة .5
اإلقناع بطريقة أفضل وأيسر من أن يكون الدفع لها هو اإلجبار واإلكراه والقسر ،وهي تلتقي
مع العنصر رقم (.)2
القائد :وهو العنصر الهام الذي ال غنى عنة في سلسلة القيادة ،ان العنصر البشري .6
هو جزء هام بل أنة العنصر أول بين عناصر اإلنتاج األخرى التي تلعب دورا بارزا وهاما في
) )16جالل منزالوي ،فن القيادة الحديثه ،مجله كليه الملك خالد العسكرية ،الموقع االلكتروني .www.khmaq. Gov. sa :
تاريخ 19/3/2007
) )17محاضرات مطبوعة في اإلدارة العامة لطالب الكلية العسكرية الملكية ،األردن .1984،
) )18صامويل هيز ،وليم توماس ،مصدر سابق ،ص.346
) )19انظر الموقع االلكتروني www.islammemo.cc:
) )20ج .كورتوا ،لمحات في فن القيادة ،مصدر سابق ،ص.11
) )21للمزيد من المعلومات يمكن مراجعة :احمد عبد ربة بصبوص ،فن القيادة في اإلسالم ،مكتبة المنار ،الزرقاء ،األردن
، 1989،ص11
17
تحقيق األهداف والغايات المنشودة .وال بد هنا من اإلشارة إلى تعريف من هو القائد من وجهة
نظر الخبراء والمختصين في مجال القيادة واإلدارة.
ومن تعاريف ( القائد ):
()22
-القائد عند العرب هو " المرشد ،الدليل ،الهادي".
-القائد هو ":ذلك الشخص الذي يوجه ويرشد او يهدي اآلخرين – األتباع -الذين يقبلون هذا
()23
التوجيه واإلرشاد بهدف تحقيق أغراض معينة.
-يقول (مونتغمري) بان القائد هو ":انه الرجل العالم بفن القيادة والذي يجعل الناس يتبعونه
ويطيعونه ".
(أيزنهاور) يعرف القائد بأنة ":ذلك الشخص الذي ينجز عملة بكفاءة ويمتلك درجة ال -
باس بها من الثقة بنفسه غير آبه بما يدور حوله من سخرية واستهزاء ويبقى مخلصا ألهدافه
النبيلة متفهما لآلخرين " .
يقول (فايول) ":إن معنى مديـر هو أن تتنبأ وتخطط وتنظم وتصدر األوامر وتنسق -
()24
وتراقب ".
نستطيع أن نعرف القائد بأنة :ذلك الشخص الذي يمتلك من المهارة والخبرة -
والكفاءة والسلطة ما يمكنه من تطويع اآلخرين وقيادتهم باإلقناع والرغبة وطيب الخاطر إلى
ما يحقق األهداف المرسومة والمصالح المأمولة .
ويعرفه بعض الباحثين بأنة ":ذلك الشخص الذي فيه مميزات شخصيه تجعله قادرا -
في التأثير في اآلخرين لتحقيق أهداف معينة " .
أيضا هو ":ذلك الشخص الذي يملك من الصفات الشخصية والمواهب القوية ما -
يسمح له بإرشاد اآلخرين وتوجيههم وإعطائهم التعليمات لممارسة مسؤولياتهم " .
الرئيس(القائد) هو رمز الوحدة والسلطة ،وتجمع أوامره كلمه الجميع وتمنعهم من -
()25
التفكك والفناء".
الرئيس( القائد ) هو راس الجماعة او من كان رأسها ،انه الرأس الذي يرى ويفكر -
ويدفع إلى العمل في سبيل المصلحة العامة ،وهو من يريد ثم يعمل ،ويثير رغبه العمل في
نفوس اآلخرين ويوزع عليهم الجهود والمسؤوليات لتحقيق ما أراد ،انه الشخص المطاع
المحبوب الذي تدعمه شخصيته قبل رتبته وال يتوانى عن تضحية نفسه في سبيل رجاله او
()26
عمله .
ويلخص أحد الخبراء أهميه وقيمه الرئيس ( القائد) في هذة العبارة ":ان الجماعة
بدون قائد كالجسم بدون رأس أو كالقطيع التائه يسير بال راع نحو المجهول تتقاذفه األهواء
حتى يسقط بين أنياب المفترسين " ،ويقول (موروا)":ال تستطيع جماعه مـا – بــدون قائد-
()27
ان تقرر شيئا حتى وال الئحة طعام العشاء ".
) )39علي حامد عبد هللا ،القيادة بين ألممارسه والتعليم ،مجلة األقصى ،العدد ، 813 ،لسنة ، 1990ص. 67-62
) )40جميل كاظم ألمناف ،مصدر سابق ،ص .40
) )41ج .كورتوا ،الطريق الى القيادة ،مصدر سابق ن ص .15
) )42موسى العدوان ،فن القيادة العسكرية ،مجله األقصى ،العدد ، 1988 ، 787ص. 24
) )43جميل كاظم ألمناف ،مصدر سابق ،ص.42
23
سايمنتن) ( :فالسلوك اإلنساني ينظر إليه على أنه دالة لكل من الطبع والتطبع ،والسؤال ليس
ما إذا كان الطبع أو التطبع هو الذي يحدد السلوك ،بل هو كيف يتفاعل كل منهما ؟ وما هي
أهميتها النسبية في تشكيل الشخصية اإلنسانية وهذا التساؤل ذو أهمية خاصة لفهم اإلبداع
والقيادة ،فبعض الناس يعتقدون أن العبقري يولد ،والبعض اآلخر يعتقد أن يُصنع ولعل الحقيقة
()44
توجد في تركيب معين منهما".
وعلى ايه حال فانه وان كان هناك صفات موهوبة من الخالق عز وجل او مكتسبة
بالوراثة إال أنها تبقى محدودة ونادرة ويبقى األساس هو خلق القادة بتدريبهم وتهيئتهم وصقل
مواهبهم زيادة فعاليتهم وتمكين قدراتهم ،حيث يقول مونتغمري ":اعتقد أن القادة ينشؤون
()45
أكثر مما يولدون قادة ،وممارسه القيادة دراسة تستغرق الحياة ".
) )46للمزيد :موسى العدوان ،فن القيادة العسكرية ،مصدر سابق ،ص .24
47-للمزيد انظر :صامويل هيز ،وليم توماس ،مصدر سابق ،ص.89 – 85
) ) محمد جمال الدين محفوظ ،مصدر سابق.275 ،
25
26
المبحث الثاني
صفات وخصائص القائد ( المدير)
إن قيادة الرجال هي من أصعب أنواع القيادة فهي ليست بالمهمة السهلة ألنها تتطلب
ممن يقوم بها أن يكون مؤهال متفهما لمبادئها وقواعدها وأساليبها وأصولها ،لذا فالبد أن
يتمتع القائد بمميزات وصفات حسية ومعنوية وجسمانيه ونفسية تمكنه من أداء مهمته وصوال
إلى ما يصبو إليه من أهداف ،لذا فقد أجريت دراسات وأبحاث كثيرة لتحديد صفات وخصائص
القائد ،وغالبا ما كانت هذه الدراسات بعد إنجاز أو حصول حدث ما كالنجاح في مشروع
اقتصادي ضخم أو عملية إدارية أو فنية أو تحقيق إنجاز سياسي أو نصر عسكري كبير ،ولكن
على األغلب تجرى هذه الدراسات بعد الحروب والمعارك والعمليات العسكرية الن القيادة أكثر
ما تتجلى في العمليات العسكرية أو الحروب ،لذا فقد تكثفت هذه الدراسات بعد الحرب العالمية
الثانية من اجل تحديد صفات وخصائص القادة ،وكان أبرزها الدراسة التي أجراها الجيش
األميركي والتي توصل خالها إلى تحديد ما يقرب من ثالث عشرة صفة تمتع بها القادة
الناجحون ،ولكنها كانت نسبية ومتفاوتة من شخص ألخر ،ولكن يجب االنتباه إلى أن توافر هذه
الصفات في شخص ما ال يعني انه قائد ناجح بالمطلق ،ولكن غياب هذه الصفات يحول دون
نجاح القائد في مهمته ،ومن ابرز الصفات والخصائص التي تدرس على أنها صفات القائد
()48
الناجح ما يلي:
المظهر: .1
ينبغي أن يظهر القائد بشكل مميز سواء في ملبسة أو تصرفاته أو أخالقة بحيث يكون
القدوة الحسنة لمرؤوسيه ويجب أن يعبر مظهر القائد عن ثقته بنفسه ونشاطه وحيويتة
وفطنته ،ويجب أن يوحي كذلك بالهدوء واالتزان والرصانة وعلية أن ال يكون سريع الغضب
واالنفعال الن ذلك يفقده القدرة على اتخاذ القرار الصائب وكذلك يفقده ثقة مرؤوسيه
واحترامهم له .إن إحساس المرؤوسين وكل من هم حول القائد بثباته واتزانه ،يترك لديهم
انطباعا ً عاما ً بالثقة واألمان ،إن كثرة الهياج وحدّة الطباع والتع ّود على التلفظ بألفاظ نابية،
يفقد القائد ثقة المرؤوسين فيه ،ويخلق حاجزاً بينه وبينهم ،تظهر آثاره أثناء اختباره لرجاله
في الشدائد والظروف الصعبة ،إن القائد الذي ال يستطيع التح ُّكم في أعصابه ليس عليه أن
يطلب من اآلخرين أن يتحكموا في أعصابهم ،إن عمل القائد يتطلب منه أن يتكلم كثيراً مع
المرؤوسين شفاهة ،فإذا اتخذ القائد أسلوبا ً مهينا ً في التعامل مع مرؤوسيه ،فإنه قد يتعرض
الحتماالت مؤلمة منها االحتكاك وقد تصل إلى العصيان.
الشجاعة: .2
وهي الحالة العقلية التي تمكن اإلنسان من السيطرة على الخوف وتمكنه من اجتياز
المخاطر والصعاب ،وتجعله يتقبل المسؤولية ويتصرف بالطريقة المناسبة في حاالت التهديد.
والشجاعة أيضا ً تعني الوقوف مع الحق حتى لو أدّت بصاحبها أن يواجه إجماعا ً رافضا ً
لهذا الحق.
إن القائد الذي يتمتع بالشجاعة الروحية سوف يكون قادراً على تصحيح أخطائه،
وسوف يفرض قراراته طالما أحس بأنه على صواب .ولكي يكتسب القائد الشجاعة يجب أن
يدرس ردود فعله عند الخوف بتطوير قدراته النفسية لمواجهة هذا الخوف ،ومحاولة الهدوء
دائما ً عند األزمات ،ويجب عليه أيضا ً أن يكون مرتب التفكير وأن يبتعد عن تضخيم المواقف.
كما يجب عليه أن يقف مع كل ما هو حق ضد أي إجماع مخالف وأن يتقبل اللوم واالنتقاد
واالعتراف بأخطائه في حالة الخطأ وهو ما يسمى بالشجاعة األدبية والتي تكسب القائد ثقة
ومحبة واحترام مرؤوسيه.
28
الرجال توضع في أيدي قلة من القادة ،وهؤالء القادة يجب أن يتمتعوا باستقامة غير
قابلة للشك .ويجب أن توضع األمانة واإلحساس بالواجب والمبادئ األخالقية فوق كل اعتبار،
إن التقارير التي ترد من القادة إلى القيادات األعلى يجب أن تشمل الحقائق الصحيحة ،ألنه في
بعض األحيان تكون تقارير معينة تبدو غير مهمة ،ولكنها تكون ذات تأثير خطير يظهر أثره
فيما بعد .إن تقدير المواقف والتخطيط على المستويات العليا ال يمكن أن يكون صحيحا ً وذا فائدة
بدون معلومات دقيقة وأمينة ،والتي تأتي من المستويات األدنى .ولعله ال يغيب عنا أن صفة
األمانة كانت السند الهائل لرسول هذه األمة (صلوات هّللا عليه وسالمه) قبل وبعد الرسالة التي
كلَّفه هّللا تعالى بها ،وقد حض عليها اإلسالم وشدد في تطبيقها واعتبر خيانة االمانه هي من
صفات المنافقين ،ويكفي ان نعلم ان الجبال لم تستطع حمل االمانه لثقلها ،فاإلنسان النزيه
المستقيم هو من يحافظ على ما اؤتمن عليه من مسؤولية وما كلف به من عمل.
.7ألمعرفه:
ينظر المرؤوسين لقائدهم بأنه كنز معلومات وبأنه يعرف كل شيء عن كل شيء لذا
ينبغي على القائد أن يثقف ويعلم نفسه بكل أنواع العلوم والمعرف ويتابع كل جديد وخاصة في
مجال عملة وتخصصه من تطورات وصناعات ،باإلضافة إلى هذا فإن المناقشات الجدية
والبحوث والخبرات تساهم أيضا ً في توسيع مدارك القائد وإثراء معرفته الشخصية وكذلك ما
يتعلق بتخصصه وعمله.
.8اللباقة وحسن التعامل:
اللباقة هي كيفية التعامل مع اآلخرين بأسلوب مهذب ومحترم .يجب أن يتمتع القائد
بالقدرة على التعامل مع اآلخرين باحترام وأدب وكياسة ولباقة ،ألنه كما يعامل الناس يعاملوه،
واإلنسان الفطين هو الذي يضع نفسه مكان اآلخرين أثناء تعامله معهم ،الن اآلخرين بالمقابل
سيتعاملون معه باألسلوب نفسه .وهذة الطريقة غير صعبه وممكنه التحقيق ،إن استخدام هذه
الطريقة يكون مجديا ً وفعاالً في أوقات األزمات والمحن والبعض يرى – مع األسف -أن القائد
المهذب مع رؤسائه هو مجرد متذلل ومنافق ،وهذا الكالم غير صحيح ،إذ عادة ما يكون القائد
الهادئ والثابت والمهذب قادراً على اكتساب احترام اآلخرين دون شعور بالحرج ،وفي بعض
األحيان قد يكون مطلوبا ً أن تصدر األوامر بطريقة جافة ،ولكن في أغلب المواقف فإنه من
المفضل إتباع األسلوب المهذب.
وفي هذا اإلطار يقول احد الخبراء ":ال يبحث القائد الحقيقي عن السلطة حبا في
السيطرة وهو ال يضغط أرادات الرجال بغيه تحطيمها وإنما يبحث في سبل مساعدتها لتصبح
()49
قادرة على خدمه هدف نبيل ".
.9اإليثار:
وعكسها األنانية القاتلة التي تعمي اإلنسان عن رؤية إال مصلحته متناسيا مصالح
اآلخرين وال يأبه إال بمنفعته الخاصة على حساب مرؤوسيه وأتباعه ،والقائد المنكر لذاته هو
ذلك الشخص الذي يتجنب أن يرتفع على حساب اآلخرين ،ومن بديهيات األخالق أن تكون راحة
ورضا المرؤوسين أوالً وقبل راحة القادة.
إن القائد الحقيقي المنتمي هو ذلك الشخص الذي يضع نفسه في آخر سلم األولويات
ويشاطر المرؤوسين األوقات الصعبة واألخطار.
اإلدارة القــــــيادة
-1تركز على اإلنجاز واألداء في -1تركز على العالقات اإلنسانية وتهتم
الوقت الحاضر. بالمستقبل.
-2تركز على المعايير وحل -2تحرص على التأكد من عدم الخوف
المشكالت وإتقان األداء واالهتمام إال في المهم من األمور وتهتم بالرؤية
باللوائح والنظم واستعمال السلطة. والتوجهات اإلستراتيجية وتمارس
.3قد تكون الطاعة ناتجة عن أسلوب القدوة والتدريب وقضاء األوقات
الخوف الن المدير جاء نتيجة الطويلة مع اإلتباع واالهتمام بهم كبشر.
تسلسله الوظيفي الى هذا المنصب .3الرضا التام من قبل األتباع عن القيادة
ولم يكن نتيجة اقتناع األتباع ،وكذلك ألنهم مقتنعين بها لقدرتها على التأثير
فان أوامره ناتجة عن التعليمات عليهم بطريقة مقبولة وحسنة.
واللوائح والقوانين. .4تنفيذ المهمة أيسر لقناعة األتباع بها.
.4المهمة أصعب ألنها تطبيق للوائح
واألنظمة. .5االهتمام بتحقيق الهدف أكثر من أداء
.5االهتمام بأداء العمل أكثر من العمل فقط
االهتمام بتحقيق الهدف.
وكال األمرين مهم ،إذ أنهما م ًعا يشكالن جناحي اإلنجاز والنجاح ،فالقيادة بدون إدارة
تجعلنا نعيش في عالم المستقبل والعالقات ونهمل اإلنجاز الحاضر الذي بدونه ال يمكن أن
نستمر ،واإلدارة وحدها تجعلنا نبتعد عن األهداف البعيدة والصورة الكلية والربط بالقيم
()63
والمبادئ ونسيان العالقات اإلنسانية في خضم االهتمام باإلنجاز.
إن الصفات التي يجب ان يتمتع بها القائد كثيرة ومتعددة ومتجددة تفرضها ضرورات
ومستجدات الحياة العصرية ومع تطور التقنيات تتطور الضرورات التي يجب أن يتمتع بها
الرئيس أو القائد أو المدير أو من يتربع على قمة هرم ألقياده مهما كان نوع المنظمة التي
يرأسها من مستوى إدارة األسرة والعائلة في البيت وحتى مستوى قيادة ألدوله فهي إذن
ضرورات ال غنى عنها لكل واحد منا.
وسائل وأساليب تدريب القادة:
أدركنا فيما سبق بان السمات الوراثية قد ال تكون وحدها سببا كافيا في نبوغ القائدة
وبروزه كقائد ناجح يقود منظمته إلى بر األمان وشواطئ النجاح ،لذا فأنة البد من توافر
مقومات وعناصر أخرى تشكل جزء من شخصية القائد وتلعب دورا مساعدا -وقد يكون
رئيسيا – في نجاحه وتفوقه في مهامه القيادية المنوطه بة وصوال الى غاياته وأهدافه التي
يسعى هو ومن يعمل بإمرته إلى تحقيقها .
) )61المصدر السابق ،ص .43
) )62جميل كاظم المناف ،مصدر سابق ،ص . 40
) )63للمزيد من المعلومات يمكن الرجوع الى الموقع االلكترونيwww.islammemo.cc :
للمزيد انظر :زهاء الدين عبيدات ،مصدر سابق ،ص .42
34
وخير ما يساعد القائد وينمي من مهاراته القيادة هو التدريب والتعليم القيادي الذي
أصبح – أالن – ال غنى عنة للقادة والمديرين وذلك بسبب التطورات والمستجدات المتغيرة في
البيئة المحيطة للقائد والمدير ،فعصر العولمة واالنفتاح والسرعة والتطور الهائل في نظم
االتصاالت والمواصالت والنظم المعرفية وظهور الحاسوب الذي أصبح يدخل في كل عمل مهما
كان صغيرا أو كبيرا إضافة إلى تزايد االعتماد المتبادل بين بني البشر ...كلها عوامل أصبحت
تفرض على القائد – المدير – ان يصبح مؤهال ومدربا ليكون في النهاية قادرا على تحقيق
األهداف وبلوغ مبتغاة.
إن عملية " التدريب " للقادة هي عملية مستمرة ومتصلة ليس لها حدود تقف عندها
او وقت تنتهي بنهايته ،وهي متنوعة في أساليبها وأنماطها ومواضيعها ،والتغير المستمر في
البيئة المحلية والدولية المحيطة بالمنظمة يلعب الدور األكبر والهام في تنوع واستمرار عملية
التدريب ،وتنبع أهمية العملية التدريبية للقادة من كونها وسيلة اإلنتاج الرئيسية للقادة
الناجحين المؤهلين والمناسبين إلدارة منظماتهم نحو النجاح ،ونجاح العملية التدريبية يتوقف
على وجود عدة عناصر مساعدة لتحقيق الغاية من التدريب ،وابرز هذه العناصر هي:
.1وجود المدربين األكفاء القادرين المؤهلين الذين تتوفر لديهم القدرة على التدريب وتطبيق
البرامج المعدة لذلك بكل ما يستطيعون من طاقة وقدرة ،باإلضافة إلى الخبرة والتجربة
والممارسة .
.2توفر البرامج التدريبية المتطورة المسايرة لركب العلم والمعرفة ،المبنية على األسس
العلمية السليمة .
.3توفر البيئة المناسبة للتدريب ،واألجواء المريحة التي تضمن االستيعاب واإلدراك والفهم
السريع للمادة المطروحة للنقاش .
.4استخدام أساليب التدريب الحديثة المتجددة المتنوعة التي تضمن التشويق واإلثارة
واالهتمام من قبل المتدربين ،واالبتعاد عن الروتين الممل واألساليب التقليدية القديمة .
.5ضمان تفاعل واندماج المتدربين وتفاعلهم مع البرامج المطروحة ،من خالل إشراكهم في
التدريب وتوكيل مهمة المساعدة في التدريب لهم لتعويدهم على سلوكيات قيادية جديدة ،
تضمن تخريجهم كقادة بعد انتهاء فترة التدريب .
.6إجراء االختبارات المخططة المدروسة المبنية على أسس سليمة تضمن تطوير مهاراتهم ،
وتكشف عن قدراتهم القيادية التي اكتسبوها ،وأيضا تستخدم للتمييز بينهم ومعرفة قدراتهم.
.7توفير واستخدام المعدات التدريبية المساعدة والتي تصور بيئة المنظمة التي سيعمل بها
المتدرب بعد انتهاء فترة التدريب المخصصة .
.8الواقعية في التدريب والبعد عن التصورات الخيالية الغير محتملة ،من خالل طرح المعاضل
والمواقف القيادية الطارئة التي قد يواجهها القائد في أثناء أدائه لعملة وتركة يتخذ القرار
المناسب وبسرعة ودقة لحل هذه المعضالت والمواقف الطارئة .
أما الوسائل والطرق واألدوات التي من الممكن ان يستخدمها القائد لزيادة مهاراته
القيادية وزيادة كفائتة وتحسين أدائه فهي:
.1إن ولوج العالم اليوم فيما يعرف ب " عصر العولمة " يفرض على من يريد أن يتبوءا
مهمة القيادة واإلدارة أن يستخدم الوسائل العصرية التي تساعده على االتصال والتواصل مع
العالم ،حيث أصبح من الصعب ان تعيش المنظمة ومهما كان حجمها بعيدا عن الواقع الدولي
واإلقليمي على األقل ،لذا فان إتقان مهارات الحاسوب واالنترنت ،أصبح من الضروريات ال
من الكماليات القيادية ،الن بيئة األعمال اليوم ال تستغني عن استخدام شبكة االنترنت ،وال
تخلو منظمة من جهاز الحاسوب،وذلك بسبب ما يوفره هذا الجهاز الصغير من إمكانيات هائلة
تساعد القائد على حل مسائل كان يتطلب حلها الجهد الكبير والمال الوفير ،ناهيك عما توفره من
دقة للنتائج واختصار للوقت ،وغزارة في المعلومات القادمة من مصادر مختلفة ومتنوعة ،
والقيادة بشقيها المدني والعسكري يجب ان تكون منفتحة على عصر العلم والمعرفة ودلك ان
قائد الغد العسكري يواجه أيضا الفرضية القائلة " بان الميادين السياسية واالقتصادية
35
والصناعية والعسكرية تتقارب معا بصورة أوثق ،وكن – مع األسف – فان المادة المطبوعة
موجهه نحو تحقيق األهداف الصناعية ومن الخطاء ان يعتبر القائد العسكري مثل هذه المادة
()64
غير قابله للتحويل إلى المحيط العسكري ".
.2ينبغي على القائد أن ال يكتفي بامتالكه لسمات القائد وخصائصه سواء كانت وراثية او
مكتسبة كأساس لنجاحه ،بل علية حضور الدورات التدريبية المستمرة والمكثفة والمتطورة
لكي تساعده على تنمية مهاراته وتطويرها وتحسين أدائه .
.3المكتبة القيادية واإلدارية يجب ان تكون هي المكان األول الذي يقضي فية القائد معظم وقته
لإلطالع على أحدث األساليب واألنماط والتطورات في مجال عملة ،باإلضافة الى إطالعه على
الدراسات واألبحاث الخاصة بعملة ،الن الثقافة هي السالح الرئيسي لحماية القائد من أن يكون
فريسة الوقوع في الزلل والخطاء .
.4التفاعل والمشاركة المستمرة بالندوات والمؤتمرات وحضور المحاضرات الخاصة بعمل
القائد والتي تطرح من خاللها المواضيع واألفكار الكثيرة والمتنوعة التي تساعد في تنمية
المهارات القيادية الفاعلة وتطوير والمواهب وزيادة الخبرات والخروج بما هو جديد.
.5االنضمام إلى األندية والمؤسسات التي تعنى بمهارات القيادة واالتصال والتي تنمي مهارات
فن التحدث واالستماع والتفكير ألنها أصبحت من أساسيات القيادة الحديثة)65( .
.6االختالط والتفاعل مع األشخاص ذوي الخبرة والمعرفة واألقدم واألكثر معرفة وتبادل اآلراء
وإجراء الحوارات معهم واالستماع إلى نصائحهم وأرائهم في مجال مهارات القيادة واإلدارة .
.7يلعب التعليم األكاديمي والخبرة الدراسية دورا ال يمكن إنكاره في مجال تنمية المعارف
والمهارات القيادية ،ألن األساس األكاديمي هو القاعدة العريضة للبناء المعرفي التراكمي الحقا
عند اإلنسان .
) )64للمزيد انظر :صامويل هيز ،وليم توماس ،مصدر سابق ،ص .112
) )65انتشرت في العالم اليوم ما يعرف بأندية الخطابة الدولية والمعروفة ب" التوست ماسترز " والتي تعتبر بيئة ثقافية تساعد
على تطوير مهارات االتصال والقيادة إضافة إلى تعليم فن التحدث واإلصغاء والتفكير ،حيث تعتبر منظمة ( التوست ماسترز)
منظمة تطوعية غير ربحية توفر التدريب على مهارات القيادة واالتصال مجانا في أنحاء العالم المختلفة ،ويوجد في األردن حاليا
تسعه أندية مسجلة في المنظمة الدولية " .صحيفة الرأي ،العدد ،13287تاريخ ، 17/2/2007ص.5
36
ثمرات (فوائد) القيادة في حياه األفراد والجماعات
إن القيادة هي مظهر من مظاهر التفاعل بين الجماعات البشرية المختلفة والن
ممارستها برغم كونها معقدة فهي ظاهرة سلوكية شائعة وطبيعية للغاية وتحدث كلما اثر إنسان
في سلوك اآلخرين من اجل غاية معينه ،وهي جزء من نشاط اإلنسان وحركته الدؤوبة في هذه
الحياة ،وما أرادها اإلنسان لنفسه اال لفوائدها وثمراتها العظيمة في حياته العملية ،حيث تشكل
القيادة جوهر النجاح وسره في كل منظمة مهما كان نوعها او مستواها او حجمها ،فبدون
القائد الموجة ال يتم األمر مهما كان وال يبلغ اإلنسان هدفه ومبتغاة ،وبالتالي فان القيادة-
الناجحة -هي الموجه لنشاط األفراد والجماعات وهي الداعم لنجاحاتهم وتحقيق أهدافهم ،
وتزداد أهمية القيادة بازدياد تطور المجتمعات وزيادة التشابك والتعقيد في الحياة اإلنسانية ،
وذلك الن األهداف المبتغى تحقيقها تزداد ويزداد طموح اإلنسان ليحظى بثمراتها وفوائدها ،
وبدون القيادة الناجحة الكفؤه القادرة الحكيمة لن يتم لة ما يريد .
ونستطيع أن نلخص فيما يلي بعضا من ثمرات وفوائد القيادة في الحياة العملية:
.1تسهم القيادة في تنظيم وترتيب مجريات الحياة وحمايتها من االضطراب والتشويش
والفوضى ،الن الناس بدون حكماء وقادة يصبحون فوضى تحكمهم "الديموغوجيه "
البغيضة التي يأكل فيها القوي الضعيف ويضيع الصغير فيها بين أقدام " الكبار" .
.2تسهم القيادة في أقامه العدل والحق واإلنصاف في المجتمع ونصب موازين الحق بين ألناس
وإعادة الحق ألصحابه ،الن القيادة هي مزيج من السلطة والقوة والقدرة وبدون هذه العناصر ال
يستقيم أمر الناس.
.3أنها ضرورية لتوجيه الطاقات والتنسيق بينها بما يضمن توحيد جهود العاملين في إطار
خطة المنظمة وتصوراتها المستقبلية.
.4القيادة وسيل التخلص من السلبيات وتعظيم االيجابيات أثناء ممارسة البشر لنشاطاتهم
اإلنسانية.
.5ال تتحقق األهداف والغايات في أي عمل مهما كان نوعه ومستواه إال بالسيطرة والقيادة،
وذلك من خالل قيامها بأدوارها في التنظيم والتخطيط والتوجيه والرقابة .....الخ من الوظائف.
.6تساهم القيادة في توظيف القدرات والطاقات البشرية وتنميتها ورعايتها بهدف تحقيق
إنسانيتها وتهذيب سلوكها وتوظيفه لخدمة غايات اإلنسان ومقاصده.
.7بدون رسم الخطط المتقنة والمحكمة ال يتم بلوغ األهداف والغايات ،وهذه المهمة ال يقوم بها
إال " القيادة " الهادفة الناجحة.
.8القيادة هي حاجة فطرية ورغبة طبيعية ولدت مع اإلنسان أثناء بحثه عن قوة خارقة تحميه
من بطش غيرة من المخلوقات بة ،لذا فهي وسيله حماية ومرجع يعود لة اإلنسان عندما
تقتضي الظروف ذلك .
.9القيادة هي وسيلة الحفاظ على التوازن في الحياة الذي قد ينتج عن تولي الغير صالحين
لقيادة زمام أمور الناس .
وأخيرا فان ثمرات القيادة في حياة األفراد والجماعات تكاد ال تعد وال تحصى ألهميتها،
فالناس ان لم يكن لهم قائد بحثوا عنة ونصبوه وأرادوه سيدا لهم ،وان المتتبع لتاريخ نشوء
37
"الدولة " يتبين لة من خالل استعراض النظريات التي تحدثت عن ذلك ان اإلنسان األول لم
يستطع ان يعيش وحيدا بل أنة سعى للعيش في إطار الجماعة والتي تحولت فيما بعد الى مجتمع
منظم ،وبسبب حاجة الناس لألمن والحماية والرعاية واتساع المصالح وتباينها ،أرادوا أن
يتنازلوا عن جزء من حقوقهم -بل حقوقهم كاملة – لشخص من بينهم يتمتع بصفات ومميزات
تؤهله لتولي قيادتهم وتامين الحماية لهم ،فاختاروا من بينهم "القائد"،عندها ولدت القيادة ،
فالقائد للجماعة كالرأس لجسد والجماعة بدون قائد كالقطيع بال راع تائهة هائمة إلى الضياع
والى الفناء إذن هي قديمة قدم اإلنسان ،وال غنى لإلنسان عنها .
38
المبحث الثالث
أساليب(طرق ،أنماط) ألقياده
تمهيد:
سبق أن أوضحنا بان القيادة هي الفن الذي نستطيع من خالله التأثير في اآلخرين من
اجل تحقيق األهداف المرسومة بطريقه نحصل معها على ثقة واحترام وطاعة وتعاون
المرؤوسين ،ولكن ها الفن لة طرقة وأساليبه وأنماطه في الممارسة وقد اختلفت النظريات
والدراسات التي كانت تهدف إلى بيان أنماط ألقياده وأساليبها ولكنها في الغالب توصلت إلى
عدد من األنماط اعتمادا على األسلوب الذي تمارس من خالله القيادة ،ولكن يجب االنتباه الى
انة يمكن ان يمارس القائد أكثر من نوع في ذات الوقت ،ولكنة يميل إلى نمط يكون هو السمة
()66
الغالبة على طريقته في التعاطي مع هذا الفن يصنف على أساسة وهذه األنماط هي كما يلي
:
.1القيادة الديمقراطية:
عند معرفتنا لمعنى كلمة ( الديمقراطية ) والتي تعني حكم الشعب للشعب ،فإننا ندرك ان
هذا النوع من القيادة مبني على المشاركة في اتخاذ القرار فيما بين الرئيس والمرؤوس ،حيث
ان الرئيس ال يحتكر السلطة في اتخاذ القرار لنفسه وذلك ألنة يدرك خطورة ذلك ،مما يدفعه
لشورى واخذ رأي اآلخرين حيث أن المشاركة والمشاورة في الرأي لها من الحسنات الشيء
الكثير
اقلها الخروج بالرأي االصوب واألحسن وبأقل التكاليف والجهد ،أضافه إلى تحميل
المرؤوس للمسؤولية ،ان هذا النوع من القيادة يؤدي إلى زيادة ثقة المرؤوسين بقائدهم وزيادة
حبهم له ،ويشعرهم بقيمتهم وأهميتهم ،وبأنهم عنصر فاعل في إنجاز المهمة ويزيد من التالف
واالندماج وتفهم المشاعر واالحترام المتبادل بين طرفي العملية ،ان هذا األسلوب من القيادة
مبني على العالقات اإلنسانية المحترمة السليمة التي تهدف الى إشباع الحاجات وتحقيق
الرغبات وحل المشكالت ،ولهذا النمط فوائد جمة من الصعب تحديدها ولكن من أبرزها:
ا.الوصول إلى الرأي الصائب والقرار الصحيح.
ب .زيادة رغبة األفراد في العمل وإقبالهم على اإلنتاج بنفس مطمئنة ،وزيادة ثقتهم ووالئهم
لقيادتهم.
ج .ان المشاركة في صنع القرار تشعر المرؤوسين بأنهم رقم هام في العملية اإلنتاجية وبأنهم
جزء من الحل .
د .الشعور بالمسؤولية وغرس قيم التعاون والتآزر وااللتفاف حول القيادة .
ه .عدم أضاعه الوقت في البحث عن البدائل والحلول للمشاكل اإلدارية والقيادية داخل المنظمة.
ز .إن نتيجة ذلك كلة هو زيادة اإلنتاج وتحسين مستوى األداء وبالتالي تحيق األهداف
المنشودة.
.2القيادة األوتوقراطيه ( المتسلطة):
) )66احمد عبد هللا خريسات ،أساليب ونظريات القيادة ،مجله األقصى ،العدد ، 1987 ،776ص .42 – 40
للمزيد أيضا :زهاء الدين عبيدات ،مصدر سابق ،ص ص. 45، 44 -
نواف كنعان ،مصدر سابق ،ص . 212 – 103 -
إبراهيم عبد العزيز شيحا ،مصدر سابق ،ص. 203- 201 -
أيضا :صامويل هيز ،وليم توماسن مصدر سابق ،ص .51- 46 -
39
وهي المبنية على األنانية في اتخاذ القرار مع حرمان المرؤوسين من المشاركة في
المسؤولية ،وترتكز على التهديد واإلكراه والقسر والخوف واإلجبار واستعمال العنف والتلويح
بالعقوبة في حالة التقاعس او التردد في التنفيذ ،وهذا النوع من القيادة معرض للخطر ألنة
مبيني على الفردية التي ال تنتج الرأي السديد الن فيها استبدادا بالرأي الواحد الذي ال يحقق
الغايات المنشودة ،وهو نمط مبني على الشك وعدم الثقة ،ويرى كثير من البحثين بان هذا
النمط لم يعد يتالئم مع اإلدارة المعاصرة والقيادة الحديثة ،ويصنف الباحثون القادة في هذا
النمط الى األنواع التالية:
ا.االتوقراطي المتشدد( المستبد):
وهو الذي يستخدم التهديد والوعيد والتخويف والعنف ضد مرؤوسيه ،إضافة إلى صرامة
أوامره وشدتها لدرجة العنف.
ب .االتوقراطي االيجابي (الخير):
وهو الذي يحاول ان يستخدم أسلوب المدح والثناء والتلويح بالعقاب في حالة اإلخالل باألوامر
ومخالفتها.
ج .االتوقراطي المراوغ ( المناور):
هو الذي يستخدم أسلوب الخدعة والمناورة بإشعاره المرؤوسين بأنهم جزء من صناعه
القرار ولكنة في النهاية ال يطبق إال ما يراه هو وما يريده هو ال غيرة.
.3القيادة السلبية (التسيبيه ،الفوضوية ):
في هذا النوع يفتقر القائد إلى الحماس والدافع إلنجاز العمل ،حيث يترك حرية التصرف
لمن هم دونه ويفوض كل صالحياته او اغلبها إلى المرؤوسين في اتخاذ القرار وتحديد
األهداف ،ولهذا النوع من القيادة سلبيات كثيرة ألنة يؤدي إلى تعدد المرجعيات وتضارب
اآلراء وتخبط أساليب التنفيذ ،وهذا النوع قد يصلح عند التعامل مع مستويات عقلية وتعليمية
عالية ضمن مؤسسات األبحاث العلمية ومراكز الدراسات ،إال أنة غير محبذ ألنة يساعد على
التنصل من المسؤولية ويشجع على الفوضى اإلدارية .
وتضيف بعض الدراسات نمطين آخرين من أنماط القيادة وذلك اعتمادا على مصدر
السلطة وهما(:)67
القيادة الرسمية :وهي المستمدة من الوظيفة الرسمية التي يشغلها الفرد. .1
القيادة غير الرسمية :وهي التي تتكون من داخل المجموعات دون ان ترتبط بالوظيفة .2
الرسمية وهي تلقائية نتيجة لتمتع شخص ما من بين هذة المجموعة بصفات وخصائص
()68
وسمات معينة تؤهله لشغل منصب القيادة.
()69
يضيف بعض الخبراء والباحثين أنواع أخرى من أنماط القيادة وأنواعها وهي كما يلي :
القيادة ألتدعيميه ( النمط اإلنساني ) :وفي هذا النمط يعطي القائد مزيدا من الحرية .1
في التصرف والمشاركة للمرؤوسين في اتخاذ القرار .
النمط األكاديمي :وهذا النمط يرجح الباحثين إمكانية نجاحه في المؤسسات العاملة في .2
مجال البحوث العلمية ،حيث يفضله الباحثون من أطباء ومهندسون وقضاه ومحامين وأساتذة
جامعات ورود فضاء .....الخ حيث يرغبون بدرجة عاليه من االستقالل األكاديمي للبحث
العلمي.
) )70للمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع الى :محمد جمال الدين محفوظ ،مصدر سابق ،ص ص ، .290، 289
) )71للمزيد انظر :صامويل هيز ،وليم توماس ،مصدر سابق ،ص 19
41
هو ذلك القائد الذي يشاور ويشرك مرؤوسيه في عملية صنع القرارات ورسم األهداف
وتنفيذ األعمال ويتشارك معهم في أداء العمل.
القائد المتسيب ( :) The Free – Rein Leader .3
وهو الذي يستخدم جزاء بسيطا من سلطته ويمنح المرؤوسين االستقاللية التامة في
صنع القرارات وتحديد طرق تنفيها ويترك لهم حرية ممارسة النشاطات واألعمال دون أن يتابع
أو يراقب.
ولمزيد من التوضيح نورد هنا التقسيم الذي توصل إلية ( برتراند راسيل ) للقيادة
()72
وأنواعها حيث يقسمها إلى األنواع التالية:
.1القيادة والسلطة التي تعتمد على رضا الناس ،وهذه سلطة ثورية تقوم ضد سلطان تقليدي
.
.2القيادة والسلطة التي تجيء في البدء معبرة عن مصالح وأراء أقلية محدودة لكنها تنجح في
أن تحظى بالقبول العام.
.3القيادة التي تصل إلى القمة عن طريق الوظيفة ،وهذا ما يسمى (بالبيروقراطية ) وهي تعتمد
على التقاليد والموافقة.
.4الشكل العسكري للقيادة ،وهو الذي يصل إلى السلطة عن طريق القوة العسكرية.
.5السلطان الثوري الذي ينجم عن ظهور عقيدة جديدة أو االستقالل الوطني.
وأخيرا يبدو أن " األسلوب القيادي المثالي هو الذي يتفق مع توقعات وأماني وخبرات
جماعة معينة في ظروف معينة ،وأن القيادة الصالحة هي القيادة القريبة من الواقع ،وأن
ممارسة القيادة تتطلب أن يكون القائد قاد ًرا على إدارة وقته ،ولديه القدرة على التأثير في
سلوك الجماعة ،وقاد ًرا على التفاهم مع جميع أفرادها ،وأن يكون لديه القدرة على رؤية
التنظيم الذي يقوده ،وفهمه للترابط بين أجزائه ونشاطاته ،وفهمه للبيئة الخارجية بأشكالها
وصورها وتنظيماتها المختلفة ،وأن يكون القائد ذا مرونة عالية ،فيستطيع أن يكف نفسه مع
المواقف التي ال يمكن تغييرها ،وبذلك تكون لديه القدرة على المواقف الحرجة وتحملها ،كما
تكون لديه القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة ،ولعل من أهم واجبات القائد أن يكون قدوة
حسنة للجماعة ،فيلزم نفسه قبل غيره من أفراد الجماعة بالسلوك القويم ،وااللتزام بما يتطلبه
عمله من صبر وأمانة وتضحية ،وأن يتحلى بالخلق الكريم وأن يتصف بالتواضع واالستقامة،
وأن يكون متفه ًما ألهداف المنظمة مقتن ًعا بها ،مؤمنًا بإمكانية تحقيق هذه األهداف لما فيه خير
()73
المنظمة وصالح أفرادها".
إن تطور العلوم والمعارف والمجتمعات ودخولها إلى ( عصر العولمة ) أصبح يفرض
على األفراد الذين يتبئون مراكز قيادية أنماط وأساليب جديدة من اإلدارة القيادية والقيادة
االداريه ،أولها تمتع الفرد القائد بمهارات االتصال المختلفة باالضافه إلى إتقان استخدام
التقنيات الحديثة كالحاسوب واالنترنت والقدرة على التراسل واالتصال مع مختلف بقاع األرض
وصوال إلى تحقيق أعلى مستويات النجاح في المؤسسة أو المنظمة التي يرأسها ،أيضا البد
من متابع التدريب واالستمرار فية وخاصة في مجال الدورات التأهيليه التي تساعد القائد للنقد
في عملة كدورات الذكاء العاطفي للقادة والمدراء ( ) Emotional Intelligentودورات
القيادة اإلدارية والتسويق الفعال وغيرها من الدورات الكثيرة وبمسميات مختلفة والتي أصبحت
متاحة ومتوفرة بسهولة .
الجدول التالي يبن األساليب المستخدمة مع نتائجها في أنماط القيادة المختلفة :
جدول رقم ()2
) )72للمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع الى :جميل كاظم المناف ،مصدر سابق ،ص .41
) )73للمزيد انظر :الموقع االلكتروني www .Islam memo. cc:
42
ألتسيبي(الفوضوي) الديموقراطي األتوقراطي
.1المرؤوسين يشاركون .1اتخاذ القرارات يتم .1احتكار جميع
من قبل األتباع بعشوائية في اتخاذ القرارات. السلطات بيده
دون علم القائد -أحيانا.- .2تفويض بعض .2حرمان المرؤوسين
.2يعتمد المرؤوسين على الصالحيات بطريقة من المشاركة في صنع
منضبطة ،مع تنمية صفة الرقابة الذاتية. القرارات.
االستقاللية بالمرؤوسين.3 .غياب سلطة القائد عن .3التلويح باستخدام
.3يتحلى القائد بالمرونة القرار يفقده القوة العقوبة وكثرة التهديد.
المطلوبة للتنفيذ. .4يميل أحيانا إلى المدح والتكيف.ومشاركة
.4ضعف أداء المنظمة مرؤوسيه والتفاعل واإلطراء من اجل
والعاملين . الوصول إلى غاية معينة .معهم.
.5تفكك الروابط .5انعدام الثقة بينة وبين .4يعتمد على اإلقناع
اإلنسانية بين القائد وليس على اإلجبار. مرؤوسيه.
.5الرغبة واإلقبال على والمرؤوسين. .6استمرار الدوام
.6عدم وضوح قنوت والعمل يعتمد على رؤية العمل والروح المعنوية
االتصال بين القاعدة العالية. المرؤوسين ومراقبتهم
.المحبة والوالء للمنظمة والقمة والعكس . لة .
.7غياب المعلومات وللقيادة. .7ينفرط عقد المنظمة
الهامة عن القائد مما .7استخدام أسلوب عند سفرة او خروجه
يؤثر على أدائه لعملة. التحفيز المستمر خارج المنظمة.
بالمكافأة والمدح والثناء .8يهتم الفرد بأداء العمل .8تدني اإلنتاج.
مما يزيد اإلنتاج ومحبة دون االهتمام بالنتيجة .9انعدام العالقات
والغاية. العمل. اإلنسانية بين
.9الصعوبة في تحقيق .8الثقة واالحترام المدير(القائد)
األهداف الن العمل يعتمد المتبادل بين طرفي والمرؤوسين
على الفردية. العملية اإلدارية.
.9تتحقق األهداف
بسهولة ويسر
43
المبحث الرابع
()74
بعض االعتبارات التي تجعل من القائد صالحًا لعملية القيادة
لكي يكون القائد ناجحا ومقبوال ومدركا لما يدور حوله ،يقود منظمته إلى أهدافها بكل
سهولة ويسر ،ويحقق الغايات ويوائم بين حاجات مرؤوسيه وحاجات مؤسسته البد أن يراعي
بعض العوامل والت يمكننا أن نوجزها بما يلي:
.1القدوة الحسنة والمثل األعلى:
إن من أساسيات نجاح القائد في إدارة مرؤوسيه هو ان يكون قدوة حسنة ومثال أعلى
لهم ،الن ذلك سيحقق نتائج هامة على صعيد تحقيق األهداف المرسومة وتنفيذ الخطط
الموضوعة ،وأفضل شعار في هذا اإلطار هو " اتبعني واعمل كما اعمل " ،.ويرى الكثير من
الباحثين والخبراء في مجال القيادة اإلدارية الناجحة بان (القيادة القدوة) هي ضرورة ال يمكن
النجاح بدونها " فهي التي تستطيع أن تبث في الهياكل الجامدة روح الحياة عن طريق إشعار
كل موظف في اإلدارة بأنة عنصر في جماعة ،تعمل متساندة ومجتمعة لتحقيق هدف معين في
التنظيم ،فالحياة في أي تنظيم ال تنبعث من الهيكل الذي تقوم علية بل تتوقف أوال وقبل كل شيء
على خصائص القيادة ،فهذه القيادة يجب أن تصدر قراراتها بكل سهولة ولين دون تكليف ،وان
تقوم على السلطة ال على التسلط ،والمقصود بالسلطة هو القوة التي تجعل المرؤوسين يذعنون
لها عن رغبة وليس عن رهبة ،إن القيادة هي التي تأخذ األمور بقوة ليس فيها شدة ،ولين
ليس فيه ضعف ،وتستطيع أن تغرس فضائل األخالق بينها وتحترم اآلخرين ،وتكون خادمة
لمصالح العامة ال سيدة لها ،ألنها اكتسبت هذه األخالق من رؤسائها وستسقيها لمرؤوسيها
()75
".
46
المبحث الخامس
تحديات القيادة /اإلدارة الحديثة
إن تغير األحوال والظروف التي تمر بها الحياة اإلنسانية وتغير العصور واألزمان
وسرعة تقلبها ،كدخول العالم مرحلة ( عصر العولمة ) وتطور وسائل االتصال والمواصالت
وتغير نظم وطرق إنجاز األهداف بدخول الحاسوب كعنصر أساسي في كل مناحي الحياة وكذلك
دخول العالم في أعماق بحر من المعلومات ضمن شبكة االنترنت وتقارب المسافات بين أطراف
الكرة األرضية وتحولها الى قرية صغيرة ،كل ذلك وغيرة قد فرض أنماط جديدة من التعامل
مع معطيات الحياة ومناحيها كافة ،وأكثر ما تأثر هو الجانب اإلداري والقيادي ألنة هو وسيلة
اإلنجاز وتحقيق األهداف ،وقد رأينا فيما سبق -وسنرى الحقا، -كيف أصبح العالم الجديد
يفرض على القائد او المدير ان يتمتع بسمات ومميزات وخبرات لم يكن يحتاجها في السابق
،كل ذلك بسبب التطورات الهائلة في مجال إدارة األفراد واألشياء وصوال إلى األهداف المراد
تحقيقها ،وهذا كلة بحد ذاته هو تحديات جديدة فرضتها ظروف العولمة والتطورات الهائلة
التي تشهدها البشرية في كل شيء ،وسنستعرض فيما يلي بعضا من التحديات التي تواجهها
القيادة الحديثة ،وسوف نقسمها الى عوامل تتعلق بالبيئة ( الداخلية والخارجية ) ،وعوامل
تتعلق بالعاملين ،وعوامل تتعلق بالقائد نفسه ،وهي كما يلي:
.1البيئة:
ويقصد بها المحيط الذي يؤثر في المنظمة والقيادة واإلدارة التي ترعى شؤونها
وتديرها ،وهي عامل مهم وحيوي ال يمكن تجاهل تأثيراته او التغاضي
عنها وخصوصا في ظل معطيات العولمة وعصر المعلومات واالتصاالت وتقارب
المسافات ،والبيئة نوعان هما:
ا .البيئة المحلية (الداخلية):
ويمكن أن نقول أن البيئة الداخلية:
هي التي تتكون من الخصائص المادية والمعنوية التي تميز وحدات المنظمة اإلدارية
ومواردها البشرية والمادية والتي تميز الحضارة السائدة فيها ،والقيم والعادات التي تحكم
()78
الممارسات اإلدارية والفنية واإلنسانية.
الشك أن الظروف المحلية القريبة من القيادة تلعب دورا كبيرا في فرض أنماط
الممارسة والتصرف عليها من قريب أو بعيد ،ويمكن تقسيم هذة العوامل والظروف إلى:
العوامل السياسية: -
تلعب العوامل السياسية المحيطة بالقيادة دورا مهما في تحديد مسارها وتحديد أنماطها
وتصرفاتها وأساليبها ،فمثال إذا كانت القيادة تعيش في محيط متوتر مليء باألحداث والمعارك
والحروب والمشاكل واالضطرابات ،وكانت تعاني من عدم االستقرار واالضطراب فان ذلك
يحجب عنها وضوح األهداف ويؤدي إلى تخلخل الخطط وعدم االتزان في التفكير ....الخ مما
يتسبب بعشوائية القرارات وتدني اإلنتاج وعدم استقرار العاملين وانصرافهم عن االهتمام
بالعمل واإلخالص فيه ،وعلى النقيض من ذلك فان الهدوء السياسي واالستقرار االجتماعي
وتوفر األمن واألمان ،وتوفر األجواء المناسبة ،يساعد القائد على اتخاذ قراراته بدقة وتروي،
وكذلك فان اطمئنان العاملين واستقرارهم لة الدور األكبر في نجاح القيادة وسيرها في االتجاه
الصحيح نحو األهداف المرسومة وتنفيذ الخطط الموضوعة.
) )78للمزيد انظر :الموقع االلكتروني www. Islamset .com:تاريخ ( 13/2/2007المدير االستراتيجي) .
47
-العوامل االجتماعية والثقافية:
تلعب العوامل االجتماعية أيضا دورا كبيرا في السلوك القيادي للقادة فعندما تعيش
القيادة في أجواء اجتماعية ملوثة مبنية على قواعد المحسوبية والواسطة ،وعدم وضع الرجل
المناسب في المكان المناسب ،وهضم الكفاءات وعدم إعطائها حقها في التعيين والتوظيف،
وعدم االهتمام بالخبرات الفنية والعلمية ،وسيادة النظم العشائرية والعائلية وتدخلها في عمل
المنظمات ،والقيم والعادات السائدة ،وثقافة المجتمع التي تربى عليها ......الخ من المعوقات،
فان ذلك سوف يضع القادة في وضع حرج ويولد لديهم شعورا بعدم الثقة من ناحية من يعملون
تحت إمرتهم ويكون انعكاس ذلك كله على اإلنتاج ويؤدي إلى تعثر السير نحو تحقيق األهداف
المتوخاه.
-العوامل أالقتصاديه:
وال تقل العوامل االقتصادية في البيئة المحلية أهمية عن غيرها من العوامل ،فعندما
تعيش القيادة ضمن أحوال اقتصادية سيئة مبنية على تراكم الديون ،وعدم توفر الموارد ،
وندرة المدخالت المتعلقة باإلنتاج ،والتكلفة المالية العالية لكل ما يتعلق باإلنتاج ،وعدم توفر
األيدي العاملة الفنية والمهنية المدربة واالعتماد على الخبرات األجنبية والتمويل األجنبي .....
الخ ،فان ذلك سيؤثر على فعالية القرارات ،والى تردد القائد واضطرابه عندما يريد أن يتخذ
قرارا بصدد أي أمر يتعلق بالمنظمة التي يعمل في إطارها ،مما يسهم في تراجع األداء وتعثر
التنفيذ .
ب .البيئة الخارجية:
تتكون البيئة الخارجية من المؤسسات واألفراد والقوى االجتماعية والسياسية
واالقتصادية والثقافية والتكنولوجية التي تؤثر على المنظمة في حين أن المنظمة ليس لها تأثير
((79
عليها.
إن الظروف والعوامل اإلقليمية والدولية لها الدور األكبر في تحديد مسار المنظمات
واألعمال التي تمارسها ،وخاصة في الوقت الحاضر الذي أصبح من الصعب على بيئة األعمال
االنفصال عن الظروف والمعطيات اإلقليمية والدولية ،وكما هو حال العوامل السياسية
واالقتصادية واالجتماعية المحلية التي لعبت الدور األكبر في التأثير على القيادة ،فان الظروف
السياسية واالقتصادية واالجتماعية الدولية أيضا تلعب دورا بارزا في التأثير على مسار
اإلدارات والقيادات في أي بلد كان ،وان ما نشاهده ونسمعه من ظروف دولية يعيشها العالم
تثبت صدق ما ذهبنا إلية ،فالحروب واالقتتال وتصارع القوى االقتصادية المختلفة وتسابقها
في الهيمنة والسيطرة واختالل موازين العالقات الدولية .....الخ،كلها عوامل ذات اثر فعال
على أنماط ومسارات وأساليب وقرارات القادة والمدراء على اختالف مستوياتهم واختالف
أنواع المنظمات التي يعملون بها .
فمنذ انهيار االتحاد السوفيتي ودخول العالم إلى حقبة جديدة وتغير شكل النظام العالمي
– أحادي القطبية -تغيرت أمور كثيرة في العالم ،حيث انهار النظام الشيوعي االشتراكي كقطب
اقتصادي هام ،وتحول االقتصاد العالمي إلى االقتصاد الحر ونظام السوق المفتوح الذي تحكمه
الرأسمالية العالمية ،وهذا بحد ذاته فرض مفاهيم جديدة على بيئة األعمال ،حيث أصبح تحقيق
الربح السريع والوفير والسيطرة والهيمنة ،وازدياد حدة المنافسة ...الخ من المفاهيم هو
الهاجس األول لهذه البيئة وهذا يفرض أنماط جديدة ومتطورة ومختلفة من القيادة واإلدارة
تستطيع مجاراة الواقع المعاش وأال خسرت وضاعت في ظل هذة األزمة العالمية ،حيث دخلت
مفاهيم السرعة الفائقة في تبادل المعلومات وكذلك إتقان مهارات االتصال والتواصل ،والقيادة
الرشيدة ،واإلحاطة العلمية التامة بكل تقنيات العصر ...... ،الخ ،دخلت إلى بيئة القيادة /
49
العقود القليلة الماضية ،وخاصة إذا ما علمنا أن المنافسة تعدت مرحلة التنافس على السلع
والمواد المنتجة لتشمل اإلنسان وخصوصا اإلنسان المدرب ،الماهر ،الكفؤ ،وأال فان عنصر
المنافسة – الهام -لن يكون له وجود ،وهذا أمر في غاية الخطورة وخصوصا في ظل التغير
السريع في كافة نظم العلوم والمعارف واالقتصاد وانفتاح الفضاء وتقارب أطراف األرض
وتحولها إلى قرية صغيرة يسهل التجول فيها .
.3األهداف (الغايات ):
تشكل األهداف والغايات -في هذا الوقت تحديدا -تحديا جديدا بداء بفرض نفسه على
القيادات واإلدارات التي تقود المنظمات ،حيث كانت األهداف في الماضي تقتصر على مديات
بسيطة ،وكان التخطيط لها سهال ألنة ال يحتاج إلى بعد نظر كثير ليرى المخطط ما وراء
األكمة ،خاصة أن المنظمات ما كانت تعيش حاله المنافسة الشديدة التي تعيشها اليوم ،إضافة
إلى أنها لم تكن تعاني من ندرة الموارد والمواد األساسية ،ناهيك عن أنها لم تكن تحتاج إلى
مهارات وخبرات وكفاءات كما تحتاجها اليوم ،ففي ظل هذا التطور الرهيب في نظم المعلومات
واالتصاالت وتطور األجهزة الحاسوبية ووسائل االتصال العالية التقنية ،باإلضافة إلى انقالب
النظام العالمي وتحوله إلى نظام اقتصادي أحادي القطبية رأسمالي التوجه ،هدفه تحقيق
المزيد من األرباح ،وغير ذلك الكثير من التغيرات التي أصابت الكون ،كلها فرضت على القادة
والمدراء أشكاال جديدة من األهداف والغايات التي يجب ان يتضمنها التخطيط للمنظمة ليتالءم
مع هذه البيئة الجديدة ،السمة البارزة لهذه األهداف هو تحقيق األرباح المادية أوال ،والتفوق
والشهرة والتربع على قمة عرش مجتمع األعمال ،وتحقيق أقصى درجات التفوق العلمي
والتقني والمهنية واإلدارية العالية ،مما يوفر بيئة خصبة ومناسبة للمنافسة مع اآلخرين
والتفوق عليهم .
إن القادة في ظل هذه الظروف يجب عليهم أن يواجهوا التحدي بالخبرة والمعرفة
والمهارة والقدرة على التخطيط السليم الناجح الذي يراعي ويتالءم مع معطيات العولمة ونظام
السوق المفتوح والوضع العالمي الجديد بكل معطياته .
إن التحديات التي تواجه المنظمة كثيرة ومتنوعة ومتعددة ومتغيرة باستمرار ،فهي
تتراوح ما بين العولمة بحد ذاتها كنظام حياة جديد ،وما تفرزه هذة العولمة من تحديات فرعية
أخرى كالمنافسة ،والندرة في األيدي العاملة والمواد إضافة إلى الرغبة الجامحة لتحقيق المزيد
من األرباح والتفوق والنجاح ،لذا فان على القادة والمدراء أن يكونوا دائما في حالة من
االستعداد واليقظة لمواجهة هذا التغير بتغير أخر في حساباتهم ومعلوماتهم وثقافاتهم وفكرهم
اإلداري القيادي ،وإال فان تحقيق األهداف والوصول إلى الغاية المنشودة يصبح أمرا صعب
المنال ،اما بالنسبة للقيادة العسكرية فإن المشاكل التي تواجها هذة القيادة تشبه في معظم
النواحي تلك التي تواجه القيادات المدنية ،كما أن المهارات والمعرفة التي ينبغي التسلح بها في
هذه القيادة تشبه تلك التي تطلب من القيادات المدينة ،إال أن ظروف الخدمة العسكرية وطبيعة
البيئة التي ينبغي للقائد العسكري أن يعمل فيها ،تخلق وضعا ً فريداً يستلزم أن ننظر إليه بمنظار
()80
خاص.
52
المببحث األول
اإلدارة ،المبادئ والمفاهيم والوظائف
تمهيد:
يحتاج اإلنسان على اختالف مستواه ووظيفته ومركزه لالداره ،فالنشاط اإلنساني يتطلب
وجود اإلدارة ،وذلك ألنها عنصر مساعد على إنجاز وتحقيق األهداف التي يسعى اإلنسان
لتحقيقها ،لذا فهي تمس وتؤثر في حياة وممارسات اإلنسان " )81(،ويمكن النظر لإلدارة أيضا
كنشاط متميز يتسم بالحيوية لنجاح أي جهد فردي أو جماعي ،األمر الذي جعلها وظيفة
()82
تمارس ومادة تدرس وتعلم ".
لذلك فانه ال يمكن ألية مؤسسه أو فرد يمارس أي نشاط مهما كان حجمه أو نوعه ال
يمكن له ان يستغني عن اإلدارة مناجل تحقيق األهداف والغايات التي ينشدها ن ولعل ما نشاهده
اليوم من تقدم وتطور هائل مضطرد في مجال التقنيات واإلنجازات العلمية والثورة التكنولوجية
الهائلة في مجال وسائل االتصال والمواصالت يثبت لنا أهمية اإلدارة والتخطيط السليم ،فلوال
التخطيط اإلداري الصحيح ما أمكن لهذه الشركات العمالقة -المتعددة الجنسية – أن تضاهي
بقوتها قوة كثير من الدول اقتصاديا وسياسيا وماليا .
تعريف اإلدارة :
ومن اجل إدراك أهمية اإلدارة فأنة البد من التعرف على معناها في الفكر اإلداري
باإلضافة إلى معرفة أنواع القيادة اإلدارية ووظائفها.
أما من حيث المفهوم فقد اختلفت وتنوعت وتعددت تعريف اإلدارة باختالف األشخاص
والظروف ومراحل تطور الفكر اإلنساني وباختالف المهام والواجبات واألنشطة التي تقوم بها
المنظمات ،وكذلك فان عامل الزمن لعب دورا كبيرا في تحديد مفهوم اإلدارة ،لذلك فان
الدارسين والباحثين لم يتوصلوا إلى تعريف محدد وحسب لإلدارة ومن ابرز التعاريف في هذا
المجال :
-ان األصل الالتيني للكلمة هو Administration = Serveوتعني الخدمة ،وهذا
المعنى يدلنا داللة ال لبس فيها أن معنى اإلدارة هو " خدمه اآلخرين ،أو أداء الخدمة بشكل عام
،وإنجاز الواجب " .
-ومن تعاريف اإلدارة أيضا:
يعرفها ( ( )Tailorتايلور) ":بأنها المعرفة الصحيحة لما يراد القيام بة األفراد مع التأكد من
يفعلون ذلك بأحسن طريقة واقل تكلفة ".
ويعرفها (والدو) ":بأنها نوع من الجهد البشري المتعاون الذي يتميز بدرجة عالية -
()83
من الرشد " .
وتعني أيضا ":التطوير والمحافظة على إمكانية المنظمة من اجل تحسين الجودة -
()84
بشكل مستمر".
) )96خالل حديثنا عن اإلدارة سنستخدم كلمة منظمة كثيرا لذا البد من تعريفها لتكون األمور أكثر وضوحا :
ال يوجد تعريف محدد لها وقد اختلفت التعريفات حسب وجهة نظر الباحث والفقيه ،ولكن في الغالب فان هناك قواسم -
مشتركة بين الجميع ومن تعريفات المنظمة ما يلي :
هي نظام اجتماعي هادف ،او هي نشاط أنساني موجة لتحقيق هدف او أهداف محددة . -
هي نظام تعاوني يقوم على أساس التعاون بين شخصين او مجموعة أشخاص من اجل تحقيق هدف معين . -
هي تجمع أفراد يعملون ويتفاعلون مع بعضهم البعض وتربطهم عالقات يمكن ان نصفها باالستمرارية ).للمزيد -
يمكن الرجوع الى Stephen Robbins , p4 :
55
المبحث الثاني
هل اإلدارة علم أم فن ؟
سؤال يطرحه الكثيرون ،ومن جل توضيح اإلجابة علية البد ان نعرف معنى ومعنى
الفن:
فالعلم هو :المعرفة العلمية المنظمة حول الحقائق األساسية المتعلقة بظاهرة ما .أو
هو:مجموعه الحقائق والقواعد والقوانين التي يتم التوصل إليها من خالل المعرفة العلمية
المنظمة ،فإذا طبقنا هذا التعريف على موضوع اإلدارة نجد أن اإلدارة هي علم له أصولة
وقواعده التي ترتكز على أسس ومبادئ وأهداف تتفق مع طبيعة النشاط الذي تطبق فيه".
وكذلك يمكن القول إنها "علم " ألنها تستخدم األسلوب العلمي في البحث والدراسة
وتحلي المشكلة وتجربتها وتطبيقها وبالتالي الوصول إلى النتائج التي يستطيع الباحث من
خاللها الوصول إلى هدفه ( ،)97إن اإلدارة كعلم هي تنظيم وتطبيق المعرفة العلمية المنظمة على
()98
ضوء الحقائق لتحقيق نتائج مرغوبة.
أما كونها " فن" ،وذلك ألنها تشير إلى إمكانية تطبيق المهارات اإلدارية باستخدام
القدرات والمواهب التي يمتلكها الفرد واإلبداع والتصرف بشكل سليم من اجل تحقيق النتائج
المطلوبة ،وهنا تدخل عملية االبتداع والموهبة والبراعة مع الخبرة والتجربة والتي تعكس
بدورها المفروقات الفردية بين األشخاص (المديرين) .
لذلك فان العلم والفن متكامالن في اإلدارة ،لذا فهي علم ألنها معرفة علمية منظمة ،بل هي
دراسة علمية منظمة لظاهرة ما ،وهي فن ألنها مهارة فردية مشتقه من الخبرة الشخصية
والتي تتضمن المواهب واإلمكانيات التعليمية التي تؤهل الفرد الن يطبق هذه المعرفة التي
اكتسبها في مجال عملة اإلداري ،لذا فأنة يمكننا القول بان اإلدارة هي فن استخدام وتطبيق
()99
العلم .
وفي هذا الصدد يشير بعض الباحثين إلى أن الدليل على أن اإلدارة هي (علم) هو وجود
العديد من المدارس والجامعات التي تقوم بتدريس مادة اإلدارة باإلضافة إلى منحها ألعلى
الشهادات العلمية والدرجات الجامعية في مجال اإلدارة ،أما دليل كونها فن فهو "عدم قدرة أي
جهة علمية مهما كان مستواها األكاديمي على تخريج مديرين ،إنما الشخص هو الذي يكتسب
()100
ويتعلم مهارات القيادة باإلضافة إلى دراسته األكاديمية" .
ويرى بعض الباحثين أمثال محمد سويلم بان المقصود بالفن" هو استخدام العلم
والموهبة والمهارات الشخصية في الوصول إلى النتائج المرغوبة ،ويتم ذلك من خالل تطبيق
المدير للمعارف والمهارات التي يمتلكها لتحقيق النتائج فيما يواجهه من مشكالت إدارية ،لذا
()101
يمكن القول ان العلم يعلم اإلنسان ليعرف في حين ان الفن يعلمه ليعمل ".
ونعود هنا فنستذكر تعريف القائد الذي ذكرناه في فصل سابق ليدلنا على أن اإلدارة هي
علم وفن معا ،وهو أن بعض الباحثين عرف القائد بأنة ":ذلك الشخص الذي يملك من الصفات
) )102للمزيد من المعلومات يمكن الرجوع الى :علي السلمي ،مصدر سابق ،ص . 288- 273
-أيضا . Leonard ,R . Syles , p 91 :
57
المبحث الثالث
عناصر اإلدارة
اعتبر كثير من المفكرين والمنظرين أن وظائف اإلدارة هي نفسها عناصر اإلدارة وكان
ابرز هؤالء هو (فايول) الذي بين أن وظائف اإلدارة والتي هي نفسها عناصرها ،هي :
التخطيط ،والتنظيم ،إصدار األوامر ،التنسيق ،والرقابة ،وقد لقيت هذه اآلراء قبوال في
الفكر اإلداري ،وهي ما زالت منسجمة مع األفكار المعصرة في هذا اإلطار ،وقد قدم الفقيه
األميركي ( لوثر كويك )آراء هامة في هذا الموضوع حيث لخص وظائف – عناصر – اإلدارة
في كلمة واحدة تتكون من الحروف األولى لكل عنصر وهي باإلنجليزية () POSDCORB
وهي كما يمثلها الجدول التالي ):)103
شكل رقم()3
.1التخطيط :)planning(،
وهو يعني "عملية إعداد القدرات للقيام بعمل ما في المستقبل لتحقيق أهداف معينة
بوسائل ذات فعالية عالية ،والتخطيط عملية رشيدة ووسيلة اتخاذ قرارات وأداره" )104( ،وهو
كذلك الوسيلة التي يوجه التنظيم بواسطتها من الحاضر إلى المستقبل بهدف إنجاز مهمة أو
هدف ،ومن واجب القادة على اختالف مستوياتهم أن ينطلقوا إلى المستقبل ،والتخطيط الناجح
يؤدي إلى إخراج خطه ناجحة ،والخطة هي الوسيلة التي يترجم القرار بواسطتها إلى عمل
ويجب ان تكون بسيطة وسهله وشامله ،ويجب أن توفر مفهوما يجب على القادة أن يدركوة
()105
".
.2التنظيم : )ORGANIZING(،
وهو يعني :
ترتيب عمل كل الوسائل المتاحة من اجل تحقيق األهداف والغايات ،وهو يتضمن وضع
نظام وترتيب معين للعالقات بين أعضاء المنظمة ككل من اجل تحقيق األهداف
المشتركة،ويعرف التنظيم كعملية إدارية بأنة ":تجميع المهام او األنشطة المراد القيام بها في
وظائف أو أقسام أو مديريات وتحديد السلطات والصالحيات والتنسيق بين أنشطة هذه الوحدات
()106
من اجل تحقيق األهداف وتخفيض النزاعات والصراعات بينها ".
لذا فأنة يتضح لنا أن التنظيم هو عنصر هام من عناصر اإلدارة ووظيفة ضرورية
وحساسة يقوم بها المدير يتحدد بموجبها اإلطار الذي تتبلور فيه جهود القوى البشرية لتحقيق
األهداف والغايات المراد تحقيقها ،وتهدف هذه الوظيفة إلى تحقيق اعمل الجماعي بين األفراد
العاملين من خالل تنظيم العالقات فيما بينهم كما اشرنا سابقا ،والتنظيم اإلداري يتخذ شكلين أو
نمطين هما :التنظيم الرسمي ،والتنظيم غير الرسمي.
وللتنظيم في العمل اإلداري أهمية كبرى تنبع من كونه صمام األمان لعدم حدوث
الفوضى والتخبط واإلرباك في العمل ،ألنة مبني أصال على معرفة القوى البشرية وفهمها فهما
) )103للمزيد من المعلومات يمكن مراجعة :عبد المعطي محمد عساف ،مصدر سابق ،ص.14
أيضا Leonard r. sayles p91 : -
أيضا :مهدي حسن زويلف ،محمد القريوتي ،مصدر سابق ،ص 104 -
أيضا :علي عباس ،عبد هللا بركات ،مصدر سابق ،ص . 21 – 19 -
أيضا :علي محمد منصور ،مصدر سابق ،ص .27 -
ايضا :صامويل هيز ،مصدر سابق ،ص 112 -
) )104فيصل فخري مرار ،مصدر سابق ،ص.85
) )105صامويل هيز ،وليم توماس ،مصدر سابق ،ص129
) )106المصدر السابق ،ص 102
58
عميقا يؤدي إلى معرفة قدراتها وطاقاتها وبالتالي إسناد المهام حسب القدرة والكفاءة والخبرة
والمهرة مما يولد االنسجام والتوافق في العمل داخل إطار هذه المنظمة.
.3التوظيف (:)STAFFING
وهي عملية إدارة وتدريب وتعيين وتنظيم وتوجيه ورقابه ...العاملين وكل ما يتعلق
بشؤونهم ،وهذا ينقلنا للحديث عن موضوع هام في اإلدارة هو (إدارة األفراد)وسنعرض له
بشيء من التفصيل ،حيث تعتبر إدارة األفراد وظيفة مهمة من وظائف اإلدارة حيث تركز على
العنصر البشري الذي يعتبر هو األساس في نجاح أو فشل أي منظمة مهما كان حجمها ،لذا
فان العنصر البشري الذي يتوقع منه أن يكون سببا في نجاح أي منظمة هو العنصر المدرب
الكفء القادر على أداء عملة والقيام بواجبة على أكمل وجه والعنصر البشري المدرب يعتبر
أثمن عناصر اإلدارة وأكثرها تأثي ًرا في اإلنتاجية ،ويزداد دوره أو يتعمق ويصبح أكثر تأثيرا مع
ازدياد تطور نظم الحياة وازدياد تعقيداتها ،لذا فقد استدعى األمر ومن اجل تحقيق العناية التامة
بهذا العنصر الهام من عناصر اإلدارة فقد تم اعتبار إدارة األفراد وظيفة مستقلة من وظائف
اإلدارة تختص بالعنصر البشري ،والذي على مقدار كفاءته ،وقدراته ،وخبراته ،وحماسه للعمل
تتوقف كفاءة اإلدارة ونجاحها في الوصول إلى األهداف ،وتزداد أهميه العنصر البشري في
المؤسسة العسكرية ،التي تولي التدريب المستمر العناية التامة للجنود والقادة على تواصل
مستمر مع تطورات نظم القتال واإلطالع على كل ما هو جديد في مجال عملهم ،مما يوفر لديهم
الكفاءة والقدرة والحماس والثقة ويعمق األيمان باألهداف المنشودة ،هذا وقد اعترفت
النظريات اإلدارة الحديثة منذ مطلع القرن الماضي بأهمية وظيفة شؤون األفراد ودورها
الفاعل في المؤسسات العامة والخاصة .
تعريف إدارة األفراد:
ويمكن تعريف إدارة األفراد بأنها تخطيط وتنظيم وتوجيه ورقابة العنصر البشري في
المنظمة ،بصورة تضمن تطوير قدراتهم ومعارفهم وخبراتهم ومهاراتهم من اجل الحصول على
عنصر بشري كفء وقادر على تحقيق األهداف ألموضوعه والمرسومة ضمن سياسات
المنظمة التي يعملون بها.
وظائف إدارة األفراد:
تتجه إدارة األفراد الحديثة إلى تنويع نشاطاتها بالقيام بثالث وظائف رئيسة وهي:
ا .الوصول إلى العنصر البشري الكفء :
ويعتبر الحصول على الموارد البشرية الكفؤه الالزمة للهيئات والمنظمات ،أولى
الوظائف األساسية وهو ما يمكن أن يتم طريق مجموعة من الوظائف الفرعية األخرى والتي
نلخصها بما يلي :
.1التخطيط السليم لألفراد .
.2االختيار السليم للعنصر البشري واستقطاب الطاقات البشرية المؤهلة المبني على أسس
الكفاءة والفاعلية والمقدرة.
.3تعيين الرجل المناسب في المكان المناسب.
.4تنميه المهارات وتطوير القدرات للعاملين من خالل التدريب والتعليم المستمر.
59
ب .االستخدام األمثل للموارد البشرية :
إن اإلدارة ليست سلطه تمارس فقط من خالل المكاتب واألوامر ،بل هي القدرة على
تشغيل الطاقات البشرية الموجودة من خالل معرفه امكاناتهم واستغاللها ووضع كل منهم في
المكان المناسب له وبث فكرة القوة والمساواة بينهم وتوزيع المسؤوليات عليهم وإشراكهم
جميعا في خدمه المصلحة العامة ،وخير ما يؤدي إلى ذلك هو بعض اإلجراءات التي يمكن أن
تقوم بها اإلدارة الناجحة والتي يمكن تلخيصها بما يلي:
. 1المكافآت والرواتب.
. 2الحوافز والجوائز لمن يستحق .
.3تقويم األداء ومتابعه العاملين باستمرار.
.4الترفيعات الترقيات المستمرة.
.5وضع األشخاص في أالماكن التي تناسب قدراتهم.
ج .تنمية وتطوير قدرات الموارد البشرية:
ويقصد بها عملية تنمية وتطوير المعارف والمهارات والقدرات للقوى العاملة من اجل
تحسين األداء في جميع المجاالت ،وتشمل:ـ
. 1التدريب المستمر ومتابعه كل ما هو جديد من العلوم والمعارف.
. 2وضع البرامج التدريبية التي تتسم بالواقعية .
تعتبر هذة الوظائف مكمله لبعضها البعض مشكله منظومة واحدة متجانسة تؤدي إلى
تطوير عمل المنظمة وتحسن أداءها وصوال إلى األهداف والغايات المنشودة .
إن إدارة األفراد عمليه ليست بالسهلة ألنها تتعامل مع اعقد المخلوقات من الناحية
الفسيولوجية والسيكولوجية ،لذا فإنها البد أن تحتوي على مبادئ وأسس وقواعد وأساليب
خاصة للتعامل مع اإلنسان ،وان من أهم أسس هذة المعاملة ،ان تكون معامله إنسانيه
بالدرجة األولى نابعة من احترام النفس البشرية ،وذلك الن المعاملة الحسنه تساعد على
تحسين كفأة األفراد وتستحوذ على رضاهم مما ينعكس إيجابا على األداء واإلنتاج وبالتالي
األهداف المتوخاه ،وال ريب أن إدارة أالفراد اليوم وفي ظل هذا التزاحم الفكري ،أصبحت
وظيفة هامه وحيوية من وظائف اإلدارة الناجحة .
.4التوجيه (:)DIRECTING
وهي عمليه إصدار األوامر المناسبة من قبل المدير لتحقيق المهمة مع متابعة تنفيذها
على الوجه المطلوب ،وهي تعني أيضا ":إرشاد المرؤوسين أثناء تنفيذهم لألعمال ضمانا
()107
لاللتزام بتحقيق األهداف بأقل الجهود والتكاليف".
إن التوجيه عملية هامة وحساسة ألنها تتضمن التعامل المباشر مع البشر من مختلف
الطبائع والشخصيات والخلفيات والسلوكيات والغايات واألهداف ،وواجب المدير هو عملية
صهر كل هذه المكونات في بوتقة واحدة بقصد تحقيق غاية واحدة يسعى الجميع لتحقيقها ،لذا
فان المدير هنا يجب أن يكون شخصا متميزا عن بقية أفراد هذه المنظمة ويتمتع بقدرات
وطاقات ومهارات قيادية باالضافه إلى الخبرات والمعارف ومهارات االتصال التي تساعده
على تحقيق االتصال والتفاهم مع جميع هذة القوى وفهم حاجاتهم ورغباتهم ونفسياتهم
وتوجيهها التوجيه الصحيح الدقيق نحو أهدافها .
.5التنسيقco- ordeinating:
.6تبادل الوثائقreporting:
وهي عملية تبادل البريد والمراسالت والمذكرات والكتب الرسمية والوثائق مع بيان
قنوات سيرها من أعلى إلى أسفل والعكس .
.7التمويل ( النشاط المالي ) budgeting:
وهو متابع كل ما يتعلق باألمور المالية للمنظمة والعاملين فيها ،وهي تتطلب الحرص
والدقة واألمانة والمتابعة .
يتفق كثير من الدارسين والباحثين على أن الوظائف الرئيسية لإلدارة هي أربعه ،تتمثل
في :
.1التنظيم :تحديد األهداف ورسم الخطط.
.2التخطيط :تجميع األنشطة الالزمة لتحقيق الهدف.
.3الرقابة:التأكد من مدى االلتزام بتنفيذ الخطط الموضوعة ومدى الكفاءة في تحقيق الهدف.
.4التوجيه :هو إرشاد المرؤوسين أثناء تنفيذهم لألعمال بغية تحقيق
أهداف المنظمة.
نحتاج إلى التوجيه حتى نضمن سالمة تطبيق الخطط المرسومة
وحسن استخدام العالقات التنظيمية مثل السلطة و تمثل:
-القيادة .Leadership
-االتصال .Communication
-والتحفيز .Motivation
األسس التي من خاللها يستطيع المدير إرشاد وبث روح التعاون
والنشاط المستمر بين العاملين في المنظمة من أجل تحقيق
أهدافها.
وبناء على ما سبق فان أفضل ما يقال عن الواجبات التي يقوم بها المدير هو ما يلي:
.1تحديد األهداف ورسم الخطط الالزمة للتنفيذ .
.2تحديد وتجميع األنشطة الالزمة لتحقيق الهدف .
.3تحديد االختصاصات والمسؤوليات.
.4التوجيه المستمر والمتابعة الحثيثة لخطوات التنفيذ بعيدا عن التسلط واإلزعاج للعاملين.
.5اإلشراف التدريجي على ما تحقق وإعطاء التوجيهات الالزمة إلتقان العمل أكثر فأكثر.
.7تحفيز العاملين لتحقيق األهداف المنشودة.
.8ترتيب وتنسيق جميع اإلمكانيات المتاحة من اجل تسهيل مهمة الوصول إلى األهداف
المرسومة.
.9التأكد من مدى مطابقة األداء للخطط المرسومة ،وهو ما يعني التأكد من (الكفاءة) للعاملين،
()108
وأيضا مدى تحقيق األهداف أي ( الفعالية ) .
والرسم التالي يبن التفاعل الذي يجري بين وظائف اإلدارة بغيه تحقيق الهدف :
شكل رقم ()4
) )110للمزيد من المعلومات يمكن الرجوع الى :طارق خير وآخرون ،مصدر سابق ،ص.14
أيضا :عبد المعطي محمد عساف ،مصدر سابق ،ص ص .145، 144
أيضا Stephen Robbins & Mary coulter , management , prentice – hall of India private limited ,:
. new Delhi ,1998,p6
63
وهي تتكون من األشخاص(العمال ) ( ) operativesالذين يقومون بتنفيذ األوامر
الواصلة لهم من اإلدارة الوسطى ،وهم في الغالب أصحاب كفاءات فنية ومهنيين وحرفيين ،
وهم أصحاب (مهارات فنية ).
أما من حيث األنشطة التي يقوم بها كل مستوى من هذه المستويات فهي كما يلي:
اإلدارة العليا تقوم بممارسة عملية التخطيط والرقابة والتنظيم والقيادة وصنع -
القرارات واالتصاالت والتوظيف ،ومتابعة األمور المالية بدقة ،وهذه األنشطة تختلف من
منظمة إلى أخرى وهي ليست ثابتة إنما هي سمة عامة لهذا المستوى التنظيمي.
أما المستوى المتوسط فيقوم بوظائف الرقابة والتنظيم واإلشراف وأحيانا التخطيط -
ولكن بمستوى اقل من مستوى المديرين أو القادة في أعلى السلم اإلداري .
تقع على عاتق اإلدارة الدنيا عملية التنفيذ أكثر من أي نشاط أخر . -
إن هذه النشاطات وممارستها تختلف من منظمة إلى أخرى ويلعب حجم المنظمة دور
كبير في تحديد الممارسات والنشاطات والواجبات لكل مستوى من مستويات اإلدارة .
وكما هو حال اإلدارة فكذلك القيادة فهي مستويات ،وتزداد أهميه مستويات القيادة في
المؤسسات العسكرية التي يزداد فيها التشابك والتعقيد
وتحتاج إلى المزيد من الدقة وال تسمح بتداخل الواجبات والمسؤوليات الن ذلك يؤدي
إلى تخبط الخطط وفشل التنفيذ وعلى األغلب فان الخبراء يرون أن القيادة ثالث مستويات هي :
.1المستوى التعبوي المباشر (القيادة المباشرة):
ويمارسه القادة الميدانيين والين يمارسون القيادة وجها لوجه وبشكل مباشر
ويتعاملون مع الميدان وينفذون ( التكتيكات ) أثناء العمليات الحربية ،ويجب أن يمتاز القادة هنا
بالمهارة واالحتراف والشجاعة والحنكة واإلبداع والقدرة على اتخاذ القرار المناسب في
المواقف الطارئه.
.2القيادة العملياتيه (القيادة العليا ):
وهم القادة الذين يعملون بمستوى عملياتي اكبر وأعلى من المستوى السابق ويتم في
هذا المستوى ممارسه عمليات التخطيط والتدريب وتوزيع المعلومات وتنقيحها .
.3القيادة التنفيذية (أالستراتيجيه):
ويمارسها القادة الذين يخططون على المستوى االستراتيجي المستقبلي البعيد
المدى ،العالي المستوى وهم يمتازون بالقدرة على التخطيط والتحليل وبعد النظر والذكاء
()111
واستشراف المستقبل والواقعية .
والشكل التالي يبن مستويات القيادة وحجم ممارسه الوظائف القيادية في كل مستوى
من هذة المستويات:
65
المبحث الخامس
اإلدارة أالستراتيجيه
البد عن حديثنا عن اإلدارة بشكل عام أن نتطرق إلى ما يعرف باإلدارة اإلستراتيجية
والتي هي شكل من أشكال التفكير والذي يعنى بالتخطيط والتنفيذ والتصرف على المديات
البعيدة ،والتي يعتبرها كثير من الفقهاء فن حديث النشأة لم تكد تتحدد معالمه وتتضح مفاهيمه
لدى كثير من رواده وأنة كغيرة من الفنون سيبقى خاضعا للتطوير والتجديد ،هذا وقد نالت
اإلدارة اإلستراتيجية االهتمام الواسع في العقود الثالثة األخيرة من القرن الماضي وذلك بسبب
التغيرات الهائلة والسريعة في بيئة األعمال ،وكذلك التطورات الهائلة في مجال العلوم
والمعرف والتكنولوجيا ،ودخول البشرية إلى ما يعرف بعصر العولمة الذي فرض أنماط جديدة
من اإلدارة والقيادة تتالءم مع الواقع المعاش ،ولكن قبل الدخول ببعض التفاصيل عن هذا
الموضوع البد أن نتطرق إلى تحديد مفهوم كلمة (اإلستراتيجية ) وبيان أصلها ومعناها
االصطالحي واإلجرائي حسب أراء الفقهاء والخبراء والمختصين .
تحديد المفهوم :
يرجع أصل كلمة (إستراتيجية) إلى أنها مشتقة من الكلمة اليونانية
()STRATEGEOSوالتي معناها (فن القيادة ) او(فن الجنرال )(The Arte Of
) Generalshipوقد عرفتها الحضارة اليونانية بأنها "فن الضباط الكبار " )112(،لذا فقد
ارتبط مفهومها بالمهام العسكرية والخطط المستخدمة في إدارة المعارك وفنون المواجهات
العسكرية أكثر من ارتباطها بالمفاهيم المدنية .
وتعني كلمة (إستراتيجية) حسب قاموس ( : ) Webster'sعلم تخطيط العمليات
()113
العسكرية وتوجيهها .
وقد عرفها (ليدل هارت ) " :بأنها فن توزيع واستخدام مختلف الوسائط العسكرية -
لتحقيق هدف السياسة ".
وعرفها (مولتكة ) ":بأنها إجراء المالئمة العملية للوسائل الموضوعة تحت تصرف -
القائد للوصول إلى الهدف المطلوب ".
وعرفها الجنرال ( اندرية ) ":بأنها فن حوار اإلرادات التي تستخدم القوة لحل -
()114
خالفاتها".
ويعرفها ( ) Wheelen Hungerبأنها ":مجموعه القرارات والتصرفات اإلدارية -
()115
التي تحدد األداء طويل األجل للمنظمة .
ويعرفها ( )Andrewsبأنها ":هي الخطط واألنشطة التي تقرها المنظمة على المدى -
البعيد بما يضمن التقاء أهداف المنظمة مع رسالتها والتقاء رسالتها مع البيئة المحيطة بها
()116
بطريقة فعالة وذات كفاءة عالية في نفس الوقت".
) )112عمران امين ،نحو فهم افضل لالستراتيجيه العسكرية ،مجله االقصى ،العدد ،775تاريخ شباط ،1987ص.19 – 16
) )113زكريا مطلك الدوري ،اإلدارة اإلستراتيجية ،مفاهيم وعمليات وحاالت دراسية ،دار اليازوري ،عمان ،2005 ،ص
ص .25 ،24
) )114عبد هللا العتوم ،مبادئ اإلستراتيجية اإلسالمية ،مجلة الكلية العسكرية الملكية ،السنة ،1985ص .74
) )115ثابت عبد الرحمن إدريس ،جمال الدين محمد مرسي ،اإلدارة اإلستراتيجية ،مفاهيم ونماذج تطبيقية ،الدار الجامعية ،
القاهرة ، 2002/2003 ،ص.22
) )116المصدر السابق ،ص.22
66
ويعرفها بيرس وروبنسون ":بأنها مجموعه القرارات والتصرفات التي يترتب عليها -
()117
تكوين وتنفيذ الخطط المصممة لتحقيق أهداف المنظمة".
أما تعريف ( اإلستراتيجية العسكرية ) فهو ":فن توزيع واستخدام اإلمكانيات -
والوسائل العسكرية المختلفة لتحقيق هدف السياسة بالطريقة المثلى التي تؤمن التوائم بين
()118
اإلمكانيات والهدف".
وقد عرفها الجيش االميركي بأنها":فن وعلم استخدام القوات المسلحة لتامين أهداف -
السياسة الوطنية باستخدام القوة أو التهديد بها "(.)119
هذا وقد دخل استعمال هذه الكلمة إلى كافة أنواع الدراسات واألبحاث وفي مختلف
مجاالت العلوم والمعارف وتعدد استخدامها حتى شملت كافة ميادين الحياة تقريبا ولم يعد
استخدامها مقصورا على العلوم العسكرية فقط بل أنها دخلت إلى علم السياسة واالقتصاد
واالجتماع واإلدارة .....الخ من العلوم االجتماعية واإلنسانية ،والدليل على ذلك هو تعرض
الكثير من المفكرين والباحثين إلى تعريفها وتحديد مفهومها من وجهة نظرهم وبما يتناسب مع
حيثيات الميدان الذي يبحثون فيه ،ومما يدلل على ازدياد أهمية اإلستراتيجية هو أن نجاح
المنظمات العصرية هو نتاج استراتيجيات مبتكرة وضعها إستراتيجيون على مستوى عال من
الكفاءة ،تدفع لهم المنظمات ماليين الدوالرات من أجل فكرهم االستراتيجي ،وأصبح التنافس
عليهم بال ًغا ألنه أصبح ضروريًا لمواجهة المنافسة العالمية القوية.
وفيما يلي بعض التعاريف التي قدمها بعض الباحثين في مجاالت العلوم االجتماعية
المختلفة .) )120
فقد عرفها ( شاندلر) بأنها ":تحديد المنظمة ألهدافها وغاياتها على المدى البعيد -
وتحقيق الموارد لتحقيق األهداف والغايات ".
وعرفها ( )ansoffبأنها ":هي تصور المنظمة عن طبيعة العالقة المتوقعة مع البيئة -
الخارجية والتي في ضوئها تتحدد نوعية األعمال التي ينبغي القيام بها على المدى البعيد ".
أما (توماس ) فقد عرفها ":أنها تلك الفعاليات والخطط التي تضعها المنظمة على -
المدى البعيد بما يكفل تحقيق التالؤم بين المنظمة ورسالتها وبين الرسالة والبيئة المحيطة
()121
بطريقة فاعلة وكفؤه ".
أما تعريف (اإلدارة اإلستراتيجية) ككل فقد تطرق له كثير من الباحثين والخبراء ومن
هذة التعاريف:
فقد عرفها (جوش) و(جلوبك ) بأنها":الخطة الموحدة والمتفاعلة والشاملة والتي -
تربط المزايا اإلستراتيجية للشركة بتحيات البيئة وقد صممت لضمان تحقيق األهداف األساسية
لمنظمة من خالل التنفيذ المالئم للخطة".
أما (دركر) فقد عرفها بأنها ":عملية مستمرة لتنظيم وتنفيذ القرارات الحالية وتوفير -
المعلومات الالزمة لتنفيذ القرارات وتقييم النتائج بواسطة نظام معلومات متكامل وفعال)122(".
أما أالستراتيجيه من وجهه نظر عسكريه فإنها تعني":فن توزيع واستخدام الوسائل -
العسكرية مثل القوات المسلحة لتحقيق أهداف سياسية معينه ".
) )124عبد السالم أبو قحف ،أساسيات اإلدارة اإلستراتيجية ،مصدر سابق ،ص .260
) (125عمر ياسين خضير ،الجودة الشامله والمؤسسات الماليه والمصرفيه ،مجله اليرموك ،العدد ، 2007 ،92ص-146
.154
) )126التكتيك :وحسب ما عرفة (اندرية بوفر) هو " :فن استخدام األسلحة في المعركة للوصول إلى المردود األقصى " إذن هو
عبارة عن اإلجراءات التي تتم داخل الميدان المعركة من قبل القيادة الميدانية "لذلك فهو يعتبر فن من فنون القتال الميدانية .
69
70
الفصل الثالث
العقيدة العسكرية
-العقيدة العسكرية(عام).
-أسس ومصادر العقيدة العسكرية.
-أنواع العقيدة العسكرية.
71
المبحث األول
العقيدة ألعسكريه (عام)
إن العقيدة ألعسكريه ألية بلد هي عبارة عن السياسة ألعسكريه التي تعبر عن وجهات
النظر ألرسميه للدولة بخصوص (الحرب) وأهدافها وغاياتها وكل ما يتعلق بها واألسس
الجوهرية إلعداد البالد والقوات ألمسلحه فيها ،وهي تنطلق من األهداف العليا للدولة وبناء
عليها يتم رسم وتحديد مبادئ أالستراتيجيه العسكرية والتي تعني فن قيادة الحرب وأساليب
إدارتها ،وكما عرفنا سابقا بان ،العقيدة العسكرية هي "موضوع إطاره كبير ،يمتد عموديا ً من
أعلى التنظيمات السياسية في الدولة ،ويتدرج حتى أدنى المستويات العسكرية ،إلى أن يصل
إلى األفراد في ثالث مستويات :االستراتيجي والعملياتي والتعبوي·
أما بالنسبة للتعاريف العامة لكلمة "عقيدة " ،فقد ُع ّرفت في معاجم اللغة العربية بأنها"
ما عقد عليه القلب والضمير ،ويدين به اإلنسان "وهي كذلك تعني ":ما ال يشك معتقدة فيه ،
كعقيدة وجود هللا وبعثه الرسل" ( ،)127هذا التعريف ليس مقصورا على العسكريين فقط ،وإنما
يشمل مختلف العقائد ،وفي مقدمتها العقيدة الدينية ،ولكن قبل الخوض في تعريف "العقيدة
العسكرية" ،من األفضل أن نع ّرف مصدرها ،و هو من المصطلح اإلنجليزي ( Military
) Doctrineويقابله في العربية "العقيدة العسكرية " أو "المذهب العسكري" ،وكلمة
"المذهب "هي المرادف لكلمة "العقيدة "في قواميس اللغة ،والبعض استخدم مصطلح النهج
العسكري "،وأطلق مصطلح العقيدة العسكرية " بشكل عام للداللة على المستوى االستراتيجي
،وهي اإلطار لجميع مستويات العقيدة العسكرية ،ولزيادة توضيح هذا اإلطار الغامض والتمييز
بين مستويات العقيدة ،فقد تم استخدام مصطلحات أخرى مثل " :العقيدة القتالية (fighting
)Doctrineللداللة على المستوى ألعملياتي من العقيدة العسكرية ،و " عقيدة القتال"
( )combat Doctrineلإلشارة إلى المستوى التعبوي ،وبنا ًء على التوضيحات السابقة ،
تعرف العقيدة العسكرية بأنها "مجموعة من القيم والمبادئ الفكريـة التي تهدف إلى إرساء
نظريات العلم العسكري وعلوم فن الحرب ،لتحدد بناء واستخدامات القوات المسلحة في زمن
السلم والحرب بما يحقق األهداف والمصالح الوطنية " ،ولو تمعنا في هذا التعريف لوجدنا أنه
يغطي جميع مستويات العقيدة ،ويركز على المستوى االستراتيجي ويعطيه اهتماما خاصا ً
()128
باعتباره أساسا لبقية مستويات العقيدة .
وهذا يقودنا إلى تعريف العقيدة العسكرية للدولة الن العقيدة العسكرية "موضوع
إطاره كبير ،يمتد عموديا ً من أعلى التنظيمات السياسية في الدولة ،ويتدرج حتى أدنى
المستويات العسكرية ،إلى أن يصل إلى األفراد في ثالث مستويات :االستراتيجي ولعملياتي
والتعبوي·()129
حيث تعني "العقيدة ألعسكريه":
_ " مجموعة من القيم والمبادئ الفكرية التي تهدف إلى إرساء نظريات العلم العسكري
وعلوم فن الحرب ،لتحدد بناء واستخدامات القوات المسلحة في زمن السلم والحرب بما يحقق
((130
األهداف والمصالح الوطنية "
_ "السياسة المعبرة عن وجهات النظر الرسمية للدولة والمتعلقة بالمسائل والقواعد
االساسيه للصراع المسلح والمتضمنة لطبيعة الحرب من وجهة نظرها
) )131للمزيد انظر :محمد جمال الدين محفوظ ،مصدر سابق .23 ،
ايضا :ب.ه.ليدل هارت ،االستراتيجيه وتاريخها في العالم ،تقديم اكرم ديري ،ترجمه الهيثم االيوبي،دار الطليعه ، -
بيروت ،1978،ص . 285- 273
ايضا :اكرم ديري ،اراء في الحرب االستراتيجيه وطريق القيادة ،المؤسسه العربيه للدراسات والنشر ،بيروت -
،1981،ص . 23- 13
73
المبحث الثاني
أسس ومصادر العقيدة ألعسكريه
تنطلق مبادئ العقيدة العسكرية أليه امة من مجموعه من المبادئ واألسس والمرتكزات
النابعة من نظرتها لألمور سواء كانت السياسية أو العسكرية وتحكمها أيضا األوضاع
أالقتصاديه واالجتماعية التي تعيشها تلك أالمه ،ويتدخل أيضا في تحديد هذة األسس العوامل،
الجغرافية والتاريخية والمعنوية للبالد ،وهي تشكل أألساسات التي تقوم عليها ،والمصادر
التي تتغذى منها حتى تصل إلى مرحلة التشكل والنضوج والتكامل ،ثم تستمر بالتطور لكي
تفي بالغرض المطلوب ،وتحقق الهدف المنشود،لذا فان المصادر التالية قد تكون هي مرتكزات
العقائد العسكرية لألمم بشكل عام:
.1الغايات واألهداف القومية العليا:
إن الغاية أو الهدف الذي تؤمن به مجموع أالمه يلعب دورا كبيرا في وضع أسس
العقيدة العسكرية لهذه األمة ،ألنة هو الذي يحدد توجهاتها ويحدد طريقه بناءها لقوتها
العسكرية التي هي أداة تطبيق هذه العقيدة ،فاألمة التي ترغب بالتوسع وامتداد على حساب
جيرانها تضع عقيدة تهدف إلى غرس قيم العدوان والقتل لدى مقاتليها وتقوم بإعداد شعبها
لهذا الهدف ،وفي المقابل فان األمة التي تهدف إلى السلم والتفاهم وحسن الجوار تبني
عقيدتها على أن تكون عقيدة سلمية ال عدوانية غايتها رد المعتدي وليس التدمير والتخريب
والتوسع واالمتداد على حساب اآلخرين .
.2القيم العليا لألمه:
إنها ال تقل أهمية عن العامل السابق فهما متداخالن مرتبطان ارتباطا وثيقا ،فقيم األمة
العليا هي الموجه والمرشد لصانعي القرار فيها في وضع مبادئ
العقيدة العسكرية لها بحيث تكون مبادئ هذه العقيدة منسجمة تمام االنسجام مع هذه
القيم واألهداف ،وذلك لكي تحظى بالرضا والقبول من أبناء األمة وكذلك لكي يؤمنوا بها
اإليمان المطلق ويقدموا مقابل تطبيقها أغلى ما يملكون.
.3العقيدة االساسيه لالمه:
تعد المصدر األساسي لجميع مستويات العقيدة بشكل عام ،والعقيدة العسكرية األساسية
بشكل خاص ،ومن األمثلة على العقائد االساسيه لألمم :العقيــدة الدينيـة واإليديولوجيـات
واألسس والمبادئ التي يضعها القادة السياسيون ،وبهذا "تختلف العقيدة العسكرية لكل دولة
عن األخرى تبعا للتغيرات الجذرية في األفكار السياسية والعسكرية ،فال يمكن القول :إن هناك
()132
عقيدة عسكرية واحدة لكل الدول"
.4التاريخ العسكري:
تعتبر العقيدة ألعسكريه عمال يستقي محتواة من التاريخ ،والمتتبع ألهداف الحروب
التي وقعت عبر التاريخ اإلنساني والشعارات التي قاتلت من اجلها الشعوب ،يرى أنها مختلفة
الهدف والطبيعة حتى وان كانت في زمن واحد أو فترة زمنية واحدة .
لذا فان التاريخ من األساسات الهامة التي تبنى عليها العقيدة العسكرية على مختلف
مستوياتها ،ويعد التاريخ العسكري مصدراً فعاالً وناجحا ً لبناء العقيدة العسكرية و تطويرها،
) )133للمزيد من المعلومات انظر :محمد جمال الدين محفوظ ،مصدر سابق ،ص ص .23،24،
76
المبحث الثالث
أنواع العقيدة العسكرية()134
الشك أن ثمة صعوبة يجدها دارسوا العلوم والفنون العسكرية في التمييز بين أنواع
العقيدة العسكرية وهذا ما يشكل بحد ذاته مانعا من اإللمام العميق والفهم الكامل لمعنى العقيدة
العسكرية ،ومن اجل الفهم الكامل الشامل لمعنى العقيدة العسكرية فانه البد من التعرف على
أنواع العقيدة العسكرية والتمييز بينها للتتضح األمور وتصبح أكثر وضوحا ،لذلك فقد صنفت
العقيدة العسكرية في مضمونها إلى أنواع ،لكل منها حدوده ومفهومه وخصائصه التي تميزه
عن غيره ،ورغم هذا إال أن هناك ارتباط وثيق بين هذه األنواع ،فال يمكن فصلها عن بعضها،
وال يمكن االستغناء عن أحدها ،ألنها مكمله لبعضها البعض ،وجميعها يشكل العقيدة العسكرية
الكاملة الشاملة ،وعلى الرغم من كونها مميزة عن بعضها ،إال أنها تؤثر في تركيبة وتطوير
بعضها بعضاً ،بصرف النظر عن المستوى أو النوع أو المؤثرات أو االنسياب التقليدي لها من
أعلى إلى أسفل ،وبمعنى آخر :إن العقيدة العسكرية في أدنى مستوياتها قد تؤدي إلى تغيير
رئيسي على المستويات واألنواع األعلى من العقيدة العسكرية ·
ولكن يجب االنتباه إلى هناك عقيدة رئيسيه كليه لالمه وهي عقيدة على مستوى الدولة ،
وتسمى" العقيدة الشاملة للدولة" ،وغالبا ً ما يحدث خلط بين هذا المستوى و بين المستوى
االستراتيجي للعقيدة العسكرية ،وهذا الخلط يعد من المواضيع الرئيسية التي تسبب الغموض
حول مفاهيم العقيدة العسكرية ،فالعقيدة الشاملة للدولة هي ":مجموعة التعاليم والقيم
السامية والمبادئ السياسية والعسكرية واالقتصادية واالجتماعية والمعنوية والعلمية التي
نبعت من حضــارة الشعب ورسخت في وجدانه وضميره··" ،فعندما نذكر العقيدة األساسية
للدولة فإننا في الحقيقة نذكر العقيدة الشاملة وليست العسكرية ·
أمـا أنــواع العقيدة العسكرية فهي ثالثة أنواع رئيسية هي :العقيدة األساسية والبيئية
والتنظيمية .
أوال:العقيدة األساسية(الرئيسية):
وهي مبادئ وأسس رئيسيه تساعد على تحديد اإلطار العام والمعالم الرئيسية للعقيدة
العسكرية على المستوى االستراتيجي ،وتقوم بتوجيهها أيضاً ،ونطاق هذا النوع من العقيدة
واسع جداً ،وال تعلوه إال العقيدة الشاملة للدولة ،ومما يميز هذا النوع انه ال يتأثر بالسياسة
والتطور التقني مقارنة بالمستوى ألعملياتي والتعبوي من العقيدة العسكرية·
ثانيا :العقيدة البيئية( المستوى ألعملياتي):
وهي عبارة عن المبادئ األساسية التي تسير على نهجها الوحدات الرئيسية للقوات
المسلحة ،من اجل توجيه جميع نشاطاتها العسكرية لتحقيق األهداف المرسومة لها .
79
أقسام الفنون العسكرية
الباب الثاني
القيادة واإلدارة االسالميه نموذجا ً
80
الفصل األول
فن القيادة في اإلسالم
●مفاهيم ومصطلحات.
●القيادة في اإلسالم ،األصول والمبادئ
81
الفصل األول
فن القيادة في اإلسالم
مفاهيم ومصطلحات
تمهيد:
الشك أن أي بحث أو دراسة يظهر من خالل سياقها مصطلحات ومفاهيم تحتاج الى
التوضيح والتعريف لكي يخرج المتن واضحا جليا ال لبس فيه ،وفي بحثنا هذا المتعلق
بموضوع القيادة واإلدارة والمواقف العسكرية والقيادية في اإلسالم – تحديدا – البد أن نتطرق
إلى عدد من المفاهيم والمصطلحات التي تزيد الموضوع وضوحا وتفصيال لكي يستطيع القارئ
وعلى اختالف المستويات استيعاب المعنى والوصول إلى المقصود وبالتالي تحقيق الهدف
المنشود.
وقد ارتأيت أن من أهم المفردات التي البد من توضيحها مبينا التعريف النظري (اللغوي
) لها باإلضافة إلى التعريف االصطالحي واإلجرائي هي ما يلي:
الحرب: -
الحرب في اللغة معناها " القتال بين فئتين ".
وتعني أيضا" :الويل والهالك".
ويقال قامت الحرب على ساق" أي اشتد األمر وصعب الخالص منة " ورجل حرب لي
":أي عدو لي " .
والحرب الباردة تعني ":أن يكيد كل من الطرفين المتعاديين لخصمه دون أن يؤدي ذلك
()135
إلى حرب سافرة " .
وقد تعني (الحرب ) " :كل كفاح يقوم بين القوات المسلحة لدولتين أو أكثر إذا توفرت
()136
لدى إحداهما أو لديهما جميعا إرادة إنهاء ما يقوم بينهما من عالقات سلمية " .
ويقسم محمود شيت خطاب – الباحث العسكري – الحرب إلى نوعين هما :
الحرب العادلة :وهي تعني " هي الحرب التي توجه ضد شعب ارتكب ظلما نحو شعب .1
آخر ولم يشأ رفعة ،ويشترط فيها أن تكون مطابقة للقواعد اإلنسانية ،وتكون بهدف تحيق
سلم دائم ،كما يشترط فيها احترام حياة وأمالك األبرياء وحسن معامله األسرى والرهائن".
الحرب غير العادلة :وهي الحرب التي لم يكن لها سبب عادل يبررها ،كان إن تدخل .2
دولة في حرب لتحتل جزء من إقليم دولة أخرى أو لتستعمرها وتخضعها لحكمها " .
ويدخل في تعريف الحرب مصطلح ( حرب الفروسية) والذي يعني ":كفاح شرف ال
يجوز أن يلجاء المحاربون فيه إلى عمل أو إجراء يتنافى مع الشرف ،وذلك الن الشرف
العسكري يفرض على صاحبة احترام العهد المقطوع كاستعمال السالح أو القيام بأعمال الخيانة
،بل يفرض على صاحبة مواساة الجرحى والمرضى والعناية بهم وعدم اإلجهاز عليهم وعدم
( (137
التعرض لغير المقاتلين أو اآلمنين من السكان " .
القتال: -
المعنى اللغوي للقتال:
يقال قتل فالن قتال :أي قضى على حياته ،ويقال :قاتلة مقاتلة :أي حاربه وتعني أيضا :
" لعنة ،حيث يقول تعالى في القران الكريم ":قاتلهم هللا أنى يؤفكون " .
() 138
والمقتلة هي المعركة التي يدور فيها القتال.
المبحث األول
األصول والمبادئ
تمهيد:
لقد جاء اإلسالم دينا عاما شامال فيه من أمور الدنيا ما يغني المرء عن سواه ،وفيه
من أمور اآلخرة ما ينجي العبد ويدفع به نحو الطمأنينة والراحة التي نهايتها الجنة التي أعدها
هللا لعبادة الصالحين ،فاإلسالم عقيدة وشريعة ،عبادة وقيادة ،إدارة ونظام ،تخطيط محكم ،
وتنفيذ دقيق ....،الخ وتجلت هذه المفاهيم وضوحا وتفصيال في األداء الرائع للرسول القائد
الذي طبق كل وظائف القيادة واإلدارة أثناء بناءة لدولة اإلسالم األولى ،فقامت دولته على
التخطيط السليم ،والعزم األكيد ،ثم التنفيذ الدقيق ،بموجب خطة محكمة اإلتقان والحبك ،
فاخرج إلى الوجود خير مشروع عرفته اإلنسانية ،دولة قوية انصهرت فيها كل الشوائب التي
قد تقف دونها ،وأسباب نجاحها كانت – وال تزال – هو سيرها وإتباعها لذلك المنهج القويم
والطريق المستقيم أال وهو اإلسالم العظيم ،الذي كان بمثابة برنامج ينظم حياة الناس ومرجعا
لهم يعودون إلية عندما تختلط األمور عليهم فيجدون فية الحل األمثل لكل ما يواجهون .
ويجب أن نعلم أن القيادة هي ظاهرة اجتماعيه ذات جذور عميقة تتصل باإلنسان
وتراثه الثقافي ومشاركته لمن حولة ،فالحاجة لها ضرورة ملحة من اجل تنظيم العالقات
القائمة بين األفراد مهما كان عددهم ،لذا فانه البد من ان يتولى احدهم القيادة ،وهذا ما يقررة
88
89
الفصل الثاني
المبحث األول
العقيدة العسكرية االسالميه
أما العقيدة العسكرية في اإلسالم فهي تختلف عن أي عقيدة أخرى في الدنيا كلها من
حيث المنطلقات والثوابت واألهداف والغايات ،وذلك ألنها تنبثق من الدستور اإللهي الذي ال
يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه وكذلك من ألسنه النبوية المطهرة المفصلة والموضحة
لما جاء في هذا الدستور .
لذا فان لها من المرتكزات واألسس والمبادئ ما يستحق الدراسة والتفصيل ،والبيان
والتوضيح لعلها تكون الهادي والمرشد لكل من يسعى إلى قيادة راشدة ناجحة :
.1القران الكريم:
جاء القران الكريم شامال كامال فيه اإلجابة على كل ما يحير اإلنسان من أسئلة ،
وجاء بالجواب لكل ما قد يخطر على باله من أفكار وتصورات فهو دستور شامل ال يعتريه
النقص أو القصور أو الخلل ،قال تعالى ":ما فرطنا في الكتاب من شيء".
لذا فلم يغفل القران الكريم وال ألسنه المطهرة عن أن تحتوي على أسس راسخة وجذور
عميقة لكل ما يتصل بالعقيدة العسكرية من مبادئ وتعاليم وثوابت انطلق منها أتباع هذا الدين
الحنيف فوجدوا فيها الخير والفالح والنجاح لهم ولغيرهم ،ألنها مبادئ تقوم على األخالق
الفاضلة والمعاملة الحسنة الكريمة .
لذا فقد كانت مبادئ االستراتيجية االسالميه هي (مدرسه ) بحق وأضافه نوعيه إلى
العلوم والفنون العسكرية تنتهجها المدارس العسكرية وتطبقها القوات على مدار الزمن لتبقى
خالدة خلود اإلسالم وتبقى ما بقي هذا الدين .
ومن هذة المبادئ ما يلي:
.1التصميم على الهدف والحفاظ عليه:
لقد أوضحنا عند حديثنا عن العقيدة العسكرية االسالميه أن الهدف من هذه العقيدة هو
نشر الدين وحماية الدعوة ورد الظالمين ،وليس االعتداء على اآلخرين أو ترويعهم ،لذا فقد
جعل المسلمون هذا الهدف نصب أعينهم أينما ذهبوا وحيثما حلوا ،مما ساهم وبشكل كبير على
االندفاع واالستمرار في الفتوحات رغم كل الظروف الصعبة التي مرت بها أالمه سواء على
الصعيد الداخلي أو الصعيد الخارجي ،والقدوة في هذا المقام هو محمد (ص) الذي كان شديد
التمسك بالهدف والغاية ،حيث استمر بنفس االندفاع والحماس نحو تحقيق هدفه وغايته وهو
نشر الدعوة وإبالغها للناس ،رغم األذى والعذاب النفسي والبدني الذي تعرض له هو وأصحابه
خالل مسيرة دعوتهم في مكة والطائف ،والصدود الذي القاه حتى من اقرب الناس إليه وهم
قبيلته وعشيرته االقربين .
وتابع الصحابة حفاظهم وحماسهم نحو األهداف والغايات النبيلة ،فها هو أبو بكر
الصديق يمضي بقتال أهل الردة الذين منعوا الزكاة وقال قولته المشهور (:وهللا لو منعوني
عقاال كانوا يؤدونة لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم لجاهدتهم عليه ) ،وستمر الصحابة على
ذات النهج ونفس الطريق وهو الحفاظ على الهدف والغاية ،وها هو خالد بن الوليد يؤنب أهل
الحيرة ويقرعهم على اختيارهم للجزية فيقول لهم (:تبا لكم ،إن الكفر فالة مضله فأحمق
العرب من سلكها ) ،وذلك ألنه أراد لهم اإلسالم ولم يرد لهم الجزية ،واستمر جيش اإلسالم
يمضي نحو أهدافه وغاياته حتى اكتمل الفتح اإلسالمي وخضع معظم العالم المعروف آنذاك إلى
92
اإلسالم وانضم تحت لوائة فمن الشام إلى العرق ثم إلى المغرب واألندلس ومن ثم إلى أوروبا
وبالط الشهداء ،والى أقصى الشرق حيث الصين وتخومها ،نعم رغم كل الظروف إال أن
المحافظة على الهدف كانت أعظم مبادئ االستراتيجية االسالميه الناجحة المظفرة .
.2الحرب النفسية (:)153
تلعب الحرب النفسية الدور األكبر في انتصار الجيوش وتفتيت األعداء والقضاء على
معنوياتهم وتحطيم قوتهم ،وفي اإلسالم فان هذا المبداء هو أساس االستراتيجية القتالية
االسالميه وذلك ألهميته وقيمته في تحقيق النصر ،وقد أدرك الرسول القائد محمد (ص)
ببصيرته الثاقبة إن المعنويات عنصر هام البد منه حيث قال (ص)" :جاهدوا المشركين
بأموالكم وأنفسكم ألسنتكم " وهنا بيان ألهمية الحرب النفسية والتي تشن بواسطة وسائل
اإلعالم المختلفة ،وقال ( ص) ":إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه " وكان (ص) يقول لحسان
بن ثابت ... ":إذا حارب أصحابي بالسالح فحارب أنت باللسان " ،وعندما ألقى عبد هللا بن
رواحه قصيدة بين يدي الرسول (ص) قال ":خل عنه يا عمر ،فوالذي نفسي بيدة لكالمه اشد
عليهم من وقع النبل" ،يتضح مما سبق أهميه الحرب النفسية وهذا ما أثبتته التجارب
والخبرات العسكرية وفنون العلم العسكري على مدار الزمن ،وتزداد أهميه الحرب النفسية
عندما يتم شنها قبل بداية الحرب ألنها تؤدي إلى إضعاف القوة وتفتيت التماسك بين الصفوف
وإضعاف اإلرادة القتالية لدى الخصم ،مما يسهم بتحقيق االنتصار بسرعة وسهوله ،وفي
العصر الحديث فان الحرب النفسية تتصدر المكانة األولى بين األسلحة التي يمكن أن
تستخدمها القوات في المعركة ،وفي أالستراتيجيه االسالميه فقد احتلت الحرب النفسية أهميه
كبرى في تحقيق النصر وقد نجح المسلمون نجاحا عظيما في تطبيق هذا المبداء حيث نجح
الرسول (ص) في تفتيت التماسك المعنوي والنفسي لقريش في فتح مكة وحقق النصر دون ان
يريق قطرة دم واحدة ودخل مكة مرفوع الهامة عزيزا مكبرا ،وكذلك الحال عندما حقق عليه
الصالة والسالم النصر في تبوك عندما قال ":نصرت بالرعب " ،قال ابن هشام يروي قصه
فتح حصون خيبر عن انس بن مالك ":واستقبلنا عمال خيبر غادين قد خرجوا بمساحيهم
ومكاتلهم فلما رأوا رسول هللا (ص) والجيش ،قالوا محمد والخميس وأدبروا هرابا ،فقال
رسول هللا :هللا اكبر خربت خيبر ،إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين " ،وقد أدرك
رسول هللا (ص) إن ثبات القائد ورباطه جأشه هي عامل نفسي هام في إثبات والنصر وان
موقفه في حنين هو خير دليل على ذلك ،عندما فر الجيش ولم يبق حوله احد حيث صاح بالقوم
وقال يا معشر األنصار :فقالوا لبيك يا رسول هللا ابشر نحن معك وهو على بغله بيضاء فنزل
فقال ":أنا عبد هللا ورسوله )154(،ويقول المقوقس عن وفد المسلمين المفاوض ":لو أن
هؤالء استقبلوا الجبال ألزالوها وما يقوى على قتالهم احد " ،هذا وقد بينت العلوم العسكرية
أهميه الحرب النفسية ودورها في تحقيق النصر وتفتيت قوة العدو ،حيث يقول رومل ":إن
القائد الناجح هو الذي يسيطر على عقول أعدائه قبل أبدانهم " ،ويقول تشرتشل ":كثيرا ما
غيرت الحرب النفسية وجه التاريخ " ،واليوم تدرس الحرب النفسية كجزء هام من األساليب
أالستراتيجيه التي ألغنى عنها للقوات المسلحة في المدارس العسكرية المختلفة وتدخل في
()155
إطار العقائد العسكرية الشرقية والغربية .
.3الحرب السلمية :
) ) 153للمزيد يمكن الرجوع الى :عبد الرحمن محمد العيسوي ،علم النفس العسكري ،دار الراتب الجامعيه ،بيروت 1999،
،ص.32 -25
) )154للمزيد انظر :سعيد حوى ،الرسول (ص) ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ج ،1971 ، 1ص .265 – 245
) )155للمزيد راجع :عبد هللا العتوم ،مبادئ أالستراتيجيه االسالميه ،مصدر سابق ،ص .83 -74
-ايضا :محمد جمال الدين محفوظ ،مصدر سابق ،ص . 127- 119
93
ويسميها الخبراء العسكريون "الحرب العادلة" ولتي يكون الغرض
منها هو تحقيق السلم واحترام حياة وأمالك األبرياء وحسن معامله
األسرى والرهائن،والحرب في اإلسالم لم تكن يوما إال من اجل ذلك
الهدف السامي وهو تحقيق اسلم ألنها في األصل حرب دفاعيه ال يبدأها
المسلمون غايتها حماية حرية العقيدة وتامين حرية انتشارها بين
الناس ورد العدوان ليس اال ،ولم تكن غايتها االعتداء وترويع اآلمنين ،
فهي كفاح شرف ال يلجاء فيه المقاتلون الى القيام بأي عمل يتنافى مع
األخالق ومع الشرف ،ففيها احترام للعهد والميثاق وصدق بالوعد
والوعيد حيث كان المسلمون يوفون بعهدهم والتزاماتهم األطراف
األخرى التي يدخلون معها في عهد أو ميثاق ،إن الحرب في اإلسالم
ليس فيها خيانة أو تمثيل بالقتلى أو أساءه لجرحى أو ترويع لآلمنين
،قال تعالى ":وقاتلوا في سبيل هللا الذين يقاتلونكم * وال تعتدوا إن هللا
ال يحب المعتدين " ( ، )156وحتى الحرب في اإلسالم فيها الرحمة والعفو
والصفح ،قال تعالى ":وان جنحوا للسلم فاجنح لها" ،وان موقف
النبي (ص) في فتح مكة هو دليل على ذلك حيث قال ألشد الناس عداوة
له ":اذهبوا فانتم الطلقاء ،وان ال تثريب عليكم اليوم " ،فحولهم
بعبقريته من أعداء إلى جند مخلصين ،كذلك فان الحرب في اإلسالم
ليس فيها اكراة أو إجبار على اعتناق لدين،حيث يقول تعالى ":ال اكراة في الدين
()157
وها هو الرسول القائد يوصي "
جنده المتوجهين للقتال بقوله ":اغزوا باسم هللا وفي سبيل هللا تقاتلون من كفر باهلل ،
اغزوا وال تغدروا وال تغلوا وال تمثلوا وال تقتلوا وليدا " )158(،أي رحمه بعد هذا ؟ ،إنها منهج
عسكري متكامل احتاجته األمم المتمدنة الراقية حين قاتل بعضها بعضا واستعملت ضد بعضها
أقوى وافتك األسلحة فمات الماليين وتشرد الماليين واغتصب وانتهك عرض الماليين ،انه
قول فصل يؤسس لقانون دولي أنساني قبل القوانين الوضعية بمئات السنين ،فالقتال في
اإلسالم ليس غاية ولم يكن كذلك يوما والدليل على ذلك هو ما يقوله ابن عباس عن النبي (
ص) ":حيث يقول":ما قاتل رسول هللا (ص) قوما حتى دعاهم "( ، )159وقد سار الصحابة
الكرام على ذات النهج العظيم ،فها هو أبو بكر الصديق يوصي قائد جندة وهو يستعد لخروج
للقتال ،فيقول له ":إذا سرت فال تعنف أصحابك في السير وال تغضبهم ،وشاور ذوي اآلراء
منهم ،واستعمل العدل وباعد عنك الجور ،فانه ما افلح قوم ظلموا وأال نصروا على عدوهم "
"،وإذا نصرتم فال تقتلوا شيخا وال امرأة وال طفال " " ،وال تحرقوا زرعا وال تقطعوا شجرا
وال تذبحوا بهيمة إال ما يلزمكم لألكل وال تغدروا اذا هادنتم وال تنقضوا إذا صالحتم وستمرون
على أقوام في الصوامع رهبان ترهبوا هلل فدعوهم وما انفردوا اليه وارتضوه ألنفسهم ،وال
) )166للمزيد من التفاصيل راجع :محمود شيت خطاب ،مصدر سابق ،ص. 82- 80
97
لقد اجمع الخبراء العسكريون وعلى مدار التاريخ على أهميه المعنويات واعتبروها
العنصر األساسي والهام في كسب المعركة واالنتصار على األعداء ،هذا وقد تنبه المسلمون
إلى هذا العنصر وجعلوه من أهم ما تضمنته استراتيجيه الحرب لديهم ،وقد ارتكز المسلمون
في تقويه هذا العامل إلى األيمان العميق الذي كان يحمله المقاتلون في صدورهم والى سمو
الهدف ونبل الغاية التي كانوا يقاتلون من اجلها ،فاهو خالد بن الوليد يخاطب جند الروم الذين
تحصنوا في قالعهم وحصونهم المانعة فيقول لهم ":وهللا لو كنتم في السحاب لحملنا هللا إليكم
أو أنزلكم ألينا " ،وكلمات عبد هللا بن رواحه يوم مؤته هي دليل على معنى المعنويات وقيمتها
عند المسلمين ،حيث قال ":ما نقاتل الناس بعدد وال قوة وال كثر ،ما نقاتلهم إال بهذا الدين
الذي أكرمنا هللا به " ،وقد شهد أعداء اإلسالم قبل أصدقائه بالمعنويات العالية التي كان يتمتع
بها جند اإلسالم فها هو ( مونتغمري ) يقول ":لم تكن أهم مميزات الجيوش االسالميه عبر
التاريخ في تجهيزاتها وتنظيمها ولكن في معنوياتها التي كانت وليدة دينها " ،ويقول
مونتغمري عن المعنويات بشكل عام وأهميتها ":إن أهم عامل في الحرب هو المعنويات
()167
وعندما تتدهور المعنويات تصبح الهزيمة حتمية "
وقد أدرك الرسول القائد أهميه المعنويات في تحقيق النصر والسيطرة على القوات حيث
جسد ذلك عمليا في مواقف كثيرة أهمها :يوم احد حين صعد إلى تله مرتفعه واخذ ينادي " :
إلي يا فالن ،إلي يا فالن ،أنا رسول هللا " وكان ذلك بقصد إشعار الجنود بأنه معهم وبينهم
يواجه المخاطر والصعاب كما يواجهون فترتفع معنوياتهم ويعودون أقوياء ،وكذلك موقفه في
بدر حينما قال ألصحابه ":والذي نفس محمد بيده ال يقاتلهم اليوم رجل ،فيقتل صابرا محتسبا
مقبال غير مدبر إال ادخله هللا الجنة " فألهب ذلك حماس المسلمين وزاد من معنوياتهم وقوى
عزيمتهم .
.8أسلوب جديد في المناورة:
استخدم الرسول القائد في قتاله مع أعدائه أساليب جديدة لم تكن معروفه بالنسبة
لعدوه مما شكل مفاجأة لهم ساهمت في تقويض قوتهم وتحقيق النصر عليهم ،حيث طبق (ص)
في بدر أسلوب القتال بالصفوف بعد أن كان عدوة قد اعتاد القتال بأسلوب الكر والفر مما وفر
له مزايا كثيرة عنهم أولها المفاجأة وثانيها السيطرة على القوات ،باالضافه إلى تامين العمق
واالحتياط للقطاعات ،وهو أسلوب عصري يتفق مع أساليب القتال المعاصرة ،واستخدم
أسلوب حفر الخندق حول المدينة ،وهو بذلك يطبق أسلوب التطويق التي تستعمله القوات
المحاربة في العصر الحديث،وكذلك استخدم أسلوب قتال الشوارع وقتال المناطق المبنية وقتال
الغابات واألحراش في غزواته المختلفة كغزوة بني النضير وبني قريضه وخيبر ،وقد سبق
النبي (ص) بلك العلوم والفنون العسكرية الحديث التي أصبحت تدرس هذة األساليب القتالية في
مدارسها العسكرية المعاصرة ،ومار س (ص) مهارة عسكريه فذة وذلك بانتخاب المكان اآلمن
واالستراتيجي للقيادة مراعيا شروط انتخاب المقر كما هو الحال في فنون القتال الحديثة ،ومن
فنون العسكرية الفذة التي طبقها النبي (ص) هو تقسيم األعمال والواجبات على المقاتلين
وتجلى ذلك بحفر الخندق ،واستخدم أسلوب الكتمان من خالل الرسائل المكتوبة الذي تمارسه
الجيوش الحديثة ،وطبق فن اختيار ساعة الصفر ،حيث اختار الهجوم فجرا في غزوة بني
المصطلق ،وهذا ما تطبقه القوات المتحاربة في العصر الحديث وذلك ألهميته ودورة الكبير في
()168
تحقيق عنصر المفاجأة للعدو .
واستخدم السلمون في قتالهم مع عدوهم أساليب مختلفة منها :ما طبق الجيش
اإلسالمي في فتح العراق والشام حيث استخدم مناورة خطوط العمليات التي تؤدي إلى امن
األهداف المتناوبة وكذلك القتال على الخطوط الداخلية وكلم التقدم من محاور مختلفة من اجل
االقتراب من الهدف او التقدم على خطوط غير متوقعه والظهور على الهدف من أماكن غير
) )167احمد العدوان ،المعنويات مسؤولية كل قائد ،مجله األقصى ،العدد ،771تاريخ ا ،10/1986/ص ص . 25، 24
) )168محمود شيت خطاب ،مصدر سابق ،ص .324
98
متوقع بالنسبة للعدو ،كما فعل خالد بن الوليد في الظهور خلف جيش الروم أثناء اشتباكه مع
جيش المسلمين .
باالضافه إلى استخدام أساليب قتاليه جديدو كذلك استخدم المسلمون أسلحة جديدة لم
يعرفها العدو من قبل كالدبابات والمنجنيق وكان لذلك األثر الكبير في تحقيق النصر .
تتداخل مبادئ أالستراتيجيه اإلسالمية مع مبادئ الحرب التي طبقها النبي (ص) في
حروبه وغزواته وذلك الن أالستراتيجيه ما هي إال األساليب والطرق التي يتم من خاللها تحقي
األهداف والغايات التي تؤمن بها العقيدة القتالية لالمه كما أسلفنا ،ولمزيد من اإليضاح
والتفسير سنتطرق في فصل خاص لمبادئ الحرب التي طبقها النبي (ص) في حياته العسكرية
والتي كانت عبارة عن مدرسه في الفنون والعلوم العسكرية التي تدرسها المدارس العسكرية
المعاصرة وتطبقها في عملياتها القتالية ،وبذلك يكون الرسول (ص) وصحابته الكرام هم
السباقون لما هو جديد ومفيد .
99
100
الفصل الثالث
تنظيم القيادة العسكرية في عهد النبي (ص)
-تعريف (التنظيم) .
-الهيئات التي تتكون منه القيادة .
-اإلدارات الرئيسية في كل هيئه .
-الواجبات الرئيسية لكل إدارة .
101
الفصل الثالث
تنظيم القيادة في عهد النبي (ص)
تحديد معنى التنظيم :
إن مفهوم التنظيم يوحي للسامع والقارئ بان هناك عمليه ترتيب وتقسيم وهذا ما
يعنيه بالفعل هذا المصطلح ،وفي النظم العسكرية فان التنظيم يعني تقسيم العمل والواجبات
لتتضح المسؤوليات ويستطيع كل فرد او جهة القيام بواجباتها على أكمل وجه ،وخاصة أن
األعمال والنشاطات العسكرية تتطلب أكثر من غيرها تنظيما وترتيبا وتقسيما في العمل وذلك
لحساسية الواجب ودقه المسؤولية ،وان ابسط فوائد التنظيم هو سهوله تحقيق األهداف
والغايات وذلك الن العمل يمتاز بالترتيب المنسق الواضح ،وما ووجد التنظيم أصال إال لتحقيق
المهمة ،والتنظيم السليم هو ذلك الذي يمتاز بالمرونة والقدرة على التالؤم مع الظروف
والمستجدات ويتأقلم مع التغيرات التي يمكن تواجهها القطاعات ،ويقاس مدى نجاح أي تنظيم
بقدرته على استيعاب الظروف الطارئة واألمور المستجدة دون الحاجة إلى إحداث تغيرات
جوهريه فيه .
وفي اإلسالم ،فانه لم يغب عن بال القائد العبقري محمد (ص) ان ينظم قيادته وجيشه
على أفضل األسس وأحسن القواعد وبان يعتني بأدق التفاصيل في هذا المجال وذلك حتى تكون
النتائج مضمونه اإلنجاز ،فقد عني (ص) بتنظيم قيادته العسكرية أحسن التنظيم حيث كون
وشكل الفروع واإلدارات الرئيسية وأعطى لكل منها الواجبات وحدد لها األهداف على أسس
عصريه حضارية استلهمتها المدارس العسكرية في العصور الحديثة وجعلتها قواعد راسخة
تعتمد عليها في تنظيم جيوشها الحديثة ،وان استعراضا بسيطا لهذا التنظيم النبوي يدلنا داللة
ال لبس فيها على ما أوردناه سابقا .
102
المبحث األول
اإلدارات والهيئات الرئيسية في القيادة
اهتمت النظم العسكرية االسالميه ومن خالل قادتها األفذاذ بتنظيم عالي الدقة
والحضارية ،وتجلى ذلك باالهتمام الواضح من قبل القائد األول محمد (ص) بتنظيم القيادة
وتقسيم العمل والواجبات فيها حسبما تقتضيه طبيعة القتال ،وال تخرج التنظيمات العسكرية
عن االهتمام بأربعة أمور ،أولها االهتمام بالقوى البشرية ،العمليات ،األمن ،التزويد واإلمداد
،وهذا ما حققه النبي (ص) في قيادته من خالل ترتيبها وتنظيمها وتنسيق واجباتها وتحديد
صالحياتها ،وسنعرض بالتفصيل لهذه األمور .
.1هيئه القوى البشرية :
وهي الجهة المعنية باالهتمام بشؤون األفراد المقاتلين من حيث التدريب والتهيئة
واإلعداد والتوجيه المعنوي وقسم النصح واإلرشاد ،وفي الغالب فان هذة الهيئة كانت تقسم
إلى أألقسام التالية :
ا .إدارة التخطيط والتنظيم :
وتقوم هذة اإلدارة بواجب التخطيط للعمليات العسكرية ومراجعه لكافه أمور القوات
المسلحة من حيث الحجم ونوع العمليات التي ستستخدم ونوع األسلحة المناسبة لطبيعة العدو
واألرض التي ستجري عليها العمليات ،وتسميه القادة الميدانيين وتعيينهم ووضع اللوائح
األزمة وتوضيح اإلرشادات الضرورية للمقاتلين والتي تساعدهم على التصرف في الميدان
بحريه ومرونة ،وفيما يلي تفصيل ألهم واجبات هذة اإلدارة :
) )169فهمي القدومي ،تنظيم القيادة في عهد الرسول ،مجله االقصى ،العدد ،773تاريخ ،1/12/1986ص.67
103
المدينة جميعهم في رد أي اعتداء يقع عليها من الخارج باالضافه إلى أنها نصت على
أن يكون محمد(ص) هو القائد العام لسكان المدينة جميعهم وفي ذلك اعتراف بقوة دوله
اإلسالم وبداية إنجاز التحشد للمراحل القادمة )170(.
-2التخطيط للقتال :
إن من ابرز واجبات هذة اإلدارة هو التخطيط للعمليات القادمة وترتيب كل ما يتعلق بها
من تحديد حجم القوات وتسليحها وتجهيز المعدات األزمة وما تحتاجه القوات لالستمرار
بعملياتها ،وكذلك التخطيط للمراحل الالحقة وتحديد األهداف حسب أهميتها ،وقد تم تطبيق
هذة الواجبات في قيادة الرسول (ص) حيث بداء الرسول (ص) عملياته القتالية بقتال قريش
العدو األول لإلسالم ،ثم تابع مسيرته إلى هدفه الثاني وهو اليهود الذين خانوا العهود
والمواثيق ،ثم كانت المرحلة الالحقة هي القبائل العربية المحيطة بالجزيرة العربية ،وكانت
المراحل المتقدمة والخطط االستراتيجية البعيدة المدى تقضي مقاتله الروم والفرس ،ولكن
رؤية القائد الثاقبة كانت تقضي التريث لحين ازدياد قوة المسلمين وتوفير المزيد من
االستعدادات المادية والمعنوية ،وهذة الخطط تابع مسيرتها بعد ذلك الخلفاء الراشدون
فأرسلوا الجيوش الفاتحة الى العراق والشام وتتابعت المسيرة الى ابعد من ذلك وكان لإلسالم
النصر المبين بفضل التخطيط السليم المحكم المبني على الواقعية والثقة .
-3تحديد حجم القوات:
لقد شاهدنا سابقا ان حشد القوى هو من ركائز االستراتيجية اإلسالمية وقد طبق
النبي (ص) خير تطبيق ،وما يعزز هذا المبدأ هو االقتصاد بالجهد واستخدام الحد األدنى من
القوات التي تستطيع تحقيق الهدف والغاية
بأقل التكاليف والخسائر وبأقصر وقت ممكن ،وقد شاهدنا ان الرسول (ص) لم يكن
يستخدم كل القوة المتاحة لديه وهذا يدل على العبقرية العسكرية التي تفرض على القائد ان
يحتفظ بقوة االحتياط الضرورية ألدامه المعركة عندما تقتضي الظروف ،وهذا ما يدرس حاليا
في العلوم العسكرية المعاصرة التي تركز على موضوع االحتياط وتضع األسس الصحيحة
الستخدامه .
أما من حيث حجم الجيش اإلسالمي فقد كان في بداية الدعوة صغير الحجم قليل العدد
ولكنه كان مسلحا باإليمان والمعنويات العالية والثقة المطلقة بالهدف والغاية أضافه الى القيادة
الناجح التي توجه هذا الجيش وتعزز من مسيرته وقوته ،فقد كان عدد المسلمين في بدر 315
مقاتال فقط وقد ارتفع هذا العدد ليصل الى 3000مقاتل في غزوة الخندق ،وقد استخدمت هذة
القوة أيضا بطريقه تتالئم مع طبيعة العدو وطبيعة األرض التي ستجري عليها العمليات حيث تم
حفر الخندق ليعوض قله العدد وليكون أسلوبا قتاليا جديدا يحقق المفاجأة ،وقد فتح الرسول
(ص) مكة بعشرة أالف مقاتل ،وسار إلى تبوك بثالثين ألف رجل ،وهذا التسلسل في زيادة
العدد يتناسب مع ازدياد حجم الدولة واتساع رقعتها وازدياد العمليات المطلوبة منها لذلك فان
الدول تقوم بتأسيس الجيوش لديها ليتناسب عددها مع قوة الدولة المادية والمعنوية ومدى
توفر العتاد والسالح وكذلك ليتناسب العدد طرديا مع ازدياد األخطار التي تحدق بها وهذا ما
فعله النبي (ص) في جيشه .
-4اختيار األهداف حسب األهمية :
وهي مهمة حساسة الن اختيار الهدف وتحديدة حسب أهميته أمر ضروري للقوات
وذلك لحمايتها من ما يسمى بتشتيت القوة وضياع الجهد ،وكذلك اختيار الطريق اآلمن األقرب
) )170للمزيد راجع :محمود شيت خطاب ،مصدر سابق ،ص ص .44، 43
104
والموصل للهدف بسهوله ،دون ان يحمل القوات أعباء إضافية و يستنزف قوتها ،وقد كان
النبي (ص) حاذقا ماهرا في هذا المجال ،حيث بداء الرسول (ص) باختيار طرق اإلمدادات
الرئيسية التي تزود قريش بما تحتاجه وعمل على قطعها وذلك إلضعاف قوتها االقتصادية،
ولقد كان لهذا الحصار االقتصادي على قريش الدور األكبر في إضعاف قوتها المادية والمعنوية
،وان ما عزز من فاعليه هذا الحصار هو قيام النبي (ص) وجيشه بغزو القبائل التي كانت تهدد
المسلمين ،وهذا ما يسميه الخبراء العسكريون اليوم ب(الحرب الباردة) والتي كان هدفها إيجاد
قاعدة أمينة للمسلمين ،وكذلك فان سيطرة المسلمين على آبار الماء في بدر تدل على اختيار
الهدف األهم والحساس والذي يضعف قوة العدو ويدفع به الى االستسالم ،وهذا ما حصل في
بدر حيث اثر نقص الماء على قوة المشركين وساهم في خسارتهم .
-5تنظيم القوات للقتال :
إن اختيار شكل وتوزيع القوات قبل بدء المعركة لهو أمر في غاية الحساسية ،حيث
ان اختيار التشكيلة المناسبة لطبيعة األرض وطبيعة الهدف المراد مهاجمته وكذلك الغاية التي
تريد القوات تحقيها ،واالسلحه المتوفرة لدى الطرفين ،أمر يساعد على تحقيق النصر بسهوله
ويحد من خسارة القطاعات واستنزاف جهدها ،وقد طبق المسلمون هذا المبدأ في مواقف
عسكريه كثيرة كان أولها في بدر حيث نظم الرسول قواته بطريق عسكريه تدل على االحتراف
والتميز ،حيث تكونت القوات من حرس مقدمه تسبقة دوريات االستطالع التي تهدف الى جمع
المعلومات ،باالضافه الى حماية القوات من مباغته العدو ،يليها الجسم الرئيسي للقوات وكان
يتكون سريتين ،سريه المهاجرين رايتها مع على بن أبي طالب ،وسريه األنصار ورايتها مع
سعد بن معاذ ،ثم حرس المؤخرة الذي يعمل على حماية القوات من الخلف ،وكذلك فقد عين
النبي (ص) قائدا للميمنة وهو الزبير بن العوام وقائدا لميسرة هو المقداد بن عمرو وكانت
هناك راية عامه للمسلمين حملها مصعب بن عمير ،إن هذا التنظيم هو ذاته الذي تستخدمه
القوات المعاصرة أثناء مسيرها لالقتراب في األراضي الصحراوية (حرب الصحراء) ،وان
إعادة التنظيم التي قام بها خالد بن الوليد لقواتة قبل بدء معركة اليرموك أيضا دليل على أهميه
تنظيم القوات للمعركة ،حيث نظم القوات إلى كتائب مشاة وكتائب فرسان وتروح عدد أفراد
الكتيبة الواحدة من 900 – 800مقاتل ،وبلغ عدد الكتائب حوالي 36كتيبه ،أما الفرسان فقد
عمل على تنظيمهم بثالث كتائب تراوح عدد أفراد الكتيبة الواحدة 2000فارس ،واختار 4
أالف فارس كاحتياط متحرك خلف القطاعات ليعمل كاحتياط عام يأتمر بأمره خالد بن الوليد
نفسه ،واستخدم أيضا ما يسمى بقوات الحجاب ألدامه التماس مع العدو وخوفا من المفاجأة
،حيث أن هذا التنظيم تالئم مع طبيعة األرض وطبيعة العدو واالسلحه التي يمتلكها .
-6النصح واإلرشاد :
يحتاج القائد – وخاصة القائد العسكري – الى رجال ثقات ومستشارين أمناء يكونون
حوله يقدمون له النصيحة ويضعونه بصورة الموقف وذلك كي يستطيع ان يتخذ القرار السليم ،
وقد اصطلحت العلوم العسكرية الحديثة على تسميه هذة المجموعة (هيئه الركن ) وهم عبارة
عن األشخاص الذين يتمتعون بالخبرة والمعرفة والدراية واإلمكانيات الفنية والعلمية ،ويكون
واجبهم وضع القائد العام بالصورة حول كل ما يعرفون كل ضمن اختصاصه ،ولم يطبق احد
الشورى كما طبقها محمد (ص) مع أصحابه وذلك استجابة ألمر ربه ( ،وشاورهم في األمر) ،
وقد كان يقول ( ص) ":استعينوا على أموركم بالمشاورة " ،وقال أيضا ":أشيروا علي أيها
الناس " ،وإلدراكه أيضا ان تداول اآلراء يؤدي إلى الوصول إلى الرأي الصواب والصحيح
ويشعر الجماعة بأهميتها وقيمتها وبان لها دور في تحمل المسؤولية ،وما أكثر الحاالت التي
شاور فيها رسول أصحابه سواء في حاله السلم او في حاله الحرب ،وقد كان النبي ( ص)
يستجيب لرأي هيئه الركن الخاصة به ضمن هذه اإلدارة وينزل عند رغبتهم ،حتى لو كان
مغايرا لراية ،كما فعل في بدر عندما نزل عند رأي الحباب بن منذر عندما أشار عليه ان
105
يتحرك من المكان الذي نزل فيه الى مكان أخر يسيطر فيه على عيون الماء ويمنعها عن
قريش ،وقال له ":أشرت بالرأي " ،وكذلك فعل بأحد عندما خرج الى خارج المدينة رغم
انه (ص) كان يرغب البقاء داخل المدينة ،وكذلك استجابته لمن اقترح عليه حفر الخندق ،
وهكذا يقرر الرسول القائد العبقري أن المشورة واحترام رأي اآلخرين هو سمه من سمات
القيادة الناجحة الن القيادة الناجحة هي التي تستفيد من خبرات الخبراء ومن معرفه الحكماء ،
()171
الن فيها السداد والرشاد .
-7تفقد الجيش واستعراضه :
البد ولكي يطمئن القائد على ان الترتيبات واإلجراءات قد سارت وفقد ما خطط لها ان
يقوم بعمليه استعراض وتفقد جاهزيه الجيش المادية والمعنوية في اللحظات النهائية الحاسمة
،وعلى األغلب فان تفقد القوات يكون في منطقتي الحشد والتجمع وذلك لتدارك أي نقص او
خلل ،وكذلك لحض المقاتلين على القتال ورفع معنوياتهم وإصدار األوامر النهائية للقادة
الميدانيين ،وقد طبق الرسول القائد ذلك حيث كان يتفقد قواته قبل مسيرها إلى القتال وكان
يزودها بالتعليمات النهائية ويوصيها بتقوى هللا والقتال باسم هللا والحفاظ على العهود
والمواثيق ،وعدم االعتداء على األمنيين واحترام الشيوخ،والعطف على األطفال والنساء ،
واحترام األسرى ،وكان يشد من عزيمة المحاربين ويوصيهم ببعضهم خيرا ويؤلف بين
()172
قلوبهم ليكونوا صفا واحدا متماسكا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
وقد روي عن رسول هللا انه قال لجيشه المتحرك الى القتال ":انطلقوا باسم هللا ،وهلل
وعلى بركه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،ال تقتلوا شيخا فانيا وال طفال وال امرأة وال تغلوا
وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن هللا يحب المحسنين " ،وقال أيضا ":سيروا باسم هللا
في سبيل هللا وال تغلوا وال تغدروا وال تمثلوا وال تقتلوا الذرية " .وكان يقول (ص) ":أنا نبي
المرحمة وأنا نبي الملحمة " .وقال (ص) لخالد بن الوليد ":ال تقتل ذريه وال عسيفا " ،هذة
هي وصايا القائد لجنودة في اللحظات الحاسمة وقبل تحركهم للمعركة وهي ما تسمى باألوامر
()173
النهائية في منطقه الحشد.
ب .إدارة التوجيه المعنوي :
وهي من اإلدارات الهامة والحيوية في الجيش والتي ال يمكن ألي جيش االستغناء عنها
وذلك ألهمية الدور الذي تقوم به ،فقد شاهدنا كم هي المعنويات مهمة في المعركة ال بل قبل
المعركة الن القوة والعتاد ال يجديان نفعا بدون المعنويات ،لذا فقد حرص الرسول عليه الصالة
والسالم على أدامه المعنويات ألصحابه في السلم والحرب ومن اجل ذلك فقد كون إدارة
التوجيه المعنوي والتي كان لها هدفان رئيسيان وانبثق عنهما اهداف فرعيه كثيرة أخرى،
وهما :
.1تنميه الروح المعنوية والمحافظة عليها عالية باستمرار .
.2وبالمقابل كان واجب هذة اإلدارة هو تحطيم معنويات العدو .
وقد استخدم النبي (ص) أساليب كثيرة لتحقيق هذان الهدفان ،ومن األساليب التي كان
(ص) يمارسها ليحافظ على معنويات جندة:
-مساواة نفسه بهم ،فكان من الصعب التفريق بين القائد والجند ،حيث كان يشاركهم في
جمع الحطب وإيقاد النار وطهي الطعام ،وكان يحفر معهم في الخندق ويجمع الحجارة .....،
الخ من األعمال .
) )171للمزيد راجع :محمد جمال الدين محفوظ ،مصدر سابق ،ص.116
) )172انظر :نزار النعيمي ،الجيش وتأثيراته في سسياسه الدوله االسالميه ،دار الكتاب الثقافي ،اربد ،2003،ص10
) )173للمزيد انظر :محمد جمال الدين محفوظ ،مصدر سابق ،ص . 66
106
. -مشاركتهم أفراحهم وأحزانهم ومواساتهم بما يصيبهم .
-وكذلك االندفاع والشجاعة أمامهم ،فلم يكن يوما خلفهم بل كان إمامهم وأمامهم في نفس
الوقت ،بل انه كان أشجعهم ،وفي ذلك يقول علي بن أبي طالب ":إنا إذا اشتد الخطب
واحمرت الحدق ،اتقينا برسول هللا (ص) وهو أقربنا إلى العدو" .
-وكان أيضا مما يقوم به القائد المعنوي محمد (ص) ،هو توزيع الغنائم بالعدل واإلنصاف بين
المقاتلين وكذلك توفير السالح والعتاد لهم الن ذلك من اكبر وسائل رفع المعنوية وهو شعور
الجندي بأنه يمتلك السالح الفعال والقوي .
. -كذلك لم ينس عليه السالم بان يقوم بدور األب الحاني والراعي ألسر المجاهدين والشهداء
ورعايتهم ،مستجيبا لنداء ربه ":فأما اليتيم فال تقهر " ،وعزز ذلك بقوله (ص) ":انا وكافل
اليتيم في الجنة هكذا وأشار بإصبعه السبابة والوسطى ليدل على أنهما قرينان او صنوان "،
وكذلك قال (ص) ":خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ،وشر بيت في المسلمين
بيت فيه يتيم يساء إليه "،ومما يدلنا على عناية الرسول (ص) بأسر المجاهدين والشهداء ،
انه بعد انتهاء معركة احد ،لم يرجع عليه السالم الى بيته ،قبل أن يمر على دور المجاهدين
الذين استشهدوا لمواساة أهليهم ،فمر على دور بني االشهل فأقبلت أم سعد بن معاذ وعزاها
بعمرو بن معاذ ،فدنت من رسول هللا وتأملته وقالت له ":أما إذا رايتك سالما فقد هانت
المصيبة ،فقال لها (ص) ":يا أم سعد ابشري وبشري أهليهم ان قتالهم ترافقوا في الجنة
جميعا وقد شفعوا في أهليهم فقالت ام سعد ":رضينا برسول هللا "وقالت ادعوا يار سول هللا
لمن خلفوا ،فقال (ص) ":اللهم اذهب حزن قلوبهم واجبر مصيبتهم وأحسن الخلف على من
خلفوا . "..وبعد معركة مؤته ذهب الى بيت جعفر الذي استشهد بالمعركة وطلب ان يرى ابناءة
فلما أتوا بهم تشممهم وذرفت عيناة ،...و يكفي ان نعلم انه قد قال (ص) ":المسلم أخو
المسلم ال يظلمه وال يسلمه ،من كان في حاجه أخيه كان هللا في حاجته ومن فرج عن مسلم
كربه فرج هللا عنه بها كربه من كرب يوم القيامة ،ومن ستر مسلما سترة هللا يوم القيامة "
()174
متفق عليه .
-مما كان يقوم به (ص) أيضا هو غرس الثقة فيما بينه وبين جندة ونيل محبتهم فقد كانوا
يفدونه بالمهج واألرواح ويدافعون عنه حتى الموت .
-ومن وسائل رفع المعنوية في الجيوش هو االنضباط والطاعة وااللتزام باألوامر التي تصدر
من القيادة ،وهذا ما تمتع به أصحاب محمد (ص) حيث كانوا في غاية االنضباط والطاعة
والتزام األوامر .
وقد أدرك (ص) ان تحطيم معنويات العدو ال يقل أهميه عن رفع معنويات جنده ،حيث
مارس عدة أساليب أدت الى تحطيم معنويات عدوة أهمها :
-استخدام العيون واالستخبارات لمعرفه أسرار وتفاصيل أخبار العدو ،وهذا ما حقق له
عنصرا هاما وهو المفاجأة والمباغتة ،ولهذين العنصرين أهميه ال توصف في تحقيق النصر
في المعركة ،
-كذلك استخدام أسلوب التلويح بالقوة ،واستعراض وبيان قوته أمامهم مما ردعهم ومنعهم
عن التعرض له واالعتداء عليه.
-كذلك استخدم أسلوب بث المعلومات المضادة بين صفوف العدو إلضعاف معنوياته وزعزعه
ثقته بنفسه وبقدراته.
) )175للمزيد راجع :محمد سميران واخرون ،تنظيم االسرة والمجتمع ،دار المسار ،المفرق ،2006 ،ص .33، 32
108
وقد سار الخلفاء الراشدون من بعدة (ص) على ذات النهج وما اجتماع المسلمين في
سقيفة بني ساعدة بعد وفاة النبي إال خير دليل على ان الشورى أصبحت منهج حياة في
المجتمع المسلم ،وقد طبق ابو بكر الشورى في أمور اإلدارة والحكم ،حيث خطب الناس بعد
مبايعته كخليفة للمسلمين حيث قال لهم ":أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم فان
أحسنت فأعينوني وان أسأت فقوموني " وهذا يدل على انه يطلب من الناس ان يشيروا عليه
بآرائهم ويعينوة على أداء المهمة وحمل الرسالة .وهذا هو عمر بن الخطاب يشاور المسلمين
في أمر الدواوين حيث انعقد رأي الناس بعد المداوالت على إنشاء الدواوين التي هي عصب
()176
الحياة االداريه في الدولة وهي تمثل ما يعرف اليوم بالوزارات .
.2هيئه العمليات والتدريب :
وهي الجهة الحساسة والمهمة في القيادة العسكرية وذلك ألنها تختص بالتخطيط
الستخدام القوات في السلم والحرب وتطويرها والتأكد من جاهزيتها للقيام بمهامها دائما ،
وكذلك تعنى بموضوع التدريب على االسلحه والمعدات وعلى أساليب القتال وفنونه ،وقد اهتم
الرسول ( ص) على تضمين قيادته العسكرية لهذة الهيئة الحساسة والهامة ،حيث ضمت
إدارات مختصة بالتدريب والتخطيط لعمليات ومتابع شؤون القتال وإجراءات المعركة ،وقد
كانت تضم هذة الهيئة عددا من اإلدارات التي تقوم بواجبها حسب االختصاص وهي :
إدارة التدريب : .1
ال شك ان التدريب عنصر هام و نشاط حيوي من عناصر ونشاطات الحياة العسكرية ،
فال يمكن لجيش ان يقوم بمهامه وواجباتة على أكمل وجه اال بالتدريب ،وألهمية التدريب فان
الجيوش تؤسس إدارات وهيئات مختصة بالتخطيط عمليات التدريب واإلشراف عليها ومتابعتها
وتوفير كل ما من شأنه أن يهيئ أسباب التدريب الجيد لجنودها ،وللتدريب فوائد جمة وأثار
ايجابية كثيرة أهمها :
-بقاء الجنود على درجه عالية من الكفأة واالستعداد .
-التأهب المستمر للقتال والدفاع عن األوطان .
-الثقة العالية لدى الجنود بأنفسهم وبقادتهم .
-تحقيق النتائج المطلوبة في ساحة المعركة .
-توفير الخسائر والتقليل منها في ميدان القتال .
إما في اإلسالم فقد حظي التدريب في العسكرية االسالميه بالعناية والرعاية وذلك
كجزء من إعداد القوة التي أمر هللا بها ،لذا فقد اهتم الرسول صلى هللا عليه وسلم بالتدريب
واالستعداد وحث عليه وشجع أصحابه وجندة على ان يكونوا أقوياء أشداء ،حيث قال (ص)
":المؤمن القوي خير وأحب إلى هللا من المؤمن الضعيف " ،لذا فقد شجعهم على تعلم الفنون
القتالية وإتقان المهارات المختلفة ،كالرماية وركوب الخيل والسباحة والتدرب على السالح ،
ومن أحاديثه الشريفة الدالة على ذلك قوله (ص) ":أال إن
القوة الرمي "وكررها ثالثا ،وقال أيضا ":ارموا بني إسماعيل فان أباكم كان راميا "
ومما يدل على احترام النبي للتدريب والمتدربين ،انه مر (ص) بموضع يتدرب فيه الصحابة
على الرمي ،فنزع نعليه وقال ":روض من رياض الجنة " وقال (ص) مشجعا لركوب الخيل
والتدرب عليها ":الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ،األجر والغنيمة " ،وعني
النبي (ص) بتزويد جنده بأحدث االسلحه ليواكبوا التطورات ويتفوقوا على عدوهم ،حيث بعث
) )176محمد رفعت عبد الوهاب ،األنظمة السياسية ،منشورات الحلبي الثقافية ،بيروت ، 2004 ،ص .233-231
109
نفر من الصحابة إلى (جرش) ليتعلموا صناعه الدبابات والمنجنيقات وغيرها من االسلحه التي
كان يتفوق غيرهم بها ،ومن اجل تطوير التدريب وتحسين مستوى المقاتلين فقد كان ( ص)
يحثهم على التنافس فيما بينهم ،ويجري المسابقات بينهم ،ومن عنايته (ص) بالتدريب انه
سمح لألحباش بالتدرب على المبارزة في المسجد ،بل انه كان ينظر إليهم ،وعندما أنكر عمر
عليهم ذلك قال (ص) لعمر ":دعهم يا عمر" .
وقد كان (ص) يصنع من أتباعه وصحابته وجنده قادة أشداء وليسوا إمعات منقادين،
فكان كل واحد مكنهم قائد بحد ذاته ،وقد كان هذا احد عوامل االستمرارية لهذا الدين بعد وفاة
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،ألنه أوجد (ص) بعده قادة يحملون المسؤولية ويقومون
بمتطلبات هذا الدين ،ويستشعرون بالمسؤولية تجاه نشره ،ولديهم القدرة الفائقة على اتخاذ
القرارات المناسبة في الوقت المناسب .
وسيرة الرسول عليه الصالة والسالم مليئة بالمواقف
واألحداث التي تدل على انه (ص) ،كان يتعامل مع أصحابه على
أنهم قادة أشاوس أصحاب رأي ،وأصحاب موقف ،ولديهم القدرة
على صنع القرار ،وقد أوردنا أمثله كثيرة تدل على ذلك ،ولعل من
أبرزها ما كان في غزوة بدر حينما نزل النبي صلى هللا عليه وسلم
أول ما نزل في مكان معين ،جاءه رجل عادي من جنودة ،هو
الحباب بن المنذر رضي هللا عنه ،قال" :يا رسول هللا أهذا منزل
أنزلك إياه هللا ،أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟" ،قال رسول هللا
عليه الصالة والسالم( :بل هو الرأي والحرب والمكيدة) قال" :فما
هذا بمنزل".
فقام النبي صلى هللا عليه وسلم،واحترم رأي الجندي وغيّر
مكان الجيش الذي نزل به بل انه غير الخطة كلها بناءاً على اقتراح
وجيه جاءه من جندي في الجيش .
والحقيقة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان يتعامل مع
كل شخصية من صحابته بما يناسبها ،فبعض الصحابة كانت فيهم
موهبة القيادة من قبل إسالمهم ،فكان رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم حريصا على تنميتها وصقلها واالستفادة منها في خدمه
الدين ،كأمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعمرو بن العاص
وخالد بن الوليد وغيرهم رضي هللا عنهم أجمعين .أما الصحابة الذين كان
يرى (ص) ان القيادة حمل ثقيل عليهم ألسباب متعددة ،فقد وجههم إلى أمور أخرى كالتعليم
والتدريس والدعوة ،ويظهر ذلك في قوله (ص) ألبي ذر( :":يا أبا ذر إني ألراك ضعيفا وإني
ألحب لك ما أحب لنفسي ال تأمرن على اثنين) .
وهناك جيل أخر من الصحابة الذين ولدوا وتربوا في مدرسه اإلسالم فهوالء صار
معظمهم ،قادة أشداء ساهموا في نشر الدين وحققوا االنتصارات والفتوحات ،وتوزعوا في
البالد المختلفة ،وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل على أن األصل أن البيئة التي صنعها النبي
صلى هللا عليه وسلم هي بيئة تصنيع قادة ،وهي مدرسة
متكاملة الزالت تخرج قادة متميزين جيال بعد جيل على مر العصور.
ومن ابرز المشاكل االداريه المنتشرة في زماننا هي تربية األتباع والمرؤوسين تربية
عبيد ال تربية قادة ،في كثير من المنظمات تجدها في أغلب األحيان تمارس نظاما إداريا مركزيا
ال يهتم بالمرؤوسين وخاصة ذوي الكفاءات العالية ،بل قد تجد كثير من المدراء في المراكز
110
العليا يخافون ويبتعدون عن تعيين ذوي الكفاءة العالية حتى ال يأخذوا مكانهم في المستقبل او
يتفوقوا عليهم في األداء فيجلبوا االنتباه إليهم من خالل نجاحهم مما يسبب خسارة المنصب
لمثل هؤالء المدراء ،وتجدهم كذلك غير حريصين على تطوير موظفيهم تطويرا حقيقيا يؤهلهم
ليخلفوهم من بعدهم في المراكز القيادية ،ولذا فان مثل هؤالء القادة المتسلطين األنانيين ال
يعجبهم إال أن يسير وراءهم مجموعة من المرؤوسين الذين ال يفقهون شيئا وال يتقنون شيئا .
إن وجود مثل هؤالء القادة والمديرين أضافه إلى وجود القوانين الباليه التي ال تحافظ إال
على الروتين والبيروقراطية الجامدة التقليدية ،يعتبر من أكبر أسباب فشل كثير من المنظمات،
وانطباعها بطابع السلبية وتعطل كفأتها وطاقاتها اإلنتاجية ،وال شك أن عدم وجود أتباع
مخلصين واعين يعبرون عن آرائهم بشجاعة ،ويستفسرون من قيادتهم عن أسباب قراراتهم،
()177
ويقومون بواجب النصح لقادتهم يعتبر كارثة محققة ألي مؤسسة .
إما في اإلسالم فاألمر مختلف فالمدرب والمتدرب لهم االحترام والتقدير وألرائهم كل
االهتمام واإلصغاء ،الن اإلسالم يحترم الناس كافه صغيرهم وكبيرهم أبيضهم وأحمرهم
عربيهم وأعجميهم .
إما بالنسبة للمدرب فقد احترمه اإلسالم وكرمه ورفعه منزله عالية ،فمن يعلم في
اإلسالم منزلته ليس كمن ال يعلم ،وفي هذا يقول تعالى ":يرفع هللا الذين امنوا منكم والذين
أوتوا العلم درجات " ،ويقول (ص) ":العلماء ورثه األنبياء " وقد أراد اإلسالم لمدرب
والمعلم صفات وآداب تليق به وبمكانته ،ومن هذه اآلداب :
-التواضع ولين الجانب :حيث يقول تعالى ":وفوق كل ذي علم عليم " "،وما أوتيتم
من العلم إال قليال " .وقال (ص) ":كفى بالمرء إثما إذا أعجب برأيه " ،وقال أيضا ":وما
تواضع احد إال رفعه هللا ".
-الثقافة الواسعة :على المدرب والمعلم ان يكون ذا ثقفاه واسعة وإطالع كبير على
كل ما يتعلق بعمله وتخصصه أضافه الى تعرفه على كل ما هو جديد في عالم المعرفة والعلوم
،مستجيبا لقول ربه " :وقل ربي زدني علما".
القدوة الحسنه :الن تالميذه سيحذون حذوة فيما يقول وفيما يفعل لذا عليه ان -
يتصرف بأحسن األخالق وأحسن األفعال .
فصاحة اللسان والبالغة في القول :لكي يستطيع ان يوصل رسالته بسهوله ولكي -
يكون مقنعا فيما يقول .
الواقعية :وفي ذلك يوجهنا رسول هللا (ص) بقوله ":امرنا معاشر األنبياء ان نكلم -
الناس على قدر عقولهم "
الصبر والحلم واألناة :وقدوتنا في ذلك رسول هللا (ص) الذي وجهه ربه إلى هذة -
الصفة الطيبة حين قال تعالى ":ولو كنت فظا غليظ القلب النفضوا من حولك " .
تقبل النقد والتراجع عن الخطاء :ويسير في ذلك على هدى الحق حين قال ":ولم -
يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " .
وهناك صفات أخرى كثيرة يتطلبها واقع الحال المعاش على المدرب والمعلم وكل من تولى
تعليم اآلخرين وتدريبهم أن يتصف بها ،لينال رضا ومحبه من يتولى تدريبهم وتعليمهم .
) ) 177للمزيد انظر :اإلدارة /القيادة /األتباع المخلصون /2على الموقع االلكتروني www.islamememo:
.ccتاريخ .8/11/2006
111
.3هيئه األمن واالستطالع:
الشك ان األمن عنصر هام من عناصر االستراتيجية العسكرية ألي جيش في العالم،
وتحرص الجيوش على ايالء هذة الناحية أهميه خاصة ،فتؤسس اإلدارات الفرعية الخاصة
بجمع المعلومات وتمحيصها وتحليلها واالستفادة منها ،وقد حرص النبي (ص) علة تضمين
قيادته هيئه أمنيه كان لها الدور الفاعل والنشط في جمع المعلومات عن العدو قبل العمليات
وبعدها مما ساهم في إفقاد العدو عنصر المفاجأة ووضعه في حوزة المسلمين ،ولكن سبق ذلك
قيام النبي (ص) بتربيه الجيل المسلم تربيه أمنيه ساهمت في خلق جيل واع يعرف كيف يحافظ
على أسراره وكيف ينتزع المعلومة من عدوة انتزاعا ،ومن األساليب التربوية التي قام بها
النبي (ص) في هذا المجال(: )178
عدم إفشاء األسرار مهما كانت الظروف والمواقف : -
وأحاديث النبي (ص) في هذا المجال كثيرة حيث يقول (ص) ":طوبى لمن امسك الفضل
من لسانه وانفق الفضل من ماله " ،وقال (ص) ":امسك عليك لسانك " ،ويقول في حديث
أخر ":من كف لسانه ستر هللا عورته " ،وقال أيضا ":من سرة أن يسلم فليلزم الصمت " ،
وقد تربى الجيل المسلم على هذة الفضائل والحكم والمواعظ العظيمة فكان خير مطبق لها ،
حيث تعلموها وعلموها أبنائهم ،فها هو العباس بن عبد المطلب يوصي ابنه فيقول له ":إني
أرى هذا الرجل (يعني عمر بن الخطاب) يقدمك على األشياخ (كبار الصحابة ) فأحفظ عني
خمس ":ال تفشين سرا ،وال تغتابن عنده احد ،وال يجربن عليك كذبا ،وال تعصين له أمرا ،
وال يطلعن منك على خيانة " ،والكتمان مبدأ هام أراد الرسول (ص) ألصحابه ان يتقنوة
ويتعلموة الن فيه حماية لهم من عدوهم ومن الحاقدين لهم حيث دعاهم الى يستعينوا على
قضاء حوائجهم بالكتمان .
الوعي والفطنة والحذر : -
وهو في ذلك يتنسم قوله تعالى ":يا أيها الذين امنوا خذوا حذركم " وفي هذة اآلية
الكريمة دعوة الى المؤمنين لكي يأخذوا حذرهم وينتبهوا لكل شيء حولهم ويكونوا في يقظة
دائمة ،وقد وجه الرسول عليه الصالة والسالم أصحابه الى هذا فقال ":إذا حدث الرجل
الحديث ثم التفت فهو أمانه " .
عدم الثرثرة وكثرة الحديث في المجالس : -
قال (ص) ":إنما يتجالس المتجالسان باألمانة وال يحل الحدهما أن يفشي على صاحبه
ما يكرة " وقال (ص) ":كفى بالمرء إثما ان يحدث بمكل ما سمع " ويقول (ص) في موضع
أخر ":من حسن إسالم المرء تركه ما ال يعنيه ،لذا فال يجوز التشدق بالكالم أمام اآلخرين
فرب كلمه تهوي بصاحبها الى مهاوي الردى وهو ال يلقي لها بال ،فالحرص في الكالم والحذر
أثناء الحديث هو أخالق اإلسالم التي ربى الني (ص) أصحابه عليها .
أمانه نقل الحديث : -
إن الكلمة أمانه في عنق صاحبها عليه ان يحافظ عليها وينقلها بأمانه وصدق فال
يزيد عليها وال ينقص منها ،وكذلك عليه التأني في نقلها والتلفظ بها ،واذا قلل من نقلها فهو
أحسن له ، ،وفي ذلك توجيه نبوي كريم حيث يقول (ص) ":من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر
فليقل خيرا او ليصمت " .
) )178لمزيد انظر :محمد جمال الدين محفوظ ،مصدر سابق . 166 – 157 ،
112
وإذا تعود اإلنسان نقل الكالم واإلكثار منه فانه حينها ال يؤتمن على أسرارا بالدة ووطنه
وأمته ،ألنه ال يكب الناس على وجوههم يوم القيامة إال حصائد ألسنتهم ،كما بين ذلك النبي
(ص) ،وليراقب اإلنسان ربه حيث ان هللا قد وضع عليه ملكان يسجالن حركاته وسكناته ،حيث
يقول اله عز وجل ":ما يلفظ من قول إال لديه رقيب عتيد " .
تطبيقات عمليه نبوية :
لقد كان(ص) قدوة ألصحابه فهو لم يأمرهم بشيء اال كان هو أول مطبق له وما نهاهم
عن شيء إال كان من المبادرين لالنتهاء عنه ،ومن الخطوات العملية التي اتبعها النبي (ص)
في مجال األمن ما يلي:
.1الدعوة السرية :
لقد بدا (ص) دعوته إلى الدين الجديد سرا وهذا كان السبب الرئيسي في نجاحها
وتغلغلها الى أعماق المجتمع المكي رغم الصدود والمقاومة ،وما قام الصحابة الكرام من
الكتمان والحرص على عدم إفشاء سر الدين الجديد يدل على ذلك ،حيث كتم على بن أبي طالب
خبر إسالمه عن أبيه .
.2التخطيط السري للهجرة :
كان (ص) شديد الحرص على ان يهاجر الى المدينة دون ان يدري به احد من كفار
قريش فكان تخطيطه وتنفيذة في أعلى درجات السرية ،لدرجه أن أهل قريش تفاجئوا بالخبر
وهذا ما سبب له (ص) النجاح في مهمته ووصوله سالما الى المدينة ،وكان كمن حوله من
عائله أبي بكر وكذلك على بن أبي طالب أيضا شديدوا الحرص على عدم إفشاء وأذاعه أخبار
الهجرة ،والقصة معروفه للجميع .
.3استخدام أسلوب الرسائل المكتومة :
وهو ابتكار نبوي هائل يدل على حرص النبي (ص) على عدم إفشاء أمر المهمة حتى
أخر لحظه وكذلك يدل على مبدأ الحاجة حسب المعرفة ،فال يجوز
إطالع غير المعنيين على ما ال يهمهم من تفاصيل الخطة ،وهذا ما طبق (ص) عندما
بعث سريه من المهاجرين بقيادة عبد هللا بن جحش في مهمة استطالعيه وسلمه رسالة مكتومة
ومقفلة تحتوي على تفاصيل الخطة وأمرة أن ال يفتحها إال بعد مسيرة مسافة معينه .
.4إخفاء القصد والغاية :
وهذا ما قام به النبي (ص) عندما أراد ان يفتح مكة ،حيث أخفى الخبر عن أبي بكر
وهو اقرب المقربين منه ،بل انه اخفاة عن عائشة زوجته المقربة ،فقال لها ":جهزينا
واخفي أمرك "وقال (ص) ":اللهم خذ من قريش األخبار والعيون حتى نأتيهم بغتة " ،وفي
فتح مكة كانت إجراءات األمن التي مارسها النبي (ص) عالية المستوى ،وهذا ما حقق
المفاجأة للعدو وساهم في فتح مكة بسهوله ويسر ودون أراقه الدماء .
.5استخدام العيون :
وهذا ما تم عنما اراد الرسول (ص) ان يفرق جمع القوى (قريش ،غطفان ،يهود بني
قريضه) التي اتحدت ضدة فارسل اليهم نعيم بن مسعود وقال له ":انما انت رجل واحد فخذل
عنا ما استطعت فان الحرب خدعه " ،فذهب اليهم نعيم بن مسعود واخفى عنهم خبر اسالمه
وكذلك فقد اخفى النبي (ص) خبر اسالم نعيم ،مما ساهم بقيامه بدورة بالتفريق بين القوى
113
المتحدة ضد النبي ونزع ثقتهم بعضهم ،وكان لهذا الدور األثر األكبر في إفشال هذا
()179
التحالف.
116
117
الفصل الرابع
118
119
الفصل الرابع
أخالقيات الحرب االسالميه
تمهيد:
لم يكن هدف الحرب في اإلسالم في يوم من األيام القتل والتدمير والتخريب واستعمار
واستغالل مقدرات الشعوب واألمم ،ولم تكن تهدف الى إجبار الناس على إتباع شيء ال
يريدونه بالقوة ،بل انها كانت حربا عادله ،اخالقيه ،لها أهداف سامية ،ونبيلة ،كان هدفها
إخراج الناس من الظلمات والجهالة والتخلف ...،الخ الى نور اإلسالم وعدله وسماحته
ورحمته ،لم تكن حربا عدوانية ،بل انها كانت لرد العدوان إذا ما وقع على ديار اإلسالم
والمسلمين ،لذا فقد كانت مهمة الفتح اإلسالمي مهمة ميسرة وسهله ،حتى أنها وخالل زمن
قياسي وصلت رسالة اإلسالم الى معظم أجزاء العالم المعروف آنذاك ،وذلك برضا وقبول
وترحيب من اهل الديار التي دخلها المسلمون وذلك لما شاهدوة من رحمه وأخالق المسلمين
الفاتحين ،وفي هذا الصدد يقول (جوستاف لوبون ) في كتابه "حضارة العرب " ":ان العالم
لم يعرف فاتحا ارحم من المسلمين " ،وفي قادم الصفحات سنعرض لهذة الحرب االخالقية
أهدافها وغاياتها ومسيرتها ومواقف خالدة منها .
تحديد المفاهيم :
البد لنا قبل التفاصيل في هذا الموضوع أن نعرف بعض المفاهيم التي سنستعملها بكثرة
في هذا الفصل والتي من أهمها :
-الحرب العادلة " :هي الحرب التي توجة ضد شعب ارتكب ظلما نحو شعب
آخر ولم يشأ رفعة ،ويشترط فيها ان تكون مطابقة للقواعد اإلنسانية ،وتكون
بهدف تحيق سلم دائم ،كما يشترط فيها احترام حياة وأمالك األبرياء وحسن معامله األسرى
والرهائن ".
-معنى القتال في اإلسالم " :هو قتال العدو لتامين حرية نشر الدعوة وتوطيد أركان السالم ،مع
مراعاة حرب الفروسية الشريفة في القتال ".
-حرب الفروسية:هي كفاح شرف ال يجوز أن يلجأ المحاربون فيه إلى عمل أو إجراء يتنافى
مع الشرف "(.)184
إما ما يقوله غير المسلمين بحقهم ،فهي شهادات كثيرة حيث يقول (جوستاف لوبون)
":ان القوة لم تكن عامال في نشر القران ،وان العرب تركوا المغلوبين أحرارا في أديانهم
، ".....هذة شهادة من مفكر غربي ليس بمسلم ولعمري أن شهادة األعداء هي ابلغ من شهادة
األصدقاء ألنها تمتاز بالحياد والبعد عن التحيز.
.2الدفاع عن الدعوة :
البد ان تكون الدعوة محفوظة ومصانة من عبث العابثين ومن اعتداء المعتدين لتكون
عزيزة الجانب مهابة الحمى ،لقد تعرض المسلمون في بداية الدعوة الى ألوان مختلفة من
العذاب والظلم واالعتداء ،لدرجه أنهم هاجروا وتركوا أموالهم وديارهم وأهليهم ،وجلسوا في
المدينة يتحملون الظلم ويصبرون عليه ولم يردوا بالحرب والعدوان منتظرين أمر هللا ،حيث
كان يقول لهم (ص) ":لم أومر بقتال ،لم اومر بقتال " ،إلى أن جاء أمر هللا بالدفاع عن
الدعوة ورد الظالمين ،وحماية الدين وتوفير األجواء المناسبة لهم للعبادة ونشر الدين الجديد
وتامين حمايته ،حيث قال تعالى ":أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان هللا على نصرهم لقدير
" الحج ،39عندها استجاب المسلمون ألمر هللا فكانت حربهم حربا دفاعيه ليست أداة للهدم
121
والتخريب واإلفساد وإذالل الناس وتحقيق المنافع وإشباع المطامع ،بل هي حفظ لتوازن ومنعا
للظلم والتعسف والطغيان ،وال أدل على ذلك من قوله تعالى ":وقاتلوا في سبيل هللا الذين
يقاتلونكم وال تعتدوا ان هللا ال يحب المعتدين " البقرة ، 190وتنبه اآليات الكريمة إلى ان على
المسلمين ان ينتهوا من القتال عندما يرتفع العدوان عنهم .
.3رد العدوان الخارجي :
وذلك امتثاال لقوله تعالى " :وقاتلوا في سبيل هللا الذين يقاتلونكم ،وال تعتدوا ان هللا ال
يحب المعتدين " ،لذا فان المسلمين ال يذهبون لالعتداء على
ديار اآلخرين وال يدمروا بيوتهم وصوامعهم وال يروعوا اآلمنين المسالمين ،بل يردوا
وبكل قوة من يعتدي على بالدهم وديارهم ويدنس أرضهم ،وهذا يدلنا على ان الحرب في
اإلسالم تتخذ من مبدأ الدفاع منهجيه وأسلوبا لها تسير وفقه وال تتخطاة ،فهي حرب دفاعيه
وليست عدوانية او هجومية بغير وجه حق ،فهم ال يلجاؤن إليها اال مكرهين مجبرين ،
ويطبقون خاللها مواثيق الشرف واألخالق وال يقومون بما يتنافى مع مبادئ اإلسالم السمحة
وقيمه النبيلة ،لذا فان الحرب في اإلسالم ليست حربا لإلفناء إنما هي لرد االعتداء ،وهذا المبدأ
فرض على المقاتلين أخالقيات عظيمة أثناء العمليات القتالية ،وال ابلغ من نهي النبي (ص)
ألصحابه بقوله ":ال تقتلوا أصحاب الصوامع " ،وقوله لخالد بن الوليد ":ال تقتلوا ذريه وال
عسيفا " ،وكذلك قوله ....":أال ال تقتلوا الذرية ،أال ال تقتلوا الذرية ".
.4تحقيق السالم وتثبيت أركانه :
ال يمكن أن يكون لالمه هيبة بغير جيش قوي يدافع عنها عند الشدائد والمحن ،ويمنع
العدو من ان تسول له نفسه ان يعتدي عليها ،وان جاهزيه هذا الجيش للحرب في كل وقت
وحين ،يجعلها مهابة الجانب عزيزة كريمه يهابها أعدائها ويحترمون إرادتها ،ويمنعهم من
التعرض لها عند ذلك يسود األمن والسالم ،ان السالم – وليس الحرب – هو غاية اإلسالم
وهدفه ،مصداقا لقوله تعلى ":يا أيها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافه " وقوله تعالى
أيضا ":وان جنحوا للسلم فاجنح لها " ،فلم يدعوا اإلسالم إلى الحرب والقتال بل ان من
أهداف اإلسالم العامة هو تحقيق السالم بين األمم ،الن الهدف المتوخى من إتباع اإلسالم هو
تحقيق السالم وليس الحرب والنزاع ،ويكفي ان نعلم ان لفظه ( السلم ) ومشتقاتها وردت في
القران الكريم أكثر من 133مرة ،وهذا يدل على عظمه وقداسه الغاية المبتغاة من الحرب في
اإلسالم .
بعد هذا السرد الموجز ألسباب الحرب في اإلسالم يبدو وبما ال يدع مجاال للشك بان
اإلسالم لم يدع الى الحرب بحد ذاتها كغاية ،ولم يدع إلى القتل والتخريب والدمار ،بل على
العكس من ذلك دعا الى احترام الناس وعدم ترويعهم او قتلهم او إخراجهم من ديارهم او هدم
بيوتهم ،بل كانت غايته هي رد العدوان والدفاع عن النفس ،وتامين حرية العبادة ،وهذا يدلنا
على الحرب في اإلسالم هي الحرب العادلة ( المثالية ) او (المشروعة) ،التي تكون غايتها رد
العدوان ودفع االعتداء (الدفاع عن النفس ) ،وكذلك حماية حقوق الدولة المعتدى عليها من
قبل دوله أخرى ،وعكسها هي الحرب غير المشروعة التي تهدف الى السيطرة وبسط النفوذ
واحتالل األراضي واستغالل الخيرات وممارسه القمع والظلم واإلرهاب وترويع اآلمنين وقتل
المتعبدين .
122
123
المبحث الثاني
أخالقيات الحرب في اإلسالم
الحرب في اإلسالم هي حرب أخالقية وليست حربا انتقاميه ،وذلك الن القصد منها هو
هداية الناس وإخراجهم من الظلمات الى نور اإلسالم وعدله وسماحته ،وألنها كذلك فقد
امتازت بأخالقيات مثاليه وحضارية اقتدت بها األمم المتمدنة واتخذتها كقوانين إنسانيه تطبقها
أثناء الحروب والقتال ،ومن ابرز مثاليات وأخالقيات الحرب العادلة في اإلسالم ما يلي:
.1احترام العهد:
إنها شيمه منة شيم اإلسالم العظيم وصفه من صفات نبيه الكريم ،حتى انه قبل اإلسالم
كان يسميه قومه الصادق األمين ،بل انه كان صادقا حتى في المزاح والمداعبة ،فقد اخرج
الترمذي عن أبي هريرة انه قال :قالوا يا رسول هللا انك تداعبنا ،قال ":إني ال أقول إال حقا "
،حيث كان (ص) يحترم العهد الذي يقطعه على نفسه وال يحنث به وال ينكثه ،بل انه كان يحث
أصحابه اذا عاهدوا ان يحترموا العهد وال ينقضوة مهما كانت الظروف واألحوال ،وان موقفه
(ص) في غزوة خيبر خير دليل على ذلك ،رغم ان اليهود نكثوا العهود مع المسلمين
وحرضوا القبائل على قتالهم ،اال انه (ص) منع أصحابه ان يعتدوا على بيوتهم او ثمارهم أو
االعتداء على نسائهم ،ومنعهم من دخول بيوت اليهود اال بإذنه ،وان موقفه(ص) من الرجل
الذي استجار بأم هانئ ،خير شاهد على ذلك حيث قال النبي (ص) الم هانئ عندما أجارت رجال
من المشركين ":قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" ،الن القاعدة في اإلسالم هي حديثه (ص) ":
المؤمنون تتكافأ دماهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم " رواة الحاكم وابن
ماجه والدار قطني ،وهنا اعتبار ذمه أي مسلم
مهما كان هي ذمه لكل المسلمين ،وقال (ص) " :اال ال تحل أموال المعاهدين إال بحقها
" وهنا دعوة نبوية الحترام المعاهدين وعدم التعرض لهم ،مستجيبا بذلك لقوله تعالى ":وان
احد من المشركين استخارك فاجرة حتى يسمع كالم هللا ثم ابلغه مأمنه " التوبه ،6ومن صور
احترام العهد والوفاء بالوعد عند النبي (ص) انه كان (ص) يقسم غنائم هوازن بحنين فوقف
رجل من الناس فقال :ان لي عندك موعدا يا رسول هللا ،قال ":صدقت فاحتكم ما شئت ،قال
:احتكم ثمانين ضائنه وراعيها ،قال ":هي لك وقال ":احتكمت يسيرا " .
ومن الصور األخرى ما رواة البخاري أن هرقل لما سال أبو سفيان عن محمد هل يغدر
،فأجاب أبو سفيان :ال ،فقال هرقل بعد ذلك ،وسألتك هل يغدر فزعمت انه ال يغدر وكذلك
الرسل ال تغدر ".
ويقول عروة بن مسعود الثقفي يصف حال النبي وأصحابه ":إني قد جئت كسرى في
ملكه ،وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه ،واني وهللا ما رأيت ملكا في قومه قط مثل محمد
في أصحابه " .
وان قصه أبي سفيان عندما جاء مع العباس عم النبي عليه الصالة والسالم ليقابل
الرسول (ص) فرأه عمر بن الخطاب ،فذهب الى خيمة الرسول (ص) ،فلما وصل قال ":يا
رسول هللا دعني اضرب عنقه " قال العباس " يا رسول هللا إني قد أجرته " فلما أكثر عمر قال
العباس ":مهال يا عمر ما تصنع هذا اال انه من بني عبد مناف ،ولو كان من بني عدي ما قلت
هذة المقالة " فقال عمر ":مهال يا عباس فوهللا إسالمك يوم أسلمت كان أحب الي من إسالم
الخطاب لو اسلم " إنها قصه تدل على احترام الصحابة لعهودهم ووفائهم بها وبرهم بمن
()185
عاهدوا .
) )186احمد بن عثمان المزيد ،هدي محمد (صلى هللا عليه وسلم ) في عباداته ومعامالته وأخالقه ،دار الوطن للنشر ،الرياض ،
،2006ص ص .98،99
) )187سعيد حوى ،الرسول (ص) ،مصدر سابق ،ص . 37 -33
) )188محمد جمال الدين محفوظ ،مصدر سابق ،ص.97
) )189للمزيد النظر:المصدر السابق ،ص .33
125
كثير من الحضارات التي قامت ومازالت تقوم على مجاري الدماء وبين أنقاض بيوت اآلمنين ،
قال تعالى مادحا محمد (ص) وصحبه الكرام":ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا
" ،إنهم فعال يستحقون هذا المدح اإللهي ،فها هو قائدهم وزعيمهم محمد(ص) يقول ألصحابه
بعد أن جاؤا بثمامه بن اثال بعد ان وقع أسيرا في أيدي المسلمين":،أحسنوا أسارة "وقال لهم
":اجمعوا ما عندكم من طعام فابعثوا به اليه "بل انهم كانوا يقدمون له لبن ناقة الرسول
األكرم عليه الصالة والسالم،وبعد ان رأى هذا األسير هذة األخالقيات العظيمة من محمد (ص)
وحبه دخل في اإلسالم ،وكان (ص) يقول ألصحابه في أسرى بدر ":استوصوا بهم
خيرا"،وسياسة اإلسالم في التعامل مع األسرى كانت مثاليه لدرجه انه جعل فداء الواحد منهم
ليس ماال وال إكراها على إتباع الدين وال األشغال الشاقة ،بل انه جعل فدائهم تعليم أبناء
المسلمين القراءة والكتابة ،هل هناك أعظم من القيام بمهمة التعليم والتدريس ،وهذا بحد ذاته
إكرام لألسرى عز نظيرة حتى في القوانين االنسانيه المعاصرة ،ان موقف النبي (ص) يوم فتح
مكة موقف تاريخي عظيم يشهد على ان حربه (ص) هي حرب مثاليه اخالقيه ،فهم لم متعطشا
لدماء وال هاويا للحرب بل ان هدفه هو دخول الناس في دين هللا أفواجا عن رغبه ومحبه ،فقد
وقف عليه الصالة والسالم مخاطبا قريش وقال لهم ":يا معشر قريش ما تظنون اني فاعل بكم
؟ ،فقالوا :خيرا،اخ كريم وابن اخ كريم ،فقال ":اذهبوا فانتم الطلقاء " ،الم يكن قادرا على
أبادتهم وقتلهم وسفك دمائهم وتخريب ديارهم وتشريدهم انتقاما منهم لما فعلوة به من تشريد
وإذالل وأهانه ؟ بلى ،ولكن أخالقه العظيمة التي حباة به ربه تأبى عليه ذلك،قال تعالى ":انك
لعلى خلق عظيم " ،هذة هي المبادئ التي تنادت بها البشرية كدستور إنساني تحتكم إليه في
()190
النزاعات والحروب قد سبقها اليه محمد عليه الصالة والسالم بمئات السنين .
.4احترام الجرحى والمرضى والعزل :
من اآلداب العظيمة للحرب في اإلسالم هي عنايته بالجرحى والمرضى واحترامه لهم
وخاصة الناس المسالمين والذين العالقه لهم بالقتال،فقد نهى النبي (ص) أصحابه وأوصاهم
بان ال يتعرضوا للنساء واألطفال والشيوخ الكبار في السن وكل من اعتزل القتال ،فها هو (ص)
يوصي جندة فيقول لهم ":انطلقوا باسم هللا تعالى وعلى بركه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،
ال تقتلوا شيخا فانيا وال طفال وال امرأة وال تغلوا (أي تخونوا ) وضموا غنائمكم وأصلحوا
وأحسنوا إن هللا يحب المحسنين " وقال (ص) لخالد بن الوليد ":ال تقتل ذريه وال عسيفا (أي
أجيرا )" ،ونهى (ص) كذلك عن تعذيب الجرحى بل انه أمر أن يداوى ومن ثم يفدى ،وقال
(ص) في ذلك ":ال تعذبوا عباد هللا " ،وكان (ص) يغضب عندما يقوم احد من أصحابه بقتل
الضعفاء بل انه (ص) كان يظهر الشفقة والعطف على أعدائه إذا رأى فيهم الضعف عن قتاله
كما حصل في الحديبية ،ان هذة النصوص الكريمة أصبحت فيما بعد ألهميتها وحضاريتها
نصوصا وموادا من مواد القانون الدولي اإلنساني حيث أوجب القانون الدولي اإلنساني االعتناء
بالمرضى والجرحى وقرر حيادية المستشفيات ومنع االعتداء على األطباء والممرضين وكل ما
()191
يتعلق في إسعاف ونقل المرضى والجرحى من ممرضين وكوادر طبية .
.5دفن القتلى ومنع التمثيل بهم :
نهى النبي (ص) عن التمثيل بالقتلى في الحرب حيث كانت من عادة المنتصر في الحرب
ان يمثل بالقتلى ويشوة الجثث ويسيء الى إنسانيتها ،ولكن اإلسالم والذي هو دين حقوق
اإلنسان التزم جندة بأمر هللا عز وجل :ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم
من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيال " ،وذلك الن الحرب في اإلسالم ليست
لتشفي واالنتقام وليست حرب غل وحقد بل هي حرب دعوة وهداية القصد منها إخراج الناس
من الظلمات الى النور وإرشادهم لما فيه خيرهم وصالحهم ،قال (ص) موصيا وموجها أصحابه
":إياكم والمثله " ،بل انه (ص) أمر بدفن جثثهم واحترامها من ان تكون طعاما للوحوش
الكاسرة والطيور الجارحة ،ففي بدر أمر (ص) بدفن قتلى المشركين في القليب ،بل انه (ص)
) )190للتفصيل انظر :محمد جمال الدين محفوظ ،مصدر سابق .82 -80 ،
) )191المصدر السابق ،ص ص .87، 86
126
نهى عمر بن الخطاب عن قطع لسان سهيل بن عمرو الذي كان يهجوا النبي ويؤلب الناس عليه
،حيث قال (ص) لعمر ":ال امثل به فيمثل هللا بي وان كنت نبيا ".
.6صيانة األعراض واألموال :
علمنا من خالل ما سبق ان الحرب في اإلسالم ال تشن للعدوان والبغي واالنتقام بل أنها
تشن لتوطيد أركان السالم وتصون األرواح وتحفظ األعراض واألموال وقد كانت أخالقيات
الحرب في اإلسالم سببا رئيسيا لدخول كثير من الناس الى هذا الدين أفواجا وجماعات لقناعتهم
بأنه دين الرحمة والسالم ،يقول (مونتغمري) عن أخالقيات الحرب في اإلسالم ":كان
المسلمين يستقبلون في كل مكان يصلون إليه كمحررين للشعوب من العبودية وذلك لما اتصفوا
به من التسامح واالنسانيه والحضارة ،مما زاد من إيمان الشعوب بهم عالوة على تميزهم
بالشجاعة والصالبة في القتال وقد ادى هذا الى اعتناق معظم الشعوب التي انتصر عليها العرب
الدين اإلسالمي " ،هذة شهادة األعداء وليس األصدقاء لذا فهي بريئة من التحيز والتزلف .
وهل أعظم من وصايا الرسول الكريم لجندة عند خروجهم للقتال ،فها هو يوصيهم
فيقول ":اغزوا باسم هللا ......،ويوصيهم الى ان يصل الى قوله":لوال تمثلوا وال تقتلوا الوليد
وال أصحاب الصوامع " وقد نهى (ص) عن قتل الضعفاء والنساء واألطفال ،وقد بلغت إنسانيه
النبي الكريم لدرجه انه نهى أصحابه ان يدخلوا بيوت اليهود اال بإذنه ومنعهم ان يضربوا نساء
اليهود او ان يعتدوا على ثمارهم في عزوة خيبر ،نعم لقد ان أعراض أعدائه اليهود ولم يرد
ألصحابه ان ينتهكوا حرمات البيوت او يطلعوا على أستارها حتى ولو كانت ألعدائه ،وقد سار
على نهجه الشريف خلفائه من بعدة فها هو ابو بكر الصديق يوصي قائد جيشه الخارج للقتال
فيقول له ....":وذا نصرتم فال تقتلوا شيخا وال امرأة وال طفال ،وال تحرقوا زرعا وال تقطعوا
شجرا ،وال تذبحوا بهيمة إال ما يلزمكم لألكل وال تغدروا إذا هادنتم وال تنقضوا اذا صالحتم
، "....وكذلك فعل عمر بن الخطاب حين أوصى سعد بن أبي وقاص قائال .....":واعلموا ان
عليكم في سيركم حفظه من هللا ،يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم وال تعملوا بمعاصي هللا
وانتم في سبيل هللا "...وهنا النهي عن ارتكاب المحرمات واالعتداء على الحرمات الن هللا
رقيب على عبادة يعلم خائنه األعين وما تخفي الصدور .
.7عدم االعتداء على المتعبدين:
لقد كان من قواعد الحرب في اإلسالم احترام المتعبدين في صوامعهم حتى ولو كانوا
على غير دين اإلسالم ،وهذا يدل على سماحه وعدل اإلسالم وبأنه ال يجبر احد على ترك دينه
والتحول الى اإلسالم الن قاعدته هي " ال اكراة في الدين" ،ونعود نتذاكر معا وصيه الرسول
الكريم الى قائد جيشه حين قال له .... ":اغزوا وال تغلوا وال تغدروا وال تمثلوا وال تقتلوا الوليد
وال أصحاب الصوامع"،أي المتعبدين في صوامعهم ودور العبادة الخاصة بهم ،وروى ابن
عباس ان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ":ال تقتلوا أصحاب الصوامع " أي الرهبان
والمتعبدين ،وقد بلغ من كرم اإلسالم ورحمته ان اسقط الجزية عن الرهبان والمنقطعين للعبادة
،فأي إنسانيه أعظم من ذلك ؟ ،فهو لم يأمر بأبادة المدن عن بكرة أبيها ومسحها عن وجه
األرض كما فعل كثير من القادة العسكريين أثناء حروبهم فها هو هتلر يقول لجنودة في الحرب
العالمية الثانية ":يجب محو موسكو ولينينغراد من على األرض" ،وكذلك فعل القائد
الروماني (ماريوس) عندما غزا بالد اليونان حيث قال لجندة ":ال تدعوا على ظهرها إنسانا حيا
إال قتلتموه وال زرعا اال أحرقتموه ليعرف الناس إنكم الرومان " ،انه تناقض رهيب بين مبادئ
اإلسالم السمحة القائمة على الرحمة والتسامح والفضيلة واألخالق الكريمة وبين من يدعوا إلى
القتل واالباده والدمار والهالك ،ان هذا وغيرة من االدله الكثيرة دليل على ان حرب اإلسالم
هي حرب اخالقيه مثاليه سمحة !!)192(.
-يقول ارنولد توينبي :عن انتشار اإلسالم بين مسيحيي مصر من االقباط ":ليس هناك شاهد من الشواهد يدل على ان دخولهم
في اإلسالم على نطاق واسع كان راجعا الى اضطهاد او ضغط يقوم على عدم التسامح من جانب حكامهم الحديثين ،بل لقد تحول
كثير من القبط الى اإلسالم قبل ان يتم الفتح حين كانت االسكندريه حاضرة مصر وقتئذ ال تزال تقاوم الفاتحين " المصدر السابق ،
ص .97
128
وجدت ،ولكنها صفات ال تطغى على خلق الرحمة أبدا ،بل كما ان هذة الصفات في كمالها فكذلك
خلق الرحمة عندة صلى هللا عليه وسلم في كماله".)193(،
وقد سجل التاريخ مواقف كثيرة من سيرة الفتوحات التي قام بها جند اإلسالم تدل على
الرحمة والتسامح والعفو والصفح مما ترك أثارا عميقة في نفوس سكان الديار المفتوحة فكان
دافعا لهم يدخلوا في دين اإلسالم عن رغبه ومحبه ،فقد كتب المسيحيون في بالد الشام إلى ابي
عبيدة عندما نزل في طبقه فحل أثناء فتح الشام يقولون له ":يا معشر المسلمين انتم أحب إلينا
من الروم وان كانوا على ديننا وانتم أوفى لنا وارأف بنا واكف عن ظلمنا وأحسن واله علينا
، "...هذة شهادة أهل البالد المفتوحة في المسلمين ،ومثل حال هوالء القوم الكثير كالفرس
الذين لم يقاوموا المسلمين الفاتحين لبالدهم الن حكامهم قد استبدوا وظلموا ،وكذلك الحال في
أسبانيا عندما دخلها المسلمون فوجدوا
سكانها يتعرضون لمذله واإلهانة على يد القوط فرحب السكان بهم وفتحوا بسهوله
ويسر ،يقول الكونت (هنري دي كاستري) ":ان المسلمين امتازوا بالمسالمة وحرية األفكار
في المعامالت ومحاسنه المخالفين ، "..شهادات وشواهد كثيرة تدل على رحمه الرسول الكريم
في اشد المواقف وأعسرها وفي أحلك ساعات القتال بل وهو في اوج قوته ،ويكفي ان نتذكر
هنا موقفه من الناس الذين أذوه وضربوة وطردوه من بلدة التي وولد فيها ،فعندما جاءها
فاتحا وهو في عز قوته فقال لهم ":اذهبوا فأنتم الطلقاء" ،إنها رحمه نبوية ليس بعدها رحمه
،حتى أنها طالت الحيوان قبل الكانسان ،فها هو يأمر جندة الذين افزعوا الطيور من أعشاشها
فيقول لهم ":من فجع هذة بولدها ردوا ولدها إليها " ،أي رحمه وأية رأفة هذة التي يتصف
بها محمد عليه الصالة والسالم ،وهنا دعوة للجاحدين المنكرين الن يعلموا ان محمد لم يكن
()194
إرهابيا قاتال ولم يكن دمويا مخربا بل كان رحمه مهداة ونعمه مسداة لكل العالمين .
.11عقد الصلح والمعاهدات:
أمر هللا سبحانه وتعالى نبيه ان يرضى بالصلح وان يقبل دعوة السلم اذا ما دعي إليها
حيث قال تعالى ":وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على هللا انه هو السميع البصير "األنفال
، 61والهدنة هي اتفاق بين الطرفين المتحاربين على وقف القتال لمدة يتفق عليها الطرفان
وهي أنواع "فهي إما عامه او جزئيه (محليه) ،فالهدنة العامة يسري وقف إطالق النار فيها
على كل القوات المتحاربة وعلى كل جبهات القتال ،والجزئية هي التي يقتصر وقف إطالق
النار فيها على جزء من القوات المتحاربة وليس كلها ،وشروط الصلح في اإلسالم ان يكون فيه
مصلحه عامه وان ال يكون فيه أباحه لما حرمته الشريعة او تحريم لما أباحته الشريعة مصداقا
لقوله (ص)":الصلح جائز بين المسلمين اال صلحا احل حراما او حرم حالال "(. )195
المبحث الثالث
مبادئ الحرب (القتال ) التي طبقها النبي (ص)
الشك ان النبي (ص) كان قائدا عسكريا وإداريا فذا ،والشواهد على ذلك كثيرة وواضحة
للعيان ،ولعل ما سردناة من حقائق في الفصول والمباحث السابقة يبين جزءا من عبقرية
القيادة التي كان النبي (ص) يتمتع بها ،وال شك أيضا ان للقتال فنون وأساليب ومبادئ وطرائق
،فالعسكري الذي مارس القيادة العسكرية يعرف هذة الحقيقة ،فالقتال يحتاج إلى الذكاء
والفطنة والنباهة ورجاحة العقل واإلدراك وبعد النظر والفهم العملي والعلمي للوقائع
واإلمكانيات الموجودة أضافه الى معرفه الرجال والمكان والزمان معرفه مفصله تؤدي الى
تحقيق األهداف والنجاح في العمليات المنوي تحقيقها ،إما مبادئ الحرب فهي حقائق أساسيه
تؤثر على كيفيه تنفيذ القتال وهي عبارة عن مجموعه من اآلراء واألفكار المنطقية والتي
جاءت كنتيجة لتجارب القادة الفعلية في الحروب والمعارك التي خاضوها وهي مترابطة
) )193سعيد حوى ،مصدر سابق ،ص.143
) )194للمزيد من التفاصيل انظر :محمد جمال الدين محفوظ ،مصدر سابق ،ص .85-83
) )195للمزيد من التفاصيل راجع :محمود شيت خطاب ،مصدر سابق .29،
129
ومتشابكة مع بعضها البعض وتشكل مجتمعه األسس التي تبنى عليها العمليات القتالية ،وقد
عرفها اللواء الركن محمود شيت خطاب بأنها ":الجوهر الذي ينشئ في القائد السجية
الصحيحة في تصرفاته في الحرب ،وهي العنصر الذي يتكون منه مسلك القائد في أعماله
بصورة طبيعية وغير متكلفه "( ،)196لذا فقد استخدم (ص) مبادئ في حروبه ومعاركه درسها
القادة المحدثون وعرفوا قيمتها وأدركوا أهميتها بل أنهم سعوا إلى تطبيقها في حروبهم
ومعاركهم واقتدوا بها إلدراكهم انها طريق النصر وتحقيق األهداف ،ومن أعظم المبادئ التي
طبقها النبي (ص) في الحرب ما يلي:
.1القيادة المثالية :
الشك ان القائد هو أساس المعركة وهو السبب األول في النجاح او الخسارة ،وقد رأينا
فيما سبق كيف مارس النبي (ص) القيادة بأبهى صورها ،
فقد تجلت قيادته بكل مقومات النجاح المطلوبة فقد تراوحت مابين الحزم والقوة وبعد
النظر والشورى والعطف والرحمة واحترام الرأي اآلخر والشجاعة واإلقدام والنظام والضبط
والمعنويات العالية والعقيدة الراسخة والثقة المطلقة باهلل وبجندة ،والصبر وبعد النظر والمحبة
المتبادلة بين القائد والجنود .....الخ من مقومات القيادة المثالية التي لم يسجل عليها نقطه
سوداء واحدة في حياتها حتى انه كان(ص) يلقب بالصادق األمين من قومه الذين حاربوة ،
ويكفي ان يشهد له األعداء قبل األصدقاء ،فها هو (وليام مايور ) يقول عنه .. ":ينسب الى
محمد في شبابه من سيرة التواضع واالحتشام وطهارة الخلق على صورة نادرة بين المكيين
....،لم يولع محمد بالثراء ابدا ،كانت حياته ال سيما في فجرها المبكر تتميز بالحنو والعطف
على اليتيم والفقير واألرامل والبائس والضعيف والرقيق ول يذق الخمر أبدا ولم يلعب الميسر
، ".....بل يكفي فيه قوله تعالى "وانك لعلى خلق عظيم " ،ان قيادة بهذة الخصائص وهذة
الصفات لهي جديرة بالثقة واالحترام من قبل المرؤوسين واألتباع وهذا ما كان حيث كان جند
اإلسالم يفدون قائدهم وإمامهم بالمهج واألرواح ويتبعونه الى حيث يريد ولسان حالهم يردد:
"امض وهللا لو خضت بنا هذا البحر لخضناة معك. "...
.2المفاجأة :
إنها من اكبر العوامل ألهامه والمؤثرة في الحرب وأكثر ما يتجلى تأثيرها على
المعنويات ألنها تسبب إرباك والدهشة للعدو ،والمفاجأة قد تكون بالزمان او المكان او التكتيك
او السالح ....الخ الذي تستخدمه القوات ،ان نتائج المفاجأة الناجحة ستكون عظيمة على العدو
ألنها تفقد توازنه وتشتت قواته وجهدة ،وقد طبقها النبي (ص) في مواطن كثيرة ومنها
استخدامه المنجنيق والدبابة في حصار الطائف ( ،)197وكذلك فان استخدام الرسول(ص)
ألسلوب الصف في بدر كان تعبئه جديدة ساعدت على السيطرة وضبط القوات واالحتفاظ
باحتياط للطوارئ وفاجأت العدو ،وكذلك فقد كان حفر الخندق مفاجأة ما بعدها مفاجأة فهو
أسلوب جديد دخل في أساليب العرب الحربية ألول مرة ،وقد كان فكرة من صحابي جليل هو
سلمان الفارسي الذي اعتبرة الرسول (ص) من أهل البيت تكريما وتقديرا وتشجيعا لفكرة
وإبداعه ،حيث قال فيه (ص) ":سلمان منا أهل البيت" وفي هذة المقولة الشريفة دروس
كثيرة تدل على عظمه هذة الرسالة وهذا الرسول يستنبطها من كان له قلب او القى السمع وهو
شهيد ،وكذلك فان مسير االقتراب ليال الذي طبقه المسلمون في مسيرهم الى خيبر ووصولهم
ليال إليها دون ان يتمكن اليهود من معرفه وصولهم كان مثال عظيما على المفاجأة التي حققت
أفضل النتائج واالنتصارات ،ان االمثله على المفاجأة في العسكرية االسالميه كثيرة ومواقفها
عديدة ولكن ذكرنا بعضا منها لنبين كيف طبقها النبي (ص) وما هي ثمراتها .
) )196انظر محمود شيت خطاب ،مصدر سابق .312 ،
) )197المنجنيق هو ":عربه ذات عجلتين في رأسها حلقه او بكرة يمر بها حبل متين في طرفه األعلى شبكه في هيئه كيس توضع
في الشبكة حجارة او مواد محترقة ثم تحرك بواسطة العامود والحبل فيندفع ما وضع بالشبكة من قذائف ويطير إلى األعلى فيحرق
ويدمر ما يسقط عليه " .
-إما الدبابة فهي " :آلة من الخشب الثخين المغلف بالجلود تركب على عجالت مستديرة يستطيع المشاة االحتماء بها من النبال
والسهام " ،انظر :محمود شيت خطاب ،مصدر سابق ،ص . 254
130
.3حشد القوة (الجهد) :
ان تجميع القوات الكافية والمناسبة في الزمان والمكان المناسبين هو سبب كاف من
أسباب التغلب واالنتصار على العدو وقد طبقه المسلمون في كل معاركهم وغزواتهم تقريبا فقد
طبقه النبي (ص) في فتح مكة عندما جمع حشدا كبيرا من العرب الذين شكلوا أساس الدولة
اإلسالمية المتينة حيث تشكلت قوة المسلمين من المهاجرين واألنصار وقبيلة سليم ومزينه
وتميم وأسد وغفار وجهينة وقيس وغطفان وعدد كبير من قبائل العرب زاد عددهم على عشرة
أالف مقاتل ،ولقد كان لالستخدام المناسب لهذة القوات اكبر األثر في تحقيق النصر العظيم
بفتح مكة بكل كبرياء وعظمه وعزة واستسلمت قريش وهي صاغرة لهذة القوة العظيمة ودخل
الناس في دين هللا أفواجا .
.4االقتصاد بالجهد:
ان ظروف الحرب أحيانا تفرض على القائد استخدام القوة والموارد المتوفرة لديه بحذر
وبعناية فائقة واستخدامها في الزمان والمكان المناسبين ،الن اإلسراف والتبذير يؤديان الى
تشتيت وبعثرة الجهود وبالتالي الخسارة المادية والمعنوية ،وقد نبذ اإلسالم اإلسراف والتبذير
ودعا الى االقتصاد في كل شيء حيث يقول (ص) ":ما عال من اقتصد " ،وكذلك
يقول":االقتصاد نصف المعيشة " ،وأيضا ":كلوا واشربوا في غير إسراف وال مخيلة " ،لذا
فقد كان النبي (ص) يستخدم ما يتوفر له من قوة ماديه ومعنوية – خاصة في الحرب – بكل
تدبير وحكمه واقتصاد .
.5األمن :
اعتمد النبي (ص) كثيرا على هذا المبدأ وذلك ألهميته في إخفاء القصد والنية عن العدو
مما يحقق المباغتة والمفاجأة ويشتت القوات المعادية ويبعثر جهودها مهما بلغت من القوة ،
وقد اهتمت الجيوش الحديثة بهذا المبدأ كثيرا حيث جعلت لالستخبارات واالستطالع إدارات
مستقلة مدعومة بأفضل اإلمكانيات المادية والمعنوية والطاقات البشرية الكفؤة والمؤهلة ،ولعل
مسير جيش اإلسالم الفاتح العرمرم الى مكة ووصوله الى ضواحيها دون ان يشعر به أهل مكة
لهو خير دليل على حرص النبي وجندة على األمن وإخفاء القصد والنية ،وقد استخدم
المسلمون ما يسمى بدوريات االستطالع من اجل الحصول على المعلومات عن العدو والتي كان
لها اكبر األثر في تحقيق النصر في معارك كثيرة ولعل معركة بدر خير مثال على ذلك .
.6اإلدارة :
ان اإلدارة الناجحة المبنية على التخطيط السليم هي أساس نجاح أي عمل مهما كان
،وتزداد أهميه إدارة الموارد في المعركة وذلك بسبب الظروف الطارئة التي تنشأ أثناء القتال ،
فاإلدارة في المعركة تتطلب حسن التصرف
باإلمكانيات الموجودة واستخدامها بأفضل طريقه ،ويدخل في إطار اإلدارة كل ما يتوفر
في الدولة من إمكانيات ماديه ومعنوية بهدف تسخيرها لخدمه األعمال العسكرية وهذا يتطلب
تهيئه االقتصاد القومي وحشد كل اإلمكانيات المتوفرة لخدمه المهمة ،هذا وقد طبق المسلمون
ما يسمى بمفهوم (الحرب االجماعيه)والتي تعني إعداد الشعب كله ماديا ومعنويا للمعركة
وتسخير اقتصاديات البالد للحرب وهو ما يسمى بعصرنا الحالي (التعبئة العامة ) او النفير العام
،وهذا األمر ال ينجح بدون إدارة ذكيه وواعية ومبنية على أسس علميه صحيحة ،وهذا المبدأ
طبقه الرسول (ص) طيلة حياته ألنها كانت كلها جهاد وتضحية ودفاع عن الدين ،فاإلعداد
للحرب كان مستمرا ومتصال تنفيذا ألمر هللا عز وجل "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن
رباط الخيل " وفي مجال اإلعداد والتهيئة يقول (ص) ":من جهز غازيا فقد غزا ،ومن خلف
غازيا في سبيل هللا فقد غزا " رواة الترمذي والبخاري ومسلم .ويدخل في إطار اإلدارة
الناجحة تهيئه األرزاق والمياة والطبابه والذخيرة للمقاتلين وفق خطط مدروسة ومحكمه ،وقد
سبق ان بينا كيف كان تعاون الصحابة عليهم رضوان هللا وتسابقهم لتوفير كل مستلزمات
131
الحرب من طعام وشراب وسالح وأموال حتى ان بعضهم قد تبرع بكل ما يملك ولم يبق ألهله
شيء مؤمنين بان ما عند هللا هو خير وأبقى .
.7المعنويات:
تحدثنا في موضع سابق عن أهميه المعنويات في النصر في المعركة،والمعنويات في
الجيوش تنبع من مصادر مختلفة تهيأت وتوفرت للمسلمين كان أهمها :الثقة بالنفس والسالح
والقيادة الفذة العبقرية ،واإليمان بالهدف ،عدالة القضية التي يدافع عنها ،تحرر النفس من
الخوف من الموت او الرزق واإليمان المطلق بان كل ذلك بيد هللا عز وجل ،وال شك ان جند
اإلسالم قد تحلوا بالمعنويات العالية التي كانوا يستلهمونها من قائدهم محمد(ص) الذي كان
يقدم على القتال بروح معنوية عالية واندفاع كبير وكان من الشجاعة بحيث يلوذ به المقاتلون
إذا حمي الوطيس واشتد القتال واحمرت الحدق " ومواقفه(ص) في رفع المعنويات كثيرة
وأساليبه متنوعة ،وان استعراضا بسيطا لبعض الغزوات والمعارك يظهر لنا األساليب
والوسائل التي كان النبي (ص) يستخدمها لرفع معنويات جندة فها هي معركة بدر وفتح مكة
وتبوك كلها تحطيم لمعنويات العدو ورفع لمعنويات جند اإلسالم ،وقد تنبهت الجيوش الحديثة
ألهمية المعنويات فأولتها كل االهتمام والرعاية والعناية وأنشأت لها االدارت المختصة التي
()198
تقوم ببث وغرس المعنوية في نفوس الجند .
.8التعاون :
في الجيوش يصعب النجاح واالنتصار في المعركة بدون تعاون كافه الصنوف
والقطاعات المتواجدة في ارض المعركة مع بعضها البعض ،وكذلك بين القوات المقاتلة
والقوات االحتياطية والخلفية ،وكذلك التعاون بين كافه قطاعات وأجهزة الدولة مدنيه
وعسكريه وصوال الى ما ذكرنا سابقا وهو التعبئة العامة او النفير العام الذي يلعب دورا كبيرا
في تحقيق األهداف والغايات ،ولعل استعراضا بسيطا لألساليب التعبوية التي كان النبي (ص)
يطبقها في غزواته ومعاركه تنبئنا بما ال يدع مجاال للشك بان التعاون كان جليا بين صنوف
المقاتلين من فرسان ورماة ومشاة وتمريض وطبابه وإمداد وتزويد ،وللتدليل على أهميه
التعاون بين المقاتلين في المعركة هو ما قام به الرماة من مخالفه ألوامر الرسول(ص) وعدم
تعاونهم في إنجاح المهمة ،كيف كان السبب الرئيسي في صعوبة تحقيق النصر التام في معركة
احد .
.9التعرض :
هو مبدأ من مبادئ الحرب الهامة التي تمكن من السيطرة على العدو ،وذلك من خالل
عدم السماح بضياع او تفويت أي فرصه دون إحكام الهيمنة والسيطرة عليه وإيقاع اكبر قدر
من الخسائر به ،والتعرض وسيله هامه تمكن من سحق العدو والقضاء عليه وليس هناك من
وسيله غير التعرض تمكن من تحقيق النصر على العدو ،وقد طبق النبي (ص) هذا المبدأ في كل
غزواته تقريبا حيث كانت الروح القتالية هي الحاضرة ،وهناك مبدأ عسكري حديث يقول ان
خير وسيله للدفاع هي الهجوم ،الن الدفاع وحدة ال يحقق النصر وهذا ما سار عليه الرسول
()199
(ص) في معاركه وغزواته .
. 10اختيار القصد :
) )198للمزيد من التفصيل انظر :محمد جمال الدين محفوظ ،مصدر سابق ،ص . 263 – 251
199-محمود شيت خطاب ،مصدر سابق ،ص .328
) ) المصدر السابق ،ص .313
132
ان الخطط العسكرية ال تبنى بشكل عشوائي فال بد من تحديد األهداف والغايات لها
ليعرف المقاتلون ما هي وجهتهم ومن هو عدوهم وما هو الهدف من قتالهم ،وفي الغالب فان
مقصد القتال هو تحقيق النصر من خالل تدمير قوة العدو وسحقه ،والقائد الحاذق هو الذي
يختار هدفه بعناية فائقة وفق إمكانياته وإمكانيات جنودة وبما يتالئم مع اإلمكانيات المادية
والمعنوية المتوفرة لديه ،فان كان الوضع يسمح له بالقتال واالشتباك أقدم عليه وان عجز عن
ذلك -ألسباب هو اعلم بها -لجاء إلى أسلوب أخر قد يكون الهدنة او الصلح او المعاهدة ...الخ
،وقد طبق الرسول الكريم هذا المبدأ بشكل متقن ودقيق حيث كان لكل حركه من تحركاته في
السلم او الحرب مقصد وغاية ،ومن أمثله ذلك ما فعله (ص) في الحديبيه حيث كان مقصدة
منها هو التأثير على معنويات قريش بدون ان يقاتلها وبقي مصرا على مقصدة رغم اقتراب
قوات قريش من قواته وتهيئها لقتاله اال انه لم يرد قتالها والدليل على ذلك هو انه أطلق سراح
المشركين الذين هاجموا معسكر المسلمين دون ان يلحق بهم األذى ،وبقي(ص) مصمم على
هدفه حتى تحقق له وهو عقد الصلح وليس القتال .
هذة بعض مبادئ الحرب التي طبقها النبي (ص) في حياته العسكرية والتي كانت دروسا
لكل من احترف العسكرية وأرادها مهنه شريفه يحقق من خاللها األهداف العلياء السامية لبالدة
وأمته ووطنه دون ان يؤذي اآلخرين او ينتهك أعراضهم او حرماتهم او يدمر منازلهم او يمثل
بقتالهم او يحرق حضارتهم ،وهذة المبادئ هي رسالة لكل سلك درب القتال ليتعلم ان اإلسالم
كان رحيما خلوقا شريفا طاهرا حتى في أحلك اللحظات وأصعبها وهي لحظات القتال والتي
يباح فيها -ومن وجهه نظر الحروب الحديثة التي نراها اليوم – كل الممنوعات( ، )200إنها
مدرسه عسكريه مثاليه أخالقية تصلح أن تكون قدوة ونبراسا يهتدي به واضعوا نظم الحرب
والقتال في هذا الزمان .
المبحث الرابع
أسباب النصر
ال يأتي النصر من فراغ فالبد لتحقيقه من أسباب ومسببات ،واألسباب التي سنوردها
ليست لنصر المسلمين في الحروب والمعارك العسكرية فقط بل هي أيضا سبب نجاحهم في بناء
دولتهم الجديدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على أسس متينة وقواعد راسخة لوالها لما
استطاعوا –وخالل الوجيز من الزمن – الوصول إلى ما وصلوا إليه من رفعه ومجد وسؤدد
) )200هنا إشارة إلى ما ارتكبته األمم المتمدنة ومن خالل الحروب العالمية األولى والثانية من قتل وتدمير وسحق لكل ما كان
يمكن ان تقع عليه العين ،وقد كانت نهاية هذة الحروب هي االبادة التامة من خالل استعمال السالح النووي الذي قتل ماليين
البشر وشوة الماليين والذي ما زالت اثارة السئية إلى اليوم ماثله للعيان ،أيضا لننظر الى مجريات األحداث في إطار النظام
العالمي الجديد والذي تشن فيه الحروب على المدنيين العزل وتدمر فيه البيوت وتنتهك فيه األعراض كل ذلك باسم الحرية
والديمقراطية وحقوق اإلنسان وبناء المجتمعات المتحضرة !!!!!
133
،إنها أسباب لو أخذت بها أية أمه وأي شعب كان مصيرة النجاح والتقدم ،فهي نظريات عظيمة
في اإلدارة والقيادة الناجحة بل في القيادة االداريه الرشيدة السليمة ،ويمكن ان نوجز أسباب
انتصار المسلمين ورفعتهم في حياتهم العسكرية بما يلي:
.1العقيدة الراسخة:
لقد تطرق الدارسون والباحثون لتعريف العقيدة حتى وصلوا الى قاسم مشترك بينهم
أجمعين يعرف لنا معنى العقيدة ،وقد سبق لنا ان وضحنا -في موضع سابق معنى العقيدة بكافه
تفاصيله واجزائة ، -ونورد هنا تعريف العقيدة الصحيحة كما ذكرة شيخنا د.محمود شويات
بأنها ":هي اإلدراك الجازم المطابق للواقع كاعتقادنا بوجود هللا وانه واحد ال شريك له " ،وفي
اإلسالم الحنيف فان سر قوة أالمه ومنعتها هي عقيدتها وإيمانها الراسخ باهلل وبثوابت دينها
الحنيف الن العقيدة لها من القداسة واألهمية ما يفوق األرض والوطن والمال والجاة والنفس
،ألنه ال نفع لكل ذلك اذا تهددت العقيدة وتعرضت للخطر ،وفي اإلسالم ال تحمى المكتسبات
المادية لالمه بدون عقيدة مصانة محفوظة في الصدور وفي سويداء القلوب .
أما في زمن اإلسالم األول فقد استقر األيمان باهلل وبنبيه وبرسالته في نفوس أولئك
القوم حتى أصبح هو المحرك والباعث لهم في جميع تصرفاتهم وتحركانهم ،لقد كان إيمانهم
مطلقا راسخا باهلل ال يتزعزع رغم كل المغريات واألسباب ،لقد كان هاجس القوم هو إعالء كلمه
هللا ونشر الدين الجديد والدفاع عن العقيدة التي رسخت في نفوسهم وضمائرهم ،فبذلوا من اجل
ذلك المال والولد وكل ما يملكون بل أغلى ما يملكون وهو نفوسهم التي بين أظهرهم حبا هلل
ولرسوله وتنفيذا ألوامر هللا بالدفاع عن الدين وحمايته من العدوان ونشرة في بقاع األرض
كلها .
لقد حولت العقيدة الراسخة هؤالء القوم الى قوم أشاوس شجعان ال يهابون الموت
ويقدمون عليه بنفوس مطمئنه ألنهم امنوا وتيقنوا بان ما عند هللا خير وأبقى وبان ثمن ذلك
كله ما ال عين رأت وال أذن سمعت وال خطر على قلب بشر ،لقد كان إيمانهم بال تهور ،وال
حماس أهوج وال اندفاع جاهلي متغطرس ،وال إقبال غبي ،بل كان وفق أسس مدروسة وثوابت
عميقة وقواعد سليمة وأهداف سامية ،لقد حولت العقيدة الراسخة هؤالء القوم الى مقاتلين
أشداء يقاتل الواحد فيهم اقرب الناس إليه رغم كل الصالت األبوية واألخوية والعصبية
العشائرية ،فها هو األب ينزل لمبارزة ابنه وكذا االبن ينزل لمبارزة أبيه ،واألخ يلتقي بسيفه
مع ابن عمه وقريبه الذي يجتمع معه في عصبيه واحدة!!! انه األيمان الراسخ والعقيدة
السامية العظيمة التي ليس لها هدف سوى نشر السالم والعدل والمساواة واإلخاء والرحمة بين
بني اإلنسان .
لقد لعب هذا السبب دورا حاسما في بناء الدولة االسالميه وتطورها وتقدمها ونموها
وامتدادها واتساع رقعتها في زمن قياسي ،انه اإليمان والعقيدة ليس سواهما،وال أدل على ذلك
من عودة النبي (ص) إلى مكة مرفوع الرأس قوي الجانب عزيز المكانة بعد ان خرج منها قبل
سنوات قالئل مطرودا ضعيفا"،إنها العقيدة ،عقيدة اإلسالم السمحة العقيدة الديناميكية الحركية
التي ال يؤمن بها إنسان عن فهم ووعي وإدراك حتى ترتفع به وتنقله من حياة الى حياة ومن
سلوك الى سلوك ومن تفكير إلى تفكير أكثر رقيا وتحضرا ،ترتفع به الى مستوى اإلنسان الذي
أرادة هللا خليفة له سيدا على كل المخلوقات ،لقد شكلت العقيدة السبب المباشر والهام في
()201
انتصار المسلم وبناء قوتهم وهيبتهم وانتصار دولتهم بزمن قياسي.
.2القائد المثالي (:)202
) )201للمزيد من التفصيل انظر :محمود شويات ،اثر العقيدة االسالميه في شجاعة المقاتلين وتضحيتهم ،مجله األقصى ،
العدد ،773تاريخ /1كانون أول ،1986ص .19- 17
) )202لقد سبق الن تحدثنا عن صفات الرسول الكريم (ص) بالتفصيل في مواضع سابق من هذا الكتاب ولكن نورد هنا بعضا منها
لزيادة التوضيح .
134
يعرف العسكريون بان القائد هو السبب المباشر في االنتصار والنجاح في المعارك
والحروب ،ألنه هو الذي يخطط ويفكر ويصدر األوامر السليمة الصحيحة في الوقت المناسب
والمكان المناسب ،لقد لعبت شخصيه الرسول القائد بما فيها من صفات مثاليه الدور األكبر
والسبب المباشر للنصر ،لقد تجمعت بهذة الشخصية مجمل األسباب بل كلها ،فلقد كانت
شخصيه شجاعة يشهد لها القاصي والداني ،شهد لها األصحاب واألعداء ،فقد كان الرسول
الكريم شجاعا في السلم كما هو شجاع في الحرب ،صمد رسول هللا (ص) حين هرب الناس
وقاتل بضراوة وشدة وبسالة ورجولة وقوة ،صمد صمودا فرديا كما صمد صمودا جماعيا ،فها
هو في الخندق القائد البطل الذي لم يخف من خطر اليهود وجمعهم وتحزبهم ،وفي بدر كذلك
الحال ،فها هو علي يقول فيه (ص) ":انا كنا إذا اشتد الخطب واحمرت الحدق اتقينا برسول
هللا (ص) وهو أقربنا الى العدو " !!! ،ان صمودة (ص) في حنين دليل الشك فيه على شجاعته
وبطولته وجسارته ،ولو لم يصمد آنذاك لتغير وجه التاريخ اإلسالمي كله!،مواقف كثيرة تدل
على شجاعته وجسارته عليه الصالة وأتم التسليم .
ان صفات الرسول الكريم (ص) كثيرة يكاد المرء يعجز عن وصفها وذكرها ،فمن
صفاته القيادية أيضا الشخصية الفذة المتميزة بما فيها من أخالقيات ،فهو الكريم ،الرؤوف ،
الحليم ،الرحيم ،صاحب الهيبة والوقار ،نال محبه أصحابه حتى ان احدهم كان يفديه بكل ما
يملك من مال وولد ونفس وكل نفيس ،وال أدل على ذلك من قول عروة بن مسعود الثقفي
مندوب قريش للمفاوضات في الحديبية عن الرسول (ص) ،حيث يقول ألصحابه ":يا معشر
قريش أني جئت كسرى في ملكه ،وقيصر في ملكه ،واني وهللا ما رأيت ملكا في قوم قط مثل
محمد ،ال يتوضأ إال ابتدروا وضوؤه ،وال يسقط من شعرة شيء اال أخذوه ،وإنهم يسلمونه ال
لشيء أبدا "،هذة شهادة األعداء فكيف باألصحاب والمقربين الذي خبروا وعرفوا صفاته عن
كثب وقرب ،فهو بحق قائد مثالي نموذجي كان السبب المباشر في انتصار المسلمين ورفعتهم
()203
وتحقيقهم للرفعة والمجد والسؤدد.
.3تكتيكات جديدة في الحرب :
لقد طبق (ص) أساليب جديدة في القتال لم يعتد عليها األعداء ولم يروا او يسمعوا
بمثلها ،فقد شكلت لهم مفاجأة ساهمت في دحرهم وانتصار المسلمين،وهذا هو شأن القادة
المبدعين األذكياء في الحروب والمعارك ،يبحثون عن كل ما هو جديد من األساليب والمناورة
والمعدات والخطط ،ليفاجئوا بها األعداء ،ان استخدام أسلوب الخندق كان له دور كبير في
هزيمة األحزاب الذين تجمعوا لقتال المسلمين في المدينة ،واستخدم عليه الصالة والسالم أيضا
أسلوب الصفوف في المعركة وهو تكتيك جديد لم تعتد عليه قريش ،فكان مفاجأة ساهمت
بتحقيق النصر المبين ،وكذلك كان النبي (ص) ذكيا وحاذقا باختيار ]ساعة الصفر[( )204والتي
يعرف العسكريون ان اختيارها المناسب يشكل نصف االنتصار في المعركة ،فقد اختار (ص)
الهجوم فجرا في غزوة بني المصطلق ،فشكل ذلك مفاجأة قويه لهم ،وما كان (ص) ليختار هذا
الوقت لوال معرفته وثقته بجنودة المدربين األقوياء االكفيأ ،وفي مجال األمن ابتكر (ص)أساليب
تدل على الوعي وبعد النظر وتحقق استباق األحداث واخذ زمام المبادرة من األعداء ،هذا
وغيرة الكثير من األساليب المبتكرة واإلبداعية التي استخدمها النبي (ص) في قيادته لمعاركه
وحروبه وطبقها من بعدة أصحابه وخلفائه عليهم رضوان هللا .
.4أتباع مخلصون وجنود مثاليون :
لقد ربى النبي (ص) جندة على أسس العظيم القائمة على األخالق الفاضلة والسجايا
الكريمة وحسن المعشر ولين الجانب ،وبنى فيهم نفوسا وأجساما اصلب وأقوى من راسيات
الجبال ،فكان الواحد فيهم يعد بألف رجل فهم الدعاة كما هم المحاربون ،وهم القادة كما هم
) )203للمزيد :انظر محمود شيت خطاب ،مصدر سابق ،ص .309، 308
) )204هي مصطلح عسكري يشير إلى اختيار الزمان والمكان المناسبين لبدء العمليات القتالية بغض النظر عن نوعها سواء كانت
هجوم أم دفاع أم انسحاب أم تراجع ...الخ .
135
الجنود في ذات الوقت ،لذا فقد حرص رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أن يجعل من أتباعه قادة
أشداء في الحرب كما هم في السلم فكانوا فعال كما أرادهم (ص) والدليل على ذلك ان اإلسالم
استمر بعد وفاة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بنفس القوة واالندفاع ،ألنه كان هناك قادة من
بعده يحملون الرسالة ويدافعون عن هذا الدين ،ويشعرون بالمسؤولية تجاه نشره ،ولديهم
القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب .
والناظر في سيرة الرسول عليه الصالة والسالم ،يجد كيف
كان يتعامل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم مع أصحابه على
أنهم أسود ،بمعنى أنهم قادة لهم رأي ،ولهم مواقف ،ويشاركون
في صنع القرار ،ومن أمثله ذلك؛ ما حدث في غزوة بدر حينما
نزل النبي صلى هللا عليه وسلم أول ما نزل في مكان معين ،جاءه
رجل لم يكن قائدا في الجيش بل جندي عادي ،هو الحباب بن
المنذر رضي هللا عنه ،فقال" :يا رسول هللا أهذا منزل أنزلكه هللا
(أي إذا كان وحي فال يد لنا فيه وال اعتراض) أم هو الرأي والحرب
والمكيدة؟" ،قال رسول هللا عليه الصالة والسالم( :بل هو الرأي
والحرب والمكيدة) قال" :فما هذا بمنزل" ،فقام النبي صلى هللا
عليه وسلم ،وغيّر مكان الجيش الذي اختاره هو ،وغير الخطة كلها
بناءاً على اقتراح وجيه جاءه من جندي في الجيش .
لقد اهتم (ص) بتدريب جندة وإعدادهم إعدادا عسكريا صحيحا ليدافعوا عن هذا الدين
ألنه بغير الجنود األشاوس األقوياء يضعف الجيش وينهار ،فقد كان (ص) يحثهم على إتقان فن
الرمي والفروسية فقد قال (ص) ":من ترك الرمي بعد ما علمه فإنما هي نعمه كفرها " وهذا
دليل على أهميه التدريب العسكري وإتقان فنون القتال وأساليبه ،وكذلك الحال اهتم بتسليحهم
وتجهيزهم وإمدادهم بالسالح الذي يقوي من عزيمتهم ،فقد مدهم بالدروع والسهام والسيوف
،ودليل ذلك كتيبته (ص) المعروفة باسم الكتيبة الخضراء التي ووصف أفرادها بأنه ال يرى
منهم إال الحدق بسبب كثرة ما يلبسون من الدروع والحديد ،ولم يكتفي عليه الصالة والسالم
بذلك بل انه شجعهم على احتراف مهنه صناعه السالح فقال (ص) ":ان هللا ليدخل بالسهم
الواحد ثالثة نفر الجنة :صانعه المحتسب في عمله الخير ،والرامي به ،والمعد له ،فارموا
واركبوا ،وان ترموا أحب إلي من أن تركبوا " ،لذا فقد كان أصحابه عليه السالم جنود مثاليون
وأتباع مخلصون يفدون دينهم وقائدهم بالمهج واألرواح ولو طلب منهم ان يخوضوا معه غمار
البحر لما ترددوا .
لعل القوة التي تجتمع لها هذة المقومات األربع هي أحق وأجدر بالنصر ،لقد شكلت
هذة األسباب المرتكزات األساسية لتحقيق النصر للمسلمين ،فالثوابت الراسخة في نفوس
الجيش ،والقائد المثالي الناجح الحاذق العبقري ،والمهارات وفنون القتال ،والجنود األشداء
األقوياء األوفياء ،ال شك أنها عوامل النصر أليه قوة عسكريه ،ولعل التاريخ العسكري قديمة
وحديثه يصدق هذا الزعم بل ويجزم به ،والعلوم العسكرية والفنون القتالية التي تدرب القادة
والجنود على أسباب النصر لعلها ال تخرج عن هذة المقومات األربع كركائز نصر لمعركتها
القادمة .
136
المبحث الخامس
منهج اإلسالم في بناء الجنود
أدرك اإلسالم أهميه وقيمه العنصر البشري في كافه المجاالت وخاصة دورة في الدفاع
عن وطنه ودينه ومبادئه وعقيدته ،لذا فقد اهتم ببنأة بناء صحيا صحيحا في كافه تكوينات
شخصيته ،النفسية والجسدية والعقلية ،انطالقا من أهميته كمخلوق مختلف عن باقي
مخلوقات هللا حيث رفعه ربه وكرمه فقال في حقه ":ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر
والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيال " ،من هذا المنطلق كان
البد من بناء اإلنسان الذي يستطيع القيام برسالته في األرض وهي خالفه هللا وأعمارها
األعمار السليم المبني على أقامه شرع هللا القويم ودينه المستقيم ،ولن يتأتئ ذلك اال من خالل
مقاومه العقائد الفاسدة واألديان الباطلة ومحاربه قوى الشر والظلم والطغيان واإلفساد ،الن
الحياة في األصل هي صراع ما بين قوى الخير والشر والحق والباطل لذا فان على هذا
اإلنسان -المسلم -ان يكون مقاتال محترفا متميزا عن غيرة بمهنيتة القتالية التي تغلفها القيم
االخالقيه النبيلة التي أرادها اإلسالم لجندة ليحمل قيم الخير والهداية لبني اإلنسان ويحميهم من
اعتداء المعتدين ،لذا فقد استخدم الرسول (ص) وصحابته من بعدة استراتيجيه فعاله ومتقنه
ومنهجا متميزا في بناء شخصيه المقاتل المسلم ليكون اوال قدوة ومثال يحتذى بأخالقه
ومهنيتة واحترافه وشجاعته وصمودة وقدرته على المواجهة ،وفي القادم من الصفحات
()205
سوف نتعرض الى األسس التي اتبعا اإلسالم في بناء شخصيه المقاتل المسلم .
) )205أثبتت الحروب الحديثة أهميه العنصر البشري في صناعه النصر ،وقد قيل في ذلك الكثير من قبل القادة الذين خاضوا
غمار المعارك الكبرى وانتصروا فيها ،حيث يقول احدهم ":الرجال وليس الحجارة يصنعون سور المدينة " ،ومن أقوالهم أيضا
":ليست العبرة بالمدفع ولكن العبرة بالرجال الذين وراء المدفع" .
137
البد قبل الحديث عن بناء الشخصية القتالية المسلمة ان نتطرق الى من هو المقاتل
المسلم وكيف يتم اختيارة ليكون األساس منذ البدء سليما صحيحا ،لذا كان البد من شروط
يتحلى بها الجني والمقاتل المسلم والتي من أهمها :
.1اإلسالم :
البد لمن أراد االنخراط في الجيش اإلسالمي ان يكون مسلما لكي يدافع عن دينه وبالدة
بإخالص وقناعه وان يكون لديه الحافز والدافع للتضحية بروحه في سبيل وطنه وأمته ضد
الطامعين والمعتدين .
.2البلوغ :
البد من ان يكون المقاتل بالغا راشدا ليدرك معنى وأهميه وقيمه ما يفعل من عمل ،وقد
اشترطت كثير من القوانين العسكرية في مختلف الجيوش أن يكون سن السادسة عشرة هو
سن البلوغ والتجنيد في الجيش .
.3الصحة والسالمة:
وهو ان يتمتع من أراد الدخول في الجندية بالسالمة والصحة بأقسامه المختلفة وهي :
-الصحة الجسدية:
البد من ان يكون الجندي صحيح الجسم وليس عاجزا ضعيفا وخاليا من األمراض
والعلل ،الن الواجبات التي ستناط به ستكون شاقه وصعبه تتطلب منه ان يكون سليم البنية
قوى الجسد ،ويدخل في إطار هذا الشرط ما تشترطه اليوم كثير من الجيوش ان يكون المقاتل
سليم النظر والسمع وبقيه الحواس واألطراف كاليدين والرجلين .
138
بالسهلة بل أنها تتطلب الكفاءة والقدرة وتمام الصحة العقلية والنفسية والجسدية ،كذلك فان
هذة الشروط تبين اهتمام اإلسالم بالعنصر البشري عموما وباإلنسان المقاتل خصوصا .
المطلب األول
األسس التي اعتمدها اإلسالم لبناء اإلنسان(عام)
أسلفنا بان اإلنسان في اإلسالم هو أساس الكون ومحور االهتمام ألنه هو المكلف
بعمارة الكون وخالفه هللا في األرض لذا فان ما يجب ان يتحلى به اإلنسان من أخالقيات
وصفات وخصائص يجب ان تختلف عما يتمتع به غيرة من المخلوقات وذلك ألنه مميز بالعقل
واإلدراك والفهم ،لذا فان اإلسالم اعتد أسس عظيمة ومهمة في بناء هذا اإلنسان ليكون قادرا
على القيام بأعباء المسؤوليات المناطة به حيث اهتم به منذ ان يكون جنينا في بطن أمه الى
أخر لحظه في حياته وذلك وفق أسس محددة ومعالم مرسومه بينها القران الكريم والسنة
المطهرة يسترشد بها من أراد الفالح والنجاح ويتنكبها الضال الجاهل .
إما أسس بناء اإلنسان فقد شملت بناء جسدة وروحه وعقله ونفسيته وهذا ما
سنوضحه بالتفصيل .
أوال :أسس بناء الصحة النفسية لإلنسان المسلم :
ذكرنا سابقا ان الصحة النفسية هي شرط هام وعامل من عوامل تكامل شخصيه
اإلنسان السليم ،وذلك الن سالمه النفسية تعني سالمه بقيه الجسد وان عله النفس تؤدي إلى
اختالل الموازين واضطرابها وتغير أنماط السلوك وانهيارها ،وللمزيد من التوضيح يجدر بن
ان نعرف الصحة النفسية والتي تعني ":قدرة الفرد على التوافق مع نفسه ومع المجتمع الذي
يعيش فيه وهذا التوافق هو الذي يؤدي الى التمتع بحياة خاليه من االضطرابات ،حيث يتسم
الفرد بالرضا عن نفسه وعن مجتمعه حيث ال يبدو عليه ما يدل على سخطه على مجتمعه كما
انه ال يسلك سلوكا اجتماعيا شاذا بل تكون كل سلوكياته معقولة تدل على االتزان العاطفي
واالنفعالي والعقلي في مختلف
المجاالت وتحت تأثير جميع الظروف " ،وهو وفقا لما ذكر أعاله يكون صحيح النفس
سوي الشخصية سليم التصرف ويكون ذا صحة نفسيه سليمة،)206(.ومنهجيه اإلسالم في تقويم
نفسيه اإلنسان هي منهجيه متطورة وعصريه تصلح لكل زمان ومكان ،لذا فال حق لجاحد او
منكر ان يقول إنها أساليب وطرائق عفا عليها الزمن وباتت قديمة وباليه ،بل أنها الحلول
الناجعة لما تعانيه البشرية اليوم من ازدحام عياداتها ومستشفياتها –وخاصة في الغرب
المتقدم -من كثرة المرضى الذين يعانون من صنوف األمراض والعلل النفسية واإلصابات
الروحية كالهم والحزن والقلق والكسل واالكتئاب والخوف والفصام والهلوسة واألرق
والعصبية وغيرها الكثير مما نتج عنه أمراضا جسديه كارتفاع الضغط والسكري وألم المفاصل
...الخ مما يستنزف األموال الطائله لعالجها ولكن دون فائدة ،ولكن اإلسالم العظيم لديه الحل ،
وذلك وفق منهجيه أثبتت جدارتها وقدرتها على شفاء علل النفس وبقاء اإلنسان سليم الروح
والنفس والضمير والجسد ،لذا تجد اإلنسان الممتلئ قلبه باإليمان والمتعلق بخالقه يتمتع
بالصحة النفسية التامة ويشعر بالسعادة الغامرة في كل وقت وحين وهذا ما أثبتته دراسات
الغرب الكثيرة في مسيرة بحثها عن عالج أمراض الروح والنفس (.)207
إما منهجيه اإلسالم في بناء النفسية فتتلخص فيما يلي :
) )206للمزيد انظر:محمد جمال الدين محفوظ ،مصدر سابق ،ص ص .241 240
) )207يمكن للمزيد مراجعه :عبد هللا بن عبد العزيز العيدان ،طريقك الى الصحة النفسية ،الرياض 1418 ،هـ،ص.30-9
139
.1تعلق القلب بالخالق عز وجل وتوجهه إليه سبحانه ،الن في ذلك الطمائنينه والراحة ،حيث
يقول تعالى ":أال بذكر هللا تطمئن القلوب " ،ان في ذكر هللا والتعلق به راحة للنفس وطمأنينة
للضمير الن اإلنسان عندها يدرك ان مصيرة ورزقه واجله بيد خالقة وليس ألحد من البشر
مهما كانت قوته وجبروته ان يضرة او ينفعه بشيء إال بإرادة هللا عز وجل ،حيث يقول سيدنا
رسول هللا في الحديث ":واعلم انه لو اجتمع أهل السماوات واألرض على ان يضروك بشيء
ما ضروك إال بشيء قد قدرة هللا عليك " ،ومن مظاهر التعلق باهلل عز وجل هو المداومة على
قراءة القران الن في ذلك شفاء للصدور وتخلص من القلق واالضطراب ،حيث يقول تعالى ":
وننزل من القران ما هو شفاء ورحمه للمؤمنين " اإلسراء . ،82
.2وجه اإلسالم اإلنسان المسلم ان يتعامل مع إخوانه جميعا بالرفق واللين واالحترام والتسامح
،الن هذا األسلوب هو الطريق نحو بناء جسور المودة والتراحم والتالف بين الناس عندها
تسود العالقات االنسانيه حاله من الهدوء واالتزان والطمأنينة ،وينعدم منها العنف والتطرف
واالضطراب ،وهذا ما تعاني منه البشرية اليوم وسببه الشك هو انعدام التعامل بالرفق واللين
واحترام األخر والتسامح فيما بين الناس ،قال تعالى ":ولو كنت فظا غليظ القلب النفضوا من
حولك " ،وقال تعالى ":والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس وهللا يحب المحسنين " ال
عمران .134
.3يدعوا اإلسالم المسلم للتفاؤل واالستبشار بالخير ونبذ اليأس والقنوط حيث يوجهنا لذلك
رب العزة فيقول ":وال تيأسوا من روح هللا انه ال ييأس من روح هللا إال القوم الكافرون "
يوسف ، 87وكذلك فان من يتفائل بالخير يجدة آلن القاعدة هي (تفائلوا بالخير تجدوة )
والتفاؤل واالستبشار يؤديان باإلنسان الى راحة البال وهدؤ األعصاب والنفسية وطمأنينة
الضمير .
.4يدعوا اإلسالم اإلنسان المسلم الى البشاشة وطالقه الوجه لدرجه انه اعتبر تبسم اإلنسان
المسلم في وجه أخيه المسلم صدقه ،وهذا السلوك يجعل اإلنسان يعتاد أالبتسامه واللطافة في
التعامل مع اآلخرين فيجعهلم يحترمونه ويقدرونه ويبادلونه نفس الشعور مما يخلق أجواء
مريحة سواء في البيت او الشارع او العمل ،بل في كل مكان .
.5قناعه اإلنسان بما قسم هللا له ،عندها تطئمن نفسه ويرتاح باله ويعرف ان هذا هو نصيبه
في هذة الحياة حتى وان كان ما أوتي قليل ويسير ألنه من عند مقسم األرزاق وهو هللا القادر
،حيث ان رضا اإلنسان بما قسم هللا له يجعله أغنى الناس الن القاعدة في ديننا هي قوله تعالى
( ":وعسى ان تكرهوا سيئا وهو خير لكم وعسى انم تحبوا شيئا وهو شر لكم )...وكذلك
القاعدة النبوية التي تقول ( :وارض بما قسم هللا لك تكن أغنى الناس ) وفي تراثنا العربي
اإلسالمي "القناعة كنز ال يفنى " .
.6الصبر والشكر نعمتان من نعم هللا على اإلنسان المسلم يجعالنه يشعر بالطمأنينة وراحة
النفس فهما السالح الحقيقي لمواجهه االضطراب والقلق على ما فات او نقص ،قال تعالى ":
لئن شكرتم ألزيدنكم " إبراهيم ،7الن الخير كله في الصبر والشكر وهذا ما نبئنا به نبي الهدى
والرحمة حين قال ":عجبا ألمر المؤمن ان أمرة كله خير ،وليس ذلك ألحد إال للمؤمن ،ان
أصابته سراء شكر فكان خيرا له ،وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " ،رواة مسلم،
وقوله تعالى ":والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا )..البقرة
.177
.7ان النظر الى ما عند اآلخرين وتمني زوال النعمة وتحولها عنهم هو مصدر القلق
واالضطراب ،لذا فان اإلسالم أراح اإلنسان من هذا العناء وأمرة بالقناعة ،حيث طلب منه ان
ال ينظر للناس بعين الحسد والطمع بما يملكون ،قال تعالى ":وال تمدن عينيك إلى ما متعنا به
140
أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا "طه ، 131وقوله تعالى ":وال تتمنوا ما فضل هللا به بعضكم
على بعض"،عندها ترتاح نفسه ويهدأ باله .
هذة بعضا من أسس المنهجية االسالميه في بناء نفسيه اإلنسان السليم الصحيح النفس
والروح ،الن اإلسالم يدرك ان اإلنسان القوي نفسيا هو ذاته القوي بدنيا وعقليا الن الروح
والجسد هما مكونات اإلنسان الكامل الصحيح الذي يصلح ان يكون عندها مقاتال وجنديا قويا
شديدا متماسكا في أصعب اللحظات وأعسرها فيؤدي دور على أكمل وجه ويقوم بواجبة أتم
القيام .
ثانيا :أسس بناء الصحة الجسدية لإلنسان المسلم :
ان اهتمام اإلسالم بالمقاتل القوي الشديد يتطلب وبالدرجة األولى بناء جسدة بناءا
سليما صحيحا خاليا من األمراض والعلل واآلفات الن المهام التي ستلقى على عاتقه تتطلب منه
ان يكون سليم الجسد متين البنية ،وقد استخدم اإلسالم لذلك أرقى وأفضل وأحسن األساليب
العلمية التي بدأت البشرية ورغم تقدمها العلمي والطبي بالعودة إليها وتطبيقها في المشافي
ومراكز العالج حتى في أرقى دول العالم المتقدمة علميا وطبيا ،ومن هذة األسس والمبادئ ما
يلي :
.1ان اإلسالم قد فرض على اإلنسان المسلم العبادات المختلفة التي تساعدة على بناء جسدة
وتمنحه الصحة العضلية والبدنيه بشكل دائم ومستمر ،فها هي الصالة عبادة روحانية يؤديها
اإلنسان بحركات معينه من جسدة يستعمل خالل أدائها العضالت والمفاصل المختلفة من جسمه
والتي تكاد تشمل الجسد كله،فتمنحه حركات مخصوصة تؤدي إلى تنشيط الدورة الدموية في
شرايينه فتضخ الدم الصافي النقي إلى قلبه ومن قلبه إلى دماغه ثم إلى شرايين جسدة كلها
فتمنحه الحيوية والنشاط الدائمين ،هذا وقد اثبت الطب الحديث فوائد وثمرات للصالة وحركاتها
ال تعد وال تحصى تسهم في تغيير بنية الجسد وتجعله في حاله من الصحة والعافية النادرتين ،
ومن أسس صحة الجسد هو التخلص من الكسل والخمول والنعاس وليس أفضل من عالج لهذا
كله من الصالة التي يسبقها الوضوء الذي يؤدي إلى نشاط الجسد وتخليصه من كل ما علق به
من األوساخ والقاذورات والغبار وخاصة ما ثبت علميا وحديثا من فوائد للوضوء ابسطها إن
االستنشاق لوحدة يحمي اإلنسان من مرض الجيوب االنفية وما يتصل بالجهاز التنفسي من
مشاكل ،ناهيك عن نظافة اليدين والقدمين والوجه والفم .
أضف الى هذا كله ان الصالة تمنح اإلنسان الراحة النفسية والمعنوية فتمتزج راحة
الجسد ألبدنيه والحسيه مع الراحة المعنوية عندها يتشكل بداخل اإلنسان جهاز مناعة قوي ال
يسمح ألي مرض او عله من الدخول الى هذا الجسد المحصن ،ويضاف إلى ذلك كله ان الصالة
تعود اإلنسان على االنضباط واالستقامة من خالل تسويه الصفوف المنتظمة المرتبة التي تدل
على التنظيم الدقيق واالنضباط العالي المستوى أضافه الى الحركات الموحدة من مجموع
المصلين كالركوع والسجود والجلوس والتسليم ،ان تكرار هذة األفعال خمس مرات في اليوم
كفيل بان يجعل اإلنسان في حاله انتباه دائمة ويقظة مستمرة تدفعه إلى النشاط واالنضباط
واالستقامة.
وكذلك الحال بالنسبة لبقية العبادات فها هو الحج ترويض للنفس والجسد معا،حيث ان
مناسك الحج تفرض على المسلم ان يبذل الجهد الجسدي العضلي إلنجازها مما يجعله في حاله
جسديه رياضيه وبنية قويه تعطيه الصحة والعافية ،اما الصيام فهو الوسيلة االساسيه
والرئيسية للتخلص من فضالت الجسد وسبب في شفاء الكثير من العلل واألمراض التي تصيب
الجهاز الهضمي ،وقد اثبت الطب الحديث فوائد الصيام بل ان الكثير من المشافي في دول غير
اسالميه اتخذت من طريق المسلمين في الصيام عالج للكثير من األمراض ،وال تقل أهميه
الزكاة عن غيرها من الفرائض فهي معونة للفقراء من األغنياء الذين قد يكونا بأمس الحاج لها
141
للعالج او الغذاء او الكساء او المسكن الذي يقيهم شر العلل واألمراض ويمنعهم عن السعي
المضني الذي قد ال يستطيعونه من اجل لقمه العيش .
إنها رياضات دينيه تعود بالصحة والعافية على الجسد بل أنها تعود بالجمال والنظارة
والبشاشة للوجه والقلب معا نتيجتها جسد قوي وروحانية ليس لها مثيل .
.2من اهم مقومات بناء الجسم السليم هو النظافة ،حيث ركز اإلسالم على موضوع النظافة
الجسدية والشخصية وكذلك النظافة العامة لألحياء واألفنية والبيوت حيث يقول (ص) ":ان هللا
جواد يحب الجود ،نظيف يحب النظافة فنظفوا بيوتكم وأفنيتكم وال تشبهوا باليهود " وقال
أيضا ":أماطه األذى عن الطريق صدقه " ،وكذلك فقد اشترط اإلسالم الوضوء لصحة الصالة
قال (ص) ":ال تقبل صالة من احد حتى يتوضأ " ،وكذلك االغتسال من الجنابة والحيض
والنفاس ،قال (ص)":الطهور شطر األيمان " وقال تعالى ":وان كنتم جنبا فاطهروا " ،بل
انه حض على كثير من مظاهر النظافة مثل قص األظافر ونتف اإلبط وحلق العانة واالستنجاء
والمضمضة والتطيب والتعطر والتزين بأحسن الثياب والظهور بأحسن المظاهر من غير تبرج
او مبالغه ،قال تعالى ":يا بني ادم خذوا زينتكم عند كل مسجد "األعراف ،31وقال (ص)
":أصلحوا رحالكم ولباسكم حتى تكونوا في الناس كأنكم شامه " ،ان هذة األمور تؤدي الى
بناء جسد سليم معافى خالي من األمراض والعلل.
.3االقتصاد في الطعام :
يدعوا اإلسالم الى االعتدال واالقتصاد في كل شيء فهو دين الوسطية -وليس المغاالة
-حتى في الطعام ،قال تعالى ":وكذلك جعلناكم أمه وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون
الرسول عليكم شهيدا " ،لذا فقد وجه اإلسالم أتباعه الى إتباع طرق صحية -اثبت الطب
الحديث نجاحها في معالجه أمراض وعلل كثيرة -في تناول الطعام ويمكن إيجازها ما يلي:
-عدم اإلقبال على الطعام إال في حاله الشعور الحقيقي بالجوع حيث قال (ص) ":نحن قوم ال
نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا ال نشبع ".
-عدم ملئ المعدة بالطعام ،بل يجب إبقاء مساحه فارغة للنفس (الهواء )والماء أي ان يقسم
المعدة إلى ثالثة أقسام :ثلث للطعام وثلث للشراب وللثلث للنفس وبذلك يتحقق التوازن
المطلوب للمعدة والذي يمكنها من القيام بعملها على أفضل حال ،قال (ص) ":ما مالء ابن ادم
وعاء شرا من بطنه ،بحسب ابن ادم لقيمات يقمن صلبه ،فان كان ال محالة فثلث لطعامه وثلث
لشرابه وثلث لنفسه " .
-االبتعاد عن الطعام الذي يسبب تهيج المعدة كالطعام الحار جدا او البارد جادا ،وكذلك االطعمه
المليئة بالتوابل الحارة التي تسبب االلتهابات وخبث األمعاء .
.4االبتعاد عن المأكوالت والمشروبات الضارة والخبيثة :
حرم اإلسالم بعض االطعمه واالشربه الضارة والفاسدة والمهلكة للعقل او البدن او
لكليهما معا ،وذلك حفاظا على صحة اإلنسان ليبقى متيقظا منتبها مستعدا لكل ما قد يطلب منه
الن "المؤمن كيس فطن " ،ومن هذة االطعمه :
-لحم الخنزير :اثبت الطب الحديث ان لحم الخنزير يحتوي على مكونات ضارة لجسم اإلنسان ،
لذا فقد حرمه هللا سبحانه في كتابه الكريم بصريح اآليات التي ال تأتيها الباطل من بين يديها وال
من خلفها وال تحتمل التأويل أو التحريف .
-الميتة :ألنها تعافها النفس والحتوائها على كميات كبيرة من الجراثيم والميكروبات الضارة
والتي قد تسبب لإلنسان المرض والخبث او حتى الموت وقد حرمها هللا في صريح اآليات
الكريمة .
142
-الخمور :إنها سبب فساد العقل وذهاب الفكر وضياع الجسد وانحالل الخلق ومدعاة للفجور
واالنحراف واالنجراف الى متاهات الضياع والتشرد وأوحال الجريمة ،والناظر في حال
المجتمعات التي فشا فيها داء الخمر يجد الجواب واضحا صريحا ،إنها تئن تحت وطأة الجريمة
كالقتل واالغتصاب والسرقة وانتهاك الحرمات حتى بين اقرب الناس ،وتسعى المجتمعات –
المتمدنة -اليوم للتخلص من هذة آالفه بشتى الطرق والوسائل ألنها تستنزف منها أموالها
وطاقاتها وجهدها ووقتها ،وقد حرمها هللا سبحانه في كتابه الكريم ،حيث قال تعالى ":يا أيها
الذين امنوا إنما الخمر والميسر واألنصاب واالزالم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم
تفلحون " (المائدة .)90
-المخدرات :كل مسكر حرام ،هذة هي قاعدة اإلسالم ،حيث نهى (ص) عن كل مسكر ومفتر
"ألنه يذهب العقل الذي هو ميزة اإلنسان عن باقي المخلوقات والذي به ارتفع وتقدس فاستحق
ان يكون خليفة هللا في األرض .
-التدخين :انه أفه العصر التي ليس لها نتيجة إال هالك الجسم ودمارة ،ناهيك عن التدمير
المادي والنفسي والمعنوي للمدخن ،لقد اثبت الطب الحديث ان التدخين سبب رئيسي للكثير من
األمراض واآلفات وخاصة أمراض الجهاز التنفسي ومراض القلب والرئة واالوعيه الدموية
وإتالف انسجه اللثة واللسان والشفة وسقف الحلق باالضافه الى انه سبب رئيسي لمرض
السرطان وخاصة اذا ترافق مع شرب المسكرات ،لذا فهو قتل للنفس وتدمير للصحة والجسم
الذي هو أمانه في عنق صاحبه والذي أمرة هللا سبحانه ورسوله الكريم بالحفاظ عليه .
إن المدقق في توجيهات اإلسالم فيما يتعلق بغذاء اإلنسان وطعامه يجدها توجيهات
حضارية راقيه تسعى األمم الحديثة المتقدمة طبيا الى تطبيقها وتنفيذها بحذافيرها لما فيها من
فائدة عظيمة على صحة اإلنسان وقوته ألبدنيه والعقلية معا .
.5تجنب السلوكيات المحرمة:
لقد حرم اإلسالم اقتراف المحرمات وتجنب السلوكيات الشاذة حفاظا على الصحة
وتجنبا لألمراض التي قد تسببها مثل هذة السلوكيات الخاطئه ومن اشد ما حرم اإلسالم هو
:الزنى الذي اعتبره اإلسالم فاحشه وساء سبيال ،حيث يقول جل وعال ":وال تقربوا الزنى انه
كان فاحشه وساء سبيال " (اإلسراء ، )32وكلك فقد حرم اإلسالم اللواط وهو عمل قوم لوط
الذين خسف بهم هللا األرض عندما قارفوه وارتكبوه وذلك ألنه مخالفه للفطرة السليمة وشذوذ
عن السلوك السوي القويم الذي شرعه هللا لإلنسان لقضاء وطره وشهوته وهو الزواج
الصحيح الحالل ،قال (ص) ":ملعون من عمل عمل قوم لوط" ،هذا وقد ظهر في العصر
الحديث ابتالء من هللا لألمم والشعوب التي خالفت الفطرة واستخدمت الشذوذ الجنسي كوسيلة
لقضاء الشهوات وجعلته متاحا مباحا وهو مرض نقص المناعة المكتسبة (اإليدز ) الذي يحصد
سنويا ماليين القتلى ويفتك بمئات الماليين ،انه عقوبة هللا ألولئك القوم الذين عصوا هللا
واستحلوا محارمه وجاهروا بالمعصية ،انه مرض يستنزف من األمم األموال الطائله
والجهود الطبية المضنية ويدمر اقتصاديات كثير من الدول دون طائل او نتيجة ،وعانت
البشرية حتى اكتشفت ان الحل هو بالتزام األخالقيات الفاضلة والتزام السلوكيات المستقيمة
والتي دعا إليها اإلسالم وحض عليها ،وكذلك حرم اإلسالم إتيان المرأه أثناء الحيض والنفاس
لما في ذلك من أذى ،مصداقا لقوله تعالى ":يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا
النساء في المحيض ("..البقرة ، )222وقد اثبت الطب الحديث بان دم الحيض يمتلئ
بالميكروبات الضارة التي تلحق األذى بالرجل وتتسبب بااللتهابات واألمراض .
.6العالج والتداوي من األمراض والعلل:
143
" تداووا عباد هللا فما انزل هللا من داء إال وانزل له الدواء " ،هذة هي قاعدة اإلسالم
االهتمام بالجسم والعناية به ان أصابه المرض او حل به الضعف وذلك لكي يبقى قويا مستعدا
لكل ما يطلب منه ،الن اإلسالم أراد ألتباعه أن يبقوا أقوياء أصحاء جسديا ونفسيا وعقليا الن
القاعدة في اإلسالم هي أن "المؤمن كيّس فطن " فالفطانه والذكاء واليقظة ال تكون بالجسم
المريض الممتلئ بالعلل واألسقام بل هي في الجسم الصحيح النشيط القوي ،وقد بين اإلسالم
للناس أساليب الحفاظ على البيئة السليمة الخالية من اإلمراض كعامل وقاية قبيل األصابه
بالمرض حيث نهى (ص) عن تلويث الماء –الراكد -وذلك بالتبول فيه ألنه سيكون بيئة خصبه
النتقال األمراض واالوبئه لآلخرين قال (ص) ":ال يبولن أحدكم في الماء الدائم –الراكد -ثم
يغتسل فيه " رواة البخاري ،وكذل فان اإلسالم استخدم أحدث طرق الوقاية من األمراض وذلك
باستخدام أسلوب (الحجر الصحي ) وذلك حماية للناس من انتشار المرض و شر العدوى حيث
قال (ص) ":إذا سمعتم بالطاعون بأرض فال تدخلوها وذا نزل وانتم بأرض فال تخرجوا منها "
أخرجه الترمذي .
نلحظ ومن خالل ما سبق بان اإلسالم قد عني عناية فائقة وتامة بأتباعه حفاظا على
أجسادهم وعقولهم ونفسياتهم الن اإلسالم يريد اإلنسان السليم الوي القوي النشيط الن
مسؤوليته عظيمة وحمله ثقيل وهو بناء األرض وعمارتها والقيام بأعباء دينه ورسالته
السمحة لينشرها في كافه بقاع األرض وأطراف المعمورة ،والناظر في هذة األساليب يجد دقتها
وبالغتها وعناية اإلسالم من خالل بأدق تفاصيل وجزئيات حياة اإلنسان ،وان المتتبع لها لن
يجد إال السرور والسعادة وراحة الجسد والنفس معا .
ثالثا :أسس بناء الصحة العقلية في اإلسالم :
.1التفكر والتفكير :
ان العقل ينضج ويتطور وان الفكر تتسع مداركه وتزداد قدراته على الحفظ والتدبر
والتأمل من خالل زيادة التفكير المنطقي السليم والذي ليس له محصله إال اإلبداع والتميز وهذا
ما أرادة اإلسالم ألتباعه وجندة ،ولمتفكرين في القران الكريم نصيب طيب من المدح حيث
ذكرهم هللا تعالى في آيات كثيرة منها ،قوله تعالى ":أولم يتفكروا في خلق السماوات واألرض
ربنا ما خلقت هذا باطال سبحانك فقنا عذاب النار "ال عمران ،191وقال تعالى أيضا ":أولم
ينظروا في ملكوت السماوات واألرض وما خلق هللا من شيء"،ان اإلسالم أمر بإعمال العقل
وإطالقه من عقاله ومنحه مساحه كبيرة من حرية التفكير الن في ذلك منفعة لالمه وزيادة في
تقدمها وتطورها وارتقاءها في العلوم والمعرف الن العقول المعطلة تبقى معطله ال نفع فيها
،بل أن اإلسالم حرص على إطالق تفكير اإلنسان منذ نعومه اظفارة من خالل تعليمه وتدريسه
وإجابته على تساؤالته حول الكون وما فيه من ظواهر طبيعية كالشمس والقمر والزالزل
والبراكين والمطر والرياح وغيرها الن في ذلك تطوير لتفكيرة وتنميه لعقله وقد أكد اإلسالم
وحض على العلم كوسيلة عظمى من وسائل التفكر والتفكير وال أدل على ذلك من قوله تعالى :
إنما يخشى هللا من عبادة العلماء " فالعلماء أكثر الناس خشيه هلل ألنهم يعرفون أسرار الخلق
والكون والعلوم والمعارف التي ال يعرفها غيرهم .
بنفس الحرص الذي ابداة اإلسالم تجاه اإلنسان بدنا وجسدا وأعضاء حرص في نفس
الوقت على حرية عقلة وفكرة بعيدا عن أية قيود تحد من انطالقة وتمنعه من التفكير والتأمل
والتدبر ،بل أنة حض وشدد على أن يكون العقل والفكر حرا طليقا يجول في ملكوت السماوات
واألرض يتدبرها ويعقلها ويتعرف على آيات هللا فيها فتزيده إيمانا باله وتكون طريقا موصال
له إلى معرفة خالقة وموالة ،قال تعالى ":أولم يتفكروا في خلق السماوات واألرض ربنا ما
144
خلقت هذا باطال سبحانك فقنا عذاب النار "( )208واإلسالم بحضه اإلنسان على التفكير إنما هو
يقر له بشئ من طبيعته البشرية وصفة من صفاته اإلنسانية ،ولكنة بنفس الوقت يوجهه أن
يستخدم هذا النشاط الفكري بما يعود علية وعلى مجتمعة بالنفع والفائدة دون أن يسبب أذى
لغيرة من بني جنسه امتثاال لقاعدة اإلسالم العظيمة ( ال ضرر وال ضرار ) فاإلسالم يريد من
اإلنسان أن يسير في نشاطه الفكري سيرا ايجابيا فيه الخير والنفع ألنة يريد منة أن يرتقي
ويصعد ال أن ينحدر وينزل ،يريد منه أن يبني ال أن يهدم الن لدية مهارات وقدرات لم تعط
لغيرة من المخلوقات ،يقول الدكتور احمد زكي ":فالذي صمم جسم الحيوان وركب هيكلة
كأنة لم يرد من هذا التصميم أن يتمكن الحيوان من النظر إلى السماء وذلك ألسباب عدة من
أهمها :أنة مع عقلة العاجز ال يستفيد من هذا النظر شيئا وعلى غير هذا الطراز صمم
المصمم جسم اإلنسان وركب هيكلة ،فاإلنسان عقل زاخر كثير الوعي ،وهو قادر كثير القدرة
،فهو يستفيد من النظر إلى السماء اكبر استفادة ويلقى في سبيل هذا النظر بعض المشقة ،
()209
ولكنها تهون في هذا السبيل الذي هو فيه " .
المطلب الثاني
واجب المسلم تجاة قيادته
كما أوجب اإلسالم على القائد العناية واالهتمام والرعاية بجنودة ومقاتليه وإعدادهم
اإلعداد السليم من جميع جوانب حياتهم ،فكذلك أوجب عليهم واجبات مقدسه ومهمة تجاة
قادتهم ورؤسائهم تعبر عن مدى االحترام والتقدير لهذا الشخص الذي يبذل الجهود المضنية
ألعداهم وتأهيلهم وتربيتهم التربية السليمة الصحيحة نفسيا وبدنيا ،لذا فقد رتب عليهم حقوق
وواجبات نستطيع ان نجملها بما يلي :
أوال :السمع والطاعة:
إن أهم ما يميز العمل العسكري هو الطاعة واحترام األوامر الصادرة من القادة والتي
يجب على الجندي االلتزام بها واالمتثال لها ،إذ بغير السمع والطاعة ال يمكن أن يستقيم الضبط
والربط( )220وتسود الفوضى وتتداخل الواجبات ويعم االضطراب في أرجاء المؤسسة العسكرية
،وهذا السلوك االيجابي يجب ان ينمو في نفس الجندي حتى في غياب الرقابة عليه ليصبح
حاجه ذاتية تلقائية يقوم بأدائها في جميع المواقف والظروف ،وتنبت هذة الصفة في اإلنسان
العسكري من خالل قناعته بقادته وقيادته والمبادئ التي عنها يقاتل عنده يتولد الدافع الذاتي
في نفسه بشكل عفوي وتلقائي ،قال تعالى ":أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول وأولى األمر منكم
" ،وقال (ص) ":اسمعوا وأطيعوا وان ولي عليكم عبد حبشي كان رأسه زبيبه " هذا وقد
وضع اإلسالم أسس عظيمة لبناء االنضباط في نفوس أتباعه ومقاتليه وجندة نستطيع أن
نوجزها بما يلي :
.1الحرية :
) )220الضبط والربط :مصطلح عسكري يشير الى الحالة العقلية ومقدار التدريب الذي يجعل الطاعة والسلوك السليم أمورا
غريزية في جميع الظروف واألحوال " .انظر :محمد جمال الدين محفوظ ،مصدر سابق ،ص .234
147
ركز اإلسالم على هذا المبدأ وقررة في نصوص قرانيه ونبوية كثيرة واعتبره الركيزة
األساسية لبناء شخصيه اإلنسان وكرامته ألنه بغير الكرامة والشخصية القوية يبقى اإلنسان
ضعيفا ال يقوى على االنضباط وااللتزام بأي شيء مهما كان ،والتحرر في اإلسالم مبدأ له من
القداسة الشيء الكثير فقد جعله في كل الشؤون واألحوال ،فالتحرر من سلطان الخوف على
الرزق واألجل ،والتحرر الفكري والعقلي ،والتحرر من العبودية لغير هللا ،والتحرر من
التفاخر باألنساب والقبائل على حساب االنتماء للدين ، ...كلها حريات تصقل شخصيه اإلنسان
وتنمي فيها الكرامة االنسانيه التي تعمل على ضبط سلوكها وتطويعها لما يخدم الدين
،واالنضباط العسكري ال يأتي إال إذا شعر اإلنسان بكرامته وحريته ،الن اإلنسان متى شعر انه
يساق لألمور سوقا كالدواب فان ذلك ال يخلق منه مقاتال شجاعا يحمل رسالة ،وال مفكرا يحمل
مشعل العلم والهداية وال بطال مغوارا في ساحة القتال ،وال قائدا له دور في قيادة أمته إلى
سواء السبيل ،بل إن اإلذالل سيصنع منه شخصا متخاذال جبانا خوارا ال يقوى على شيء
،فالحرية في اإلسالم هي المرتكز األساسي لصناعه الكرامة االنسانيه التي هي أساس االنضباط
في السلوك وهي حق من حقوقه التي اقرها اإلسالم قبل ان تقرها المواثيق والشرائع الدولية
()221
.
.2الثقــــــة :
ان زرع الثقة في نفوس الجنود والمرؤوسين يولد لديهم الشعور بقدرتهم على تحمل
المسؤولية وتحمل المسؤولية يولد الشعور لدى اإلنسان بان عليه االنضباط وااللتزام ،ويدفعه
إلى التقيد باألوامر والتعليمات حتى في غياب
القائد أو غياب األوامر وانقطاع االتصال بينه وبين قيادته في ساحة المعركة ويدفعه إلى
اتخاذ القرار الحكيم الصائب الذي فيه مصلحته ومصلحه من يقود ،وقد طبق النبي (ص) هذا
المبدأ في مواقف كثيرة وقد كان له األثر األكبر في صناعه جيل من القادة األشاوس الذين
أسهموا في صناعه تاريخ مجيد وبناء دوله اإلسالم التي سطع نورها في كل أرجاء المعمورة
بوقت قياسي وشهد لهم األعداء قبل األصدقاء بحسن التصرف وبفضائل األخالق ،حيث لم تكن
قوتهم إال دافعا لهم ليحسنوا التصرف مع أهل البالد التي فتحوها مما دفع بهم الن يدخلوا في
دين هللا أفواجا وذلك لما لمسوه من حسن الخلق ولباقة التصرف .
.3القـــدوة :
عندما يكون القائد مطيعا لألوامر التي تصدر له ممن هو أعلى منه فانه يشكل قدوة
حسنه ومثال أعلى لمرؤوسيه ليطيعوا أوامره ويلتزموا بما يصدر اليهم من تعليمات ،وال يصنع
الضبط والطاعة بين الجنود إال عندما يكون قائدهم مطيعا ملتزما عندها ال يجرؤ احد منهم على
التطاول على األوامر والتعليمات فيسود النظام وااللتزام ويصبح الجند كلهم كخليه النحل
يطبقون السمع والطاعة كجزء ال يتجزأ من حياتهم اليومية ،قال تعالى ":ولو كنت فظا غليظ
القلب النفضوا من حولك " .
.4تنميه الوازع الديني في النفوس :
لم يعتمد اإلسالم في بناء مبدأ الطاعة على القهر والقوة وسوق الناس الى ساحة الوغى
كما تساق البهائم ،بل جعلها قوة ذاتية تنبع من ضمائرهم ،لذا فان اإلسالم وبتربيته الدينية
السليمة يمنح اإلنسان القدرة والقوة الداخلية على االنضباط والطاعة وحسن التصرف وااللتزام
بما يطلب منه في غير معصية هللا ،وضميرة الداخلي هو الذي يدفعه إلى استشعار عظمه خالقة
) )221للمزيد عن حقوق اإلنسان في اإلسالم يمكن الرجوع الى مؤلفنا :هايل طشطوش ،حقوق اإلنسان بين الفكر اإلسالمي
والتشريع الوضعي ،دار الكندي ،اربد ،األردن .2007،
148
في كل وقت وحين ويشعر أن هللا مطلع عليه ومراقب له هاجسه في ذلك قول نبيه (ص) ":ان
تعبد هللا كأنك تراة فان لم تكن تراة فانه يراك ".
.5إتقان العمل واإلخالص فيه :
قاعدة اإلسالم العظيمة في هذا المجال هي حديث الرسول الكريم (ص)":إن هللا يحب
إذا عمل أحدكم عمال أن يتقنه" وله في ذلك األجر والثواب الجزيل من رب العالمين ،ولهذا
الخلق ثمرات يجنيها من يلتزم به ويطبقه أولها أنها تنمي في نفسه بأنه مراقب من قبل هللا في
سرة وعلنه وان هللا مطلع على كل عمل يقوم به مما يدفعه الى اإلخالص واالنضباط في السلوك
والتصرف فتستقيم أعماله وتنضبط سلوكياته من حيث ال يشعر ألنه يدرك ان هللا يراه ويراقبه
ويسمعه وينظر إليه هاجسه في ذلك قوله تعالى ":ومن أوفى بما عاهد هللا عليه فسيؤتيه أجرا
عظيما " .
ان األخالقيات السالفة الذكر هي أساسيات بناء االنضباط والطاعة في نفس الجندي
المسلم ،طاعة مبنية على االحترام المتبادل بين الرئيس والمرؤوس ،طاعة تسودها أخالقيات
اإلسالم العظيمة من احترام للكرامة وللنفس والعرض والمال ،طاعة ليس فيها تسلط او تجبر
او تعالي او خيالء على اآلخرين ،طاعة ليس فيها تكبر القائد على جندة بل هي تشارك وتعاون
في حمل المسؤولية للوصول الى األهداف النبيلة ،إنها طاعة ليسن عمياء مستسلمة بل هي
طاعة مبنية على الوعي والثقة بالقائد وبقدرته وبنفاذ بصيرته ،ان أسس الطاعة المذكورة
أعاله قد يصعب أن تبرز الى حيز التنفيذ والوجود إذا لم يصاحبا التدريب العملي على االنضباط
والطاعة حتى تصبح عادة من عوائده وجزءا من سلوكه اليومي يصعب عليه أن يتخلى عنه .
) )222للتفصيل انظر :توفيق سلطان اليوزبكي،دراسات في النظم العربية االسالميه،جامعه الموصل ،1988،ص.50
150
151
الباب الثالث
اإلدارة اإلسالمية
152
153
الفصل األول
154
الفصل األول
مرتكزات اإلدارة االسالميه
تمهيد:
جاء اإلسالم دينا عاما شامال،حيث احتوى على كل ما تحتاجه البشرية ،ماضيها
وحاضرها ومستقبلها وذلك من خالل دستورة العظيم ،كتاب هللا العام الشامل المحتوي لكل
تفاصيل ودقائق األمور ،معالجا كافه مناحي الحياة السياسية واالقتصادية واالجتماعية ،فيه من
العلوم والمعارف ما يدهش األلباب ويحير العقول ،منه ما اكتشفه العلماء ومنه ما هو مكنون
ليبقى يشكل حافزا ودافعها للبشر للمزيد من العطاء والعمل والعلم والمعرفة والتفكر في خلق
هللا ،ان فيه الحلول الناجعة والوصفات الجاهزة لكل مشاكل الحياة ولكل ما يعترض حياة
البشرية من عقبات وصعاب فهو من عند خالق البشر األعلم بأسرارهم وأحوالهم .
ان مصادر التشريع العظيم في اإلسالم وخاصة القران الكريم وألسنه المطهرة قد
احتوت على كل تفاصيل نظم الحياة ومن ضمنها النظم االداريه والقيادية ،ففيه من التنظيمات
االداريه والقيادية ما يناسب كل زمان ومكان ،بل فيه تفاصيل لمستويات أداريه متقدمه تطمح
البشرية المعاصرة الوصول إليها وذلك الن اإلدارة االسالميه هي إدارة ربانيه خالصة ليس فيها
عيب وال شائبة وفيها الحلول من كل العقبات التي تواجهها اإلدارة الحديثة.
قد يتساءل البعض عن سبب بحثنا ودراستنا لموضوع اإلدارة علما ان مشكله بحثنا
تتمحور حول العسكرية االسالميه واألساليب القيادية في ممارستها ،ولكن الجواب سهل وبسيط
،حيث انه من الصعب بل من شبه المستحيل ان ندرس القيادة االسالميه ونظمها وفنونها
وأساليبها وطرائقها دون أن ندرس
اإلدارة االسالميه ،الن قيادة الرسول (ص) لكل األمور كانت قيادة أداريه وان أدارته
كانت قيادية لذا يصعب فصل القيادة عن اإلدارة في اإلسالم من جميع النواحي والتفاصيل ،لذا
ومن باب توضيح الصورة االخالقيه في العسكرية االسالميه البد من دراسة اإلدارة في اإلسالم
والتي كان لها حضور كبير في ممارسه فنون وأخالقيات العسكرية مبتدئين بأسس ومصادر
هذة الغدارة .
155
المبحث األول
أسس (مصادر)اإلدارة االسالميه
التعريف :
لقد أوضحنا وبالتفصيل ومن خالل األبواب السابق معنى اإلدارة وتعريفها وتحديد
معناها ولكن يرى بعض الباحثين والدارسين ان يعطي اإلدارة االسالميه تعريفها الخاص بها
ليميزها عن غيرها من أنواع اإلدارة وذلك ألنها اتسمت بمميزات ليست في غيرها وقامت على
أسس ما قامت عليها إدارة أخرى في العالم ،ويعرفها احد الباحثين االكارم بأنها ":اإلدارة
العامة في اإلسالم هي تنظيم وإدارة القوى البشرية لتحقيق األهداف الدولة االسالميه في إطار
أحكام الشرع " )223(.ويرى ان معاني اإلدارة االسالميه قد تجلت في الصور التالية :
-التعاون في الوصول الى حكم الشرع.
-محاوله كشف األخطاء المالزمة إلدارة .
-الوصول إلى الحل السليم فيما يستجد من أمور.
تستند اإلدارة االسالميه الى أسس رئيسيه ثالثة هي :
أوال:القران الكريم :
وهو دستور البشرية الخالد الذي ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من
خلفه،وباستعراضنا لكثير من آيات القران الكريم نجد ان فيها مبادئ أداريه ال غنى لإلنسان
عنها مهما كان نوع المنظمة التي يعمل بها او يرأسها ومهما كان حجمها ،ومن مبادئ اإلدارة
االسالميه التي نجدها في القران الكريم ما يمكن أن نوجزة بما يلي:
أ.االستقامة :
انه سلوك حسن ومطلب ال غنى عنه للمدير او القائد ،وقد طلبه هللا عز وجل من عبادة
في آيات كثيرة محكمه ف كتابه العزيز ليكون نهجهم وطريقهم في إدارة مؤسساتهم
ومرؤوسيهم ،حيث قال تعالى (:اهدنا الصراط المستقيم)أي المنهج الصحيح والطريق القويم
في الحكم واإلدارة والقيادة واالقتصاد والمعامالت ....الخ من مناحي الحياة المختلفة .
ب.االعتدال والوسطية :
انه مبدأ اإلسالم الذي إرادة هللا لهذة أالمه ،وهو الوسطية واالعتدال وعدم الغلو
والتطرف وعدم النزوع إلى التعصب ،ففي اإلسالم ال إفراط وال تفريط ،وفي ذلك يقول تعالى
":وكذلك جعلناكم أمه وسطا " ،البقرة . 143
ج.الخشية من هللا ومراقبته في السر والعلن :
وهو خلق يولد في نفس اإلنسان المسلم حسن أداء العمل وإتقان الواجب والبعد عن
الغش والخداع والتدليس والكذب والمراوغة ألنه يعلم انه سوف يحاسب على عمله أمام هللا عز
وجل ،قال تعالى ":الذين ظنون أنهم مالقوا ربهم وأنهم إليه راجعون " البقرة .46
د.معرفه المرؤوسين ومحاسبتهم حسب أعمالهم :
انه مطلب هام من مطالب اإلدارة المعاصرة ،وهو ما يسمى (وضع الرجل المناسب في
المكان المناسب ) واستخدام الكفاءات القادرة النشيطة الفاعلة وذلك لزيادة اإلنتاج وضمان
إتقان العمل ،أضافه الى ان المدير الناجح هو الذي يعرف أفراده وال يكلفهم ما ال يطيقون
بعيدا عنهم مجافيا لهم ،بل البد من التقرب إليهم ومالطفتهم والسؤال عن أحوالهم
العائلية واالسريه والمادية والصحية ،وفي ذلك زيادة للمحبة والتالف ،قال تعالى ":ولو كنت
فظا غليظ القلب النفضوا من حولك " األعراف . 35
ط.التواضع :
إن الرحمة تقود الى التواضع ،فالقائد صاحب القلب الرحيم اللين الجانب يكون متواضعا
لموظفيه ومرؤوسيه وعماله يجالسهم ويخالطهم ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم ،وهذا ما
جسدة القائد العظيم محمد (ص) وسنشاهد ذلك بوضوح عند حديثنا عن مبادئ اإلدارة في السنة
المطهرة .
ي.الكفأة
ال شك أن هذا المبدأ هو سبب تقدم وتطور وازدهار المنظمات واألعمال ،والكفاءة
اليوم هي عنصر هام من عناصر اإلدارة المعاصرة الن عالم األعمال اليوم ال يقوم اال بإتقان
األعمال من خالل الخبرة والمعرفة والثقافة والتخصص فيها ،وقد ركز ديننا الحنيف على أن
يكون الشخص قادرا كفؤا في إنجاز عمله حيث يقول تعالى " :ان خير من استأجرت القوي
األمين " .
157
ك.األجر على قدر العمل :
هذا ما بدأت تنحو إليه اإلدارة الحديثة ،وهو مبدأ الثواب والعقاب والمكافأة حسب
النشاط في العمل وبقدر اإلنجاز الذي يتحقق ،ولهذا المبدأ في ديننا الحنيف حضور كبير من
خالل اآليات العظيمة في كتاب هللا العزيز ومنها قوله تعالى ":ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم
أعمالهم وهم ال يظلمون " االحقاف .19
ثانيا :السنة النبوية المطهرة :
إنها المصدر الثاني من مصادر التشريع في اإلسالم ،حيث جاءت مفصله وموضحه
لكثير من األمور التي تحدث عنها القران الكريم بشكل عمومي ،واإلدارة اإلسالمية لها نصيب
عظيم في السنة المطهرة تفصيال وتوضيحا ويكفي ان نعلم ان اإلداري األول والقائد األول في
اإلسالم هو محمد (ص) خير البشر وأفضلهم على اإلطالق الذي علمه ربه فأحسن تعليمه .
جاءت السنة النبوية المطهرة بالكثير من المبادئ واألسس االداريه واألساليب القيادية
التي تطمح لها اإلدارة الحديثة وتسعى للوصول إليها ،ويمكن ان نتلمس منها المبادئ التالية :
.1الشعور بالمسؤولية وأهميتها :
حددت السنة النبوية مسؤولية القائد والمدير وبينت اهميه هذة المسؤولية وقيمتها
الدنيوية واألخروية وبأنها مناط الحساب والسؤال من قبل هللا عز وجل ،قال ص" :كلكم راع
وكلكم مسؤول عن رعيته "لذا فان الرئيس ومما كان نوع رئاسته ،سواء رئيس الدولة او
رئاسة الرجل ألهل بيته أو مسؤولية المرأه على أسرتها او مسؤولية العبد في مال سيدة كلها
مسؤوليات توجب الشعور بأهميتها وإخالص فيها .
.2اإلخالص في العمل وإتقانه :
من مبادئ اإلدارة الحديثة :الدقة واإلتقان واإلخالص في العمل من اجل تحقيق أفضل
األرباح وأعظم اإلنجازات بأقل التكاليف والخسائر ،وهذا المبدأ هو خلق إداري إسالمي أمر به
هللا سبحانه وتعالى ورسوله الكريم ،حيث قال (ص) ":من غش فليس منا " ،فالغش أمر من
األمور المرفوضة المكروهة المنبوذة في اإلسالم ألنه يفسد العمل ويخرب العالقات االنسانيه
واالنتاجيه معا ،قال (ص) ":ان هللا يحب اذا عمل أحدكم عمال أن يتقنه" وقال (ص) ":ان هللا
يحب من العامل إذا عمل أن يحسن " رواة البيهقي ،ورواة ابو يعلى والعسكري ،واإلخالص
أيضا في تولي مسؤوليه األفراد أمر حضت عليه السنة المطهرة وحذرت من التفريط فيه ،قال
(ص) ":أيما رجل استعمل على عشرة أنفس علم ان في العشرة أفضل ممن استعمل ،فقد غش
هللا وغش رسوله وغش جماعه المسلمين " رواة أبو داوود الترمذي والحاكم واحمد بروايات
مختلفة .
.3االمانه :
انه خلق عظيم وتطبيقه في مجال اإلدارة أعظم الن الشخص األمين الصادق هو عون
للمؤسسة او المنظمة وهو رافد من روافد العمل اإلداري الناجح ،ويدخل في نفس الرئيس
الطمأنينة من ناحية مرؤوسه األمين ،وفي هذا اإلطار يقول (ص) ":أعبد هللا كأنك تراة فان لم
تكن تراة فأنه يراك " رواة مسلم ،فمن علم أن هللا يراقبه أصلح عمله وأتقنه .
.4الكفاءة :
وهو من أهم مبادئ اإلدارة الحديثة حيث تسعى النظم االداريه المعاصرة الى البحث
عن الرجل المناسب ليوضع في المكان المناسب من خالل توافر شروط معينه وصفات خاصة
فيه تساعدة وتساعد إدارته على النجاح في العمل وتحقيق أفضل معدالت التفوق والتطور
اإلداري .
158
واإلسالم لم يغفل عن مبدأ الكفاءة بل انه سبق االنظمه االداريه الحديث إليه حيث كان
(ص) يستخدم ويستعمل القوي األمين الشجاع الذي يخاف هللا ويتقه ،العادل ،الصادق صاحب
االستقامة ،المتمتع بالخلق القويم وسعه العلم والجدارة والنزاهة ،ولم يكن يولي أحدا إال بعد
()224
استيثاقه من توافر هذة الصفات فيه .
.5القيادة الشوريه :
طبق النبي (ص)األسلوب االستشاري في قيادة الدولة ،حيث كان يشاور أصحابه من
أهل الرأي والحكمة وأصحاب العقل والعلم ويأخذ برأيهم في كثير من األمور ،فقد شاور
أصحابه بأسرى بدر وأخذ برأي أبي بكر
بافتداء األسرى وكذلك استجاب لرأي االكثريه من الصحابة في الخروج يوم احد ،واخذ
(ص) برأي سعد بن معاذ وسعد بن عبادة عندما أشاروا عليه بعدم مصالحه رؤوسا غطفان
)225(،واالمثله كثيرة من سيرته العطرة عليه أفضل الصالة وأتم التسيلم ،وتشير الدراسات
االداريه الحديثة الى ان أفضل أنواع اإلدارة والقيادة هو اإلدارة الشوريه التي كان يطبقها
(ص) .
.6تقسيم العمل :
ان تقسيم العمل وتخصيص الواجبات وتحديد المسؤوليات هو عمل إداري ناضج متطور
ألنه بغير ذلك تدب الفوضى في أوصال الجهاز اإلداري فعندها ال يعود احد يعرف واجبه
ومسؤولياته مما ينعكس سلبا على األداء واإلنتاج ،ورسولنا الكريم عليه السالم كان يخصص
الواجبات ويقسم العمل على أصحابه ليقوم كل واحد منهم بواجبة خير قيام ومن أمثله ذلك هو
كتاب الوحي الذين كان عددهم حوالي ( )42كاتبا ،وكان كل واحد منهم له عمل مختلف عن
()226
األخر يؤديه ويقوم به .
.7العدالة بين المرؤوسين:
من أسس اإلسالم العظيمة ومن مبادئه القويمة وهو مبدأ هام من مبادئ اإلدارة ،حيث
ان العدالة بين المرؤوسين تحقق نتائج مذهله في األداء حيث ترتفع معنويات العاملين ويقبلون
على العمل بمحبه وشغف ويشعرون ان حقوقهم محفوظة وبان هناك من يرعاها ويصونها لهم،
وبان المجتهد سوف ينال نصيبه وان حق لن يضيع ،قال (ص) ":من ولي من امر المسلمين
شيئا فأمر عليهم أحدا محاباة فعليه لعنه هللا ،وال يقبل منه صرفا وال عدال حتى يدخله جهنم "
أخرجه الحاكم وصححه .
.8االهتمام بالمرؤوسين :
اهتم الرسول (ص) – اإلداري األول -بحاجات عماله ومرؤوسيه وقادته الروحية
والنفسية والجسدية والمادية ،وذلك لكي يعطي ويبذل أقصى ما عندة من طاقه ولتكون نفسه
مرتاحة مطمئنه على أهله وماله وولدة حيث يقول (ص) ":من ولي لنا عمال وليس له منزل
فليتخذ منزال أو ليس له زوجه فليتزوج أو ليس له دابة فليتخذ دابة " ،وقال أيضا ":من
كان لنا عامال ولم يكن له مسكن فليتخذ مسكنا " رواة أبو داوود ،وهذا ما تسعى إليه النظم
االداريه الحديثة من حيث توفير المسكن المناسب للموظفين وإعطاء الضمان االجتماعي
والتامين الصحي والرعاية االسريه واالجتماعية لهم ولعائالتهم ،ونرى ان اإلسالم قد سبق
هذة النظم بمئات السنين في تحقيق وتطبيق أغلى أمنيات الفرد في مجال اإلدارة واألعمال .
.9طاعة الرئيس واحترامه :
) )224نواف كنعان ،مصدر سابق ،ص .30
) )225المصدر السابق ،ص. 32
) )226المصدر السابق ،ص.32
159
الن فيها دوام للعمل واستمرار للعطاء واإلنتاج ،فاإلسالم لم ينظر الى الصور واألشكال
بل انه نظر الى العقل والفكر والقلب ومحتواهما ،وأمر بطاعة األمير والمدير والرئيس والقائد
مهما كان لونه او شكله ما دام يطيع هللا ويخافه،قال (ص) ":اسمعوا وأطيعوا ولو أمر عليكم
عبد حبشي رأسه كزبيبه " .
ان ما سبق ذكرة من مبادئ اإلدارة في القران الكريم والسنة المطهرة هو فيض من
غيض وقليل من كثير يصعب على المرء االحاطه به ألنها كلمات هللا التي وسعت كل شيء
وكلمات رسوله الكريم التي جاءت مفصله لكل نواحي الحياة االنسانيه .
فاإلدارة االسالميه هي إدارة عصريه متطورة ذات نظرة مستقبليه ثاقبة،الن اإلدارة
الحديثة تسعى جاهدة لتطبيق ما نجحت بتطبيقه اإلدارة
االسالميه على يد القائد اإلداري األول محمد (ص)الذي كان يتلقى التوجيهات من لدن
رب العالمين الذي أحاط بكل شيء علما ،فكيف يعتريها النقص او التقصير ،ان مبادئ اإلدارة
االسالميه هي عبارة عن دساتير ونظم أداريه دائمة متجددة ال غنى لإلدارة العصرية عن
االسترشاد واالهتداء بها مهما تطورت وتحدثت .
ثالثا :االجتهاد:
ان االجتهاد رحمه لالمه وبيان لقيمتها وأهميتها كأمه متجددة متطورة تجاري تطور
الزمان واختالف العصور واأليام ،ان االجتهاد هو مصدر األحكام التي لم يرد فيها نص في كتاب
او سنه وهو المنقذ لالمه مما قد يشكل عليها من مسائل وقضايا مستجدة وحديثه لم تكن في
زمن اإلسالم األول .
واإلسالم هو دين اإلدارة والسياسة والحكم واالقتصاد واالجتماع والفلسفة فهو دين
شامل ليس فيه نقص او قصور ولكنه يحتاج الى براعة التحليل والتصدي من قبل علماء أالمه
ومفكريها للبحث والدراسة واستخالص عظمه اإلسالم من خالل النصوص الكريمة التي احتوت
على كل المفاهيم والمعاني المتطورة للنظم االداريه والسياسية واالقتصادية واالجتماعية
والعسكرية وغيرها .
ان خلفاء وحكام المسلمين قد طبقوا في والياتهم وأحكامهم ما وسعهم من المبادئ
واألساليب االداريه التي كانت تفرضها الظروف ومستجدات األيام وتغير المواقف واألزمان .
من خالل ما سبق يمكن التوصل الى المبادئ العامة في التنظيم اإلداري اإلسالمي والتي
يمكن تلخيصها بأربع مبادئ أساسيه(: )227
.1المساواة :
لقد اقر اإلسالم هذا المبدأ ومنع التمييز بين الناس على أساس العرق او الجنس او
اللون ،انما جعل مقياس المفاضلة بينهم هو التقوى ،قال تعالى ":ان لكرمكم عند هللا اتقاكم "
الحجرات ،13ويكفي ان نعلم ان رسول هللا قد قال في حق سلمان الفارسي ":سلمان منا ال
البيت " لندلل على ان اإلسالم ليس فيه احمر وال ابيض وال عربي وال أعجمي فالناس فيه
سواسية كأسنان المشط ،وهذا المبدأ يجعل األفراد في الدولة مرتاحوا البال مطمئنين على ان
حقوقهم محفوظة وان الجزاء والعطاء بمقدار البذل والعمل ،عندها تسير األمور االداريه وفق
منهجيه سليمة يثاب فيها المحسن ويعاقب فيها المسيء .
.2العدل :
) )227للتفصيل انظر :فوزي كمال ادهم ،اإلدارة االسالميه ،دار النفائس ، 2001،ص67-60
160
ان المدرسة االداريه في اإلسالم قامت على أساس من العدالة واإلنصاف وقد تم تطبيق
ذلك نظريا وعمليا ،والشواهد على ذلك ال تعد وال تحصى ،وذلك تطبيقا ألمر هللا ورسوله،
حيث قال تعالى ":وإذا حمكتم بين الناس ان تحكموا بالعدل " النساء ،58وقال نبيه الكريم ":
ان المقسطين عند هللا على منابر من نور والذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا " ،بل
ان مخالفه هذا المبدأ في اإلسالم يترتب عليها الجزاء والعذاب من هللا حيث يقول تعالى ":
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " الشعراء ،227هذا وقد أدركت المدارس الحديثة في
االداره أهميه العدل وبدأت تعتبرة جزاء من مبادئها كما هو الحال في مدرسه (فاويل ) العلمية
في الغدارة ،وكذلك السلوكيون الذين اهتموا به وطبقوة على العاملين في اإلدارة ألهميته .
.3الشورى :
ال يستطيع احد ان ينكر دور الشورى وأهميتها في استخالص الرأي االمثل واألفضل
واالصوب من بين اآلراء الكثيرة والمختلفة ،وهي بال شك سبب رئيسي من أسباب نجاح القادة
والمدراء ،وقد أدركت األجهزة الحديثة
أهميه الشورى واالستشارة فوضعت وصممت أجهزة مختصة ودوائر مستقلة مهمتها
فقط تقديم المشورة والرأي ،وقد سبقت اإلدارة االسالميه اإلدارة الحديثة في هذا أمر حيث أمر
هللا سبحانه وتعالى بالشورى حيث قال سبحانه ":وشاورهم في األمر "آل عمران ،159وطلب
أيضا ان يكون أمر الناس شورى بينهم فقال سبحانه ":وأمرهم شورى بينهم " ،وقال ص":
ما خاب من استخار وال ندم من استشار وال عال من اقتصد " ،وهذا يدلنا على أهميه التشارك
في الرأي ألنه ال ينتج إال خيرا.
.4األمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
ان سيادة السلوكيات المستقيمة والصحيحة في المجتمع وانتفاء األخالقيات السيئة هو
أساس قيام الدولة بواجبها خير قيام وهو من أهم أسس نجاح اإلدارة ،ألنه يدفع بالجميع إلى
المراقبة الذاتية أوال والخوف من هللا ،وكذلك إنجاز األعمال والواجبات بأمانه وإخالص
وتكون نتيجته الوقاية من االنحراف ال بل اجتثاثه من جذورة ،وقد أمر هللا سبحانه بتطبيق هذا
المبدأ في كتابه العزيز ،حيث قال ":كنتم خير أمه أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون
عن المنكر وتؤمنون باهلل " آل عمران ، 110وهو خطاب موجه لالمه كلها لتقوم بواجبها في
النصح والتناصح ومنع قيام المنكر وترسيخ المعروف وبنائة .
161
الفصل الثاني
162
المبحث األول
النموذج النبوي في اإلدارة
لقد م ّهد النبي (ص) بهجرته الى المدينة المنورة الطريق ألقامه وبناء الدولة
االسالميه بشكل فعلي والبدء بتنفيذ الخطوات الرئيسية إلقامتها ،وبما ان الدول ال تقوم وال تبنى
اال بشروط واضحة ومحددة ،فقد أدرك (ص) ان إقامتها في مكة أمر مستحيل ،لذا كان البد من
البحث عن مكان امن ،فاختر له هللا سبحانه وتعالى الهجرة إلى طيبه الطيبة لتكون نقط البدء
في انتشار اإلسالم وأقامه كيانه العزيز .
ان األسلوب والطريقة التي استخدمها النبي (ص) في بناء الدولة تدل على القيادة
االداريه الناجحة الذكية فقد استخدم (ص) أسلوبا مبنيا على التسلسل المنطقي والتدرج في
البناء ليحظى بالقبول والدعم وال يكون محل استهجان واستغراب ونفور ،وما الخطوات العملية
التي قام بها (ص) كبناء المسجد والمواخأه وإعالن الدستور ...الخ إال تنفيذا لمخطط إداري
عظيم مبني على أسس ووظائف اإلدارة كلها من تخطيط وتنظيم وتوظيف وتنسيق ...الخ ،وقد
تجلت وظهرت هذة الوظائف في كافه مراحل بناء الدولة وسنرى ذلك بوضوح من خالل
()228
استعراضنا لما قام به (ص) من إجراءات وخطوات .
الخطوة األولى :بناء المسجد :
أدرك النبي (ص) أهميه بناء المؤسسات السياسية واالداريه واالجتماعين والمالية
وغيرها وقد أدرك (ص)بثاقب بصيرته أهميه المسجد كمكان للعبادة أوال لترسيخ وتقويه جذور
هذا الدين الجديد في نفوس الناس
وجامعه للعلوم المختلفة ينهلون منها معارفهم وعلومهم عن دينهم ولغتهم ويستمعون
فيه لمحاضرات معلمهم وأستاذهم األول محمد (ص) ،أضافه إلى استخدامه كمقر ومركز
لحكومته وبرلمانا للتشاور في شؤون المسلمين العامة،أضافه الى استخدامه كمقر لقيادة
الجيش اإلسالمي تعقد فيه الويه الجهاد وترسل منه البعوث والجيوش ،وكذلك كان دارا
للقضاء ونزال الستقبال الوفود والرسل القادمين الى رسول هللا (ص) ،لقد كان المسجد خطوة
هامه من خطوات بناء المجتمع الجديد ينصهر فيها جميع المؤمنين في بوتقة اإلسالم ال فرق
بينهم إال بالتقوى ،لقد لعب المسجد دورا سياسيا وإداريا ودينيا كبيرا يدل على أهميه رسالته
ودورها في بناء أالمه ،وهذا ما تحتاج إليه امتنا في حاضرها وهو تفعيل دور المسجد كجامعه
()229
ومدرسه وأداة للنهوض باالمه من كبوتها .
الخطوة الثانية :المؤاخاة :
ان التآلف االجتماعي ضرورة ال غنى عنها ألقامه المجتمعات الخالية من األحقاد
واالضغان والتناحر والفرقة وال يكون ذلك اال بصهر أعضاء المجتمع كلهم في بوتقة فكريه
واحدة وتالقيهم على هدف واحد وغاية سامية مشتركه ،وهذا ما أدركه (ص) كأساس لبناء
المجتمع الجديد فعمد (ص)ألسلوب التآخي بين جميع إفراد المجتمع من قادمين جدد(مهاجرين
)وبين أصحاب األرض (األنصار ) حيث أمرهم (ص) بذلك فقال ":تآخوا في هللا اخوين " ،لقد
كان لنظام التآخي فوائد جمة ساهمت في بناء وتقويه أركان الدولة الجديدة ،حيث يرى كثير من
الباحثين والمؤرخين ان هذا النظام انطوى على فوائد اقتصاديه وسياسية وروحيه وفكرية
) ) 228لمزيد من التفصيل انظر :محمد سليم العوا ،في النظام السياسي للدولة االسالميه ،المكتب المصري الحديث ،ط3
، 1979،ص.42-40
) )229للمزيد من التفصيل انظر :توفيق سلطان اليوزبكي ،مصدر سابق ،ص.40
-فوزي كمال ادهم ،مصدر سابق ،ص.22
163
ودينيه ،أضافه إلى فائدته االجتماعية العظيمة ،حيث شكل هذا النظام تعويضا للمهاجرين عما
فقدوة من أموال ومساكن وأزواج ،
وخوفا من ان تبقى في النفوس غصة من جراء ذلك فقد اقتسموا هم وأخوتهم من
االنصهار األمالك واألموال بل حتى الزوجات وفي ذلك أيضا إيثار وتعالي على ألذات وتسامي
على كل الروابط اال رابطه العقيدة التي الفت بين األبيض واألسود وبين العربي والعجمي فكانت
هي أساس الترابط والشيء غيرها .
الخطوة الثالثة :إصدار(الوثيقة) الدستور :
()230
حيث ال الوثيقة (الدستور) :سماها بعض المفكرين والمؤرخين (الدستور األول)
يمكن أن تتصور دولة بال دستور فهي نظرة ثاقبة وخطوة عظيمة لتحديد معالم النظام السياسي
الجديد ،هذا الدستور نظم العالقة بين المسلمين بعضهم ببعض وكذلك عالقتهم مع غيرهم مثل
اليهود.
أعطت هذه الوثيقة الرسول( )مكانة متميزة كزعيم سياسي ومرجع لكل من في
المدينة .وبالرغم من وجود (الدستور) إال أن الرسول ( )كان ال يستأثر برأيه لوحدة حيث
كان يشاور أصحابه في معظم األمور امتثاال لقولة تعالى" :وأمرهم شورى بينهم " .
وكذلك نظمت (الوثيقة)أمور القضاء والسلطة القضائية وكيفية حل الخالفات
والمنازعات وذلك طاعة للرسول( )وامتثاال ألمر هللا بطاعة رسوله وأولي األمر.
اما أهم البنود االداريه والسياسية التي احتوتها هذة الوثيقة فهي :
.1ان المسلمين من أهل يثرب ومن قريش كل من لحق بهم أمه واحدة .
.2ان المؤمنين بعضهم موالي بعض من دون الناس .
.3ان المؤمنين كلهم يد على من بغى ولو كان ولد احدهم .
.4انه من تبعنا من اليهود له النصرة واألسوة غير مظلومين وال متناصر عليهم.
.5ال ينبغي لمشرك ان يجير ماال او نفسا لقريش وال يحول دونه على مؤمن .
.6ان أي خالف مردة الى هللا ورسوله .
هذا وقد اشتملت الوثيقة(الدستور ) أيضا على بعض البنود التي تنظم أمور األسرى
والقصاص والديه وحفظ الجوار وكيفيه التعامل مع المظلومين وعقد الصلح ....الخ من األمور
االداريه والتنظيمية والسياسية والتي تدل على سعه افق النبي (ص) واهتمامه ببناء المجتمع
المنظم الذي تحكمه إدارة ناجحة كفؤة.
الخطوة الرابعة:تشكيل الجهاز اإلداري (ال ّكتاب) :
()231
لقد عين الرسول ( )من يرعى شؤون األمة ويقوم بإدارتها وهذا ما يسمى (بالتنظيم
اإلداري) الذي سمي سابقا (بالكتابة) وهي مرحلة متقدمة في بناء الدولة .وبذلك وضع
الرسول( )األسس األولى لبناء الدولة اإلسالمية الجديدة ونظم عالقات الناس فيما بينهم
وجعل منهم أمه واحدة عقيدتها واحدة دينها واحد دستورها القرآن الكريم تطيع أوامر قائدها
المنبثقة من وحي الهي ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه فهو ال ينطق عن الهوى أن
هو إال وحي من عند هللا.
وبذلك يكون الرسول ( )قد أنشأ دولة الحضارة العربية اإلسالمية وهو شيء لم
يناله العرب من قبل.
)( 230د .توفيق اليوزبكي ،مصدر سابق ،ص ،41للمزيد أيضا ً انظر :نص الوثيقة في :د .نزار عبد اللطيف الحديثي ،محاضرات
في التاريخ العربي ،بغداد ،1979 ،ص.101-97
)(231د .محمد ضيف هللا البطاينة ،مصدر سابق ،ص.36
164
ولكن يجب أن ال يغيب عن بالنا بأن القائد وما يتمتع به من صفات هو عالمة الدولة
وميزتها الرئيسية ،والدولة الجديدة برئاسة القائد العظيم محمد ( )كانت سمتها اإلشراق
والعظمة نظراً لما يتمتع به قائدها من صفات لم يتمتع بها أحد قبله وال بعده.
ومن األشياء التي كان لها كبير األثر في صنع الدولة اإلسالمية -وهي جزء مما كان
يتمتع به محمد ( - )هو الحق الذي ساد في أرجاءها والعدل والمساواة واحترام حقوق
الناس واالبتعاد عن التعصب والغلو والتطرف وغيرها الكثير،من الصفات والمعاني التي
اتسمت بها الدولة اإلسالمية والفكر السياسي اإلسالمي األول وهي أيضا جزء مما نادى به
اإلسالم كأسس قوية لبناء أي دولة أو نظام سياسي.
165
المبحث الثاني
مواقف أداريه راشدة
لقد سار الخلفاء الراشدون عليهم رضوان هللا على ذات النهج النبوي في القيادة
واإلدارة فكانوا خير القادة وأفضل السادة وانجح الرؤساء والمديرين،كيف ال وهم خريجوا
مدرسه النبوة التي استقت مناهجها ودروسها من لدن رب العزة جل وعال ،فكان لهم الفضل في
استمرار دوله اإلسالم التي بنى أسسها الرسول القائد والمعلم األول محمد عليه الصالة والسالم
،فامتدت واتسعت أركانها وزادت قوتها وهيبتها وانتشر دين هللا حتى غمر نورة أركان الكون
كله ،وذلك خالل فترة قياسية من الزمن .
لقد تخلق هؤالء القادة والخلفاء بأخالق اإلسالم العظيم وطبقوا أخالقياتهم هذة أثناء
حكمهم لالمه متنسمين قول نبيهم الكريم ":كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " ،فاعتنوا
بالعيه وحافظوا عليها ورعوها حق الرعاية فكفلوا اليتيم وعطفوا على الفقير ،وصانوا األرامل
والعجائز ومنعوا الناس من ذل السؤال فوفروا لرعيتهم كل أسباب الكرامة والعيش الكريم
فضربوا بذلك أروع االمثله في مبادئ القيادة واإلدارة ما زال الزمان يسطرها بحروف من نور
في أنصع صفحات التاريخ اإلنساني على اإلطالق ،وسنرى ذلك من خالل بيان منهجيه بعض
من خلفاء رسول هللا(ص) في القيادة واإلدارة .
أوال :منهجيه ابو بكر الصديق في اإلدارة والقيادة :
ابو بكر الصديق هو أول الخلفاء الراشدين وهو الصديق الحميم لرسول هللا رافقه في
أعسر وأصعب لحظات حياته امن به حين كفر به الناس وصدقه حين كذبه الناس ،وأيده
ونصرة حين خذله قومه ،وأذوه فهاجر معه الى
المدينة في رحله من أصعب رحالت الفرار من الظلم والقهر فكان له أوفى صديق وخير
رفيق ،ذكره رب العزة في القران الكريم مادحا صحبته لرسول هللا (ص) فقال هللا تعالى ":ثاني
اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه ال تحزن إن هللا معنا " دعم وتأييد من هللا عز وجل
لرسول هللا ولرفيقه الصديق ،لقد كان لهذة الصحبة دور كبير في تخلق ابي بكر بأخالق
المصطفى وإتباعه لكل ما كان النبي (ص) يطبق ويلتزم به في حياته وقد ظهر ذلك منذ اللحظة
األولى لتولي أبو بكر مقاليد المسؤولية كخليفة للمسلمين ،حيث طبق ابو بكر كثيرا من مبادئ
القائد اإلداري الناجح والتي يمكن إيجازها بما يلي:
.1احترام القائد والثقة به :
ان اإلخالص والوالء للقائد ورب العمل مبدأ هام من مبادئ اإلدارة الناجحة ألنه يشكل
دافعا وحافزا نحو العطاء وزيادة اإلنتاج واإلقبال نحو تحقيق األهداف وهذا ما أثبتته النظريات
االداريه الحديث ،ويكفي ان نعرف في هذا المقام ان أبا بكر طبق هذا المبدأ في أعسر وأصعب
اللحظات التي كان يعيشها القائد محمد (ص) وهي األيام األخيرة من حياته عليه الصالة
والسالم عندما تراجع ابو بكر عن إمامه الناس في الصالة في مرض النبي (ص) عندما سمع
صوته قد دخل المسجد احتراما وتقديرا ووالء له ،وهذا ينفي طابع االستغالل الذي تمارسه
اإلدارات المتسلطة حيث يتم تولي السلطة والمسؤولية فور السماع بنبأ مرض القائد او المدير
الن الثقة تكون بين القائد ومرؤوسيه على حافة الهاوية .
.2الحكمة والتعقل :
لقد اثبت ابو بكر قدرته على ضبط النفس والتروي والتصرف بحكمه عندما سمع بنبأ
وفاة النبي (ص) فقد كان رابط الجأش رزينا متعقال لم يندفع الى
166
زعامة وال رئاسة بل كان هدفه ضبط أمور المسلمين وإرشادهم الى الطريق التي تستمر
فيها المسيرة كما كانت عليه في عهد النبي (ص) ،فبعد ان بايعه الناس قام فيهم خطيبا بخطبه
موجزة ترسم مالمح السياسة التي سينتهجها والطريقة التي سيتبعها في إدارة شؤون البالد
والعباد حيث قال ":اما بعد ايها الناس فأني قد وليت عليكم ولست بخيركم فان أحسنت
فأعينوني وان أسأت فقوموني،الصدق أمانه ،والكذب خيانة ،والضعيف فيكم قوي عندي حتى
ارجع عليه حقه ان شاء هللا ،والقوي فيكم ضعيف حتى اخذ الحق منه ان شاء هللا ،ال يدع قوم
الجهاد في سبيل هللا إال ضربهم هللا بالذل ،وال تشيع الفاحشة في قوم إال عمهم هللا بالبالء ،
أطيعوني ما أطعت هللا ورسوله ،فاذا عصيت هللا ورسوله فال طاعة لي عليكم " إنها سياسة
حكيمة تراوح ما بين التطمين والتحذير والترهيب والترغيب وهذا هو ديدن القائد الناجح
وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي كانت تمر بها دوله المسلمين آنذاك .
.3الحزم والقوة :
تقول عائشة رضي هللا عنها عن تلك اللحظة التي تولى بها ابو بكر الخالفة ":لما توفي
رسول هللا (ص) اشرأب النفاق ،وارتدت العرب وانحازت األنصار فلو نزل بالجبال الراسيات ما
نزل بابي لهاضها ،فما اختلفوا في نقطه إال طار أبي بفضلها " ان أالمه كانت بحاجه الى هذا
النوع من القادة يحفظون عليها دينها ويستمرون بمسيرتها الى ما كان يريدة هللا ورسوله
،حيث قال ابو بكر في أنفاذ ما كان يريدة رسول هللا (ص) وخاضه استمرار جيش أسامه في
مهمته .....":والذي ال اله إال هو لو جرت الكالب بأرجل أزواج رسول هللا (ص) ما رددت جيشا
وجهه رسول هللا وال حللت لواء عقدة "..انه الحزم والقوة والتصميم على االستمرار والنجاح
()232
.
.4التصميم واإلرادة:
ال تتحقق األهداف والغايات بدون عزيمة قويه وإرادة صلبه ،فما بالك ان كانت هذة
األهداف تتعلق بمصير أمه ودوله ودين ورسالة ،ان قول أبي بكر عندما أراد محاربه مانعي
الزكاة ":وهللا منعوني عناقا كانوا يؤدونها الى رسول هللا لقاتلتهم على منعها ، )233( "...هذا
القول يدل على اإلرادة والعزم والتصميم على تحقيق األهداف واالستمرار بالمسيرة الن فيها
حياة أالمه وبقاء الدين وفيها أيضا زجر وترهيب لمن يحاول الخروج عن صف أالمه وشق
غبارها .
.5اإلنصاف والعدالة:
لقد وضح ابو بكر مالمح سياسته القادمة في خطابه األول لالمه والذي سبق ان أوردنا
نصه ،والذي يدل على عزمه وتصميمه على اقتفاء اثر النبي الكريم في رفع الظلم عن الناس
وإحقاق الحق وإنصاف المظلومين ،فبعد أن بويع أبا بكر جاء إلى مكة فطاف بالبيت العتيق ثم
جلس قريبا من دار الندوة فقال ":وهل من احد يشتكي مظلمته او يطلب حقا ،فما أتاة احد ،
وأثنى الناس على واليهم وبهذا العدل وهذة الطمأنينة التي شملت جميع مواطني الدولة انتقل
اإلسالم من المدينة الى العالم كله ،ليغمر نورة أرجاء الكون وتنتشر أشعته الى أطراف الدنيا
كلها فتصيب أطراف الصين شرقا فترتد الى أطراف فرنسا غربا )234(.
.6المتابعة واالهتمام :
مواقف كثيرة تجلت بها متابعه الراعي لرعيته واهتمامه بكل صغيرة وكبيرة واهتمامه
بدقائق وتفاصيل األمور وخاضه عندما يتعلق األمر بالناس
) )232للمزيد من التفصيل يمكن الرجوع الى :محمد بن عبد الوهاب ،مصدر سابق ،ص.255 -252
) )233المصدر السابق ،ص.254
) (234انظر :سعد ابو ديه ،حقوق المواطن ورفع المظالم ،المجلة الثقافية ،العدد 70تاريخ أيار ، 2007الجامعة األردنية
،عمان،ص118
167
ومصالحهم وقضاياهم ،فوصيه أبي بكر لجيش أسامه بن زيد خير دليل على ذلك فهاهو
يوصيه فيقول له ":ال تخونوا وال تغلوا وال تمثلوا وال تقتلوا طفال صغيرا وال شيخا كبيرا وال
امرأة وال تعقروا نخال وال تحرقوا وال تقطعوا شجرة مثمرة وال تذبحوا شاة وال بقرة وال بعيرا
اال لمأكله ،وسوف تمرون على أقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا
()235
أنفسهم له....الخ " .
.7االنسانيه والرحمة :
ان وصيه أبي بكر التي أوردناها في البند السابق هي خير دليل على رحمه القائد
وإنسانيته وتسطيرة لكثير من بنود القانون الدولي اإلنساني الذي توصلت له البشرية المعاصرة
والتي تطمح األمم التي تعاني من ويالت الحروب ان يتم تطبيقه ،لقد عانت البشرية الحديثة من
ويالت الحروب والقتل والدمار وهالك الزروع والثمار وابادة األرض واإلنسان بحروب طاحنه
سميت بالحروب العالمية والتي تجاوزت خسائرها ابشريه أكثر من خمسين مليون إنسان
ومثلهم بل أكثر من الجرحى والمشردين والنازحين والمشوهين والمعوقين ..الخ ،باالضافه
الى الخسائر المادية الفادحة ،فأين االنسانيه اليوم من التهم التي توجه لإلسالم بأنه دين العنف
والتطرف واإلرهاب ؟ ،بل انه دين الرحمة واالنسانيه واألخالق الفاضلة والمتعامي عن حقائق
التاريخ كالذي يريد ان يغطي الشمس بالغربال .
إن صفات أبي بكر القيادية كثيرة ومتعددة وهي تدل على تخلق هذا الخليفة العظيم
بأخالق صاحبه الكريم محمد (ص) وتنسمه ذكراة وإقتدائه به في حكمه وقيادته ورعايته لالمه
،فكان خير القائد بعد الرسول الكريم ،جرى الخير على يديه وانتشر في عهدة الدين الجديد
وغمر أجزاء وأسعه وكبيرة من الكون تحت مظله الرحمة واالنسانيه وبعيدا عن العنف
()236
والتطرف والتعنت .
()237
ثانيا :منهجيه الفاروق في القيادة واإلدارة
لقد استطاع عمر بن الخطاب ان يسجل -وبحروف من نور -اسمه في قائمه القادة
االعدل واألقوى واألجدر على القيام بأعباء القيادة وتبعاتها ،انه فاروق الحق والباطل ،انه
الخليفة الذي ما عرفت البشرية اعدل وال أجسر بالحق منه ،فحكم الناس بخير طريقه وبأفضل
نهج وسار بهم الى ما أراد رسول هللا (ص) وفتح البالد وسير الجيوش الى الشام والى العراق
وفتح بيت المقدس وصلى فيه ،وضرب أروع االمثله في مجال احترام حقوق اإلنسان وخاصة
حقوق األقليات غير المسلمة في دوله اإلسالم ،لقد صنع عمر بن الخطاب منهجا متكامال من
مناهج الحكم يحوي كل الفنون واألساليب االداريه والقيادية الناجحة ويكفي فيه قول الرسول
الكريم ":قد كان في األمم محدثون فان يكن في أمتي فعمر "وكذلك قال (ص) بحقه ":والذي
نفسي بيدة ما لقيك الشيطان سالكا فجا إال سلك فجا غير فجك "،وقال (ص) أيضا ":لو كان
نبي بعدي لكان عمر " .
ان مبادئ اإلدارة التي طبقها الفاروق في إدارته للبالد والعباد كثيرة يصعب علينا
االحاطه بها ولكن يمكننا ان نجمل بعضها بما يلي:
) )238يوضح عمر بن الخطاب لالمه أسباب عزل خالد بن الوليد عن الجيش فيقول ":أني لم اعزل خالدا عن سخطه وال خيانة
ولكن الناس فتنوا فخفت أن يوكلوا اليه ويبتلوا به ،فأحببت ان يعلموا ان اله هو الصانع وأال يكونوا بعرض الفتنه ،وقال له يوما
إذا عاتبه ":يا خالد وهللا انك علي لكريم وانك لي لحبيب ولن تعاتبني بعد اليوم أبدا " .انظر :علي الفقير ،مصدر سابق ،ص.14
172
الرجل :اسأل الجزية والحاجة والسن ،فأخذ عمر بيدة وذهب به إلى منزله فاعطاة شيء من
المنزل ثم أرسل الى خازن بيت المال فقال له ":انظر هذا وحاجته ،فوهللا ما انصفناة ان أكلنا
شيبته ثم نخذله عند الهرم "،إنما الصدقات للفقراء والمساكين " ،والفقراء هم المسلمون
()239
وهذا من المساكين من أهل الكتاب ووضع عنه الجزية وعن ضربائه".
لقد وضع عمر نظام العسس(الحرس الليلي)وكان هو نفسه كان يتجول بين األحياء
والبيوت ويتفقد أحوال المسلمين ويراقب الدور والبيوت واألحياء ،مما ساهم بشعور الناس
باألمان ،وتكفل بتحقيق األمن الغذائي للناس حيث انشأ دارا للدقيق لتزود الناس المحاجين بما
يريدون من الطعام ،وبنى دور االستراحة على طرق القوافل للمسافرين والحجاج ،وبذلك حفظ
عمر االستقرار االجتماعي في الدولة وغرس في نفوس الناس الشعور بالمسؤولية
()240
أالجتماعيه .
.8بناء األجهزة والمؤسسات :
ان من أهم أسس بناء اإلدارة الصحيحة هو قيامها على المؤسسات واألجهزة االداريه
المختلفة المتينة األركان والجوانب ،وقد أدرك عمر بن الخطاب ذلك -وقد فرضت عليه ظروف
اتساع الدولة االسالميه أيضا ذلك ، -فقام بتأسيس األجهزة الرسمية (الدواوين)والتي هي
بمثابة الوزارات والدوائر الرسمية التي توثق وتحفظ القيود والسجالت والمعلومات الخاصة
بكل جوانب حياة الدولة ومن فيها من اإلفراد ،حيث انشأ عمر بن الخطاب ديوان الجند وديوان
الخراج وبيت المال ورتب األرزاق للمسلمين على أساس منازلهم وأسبقيتهم في الدخول الى
اإلسالم وبذلك يكون عمر بن الخطاب هو اول من وضع األسس االداريه وطبقها من خالل بناء
()241
األجهزة والمؤسسات المختلفة .
هذة هي أهم األسس التي قامت عليها إدارة الفاروق عمر
رضي هللا عنه فنفذها وأداها وقام بها حق القيام فهي لم تكن
شعارات نظريه بل كانت وقائع وأحداث حقيقية سجلها التاريخ
بحروف من نور ،ويكون بذلك عمر بن الخطاب قد غرس المفاهيم
األولى لإلدارة الحقة القائمة على األمانة والصدق والعدل والحق
والمسؤولية والتقوى والقوة( .)242وحيث إن اإلدارة عمل متواصل
يبدأ بتحديد الهدف وينتهي بتحقيقه؛ فقد كان الفاروق خير من
مارس اإلدارة.
اما في زمن عثمان بن عفان :
لقد اتسعت الدولة االسالميه وشملت العديد من األقطار واألمصار البعيدة وبقي كثير
من الوالة الذين عينهم عمر بن الخطاب على هذة البالد فيها وقد دفع اتساع رقعه األراضي
االسالميه عثمان بن عفان الى اقتطاعها ومنحها لهؤالء الوالة مما زاد من رفاهيتهم وغناهم
وزاد من ثرواتهم وأموالهم فازداد المال وجرى كاألنهار في زمن عثمان بن عفان ،وقد كان
) )243للمزيد انظر :علي عطيه شرقي ،علي بن ابي طالب شخصيته وإدارة الدولة في عهدة ،دار الكندي ،اربد األردن
،2001،ص .46
) )244علي شرقي ،مصدر سابق ،ص.65 – 50
174
.5ومن اجل أقامه مجتمع الحق والعدل اهتم بالقضاء واوالة جل العناية والرعاية وعين افضل
القضاة في األمصار واألقطار حيث عين عبد هللا بن عباس وأبي األسود على البصرة وعين
القاضي شريح على الكوفة .
.6طور علي بن ابي طالب نظام الشرطة (العسس ) الذي كانت نواته قائمه زمن عمر بن
الخطاب وذلك لضبط األمور وخاصة بعد ظهور عناصر غير مواليه للحكم وازدياد المشاكل
والفتن ،وعين له معقل بن قيس .
أما أهم المبادئ االداريه التي اتبعها علي بن ابي طالب فكانت :
في العذر وقلتم مكان سبكم اياهم :اللهم احقن دمائنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا
وبينهم واهدهم من ضاللتهم حتى يعرف الحق من جهله " .
.9االمانه والنزاهة :
الشك ان االمانه والنزاهة في العمل ضرورة الغنى عنها ،وقد شدد علي بن ابي طالب
على هذا المبدأ حيث حاسب كل من خان االمانه وضيعها من الوالة ولم يتهاون معه ،وقد كتب
الى احد عماله الذين خانوا االمانه فقال له ":فقد بلغني عنك أمر ان كنت تفعله فقد أسخطت
ربك وعصيت إمامك وأخزيت أمانتك ،وبلغني انك جردت األرض فأخذت ما تحت قدميك وأكلت
ما تحت يديك ،فارفع ألي حسابك واعلم ان حساب هللا أعظم من حساب الناس" .
ان ما سبق ذكرة من مبادئ أداريه طبقها علي بن ابي طالب هي قليل من كثير فقد كان
الختالف األوضاع السياسية واالجتماعية واالقتصادية واتساع رقعه الدوله اثر كبير في تطبيق
مبادئ أداريه جديدة والتشدد في تطبيقها وذلك لكي تستقيم األمور وتستقر الدولة وينعم الناس
176
بخيراتها وثرواتها ،لقد كان علي منهجا إداريا بحد ذاته فصفاته العظيمة وقربة من الرسول
األكرم صحبه ونسبا كان لهما الدور األكبر في شخصيته وفي أدارته وقيادته ألمور البالد
والعباد ،ويقول النبي (ص) بحق علي ":من أحب عليا فقد أحبني ومن ابغض علي فقد
ابغضني ومن سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب هللا فعلي مني بمنزله راسي من بدني ،
علي مع القران والقرآن مع علي لم يفترقا حتى يرد علي الحوض " مسند احمد ،5/30ويقول
(ص) ":انا سيد العالمين وعلي سيد العرب " .
) )247هو الديوان الذي يقوم بإنتاج المالبس واألزياء الرسمية واإلعالم وشارات الدولة ويرى بعض المؤرخين انه نشاء في عهد
عبد الملك بن مروان .انظر :توفيق اليوزبكي ،مصدر سابق ،ص.118
178
.10الثناء على المجتهد وإعطاء كل ذي حق حقه:
من غير المشكوك فيه ان المرؤوس ترتفع معنوياته ويبلي بالء حسنا ويعطي أقصى ما
عندة من طاقه ويقبل على العمل باندفاع وحماس ،عندما يشعر ان هناك من يقدر تعبه وجهدة
وهذا ما فعله علي رضي هللا عنه مع مرؤوسيه فكان يوصي قادته ووالته وعماله قائال":
وواصل في حسن عليهم وتعديد ما أبلى ذوي البالء منهم فان كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز
الشجاع وتحرض المتكاسل ان شاء هللا تعالى ،ثم اعرف لكل امرئ منهم ما ابلى وال تضيفن
بالء امرئ لغيرة " وهنا تأكيد على ان يأخذ كل ذي حق حقه وان ال يعطى احد ما ال يستحق من
التقدير والمدح والثناء الن ذلك مدعاة إلى الشعور بالغبن والظلم والقهر .
.11قبول الصلح والهدنة :
لقد رأينا ان هذا المبدأ هو مبدأ إداري حربي نبوي طبقه رسول هللا (ص) وفعله ودعا
اليه علي رضي هللا عنه عندما أوصى احد قادة جيشه قائال ":وال تدفعن صلحا دعاك أليه عدوك
هلل فيه رضا ،فأن الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك وأمنا لبالدك وليكن الحذر كل الحذر
من عدوك بعد صلحه فأن العدو ربما قارب ليتغفل فخذ بالحزم . "...
.12الوفاء بالعهد وحفظ الوعد:
إنها شيم الكرام والقادة الخيرين وصفه العرب الطيبين وهو أمر الرسول الكريم ألتباعه
من أمته الى يوم الدين ،وقد اخذ به علي بن ابي طالب قائال.... ":وان عقدت بينك وبين عدو
لك عقدة او البسته منك ذمه فحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك باالمانه واجعل نفسك جنه دون ما
اعطيت " .
ان ما سبق بيانه وذكرة من شيم وصفات تدل وبما ال يدع مجاال للشك ان عليا رضي هللا
عنه كان قائدا اداريا وسياسيا وعسكريا فذا ناجحا وبكل المقاييس ،بل كان قدو يحتذى
باخالقياته ومبادئه االداريه والسياسيه والعسكريه ،كيف ال وهو خريج مدرسه النبوة الطاهرة،
وهو من خير بيت من العرب من آل البيت االطهار االخيار عليهم سالم هللا " ،انما يريد هللا ان
يذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا " .صدق هللا العظيم
179
المبحث الثالث
واجبات اإلدارة االسالميه
الشك ان اإلدارة في اإلسالم والتي تقوم عليها مؤسسات أداريه منظمه ومرتبه تخاف
اله وتؤدي ما هو مطلوب منها على أكمل وجه لها واجبات ومهام رئيسيه يجب عليها ان
تؤديها على أتم وجه ومن هذة الواجبات(: )248
اوال :الدعوة الى هللا وعبادته وتوحيدة :
ان امر الدعوة الى هللا هو واجب على كل فرد من أفراد هذة أالمه وذلك لبيان طريق
الحق للناس وإنقاذهم من براثن الجهل والضياع والظالم وإيصالهم الى نور هللا وهدايتهم الى ما
يصلح شأنهم في الدنيا واآلخرة ،وهذا الواجب هو أمر من هللا لعبادة المؤمنين الموحدين ،حيث
قال تعالى في كتابه العزيز ":ولتكن منكم أمه يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون
عن المنكر وأولئك هم المفلحون " ال عمران ،104والدعوة مهمة ليست سهله بل أنها تتطلب
من المؤمن المسلم الذي يريد ان يكون داعية الى هللا شروطا وواجبات وصفات يجب ان يتحلى
بها ،كالعلم والحكمة والقدوة الحسنه والفكر السليم البعيد عن االنحراف واالنجراف والتشدد
والتعصب والغلو والتطرف ،الن ذلك مدعاة للنفور والهروب من دين هللا وفي هذا المقام يقول
ربنا جل وعال ":ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه وجادلهم بالتي هي أحسن
"النحل ،125وقال أيضا ":قل هذة سبيلي ادعوا الى هللا على بصيرة انا ومن اتبعني" يوسف
،108ان هذة الشروط الواردة في هذة اآليات الكريمات تبين ان اإلسالم ليس فيه اكراة وال
إجبار وال تعصب والغلو على
اعتناق شيء ،بل انه دين الرحمة واليسر والحكمة ،وهذا يوضح للدعاة المنهج
والطريق التي عليهم أتباعها في الدعوة الى هللا وإرشاد الناس الى الحق وكذلك الحال فان على
اإلدارات االسالميه واألجهزة الرسمية في الدول االسالميه تسخير امكاناتها وطاقاتها االعالميه
وأجهزتها المختلفة لتحبيب الناس باإلسالم وترغيبهم به من خالل البرامج الهادفة ألبنائه
واالبتعاد عن كل ما يسيء الى سمعه الدين وسمعه المسلمين لتكون صورة الدين مشرقه
ناصعة في أذهان العالم وخاصة في وقتنا الحاضر الذي تتعرض فيه أالمه االسالميه لهجمة
شرسة عليها وعلى دينها واتهامها بالتطرف واإلرهاب والتعصب واالصوليه ،وان انتشار
الفضائيات ووسائل األعالم يسهل مهمة اإلدارة االسالميه بالدعوة الى هللا أينما كانت وفي أي
بلد .
ثانيا :تنفيذ السياسة الشرعية وتحقيق اآلمن :
ان مهمة اإلدارة في اإلسالم هي تطبيق شرع هللا وأقامه شعائر الدين الن في ذلك
حماية لحقوق العباد وحقوق هللا وتحقيق العدالة بين الناس ومنع الظلم والتسلط وتجبر فئة
على أخرى ،الن الناس في ظل هذة الحال متساوين ال فرق بين احد واحد اال بمقدار ما يقدم
لدينه ووطنه وأمته من خدمات وتضحيات .
ان تنفيذ السياسة الشرعية هو مدعاة الى تحقيق األمن واألمان للناس وصيانة لكل ما
يملكون من ضرورات هامه ألدامه حياتهم واستمرارها وهي :
-حفظ الدين :
) )248للمزيد انظر :حزام بن ماطر المطيري ،اإلدارة االسالميه ،المنهج والممارسة ،مكتبه الرشد ،الرياض ،2004 ،ص27
. 40-
180
الشك ان حفظ الدين وأقامه شعائر هللا فيه الخير والفالح والسداد لالمه ،وفيه
استقامة لألخالق وصالح لكافه النظم في الدولة ،فالمتمعن باركان اإلسالم كالصالة والزكاة
والحج....الخ ،يرى انها تحتوي على أخالقيات وقيم سامية تدفع باإلنسان أوال وبالمجتمع ثانيا
الى الصالح والنجاح والخروج من دائرة غضب هللا وسخطه.
-حفظ النفس:
لقد حفظ اإلسالم النفس البشرية ومنع انتهاكها سواء بالقتل او اإليذاء الن اإلنسان
هو أكرم مخلوقات هللا وقد جعله هللا خليفته في األرض فصان حياته ونفسه من اإليذاء والهالك
،فقال تعالى ":ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤة جهنم خالدا فيها " النساء ،93وكذلك منع
اإلنسان من إيذاء نفسه باالنتحار حيث قال تعالى ":وال تقتلوا أنفسكم ان هللا كان بكم رحيما "
النساء ،29وهنا يقع على عاتق اإلدارة االسالميه اتخاذ كافه اإلجراءات لحماية الناس
وحفظهم من القتل والترويع او اإليذاء وذلك بسن القوانين الرادعة وعدم التهاون في تطبيقها
على كل من تسول له نفسه إيذاء المسلمين وترويعهم .
-حفظ العقل :
العقل في االسالم هو مناط التكليف ،وقد اكد االسالم على ضرورة حفظ العقل وحمايته
وبقائه متيقضا منتبها الن فقدان العقل وزواله يؤديان باالنسان الى الطيش وزاالستهتار
والحماقه ،لذا فقد حرم االسالم كل ما يذهب بالعقل من مسكرات ومخدرات حيث قال (ص) ":ما
اسكر كثيرة فقليلة حرام " لذا فان من واجب اإلدارة االسالميه هو حماية المجتمع من اآلفات
السيئة التي تؤدي الى هالك عقول الناس وتلفها وضياعها .
-حفظ المال:
أكد اإلسالم على حفظ المال بنوعيه العام والخاص وقد كرة الرسول (ص) للناس
أضاعه األموال وبعثرتها هباء منثورا من غير فائدة ،حيث قال
(ص) ":كرة هللا لكم ثالث قيل وقال وكثرة السؤال وأضاعه المال "،وقد شدد اإلسالم
على ضرورة حفظ المال العام حيث منع الرشوة والسرقة والنصب واالحتيال والتزوير ورتب
على كل ذلك العقوبة المناسبة والتي وصلت الى حد قطع يد السارق حيث قال تعالى ":والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا " ،المائدة ، 38وقال تعالى أيضا ":وال تأكلوا
أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس باإلثم وانتم تعلمون
"البقرة ،188وقال (ص) ":لعنه هللا على الراشي والمرتشي " لذا فان واجب اإلدارة
االسالميه حفظ األموال وإنشاء الدوائر المختصة للقيام بها وجبايتها وحمايتها .
-حفظ العرض:
شدد اإلسالم على حفظ األنساب واألعراض وحرم انتهاكها ،حيث منع النظر الى
المحرمات والخلوة باالجنبيه وحرم التبرج والتزين واالختالط بالرجال واحترم المرأة ودعاها
الى الحجاب والحشمة والوقار ووضع لها الضوابط والقيود التي تحفظ عليها عفتها وكرامتها
وأنوثتها ألنها أساس المجتمع ونواة الرئيسية التي تشكل األسرة والتي هي في النهاية اللبنة
األولى من لبنات المجتمع ،واآليات واألحاديث الشريفة التي تتحدث عن هذا األمر كثيرة
ومتنوعة في معانيها ومضامينها ،لذا فان من واجب اإلدارة االسالميه هو حفظ أعراض الناس
وأنسابهم وذلك بمنع التسيب في المجتمع وسد أبواب الرذيلة والفجور حفاظا على المجتمع
واألمة ،ومن أهم هذة األبواب هو تشجيع الزواج بين الشباب المسلم منعا للعزوبية التي ليس
لها سوى العواقب الوخيمة ،وقد بدأت تظهر في مجتمعاتنا االسالميه – وهلل الحمد – ظواهر
طيبه كالزواج الجماعي المتواضع من حيث التكاليف وإنفاق األموال التي ال طائل لها والتي هي
في الغالب من اهم موانع الزواج في المجتمعات االسالميه .
181
ثالثا :تنظيم وادارة مرافق الدوله وتحقيق التنميه في المجتمع :
يقع على عاتق اإلدارة االسالميه مهمة تنظيم وإدارة مرافق البالد كافه من مرافق
سياسية واقتصاديه واجتماعيه وفكرية ...الخ وذلك من اجل النهوض بالمجتمع وتحقيق أفضل
مستويات المعيشة لإلنسان المسلم ليعيش بكرامه واحترام ،عزيز الجانب مهابا من قبل غيرة
من الشعوب ،بعيدا عن الذل والمسأله ،لذا فان تحقيق التنميه الشامله هو مطلب هام وواجب
رئيسي من واجبات اإلدارة االسالميه التي تخاف هللا وترعى حق الناس ومصالحهم ،والتنمية
والتطور تكون في السياسة واالقتصاد واالجتماع والفكر والثقافة ...الخ وكافه مناحي الحياة
،ففي الجانب السياسي فان اإلدارة االسالميه مكلفه باقامه المؤسسات السياسية التي تتخذ
القرار السليم والصائب من خالل المشاركة الفاعلة للمواطنين وتفعيل مبداء الشورى في أالمه
ليكون قرارها سديدا رشيدا ،واما التنمية االقتصادية فهي امر هام وضروري لتبقى أالمه تنعم
بثرواتها وخيراتها ولتكون هي صاحبه القرار فيها بعيدا عن الهيمنة والتعبعيه لآلخرين وتفعيل
األسس االسالميه في االقتصاد وضرورة تدخل الدولة لتنظيم األعمال االقتصادية اليومية في
المجتمع خوفا من االحتكار والغش والتالعب بقوت الناس وأموالهم ،أما التنمية االجتماعية
فهي ليست بأقل أهميه مما سبقها ،حيث ان تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص وإعطاء الناس
حقوقهم ورعايتهم صحيا وتربويا هو واجب البد من أدائه النه الطريق نحو مجتمع نظيف من
األحقاد والضغائن ،اما التنمية الفكرية والتربوية فهي أساس النهوض والتطور في المجتمع
المسلم الذي ينبغي ان يكون متقدما متطورا في مجاالت التأليف واإلبداع والترجمة والعلم
الحديث ...الخ ال ان يبقى متلقيا لثقافة وعلوم اآلخرين ،وهنا البد من إنشاء المؤسسات
الثقافية والفكرية والمراكز العلمية والبحثية التي تعنى بأبناء المسلمين وترعاهم فكريا وثقافيا
وعلميا .
) )249ان وظائف الدولة في اإلسالم كما يراها كثير من الباحثين والفقهاء في مجال النظم السياسية هي :
والية النظر في المظالم . -
فرض الجهاد . -
القيام بعلوم الدين والدنيا . -
توفير وسائل العمران . -
التكافل االجتماعي . -
األمر بالمعروف والنهي عن المنكر . -
للمزيد من التفصيل انظر :عبد المنعم محفوظ ،نعمان الخطيب ،مبادئ النظم السياسية ،دار الفرقان ، 1987،ص.151 – 146
182
183
خاتمــــه
الشك ان الفكر اإلداري والقيادي تأثر مثل غيرة من المجاالت والقطاعات بثورة
العلوم والتكنولوجيا ،وتأثر بكل ما جاء به عصر العولمة من متغيرات ومستجدات لم تكن
معروفه من قبل على صعيد األعمال والمنظمات ،لذا فأن المدير الناجح والقائد الذي يسعى الى
االرتقاء والوصول بمنظمته وأعماله الى القمة يجب ان يحيط بكل مستجدات العصر ومتغيراته
ويتابع تطور العلوم والمعارف واألفكار ويدرك الحديث منها ويتماشى معه ويواكب روح العصر
بافكارة ومعلوماته وال يبقى حبيس الماضي واألفكار التقليدية الباليه ألنه سوف يتراجع ويبقى
في ذيل القائمة ويجد انه من الصعب عليه تحقيق أهدافه وغاياته .
لقد جاءت فكرة هذا الكتاب لتعطي للقارئ الكريم الذي يريد النجاح والوصول الى ما
يريد من أهداف ونجاحات على صعيد أعماله وأدارته مهما صغر حجمها ومهما كبر ومهما
اختلف نوع نشاطها ،لكي تعطيه فكرة عن أساسيات اإلدارة والقيادة الناجحة وتزودة بنبذة
معرفيه عن كل ما يتعلق بالفكر اإلداري والقيادي ،من حيث األفكار والنظريات القديمة ولحديثه
التي عالجت هذا الموضوع باالضافه الى خصائص القائد والمدير الناجح والتي يستطيع من
خاللها ان يعرف نفسه من أي انواع المدراء والقادة هو ويسعى – ان كان به نقص -الى
التخلص منه وتالفي السلبيات التي قد يتصف بها .
لقد جاء القسم الثاني من الكتاب ليعرف القارئ العربي المسلم الكريم ان الفكر
اإلسالمي قد احتوى على فكر إداري وقيادي ليس كمثله في الفكر اإلنساني قاطبة ،وليعرف
ان دوله اإلسالم األولى قامت على أفكار أداريه ناجحة ومثاليه فيها من التسامح والرحمة
والعدل واألمن واإلنصاف والمساواة والديمقراطية والشورى والتعاون الشيء الكثير ،وهو مما
تحتاجه اإلدارة المعاصرة في زماننا هذا -زمان العلم والتكنولوجيا الحديثة، -وقد وضعنا هذا
الباب ليكون ما جاء فيه قدوة لكل من أراد اقتفاء اثر القائد األول والمدير الناجح محمد (ص)
وخلفائه الراشدين األجالء االكارم عليهم رضوان هللا ليحقق ما حققوة من نجاح وفالح وصالح
وتقوى وعدل وإنصاف ورحمه بكل ما استرعاهم هللا فيه .
لقد جاء هذا الكتاب ثمرة بحث واستقصاء طويل استخدمت فيه المراجع المختلفة
والكتب القيمه لباحثين ومفكرين وقادة عسكريين وميدانيين ومدراء إداريون ناجحين في
أعمالهم وادراتهم وأكاديميين مختصين لهم باع طويل في مجال اإلدارة والقيادة وخبرة طويلة
بكل ما يتعلق بهذا الموضوع ،وكذلك استخدم فيه البحث المبني على اإلطالع على ما تحتويه
الشبكة العالمية للمعلومات (االنترنت ) من موسوعات ومعاجم ومواقع إلكترونيه تبحث وتعالج
وتناقش مواضيع القيادة واإلدارة كتبت بأقالم قادة عسكريين ومدراء إداريين ،وباحثين
مختصين ،مما كان له اكبر األثر في تنويع مادة هذا الكتاب وإعطاءها زخما كبيرا وكثيفا ،وقد
حاولت ان أضع فيه األفكار الواضحة والصريحة والمباشرة دون تعقيد او غموض وذلك ليكون
فهمه سريعا وفي متناول الجميع وخاصة الجيل الشاب من المدراء وطالب العلم المقبلين على
الحياة العملية ،قاصدا إرشادهم وتعريفهم بكل ما قد يواجهونه من معضالت او متغيرات أثناء
إدارتهم إلعمالهم معتمدا أيضا فيه على الخبرة الشخصية سواء العملية او االكاديميه –النظرية-
في تحليل األمور وتبسيطها ،راجيا الفائدة والتوفيق لكل من يقراءة او يطلع عليه ،قاصدا وجه
هللا تعالى ممتثال قوله الكريم في كتابه العزيز ":وقل اعملوا فسيرى هللا عملكم ورسوله
والمؤمنون"،وكذلك قول نبيه الكريم ":إذا مات ابن ادم انقطع عمله اال من ثالث :صدقه
جاريه أوعلم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له " ،راجيا من هللا ألعلي القدير ان يوفقني إلى
الظفر بها جميعا انه نعم المولى ونعم النصير .
وهللا من وراء القصد
184
ملـــحق
185
186
بسم هللا الرحمن الرحيم
هذا كتاب من محمد النبي صلى هللا عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش
ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم انهم امه واحدة من دون الناس ،المهاجرين من
قريش على ربعتهم ،يتعاقلون بينهم ،وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين
،وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم االولى ،وكل طائفه تفدي عانيها بالمعروف والقسط
بين المؤمنين ،وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم االولى ،وكل طائفه منهم تفدي
عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم االولى
وكل طائفه تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون
معاقلهم االولى وكل طائفه منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو عمرو بن
عوف على ربعتهم االول يتعاقلون معاقلهم االولى وكل طائفه تفدي عانيها بالمعروف والقسط
بين المؤمنين ،وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم االولى وكل طائفه تفدي عانيها
بالمعروف والقسط بين المؤمنين ،وبنو االوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم االولى وكل
طائفه منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وان المؤمنين اليتركون مفرحا بينهم
ان يعطوة بالمعروف في فداء او عقل ،وان اليحالف مؤمن مولى مؤمن من دونه ،وان
المؤمنين المتقين على من بغى منهم ،او ابتغى وسيعه ظلم او اثم ،او فساد بين المؤمنين ،وان
ايديهم عليهم جميعا ،ولو كان ولد احدهم ،وال يقتل مؤمنا مؤمن في كافر وال ينصر كافر على
مؤمن وان ذمه هللا واحدة يجير عليهم ادناهم ،وان المؤمنين بعضهم موالي بعض من دون
الناس ،وانه من تبعنا من يهود فله النصرة واالسوة ،غير مظلومين وال متناصرين عليهم
،وان سلم المؤمنين واحدة ،وال يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل هللا اال على سواء
وعدل بينهم ،وان كا غازيه غزت معنا يعقب بعضها بعضا ،وان المؤمنين يسيء بعضهم على
بعض بما نال دماءهم في سبيل هللا ،وان المؤمنين المتقين على احسن هدى واقومه ،وانه
اليجير مشرك ماال لقريش وال نفسا وال يحول دونه على مؤمن ،وانه من اعتبط مؤمنا قتال عن
بينه فنه قود به اال ان يرضى ولي المقتول ،وان المؤمنين عليه كافه ،وال يحل لهم اال قيام عليه
،وانه اليحل لمؤمن اقر بما في هذة الصحيفه وامن باهلل واليوم االخر ،ان ينصر محدثا وال
يؤبه ،وانه من نصرة او اواة فان عليه لعنه هللا وغضبه الى يوم القيامه ،وال يؤخذ منه صرف
وال عدل ،وانكم مهما اختلفتم فيه من شيء فان مردة الى هللا عز وجل والى محمد رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم ،وان اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ،وان يهود بني
عوف امه مع المؤمنين ،لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ،مواليهم وانفسهم اال من ظلم واثم
،فانه ال يوتغ اال نفسه واهل بيته ،وان ليهود بني النجار ما ليهود بني عوف ،وان ليهود بني
الحارث مثل ما ليهود بني عوف ،وان ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف ،وان ليهود
بني جشم ما ليهود بني عوف ،وان ليهود بني االوس مثل ما ليهود بني عوف ،وان ليهود
بني ثعلبه مثل ما ليهود بني عوف ،اال من ظلم فانه ال يوتغ اال نفسه واهل بيته ،وان جفنه
بطن من ثعلبه كأنفسهم ،وان ليهود بني الشطيبه مثل ما ليهود بني عوف ،وان البر دون االثم
،وأن موالي ثعلبه كأنفسهم ،وان بطانه يهود كأنفسهم ،وانه ال يخرج احد منهم اال بأذن محمد
صلى هللا عليه وسلم ،وانه ال ينحجز على ثأرجرح ،وانه من فتك فبنفسه فتك ،اهل بيته ،اال من
ظلم وان هللا على ابر هذا ،وان على يهود نفقتهم وان على المسلمين نفقتهم ،وان بينهم النصر
على من حارب اهل هذة الصحيفه ،وان بينهم النصح والنصيحه ،والبر دون االثم ،وأنه لم
يأثم امروء بحليفه ،،وان النصر للمظلوم ،وان اليهود مع المؤمنين ما داموا ،محاربين ،وان
يثرب حرام جوفها الهل هذة الصحيفه ،وان الجار كالنفس غير مضار وال أثم ،وانه ال تجار
حرمه اال بأذن اهلها ،وانه ما كان من اهل هذة الصحيفه من حدث او أشتجار يخاف فسادة
،فأن مردة الى هللا عز وجل والى محمد صلى هللا عليه وسلم ،وان هللا على من اتقى ما في هذة
الصحيفه وابرة ،وانه التجار قريش وال من نصرها ،وان بينهم النصر على من دهم يثرب ،واذا
دعوا الى صلح يصالحونه ويلبسونه ،فأنهم يصالحونه ويلبسونه ،وانهم اذا دعوا الى مثل ذلك
،فأنه لهم على المؤمنين ،اال من حارب في الدين على كل اناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم
وأن يهود االوس ،مواليهم انفسهم على مثل ما الهل هذة الصحيفه مع البر المحض من اهل
هذة الصحيفه.
187
كتب وابحاث ودراسات أخرى للمؤلف
الكتب المنشورة :
-العولمة تأثيرات وتحديات.
-مبادئ أساسيه في العلوم السياسية.
-حقوق اإلنسان بين الفكر اإلسالمي والتشريع الوضعي.
-روض الياسمين (ديوان شعر).
-أساسيات في القيادة واإلدارة.
كتب تحت الطبع:
-محطات على دروب الحياة (مقاالت صحفيه تعالج مواضيع اجتماعيه وسياسية
واقتصاديه ووطنيه،واكاديميه....نشرت للمؤلف في صحيفة الرأي االردنيه).
-اإلرهاب حقيقته ومعناه.
-األمن الوطني وعناصر قوة الدولة في ظل النظام العالمي الجديد.
دراسات وأبحاث منشورة الكترونيا :
" -الثقافة العربية" أزمة الواقع ،وتحديات المستقبل .
" -االقتصاد" يحكم العالم.
-حقوق المرأة في اإلسالم.
-النظام العالمي الجديد نهاية حرب باردة وبداية حروب أخرى.
-اإلرهاب دوافعة وأسبابه.
-حال الثقافة في عصر المعلومات.
-الديمقراطية كشكل من أشكال الحكم .
-خصوصيتنا في ظل العولمة الثقافية.
-العالقات الدولية واختالل الموازين.
-العيش في عالم سريع التغير.
دراسات منشورة في مجالت:
-تأثير الموقع االستراتيجي للوطن العربي على األمن القومي /مجله ،األقصى،العدد
/939تاريخ أيلول.2000/
-فن التوجيه واإلرشاد في الحياة العسكرية /مجله األقصى العدد ،941تشرين ثاني
.2000/
-أكثر من خمسين مقاله صحفيه منشورة في جريدة الرأي االردنيه .
للتواصل مع المؤلف :البريد األلكتروني .HTashtoosh@yahoo.ca:
هاتف خلوي 0777411815 :
188
فهرس الجداول واألشكال
رقم الصفحة اسم الجدول/الشكل
189
الفهرس
رقم الصفحة الموضوع
5 االهداء
7 مقدمه
الباب األول
15 أساسيات في القيادة واإلدارة
الفصل األول
17 القيادة واإلدارة (عام)
20 مفهوم القيادة
29 نظريات في القيادة
38 مصادر الشخصية القيادية
40 صفات وخصائص القائد
60 ثمرات القيادة
63 أنماط القيادة
72 اعتبارات تجعل القائد صالحا للقيادة
76 تحديات القيادة/اإلدارة الحديثة
الفصل الثاني
85 اإلدارة
87 المبادئ والمفاهيم
92 هل اإلدارة علم أم فن؟
96 عناصر اإلدارة
105 مستويات اإلدارة
110 اإلدارة االستراتيجية
الفصل الثالث
119 العقيدة العسكرية (عام )
124 أسس ومصادر العقيدة العسكرية
129 أنواع العقيدة العسكرية
الباب الثاني
135 القيادة واإلدارة االسالميه نموذجا
الفصل األول
137 فن القيادة في اإلسالم
142 األصول والمبادئ
144 معنى القيادة في اإلسالم
الفصل الثاني
149 العقيدة العسكرية االسالميه
155 مبادئ االستراتيجية االسالميه
الفصل الثالث
171 تنظيم القيادة في عهد النبي (ص)
174 اإلدارات والهيئات الرئيسية في القيادة
174 هيئه القوى البشرية
186 هيئه العمليات والتدريب
192 هيئه األمن واالستطالع
197 هيئه اإلمداد والتزويد
الفصل الرابع
201 أخالقيات الحرب في اإلسالم
190
205 أهداف وغايات الحرب في اإلسالم
209 أخالقيات الحرب االسالميه
221 مبادئ الحرب التي طبقها النبي (ص)
229 أسباب النصر
236 منهج اإلسالم في بناء الجنود
239 األسس التي اعتمدها اإلسالم لبناء اإلنسان
256 واجب المسلم تجاة قيادته
الباب الثالث
263 اإلدارة االسالميه
الفصل األول
265 مرتكزات اإلدارة االسالميه
269 مصادر اإلدارة االسالميه
الفصل الثاني
281 تطبيقات أداريه اسالميه
283 النموذج النبوي في اإلدارة
288 مواقف أداريه راشدة
288 منهجيه ابو بكر الصديق في القيادة واإلدارة
293 منهجيه الفاروق في القيادة واإلدارة
302 منهجيه علي بن أبي طالب في اإلدارة
314 واجبات اإلدارة االسالميه
321 الخاتمة
323 ملحق (دستور المدينة)
327 كتب وأبحاث للمؤلف
328 فهرس الجداول واألشكال
333 قائمه المراجع
191
192
قائمة المراجع
الكتب العربية :
.1بيتر .ف ،دراكر ،ممارسة اإلدارة ،مكتبة جرير ،الرياض. 2000 ،
.2إبراهيم مدكور ،المعجم الوجيز ،منشورات مجمع اللغة العربية ،القاهرة .1989،
.3عبد المعطي محمد عساف ،مبادئ االداره ،المفاهيم واالتجاهات ألحديثه ،مكتبة المحتسب ،
عمان .1994 ،
.4علي السلمي وآخرون ،أساسيات االداره ،القاهرة .1991 ،
.5مهدي حسن زويلف ،محمد قاسم القريوتي ،مبادئ اإلدارة نظريات ووظائف ،عمان
.1984،
.6عبد السالم أبو قحف ،أساسيات التنظيم واإلدارة ،دار ألجامعه الجديدة ،اإلسكندرية
.2003،
.7عبد السالم ابو قحف ،أساسيات اإلدارة اإلستراتيجية ،الدار الجامعية القاهرة .2002 ،
.8ثابت عبد الرحمن إدريس ،جمال الدين محمد المرسي ،اإلدارة اإلستراتيجية ،مفاهيم ونماذج
تطبيقية ،الدار الجامعية ،القاهرة .2002/2003،
.9بيتر دراكر ،اإلدارة – المدير ،ترجمة محمد عبد الكريم ،مراجعه ناديه الهادي ،الدار
الدولية لنشر والتوزيع ،القاهرة . 1995 ،
.10علي عباس ،عبد هللا بركات ،مدخل إلى علم اإلدارة ،دار النظم ،عمان.2000 ،
.11زهاء الدين عبيدات ،القيادة واإلدارة التربوية في اإلسالم ،دار البيارق ،عمان .2001 ،
.12مهدي الحسيني ،مسؤوليات القيادة االسالميه ،دار المشرق العربي الكبير ،لبنان 1978 ،
.
.13علي محمد منصور ،مبادئ اإلدارة (األسس والمفاهيم ) ،مجموعه النيل العربية ،القاهرة،
.1999
.14إبراهيم عبد العزيز شيحا ،اإلدارة ألعامه ،مؤسسه شباب ألجامعه للطباعة والنشر
،االسكندريه (،ب ت) .
.15نواف كنعان ،القيادة اإلدارية ،دار العلوم ،الرياض .1980 ،
.16سنان الموسوي ،رضا صاحب أبو احمد ،مفاهيم أداريه معاصرة ،دار الوراق ،عمان ،
.2002
.17عبد الكريم درويش وليلى تكال ،أصول اإلدارة ألعامه ،مكتبة االنجلو مصريه ،القاهرة ،
.1977
.18ماهر محمد صالح حسن ،القيادة ،أساسيات ونظريات ومفاهيم ،دار الكندي ،اربد ،
األردن .2004،
.19احمد عبد ربه بصبوص ،فن القيادة في اإلسالم ،مكتبة المنار ،الزرقاء األردن . 1989 ،
.20طارق الخير وآخرون ،مبادئ اإلدارة ووظائفها ،جامعه دمشق .2004 ،
.21احمد ماهر وآخرون ،اإلدارة المبادئ والمهارات ،الدار الجامعية ،مصر .2001/2002
.22فيصل فخري مرار ،اإلدارة ( األسس والنظريات ) ،دار مجدالوي للنشر والتوزيع ،
عمان .1983 ،
.23جميل كاظم ألمناف ،القيادة واألزمة الحضارية ،دار الرشيد ،بغداد .1980 ،
.24محمد عبد الفتاح ياغي ،األخالقيات في اإلدارة ،عمان .1995 ،
.25محمد جمال الدين محفوظ ،المدخل إلى العقيدة واالستراتيجية ألعسكريه اإلسالمية ،الدار
ألمصريه للكتاب ،القاهرة .1976 ،
.26ج .كوروتوا ،الطريق إلى القيادة وتنميه الشخصية ،ترجمه :سالم العيسى ،دار عالء الدين
،دمشق.1999 ،
.27ج .كوروتوا ،لمحات في فن القيادة ،ترجمه هيثم األيوبي ،المؤسسة العربية لدراسات
والنشر ،بيروت .1986،
.28صامويل هيز ،وليم توماس ،تولي القيادة ،فن القيادة العسكرية وعلمها ،ترجمه سامي
هاشم ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت .1984 ،
.29محمد رفعت عبد الوهاب ،األنظمة السياسية ،منشورات الحلبي الثقافية ،بيروت . 2004 ،
.30سعيد حوى ،الرسول (ص) ،ط ،2دار الكتب العلمية ،بيروت .1971 ،
193
.31رعد محمود احمد البرهاوي،العيون والجواسيس في الدولة االسالميه ،دار الكتاب ،اربد
،األردن .2005،
.32احمد بن عثمان المزيد ،هدي محمد(صلى هللا عليه وسلم ) ،مدار الوطن ،الرياض ،
. 2006
.33محمد بن عبد الوهاب ،مختصر سيرة الرسول (ص) ،منشورات وزارة األوقاف السعودية ،
1418هـ .
.34عبد هللا بن عبد العزيز العيدان ،طريقك إلى الصحة النفسية والعضوية ،الرياض1418،هـ.
.35حامد صادق قنيبي ،الكون واإلنسان في التصور اإلسالمي ،مكتبة الفالح ،الكويت . 1980،
.36اسحق احمد الفرحان ،التربية اإلسالمية بين األصالة والمعاصرة ،دار الفرقان .1983،
.37توفيق سلطان اليوزبكي ،دراسات في النظم العربية واإلسالمية ،جامعه الموصل .1988،
.38نزار ألنعيمي ،الجيش وتأثيراته في سياسة الدولة اإلسالمية ،دار الكتاب الثقافي ،اربد
.2003،
.39عبد الرحمن العيسوي ،علم النفس العسكري ،دار الراتب الجامعية ،بيروت .1999 ،
.40ب.هـ.ليدل هارت ،االستراتيجيه وتاريخها في العالم ،تقديم اكرم الديري ،ترجمه الهيثم
االيوبي ،دار الطليعه ،بيروت .1979،
.41اكرم الديري ،الجيش وتاثيراته في سياسه ادوله االسالميه ،دار الكتاب الثقافي ،اربد ،
.2003
.42مارتن فان كريفلد ،القيادة في الحرب ،ترجمه يزيد صايغ ،المؤسسة العربية للدراسات
والنشر ،بيروت .1989،
.43عباس محمود العقاد ،عبقرية الصديق ،ط ،14دار المعارف ،القاهرة ،ب ت .
.44فوزي كمال ادهم ،اإلدارة االسالميه ،دار النفائس . 2001 ،
.45حزام بن ماطر المطيري ،اإلدارة االسالميه المنهج والممارسة ،مكتبه الرشد ،الرياض
.2004،
.46محمد سليم العوا ،في النظام السياسي للدولة االسالميه ،المكتب المصري الحديث ،ط3
.1979،
.47نزار عبد اللطيف الحديثي ،محاضرات في التاريخ العربي،بغداد .1979
.48عبد المنعم محفوظ ،نعمان الخطيب ،مبادئ النظم السياسية ،دار الفرقان ،عمان .1987،
.49علي عطيه شرقي ،علي بن ابي طالب شخصيته وادارة الدوله في عهدة ،دار الكندي ،اربد
،االردن.2001،
المراجع االجنبيه:
1. Leonard R.Sayles ، Leadership، What Effective Managers really
Do? ….And How They Do It، 1979 ،by McGraw ،Hill .Inc.
2. Harold Knooz & Heinz Weihrich، Essentials Of Management،
5thed ،McGraw- Hill Publishing Company Limited، New Delhi ،
3.George K. Terry &Stephen G Franklin ، Principle Of Management ،8th
ed، publishers& Distributors، Krishan Nager، 1991،.
4. Richard l. Daft ، Management، Dryden Press ، 2000، .
5. Stephen Robbins & Mary coulter ، management ، prentice – hall of
India private limited ، new Delhi ،1998 .
المجالت :
_ مجله األقصى ،القوات المسلحة األردنية ،أعداد مختلفة.
194
. عمان، الجامعة االردنيه، 2007 أيار،70 العدد، _ المجلة الثقافية
. 2007 ،92 العدد، مجله اليرموك-
:المواقع االلكترونية
195