Professional Documents
Culture Documents
ً
أربعون حديثا في تطوير الذات وأسباب النجاح
1
حقوق الطبع محفوظة لكل مسلم يرغب بطباعته
بشرط عدم تغيير المحتوى
الطبعة األولى (1442هـ 2021 -م)
التصميم واإلخراج
2
األربعون التـطويرية
ً
أربعون حديثا في تطوير الذات وأسباب النجاح
إعداد
3
4
المقدمة
فإن خري قصة للنجاح تدرس قصة حممد صىل اهلل عليه وسلم فهي
أحسن قصص النجاح ،جرت عىل عني اهلل تعاىل ورعايته ،مؤيدة
بوحي منه سبحانه ،فمن قوله لورقة بن نوفل رمحه اهلل تعاىل( :أو
ِ
خمرجي هم؟!!) إىل بشارة ربه له ودنو أجله بقوله تعاىل{ :إ َذا َجا َء ن ر ُ
َْص
اجا (َ )2ف َس ِّب رح ون ِِف ِد ِ
ين اهللهِ َأ رف َو ً اهللهِ َوا رل َفت ُرح (َ )1و َر َأ ري َت الن َ
هاس َيدر ُخ ُل َ
اس َت رغ ِف رر ُه إِ هن ُه ك َ
َان َت هوا ًبا ([ })3النْص ،]3-1:كانت قصة ِ
بِ َح رمد َر ِّب َك َو ر
النجاح الكاملة ،كاملة بأحداثها وقيمها و معانيها ،فمن أراد أسباب
النجاح فليدرسها و حيللها ،ومن أراد تطوير نفسه فليتعمق هبا ،فهي
خارطة طريق واضحة املعامل للوصول للقمة ،فإن النجاح يقاس بقيمه
وآثاره ونتائجه ،وها هم الصحابة الناجحون أتباع القائد الناجح
حيققون معجزة النجاح بنرش الدعوة ِف أرجاء املعمورة ِف فرتة قياسية.
5
وإن هدي حممد صىل اهلل عليه وسلم ِف النجاح يظهر فاعلية السنة
النبوية ِف كل ميادين احلياة ،عّب الزمان واملكان ،وذلك ِف البحث عن
أسباب نجاحه من داخل شخصيته ،وحماولة فهم سبب نجاحه الكامل
بسؤال :ملاذا نجح بعد توفيق اهلل تعاىل له؟ لنتعلم منها سنة النجاح ِف
احلياة ،كام تعلمنا منها العقيدة و الفقه و األخالق.
6
السنة منزلة أقوال بوذا و كونفوشيوس وأفالطون ،ورد عىل احلداثيني
و العلامنيني الذين جعلوا السنة النبوية ِف حيز تارخيي ومكاين ضيق ال
يتسع إال جلزيرة العرب ِف القرن األول ،واهلل املستعان.
7
.9العطاء بال حدود.
.10حب الذات.
.11غنى النفس.
.12املداومة عىل اإلنجاز ولو بالقليل.
.13الصّب.
.14جماهدة النفس.
.15استشعار نعمة اهلل تعاىل.
.16التواضع بالنجاح.
.17االستمتاع بالدنيا واآلخرة.
.18قوة الطموح.
.19الرفق.
.20التفاؤل.
.21عدم االستعجال.
.22اإلحساس باجلامل.
.23جتنب اإلحياء السلبي.
.24التخطيط و ترتيب األولويات.
8
.25التصالح مع الذات.
.26ترك التكلف.
.27التحكم بالنفس.
.28التعبري عن املشاعر.
.29النظرة املستقبلية.
.30املرونة.
.31السهولة و ترك التعقيد.
.32اإلجيابية.
.33املالذ اآلمن للمجتمع.
.34احلذر من املخاطر.
.35عدم متني الصعاب.
.36استثامر الفرص.
.37البعد عن الشهرة.
.38االعتامد عىل الذات.
.39التميز ِف النجاح.
.40إتقان اخلامتة.
9
وقد أتبعت هذه األسباب برشح خمتْص لألحاديث ِف ترسيخ
معاين النجاح ،وألتزم غالب ًا بأن ال يزيد عن صفحة واحدة ،إال ِف
بعض األحاديث لربطها بالعلوم العْصية املوافقة للرشع احلكيم،
واملؤدية للتطوير و النجاح.
وكتبه
عيل بن إبراهيم بن سعود العجني
ِف بريين اخلرضاء -اململكة األردنية اهلاشمية
ضحى األحد 24رجب اخلري1442هـ
املوافق2021/ 3 / 7م
10
الحديث األول
َع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة ريض اهلل عنه َع ِن النهبِ ِّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم
اْلنَّ َة َأ ْق َوا ٌم َأ ْفئِدَ ُُت ْم ِم ْث ُل َأ ْفئِدَ ِة ال َّط ْ ِ
ي) َق َالَ ( :يدْ ُخ ُل َْ
ُ
()1
قبل رشح احلديث لعل القارئ الكريم يتساءل ملاذا بدأت هبذا
احلديث ِف موضوع تطوير الذات و ذكر أسباب النجاح؟!! والسبب
ِف ذلك أن ما يميز املسلم عن اإلنسان الغرِب ِف سريه نحو النجاح هو
التوكل عىل اهلل تعاىل ،بل هو أساس تطوير الذات ،فهذا املخلوق بغري
خالقه ضعيف منكس ،وهو بربه قوي منتْص ،وِف ثنايا عرض كتب
أسباب النجاح و تطوير الذات الغربية جتدهم يذكرون أن من أسباب
النجاح ما يطلقون عليه :رضبة احلظ وابتسامة الدنيا!! وهو ِف عقيدتنا
التوكل عىل اهلل تعاىل وطلب العون منه واللجوء إليهِ ،ف كل صغرية
وكبرية ،واإليامن بقدره و الرضا بقضائه ،فاإلنسان مهام أويت من علم
وذكاء و تطوير ذات بغري اعتامده عىل خالقه فهو ال يشء ،ولذلك مدح
( )1مسلم-اجلنة وصفة نعيمها-يدخل اجلنة أقوام أفئدهتم مثل أفئدة الطري .رقم.)2840( :
11
اهلل املتوكلني وأثنى عليهم ِف كتابه الكريم .قال تعاىل{ :إِن َهام املرُ رؤ ِمنُ َ
ون
وهب رم َوإِ َذا ُتلِ َي رت َع َل ري ِه رم آ َيا ُت ُه َزا َد ر ُهت رم إِ َيامنًا ِ ِ ِ
ا هلذي َن إِ َذا ُذك َر اهللهُ َوج َل رت ُق ُل ُ ُ
وعىل َر ِّهبِ رم َيت ََو هك ُلون} [األنفال .]2 :وقال تعاىلَ { :و َمن َيت ََوك رهل َع َىل اهللهِ
َف ُه َو َح رس ُب ُه} [الطالق.]3 :
فلذك كان هذا احلديث أوالً فهو أساس تطوير الذات عند املسلم،
فعبادة التوكل من العبادات القلبية ذات األثر الفعيل عىل سلوك
اإلنسان نحو النجاح ،وهي متثل صورة من صور اإلخالص هلل تعاىل.
وبني رشاح احلديث وجه الشبه بني قلب الطائر و قلب هؤالء
الذين يدخلون اجلنة ،ومن ذلك حسن التوكل عىل اهلل تعاىل ،كام جاء
ِف حديث عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه قال رسول اهلل صىل اهلل عليه
وسلم( :لو أنكم تتوكلون عىل اهلل حق توكله لرزقكم كام يرزق الطري،
تغدو مخاص ًا وتروح بطان ًا) .
()1
قال ابن ُهبرية( :الذي أراه ِف هذا احلديث أن هؤالء القوم كانت
قلوهبم عىل مثل قلوب الطري رقة خللق اهلل ورمحة لعباده ،وشفقة عىل
املسلمني ،فرتى الواحد منهم يرفق بالطفل أكثر من أم ذلك الطفل
12
بالطفل ،ويشفق عىل الغالم أكثر من إشفاق الغالم عىل نفسه ،وهذا
عىل الكهل والشيخ ،ثم رشف قلبه ،لرمحة احليوان ،وحتى يتحرج من
قطع الشجر عين ًا ،حتى إنه ال تؤاتيه نفسه وال يطلب قلبه عىل فعل يشء
من ذلك) وقال( :وجيوز أن تكون قلوهبم عىل قلوب الطري خوف ًا من
اهلل ِف كل يشء حتى إهنم إن أطاعوا خافوا ،وإن عصوا وعىص غريهم
خافوا لشدة حماذرهتم عىل أحواهلم مع رهبم سبحانه وتعاىل) .
()1
عم
وقال الطيبي ( :قد تقرر ِف علم البيان أن وجه الشبه إذا أضمر ر
تناوله ،فيكون أبلغ مما لو رصح به ،فينبغي أن حيمل احلديث عىل
املذكورات كلها) ،أي من حسن التوكل ورقة القلب وشدة اخلوف ()2
من اهلل تعاىل .ويظهر أن سبب دخوهلم اجلنة بعد رمحة اهلل هذه
الصفات ،وال يمنع أن جيمع بني التوكل ورقة القلب و اخلوف من اهلل،
فإن املتوكل رقيق القلب لشدة تعلقه بربه وخوفه منه.
( )1ابن ُهبرية الذهيل(560هـ ):اإلفصاح عن معاين الصحاح ،حتقيق فؤاد عبد املنعم ،دار الوطن ،الرياض،
1417هـ.)27-26/ 8( ،
( )2الطيبي :احلسني بن عبد اهلل ،رشح مشكاة املصابيح ،حتقيق عبد احلميد هنداوي ،مكتبة نزار الباز ،مكة املكرمة،
الطبعة األوىل 1417هـ1997-م)3559/11( ،
13
14
الحديث الثاني
َع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة ريض اهلل عنه َق َالَ :ق َال َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم:
يفَ ،و ِِف ك ٍُّل الض ِع ِ ب إِ ََل اهللِ ِم َن ا ُْمل ْؤ ِم ِن َّ ِ
ي َخ ْ ٌي َو َأ َح ُّ (ا ُْمل ْؤم ُن ا ْل َق ِو ُّ
ك ج ْزَ ،وإِ ْن َأ َصا َب َ كَ ،و ْاست َِع ْن بِاهللِ َو ََل َت ْع ِ اح ِر ْص َع ََل َما َينْ َف ُع َ َخ ْ ٌي ْ
َان ك ََذا َوك ََذاَ ،و َلكِ ْن ُق ْلَ :قدَّ َر اهللُ تك َ َش ٌء َف َل َت ُق ْلَ :ل ْو َأ يِّن َف َع ْل ُ َ ْ
()1 الش ْي َط ِ
ان) اء َف َع َل َفإِ َّن َل ْو َت ْفت َُح َع َم َل َّ
َو َما َش َ
عجز نفيس وهو ما يعرف بأدبيات علم النفــس بــ(العجز ا ُمل ْكت ََس ْ
ب)،
( ،)Learned Helplessnessويعني :أن اإلنسان يتعلم العجز،
ويرى أن اجلهد املبذول ِف طريق النجاح ال فائدة منه ،بسبب جتربة غري
ناجحة ،فيستسلم للفشل ،ويصف د .مطاع بركات هذه احلالة بقوله:
(ولكن الصعوبة األكّب هي أن تنظر إىل هذا العجز بعجز ،وأن تشعر
( )1مسلم -كتاب القدر-باب ِف األمر بالقوة وترك العجز واالستعانة باهلل وتفويض املقادير هلل -رقم.)2664(:
15
بأنك غري قادر عىل ٍ
يشء حياله ،ومن هنا فإن التعرف عىل ظروف تعلم
العجز يعتّب أمر ًا رضوري ًا جد ًا ،ولكنه ال يكفي ،فبعد العلم بأمر
العجز ،ينبغي التعرف إىل كيفية اخلروج منه ،والتعامل معه) ،وِف
()1
( )1العجز املكتسب دراسة نفسية ،ص ،6منشورات وزارة الثقافة ،اجلمهورية العربية السورية – دمشق2004 ،م.
( )2ابن القيم ،أبو عبد اهلل حممد بن بكر بن أيوب :طريق اهلجرتني وباب السعادتني ،ص ،101دار ابن القيم،
الرياض ،ط1425 ،1هـ2004-م.
16
املكتسب ،فطريقة تفكري املؤمن نابعة من قول اهلل ِف احلديث القديس:
(أنا عند ظن عبدي ِب ) ،وظن املؤمن بربه ال يكون إال حسن ًا ،فاهلل
()1
عىل كل ٍ
يشء قدير ،وال يعجزه يشء ِف األرض وال ِف السامء.
حيتاج النجاح ِف احلياة إىل تقدير كل واحد منا قيمة ذاته ،فإن
صورتنا عن أنفسنا تسهم بفاعلية ِف نجاحنا ،ألن أي خلل حيدث ِف
هذه الصورة يدفعنا لسوء تقدير إمكاناتنا ومستقبلنا وطموحاتنا مما
()2
يعرقل قدرتنا عىل حتقيق األفضل.
ومن خالل حديث (املؤمن القوي) رسخ النبي صىل اهلل عليه
وسلم معتقدات إجيابية لرسم صورة املؤمن املقدر لذاته ،مستعم ً
ال
اإلقناع اللفظي املؤثر لتثبيت هذا املعتقد.
( )1رواه مسلم ،كتاب الذكر ،باب احلث عىل ذكر اهلل تعاىل ،رقم ( )1675من حديث أِب هريرة ريض اهلل عنه.
( )2انظر :أبو سعد ،مصطفى أبو سعد :التقدير الذايت للطفل ،ص ،136مركز الراشد ،الكويت ،ط1425 ،4هـ-
2004م.
17
ثاني ًا( :القوي) :قال اإلمام النووي( :املراد بالقوة هنا عزيمة
النفس والقرحية ِف أمور اآلخرة) ،وكذلك ِف أمور الدنيا ،ويدل عليه
()1
قول النبي صىل اهلل عليه وسلم( :احرص عىل ما ينفعك) وهو شامل
ألمور الدين والدنيا ،كام سيأيت.
ثالث ًا( :خي إَل اهلل) :أي األكمل واألفضل وصاحب املقام
األفخر ،ولكن عند من؟!عند خالقه وربه ،فاهلل هو الذي أثبت له 2
رابع ًا( :أحب إَل اهلل) :وهذا ترشيف إهلي آخر هلذا املؤمن القوي،
حتصيل حمبة اهلل سبحانه وتعاىل ،فاهلل إذا أحب عبد ًا وفقه وسدده ر
ويس
أمره فهذه األلفاظ اإلجيابية( :املؤمن القوي خري وأحب إىل اهلل) تقدير
( )1النووي ،حييى بن رشف النووي :رشح صحيح مسلم )218/15( ،حتقيق حسن عباس قطب ،دار عامل
الكتب ،الرياض ،ط1424 ،1هـ2003-م.
( )2انظر :القرطبي ،أبو العباس أمحد بن عمر بن إبراهيم القرطبي (656هـ) :املفهم ملا أشكل من تلخيص كتاب
مسلم ،)682/6( ،حتقيق حميي الدين ديب مستو وآخرين ،دار ابن كثري ،دمشق ،ط1417 ،1هـ1996-م.
18
من اهلل للمؤمن القوي ،و هبا يتحقق تقدير املؤمن لذاته وال بد ،ألن
املؤمن القوي إذا آمن بتقدير اهلل له ،اندفع للنجاح واالجتهاد واحلرص
عىل ما ينفع.
وقول النبي صىل اهلل عليه وسلم( :وِف كل خي) لئال يتوهم أحد
من الناس أن املؤمن الضعيف ال خري فيه ،بل املؤمن الضعيف فيه خري،
فهو خري من الكافر ال شك.
( )1السعدي ،عبد الرمحن بن نارص السعدي :هبجة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار ِف رشح جوامع األخبار،
ص ،30مكتبة املعارف ،الرياض.
19
بذل من جهد فال فائدة من ذلك ،أو باعتقاده باستقاللية استجابته
للمواقف عن نتائجها ،وفقدان السيطرة عىل األحوال املحيطة به ،كل
ذلك عاجله صىل اهلل عليه وسلم بقوله( :احرص عىل ما ينفعك).
واألمور النافعة قسامن :أمور دينية ،وأمور دنيوية ،والعبد حمتاج
إىل الدنيوية كام هو حمتاج إىل الدينية ،فمدار سعادته وتوفيقه عىل
احلرص واالجتهاد ِف األمور النافعة منها .
()1
20
عجزه ،فلذلك كان النبي صىل اهلل عليه وسلم يستمد قوته وعزيمته
باللجوء إىل اهلل تعاىل ،مستعيذ ًا به من العجز والكسل ،قال أنس بن
مالك ريض اهلل عنه :فكنت أسمعه يكثر أن يقول( :اللهم إين أعوذ بك
من اهلم واحلزن ،والعجز والكسل ،والبخل واجلبن... ،احلديث) .
()1
فتأكيد ًا ملا سبق يأيت التذكري النبوي للمؤمن كإجراء وقائي( :وَل
تعجز) ،أي ال تضعف وال تستكن وال تنكس ،فمن أصابه العجز
النفيس قدح ذلك بإيامنه ،وكان ضعيف اإليامن ،وهو ما أرشنا إليه أن
القوة املقصودة ِف احلديث هي قوة اإليامن ،فمتى أصيب املؤمن هبذا
العجز ضعف إيامنه ألنه مقْص باألخذ بام أمره به صىل اهلل عليه وسلم،
باحلرص عىل ما ينفع ،واالستعانة باهلل ٍ
وآت ما هناه عنه صىل اهلل عليه
وسلم (وال تعجز) ،وال سيام إذا أثر هذا العجز ِف يقينه بربه وفاعليته
ِف دينه ،وإذا أدرك املؤمن أنه باستسالمه للعجز كان خمالف ًا هلديه صىل
اهلل عليه وسلم و جمانب ًا إلرشاده ،كان أبعد ما يكون عن العجز من
خالل امتثال أمر النبي صىل اهلل عليه وسلم والبعد عام هنى عنه.
21
سادس اا :النهي عن لوم الذات فيام فات من األمر:
فقال النبي صىل اهلل عليه وسلم( :وإن أصابك يشء فال تقل :لو
أين فعلت لكان كذا وكذا) ،وِف رواية( :فإن غلبك يشء) ،أي بعد
()1
قد يتساءل املرء وقلبه يعتْص أمل ًا ووجهه تعتليه الكآبة :لقد كنت
حريص ًا جمتهد ًا مستعين ًا باهلل وحاولت مرار ًا ،إال أنني مل أحقق ما
أردت ،أفال أعجز؟! أليس لإلنسان طاقة حمدودة فكري ًا ونفسي ًا
وجسدي ًا؟! وماذا بعد؟! هذا السؤال ال نجد له جواب ًا عند علامء النفس
الغربيني املاديني ،أما جواب من ال ينطق عن اهلوى إن هو إال وحي
يوحى( :ولكن قل :قدّ ر اهلل وما شاء فعل) ،هذا قدر اهلل ،أي تقدير اهلل
وقضاؤه ،وما شاء اهلل عز وجل فعله ،قال تعاىل{ :إِ هن َر هب َك َف هع ٌال ملَِّا
“ 1ابن حبان ِف صحيحه ،احلظر واإلباحة رقم ( )5691بلفظ( :فإن غلبك )
22
ُي ِريدُ } [هود ،]107 :ال أحد يمنعه أن يفعل ِف ملكه ما يشاء ،ما شاء
فعل عز وجل ،ولكن جيب أن نعلم أنه سبحانه وتعاىل ال يفعل شيئ ًا
ون إِ هال َأن
إال حلكمة خفيت علينا أو ظهرت لنا ،قال تعاىلَ { :و َما ت ََشا ُء َ
َان َعلِ ًيام َحكِ ًيام} [اإلنسان ،]30 :فبني أن مشيئته َي َشا َء اهللهُ إِ هن اهللهَ ك َ
مقرونة باحلكمة والعلم .
()1
(فالنبي صىل اهلل عليه وسلم حض عىل الرضا بقضاء اهلل وقدره،
بعد بذل اجلهد واستفراغ الوسع ِف احلرص عىل النافع ،فإذا أصاب
العبد ما يكرهه فال ينسب ذلك إىل ترك بعض األسباب التي يظن
نفعها لو فعلها ،بل يسكن إىل قضاء اهلل وقدره ليزداد إيامنه ،ويسكن
قلبه ،وتسرتيح نفسه ،فإن (لو) ِف هذه احلال تفتح عمل الشيطان
بنقص إيامنه بالقدر ،واعرتاضه عليه ،وفتح أبواب اهلم واحلزن
املضعف للقلب) .
()2
وهبذا العالج النبوي ترتاح النفس وتطمئن فال حزن وال كآبة وال
قلق ،فهو من أعظم الطرق لراحة القلب .
()3
( )1انظر :ابن عثيمني ،رشح رياض الصاحلني ،دار العقيدة ،اإلسكندرية ،ط1423 ،1هـ2002-م.)403/1( .
23
ومن خالل ما سبق نضع منظومة العالج النبوي للعجز املكتسب
عىل هيئة معادلة عىل النحو اآليت:
اإليامن باهلل
+
تقدير ذايت مرتفع
+
حرص واجتهاد
+
االستعانة باهلل
+
اإليامن بالقدر
=
َل تعجز
24
الحديث الثالث
يض اهللُ َعنر ُه َق َالَ :و هك َلنِي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم ِ
َع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة َر َ
حي ُثو ِم َن ال هط َعا ِمَ ،ف َأ َخ رذ ُت ُه انَ ،ف َأت ِ ٍ
َاين آتَ ،ف َج َع َل َ ر َاة َر َم َض َ ظ َزك ِ بِ ِح رف ِ
ِ َف ُق رل ُتَ :ألَر َف َعن َهك إِ َىل رس ِ
ص ول اهللِ َص هىل اهللُ َع َل ريه َو َس هل َم َف َق ه َ ُ ر
ِ ت إِ ََل فِر ِ احل ِد َ
سَ ،ل ْن َيز ََال ك َفا ْق َر ْأ آ َي َة ا ْلك ُْر ياش َ َ يث َف َق َال( :إ َذا َأ َو ْي َ رَ
ان َحتَّى ت ُْصبِ َح)َ .و َق َال النهبِ ُّي ك َش ْي َط ٌ ك ِم َن اهللِ َحافِ ٌظَ ،و ََل َي ْق َر ُب َ َم َع َ
ان) .
()1
اك َش ْي َط ٌ
وبَ ،ذ َ ك َو ُه َو ك َُذ ٌ َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َمَ ( :صدَ َق َ
( )1صحيح البخاري -كتاب فضائل القرآن -باب فضل سورة البقرة-رقم.)5010( :
25
وِف زمن االنفجار املعرِف أصبح العلم من رضورات النجاح،
وأدى ذلك إىل جتزئة العلم لفروع كثرية ،فالتخصص العلمي ِف جمال
ما يفتح لإلنسان طرق النجاح ،وِف ذات الوقت ظهر ما يعرف
بالتكامل املعرِف بني التخصصات العلمية ،مما جعل العلم يدخل ِف
تفاصيل احلياة اإلنسانية ،فاختيار التخصص العلمي حسب رغبة
اإلنسان و ميوله بغري امالءات خارجية يفتح آفاق النجاح لصاحبه،
وجيعله يتعلم من كل يشء ِف هذه احلياة بشغف.
وِف احلديث السابق ع رلم النبي صىل اهلل عليه وسلم أبا هريرة
ريض اهلل عنه أن يتعلم حتى من الشيطان ،والقصة جاءت مفصلة ِف
ول اهللِ َص هىل يض اهللُ َعنر ُه َق َال( :و هك َلنِي َر ُس ُ ِ
رواية أخرىَ :ع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة َر َ
حي ُثو ِم َن ال هط َعا ِم ان َف َأت ِ ٍ
َاين آت َف َج َع َل َ ر َاة َر َم َض َ ظ َزك ِ اهللُ َع َلي ِه وس هلم بِ ِح رف ِ
ر َ َ َ
ول اهللِ َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم َق َال َف َأ َخ رذ ُت ُه َو ُق رل ُت َواهللِ َألَر َف َعن َهك إِ َىل رس ِ
َ ُ ر
اج ٌة َش ِديدَ ٌة َق َال َف َخ هل ري ُت َعنر ُه َف َأ رص َب رح ُت ِ
َاج َو َع َ هيل ع َي ٌال َو ِِل َح َ ِإ ِّين ُحمرت ٌ
َف َق َال النهبِ ُّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم َيا َأ َبا ُه َر ري َر َة َما َف َع َل َأ ِسري َك ا رل َب ِ
ار َح َة َق َال ُ
اج ًة َش ِديدَ ًة َو ِع َي ًاال َف َر ِ ر
مح ُت ُه َف َخ هل ري ُت َسبِي َل ُه َق َال ُق رل ُت َيا َر ُس َ
ول اهللِ َشكَا َح َ
ول اهللِ َص هىل اهللُ َأما إِ هن ُه َقدر ك ََذ َب َك َوس َي ُعو ُد َف َعر رف ُت َأ هن ُه س َي ُعو ُد لِ َق رو ِل رس ِ
َ ُ َ َ َ َ
26
حي ُثو ِم َن ال هط َعا ِم َف َأ َخ رذ ُت ُه َف ُق رل ُت ِ
َع َل ريه َو َس هل َم إِ هن ُه َس َي ُعو ُد َف َر َصدر ُت ُه َف َجا َء َ ر
ِ ِ َألَر َف َعن َهك إِ َىل رس ِ
ول اهللِ َص هىل اهللُ َع َل ريه َو َس هل َم َق َال َد رعني َفإِ ِّين ُحمرت ٌ
َاج َو َع َ هيل َ ُ ر
ول اهللِ َص هىل مح ُت ُه َف َخ هل ري ُت َسبِي َل ُه َف َأ رص َب رح ُت َف َق َال ِِل َر ُس ُ ِع َي ٌال َال َأ ُعو ُد َف َر ِ ر
ول اهللِ َشكَا اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم َيا َأ َبا ُه َر ري َر َة َما َف َع َل َأ ِس ُري َك ُق رل ُت َيا َر ُس َ
مح ُت ُه َف َخ هل ري ُت َسبِي َل ُه َق َال َأ َما إِ هن ُه َقدر ك ََذ َب َك اج ًة َش ِديدَ ًة َو ِع َي ًاال َف َر ِ ر َح َ
حي ُثو ِم َن ال هط َعا ِم َف َأ َخ رذ ُت ُه َف ُق رل ُت َألَ رر َف َعن َهك ِ
َو َس َي ُعو ُد َف َر َصدر ُت ُه ال هثال َث َة َف َجا َء َ ر
ث مر ٍ ِ ِ ِ
ات َأن َهك ت رَز ُع ُم َال َت ُعو ُد ُث هم َت ُعو ُد َق َال إِ َىل َر ُسول اهللِ َو َه َذا آخ ُر َث َال َ ه
ت َينر َف ُع َك اهللُ ِ َهبا ُق رل ُت َما ُه َو َق َال إِ َذا َأ َو ري َت إِ َىل د رعنِي ُأ َع ِّلم َك كَلِام ٍ
َ ر َ
احل ُّي ا رل َق ُّيو ُم} َحتهى ََترتِ َم
يس {اهللُ ال إِ َل َه إِال ُه َو ر َ
ِ ِ ِ
ف َراش َك َفا رق َر رأ آ َي َة ا رل ُك رر ِّ
ان َحتهى هك َل رن َي َز َال َع َل ري َك ِم َن اهللِ َحافِ ٌظ َو َال َي رق َر َبن َهك َش ري َط ٌ راآل َي َة َفإِن َ
ول اهللِ َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم
ُت رصبِ َح َف َخ هل ري ُت َسبِي َل ُه َف َأ رص َب رح ُت َف َق َال ِِل َر ُس ُ
ت ول اهللِ َز َعم َأ هنه يع ِّلمنِي كَلِام ٍ ار َح َة ُق رل ُت َيا َر ُس َ َما َف َع َل َأ ِسري َك ا رل َب ِ
َ َ ُ َُ ُ ُ
َينر َف ُعنِي اهللُ ِ َهبا َف َخ هل ري ُت َسبِي َل ُه َق َال َما ِه َي ُق رل ُت َق َال ِِل إِ َذا َأ َو ري َت إِ َىل
ِ ِ اش َك َفا رقر رأ آي َة ا رل ُكر ِ ِ فِر ِ
يس م رن َأ هوهلَا َحتهى ََترت َم {اهللُ ال إِ َل َه إِال ُه َو ر َ
احل ُّي ر ِّ َ َ َ
ان َحتهى ا رل َق ُّيو ُم} َو َق َال ِِل َل رن َي َز َال َع َل ري َك ِم َن اهللِ َحافِ ٌظ َو َال َي رق َر ُب َك َش ري َط ٌ
اخل ر ِري َف َق َال النهبِ ُّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم ُتصبِح وكَا ُنوا َأحرص َ ٍ
يشء َع َىل ر َ
رَ َ ر ر َ َ
27
َأما إِ هنه َقدر صدَ َق َك و ُهو ك َُذوب َتع َلم من َُتَاطِب من ُرذ َث َال ِ
ث َل َي ٍ
ال َيا َأ َبا ُ ُ ٌ ر ُ َ ر َ َ َ َ ُ
ان) .
()1 ُه َر ري َر َة؟ َق َالَ :الَ ،ق َالَ :ذ َ
اك َش ري َط ٌ
وبَ ،ذ َ
اك َش ري َطان) وقوله صىل اهلل عليه وسلمَ ( :صدَ َق َك َو ُه َو ك َُذ ٌ
فيه أمران ،األول :أن علينا أن نبحث ِف صدق املعرفة التي تصلنا ،وِف
هذه احلادثة تم التحقق من احلق بواسطة الوحي ممثال بشخص النبي
صىل اهلل عليه وسلم ،الثاين :ال مانع من قبول احلق من مصدر فاقد
للرشعية األخالقية أو الدينية بام أنه نطق باحلق( ،فكثري من علامء
عْصنا ِف البلدان املختلفة يعدون كفار ًا وملحدين ،لكنهم علامء
موثوقون ِف علمهم وجماالت َتصصهم؛ إذ ال يمنعهم فسقهم
وكفرهم من أن يصلوا إىل احلقائق واملفاهيم واملبادئ العلمية فيام يتعلق
بالوجود الطبيعي أو االجتامعي والنفيس) .
()2
( )1صحيح البخاري-الوكالة-إذا وكل رجالً فرتك الوكيل شيئ ًا-رقم)2311( :
( )2ملكاوي :فتحي حسن ،منهجية التكامل املعرِف ،املعهد العاملي للفكر اإلسالمي ،ط2016 ،2م ،ص.216
28
الحديث الرابع
29
بل املطلوب حتقيقها ،فاهلداية والسداد تعني صناعة األهداف ،ويدخل
ِف ذلك وضع األهداف و صياغتها و قياسها و وضع خطة تنفيذية هلا.
وِف هذا احلديث يرشد النبي صىل اهلل عليه وسلم عيل بن أِب
طالب ريض اهلل عنه لدعاء عظيم بطلب اهلداية و السداد ،ثم يطلب
منه استحضار ذلك ِف خميلته ،فاهلداية معرفة األهداف والطريق إليها،
و السداد الوصول لألهداف وفق معايري صحيحة.
قال ابن امل َلك احلنفي( :واذكر باهلدى؛ يعني :إذا سألت اهلدى
فأ رخطِ رر بقلبك (هدايتك الطريق)؛ أي :طريق الدين ،وسل االستقامة
َ
( )1حممد بن عز الدين املشهور بابن امل َلك احلنفي(854ه) ،رشح مصابيح السنة ،إدارة الثقافة اإلسالمية ،الطبعة
األوىل 1433هـ2012-م.)224/ 3( ،
30
وهذه الصورة الذهنية للهداية و السداد جتعل اإلنسان يتصور
أهدافه ماثلة أمامه كأنام يراها رأي العني ،وجيعله يستشعر أمهية وضع
األهداف و مراجعتها وسؤال نفسه ِف كل حلظة ماذا حتقق منها؟ وملاذا
مل أحقق هذه األهداف؟
31
ون اهللهِ ولكن ُكو ُنوا َر هبانِ ِّي َ
ني هاس ُكو ُنوا ِعبادا ِِّل ِمن د ِ
ُ َ ً ول لِلن َِوالنُّ ُب هو َة ُث هم َي ُق َ
َاب َوبِ َام ُكن ُت رم تَدر ُر ُس َ بِام ُكن ُتم ُتع ِّلم َ ِ
ون} [آل عمران.]79 : ون ا رلكت َ ر َ ُ َ
و حتت هذا اهلدف تدخل مجيع تفاصيل حياة املسلم ،حتى ما ينفقه
اإلنسان عىل أهل بيته من نفقة يبتغي هبا وجه اهلل تعاىل فأنه يؤجر
عليها ،فعن سعد بن أِب وقاص ريض اهلل عنه عن النبي صىل اهلل عليه
وج َه اهللهِ هإال ُأ ِج رر َ ِ ِ
ت ،حتهى هك َل رن ُتنرف َق َن َف َق ًة َت ربتَغي َهبا ر
وسلم قال له( :وإن َ
ما َ رجت َع ُل ِف ِ ِِّف ا رم َر َأتِ َك) .
()1
( )2رواه مسلم :الزكاة بيان أن اسم الصدقة يقع عىل كل معروف )1006 ( .من حديث أِب ذر ريض اهلل عنه.
32
وهذا ما فهمه الصحابة رضوان اهلل عليهم ففي حوار بني أِب
موسى األشعري و معاذ بن جبل ريض اهلل عنهام حول قيام الليل ،قال
ِ ِ
بأحتَس ُ
ب ن رَو َمتي كام ر معاذ ريض اهلل عنه( :أ هما أنَا فأنَا ُم و َأ ُقو ُم ،ر
فأحتَس ُ
َق رو َمتِي) .أي أطلب األجر عىل النوم من اهلل تعاىل. ()1
ومن هنا فإن املؤمن يراجع نيته من خالل أهدافه ،وكام جاء ِف
احلديث( :إنام األعامل بالنية ،وإنام لكل امرئ ما نوى ،فمن كانت
هجرته إىل اهلل ورسوله فهجرته إىل اهلل ورسوله ،ومن كانت هجرته
لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إىل ما هاجر إليه) .
()2
وحتت هذه الغاية الكّبى تدخل مجيع أهداف املسلم ،من حتقيق
اإلنجاز والطموح والتفوق واإلبداع سواء ِف علم أو جتارة أو إنتاج أو
ِف حياته الشخصية.
( )1رواه البخاري :املغازي-بعث أِب موسى و معاذ إىل اليمن-رقم ( .)4344
( )2رواه البخاري – اإليامن-ما جاء أنا األعامل بالنية واحلسبة رقم ( .)54ومسلم – اإلمارة – إنام األعامل بالنية-
رقم ( )1907واللفظ له.
33
34
الحديث الخامس
كقال سلامن الفاريس ألِب الدرداء ريض اهلل عنهام( :إِ َّن لِ َر يب َ
ك ح ًّقاَ ،ف َأع ِ ك َح ًّقاَ ،و ِألَ ْهلِ َ ك َح ًّقاَ ،ولِ َن ْف ِس َ
ط ْ ك َع َل ْي َ َ ك َع َل ْي َ َع َل ْي َ
ك َل ُه، ك َُّل ِذي َح ٍّق َح َّق ُهَ .ف َأتَى النَّبِ َّي َص ََّل اهللُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َم َف َذك ََر َذلِ َ
َف َق َال النَّبِ ُّي َص ََّل اهللُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َمَ :صدَ َق َس ْل َام ُن) .
()1
( )1البخاري – الصوم -من أقسم عىل أخيه ليفطر ِف التطوع – رقم.)1968( :
35
وكذلك ِف تعامله مع اآلخرين :الوالدين ،األبناء ،الزوج
والزوجة ،اإلخوة ،األرسة ،األصدقاء ،اجلريان ،املجتمع ،العشرية،
الدولة ،األمة ،البرشية ،يتعامل معها بتوازن فيعطي كل ذي حق حقه،
بحسب طاقته .بل يتوازن ِف تعامله مع الدنيا و اآلخرة ،فيستمتع
بدنياه وفق أمر ربه ليسعد ِف آخرته.
وعند تدرييس لطالِب خصائص الثقافة اإلسالمية وهي كثرية،
سألتهم :برأيك ما اخلصيصة التي ترى أهنا األصعب من الناحية
التطبيقية ،فكان جواب الغالبية :التوازن ،وذلك أن الشباب تنازعهم
أمور كثرية ِف حياهتم ،فهو ِف مقتبل العمر ربام اعتنى بجسده عىل
حساب فكره أو روحه ووجدانه ،أو بروحه عىل حساب جسده مث ً
ال،
أو ربام كان حب انتامئه ملحيطه الشباِب عىل حساب والديه!!
فوضعت معيار ًا عىل صيغة سؤال :كم من الوقت تقضيه ِف
االهتامم بجسدك؟ و روحك؟ وعقلك؟ ووجدانك؟ وما أثر ذلك ِف
تكوين شخصيتك؟ فكل واحد يمكنه أن يتأمل ِف السؤال وجييب
عليه ليعرف مقدار توازنه ،فاملهم كام قال سلامن الفاريس ريض اهلل
عنه( :فأعطي كل ذي حق حقه).
وكذلك كم من الوقت نقضيه مع الوالدين و األصدقاء عىل سبيل
36
املثال ،والسؤال هنا للكم والكيف ،فربام جلسنا مع الوالدين ساعات
طويلة ،ولكننا مشغولون بأجهزتنا اخللوية ومتابعة الرسائل عىل
وسائل التواصل!! فام فائدة النجاح ِف العمل أو ِف التجارة إذا كان
عىل حساب سعادة أرسيت؟!! ،فاملتوازن ينجح ِف كل ميادين احلياة.
وسبب حوار سلامن الفاريس مع أِب الدرداء ريض اهلل عنهام أن
آخى َب رينَهامَ ،ف َز َار َس رل َام ُن َأ َبا الده رر َد ِاءَ ،ف َر َأى ُأ هم النهبِ ُّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم َ
وك َأ ُبو الده رر َد ِاء َل ري َس َل ُهك؟ َقا َل رتَ :أ ُخ َ الده رد ِاء م َتب ِّذ َل ًةَ ،ف َق َال َهلا :ما َش رأ ُن ِ
َ َ ر َ ُ َ
اج ٌة ِِف الدُّ رن َياَ ،ف َجا َء َأ ُبو الده رر َد ِاءَ ،ف َصن ََع َل ُه َط َعا ًماَ ،ف َق َالُ :ك رلَ ،ق َال: َح َ
َان ال هل ري ُلَفإِ ِّين َصائِ ٌمَ ،ق َالَ :ما َأنَا بِآكِ ٍل َحتهى ت رَأ ُك َلَ ،ق َالَ :ف َأك ََلَ ،ف َل هام ك َ
ِ
ب َي ُقو ُمَ ،ف َق َال :ن رَمَ ،ف َل هام ب َأ ُبو الده رر َداء َي ُقو ُمَ ،ق َال :ن رَمَ ،فنَا َمُ ،ث هم َذ َه َ
َذ َه َ
َان ِمن ِ
آخ ِر ال هل ري ِلَ ،ق َال َس رل َام ُنُ :ق ِم راآل َنَ ،ف َص هل َيا .)... ك َ ر
فأبو الدرداء ريض اهلل عنه كان اهتاممه باجلانب الروحي عىل
حساب أهله ،فلذلك كانت أم الدرداء ريض اهلل عنها متبذلة :أي ال
هتتم بشأن زينتها و مجال ثياهبا كام تصنع املرأة لزوجها ،فلام رآها سلامن
ريض اهلل عنه ويظهر أن ذلك قبل نزول آية احلجاب ،دار بينهم هذا
احلوار ،ووافقه النبي صىل اهلل عليه وسلم عىل قوله.
فتَوازَن
37
38
الحديث السادس
( )1البخاري-التفسري-سورة الليل-رقم )4949 (:مسلم-القدر-باب كيفية خلق اآلدمي ِِف بطن أمه وكتابة
رزقه -رقم (.)2647
39
التعريف نجد أن جاردنر يبعد الذكاء عن املجال التجريدي
واملفاهيمي ليجعله طريقة فنية ِف العمل والسلوك اليومي ،وهو بذلك
( )1
يعطيه تعريفا إجرائيا جيعل املربني أكثر تبْصا بأهدافهم وعملهم.
40
()1
أنواع الذكاءات:
( )1انظر :نوفل :الذكاء املتعدد ِف غرفة الصف ،مصدر سابق ص ،98ص ،101و:طارق :الذكاءات املتعددة،
مصدر سابق ،ص ،106ص ، 111وحسني :حممد عبد اهلادي حسني :قياس وتقويم الذكاءات املتعددة ،دار الفكر،
عامن1423 ،هـ 2003-م ،الطبعة األوىل ص.16-15
ر
41
الذكاءات معا بطرق فريدة من نوعها لدى كل شخص ،ويكون الذكاء
متطور جدا ِف بعض أنواع الذكاء ،ومعتدال ِف بعضها اآلخر ،وغري
متطور نسبيا ِف بقية األنواع األخرى للذكاء.
ول اهللَِ ،أ َف َال َنتهكِ ُل َع َىل كِتَابِنَاَ ،ونَدَ ُع ا رل َع َم َل؟ َق َال :ا رع َم ُلوا َف ُك ٌّل
َر ُس َ
س لِ َع َم ِل َأ ره ِل ِ ميس َملِا ُخلِ َق َلهَ ،أما من ك َ ِ
َان م رن َأ ره ِل ه
الس َعا َدة َف ُي َي ه ُ ُ ه َ ر َُه ٌ
( )1انظر :نوفل :الذكاء املتعدد ِف غرفة الصف :مصدر سابق ص ،110-109وحسني :قياس وتقييم قدرات
الذكاءات املتعددة :مصدر سابق ،ص.18
42
او ِةُ ،ث هم س لِ َع َم ِل َأ ره ِل ه َان ِمن َأه ِل ه ِ
الش َق َ الش َقاء َف ُي َي ه ُ الس َعا َد ِةَ ،و َأ هما َم رن ك َ ر ر
ه
َق َر َأَ { :ف َأ هما َم رن َأ رع َطى َوا هت َقى * َو َصده َق بِ ر
احلُ رسنَى .}...
( )1تفسري القرآن العظيم ،حتقيق حممد حسني شمس الدين ،دار الكتب العلمية ،بريوت ط.)207 / 7( ،1
43
وقال( :لِ ُي َس ِّخ َر َب رع ُض ُه رم َب رع ًضا ِِف راألَ رع َام ِل ِال رحتِ َياجِ َه َذا إِ َىل َه َذا،
َو َه َذا إِ َىل َه َذا ، ) .فتأمل ِف قوله-رمحه اهلل-فاوت بينهم ِف العقول، 1
وهنا يأيت دور اإلنسان الكتشاف ذكائه املميز ،ودور البيئة املحيطة
به لتطوير ذكاءاته ،فشخص ما خلق اهلل فيه قدرات ِف الذكاء احلركي
عىل سبيل املثال ،فعليه اكتشاف ذلك من خالل اهتامماته منذ الصغر،
وهنا يأيت دور الوالدين كذلك ِف هذا االكتشاف و توجيه هذه
القدرات و تطويرها و تنميتها ،وأما من أمهل اكتشاف ذكائه املميز و
تطويره ،تعست عليه حياته ،بمعنى أنه لن يتمكن من التميز و اإلبداع
ِف حياته ،فهو من أمهل ما أنعم اهلل عليه ،أو توجه ألمور ِف حياته ال
تتناسب مع ذكاءاته ،وهنا أذكر أحد املتدربني الذي كان يعمل حماسب ًا
ِف إحدى الرشكات ،وعند عمل اختبار الذكاءات كانت نتيجته ِف
الذكاء املنطقي متدنية ،فلام سألته ماذا تعمل فقال :حماسب!! ،تفاجأت
لذلك ،كيف يكون حماسب ًا و ال يتميز بالذكاء املنطقي؟!!
( )1تفسري القرآن العظيم ،حتقيق حممد حسني شمس الدين ،دار الكتب العلمية ،بريوت ط)208/ 7 ( ،1
44
فقال ِل :أنه َتصص ِف املحاسبة بنا ًء عىل رغبة والده ألن والده
يمتلك رشكة حسابات ،وأنه يكره املحاسبة ،فهل تتوقع منه أن يبدع
ِف جمال عمله؟!!
45
الوقت ال يستغني عن خدمات اآلخرين ،فلذلك ال تتعجب
أن يبحث طبيب حاذق عن سائق ماهر ،أو أن يبحث سائق
ماهر عن طبيب حاذق ،أو أن حيتاج سيايس حمنك لطاه مبدع،
أو أن يبحث طاه مبدع عن سيايس حمنك.
.4رمحة اهلل تعاىل بالبرش حيث مل يفوض أحد ًا من عباده هبذا
التقسيم ،بل توكل ذلك بعدله وفضله.
ذكاءك
فاكتشف َ
46
الحديث السابع
عن عائشة ريض اهلل عنها قالتَ ( :ق ِدم رسول اهلل صَل اهلل
وك َأو َخيب ،و ِِف س ْهو ُِتا ِس ْتَ ،ف َهب ِ ِ ِ
ت ٌ َّ عليه وسلم م ْن غَ ز َْوة َت ُب َ ْ ْ َ َ َ َ َ َ
()1
َات لِ َعائِ َش َة ُل َع ٍ
بَ ،ف َق َالَ :ما َه َذا َاحي َة الس ْ ِت عن بن ٍ
تن َ ي َ ْ َ
الريح َفك ََش َف ْ ِ
ي ُ
ان ِم ْن ِر َقا ٍع .َاح ِ
تَ :بن َِاِت َ .و َر َأى َب ْين َُه َّن َف َر اسا َل ُه َجن َ َيا َعائِ َش ُة؟ َقا َل ْ
تَ :ف َر ٌسَ .ق َالَ :و َما َه َذا َف َق َالَ :ما َه َذا ا َّل ِذي َأ َرى َو ْس َط ُه َّن؟ َقا َل ْ
تَ :أ َما َاح ِ
ان؟! َقا َل ْ ان َ .ق َالَ :ف َر ٌس َل ُه َجن َ َاح ِتَ :جن َ ا َّل ِذي َع َل ْي ِه؟ ُق ْل ُ
ك َر ُس ُ
ول اهلل تَ :ف َض ِ
ح َ ت َأ َّن لِ ُس َل ْي َام َن َخ ْي ال َهلا َأ ْجن ِ َح ٌة؟ َقا َل ْ َس ِم ْع َ
ت ن ََو ِ
اج َذ ُه) ()2
َص ََّل اهللُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َم َحتَّى َر َأ ْي ُ
ِف حوار أرسي مجيل ،يسأل النبي صىل اهلل عليه وسلم عائشة
ريض اهلل عنها عن لعبها وهي عبارة عن دمى لبنات كانت تلعب هبا،
وكانت تضعها ِف مكان خاص هبا مثل الرف ،وأثناء احلوار رأى النبي
( )2رواه أبو داود ،األدب ،باب ِف اللعب بالبنات ،رقم ( ،)4932و اللفظ له ،والنسائي ِف الكّبى-عرشة النساء،
إباحة الرجل اللعب لزوجته بالبنات ،رقم ( ،)8901وإسناده صحيح.
47
صىل اهلل عليه وسلم بني اللعب فرس ًا مصنوع ًا من جلد ،ولكن هذا
الفرس فيه يشء غري مألوف ،فرس له جناحان!!فتعجب النبي صىل
اهلل عليه وسلم من ذلك ،فذكرته بوصف خيل سليامن عليه السالم
املجنحة من شدة رسعتها ،وهنا ضحك النبي صىل اهلل عليه وسلم
حتى ظهرت أسنانه الرشيفة ،فيحاور عائشة ريض اهلل عنها حتى تقنعه
بفكرهتا اخليالية.
وِف ضحكه صىل اهلل عليه وسلم إقرار منه لعائشة عىل اَتاذ
اللعب ،بل وإقرار هلا عىل خياهلا الذي تصور اخليل املجنحة ،وهذا
ليس بغريب عىل فتاة ذكية مثل عائشة ريض اهلل عنها ومن املعلوم أن
سعة اخليال من أبرز صفات املبدعني ،كام يدل ذلك عىل حسن عرشته
1
صىل اهلل عليه وسلم ألهله ،ومشاركته هلم باهتامماته ،وتأمل كيف أنه
كان عائد ًا من إحدى غزواته ،حيث مقارعة العدو وقيادة اجليش
وسياسة الدولة ،ولكنه هيتم بأدق تفاصيل حياة أهله.
1انظر :املبيضني ،النا حممد ،التفكري خارج الصندوق ،عامن :ديبونو للطباعة والنرش2011( ،م) ،ص.32
48
واإلبداع كام عرفه (ولس 1985( )Wallaceم)( :عمل هادف
يقود لنواتج أصيلة و غي معروفة) .
()1
.1احلداثة أو ِ
اجلدة :فاملنتج اإلبداعي يشء خيتلف عن املألوف.
.2الفاعلية :فاملنتج اإلبداعي -بْصف النظر عن نوعه -حيقق
هدف ًا عىل أرض الواقع ،قد يكون هذا اهلدف مجالي ًا أو ذوقي ًا
أو روحي ًا ،وقد يكون مادي ًا.
( )1انظر :جروان ،فتحي جروان ،املوهبة والتفوق واإلبداع ،العني :دار الكتاب اجلامعي (1999م) ،ص.89
49
وإذا طبقنا هذين املعيارين عىل عمل عائشة ريض اهلل عنها نجد أنه
منتج إبداعي ،وذلك ألنه يشء غري مألوف (حصان جمنح) وأنه حقق
فاعلية باَتاذه دمية للرتفيه و اللعب ،فاإلبداع يدخل ِف مجيع تفاصيل
احلياة ،ال كام يظن البعض أن اإلبداع مرتبط باملخرتعات التكنولوجية،
وهذه خاصية فرعية ِف املوضوع ،فاألفكار اجلديدة هي مادة التغيري ِف
كافة املجاالت :العلوم حتى الفنون والسياسة والسعادة الشخصية .
()1
لكن ما الذي أوصل عائشة ريض اهلل عنها لإلبداع؟!! إنه اخليال،
فهي َتيلت فرس ًا ،وهذا الفرس ال يسبق و ينتقل من مكان آلخر
بسعة هائلة ،لكن ما الذي يتصف بذلك إنه الطائر ،فهل يمكن أن
يكون للفرس أجنحة!!فصنعت فرس ًا جمنح ًا.
( )1انظر :ديبونو ،إدوارد ،التفكري اإلبداعي ،ترمجة :خليل اجليويس ،املجمع الثقاِف1997( ،م) ،ص.10
( )2شاكر :عبد احلميد شاكر ،و عبد اللطيف خليفة ،دراسات ِف حب االستطالع و اإلبداع و اخليال ،دار غريب،
القاهرة2000 ،م ،ص .125
50
فوظيفة اخليال عبارة عن عملية كيميائية ملعاجلة عقلية ،حيث
تتفاعل القوى الفكرية واالنفعالية و تسهم ِف تنشيط التنبيه و الطاقة و
خلق العمل اإلبداعي.
فاخليال أداة اإلبداع ،فمن كان يتصور هذه األجهزة التي تنقلنا
ألبعد مكان لنتواصل مع اآلخرين بالصوت و الصورة احلية قبل مئة
سنة ،لوال اخليال املبدع.
51
52
الحديث الثامن
عن ابن عباس ريض اهلل عنهام عن النبي صىل اهلل عليه وسلم
الص َّح ُة َوا ْل َف َرا ُغ)
()2 يه َام كَثِ ٌي ِم َن الن ِ
َّاس ي ون فِ ِ
()1 قال( :نِ ْع َمت ِ
َان َم ْغ ُب ٌ
من عادات النجاح التي أمجع عليها الناجحون تقدير قيمة الوقت،
فهي نعمة ال تقدر بثمن ،فاالستثامر ِف الوقت مع الصحة أفضل جتارة،
فصاحبها رابح دائ ًام ،فهام رأس املال ،واملفرط فيهام خارس دائ ًام ،فلذلك
وصفه النبي صىل اهلل عليه وسلم بأنه مغبون ،أي خارس.
ومن بديع كالمه صىل اهلل عليه وسلم أنه مجع بني الصحة والفراغ،
وذلك أن الصحة البدنية والعقلية و النفسية هي القوة التي يستثمر فيها
اإلنسان وقته ،فالصحة هي القوة املحركة ،والفراغ هو احليز الزمني
لفعل هذه القوة ،ومها رأس مال اإلنسان فإن أحسن استثامرمها كان
رابح ًا ،وإن أخفق كان مغبون ًا خارس ًا.
( )2صحيح البخاري – الرقاق -ال عيش إال عيش اآلخرة -رقم.)6412 ( :
53
وبنا ًء عىل التقسيم النبوي يظهر لنا ما يأيت:
54
فمامرسة الرياضة ،أو العمل ،أو الطاعة أو الدراسة أو التطوع ِف خدمة
جمتمعه ستقيض عىل فراغه ،ولكنه ملا جلس فارغ ًا أصبح لديه وقت
لتدمري نفسه ،فخس الصحة والفراغ.
فاستثمر حياتك
55
56
الحديث التاسع
عن حكيم بن حزام ريض اهلل عنه :قال النهبِ هي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه
ِ ِ
َو َس هل َم( :ا ْل َيدُ ا ْل ُع ْل َيا َخ ْ ٌي م َن ا ْل َيد ُّ
الس ْف ََل)
()1
( )1البخاري-الزكاة-ال صدقة إال عن ظهر غنى – رقم ،)1427 ( :ومسلم-الزكاة-بيان أن اليد العليا خري من
اليد السفىل -رقم.)1033( :
57
وهو قيمة جوهرية ِف املجتمع الذي يؤمن بالتعاون ،ولسلوك العطاء
أنامط خمتلفة ،كالعطاء املادي ،واملعنوي املجرد واملبارش وغري املبارش،
()1
كام يتضمن الشعور باملسئولية االجتامعية.
( )1وانظر :منصور ،حممد منصور ،التنبؤ بسلوك العطاء ،حتت النرش ،حوليات مركز البحوث و الدراسات
النفسية-كلية اآلداب جامعة القاهرة ،ص.4
58
.3املتوسطون :حيتفظون بتوازن بني األخذ والعطاء ،عندما
يساعدون اآلخرين فإهنم حيمون أنفسهم بالسعي وراء
()1
التبادلية ،أي تبادل املعروف بعدالة.
( )1انظر :جرانت ،آدم جرانت ،األخذ و العطاء ،كتاب مرتجم ،مكتبة جرير ،الرياض ،الطبعة األوىل 2014م،
ص. 6-5
59
السائِ َلة) ،واليد الثالثة هي اليد املتوسطة بني ِ ِ
ا ُْملنْف َق ُةَ ،و ُّ
الس ْف ََل ه َي َّ ()1
األخذ والعطاء.
الر َعا ُء َو َأ ُبونَا َش ري ٌخ كَبِ ٌري* َف َس َق ٰى َهل ُ َام ُث هم ت ََو ه ٰىل إِ َىل ِ ِ
َال ن رَسقي حتى ُي رصد َر ِّ
امها َمت ر ِِش ِ ِ ِ
ال ِّظ ِّل َف َق َال َر ِّب إِ ِّين ملَا َأ َنز رل َت إِ َ هِل م رن َخ ر ٍري َفق ٌري * َف َجا َء رت ُه إِ رحدَ ُ َ
وك لِ َي رج ِز َي َك َأ رج َر َما َس َق ري َت َلنَا َف َل هام َجا َء ُه َع َىل استِحي ٍ
اء َقا َل رت إِ هن َأ ِِب َيدر ُع َ ر رَ
ت ِم َن ا رل َق رو ِم ال هظاملِ َ
ني} ص َق َال َال ََت ر
َف ن ََج رو َ ِ
ص َع َل ريه ا رل َق َص َ
َو َق ه
[القصص.]25-23 :
( )1البخاري-الزكاة-ال صدقة إال عن ظهر غنى – رقم ،)1429 ( :ومسلم-الزكاة-بيان أن اليد العليا خري من
اليد السفىل -رقم.)1033( :
60
رب إِ ِّين َملِا َأ َنز رل َت إِ َ هِل ِم رن َخ ر ٍري
وتأمل ِف دعائه بعد تقديم العطاءِّ { :
َف ِق ٌري} فصاحب اليد العليا ال ينتظر املقابل من عمله من اآلخرين ،بل
يطلبه من رب العاملني ،فهو فقري لربه حمتاج إليه ،وهذا ما يميز العطاء
ِف التصور اإلسالمي بانتظار اجلزاء من رب العاملني.
61
62
الحديث العاشر
عن َع ربدَ اهللِ رب َن ِه َشا ٍم ريض اهلل عنه َق َالُ ( :كنَّا َم َع النَّبِ يي َص ََّل
ابَ ،ف َق َال َل ُه ُع َم ُرَ :يا اْل َّط ِ آخ ٌذ بِ َي ِد ُع َم َر ْب ِن َْ
اهللُ ع َلي ِه وس َّلم وهو ِ
َ ْ َ َ َ َ ُ َ
َش ٍء إِ ََّل ِم ْن َن ْف ِسَ ،ف َق َال النَّبِ ُّي ِ
ب إِ َ ََّل م ْن ك يُل َ ْ ول اهللِ َألَن َ
ْت َأ َح ُّ َر ُس َ
ب ُون َأ َح ََّص ََّل اهللُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َمََ :ل َوا َّل ِذي َن ْف ِس بِ َي ِد ِهَ ،حتَّى َأك َ
ب إِ َ ََّل ِم ْن ك َف َق َال َل ُه ُع َم ُرَ :فإِ َّن ُه ْاْل َن َواهللِ َألَن َ
ْت َأ َح ُّ ك ِم ْن َن ْف ِس َ إِ َل ْي َ
()1
َن ْف ِسَ ،ف َق َال النَّبِ ُّي َص ََّل اهللُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َمْ :اْل َن َيا ُع َم ُر)
( )1البخاري -األ ريامن و النذور -كيف كانت يمني النبي صىل اهلل عليه وسلم رقم (.)6632
63
عليه وسلم عىل عمر حب نفسه ،بل وجهه لرتتيب أولويات املحبة،
بتقديم حمبة الرسول صىل اهلل عليه وسلم عىل حمبة النفس ،فهو من
أنقذنا من الضاللة و أرشدنا للهداية بفضل اهلل تعاىل ،فهو أجدر أن
نحبه أكثر من أنفسنا ألنه بسببه بعد اهلل تعاىل تسعد نفوسنا ِف الدنيا
واآلخرة ،وهذا ال يتعارض مع حب النفس الذي يؤدي إىل تقدير
الذات ،فيدفع اإلنسان نحو النجاح.
واملقصود بتقدير الذات( :الطريقة التي يشعر هبا املرء إزاء ذاته،
وحكمه العام عليها وإَل أي مدى حيب ذاته) ،وهناك من عرفه بقوله:
(سمة تشي إَل درجة حمبة أو كراهية املرء لذاته) ،فهل يعقل أن هناك
()1
وتقدير الذات له تأثري عميق عىل مجيع جوانب حياتنا ،فهو يؤثر
عىل مستوى أدائنا ِف العمل ،وعىل الطريقة التي نتفاعل هبا مع الناس،
وِف قدرتنا عىل التأثري عىل اآلخرين ،وعىل مستوى صحتنا النفسية،
()2
فحكمنا عىل ذواتنا أهم من حكم اآلخرين علينا.
( )1انظر :ماهلي ،رانجيت ماهلي ،ودبليو ،تعزيز تقدير الذات ،مكتبة جرير ،الرياض ،ط ،2005 ،1ص 2
64
وهذا ال يعني العجب بالنفس و الكِّب ،وال يعني عدم تقبل نقد
اآلخرين ،وتقبل مواطن الضعف ،فاملقصود نظرة اإلنسان لنفسه و
تقبلها بام خلقها اهلل تعاىل ،فيتقبل هذه ِ
اخللقة و ال خيجل منها ،فهو
فأحبب نفسك
( )1لندنفيلد ،جيل لندنفيلد ،حتفيز الذات ،مكتبة جرير ،الرياض ،الطبعة الثالثة ،2007 ،ص.36
65
66
الحديث الحادي عشر
َع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة ريض اهلل عنهَ ،ع ِن النهبِ ِّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم
ض َ ،و َلكِ َّن ا ْل ِغنَى ِغنَى ()1 َق َالَ ( :ل ْي َس ا ْل ِغنَى َع ْن َك ْث َر ِة ا ْل َع َر ِ
النَّ ْف ِ
س) .
()2
( )2البخاري-الرقاق -الغنى غنى النفس -رقم ،)6446 (:ومسلم-الزكاة-ليس الغنى عن كثرة العرض-رقم:
(.)1051
67
ينفق ساعاته وأوقاته ِف الغنى احلقيق ،وهو طلب الكامالت ليزيد غنى
بعد غنى ،ال ِف املال ألنه فقر بعد فقر) ،وذهب بعض الرشاح أن
()1
املقصود القناعة و الرضا بقدر اهلل تعاىل ،قال ابن بطال( :يريد ليس
كثريا ممن وسع اهلل عليه ِف املال
حقيقة الغنى عن كثرة متاع الدنيا ،ألن ً
يكون فقري النفس ال يقنع بام أعطى فهو جيتهد دائ ًبا ِف الزيادة ،وال يباىل
من أين يأتيه ،فكأنه فقري من املال؛ لشدة رشهه وحرصه عىل اجلمع،
وإنام حقيقة الغنى غنى النفس ،الذى استغنى صاحبه بالقليل وقنع به،
ألح ِف الطلب ،فكأنه غنى واجد أبدً ا،
ومل حيرص عىل الزيادة فيه ،وال ر
وغنى النفس هو باب الرضا بقضاء اهلل تعاىل والتسليم ألمره علم أن
ما عند اهلل خري لألبرار ،وىف قضائه ألوليائه األخيار) ،والشك أن
( )2
الرضا بالقدر و القناعة بام رزق اهلل تعاىل العبد من مجلة الكامالت التي
جتعل اإلنسان غني ًا ،فمن مجع بني هذه الكامالت اكتمل له غنى النفس.
فكن َغ َ
ني النفس
( )1الطيبي :احلسني بن عبد اهلل ،رشح مشاة املصابيح ،حتقيق عبد احلميد هنداوي ،مكتبة نزار الباز ،مكة املكرمة،
الطبعة األوىل1417 ،هـ1997-م)281/10( ،
( )2ابن بطال :عيل بن خلف ،رشح صحيح البخاري ،حتقيق يارس بن إبراهيم ،مكتبة الرشد ،الرياض ،الطبعة
الثانية 1423هـ2003-م.)165/ 10( ،
68
الحديث الثاني عشر
يض اهللُ َعن َرها َقا َل رت :قال صىل اهلل عليه وسلم: ِ ِ
َع رن َعائ َش َة َر َ
( ُخ ُذوا ِم َن ْاألَ ْع َام ِل َما تُطِي ُق َ
ونَ ،فإِ َّن اهللَ َل ْن َي َم َّل َحتَّى َتَ َ ُّلوا َوك َ
َان
ولَ :أحب ا ْلعم ِل إِ ََل اهللِ ما داوم ع َلي ِه ص ِ
اح ُب ُهَ ،وإِ ْن َق َّل)
()1
َ َ َ َ َ ْ َ َي ُق ُ َ ُّ َ َ
69
فليس املهم أن تنجح مرة أو مرتني ثم تسقط بعد ذلك ،املهم هو
دوام النجاح ،واستمرارية العطاء ،وذلك أن النجاح ال يكون إال
بإتقان مراحله ،وهذا اإلتقان يأيت بإنجاز القليل الدائم ،ثم التدرج بعد
ذلك إلتقان ما هو أكثر ،فالدوام و اإلتقان هو ما يصنع النجاح،
والبعض يريد أن يقفز للنجاح قفز ًا ،ويقطع مراحله بأرسع وقت ،دون
أن ينجز ولو القليل ،وهذا ما جيعله رسيع السقوط.
ل وَل ّ
َتل ِ
فداوم عَل اإلنجاز ولو كان قلي ا
70
الحديث الثالث عشر
ول اهللِ َص ََّل اهللُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َمَ ،ف َل ْم َي ْس َأ ْل ُه َأ َحدٌ ِمن ُْه ْم إِ ََّل
َس َأ ُلوا َر ُس َ
َش ٍء َأ ْن َف َق بِ َيدَ ْي ِه: َأع َطاه ،حتَّى ن َِفدَ ما ِعنْدَ هَ ،ف َق َال َُهلم ِح َ ِ
ني نَفدَ ك ُُّل َ ْ ْ ُ َ ْ ُ َ
ي ََل َأ َّد ِخ ُر ُه َعنْك ُْمَ ،وإِ َّن ُه َم ْن َي ْست َِعفَّ ُي ِع َّف ُه اهللُ،
َما َيك ُْن ِعن ِْدي ِم ْن َخ ْ ٍ
ِِ
ب ُه اهللَُ ،و َم ْن َي ْس َتغ ِْن ُيغْنه اهللَُ ،و َل ْن ُت ْع َط ْوا َع َط ا
اء ب ُي َص ي ْ
َو َم ْن َيت ََص َّ ْ
ِ
الص ْ ِب) .
()1
َخ ْ ايا َو َأ ْو َس َع م َن َّ
الفرق بني الناجحني و سواهم قوة اإلرادة عىل التغيري ،وِف هذا
احلديث يضع لنا النبي صىل اهلل عليه وسلم سنة كونية ِف التغيري ،وهي
أن اإلنسان هو مصدر التغيري إن أراد ذلك ،واهلل بفضله يعينه عليه،
فمن طلب العفة يعفه اهلل ،ومن طلب الصّب يصّبه اهلل ،وهكذا ِف كل
أمور احلياةِ ،ف اخلري و الرش ،قال تعاىلَ { :ف َل هام َزا ُغوا َأ َزا َغ اهللهُ ُق ُل َ ُ
وهب رم
71
اس ِق َ
ني} [الصف ،]5 :فاإلنسان فاعل حقيقي واهللهُ َال هي ِدي ا رل َقوم ا رل َف ِ
ر َ َر َ
لعمله ،وهذا يرتب عليه مسؤولية اَتاذ القرار ،ومسؤولية حتمل نتائج
هذا القرار ،ومن أهم القرارات ِف حياة اإلنسان :قرار التغيري ،وأنت
من يملك هذا القرار ،فإذا علم اهلل منك صدق اإلرادة للتغيري سهل
لك سبله وأعانك عليه ،ومن هنا نقول ومن يستنجح ينجحه اهلل،
بمعنى أن من طلب النجاح وأخذ بأسبابه فاهلل تعاىل لن خيذله بل يس
له النجاح ،املهم أن تبدأ اخلطوة األوىل نحو التغيري ،وترتك دائرة
الراحة التي تعودت عليها ،فطبيعة النفس أهنا ترتاح لوضعها التي
اعتادت عليه و تكره التحول عنه ،ومن هنا يأيت الصّب كقوة حمركة
للتغيري ،فلذلك وصفه النبي صىل اهلل عليه وسلم بخري وأوسع عطاء،
فالصّب رزق من اهلل تعاىل لعبده ،أما أنه خري ألن نتائجه ال تكون إال
خري ًا ،وأما أوسع فألنه يفتح لك أبواب ًا من اخلري ال حدود هلا ،وينبني
عليه من اخلري ما ال يتوقعه اإلنسان ،واملتتبع ألحوال الناجحني
مسلمهم وكافرهم جيد أن الصفة املميزة هلم الصّب ِف طريق النجاح،
وحتمل أعبائه بغري ضجر و ال ملل ،قال الشيخ السعدي( :وقد وعد
اهلل الصابرين ِف كتابه وعىل لسان رسوله أمور ًا عالية جليلة ،وعدهم
72
باإلعانة ِف كل أمورهم ،وأنه معهم بالعناية والتوفيق والتسديد ،وأنه
حيبهم ويثبت قلوهبم وأقدامهم ،ويلقي عليهم السكينة والطمأنينة،
ويسهل هلم الطاعات ،وحيفظهم من املخالفات ،ويتفضل عليهم
بالصلوات والرمحة واهلداية عند املصيبات ،واهلل يرفعهم إىل أعىل
املقامات ِف الدنيا واآلخرة ،وعدهم النْص ،وأن ييسهم لليسى
وجينبهم ال ُعسى ،ووعدهم بالسعادة والفالح والنجاح ،وأن يوفيهم
أجرهم بغري حساب ،وأن خيلف عليهم ِف الدنيا أكثر مما أخذ منهم من
حمبوباهتم وأحسن ،يعوضهم عن وقوع املكروهات عوض ًا عاج ً
ال
يقابل أضعاف أضعاف ما وقع عليهم من كرهية ومصيبة ،وهو ِف
ابتدائه صعب شديد .وِف انتهائه سهل محيد العواقب كام قيل :والصّب
مثل اسمه ُم ٌّر مذاقته ...لكن عواقبه أحىل من العسل) ،فلذك قال اهلل
()1
( )1السعدي :عبد الرمحن بن نارص ،هبجة قلوب األبرار ،حتقيق عبد الكريم الدريني ،مكتبة الرشد ،الرياض،
1422ه2002-م ،ص.90
73
74
الحديث الرابع عشر
( )1رواه أمحد ( ،)24580والرتمذي-اجلهاد-فضل من مات مرابط ًا ،)1621(-واللفظ له ،وقال :حسن صحيح
( )2مصدر سابق )491/ 2( ،احلسني بن عبد اهلل ،رشح مشكاة املصابيح.
75
وقال( :املجاهد ليس من قاتل الكفار فقط ،بل املجاهد من
حارب نفسه ومحلها وأكرهها عىل طاعة اهلل تعاىل؛ ألن نفس الرجل
أشد عداوة معه من الكفار؛ ألن الكفار أبعد منه ،وال يتفق التالحق
والتقابل معهم إال حينا بعد حني ،وأما نفسه فأبد ًا تالزمه ،ومتنعه من
اخلري والطاعة ،وال شك أن القتال مع العدو الذي يالزم الرجل أهم
من القتال مع العدو الذي هو بعيد منه)
76
الحديث الخامس عشر
ول اهللِ َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َع رن َأ ِِب ُهر رير َة ريض اهلل عنه َع رن رس ِ
َ ُ َ َ
اْل ْل ِق، َوس هلم َق َال( :إِ َذا َن َظر َأ َحدُ كُم إِ ََل م ْن ُف يض َل َع َلي ِه ِِف ا َْمل ِ
ال َو َْ ْ َ ْ َ َ َ
َف ْل َينْ ُظ ْر إِ ََل َم ْن ُه َو َأ ْس َف ُل ِمنْ ُه) .
()1
( )1البخاري-الرقاق-لينظر إىل من هو أسفل منه -رقم ،)6490( :ومسلم-الزهد و الرقائق-رقم (.)2963
77
(ه َذا من أحسن راألَ َدبَ ،وبِه يطيب
قال اإلمام ابن اجلوزيَ :
يشءَ ،فإِذا نظرت إِ َىل من ِ ِ
ا رل َع ريشَ ،فإن النهفس حتب َأال يفوقها أحد ِف َ ر
قد فاقها ا رنك ََستَ ،و ُر َبام تسخطت َما ِه َي فِ ِيهَ ،فإِذا نظرت إِ َىل من دوهنَا
عرفت قدر النِّ رع َمة َف َشكَرت) .
()1
( )1مجال الدين أبو الفرج ،كشف املشكل من حديث الصحيحني ،حتقيق عيل البواب ،دار الوطن ،الرياض،
()514-513/3
( )2زين الدين العراقي ،وابنه أبو زرعة ،طرح التثريب رشح التقريب ،الطبعة املْصية القديمة.)145/ 8( ،
78
الحديث السادس عشر
79
مستوى األفراد و اجلامعات ،وِف احلديث كيف مل يتقبل املسلمون أن
تسبق ناقة النبي صىل اهلل عليه وسلم العضباء ،ووجه اشتداد األمر
عليهم:
80
الحديث السابع عشر
ول اهللِ َص هىل اهللُ َع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة ريض اهلل عنه َق َال :ك َ
َان َر ُس ُ
ول( :ال َّل ُه َّم َأ ْصلِ ْح َِل ِدينِي ا َّل ِذي ُه َو ِع ْص َم ُة َأ ْم ِري، َع َل ري ِه َو َس هل َم َي ُق ُ
آخ َر ِِت ا َّلتِي فِ َيها
اَش ،و َأصلِح َِل ِ
َ ْ ْ
و َأصلِح َِل د ْنياي ا َّلتِي فِ َيها مع ِ
َ َ َ ْ ْ ُ َ َ
احل َيا َة ِز َيا َد اة َِل ِِف ك يُل َخ ْ ٍ ِ
اج َع ِل ا َْمل ْو َت َر َ
اح اة يَ ،و ْ اج َع ِل َْ َم َعاديَ ،و ْ
ِ
رش) . َِل م ْن ك يُل َ ٍّ
()1
81
.3النجاح ِف أمور احلياة و الفشل ِف الدين واآلخرة ،فهو
يستمتع بالدنيا و حيرم نفسه متعة اآلخرة.
.4الفاشلون ِف احلياة والدينِ ،ف الدنيا واآلخرة ،فذاك
املحروم ،فهو حرم نفسه متعة الدنيا واآلخرة.
ومن هنا كان هذا الدعاء اجلامع من النبي صىل اهلل عليه وسلم
بصالح الدين الذي هو احلافظ لإلنسان من كل زلل ،وإصالح الدنيا
التي فيها معاش اإلنسان و تفاصيل حياته ،وتأمل كيف طلب النبي
صىل اهلل عليه وسلم من ربه اإلصالح ،فهو مل يطلب الدين و الدنيا،
بل طلب صالحهام ،وتأمل هذه الثنائية العضوية الرائعة بني الدين و
احلياة ،بني الدنيا و اآلخرة ،فال صالح ألحدمها بفساد اآلخر ،وتأمل
ِف آخر الدعاء بطلب الزيادة من احلياة من كل خري ،وطلب املوت
للراحة ،فحتى املوت متعة يطلبها اإلنسان ،فهذا احلديث العظيم يمثل
فلسفة وجودية لإلنسان ،وحيمل املسلم مسؤولية عظيمة ِف الدنيا
بإصالحها ،وذلك بالتفاعل مع احلياة و إنتاج احلضارة ،وربطها
بالدين و اآلخرة.
82
الحديث الثامن عشر
ْت َأبِ ُ
يت ب راألَ رس َل ِم ُّي ريض اهلل عنهَ ،ق َالُ :كن ُ عن َربِي َع َة ربن َك رع ٍ
83
.1عليك بمرافقة الناجحني العظامء ،بل وخدمتهم لتتعلم منهم
وتقتدي هبم ،وتكسب من فرص نجاحهم.
.2الناجحون يبادرون لتقديم املكافآت لغريهم.
.3الفرص ال تتكرر ،فال تضيعها و استثمرها لصاحلك.
.4ضع أهداف ًا عظيمة( .مرافقتك باجلنة)
.5ال تتنازل عن طموحاتك ( .هو ذاك)
.6ناقش اآلخرين ِف أهدافهم ،وتأكد من جديتهم ِف حتقيقها (أو غري
ذلك).
.7ال َتذل اآلخرين ِف حتقيق طموحاهتم ،بل ساعدهم عىل ذلك.
.8الدور األكّب ِف حتقيق األهداف يقع عىل عاتقك ،وهي
مسؤوليتك( .أعني عىل نفسك)
.9األهداف العظيمة بحاجة لزخم وديمومة ،فلذلك مل يقل له النبي
صىل اهلل عليه وسلم :عليك بالسجود ،بل بكثرة السجود.
84
الحديث التاسع عشر
عن عائشة ريض اهلل عنها عن النبي صىل اهلل عليه وسلم َق َال:
َش ٍء إَِلَّ َشا َن ُه) .
()1 ِ ُون ِف َ ٍ
َشء إَِلَّ َزا َن ُه َوَلَ ُينْز َُع م ْن َ ْ
ْ (إِ َّن ي
الر ْف َق َلَ َيك ُ
85
قالت :فقال النبي صىل اهلل عليه وسلم( :مه ً
ال يا عائشة ،إن اهلل
حيب الرفق ِف األمر كله) فقلت :يا رسول اهلل أو مل تسمع ما قالوا؟ قال
رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم( :قد قلت :وعليكم) .
()1
( )1البخاري – األدب -الرفق ِف األمر كله رقم ( )6024واللفظ له ،ومسلم – السالم النهي عن ابتداء أهل
الكتاب بالسالم .رقم (.)2165
2البخاري – األدب – مل يكن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم فاحش ًا رقم (.)6030
86
الحديث العشرون
عن أنس بن مالك ريض اهلل عنه قال النبي صىل اهلل عليه
ج ُبنِي ا ْل َف ْأ ُل ،ا ْلكَلِ َم ُة َْ
احل َس َن ُة، وسلمََ ( :ل َعدْ َوى َو ََل طِ َي َة َ ،و ُي ْع ِ
()1
َ
ا ْلكَلِ َم ُة ال َّط يي َب ُة)
()2
( )1الطرية :عادة عند أهل اجلاهلية بإرسال الطري فإن جاء جهة الشامل تشا َءم و مل يفعل األمر.
( )2البخاري-الطب-الفأل –رقم ،)5756( :ومسلم واللفظ له-السالم-الطرية والفأل-رقم.)2224( :
( ) 3د .املبيض :مأمون املبيض ،الذكاء العاطفي والصحة العاطفية ،املكتب اإلسالمي ،بريوت ،ص .171
( ) 4جوملان :دانيال جوملان ،الذكاء العاطفي ،ترمجة ليىل اجلباِل ،املجلس الوطني للثقافة ،الكويت ،ص.130
87
فام هي الكلمة احلسنة والطيبة؟
أما التشاؤم فهو عدو النجاح األول ،وهو (نزعة اعتيادية ِف
الذهن إىل رؤية كل يشء أسود قامت ًا ،وأخذ اجلانب السيئ من كل يشء
وإمهال ما عداه) ،والتشاؤم يعدي ،فال يكتفي املتشائم هبدم نفسه، ()2
( )3
وإنام ينزع بطبيعته إىل نرش (وبائه النفيس)
فاحذر النظرة التشاؤمية واملتشائمني :عن أِب هريرة ريض اهلل عنه
()4
قال صىل اهلل عليه وسلم( :إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم)
تروى بالرفع (أهل ُك ُهم) :أي أشدهم هالك ًا ،وهذا ما يؤيده الواقع
فأمثال هؤالء تراهم أشد الناس فش ً
ال ،فينظر للناس بمنظار تشاؤمه.
وتروى بالنصب (أهلكَهم) :أي سبب هالكهم ،فهو يشيع بينهم
التشاؤم.
( )2كتاب تغلب عىل التشاؤم ،ترمجة عبد اللطيف رشارة ،دار إحياء العلوم ،السلسلة النفسية ،ص11
88
وتذكر قوله تعاىلَ {:و َال َت ري َأ ُسوا ِمن هر روحِ اهلل إِ هن ُه َال َي ري َأ ُس ِمن هر روحِ
ون} [يوسف.]87 : اهلل إِ هال ا رل َق رو ُم ا رلكَافِ ُر َ
فاهلل تعاىل مصدر تفاؤلنا فهو سبحانه عىل كل يشء قدير وال
يعجزه يشء ِف األرض وال ِف السامء ،فمهام كانت املصاعب
والصعاب ،فاألمل باهلل عظيم ،وِف احلديث القديس( :إنا عند ظن
عبدي ِب) ،فام ظنك باهلل؟! ()1
فكن متفائ ا
ل
( )1رواه مسلم – الذكر – احلث عىل ذكر اهلل تعاىل – رقم ( )1675من حديث أِب هريرة ريض اهلل عنه.
89
90
الحديث الحادي و العشرون
ولت ريض اهلل عنه َق َالَ ( :شك َْونَا إِ ََل رس ِ اب رب ِن راألَ َر ِّ َع رن َخ هب ِ
َ ُ
اهللَِّ َص ََّل اهللَُّ َع َل ْي ِه َو َس َّل َم َو ُه َو ُمت ََو يسدٌ ُب ْر َد اة َل ُه ِِف ظِ يل ا ْل َك ْع َب ِة َف ُق ْلنَا
ِْص َلنَا َأ ََل تَدْ ُعو َلنَاَ ،ف َق َال َقدْ ك َ ِ
الر ُج ُل َان َم ْن َق ْب َلك ُْم ُي ْؤ َخ ُذ َّ َأ ََل ت َْس َتن ُ
وض ُع َع ََل َر ْأ ِس ِه اء بِا ْملِن َْش ِ
ار َف ُي َ ِ
ض َف ُي ْج َع ُل ف َيها َف ُي َج ُ َف ُي ْح َف ُر َل ُه ِِف ْاألَ ْر ِ
91
يقيض عىل النجاح استسهال طريقه ،واستعجال نتائجه ،فام جاء رسيع ًا
يذهب رسيع ًا ،وليس التفاؤل أن تنظر لألمور بمنظار مجيل وتستعجل
النتائج اجلميلة من غري بذل أسباهبا.
وتأمل ِف جواب النبي صىل اهلل عليه وسلم للصحابة ،حيث بني
هلم صعوبة الطريق ،ضارب ًا املثل هلم ممن سبقهم ،حيث التضحيات مع
الثبات ،ولكنه أردف ذلك بروح التفاؤل للمستقبل ،وخلص ذلك
بقوله( :ولكنكم تستعجلون).
92
الحديث الثاني والعشرون
ود ريض اهلل عنهَ ،ع رن النهبِ ِّي َص هىل اهللهُ َع َل ري ِه عن َعب ِد اهللهِ ب ِن مسع ٍ
ر َ ر ُ ر
َان ِِف َق ْلبِ ِه ِم ْث َق ُال َذ َّر ٍة ِم ْن كِ ْ ٍب، َو َس هل َم َق َالَ( :ل َيدْ ُخ ُل َْ
اْل َّن َة َم ْن ك َ
ب َأ ْن َيك َ ِ
ُون َث ْو ُب ُه َح َسناا َو َن ْع ُل ُه َح َسنَ اةَ ،ق َال َق َال َر ُج ٌل إِ َّن َّ
الر ُج َل ُحي ُّ
غَم ُط الن ِ ب َب َط ُر َْ ِ ب َْ إِ َّن اهللََّ َجِ ٌ ِ
َّاس) . احل يق َو ْ اْل َام َل ،ا ْلك ْ ُ يل ُحي ُّ َ
()3 ()2 ()1
( )4انظر :السعدي ،عبد الرمحن السعدي ،هبجة قلوب األبرار ،وزارة األوقاف ،الرياض423 ،ه ،ص148
93
فالتجمل عبادة ألن اهلل تعاىل حيب اجلامل ،قال ابن ُهبرية( :فهو
يدلل عىل أن حتسني الرجل ثوبه وتنظيفه يكون عبادة اهلل عز وجل ،من
أنه ِف تنظيفه الثوب تطييب لرحيه وشكر هلل عز وجل حلاله وتظاهره
بالغنى الدافع ألعطيات الناس ،وِف توسيخ الثوب من الزفر وما
يتأذى به اجللساء وشكواه ربه بلسان حاله وتعريضه نفسه ألعطيات
أيضا للمؤمنني إذا بدا ِف مثل تلك البزة ،أي
الناس برثاثة زيه وَتجيله ً
اللباس) .
()1
فكن َجي ا
ل
( )1ابن هبرية الذهيل ،اإلفصاح عن معاين الصحاح ،مصدر سابق)101/ 2( ،
94
الحديث الثالث و العشرون
عن َس رهل بن َحنيف ريض اهلل عنهَ ،ع ِن النهبِ ِّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه
ت َن ْف ِسَ .و َلكِ ْن لِ َي ُق ْل: َو َس هل َم َق َالََ ( :ل َي ُقو َل َّن َأ َحدُ ك ُْمَ :خ ُب َث ْ
()2
ت َن ْف ِس) .
()1
َل ِق َس ْ
ومن اجلامل استعامل األلفاظ اجلميلة ،وترك األلفاظ القبيحة جتنب ًا
ألثرها عىل النفس ،فإن لأللفاظ السيئة إحياء سلبي ،فاجلميل املتفائل
يرتك األلفاظ القبيحة و العبارات املتشائمة ،ويستبدهلا بعبارات مجيلة
تبعث عىل التفاؤل و اإلجيابية ،قال اإلمام اخلطاِب( :لقست وخبثت
واحد ِف املعنى تقول :لقست نفيس ومقست و تبثرت ،بمعني خبثت،
وإنام كره من ذلك اسم اخلبث ،فاختار اللفظة الّبيئة من البشاعة
السليمة منها ،كان من سنته تبديل االسم القبيح باحلسن) .
()3
( )2البخاري-األدب-ال يقل خبثت نفيس-رقم ،)6180( :ومسلم-األلفاظ من األدب-كراهة قول اإلنسان
خبثت نفيس .رقم.)2251( :
( )3سليامن بن محد ،أعالم احلديث ،حتقيق حممد آل سعود ،جامعة أم القرى ،ط1988 ،1م)2209/ 3 ( ،
95
وخبثت نفيس ِ
ولقست -بالكس ،-إذا غثت ،وملا كان اخلبث
يطلق عىل الغثيان وعىل خباثة النفس وسوء اخللق كره إطالقه .
()1
فإنه صىل اهلل عليه وسلم كان يعجبه االسم احلسن ،ويتفاءل به،
ويكره االسم القبيح ويغريه .
()2
( )1انظر :البيضاوي ،نارص الدين البيضاوي ،حتفة األبرار رشح مصابيح السنة ،وزارة األوقاف ،الكويت،
1433هـ2012 ،م)226-225/ 3( ،
( )2انظر :ابن الدماميني ،حممد بن أِب بكر ،مصابيح اجلامع ،حتقيق نور الدين طالب ،دار النوادر ،دمشق ،الطبعة
األوىل1430 ،هـ2009-م)361 / 9( ،
96
الحديث الرابع و العشرون
َع ِن ا رب ِن َع هب ٍ
اس ريض اهلل عنهام َأ هن َر ُس َ
ول اهللِ صىل اهلل عليه
وسلم ملَها َب َع َث ُم َعا ًذا إِ َىل ا رل َي َم ِن َق َال( :إِن َ
َّك َت ْقدَ ُم َع ََل َق ْو ٍم َأ ْه ِل
وه ْم إِ َل ْي ِه ِع َبا َد ُة اهللَِّ َع َّز َو َج َّلَ ،فإِ َذا َع َر ُفوا كِت ٍ
َاب َف ْل َيك ُْن َأ َّو َل َما تَدْ ُع ُ
ات ِِف َي ْو ِم ِه ْم اهللََّ َف َأ ْخ ِبهم َأ َّن اهللََّ َفر َض ع َلي ِهم ََخْس ص َلو ٍ
َ َ َ َ ْ ْ َ ُْ ْ
ب ُه ْم َأ َّن اهللََّ َقدْ َف َر َض َع َل ْي ِه ْم َزكَا اة ت ُْؤ َخ ُذ َ ِ ِِ
َو َل ْي َلته ْمَ ،فإ َذا َف َع ُلوا َفأ ْخ ِ ْ
اعوا ِ َهبا َفخُ ْذ ِمن ُْه ْم َوت ََو َّق ِ
ت ُّد َع ََل ُف َق َرائ ِه ْم َفإِ َذا َأ َط ُ ِ َ ِ ِِ
م ْن أغْن َيائه ْم َف ُ َ
اهل ْم) . كَرائِم َأمو ِ
()2
َ َ َْ ()1
( )2البخاري-التوحيد-دعاء النبي صىل اهلل عليه وسلم أمته للتوحيد –رقم ،)7372(:ومسلم-اإليامن-الدعاء
للشهادتني-رقم.)28( :
97
.1اختيار معاذ بن جبل-ريض اهلل عنه-للمهمة.
.2بني له اجلهة التي سيتوجه إليها.
.3بني ملعاذ طبيعة اجلمهور الذي سيلتقي هبم (.أهل كتاب ).
.4وضع له خطوات العمل :الدعوة للتوحيد-الصالة-الزكاة-
ترك الظلم ِف الزكاة ،وهذه األمور متثل القيم األساسية التي
انطلقت منها اخلطة ،فالتخطيط وفق القيم العليا هو التخطيط
الناجح.
.5رتب له أولويات العمل :فالتوحيد هو األولوية األهم،
ويرتتب عليه باقي األعامل.
اهلل عليه وسلم ملعاذ ريض اهلل عنه لليمن مع ذكر أمثلة افرتاضية
للتوضيح:
( )1انظر :كوِف ،ستيفن كوِف ،وآخرون ،إدارة األولويات ،ترمجة السيد متوِل ،مكتبة جرير ،الرياض ،الطبعة
اخلامسة ،2007ص 38و ما بعدها.
98
املربع األول( :مربع الطوارئ ) :مهم وعاجل
99
بالقيم العليا ( نرش التوحيد) ،و التخطيط طويل األجل ،حتى إذا
احتاج إليه وجده مستعد ًا إلنجاز املهمة ،وهذا ما قىض فيه النبي صىل
اهلل عليه وسلم وقته فيه ،وهذا مربع الناجحني ،يرتبون أوقاهتم
بحسب قيمهم العليا ،فإذا حدث أمر طارئ كان اإلنسان جاهز ًا
إلنجاز مهمته ،فالناجحون يقضون معظم أوقاهتم ِف املهم غري
العاجل و فق رؤيتهم للحياة ،وال جيعلون حياهتم رهن األمور
الطارئة ،فإذا حدثت الطوارئ فهم مستعدون ،ولو تصورنا أن معاذ ًا
-وهو من أفقه الصحابة -مل هيتم بتكوينه الفكري العقدي و الدعوي
-وحاشاه-هل سينجح ِف املهمة .؟!!
100
املربع الرابع ( :مربع الضياع ) :غي مهم و غي عاجل
غير مهم
للسفر ،فالزينة ليست مهمة وغري
101
فربام مرض اإلنسان أو انشغل بحالة مل تكن ِف احلسبان ،ومن هنا نفهم
حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم( :نعمتان مغبون فيهام كثري من
الناس :الصحة و الفراغ) .
()1
102
الحديث الخامس والعشرون
يض اهللُ َعنر ُه َق َالَ :ق َال النهبِ ُّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه ِ
َع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة َر َ
ني :ا َّل ِذي َّاس َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة ِعنْدَ اهللِ َذا ا ْل َو ْج َه ْ ِ
رش الن ِ ِ ِ
َو َس هل َمََ ( :تدُ م ْن َ ي
َي ْأ ِِت َه ُؤ ََل ِء بِ َو ْج ٍه َو َه ُؤ ََل ِء بِ َو ْج ٍه) .
()1
103
قل زئبقية ،أو انتهازية ،حتاول أن تسد نقصها بمحاولة اسرتضاء
اجلميع ،وربام مجع كل ذلك ،فوصفه النبي صىل اهلل عليه وسلم بذي
الوجهني ،وجعله رش الناس يوم القيامة عند اهلل تعاىل.
104
ومع مجيع الطبقات ،املسلم عليه أن يكون مستقي ًام عىل الْصاط
املستقيم ظاهر ًا وباطن ًا ،ريض من ريض ،وغضب من غضب،
جتد بعض الناس إذا كان ِف جمالس يعني فيها توسع توسعا أكثر
من العامة ،وهو ِف األصل طالب علم ،بحيث يتسع له
جمالسهم ،إذا جلس مع العباد والزهاد جتده مطأطئ الرأس
كأنه أزهد الناس ،وإذا جلس مع األرشار بادرهم باألخبار،
وجاذهبم احلديث ،وتوسع معهم هذا ذو الوجهني الذي يأيت
هؤالء بوجه وهؤالء بوجه) .
( )1
( )1رشح كتاب املوطأ ،منشور عىل املكتبة الشاملة ،كتاب اجلامع ( )13باب :ما جاء ِف إضاعة املال وذي الوجهني
105
وقد يظن البعض أن التصالح مع الذات أن ال يباِل اإلنسان
باملجاهرة باملعايص ،فيعلن ذلك أمام الناس وعىل وسائل التواصل
االجتامعي بحجة أنه متصالح مع ذاته ،فال يريد أن يظهر أمام الناس
بمظهر ،وخيفي مظهر ًا آخر ،وليس هذا من التصالح مع الذات ِف
يشء ،فإن املسلم مطلوب منه أن يسرت عىل نفسه وأن ال يشيع الفاحشة
ِف جمتمعه ،وعىل أن جياهد نفسه برتك املعايص ،وهو ِف رصاعه مع
نفسه مأجور حلمله هم املعصية ،ففي احلديث عن َأِب ُه َر ري َر َة عن النبي
اه ِري َنَ ،وإِ هن ِم َن املرَ َجان َِة
ص هىل اهللُ َع َلي ِه وس هلمُ ( :ك ُّل ُأمتِي مع ًاىف إِ هال املرُج ِ
َ ه َُ ر َ َ َ َ
الر ُج ُل بِال هل ري ِل َع َم ًال ُث هم ُي رصبِ َح َو َقدر َس َ َ
رت ُه اهللَُ ،ف َي ُق َ
ولَ :يا ُف َال ُن، َأ رن َي رع َم َل ه
ات يس ُرته ربه ،ويصبِح يك ِرش ُ ِ َع ِم رل ُت ا رل َب ِ
رت
فسر َ ار َح َة ك ََذا َوك ََذاَ ،و َقدر َب َ َ ر ُ ُ َ ُّ ُ َ ُ ر ُ َ
اهللِ َعنر ُه) .
()1
فتصالح مع ذاتك
( )1البخاري-األدب-سرت املؤمن عىل نفسه ،)6069( -ومسلم -الزهد-النهي عن هتك اإلنسان سرت نفسه.
(.)2990
106
الحديث السادس والعشرون
َع رن َأنَس بن مالك ريض اهلل عنه َق َالُ :كنها ِعنردَ ُع َمر بن
ف) . اخلطاب ريض اهلل عنه َف َق َالُِ ( :نينَا ع ِن ال َّت َك ُّل ِ
()1
ُ َ
قال اإلمام ابن اجلوزي( :وأصل ال هت َك ُّلف :تتبع َما َال َمنر َف َعة فِ ِيه،
َان َم رأ ُمورا بِ ِه َأو َما َال ُيؤمر بِ ِه ر ِ
اإلن َرسانَ ،و َال حيصل إِ هال بِ َم َش هقةَ ،ف َأما إِذا ك َ
َوفِيه َمنر َف َعة َف َال َوجه للذم) .
()2
107
فتبني أن التكلف يقع بأمرين )1( :أمر ال مصلحة فيه )2( .مع
حصول املشقة.
108
الحديث السابع والعشرون
109
فقوة الشخصية ال تكون باألجسام و العضالت و االنفعال ورفع
الصوت كام نشاهد ذلك ِف حلبة املصارعة ،بل تكون بمن يتحكم
بذاته عند االنفعال ،وال سيام انفعال الغضب ،وهو حتكم قوي فلذلك
عّب عنه النبي صىل اهلل عليه وسلم بقوله( :يملك) ،بمعنى القدرة
ر
العالية عىل ضبط النفس ،وهذا يرد مقولة بأن الغضب يصعب التحكم
به ،أو أنه ال ينبغي كظمه ،بل أكثر من ذلك من يقول :إن التنفيس عن
الغضب يطهر النفس ،وهو ِف مصلحة الغاضب فهذه آراء خادعة إن
مل تكن حمض خرافات ،والتحكم ال يعني الكبت ،وإنام إدارة الغضب،
1
وهذا يرد الرأي القائل بأن الغضب يمكن احليلولة دون حدوثه متام ًا ،
2
فلذلك مل يقل النبي صىل اهلل عليه وسلم :الشديد من ال يغضب ،وإنام
قال( :من يملك نفسه عند الغضب) ،وهذا ما يعرف بالغضب الذكي.
وكم من شخص هدم نجاحه بسبب حلظة انفعال ندم عليها ،أو كلمة
مل يتحكم هبا خرجت ساعة غضب.
فتَحكّم بذاتك
110
الحديث الثامن والعشرون
عن كعب بن مالك ريض اهلل عنه ِف قصة توبته قال( :وكان
س استنار وجهه كأنه قطعة
رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم إذا ُ َّ
قمر ،قال :وكنا نعرف ذلك) .
()1
( )1البخاري – التفسري-وعىل الثالثة الذين خلفوا-رقم ( ،)4677ومسلم التوبة-توبة كعب بن مالك ،رقم
( )2769واللفظ له.
( )2البخاري-األدب-من مل يواجه الناس بالعتاب-رقم ( ،)6102ومسلم الفضائل -كثرة حياته -صىل اهلل
عليه وسلم رقم(.)2320
111
فالشخص الذكي وجداني ًا لديه القدرة عىل التعبري عن انفعاالته
بصورة دقيقة متنع سوء فهم اآلخرين له ،فعندما يكون غاضب ًا ،فإن
لديه القدرة عىل عكس انفعال الغضب عىل مالمح وجهه وصوته
وليس احلزن أو الضيق أو اخلوف مث ً
ال ،البعض تصعب قراءهتم،
تتساوى حالة الفرح واحلزن لدهيم ِف التعابري .
()1
ومن ذلك شعور الفرح بالنجاح ،ال تكبته و ال تتطرف فيه ،ولكن
عّب عنه شكر ًا هلل ،من غري إساءة ألحد ،وكافئ نفسك عىل نجاحاتك
ر
وإنجازاتك ،فهي من فضل اهلل عليك ،قال تعاىلُ { :ق رل بِ َف رض ِل اهلل
وبِر ر َ ِ ِ ِ
ون} [يونس]58 : محته َفبِ َٰذل َك َف رل َي رف َر ُحوا ُه َو َخ ر ٌري ِّممها َ ر
جي َم ُع َ َ َ
فعب عن مشاعرك
ّ
( )1انظر :اخلرض ،د .عثامن اخلرض ،الذكاء الوجداين ،اإلبداع الفكري للنرش والتوزيع – الكويت 2008م الطبعة
الثانية .ص .40
112
الحديث التاسع والعشرون
عن َعائِ َش َة ريض اهلل عنها ِف ذكر قصة دعوة النبي َص هىل اهللُ
الاْل َب ِ
ك ِْ َع َل ري ِه َو َس هل َم ألهل الطائف وإيذائهم له وفيهَ ( :فنَا َد ِاِّن َم َل ُ
ْت َأ ْن ُأ ْطبِ َقْت إِ ْن ِشئ َ ك فِ َيام ِشئ ََف َس َّل َم َع َ َّيل ُث َّم َق َالَ :يا ُحم ََّمدُ َف َق َالَ :ذلِ َ
ني ؟ َف َق َال النَّبِ ُّي َص ََّل اهللُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َمَ :ب ْل َأ ْر ُجو َأ ْنَع َل ْي ِه ُم ْاألَ ْخ َش َب ْ ِ
()1
( )2البخاري – بدء اخللق-إذا قال أحدكم آمني .رقم ( ،)3231واللفظ له ومسلم – اجلهاد والسري-ما لقي النبي
صىل اهلل عليه وسلم من أذى املرشكني .رقم (.)1765
113
حتقيق رجاءه من اهلل تعاىل أن خيرج من أصالهبم من يعبد اهلل تعاىل ،ما
هي إال بضع سنوات ،وخيرج أبناء هؤالء فاحتني منتْصين لدين اهلل
تعاىل ،فأي صّب هذا و أي تفاؤل وأي رمحة بل وأي نظرة اسرتاتيجية.
فانظر للمستقبل
114
الحديث الثالثون
ول اهللِ َص هىل اهللُ َع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة ريض اهلل عنه َق َالَ :ق َال َر ُس ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
َع َل ريه َو َس هل َمََ ( :ل َي ْف َر ْك ُم ْؤم ٌن ُم ْؤم َن اة ،إِ ْن ك َِر َه من َْها ُخ ُل اقا َر َ
يض ()1
( )1يكره.
115
نستطيع الفكاك منها ،أما صاحب التفكري املرن فإنه ينتقل بني الفئات
وبني هذه األنامط الفكرية وال يقع أبد ًا ِف ذلك احلصار الفكري .
()1
116
وربام مددها وبسطها وفسها بظنون وتأويالت جتعل القليل كثريا ،كام
هو الواقع .والقسم الثالث :من حلظ األمرين ،ووازن بينهام ،وعامل
الزوجة بمقتىض كل واحد منها ،وهذا منصف ،ولكنه قد حرم
الكامل) .
()1
( )1هبجة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار ِف رشح جوامع األخبار ،مصدر سابق ،ص12
117
118
الحديث الحادي و الثالثون
ِ ِ
ول اهللِ َص هىل اهللُ َع رن َجابِ ِر رب ِن َع ربد اهللِ َر َ
يض اهللُ َعن ُره َامَ :أ هن َر ُس َ
َع َل ري ِه َو َس هل َم َق َالَ ( :ر ِح َم اهللُ َر ُج الَ ،س ْم احا إِ َذا َب َ ِ
تى، اعَ ،وإ َذا ْاش َ َ
َوإِ َذا ا ْقت ََض ) .
()2( )1
( )3انظر :الطيبي ،رشح مشكاة املصابيح ،مصدر سابق ( )2115/ 7
119
والسامحة ال تعني جتاوز احلدود وارتكاب املحظور ،بل البحث
عن ما فيه تيسري ،والسعي حلل املشكالت بأدنى خسائر ،أو جتنب
اخلسارة إن أمكن ،عىل قاعدة (اْلميع يربح) ،ومن هنا ذكر البائع
واملشرتي ،لريبح اجلميع ،وهذا يشمل مجيع أمور احلياة ،فام املانع أن
يربح اجلميع بتسهيل األمور و السامحة ِف التعامل ،فليس رشط ًا أن
يكون هناك خارس ِف التعامل ،فعىل سبيل املثال املدير ِف مسؤولية ما
إذا سهل معاملة املراجعني فهو يربح لنجاحه ِف إدارته و حسن تعامله
مع مجهوره و حتقيق السمعة الطيبة ،وربام نال دعاء الناس له ،ويكفيه
أنه استحق دعاء النبي صىل اهلل عليه وسلم له بالرمحة ،وكذلك املراجع
يربح بإنجاز معاملته.
فكن سمح اا سه ا
ل وَل تعقد األمور
120
الحديث الثاني والثالثون
يض اهللُ َعنر ُه َق َالَ :س َأ رل ُت النهبِ هي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه ِ
َع رن َأ ِِب َذ ٍّر َر َ
َو َس هل َم َأ ُّي ا رل َع َم ِل َأ رف َض ُل؟ َق َال( :إِ َيام ٌن بِاهللَِ ،و ِج َها ٌد ِِف َسبِيلِ ِه،
غْل َها َث َمنااَ ،و َأ ْن َف ُس َها ِعنْدَ
اب َأ ْف َض ُل؟ َق َالَ :أ َ الر َق ِ ي ي تَ :ف َأ ُُّق ْل ُ
ني َصانِ اعاَ ،أ ْو ت َْصن َُع ِألَ ْخ َر َق ،
()1
تَ :فإِ ْن ََل ْ َأ ْف َع ْل؟ َق َال :ت ُِع ُ
َأ ْهلِ َهاُ ،ق ْل ُ
ِ
الْشَ ،فإِ َُّنَا َصدَ َق ٌة ت ََصدَّ ُق
َّاس م َن َّ ي َق َالَ :فإِ ْن ََل ْ َأ ْف َع ْل؟ َق َال :تَدَ ُع الن َ
ِ َهبا َع ََل َن ْف ِس َ
ك) .
()2
( )2البخاري-العتق-أي الرقاب أفضل-رقم ،)2518( :ومسلم-اإليامن-كون اإليامن باهلل أفضل األعامل-
رقم.)84( :
121
واألنفس ،وإن مل يستطع ،فأبواب اخلري ال تنقطع ،فيعني أصحاب
اإلنتاجية ليكون منتج ًا ،أو ينتج ملن ال يتمكن من ذلك ،وربام ضاقت
أبواب اخلري عليه ،يمكنه تطبيق قاعدة الكل يربح دون أن يقدم شيئ ًا،
وذلك بكف رشه عن اآلخرين ،فريبح بسالمته من اإلثم ،والناس
1
ربحوا كف الرش عنهم ،قال اإلمام ابن ُهبريةِ( :ف هذا من الفقه إن
اإلنسان إذا ضعف عن أن يعمل اخلري فينبغي أن يكون أقل أحواله
خريا فال أقل من أن ال يعمل
الكف عن الرش ،فإنه إذا مل يطق أن يعمل ً
رشا ،وهذا من غاية تنبيهاته -صىل اهلل عليه وسلم -ولطفه ِف حسن
ً
املوعظة ،) .وقالِ(:ف هذا من الفقه أن اإلنسان إذا أتى شي ًئا من الرش
فقد عرض نفسه الحتامل العقوبة عىل ذلك الرش ،فإذا كف عنه فقد
تصدق عىل نفسه بإراحتها من احتامل تلك العقوبة حني مل يمكنه أن
يسعى ِف أن حيصل لنفسه الفوائد والغنائم ،فال أقل من أن يتصدق
( )2
عليها بأن ال يعرضها من البالء ملا ال تطيقه)
( )1انظر :ابن اجلوزي ،كشف املشكل من حديث الصحيحني ،مصدر سابق)364/ 1 ( ،
122
الحديث الثالث والثالثون
ول اهللِ َص ََّل اهللُ َع َل ْي ِه َع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة ريض اهلل عنهَ ( :أ َّن َر ُس َ
يك ُْم ِم ْن وس َف َق َالَ :أ ََل ُأ ْخ ِبك ُْم بِخَ ْ ِ
ُ َاس ُج ُل ٍ َو َس َّل َم َو َقفَ َع ََل ن ٍ
اتَ ،ف َق َال َر ُج ٌلَ :ب ََل، ث مر ٍ رشك ُْم َق َالَ :ف َس َكتُواَ ،ف َق َالَ :ذلِ َ
ك َث َل َ َ َّ َي
ِ ِ َ
بنَا بِخَ ْينَا م ْن َ ي
رشنَاَ ،ق َالَ :خ ْ ُيك ُْم َم ْن ُي ْر َجى ول اهللِ أ ْخ ِ ْ
َيا َر ُس َ
( )1رواه أمحد ِف املسند ( ،)8813/411/14والرتمذي-الفتن-باب -67رقم ،)2263( :وقال :حسن صحيح
123
أبرز البيان ِف معرض العموم لئال يفتضحوا) وقال( :التقسيم العقيل
يقتيض أربعة أقسام ،ذكر منها قسمني ترغيب ًا وترهيب ًا ،وترك القسمني
الباقيني؛ إذ ال ترغيب فيهام وال ترهيب) .
()1
124
الحديث الرابع والثالثون
125
رواية مسلم ،وهذا الرقم أعجب الصحابة ،ولكن النبي صىل اهلل عليه
وسلم حذرهم مما يصيب اإلنسان من االبتالء رغم ما بلغ من القوة و
النجاح ،فحصل ما تنبأ به النبي صىل اهلل عليه وسلم بقوة بصرية
ِ
الر ُج َل القائد ،فيقول حذيفة ريض اهلل عنهَ (:ف َل َقدر َر َأ ري ُتنَا ا رب ُتلينَا َحتهى إِ هن ه
ض ا رل ِفت َِن التي جرت َب رعدَ َان ِِف َب رع ِ َل ُي َص ِّيل َو رحدَ ُه َو ُه َو َخائِ ٌ
ف)َ ،ف َل َع هل ُه ك َ
رسا خمَ َا َف ًةِ ِ النهبِ ِّي َص هىل اهللهُ َع َل ري ِه َو َس هل َم َفك َ
َان َب رع ُض ُه رم ُخيرفي َن رف َس ُه َو ُي َص ِّيل ًّ
وب .
()1 احلُ ُر ِ ول ِِف ا رل ِف رتن َِة َو ر
ور َواملرُ َشارك َِة ِِف الدُّ ُخ ِ
َ ِم َن ال ُّظ ُه ِ
ومجع اإلمام النووي بني رواية البخاري بأهنم كانوا ألفا و مخسامئة
ِ
يحالصح ُ اب ه (و ر َ
اجل َو ُ ورواية مسلم بأهنم بني الستامئة و السبعامئة بقولهَ :
الست ِِّامئ َِة إِ َىل
ني ِّإِ رن َشا َء اهللهُ َت َع َاىل َأ رن ُي َق َال َل َع هل ُه رم َأ َرا ُدوا بِ َق رو ِهل رم َما َب ر َ
مخس ِامئ ٍَة ُه رم َم َع
اص ًة َوبِ َق رو ِهل رم َف َك َت ربنَا َل ُه َأ رل ًفا َو َ ر ِ ِ ِ ِ
الس ربع ِامئَة ِر َج ُال املرَدينَة َخ ه
ه
ني َح رو َهل ُ رم) .
( )2
املرُ رسلِ ِم َ
( )1انظر :النووي :حمي الدين بن رشف ،املنهاج رشح صحيح مسلم ،دار إحياء الرتاث العرِب ،بريوت ،الطبعة
الثانية1392 ،هـ ( )180/ 2
126
الحديث الخامس والثالثون
ِ ِ
ول اهللِ َص هىل يض اهللُ َعن ُره َامَ :أ هن َر ُس َ عن َع ربد اهللِ رب ُن َأ ِِب َأ رو َىف َر َ
ِ ِ
اهللُ َع َل ريه َو َس هلم َق َالَ ( :أ ُّ َُّيا الن ُ
َّاس ََل َتت ََمن َّْوا ل َق َ
اء ا ْل َعدُ يو َو َس ُلوا اهللَ
ِ ِ
بوا) .
()1
اص ِ ُ
وه ْم َف ْ ا ْل َعاف َي َة َفإِ َذا َلقيت ُُم ُ
( )1البخاري-اجلهاد-كان النبي إذا مل يقاتل أول النهار-رقم ،)2966( :ومسلم-اجلهاد-كراهة متني لقاء
العدو-رقم.)1742( :
127
ور ِة ِ ِ ِ ِ ِ ِ
قال اإلمام النووي( :إِن َهام َهنَى َع رن َمتَنِّي ل َقاء ا رل َعدُ ِّو َملا فيه م رن ُص َ
وق بِا رل ُق هو ِة َو ُه َو ن رَو ُع َب رغ ٍي َو َقدرس َوا رل ُو ُث ِ اال ِّتك ِ
َال َع َىل النه رف ِ اب و ِ
اإل رع َج ِ َ رِ
128
الحديث السادس والثالثون
( )1وليس املقصود عموم بني متيم ،وإنام نفر منهم ،وكثري منهم حسن إسالمه بعد ذلك.
129
والبرشى :اسم من البشري ،وهي اإلخبار بام يس ويفرح غالب ًا،
وسميت بذلك ألنه يظهر أثرها عىل برشة الوجه ،واملراد هبذه البرشى:
اخلري العظيم الذي يرتتب عىل اإلسالم ،والنجاة من العذاب العظيم
الذي يرتتب عىل عدم الدخول ِف اإلسالم ،وذلك ِف الدنيا واآلخرة.
( )1انظر :الغنيامن ،عبد اهلل بن حممد ،رشح كتاب التوحيد من صحيح البخاري ،مكتبة الدار ،املدينة املنورة ،الطبعة
األوىل1405 ،هـ)376/ 1( ،
130
الحديث السابع والثالثون
َع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة ريض اهلل عنه َع ِن النهبِ ِّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم
ث َر ْأ ُس ُه، يل اهللِ َأ ْش َع َ َان َف َر ِس ِه ِِف َسبِ ِ
آخ ٍذ بِ ِعن ِ
()1 َق َالُ ( :طوبى لِعب ٍد ِ
َ َْ
احل َر َاس ِة َوإِ ْن ك َ
َان ِِف َان ِِف ْ ِ احل َر َاس ِة ك َ َان ِِف ْ ِ ْب ٍة َقدَ َما ُه ،إِ ْن ك َ
ُمغ َ َّ
السا َق ِة إِ ِن ْاست َْأ َذ َن ََل ْ ُي ْؤ َذ ْن َل ُه َوإِ ْن َش َف َع ََل ْ ُي َش َّف ْع) .
()3
السا َق ِة ك َ
َان ِِف َّ ()2
َّ
131
.4ال هيتم باملناصب (إن كان ِف احلراسة-أو ِف الساقة)
است رَأ َذ َن َمل ر ُي رؤ َذ رن َل ُه َوإِ رن َش َف َع ِ
.5ال يأبه به الناس وال يعرفونه (إِن ر
َمل ر ُي َش هف رع).
َان ِِف ه
السا َقة َان ِِف احلراسةَ ،وإِن ك َ (و َقوله :إِن ك َ
وقال ابن اجلوزيَ :
َان فِ ِيه) .
()2 الذكر َال ي رقصد السموَ ،ف َأ ري َن اترفق َل ُه ك َ
امل رعنى َأنه خامل ر
132
الحديث الثامن والثالثون
قرار النجاح قرار ذايت يعتمد فيه اإلنسان بعد توكله عىل اهلل تعاىل
عىل نفسه ،والناس ال تصنع ناجح ًا ،إنام هو من يصنع نفسه ،وهؤالء
الصحابة رضوان اهلل عليهم ملا بايعوا النبي صىل اهلل عليه وسلم عىل
التوحيد والصالة والطاعة وأن ال يسألوا الناس شيئ ًا من أمواهلم،
متسكوا بذلك فأخذوه عىل العموم مبالغة منهم ِف التزام رشوط البيعة،
متوكلني عىل رهبم ثم معتمدين عىل أنفسهم ِف مجيع أمورهم ،وحتى
اليسري منها ،وإن كان عند سقوط السوط منه و هو راكب عىل دابته،
133
فمن كان غري راكب يسهل عليه ذلك ،ولكنه ال يقبل حتى هذا األمر،
ملا فيه من سؤال غريه ،فإن من تعود عىل غريه ِف يسري األمر ال يمكنه
أن يتحمل مسؤولية نفسه فيام هو أكّب من ذلك ،فام بالك بصناعة
النجاح.
قال النووي( :فِ ِيه التهمس ُك بِا رل ُعمو ِم ِألَهنم هنوا َع ِن الس َؤ ِ
ال ُّ هُر ُُ ُ َ ُّ
احل ُّث َع َىل ال هتن ِرز ِيه َع رن َمجِي ِع َما ُي َس همى ُس َؤ ًاال ِِ ِ ِ
َف َح َم ُلو ُه َع َىل ُع ُمومه َوفيه ر َ
َان َح ِق ًريا َواهللهُ َأ رع َل ُم) .
( )1 َوإِ رن ك َ
134
الحديث التاسع والثالثون
ول اهللِ يض اهللُ َعن ُره َام َق َالَ :س ِم رع ُت َر ُس َ ِ
َع ربدَ اهللِ رب َن ُع َم َر َر َ
َاإلبِ ِل ا ْملِائ َِةََ ،ل َتكَا ُد َ ِ
َتدُ ول( :إِن ََّام الن ُ
َّاس ك ْ ِ َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم َي ُق ُ
اح َل اة ) . فِ َيها ر ِ
()2( )1
َ
135
تعب الروح واجلسد وسهر اللياِل ومكابدة احلياة ،وهذه سرية
الناجحني مسلمهم وكافرهم تنبؤك بأرسار متيزهم وقوة حتملهم
وقسوة مسريهتم.
منهم أقل.
( )1انظر :األزهري ،حممد بن أمحد ،هتذيب اللغة ،حتقيق حممد عوض ،دار إحياء الرتاث العرِب ،بريوت ،الطبعة
األوىل 2001م)7/ 5( ،
136
الحديث األربعون
()2
ني َغنَا ًء وأما سبب ورود احلديثَ ( :أ هن َر ُج ًال ِم رن َأ رع َظ ِم املرُ رسلِ ِم َ
ني ِِف َغ رز َو ٍة َغ َز َاها َم َع النهبِ ِّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َمَ ،فنَ َظ َر النهبِ ُّيَع ِن املرُ رسلِ ِم َ
الر ُج ِل ِم رن َأ ره ِل الن ِ
هار ب َأ رن َينر ُظ َر إِ َىل ه
ِ
َص هىل اهللُ َع َل ريه َو َس هل َم َف َق َالَ :م رن َأ َح ه
الِ ،م رن َأ َشدِّ
احل ِ ِ ِ
َف رل َينر ُظ رر إِ َىل َه َذا َفا هت َب َع ُه َر ُج ٌل م َن ا رل َق رو ِم َو ُه َو َع َىل ت رل َك ر َ
137
تَ ،ف َج َع َل ُذ َبا َب َة َس ري ِف ِه
()1
اس َت رع َج َل املرَ رو َ ني َحتهى ُج ِر َح َف ر رشكِ َ هاس َع َىل املرُ ر ِ
الن ِ
الر ُج ُل إِ َىل النهبِ ِّي َص هىل اهللُ ني َثدر يي ِه حتهى َخرج ِمن ب ِ ِ ِ
ني كَت َف ريهَ ،ف َأ رق َب َل ه َ َ ر َر َب ر َ َ ر َ
اك َق َال: ول اهللِ َف َق َالَ :و َما َذ َ هك َر ُس ُ س ًعا َف َق َالَ :أ رش َهدُ َأن َ َع َل ري ِه َو َس هل َم ُم ر ِ
اخلَ َواتِي ِم) ،فهذا هارَ ،وإِن َهام راألَ رع َام ُل بِ راجلَن ِهةَ ،وإِ هن ُه ِم رن َأ ره ِل الن ِ َع َم َل َأ ره ِل ر
الرجل كان ناجح ًا ِف اجلهاد ولكنه ختم حياته باالنتحار فكان من أهل
النار.
ويفهم من قول النبي صىل اهلل عليه وسلم( :إِ هن ا رل َع ربدَ َل َي رع َم ُل َع َم َل
اجلن ِهة) ،أن فرصة اإلنسان ما تزال قائمة ِ َأ ره ِل الن ِ
هارَ ،وإِ هن ُه م رن َأ ره ِل ر َ
للنجاح وإن وقع منه الفشل ،إذا سلك سبيل النجاح وختم له بذلك.
138
فبعضهم تراه يتعب نفسه ِف البدايات و يكون ناجح ًا ،ثم إذا جاء خلامتة
العمل أصابه امللل وانقطع نفس اإلبداع فأخرجه عىل غري إتقان ،فامللل
عدو النجاح.
فأتقن اْلاَتة
139
140
فهرس المحتويات
الصفحة المحتوى
5 املقدمة
47 احلديث السابع (قدم صىل اهلل عليه وسلم من غزوة تبوك)
63 احلديث العارش (كنا معه صىل اهلل عليه وسلم وهو آخذ)
141
الصفحة المحتوى
77 احلديث اخلامس عرش (إذا نظر أحدكم إىل من فضل عليه)
85 احلديث التاسع عرش (إن الرفق ال يكون ِف يشء إال زانه)
97 احلديث الرابع والعرشون (إنك تقدم عىل قوم أهل كتاب)
142
الصفحة المحتوى
143
144