You are on page 1of 144

‫األربعـــون التـطويرية‬

‫ً‬
‫أربعون حديثا في تطوير الذات وأسباب النجاح‬

‫‪1‬‬
‫حقوق الطبع محفوظة لكل مسلم يرغب بطباعته‬
‫بشرط عدم تغيير المحتوى‬
‫الطبعة األولى (‪1442‬هـ ‪2021 -‬م)‬

‫اململكة األردنية اهلاشمية‬


‫رقم اإليداع لدى دائرة املكتبة الوطنية‬
‫(‪)2021/4/2350‬‬
‫‪237.2‬‬
‫عجني‪ ،‬عيل إبراهيم‬
‫األربعون التطويرية ‪ /‬عيل إبراهيم عجني ‪ -.‬عامن‪:‬املؤلف‪2021 ،‬‬
‫( )ص‪.‬‬
‫ر‪ .‬إ‪2021/4/2350 : .‬‬
‫الواصفات‪/ :‬احلديث الرشيف‪//‬تطوير الذات‪//‬النجاح‪//‬علم‬
‫االجتامع الديني‪/‬‬
‫يعّب هذا املصنف عن رأي‬
‫يتحمل املؤلف كامل املسؤولية القانونية عن حمتوى مصنفه وال ر‬
‫دائرة املكتبة الوطنية أو أي جهة حكومية أخرى‪.‬‬

‫التصميم واإلخراج‬

‫‪2‬‬
‫األربعون التـطويرية‬
‫ً‬
‫أربعون حديثا في تطوير الذات وأسباب النجاح‬

‫إعداد‬

‫أ‪.‬د علي بن إبراهيم بن سعود العجين‬

‫أستاذ الحديث الشريف ‪ -‬جامعة آل البيت‬

‫المملكة األردنية الهاشمية‬

‫‪3‬‬
4
‫المقدمة‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم عىل سيد الناجحني‪،‬‬


‫وبعد‪:‬‬

‫فإن خري قصة للنجاح تدرس قصة حممد صىل اهلل عليه وسلم فهي‬
‫أحسن قصص النجاح‪ ،‬جرت عىل عني اهلل تعاىل ورعايته‪ ،‬مؤيدة‬
‫بوحي منه سبحانه‪ ،‬فمن قوله لورقة بن نوفل رمحه اهلل تعاىل‪( :‬أو‬
‫ِ‬
‫خمرجي هم؟!!) إىل بشارة ربه له ودنو أجله بقوله تعاىل‪{ :‬إ َذا َجا َء ن ر ُ‬
‫َْص‬
‫اجا (‪َ )2‬ف َس ِّب رح‬ ‫ون ِِف ِد ِ‬
‫ين اهللهِ َأ رف َو ً‬ ‫اهللهِ َوا رل َفت ُرح (‪َ )1‬و َر َأ ري َت الن َ‬
‫هاس َيدر ُخ ُل َ‬
‫اس َت رغ ِف رر ُه إِ هن ُه ك َ‬
‫َان َت هوا ًبا (‪[ })3‬النْص‪ ،]3-1:‬كانت قصة‬ ‫ِ‬
‫بِ َح رمد َر ِّب َك َو ر‬
‫النجاح الكاملة‪ ،‬كاملة بأحداثها وقيمها و معانيها‪ ،‬فمن أراد أسباب‬
‫النجاح فليدرسها و حيللها‪ ،‬ومن أراد تطوير نفسه فليتعمق هبا‪ ،‬فهي‬
‫خارطة طريق واضحة املعامل للوصول للقمة‪ ،‬فإن النجاح يقاس بقيمه‬
‫وآثاره ونتائجه‪ ،‬وها هم الصحابة الناجحون أتباع القائد الناجح‬
‫حيققون معجزة النجاح بنرش الدعوة ِف أرجاء املعمورة ِف فرتة قياسية‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وإن هدي حممد صىل اهلل عليه وسلم ِف النجاح يظهر فاعلية السنة‬
‫النبوية ِف كل ميادين احلياة‪ ،‬عّب الزمان واملكان‪ ،‬وذلك ِف البحث عن‬
‫أسباب نجاحه من داخل شخصيته‪ ،‬وحماولة فهم سبب نجاحه الكامل‬
‫بسؤال‪ :‬ملاذا نجح بعد توفيق اهلل تعاىل له؟ لنتعلم منها سنة النجاح ِف‬
‫احلياة‪ ،‬كام تعلمنا منها العقيدة و الفقه و األخالق‪.‬‬

‫وسنة النجاح نستخرجها من مواقف سرية النبي صىل اهلل عليه‬


‫وسلم وأفعاله وأقواله و تعامالته‪ ،‬مع التحليل و الدراسة‪ ،‬مسرتشدين‬
‫بأقوال علامء املسلمني ممن رشح السنة النبوية ودرس السرية العطرة‪،‬‬
‫مع اإلفادة مما كتب عند املعارصين عن عادات الناجحني‪ ،‬وأسباب‬
‫نجاحهم‪ ،‬وهي متثل دين ًا ندين اهلل تعاىل به فهو من أمر بطاعة نبيه صىل‬
‫اهلل عليه وسلم ِف كتابه الكريم‪ ،‬ورتب األجر و الثواب عىل التأيس‬
‫واالقتداء به‪ ،‬مستلهمني من قصة نجاحه ما يدفعنا للنجاح و تطوير‬
‫الذات‪.‬‬

‫وِف ذلك رد عميل عىل الطاعنني بالسنة النبوية‪ ،‬سوا ًء من القرآنيني‬


‫بقرآنيتهم الكلية أو اجلزئية‪ ،‬حتى جترأ أحدهم بالقول ال بأس باألخذ‬
‫بالسنة النبوية ِف باب احلكمة و اإلرشاد‪ ،‬وليس ترشيع ًا ودين ًا‪ ،‬ه‬
‫فنزل‬

‫‪6‬‬
‫السنة منزلة أقوال بوذا و كونفوشيوس وأفالطون‪ ،‬ورد عىل احلداثيني‬
‫و العلامنيني الذين جعلوا السنة النبوية ِف حيز تارخيي ومكاين ضيق ال‬
‫يتسع إال جلزيرة العرب ِف القرن األول‪ ،‬واهلل املستعان‪.‬‬

‫و عىل طريقة سلف األمة بجمع أربعني حديث ًا كانت (األربعون‬


‫التطويرية) مما صح عن النبي صىل اهلل عليه وسلم ِف بيان طرق تطوير‬
‫اإلنسان لنفسه‪ ،‬وتوضيح أسباب النجاح ِف كل ميادينه‪ ،‬النجاح ِف‬
‫الدين و الدنيا‪ِ ،‬ف األرسة و الرتبية‪ِ ،‬ف العمل والتجارة‪ِ ،‬ف اإلدارة‬
‫والقيادة‪ ،‬وكانت هذه األسباب عىل النحو اآليت‪:‬‬

‫‪ .1‬التوكل عىل اهلل تعاىل‪.‬‬


‫‪ .2‬ترك العجز‪.‬‬
‫‪ .3‬الشغف باملعرفة‪.‬‬
‫‪ .4‬التسديد نحو اهلدف‪.‬‬
‫‪ .5‬التوازن ِف احلياة‪.‬‬
‫‪ .6‬اكتشاف القدرات‪.‬‬
‫‪ .7‬اخليال و اإلبداع‪.‬‬
‫‪ .8‬استثامر الصحة و الفراغ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ .9‬العطاء بال حدود‪.‬‬
‫‪ .10‬حب الذات‪.‬‬
‫‪ .11‬غنى النفس‪.‬‬
‫‪ .12‬املداومة عىل اإلنجاز ولو بالقليل‪.‬‬
‫‪ .13‬الصّب‪.‬‬
‫‪ .14‬جماهدة النفس‪.‬‬
‫‪ .15‬استشعار نعمة اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪ .16‬التواضع بالنجاح‪.‬‬
‫‪ .17‬االستمتاع بالدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫‪ .18‬قوة الطموح‪.‬‬
‫‪ .19‬الرفق‪.‬‬
‫‪ .20‬التفاؤل‪.‬‬
‫‪ .21‬عدم االستعجال‪.‬‬
‫‪ .22‬اإلحساس باجلامل‪.‬‬
‫‪ .23‬جتنب اإلحياء السلبي‪.‬‬
‫‪ .24‬التخطيط و ترتيب األولويات‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ .25‬التصالح مع الذات‪.‬‬
‫‪ .26‬ترك التكلف‪.‬‬
‫‪ .27‬التحكم بالنفس‪.‬‬
‫‪ .28‬التعبري عن املشاعر‪.‬‬
‫‪ .29‬النظرة املستقبلية‪.‬‬
‫‪ .30‬املرونة‪.‬‬
‫‪ .31‬السهولة و ترك التعقيد‪.‬‬
‫‪ .32‬اإلجيابية‪.‬‬
‫‪ .33‬املالذ اآلمن للمجتمع‪.‬‬
‫‪ .34‬احلذر من املخاطر‪.‬‬
‫‪ .35‬عدم متني الصعاب‪.‬‬
‫‪ .36‬استثامر الفرص‪.‬‬
‫‪ .37‬البعد عن الشهرة‪.‬‬
‫‪ .38‬االعتامد عىل الذات‪.‬‬
‫‪ .39‬التميز ِف النجاح‪.‬‬
‫‪ .40‬إتقان اخلامتة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫وقد أتبعت هذه األسباب برشح خمتْص لألحاديث ِف ترسيخ‬
‫معاين النجاح‪ ،‬وألتزم غالب ًا بأن ال يزيد عن صفحة واحدة‪ ،‬إال ِف‬
‫بعض األحاديث لربطها بالعلوم العْصية املوافقة للرشع احلكيم‪،‬‬
‫واملؤدية للتطوير و النجاح‪.‬‬

‫والباب ِف تتبع أسباب النجاح و تطوير الذات غري ما ذكرت ِف‬


‫(األربعني التطويرية) مفتوح للزيادة وإضافة املعاين وإبراز القيم من‬
‫السنة النبوية‪.‬‬

‫أسأل اهلل العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا للسداد و النجاح‬


‫و الفالح ِف الدنيا و اآلخرة‪.‬‬

‫وكتبه‬
‫عيل بن إبراهيم بن سعود العجني‬
‫ِف بريين اخلرضاء ‪ -‬اململكة األردنية اهلاشمية‬
‫ضحى األحد ‪ 24‬رجب اخلري‪1442‬هـ‬
‫املوافق‪2021/ 3 / 7‬م‬

‫‪10‬‬
‫الحديث األول‬

‫َع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة ريض اهلل عنه َع ِن النهبِ ِّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم‬
‫اْلنَّ َة َأ ْق َوا ٌم َأ ْفئِدَ ُُت ْم ِم ْث ُل َأ ْفئِدَ ِة ال َّط ْ ِ‬
‫ي)‬ ‫َق َال‪َ ( :‬يدْ ُخ ُل َْ‬
‫ُ‬
‫(‪)1‬‬

‫قبل رشح احلديث لعل القارئ الكريم يتساءل ملاذا بدأت هبذا‬
‫احلديث ِف موضوع تطوير الذات و ذكر أسباب النجاح؟!! والسبب‬
‫ِف ذلك أن ما يميز املسلم عن اإلنسان الغرِب ِف سريه نحو النجاح هو‬
‫التوكل عىل اهلل تعاىل‪ ،‬بل هو أساس تطوير الذات‪ ،‬فهذا املخلوق بغري‬
‫خالقه ضعيف منكس‪ ،‬وهو بربه قوي منتْص‪ ،‬وِف ثنايا عرض كتب‬
‫أسباب النجاح و تطوير الذات الغربية جتدهم يذكرون أن من أسباب‬
‫النجاح ما يطلقون عليه‪ :‬رضبة احلظ وابتسامة الدنيا!! وهو ِف عقيدتنا‬
‫التوكل عىل اهلل تعاىل وطلب العون منه واللجوء إليه‪ِ ،‬ف كل صغرية‬
‫وكبرية‪ ،‬واإليامن بقدره و الرضا بقضائه‪ ،‬فاإلنسان مهام أويت من علم‬
‫وذكاء و تطوير ذات بغري اعتامده عىل خالقه فهو ال يشء‪ ،‬ولذلك مدح‬

‫(‪ )1‬مسلم‪-‬اجلنة وصفة نعيمها‪-‬يدخل اجلنة أقوام أفئدهتم مثل أفئدة الطري‪ .‬رقم‪.)2840( :‬‬

‫‪11‬‬
‫اهلل املتوكلني وأثنى عليهم ِف كتابه الكريم‪ .‬قال تعاىل‪{ :‬إِن َهام املرُ رؤ ِمنُ َ‬
‫ون‬
‫وهب رم َوإِ َذا ُتلِ َي رت َع َل ري ِه رم آ َيا ُت ُه َزا َد ر ُهت رم إِ َيامنًا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا هلذي َن إِ َذا ُذك َر اهللهُ َوج َل رت ُق ُل ُ ُ‬
‫وعىل َر ِّهبِ رم َيت ََو هك ُلون} [األنفال‪ .]2 :‬وقال تعاىل‪َ { :‬و َمن َيت ََوك رهل َع َىل اهللهِ‬
‫َف ُه َو َح رس ُب ُه} [الطالق‪.]3 :‬‬

‫فلذك كان هذا احلديث أوالً فهو أساس تطوير الذات عند املسلم‪،‬‬
‫فعبادة التوكل من العبادات القلبية ذات األثر الفعيل عىل سلوك‬
‫اإلنسان نحو النجاح‪ ،‬وهي متثل صورة من صور اإلخالص هلل تعاىل‪.‬‬

‫وبني رشاح احلديث وجه الشبه بني قلب الطائر و قلب هؤالء‬
‫الذين يدخلون اجلنة‪ ،‬ومن ذلك حسن التوكل عىل اهلل تعاىل‪ ،‬كام جاء‬
‫ِف حديث عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه قال رسول اهلل صىل اهلل عليه‬
‫وسلم‪( :‬لو أنكم تتوكلون عىل اهلل حق توكله لرزقكم كام يرزق الطري‪،‬‬
‫تغدو مخاص ًا وتروح بطان ًا) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫قال ابن ُهبرية‪( :‬الذي أراه ِف هذا احلديث أن هؤالء القوم كانت‬
‫قلوهبم عىل مثل قلوب الطري رقة خللق اهلل ورمحة لعباده‪ ،‬وشفقة عىل‬
‫املسلمني‪ ،‬فرتى الواحد منهم يرفق بالطفل أكثر من أم ذلك الطفل‬

‫(‪ )1‬الرتمذي‪-‬الزهد ‪-‬التوكل عىل اهلل –رقم‪ ،)2344(:‬وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫بالطفل‪ ،‬ويشفق عىل الغالم أكثر من إشفاق الغالم عىل نفسه‪ ،‬وهذا‬
‫عىل الكهل والشيخ‪ ،‬ثم رشف قلبه‪ ،‬لرمحة احليوان‪ ،‬وحتى يتحرج من‬
‫قطع الشجر عين ًا‪ ،‬حتى إنه ال تؤاتيه نفسه وال يطلب قلبه عىل فعل يشء‬
‫من ذلك) وقال‪( :‬وجيوز أن تكون قلوهبم عىل قلوب الطري خوف ًا من‬
‫اهلل ِف كل يشء حتى إهنم إن أطاعوا خافوا‪ ،‬وإن عصوا وعىص غريهم‬
‫خافوا لشدة حماذرهتم عىل أحواهلم مع رهبم سبحانه وتعاىل) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫عم‬
‫وقال الطيبي‪ ( :‬قد تقرر ِف علم البيان أن وجه الشبه إذا أضمر ر‬
‫تناوله‪ ،‬فيكون أبلغ مما لو رصح به‪ ،‬فينبغي أن حيمل احلديث عىل‬
‫املذكورات كلها) ‪ ،‬أي من حسن التوكل ورقة القلب وشدة اخلوف‬ ‫(‪)2‬‬

‫من اهلل تعاىل‪ .‬ويظهر أن سبب دخوهلم اجلنة بعد رمحة اهلل هذه‬
‫الصفات‪ ،‬وال يمنع أن جيمع بني التوكل ورقة القلب و اخلوف من اهلل‪،‬‬
‫فإن املتوكل رقيق القلب لشدة تعلقه بربه وخوفه منه‪.‬‬

‫فكن كالطي متوك ا‬


‫ل‬

‫(‪ )1‬ابن ُهبرية الذهيل(‪560‬هـ )‪:‬اإلفصاح عن معاين الصحاح‪ ،‬حتقيق فؤاد عبد املنعم‪ ،‬دار الوطن‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫‪1417‬هـ‪.)27-26/ 8( ،‬‬

‫(‪ )2‬الطيبي‪ :‬احلسني بن عبد اهلل‪ ،‬رشح مشكاة املصابيح‪ ،‬حتقيق عبد احلميد هنداوي‪ ،‬مكتبة نزار الباز‪ ،‬مكة املكرمة‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪1417‬هـ‪1997-‬م‪)3559/11( ،‬‬

‫‪13‬‬
14
‫الحديث الثاني‬

‫َع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة ريض اهلل عنه َق َال‪َ :‬ق َال َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم‪:‬‬
‫يف‪َ ،‬و ِِف ك ٍُّل‬ ‫الض ِع ِ‬ ‫ب إِ ََل اهللِ ِم َن ا ُْمل ْؤ ِم ِن َّ‬ ‫ِ‬
‫ي َخ ْ ٌي َو َأ َح ُّ‬ ‫(ا ُْمل ْؤم ُن ا ْل َق ِو ُّ‬
‫ك‬ ‫ج ْز‪َ ،‬وإِ ْن َأ َصا َب َ‬ ‫ك‪َ ،‬و ْاست َِع ْن بِاهللِ َو ََل َت ْع ِ‬ ‫اح ِر ْص َع ََل َما َينْ َف ُع َ‬ ‫َخ ْ ٌي ْ‬
‫َان ك ََذا َوك ََذا‪َ ،‬و َلكِ ْن ُق ْل‪َ :‬قدَّ َر اهللُ‬ ‫تك َ‬ ‫َش ٌء َف َل َت ُق ْل‪َ :‬ل ْو َأ يِّن َف َع ْل ُ‬ ‫َ ْ‬
‫(‪)1‬‬ ‫الش ْي َط ِ‬
‫ان)‬ ‫اء َف َع َل َفإِ َّن َل ْو َت ْفت َُح َع َم َل َّ‬
‫َو َما َش َ‬

‫العجز ال يتناسب مع اإليامن باهلل تعاىل‪ ،‬واملتوكل عىل اهلل حسن‬


‫التوكل ال يصاب به‪ ،‬والناجحون أبعد الناس عنه‪ ،‬والعجز هنا هو‬

‫عجز نفيس وهو ما يعرف بأدبيات علم النفــس بــ(العجز ا ُمل ْكت ََس ْ‬
‫ب)‪،‬‬
‫(‪ ،)Learned Helplessness‬ويعني‪ :‬أن اإلنسان يتعلم العجز‪،‬‬
‫ويرى أن اجلهد املبذول ِف طريق النجاح ال فائدة منه‪ ،‬بسبب جتربة غري‬
‫ناجحة‪ ،‬فيستسلم للفشل‪ ،‬ويصف د‪ .‬مطاع بركات هذه احلالة بقوله‪:‬‬
‫(ولكن الصعوبة األكّب هي أن تنظر إىل هذا العجز بعجز‪ ،‬وأن تشعر‬

‫(‪ )1‬مسلم‪ -‬كتاب القدر‪-‬باب ِف األمر بالقوة وترك العجز واالستعانة باهلل وتفويض املقادير هلل‪ -‬رقم‪.)2664(:‬‬

‫‪15‬‬
‫بأنك غري قادر عىل ٍ‬
‫يشء حياله‪ ،‬ومن هنا فإن التعرف عىل ظروف تعلم‬
‫العجز يعتّب أمر ًا رضوري ًا جد ًا‪ ،‬ولكنه ال يكفي‪ ،‬فبعد العلم بأمر‬
‫العجز‪ ،‬ينبغي التعرف إىل كيفية اخلروج منه‪ ،‬والتعامل معه) ‪ ،‬وِف‬
‫(‪)1‬‬

‫احلديث خطوات عالج العجز املكتسب عىل النحو اآليت‪:‬‬

‫أوَلا‪ :‬اإليامن باهلل تعاَل‪:‬‬

‫ابتدأ احلديث بذكر وصف اإليامن (املؤمن) تأكيد ًا ألمهية دور‬


‫اإليامن باهلل تعاىل ِف حياة املؤمن بإبعاده عن العجز والشعور باإلحباط‬
‫وتوقع السيئ ِف حياته‪ ،‬فإن اإليامن باخلالق القادر القوي العزيز يتناىف‬
‫مع الشعور بالوهن واالستكانة‪ ،‬فاإليامن باهلل تعاىل مصدر قوة املؤمن‪،‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم‪( :‬إن نفس اإليامن باهلل تعاىل وعبادته وحمبته‬
‫وإخالص العمل له وإفراده بالتوكل عليه هو غذاء اإلنسان وقوته‬
‫وصالحه وقوامه) ‪ ،‬واإليامن باهلل تعاىل يستلزم حسن الظن باهلل تعاىل‬ ‫(‪)2‬‬

‫والشعور بالتفاؤل‪ ،‬فالتشاؤم وسوء النظرة املستقبلية من مكونات‬


‫العجز املكتسب‪ ،‬وِف املقابل فإن التفاؤل أنجح عالج للعجز‬

‫(‪ )1‬العجز املكتسب دراسة نفسية‪ ،‬ص‪ ،6‬منشورات وزارة الثقافة‪ ،‬اجلمهورية العربية السورية – دمشق‪2004 ،‬م‪.‬‬

‫(‪ )2‬ابن القيم‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن بكر بن أيوب‪ :‬طريق اهلجرتني وباب السعادتني‪ ،‬ص‪ ،101‬دار ابن القيم‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬ط‪1425 ،1‬هـ‪2004-‬م‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫املكتسب‪ ،‬فطريقة تفكري املؤمن نابعة من قول اهلل ِف احلديث القديس‪:‬‬
‫(أنا عند ظن عبدي ِب ) ‪ ،‬وظن املؤمن بربه ال يكون إال حسن ًا‪ ،‬فاهلل‬
‫(‪)1‬‬

‫عىل كل ٍ‬
‫يشء قدير‪ ،‬وال يعجزه يشء ِف األرض وال ِف السامء‪.‬‬

‫ثاني اا‪ :‬حتقيق تقدير الذات للمؤمن‪:‬‬

‫حيتاج النجاح ِف احلياة إىل تقدير كل واحد منا قيمة ذاته‪ ،‬فإن‬
‫صورتنا عن أنفسنا تسهم بفاعلية ِف نجاحنا‪ ،‬ألن أي خلل حيدث ِف‬
‫هذه الصورة يدفعنا لسوء تقدير إمكاناتنا ومستقبلنا وطموحاتنا مما‬
‫(‪)2‬‬
‫يعرقل قدرتنا عىل حتقيق األفضل‪.‬‬

‫ومن خالل حديث (املؤمن القوي) رسخ النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم معتقدات إجيابية لرسم صورة املؤمن املقدر لذاته‪ ،‬مستعم ً‬
‫ال‬
‫اإلقناع اللفظي املؤثر لتثبيت هذا املعتقد‪.‬‬

‫وأول هذه األلفاظ‪( :‬املؤمن)‪ ،‬فاملؤمن يستمد ثقته بنفسه من إيامنه‬


‫باهلل ويوجه إيامنه لتحقيق هدف العبودية له‪ ،‬ومصدر قوته هو اهلل تعاىل‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب الذكر‪ ،‬باب احلث عىل ذكر اهلل تعاىل‪ ،‬رقم (‪ )1675‬من حديث أِب هريرة ريض اهلل عنه‪.‬‬

‫(‪ )2‬انظر‪ :‬أبو سعد‪ ،‬مصطفى أبو سعد‪ :‬التقدير الذايت للطفل‪ ،‬ص‪ ،136‬مركز الراشد‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪1425 ،4‬هـ‪-‬‬
‫‪2004‬م‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ثاني ًا‪( :‬القوي)‪ :‬قال اإلمام النووي‪( :‬املراد بالقوة هنا عزيمة‬
‫النفس والقرحية ِف أمور اآلخرة) ‪ ،‬وكذلك ِف أمور الدنيا‪ ،‬ويدل عليه‬
‫(‪)1‬‬

‫قول النبي صىل اهلل عليه وسلم‪( :‬احرص عىل ما ينفعك) وهو شامل‬
‫ألمور الدين والدنيا‪ ،‬كام سيأيت‪.‬‬

‫فالقوي بعزيمته وإرادته وتصوره عن نفسه ال يستسلم للفشل وال‬


‫يركن للوهن وال يعجز‪ ،‬وتأمل اإلحياء اإلجياِب هلذه األلفاظ (املؤمن‬
‫القوي) كم تبعث ِف النفس اهلمة واإلرادة وتقدير الذات‪.‬‬

‫ثالث ًا‪( :‬خي إَل اهلل)‪ :‬أي األكمل واألفضل وصاحب املقام‬
‫األفخر ‪ ،‬ولكن عند من؟!عند خالقه وربه‪ ،‬فاهلل هو الذي أثبت له‬ ‫‪2‬‬

‫اخلريية‪ ،‬فأي حمرك للعزيمة وباعث لإلرادة من هذا الترشيف‪.‬‬

‫رابع ًا‪( :‬أحب إَل اهلل)‪ :‬وهذا ترشيف إهلي آخر هلذا املؤمن القوي‪،‬‬

‫حتصيل حمبة اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬فاهلل إذا أحب عبد ًا وفقه وسدده ر‬
‫ويس‬
‫أمره فهذه األلفاظ اإلجيابية‪( :‬املؤمن القوي خري وأحب إىل اهلل) تقدير‬

‫(‪ )1‬النووي‪ ،‬حييى بن رشف النووي‪ :‬رشح صحيح مسلم‪ )218/15( ،‬حتقيق حسن عباس قطب‪ ،‬دار عامل‬
‫الكتب‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1424 ،1‬هـ‪2003-‬م‪.‬‬

‫(‪ )2‬انظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬أبو العباس أمحد بن عمر بن إبراهيم القرطبي (‪656‬هـ)‪ :‬املفهم ملا أشكل من تلخيص كتاب‬
‫مسلم‪ ،)682/6( ،‬حتقيق حميي الدين ديب مستو وآخرين‪ ،‬دار ابن كثري‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ‪1996-‬م‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫من اهلل للمؤمن القوي‪ ،‬و هبا يتحقق تقدير املؤمن لذاته وال بد‪ ،‬ألن‬
‫املؤمن القوي إذا آمن بتقدير اهلل له‪ ،‬اندفع للنجاح واالجتهاد واحلرص‬
‫عىل ما ينفع‪.‬‬

‫وقول النبي صىل اهلل عليه وسلم‪( :‬وِف كل خي) لئال يتوهم أحد‬
‫من الناس أن املؤمن الضعيف ال خري فيه‪ ،‬بل املؤمن الضعيف فيه خري‪،‬‬
‫فهو خري من الكافر ال شك‪.‬‬

‫وِف ذلك حتفيز للمؤمن الضعيف حتى يلحق باملؤمن القوي‪،‬‬


‫بمعنى أن الضعيف ال جيوز أن يبقى عىل ضعفه راضي ًا بعجزه‪ ،‬فدافع‬
‫اإليامن من أهم أسباب إزالة أسباب العجز‪.‬‬

‫ثالث اا‪ :‬بذل اْلهد فيام ينفع‪:‬‬

‫فقوله عليه السالم‪( :‬احرص عَل ما ينفعك) (كالم جامع نافع‪،‬‬


‫ٍ‬
‫حمتو عىل سعادة الدنيا واآلخرة) ‪ ،‬واحلرص فيه داللة عىل شدة بذل‬
‫(‪)1‬‬

‫اجلهد واستفراغ الطاقة ِف العمل‪ ،‬وهو أنجح عالج للعجز املكتسب‪،‬‬


‫الذي يصاب صاحبه بالسلبية والالمباالة ويصل إىل نتيجة من أنه مهام‬

‫(‪ )1‬السعدي‪ ،‬عبد الرمحن بن نارص السعدي‪ :‬هبجة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار ِف رشح جوامع األخبار‪،‬‬
‫ص‪ ،30‬مكتبة املعارف‪ ،‬الرياض‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫بذل من جهد فال فائدة من ذلك‪ ،‬أو باعتقاده باستقاللية استجابته‬
‫للمواقف عن نتائجها‪ ،‬وفقدان السيطرة عىل األحوال املحيطة به‪ ،‬كل‬
‫ذلك عاجله صىل اهلل عليه وسلم بقوله‪( :‬احرص عىل ما ينفعك)‪.‬‬
‫واألمور النافعة قسامن‪ :‬أمور دينية‪ ،‬وأمور دنيوية‪ ،‬والعبد حمتاج‬
‫إىل الدنيوية كام هو حمتاج إىل الدينية‪ ،‬فمدار سعادته وتوفيقه عىل‬
‫احلرص واالجتهاد ِف األمور النافعة منها ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ومتى حرص العبد عىل األمور النافعة واجتهد فيها‪ ،‬وسلك‬


‫أسباهبا وطرقها‪ ،‬واستعان بربه ِف حصوهلا وتكميلها‪ :‬كان ذلك كامله‪،‬‬
‫وعنوان فالحه‪ ،‬ومن مل يكن حريص ًا عىل األمور النافعة‪ ،‬بل كان‬
‫كسالن ًا مل يدرك شيئ ًا‪ ،‬فالكسل هو أصل اخليبة والفشل‪ ،‬فالكسالن ال‬
‫يدرك خري ًا‪ ،‬وال ينال مكرمة‪ ،‬وال حيظى بدين وال دنيا ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫رابع اا‪ :‬اَلستعانة باهلل‪:‬‬


‫وهذا عني ما حيتاجه املصاب بالعجز املكتسب‪ ،‬ألنه مع تكرار‬
‫املحاولة واإلصابة بالفشل‪ ،‬تعجز نفسه عن االستمرارية وبذل اجلهد‪،‬‬
‫فيحتاج إىل االستعانة بقوة ربه‪ ،‬ويطلب املدد من خالقه حتى خيرج من‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬السعدي‪ ،‬هبجة قلوب األبرار‪ ،‬ص‪.30‬‬

‫(‪ )2‬املصدر السابق‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫عجزه‪ ،‬فلذلك كان النبي صىل اهلل عليه وسلم يستمد قوته وعزيمته‬
‫باللجوء إىل اهلل تعاىل‪ ،‬مستعيذ ًا به من العجز والكسل‪ ،‬قال أنس بن‬
‫مالك ريض اهلل عنه‪ :‬فكنت أسمعه يكثر أن يقول‪( :‬اللهم إين أعوذ بك‬
‫من اهلم واحلزن‪ ،‬والعجز والكسل‪ ،‬والبخل واجلبن‪... ،‬احلديث) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫خامس اا‪ :‬النهي عن العجز‪:‬‬

‫فتأكيد ًا ملا سبق يأيت التذكري النبوي للمؤمن كإجراء وقائي‪( :‬وَل‬
‫تعجز)‪ ،‬أي ال تضعف وال تستكن وال تنكس‪ ،‬فمن أصابه العجز‬
‫النفيس قدح ذلك بإيامنه‪ ،‬وكان ضعيف اإليامن‪ ،‬وهو ما أرشنا إليه أن‬
‫القوة املقصودة ِف احلديث هي قوة اإليامن‪ ،‬فمتى أصيب املؤمن هبذا‬
‫العجز ضعف إيامنه ألنه مقْص باألخذ بام أمره به صىل اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫باحلرص عىل ما ينفع‪ ،‬واالستعانة باهلل ٍ‬
‫وآت ما هناه عنه صىل اهلل عليه‬
‫وسلم (وال تعجز)‪ ،‬وال سيام إذا أثر هذا العجز ِف يقينه بربه وفاعليته‬
‫ِف دينه‪ ،‬وإذا أدرك املؤمن أنه باستسالمه للعجز كان خمالف ًا هلديه صىل‬
‫اهلل عليه وسلم و جمانب ًا إلرشاده‪ ،‬كان أبعد ما يكون عن العجز من‬
‫خالل امتثال أمر النبي صىل اهلل عليه وسلم والبعد عام هنى عنه‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري الدعوات‪ ،‬التعوذ من غلبة الرجال‪ ،‬رقم (‪.)6363‬‬

‫‪21‬‬
‫سادس اا‪ :‬النهي عن لوم الذات فيام فات من األمر‪:‬‬

‫فقال النبي صىل اهلل عليه وسلم‪( :‬وإن أصابك يشء فال تقل‪ :‬لو‬
‫أين فعلت لكان كذا وكذا)‪ ،‬وِف رواية‪( :‬فإن غلبك يشء) ‪ ،‬أي بعد‬
‫(‪)1‬‬

‫حرصك واجتهادك وأخذك باألسباب واستعانتك باهلل فأنت غري‬


‫مقْص ألنك أتيت ما ُأمرت به‪ ،‬ولكن قد يأيت األمر عىل خالف مبتغى‬
‫اإلنسان‪ ،‬فيبدأ لوم ذاته (لو أين فعلت كذا وكذا) فجاء النهي عن ذلك‪.‬‬

‫سابع اا‪ :‬اإليامن بالقدر‪:‬‬

‫قد يتساءل املرء وقلبه يعتْص أمل ًا ووجهه تعتليه الكآبة‪ :‬لقد كنت‬
‫حريص ًا جمتهد ًا مستعين ًا باهلل وحاولت مرار ًا‪ ،‬إال أنني مل أحقق ما‬
‫أردت‪ ،‬أفال أعجز؟! أليس لإلنسان طاقة حمدودة فكري ًا ونفسي ًا‬
‫وجسدي ًا؟! وماذا بعد؟! هذا السؤال ال نجد له جواب ًا عند علامء النفس‬
‫الغربيني املاديني‪ ،‬أما جواب من ال ينطق عن اهلوى إن هو إال وحي‬
‫يوحى‪( :‬ولكن قل‪ :‬قدّ ر اهلل وما شاء فعل)‪ ،‬هذا قدر اهلل‪ ،‬أي تقدير اهلل‬
‫وقضاؤه‪ ،‬وما شاء اهلل عز وجل فعله‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬إِ هن َر هب َك َف هع ٌال ملَِّا‬

‫‪“ 1‬ابن حبان ِف صحيحه‪ ،‬احلظر واإلباحة رقم (‪ )5691‬بلفظ‪( :‬فإن غلبك )‬

‫‪22‬‬
‫ُي ِريدُ } [هود‪ ،]107 :‬ال أحد يمنعه أن يفعل ِف ملكه ما يشاء‪ ،‬ما شاء‬
‫فعل عز وجل‪ ،‬ولكن جيب أن نعلم أنه سبحانه وتعاىل ال يفعل شيئ ًا‬
‫ون إِ هال َأن‬
‫إال حلكمة خفيت علينا أو ظهرت لنا‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬و َما ت ََشا ُء َ‬
‫َان َعلِ ًيام َحكِ ًيام} [اإلنسان‪ ،]30 :‬فبني أن مشيئته‬ ‫َي َشا َء اهللهُ إِ هن اهللهَ ك َ‬
‫مقرونة باحلكمة والعلم ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫(فالنبي صىل اهلل عليه وسلم حض عىل الرضا بقضاء اهلل وقدره‪،‬‬
‫بعد بذل اجلهد واستفراغ الوسع ِف احلرص عىل النافع‪ ،‬فإذا أصاب‬
‫العبد ما يكرهه فال ينسب ذلك إىل ترك بعض األسباب التي يظن‬
‫نفعها لو فعلها‪ ،‬بل يسكن إىل قضاء اهلل وقدره ليزداد إيامنه‪ ،‬ويسكن‬
‫قلبه‪ ،‬وتسرتيح نفسه‪ ،‬فإن (لو) ِف هذه احلال تفتح عمل الشيطان‬
‫بنقص إيامنه بالقدر‪ ،‬واعرتاضه عليه‪ ،‬وفتح أبواب اهلم واحلزن‬
‫املضعف للقلب) ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وهبذا العالج النبوي ترتاح النفس وتطمئن فال حزن وال كآبة وال‬
‫قلق‪ ،‬فهو من أعظم الطرق لراحة القلب ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن عثيمني‪ ،‬رشح رياض الصاحلني‪ ،‬دار العقيدة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ط‪1423 ،1‬هـ‪2002-‬م‪.)403/1( .‬‬

‫(‪ )2‬السعدي‪ ،‬هبجة قلوب األبرار‪ ،‬ص‪.34‬‬

‫(‪ )3‬انظر‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.35‬‬

‫‪23‬‬
‫ومن خالل ما سبق نضع منظومة العالج النبوي للعجز املكتسب‬
‫عىل هيئة معادلة عىل النحو اآليت‪:‬‬

‫اإليامن باهلل‬
‫‪+‬‬
‫تقدير ذايت مرتفع‬
‫‪+‬‬
‫حرص واجتهاد‬
‫‪+‬‬
‫االستعانة باهلل‬
‫‪+‬‬
‫اإليامن بالقدر‬
‫=‬
‫َل تعجز‬

‫‪24‬‬
‫الحديث الثالث‬

‫يض اهللُ َعنر ُه َق َال‪َ :‬و هك َلنِي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم‬ ‫ِ‬
‫َع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة َر َ‬
‫حي ُثو ِم َن ال هط َعا ِم‪َ ،‬ف َأ َخ رذ ُت ُه‬ ‫ان‪َ ،‬ف َأت ِ ٍ‬
‫َاين آت‪َ ،‬ف َج َع َل َ ر‬ ‫َاة َر َم َض َ‬ ‫ظ َزك ِ‬ ‫بِ ِح رف ِ‬
‫ِ‬ ‫َف ُق رل ُت‪َ :‬ألَر َف َعن َهك إِ َىل رس ِ‬
‫ص‬ ‫ول اهللِ َص هىل اهللُ َع َل ريه َو َس هل َم َف َق ه‬ ‫َ ُ‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ت إِ ََل فِر ِ‬ ‫احل ِد َ‬
‫س‪َ ،‬ل ْن َيز ََال‬ ‫ك َفا ْق َر ْأ آ َي َة ا ْلك ُْر ي‬‫اش َ‬ ‫َ‬ ‫يث َف َق َال‪( :‬إ َذا َأ َو ْي َ‬ ‫رَ‬
‫ان َحتَّى ت ُْصبِ َح)‪َ .‬و َق َال النهبِ ُّي‬ ‫ك َش ْي َط ٌ‬ ‫ك ِم َن اهللِ َحافِ ٌظ‪َ ،‬و ََل َي ْق َر ُب َ‬ ‫َم َع َ‬
‫ان) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫اك َش ْي َط ٌ‬
‫وب‪َ ،‬ذ َ‬ ‫ك َو ُه َو ك َُذ ٌ‬ ‫َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم‪َ ( :‬صدَ َق َ‬

‫الناجحون يتعلمون من كل ما حييط هبم‪ ،‬فشغفهم باملعرفة ال‬


‫حدود له‪ ،‬فالتعلم من مواقف احلياة أعظم معلم‪ ،‬فربام تعلم من موقف‬
‫ألحد األطفال‪ ،‬ويتعلم من صديقه وعدوه‪ ،‬بل يتعلم من احليوان كام‬
‫قص اهلل تعاىل علينا كيف بعث غراب ًا ليعلم ابن آدم‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬ف َب َع َث‬
‫ف ُي َو ِاري َس رو َء َة َأ ِخ ِيه َق َال َيا َو ري َلتَا‬
‫ض لِ ُ ِري َي ُه َك ري َ‬
‫اهللهُ ُغ َرا ًبا َي رب َح ُث ِِف راألَ رر ِ‬
‫اب َف ُأ َو ِار َي َس رو َء َة َأ ِخي َف َأ رص َب َح ِم َن‬
‫ون ِم رث َل هذا ا رل ُغ َر ِ‬
‫ت َأ رن َأ ُك َ‬
‫َأ َع َج رز ُ‬
‫هاد ِمني} [آل عمران‪.]31 :‬‬ ‫الن ِ‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب فضائل القرآن ‪ -‬باب فضل سورة البقرة‪-‬رقم‪.)5010( :‬‬

‫‪25‬‬
‫وِف زمن االنفجار املعرِف أصبح العلم من رضورات النجاح‪،‬‬
‫وأدى ذلك إىل جتزئة العلم لفروع كثرية‪ ،‬فالتخصص العلمي ِف جمال‬
‫ما يفتح لإلنسان طرق النجاح‪ ،‬وِف ذات الوقت ظهر ما يعرف‬
‫بالتكامل املعرِف بني التخصصات العلمية‪ ،‬مما جعل العلم يدخل ِف‬
‫تفاصيل احلياة اإلنسانية‪ ،‬فاختيار التخصص العلمي حسب رغبة‬
‫اإلنسان و ميوله بغري امالءات خارجية يفتح آفاق النجاح لصاحبه‪،‬‬
‫وجيعله يتعلم من كل يشء ِف هذه احلياة بشغف‪.‬‬

‫وِف احلديث السابق ع رلم النبي صىل اهلل عليه وسلم أبا هريرة‬
‫ريض اهلل عنه أن يتعلم حتى من الشيطان‪ ،‬والقصة جاءت مفصلة ِف‬
‫ول اهللِ َص هىل‬ ‫يض اهللُ َعنر ُه َق َال‪( :‬و هك َلنِي َر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫رواية أخرى‪َ :‬ع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة َر َ‬
‫حي ُثو ِم َن ال هط َعا ِم‬ ‫ان َف َأت ِ ٍ‬
‫َاين آت َف َج َع َل َ ر‬ ‫َاة َر َم َض َ‬ ‫ظ َزك ِ‬ ‫اهللُ َع َلي ِه وس هلم بِ ِح رف ِ‬
‫ر َ َ َ‬
‫ول اهللِ َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم َق َال‬ ‫َف َأ َخ رذ ُت ُه َو ُق رل ُت َواهللِ َألَر َف َعن َهك إِ َىل رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ر‬
‫اج ٌة َش ِديدَ ٌة َق َال َف َخ هل ري ُت َعنر ُه َف َأ رص َب رح ُت‬ ‫ِ‬
‫َاج َو َع َ هيل ع َي ٌال َو ِِل َح َ‬ ‫ِإ ِّين ُحمرت ٌ‬
‫َف َق َال النهبِ ُّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم َيا َأ َبا ُه َر ري َر َة َما َف َع َل َأ ِسري َك ا رل َب ِ‬
‫ار َح َة َق َال‬ ‫ُ‬
‫اج ًة َش ِديدَ ًة َو ِع َي ًاال َف َر ِ ر‬
‫مح ُت ُه َف َخ هل ري ُت َسبِي َل ُه َق َال‬ ‫ُق رل ُت َيا َر ُس َ‬
‫ول اهللِ َشكَا َح َ‬
‫ول اهللِ َص هىل اهللُ‬ ‫َأما إِ هن ُه َقدر ك ََذ َب َك َوس َي ُعو ُد َف َعر رف ُت َأ هن ُه س َي ُعو ُد لِ َق رو ِل رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫‪26‬‬
‫حي ُثو ِم َن ال هط َعا ِم َف َأ َخ رذ ُت ُه َف ُق رل ُت‬ ‫ِ‬
‫َع َل ريه َو َس هل َم إِ هن ُه َس َي ُعو ُد َف َر َصدر ُت ُه َف َجا َء َ ر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َألَر َف َعن َهك إِ َىل رس ِ‬
‫ول اهللِ َص هىل اهللُ َع َل ريه َو َس هل َم َق َال َد رعني َفإِ ِّين ُحمرت ٌ‬
‫َاج َو َع َ هيل‬ ‫َ ُ‬ ‫ر‬
‫ول اهللِ َص هىل‬ ‫مح ُت ُه َف َخ هل ري ُت َسبِي َل ُه َف َأ رص َب رح ُت َف َق َال ِِل َر ُس ُ‬ ‫ِع َي ٌال َال َأ ُعو ُد َف َر ِ ر‬
‫ول اهللِ َشكَا‬ ‫اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم َيا َأ َبا ُه َر ري َر َة َما َف َع َل َأ ِس ُري َك ُق رل ُت َيا َر ُس َ‬
‫مح ُت ُه َف َخ هل ري ُت َسبِي َل ُه َق َال َأ َما إِ هن ُه َقدر ك ََذ َب َك‬ ‫اج ًة َش ِديدَ ًة َو ِع َي ًاال َف َر ِ ر‬ ‫َح َ‬
‫حي ُثو ِم َن ال هط َعا ِم َف َأ َخ رذ ُت ُه َف ُق رل ُت َألَ رر َف َعن َهك‬ ‫ِ‬
‫َو َس َي ُعو ُد َف َر َصدر ُت ُه ال هثال َث َة َف َجا َء َ ر‬
‫ث مر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َأن َهك ت رَز ُع ُم َال َت ُعو ُد ُث هم َت ُعو ُد َق َال‬ ‫إِ َىل َر ُسول اهللِ َو َه َذا آخ ُر َث َال َ ه‬
‫ت َينر َف ُع َك اهللُ ِ َهبا ُق رل ُت َما ُه َو َق َال إِ َذا َأ َو ري َت إِ َىل‬ ‫د رعنِي ُأ َع ِّلم َك كَلِام ٍ‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫احل ُّي ا رل َق ُّيو ُم} َحتهى ََترتِ َم‬
‫يس {اهللُ ال إِ َل َه إِال ُه َو ر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ف َراش َك َفا رق َر رأ آ َي َة ا رل ُك رر ِّ‬
‫ان َحتهى‬ ‫هك َل رن َي َز َال َع َل ري َك ِم َن اهللِ َحافِ ٌظ َو َال َي رق َر َبن َهك َش ري َط ٌ‬ ‫راآل َي َة َفإِن َ‬
‫ول اهللِ َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم‬
‫ُت رصبِ َح َف َخ هل ري ُت َسبِي َل ُه َف َأ رص َب رح ُت َف َق َال ِِل َر ُس ُ‬
‫ت‬ ‫ول اهللِ َز َعم َأ هنه يع ِّلمنِي كَلِام ٍ‬ ‫ار َح َة ُق رل ُت َيا َر ُس َ‬ ‫َما َف َع َل َأ ِسري َك ا رل َب ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َُ ُ‬ ‫ُ‬
‫َينر َف ُعنِي اهللُ ِ َهبا َف َخ هل ري ُت َسبِي َل ُه َق َال َما ِه َي ُق رل ُت َق َال ِِل إِ َذا َأ َو ري َت إِ َىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اش َك َفا رقر رأ آي َة ا رل ُكر ِ ِ‬ ‫فِر ِ‬
‫يس م رن َأ هوهلَا َحتهى ََترت َم {اهللُ ال إِ َل َه إِال ُه َو ر َ‬
‫احل ُّي‬ ‫ر ِّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ان َحتهى‬ ‫ا رل َق ُّيو ُم} َو َق َال ِِل َل رن َي َز َال َع َل ري َك ِم َن اهللِ َحافِ ٌظ َو َال َي رق َر ُب َك َش ري َط ٌ‬
‫اخل ر ِري َف َق َال النهبِ ُّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم‬ ‫ُتصبِح وكَا ُنوا َأحرص َ ٍ‬
‫يشء َع َىل ر َ‬
‫رَ َ ر‬ ‫ر َ َ‬

‫‪27‬‬
‫َأما إِ هنه َقدر صدَ َق َك و ُهو ك َُذوب َتع َلم من َُتَاطِب من ُرذ َث َال ِ‬
‫ث َل َي ٍ‬
‫ال َيا َأ َبا‬ ‫ُ ُ‬ ‫ٌ ر ُ َ ر‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ان) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫ُه َر ري َر َة؟ َق َال‪َ :‬ال‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ذ َ‬
‫اك َش ري َط ٌ‬

‫وِف احلديث التعلم من خّبة الشيطان فيام يكابده من تأثري آية‬


‫الكريس‪ ،‬فهو مع شدة كذبه صدوق فيام قاله ألِب هريرة يض اهلل عنه‪.‬‬

‫وب‪َ ،‬ذ َ‬
‫اك َش ري َطان)‬ ‫وقوله صىل اهلل عليه وسلم‪َ ( :‬صدَ َق َك َو ُه َو ك َُذ ٌ‬
‫فيه أمران‪ ،‬األول‪ :‬أن علينا أن نبحث ِف صدق املعرفة التي تصلنا‪ ،‬وِف‬
‫هذه احلادثة تم التحقق من احلق بواسطة الوحي ممثال بشخص النبي‬
‫صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬الثاين‪ :‬ال مانع من قبول احلق من مصدر فاقد‬
‫للرشعية األخالقية أو الدينية بام أنه نطق باحلق‪( ،‬فكثري من علامء‬
‫عْصنا ِف البلدان املختلفة يعدون كفار ًا وملحدين‪ ،‬لكنهم علامء‬
‫موثوقون ِف علمهم وجماالت َتصصهم؛ إذ ال يمنعهم فسقهم‬
‫وكفرهم من أن يصلوا إىل احلقائق واملفاهيم واملبادئ العلمية فيام يتعلق‬
‫بالوجود الطبيعي أو االجتامعي والنفيس) ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫فكن شغوف اا باملعرفة‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪-‬الوكالة‪-‬إذا وكل رجالً فرتك الوكيل شيئ ًا‪-‬رقم‪)2311( :‬‬

‫(‪ )2‬ملكاوي‪ :‬فتحي حسن‪ ،‬منهجية التكامل املعرِف‪ ،‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ ،‬ط‪2016 ،2‬م‪ ،‬ص‪.216‬‬

‫‪28‬‬
‫الحديث الرابع‬

‫ول اهللهِ َص هىل اهللهُ َع َل ري ِه‬


‫يض اهللهُ َعنر ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال ِِل َر ُس ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫َع رن َع ٍّيل َر َ‬
‫اهلدَ ى ِهدَ ا َيتك‬ ‫َو َس هل َم‪ُ ( :‬ق ْل‪ :‬ال َّل ُه َّم ْاه ِد ِِّن َو َسدي ْد ِِّن‪َ ،‬وا ْذك ُْر بِ ُْ‬

‫الس ْه َم) ‪.‬‬


‫(‪)1‬‬ ‫ال َّط ِر ِ‬
‫يق‪ ،‬والسداد سداد َّ‬

‫الناجحون يضعون أهدافهم ويسعون لتحقيقها‪ ،‬وتأمل هذا‬


‫احلديث كيف مجع بني طلب اهلداية و السداد؟ ثم كيف جعل صورة‬
‫ذهنية ملن يطلبهام باستحضار السري عىل الطريق للهداية‪ ،‬واستحضار‬
‫إصابة اهلدف للسداد‪ ،‬فاهلداية معرفة الطريق املوصل للحق‪ ،‬والسداد‬
‫الوصول للحق بعينه‪ ،‬فاإلنسان قد يسلك الطريق ولكنه ال يصيب‬
‫اهلدف‪ ،‬متام ًا كمن يضع أهداف ًا عظيمة و يعرف طرق حتقيقها ولكنه ال‬
‫حيقق أهدافه النشغاله عنها أو بضعف مهته أو لعدم ترتيب أولوياته‪،‬‬
‫فليس املطلوب وضع األهداف و معرفة طريق الوصول إليها فحسب‪،‬‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم‪-‬كتاب الذكر‪-‬التعوذ من رش ما عمل ‪ -‬رقم‪.)2725( :‬‬

‫‪29‬‬
‫بل املطلوب حتقيقها‪ ،‬فاهلداية والسداد تعني صناعة األهداف‪ ،‬ويدخل‬
‫ِف ذلك وضع األهداف و صياغتها و قياسها و وضع خطة تنفيذية هلا‪.‬‬

‫وِف هذا احلديث يرشد النبي صىل اهلل عليه وسلم عيل بن أِب‬
‫طالب ريض اهلل عنه لدعاء عظيم بطلب اهلداية و السداد‪ ،‬ثم يطلب‬
‫منه استحضار ذلك ِف خميلته‪ ،‬فاهلداية معرفة األهداف والطريق إليها‪،‬‬
‫و السداد الوصول لألهداف وفق معايري صحيحة‪.‬‬

‫قال ابن امل َلك احلنفي‪( :‬واذكر باهلدى؛ يعني‪ :‬إذا سألت اهلدى‬
‫فأ رخطِ رر بقلبك (هدايتك الطريق)؛ أي‪ :‬طريق الدين‪ ،‬وسل االستقامة‬
‫َ‬

‫فيه كام تتحرى ذلك ِف سلوك الطريق خوف ًا من الضالل‪.‬‬

‫و(بالسداد)‪ ،‬أي‪ :‬فأخطر بقلبك سؤال السداد ِف القول والفعل‪،‬‬


‫و(سداد السهم) أي فكام أن السهم يقصد اهلدف مستقي ًام ال يعدل يمينًا‬
‫يسارا‪ ،‬فكذلك اسأل سدا ًدا ال تعدل معه عن احلق إىل الباطل‬
‫ً‬ ‫وال‬
‫البتة) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )1‬حممد بن عز الدين املشهور بابن امل َلك احلنفي(‪854‬ه)‪ ،‬رشح مصابيح السنة‪ ،‬إدارة الثقافة اإلسالمية‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪1433‬هـ‪2012-‬م‪.)224/ 3( ،‬‬

‫‪30‬‬
‫وهذه الصورة الذهنية للهداية و السداد جتعل اإلنسان يتصور‬
‫أهدافه ماثلة أمامه كأنام يراها رأي العني‪ ،‬وجيعله يستشعر أمهية وضع‬
‫األهداف و مراجعتها وسؤال نفسه ِف كل حلظة ماذا حتقق منها؟ وملاذا‬
‫مل أحقق هذه األهداف؟‬

‫واهلدف هو ما تسعى للوصول إليه ِف املستقبل‪ ،‬وهو شامل لكل‬


‫مكونات احلياة اإلنسانية‪ ،‬فهناك أهداف شخصية‪ ،‬وأهداف اجتامعية‪،‬‬
‫واقتصادية وعلمية‪ ،‬وجمموع هذه األهداف تشكل رؤية اإلنسان هلذه‬
‫احلياة‪.‬‬

‫ورؤيتنا‪ :‬اإلخالص هلل تعاىل فهو اهلدف األسمى للمؤمن‪ ،‬قال‬


‫رش َ‬
‫يك‬ ‫اي َو َمم َ ِايت هللهِ َر ِّب ا رل َعاملَِ َ‬
‫ني َال َ ِ‬ ‫ِ‬
‫تعاىل‪ُ { :‬ق رل إِ هن َص َال ِيت َو ُن ُسكي َو َحم ر َي َ‬
‫ني} [األنعام‪ ،]163-162 :‬و قال‬ ‫ت َو َأنَا َأ هو ُل املرُ رسلِ ِم َ‬ ‫َل ُه وبذلك ُأ ِم رر ُ‬
‫ني َل ُه الدِّ ي َن} [البينة‪ ،]5 :‬وقال‬ ‫تعاىل‪َ { :‬و َما ُأ ِم ُروا إِ هال لِ َي رع ُبدُ وا اهللهَ خمُ رلِ ِص َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫تعاىل‪{ :‬إِن َهام ُن رطع ُم ُك رم ل َو رجه اهللهِ َال ُن ِريدُ من ُك رم َج َزا ًء َو َال ُش ُك ً‬
‫ورا}‬
‫[اإلنسان‪.]9 :‬‬

‫وهذا ما يعّب عنه باملصطلح الرشعي (اإلنسان الرباِّن) نسبة للرب‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َان لِ َب َ ٍ‬
‫احلُك َرم‬ ‫رش َأن ُي رؤت َي ُه اهللهُ ا رلكت َ‬
‫َاب َو ر‬ ‫سبحانه و تعاىل‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬ما ك َ‬

‫‪31‬‬
‫ون اهللهِ ولكن ُكو ُنوا َر هبانِ ِّي َ‬
‫ني‬ ‫هاس ُكو ُنوا ِعبادا ِِّل ِمن د ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ً‬ ‫ول لِلن ِ‬‫َوالنُّ ُب هو َة ُث هم َي ُق َ‬
‫َاب َوبِ َام ُكن ُت رم تَدر ُر ُس َ‬ ‫بِام ُكن ُتم ُتع ِّلم َ ِ‬
‫ون} [آل عمران‪.]79 :‬‬ ‫ون ا رلكت َ‬ ‫ر َ ُ‬ ‫َ‬

‫و حتت هذا اهلدف تدخل مجيع تفاصيل حياة املسلم‪ ،‬حتى ما ينفقه‬
‫اإلنسان عىل أهل بيته من نفقة يبتغي هبا وجه اهلل تعاىل فأنه يؤجر‬
‫عليها‪ ،‬فعن سعد بن أِب وقاص ريض اهلل عنه عن النبي صىل اهلل عليه‬
‫وج َه اهللهِ هإال ُأ ِج رر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‪ ،‬حتهى‬ ‫هك َل رن ُتنرف َق َن َف َق ًة َت ربتَغي َهبا ر‬
‫وسلم قال له‪( :‬وإن َ‬
‫ما َ رجت َع ُل ِف ِ ِِّف ا رم َر َأتِ َك) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫واإلنفاق سلوك يومي يقوم به اإلنسان باإلنفاق عىل الزوجة‬


‫واألوالد‪ ،‬فمتى استحرض نيته هلل تعاىل يؤجر عىل ذلك‪ ،‬بل إن الرغبة‬
‫اجلنسية التي يامرسها اإلنسان تتحول إىل روحانية إذا قصد هبا اإلنسان‬
‫مرضاة ربه‪ ،‬ففي احلديث‪( :‬وِف ُب رض ِع َأ َح ِد ُك رم صدقة قالوا يا َر َ‬
‫سول‬
‫قال‪َ :‬أ َر َأ ري ُت رم لو َو َض َع َها ِف‬
‫يها َأ رج ٌر؟ َ‬ ‫اهللِ‪َ ،‬أيأيت َأحدُ نَا َشهو َته وي ُ ِ‬
‫كون له ف َ‬ ‫رَ ُ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حل َال ِل َ‬ ‫يها ِو رز ٌر؟ َفك َ‬ ‫ِ‬ ‫َح َرا ٍم َأ َ‬
‫كان له‬ ‫َذلك إ َذا َو َض َع َها ِف ا َ‬ ‫كان عليه ف َ‬
‫َأ رج ٌر) ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬الدعوات‪-‬الدعاء برفع الوباء‪-‬رقم (‪)6373‬‬

‫(‪ )2‬رواه مسلم‪ :‬الزكاة بيان أن اسم الصدقة يقع عىل كل معروف‪ )1006 ( .‬من حديث أِب ذر ريض اهلل عنه‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫وهذا ما فهمه الصحابة رضوان اهلل عليهم ففي حوار بني أِب‬
‫موسى األشعري و معاذ بن جبل ريض اهلل عنهام حول قيام الليل‪ ،‬قال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫أحتَس ُ‬
‫ب ن رَو َمتي كام ر‬ ‫معاذ ريض اهلل عنه‪( :‬أ هما أنَا فأنَا ُم و َأ ُقو ُم‪ ،‬ر‬
‫فأحتَس ُ‬
‫َق رو َمتِي) ‪ .‬أي أطلب األجر عىل النوم من اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫ومن هنا فإن املؤمن يراجع نيته من خالل أهدافه‪ ،‬وكام جاء ِف‬
‫احلديث‪( :‬إنام األعامل بالنية‪ ،‬وإنام لكل امرئ ما نوى‪ ،‬فمن كانت‬
‫هجرته إىل اهلل ورسوله فهجرته إىل اهلل ورسوله‪ ،‬ومن كانت هجرته‬
‫لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إىل ما هاجر إليه) ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وحتت هذه الغاية الكّبى تدخل مجيع أهداف املسلم‪ ،‬من حتقيق‬
‫اإلنجاز والطموح والتفوق واإلبداع سواء ِف علم أو جتارة أو إنتاج أو‬
‫ِف حياته الشخصية‪.‬‬

‫فسدّ د نحو اهلدف‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري‪ :‬املغازي‪-‬بعث أِب موسى و معاذ إىل اليمن‪-‬رقم ( ‪.)4344‬‬

‫(‪ )2‬رواه البخاري – اإليامن‪-‬ما جاء أنا األعامل بالنية واحلسبة رقم (‪ .)54‬ومسلم – اإلمارة – إنام األعامل بالنية‪-‬‬
‫رقم (‪ )1907‬واللفظ له‪.‬‬

‫‪33‬‬
34
‫الحديث الخامس‬

‫ك‬‫قال سلامن الفاريس ألِب الدرداء ريض اهلل عنهام‪( :‬إِ َّن لِ َر يب َ‬
‫ك ح ًّقا‪َ ،‬ف َأع ِ‬ ‫ك َح ًّقا‪َ ،‬و ِألَ ْهلِ َ‬ ‫ك َح ًّقا‪َ ،‬ولِ َن ْف ِس َ‬
‫ط‬ ‫ْ‬ ‫ك َع َل ْي َ َ‬ ‫ك َع َل ْي َ‬ ‫َع َل ْي َ‬
‫ك َل ُه‪،‬‬ ‫ك َُّل ِذي َح ٍّق َح َّق ُه‪َ .‬ف َأتَى النَّبِ َّي َص ََّل اهللُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َم َف َذك ََر َذلِ َ‬
‫َف َق َال النَّبِ ُّي َص ََّل اهللُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪َ :‬صدَ َق َس ْل َام ُن) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫الناجحون يتصفون بالتوازن ِف تعاملهم مع الوجود‪ ،‬فال يطغى‬


‫جانب عىل آخر‪ ،‬فيعطون كل ذي حقه‪ ،‬فيتعاملون مع ذاهتم روحي ًا‬
‫وجسدي ًا وعقلي ًا ووجداني ًا‪ ،‬ألهنم يعلمون أن اإلنسان رباعي التكوين‪،‬‬
‫فال يطغى جانب عىل آخر‪ ،‬وكل ذلك وفق معيار الرشع احلكيم‪ ،‬فرتاه‬
‫هيتم بروحه فيزكيها بطاعة اهلل تعاىل‪ ،‬وهيتم بجسده ِف مطعمه و مرشبه‬
‫و شهوته و نومه وصحته و رياضته بام أحل اهلل له‪ ،‬وينمي فكره باملعرفة‬
‫و شغف العلم و القراءة و االطالع و متابعة االكتشافات و التطورات‬
‫العلمية‪ ،‬ويعتني بجانبه الوجداين وصحته النفسية ويسعى لسكينة‬
‫نفسه و راحة باله‪.‬‬

‫(‪ )1‬البخاري – الصوم ‪ -‬من أقسم عىل أخيه ليفطر ِف التطوع – رقم‪.)1968( :‬‬

‫‪35‬‬
‫وكذلك ِف تعامله مع اآلخرين‪ :‬الوالدين‪ ،‬األبناء‪ ،‬الزوج‬
‫والزوجة‪ ،‬اإلخوة‪ ،‬األرسة‪ ،‬األصدقاء‪ ،‬اجلريان‪ ،‬املجتمع‪ ،‬العشرية‪،‬‬
‫الدولة‪ ،‬األمة‪ ،‬البرشية‪ ،‬يتعامل معها بتوازن فيعطي كل ذي حق حقه‪،‬‬
‫بحسب طاقته‪ .‬بل يتوازن ِف تعامله مع الدنيا و اآلخرة‪ ،‬فيستمتع‬
‫بدنياه وفق أمر ربه ليسعد ِف آخرته‪.‬‬
‫وعند تدرييس لطالِب خصائص الثقافة اإلسالمية وهي كثرية‪،‬‬
‫سألتهم‪ :‬برأيك ما اخلصيصة التي ترى أهنا األصعب من الناحية‬
‫التطبيقية‪ ،‬فكان جواب الغالبية‪ :‬التوازن‪ ،‬وذلك أن الشباب تنازعهم‬
‫أمور كثرية ِف حياهتم‪ ،‬فهو ِف مقتبل العمر ربام اعتنى بجسده عىل‬
‫حساب فكره أو روحه ووجدانه‪ ،‬أو بروحه عىل حساب جسده مث ً‬
‫ال‪،‬‬
‫أو ربام كان حب انتامئه ملحيطه الشباِب عىل حساب والديه!!‬
‫فوضعت معيار ًا عىل صيغة سؤال‪ :‬كم من الوقت تقضيه ِف‬
‫االهتامم بجسدك؟ و روحك؟ وعقلك؟ ووجدانك؟ وما أثر ذلك ِف‬
‫تكوين شخصيتك؟ فكل واحد يمكنه أن يتأمل ِف السؤال وجييب‬
‫عليه ليعرف مقدار توازنه‪ ،‬فاملهم كام قال سلامن الفاريس ريض اهلل‬
‫عنه‪( :‬فأعطي كل ذي حق حقه)‪.‬‬
‫وكذلك كم من الوقت نقضيه مع الوالدين و األصدقاء عىل سبيل‬

‫‪36‬‬
‫املثال‪ ،‬والسؤال هنا للكم والكيف‪ ،‬فربام جلسنا مع الوالدين ساعات‬
‫طويلة‪ ،‬ولكننا مشغولون بأجهزتنا اخللوية ومتابعة الرسائل عىل‬
‫وسائل التواصل!! فام فائدة النجاح ِف العمل أو ِف التجارة إذا كان‬
‫عىل حساب سعادة أرسيت؟!!‪ ،‬فاملتوازن ينجح ِف كل ميادين احلياة‪.‬‬

‫وسبب حوار سلامن الفاريس مع أِب الدرداء ريض اهلل عنهام أن‬
‫آخى َب رينَهام‪َ ،‬ف َز َار َس رل َام ُن َأ َبا الده رر َد ِاء‪َ ،‬ف َر َأى ُأ هم‬ ‫النهبِ ُّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم َ‬
‫وك َأ ُبو الده رر َد ِاء َل ري َس َل ُه‬‫ك؟ َقا َل رت‪َ :‬أ ُخ َ‬ ‫الده رد ِاء م َتب ِّذ َل ًة‪َ ،‬ف َق َال َهلا‪ :‬ما َش رأ ُن ِ‬
‫َ َ‬ ‫ر َ ُ َ‬
‫اج ٌة ِِف الدُّ رن َيا‪َ ،‬ف َجا َء َأ ُبو الده رر َد ِاء‪َ ،‬ف َصن ََع َل ُه َط َعا ًما‪َ ،‬ف َق َال‪ُ :‬ك رل‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫َح َ‬
‫َان ال هل ري ُل‬‫َفإِ ِّين َصائِ ٌم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ما َأنَا بِآكِ ٍل َحتهى ت رَأ ُك َل‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأك ََل‪َ ،‬ف َل هام ك َ‬
‫ِ‬
‫ب َي ُقو ُم‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ن رَم‪َ ،‬ف َل هام‬ ‫ب َأ ُبو الده رر َداء َي ُقو ُم‪َ ،‬ق َال‪ :‬ن رَم‪َ ،‬فنَا َم‪ُ ،‬ث هم َذ َه َ‬
‫َذ َه َ‬
‫َان ِمن ِ‬
‫آخ ِر ال هل ري ِل‪َ ،‬ق َال َس رل َام ُن‪ُ :‬ق ِم راآل َن‪َ ،‬ف َص هل َيا ‪.)...‬‬ ‫ك َ ر‬
‫فأبو الدرداء ريض اهلل عنه كان اهتاممه باجلانب الروحي عىل‬
‫حساب أهله‪ ،‬فلذلك كانت أم الدرداء ريض اهلل عنها متبذلة‪ :‬أي ال‬
‫هتتم بشأن زينتها و مجال ثياهبا كام تصنع املرأة لزوجها‪ ،‬فلام رآها سلامن‬
‫ريض اهلل عنه ويظهر أن ذلك قبل نزول آية احلجاب‪ ،‬دار بينهم هذا‬
‫احلوار‪ ،‬ووافقه النبي صىل اهلل عليه وسلم عىل قوله‪.‬‬

‫فتَوازَن‬

‫‪37‬‬
38
‫الحديث السادس‬

‫عن عيل بن أِب طالب ريض اهلل عنه قال‪َ :‬‬


‫قال رسول اهلل صىل‬
‫َّس ملِا ُخلِ َق له) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫اع َم ُلوا‪َ ،‬فك ٌُّل ُم َي َّ ٌ‬
‫اهلل عليه وسلم‪ْ ( :‬‬

‫من أسباب النجاح أن تعرف قدراتك و تكتشف نوع ذكائك‪،‬‬


‫وهل الذكاء متعدد و له أنواع؟!!‬

‫إهنا نظرية (الذكاءات املتعددة) التي غريت مفاهيم تربوية كانت‬


‫تعد من املسلامت‪.‬‬

‫يرى جاردنر (‪ )Gardener‬صاحب هذه النظرية أن الذكاء‬


‫جمموعة من املهارات التي متكن الفرد من حل املشكالت التي تصادفه‬
‫ِف احلياة‪ ،‬فمفهوم الذكاء لديه خيتلف عن املفهوم التقليدي‪ ،‬فهو يعطيه‬
‫معنى عام ًا‪ ،‬فالذكاء هو القدرة عىل إجياد منسوج الئق أو مفيد‪ ،‬أو انه‬
‫عبارة عن توفري خدمة قيمة للثقافة التي يعيش هبا اإلنسان‪ ،‬وهبذا‬

‫(‪ )1‬البخاري‪-‬التفسري‪-‬سورة الليل‪-‬رقم‪ )4949 (:‬مسلم‪-‬القدر‪-‬باب كيفية خلق اآلدمي ِِف بطن أمه وكتابة‬
‫رزقه ‪-‬رقم (‪.)2647‬‬

‫‪39‬‬
‫التعريف نجد أن جاردنر يبعد الذكاء عن املجال التجريدي‬
‫واملفاهيمي ليجعله طريقة فنية ِف العمل والسلوك اليومي‪ ،‬وهو بذلك‬
‫( ‪)1‬‬
‫يعطيه تعريفا إجرائيا جيعل املربني أكثر تبْصا بأهدافهم وعملهم‪.‬‬

‫وهذه النظرية توسع مفهوم الذكاء البرشي متجاوزة بذلك‬


‫احلدود التي رسمتها النظريات التقليدية التي اهتمت بالذكاء املستند‬
‫إىل العامل الوراثي‪ ،‬حيث ركزت نظرية الذكاء املتعدد عىل أن الذكاء‬
‫(‪)2‬‬
‫يرتبط باإلطار الطبيعي واالجتامعي الذي حييا ويتطور فيه الفرد‪.‬‬

‫ومن هنا يقول جاردنر (أن الوقت حان للتخلص من املفهوم‬


‫الكيل للذكاء‪ ،‬ذلك املفهوم الذي يقاس من خالل معامل الذكاء‪،‬‬
‫والتفرغ لالهتامم بشكل طبيعي للكيفية التي تنمي هبا الشعوب‬
‫الكفايات الرضورية لنمط عيشها)‪ ،‬ويذكر مثاال لذلك عمل البحارة‬
‫وسط البحار‪ ،‬أهنم هيتدون إىل طريقهم من بني عدد كبري من الطرق‪،‬‬
‫وذلك بفضل النجوم‪ ،‬وبفضل حركات مراكبهم عىل املاء‪ ،‬وبفضل‬
‫بعض العالمات املشتتة؛ أن كلمة ذكاء بالنسبة هلم تعني دون شك‬
‫(‪)3‬‬
‫براعة ِف املالحة‪.‬‬

‫عامن ‪2008‬م‪ ،‬ص‪.103‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬عامر‪ :‬طارق عبد الرؤوف وربيع حممد‪ ،‬الذكاءات املتعددة‪ ،‬اليازوري للنرش‪ ،‬ر‬
‫عامن‪2010 ،‬م‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬ص‪.95‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬نوفل‪ :‬حممد بكر‪ ،‬الذكاء املتعدد ِف غرفة الصف‪ ،‬دار املسرية‪ ،‬ر‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬املرجع السابق‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أنواع الذكاءات‪:‬‬

‫الذكاء املنطقي ‪-‬‬


‫الذكاء املكاِّن‬ ‫الذكاء اللغوي‬
‫الريايض‬
‫‪Spatial‬‬ ‫‪Linguistic‬‬
‫‪Logical-Mathematical‬‬
‫‪Intelligence‬‬ ‫‪Intelligence‬‬
‫‪Intelligence‬‬

‫الذكاء البني شخيص‬ ‫الذكاء احلركي ‪-‬‬


‫الذكاء اإليقاعي‬
‫(اَلجتامعي)‬ ‫البدِّن‬
‫‪Musical‬‬
‫‪Interpersonal‬‬ ‫‪Bodily-Kinaesthetic‬‬
‫‪Intelligence‬‬
‫‪Intelligence‬‬ ‫‪Intelligence‬‬

‫الذكاء الوجودي‬ ‫الذكاء الطبيعي‬ ‫الذكاء الشخيص‬


‫‪Existence‬‬ ‫‪Naturalist‬‬ ‫‪Intelligence‬‬
‫‪Intelligence‬‬ ‫‪Intelligence‬‬ ‫‪Intrapersonal‬‬

‫ويرى جاردنر أن نظرية الذكاء املتعدد ليست نظرية (نوع) لتحديد‬


‫الذكاء الواحد املناسب‪ ،‬بل إهنا نظرية متعددة األنواع‪ ،‬حيث تقرتح أن‬
‫لكل شخص قدرات ِف مجيع األنواع الثامنية من الذكاء‪ ،‬وتعمل‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬نوفل‪ :‬الذكاء املتعدد ِف غرفة الصف‪ ،‬مصدر سابق ص‪ ،98‬ص‪ ،101‬و‪:‬طارق‪ :‬الذكاءات املتعددة‪،‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ص‪ ،106‬ص‪ ، 111‬وحسني‪ :‬حممد عبد اهلادي حسني‪ :‬قياس وتقويم الذكاءات املتعددة‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫عامن‪1423 ،‬هـ ‪2003-‬م‪ ،‬الطبعة األوىل ص‪.16-15‬‬
‫ر‬

‫‪41‬‬
‫الذكاءات معا بطرق فريدة من نوعها لدى كل شخص‪ ،‬ويكون الذكاء‬
‫متطور جدا ِف بعض أنواع الذكاء‪ ،‬ومعتدال ِف بعضها اآلخر‪ ،‬وغري‬
‫متطور نسبيا ِف بقية األنواع األخرى للذكاء‪.‬‬

‫وبناء عليه‪ :‬بإمكان معظم الناس تطوير كل ذكاء إليصاله إىل‬


‫املستوى املناسب من الكفاءة‪ ،‬فالفرد من الناحية الفعلية لديه قدرة‬
‫لتطوير مجيع أنواع الذكاء الثامنية إىل مستوى معقول من األداء‪ ،‬إذا‬
‫‪1‬‬
‫أعطي التشجيع املناسب والتزويد باملعلومات والتدريب‪.‬‬

‫ويأيت السؤال ما عالقة نظرية الذكاءات املتعددة بحديث (كل‬


‫ميَّس ملا خلق له)؟!!‪ ،‬واجلواب‪ :‬احلديث يبني عقيدة اإليامن بالقدر‪،‬‬
‫َان النهبِ ُّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه‬
‫يض اهللُ َعنر ُه َق َال‪ :‬ك َ‬ ‫ِ ِ‬
‫فالرواية مفصلة‪ :‬ع رن َع ٍّيل َر َ‬
‫َو َس هل َم ِِف ِجن ََاز ٍة‪َ ،‬ف َأ َخ َذ َش ري ًئا َف َج َع َل َينر ُك ُت بِ ِه راألَ رر َض‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ما ِمنر ُك رم‬
‫اجلن ِهة‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬يا‬ ‫ِ‬ ‫ب َم رق َعدُ ُه ِم َن الن ِ‬
‫هار َو َم رق َعدُ ُه م َن ر َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫م رن َأ َحد‪ ،‬إِ هال َو َقدر ُكت َ‬
‫ِ‬

‫ول اهللِ‪َ ،‬أ َف َال َنتهكِ ُل َع َىل كِتَابِنَا‪َ ،‬ونَدَ ُع ا رل َع َم َل؟ َق َال‪ :‬ا رع َم ُلوا َف ُك ٌّل‬
‫َر ُس َ‬
‫س لِ َع َم ِل َأ ره ِل‬ ‫ِ‬ ‫ميس َملِا ُخلِ َق َله‪َ ،‬أما من ك َ ِ‬
‫َان م رن َأ ره ِل ه‬
‫الس َعا َدة َف ُي َي ه ُ‬ ‫ُ ه َ ر‬ ‫َُه ٌ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬نوفل‪ :‬الذكاء املتعدد ِف غرفة الصف‪ :‬مصدر سابق ص ‪ ،110-109‬وحسني‪ :‬قياس وتقييم قدرات‬
‫الذكاءات املتعددة‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.18‬‬

‫‪42‬‬
‫او ِة‪ُ ،‬ث هم‬ ‫س لِ َع َم ِل َأ ره ِل ه‬ ‫َان ِمن َأه ِل ه ِ‬
‫الش َق َ‬ ‫الش َقاء َف ُي َي ه ُ‬ ‫الس َعا َد ِة‪َ ،‬و َأ هما َم رن ك َ ر ر‬
‫ه‬
‫َق َر َأ‪َ { :‬ف َأ هما َم رن َأ رع َطى َوا هت َقى * َو َصده َق بِ ر‬
‫احلُ رسنَى ‪.}...‬‬

‫واملقصود أن اهلل بعلمه األزِل يعلم مصري اإلنسان‪ ،‬ولكنه أخفى‬


‫ذلك عليه‪ ،‬فاملطلوب منه العمل‪ ،‬فاإلنسان فاعل حقيقي لعمله‪ ،‬و اهلل‬
‫ييس له أمره‪ ،‬فمن اختار سبيل احلق يس اهلل له احلسنى وطرائق اخلري‪،‬‬
‫ومن اختار سبيل الباطل يس اهلل له العسى و طرائق الرش‪ ،‬قال تعاىل‬
‫سى َو َأ هما َم رن‬ ‫ِ‬ ‫{ َف َأ هما َم رن َأ رع َطى َوا هت َقى َو َصده َق بِ ر‬
‫س ُه ل رل ُي ر َ‬
‫احلُ رسنَى َف َسنُ َي ِّ ُ‬
‫ِ‬ ‫اس َت رغنَى َوك هَذ َب بِ ر‬ ‫ِ‬
‫سى} [الليل‪.]6 :‬‬ ‫س ُه ل رل ُع ر َ‬
‫احلُ رسنَى َف َسنُ َي ِّ ُ‬ ‫َبخ َل َو ر‬
‫فاهلل تعاىل خلق فينا هذه القدرات التي تكون الذكاءات املتعددة‪،‬‬
‫ووزع هذه القدرات بني البرش‪ ،‬وخصه بقدرات َتتلف عن قدرات‬
‫اآلخرين‪ ،‬مع وجود استعداد له جلميع هذه الذكاءات‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫احلي ِ‬ ‫مح َت َر ِّب َك ن رَح ُن َق َس رمنَا َب رين َُهم هم ِع َ‬ ‫{ َأ ُه رم َي رق ِس ُم َ‬
‫اة الدُّ رن َيا‬ ‫يشت َُه رم ِِف ر َ َ‬ ‫ون َر ر َ‬
‫هخ َذ َب رع ُض ُهم َب رع ًضا ُس رخ ِر ًّيا‬ ‫ات ِّليت ِ‬ ‫ض درج ٍ‬
‫َ‬ ‫َو َر َف رعنَا َب رع َض ُه رم َف رو َق َب رع ٍ َ َ َ‬
‫جي َم ُع َ‬
‫ون } [الزخرف‪ ،]32 :‬قال ابن كثري‪( :‬قال‬ ‫مح ُت َر ِّب َك َخ ر ٌري ِّممها َ ر‬
‫َو َر ر َ‬
‫تعاىل مبين ًا أنه قد فاوت بني خلقه فيام أعطاهم من األموال واألرزاق‬
‫والعقول والفهوم‪ ،‬وغري ذلك من القوى الظاهرة والباطنة) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )1‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬حتقيق حممد حسني شمس الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ط‪.)207 / 7( ،1‬‬

‫‪43‬‬
‫وقال‪( :‬لِ ُي َس ِّخ َر َب رع ُض ُه رم َب رع ًضا ِِف راألَ رع َام ِل ِال رحتِ َياجِ َه َذا إِ َىل َه َذا‪،‬‬
‫َو َه َذا إِ َىل َه َذا‪ ، ) .‬فتأمل ِف قوله‪-‬رمحه اهلل‪-‬فاوت بينهم ِف العقول‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫وقوله القوى الظاهرة و الباطنة‪ ،‬فالذكاءات تدخل ِف ذلك‪ ،‬وكذلك‬


‫بني حاجة الناس لبعضهم البعض‪.‬‬

‫وهنا يأيت دور اإلنسان الكتشاف ذكائه املميز‪ ،‬ودور البيئة املحيطة‬
‫به لتطوير ذكاءاته‪ ،‬فشخص ما خلق اهلل فيه قدرات ِف الذكاء احلركي‬
‫عىل سبيل املثال‪ ،‬فعليه اكتشاف ذلك من خالل اهتامماته منذ الصغر‪،‬‬
‫وهنا يأيت دور الوالدين كذلك ِف هذا االكتشاف و توجيه هذه‬
‫القدرات و تطويرها و تنميتها‪ ،‬وأما من أمهل اكتشاف ذكائه املميز و‬
‫تطويره‪ ،‬تعست عليه حياته‪ ،‬بمعنى أنه لن يتمكن من التميز و اإلبداع‬
‫ِف حياته‪ ،‬فهو من أمهل ما أنعم اهلل عليه‪ ،‬أو توجه ألمور ِف حياته ال‬
‫تتناسب مع ذكاءاته‪ ،‬وهنا أذكر أحد املتدربني الذي كان يعمل حماسب ًا‬
‫ِف إحدى الرشكات‪ ،‬وعند عمل اختبار الذكاءات كانت نتيجته ِف‬
‫الذكاء املنطقي متدنية‪ ،‬فلام سألته ماذا تعمل فقال‪ :‬حماسب!!‪ ،‬تفاجأت‬
‫لذلك‪ ،‬كيف يكون حماسب ًا و ال يتميز بالذكاء املنطقي؟!!‬

‫(‪ )1‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬حتقيق حممد حسني شمس الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ط‪)208/ 7 ( ،1‬‬

‫‪44‬‬
‫فقال ِل‪ :‬أنه َتصص ِف املحاسبة بنا ًء عىل رغبة والده ألن والده‬
‫يمتلك رشكة حسابات‪ ،‬وأنه يكره املحاسبة‪ ،‬فهل تتوقع منه أن يبدع‬
‫ِف جمال عمله؟!!‬

‫وهذا نموذج لعدد من األشخاص اختاروا َتصصاهتم ليس‬


‫انطالق ًا من رغبتهم و ميوهلم وذكاءاهتم‪ ،‬بل تلبية لرغبات اآلخرين‪،‬‬
‫أو تقليد ًا لغريهم‪ ،‬والسبب ِف ذلك أنه مل يكتشف ذكاءه املميز الذي‬
‫يقوده لالستمتاع ِف عمله و الشغف فيه وصوالً لإلبداع فيه‪.‬‬

‫مح َت َر ِّب َك ن رَح ُن َق َس رمنَا‬ ‫وإذا عدنا لآلية الكريمة‪َ { :‬أ ُه رم َي رق ِس ُم َ‬


‫ون َر ر َ‬
‫ض درج ٍ‬ ‫يشتَهم ِِف ر ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫احلَ َياة الدُّ رن َيا َو َر َف رعنَا َب رع َض ُه رم َف رو َق َب رع ٍ َ َ َ‬ ‫َب رين َُهم همع َ ُ ر‬
‫جي َم ُع َ‬ ‫ِّليت ِ‬
‫هخ َذ َب رع ُض ُهم َب رع ًضا ُس رخ ِر ًّيا َو َر ر َ‬
‫ون}‬ ‫مح ُت َر ِّب َك َخ ر ٌري ِّممها َ ر‬ ‫َ‬
‫[الزخرف‪ ،]32 :‬نصل للنتائج اآلتية‪:‬‬

‫‪ .1‬حكمة اهلل تعاىل ِف تقسيم أسباب العيش لإلنسان ومنها تنوع‬


‫القدرات العقلية‪.‬‬
‫‪ .2‬تفاوت الناس ِف هذه القدرات‪.‬‬
‫‪ .3‬تسخري الناس خلدمة بعضهم البعض بحسب تنوع قدراهتم‪،‬‬
‫فكل صاحب ذكاء خيدم اآلخرين ِف جمتمعه‪ ،‬وهو ِف ذات‬

‫‪45‬‬
‫الوقت ال يستغني عن خدمات اآلخرين‪ ،‬فلذلك ال تتعجب‬
‫أن يبحث طبيب حاذق عن سائق ماهر‪ ،‬أو أن يبحث سائق‬
‫ماهر عن طبيب حاذق‪ ،‬أو أن حيتاج سيايس حمنك لطاه مبدع‪،‬‬
‫أو أن يبحث طاه مبدع عن سيايس حمنك‪.‬‬
‫‪ .4‬رمحة اهلل تعاىل بالبرش حيث مل يفوض أحد ًا من عباده هبذا‬
‫التقسيم‪ ،‬بل توكل ذلك بعدله وفضله‪.‬‬

‫واملهم أن نكتشف هذه الذكاءات ونعرف أين نتميز فيها ونقوم‬


‫بتطويرها و نوظفها ِف حياتنا‪ ،‬وكذلك نعرف الذكاءات األضعف‬
‫لدينا ونقوم بتقويتها‪ ،‬وكذلك نفهم ذكاءات من حولنا لنحسن‬
‫التعامل معهم‪ ،‬ونخرج أمجل ما عندهم‪.‬‬

‫ذكاءك‬
‫فاكتشف َ‬

‫‪46‬‬
‫الحديث السابع‬

‫عن عائشة ريض اهلل عنها قالت‪َ ( :‬ق ِدم رسول اهلل صَل اهلل‬
‫وك َأو َخيب‪ ،‬و ِِف س ْهو ُِتا ِس ْت‪َ ،‬ف َهب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫ٌ َّ‬ ‫عليه وسلم م ْن غَ ز َْوة َت ُب َ ْ ْ َ َ َ َ َ َ‬
‫(‪)1‬‬

‫َات لِ َعائِ َش َة ُل َع ٍ‬
‫ب‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ما َه َذا‬ ‫َاحي َة الس ْ ِت عن بن ٍ‬
‫تن َ ي َ ْ َ‬
‫الريح َفك ََش َف ْ ِ‬
‫ي ُ‬
‫ان ِم ْن ِر َقا ٍع ‪.‬‬‫َاح ِ‬
‫ت‪َ :‬بن َِاِت ‪َ .‬و َر َأى َب ْين َُه َّن َف َر اسا َل ُه َجن َ‬ ‫َيا َعائِ َش ُة؟ َقا َل ْ‬
‫ت‪َ :‬ف َر ٌس‪َ .‬ق َال‪َ :‬و َما َه َذا‬ ‫َف َق َال‪َ :‬ما َه َذا ا َّل ِذي َأ َرى َو ْس َط ُه َّن؟ َقا َل ْ‬
‫ت‪َ :‬أ َما‬ ‫َاح ِ‬
‫ان؟! َقا َل ْ‬ ‫ان ‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َر ٌس َل ُه َجن َ‬ ‫َاح ِ‬‫ت‪َ :‬جن َ‬ ‫ا َّل ِذي َع َل ْي ِه؟ ُق ْل ُ‬
‫ك َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫ت‪َ :‬ف َض ِ‬
‫ح َ‬ ‫ت َأ َّن لِ ُس َل ْي َام َن َخ ْي ال َهلا َأ ْجن ِ َح ٌة؟ َقا َل ْ‬ ‫َس ِم ْع َ‬
‫ت ن ََو ِ‬
‫اج َذ ُه)‬ ‫(‪)2‬‬
‫َص ََّل اهللُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َم َحتَّى َر َأ ْي ُ‬

‫ِف حوار أرسي مجيل‪ ،‬يسأل النبي صىل اهلل عليه وسلم عائشة‬
‫ريض اهلل عنها عن لعبها وهي عبارة عن دمى لبنات كانت تلعب هبا‪،‬‬
‫وكانت تضعها ِف مكان خاص هبا مثل الرف‪ ،‬وأثناء احلوار رأى النبي‬

‫(‪ )1‬السهوة‪ :‬مثل الرف الذي توضع األشياء فيه‪.‬‬

‫( ‪ )2‬رواه أبو داود‪ ،‬األدب‪ ،‬باب ِف اللعب بالبنات‪ ،‬رقم (‪ ،)4932‬و اللفظ له‪ ،‬والنسائي ِف الكّبى‪-‬عرشة النساء‪،‬‬
‫إباحة الرجل اللعب لزوجته بالبنات‪ ،‬رقم (‪ ،)8901‬وإسناده صحيح‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫صىل اهلل عليه وسلم بني اللعب فرس ًا مصنوع ًا من جلد‪ ،‬ولكن هذا‬
‫الفرس فيه يشء غري مألوف‪ ،‬فرس له جناحان!!فتعجب النبي صىل‬
‫اهلل عليه وسلم من ذلك‪ ،‬فذكرته بوصف خيل سليامن عليه السالم‬
‫املجنحة من شدة رسعتها‪ ،‬وهنا ضحك النبي صىل اهلل عليه وسلم‬
‫حتى ظهرت أسنانه الرشيفة‪ ،‬فيحاور عائشة ريض اهلل عنها حتى تقنعه‬
‫بفكرهتا اخليالية‪.‬‬

‫وِف ضحكه صىل اهلل عليه وسلم إقرار منه لعائشة عىل اَتاذ‬
‫اللعب‪ ،‬بل وإقرار هلا عىل خياهلا الذي تصور اخليل املجنحة‪ ،‬وهذا‬
‫ليس بغريب عىل فتاة ذكية مثل عائشة ريض اهلل عنها ومن املعلوم أن‬
‫سعة اخليال من أبرز صفات املبدعني ‪ ،‬كام يدل ذلك عىل حسن عرشته‬
‫‪1‬‬

‫صىل اهلل عليه وسلم ألهله‪ ،‬ومشاركته هلم باهتامماته‪ ،‬وتأمل كيف أنه‬
‫كان عائد ًا من إحدى غزواته‪ ،‬حيث مقارعة العدو وقيادة اجليش‬
‫وسياسة الدولة‪ ،‬ولكنه هيتم بأدق تفاصيل حياة أهله‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬املبيضني‪ ،‬النا حممد‪ ،‬التفكري خارج الصندوق‪ ،‬عامن‪ :‬ديبونو للطباعة والنرش‪2011( ،‬م)‪ ،‬ص‪.32‬‬

‫‪48‬‬
‫واإلبداع كام عرفه (ولس ‪1985( )Wallace‬م)‪( :‬عمل هادف‬
‫يقود لنواتج أصيلة و غي معروفة) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ويمكن تعريفه من منظور إسالمي بقولنا‪( :‬عمل هادف ورشعي‬


‫يقود لنواتج أصيلة و غي معروفة)‪ ،‬فيدخل ِف هذا الوصف كل إبداع‬
‫موافق للرشع‪ ،‬وخيرج أي عمل مل ينضبط بالضوابط الرشعية‪ .‬ويرى‬
‫(‪)2‬‬

‫كروبيل (‪2002‬م)‪ ،‬أن أهم معايري اإلنتاج اإلبداعي هي‪:‬‬

‫‪ .1‬احلداثة أو ِ‬
‫اجلدة‪ :‬فاملنتج اإلبداعي يشء خيتلف عن املألوف‪.‬‬
‫‪ .2‬الفاعلية‪ :‬فاملنتج اإلبداعي ‪-‬بْصف النظر عن نوعه‪ -‬حيقق‬
‫هدف ًا عىل أرض الواقع‪ ،‬قد يكون هذا اهلدف مجالي ًا أو ذوقي ًا‬
‫أو روحي ًا‪ ،‬وقد يكون مادي ًا‪.‬‬

‫ويبني كروبيل هذه املعايري بقوله‪( :‬تشري ِ‬


‫اجلدر ة) إىل يشء غري‬
‫معروف ِف السابق ِف حميط معني‪ ،‬وتعني (الفاعلية) أن تساعد ِ‬
‫اجلدر ة‬
‫عىل التعامل مع مشكلة معينة ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬جروان‪ ،‬فتحي جروان‪ ،‬املوهبة والتفوق واإلبداع‪ ،‬العني‪ :‬دار الكتاب اجلامعي (‪1999‬م)‪ ،‬ص‪.89‬‬

‫عامن‪ ،‬الطبعة الثانية‪2015 ،‬م‪ ،‬ص‪.24‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬عجني‪ ،‬عيل عجني‪ ،‬اإلبداع رؤية إسالمية‪ ،‬ديبونو للنرش‪ ،‬ر‬
‫(‪ )3‬كروبيل‪ :‬آرثر‪ ،‬اإلبداع ِف الرتبية والتعليم‪ ،‬ترمجة‪ :‬إبراهيم احلارثي وحممد مقبل‪ ،‬الرياض‪ :‬مكتبة الشقري‪،‬‬
‫(‪1422‬هـ‪2002 /‬م)‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪49‬‬
‫وإذا طبقنا هذين املعيارين عىل عمل عائشة ريض اهلل عنها نجد أنه‬
‫منتج إبداعي‪ ،‬وذلك ألنه يشء غري مألوف (حصان جمنح) وأنه حقق‬
‫فاعلية باَتاذه دمية للرتفيه و اللعب‪ ،‬فاإلبداع يدخل ِف مجيع تفاصيل‬
‫احلياة‪ ،‬ال كام يظن البعض أن اإلبداع مرتبط باملخرتعات التكنولوجية‪،‬‬
‫وهذه خاصية فرعية ِف املوضوع‪ ،‬فاألفكار اجلديدة هي مادة التغيري ِف‬
‫كافة املجاالت‪ :‬العلوم حتى الفنون والسياسة والسعادة الشخصية ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫لكن ما الذي أوصل عائشة ريض اهلل عنها لإلبداع؟!! إنه اخليال‪،‬‬
‫فهي َتيلت فرس ًا‪ ،‬وهذا الفرس ال يسبق و ينتقل من مكان آلخر‬
‫بسعة هائلة‪ ،‬لكن ما الذي يتصف بذلك إنه الطائر‪ ،‬فهل يمكن أن‬
‫يكون للفرس أجنحة!!فصنعت فرس ًا جمنح ًا‪.‬‬

‫واخليال (نشاط نفيس حتدث خالله عمليات تركيب و دمج بني‬


‫مكونات الذاكرة و اإلدراك‪ ،‬وبني الصورة العقلية التي تشكلت من‬
‫قبل من خالل اخلّبات‪ ،‬وتكون نواتج ذلك كله تكوينات وأشكال‬
‫(‪)2‬‬
‫عقلية جديدة)‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ديبونو‪ ،‬إدوارد‪ ،‬التفكري اإلبداعي‪ ،‬ترمجة‪ :‬خليل اجليويس‪ ،‬املجمع الثقاِف‪1997( ،‬م)‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫(‪ )2‬شاكر‪ :‬عبد احلميد شاكر‪ ،‬و عبد اللطيف خليفة‪ ،‬دراسات ِف حب االستطالع و اإلبداع و اخليال‪ ،‬دار غريب‪،‬‬
‫القاهرة‪2000 ،‬م‪ ،‬ص ‪.125‬‬

‫‪50‬‬
‫فوظيفة اخليال عبارة عن عملية كيميائية ملعاجلة عقلية‪ ،‬حيث‬
‫تتفاعل القوى الفكرية واالنفعالية و تسهم ِف تنشيط التنبيه و الطاقة و‬
‫خلق العمل اإلبداعي‪.‬‬

‫فالنشاط العقيل اخلاص بتنشيط كل إمكانات التصور واخليال‪ ،‬هو‬


‫‪1‬‬
‫نشاط شديد األمهية ِف إثراء عملية اإلبداع‪.‬‬

‫فاخليال أداة اإلبداع‪ ،‬فمن كان يتصور هذه األجهزة التي تنقلنا‬
‫ألبعد مكان لنتواصل مع اآلخرين بالصوت و الصورة احلية قبل مئة‬
‫سنة‪ ،‬لوال اخليال املبدع‪.‬‬

‫فهل نضحك ألطفالنا عندما يقودهم خياهلم لتصور أشياء غري‬


‫منطقية؟ أم نقمعهم و نعنفهم عىل خياهلم‪ ،‬فنقتل إبداعهم ‪.‬؟!!‬
‫فتَخَ يل لت ِ‬
‫ُبدع‬

‫(‪ )1‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.162‬‬

‫‪51‬‬
52
‫الحديث الثامن‬

‫عن ابن عباس ريض اهلل عنهام عن النبي صىل اهلل عليه وسلم‬
‫الص َّح ُة َوا ْل َف َرا ُغ)‬
‫(‪)2‬‬ ‫يه َام كَثِ ٌي ِم َن الن ِ‬
‫َّاس ي‬ ‫ون فِ ِ‬
‫(‪)1‬‬ ‫قال‪( :‬نِ ْع َمت ِ‬
‫َان َم ْغ ُب ٌ‬

‫من عادات النجاح التي أمجع عليها الناجحون تقدير قيمة الوقت‪،‬‬
‫فهي نعمة ال تقدر بثمن‪ ،‬فاالستثامر ِف الوقت مع الصحة أفضل جتارة‪،‬‬
‫فصاحبها رابح دائ ًام‪ ،‬فهام رأس املال‪ ،‬واملفرط فيهام خارس دائ ًام‪ ،‬فلذلك‬
‫وصفه النبي صىل اهلل عليه وسلم بأنه مغبون‪ ،‬أي خارس‪.‬‬

‫ومن بديع كالمه صىل اهلل عليه وسلم أنه مجع بني الصحة والفراغ‪،‬‬
‫وذلك أن الصحة البدنية والعقلية و النفسية هي القوة التي يستثمر فيها‬
‫اإلنسان وقته‪ ،‬فالصحة هي القوة املحركة‪ ،‬والفراغ هو احليز الزمني‬
‫لفعل هذه القوة‪ ،‬ومها رأس مال اإلنسان فإن أحسن استثامرمها كان‬
‫رابح ًا‪ ،‬وإن أخفق كان مغبون ًا خارس ًا‪.‬‬

‫(‪ )1‬أي خارس‪.‬‬

‫(‪ )2‬صحيح البخاري – الرقاق ‪ -‬ال عيش إال عيش اآلخرة ‪ -‬رقم‪.)6412 ( :‬‬

‫‪53‬‬
‫وبنا ًء عىل التقسيم النبوي يظهر لنا ما يأيت‪:‬‬

‫ال صحة‬ ‫لديه وقت‪،‬‬ ‫يملك صحة‬ ‫مستثمر‬


‫لديه‬ ‫ولكن ال‬ ‫وال وقت‬ ‫لصحته‬
‫وال وقت‬ ‫يملك صحة‬ ‫لديه‬ ‫ووقته‬

‫خاس‬ ‫خاس‬ ‫خاس‬ ‫رابح‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫وهذا رس قوله صىل اهلل عليه وسلم‪ :‬كثري من الناس‪ ،‬فالرابح من‬
‫احلاالت األربع واحد‪ ،‬وباقي احلاالت خسارة‪ ،‬فهل تطمح أن تكون‬
‫من الرابحني الناجحني؟!! استثمر حياتك‪.‬‬

‫والعجيب أن من يملك الفراغ والصحة‪ ،‬ربام قىض عىل صحته‬


‫بسبب فراغه‪ ،‬فانظر إىل املدمنني عىل املخدرات والكحول‪ ،‬فإن سبب‬
‫إدماهنم ذلك الفراغ القاتل‪ ،‬الذي يستغله املروجون مللئه‪ ،‬فلو كان ممن‬
‫أحسن استثامر وقته ملا وجد حلظة للتفكري ِف تعاطي خمدر أو مسكر‪،‬‬

‫‪54‬‬
‫فمامرسة الرياضة‪ ،‬أو العمل‪ ،‬أو الطاعة أو الدراسة أو التطوع ِف خدمة‬
‫جمتمعه ستقيض عىل فراغه‪ ،‬ولكنه ملا جلس فارغ ًا أصبح لديه وقت‬
‫لتدمري نفسه‪ ،‬فخس الصحة والفراغ‪.‬‬

‫والنظرة التكاملية التي جتمع بني الدنيا و اآلخرة جتعل استثامر‬


‫احلياة هبذين العاملني‪ :‬الصحة و الوقت واسع بال حدود‪ ،‬وال يقتْص‬
‫فيه عىل أداء الشعائر و العبادات‪ ،‬فاملسلم كل حياته عبادة‪ ،‬والنجاح‬
‫فيام أحله اهلل تعاىل عبادة‪ ،‬فاستثمرمها ِف كل ما أباح اهلل لك‪ ،‬فالعاقل‬
‫ال يفرط فيام أنعم اهلل تعاىل عليه‪.‬‬

‫فاستثمر حياتك‬

‫‪55‬‬
56
‫الحديث التاسع‬

‫عن حكيم بن حزام ريض اهلل عنه‪ :‬قال النهبِ هي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َس هل َم‪( :‬ا ْل َيدُ ا ْل ُع ْل َيا َخ ْ ٌي م َن ا ْل َيد ُّ‬
‫الس ْف ََل)‬
‫(‪)1‬‬

‫نجاح الناجحني ال يتوقف عندهم‪ ،‬فهم حيبون أن يشاركهم‬


‫اآلخرون ِف إنجازاهتم‪ ،‬فلذلك يتصفون بالعطاء‪ ،‬فيد العطاء هي‬
‫العليا وهي خري من اليد السفىل اليد اآلخذة‪ ،‬واحلديث إن جاء‬
‫بخصوص إنفاق املال‪ ،‬لكنه يضع أساس للعطاء ِف كل املجاالت‪،‬‬
‫فهناك عطاء ِف بذل الوقت لآلخرين‪ ،‬وعطاء ِف تقديم العون‪ ،‬وعطاء‬
‫بالعمل التطوعي‪ ،‬وعطاء ِف التعليم‪ ،‬وعطاء املشاعر‪ ،‬فإن حب العطاء‬
‫يتمثل ِف حب مشاركة اآلخرين و التعاطف معهم‪.‬‬

‫فالعطاء هو أن تبادر بتقديم املنافع لآلخرين طواعية بشكل‬


‫متعمد‪ ،‬بصورة مبارشة أو غري مبارشة‪ ،‬دون انتظار مقابل أو منفعة‪،‬‬

‫(‪ )1‬البخاري‪-‬الزكاة‪-‬ال صدقة إال عن ظهر غنى – رقم‪ ،)1427 ( :‬ومسلم‪-‬الزكاة‪-‬بيان أن اليد العليا خري من‬
‫اليد السفىل ‪ -‬رقم‪.)1033( :‬‬

‫‪57‬‬
‫وهو قيمة جوهرية ِف املجتمع الذي يؤمن بالتعاون‪ ،‬ولسلوك العطاء‬
‫أنامط خمتلفة‪ ،‬كالعطاء املادي‪ ،‬واملعنوي املجرد واملبارش وغري املبارش‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫كام يتضمن الشعور باملسئولية االجتامعية‪.‬‬

‫وِف كتاب (األخذ و العطاء) آلدم جرانت قسم الناس ِف‬


‫عالقاهتم التبادلية إىل ثالثة أنواع‪:‬‬

‫‪ .1‬حمبي األخذ‪ :‬حيبون األخذ أكثر مما يعطون‪ ،‬ويرجحون‬


‫التبادلية لصاحلهم اخلاص‪ ،‬يؤمنون أن العامل مكان تنافيس‬
‫يأكل القوي فيه الضعيف‪ ،‬ويشعرون أهنم كي ينجحوا فإهنم‬
‫حيتاجون أن يكونوا أفضل من اآلخرين‪ ،‬فهم يركزون عىل‬
‫أنفسهم‪.‬‬
‫‪ .2‬حمبي العطاء‪ :‬يفضلون أن يعطوا أكثر مما يأخذون‪ ،‬ويرجحون‬
‫التبادلية ِف االجتاه اآلخر‪ ،‬يساعدون اآلخرين دون توقع أي‬
‫يشء ِف املقابل‪ ،‬ويركزون عىل اآلخرين‪.‬‬

‫(‪ )1‬وانظر‪ :‬منصور‪ ،‬حممد منصور‪ ،‬التنبؤ بسلوك العطاء‪ ،‬حتت النرش‪ ،‬حوليات مركز البحوث و الدراسات‬
‫النفسية‪-‬كلية اآلداب جامعة القاهرة‪ ،‬ص‪.4‬‬

‫‪58‬‬
‫‪ .3‬املتوسطون‪ :‬حيتفظون بتوازن بني األخذ والعطاء‪ ،‬عندما‬
‫يساعدون اآلخرين فإهنم حيمون أنفسهم بالسعي وراء‬
‫(‪)1‬‬
‫التبادلية‪ ،‬أي تبادل املعروف بعدالة‪.‬‬

‫ويظن البعض أن املعطني بلهاء أو محقى أو أهنم ال طموح لدهيم‪،‬‬


‫ولكن املعطون الناجحون حيققون طموحاهتم مثل اآلخذين‬
‫واملتوسطني‪ ،‬ولكنهم يسعون لتحقيق أهدافهم بطريقة أخرى‪.‬‬

‫إن املعطني و اآلخذين و املتوسطني حيققون النجاح‪ ،‬ولكن هناك‬


‫يشء مميز عندما ينجح املعطون فينترش النجاح و يتضاعف ملن حوهلم‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وإما إذا فاز اآلخذون فإن شخص ًا واحد ًا من ينجح‪.‬‬

‫وإذا استعرنا تقسيامت جرانت يمكن القول أن أصحاب العطاء‬


‫هم أصحاب (اليد العليا)‪ ،‬وأن اآلخذين هم أصحاب (اليد السفَل)‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهللِ َص هىل‬ ‫يض اهللُ َعن ُره َام‪َ :‬أ هن َر ُس َ‬‫كام جاء ِف حديث َع ربد اهللِ رب ِن ُع َم َر َر َ‬
‫الس ْف ََل‪َ ،‬فا ْل َيدُ ا ْل ُع ْل َيا ِه َي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهللُ َع َل ريه َو َس هل َم َق َال‪( :‬ا ْل َيدُ ا ْل ُع ْل َيا َخ ْ ٌي م َن ا ْل َيد ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬جرانت‪ ،‬آدم جرانت‪ ،‬األخذ و العطاء‪ ،‬كتاب مرتجم‪ ،‬مكتبة جرير‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األوىل ‪2014‬م‪،‬‬
‫ص‪. 6-5‬‬

‫(‪ )2‬انظر‪ :‬املصدر السابق ص ‪.11‬‬

‫‪59‬‬
‫السائِ َلة) ‪ ،‬واليد الثالثة هي اليد املتوسطة بني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ُْملنْف َق ُة‪َ ،‬و ُّ‬
‫الس ْف ََل ه َي َّ‬ ‫(‪)1‬‬

‫األخذ والعطاء‪.‬‬

‫ومن النامذج اجلميلة للعطاء قصة موسى عليه السالم مع بنات‬


‫الرجل الصالح‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬وملَها َو َر َد َما َء َمدر َي َن َو َجدَ َع َل ري ِه ُأ هم ًة ِّم َن‬
‫ان َق َال َما َخ رط ُب ُك َام َقا َلتَا‬ ‫َني ت َُذود ِ‬
‫َ‬ ‫ون َو َو َجدَ ِمن ُد ِ ِ‬
‫وهن ُم ا رم َر َأت ر ِ‬ ‫هاس َي رس ُق َ‬ ‫الن ِ‬

‫الر َعا ُء َو َأ ُبونَا َش ري ٌخ كَبِ ٌري* َف َس َق ٰى َهل ُ َام ُث هم ت ََو ه ٰىل إِ َىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َال ن رَسقي حتى ُي رصد َر ِّ‬
‫امها َمت ر ِِش‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ِّظ ِّل َف َق َال َر ِّب إِ ِّين ملَا َأ َنز رل َت إِ َ هِل م رن َخ ر ٍري َفق ٌري * َف َجا َء رت ُه إِ رحدَ ُ َ‬
‫وك لِ َي رج ِز َي َك َأ رج َر َما َس َق ري َت َلنَا َف َل هام َجا َء ُه‬ ‫َع َىل استِحي ٍ‬
‫اء َقا َل رت إِ هن َأ ِِب َيدر ُع َ‬ ‫ر رَ‬
‫ت ِم َن ا رل َق رو ِم ال هظاملِ َ‬
‫ني}‬ ‫ص َق َال َال ََت ر‬
‫َف ن ََج رو َ‬ ‫ِ‬
‫ص َع َل ريه ا رل َق َص َ‬
‫َو َق ه‬
‫[القصص‪.]25-23 :‬‬

‫فموسى عليه السالم بادر للعطاء و هو رجل غريب مسافر‬


‫ومطارد‪ ،‬فقام بتقديم العطاء لبنتني ال يعرفهام‪ ،‬ولكن ظهر عليهن‬
‫احلاجة للمساعدة‪ ،‬فانظر كيف كانت نتيجة هذا العطاء‪ ،‬وكيف ساهم‬
‫هذا املوقف ِف تغيري حياة موسى بعد عون اهلل تعاىل له‪ِ ،‬ف نجاحه ِف‬
‫العمل وزواجه‪ ،‬ثم هتيئه للرسالة‪.‬‬

‫(‪ )1‬البخاري‪-‬الزكاة‪-‬ال صدقة إال عن ظهر غنى – رقم‪ ،)1429 ( :‬ومسلم‪-‬الزكاة‪-‬بيان أن اليد العليا خري من‬
‫اليد السفىل ‪ -‬رقم‪.)1033( :‬‬

‫‪60‬‬
‫رب إِ ِّين َملِا َأ َنز رل َت إِ َ هِل ِم رن َخ ر ٍري‬
‫وتأمل ِف دعائه بعد تقديم العطاء‪ِّ { :‬‬
‫َف ِق ٌري} فصاحب اليد العليا ال ينتظر املقابل من عمله من اآلخرين‪ ،‬بل‬
‫يطلبه من رب العاملني‪ ،‬فهو فقري لربه حمتاج إليه‪ ،‬وهذا ما يميز العطاء‬
‫ِف التصور اإلسالمي بانتظار اجلزاء من رب العاملني‪.‬‬

‫فكن صاحب اليد العليا‬

‫‪61‬‬
62
‫الحديث العاشر‬

‫عن َع ربدَ اهللِ رب َن ِه َشا ٍم ريض اهلل عنه َق َال‪ُ ( :‬كنَّا َم َع النَّبِ يي َص ََّل‬
‫اب‪َ ،‬ف َق َال َل ُه ُع َم ُر‪َ :‬يا‬ ‫اْل َّط ِ‬ ‫آخ ٌذ بِ َي ِد ُع َم َر ْب ِن َْ‬
‫اهللُ ع َلي ِه وس َّلم وهو ِ‬
‫َ ْ َ َ َ َ ُ َ‬
‫َش ٍء إِ ََّل ِم ْن َن ْف ِس‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي‬ ‫ِ‬
‫ب إِ َ ََّل م ْن ك يُل َ ْ‬ ‫ول اهللِ َألَن َ‬
‫ْت َأ َح ُّ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ب‬ ‫ُون َأ َح َّ‬‫َص ََّل اهللُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪ََ :‬ل َوا َّل ِذي َن ْف ِس بِ َي ِد ِه‪َ ،‬حتَّى َأك َ‬
‫ب إِ َ ََّل ِم ْن‬ ‫ك َف َق َال َل ُه ُع َم ُر‪َ :‬فإِ َّن ُه ْاْل َن َواهللِ َألَن َ‬
‫ْت َأ َح ُّ‬ ‫ك ِم ْن َن ْف ِس َ‬ ‫إِ َل ْي َ‬
‫(‪)1‬‬
‫َن ْف ِس‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي َص ََّل اهللُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪ْ :‬اْل َن َيا ُع َم ُر)‬

‫الناجحون حيبون أنفسهم‪ ،‬فمن ال حيب ذاته ال يمكنه حب‬


‫اآلخرين‪ ،‬وألهنم حيبون أنفسهم فهم ناجحون‪ ،‬فالنجاح مكافأة‬
‫يقدمها الناجح لنفسه ألنه حيبها و يريد سعادهتا‪ ،‬وتأمل املشهد كيف‬
‫استشعر عمر ريض اهلل عنه حب النبي صىل اهلل عليه وسلم حني أخذ‬
‫بيده ِف حلظة مودة صافية‪ ،‬فأراد التعبري عن حبه فقال‪َ ( :‬يا َر ُس َ‬
‫ول اهللِ‬
‫يش ٍء إِ هال ِم رن َن رف ِيس)‪ .‬فلم ينكر النبي صىل اهلل‬ ‫رت َأح ِ ِ‬
‫َألَن َ َ ُّ‬
‫ب إ َ هِل م رن ُك ِّل َ ر‬

‫(‪ )1‬البخاري ‪ -‬األ ريامن و النذور ‪ -‬كيف كانت يمني النبي صىل اهلل عليه وسلم رقم (‪.)6632‬‬

‫‪63‬‬
‫عليه وسلم عىل عمر حب نفسه‪ ،‬بل وجهه لرتتيب أولويات املحبة‪،‬‬
‫بتقديم حمبة الرسول صىل اهلل عليه وسلم عىل حمبة النفس‪ ،‬فهو من‬
‫أنقذنا من الضاللة و أرشدنا للهداية بفضل اهلل تعاىل‪ ،‬فهو أجدر أن‬
‫نحبه أكثر من أنفسنا ألنه بسببه بعد اهلل تعاىل تسعد نفوسنا ِف الدنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬وهذا ال يتعارض مع حب النفس الذي يؤدي إىل تقدير‬
‫الذات‪ ،‬فيدفع اإلنسان نحو النجاح‪.‬‬

‫واملقصود بتقدير الذات‪( :‬الطريقة التي يشعر هبا املرء إزاء ذاته‪،‬‬
‫وحكمه العام عليها وإَل أي مدى حيب ذاته)‪ ،‬وهناك من عرفه بقوله‪:‬‬
‫(سمة تشي إَل درجة حمبة أو كراهية املرء لذاته) ‪ ،‬فهل يعقل أن هناك‬
‫(‪)1‬‬

‫من يكره ذاته؟!!‬

‫وتقدير الذات له تأثري عميق عىل مجيع جوانب حياتنا‪ ،‬فهو يؤثر‬
‫عىل مستوى أدائنا ِف العمل‪ ،‬وعىل الطريقة التي نتفاعل هبا مع الناس‪،‬‬
‫وِف قدرتنا عىل التأثري عىل اآلخرين‪ ،‬وعىل مستوى صحتنا النفسية‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فحكمنا عىل ذواتنا أهم من حكم اآلخرين علينا‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ماهلي‪ ،‬رانجيت ماهلي‪ ،‬ودبليو‪ ،‬تعزيز تقدير الذات‪ ،‬مكتبة جرير‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪ ،2005 ،1‬ص ‪2‬‬

‫(‪ )2‬انظر‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪64‬‬
‫وهذا ال يعني العجب بالنفس و الكِّب‪ ،‬وال يعني عدم تقبل نقد‬
‫اآلخرين‪ ،‬وتقبل مواطن الضعف‪ ،‬فاملقصود نظرة اإلنسان لنفسه و‬
‫تقبلها بام خلقها اهلل تعاىل‪ ،‬فيتقبل هذه ِ‬
‫اخللقة و ال خيجل منها‪ ،‬فهو‬

‫َاه رم ِِف ا رل َ ِّ‬


‫ّب َوا رل َب رح ِر‬ ‫إنسان مكرم من خالقه‪َ { :‬و َل َقدر ك هَر رمنَا َبنِي آ َد َم َو َ َ‬
‫مح رلن ُ‬
‫َاه رم َع َ ٰىل كَثِ ٍري ِّمم ه رن َخ َل رقنَا َت رف ِض ًيال}‬ ‫ات َو َف هض رلن ُ‬ ‫َاهم من ال هطيب ِ‬
‫ِّ َ‬ ‫َو َر َز رقن ُ ِّ َ‬
‫[اإلرساء‪ ،]70 :‬وال جيعل أحكام الناس غري املوضوعية ميزان ًا لنظرته‬
‫لنفسه‪ ،‬ويراقب كيف ينظر إليه اآلخرون‪ ،‬وماذا قالوا عنه‪ ،‬طالب ًا‬
‫مرضاهتم‪ ،‬فهو يسري بحسب توجهات اآلخرين وليس بحسب أهدافه‬
‫وطموحاته‪ ،‬فهو ينجح لرييض اآلخرين‪ ،‬وأما من يقدر ر ذاته فهو ينجح‬
‫حب ًا لنفسه و حتقيق ًا لذاته‪ ،‬ويمكن تلخيص ذلك بقولنا‪( :‬التقدير‬
‫(‪)1‬‬
‫العاقل للذات دون غطرسة جاهلة)‬

‫فأحبب نفسك‬

‫(‪ )1‬لندنفيلد‪ ،‬جيل لندنفيلد‪ ،‬حتفيز الذات‪ ،‬مكتبة جرير‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،2007 ،‬ص‪.36‬‬

‫‪65‬‬
66
‫الحديث الحادي عشر‬

‫َع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة ريض اهلل عنه‪َ ،‬ع ِن النهبِ ِّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم‬
‫ض ‪َ ،‬و َلكِ َّن ا ْل ِغنَى ِغنَى‬ ‫(‪)1‬‬ ‫َق َال‪َ ( :‬ل ْي َس ا ْل ِغنَى َع ْن َك ْث َر ِة ا ْل َع َر ِ‬
‫النَّ ْف ِ‬
‫س) ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ومن تقدير الذات شعور النفس بأهنا غنية بأخالقها و قيمها‬


‫ومواقفها وعطائها ورضاها بام قدر ر اهلل هلا‪ ،‬وقبل ذلك بإيامهنا برهبا‪،‬‬
‫واستغناؤها باهلل تعاىل‪ ،‬فالغنى ليس بكثرة املال‪ ،‬بل بغنى النفس‪ ،‬وهذا‬
‫التعبري النبوي حيقق التقدير الذايت‪ ،‬فأنت غني وإن قل مالك‪ ،‬ومنهم‬
‫كثري املال ولكنه فقري ِف نفسه‪ ،‬فليس الغنى ما تعارف عليه الناس‬
‫بكثرة األموال واملتاع‪ ،‬قال الطيبي‪( :‬ويمكن أن يراد بغنى النفس‬
‫حصول الكامالت العلمية والعملية‪ ،‬وأنشد أبو الطيب ِف معناه‪ :‬ومن‬
‫ينفق الساعات ِف مجع ماله خمافة فقر فالذي فعل الفقر‪ ،‬يعني ينبغي أن‬

‫(‪ )1‬أي املال و املتاع‪.‬‬

‫(‪ )2‬البخاري‪-‬الرقاق‪ -‬الغنى غنى النفس ‪ -‬رقم‪ ،)6446 (:‬ومسلم‪-‬الزكاة‪-‬ليس الغنى عن كثرة العرض‪-‬رقم‪:‬‬
‫(‪.)1051‬‬

‫‪67‬‬
‫ينفق ساعاته وأوقاته ِف الغنى احلقيق‪ ،‬وهو طلب الكامالت ليزيد غنى‬
‫بعد غنى‪ ،‬ال ِف املال ألنه فقر بعد فقر) ‪ ،‬وذهب بعض الرشاح أن‬
‫(‪)1‬‬

‫املقصود القناعة و الرضا بقدر اهلل تعاىل‪ ،‬قال ابن بطال‪( :‬يريد ليس‬
‫كثريا ممن وسع اهلل عليه ِف املال‬
‫حقيقة الغنى عن كثرة متاع الدنيا‪ ،‬ألن ً‬
‫يكون فقري النفس ال يقنع بام أعطى فهو جيتهد دائ ًبا ِف الزيادة‪ ،‬وال يباىل‬
‫من أين يأتيه‪ ،‬فكأنه فقري من املال؛ لشدة رشهه وحرصه عىل اجلمع‪،‬‬
‫وإنام حقيقة الغنى غنى النفس‪ ،‬الذى استغنى صاحبه بالقليل وقنع به‪،‬‬
‫ألح ِف الطلب‪ ،‬فكأنه غنى واجد أبدً ا‪،‬‬
‫ومل حيرص عىل الزيادة فيه‪ ،‬وال ر‬
‫وغنى النفس هو باب الرضا بقضاء اهلل تعاىل والتسليم ألمره علم أن‬
‫ما عند اهلل خري لألبرار‪ ،‬وىف قضائه ألوليائه األخيار) ‪ ،‬والشك أن‬
‫( ‪)2‬‬

‫الرضا بالقدر و القناعة بام رزق اهلل تعاىل العبد من مجلة الكامالت التي‬
‫جتعل اإلنسان غني ًا‪ ،‬فمن مجع بني هذه الكامالت اكتمل له غنى النفس‪.‬‬

‫فكن َغ َ‬
‫ني النفس‬

‫(‪ )1‬الطيبي‪ :‬احلسني بن عبد اهلل‪ ،‬رشح مشاة املصابيح‪ ،‬حتقيق عبد احلميد هنداوي‪ ،‬مكتبة نزار الباز‪ ،‬مكة املكرمة‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪1417 ،‬هـ‪1997-‬م‪)281/10( ،‬‬

‫(‪ )2‬ابن بطال‪ :‬عيل بن خلف‪ ،‬رشح صحيح البخاري‪ ،‬حتقيق يارس بن إبراهيم‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1423‬هـ‪2003-‬م‪.)165/ 10( ،‬‬

‫‪68‬‬
‫الحديث الثاني عشر‬

‫يض اهللُ َعن َرها َقا َل رت‪ :‬قال صىل اهلل عليه وسلم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع رن َعائ َش َة َر َ‬
‫( ُخ ُذوا ِم َن ْاألَ ْع َام ِل َما تُطِي ُق َ‬
‫ون‪َ ،‬فإِ َّن اهللَ َل ْن َي َم َّل َحتَّى َتَ َ ُّلوا َوك َ‬
‫َان‬
‫ول‪َ :‬أحب ا ْلعم ِل إِ ََل اهللِ ما داوم ع َلي ِه ص ِ‬
‫اح ُب ُه‪َ ،‬وإِ ْن َق َّل)‬
‫(‪)1‬‬
‫َ َ َ َ َ ْ َ‬ ‫َي ُق ُ َ ُّ َ َ‬

‫الناجحون يؤمنون أن اإلنجاز ولو كان قلي ً‬


‫ال يولد اإلنجازات‬
‫العظيمة‪ ،‬فعادة االلتزام واالستمرارية عادة راسخة عند الناجحني‪،‬‬
‫وأما الشخصية امللولة فهي أبعد ما تكون عن النجاح‪ ،‬سل أي ناجح‬
‫ِف مجيع ميادين النجاح عن أسباب نجاحه سيقول لك‪ :‬االلتزام‬
‫واملداومة ومتابعة طرق باب النجاح بال ملل‪.‬‬

‫الشخصية امللولة تتصف كذلك بالعجلة ِف قطف ثامر النجاح‪،‬‬


‫فلذلك يكلف نفسه فوق طاقتها ويسعى للحصول عىل اإلنجازات‬
‫العظيمة قبل أن ينجز القليل‪ ،‬فيقع ِف وهم النجاح ِف حلظة خادعة‪،‬‬
‫فرتاه ينهار بسعة‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري‪-‬الرقاق‪-‬القصد و املداومة ‪-‬رقم‪ ،)6465(:‬ومسلم واللفظ له‪-‬الصيام‪-‬رقم‪.)782( :‬‬

‫‪69‬‬
‫فليس املهم أن تنجح مرة أو مرتني ثم تسقط بعد ذلك‪ ،‬املهم هو‬
‫دوام النجاح‪ ،‬واستمرارية العطاء‪ ،‬وذلك أن النجاح ال يكون إال‬
‫بإتقان مراحله‪ ،‬وهذا اإلتقان يأيت بإنجاز القليل الدائم‪ ،‬ثم التدرج بعد‬
‫ذلك إلتقان ما هو أكثر‪ ،‬فالدوام و اإلتقان هو ما يصنع النجاح‪،‬‬
‫والبعض يريد أن يقفز للنجاح قفز ًا‪ ،‬ويقطع مراحله بأرسع وقت‪ ،‬دون‬
‫أن ينجز ولو القليل‪ ،‬وهذا ما جيعله رسيع السقوط‪.‬‬

‫ل وَل ّ‬
‫َتل‬ ‫ِ‬
‫فداوم عَل اإلنجاز ولو كان قلي ا‬

‫‪70‬‬
‫الحديث الثالث عشر‬

‫َاسا ِم َن ْاألَن َْص ِ‬


‫ار‬ ‫عن َأِب َسعيد اخلدري ريض اهلل عنه‪َ ( :‬أ َّن ُأن ا‬
‫ِ ٍ‬

‫ول اهللِ َص ََّل اهللُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪َ ،‬ف َل ْم َي ْس َأ ْل ُه َأ َحدٌ ِمن ُْه ْم إِ ََّل‬
‫َس َأ ُلوا َر ُس َ‬
‫َش ٍء َأ ْن َف َق بِ َيدَ ْي ِه‪:‬‬ ‫َأع َطاه‪ ،‬حتَّى ن َِفدَ ما ِعنْدَ ه‪َ ،‬ف َق َال َُهلم ِح َ ِ‬
‫ني نَفدَ ك ُُّل َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َ‬
‫ي ََل َأ َّد ِخ ُر ُه َعنْك ُْم‪َ ،‬وإِ َّن ُه َم ْن َي ْست َِعفَّ ُي ِع َّف ُه اهللُ‪،‬‬
‫َما َيك ُْن ِعن ِْدي ِم ْن َخ ْ ٍ‬
‫ِِ‬
‫ب ُه اهللُ‪َ ،‬و َم ْن َي ْس َتغ ِْن ُيغْنه اهللُ‪َ ،‬و َل ْن ُت ْع َط ْوا َع َط ا‬
‫اء‬ ‫ب ُي َص ي ْ‬
‫َو َم ْن َيت ََص َّ ْ‬
‫ِ‬
‫الص ْ ِب) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫َخ ْ ايا َو َأ ْو َس َع م َن َّ‬

‫الفرق بني الناجحني و سواهم قوة اإلرادة عىل التغيري‪ ،‬وِف هذا‬
‫احلديث يضع لنا النبي صىل اهلل عليه وسلم سنة كونية ِف التغيري‪ ،‬وهي‬
‫أن اإلنسان هو مصدر التغيري إن أراد ذلك‪ ،‬واهلل بفضله يعينه عليه‪،‬‬
‫فمن طلب العفة يعفه اهلل‪ ،‬ومن طلب الصّب يصّبه اهلل‪ ،‬وهكذا ِف كل‬

‫أمور احلياة‪ِ ،‬ف اخلري و الرش‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬ف َل هام َزا ُغوا َأ َزا َغ اهللهُ ُق ُل َ ُ‬
‫وهب رم‬

‫(‪ )1‬البخاري‪-‬الرقاق‪-‬الصّب عن حمارم اهلل‪-‬رقم‪ ،)6470 ( :‬ومسلم‪-‬الزكاة‪-‬فضل التعفف و الصّب‪ .‬رقم‪:‬‬


‫(‪.)1053‬‬

‫‪71‬‬
‫اس ِق َ‬
‫ني} [الصف‪ ،]5 :‬فاإلنسان فاعل حقيقي‬ ‫واهللهُ َال هي ِدي ا رل َقوم ا رل َف ِ‬
‫ر َ‬ ‫َر‬ ‫َ‬
‫لعمله‪ ،‬وهذا يرتب عليه مسؤولية اَتاذ القرار‪ ،‬ومسؤولية حتمل نتائج‬
‫هذا القرار‪ ،‬ومن أهم القرارات ِف حياة اإلنسان‪ :‬قرار التغيري‪ ،‬وأنت‬
‫من يملك هذا القرار‪ ،‬فإذا علم اهلل منك صدق اإلرادة للتغيري سهل‬
‫لك سبله وأعانك عليه‪ ،‬ومن هنا نقول ومن يستنجح ينجحه اهلل‪،‬‬
‫بمعنى أن من طلب النجاح وأخذ بأسبابه فاهلل تعاىل لن خيذله بل يس‬
‫له النجاح‪ ،‬املهم أن تبدأ اخلطوة األوىل نحو التغيري‪ ،‬وترتك دائرة‬
‫الراحة التي تعودت عليها‪ ،‬فطبيعة النفس أهنا ترتاح لوضعها التي‬
‫اعتادت عليه و تكره التحول عنه‪ ،‬ومن هنا يأيت الصّب كقوة حمركة‬
‫للتغيري‪ ،‬فلذلك وصفه النبي صىل اهلل عليه وسلم بخري وأوسع عطاء‪،‬‬
‫فالصّب رزق من اهلل تعاىل لعبده‪ ،‬أما أنه خري ألن نتائجه ال تكون إال‬
‫خري ًا‪ ،‬وأما أوسع فألنه يفتح لك أبواب ًا من اخلري ال حدود هلا‪ ،‬وينبني‬
‫عليه من اخلري ما ال يتوقعه اإلنسان‪ ،‬واملتتبع ألحوال الناجحني‬
‫مسلمهم وكافرهم جيد أن الصفة املميزة هلم الصّب ِف طريق النجاح‪،‬‬
‫وحتمل أعبائه بغري ضجر و ال ملل‪ ،‬قال الشيخ السعدي‪( :‬وقد وعد‬
‫اهلل الصابرين ِف كتابه وعىل لسان رسوله أمور ًا عالية جليلة‪ ،‬وعدهم‬

‫‪72‬‬
‫باإلعانة ِف كل أمورهم‪ ،‬وأنه معهم بالعناية والتوفيق والتسديد‪ ،‬وأنه‬
‫حيبهم ويثبت قلوهبم وأقدامهم‪ ،‬ويلقي عليهم السكينة والطمأنينة‪،‬‬
‫ويسهل هلم الطاعات‪ ،‬وحيفظهم من املخالفات‪ ،‬ويتفضل عليهم‬
‫بالصلوات والرمحة واهلداية عند املصيبات‪ ،‬واهلل يرفعهم إىل أعىل‬
‫املقامات ِف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وعدهم النْص‪ ،‬وأن ييسهم لليسى‬
‫وجينبهم ال ُعسى‪ ،‬ووعدهم بالسعادة والفالح والنجاح‪ ،‬وأن يوفيهم‬
‫أجرهم بغري حساب‪ ،‬وأن خيلف عليهم ِف الدنيا أكثر مما أخذ منهم من‬
‫حمبوباهتم وأحسن‪ ،‬يعوضهم عن وقوع املكروهات عوض ًا عاج ً‬
‫ال‬
‫يقابل أضعاف أضعاف ما وقع عليهم من كرهية ومصيبة‪ ،‬وهو ِف‬
‫ابتدائه صعب شديد‪ .‬وِف انتهائه سهل محيد العواقب كام قيل‪ :‬والصّب‬
‫مثل اسمه ُم ٌّر مذاقته ‪ ...‬لكن عواقبه أحىل من العسل) ‪ ،‬فلذك قال اهلل‬
‫(‪)1‬‬

‫ون َأ رج َر ُهم بِ َغ ر ِري ِح َس ٍ‬


‫اب} [الزمر‪.]10 :‬‬ ‫تعاىل‪{ :‬إِن َهام ُي َو هىف ه‬
‫الصابِ ُر َ‬

‫فالزَم خي عطاء‪ :‬الصب‬

‫(‪ )1‬السعدي‪ :‬عبد الرمحن بن نارص‪ ،‬هبجة قلوب األبرار‪ ،‬حتقيق عبد الكريم الدريني‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫‪1422‬ه‪2002-‬م‪ ،‬ص‪.90‬‬

‫‪73‬‬
74
‫الحديث الرابع عشر‬

‫عن َف َضا َل َة رب َن ُع َب ري ٍد ريض اهلل عنه قال‪َ :‬س ِم رع ُت َر ُس َ‬


‫ول اهللِ‬
‫ِ‬ ‫َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم َي ُق ُ‬
‫ول‪( :‬ا ُْمل َجاهدُ َم ْن َج َ‬
‫اهدَ َن ْف َس ُه)‬
‫(‪)1‬‬

‫وحتى تتغري ال بد من جماهدة النفس‪ ،‬فالنفس اخلاملة عدوة‬


‫التغيري والنجاح‪ ،‬فلزم جماهدهتا والتغلب عليها ِف معركة النجاح بقوة‬
‫العزيمة واإلرادة والصّب‪ ،‬هذا هو سالح النفس ضد النفس‪ ،‬وال تظن‬
‫أن نفسك ستقبل اخلسارة‪ ،‬بل ستقاوم وتعاند وتراوغ‪ ،‬فهي تعشق لذة‬
‫الراحة‪ ،‬وحتب اخلمول‪ ،‬فجاهدها برضاوة‪ ،‬وال تستسلم فإن احلرب‬
‫جوالت‪ ،‬فإذا خست جولة فاهنض من جديد‪ ،‬وأعد ترتيب‬
‫الصفوف‪ ،‬واخدعها فإن احلرب خدعة‪.‬‬

‫قال اإلمام الطيبي‪( :‬الالم ِف قوله‪( :‬املجاهد) للجنس أي املجاهد‬


‫احلقيقي الذي ينبغي أن يسمى جماهد ًا من جاهد نفسه‪ ،‬وكأن جماهدته‬
‫مع غريه بالنسبة إليه كال جماهدة) ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )1‬رواه أمحد (‪ ،)24580‬والرتمذي‪-‬اجلهاد‪-‬فضل من مات مرابط ًا‪ ،)1621(-‬واللفظ له‪ ،‬وقال‪ :‬حسن صحيح‬

‫(‪ )2‬مصدر سابق‪ )491/ 2( ،‬احلسني بن عبد اهلل‪ ،‬رشح مشكاة املصابيح‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫وقال‪( :‬املجاهد ليس من قاتل الكفار فقط‪ ،‬بل املجاهد من‬
‫حارب نفسه ومحلها وأكرهها عىل طاعة اهلل تعاىل؛ ألن نفس الرجل‬
‫أشد عداوة معه من الكفار؛ ألن الكفار أبعد منه‪ ،‬وال يتفق التالحق‬
‫والتقابل معهم إال حينا بعد حني‪ ،‬وأما نفسه فأبد ًا تالزمه‪ ،‬ومتنعه من‬
‫اخلري والطاعة‪ ،‬وال شك أن القتال مع العدو الذي يالزم الرجل أهم‬
‫من القتال مع العدو الذي هو بعيد منه)‬

‫نفسك ِف معركة النجاح‬


‫فجاهد َ‬

‫‪76‬‬
‫الحديث الخامس عشر‬

‫ول اهللِ َص هىل اهللُ َع َل ري ِه‬ ‫َع رن َأ ِِب ُهر رير َة ريض اهلل عنه َع رن رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫اْل ْل ِق‪،‬‬ ‫َوس هلم َق َال‪( :‬إِ َذا َن َظر َأ َحدُ كُم إِ ََل م ْن ُف يض َل َع َلي ِه ِِف ا َْمل ِ‬
‫ال َو َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َف ْل َينْ ُظ ْر إِ ََل َم ْن ُه َو َأ ْس َف ُل ِمنْ ُه) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫الناجحون ال ينسون ماضيهم قبل النجاح‪ ،‬فهم يستشعرون نعمة‬


‫اهلل عليهم هبذا النجاح‪ ،‬وطريقة ذلك أهنم ينظرون ملن هم أدنى منهم‬
‫ِف النجاح فيتذكرون حاهلم قبل النجاح ويتمنون هلم اخلري‪ ،‬وال‬
‫ينظرون ملن فوقهم ِف النجاح نظرة حسد‪ ،‬فهم حيبون الناجحني‬
‫ويتمنون هلم مزيد ًا من النجاح‪ ،‬بل يتعلمون منهم ويقتدون هبم ِف‬
‫سبيل النجاح‪ ،‬وهذه قاعدة ذهبية للناجحني وهي‪ :‬انظر ملن هو أدنى‬
‫منك نجاح ًا لتستشعر نعمة النجاح‪ ،‬وال تنظر ملن هو أعىل منك نجاح ًا‬
‫حتى ال تقزم نجاحك و تزدري ذاتك‪ ،‬وتذهب نفسك حسة وحسد ًا‪،‬‬
‫وِف ذات الوقت تتمنى لغري الناجحني أن يسلكوا طريق النجاح‪،‬‬
‫وتتعلم من الناجحني وتقتدي هبم وتسأل اهلل تعاىل هلم مزيد ًا من‬
‫النجاح‪ ،‬وبذلك تسكن النفس و ترتاح‪.‬‬

‫(‪ )1‬البخاري‪-‬الرقاق‪-‬لينظر إىل من هو أسفل منه ‪ -‬رقم‪ ،)6490( :‬ومسلم‪-‬الزهد و الرقائق‪-‬رقم (‪.)2963‬‬

‫‪77‬‬
‫(ه َذا من أحسن راألَ َدب‪َ ،‬وبِه يطيب‬
‫قال اإلمام ابن اجلوزي‪َ :‬‬
‫يشء‪َ ،‬فإِذا نظرت إِ َىل من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا رل َع ريش‪َ ،‬فإن النهفس حتب َأال يفوقها أحد ِف َ ر‬
‫قد فاقها ا رنك ََست‪َ ،‬و ُر َبام تسخطت َما ِه َي فِ ِيه‪َ ،‬فإِذا نظرت إِ َىل من دوهنَا‬
‫عرفت قدر النِّ رع َمة َف َشكَرت) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ين‬‫وقال اإلمام العراقي‪( :‬إ َذا َن َظ َر َملِ رن ُف ِّض َل َع َل ري ِه ِِف ا رل ِع رل ِم َوالدِّ ِ‬

‫ب‬ ‫الس ِّي َئ ِة َو َج رل ِ‬ ‫ِ‬


‫س بِدَ رف ِع راألَ رخ َالق ه‬ ‫اجل ِة النه رف ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َواال رجت َهاد ِِف ا رلع َبا َدة َو ُم َع َ َ‬
‫ول؛ ِألَ هن ُه‬
‫ون املرَ رف ُض ِ‬‫اض ِل لِ ُي رقتَدَ ى بِ ِه ُد َ‬ ‫احلسن َِة َفه َذا ينرب ِغي النه َظر فِ ِيه َإىل ا رل َف ِ‬
‫ُ‬ ‫رَ َ َ َ َ‬
‫اض ِل َملِا فِ ِيه ِم رن‬‫ف راألَو ِل َفإِ هنه َال ينر ُظر فِ ِيه َإىل ا رل َف ِ‬
‫ُ َ ُ‬ ‫ه‬
‫خ َال ِ‬‫ي َتكَاس ُل بِ َذلِ َك بِ ِ‬
‫َ َ‬
‫اض ِل ِِف املرَ ِ‬ ‫ار نِعم ِة اهللهِ َع َلي ِه بِالنِّسب ِة َإىل نِعمتِ ِه َع َىل َذلِ َك ا رل َف ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‬ ‫ر َ‬ ‫ر َ‬ ‫ر‬ ‫احت َق ِ ر َ‬‫ر‬
‫ف َقدر َر نِ رع َم ِة اهللهِ‬‫ول لِ َي رع ِر َ‬‫اخل رل ِق َوإِنهام َينر َب ِغي َأ رن َينر ُظر ِِف َه َذا َإىل املرَ رف ُض ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َو ر َ‬
‫َع َل ري ِه‪َ ،‬و َه َذا َأ َد ٌب َح َس ٌن َأ هد َبنَا بِ ِه نَبِ ُّينَا َص هىل اهللهُ َع َل ري ِه َو َس هل َم َوفِ ِيه َم رص َل َح ُة‬
‫يحتِ ِه‬ ‫ِ‬
‫احة ُق ُلوبِنَا َف َج َزا ُه اهللهُ َع رن نَص َ‬
‫ِدينِنَا ود رنيانَا و ُع ُقولِنَا و َأبدَ انِنَا ور ِ‬
‫ََ َ‬ ‫َ ر‬ ‫َ ُ َ َ‬
‫(‪)2‬‬
‫َأ رف َض َل َما َج َزى بِ ِه نَبِ ًّيا) ‪.‬‬

‫فاستشعر نعمة اهلل عليك‬

‫(‪ )1‬مجال الدين أبو الفرج‪ ،‬كشف املشكل من حديث الصحيحني‪ ،‬حتقيق عيل البواب‪ ،‬دار الوطن‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫(‪)514-513/3‬‬

‫(‪ )2‬زين الدين العراقي‪ ،‬وابنه أبو زرعة‪ ،‬طرح التثريب رشح التقريب‪ ،‬الطبعة املْصية القديمة‪.)145/ 8( ،‬‬

‫‪78‬‬
‫الحديث السادس عشر‬

‫َت نَا َق ٌة لِرس ِ‬ ‫ِ‬


‫ول‬ ‫َ ُ‬ ‫يض اهللُ َعنر ُه قال‪( :‬كَان ْ‬ ‫عن َأنَس بن مالك َر َ‬
‫ِ‬
‫َت ََل ت ُْس َب ُق‪َ ،‬ف َج َ‬
‫اء‬ ‫اء‪َ ،‬وكَان ْ‬ ‫اهللِ َص ََّل اهللُ َع َل ْيه َو َس َّل َم ت َُس َّمى ا ْل َع ْض َب َ‬
‫ني َو َقا ُلوا‪:‬‬ ‫ك َع ََل ا ُْمل ْسلِ ِم َ‬ ‫اشتَدَّ َذلِ َ‬ ‫َأعر ِاِب ع ََل َقع ٍ‬
‫ود َل ُه َف َس َب َق َها‪َ ،‬ف ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ٌّ َ‬
‫ول اهللِ َص ََّل اهللُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪ :‬إِ َّن َح ًّقا‬ ‫اء‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫ُسبِ َقت ا ْل َع ْض َب ُ‬
‫َع ََل اهللِ َأ ْن ََل َي ْر َف َع َش ْيئاا ِم َن الدُّ ْن َيا إِ ََّل َو َض َع ُه) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ملا كان النجاح من أسباب رفعة اإلنسان‪ ،‬فقد يعرتيه العجب‬


‫والكِّب و الفخر‪ ،‬فعالج النبي صىل اهلل عليه وسلم ذلك بالتواضع‪ ،‬فام‬
‫أمجل النجاح مع التواضع‪ ،‬وِف احلديث قاعدة ذهبية ِف النجاح (كل‬
‫نجاح يتبعه الفخر والرتفع فهو إىل نقص و انتهاء)‪ ،‬ولذلك وضعه‬
‫اإلمام البخاري هذا احلديث ِف كتاب الرقاق حتت باب التواضع‪،‬‬
‫وبوب عليه اإلمام أبو داود ِف كتاب األدب من السنن‪ :‬باب كراهية‬
‫ر‬
‫الرفعة من األمور‪ ،‬أي الرتفع و الفخر‪ ،‬وهذا أمر مشاهد ِف احلياة عىل‬

‫(‪ )1‬البخاري‪-‬الرقاق – التواضع‪-‬رقم‪.)6501( :‬‬

‫‪79‬‬
‫مستوى األفراد و اجلامعات‪ ،‬وِف احلديث كيف مل يتقبل املسلمون أن‬
‫تسبق ناقة النبي صىل اهلل عليه وسلم العضباء‪ ،‬ووجه اشتداد األمر‬
‫عليهم‪:‬‬

‫‪ .1‬أهنا ناقة النبي صىل اهلل عليه وسلم‪.‬‬


‫‪ .2‬أهنا مل تسبق من قبل‪.‬‬
‫‪ .3‬أن الذي سبقها مجل صغري و هو القعود‪.‬‬
‫‪ .4‬أن السابق هو أحد األعراب‪ ،‬ولكن النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم مل يلتفت لكل ذلك‪ ،‬مبين ًا أن النجاح مهام بلغ فيه‬
‫اإلنسان إن مل يصحبه التواضع و الشكر هلل تعاىل فإنه يأيت عليه‬
‫يوم و يزول و ينتهي‪.‬‬

‫فتواضع وَل تغت بنجاحك‬

‫‪80‬‬
‫الحديث السابع عشر‬

‫ول اهللِ َص هىل اهللُ‬ ‫َع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة ريض اهلل عنه َق َال‪ :‬ك َ‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫ول‪( :‬ال َّل ُه َّم َأ ْصلِ ْح َِل ِدينِي ا َّل ِذي ُه َو ِع ْص َم ُة َأ ْم ِري‪،‬‬ ‫َع َل ري ِه َو َس هل َم َي ُق ُ‬
‫آخ َر ِِت ا َّلتِي فِ َيها‬
‫اَش‪ ،‬و َأصلِح َِل ِ‬
‫َ ْ ْ‬
‫و َأصلِح َِل د ْنياي ا َّلتِي فِ َيها مع ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ْ ْ ُ َ َ‬
‫احل َيا َة ِز َيا َد اة َِل ِِف ك يُل َخ ْ ٍ‬ ‫ِ‬
‫اج َع ِل ا َْمل ْو َت َر َ‬
‫اح اة‬ ‫ي‪َ ،‬و ْ‬ ‫اج َع ِل َْ‬ ‫َم َعادي‪َ ،‬و ْ‬
‫ِ‬
‫رش) ‪.‬‬ ‫َِل م ْن ك يُل َ ٍّ‬
‫(‪)1‬‬

‫الكامل ِف النجاح أن تنجح ِف الدين و الدنيا‪ِ ،‬ف األوىل و اآلخرة‪،‬‬


‫فالناس أقسام‪:‬‬

‫‪ .1‬أعالها‪ :‬الناجح ِف األمور كلها‪ِ ،‬ف تدينه وحياته‪ِ ،‬ف دنياه‬


‫وآخرته‪ ،‬ويستمتع هبام‪.‬‬
‫‪ .2‬النجاح ِف أمور الدين واآلخرة‪ ،‬و الفشل ِف أمور احلياة‬
‫والدنيا‪ ،‬فهو يستمتع بتدينه وحيرم نفسه متعة النجاح ِف‬
‫الدنيا‪ ،‬وذلك لسوء فهمه حلقيقة التدين‪.‬‬

‫(‪ )1‬مسلم‪-‬الذكر و الدعاء‪-‬التعوذ من رش ما عمل ومن رش ما مل يعمل‪ .‬رقم‪.)2720 ( :‬‬

‫‪81‬‬
‫‪ .3‬النجاح ِف أمور احلياة و الفشل ِف الدين واآلخرة‪ ،‬فهو‬
‫يستمتع بالدنيا و حيرم نفسه متعة اآلخرة‪.‬‬
‫‪ .4‬الفاشلون ِف احلياة والدين‪ِ ،‬ف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فذاك‬
‫املحروم‪ ،‬فهو حرم نفسه متعة الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫ومن هنا كان هذا الدعاء اجلامع من النبي صىل اهلل عليه وسلم‬
‫بصالح الدين الذي هو احلافظ لإلنسان من كل زلل‪ ،‬وإصالح الدنيا‬
‫التي فيها معاش اإلنسان و تفاصيل حياته‪ ،‬وتأمل كيف طلب النبي‬
‫صىل اهلل عليه وسلم من ربه اإلصالح‪ ،‬فهو مل يطلب الدين و الدنيا‪،‬‬
‫بل طلب صالحهام‪ ،‬وتأمل هذه الثنائية العضوية الرائعة بني الدين و‬
‫احلياة‪ ،‬بني الدنيا و اآلخرة‪ ،‬فال صالح ألحدمها بفساد اآلخر‪ ،‬وتأمل‬
‫ِف آخر الدعاء بطلب الزيادة من احلياة من كل خري‪ ،‬وطلب املوت‬
‫للراحة‪ ،‬فحتى املوت متعة يطلبها اإلنسان‪ ،‬فهذا احلديث العظيم يمثل‬
‫فلسفة وجودية لإلنسان‪ ،‬وحيمل املسلم مسؤولية عظيمة ِف الدنيا‬
‫بإصالحها‪ ،‬وذلك بالتفاعل مع احلياة و إنتاج احلضارة‪ ،‬وربطها‬
‫بالدين و اآلخرة‪.‬‬

‫فاستمتع بدينك وحياتك‪ ،‬بدنياك وآخرتك‬

‫‪82‬‬
‫الحديث الثامن عشر‬

‫ْت َأبِ ُ‬
‫يت‬ ‫ب راألَ رس َل ِم ُّي ريض اهلل عنه‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬كن ُ‬ ‫عن َربِي َع َة ربن َك رع ٍ‬

‫اجتِ ِه َف َق َال‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬


‫ول اهللِ َص ََّل اهللُ َع َل ْيه َو َس َّل َم َف َأ َت ْي ُت ُه بِ َو ُضوئه َو َح َ‬ ‫م َع رس ِ‬
‫َ َ ُ‬
‫ك)‬ ‫غَي َذلِ َ‬ ‫َك ِِف َْ ِ‬
‫اْلنَّة‪َ .‬ق َال‪َ ( :‬أ ْو ْ َ‬ ‫ك ُم َرا َف َقت َ‬ ‫ت‪َ :‬أ ْس َأ ُل َ‬
‫َِل‪َ ( :‬س ْل) َف ُق ْل ُ‬
‫ك بِ َك ْثر ِة السج ِ‬
‫ود) ‪.‬‬ ‫اك‪َ .‬ق َال‪َ ( :‬ف َأ ِعنيي َع ََل َن ْف ِس َ‬
‫ت‪ُ :‬ه َو َذ َ‬
‫ُق ْل ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ ُّ ُ‬

‫الناجحون نفوسهم تواقة للمعاِل‪ ،‬فيضعون أهداف ًا عظيمة‪ ،‬تأمل‬


‫ِف غاية ربيعة ريض اهلل عنه‪ ،‬ليس دخول اجلنة فقط‪ ،‬بل مرافقة النبي‬
‫صىل اهلل عليه وسلم ِف اجلنة‪ ،‬فريشده النبي صىل اهلل عليه وسلم أن‬
‫لألهداف العظيمة ثمن عظيم وجهد كبري‪ ،‬فليس املهم أن تكون‬
‫طموح ًا‪ ،‬بل أن تبذل اجلهد املكافئ هلذا الطموح‪ ،‬وهذا ما يميز الناجح‬
‫الطامح عن غريه‪ ،‬فهو يعرف قيمة اهلدف واجلهد املطلوب لبلوغ‬
‫اهلدف‪.‬‬

‫وِف احلديث فوائد ِف تطوير الذات‪:‬‬

‫(‪ )1‬مسلم‪-‬الصالة‪-‬فضل السجود و احلث عليه‪-‬رقم‪)489(:‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ .1‬عليك بمرافقة الناجحني العظامء‪ ،‬بل وخدمتهم لتتعلم منهم‬
‫وتقتدي هبم‪ ،‬وتكسب من فرص نجاحهم‪.‬‬
‫‪ .2‬الناجحون يبادرون لتقديم املكافآت لغريهم‪.‬‬
‫‪ .3‬الفرص ال تتكرر‪ ،‬فال تضيعها و استثمرها لصاحلك‪.‬‬
‫‪ .4‬ضع أهداف ًا عظيمة‪( .‬مرافقتك باجلنة)‬
‫‪ .5‬ال تتنازل عن طموحاتك ‪( .‬هو ذاك)‬
‫‪ .6‬ناقش اآلخرين ِف أهدافهم‪ ،‬وتأكد من جديتهم ِف حتقيقها (أو غري‬
‫ذلك)‪.‬‬
‫‪ .7‬ال َتذل اآلخرين ِف حتقيق طموحاهتم‪ ،‬بل ساعدهم عىل ذلك‪.‬‬
‫‪ .8‬الدور األكّب ِف حتقيق األهداف يقع عىل عاتقك‪ ،‬وهي‬
‫مسؤوليتك‪( .‬أعني عىل نفسك)‬
‫‪ .9‬األهداف العظيمة بحاجة لزخم وديمومة‪ ،‬فلذلك مل يقل له النبي‬
‫صىل اهلل عليه وسلم‪ :‬عليك بالسجود‪ ،‬بل بكثرة السجود‪.‬‬

‫فكن طموح اا‬

‫‪84‬‬
‫الحديث التاسع عشر‬

‫عن عائشة ريض اهلل عنها عن النبي صىل اهلل عليه وسلم َق َال‪:‬‬
‫َش ٍء إَِلَّ َشا َن ُه) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ُون ِف َ ٍ‬
‫َشء إَِلَّ َزا َن ُه َوَلَ ُينْز َُع م ْن َ ْ‬
‫ْ‬ ‫(إِ َّن ي‬
‫الر ْف َق َلَ َيك ُ‬

‫هذه قاعدة نبوية للنجاح ِف األمور كلها‪ ،‬قاعدة الرفق بالنفس‬


‫وباآلخرين وحسن التعامل معهم‪ ،‬فالغلظة والعنف ال تناسب النجاح‬
‫ب‬ ‫نت َف ًّظا َغلِ َ‬
‫يظ ا رل َق رل ِ‬ ‫نت َهل ُ رم َو َل رو ُك َ‬ ‫مح ٍة ِّم َن اهللهِ لِ َ‬
‫قال تعاىل‪َ { :‬فبِ َام َر ر َ‬
‫اس َت رغ ِف رر َهل ُ رم َو َش ِ‬
‫او رر ُه رم ِِف راألَ رم ِر}‬ ‫َالن َف ُّضوا ِم رن َح رولِ َك َفا رع ُ‬
‫ف َعن ُره رم َو ر‬
‫[آل عمران‪ ،]159 :‬فالرفق يزيد حمبة املحبني‪ ،‬ويدفع رش الكارهني‪،‬‬
‫بل وربام كان سبب ًا ِف حتويل كراهيتهم ملحبة والناجح ال يستعدي‬
‫اآلخرين ويستكثر احلاقدين‪ ،‬فريفق بمن حوله‪ ،‬ويتلطف هبم‪ ،‬فهو‬
‫يتقن فن تأليف القلوب‪ ،‬وكسب اخلصوم‪.‬‬
‫وتأمل هذا املوقف النبوي تطبيق ًا هلذه القاعدة عن عائشة ريض‬
‫اهلل عنها قالت‪ :‬دخل رهط من اليهود عىل النبي صىل اهلل عليه وسلم‬
‫فقالوا‪ :‬السام عليكم قالت‪ :‬ففهمتها فقلت‪ :‬وعليكم السام واللعنة‪.‬‬

‫مسلم‪-‬الّب و الصلة و األدب‪-‬فضل الرفق‪-‬رقم‪1.)2594 ( :‬‬

‫‪85‬‬
‫قالت‪ :‬فقال النبي صىل اهلل عليه وسلم‪( :‬مه ً‬
‫ال يا عائشة‪ ،‬إن اهلل‬
‫حيب الرفق ِف األمر كله) فقلت‪ :‬يا رسول اهلل أو مل تسمع ما قالوا؟ قال‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪( :‬قد قلت‪ :‬وعليكم) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وِف رواية‪( :‬مه ً‬


‫ال يا عائشة‪ ،‬عليك بالرفق‪ ،‬وإياك والعنف‬
‫والفحش) قلت‪ :‬أو مل تسمع ما قالوا؟ قال‪( :‬أو مل تسمعي ما قلت؟‬
‫رددت عليهم فيستجاب ِل فيهم‪ ،‬وال يستجاب هلم َِف) ‪.‬‬
‫( ‪)2‬‬

‫والرفق ال يعني التهاون و التخاذل‪ ،‬فالنبي صىل اهلل عليه وسلم‬


‫مع رفقه هبم ِف هذا املوقف رغم أهنم دعوا عليه باملوت بقوهلم‪ :‬السام‬
‫عليكم)‪ ،‬إال أنه قاتلهم ملا غدروا ونقضوا العهود‪ ،‬فمقام الدعوة‬
‫يتطلب الرفق‪ ،‬ومقام اخليانة يتطلب الشدة و احلزم‪.‬‬

‫فكن رفيق اا‬

‫(‪ )1‬البخاري – األدب‪ -‬الرفق ِف األمر كله رقم (‪ )6024‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم – السالم النهي عن ابتداء أهل‬
‫الكتاب بالسالم ‪ .‬رقم (‪.)2165‬‬

‫‪ 2‬البخاري – األدب – مل يكن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم فاحش ًا رقم (‪.)6030‬‬

‫‪86‬‬
‫الحديث العشرون‬

‫عن أنس بن مالك ريض اهلل عنه قال النبي صىل اهلل عليه‬
‫ج ُبنِي ا ْل َف ْأ ُل‪ ،‬ا ْلكَلِ َم ُة َْ‬
‫احل َس َن ُة‪،‬‬ ‫وسلم‪ََ ( :‬ل َعدْ َوى َو ََل طِ َي َة ‪َ ،‬و ُي ْع ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬
‫ا ْلكَلِ َم ُة ال َّط يي َب ُة)‬
‫(‪)2‬‬

‫من العادات الثابتة لدى الناجحني التفاؤل‪ ،‬فال نجاح مع التشاؤم‬


‫فلو تشاءم الناجح ما خطى خطوة نحو النجاح‪ ،‬والتفاؤل‪( :‬أن متتلك‬
‫توقعات قوية االحتامل أن األمر ِف النهاية سينتهي إىل خري‪ ،‬بالرغم من‬
‫بعض الصعوبات واإلخفاقات) ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫فالتفاؤل موقف حيمي الناس من الوقوع ِف الالمباالة‪ ،‬وفقدان‬


‫األمل‪ ،‬واإلصابة باالكتئاب ِف مواجهة جمريات احلياة القاسية‪ ،‬وهو‬
‫يزيد من مكاسب اإلنسان ِف حياته‪ ،‬عىل أن يكون تفاؤالً واقعي ًا‪ ،‬أما‬
‫التفاؤل املفرط ِف السذاجة فإنه يسبب الكوارث ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫(‪ )1‬الطرية‪ :‬عادة عند أهل اجلاهلية بإرسال الطري فإن جاء جهة الشامل تشا َءم و مل يفعل األمر‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪-‬الطب‪-‬الفأل –رقم‪ ،)5756( :‬ومسلم واللفظ له‪-‬السالم‪-‬الطرية والفأل‪-‬رقم‪.)2224( :‬‬
‫(‪ ) 3‬د‪ .‬املبيض‪ :‬مأمون املبيض‪ ،‬الذكاء العاطفي والصحة العاطفية‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ص ‪.171‬‬
‫(‪ ) 4‬جوملان‪ :‬دانيال جوملان‪ ،‬الذكاء العاطفي‪ ،‬ترمجة ليىل اجلباِل‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة‪ ،‬الكويت‪ ،‬ص‪.130‬‬

‫‪87‬‬
‫فام هي الكلمة احلسنة والطيبة؟‬

‫ِف صلح احلديبية حيث اخلوف والقلق والرتقب‪ ،‬بعثت قريش‬


‫سهيل بن عمرو للتفاوض‪ ،‬فقال النبي ‪ ‬متفائ ً‬
‫ال‪( :‬لقد سهل اهلل لكم‬
‫ال باسم سهيل‪ ،‬فكان صلح احلديبية فتح ًا مبين ًا‪.‬‬
‫من أمركم) ‪ ،‬متفائ ً‬ ‫(‪)1‬‬

‫أما التشاؤم فهو عدو النجاح األول‪ ،‬وهو (نزعة اعتيادية ِف‬
‫الذهن إىل رؤية كل يشء أسود قامت ًا‪ ،‬وأخذ اجلانب السيئ من كل يشء‬
‫وإمهال ما عداه) ‪ ،‬والتشاؤم يعدي‪ ،‬فال يكتفي املتشائم هبدم نفسه‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫( ‪)3‬‬
‫وإنام ينزع بطبيعته إىل نرش (وبائه النفيس)‬

‫فاحذر النظرة التشاؤمية واملتشائمني‪ :‬عن أِب هريرة ريض اهلل عنه‬
‫(‪)4‬‬
‫قال صىل اهلل عليه وسلم‪( :‬إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم)‬

‫تروى بالرفع (أهل ُك ُهم)‪ :‬أي أشدهم هالك ًا‪ ،‬وهذا ما يؤيده الواقع‬
‫فأمثال هؤالء تراهم أشد الناس فش ً‬
‫ال‪ ،‬فينظر للناس بمنظار تشاؤمه‪.‬‬
‫وتروى بالنصب (أهلكَهم)‪ :‬أي سبب هالكهم‪ ،‬فهو يشيع بينهم‬
‫التشاؤم‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري – الرشوط‪-‬الرشوط ِف اجلهاد‪ .‬رقم (‪.)2732‬‬

‫(‪ )2‬كتاب تغلب عىل التشاؤم‪ ،‬ترمجة عبد اللطيف رشارة‪ ،‬دار إحياء العلوم‪ ،‬السلسلة النفسية‪ ،‬ص‪11‬‬

‫(‪ )3‬انظر‪ :‬املصدر السابق ص ‪25‬‬

‫(‪ )4‬مسلم – الّب – النهي عن قول‪ :‬هلك الناس‪ .‬رقم (‪.)2623‬‬

‫‪88‬‬
‫وتذكر قوله تعاىل‪َ {:‬و َال َت ري َأ ُسوا ِمن هر روحِ اهلل إِ هن ُه َال َي ري َأ ُس ِمن هر روحِ‬
‫ون} [يوسف‪.]87 :‬‬ ‫اهلل إِ هال ا رل َق رو ُم ا رلكَافِ ُر َ‬

‫فاهلل تعاىل مصدر تفاؤلنا فهو سبحانه عىل كل يشء قدير وال‬
‫يعجزه يشء ِف األرض وال ِف السامء‪ ،‬فمهام كانت املصاعب‬
‫والصعاب‪ ،‬فاألمل باهلل عظيم‪ ،‬وِف احلديث القديس‪( :‬إنا عند ظن‬
‫عبدي ِب) ‪ ،‬فام ظنك باهلل؟!‬ ‫(‪)1‬‬

‫فكن متفائ ا‬
‫ل‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم – الذكر – احلث عىل ذكر اهلل تعاىل – رقم (‪ )1675‬من حديث أِب هريرة ريض اهلل عنه‪.‬‬

‫‪89‬‬
90
‫الحديث الحادي و العشرون‬

‫ول‬‫ت ريض اهلل عنه َق َال‪َ ( :‬شك َْونَا إِ ََل رس ِ‬ ‫اب رب ِن راألَ َر ِّ‬ ‫َع رن َخ هب ِ‬
‫َ ُ‬
‫اهللَِّ َص ََّل اهللَُّ َع َل ْي ِه َو َس َّل َم َو ُه َو ُمت ََو يسدٌ ُب ْر َد اة َل ُه ِِف ظِ يل ا ْل َك ْع َب ِة َف ُق ْلنَا‬
‫ِْص َلنَا َأ ََل تَدْ ُعو َلنَا‪َ ،‬ف َق َال َقدْ ك َ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ُل‬ ‫َان َم ْن َق ْب َلك ُْم ُي ْؤ َخ ُذ َّ‬ ‫َأ ََل ت َْس َتن ُ‬
‫وض ُع َع ََل َر ْأ ِس ِه‬ ‫اء بِا ْملِن َْش ِ‬
‫ار َف ُي َ‬ ‫ِ‬
‫ض َف ُي ْج َع ُل ف َيها َف ُي َج ُ‬ ‫َف ُي ْح َف ُر َل ُه ِِف ْاألَ ْر ِ‬

‫ون َْحل ِم ِه َو َع ْظ ِم ِه َف َام‬ ‫احل ِد ِ‬


‫يد َما ُد َ‬ ‫اط َْ‬ ‫ني ويم َش ُط بِ َأم َش ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫َف ُي ْج َع ُل ن ْص َف ْ ِ َ ُ ْ‬
‫ب ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫الراك ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ك َع ْن دينه‪َ ،‬واهللَِّ َل َيت َّم َّن َه َذا ْاألَ ْم ُر َحتَّى َيس َي َّ‬ ‫َي ُصدُّ ُه َذلِ َ‬
‫ْب َع ََل غَ ن َِم ِه َو َلكِنَّك ُْم‬ ‫َيافُ إِ ََّل اهللََّ َو ي‬
‫الذئ َ‬ ‫ْض َم ْو َت ََل َ َ‬‫اء إِ ََل َح ْ َ‬‫َصنْ َع َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ون)‬ ‫ت َْس َت ْع ِ‬
‫ج ُل َ‬

‫التفاؤل املطلوب هو التفاؤل الواقعي مراعاة لقدراتك ومعرفة‬


‫األحوال من حولك‪ ،‬مع الصّب و الثبات‪ ،‬فال أرض عىل التفاؤل إال‬
‫فقدان القدرة عىل الصّب و التحمل واستسهال الصعاب ِف طريق‬
‫النجاح‪ ،‬فالنجاح طريقه طويل وميلء باألشواك و الصعاب‪ ،‬وأول ما‬

‫(‪ )1‬البخاري‪-‬املناقب‪-‬عالمات النبوة ِف اإلسالم‪ .‬رقم‪.)3612( :‬‬

‫‪91‬‬
‫يقيض عىل النجاح استسهال طريقه‪ ،‬واستعجال نتائجه‪ ،‬فام جاء رسيع ًا‬
‫يذهب رسيع ًا‪ ،‬وليس التفاؤل أن تنظر لألمور بمنظار مجيل وتستعجل‬
‫النتائج اجلميلة من غري بذل أسباهبا‪.‬‬

‫وتأمل ِف جواب النبي صىل اهلل عليه وسلم للصحابة‪ ،‬حيث بني‬
‫هلم صعوبة الطريق‪ ،‬ضارب ًا املثل هلم ممن سبقهم‪ ،‬حيث التضحيات مع‬
‫الثبات‪ ،‬ولكنه أردف ذلك بروح التفاؤل للمستقبل‪ ،‬وخلص ذلك‬
‫بقوله‪( :‬ولكنكم تستعجلون)‪.‬‬

‫فالنجاح تربية وإعداد وتعلم من األخطاء‪ ،‬وخّبة مرتاكمة‪،‬‬


‫وجتربة مريرة‪ ،‬مع الصّب و التفاؤل‪ ،‬فمن كان يقول‪( :‬أال تستنْص لنا)‬
‫هو من صنع النْص بيديه بعد سنوات بفضل اهلل تعاىل‪ ،‬فذاق طعم‬
‫النجاح ِف املدينة كام ذاق مر التجربة ِف مكة‪ ،‬وعرف قيمة النْص‬
‫والنجاح‪ ،‬فحافظ عليه‪ ،‬ونقله ملن بعده‪.‬‬

‫ومن هنا ال تعجب إذا رأيت بعض أبناء الناجحني و هم هيدمون‬


‫جمد آبائهم بأيدهيم‪ ،‬ألهنم ورثوا النجاح ومل يصنعوه‪ ،‬ومل يعرفوا قيمته‪،‬‬
‫ومل خيوضوا معاركه‪ ،‬واستعجلوا نتائجه‪.‬‬

‫فل تستعجل النتائج‬

‫‪92‬‬
‫الحديث الثاني والعشرون‬

‫ود ريض اهلل عنه‪َ ،‬ع رن النهبِ ِّي َص هىل اهللهُ َع َل ري ِه‬ ‫عن َعب ِد اهللهِ ب ِن مسع ٍ‬
‫ر َ ر ُ‬ ‫ر‬
‫َان ِِف َق ْلبِ ِه ِم ْث َق ُال َذ َّر ٍة ِم ْن كِ ْ ٍب‪،‬‬ ‫َو َس هل َم َق َال‪َ( :‬ل َيدْ ُخ ُل َْ‬
‫اْل َّن َة َم ْن ك َ‬
‫ب َأ ْن َيك َ‬ ‫ِ‬
‫ُون َث ْو ُب ُه َح َسناا َو َن ْع ُل ُه َح َسنَ اة‪َ ،‬ق َال‬ ‫َق َال َر ُج ٌل إِ َّن َّ‬
‫الر ُج َل ُحي ُّ‬
‫غَم ُط الن ِ‬ ‫ب َب َط ُر َْ‬ ‫ِ‬ ‫ب َْ‬ ‫إِ َّن اهللََّ َجِ ٌ ِ‬
‫َّاس) ‪.‬‬ ‫احل يق َو ْ‬ ‫اْل َام َل‪ ،‬ا ْلك ْ ُ‬ ‫يل ُحي ُّ‬ ‫َ‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫ال فهو يرى الكون وما فيه مجي ً‬


‫ال‪ ،‬فيوظف‬ ‫ملا كان الناجح متفائ ً‬
‫حسه اجلامِل ِف نجاحه‪ ،‬فهو مجيل ِف أخالقه‪ ،‬مجيل ِف تعامله‪ ،‬مجيل ِف‬
‫ألفاظه‪ ،‬مجيل ِف مظهره و لباسه‪ ،‬مجيل ِف نجاحه‪ ،‬فإنه تعاىل مجيل ِف‬
‫ذاته وأسامئه وصفاته وأفعاله‪ ،‬حيب اجلامل الظاهري واجلامل الباطني‪،‬‬
‫فاجلامل الظاهر‪ :‬كالنظافة ِف اجلسد‪ ،‬وامللبس‪ ،‬واملسكن‪ ،‬وتوابع ذلك‪،‬‬
‫واجلامل الباطن‪ :‬التجمل بمعاين األخالق وحماسنها ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫(‪ )1‬أي رفض احلق تكّب ًا‪.‬‬

‫(‪ )2‬أي احتقارهم‪.‬‬

‫(‪ )3‬مسلم‪-‬اإليامن‪-‬حتريم الكِّب و بيانه‪-‬رقم‪.)91( :‬‬

‫(‪ )4‬انظر‪ :‬السعدي‪ ،‬عبد الرمحن السعدي‪ ،‬هبجة قلوب األبرار‪ ،‬وزارة األوقاف‪ ،‬الرياض‪423 ،‬ه‪ ،‬ص‪148‬‬

‫‪93‬‬
‫فالتجمل عبادة ألن اهلل تعاىل حيب اجلامل‪ ،‬قال ابن ُهبرية‪( :‬فهو‬
‫يدلل عىل أن حتسني الرجل ثوبه وتنظيفه يكون عبادة اهلل عز وجل‪ ،‬من‬
‫أنه ِف تنظيفه الثوب تطييب لرحيه وشكر هلل عز وجل حلاله وتظاهره‬
‫بالغنى الدافع ألعطيات الناس‪ ،‬وِف توسيخ الثوب من الزفر وما‬
‫يتأذى به اجللساء وشكواه ربه بلسان حاله وتعريضه نفسه ألعطيات‬
‫أيضا للمؤمنني إذا بدا ِف مثل تلك البزة‪ ،‬أي‬
‫الناس برثاثة زيه وَتجيله ً‬
‫اللباس) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫فكن َجي ا‬
‫ل‬

‫(‪ )1‬ابن هبرية الذهيل‪ ،‬اإلفصاح عن معاين الصحاح‪ ،‬مصدر سابق‪)101/ 2( ،‬‬

‫‪94‬‬
‫الحديث الثالث و العشرون‬

‫عن َس رهل بن َحنيف ريض اهلل عنه‪َ ،‬ع ِن النهبِ ِّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه‬
‫ت َن ْف ِس‪َ .‬و َلكِ ْن لِ َي ُق ْل‪:‬‬ ‫َو َس هل َم َق َال‪ََ ( :‬ل َي ُقو َل َّن َأ َحدُ ك ُْم‪َ :‬خ ُب َث ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫ت َن ْف ِس) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫َل ِق َس ْ‬

‫ومن اجلامل استعامل األلفاظ اجلميلة‪ ،‬وترك األلفاظ القبيحة جتنب ًا‬
‫ألثرها عىل النفس‪ ،‬فإن لأللفاظ السيئة إحياء سلبي‪ ،‬فاجلميل املتفائل‬
‫يرتك األلفاظ القبيحة و العبارات املتشائمة‪ ،‬ويستبدهلا بعبارات مجيلة‬
‫تبعث عىل التفاؤل و اإلجيابية‪ ،‬قال اإلمام اخلطاِب‪( :‬لقست وخبثت‬
‫واحد ِف املعنى تقول‪ :‬لقست نفيس ومقست و تبثرت‪ ،‬بمعني خبثت‪،‬‬
‫وإنام كره من ذلك اسم اخلبث‪ ،‬فاختار اللفظة الّبيئة من البشاعة‬
‫السليمة منها‪ ،‬كان من سنته تبديل االسم القبيح باحلسن) ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )1‬بمعنى خبُثت أي غثت نفيس‪.‬‬

‫(‪ )2‬البخاري‪-‬األدب‪-‬ال يقل خبثت نفيس‪-‬رقم‪ ،)6180( :‬ومسلم‪-‬األلفاظ من األدب‪-‬كراهة قول اإلنسان‬
‫خبثت نفيس‪ .‬رقم‪.)2251( :‬‬

‫(‪ )3‬سليامن بن محد‪ ،‬أعالم احلديث‪ ،‬حتقيق حممد آل سعود‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬ط‪1988 ،1‬م‪)2209/ 3 ( ،‬‬

‫‪95‬‬
‫وخبثت نفيس ِ‬
‫ولقست ‪-‬بالكس‪ ،-‬إذا غثت‪ ،‬وملا كان اخلبث‬
‫يطلق عىل الغثيان وعىل خباثة النفس وسوء اخللق كره إطالقه ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫فإنه صىل اهلل عليه وسلم كان يعجبه االسم احلسن‪ ،‬ويتفاءل به‪،‬‬
‫ويكره االسم القبيح ويغريه ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وهذا اهلدي النبوي ينبغي إشاعته ونرشه ِف مجيع حمادثاتنا مع‬


‫أنفسنا ومع اآلخرين‪ ،‬بحسن اختيار األلفاظ‪ ،‬وجتنب قبيحها‪ ،‬وهذا‬
‫نوع من فن التسويق للنجاح و نرشه‪ ،‬فإن النفوس تقبل اجلميل‪ ،‬وتنفر‬
‫من القبيح‪.‬‬

‫فتجنب اإلحياء السلبي‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬البيضاوي‪ ،‬نارص الدين البيضاوي‪ ،‬حتفة األبرار رشح مصابيح السنة‪ ،‬وزارة األوقاف‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫‪1433‬هـ‪2012 ،‬م‪)226-225/ 3( ،‬‬

‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن الدماميني‪ ،‬حممد بن أِب بكر‪ ،‬مصابيح اجلامع‪ ،‬حتقيق نور الدين طالب‪ ،‬دار النوادر‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪1430 ،‬هـ‪2009-‬م‪)361 / 9( ،‬‬

‫‪96‬‬
‫الحديث الرابع و العشرون‬

‫َع ِن ا رب ِن َع هب ٍ‬
‫اس ريض اهلل عنهام َأ هن َر ُس َ‬
‫ول اهللِ صىل اهلل عليه‬
‫وسلم ملَها َب َع َث ُم َعا ًذا إِ َىل ا رل َي َم ِن َق َال‪( :‬إِن َ‬
‫َّك َت ْقدَ ُم َع ََل َق ْو ٍم َأ ْه ِل‬
‫وه ْم إِ َل ْي ِه ِع َبا َد ُة اهللَِّ َع َّز َو َج َّل‪َ ،‬فإِ َذا َع َر ُفوا‬ ‫كِت ٍ‬
‫َاب َف ْل َيك ُْن َأ َّو َل َما تَدْ ُع ُ‬
‫ات ِِف َي ْو ِم ِه ْم‬ ‫اهللََّ َف َأ ْخ ِبهم َأ َّن اهللََّ َفر َض ع َلي ِهم ََخْس ص َلو ٍ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُْ ْ‬
‫ب ُه ْم َأ َّن اهللََّ َقدْ َف َر َض َع َل ْي ِه ْم َزكَا اة ت ُْؤ َخ ُذ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َو َل ْي َلته ْم‪َ ،‬فإ َذا َف َع ُلوا َفأ ْخ ِ ْ‬
‫اعوا ِ َهبا َفخُ ْذ ِمن ُْه ْم َوت ََو َّق‬ ‫ِ‬
‫ت ُّد َع ََل ُف َق َرائ ِه ْم َفإِ َذا َأ َط ُ‬ ‫ِ َ ِ ِِ‬
‫م ْن أغْن َيائه ْم َف ُ َ‬
‫اهل ْم) ‪.‬‬ ‫كَرائِم َأمو ِ‬
‫(‪)2‬‬
‫َ َ َْ‬ ‫(‪)1‬‬

‫الناجحون ال يضعون األهداف فحسب‪ ،‬بل خيططون للوصول‬


‫هلا‪ ،‬ومع التخطيط يرتبون أولوياهتم‪ ،‬حتى ال تتزاحم عليهم األعامل‪،‬‬
‫فيقدمون األهم عىل املهم‪ ،‬فانظر إىل اخلطة النبوية التنفيذية التي أعدها‬
‫النبي صىل اهلل عليه وسلم للوصول هلدف تبليغ الدين إىل أهل اليمن‪:‬‬

‫(‪ )1‬أي جتنب أخذ أجود ما عندهم من األموال‪.‬‬

‫(‪ )2‬البخاري‪-‬التوحيد‪-‬دعاء النبي صىل اهلل عليه وسلم أمته للتوحيد –رقم‪ ،)7372(:‬ومسلم‪-‬اإليامن‪-‬الدعاء‬
‫للشهادتني‪-‬رقم‪.)28( :‬‬

‫‪97‬‬
‫‪ .1‬اختيار معاذ بن جبل‪-‬ريض اهلل عنه‪-‬للمهمة‪.‬‬
‫‪ .2‬بني له اجلهة التي سيتوجه إليها‪.‬‬
‫‪ .3‬بني ملعاذ طبيعة اجلمهور الذي سيلتقي هبم ‪(.‬أهل كتاب ‪).‬‬
‫‪ .4‬وضع له خطوات العمل‪ :‬الدعوة للتوحيد‪-‬الصالة‪-‬الزكاة‪-‬‬
‫ترك الظلم ِف الزكاة‪ ،‬وهذه األمور متثل القيم األساسية التي‬
‫انطلقت منها اخلطة‪ ،‬فالتخطيط وفق القيم العليا هو التخطيط‬
‫الناجح‪.‬‬
‫‪ .5‬رتب له أولويات العمل‪ :‬فالتوحيد هو األولوية األهم‪،‬‬
‫ويرتتب عليه باقي األعامل‪.‬‬

‫ومن طرق تنظيم الوقت والتعامل مع أحداث احلياة ما يعرف‬


‫بمربع إدارة األولويات ‪ ،‬وسأقوم بتطبيقه عىل قصة بعث النبي صىل‬ ‫(‪)1‬‬

‫اهلل عليه وسلم ملعاذ ريض اهلل عنه لليمن مع ذكر أمثلة افرتاضية‬
‫للتوضيح‪:‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬كوِف‪ ،‬ستيفن كوِف‪ ،‬وآخرون‪ ،‬إدارة األولويات‪ ،‬ترمجة السيد متوِل‪ ،‬مكتبة جرير‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة‬
‫اخلامسة ‪ ،2007‬ص ‪ 38‬و ما بعدها‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫املربع األول‪( :‬مربع الطوارئ )‪ :‬مهم وعاجل‬

‫لنتصور كيف كان حال معاذ ريض‬


‫(‪)1‬‬
‫اهلل عنه عندما أمره النبي صىل اهلل عليه‬
‫مربع الطوارئ‬

‫مهم‬ ‫وسلم بالسفر لليمن‪ ،‬فهذه حالة طارئة‬

‫وعاجل‬ ‫ومهمة‪ ،‬فعليه أن يستعد بالزاد‬


‫والراحلة‪ ،‬وأن ال ينشغل باالستعداد‬
‫الفكري و العقدي و الفقهي للدعوة‪ ،‬فاألولوية هنا االستعداد للسفر‪،‬‬
‫ولكن كيف ذلك‪ :‬أليس االستعداد الفكري أهم؟!!‬

‫نعم هو أهم‪ ،‬ولكنه ليس بعاجل‪ ،‬فالعاجل املهم ِف تلك اللحظة‬


‫هو االستعداد للسفر‪ ،‬فهو أهم من حيث الفعل و التنفيذ‪ ،‬وإن كان‬
‫االستعداد الفقهي و الفكري أهم من حيث القيمة‪.‬‬

‫املربع الثاِّن‪ ( :‬مربع اْلودة )‪ :‬مهم و غي عاجل‬

‫(‪)2‬‬ ‫فالنبي صىل اهلل عليه وسلم إنام‬


‫مربع الجودة‬ ‫اختار معاذ‪-‬ريض اهلل عنه‪-‬بعد أن‬
‫مهم‬ ‫اعتنى به عقدي ًا وأخالقي ًا و فقهي ًا وهيأه‬
‫وغير عاجل‬
‫للدعوة‪ ،‬فهذا أمر مهم ألن ذلك مرتبط‬

‫‪99‬‬
‫بالقيم العليا ( نرش التوحيد)‪ ،‬و التخطيط طويل األجل‪ ،‬حتى إذا‬
‫احتاج إليه وجده مستعد ًا إلنجاز املهمة‪ ،‬وهذا ما قىض فيه النبي صىل‬
‫اهلل عليه وسلم وقته فيه‪ ،‬وهذا مربع الناجحني‪ ،‬يرتبون أوقاهتم‬
‫بحسب قيمهم العليا‪ ،‬فإذا حدث أمر طارئ كان اإلنسان جاهز ًا‬
‫إلنجاز مهمته‪ ،‬فالناجحون يقضون معظم أوقاهتم ِف املهم غري‬
‫العاجل و فق رؤيتهم للحياة‪ ،‬وال جيعلون حياهتم رهن األمور‬
‫الطارئة‪ ،‬فإذا حدثت الطوارئ فهم مستعدون‪ ،‬ولو تصورنا أن معاذ ًا‬
‫‪-‬وهو من أفقه الصحابة‪ -‬مل هيتم بتكوينه الفكري العقدي و الدعوي‬
‫‪-‬وحاشاه‪-‬هل سينجح ِف املهمة ‪.‬؟!!‬

‫املربع الثالث‪ ( :‬مربع الوهم )‪ :‬غي مهم و عاجل‬

‫ِف أثناء جتهيز معاذ ريض اهلل عنه‬


‫(‪)3‬‬
‫لراحلته للسفر‪ ،‬دعاه جاره لتناول‬
‫مربع الوهم‬

‫غير مهم‬ ‫الغداء‪ ،‬فهذا أمر عاجل ألن وقت‬

‫وعاجل‬ ‫الغداء قد حان‪ ،‬ولكنه غري مهم ملعاذ‬


‫ريض اهلل عنه الذي يقوم بتجهيز راحلته‬
‫للسفر‪ ،‬فالتشاغل بالغداء عىل حساب استعداده للسفر غري وارد‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫املربع الرابع‪ ( :‬مربع الضياع )‪ :‬غي مهم و غي عاجل‬

‫هل نتصور أن معاذ ًا ريض اهلل عنه‬


‫(‪)4‬‬
‫يمكن أن ينشغل بتزيني فرسه استعداد ًا‬
‫مربع الضياع‬

‫غير مهم‬
‫للسفر‪ ،‬فالزينة ليست مهمة وغري‬

‫وغير عاجل‬ ‫عاجلة‪ ،‬بل هي مضيعة للوقت‪ ،‬فال‬


‫يمكن له ريض اهلل عنه أن يفعل ذلك‪.‬‬

‫ومن واقع عميل بالتدريس أرى كثري ًا من الطلبة يعيشون حالة‬


‫الطوارئ ليلة االمتحان‪ ،‬بل وجيّبون أهلهم عىل ذلك‪ ،‬عىل اعتبار أنه‬
‫أمر مهم و عاجل‪ ،‬فيقع ِف حالة من التوتر و اإلرباك و الضغط النفيس‪،‬‬
‫وال شك أن االمتحان مهم‪ ،‬ولكنه عند الناجحني غري عاجل‪ ،‬ألنه‬
‫يقوم باالستعداد له قبل موعده بشهر‪ ،‬فلديه متسع من الوقت لفهم‬
‫املادة الدراسية و مراجعتها‪ ،‬فإذا جاء وقت االمتحان وأصبح عاج ً‬
‫ال‬
‫قام بمراجعته هبدوء وطمأنينة بعيد ًا عن حالة الطوارئ‪ ،‬وهذا الفرق‬
‫بني الناجحني وسواهم‪ ،‬فهم ال جيعلون األمور املهمة تنتقل ملربع‬
‫الطوارئ‪ ،‬بل ينجزوهنا قبل وقتها الفعيل‪ ،‬استثامر ًا منهم للوقت‪ ،‬ألنك‬
‫ال تعلم إذا قمت بتأجيلها هل يمكن إنجازها عند حلول موعدها‪،‬‬

‫‪101‬‬
‫فربام مرض اإلنسان أو انشغل بحالة مل تكن ِف احلسبان‪ ،‬ومن هنا نفهم‬
‫حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم‪( :‬نعمتان مغبون فيهام كثري من‬
‫الناس‪ :‬الصحة و الفراغ) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ومن األمثلة الواقعية لسوء تنظيم الوقت بحسب مربع املهامت‪،‬‬


‫أن البعض بدالً من االنشغال بمربع اجلودة‪ ،‬مهم و غري عاجل‪ ،‬يكون‬
‫لديه هوس ِف متابعة هاتفه ِف الرد عىل كل مكاملة و لو كانت غري مهمة‬
‫أو عاجلة‪ ،‬ويقيض الساعات الطويلة ِف متابعة وسائل التواصل عىل‬
‫حساب األمور املهمة‪ ،‬ثم يشتكي من ضيق الوقت وقلة الّبكة فيه‪،‬‬
‫والقضية هي ترتيب أولوياتك و تنظيم وقتك‪.‬‬

‫فخ ّطط ألهدافك و رتّب أولوياتك‬

‫(‪ )1‬انظر حديث رقم (‪.)8‬‬

‫‪102‬‬
‫الحديث الخامس والعشرون‬

‫يض اهللُ َعنر ُه َق َال‪َ :‬ق َال النهبِ ُّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه‬ ‫ِ‬
‫َع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة َر َ‬
‫ني‪ :‬ا َّل ِذي‬ ‫َّاس َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة ِعنْدَ اهللِ َذا ا ْل َو ْج َه ْ ِ‬
‫رش الن ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َس هل َم‪ََ ( :‬تدُ م ْن َ ي‬
‫َي ْأ ِِت َه ُؤ ََل ِء بِ َو ْج ٍه َو َه ُؤ ََل ِء بِ َو ْج ٍه) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫الناجحون متصاحلون مع أنفسهم‪ ،‬متوافقون بني أقواهلم‬


‫وأفعاهلم‪ ،‬بني رسيرهتم وعالنيتهم‪ ،‬ظاهرهم كباطنهم‪ ،‬وباطنهم‬
‫كظاهرهم‪ ،‬ليس هلم إال وجه واحد يعرفهم به الناس‪ ،‬مواقفهم ثابتة‪،‬‬
‫و مبادؤهم راسخة‪.‬‬

‫أما الفاشل يظن أن النجاح يكون بتقلبه والتنازل عن مبادئه‬


‫بحسب هواه‪ ،‬لذلك كان (من رش الناس)‪ ،‬فهو فاقد للسالم الداخيل‪،‬‬
‫واألمان الذايت مصاب باالنفصام األخالقي‪ ،‬متلون بحسب مصاحله‪،‬‬
‫وهو خيدع نفسه قبل أن خيدع هؤالء أو هؤالء‪ ،‬شخصية مهزوزة‪ ،‬أو‬

‫(‪ )1‬البخاري‪-‬األدب‪-‬ما قيل ِف ذي الوجهني‪-‬رقم‪ ،)6058 (:‬ومسلم‪-‬الّب و الصلة‪-‬ذم ذي الوجهني‪-‬رقم‪:‬‬


‫(‪.)2526‬‬

‫‪103‬‬
‫قل زئبقية‪ ،‬أو انتهازية‪ ،‬حتاول أن تسد نقصها بمحاولة اسرتضاء‬
‫اجلميع‪ ،‬وربام مجع كل ذلك‪ ،‬فوصفه النبي صىل اهلل عليه وسلم بذي‬
‫الوجهني‪ ،‬وجعله رش الناس يوم القيامة عند اهلل تعاىل‪.‬‬

‫وهلذه الشخصية عدة وجوه‪:‬‬

‫‪ .1‬الشخصية اَلنتهازية‪ :‬والبعض يطلق عليها الزئبقية‪ ،‬وهي‬


‫شخصية تتلون بحسب املواقف‪ ،‬لتنتهز الفرص ملصلحتها‪،‬‬
‫وصاحب هذه الشخصية له وجهان بحسب هواه‪ ،‬فال مبادئ‬
‫و ال مواقف‪ ،‬وربام انتقل من اليسار إىل اليمني‪ ،‬ال عن قناعة‪،‬‬
‫ولكن بحسب مكاسبه‪.‬‬
‫‪ .2‬الشخصية املهزوزة‪ :‬أي أهنا تكون بحسب حميطها‪ ،‬فإن كانت‬
‫مع الصاحلني متثلت دور الصالح‪ ،‬وإن كانت مع الفاسدين‬
‫فسدت‪ ،‬ال تثبت عىل رأي‪ ،‬تتأثر بمن حوهلا و ال تؤثر‪ ،‬وال حتب‬
‫إغضاب أحد‪ ،‬بل مرضاة اآلخرين هدفها‪ ،‬قال الشيخ عبد‬
‫الكريم اخلضري ِف وصفه‪( :‬جتده إذا جلس مع األخيار من خري‬
‫الناس‪ ،‬وإذا جلس مع األرشار من رش الناس‪ ،‬وإذا جلس مع‬
‫الناس العاديني صار مثلهم‪ ،‬كل هذا ليمِش مع مجيع الناس‪،‬‬

‫‪104‬‬
‫ومع مجيع الطبقات‪ ،‬املسلم عليه أن يكون مستقي ًام عىل الْصاط‬
‫املستقيم ظاهر ًا وباطن ًا‪ ،‬ريض من ريض‪ ،‬وغضب من غضب‪،‬‬
‫جتد بعض الناس إذا كان ِف جمالس يعني فيها توسع توسعا أكثر‬
‫من العامة‪ ،‬وهو ِف األصل طالب علم‪ ،‬بحيث يتسع له‬
‫جمالسهم‪ ،‬إذا جلس مع العباد والزهاد جتده مطأطئ الرأس‬
‫كأنه أزهد الناس‪ ،‬وإذا جلس مع األرشار بادرهم باألخبار‪،‬‬
‫وجاذهبم احلديث‪ ،‬وتوسع معهم هذا ذو الوجهني الذي يأيت‬
‫هؤالء بوجه وهؤالء بوجه) ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬

‫‪ .3‬الشخصية املفسدة‪ :‬فهي تذهب لقوم للتظاهر بالوالء هلم‪ ،‬ثم‬


‫تأيت قوم ًا آخرين فتتظاهر بذلك‪ ،‬وتنقل أخبار الفئتني فيام بينها‬
‫لإلفساد‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه عدد من رشاح احلديث‪.‬‬
‫وعىل كل حال هي شخصية ضعيفة متارس هذه األدوار‬
‫إلخفاء ضعفها وتسد نقصها‪ ،‬وعلتها األساسية أهنا غري‬
‫متصاحلة مع نفسها‪.‬‬

‫(‪ )1‬رشح كتاب املوطأ‪ ،‬منشور عىل املكتبة الشاملة‪ ،‬كتاب اجلامع (‪ )13‬باب‪ :‬ما جاء ِف إضاعة املال وذي الوجهني‬

‫‪105‬‬
‫وقد يظن البعض أن التصالح مع الذات أن ال يباِل اإلنسان‬
‫باملجاهرة باملعايص‪ ،‬فيعلن ذلك أمام الناس وعىل وسائل التواصل‬
‫االجتامعي بحجة أنه متصالح مع ذاته‪ ،‬فال يريد أن يظهر أمام الناس‬
‫بمظهر‪ ،‬وخيفي مظهر ًا آخر‪ ،‬وليس هذا من التصالح مع الذات ِف‬
‫يشء‪ ،‬فإن املسلم مطلوب منه أن يسرت عىل نفسه وأن ال يشيع الفاحشة‬
‫ِف جمتمعه‪ ،‬وعىل أن جياهد نفسه برتك املعايص‪ ،‬وهو ِف رصاعه مع‬
‫نفسه مأجور حلمله هم املعصية‪ ،‬ففي احلديث عن َأِب ُه َر ري َر َة عن النبي‬
‫اه ِري َن‪َ ،‬وإِ هن ِم َن املرَ َجان َِة‬
‫ص هىل اهللُ َع َلي ِه وس هلم‪ُ ( :‬ك ُّل ُأمتِي مع ًاىف إِ هال املرُج ِ‬
‫َ‬ ‫ه َُ‬ ‫ر َ َ َ‬ ‫َ‬
‫الر ُج ُل بِال هل ري ِل َع َم ًال ُث هم ُي رصبِ َح َو َقدر َس َ َ‬
‫رت ُه اهللُ‪َ ،‬ف َي ُق َ‬
‫ول‪َ :‬يا ُف َال ُن‪،‬‬ ‫َأ رن َي رع َم َل ه‬
‫ات يس ُرته ربه‪ ،‬ويصبِح يك ِرش ُ ِ‬ ‫َع ِم رل ُت ا رل َب ِ‬
‫رت‬
‫فسر َ‬ ‫ار َح َة ك ََذا َوك ََذا‪َ ،‬و َقدر َب َ َ ر ُ ُ َ ُّ ُ َ ُ ر ُ َ‬
‫اهللِ َعنر ُه) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫فتصالح مع ذاتك‬

‫(‪ )1‬البخاري‪-‬األدب‪-‬سرت املؤمن عىل نفسه ‪ ،)6069( -‬ومسلم‪ -‬الزهد‪-‬النهي عن هتك اإلنسان سرت نفسه‪.‬‬
‫(‪.)2990‬‬

‫‪106‬‬
‫الحديث السادس والعشرون‬

‫َع رن َأنَس بن مالك ريض اهلل عنه َق َال‪ُ :‬كنها ِعنردَ ُع َمر بن‬
‫ف) ‪.‬‬ ‫اخلطاب ريض اهلل عنه َف َق َال‪ُِ ( :‬نينَا ع ِن ال َّت َك ُّل ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُ َ‬

‫ومن التصالح مع الذات أن يبتعد اإلنسان عن الكلفة ِف حياته‪،‬‬


‫فالناجح شخص عميل ال يتكلف‪ ،‬ألن التكلف يستنفذ وقته وجهده‬
‫وماله وفكره ويشغله عن أهدافه وأولوياته فهو مشغول بام فيه مصلحة‬
‫وال يرهق نفسه بام ال ينفع‪ ،‬قال تعاىل ِف صفة النبي صىل اهلل عليه‬
‫ني} [ص‪]86 :‬‬ ‫وسلم‪ُ { :‬ق رل َما َأ رس َأ ُل ُك رم َع َل ري ِه ِم رن َأ رج ٍر َو َما َأنَا ِم َن املرُ َت َك ِّل ِف َ‬

‫قال اإلمام ابن اجلوزي‪( :‬وأصل ال هت َك ُّلف‪ :‬تتبع َما َال َمنر َف َعة فِ ِيه‪،‬‬
‫َان َم رأ ُمورا بِ ِه‬ ‫َأو َما َال ُيؤمر بِ ِه ر ِ‬
‫اإلن َرسان‪َ ،‬و َال حيصل إِ هال بِ َم َش هقة‪َ ،‬ف َأما إِذا ك َ‬
‫َوفِيه َمنر َف َعة َف َال َوجه للذم) ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وقال اإلمام النووي ِف تعريف التكلف‪( :‬وهو فعل و قول ما ال‬


‫مصلحة فيه مع املشقة) ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )1‬البخاري‪-‬االعتصام بالكتاب و السنة‪-‬ما يكره من كثرة السؤال‪-‬رقم‪)7020( :‬‬


‫(‪ )2‬كشف املشكل من حديث الصحيحني‪ ،‬مصدر سابق‪)118/ 1 ( ،‬‬
‫(‪ )3‬رياض الصاحلني‪ ،‬حتقيق الشيخ عيل احللبي‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1421‬هـ‪ ،‬ص ‪.551‬‬

‫‪107‬‬
‫فتبني أن التكلف يقع بأمرين‪ )1( :‬أمر ال مصلحة فيه‪ )2( .‬مع‬
‫حصول املشقة‪.‬‬

‫ومن صور التكلف التباهي ِف املظاهر واملطعم واملرشب واملركب‬


‫وامللبس واهلاتف جماراة للمجتمع االستهالكي‪ ،‬مما يثقل كاهل‬
‫اإلنسان ِف الديون ويشق عليه فيام ال يطلب منه‪ ،‬ومن ذلك التصنع‬
‫االجتامعي بمدح من ال يستحق تزلف ًا و جماملة عىل حساب دينه وقيمه‬
‫وأخالقه‪ ،‬ومن صور التكلف ما تفرضه بعض العادات ِف األفراح‬
‫واألتراح وإنفاق األموال الطائلة بمشقة وبغري مصلحة‪ ،‬كإقامة‬
‫الوالئم ِف العزاء‪ ،‬فيتكلف أهل امليت ما ال يطيقون‪ ،‬فيجمعون مع‬
‫حزهنم هم الدَ رين‪ ،‬وانظر كيف كشفت جائحة كورونا عن زيف هذه‬
‫العادات‪ ،‬وكيف استطاع املجتمع العيش بدوهنا‪ ،‬وكم أعجب أن‬
‫هدي النبي صىل اهلل عليه وسلم هو التيسري و دفع املشقة وذم التكلف‪،‬‬
‫ثم نرى كثري ًا من املسلمني يتكلف ِف حياته‪ ،‬وأن املجتمعات الغربية‬
‫ِف كثري من األحيان ال يتكلفون ِف حياهتم‪ ،‬مراعاة ملصاحلهم‪.‬‬

‫فل تتك ّلف‬

‫‪108‬‬
‫الحديث السابع والعشرون‬

‫ول اهللِ َص هىل اهللُ َع َل ري ِه‬ ‫ِ‬


‫َع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة َر َ‬
‫يض اهللُ َعنر ُه َأ هن َر ُس َ‬
‫ك‬ ‫الش ِديدُ ا َّل ِذي َي ْملِ ُ‬
‫الِص َع ِة ‪ ،‬إِن ََّام َّ‬
‫(‪)1‬‬ ‫وس هلم َق َال‪َ ( :‬ليس َّ ِ‬
‫الشديدُ بِ ُّ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ب) ‪.‬‬ ‫َن ْف َس ُه ِعنْدَ ا ْلغ ََض ِ‬
‫(‪)2‬‬

‫الناجحون قبل أدارهتم لغريهم يتحكمون بأنفسهم‪ ،‬فمن ال‬


‫حيسن إدارة ذاته ال تنتظر منه أن حيسن إدارة غريه‪ ،‬ووصف الشديد‬
‫الوارد ِف احلديث يقابله ِف زماننا (قوة الشخصية)‪ ،‬وِف قوله صىل اهلل‬
‫عليه وسلم‪( :‬ليس الشديد بالْصعة) تعديل ملفهوم قوة الشخصية‬
‫الذي كان سائد ًا عند العرب‪ ،‬ففي رواية ابن مسعود ريض اهلل عنه بيان‬
‫ول اهللِ َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم‪َ :‬ف َام‬ ‫لسبب ورود احلديث‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫الر َج ُال َق َال‪َ :‬ل ري َس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الْص َع َة في ُك رم؟ َق َال‪ُ :‬ق رلنَا‪ :‬ا هلذي َال َي ر َ‬
‫ْص ُع ُه ِّ‬ ‫ون ُّ َ‬ ‫َت ُعدُّ َ‬
‫(‪)3‬‬
‫ب) ‪.‬‬ ‫ِب َذلِ َك‪َ ،‬و َلكِنه ُه ا هل ِذي َي رملِ ُك َن رف َس ُه ِعنردَ ا رل َغ َض ِ‬

‫(‪ )1‬أي الذي يْصع الناس و يغلبهم بقوته اجلسدية‪.‬‬


‫(‪ )2‬البخاري‪-‬األدب‪-‬احلذر من الغضب‪-‬رقم‪ ،)6114(:‬ومسلم‪-‬الّب و الصلة‪-‬فضل من يملك نفسه عند‬
‫الغضب‪ .‬رقم‪.)2609( :‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم‪ ،‬رقم‪)2608( :‬‬

‫‪109‬‬
‫فقوة الشخصية ال تكون باألجسام و العضالت و االنفعال ورفع‬
‫الصوت كام نشاهد ذلك ِف حلبة املصارعة‪ ،‬بل تكون بمن يتحكم‬
‫بذاته عند االنفعال‪ ،‬وال سيام انفعال الغضب‪ ،‬وهو حتكم قوي فلذلك‬
‫عّب عنه النبي صىل اهلل عليه وسلم بقوله‪( :‬يملك)‪ ،‬بمعنى القدرة‬
‫ر‬
‫العالية عىل ضبط النفس‪ ،‬وهذا يرد مقولة بأن الغضب يصعب التحكم‬
‫به‪ ،‬أو أنه ال ينبغي كظمه‪ ،‬بل أكثر من ذلك من يقول‪ :‬إن التنفيس عن‬
‫الغضب يطهر النفس‪ ،‬وهو ِف مصلحة الغاضب فهذه آراء خادعة إن‬
‫مل تكن حمض خرافات ‪ ،‬والتحكم ال يعني الكبت‪ ،‬وإنام إدارة الغضب‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫وهذا يرد الرأي القائل بأن الغضب يمكن احليلولة دون حدوثه متام ًا ‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫فلذلك مل يقل النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ :‬الشديد من ال يغضب‪ ،‬وإنام‬
‫قال‪( :‬من يملك نفسه عند الغضب)‪ ،‬وهذا ما يعرف بالغضب الذكي‪.‬‬
‫وكم من شخص هدم نجاحه بسبب حلظة انفعال ندم عليها‪ ،‬أو كلمة‬
‫مل يتحكم هبا خرجت ساعة غضب‪.‬‬

‫فتَحكّم بذاتك‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬جوملان‪ :‬الذكاء العاطفي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬

‫(‪ )2‬املصدر السابق ص ‪.91‬‬

‫‪110‬‬
‫الحديث الثامن والعشرون‬

‫عن كعب بن مالك ريض اهلل عنه ِف قصة توبته قال‪( :‬وكان‬
‫س استنار وجهه كأنه قطعة‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم إذا ُ َّ‬
‫قمر‪ ،‬قال‪ :‬وكنا نعرف ذلك) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫املشاعر سواء كانت إجيابية أو سلبية ال تكبت وإنام يعّب عنها‬


‫بطريقة صحيحة‪ ،‬فال حتاول كبت مشاعرك مهام كانت‪ ،‬وال متنع‬
‫اآلخرين من التعبري عن مشاعرهم‪ ،‬وإذا عّبوا عنها فال تتجاهلها‪،‬‬
‫فالشعور وسيلة تواصلية مهمة إلرسال رسائل ملن حولنا تساعدهم‬
‫عىل فهمنا‪ ،‬وتؤدي إىل حسن التواصل معهم‪ ،‬والسيام استعامل لغة‬
‫اجلسد و تعابري الوجه‪ ،‬يقول أبو سعيد اخلدري‪-‬ريض اهلل عنه‪-‬عن‬
‫النبي صىل اهلل عليه وسلم‪( :‬فإذا رأى شيئ ًا يكرهه عرفناه ِف وجهه) ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )1‬البخاري – التفسري‪-‬وعىل الثالثة الذين خلفوا‪-‬رقم (‪ ،)4677‬ومسلم التوبة‪-‬توبة كعب بن مالك‪ ،‬رقم‬
‫(‪ )2769‬واللفظ له‪.‬‬

‫(‪ )2‬البخاري‪-‬األدب‪-‬من مل يواجه الناس بالعتاب‪-‬رقم (‪ ،)6102‬ومسلم الفضائل ‪ -‬كثرة حياته ‪ -‬صىل اهلل‬
‫عليه وسلم رقم(‪.)2320‬‬

‫‪111‬‬
‫فالشخص الذكي وجداني ًا لديه القدرة عىل التعبري عن انفعاالته‬
‫بصورة دقيقة متنع سوء فهم اآلخرين له‪ ،‬فعندما يكون غاضب ًا‪ ،‬فإن‬
‫لديه القدرة عىل عكس انفعال الغضب عىل مالمح وجهه وصوته‬
‫وليس احلزن أو الضيق أو اخلوف مث ً‬
‫ال‪ ،‬البعض تصعب قراءهتم‪،‬‬
‫تتساوى حالة الفرح واحلزن لدهيم ِف التعابري ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ومن ذلك شعور الفرح بالنجاح‪ ،‬ال تكبته و ال تتطرف فيه‪ ،‬ولكن‬
‫عّب عنه شكر ًا هلل‪ ،‬من غري إساءة ألحد‪ ،‬وكافئ نفسك عىل نجاحاتك‬
‫ر‬
‫وإنجازاتك‪ ،‬فهي من فضل اهلل عليك‪ ،‬قال تعاىل‪ُ { :‬ق رل بِ َف رض ِل اهلل‬
‫وبِر ر َ ِ ِ ِ‬
‫ون} [يونس‪]58 :‬‬ ‫محته َفبِ َٰذل َك َف رل َي رف َر ُحوا ُه َو َخ ر ٌري ِّممها َ ر‬
‫جي َم ُع َ‬ ‫َ َ‬

‫فعب عن مشاعرك‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬اخلرض‪ ،‬د‪ .‬عثامن اخلرض‪ ،‬الذكاء الوجداين‪ ،‬اإلبداع الفكري للنرش والتوزيع – الكويت ‪2008‬م الطبعة‬
‫الثانية‪ .‬ص ‪.40‬‬

‫‪112‬‬
‫الحديث التاسع والعشرون‬

‫عن َعائِ َش َة ريض اهلل عنها ِف ذكر قصة دعوة النبي َص هىل اهللُ‬
‫ال‬‫اْل َب ِ‬
‫ك ِْ‬ ‫َع َل ري ِه َو َس هل َم ألهل الطائف وإيذائهم له وفيه‪َ ( :‬فنَا َد ِاِّن َم َل ُ‬
‫ْت َأ ْن ُأ ْطبِ َق‬‫ْت إِ ْن ِشئ َ‬ ‫ك فِ َيام ِشئ َ‬‫َف َس َّل َم َع َ َّيل ُث َّم َق َال‪َ :‬يا ُحم ََّمدُ َف َق َال‪َ :‬ذلِ َ‬
‫ني ؟ َف َق َال النَّبِ ُّي َص ََّل اهللُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪َ :‬ب ْل َأ ْر ُجو َأ ْن‬‫َع َل ْي ِه ُم ْاألَ ْخ َش َب ْ ِ‬
‫(‪)1‬‬

‫ْش ُك بِ ِه َش ْيئاا) ‪.‬‬


‫(‪)2‬‬ ‫َي ِر َج اهللُ ِم ْن َأ ْص َل ِهبِ ْم َم ْن َي ْع ُبدُ اهللَ َو ْحدَ ُه ََل ُي ْ ِ‬
‫ُْ‬

‫الناجحون ينظرون أمامهم ال خلفهم‪ ،‬ويسترشفون املستقبل‪،‬‬


‫فاملايض بكل ما فيه قىض و انتهى‪ ،‬ال يصلح إال أن يكون عّبة‬
‫واستنهاض ًا للهمم‪ ،‬وليس للحسة و الندم‪ ،‬وتأمل جميء ملك اجلبال‬
‫للنبي صىل اهلل عليه وسلم بعد األذى مبارشة‪ ،‬لكن ما حصل مىض‬
‫رغم األمل‪ ،‬فسيد الناجحني ال ينظر للخلف‪ ،‬بل عينه ترقب املستقبل‪،‬‬
‫ولو حسبنا ما بني أذى أهل الطائف للنبي صىل اهلل عليه وسلم وبني‬

‫(‪ )1‬أي جبلني عظيمني ِف مكة‪.‬‬

‫(‪ )2‬البخاري – بدء اخللق‪-‬إذا قال أحدكم آمني‪ .‬رقم (‪ ،)3231‬واللفظ له ومسلم – اجلهاد والسري‪-‬ما لقي النبي‬
‫صىل اهلل عليه وسلم من أذى املرشكني‪ .‬رقم (‪.)1765‬‬

‫‪113‬‬
‫حتقيق رجاءه من اهلل تعاىل أن خيرج من أصالهبم من يعبد اهلل تعاىل‪ ،‬ما‬
‫هي إال بضع سنوات‪ ،‬وخيرج أبناء هؤالء فاحتني منتْصين لدين اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬فأي صّب هذا و أي تفاؤل وأي رمحة بل وأي نظرة اسرتاتيجية‪.‬‬

‫ومن طرق النجاح دراسة النتائج الفورية و املتوسطة و بعيدة‬


‫املدى‪ ،‬ولو طبقنا ذلك عىل القرار النبوي حيث إن النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم خمري بني إيقاع العذاب عليهم أو تركهم بال عذاب‪ ،‬لوجدنا أن‬
‫النتيجة الفورية أهنم بقوا عىل دينهم ومل يسلموا مع إيذائهم للنبي صىل‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬والنتيجة املتوسطة أهنم حاربوا املسلمني و صدوهم‬
‫عن دينهم‪ ،‬لكن النتيجة النهائية أن من أصالهبم من وحد اهلل تعاىل‬
‫ونرش الدين‪ ،‬وهذه النظرة االسرتاتيجية بعيدة النظر‪ ،‬وهذه نظرة‬
‫الناجحني‪.‬‬

‫فانظر للمستقبل‬

‫‪114‬‬
‫الحديث الثالثون‬

‫ول اهللِ َص هىل اهللُ‬ ‫َع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة ريض اهلل عنه َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع َل ريه َو َس هل َم‪ََ ( :‬ل َي ْف َر ْك ُم ْؤم ٌن ُم ْؤم َن اة‪ ،‬إِ ْن ك َِر َه من َْها ُخ ُل اقا َر َ‬
‫يض‬ ‫(‪)1‬‬

‫آخ َر‪َ ،‬أ ْو َق َال ْ َ‬


‫غَي ُه) ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ِمن َْها َ‬

‫من أرسار النجاح التي ال يعلنها الناجحون‪ ،‬ولكنهم يطبقوهنا‬


‫عملي ًا‪ :‬املرونة‪ ،‬وهي ضد اجلمود‪ ،‬وهي إحدى املهارات األساسية‬
‫للتفكري اإلبداعي‪ ،‬وتعني القدرة عىل إنتاج عدد متنوع وخمتلف من‬
‫األفكار‪ ،‬أو االستجابات والتحول من نوع معني من الفكر إىل نوع‬
‫آخر‪ ،‬أي إمكانية تغيري إسرتاتيجياته ِف النظر للمتغري الواحد‪.‬‬

‫والسمة الفريدة التي متيز املرونة هي قدرة صاحبها عىل الفكاك‬


‫من أرس القصور الذايت الفكري‪ ،‬فنحن نعلم أننا نفكر دائ ًام ِف أنامط‬
‫معينة‪ ،‬وهذه األنامط تفرض علينا دائرة مغلقة تدور فيها أفكارنا وال‬

‫(‪ )1‬يكره‪.‬‬

‫(‪ )2‬مسلم – الرضاع‪-‬الوصية بالنساء‪-‬رقم (‪.)1469‬‬

‫‪115‬‬
‫نستطيع الفكاك منها‪ ،‬أما صاحب التفكري املرن فإنه ينتقل بني الفئات‬
‫وبني هذه األنامط الفكرية وال يقع أبد ًا ِف ذلك احلصار الفكري ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫واملرونة ال تعني التلون و تغيري الثوابت و التحول عن املبادئ‪ ،‬بل‬


‫هي تعني النظر لألمر من زاوية أخرى وتغيري طريقة التفكري واحلديث‬
‫يمثل املرونة ِف العالقة الزوجية‪ ،‬فصاحب املرونة ينظر للموضوع من‬
‫زاوية أخرى‪ ،‬فهذه الزوجة وإن كان فيها خلق ًا سيئ ًا‪ ،‬ولكنها عىل خلق‬
‫آخر مجيل‪ ،‬مما يستدعي غض الطرف عن أخطائها عند املوازنة فهذا‬
‫يسد مكان ذلك‪ ،‬وكذلك الزوجة املرنة توازن بني أخالق زوجها‪،‬‬
‫وهكذا يسري مركب الزوجية‪ ،‬وأما األزواج اجلامدون ِف تفكريهم‪،‬‬
‫فإهنم ال يتحملون أدنى خطأ فلذلك هيدم بيته بالطالق‪.‬‬

‫يقول الشيخ السعدي رمحه اهلل ‪(:‬والناس ِف هذا ثالثة أقسام‪:‬‬


‫أعالهم‪ :‬من حلظ األخالق اجلميلة واملحاسن‪ ،‬وغض عن املساوئ‬
‫بالكلية وتناساها‪ .‬وأقلهم توفيقا وإيامن ًا وأخالق ًا مجيلة‪ ،‬من عكس‬
‫القضية‪ ،‬فأهدر املحاسن مهام كانت‪ ،‬وجعل املساوئ نصب عينيه‪،‬‬

‫عامن‪ ،‬ط (‪1426 )1‬هـ‪-‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الكناين‪ :‬ممدوح عبد املنعم‪ ،‬سيكولوجية اإلبداع وأساليب تنميته‪ ،‬دار املسرية‪ ،‬ر‬
‫‪2005‬م‪ ،.‬ص ‪.87-86‬‬

‫‪116‬‬
‫وربام مددها وبسطها وفسها بظنون وتأويالت جتعل القليل كثريا‪ ،‬كام‬
‫هو الواقع‪ .‬والقسم الثالث‪ :‬من حلظ األمرين‪ ،‬ووازن بينهام‪ ،‬وعامل‬
‫الزوجة بمقتىض كل واحد منها‪ ،‬وهذا منصف‪ ،‬ولكنه قد حرم‬
‫الكامل) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫فكن َم ِرن اا‬

‫(‪ )1‬هبجة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار ِف رشح جوامع األخبار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪12‬‬

‫‪117‬‬
118
‫الحديث الحادي و الثالثون‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهللِ َص هىل اهللُ‬ ‫َع رن َجابِ ِر رب ِن َع ربد اهللِ َر َ‬
‫يض اهللُ َعن ُره َام‪َ :‬أ هن َر ُس َ‬
‫َع َل ري ِه َو َس هل َم َق َال‪َ ( :‬ر ِح َم اهللُ َر ُج ال‪َ ،‬س ْم احا إِ َذا َب َ ِ‬
‫تى‪،‬‬ ‫اع‪َ ،‬وإ َذا ْاش َ َ‬
‫َوإِ َذا ا ْقت ََض ) ‪.‬‬
‫(‪)2( )1‬‬

‫الناجحون ال يعقدون األمور‪ ،‬ويصعبون احلياة‪ ،‬بل هم أهل‬


‫سامحة فلذلك كان الدعاء هلم بالرمحة‪ ،‬ألنه يرحم نفسه و يرحم من‬
‫حوله‪ ،‬ورتب الدعاء عليه؛ ليدل عيل أن السهولة والتسامح ِف املعاملة‬
‫سبب الستحقاق الدعاء؛ ولكونه أهال للرمحة ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫أما أصحاب التعقيد والتصعيب فال رمحة ِف قلوهبم‪ ،‬فقسوة‬


‫قلوهبم تنعكس عىل طريقة تعاملهم‪.‬‬

‫(‪ )1‬أي طلب قضاء احلق‪.‬‬

‫(‪ )2‬البخاري‪-‬البيوع‪-‬السامحة و السهولة ِف الرشاء و البيع‪-‬رقم‪.)2076 ( :‬‬

‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الطيبي‪ ،‬رشح مشكاة املصابيح‪ ،‬مصدر سابق ( ‪)2115/ 7‬‬

‫‪119‬‬
‫والسامحة ال تعني جتاوز احلدود وارتكاب املحظور‪ ،‬بل البحث‬
‫عن ما فيه تيسري‪ ،‬والسعي حلل املشكالت بأدنى خسائر‪ ،‬أو جتنب‬
‫اخلسارة إن أمكن‪ ،‬عىل قاعدة (اْلميع يربح)‪ ،‬ومن هنا ذكر البائع‬
‫واملشرتي‪ ،‬لريبح اجلميع‪ ،‬وهذا يشمل مجيع أمور احلياة‪ ،‬فام املانع أن‬
‫يربح اجلميع بتسهيل األمور و السامحة ِف التعامل‪ ،‬فليس رشط ًا أن‬
‫يكون هناك خارس ِف التعامل‪ ،‬فعىل سبيل املثال املدير ِف مسؤولية ما‬
‫إذا سهل معاملة املراجعني فهو يربح لنجاحه ِف إدارته و حسن تعامله‬
‫مع مجهوره و حتقيق السمعة الطيبة‪ ،‬وربام نال دعاء الناس له‪ ،‬ويكفيه‬
‫أنه استحق دعاء النبي صىل اهلل عليه وسلم له بالرمحة‪ ،‬وكذلك املراجع‬
‫يربح بإنجاز معاملته‪.‬‬

‫فقاعدة اجلميع يربح تنرش الرمحة و السكينة وراحة البال‪ ،‬ولكن‬


‫البعض شحيح ِف تعامله‪ ،‬ال يقبل إال أن يكون رابح ًا ِف مقابل خسارة‬
‫اآلخرين‪ ،‬فرتاه يبذل ما ِف وسعه للتعقيد‪ ،‬بل ربام كانت األمور عىل‬
‫أحسن ما يرام فرتاه يسعى لتعطيلها ويصعبها‪ ،‬وال يعلم أنه بذلك‬
‫اخلارس الوحيد‪.‬‬

‫فكن سمح اا سه ا‬
‫ل وَل تعقد األمور‬

‫‪120‬‬
‫الحديث الثاني والثالثون‬

‫يض اهللُ َعنر ُه َق َال‪َ :‬س َأ رل ُت النهبِ هي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه‬ ‫ِ‬
‫َع رن َأ ِِب َذ ٍّر َر َ‬
‫َو َس هل َم َأ ُّي ا رل َع َم ِل َأ رف َض ُل؟ َق َال‪( :‬إِ َيام ٌن بِاهللِ‪َ ،‬و ِج َها ٌد ِِف َسبِيلِ ِه‪،‬‬
‫غْل َها َث َمناا‪َ ،‬و َأ ْن َف ُس َها ِعنْدَ‬
‫اب َأ ْف َض ُل؟ َق َال‪َ :‬أ َ‬ ‫الر َق ِ‬ ‫ي ي‬ ‫ت‪َ :‬ف َأ ُّ‬‫ُق ْل ُ‬
‫ني َصانِ اعا‪َ ،‬أ ْو ت َْصن َُع ِألَ ْخ َر َق ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ت‪َ :‬فإِ ْن ََل ْ َأ ْف َع ْل؟ َق َال‪ :‬ت ُِع ُ‬
‫َأ ْهلِ َها‪ُ ،‬ق ْل ُ‬
‫ِ‬
‫الْش‪َ ،‬فإِ َُّنَا َصدَ َق ٌة ت ََصدَّ ُق‬
‫َّاس م َن َّ ي‬ ‫َق َال‪َ :‬فإِ ْن ََل ْ َأ ْف َع ْل؟ َق َال‪ :‬تَدَ ُع الن َ‬
‫ِ َهبا َع ََل َن ْف ِس َ‬
‫ك) ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وتطبيق قاعدة (اجلميع يربحون)‪ ،‬تدل عىل تفاعل صاحبها مع‬


‫احلياة بإجيابية‪ ،‬واإلجيابية أن تعمل بحسب طاقتك‪ ،‬ولو باحلد األدنى‪،‬‬
‫فبعد أساس احلياة اإليامن باهلل تعاىل‪ ،‬وما يتبع ذلك من عمل بحسب‬
‫طاقة اإلنسان‪ ،‬فإن الباب مفتوح للعطاء‪ ،‬فصاحب اليد العليا تواق‬
‫ملعاِل األعامل‪ ،‬فإن اختار العطاء من باب عتق الرقاب َتري األغىل‬

‫(‪ )1‬من ال حيسن العمل‪.‬‬

‫(‪ )2‬البخاري‪-‬العتق‪-‬أي الرقاب أفضل‪-‬رقم‪ ،)2518( :‬ومسلم‪-‬اإليامن‪-‬كون اإليامن باهلل أفضل األعامل‪-‬‬
‫رقم‪.)84( :‬‬

‫‪121‬‬
‫واألنفس‪ ،‬وإن مل يستطع‪ ،‬فأبواب اخلري ال تنقطع‪ ،‬فيعني أصحاب‬
‫اإلنتاجية ليكون منتج ًا‪ ،‬أو ينتج ملن ال يتمكن من ذلك‪ ،‬وربام ضاقت‬
‫أبواب اخلري عليه‪ ،‬يمكنه تطبيق قاعدة الكل يربح دون أن يقدم شيئ ًا‪،‬‬
‫وذلك بكف رشه عن اآلخرين‪ ،‬فريبح بسالمته من اإلثم ‪ ،‬والناس‬
‫‪1‬‬

‫ربحوا كف الرش عنهم‪ ،‬قال اإلمام ابن ُهبرية‪ِ( :‬ف هذا من الفقه إن‬
‫اإلنسان إذا ضعف عن أن يعمل اخلري فينبغي أن يكون أقل أحواله‬
‫خريا فال أقل من أن ال يعمل‬
‫الكف عن الرش‪ ،‬فإنه إذا مل يطق أن يعمل ً‬
‫رشا‪ ،‬وهذا من غاية تنبيهاته ‪ -‬صىل اهلل عليه وسلم ‪ -‬ولطفه ِف حسن‬
‫ً‬
‫املوعظة ‪ ،) .‬وقال‪ِ(:‬ف هذا من الفقه أن اإلنسان إذا أتى شي ًئا من الرش‬
‫فقد عرض نفسه الحتامل العقوبة عىل ذلك الرش‪ ،‬فإذا كف عنه فقد‬
‫تصدق عىل نفسه بإراحتها من احتامل تلك العقوبة حني مل يمكنه أن‬
‫يسعى ِف أن حيصل لنفسه الفوائد والغنائم‪ ،‬فال أقل من أن يتصدق‬
‫( ‪)2‬‬
‫عليها بأن ال يعرضها من البالء ملا ال تطيقه)‬

‫فكن إجيابي اا واعمل و لو باحلد األدنى‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن اجلوزي‪ ،‬كشف املشكل من حديث الصحيحني‪ ،‬مصدر سابق‪)364/ 1 ( ،‬‬

‫(‪ )2‬اإلفصاح عن معاين الصحاح‪ ،‬مصدر سابق‪)172/ 2 ( ،‬‬

‫‪122‬‬
‫الحديث الثالث والثالثون‬

‫ول اهللِ َص ََّل اهللُ َع َل ْي ِه‬ ‫َع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة ريض اهلل عنه‪َ ( :‬أ َّن َر ُس َ‬
‫يك ُْم ِم ْن‬ ‫وس َف َق َال‪َ :‬أ ََل ُأ ْخ ِبك ُْم بِخَ ْ ِ‬
‫ُ‬ ‫َاس ُج ُل ٍ‬ ‫َو َس َّل َم َو َقفَ َع ََل ن ٍ‬

‫ات‪َ ،‬ف َق َال َر ُج ٌل‪َ :‬ب ََل‪،‬‬ ‫ث مر ٍ‬ ‫رشك ُْم َق َال‪َ :‬ف َس َكتُوا‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ذلِ َ‬
‫ك َث َل َ َ َّ‬ ‫َي‬
‫ِ ِ‬ ‫َ‬
‫بنَا بِخَ ْينَا م ْن َ ي‬
‫رشنَا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬خ ْ ُيك ُْم َم ْن ُي ْر َجى‬ ‫ول اهللِ أ ْخ ِ ْ‬
‫َيا َر ُس َ‬

‫رشك ُْم َم ْن ََل ُي ْر َجى َخ ْ ُي ُه َو ََل ُي ْؤ َم ُن َ ُّ‬


‫رش ُه) ‪.‬‬ ‫رش ُه‪َ ،‬و َ ُّ‬
‫َخ ْ ُي ُه َو ُي ْؤ َم ُن َ ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫ومن إجيابية الناجح أن خريه يشيع بني الناس بحسن سمعته‪،‬‬


‫فيأملون خريه وال يتوقعون منه الرش‪ ،‬فيحقق األمان ملجتمعه‪ ،‬فهو‬
‫مالذ هلم يفزعون إليه رجاء خريه‪ ،‬ويأنسون به إذ ال رش يصدر منه‪ ،‬و‬
‫خرييته نابعة من عطائه و بذله‪ ،‬وكف رشه عن اآلخرين‪ ،‬فهي خريية‬
‫ذاتية‪ ،‬مل يكتسبها من منصب أو نسب أو مال‪ ،‬وهذا ما يميزه عن غريه‪،‬‬
‫قال اإلمام الطيبي‪( :‬أي أخّبكم بخريكم مميز ًا من رشكم‪ ،‬وملا تومهوا‬
‫من معنى التميز‪ ،‬فتخوفوا من الفضيحة سكتوا‪ ،‬حتى كرر ثالث ًا‪ ،‬ثم‬

‫(‪ )1‬رواه أمحد ِف املسند (‪ ،)8813/411/14‬والرتمذي‪-‬الفتن‪-‬باب ‪-67‬رقم‪ ،)2263( :‬وقال‪ :‬حسن صحيح‬

‫‪123‬‬
‫أبرز البيان ِف معرض العموم لئال يفتضحوا) وقال‪( :‬التقسيم العقيل‬
‫يقتيض أربعة أقسام‪ ،‬ذكر منها قسمني ترغيب ًا وترهيب ًا‪ ،‬وترك القسمني‬
‫الباقيني؛ إذ ال ترغيب فيهام وال ترهيب) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫فالناس ِف هذا الباب أربعة أقسام‪:‬‬

‫‪ .1‬من يرجى خريه ويؤمن رشه‪ .‬وهو خري الناس‪.‬‬


‫‪ .2‬من ال يرجى خريه ويؤمن رشه‪.‬‬
‫‪ .3‬من يرجى خريه و ال يؤمن رشه‪.‬‬
‫‪ .4‬من ال يرجى خريه و ال يؤمن رشه‪ ،‬وهو رش الناس‪.‬‬

‫فكن ممن ُيرجى خيه و ُيؤمن رشه‬

‫(‪ )1‬رشح مشكاة املصابيح‪ ،‬مصدر سابق‪)3195/ 10( ،‬‬

‫‪124‬‬
‫الحديث الرابع والثالثون‬

‫ول اهلل‬ ‫َع رن ُح َذ ري َف َة بن اليامن ريض اهلل عنه َق َال‪ُ :‬كنها م َع رس ِ‬


‫َ َ ُ‬
‫اإل ْس َل َم ؟ َق َال‪:‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم َف َق َال‪َ ( :‬أ ْح ُصوا َِل ك َْم َي ْل ِف ُظ ْ ِ‬

‫الست ِيامئ َِة إِ ََل‬


‫ني ي‬‫ول اهللِ‪َ ،‬أ َ ََتافُ َع َل ْينَا َون َْح ُن َما َب ْ َ‬ ‫َف ُق ْلنَا‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ون َل َع َّلك ُْم َأ ْن ُت ْب َت َل ْوا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فا ْبتُلِينَا‬
‫الس ْب ِع ِامئ َِة؟ َق َال‪ :‬إِ َّنك ُْم ََل تَدْ ُر َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ُل منَّا ََل ُي َص ييل إِ ََّل ًّ‬
‫سا) ‪.‬‬ ‫َحتَّى َج َع َل َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫الناجحون رغم نجاحهم حيذرون من تقلب الزمان‪ ،‬وتغري‬


‫موازين احلياة‪ ،‬وال يرجون املخاطر‪ ،‬ولكنهم يتوقعوهنا‪ ،‬فيعملون عىل‬
‫جتنبها أو تقليل آثارها‪ ،‬فالناجح جيمع بني التفاؤل الواقعي و احلذر غري‬
‫املفرط‪ ،‬ويوازن األمور ويدرسها‪ ،‬والنبي صىل اهلل عليه وسلم يطلب‬
‫من الصحابة عمل إحصائية سكانية للمسلمني ِف زمانه فبلغ عددهم‬
‫ألف ومخسامئة كام ِف رواية البخاري‪ ،‬وما بني الستامئة و السبعامئة ِف‬

‫(‪ )1‬أي نطق بالشهادتني‪ ،‬ومها شعار الدخول ِف اإلسالم‪.‬‬

‫(‪ )2‬البخاري –اجلهاد‪-‬كتابة اإلمام الناس‪-‬رقم‪ ،)3060(:‬ومسلم واللفظ له‪-‬اإليامن‪-‬جواز االستسار‬


‫للخائف‪-‬رقم‪.)149(:‬‬

‫‪125‬‬
‫رواية مسلم‪ ،‬وهذا الرقم أعجب الصحابة‪ ،‬ولكن النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم حذرهم مما يصيب اإلنسان من االبتالء رغم ما بلغ من القوة و‬
‫النجاح‪ ،‬فحصل ما تنبأ به النبي صىل اهلل عليه وسلم بقوة بصرية‬
‫ِ‬
‫الر ُج َل‬ ‫القائد‪ ،‬فيقول حذيفة ريض اهلل عنه‪َ (:‬ف َل َقدر َر َأ ري ُتنَا ا رب ُتلينَا َحتهى إِ هن ه‬
‫ض ا رل ِفت َِن التي جرت َب رعدَ‬ ‫َان ِِف َب رع ِ‬ ‫َل ُي َص ِّيل َو رحدَ ُه َو ُه َو َخائِ ٌ‬
‫ف)‪َ ،‬ف َل َع هل ُه ك َ‬
‫رسا خمَ َا َف ًة‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النهبِ ِّي َص هىل اهللهُ َع َل ري ِه َو َس هل َم َفك َ‬
‫َان َب رع ُض ُه رم ُخيرفي َن رف َس ُه َو ُي َص ِّيل ًّ‬
‫وب ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫احلُ ُر ِ‬ ‫ول ِِف ا رل ِف رتن َِة َو ر‬
‫ور َواملرُ َشارك َِة ِِف الدُّ ُخ ِ‬
‫َ‬ ‫ِم َن ال ُّظ ُه ِ‬

‫ومجع اإلمام النووي بني رواية البخاري بأهنم كانوا ألفا و مخسامئة‬
‫ِ‬
‫يح‬‫الصح ُ‬ ‫اب ه‬ ‫(و ر َ‬
‫اجل َو ُ‬ ‫ورواية مسلم بأهنم بني الستامئة و السبعامئة بقوله‪َ :‬‬
‫الست ِِّامئ َِة إِ َىل‬
‫ني ِّ‬‫إِ رن َشا َء اهللهُ َت َع َاىل َأ رن ُي َق َال َل َع هل ُه رم َأ َرا ُدوا بِ َق رو ِهل رم َما َب ر َ‬
‫مخس ِامئ ٍَة ُه رم َم َع‬
‫اص ًة َوبِ َق رو ِهل رم َف َك َت ربنَا َل ُه َأ رل ًفا َو َ ر‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الس ربع ِامئَة ِر َج ُال املرَدينَة َخ ه‬
‫ه‬
‫ني َح رو َهل ُ رم) ‪.‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫املرُ رسلِ ِم َ‬

‫فكن عَل حذر‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬النووي‪ :‬حمي الدين بن رشف‪ ،‬املنهاج رشح صحيح مسلم‪ ،‬دار إحياء الرتاث العرِب‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪1392 ،‬هـ ( ‪)180/ 2‬‬

‫(‪ )2‬املصدر السابق‪)179 ،2( ،‬‬

‫‪126‬‬
‫الحديث الخامس والثالثون‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهللِ َص هىل‬ ‫يض اهللُ َعن ُره َام‪َ :‬أ هن َر ُس َ‬ ‫عن َع ربد اهللِ رب ُن َأ ِِب َأ رو َىف َر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهللُ َع َل ريه َو َس هلم َق َال‪َ ( :‬أ ُّ َُّيا الن ُ‬
‫َّاس ََل َتت ََمن َّْوا ل َق َ‬
‫اء ا ْل َعدُ يو َو َس ُلوا اهللَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بوا) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫اص ِ ُ‬
‫وه ْم َف ْ‬ ‫ا ْل َعاف َي َة َفإِ َذا َلقيت ُُم ُ‬

‫ومن حذر الناجحني أهنم ال يتمنون املصاعب‪ ،‬ويبتعدون عنها‬


‫حتى ال تعيق مسريهتم‪ ،‬ولكنها إن وقعت واجهوها بالصّب والثبات‬
‫متوكلني عىل رهبم‪ ،‬فبعضهم يظن أن النجاح ِف اقتحام الصعاب‬
‫وإسرتاتيجية املواجهة‪ ،‬بل وربام افتعل املواقف الصعبة ليظهر نجاحه‬
‫وقدرته‪ ،‬ولكنه يفشل ِف أول مواجهة‪ ،‬ألنه استسهل الصعب وأعجب‬
‫بنفسه‪ ،‬واحتقر خصمه‪ ،‬ومل ِ‬
‫يبال به‪ ،‬واستعجل حتقيق أهدافه‪ ،‬فالنجاح‬
‫يكون ِف البعد عن املصاعب أوالً‪ ،‬حتى يسلك اإلنسان طريقه وحيقق‬
‫أهدافه‪ ،‬ويذوق طعم نجاحه‪ ،‬ويكتسب خّباته‪ ،‬وهذه اسرتاتيجية‬
‫العافية التي علمها صىل اهلل عليه وسلم للصحابة ِف مقابل املواجهة‪.‬‬

‫(‪ )1‬البخاري‪-‬اجلهاد‪-‬كان النبي إذا مل يقاتل أول النهار‪-‬رقم‪ ،)2966( :‬ومسلم‪-‬اجلهاد‪-‬كراهة متني لقاء‬
‫العدو‪-‬رقم‪.)1742( :‬‬

‫‪127‬‬
‫ور ِة‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قال اإلمام النووي‪( :‬إِن َهام َهنَى َع رن َمتَنِّي ل َقاء ا رل َعدُ ِّو َملا فيه م رن ُص َ‬
‫وق بِا رل ُق هو ِة َو ُه َو ن رَو ُع َب رغ ٍي َو َقدر‬‫س َوا رل ُو ُث ِ‬ ‫اال ِّتك ِ‬
‫َال َع َىل النه رف ِ‬ ‫اب و ِ‬
‫اإل رع َج ِ َ‬ ‫رِ‬

‫اال رهتِ َام ِم‬


‫َض ِمن اهللهُ َتع َاىل َملِن ب ِغي َع َلي ِه َأ رن ينرْصه و ِألَ هنه يت ََضمن ِق هل َة ِ‬
‫َ ُ َ ُ َ ُ َ ه ُ‬ ‫ر ُ َ ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫احل رز َم) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫اال رحتِ َي َ‬
‫اط َو ر َ‬
‫ف ِ‬ ‫احتِ َق َار ُه َو َه َذا ُخيَالِ ُ‬
‫بِا رل َعدُ ِّو َو ر‬

‫فل تبحث عن املصاعب‪ ،‬فإن وقعت فاصب عليها‬

‫(‪ )1‬رشح صحيح مسلم‪ ،‬مصدر سابق‪)46-45/ 12( ،‬‬

‫‪128‬‬
‫الحديث السادس والثالثون‬

‫يض اهللُ َعن ُره َام َق َال‪َ ( :‬أتَى َن َف ٌر ِم ْن َبنِي‬ ‫ٍ ِ‬


‫ان رب ِن ُح َص رني َر َ‬ ‫َع رن ِع رم َر َ‬
‫ْشى َيا َبنِي َتَ ِي ٍم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َتَ ي ٍم ال َّنبِ َّي َص ََّل اهللُ َع َل ْيه َو َس َّل َم‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ا ْق َب ُلوا ا ْل ُب ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ْش َتنَا َف َأ ْعطِنَا‪ُ ،‬فرئِ َي َذلِ َ‬
‫ك ِِف َو ْج ِهه‪َ ،‬ف َج َ‬
‫اء‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬قدْ َب َّ ْ‬ ‫َقا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ْشى إِ ْذ ََل ْ َي ْق َب ْل َها َبنُو َتَ ِي ٍم ‪َ ،‬قا ُلوا‪:‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫َن َف ٌر م َن ا ْل َي َم ِن‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ا ْق َب ُلوا ا ْل ُب ْ َ‬
‫َقدْ َقبِ ْلنَا َيا َر ُس َ‬
‫ول اهلل) ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫الناجح يبحث عن فرصة نجاحه و يصنعها‪ ،‬وينتهزها إن عرضت‬


‫عليه‪ ،‬و ال يرتدد ِف قبوهلا‪ ،‬فهي ليست متاحة دائ ًام‪ ،‬وهو جيعل الفرصة‬
‫األوىل مفتاح ًا لباب نجاحات أخرى‪ ،‬وال سيام إن كان من عرض هذه‬
‫الفرصة من يوثق به‪ ،‬وال يستعجل حتصيل الفرصة رسيع ًا‪ ،‬ولكنه ال‬
‫يفوهتا‪ ،‬فانظر كيف برش النبي صىل اهلل عليه وسلم هؤالء النفر من بني‬
‫متيم ومل يقبلوها فأضاعوا الفرصة‪ ،‬وقبلها نفر من أهل اليمن‪.‬‬

‫(‪ )1‬وليس املقصود عموم بني متيم‪ ،‬وإنام نفر منهم‪ ،‬وكثري منهم حسن إسالمه بعد ذلك‪.‬‬

‫(‪ )2‬البخاري‪-‬املغازي‪-‬وفد بني متيم‪-‬رقم‪.)4365 ( :‬‬

‫‪129‬‬
‫والبرشى‪ :‬اسم من البشري‪ ،‬وهي اإلخبار بام يس ويفرح غالب ًا‪،‬‬
‫وسميت بذلك ألنه يظهر أثرها عىل برشة الوجه‪ ،‬واملراد هبذه البرشى‪:‬‬
‫اخلري العظيم الذي يرتتب عىل اإلسالم‪ ،‬والنجاة من العذاب العظيم‬
‫الذي يرتتب عىل عدم الدخول ِف اإلسالم‪ ،‬وذلك ِف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫وقوهلم‪( :‬برشتنا فأعطنا) يظهر أهنم ما فهموا مقصد الرسول صىل‬


‫اهلل عليه وسلم بام أراده بالبرشى‪ ،‬أو أن رغبتهم ِف العاجلة‪ ،‬فعلقوا هبا‬
‫آماهلم‪ ،‬فقدموا ذلك عىل التفقه ِف الدين‪ ،‬واإلقبال عىل تفهم ما قاله‬
‫الرسول صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهلذا كره رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬
‫قوهلم‪ ،‬وغري لون وجهه حيث استشعر قلة فقههم ِف الدين‪ ،‬ورغبتهم‬
‫ِف اآلخرة‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫فل تضيع الفرصة‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الغنيامن‪ ،‬عبد اهلل بن حممد‪ ،‬رشح كتاب التوحيد من صحيح البخاري‪ ،‬مكتبة الدار‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪1405 ،‬هـ‪)376/ 1( ،‬‬

‫‪130‬‬
‫الحديث السابع والثالثون‬

‫َع رن َأ ِِب ُه َر ري َر َة ريض اهلل عنه َع ِن النهبِ ِّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم‬
‫ث َر ْأ ُس ُه‪،‬‬ ‫يل اهللِ َأ ْش َع َ‬ ‫َان َف َر ِس ِه ِِف َسبِ ِ‬
‫آخ ٍذ بِ ِعن ِ‬
‫(‪)1‬‬ ‫َق َال‪ُ ( :‬طوبى لِعب ٍد ِ‬
‫َ َْ‬
‫احل َر َاس ِة َوإِ ْن ك َ‬
‫َان ِِف‬ ‫َان ِِف ْ ِ‬ ‫احل َر َاس ِة ك َ‬ ‫َان ِِف ْ ِ‬ ‫ْب ٍة َقدَ َما ُه‪ ،‬إِ ْن ك َ‬
‫ُمغ َ َّ‬
‫السا َق ِة إِ ِن ْاست َْأ َذ َن ََل ْ ُي ْؤ َذ ْن َل ُه َوإِ ْن َش َف َع ََل ْ ُي َش َّف ْع) ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫السا َق ِة ك َ‬
‫َان ِِف َّ‬ ‫(‪)2‬‬
‫َّ‬

‫النجاح ال يكون بالشهرة وحب الظهور‪ ،‬وإنام ِف األثر الذي يرتكه‬


‫اإلنسان بعمله‪ ،‬فكم من ناجح مل نعرف شخصه‪ ،‬وأثره باق بيننا‪ ،‬فهو‬
‫حيث كان نفع‪ ،‬وتأمل حال هذا اإلنسان املوصوف باحلديث والذي‬
‫استحق دعاء النبي صىل اهلل عليه وسلم له بطيب العيش و اهلناء‪:‬‬
‫َان َف َر ِس ِه‪،‬‬
‫آخ ٍذ بِ ِعن ِ‬
‫‪ .1‬حريص عىل عمله مهتم به ومستغرق فيه ‪ِ (.‬‬

‫ّب ٍة َقدَ َما ُه)‬


‫َأ رش َع َث َر رأ ُس ُه‪ُ ،‬م رغ َ ه‬
‫‪ .2‬يعمل بإخالص (ِف سبيل اهلل)‪.‬‬
‫‪ .3‬حيثام وجد نفع (إن كان ِف احلراسة ‪ -‬أو ِف الساقة)‬

‫(‪ )1‬جلام الفرس‪.‬‬


‫(‪ )2‬مؤخر اجليش‪.‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪-‬اجلهاد و السري‪-‬احلراسة ِف الغزو‪-‬رقم‪.)2887 ( :‬‬

‫‪131‬‬
‫‪ .4‬ال هيتم باملناصب (إن كان ِف احلراسة‪-‬أو ِف الساقة)‬
‫است رَأ َذ َن َمل ر ُي رؤ َذ رن َل ُه َوإِ رن َش َف َع‬ ‫ِ‬
‫‪ .5‬ال يأبه به الناس وال يعرفونه (إِن ر‬
‫َمل ر ُي َش هف رع)‪.‬‬

‫قال الطيبي‪( :‬أراد باحلراسة حراسة من العدو أن هيجم عليهم‪.‬‬


‫وذلك يكون ِف مقدمة اجليش‪ ،‬و(الساقة) مؤخرة اجليش‪ ،‬واملعنى‬
‫ائتامره ملا أمر وإقامته حيث أقيم ال يفقد من مكانه بحال‪ ،‬وإنام ذكر‬
‫احلراسة و الساقة ألهنام أشد مشقة وأكّب آفة‪ ،‬األول عند دخوهلم دار‬
‫احلرب واآلخر عند خروجهم منها)‪ .‬وقوله‪( :‬إن استأذن مل يؤذن له)‬
‫إشارة إىل عدم التفاته إىل الدنيا بحيث يعني بكليته ِف نفسه ال يبتغي‬
‫ماال وال جاه ًا من الناس‪ ،‬بل يكون عند اهلل وجيه ًا ومل يقبل الناس‬
‫شفاعته وعند اهلل يكون شفيع ًا مشفع ًا) ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬

‫َان ِِف ه‬
‫السا َقة‬ ‫َان ِِف احلراسة‪َ ،‬وإِن ك َ‬ ‫(و َقوله‪ :‬إِن ك َ‬
‫وقال ابن اجلوزي‪َ :‬‬
‫َان فِ ِيه) ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫الذكر َال ي رقصد السمو‪َ ،‬ف َأ ري َن اترفق َل ُه ك َ‬
‫امل رعنى َأنه خامل ر‬

‫فكن خامل الذكر مؤثر اا‬

‫‪ 1‬رشح املشكاة‪ ،‬مصدر سابق‪)3275/ 10( ،‬‬

‫(‪ )2‬كشف املشكل من حديث الصحيحني‪ ،‬مصدر سابق‪)539/3 ( ،‬‬

‫‪132‬‬
‫الحديث الثامن والثالثون‬

‫ك راألَ رش َج ِع ُّي ريض اهلل عنه َق َال‪َ ( :‬ف َب َس ْطنَا‬


‫ف بن مالِ ٍ‬‫ِ‬
‫عن َع رو ر ُ َ‬
‫ك؟ َق َال‪َ :‬ع ََل‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬ف َع َل َم ُن َبايِ ُع َ‬ ‫َاك َيا َر ُس َ‬ ‫َأ ْي ِد َينَا‪َ ،‬و ُق ْلنَا‪َ :‬قدْ َبا َي ْعن َ‬
‫س‪َ ،‬وتُطِي ُعوا‪،‬‬ ‫اْل ْم ِ‬‫ات َْ‬ ‫ُْشكُوا بِ ِه َشيئاا‪ ،‬والص َلو ِ‬
‫ْ َ َّ َ‬ ‫َأ ْن َت ْع ُبدُ وا اهللَ َو ََل ت ْ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َب ْع َض‬ ‫َّاس َش ْيئاا)‪َ ( .‬ف َل َقدْ َر َأ ْي ُ‬ ‫س كَل َم اة َخف َّي اة]‪َ :‬و ََل ت َْس َأ ُلوا الن َ‬ ‫[ َو َأ َ َّ‬
‫ك النَّ َف ِر َي ْس ُق ُط َس ْو ُط َأ َح ِد ِه ْم َف َام َي ْس َأ ُل َأ َحدا ا ُين ِ‬
‫َاو ُل ُه إِ َّيا ُه) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ُأو َلئِ َ‬

‫قرار النجاح قرار ذايت يعتمد فيه اإلنسان بعد توكله عىل اهلل تعاىل‬
‫عىل نفسه‪ ،‬والناس ال تصنع ناجح ًا‪ ،‬إنام هو من يصنع نفسه‪ ،‬وهؤالء‬
‫الصحابة رضوان اهلل عليهم ملا بايعوا النبي صىل اهلل عليه وسلم عىل‬
‫التوحيد والصالة والطاعة وأن ال يسألوا الناس شيئ ًا من أمواهلم‪،‬‬
‫متسكوا بذلك فأخذوه عىل العموم مبالغة منهم ِف التزام رشوط البيعة‪،‬‬
‫متوكلني عىل رهبم ثم معتمدين عىل أنفسهم ِف مجيع أمورهم‪ ،‬وحتى‬
‫اليسري منها‪ ،‬وإن كان عند سقوط السوط منه و هو راكب عىل دابته‪،‬‬

‫(‪ )1‬مسلم‪-‬الزكاة‪-‬كراهة املسألة‪-‬رقم‪.)1043( :‬‬

‫‪133‬‬
‫فمن كان غري راكب يسهل عليه ذلك‪ ،‬ولكنه ال يقبل حتى هذا األمر‪،‬‬
‫ملا فيه من سؤال غريه‪ ،‬فإن من تعود عىل غريه ِف يسري األمر ال يمكنه‬
‫أن يتحمل مسؤولية نفسه فيام هو أكّب من ذلك‪ ،‬فام بالك بصناعة‬
‫النجاح‪.‬‬
‫قال النووي‪( :‬فِ ِيه التهمس ُك بِا رل ُعمو ِم ِألَهنم هنوا َع ِن الس َؤ ِ‬
‫ال‬ ‫ُّ‬ ‫هُر ُُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُّ‬
‫احل ُّث َع َىل ال هتن ِرز ِيه َع رن َمجِي ِع َما ُي َس همى ُس َؤ ًاال‬ ‫ِِ ِ ِ‬
‫َف َح َم ُلو ُه َع َىل ُع ُمومه َوفيه ر َ‬
‫َان َح ِق ًريا َواهللهُ َأ رع َل ُم) ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬ ‫َوإِ رن ك َ‬

‫وهذا ال يعني منع التعاون مع اآلخرين ِف طريق النجاح‪ ،‬ولكن‬


‫فيه احلث عىل االعتامد عىل الذات‪.‬‬

‫فاعتمد عَل نفسك‬

‫(‪ )1‬رشح مسلم‪ ،‬مصدر سابق‪)132/ 7( ،‬‬

‫‪134‬‬
‫الحديث التاسع والثالثون‬

‫ول اهللِ‬ ‫يض اهللُ َعن ُره َام َق َال‪َ :‬س ِم رع ُت َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫َع ربدَ اهللِ رب َن ُع َم َر َر َ‬
‫َاإلبِ ِل ا ْملِائ َِة‪ََ ،‬ل َتكَا ُد َ ِ‬
‫َتدُ‬ ‫ول‪( :‬إِن ََّام الن ُ‬
‫َّاس ك ْ ِ‬ ‫َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم َي ُق ُ‬
‫اح َل اة ) ‪.‬‬ ‫فِ َيها ر ِ‬
‫(‪)2( )1‬‬
‫َ‬

‫رغم أن أسباب النجاح وطرقه واضحة املعامل‪ ،‬ملاذا ال ينجح كثري‬


‫من الناس ِف حياهتم؟ واجلواب‪ :‬أن طريق النجاح واضح ولكنه شاق‬
‫وطويل‪ ،‬والنفس متيل للراحة و حتب أن تبقى ِف دائرة السكون‪ ،‬وتكره‬
‫التغيري و التطوير‪-‬إال من رحم اهلل‪ ،-‬وال ترغب برتك ما اعتادت عليه‪،‬‬
‫فالنجاح صناعة ال يتقنها إال املتميزون‪ ،‬بصّبهم و جماهدة أنفسهم‪،‬‬
‫فال تغرت ببعض نجاحات زائفة‪ ،‬فإن بريقها يلمع حلظة و لكنه خيتفي و‬
‫ال يعود‪ ،‬فأصحابه مل يأتوا أسباب النجاح من أبوابه‪ ،‬ومل يتحملوا‬
‫مشاقه و صعابه‪ ،‬ظن ًا منهم أن النجاح نزهة مجيلة‪ ،‬وال يعلمون أن دونه‬

‫(‪ )1‬أي ما يصلح للركوب و احلمل‪ ،‬ويكون ذلوالً سهل االنقياد‪.‬‬

‫(‪ )2‬البخاري و اللفظ له‪-‬الرقاق‪-‬رفع األمانة ‪ ،)6498(-‬ومسلم‪-‬فضائل الصحابة‪-‬الناس كإبل مائة‪-‬رقم‬


‫(‪)2547‬‬

‫‪135‬‬
‫تعب الروح واجلسد وسهر اللياِل ومكابدة احلياة‪ ،‬وهذه سرية‬
‫الناجحني مسلمهم وكافرهم تنبؤك بأرسار متيزهم وقوة حتملهم‬
‫وقسوة مسريهتم‪.‬‬

‫وليس املطلوب أن تنجح فحسب‪ ،‬بل أن تتميز بنجاحك‪،‬‬


‫فاملنافسة عىل النجاح شديدة‪ ،‬وإنام يبقى من متيز بنجاحه‪ ،‬وأبدع فيه‪،‬‬
‫وتأمل ِف سباق النجاح بني األفراد و املؤسسات‪ ،‬تعلم أن من حيافظ‬
‫عىل نجاحه هو املتميز عن غريه‪ ،‬املتجدد ِف عطائه‪ ،‬وكم من رشكة‬
‫كانت ناجحة و لكنها خرجت من سوق املنافسة؛ ألهنا مل تتطور نفسها‬
‫وتتميز بعملها و تبدع ِف جماهلا‪ ،‬فأصبحت تارخي ًا يدرس عن الفشل‬
‫بعد النجاح‪.‬‬

‫ومعنى احلديث أن الكامل ِف اخلري قليل‪ ،‬كام أن الراحلة النجيبة‬


‫نادر ِف اإلبل الكثري ‪ .‬وكذلك الناجحون ِف الناس قليل‪ ،‬واملتميزون‬ ‫(‪)1‬‬

‫منهم أقل‪.‬‬

‫فكن متميز اا‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬األزهري‪ ،‬حممد بن أمحد‪ ،‬هتذيب اللغة‪ ،‬حتقيق حممد عوض‪ ،‬دار إحياء الرتاث العرِب‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪ 2001‬م‪)7/ 5( ،‬‬

‫‪136‬‬
‫الحديث األربعون‬

‫اع ِد ِّي ريض اهلل عنه عن النبي صىل‬ ‫عن سه ِل ب ِن سع ٍد الس ِ‬


‫ه‬ ‫َ ر ر َ ر‬
‫اْل َواتِي ِم) ‪.‬‬
‫اهلل عليه وسلم قال‪َ ( :‬وإِن ََّام ْاألَ ْع َام ُل بِ َْ‬
‫(‪)1‬‬

‫ومن عالمات التميز االستمرارية ِف النجاح‪ ،‬وال يعني ذلك أن‬


‫الناجح ال يفشل ِف حياته‪ ،‬بل جيعل فشله جتربة نجاح جديدة فيخرج‬
‫منها أقوى مما كان‪ ،‬حتى إذا وافته املنية ختم له بنجاح‪ ،‬فام فائدة أن‬
‫أذوق طعم النجاح مرة أو ِف مرحلة عمرية‪ ،‬ثم أفشل وأجلس عىل‬
‫ذكريات النجاح‪ ،‬وأحتدث بفعل ماض كنت و كنت !!!‬

‫(‪)2‬‬
‫ني َغنَا ًء‬ ‫وأما سبب ورود احلديث‪َ ( :‬أ هن َر ُج ًال ِم رن َأ رع َظ ِم املرُ رسلِ ِم َ‬
‫ني ِِف َغ رز َو ٍة َغ َز َاها َم َع النهبِ ِّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم‪َ ،‬فنَ َظ َر النهبِ ُّي‬‫َع ِن املرُ رسلِ ِم َ‬
‫الر ُج ِل ِم رن َأ ره ِل الن ِ‬
‫هار‬ ‫ب َأ رن َينر ُظ َر إِ َىل ه‬
‫ِ‬
‫َص هىل اهللُ َع َل ريه َو َس هل َم َف َق َال‪َ :‬م رن َأ َح ه‬
‫ال‪ِ ،‬م رن َأ َشدِّ‬
‫احل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف رل َينر ُظ رر إِ َىل َه َذا َفا هت َب َع ُه َر ُج ٌل م َن ا رل َق رو ِم َو ُه َو َع َىل ت رل َك ر َ‬

‫(‪ )1‬البخاري‪-‬القدر‪-‬العمل باخلواتيم‪-‬رقم‪.)6607( :‬‬

‫(‪ )2‬أي نفع ًا هلم‬

‫‪137‬‬
‫ت‪َ ،‬ف َج َع َل ُذ َبا َب َة َس ري ِف ِه‬
‫(‪)1‬‬
‫اس َت رع َج َل املرَ رو َ‬ ‫ني َحتهى ُج ِر َح َف ر‬ ‫رشكِ َ‬ ‫هاس َع َىل املرُ ر ِ‬
‫الن ِ‬

‫الر ُج ُل إِ َىل النهبِ ِّي َص هىل اهللُ‬ ‫ني َثدر يي ِه حتهى َخرج ِمن ب ِ ِ ِ‬
‫ني كَت َف ريه‪َ ،‬ف َأ رق َب َل ه‬ ‫َ َ ر َر‬ ‫َب ر َ َ ر َ‬
‫اك َق َال‪:‬‬ ‫ول اهللِ َف َق َال‪َ :‬و َما َذ َ‬ ‫هك َر ُس ُ‬ ‫س ًعا َف َق َال‪َ :‬أ رش َهدُ َأن َ‬ ‫َع َل ري ِه َو َس هل َم ُم ر ِ‬

‫هار َف رل َينر ُظ رر إِ َل ري ِه َوك َ‬


‫َان‬ ‫ب َأ رن َينر ُظ َر إِ َىل َر ُج ٍل ِم رن َأ ره ِل الن ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ُق رل َت ل ُف َالن َم رن َأ َح ه‬
‫وت َع َىل َذلِ َك‪َ ،‬ف َل هام‬ ‫ني‪َ ،‬ف َع َر رف ُت َأ هن ُه َال َي ُم ُ‬ ‫ِم رن َأ رع َظ ِمنَا َغنَا ًء َع ِن املرُ رسلِ ِم َ‬
‫ت‪َ ،‬ف َقت ََل َن رف َس ُه‪َ ،‬ف َق َال النهبِ ُّي َص هىل اهللُ َع َل ري ِه َو َس هل َم ِعنردَ‬ ‫اس َت رع َج َل املرَ رو َ‬ ‫ُج ِر َح ر‬
‫اجلن ِهة‪َ ،‬و َي رع َم ُل‬ ‫ِ‬
‫هار‪َ ،‬وإِ هن ُه م رن َأ ره ِل ر َ‬ ‫َذلِ َك‪ :‬إِ هن ا رل َع ربدَ َل َي رع َم ُل َع َم َل َأ ره ِل الن ِ‬

‫اخلَ َواتِي ِم)‪ ،‬فهذا‬ ‫هار‪َ ،‬وإِن َهام راألَ رع َام ُل بِ ر‬‫اجلَن ِهة‪َ ،‬وإِ هن ُه ِم رن َأ ره ِل الن ِ‬ ‫َع َم َل َأ ره ِل ر‬
‫الرجل كان ناجح ًا ِف اجلهاد ولكنه ختم حياته باالنتحار فكان من أهل‬
‫النار‪.‬‬

‫ويفهم من قول النبي صىل اهلل عليه وسلم‪( :‬إِ هن ا رل َع ربدَ َل َي رع َم ُل َع َم َل‬
‫اجلن ِهة)‪ ،‬أن فرصة اإلنسان ما تزال قائمة‬ ‫ِ‬ ‫َأ ره ِل الن ِ‬
‫هار‪َ ،‬وإِ هن ُه م رن َأ ره ِل ر َ‬
‫للنجاح وإن وقع منه الفشل‪ ،‬إذا سلك سبيل النجاح وختم له بذلك‪.‬‬

‫ومن معاين (األعامل بخواتيمها)‪ ،‬ما يعرف بالشكل النهائي‬


‫للنجاح‪ ،‬بحيث يكون متقن ًا‪ ،‬سوا ًء كان سلعة أو منتج ًا أو عم ً‬
‫ال‪،‬‬

‫(‪ )1‬أي طرفه‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫فبعضهم تراه يتعب نفسه ِف البدايات و يكون ناجح ًا‪ ،‬ثم إذا جاء خلامتة‬
‫العمل أصابه امللل وانقطع نفس اإلبداع فأخرجه عىل غري إتقان‪ ،‬فامللل‬
‫عدو النجاح‪.‬‬

‫فأتقن اْلاَتة‬

‫‪139‬‬
140
‫فهرس المحتويات‬

‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬

‫‪5‬‬ ‫املقدمة‬

‫‪11‬‬ ‫احلديث األول ( َيدر ُخ ُل اجلنة َأ رق َوا ٌم)‬

‫‪15‬‬ ‫احلديث الثاين (املؤمن القوي خري وأحب إىل اهلل)‬

‫‪25‬‬ ‫احلديث الثالث (إذا أويت إىل فراشك)‬

‫‪29‬‬ ‫احلديث الرابع (قل‪ :‬اللهم اهدين وسددين)‬

‫‪35‬‬ ‫احلديث اخلامس (إن لربك عليك حق ًا)‬

‫‪39‬‬ ‫احلديث السادس (اعملوا فكل ميس ملا خلق له)‬

‫‪47‬‬ ‫احلديث السابع (قدم صىل اهلل عليه وسلم من غزوة تبوك)‬

‫‪53‬‬ ‫احلديث الثامن (نعمتان مغبون فيهام)‬

‫‪57‬‬ ‫احلديث التاسع (اليد العليا خري من اليد السفىل)‬

‫‪63‬‬ ‫احلديث العارش (كنا معه صىل اهلل عليه وسلم وهو آخذ)‬

‫‪67‬‬ ‫احلديث احلادي عرش (ليس الغنى عن كثرة العرض)‬

‫‪69‬‬ ‫احلديث الثاين عرش (خذوا من األعامل ما تطيقون)‬

‫‪141‬‬
‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬

‫‪71‬‬ ‫احلديث الثالث عرش (أن أناسا من األنصار سألوا)‬

‫‪75‬‬ ‫احلديث الرابع عرش (املجاهد من جاهد نفسه)‬

‫‪77‬‬ ‫احلديث اخلامس عرش (إذا نظر أحدكم إىل من فضل عليه)‬

‫‪79‬‬ ‫احلديث السادس عرش (كانت ناقته ^ تسمى العضباء)‬

‫‪81‬‬ ‫احلديث السابع عرش (اللهم أصلح ِل ديني)‬

‫‪83‬‬ ‫احلديث الثامن عرش (كنت أبيت مع النبي ^)‬

‫‪85‬‬ ‫احلديث التاسع عرش (إن الرفق ال يكون ِف يشء إال زانه)‬

‫‪87‬‬ ‫احلديث العرشون (ال عدوى وال طرية)‬

‫‪91‬‬ ‫احلديث احلادي والعرشون (شكونا إىل النبي ^)‬

‫‪93‬‬ ‫احلديث الثاين والعرشون (ال يدخل اجلنة من كان ِف قلبه)‬

‫‪95‬‬ ‫احلديث الثالث والعرشون (ال يقولن أحدكم خبثت نفيس)‬

‫‪97‬‬ ‫احلديث الرابع والعرشون (إنك تقدم عىل قوم أهل كتاب)‬

‫‪103‬‬ ‫احلديث اخلامس والعرشون (جتد من رش الناس يوم القيامة)‬

‫‪107‬‬ ‫احلديث السادس والعرشون (هنينا عن التكلف)‬

‫‪109‬‬ ‫احلديث السابع والعرشون (ليس الشديد بالْصعة)‬

‫‪111‬‬ ‫رس استنار وجهه)‬


‫احلديث الثامن والعرشون (كان ^ إذا ه‬

‫‪142‬‬
‫الصفحة‬ ‫المحتوى‬

‫‪113‬‬ ‫احلديث التاسع والعرشون (فناداين ملك اجلبال)‬

‫‪115‬‬ ‫احلديث الثالثون (ال يفرك مؤمن مؤمنة)‬

‫‪119‬‬ ‫احلديث احلادي والثالثون (رحم اهلل رجالً سمح ًا)‬

‫‪121‬‬ ‫احلديث الثاين والثالثون (أي العمل أفضل)‬

‫‪123‬‬ ‫احلديث الثالث والثالثون (أال أخّبكم بخريكم من رشكم)‬

‫‪125‬‬ ‫احلديث الرابع والثالثون (أحصوا ِل كم يلفظ اإلسالم)‬

‫‪127‬‬ ‫احلديث اخلامس والثالثون (ال تتمنوا لقاء العدو)‬

‫‪129‬‬ ‫احلديث السادس والثالثون (اقبلوا البرشى يا بني متيم)‬

‫‪131‬‬ ‫احلديث السابع والثالثون (طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه)‬

‫‪133‬‬ ‫احلديث الثامن والثالثون (فبسطنا أيدينا وقلنا‪ :‬قد بايعناك)‬

‫‪135‬‬ ‫احلديث التاسع والثالثون (إنام الناس كاإلبل املائة)‬

‫‪137‬‬ ‫احلديث األربعون (وإنام األعامل باخلواتيم)‬

‫‪141‬‬ ‫فهرس املحتويات‬

‫‪143‬‬
144

You might also like