You are on page 1of 304

‫رشيعة امللك‬

‫)شريعة قتل األغيار(‬


‫الطبعة األولى‬
‫‪1432‬هـ ـ يناير ‪2011‬م‬

‫‪ 7‬أ شارع فريد سميكة ـ مصر اجلديدة ـ أمام نادى الشمس‬


‫تليفون وفاكس ‪ 26432488 :‬ـ ‪22404868‬‬
‫‪ 22415816‬ـ ‪0101633718‬‬
‫>‪Email: <shoroukintl@hotmail.com‬‬
‫>‪<shoroukintl@yahoo.com‬‬
‫‪http://shoroukintl.com‬‬
ƖƋźƬƫƲǀǀƬǀŗřźſDžřƪŤƣšŚǀŨǀů

‫شريعة الملك‬
(‫)شريعة قتل األغيار‬

řźǀŝŚºººƃơŚŰƀŤƿƭŚųŚŰƫř

ŹƺºƀŤǀƫœƞǀºſƺºƿƭŚųŚŰƫř

ŵřŶƗœƹŠưūźţ

ŹƹŶººƴºººƯŵƺººººưºŰƯ
ŶǀƘººººººſŶƫŚºººººººų
‫الربنامج الوطنى لدار الكتب املصرية‬
‫الفهرسة أثناء النشر‬
‫(بطاقة فهرسة)‬
‫إعداد اهليئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية (إدارة الشئون الفنية)‬

‫شابريا‪ ،‬يتسحاق‪.‬‬
‫رشيعة امللك‪ :‬رشيعة قتل األغيار‪ /‬يتسحاق شابريا‪ ،‬يوسيف إليتسور؛ ترمجة وإعداد‬
‫خالد سعيد‪ ،‬حممود مندور‪.‬‬
‫ط‪ .1‬ـ القاهرة‪ :‬مكتبة الرشوق الدولية‪2011 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 304‬ص؛ ‪24×17‬سم‪.‬‬
‫يف رأس العنوان‪ :‬حيثيات قتل اإلرسائيليني للرضع‪.‬‬
‫تدمك ‪978-977-701-044-3‬‬
‫‪ -3‬الصهيونية‪.‬‬ ‫‪ -2‬جرائم احلرب‪.‬‬ ‫‪ -1‬جرائم ضد اإلنسانية‪ .‬‬
‫ب ـ سعيد‪ ،‬خالد (مرتجم ومعد)‪.‬‬ ‫أ‪ -‬إليتسور‪ ،‬يوسيف (مؤلف مشارك)‪.‬‬
‫جـ ـ مندور‪ ،‬حممود (مرتجم ومعد)‪.‬‬
‫د ـ العنوان‪.‬‬
‫‪364.15‬‬

‫رقـم اإليـداع ‪2011/2684‬م‬


‫الرتقيم الدوىل ‪I.S.B.N. 978-977-701-044-3‬‬
‫‪‬‬
‫الفهـــــرس‬

‫تقديم الناشر ‪7.........................................................................‬‬


‫مقدمة املرتمجني ‪13.....................................................................‬‬
‫كلمة الرابي يتسحاق جينزبورج ‪17.....................................................‬‬
‫مقدمة املؤلفني ‪23.......................................................................‬‬
‫املضمون باختصار ‪25.....................................................................‬‬

‫الفصل األول‪ :‬حظر قتل غري اليهودي ‪27.....................................................‬‬


‫وحمظورا عىل األغيار‪34........................‬‬
‫ً‬ ‫مباحا لليهود‬
‫أمرا ً‬‫امللحق األول‪ :‬مل يرد أن هناك ً‬
‫امللحق الثاين‪ :‬فرضية «مل يرد يشء‪43..................................................... .»...‬‬
‫هوامش الفصل األول‪49......................................................................‬‬

‫الفـصــل الثـانـي‪ :‬قتل غري اليهودي الذي يتعدى عىل الوصايا السبع ألبناء نوح ‪73..............‬‬
‫امللحق‪ :‬أقوال «هحازون إيش»‪101......................................................... .‬‬
‫هوامش الفصل الثاين ‪103....................................................................‬‬

‫الفـصــل الثـالـث‪ :‬بذل النفس عن القتل بني أبناء نوح ‪117.....................................‬‬


‫امللحق األول‪ :‬الفرق بني اإلنقاذ والعالج يف قضايا دينية متباينة‪166.......................... .‬‬
‫امللحق الثاين‪ :‬رشح رأي الرايب موشيه إيرساليش يف حالة ختفيف محل السفينة‪174............ .‬‬
‫هوامش الفصل الثالث‪183...................................................................‬‬

‫‪5‬‬
‫الفـصــل الـرابـع‪ :‬نفس اليهودي مقابل نفس األغيار ‪213......................................‬‬
‫امللحق‪ :‬العالقة بني الوصايا السبع ووصايا التوراة الـ ‪226...............................613‬‬
‫هوامش الفصل الرابع‪236....................................................................‬‬

‫الفـصــل اخلـامس‪ :‬قتل األغيار يف احلرب ‪245...............................................‬‬


‫هوامش الفصل اخلامس ‪267.................................................................‬‬

‫الفـصــل السـادس‪ :‬تعمد إيذاء األبرياء ‪277..................................................‬‬


‫هوامش الفصل السادس‪288.................................................................‬‬
‫خط سري الكتاب ‪299........................................................................‬‬

‫اخلامتة ‪303.................................................................................‬‬

‫‪‬‬

‫‪6‬‬
‫‪‬‬
‫تـقـديم النارش‬

‫يف مايو ‪ ،2010‬أبحرت سفينة «احلرية» من تركيا‪ ،‬وعليها ناشطون مدنيون من خمتلف‬
‫أنحاء العامل‪ ،‬حتمل مؤنًا ألهايل غزة املحارصين منذ سنوات‪ ،‬و ُت َب نِّي أنه ال يزال يف العامل أناس‬
‫أحرار يرفضون بربرية استباحة اآلخر‪ :‬استباحة أرضه‪ ،‬وماله‪ ،‬وحياته‪ ..‬فخرجت عليهم‬
‫القوات العسكرية اإلرسائيلية‪ ،‬يف ‪ 31‬من الشهر نفسه‪ ،‬وقتلت حوايل عرشة منهم‪ ،‬وأصابت‬
‫آخرين‪ ،‬وصادرت السفينة بام عليها‪ ...‬ومل خيرج من العامل«املتحرض» سوى قليل من اإلدانات‬
‫اللسانية‪ ..‬ووقفت حكومات أمريكا وأوروپا الغربية ص ًّفا واحدً ا أمام أي عمل فعال ضد‬
‫إرسائيل‪ ،‬وبرر أحد قادة إرسائيل تلك اجلريمة بأن إرسال املعونات اإلنسانية لغزة هي عملية‬
‫استفزازية‪...‬‬
‫قبل ذلك بعدة أشهر‪ ،‬شنت إرسائيل غزوة بربرية عىل غزة من ‪ 2008-12-27‬إىل ‪-18‬‬
‫‪ ،2009-1‬قتلت فيها نحو ‪ 1500‬فلسطيني‪ ،‬معظمهم من املدنيني‪ ،‬أطفال ومسنني‪ ،‬وأصابت‬
‫أضعاف ذلك العدد‪ ،‬وهدمت مئات املنشآت املدنية‪ ،‬ورأى العامل من شاشة «اجلزيرة» كيف‬
‫قصفت القوات اإلرسائيلية سيارات اإلسعاف؛ لتمنع إنقاذ املصابني‪ ،‬وعايش األطباء‬
‫املرصيون‪ ،‬وغريهم من خمتلف أنحاء العامل‪ ،‬استخدام إرسائيل لألسلحة املحرمة دول ًّيا يف‬
‫أجساد الضحايا‪.‬‬
‫أيضا‬
‫وكالعادة‪ ،‬مل يصدر من العامل «املتحرض» سوى بعض اإلدانات اللسانية‪ ...‬وكالعادة ً‬
‫وقفت حكومات أمريكا وأوروپا الغربية ص ًّفا واحدً ا أمام أي عمل فعال ضد إرسائيل‪.‬‬
‫قبل ذلك‪ ،‬كانت هجمة إرسائيل الرببرية عىل لبنان‪ ،‬صيف ‪2006‬؛ حيث قتلت وأصابت‬
‫متميزا يف تلك‬
‫ً‬ ‫أضعاف ذلك‪ ،‬ودمرت مئات املنشآت املدنية‪ .‬وكان رد فعل العامل «املتحرض»‬
‫‪7‬‬
‫املرة‪ ...‬فقد عمي برص األمم املتحدة ‪ ...‬وثقل سمعها ‪ ...‬وانخرس لساهنا‪ ...‬فقد ظن الرئيس‬
‫األمريكي‪ ،‬چورچ دبليو بوش‪ ،‬أن إطالة زمن احلرب كفيل بالقضاء عىل حزب اهلل‪ ...‬ولكن‬
‫الغزوة الرببرية استمرت ملدة شهر‪ ...‬وصمد حزب اهلل‪ ،‬فيام انسحقت سمعة إرسائيل‪،‬‬
‫وتعرى التحالف اإلرسائييل ـ األمريكي ـ األوروپي‪ ،‬وتعرى كذلك تواطؤ املتواطئني وختاذل‬
‫تطورا إلرسائيل‪ ،‬حتى تنجز‬‫ً‬ ‫املتخاذلني‪ ...‬واضطرت أمريكا ألن تبعث األسلحة األكثر‬
‫مهمتها‪ ...‬ولكن دون جدوى ‪ ...‬فانعقد جملس األمن ـ الذي استيقظ بعد حوايل شهر ـ ليطلب‬
‫إيقاف احلرب‪ ،‬يف سبيل إنقاذ ما تبقى من سمعة املجرمني واملشبوهني ‪...‬‬
‫وهكذا‪ ،‬تاريخ إرسائيل من قبل قيامها ىف ‪ ،1948‬وحتى اآلن ‪ ...‬استباحة اآلخر‪...‬‬
‫أرضه‪ ،‬وماله‪ ،‬ودمه‪ ...‬عرشات املذابح للمدنيني‪ ،‬عىل شاكلة دير ياسني ‪ ...‬وهتيئة املرسح‬
‫حلزب الكتائب املاروين لذبح آالف الفلسطينيني العزل يف خميامت صربا وشاتيال‪...‬‬
‫وقبل أن نتطرق إىل األساس لذلك‪ ،‬ربام كان علينا أن نذكر القارئ بأن دولة إرسائيل‬
‫احتفلت منذ بضع سنوات بمرور مخسني سنة عىل فضيحة الڤون(((‪ ،‬فكرمت اإلرهابيني الذين‬
‫أرسلتهم لتنفيذها يف القاهرة‪ ،‬تكريم األبطال‪.‬‬
‫وقبل ذلك‪ ،‬يف فرباير ‪ ،1994‬اقتحم الطبيب اإلرسائييل باروخ جولد شتاين مسجد‬
‫اخلليل يف صالة الفجر‪ ،‬وحصد برشاشه حوايل أربعني من املصلني‪ ،‬بإطالق النار عليهم يف‬
‫ظهورهم‪.‬‬
‫وأيضا‪ ،‬قامت دولة إرسائيل بتكريم البطل الشهيد جولد شتاين بجنازة عسكرية مهيبة‪،‬‬‫ً‬
‫حيا يليق بمقام‪ :‬شفيعنا عند اهلل‪ :‬باروخ جولد شتاين‪ ..‬وقال‬
‫وبنت له املؤسسة الدينية رض ً‬
‫الشعب اإلرسائييل كلمته‪ « :‬لقد شفى جولد شتاين غليلنا»(((‪.‬‬
‫كيف كان كل ذلك؟ ما هو األساس األيديولوچي الذي انبعثت منه كل تلك اجلرائم؟‬
‫يكشف كتابنا احلايل عن جزء يسري من ذلك‪...‬‬
‫فاهلل خلق العامل كله من أجل اليهود‪...‬‬

‫بعضا من أفراد املخابرات اإلرسائيلية لتدمري بعض املنشآت األمريكية يف القاهرة سنة ‪1954‬‬
‫((( أرسلت إرسائيل ً‬
‫لتخريب العالقات املرصية ـ األمريكية‪.‬‬
‫((( «األصولية اليهودية يف إرسائيل» إرسائيل شاحاك‪ ،‬نورتون ميزڤينسكي‪ ،‬من منشورات مكتبة الرشوق الدولية‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫واهلل يتدارس التوارة مع حاخامات اليهود‪ ...‬وليس ذلك فحسب ‪ ...‬فقد يصحح‬
‫احلاخامات هلل مفهومه(((‪ ،‬بل إن اهلل صارع نبيه يعقوب‪ ،‬وملا مل يقدر عليه‪ ،‬سأله أن خييل‬
‫سبيله(((‪...‬‬
‫إذن‪ ،‬من حق اليهودي أن يقتل غري اليهودي‪ ...‬فاألخري رشير‪ ..‬ليس حلياته قيمة‪...‬‬
‫أرشارا‪،‬‬
‫ً‬ ‫الر َضع‪ ...‬فأولئك قد يكربون ويصبحون‬
‫وعدمه أفضل‪ ...‬بل من حق اليهودي قتل ُّ‬
‫فاألفضل هلم وللعامل أن يقتلوهم يف الرضاعة‪...‬‬
‫وبالطبع‪ ،‬يمكن قتل مدينة بأكملها‪ ..‬أو حتى دولة بأكملها‪ ...‬فقد أساء بعض أفرادها‬
‫لشعب اهلل املختار‪...‬‬
‫أيضا حتى ال يتكلموا عام شاهدوه‪...‬‬
‫ليس هذا فقط‪ ،‬بل يمكن قتل الشهود ً‬
‫هذا الكتاب‪ ،‬وأمثاله وأكثر‪ُ ،‬يدَ َّرس يف إرسائيل‪ ...‬ولكن العامل «املتحرض» يقول إن آيات‬
‫القرآن تدعو للعنف والقتل ورفض اآلخر‪...‬‬
‫وإليك عزيزي القارئ بعض آيات «العهد القديم»‪ ،‬التي ال يراها العامل «املتحرض» الذي‬
‫يتحىل برؤية انتقائية بدرجة امتياز‪:‬‬
‫جاء حتت عنوان رشائع حصار وفتح املدن البعيدة‪:‬‬
‫«وحني تتقدمون ملحاربة مدينة فادعوها للصلح أوال‪ .‬فإن أجابتكم إىل الصلح واستسلمت‬
‫لكم‪ ،‬فكل الشعب الساكن فيها يصبح عبيدً ا لكم‪ .‬وإن أبت الصلح وحاربتكم فحارصوها‪،‬‬
‫فإذا أسقطها الرب إهلكم يف أيديكم‪ ،‬فاقتلوا مجيع ذكورها بحد السيف‪ .‬وأما النساء واألطفال‬
‫والبهائم‪ ،‬وكل ما يف املدينة من أسالب‪ ،‬فاغنموها ألنفسكم‪ ،‬ومتتعوا بغنائم أعدائكم التي‬
‫وهبها الرب إهلكم لكم‪ .‬هكذا تفعلون بكل املدن النائية عنكم التي ليست من مدن األمم‬
‫القاطنة هنا»‪.‬‬
‫وجاء حتت عنوان رشائع حصار وفتح أرض املوعد‪:‬‬
‫«أما مدن الشعوب التي هيبها الرب إهلكم لكم مريا ًثا فال تستبقوا فيها نسمة حية‪،‬‬
‫بل دمروها عن بكرة أبيها‪ ،‬كمدن احليثيني واألموريني والكنعانيني والفرزيني واحلويني‬

‫((( تاريخ الكتاب املقدس‪ :‬كارين أرمسرتونج‪ ،‬من منشورات مكتبة الرشوق الدولية‪.‬‬
‫((( سفر التكوين اإلصحاح ‪ 32‬اآليات‪ 22 :‬ـ ‪ 29‬حتت عنوان‪ :‬يعقوب يصارع يف فنيئيل‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫واليبوسيني‪ ،‬كام أمركم الرب إهلكم‪ ،‬لكي ال يعلموكم رجاساهتم التي مارسوها يف عبادة‬
‫آهلتهم‪ ،‬فتغووا وراءهم وختطئوا إىل الرب إهلكم» ـ [سفر التثنية اإلصحاح ‪.]18-10:20‬‬
‫وجاء حتت عنوان تطهري املحاربني وقتل النساء األسريات‪:‬‬
‫« فخرج موسى وألعازار وكل قادة إرسائيل الستقباهلم إىل خارج املخيم‪ ،‬فأبدى موسى‬
‫سخطه عىل قادة اجليش من رؤساء األلوف ورؤساء املئات القادمني من احلرب‪ ،‬وقال هلم‪:‬‬
‫(ملاذا استحييتم النساء؟ إهنن باتباعهن نصيحة بلعام أغوين بني إرسائيل لعبادة فغور‪ ،‬وكن‬
‫سبب خيانة للرب‪ ،‬فتفشى الوبأ يف مجاعة الرب‪ .‬فاآلن اقتلوا كل ذكر من األطفال‪ ،‬واقتلوا‬
‫أيضا كل امرأة ضاجعت رجلاً ‪ ،‬ولكن استحيوا لكم كل عذراء مل تضاجع رجلاً ‪ .‬وأما أنتم‬ ‫ً‬
‫نفسا‪ ،‬ومن ملس قتيلاً أن يتطهر يف اليوم‬
‫فامكثوا خارج املخيم سبعة أيام‪ ،‬وعىل كل من قتل ً‬
‫الثالث‪ ،‬ويف اليوم السابع»ـ [سفر العدد اإلصحاح ‪.]19-13:31‬‬
‫وجاء يف مزامري داود‪:‬‬
‫«أما أنا فقد مسحت ملكي وأجلسته عىل صهيون جبيل املقدس‪...‬‬
‫‪ ..‬وها أنا أعلن ما قىض به الرب‪ :‬قال يل الرب‪ :‬أنت ابني‪ ..‬أنا اليوم ولدتك‪ ..‬اطلب مني‬
‫فأعطيك األمم مريا ًثا‪ ،‬وأقايص األرايض ملكًا لك‪ ..‬فتكرسهم بقضيب من حديد‪ ،‬وحتطمهم‬
‫كآنية الفخار»ـ املزمور الثاين‪.‬‬
‫وجاء يف سفر الالويني‪:‬‬
‫«ال تطغ بتسلطك‪ ،‬بل اتق إهلك‪ ،‬وليكن عبيدكم وإماؤكم من الشعوب التي حولكم‪،‬‬
‫منها تقتنون عبيدا وإماء‪ ،‬وكذلك من أبناء املستوطنني النازلني عندكم»‪.‬‬
‫[اإلصحاح ‪.]44-43:25‬‬
‫فالعهد القديم من الكتاب املقدس زاخر باآليات التي جتعل العامل كله عبيدً ا ومريا ًثا‬
‫لشعب اهلل املختار‪.‬‬
‫وسيجد القارئ يف كتابنا هذا فتاوى حاخامات ـ طيب اهلل ثراهم‪ ،‬كام يكرر احلاخامان‬
‫املؤلفان ـ عىل شاكلة‪:‬‬
‫* ال جيب تصديق األغيار يف يشء‪.‬‬
‫* إنقاذ هيودي أهم من استقرار العامل‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫* حياة األغيار ال تساوي شي ًئا‪.‬‬
‫* األجنبي مباح إلرسائيل‪.‬‬
‫* كل من ال يقبل االلتزام بالوصايا السبع‪ ،‬جيوز السيطرة عليه واستغالله ملصلحة اليهود‪.‬‬
‫* ال داعي للتدقيق فمن ساعد عىل أذى إرسائيل ومن مل يساعد‪ ..‬فالقتل أولاً ‪.‬‬
‫* من يرسق أرض إرسائيل يستحق القتل‪.‬‬
‫أرشارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الرضع لئال يكربوا ويصبحوا‬
‫* قتل ُّ‬
‫* قتل املدينة أو الدولة التي ساهم أفرادها يف إحلاق األذى بإرسائيل‪.‬‬
‫* جواز قتل كل الشهود عىل قتل إرسائيل لألغيار‪.‬‬
‫ومل يتوقف األمر عىل قتل األغيار‪ ،‬بل جيب استئصال الوشاة اليهود واملرتدين وامللحدين‪،‬‬
‫ودفعهم إىل القرب؛ ألهنم يبعدون الشعب من طريق الرب‪ ،‬مثل يسوع النارصي وتالمذته‪.‬‬
‫***‬
‫ونوجه عناية القارئ الكريم‪ ،‬أنه سيصادف يف الفصول الثالثة األوىل إرساء دعائم ما‬
‫سريد يف الفصول من الرابع إىل السادس‪ .‬حيث يتناول الفصل األول حظر قتل غري اليهودي‬
‫امللتزم بالوصايا السبع ألبناء نوح‪ .‬بينام يناقش الفصل الثاين حكم غري اليهودي الذي ال يلتزم‬
‫هبذه الوصايا‪ .‬أما الفصل الثالث‪ ،‬فيتناول بشكل مفصل احلاالت التي يتم فيها التضحية‬
‫بالنفس عن ارتكاب أي ذنب‪ .‬وتزخر الفصول الثالثة بتوصيفات عدة بنى الكاتبان عليها ما‬
‫ييل من أحكام‪.‬‬
‫أما الفصول من الرابع إىل السادس‪ ،‬فهي تقوم بالرتكيز أكثر عىل استباحة دماء «األغيار»‪،‬‬
‫فيتحدث الفصل الرابع عن النفس اليهودية مقابل النفس غري اليهودية‪ .‬واخلامس عن قتل‬
‫األغيار يف احلروب‪ .‬بينام يتناول الفصل السادس أحكام القتل املتعمد لألبرياء يف حالتي‬
‫احلرب والسلم‪.‬‬
‫قد يرتبك القارئ مما يبدو له من تناقضات‪ ،‬بل وقد يندهش عندما جيد احلاخامني يقفزان‬
‫بكل خفة ورشاقة عىل بعض النصوص يف جتاهل واضح‪ ،‬ويركزان عىل نصوص أخرى‬
‫متعارضة‪ ،‬بانتقائية مطلقة ومتميزة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وجدير بالذكر أن كارين أرمسرتونج أشارت لذلك وكررته وأكدته يف كتاهبا‪ :‬تاريخ‬
‫الكتاب املقدس‪ ،‬فقد ظهر يف اليهودية‪« :‬هيودية احلاخامات»‪ ،‬وهي كام ينطق االسم ديانة‬
‫كثريا ما تتعارض مع نصوص الكتاب‬ ‫تتمحور حول دراسات احلاخامات التلمودية‪ ،‬وهي ً‬
‫املقدس‪.‬‬
‫الرضع ـ متارسه‬
‫وأخريا‪ ...‬ما جاء يف هذا الكتاب الدرايس من استباحة اآلخر ـ حتى ُّ‬
‫ً‬
‫إرسائيل منذ بضعة عقود‪ ،‬ولكن العامل «املتحرض» ال هيتم‪ ،‬بل هو يمد إرسائيل بالسالح واملال‬
‫والتأييد والعون السيايس واإلعالمي!‬
‫ولكن أين ذهب العامل العريب؟ وماذا ينتظر؟! أن يستسلم وينقسم عىل نفسه ويتفتت‬
‫ً‬
‫تنفيذا للمرشوع الصهيوين‪ ،‬وينتهي أمره عبدً ا لصهيون؟‬
‫عادل املعلم‬

‫‪12‬‬
‫‪‬‬
‫مقـدمة املرتمجني‬

‫أكدت احلروب اإلرسائيلية األخرية (س�واء يف لبنان أو قطاع غزة)‪ ،‬جمد ًدا‪ ،‬حقيقة الكيان‬
‫الصهي�وين الدموي�ة والغاصب�ة‪ ،‬وعكس�ت م�دى العن�ف‪ ،‬والقس�وة‪ ،‬واإلره�اب اإلرسائييل‬
‫باعتباره�ا جز ًءا من البنية العقلية‪ ،‬والفكرية‪ ،‬واالجتامعية‪ ،‬والنفس�ية له‪ ،‬وكون تلك الصفات‬
‫نسيجا دين ًّيا وثقاف ًّيا جعلت من العنف واإلرهاب عقيدة باسم الدين‪.‬‬
‫ً‬
‫تستند احلكومات اإلرسائيلية املتعاقبة يف حروهبا ومواجهاهتا الدائمة للعرب‪ ،‬الفلسطينيني‬
‫وغري الفلس�طينيني‪ ،‬إىل فلس�فة ونظريات اإلرهاب الديني‪ ،‬املس�تقاة من الت�وراة‪ ،‬فثمة غايات‬
‫دنيوي�ة وسياس�ية غ ّلفها كتب�ة التوراة وكب�ار احلاخام�ات‪ ،‬والتي خرجت ونشرت يف أمهات‬
‫الكتب اليهودية‪ ،‬بعقائد أضفوا عليها صفة الدين‪ ،‬وأصبح أتباعها املؤمنون هبا يامرسون اإلبادة‬
‫اجلامعية والقتل عىل أهنا طاعة وتقر ًبا للرب‪ ،‬عرب حقب تارخيية خمتلفة‪.‬‬
‫ما احلاخامات اليهود احلاليون يف إرسائيل إال نموذج من تلك النامذج التي باتت ُتسيرّ دفة‬
‫احلك�م يف الكي�ان الصهيوين‪ ،‬وما خروج وص�دور ونرش فتاوى قتل األغي�ار «غري اليهود» إال‬
‫منهاجا‬
‫ً‬ ‫غي�ض من في�ض من أقاويل وترصحيات لعدد من احلاخامات اليه�ود‪ ،‬والتي أضحت‬
‫ض�د الش�عوب واألمم األخ�رى‪ ،‬دون حتدي�د‪ .‬فالنفس اليهودي�ة هلا األفضلية ع�ن غريها من‬
‫النفوس البرشية‪ ،‬وبالتايل يمكن لإلرسائييل قتل العريب‪ ،‬فلس�طيني أو غري فلسطيني‪ ،‬بدم بارد؛‬
‫استنا ًدا إىل تلك الفتاوى‪.‬‬
‫انطال ًقا من تلك الفتاوى‪ ،‬وإحياء لفتاوى أخرى مماثلة‪ ،‬صدر يف س�بتمرب‪/‬آيلول من عام‬
‫‪2009‬م‪ ،‬كت�اب «رشيع�ة املل�ك»‪ ،‬أو « ت�وراة امللك»‪ ،‬أو «عقي�دة امللك» بالعربي�ة‪ ،‬و«تورات‬
‫ويرشع‪ ،‬ويرخص قتل غري اليهود‪ ،‬أو « األغيار»‪ ،‬وبخاصة الفلسطينيني‪،‬‬‫مهيلخ» بالعربية‪ .‬يبيح‪ِّ ،‬‬
‫وهو كتاب حلاخامني يديران مدرس�ة دينية متش�ددة تدعى «يوسف ما يزال ح ًّيا»‪ ،‬يف مستوطنة‬
‫‪13‬‬
‫يتس�هار القريبة من مدينة نابلس الفلسطينية‪ ،‬ومها احلاخام يتسحاق شابريا‪ ،‬ومساعده احلاخام‬
‫يوسيف إليتسور‪.‬‬
‫يعد الكتاب بمثابة املرش�د اهلادي ملن يريد قتل «األغيار»‪ ،‬بدم بارد‪ ،‬فهو ترخيص رشعي‬
‫لقتل العرب‪ ،‬خاصة أن احلاخامني يستعرضان يف الكتاب مئات االقتباسات من التوراة والرشيعة‬
‫اليهودية‪ ،‬وأمهات الكتب الصادرة باللغة العربية‪ ،‬كفتاوى دينية تبيح قتل «األغيار»‪ ،‬مع احلذر‬
‫من الدعوة‪ ،‬بش�كل رصيح‪ ،‬إىل خمالفة القانون‪ ،‬لكن يف الوقت نفس�ه ال خيش�ى احلاخامان من‬
‫حماكمتهام؛ ألنه يف هذه احلالة سيتعني حماكمة اثنني من كبار مفرسي التوراة يف القرون الوسطى‪،‬‬
‫ومها الرامبام (الرايب موسى بن ميمون)‪ ،‬والرمبان (الرايب موسى بن نحامن)!‬
‫تبي�ح صفحات الكت�اب قتل «األغي�ار»‪ ،‬دون اإلش�ارة الرصحية للعرب؛ حيث يس�تهله‬
‫مؤلف�اه بتحري�م قت�ل «األغيار« لعديد م�ن األس�باب‪ ،‬منها تفادي الع�داوة‪ ،‬وانته�اك الدين‪،‬‬
‫لكنهام رسعان ما ينتقالن الستعراض عرشات احلاالت التي جيوز فيها القتل؛ استنا ًدا ألحكام‬
‫الت�وراة‪ ،‬والرشيع�ة اليهودي�ة‪ ،‬وعشرات الكتب الدينية األخ�رى‪ ،‬التي تعد بمثابة إرش�ادات‬
‫وفتاوى دينية‪.‬‬
‫أيضا؛ ألهنم يمنعون‬ ‫الر َّضع ً‬
‫رأى احلاخامان‪ ،‬شابريا وإليتسور‪ ،‬أنه باإلمكان قتل األطفال ُّ‬
‫تقدم اليهود نحو الس�يطرة عىل العامل وإصالحه! فأولئك األطفال‪ ،‬عندما يكربون‪ ،‬سيلحقون‬
‫الر َّضع‪ ،‬وليس قتل‬
‫رضرا‪ .‬ويف تل�ك احلالة يش�دد املؤلفان عىل وجوب قتل األطف�ال ُّ‬
‫باليه�ود ً‬
‫البالغين من املدنيني األبرياء فحس�ب‪ .‬فضًل�اً عن حرص املؤلفني عىل التش�ديد عىل االنتقام‪،‬‬
‫اتبا ًعا لنظرية «العني بالعني والسن بالسن»‪.‬‬
‫ُبعي�د نرش عرض للكت�اب يف صحيفة «معاريف» اإلرسائيلية الص�ادرة باللغة العربية‪ ،‬يف‬
‫التاس�ع من شهر نوفمرب‪/‬ترشين الثاين من عام ‪2009‬م‪ ،‬والضجة اإلعالمية التي الزمت ذاك‬
‫العرض‪ ،‬أصدر احلاخامان تعقي ًبا‪ ،‬أكدا فيه عىل تش�بثهام بكل كلمة وردت فيه‪ ،‬وأش�ارا لتقييم‬
‫وتقدير كبار احلاخامات له‪ ،‬وملس�امهته يف إثراء «الرشع اليهودي املعارص» ! حيث نال الكتاب‬
‫رضا وتوصية حمافل صهيونية‪ ،‬وذلك رغم إلقاء القبض عىل احلاخام شابريا‪ ،‬يف شهر سبتمرب‪/‬‬
‫آيل�ول من ع�ام ‪2010‬م‪ ،‬بتهمة إص�داره لكتاب يبيح قت�ل « األغيار»‪ ،‬لكنه م�ا لبث أن خرج‬
‫بع�د ثالث�ة أيام فق�ط! مع التأكيد عىل أن فرتة إلقاء القبض علي�ه تزامنت مع رشوع تل أبيب يف‬
‫الدخول يف مفاوضات مبارشة مع اجلانب الفلسطيني!‬
‫‪14‬‬
‫حيم�ل الكت�اب املئات من االختص�ارات‪ ،‬واملصطلحات‪ ،‬والتعبيرات اجلديدة والصعبة‬
‫على املتاب�ع واملرتجم للغ�ة العربية‪ ،‬لدرج�ة أن املؤلفني يس�تخدمان يف بعض األحي�ان املعنى‬
‫الع�ارش للكلمة‪ ،‬وليس املعن�ى األول أو الثاين هلا‪ ،‬مما زاد من صعوبة متابعة الكتاب يف البداية‪،‬‬
‫خاصة أنه يشري إىل عرشات الكتب اليهودية الدينية‪ ،‬بد ًءا من التوراة واألسفار اخلمسة‪ ،‬وانتهاء‬
‫مرورا باملشناه‪ ،‬واجلامرا‪ ،‬وحاخامات العصور الوسطى‪ ،‬عرب عرشات‬ ‫ً‬ ‫باحلاخامات املعارصين‪،‬‬
‫الفتاوى القديمة التي يعيد الكاتبان إحياءها مرة أخرى‪ ،‬وقياس أحكام عىل أحكام أخرى كانت‬
‫موجودة يف األساس‪ .‬باإلضافة إىل أن الكتاب يستشهد بمئات االقتباسات اآلرامية‪ ،‬فضلاً عن‬
‫أن لغة الكتاب لغة رمزية يصعب فهمها بسهولة؛ ألهنا مكتوبة لغالة اليمني الصهيوين! وهو ما‬
‫عكفن�ا عىل توضيحه يف اهلوامش‪ ،‬الت�ي زادت عن متن الكتاب يف الكثري من األحيان‪ ،‬ولذلك‬
‫وضعنا هوامش كل فصل بعد هنايته‪.‬‬
‫واجهنا صعوبة كبرية يف احلصول عىل الكتاب؛ ألنه مل يوزع بواس�طة ش�بكات بيع الكتب‬
‫الكبرى يف إرسائي�ل؛ حي�ث أوىص عدد م�ن حاخامات اليمين املتطرف أتباعه�م برشائه من‬
‫مدرس�ة «يوس�ف ما يزال ح ًّيا» فحسب‪ ،‬وهي املدرس�ة التي يتبعها املؤلفان‪ ،‬لكننا حصلنا عىل‬
‫الكت�اب بصعوبة‪ ،‬يف ش�هر مارس‪/‬آذار من ع�ام ‪2010‬م‪ ،‬وانتهينا من ترمجته مع مطلع ش�هر‬
‫أكتوبر‪/‬ترشي�ن األول املجيد‪ ،‬ولعل نرص أكتوبر قد ش�حذ من مهمنا‪ ،‬وش�د م�ن أزرنا‪ ،‬لنقدم‬
‫للقارئ العريب صورة حية خلطورة فتاوى جارنا الذي يس�عى بعضنا إلرضائه والتحالف معه‪،‬‬
‫ويسعى البعض اآلخر للتهوين من خطره‪.‬‬
‫القاهرة يف ‪ 6‬أكتوبر‪/‬ترشين الثاين ‪2010‬م‬

‫املرتمجان‬ ‫ ‬

‫‪15‬‬
‫‪‬‬
‫‪ũŹƺŝżƴǀūơŚŰƀŤƿƾŝřźƫřŠưƬƧ‬‬
‫‪ŚǀůƩřżƿŚƯƞſƺƿŠſŹŶưƫƾůƹźƫřśǃř‬‬
‫‪Đ‬‬

‫بعون اهلل الرمحن الرحيم‪ ،‬يف ‪2009‬م‪.‬‬


‫إىل تالميذي األحباء األعزاء‪ ،‬والرايب « يتس�حاق ش�ابريا (((» والرايب « يوس�يف يرمياهو‬
‫إليتسور(((»‪ ،‬حفظهام الرب‪.‬‬
‫س�عدت بمطالعة اجل�زء األول من كتابكما «رشيعة امللك»‪ ،‬وهو ثم�رة جهد متواصل يف‬
‫معه�د البح�ث الت�ورايت‪ ،‬الكائن بجانب مدرس�تنا الدينية اليهودية املقدس�ة «يوس�ف ما يزال‬
‫ح ًّيا(((»‪ ،‬وهو الكتاب الذي يناقش قضايا مهمة تتعلق بالتفريق بني اليهودي وغري اليهودي‪.‬‬
‫وهي القضايا التي متس بش�دة وضعنا احلايل يف أرض إرسائيل‪ ،‬التي جيب علينا االستيالء‬
‫عليها من أيدي أعدائنا‪.‬‬
‫وحت�ى يت�م هذا بإتق�ان‪ ،‬انطال ًقا من روح الت�وراة‪ ،‬ومن أجل إذكاء روح الش�عب‪ ،‬جيب‬
‫توضيح وجهة النظر التوراتية جيدً ا يف مثل هذه األمور‪.‬‬
‫ال شك‪ ،‬كام يتضح لدينا يف مقال القبااله((( واهلاالخاه((( يف اجلزء األول من « ُملك إرسائيل‬
‫מלכות ישראל(((»‪ ،‬يف أن الوس�يلة احلقيقية إلصالح الواقع وف ًقا للرشيعة اليهودية‪ ،‬هي استلهام‬

‫((( الرايب يتسحاق شابريا הרב יצחק שפירא‪ :‬هو أحد مؤلفي الكتاب‪ ،‬ويشغل منصب رئيس املدرسة الدينية اليهودية‬
‫«يوسف ما يزال ح ًّيا»‪.‬‬
‫((( الرايب يوسف يرمياهو إليتسور הרב יוסף ירמיהו אליצור‪ :‬املؤلف الثاين للكتاب‪ ،‬وهو باحث يف العهد القديم‬
‫ومساعد الرايب شابريا‪.‬‬
‫((( املدرسة الدينية اليهودية «يوسف ما يزال ح ًّيا עוד יוסף חי»‪ :‬هي مدرسة دينية هيودية‪ُ ،‬أقيمت يف قرب سيدنا يوسف يف‬
‫نابلس منذ عرشين عا ًما‪ ،‬ويعد احلاخام يتسحاق جينزبورج יצחק גינזבורג‪ :‬هو أكرب معلمي املدرسة‪ ،‬وهي املدرسة‬
‫التي صدر عنها هذا الكتاب‪.‬‬
‫((( القبااله קבלה‪ :‬هو علم املعتقدات الصوفية اليهودية‪.‬‬
‫((( اهلاالخاه הלכה‪ :‬هي الرشيعة اليهودية‪.‬‬
‫((( ُملك إرسائيل מלכות ישראל‪ :‬هو املوقع الرسمي للرايب يتسحاق جينزبورج יצחק גינזבורג عىل الشبكة العنكبوتية‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫جوهر التوراة‪ ،‬بمس�اعدة القبااله واحلسيدية(((‪ ،‬بش�كل واقعي‪ ،‬وعندها سيصري الواقع ممهدً ا‬
‫الستيعاب تعاليم الرشيعة اليهودية الصارمة‪.‬‬
‫م�ن املعلوم أنه ليس ثمة إنس�ان يمكنه العزم عىل السير يف طري�ق الرشيعة احلقة‪ ،‬دون أن‬
‫أيضا أن الرسالة األساسية جليلنا هي توضيح‬
‫يكون ضلي ًعا يف فهم حكمة احلقيقة‪ ،‬ومن املعلوم ً‬
‫مع�اين الت�وراة املختلفة‪ ،‬حتى نصل يف عرصنا هذا إىل رشيع�ة واضحة ال لبس فيها‪ ،‬كام ورد يف‬
‫سفر ملوك أول(((‪.‬‬
‫بعون اهلل‪ ،‬ستواصلون أنتم ومعكم مجيع تالميذ املدرسة الدينية واملعهد التورايت‪ ،‬استكامل‬
‫دراس�ة الرشيع�ة اليهودية من خالل التعم�ق يف بواطن التوراة‪ ،‬وحينها س�تتضح األمور وحتل‬
‫الس�عادة عىل الكون‪ ،‬كام حدث حلظة تلقي الرشيعة يف س�يناء(((‪ ،‬وس�نجد أثر ذلك يف الواقع‪،‬‬
‫إىل حني حلول اخلالص احلقيقي واملتكامل‪.‬‬
‫«التوراة هي أساس كل يشء» ؛ وبمناسبة صدور الكتاب‪ ،‬سنتعمق يف بنية القضايا الواردة‬
‫يف التلمود(((‪ ،‬التي تتناول القاعدة التي تم توضيحها باستفاضة يف الفصل األول‪ ،‬وهو ما يعد‬
‫مصدرا من الرشيعة؛ حيث حيظر عىل اليهودي قتل غري اليهودي (وكنا قد أسهبنا بالفعل يف هذا‬ ‫ً‬
‫الشأن يف األقوال الشفاهية‪ ،‬وهناك املزيد بعون اهلل)‪.‬‬
‫وردت قاعدة «كل يشء ورد ذكره يف التوراة» أربع مرات يف فصل «تعانيت תענית (((» يف‬
‫التلمود‪ ،‬وعلينا‪ ،‬وف ًقا ألسلوبنا يف التناول‪ ،‬ضبط األمور يف مقابل الدرجات األخالقية العرشة‬
‫يف التصوف اليهودي((( (التي يقابلها القوى البرشية وطرق عبادة الرب)‪.‬‬

‫((( احلسيدية חסידות‪ :‬يستخدم املصطلح لإلشارة إىل عدة فرق دينية يف العصور القديمة والوسطى‪ ،‬ولكنه يستخدم يف‬
‫العرص احلديث للداللة عىل احلركة الدينية الصوفية احللولية‪ ،‬التي أسسها وتزعمها بعل شيم طوف‪ ،‬والتي بدأت يف‬
‫جنوب پولندا وقرى أوكرانيا يف القرن الثامن عرش ‪.‬‬
‫((( سفر ملوك أول מלכים א'‪ :‬وهو أحد أسفار كتاب األنبياء يف العهد القديم‪.‬‬
‫((( املقصود هو واقعة نزول الوصايا العرش عىل نبي اهلل موسى ‪ ‬يف سيناء‪.‬‬
‫((( التلمود תלמוד‪ :‬هو ما يعتربه اليهود الرشيعة الشفوية املكملة للرشيعة املكتوبة‪ ،‬أي العهد القديم‪ ،‬وحسب االعتقاد‬
‫اليهودي فقد عاش التلمود لدى حكامء اليهود إىل أن تم تدوين نسختني منه‪ :‬األوىل ُدونت يف فلسطني‪ ،‬والثانية يف‬
‫بابل‪ .‬الكتاب ينقسم إىل ستة فصول رئيسية‪ ،‬ويتكون من املشناه‪ ،‬وهي املتن؛ واجلامرا‪ ،‬وهي احلوايش؛ والربايتا‪،‬‬
‫وهي الرشوح اإلضافية‪.‬‬
‫((( فصل تعانيت מסכת תענית‪ :‬هو أحد فصول كتاب «موعيد מועד» أحد أجزاء التلمود‪ ،‬ويناقش هذا الفصل القصري‪،‬‬
‫أمورا ختص الصيام‪.‬‬
‫نسب ًّيا‪ً ،‬‬
‫((( تضم القبااله‪ ،‬التصوف اليهودي‪ ،‬عرش منازل‪ ،‬أو عرش درجات هي‪ :‬التاج‪ ،‬احلكمة‪ ،‬اإلدراك‪ ،‬التقوى‪ ،‬الشجاعة‪،‬‬
‫العظمة‪ ،‬األبدية‪ ،‬الشكر‪ ،‬األساس‪ ،‬ا ُمللك‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ويب�دو أن�ه جيب علينا بالتحدي�د ضبط األمور حيال س�بع درجات أخالقي�ة منها‪ ،‬والتي‬
‫يكمن جزء منها يف النفس البرشية (نقصد هنا الدرجات األخالقية التي متس الواقع اخلارجي‪،‬‬
‫هب�دف توضيحها وتعديلها بش�كل عميل)‪ ،‬وثم�ة نوع من التخيل يف العالقة بين اليهود وبقية‬
‫الش�عوب‪ ،‬وكما ورد « ملاذا ثمة يشء مب�اح لليهودي وحمرم عىل أبناء ن�وح»‪( ،‬وهو ما ال نجده‬
‫يف الدرجات األعىل احلس�ية واإلدراكية‪ ،‬من أنه لي�س ثمة أي ختيل يف العالقة بني اليهود وغري‬
‫اليهود)‪.‬‬
‫القضية التي وردت يف (س�نهدرين((( ‪ ،)1:59‬تتحدث عن قاعدة رشعية أساسية‪ ،‬وهي‬
‫«كل يشء ورد ذك�ره يف الت�وراة»‪ ،‬وقد جاءت هذه القاعدة لتربي�ر قاعدة أخرى وضعها الرايب‬
‫«ي�ويس بار حنينا יוסי בר חנינא(((»‪ ،‬والتي ختالف‪ ،‬ألول وهلة‪ ،‬رأي اجلامرا (((‪ ،‬والتي تقول إن‬
‫«أي رشيعة ُفرضت عىل أبناء نوح‪ ،‬ومل يرد ذكرها مرة أخرى يف س�يناء‪ ،‬املقصود هبا هم اليهود‬
‫فحسب‪ ،‬وليس أبناء نوح بوجه عام!»‬
‫ورغ�م ما س�بق‪ ،‬يتض�ح أن القاعدة األساس�ية ال تتعارض مع أي قواع�د أخرى؛ « ألن‬
‫الرب ليس ببرش حتى ُيغري من رأيه!»‬
‫إن الرشائع التي ُفرضت عىل البرشية بشكل عام قبل تلقي الرشيعة يف سيناء‪ ،‬كان هدفها يف‬
‫األس�اس هتذيب األخالق الكامنة يف اإلنس�ان‪ ،‬وهي يف األصل قد ُمنحت بغرض انتقاء أصل‬
‫النفس اليهودية‪ ،‬حتديدً ا‪ ،‬ولتطبيق القاعدة الرشعية‪ ،‬التي تقول‪« :‬وخيلق من الفاسد مِ‬
‫عال» مثلام‬
‫يف حالة النبي «إبراهيم» الصالح ابن «تارح» الكافر‪ ،‬ويكفي هذا املثال ملن يمتلك احلكمة‪.‬‬
‫« ونحن ال نملك س�وى رشيعة «عرق النس�ا(((» (وعىل عهدة رايب هيودا רבי יהודה ((()»‪،‬‬
‫((( سنهدرين סנהדרין‪ :‬هي أكرب هيئة قضائية خمتصة بالنظر يف الشئون الدينية‪ ،‬وترد كل التفاصيل بشأهنا يف الفصل الذي‬
‫حيمل نفس االسم‪ ،‬وهو الفصل الرابع من الكتاب الرابع من الكتب الستة التي تشكل التلمود‪.‬‬
‫((( الرايب يويس بار حنينا רבי יוסי בר חנינא‪ :‬أحد أهم احلكامء اليهود‪ ،‬وينتمي للجيل الثاين لألمورائيم (حكامء التلمود‬
‫الذين عارصوا انتهاء تدوينه عىل يد الرايب هيودا هنايس)‪.‬‬
‫((( اجلامرا גמרא‪ :‬تعني التكملة‪ ،‬يتكون التلمود من مكونني أساسيني‪ :‬املشناه وهو املتن‪ ،‬واجلامرا وهي نقاش حول‬
‫املشناه‪ ،‬وبعد ذلك هناك الربايتا وهي الرشوح اخلارجية‪ .‬‬
‫((( عرق النسا‪ :‬هو اسم فريضة مصدرها واقعة وردت يف سفر التكوين (‪ ،)33 – 25 :32‬وتتحدث عن رصاع خاضه‬
‫نبي اهلل يعقوب مع «الرب» (أو الرب عىل هيئة مالك يف شكل إنسان)‪ ،‬وسمي بعدها يعقوب بإرسائيل‪ ،‬بعد أن‬
‫انخلع ُح ُّق فخذ يعقوب يف مصارعته معه‪ ،‬لذلك ال يأكل بنو إرسائيل عرق النسا الذي عىل ُح َّق الفخذ إىل اليوم‪.‬‬
‫ واملقصود هو إحياء ذكرى الرصاع الذي وقع بني األب الروحي لليهود وبني املالك الذي ظهر له‪.‬‬
‫((( الرايب هيودا רבי יהודה בר אילעאי‪ :‬من حكامء التنائيم‪ ،‬وينتمي للجيل الرابع‪ ،‬عاش خالل النصف الثاين من القرن‬
‫الثاين امليالدي‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫إذ م�ن املعروف أن رشيعة «عرق النس�ا» قد ُفرضت إلصلاح العيب املوجود يف درجة األبدية‬
‫يف القب�االه‪ ،‬وه�و العيب الذي تس�بب يف وج�وده ما حدث من عيس�و((( جتاه أخي�ه يعقوب‪،‬‬
‫وإصالحه النهائي جاء عىل يد النبي صموئيل(((‪.‬‬
‫الوصايا التي ُفرضت من قبل عىل أبناء نوح‪ ،‬هي وصايا جاءت للكشف عن أبدية الشعب‬
‫اليه�ودي وجذوره‪ ،‬وهو الش�عب الذي كان موجو ًدا من قب�ل تلقي الرشيعة‪ ،‬بل من قبل خلق‬
‫الكون بأرسه ! فضلاً عن أنه كان موجو ًدا قبل الرغبة يف خلق الكون‪ ،‬أي أن خلق اليهود كانت‬
‫فكرة يف خاطر الرب حتى قبل خلق الكون‪ ،‬وقد كان !‬
‫وكما قال كبار حس�يديي حب�د((( « إن التفكري يف الش�عب اليهودي لدى الرب س�بق كل‬
‫يشء حتى التوراة»؛ ومن هنا‪ ،‬نفهم ملاذا ثمة وصايا وردت قبل نزول التوراة يف سيناء‪ ،‬رغم أن‬
‫التزامنا بالوصايا اليوم هو من باب إحياء ذكرى نزول التوراة يف س�يناء‪ ،‬وعىل أي حال التزامنا‬
‫بالوصاي�ا ناب�ع من كوهنا هيودية األصل‪ ،‬وهو ما أكده الرايب موس�ى بن ميمون ((( يف أكثر من‬
‫أيضا‪.‬‬
‫موضع‪ ،‬وسيتم توضيحه فيام بعد ً‬
‫تناقش القضية التي وردت يف (سنهدرين ‪ ،)1 :55‬الفرق بني البهيمة التي عارشها إنسان‪،‬‬
‫والبهيمة التي يعبدها إنسان‪ ،‬ويقرر سنهدرين من باب أن «كل يشء ورد ذكره يف التوراة»‪ ،‬أنه‬
‫ال يحُ تم�ل أن البهيم�ة الت�ي يعبده�ا غري اليهودي تس�تحق القتل؛ ألنه ليس ثم�ة حكم ديني يف‬
‫الرشيعة اليهودية يويص بقتل البهيمة التي يعبدها هيودي‪.‬‬
‫ختالف هذه املس�ألة منزلة الش�كر يف القبااله‪ ،‬وهي املنزلة التي قيل فيها « انقلب الشكر هلل‬
‫إىل رشك»‪ .‬تُعن�ى هذه املنزلة بش�كر الرب على نعمه‪ ،‬وهو عكس ما يفعله عاب�د البقرة (الذي‬
‫تكمن بداخله نفس هبيمية‪ ،‬أي أنه يخُ ِضع نفس�ه – ألن منزلة الش�كر تس�اوي خضوع النفس ـ‬
‫لطابعه البهيمي‪ ،‬ويتخذ من البقرة إهلًا‪ ،‬وهو تشويه كامل لفكرة شكر الرب)‪.‬‬

‫((( بحسب العهد القديم‪ ،‬أنجب إسحاق ولدين مها‪ :‬عيسو‪ ،‬ويعقوب‪.‬‬
‫((( صموئيل שמואל‪ :‬هو ـ بحسب العهد القديم ـ آخر قضاة بني إرسائيل‪ ،‬وهناك سفران باسمه مها‪ :‬صموئيل األول‪،‬‬
‫وصموئيل الثاين‪.‬‬
‫((( حسيدية حباد‪ :‬هي إحدى املنظامت احلسيدية الكربى‪ ،‬وهلا ممثلون يف عدد من الدول التي هبا سكان من اليهود‪.‬‬
‫وكلمة حباد חב''ד‪ :‬اختصار لثالث كلامت هي‪ :‬חוכמה حكمة‪ ،‬בינה فطنة‪ ،‬דעת رأي‪.‬‬
‫((( الرايب موسى بن ميمون רמב''ם‪ :‬هو موسى بن ميمون بن عبيد اهلل القرطبي (‪1204 – 1135‬م)‪ ،‬ولد يف قرطبة‬
‫ببالد األندلس‪ُ ،‬وصف بأنه أهم شخصية هيودية يف العصور الوسطى‪ ،‬كان بارزً ا يف الطب والعلوم والفلسفة‪،‬‬
‫وينتمي لعائلة هيودية عريقة عاشت يف مدينة فاس املغربية بعد انتقاهلا من قرطبة‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫يأيت « الرايب شيشيت ששת(((» يف هذه القضية الدينية بالربايتا((( التي نصها‪ « :‬الشجرة‬
‫التي ُحرم األكل من ثامرها والرشب من مائها‪ ،‬وكُتب عليها أال تصدر عنها رائحة؛ ألهنا رمز‬
‫للفساد‪ ،‬جيب أن تحُ رق؛ ألن عطب أصاب اإلنسان بسببها‪ ،»..‬وهو ما يفيد نفس املعنى السابق‬
‫« انقلب الشكر هلل إىل رشك»‪.‬‬
‫وألن «الشكر انقلب إىل رشك»‪ ،‬فإن حروف الكلمة تغريت من הוד إىل דוה‪ ،‬ويقول الرايب‬
‫عقيفا עקיבא ((( إن‪« :‬الرشك باهلل مثله مثل احليض يتسبب يف نجاسة أي يشء»‪.‬‬
‫وورد ح�ول حتريم مضاجع�ة املرأة التي بلغها احليض يف الت�وراة «والرجل الذي يضاجع‬
‫امرأة بلغها احليض‪( » ....‬تثنية((( ‪ . )18-20‬يوجد هنا عالقة بني األنثى املوطوءة وبني تلك‬
‫التي يتم عبادهتا‪ ،‬وكل هذا يعد خللاً يف منزلة الشكر‪.‬‬
‫تناق�ش القضية الواردة يف (فصل حولين חולין ‪ )1 :(((39‬حتريم أكل احليوان احلي‪ ،‬وهو‬
‫التحريم الذي يقابله عىل اجلانب اآلخر منزلة األساس يف القبااله‪.‬‬
‫وألول وهلة‪ ،‬يبدو أنه بالنسبة هلذه القضية حتديدً ا‪ ،‬ال يمكننا تطبيق قاعدة «كل يشء ورد‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ذكره يف التوراة»‪ ،‬ويتفق الرايب موسى بن ميمون مع هذا ً‬
‫وهذا هو املوضع الذي تتجىل فيه قدس�ية الش�عب اليهودي عن حق؛ ألن منزلة األس�اس‬
‫الصوفية تتصل باجلانب العقيل يف التفريق بني اليهودي وغري اليهودي بوضوح (وقد تم توضيح‬
‫هذه النقطة بإسهاب يف « مدراش أجاداه »((()‪.‬‬
‫وهن�اك اخلتان‪ ،‬وهو العالمة املقدس�ة التي ج�اءت للتفريق بني اليه�ودي وغري اليهودي‬
‫أيضا‪ ،‬فجمي�ع اليهود خمتونون‪ ،‬بينما مجيع األغيار ُغل�ف‪ .‬وتلقائ ًّيا‪ ،‬ال‬
‫عىل املس�توى اجلس�دي ً‬
‫يمكنن�ا هن�ا التس�اؤل عن‪ :‬كيف ُيس�مح هبذا لليهود ويحُ ظ�ر عىل غريهم‪ ،‬بل على العكس من‬

‫((( هو الرايب شيشيت بنيبنشتى רבי ששת בנבנישתי‪ :‬أحد احلكامء اليهود يف فرتة األندلس‪.‬‬
‫((( الربايتا ברייתא‪ :‬املقصود هبا أهنا جمموعة رشوح خارجية تم إضافتها للتلمود‪ ،‬وألفها جمموعة من التنائيم‪ ،‬وهم‬
‫احلاخامات الذين عارصوا فرتة اهليكل الثاين‪.‬‬
‫((( هو الرايب عقيفا بن يوسف רבי עקיבא בן ‪.‬‬
‫((( سفر الالويني وهو سفر ترشيعي ضمن أسفار التوراة اخلمسة‪.‬‬
‫((( فصل حولني מסכת חולין‪ :‬هو الفصل الثالث من الباب الرابع يف التلمود‪ ،‬وهو قوداشني קדשין‪ ،‬ويناقش هذا‬
‫الفصل أحكام البهائم التي ال تُقدم كقرابني‪.‬‬
‫((( مدراش أجاداه מדרש אגדה‪ :‬أحد كتب التفاسري اليهودية التي تضم القصص التعليمية‪ ،‬التي وردت يف العهد القديم‬
‫هبدف استخالص احلكم والعرب‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫ذلك‪ ،‬فإن اخلتان هو عالمة مقدسة تشري إىل أن كل يشء ُمباح لليهود‪ ،‬وحمظور عىل غريهم‪ ،‬كام‬
‫تم توضيح ذلك يف «مدراش أجاداه»‪.‬‬
‫تناق�ش القضية الواردة يف (س�نهدرين ‪ )2 :58‬اجلامع بطريقة ش�اذة‪ ،‬كام تناقش اس�تمتاع‬
‫أيضا‪.‬‬
‫املرأة هبذا اجلامع ً‬
‫يتصل هذا بإصالح منزلة ا ُمللك يف القبااله‪ ،‬واملقصود هو التقدم من الصفوف اخللفية إىل‬
‫الصفوف األمامية‪ ،‬وهي سمة امللوك‪ .‬ونالحظ هنا الفرق يف كيفية التعامل مع هذه األمور بني‬
‫احلكامء الذين عاش�وا يف القدس وقت الش�تات‪ ،‬وبني حكامء بابل (نتحدث هنا عن الفرق بني‬
‫أسلوب التلمود األورشليمي(((‪ ،‬وبني أسلوب التلمود البابيل((( يف هذه النقطة‪ ،‬وراجع داخل‬
‫الكت�اب امللحوظ�ة الواردة‪ ،‬يف بداية امللحق الثانى للفصل األول)‪ ،‬أي أن أرض إرسائيل تقف‬
‫يف املواجهة‪ ،‬بينام تعود بابل للصفوف اخللفية‪ ،‬وهو مثال كاف ألهل احلكمة‪.‬‬
‫أه�م يشء ه�و أن يك�ون الرج�ل «ملتص ًق�ا بزوجته»‪ ،‬أي التص�اق أصل الذك�ورة بأصل‬
‫األنوثة‪ ،‬وهو االرتباط الرمزي بني التوراة واليهود يف مكان طاهر ومقدس شهد نزول الوحي‪،‬‬
‫وهو املكان الذي جيمع الشعب اليهودي كله م ًعا‪.‬‬
‫أيضا‪ ،‬أن ال�رايب إليعي�زر רבי אליעזר(((‪ ،‬والرايب حنين�ا רבי חנינא ‪ ،‬من حكامء‬
‫ون�رى هن�ا‪ً ،‬‬
‫فلس�طني إب�ان تدوين التلم�ود‪ ،‬يتفقان عىل أن�ه ال يمكن تطبيق قاع�دة «كل يشء ورد ذكره يف‬
‫التوراة»؛ ألن هذه القاعدة ال تناسب أجواء فلسطني آنذاك‪.‬‬
‫إن أس�اس العناي�ة اإلهلي�ة‪ ،‬كام يتجلى يف أرض إرسائيل‪ ،‬ي�دور بالتحديد حول الش�عب‬
‫اليه�ودي املق�دس (ومنه�م تنتشر العناي�ة اإلهلية لتش�مل بقي�ة األمم)‪ ،‬م�ع أمهي�ة التنبيه عىل‬
‫خصوصي�ة الش�عب اليهودي‪ ،‬الش�عب املخت�ار‪ ،‬الذي ال يص�ح مقارنته مع بقي�ة األغيار بأي‬
‫شكل من األشكال‪.‬‬
‫بوركتم بربكة التوراة‪...‬‬
‫الرابي يتسحاق جينزبورج‬
‫‪‬‬
‫((( هو التلمود الذي ُد ِّون يف القدس‪.‬‬
‫((( هو التلمود الذي ُد ِّون يف بابل‪.‬‬
‫((( هو الرايب إليعيزر بن هوركانوس רב אליעזר בן הורקנוס‪ :‬من كبار التنائيم‪ ،‬وينتمي للجيل الثاين إبان خراب اهليكل‬
‫الثاين (دمر اهليكل الثاين عام ‪ 70‬ميالدية عىل يد امللك تيتوس القائد الروماين)‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪‬‬
‫مقــدمة املؤلفني‬

‫يف ‪ 27‬من إبريل ‪/‬نيسان ‪1991‬م‪ ،‬قال الرايب مليوفافيتش‪:‬‬


‫اليشء الوحيد الذي علينا مجي ًعا أن نفعله وأوصيكم به‪ ،‬هو أن تبذلوا ما يف وسعكم‪ ،‬فمن‬
‫املمكن اس�تخالص اهلداية واإلصالح من بعض التفاصيل الصغيرة‪ ،‬أو حتويل األمور اخلربة‬
‫إىل أدوات إصالح وهداية‪ ،‬حتى حيرض املسيح املخ ِّلص ((( يف احلال‪.‬‬
‫ثمة رغبة قوية للس�عادة الدينية لدى اإلنس�ان‪ ،‬إذ يمكن أن نتعرف إىل احلقائق من خالل‬
‫أدوات اهلداية واإلصالح يف حدود احلقائق الكونية‪ ،‬وعىل س�بيل املثال‪ ،‬فإن اإلنس�ان يفتقر إىل‬
‫تل�ك األدوات‪ ،‬أي إىل كيفي�ة حتوي�ل اليشء اخل�رب إىل ما يبعث عىل الس�عادة الدينية‪ ،‬وهو ما‬
‫نجده يف الرشيعة اليهودية مقارنة بالش�عوب األخرى‪ ،‬فثمة رغبة مقدسة وصارمة لدى اليهود‬
‫كافة إلنقاذ وحترير العامل وامتالكه‪ ،‬وهي الرغبة التي تُو ِّلد املزيد من األعامل املهمة واملقدسة‪.‬‬
‫لك�ن مث�ل هذه الرغبة بحاجة إىل أدوات إصالح وهداي�ة‪ ،‬وإرادة قوية‪ ،‬يكون هلا مفعول‬
‫السحر يف اخلروج باملطلوب‪.‬‬
‫ونحن نعمل يف مدرس�ة « يوس�ف ما يزال ح ًّيا» الدينية منذ سنوات طويلة؛ عىل توضيح‬
‫أج�زاء الرشيع�ة املتعلقة بالقضايا احلياتية لإلنس�ان‪ ،‬وعالقة إرسائيل بالش�عوب األخرى‪ ،‬من‬
‫خالل رشح أجزاء اهلاالخوت (((ـ الرشائع ـ كمسار للتوراة‪ ،‬فضلاً عن مصادر دينية أخرى‪.‬‬
‫ونش�كر اهلل الذي س�مح لنا باس�تقاء العلم من مدرس�تنا الغالية‪ ،‬والشكر اجلزيل للمعلم‬
‫((( املسيح املخ ّلص‪ :‬تعترب فكرة املسيح الذي يأيت من نسل داود‪ ،‬هي إحدى األسس لإليامن باليهودية‪ ،‬وقد سامهت‬
‫هذه الفكرة يف زراعة االستعالء العنرصي يف الوجدان اليهودي عىل سائر البرش‪.‬‬
‫((( اهلاالخوت‪ُ :‬لغو ًّيا مجع هاالخاه‪ ،‬ولكن املقصود هي الفقرات الترشيعية أو الرشائع داخل اهلاالخاه‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫الرئييس احلاخام يتس�حاق جينزبورج يف اجلمعية اإلرسائيلية للييديش (((‪ ،‬الذي هو بمثابة أب‬
‫روحي لنا‪.‬‬
‫تن َّقل احلاخام بني أجزاء كبرية من الكتاب‪ ،‬وع َّقب لنا عىل الكثري من الظاهر واملخفي منه‪،‬‬
‫وقد تم تصويب القضايا األخرى املتباينة داخل الكتاب‪ ،‬بدون اإلش�ارة إىل أمور ليس�ت ذات‬
‫عالقة‪ ،‬تتعلق باسم الرايب‪ ،‬وأضاف بعض اإلضافات مل ترد يف املتن نفسه‪.‬‬
‫كما نق�دم الش�كر للحاخام يوس�ف بالي م�ن اجلمعية اإلرسائيلي�ة للييدي�ش‪ ،‬الذي قام‬
‫بالتجهي�ز املبدئ�ي للكت�اب‪ ،‬وأعطى الكثري من وقت�ه لتوضيح األمور الش�ائكة التي وردت يف‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫يتسحاق شابريا‪ ،‬ويوسيف يرمياهو إليتسور‬
‫املعهد التورايت ملدرسة «يوسف ما يزال ح ًّيا»‬ ‫ ‬
‫ليسرتيح يوسف الصديق يف مرقده‪ ،‬آمني‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪‬‬

‫((( اللغة الييديشية (ייִדיש‪ ،‬يديش‪/‬אידיש‪ ،‬ایدیش) (باإلنجليزية‪Yiddish :‬‏) لغة جرمانية يتحدث هبا ما يقرب من ‪3‬‬
‫ماليني شخص حول العامل‪ ،‬وأغلبيتهم هيود أشكناز‪ .‬االسم يديش هو يديشية لكلمة «هيودية» وقد تكون تقصري‬
‫لـ «ييديش‪-‬تايتش» (דיש־טײַטש) أو أملانية‪-‬هيودية ‪.‬‬
‫ أصل اللغة الييديشية ليس معرو ًفا بالتحديد‪ ،‬ولكن بدأت هذه اللغة يف حوايل القرن العارش امليالدي بني اليهود يف‬
‫وخصوصا پولندا‪ ،‬وبعد احلروب الصليبية أخذت‬ ‫ً‬ ‫أملانيا‪ ،‬ربام كلغة جتارية‪ ،‬ومع هروب اليهود إىل رشق أوروبا‪،‬‬
‫اللغة كلامت وقوانني من اللغات السالفية‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪‬‬
‫املضمون باختصار‬

‫يف الكت�اب ال�ذي بني أيدين�ا نحن نحظر قت�ل غري اليه�ودي‪ ،‬يف أوقات الس�لم وأوقات‬
‫احلرب‪.‬‬
‫يف الفص�ل األول‪ ،‬هنت�م بمص�در حظر قت�ل غري اليه�ودي‪ ،‬الذي ال يتعدى على الوصايا‬
‫السبع ألبناء نوح‪.‬‬
‫يف الفصل الثاين‪ ،‬نفرس حكم غري اليهودي الذي ال يلتزم بالوصايا السبع‪.‬‬
‫يف الفص�ل الثالث‪ ،‬نطرح عالقة غير اليهودي الذي يتعرض خلطر م�ا‪ ،‬والطريق الوحيد‬
‫إلنقاذه يتمثل يف قتل غري هيودي آخر‪.‬‬
‫يف الفصل الرابع‪ ،‬ننظر يف مسألة حظر تضحية اليهودي بحياته إلنقاذ غري هيودي‪.‬‬
‫يف الفصل اخلامس‪ ،‬نناقش احلرب وفق ما تعلمناه من الفصول السابقة‪ ،‬لنرى أي فرضيات‬
‫ممكنة يف حاالت خمتلفة أثناء احلرب‪.‬‬
‫يف الفص�ل الس�ادس‪ ،‬نتحدث ع�ن رضورة إيذاء فئة بريئة يف حاالت حمددة‪ ،‬وعن س�بب‬
‫السامح بذلك‪.‬‬
‫يف هناي�ة الكت�اب‪ ،‬نط�رح نتائج كل فص�ل من الفصول الس�ابقة باختصار‪ ،‬وه�ذه النتائج‬
‫حتددت عىل أساس ترتيب الفصول‪.‬‬
‫(ويف الوقت نفسه تساعد عىل فهم الكتاب وترتيبه)‪.‬‬
‫ونؤكد أنه بتطرقنا إىل مسألة احلرب يف هذا الكتاب‪ ،‬فإننا نقصد خوض احلرب يف مواجهة‬
‫أعداء يلحقون بنا األذى (مساعدة اليهودي من يد أعدائه)‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ولن نتطرق إىل قضايا مثل رضورة قتل كل ذكر (كام ورد يف العهد القديم‪ ،‬وبشكل مبسط‬
‫يف حالة احتاللنا ملكان ما‪ ،‬وس�يطرتنا عليه) قتل س�بعة شعوب‪ ،‬أو عامليق‪ ،‬أو الدعوة للسالم‪،‬‬
‫أو إلزام اإلبقاء عىل إحدى اجلهات مفتوحة‪ ،‬أو السماح باخلروج حلرب مل تفرض دين ًّيا (س�واء‬
‫م�ن ناحي�ة اخلطر الذي يتعرض له اليهود الذين خيوضون احلرب‪ ،‬أو من ناحية الرخصة بش�ن‬
‫احلرب ضد غري اليهود)‪ ،‬وغريها من قضايا‪.‬‬
‫تل�ك األح�كام بحاجة إىل املزيد من اإليض�اح (الذي يعتمد بدرجة كبيرة عىل ما ورد يف‬
‫الكتاب)‪ ،‬وهو ما سيحدث الح ًقا بإذن اهلل‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪26‬‬
‫‪‬‬
‫الفصل األول‬

‫حظرقتل غري اليهودي‬

‫س�نناقش يف هذا الفصل إحدى النواهي التي ُفرضت عىل أبناء نوح‪ ،‬والتي تنص عىل أن‪:‬‬
‫«ال تقت�ل»‪ ،‬وال نقص�د بذلك ما ورد يف الوصايا العرش ح�ول حظر قتل اجلوى)*(‪ ،‬وحظر قتل‬
‫اليه�ودي لغير اليه�ودي‪ .‬وتناقش مالحق الفصل بدوره�ا قضية التزام اليه�ود بالرشائع التي‬
‫ُفرضت عىل أبناء نوح‪.‬‬

‫‪ -1‬سفك الدماء بني األغيار‬


‫إح�دى الوصاي�ا الس�بع ألبناء ن�وح)**( هي‪ :‬حظر س�فك الدماء (‪ ،)1‬كام ورد عىل لس�ان‬
‫الرايب موسى بن ميمون(‪ )2‬يف «رشائع امللوك הלכות מלכים)***(»‪( ،‬الفصل التاسع)‪:‬‬
‫[‪ ]1‬لق�د أوىص ال�رب آدم أبا البرش بس�ت وصايا وه�ي‪ :‬االمتناع عن عبادة‬
‫األوث�ان‪ ،‬وع�دم الرشك باهلل‪ ،‬وعدم س�فك الدم�اء‪ ،‬وعدم إتي�ان املحارم‪ ،‬وعدم‬
‫الرسقة‪ ،‬وتسوية اخلالفات بني الناس‪ ...‬ثم أضاف لنوح حظر أكل أي جزء من‬
‫نفس�ا‪ ،‬حت�ى ولو جنينًا يف بطن‬
‫أج�زاء احليوان احلي‪ ]4[ ...‬ابن نوح الذي يقتل ً‬
‫أمه‪ُ ،‬يقتل‪.‬‬
‫)*(  اجلوى גוי‪ :‬وهو أي إنسان ال ينتمي للديانة اليهودية‪ ،‬غري اليهودي‪ ،‬ومجعها اجلوييم גויים‪ ،‬أو األغيار‪.‬‬
‫)**(  الوصايا السبع ألبناء نوح‪ :‬االمتناع عن عبادة األوثان‪ ،‬وعن غشيان املحارم‪ ،‬وعن القتل‪ ،‬وعدم أكل أي جزء من‬
‫أجزاء احليوان احلي‪ ،‬وعدم الرشك باهلل‪ ،‬وعدم الرسقة‪ ،‬وتسوية اخلالفات بني الناس‪.‬‬
‫)***( رشائع امللوك  הלכות מלכים‪ :‬عندما نورد هنا أحد آراء موسى بن ميمون بخصوص أي نوع من الرشائع‪،‬‬
‫دائما أحد أبواب مؤلفه األكرب «مشنيه توراة משנה תורה»‪ ،‬الذي يضم‪ ،‬فيام يضم‪ ،‬رشائع السبت‪ ،‬رشائع‬ ‫فاملقصود ً‬
‫امللوك‪ ،‬رشائع القتل‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫يتعرض الرايب موسى بن ميمون هنا لغري اليهودي الذي يقتل غري هيودي آخر‪.‬‬

‫‪ -2‬ال تقتل‬
‫كتب الرايب موسى بن ميمون يف «رشائع القتل» (الفصل األول)‪ ،‬الترشيع األول‪:‬‬
‫كل م�ن يقت�ل هيود ًّي�ا (‪ )3‬يعد متعد ًي�ا؛ وف ًقا حلظر القتل ال�ذي ورد يف العهد‬
‫القديم‪ ،‬وإذا قتل عمدً ا أمام شهود‪ُ ،‬يقتل بالسيف‪...‬‬
‫ح�ري بن�ا أن نشرح أن مقولة «ال تقتل» يقصد هبا فحس�ب اليهودي ال�ذي قتل هيود ًّيا‬
‫آخ�ر‪ ،‬ولي�س اليهودي الذي قتل غري اليه�ودي‪ ،‬حتى لو كان غري اليهودي م�ن األتقياء(‪ .)4‬يف‬
‫الوقت الذي أكد فيه الرايب إليعيزر مميتس רבי אליעזר ממיץ‪ ،‬يف كتابه «يرائيم יראים)*(»‪ )5( ،‬أن‬
‫قت�ل غير اليهودي ليس ضمن املعاين املقصودة يف مقولة «ال تقتل»‪ .‬كام ورد يف كتاب «منحات‬
‫حينوخ מנחת חינוך )**(»(يف بداية الوصية ‪:)34‬‬
‫حُيظر قتل النفس‪ ،‬كام ورد يف العهد القديم «ال تقتل»‪ ...‬حُيظر قتل غري اليهودي‬
‫أيضا (‪.)6‬‬
‫حتى إذا كان اجلار توشاف גר תושב )***(‪،‬فهو منهي عن قتله ً‬
‫من هنا‪ ،‬هنتم بمقولة «ال تقتل» التي تتيح لنا أن نتعلم حظر قتل غري اليهودي (‪.)7‬‬

‫‪ -3‬القصاص‬
‫أورد الرايب موسى بن ميمون يف اجلزء الثانى من «رشائع القتل»‪ ،‬ما يىل‪:‬‬
‫[‪ ]10‬م�ن قت�ل هيود ًّيا أو عب�دً ا كنعان ًّي�ا)****(‪ُ ،‬يقت�ل‪ ]11[ ...‬أما اليهودي‬
‫ال�ذي قتل (جار توش�اف) ال حُياك�م كام ورد يف العهد القدي�م؛ ألنه حُيظر تعدي‬
‫)*(  «يرئيم יראים»‪ :‬كتاب من تأليف الرايب إليعيزر مميتس רבי אליעזר ממיץ‪.‬‬
‫)**(  «منحات حينوخ מנחת חינוך»‪ :‬أي اهلدية التعليمية‪ ،‬وهو أحد كتب التفاسري اليهودية التي تعرض ً‬
‫رشحا تعليم ًّيا‬
‫لألوامر الـ (‪ )613‬الواردة يف العهد القديم‪.‬‬
‫)***(  اجلار توشاف‪ :‬هو غري اليهودي الذي ال يعبد األوثان‪ ،‬ولكنه ملتزم فحسب بوصايا نوح السبع‪ ،‬أي أنه ال يعترب‬
‫هيود ًّيا باملعنى الكامل‪.‬‬
‫)****(  املقصود بالعبد الكنعاين أو األ َمة الكنعانية‪ :‬هو العبد أو األ َمة التي يشرتهيا هيودي‪ ،‬ووف ًقا للرشيعة اليهودية‬
‫فإن هذا يعد بمثابة نوع من التهويد‪ ،‬وطوال فرتة وجوده لدى اليهودي يكون ملز ًما بمعظم الفرائض الواردة يف‬
‫التوراة‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫شخص عىل شخص آخر‪ ،‬وال توجد رضورة ألن نقول إن قتل غري اليهودي أمر‬
‫حمظور‪ .‬ومن يقتل عبيدً ا آخرين‪ ،‬أو حتى إذا قتل عبده هو‪ُ ،‬يقتل؛ ألنه تعدى عىل‬
‫الوصايا ومرياث الرب‪.‬‬

‫بعب�ارة أخ�رى‪ ،‬اليه�ودي الذي يقتل غير اليهودي‪ ،‬حت�ى ولو كان غير اليهودي جار‬
‫توش�اف‪ ،‬لس�نا ملزمني بتقديم�ه للمحاكمة(‪ .)8‬جار توش�اف هو غري اليه�ودي ليس من حق‬
‫املحكم�ة أن تدينه بالقتل اللتزامه بالوصايا الس�بع(‪ ،)9‬حتى إذا كان م�ن أتقياء الناس (‪ ،)10‬كام‬
‫كتب الرايب موسى بن ميمون يف رشائع حظر املضاجعة (‪:)7 :14‬‬
‫أي أن اجلار توش�اف‪ ،‬هو غري هيودي ريض أال يعبد األوثان‪ ،‬مع حفاظه عىل‬
‫الوصاي�ا التي ُأم�ر هبا أبناء نوح‪...‬إذ إنه قد أخذ عهدً ا عىل نفس�ه بااللتزام بذلك‬
‫فهو من أتقياء الناس‪..‬‬
‫ال جي�وز قت�ل اليه�ودي الذي ارتك�ب جريمة قتل‪ ،‬حتى ولو قتل جار توش�اف‪ ،‬ويش�دد‬
‫ال�رايب موس�ى بن ميمون عىل التفرقة بني اجلار توش�اف وبني العبد الكنع�اين ؛ فالعبد الكنعاين‬
‫هو شخص غري هيودي ريض أن يكون عبدً ا ليهودي‪ ،‬وهو ما يعد بمثابة هتويد؛ مما جيعله ملز ًما‬
‫بمعظم الفرائض الواردة يف التوراة‪ ،‬وبذلك فهو « ُيضاف عىل مرياث الرب)*(» (‪ ،)11‬ما مل يكن‬
‫جار توشاف‪.‬‬
‫على كل حال‪ ،‬يتحدث الرايب موس�ى بن ميم�ون عن العقوبة فحس�ب‪ ،‬لكن بكل تأكيد‬
‫حُيظر قتل اجلار توش�اف‪ ،‬وليس هذا فحس�ب‪ ،‬بل حُيظر قتله حتى وإن مل يأمرنا الرب باحلفاظ‬
‫عىل حياته (كام سريد الح ًقا)‪ .‬وكذا أورد الرايب موسى بن ميمون‪ ،‬بالتحديد يف هذه احلالة‪ ،‬عىل‬
‫أنه ال ُيقدم للمحاكمة‪« :‬ال نقدمه للمحاكمة» – مغزى كالمه أن األمر حمظور‪ .‬كام يشري كتاب‬
‫«كيسيف مشنيه כסף משנה )**(» إىل أن األمر يقترص عىل العقوبة اإلهلية‪.‬‬
‫وهو ما قال عنه حاخامنا من أنه ما مل تتم حماكمته يف الدنيا‪ ،‬فام تبقى هو العقوبة اإلهلية‪.‬‬
‫)*(  ألن الرشيعة اليهودية تعترب اليهود هم مرياث الرب‪ ،‬ولذلك عندما يلتزم العبد الكنعاين بفرائض الرب‪ ،‬يزيد هذا‬
‫من مرياث الرب‪.‬‬
‫)**(  «كيسيف مشنيه כסף משנה»‪ :‬هو كتاب من وضع الرايب يوسف كارو רבי יוסף קארו‪ ،‬وهو أحد املؤلفات التي‬
‫تتناول مؤلف الرايب موسى بن ميمون األكرب «مشنيه توراة משנה תורה»‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ – 4‬أقوال الرابي موسى بن ميمون يف شرائع عبادة األوثان‬
‫كتب الرايب موسى بن ميمون يف «رشائع عبادة األوثان»‪ ،‬اجلزء العارش‪:‬‬
‫سلاما؛ حيث إنه ورد يف العهد القديم ال‬
‫ً‬ ‫[‪ ]1‬ال تقطع عهدً ا‪ ،‬وال تقيم معهم‬
‫سلاما‪ ،‬وال تأخذك هبم ش�فقة أو رمحة‪ ،‬وال تس�اعدهم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تقطع معهم عهدً ا‪ ،‬وال‬
‫ش�خصا من عبدة األوثان يغرق يف هنر‪ ،‬فليرتكه‪ ،‬أو إذا ش�اهده‬‫ً‬ ‫وإذا ش�اهد أحد‬
‫يم�وت‪ ،‬فلا ينقذه‪ ،‬لك�ن ال جيوز دفعه يف البئر أو ما ش�ابه ذلك؛ ألن�ه ليس بيننا‬
‫وبينه حرب‪...‬‬
‫[‪ ]2‬من ذلك تتعلم أنت أنه ال جيوز عالج عبدة األوثان‪ ،‬حتى ولو باألجر‪...‬‬
‫نظرا ألنك ُأمرت باإلبقاء عىل حياته بدون مقابل (‪.)12‬‬
‫وجار توشاف؛ ً‬
‫نستنتج من ذلك أن هناك ثالث (‪ )13‬درجات لغري اليهود‪/‬اجلوييم‪:‬‬
‫‪ -1‬جار توشاف‪ :‬وهو من ترك عبادة األوثان‪ ،‬ولكنه مل يقبل سوى بالوصايا السبع ألبناء‬
‫نوح فحسب‪ ،‬وبالتايل حُيظر قتله‪.‬‬
‫ويظر قتله‬
‫‪ -2‬غير اليهودي ال�ذي ال يدخل معنا يف ح�رب‪ ،‬وحمظور إنقاذه من امل�وت‪ ،‬حُ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -3‬غري اليهودي الذي يدخل معنا يف حرب‪.‬‬
‫يأمرنا الرب باحلفاظ عىل حياة اجلار توش�اف (‪ )14‬ـ كام كتب الرايب موس�ى بن ميمون يف‬
‫الرشيعة الثانية (‪ ،)15‬ورغم أنه ورد بوضوح حظر لقتله (‪ ،)16‬إال أننا جيب أن نفرس أن حظر قتل‬
‫غري اليهودي ال ينسحب عىل اجلار توشاف‪.‬‬

‫‪ -5‬حدود التحريم‬
‫كام جاء يف «مدراش رابا )*(» حول ما ورد يف سفر اخلروج (‪:)14 :21‬‬
‫وإذا بغى إنس�ان عىل صاحبه ليقتل�ه بغدر‪ ،‬فمن عند مذبحي تأخذه للموت»‬
‫يقص�د صاحب�ه بالتحدي�د (‪ .)17‬يقول الرايب إيسي بن عقيفا يف هذا الش�أن‪ :‬قبل‬
‫)*(  مدراش رابا מדרש רבא‪ :‬هو االسم الذي ُيطلق عىل جمموعة املؤلفات التي تتناول أسفار العهد القديم بالتفسري‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫ن�زول التوراة تم حتذيرنا بعدم س�فك الدم�اء‪ ،‬أما بعد نزول الت�وراة‪ ،‬تم ختفيف‬
‫بعض املحظورات‪ ،‬وتم استبدال بعقوبة القتل الدنيوية عقوبة أخروية‪.‬‬
‫يمكنن�ا الق�ول‪ ،‬م�ن خالل كلم�ة «صاحب�ه»‪ ،‬إن م�ن يقتل غري اليه�ودي ال ُيقت�ل(‪.)18‬‬
‫وبع�د ذل�ك‪ ،‬ي�أيت ال�رايب إيسي ب�ن عقيف�ا م�ن جدي�د ليفرق بين م�ا «قبل ن�زول الت�وراة»‪،‬‬
‫عندم�ا كن�ا ضم�ن ذرية ن�وح‪ ،‬وبني «بع�د تلقي الت�وراة»‪ ،‬وج�اء يف كتاب «مريكيفيت مهش�نا‬
‫מרכבת המשנה)*(» ح�ول الفق�رة الت�ي وردت يف «املخيلت�ا מכילתא)**(» التي تق�ول «لقد تم‬
‫ختفي�ف الرشائ�ع»‪ ،‬وبعب�ارة أخرى‪ ،‬ه�ل يعنى هذا أنه يف الوق�ت الذي نزلت في�ه التوراة‪ ،‬قام‬
‫ال�رب تب�ارك وتعاىل بتقلي�ل الوصايا التي كنا نلتزم هب�ا بالفعل‪ ،‬ومن املحظ�ورات التي كانت‬
‫مباحة لنا؟ ولذلك حُيظرعلينا سفك دماء غري اليهودي حتى اآلن‪.‬‬
‫أيضا مم�ا ورد يف «املخيلتا» ح�ول الفقرة التي تق�ول‪« :‬وبالفعل لقد‬‫بن�اء على ذلك‪ ،‬نفهم ً‬
‫قال�وا إن‪ :»...‬على الرغم من أنه حُيظر عىل اليه�ودي قتل غري اليهودي‪ ،‬وكذلك حُيظر عىل غري‬
‫اليه�ودي قتل غري اليهودي‪ ،‬وكام كان الوضع قب�ل تلقي الرشيعة؛ حيث كان ثمة اختالف بني‬
‫اليهودي وغري اليهودي‪ :‬غري اليهودي الذي يقتل غري اليهودي يستحق القتل‪ ،‬بيد أن اليهودي‬
‫ال�ذي يقترف نفس اإلث�م ال ُيقتل‪ :‬ألنه بع�د تلقي الرشيعة ص�ار اليهودي ملز ًم�ا باألوامر الـ‬
‫‪ (***)613‬ال�واردة يف الت�وراة‪ ،‬ومن أجل معاقبة ش�خص ملتزم هب�ذه األوامر‪ ،‬جيب أن يكون‬
‫ق�د ارتكب جريمة خطرية‪ ،‬وال يمكننا أن نكتفي بالوصايا الس�بع ألبن�اء نوح وما تضمنته من‬
‫عقوب�ات(‪ .)19‬ولذلك فإن اليهودي الذي يقتل غري اليهودي ال يمكن قتله‪ ،‬و«حس�ابه مرتوك‬
‫إلله السموات»(‪.)20‬‬
‫ولق�د تعلمن�ا من أقوال إييس ب�ن عقيفا يف «املخيلتا»‪ ،‬من أنه حُيظ�ر عىل اليهودي قتل غري‬
‫أيضا‬
‫اليه�ودي‪ ،‬وهو احلظ�ر الذي ينبع من حتريم القتل عىل أبناء نوح‪ ،‬لق�د تعلمنا من هذا أننا ً‬
‫ملزم�ون هب�ذا احلظر (‪ .)21‬ولكن احلظر اخلاص الذي ُأضيف م�ن أجلنا‪ ،‬أي «ال تقتل»‪ُ ،‬يقصد‬
‫به قتل اليهودي فحسب‪ ،‬ولذلك يمكن توقيع عقاب خمفف عليه‪ ،‬كام ورد يف املثال السابق من‬
‫خالل كلمة «صديقه»(‪.)22‬‬
‫)*(  «مريكيفيت مهشنا מרכבת המשנה»‪ :‬أحد الكتب التي تم تأليفها حول مؤلف موسى بن ميمون األكرب «مشنيه توراة‬
‫משנה תורה»‪ ،‬الكتاب من وضع الرايب شلومو حملم רבי שלמה מחלם‪.‬‬
‫)**(  «خميلتا מכילתא»‪ :‬هو أحد كتب التفاسري الكربى التي تتناول أسفار التوراة اخلمسة بالرشح‪.‬‬
‫)***(  املقصود بذلك عدد الفرائض الواردة يف التوراة‪ ،‬والتي تم إلزام اليهود هبا‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ -6‬ليس مثة شيء مباح لليهود وحمظور على غري اليهود‬
‫أيضا‪ ،‬بالوصايا الس�بع املفروضة عىل‬
‫يرج�ع هذا يف األس�اس إىل أن اليه�ود ملزمون‪ ،‬هم ً‬
‫أبناء نوح‪ ،‬وهو نفس املعنى الوارد يف السنهدرين)*( يف اجلامرا (‪:)1 :59‬‬
‫وحمظورا عىل غري اليهودي‪.‬‬
‫ً‬ ‫مباحا لليهودي‬
‫ليس ثمة دليل عىل أن هناك شي ًئا ً‬
‫وحمظ�ورا عىل عبدة‬
‫ً‬ ‫مس�موحا لليهود‬
‫ً‬ ‫[ تفسير رايش )**(] مل ي�رد يشء يؤكد أن ثمة ش�ي ًئا‬
‫األوثان؛ألن تفضيلهم عىل بقية البرش ال يعنى ختفيف الفرائض عليهم‪.‬‬
‫وهذا بالضبط ما ورد يف «املخيلتا»‪« :‬لقد تم ختفيف الرشائع» (‪.)23‬‬
‫ش�دد الرايب موس�ى بن ميمون عىل هذا املبدأ‪ ،‬من أن اليهود ملتزمون بالوصايا الس�بع‪ ،‬يف‬
‫بداية حديثه حول الوصايا السبع (يف بداية الفصل التاسع من «رشائع امللوك»)‪:‬‬
‫لق�د أوىص ال�رب آدم أب�ا البشر بس�ت وصاي�ا‪ ،‬وه�ي‪ :‬االمتناع ع�ن عبادة‬
‫األوث�ان‪ ،‬وع�دم الرشك باهلل‪ ،‬وعدم س�فك الدم�اء‪ ،‬وعدم إتيان املح�ارم‪ ،‬وعدم‬
‫الرسقة‪ ،‬وتس�وية اخلالفات بني الناس‪ ...‬وعىل الرغم من أننا بالفعل تلقينا مجيع‬
‫ه�ذه الرشائع عن طريق س�يدنا موس�ى‪ ،‬غري أن هن�اك تأكيدً ا عىل ه�ذه الرشائع‬
‫بالتحدي�د م�ن بني س�ائر الرشائع التوراتي�ة‪ ،‬وأضيف ألبناء ن�وح حظر أكل أي‬
‫ج�زء م�ن أج�زاء احليوان احلي‪ ،‬كما ورد يف العه�د القديم أن «ال تأكل�وا حيوانًا‬
‫ح ًّيا»‪ ،‬وهذا من أجل املحافظة عىل نس�ل نوح من خالل الوصايا السبع‪ ،‬واستمر‬
‫األمر عىل هذه الصورة حتى جميء إبراهيم‪ ،‬الذي ُأمر بنفس الوصايا بزيادة كلمة‬
‫واح�دة‪ ،‬وهي صالة الفجر‪ ،‬وقام إس�حاق بتحديد عرش وصاي�ا‪ ،‬وأضاف إليها‬
‫صلاة أخرى قبي�ل طلوع الش�مس‪ ،‬ثم أضاف يعق�وب رشيعة «عرق النس�ا»‪،‬‬
‫وأدى صلاة العش�اء‪ ،‬ويف مرص ُأمر (عم�رام עמרם)***() بوصايا إضافية‪ ،‬حتى‬
‫جاء موسى واكتملت التوراة عىل يديه (‪.)24‬‬
‫)*(  سنهدرين סנהדרין‪ :‬هي أكرب هيئة قضائية كانت خمتصة بالنظر يف الشئون الدينية‪ ،‬وترد كل التفاصيل بشأهنا يف‬
‫الفصل الذي حيمل االسم نفسه‪ ،‬وهو الفصل الرابع من الكتاب الرابع من الكتب الست التي تكون التلمود‪.‬‬
‫)**(  هو الرايب شلومو بن يتسحاق רבי שלמה בן יצחק (‪ ،)1105 – 1040‬حاخام فرنيس له مكانة حمورية يف الديانة‬
‫اليهودية‪ ،‬فهو أكرب مفرسي العهد القديم والتلمود‪.‬‬
‫)***(  عمرام עמרם‪ :‬بحسب العهد القديم‪ ،‬هو والد نبي اهلل موسى‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫بعب�ارة أخ�رى‪ ،‬ف�إن الوصايا الس�بع تع�د بمثاب�ة إرهاصات للرشيع�ة‪ ،‬التي قام موس�ى‬
‫باس�تكامل تلقيها ـ بدون إلغاء الوصايا الس�ابقة هلا‪ ،‬والتي كنا ملزمني هبا من قبل(‪ )25‬ـ إ ًذا فإنه‬
‫حمظورا علينا قتل غري اليهودي قبل تلقي الرشيعة‪ ،‬فاحلظر يمتد كذلك بعد تلقيها‪.‬‬
‫ً‬ ‫إذا كان‬

‫‪ -7‬قياسات أخرى‬
‫باس�تثناء حظ�ر قت�ل غري اليه�ودي ال�وارد يف الت�وراة؛ ألن هذا س�يؤدى إىل «س�فك دم‬
‫اإلنس�ان»ـ رأينا أن نقتبس مما أورد احلكامء يف «تنا دابى إلياهو תנא דבי אליהו )*(»‪( ،‬من طبعة‬
‫ايش ش�الوم‪ -‬الفقرة ‪ ،)26‬حول حتريم قتل األغي�ار ملا ينطوي ذلك عىل إهانة للرب‪ ،‬وأن من‬
‫يقتل غري اليهودي‪ ،‬يعد كمن قتل هيود ًّيا يف هناية األمر‪.‬‬
‫‪َ ...‬من يسفك دم غري اليهودي‪ ،‬هو يف هناية األمر سافك دم هيودي‪ ،‬ومل مُتنح الرشيعة من‬
‫أجل ذلك‪ ،‬بل من أجل تقديس الرب تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫وعلى غرار هذا املث�ال‪ ،‬توجد عدة رشائع ُم ِ‬
‫لزمة بأال نلح�ق األذى باألغيار (حتى هؤالء‬
‫الذين يتعدون عىل الوصايا الس�بع ألبناء نوح‪ ،‬والذين يس�تحقون القتل كام سيتضح يف الفصل‬
‫الث�اين)‪ ،‬وذل�ك من أجل عدم تدنيس اس�م ال�رب (‪ .)26‬وهناك عدة أوام�ر وردت يف عدد من‬
‫املصادر من أجل منع الضغينة ونرش احلق(‪ ،)27‬وإفشاء السالم(‪.)28‬‬
‫وال شك جيب علينا يف قضية حتريم قتل غري اليهودي‪ ،‬أن نأخذ بعني االعتبار هذه األهداف‬
‫بام يتفق والواقع‪.‬‬

‫‪ -8‬ملخص‬
‫‪ -1‬حُيظر عىل غري اليهودي قتل صديقه‪ ،‬وإن قتل ُيقتل‪.‬‬
‫‪ -2‬مقولة «ال تقتل»‪ُ ،‬يقصد هبا اليهودي فحسب الذي يقتل هيود ًّيا‪.‬‬
‫‪ -3‬اليهودي الذي يقتل غري اليهودي‪ ،‬لسنا مضطرين لقتله‪.‬‬
‫‪ -4‬حظ�ر قتل اليه�ودي لغري اليه�ودي نابع من أنه حُيظ�ر عىل غري اليه�ودي أن يقتل غري‬
‫اليهودي‪ ،‬بعبارة أخرى‪ :‬كام ورد يف هذه الفقرة «سافك دم اإلنسان»؛ ألنه «ال يوجد‬
‫ما هو مسموح لليهود وحمظور عىل غري اليهود»‪.‬‬
‫)*(  تنا دابى إلياهو תנא דבי אליהו‪ :‬هو أحد املؤلفات التي تُنسب للنبي إلياهو‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫امللحق األول‬
‫مباحا لليهود وحمظو ًرا على األغيار‬
‫مل يرد أن هناك أم ًرا ً‬

‫ذكرن�ا يف مت�ن الفص�ل األول أن حظر قتل األغي�ار ينبع من حظر قتل غير اليهودي لغري‬
‫اليهودي‪ ،‬ألنه‪« :‬مل يرد يشء مباح لليهود وحمظور عىل األغيار»‪.‬‬
‫كام سنسهب أكثر يف هذا امللحق يف ذكر املصادر والدروس املستفادة التي تعلمناها من‬
‫تلك األحكام‪.‬‬
‫ورد يف السنهدرين يف اجلامرا (‪ )1 :75‬ما يىل‪:‬‬
‫ق�ال «ال�رايب ي�ويس רבי יוסי )*(»‪ :‬إن أي رشيعة ُفرضت على أبناء نوح وتم‬
‫ذكرها يف س�يناء‪ ،‬ه�ي رشيعة ملزمة جلميع البرش‪ .‬أم�ا إذا ُفرضت عىل أبناء نوح‬
‫ومل يرد ذكرها يف سيناء‪ُ ،‬يقصد هبا اليهود وحدهم دون بقية البرش‪...‬‬
‫كما قال‪ :‬أي رشيعة ُفرضت عىل أبناء نوح وتم ذكرها يف س�يناء‪ ،‬هي رشيعة‬
‫ملزم�ة جلميع البرش‪ .‬وعىل النقيض‪ ،‬فإن الرشيعة التي تكررت يف س�يناء‪ُ ،‬يقصد‬
‫هب�ا هم اليهود وحدهم دون بقية البرش‪ ،‬بي�د أن اليهود واألغيار ملتزمون بعقوبة‬
‫عب�ادة األوث�ان‪ .‬أما الرشائع التي ُفرضت عىل أبناء نوح ومل يرد ذكرها يف س�يناء‪،‬‬
‫املقص�ود هب�ا اليهود وحدهم‪ ،‬وعلى النقيض من ذلك‪ ،‬ما مل يرد ذكره يف س�يناء‪،‬‬
‫ُيقصد به أبناء نوح فحسب‪.‬‬
‫وحمظورا عىل األغيار‪ ،‬وإذا قيل إن هذا غري‬
‫ً‬ ‫مسموحا لليهود‬
‫ً‬ ‫مل يبلغ إىل علمنا أن ثمة ش�ي ًئا‬
‫صحيح‪ ،‬فامذا عن حالة املرأة التي تؤخذ أسرية يف احلرب؟‬
‫)*(  الرايب يوسى רביי יוסי‪ :‬من األمورائيم‪ ،‬وقد عارص اجليل الثالث هلم‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫أدرك�ت اجلامرا أن الوصايا الت�ي وردت قبل تلقي الرشيعة ومل تتكرر بعد ذلك‪ُ ،‬يقصد هبا‬
‫نظرا ألنه ال‬
‫اليهود وحدهم ؛ ألنه يستحيل القول بأن تلك الوصايا ُيقصد هبا األغيار فحسب‪ً ،‬‬
‫توجد رشائع ُيقصد هبا األغيار وحدهم‪ ،‬فكل ما ُأمر به األغيار ملزم لليهود‪.‬‬
‫وتتش�دد اجلامرا يف هذه النقطة استنا ًدا إىل حكمي‪ :‬أسرية احلرب (إيشيت يفات توئار)*()‬
‫وحكم الرسقة‪ ،‬وحتدثنا دائماً التوراة عن وجود اختالف بني اليهود واألغيار فيام يتعلق باملسموح‬
‫واملحظور‪ ،‬بيد أن ليس ثمة اختالف يف جوهر اإللزام بالرشائع‪.‬‬
‫ون�رى من خالل الفقرة الت�ي أوردناها من اجلامرا‪ ،‬أن مجلة «ليس ثمة يشء يؤكد أن هناك‬
‫وحمظورا عىل األغيار»‪ ،‬تعد فرضية بس�يطة‪ ،‬يمكن وف ًق�ا هلا أن تقرر اجلامرا‬
‫ً‬ ‫مباح�ا لليهود‬
‫أم�را ً‬
‫ً‬
‫كيف يمكن دراسة الفقرات املختلفة‪.‬‬
‫وترد نفس هذه الفرضية يف موضعني آخرين يف السنهدرين يف الصفحة اخلامسة واخلمسني‪،‬‬
‫الفقرة األوىل‪:‬‬
‫ُس�ئل الرايب شيش�يت‪ :‬ما ه�و حكم غري اليه�ودي الذي يضاج�ع هبيمة؟‪...‬‬
‫فأج�اب قائًل�اً ‪ :‬م�اذا قالت الت�وراة عن الش�جرة الت�ي ال يؤكل م�ن ثامرها‪ ،‬وال‬
‫نش�تم منها راحة طيبة‪ ،‬أمل تقل «دمروها‪ ،‬احرقوها‪ ،‬اقضوا عليها»؟ ألهنا تتسبب‬
‫لإلنسان يف رضر ربام يؤدى إىل موته‪.‬‬
‫قياس�ا على ذل�ك‪ ،‬فإن غري اليه�ودي الذي يضاجع هبيم�ة‪ُ ،‬يعاقب كالمه�ا بالرجم حتى‬ ‫ً‬
‫املوت‪ ،‬أما عن سبب قتل البهيمة‪ ،‬فذلك ألهنا تسببت يف قتل غري اليهودي‪ ،‬لكنها مل تتسبب له‬
‫يف خ�زي وعار؛ ألن هذا ه�و دين األغيار‪ ،‬فهم يضاجعون البهائ�م وال خيجلون من ذلك‪ .‬أما‬
‫اليهودي الذي يضاجع هبيمة يف املقابل‪ ،‬فإنه يلحق به العار واخلزي إىل جانب أنه سيفقد حياته‬
‫بسببها‪.‬‬
‫ويؤك�د الرايب أبي�ي)**( هذا عندما يقول إن «هذا عاره كبري‪ ،‬وذلك عاره قليل» ثم ُس�ئل‬
‫احلاخ�ام راب�ا‪ :‬ملاذا يف حالة اليهودي الذي يس�جد لبقرة‪ُ ،‬يقتل الش�خص وال تُقت�ل البقرة‪ ،‬أمل‬
‫تتسبب له يف رضر تستحق عليه املوت؟‬
‫)*(  املقصود هي املرأة التي تؤخذ يف احلرب من العدو‪ ،‬وتتحدث العبارة عن احلالة التي يرغب فيها أحد أفراد اجليش‬
‫املنترص أن يتزوج هذه املرأة‪ ،‬ولذلك فالتوراة تنظم هذه العملية بحيث حتفظ هلا حقوقها‪.‬‬
‫)**( الرايب أبيي‪ ،‬يعرف باسم نحامين (‪ 338-280‬ق‪.‬م)‪ ،‬وينتمي للجيل الرابع من األمورائيم‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫فأجاب‪ :‬يف حالة مضاجعة البهيمة‪ ،‬فإهنا بخالف الرضر الذي تس�ببت فيه‪ ،‬قد استمتعت‬
‫بالذنب املرتكب‪ ،‬وهو ما مل حيدث يف حالة سجود اليهودي هلا‪.‬‬
‫تري�د اجلمارا أن نتعلم من حكم الش�جرة التي ت�م عبادهتا كام تُعبد األوث�ان‪ ،‬والتي تقول‬
‫أيضا تُقتل‪ .‬لكن اجلامرا‬
‫الت�وراة إننا جي�ب أن نضحي هبا‪ ،‬إن البهيمة التي يعبدها غري اليهودي‪ً ،‬‬
‫تقول إن هذا ليس ممكنًا؛ ألنه معروف لنا أن البهيمة التي يمتلكها اليهودي والتي تم عبادهتا كام‬
‫تُعب�د األوث�ان‪ ،‬ال تُقتل(‪ ،)29‬وال حُيتمل أنه يوجد يشء مباح لليهود (أي أن يظل يملك البهيمة‬
‫التي تم عبادهتا)‪ ،‬وحمظور عىل األغيار (‪ )30‬؛ ولذلك يس�تمر كال احلاخامني يف الفقرة الس�ابقة‬
‫يف تفسير ـ كل منهام بطريقته ـ الس�بب يف أن ثمة فار ًقا بني الش�جرة والبهيمة‪ ،‬وأن البهيمة ال‬
‫تُقتل‪ ،‬س�واء كانت لدى هيودي أو لدى أحد األغيار‪ .‬وهنا اجلامرا تعلمنا حكم الرشيعة من أنه‬
‫ال يمكن أن يكون هناك أمر مباح إلرسائيل وحمرم عىل األغيار‪.‬‬
‫أيضا يف اجلامرا‪:‬‬
‫وحول نفس النقطة ورد ً‬
‫وقال الرايب إليعيزر‪ ،‬قال الرايب حنينا‪ :‬ابن نوح الذي ضاجع زوجته من الدُّ ُبر‬
‫ـ هو مذنب‪ ،‬كام ورد‪« :‬وتعلق بامرأته» ـ ال «عىل غري عادته»‪ .‬قال احلاخام رابا‪:‬‬
‫مباحا‪ ،‬ولألجنب�ي غري مباح (‪ ،)31‬لكن�ه ورد‪ :‬ابن نوح‬‫ال يوج�د يشء إلرسائي�ل ً‬
‫الذي ضاجع زوجة صديقه من الدُّ ُبر ـ غري مذنب‪ ،‬فقد ورد أن «وتعلق هبا »– ال‬
‫«غري عادهتا»‪.‬‬
‫وتعلمن�ا اجلمارا من فرضية «مل ي�رد يشء» أنه ال يمكن القول إن�ه حُيظر عىل غري اليهودي‬
‫مضاجعة زوجته من الدُّ ُبر‪ ،‬ولذلك من الرضوري أن نقول إن أقوال الرايب حنينا هي للتخفيف‬
‫عن األغيار‪ ،‬وليس حلظر األمر عليهم أكثر من اليهود‪.‬‬
‫يف اجلامرا يف فصل حولني (‪ )1:33‬تظهر هذه القاعدة يف سياق آخر‪:‬‬
‫وف ًق�ا مل�ا تقدم‪ ،‬قال الرايب ش�معون بن لقي�ش)*(‪ :‬إذا ذبح�ت القصبة اهلوائية‬
‫اخلاصة بالبهيمة‪ ،‬وبعد ذلك أحدث ثقب يف الرئتني – فهي صاحلة لألكل (يقول‬
‫رايش‪ :‬ألن الرئتني ترتبطان بالقصبة اهلوائية‪ ،‬وحينئذ يبدو األمر كام لو أهنا ُانتزعت‬
‫ووضعت يف سلة‪ ،‬ومل تقرتب منها هبيمة أخرى)‪...‬‬ ‫بالكامل من البهيمة ُ‬
‫)*(  الرايب شمعون بن لقيش רבי שמעון בן לקיש‪ ،‬أو ريش لقيش ריש לקיש‪ :‬من كبار أمورائيي اجليل الثاين يف فلسطني‪،‬‬
‫ً‬
‫تلميذا للرايب يوحانان‪.‬‬ ‫وكان‬

‫‪36‬‬
‫قال الرايب أحا بار يعقوب )*( إننا نتعلم مما قاله الرايب شمعون بن لقيش أنه‪ :‬يمكن دعوة‬
‫هي�ودي لي�أكل من األحش�اء‪ ،‬أما غري اليهودي فال ؛ ما هو مغزى األم�ر؟ إن األمر لدى اليهود‬
‫يتعلق بمس�ألة الذبح نفس�ها‪ ،‬أما األغيار فإهنم يكتفون بطعن احليوان (أي يف أحشائه) بطريقة‬
‫تنايف الدين؛ لذا فإنه ُيعترب حلم حي‪.‬‬
‫قال الرايب بابيه )**( إن الرايب أحا بار يعقوب يتحدث هنا عن قاعدة «مل يرد يشء‪.»..‬‬
‫حتدثن�ا يف «الربايت�ا» ع�ن رأي خيتلف مع ما ذهب إليه الرايب أحا ب�ار يعقوب‪ :‬من يريد أن‬
‫ي�أكل م�ن حلم هبيمة قب�ل أن تلفظ أنفاس�ها‪ ،‬عليه أن يقطع م�ن حلمها جز ًءا بحج�م الزيتونة‪،‬‬
‫ويق�وم بتنظيف�ه ومتليحه جيدً ا‪ ،‬ثم ينتظر حت�ى خترج روح البهيمة ثم يأكلها‪ ،‬وينس�حب األمر‬
‫عىل اليهود واألغيار‪.‬‬
‫وحيدثنا الرايب إيدي بار افني‪ ،‬عن أن الرايب يتس�حاق باراش�يان يقول األمر نفس�ه ملن يريد‬
‫العالج‪.‬‬
‫تورد اجلامرا حالة يف الفقرة السابقة‪ ،‬يعتقد خالهلا الرايب أحا بار يعقوب أن اللحم املحرم‬
‫أكله عىل غري اليهود‪ ،‬مسموح به لليهود‪ .‬ويشري الرايب بابيه أنه ألول وهلة هناك صعوبة يف تقبل‬
‫ه�ذا األم�ر؛ ألن القاعدة الرشعية تقول إنه ليس ثمة يشء حمظور عىل األغيار يمكن السماح به‬
‫لليهود‪ ،‬لكن يبدو أنه يمكن قبول هذا لوجود مغزى ال بأس به هنا‪ ،‬وكام يرشح الرايب ش�لومو‬
‫بن أديرت)***(‪:‬‬
‫وألن املغ�زى ال�ذي قال�ه‪ ،‬ال عالقه له بمقول�ة «ال يوج�د يشء»‪ ،‬كام ورد يف‬
‫الس�نهدرين «مل ي�رد أن ثم�ة ش�يئًا حاللاً عىل إرسائي�ل ً‬
‫حراما على األغيار» فهو‬
‫أيضا «وها هي أسيرة احلرب مباحة إلرسائيل وحمرمة عىل‬ ‫خيربنا باملغزى بإجياز‪ً ،‬‬
‫األغيار»‪ ،‬ويضيف «هذا ألهنم غري ملتزمني بوصية احتالل األرض» )****(‪.‬‬
‫ويمكن القول إن‪ :‬واقعة األحش�اء التي يذكرها الرايب أحا بار يعقوب تتش�ابه مع حكم‬
‫)*(  الرايب أحا بار يعقوب רבי אחא בר יעקב‪ :‬من حكامء اليهود يف بابل (األمورائيم)‪.‬‬
‫)**(  الرايب بابيه רב פפא‪ :‬من حكامء اليهود يف بابل (األمورائيم)‪.‬‬
‫)***(  الرايب شلومو بن أديرت‪ :‬من كبار رشاح العهد القديم والتلمود‪ ،‬وهو مؤلف كتاب األسئلة واألجوبة يف القرن‬
‫الرابع عرش امليالدي‪.‬‬
‫)****(  بحسب الرايب موسى بن نحامن‪ ،‬فإن اليهودي ملزم من ِق َبل ربه بعدم ترك أرض إرسائيل يف أيدى األغيار‪،‬‬
‫وأهنم مأمورون عىل طول الزمان باحتالهلا‪ ،‬أي استعادهتا‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫أسرية احلرب‪ ،‬والذي يوجد فيه فرضية خاصة تفرق بني اليهود واألغيار ؛ ومنه نصل إىل إباحة‬
‫ونظرا ألهنم يقيس�ون هبذه الطريقة‬
‫األم�ر لليه�ود؛ وذلك ألنه ثم�ة حكم للذبح لدى اليه�ود‪ً ،‬‬
‫موت البهيمة أي بحس�ب س�اعة الذبح‪ ،‬ال بحسب س�اعة املوت؛ وبالتايل نستنتج أن األحشاء‬
‫ال تُع�د يف ه�ذه احلال�ة حلًم�اً ح ًّي�ا؛ وهكذا وجدنا أن�ه ليس ثمة أم�ر مباح لليه�ود وحمظور عىل‬
‫األغيار(‪.)32‬‬
‫عىل أيه حال‪ ،‬فإن استنتاج اجلامرا ينطوي عىل معنى مفاده أن رأي الرايب أحا بار يعقوب مل‬
‫أيضا لألغيار‪ ،‬ولذلك فنحن لسنا بصدد واقعة حتتوى عىل‬‫تقبله الرشيعة‪ ،‬وأن هذا اللحم مباح ً‬
‫أمر مباح لليهود وحمظور عىل األغيار (‪.)33‬‬
‫يف ه�ذه احلال�ة‪ ،‬فإننا نرى أنه ليس ثمة خالف حول قاعدة «ال يوجد يشء مباح إلرسائيل‬
‫وحمظور عىل األغيار»‪.‬‬
‫ونضيف عىل ذلك فنقول‪ :‬إن الفقرات التي وردت يف اجلامرا بش�أن س�فك دماء‪ ،‬مل يكن‬
‫أيضا عىل اليهود‪ .‬وهو ما تقوله اجلامرا يف الس�نهدرين‬
‫مقص�ود هبا األغيار فحس�ب‪ ،‬بل تنطبق ً‬
‫ِ‬
‫املطارد لدى اليهود‪:‬‬ ‫(‪ )2:72‬يف الفقرة التي تناقش أحكام‬
‫ِ‬
‫املط�ارد ال�ذي كان يط�ارد صاحب�ه ليقتل�ه‪ ،‬يقال ل�ه‪ :‬إنه هي�ودي مثلك وهو‬
‫نصريك‪ ،‬والتوراة تقول‪« :‬سافك دم اإلنسان باإلنسان ُيسفك دمه»‪.‬‬
‫أيض�ا‪ ،‬ونزول الت�وراة مل يعفهم م�ن التزامهم‬
‫ومعن�ى ه�ذا أن احلكم يسري عىل اليهود ً‬
‫بوصايا أبناء نوح‪.‬‬
‫ورد األمر نفس�ه يف تفسير س�فر اخلروج يف مدراش رابا؛ حيث يدرك املفرس وجود حظر‬
‫أيضا‬
‫إلزهاق اإلنس�ان لروحه يف الفق�رات التي تتعلق بأبناء نوح‪ ،‬ويعنى ه�ذا أن األمر يتعلق ً‬
‫باليهود‪.‬‬
‫واعترب كتاب «أرحوت حاييم» وكتاب «رابينو أشير» )*( احلكم الوارد يف املدراش بمثابة‬
‫)**(‬
‫ترشي�ع يؤكد أن احلظر يسري عىل بني إرسائيل كذلك‪ .‬وكذلك أورد «هابيت يوس�يف»‬
‫)*(  راينيو أشري بن حييئيل‪ :‬من أوائل الرشاح يف القرن الرابع عرش‪.‬‬
‫)**(  كتاب هيتم بتفسري رشائع التلمود‪ ،‬وهو للرايب يوسف كارو רבי יוסף קארו (‪1575 – 1488‬م)‪ :‬من كبار حكامء‬
‫اليهود عىل مر العصور‪ ،‬وواضع كتاب «شوحلان عاروخ שולחן ערוך»‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫ه�ذا احلظ�ر (ب�ل وأورد اخلالف الدائر حول املس�ألة‪ ،‬وكي�ف يمكننا أن نفه�م رأي املدراش)‬
‫واألمر نفسه يف «سفتي كوهني» )*( (‪.)34‬‬
‫أيضا عىل‬
‫وكام فرس لنا الرايب موسى بن ميمون أن الفقرات التي حتظر قتل أبناء نوح سارية ً‬
‫بني إرسائيل‪ ،‬هكذا كتب يف (رشائع القتل ‪:)3-2:2‬‬
‫لكن من استأجر قاتلاً ليقتل صاحبه‪ ،‬أو أرسل عبيده لقتله‪ ،‬أو من قام بتقييد‬
‫صاحبه ووضعه أمام حيوان مفرتس‪ ،‬أو ما ش�ابه‪ ،‬فلقي حتفه‪ ،‬وكذلك من يقتل‬
‫دما وارتكبوا ذنب القتل‪ ،‬وعقوبتهم ساموية ال دنيوية‪.‬‬
‫نفس�ه‪ ،‬كل هؤالء سفكوا ً‬
‫وكيف يكون هذا هو احلكم‪ ،‬أمل يقل النص «س�افك دم اإلنسان باإلنسان ُيسفك‬
‫شخصا ناب عنه‪« ،‬وأطلب أنا دمكم ألنفسكم»‬ ‫ً‬ ‫دمه»؟ إنه هو القاتل نفسه وليس‬
‫ـ إن�ه القاتل نفس�ه‪« ،‬م�ن يد كل حي�وان أطلبه» ـ ه�ذا الذي يض�ع صاحبه أمام‬
‫حيوان ليفرتس�ه‪« ،‬من يد اإلنس�ان أطلب نفس اإلنس�ان» ـ وذلك الذي يستأجر‬
‫آخرين لقتل صاحبه‪ ،‬ويف تفسري الفقرات وردت يف ثالثتهم صيغة طلب؛ لذا فإن‬
‫حساهبم مرتوك للسامء‪.‬‬
‫إ ًذا نح�ن ن�رى أن الرايب موس�ى بن ميم�ون توصل إىل بعض التفاصي�ل التي ختص حظر‬
‫حمظورا عليهم ـ فهو‬
‫ً‬ ‫حمظورا عىل أبناء نوح‪ ،‬وفهم ببس�اطة أنه لو كان‬
‫ً‬ ‫القت�ل‪ ،‬م�ن خالل ما كان‬
‫حمظور عىل بني إرسائيل كذلك (‪.)35‬‬
‫حمظورا عىل أبن�اء نوح‪ ،‬وهو قتل‬
‫ً‬ ‫ثم�ة أمر آخ�ر نتعلم منه وجود احلظر من خلال ما كان‬
‫اجلنين‪ .‬ومص�در حظ�ر قتل اجلنين يف اجلامرا هو م�ا قيل ألبناء ن�وح‪ ،‬كام جاء يف الس�نهدرين‬
‫(‪:)2 :57‬‬
‫وجد الرايب أحا بار يعقوب أنه ورد يف كتاب حكايات حاخامنا‪ :‬أن ابن نوح‬
‫بقاض واحد‪ ،‬وبش�اهد واحد‪ ،‬وبدون س�ابق إنذار‪ ،‬وهذا الش�اهد جيب أن‬‫ٍ‬ ‫ُيقتل‬
‫يكون رجلاً ‪ ،‬وليس امرأة حتى ولو كانت من أقربائه‪ .‬ويقول الرايب يشمعئيل)**(‪،‬‬
‫وأيض�ا اجلنني‪ ،‬ويتس�اءل عن مصدر هذا الكالم؟‪ ،‬فيحدثن�ا الرايب هيودا فيقول‪:‬‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫بقاض واحد‪،‬‬ ‫إن النص التوراتى يقول «وأطلب أنا دمكم ألنفس�كم»ـ حتى ولو‬
‫)*(  تفسري مشهور لكتاب «شوحلان عاروخ»‪ ،‬كتبه شبتاي كوهني يف القرن السابع عرش‪.‬‬
‫)**(  الرايب يشمعئيل‪ :‬من كبار حكامء اليهود يف فرتة اهليكل الثانى وصاحب كتاب «الربايتا»‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫«من يد كل حيوان» ـ أي حتى ولو بدون سابق إنذار‪« ،‬وأطلبه ومن يد اإلنسان»‬
‫ـ حتى ولو بش�هادة ش�اهد واحد‪« ،‬من يد رجل» ـ وليس من يد امرأة‪َ ،‬‬
‫«أخيه» ـ‬
‫وأيضا اجلنني‪.‬‬
‫حتى من أقارب العائلة؛ ألن الرايب يشمعئيل يقول‪ً ،‬‬
‫ما هو مقصد الرايب يشمعئيل؟ إن النص يقول‪« :‬سافك دم اإلنسان باإلنسان‬
‫ُيس�فك دمه»‪ ،‬أي ش�خص مع شخص آخر ‪ -‬وكان سيقول‪ :‬حتى لو كان جنينًا‬
‫يف بطن أمه‪.‬‬
‫ويتضح يف التوسافوت )*( أنه عىل الرغم من أن اليهودي ال ُيعاقب بالقتل إذا قتل جنينًا‪،‬‬
‫فإن األمر حمظور بسبب ما ُحظر عىل أبناء نوح‪.‬‬
‫واألمر نفسه يتضح لدى كثري من احلكامء األواخر(‪ ،)36‬كام نجد بشكل موجز يف «نشمت‬
‫أفراهام» )**(‪:‬‬
‫وف ًقا للحكامء األوائل واألواخر‪ ،‬فإن التوراة حتظر قتل اجلنني‪ ،‬طاملا ال يوجد‬
‫خط�ر أو ش�بهة خطر عىل امل�رأة احلبىل‪ .‬وكذلك كتب يل احلاخ�ام أورباخ‪ ،‬أطال‬
‫مس�موحا‬
‫ً‬ ‫اهلل بقاءه‪« :‬بام أن ابن نوح ُيعاقب بالقتل عن اجلنني‪ ،‬فلامذا يكون األمر‬
‫لليهودي‪ ،‬بينام يتم عقاب ابن نوح بالقتل»‪ ،‬وإىل هنا نص كالمه !‬
‫ووجدن�ا يف مواضع عدي�دة يف أقوال احلكامء األوائل (‪ )37‬واملحدثين (‪ )38‬فرضية «مل يرد‬
‫يشء» بمنتهى الوضوح‪ ،‬وكذلك أوردوا حتديثات ترشيعية عىل هذه الفرضية‪.‬‬
‫جدي�ر بالذك�ر‪ ،‬أننا وجدن�ا يف مواضع عدي�دة‪ ،‬أن قاعدة «مل يرد يشء» ليس�ت صحيحة‬
‫)***(‬
‫بشكل مطلق‪ .‬عىل سبيل املثال‪ :‬يف تفسريات سفري العدد والتثنية لفقرة «وال تأكل النفس‬
‫مع اللحم» (تثنية ‪.)23 :12‬‬
‫وال تأكل النفس مع اللحم ـ هذا عضو من جسد حي‪ .‬واحلكم الرشعي يقول‪:‬‬
‫وحمظورا على بني إرسئيل‪،‬‬
‫ً‬ ‫مباحا لبن�ي نوح‬
‫كي�ف يك�ون أكل اللحم م�ع اللبن ً‬
‫)*(  «توسافوت תוספות»‪ :‬هي إضافات قام حاخامات غرب أوروپا بإضافتها عىل التلمود لتوضيح بعض النقاط‬
‫املبهمة‪ ،‬استغرقت عملية اإلضافة حوايل مائتي عام‪.‬‬
‫)**(  «تشمت أفراهام» كتاب يناقش األحكام والرشائع التي تعود عىل كتاب «شوحلان عاروخ»‪ ،‬للحاخام أفراهام‬
‫سوفري أفراهام‪ ) -1960( ،‬من مواليد القدس‪ ،‬وحاصل عىل شهادة الطب من جامعة ليدز اإلنجليزية‪ ،‬وعميد‬
‫كلية الطب باجلامعة العربية بالقدس حال ًّيا‪.‬‬
‫)***( املقصود بالنفس هنا الدم‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫وأكل العضو احلي الذي ُحظر عىل بني نوح مس�موح إلرسائيل؟ أسيرة احلرب‬
‫وما يش�بهها مثبت أهنا حمظورة عىل أبناء نوح ومباحة إلرسائيل‪ ،‬وال تتعجب من‬
‫مباحا إلرسائيل‪ .‬والنص‬
‫أن العضو احلي‪ ،‬الذي هو ُحظر عىل أبناء نوح س�يصري ً‬
‫يقول‪ :‬وال تأكل النفس مع اللحم‪ ،‬فهذا عضو حي‪.‬‬
‫أيضا عىل إرسائيل‪ ،‬ولذلك‬
‫حمظورا ً‬
‫ً‬ ‫مغ�زى م�ا قيل‪ ،‬أنه ليس كل ما هو حمظور عىل األغيار‬
‫نحن يف حاجة إىل فقرة مرشوحة توضح حظر أكل العضو احلي عىل إرسائيل‪.‬‬
‫ووجدن�ا كذل�ك يف بعض اإلضافات امللحقة بالتلمود‪ :‬أن الرايب ريش لقيش يتش�دد فيام‬
‫خيص قاعدة «مل يرد يشء‪ ،»..‬ويقول إن التوراة تس�مح بأكل نصف كمية اللحم احلي‪ .‬بحسب‬
‫الت�وراة‪ ،‬وبحس�ب منهج�ه‪ ،‬فإنه ي�رى أن ذلك يفت�ح الباب إلمكاني�ة إباحة األم�ر لليهودي‪،‬‬
‫حمظ�ورا عىل األغيار (ألن ذلك ورد لبني إرسائيل فحس�ب (‪ .))39‬وتربر نفس‬
‫ً‬ ‫بينما يظل األمر‬
‫اإلضافات‪ ،‬أن القاعدة سالفة الذكر‪ ،‬بحسب ريش لقيش‪ ،‬غري صحيحة‪.‬‬
‫ومعن�ى ه�ذا أن ثمة خال ًفا ح�ول القاعدة املذكورة‪ .‬وعىل اجلان�ب النظرى‪ ،‬نجد أنه ليس‬
‫ثمة حظر يف التوراة لقتل اجلنني‪ ،‬أو غري اليهودي‪ ،‬أو حتى االنتحار (‪.)40‬‬
‫بيد أنه يتضح أكثر أن تفسيرات س�فري العدد والتثنية‪ ،‬ورأي الرايب ريش ال ختتلف عىل‬
‫اإلطالق مع ما سبق‪« :‬قال الرايب يويس بن حنينا‪ :‬أي وصية ُأمر هبا أبناء نوح وتكررت يف سيناء‬
‫– ملزمة لبني نوح وبني إرسائيل‪ .‬وإذا مل تتكرر يف سيناء ـ فإن املقصود هبا هم بنو إرسائيل‪.»...‬‬
‫وكما نالحظ‪ ،‬فإن هذه الفقرة التلمودية تبنى األمور عىل أس�اس قاعدة «مل يرد يشء‪ ،»...‬وأن‬
‫املقصود هو أنه ثمة استثناءات للقاعدة‪.‬‬
‫وها هي التوس�افوت ختربنا أنه ال يتم االحتكام للقاعدة الس�ابقة فيام خيص الوصايا التي‬
‫ُأمر هبا بنو إرسائيل‪:‬‬
‫وال جيب التش�ديد‪ ،‬بحسب ما ورد يف السنهدرين عن عقوبة املوت يف حالة‬
‫«غير اليه�ودي الذي دنس قدس�ية الس�بت»‪ ،‬وكذلك غري اليه�ودي املتفقه يف‬
‫الت�وراة (‪)41‬؛ ألن�ه فيما خيص الوصاي�ا الواجب على اليهود تنفيذه�ا‪ ،‬ال يمكن‬
‫االحت�كام إىل فرضي�ة‪« :‬مل ي�رد يشء‪ »...‬حول أن هذا مب�اح لليهود وحمظور عىل‬
‫غريهم‪.‬‬
‫أي أنه‪ :‬رغم كون القاعدة السابقة صحيحة‪ ،‬وبشكل عام بنو إرسائيل ملزمون بكل ما ُأمر‬
‫‪41‬‬
‫ب�ه األغي�ار ـ إذا ما أخربتنا التوراة رصاحة أننا مضطرون لفع�ل يشء حمظور عىل األغيار‪ ،‬فإننا‬
‫نكون بالفعل بصدد أمر مباح لليهود وحمظور عىل األغيار‪.‬‬
‫ويمك�ن أن نق�ول إن آراء تفسيرات س�فري العدد والتثني�ة‪ ،‬ورأي الرايب ري�ش تتفق مع‬
‫التوس�افوت‪ .‬فه�م متفقون عىل أن الرب مل خيف�ف حكماً قام بتغليظه يف الس�ابق‪ ،‬فبنو إرسائيل‬
‫س�يظلون ملتزمين بوصايا ال�رب التي ألقاها قبل ن�زول التوراة‪ .‬لكن ه�ذا صحيح يف األمور‬
‫الت�ي ال تنطوي عىل اس�تثناء للقاعدة أو اختالف رصيح ؛ عندم�ا حتدد التوراة حكماً خمتل ًفا عىل‬
‫اليه�ود‪ ،‬ه�ذا احلكم يجَ ُّ ب اإلل�زام الذي كان قبل ن�زول التوراة‪ ،‬وخيلق حالة يك�ون فيها األمر‬
‫وحمظورا عىل األغيار (كما يف حالة الوصية ا ُمل َلزم هبا اليه�ودي؛ حيث نجد ً‬
‫أمرا‬ ‫ً‬ ‫مباح�ا لليه�ود‬‫ً‬
‫واق ًعا مشا ًهبا بإمجاع العلامء)‪.‬‬
‫بن�اء على ذلك‪ ،‬فإن مقصد تفسيرات س�فري الع�دد والتثنية‪ ،‬هو أنه على الرغم من أن‬
‫اليه�ود ظلوا ملزمني بالوصايا الت�ي ُمنحت قبل نزول التوراة‪ ،‬فإننا قد توصلنا إىل أنه ثمة حالة‬
‫ُيس�مح فيه�ا لليهودي ب�أكل اللحم احلي؛ حي�ث حددت الت�وراة لليهود أنه ُيس�مح هلم بأكل‬
‫أيضا هلم بأكل اللحم اخلاص بالبهيمة التي اهتاجت‬ ‫اللحم بعد الذبح‪ ،‬ويف هذه احلالة ُيس�مح ً‬
‫وق�ت ذبحه�ا ؛ هذا رغم أن األمر حمظور لدى األغيار‪ .‬إذا فإن قاعـدة «مل يرد يشء‪ »...‬ليس�ت‬
‫صحيح�ة يف هذه احلال�ة‪ ،‬ومن ثم فاألمر يف حاجة إىل فقرة توراتي�ة واضحة جتعلنا نُقر بتحريم‬
‫أكل اللحم احلي عىل اليهود (‪.)42‬‬
‫أيضا ال ش�ك يف أن بني إرسائيل ملزمون‬
‫وباملنطق نفس�ه يمكن تفسير رأي ريش لقيش‪ً ،‬‬
‫بوصاي�ا أبناء نوح‪ ،‬لكن ألن التوراة أخربتنا ب�أن اليهودي الذي يأكل نصف كمية اللحم احلي‬
‫صحيحا االحت�كام إىل قاعدة «مل يرد‬
‫ً‬ ‫غير مذنب‪ ،‬فإنه حتديدً ا بالنس�بة هل�ذه النقطة (‪ ،)43‬لي�س‬
‫يشء‪.)44(»...‬‬
‫مصدرا يف الرشيعة يؤكد أن التوراة مل تأمر بقتل غري اليهودي (الذي‬
‫ً‬ ‫وعىل أية حال‪ ،‬مل نجد‬
‫مل يتعد عىل الوصايا السبع)‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪42‬‬
‫امللحق الثاني‬
‫فرضية «مل يرد شيء‪»...‬‬

‫يف ه�ذا امللحق‪ ،‬س�نهتم بالتفاصي�ل الدقيقة لفرضية «مل يرد يشء‪ ،»...‬بحس�ب احلاخام‬
‫جينزبورج أطال اهلل بقاءه (‪.)45‬‬

‫‪ –1‬ملاذا فرضية «مل يرد شيء‪»...‬؟!‪:‬‬


‫ناقش�نا فرضي�ة «مل ي�رد يشء مباح إلرسائيل وحمرم عىل األغي�ار»‪ ،‬وتعلمنا أن كل ما هو‬
‫أيض�ا‪ .‬وقد ورد هذا املعنى يف اجلمارا ويف املخيلتا يف‬
‫حمظ�ور عىل األغي�ار‪ ،‬حمظور عىل اليهود‪ً ،‬‬
‫مباحا لليهود؟!‬
‫صورة فرضية بسيطة‪ :‬فهل يمكن أن يكون املحظور عىل األغيار ً‬
‫ها هي الفرضية البسيطة ليست بسيطة عىل اإلطالق‪ :‬من قال إن ما تم حظره عىل األغيار‪،‬‬
‫أيضا عىل اليهود؟ أمل يتغري بنو إرسائيل مع نزول التوراة‪ ،‬وكيف يمكن ببساطة إلزامهم‬
‫حمظور ً‬
‫موجها لليهود الذين يف منزلة أقل؟‬
‫ً‬ ‫بمحظورات األغيار؟ ربام يكون هذا الكالم‬
‫واألكث�ر م�ن ذلك‪ ،‬فإن جوهر التوراة حيدثنا عام يس�مى بـ «العملي�ة االنتقائية»‪ ،‬بمعنى‪،‬‬
‫أن اليهودي حينام يأكل أو يس�تخدم ش�ي ًئا ما‪ ،‬فإنه بذلك يرتفع هبذا اليشء ملرتبة القداس�ة (هلذا‬
‫الس�بب ال يمكن حظر املباح؛ ألن هذا املباح ينتظر االنتقاء‪ ،‬وإذا حظرناه‪ ،‬فإننا سنفس�د بذلك‬
‫القدرة عىل انتقائه وترقيته)‪ .‬ويف هذه احلالة ـ جيب السماح لبعض اليهود‪ ،‬ممن جييدون ممارس�ة‬
‫االنتقاء‪ ،‬بارتكاب أفعال خاطئة حمظورة عليهم؛ ألن اليهود يمتلكون القدرة عىل انتقاء وترقية‬
‫ه�ذه األم�ور‪ ،‬يف مقاب�ل األغيار الذين ل�و اهتموا بتلك األم�ور‪ ،‬فلن يرتقوا هب�ا‪ ،‬بل العكس‪،‬‬
‫ستنهار عىل أيدهيم (‪ .)46‬كيف إذا تقرر اجلامرا ببساطة أن املحظور عىل األغيار ال يمكن أن يتم‬
‫إباحته لليهود (‪)47‬؟‬
‫‪43‬‬
‫ونضف�ي ملس�ة مجالية عىل الس�ؤال بقولن�ا‪ :‬إنه اتضح يف متن التوس�افوت ع�دم االحتكام‬
‫للفرضي�ة س�الفة الذك�ر‪ ،‬إذا كنا بصدد إح�دى الوصايا املفروضة عىل بن�ي إرسائيل‪ ،‬وال جيوز‬
‫أيضا أن�ه عىل الرغم من أنه حُيظر عىل غري‬
‫حينه�ا حظ�ر أمر بعينه حمظور عىل األغيار ؛ ويتضح ً‬
‫اليهودي أن يسرتيح من العمل يف أي يوم من أيام األسبوع‪ ،‬فإن ذلك مل حُيظر عىل اليهود؛ ألهنم‬
‫مأمورون بالفعل بالراحة يف يوم السبت‪ ،‬وهو األمر الذي جيعل احلظر القائم عىل بني إرسائيل‬
‫يف بقية أيام األسبوع‪ ،‬كأن مل يكن‪.‬‬
‫واألمر بالنسبة لليهودي واضح؛ حيث ورد أن «اعرفه يف مجيع طرقاتك»‪ ،‬بمعنى أن مجيع‬
‫أفعاله ال بد أن تكون خالصة لوجه اهلل‪ ،‬وبالتايل تكون مجيع أفعاله بمثابة وصايا مأمور هبا (وقد‬
‫ُأس�هب يف توضيح هذه النقطة يف كتاب «حوفوت هالفافوت» )*( يف باب عبادة اإلله‪ ،‬الفصل‬
‫الرابع)‪ .‬وكام حيدثنا بعل شيم طوف )**( يف تفسريه لفقرة «فاعل اخلري ال يطوله سوء» فيقول‪:‬‬
‫إن الش�خص الذي يلتزم بوصايا الرب‪ ،‬تعد مجيع أفعاله بمثابة وصايا‪ ،‬ولذلك فإنه «ال يطوله‬
‫سوء» وهي مسألة مبهمة بعيدة عن الرب تبارك وتعاىل‪ .‬لذا‪ ،‬فإنه إذا كان ثمة هيودي يفعل شي ًئا‬
‫مضطرا لتجاوز إحدى الوصايا السبع ألبناء نوح – فألن األمر‬
‫ًّ‬ ‫لوجه اهلل‪ ،‬ومن أجل ذلك كان‬
‫يتعلق بإحدى الوصايا‪ ،‬جيب حينها أن ُيسمح له بذلك (‪! )48‬‬
‫وفيام يىل س�نقوم بتقديم ثالثة تفسيرات لفرضيتنا‪ ،‬بحس�ب التسلس�ل الذي وضعه بعل‬
‫شيم طوف‪ :‬اإلخضاع‪ ،‬التفرقة‪ ،‬التلطيف‪.‬‬

‫‪ - 2‬التفسري األول‪ :‬إننا مل ُنستثن ً‬


‫متاما من قاعدة األغيار‬
‫كما أوردنا س�ل ًفا‪ ،‬ف�إن فرضية «مل ي�رد يشء‪ ،»...‬س�ارية يف غري الفرائ�ض الدينية‪ ،‬أي يف‬
‫األفعال الشخصية فحسب‪ ،‬وهو وضع ختتلط فيه األمور‪.‬‬
‫يتضح لنا يف جوهر التوراة أن النفس البهيمية لبني إرسائيل خيتلط فيها اخلري والرش‪ ،‬وهي‬
‫)*(  «حوفوت هالفافوت» هو كتاب هيتم برضورة حتيل اإلنسان باألخالق احلميدة‪ ،‬حتى إنه معروف بـ «توراة‬
‫األخالق»‪ ،‬للكاتب باحيي هديان بن بقودا‪ ،‬كتب يف عام ‪1080‬م‪ ،‬ويعني باللغة العربية «كتاب اهلداية إىل فرائض‬
‫القلوب»‪ ،‬وترجم للغة العربية عىل يد هيودا بن تيفون يف عام ‪1161‬م‪ ،‬وغري معروف لغة كتابته األوىل أو األصلية‪،‬‬
‫لكنه من أمهات الكتب يف اليهودية‪.‬‬
‫)**(  هو احلاخام يرسائيل بعل شيم طوف (‪1760 -1700‬م)‪ :‬مؤسس احلركة احلسيدية‪ ،‬ولد يف أوكرانيا ألرسة‬
‫متدينة وفقرية‪ ،‬ولكن ذاع صيته بخطاباته املهمة‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫نف�س تتأرجح بني القداس�ة وبني طبقات الدن�س الثالث‪ .‬إحدى هذه الطبقات من ش�أهنا أن‬
‫ترتقى إىل مرتبة القداسة‪.‬‬
‫عندما يس�تعني اليهودي بجس�ده للقيام باألعامل الصاحلة‪ ،‬فإن نفس�ه البهيمية‪ ،‬التي حتتل‬
‫جس�ده‪ ،‬ترتقي إىل القداس�ة‪ .‬أما القيام بأمور مل يوصنا هبا الرب‪ ،‬س�يؤدى إىل بقاء تلك النفس‬
‫نجسة‪ ،‬وستقوم بدورها بتغذية طبقات الدنس الثالث‪.‬‬
‫الوضع الوحيد الذي سيقوم فيه اليهودي بأفعال فردية‪ ،‬متناس ًيا أن مجيع أفعاله هي وصايا‬
‫أمر الرب تبارك وتعاىل بتنفيذها‪ ،‬هي عندما يكون يف املنفي؛ ألنه حينئذ س�يقوم‪ ،‬هبذه الكيفية‪،‬‬
‫بمساعدة األغيار لرتتقى نفوسهم الدنسة‪.‬‬
‫نس�تنتج م�ن هذا أن االحت�كام إىل قاع�دة «مل يرد يش‪ »...‬صحيح فحس�ب؛ ألنه بس�بب‬
‫ارتكابنا للذنوب‪ ،‬فإنه ال تزال هناك فرصة لرتقية نفوسنا الدنسة بواسطة نفوسنا املتأرجحة بني‬
‫الطهارة والدنس والتي مل نقم برتقيتها بعد‪.‬‬
‫ولنحاول تفسير األمر بشكل أوضح‪ :‬ببساطة هناك حظر لقتل غري اليهودي ـ لو مل يكن‬
‫حظرا تورات ًّيا‬
‫جار توش�اف ـ بس�بب قاعدة «مل يرد يشء‪ .»...‬ويعد حظر قتل اجلار توشاف هو ً‬
‫متا ًما؛ ألننا مأمورون باحلفاظ عىل حياته‪ .‬واحلظر الذي ينبع من قاعدة «مل يرد يشء‪ »...‬يضيف‬
‫لنا فحس�ب حظر قتل غري اليهودي الذي ليس بجار توش�اف‪ ،‬أي‪ :‬غري هيودي مل ترتق نفس�ه‪.‬‬
‫وه�و م�ا يعنى أن وجود غري اليهودي مس�ألة تفتقر إىل الرشعية؛ ألن الرب أمر س�يدنا موس�ى‬
‫بفرض رشائعه التي ُأمر هبا أبناء نوح عىل مجيع البرش (‪.)49‬‬
‫وعندما ال نلتزم هبذا األمر‪ ،‬فإننا نكون يف وضع أشبه باملنفي‪ ،‬بأثر رجعي‪ ،‬وسنضطر حينها‬
‫لقبول األغيار الدنسني والتعايش معهم‪ ،‬يف ظل عدم قدرتنا عىل إجبارهم عىل أن يصريوا جار‬
‫توشاف‪ .‬وهذا الوضع يف جوهره يعنى أن وجود األغيار ينبع من سيطرة النفس املتأرجحة بني‬
‫اخلري والرش علينا‪ ،‬وهو ما يدفعنا للقيام بأفعال فردية ال عالقة هلا باألوامر اإلهلية املقدسة‪.‬‬
‫بمعن�ى آخر‪ :‬إنن�ا‪ ،‬بتعاملنا هبذه اجلدية مع العامل املعزول عن ال�رب تبارك وتعاىل‪ ،‬وبمنحنا‬
‫أمهي�ة لألفعال الفردية التي ال عالقة هلا بالقداس�ة‪ ،‬نمنح األغي�ار الذين ال يلتزمون بوصايا نوح‬
‫السبع‪ ،‬واملعزولني عن الرب (‪ ،)50‬فرصة للوجود‪ ،‬وهو ما جيلب علينا «عار األغيار» (‪.)51‬‬
‫وبس�بب ه�ذا الع�ار الذي مل نتخلص منه بع�د ـ فإن اجلامرا ختربنا ببس�اطة أن ما ُحظر عىل‬
‫أيض�ا (‪ ،)52‬وحتى هذه اللحظة‪ ،‬لن يك�ون بمقدورنا الزع�م بأنه ليس لنا‬
‫األغي�ار ُحظ�ر علينا ً‬
‫‪45‬‬
‫عالقة بتلك املحظورات‪ ،‬وأهنا ُفرضت عىل األغيار فحسب‪.‬‬
‫فهم هذه النقطة هبذا الش�كل يعنى «اخلضوع»؛ ألننا مضطرون لالعرتاف أنه‪ ،‬لألس�ف‪ ،‬ال‬
‫يزال العامل يف أغلبه سي ًئا‪ ،‬ومل ننجح بعد يف تغيري هذ الواقع – إىل درجة أن هذا يؤثر علينا‪ ،‬وجعلنا‬
‫ال نقوى عىل جتاهل األمر‪ ،‬والزعم بأنه ليست ثمة عالقة بيننا وبني أسلوب حياة األغيار (‪.)53‬‬

‫‪ – 3‬التفسري الثانى‪ :‬جتديف الرب‬


‫وجدن�ا يف أكث�ر من موض�ع أننا نق�وم بتطويع األح�كام التوراتية البس�يطة‪ ،‬حت�ى يقبلها‬
‫األغي�ار‪ .‬عىل س�بيل املثال‪ :‬غري اليهودي الذي نذر ش�ي ًئا ألجل تنفي�ذ وصية معينة‪ ،‬ال جيوز أن‬
‫يستخدمها لتنفيذ وصية أخرى(‪ ،)54‬رغم أن األمر مباح لدى اليهود؛ ألن غري اليهودي سيزعم‬
‫حينها أنه قد تم خداعه؛ والذي ُأجرب عىل إلقاء َق َس�م‪ ،‬جيب عليه أن ينفذه‪ ،‬رغم أن واقع احلال‬
‫يقول إنه َق َس�م باطل‪ ،‬وذلك ألن األمر س ُيش�اع بني األغيار‪ ،‬وس�يتهمون من ألقى ال َق َس�م بعد‬
‫اإللتزام ب َق َس�مه ؛ إذا كان ثمة ش�خص س�يلقى بش�هادته لصالح غري هيودي ضد هيود ًّيا آخر‪،‬‬
‫جيب عليه أن يفعل ذلك يف حالة إذا قام غري اليهودي بتحديده باالسم منذ البداية‪ ،‬وإذا مل يفعل‬
‫ف�إن األمر ينط�وي عىل إهانة لل�ذات العليا (‪ ،)55‬رغم أن�ه لدى اليهود‪ ،‬ال جي�وز إثبات التهمة‬
‫بشهادة شاهد واحد بعكس األغيار‪ ،‬رغم أنه جيوز إحلاق األذى بغري اليهودي‪ ،‬ومن يمنع عنه‬
‫ه�ذ الضرر‪ ،‬يك�ون بمثابة من ارتكب ذن ًبا‪ .‬أم�ا إذا أنقذه هيودي من هذا املصير ليدرك أن بني‬
‫إرسائيل ُأناس مؤمنون‪ ،‬فإنه ألمر رائع‪ .‬وبدلاً من أن نصف ذلك بأنه جتديف للرب‪ ،‬س�يكون‬
‫أمرا رضور ًّيا (‪.)56‬‬
‫إنقاذ غري اليهودي حينها ً‬
‫ووف ًق�ا هل�ذا املنطق يمكننا أن نفرس فرضية «مل ي�رد يشء‪ »...‬بطريقة أخرى‪ :‬يف واقع األمر‬
‫من ناحية جوهر املس�ألة‪ ،‬ليس ثمة س�بب إللزامنا بام ُحظر عىل األغيار؛ ألننا‪ ،‬كام أس�لفنا‪ ،‬تم‬
‫استثناؤنا بالفعل من قاعدة األغيار‪.‬‬
‫ولكن عىل الرغم من ذلك فإن اجلامرا ختربنا ببس�اطة أن ما ُحظر عىل األغيار حمظور علينا‬
‫أيض�ا ـ ألنن�ا إذا قلنا ال‪ ،‬نكون بذلك ق�د جدفنا عىل الرب‪ .‬ال خالف على أننا نفهم من‬ ‫نح�ن ً‬
‫الفرضي�ة أن�ه ُيس�مح لليهود بأمور ت�م حظرها عىل األغي�ار‪ ،‬لكن عامل األغي�ار ال يفهم ذلك‪،‬‬
‫وبالتايل ينشأ وضع ينطوي عىل جتديف الرب‪ ،‬والذي يبدو كأنام حدث‪ ،‬ألننا قريبون من الرب ـ‬
‫فإنه مل يعد يعنينا فساد الكون‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫فهم هذه النقطة هبذا الش�كل يعنى «التفرقة»‪ .‬يف احلقيقة ال توجد عالقة حقيقية بيننا وبني‬
‫األغي�ار‪ ،‬فنح�ن خمتلف�ون عنهم متا ًما (‪ .)57‬وهذا الف�رق حتديدً ا هو الذي يوف�ر لنا احلامية مما تم‬
‫حظ�ره على األغي�ار؛ ألننا ندرك أن البون شاس�ع بيننا وبينه�م‪ ،‬وهم ال ي�ؤدون التزاماهتم كام‬
‫ينبغى‪ ،‬وبس�بب حساس�يتنا هلذا االختالف ولقدس�ية بني إرسائيل‪ ،‬فإننا نس�عى جاهدين لئال‬
‫يصدر عنا جتديف للرب‪.‬‬

‫‪ - 4‬التفسري الثالث‪ :‬لضرورة إصالح األغيار‬


‫بطريق�ة أخرى‪ ،‬يمكن الق�ول إنه قد ُحظر علينا ما ُحظر على األغيار‪ ،‬هبدف خلق عالقة‬
‫بينن�ا وبينهم (وهبذا يتحقق مبدأ «غري هي�ودي واحد يف األرض»)‪ .‬بمعنى أنه من جانبنا‪ ،‬نحن‬
‫نختل�ف متا ًم�ا عن األغي�ار‪ ،‬وال يوجد س�بب مقنع حيظر علين�ا ما هو حمظور عليه�م‪ .‬لكننا يف‬
‫هناي�ة األم�ر مأم�ورون بإصالح الع�امل‪ ،‬بام يف ذلك األغي�ار (‪ ،)58‬حت�ى نكون مث�الاً حُيتذى به‬
‫لألغيار‪ .‬ومن أجل إعالء قدرهم‪ ،‬علينا أن نكون مرتبطني هبم بش�كل أو بآخر (كام توضح لنا‬
‫ِ‬
‫يظر‬ ‫احلس�يدية «املنتقي جيب أن يتدثر بلباس املنت َقى» وبذلك يتش�ابه مع�ه)‪ .‬وهكذا عندما حُ‬
‫)*(‬

‫علين�ا ما ُحظر على األغيار‪ ،‬فإننا بذلك نتحد مع وضعهم وأفعاهلم‪ ،‬وخالل ذلك نس�تطيع أن‬
‫نُصلح منهم‪ ،‬ومن ثم إعالء قيمتهم‪.‬‬
‫ونعني هبذا نو ًعا من «التلطيف» ملا قالته اجلامرا‪ .‬يف حقيقة األمر يتميز اليهود بش�كل كبري‬
‫ع�ن األغي�ار‪ ،‬وال يعنينا يف ذل�ك ما هو رأي األغي�ار يف األمر‪ .‬أي أن اليه�ودي ال خيتار بملء‬
‫حريت�ه أن يتدث�ر بلباس األغي�ار وبوصاياهم‪ ،‬حت�ى يتمكن من إصالحهم‪ ،‬وم�ن ثم إصالح‬
‫العامل كله‪.‬‬

‫ه‪ -‬نستنتج من ذلك‪ :‬عقاب اليهودي الذي خالف قاعدة «مل يرد شيء‪»...‬‬
‫رأينا أنه ثمة ثالثة تفسيرات حمتملة حلظر إحلاق الرضر باألغيار‪ ،‬اس�تنا ًدا لقاعدة «مل يرد‬
‫أيضا ثمة استنتاج توصلنا إليه من خالل هذه التفسريات وهو‪ :‬عقاب من‬ ‫يشء‪ .»...‬ويبدو أنه ً‬
‫خيالف القاعدة السابقة‪.‬‬
‫)*(  احلسيدية‪ُ :‬يستخدم املصطلح لإلشارة إىل عدة فرق دينية يف العصور القديمة والوسطى‪ ،‬وداللته يف العرص احلديث‪:‬‬
‫هي احلركة الدينية الصوفية احللولية التي أسسها بعل شيم طوف (‪ )1760 - 1700‬يف القرن الثامن عرش يف پولندا‬
‫وأوكرانيا‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫إذا كن�ا ال ن�زال نعاين من ع�ار األغيار‪ ،‬فإن من خيالف تلك القاعدة يضر بنا‪ ،‬و ُيلحق بنا‬
‫ذل�ك الع�ار‪ .‬ورغم أن التوراة ال تعاقب من يلحق أذى باألغيار‪ ،‬ولكن الرب يأمرنا يف الوقت‬
‫نفس�ه برضورة احلفاظ عىل النظام العام‪ ،‬ومعاقبة من خيالف ذلك عقوبة ش�ديدة‪ .‬فعندما يرى‬
‫الرب أن من يلحق به عار األغيار‪ ،‬يسمح لنفسه بالوقوع يف املحظورات اخلاصة باألغيار‪ ،‬فإنه‬
‫من الطبيعي أن يعاقبه ليمنعه من إحداث هذا الرضر (‪.)59‬‬
‫ووف ًقا لنظرية التفرقة‪ ،‬فإنه ليس ثمة عيب سيلحق باليهود ها هنا؛ ألنه ال عالقة لنا بتلك‬
‫الذن�وب كما تقدم (‪ .)60‬لكن مع هذا يوجد هنا ذنب بالتجديف عىل الرب‪ ،‬وهو أحد الذنوب‬
‫العظيمة التي يعاقبنا عليها الرب عقا ًبا شديدً ا‪.‬‬
‫بي�د أن�ه يف احلالة التي نطبق فيها جزئية التلطيف تلك‪ ،‬تك�ون عقوبة من خيالف قاعدة «مل‬
‫يرد يشء‪ ،»...‬كمن مل ينفذ أحد أوامر التوراة‪ ،‬وهي عقوبة أخف من جتديف الرب‪.‬‬
‫أي أن�ه‪ ،‬بحس�ب نظري�ة التفرق�ة‪ ،‬يزع�م ال�رب أنن�ا جدفن�ا علي�ه‪« ،‬وال تدن�س اس�مي‬
‫املقدس»(‪)61‬؛ وهو ما ال نجده يف حالة التلطيف؛ ألنه حينها س�يقول الرب‪ :‬إننا مل نلتزم بشكل‬
‫كاف بغاية خلق العامل‪.‬‬
‫باإلضاف�ة إىل أن االختلاف يف تفسير فرضية «مل ي�رد يشء‪ »...‬يتعل�ق باحلالة التي نحن‬
‫فيه�ا‪ ،‬فف�ي زمن املنفى نحن حريصون عىل االلتزام بفرضية «اخلضوع»؛ ألننا‪ ،‬فعل ًّيا لألس�ف‪،‬‬
‫خاضعون لألغيار‪ ،‬وبالتايل يلحق بنا عار األغيار‪.‬‬
‫يف بداي�ة اخللاص‪ ،‬وعندما نتخلص من عبء األغيار ال�ذي يكبلنا‪ ،‬فإننا نصل إىل وضع‬
‫«ش�عب وحي�د يس�توطن‪ ،‬وال يعني�ه األغيار»‪ ،‬وه�ذه هي عالقتن�ا بفرضية التفرق�ة بالضبط‪.‬‬
‫وعندما ننتقل إىل الوضع الذي نقوم فيه بنرش كلمة الرب جلميع األمم‪ ،‬تكون فرضية التلطيف‬
‫هي األساس (‪.)62‬‬
‫‪‬‬

‫‪48‬‬
‫هوامش الفصل األول‬

‫‪ -1‬تعلمن�ا ه�ذا احلظ�ر م�ن خالل ما ُأم�ر ب�ه اإلنس�ان األول‪« :‬وأوىص الرب اإلل�ه آدم‪» ...‬‬
‫(التكوين ‪ ،)16 :2‬أو مما قيل لنوح وذريته‪« :‬س�افك دم اإلنس�ان باإلنس�ان ُيس�فك دمه»‬
‫(التكوين ‪ .)6 :9‬وراجع ما ورد يف اجلامرا يف السنهدرين (‪ 2 :57‬ـ ‪.)1-58‬‬
‫‪ -2‬كل ما تم اقتباسه من أقوال الرايب موسى بن ميمون‪ ،‬تم اقتباسه وف ًقا لإلصدارات اجلديدة‬
‫والدقيقة التي حظينا هبا‪ ،‬مثل طبعة فرانكل‪ ،‬وطبعة الرايب قفاح‪.‬‬
‫‪-3‬انظ�ر النص�وص املضبوط�ة (وه�و م�ا ت�م حذف�ه يف طبع�ات أخ�رى بس�بب الرقاب�ة)‪.‬‬
‫ويف كت�اب النواه�ي‪ ،‬وكت�ب ال�رايب موس�ى ب�ن ميم�ون «ال تقتل�وا بعضك�م البعض»‪.‬‬
‫وخيربن�ا ال�رايب ش�لومو لوري�ا רבי שלמה לוריא )*( يف التفسيرات الت�ي وضعها لكتاب‬
‫«األوام�ر الكبير» )**(‪ ،‬أن نفس الكتاب الس�ابق ق�د أورد رأي الرايب موس�ى بن ميمون‬
‫الس�ابق ذك�ره «كل قات�ل نفس م�ن إرسائي�ل»‪ .‬وه�ي الصيغة الت�ي تثبته�ا الرشيعة‪ ،‬من‬
‫أن م�ن يقت�ل يس�تحق القت�ل بطعن�ة س�يف‪ ،‬وبالطب�ع املقص�ود هن�ا ه�و قت�ل اليهودي‬
‫فحس�ب‪ ،‬كما ورد يف رشح ال�رايب موس�ى ب�ن ميم�ون ‪ ،11 :2‬وكما سيرد الح ًق�ا‪.‬‬
‫‪ -4‬من أين علم الرايب موسى بن ميمون أن مقولة «ال تقتل» مل تشمل قتل غري اليهودي؟‬
‫ثمة عدة براهني عىل ذلك من خالل أقوال حكامئنا طيب اهلل ثراهم‪:‬‬
‫(أ) هذا هو ما يبدو من خالل ما سنورده فيام بعد مما ورد يف املخيلتا‪ ،‬من أنه تم إدراك حظر قتل‬
‫غري اليهودي؛ استنا ًدا إىل قاعدة «ناهيك عن קל וחומר )***(» الفقهية‪.‬‬
‫(ب) ما ورد يف املخيلتا ويف اجلامرا (الس�نهدرين ‪ 86:1‬ـ وكذلك الرايب ش�لومو بن يتسحاقي‬
‫ع�ن الت�وراة)؛ حيث قي�ل‪« :‬ال ترسق»‪ ،‬واملقص�ود هو رسق�ة األرواح؛ ألن املقصود هو‬
‫النه�ي ع�ن يشء عقوبته القتل‪ ،‬مثل «ال تقتل»‪ ،‬و «ال ِ‬
‫ت�زن»‪ .‬وبناء عىل ذلك‪ ،‬فألن القاتل‬
‫غري هيودي وال تُطبق عليه عقوبة القتل‪ ،‬فهو غري مقصود يف مقولة «ال تقتل»‪.‬‬
‫)*(  الرايب شلومو لوريا רבי שלמה לוריא (‪1573 – 1510‬م)‪ :‬مؤسس احلركة احلسيدية‪ ،‬ومن كبار مفرسي التوراة‪.‬‬
‫أمرا التي وردت يف العهد القديم‪ ،‬وألفه الرايب موشيه مكوتيس يف القرن الثالث عرش‪.‬‬
‫)**(  كتاب يتناول الـ ‪ً 613‬‬
‫)***(  קל וחומר‪ :‬قاعدة فقهية هتدف الستقراء أحكام مل ترد يف العهد القديم رصاحة‪ ،‬من خالل ما ورد بالفعل يف‬
‫قياسا عىل أحكام معروفة)‪.‬‬
‫النص(أي أنه نوع من استقراء األحكام اجلديدة ً‬

‫‪49‬‬
‫وكيف أدرك حكامؤنا‪ ،‬طيب اهلل ثراهم‪ ،‬أن مقولة «ال تقتل» جاءت فحسب إلقرار عقوبة‬
‫القت�ل؟ يمكنن�ا القول إهنم اس�تقوا هذا املعن�ى مما أوضحته الت�وراة يف احلكاي�ة الدينية (فصل‬
‫القضايا פרשת משפטים )*() الواردة يف سفر اخلروج‪ ،‬والتي تؤكد أن القاتل جيب قتله‪ ،‬وهناك‬
‫تأكي�د يف نف�س املوضع عىل أن املقصود هو قتل اليهودي‪ ،‬كام ورد يف العهد القديم‪« :‬وإذا بغى‬
‫إنس�ان عىل قريبه )**(» (اخلروج ‪)12:21‬؛ وتعود نفس القضية الدينية السابقة لتفرس الوصايا‬
‫العشر‪ ،‬الت�ي تتح�دث حتديدً ا عن القاتل الذي جي�ب قتله (يف الوقت ال�ذي ُيعفى من قتل غري‬
‫اليهودي من عقوبة القتل‪ ،‬كام تعلمنا املخيلتا من هذه الفقرة التوراتية)‪.‬‬
‫وبمنته�ى البس�اطة‪ ،‬يمكننا أن نضيف أن النهي عن القتل ُيقص�د به اليهود حتديدً ا‪ ،‬وكأن‬
‫الفق�رة تق�ول «ال تقتل هيود ًّيا»‪ .‬وحتدث الرايب ش�لومو لوريا عن نفس ه�ذه الفرضية يف الباب‬
‫األول من كتابه «يش شل شلام יש''ש )***(»‪.‬‬
‫‪ -5‬الفق�رة ‪ 271‬يف طبع�ة (توعف�ات رام תועפות רם)‪ ،‬والتي نصه�ا‪« :‬تاريخ القتل حيظر قتل‬
‫األغي�ار»‪( ،‬راج�ع الصي�غ الدقيقة للن�ص) ؛ وكلمة «تاري�خ תולדות» ج�اءت لتدل عىل‬
‫التحري�م ال�ذي وضعه فقهاؤنا‪ ،‬كام جاء يف تفسير مقدمة كتاب «يرائي�م יראים»‪ ،‬كام ورد‬
‫أكث�ر م�ن م�رة يف متن الكتاب نفس�ه‪( ،‬راج�ع ما جاء يف الفص�ل الثاين يف فقرة «أس�لوب‬
‫معلمنا يونا»‪ ،‬وهي الفقرات التي توضح بشكل أفضل ذلك التحريم سالف الذكر)‪.‬‬
‫‪ -6‬واألم�ر ُمثب�ت يف كتاب «منحات حينوخ מנחת חינוך»؛ حي�ث ورد يف هناية الوصية ما ييل‪:‬‬
‫«ومل يلتزم بالوصايا وقتل عن عمد‪ ،‬وكان ثمة شهود‪ ،‬فليقتلوه بالسيف»؛ وبالطبع املقصود‬
‫هنا هو قتل هيود ًّيا‪ ،‬كام سيتضح الح ًقا‪.‬‬
‫‪-7‬وق�د أش�ار إىل ه�ذا (ال�رايب أفراه�ام ب�ن ع�زرا רבי אברהם אבן עזרא )****() يف تفسيره‬
‫الظاه�ري)*****( للعهد القديم‪ ،‬يف الفقرة الثاني�ة والعرشين من اإلصحاح العرشين من‬
‫)*(  فصل القضايا פרשת משפטים‪ :‬بحسب الرتاث اليهودي‪ ،‬تنقسم التوراة إىل ‪ 54‬حكاية أو قضية دينية‪ ،‬ويف كل سبت‬
‫يتم قراءة إحدى هذه احلكايات وف ًقا لرتتيبها‪ ،‬وحكاية القضايا هي السادسة يف سفر اخلروج‪ ،‬وتبدأ من اإلصحاح‬
‫احلادى والعرشين‪ ،‬وتنتهي يف اإلصحاح الرابع والعرشين يف الفقرة الثامنة عرشة منه‪.‬‬
‫)**(  ترد يف التوراة قريبه‪ ،‬أو صديقه‪.‬‬
‫)***(  «يش شل شلام יש''ש »‪ :‬هو أحد أهم الكتب التي وضعها الرايب شلومو لوريا‪.‬‬
‫)****(  الرايب أفراهام بن عزرا רבי אברהם אבן עזרא (ראב''ע)‪ 1092( :‬أو ‪ 1167 –1093‬أو ‪ ،)1164‬شاعر ومفرس‬
‫للعهد القديم وفيلسوف هيودي عاش يف فرتة األندلس‪.‬‬
‫)*****(  بخالف التفسري الباطني ملعاين العهد القديم‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫س�فر اخل�روج‪ ،‬حيث قال‪« :‬ونحن هنا مضطرون لتقبل األم�ر؛ ألن كل النواهي املذكورة‬
‫مث�ل‪« :‬ال تقت�ل»‪ ،‬و«ال ِ‬
‫ت�زن» و«ال تسرق»‪ ،‬املقصود هبا دائًم�اً هو «صاحب�ك»‪ ،‬وبعبارة‬
‫أخرى‪ ،‬فإن تقبلنا لرأي فقهائنا يؤكد أن املقصود باحلظر هو «صاحبك»‪.‬‬
‫ويف واقع األمر‪ ،‬فإن كل هذه النواهي قد وردت يف نفس الفقرة‪ ،‬مع مقولة «ال تشهد عىل‬
‫صاحبك شهادة زور»‪ ،‬ونتعلم من كل هذه النواهي أن املقصود حتديدً ا هو «صاحبك»؛ وهو ما‬
‫تم التأكيد عليه حتديدً ا يف الوصايا العرش التي وردت يف سفر التثنية؛ حيث وردت واو العطف‬
‫بني كل وصية والتي تليها (بحسب معلمنا الرايب جينزبورج)‪.‬‬
‫بعبارة أخرى‪ ،‬يمكن تفسير األمر عىل أن ما مل يرد يف الثالث ٍ‬
‫نواه‪« :‬ال تقتل» و«ال ِ‬
‫تزن»‬
‫و «ال تسرق» ُيقصد به «صاحبك»‪ ،‬وهو ما يتضح يف املخيلتا؛ حيث إن الرب حني اقرتح منح‬
‫الرشيع�ة لألم�م املختلفة‪ ،‬وذكر هذه الثالث ٍ‬
‫نواه دون تضمينه�ا كلمة «صاحبك»‪ ،‬كانت لديه‬
‫الرغبة يف منح الرشيعة لألغيار كذلك‪.‬‬
‫وبع�د‪ ،‬ف�إن هذه النواه�ي الثالث ختربنا بأن األغي�ار ملتزمون بوصايا نوح الس�بع‪ .‬وهو‬
‫م�ا يتف�ق مع م�ا ورد يف اجلمارا يف «باب�ا قام�ا»)*( (‪« :)1 :38‬وق�ف ال�رب يف األرض ليخترب‬
‫أفع�ال س�اكنيها‪ ،‬فقرر تش�تيتهم؛ ألنه رأى أهنم مل يلتزموا بوصايا نوح الس�بع‪ ،‬فس�مح لليهود‬
‫باكتساحهم؛ ألهنم مل يطيعوا الرب‪ ،‬ومن خيطئ عليه دفع الثمن‪ .‬وقال احلاخام بريا دربننا‪ :‬حتى‬
‫إذا التزم�وا بالوصايا‪ ،‬ال حي�ق هلم املطالبة بالثواب؛ ألهنم مثل الذي�ن مل تُفرض عليهم الوصايا‬
‫)***(‬
‫ولكنه�م يلتزم�ون هبا»‪ .‬وراجع م�ا قاله «الرامب�ان רמב''ן )**(» (يف فصل ماك�وت מכות‬
‫‪ 1:9‬يف الكلمات الت�ي تب�دأ بـ «ومن املعروف»)‪ ،‬وال�ذي يفرس األمر بأن نتيج�ة هذا هو أهنم‬
‫ص�اروا غير ملتزمني‪ ،‬أي أن حياهتم مل تع�د هتمنا‪ ،‬ولذلك فإن قتل غير اليهودي‪ ،‬الذي ليس‬
‫بجار توشاف‪ ،‬شخص ما‪ ،‬جيب قتله وال يمكن إعفاؤه من العقوبة؛ ألن مثل هذا الشخص ال‬
‫يستحق املساعدة‪.‬‬
‫وها هو الرايب ش�لومو بن يتسحاقي يف اجلامرا‪( ،‬يف الكلامت التي تبدأ بـ «رائعون»)‪ ،‬يشري‬

‫)*(  الباب األول‪ .‬املقال األول يف نظام «نزيقني» يف املشناه‪ .‬تعالج فصوله العرشة رشائع تتع ّلق بالتعويض عن‬
‫األرضار‪.‬‬
‫)**(  الرايب موسى بن نحامن רבי משה בן נחמן‪ ،‬و ُيعرف بالرامبان (רמב''ן)‪1270 – 1194( :‬م)‪ :‬من كبار حكامء اليهود‬
‫يف فرتة األندلس‪.‬‬
‫)***(  فصل الرضب واجللد «أحد فصول املشناه الذي يعالج مسألة عقوبات اجللد والرضب التي تصدرها املحكمة‬
‫ضد املخالفني»‪ ،‬وهو الفصل اخلامس من الباب الرابع من أبواب التلمود‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫إىل أن الوقت الذي يأس فيه الرب تبارك وتعاىل من عدم االلتزام بتلك الوصايا‪ ،‬كان قبل تلقي‬
‫الرشيعة‪ ،‬عندما عرض الرب التوراة عىل األغيار‪ ،‬فلم يقبلوها‪ .‬يف املقابل‪ ،‬فإن األغيار مل يعلنوا‬
‫التزامه�م‪ ،‬وهب�ذا خسروا التوراة الت�ي ُمنحت لبني إرسائيل فيام بعد (كام جاء يف تفسير س�فر‬
‫اخل�روج (‪« :)9 ،30‬هك�ذا قال الرب إلرسائيل‪ :‬لقد كانت التوراة لدي من قبل خلق العامل‪،..‬‬
‫ومل أمنحها لعبدة الكواكب‪ ،‬بل منحتها إلرسائيل‪ ،‬الذين قالوا‪ :‬س�م ًعا وطاعة‪ ،‬فمنحتهم إياها‬
‫عىل الفور»)‪ ،‬وحتى عندما عرض عليهم الوصايا السبع بغضوها‪ ،‬وعىل ذلك كام ورد يف العهد‬
‫القدي�م يف س�فر حبق�وق (‪( )6 :3‬نظ�ر فرجفت األم�م)‪ .‬لو أن األغي�ار قبل�وا الوصايا بعدما‬
‫(ويتمل أنه حينها سيتم إلزامهم‬ ‫س�ألوا «ما املكتوب فيها»‪ ،‬لكانوا قد التزموا بالوصايا الس�بع حُ‬
‫بالتضحية بالنفس عن القتل‪ ،‬كام يلتزم بذلك اليهود ـ انظر بداية الفصل الثالث)‪.‬‬
‫نظرا ألهنم مل يرغب�وا يف التحصن‬
‫لكنه�م خرسوا ه�ذه الفرصة‪ ،‬ومل يع�د هلم قيمة لدين�ا؛ ً‬
‫بالت�وراة (وال جيب تش�ديد العقوبة بأكثر مما ذكرن�ا يف حالة عبادة األوث�ان‪ ،‬ويبدو ألول وهلة‬
‫أن هذه الرشيعة كان س�يتم صياغتها بش�كل يناس�ب األغيار؛ ألن األمر خيتلف يف هذه النقطة‬
‫ل�دى اليهود عن�ه لدى األغيار‪ ،‬كام توج�د آراء تقول بأن األغيار مل يت�م حتذيرهم حول الرشك‬
‫باهلل‪ ،‬راجع ما جاء يف «ش�وحلان عاروخ» )*(‪ ،‬و«س�فتي كوهني שבתי כהן )**(»‪« ،‬انظر الفقرة‬
‫أيضا»؛ ولذلك ف�إن غري اليهودي الذي كان يعبد‬ ‫‪ :8‬وانظ�ر يف مطلع الرد إش�ارة الفقرة الثانية ً‬
‫األوث�ان ث�م حت�ول إىل اليهودية‪ ،‬ال يتم إلزام�ه بعقوبة القتل‪ ،‬يف مقابل غير اليهودي الذي قتل‬
‫هيود ًّيا‪ ،‬أو ارتكب الزنا مع هيودية ؛ وكام رشحنا بإسهاب يف مواضع أخرى يف تفسري اجلامرا يف‬
‫السنهدرين (‪ ،)2:71‬عن «غري اليهودي الذي أخطأ وحتول إىل اليهودية»‪.‬‬
‫وانظ�ر م�ا قاله «ال�رايب يتس�حاق أبربن�ال רבי יצחק אברבנאל)***(» يف الفق�رة ‪ 103‬من‬
‫اإلجاب�ة الرابعة من تفسيره لس�فر التثنية ؛ والذي نفه�م منه أن النهي عن القت�ل يف مقولة «ال‬
‫أمورا ال تتفق مع أسلوب‬
‫تقتل»‪ ،‬يقصد غري اليهود كذلك؛ لكن املتمعن يف كل أقواله جيد فيها ً‬
‫الرشيع�ة‪ ،‬بل تتفق أكثر مع طريقة املفرسين وما ش�ابه (عىل س�بيل املث�ال‪ :‬نفهم من اإلجابتني‬
‫)****(‬
‫األوىل والثانية أن إجازة احلصول عىل قرض بفائدة ال تتصل فحس�ب بالس�بعة ش�عوب‬
‫)*(  «شوحلان عاروخ שולחן ערוך»‪ :‬بالعربية‪ :‬املائدة املنضودة‪ ،‬وهو املصنف الترشيعي الذي وضعه يوسف كارو‬
‫السفاردي يف إسپانيا‪.‬‬
‫)**( «سفتي كوهني»‪ :‬تفسري مشهور لكتاب «شوحلان عاروخ» كتبه شبتاي كوهني يف القرن السابع عرش‪.‬‬
‫)***(  الرايب يتسحاق أبربنال רבי יצחק אברבנאל (‪1508 – 1437‬م)‪ :‬من كبار مفرسي العهد القديم يف العرص‬
‫الوسيط‪ ،‬وقد وضع جمموعة أسئلة وأجوبة فقهية‪ ،‬يتم الرجوع إليها يف هذه الفقرة‪.‬‬
‫واحلويون واليبوسيون‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يون‬ ‫والفرزّ‬ ‫)****(  الشعوب السبعة‪ ،‬هي‪ :‬احليثيون واجلرجاشيون واألموريون والكنعانيون‬
‫وهي الشعوب الضالة من وجهة نظر اليهودية (تثنية ‪.)17 ،20‬‬

‫‪52‬‬
‫ب�ل بجمي�ع األغيار ؛ يمكنك مالحظة هذا املعنى إذا دقق�ت يف الكلامت جيدً ا وقارنتها بام ورد‬
‫يف «شوحلان عاروخ»‪ .‬وعىل الرغم من أن العهد القديم حيظر قتل غري اليهودي‪ ،‬إال أن هذا ال‬
‫عالقة له بمقولة «ال تقتل»‪ ،‬وهو ما سيتضح الح ًقا خالل هذا الفصل‪.‬‬
‫ويمكننا افرتاض أن الرايب يتسحاق أبربنال كان يقصد هذا املعنى‪ ،‬مثلام يتضح يف تفسريه‬
‫للوصايا العرش‪.‬‬
‫وانظر يف كتاب «إيفن هعيزر )*(» للرايب إليعيزر بن ناتان‪ ،‬الذي كتب عن فصل «بابا قاما»‬
‫ويظ�ر عليك أن ت�زين بيهودية أو غري‬‫يف الفق�رة ‪ ...« :113‬حُيظ�ر علي�ك أن تسرق أو تقتل‪ ،‬حُ‬
‫هيودية»‪ .‬وجيب مراجعة آرائه تلك بدقة؛ ألنه حس�ب املخيلتا واجلامرا‪ ،‬فإن النهي عن الرسقة‪:‬‬
‫«ال تقتل» كام وردت يف الوصايا العرش‪ ،‬كان املقصود هبا رسقة األرواح‪ ،‬أي القتل‪ ،‬وهو اإلثم‬
‫الذي عقوبته القتل بالنسبة لليهود فحسب‪ .‬وكذلك يف النهي عن الزنا‪« ،‬ال ِ‬
‫تزن»‪ ،‬مل نجد دليلاً‬
‫عىل أن هذا النهي يقصد األغيار‪ ،‬وأن الذي ضاجع زوجة غري هيودي جيب قتله (راجع ما ورد‬
‫يف فص�ل «عف�ودا زارا עבודה זרה )**(» يف التلمود ‪ ،2 :36‬وما أورده الرايب موس�ى بن ميمون‬
‫يف رشائع حظر املضاجعة‪ ،‬وراجع كذلك «ش�وحلان عاروخ»‪ ،‬وتفسير كتاب «إيفن ش�لومو»‬
‫لرأي الرايب إليعيزر بن ناتان‪.‬‬
‫وربام كان الرايب إليعيزر بن ناتان يقصد أن حظر القتل يف مقولة «ال تقتل» يتشابه مع حظر‬
‫تزن» ختص األغيار كذلك‪ ،‬عىل الرغم من‬ ‫الرسقة يف «ال ترسق»‪ ،‬وأن كلتا املقولتني ومعهام «ال ِ‬
‫أن م�ن يقت�ل أو يزين ال ُيقتل‪ ،‬لكن احلظر هنا ينبع من اآلثام التي تتفرع من كال التحريمني‪ ،‬كام‬
‫سيتم الح ًقا توضيح مصدر حظر قتل غري اليهودي من العهد القديم‪.‬‬
‫‪ -8‬كام هو موضح يف السنهدرين(‪.)2:9‬‬
‫‪ -9‬فص�ل «عف�ودا زارا» (‪ ،)2 ،64‬وهو ما يتفق مع رشوح الرايب موس�ى بن ميمون يف رشائع‬
‫حظر املضاجعة ورشائع امللوك‪ ،‬وكذلك ما جاء يف «شوحلان عاروخ»‪.‬‬
‫‪ -10‬ويؤكد الرايب موسى بن ميمون أن األتقياء من غري اليهود هلم نصيب يف اجلنة‪.‬‬
‫‪ -11‬بنو إرسائيل هم مرياث الرب‪ ،‬كام يف صموئيل الثاين (‪« :)3:21‬وبركة مرياث الرب»‪.‬‬

‫)*(  اسم أحد أجزاء كتاب «عمود الصفحة הטור» وخيتص باألحوال الشخصية‪ ،‬وهو من وضع الرايب إليعيزر بن‬
‫ناتان (‪1170 – 1090‬م)‪.‬‬
‫)**(  هو الفصل الثامن من الباب الرابع يف التلمود‪ ،‬ويناقش عبادة األوثان‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫‪ -12‬بش�كل ع�ام‪ ،‬ف�إن ورود تعبري «عبادة األوث�ان» يف اجلامرا ويف العديد م�ن الفقرات‪ ،‬يثري‬
‫خم�اوف ح�ول أن مقص الرقيب ق�د تدخل يف النص‪ ،‬أو أن النارشين أنفس�هم ختوفوا من‬
‫الرقاب�ة‪ ،‬وربام يف املصدر كان مكتو ًبا غري هيودي أو أجنب ًّيا‪ .‬ويف فقرات كثرية جدًّ ا‪ ،‬اضطر‬
‫املؤلف إىل استخدام كلمة وثنى وما شابه من أجل منع اخللط‪.‬‬
‫ويف واق�ع األمر‪ ،‬إن الرايب موس�ى ب�ن ميمون قد يلتزم الدقة الش�ديدة يف اللغة التي كتب‬
‫هبا الرشائع‪ ،‬ونحن نعلم اليوم أن النص األصيل يتميز بدرجة عالية من الدقة النسبية‪ ،‬بناء عىل‬
‫العديد من املخطوطات‪ ،‬ولذلك يمكننا افرتاض الدقة يف لغته يف اإلصدارات املختلفة‪.‬‬
‫‪-13‬م�ن املمكن أن نقس�م األغيار تقس�يم داخيل‪ ،‬مثل «اب�ن نوح» الذي حاف�ظ عىل الوصايا‬
‫السبع‪ ،‬لكنه مل يقبل بثالث وصايا ُفرضت عىل اليهودي‪ ،‬وهناك غري اليهودي الذي ّ‬
‫نعرفه‬
‫بأنه مل يلتزم بالوصايا السبع‪ ،‬مقابل غري اليهودي الذي ال نعرف عنه سوى أنه غري هيودي‪،‬‬
‫وهناك غري اليهودي الذي يعبد األوثان‪ ،‬مقابل غري اليهودي الذي ال يعبد األوثان‪ ،‬ولكنه‬
‫ال يلتزم بالوصايا الس�بع‪ ،‬وما ش�ابه‪ .‬ولن نس�هب يف هذه النقطة؛ ألننا هنتم يف األس�اس‬
‫باإلجابة عن السؤال‪ :‬ملاذا حُيظر قتل غري اليهودي دون النظر اللتزامه بالوصايا السبع من‬
‫عدمه؟ وسنناقش يف الفصل الثاين مسألة غري اليهودي الذي مل يلتزم بالوصايا السبع‪.‬‬
‫‪ -14‬علينا أن نؤكد أن الرشيعة تأمرنا باحلفاظ عىل حياة اجلار توش�اف الناضج فحس�ب‪ ،‬وال‬
‫يتم هذا إال عندما حتل س�نة اليوبيل)*( (راجع ما ورد يف فصل عرخني ערכין)**( ‪،1:28‬‬
‫وكذلك ما قاله الرايب موسى بن ميمون يف رشائع عبادة األوثان‪ ،‬ورشائع اخلتان‪ ،‬ورشائع‬
‫السبت‪ ،‬و رشائع حظر املضاجعة‪ ،‬ورشائع الشميتا שמיטה)***( واليوبيل) ؛ بيد أن كتاب‬
‫«تس�فنات فعن�اح צפנת פענח)****(» ق�ال‪( :‬يف رشائع القيم‪ ،‬ورشائع عب�ادة األوثان) أن‬
‫الرايب موسى بن ميمون يرى أنه جيب عىل اليهود احلفاظ عىل حياة اجلار توشاف وإن كان‬
‫غري ناضج‪ ،‬طاملا كان ملتز ًما بوصايا نوح السبع‪ ،‬ودليله عىل ذلك ما جاء يف رشائع امللوك‪.‬‬
‫)*(  سنة اليوبيل שנת היובל‪ :‬مناسبة دينية هيودية‪ ،‬وتأيت سنة اليوبيل كل ‪ 50‬سنة‪ ،‬وحتديدً ا كل ‪ 49‬سنة لكن سنة اليوبيل‬
‫أيضا سنة عتق العبيد‪.‬‬
‫ال تبدأ بالشهر األول من السنة بل بالشهر السابع‪ ،‬ويعلن عن هذا بالنفخ يف البوق‪ ،‬وكانت ً‬
‫)**(  فصل عرخني מסכת ערכין‪ :‬هو الفصل اخلامس من الباب اخلامس من التلمود‪ ،‬وهو الفصل الذي يناقش أحكام‬
‫النذور‪.‬‬
‫)***(  رشائع الشمينا هو مصطلح يف الرشيعة اليهودية يشري إىل عام يف التقويم اليهودي ُيحظر فيه حراثة األرض‪.‬‬
‫)****( «تسفنات فعناح צפנת פענח»‪ :‬هو اسم الكتاب الذي يناقش مؤلف الرايب موسى بن ميمون األكرب «مشنيه‬
‫توراة»‪ ،‬وهو من وضع الرايب يوسف روزان (‪1936 – 1858‬م)‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫وراج�ع كذلك فصل «عف�ودا زارا» يف (اجلامرا ‪ ،)1:65‬وكتاب منح�ات حينوخ يف هناية‬
‫الرشيع�ة رق�م ‪ 94‬؛ وكلامت الرايب أفراهام ب�ن ديفي�د רבי אברהם בן דווד )*( يف (رشائع‬
‫حظر املضاجعة)‪ ،‬من أنه ال جيوز احلفاظ عىل حياة اجلار توشاف طاملا مل حتل سنة اليوبيل‪،‬‬
‫وال يوجد متسع لإلسهاب أكثر من ذلك‪.‬‬
‫‪ -15‬راجع كذلك ما ورد يف كتاب الرشائع للرايب موسى بن ميمون حول وجوب احلفاظ عىل‬
‫حياة اجلار توشاف‪ ،‬وكذلك آراء الرايب موسى بن نحامن يف املوضوع نفسه‪.‬‬
‫‪ -16‬وثم�ة رأي يق�ول بأن اليهودي الذي قتل جار توش�اف عن طريق اخلط�أ‪ ،‬عليه دفع فدية‬
‫عن�ه‪ ،‬راج�ع ح�ول هذا ما أورده الرايب موس�ى بن ميم�ون يف رشائع القت�ل (مع اختالف‬
‫ماكوت מסכת מכות‬ ‫)**(‬
‫الصي�غ ال�واردة)‪ .‬وكذلك ما قال�ه الرايب ريتبا ריטב''א يف فص�ل َّ‬
‫وأخريا راجع ما جاء يف أوامر العهد القديم الـ ‪.613‬‬
‫ً‬ ‫‪ 1:9‬؛‬
‫‪ -17‬نتعل�م م�ن كلمة «صاحبه» أن املقصود هو ش�خص هيودي فحس�ب‪ ،‬وه�و املعنى الذي‬
‫ورد يف تفسير الرايب ش�لومو بن يتس�حاقي لس�فر اخلروج (‪)14:21‬؛ وهو ما ُحذف من‬
‫الطبعات األخرى؛ ختو ًفا من الرقابة‪.‬‬
‫‪ -18‬راجع ما جاء يف كيس�يف مش�نيه (يف الفصل الثاين يف رشائع القاتل)‪ ،‬الذي يأيت باملخيلتا‬
‫كمصدر ألقوال الرايب موسى بن ميمون سالفة الذكر‪.‬‬
‫‪ -19‬يمكنن�ا تفسير املخيلت�ا بأكث�ر من طريق�ة (غري أن هذا ل�ن يفيد يف اس�تحداث أي حكم‬
‫ترشيعي)‪:‬‬
‫أ ـ يمك�ن الق�ول إن إييس بن هيودا يقصد مس�ألة العقاب (وليس احلظر فحس�ب)‪ ،‬وأنه جاء‬
‫مربرا لتخفيف‬
‫ليق�ول لن�ا إنه على الرغم من عدم وجود عقوب�ة دنيوية‪ ،‬إال أن هذا لي�س ً‬
‫العقوب�ة إىل درج�ة العفو الكام�ل‪ ،‬ولذلك فالنتيج�ة املنطقية هي وج�ود عقوبة أخروية‪.‬‬
‫وكذلك يبدو من الصيغة الواردة يف أحد التفسريات اخلاصة بالرايب إليعيزر‪ ،‬والتي يوردها‬
‫الرايب موس�ى بن ميمون‪ ،‬أن‪« :‬كل من قتل غري هيودي قبل تلقي الرشيعة‪ ،‬يس�تحق عقا ًبا‬
‫دنيو ًّيا‪ ،‬كام ورد يف العهد القديم «سافك دم اإلنسان باإلنسان ُيسفك دمه»؛ وما إن ُمنحت‬

‫)*(  الرايب أفراهام بن ديفيد רבי אברהם בן דווד (‪ )1198 – 1120‬من كبار علامء التلمود يف عرصه‪.‬‬
‫)**( الرايب ريتبا  ריטב''א‪ :‬هو الرايب يوم‪  ‬طوف أفراهام إشبييل (‪1330 - 1250‬م)‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫الرشيعة‪ ،‬حتى ورد يف العهد القديم أن «وإذا بغى إنسان عىل صاحبه ليقتله بغدر» ومل يقل‬
‫على غير اليهودي‪ .‬ويقول الرايب إييس بن هيودا‪« :‬ال يعن�ي هذا أن من يقتل غري اليهودي‬
‫ال ُيعاقب‪ ،‬بل املقصود أنه ُيعفى من العقوبة الدنيوية و ُيعاقب بالعقوبة األخروية»‪ .‬ونجد‬
‫املعن�ى نفس�ه يف املخيلتا (وإييس بن هيودا ه�و إييس بن عقيفا)‪ ،‬ومن كل هذا ندرك أن ثمة‬
‫حظر يف األمر‪ ،‬إال أن التفاسري مل تسهب يف مناقشة األمر‪.‬‬
‫ب ـ ويمك�ن أن نفه�م أن املغزى من مجلة «املحظورات التي تم ختفيفها»‪ ،‬هو أن الرب خفف‬
‫بع�ض املحظورات عىل بني إرسائي�ل عندما منحهم الرشيعة‪ ،‬لذا فم�ن الطبيعي أال ُيقتل‬
‫اليه�ودي ال�ذي قتل غري هي�ودي‪ .‬وه�و ذات املعنى الذي نفهمه من تفسير ال�رايب ميئري‬
‫«م ِشخ حومخا» لسفر اخلروج ‪.14:21‬‬ ‫سمحا هكوهني)*( רבי מאיר שמחה הכהן يف كتابه ِ‬
‫حظرا يف األمر‪.‬‬
‫ومن كل هذا يتأكد املعنى نفسه‪ ،‬أنه رغم ختفيف العقوبة إال أن ثمة ً‬
‫‪ -20‬أوردن�ا يف الس�ابق أق�وال الرايب موس�ى بن ميمون م�ن أن قاتل اجلار توش�اف «ال يقدم‬
‫للمحكمة» أي أنه معفى من العقوبة الدنيوية‪ ،‬وكام ترى املخيلتا فإن القاتل تنتظره عقوبة‬
‫أخروية (مثلام أوردنا مثالاً من كتاب «كيسيف مشنيه»‪.‬‬
‫ويف الواق�ع‪ ،‬جي�ب أن نفهم أن الرايب موس�ى بن ميمون كان يقصد من قتل جار توش�اف‬
‫فحس�ب‪ ،‬وليس من قتل «غري اليهودي»؛ وهو ما يقول عنه‪« :‬وليس من الرضوري القول بأن‬
‫م�ن قتل غري اليهودي ال ُيقتل» (وراجع منح�ات حينوخ يف الرشيعة ‪ .)34‬لكن عندما حتدثت‬
‫املخيلتا عن عقوبة أخروية‪ ،‬كان املقصود حظر قتل غري اليهودي بشكل عام‪ ،‬وليس بشأن اجلار‬
‫توش�اف فحسب‪ ،‬وبناء عىل ذلك‪ ،‬يبدو أن هذا هو نفس مقصد الرايب موسى بن ميمون (وهو‬
‫املعنى الوارد يف «كيس�يف مش�نيه» من أن اجلار توشاف هو جزء من «اآلخرين»‪ ،‬وهي الكلمة‬
‫التي وردت يف التوسفتا)**()‪.‬‬
‫ال شك يف أن غري اليهودي الذي ال يلتزم بالوصايا السبع يستحق القتل‪ ،‬وهو ما سوف‬
‫نناقشه يف الفصل الثاين‪.‬‬

‫)*(  الرايب ميئري سمحا هكوهني רבי מאיר שמחה הכהן (‪1926 – 1843‬م)‪ :‬كان من كبار حكامء اليهود يف رشق‬
‫أوروپا‪ ،‬ومن أهم كتبه هو «مشخ حومخا משך חכמה» وهو الكتاب الذي يضم بعض التحديثات الترشيعية عىل‬
‫التوراة‪ ،‬ومعنى االسم األول هو أول حرف من اسمه الثالثي‪.‬‬
‫)**( التوسفتا‪  :‬أي اإلضافات‪ ،‬كناية عن جمموعة الفتاوى التي مجعها احلكامء واملفرسون اليهود‪ ،‬باإلضافة إىل املشناه‬
‫والتي قام عليها احلاخام هيودا هنايس‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫وجي�ب أن ننتب�ه إىل م�ا قاله الرايب موس�ى بن ميم�ون يف توضيحه جلملة «حس�ابه مرتوك‬
‫للسامء»؛ حيث أكد أنه ال يقصد أن القتل حيدث عن طريق السامء؛ ألنه رغم أنه يف مجيع حاالت‬
‫القتل غري املبارش وما ش�ابه‪ ،‬ذكر رصاحة أن احلديث يدور حول عقوبة قتل سماوية؛ غري أنه مل‬
‫يكت�ب هذا هنا‪ ،‬واكتفى بالتدقيق عىل أنه «ال ُيقت�ل»‪ .‬ووف ًقا لرأيه‪ ،‬فإن القاتل‪« :‬حكمه مرتوك‬
‫للسماء» بش�كل ع�ام‪ ،‬أي أن�ه ال يتلقى عقوب�ة دنيوية‪ .‬ويمك�ن أن نفرس مجل�ة «حكمه مرتوك‬
‫للسماء» عىل النحو التايل‪ :‬أحيانًا يناس�ب الفعل عقوبة مشددة‪ ،‬وأحيانًا خمففة‪ ،‬وأحايني أخرى‬
‫ال تك�ون هن�اك عقوب�ة عىل اإلطالق؛ ويرتب�ط األمر بس�ياق القتل وكذلك بني�ة الفاعل‪ ،‬وكام‬
‫س�يتضح الح ًقا يف تفسير منهج الرايب موس�ى بن ميمون وهبايت يوسيف فيام خيص قتل غري‬
‫اليهودي الذي يتعدى عىل الوصايا السبع ألبناء نوح يف الفصل الثاين‪.‬‬
‫أيضا أن نفرس ما قاله‪ ،‬بأنه يقصد أن القاتل ال يتلقى عقوبته يف الدنيا‪ ،‬لكن حكمه‬
‫ويمكن ً‬
‫متروك ملال�ك ا ُمللك الذي يس�تطيع أن يقتل هؤالء القتلة لو اس�تلزم األمر ذل�ك (انظر رشائع‬
‫القتل ‪ )4:2‬؛ (هذا التفسري سمعناه من معلمنا الرايب جينزبورج أطال اهلل يف عمره‪ ،‬آمني)‪.‬‬
‫‪ -21‬وكذل�ك ورد يف املوس�وعة التلمودي�ة‪ ،‬قس�م «غير اليه�ودي»‪ ،‬أنه مثلام حُيظ�ر عىل غري‬
‫اليهودي قتل غري اليهودي‪ ،‬فاألمر ذاته ينطبق عىل بني إرسائيل‪.‬‬
‫وجاء يف كتاب «منحات أفِراهام» )*( (للرايب أفِراهام ش�ابريا رمحه اهلل)‪« :‬ويتضح أن هذا‬
‫القت�ل حمظور بناء عىل حظر القت�ل عىل أبناء نوح‪ ،‬وعىل الرغم من أن أحكام القتل لدى اليهود‬
‫تعف�ي اليه�ود م�ن عقوبة قتل غري اليهودي ـ لكن حس�ب أح�كام القتل لدى أبن�اء نوح‪ ،‬فثمة‬
‫حتذير ُيوجه له»‪.‬‬
‫كما جي�ب أن نذكر ما ورد يف «تس�يدا لدي�رخ»)**( الذي توصل من خلال املخيلتا إىل أن‬
‫الكاه�ن الذي يقتل غري هيودي‪ ،‬حُيظر عليه مباركة مج�وع املصلني (حكمه مثل حكم «الكاهن‬
‫نفسا»)‪ ،‬الذي حكمه مرتوك للسامء‪.‬‬
‫الذي قتل ً‬
‫)*(  «منحات أفراهام»‪ :‬كتاب لتفسري الرشائع‪ ،‬وهو للحاخام َأفِراهام شابريا‪ ،‬احلاخام الرئييس السابق إلرسائيل‪ ،‬وتوىل‬
‫ً‬
‫تلميذا باملدرسة‬ ‫رئاسة مدرسة «مركاز هراف» الدينية املتشددة بالقدس‪ ،‬بعد أن تقلد املناصب فيها منذ أن كان‬
‫نفسها‪.‬‬
‫)**(  «تسيدا لديرخ» كتاب لتفسري الرشائع‪ ،‬وهو للحاخام مناحيم بن أهارون بن زيرح‪ ،‬وعاش يف األندلس ما بني‬
‫أعوام ‪1310‬־‪1385‬م‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫غير أن تفسير األم�ر يف «أوراح حاييم )*(» يوضح لن�ا أن هذا ال يكفي ملن�ع الكاهن من‬
‫مبارك�ة مج�وع املصلني‪ ،‬راجع م�ا ورد يف النصوص التي مل ختضع للرقاب�ة‪ ،‬وأن األمر تقرر من‬
‫الناحية النظرية فحسب‪.‬‬
‫(وس�معنا من معلمنا الرايب جينزبورج أطال اهلل يف عمره‪ ،‬آمني‪ ،‬بأن ما يدعم األمر هو أن‬
‫مباركة الكهنة يف هذه احلالة موجهة إىل بني إرسائيل‪( :‬هكذا تباركوا بني إرسائيل ‪ -‬وادعوا بني‬
‫إرسائيل عىل اسمي – وبارك شعبه إرسائيل باحلب)‪.‬‬

‫‪ -22‬ه�ذا األس�اس صحيح يف كل الوصايا الس�بع ألبن�اء نوح‪ :‬غري اليهودي ال�ذي أكل حلماً‬
‫كبريا ل�دى بني إرسائيل‬
‫ح ًّي�ا جي�ب قتله‪ ،‬بعك�س اليهودي‪ .‬وه�ذا ألن األمر ال يع�د ذن ًبا ً‬
‫هتود يف‬‫(وجيب اإلس�هاب يف هذه النقطة يف س�ياق تفسري قضية غري اليهودي اآلثم‪ ،‬الذي ّ‬
‫السنهدرين‪ ،‬ولكن ال يوجد متسع من الوقت هنا)‪.‬‬
‫‪ -23‬راجع حولني والس�نهدرين وما ورد يف التوس�افوت ومثبت م�ن اجلامرا‪ ،‬أن املقصود هو‬
‫أن�ه حُيظ�ر عىل غري اليه�ودي أن يفعل بغري اليه�ودي ما ُحظر عىل اليه�ودي أن يفعله بغري‬
‫أيضا بغري اليهودي‪.‬‬
‫اليهودي‪ ،‬وإرسائيل حمظور أن يفعل ذلك ً‬
‫«حلقات يوآف )**(» والذي يربط بني ما جاء يف املخيلتا وبني‬ ‫أيضا ما ورد يف ِ‬
‫وراجع ً‬
‫قاعدة «مل يرد يشء‪.»...‬‬
‫‪ -24‬وال يتناقض هذا مع تفسري الرايب موسى بن ميمون للمشناه من أن اإللزام بالوصايا سببه‬
‫ن�زول الت�وراة‪ ،‬وليس وجود أوامر س�ابقة؛ ألنه يرشح أن موس�ى وضع ح�دو ًدا للحظر‬
‫أيضا أن موس�ى حظر علينا قت�ل غري اليهودي‬‫ال�وارد قب�ل ن�زول التوراة‪ ،‬واملقص�ود هنا ً‬
‫(راجع رشائع امللوك)‪.‬‬
‫ملحوظة أخرى‪ :‬يف اجلامرا يف الس�نهدرين ‪ 1:59‬قيل إن كل ما ورد قبل نزول التوراة ومل‬
‫يتك�رر ـ حمظور فحس�ب عىل بني إرسائي�ل وليس عىل األغيار (مثل عرق النس�ا)؛ وأما ما ورد‬
‫قب�ل ن�زول التوراة وتكرر ـ كان املقصود به األغيار وبني إرسائيل م ًعا‪ .‬ورأينا هنا أن النهي عن‬
‫القت�ل‪« ،‬ال تقتل»‪ُ ،‬قصد به قتل اليهودي فحس�ب‪ ،‬وعىل هذا نق�ول إن حظر قتل غري اليهودي‬
‫)*(  «أوراح حاييم אורח חיים»‪ :‬هو أحد أجزاء «شوحلان عاروخ» األربعة‪.‬‬
‫«حلقات يوآف חלקת יואב»‪ :‬كتاب من وضع يوآف هيوشوع بن ناتان‪ ،‬ويناقش بعض األمور الواردة يف «شوحلان‬ ‫)**(  ِ‬
‫عاروخ»‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫مل يرد وقت نزول التوراة ؛ وبناء عىل هذا‪ ،‬فإنه فحس�ب حُيظر عىل اليهودي قتل غري اليهودي‪،‬‬
‫حمظورا ؛ مثلام تعلمن�ا وصايا أبناء نوح حكم قت�ل اجلنني (راجع امللحق‬
‫ً‬ ‫ولغير اليه�ودي ليس‬
‫األول للفصل)‪ ،‬من املفرتض أن تكون حمظورة فحس�ب عىل بني إرسائيل وليس عىل األغيار‪،‬‬
‫أيضا م�ا قاله الرايب‬
‫ه�ذا يف حين أن اجلمارا ختربنا أن «ابن ن�وح ُيقتل إذا قتل األجن�ة» (وانظر ً‬
‫موسى بن ميمون يف رشائع امللوك ‪.)4:10‬‬
‫بيد أن احلكامء األواخر أخربونا أن حظر القتل بش�كل عام‪ ،‬كان مع نزول التوراة‪ ،‬وأن ما‬
‫ورد قب�ل ن�زول التوراة ُملزم لألغيار واليهود م ًعا‪ ،‬بام يف ذل�ك حظر قتل غري اليهودي واجلنني‬
‫(ويتفق هذا مع ما قاله الرايب موس�ى بن ميمون يف افتتاحية كتاب الرشائع؛ حيث يرشح فيه أن‬
‫الوصاي�ا الـ ‪ 613‬تض�م أصول الوصايا‪ ،‬وليس كل القضايا والتفاصيل اخلاصة هبا ؛ وبناء عىل‬
‫ذل�ك يمكنن�ا أن نفهم مما قاله موس�ى بن ميمون أن الوصايا الـ ‪ 613‬قيلت ملوس�ى يف س�يناء‪،‬‬
‫ونح�ن ملزم�ون بما ورد قبل نزول الت�وراة؛ ألنه عند ن�زول التوراة أمر الرب موس�ى أن نظل‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ملتزمني بذلك‪ ،‬وهو ما جيعلنا نلتزم بتفاصيل الوصايا ً‬
‫«منح�ات حينوخ» يف الرشيعة الرابعة عرشة‪« :‬وأما‬ ‫(يف الواق�ع جيب أن نالحظ ما ورد يف ِ‬
‫فيام خيص حظر االنتحار‪ ...‬فإنه يبدو أن ابن نوح غري ملزم به‪ ،‬كام تعلمنا من «دمكم ألنفسكم»‪،‬‬
‫ومل تتك�رر الوصي�ة يف س�يناء‪ ،‬يف هذه احلالة يكون املقصود هبا بني إرسائي�ل وليس أبناء نوح»‪.‬‬
‫لكن ال يمكن القول إنه يعتقد أن التفاصيل التي مل تتكرر يف س�يناء ملزمة إلرسائيل فحس�ب‪،‬‬
‫كام تش�ددنا فيام خيص قتل غري اليهودي واجلنني املحظور عىل غري اليهود‪ ،‬من خالل ما ورد يف‬
‫«منح�ات حين�وخ»‪ .‬وجيب القول إن حظ�ر االنتحار ليس كمثل حظر قت�ل اجلنني‪ ،‬وهو حظر‬
‫خمتلف وخاص‪ ،‬ولذلك فهو حظر لبني إرسائيل فحسب؛ ألنه مل يتكرر يف سيناء‪.‬‬
‫‪ -25‬مصدر ألقوال الرايب موس�ى بن ميمون (يف تفسير س�فر اخلروج ‪« :)9:30‬مل يفعل هذا‬
‫ألي م�ن األغي�ار‪ ،‬بل ملن؟‪ ،‬ليعقوب الذي اختاره من بين عبدة الكواكب‪ ،‬ومل يمنحه إال‬
‫أقل القليل‪ .‬منح آلدم ‪ 6‬وصايا‪ ،‬وأضاف لنوح واحدة‪ ،‬وإلبراهيم ثامين وصايا‪ ،‬وليعقوب‬
‫تس�ع‪ ،‬لكن�ه منح كل الوصايا لبني إرسائيل‪ ،‬قال الرايب س�يمون فريدم�ان أن الرايب حنينا‬
‫ق�ال‪« :‬مثل امللك الذي أمامه مائدة وفوقه�ا مجيع أصناف الطعام‪ ،‬فدخل عليه أحد عبيده‬
‫فمنح�ه قطعة‪ ،‬ودخل عبد ث�ان فمنحه بيضة‪ ،‬والثالث بعض اخلضراوات‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وأما‬
‫عندما دخل ابنه‪ ،‬منحه املائدة بام عليها‪ ،‬وأخربه أنه منح بعض األش�ياء هلذا وذاك‪ ،‬أما هو‬

‫‪59‬‬
‫فإن�ه يمنح�ه كل يشء‪ ،‬هكذا فعل ال�رب حينام منح عبدة الكواكب بع�ض وصاياه‪ ،‬حتى‬
‫ظهر بنو إرسائيل فمنحهم التوراة كلها بكل وصاياها»‪.‬‬
‫‪ -26‬عىل س�بيل املثال‪ :‬يف مس�ألة إعادة املفقودات‪ ،‬الرايب موس�ى بن ميمون يف رشائع الرسقة‬
‫واملفقودات‪ ،‬ويف مس�ألة خطأ غري اليهودي ويف التوس�فتا‪« :‬رسقة غري اليهودي أش�د من‬
‫رسقة اليهودي؛ ألهنا إهانة للرب»‪.‬‬
‫‪ -27‬كام يف مسألة العالج واإلنقاذ من املوت‪ ،‬الرايب موسى بن ميمون رشائع عبادة األوثان‪.‬‬
‫‪ -28‬كما يف مس�ألة من�ح الصدق�ة لفقراء غري اليه�ود‪ ،‬الرايب موس�ى بن ميم�ون رشائع عبادة‬
‫األوثان‪ ،‬ورشائع امللوك‪.‬‬
‫‪ -29‬توجد فقرة حلظر تقديمها كقربان‪ ،‬ومن أجل ذلك فحس�ب هي حمظورة (كام يفرس ذلك‬
‫الرايب شلومو يتسحاقي)‪.‬‬
‫‪ -30‬راج�ع «عاروخ لنر» )*( والذي خيربنا بأننا لس�نا بصدد قاع�دة «مل يرد يشء‪ »...‬املعروفة‪،‬‬
‫ولكننا نتحدث عن حماولة اس�تحداث ترشي�ع يمكن تطبيقه عىل األغيار (كام خيربنا الرايب‬
‫نيس�يم )**(‪ ،‬وال�رايب موس�ى بن نحمان) ؛ ويمكنن�ا أن نالحظ مما ورد يف اجلمارا أن هذه‬
‫القاعدة متفق عليها‪.‬‬
‫‪ -31‬راجع ماس�وريت هش�اس)***( الذي يورد صيغة مضبوطة‪« :‬مل يرد يش مباح إلرسائيل‬
‫وحمظ�ور على األغي�ار (ألنه ببس�اطة ثمة أمور ال يس�تحق عليه�ا اليهود القت�ل‪ ،‬بينام غري‬
‫اليهودي ُيعاقب فيها بالقتل (مثل أكل اللحم احلي والرسقة))‪.‬‬
‫‪ -32‬ونرى يف التوس�افوت أنه إذا كان ثمة يشء مباح لبني إرسائيل ـ فهو عالمة عىل أنه مباح‬
‫لألغيار أيضا؛ ألنه لدينا قاعدة «مل يرد يشء‪»...‬؛ وبحس�ب نفس املصدر‪ُ ،‬يس�مح لألغيار‬
‫أيض�ا أن�ه إذا كان ثم�ة فرضي�ة للتفرقة بني بن�ي إرسائيل‬
‫أكل األحش�اء‪ .‬وحقيق�ة األم�ر ً‬

‫)*(  «عاروخ لنر»‪ :‬كتاب لتفسري التلمود‪ ،‬للرايب يعقوف يوئاف أتلينجر‪ ،‬من مواليد أملانيا (‪1798-1871‬م)‪ ،‬وزعيم‬
‫الطائفة األرثوذوكسية بأملانيا‪.‬‬
‫)**(  هو الرايب نسيم بن رايب رأوبني רבי נסים בן רבי ראובן‪:‬طبيب وفيلسوف‪ ،‬وكان من كبار مفرسي التلمود‪ ،‬وينتمي‬
‫لعرص األوائل‪ ،‬عاش يف الفرتة بني القرن احلادي عرش والقرن الثاين عرش ميالد ًّيا‪.‬‬
‫)***( « ماسوريت هشاس מסורת הש''ס»‪ :‬مؤلف تلمودي وضعه هيوشوع بوعاز‪ ،‬ويتحدث فيه عن بعض فصول‬
‫التلمود البابيل‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫واألغي�ار‪ ،‬يس�تحيل حينها أن نفهم أن ما ُأبيح لبني إرسائيل مب�اح ً‬
‫أيضا لألغيار‪ ،‬لذا فإن‬
‫ثم�ة دهش�ة تنتابنا من هذه الفق�رة؛ ألنه يوجد هنا فرضي�ة للتفرقة بني اليه�ود – امللزمني‬
‫بالذب�ح ‪ -‬واألغيار غير امللزمني بالذبح (ومن أجل تفسير آخر ملا ورد يف التوس�افوت‪،‬‬
‫هحم�اه)**(»‪ ،‬ويف كت�اب‬
‫ّ‬ ‫راج�ع «هيجاي�ون يتس�حاق )*(» الفص�ل ‪ ،36‬و كت�اب «أور‬
‫«بيك�وري هيودا»)***( – الصفح�ات ‪ ،119-18‬ويف كتاب «أقوال ال�رايب رأوبني دافيد‬
‫بن هيوشوع»‪ ،‬وكتاب اليوميات «شيم عوالم»‪ ،‬صفحة ‪.)264‬‬
‫‪ -33‬أورد الرايب موسى بن ميمون فقرة تفيد أنه متفق مع الرايب أحا بار يعقوب‪.‬‬
‫‪ -34‬وراج�ع املخيلت�ا حول فق�رة «ال تقتل»‪ :‬؛ وحول (أرميا ‪« )34 – 25‬إناء الش�هوة»‪ ،‬وقد‬
‫أوردنا يف هناية الفصل ما ورد يف «منحات حينوخ» يف هذا الشأن‪.‬‬
‫‪ -35‬يف واق�ع األم�ر‪ ،‬فإن أبناء ن�وح يعاقبون بالقت�ل إذا ارتكبوا جريمة قتل (كام س�يتضح يف‬
‫الفصل الثالث)‪.‬‬
‫‪ -36‬احيعي�زر ‪ 75 ،3‬؛ ع�اروخ لنر (باب أرملة األخ املت�ويف) ‪ 1:42‬؛ «ح ّفات يائري»)****(‪،‬‬
‫«إيفني هاعيزر»)*****(‪ ،‬ومعلمنا احلاخام مائري ش�يق ؛ وكتاب «كواح شور» )******( ؛‬
‫«أور س�اميح» )*******( يف رشائ�ع حظر املضاجعة ؛ و«إجروت موش�يه» )********(؛‬

‫)*(  «هيجايون يتسحاق»‪ :‬تعليقات عىل أجزاء املشناه الستة‪.‬‬


‫هحماه  אור החמה»‪ :‬كتاب لتفسري الزوهار عن القبااله‪ ،‬وهو اجلزء الثاين من كتاب «كريات أربع» للرايب‬ ‫ّ‬ ‫)**( «أور‬
‫إبراهام أزوالي(‪ )1643-1570‬املولود باملغرب‪ ،‬وأحد كبار حاخامات اليهود املغاربة من مدينة فاس‪ ،‬وله عدة‬
‫كتب عن القبااله وتفسرياهتا‪.‬‬
‫)***( « بيكورى هيودا ביכורי יהודה»‪ :‬جمموعة أسئلة وأجوبة حول كتاب «شوحلان عاروخ»‪ ،‬للحاخام إليعيزر دون‬
‫حييي (‪1926 - 1838‬م)‪ ،‬ويرجع لعائلة كبرية من احلاخامات اإلسپان‪.‬‬
‫)****( «ح ّفات يائري  חוות יאיר»‪ :‬كتاب يتعلق باألحكام والرشائع للحاخام شمعون يائري حاييم بكراخ (‪-1638‬‬
‫‪ ،)1701‬سليل حاخامات كثر بأملانيا‪.‬‬
‫)*****( «إيفني هاعيزر  אבן העזר»‪ :‬هو االسم الذي أطلقه الرايب يعقوب بن أشري عىل إحدى أجزاء كتابه (הטור)‬
‫الذي يناقش قضايا اجتامعية مثل الزواج والطالق‪.‬‬
‫)******( «كواح شور  כח שור »‪ :‬كتاب أسئلة وأجوبة‪ ،‬للحاخام يتسحاق بن إبراهام شور‪.‬‬
‫)*******(  «أور ساميح אור שמח»‪ :‬كاتب يتناول موسى بن ميمون (الرامبام)‪ ،‬من تأليف ميئري سيمحا هكوهني‬
‫מאיר שמחה הכהן‪.‬‬
‫)********( «إجروت موشيه»‪ :‬كتاب يناقش القضايا املعارصة بمنظور حديث‪ ،‬للحاخام موشيه فاينشتاين‬
‫(‪ ،)1986 – 1895‬من كبار احلاخامات األرثوذوكس بالواليات املتحدة األمريكية يف القرن العرشين‪ ،‬وكان‬
‫رئيسا جلمعية أعالم التوراة بالواليات املتحدة‪.‬‬
‫ً‬

‫‪61‬‬
‫ويف «تصيص إليعيزر» خيتلف مع هذا املصدر فيام يتعلق بحظر قتل اجلنني‪ ،‬وسنناقش هذا‬
‫فيام بعد‪.‬‬
‫‪ -37‬عىل س�بيل املثال‪ :‬كتاب األس�ئلة واألجوبة حول قضية نوح‪ ،‬الس�ؤال الس�ادس؛ كتاب‬
‫«هاالخ�وت جدول�وت» )*( ؛ ويف «توس�افوت قيدوشين»‪ ،‬يف الكلمات الت�ي تب�دأ‬
‫بـ «زوجة»‪.‬‬
‫‪ - 38‬عىل س�بيل املثال‪« :‬ليحم ميش�نيه»‪« ،‬رشائع امللوك» (‪« :)9:10‬س�فتي كوهني» ؛ «بتحي‬
‫وأيضا»؛ مالحظات‬ ‫تش�وفا» ؛ «بن�ي هيوش�واع» (‪ )1:20‬يف الكلامت الت�ي تبدأ بـ «ه�ذا ً‬
‫«هسافات إيميت»‪ ،‬التي كتبها عىل صهره ؛ يف األسئلة واألجوبة اخلاصة بـ «إيفني هاعيزر»‬
‫(‪( )12:3‬يف الفق�رة الت�ي تبدأ بالكلامت التالية «وما كتبه للتفرق�ة بني التقييم والتقييم»)؛‬
‫األس�ئلة واألجوبة اخلاصة بـ «بايت هيودا»‪ :‬األس�ئلة واألجوبة الواردة يف مرآة حيزقئيل؛‬
‫األس�ئلة واألجوبة اخلاصة بـ «هيودا يعىل»؛ «حوش�ان مشباط» )**(؛ (يف هناية الفقرة التي‬
‫تب�دأ بالكلمات التالي�ة «وها هي كلمتن�ا عن التلمود األورش�ليمي»؛ األس�ئلة واألجوبة‬
‫الواردة يف «مش�باط كوهني»؛ األسئلة واألجوبة اخلاصة بـ «هيخال يتسحاق»؛ «إجروت‬
‫موش�يه» (يف الفق�رة الت�ي تبدأ بـ «وم�ا الذي كتب�ه هأحيعيزر») ؛ منحات ش�لومو ‪29:1‬‬
‫(يف الفق�رة الت�ي تبدأ ب�ـ «ويف هذا الش�أن»؛ (ويمكن مراجعة األس�ئلة واألجوبة اخلاصة‬
‫بـ «شيفيت هاليفي») ؛ ويف «مشناه هالخوت»‪.‬‬
‫‪ -39‬راج�ع ال�رايب موس�ى ب�ن ميم�ون يف رشائ�ع املل�وك (‪ ،)10 :9‬ويف الكثري من التفاسير‬
‫األخرى‪.‬‬
‫‪ – 40‬راجع ما ورد يف التوراة حول هذا‪.‬‬
‫‪ -41‬راجع «عاروخ لنر» يف السنهدرين (‪ ،)1 :59‬يف الفقرة التي تبدأ بـ «هناك مل يرد يشء‪»..‬؛‬
‫حيث يشري هناك أن موقف التوسافوت من غري اليهودي الذي يتفقه يف التوراة غري واضح‪،‬‬
‫فغري اليهودي الذي يت ّفقه يف التوراة يستحق القتل؛ ألنه يرسقها مننا‪ ،‬أو أنه مثله كمثل من‬
‫ضاجع زوجة صديقه؛ ألن التوراة ختصنا نحن فحس�ب (كام تفرس اجلامرا يف الس�نهدرين‬

‫)*(  «هاالخوت جدولوت הלכות גדולות»‪ :‬كتاب يناقش األحكام والقضايا املتعلقة باليهود بوجه عام‪ ،‬للحاخام‬
‫شمعون كريا‪ ،‬املولود يف البرصة بالعراق يف عام ‪860‬م‪.‬‬
‫)**( «حوشان مهشباط  חושן משפט»‪ :‬هو أحد أجزاء «شوحلان عاروخ» األربعة‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫‪ )1 :59‬؛ ويف هذه احلالة ال داعي لالحتكام إىل فرضية «مل يرد يشء‪»...‬؛ ألن سبب حظر‬
‫األمر عليهم هو أننا ُأمرنا بأن التوراة ختصنا‪ .‬وكذلك يف السنهدرين تتشدد التوسافوت يف‬
‫هذا‪ ،‬لكن ليس بسبب حظر األمر لدهيم‪( ،‬وجيب أن نؤكد أن مقصد التوسافوت يف تفسري‬
‫فصل «حولني» هو أنه طاملا قلنا أنه ال داعي للجوء للفرضية السابقة يف حالة تعلم التوراة‬
‫والتفقه فيها‪ ،‬فإن هذا عىل أي حال سببه ما ُأمر به بنو إرسائيل)‪.‬‬
‫‪ -42‬وف ًقا لتفسريات سفري العدد والتثنية‪ ،‬جيدد القول بأنه ُحظر عىل بني إرسائيل أكل اللحم‬
‫الذي خيص البهيمة التي اهتاجت قبل ذبحها‪ ،‬وال يتش�ابه هذا مع ما ورد يف التلمود (كام‬
‫رأينا يف صفحة ‪ 1 :33‬عن «يقطع من حلمها جز ًءا بحجم الزيتونة»‪ ،‬و(راجع الرايب موسى‬
‫بن ميمون يف رشائع الذبح ‪ .))3 :1‬لكن من الصعوبة بمكان أن نقول إن تفسريات سفري‬
‫العدد والتثنية تتحدث عن جزء عادي من اللحم احلي؛ ألن هذا حمظور بطبيعة احلال؛ ألن‬
‫البهيمة ال تُذبح ؛ فكيف ختربنا تفسريات سفري العدد والتثنية أن األمر مباح؟ (ويستحيل‬
‫الق�ول إنن�ا يف حاج�ة إىل فقرة تؤكد لنا أن األمر ال يس�تحق عقوبة الضرب؛ ألنه إذا كان‬
‫األم�ر كذلك‪ ،‬كيف ختربنا تفسيرات س�فري العدد والتثنية أنه يمك�ن االكتفاء بالفرضية‬
‫الس�ابقة؟ فالفرضية الس�ابقة ال تكفي لفرض عقوبة الرضب؛ ألن تلك القاعدة صحيحة‬
‫فحسب فيام خيص احلظر وليس العقوبة)‪.‬‬
‫ونح�ن جمبرون عىل القول ب�أن األمر يتعل�ق بحالة اللحم ال�ذي تم اقتطاعه م�ن البهيمة‬
‫املهتاجة‪ ،‬فمن ناحية الذبح ليس ثمة حظر بأكله‪ .‬وتفسريات سفري العدد والتثنية جتدد القول‬
‫بأن الس�بب هو حظر أكل «اللحم احلي»‪( ،‬وجيب التأكيد عىل أنه وف ًقا هلذا التخصيص‪ ،‬تعتقد‬
‫تفسيرات س�فري العدد والتثنية ألول وهلة أنه حُيظر عىل بني إرسائيل أكل األحش�اء‪ ،‬خاصة‬
‫البهيمة التي تم ذبحها‪ ،‬ذلك ألهنا اقتطعت من البهيمة قبل أن تفيض روح البهيمة‪ ،‬لكن حُيتمل‬
‫أن حكم أكل األحشاء أخف من حكم اللحم الذي تم اقتطاعه من البهيمة املهتاجة؛ ألهنا جزء‬
‫م�ن عملي�ة الذبح‪ ،‬وعىل الرغم من هذا فإهنا ال تعد حلماً ح ًّيا (وانظر رأي الرايب ميئري ش�يف يف‬
‫هذا الشأن))‪.‬‬
‫أيضا إن تفسريات سفري العدد والتثنية مل ختتلف مع املعلومة‬
‫بناء عىل ذلك‪ ،‬يمكن القول ً‬
‫التي وردت يف اجلامرا يف الس�نهدرين‪ ،‬والتي تقول إن ثمة فرضية هلذا األمر تتعلق بكون أسرية‬
‫احلرب حاللاً عىل اليهودي وحرا ًما عىل غري اليهودي‪ ،‬ولكن تس�تدرك التفسيرات لتخربنا أن‬

‫‪63‬‬
‫ثمة فرضية أخرى للتفرقة؛ ألننا بصدد هبيمة بعد ذبحها‪ ،‬واألغيار مل يؤمروا بالذبح‪ ،‬ولذلك فإن‬
‫مصدرا للتحريم لدى بني إرسائيل يف تلك احلالة‪.‬‬
‫ً‬ ‫قاعدة «مل يرد يشء‪ »...‬ال يمكن أن متثل‬
‫وحقيق�ة‪ ،‬فإن�ه بحس�ب م�ا ورد يف توضيح نفتايل تس�يفي هي�ودا برلني)*( هل�ذه النقطة يف‬
‫تفسيرات س�فري العدد والتثنية‪ ،‬فإنه يرى أن ما فهمناه من ورود مثال أسيرة احلرب‪ ،‬هو أنه‬
‫يف أي موض�ع يك�ون فيه أمر ما مباح لبني إرسائيل‪ ،‬ال يمكن حينها االحتكام إىل قاعدة «مل يرد‬
‫يشء‪ ،»...‬وليس هناك رضورة لتفسري فرضية خاصة للتفرقة بني بني إرسائيل واألغيار ؛ وهو‬
‫ما يتعارض مع ما ورد يف اجلامرا يف السنهدرين‪.‬‬
‫كام يمكن رشح ما ورد يف تفسريات سفري العدد والتثنية‪ ،‬بطريقة أخرى يمكن القول إن‬
‫التفسيرات تقص�د من مجلة «حلم حي»‪ ،‬من يأكل حلم البهيم�ة أثناء اهتياجها بعد ذبحها‪ ،‬وهو‬
‫حمظورا عىل أي حال (رغم أن مصدر حتريم األمر يف التلمود هو الفقرة التي‬
‫ً‬ ‫ما تراه التفسريات‬
‫أيضا الرايب موسى‬ ‫تقول‪« :‬ال تأكلوا اللحم املدمم» كام جاء يف رشح السنهدرين ‪ 1 :63‬؛ راجع ً‬
‫ب�ن ميم�ون يف رشائع الذبح ‪ ،2 :1‬ويف مصادر أخرى‪ .‬غير أن هذه االحتاملية ال تتفق كام رأينا‬
‫مع «حلم حي» الواردة يف تفسريات سفري العدد والتثنية‪.‬‬
‫أيض�ا يف كت�اب «يرائي�م» )**(‪ ،‬الذي ق�ال إن حظر أكل اللحم احل�ي نبع مما هو‬
‫(وراج�ع ً‬
‫حمظور عىل األغيار بالفعل‪« ،‬فاجلميع هم أبناء نوح»)‪.‬‬
‫‪ -43‬هذا القول يش�به ما س�بق وأن ذكرناه (يف امللحوظة رقم ‪ )24‬من اجلذر الس�ابع يف مقدمة‬
‫ال�رايب موس�ى ب�ن ميمون لكت�اب «الوصاي�ا الثامن�ون» وال�ذي حييص فحس�ب «جذور‬
‫الوصاي�ا»‪ ،‬ولي�س «فقرات الوصايا» والتي ه�ي بمثابة التفاصي�ل املتفرعة يف كل وصية‪.‬‬
‫وخيربنا أنه وف ًقا للرايب ريش لقيش نبقى ملزمني بجميع جذور الرشائع التي التزمنا هبا قبل‬
‫نظرا ألنه قد ُفرضت علينا حدو ًدا معينة‪ ،‬فإننا نستنتج أن ثمة تفاصيل‬
‫نزول التوراة ؛ لكن ً‬
‫ومباحا عىل لليهودي‪.‬‬
‫ً‬ ‫حمظورا عىل غري اليهودي‬
‫ً‬ ‫حمددة يكون فيها األمر‬
‫وباملناس�بة جيب أن نالحظ ما ورد يف كتاب «متس�بيه إيتان» عن فصل حولني؛ حيث يربر‬
‫لن�ا القضية الواردة يف التوس�افوت بطريقة أخرى‪ ،‬ويوضح لنا مل�اذا ال يعد مبدأ «نصف مقدار‬
‫)*(  «الرايب نفتايل تسيفي هيودا برلني רבי נפתלי צבי יהודה ברלין»‪1893 – 1817( :‬م) من كبار احلاخامات‪ ،‬ورئيس‬
‫مدرسة لوزين الدينية الشهرية‪.‬‬
‫)**(  «يرائيم» كتاب يناقش أحكام وقوانني توراتية ويطرح األوامر الـ ‪ 613‬اليهودية‪ ،‬ويضع جمموعة من األحكام‬
‫والقوانني اجلديدة‪ ،‬وهو للحاخام إليعيزر ماميتس (‪1248 -1140‬م) من كبار حاخامات تفسري التوراة‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫يظر عىل األغيار‪ ،‬ملاذا ال يتناقض مع قاعدة «مل‬ ‫)*(‬
‫مب�اح من الت�وراة » الذي يرسي بني اليهود و حُ‬
‫يرد يشء‪ »...‬كام وردت يف اجلامرا يف السنهدرين؟‪.‬‬
‫ويمكن عىل ما يبدو تربير القضية الواردة يف التوس�افوت بطريقة أخرى‪ ،‬يمكن القول إن‬
‫األمر يتش�ابه مع ما ورد يف اجلامرا يف الس�نهدرين ‪ ،1 :58‬وهي القضية التي تتشدد فيها اجلامرا‬
‫عن�د اس�تخدامها لقاع�دة «مل ي�رد يشء‪ ،»...‬حيث تقول إن غير اليهودي يع�د مذن ًبا إذا رسق‬
‫أق�ل مما يس�اوى بروتا)**(‪ ،‬بينام ال يتم جتريم اليهودي ال�ذي يفعل هذا‪ .‬وراجع الرايب ميئري بن‬
‫تودروس هاليفي )***( الذي جيد صعوبة يف تفسري هذا اجلزء؛ ألنه ألول وهلة حُيظر ً‬
‫أيضا عىل‬
‫بني إرسائيل الرسقة يف احلالة السابقة‪ ،‬ويف هذه احلالة يتساوى األمر‪.‬‬
‫ويمكن تفسري تلك املعضلة بحسب الرايب ريش لقيش الذي يرى أن نصف مقدار أباحته‬
‫الت�وراة‪ ،‬ل�ذا فإنه مس�موح لليهودي برسقة أقل مما يس�اوى بروتا‪ .‬وبناء عىل ذل�ك ـ يمكننا أن‬
‫س�ار‪ ،‬ليس فحس�ب فيام‬‫نفه�م أن التربي�ر الذي يقول «إن األغيار ال يس�تحقون الغفران»‪ ،‬أنه ٍ‬
‫أيضا يف مجيع ما خيص مس�ألة املقادير‪« :‬ال يس�تحقون الغف�ران»‪ ،‬املقصود‬ ‫خي�ص الرسق�ة‪ ،‬ب�ل ً‬
‫هبا أهنم ال يلتزموا الدقة يف املقادير؛ لذا فإن مس�ألة املقادير ال تناس�بهم وال وجود هلا‪ ،‬س�واء يف‬
‫الوصايا التي بني اإلنس�ان وصاحبه‪ ،‬أو بني اإلنس�ان واملكان ؛ وهذا س�بب اختالفهم عن بني‬
‫أيضا يف كت�اب «ليف أرييه» )****(عن فصل حولين)‪ .‬وبناء عىل هذا‪ ،‬فإن‬ ‫إرسائي�ل (وراج�ع ً‬
‫اجلامرا يف الس�نهدرين تُفرس بالضبط كام قال ريش لقيش‪ ،‬والذي يتفق هو اآلخر مع فرضية «مل‬
‫يرد يشء‪ »...‬رغم أنه يف هذه النقطة‪ ،‬هو يعتقد أن ثمة اختال ًفا بني بني إرسائيل واألغيار‪ ،‬لكن‬
‫مغزى ما ورد يف التوسافوت خيتلف مع هذا‪.‬‬
‫‪ – 44‬كتب الرايب موس�ى بن ميمون (يف هناية الفصل التاس�ع من رشائع امللوك) أنه حُيظر عىل‬
‫غير اليه�ودي أكل اللح�م الذي اقتطع من هبيم�ة بعد ذبحها‪ ،‬طاملا أهنا م�ا زالت يف حالة‬
‫هياج؛ ألنه يعد حلماً ح ًّيا ؛ بالرغم من أن هذا مباح لبني إرسائيل‪ .‬ويناسب هذا رأي الرايب‬
‫)*( هي قاعدة رشعية تفيد بأنه إذا أكل أو رشب شخص ما شيئًا ما حظرته التوراة‪ ،‬وكان مقدار ما رشبه أو أكله مل‬
‫جترمه التوراة‪ ،‬يف حني أن احلكامء خيتلفون حول األمر‪.‬‬‫يتجاوز النصف‪ ،‬يف هذه احلالة ال ِّ‬
‫)**(  بروتا פרוטה‪ :‬هي عملة هيودية قديمة تعود للعصور الوسطى‪ ،‬وتم استخدامها يف أوائل سنوات دولة إرسائيل‬
‫حتت نفس االسم‪ ،‬وهي تعادل املليم املرصي القديم تقري ًبا‪.‬‬
‫)***( ميئري بن تودروس هاليفي أبو العافية  מאיר בן טודרוס הלוי אבולעפיה (‪1225 – 1170‬م)‪ :‬أحد حكامء اليهود‬
‫يف األندلس‪.‬‬
‫)****(  «ليف أرييه»‪ :‬كتاب يناقش أحكام الرشائع‪ ،‬للحاخام أريه كارلني‪ ،‬الذي يعد أحد مفرسي التوراة‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫أح�ا بار يعقوب يف فصل حولني‪ ،‬فلأن األغيار «غري مأمورين بالذبح»‪ ،‬فإننا بصدد حالة‬
‫ومباحا لألغيار‪.‬‬
‫ً‬ ‫حمظورا عىل اليهود‬
‫ً‬ ‫أمرا‬
‫خاصة يمكننا فيها أن نفرتض أن ثمة ً‬
‫وبالفع�ل‪ ،‬من الصعب فهم الس�بب الذي أفتى من أجله الرايب موس�ى ب�ن ميمون فتوى‬
‫مش�اهبة مل�ا ذهب إلي�ه الرايب أحا ب�ار يعقوب‪ ،‬بينام يبدو أن اس�تنتاج اجلامرا خيال�ف رأيه! لكن‬
‫أيضا ؛ وأغلب املفرسين أوضحوا أنه ليس ثمة تناقض بني هذا وبني مقصد‬ ‫األمر مباح لألغيار ً‬
‫اجلامرا من أن قاعدة «مل يرد يشء‪ »...‬صاحلة يف كل يشء‪.‬‬
‫لكنن�ا وجدن�ا بعض احلكامء األواخر يف تفسيراهتم للرايب موس�ى بن ميم�ون يكتبون أن‬
‫قاعدة «مل يرد يشء‪ »...‬موضع خالف ومل يتم قبوهلا نظر ًّيا‪ ،‬كام كتب عاروخ لنر يف السنهدرين‪،‬‬
‫ولك�ن على اجلانب اآلخر‪ ،‬يقول نفس احلاخام يف «يفاموت» )*( (‪ )1 :42‬أن حظر قتل اجلنني‬
‫مصدره قاعدة «مل يرد يشء‪ ،»...‬بمعنى أنه ليس ثمة تناقض‪ .‬وهكذا فهو يرى أن الرايب موسى‬
‫بن ميمون يتفق مع تفسيرات س�فري العدد والتثنية‪ ،‬وكذلك ما ورد يف التوس�افوت‪ ،‬بش�كل‬
‫ع�ام‪ ،‬يبقين�ا ملزمني بكافة الوصايا الت�ي التزمنا هبا قبل نزول التوراة‪ ،‬لك�ن حينام وجدنا حكماً‬
‫مرشوحا يف التوراة ُي َف ِّرق بيننا وبني ما كان قبل نزول التوراة؛ وبناء عىل ذلك ينشأ وضع يكون‬
‫ً‬
‫فيه ثمة يشء مباح لبني إرسائيل وحمظور عىل األغيار‪.‬‬
‫وكذلك نجد أن هحاتام سوفري )**( يف حتديثاته عىل اجلامرا يف فصل حولني‪ ،‬يضع فرضية‬
‫«مل ي�رد يشء‪ »...‬موض�ع خلاف‪ ،‬وقال إهنا مل يتم قبوهلا نظر ًّيا؛ حتى نتمكن من تفسير ما قاله‬
‫الرايب موس�ى بن ميمون‪ .‬ويبدو من أقواله أنه يتفق مع عاروخ لنر‪ .‬بخالف هذا نجد أن آراءه‬
‫بشأن مسألة أمر الرب لبني إرسائيل باحتالل األرض‪ ،‬ال تتفق مع الكثري من احلكامء األوائل‪.‬‬
‫وحول ما ورد يف تفسيرات س�فري العدد والتثنية‪ ،‬يقول الرايب س�محا هكوهني يف كتابه‬
‫«ميش�يخ حومخا»‪ ،‬إن اجلملة االس�تنكارية الواردة يف املخيلتا «كيف يتم ختفيف املحظورات؟»‬
‫ُيقص�د هبا فحس�ب أن قاعدة «مل ي�رد يشء» تم قبوهلا نظر ًّيا‪ ،‬وأن رأي الرايب موس�ى بن ميمون‬
‫خيال�ف هذا ال�رأي‪ ،‬وعىل هذا تكون اجلملة االس�تنكارية غري نظري�ة‪ ،‬وال يصري عىل اليهودي‬
‫حظرا لقتل غري اليهودي‪ ،‬ويبقى األمر يف حاجة إىل مراجعة ؛ ذلك ألن األمر ينطوي عىل عدة‬ ‫ً‬
‫صعوبات منها‪ :‬أن الرايب موسى بن ميمون أورد حظر قتل غري اليهودي كام رأينا‪ ،‬ومصدره هو‬

‫)*(  «يفاموت יבמות»‪ :‬الفصل األول من باب «ناشيم» يف املشناه والتلمود‪.‬‬


‫)**(  هاحاتام سوفري החת''ם סופר (‪1839-1762‬م)‪ :‬هو اسم الشهرة للرايب موشيه سوفري משה סופר؛ نسبة إىل كتابه‬
‫«جتديدات رشيعة موسى חידושי תורת משה»‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫واضحا ملاذا يس�تقي‬
‫ً‬ ‫أيضا يرى الرايب س�محا هكوهني أنه ليس‬ ‫الفقرة التي وردت يف املخيلتا‪ً .‬‬
‫ال�رايب موس�ى بن ميمون حظر االنتحار من فقرة «يس�فك دم اإلنس�ان» الت�ي قيلت لألغيار ؛‬
‫وكي�ف يوض�ح ميمون يف رشائع امللوك (بداية الفصل التاس�ع)‪ ،‬كام ذكرن�ا يف متن الفصل‪ ،‬أن‬
‫أيضا بعد‬
‫موس�ى أكمل التوراة بن�اء عىل وصايا نوح الس�بع‪ ،‬وأن التزامنا هبذه الوصايا س�ار ًيا ً‬
‫نزول التوراة‪.‬‬
‫ويبدو أن هذا ما قصده الرايب سمحا بجملته «ويبقى األمر يف حاجة إىل مراجعة»‪ ،‬وأورد‬
‫رأي موس�ى بن ميمون بمثابة افرتاض فحس�ب‪ .‬ويف حقيقة األمر‪ ،‬فإن س�محا نفس�ه يف كتابه‬
‫«أور س�اميح» ح�ول الرايب موس�ى بن ميمون (حظ�ر املضاجعة ‪ ،)2 :3‬يورد ه�ذه الفقرة من‬
‫أيضا بعد نزول التوراة‪.‬‬
‫املخيلتا‪ ،‬ويستنتج حكماً نظر ًّيا مفاده أننا ما زلنا ملتزمني بوصايا نوح ً‬
‫باإلضاف�ة إىل ذل�ك‪ ،‬راجع «تس�يتس إليعيزر )*(»‪ ،‬ال�ذي أراد القول‪ :‬إن�ه نظر ًّيا ال يمكن‬
‫االحت�كام لفرضية «مل يرد يشء‪ ،»...‬ولذل�ك فليس ثمة حظر تورايت لقتل اجلنني ؛ لكن تكمن‬
‫صعوب�ة األم�ر يف أن�ه يورد بكل تأكي�د حظر االنتحار‪ ،‬ومص�دره هو فقرة «وأطل�ب أنا دمكم‬
‫ألنفس�كم»؛ وكذل�ك يناقش مس�ألة مباركة الكاهن ال�ذي قتل غري هي�ودي‪ ،‬جلموع املصلني‪،‬‬
‫حي�ث ي�ورد هن�ا آراء «هتس�يدا لديريخ» و«ب�رى جماديم» التي تس�تند إىل املخيلت�ا‪ ،‬ومل يقل إن‬
‫آراءهم غري سليمة؛ ألن املخيلتا مرفوضة نظر ًًّيا‪.‬‬
‫وراجع األسئلة واألجوبة اخلاصة بالرايب شمشمون إنجيل (‪( )79 :5‬الذي يورد احتاملية‬
‫أن التوراة ال حتظر قتل اجلنني ؛ لكنه يف استنتاجه يؤكد أنه ال يمكن االعتامد عىل هذا من الناحية‬
‫النظرية) ؛ ويف األسئلة واألجوبة الواردة يف «إيمونات شموئيل» نرى أن احلظر مصدره احلكامء‬
‫ولي�س التوراة‪ ،‬لك�ن من الصعب فهم كيف يفرس ذلك يف التوس�افوت‪ ،‬حينام يقول إنه يمكن‬
‫االحتكام لفرضية «مل يرد يشء‪ ،»...‬وربام جيب أن نقول إنه يقصد حتديدً ا حالة قتل جنني داخل‬
‫رح�م أم غير هيودية‪ ،‬ختش�ى أن يفتضح أمرها فيعل�م اجلمع أهنا زانية؛ ألن�ه حينها ثمة احتامل‬
‫حمظورا – فربام ال‬
‫ً‬ ‫يف التوس�افوت يس�مح لألغيار بقتل اجلنني إلنقاذ األم‪ ،‬وحت�ى إذا كان هذا‬
‫يوج�د حظر هنا عىل اليهودي يف تقديم املس�اعدة يف ه�ذه احلالة ؛ واألمر يف حاجة إىل مزيد من‬
‫املراجعة‪ .‬ويف األسئلة واألجوبة يف كتاب «بايت هيودا» (وكذلك األسئلة واألجوبة الواردة يف‬
‫أيضا‪ ،‬لكن األمر يتعلق فحس�ب بالقتل يف‬ ‫«حايي�م وش�الوم») نرى أن احلظ�ر مصدره احلكامء ً‬

‫)*(  «تسيتس إليعيزر ציץ אליעזר»‪ :‬كتاب أسئلة وأجوبة للحاخام إليعيزر هيودا فلندبرج (‪2006 – 1915‬م) وهو من‬
‫كبار حاخامات إرسائيل السابقني‪ ،‬وحائز جائزة إرسائيل للكتب التوراتية‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫الس�م‪ ،‬يف الوقت الذي يقول فيه رصاحة إن القتل باأليدي حمظور بحس�ب التوراة‬ ‫حالة تلقي ُّ‬
‫بالسم‬
‫بس�بب قاعدة «مل يرد يشء‪»...‬؛ لذا فإن الرأي الوارد يف «بايت هيودا» من أن حظر القتل ُ‬
‫مصدره احلكامء‪ ،‬يف حاجة إىل مراجعة‪.‬‬
‫وربما كان األمر يتعلق بالسماح مل�ن ت ِ‬
‫ُرضع ولدها بأكل ما ترغب‪ ،‬حت�ى إذا أرض هذا به؛‬
‫ألن حياهتا أهم‪.‬‬
‫‪ -45‬استكاملاً لألقوال املكتوبة‪ ،‬راجع ملحق الفصل الرابع‪.‬‬
‫‪ -46‬واتفا ًقا مع التفسري الوارد يف كتاب «ميئا شعاريم»)*( لصاحبه بعل شيم طوف الذي مال‬
‫إىل التبسيط أكثر من تالمذته‪.‬‬
‫‪ -47‬جيب أن نالحظ أننا مل نجد فرضية «مل يرد يشء‪ »...‬يف أي موضع يف التلمود األورشليمي‪.‬‬
‫وأكث�ر م�ن ه�ذا‪ :‬ورد يف التلمود البابيل (الس�نهدرين ‪ )2 :58‬أنه يس�تحيل القول إن غري‬
‫اليه�ودي ال�ذي ضاجع زوجته من الدُّ ُب�ر مذن ًبا؛ ألن هذا األمر مباح ل�دى بني إرسائيل‪،‬‬
‫أيضا ـ وها هو التلمود األورشليمي (قيدوشني‬ ‫وبالتايل فإهنا ال بد أن تكون مباحة لألغيار ً‬
‫‪ )1 :1‬خيربنا ببس�اطة أن غري اليهودي الذي ضاجع زوجته من الدُّ ُبر مذن ًبا‪« :‬يقول الرايب‬
‫لعي�زر ع�ن ال�رايب حنينا‪ :‬من أين لنا أن بن�ي نوح قد تم حتذيرهم من زن�ا املحارم مثل بني‬
‫إرسائيل؟‬
‫النص يقول‪ :‬والتصق بزوجته – وليس بزوجة صاحبه‪ ،‬والتصق بزوجته – وليس برجل‪،‬‬
‫ولي�س ببهيمة‪ .‬يقول الرايب ش�موئيل عن الرايب افيهو‪ ،‬أن الرايب لعي�زر يقول عن الرايب حنينا‪:‬‬
‫ابن نوح الذي ضاجع زوجته من الدُّ ُبر ُيقتل‪ .‬ما املغزى؟ والتصق بزوجته وصارا قطعة واحدة‬
‫‪ -‬وبخالف جوهر االس�تنتاج بأن غري اليهودي يكون مذن ًبا إذا ضاجع زوجته من الدُّ ُبر‪ ،‬رغم‬
‫أن األمر مباح لليهودي – علينا أن نلتزم الدقة هنا بحس�ب التلمود األورش�ليمي عندما نقول‬
‫إن احلظر الثالث‪ ،‬ابن نوح ضاجع زوجته من الدُّ ُبر‪ ،‬خيتلف عن احلظرين األول والثاين (زوجة‬
‫صاحب�ه والذك�ر والبهيم�ة)‪ ،‬وقد ورد عنهم «من أي�ن لنا أن أبناء نوح قد ت�م حتذيرهم من زنا‬
‫املح�ارم مث�ل بني إرسائيل؟»؛ حيث يتضح من هذا أن اليه�ود مل يتم حتذيرهم من املضاجعة يف‬
‫الدُّ ُب�ر‪ ،‬ورغم هذا ف�إن أبناء نوح يعاقبون بالقتل عن هذا (ح ًّقا ب�دون التدقيق يمكن القول إن‬
‫أيضا حمظور عليهم املضاجع�ة يف الدُّ ُبر‪ ،‬دون أن‬
‫التلم�ود األورش�ليمي يعتقد أن بن�ي إرسائيل ً‬
‫يتعارض هذا مع قاعدة «مل يرد يشء‪.»...‬‬
‫)*(  «ميئا شعاريم» جمموعة من اخلطابات للحاخام يرسائيل بعل شيم طوف‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫‪ -48‬وف ًقا هلذا يمكن تفسير األمر كالتايل‪« :‬وهو ش�عب وحيد يس�كن‪ ،‬وال يأخذ يف حس�بانه‬
‫األغي�ار»‪ ،‬أي‪ :‬أن�ه مع ذلك يتميز متا ًما عن األغيار‪ ،‬ولذل�ك فهو غري ملتزم بام التزموا به‪.‬‬
‫وبلعام )*( الذي كان يعرف الرب‪ ،‬ش�عر أن اليهود ليس�وا كاألغي�ار‪ ،‬وهذا جعله يغتاظ‪،‬‬
‫لكنه مع ذلك باركهم رغماً عنه‪.‬‬
‫ونسمع يف كتاب «نوتسار حيسيد» للرايب مكامارنا‪ ،‬احلكاية التالية‪« :‬ويروي لنا بعل شيم‬
‫صغريا‪ ،‬قام معلمه بتعليمه مجيع اس�تخدامات األسماء املقدس�ة ليفهمها‬ ‫ً‬ ‫طوف أنه عندما كان‬
‫صغريا‪ ،‬فق�د متلكته الرغبة يف اختبار قوته يف حماول�ة فعل يشء ما‪ ،‬فقام‬
‫ً‬ ‫ويتعلمه�ا‪ .‬وألن�ه كان‬
‫هنرا‪ ،‬وعربه باالس�تعانة بقوة أحد هذه األسماء‪ .‬وتاب عن ذلك‬ ‫بوضع قطعة من املالبس فوق ً‬
‫وهنارا إلصالح عيبه هذا‪ .‬ويف هناية األمر صار لزا ًما عليه‬
‫ً‬ ‫ط�وال أي�ام حياته‪ ،‬وصار يصوم ليلاً‬
‫أن يعرب النهر ملرة واحدة بسبب خطر املوت خاصة من اإلسامعيليني‪ ،‬فوضع حزا ًما وعرب فوقه‬
‫بدون االستعانة بأي من األسامء‪ ،‬إليامنه الكبري برب إرسائيل»‪.‬‬
‫وح�ول ه�ذه احلكاي�ة‪ ،‬راج�ع كت�اب «أور يرسائي�ل»‪ .‬وهك�ذا ن�رى أن م�ن يس�تطع‬
‫الوص�ول إليامن�ه احلقيقي البس�يط‪ ،‬مثلام فعل بعل ش�يم ط�وف‪ ،‬ال ينطبق عليه أب�دً ا قاعدة «مل‬
‫يرد يشء‪.»...‬‬
‫ويف رأينا أن املقصود من كلمة «سوء» يف «من حيفظ وصاياي ال يعرف موضع سوء»‪ ،‬هو‬
‫أننا طاملا كنا يف زمن املنفى‪ ،‬فإن الس�وء والرش فحس�ب ما سيصيبنا‪ ،‬هذا حتى حلول اخلالص‪.‬‬
‫وإذا الحظنا س�نجد أن مجلة «مل يرد يشء هو أمر س�يئ» بحس�اب األرقام تس�اوي ‪ ،613‬وهو‬
‫العدد اإلمجايل لكل وصايا التوراة‪.‬‬
‫‪ -49‬رشائع امللوك ‪.10 :80‬‬
‫‪ – 50‬من املعروف‪ ،‬أن هذا العامل «معظمه س�يئ»‪ ،‬أي‪ :‬معظمه من األغيار‪ ،‬معزول عن الرب‬
‫تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫‪ -51‬مل نحظ بعد بتطبيق فقرة «وهو ش�عب وحيد يس�كن‪ ،‬وال يأخذ يف حس�بانه األغيار»‪ ،‬كام‬
‫ذكرنا يف امللحوظة الثامنة واألربعني‪ .‬فخروجنا من مرص يعترب بمثابة «خروج األغيار من‬
‫)*(  بلعام‪ :‬ورد يف سفر العدد أن بلعام هذا أراد أن يلعن بني إرسائيل‪ ،‬لكنه يف النهاية باركهم؛ ألنه توصل إىل مكانتهم‬
‫عند الرب‪ .‬وهلذا فإن «لعنة بلعام» التي حتولت إىل بركة‪ ،‬صارت مرض ًبا لألمثال للداللة عىل إدراك األغيار ملكانة‬
‫شعب إرسائيل لدى الرب‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫بني األغيار»؛ ألن ( مرصبمثابة «جوهرة» األغيار) أي ثلثي الرقم ‪ =( 19‬غري هيودي) كام‬
‫أيضا مع عبدة‬
‫ه�و مع�روف يف حكمة األرقام‪ ،‬وعند البحر زعم املالئك�ة أن بني إرسائيل ً‬
‫األوثان كام ورد يف املدراش )*(‪ ،‬أي أن أهنم ما زالوا من األغيار‪.‬‬
‫م�ع نزول التوراة فحس�ب حدث هت�ود بصورة صحيح�ة (ذهبنا‪ ،‬ابتعدنا بام في�ه الكفاية‪،‬‬
‫أحصينا مخسني يو ًما‪ ...‬إلخ)‪ .‬وهكذا طاملا كنا حمسوبني عىل قوة األغيار فنحن ما زلنا ملتزمني‬
‫بوصاياهم‪.‬‬
‫‪ -52‬يناس�بنا للغاي�ة هنا تفسير كلمة «حمظور» بمعن�ى «متعلق קשור»‪ ،‬وتُنطق «قاش�ور»‪ ،‬عىل‬
‫طريقة التفسري احلسيدي ألقوال احلكامء‪« :‬حمظور عىل عامة الشعب أكل اللحم»‪ ،‬إذا قلنا‬
‫أن كلمة «حمظور אסור» وتُنطق «أسور»‪ ،‬عىل وزن «قاشور»‪ ،‬يكون املعنى املقصود هو «أن‬
‫عامة الشعب متعلق برغبته يف أكل اللحم»‪.‬‬
‫‪ -53‬اخلضوع من جانب اجلس�د فحس�ب؛ إذ إنه من ناحية الش�كل اخلارجي ال يمكن التمييز‬
‫بني جس�د غري اليهودي واليهودي (الرب فحس�ب خيتار بملء حريته اجلس�د اليهودي)‪،‬‬
‫يف الوق�ت الذي فيه اليهودي‪ ،‬بخضوعه لل�رب وبإدراكه أنه يبدو مثل أحد األغيار‪ ،‬ينفذ‬
‫بنفسه فرضية «مل يرد يشء‪.»...‬‬
‫‪ -54‬راجع ما قاله الرايب أشري بن حييئيل )**(‪ ،‬يف جوابه بالتحديد حول أنه إذا كان األمر متعل ًقا‬
‫بغري هيودي فنحن إ ًذا بصدد جتديف عىل الرب‪ ،‬أما بالنسبة لليهودي فاألمر خمتلف‪.‬‬
‫‪« -55‬وكت�ب معلمن�ا احلاخام ش�لومو لوريا خيربنا أنه ربام ش�عروا أن إرسائي�ل يعلم باألمر‪،‬‬
‫فخشوا من بطالن شهادة اليهود (شوحلان عاروخ‪ ،‬الفقرة ‪.»)7‬‬
‫‪ -56‬وجدن�ا أمثلة أخطر‪ ،‬نتجاوز فيها أقوال التوراة حتى ال يبدو يشء ما غري ًبا لألغيار‪ :‬داود‬
‫يقتل أحد أبناء ش�اؤول حتى ُيرىض اجلفعونيم)***(‪ ،‬رغم أنه ارتكب هبذا ذنبني‪ ،‬بحسب‬
‫الت�وراة‪ ،‬وكان مبرره يف ه�ذا أن «حم�و حر ًفا م�ن التوراة أهون م�ن إهانة ال�رب عالنية»‬
‫(يفاموت ‪)1 :79‬؛ «بنو إرسائيل الذين أحيوا اجلفعونيم (هيوشوع ‪ ،»)9‬رغم أن هذا كان‬
‫ضد التوراة وف ًقا آلراء عدد من احلكامء األوائل (راجع الرايب موسى بن نحامن يف تفسريه‬
‫لسفر التثنية ‪ .)11 :20‬وراجع كذلك كتاب «ملخوت يرسائيل»‪.‬‬
‫)*(  املدراش מדרש‪ :‬هو اسم عام يشري ملؤلفات حكامء اليهود عىل مر العصور‪ ،‬مثل مدراش رابا‪ ،‬الذي يتناول تفسري‬
‫مخسة أسفار التوراة‪.‬‬
‫)**( أشري بن حييئيل  אשר בן יחיאל‪ :‬من أوائل الرشاح يف القرن الرابع عرش‪.‬‬
‫)***(  اجلفعونيم גבעונים‪ :‬حسب العهد القديم‪ ،‬أحد شعوب الرشق األدنى القديم‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫‪ -57‬ألن الف�رق اهلائ�ل بني إرسائيل وغري اليهودي‪ ،‬هو يف األس�اس م�ن ناحية النفس اإلهلية‬
‫الت�ي بداخل اليه�ودي‪ ،‬والتي لن يتمكن األغيار من الوصول إليها مطل ًقا‪ .‬إهنم فحس�ب‬
‫يفهمون أننا نتباهى بكوننا «ش�عب اهلل»‪ ،‬ولكن لو مل نفعل ما يبدو هلم ألصبح واج ًبا عىل‬
‫اإلنسانية كلها‪ ،‬فنحن هنني اسم الرب‪ ،‬الذي نحمله‪ ،‬بذلك‪.‬‬
‫‪ -58‬راجع أقوال الرايب موسى بن ميمون يف هناية الفصل الثامن من رشائع امللوك‪.‬‬
‫‪ – 59‬سبق ورشحنا أن الفرضية األوىل‪ ،‬وهي اخلضوع‪ ،‬ترتبط بفهمنا ألنفسنا كأننا أغيار رصنا‬
‫أغيارا ننحدر من سلالة نبالء املخلوقات‪ ،‬لذا فإننا ما زلنا نُحس�ب ضمن األغيار‪.‬‬
‫هيو ًدا‪ً ،‬‬
‫وملك ا ُمللك‪ ،‬فحسب‪ ،‬هو الذي يستطيع تغيري مثل هذه النظرة‪.‬‬
‫ويرتب�ط ه�ذا بأقوال معلمينا‪ ،‬من أننا مأمورون بالتواض�ع؛ ألن ما لدينا ال نملكه‪ ،‬بل هو‬
‫هدية ومريا ًثا تلقيناها من آبائنا لنحظى باإليامن‪ ،‬وهكذا يمكن أن نفرق بني اخلضوع الذي أبدو‬
‫فيه من ناحيتي أسوأ من األغيار‪ ،‬وبني التفرقة – من جانب الرب الذي منحنا هدية وميزنا عن‬
‫األغيار‪ ،‬والتلطيف – يف أن إدراكنا حلقيقة أننا بمثابة أغيار هتودوا جتعلنا يف مكانة التائبني‪ ،‬التي‬
‫هي أعىل من مكانة الصديقني‪.‬‬
‫‪ -60‬امل�وت يك ّفر عن هذا فحس�ب‪ ،‬كما ورد يف «فصل يوم�ا»)*( ؛ ألن املوت جيعلك ضحية‬
‫دون حياة‪ ،‬وهي درجة تقابل درجة إهانة الرب‪ ،‬ضحية مقابل ضحية‪.‬‬
‫جمازا‪ ،‬قتل‬
‫‪ -61‬وكما أوضحن�ا يف امللحوظة الس�ابقة‪ ،‬فإن من هيني اس�م الرب‪ ،‬يكون كم�ن‪ً ،‬‬
‫الرب !‬
‫تفسيرا آخ�ر هنا‪ :‬رشحنا يف بداي�ة كالمنا أن فرضي�ة «مل يرد يشء‪»...‬‬
‫ً‬ ‫‪ -62‬وجي�ب أن نضيف‬
‫ترتب�ط بما إذا كان ثمة حدود إلباحة ذنب أو وصية ما؛ ألنه إذا كانت مجيع أفعالنا وصايا‪،‬‬
‫ال داعي لتلك الفرضية إ ًذا كام ورد يف التوسافوت‪.‬‬
‫ويف حقيق�ة األم�ر‪ ،‬فإن هذا الس�ؤال يتعلق بجوه�ر ومكانة النفس املتذبذبة بني القداس�ة‬
‫والنجاس�ة‪ .‬فق�د ورد يف الربايتا أن تل�ك النفس التي متنح اليهودي احلي�اة‪ ،‬ختتلف عن نظريهتا‬
‫الت�ي متن�ح غري اليهودي احلياة‪« :‬لكن يمكن تفسير األمر كالت�ايل‪ :‬إن كل هيودي‪ ،‬طي ًبا كان أو‬
‫نفس�ا واح�دة بل اثنتني‪ ،‬فقد ورد أن «والنف�وس إن صنعتها»‪ ،‬النفس األوىل‬ ‫رشيرا‪ ،‬ال يمتلك ً‬
‫ً‬
‫)*(  «فصل يوما מסכת יומא»‪ :‬أي اليوم‪ ،‬وهو الفصل اخلامس من الباب الثاين من التلمود‪ ،‬ويناقش كل ما يتعلق بيوم‬
‫الغفران‪ ،‬ويقع يف ثامنية أجزاء‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫متثل القرشة اخلارجية التي تس�اعد اإلنس�ان عىل احلياة‪ ،‬كام ورد «ونفس حلم ودم هي»‪ ،‬ومنها‬
‫تأيت مجيع الصفات الس�يئة من األس�س األربعة الكامنة فيها‪ ..‬وكذلك الصفات احلسنة التي يف‬
‫طبع كل اليهود عىل مدار تارخيهم‪ ،‬مثل الرمحة والتكافل االجتامعي‪ ،‬فالنفس اليهودية املتذبذبة‬
‫بني النجاسة والطهارة‪ ،‬أصلها شجرة احلكمة التي تضم اخلري والرش‪.‬‬
‫أم�ا عب�دة األوثان‪ ،‬فإن نفوس�هم ال حتتوي عىل أي خري‪ ،‬وأي خير يقومون به‪ ،‬يكون من‬
‫باب التفاخر فحسب‪.‬‬
‫لك�ن ينقل لنا الرايب هليل بعض حتديثات حكامئنا األجالء‪ ،‬التي ختربنا أنه بالنس�بة ملحبي‬
‫نفسا متذبذبة بني اخلري والرش‪ ،‬تتشابه مع تلك التي يمتلكها‬‫الشعب اليهودي‪ ،‬فإهنم يمتلكون ً‬
‫اليهود‪ .‬واالختالف ببساطة يكمن يف أن غري اليهودي العادي ال يمتلك تلك النفس املتذبذبة‪،‬‬
‫التي هي حالة وسط‪ ،‬بل يمتلك بداخله طبقات النجاسة الثالث‪ .‬أما اجلار توشاف – الذي تم‬
‫تغيريا‬
‫قبول�ه بواس�طة حمكمة تتكون من ثالثة هيود‪ ،‬مر بنوع م�ن التهويد احلقيقي الذي أحدث ً‬
‫يف جوهره‪ ،‬واآلن هو ينتمي للنفس املتذبذبة‪.‬‬
‫لكن عىل كل حال‪ ،‬ال يزال ثمة فارق جوهري يف النفس العقلية بني شعب إرسائيل وبقية‬
‫الشعوب‪،‬كام نرى فإننا مل نسمح للجار توشاف بتعلم التوراة كاليهودي؛ ألن عقله البرشى لن‬
‫يس�توعب حمتواها‪ ،‬كام ال حيظى برشف احلفاظ عىل تقاليد الس�بت؛ ألنه ال ينتمي لغرض خلق‬
‫الكون مثل بني إرسائيل‪.‬‬
‫ولذلك ال يصح أن نقول إن النفس البهيمية التي بداخل اجلار توشاف حتتوي عىل اخلصال‬
‫الثالث (الرمحة واخلجل والتكافل)؛ ألن هذا ينتمي فحسب إلرسائيل‪ ،‬من ناحية وجود النفس‬
‫املذبذبة بداخلهم ؛ فاليهودي‪ ،‬كام ذكرنا‪ ،‬يكمن بداخله روح إهلية‪ ،‬ومعها خصال اآلباء احلسنة‪،‬‬
‫كوهنم ينتمون لطبقة النبالء يف اإلنسانية‪ ،‬لذا فإن هذه اخلصال تتغلب عىل نفسهم احليوانية‪.‬‬
‫واألم�ر خمتلف لدى األغيار‪ ،‬وكذلك اجلار توش�اف‪ ،‬الذي ال ينتمي عىل اإلطالق لطبقة‬
‫نفسا متذبذبة‪ ،‬يمكننا أن نقول إنه إذا فعل‬
‫النبالء‪ ،‬وخيتلف األخري فحسب يف أنه لكونه يمتلك ً‬
‫خريا‪ ،‬فإنه يقصده لذاته‪ ،‬ال ليتباهي به‪.‬‬ ‫ً‬
‫وم�ا يتض�ح مما ُذكر‪ ،‬أن قاعدة «مل يرد يشء‪ »...‬هدفه�ا الرئييس هي إنارة الطريق لألغيار‪،‬‬
‫ويظل هذا قائماً حتى قدوم املسيح املخلص‪ ،‬وأما كل هذا فهو جمرد متهيد لقدومه‪ ،‬وحينها يعبد‬
‫اجلميع إهلًا واحدً ا!‬
‫‪‬‬

‫‪72‬‬
‫‪‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫قتل غري اليهودي الذي يتعدى عىل الوصايا السبع ألبناء نوح‬

‫س�وف هنتم يف ه�ذا الفصل بمس�ألة قتل غري اليهودي ال�ذي يتعدى عىل الوصايا الس�بع‬
‫ألبناء نوح؛ حيث إن حكمه هو املوت‪.‬‬
‫وعىل الرغم من وجوب املوت‪ ،‬إال أن اجلامرا قد قالت بأن غري اليهودي (الذي عىل ما يبدو‬
‫قد تعدى عىل الوصايا السبع ألبناء نوح) «ال تنزعوه»‪ ،‬وبمعنى أدق «ال تقتلوه»‪ .‬وبالتمعن يف‬
‫هذين املصدرين وجدنا أربعة آراء‪ ،‬وهى‪:‬‬
‫األول‪ :‬الرايب موسى بن نحامن‪ ،‬والرايب سفتي كوهني‪ ،‬اللذان فهام أن حكم «ال تقتلوه» يرسي‬
‫يف حالة عدم التأكد من تعديه عىل الوصايا السبع‪.‬‬
‫الث�اين‪ :‬ال�رايب يوم طوف ب�ن أفراهام اإلش�بييل )*( فهم أن حكم «ال تقتل�وه» يرسي يف حالة‬
‫العداوة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬سيدنا يونا و«الرايب دافيد هاليفى سيجيل)**(» فهام أن احلكامء قد قضوا بعدم حماكمة‬
‫األغيار‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬الرايب يوس�ف كارو)***( (يف كتابه «هبايت يوس�ف») وأتباعه (يف رأي الرايب موسى‬
‫بن ميمون) فهموا أنه حُيظر قتلهم دون وجود حكم يقىض بذلك‪.‬‬

‫)*(  الرايب يوم طوف أفراهام إشبييل (أو اإلشبييل) רבי יום טוב בן אברהם אשבילי‪1330 - 1250( :‬م)‪ ،‬من كبار علامء‬
‫التوراة يف األندلس‪.‬‬
‫)**(  «الرايب دافيد هاليفي سيجيل רבי דוד הלוי סגל»‪ )1667 - 1586( :‬كبري حكامء هيود پولندا‪ ،‬ومؤلف الكتاب‬
‫الشهري يف عامل اليهودية‪« :‬طوريه زاهاف טורי זהב»‪.‬‬
‫)***(  «الرايب يوسف كارو ـ רבי יוסף קארו»‪ )1575 – 1488( :‬من كبار حكامء اليهود عىل مر العصور‪ ،‬وواضع‬
‫كتاب «شوحلان عاروخ שולחן ערוך»‪ ،‬وكذلك كتاب «هبايت يوسف»‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫وبقاض واحد‬
‫ٍ‬ ‫‪ 1‬ــ غري اليهودي ُي ْق َتل بشهادة شاهد واحد‬
‫إن غير اليه�ودي الذي يتعدى على إحدى الوصايا الس�بع ألبناء نوح‪ ،‬جي�ب قتله‪ ،‬ويتم‬
‫ٍ‬
‫وقاض واحد‪ ،‬وبدون سابق إنذار‪ ،‬أو حتذير كام هو موضح يف اجلامرا‬ ‫قتله بشهادة شاهد واحد‬
‫(سنهدرين ‪ )2 :57‬حيث ورد‪:‬‬
‫«وجد الرايب يعقوب بن أحا أنه ورد يف كتاب حكايات حاخامنا‪ :‬أن ابن نوح‬
‫بقاض واحد‪ ،‬وبش�اهد واحد‪ ،‬وبدون س�ابق انذار‪ ،‬وهذا الشاهد جيـب أن‬ ‫ٍ‬ ‫ُيقتل‬
‫يكـون رجـلاً ‪ ،‬وليس امرأة حتى ولو كانت من أقربائه‪ ،...‬و يتساءل عن مصدر‬
‫ه�ذا الكالم؟‪ ،‬فيحدثنا الرايب هي�ودا )*( فيقول‪ :‬إن النص التورايت يقول «وأطلب‬
‫ٍ‬
‫بقاض واحد‪« ،‬من يد كل حيوان»‪ ،‬أي حتى ولو‬ ‫أنا دمكم ألنفس�كم» حتى ولو‬
‫بدون س�ابق إنذار‪« ،‬وأطلبه ومن يد اإلنس�ان» ـ حتى ولو بش�هادة شاهد واحد‪،‬‬
‫«من يد رجل» ـ وليس من يد امرأة‪َ ،‬‬
‫«أخيه» ـ حتى من أقارب العائلة»‪.‬‬
‫وكام أفتى الرايب موسى بن ميمون يف «أحكام امللوك» الفصل التاسع‪:‬‬
‫الفت�وى ‪ 1‬ـ لقد أوىص الرب آدم أبا البرش بس�ت وصايا‪ ،‬وهى‪ :‬االمتناع عن‬
‫عب�ادة األوث�ان‪ ،‬وعدم التجديف على اهلل (الرشك ب�اهلل)‪ ،‬وعدم س�فك الدماء‪،‬‬
‫وعدم غش�يان املحارم‪ ،‬وعدم الرسقة‪ ،‬وتس�وية اخلالفات بني الناس‪ .‬ثم أضاف‬
‫لنوح عدم أكل اللحم احلى‪.‬‬
‫الفت�وى ‪ ...14‬واب�ن ن�وح ال�ذي تعدى على إح�دى الوصايا الس�بع‪ُ ،‬يقتل‬
‫بالس�يف‪ .‬ومت�ى ُيط َب�ق ذلك؟ واإلجابة ه�ي أن ذلك ُيط َّبق ـ يف حال�ة إذا ما عبد‬
‫األوث�ان‪ ،‬أو ج�دّ ف عىل اهلل‪ ،‬أو س�فك الدماء‪ ،‬أو غيش إحدى حمارمه الس�تة‪ ،‬أو‬
‫ش�خصا ما ينتهك حرم�ة وصية من تلك‬ ‫ً‬ ‫رسق‪ ...‬أو أكل حلًم�اً ح ًّي�ا‪ ...،‬أو رأى‬
‫الوصايا‪ ،‬ومل حياكمه ويقتله ـ يف مجيع تلك احلاالت هذا الشخص ُيقتل بالسيف‪.‬‬
‫وهلذا الس�بب يس�تحق مجيع أهل ش�كيم (نابلس) القتل؛ ألهنم علموا وشاهدوا‬
‫حاكمه�م يسرق ومل حياكم�وه )**(‪ .‬واب�ن نوح هذا يقتل بش�هادة ش�اهد واحد‬
‫وقاض واحد وبدون سابق إنذار‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ذكرا يف املشناه‪ ،‬وينتمي للجيل الرابع من فرتة‬
‫)*(  هو الرايب هيودا بار إيلعاى רבי יהודה בר אילעאי‪ :‬هو أكثر التنائيني ً‬
‫التنائيم‪ ،‬والتي تعود للنصف الثاين من القرن الثاين قبل امليالد‪.‬‬
‫)**(  وردت حكاية حاكم أهل شكيم (نابلس) يف سفر القضاة‪ ،‬حيث تروي لنا عن سوء اختيار أهل املدينة حلاكمهم‪،‬‬
‫الذي قبلوه لكون حاكمهم ذا صلة دم معهم؛ ولذا وثقوا به‪ ،‬ويف النهاية غدروا به‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫‪ 2‬ــ الشاهد يصبح قاض ًيا‬
‫أيضا‪ ،‬أي إذا ش�اهد أحدهم‬ ‫وبخص�وص أبن�اء ن�وح‪ ،‬فبإمكان الش�اهد أن يكون قاض ًي�ا ً‬
‫ش�خصا آخ�ر يرتك�ب ذن ًب�ا‪ ،‬فبإمكانه أن حياكم�ه ويقتله على ذلك‪ ،‬طامل�ا أنه بمثابة الش�اهد‬
‫ً‬
‫والقايض يف آن واحد‪.‬‬
‫وهو ما تم تفسيره يف اجلامرا يف الس�نهدرين‪ ،‬التي استفادت ذلك من واقعة سيدنا موسى‬
‫الذي قتل املرصي‪:‬‬
‫قال الرايب حنينا بار محا‪ :‬واألجنبي الذي رضب اإلرسائييل‪ ،‬جيب قتله‪ ،‬حيث‬
‫ورد‪( :‬فتلفت «موسى» هنا وهناك فلم جيد أحدً ا [ فوكز املرصي] إلخ)‪.‬‬
‫لقد رأى سيدنا موسى ذلك املرصي يرضب رجلاً إرسائيل ًّيا‪ ،‬وهلذا قتله‪ .‬هنا نجد موسى‬
‫هو الشاهد وهو القايض يف آن واحد‪ ،‬وهذا مل يعرقل تنفيذ احلكم يف املرصي (‪.)1‬‬
‫مفرسا‬
‫ً‬ ‫أيضا أوضح الرايب ش�لومو بن يتس�حاق يف (يفاموت ‪ /‬األرامل ‪)2 :47‬‬ ‫وكذلك ً‬
‫أنه ملاذا يعلمون األجنبي وصايا اللقاط )*(‪ ،‬واملنسية )**(‪ ،‬وزاوية احلقل)***(‪.‬‬
‫وخيربونه (أي األجنبي) بوصايا اللقاط‪ ،‬واملنسية‪ ،‬وزاوية احلقل؛ لئال يعتقد أن هؤالء‬
‫الفق�راء الذي�ن يلتقطون س�نابل زوايا احلقل هم لصوص‪ ،‬فيش�ب عليه�م‪ ،‬ويقتلهم بموجب‬
‫أحكامه�م؛ حي�ث إن أبناء نوح تم حتذيره�م من الرسقة يف الس�نهدرين‪ ،‬وحتذيرهم هذا فيه ما‬
‫فيه من املوت بدون سابق إنذار‪.‬‬
‫واملعنى‪ :‬أن الرايب ش�لومو بن يتس�حاق يضع نصب عينيه أن غري اليهودي الذي يش�اهد‬
‫غير هي�ودي آخر يرسق من حقله‪ ،‬يمكنه قتله‪ ،‬وهذا القتل ه�و بموجب أحكامهم‪ .‬وهذا ألنه‬
‫بمثابة الش�اهد والق�ايض الذي حياكم غري اليهودي الذي ينتهك وصي�ة عدم الرسقة‪ ،‬ويتعدى‬
‫عليها‪ .‬وهلذا السبب جيب التنبيه عىل األجنبي بأن هؤالء امللتقطني من حقله مباح هلم فعل ذلك‬
‫بموجب حكم التوراة‪ .‬حتى ال يشب عليهم‪ ،‬ويقتلهم بموجب عاداته القديمة عندما كان غري‬
‫حلا‪.‬‬
‫اليهودي صا ً‬
‫)*( اللقاط‪  :‬كناية عن السنابل التي تسقط عىل األرض لدى احلصاد‪ ،‬فيلتقطها الغريب‪.‬‬
‫)**( املنسية‪  :‬كناية عن السنابل التي تُنسى يف احلقل لدى احلصاد‪ ،‬فيلتقطها الغريب‪.‬‬
‫)***(  زاوية احلقل‪ :‬كناية عن السنابل التي تنمو عىل هوامش أو زوايا احلقل‪ ،‬والتي ال جيب حصدها مطل ًقا‪ ،‬فيلتقطها‬
‫الغريب‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫أيض�ا يف «رشيعة امللوك» للرايب موس�ى ب�ن ميمون؛ حي�ث يوضح واقعة‬ ‫كما ن�رى ذلك ً‬
‫ش�معون والوي )*(‪ ،‬وكي�ف أهنام قتال أهل ش�كيم؛ ألهنم انتهكوا وصي�ة األحكام‪ ،‬وإذا بنا ال‬
‫نج�د ش�معون قد ش�هد أم�ام الوي أو العكس‪ ،‬وظاهر كالم الرايب موس�ى ب�ن ميمون هو أن‬
‫ش�معون والوى كانا بمثابة الش�اهدين والقاضيني يف آن واحد؛ حيث إهنام ش�اهدا أهل شكيم‬
‫يرتكبون ذن ًبا‪ ،‬ولذلك حاكموهم عىل صنيعتهم (‪ .)2‬وكام هو ثابت عىل لس�ان الرايب موس�ى بن‬
‫ميمون‪:‬‬
‫شخصا ما ينتهك حرمة وصية من تلك الوصايا ومل حياكمه ويقتله‪...‬‬
‫ً‬ ‫أو رأى‬
‫حي�ث يتجلى لنا م�ن لغته أن غري اليه�ودي إذا رأى غري هيودي آخر يرتك�ب ذن ًبا فله أن‬
‫حياكمه ويقتله (وبحسب الرايب موسى بن ميمون‪:‬إذا أمكنه قتله ومل يقتله فإنه هو اآلخر يستحق‬
‫املوت‪ ،‬طاملا أنه مل يطبق احلكم)‪.‬‬
‫أيضا من اجلامرا التي أش�ارت إىل أن�ه إذا رأى القايض ش�ي ًئا ما‪ ،‬فإنه‬
‫وه�ذا احلك�م مثبت ً‬
‫ليس يف حاجة إىل ش�هود‪ ،‬بل يمكنه احلكم مبارشة بموجب ما رآه بعينه‪ .‬وبلغة اجلامرا‪( :‬ليس‬
‫)**(‬
‫م�ن رأى كمن س�مع‪ ،‬أو العي�ان أغنى من البيان)‪ .‬وهكذا ورد يف اجلامرا يف «رأس الس�نة»‬
‫(‪ )2 :25‬حول أحكام اإلعالن عن غرة الشهر‪:‬‬
‫مشناه‪ :‬فإن رأته (أي اهلالل) املحكمة فقط ـ فليقف اثنان ويشهدا أمامهم‪ ،‬ويقوال مقدس‬
‫مق�دس )***(‪ .‬وان رآه ثالث�ة ه�م (قوام) املحكمة ـ فليش�هد اثنان‪ ،‬عىل ذل�ك ويقوال مقدس‬
‫مقدس؛ حيث إنه ال يمكن االكتفاء بشخص واحد‪.‬‬
‫مجارا‪ :‬ملاذا قالت املشناه‪« :‬إن رأته املحكمة فليقف اثنان ويشهدا أمامهم»؟ َأ َو َليس العيان‬
‫أغنى من البيان؟! ـ قال الرايب زيرا‪ :‬كأن شاهدوه ليلاً ‪.‬‬
‫أي‪ :‬إذا رأى ثالث�ة قض�اة ميلاد القم�ر اجلديد (اهللال)‪ ،‬وكانت هذه الرؤي�ة قبل ميض‬
‫النه�ار وحل�ول الظالم‪ ،‬جي�وز هلم اإلعالن عن غرة الش�هر بموجب رؤيتهم وش�هادهتم؛ ألنه‬

‫)*(  راجع اإلصحاح ‪ 34‬من سفر التكوين‪ ،‬والذي يروي واقعة توراتية مفادها أن شمعون والوي‪ ،‬من أبناء يعقوب‪،‬‬
‫بحسب التوراة‪ ،‬انتقام ألختهام «دينا بنت ليئا» من شكيم بن محور الذي اغتصبها‪ ،‬بأن قتال مجيع سكان شكيم‬
‫(نابلس)‪.‬‬
‫)**(  فصل «رأس السنة ראש השנה»‪ :‬هو الفصل الثامن من الباب الثاين «موعاديم» أي األعياد‪ ،‬يف التلمود‪ .‬ويناقش‬
‫هذا الفصل مراسم االحتفال برأس السنة العربية‪.‬‬
‫)***(  وتعني َّ‬
‫أهل علينا‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫(لي�س من رأى كمن س�مع‪ ،‬أوالعيان أغنى م�ن البيان)‪ .‬ولكن إذا رأوه ليًل�اً ؛ حيث عندها ال‬
‫يمكنهم احلكم ـ فعليهم الشهادة أمام قضاة آخرين؛ ألهنم ال يستطيعون حتديد غرة الشهر (وال‬
‫حيكمون عمو ًما) يف الليل‪ ،‬ولذلك فإن رؤيتهم ال تعد كافية للحكم‪ ،‬وحتتاج إىل الش�هادة أمام‬
‫قضاة آخرين بسبب القاعدة التي تقول «ليس هناك شاهد يصبح قاض ًيا»‪ .‬وهذا احلكم أفتى به‬
‫أيضا «شوحلان عاروخ» (حوشني مشباط ‪:)5 :7‬‬ ‫ً‬
‫ولو رأى ثالثة قضاة احلدث (ميالد ش�هر جديد) حتى ولو قصدوا أن تكون‬
‫هنارا يصبحون شهو ًدا وقضاة‪ ،‬وحيكمون‬
‫رؤيتهم بمثابة أدلة نظرية‪ ،‬إن شاهدوه ً‬
‫عىل ذلك احلدث؛ ولكن إن رأوه ليلاً ‪ ،‬فال حيكمون وحدهم‪.‬‬
‫وإذا بنا ال نستنتج لدى غري اليهود ذلك احلد الفاصل بعدم احلكم ليلاً (‪ ،)3‬وبدون رضورة‬
‫لثالث�ة قض�اة‪ ،‬أو قضاة متخصصني حتدي�دً ا‪ ،‬ولذلك فإنه لدى غري اليه�ود كل من يرى الذنب‬
‫بإمكانه أن يكون قاض ًيا ويبت يف أمره (‪ ،)4‬وتلقائ ًّيا تتحقق فيه مقولة (ليس من رأى كمن سمع‬
‫أو العيان أغنى من البيان)‪.‬‬
‫وىف الواقع‪ ،‬هناك آراء تقول بعدم وجود تلك القاعدة يف قوانني العقوبات اجلنائية اخلاصة‬
‫بشعب إرسائيل‪ .‬وهذا عىل سبيل املثال ما ورد يف كتاب «هحينوخ»)*( (الوصية ‪:)5()409‬‬
‫ال جي�وز قتل املذنب قبل مثول�ه للمحاكمة‪ ،‬ذلك ألنه حُيظر علينا قتل املذنب‬
‫عندم�ا ن�راه يقترف خطأ يس�توجب امل�وت قب�ل أن نقدم�ه للمحكم�ة‪ ،‬ولكننا‬
‫ثم فإن «هيئة املحكمة» حتاكمه‪،‬‬‫ملتزمون بتقديمه للمحكمة‪ ،‬ومعه الشهود‪ ،‬ومن ّ‬
‫وحيكم�ون عليه بام يس�تحقه؛ حيث ورد يف (س�فر الع�دد ‪« :)12 :35‬ال يموت‬
‫القاتل حتى يم ُثل أمام املحكمة»‪ .‬وتشري املخيلتا إىل إمكانية قتله إذا قتل أو زنى‪،‬‬
‫ويقول النص التورايت «ال يموت القاتل حتى يم ُثل أمام املحكمة‪ ...‬إلخ»‪.‬‬
‫حت�ى ولو رأت�ه املحكمة الكربى وه�و يقتل فليكونون مجي ًعا ش�هود‪ ،‬ويدلون بش�هادهتم‬
‫أمام حمكمة أخرى حتكم عليه‪ ...‬وكام فرسه حكامؤنا طيب اهلل ثراهم (رأس الس�نة ‪ 25‬العمود‬
‫األول)‪َ .‬ت ْقضيِ الش�هادة‪ ...‬إلخ‪َ ،‬و ُتن ِْق ُذ الش�هادة (العدد ‪ 24 :35‬ـ ‪ ،)25‬أي جيب الدفاع عنه‪،‬‬
‫فلو كان له حق أنقذوه‪ ،‬وإن مل يكن األمر كذلك فاقتلوه‪ ،‬وعىل ذلك تم التنبيه علينا بأن احلكم‬
‫مهما كان‪ ،‬جي�ب أن يكون أمام املحكمة‪ ،‬وال حياكمه الش�هود الذين رأوا األمر بأعينهم مطل ًقا؛‬

‫)*(  «هحينوخ ספר החינוך» الكتاب التعليمي‪ :‬وهو كتاب حيتوى عىل الوصايا الـ ‪ 613‬الواردة يف التوراة‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫نظرا ملش�اهدهتم للواقعة فتبادر قلوهبم إلدانته بأي حال‬
‫ألهنم ربام لن يتمكنوا من الدفاع عنه؛ ً‬
‫من األحوال‪.‬‬
‫أيضا‪ ،‬فإن األمور صحيحة فقط بشأن بني إرسائيل‪ ،‬الذين وردت‬ ‫ولكن حس�ب أس�لوبه ً‬
‫فيهم اآليات «وأنقذوا الطائفة»(‪ )6‬و«ال يموت القاتل حتى يم ُثل أمام املحكمة»‪ .‬ولكن بالنسبة‬
‫لغير اليهود‪ ،‬تظ�ل القاعدة األصلية «العيان أغنى من البيان»‪ .‬وكام يف أقوال «منحات حينوخ»‬
‫(اآلية ‪.)7( )5‬‬
‫وها هى تلك األحكام ال تُنسب ألبناء نوح‪ ،‬فإذا رأوه ارتكب ذن ًبا‪ ،‬جيب قتله‪ ،‬بخالف بني‬
‫أيضا يصري من يرى أو يشهد قاض ًيا‪ ،‬وال هيم ما هو الذنب املرتكب‪،‬‬ ‫إرسائيل‪ .‬ولدى أبناء نوح ً‬
‫قاض واحد‪ ،‬وحتى لو كانوا أقرباء كام فرسه الرايب موس�ى بن ميمون‪ ...‬وهذا‬‫ٍ‬ ‫ويقتل بحس�ب‬
‫(‪)8‬‬
‫بسيط‪.‬‬
‫وكذلك كتب يف أسئلة وأجوبة احلاخام تسيفي )*((‪:)84‬‬
‫اب�ن نوح الذي يرى صديقه يتعدى عىل وصايا القتل‪ُ ،‬يقتل‪ ،‬وعليه قتله؛ ألنه‬
‫الشاهد والقاىض يف آن واحد(‪.)9‬‬
‫والرايب موشيه املوشنينو يف كتاب «يدي موسى» )**( (عن تفسري سفر التكوين)‪:‬‬
‫بشاهد واحد وقاض واحد «أردنا القول بأن القايض نفسه يكون شاهدً ا‪ ،‬وىف‬
‫أحكامن�ا ال يصير الش�اهد قاض ًيا‪ ،‬لكن بالنس�بة لبني نوح فقد ورد «س�افك دم‬
‫ٍ‬
‫وقاض واحد ـ «دمه ُيسفك» (‪. )10‬‬ ‫اإلنسان باإلنسان» شاهد واحد‬
‫أي أن‪« :‬يدي موس�ى» يفرس لنا أن كلمة «باإلنسان» جعلت املفرسين يعتقدون أن إنسانًا‬
‫واحدً ا‪ ،‬هو الشاهد والقايض م ًعا‪ ،‬يكفي من أجل سفك دماء من مل يلتزم بالوصايا (راجع كيف‬
‫يفرس بناء عىل هذا ما ورد يف املدراش)‪.‬‬
‫ويف النهاية‪ ،‬نأيت بام قاله الرايب أهارون مندل هكوهني حول واقعة قتل املرصي يف «يدي‬
‫موسى» (‪:)11‬‬
‫)*(  هو تسيفي هريش إشكنازي (‪1718 -1685‬م)‪ ،‬ويكنى باحلاخام تسيفي عىل اسم كتابه الذي حيمل نفس‬
‫االسم‪.‬‬
‫)**(  «يدي موسى» كتاب لتفسري التوراة للحاخام موشيه املوشينينو (‪1581 -1518‬م)‪ ،‬وهو من كبار مفرسي القرن‬
‫السادس عرش‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫مل حيذر غري اليهودي ومل ينتظر وجود شاهدين‪...‬إذا شاهده بدون أي شاهد‪،‬‬
‫كان حيق له قتله؛ حتى ال يكون السمع أكثر من النظر‪ ،‬كام يف رأس السنة يف كلمة‬
‫«رأوه»‪ ...‬ونفس احلال بالنس�بة لبلدة ش�كيم التي كان جيب قتل رجاهلا؛ ألهنم مل‬
‫حياسبوا حاكمهم عىل رسقته‪ ،‬ومل يلتزموا بالوصايا التي ُأمر هبا أبناء نوح‪ ،‬فوقفوا‬
‫وقتلوهم (‪.)13( )12‬‬

‫‪ -3‬ال نرفع وال خُن ِفض‬


‫اجلامرا يف فصل «عفودا زارا» (‪ )2 – 1 :26‬تورد إحدى فقرات الربايتا التي تقول‪:‬‬
‫«ق�ال التنائ�ي الرايب أفيه�و إن الرايب يوحنان ق�ال‪ :‬األغيار ورع�اة البهائم ال‬
‫ُخفضهم وال نرفعهم»‪.‬‬ ‫ن ِ‬
‫ببساطة «ال نرفع» تعني أنه حُيظر رفع‪ ،‬أي إنقاذ أو عالج‪ ،‬األغيار؛ وكام ورد يف اجلامرا أنه‬
‫حُيظ�ر رفعهم م�ن البئر ولو باألجر‪ ،‬عندما تصير إمكانية للتهرب من الع�داوة بذرائع خمتلفة‪،‬‬
‫وكام سبق وأفتى «شوحلان عاروخ»‪:‬‬
‫األغي�ار الذين ليس بينهم وبيننا حرب‪ ،‬حمظور إنقاذهم إذا كانوا عىل وش�ك‬
‫فقدان حياهتم‪ ،‬كام ولو رأينا واحدً ا منهم يسقط يف البحر‪ ،‬فليس علينا إنقاذه ولو‬
‫باألموال‪ ،‬وبحس�ب هذا حمظور عالجهم‪ ،‬ول�و باألموال‪ ،‬إذا كان يمكن التذرع‬
‫بأى سبب‪.‬‬
‫ُخفض» تعني حظر إنزاهلم يف البئر‪ :‬أي حُيظر قتلهم‪.‬‬‫ووف ًقا هلذا‪ ،‬فإن «ال ن ِ‬
‫واألمر مثبت من اجلامرا يف السنهدرين (‪ )1 :57‬كام تفرسه الربايتا‪:‬‬
‫«وع�ن الرسق�ة ابن نوح ُيقتل» من رسق و تزوج من أسيرة احلرب‪ ،‬أجنبي‬
‫مع أجنبي وأجنبي مع إرسائييل حمظور‪ ،‬وإرسائييل مع أجنبي مباح‪« ،‬وعن سفك‬
‫دم�اء األجنب�ي لألجنبي واألجنب�ي إلرسائييل مذن�ب‪ ،‬إرسائييل م�ع أجنبي غري‬
‫ُخفضهم وال نرفعهم»‪.‬‬ ‫مذنب»‪« ،‬األغيار ورعاة البهائم ال ن ِ‬
‫ُخف�ض» املقصود هبا ه�و حظر إنزال األغي�ار إىل البئر أي‬ ‫م�ن ه�ذا املث�ال‪ ،‬نثبت أن «ال ن ِ‬
‫قتله�م‪ .‬فاجلمارا تورد ه�ذه الفقرة م�ن الربايتا لتفرس ملاذا مل تس�تخدم الربايت�ا األخرى كلمتي‬
‫«حمظ�ور» و«مباح» وكتابة «س�فك الدم�اء‪ ...‬إرسائيل مع األجنبي مب�اح» ـ ألن األمر حمظور!‬
‫وكام يوضح الرايب ش�لومو بن يتس�حاق‪« :‬مل ترد كلمة «حمظور»؛ ألن�ه معروف أن إرسائيل مع‬
‫األجنبي مباح»‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫‪ -4‬املعضلة‬
‫وها هو غري هيودي عندما تعدى عىل الوصايا السبع‪ ،‬ملاذا حتظر اجلامرا قتله؟ فقد اتضح مما‬
‫س�بق ذكره أن من يرى غري هيودي تعدى عىل الوصايا الس�بع‪ ،‬يمكن أن حياكمه ويقتله‪ ،‬فلامذا‬
‫ُخفض»؟‬ ‫ورد «ال ن ِ‬

‫وجدنا لدى احلكامء األوائل واألواخر أربعة احتامالت لتربير هذه املعضلة‪:‬‬

‫‪ 1‬ــ الرابي موسى بن حنمان‬


‫(ماكوت ‪:)1 :9‬‬
‫ّ‬ ‫كتب الرايب موسى بن نحامن‬
‫مع�روف أن اب�ن نوح املذك�ور يف كل املواضع ليس اجلار توش�اف‪ ،‬لكن ابن‬
‫ن�وح ه�و الذي يلت�زم بوصاياهم كام ينبغي م�ع صاحبه(‪ )14‬واجلار توش�اف هو‬
‫ال�ذي َم ُثل أمام حمكمة إرسائيلية‪ ،‬و َقبِل أمامها الوصاي�ا‪ ،‬وألنه َقبِ َلها أمامنا‪ ،‬فقد‬
‫حذرت�ه الت�وراة بش�أهنا أكثر من بقي�ة أبناء نوح الذي�ن مل يقبلوها؛ ألن�ه أكثرهم‬
‫تدقي ًقا‪ ،‬وكذلك ألنه ورد أن‪ :‬شاهد الوصايا التي ائتمر هبا أبناء نوح ومل ينفذوها‪،‬‬
‫ث�م أباحه�ا هلم الرب حتى حيصلوا عىل ثواب م�ن الذي نفذ وصية غري ملزم هبا‪،‬‬
‫وأما من قبلها عىل نفس�ه أمام حمكمة إرسائيلية‪ ،‬فهو ملتزم هبا وينفذها‪ ،‬ورشحنا‬
‫هذا يف فصل أجر العامل (عبادة األصنام ‪ ،)2 :64‬وغري اليهودي املذكور يف كل‬
‫املواض�ع هو اب�ن نوح الذي قام بتنفيذ الوصايا‪ ،‬ويتضح أن معظمهم ال يفعلون‪،‬‬
‫ُخفض وال نرفع»‪.‬‬ ‫ووف ًقا هلذا حُياكمون وف ًقا ملبدأ الشك وال نتشدد معهم‪ ،‬ال ن ِ‬

‫أي‪ :‬أن الرايب موس�ى بن نحامن أدرك أن�ه بالفعل‪ ،‬غري اليهودي الذي نعلم أنه تعدى عىل‬
‫الوصاي�ا الس�بع يمكن حماكمته وقتله‪ .‬الس�بب أن اجلمارا تقول «ال نُخفض» وه�ي تقصد أننا‬
‫بصدد غري هيودي ما ال نعرفه‪ ،‬وألننا ال نعرفه ـ ال يمكننا اإلقرار بأنه تعدى عىل الوصايا السبع‬
‫ونقوم بمحاكمته‪ ،‬ولذلك حُيظر قتله (‪.)15‬‬
‫وهك�ذا تتف�ق اجلامرا مع الس�نهدرين الذي يقول إنه يس�تحيل قول إن قت�ل غري اليهودي‬
‫مباح‪ :‬فعندما تتحدث اجلامرا عن غري هيودي ما‪ ،‬فهي إ ًذا تقصد واحدً ا ال نعرفه‪ ،‬ولذلك فنحن‬
‫ال نعرف حتديدً ا أنه تعدى عىل الوصايا الس�بع‪ .‬بالنس�بة لغري هيودي كهذا‪ ،‬ال يمكن القول بأن‬
‫قتله مباح (‪.)16‬‬

‫‪80‬‬
‫‪ -2‬أسلوب يوم طوف أفراهام إشبيلي «اإلشبيلي»‪:‬‬
‫«اإلشبييل»(ماكوت)*()‪:‬‬
‫ّ‬ ‫كتب الرايب يوم طوف أفراهام إشبييل‬
‫ثالثة اختالفات وردت يف العهد القديم عن الس�امريني (‪ ،)17‬اجلار توش�اف‪ ،‬وابن نوح‪،‬‬
‫والسامري‪:‬‬
‫اجل�ار توش�اف هو الذي ُقبِ َل أم�ام حمكمة إرسائيلية االلتزام بالوصايا الس�بع‬
‫التي ائتمر هبا أبناء نوح كام ورد يف مسألة عبادة األوثان (‪ )2 :64‬وبذلك مباح له‬
‫الس�كن بيننا‪ ،‬ولذلك ندعوه توشاف)**(؛ وألنه ُقبِ َلها أمام حمكمة إرسائيلية فإنه‬
‫ملت�زم بالعمل هبا‪ ،‬وألننا ائتمرنا باحلفاظ عىل حيات�ه كام ورد «ويعيش (أخوك)‬
‫مع�ك» (الويني ‪ ،)35 :25‬وليس هن�اك رضورة للقول بأنه حمظور علينا إصابته‬
‫أو قتله أو إنزاله البئر‪.‬‬
‫وابن نوح مل يقبل الوصايا أمام املحكمة‪ ،‬لكنه يلتزم هبا من تلقاء نفسه‪ ،‬و ُيثاب‬
‫عليه�ا‪ ،‬كمن نفذ وصية غري ملتزم هبا‪ ،‬كام ورد يف التوراة «وقف فقاس األرض‪،‬‬
‫أيضا يف «بابا قاما» (‪ )2 :64‬و«عفودا زارا» (‪،64‬‬ ‫نظر فرجفت األمم»‪ ،‬كام ورد ً‬
‫‪ ،)2‬وألننا لس�نا مؤمترين باحلفاظ عىل حياته وال إيذائه وال إصابته وال قتله؛ ألنه‬
‫سيفعلها يف هناية األمر‪ ،‬رغم أنه مل يؤمر هبا‪ ،‬وسيحصل عىل ثواب بسيط كام ورد‬
‫يف التلمود‪.‬‬
‫بينام السامري غري حريص عىل االلتزام بالوصايا السبع‪ ،‬ومباح إنزاله للبئر يف‬
‫حال وجود خصومة‪ ،‬أو قتله يف حالة وجود ذريعة لذلك‪ ،‬كام ورد يف عفودا زارا‬
‫(‪ )26:2‬وكما ُفرس األمر هناك بأن «الس�امريني ال نخفضهم وال نرفعهم» أي يف‬
‫حالة العداء‪.‬‬
‫والرايب يوم طوف أفراهام إش�بييل (اإلش�بييل) فهم أن س�بب إباحة قتل غري اليهودي هو‬
‫أنه ال حيافظ عىل الوصايا السبع‪ .‬وهو ما جاء يف «عفودا زارا» يف اجلامرا (‪.)18‬‬
‫يف بداية اجلامرا تقول الربايتا‪:‬‬

‫«ماكوت»‪ :‬فصل الرضب واجللد‪ :‬أحد فصول املشناه‪ ،‬ويعالج عقوبات اجللد والرضب التي تصدرها املحكمة‬
‫ّ‬ ‫)*( ‬
‫ضد املخالفني‪.‬‬
‫)**(  أي ساكن‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫«األغيار ورعاة األغنام ـ ال ختفضوا وال ترفعوا‪ ،‬لكن املرتدون ـ اخفضوا وال‬
‫ترفعوا»‪.‬‬
‫تفسر لنا اجلامرا أن مس�ألة «ال نُخفض وال نرفع» معناه�ا عدم القيام بأي يشء)*(‪ .‬لكن يف‬
‫موض�ع الحق‪ ،‬تناقش اجلامرا مس�ألة املرتدي�ن‪ ،‬وتقول اخفضوا وال ترفعوا‪ ،‬ثم تفرس لنا س�بب‬
‫قول «ال ترفعوا»‪ ،‬رغم أن «اخفضوا» تكفي‪ .‬ومربرها يف ذلك هو أنه ثمة حاالت يس�تحيل «أن‬
‫ُخفض» فيها بس�بب العداوة‪ ،‬ويف مثل هذه احلاالت نحاول عىل كل حال القتل بالش�كل الذي‬ ‫ن ِ‬
‫الس ّلم وما شابه)‪.‬‬
‫يمكننا به التهرب من مشكلة العداوة عن طريق اختالق ذريعة ما (سحب ُّ‬
‫أيضا(‪.)19‬‬
‫ويوضح لنا الرايب يوم طوف أفراهام إشبييل (اإلشبييل) نفس املعنى ً‬
‫ونس�تنتج من هنا أن «ال ترفعوا» تعني أنه ُيس�مح‪ ،‬بس�حب السلم حتى ال يستطيع الواقع‬
‫أيض�ا يف حالة الع�داوة؛ ألنه يمكن إجي�اد ذريعة هلذا‪.‬‬
‫يف البئ�ر إنق�اذ نفس�ه‪ ،‬ويمكن فع�ل هذا ً‬
‫و«ال ترفعوا» التي وردت بخصوص املرتدين‪ ،‬تناقش بالفعل حالة أخرى‪ ،‬حالة ال حتتوي عىل‬
‫عداوة‪.‬‬
‫يتض�ح أن الربايت�ا اس�تحدثت لنا حكماً بخص�وص املرتدين يف حالتين‪ :‬عندما ال يكون‬
‫هن�اك عداوة‪ُ ،‬يس�مح بل وجيب قتلهم‪ .‬ويف حال�ة وجود عداوة‪ ،‬ال نقتلهم بش�كل مبارش‪ ،‬بل‬
‫نق�وم بذلك بش�كل غري مب�ارش عن طريق من�ع إنقاذهم؛ ألن�ه بذلك هناك ذريع�ة للهرب من‬
‫العداوة‪.‬‬
‫وبالت�ايل‪ ،‬فنحن نفهم أن «ال ترفعوا» ليس مقصو ًدا منها فقط االلتزام بقاعدة «اجلس وال‬
‫أيضا نفهم أننا نستخدم أيدينا للقتل بمنع اإلنقاذ(‪ :)20‬وما ال «نخفضه» يف البداية‬
‫تفعل»‪ ،‬وإنام ً‬
‫هو بس�بب أنه ثمة عداوة‪ ،‬وهذه حالة يس�تحيل فيها اس�تخدام األيدي لإلنزال يف البئر‪ .‬وهذه‬
‫«ماكوت» كام ورد سل ًفا؛ حيث يقول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫هي نية الرايب يوم طوف أفراهام إشبييل «اإلشبييل» يف‬
‫وألنه ُيس�مح بإنزاله يف البئر يف حالة وجود عداء أو التسبب يف قتله طاملا كان‬
‫يمكن اختالق ذريعة لذلك‪ ،‬كام ورد يف «عفودا زارا» (‪ )2 :26‬وما قاله التلمود‬
‫جتاه السامريني أن «ال نرفع وال نُخفض» أي يف حالة العداوة‪.‬‬
‫نس�تنتج نظر ًّي�ا أن الربيت�ا تقول إنه حُيظر قت�ل األغيار يف حالة وجود عداوة‪ ،‬لكن ُيس�مح‬

‫)*(  تقيض الرشيعة اليهودية بعدم القيام بأي يشء يف بعض احلاالت‪ ،‬وهو ما ُيعرف بقاعدة «اجلس وال تفعل»‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫بأخذ س�لم اإلنقاذ؛ ألنه حينها ثمة ذرائع للتملص من العداء ؛ وأنه جيب قتل املرتدين يف حالة‬
‫عدم وجود عداوة‪ ،‬ويف حالة العداء جيب قتلهم بأخذ السلم استنا ًدا لذريعة ما‪.‬‬
‫وهن�ا هح�ازون إيش (‪ )21‬يتش�دد أكثر م�ن الرايب يوم طوف أفراهام إش�بييل «اإلش�بييل»‬
‫ال�ذي يق�ول إننا نس�تنتج أنه س�واء األغيار أو املرت�دون ُيقتل�ون يف حالة عدم وج�ود عداوة‪،‬‬
‫وبس�حب الس�لم يف حالة العداوة ؛ وإذا كان حكمهام متش�ا ًهبا‪ ،‬ملاذا مل تورد الربايتا نفس النص‬
‫عن كليهام؟‬
‫واتفقن�ا فيام س�بق أن الصيغة التي تناول�ت املرتدين خمتلفة‪ ،‬والربايت�ا تقول «اخفضوا» يف‬
‫حالة عدم وجود عداوة‪ ،‬كام ذكرنا (والذي مل تتحدث عنه الربايتا لآلن)؛ ألنه كان من املهم أن‬
‫تؤك�د الربايتا وجت�دد رضورة قتل املرتدين (بخالف األغيار الذي�ن مل نؤمتر بقتلهم‪ ،‬عىل األقل‬
‫اآلن طاملا أهنم حتت أيدينا‪ ،‬وكذلك ليس ثمة حتديث يف الفقرة الترشيعية البسيطة التي تقول إن‬
‫غري اليهودي ُيقتل إذا مل يلتزم بوصاياه)‪.‬‬

‫‪ -3‬رواية معلمنا يونا و«طوريه زاهاف» )*(‪:‬‬


‫معلمنا يونا يف رشحه للسنهدرين (‪ )1 :57‬أجاب عن السؤال بطريقة أخرى‪:‬‬
‫يقر احلكامء أنه بخصوص السامريني ورعاة األغنام وما شابه‪ ،‬ال ن ِ‬
‫ُخفض؛ ألن‬
‫الربايت�ا مل تتحدث بالتأكيد هنا عن اجلار توش�اف‪ ،‬أي ابن ن�وح امللتزم بالوصايا‬
‫الس�بع‪ ،‬بالطب�ع ال يمكنن�ا أن نق�ول إننا لن نرفعهم‪ ،‬بل س�نفعل ألنن�ا مؤمترون‬
‫باحلفاظ عىل حياهتم‪ .‬لكن فيام خيص بقية األغيار غري امللتزمني بالوصايا الس�بع‪،‬‬
‫وبقاض واح�د‪ ،‬وألن احلكماء هم مصدر‬ ‫ٍ‬ ‫تأمرن�ا الربايت�ا بقتله�م بش�اهد واحد‬
‫احلكم‪ ،‬ال جيب أن نُخفضه‪.‬‬
‫أيضا تبي�ح حماكمة وقتل غير اليهودي ال�ذي يتعدى عىل‬
‫وفه�م معلمن�ا يون�ا أن الت�وراة ً‬
‫ِ‬
‫الوصايا السبع‪ ،‬وحكامؤنا حظروا فعل ذلك‪ ،‬لذا تقرر أننا «ال نُخفض»‪.‬‬
‫هكذا اتضح يف كتاب «يريئيم» (‪ )22‬الذي كتب‪:‬‬
‫أيضا) (‪.)23‬‬
‫تاريخ حظرالقتل خيربنا بعدم قتل األغيار (ومن عبدة األصنام ً‬
‫يف مقدمة الكتاب يفرس أن «تاريخ احلظر» أي حظر احلكامء‪ ،‬لذا اعتقد يريئيم أنه ثمة حظر‬
‫م�ن احلكماء يف قتل غري اليهودي‪ .‬وببس�اطة ن�درك أن املقصود هم األغيار م�ن عبدة األوثان‬
‫)*(  «طوريه زاهاف»‪ :‬تفسري مشهور لشوحلان عاروخ بقلم دافيد بن شموئيل الالوي يف القرن السابع عرش‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫الذين ال يلتزمون بالوصايا الس�بع وتس�مح التوراة بقتلهم (‪ .)24‬ورغم ذلك فاحلكامء حيظرون‬
‫قتلهم‪ ،‬كام يذكر لنا معلمنا يونا(‪.)25‬‬
‫ويتف�ق كت�اب «طوري�ه زاه�اف» م�ع معلمن�ا يون�ا وم�ع كت�اب «يريئي�م» (يف «يوري�ه‬
‫ديعا») (‪:)26‬‬
‫«رغم أن التوراة تبيح القتل‪ ،‬إال أن احلكامء حيظرونه (‪.»)27‬‬

‫‪ -4‬اخلالف بني كتابي «هبايت حداش» و«طوريه زاهاف»‪:‬‬


‫يف س�ياق كالمه‪ ،‬فإن «األعمدة الذهبية» يؤك�د ثانية‪ ،‬ويقول‪ :‬إنه ما دام أن احلظر مصدره‬
‫احلكامء‪ ،‬فاملقصود هو القتل املبارش‪ ،‬لكن ُيسمح بالقتل عن طريق منع اإلنقاذ‪.‬‬
‫وح ًّقا ثمة إلزام عىل إرسائيل بقتل عبدة األوثان‪ ،‬حتديدً ا باستخدام األيدي‪ ،‬وهو ما حظره‬
‫الفقه�اء‪ ،‬لك�ن القتل غري املبارش مثل س�حب ُس� َّلم اإلنقاذ وما ش�ابه‪ ،‬ف�إن إرسائيل معفي من‬
‫العقوبة الدنيوية‪ ،‬بينام ُيعاقب عابد األوثان بالقتل‪ ،‬طاملا لسنا بصدد قتل بسبب العداوة(‪.)28‬‬
‫وفعًل�اً يف هذه النقطة‪ ،‬فإن «األعمدة الذهبية» خيتل�ف عن «هبايت حداش»؛ حيث كتب‬
‫هنا (يوريه ديعا‪ ،‬الرأي ‪:) 158‬‬
‫حتى إذا سقط يف البئر أولاً ‪ ،‬حُيظر قتله بشكل غري مبارش عن طريق إزالة ُس َّلم‬
‫الس� َّلم‪ ،‬لذا فإنه يعد كأنه اس�تخدم يداه يف‬
‫اإلنقاذ؛ ألنه اس�تخدم يداه يف س�حب ُّ‬
‫القتل‪.‬‬
‫لكن يعتقد «األعمدة الذهبية» أنه رغم كون الفقهاء اليهود قد قرروا عدم حماكمة األغيار‬
‫كما ذكرن�ا‪ ،‬فقد جزموا بذلك فحس�ب يف حالة القت�ل باليدين‪ ،‬وليس عن طريق إزالة وس�يلة‬
‫اإلنقاذ (‪.)30( )29‬‬

‫‪ -9‬خالصة القول‪:‬‬
‫تعلمنا ثالث طرق لتربير التناقض الذي بني إباحة حماكمة وقتل األغيار الذي يتعدى عىل‬
‫ُخفض» أي ال ننقذ بعض األغيار‪:‬‬‫الوصايا السبع‪ ،‬وبني ما قالته اجلامرا عن أننا ال «ن ِ‬

‫‪84‬‬
‫وقاض ال ن ِ‬
‫ُخفض‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُيقتل بشاهد واحد‬
‫واحد‪.‬‬
‫الرايب موسى بن نحامن عندما يعلمون أنه ارتكب عمو ًما‪ ،‬عندما ال نراه‬
‫يرتكب جريمته‪.‬‬ ‫اجلريمة‪.‬‬ ‫وسفتي كوهني‪.‬‬
‫يف حالة العداوة‪.‬‬ ‫الرايب يوم طوف أفراهام ليس يف حالة العداوة‪.‬‬
‫إشبييل «اإلشبييل»‪.‬‬
‫الفقهـــــاء حيظــــرون‬ ‫معلـمنا يونـــا و«طوريه التوراة تبيح‪.‬‬
‫األمـــر (يبدو أنه بسبب‬ ‫زاهاف»‪.‬‬
‫العداوة)‪.‬‬

‫‪ -10‬أقوال الرابي موسى بن ميمون و«هبايت يوسف»‪:‬‬


‫تطرق الرايب موس�ى بن ميمون لقتل األغيار يف موضعني‪ .‬يف رشائع عبادة األوثان (بداية‬
‫الفصل العارش)‪ ،‬فقد كتب الرايب موسى بن ميمون‪:‬‬
‫سلاما وسيس�تمرون يف‬
‫ً‬ ‫ال تعقد ميثا ًقا مع عبدة األوثان؛ ألننا س�نعقد معهم‬
‫عبادهت�ا‪ ،‬كما ورد يف العه�د القديم «ال تعقد معه�م ميثا ًقا»‪ ،‬فإم�ا أن يعودوا عن‬
‫عبادهتا وإال قتلناهم‪ .‬وحمظور أن تأخذك هبم رمحة‪ ،‬كام ورد يف العهد القديم «وال‬
‫ترح�م»‪ .‬وف ًق�ا لذلك‪ ،‬ل�و رأى غري هيودي يعبد عبادة األوث�ان يف خطر أو يغرق‬
‫يف النه�ر‪ ،‬جي�ب أال ينقذه‪ ،‬وجي�ب أن يرتكه يموت‪ ،‬لكن حُيظ�ر أن تقتله بيدك أو‬
‫أن تلقي�ه يف البئ�ر؛ ألنه ليس يف حال�ة حرب معنا‪ .‬من هو املقص�ود هبذا الكالم؟‬
‫غري اليهودي‪ ،‬لكن الوش�اة اليهود واملرتدين وامللحدين جيب إبادهتم باس�تخدام‬
‫األي�دي‪ ،‬ودفعه�م دف ًعا إىل القرب؛ ألهنم يبعدون الش�عب ع�ن طريق الرب‪ ،‬مثل‬
‫يسوع النارصي وتالمذته‪ ،‬وصادوق وبايتوم وتالمذته‪.‬‬
‫ويف رشائع القتل (هناية الفصل الرابع)‪:‬‬
‫املرت�دون‪ ،‬وهم عب�دة األوثان من إرسائي�ل‪ ،‬أو من يرتك�ب جرائم تغضب‬
‫ال�رب‪ ،‬حت�ى وإن أكل عفنًا‪ ،‬أو ارتدى ز ًّيا غري مأل�وف‪ ،‬فهو مرتد‪ .‬وامللحدون‪،‬‬
‫وه�م الذين يكف�رون بالتوراة واألنبياء‪ُ ،‬أمر بنو إرسائي�ل بقتلهم‪ ،‬إذا كان يمكن‬

‫‪85‬‬
‫قتله�م عالني�ة باس�تخدام الس�يف‪ ،‬فلتفعلوا‪ ،‬أو يت�م قتلهم بش�كل غري مبارش‪.‬‬
‫والس َّلم موجود بداخل البئر‪،‬‬
‫كيف‪ ،‬نقول إنك شاهدت أحدهم يسقط يف البئر‪ُّ ،‬‬
‫عليك أولاً بإزالة ُّ‬
‫الس ََّلم‪ ،‬ثم تقول له‪ :‬إنني منزعج‪ :‬سأنزل ابني من فوق السطح‬
‫وأعيده لك‪ ،‬وما شابه‪ .‬لكن األغيار الذين ليس بيننا وبينهم حروب ورعاة األغنام‬
‫اليهود وما ش�ابه‪ ،‬ال نقتلهم بشكل غري مبارش‪ ،‬وحمظور إنقاذهم من املوت‪ ،‬مثلام‬
‫لو س�قط منهم أحد يف البحر فال ننقذه‪ ،‬وكام ورد يف العهد القديم «ال تتأخر عن‬
‫إنقاذ صاحبك»‪ ،‬وهذا ليس بصاحبك‪.‬‬
‫وه�ا ه�و الرايب موس�ى بن ميمون يرشح لن�ا يف رشائع عبادة األوثان‪ ،‬أن�ه حُيظر قتل «غري‬
‫اليهودي الذي يعبد األوثان» أي‪ :‬الذي تعدى عىل الوصايا السبع‪ .‬ويف هذه احلالة ال يمكن أن‬
‫نو ِّفق بني ما يقوله الرايب موس�ى بن ميمون وما قاله الرايب موس�ى بن نحامن‪ ،‬فاألخري يرى أنه‬
‫جي�ب قتل عابد األوثان(‪ )31‬؛ ويصع�ب التوفيق بني كلامته كذلك وبني ما قاله الرايب يوم طوف‬
‫أفراهام إش�بييل (اإلش�بييل)؛ ألن الرايب موس�ى بن ميمون يقول رصاح�ة إن األمر حمظور‪ ،‬ومل‬
‫يضع حدو ًدا للحظر يف حالة وجود عداوة‪.‬‬
‫أراد «طوريه زاهاف» تفسري أقوال الرايب موسى بن ميمون عىل أهنا تتفق مع أقوال معلمنا‬
‫أيض�ا فإنه من املع�روف ملاذا كتب‬
‫يون�ا‪ .‬فف�ى رأيه أن احلظ�ر مصدره احلكامء‪ ،‬وبحس�ب رأيه ً‬
‫الرايب موس�ى بن ميمون يف رشائع القتل «ال نختلق ذريعة لقتلهم بش�كل غري مبارش‪ ،‬وحمظور‬
‫إنقاذهم»‪« .‬األعمدة الذهبية» يدقق ويقول إن ثمة فر ًقا بني بداية الكلامت وهنايتها‪ :‬ففى البداية‬
‫«يظر»‪ ،‬وبحس�ب رأيه‪ ،‬فإن الس�بب هو أنه بالفع�ل ليس ثمة حظر‬ ‫مكت�وب «ال» ويف النهاي�ة حُ‬
‫للقتل غري املبارش (وهى إزالة وسيلة اإلنقاذ‪ ،‬والذي هو أمر مباح كام أوردنا سل ًفا)‪ :‬لكن يبقى‬
‫األمر ال يمثل إلزا ًما‪.‬‬
‫لكن «هبايت يوس�ف»‪ ،‬و«دارخي موش�يه )*(»‪ ،‬و«هدريشا )**(»(‪ ،)32‬وجدوا صعوبة يف‬
‫فهم مقصد الرايب موسى بن ميمون‪ .‬ويبدو أن غرضهم الرئييس هو أن الرايب موسى بن ميمون‬
‫ٍ‬
‫وقاض واحد(كام فهمنا يف بداية الفصل)‪،‬‬ ‫كتب يف رشائع امللوك أن ابن نوح ُيقتل بشاهد واحد‬
‫ومل يكتب أن ثمة حدو ًدا للحظر من الفقهاء اليهود ملحاكمتهم يف هذا الزمان (‪.)33‬‬
‫وبن�اء على ذلك‪ ،‬كتب «بيت يوس�ف» أن املقصود من كلمة «ال تخُ ِفض�وا» هو أنه بالفعل‬
‫)*(  «دارخي موشيه»‪ :‬كتاب أسئلة وأجوبة‪ ،‬للرايب موشيه بن يرسائيل إيرساليش (‪1572 -1520‬م)‪ ،‬وهو ٍ‬
‫مفت‬
‫وفيلسوف هيودي معروف يف القرن السادس عرش‪.‬‬
‫)**(  «هدريشا» كتاب أسئلة وأجوبة‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫لي�س ثم�ة إلزام يف ذلك‪ ،‬لكن لو أرادوا حماكمة غري اليهودي وقتله عىل تعديه الوصايا الس�بع‪،‬‬
‫فاألمر مباح‪:‬‬
‫ويتضح مما ورد يف التوس�افوت أنه حُيظر قتلهم‪ ،‬واملقصود أنه ليس ثمة إلزام‬
‫يف ذل�ك‪ ،‬على الرغم من أهنم تع�دوا عىل الوصايا الس�بع‪ .‬ومن يلت�زم بالوصايا‬
‫الس�بع حُيظر قتلهم‪ .‬وقد قيل ذلك يف «مس�يخت سوفريم» )*( أن قتل أفضل َم ْن‬
‫يف األغيار يكون يف ساحة احلرب‪ .‬وهو ما يبدو من أقوال الرايب موسى بن ميمون‬
‫يف رشائع القاتل‪.‬‬
‫وهم يعتمدون عىل ما ورد يف التوسافوت‪ ،‬التي حتدثت عن «ال تخُ فضوا» وقالت‪:‬‬
‫وعىل الرغم من أن األغيار عبدة األوثان هم من يتعدون عىل الوصايا السبع‪،‬‬
‫فعىل أي حال ال تقتلوهم‪.‬‬
‫وها هي التوسافوت ختربنا ببساطة أن مقصد اجلامرا يف قوهلا «ال تخُ ِفضوا» هو السامح بعدم‬
‫القتل‪ ،‬لكن ليس ثمة حظر يف األمر (‪.)34‬‬
‫أيض�ا مع ما جاء يف كت�اب «هحين�وخ» يف الرشيع�ة ‪( 93‬وبالتحديد منحات‬
‫واتف�ق ه�ذا ً‬
‫حينوخ يف قوله)‪:‬‬
‫بي�د أن�ه يوجد فرق بني الش�عوب الس�بعة وبقية أمم عبدة األوث�ان؛ ألن بقية‬
‫األمم التي مل حتاربنا‪ ،‬لس�نا مأمورين بقتله�م‪ ،‬إال الذين يبقون بأرضنا‪ ،‬ويرتكون‬
‫عبادة األوثان‪ ،‬فالشعوب السبعة ُأمرنا بقتلهم طاملا مل يتوقفوا عن عبادة األوثان‪.‬‬
‫يف هذه احلالة يتم تربير التناقض الذي بني مقولة «ال تخُ ِفضوا» وبني السماح بمحاكمة من‬
‫يتعدى عىل الوصايا السبع‪ ،‬بالشكل التايل‪:‬‬
‫«ال ِ‬
‫نخف�ض» بمعنى أنه لس�نا ملزمني بذلك‪ ،‬رغم كون غري اليه�ود ال يلتزمون بالوصايا‬
‫السبع‪ .‬فإذا كان اليهودي يرغب يف حماكمته عىل ذلك وقتله‪ ،‬فإن األمر مباح‪.‬‬
‫وف ًقا هلذا يمكن فهم ما قاله الرايب موسى بن ميمون يف رشائع القاتل «ال يتم قتلهم بشكل‬
‫«ويظر‬
‫غري مبارش» – أي ُيسمح بقتلهم إذا رغبنا يف حماكمتهم‪ ،‬لكن ليس ثمة إلزام يف األمر ؛ حُ‬
‫إنقاذهم» – هذا أمر حمظور متا ًما‪.‬‬

‫)*(  «مسيخت سوفريم»‪ :‬إحدى الوثائق الصغرية‪ ،‬وتناقش عمليات اإلفتاء واألحكام‪ ،‬وكتبت يف القرن الثامن‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫لك�ن ه�ذا التربير يتناق�ض ألول وهلة مع م�ا ورد يف اجلامرا يف الس�نهدرين (مم�ا أوردناه‬
‫نخفض» هو حظر هنائى!‬‫سل ًفا)‪ ،‬وهو ما يثبت لنا أن «ال ِ‬

‫وأكث�ر م�ن ذل�ك‪ ،‬هذا التفسير يتناقض م�ع ما قال�ه الرايب موس�ى بن ميم�ون يف رشائع‬
‫عب�ادة األوث�ان‪« :‬ال جي�وز قتله بي�ده‪ ،‬وال دفع�ه يف البئر»‪ ،‬وكما تعجب «منح�ات حينوخ» يف‬
‫الرشيعة ‪:93‬‬
‫وهنا كتب الرايب موسى بن ميمون «لكن يرميه بيده أو يلقيه يف البئر‪ ،‬ونستنتج‬
‫م�ن ذلك أن األمر حمظور» مع الذي ليس يف حرب معنا‪ .‬وتفسير الرايب موس�ى‬
‫بن ميمون لذلك أنه حُيظر اس�تخدام األيدي يف القتل‪ .‬وراجع «هبايت يوسف»‪.‬‬
‫وأندهش من أنه مل ينتبه إىل احلظر املوجود يف األمر‪.‬‬
‫ونلخص ما مىض‪:‬‬
‫م�ن خالل ما ورد يف التوس�افوت وكت�اب «هحينوخ»‪ ،‬وما قاله الرايب موس�ى بن ميمون‬
‫وورد يف «هباي�ت يوس�ف»‪ ،‬نس�تنتج أن مقول�ة «ال تخُ ِفضوا» ه�ى إباحة لألمر‪ :‬لس�نا ملزمني‬
‫بمحاكمة وقتل غري اليهودي الذي يتعدى عىل الوصايا السبع‪ ،‬لكن األمر مباح‪ .‬ويصعب فهم‬
‫حظرا ! وكذلك مع‬
‫أن هذا خيتلف مع ما ورد يف اجلامرا يف السنهدرين من أن هذه املقولة تعني ً‬
‫ما قاله الرايب موسى بن ميمون نفسه يف بداية الفصل العارش من رشائع عبادة األوثان (‪.)35‬‬

‫‪ -11‬تفسري رأي «هبايت يوسف» ومن يتفق معه‬


‫حتى يمكننا التوفيق بني ما ورد يف «هبايت يوس�ف» وما جاء يف اجلامرا يف السنهدرين من‬
‫أنه حُيظر رصاحة قتل غري اليهودي‪ ،‬سنسارع بالقول بأن غري اليهودي يستحق القتل عىل تعديه‬
‫عىل الوصايا الس�بع‪ ،‬لكن ليس ثمة إلزام بقتله‪ ،‬بل يمكن مس�احمته عام فعل حتى هذه اللحظة‪،‬‬
‫والسامح له بااللتزام بالوصايا السبع من هنا فصاعدً ا‪ .‬يف هذه النقطة‪ ،‬نجد اختال ًفا بني اإللزام‬
‫بتوقيع عقوبة القتل لدى إرسائيل ولدى األغيار (‪.)36‬‬
‫األم�ر مثبت من واقع اجلار توش�اف‪ ،‬الذي رأينا يف اجلامرا (عف�ودا زارا ‪ )2 :54‬أنه « َقبِ َل‬
‫على عاتقه الوصايا الس�بع» (‪ .)37‬أي أننا بصدد غري اليه�ودي الذي مل حيافظ عىل الوصايا حتى‬
‫اآلن‪ ،‬ورغم هذا فقد عفونا عنه وسمحنا له بالتوبة‪.‬‬
‫وكام ورد يف التوسافوت‪:‬‬

‫‪88‬‬
‫أي ج�ار توش�اف [ كل م�ن يقب�ل الوصايا الس�بع ] نحاف�ظ عىل حيات�ه‪ ،‬وإذا تعدى عىل‬
‫الوصاي�ا الس�بع‪ ،‬جيب قتل�ه دون حماكمة أو حتذير مس�بق‪ .‬وجيب القول إنه م�ا دام مل َيم ُثل أمام‬
‫حمكمة‪ ،‬لسنا ملزمني بقتله‪ .‬وإذا عرفنا عبادته لألوثان فال نخفض وال نرفع‪.‬‬
‫أيضا رأينا يف أقوال الرايب موسى بن ميمون يف رشائع امللوك الفصل الثامن‪:‬‬
‫كذلك ً‬
‫ش�هرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫[‪ ]9‬أسيرة احلرب التي مل ترغب يف ترك عبادة األوثان بعد اثني عرش‬
‫تُقت�ل‪ .‬وكذل�ك حُيظر عق�د معاهدة مع أي مدين�ة‪ ،‬حتى يرجع أهله�ا عن عبادة‬
‫األوثان‪ ،‬ويقبلوا وصايا نوح السبع‪ .‬ألن أي شخص غري هيودي ال يلتزم بالوصايا‬
‫السبع‪ ،‬يمكننا قتله إذا وقع حتت أيدينا‪..‬‬
‫[‪ ...]10‬أمر الرب موسى أن يفرض عىل مجيع الشعوب قبول الوصايا السبع‬
‫الت�ي ُأم�ر هبا أبناء نوح‪ ،‬ومن يرفض ُيقتل‪ ،‬ومن يقبلها فهو املدعو جار توش�اف‬
‫يف كل موضع‪.‬‬
‫وكام رأينا يف رشائع عبادة األوثان (بداية الفصل العارش‪ ،‬كام سبق ذكره)‪:‬‬
‫سلاما ونصفح عنهم‪ ،‬وكام‬
‫ً‬ ‫ال تعقد حل ًفا مع عبدة األوثان‪ ،‬حتى نقيم معهم‬
‫ورد يف العه�د القدي�م «ال تعق�د حل ًفا هل�م إال بعد عودهتم ع�ن عبادهتم تلك أو‬
‫ُيقتلون»‪.‬‬
‫يتح�دث الرايب موس�ى بن ميمون رصاحة عن عبدة األوث�ان‪ ،‬الذين لدهيم فرصة التكفري‬
‫عن عبادهتم لألوثان‪ ،‬وليس ثمة إلزام بقتلهم لعبادهتم لألوثان حتى تلك اللحظة‪.‬‬
‫ورغم أنه بحس�ب الرايب موس�ى بن ميم�ون (‪ )38‬أن غري اليهودي ال�ذي يقع حتت أيدينا‪،‬‬
‫علين�ا إجب�اره عىل قبول الوصايا الس�بع‪« ،‬ومن ال يفعل ُيقتل»؛ وعلى كل حال نحن نرغب يف‬
‫القول بأننا نستطيع أن نغفر له أخطاءه املاضية وال نحاسبه عليها (‪.)39‬‬
‫وبش�كل بس�يط فف�ي العرص احل�اىل‪ ،‬ليس ثمة ج�ار توش�اف (‪ ،)40‬ولي�س هناك خالف‬
‫ح�ول أن�ه إذا َقبِ َل الوصايا من هنا فصاعدً ا‪ ،‬ال جيب قتله عام اقرتفه يف املاىض‪ .‬ويتضح ً‬
‫أيضا أنه‬
‫ليس ثمة فارق إذا تاب بينه وبني نفس�ه أو أمام ثالثة من بني إرسائيل؛ ألنه عىل أي حال يلتزم‬
‫بالوصايا السبع (‪.)41‬‬
‫ويتض�ح مما س�بق أن�ه عندما يت�م حماكمة غري اليه�ودي عىل اجلرائ�م الت�ي ارتكبها‪ ،‬جيب‬
‫التفكير فيما إذا كان قد ت�اب بالفعل‪ ،‬ويف ه�ذه احلالة حُيظ�ر قتله (ومن يقتله يك�ون قد خرق‬

‫‪89‬‬
‫وصية «س�افك دم اإلنس�ان»)‪ .‬ونزيد فنق�ول‪ُ :‬ي َف َّضل أن يتوب غري اليه�ودي عن أن نقتله‪ .‬إذا‬
‫وصلن�ا لغير اليهودي ال�ذي ال يلتزم بالوصايا الس�بع وثمة إمكانية بتوضيح أمهي�ة التزامه هبا‬
‫فضل اختيار هذا الطريق‪ ،‬وأال نقوم بمحاكمته ومن ثم قتله(‪.)42‬‬ ‫حتى يتوب – ُي َّ‬
‫وبكلامت أخرى‪ ،‬غري اليهودي الذي تعدى عىل الوصايا السبع وال يعاقب بالقتل‪ .‬القول‬
‫مثب�ت يف أقوال اجلامرا يف «ماك�وت (‪ »)1 :9‬التي قالت إن غري اليهودي الذي قتل غري هيودي‬
‫آخر‪ُ ،‬يقتل‪ ،‬رغم أن غري اليهودي اآلخر مل حيافظ عىل الوصايا السبع (‪ .)43‬وكونه ال حيافظ عىل‬
‫الوصايا الس�بع ال جيعله يس�تحق القتل‪ ،‬وال يقع ذن ًبا رغم ذلك عىل من يقتله ! (‪ .)44‬وبش�كل‬
‫مشابه‪ ،‬جيب أن نثبت من اجلامرا يف السنهدرين (‪ )1 :57‬؛ التي تقول رصاحة إن «غري اليهودي‬
‫ال�ذي يقتل غري اليهودي ُيقتل» (وعندما نقول «غير هيودي» فنحن نقصد هذا الذي ال حيافظ‬
‫عىل الوصايا السبع كام سبق ذكره)‪ .‬ومن تلك الفقرات من اجلامرا‪ ،‬نحن نرى أن غري اليهودي‬
‫ال�ذي قتل غير هيودي آخر ٍ‬
‫متعد عىل الوصايا الس�بع‪ُ ،‬يقت�ل؛ ألنه فعل ذل�ك ليقتل‪ ،‬ال ليعقد‬
‫حماكمة (‪.)45‬‬
‫نس�تنتج من هذا أن مس�ألة قتل من يتعدى عىل الوصايا الس�بع‪ ،‬ترتبط بمالبس�ات حمددة‬
‫وس�ياق معني‪ .‬إذا كان عن طريق اإلصالح – لدينا هنا جزء من وصايا األحكام‪ .‬لكن إذا كان‬
‫يمكن أن ن ِ‬
‫ُصلح غري اليهودي وهنتم بالتزامه بالوصايا السبع من هنا فصاعدً ا عن طريق توبته‪،‬‬
‫فعلى س�بيل املثال‪ ،‬ال يوجد هنا وج�ود لرشيعة األحكام‪ ،‬بل نحن نتحدث عن القتل وإفس�اد‬
‫العامل‪ ،‬وال ُيسمح بتنفيذ مثل هذا القتل‪.‬‬
‫أيضا احلالة التي ال نستطيع فيها أن نقوم باإلصالح‪ ،‬ال عن طريق‬ ‫من هنا‪ ،‬جيب أن نناقش ً‬
‫التوب�ة وال بواس�طة القت�ل‪ .‬ونقصد حالة املنف�ى‪ ،‬عندما ال يكون يف اس�تطاعتنا فرض االلتزام‬
‫بالوصايا الس�بع عىل األغيار‪ .‬وال يتم تفسير حماكمة زمرة األغيار الذين ال يلتزمون بالوصايا‬
‫السبع‪ ،‬عىل أهنا بمثابة ُحكم؛ ألن العامل ميلء هبذا بالفعل بام فيه الكفاية‪ ،‬وهذا القتل ليس جز ًءا‬
‫من احلفاظ احلقيقي عىل إقامة الوصايا السبع بشكل عام‪.‬‬
‫ثمة مثال لألمر نجده يف اجلامرا يف (عفودا زارا ‪ ،)2- 13‬وهي الفقرات التي تتحدث عن‬
‫العبد الذي بيع يف سوق عبدة األوثان‪ ،‬ومفادها هو (‪:)46‬‬
‫أن من يشرتي أي يشء من سوق عبدة األوثان‪ُ ،‬يعاقب بأال يستفيد مما ابتاعه‪،‬‬
‫وعليه أن ُيتلِف ما اشتراه‪ .‬وتس�أل اجلامرا ماذا يفعل من يشتري عبدً ا يف س�وق‬
‫‪90‬‬
‫عب�ادة األوث�ان‪ ،‬ه�ل عليه قتل�ه؟ وجتيب بحظ�ر قتله‪ ،‬ألنن�ا قلنا أنه م�ع األغيار‬
‫«ال ترفع�وا وال تخُ ِفض�وا»‪ .‬ويتضح م�ن هذا أن مقصد الربيتا ه�و حظر قتل غري‬
‫اليه�ودي‪ ،‬وه�ذا هو املقصود بـ «ال تخُ ِفضوا»‪ .‬أي أنه ُيس�مح ب�أن «ال تخُ ِفضوا»‪.‬‬
‫وم�ا ه�و الدليل الذي نأيت به م�ن الربايتا يف حالة هذا العب�د؟ حُيتمل أنه هنا؛ ألنه‬
‫ت�م رشاؤه يف س�وق عبدة األوثان‪ ،‬جيب قتل�ه ؛ والربايتا تتحدث عن هذا الوضع‬
‫بشكل عام‪ ،‬الذي ال يكون األمر فيه ِ‬
‫ملز ًما‪.‬‬
‫لكن إذا قلنا إنه ُيسمح بمحاكمة غري اليهودي‪ ،‬فإن هذا يتم فقط عندما يكون األمر جز ًءا‬
‫من حماولتنا يف إصالح العامل‪ ،‬فكلامت اجلامرا واضحة‪ :‬اهلدف من قتل العبد ليس الهتاممنا بتنفيذ‬
‫الوصايا السبع‪ ،‬هو فقط ملعاجلة مسألة استمتاع اليهودي بام اشرتاه من سوق عبدة األوثان‪ .‬إذا‬
‫قتلنا العبد بذريعة أنه تعدى عىل الوصايا السبع‪ ،‬سنخلق بذلك وض ًعا نكون فيه قد «استغللنا»‬
‫السامح بقتل من يتعدى عىل الوصايا السبع‪ ،‬حتى نتمكن من حل مشكلة اليهودي الذي ابتاع‬
‫العبد (‪.)47‬‬
‫بكلمات أخ�رى‪ :‬عندم�ا نقتل العبد نق�ول له‪« :‬نحن نقتل�ك ألنك تعديت على الوصايا‬
‫أيضا قد تعدوا عىل تلك الوصايا‪،‬‬‫الس�بع»‪ .‬ويزع�م العبد‪« :‬أليس كل األغيار الذين من ح�ويل ً‬
‫فلامذا قررتم قتيل أنا بالذات؟»‪ .‬ماذا يكون الرد عىل ذلك؟ أنه س� ُيقتل؛ ألنه تم رشاؤه يف س�وق‬
‫عبدة األوثان؟ وهل هلذا عالقة بالوصايا السبع؟‬
‫لك�ن عندم�ا نقرتب من غري اليه�ودي الذي يتعدى عىل الوصايا الس�بع ونقتله من خالل‬
‫اهتاممنا بإقامة الوصايا السبع‪ ،‬فليس ثمة حظر يف األمر‪ ،‬وبناء عىل هذا ورد أهنم ُيقتلون بشاهد‬
‫ٍ‬
‫وقاض واح�د‪ .‬ووف ًقا هلذا‪ ،‬يمكننا أن نفهم مقصد «هبايت يوس�ف» بقوله إنه ال يوجد‬ ‫واح�د‬
‫حظ�ر‪ ،‬ليس هن�اك حظر لقتل األغيار عىل وصاياهم الس�بع‪ ،‬إذا كان القتل فعلاً هبدف احلفاظ‬
‫عىل الوصايا السبع وعقاب من ال يلتزم هبا (‪.)48‬‬
‫أيضا لدى‬
‫ثم�ة أس�اس مش�ابه لذلك األمر‪ ،‬م�ن أنه ثمة معنى مل�ا يقصده الفاعل‪ ،‬نج�ده ً‬
‫اليه�ود‪ .‬فه�ا قد اس�تنتجنا أنه ُيس�مح برضب وإي�ذاء صاحبه‪ ،‬حت�ى حيرره م�ن احلظر (راجع‬
‫حوشني مشباط‪ ،‬هناية الرمز ‪:)421‬‬
‫وم�ن كان حت�ت إمرته‪ ،‬ورأى أنه ارتك�ب جريمة‪ ،‬من حق�ه أن يقتله ويعذبه‬
‫حتى ينزع عنه احلظر‪ ،‬وليس ثمة رضورة لإلتيان به أمام حمكمة‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫وجيب أن نناقش املسألة‪ :‬شخص يرضب من حتت إمرته‪ ،‬وواضح من أفعاله وسلوكه أن‬
‫هدفه ليس نزع احلظر‪ ،‬بل إيذاء من يتلقى الرضبات‪.‬‬
‫ِ‬
‫الضارب‪،‬‬ ‫وبالفع�ل بع�د وقوع هذا‪ ،‬عندما يذهب املترضر ملقاضاته يف املحكمة‪ ،‬س�يزعم‬
‫أنه رغم أنه مل يقصد إزالة احلظر منه‪ ،‬إال أن هذا بالفعل ما حدث يف واقع األمر‪ ،‬ولذلك وجب‬
‫ِ‬
‫الضارب يف هذه احلالة؟‬ ‫مباحا‪ .‬فهل يمكن العفو فعلاً عن‬
‫إعفاؤه؛ ألنه رضبه رض ًبا ً‬
‫ِ‬
‫الضارب يستحق العقوبة هنا‪ .‬فإباحة الرضب النتزاع احلظر‪ ،‬يكون فقط‬ ‫نرى ببساطة أن‬
‫ِ‬
‫الضارب معن ًيا برضب صاحبه‪ ،‬ويرغب يف‬ ‫ِ‬
‫الضارب هذا ألجل اهلل ؛ لكن إذا كان‬ ‫عندما يفعل‬
‫إنقاذ نفسه من تلقي عقوبة عن هذا‪ ،‬حتى ال يتكلف مالاً ‪ ،‬فإن األمر حمظور‪ ،‬وال جيب إعفاؤه‬
‫من املرصوفات يف هذه احلالة (‪. )50( )49‬‬
‫ونعود ألقوال الربيتا «ال تخُ ِفضوا»‪ :‬بحس�ب الرايب موس�ى بن ميمون و«هبايت يوسف»‪،‬‬
‫ف�إن املقص�ود ه�و أنه ليس ثم�ة وصية تلزمن�ا بقتل غري اليه�ودي‪ ،‬حتى إذا علمنا أن�ه ال يلتزم‬
‫بالوصاي�ا الس�بع‪ ،‬وبطبيعة احلال‪ ،‬فاألمر يتعلق بنوايا القات�ل‪ :‬إذا كان يقتل غري اليهودي؛ ألنه‬
‫ال يلت�زم بالوصايا الس�بع‪ ،‬فليس ثمة حظر يف األمر (ألن الش�اهد يصري قاض ًي�ا‪ ...‬إىل آخره)‪،‬‬
‫لك�ن إذا كان يقص�د فق�ط إي�ذاءه‪ ،‬فإن هذا حمظ�ور (‪ .)51‬ولذل�ك تقول اجلامرا يف الس�نهدرين‬
‫إن�ه يس�تحيل القول إن س�فك دم�اء غري اليهودي على أيدي اليه�ودي مباح‪ ،،‬لكن�ه ليس أمر‬
‫أيضا الرايب موس�ى بن ميمون أنه حُيظر إنزاله يف البئر بش�كل عام‪،‬‬‫إباحة مطل ًقا‪ ،‬ولذلك كتب ً‬
‫أي قتله(‪.)52‬‬
‫واآلن تبدو لنا كلامت الرايب موسى بن ميمون واضحة‪:‬‬
‫يف رشائع عبادة األوثان تطرق الرايب موسى بن ميمون ملوقف غري اليهودي؛ حيث كتب أن‬
‫غري اليهودي ـ الذي يعبد األوثان ـ حمظور قتله هكذا دون سبب (ألن «سافك دم اإلنسان»)‪.‬‬
‫لك�ن الرايب موس�ى بن ميم�ون يتطرق يف رشائع القات�ل إىل درجات خمتلف�ة من الرشور‪:‬‬
‫مرتدي�ن‪ ،‬وملحدي�ن‪ ،‬وأغيار‪ ،‬رعاة األغنام‪ ..‬إىل آخره‪ .‬وهو يتحدث هناك عن املرتدين الذين‬
‫جي�ب قتله�م دون حماكم�ة‪ ،‬وعن األغيار الكف�رة الذين ال ُيقتلون بش�كل غري مب�ارش‪ .‬فعندما‬
‫نتطرق إىل رشورهم‪ ،‬يستحيل أن نقول إنه حُيظر قتلهم؛ ألنه يمكن حماكمتهم وقتلهم؛ ألهنم ال‬
‫يلتزمون بالوصايا الس�بع‪ .‬ولذلك فقد كتب الرايب موسى بن ميمون كلمة «ال»‪ ،‬التي تعنى أننا‬
‫ال نفع�ل هذا‪ ،‬إال يف حالة وجود س�بب مقنع مثل تطبيق األح�كام (‪ .)53‬وهذا يف مقابل كلمتى‬
‫«حمظور إنقاذهم» والذي هو حظر مطلق‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫‪ -12‬أهل شكيم ورأي الرابي موسى بن ميمون‬
‫ح�ول قتل ش�كيم عىل يد ش�معون وليفي ـ كتب الرايب موس�ى بن ميم�ون (هناية الفصل‬
‫التاسع من رشائع امللوك‪ ،‬كام ذكرنا)‪:‬‬
‫وهلذا كان جيب قتل مجيع أهل شكيم؛ ألن شكيم رسق‪ ،‬وهم رأوه يفعل هذا‬
‫ومل حياكموه‪.‬‬
‫وكتب الرايب موسى بن نحامن يف تفسريه لـ «التكوين ‪ »13 :34‬بإسهاب حول خالفه مع‬
‫الرايب موسى بن ميمون ألسباب خمتلفة‪ ،‬وقال فيام قال‪:‬‬
‫وع�ن رأي�ي فإن األح�كام التي تم إحصاؤه�ا ألبناء نوح يف الوصايا الس�بع‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ق�اض يف كل مدينة‪ ،‬بل جيب إلزامه�م بوصايا الرسقة‬ ‫ال تقضي بضرورة وجود‬
‫واخلداع والنهب‪ ،‬وأحكام احلراس‪ ،‬واالغتصاب‪ ،‬واإلغراء‪ ،‬واألرضار الرئيسية‪،‬‬
‫ومن يلحق أذى بصاحبه وأحكام البيع والرشاء وما شابه‪ ،‬مثل األحكام التي ُأمر‬
‫هبا بنو إرسائيل و ُيقتل إذا رسق أو هنب أو اغتصب وأغرى ابنة صاحبه أو أشعل‬
‫النار يف غلته وأحلق هبا األذى وما شابه‪.‬‬
‫وم�ن هذه الوصايا‪ ،‬ن�درك رضورة وجود ق�اض يف كل مدينة مثل إرسائيل‪،‬‬
‫وإذا مل يفعلوا ال ُيقتلون‪ ،‬ألنه أمر إلزام هلم‪...‬‬
‫(‪.......)2 – 59‬‬
‫وم�اذا يريده�م ال�رايب أن يفعلوا حتى يس�تحقوا القتل؟ أمل يكن أهل ش�كيم‬
‫غضب‬‫ومجيع الشعوب السبعة من عبدة األوثان يغشون املحارم ويفعلون كل ما ي ِ‬
‫ُ‬
‫ال�رب؟ وحتدث�ت عنه�م عدة فق�رات‪ ،‬إال أنه مع ذل�ك‪ ،‬ال يمكن الق�ول إن بني‬
‫يعقوب من حقهم حماكمتهم وقتلهم‪.‬‬
‫أم�ا فيام خيص ش�كيم‪ ،‬فأهلهم يفعلون الرش ودمهم ُمس�تباح‪ ،‬أرادوا االنتقام‬
‫منه�م‪ ،‬فقتلوا امللك ومجيع أه�ل مدينته؛ ألهنم عبيده ويطيعون�ه‪ ،‬وال يعد حلف‬
‫اخلت�ان ش�يئًا ذا قيمة بالنس�بة هلم؛ ألن�ه كان نفا ًقا لس�ادهتم‪ ،‬وق�ال يعقوب هلم‪،‬‬
‫فلتعرض�وه للخط�ر كما ورد‪ :‬أحلق�وا يب األذى‪ ،‬ورغب�وا يف إحراق�ي بالنار مثل‬
‫الطعام‪ ،‬ومل يتلقوا لعنة هناك؛ ألهنم رسقوا أهل املدينة‪ ،‬الذين قالوا هلم‪ :‬فلتعيشوا‬
‫ونكون شع ًبا واحدً ا‪ ،‬ألهنم مل يسيئوا إليكم مطل ًقا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫هنا‬

‫‪93‬‬
‫يتش�دد الرايب موس�ى بن نحامن أكثر من الرايب موسى بن ميمون‪ :‬ملاذا جيب القول إن أهل‬
‫شكيم ُقتلوا لتعدهيم عىل وصايا األحكام؟ فقد تعدوا عىل مجيع الوصايا السبع !‬
‫يت�م تربير تل�ك املعضلة التي يعرضها الرايب موس�ى بن نحامن‪ ،‬وف ًقا ملنهج الرايب موس�ى‬
‫ب�ن ميم�ون الذي أوضحناه‪ :‬فالرايب موس�ى بن ميمون يعتقد أنه م�ن أجل قتل غري هيودي ممن‬
‫مل يلتزموا بالوصايا الس�بع‪ ،‬جيب أن يكون هنا ُحكم‪ ،‬وليس هناك اس�تغالل للحكم يف تصفية‬
‫احلسابات ألغراض أخرى‪.‬‬
‫كون ش�عوب كنعان قد تعدوا عىل الوصايا الس�بع‪ ،‬فإن هذه حقيقة قديمة ومعروفة‪ ،‬وأن‬
‫بني يعقوب مل يتطرقوا هلا حتى اآلن يف رحالهتم يف أرض إرسائيل‪ .‬إذا كان لدهيم مشكلة ما مع‬
‫أحد األغيار ومن أجل حلها‪ ،‬راحوا قتلوه‪ ،‬مدعني أهنم فعلوا هذا لتعديه عىل الوصايا السبع‪،‬‬
‫فهذا ال يعد ُحكماً ‪ ،‬ووف ًقا ملا أوضحناه من أقوال الرايب موسى بن ميمون‪ ،‬فإن األمر حمظور‪.‬‬
‫سنجسد واقعة هنا‪ :‬بنو يعقوب يمرون بجوار منزل أحد األغيار األغنياء للغاية‪ ،‬ومل يكن‬
‫له ورثة‪ ،‬وإذا مات سيس�تطيعون احلصول عىل أمواله‪ .‬فهل ُيس�مح هل�م بمحاكمته وقتله؛ ألنه‬
‫بحكم‪ ،‬إهن�ا رغبة يف احلصول عىل‬ ‫ي�أكل حلًم�اً ح ًّي�ا (وحينئذ ُيتصدق بامله يف اخلير)؟ هذا ليس ُ‬
‫مبلغ مايل عن طريق اخلداع‪.‬‬
‫لذل�ك‪ ،‬ف�إن ال�رايب موس�ى بن ميم�ون يفهم أن إل�زام عقوبة امل�وت عىل أهل ش�كيم‪ ،‬مل‬
‫يك�ن مرتب ًط�ا بجمي�ع اجلرائم العادي�ة التي ارتكبوه�ا؛ ألنه بالنس�بة ملثل هذه اجلرائ�م‪ ،‬مل نجد‬
‫ُحكما هن�ا خيص بن�ي يعقوب‪ ،‬وليس هناك س�بب ألن نس�تيقظ فنقرر فجأة حماكمتهم لس�بب‬
‫غري رئييس‪.‬‬
‫لكن بالنس�بة لشكيم‪ ،‬فإن بني يعقوب مل يس�تغلوا قدرهتم عىل املحاكمة – بل هم تعاملوا‬
‫مع اجلرائم املتصلة هبم‪ ،‬وبالتايل فهم ال يتجاهلوهنا‪ .‬هذا ليس اس�تغاللاً بل تعامل مع اجلرائم‬
‫عىل طريقة «لقد جاء ليهامجني يف أرىض»‪ .‬هلذا السبب حاكم بنو يعقوب أهل شكيم‪.‬‬
‫أي أن�ه‪ ،‬عندم�ا يرتك�ب األغيار جرائ�م بعيدً ا عن�ا‪ ،‬يمكننا أن نفهم الس�بب يف أننا لس�نا‬
‫مضطري�ن لالنش�غال يف حماكمتهم (كام أن غري اليه�ودي ملزم بعقوبة القت�ل إذا مل حياكم أغيار‬
‫يعيشون بعيدً ا عنه‪ ،‬ويتعدون عىل الوصايا السبع) (‪.)54‬‬
‫لكن عندما يرتكب غري اليهودي جريمة بش�كل يتصل بنا‪ ،‬فإن التجاهل هو تصديق عىل‬
‫اجلريمة‪ ،‬ولذلك فإنه واضح هنا أين موضع احلكم‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫أيضا يف هذا اإلطار الرايب موسى بن ميمون يف رشائع حظر املضاجعة (‪:)9 :12‬‬
‫ويفرس ً‬
‫غري هيودي تعدى عىل بنت إرسائيلية‪ ،‬لو كانت زوجة فل ُيقتل‪.‬‬
‫وألول وهلة‪ ،‬جيب علينا أن نتشدد يف أن غري اليهودي هذا هو الذي يتعدى عىل الوصايا‬
‫الس�بع هب�ذه الطريقة‪ ،‬ويمكن قتله عىل كل وصي�ة من الوصايا (ولذلك فإن الرايب موس�ى بن‬
‫ميم�ون يف كل موض�ع يكتب فيه أن هذا الش�خص يس�تحق عقوبة القتل ع�ن وصية معينة من‬
‫الوصاي�ا الس�بع‪ ،‬فإن�ه يقصد بذلك «اب�ن نوح» الذي ال يتع�دى مطل ًقا عىل الوصايا الس�بع) ؛‬
‫وأكثر من ذلك‪ :‬ملاذا نتحدث فقط عن غري اليهودي الذي ضاجع فتاة إرسائيلية؟ فهو إذا فعلها‬
‫أيضا ! وحس�ب كالمنا‪ ،‬فإننا نفهم أن الرايب موس�ى بن ميمون يقول‬ ‫مع فتاة غري هيودية‪ُ ،‬يقتل ً‬
‫أنه ما دامت اجلريمة تتعلق بنا‪ ،‬فعلينا حماكمة الفاعل وعدم جتاهل األمر (‪.)55‬‬

‫‪ -13‬أهل شكيم ورأي الرابي موسى بن حنمان‬


‫س�نوضح اآلن رأي الرايب موس�ى بن نحامن حول أهل ش�كيم‪ :‬من ناحي�ة هو يقول إهنم‬
‫أرشار ودمهم ُمس�تحل‪ ،‬ويبدو الس�بب يف هذا من خالل ما كتبه فيام سبق من أهنم عبدة أوثان‪،‬‬
‫وغش�اة للمحارم‪ ،‬ويفعلون مجيع املعايص(‪ .)56‬لكن من جانب آخر‪ ،‬فهو يضع حدو ًدا لكالمه‬
‫بقول�ه‪« :‬لكن ليس األمر مرتوكًا ليعقوب وأوالده للقي�ام بمحاكمتهم»‪ .‬ويزيد بقوله‪« :‬وقتلوا‬
‫امللك وكل رجال مدينته؛ ألهنم عبيده وأطاعوه»‪.‬‬
‫مباحا – ماذا يقصد الرايب موس�ى‬
‫وألول وهل�ة تب�دو األمور غري مفهومة‪ :‬إذا كان قتلهم ً‬
‫ب�ن نحمان بقوله «ليس األمر مرتوكًا ليعق�وب وأوالده»؟‪ ،‬وإذا كان س�بب القتل هو التعدي‬
‫عىل الوصايا السبع ‪ -‬ملاذا يكون من الرضوري توضيح أن أهل املدينة ُقتلوا بسبب كوهنم عبيد‬
‫امللك؟‬
‫يف حتديثات معلمنا نسيم عىل السنهدرين‪ ،‬أورد حديث الرايب موسى بن نحامن السابق(‪.)57‬‬
‫ومما قاله هناك‪ ،‬ندرك أنه ُيسمح بقتل غري اليهودي الذي يتعدى عىل الوصايا السبع‪ ،‬إذا كانت‬
‫ثمة رضورة يف األمر‪ ،‬وهذا هو ما قاله‪:‬‬
‫وعلى كل ح�ال‪ ،‬يمكن القول بش�أن قت�ل أبناء ش�كيم أهنم اس�تحقوا ذلك‬
‫لعبادهت�م األوث�ان‪ ،‬إال أن األمر مل يكن مرتوكًا لبني يعقوب‪ ،‬ل�وال العناية اإلهلية‬
‫التي أمرهتم بتطهري تلك البالد‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫مباح�ا ألبن�اء يعقوب قتل أهل ش�كيم؛ ألهنما أذنبا يف تعدهيام على الوصايا‬
‫أي أن�ه‪ :‬كان ً‬
‫مباحا – فال جيب القيام به‪ ،‬ألن ابنيهام ال يقويان عىل‬
‫الس�بع‪ .‬اعترب يعقوب أنه رغم كون األمر ً‬
‫التعامل مع نتائج أفعاهلام التي ستقلب عليهم مجيع سكان البالد‪.‬‬
‫وم�ا يتض�ح م�ن هذا هو أنه وف ًقا ملعلمنا نس�يم ُيس�مح بإي�ذاء أي غري هي�ودي تعدى عىل‬
‫الوصايا السبع‪ ،‬إذا كان لدى اليهودي حاجة للقيام هبذا (‪.)58‬‬
‫جيب أن نالحظ أنه بحسب معلمنا نسيم إذا اتضح أن غري اليهودي هذا تاب عن جرائمه‪،‬‬
‫ومن هنا فصاعدً ا س�يحافظ عىل الوصايا الس�بع‪ ،‬حُيظر قتله‪ ،‬كام اتضح يف س�ياق ما قاله الرايب‬
‫موسى بن نحامن‪ ،‬من أن يعقوب سخط يف أواخر أيامه عىل شمعون وليفي؛ ألنه اعتقد أن أهل‬
‫شكيم كانوا ينوون بالفعل أن يتوبوا (كام سنكتب الح ًقا)(‪.)59‬‬
‫ولكن يمكن تفسري أقوال الرايب موسى بن نحامن بشكل آخر‪:‬‬
‫يمكن القول بأن الرايب موس�ى بن نحامن اتفق بش�كل عام مع األساس الذي‬
‫رشح�ه الرايب موس�ى بن ميمون‪ .‬بأن�ه حُيظر قتل غري اليه�ودي الذي يتعدى عىل‬
‫الوصاي�ا الس�بع‪ ،‬عندم�ا يكون القتل لغرض ش�خىص ال هبدف تنفي�ذ ُحكم ما‪.‬‬
‫وبحسب هذا‪ ،‬يمكننا بوضوح أن نفهم مقصد الرايب موسى بن نحامن عندما قال‬
‫«لي�س األمر متروكًا ليعقوب وأوالده»‪ :‬فهو يقصد أن�ه حُيظر عىل يعقوب وبنيه‬
‫إي�ذاء الش�عوب التي عاش�ت يف أرض كنع�ان يف هذه الفرتة‪ ،‬رغ�م تعدهيم عىل‬
‫رما‪.‬‬
‫الوصايا السبع‪ ،‬طاملا ليست هناك نية لتنفيذ حكم من ارتكب ُج ً‬
‫لك�ن بحس�ب هذا يب�دو األمر صع ًبا بع�ض اليشء‪ :‬ملاذا ُيس�مح بقتل أهل ش�كيم؟ فثمة‬
‫اس�تغالل هنا لألمر لتحقيق أغراض ش�خصية – لغضبهم عىل رسقة دينا – وىف إثر ذلك قاموا‬
‫بإحل�اق األذى بجمي�ع أه�ل املدين�ة‪ ،‬الذين مل يفعل�وا لبني يعق�وب أي يشء يس�توجب القتل‬
‫(وبحسب الرايب موسى بن نحامن‪ ،‬ال يوجد إلزام بالقتل عىل إلغاء الوصايا)!‬
‫ونوض�ح األم�ر أكثر‪ :‬إذا كانوا ق�د تعدوا عىل الوصايا الس�بع دون أن يكون لذلك عالقة‬
‫بنا‪ ،‬ملا كنا قد حكمناهم؛ ألنه قبل ذلك كنا نحاول دعوهتم للتوبة واإلصالح‪ .‬لكن يف ش�كيم‪،‬‬
‫وج�ود هؤالء األغي�ار خلق واق ًعا يؤذى فيه ش�كيم بني يعقوب‪ .‬يف مثل هذه احلالة‪ ،‬الوس�يلة‬
‫الوحي�دة لإلصالح تك�ون حماكمتهم وليس جتاه�ل أفعاهلم‪ ،‬ونحن نقتلهم؛ ألهنم يس�تحقون‬
‫امل�وت؛ وه�ذا م�ا نفهمه مما قال الرايب موس�ى ب�ن نحامن الذي يبرر قتل أهل ش�كيم لكوهنم‬
‫يطيعون ملكهم الرشير‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫وبالفع�ل‪ ،‬يف احلال�ة الت�ي ال يعرق�ل فيها غير اليهودي مسيرة اإلصالح الدين�ي وتنفيذ‬
‫الوصاي�ا‪ ،‬ب�ل فقط نحن نريد قتله مس�تغلني هذا ملصلحتن�ا؛ فإن األمر حمظ�ور‪ .‬ونعود للمثال‬
‫ال�ذي أوردناه س�اب ًقا حول غري اليه�ودي الثري الذي ي�أكل حلماً ح ًّيا‪ ،‬ونح�ن نقتله للحصول‬
‫على أموال�ه ونوجهها لفعل اخلري‪ :‬وف ًقا ملا نفرسه اآلن من كلامت الرايب موس�ى بن نحامن‪ ،‬فإن‬
‫األم�ر حمظ�ور‪ .‬ففى هذه احلالة «لي�س األمر مرتوكًا لنا لنقيم حماكمة»‪ ،‬كام خيربنا الرايب موس�ى‬
‫بن نحامن(‪.)60‬‬
‫نلخص كالمنا يف اجلدول التاىل‪:‬‬
‫ملاذا قتل أهل شكيم؟‬ ‫صاحب الرأي‬
‫حوكموا عىل جرائمهم املتصلة بأبناء يعقوب‪.‬‬ ‫الرايب موسى بن ميمون‬

‫الرايب موسى بن نحامن حوكموا عىل أفعاهلم؛ ألنه من أجل إصالحهم‪ُ ،‬ي ّ‬
‫فضل عدم توقع أهنم‬
‫وف ًقا لالحتاملية األخرى سيتوبون‪.‬‬
‫الرايب موسى بن نحامن يستحقون القتل بسبب جرائمهم‪ ،‬و ُيسمح بقتل مثل هؤالء األغيار‬
‫ألي رضورة ملحة (ألنه من املنطقى أهنم لن يتوبوا)‪.‬‬ ‫بحسب معلمنا نسيم‬

‫‪ -14‬قتل من تاب‬
‫أثبتنا فيام سبق من واقع اجلار توشاف‪ ،‬أن غري اليهودي ال يتوجب قتله بشكل مؤكد‪ ،‬وهو‬
‫يمكن�ه أن يت�وب عن آثامه‪ ،‬وحينئذ لن نحاكمه عىل ما فعل(‪ .)61‬يفرس الرايب موس�ى بن نحامن‬
‫عرضاه للخطر بام فعاله ؛ لكن يف سياق‬
‫يف البداية أن يعقوب صب جام غضبه عىل بنيه؛ ألهنام ّ‬
‫حديثه‪ ،‬يفرس لنا ملاذا س�خط يعقوب عليهام يف أواخر أيامه‪ ،‬عندما مل يكن ثمة خطر من جانب‬
‫األغيار‪ ،‬ومل حيدث أي رضر لليهود نتيجة ملا فعاله‪.‬‬
‫أي‪ :‬ثمة احتاملية أن أهل شكيم قصدوا بالفعل احلفاظ عىل الوصايا السبع من هنا فصاعدً ا‪،‬‬
‫ُفضل أال نقتلهم‪ ،‬بل نس�مح هلم بالتوبة ؛ وبخصوص‬ ‫ويف ه�ذه احلال�ة‪ ،‬األمر مفروغ منه‪ ،‬إننا ن ِّ‬
‫هذه النقطة فقد سخط بشدة يف حديثه مع شمعون وليفي يف هناية أيامه(‪.)62‬‬
‫يب�دو أن�ه ال يوج�د من يعرتض عىل هذا ال�كالم‪ ،‬فإذا كان من املمكن اخت�اذ هذا الطريق‪،‬‬
‫فضل فعل ذلك‪.‬‬ ‫ُي َّ‬

‫‪97‬‬
‫‪ – 15‬مملكة األغيار املتحضرة‬
‫عندم�ا يكون ثمة مملكة متحرضة لألغيار‪ ،‬فإنه يكون لدهيم منظومة قضائية تتوىل حماكمة‬
‫املذنبني الذين تعدوا عىل الوصايا‪ ،‬كام فرس ذلك الرايب موس�ى بن ميمون (هناية الفصل التاسع‬
‫من رشائع امللوك)‪:‬‬
‫ٍ‬
‫قاض يف كل مدينة ملحاكمة من يتعدى‬ ‫وكيف ينفذون األحكام؟ جيب وضع‬
‫عىل الوصايا الست تلك‪ ،‬وجيب توعية الشعب(‪.)63‬‬
‫عندما يكون ثمة مملكة هبذا الشكل‪ ،‬يتضح لنا بشدة أهنا ستحدد بنفسها طريقة حماكمة من‬
‫تعدى عىل الوصايا السبع‪ .‬ومن هنا فصاعدً ا‪ ،‬لن يتم األمر بأيدي أفراد‪ ،‬بل ستتوىل تلك املنظومة‬
‫القضائية األمر كله‪ .‬هذا الترشيع حمتمل للغاية من ناحية وجود نظام اجلمهور املتحرض‪.‬‬
‫صحيحا يف األساس‪ ،‬عىل ضوء ما تعلمناه من أنه جيب يف كل حالة‪ ،‬دراسة‬ ‫ً‬ ‫يعد هذا األمر‬
‫األمر‪ ،‬وما إذا كان جيب قتل املذنب أو ُي َف َّضل السامح له بالتوبة‪ .‬من هنا فصاعدً ا وعندما يكون‬
‫ثم�ة مملك�ة متحرضة‪ ،‬فإننا نج�د مثل هذه الدراس�ة‪ ،‬ويتضح لنا أننا س�نرتك ه�ذا األمر للهيئة‬
‫القضائية املوجودة يف كل مدينة(‪.)64‬‬
‫وم�ن امله�م أن نؤكد أنه ليس ثمة إلغاء لوصايا األح�كام هنا‪ ،‬من جانب من يرى املخطئ‬
‫وال حياكمه؛ ألنه يستطيع أن يسلمه للهيئة القضائية يف املدينة الواقع هبا‪ ،‬حتى يتعاملوا هم معه؛‬
‫وعىل النقيض هبذا الشكل تتحقق وصايا األحكام كام ينبغي(‪.)65‬‬
‫أيضا‪ ،‬وس�يعرتف اجلميع بذلك؛ ألنه عندما تكون‬‫ويب�دو أن�ه ليس ثمة خالف حول هذا ً‬
‫ثمة مملكة متحرضة‪ ،‬ال جيوز السامح ألفراد أن يقيموا حماكامت ألحد‪ ،‬بل جيب ترك األمر للهيئة‬
‫القضائية (‪.)66‬‬
‫ووف ًقا لذلك نستكمل اجلدول الذي ذكرناه فيام سبق‪:‬‬

‫الرايب موسى بن نحامن الرايب موسى بن نحامن‬ ‫الرايب موسى بن‬ ‫املوقف‬
‫وف ًقا لالحتاملية األخرى وفقا ملعلمنا نسيم‬ ‫ميمون‬
‫مباح‬ ‫مباح‬ ‫مباح‬ ‫احلكم من أجل اإلصالح‬
‫مباح‬ ‫مباح‬ ‫حمظور‬ ‫احلكم للتعامل مع الرش‬

‫‪98‬‬
‫مباح‬ ‫حمظور‬ ‫حمظور‬ ‫احلكم من أجل مصلحة‬
‫شخصية‬
‫حمظور‬ ‫حمظور‬ ‫حمظور‬ ‫حماكمة التائب ‪ /‬املحاكمة‬
‫يف حالة اململكة املتحرضة‬

‫‪ – 16‬ما ورد يف «كنيست هجدوال»‬


‫صاح�ب «كنيس�ت هج�دوال )*(» يف كتابه «بقايا كنيس�ت هجدوال» (يوري�ه ديعا ‪)157‬‬
‫يستنتج ترشي ًعا حول قتل غري اليهودي الذي تعدى عىل الوصايا السبع‪:‬‬
‫مباحا منحهم أدوية خاطئة‬
‫ُس�ئلت عن أطباء يطببون اإلسماعيليني واألغيار إذا كان ً‬
‫(‪)67‬‬

‫حتى يموتوا‪ ،‬أو منع األدوية املفيدة عنهم حتى يموتوا‪.‬‬


‫وأجبت قائلاً ‪ :‬إنه وف ًقا للكاتب «هبايت يوسف»‪ ،‬فإنه مل يقل أنه حُيظر قتلهم‪ ،‬بل إننا جيب‬
‫أن نقتلهم‪ ،‬األمر بس�يط‪ ،‬فحتى منحهم أدوية خاطئة ليموتوا‪ ،‬مل يرد عنها حظر أو أمر‪ ،‬واألمر‬
‫مره�ون بما يري�د أن يفعل�ه‪ .‬ويف رأي «هبايت حداش» أن�ه ليس حمظور قتلهم بش�كل مبارش‪،‬‬
‫أيضا‪ ،‬وال ُيسمح بمنحهم أدوية خاطئة‪ ،‬بل حتى‬ ‫حتديدً ا‪ ،‬بل إن قتلهم بشكل غري مبارش حمظور ً‬
‫منع الدواء عنهم حمظور‪ .‬لكن يف رأي «طوريه زاهاف»‪ ،‬أنه حُيظر قتلهم بشكل مبارش و ُيسمح‬
‫قتلهم بشكل غري مبارش‪ ،‬ومنع الدواء الصحيح عنهم هو نوع من القتل غري املبارش‪.‬‬
‫ثم خيربنا املصدر الس�ابق أنه ُيس�مح بقتل غري اليهودي الذي يستبد باليهود‪ ،‬فمن هو هذا‬
‫الشخص الذي يتحدث عنه؟‬
‫ِ‬
‫املطارد‪ ،‬وه�ذا بإمجاع اآلراء‬ ‫إذا كان ي ِ‬
‫لح�ق األذى باليه�ود – جيب قتله اس�تنا ًدا إىل ُحكم‬ ‫ُ‬
‫ولي�س ثم�ة خالف حول ه�ذا‪ .‬حول هذا جيب أن نقول إننا بصدد غير هيودي يرسق إرسائيل‬
‫وم�ا ش�ابه (‪ .)58‬ويف مث�ل ه�ذه احلال�ة‪ ،‬اختلف «هباي�ت يوس�ف» و«طوريه زاه�اف»‪ :‬فوف ًقا‬
‫لـ «هبايت يوس�ف»‪ُ ،‬يس�مح لليهودى بمحاكمة غير اليهودي‪ ،‬ولذلك يمك�ن حماكمته؛ ألنه‬
‫رسقن�ا أو قتلن�ا ؛ لك�ن وف ًق�ا لـ «طوريه زاه�اف»‪ ،‬فإنه يق�ول إن احلكامء حظ�روا علينا حماكمة‬
‫األغيار‪ ،‬ولذلك فليس ثمة رخصة بقتلهم‪.‬‬

‫)*(  «كنيست هجدوال»‪ :‬كتاب للحاخام حاييم بنفيشتي (‪1673 -1603‬م) مفتي رشيعة معروف‪ ،‬ومفرس للتوراة‪،‬‬
‫وحاخام معروف يف القرن السابع عرش‪ ،‬و ُلقب بصاحب اجلمعية الكربى كناية عن كتابه هذا «كنيست هجدوال»‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫إذا قمن�ا بمقارن�ة هذه احلالة باحلاالت املختلفة التي وردت يف اجلدول‪ ،‬س�نجد أنه يش�به‬
‫احلالة األوىل التي نلجأ فيها إىل حماكمة غري اليهودي إلصالح العامل؛ ألن جريمته هلا عالقة بنا؛‬
‫أيضا‪ ،‬وف ًقا ملا قاله الرايب ش�لومو بن أفراهام (اإلش�بييل)‪،‬‬
‫وهبذا يكون مس�موح لنا بمحاكمته ً‬
‫وكذلك الرايب موسى بن نحامن‪ ،‬و الرايب موسى بن ميمون و«هبايت يوسف» ‪.‬‬
‫(‪)59‬‬

‫‪ -13‬ملخص‬
‫من جانب تقرر أن غري اليهود حُياكمون بش�اهد واحد وقاض واحد‪ ،‬ويف هذه احلالة – من‬
‫يراه يتعدى عىل إحدى الوصايا السبع يمكن قتله ؛ لكن من ناحية أخرى‪ ،‬ورد عن األغيار أننا «ال‬
‫ن ِ‬
‫ُخفض»‪ ،‬أي ال نسهم يف قتلهم‪ ،‬وألول وهلة هذا ال جيوز رغم تعدهيم عىل الوصايا السبع‪.‬‬
‫وجدنا أربعة مناهج تفرس األمر وهي‪:‬‬
‫ُخفض» غري اليهودي الذي‬‫األول‪ :‬الرايب موس�ى بن نحامن و «س�فتي كوهني»أدركا أننا ال «ن ِ‬
‫ال نتأك�د متا ًما أنه بالفعل تعدى عىل الوصايا الس�بع (رغ�م أنه فعل هذا‪ ،‬ولذلك حُيظر‬
‫املسامهة يف إنقاذه من املوت)‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬الرايب يوم طوف بن أفراهام اإلش�بييل أدرك أن احلظر س�ببه العداوة‪ ،‬وعندما ال توجد‬
‫عداوة يمكن حماكمة غري اليهودي‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬معلمنا يونا و«طوريه زاهاف» خيربانا أن احلكامء قالوا بعدم حماكمة األغيار‪.‬‬
‫الراب�ع‪« :‬هباي�ت يوس�ف»‪ ،‬و«دارخي موش�يه» و«هدريش�ا» (يتفق�ون مع الرايب موس�ى بن‬
‫أيض�ا يف كت�اب «هحين�وخ» والتوس�افوت‪ ،‬كل ه�ذه‬ ‫ميم�ون )؛ ونف�س األم�ر ن�راه ً‬
‫املصادر أدركت أنه يمكن حماكمة األغيار الذين يتعدون عىل الوصايا الس�بع؛ ومقصد‬
‫اجلمارا يف كلم�ة «ال تخُ ِفضوا» هو أنه حُيظر قتل األغيار‪ ،‬ليس بس�بب تنفيذ احلُكم‪ ،‬بل‬
‫العتبارات أخرى‪.‬‬
‫أيضا م�ن خيتلف مع املنهج األخري يعرتف أنه حُيظ�ر قتل غري اليهودي الذي‬‫أوضحن�ا أنه ً‬
‫تع�دى عىل الوصايا الس�بع‪ ،‬إذا كان ذلك بمثابة فس�اد‪ ،‬عىل س�بيل املثال‪ :‬غير اليهودي الذي‬
‫تاب‪ ،‬أو الذي توجد منظومة قضائية تتوىل األمر يف مدينته بطريقة أفضل‪ ،‬رأينا أنه جيب حماكمة‬
‫حلكم‪ ،‬وينطوى‬‫األغيار يف حاالت ليس فيها فساد مؤكد‪ ،‬لكن اهلدف األسايس لن يكون تنفيذ ا ُ‬
‫هذا عىل احتامالت أخرى‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪100‬‬
‫امللحق‬
‫)*(‬
‫أقوال «هحازون إيش»‬

‫ثم�ة مواض�ع يف «هحازون إيش» تتعلق بام كتبناه داخل الفص�ل‪ ،‬منها ما جيب توضيحه‪.‬‬
‫رغ�م أنه يوجد هن�ا تطرق لعدة موضوعات يف الفصل‪ .‬كلامت «هح�ازون ايش» جتد مكانًا هلا‬
‫وقد قررنا مناقشتها عىل حدة‪ .‬والنقاط الرئيسية يف كالمه هي‪:‬‬
‫ •حماكم�ة األغي�ار يف زماننا‪« - :‬وها ه�ي التوراة خففت من أحكام بن�ي نوح (بعد أن‬
‫توقف�ت مجي�ع األمم على االلتزام هبا كما ورد يف التوس�افوت) من أنن�ا غري ملزمني‬
‫بمحاكمته�م‪ ،‬ورغ�م أهن�م ال يلتزمون بالوصاي�ا‪ ،‬إال أننا ال نس�اهم يف قتلهم‪ ،‬وهذا‬
‫حمظور»‪ .‬وف ًقا هلذا‪ ،‬نجد أنه جيب أال نشهد عىل غري اليهودي الذي قتل؛ ألن األغيار‬
‫الذين سيقتلون لن يفعلوا ما جيب فعله ‪ -‬إال أنه يقول إنه يف الوصايا التي تنطوي عىل‬
‫أيضا‪ ،‬ولذلك يمكن الشهادة‬ ‫حدود يف تنفيذ اليهودي هلا‪ ،‬يمكن حماكمة األغيار اآلن ً‬
‫عىل غري اليهودي الذي قتل أمام املحكمة التي ختص الضحية‪.‬‬
‫ •إل�زام حماكم�ة األغيار‪ :‬اليهودي ال حياكم غري اليهودي يف وجود غري هيودي آخر‪ ،‬بل‬
‫جيب أن يكون هناك ش�اهدان يصلحا للش�هادة من إرسائيل ؛ فالش�اهد ال يمكن أن‬
‫يكون قاض ًيا يف أحكام األغيار‪.‬‬
‫ •أنه ُيس�هب يف تش�دده مع الرايب ش�لومو بن أفراهام (اإلش�بييل)‪ ،‬كام قلنا يف الس�ابق‪،‬‬
‫وجوه�ر معضلته هو أنه إذا كان حظر قتل غري اليهودي هو العداوة‪ ،‬فإن هذا مش�ابه‬
‫أيضا يف حالة العداوة‪ ،‬ويف هذه احلالة‪ ،‬ليس من الواضح لدينا‬ ‫للمرتد الذي ُيقتل هو ً‬
‫السبب الذي ُت َف ِرق الربايتا من أجله بني األغيار واملرتدين‪.‬‬

‫)*(  «هحازون إيش»‪ :‬مالحظات عىل التلمود وكتاب «شوحلان عاروخ»‪ ،‬للرايب أفراهام يشعياهو كارليتس (‪-1878‬‬
‫‪1953‬م)‪ ،‬وهو من أكرب مفرسي القرن العرشين‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫نأيت اآلن ملناقشة كل نقطة عىل حدة‪:‬‬
‫ه�ا ه�و «هحازون إي�ش» يفرس لنا أن�ه ال يوجد إل�زام بمحاكمة األغي�ار‪ ،‬وبالتاىل فاألمر‬
‫حمظور‪ .‬ملاذا هو حمظور؟ فهو مل يوضح لنا ما هو احلظر هنا‪.‬‬
‫أيضا كونه يستند إىل‬
‫يمكننا تفسير ما قال‪ ،‬بأن الس�بب هو حظر احلكامء‪ ،‬واألمر يناس�ب ً‬
‫«طوريه زاهاف»‪ ،‬الذي يفرس لنا أننا بصدد حظر من احلكامء‪.‬‬
‫وبالفعل جيب أن نشير إىل أنه يضيف حتدي ًثا على «طوريه زاهاف» بقوله إن حظر احلكامء‬
‫أيضا عىل األغيار‪ ،‬ولذلك ثمة مشكلة للشهادة أمام حمكمة األغيار التي حتاكم أحدهم‪.‬‬ ‫يرسي ً‬
‫يف موضع الحق‪ ،‬نجده يضيف حتدي ًثا آخر مفاده‪ :‬إن حظر احلكامء غري موجود عندما نتحدث‬
‫ع�ن جريمة حمددة تُرتكب من ِق َبل األغيار‪ ،‬وىف هذه احلالة ً‬
‫أيضا‪ ،‬فإنه وف ًقا لـ «طوريه زاهاف»‬
‫ُيس�مح بمحاكمته�م وقتله�م؛ ألهنم ارتكبوها (ولذلك ُيس�مح بمحاكمة وقت�ل غري اليهودي‬
‫الذي يرسق‪ ،‬عىل سبيل املثال)‪.‬‬
‫لذل�ك‪ ،‬فإن�ه جيب التمع�ن يف أقواله؛ ألن�ه يف موضع آخر يق�ول إننا يف حاجة لش�اهدين‬
‫صاحلني للشهادة عىل غري اليهودي‪ ،‬وال جيب القول هنا إن «من سمع ليس كمن رأى»‪ .‬ووف ًقا‬
‫هل�ذا فإن قت�ل غري اليهودي هو حظر تورايت‪ ،‬طاملا مل يش�هد عليه ش�اهدان صاحل�ان (وربام إذا‬
‫أيضا ملحكمة قريبة)‪ .‬وها هو حتديثه يتناقض‬
‫كانت ثمة حاجة هلذين الشاهدين؛ فإن ثمة حاجة ً‬
‫مع «طوريه زاهاف»‪ ،‬الذي اتفق معه يف أن حظر قتل غري اليهودي مصدره احلكامء فقط‪.‬‬
‫وأكث�ر من ذل�ك‪ ،‬فأقواله تناقض م�ا قاله احلكماء األوائل واألواخر؛ ألنه بحس�ب مجيع‬
‫املصادر الس�ابقة‪ ،‬فإنه جيوز قتل غري اليهودي من التوراة‪ ،‬وليس ثمة ذكر ألن هذا ال يتم إال يف‬
‫وجود شاهدين‪ ،‬وأن الشاهد يصري قاض ًيا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪102‬‬
‫هوامش الفصل الثاني‬

‫‪ -1‬وراجع الرايب نس�يم بن رأوبني (س�نهدرين‪ ،‬نف�س املصدر) ال�ذي أورد رأ ًيا بأن وجوب‬
‫املوت هو حكم جمحف وظامل ؛ ففي الواقع أفتى الرايب موسى بن ميمون يف رشائع امللوك‪،‬‬
‫بأن�ه ال جيوز القت�ل (‪ ،)6 :10‬وقارن ذلك بأقواله الواردة يف أح�كام «الربان واملؤذ» (‪:5‬‬
‫‪ ،)3‬وال جمال هنا لإلسهاب واإلطالة يف كل هذا (فكل ذلك موضح جيدً ا يف كتاب « ُملك‬
‫إرسائيل» اجلزء الثالث يف مقال «بداية طريق مخُ َ ِلص إرسائيل») ؛ عىل أي حال‪ ،‬فإن هؤالء‬
‫الذي�ن بحثوا وناقش�وا املوضوع (م�ن أمثال‪ :‬الرايب نس�يم بن رأوبني يف املصدر الس�ابق؛‬
‫«ليحي�م هيودا» عن الرايب موس�ى بن ميمون يف رشائع املل�وك ؛ «كىل محدا» بداية إصحاح‬
‫اخل�روج ؛ مصري يوس�ف‪ ،‬الرم�ز ‪ .)13‬كل هذه املصادر فهمت ببس�اطة أن موس�ى كان‬
‫بإمكانه أن ينفذ احلكم يف املرصي‪ ،‬وليس هناك مش�كلة بخصوص كونه ش�اهدً ا وقاض ًيا‬
‫يف الوق�ت نفس�ه‪ .‬وأما ما أفتى به الرايب موس�ى بن ميمون بخص�وص من ال يتم قتله فهو‬
‫ألسباب أخرى‪.‬‬
‫أيضا‪ :‬إن أبناء يعقوب كان بإمكاهنم حماكمة أهل ش�كيم‬‫‪ -2‬كام قال الرايب موس�ى بن ميمون ً‬
‫عىل الوصايا الس�بع التي انتهكوها‪ ،‬وعىل حد قوله‪« :‬وأي دليل حيتاجه الرايب إلدانتهم أو‬
‫إلزامه�م؟ أومل يك�ن أهل ش�كيم ومجيع األقوام الس�بعة عبدة أوثان‪ ،‬وغاشين للمحارم‪،‬‬
‫ومرتكبين جلميع الفواح�ش واملنكرات التي حرمه�ا الرب؟‪ ...‬إلخ»‪ ،‬وكما كتب الرايب‬
‫نس�يم بن رأوبني يف الس�نهدرين ‪( 2 :56‬س�وف نتطرق ألقوال الرايب موسى بن ميمون‪،‬‬
‫والرايب موس�ى بن نحامن‪ ،‬يف هذا الش�أن بيشء من التفصيل يف هناية هذا الفصل)‪ ،‬وانظر‬
‫أيض�ا أقوال هحاتام س�وفري‪ ،‬الواردة يف كتاب «رشيعة موس�ى» يف الكلامت التي تبدأ بـ‪:‬‬‫ً‬
‫«وأتى بنو يعقوب عىل القتىل»‪.‬‬
‫‪ -3‬والذي مصدره هو ما ورد يف العهد القديم لش�عب إرسائيل فحس�ب ( «ويوم ُي َق ِّس�م لبنيه‬
‫األرض»‪ ،‬أو «وحس�ب قوهل�م تك�ون كل خصومة وكل رضبة– فق�اس اخلصومات عىل‬
‫الرضبات‪ ،‬راجع السنهدرين ‪( 2 :34‬وكذلك الباب األخري ‪.))2 :113‬‬
‫أيضا مل�زم بأن يكون قاض ًيا جتاه وصايا األح�كام (كام هو وارد يف أقوال‬
‫‪ -4‬وغير اليهودي ً‬
‫الرايب موسى بن ميمون عن أهل شكيم)‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫‪ -5‬راج�ع نفس املصدر يف كتاب «منحات حينوخ» الذي فهم أنه بحس�ب الرايب موس�ى بن‬
‫أيضا عىل ش�عب إرسائيل‪ ،‬بالنس�بة ألحكام العقوب�ات‪ ،‬القاعدة (العيان‬
‫ميم�ون‪ ،‬تنطبق ً‬
‫أغن�ى م�ن البيان)‪ ،‬وراجع املصادر التي اس�تدل هبا هناك‪ ،‬وليس بوس�عنا هنا اخلوض يف‬
‫تلك القضية الكبرية‪.‬‬
‫املحرض لدى‬
‫‪ -6‬راج�ع «هح�ازون إيش » عن الس�نهدرين (رم�ز ‪ )1 :21‬الذي كتب ع�ن ِّ‬
‫أيضا أنه ُيقت�ل وف ًقا حلكم هذه املحكم�ة‪ ،‬وال داعي لعرضه عىل‬
‫األغي�ار ول�دى إرسائيل ً‬
‫حمكمة أخرى‪.‬‬
‫‪ - 7‬وكذل�ك تم تفسيره يف «منحات حينوخ» يف الرشيع�ة الـ ‪ 201‬اآلية ‪« :9‬عىل أي حال فإن‬
‫ابن نوح الذي حيافظ عىل الوصايا السبع‪ ،‬إذا قتل غري هيودي آخر يعبد األوثان أو ال ينفذ‬
‫واحدة من الوصايا الس�بع‪ ،‬هو بالطبع غري مذنب‪ ،‬حتى وإن كان متعمدً ا؛ ألنه جيب قتله‬
‫وهو الشاهد وهو القايض‪ ..‬إىل آخره»‪.‬‬
‫‪ -8‬وجي�ب التدقي�ق فيما ورد يف «هاحماني�ه حايي�م )*(»‪ ،‬وهو نف�س ما ورد يف مص�ادر أخرى‬
‫لنفس املؤلف‪ ،‬من أن «الشاهد ال يصري قاض ًيا لدى أبناء نوح‪ ،‬وكيف يتسق هذا مع قاعدة‬
‫«ليس من سمع كمن رأى»‪.‬‬
‫أيضا يف املحلق حول «أقوال هحازون إيش» يف هناية الفصل‪.‬‬
‫وراجع ً‬
‫‪ -9‬ت�أيت أق�وال احلاخام تس�يفي يف إط�ار خالفه مع «هباي�ت حداش» (يف األس�ئلة واألجوبة‬
‫القديم�ة ‪ )111‬ال�ذي ذكر أن البهيمة الت�ي جيامعها غري اليهودي‪ ،‬حُيظر االس�تفادة منها‪.‬‬
‫ويتفق مع التلمود األورش�ليمي يف بداية «قيدوشين» أن غري اليهودي يقتل نفسه‪ ،‬أي أن‬
‫غير اليه�ودي الذي يرتك�ب جريمة‪ ،‬عليه بقتل نفس�ه حتى ُي َطبِق وصي�ة األحكام‪ .‬لكن‬
‫التوس�افوت تقول إننا يمكن الصفح للجار توش�اف عن الذنوب التي ارتكبها‪ ،‬وىف هذه‬
‫احلال�ة‪ ،‬فإن�ه ليس ثمة إلزام مطلق يف األمر‪ ،‬وهذا يفرس ملاذا يمكن االس�تفادة من البهيمة‬
‫الت�ي عارشه�ا غري اليهودي‪ ،‬بحس�ب املصدر الس�ابق‪( ،‬بخلاف البهيمة الت�ي عارشها‬
‫إرسائيلي والتي حُيظر االس�تفادة منها‪ ،‬وجي�ب قتلها هي ومن عارشه�ا‪ ،‬وال يمكن العفو‬
‫عن هذا)‪.‬‬

‫)*( «هاحمانيه حاييم»‪ :‬كتاب أسئلة وأجوبة للحاخام حاييم بن مردخاي أفرايم فيشل سوفري‪ ،‬من مفرسي القرن‬
‫التاسع عرش‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫‪ -10‬راجع أيضا أقوال الرايب هيوشع روكيح يف هذا‪.‬‬
‫أيضا‬
‫‪ -11‬أقوال الرايب أهارون مندل هاكوهني تلك‪ ،‬تم حذفها من جزء من النس�خ‪ .‬وراجع ً‬
‫«جور أرييه» الذي يورد الكلامت ويتفق معها‪.‬‬
‫‪ -12‬يف موض�ع الح�ق يشرح أن الرايب ش�لومو بن أفراهام (اإلش�بييل)‪ ،‬والرايب موس�ى بن‬
‫نحمان عن فصل (ماك�وت ‪ )1 :9‬؛ ومعلمنا يونا يف (الس�نهدرين ‪ :)1 :57‬ويف «هبايت‬
‫يوس�ف» و«دارخي موش�يه»‪ ،‬و«س�فتي كوهني»‪ ،‬و«طوريه زاهاف »‪ُ ،‬مثبت يف مجيع هذه‬
‫املص�ادر أن من يرى أحد األغيار الذي يتعدى عىل الوصايا الس�بع‪ ،‬يمكنه حماكمته وقتله‬
‫(لك�ن بحس�ب «طوريه زاه�اف» يوجد حظر من احلكماء ملحاكمة غري اليه�ودي يف هذا‬
‫الزمان)‪.‬‬
‫‪ -13‬جيب أن ننتبه إىل أن الرشح الذي ورد يف هذا الفصل خاص بالرجال‪ ،‬فالنساء ال حياكمن‬
‫وال يشهدن ألبناء نوح (رشائع امللوك ‪.)14 :9‬‬
‫‪ -14‬يف الكلمات الت�ي تق�ول «الذي الت�زم بالوصايا مع صاحب�ه» يبدو أن الرايب موس�ى بن‬
‫نحامن يقصد أن مصطلح «ابن نوح» يعني جمتمع متكامل حيافظ عىل الوصايا الس�بع‪ ،‬وىف‬
‫هذه احلالة نتعامل مع كل فرد عىل أنه ابن نوح (الذي ُيس�مح باملس�امهة يف إنقاذه بخالف‬
‫غير اليه�ودي الذي حُيظر فعل ذلك معه)‪ ،‬حتى وإن كنا ال نعرف هذا الش�خص بش�كل‬
‫شخيص‪.‬‬
‫‪ -15‬ال يب�دو من كلامت الرايب موس�ى بن نحامن أنه يقصد أن الت�وراة حتظر قتل غري اليهودي‬
‫الذي مل نره بأعيننا أثناء تعديه عىل الوصايا الس�بع‪ ،‬فبنو يعقوب مل يروا اجلُرم الذي ارتكبه‬
‫كل ف�رد من أفراد البالد‪ ،‬لكنهم افرتضوا أن هذا حدث‪ .‬ويكمل الرايب موس�ى بن نحامن‬
‫فيق�ول إنه يف وقت احلرب ال يمكن قتلهم ملجرد الش�ك‪ ،‬ونحاكمه�م فقط يف احلالة التي‬
‫أمرا حمد ًدا‪ .‬واألمر يتسق مع ما ورد من أن الرايب موسى بن نحامن خيربنا كيف‬ ‫نعالج فيها ً‬
‫نتعامل مع األفراد الصاحلني داخل جمتمع فاسد‪.‬‬
‫‪ -16‬يتفق «س�فتي كوهني» مع الرايب موس�ى بن نحامن من أنه جي�ب التفرقة بني غري اليهودي‬
‫املعروف أنه تعدى عىل الوصايا السبع‪ ،‬وبني غري اليهودي الذي هو فقط يعد هكذا‪ ،‬لكننا‬
‫غري متأكدين متا ًما من هذا‪ .‬فهنا كتب «س�فتي كوهين»‪« :‬األغيار الذين ليس بيننا وبينهم‬

‫‪105‬‬
‫حر ًبا‪ ،‬ال نتسبب يف قتلهم‪ ،‬أي أنه مل يأمرنا الرب بقتلهم رغم تعدهيم عىل الوصايا السبع‪.‬‬
‫ويتش�دد «طوريه زاهاف» أكثر من «س�فتي كوهني»‪ ،‬من خالل ما ورد يف التوس�افوت يف‬
‫فص�ل «عف�ودا زارا ‪ ،»2- 10‬حيث ت�روي اجلامرا عن أن «أنتوني�وس عندما كان يذهب‬
‫رسا لزيارة الرايب هيودا هنايس‪ ،‬كان يصطحب معه عبدين لريافقاه ويقتلهم يف هناية الزيارة‬ ‫ًّ‬
‫حتى ال يس�لموه»‪ .‬تتش�دد التوس�افوت يف هذا املوضع وتقول‪« :‬أليس س�فك الدماء من‬
‫الوصايا السبع‪ ،‬وحمظور حتى عىل إرسائيل؟» فالتوسافوت تتشدد هنا؛ ألن أنتونيوس مل‬
‫يكن يعرف عىل وجه الدقة أي جرائم كان هؤالء العبيد يرتكبوهنا حتى يستحقون القتل‪.‬‬
‫ختفضوا وال ترفعوا»‪ .‬ثمة تس�اؤل هنا‪،‬‬ ‫وكما ورد ع�ن األغيار واملرتدين والوش�اة أن «ال ِ‬
‫ملاذا مل يرد أنه اصطحب عبدين معروف عنهام أهنام ال حيافظان عىل الوصايا السبع؟ فحتى‬
‫مبررا كاف ًيا لقتلهم‪ .‬وحول هذا يورد «س�فتي‬ ‫ً‬ ‫إذا كان يث�ق أهن�م غري ملتزمني‪ ،‬فهذا ليس‬
‫ووضوحا من معرفة أن‬
‫ً‬ ‫كوهني» مربرين لألمر‪ :‬األول‪ :‬الكفرة والوش�اة أمر أكثر ش�يو ًعا‬
‫ش�خصا ما خالف الوصايا الس�بع‪ ،‬وهبذا الشكل فرست التوس�افوت موقف أنتونيوس‪.‬‬ ‫ً‬
‫الثاين‪ :‬أن األمر ليس هكذا‪ ،‬فقد اصطحب أنتونيوس معه عبدين ال حيافظان عىل الوصايا‬
‫الس�بع‪ ،‬وهذا هو مقصد التوس�افوت عندما قالت «كفرة ووش�اة»‪ .‬ولك�ن علينا أن ننتبه‬
‫ألن «س�فتي كوهين» يتف�ق نظر ًّيا فقط مع الرايب موس�ى بن نحامن‪ ،‬لكن�ه ال يتفق معه يف‬
‫ختفضوا»‪ ،‬ال يرى «س�فتي كوهني»‬ ‫تفسير هذه الفقرة من اجلامرا‪ .‬ففي تفسير كلامت «ال ِ‬
‫أن احلدي�ث يتعل�ق بغير اليهودي ال�ذي ال نعلم أنه تع�دى عىل الوصايا الس�بع‪ ،‬ولذلك‬
‫حُيظ�ر قتله‪ ،‬ب�ل يتعلق األمر بجميع األغيار‪ ،‬ومغزى هذه الكلمات هو أنه ليس ثمة إلزام‬
‫أيض�ا ليس ثمة حظر (وكام س�يتضح يف كلامت «هبايت يوس�ف» الح ًقا‪،‬‬ ‫يف األم�ر‪ ،‬لكن ً‬
‫وراجع امللحوظة ‪.)35‬‬
‫‪ -17‬بحسب الرايب يوم طوف أفراهام (اإلشبييل) فإن كلمة «سامريني» بديلة لكلمة «األغيار»‬
‫(وعىل ما يبدو أهنا سقطت يف هذه النسخة)‪.‬‬
‫‪ -18‬جيب أن نشري إىل أن الرايب يوم طوف أفراهام اإلشبييل يثبت أنه ال جيوز قتل غري اليهودي‬
‫ـ فق�ط؛ ألن�ه تعدى على الوصايا الس�بع ـ حتى نعرف على أي وصية حتدي�دً ا هو تعدى‬
‫(كام كتبنا يف رأي الرايب موس�ى بن نحامن س�اب ًقا)‪ .‬كذلك يقول الرايب يوم طوف أفراهام‬
‫(اإلش�بييل)‪« :‬مباح قتل غري اليهودي الذي ال حيافظ عىل الوصايا الس�بع‪ ،‬لو مل نكن نعلم‬

‫‪106‬‬
‫أيضا بحس�ب الرايب يوم طوف أفراهام (اإلشبييل)‬ ‫بذلك ـ ليس هناك رضورة للقول بأنه ً‬
‫أيضا لو أنه‬
‫جي�ب أن نع�رف إىل أي خطيئة تعدى ( ويف الواقع‪ ،‬فإن غري اليهودي هذا ُيقتل ً‬
‫تعمد التعدي)‪.‬‬
‫‪ -19‬اختلف الرايب ش�لومو بن أفراهام (اإلشبييل) مع مفرسين آخرين‪ ،‬قالوا إن اجلامرا تقصد‬
‫الس� َّلم‪ ،‬لكن ليس ثمة سماح بترك املرتدين‬
‫أن�ه ثمة سماح بذلك فق�ط عندما يتم انتزاع ُّ‬
‫يسقطون يف البئر عن عمد‪.‬‬
‫‪ -20‬وانظ�ر ما سيرد الح ًقا يف الفقرة الثامنة (خالف «طوري�ه زاهاف» و «هبايت حداش»)؛‬
‫حيث يفهم «طوريه زاهاف» مقولة «ال ترفعوا» يف البداية عىل أهنا تش�به تلك التي وردت‬
‫يف النهاي�ة‪ ،‬ولذل�ك فقد أفتى بقت�ل األغيار عن طريق من�ع إنقاذهم‪ .‬والرايب ش�لومو بن‬
‫أفراهام (اإلشبييل) يف تفسريه هترب من املعضلة إىل تفاسري خاصة ببعض احلكامء األوائل‬
‫(مث�ل ال�رايب موس�ى بن نحمان)‪ ،‬وه�و الرأي ال�ذي يق�ول إن الكلم�ة يف البداية ختتلف‬
‫عن النهاية‪.‬‬
‫‪ -21‬راجع ملحق الفصل‪.‬‬
‫‪ -22‬الرمز ‪ ،175‬يف نسخة «توفاعوت رام»‪.‬‬
‫‪ -23‬الكلمات الت�ي بين األقواس تظهر يف نس�خة أخرى مصحوبة بتفسير كلم�ة «حول من‬
‫خيشونه»‪.‬‬
‫وأيضا دون‬
‫أيض�ا بدون النس�خة التي تقول رصاحة إن األمر يتعلق ب�ـ «عبدة األوثان»‪ً ،‬‬‫‪ً -24‬‬
‫التدقي�ق يف كلم�ة «غري اليه�ودي»‪ ،‬التي تقصد بش�كل جمرد كل من يتع�دى عىل الوصايا‬
‫الس�بع يس�تحيل أن نقول إن األمر يتعلق بمن حيافظ عىل الوصايا الس�بع‪ ،‬إذا كنا نتحدث‬
‫عن اجلار توشاف – فببساطة ال يقترص األمر فقط عىل حظر احلكامء‪ ،‬بل إن التوراة تأمرنا‬
‫وأيضا إذا كان املقصود غري اليهودي الذي ليس بجار توش�اف‬ ‫بع�دم احلفاظ عىل حياته ؛ ً‬
‫لكنه ال يتعدى عىل الوصايا الس�بع (ابن نوح)‪ ،‬يستحيل أن نقول إن التوراة ال حتظر قتله؛‬
‫ألن�ه «ليس ثمة أمر مب�اح لليهود وحمظور عىل غريهم»‪ ،‬وحتظر الت�وراة قتل غري اليهودي‬
‫هذا‪ ،‬كام اتضح بإسهاب يف الفصل األول‪.‬‬
‫‪ -25‬ويتفق مع طريقة معلمنا يونا‪ ،‬التنقيحات عىل تفسري «عفودا زارا ‪.»5 ،5‬‬
‫أيضا الرايب موس�ى بن نحامن‬
‫‪ -26‬جي�ب أن نالح�ظ أن كتاب «طوريه زاه�اف» ربام يفهم أنه ً‬

‫‪107‬‬
‫متفق مع هذا الرأي‪ ،‬وأن قصده من قوله «حاكموه لشكهم فيه»‪ ،‬هو أن حكامءنا طيب اهلل‬
‫ثراهم قرروا عدم حماكمتهم يف أي حالة‪ ،‬رغم وثوقنا أهنم تعدوا عىل الوصايا السبع (حتى‬
‫وإن كنا متأكدين من ذلك)‪ ،‬وأكثر من هذا ما ذكرناه ساب ًقا‪.‬‬
‫‪ -27‬ويبدو أن فقهاءنا مل يفتوا بحظر يف احلالة التي نس�يطر فيها‪ ،‬ولذلك فنحن نحاكمهم عىل‬
‫الوصايا الس�بع‪ ،‬وخاصة بالنسبة للرايب موسى بن ميمون‪ ،‬الذي يعتقد أنه جيب حماكمتهم‬
‫يف مث�ل ه�ذه احلالة (راجع رشائع املل�وك‪ ،‬هناية الفصل الثامن) وهو ي�رى أن معلمنا يونا‬
‫يق�ول إنن�ا مأمورون بمحاكمته�م‪ ،‬وهذا ليس أمر ف�ردى (وقد قارن ذل�ك بمنهج الرايب‬
‫موسى بن نحامن يف تفسريه لسفر التثنية ؛ وال نعتقد أن احلكامء جزموا بإلغاء هذه الوصية‪،‬‬
‫وإال كان احلكماء األوائل أش�اروا إىل هذا)‪ ،‬لكنهم ذك�روا هذا فقط يف حالة كوننا نتعامل‬
‫برصامة مع األغيار‪ ،‬وهو ما ينطوى عىل شكوك كثرية بوجود عداوة وأن هذا لن يفلح‪..‬‬
‫‪ -28‬بحسب كتاب «طوريه زاهاف»‪ ،‬فإن هذا احلكم يبيح التسبب يف قتل غري اليهودي‪ ،‬وقد‬
‫دقق يف األمر من خالل ما قاله الرايب موس�ى بن ميمون‪ ،‬الذي كتب يف رشائع القاتل (‪:4‬‬
‫‪« :)11‬املرت�دون وامللح�دون جيب قتلهم‪ ،‬إذا كنا نس�تطيع أن نقتلهم‪ ،‬لكن األغيار الذين‬
‫ويظر‬ ‫ليس بيننا وبينهم حرب ورعاة البهائم يف إرسائيل وما ش�ابه‪ ،‬ال نتس�بب يف موهتم‪ ،‬حُ‬
‫إنقاذه�م م�ن اخلطر‪ ،‬مثل أن يكون عىل وش�ك الغرق يف البحر‪ ،‬فق�د ورد أن «ال جيب أن‬
‫تتخلى ع�ن صاحبك‪ ،‬وهذا ليس بصاحبك»‪ .‬وها هو الرايب موس�ى بن ميمون يس�تخدم‬
‫«يظر إنقاذهم»‪ ،‬ونفهم من هذا أن‬ ‫كلامت خمتلفة‪ ،‬فيقول «ال نتسبب يف موهتم» يف مقابل حُ‬
‫البداية حتتوي عىل حظر‪ ،‬بخالف النهاية‪ .‬فهم «طوريه زاهاف» أنه بالفعل ُيسمح بالتسبب‬
‫الس� َّلم وما ش�ابه‪ ،‬و الرايب موس�ى بن ميمون فقط كتب «ال‬‫يف قتلهم عن طريق س�حب ُّ‬
‫نتس�بب» ليقصد هبا أن ليس ثمة إلزام يف األمر (يف مقابل املرتدين وامللحدين الذين جيب‬
‫قتله�م إذا اس�تطعنا)‪ .‬ويقول «طوريه زاهاف» أن الرايب موس�ى بن ميم�ون تعلم هذا من‬
‫فقرة اجلامرا التي ذكرناها يف تفسير كلامت الرايب ش�لومو بن أفراهام (اإلشبييل)‪ .‬فاجلامرا‬
‫ُخفض وال نرفع» امللحدين‪،‬‬ ‫يف هذا املوضع تتش�دد وتتس�اءل عن الس�بب يف كتابة أننا «ن ِ‬
‫فإذا س�امهنا يف قتلهم‪ ،‬فإننا نكون بذلك مل ننقذهم !وتربر اجلامرا أن هذا التحديث ينطبق‬
‫أيضا عىل احلالة التي يستحيل فيها أن ننقذ غري اليهودي من اخلطر‪ ،‬حتى اآلن جيب حماولة‬ ‫ً‬
‫التس�بب يف القت�ل‪ ،‬وهبذا نتخلص من مس�ألة القتل بس�بب الع�داوة ؛ أي أن «ال ترفعوا»‬
‫‪108‬‬
‫ال تعن�ي الس�لبية‪ ،‬ب�ل أمر إجيايب؛ ألننا س�نقتل بطريقة غير مبارشة‪ .‬ألنه واض�ح لنا اآلن‬
‫الس� َّلم‪ ،‬هكذا نفرس‬
‫أن�ه يف النهاي�ة‪ ،‬بخص�وص امللحدين‪ ،‬فإن «ال ترفعوا» تعنى س�حب ُّ‬
‫نفس الكلامت بالضبط يف البداية ؛ ووف ًقا لذلك فإنه قد قيل «ال ترفعوا» واملقصود هبا هم‬
‫األغيار‪.‬‬
‫‪ -29‬ويتش�دد «أوراح ميش�ور» أكث�ر م�ن «طوري�ه زاه�اف» فيام يتعل�ق بما ورد يف اجلامرا يف‬
‫«عف�ودا زارا ‪ ،»2 ،13‬وه�ى الفق�رة التي تق�ول «إنه حُيظر قتل العبد ال�ذي تم رشاؤه من‬
‫س�وق عب�دة األوثان»‪ .‬ملاذا ال تق�ول اجلامرا إنه جيب قتله بطريقة غير مبارشة؟ لكن يبدو‬
‫بالفعل أنه ليس�ت ثم�ة معضلة يف األمر؛ ألن «طوريه زاهاف» ال يس�مح بالقتل‪ ،‬بل فقط‬
‫يس�مح بإزالة س�بب اإلنقاذ ؛ وال ُيس�مح بتعريض العبد ملوقف نمنع فيه إنقاذه (وما كتبه‬
‫«طوري�ه زاه�اف»‪« :‬وحتديدً ا حظر احلكامء قت�ل اليهودي لغري اليهودي باس�تخدام يديه‪،‬‬
‫الس� َّلم يف حالة س�قوطه يف البئر‪ ،‬ال يتعرض‬
‫لكن من يتس�بب فقط يف موته‪ ،‬مثل أن يزيل ُّ‬
‫لعقوب�ة دنيوي�ة‪ ،‬ومباح ألول وهلة فعل ذلك لغري اليه�ودي» هو ال يقصد أن أي قتل يتم‬
‫بشكل غري مبارش وال يكون اليهودي ملز ًما به‪ ،‬هو أمر ُيسمح القيام به مع غري اليهودي ؛‬
‫إال أن منع اإلنقاذ ال يعد قتلاً باس�تخدام األيدي‪ ،‬وبخالف ما ورد يف «هبايت حداش»‪،‬‬
‫أيضا امللحوظة‬‫ال�ذي ق�ال إن «طوريه زاه�اف» أطلق عىل هذا «قت�ل باأليدى») وراج�ع ً‬
‫رقم ‪.47‬‬
‫‪ -30‬اتُّفق ألول وهلة‪ ،‬بحسب «طوريه زاهاف»‪ ،‬أنه ُيسمح بقتل رعاة األغنام عن طريق منع‬
‫كبريا من ِق َبل احلكامء‪ ،‬بأن‬
‫إنقاذهم‪ ،‬وحكمهم يف هذا يتشابه مع األغيار‪ .‬ويعد هذا حتدي ًثا ً‬
‫يتم السماح بقتل رعاة األغنام بش�كل غري مبارش‪ ،‬وليس بعدم إنقاذهم (راجع «ش�وحلان‬
‫عاروخ»)‪.‬‬
‫‪ -31‬نج�د صعوب�ة كبرية يف تفسير مجل�ة‪« :‬غري اليهودي ال�ذي يعبد األوث�ان»‪ ،‬فاملقصود هو‬
‫ش�خص ُيعترب هكذا‪ ،‬لكننا لسنا متأكدين من ذلك (وإذا كان هذا هو التفسري الصحيح –‬
‫ملاذا أرهق الرايب موسى بن ميمون نفسه يف إضافة كلامت «يعبد األوثان»؟)‪.‬‬
‫‪ -32‬وراجع ما جاء يف مقال مردخاي عن «أوراح حاييم» ‪ ،127‬الفقرة ‪.43‬‬
‫‪-33‬جي�ب أن نالح�ظ أنن�ا ذكرنا فيام س�بق صعوبة ما قال�ه «طوريه زاهاف»؛ ألنه بحس�ب ما‬
‫قال�ه‪ُ ،‬يس�مح بقتل رعاة األغنام ع�ن طريق التس�بب يف موهتم‪ ،‬وهذا حتدي�ث كبري‪ .‬وإذا‬
‫‪109‬‬
‫اختلفن�ا مع�ه‪ ،‬وقلنا إنه بحس�ب «هبايت ح�داش» حُيظر قتل األغيار بش�كل غري مبارش‪،‬‬
‫علين�ا تفسير ما قاله الرايب موس�ى بن ميم�ون حول األغيار من أننا «ال نتس�بب يف موهتم‬
‫وحمظ�ور إنقاذه�م» (ومل يق�ل «حمظور» يف كال املوضعني‪ ،‬كام أوردنا فيام س�بق أن هذا كان‬
‫مصدر «طوريه زاهاف» يف تدقيقه يف مسألة أن القتل غري املبارش مباح)‪.‬‬
‫‪-34‬يذكر «طوريه زاهاف» أن التوسافوت تقول بإباحة عدم القتل‪ ،‬وألن هذا مباح ـ فقد قرر‬
‫حكامؤن�ا طي�ب اهلل ثراهم أنه حُيظر قتلهم متا ًما – لكن األمر يبدو صع ًبا بعض اليشء؛ ألنه‬
‫ليس ثمة ذكر هلذا يف التوسافوت‪.‬‬
‫‪ -35‬نرى مما ورد عن «س�فتي كوهني» أنه فهم أن الرايب موس�ى بن ميمون و«هبايت يوسف»‬
‫يتفق�ان نظر ًّي�ا مع الرايب موس�ى بن نحامن‪ ،‬لكنهام خيتلفان معه يف تفسير ه�ذه الفقرة من‬
‫ختفضوا» مثلام فرسها «هبايت يوس�ف»‪،‬‬ ‫اجلمارا‪ .‬فقد فرس «س�فتي كوهني» كلمات‪« :‬ال ِ‬
‫لكنه نظر ًّيا اتفق مع الرايب موس�ى بن نحامن‪ ،‬وفرس هذه الفقرة من اجلامرا يف الس�نهدرين‬
‫مثل�ه‪ ،‬لكن�ه اختلف مع الرايب موس�ى بن ميمون و«هبايت يوس�ف» اللذين قاال أنه حُيظر‬
‫قتل غري اليهودي الذي نعلم أنه تعدى عىل الوصايا السبع‪.‬‬
‫‪ -36‬حول الفرق بني اإللزام لدى إرسائيل ولدى األغيار‪ ،‬راجع «حلقات يوآف»‪.‬‬
‫‪ -37‬راجع ما ورد هناك من أن ثمة آراء تقول نظر ًّيا برضورة قبول الوصايا السبع‪.‬‬
‫‪ -38‬ق�ارن ه�ذا بما قال�ه الرايب موس�ى ب�ن نحامن يف تفسيره ل�ـ «تثني�ة ‪ ،»10 :20‬وبما قاله‬
‫ال�رايب أفراهام ب�ن دافيد‪ ،‬اللذان اختلفا مع الرايب موس�ى بن ميم�ون‪ ،‬وال داعي لإلطالة‬
‫واإلسهاب‪.‬‬
‫‪ -39‬ونشري إىل ما قاله الرايب هيودا مينتس )*(عن الرايب سعاديا جاءون)**(‪.‬‬
‫)*(  هيودا مينتس‪ ...( :‬ـ ‪1509‬م)‪ ،‬من مواليد إيطاليا‪ ،‬ومن كبار اليهود األشكناز يف إيطاليا‪.‬‬
‫)**(  سعاديا (سعديا) أو سعيد بن يوسف الفيومي‪ :‬هو من أهل مرص يف األصل‪ ،‬ولد يف الفيوم سنة ‪892‬م‪ ،‬يف أغلب‬
‫الروايات أو سنة ‪882‬م عىل رواية أخرى‪ ،‬ولـهذا نسب إىل الفيوم‪ ،‬وقد غادر مرص إىل فلسطني فالعراق وسكن يف‬
‫مدينة (سورا) القريبة من احللة‪ ،‬وكانت من أهم مراكز العلم والثقافة بالنسبة إىل اليهود يف ذلك العهد‪ ،‬وتوىل رئاسة‬
‫مزارا يقصدونه من خمتلف أنحاء‬ ‫هيود سورا حتى سنة ‪942‬م (‪331‬هـ)‪ ،‬وتويف فيها ودفن يف قرب جعلـه اليهود ً‬
‫العراق‪ .‬درس العلوم العربية بأنواعها ودرس العربانية والكتب الدينية اليهودية من توراة وتلمود ومشناه وكتب‬
‫دينية أخرى‪ ،‬وتعلم اإلغريقية ومعارف اليونان‪ ،‬وأحاط بمعارف زمانه من فلسفة ورياضيات وجغرافيا وتاريخ‬
‫وموسيقى وشعر ولغة وهيئة وديانات‪ ،‬وانكب عىل تعلمها حتى برع فيها‪ ،‬وحاز شهرة كبرية عند بني قومه اليهود‪،‬‬
‫وعند املسلمني كذلك‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫‪-40‬ق�ال الرايب موس�ى ب�ن ميمون يف هناي�ة الفصل الثامن م�ن رشائع املل�وك‪« :‬كل من يقبل‬
‫حريصا عىل تطبيقها‪ ،‬فهو من حمبي الش�عب اليه�ودي‪ ،‬ونصيبه يف‬ ‫ً‬ ‫الوصاي�ا الس�بع وكان‬
‫اآلخ�رة‪ ،‬وه�و يفعل هذا ألن ال�رب أمر بني نوح قبل هذا بأن يلتزم�وا هبا‪ ،‬لكن إذا فعلها‬
‫ربا‪ ،‬فال هو بجار توشاف وال من حمبي الشعب اليهودي‪ ،‬بل هو من احلكامء»‪ .‬هنا الرايب‬ ‫جم ً‬
‫موس�ى ب�ن ميمون يقارن بني من َقبِ َ�ل الوصايا جم ً‬
‫ربا – أي أنه بالطب�ع مل يفعلها أمام ثالثة‬
‫م�ن إرسائي�ل – وبني من قبلها ألنه مؤمن بالت�وراة‪ ،‬وىف احلالتني ال يتم هذا أمام ثالثة من‬
‫إرسائيل‪.‬‬
‫‪ -41‬يكتسب األمر قوة أكثر وف ًقا ملا قال الرايب موسى بن ميمون‪ ،‬الذي يعتقد أن وصية الدعوة‬
‫ويظر حينها حماربتهم وقتلهم‪ ،‬ومل نُسهب حول األمر‬
‫للسالم تشمل دعوة األغيار للتوبة‪ ،‬حُ‬
‫هنا‪ ،‬لذا فيمكنك مراجعة بداية الفصل السادس من «رشائع امللوك»‪.‬‬
‫‪ -42‬وكما ق�ال الرايب ي�وم طوف بن أفراه�ام (اإلش�بييل) رصاحة‪ ،‬والرايب موس�ى بن نحامن‬
‫(كما رشحن�ا س�اب ًقا يف رأي كل منهام) أن غير اليهودي يف اجلامرا ه�و الذي ال حيافظ عىل‬
‫الوصايا السبع‪.‬‬
‫‪-43‬مقابل من يستحقون عقوبة القتل يف إرسائيل؛ ألن قاتلهم ال ُيقتل‪.‬‬
‫‪-44‬يف «منحات حينوخ» (‪ )9 :410‬كتب أن غري اليهودي الذي يقتل غري هيودي آخر تعدى‬
‫عىل الوصايا السبع‪ ،‬ال ُيقتل عىل ذلك ألنه «يستحق القتل»‪ .‬لكن أقواله يصعب استيعاهبا‬
‫للغاي�ة م�ن خالل الفقرات الس�ابقة التي أوردناها م�ن اجلامرا ؛ وعىل كل ح�ال‪ ،‬يبدو أن‬
‫«منح�ات حينوخ» يعرتف أنه ألول وهلة ال ُيس�مح لغير اليهودي بقتل غري هيودي آخر‪،‬‬
‫إذا كان يفع�ل ه�ذا فقط ليقتله وليس لتنفيذ حكم القتل في�ه‪ ،‬وكلامته هي بأثر رجعي بعد‬
‫أن يقع األمر‪.‬‬
‫‪ -45‬الرايب شلومو بن يتسحاق‪« :‬وال تخُ فضوا‪ ،‬أي ال ترتكوهم يموتون يف البئر‪ ،‬وبالتايل حُيظر‬
‫قتل عبد غري هيودي باستخدام األيدي»‪.‬‬
‫وردت هذه الفقرة من اجلامرا يف كتاب «أوراح ميشور»)*(‪ ،‬عام ورد يف «دارخيه موشيه»‬
‫كدليل عىل ما قاله «طوريه زاهاف» من أن «ال تخُ ِفضوا» هو بمثابة حظر‪ .‬وبحسب ما أوردنا‬

‫)*(  «أوراح ميشور» كتاب تفسريات لبعض األحكام اليهودية‪ ،‬للحاخام يعقوب يرسائيل حاجيز‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫حتى اآلن‪ ،‬يمكننا تفسري هذه الفقرة من اجلامرا بعدة صور‪ :‬األوىل‪ :‬الرايب موسى بن نحامن‬
‫يربر لنا أنه طاملا أننا ال نقتل غري اليهودي الذي ال نعرف بشكل مؤكد أنه تعدى عىل الوصايا‬
‫السبع‪ ،‬مل يرشع احلكامء ما يفيد بقتل العبد الذي يتم رشاؤه من سوق عبدة األوثان؛ ألنه‬
‫حُيتمل أننا ال نعلم إذا ما كان بالفعل تعدى عىل الوصايا السبع أو ال‪ ،‬ومل يرشعوا بالتسبب يف‬
‫قتله‪ ،‬بل ال بد من أن نراه يتعدى عىل الوصايا بأعيننا‪ .‬الثانية‪ :‬وف ًقا للرايب شلومو بن أفراهام‬
‫(اإلشبييل)‪ ،‬يمكن أن نقول إن احلكامء مل يرشعوا بقتل العبد يف هذه احلالة؛ ألنه حُيتمل وقوع‬
‫«نخفض» فيها‪ .‬بخالف هذا‪ ،‬يبدو بإمجاع اآلراء أنه‬ ‫ِ‬ ‫هذا بسبب العداوة‪ ،‬وهي احلالة التي ال‬
‫أيضا أنه حُيتمل أن‬
‫ليس ثمة معضلة يف األمر‪ ،‬فالعبد يمكنه التوبة من هنا فصاعدً ا‪ .‬ونشري ً‬
‫«طوريه زاهاف» يعرتف يف هذا الشأن لـ «هبايت يوسف»‪ ،‬فهو يرى ببساطة أنه ثمة حظر‬
‫تورايت لقتل غري اليهودي لغرض آخر بخالف حماكمته‪ .‬وإذا قلنا هذا يمكننا أن نفهم ملاذا‬
‫واضحا‬
‫ً‬ ‫«طوريه زاهاف» ال يتشدد فيام ورد يف اجلامرا يف الصفحة الثالثة عرشة؛ ألنه إذا كان‬
‫لنا أن القتل هو من أجل تنفيذ احلكم‪ ،‬فليس ثمة خالف مع «هبايت يوسف»‪ ،‬تقترص املشكلة‬
‫فقط عىل املعضلة الواردة يف اجلامرا يف السنهدرين‪ ،‬والتى تقول إنه يستحيل كتابة «مباح» حول‬
‫قتل غري اليهودي‪ ،‬وإذا مل يكن هناك حظر من ِق َبل احلكامء بمحاكمة األغيار‪ ،‬يمكن ألول وهلة‬
‫أن نكتب «مباح»‪.‬‬
‫‪ -48‬وف ًقا هلذا التفسري‪ ،‬تتضح لنا املعضلة الواردة يف التوسافوت يف الصفحة الثانية والعارشة‪،‬‬
‫والتي تش�ددت يف واقعة قتل أنتونيوس لعبيده؛ ألنه مل يقتلهم ليحاكمهم عىل تعدهيم عىل‬
‫الوصايا السبع‪ ،‬بل إلبعاد اخلطر عن نفسه‪.‬‬
‫‪ - 49‬راجع ما قاله الرايب هيوش�ع فولك )*( يف املثال التاىل‪ :‬حتى إذا رضب رأوبني ش�معون‪،‬‬
‫وأنقذ بذلك ليفي الذي يرضبه شمعون – فإن رأوبني يستحق القتل‪ ،‬إذا كنا نعرفه ونعرف‬
‫أنه فعل هذا ال لينقذ ليفي‪ ،‬بل من أجل إحلاق األذى بشمعون‪ .‬وخيتلف «طوريه زاهاف»‬
‫م�ع فول�ك ويق�ول إن رأوبني ال يعاق�ب بالقتل‪ ،‬ألنه فع�ل ما ينبغي فعل�ه‪ .‬وإذا فعل هذا‬
‫إلزال�ة احلظر‪ ،‬فإن األمر مقبول‪ .‬وتتش�ابه مس�ألة قت�ل غري اليهودي لتعدي�ه عىل الوصايا‬
‫السبع مع مسألة إزالة احلظر‪ ،‬وجيب دراسة األمر‪ ،‬هل يمكن السامح لغري اليهودي بالتوبة‬
‫أم ال؟‪.‬‬
‫)*(  الرايب هيوشع فولك‪1614 -1555( :‬م) من پولندا‪ ،‬وأحد أكرب مفرسي «شوحلان عاروخ»‪ ،‬ومن كبار احلاخامات‬
‫األواخر‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫‪ -50‬يف كتاب «حيفيتس حاييم )*(» (رشائع التش�هري‪ )3 :10 /‬ورد أن نية الفعل حتدد ما إذا‬
‫مباحا ؛ أي أنه إذا ارتكب أحد جريمة قتل‪ ،‬ال لوجه اهلل‪ ،‬بل لتحقيق‬
‫حمظورا أم ً‬
‫ً‬ ‫كان األمر‬
‫أغراض شخصية‪ ،‬فإن األمر حمظور بطبيعة احلال‪.‬‬
‫ختفضوا» يعد بمثابة حظر‪،‬‬ ‫‪ -51‬جيب اإلش�ارة إىل أنه حتديدً ا بخصوص رعاة األغنام‪ ،‬فإن «ال ِ‬
‫ويتف�ق هذا م�ا قاله من أنه حُيظر قتل األغي�ار ورعاة األغنام‪ ،‬إال إذا كن�ا بصدد حماكمتهم‬
‫(ورع�اة األغن�ام اليه�ود‪ ،‬ال جيب حماكمتهم)‪ .‬ونشير من جديد ملا قاله الرايب ش�لومو بن‬
‫ختفضوا» لألغيار‪ ،‬تكون فقط يف حالة وجود عداوة‪ ،‬وهو‬ ‫أفراهام (اإلش�بييل) من أن «ال ِ‬
‫ما ال نجده بالنسبة لرعاة األغنام‪ ،‬الذين ال يوجد أي رخصة لقتلهم ؛ وعلينا القول إن «ال‬
‫ختفضوا» يتم تفسريها بشكل خمتلف قليلاً لدى األغيار ولدى رعاة األغنام‪.‬‬ ‫ِ‬

‫معلمنا احلاخام شلومو لوريا يف تفسريه لكتاب «متسفا جادول» )**( يتشدد حول ما ورد‬
‫يف «هبايت يوسف» من حتديده السابق ذكره داخل الفصل‪ ،‬حول أن «ال ترفعوا» هو حظر كام‬
‫أيضا أن «ال ِ‬
‫ختفضوا» هو حظر‪ ،‬وليس فقط هن ًيا عن فعل هذا‪.‬‬ ‫ورد يف اجلمارا ـ وجي�ب أن نفهم ً‬
‫ِ‬
‫أيضا مع «هبايت يوس�ف»‪ :‬أن «ال ختفضوا»‬ ‫وبحس�ب م�ا كتبناه حتى اآلن‪ .‬فإن األم�ور تتفق ً‬
‫تعن�ي أنه ال ُيس�مح بفعل ه�ذا إذا مل تكن هن�اك رضورة لتنفيذ حكم القت�ل‪ .‬ويف هذه احلالة –‬
‫يمك�ن مقارن�ة األمر بما ورد عن أن «ال نرفع» هو حظر؛ ألنه بالفع�ل يتم حظر األمر يف مرات‬
‫عديدة‪.‬‬
‫‪ -52‬وف ًق�ا هل�ذا يمكنن�ا فهم صيغ�ة املخيلت�ا التي يعبر عنها الرايب يش�معئيل ح�ول قتل غري‬
‫اليهودي‪« :‬وحكمه مرتوك للسماء»‪ ،‬ومل يرد أنه «ملزم باألحكام السماوية»؛ ألن املقصد‬
‫ه�و أن التعامل م�ع الفعلة يرتبط بنية الفاعل‪ ،‬و«مرتوك للسماء»‪ ،‬أي أن حتديد نية القاتل‬
‫مرتوك�ة لل�رب‪ ،‬فه�و ال�ذي يعرف إذا كان�ت النية ني�ة قتل‪ ،‬أو فق�ط تنفيذ لعقوب�ة القتل‬
‫إلصالح العامل‪.‬‬
‫‪ -53‬بحسب الرايب موسى بن ميمون يف مواضع معينة‪ ،‬فإنه يوجد ثمة إلزام ملحاكمة األغيار‪،‬‬
‫كما ق�ال يف هناية الفص�ل الثامن من «رشائع املل�وك»‪« :‬كل غري هي�ودي مل يقبل عىل عاتقه‬
‫تنفيذ الوصايا السبع‪ ،‬نقتله إذا وقع حتت أيدينا»‪.‬‬

‫)*(  «حيفيتس حاييم»‪ :‬كتاب يناقش رشائع لغة الرش (النميمة) يف الرشيعة اليهودية‪ ،‬للحاخام يرسائيل مائري هكاهان‪.‬‬
‫بدون معرفة لتاريخ ميالده ووفاته‪ ،‬يف القرن التاسع عرش‪.‬‬
‫أمرا التي يف التوراة‪ ،‬ألفه موشيه مكوتيس يف القرن الثالث عرش‪.‬‬
‫)**(  «متسفا جادول»‪ :‬كتاب عن الـ ‪ً 613‬‬

‫‪113‬‬
‫‪ -54‬حتديدً ا أهل ش�كيم هم الذين اس�تحقوا القتل‪ ،‬وليس مجيع من يس�كن البالد التي وافق‬
‫أهلها عىل ما قام به شكيم‪.‬‬
‫‪ -55‬ويب�دو مما قال الرايب موس�ى بن ميمون أن غري اليه�ودي الذي يقتل إرسائيل ًّيا أو يضاجع‬
‫امرأة إرسائيلية‪ ،‬ال يمكن قبول توبته وال يمكنه أن يتهود‪.‬‬
‫‪ -56‬وكام قال «أور حاييم» فيام سبق‪« :‬وأعطى الرايب موسى بن نحامن ـ رمحه اهلل ـ مغزى لقتل‬
‫شكيم‪ ،‬إىل جانب كون أهلها يستحقون القتل بالفعل لعبادهتم األوثان‪ ...‬إىل آخره»‪.‬‬
‫‪ -57‬إنه ال يذكر الرايب موس�ى بن نحامن رصاحة‪ ،‬لكن الصيغتني تتش�اهبان للغاية‪ ،‬وهو هبذا‬
‫يفرس ما قاله‪.‬‬
‫‪ -58‬وبحس�به جي�ب أن نقول إن رفض اجلامرا يف الس�نهدرين أن تس�مح بقت�ل غري اليهودي‪،‬‬
‫س�ببه وج�ود ع�داوة أو عدم تأكدنا من تعديه عىل الوصايا الس�بع (كام قال الرايب موس�ى‬
‫بن نحامن) ؛ وىف حالة أهل ش�كيم (شمعون وليفى)‪ ،‬مل يكن القتل بسبب العداوة (ألهنام‬
‫مه�ا اللذين بدءا بالعداوة أولاً برسقتهام دين�ا)‪ ،‬وأمر مفروغ منه أهنم يتعدون عىل الوصايا‬
‫وأيضا يمكنن�ا القول إن هذا‬
‫الس�بع (ألن ه�ذه هى ثقافتهم‪ ،‬وكام تش�هد عليهم التوراة)‪ً .‬‬
‫يتف�ق مع ما قال�ه معلمنا يونا‪ ،‬الذي يقول إن اجلامرا ختربن�ا أن احلكامء أخربونا بحظر قتل‬
‫غري اليهودي‪ ،‬وىف زمن شمعون وليفي‪ ،‬مل يكن احلكامء قد حظروا األمر بعد‪.‬‬
‫‪ -59‬باإلضاف�ة إىل ذل�ك جيب أن نالحظ أن�ه حُيظر رسقة غري اليهودي (كام ورد يف «ش�وحلان‬
‫أيضا يتعلق بغري اليهودي الذي تعدى‬
‫عاروخ» يف بداية الرمز ‪ ،)448‬وببساطة فإن األمر ً‬
‫عىل الوصايا السبع‪ .‬وهنا بحسب معلمنا نسيم ُيسمح بقتله ألى غرض‪ ،‬وبحسب ما قاله‬
‫ف�إن التوراة قد أباحت قتل غري اليهودي‪ ،‬حتى وإن كان هذا ملصلحة ش�خصية؛ ألنه عىل‬
‫أي ح�ال‪ ،‬ف�إن هذا القتل هو عقاب هلم؛ ألهنم تعدوا عىل الوصايا الس�بع‪ ،‬لكن ال يمكن‬
‫قول األمر نفسه يف الرسقة‪.‬‬
‫أيضا ما قاله «س�فتي كوهني» عن التوس�افوت‪ ،‬يمكن تفسيره كالتايل‪ :‬ذكرنا فيام س�بق‪،‬‬
‫‪ً -60‬‬
‫مباح�ا ألنتونيوس قتل عبيده؛ ألهن�م تعدوا عىل‬
‫«س�فتي كوهين» وهو يفرس لنا أن�ه كان ً‬
‫الوصايا الس�بع‪ .‬فهل هذا األمر يتعلق باس�تغالله لألمر لتحقيق غرض ش�خيص؟ يتشابه‬
‫األمر مع ما أوردناه من رأي الرايب موس�ى بن نحامن يف أهل ش�كيم‪ ،‬فال يوجد هنا تطرق‬

‫‪114‬‬
‫خطرا‬
‫مبارش للوصايا الس�بع التي تعدى عليها هؤالء العبيد‪ ،‬لكن هؤالء العبيد يش�كلون ً‬
‫بوجوده�م؛ ألهنم جزء من مجهور األغيار الذي يمكنه إحلاق األذى بأنتونيوس إذا علموا‬
‫أنه يتعلم التوراة‪ ،‬ويمكن يف هذه احلالة قتلهم‪.‬‬
‫‪ -61‬حُيتم�ل ج�دًّ ا أن من يعترب جار توش�اف‪ ،‬ال يمكنن�ا أن نغفر له أخطاءه؛ ألن�ه صار ملز ًما‬
‫بالوصايا‪.‬‬
‫‪ -62‬راجع «توراة موش�يه» الذي حتدث عن أن يعقوب اعتقد أن أهل ش�كيم كانوا س�يتوبون‬
‫عام فعلوه‪ ،‬ولذلك سخط عىل بنيه ألهنم قتلوهم‪.‬‬
‫‪ -63‬ووف ًق�ا للرايب موس�ى ب�ن ميمون‪ ،‬فإن اليهود حتدي�دً ا ملزمون بالتأكد م�ن التزام األغيار‬
‫بالوصايا السبع‪ ،‬وحماكمتهم إذا قرصوا يف ذلك‪.‬‬
‫‪ -64‬الس�بب الوحيد لعدم السماح لألفراد بمحاكمة من تعدى عىل الوصايا الس�بع‪ ،‬هو عدم‬
‫خ�رق النظام الع�ام‪ ،‬ووجوب ترك األمر للهيئ�ة القضائية املختصة‪ .‬ورغ�م احتاملية توبة‬
‫الضحي�ة‪ ،‬ف�إن اليهودي مل�زم بمحاكمة من يتعدى على الوصايا الس�بع‪ ،‬وحتى إن كان‬
‫حمظورا وقام به‪ ،‬ال ُيقتل‪.‬‬
‫ً‬ ‫األمر‬
‫‪ -65‬يوج�د مث�ال لذل�ك‪ :‬ثم�ة بناية جيب بن�اء درابزين هبا‪ ،‬عندم�ا يقوم صاح�ب البناية ببناء‬
‫مفروضا‬
‫ً‬ ‫ه�ذا الدرابزين بصورة الئقة‪ ،‬ال ُيس�مح ألحد اجلريان ب�أن يزعم‪ ،‬أنه ما دام كان‬
‫علي�ه تطبي�ق وصاي�ا الرب‪ ،‬فعلي�ه أن يذهب ليبن�ي درابزينًا هو اآلخر حت�ى يلغي إلزامه‬
‫ه�ذا‪ .‬وحت�ى إذا زعم أمام صاح�ب البناية أن�ه س�يبني الدرابزين يف ناحية معينة وس�يتم‬
‫صحيح�ا‪ ،‬فإن األمر لن يتم كام أعتقد ولن ُيبنى‬
‫ً‬ ‫بناؤه أرسع‪ ،‬س�يجيبونه بأنه وإن كان هذا‬
‫الدرابزين بشكل جيد‪.‬‬
‫‪ -66‬بحس�ب رأي «طوري�ه زاهاف» فإن فقهاء اليهود حظروا حماكمة األغيار‪ ،‬لعدة أس�باب‪،‬‬
‫ووفق�ا لرأي الرايب موس�ى بن ميمون ف�إن ثمة إلزا ًما بمحاكمة األغي�ار الذين تعدوا عىل‬
‫الوصاي�ا الس�بع‪ .‬وكيف يلغي احلكامء تلك الرشيعة؟ (ويصع�ب القول بأن التوراة أمرتنا‬
‫هبذا)‪ .‬وبحسب ما سبق وكتبناه ـ فإن هذا ال يلغي الوصية‪ ،‬لكن حكامءنا طيب اهلل ثراهم‬
‫فهموا أن وصايا األحكام لن تُطبق بالصورة الالئقة إذا حوكم من يتعدى عىل الوصايا يف‬
‫زمننا هذا من ِق َبل األفراد‪ ،‬كام ذكرنا يف متن الفصل عن اململكة املتحرضة‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫‪ -67‬اإلسماعيليون أي املس�لمون‪ ،‬واألغيار أي املس�يحيون‪ .‬فوف ًقا ملا تقدم‪ ،‬يعترب املس�لمون‬
‫ضمن األغيار الذين ال حيافظون عىل الوصايا الس�بع‪ ،‬رغم أهنم ليس�وا من عبدة األوثان‪.‬‬
‫راجع الرايب موسى بن ميمون يف «رشائع امللوك» يف الفصل احلادي عرش‪.‬‬
‫‪ -68‬غير اليهودي الذي غيش حمارم اليهودي‪ ،‬أو الق�ايض الذي فرض حكماً ليس عادلاً عىل‬
‫إرسائيل‪.‬‬
‫‪ -69‬وفق�ا لل�رايب موس�ى ب�ن ميم�ون و«هبايت يوس�ف»‪ ،‬فإنه ُيس�مح بمحاكم�ة وقتل غري‬
‫اليه�ودي الذي مل يلح�ق األذى بإرسائيل‪ ،‬هذا إذا كنا نفعل هذا بغرض اإلصالح‪ ،‬وليس‬
‫بغرض القتل‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪116‬‬
‫‪‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫بذل النفس عن القتل بني أبناء نوح‬


‫)*(‬

‫نناقش يف هذا الفصل أحكام بذل النفس عن القتل بني أبناء نوح‪ .‬وسنناقش حتديدً ا ثالث‬
‫حاالت‪:‬‬
‫‪ -1‬اقتل فالنًا أو نقتلك‪.‬‬
‫‪ -2‬عندم�ا تقت�ل ش�خص م�ن أجل العلاج (عىل س�بيل املث�ال‪ :‬احلص�ول عىل أح�د أعضاء‬
‫جسده)‪.‬‬
‫‪ -3‬عندما تقتل رهينة حيتمي هبا أحد القتلة‪.‬‬
‫وكام اتضح سل ًفا‪ ،‬بالنسبة للحالة األخرية‪ ،‬أنه جيوز ألبناء نوح‪ ،‬بإمجاع اآلراء‪ ،‬قتل الرهينة‬
‫يف هذه احلالة‪.‬‬

‫‪ - 1‬حكم وجوب بذل النفس عن القتل لدى اليهود واألغيار‬


‫عىل اليهودي بذل نفس�ه يف حالة ارتكابه إلحدى الكبائر الثالث)**(‪ ،‬والتي تضم رشيعة‬
‫)***(‬
‫القتل‪ ،‬كام ورد يف اجلامرا يف فصول (س�نهدرين ‪ )1 :74‬و (يوما ‪ )7 – 6 :5‬و (بس�احيم‬
‫‪.)2 :25‬‬
‫وه�و املعن�ى نفس�ه الذي يتفق م�ع ما أورده الرايب موس�ى ب�ن ميمون يف «رشائ�ع مبادئ‬
‫الرشيعة ‪ ،»7 – 6 ،5‬ومع ما ورد يف «شوحلان عاروخ» كذلك‪:‬‬
‫)*(  ُيقصد به التضحية بالنفس‪.‬‬
‫)**(  وهي‪ :‬عبادة األوثان‪ ،‬وسفك الدماء‪ ،‬وزنا املحارم‪ .‬وهي الكبائر التي تؤدي‪ ،‬وف ًقا للرشيعة اليهودية‪ ،‬إىل تدنيس‬
‫النفس‪ ،‬ويرتتب عليها آثار خطرية يف أرض الواقع‪ ،‬وبالتايل جيب التضحية بالنفس يف حال ارتكاهبا‪.‬‬
‫)***(  بساحيم מסכת פסחים‪ :‬هو الفصل الثالث من الباب الثاين من التلمود‪ ،‬ويناقش كل ما يتعلق بعيد الفصح‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫ُيس�مح بانتهاك مجيع املحظورات الواردة يف الت�وراة من أجل العالج‪ ،‬ما عدا‬
‫عبادة األوثان‪ ،‬وزنا املحارم‪ ،‬وسفك الدماء‪ ،‬فحتى وإن كان ثمة خطر‪ ،‬ال ُيسمح‬
‫بارتكاب أي من هذه الكبائر لالحتامء من اخلطر‪.‬‬
‫وفيام خيص قتل نفس من إرسائيل ملداواة نفس أخرى أو إلنقاذ شخص من أيدي م ِ‬
‫غتصب‪،‬‬ ‫ُ‬
‫يميل الرأي إىل حظر إهناء حياة نفس لصالح نفس أخرى‪.‬‬
‫أى م�ن الوصايا‬‫ويف املقاب�ل‪ ،‬ف�إن غير اليه�ود غري ملزمني بب�ذل النفس يف حال�ة انتهاك ّ‬
‫الس�بع‪ ،‬حتى تلك الوصايا امللزمة لليهود‪ ،‬وكام قال الرايب موس�ى بن ميمون يف (رشائع امللوك‬
‫‪:)2 :10‬‬
‫رغم عىل انتهاك أي من وصاياه‪ُ ،‬يس�مح له بذلك‪ ،‬حتى وإن‬ ‫اب�ن نوح الذي ُأ ِ‬
‫ُأ ِ‬
‫رغم عىل عبادة األوثان‪ ،‬فليفعل؛ ألن األغيار غري ملزمني ببذل النفس(‪.)1‬‬
‫ال ش�ك أنه بالنس�بة لرشائع القتل‪ ،‬هن�اك من وضع حدو ًدا للرخص�ة املمنوحة البن نوح‬
‫بالسامح له بارتكاب جريمة يف حالة إرغامه عىل ذلك‪.‬‬
‫وخيربن�ا كتاب «باراش�ات دراخيم »(‪ )2‬عن أن ثمة خال ًفا ح�ول وجوب بذل النفس لدى‬
‫األغيار يف حالة ارتكاب جريمة القتل‪:‬‬
‫واعل�م أن مقصدي هو أن ابن ن�وح غري ملزم ببذل النفس‪ ،‬خاصة فيام يتعلق‬
‫بعبادة األوثان‪ ،‬وزنا املحارم‪ .‬أما يف حالة سفك الدماء‪ ،‬فإنه إذا قتل ُيقتَل‪ ،‬ويمكننا‬
‫الق�ول إنه بالنس�بة البن نوح الذي مل يلتزم بالوصايا الس�بع‪ ،‬أن�ه مل يتم تنبيهه إىل‬
‫عقيدة بذل النفس‪ .‬أما بالنس�بة لس�فك الدماء‪ ،‬فاألمر يتعل�ق فقط باحتكام غري‬
‫اليهودي لفرضية (ملاذا تعتقد أن حياتك أهم من حياة صاحبك؟)‪.‬‬
‫من أين نتعلم – وف ًقا هلذه الفرضية – أن ثمة خال ًفا يف األمر بني اليهودي وابن نوح‪ .‬هكذا‬
‫أكد الرايب ش�موئيل شنيئورسون )*((‪ )3‬طيب اهلل ثراه؛ حيث قال‪« :‬إنه عىل الرغم مما استنتجناه‬
‫من الفرضية الس�ابقة‪ ،‬من أن أبناء ن�وح مل تُفرض عليهم عقيدة بذل النفس عن عبادة األوثان‪،‬‬
‫وزن�ا املحارم‪ ،‬وألنه قد تم اس�تحداث هذا الترشيع يف الت�وراة من أجل إرسائيل‪ ،‬فمن املنطقي‬
‫أيضا أن األمر نفسه حدث فيام يتعلق بسفك الدماء‪ ،‬إىل هنا‪.‬‬
‫ً‬
‫)*(  الرايب شموئيل شنيئورسون שמואל שניאורסון (‪ :)1882-1834‬هو رابع زعيم حسيدي يف سلسلة زعامء منظمة‬
‫حبد احلسيدية‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫وقد س�بق كتاب «باراش�ات دراخي�م» يف حظره عىل غير اليهودي قت�ل صاحبه حتى لو‬
‫كان هذا بديلاً عن بذل النفس‪ ،‬سبقه يف ذلك الرايب هيودا ليفا بن بتسلئيل)*( عندما حتدث عن‬
‫الشبل (تكوين ‪:)8 :32‬‬
‫وال يمكنن�ا الق�ول «إن�ه خ�اف أن يقت�ل آخرين» أي ه�ؤالء الذي�ن أتى هبم‬
‫عيس�و‪ ،‬وعلى الرغم من أهنم ج�اءوا لقتله‪ ،‬وقد ورد يف ذلك «فلتس�بق بقتل من‬
‫جاء لقتلك» أي أهنم كانوا مرغمني‪ ،‬فقد أجربهم عيس�و عىل احلضور معه‪ ،‬هذا‬
‫ال يمكن أن يكون حقيق ًّيا!‬
‫إذا ارتك�ب أ ًّي�ا من اجلرائ�م التي ُذك�رت يف التوراة ال ُيقتل باس�تثناء عب�ادة األوثان وزنا‬
‫املح�ارم‪ ،‬أما إذا س�فك الدماء فإنه يس�تحق القت�ل‪ ،‬وإذا قيل له «اقتل فالنً�ا أو نقتلك» ال جيب‬
‫علي�ه أن يفع�ل ذل�ك وإال فإنه يس�تحق القتل‪ ،‬وق�د ورد أن مغ�زى الكالم أن «مل�اذا تعتقد أن‬
‫حياتك أهم من حيايت»‪ ،‬ومن غري املنطقي أن نفرتض أن عيسو أجربهم عىل أن يرتكبوا جريمة‬
‫القتل‪.‬‬
‫ويضي�ف «باراش�ات دراخي�م» (وكتب أخرى تتف�ق معه) إىل ما س�بق فيخربنا بأن غري‬
‫اليه�ودي غير ملزم بب�ذل النفس عن الوصاي�ا املفروضة علي�ه‪ ،‬حُيظر عليه قتل غير اليهودي‬
‫الذي ُأرغم عىل القتل؛ ألن ثمة فرضية حتظر هذا القتل‪ ،‬كام تورد اجلامرا هذه الفرضية كمرجع‬
‫لوجوب بذل النفس عن قتل اليهودي(‪.)4‬‬
‫ويف مقابلهم يدرك الرايب ش�موئيل شنيئورس�ون ببساطة أن غري اليهودي غري ملزم ببذل‬
‫النف�س على أي من الوصايا املفروض�ة عليه‪ ،‬ولذلك إذا قي�ل له «اقتل فالنً�ا أو نقتلك»‪ ،‬فإنه‬
‫وأيضا وف ًقا لرأيه‪ ،‬حُيظر عىل غري هيودي ثالث‬
‫ُيس�مح له بقتل غري اليهودي اآلخر لينقذ حياته‪ً .‬‬
‫أن يتدخل فيقتل نفس غري اليهودي الذي يرغب الشخص املعتدي يف قتله‪ ،‬لينقذ بذلك األول‬
‫الذي ُأرغم عىل القتل(‪.)5‬‬
‫الرخصة ممنوحة فحسب لغري اليهودي الذي ُأرغم عىل القتل؛ ألنه غري ملزم ببذل النفس‪،‬‬
‫بيد أنه ليس ثمة رخصة لغري هيودي ثالث بقتل أحدمها لينقذ اآلخر‪.‬‬
‫)*(  الرايب هيودا ليفا بن بتسلئيل רבי יהודה ליווא בן בצלאל (מהר''ל) (‪1609 – 1520‬م)‪ :‬فيلسوف ومن كبار حاخامات‬
‫اليهود يف أوروپا يف بداية العرص احلديث‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫ويتف�ق م�ا ورد يف كت�اب «ع�اروخ هش�وحلان)*(» (‪ ،)6‬م�ع م�ا أخربنا به الرايب ش�موئيل‬
‫شنيئورسون‪:‬‬
‫أيضا‬
‫وهناك من يرى أن س�فك الدماء يلزم بذل النفس‪ ،‬هذا ألنه ثمة فرضية ً‬
‫وه�ي‪« :‬مل�اذا تعتقد أن حياتك أهم من حيايت؟‪ ...‬إىل آخره»‪ .‬وال نرى هذا املعنى‬
‫م�ن كلمات الرايب موس�ى ب�ن ميمون‪ ،‬ألنه ق�ال‪« :‬حتى ل�و عبد األوث�ان‪ ...‬إىل‬
‫آخره»‪ ،‬وهو يقصد‪« :‬ناهيك عن زنا املحارم وسفك الدماء»‪.‬‬
‫ويمكنن�ا أن نفرتض أنه ثمة فرضية هلذا األمر‪ ،‬وهو نفس�ه يأيت هبذه الفرضية‬
‫يف الفصل اخلامس من مبادئ التوراة (‪ .)7‬عىل كل حال‪ ،‬إذا مل يرغب يف التضحية‬
‫بحياته ال يتم إجباره عىل ذلك‪.‬‬

‫ش���خصا من‬
‫ً‬ ‫‪ – 2‬رأى الراب���ي مشوئيل شنيئورس���ون حول قتل من مينع‬
‫إنقاذ حياته‬
‫س�نحدد الفرضية التي بسببها يمنح الرايب شموئيل شنيئورسون رخصة الرتكاب جريمة‬
‫قتل يف س�بيل إنقاذ احلياة‪ ،‬بواس�طة حالة أخرى‪ :‬غري هيودي هيرب من خطر عىل حياته‪ ،‬وغري‬
‫هي�ودي آخر يعرتض طريقه «عن عمد (‪ ،»)8‬والطريق الوحيد املتاح أمام األول لينقذ حياته من‬
‫اخلطر الذي حيدق به‪ ،‬هو أن يقتل ذلك الذي يعرتض طريقه‪.‬‬
‫وف ًقا للرايب ش�موئيل شنيئورسون‪ ،‬جيوز دهس ذلك الذي يغلق الطريق‪ .‬كام يسمح لغري‬
‫اليهودي بقتل اآلخرين‪ ،‬إذا كانت هذه هي الطريقة الوحيدة لكي ال يلقى حتفه‪ .‬سبب السامح‬
‫أم�را بتنفيذ اجلريمة‬
‫بذل�ك يف حال�ة «اقت�ل فالنً�ا أو نقتلك»‪ ،‬ال يكم�ن يف أن القاتل هن�ا تلقى ً‬
‫من ش�خص آخر‪ ،‬حتى نقول إنه فحس�ب قام بتنفيذ اجلريمة دون أن يقصدها لنفس�ها‪ .‬فتلقي‬
‫األوامر ليس س�ب ًبا الس�تثناء من ارتكب اجلريمة من تلقي العقوبة؛حيث ورد أن «عليك اتباع‬
‫أوامر املعلم وليس التلميذ»(‪.)9‬‬
‫إن س�بب إعفاء غري اليهودي من العقوبة هو أنه عندما تكون املس�ألة حياة أو موتًا‪ ،‬فإنه‬
‫حينها غري ملزم بأي وصية‪ ،‬وبالتايل فليس ثمة حظر يمنعه من القتل‪.‬‬
‫)*(  «عاروخ هشوحلان ערוך השולחן»‪ :‬قام بتأليفه الرايب حييئيل ميخال هليفي أفشتني‪ ،‬ويناقش الكتاب كل ما يتعلق‬
‫بكتاب «شوحلان عاروخ»‪ ،‬ولكن ألن ثمة بعض األحكام التي مل ترد يف النسخة األصلية‪ ،‬قام الرايب أفشتني بتضمينها‬
‫يف نسخة أحدث بنفس العنوان تقري ًبا (ערוך השולחן העתיד) صدرت بني عامي (‪ 1938‬و ‪1946‬م)‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫يسري ه�ذا احلكم س�واء يف حالة القاتل الذي يأم�ر غري اليهودي بالقيام هب�ذا الفعل‪ ،‬أو‬
‫عندما تدفع الظروف نفس الشخص للقتل من أجل إنقاذ حياته‪.‬‬
‫واألدهى من ذلك‪ :‬يف حالة وجود ش�خص يس�د طريق اإلنقاذ‪ ،‬ثمة فرضية أكرب تس�مح‬
‫بقتله؛ ألنه بالفعل يرض بذلك الذي يرغب يف إنقاذ حياته‪ ،‬وهو ما ال نجده يف حالة «اقتل فالنًا‬
‫أو نقتل�ك»؛ ألن وقته�ا مل يفع�ل فالن ه�ذا أي يشء لذلك الذي يقتل�ه‪ ،‬والعالقة بينهام جاءت‬
‫فحسب من هتديد القاتل‪.‬‬

‫‪ – 3‬التلمود األورشليمي‪ :‬دليل على رأي «باراشات دراخيم»‬


‫ورد يف التلمود األورشليمي يف فصل (عفودا زارا )*( ‪:)2-2‬‬
‫يق�ول ال�رايب حنينا‪ :‬ه�ذا يعني أنه ال جي�وز العالج عن طريق س�فك الدماء‪.‬‬
‫وج�اء يف التلمود البابيل أن‪ :‬إذا خرج معظم جس�د اجلنين من بطن أمه‪ ،‬ال جيب‬
‫ويظر قتل نفس م�ن أجل نفس أخرى‪،‬‬ ‫املس�اس به‪ ...‬إلخ «خش�ية أن يم�وت‪ ،‬حُ‬
‫أم�را أن «اقتل فالنًا»‪ ،‬ب�ل أمره أن ي�ؤذي فالنًا‪ .‬غري‬
‫أمرا حاسًم�اً أن�ه تلقى ً‬
‫لي�س ً‬
‫اليه�ودي الذي ُيلحق األذى بغري اليهودي أو بيهودي‪ ،‬فهو مذنب؛ أما اليهودي‬
‫الذي يرض بغري اليهودي‪ ،‬فهو غري مذنب‪.‬‬
‫تناقش الفقرة األخرية يف التلمود األورش�ليمي حتديدً ا‪ ،‬القضية التي اختلف حوهلا الرايب‬
‫موشيه شنيئورسون وكتاب «باراشات دراخيم»‪.‬‬
‫بع�د أن أورد التلمود األورش�ليمي احلكم فيما يتعلق باليهودي «ال جيوز العالج بس�فك‬
‫ويظر قتل الش�خص الثاين حتى جيرب غريه «قال له اقتل فالنًا»‪ ،‬يكتب احلكم اخلاص‬‫الدماء»‪ ،‬حُ‬
‫بغري اليهود وعالقتهم باليهود يف هذه األحكام‪.‬‬
‫ويتض�ح ألول وهلة من ه�ذه القضية برهان ناصع عىل صحة رأى «باراش�ات دراخيم»؛‬
‫ألن�ه ورد رصاحة يف التلمود األورش�ليمي أن األمر ال يقترص فحس�ب على أنه حُيظر عىل غري‬
‫هي�ودي قت�ل غري هيودي آخر يفعل هذا رغماً عنه‪ ،‬إال أنه إذا فعل هذا فهو مذنب جيب قتله(‪!)11‬‬
‫وهذا هو نفس رأى «باراشات دراخيم»‪.‬‬

‫)*(  «عفودا زارا» מסכת עבודה זרה‪ :‬هو الفصل الثامن من الباب الرابع‪( ،‬نزيكني נזיקין)‪ ،‬من التلمود‪ ،‬ويتناول الباب يف‬
‫فصوله اخلمسة حتريم التقرب من األغيار من عابدي األوثان‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫‪ – 4‬رفض الربهان حسب تفسري «مرئيه هبانيم )*(»‬
‫يرى التلمود األورش�ليمي أن�ه يمكن رفض الربهان وف ًقا لتفسير «مرئيه هبانيم»‪ ،‬الذي‬
‫تش�دد يف األم�ر‪ ،‬حيث يقول «مل يقترص األمر فقط عىل أنه قيل ل�ه‪ :‬اقتل فالنًا‪ ،‬بل اظلم فالنًا»‪.‬‬
‫أي حُيظر ظلم أو رسقة صاحبه‪ ،‬حتى إذا كان السارق ينقذ حياته هبذا‪.‬‬
‫ألول وهلة تبعث كلامت التلمود عىل الدهش�ة؛ ألنه ثم�ة التزام ببذل النفس عن ارتكاب‬
‫إحدى الكبائر الثالث‪ ،‬لكننا مل نجد ما يفيد بأن ثمة إلزا ًما ببذل النفس حتى ال يرسق شخص‪،‬‬
‫شخصا آخر!‬
‫ً‬
‫وما الس�بب يف أن األمر ُفرس هنا عىل أس�اس أنه س�واء قال له «اقتل فالنًا» أو قال «اظلم‬
‫فالنًا»‪ ،‬فإنه جيب بذل النفس وعدم القيام هبذه الفعلة؟‬
‫وجيد «مرئيه هبانيم» لنفسه من الذرائع وف ًقا للجامرا ما ييل‪:‬‬
‫«قال الرايب حسدا )**(‪ :‬هكذا اعتقد صاحب املقام الرفيع‪ :‬الشهود الذين قيل‬
‫زورا وال تقتلوا أحدً ا‪ .‬قال له التنائي الكبري‪ :‬فلتفعلوا؛ ألنه ليس‬
‫هلم أن يش�هدوا ً‬
‫ثم�ة يشء يمكن أن يق�ف أمام إنقاذ حياة أحد‪ ،‬إال إذا كن�ا بصدد عبادة األوثان‪،‬‬
‫وزنا املحارم‪ ،‬وسفك الدماء فحسب !»‬
‫ها قد وجدنا أن الرايب حسدا يقول إنه جيب أن نضحي بحياتنا وهذا أفضل من أن نشهد‬
‫زورا شهادة تؤدي فيام بعد خلسارة مالية‪.‬‬
‫ً‬
‫وق�د اقتبس الرايب موس�ى ب�ن نحامن والرايب ش�لومو بن أفراهام (اإلش�بييل)***() بعض‬
‫التوسافوت التي أوردت هذا الرأي‪:‬‬
‫ثالث�ة أمور ال تقف يف وج�ه بذل النفس‪ ،‬وهي عبادة األوث�ان‪ ،‬وزنا املحارم‪،‬‬
‫أيضا‪.‬‬
‫وسفك الدماء‪ .‬والرايب ميئري‪ ،‬يقول‪ :‬والرسقة ً‬
‫وإذا كان األمر كذلك‪ ،‬يمكننا أن نفرس كلامت التلمود األورش�ليمي هنا عىل أهنا تتفق مع‬
‫رأي الرايب حسدا «بحسب الرايب ميئري»‪ ،‬وختتلف مع رأي التنائي الكبري‪.‬‬
‫)*(  «مرئيه هبانيم» أحد املؤلفات التفسريية اخلاصة بالتلمود‪ ،‬من وضع الرايب موشيه بار شمعون مرجاليت‪.‬‬
‫)**(  الرايب حسدا רב חסדא‪ :‬من كبار األمورائيم يف بابل وقد عارص اجليل الثاين والثالث منهم‪.‬‬
‫)***(  الرايب شلومو بن أفراهام (اإلشبييل)‪ ،‬و ُيعرف اختصارا بالراشبا רשב''א ‪ -‬שלמה בן אברהם בן אדרת‬
‫(‪1310 – 1235‬م)‪ :‬وأبوه أفراهام (اإلشبييل) من كبار علامء التوراة يف األندلس‪ ،‬من أشهر كتبه «إجابات‬
‫الراشبا»‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫وها هو رأي «مرئيه هبانيم»‪:‬‬
‫أيضا‪ :‬اظلم فالنًا‪.‬‬
‫مل يقترص األمر عىل أنه قيل له اقتل فالنًا‪ ،‬بل ً‬
‫وهو ما يتفق مع ما ذهب إليه الرايب حس�دا يف التلمود البابيل (الفصل الثاين يف كتوبوت‪،‬‬
‫الصفحات ‪ )19-1‬حيث قال‪:‬‬
‫زورا حت�ى ال ُيقتل‬
‫ي�رى ال�رايب ميئري أن الش�هود الذين قيل هلم أن يش�هدوا ً‬
‫زورا‪.‬‬
‫أحدهم‪ ،‬فلريتكبوا جريمة القتل‪ ،‬وال يشهدوا ً‬
‫بيد أن حكيمنا األكرب يقول يف التلمود البابيل ببساطة أن‪:‬‬
‫زورا وال تُقتل‪.‬‬
‫اشهد ً‬
‫حيث إن معلمنا قال‪:‬‬
‫لي�س ثمة يشء يقف يف وجه بذل النفس س�وى عبادة األوثان‪ ،‬وزنا املحارم‪،‬‬
‫وسفك الدماء فحسب‪.‬‬
‫نظر ًّي�ا‪ ،‬تق�رر أن النف�س ال تُبذل عن الرسقة‪ ،‬كام فرس الرايب موس�ى ب�ن ميمون‪ ،‬وورد يف‬
‫«شوحلان عاروخ» كذلك‪.‬‬
‫ووف ًقا لذلك‪ ،‬فإن ما ورد يف التلمود األورشليمي حول أن من «يظلم فالنًا ُيقتل»‪ ،‬ما هو‬
‫إال رأي فردي ال عالقة له بأحكام الرشيعة (‪.)15‬‬
‫أيضا أن ما ورد يف التلمود األورش�ليمي حول أن‬‫وبناء عىل هذا التفسير يمكننا أن نفرس ً‬
‫غري اليهود ملزمون ببذل النفس عن جريمة القتل‪ ،‬هو رأي مش�ابه ملا قاله الرايب حس�دا‪ ،‬وأما‬
‫بالنسبة للتنائي الكبري – الذي يتفق مع أحكام الرشيعة – فإن هذا احلكم غري صحيح‪.‬‬
‫فها هي فرضية الرايب حس�دا املتش�ددة ألول وهلة‪ :‬أمل نجد ثالث جرائم فقط جيب بذل‬
‫النفس عنها‪ ،‬وكام يقسو عليه التنائي الكبري‪.‬‬
‫وعلينا أن نقول إن فرضية الرايب حسدا هي‪ :‬أنه بالفعل مجيع اجلرائم يتم إلغاؤها من أجل‬
‫بذل النفس‪ ،‬هذا بالنسبة للحساب اإلهلى‪.‬‬
‫ال�رب تب�ارك وتعاىل يتج�اوز عن وصاياه م�ن أجل حياة الش�عب اليهودي‪.‬‬
‫بي�د أن إحلاق الرضر بش�خص آخر‪ ،‬غري مس�موح به حت�ى إذا كان بدلاً من بذل‬
‫النفس‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫لذل�ك حُيظر رسق�ة يشء ما من صاحبك بدلاً من بذل النفس بحس�ب الرايب‬
‫حسدا‪ .‬ويمكن أن نفهم األمر نفسه يف حالة القتل‪ :‬احلظر يف مسألة القتل ال ينبع‬
‫(أيضا) من ناحية أنه غري مسموح ألي شخص‬ ‫(فقط) من خطورة التحريم‪ ،‬بل ً‬
‫أن ينقذ عن طريق إحلاق األذى بش�خص آخر‪ ،‬عىل الرغم من أن ثمة وصايا يتم‬
‫إلغاؤها من أجل بذل النفس‪.‬‬
‫م�ن هن�ا‪ ،‬ننبذ أم�ر بذل النفس فيما خيص األغي�ار‪ ،‬فاألغيار ليس لدهي�م وصايا خطرية‬
‫تلزمهم ببذل النفس‪ .‬حتى عبادة األوثان لدهيم ليس�ت خطرية‪ ،‬كام هو احلال لدى اليهود(‪.)16‬‬
‫ولذل�ك فإن�ه من ناحية خطورة اجلرائم‪ ،‬غري اليهود ليس�وا ملزمني بب�ذل النفس‪ .‬لكن إذا كان‬
‫ثم�ة فرضي�ة ببذل النفس من ناحي�ة اإلرضار باآلخر – كام فهمنا من رأي الرايب حس�دا – ويف‬
‫ويظر عىل غري اليهودي كذلك أن‬ ‫هذه النقطة ليس ثمة اختالف بني اليهودي وغري اليهودي‪ ،‬حُ‬
‫ُيلحق األذى بغري اليهودي لينقذ نفسه(‪.)17‬‬
‫ووف ًقا لذلك‪ ،‬يتضح ملاذا قيل يف قضية التلمود األورشليمي أنه حُيظر عىل األغيار اإلرضار‬
‫ببعضهم البعض‪ ،‬حتى إذا كان هذا بدلاً من بذل النفس‪:‬‬
‫يتف�ق ما ورد يف هذه القضية مع ما ذهب إليه الرايب حس�دا‪ .‬ووف ًقا ملنهجه‪ ،‬بام‬
‫أيضا ارتكاب جريمة القتل س�واء‬ ‫أن�ه حُيظ�ر الرسقة بدلاً من ب�ذل النفس‪ ،‬حُيظر ً‬
‫لدى اليهود أو لدى األغيار‪ ،‬كام أوضحنا (‪.)18‬‬
‫لكن بالنسبة ملا يراه التنائي الكبري‪ ،‬من أنه ليس ثمة مشكلة يف إيذاء شخص آخر بدلاً من‬
‫ب�ذل النف�س‪ ،‬وأن الرسقة تُلغى من أجل بذل النفس‪ ،‬فإنه م�ن غري الواضح ما هو حكم القتل‬
‫لدى األغيار‪.‬‬
‫فإيذاء ش�خص آخر ليس�ت فرضية يمكننا أن ننطلق منها وصولاً إىل اإلقرار باحلظر بدلاً‬
‫م�ن بذل النفس وف ًقا ملنهجه‪ ،‬وال يؤخ�ذ يف االعتبار لدى األغيار خطورة اجلرائم كام هو احلال‬
‫ل�دى اليه�ود‪ ،‬وف ًقا ملنهجه فإنه حُيتمل أن األغيار ُيس�مح هلم بالقتل ب�دلاً من بذل النفس؛ ألنه‬
‫ليس ثمة إلزام هلم ببذل النفس عىل أي جريمة بسبب خطورهتا‪ .‬ووف ًقا هلذا‪ ،‬فإنه ليس ثمة دليل‬
‫م�ن كلامت ال�رايب حنينا خيالف ما ذهب إليه الرايب ش�موئيل شنيئورس�ون؛ ألن كلامته تناقض‬
‫كلامت الرايب حسدا‪ .‬ونظر ًّيا‪ ،‬فإن الرأي الرشعي يتفق مع رأي التنائي الكبري‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫‪ – 5‬إلغاء الربهان وف ًقا للخالف بني العالج واإلنقاذ «أور ساميح»‬
‫ثم�ة ذريعة أخ�رى للمعضل�ة املتصلة بـ «بارش�ات دراخي�م»‪ ،‬وجدناه�ا يف كلامت «أور‬
‫س�اميح» (عن الفصل اخلامس من رشائع أسس التوراة)‪ .‬يتطرق «أور ساميح» هناك للتناقض‬
‫الوارد يف كلامت الرايب موسى بن ميمون‪ ،‬الذي يتناول الرشائع التي تتصل بوصية التضحية يف‬
‫سبيل الرب‪ ،‬أي بذل النفس عن الوصايا‪ .‬ففي الرشيعة الرابعة كتب الرايب موسى بن ميمون‪:‬‬
‫وكل من ورد عنه أن « ُيقتل وال يرتكب الذنب‪ ،‬وارتكب الذنب ومل ُيقتل‪.‬‬
‫فإن مرتكب هذه الفعلة قد جدف عىل الرب‪.»...‬‬
‫وعلى الرغ�م من هذا؛ ألنه ارتكب الذن�ب حتت التهديد فإنه ال يجُ ل�د‪ ،‬وال جيب علينا أن‬
‫حتذيرا‬
‫ً‬ ‫نق�ول إن�ه ال ُيعاقب بالقتل‪ ،‬إال إذا ارتكب ذنبه لرغبته يف ذلك أمام ش�هود‪ ،‬مع توجيهه‬
‫للضحية‪.‬‬
‫ويف الرشيعة السادسة ورد ما ييل‪:‬‬
‫كام هو معروف‪ ،‬فقد قيل عن األمراض نفس ما قيل عن اإلجبار‪...‬‬
‫وتعالج�ون ب�كل ما حظرته الت�وراة بدلاً م�ن تعريض أنفس�كم للخطر‪ ،‬باس�تثناء عبادة‬
‫األوث�ان‪ ،‬وزنا املحارم‪ ،‬وس�فك الدماء‪ ،‬وهي املحظورات الت�ي ال يمكن العالج هبا‪ ،‬حتى إذا‬
‫عرضتم أنفس�كم للخطر‪ ،‬وإذا ارتكبتم هذه الفعلة‪ ،‬جيب أن تتلقوا عقا ًبا مناس� ًبا لكم يف احلياة‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫كبريا يف الرشيعة الرابعة‪ ،‬حيث ورد أن من ال يلتزم بعدد من‬
‫تناقضا ً‬
‫وألول وهلة يبدو هذا ً‬
‫الوصايا لتعرضه للخطر ال ُيعا َقب ً‬
‫(أيضا يف حالة أن األمر حمظور)‪ ،‬وأما يف الرشيعة السادس�ة‬
‫فقد ورد أن من يتعالج عن طريق اإلتيان بأحد املحظورات ُيعا َقب «بالعقوبة التي تناسبه»‪.‬‬
‫وكام كتب شيم طوف بن يوسف )*( يف األعمدة األربعة‪:‬‬
‫إنن�ى أتعجب من أنه بدأ يس�اوي بني اإلجبار واالضط�رار يف حالة املريض‪،‬‬
‫كيف هذا وهو يف حالة مرض؟!‬
‫ملاذا ُي َف ّرق الرايب موسى بن ميمون بني احلالتني؟ ويدهشني ً‬
‫أيضا تفسري كالمه كله الذي‬
‫مل ينتبه إىل هذه النقطة‪ ،‬واألمر يف حاجة إىل املزيد من البحث‪.‬‬
‫)*(  أحد حكامء اليهود يف األندلس‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫يف تفسير هذه القضية كتب «أور س�اميح»‪ ،‬أنه علينا التفريق بني حالة من ينقذ نفس�ه عن‬
‫طريق ارتكاب أحد املحظورات‪ ،‬وبني من يفعل هذا ليتعالج‪:‬‬
‫ها هو قد تأكد لنا أن األمر ال يتشابه مع ما ورد يف الرشيعة الرابعة‪ ،‬من أنه يف‬
‫حالة اإلجبار « ُيقتل وال يرتكب الذنب»‪ ،‬إذا قتل ال ُيعاقب ألنه جمرب عىل ذلك‪.‬‬
‫وفرضيت�ه هن�ا مفاده�ا حتدي�دً ا‪ :‬إذا ُأجرب ش�خص ما عىل قت�ل فالن‪ ،‬أو على ارتكاب زنا‬
‫املحارم (إذا كان األمر صعب احلدوث قبل ذلك)‪ ،‬حيث إنه يفعل ذلك وفق رغبة اآلخرين ال‬
‫وف ًقا لرغبته‪ ،‬فهو جمرب عىل قتل شخص‪ ،‬وإذا مل يفعل س ُيقتل هو‪.‬‬
‫ماذا سيكون حينها السبب يف وفاته إذا قتله من أجربه عىل ارتكاب اجلريمة فعلاً ؟‬
‫سيكون السبب حينها هو أنه ال يرغب يف قتل فالن‪ .‬لكن هنا املرض الذي سيصيبه بدون‬
‫أي سبب سينقذ نفسه بدم فالن أو بعبادة األوثان‪ ،‬ال أكثر‪.‬‬
‫وإن كان األم�ر كذل�ك‪ ،‬فإنه أمر غري مقصود إذا كانت لدي�ه الرغبة يف احلفاظ عىل حياته‪،‬‬
‫ومثلام أن كل قاتل يرغب يف صب جام غضبه لينتقم‪ ،‬لذلك فإن الش�خص مذنب إذا عالج يف‬
‫هذه احلالة‪ ،‬ويستحق مجيع العقوبات الدنيوية؛ ألنه حقق للقاتل ما يريد أن يراه‪.‬‬
‫إن «أور س�اميح» يوض�ح أن من ب�ادر بارتكاب فعل حمظور‪ُ ،‬يعاق�ب‪ ،‬رغم أنه فعل هذا‬
‫لينق�ذ حيات�ه من املوت‪ .‬يف مثل ه�ذه احلالة‪ ،‬من ارتكب الذنب يك�ون راغ ًبا يف وجود اجلريمة‬
‫لينقذ نفسه‪ ،‬وهو ال يستطيع أن يدعي أن تعرضه خلطر أجربه عىل ارتكاب الذنب‪.‬‬
‫لكن حينام ينبع خطر املوت من احلظر‪ ،‬لن يكون الش�خص املجرب راغ ًبا يف وقوع الذنب‬
‫وال ُيعترب حينها أنه ارتكب الذنب لرغبته يف ذلك‪ .‬ويف هذه احلالة ال ُيعاقب؛ ألن «ال يجُ لد وال‬
‫ُيقتل إال من ارتكب جريمة لرغبته يف ذلك»‪ ،‬كام قال الرايب موسى بن ميمون‪.‬‬
‫والرأي نفسه نجده لدى الرايب أفراهام بورنشتاين)*( (إيفني هعيزر ‪:)19( )19 ،15‬‬
‫واختلف يف هذا الرايب موس�ى بن ميمون يف الفقرة اخلامسة يف رشائع التلمود‬
‫األساس�ية؛ ألن القتل مل حيدث إال بس�بب اإلجبار‪ ،‬كام ُأجرب عىل عبادة األوثان‪،‬‬
‫ولك�ن امل�رض مل يك�ن نتيج�ة ملنع ال�دواء‪ ،‬ألن امل�رض وضع يف ح�د ذاته‪ ،‬وهو‬
‫يرغ�ب يف ذلك حت�ى يتعالج‪ ،‬وهذه هي رغبته‪ ،‬وهو يش�به يف ذل�ك من يريدون‬
‫قتله‪ ،‬ويفعل ذلك حتى ي ِ‬
‫بعد عن نفسه رغبة أنه رغب يف األمر‪.‬‬ ‫ُ‬
‫)*(  الرايب «أفراهام بورنشتاين» (‪1910 – 1839‬م)‪ :‬من كبار حكامء اليهود يف پولندا يف عرصه‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫وكذل�ك كتب ال�رايب ش�معون ش�كوب)*( يف حتديثاته على «كتوبوت» (يف هناي�ة الفقرة‬
‫اخلمسني)‪:‬‬
‫وجيب أن نقول إن أس�اس اخلالف بني حالتي اإلجبار وبني من يرتكب ذن ًبا‬
‫لينق�ذ نفس�ه‪ ،‬هو أن�ه يف حالة اإلجبار ه�و ال يرغب يف أن حيدث ه�ذا األمر عىل‬
‫اإلطالق‪ ،‬ويقوم بذلك فحسب ألنه ُأجرب عىل فعله‪ ،‬لكنه مل يرتيث عىل اإلطالق؛‬
‫حيث إنه لوال هذا ملا كان ُأجرب عىل فعل يشء‪ .‬لكن من أنقذ نفس�ه مس�تفيدً ا من‬
‫األم�ر ألن�ه لوال ما حدث ملا كان قد أنقذ حيات�ه‪ ،‬وهو راغب يف خلق هذا الواقع‬
‫لكي ينقذ حياته‪ ،‬ولذلك فإن هذا يعني أنه رغب يف ارتكاب اجلريمة (‪.)20‬‬
‫لكن «أور س�اميح» يتش�دد هنا عندما يقول‪ :‬من أين علم الرايب موس�ى بن ميمون أنه يف‬
‫حالة العالج يرتكب الش�خص ا ُملجبرَ جريمته لرغبته يف ذلك‪ ،‬وأنه يس�تحق عقا ًبا؟ ويذكر أن‬
‫مصدر الرايب موس�ى بن ميمون هو ما ورد يف التلمود األورش�ليمي الذي ذكرناه س�اب ًقا‪ .‬وها‬
‫هي كلامته‪:‬‬
‫حلكم؟ يبدو أن مص�دره يف ذلك هو م�ا ورد يف التلمود‬
‫لك�ن كي�ف توصل معلمنا هل�ذا ا ُ‬
‫األورشليمي يف فصل «ال نقدمه للمحاكمة»‪:‬‬
‫روحا من أجل روح أخرى‪ ،‬وليس هذا فحسب‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫و ال تزهق ً‬
‫واألجنب�ي الذي ي ِ‬
‫لح�ق األذى باألجنبي أو باليهودي‪ ،‬مذن�ب‪ .‬أما اليهودي‬ ‫ُ‬
‫لحق األذى بأجنبي غري مذنب‪.‬‬‫الذي ي ِ‬
‫ُ‬
‫وعلى م�ا يبدو أنه يرص عىل ما قال من أنه حُيظر العالج عن طريق س�فك الدماء‪ ،‬ولذلك‬
‫لحق األذى بأجنب�ي هو مذنب‪ ،‬حت�ى إذا قتل ش�خص ليتعالج‪ .‬أما‬ ‫ق�ال إن األجنب�ي ال�ذي ي ِ‬
‫ُ‬
‫لحق أذى بأجنبي فهو غري مذنب وف ًقا لوجهة نظره‪ ،‬وإذا قتل اليهودي هيود ًّيا‬ ‫اليه�ودي الذي ي ِ‬
‫ُ‬
‫أيضا‪ ،‬وهو خيربنا بش�كل واضح أنه حتى األجنبي مذنب (رغم أنه غري ُم َلزم‬ ‫مثله يكون مذن ًبا ً‬
‫بوصية بذل النفس)‪ .‬أو ألن (‪ )21‬ابن نوح ُيعاقب بالقتل إذا قال إنه ُيس�مح بالعالج عن طريق‬
‫قتل شخص ما وف ًقا لرشائعه‪ ،‬أي ابن نوح‪ ،‬وليكن ما يكون‪ ،‬فقد تم تفسري األمر بأن من يفعل‬
‫هذا ُيعاقب عقا ًبا مناس ًبا‪ ،‬وراجع األمر ستجده سهلاً ‪.‬‬

‫)*(  الرايب شمعون شكوب‪ :‬من كبار حكامء اليهود يف رشق أوروپا‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫أدرك «أور س�اميح» أن كلامت التلمود األورش�ليمي حول «األجنبي الذي ي ِ‬
‫لحق األذى‬ ‫ُ‬
‫بأجنبي» وما إىل ذلك‪ ،‬ال تناقش العقوبة التي تنتظر املذنب‪ ،‬يف حالة غري اليهودي «الذي ُأجرب‬
‫عىل قتل فالن»‪ ،‬بل تناقش رأي الرايب حنينا‪:‬‬
‫حُيظر العالج عن طريق س�فك الدماء»‪ .‬عن هذا احلكم ورد أن غري اليهودي‬
‫مذنب إذا فعل هذا األمر املحظور‪ ،‬وأحلق بصاحبه األذى لينقذ نفسه‪.‬‬
‫يف حال�ة العلاج‪ ،‬يقول التلمود األورش�ليمي أن غري اليهودي مذن�ب‪ ،‬وهو نفس حكم‬
‫اليهودي‪ .‬هكذا تعلم الرايب موس�ى بن ميمون من هذا‪ ،‬أنه رغم أن الش�خص الذي ُأجرب عىل‬
‫ارت�كاب أح�د املحظ�ورات غري مذنب‪ ،‬فإن�ه يكون قد أذن�ب إذا عالج‪ ،‬وال ف�رق يف هذا بني‬
‫اليهودي وغري اليهودي‪.‬‬
‫وح ًّق�ا‪ ،‬وف ًقا لذل�ك جيب أن ندرك ملاذا كتب التلمود األورش�ليمي حك�م األغيار وليس‬
‫اليهود‪ .‬ألسنا حتى اآلن نتحدث عن اليهودي؟ ما هو التحديث الذي طرأ عىل األغيار وتسبب‬
‫يف تفضيلنا كتابة هذه الفقرة الترشيعية عنهم؟‬
‫يرد «أور ساميح» عن هذا بإجابتني‪:‬‬
‫وهو خيربنا بشكل واضح أنه حتى األجنبي مذنب (رغم أنه غري ُملزَم بوصية‬
‫بذل النفس)‪ .‬أو ألن ابن نوح ُيعاقب بالقتل إذا قال إنه ُيسمح بالعالج عن طريق‬
‫قتل شخص ما وف ًقا لرشائعه‪ ،‬أي ابن نوح‪ ،‬وليكن ما يكون‪ ،‬فقد تم تفسري األمر‬
‫بأن من يفعل هذا ُيعاقب عقا ًبا مناس ًبا‪ ،‬وراجع األمر ستجده سهلاً ‪.‬‬
‫ومعنى ذلك‪ ،‬كالتايل‪:‬‬
‫‪ – 1‬ثمة حتديث لدى األغيار يف أهنم غري ملزمني برشيعة بذل النفس‪ ،‬وعىل الرغم من هذا‬
‫فإهنم ملزمون هبا يف حالة العالج‪ ،‬بل إهنم ُيعاقبون إذا عالج أحدهم عن طريق القتل (بكلامت‬
‫أخ�رى‪ :‬يف مقاب�ل اليهود الذين لدهيم انتقال من حالة اإلعفاء م�ن الذنب (ملن ينقذ حياته) إىل‬
‫كونه مذن ًبا (ملن يتعالج)‪ .‬أما لدى األغيار‪ ،‬فثمة حتديث أكرب؛ ألهنم ينتقلون من مس�موح (ملن‬
‫ينقذ حياته) إىل مذنب (ملن يتعالج)‪.‬‬
‫أيض�ا يف حال�ة «إذا قال إنه جي�وز»؛ ألهنم كان جي�ب عليهم أن‬
‫‪ – 2‬يع�د األغي�ار مذنبين ً‬
‫يتعلموا (‪ )22‬؛ وكنت أعتقد أنه بدلاً من بذل النفس‪ ،‬ثمة فرضية كبرية جتعلنا نعتقد أنه جيوز أال‬
‫ن ِ‬
‫ُل�زم غير اليهودي الحتاملية الوقوع يف اخلطأ يف هذه احلالة (‪ .)23‬عن هذه النقطة‪ ،‬جاء التلمود‬

‫‪128‬‬
‫األورشليمي ل ُيع ِّلمنا أن األغيار مذنبون حتى يف حالة «إذا قال إنه جيوز»‪ ،‬ورغم وجود فرضية‬
‫كبرية تسمح بذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬من خالل الذريعة األوىل‪ ،‬نرى بوضوح أن «أور ساميح» قد فهم أنه يف حالة الشخص‬
‫أيضا بقتل غريهم من‬
‫الذي ينقذ حياته‪ ،‬فإن غري اليهود غري ملزمني ببذل النفس‪ ،‬و ُيس�مح هلم ً‬
‫األغيار إلنقاذ حياهتم‪.‬‬
‫رغم أنه يفهم مثل الرايب ش�موئيل شنيئورس�ون أنه ُيس�مح لغري اليه�ود بقتل غريهم من‬
‫األغي�ار يف حال�ة «اقتل فالنًا أو نقتلك»‪ ،‬لكن هذا فقط يف حالة إنقاذ القاتل حلياته‪ .‬أما يف حالة‬
‫العلاج فه�م‪ ،‬أي األغي�ار‪ ،‬ملزمون ببذل النفس‪ ،‬ب�ل ويكونون مذنبني و ُيعاقب�ون إذا ارتكبوا‬
‫جريمة قتل إلنقاذ حياهتم‪.‬‬
‫أيضا ل�دى اليهود امللزمني يف‬
‫وم�ن هن�ا‪ ،‬تعلم الرايب موس�ى بن ميمون حكم ه�ذه احلالة ً‬
‫حالة العالج (ألن ثمة تش�د ًدا يف األمر لدى اليه�ود عنه لدى األغيار‪ ،‬فغري اليهود لدهيم حظر‬
‫حتى يف حالة إنقاذ حياة ؛ ناهيك عن أهنم سيكونون ملزمني يف حالة العالج)‪.‬‬
‫يتضح مما س�بق أن التلمود األورشليمي ال يناقض الرايب شموئيل شنيئورسون‪ ،‬فالتلمود‬
‫حارضا‪،‬‬
‫ً‬ ‫األورش�ليمي يناقش مس�ألة العلاج‪ ،‬عندما يكون القات�ل راغ ًبا يف أن يك�ون املقتول‬
‫وحينئ�ذ حُيظ�ر عىل األغي�ار كذلك القتل هب�دف العلاج‪( ،‬وإذا قتلوا فهم مذنب�ون؛ أما الرايب‬
‫ش�موئيل شنيئورس�ون فيناق�ش مس�ألة إنق�اذ احلي�اة‪ ،‬عندم�ا ال يكن القات�ل راغ ًب�ا يف وجود‬
‫املقتول‪،‬ووجود األخري هو الذي تسبب يف املشكلة‪ ،‬وحينئذ ُيسمح لغري اليهودي بقتل صاحبه‬
‫إلنقاذ حياته‪.‬‬
‫وف ًقا لذلك‪ ،‬فإن الرايب ش�موئيل شنيئورس�ون يتفق مع «باراش�ات دراخيم» يف أنه يوجد‬
‫ل�دى األغي�ار فرضية بع�دم قتل بعضهم البعض هب�دف إنقاذ احلياة‪ ،‬لكن يف رأي�ه أن الفرضية‬
‫خط�را عىل غري‬
‫ً‬ ‫قائم�ة فق�ط يف حالة العلاج‪ .‬ويف احلالة الت�ي يمثل فيها تواج�د غري اليهودي‬
‫عيل أن أفقد حيايت بس�بب وجودك‬ ‫اليهودي‪ ،‬حينئذ يمكن لألخري أن يس�أل األول‪ :‬ملاذا جيب َّ‬
‫عيل؟‪ .‬وعىل ذلك ُيس�مح له بقتله لينقذ حياته‪ .‬أما يف حالة العالج‪ ،‬ليس ثمة‬
‫خطرا ِّ‬
‫الذي يمثل ً‬
‫ادعاء مضاد؛ ألن القاتل راغب يف وجود الضحية لينقذ نفسه (‪.)24‬‬

‫‪129‬‬
‫خالصة القول‪ :‬وف ًقا للرايب ش�موئيل شنيئورس�ون‪ ،‬فإن غري اليهودي الذي تلقى ً‬
‫أمرا من‬
‫شخص آخر أن «اقتل فالنًا أو أقتلك» ُيسمح له بقتل فالن هذا‪.‬‬
‫وقد َف ِه َم «أور س�اميح» أنه عىل الرغم من أنه ُيس�مح بقتل غري اليهودي يف احلالة السابقة‪،‬‬
‫ربا عىل‬
‫أو يف حال�ة غير اليهودي الذي يقف يف طريق إنقاذ الش�خص اآلخر‪ ،‬حت�ى إذا كان جم ً‬
‫ذلك‪ ،‬ليس ثمة رخصة الستغالل صديقه وقتله للعالج (‪.)25‬‬

‫‪ – 6‬جدول ُم ِّ‬
‫لخص‬
‫العالج باستغالل شخص آخر‬ ‫اقتل فالنًا أو أقتلك‬ ‫من يغلق طريق اإلنقاذ‬

‫ُيسمح‬ ‫ُيسمح‬ ‫ُيسمح‬ ‫«مهرش يافيه»‬


‫حُيظر‬ ‫ُيسمح‬ ‫ُيسمح‬

‫منهج «باراشات‬
‫حُيظر‬ ‫حُيظر‬ ‫سيتضح فيام بعد‬
‫دراخيم»‬

‫‪ – 7‬اجملموعة‬
‫* وردت احلكاية التالية يف التلمود األورشليمي عىل لسان أحد التنائيم‪:‬‬
‫ثمة جمموعة من األشخاص يسريون يف الطريق‪ ،‬وتعرضوا ألذى من ِق َبل جمموعة من‬
‫األغيار‪ ،‬وهكذا قالوا هلم‪ :‬أعطونا أحدكم فنقتله‪ ،‬وإذا مل تفعلوا قتلناكم مجي ًعا «فل ُيقتل‬
‫ش�خصا باالس�م‪ ،‬مثلام يف واقعة‬‫ً‬ ‫اجلميع وال تمُ س نفس هيودية واحدة»؛ وإذا حددوا هلم‬
‫شيفع بن بكاري שבע בן בכרי )*(‪ ،‬عليهم حينئذ أن يسلموه هلم فال ُيقتلون‪.‬‬
‫قال الرايب شمعون بن لقيش‪ :‬وهو شخص عوقب بالقتل مثل شيفع بن بكاري‪.‬‬
‫بينام يقول الرايب يوحنان‪ :‬رغم أنه شخص مل ُيعاقب باملوت مثل شيفع بن بكاري‪.‬‬

‫)*(  شيفع بن بكاري שבע בן בכרי‪ :‬بحسب العهد القديم‪ ،‬هو شخص ينتمي لقبيلة بنيامني‪ ،‬وحدث أن مترد عىل امللك‬
‫داود‪ ،‬ودعا إىل فصل اململكة يف أعقاب إحضار قبيلة هيودا للملك داود يف القدس‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫ويقرر الرايب موشيه بن يرسائيل ايرسليش يف («يوريه ديعا» ‪:)1 :157‬‬
‫فيما خي�ص األغي�ار الذين يطالب�ون اليهود ب�ـ‪« :‬أعطون�ا أحدك�م نقتله» ال‬
‫شخصا معينًا باالسم وقالوا أعطونا فالنًا‪.‬‬
‫ً‬ ‫يفعلون‪ ،‬إال إذا حدد األغيار‬
‫وهناك من يرى أنه حتى إذا حدث ذلك‪ ،‬ليس عليهم أن يس�لموه إال إذا كان‬
‫شخصا معا َق ًبا بالقتل مثل شيفع بن بكاري(‪.)26‬‬
‫ً‬
‫أما الرايب كلبون هكوهني )*( فيش�دد يف رشائع التوراة األساس�ية ‪ 5 :5‬؛ وورد كذلك يف‬
‫«كيسيف مشنيه»‪:‬‬
‫رغم أنه ورد يف التوسافوت ما يتفق مع رأيه‪ ،‬إال أننا مل نفهم مغزى األمر‪ ،‬فها‬
‫هو اس�تنتاج لذلك ورد يف فصل «بساحيم»‪ ،‬بس�بب ما قيل عن سفك الدماء أن‬
‫«فل ُيقت�ل وال يرتكب ذن ًبا»‪ ،‬فتكون الفرضية هي‪« :‬ملاذا تتوقع أن حياتك أهم من‬
‫حي�ايت؟»‪ .‬فهن�ا فرضية تفيد بأنه جيب أن ُيقتلوا مجيعه�م معه‪ ،‬و ُي َف َّضل أن يموت‬
‫وحده !‬
‫لكنه قد كتب بالفعل يف إحدى الفقرات املشنوية أن‪:‬‬
‫أساسا لفهم مقصده‪ ،‬فمن‬ ‫ما ورد عن سفك الدماء‪ :‬من (أنه يعتقد)‪ ،‬ال يعد ً‬
‫املع�روف أنه يف حالة س�فك الدم�اء‪ ،‬أنه جيب عىل مرتكب اجلريم�ة أن ُيقتل وال‬
‫يفعله�ا‪ ،‬إال أن�ه من�ح األمر مغ�زى من الفرضي�ة اخلاصة بالرايب س�فتي كوهني‪،‬‬
‫لك�ن حت�ى هذه الفرضية ال نجدها‪ ،‬والغرض من ذل�ك هو أن ُيقتل وال يرتكب‬
‫اجلريمة (‪.)27‬‬

‫‪ – 8‬اختالف بني اليهود واألغيار – الفرضية مقابل شريعة بذل النفس‬


‫سنناقش اآلن مثالاً مشا ًهبا للجامعة السيارة‪ ،‬ولكن يف حالة أهنم من األغيار‪.‬‬
‫وف ًقا للرايب ش�موئيل شنيئورس�ون‪ُ ،‬يسمح ببساطة تسليم ش�خص واحد إلنقاذ اجلميع‪،‬‬
‫مث�ل كل احل�االت التي تنطوي عىل مس�ألة حي�اة أو موت؛ حيث ُيس�مح لغير اليهودي بقتل‬
‫(‪)28‬‬
‫اآلخرين لينقذ نفسه‪.‬‬

‫)*(  الرايب كلبون هكوهني (‪1950 - 1874‬م)‪ :‬كان من حكامء اليهود يف تونس‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫أيضا‪ ،‬يقول‪ :‬إن األغيار ملزمون ببذل النفس عن القتل – استنا ًدا إىل‬
‫«باراشات دراخيم» ً‬
‫إح�دى الفرضيات‪ .‬مث�ال اجلامعة التي خصصت أحد أفرادها ل ُيقت�ل – ليس ثمة فرضية بعدم‬
‫قتله إلنقاذ الباقي؛ ألنه ال شك أن قيمة اجلامعة (وهو ضمنهم) أكثر بكثري من قيمته وحده‪.‬‬
‫وخيربنا «منحات حينوخ» أنه‪ :‬يف حالة مجاعة األغيار‪ ،‬سيتم تسليم الفرد لينقذ حياة البقية‪:‬‬
‫ويبدو ببس�اطة بحسب «كيس�يف مش�نيه»‪ ،‬أن التلمود يذكر فرضية أخرى‪،‬‬
‫أنه إذا كان‪ ،‬بحس�ب الرايب موس�ى بن ميمون يف رشائع امللوك‪ ،‬أن أبناء نوح غري‬
‫أيضا عن عبادة األوث�ان؛ ألهنم مل تُفرض عليهم قط رشيعة‬
‫ملزمين ببذل النفس ً‬
‫بذل النفس‪ ،‬أما يف حالة س�فك الدماء‪ ،‬فقد ذهب «كيس�يف مش�نيه» إىل أنه من‬
‫الناحية املنطقية‪ ،‬ما دام أنه سيفقد حياته يف مجيع األحوال‪ ،‬حُيظر عليه إذا ارتكاب‬
‫ذنب استنا ًدا لفرضية (ملاذا تعتقد أن حياتك أهم من حيايت؟)‪...‬‬
‫فإن الشخص الذي يتم حتديده باالسم من بني أفراد اجلامعة‪ ،‬رغم أنه غري ملزم بالتضحية‬
‫عنهم؛ ألهنم سيفقدون حياهتم يف مجيع األحوال‪ ،‬فإنه ليس ثمة فرضية إلنقاذه‪.‬‬
‫إذن يف احلالة التي يتم فيها ختصيص أحد األفراد باس�مه لدى األغيار‪ ،‬فإنه ال ش�ك يف أن‬
‫األمر مسموح به‪ .‬أما لدى اليهود فاألمر مرهون بخالف فقهي بني األمورائيم وكتب الفتاوى‬
‫الدينية‪.‬‬
‫ه�ل ثم�ة يشء يمكن اس�تخالصه يف حالة عدم ختصيص ش�خص باالس�م؟ األمر يتعلق‬
‫بالس�ؤال التايل‪ :‬ملاذا حُيظر تس�ليم أحد أفراد اجلامعة إلنقاذ البقية‪ ،‬إذا مل يتم ختصيص ش�خص‬
‫معني؟‬
‫أدرك «كيسيف مشنيه»‪ ،‬أنه يف هذه احلالة‪ ،‬فإن ثمة فرضية حتظر تسليم هذا الشخص‪:‬‬
‫يف احلالة التي ال يتم فيها حتديد أحد األفراد باس�مه‪ ،‬عندما ال يقولون س�وى‪:‬‬
‫أعطون�ا أحدك�م نقتله‪ ،‬هناك احتاملي�ة ألن نقول عن كل ف�رد يف املجموعة‪ :‬ملاذا‬
‫تعتق�دون أن حيات�ه أق�ل أمهية حت�ى تقوموا بتس�ليمه؟ تقوموا بتس�ليم أحدكم‬
‫وتنقذوا هذا !‬
‫ووف ًق�ا هل�ذا االدعاء‪ ،‬ال يمكن ب�أي حال من األحوال أن يقوموا بتس�ليم أي‬
‫منهم‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫ووف ًق�ا لرأي�ه‪ ،‬حُيظر ً‬
‫أيضا لدى األغيار تس�ليم أح�د أفراد املجموعة عندم�ا ال يتم حتديده‬
‫باالسم؛ ألن كل شخص حينها سيكون من حقه الزعم أمام البقية أن‪« :‬ملاذا تعتقدون أن حيايت‬
‫أقل أمهية من حياتكم؟ فلتقوموا بتسليم أنفسكم واتركوين !»‪.‬‬
‫لك�ن «منح�ات حينوخ» يرى أنه حتى لو مل يتم حتديد ش�خص باالس�م‪ ،‬ليس ثمة فرضية‬
‫حتظر التس�ليم؛ ألنه سيقال للشخص الذي تم تسليمه‪« :‬ماذا يضريك يف األمر؟ ستفقد حياتك‬
‫يف مجيع األحوال مع بقية املجموعة»‪:‬‬
‫فيام خيص س�فك الدماء‪ ،‬فل ُيقتل الش�خص وال يرتكب اجلريمة‪ ،‬انطال ًقا من‬
‫فرضية‪« :‬ملاذا تعتقد أن حيايت أقل أمهية من حياتك؟» بمعنى أنه إذا ُأنقذ صاحبه‬
‫عن طريق سفك دمائه هو‪ ،‬عليه أن يبذل نفسه لينقذ صاحبه‪ ،‬لكن يف هذه احلالة‪،‬‬
‫حتى إذا بذل نفس�ه س� ُيقتل صاحب�ه؛ ألن املجرم يريد قتله�م مجي ًعا‪ ،‬ملاذا يضحي‬
‫بحيات�ه إ ًذا؟ ألنه يف مجيع األحوال؛ صاحبه لن ينقذ نفس�ه إذا ضحى هو بحياته‪،‬‬
‫فكل شخص يمكنه أن ينقذ نفسه من اخلطر الذي حيدق به‪ ،‬وكان جيب أن يقول‬
‫«البقاء لألقوى»‪ ،‬فلامذا يضحي أهيم بحياته دون أن ينقذ ذلك صاحبهم؟‬
‫ووف ًقا ملنهجه‪ً ،‬‬
‫أيضا يف حالة عدم حتديد ش�خص باالس�م‪ ،‬ال ينبع اخلطر لدى اليهود من‬
‫فرضية ما‪ ،‬لكن ينبع من خطورة القتل كام أوردنا رأى «كيسيف مشنيه»(‪.)29‬‬
‫أما لدى األغيار‪ ،‬فليس ثمة خطورة يف القتل‪ ،‬لذا فإنه ُيسمح بقتل الفرد إلنقاذ املجموعة‪،‬‬
‫حت�ى إذا مل يت�م حتديده باالس�م؛ ألن�ه ال وج�ود لفرضية «ملاذا تعتق�د أن حيايت أق�ل أمهية من‬
‫حياتك؟»‪ ،‬إذا كان يف هناية األمر سيموت اجلميع (‪.)30‬‬
‫حيسن يف عيني الرب‬
‫ألننا بصدد هيودي س�يفقد حياته‪ ،‬لذا فااللتزام بالوصية يسقط‪ .‬ملاذا ُ‬
‫أال نلتزم بالوصية؟‪ ،‬ملاذا سيكون دمك أغىل لديه من دم اآلخر؟ (‪.)31‬‬
‫األغي�ار يف املقاب�ل‪ ،‬غير ملزمني عىل اإلطلاق ببذل النف�س‪« :‬حتى إذا ُأجبر عىل عبادة‬
‫األوث�ان‪ ،‬فليفع�ل» (‪ .)32‬فلدهيم‪ ،‬ليس ثمة جريم�ة يف األمر يف وجود خطر عىل احلياة‪ ،‬واحلظر‬
‫ه�و بس�بب ادعاء القتيل جتاه القاتل فحس�ب‪ .‬هن�ا الفرضية تُقال خللق حظ�ر‪ ،‬وليس من أجل‬
‫التأكيد عىل حظر قائم‪.‬‬
‫املعن�ى املقصود هو أنه لدى اليهود‪ ،‬حيظر القتل يف مجيع األحوال؛ ألنه هبذا س�يلحق أذى‬
‫بيهودي آخر‪ ،‬وبالتايل فإن أساس السامح بالقتل باطل‪.‬‬
‫‪133‬‬
‫أم�ا لدى األغيار‪ ،‬فإن�ه جيب أن تكون هناك فرضية لتوضيح س�بب حظر قتل غري هيودي‬
‫لغري هيودي آخر‪ ،‬وهذه الفرضية التي يقوهلا من يتعرض للقتل‪ ،‬هي التي س�تخلق احلظر؛ ألن‬
‫األغيار يف األس�اس غري ملزمني برشائعهم يف حالة وجود خطر عىل احلياة‪ ،‬فإذا مل يس�تطع غري‬
‫اليه�ودي ال�ذي يتعرض للقتل إقناع الطرف اآلخر بأن «حياتك ليس�ت بأهم من حيايت»‪ ،‬فإنه‬
‫ليس حظر لقتله‪.‬‬
‫ثمة حاالت تكون فيها الفرضية موجودة لتس�مح لألول بقتل اآلخر؛ ألن فرضية «حيايت‬
‫أوىل)*(»‪ ،‬وفرضية «حياتك ليس�ت بأهم من حيايت» ليست صحيحة دائماً ‪ ،‬كام قال الرايب يوئيل‬
‫سريكيش)**( يف كتابه «بايت حاداش»‪.)33( .‬‬
‫حمظورا لدى‬
‫ً‬ ‫يف ه�ذه احلاالت‪ُ ،‬يس�مح لألغيار بالقتل هل�ذا الغرض‪ ،‬حتى إذا كان األم�ر‬
‫اليهود‪.‬‬

‫‪ - 9‬استحداث تشريعي يف العالقة بني اليهود واألغيار‬


‫ارتكب رأوبني جريمة دون تعمد‪ ،‬و ُأصيب ش�معون عىل إثرها بإصابات بالغة اخلطورة‪،‬‬
‫جعلت حياته مرهونة بزرع كبد ش�خص معاىف‪ ،‬لذلك فهو يرغب يف قتل رأوبني ليحصل عىل‬
‫كبده إلنقاذ حياته‪.‬‬
‫يبدو أن الرشيعة اليهودية تحُ ِّرم ذلك(‪ .)34‬فال شك يف أن رأوبني ارتكب جريمة‪ ،‬لكن هذا‬
‫مربرا لقتله‪ ،‬فعىل اليهودي أن يضحى بنفسه حقنًا للدماء؛ ألن ارتكاب هيودي جريمة يف‬‫ليس ً‬
‫حق هيودي آخر‪ ،‬يعد خسارة لألمة اليهودية‪. ‬‬
‫أم�ا ل�دى غري اليه�ود‪ ،‬فال يمكن منع ش�خص مصاب من إيقاع الرضر بالش�خص الذي‬
‫تسبب يف إصابته؛ حيث إنه ال داعي لدهيم إلنقاذ القاتل؛ ألنه السبب يف حدوث الكارثة‪.‬‬
‫والفرضي�ة التي يت�م االحتكام إليها هنا‪ ،‬ه�ي‪« :‬هل حياتك أهم من حي�ايت؟ )***(» أي‪،‬‬
‫ملاذا تعتقد أن حياتك أهم من حيايت‪ ،‬حتى تتس�بب يف إيذائي بس�بب هتورك‪ ،‬دون حتمل نتائج‬
‫أفعالك‪ ‬؟!‬
‫)*(  حيايت أوىل חיי קודמים‪ :‬تعبري ديني يعنى أن إنقاذي حليايت يسبق يف األمهية أي يشء آخر‪.‬‬
‫)**(  الرايب يوئيل سريكيش (‪1640 - 1561‬م)‪ :‬من كبار احلكامء األواخر‪.‬‬
‫ً‬
‫تساؤال مفاده‪ :‬ملاذا تعتقد أن دمك أغىل من دمى‪ ،‬أي حياتك أهم من‬ ‫)***(  מאי חזית‪ :‬تعبري ورد يف التلمود يطرح‬
‫حيايت؟!‬

‫‪134‬‬
‫‪ -10‬حك���م إنقاذ ش���خص متضرر من ش���خص مؤ ٍذ فيم���ا خيص األمالك‬
‫واألرواح‬
‫يمك�ن االحت�كام إىل فرضي�ة «هل حياتك أهم م�ن حيايت؟» فيام خي�ص األمالك‪ ،‬لتكون‬
‫الصيغة كالتايل‪ :‬ملاذا تعتقد أن ما متلكه أنت أهم مما أملكه أنا؟!‬
‫عندم�ا يكون اخلي�ار الوحيد هو احلصول عىل أمالك فالن حت�ى ال تلحق بأمالكك أذى‪،‬‬
‫فإنه حُيظر عليك فعل هذا‪ ،‬ومن يفعل هذا يعد ُملز ًما بالتعويض‪ ،‬حس�ب ما ورد يف «ش�وحلان‬
‫خطرا عىل أمالكي‪ُ ،‬يس�مح يل بإحلاق األذى بأمالكه‪،‬‬ ‫(‪)35‬‬
‫عاروخ» ‪ ،‬عندما تش�كل أمالك فالن ً‬
‫وال يمكن�ه حينه�ا الزع�م بأن «أمالك�ه أهم من أمالك�ي»؛ ألن�ه يمكنني أنا اآلخ�ر الزعم بأن‬
‫«أمالك�ي أهم من أمالك�ه»‪ ،‬عىل غرار فرضية «حيايت أهم»‪ ،‬ليس ثم�ة دا ٍع إذن لتحمل الرضر‬
‫دون الدفاع عن النفس‪.‬‬
‫كام ورد يف اجلامرا يف (بابا قاما)‪:‬‬
‫إذا صعد ثور فوق ثور آخر‪ ،‬وجاء صاحب الثور الذي باألسفل وقام بإفالته‪،‬‬
‫ليسقط الثور األعىل ويموت‪ ،‬ال يوجد إلزام عىل هذا الشخص‪.‬‬
‫أما إذا دفعه نحو الثور الذي يعتليه مما أدى ملوته‪ ،‬ففي هذه احلالة جيب التأكد‬
‫من يشء آخر‪ ،‬أنه إذا كان يستطيع سحبه ومل يفعل‪ ،‬فهو ُملزم بالتعويض‪ ،‬أما إذا‬
‫مل يستطع إفالته‪ ،‬فال إلزام عليه (‪.)36‬‬
‫ثورا هياجم الثور الذي يمتلكه‪ ،‬ال حاجة له للتأكد ما إذا كان‬
‫إذا تصادف أن شاهد أحدهم ً‬
‫صاحب الثور هو املذنب احلقيقي‪ ،‬أو أنه حافظ عىل ثوره جيدً ا‪ ،‬بيد أن الثور ارتكب اجلريمة رغماً‬
‫عن صاحبه‪ .‬عىل كل حال ُيسمح له بالدفاع عن نفسه ضد الثور‪ ،‬ال سيام واجلامرا تورد بوضوح‬
‫هذه الفتوى املشنوية اخلارجية (الربايتا)‪ ،‬يف حالة وجود ثور أمحق؛ حيث تتحدث عن أن‪:‬‬
‫«الثور ليس يف حاجة إىل حراسة»(‪.)37‬‬
‫أي أن�ه حتى إذا ُأعف�ي صاحب الثور من دفع التعويض‪ُ ،‬يس�مح للمترضر بإحلاق األذى‬
‫بأمالك صاحب الثور ليدافع عن ثوره‪.‬‬
‫وكام يتلخص يف «شوحلان عاروخ» يف باب «رشائع اإلرضار باألمالك»‪ ،‬فإنه‪:‬‬

‫‪135‬‬
‫إذا كان�ت أملاك األول تتس�بب يف رضر ألمالك الثاين‪ ،‬وإنق�اذ أمالك األول‬
‫سيكون عىل حساب أمالك الثاين‪ُ ،‬يسمح له باإلرضار هبا‪.‬‬
‫‪ ‬توصلنا إىل نتيجة مفادها‪ :‬أنه عندما ترض أمالك الغري بأمالكي‪ ،‬حتى إذا حدث هذا دون‬
‫قص�د‪ُ ،‬يس�مح يل بالدف�اع عن نفيس وبإحل�اق األذى بأمالكه‪ ،‬ولن يس�تطيع حينه�ا الزعم بأن‬
‫«أمالكه ذات قيمة أعىل من أمالكي»‪.‬‬

‫‪ -11‬داللة القانون اجلنائي لدى األغيار‬


‫أيضا‪ ،‬يمكن االحتكام إىل فرضية «أنت‬ ‫رأينا أنه وفق ما ورد يف كتاب «باراشات دراخيم» ً‬
‫لست بأهم مني»‪ ،‬يف قانون العقوبات اجلنائية لدى األغيار‪ ،‬بيد أهنا ليست قوية بام يكفي كام هو‬
‫احلال يف القانون املدين‪ .‬أي أنه ليس ثمة تغليظ يف العقوبة لدى األغيار يف حالة القتل‪.‬‬
‫إذا كان القانون املدين جييز إحلاق األذى بالش�خص املعتدي دون االحتكام لفرضية «أنت‬
‫أيضا‪ ،‬انطال ًقا من فرضية «حيايت‬
‫لس�ت بأهم مني»‪ ،‬فال بد أن نفس األمر‪ ،‬يف القانون اجلنائي‪ً ،‬‬
‫أهم من حياتك»‪.‬‬
‫األمر خمتلف بالنسبة للرشيعة اليهودية‪ ،‬التي ال حتتكم إىل الفرضية سالفة الذكر؛ ألنه عىل‬
‫كل هيودي التضحية بنفسه‪ ،‬حتى ال خترس األمة اليهودية أحد أفرادها‪.‬‬
‫بن�اء على ذلك‪ ،‬فإنه يف حالة قيام غير اليهودي بإحلاق األذى بغري اليه�ودي‪ ،‬يتيح قانون‬
‫العقوبات اجلنائية للمترضر االنتقام لنفسه‪ ،‬حتى إذا صدر هذا عن املعتدي دون قصد‪ ،‬كام هو‬
‫احلال يف القانون املدين‪.‬‬
‫على س�بيل املث�ال‪ :‬إذا اعتىل غري اليهودي درجات س�لم مرتفع‪ ،‬ثم فج�أة أفلتت قدمه أو‬
‫اهن�ارت إحدى الدرجات من حتت قدميه‪ ،‬ونقصد هنا إحدى الدرجات القوية املثبتة بإحكام‪،‬‬
‫ف�إن األمر يعد حادثة قدرية(‪ .)38‬إذا تس�بب هذا يف قتل ش�خص آخر من األغيار يقف أس�فل‬
‫درجات الس�لم‪ُ ،‬يس�مح للمترضر دفع الرضر عن نفس�ه ع�ن طريق دفع درجة الس�لم خلف‬
‫الدرابزين ليموت الشخص الذي يقف فوق الدرج‪.‬‬
‫مث�ال آخ�ر‪ :‬إذا انتاب غري اليهودي حالة رصع؛ مما تس�بب يف دفعه لغري هيودي آخر يقف‬
‫عل‪ ،‬والوس�يلة الوحيدة لينقذ الشخص الثاين نفس�ه هي أن ي ِ‬
‫سقط املريض‬ ‫بجانبه ليس�قط من ٍ‬
‫ُ‬
‫نفس�ه‪ ،‬جيي�ز كتاب «باراش�ات دراخي�م» يف ه�ذه احلالة للمتضرر أن يدفع املريض فيس�قطه؛‬
‫‪136‬‬
‫ألن�ه ي ِ‬
‫لحق به األذى‪ .‬ويمكن للش�خص الث�اين االحتكام إىل فرضية «حي�ايت أهم» يف مواجهة‬ ‫ُ‬
‫الشخص املريض‪.‬‬
‫يتشابه هذا احلكم مع نظريه يف القانون املدين يف حالة اعتالء ثور لثور آخر‪ ،‬كام أسلفنا‪.‬‬
‫يف املقاب�ل‪ ،‬ت�رى الرشيع�ة اليهودي�ة رضورة التضحية بالنفس؛ اس�تنا ًدا لتعالي�م التوراة‪.‬‬
‫وبالفع�ل عندما يتم إنقاذ حياة هيودي‪ ،‬تبيح التوراة بعض املحظورات؛ انطال ًقا من مبدأ «ومن‬
‫خريا يف الدنيا واآلخرة»‪.‬‬
‫يلتزم بتطبيق رشائعي‪ ،‬يجُ زى ً‬
‫عندم�ا يتعرض اليه�ودي خلطر املوت املؤكد‪ ،‬جيب عليه التضحية بنفس�ه‪ ،‬بدلاً من وقوع‬
‫جريمة قتل‪.‬‬
‫وإذا كان ببس�اطة هناك حتريم للقتل يف حالة «اقتل فالنًا أو نقتلك»‪ ،‬كام أوضحنا من قبل‬
‫أيضا هلذه الفرضية يف حالة قتل‬
‫حس�ب رأي الرايب شلومو بن يتس�حاق‪ ،‬فإنه يمكن االحتكام ً‬
‫هيودي ليهودي آخر دون تعمد؛ حيث إنه حُيظر عىل املترضر أن ُيلحق األذى بالقاتل حتى ينقذ‬
‫حياته؛ ألننا يف هذه احلالة سنخرس أحد أفراد األمة اليهودية‪.‬‬

‫‪ -12‬التعسر يف الوالدة‬
‫ورد يف التلمود يف باب «الطهارة)*(» يف فصل «أوهالوت)**(»‪:‬‬
‫أنه‪  ‬إذا تعرست املرأة يف والدهتا‪ ،‬جيب قطع أوصال اجلنني يف أمعائها وإخراج‬
‫أعضائه العضو تلو اآلخر؛ ألن حياة األم أهم من حياة اجلنني‪ .‬إذا خرجت رأس‬
‫اجلنني‪ ،‬حُيظر قتله؛ألنه حُيظر قتل شخص من أجل شخص آخر‪.‬‬
‫ماذا يكون احلكم يف احلالة املشاهبة هلذه احلالة يف القانون املدين؟‬
‫(‪)39‬‬
‫قام ش�خص ما ببيع املولود الذي أنجبته بقرته لش�خص آخ�ر ‪ ،‬البقرة تواجه ً‬
‫عرسا يف‬
‫والدهتا‪ ،‬والسبيل الوحيد إلنقاذها هو قطع أوصال اجلنني؛ حيث إنه إذا مل حيدث ذلك ستموت‬
‫البقرة‪ ،‬ويعيش املولود‪.‬‬
‫يمكنن�ا أن نفهم من هذا أن اجلنني يؤذي البقرة‪ ،‬ولذلك ُيس�مح لصاحب البقرة بأن يقتل‬
‫)*(  باب الطهارة טהרות‪ :‬هو الباب السادس بني أبواب التلمود‪ ،‬وخيتص بمسائل الطهارة والنجاسة‪.‬‬
‫)**(  «أوهالوت»‪ :‬تعني اخليام אהלות‪ :‬هو الفصل الثاين من باب الطهارة‪ ،‬وهو الباب السادس واألخري من التلمود‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫ثورا آخر‪ .‬رغم أن هذا الرضر وقع رغماً عن‬
‫اجلنين‪ ،‬مثلما هو احلال يف حكم الثور الذي اعتىل ً‬
‫اجلنني‪ ،‬فإنه ُيسمح‪ ،‬كام أوضحنا‪ ،‬إحلاق األذى بالشخص الذي ارتكب خطأ دون قصد‪.‬‬
‫أيضا‪ ،‬أن البقرة ترض باملولود؛ ألهنا ال تسمح له باخلروج من رمحها‪ ،‬حتى‬
‫يمكننا أن نفهم ً‬
‫ل�و كان�ا يرضان بعضهام البعض رغماً عنهام‪ ،‬كام ورد يف كتاب «ابن هازل» )*(‪ ،‬يف قس�م «رشائع‬
‫القتل واحلفاظ عىل األرواح»‪:‬‬
‫ألن هذه طبيعة األمور‪ ،‬أن يرضا بعضهام البعض؛ بحيث إن املرأة ترض اجلنني‬
‫بغلقها طريق اخلروج يف وجهه‪ ،‬وهبذا تعد بالفعل قاتلة‪.‬‬
‫لي�س م�ن الواضح يف هذه احلالة من تعدى عىل َم�ن؟! لذلك حُيظر عىل أي منهام إحلاق‬
‫األذى بالثاين‪ ،‬ولتصوير األمر‪ ،‬نورد املثال التايل‪:‬‬
‫إذا س�قط يشء خيصني فوق قرين ثور‪ ،‬وتس�بب القرنان يف إحلاق األذى هبذا‬
‫الشيء‪ ،‬ال ش�ك يف أنه حُيظ�ر إحلاق األذى بالثور؛ألنه مل يضرين‪ ،‬بل أنا الذي قد‬
‫تعرضت لألذى بسببه‪.‬‬
‫واملثل باملثل‪ :‬إذا س�قط ثور رأوبني رغماً عنه فوق ثور ش�معون؛ مما أدى إىل اختناق الثور‬
‫الذي يمتلكه األخري‪ُ ،‬يس�مح للثور املترضر بإحلاق األذى بثور رأوبني لينقذ نفس�ه‪ ،‬لكن حُيظر‬
‫عىل رأوبني إحلاق األذى بثور شمعون؛ ألن الثور الذي يمتلكه هو املعتدي يف هذه احلالة‪.‬‬
‫أم�ا فيام خيص املرأة واجلنني‪ :‬فمن املس�تحيل أن نعلم أي الطرفين بدأ باألذى‪ .‬فال يمكن‬
‫ألي ش�خص أن يزعم أن الطرف الثاين هو املتعدي‪ ،‬وأنه حُيظر عىل أي ش�خص إحلاق األذى‬
‫بالطرف الثاين‪.‬‬
‫إذا فهمن�ا‪ ،‬كخيار ٍ‬
‫ث�ان‪ ،‬أنه إذا كانت األم واجلنني يرضان بعضهما البعض‪ ،‬فمن الواضح‬
‫عرسا يف الوالدة‪ ،‬أن نفهم ملاذا حُيظر عليها قتل اجلنني‪ ،‬كام هو احلال‬
‫بالنس�بة للمرأة التي تعاين ً‬
‫يف القانون املدين‪.‬‬
‫أم�ا إذا فهمن�ا أن اجلنني وحده هو الذي يرض األم دون أن ترضه هي‪ ،‬فلامذا حُيظر إذن عىل‬
‫األم قتل اجلنني الذي يسكن يف أحشائها بعد أن ظهرت رأسه يف اخلارج؟!‬

‫)*(  «ابن هازل אבן האזל»‪ :‬كتاب يقع يف سبعة أجزاء من وضع احلاخام ايرس زملان ميلترس איסר זלמן מלצר‪ ،‬ويدور حول‬
‫الرايب موسى بن ميمون‪ ،‬وحتديثات الرايب موسى بن نحامن عىل التلمود البابيل‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫وانطال ًق�ا من فرضية أن «حياهتا أهم»‪ ،‬يمكنها أن حتمي نفس�ها‪ ،‬كما هو احلال يف القانون‬
‫املدين الذي جييز لصاحب البقرة قتل اجلنني الذي يلحق األذى باألم‪.‬‬
‫ويس�توي ما تقدم مع ما أوردنا حول الس�ائد بني اليهود؛ حيث إنه حُيظر قتل شخص‪ ،‬إال‬
‫إذا كان هذا من أجل إنقاذ حياة هيودي‪ .‬ويف حالة الوالدة املتعرسة‪ ،‬فإن أحد الطرفني سيموت‬
‫من تلقاء ذاته؛ لذا فإنه حُيظر عىل األم قتل اجلنني لتنقذ نفسها(‪. )40‬‬
‫ثمة تش�ديد يف قانون العقوبات اجلنائية أكثر منه يف القانون املدين العادي؛ حيث إنه حُيظر‬
‫قتل الش�خص الذي ارتكب ذن ًبا دون تعمد‪ ،‬عىل الرغم من أنه ُيس�مح باإلرضار بأمالك نفس‬
‫الشخص‪.‬‬
‫وحسب ما أورد الرايب يرسائيىل)*(‪:‬‬
‫ورغم أنه حُيظر إحلاق األذى باجلنني ما دامت رأسه قد خرجت من بطن األم‪،‬‬
‫فإن هذا يرسي عىل اليهود فحسب؛ حقنًا للدماء (‪.)41‬‬
‫يف املقابل‪ ،‬بالنسبة لألمالك‪ ،‬ال يوجد إلزام بالتضحية بالنفس‪ ،‬مع رضورة حتديد الشخص‬
‫املذنب‪ .‬يتطابق األمر لدى األغيار‪ ،‬فيام خيص هذه احلالة‪ ،‬كام هو احلال يف القانون املدين؛ حيث‬
‫إن مس�ألة التضحي�ة بالنف�س تنب�ع من فرضي�ة «هل حياتك أه�م من حيايت؟»‪ ،‬وليس بس�بب‬
‫رضورة تنفيذ الرشائع‪.‬‬
‫إذا كان القانون املدين جييز لصاحب البقرة قتل اجلنني الذي يس�بب هلا األذى‪ ،‬فإنه ُيسمح‬
‫خطرا عليها؛ انطال ًقا من فرضية «حيايت أوىل»(‪.)42‬‬
‫كذلك للداية أن تقتل اجلنني الذي يشكل ً‬

‫‪ -13‬اخلالف بني التلمود البابلي والتلمود األورشليمي‬


‫ورد يف اجلامرا‪ ،‬وبالتحديد يف السنهدرين‪:‬‬
‫رضرا‪،‬‬
‫قال الرايب هونا ‪ُ :‬يس�مح بإنقاذ حياة الطفل الصغري الذي يس�بب ً‬
‫)**(‬

‫أم�ا الش�خص البالغ فليس من الرضوري حتذي�ره أولاً ‪ ،‬وليس ثمة تفرقة هنا بني‬
‫كبري أو صغري‪.‬‬
‫)*(  الرايب يرسائيىل רבי ישראלי‪ :‬هو شاؤول يرسائيىل שאול ישראלי‪،‬من كبار علامء العهد القديم‪ ،‬وله مؤلفات ترشيعية‬
‫مهمة‪.‬‬
‫كثريا يف التلمودين البابيل واألورشليمي‪ ،‬ينتمي للجيل الثاين من األمورائيم يف بابل‪،‬‬
‫ً‬ ‫ذكره‬ ‫ورد‬ ‫‪:‬‬‫הונא‬ ‫רב‬ ‫هونا‬ ‫الرايب‬ ‫)**( ‬
‫عاش يف النصف األول من القرن الثالث‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫وبالتح�ول للرايب حس�دا وخالفه مع ال�رايب هونا نجد ما يلي‪ « :‬حُيظر إحلاق‬
‫األذى باجلنين إذا أخرج رأس�ه؛ ألنه حُيظر قتل نف�س لصالح نفس أخرى» لكن‬
‫خطرا؟!‬
‫ماذا إذا كان اجلنني هو الذي يمثل ً‬
‫خطرا حقيق ًّيا على األم‪ ،‬رغم أهنا ال‬
‫يب�دو أن اجلمارا أدركت أن املخلوق الصغري يش�كل ً‬
‫متث�ل أي خط�ر عليه‪ ،‬لكن حُيظر عليها قتله؛ ألنه يرض هبا دون قصد‪ ،‬وليس بإرادته‪ ،‬كام ورد يف‬
‫‹تيفئرييت يرسائيل)*(» (‪:)43‬‬
‫«ال ُيعترب الطفل مذن ًبا؛ألنه مل يتعمد إيذاء األم»‪.‬‬
‫وف ًقا هلذا التصور‪ ،‬فإن ثمة تشديدً ا لدى الرشيعة اليهودية أكثر يف القانون املدين كام أوردنا‬
‫سل ًفا‪ .‬لكننا نجد معنى خمتل ًفا يف التلمود األورشليمي‪ ،‬وبالتحديد يف السنهدرين‪:‬‬
‫«هل يمكن افتداء الكبري بالصغري؟»‬
‫انتقد الرايب يرمياهو)**( هذا املبدأ بقوله‪:‬‬
‫« حُيظر إحلاق األذى بالطفل املولود إذا أخرج رأس�ه ومعظم أجزاء جس�ده‪،‬‬
‫حت�ى ال تُزهق روح لصالح روح أخرى»‪ .‬واختلف الرايب يويس)***( مع الرايب‬
‫بون )****( والرايب حسدا حني قال‪« :‬ال يمكن معرفة من قتل من»‪.‬‬
‫ي�رى التلم�ود األورش�ليمي أنه ليس ثمة دليل يف املش�ناه يمنع قتل املول�ود الصغري الذي‬
‫خط�را على أم�ه؛ ألن كال الطرفني يضران بعضهما البعض‪ ،‬كما ورد يف تفسير «بنيه‬ ‫ً‬ ‫يش�كل‬
‫موشيه)*****(»‪.‬‬
‫أيضا يتعرض لنفس‬‫أي أن�ه مثلام تتعرض األم خلطر الوفاة بس�بب آالم ال�والدة‪ ،‬فاملولود ً‬
‫اخلطر ولنفس الس�بب‪ .‬وف ًقا هلذا‪ ،‬فإنه إذا كان أحد الطرفني يرض بالطرف الثاين‪ ،‬حتى لو كان‬
‫רבי יהודה ליווא בן‬ ‫)*(  «تيفئرييت يرسائيل תפארת ישראל»‪ :‬مؤلف فِكري من وضع الرايب هيودا ليفا بن بتسلئيل‬
‫בצלאל‪/‬מהר''ל‪.‬‬
‫)**(  الرايب يرمياهو רבי ירמיהו‪ :‬من كبار األمورائيم حكامء التلمود الذين عارصوا انتهاء تدوينه عىل يد الرايب هيودا‬
‫هناسى يف فلسطني‪ ،‬وعارص اجليل الرابع‪ ،‬ولد يف بابل‪ ،‬وهاجر بعدها لفلسطني‪ ،‬وكان دائماً ينتقد اإلنتاج الفكري‬
‫ليهود الشتات يف بابل‪.‬‬
‫)***(  الرايب يويس רביי יוסי‪ :‬من كبار التنائيم الذين عارصوا آخر ‪ 200‬عام من فرتة اهليكل الثاين‪.‬‬
‫)****(  الرايب بون רבי בון‪ :‬هو الرايب يويس باريب بون‪ ،‬من أمورائيي فلسطني‪ ،‬وينتمي للجيل اخلامس الذي عاش‬
‫يف النصف الثاين من القرن الرابع امليالدي‪.‬‬
‫)*****(  «بنيه موشيه פנה משה»‪:‬الكلمة تعني «وجه موسى» وهو أحد كتب التفاسري اليهودية‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫هذا رغماً عنه‪ُ ،‬يس�مح بقتله‪ ،‬كام جييز القان�ون املدين إحلاق األذى بأمالك الطرف الذي ارتكب‬
‫اخلطأ دون تعمد‪.‬‬
‫م�ن خلال هذه اآلراء‪ ،‬يمكننا أن نتبني أن التس�اؤل الذي يطرح نفس�ه‪ ،‬ح�ول ما إذا كان‬
‫ُيس�مح ليه�ودي بقتل هي�ودي آخر ارتكب جريم�ة قتل رغماً عن�ه أم ال؟‪ ،‬نتبين أن إجابة مثل‬
‫هذا السؤال مرهونة باخلالف القائم بني التلمود األورشليمي والتلمود البابيل‪ .‬فالبابيل ال جييز‬
‫القتل يف هذه احلالة رغم كون الشخص مذن ًبا؛ لوجود تشدد يف حتريم القتل‪.‬‬
‫لكن وف ًقا لألورشليمي‪ ،‬فإنه ُيسمح بقتل الشخص املذنب‪ ،‬وفيام خيص املرأة املتعرسة يف‬
‫والدهتا‪ ،‬ومس�ألة عدم السامح هلا بقتل وليدها‪ ،‬فإن األمر يرجع لصعوبة حتديد املذنب يف بداية‬
‫احلدث‪ ،‬وما يرتتب عىل ذلك من حتديد من يلحق األذى بمن(‪.)44‬‬
‫لكن يمكن أن ندرك عدم وجود خالف حول هذا من خالل ما ييل‪:‬‬
‫فق�د ورد يف «إجي�روت موش�يه»)*( أن�ه يمكنن�ا أن نفه�م مم�ا ورد يف التلمود‬
‫األورش�ليمي أن�ه رغم أن اجلنني يرض باألم بينما ال ترضه هي‪ ،‬كام ورد «مل يقصد‬
‫اجلنين اإلي�ذاء‪ ،‬بل تصادف اس�تحالة أن يعيش�ا كالمه�ا‪ »..‬ف�إن كلاًّ منهام يعد‬
‫مترضرا‪ ،‬حتى إذا كان اجلنني هو السبب؛ ألنه مل يكن متعمدً ا‪.‬‬
‫ً‬
‫أيضا يتفق مع أن اجلنني هو من يؤذي األم‪.‬لكن األورش�ليمي يتفق‬ ‫أي أن األورش�ليمي ً‬
‫ويظر قتله يف ه�ذه احلالة؛ ألن القانون‬‫كذل�ك مع أن اجلنني يتس�بب يف هذا الضرر رغماً عنه‪ ،‬حُ‬
‫اجلنائي لدى اليهود ال جييز قتل من يتسبب يف رضر رغماً عنه‪.‬‬
‫ويظر عىل أي منهام إحلاق‬
‫خطرا عىل الطرف اآلخر‪ ،‬حُ‬
‫ففي مثل هذه احلالة يمثل كل طرف ً‬
‫األذى بالطرف اآلخر‪.‬‬
‫ويصف التلمود األورش�ليمي هذا الوضع باجلمل�ة التالية «ال تعلم َمن قتل َمن؟»‪ ،‬فرغم‬
‫أن اجلنين ه�و الذي يتس�بب يف األذى‪ ،‬فإن�ه يفعل هذا رغماً عن�ه‪ ،‬لذا حُيظر املس�اس به‪ .‬يتفق‬
‫التلمود األورش�ليمي والتلمود البابيل يف اتباع هذا األس�لوب‪ ،‬أي أن من تسبب يف رضر دون‬
‫قصد‪ ،‬ليس عليه ذنب‪ ،‬رغم أن القانون املدين جييز الدفاع عن النفس ضد الش�خص املتس�بب‬
‫يف الرضر رغماً عنه‪.‬‬

‫)*(  «إجيروت موشيه אגרות משה»‪ :‬والكلمة تعنى «رسائل موسى» كتاب تفسريي يقع يف ثامنية أجزاء من تأليف الرايب‬
‫موشيه فاينشتاين משה פיינשטיין‪ ،‬ويضم بني دفتيه جمموعة من األحكام الترشيعية التي تشكل حجر أساس يف جمال‬
‫الفتاوى الرشعية‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫* يمك�ن القول إن التلمود األورش�ليمي يتفق مع عدم قتل الش�خص الذي أحلق األذى‬
‫دون تعمد‪ ،‬وما د َّعم إلغاء هذا الدليل من املشناه هو أن كال الطرفني يرض بعضه البعض‪ .‬ولكن‬
‫هذا ال يعني اس�تحالة نفي جلوء الطرف املتع�دي للقوة‪ ،‬إال أن افرتاض أن كال الطرفني هياجم‬
‫بعضه البعض‪ ،‬هلو افرتاض تم اخلالف بش�أنه بش�كل يتطلب اإلس�هاب‪ ،‬رغم أنه بغض النظر‬
‫ع�ن هذا‪ ،‬حُيظر قتل اجلنني؛ ألنه تس�بب يف الرضر رغماً عن�ه (ويمكننا أن نضيف كذلك أنه من‬
‫امله�م إجياد ذريعة لذل�ك‪ ،‬حتى نتعلم من هنا أن القانون املدين ه�و اآلخر ال جييز إيذاء اجلنني‪،‬‬
‫رغم عدم تشدد القانون اجلنائي يف هذا)‪.‬‬
‫وف ًق�ا هلذا‪ ،‬فإن�ه ليس ثمة خالف بين التلمود البابلي والتلمود األورش�ليمي حول عدم‬
‫السماح بقتل الش�خص املتس�بب يف الرضر رغماً عنه‪ ،‬لكن هناك خلاف بينهام حول الظروف‬
‫عرسا يف الوالدة‪ ،‬وهل ُيس�مح يف ضوء هذا الكالم‪ ،‬لصاحب البقرة‬
‫املحيطة باألم التي تواجه ً‬
‫بأن يصد هجوم هذا اجلنني الذي يتسبب للبقرة يف آالم تؤدي لتعرس يف الوالدة؟‬
‫* ثم�ة احتاملي�ة أخرى مفاده�ا‪ :‬إن التلمود البابيل يتف�ق مع التلمود األورش�ليمي حول‬
‫رضورة قتل الشخص الذي تسبب يف الرضر رغماً عنه‪.‬‬
‫وف ًق�ا هل�ذه الفرضية‪ ،‬نفه�م أن التلمود البابيل يقص�د أن «األذى كان قدر ًّي�ا»‪ ،‬أي أنه من‬
‫ويظر قتل اجلنني(‪.)45‬‬ ‫املستحيل اجلزم بأن اجلنني أرض باألم؛ لذا فكال الطرفني يعد آثماً ‪ ،‬حُ‬
‫وبن�اء على هذه الفرضية‪ ،‬فإنه ليس ثمة فرق بني اليهود واألغيار يف القانون املدين‪ ،‬أي أنه‬
‫ُيسمح بقتل الشخص الذي أحلق األذى رغماً عنه‪ ،‬سواء يف القانون املدين أو اجلنائي‪.‬‬
‫عىل أية حال‪ ،‬فإن أحكام القانون اجلنائي فيام خيص التضحية بالنفس لدى األغيار‪ ،‬ليست‬
‫أكثر خطورة من أحكام القانون املدين؛ لذا فليس ثمة خالف حول السماح ألي ش�خص غري‬
‫هيودي بقتل غري اليهودي الذي سقط فوقه من عل رغماً عنه‪.‬‬
‫ونورد فيام ييل جدول ببعض االختالفات بني التلمود البابيل واألورشليمي‪ ،‬فيام سبق من‬
‫قضايا‪:‬‬

‫‪142‬‬
‫التفسري املحتمل‬ ‫اخلالف بين التلمود‬ ‫األورشليمي‬ ‫ثمة خالف فحسب‬ ‫البابيل يتفق مع‬
‫البابيل واألورشليمي‬ ‫تفسري ‪1‬‬ ‫يف القانون املدين‬ ‫األورشليمي‬
‫(التفس�ــري البس�ـيط‬ ‫تفسري‪2‬‬ ‫تفسري ‪3‬‬
‫ال�ذي ورد يف مت�ن‬
‫الفصل)‬
‫البابلــ�ي‪ُ :‬يس�ــمح ُيس�مح لصاح�ب البــابــيل‪ُ :‬يس�ــمح حك�م جنين البق�رة‬ ‫حُيظر التدخل‬
‫لصاح�ب البقرة بقتل البقــ�رة بقتـــ�ل لصاحب البقرة بقتل وجنني األغيار‬
‫باجلنني‬ ‫باجلنني‬ ‫باجلنني‬
‫األورش�ليمي‪ :‬حُيظ�ر‬ ‫األورش�ليمي‪ :‬حُيظ�ر‬
‫التدخل‬ ‫التدخل‬
‫اجلنني اليهودي‬ ‫حُيظر إيذاؤه‬ ‫حُيظر إيذاؤه‬ ‫حُيظر إيذاؤه‬ ‫حُيظر إيذاؤه‬

‫اليهودي الذي سقط‬ ‫البابيل‪:‬يظر إيذاؤه‬


‫حُ‬ ‫حُيظـر(حتـى علـى حُيظر(حتــ�ى علـ�ى حُيظر(حتـ�ى على‬
‫املتضـ�رر) إيــذاء املتضــ�رر) إيــ�ذاء املتضرر) إيــ�ذاء األورشليمي‪ُ :‬يسمح من ٍ‬
‫عل فوق هيودي‬
‫للمترضر بإيذائه‬ ‫املعتدي‬ ‫املعتدي‬ ‫املعتدي‬

‫ُيس�مح للمتضرر ُيس�مـــح للمتضرر ُيس�مح للمتضرر ُيس�ــمح للمتـضرر غير اليه�ودي الذي‬
‫س�قط ف�وق غير‬ ‫بإيذائه‬ ‫بإيذائه‬ ‫بإيذائه‬ ‫بإيذائه‬
‫اليهودي من ٍ‬
‫عل‬

‫‪ -14‬ملخص‬
‫يف حالة «اقتل فالنًا أو نقتلك»‪ ،‬نجد خال ًفا لدى األغيار‪:‬‬
‫حس�ب ش�موئيل شنيئورس�ون»‪ُ ،‬يس�مح للمترضر بإيذاء الذي تعدى عليه‬
‫لينق�ذ نفس�ه‪ ،‬وحس�ب كت�اب «باراش�ات دراخيم»‪ ،‬فإن�ه حُيظر االحت�كام ألي‬
‫فرضية من الفرضيات سالفة الذكر‪.‬‬
‫إن الرخصة التي يمنحها ش�موئيل شنيئورس�ون مفادها عىل أية حال‪ ،‬هو أن‬
‫خطرا ما‪ ،‬لذلك ُيسمح لغري اليهودي‪ ،‬إذا قام أحدهم‬
‫وجود الطرف اآلخر يمثل ً‬

‫‪143‬‬
‫بالوقوف يف طريقه‪ ،‬أن يقتله لينقذ حياته‪ .‬وجيب مناقشة مسألة ما إذا كان ُيسمح‬
‫خطرا‬
‫لغري اليهودي‪ ،‬حس�ب ش�موئيل شنيئورسون‪ ،‬بقتل شخص آخر ال يمثل ً‬
‫عليه‪ ،‬بل هو فحسب‪ ،‬يرغب يف استغالل وجوده يف املكان لينقذ حياته؟‬
‫وف ًق�ا لكت�اب «باراش�ات دراخي�م»‪ ،‬فإنه جيب على غري اليه�ودي التضحية‬
‫بحياته يف حالة القتل‪ ،‬مثلام هو احلال لدى اليهود؛ ألنه لدى اليهود ينبع األمر من‬
‫رضورة التضحية بالنفس فيام خيص تنفيذ الفرائض الدينية‪ ،‬يف الوقت الذي ينبع‬
‫فيه األمر لدى األغيار من جمرد فرضيات‪.‬‬
‫يؤكد كتاب «باراشات دراخيم» عىل أنه إذا كان أحد الطرفني يمثل خطورة‪ ‬‬
‫على الطرف اآلخر‪ ، ‬حتى ل�و كان هذا رغماً عنه‪ُ ،‬يس�مح للطرف األول بإحلاق‬
‫األذى بالط�رف الثاين‪ ،‬كام هو احلال يف القان�ون املدين الذي حيفظ للطرف األول‬
‫حقه يف الدفاع عن نفسه‪ .‬هذا رغم أن الرشيعة اليهودية ال جتيز هذا(‪.)46‬‬
‫«اقتل فالنًا أو العالج عن طريق‬ ‫من يعرتض طريق شخص شخص يلحق‬ ‫‪   ‬‬
‫إيذاء الغري‬ ‫نقتلك»‬ ‫األذى دون تعمد‬ ‫هيرب من قاتل‬
‫ُيسمح بإيذائه‬ ‫ُيسمح بإيذائه‬ ‫ُيسمح بإيذائه‬ ‫ُيسمح بإيذائه‬ ‫شموئيل شنيئورسون‬
‫(تفسري بسيط)‬
‫حُيظر إيذاؤه‬ ‫ُيسمح بإيذائه‬ ‫ُيسمح بإيذائه‬ ‫ُيسمح بإيذائه‬ ‫«أور ساميح»‬
‫أيضا‬
‫وربام يتفق معه ً‬
‫«شموئيل شنيئورسون»‬
‫حُيظر إيذاؤه‬ ‫ُيسمح بإيذائه‬ ‫ُيسمح بإيذائه‬ ‫ُيسمح بإيذائه‪ ،‬وسيتضح‬ ‫أسلوب كتاب‬
‫األمر فيام بعد‬ ‫«باراشات دراخيم»‬

‫‪ -15‬حكم الشخص الذي يتسبب يف أذى بشكل مباشر‪ ،‬اعرتاض طريق يف‬
‫حكم امللكية اخلاصة‪:‬‬
‫ذكرن�ا فيام س�بق القضية الواردة يف التلم�ود يف «بابا قاما» يف الفص�ل الثالث‪ ،‬والتي تدور‬
‫ح�ول السماح بإحل�اق األذى بالش�خص املتع�دي التق�اء رشه‪ ،‬حت�ى إذا كان ه�ذا األذى تم‬
‫رغماً عنه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫«معتد»‪:‬‬ ‫سنناقش اآلن أمثلة أخرى وردت يف اجلامرا لتعريف كلمة‬

‫‪144‬‬
‫«م�ن يملأ فِن�اء صديق�ه بأباري�ق اخلم�ر والزي�ت الت�ي يمتلكه�ا‪ُ ،‬يس�مح‬
‫بتحطيمها»‪.‬‬
‫املقصود ببس�اطة هو أنه‪ :‬إذا كان صاحب الفناء يتعرض خلس�ارة مادية بسبب وجود هذه‬
‫األباريق لديه‪ ،‬فإنه ُيسمح له بتحطيمها لينقذ نفسه من اخلسارة‪.‬‬
‫ثم�ة س�ؤال يطرح نفس�ه هنا‪ :‬هل اجلمارا تقصد هنا فحس�ب أن هذا الش�خص قد وضع‬
‫األباريق عن عمد‪ ،‬أم أن األمر يس�توي إذا فع�ل هذا دون تعمد؟ ‪ ‬ونورد مثالاً آخر هنا‪ :‬انتقال‬
‫أغراض األول لفناء الثاين الذي يقطع الطريق عىل األول‪ .‬مالك الفناء يهُ رع للخروج من الفناء‪،‬‬
‫وإذا مل يتمكن من اخلروج‪،‬اآلن‪ ،‬س�يتعرض خلسارة مادية كبرية‪ ،‬رغم أنه يعلم أنه ربام يصطدم‬
‫بأغراض األول‪ ،‬مما سيؤدي إىل حتطيمها رغماً عنه‪.‬‬
‫أيضا عندما تتواجد أغراض شخص ما يف فنائي رغماً عني‪ُ ،‬يسمح‬ ‫وف ًقا ملا ورد سل ًفا‪ ،‬فإنه ً‬
‫يل ب�اإلرضار بأغراض�ه‪ ،‬إذا كان�ت تعيق طريق اخلروج من الفناء؛ ألهنا تتس�بب يل يف خس�ارة‬
‫مادية‪ .‬يف هذه احلالة‪ ،‬تس�بب صاحب األغراض يف أذى دون أن يقصد؛ ألن أغراضه يف حوزة‬
‫شخص آخر‪ ،‬و ُيسمح‪ ،‬كام أسلفنا‪ ،‬بإحلاق األذى بأغراضه تلك‪.‬‬
‫(‪)47‬‬
‫مث�ال آخ�ر‪ :‬ألق�ى رأوبني ببع�ض األواين م�ن فوق الس�طح‪ ،‬لتس�قط فوق وس�ائده‬
‫املوضوعة حتت الترصف العام‪ ،‬واملوجودة يف مكان ُيسمح له باستخدامه‪ .‬سقط شمعون دون‬
‫تعمد‪ ،‬وكان عىل وش�ك إس�قاط الوسائد أثناء س�قطته تلك‪ ،‬ونتيجة هلذا حتطمت األواين التي‬
‫س�قطت من فوق الس�طح‪ .‬ببساطة‪ُ ،‬يسمح لرأوبني الدفع بشمعون ومنعه من السقوط والدفع‬
‫بالوس�ائد‪ ،‬حتى لو تس�بب هذا يف رضر مادي لش�معون؛ ألن ش�معون يتسبب يف رضر مادي‬
‫لرأوبني بسقوطه‪ ،‬وبالتايل من حق رأوبني الدفاع عن نفسه‪  .‬‬

‫‪ -16‬حك���م ف���رض غرام���ة مالية على م���ن ُيلحق األذى بالش���خص الذي‬
‫يقطع الطريق‬
‫ورد يف اجلمارا يف «باب�ا قاما»‪ ،‬حول الغلة)*( التي تعيق إنقاذ أحدهم‪ ،‬أن الش�خص الذي‬
‫تعويضا ماد ًّي�ا وف ًقا لألص�ول املرعية يف هذه‬
‫ً‬ ‫ُيلح�ق األذى بالغل�ة لينقذ نفس�ه‪ ،‬علي�ه أن يدفع‬
‫احلالة‪ ،‬حتى إذا كانت مسألة حياة أو موت‪:‬‬
‫«يظر عىل اليهودي أن يتس�بب ليهودي آخر يف خس�ارة مادية لينقذ نفس�ه»‪،‬‬
‫حُ‬
‫)*( املقصود بالكلمة يف اللغة املحصول بشكل عام‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫تعويضا ماد ًّيا عندما أنقذ نفسه؛‬
‫ً‬ ‫وكام ورد يف التفاسري اخلارجية‪« :‬وعليه أن يدفع‬
‫ألهن�ا مس�ألة حياة أو موت»(‪ .)48‬التفسير اخلاص باجلامرا مف�اده هو‪ :‬أن الغالل‬
‫أعاقت الطريق أثناء حماولة إحلاق األذى بالفلستينيني )*( (‪.)49‬‬
‫‪ ‬ورغ�م ه�ذا ف�إن داود ملزم بدفع تعوي�ض‪ ،‬إذا أحل�ق األذى بالغلة؛ ألنه أنقذ نفس�ه عىل‬
‫أيضا بالنسبة للمترضر الذي ح َّطم األواين؛ حيث ورد‪:‬‬‫حساب أمالك الغري‪ ،‬ونفس احلال ً‬
‫إذا تعمد شخص إيذاء شخص آخر‪ ،‬وقام أثناء ذلك بتحطيم األواين اخلاصة‬
‫ملزما بدف�ع تعويض عن اخلس�ائر؛ ألن�ه حاول‬
‫بش�خص ثال�ث‪ ،‬حينئ�ذ يك�ون ً‬
‫االستفادة عىل حساب أمالك الغري‪.‬‬
‫أي أنه عىل الرغم من أنه ُيسمح للمترضر بإحلاق األذى باألغراض التي تعيق طريقه؛ ألن‬
‫حياته مهددة‪ ،‬فإنه ملزم بدفع تعويض عن ذلك‪.‬‬
‫خطرا‪ ،‬ومن املستحيل‬
‫من وجهة نظر القانون املدين‪ ،‬فإن األمالك التي تعيق الطريق ال تعد ً‬
‫التعرض هلا دون دفع تعويض‪.‬‬
‫بمعن�ى آخ�ر‪ :‬إذا مل يكن ثم�ة خطر على األرواح واقترص األمر عىل رضر م�ادي‪ ،‬يرغب‬
‫الفلستينيون‪ ،‬أي املترضر‪ ،‬يف أن يتم سداده‪ ،‬فإنه حُيظر التعرض لألمالك التي تعرتض الطريق‪،‬‬
‫ولذلك فإنه عندما ُيسمح بفعل هذا إلنقاذ حياة شخص آخر‪ ،‬جيب دفع التعويض‪.‬‬

‫‪ -17‬االنقس���ام يف ال���رأي حول حكم الش���خص املتعدي والش���خص الذي‬


‫يعيق طريق اإلنقاذ‬
‫ألول وهلة‪ ،‬نجد أنفسنا أمام معضلة مفادها أنه‪ :‬من ناحية‪ ،‬رأينا أنه عندما ترضين أمالك‬
‫شخص ما‪ ،‬يمكنني الدفاع عن نفيس وإحلاق األذى بأمالكه‪ ،‬حتى لو كان هذا رغماً عنه‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬عندما تعيق أغراض شخص ما طريقي‪ ،‬فأقوم بإحلاق األذى به إلنقاذ‬
‫نفسي‪ ،‬أك�ون ملز ًما بدف�ع تعويض عن هذا‪ ...‬ما الس�بب يف هذا؟ إذ إن ه�ذه األغراض تعيق‬
‫طريق�ي وتع�رض حيايت للخطر‪ ،‬ولذلك ُيس�مح يل بإحلاق األذى هبا إلنقاذ حي�ايت‪ .‬ما الفرق‬
‫إذن بني احلالتني؟‬

‫)*(  الفلستينيون פלשתים‪ :‬أحد شعوب منطقة الرشق األدنى القديم‪ ،‬وخاضوا – بحسب العهد القديم – حر ًبا ضد‬
‫سبط إرسائيل بقيادة امللك داود‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫االنقسام يف الرأي بني احلالتني يدور حول أنه‪ :‬إذا كان ألول وهلة‪ُ ،‬يسمح للشخص الذي‬
‫تس�بب يف األذى رغماً عنه أن يفعل ما فعل (يف احلالة التي حياول فيها إنقاذ نفس�ه من خس�ارة‬
‫مادية)‪ ،‬حُيظر عىل الشخص الثاين أن يرضه‪.‬‬
‫مترضرا‪ ،‬وجيب‬
‫ً‬ ‫هذا هو السبب الذي جيعل القانون املدين ال يعترب مالك الغلة متعد ًيا‪ ،‬بل‬
‫تعويضه عن خسارته‪ .‬و ُيسمح للشخص أن يضع أمالكه يف أي مكان‪ ،‬حتى لو بإمهال‪ ،‬وحتى‬
‫إذا كان هذا سيتسبب يف رضر مادي لشخص آخر‪.‬‬
‫فمثًل�اً ‪ :‬إذا كان�ت ثمة عرب�ة فارغة تتدحرج يف اجتاهي‪ ،‬والوس�يلة الوحي�دة إلنقاذها هو‬
‫أن تعبر م�ن الطريق الذي أسير فيه (والذي حيق يل السير من خالله)‪ ،‬من املس�تحيل إلزامى‬
‫بالتوق�ف ع�ن السير إلخالء الطري�ق للعربة‪ ،‬حت�ى لو تعم�دت هذا؛ ألن امل�كان خمصص يل‬
‫(والس�بب الوحيد الذي جيعلني أخىل الطريق ه�و فريضة «إعادة األغراض املفقودة)*(»‪ .‬حتى‬
‫إذا فعل�ت ه�ذا عن عم�د‪ ،‬حُيظر عىل صاحب العربة أن يعطي لنفس�ه احل�ق يف إحلاق األذى يب‬
‫بدعوى أين مل ُأعيد إليه أغراضه املفقودة‪ .‬يتطابق هذا احلكم مع احلكم الذي حيظر رسقة القليل‬
‫من املال من الطرف الثاين من أجل كسب مبلغ مايل أكرب(‪.)50‬‬
‫وعىل هذا‪ ،‬يكون موقف داود يف احلالة سالفة الذكر هو أنه‪ :‬أنقذ نفسه عىل حساب أمالك‬
‫الغري‪.‬وم�ن حق مالك الغلة أن حيصل على تعويض وف ًقا ملا يقره القانون املدين‪ .‬عىل الرغم من‬
‫أن القانون اجلنائي جييز إحلاق األذى بالغلة يف هذه احلالة؛ ألن إنقاذ حياة شخص أهم من إنقاذ‬
‫األمالك‪.‬‬
‫ه�ذا يعن�ى أن�ه‪ ،‬إذا كان ثمة ش�خص مؤذ طلب من ش�خص آخ�ر أن يش�غل طريق إنقاذ‬
‫ش�خص ثالث يف م�كان مهجور‪ ،‬هبدف منع الط�رف الثالث من إنقاذ نفس�ه من الرضر املادي‬
‫الذي سيلحق به من ِق َبل الطرف األول‪ ،‬بينام الشخص الثالث هيدد بفرض عقوبة عىل من يقف‬
‫يف طريقه‪ُ ،‬يسمح يف هذه احلالة بغلق الطريق‪.‬‬
‫ال شك يف أنه ُيسمح بالتعرض خلسارة مادية من أجل إنقاذ األرواح‪ ،‬كام ورد يف «شوحلان‬
‫عاروخ»‪ .‬لكن هذا الش�خص ال يعد متعد ًيا يف هذه احلالة (إال إذا كان ملز ًما بإعادة األغراض‬
‫املفقودة‪ ،‬وهو األمر الذي ال يتضمن دفع تعويض كام س�نرى) لكن حُيظر‪ ،‬يف حالة الثور الذي‬
‫)*(  إعادة األغراض املفقودة השבת אבידה‪ :‬تفرض الرشيعة اليهودية إعادة األغراض املفقودة ألصحاهبا‪ ،‬وف ًقا لألمر‬
‫الوارد يف التوراة يف (تثنية ‪.)3 – 1 :22‬‬

‫‪147‬‬
‫صع�د ف�وق ث�ور آخر‪ ،‬اس�تغالل ثور إليذاء ث�ور آخر‪ .‬لذا ف�إن مالك الثور ه�و املتهم بإحلاق‬
‫األذى‪ ،‬حتى لو كان هذا رغماً عنه‪ ،‬و ُيسمح باالحتامء ضد هذا األذى‪.‬‬
‫أما فيام خيص من يشغل فناء غريه دون تعمد‪ ،‬بوضع أغراضه لديه‪ ،‬فاملكان املهجور يكون‬
‫من حق من يش�غله أولاً ‪ ،‬حتى ينقذ نفس�ه من الرضر الذي سيلحق به‪ .‬لكن الفناء الذي يملكه‬
‫الطرف الثاين ليس ملكي‪ ،‬وإذا كان ثمة شخص هيددين بإحلاق األذى بأمالكي إذا مل أقم بشغل‬
‫عرضني هذا خلسارة مادية‪.‬‬ ‫عيل أن أطيعه يف ذلك‪ ،‬حتى لو ّ‬
‫الطريق‪ ،‬حُيظر َّ‬

‫‪ -18 ‬حكم إلزام إعادة األغراض املفقودة لدى اليهود واألغيار‬


‫نعود لواقعة الش�خص الذي امتلك قطعة أرض مهجورة لالستخدام الشخيص‪ ،‬بينام ثمة‬
‫شخص آخر يف حاجة هلذه األرض لينقذ نفسه من خسارة مادية‪ .‬كنا قد أوضحنا‪ ،‬حتى اآلن‪،‬‬
‫أن�ه حُيظر عىل الش�خص الذي يواجه أزم�ة مادية‪ ،‬أن يلحق األذى باألملاك التي ختص مالك‬
‫األرض؛ ألن مصلح�ة األخير ه�ي املهم�ة‪ ،‬وهو الذي م�ن حقه اس�تغالل األرض ألغراضه‬
‫الشخصية‪.‬‬
‫ونتساءل‪ :‬هل ثمة إلزام عىل الذي يمتلك األرض بإخالء املكان من أغراضه‪ ،‬حتى يتسنى‬
‫للشخص الثاين إنقاذ نفسه من اخلسارة التي ستلحق به؟‬
‫الرشيعة اليهودية تلزمه بحكم إعادة األغراض املفقودة‪ ،‬كام ورد يف «شوحلان عاروخ»‪:‬‬
‫ً‬
‫أغراض�ا مفقودة من بن�ي إرسائيل‪ ،‬عليه العم�ل عىل إعادهتا‬ ‫م�ن رأى منك�م‬
‫ألصحاهبا؛ حيث ورد يف العهد القديم أن «عليك بإعادهتا»‪ ،‬واألمر نفسه بالنسبة‬
‫للأرض‪ ،‬بمعنى وجوب املحافظ�ة عليها؛ حيث ورد أن�ه «إذا رأيتم املياه تتدفق‬
‫لرتوى أحد احلقول‪ ،‬عليكم بإحاطة األرض بسياج إلنقاذها من الغرق»‪.‬‬
‫يقتصر تنفي�ذ هذا احلكم عىل أال يتس�بب ذل�ك يف خس�ارة مادية نتيجة إخلاء األرض‪.‬‬
‫ولي�س ثم�ة إلزام بدفع تعويض عن أي خس�ارة مادية حتى تعود األغ�راض املفقودة‪ ،‬كام ورد‬
‫يف «شوحلان عاروخ»‪:‬‬
‫إذا فق�د ش�خصان أغراضهما‪ ،‬وكان األول ق�د تس�بب يف ضي�اع أغ�راض‬
‫الثاين‪ ،‬إذا اس�تطاع إعادهتا فليفعل‪ ،‬وإذا مل يس�تطع فعليه إعادة أغراضه فحسب؛‬
‫ألهنا أهم‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫ال يوجد إلزام عىل أي ش�خص بالتضحية بأمواله ليعيد أغراض ُفقدت من شخص آخر‪،‬‬
‫ويظر املطالب�ة بأجر إلعادة‬
‫لك�ن إذا كان ه�ذا ل�ن ينطوي عىل خس�ارة مادية‪ ،‬عليه بإعادهت�ا‪ .‬حُ‬
‫األغراض املفقودة؛ حيث ورد‪:‬‬
‫«من يعيد املفقودات‪ ،‬فليعيدها دون مقابل»‪.‬‬
‫وجيب عىل الش�خص الذي يش�غل الطريق أن يق�وم بإخالئه دون مقاب�ل‪ ،‬ناهيك عن أنه‬
‫حُيظر عىل أي هيودي أن يش�غل طريق صاحبه دون س�بب؛ ألنه هبذا س�يمنعه من إنقاذ حياته‪،‬‬
‫مهجورا‪.‬‬
‫ً‬ ‫حتى إذا كان هذا الطريق‬
‫ٍ‬
‫حينئذ يتم إعفاؤه‬ ‫األمر مباح فقط إذا كان من سيعرتض الطريق ستلحق به خسارة مالية‪،‬‬
‫من االلتزام برشيعة إعادة األغراض املفقودة؛ ألن استعادة أغراضه أهم يف هذه احلالة‪ .‬أما لدى‬
‫األغيار‪ ،‬فليس ثمة إلزام بمبدأ إعادة األغراض املفقودة‪.‬‬
‫إذا امتلك أحد األغيار منطقة ما‪ ،‬غري ملزم بإخالئها‪ ،‬حتى إذا كان يستطيع فعل هذا دون‬
‫أن يصيبه أي رضر(‪ .)51‬وحيق له البقاء يف املكان‪ ،‬بل ومطالبة الشخص اآلخر بأن «تدفع يل أنت‬
‫مقابلاً إذا كنت ترغب يف أن ُأخيل لك الطريق»‪.‬‬
‫‪ ‬وف ًق�ا هل�ذا‪ ،‬نورد حالة مش�اهبة‪ :‬هربت البقرة الت�ي يمتلكها أحد األغي�ار‪ ،‬فقام صاحبها‬
‫بمطاردهتا يف منطقة مهجورة تضم طري ًقا ضي ًقا‪ .‬ماذا يكون حكم شخص يكره صاحب البقرة‪،‬‬
‫ويريد الوقوف يف منتصف هذا الطريق الضيق ليغلقه‪ ،‬حتى يتسبب له يف خسارة مادية؟‬
‫وجدن�ا أنه م�ن الناحية الترشيعي�ة‪ ،‬ال يوجد ما يمنع�ه من فعل هذا‪ ،‬فمن حقه اس�تغالل‬
‫املنطقة املهجورة كيفام شاء‪ ،‬حتى لو تسبب هذا يف رضر مادي لشخص آخر‪.‬‬

‫‪ -19‬حكم اليهودي الذي يعرتض طريق إنقاذ أمالك ختص يهودي آخر‬
‫لقد أوضحنا أنه حُيظر عىل أي هيودي أن يمنع حماولة إنقاذ ش�خص آخر ألمالكه‪ ،‬اس�تنا ًدا‬
‫إىل فريضة إعادة األغراض املفقودة‪ .‬ماذا يكون احلكم إ ًذا يف حالة قيام أحد املجرمني باللجوء‬
‫للتهديد لغلق الطريق؟‬
‫عىل س�بيل املث�ال‪ :‬قام أحد األش�قياء بإرضام النيران يف منزل رأوبين‪ ،‬و علم األخري بام‬
‫حدث‪ ،‬فأرسع لينقذ منزله من االحرتاق‪ .‬توجه حينها هذا الش�قي لش�معون وطلب منه إعاقة‬

‫‪149‬‬
‫طري�ق رأوبين حتى ال يتمكن م�ن إنقاذ منزله‪ .‬وه�دده برسقة ماله إذا مل ينف�ذ أوامره‪ .‬امتثل‬
‫ش�معون لتهديده وذه�ب ليعرتض طريق رأوبين‪ .‬عندما حرض األخري طال�ب األول بإخالء‬
‫الطريق‪ ،‬فهل شمعون ملزم بإخالء الطريق؟‬
‫رغ�م القاعدة التي أوردناها س�ل ًفا‪ ،‬ح�ول رضورة إعادة األغراض املفقودة‪ ،‬فإنه ُيس�مح‬
‫لشمعون منع رأوبني من املرور؛ ألنه سيتكبد خسارة مالية إذا سمح له باملرور‪.‬‬
‫ال شك يف أن التوراة استحدثت هذا الترشيع حلامية األمالك‪ ،‬إال أهنا‪-‬أي التوراة‪ -‬تقرص‬
‫هذه الرخصة عىل إنقاذ األرواح‪ ،‬ومل جتعلها شاملة لتضم إنقاذ األمالك كذلك‪.‬‬
‫وال يوجد انقسام يف اآلراء فيام خيص احلالة السابقة(‪.)52‬‬

‫‪ -20‬حكم اعرتاض غري اليهودي لطريق غري اليهودي أثناء حماولة إنقاذ‬
‫حياته‬
‫سنناقش هنا مسألة منع شخص من إنقاذ حياته‪.‬‬
‫ثمة مركبة يستقلها شخص يعاين من أزمة قلبية أثناء مروره بمنطقة مهجورة‪ ،‬وإذا مل يستطع‬
‫بلوغ املستش�في س�يلقى حتفه‪ ،‬يف الوقت نفسه‪ ،‬ثمة شخص آخر يرغب يف االستيالء عىل هذه‬
‫املنطقة املهجورة‪ ،‬لكنه هبذا الشكل سيقطع الطريق عىل املركبة إذا ذهب ليقف أمامها‪.‬‬
‫ال يسري على األغيار األمر الت�ورايت الذي ينص على أن «ال تقف يف وج�ه إنقاذ أخيك‬
‫م�ن املوت)*(»‪ .‬لكن بالنظر إىل احلالة التي نناقش�ها‪ ،‬س�ندرك أن األمر ال يقترص فحس�ب عىل‬
‫أيضا عن «اعرتاض طريق ُيس�تخدم إلنقاذ حياة‬
‫«منع إنقاذ أخيك من املوت»‪ ،‬ولكننا نتحدث ً‬
‫شخص غري هيودي»‪.‬‬
‫تعترب اجلامرا من يغلق الطريق يف هذه احلالة آثماً وقاتلاً ؛ ألنه حيول دون إنقاذ حياة شخص‬
‫آخر‪ .‬وال ش�ك أنه ليس م�ن حقه االحتكام لفرضية «حياتك ليس�ت أهم من حيايت» وفرضية‬
‫«حيايت أوىل» يف مواجهة الطرف الثاين؛ ألنه يستطيع إخالء الطريق‪ ،‬وهبذا تنتهي املشكلة‪.‬‬
‫أيضا عىل حالة «كُن سلب ًّيا )**(»‪ :‬إذا جلس شخص غري هيودي‪ ،‬ورفض‬
‫يرسي هذا احلكم ً‬

‫)*(  «ال تقف يف وجه إنقاذ أخيك من املوت לא תעמוד על דם רעך»‪ :‬هي إحدى األوامر املذكورة يف التوراة‪ ،‬وبالتحديد‬
‫يف سفر الالويني (‪.)16 :19‬‬
‫)**(  «كن سلب ًّيا שב ואל תעשה»‪ :‬هي قاعدة ترشيعية تعني أنه إذا كان ثمة شك يف أن القيام بيشء معني سيفيد أو‬
‫سيؤدي إىل كارثة‪ ،‬فمن األفضل التوقف‪ ،‬متا ًما‪ ،‬وعدم القيام بأي يشء‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫أن ينه�ض يف طريق ُيس�تخدم إلنقاذ حياة غري هيودي‪ُ ،‬يس�مح لألخري بقت�ل األول؛ ألنه ليس‬
‫ويظر عىل‬‫ثم�ة أي فرضية تلزمه بالتضحية بحياته من أجل الش�خص الذي يعترض طريقه‪ .‬حُ‬
‫الش�خص األول االحتكام لفرضية «هل حياتك أهم من حيايت؟»؛ ألن الش�خص الثاين يمكنه‬
‫الرد بأن‪«:‬فلتنهض أنت لتخيل الطريق‪ ،‬وهبذا نكون قد أنقذنا حياتنا م ًعا»(‪.)53‬‬

‫‪ -21‬حكم من يغلق طريق شخص يف الشريعة اليهودية‬


‫* س�يناقش الفص�ل الق�ادم الوضع لدى اليه�ود؛ حي�ث إن األحكام لدهيم أكث�ر تعقيدً ا‬
‫وتش�ابكًا من مثيلتها لدى األغيار‪ ،‬كام س�نرى‪ ،‬ويمكنك أن تتجاوز هذا الفصل‪ ،‬فهو خمصص‬
‫فحسب‪ ،‬ملن يرغب يف التعمق أكثر فيام خيص مسألة منع شخص من إنقاذ حياته‪.‬‬
‫* يرسى احلكم الذي جييز قتل من يغلق الطريق‪ ،‬لدى اليهود مثلام هو احلال لدى األغيار‪.‬‬
‫وعلى الرغ�م من أن من ال ُينقذ صاحب�ه يتجاهل بذلك األمر التورايت ال�ذي ينص عىل أن «ال‬
‫ويظر قتله(‪ .)55‬ولكن ُيسمح بقتله ها هنا؛ ألنه‬
‫تقف يف وجه إنقاذ أخيك» (‪ ،)54‬فإنه ال يعد آثماً حُ‬
‫تسبب يف أذى مل يكن ليحدث من دونه(‪.)56‬‬
‫ورغم أن الش�خص الذي أغلق الطريق وصل إىل املكان أولاً ‪ ،‬فإن إنقاذ األرواح أهم من‬
‫إنقاذ األمالك؛ لذا فالطريق اآلن معد للذي حياول إنقاذ حياته‪ .‬وما أوردناه حول األمالك‪ ،‬من‬
‫حيث إنه حيق يل استغالل منطقة مهجورة‪ ،‬حتى إذا أرض ذلك بأمالك الغري‪ ،‬فإنه ُيسمح بذلك‬
‫فحسب ألن حقوقي املادية أهم من حقوقه‪.‬‬
‫ثمة دليل قوي عىل أن إنقاذ األرواح أهم من إنقاذ األمالك‪ ،‬وهو ما ورد يف القضية الدينية‬
‫التي تناقش اختالف اآلراء حول احلالة التي جيب فيها اإللقاء باحلمل الزائد من السفينة؛ ألهنا‬
‫توشك عىل الغرق‪ ،‬كام ورد يف «بابا قاما»‪:‬‬
‫إذا تعرض�ت س�فينة تبحر يف ع�رض البحر إلعص�ار يمكن أن يتس�بب يف إغراقها‪ ،‬جيب‬
‫ختفيف محولتها‪ ،‬ويتم حس�اب املس�ألة وف ًقا حلمولتها‪ ،‬وليس حس�ب األغراض املوجودة عىل‬
‫متن السفينة‪.‬‬
‫يتم احلس�اب وف ًقا حلمولة الس�فينة وال يش�مل هذا وزن أجس�اد األش�خاص املوجودين‬
‫عليها‪ ،‬رغم أن هذا الوزن من شأنه أن يتسبب يف إغراق السفينة‪ .‬عىل سبيل املثال‪ :‬إذا كان ثمة‬

‫‪151‬‬
‫شخصان داخل السفينة‪ ،‬أحدامها يزن مائة وأغراضه تزن مخسني‪ ،‬والثاين يزن مخسني وأغراضه‬
‫تزن مائة‪ ،‬فإن اخلالف يف اآلراء س�ببه أن اإللقاء بحمولة الس�فينة الزائدة لن يكون بالتس�اوي‬
‫بينهما‪ .‬ه�ذا الذي يزن مخسين ومحولته تزن مائ�ة‪ ،‬عليه إلقاء ضعفي ما س�يلقيه الثاين‪ ،‬رغم أن‬
‫جسدهيام م ًعا يمثالن عب ًئا واحدً ا عىل السفينة‪.‬‬
‫يف هذه احلالة‪ ،‬صار من الواضح أن األغراض هي التي ترض باألشخاص‪ ،‬وليس العكس‪.‬‬
‫وكام ورد يف كتاب «ابن هازل» يف قسم «رشائع القتل واحلفاظ عىل األرواح»‪:‬‬
‫ال ُيعترب وزن الش�خص محلاً زائدً ا‪ ،‬ويتم احلس�اب وف ًقا للحمل‪ .‬ورغماً عنك‬
‫سيكون وزن اجلسد هو أساس احلكم هنا عندما تغرق سفينة بسبب محلها الزائد‪.‬‬
‫ال يوج�د أي اس�تحداث ترشيعي فيام خيص من جاء قبل م�ن‪ ،‬ألن أي محل زائد‬
‫سيتس�بب يف غرق الس�فينة؛ لذا جيب إلقاء احلمل الزائد إلنقاذ حياة األشخاص‬
‫الذين عىل متن السفينة من اخلطر الذي حيدق هبم‪.‬‬
‫ن�رى هن�ا أن حي�اة األرواح أه�م من األملاك‪ ،‬لذلك عندم�ا تش�كل األرواح واألمالك‬
‫خطرا عىل بعضهام البعض بسبب األوزان‪ ،‬يتم النظر إىل األرواح عىل أهنا الطرف املترضر؛ لذا‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فاحلساب يتم وف ًقا لثقل احلمل‪ ،‬ويتم إلقاء احلمل الزائد يف البحر‪.‬‬
‫مما س�بق يتضح لنا أنه حُيظر اعرتاض طريق إنقاذ ش�خص هيرب من خطر ما‪ ،‬وذلك دون‬
‫النظ�ر لفرضي�ة «ال تقف يف وجه إنق�اذ حياة أخيك»‪ ،‬وينب�ع األمر من أولوي�ة ترشيعية إلنقاذ‬
‫األرواح من اخلطر الذي يمثله ذلك الشخص الذي يشغل الطريق‪ .‬ولنفس السبب‪ ،‬إذا تواجد‬
‫شخص يف منطقة ختصه‪ ،‬وثمة شخص آخر يرغب يف املرور عرب هذه املنطقة لينقذ حياته‪ ،‬حُيظر‬
‫عىل مالك املنطقة أن يمنعه من املرور‪ ،‬وإذا فعل فهو آثم و ُيسمح بقتله(‪.)57‬‬
‫يف حقيقة األمر‪ ،‬أنه إذا تعرض مالك الطريق خلسارة مادية‪ ،‬عىل من يمر عرب ذلك الطريق‬
‫تعويضا عن خسارته‪ ،‬كام هو متبع يف مثل هذه احلالة التي ختص «من ينقذ حياته عىل‬
‫ً‬ ‫أن يدفع له‬
‫شخصا آخر‪،‬‬
‫ً‬ ‫حس�اب أمالك الغري»‪ ،‬وكام أوردنا سل ًفا‪ ،‬من أن املترضر الذي ح ّطم أواين ختص‬
‫ملزم بدفع تعويض عن ذلك(‪.)58‬‬

‫‪152‬‬
‫احلكم لدى غري اليهود‬ ‫أحكام الشخص املتعدي‬ ‫احلالة‬
‫شخصا من ال يوجد إلزام بفرضية «ال تقف يف وجه‬
‫ً‬ ‫فرضية «ال تقف يف وجه إنقاذ حُيظر قتل من يمنع‬
‫إنقاذ حياة أخيك»‬ ‫حياة أخيك» أي منعه من إنقاذ إنقاذ حياته‬
‫حياته‬
‫شخصا من األغيار كذلك ال جييزون إيذاء بعضهم‬
‫ً‬ ‫أولوية إنقاذ األرواح عىل إنقاذ ُيسمح بقتل من يمنع‬
‫البعض‬ ‫األمالك‪ ،‬يف حالة منع شخص إنقاذ حياته‬
‫من إنقاذ حياته‬

‫مما س�بق‪ ،‬س�نصل إىل نتيجة مفادها أنه حُيظر عىل كل من اليهود وغري اليهود منع ش�خص‬
‫من إنقاذ حياته‪ ،‬و ُيسمح بقتل من يفعل هذا عمدً ا؛ ألنه آثم‪.‬‬

‫‪ -22‬حكم من يغلق طريق شخص لينقذ نفسه فحسب‪ :‬فرضية «حياتي‬


‫أوىل»‬
‫ثان‪ ،‬بالتنازل عن حقوقه‬‫حتى اآلن نتفق عىل أن ثمة إلزاما عىل من يعرتض طريق شخص ٍ‬
‫ً‬
‫املادية يف سبيل إنقاذ حياة الشخص الثاين‪ ،‬أي أن إنقاذ حياة أحدمها تسبق يف األمهية إنقاذ أمالك‬
‫اآلخر‪ .‬لكن كل هذا يرسي‪ ،‬عندما يتعلق األمر بإنقاذ األمالك يف مقابل احلفاظ عىل األرواح‪.‬‬
‫نناقش اآلن مسألة التضحية بالنفس مقابل احلفاظ عىل حياة شخص آخر‪:‬‬
‫عىل س�بيل املثال‪ :‬شخصان يتعرضان للقذف باألحجار‪ ،‬وثمة وسيلة واحدة‬
‫فقط لينقذا أنفس�هام‪ ،‬وهى بأن يش�غل أحدمها الطريق‪ ،‬رغم أن هذا س�يؤدى إىل‬
‫مقتل صاحبه‪.‬‬
‫تقول اجلامرا يف «بابا متس�يعا» إنه‪ :‬إذا كان هناك شخصان يسريان يف إحدى الطرق‪ ،‬وكان‬
‫أحدمه�ا يمس�ك بإن�اء حيتوي عىل كمية من املياه تكفي لش�خص واحد فق�ط‪ ،‬إذا رشبا م ًعا من‬
‫اإلناء سيموتان‪ ،‬وإذا رشب أحدمها فقط دون اآلخر سيموت اآلخر‪.‬‬
‫يقول بن بطورا)*(‪ُ :‬يفضل أن يرشبا م ًعا فيموتا‪ ،‬حتى ال يشعر أحدمها أنه السبب يف مقتل‬
‫صاحبه‪ .‬حتى جاء الرايب عقيفا)**( وأكد عىل مبدأ «حياتك أهم من حياة صاحبك»‪.‬‬

‫)*(  بن بطورا בן פטורא‪ :‬أحد التنائيم‪.‬‬


‫)**(  الرايب عقيفا רבי עקיבא‪ :‬هو الرايب عقيفا بن يرسائيل‪ ،‬ينتمي للجيل الثاين من التنائيم‪ ،‬ومن كبار رجال الدين‬
‫اليهودي عرب العصور‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫تتح�دث اجلامرا هنا عن احلالة التي يمتلك فيها أحد األش�خاص املياه «وأحدمها بحوزته‬
‫زمزمي�ة»‪ ،‬وق�د أفت�ى الرايب عقيفا بأن�ه ملزم بمنح املياه للش�خص الثاين‪ .‬فامتلاك املياه يمنح‬
‫الش�خص األول احل�ق يف تفضيل حياته عىل حياة صاحب�ه‪ ،‬أي أن ملكية اليشء هي التي حتدد‬
‫من جيب إنقاذه(‪.)59‬‬
‫إذا كان بحوزة شخص زمزمية ختص صاحبه‪ ،‬فمن البدهيي أن يعيدها لصاحبها‪ ،‬حتى لو‬
‫كان الثمن هو أن يموت؛ ألهنا ليست ملكه‪.‬‬
‫وسنطرح مثالاً آخر حول ملكية اليشء‪:‬‬
‫يمتلك رأوبني منزلاً حيتوي عىل خمبأ‪ ،‬بينام ال يمتلك شمعون ً‬
‫خمبأ‪ .‬ثمة قذائف‬
‫تُطل�ق نح�و املوضع ال�ذي يقطنان به‪ ،‬واملخبأ ال يس�ع إال لش�خص واحد فقط‪.‬‬
‫حت�ى إذا وصل ش�معون أولاً إىل املخبأ‪ ،‬من حق رأوبين أن يطلب منه اخلروج‪،‬‬
‫أي أن امتالك رأوبني للمخبأ يمنحه أولوية استخدامه‪.‬‬
‫يب�دو أن�ه من البدهيي‪ ،‬كام اتضح س�ل ًفا‪ ،‬أن فرضية «حيايت أهم» ترسي‪ً ،‬‬
‫أيضا‪ ،‬يف حالة‬
‫املياه املهجورة بال صاحب‪ :‬عندما يكون ثمة شخصان عىل وشك املوت من العطش‪ ،‬و بالقرب‬
‫منهام ثمة مياه مهجورة تكفي لش�خص واحد فقط‪ ،‬وال صاحب هلا‪ ،‬جتيز اجلامرا هنا للش�خص‬
‫الث�اين أن يرشب منها لينقذ حياته‪ ،‬حتى لو تس�بب بذلك يف وفاة الش�خص األول؛ ألنه يمنعه‬
‫من الوصول إىل املياه التي ستنقذ حياته(‪.)60‬‬
‫كما أن�ه يمكن لل�ذي يمتلك املي�اه أن حيتك�م إىل فرضية «حي�ايت أهم»‪ ،‬وحينها يس�تطيع‬
‫الش�خص اآلخر‪ ،‬الذي حص�ل عىل املياه‪ ،‬أن يلجأ هو اآلخر لنفس الفرضية‪ .‬ولنفس الس�بب‬
‫ُيسمح بشغل طريق اإلنقاذ الوحيدة‪ ،‬يف حالة الشخصني اللذين هيربان من األحجار املتساقطة‪.‬‬
‫يمكن لكل منهام الزعم بأن «حياته أهم» وأنه «ملاذا تعتقد أن حياتك أهم من حيايت حتى متنعني‬
‫من إنقاذ نفيس؟»‪.‬‬
‫ل�ذا؛ فإنه ُيس�مح باإلرساع بش�غل الطريق‪ ،‬حتى لو تس�بب هذا يف غل�ق الطريق يف وجه‬
‫الشخص الثاين (‪.)61‬‬

‫‪154‬‬
‫‪ -23‬حك���م من مينع أحد األش���خاص م���ن إنقاذ حياته‪ ،‬مم���ا ترتب عليه‬
‫إحلاق األذى بشخص آخر‬
‫رغ�م أننا أجزن�ا حيازة املياه‪ ،‬أو ش�غل املنطقة الوحيدة التي يمكن اس�تغالهلا إلنقاذ حياة‬
‫ش�خص ما‪ ،‬فإن هذا احلكم يتعلق فحس�ب باحلال�ة التي يكون هدفك فيها ه�و إنقاذ حياتك‪،‬‬
‫وليس إيذاء اآلخرين‪.‬‬
‫عىل سبيل املثال‪:‬‬
‫رأوبني وشمعون يرسعان للحصول عىل املياه املهجورة التي رأوها من بعيد‪ .‬رأى رأوبني‬
‫أن ش�معون عىل وش�ك الوصول قبله‪ ،‬ويف استطاعته دحرجة أحد األحجار ليعيقه عن التقدم‬
‫ليحصل هو عىل املياه‪ .‬ببس�اطة حُيظر عليه أن يفعل هذا؛ ألن رأوبني هنا ال حياول إنقاذ حياته‪،‬‬
‫ولكنه حياول إحلاق األذى بشمعون لينقذ نفسه‪ ،‬وسيتسبب هبذا يف قتل شمعون وهو ما مل يكن‬
‫ليحدث من دونه(‪.)62‬‬

‫‪ -24‬حكم من يعرتض‪ ،‬عن عمد‪ ،‬طريق يستخدمه أحدهم إلنقاذ حياته‬


‫يمك�ن االحت�كام لفرضية «حيايت أهم» فحس�ب‪ ،‬عندم�ا تتعرض للخطر‪ ،‬أم�ا عندما ال‬
‫يكون ثمة خطر عىل حياتك‪ ،‬حُيظر احلصول عىل مياه‪ ،‬أو ش�غل طريق إنقاذ حياة شخص آخر‪،‬‬
‫وهو ما يعد قتلاً من وجهة نظر اجلامرا‪.‬‬
‫اليهودي الذي يفعل هذا مع هيودي آخر غري ملزم بدفع فديته‪ ،‬لكن قال عنه الرايب موسى‬
‫بن ميمون‪ ،‬يف الفصل الثاين من رشائع القتل‪:‬‬
‫من يستأجر قاتلاً ليقتل صاحبه‪ ،‬أو يرسل عبيده ليقتلوه أو ليقيدوه ويلقوه يف وجه حيوان‬
‫مفرتس أو ما شابه‪ ،‬فقتله احليوان «‪ ...‬كل شخص من هؤالء يتسبب يف إراقة الدماء‪ ،‬ويتحمل‬
‫ذن�ب القت�ل‪ ،‬وعليه فدية أخروي�ة ال دنيوية» وكل هؤالء القتلة وم�ن مثلهم غري ملزمني بفدية‬
‫دنيوي�ة‪ .‬ولك�ن إذا أراد مل�ك إرسائيل قتلهم وف ًقا لدس�تور اململكة‪ ،‬له مطل�ق احلرية يف ذلك‪.‬‬
‫أيض�ا‪ ،‬إذا ق�ررت املحكمة قتله�م‪ ،‬إذا كانت هناك رضورة هلذا يف الوق�ت احلايل‪ ،‬لدهيم مطلق‬ ‫ً‬
‫احلرية يف فعل ما يريدون‪.‬‬
‫إذا عدن�ا م�رة أخ�رى للمث�ال الذي ورد يف اجلامرا يف «بابا متس�يعا»‪ ،‬س�نجد أن�ه ليس ثمة‬

‫‪155‬‬
‫ويظر عىل‬ ‫خالف فيام خيص الشخص الذي عىل وشك املوت من العطش‪ ،‬وثمة زمزمية أمامه‪ ،‬حُ‬
‫الشخص الثاين احلصول عليها؛ ألنه ال حاجة له هبا‪ ،‬لكنه إذا فعل هذا‪ ،‬تعتربه اجلامرا قاتلاً ‪.‬‬
‫أو يف املث�ال اخل�اص باملخبأ‪ :‬إذا منع رأوبني ش�معون من الدخول‪ ،‬رغم أن املكان يتس�ع‬
‫لكليهما‪ ،‬ت�رى اجلامرا أنه مس�ئول ع�ن قتله‪ ،‬وورد يف اجلمارا أن‪« :‬قيد صاحب�ه وألقاه يف وجه‬
‫القذائف»‪.‬‬
‫وكام ورد يف «مدراش ربا» يف تفسري سفر التكوين أن‪:‬‬
‫ال بد من الثأر للذي افرتسه أحد احليوانات‪ ،‬هذا يف حالة الشخص الذي قام‬
‫بوض�ع صاحبه أمام حيوان مفرتس ليقتله‪ .‬وجيب الثأر له من أخيه هذا بالنس�بة‬
‫للذي يقوم بتسليم صديقه لقاتل‪.‬‬
‫وأفتى الرايب موسى بن ميمون يف «هاالخوت مالخيم» أن‪:‬‬
‫اب�ن نوح الذي قتل صاحبه وألقاه أمام حيوان مفرتس أو قام بتقييده‪ ،‬وألقاه يف‬
‫وجه األسد‪ ،‬أو تركه دون طعام حتى مات‪ ،‬أو ارتكب جريمة قتل‪ ،‬ال بد من قتله‪.‬‬
‫يتحدث الرايب موس�ى ب�ن ميمون رصاحة عن حالة الش�خص الذي «ت�رك صاحبه دون‬
‫طعام حتى مات»‪ ،‬وهي احلالة التي مل يمس فيها القاتل الضحية‪ ،‬لكنه فحس�ب أغلق الباب يف‬
‫أيضا يف هذه احلالة يتم إلزام غري اليهودي بدفع فدية‪ .‬وكام‬
‫وجهه‪ ،‬وتسبب يف موته من اجلوع‪ً ،‬‬
‫ورد يف «األسئلة واألجوبة» اخلاصة برايب أحيعيزر‪:‬‬
‫م�ن املع�روف أن ابن ن�وح ال�ذي يرتكب جريمة بش�كل غري مب�ارش‪ ،‬ملزم‬
‫بدفع فدية(‪.)63‬‬
‫يتض�ح م�ن كل ما س�بق‪ ،‬أن�ه إذا اعرتض غير اليهودي طري�ق غري اليه�ودي‪ ،‬ومنعه من‬
‫اهلروب من شخص يسعى لقتله‪ ،‬وكان هذا عن عمد‪ ،‬فإنه يستحق القتل(‪.)64‬‬

‫‪ -25‬حكم اليهودي الذي يغلق الطريق بإيعاز من أحد اجملرمني‬


‫‪ ‬بعد أن أوضحنا أنه ُيس�مح لك باعرتاض طريق شخص حياول إنقاذ حياته لتنقذ نفسك‪،‬‬
‫وأنه حُيظر فعل هذا دون مربر‪ ،‬جيب أن نناقش الوضع التايل‪:‬‬

‫‪156‬‬
‫ثم�ة قات�ل ُيلزمك باعرتاض طريق ش�خص حي�اول إنقاذ حيات�ه‪ ،‬حتى يتمك�ن من قتله‪،‬‬
‫والقاتل هيدد بقتلك إذا رفضت االستجابة له‪.‬‬
‫ها هو ما ورد يف «منحات حينوخ» حول هذه احلالة‪:‬‬
‫يتف�ق مجيع احلكامء عىل أنه ُيس�مح بقتل القاتل‪ ،‬حس�ب م�ا ورد يف ملحقات‬
‫النواه�ي‪ ،‬التي ال يتم إلغاؤه�ا يف حالة تعارض إنقاذ حياة األرواح مع تنفيذ أحد‬
‫أوام�ر الت�وراة‪ ،‬مثل إرغام ش�خص عىل إلق�اء صديقه يف وجه حي�وان مفرتس‪،‬‬
‫أو م�ا ش�ابه ذلك مم�ا ورد يف الس�نهدرين (‪ ،)1 – 72‬وم�ا ورد يف الرشيعة الثانية‬
‫يف الفق�رة الثانية من دلي�ل االختصارات‪ ،‬من أن القات�ل ال ُيقتل‪ ،‬وعىل كل حال‬
‫عليه أن يضحي بحياته؛ ألنه مل ُيس�مح له بارتكاب أي جريمة إال يف حالة واحدة‬
‫فق�ط‪ ،‬وهي حماولة إنقاذ حياة ش�خص‪ ،‬أما فيام خيص حالتن�ا هنا فل ُيقتل؛ ألنه ال‬
‫معنى للتضحية بحياته من أجل نفس�ه‪ ،‬اس�تنا ًدا إىل فرضية «هل حياتك أهم من‬
‫حيايت؟»‪.‬‬
‫وكذلك ما ورد يف كتاب «هاحاتام سوفري» يف «عقود الزواج»(‪:)65‬‬
‫عىل أية حال‪ ،‬اتضح مما أوردته أنه ليس ثمة خالف يف الرأي بني حكم القاتل‬
‫الذي نفذ اجلريمة بنفسه أو الذي استعان بشخص آخر‪.‬‬
‫جي�ب التأكي�د عىل أن كتاب «منحات حينوخ» ُيرجع هذا ال�رأي إىل ما ورد يف اجلامرا‪ ،‬فيام‬
‫ورد‪ ،‬بخص�وص الش�خص ال�ذي أزال الدرع ال�ذي كان حيمى صاحبه من س�هم منطلق‪ ،‬من‬
‫أيضا فيام خيص نفس احلالة‪ ،‬يذكر كتاب «منحات حينوخ» أنه جيب‬ ‫حيث إنه ال يستحق القتل‪ً .‬‬
‫ب�ذل النف�س‪ ،‬كام أورد أنه يتطرق لكل احلاالت ال�واردة يف اجلامرا «وضع الصديق أمام حيوان‬
‫«يظر عليه ارتكاب أي جريمة»‬ ‫مفرتس أو ما شابه» (‪ )66‬ما يقصده «منحات حينوخ» هو أنه‪ :‬حُ‬
‫ووف ًقا هلذا‪ ،‬منع شخص من إنقاذ حياته جريمة تستحق القتل‪  .‬‬
‫أيضا يف هذه احلالة س�تنتهي‬
‫يتض�ح بش�دة من خالل هذه الفرضي�ة أن األمر حمظور؛ ألنه ً‬
‫حياة إنسان بسبب شخص قاتل آثم‪ ،‬رغم أنه ُيسمح باعرتاض طريقك إذا كنت حتاول اهلروب‬
‫من قذائف حجرية‪ ،‬وما شابه كام أسلفنا‪.‬‬
‫إذا فرض أحد املجرمني عىل ش�خص آخر أن يرتكب جريمة قتل‪ ،‬فإنه ال يمكن أن نطلق‬
‫عىل هذا إنقا ًذا‪ ،‬بل هو قتل‪ ،‬حُ‬
‫ويظر منع ش�خص من إنقاذ حياته يف هذه احلالة؛ ألنك ببس�اطة‬
‫ترض بغريك وال تنقذ نفسك‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫‪  ‬وهو نفس ما ورد رصاحة يف «إجيروت موشيه»‪:‬‬
‫إذا كان األم�ر كذلك‪ ،‬فإنني أرى ببس�اطة أنه إذا ُأجرب ش�خص ما عىل القيام‬
‫ش�خصا ما يف بئر حتتوي عىل س�لم‪ ،‬ويجُ رب عىل تس�لق‬ ‫بعم�ل م�ا‪ ،‬مثل أن ي ِ‬
‫س�قط‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫السلم‪ ،‬فليمت وال يرتكب هذه اجلريمة؛ ألنه حتى إذا مل يكن هذا هن ًيا عن القتل‪،‬‬
‫فإنه عىل كل حال سيؤدي إىل إهناء حلياة شخص (‪.)67‬‬
‫‪ ‬وبمقارنة هذا بام ورد يف اجلامرا يف «بابا متسيعا»‪ ،‬من أنه‪« :‬إذا طلب أحد القتلة من رأوبني‬
‫أن يرشب من مياه ال صاحب هلا‪ ،‬حتى يؤدى هذا إىل موت ش�معون من العطش‪ ،‬ألنه لن جيد‬
‫مياه ليرشهبا‪ .‬يف هذه احلالة‪ ،‬جيب عىل رأوبني أن يرتك نفسه ليموت وال يرشب املياه»‪.‬‬
‫حُيظر عىل رأوبني يف هذه احلالة أن حيتكم لفرضية «حيايت أوىل»؛ ألنه ليس يف حاجة ماسة‬
‫للمي�اه‪ ،‬ب�ل أن ثمة قاتلاً هو من ف�رض هذا الواقع‪ ،‬حُ‬
‫ويظر عليه مس�اعدة القاتل حتى لو كلفه‬
‫هذا فقدان حياته‪.‬‬
‫يف واقع األمر‪ ،‬أنه إذا كان ثمة ش�خصان هيربان من قاتل ينوي قتلهام م ًعا أو أحدمها دون‬
‫النظ�ر ملن هو‪ُ ،‬يس�مح لكل منهام بش�غل طري�ق اهلروب الوحيد‪ ،‬حتى لو تس�بب هذا يف وقوع‬
‫الشخص الثاين يف أيدي القاتل‪.‬‬
‫يمك�ن ٍّ‬
‫ل�كل منهام االحتكام لفرضية «حيايت أوىل»؛ ألن أ َّىا منهام ال يس�اعد القاتل يف هذه‬
‫احلالة‪ ،‬بل هو يمنعه من تنفيذ مؤامرته(‪ .)68‬لكن إذا كان القاتل يستطيع قتل شخص ما‪ ،‬وبدلاً‬
‫من أن يقتله‪ ،‬أمره أن يعرتض طريق الش�خص الثاين‪ ،‬حُيظر عليه فعل هذا؛ ألنه َث ُبت أن القاتل‬
‫يرغب يف قتل الش�خص الثاين وليس األول‪ ،‬وإذا كان يرغب يف قتل الش�خص األول لكان قد‬
‫قتله عىل الفور دون مطالبته باعرتاض طريق الشخص الثاين (‪.)69‬‬

‫‪ -26‬حكم استغالل قاتل غري يهودي لغري يهودي إلغالق الطريق‬


‫سنناقش اآلن نفس احلالة السابقة ولكن لدى األغيار‪.‬‬
‫ح�ام يف�رض عىل يافث اعرتاض طريق س�ام حتى يتمكن من قتله‪ .‬وف ًقا للرايب ش�موئيل‬
‫شنيئورس�ون يافيه‪ ،‬فإنه ُيسمح لغري اليهودي بقتل غري اليهودي‪ ،‬سواء بشكل مبارش أو بشكل‬
‫غري مبارش لينقذ نفسه‪ .‬وعىل ذلك‪ ،‬فإنه ُيسمح ليافث بتنفيذ ما أمره به حام‪.‬‬
‫لكن وف ًقا ملا ورد يف كتاب «باراشات دراخيم »‪ ،‬فإنه حُيظر القتل بشكل غري مبارش‪ ،‬حُ‬
‫ويظر‬

‫‪158‬‬
‫منع ش�خص من إنقاذ حياته‪ ،‬كام هو احلال لدى اليهود‪ .‬وباإلضافة لذلك‪ :‬ذكرنا فيام س�بق أنه‬
‫يتم عقوبة األغيار بالقتل‪ ،‬ونفس احلال كذلك بالنس�بة للقتل عن طريق منع ش�خص من إنقاذ‬
‫حياته «وهو ما يعد قتلاً غري مبارش»‪.‬‬
‫إذا كان�ت الرشيع�ة اليهودية حتظر فرض عقوبة القتل‪ ،‬فإن�ه ال يوجد لدى األغيار فرضية‬
‫ويظر أن‬
‫لتقسيم األمر‪ ،‬والقول إنه ُيسمح بالقتل يف هذه احلالة‪ ،‬وال يسمح به يف حالة أخرى‪ ،‬حُ‬
‫يتم تنفيذ اجلريمة عن طريق القاتل نفسه «قتل مبارش»‪.‬‬
‫خالص�ة القول‪ :‬عندما أجزنا احلصول عىل املياه ومنع ش�خص م�ن إنقاذ حياته‪ ،‬كان هذا‬
‫يسري فحس�ب‪ ،‬عىل احلالة التي حت�اول فيها إنقاذ حيات�ك من خطر ما‪ ،‬ولي�س يف احلالة التي‬
‫حتاول فيها إيذاء شخص آخر‪.‬‬
‫ربا عىل قتل ش�خص بطريقة غري‬‫إذا ق�ام أح�د القتلة بخلق أمر واقع‪ ،‬ووجدت نفس�ك جم ً‬
‫مبارشة لتنقذ نفس�ك‪ ،‬فإن هذا يعد إيذاء لآلخرين‪ ،‬وف ًقا لكتاب «باراشات دراخيم» فإنه حيظر‬
‫عليك فعل هذا‪ ،‬سواء كنت هيود ًّيا أو غري هيودي‪.‬‬

‫‪ -27‬مقارن���ة أحكام القتل ل���دى األغيار حبكم إعادة األغ���راض املفقودة‬


‫لدى اليهود‬
‫معلوم لدينا س�بب حظر منع ش�خص هيودي من إنقاذ حياته؛ ألنه جيب التضحية بالنفس‬
‫حتى ال تُرتكب جريمة قتل؛ لذا فإنه حيظر القيام بأي جريمة‪ ،‬حتى لو بطريقة غري مبارشة؛ ألننا‬
‫نفسا هيودية‪.‬‬
‫بذلك لن نربح ً‬
‫لكن ألول وهلة‪ ،‬يبدو أن ما أوردنا فيام خيص األغيار صعب بعض اليشء‪ :‬فقد تعلمنا مما‬
‫ورد أنه ُيسمح لغري اليهودي بقتل غري اليهودي الذي يلحق به األذى رغماً عنه؛ ألنه يستطيع أن‬
‫يزعم أن «حياته أهم»‪ ،‬وقد تعلمنا هذا من القانون املدين الذي جييز االحتكام إىل مبدأ «أمالكي‬
‫أهم»‪ ،‬وبالتايل إحلاق األذى بأمالك الطرف الثاين؛ «ألن احلظر هنا ينبع من جمرد فرضية‪ ،‬وليس‬
‫بسبب تشديد عقوبة القتل»‪.‬‬
‫وقد ناقشنا حالة منع شخص من إنقاذ حياته‪ ،‬وهى احلالة التي يرتتب عليها وقوع خسارة‬
‫يف األمالك‪ ،‬وقلنا إنه من حق ش�معون فعل هذا‪ ،‬إذا كان س�يتكبد خس�ائر مادية يف حالة ترك‬
‫أيضا‪ ،‬عىل احلالة التي يق�وم فيها ليفي املجرم‪ ‬‬
‫رأوبين هيرب‪ .‬وأوضحنا أن ه�ذا احلكم يرسي ً‬
‫بتهديد شمعون بأنه سيلحق به األذى إذا مل يعرتض طريق رأوبني‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫إذا كان ه�ذا ه�و احلكم يف مث�ل هذه احلاالت‪ ،‬ثمة س�ؤال نرغب يف طرحه هن�ا‪ :‬القانون‬
‫امل�دين جييز لش�معون اعرتاض طريق رأوبني‪ ،‬إذا كانت له مصلح�ة مادية من وراء ذلك‪ ،‬حتى‬
‫إذا كان ذل�ك بمس�اعدة أحد املجرمني‪ .‬أم�ا القانون اجلنائي لدى األغي�ار‪ ،‬فإنه حَي ُظر اعرتاض‬
‫الطريق سواء استجابة لتهديد أحد املجرمني‪ ،‬أو يف حالة وجود مصلحة؛ ألن مصلحته يف هذه‬
‫احلالة ليست أهم من مصلحة الشخص املترضر‪.‬‬
‫الس�ؤال ه�و‪ :‬ملاذا يف القانون املدين األفضلية للمتعدي‪ ،‬بينما يف القانون اجلنائي األفضلية‬
‫للمترضر؟‪ ‬‬
‫بكلمات أخرى‪ :‬ملاذا يف القانون املدين يتم الوصول إىل احلكم وف ًقا ملصلحة املترضر الذي‬
‫خيسر مالاً ‪ ،‬وليس وف ًقا ملصلحة املتعدي الذي حيظ�ر اعرتاض الطريق‪ ،‬بينام يف القانون اجلنائي‬
‫يتم التوصل إىل احلكم وف ًقا ملصلحة املتعدي الذي حيظر اعرتاض الطريق‪ ،‬وليس وف ًقا ملصلحة‬
‫املترضر الذي حياول إنقاذ حياته؟‬
‫حتى نفهم هذا‪ ،‬علينا مقارنة حظر اعرتاض الطريق يف حالة عدم وجود خسارة يف األمالك‬
‫لدى اليهود‪ ،‬أو خسارة يف األرواح لدى األغيار‪ .‬ال شك يف أنه حيظر غلق الطريق يف احلالتني‪،‬‬
‫غري أن الس�بب خيتلف‪ .‬س�بب احلظر يف القانون املدين هو فريضة «إعادة األغراض املفقودة»‪،‬‬
‫غري أن أداء الفريضة يسقط‪ ،‬إذا كان سيرتتب عىل ذلك خسارة مادية‪.‬‬
‫أم�ا يف القانون اجلنائي لدى األغيار‪ ،‬فإن س�بب احلظر يع�ود إىل أن من يقوم بغلق الطريق‬
‫يعد قاتلاً ‪ .‬وألن هذا أمر حمظور‪ ،‬ال حيق ملن يقوم بذلك باللجوء لفرضية «حيايت أهم»‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬نعود للحالة التي جيرب فيها جمرم أحد األشخاص عىل اعرتاض الطريق‪ :‬‬
‫القان�ون امل�دين لدى اليه�ود يقصد هنا فعلاً حيظ�ر القيام به‪ ،‬متا ًما‪ ،‬ولي�س جمرد فريضة تم‬
‫إس�قاطها‪ .‬وحيظ�ر كتاب «باراش�ات دراخيم» إحلاق األذى بش�خص حيتك�م إىل فرضية «ملاذا‬
‫تعتقد أن حياتك أهم من حيايت؟»‪.‬‬
‫أي أن مس�اعدة القات�ل ع�ن طريق غلق الطريق هو مش�اركة منه يف ارت�كاب اجلريمة‪ .‬يف‬
‫مغتصب لغلق طريق ش�خص حياول‬ ‫ِ‬ ‫الوقت نفس�ه‪ ،‬يف حالة األمالك‪ ،‬تعد مس�اعدة ش�خص‬
‫إنق�اذ حيات�ه م�ن خالله‪ ،‬ه�و إلغاء فريض�ة أنا غري ملت�زم بتطبيقه�ا‪ ،‬إذا كان ذلك س�يعرضني‬
‫خلسارة مادية‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫القانون اجلنائي لدى‬ ‫القانون املدين اليهودي‬ ‫احلالة‬
‫األغيار‬
‫منع الشخص الثاين من حُيظر األمر بسبب فريضة حُيظر األمر؛ ألنه يعد قتلاً‬
‫غري مبارش‬ ‫إعادة املفقودات‬ ‫إنقاذ حياته دون سبب‬
‫الثاين ُيسمح بذلك‪ ،‬واألفضلية ُيسمح «حيايت أوىل»‬ ‫الشخص‬ ‫منع‬
‫من إنقاذ حياته بسبب إلعادة مفقودايت‬
‫اخلسارة املادية \خسارة‬
‫يف األرواح‬
‫منع الشخص الثاين من ُيسمح بذلك‪ ،‬واألفضلية حُيظــــر؛ ألن مســاعدة‬
‫القاتل تعد مشاركة يف‬ ‫إنقاذ حياته بسبب هتديد إلنقاذ أمالكي‬
‫القتل‪ ،‬ويستحي الزعم‬ ‫أحد املجرمني‬
‫بأن «حيايت أوىل» يف هذه‬
‫احلالة‬

‫‪ -28  ‬مقارنة بني أحكام القتل لدى اليهود واألغيار‬


‫بعد أن حددنا بدقة أن التعاون مع القاتل هو مشاركة يف جريمة القتل‪ ،‬حتى يف حالة شغل‬
‫مكان مهجور‪ ،‬بعد هذا توصلنا إىل اس�تنتاج ترشيعي خيص فرضية «ملاذا تعتقد أن حياتك أهم‬
‫من حيايت؟» بني اليهود واألغيار‪ ،‬يمكننا القول إن الغرض من االحتكام إىل الفرضية الس�ابقة‬
‫لدى اليهود هو تطبيق قاعدة «كُن سلب ًّيا»‪.‬‬
‫‪ ‬أما لدى األغيار‪ ،‬كام أوضحنا من قبل‪ ،‬فإن فرضية «هل تعتقد أن حياتك أهم من حيايت؟»‬
‫هي جمرد ادعاء يوجهه ش�خص ما لصاحبه‪ ،‬حينئذ جيب التأكد من أن الش�خص األول موجود‬
‫يف املكان الذي حيق له التواجد فيه‪ ،‬وأن الشخص الثاين هو الذي يلحق به األذى‪.‬‬
‫ورأين�ا أنه إذا س�قط ش�خص فوق ش�خص آخر‪ ،‬ليس م�ن حقه الزعم ب�أن «هل حياتك‬
‫أيضا يف حالة‬
‫أهم من حيايت؟»؛ ألنه هو املتعدي‪ ،‬و ُيس�مح باتقاء رشه‪ .‬وترسي هذه الفرضية ً‬
‫مس�اعدة أحد األغي�ار القاتل عىل ارتكاب جريمت�ه‪ ،‬ليس من حقه حينه�ا أن يزعم أن «حياته‬
‫أوىل»‪ ،‬وبالتايل ليس من حقه الزعم بأن «هل تعتقد أن حياتك أهم من حيايت؟»‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫عىل س�بيل املثال‪ :‬قام حام بتقييد يافث واس�تخدمه ليعرتض الطريق عىل س�ام هبدف قتل‬
‫األخير‪ .‬الوس�يلة الوحي�دة املتاحة لس�ام لينق�ذ حياته هي قت�ل يافث‪ ،‬وهبذا س�يكون الطريق‬
‫مفتوح�ا أمام�ه للهروب‪ .‬هذا الفعل حمظ�ور لدى اليهود؛ ألننا لن نربح حياة ش�خص هيودي‬ ‫ً‬
‫هنا؛ لذا فمن األفضل التوقف وعدم القيام بأي يشء وف ًقا لقاعدة «كُن سلب ًّيا»‪.‬‬
‫أم�ا ل�دى األغيار‪ ،‬فإنه ال حيق ليافث أن يزعم جتاه س�ام أن «هل تعتقد أن حياتك أهم من‬
‫حيايت؟»‪ ،‬ألن س�ام سيرد‪ ،‬حينئذ‪ ،‬قائلاً ‪« :‬أنت ترضين‪ ،‬كام أنك تس�اعد القاتل؛ لذا ليس من‬
‫حقك الزعم بأن «حيايت أوىل» عندما يرض وجودك يف املكان باآلخرين (‪.)71(   )70‬‬
‫وعىل ذلك‪ ،‬يبدو أن مقصدنا هو‪ ،‬يف حالة أن تس�بب وزن غري اليهودي يف اإلرضار بيشء‬
‫ما‪ ،‬وهو ما ينضم حتت قائمة األرضار وجرائم القتل‪ ،‬راجع ما ورد بإسهاب حول هذا يف كتاب‬
‫«معاس�يه فيجارما باهاالخاه)*(» للرايب ليفي يتسحاق هلربين)**( يف اجلزء السابع‪ ،‬وكذلك ما‬
‫ورد يف كتابه معاليوت باشابات )***(يف الفصل السابع‪ ،‬يف هذه احلالة يعد هذا الشخص مذن ًبا‪،‬‬
‫أم�ا إذا اقتصر األمر عىل اعرتاض الطريق فحس�ب‪ ،‬رغماً عنه‪ ،‬ال يك�ون هبذا قد ارتكب خطأ؛‬
‫ألن كال الطرفني يرض بعضه البعض‪.‬‬
‫هذا يف مقابل الوضع لدى اليهود الذين يطرحون التساؤل التايل‪ :‬هل تتوفر لدى الشخص‬
‫الذي ُأرغم عىل اإلتيان هبذا الفعل‪ ،‬نية التعمد؟ وعىل ذلك‪ ،‬فإن وزنه الذي يتسبب يف رضر ما‬
‫جيعله مذن ًبا‪ ،‬أي أن وزنه هذا جيعلنا نؤمن أن نية التعمد توفرت لديه‪.‬‬
‫يمكنن�ا أن نس�هب يف ذكر األمثل�ة والتفاصيل املختلف�ة (‪ ،)72‬غري أن املب�دأ واحد‪ :‬عندما‬
‫يكون وجود يافث يف املكان عاملاً مس�اعدً ا للقاتل الذي ينوى قتل س�ام‪ُ ،‬يس�مح لألخري بقتل‬
‫يافث لينقذ حياته ‪.‬‬
‫يف ه�ذا احلال�ة‪ ،‬ال هيم إذا ما كان ياف�ث يفعل هذا رغماً عنه أو ال؛ ألن�ه إذا كان وجوده يف‬
‫مكان ما سيؤدي إىل حدوث جريمة قتل‪ ،‬ليس من حقه الزعم بأن «حيايت أوىل»‪ ،‬أو «هل تعتقد‬
‫)*( «معاسيه فيجارما باهاالخاه מעשה וגרמא בהלכה»‪ :‬الكلمة تعني الفعل واألذى غري املبارش يف الرشيعة‪ ،‬وهو كتاب‬
‫يضم جمموعة أبحاث حول عالقة اإلنسان بنتائج أفعاله يف ضوء التكنولوجيا احلديثة‪ ،‬والكتاب من وضع الرايب‬
‫ليفي يتسحاق هلربين לוי יצחק הלפרין‪.‬‬
‫)**(  ليفي يتسحاق هلربين לוי יצחק הלפרין‪ :‬حاخام ديني معارص يرأس معهد التكنولوجيا الدينية‪.‬‬
‫)***(  «معاليوت باشابات מעליות בשבת»‪ :‬الكلمة تعني مصاعد يوم السبت‪ ،‬واملقصود هو مصعد خمصص لليهود‬
‫املالزمني لفريضة يوم السبت الستخدامه‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫أن حياتك أهم من حيايت؟»؛ ألن سام سيزعم هو اآلخر أنه إذا مل تتواجد يف املكان‪ ،‬ملا كنت قد‬
‫لقيت حتفك‪ ،‬وبام أن تواجدك يس�اعد القاتل‪ ،‬ال يمكنك الزعم بأن «حيايت أوىل»‪ .‬لذا ُيس�مح‬
‫لسام بأن يقتله لينقذ نفسه‪.‬‬

‫‪ -29‬حكم الرهائن وأنواعها‬


‫سنطرح عد ًدا من األمثلة عىل ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬ح�ام حيتجز يافث كرهينة لديه‪ ،‬ويوجه سلاحه نحو س�ام‪ُ .‬يس�مح لس�ام بإطالق النار‬
‫عىل حام‪ ،‬حتى إذا كانت الطلقات س�تصيب يافث هو اآلخر‪ .‬فيافث يف وضع يس�اعد‬
‫القاتل؛ لذا فليس من حقه الزعم بأن «حيايت أوىل»‪.‬‬
‫‪ -‬حام يطلق النار عىل س�ام الذي يقف وس�ط مجع من الناس‪ ،‬جيد س�ام صعوبة يف حتديد‬
‫مصدر الطلقات حتى يردها لينقذ حياته‪ُ .‬يس�مح لس�ام بأن يصيب بعض األش�خاص؛‬
‫لك�ي يتمك�ن م�ن إصابة ح�ام؛ ألن هؤالء األش�خاص يس�اعدون حام على ارتكاب‬
‫جريمته‪ ،‬وال حيق هلم الزعم بأن «حياهتم أوىل» يف مقابل حياة سام‪.‬‬
‫‪ -‬يرغب حام يف احلصول عىل بندقية ليقتل هبا سام‪ ،‬لكنه ال يستطيع احلصول عليها بمفرده؛‬
‫لذا فقد طلب من يافث أن حيرض له احلقيبة التي حتتوي عىل البندقية‪ .‬مل يكن يافث يعلم‬
‫أنه هبذا سيس�اعده عىل الوصول إىل البندقية لقتل س�ام‪ ،‬والوس�يلة الوحيدة إلنقاذ سام‬
‫هي أن يقتل يافث حتى ال يقوم بتوصيل السلاح‪ُ .‬يس�مح لس�ام بفعل هذا؛ ألن يافث‬
‫يس�اعد القات�ل‪ .‬رغم أنه ال يعلم أنه يفعل ه�ذا وهو مرغم عىل فعله‪ ،‬ففي هذه احلالة ال‬
‫حيق ملن ساعد القاتل الزعم بأن «هل تعتقد أن حياتك أهم من حيايت؟»‪ ،‬و ُيسمح لسام‬
‫(‪)73‬‬
‫بأن يقتله‪.‬‬

‫‪ -30‬تلخيص وجهة النظر الواردة يف كتاب «باراشات دراخيم»‬


‫حيظ�ر «باراش�ات دراخي�م» على األغيار القت�ل يف حالة ارت�كاب جريمة حت�ت التهديد‪،‬‬
‫أيضا‪ ،‬عىل حالة القتل غري املبارش‪ ،‬يف حالة ش�غل منطقة‬‫وق�د أوضحن�ا أن هذا احلكم يسري‪ً ،‬‬
‫مهج�ورة وغل�ق الطريق وما ش�ابه‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬اتضح لنا أنه إذا مل يك�ن ثمة قاتل‪ ،‬وكان هناك‬
‫فحس�ب خطر عادى يقع عىل ش�خصني‪ ،‬وثمة وس�يلة وحيدة إلنقاذمها‪ُ ،‬يسمح شغل الطريق‬
‫بدعوى أن «حيايت أهم»‪.‬‬
‫‪163‬‬
‫وق�د أوضحن�ا أنه وف ًقا لـ «باراش�ات دراخيم»‪ ،‬فإن من يس�اعد القات�ل‪ ،‬ال حيق له الزعم‬
‫ب�أن «حي�ايت أوىل»‪ ،‬هذا احلكم صحيح رغم أنه مل يتعمد مس�اعدة القاتل‪ ،‬بل قصد إنقاذ نفس�ه‬
‫أيضا من يساعد القاتل رغماً عنه‪ ،‬مثل ذلك الشخص الذي مل يدرك أنه يساعد القاتل‬ ‫فحسب‪ً .‬‬
‫بفعلت�ه تل�ك‪ ،‬وف ًقا لألمر التورايت «كُن س�لب ًّيا»‪ ،‬ال حيق ملن س�اعد القاتل يف ه�ذه احلالة الزعم‬
‫ب�أن «حيات�ه أوىل» أو أن «حياتك ليس�ت بأهم من حيايت»‪ ،‬وانطال ًقا من هذا الس�بب‪ُ ،‬يس�مح‬
‫للمترضر بقتل من ساعد القاتل لينقذ حياته‪.‬‬

‫املصدر‬ ‫غري اليهودي الذي منع‬ ‫شخص أحلق‬ ‫غري اليهودي الذي‬ ‫العالج عىل‬
‫غري اليهودي من إنقاذ‬ ‫يرتكب جريمة حتت األذى رغماً عنه‬ ‫حساب اآلخر‬
‫حياته من أحد القتلة‬ ‫التهديد‬ ‫لدى األغيار‬
‫الرابــي موشيه‬ ‫ُيسمح بذلك؛ألنه ُيس�مح بذلك؛ألن�ه ُيسمح بذلك؛ ألنه ُيس�مح بذلك؛ألن�ه ال‬
‫شنيئورسون‬ ‫ال يوج�د تضحي�ة ال يوج�د تضحي�ة ال يوج�د تضحي�ة يوجد تضحي�ة بالنفس‬
‫ببساطة‬ ‫بالنفــ�س لـــدى بالنفس لدى األغيار بالنفــس لـــدى لدى األغيار‬
‫األغيار‬ ‫األغيار‬
‫حمظور‪ ،‬ثمة فرضية ُيس�مح بذل�ك؛ ألنه ُيسمح بذلك؛ألنه ُيس�مح بذل�ك؛ ألنه ال «أور ســـاميـــح»‬
‫ال يوج�د تضحي�ة ال يوج�د تضحي�ة يوجد تضحي�ة بالنفس وربما يتف�ق مع�ه‬ ‫للحظر هنا‬
‫أيضا الرايب موش�يه‬
‫ً‬ ‫بالنفس لدى األغيار بالنفــس لـــدى لدى األغيار‬
‫شنيئورسون‬ ‫األغيار‬
‫حمظــ�ور‪ ،‬وفقـــًا حمظور‪ ،‬وف ًقا لفرضية ُيسمح بذلك‪ ،‬من ُيسمــح بذلك‪ ،‬مـــن «باراشات دراخيم»‬
‫لفرضيـ�ة «هـــل «هل حياتك أهم من س�اعد القات�ل ال س�اعد القاتل ال حيق له‬
‫حيق ل�ه الزعم بأن الزعم بأن «هل حياتك‬ ‫حيات�ك أه�م م�ن حيايت؟»‬
‫«ه�ل حياتك أهم أهم من حيايت؟»‬ ‫حيايت؟»‬
‫من حيايت؟»‬

‫‪164‬‬
‫‪ -31‬ملخص‬
‫الرايب موش�يه شنيئورس�ون وكتاب باراشات دراخيم‪ ،‬يتفقان عىل أنه ُيسمح لدى األغيار‬
‫بإحل�اق األذى هب�ؤالء الذين يس�تعني هبم القتل�ة‪ ،‬أو خيتبئون م�ن خلفه�م‪ ،‬إذا كانت هذه هي‬
‫الطريقة الوحيدة لإلنقاذ‪.‬‬
‫جيي�ز الرايب «موش�يه شنيئورس�ون» لألغي�ار القتل‪ ،‬إذا كان�ت هذه هي الطريق�ة الوحيدة‬
‫للنج�اة‪ .‬وكتاب «باراش�ات دراخيم» حيظر على األغيار القتل يف حال�ة ارتكاب جريمة حتت‬
‫التهديد‪ ،‬ويعود احلظر هنا يف رأيه إىل فرضية «هل حياتك أهم من حيايت؟»‪ ،‬ومن يساعد القاتل‬
‫ال حيق له الزعم بأن «هل حياتك أهم من حيايت؟»‪ ،‬ألنه يشارك يف اجلريمة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪165‬‬
‫امللحق األول‬
‫الفرق بني اإلنقاذ والعالج يف قضايا دينية متباينة‬
‫اخللاف يف ال�رأي حول حكم من يتعالج عن طريق ارت�كاب جريمة ما‪ ،‬وبني من اضطر‬
‫الرتكاب جريمة لينقذ حياته‪ .‬كنا قد أوردنا من خالل تفسير «أور س�اميح» يف أول الفصل‪،‬‬
‫اخللاف يف ال�رأي ح�ول حكم م�ن يتعالج ع�ن طري�ق ارتكاب جريم�ة ما‪ ،‬وبني م�ن اضطر‬
‫الرتكاب جريمة لينقذ حياته‪ .‬وهو اخلالف الذي ورد يف عدد من القضايا التي نوقشت مثل‪:‬‬
‫* وجوب التضحية بالنفس يف حالة ارتكاب جريمة القتل وف ًقا لرأي‪« ‬أور ساميح»‪.‬‬
‫* عقاب من يرتكب إحدى الذنوب اخلطرية الثالثة رغماً عنه‪.‬‬
‫* اإلرغام عىل ترديد دعاء الطعام)*( «يف يوم الغفران‪ ،‬أو بالنسبة للطعام الذي ال يتطابق‬
‫والرشيعة اليهودية»‪.‬‬
‫* اإلرغام عىل البيع «قضية تليوهو وزافني)**( »‪.‬‬
‫باإلضافة لذلك‪ ،‬ثمة خالف مش�ابه يف اآلراء نجده فيام خيص حكم الش�خص الذي يقوم‬
‫بتوصيل األموال رغماً عنه‪ ،‬بيد أن هذا اخلالف ال يتطابق مع هذه احلاالت‪ ،‬كام أوضحنا‪.‬‬

‫‪« -1‬أور ساميح»‪ :‬حكم وجوب بذل النفس يف حالة ارتكاب غري اليهودي جلرمية قتل‬
‫اتض�ح لن�ا‪ ،‬من خلال م�ا ورد يف الفقرة اخلامس�ة من متن الفص�ل‪ ،‬أن «أور‬
‫ساميح» يرى أن األغيار ملزمون بالتضحية بالنفس‪ ،‬حتى ال يموت اآلخرون يف‬
‫حالة العالج‪ ،‬لكن ليس ثمة إلزام عليهم يف حالة اإلنقاذ من املوت‪.‬‬
‫املغ�زى هنا هو أنه يف حالة العالج‪ ،‬من حق الش�خص الذي فق�د حياته أن يزعم أن «هل‬
‫حياتك أهم من حيايت؟»‪ ،‬أي «مل جتيز لنفسك قتيل لتنقذ حياتك؟»‬
‫أم�ا يف حالة الش�خص ال�ذي حياول إنق�اذ حياته‪ ،‬ال يمك�ن طرح مثل هذا الس�ؤال؛ ألن‬
‫القاتل سريد‪ ،‬قائلاً ‪« :‬وجودك هو الذي تسبب يف إحلاق األذى يب‪ ،‬ويف هذه احلالة‪ ،‬ال حيق لك‬
‫عيل قتلك‪ :‬ألنني غري مطالب بالتضحية بحيايت بس�بب وجودك هنا؟» أي‪ ‬أن‬‫الزع�م أنه حيظر َّ‬
‫رضرا‪.‬‬
‫الرخصة املمنوحة للقتل هنا تنبع من أن وجود الشخص الذي فقد حياته‪ ،‬يسبب ً‬
‫)*(  دعاء الطعام ברכת מזון‪ :‬تأمر الرشيعة اليهودية اليهود برتديد دعاء الطعام يف هناية كل وجبة حتتوي عىل خبز بمقدار‬
‫معني‪ ،‬استنا ًدا ملا ورد يف تثنية (‪.)10 :8‬‬
‫)**(  قضية تليوهو وزافني תליוהו וזבין‪ :‬هي قضية وردت يف التلمود يف فصل «بابا برتا» يف اجلامرا‪ ،‬تناقش قضية اإلرغام‬
‫عىل بيع يشء‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫أيض�ا‪ ،‬يف حالة ارتكاب جريمة حت�ت التهديد‪ ،‬كام ورد يف‬
‫تسري هذه الفرضية الس�ابقة‪ً ،‬‬
‫شخصا آخر‬ ‫ً‬ ‫كتاب «أور س�اميح»‪ ،‬وهي الفرضية التي تناس�ب أكثر حالة الش�خص الذي منع‬
‫رضرا عىل الش�خص اآلخر‪ ،‬ال حي�ق له إ ًذا‬
‫م�ن إنق�اذ حيات�ه دون قصد‪ ،‬وألن وجوده يش�كل ً‬
‫الزعم بأن «هل حياتك أهم من حيايت؟»(‪.)74‬‬

‫رغما عنه‬
‫‪ -2‬عقوبة من يرتكب أحد الذنوب اخلطرية الثالثة ً‬
‫لقد أوردنا يف الفقرة اخلامس�ة يف متن الفصل‪ ،‬التناقض يف كالم الرايب موس�ى بن ميمون‪،‬‬
‫ح�ول القضي�ة املطروحة للنق�اش‪ ،‬وهو‪ :‬أنه جيب عقوب�ة من يتعالج عن طري�ق ارتكاب أحد‬
‫الذنوب اخلطرية الثالثة‪ ،‬بينام ال ُيعاقب إذا فعلها حتت هتديد أحد املجرمني بالقتل‪.‬‬
‫املغزى من اخلالف يف اآلراء هو معرفة ما إذا كان الشخص يرغب يف ارتكاب اجلريمة أم‬
‫أن�ه مرغم عىل ارتكاهبا؟ يف حالة العالج‪ ،‬يكون الش�خص قد رغب يف ارتكاب اجلريمة؛ ألنه‬
‫لوال ارتكابه للجريمة لكان قد مات من شدة األمل‪.‬‬
‫أما إذا كان الش�خص حياول إنقاذ حياته‪ ،‬أي أنه مل يرغب يف اإلتيان بالفعل‪ .‬ويرسي هذا‬
‫احلكم كذلك عىل من تدفعه الظروف الرتكاب جريمة ما؛ ألنه كان يفضل أن يتغري الواقع من‬
‫حوله؛ حتى ال يضطر الرتكاب اجلريمة‪.‬‬
‫عىل س�بيل املثال‪ ،‬هي�ودي قتل هيود ًّيا آخر اعرتض‪ ،‬رغماً عنه‪ ،‬طريق ش�خص حياول إنقاذ‬
‫حياته من خطر حمقق‪ .‬القاتل هنا كان يفضل لو مل تتواجد الضحية يف املكان‪ ،‬ورغم أنه أتى شي ًئا‬
‫حمظورا‪ ،‬إال أنه كان مرغماً عىل ذلك؛ لذا فال عقوبة عليه(‪.)75‬‬
‫ً‬

‫رغما عنه‬
‫‪ -3‬حكم من ردد دعاء الطعام ً‬
‫فيما ييل رأى «ش�وحلان عاروخ» والرايب موش�يه إيرسليش)*( ال�واردان يف كتاب «أوراح‬
‫حاييم»‪:‬‬
‫كل م�ن يأكل أو يرشب ش�يئًا للتداوي به‪ ،‬واتفق أن اس�تمتع به وكان طعمه‬
‫طي ًب�ا‪ ،‬علي�ه أن ي�ردد دع�اء الطع�ام يف البداي�ة والنهاي�ة‪ .‬أم�ا إذا كان مرغماً عىل‬

‫)*(  موشيه بن يرسائيل ايرسليش משה בן ישראל איסרליׂש (‪1572-1520‬م)‪ :‬فيلسوف هيودي بارز‪ ،‬له إسهامات‬
‫كبرية يف جمال الفتاوى الدينية‪ ،‬يف القرن السادس عرش يف غرب أوروپا‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫األكل أو الرشب‪ ،‬فحتى إذا اس�تمتع بام تناوله‪،‬ال جيب عليه ترديد دعاء الطعام؛‬
‫درءا‬
‫طعام�ا أو رشب رشا ًبا منهي ع�ن تناوله ً‬‫ألن�ه فعل هذا رغًم�اً عنه‪ .‬من أكل ً‬
‫خلطر ما‪ ،‬عليه أن يردد دعاء الطعام يف البداية والنهاية ‪. ‬‬
‫يقول الرايب موش�يه إيرسليش‪ :‬إن من يضطر ألكل أو رشب ش�ي ًئا ما‪ ،‬ال جيب عليه ترديد‬
‫دع�اء الطع�ام‪ ،‬ومع هذا فهو ال يضيف ش�ي ًئا عىل ما ورد يف «ش�وحلان عاروخ»‪ ،‬من أن كل من‬
‫يأكل أو يرشب شي ًئا للتداوي به أو لدرء خطر ما‪ ،‬عليه ترديد دعاء الطعام‪.‬‬
‫فسر حكامؤن�ا األواخ�ر أن ثم�ة خال ًفا هنا بين ارت�كاب جريمة من أج�ل العالج‪ ،‬وبني‬
‫اإلجبار عىل ارتكاب جريمة‪ ،‬ونورد رأى «شوحلان عاروخ» يف هذه النقطة‪:‬‬
‫حمرما ل�درء خطر ما‪،‬‬
‫طعاما ً‬
‫طعاما يف ي�وم الغفران‪ ،‬أو ي�أكل ً‬ ‫كل م�ن ي�أكل ً‬
‫عليه أن يردد دعاء الطعام يف البداية والنهاية؛ ألنه اس�تمتع به‪ ،‬عىل الرغم من أنه‬
‫مل يستمتع بملء إرادته‪ ،‬إنام كان هذا رغماً عنه‪.‬‬
‫وهن�اك من يرى أن الش�خص املعاىف ال�ذي ُأجرب عىل تناول يشء م�ا‪ ،‬ال جيب عليه ترديد‬
‫دعاء الطعام‪ ،‬رغم اس�تحالة عدم اس�تمتاعه بام تناوله؛ ألنه كيف يب�ارك الرب طعا ًما أو رشا ًبا‬
‫وال يس�تمتع ب�ه؟ ولكن األمر خيتلف فيام خيص الش�خص املريض؛ ألنه يع�اين ولديه الرغبة يف‬
‫الش�فاء ع�ن طريق ه�ذا الطعام أو ذلك الشراب‪ ،‬ناهيك ع�ن أن عليه أن يش�كر الرب خالق‬
‫كل يشء‪ ،‬كام أن االس�تمتاع بطعام أو رشاب للتداوي‪ ،‬ال يلزمه بتالوة ترديد دعاء االس�تمتاع‬
‫بالطعام‪.‬‬
‫على أي�ة حال‪ ،‬عىل املريض أن يردد دعاء الطع�ام عىل أي طعام أو رشاب يرغب يف تناوله‬
‫هبدف العالج‪ .‬أما يف حالة إجبار شخص عىل تناول يشء ما‪ ،‬فعىل الرغم من هذا اإلجبار‪ ،‬فإنه‬
‫إذا مل يكن الطعام موجو ًدا‪ ،‬ملا كان قد وقع اإلجبار‪.‬‬
‫بمعن�ى‪ :‬ل�وال وجود الطعام‪ ،‬ملا كان ثمة خطر‪ ،‬وفقا لرأى الرايب موش�يه ايرسليش فإنه ال‬
‫جيب ترديد دعاء الطعام؛ ألنه بالفعل غري راغب يف الطعام الذي يعرضه خلطر ما‪.‬‬
‫مريضا‪ ،‬ويكون هذا الطعام بمثابة دواء للمرض‪ ،‬س�نجد أن‬
‫لكن عندما يكون الش�خص ً‬
‫عدم تناوله للطعام من شأنه أن يزيد من خطورة املرض‪ ،‬وألنه راغب يف الطعام‪ ،‬عليه أن يردد‬
‫دعاء الطعام‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫‪  ‬ونناقش اآلن حالة وسط بني كلتا احلالتني‪:‬‬
‫ثم�ة هي�ودي حيتف�ظ يف جيبه بطع�ام منهي عن أكل�ه بأمر املل�ك‪ .‬وحرض إليه‬
‫رشطي�و امللك‪ ،‬والوس�يلة الوحيدة للتخلص من الطعام ه�و تناوله برسعة‪ .‬وإذا‬
‫مل يفع�ل ه�ذا س� ُيعتقل و ُيقتل‪ .‬وف ًق�ا للمبدأ ال�ذي أوردناه‪ ،‬ليس ثم�ة إلزام عىل‬
‫اليهودي برتديد دعاء الطعام‪ ،‬فهو ال يرغب فيه؛ ألنه يعرضه للخطر‪.‬‬

‫‪ -4‬حكم من باع شي ًئا ً‬


‫رغما عنه‬
‫ورد يف «شوحلان عاروخ» حول أحكام البيع أنه‪ :‬ثمة حاالت يكون معلو ًما لدينا أن البائع‬
‫يبيع شي ًئا رغماً عنه‪ ،‬أي أن أحد األشخاص أجربه عىل هذا‪ ،‬ويف هذه احلالة ال تصلح البيعة‪ .‬بيد‬
‫أن «شوحلان عاروخ» يؤكد عىل أن هذا احلكم ينطبق فحسب‪ ،‬يف حالة اإلجبار‪ ،‬وال يرسي يف‬
‫حالة اضطرار مالك اليشء لبيعه‪ ،‬نتيجة ضغوط مادية من ِق َبل آخرين‪ ،‬أو ما شابه‪.‬‬
‫أيضا نصل إىل الفرضية سالفة الذكر‪:‬‬
‫وهنا ً‬
‫الس�ؤال الذي يطرح نفس�ه هنا هو‪ :‬هل البائع يرغب يف نقل ملكية اليشء الذي يبيعه إىل‬
‫شخص آخر أم ال؟ يف حالة إجباره عىل البيع‪ ،‬لن يرغب يف نقل ملكية اليشء إىل شخص آخر‪،‬‬
‫ب�ل إن احلال س�تكون أفضل إذا مل يفعل‪ .‬أم�ا إذا كان البائع يرغب يف بيع اليشء للحصول عىل‬
‫ثمنه أو لالس�تمتاع بيشء ما س�يحصل عليه من املشتري‪ ،‬س�يكون البائع راغ ًبا يف نقل ملكية‬
‫(‪)76‬‬
‫اليشء‪.‬‬

‫‪ -5‬خالصة اختالفات الرأي‬


‫يف القضايا التي تعرضنا هلا حتى اآلن‪ ،‬نجد أن اختالفات الرأي التي تدور حول الفرق‬
‫بني العالج وإنقاذ احلياة‪ ،‬هي اختالف حول بني ش�خص راغب يف وقوع الفعل وبني ش�خص‬
‫آخر‪ ،‬لوال إمكانية وقوع الفعل‪ ،‬لكان حاله أفضل بكثري‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫املوضوع‬ ‫فرضية االختالف‬ ‫حكم العالج‬ ‫احلكم يف حالة‬ ‫احلكم يف حالة‬
‫بني العالج واإلنقاذ‬ ‫اإلرغام‬ ‫وجود أمر واقع‬
‫جيرب الشخص‬
‫هل املترضر راغب يف التضحية بالنفس يف‬ ‫حمظور‬ ‫ُيسمح‬ ‫ُيسمح‬
‫حالة القتل لدى غري‬ ‫ارتكاب اجلريمة؟‬
‫اليهود‬
‫هل املترضر راغب يف عقــ�اب اليهـ�ودي‬ ‫ملزم‬ ‫معفى‬ ‫معفى‬
‫الذي ارتكب جريمة‬ ‫ارتكاب اجلريمة؟‬
‫رغماً عنه‬
‫يردد دعاء الطعام هل املترضر راغب يف إرغام م�ن يأكل عىل‬ ‫يردد دعاء الطعام يردد دعاء الطعام‬
‫ترديد دعاء الطعام‬ ‫وجود الطعام؟‬
‫ه�ل يرغ�ب يف نق�ل اإلرغام عىل البيع‬ ‫البيعة صاحلة‬ ‫ال يوجد مثل هذه البيعة ال جتوز‬
‫ملكية اليشء؟‬ ‫(‪)77‬‬
‫احلالة‬

‫‪ -6‬حكم من أُجرب على توصيل مال لشخص آخر‬


‫ورد يف «شوحلان عاروخ» أن‪ :‬إذا ُأجرب أحد األغيار أو أحد اليهود عىل محل مال وتوصيله‬
‫لشخص آخر‪ ،‬فإذا بدَّ د املال‪ ،‬يتم إلزامه بتعويض صاحب املال‪ ،‬رغم أنه فعل هذا رغماً عنه؛‬
‫هذا ألن الذي ينقذ نفسه عىل حساب مال غريه‪ُ ،‬ملزم بتعويضه‪ ...‬إذا محل أحدهم مالاً وقام‬
‫بتوصيله ألحد املجرمني‪ ،‬عليه تعويض صاحب املال‪ ،‬رغم أن قدره أنه فعل هذا رغماً عنه‪.‬‬
‫إذا طلب أحد املجرمني من ش�خص ما أن « فلتحرض يل مال فالن أو أقتلك»‪ ،‬فإنه ُيس�مح‬
‫للمتضرر أن حيضر امل�ال‪ .‬ورغم أنه ُيس�مح له بذل�ك؛ ألن ال يشء يقف يف وج�ه إنقاذ حياة‬
‫إنس�ان‪ ،‬فإن «ش�وحلان ع�اروخ» يلزم هذا الش�خص بتعويض صاحب امل�ال؛ ألنه «حمظور أن‬
‫ينقذ نفس�ه بواس�طة مال صاحبه»‪ .‬اختلف الرايب س�فتي كوهني )*( مع «ش�وحلان عاروخ» يف‬
‫هذه النقطة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫أيض�ا إذا ُأجبر على إحضار‬
‫حتدي�دً ا إذا ُأجبر على توصي�ل م�ال ‪ -‬إذ إن�ه ً‬

‫)*(  الرايب سفتي كوهني (ש''ך) (‪1663 – 1612‬م)‪ :‬حاخام وفقيه‪ ،‬ولد يف پولندا‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫يشء م�ا‪ ،‬فق�ام بحمل�ه وتوصيل�ه‪ ،‬فهو مل�زم بتعوي�ض صاحب امل�ال‪ ،‬ويكون‬
‫أيضا‬
‫هب�ذا ق�د «أنق�ذ نفس�ه بواس�طة أم�وال صاحب�ه»‪ ،‬واحلك�م نفس�ه يسري ً‬
‫على الش�خص ال�ذي حط�م األواين أثن�اء هروب�ه‪ .‬وال يسري ه�ذا احلك�م يف‬
‫حال�ة أن يك�ون املج�رم يقصد رسقة ش�خص حمدد من�ذ البداية‪ ،‬وهن�ا ال يكون‬
‫ه�ذا الش�خص ق�د أنق�ذ حيات�ه بواس�طة أم�وال صاحب�ه‪ ،‬ب�ل ه�و ُأجبر على‬
‫ً‬
‫تنفي�ذا ألوام�ر املج�رم‪ ،‬وإذا مل يس�تجب ألوامره س�يكون ق�د افتدى‬ ‫فع�ل ه�ذا‬
‫أم�وال صاحب�ه بحيات�ه؛ ألن�ه ال يوج�د يشء يق�ف يف وجه إنق�اذ حياة إنس�ان‪.‬‬
‫أي أن كل املص�ادر تعترف بأن�ه ُيس�مح باإلرضار بأمالك الغري يف س�بيل إنقاذ‬
‫حياة أحدهم؛ ألنه كام أسلفنا ورد أن «ال يشء يقف يف وجه إنقاذ حياة إنسان»‪.‬‬
‫رأينا أن «ش�وحلان عاروخ» ُيلزم من أنقذ حياته عىل حس�اب م�ال صاحبه‪ ،‬بتعويضه عن‬
‫ه�ذا‪ ،‬غير أن الرايب س�فتي كوهني ال ي�رى أن هذا احلكم يرسي عىل مجي�ع احلاالت‪ .‬فعىل حد‬
‫قوله‪ :‬إذا قام أحد املجرمني بجمع مبلغ حمدد من املال‪ ،‬وأجرب الشخص املترضر عىل محله لينقذ‬
‫حياته‪ ،‬ليس ثمة إلزام عليه بتعويض صاحب املال‪.‬‬
‫وعندما نحاول أن نفهم هذا الرأي‪ ،‬نطرح التساؤل التايل‪ :‬ما الفرق بني من يرضخ لتهديد‬
‫أح�د املجرمني ويقوم بتوصيل مبلغ من امل�ال إليه حتى ال يقتله‪ ،‬وبني من أجربه أحد املجرمني‬
‫عىل احلصول عىل مال من شخص حمدد؟‬
‫مسموحا به أم ال‪ .‬فقد تم‬
‫ً‬ ‫يتضح األمر من فكرة أن النقاش هنا ال يدور حول كون الفعل‬
‫احلصول عىل املال وف ًقا لفرضية «ال يشء يقف يف وجه إنقاذ حياة إنس�ان»‪ .‬ويدور النقاش هنا‬
‫حول من الذي عليه حتمل عواقب الفعل‪.‬‬
‫وق�د أدرك الرايب س�فتي كوهني األمر عىل النحو الت�ايل‪ :‬إذا رغب املجرم يف احلصول عىل‬
‫ه�ذا املال بالتحديد (أي أن املجرم يرغب يف رسقة هذا الش�خص بالتحديد)‪ ،‬واضطر املترضر‬
‫إىل احلص�ول على امل�ال بناء عىل طل�ب املجرم؛ لذا ف�إن صاحب املال هو َم�ن يتحمل عواقب‬
‫الفعل وليس املترضر‪ ،‬الذي يعد متعد ًيا عىل صاحب املال هنا‪.‬‬
‫أي أنه يف هذه احلالة‪ ،‬خيتلف احلكم حسب نوايا املتعدي؛ ألن مقصده هو الذي حيدد من‬
‫يتحمل الرضر‪ .‬وال ُيفهم من هذا‪ -‬ال سمح اهلل ‪ -‬أن هذه رخصة الرتكاب اجلريمة‪ ،‬لكن هذه‬
‫النواي�ا هي التي جتعلنا نقرر أن الرضر وقع عىل ش�خص حم�دد‪ ،‬أي أنه هو الذي حتمل عواقب‬
‫الفعل(‪.)78‬‬

‫‪171‬‬
‫تعلمن�ا ه�ذه الفرضية حكم األمالك التي تعرتض طريق الش�خص ال�ذي حياول اهلروب‬
‫م�ن قات�ل‪ ،‬وقد اضطر إلحلاق األذى هبذه األمالك لينقذ حيات�ه‪ ،‬يف هذه احلالة يقع الرضر عىل‬
‫اهلارب ال عىل صاحب املال؛ ألن القاتل تعمد إيذاء اهلارب؛ لذا س�يضطر اهلارب إىل تعويض‬
‫صاحب املال وف ًقا لقاعدة «من أنقذ نفسه بواسطة مال صاحبه»(‪.)79‬‬
‫وه�ذا هو تفسير ما ورد يف «ش�وحلان ع�اروخ»‪« :‬ثمة قات�ل يطارد صديقه هب�دف قتله‪،‬‬
‫طارد قام بتحطيم األواين التي يمتلكها القاتل‪ ،‬يعفى ا ُمل َ‬
‫طارد من تعويض القاتل؛‬ ‫والشخص ا ُمل َ‬
‫ٍ‬
‫حينئ�ذ تعويض صاحبها؛‬ ‫ألن إنق�اذ حيات�ه أوىل‪ .‬وإذا كانت األواين ملكًا لش�خص آخر‪ ،‬عليه‬
‫ألنه سيكون قد أنقذ حياته بواسطة مال صاحبه»‪.‬‬
‫يتضح لنا مما سبق أن وجهة النظر يف حالة من ُأجرب عىل توصيل يشء ما لشخص آخر‪ ،‬ال‬
‫أيضا إذا مل يكن يرغب‬
‫يكمن يف معرفة ما إذا كان الشخص املضطر يرغب يف وقوع هذا أم ال‪ً .‬‬
‫يف ه�ذا‪ ،‬فعلي�ه تعويض صاحب املال عن الرضر الذي وقع عليه؛ ألنه «حمظور أن تنقذ نفس�ك‬
‫عىل حساب مال صاحبك»‪.‬‬
‫يكمن اخلالف بني «شوحلان عاروخ» والرايب سفتي كوهني فحسب يف احلالة التي ُيسمح‬
‫فيها للمضطر بفعل ما فعل‪ ،‬لكن جيب حتديد الشخص الذي سيتحمل عواقب الرضر‪.‬‬
‫فبالنسبة هلذه النقطة يرى الرايب سفتي كوهني أن نوايا املجرم الذي تعمد إيذاء فالن‪ ،‬هي‬
‫الس�بب يف أن فالنً�ا هذا لن يس�تطيع مقاضاة املضطر؛ ألن األخري يمكن�ه أن يرد عليه بـ «إنني‬
‫عيل»‪.‬‬
‫فعلت ما فعلت كام هو متبع يف مثل هذه احلاالت‪ ،‬والرضر يقع عليك أنت ال ّ‬
‫وي�رى «ش�وحلان ع�اروخ» أنه م�ا دام أنه يف هناي�ة األمر حترك الرضر من ش�خص آلخر‪،‬‬
‫رضرا وق�ع هنا عىل املضطر‪ ،‬وه�و الذي عليه‬
‫ع�ن طري�ق حصول املضطر عىل امل�ال‪ ،‬فإن ثمة ً‬
‫حتمل عواقبه‪.‬‬

‫‪ -7‬ملخ���ص‪ :‬خبالف املصادر األربعة اليت أوردناه���ا يف البداية‪ ،‬يتم النقاش حول حكم‬
‫من أُجرب على توصيل مال بناء على فرضية خمتلفة‬
‫الفرضية اخلاصة بالتفريق بني العالج وبني اإلجبار يف احلالة الس�ابقة‪ ،‬تتعلق بنوايا املجرم‬
‫التي س�تمنع صاحب املال‪ ،‬من وجهة نظر الرايب س�فتي كوهني‪ ،‬من مقاضاة‪  ‬ذلك الش�خص‬
‫ال�ذي أنقذ نفس�ه‪ ،‬كما هو متبع يف مثل هذه احل�االت؛ ألن حظ صاحب امل�ال العاثر هو الذي‬
‫أدى لوقوع الرضر‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫‪ ‬‬
‫احلكم يف حالة‬ ‫احلكم يف حالة‬ ‫حكم العالج‬ ‫فرضية التفريق بني‬ ‫املوضوع‬
‫ظروف واقعية‬ ‫اإلجبار‬ ‫العالج وإنقاذ احلياة‬
‫أدت إىل الرضر‬
‫هل املضطر يرغب يف حمظ�ور على غير ُيسمح لغري اليهودي ُيسمح‬ ‫احلاالت األوىل‬
‫اليهودي قتل غريه قتــل غريه؛ إلنقــاذ‬ ‫وقوع الفعل؟‬
‫حياته‬
‫من يرتكب جريمة املضط�ر ال تق�ع عليه معفي‬ ‫‪ ‬‬
‫عقوبة‬ ‫للتداوي‪ ،‬آثم‬
‫مـن يـ�أكل طعـام م�ن يضط�ر ألكل ال يتلو الربكة‬
‫منهي عنه للتداوي‪ ،‬طعا ًما‪ ،‬ال يتلو الربكة‬
‫يتلو الربكة‬
‫اإلجبــــار علـــى عىل م�ن تقع عواقب جيــ�ب أن يدفــ�ع يت�م إعفاؤه م�ن دفع جيــ�ب أن يدفـــع‬
‫تعويضا مال ًّيا‬
‫ً‬ ‫تعويض مايل‬ ‫تعويضا مال ًّيا‬
‫ً‬ ‫احلصول عىل املال الرضر‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪173‬‬
‫امللحق الثاني‬
‫شرح رأي الرابي موشيه إيسراليش‬
‫يف حالة ختفيف محل السفينة‬
‫ورد يف اجلامرا يف «بابا قاما ‪ ،»116 : 141‬السفر الثاين‪:‬‬
‫أفتى حكامؤنا بأنه‪ :‬إذا كانت ثمة قافلة تسري يف الصحراء‪ ،‬وظهر أمامها قطاع‬
‫ط�رق يرغبون يف القضاء عليه�ا‪ ،‬يتحدد املبلغ املايل الذي س� ُيمنح لقطاع الطرق‬
‫وف ًق�ا لألمالك‪ ،‬وليس وف ًقا لعدد أفراد القافل�ة‪ ،‬وإذا كان ثمة دليل يقود القافلة‪،‬‬
‫الحمارين‪...‬‬
‫َّ‬ ‫يتحدد أجره وف ًقا لعدد أفراد القافلة‪ ،‬دون تغيري ُعرف‬
‫أفتى حكامؤنا بأنه‪ :‬إذا كانت ثمة س�فينة تسير يف البحر‪ ،‬وأتت عليها عاصفة ستؤدي إىل‬
‫غرقها‪ ،‬فقام من عليها بتخفيف محولة الس�فينة‪ ،‬يتم حساب املسألة وف ًقا للحمولة‪ ،‬وليس وف ًقا‬
‫للخسارة التي ستتعرض هلا األمالك‪ ،‬دون تغيري ُعرف البحارة‪.‬‬
‫كام أفتى كل من الرايب موس�ى ب�ن ميمون يف «رشائع الرسقة وإع�ادة األغراض املفقودة»‬
‫و«شوحلان عاروخ» باحلكم نفسه‪:‬‬
‫إذا كان�ت ثمة قافل�ة متوقفة يف الصحراء‪ ،‬وقام قطاع طرق بمهامجتها بغرض‬
‫االس�تيالء على محولتها‪ ،‬فاتفق أف�راد القبيلة مع قطاع الطرق على مبلغ من املال‬
‫س�يمنحونه هل�م‪ ،‬جي�ب حتدي�د القيمة وف ًق�ا ألملاك أف�راد القبيلة‪ ،‬ولي�س وف ًقا‬
‫لعدده�م‪ ،‬وإذا كان ثم�ة دلي�ل يقوده�م يف الطري�ق‪ ،‬يتحدد أجره وف ًق�ا لكل من‬
‫الحمارين‪...‬‬
‫َّ‬ ‫أمالك أفراد القبيلة وعددهم‪ ،‬دون تغيري ُعرف‬
‫استكاملاً للفقرة نفسها من اجلامرا‪ ،‬ترد حكاية هي‪:‬‬
‫إذا كانت ثمة س�فينة تسري يف البحر‪ ،‬وأتت عليها عاصفة ستؤدي إىل غرقها‪،‬‬
‫فقام من عليها بتخفيف محولة السفينة‪ ،‬يتم حساب املسألة وف ًقا للحمولة‪ ،‬وليس‬
‫وف ًقا للخسارة التي ستتعرض هلا األمالك‪ ،‬دون تغيري ُعرف البحارة‪.‬‬
‫نجد هنا قصة حمِ ار ُيعرض س�فينة بأكملها للخطر؛ لذا ُيلقى يف البحر‪ ،‬ويعفى احلكيم هنا‬
‫من ألقاه بالتعويض عن هذا احلامر‪ .‬ورد يف اإلجابات اخلاصة بالرايب موسى بن ميمون الواردة‬
‫يف هناية كتاب «نزيقني‪ ،)80(»20‬أن صاحب احلامر مذنب ألنه ألقاه يف البحر‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫وألن�ه ثمة خطورة من البداية يف إدخال احلامر للس�فينة‪ ،‬لكنهم اعت�ادوا عىل فعل هذا كام‬
‫يفعلون اآلن‪ ،‬وبعد ذلك كان احلامر يرتنح‪ ،‬وكانت الس�فينة عىل وش�ك الغرق‪ ،‬إذا ألقى به يف‬
‫البح�ر‪ ،‬فه�و مذنب‪ ،‬وال نعترب صاح�ب احلامر أنه قد أحل�ق األذى بحامره‪ ،‬ويك�ون قد أذنب‪،‬‬
‫وعلي�ه فدي�ة؛ ألنه أنقذ نفس�ه بواس�طة مال صاحب�ه‪ ،‬حت�ى إذا كان هذا يف حال�ة وجود خطر‬
‫عىل احلياة‪.‬‬
‫غري أن «هابايت يوسف» خيتلف مع إجابات الرايب موسى بن ميمون‪:‬‬
‫«من يمتلك كلبا أو أي حيوان ٍ‬
‫مؤذ‪ ،‬وكان ال بد أن يقتله حتى ال يؤذي الناس‪،‬‬ ‫ً‬
‫لاً‬
‫ماذا إذا قتله آخرون أو ‪ ،‬عىل من يقع ذنب القتل حينها؟»‪.‬‬
‫يف رأي «هاباي�ت يوس�ف» أن�ه حت�ى إذا مل يذنب صاحب احلمار‪ ،‬فليس ثم�ة إلزام لدفع‬
‫تعويض له عن محاره الذي ُألقي يف املياه‪ ،‬وذلك ألن احلامر يرض كل من عىل السفينة؛ ألنه هبذه‬
‫الطريقة ُيس�مح باالحتامء منه ومنع الرضر الذي يس�ببه‪( ،‬وكام أثبتنا فيام سبق يف متن الفصل يف‬
‫الفقرة الثانية عرشة‪ ،‬من أن اجلامرا جتيز إيذاء الش�خص الذي ُيلحق األذى بغريه لالحتامء منه‪،‬‬
‫حتى إذا ُأجرب عىل اإليذاء)‪.‬‬
‫ُسئل الرايب موشيه بن يرسائيل ايرسليش (يف أسئلة وأجوبة نفس الرايب)عن رأى «هابايت‬
‫يوس�ف»‪ ،‬وكانت صيغة الس�ؤال كالت�ايل‪« :‬ما قاله «هابايت يوس�ف» يثري بداخيل تس�اؤالت‬
‫عديدة‪ ،‬إذا كان لش�خص كلب أو يشء ما يضر الناس‪ ،‬وكان عىل صاحبه أن يقتله‪ ،‬لكنه تركه‬
‫ومل يفعل‪ ،‬فهو مذنب؛ لذا فمن يقدم عىل قتله ليس عليه دفع تعويض لصاحبه‪ .‬وهذا الشخص‬
‫الذي أدخل احلامر إىل السفينة ومل يكن عىل علم بخطورته‪ ،‬وفجأة صار احلامر يترصف بعدوانية‪،‬‬
‫وراح يقفز‪ ،‬مما هدد السفينة بالغرق‪ ،‬فألقوه يف النهر‪ ،‬جيب عىل من ألقاه دفع تعويض لصاحبه‪،‬‬
‫كام هو متبع يف حالة من ينقذ نفسه بواسطة مال صاحبه»‪.‬‬
‫أدرك الس�ائل أن إجابات الرايب موس�ى بن ميمون حتظر إحل�اق األذى باملتعدي‪ ،‬إذا وقع‬
‫الرضر بواسطة من يمتلك الشئ‪ .‬لكن الرايب إيرسليش مل يتفق مع هذا االدعاء‪:‬‬
‫ال أرى يف ه�ذا أي ادع�اء‪ ،‬ذل�ك ألن�ه ال ش�أن يل بجهل مال�ك اليشء باألم�ر‪ ،‬ففي مجيع‬
‫األحوال يعد الكلب أو احلامر مصدر أذى‪.‬‬
‫ال هي�م رأي صاحب احليوانات؛ ألن القدماء قالوا «س�ارع بقت�ل من أتى لقتلك»‪ ،‬وليس‬
‫ثمة خالف بني املرة األوىل والثانية‪ .‬فقد قال القدماء‪« :‬كل الثريان ال يتم حراستها»‪.‬‬
‫‪175‬‬
‫وعلى ه�ذا‪ ،‬فإنني أقر ترشي ًعا‪« :‬من حيدث الرضر ُيعاقب»‪ ،‬وعىل كل حال الس�اذج الذي‬
‫يقتل ُيقتل‪ ،‬كام أصدرنا حكماً ترشيع ًّيا كاملاً يف فصل الثور الذي نطح أربعة أو مخسة أشخاص‪،‬‬
‫وإذا حاول الش�خص الذي تعرض للنطحة إنقاذ نفس�ه فقتل الثور‪ ،‬من ا ُمللزم بالتعويض؟ لذا‬
‫فليس ثمة ادعاء يف كلامتك عىل رأي «مهاري كارو»‪.‬‬
‫يتف�ق الرايب ايرسليش مع «هبايت يوس�ف» من أنه ُيس�مح االحتامء م�ن الثور الذي يمثل‬
‫رضرا علين�ا‪ ،‬لك�ن هذا يف حال�ة أن يكون هذا رغماً ع�ن صاحبه‪ .‬ويأيت بدليل على هذا‪ :‬لدينا‬
‫ً‬
‫قاع�دة تق�ول «كل الثيران ال يتم حراس�تها»‪ ،‬إذا كان األم�ر كذلك‪ ،‬فليس ثمة إلزام بحراس�ة‬
‫الثور الساذج بشكل خاص‪ ،‬والرضر اجلزئي الذي يستحقه عىل األرضار التي تسبب فيها‪ ،‬هي‬
‫الغرام�ة املالي�ة التي جيب أن يدفعها‪ .‬ومن الناحية الرشعية‪ ،‬ال ُيعد صاحب الثور مس�ئولاً عن‬
‫شخصا ما‪ ،‬جيب دفع تعويض مايل‪.‬‬
‫ً‬ ‫هذا الرضر‪ .‬ورغم هذا فإن احليوان الساذج إذا قتل‬
‫إذا كان ُملز ًما بدفع تعويض عن القتل بعد وفاة الش�خص‪ ،‬فببساطة يمكن للشخص ذاته‬
‫الدف�اع عن نفس�ه وقتل احليوان‪ ،‬ولن حيق لصاحب احليوان املطالب�ة بتعويض؛ ألنه إذا مل ُيقتل‬
‫التقاء رشه‪ ،‬كان س ُيقتل يف املحكمة‪.‬‬
‫رضرا عىل الناس‪ ،‬وال حيق‬
‫يتض�ح من هذا أنه ُيس�مح ل�ك االحتامء من الثور الذي يمث�ل ً‬
‫لصاح�ب الثور املطالبة بتعويض مايل عن األرضار التي وقعت له جراء هذا االحتامء‪ ،‬حتى إذا‬
‫كان األذى وقع دون ذنب منهم‪.‬‬
‫وها نحن بعد أن يرفض الرايب إيرسليش كلامت السائل‪ ،‬ويتفق مع املبدأ الوارد يف «هبايت‬
‫يوسف»‪ ،‬يعود ليتحفظ عىل رأيه ويقول إن هذه احلالة تشذ عن القاعدة التقليدية‪ ،‬من حيث إنه‬
‫ُيسمح االحتامء ضد الثور الذي أحلق األذى دون قصد‪:‬‬
‫اعلم أنني يف الكتب التي قمت بتأليفها حول األعمدة عندما علمت أنك معي‪ ،‬كتبت أن‬
‫«كارو» جانبه الصواب؛ ألن كون احلامر يقفز داخل السفينة ال يصنع فار ًقا؛ ألن إدخال احلمري‬
‫إىل الس�فينة ه�و أمر مأل�وف؛ لذا فليس ثمة إث�م عىل صاحب احلامر‪ ،‬وجي�ب دفع تعويض عن‬
‫إلقائه يف املياه لتخفيف محل السفينة‪.‬‬
‫إن كلامت�ه ينقصه�ا الوضوح‪ :‬م�ن ناحية‪ ،‬هو قد ذكر س�ل ًفا أنه حيق لنا االحتماء من الثور‬
‫رضرا‪ ،‬حت�ى إذا كان ه�ذا رغماً عن صاح�ب الثور‪ .‬بيد أنه يف هناي�ة كالمه يقول‬
‫ال�ذي يش�كل ً‬

‫‪176‬‬
‫إن هذا احلكم ال يرسي يف حالة الس�فينة؛ ألن صاحب احلامر مل يش�ذ عن املألوف؛ لذا فهو غري‬
‫أيضا يف حالة كون صاحب‬ ‫آثم‪ .‬ماذا إذا كان صاحب احلامر غري آثم؟ أورد الرايب إيرسليش أنه ً‬
‫احلامر غري آثم‪ُ ،‬يسمح باالحتامء من خطر ثوره!‬
‫ثم�ة معضل�ة أخرى تنش�أ نتيج�ة كلامت ال�رايب إيرسليش‪ :‬ذك�ر أنه جيب عىل مجي�ع أفراد‬
‫الس�فينة دفع تعويض لصاحب احلامر الذي ُألقي يف املياه‪ .‬الس�ؤال هو‪ :‬كيف يتم تقسيم القيمة‬
‫املالية للتعويض؟ واإلجابة هي‪ :‬حس�ب محولة الس�فينة‪ .‬ولذلك علينا حتديد أكثر األشياء التي‬
‫تشكل محلاً داخل السفينة يف هذه احلالة‪ ،‬واليشء الوحيد الذي يشكل محلاً زائدً ا داخل السفينة‬
‫هو احلامر‪ ،‬أي أن صاحب احلامر وحده عليه أن يتحمل اخلس�ارة؛ ألن محاره هو اليشء الوحيد‬
‫رضرا للس�فينة يف الوق�ت الراهن‪ .‬ف�إذا كان األم�ر كذلك‪ ،‬كي�ف يطالبنا الرايب‬
‫ال�ذي يش�كل ً‬
‫ايرسليش بتعويض صاحب احلامر؟‬
‫حت�ى نتمكن من الرد على كلتا املعضلتني‪ ،‬علينا أن نتعمق أكثر فيام يتعلق بتقس�يم القيمة‬
‫املالية للتعويض داخل السفينة‪ .‬خيتلف األمر فيام خيص تقسيم القيمة املالية عنه يف حالة القافلة‪.‬‬
‫ففي حالة القافلة‪ ،‬يتم حس�اب املس�ألة إما وف ًقا حلمولة القافلة‪ ،‬وإما وف ًقا لألفراد‪ ،‬أي‪ :‬وف ًقا ملا‬
‫يربحه كل شخص يف حالة إنقاذ حياته‪.‬‬
‫بيد أن حساب املسألة وف ًقا للحمولة ال عالقة له بالربح؛ ألنه من اجلائز أن ما يلقيه أحدهم‬
‫يف املياه ذو قيمة أعىل مما يلقيه غريه‪ ،‬وكام قال الرايب موشيه بن يتسحاق‪:‬‬
‫يتم احلساب وف ًقا للحمولة‪ :‬أحدهم يلقي بامئة أوقية من الذهب‪ ،‬واآلخر يلقي بامئة أوقية‬
‫من احلديد‪.‬‬
‫وكام أشار الرايب موشيه مروتنبورك يف األسئلة واألجوبة اخلاصة به‪:‬‬
‫وألول وهل�ة جي�ب علينا أن نعرف‪ :‬ملاذا هذا هو احلكم يف ه�ذه احلالة؟ ألنه من املفرتض‬
‫أن التعويض املايل يكون يف قيمة اخلسارة‪ ،‬إذا مل يكن ثمة إنقاذ للحياة‪ ،‬وحتى إذا أنقذوا حياهتم‬
‫بواس�طة األمالك‪ ،‬فلن ينتقص هذا من قيمتها يف هناية األمر‪ ،‬وس�يتم احلس�اب وف ًقا لألمالك‪،‬‬
‫ولكن األمالك كانت ستنتهي يف البداية إذا مل ينقذوا أنفسهم‪...‬‬
‫أيضا يف حالة السفينة ينقص املال قبل احلدث؟‬
‫وملاذا مل يرد أنه ً‬
‫تعويضا بنفس‬
‫ً‬ ‫إذا مل خي�ف حمِ �ل الس�فينة‪ ،‬لتكبد صاحب الذهب خس�ارة أكرب‪ ،‬وس�يدفع‬

‫‪177‬‬
‫القيمة يف حالة إنقاذ حياة أي شخص‪ ،‬وهو التعويض الذي تزيد قيمته يف حالة ختفيف ِ‬
‫احلمل؛‬
‫ألن األمر متعلق بإنقاذ حياة أحد األشخاص‪.‬‬
‫ألول وهل�ة يمكن أن تكون اإلجابة هي أن الس�بب يف ذلك ه�و جواز االحتامء من رضر‬
‫الشخص املؤذي‪ ،‬حتى لو فعل هذا رغماً عنه‪.‬‬
‫رضرا؛ لذا ُيس�مح ألي ش�خص بإلقاء الوزن الزائد لدى‬ ‫الوزن الزائد هنا هو الذي يمثل ً‬
‫أي ش�خص آخر يف املياه‪ ،‬ويتحدد قدر ما يلقيه حس�ب الوزن الذي يشكل الرضر‪ ،‬هذا ألنه يف‬
‫الواقع العميل يقوم كل شخص بإلقاء اجلزء اخلاص به من السفينة‪ ،‬وف ًقا لنسبة هذا اجلزء لوزن‬
‫أغراضه‪.‬‬
‫هكذا يمكننا أن نفهم اإلجابة التي وردت يف األسئلة واألجوبة التي وضعها الرايب موشيه‬
‫مروتنيورك‪:‬‬
‫احلم�ل‪ ،‬وال يوجد خلاف يف حال�ة قاطع‬ ‫س�بب اخللاف هن�ا أن اخلس�ارة تق�ع بس�بب ِ‬
‫الطريق‪.‬‬
‫ويمكنن�ا فه�م نفس املعنى كذلك يف األس�ئلة واألجوبة التي وضعها الرايب ش�موئيل دي‬
‫مدينا‪.‬‬
‫كام يمكننا أن نفهم نفس املعنى يف «حوشان مشباط»‪:‬‬
‫ذل�ك اإلعصار الذي حتدث عنه الرايب موس�ى بن ميم�ون‪ ،‬طيب اهلل ثراه‪ ،‬يف‬
‫الفص�ل الثاين عرش من رشائع الرسقة واملفقودات‪ُ ،‬يقصد به الس�فينة التي ُأدخل‬
‫هبا جتار كثريون وبضائع كثرية‪ ،‬كُل حس�ب قيمة بضاعته‪ ،‬ويعتقد التلمود نفس‬
‫رضرا‪ ،‬وثم�ة دلي�ل يمكننا أن نقول م�ن خالله‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األم�ر؛ ألن احلم�ل هنا يش�كل ً‬
‫ُلزم كل ش�خص حس�ب حمِ ل بضاعته‪ ،‬ليس وف ًقا للقيم�ة املالية أو األرواح‬ ‫إننا ن ِ‬
‫ِ‬ ‫حمِ‬
‫البرشية‪ .‬وكام ورد‪« :‬وخ ّففوا من لها‪ ،‬ويتم احلس�اب وف ًقا للحمل وليس وف ًقا‬
‫للقيمة املالية»‪.‬‬
‫وفسرّ لنا الرايب ش�لومو بن يتس�حاق األمر بأن‪« :‬إذا كان لدى ش�خص ألف‬
‫رطل من الذهب ولآلخر ألف رطل من احلديد‪ ،‬جيب عىل هذا أن ُيلقى بامئة رطل‬
‫حدي�د يف البحر‪ ،‬بينام يلقى ذاك مائة رطل من الذهب «حيث يتس�اوى كالمها يف‬

‫‪178‬‬
‫ختفيف حمِ لهام‪ .‬وملاذا يكون األمر هكذا؟ الس�بب هو أننا نعتقد أن ِ‬
‫احلمل يش�كل‬
‫رضرا‪ ،‬وما شأين إذا كان األمر يتعلق بالذهب أو احلديد؟»‪.‬‬‫ً‬
‫ويف الفص�ل الثامن من رشائ�ع «املالح واملؤذ»‪ ،‬مل يتعمق معلمنا الرايب موس�ى‬
‫رضرا بشكل‬
‫بن ميمون يف تفسري أحكام هذا الفصل؛ ألن مجيع األمور هنا تشكل ً‬
‫واضح ال حتتاج إىل تعمق‪.‬‬
‫رضرا‪،‬‬
‫ولذلك‪ ،‬فإن ش�مول كالمه س�ببه أننا ن�رى بوضوح من ال�ذي يمثل ً‬
‫وحقيق�ة أن ه�ذه احلال�ة ه�ي نفس�ها حالة ِ‬
‫احلمار الت�ي أوردناه�ا س�ل ًفا‪ ،‬والتي‬
‫مل يذكره�ا الرايب موس�ى بن ميم�ون‪ ،‬بيد أنه اس�تبدهلا بتعبري آخ�ر حتى ال يقول‬
‫بالضبط «حمِ ًارا»‪.‬‬
‫والذي يتشابه بالفعل يف حكمه مع األحكام الواردة يف فصل «املالح واملؤذ»‪،‬‬
‫وال�ذي ربما كان يقصده الرايب أفراه�ام بن دافيد مبوش�كريا )*( يف نظريته‪ ،‬لكن‬
‫رضرا يف هذه احلالة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أيضا أن احلمل يشكل ً‬ ‫الرايب موسى بن ميمون رأى ً‬
‫وف ًق�ا هلذا الفه�م‪ ،‬نجد هنا نو ًعا من املخالف�ات املدنية‪ :‬مثل واقعة اعتلاء ثور لثور آخر؛‬
‫حيث ُيسمح للمترضر بحامية نفسه عن طريق إحلاق األذى بمن يرضه‪.‬‬
‫احلمل الذي سيتسبب يف غرق السفينة‪ُ ،‬يسمح بإلقائه يف البحر بدون‬ ‫وعىل ذلك‪ ،‬فإن هذا ِ‬
‫أيضا من أنه‬
‫األخذ يف االعتبار الرضر الذي س�يلحق بصاحب األغراض نفس�ه‪ ،‬وعلى الرغم ً‬
‫يتعمد اإلرضار بالسفينة عن طريق أغراضه تلك !‬
‫وبالفعل وف ًقا هلذا املعنى‪ ،‬يصعب علينا القول فعلاً إننا بصدد حكم من أحكام املخالفات‬
‫املدنية‪ ،‬لعدة أسباب‪:‬‬
‫‪ – 1‬الربايت�ا تقول إننا نحذو حذو البح�ارة)**(‪ .‬وإذا كان هذا حكم من املخالفات املدنية‪،‬‬
‫أمرا كهذا؟ فهذا حكم مؤكد (وإذا كان ثمة اختالف بني ال ُعرف وبني قوانني‬
‫ملاذا ُيكتب ً‬
‫س�كان املدينة التي يق�ع فيها احلادث‪ ،‬جيب حينئذ كتابة ذلك بالنس�بة جلميع األحكام‬
‫الواردة يف فصل «بابا قاما»)‪.‬‬

‫)*(  الرايب أفراهام بن دافيد مبوشكريا (‪1198 – 1120‬م)‪ :‬من حكامء فرنسا‪.‬‬
‫)**(  أي أن حساب القيمة خيضع ل ُعرف البحارة‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫‪ – 2‬وف ًقا هلذا التفسري‪ ،‬فإن التقسيم املتعلق بمحاسبة الشخص حسب حمِ ل أغراضه‪ ،‬نجده‬
‫رضرا‪ .‬لكنن�ا وجدنا أن التلمود األورش�ليمي‬ ‫ِ‬
‫فق�ط يف حال�ة أن يكون احلمل يش�كل ً‬
‫أيضا عندما تتواجد‬
‫يذكر رصاحة أن هذا التقس�يم ال يقترص فقط على هذه احلالة‪ ،‬بل ً‬
‫رضرا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫صعوبة ما بسبب احلمل‪ ،‬حتى إذا مل يشكل هذا ً‬
‫وهذا هو ما ورد يف التلمود األورشليمي (بابا متسيعا )*( ‪:)4 :6‬‬
‫من يؤجر صاحبه عربة أو س�فينة‪ ،‬حُياس�ب وف ًقا ِ‬
‫للحمل‪ ،‬ال وف ًقا لألرواح أو‬
‫املمتلكات‪.‬‬
‫بكلامت أخرى‪ :‬إذا علقت مجاعة ما وس�ط الصحراء بسبب أن عربتهم قد تعطلت‪ ،‬وكان‬
‫عليهم أن يقوموا باستئجار عربة أخرى حتى تنقلهم هم وأغراضهم‪ ،‬تتم حماسبتهم وف ًقا لعدد‬
‫األشخاص واألمحال التي حيملوهنا‪ .‬هنا اخلطر القائم‪ ،‬وهو ليس بسبب ِ‬
‫احلمل‪.‬‬
‫وطريق�ة احلس�اب هنا ال عالقة هل�ا بأحكام املخالف�ات املدنية‪ ،‬بل ب�رأي تقديري لتوزيع‬
‫احلمل يف حالة حل مشكلة مماثلة (وكام سيتضح الح ًقا ً‬
‫أيضا)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رضرا لآلخرين دون تعمد منه‪ ،‬فإنه غري ملزم بإحلاق‬
‫‪ – 3‬عندما متثل ممتلكات ش�خص ما ً‬
‫األذى بممتلكات�ه حت�ى يوقف رضرها‪ .‬أما يف الس�فينة‪ ،‬فإن كل ش�خص ملزم بإلقاء‬
‫حمِ ل�ه وف ًقا لنصيبه‪ ،‬وال يس�تطيع أن يقول لآلخرين‪« :‬إذا رغبت�م يف ذلك‪ ،‬فلتلقوا أنتم‬
‫أغراضكم»‪.‬‬
‫‪ – 4‬يف حال�ة الس�فينة‪ ،‬ال ينب�ع الرضر هن�ا من عنرص واح�د فقط‪ ،‬ب�ل إن اجلميع يرضون‬
‫بعضهم البعض‪ .‬واجلديد هنا هو القول بأنه يف هذه احلالة ُيسمح لكل شخص بالدفاع‬
‫عن نفس�ه يف مواجهة اآلخرين‪ ،‬حس�ب نسبة الرضر فحس�ب التي يتسبب فيها الثاين‬
‫(ووف ًقا لذلك فإنه يف حالة الثورين اللذين يرضان بعضهام البعض‪ ،‬فإنه ُيس�مح ملالك‬
‫كل ثور أن يدافع عن ثوره فحس�ب بش�كل نسبي‪ ،‬أي وف ًقا لنس�بة الرضر الذي يمثله‬
‫الثور اآلخر‪ .‬ويعد هذا حتدي ًثا يف احلكم الترشيعي)‪.‬‬
‫للحمل ليس ضمن أحكام اخلالفات املدنية‪ .‬إن‬ ‫من كل ما تقدم‪ ،‬نتعلم أن التقس�يم وف ًق�ا ِ‬
‫اإلل�زام بمش�اركة اجلميع يف ه�ذا ينبع من احتي�اج اجلميع ألن حيدث ما حدث‪( .‬وقد أس�هبنا‬
‫ح�ول هذه النقطة يف موضع آخر)‪ ،‬وش�كل التقس�يم يتحدد حس�ب رأى ه�ؤالء األفراد؛ ألن‬
‫رأهيم هو أنه بشكل عام يتم التقسيم وف ًقا ملا سيستفيده كل شخص‪.‬‬
‫)*(  «بابا متسيعا בבא מציעא»‪ :‬هو الفصل الثاين من باب األرضار‪ ،‬وهو الباب الرابع بني ستة أجزاء مكونة للتلمود‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫رضرا مؤكدً ا كام يف أحكام‬
‫رضرا حمد ًدا‪ ،‬رغم أن هذا ليس ً‬
‫لكن إذا كانت املمتلكات تشكل ً‬
‫املخالفات املدنية‪ ،‬إال أنه ُيص ِّعب من اإلنقاذ حتى إن كان هذا حيدث بشكل غري مبارش‪ ،‬فالرأي‬
‫البرشى يف هذه احلالة هو التقسيم وف ًقا للرضر التي تتسبب فيه املمتلكات‪ ،‬وليس وف ًقا لالمتياز‬
‫الذي سيقع بفضل اإلنقاذ‪.‬‬
‫وهذا هو عني ما قصدته «األسئلة واألجوبة»‪ ،‬التي أوردناها سل ًفا؛ ألن مقصدهم ليس أن‬
‫للحمل س�ببه قانون املخالفات املدنية‪ ،‬ولكن ألهنم عىل كل حال سيشتركون‬ ‫دفع الثمن وف ًقا ِ‬
‫يف الدفع‪ ،‬وبنظرة بس�يطة للمس�ألة‪ ،‬يمكننا أن نقول إن من يتسبب يف رضر أكرب‪ ،‬عليه أن يدفع‬
‫أكثر‪ ،‬رغم أن األمر ال يعد ضمن املخالفات املدنية العادية‪.‬‬
‫ثم�ة مث�ال لتلك الفرضية نجده يف تفسير ال�رايب ميئري بن ت�ودروس هاليف�ي‪ ،‬يف واقعة‬
‫التقس�يم حس�ب قرب املنزل‪ ،‬يف الصفحتني الثانية والثامنة من فصل «بابا ب رتا»؛ حيث خي ربنا‬
‫أن�ه عندما ُي بنى س�ور‪ ،‬جيب عىل من يس�كن بالقرب من مكان البن�اء أن يدفع أكثر ممن يقطن‬
‫أيضا‪ ،‬ألنه‬
‫يف وس�ط املدينة؛ ألن من يقطن عن قرب سيجعل السور أطول حتى يشمل منزهلم ً‬
‫ببس�اطة يس�تحيل الق�ول إهنم «أحلق وا الرضر»‪ ،‬لكن التس�بب يف طول الس�ور ال�ذي ينبع من‬
‫منازهلم‪ ،‬ستجعلنا نرى أهنم مسئولون عن بناء السور هبذا الطول‪ ،‬ولذلك هم يدفعون أكثر‪.‬‬
‫س�نصور هن�ا واقعة م�ا‪ :‬البحر هائج وينذر بغرق الس�فينة دون عالقة لألم�ر بثقل وزهنا‪.‬‬
‫طري�ق اإلنق�اذ الوحيد هو طلب النجدة من س�فينة أخ�رى‪ ،‬لكن تكلفة هذا كبيرة‪ .‬كيف إذن‬
‫يتم تقس�يم تلك التكلفة؟ من الواضح هنا أن التقس�يم س�يكون حسب عدد األشخاص؛ ألن‬
‫احلم�ل لي�س املتس�بب يف الرضر‪- ،‬بل هو البحر‪ ،‬وس�نعود لن�رى ما مقدار ربح كل ش�خص‬ ‫ِ‬
‫احلمل عىل هذا األس�اس‪ .‬ومثل ذلك مثل احلالة التي يصارع فيها اللصوص‬ ‫حتى يتم تقس�يم ِ‬
‫ركاب الس�فينة‪ ،‬حيث ُت َق َّس�م التكلف�ة وف ًقا للأرواح البرشية؛ ألن احلظر هن�ا يقع عىل أرواح‬
‫خطرا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األشخاص‪ ،‬وال عالقة للحمل باألمر؛ ألنه ال يمثل ً‬
‫س�نناقش اآلن مث�الاً ينج�ح فيه اللص�وص يف إح�داث رضر متعمد بأح�د احلمري داخل‬
‫عرض الس�فينة خلطر الغرق‪ ،‬ولزا ًما عليهم إلقاءه خارج السفينة‬ ‫الس�فينة‪ ،‬ليبدأ يف اهليجان مما ُي ِّ‬
‫ِ‬
‫إلنق�اذ اجلميع‪ .‬يتضح هنا أن مجيع ال�ركاب ملزمون بتعويض صاحب احلامر‪ ،‬فإلقاء احلامر هنا‬
‫ه�و نتيج�ة رصاع اللصوص م�ع الركاب‪ ،‬وليس نتيجة ملش�كلة تس�بب فيها احلمار‪ .‬فالرصاع‬
‫م�ع اللص�وص هي مش�كلة يتعامل معه�ا مجيع ركاب الس�فينة م ًع�ا‪ ،‬ويتقاس�موهنا وف ًقا لعدد‬

‫‪181‬‬
‫أيضا‪ ،‬عندما يلح�ق أذى باحلامر‪ ،‬عىل اجلميع أن يتقاس�موا تكلفة‬
‫األرواح البرشي�ة‪ ،‬ولذل�ك‪ً ،‬‬
‫هذا األذى‪.‬‬
‫بمعنى‪ :‬عندما نكون بصدد حتديد كيفية تقسيم نتيجة الرضر – جيب أن نعرف ما هو أول‬
‫س�بب لوقوع الرضر‪ .‬إذا كان الس�بب هو املمتلكات ِ‬
‫(احلمل مثلاً ) – يتم التقسيم وف ًقا للرضر‬
‫خطرا آخر‪ ،‬حتى‬ ‫حمِ‬
‫الذي يسببه ل كل فرد‪ .‬لكن عندما يكون العنرص الذي تسبب يف الرضر هو ً‬
‫مصدرا لألذى هو اآلخر جيب عىل ركاب السفينة‬ ‫ً‬ ‫إذا أدى ذلك إىل أن جز ًءا من املمتلكات صار‬
‫رضرا – ألنه‬
‫التعام�ل م�ع كل هذا مجي ًعا‪ ،‬بل ويشتركون م�ع صاحب املمتلكات التي تش�كل ً‬
‫ترضر من خطر مشرتك‪.‬‬
‫اآلن ق�د زال الغموض عن كلامت الرايب موش�يه بن يرسائي�ل إيرسليش فهو يقول‪ :‬إنه يف‬
‫حالة احلامر الذي اهتاج داخل الس�فينة – يس�تحيل الزعم بأن صاحب احلامر هو الذي تس�بب‬
‫يف األذى؛ ألن البحر هو الذي تس�بب يف األذى‪ .‬وجنون احلامر ينبع من الس�فر يف البحر‪ ،‬إذن‬
‫فالبحر هو السبب !‬
‫مث�ل واقع�ة اللص�وص الذين جعلوا احلامر هيت�اج‪ ،‬ونحن نتعامل مع هذا عىل أس�اس أن‬
‫اللص�وص ه�م من تس�ببوا يف الرضر‪ ،‬وعىل ذلك فالتقس�يم س�يكون حس�ب األرواح‪ .‬وهلذا‬
‫السبب يف هذه احلالة‪ ،‬فإن التقسيم يكون حسب األرواح (كام ورد يف الفصل العارش من كتاب‬
‫«هيام شل شلومو»‪ ،‬للرايب شلومو لوريا‪ ،‬حول فصل «بابا قاما»)‪.‬‬
‫نت�ج ع�ن هذا أن اخلالف بني الرايب موش�يه بن يرسائيل ايرسليش‪ ،‬ويوس�ف كارو‪ ،‬يدور‬
‫حول كيفية النظر إىل احلامر الذي اهتاج داخل الس�فينة‪ ،‬وهل هو ُيعترب «املتس�بب» يف اخلسارة‪،‬‬
‫أو أن�ه «ضحية» ملالبس�ات يك�ون لزا ًما عىل مجي�ع الركاب التعام�ل معها‪ .‬فإذا كان متس�ب ًبا يف‬
‫احلمل)‪ .‬لكن إذا كان‬ ‫اخلسارة – فقد اتضح لنا أنه جيب طرده (وهذا هو بالفعل التقسيم حسب ِ‬
‫ضحية للسفر عرب البحر – فاجلميع يتشارك يف هذا‪ ،‬مثلهم يف ذلك مثل كل خطر مشرتك‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪182‬‬
‫هوامش الفصل الثالث‬

‫‪ – 1‬واألمر نفسه ُمثبت يف التلمود األورشليمي يف «فصل شفيعيت מסכת שביעית )*( ‪،4‬‬
‫‪ »2‬وكذلك يف التوسافوت يف (سنهدرين ‪ – 1 :75‬يف الفقرة التي تبدأ بـ «وإذا »)‪ ،‬وورد كذلك‬
‫عىل لسان الرايب نسيم بن رايب رأوبني‪ ،‬وأخريا ورد يف كتاب «حسيديم חסידים )**( ‪.»119‬‬
‫وبتفسير بس�يط لألمر نفهم أن املغ�زى من هذا هو أن الوصايا ا ُمللزم�ة لألغيار هدفها هو‬
‫استقرار الكون‪ ،‬أما وصايا اليهود فهي متثل صلة بينها وبني الرب جل وعال‪.‬‬
‫وكام ورد يف تفسري املدراش لسفر اخلروج «שמות רבא )***( ‪»9 :30‬؛ حيث ورد‪:‬‬
‫«حدثن�ا ال�رايب إليعيزر ع�ن ملك روماين خ�رج إىل احل�رب‪ ،‬وبصحبته عدد م�ن الفيالق‬
‫العس�كرية‪ ،‬فكان يذبح هبيمة ويفرق حلمها عىل كل واحد منهم‪ ،‬حتى يس�تمروا يف مسيرهتم‪،‬‬
‫فنظر ولده إىل ما حيدث وقال له‪ « :‬ماذا ستعطيني؟»‪.‬‬
‫فأجابه‪« :‬من الذي خصصته لنفيس»‪.‬‬
‫وعىل هذا األساس‪ ،‬فرض الرب عىل عبدة األوثان وصايا بلهاء يستحقوهنا‪ ،‬دون التفريق‬
‫بني النجاس�ة والطهارة‪ ،‬ثم قام الرب بتفسير هذه الوصايا لكل فرد من بني إرسائيل‪ ،‬وأوضح‬
‫هلم الثواب والعقاب كام ورد يف العهد القديم (نش�يد اإلنشاد ‪« :)2-1‬فليقبلني بقبالت فمه»؛‬
‫لذا فقد قيل يف ذلك «قوانينه ورشائعه من أجل إرسائيل»‪.‬‬
‫أيضا يف كتاب «هاالخوت مالخيم הלכות מלכים )****( ‪.»2 / 10‬‬
‫‪ – 2‬ورد هذا بشكل خمترص ً‬

‫)*(  «فصل شفيعيت מסכת שביעית»‪ :‬هو الفصل اخلامس من الباب األول من التلمود‪ ،‬ويناقش الفصل أحكام حتريم‬
‫حراثة األرض يف سنة اليوبيل‪.‬‬
‫)**( حسيديم  ספר חסידים‪ :‬هو نتاج فكرى هيودي ذو أمهية بالغة‪ ،‬يضم جمموعة من الرشائع واملناهج الدينية‪ ،‬كام‬
‫يضم عدة آراء تعكس الظروف التي عاش فيها مؤلفو الكتاب‪ ،‬ويعد الرايب هيودا هحسيد רבי יהודה החסיד هو أهم‬
‫مؤلفي هذا العمل الفكري‪.‬‬
‫ُ‬
‫)***(  «مدراش ربا מדרש רבא»‪ :‬هو االسم الذي أطلق عىل املؤلفات التفسريية العرشة‪ ،‬التي تتناول أسفار التوراة‬
‫اخلمسة‪ ،‬ويسمى كل جزء باسم السفر وتليه كلمة רבא ‪ ،‬واسم اجلزء املقصود هنا هو שמות רבא أي تفسري سفر‬
‫اخلروج‪.‬‬
‫)****(  «هاالخوت مالخيم הלכות מלכים»‪ :‬أي رشائع امللوك‪ ،‬هو أحد أجزاء املؤلف األكرب ملوسى بن ميمون «تثنية‬
‫الرشيعة משנה תורה»‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫‪ – 3‬كام ورد يف كتاب (יפה תואר)‪.‬‬
‫‪ -4‬يف كتاب األسئلة واألجوبة اخلاصة بمشباط كوهني ترد كلامت الرايب موسى بن نحامن‬
‫رسا ذن ًبا – حتى إذا كان األمر يتعلق بعبادة‬
‫يف احلروب؛ حيث قال‪« :‬إذا ارتكب جار توش�اف ًّ‬
‫األوث�ان‪ ،‬وزن�ا املحارم – فلريتكب الذنب وال يقتل‪ ،‬ومل تش�دد الت�وراة معهم فيام خيص عبادة‬
‫األوثان‪ ،‬وزنا املحارم أكثر من بقية الوصايا التي ختصهم؛ حيث إنه مل يرد يف التوراة يشء يف هذا‬
‫اخلصوص»‪ ،‬وعليك التدقيق يف رأي الرايب موسى بن نحامن؛ ألن معنى كالمه أن سفك الدماء‬
‫ل�دى األغي�ار هو أمر أخطر من بقي�ة اجلرائم‪ ،‬وف ًقا لرأي «بارش�ات دراخيم»‪ ،‬وكذلك عليك‬
‫التدقيق فيام ورد يف كتاب األسئلة واألجوبة «بني بانيم» اخلاصة بالرايب هيودا هرتسل هنكني‪:‬‬
‫* وعىل ما يبدو أن الرايب كوك مل يراه‪ ،‬ولذلك مل يذكر اسمه‪.‬‬
‫وح ًّق�ا يمكنن�ا أن نق�ول إن التدقيق ليس ً‬
‫أمرا رضور ًّيا؛ ألن موس�ى بن نحمان يورد هذه‬
‫الكلامت يف إطار نقاش مع الرايب زرحيا هليفي‪:‬‬
‫* حول حظر عبادة األوثان‪ ،‬وزنا املحارم‪ ،‬لكن ليس ثمة نقاش بينهام حول سفك الدماء‪،‬‬
‫كام ورد يف رأي الرايب زرحيا هليفي‪:‬‬
‫* ووف ًقا هلذا‪ ،‬حيتمل أن الرايب موسى بن نحامن يتناول هاتني اجلريمتني فقط؛ ألنه ناقشهام‬
‫م�ع ال�رايب زرحيا هليفي‪ ،‬لكن عىل كل حال‪ ،‬يبدو ثمة تطاب ًقا بني آراء الرايب موس�ى بن نحامن‬
‫والرايب كوك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ ُيسمح لآلخرين‬ ‫‪ -5‬يف احلالة التي ال يكون فيها من يتعرض للقتل قد طارد أحدً ا‪،‬‬
‫أيضا بقتله (راجع ما ورد يف بداية الفصل اخلامس الذي يرشح أنه كذلك لدى األغيار ُيس�مح‬
‫بقتل الشخص املعتدي)‪.‬‬
‫‪« -6‬رشائع امللوك ‪ ،»80:04‬وكذلك كتب يف «مسكيل لدافيد» للرايب دافيد باردو‪:‬‬
‫* ح�ول الفق�رة التي تقول «وخاف يعق�وب للغاية وأصابه اهلم»‪ ،‬راج�ع تلك الفقرة مع‬
‫مالحظة إس�هابه يف ذلك‪ ،‬وترى كذلك يف كتاب األس�ئلة واألجوبة ال�ذي وضعه الرايب هيودا‬
‫ليفا بن بتسلئيل‪ ،‬يف الكراس األخري‪.‬‬
‫وكذلك يف األسئلة واألجوبة التي أوردها الرايب شموئيل موهليرب‪:‬‬
‫* يف هناية كتابه يف «حتديثات عىل أبواب التلمود الست والرايب مويس بن ميمون»‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫‪ -7‬الرشيعة رقم ‪( 7‬وردت سل ًفا)‪.‬‬
‫‪ -8‬ألنه إذا حاد عن الطريق عن عمد‪ُ ،‬يعد ُمطار ًدا‪.‬‬
‫‪( -9‬قدوشني ‪.)42:2‬‬
‫‪ -10‬اجلملة األخرية مقتبسة من الربايتا «الفتوى اخلارجية» التي تظهر يف فصل «سنهدرين»‬
‫(‪ )1 :57‬حول وجوب تطبيق عقوبة يف حالة القتل‪.‬‬
‫لك�ن يف حقيق�ة األم�ر تعني ه�ذه الربايت�ا يف التلمود البابيل جم�رد القت�ل‪ ،‬وليس يف وقت‬
‫اإلرغ�ام عىل القتل بالتحديد‪ ،‬لكن التلمود األورش�ليمي مل يورد ه�ذه الربايتا‪ ،‬هو فقط اقتبس‬
‫ه�ذه الكلامت (غري اليهودي الذي يؤذي غري اليهودي‪ ،‬وغري اليهودي الذي يؤذي اليهودي)‪،‬‬
‫ومن الواضح من س�ياق الكالم يف التلمود األورش�ليمي أن ه�ذه الكلامت وردت بخصوص‬
‫النقاش حول قتل غري اليهودي يف حلظة اإلرغام عىل القتل (ويف التلمود األورش�ليمي يف هناية‬
‫الفصل الرابع عرش الذي يدور حول أحكام يوم السبت‪ ،‬ترد مجارا موازية لتلك املوجودة هنا‪،‬‬
‫وورد هن�اك‪ :‬حُيظ�ر عيل غري اليهودي إيذاء غري هيودي أو هيودي‪ ،‬بينام جيوز لليهودي إيذاء غري‬
‫اليه�ودي (أي أن صيغ�ة الربايت�ا وردت بنفس الصيغ�ة‪ ،‬ولكن مع اختلاف املعنى) من أجل‬
‫حتديث الرخصة‪ ،‬كام ورد يف بداية الفصل الرابع حول هذا التلمود األورشليمي)‪.‬‬
‫‪ -11‬كت�ب ال�رايب مويس بن ميمون يف رشائع املل�وك (‪ « :)1:10‬أن ابن نوح الذي أخطأ‬
‫دون قص�د يف إحدي وصاياه‪ ،‬يت�م إعفاؤه من أي يشء»‪ .‬وألول وهلة كانت ثمة حاجة للقول‬
‫إنه عندما خيطئ حتت التهديد‪ ،‬فإنه يعد خمط ًئا عن غري قصد وجيب إعفاؤه‪.‬‬
‫لكن هنا يف التلمود األورشليمي‪ ،‬نجد أن غري اليهودي الذي يؤذي صاحبه حتت التهديد‪،‬‬
‫هو مذنب!‬
‫وجي�ب إن نق�ول أن ثمة فر ًقا بني من يرتكب خطأ دون قصد‪ ،‬وبني املتعدي الذي نقصده‪،‬‬
‫نتحدث عنه هنا‪ ،‬فمن أخطأ دون قصد فعل هذا دون إرادته؛ لذا فمن املس�تحيل أن نكتب أنه‬
‫حُيظ�ر أن نخط�ئ دون قص�د‪ ،‬لكن اإلرغ�ام الذي نتحدث عنه هن�ا هو فعل تم القي�ام به بعلم‬
‫الفاعل وبإرادته الكاملة‪ ،‬بيد أن سب ًبا خارج ًّيا هو اخلوف من املوت‪ ،‬جعله يرتكب هذه الفعلة‪.‬‬
‫عن هذه احلالة حيدثنا التلمود األورشليمي بأنه مذنب‪.‬‬
‫جيب علينا أن ننتبه إىل أنه إذا كان األغيار مذنبني ح ًّقا إذا ارتكبوا جريمة حتت التهديد‪ ،‬فهم‬

‫‪185‬‬
‫إ ًذا خمتلفون عن اليهود يف هذه النقطة؛ ألن الرايب مويس بن ميمون قال عن اليهود «يف الرشائع‬
‫األساس�ية للت�وراة ‪« :»5:4‬وكل من ورد عنه أن ُيقتل وال يرتك�ب جريمة‪ ،‬فارتكبها ومل ُيقتل‪،‬‬
‫هو بذلك قد جدَّ ف عىل اهلل‪ ...‬وعىل الرغم من أنه قد ارتكب جريمته رغماً عنه ال ُيعاقب‪ ،‬وال‬
‫جيب القول إنه جيب أن حُيكم عليه بالقتل يف املحكمة حتى إذا قتل رغماً عنه؛ ألنه ال ُيعاقب وال‬
‫حُيكم عليه بالقتل إال إذا ارتكب اجلريمة بإرادته أمام شهود‪ ،‬وقام قبلها بالتحذير»‪.‬‬
‫إن االختالف بني اليهود وغري اليهود يف هذا األمر يظهر بسبب الدقة اللغوية للرايب مويس‬
‫ب�ن ميم�ون‪ ،‬ال�ذي قال إن من أعفي م�ن العقوبة من اليه�ود تم إعفاؤه بس�بب «أننا ال نعاقب‬
‫شخصا باملوت إال إذا ارتكب اجلريمة بإرادته وأمام شهود‪ ،‬وقام بالتحذير»‪.‬‬
‫ً‬
‫غير اليه�ودي الذي عوقب عىل جريمة ارتكبها‪ ،‬حتى إذا مل يكن هناك ش�هود عليه‪ ،‬وقام‬
‫بتحذير املترضر(راجع ما أورده الرايب مويس بن ميمون يف رشائع امللوك ‪.)1 ،10 – 9،14‬‬
‫ولكن اليهودي ُيقتل إذا س�مح فحس�ب لنفس�ه بارتكاب جريمة يف حضور شهود‪ ،‬وبعد‬
‫أيض�ا الصورة اخلطرية‬
‫أن ح�ذر ضحيت�ه‪ .‬جوهر اجلريمة وحده غري ُمل�زم بعقوبة القتل‪ ،‬لكن ً‬
‫التي ارتكب هبا جريمته‪ ،‬أي‪ :‬أمام ش�هود وبعد حتذير ضحيته‪ .‬لذلك فإنه يف حالة اإلرغام‪ ،‬ال‬
‫يقتل اليهودي؛ ألنه مل تكتمل الظروف لقتل اليهودي‪ .‬غري أن غري اليهودي ملزم بعقوبة القتل‬
‫حمظ�ورا عليه القيام به‪ ،‬حت�ى وإذا مل يكن هناك ش�هود أو ثمة حتذير‪ ،‬ولذلك‬
‫ً‬ ‫إذا ارتك�ب فعًل�اً‬
‫رغما عنه‪ ،‬وحكمها هو «أن تُقتل أفضل من أن ترتكب اجلريمة»‪،‬‬ ‫أيضا فإنه إذا ارتكب جريمة ً‬ ‫ً‬
‫ُيقتل‪.‬‬
‫وبالفع�ل‪ ،‬كل ما ورد هن�ا حول أن ثمة تفرقة أو فر ًقا حول هذه النقطة بني اليهودي وغري‬
‫اليهودي‪ ،‬ال يتفق مع ما قاله «أور س�اميح»‪ ،‬وهو ما س�يتم ذكره فيام بعد؛ ألن األخري أدرك أنه‬
‫من خالل حكم اإللزام الوارد يف التلمود األورشليمي‪ ،‬تعلم الرايب موسى بن ميمون أنه حسب‬
‫الرشيعة‪ ،‬يف حالة اليهودي الذي ارتكب جريمة ليتعالج أنه مذنب‪ ،‬وكام سنرى الح ًقا‪.‬‬
‫أيضا‪ ،‬مفادها أنه ليس ثم�ة خالف بني معرش‬
‫‪ – 12‬إن�ه ي�ورد تفسيرات إضافية للجمارا ً‬
‫احلكماء ح�ول أنه ال يوجد إلزام ببذل النفس عن الرسقة‪ ،‬راج�ع ما ورد حول هذا‪ ،‬لكننا فقط‬
‫أوردنا هنا تفسري اجلامرا الذي يتعلق بقضيتنا‪.‬‬
‫‪ -13‬رشائع أسس التوراة‪ ،‬الفصل اخلامس‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫‪ -14‬يوريه ديعاه ‪ ،157‬حوشني مشباط ‪.37 :46‬‬
‫‪ -15‬وبالفعل يف كتاب «قربان هاعيدا» للرايب دافيد بن نفتايل هريش فرانكل‪:‬‬
‫* (عن يوم السبت – هناية الفصل الرابع عرش)‪.‬‬
‫يقول هناك حماولاً إجياد ذريعة للتلمود األورشليمي بطريقة أخرى‪:‬‬
‫« لي�س بالرضورة عندما ُأجرب على قتل فالن وإال ُقتل‪ ،‬أنه حُيظر عليه قتل صاحبه‪ ،‬بل إنه‬
‫حتى إذا قيل له «ارسق فالنًا وإال قتلتك»‪ ،‬فإنه حيظر عليه رسقته؛ ألنه أمر مفهوم أنه ليس ثمة‬
‫إنس�ان يكبح مش�اعره إذا شعر أن ممتلكاته ستتعرض لرضر جيعله يس�فك الدماء‪ ،‬ولذلك فقد‬
‫جلأ هنا إىل اس�تخدام فعل «هنب»‪ ،‬وليس «رسق»؛ ألن النهب أمر جلل‪ ،‬وربام يس�تلزم رد فعل‬
‫عنيف يصل لسفك الدماء‪ ،‬وهو ما ال نجده يف الرسقة»‪.‬‬
‫‪ -16‬وراجع مقالنا عن « غري اليهودي الذي أخطأ وهتود» فقد أس�هبنا حول هذه النقطة‬
‫هناك‪.‬‬
‫‪ -17‬ه�ذه الفرضي�ة أقوى لدى األغيار؛ ألهن�م غري ملزمني بإنق�اذ بعضهم البعض‪ ،‬وال‬
‫توج�د أي عالق�ة بني وجود ش�خص بني احلياة وامل�وت وبني ممتلكات ش�خص آخر‪ ،‬وهو ما‬
‫خيتلف يف حالة اليهود الذين يقع عليهم إلزام كام يف « من يقف مكتوف اليدين‪ ،‬وال هيرع إلنقاذ‬
‫صاحبه»‪.‬‬
‫أيضا ملاذا يورد التلمود األورش�ليمي هناك أحكام األغيار‬ ‫‪ -18‬وف ًقا هلذا التفسير‪ ،‬نفهم ً‬
‫الت�ي ال عالق�ة هل�ا‪ ،‬ألول وهل�ة‪ ،‬بالقضي�ة التي نناقش�ها‪ .‬ووف ًق�ا ملا ذهبن�ا إليه‪ ،‬ف�إن التلمود‬
‫األورش�ليمي يورد رأي الرايب حنينا الذي يتفق مع الرايب حس�دا‪ ،‬وأح�كام األغيار الواردة يف‬
‫فورا بعد كلامت الرايب‬
‫التلمود األورشليمي هي نتيجة ملا قااله؛ لذلك ترد أحكام األغيار تلك ً‬
‫حنينا كاستمرار لكالمه‪.‬‬
‫‪ – 19‬وكذلك يف يوريه ديعا ‪.34 :306‬‬
‫‪ -20‬ويشبه هذا ما ورد يف األسئلة واألجوبة التي كتبها «عونيج يوم طوف ‪ »3-‬ومنحات‬
‫حينوخ‪ ،‬وجمموعة دروس عن «كتوبوت» يف الفقرات من ‪ ،9-8‬وعبادة الرب يف رشائع أسس‬
‫الت�وراة الفص�ل اخلامس (وراجع م�ا ورد يف هذا املصدر‪ ،‬حيث نجد الرايب موس�ى بن ميمون‬
‫خيتلق ذريعة أخرى‪ .‬وقد أسهبنا أكثر حول هذا اخلالف يف ملحق الفصل)‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫‪ – 21‬راجع هناية الرشيعة األوىل يف الفصل العارش من رشائع امللوك‪.‬‬
‫‪ -22‬ويتفق هذا مع منهجه من أنه يف حالة اإلنقاذ يسمح لغري اليهودي بقتل غريه‪ ،‬ولذلك‬
‫ثمة فريضة مفادها أنه ُيسمح بالعالج كذلك‪.‬‬
‫‪ -23‬على عكس رأي «أور س�اميح» أن�ه وف ًقا ملنحات حينوخ «فإنه ُيس�مح بالعالج عن‬
‫أيضا» نفس املصدر السابق – منحات‬ ‫طريق سفك الدماء‪ ،‬وليس فقط فعل ذلك إلنقاذ النفس ً‬
‫حين�وخ ‪ -‬ي�رى أنه ثم�ة فرضية أخرى لتحريم العلاج‪ ،‬حيث يقول‪« :‬غري أن�ه يبدو يل أن ثمة‬
‫حكًم�اً جدي�دً ا ب�إذن اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬حتدي�دً ا إذا ُأجرب على ارتكاب أحد املحظ�ورات وإذا مل‬
‫فليسمح له بأن يرتكب اجلريمة حتى ال يفقد حياته‪ .‬لكن حظر عليه‪ ،‬إذا كان‬ ‫يفعل س ُيقتل‪ ،‬إ ًذا ُ‬
‫مريضا‪ ،‬أن يطبب نفسه عن طريق استعامل إحدى وصاياه السبع؛ ألنه ال شك يف أنه ليس لديه‬ ‫ً‬
‫احلق يف ذلك‪ ،‬انطال ًقا من فرضية أنه أنقذ نفسه بارتكاب هذه اجلريمة‪ ،‬وهذا صحيح وواضح‬
‫غري أن «مشنيه مليليخ» خيتلف مع هذا الرأي‪.‬‬
‫أيضا عندما تتعرض مجاعة ما خلطر ال ينبع من س�بب له عالقة‬
‫‪ -24‬نف�س احلك�م ينطبق ً‬
‫باجلريم�ة‪ ،‬ل�ن يتعلق األمر حينها بمس�ألة ب�ذل النفس أم�ام املجرمني بعدم تس�ليم هذا الفرد‬
‫الفتداء البقية‪ .‬فمثلاً ‪ :‬إذا حورصت مجاعة ما بسبب هزة أرضية حتت أنقاض بنية ما‪ ،‬والطريقة‬
‫الوحيدة إلنقاذ أنفسهم هي قتل أحدهم يخُ طر فعل ذلك لنفس السبب‪ .‬هذا هو ما نستنتجه من‬
‫الرأي الوارد يف رمخ‪ ،‬و«كيس�يف مشنيه» اللذين سريدان فيام بعد؛ حيث يناقش كال املصدرين‬
‫املسألة من ناحية فرضية « ملاذا تعتقد أن حياتك أهم من حيايت؟» ومل يذكرا فرضية أخرى حول‬
‫حظ�ر األمر بس�بب بذل النفس (وهو نف�س رأي الكثري من احلكامء األواخر الذين أس�هبوا يف‬
‫ذل�ك كام يرد يف امللحوظة التالية)‪ .‬باإلضافة إىل أن األمر مثبت يف رأي تفئرييت يرسائيل الذي‬
‫جدد عندما قال‪ :‬إذا كان هناك أم وطفل عىل وش�ك املوت‪ ،‬والوس�يلة الوحيدة إلنقاذ األم هي‬
‫قتل الطفل (حيث إنه لوال هذا سيموت كالمها)‪ُ ،‬يسمح بقتل الطفل‪.‬‬
‫أدرك تفئريي�ت يرسائيل أنه جيب تطبيق ه�ذا احلكم يف حالة اجلامعة‪ ،‬وهو ال يرى يف هذه‬
‫أيض�ا أن احلظر ينبع من س�بب له عالقة باإلجرام‪ .‬وهو نفس األم�ر املثبت يف هحازون‬ ‫احلال�ة ً‬
‫إيش الذي يساوي بني حكم التسليم يف مثال اجلامعة‪ ،‬وبني حكم إرسال محامة إىل البحر بسبب‬
‫العاصفة‪ ،‬رغم أن خطر العاصفة ال ينبع من عالقة ذي صلة إجرام؛ حيث يرى هحازون إيش‬
‫أن�ه ثم�ة إمكانية بالسماح بتحريك اخلطر من املجم�وع إىل الفرد‪ ،‬حيث إنه حُيظر تس�ليم الفرد‬
‫مقابل اجلميع يف حالة اجلامعة املحارصة حتت أنقاض بناية‪.‬‬
‫‪188‬‬
‫إن الرخصة التي يمنحها هحازون إيش تس�تند إىل أنه حُيظر قتل ش�خص‪ ،‬و ُيس�مح فقط‬
‫بتحري�ك اخلط�ر ع�ن اجلامعة؛ حيث وبنف�س الرؤية ُيس�مح للفرد أن حيرك الضرر يف القانون‬
‫املدين غري أن القتل نفس�ه مل يسمح به‪ ،‬وراجع رأي «كيسيف مشنيه» حول «شوحلان عاروخ»‪.‬‬
‫ويري بنيامني‪ ،‬أن احلكم السابق ينطبق يف مثال اجلامعة فقط يف حالة أن األغيار يكونون راغبني‬
‫يف احلصول عىل فرد من اجلامعة‪ ،‬وليس عندما يكون هذا هو الواقع؛ ألنه حينئذ لن نحتكم إىل‬
‫فرضية «ملاذا تعتقد أن حياتك أهم من حيايت؟»‪ ،‬وليس ثمة التزام ببذل النفس‪.‬‬
‫مسموحا به وف ًقا لكال الرأيني الواردين يف مهرش يافيه‪:‬‬
‫ً‬ ‫‪ – 25‬ألول وهلة يبدو األمر‬
‫مسموحا؛ ألن األمر وقتها سيكون‬
‫ً‬ ‫* يف حالة حتديد شخص باالسم‪ ،‬ال شك يف أن األمر‬
‫إنقا ًذا للش�خص‪ ،‬فوجود ذلك الش�خص الذي حتدد باالسم يعرض من يقتله للخطر‪ .‬لكن يف‬
‫حالة عدم حتديد الش�خص باالس�م‪ ،‬فإن قتل فرد من اجلامعة يف جزء من احلاالت هي عالج‪،‬‬
‫وبمثابة استغالل لوجود القتيل (فمثلاً ‪ :‬مجاعة حمارصة يف الصحراء‪ ،‬وجيب تقديم أحد أفرادها‬
‫للحيوانات املفرتسة إلهلائها عن بقية اجلامعة) ؛ وذكرنا فيام سبق أنه حيتمل أن ليس ثمة ترصيح‬
‫بالقتل وف ًقا ملهرش يافيه عندما يستغلون وجود القتيل‪.‬‬
‫أيض�ا من يعتقد هذا‪ ،‬س�يعرتف أنه يف حالة اجلامعة مس�موح بالقتل إلنقاذ‬
‫لك�ن يب�دو أنه ً‬
‫احلياة؛ ألنه لوال هذا س�يموت اجلميع‪ ،‬لذا فإن�ه ال توجد فرضية حلظر هذا القتل(راجع ما يرد‬
‫فيام بعد نفس الفقرة‪ ،‬ويف امللحوظة بعد القادمة)‪.‬‬
‫‪ -26‬وهو نفس رأي «كيس�يف مش�نيه»‪ ،‬وكذلك كتاب «طوريه زاهاف» يف حالة النس�اء‬
‫الاليت قيل هلن «أعطونا إحداكن لنجعلها نجسة‪ ،‬وإذا مل تفعلن سننجسكن مجي ًعا» ويوضح «إذا‬
‫تم حتديد إحداهن باالس�م‪ ،‬وقيل «إذا مل تعطونا إياها لنجعلها نجسة‪ ،‬حينئذ سنقتلكن مجي ًعا»‪،‬‬
‫وي�ري «طوريه زاهاف» أنه يف حالة عدم حتديد إحداهن باالس�م‪ ،‬يمكن لكل واحدة منهن أن‬
‫تق�ول «أن�ا ال أري�د الذهاب‪ ،‬وإن كنت�ن تعتقدن أن إحداكن جيب أن يتم تس�ليمها‪ ،‬فلتس�لمن‬
‫أنفسكن»‪.‬‬
‫إما منحات حينوخ فهو ال يرى اختال ًفا بني احلالتني‪ ،‬ويؤمن أن البقاء لألقوى‪.‬‬
‫‪ – 27‬ح ًّقا‪« ،‬حيتمل أن «كيسيف مشنيه» ً‬
‫أيضا يعرتف أن فرضية حظر القتل يف حالة عدم‬
‫حظرا‬
‫حتديد أحد أفراد اجلامعة باالس�م‪ ،‬تنطبق فحس�ب عىل اليهود؛ ألن الفرضية لدهيم ترتك ً‬

‫‪189‬‬
‫موجو ًدا‪ ،‬ومن يريد أن يسمح بالقتل هو ذلك الذي خيرج أحدهم‪ ،‬ولذلك فأصحابه يزعمون‬
‫جتاهه أن‪ :‬فلتسلم أنت نفسك‪ ،‬فال يقتل اجلميع‪ .‬أما لدى األغيار فاملسألة يف األساس ال عالقة‬
‫حظرا جديدً ا»‪.‬‬
‫هلا ببذل النفس عن الوصايا‪ ،‬والفرضية ستخلق ً‬
‫‪ - 28‬جي�ب أن نس�هب أكث�ر حت�ى نفه�م مقص�د «هبايت ح�داش» من ه�ذه الكلامت‪:‬‬
‫فهو يورد من اجلامرا مثالاً لش�خصني يسريان يف الصحراء‪ ،‬ويمسك أحدمها بزمزمية‪ ،‬صاحبها‬
‫س�يدعي أن «حيات�ه أوىل»؛ ولذلك يس�مح له باالحتف�اظ باملياه ليعي�ش وال يعطيها لصاحبه‪.‬‬
‫يتعل�م «هباي�ت حداش» من ه�ذا املثال أنه يف حاله إجب�ار أحد القتلة لش�خص «اقتل فالنًا أو‬
‫أقتلك» بناء عىل تلك الفرضية‪ ،‬يس�مح للش�خص املجرب أن يقتل حتى ينقذ حياته؛ ألنه يدعي‬
‫شخصا حياته‪،‬‬
‫ً‬ ‫أن «حياته أهم» (واألمر املحظور لدى اليهود سببه أنه يف مجيع األحوال سيفقد‬
‫وإذا حدث ذلك فليس ثمة فرضية تس�مح بكرس احلظر)‪ .‬وألول وهلة يصعب علينا أن نصل‬
‫هلذا االس�تنتاج من ذلك املث�ال‪ :‬ففي املثال األول‪ ،‬ذلك الذي س�يحتفظ باملياه اخلاصة به‪ ،‬ألن‬
‫«حياته أهم» ‪ ،‬ال يرض بالشخص الثاين بأي شكل‪.‬‬
‫وراج�ع رأى هحاتام س�وفري‪ ،‬الذي قال إنني إذا كن�ت احتفظ يف يدي باملاء خاصة الثاين‪،‬‬
‫علي أن أعطيه إي�اه؛ ألنه هو الذي س�يدعى أن «حياته أه�م»‪ ،‬انطال ًقا م�ن ملكيته للامء‪.‬‬
‫جي�ب ّ‬
‫وناهيك عن أنه حُيظر احلصول عىل املاء بالقوة من الشخص الثاين‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬كي�ف يمك�ن أن نتعل�م من الرخصة التي متنحه�ا لنا اجلامرا يف احلال�ة التي أقتل فيها‬
‫شخص آخر؟‬
‫وحول هذا خيربنا «هبايت حداش» أن ثمة اختال ًفا بني املثال األول ومثال «اقتل فالنًا»‪:‬‬
‫ففي املثال األول‪ ،‬وجود الش�خص الثاين مل يتس�بب يل يف أي رضر‪ ،‬وإذا حصلت عىل املاء‬
‫خاصته‪ ،‬فإنني بذلك استغل وجوده وأعالج بواسطته‪ .‬ومن خالل ذلك أدرك «هبايت حداش»‬
‫أنه ال داعي لالحتكام لفرضية «حيايت أهم»؛ ألن صاحب املاء يزعم أن «ملاذا تعتقد أن حياتك‬
‫أهم من حيايت؟» حتى تورطني يف مشكلتك مع املاء‪ ،‬وتستغل وجودي لتنقذ نفسك؟‬
‫أما يف حالة «اقتل فالنًا»‪ ،‬فإن وجود فالن (الذي «تورط» مع الشخص الذي جيربه) تسبب‬
‫يل يف أذى وأجربين عىل االختيار بني حيايت أو حياته‪ ،‬ويف مثل هذه احلالة لن يس�تطيع أن يزعم‬
‫لآلخ�ر أن�ه «ملاذا تعتقد أن حياتك أهم من حيايت؟»؛ ألنني يمك�ن أن أقول له «ملاذا تعتقد أنني‬

‫‪190‬‬
‫مضطر أن أعاين بسبب وجودك؟» وهلذا يمكنني إحلاق األذى به ألن «حيايت أهم»‪.‬‬
‫يتض�ح من هذا أن�ه إذا كان «هبايت ح�داش» يعتقد أن فرضية «حياتك ليس�ت بأهم من‬
‫حي�ايت» كافي�ة إلل�زام األغي�ار ببذل النفس عن القتل‪ ،‬س�يكون ه�ذا يف رأيه فحس�ب يف حالة‬
‫أيضا «أور ساميح»)‪.‬‬
‫العالج وليس اإلنقاذ (كام يرى ً‬
‫‪ – 29‬الرايب موسى بن ميمون – رشائع امللوك ‪ - 2 :10‬ورد سل ًفا‪.‬‬
‫«يظر» إهناء حياة‬
‫‪ - 30‬ثمة صيغة مش�اهبة كذلك يف باب «األس�ئلة واألجوبة» تقول إنه حُ‬
‫ش�خص لصالح ش�خص آخر‪ ،‬لكن ُيسمح للشخص نفس�ه بإهناء حياة غريه من الناس إلنقاذ‬
‫حياته‪ ،‬عىل أساس أن حياته أهم»‪. ‬‬
‫‪ - 31‬يق�ول ال�رايب ش�لومو بن أفراه�ام بن أدرات (اإلش�بييل) يف فصل «باب�ا قاما ‪-12‬‬
‫‪:»2‬إنه يف حالة تعمد ش�خص إيذاء ش�خص آخر‪ ،‬تسمح الرشيعة اليهودية للمترضر بقتل من‬
‫تعدى عليه للحصول عىل كبده‪ ،‬حتى ينقذ حياته بواسطة هذا الكبد»‪.‬‬
‫تناق�ش اجلمارا يف هذا املوض�ع اخلالف الدائر بين ال�رايب يوحان�ان רבי יוחנן)*( والرايب‬
‫ش�معون بن لقيش حول الش�خص امللزم بالتعويض عن األرضار املرتتبة عىل اشتعال النريان‪،‬‬
‫هل هو من أشعلها أم من يمتلكها؟‬
‫وتأت�ى اجلامرا بدلي�ل عىل ذلك من الرايب يوحانان רבי יוחנן الذي يقول‪« :‬اس�مع وتعلم‪،‬‬
‫إذا أش�عل أحده�م النار يف كومة من الغلة‪ ،‬وتس�بب ذلك يف قتل ج�دي مقيد وعبد موجودين‬
‫يف نفس املكان‪ ،‬يكون هذا الش�خص ملز ًما بتعويض صاحبهام‪ ،‬أما إذا كان العبد مقيدً ا‪ ،‬فليس‬
‫عليه يشء»‪.‬‬
‫فلنفرتض أن من أشعل النار ملزم بالتعويض‪ ،‬لكن ماذا لو تسببت النريان يف قتل العبد؟‬
‫يقول هنا الرايب ش�معون بن لقيش‪ :‬املقصود أن اش�تعال النار يف جس�د العبد ألزمه بدفع‬
‫تعويض عن قتله‪ ،‬وهو ما يعفيه من دفع تعويض عن اخلس�ائر املادية التي وقعت؛ ألن القاعدة‬
‫تقول‪ :‬عقوبة الذنب األكرب جتب عقوبة الذنب األصغر»‪.‬‬
‫األمر نفسه ورد يف التفاسري اإلضافية «التوسافوت»‪ ،‬ويف رشوح الرايب شلومو بن أفراهام؛‬
‫)*(  الرايب يوحانان רבי יוחנן‪ :‬أكرب أمورائيي اجليل الثاين يف فلسطني‪ ،‬وضع العديد من املؤلفات الدينية‪ ،‬وله إسهامات‬
‫بارزة يف كتب التفاسري الكربى‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫ألن من أش�عل النار هو الس�بب يف وقوع األرضار؛ لذلك فهو ُملزم‪ ‬بدفع تعويض عن القتل‪،‬‬
‫وغري ملزم بدفع تعويض عن اخلسائر املادية التي وقعت‪.‬‬
‫ويضيف الرايب شلومو بن أفراهام‪ :‬يؤكد الرايب ريش لقيش أن «اللحظة التي تشتعل فيها‬
‫النريان يف جس�د العبد‪ ،‬هي اللحظة التي يتم فيها إلزام من أش�عل النريان بدفع تعويض‪ ،‬وإذا‬
‫احرتقت الغلة بعد مقتل العبد‪ ،‬هل يكون معفى من التعويض عن الغلة؟»‪.‬‬
‫جي�ب الق�ول إن الغلة احرتق�ت‪ ،‬أولاً ‪ ،‬قبل وفاة العبد‪ ،‬حتى يقتصر التعويض عىل واقعة‬
‫القتل فحس�ب‪ ،‬وكام تعلمنا يف فصل «ابن س�ورير ومورير בן סורר ומורר)*(» يف الس�نهدرين‬
‫‪« :)1:63‬ال يمكن افتداء من ارتكب هذه اجلريمة حتى لو ضحى بنفسه»‪.‬‬
‫أي أن الرايب ش�لومو بن أدرات يتش�دد يف هذه النقطة؛ حيث إن املقصود هنا‪ ،‬وف ًقا للرايب‬
‫ريش لقيش‪ ،‬هو «من أشعل النار يف جسد العبد‪ ،‬حتى لو اتضح أن املحصول احرتق بعد مقتل‬
‫العبد»‪.‬‬
‫وملاذا ُيعترب من أشعل النريان آثماً يف هذه احلالة‪ ،‬أمل تتوقف آثار النريان املدمرة؟‬
‫لذلك فهو هنا حيل مشكلة تكمن يف أنه رغم اشتعال النار يف جسد العبد‪ ،‬فإنه قد مات بعد‬
‫احرتاق املحصول‪ ،‬وما دام مل يمت العبد بعد‪ ،‬فال يزال من أشعل النار مذن ًبا‪ ،‬وجيب قتله إلنقاذ‬
‫العبد‪ ،‬ولذلك فهو معفى من التعويض عن األرضار املادية التي وقعت يف الوقت نفسه‪ .‬حتى‬
‫إذا كان احلصول عىل كبد املذنب سيس�هم يف إنقاذ املترضر‪ُ ،‬يس�مح بالقيام بذلك؛ ألنه ُيس�مح‬
‫بقتل الشخص املذنب إلنقاذ الشخص املترضر‪.‬‬
‫ويف حقيقة األمر‪ ،‬ترى التفاسري اإلضافية التي مل تذكر امللحوظة السابقة أن الرايب شمعون‬
‫ب�ن لقيش يقص�د أن «من يمتلك النيران هو املذنب»‪ ،‬وبالتايل إذا اش�تعلت النريان يف جس�د‬
‫العبد‪ُ ،‬يعفى هذا الش�خص من دفع تعويض عن اخلس�ائر األخرى؛ ألن كل ما حدث قد وقع‬
‫بس�بب إش�عال النريان‪ .‬ووف ًقا هلذا ُيعاقب الش�خص عىل الذنب األكرب‪ ،‬حتى إذا انتهى خطر‬
‫النريان (ورغم هذا‪ ،‬فهي ليست احلالة الوحيدة من نوعها يف القانون املدين)‪.‬‬
‫وترى التفاسري أنه ال داعي للترشيع الذي استحدثه الرايب شلومو بن أدرات»‪.‬‬
‫ويبدو ألول وهلة أن التفاسير حتظر قتل ش�خص أحلق األذى بغيره‪ ،‬حتى وإن كان هذا‬
‫)*(  ابن سورير ومورير בן סורר ומורר‪ :‬تعبري تورايت يقصد به الطفل غري املطيع‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫س�يفيد الش�خص املظل�وم‪ .‬هذا فحس�ب يف حالة كون وجود الش�خص املذن�ب‪ ،‬يرتتب عليه‬
‫خط�ورة م�ا‪ ،‬مثل أن يقوم بإغلاق الطريق بالقوة ملنع إمخاد النريان‪ ،‬وم�ا إىل ذلك؛ ألنه يف هذه‬
‫احلالة يس�تمر يف إيقاع األذى‪ ،‬لكن ال يوجد ما يس�مح باس�تغالل الشخص الظامل؛ ألن هذا ال‬
‫يعنى أن الظلم مس�تمر‪ .‬يمكن كذلك مراجعة ما ورد يف كتاب «إيفني هعيزر»‪ ،‬ولكن إذا كان‬
‫الش�خص الظامل هيود ًّيا‪ ،‬ال ُيعاقب‪ ،‬أما بالنس�بة لغري اليهود‪ ،‬إذا كانوا ملزمني بعقيدة التضحية‬
‫بالنفس‪ ،‬فيجب مناقشة األمر وف ًقا للخالف الذي دار بني احلكامء األوائل‪ ،‬واخلالف الوارد بني‬
‫«شوحلان عاروخ» والرايب سفتي كوهني حول‪َ :‬من هو الشخص الذي وقع عليه الرضر؟‬
‫ه�ل هو الش�خص الذي سرُ ق ماله بالفعل‪ ،‬أو هو الش�خص ال�ذي اضطر حتت التهديد‪،‬‬
‫لرسقته؟‬
‫وبنف�س املنطق ي�دور هنا خالف حول من وقع عليه الرضر‪ :‬هل هو من مات بالفعل‪ ،‬أم‬
‫من تسبب يف هذا القتل؟‬
‫‪ – 32‬يعف�ي ال�رايب س�فتي كوهني‪ ،‬بأث�ر رجعى‪ ،‬من حصل عىل م�ال ال خيصه عن طريق‬
‫ش�خص آخ�ر‪ ،‬ولكن إذا حصل عليها بنفس�ه‪ ،‬فه�و مذنب‪ ،‬كام ورد يف املتن‪ ،‬أي أن الش�خص‬
‫غري مذنب‪ ،‬إذا اقترص األمر عىل توصيل املال لش�خص آخر؛ ألن الغرض من عقابه هو فرض‬
‫غرامة مالية عليه‪ ،‬الرتكابه ذن ًبا بشكل غري مبارش‪.‬‬
‫وحسب الرايب سفتي كوهني‪ ،‬فإنه حُيظر إجبار شخص عىل توصيل مال لشخص آخر‪.‬‬
‫وكما أورد حكي�م فيلنا الكبري العالمة الرايب إلياهو بن ش�لومو زملان רבי אליהו בן שלמה‬
‫זלמן)*(»‪ ،‬فإن فرضية «هل مالك أهم من مايل؟» تناسب هذه احلالة‪ ،‬كام أوردنا يف البداية‪.‬‬
‫‪- 33‬يلخص «شوحلان عاروخ» الرأي الذي ورد يف الربايتا «املشناه اخلارجية» حول هذه‬
‫النقطة‪.‬‬
‫‪ - 34‬راج�ع م�ا ورد يف فصل«بابا قاما» ويف «ش�وحلان عاروخ»‪ ،‬وكذل�ك كلامت الرايب‬
‫أيضا‪ ،‬وسنس�هب يف‬‫يوس�ف حول قضية هناية العالمة‪ ،‬وما ورد يف باب «األس�ئلة واألجوبة» ً‬
‫امللحق الوارد يف آخر الفصل يف رشح األمر‪.‬‬

‫)*(  الرايب إلياهو بن شلومو زملان רבי אליהו בן שלמה זלמן (‪1797 – 1720‬م)‪ :‬من كبار رجال الدين اليهود عىل مر‬
‫اختصارا بـ «العلاّ مة»‪.‬‬
‫ً‬ ‫العصور‪ ،‬و ُيعرف‬

‫‪193‬‬
‫‪ -35‬راجع «شوحلان عاروخ»‪.‬‬
‫صحيح�ا ومطاب ًقا‬
‫ً‬ ‫‪ -36‬راج�ع م�ا ورد يف «ش�وحلان ع�اروخ» ح�ول كي�ف يكون البي�ع‬
‫للرشيعة (باملناسبة‪ :‬راجع كذلك رأي) أرييه لييف بن رايب يوسف هكوهني هلر אריה לייב בן‬
‫רבי יוסף הכהן הלר)*( يف كتابه «قتس�وت هحوشين קצות החושן» حول الترشيع املس�تحدث‬
‫بشأن الفرضيات املطروحة فيام خيص حتريم قتل اجلنني يف حالة التعرس يف الوالدة»‪.‬‬
‫‪ - 37‬ي�ورد ال�رايب مهئيرى רבי המאירי)**( يف الس�نهدرين‪ ،‬وكذل�ك يف التلمود الرأي‬
‫الذي يقول إنه ُيسمح لألم بقتل اجلنني؛ حيث يقول‪:‬‬
‫«يمن�ح احلكماء الذي�ن س�بقونا هذه الرخص�ة لألم‪ ،‬أي أن�ه يمكن لألم نفس�ها أن تقطع‬
‫أوصال اجلنني الذي يرض هبا؛ ألنه ال يمكن إثبات التهمة عىل الطرف املتعدي يف هذه احلالة‪.‬‬
‫لكنن�ا مل نج�د دليلاً آخر عىل ه�ذا الرأي لدى احلكماء األوائل)***(‪ ،‬ووف ًق�ا لذلك‪ ،‬يرى‬
‫احلكامء األوائل أنه حُيظر للمرأة قتل جنينها»‪.‬‬
‫هذا ما نستنتجه من رأي الرايب مهئريى רבי המאירי‪ ،‬وتم التأكيد عىل هذا الرأي من خالل‬
‫ما أورده «رايب شلومو بن يتسحاق רבי שלמה בן יצחק» يف فصل السنهدرين يف التلمود‪.‬‬
‫عرسا يف الوالدة‪ ،‬أن تقتل اجلنني الذي أخرج رأس�ه من بطنها‪،‬‬
‫حُيظ�ر على األم التي تعاين ً‬
‫رغم واقعة السامح بتسليم شيفع بن بكرى‪ ،‬الذي مترد عىل امللك داود‪.‬‬
‫وإذا أدركنا األمر كام فعل حكامؤنا األوائل‪ ،‬ما كنا نناقش هذه القضية‪ ،‬اآلن؛ ألن الذي قام‬
‫بتس�ليم شيفع بن بكرى هم املترضرون أنفس�هم‪ ،‬وليس طر ًفا ثال ًثا‪ ،‬و ُيسمح للمترضرين بقتل‬
‫الش�خص املذنب يف قضيتنا تلك‪ .‬ومل يورد الرايب موس�ى بن ميمون‪ ،‬وال «ش�وحلان عاروخ»‪،‬‬
‫أو ال�رايب أفراه�ام بن داود אברהם בן דאוד)****( أي يشء بخص�وص خالف بني الداية وبني‬
‫األم نفسها‪.‬‬

‫)*(  أرييه لييف بن رايب يوسف هكوهني هلر אריה לייב בן רבי יוסף הכהן הלר (‪1812 – 1745‬م)‪ :‬حاخام وفقيه ومدير‬
‫مدرسة دينية هيودية‪ .‬من أشهر كتبه «קצות החושן» والكلمة تعني‪ :‬أطراف صديرية مميزة لرجال الدين اليهودي‪.‬‬
‫)**(  هو الرايب مناحيم بن شلومو مهئريي רבי מנחם בן שלמה המאירי (‪1315 – 1249‬م)‪ :‬من كبار علامء التوراة‪.‬‬
‫)***(  احلكامء األوائل ראשונים‪ :‬يطلق هذا املصطلح عىل حكامء اليهود الذين عاشوا يف الفرتة بني القرن احلادي‬
‫عرش والقرن اخلامس عرش تقري ًبا‪.‬‬
‫)****(  الرايب أفراهام بن داود אברהם בן דאוד (‪1180 – 1110‬م)‪ :‬مؤرخ وفيلسوف وفلكي هيودي‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫‪ - 38‬فيما بع�د‪ ،‬جيب اإلس�هاب حول العالقة بني ه�ذا‪ ،‬وبني اخلالف الدائ�ر بني الرايب‬
‫موس�ى ب�ن ميمون‪ ،‬والرايب أفراهام ب�ن داود אברהם בן דאוד يف هناية رشائع «من أحلق األذى‬
‫بصاحبه»‪ ،‬يف التلمود يف باب «األرضار נזיקין)*(»؛ ألن املكان ال يتسع هنا لإلسهاب‪  .‬‬
‫‪ - 39‬ن�رى أن�ه مم�ا ورد يف الس�نهدرين‪ ،‬ويف التفاسير اإلضافي�ة‪ ،‬أن األغي�ار كذل�ك‬
‫حيظرون عىل الداية إحلاق األذى باملولود «ويكتفون بحكم املولود الذي مل يخُ رج رأس�ه بعد من‬
‫بطن أمه»‪.‬‬
‫ولي�س ثمة دليل عىل هذا؛ ألهنم يتحدث�ون عن الداية‪ ،‬التي هي طرف ثالث يف املوضوع‪.‬‬
‫ويمكننا أن نفرتض أن التفاسري اإلضافية ترى أنه حُيظر عىل هذا الطرف الثالث التدخل لصالح‬
‫أحد الطرفني‪ ،‬رغم أنه ُيسمح هلم بإنقاذ أنفسهم‪.‬‬
‫أيضا ما ورد يف كتاب «عزرات كوهني עזרת כהן )**(»‪.‬‬
‫‪ - 40‬راجع ً‬
‫‪ - 41‬وف ًقا هلذا الفهم‪ ،‬يورد التلمود األورش�ليمي رأ ًيا مفاده‪ ،‬أنه يمكن للطرف الثالث‪،‬‬
‫(أي الداية)‪ ،‬إحلاق األذى باملذنب وبقسوة‪ ،‬وليس جمرد إيذائه‪.‬‬
‫يمكننا القول إن التلمود األورشليمي أورد مقولة «ال تعلم من قتل من» حتى نفرس‪ ،‬ملاذا‬
‫أيضا الطرف الثالث حُيظر عليه إحلاق األذى باملولود‪ ،‬حتى لو‬
‫حُيظر عىل األم قتل املولود‪ .‬لكن ً‬
‫مل نورد هذه املقولة؛ ألن املولود تعرض ألذى‪.‬‬
‫‪ - 42‬هذا ما قام الرايب ايرس هيودا أونرتمان רבי איסר יהודה אונטרמן )***(» بتفسيره يف‬
‫كتابه «سبط من هيوذا שבט מיהודה )****(»‪ ،‬حول رأي الرايب موسى بن ميمون‪.‬‬
‫«علينا أن نتس�اءل‪ :‬هل الش�خص العاقل الذي تس�بب يف أذى رغماً عنه‪ ،‬ملزم بالتضحية‬
‫بنفسه؟ ألنه كام نعلم أنه عىل كل هيودي افتداء املترضر باملتعدي»‪.‬‬

‫)*(  باب األرضار(נזיקין)‪ ،‬وهو الباب الرابع ضمن ستة أبواب تشكل التلمود‪ ،‬ويناقش يف األساس أحكام األرضار‬
‫بني األطراف املختلفة يف القضاء العربي‪.‬‬
‫)**(  «عزرات كوهني ערזת כהן»‪ :‬أحد أجزاء كتاب «األسئلة واألجوبة» التي وضعه الرايب أفراهام يتسحاق هكوهني‬
‫הרב אברהם יצחק הכהן‪.‬‬
‫)***(  الرايب إيرس هيودا أونرتمان רבי איסר יהודה אונטרמן (‪1976 – 1886‬م)‪ :‬كان من قادة حركة «مهزراحي» وثاين‬
‫احلاخامات األشكناز لدولة إرسائيل‪.‬‬
‫)****(  «سبط من هيوذا שבט מיהודה»‪ :‬أحد أهم كتب الرايب ايرس هيودا أونرتمان‪ ،‬ويضم جمموعة أسئلة فقهية‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫يرى الرايب ش�لومو بن يتس�حاق يف تفسيره‪ « :‬أنه يصعب علينا فهم مس�ألة السماح بقتل‬
‫شخص تسبب يف أذى دون تعمد»‪ .‬ويتشدد الرايب شلومو بن يتسحاق يف منع قتل اجلنني‪ ،‬وهو‬
‫احلكم الذي ينبع من السامح بقتل شيفع بن بكرى»‪.‬‬
‫وألول وهلة يبدو لنا أن الس�بب وراء وجود هذه املعضلة هو أن اجلنني تم اعتباره مذن ًبا‪،‬‬
‫ويظر قتله؛ ألنه تسبب يف األذى رغماً عنه‪ .‬ويستمر الرايب شلومو بن يتسحاق يف تشدده‪ ،‬حينام‬ ‫حُ‬
‫خطرا عىل‬
‫أمرا ممكنًا‪ ،‬بدعوى أنه يمثل ً‬‫يتساءل حول السبب الذي جعل قتل «شيفع بن بكرى» ً‬
‫املجتمع الذي يعيش فيه‪ ،‬رغم أنه فعل ما فعله رغماً عنه‪.‬‬
‫ونشير من كالمه أنه يرى أن اجلنني يرض باألم‪ ،‬والس�بب الذي يعفيه من الذنب هو أنه يف‬
‫موقف ضعف‪.‬‬
‫باإلضاف�ة إىل ذل�ك‪ ،‬يمكننا أن نحدد من خالل ما أورده الرايب ش�لومو بن يتس�حاق‪ ،‬أن‬
‫الرضر الذي يسببه اجلنني لألم هو أمر قدري‪ .‬هذا بخالف ما يراه التلمود األورشليمي من أن‬
‫بعضا‪.‬‬
‫كال الطرفني يرض بعضه ً‬
‫ورد كذل�ك يف كت�اب «تيفئرييت يرسائي�ل תפארת ישראל )*(» حول هذا‪ :‬أن اجلنني يرض‬
‫بأم�ه‪ ،‬وإعف�اؤه من الذنب يرجع فحس�ب‪ ،‬لكونه يف موقف أضعف‪ .‬راج�ع كذلك ما ورد يف‬
‫باب «األسئلة واألجوبة)**(» ومصادر أخرى‪.‬‬
‫‪ - 43‬لق�د أوردن�ا يف امللحوظة الس�ابقة الرأي الذي يشير إىل أن الرشيع�ة اليهودية جتيز‬
‫األمر‪ ،‬لكن ليس ثمة استحداث ترشيعي خيص ما نناقشه هنا؛ ألننا نناقش القانون املدين الذي‬
‫يسمح هبذا لدى األغيار‪.‬‬
‫‪ - 44‬إذا كانت الوس�ائد مطروحة بإمهال‪ ،‬يمكن ألول وهلة السماح ملن يريد بتحريكها‬
‫(استنا ًدا إىل حالة الفقري الذي يقوم بتقليب اخلبز املشوي عىل اجلمر)‪ .‬راجع ما ورد يف «شوحلان‬
‫عاروخ» حول هذا‪ ،‬عىل الرغم من أنه يف هذه احلالة‪ ،‬سيتعرض مالك األغراض لألذى‪.‬‬
‫وبش�كل تلقائي‪ ،‬حُيظر عىل مالك األواين إحلاق األذى بالشخص الذي حصل عليها (مع‬
‫األخذ يف االعتبار أنه يس�تطيع اإلبقاء عليها بعد حتطيمها‪ ،‬وحينها لن يتعرض خلس�ارة مادية‪،‬‬
‫ال شك يف أن عليه االنتظار‪ ،‬وعدم احلصول عىل األغراض؛ استنا ًدا إىل فريضة «إعادة األغراض‬
‫املفقودة»)‪.‬‬
‫)*( «تيفئرييت يرسائيل תפארת ישראל»‪ :‬هو كتاب فلسفي من وضع الرايب هيودا ليفا بن بتسلئيل (‪1609 – 1520‬م)‪.‬‬
‫)**(  يطلق هذا االسم‪ ،‬دائماً ‪ ،‬عىل الكتب التي تضم جمموعة أسئلة فقهية مع إجاباهتا‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫وراج�ع م�ا ورد ح�ول ه�ذه النقط�ة يف التلم�ود يف كت�اب «ش�يلتى جيبوري�م‬
‫שלטי גיבורים )*(»‪ .‬ويف «هحازون إيش החזון איש)**(» يف «بابا قاما»‪ ،‬ويف «حوشني مشباط»‬
‫«وم�ن العجي�ب أن مجيع تلك املصادر ذكرت اليشء نفس�ه دون ذكر بقية املصادر‪ .‬فيام يوضح‬
‫الرايب شلومو بن يتسحاق أن السؤال املطروح هو‪ :‬هل جيوز أو حُيظر أن حُيرق املحصول؟ ألن‬
‫املسألة ال تتعلق فحسب باإللزام بالتعويض املادي‪ .‬وقد تشدد كثريون يف ذلك‪.‬‬
‫‪ – 45‬بالنس�بة هل�ذه املس�ألة‪ ،‬فإن�ه ال يشء يقف يف وج�ه إنقاذ حياة ش�خص‪ .‬لكن الرايب‬
‫شلومو بن يتسحاق يقول يف «إجيروت موشيه אגרות משה» إنه‪« :‬إذا مل حُيرق املحصول‪ ،‬ملا كان‬
‫هناك خطر عىل حياة أحد اليهود‪ ،‬بل كان األمر سيقترص عىل جمرد خطر عادى»‪.‬‬
‫و ُيسمح ملن يمتلك الغلة باملخاطرة إلنقاذ ممتلكاته (كام جيوز املخاطرة عن طريق أداء وظيفة‬
‫معينة)‪ .‬راجع ما ورد يف «بابا متسيعا בבא מציעא» ويف «نوداع بيهوذا נודע ביהודה)***(»‪.‬‬
‫وف ًقا ملا س�بق‪ ،‬يبدو أن الرايب ش�لومو بن يتس�حاق قد أدرك أن داود ومقاتليه هم‪ً ،‬‬
‫أيضا‪،‬‬
‫مل يق�ووا عىل إحل�اق األذى باملحصول؛ ألهنم إذا كانوا هم أصح�اب املحصول‪ ،‬ملا كانوا فعلوا‬
‫هذا‪ .‬واألمر ُم َفسرَّ عىل أساس أن داود مل يوافق عىل استغالل الرخصة املمنوحة له حلرق الغلة‬
‫بصفته ملكًا‪ ،‬وإذا كان ثمة خطر مؤكد عىل اليهود من حرق الغلة‪ ،‬سيكون كر ًما من جانبه‪ ،‬أي‬
‫داود‪ ،‬كيهودي إذا مل يفعل هذا‪.‬‬
‫أيض�ا ما ورد يف «األس�ئلة واألجوبة»‪ ،‬لكن جيب البحث أكثر حول كيفية تفسيره‬
‫راج�ع ً‬
‫إلثناء داود عن حرق املحصول خاصة‪ ،‬وف ًقا ملا ورد يف النص‪.‬‬
‫راجع كذلك «األسئلة واألجوبة» اجلديدة التي طرحها الرايب شلومو بن يتسحاق؛ حيث‬
‫منتحرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫تؤكد أنه حُيظر تعريض حياته للخطر‪ ،‬ومن يفعل هذا يعد‬
‫‪ - 46‬راجع ما ورد يف «اجيروت موشيه אגרות משה»‪ ،‬من أن داود تداوى بواسطة الغلة‪،‬‬
‫ومل يس�تفد من اإلرضار هبا (ويفرس هذا الس�بب الذي جعل داود ملز ًم�ا بدفع تعويض مادي‪،‬‬
‫)*(  «شيلتى جيبوريم שלטי גיבורים »‪ :‬هو أشهر كتب الرايب هيوشوع بوعاز‪ ،‬ويعرض فيه آلراء الرايب يتسحاق الفايس‬
‫(‪1103 – 1013‬م) من حكامء اليهود يف األندلس‪ .‬وجدير بالذكر أنه ثمة كتاب آخر باالسم نفسه من تأليف الرايب‬
‫أفراهام بن دافيد هاروفيه (‪1542 – 1612‬م) يتحدث عن أمور ختص طائفة الالويني‪.‬‬
‫)**( هحازون إيش  החזון איש‪ :‬هي سلسلة من املؤلفات وضعها الرايب «أفراهام يشاعيا كرليتس» ( ‪1953 – 1878‬م)‪،‬‬
‫ويضم جمموعة من املالحظات ختص التلمود و«شوحلان عاروخ»‪.‬‬
‫)***(  «نوداع بيهودا נודע ביהודה»‪ :‬الكلمة تعنى ُعرف يف قبيلة هيوذا‪ :‬هو اسم كتاب حيتوي عىل جمموعة أسئلة وأجوبة‬
‫يف الرشيعة‪ ،‬من تأليف الرايب حيزقئيل سيجيل لندا רבי יחזקאל סג'ל לנדא‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫رغم أنه ينقذ حياة اآلخرين‪ ،‬وثمة ترشيع يقول إن الش�خص الذي ينقذ حياة غريه‪ ،‬معفى من‬
‫دفع تعويض‪ ،‬إذا تسبب يف رضر أثناء قيامه بذلك)‪.‬‬
‫وراجع كذلك ما ورد يف «نتيفوت مهشباط נתיבות המשפט )*(» الذي خيتلف مع ما ورد يف‬
‫«إجيروت موشيه – אגות משה»؛ ألنه يرى أن رأوبني الذي يتداوى بواسطة ما يملكه شمعون؛‬
‫أيضا إذا كان ينقذ نفسه‬
‫لكي ينقذ ليفي‪ ،‬معفى من دفع أي تعويض عن اخلسائر‪ .‬ويتم إعفاؤه‪ً ،‬‬
‫يف الوقت ذاته‪.‬‬
‫وعلينا أن نؤكد أن هذا الرأي س�بق الترشيع‪ ،‬أو أنه بالنس�بة لداود‪ ،‬كان يمكن إنقاذ حياة‬
‫اآلخري�ن بص�ورة خمتلفة (كما ذكرنا يف امللحوظة الس�ابقة)‪ .‬ولذلك فثمة إل�زام بدفع تعويض‬
‫(ووف ًقا هلذا ُيسمح احلصول عىل حصة لدفع التعويض‪ ،‬وربام ختتلف التفاسري اإلضافية يف هذا‬
‫مع رأي الرايب شلومو بن يتسحاق‪.‬‬
‫لكن عىل أي حال‪ ،‬كال املصدرين يتفق عىل أن من يتعدى عىل أغراض تعيق الطريق الذي‬
‫يساعد شخص يف إنقاذ حياته‪ ،‬فعليه دفع تعويض لصاحب هذه األغراض‪ ،‬كام أوردنا يف املتن‪،‬‬
‫كام هو مفسرَّ يف «إجيروت موش�يه אגרות משה» وهو ما تتحدث عنه اجلامرا التي تعفي من ينقذ‬
‫حياة اآلخرين من دفع أي تعويض؛ استنا ًدا إىل هذا الترشيع‪.‬‬
‫ورد كذل�ك يف اجلمارا أن املترضر نفس�ه ملزم بدفع تعويض إذا تس�بب يف حتطيم األواين‪.‬‬
‫وهو نفس املعنى الذي ورد يف «سفتي كوهني שבתי כהן»‪ ،‬كام تم توضيح األمر جيدً ا يف امللحق‬
‫األول هلذا الفصل يف الفقرة السادسة‪.‬‬
‫‪ - 47‬ثم�ة ترشيع باس�م «ترشيع هيوش�واع»‪ ،‬جييز يف حاالت معين�ة اإلرضار بالقليل من‬
‫أجل كس�ب الكثري (راجع قانون النبيذ والعس�ل)‪ .‬عىل كل حال إذا أحلقت األذى بش�خص‪،‬‬
‫عيل تعويضه عن هذا‪.‬‬
‫جيب َّ‬
‫‪ - 48‬نح�ن نفترض هنا أنه ليس ثمة قانون ُيلزم إخالء ه�ذه املكان يف هذه احلالة‪ ،‬كام لو‬
‫مهجورا متا ًما‪.‬‬
‫ً‬ ‫كان املكان‬
‫إذا كان ثمة قانون ُيلزم بإخالء الطريق يف هذه احلالة‪ ،‬سيكون من املفروغ منه أن نقول إن‬
‫من يفعل هذا هو ش�خص تع�دى عىل أمالك غريه؛ ألن املقصود بامتلاك األرض هو حيازهتا‬
‫)*(  «نتيفوت مهشباط נתיבות המשפט»‪ :‬الكلمة تعني « ُطرق احلكم»‪ ،‬وهو اسم كتاب يناقش أجزاء من «شوحلان‬
‫عاروخ»‪ ،‬من تأليف الرايب يعقوب بن يعقوب موشيه لوربربويم مليسا רבי יעקב בן יעקב משה לורברבוים (‪1760‬‬
‫‪1832-‬م)‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫(راجع ما ورد يف «شوحلان عاروخ» فيام خيص رشائع األماكن املهجورة والوصول إىل حدودها‪،‬‬
‫و ُيسمح يف هذه احلالة بإخالء الطريق)‪.‬‬
‫‪ -49‬إذا كانت اخلس�ارة املالية التي س�يتكبدها ش�معون أقل من خس�ارة رأوبني‪ ،‬فيجوز‬
‫إخالء الطريق يف حاالت معينة‪ ،‬مثل أن يقوم رأوبني بتعويض ش�معون عن خس�ارته‪ ،‬كام هو‬
‫احلال يف قانون «النبيذ والعسل» الذي ورد سل ًفا‪.‬‬
‫‪ -50‬إذا ق�ام أح�د األغي�ار بش�غل الطري�ق وف ًق�ا للقاع�دة الترشيعية «اهن�ض وال تفعل‬
‫קום ואל תעשה»‪ ،‬حُيتمل جدًّ ا أن عليه إلزا ًما ما؛ ألنه تسبب يف قتل شخص آخر؛ وألن األغيار‬
‫حيتكمون إىل القصاص‪ ،‬كام ورد يف اجلامرا‪ ،‬وكام سنورد يف بقية الفصل‪.‬‬
‫لكن إذا حدث هذا وف ًقا للقاعدة الرشعية التي تقول «كُن سلب ًّيا»‪ ،‬علينا أن نتوقف لنناقش‬
‫ما إذا كان ثمة إلزام؛ ألنه تسبب يف قتل شخص آخر‪:‬‬
‫وفقا لرأي الرايب موس�ى بن نحامن‪ ،‬فإنه مل يتم إلزام أهل نابلس بالتضحية بأرواحهم‪ ،‬أي‬
‫أنه ليس ثمة إلزام هنا‪ ،‬لكن الرايب موسى بن ميمون يرى العكس من ذلك‪.‬‬
‫‪ - 51‬راج�ع ما أورده الرايب موس�ى بن ميم�ون‪ ،‬يف هناية الفصل األول من رشائع القتل‪،‬‬
‫وكذلك ما ورد يف «ش�وحلان عاروخ»‪ .‬ورغم الرضر املادي الذي وقع‪ ،‬فإن ثمة إلزا ًما كام ورد‬
‫يف التلمود يف السنهدرين‪ ،‬ويف املصادر الواردة سل ًفا‪.‬‬
‫شخصا يغرق‬
‫ً‬ ‫‪ - 52‬عىل سبيل املثال‪ :‬شخصان يقفان بجوار أحد األهنار‪ ،‬وتصادف أن شاهدا‬
‫يف النهر ومل حياوال إنقاذه‪ ،‬هل ُيسمح ملن يقاوم الغرق قتل أحدمها حتى يهُ رع الثاين إلنقاذه؟‬
‫حُيظ�ر عليه فعل ه�ذا؛ ألهنام رغم جتاوزمها لرشيعة «ال تقف يف وج�ه إنقاذ أخيك»‪ ،‬فإهنام‬
‫ليسا السبب يف غرقه؛ لذا فهام ليسا بآثمني‪.‬‬
‫‪ - 53  ‬ورغم ورود هذا يف اجلامرا؛ حيث إن اجلامرا تسمح بقتل الشخص الذي تسبب يف‬
‫أيضا‪ ،‬يف حالة إحلاق األذى بواسطة طرف ثالث‪ ،‬إذا كان ثمة‬ ‫إحلاق األذى‪ ،‬مثلام تسمح بذلك‪ً ،‬‬
‫شك يف أنه سيستمر يف إحلاقه لألذى (راجع «شوحلان عاروخ»)‪ ،‬إال أن اجلامرا تعتربه آثماً ‪.‬‬
‫أيض�ا يف كل م�ن «األس�ئلة واألجوب�ة» ويف «أور س�اميح» (ب�اب‬
‫ورد تفسير لذل�ك ً‬
‫رشائع القتل)‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫‪ - 54‬حتى لو شغل الطريق حسب قاعدة «اجلس وال تفعل»‪ ،‬فهو آثم‪(  ‬راجع ما ورد يف‬
‫األس�ئلة واألجوبة) التي قالت إن الذي ال يس�دد ديونه يتس�بب يف أذى لكل اليهود ويعد آثماً ‪،‬‬
‫عىل الرغم من أن هذا قد تم حسب قاعدة «اجلس وال تفعل»‪.‬‬
‫‪ - 55‬يف حال�ة الس�فينة وحمِ له�ا الزائد‪ :‬ليس ثم�ة إلزام بتعويض ال�ذي ُيلقي بحمولته يف‬
‫احلمل‬ ‫البحر‪ ،‬لكوهنا تتس�بب يف حمِ ل زائد عىل السفينة‪ .‬يرجع هذا ألنه يف هذه احلالة سيتسبب ِ‬
‫يف أذى م�ن ش�أنه أن ي�ؤدى إىل غرق الس�فينة‪ ،‬وخيتلف هذا م�ع احلالة الت�ي نوردها هنا حول‬
‫شخص منع إنقاذ شخص آخر بوقوفه يف طريقه‪.‬‬
‫وألن ثم�ة أذى حل�ق باملمتل�كات‪ ،‬جيب تعوي�ض صاحبها (ومثل اخلالف ال�ذي أوردناه‬
‫س�ل ًفا بين حالة جيوز فيها االحتامء من اخلطر‪ ،‬وبني حال�ة أخرى حُيظر فيها ذلك)‪ .‬ورغم هذا‬
‫اخلالف‪ ،‬ث ُبت من قضية الس�فينة أن حياة األرواح أهم من إنقاذ املمتلكات‪ ،‬كام س�نرى فيام ييل‬
‫كيف يتم حساب املسألة لتحديد َمن يؤذى َمن؟‬
‫أيض�ا م�ا ورد يف التحديثات الت�ي ُأجريت عىل «أجروت الرايب ش�موئيل‬ ‫‪ - 56‬وراج�ع ً‬
‫إليعيزر هليفي אגרות רבי שמואל אליעזר הלוי)*(»‪ ،‬وكذلك ما ورد يف «األسئلة واألجوبة»‪.‬‬
‫‪ - 57‬يتضح مما أوردنا س�ل ًفا يف «هاحاتام س�وفري»‪ ،‬أنه إذا حصل أحدمها عىل املياه‪ ،‬حُيظر‬
‫عىل الثاين احلصول عليها‪.‬‬
‫‪ - 58‬مثال آخر‪ :‬هل ُيسمح لشخص حجز دور إلجراء جراحة عاجلة‪ ،‬حتى لو كان هذا‬
‫عىل حس�اب حياة ش�خص آخر (مع األخذ يف االعتبار أن أحدمها سيفقد حياته بسبب التأخري‬
‫يف إجراء اجلراحة؟)‪.‬‬
‫تتشابه هذه احلالة‪ ،‬متا ًما‪ ،‬مع حالة امتالك املياه التي ال صاحب هلا‪ .‬وهنا أنت متتلك اإلمكانية‬
‫أيضا‪ ،‬رغم أنك هبذا ستمنع غريك من استغالهلا‪.‬‬ ‫الوحيدة لإلنقاذ‪ ،‬وتستغلها ملصلحتك ً‬
‫‪ - 59‬ثمة مثال آخر يرد يف اجلامرا يف‪:‬‬
‫تتحدث اجلامرا هنا عن أبناء ش�اؤول)**( الذين ُقتلوا عىل أيدي اجلفعونيم؛ حيث ورد يف‬
‫)*(  «أجروت الرايب شموئيل إليعيزر هليفي אגרות רבי שמואל אליעזר הלוי»‪ :‬أي رسائل الرايب شموئيل‪ ،‬وهو كتاب‬
‫يتناول بالرشح والتفسري سفر راعوث‪ ،‬أحد أسفار العهد القديم‪ ،‬والكتاب من تأليف الرايب شموئيل أوزيدا‬
‫רבי שמואל אוזידא (‪1604 – 1545‬م)‪.‬‬
‫)**(  هو شاؤول بن قيش‪ ،‬وهو – بحسب العهد القديم ‪ -‬هو أول ملوك مملكة إرسائيل املوحدة‪ ،‬تعود فرتة حكمه‬
‫للقرن احلادي عرش قبل امليالد‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫العهد القديم أن «ويأخذ امللك ابني رتسبا ابنة أ ّيا‪ ،‬التي أنجبت لشاؤول «أرموين» و«مفيبوشيت»‬
‫وأبناء ميخال بنى شاؤول اخلمسة التي أنجبت لـ «عدريئيل» بن برزيىل مهحوالتى‪.‬‬
‫م�اذا نتعل�م من هذا؟ يقول ال�رايب هونا רב הונא )*( أن «علي�ه أن يضعهم يف تابوت‪ ،‬فإذا‬
‫توف�ر تاب�وت يمكن اس�تيعاهبم بداخل�ه يقتل�ون‪ ،‬وإذا مل يتوفر ُيرتك�ون أحياء»‪ .‬بي�د أن الرايب‬
‫حنا بر قطينا רב חנא בר קטינא )**( ينتقد هذا الرأي‪ ،‬ويقول‪« :‬ويش�فق امللك عىل مفيبوش�يت‬
‫بن هيوناتان بن شاؤول»‪.‬‬
‫هل حيق لنا الش�ك يف أن ثمة حماباة يف األمر؛ ألنه مل يضع مفيبوش�يت يف تابوت؟ حيث إنه‬
‫قد وضع بعضهم داخل التابوت‪ ،‬وأش�فق عىل البعض اآلخر فلم يضعهم بداخله‪ .‬وكل ما يف‬
‫األمر أن مفيبوشيت طالب بالرمحة‪ ،‬حتى ال يدخل التابوت فتمت االستجابة لتوسالته»‪.‬‬
‫ترى اجلامرا أنه ما دام أن التابوت قد اس�توعب مفيبوش�يت‪ ،‬فإنه حُيظر عىل داود أن يطلب‬
‫له الرمحة؛ ألن التابوت سيستوعب بداخله جثة أحدهم يف مجيع األحوال‪.‬‬
‫أم�ا إذا مل يس�توعبه التاب�وت‪ ،‬فيج�وز حينئ�ذ طلب الرمحة ل�ه‪ ،‬رغم أنه هبذا سيتس�بب يف‬
‫ش�خصا آخ�ر بدلاً منه (نجد هذا احلك�م ً‬
‫أيضا يف القانون امل�دين‪ ،‬راجع ما ورد يف‬ ‫ً‬ ‫أن حيتج�زوا‬
‫كتاب«س�فتي كوهين»)‪ :‬إذا كان ثم�ة ملك أو وزي�ر يفرض رضيبة ما عىل فلان أو عالن من‬
‫األغني�اء‪ ،‬وفلان من اليهود له نفوذ لدى امللك والوزير‪ ،‬وهو م�ا يتيح له املطالبة بإعفائهم من‬
‫هذه الرضيبة‪ ،‬ال ش�ك يف أنه إذا تم إعفاؤهم س�تُفرض الرضيبة عىل غريهم‪ ،‬فهل من حقه أن‬
‫ينقذ هؤالء عىل حساب آخرين؟‬
‫)***(‬
‫تقول‪:‬‬ ‫ثمة فتوى وردت يف إجابات مهاري بن ليف מהר''י בן לב‬

‫«إذا كان امللك قد فرض بالفعل رضيبة ما عىل أش�خاص معروفني‪ ،‬حُيظر عىل أي هيودي‬
‫حماولة منع هذا‪ ،‬وهو ما سيؤدي إىل إحلاق األذى بأشخاص آخرين‪.‬لكن إذا صدر قرار بفرض‬
‫رضيبة ما عىل أحد أفراد الشعب يمكن لليهودي حينها‪ ‬أن يسعى إلعفائه منها‪ ،‬حتى ال يرسى‬
‫عليه هذا الترشيع‪ ،‬وبكل تأكيد سيؤدى هذا إىل دخول أشخاص آخرين داخل التابوت‪...‬‬

‫)*( الرايب هونا רב הונא (‪297 – 215‬م)‪ :‬من كبار أمورائيي اجليل الثاين يف بابل‪ .‬ورد ذكره مئات املرات يف التلمودين‬
‫البابيل واألورشليمي‪.‬‬
‫)**(  الرايب حنا بر قطينا רב חנא בר קטינא‪ :‬من كبار حكامء التلمود‪.‬‬
‫)***( مهاري بن ليف מהר''י בן לב (‪1580 – 1505‬م)‪:‬من حكامء اليهود الذين عاشوا يف عهد اإلمرباطورية العثامنية‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫واضحا من مفيبوش�يت‪ .‬يف فصل الغرفة التي‬
‫ً‬ ‫وقد أوردت إجابات مهاري بن ليف دليلاً‬
‫صىل داود فوقها حتى«ال يستوعبنا التابوت»‪.‬‬
‫وراجع كذلك ما ورد حول «الفضة املقدس�ة»‪ ،‬يف س�فر ملوك ث�ان (‪ ،)12 – 2‬وها نحن‬
‫نرى ببساطة أن الرشيعة تتيح للشخص الدفاع عن نفسه يف حالة وجود خطر عىل حياته‪ ،‬ولكن‬
‫حُيظر عليه فعل هذا‪ ،‬إذا كان سيرتتب عىل ذلك تعريض حياة شخص آخر للخطر‪.‬‬
‫شخصا‬
‫ً‬ ‫عىل سبيل املثال‪ :‬حُيظر عىل امللك داود أن يصىل هلل من أجل أن يستوعب التابوت‬
‫آخر‪ ،‬عىل أساس أنه لن يستوعب مفيبوشيت‪ ،‬أي أنه حُيظر متني األذى للغري‪.‬‬
‫القانون املدين ال جييز الوشاية بشخص ُفرضت عليه رضائب‪ ،‬حتى يتم إعفاء شخص آخر‬
‫منها‪ ،‬عىل الرغم من أنه جيوز هلذا الشخص السعي حتى ال تُفرض عليه الرضائب!‬
‫حُيظر التخلص من املياه بس�كبها يف حديقة ش�خص آخر‪ ،‬رغم أنه جيوز قطع الطريق عىل‬
‫املياه حتى ال تدخل إىل حديقة الشخص املترضر‪ ،‬حتى لو كان هذا سيتسبب يف استمرار اندفاع‬
‫املي�اه وترسهب�ا حلديقة ش�خص آخر‪( .‬راجع م�ا ورد يف التلمود األورش�ليمي يف بداية الفصل‬
‫الثالث من بابا قاما)‪.‬‬
‫‪ - 60‬أفت�ى ال�رايب يوس�ف كارو يف كتابه «هبايت يوس�ف» بأن أي ش�خص غري هيودي‬
‫أيضا يف«يوريه ديعا יורה דעה)*(» يف «ش�وحلان عاروخ» أنه‪:‬‬
‫يفعل هذا‪ ،‬يس�تحق القتل‪ .‬ويؤكد ً‬
‫«يظر عىل غري اليهودي أن يمس النبيذ الذي خيص اليهود هبدف االس�تفادة منه‪ ،‬ولكن يمكنه‬‫حُ‬
‫رشاؤه»‪.‬‬
‫ويعود الرايب يوسف كارو ليؤكد يف كتابه «هبايت يوسف»‪« :‬وهذا هو رأي الرايب موسى‬
‫بن ميمون الوارد يف هناية الفصل الثالث عرش من «اهلاالخا»‪ ،‬والذي يدور بالتحديد حول أحد‬
‫األغي�ار الذي إذا تعمد إحلاق األذى واس�تأثر بالنبيذ‪،‬عليه دفع ثمن�ه بالكامل‪ ،‬أما إذا مل يتعمد‬
‫فعل هذا‪ ،‬فال جناح عليه»‪.‬‬
‫ووردت ه�ذه احلال�ة يف التلم�ود يف «بابا قاما»‪« :‬الش�خص الذي يس�اوره الش�ك بني أن‬
‫الفع�ل وق�ع عن عمد‪ ،‬أو دون قصد»‪ ،‬جيب اإلش�ارة إىل أن هذه األم�ور معروفة للجميع عىل‬

‫)*( «يوريه ديعا  יורה דעה»‪ :‬أحد أجزاء «شوحلان عاروخ»‪ ،‬ويضم عد ًدا من األمور املباحة واملحظورة وف ًقا للرشيعة‬
‫اليهودية‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫أهنا أرضار‪ ،‬أي أنه ال جمال لالدعاء بأن هذا تم عن طريق اخلطأ‪ ،‬أو دون قصد‪ ،‬حتى يتم إعفاء‬
‫ه�ذا الش�خص‪ .‬أم�ا إذا كان الرضر وق�ع بالتحديد عىل أح�د اليهود أو عىل أحد األش�خاص‬
‫الصاحلني‪ ،‬فام دام أنه ليس ثمة نية إيذاء‪ ،‬ال يوجد إلزام هلذا الشخص بدفع ثمن النبيذ»‪.‬‬
‫أثرا )*(‪« :‬ال يوجد إلزام مادي عىل‬
‫ورد يف «ش�وحلان عاروخ» حول األذى الذي ال يرتك ً‬
‫رضرا ماد ًّيا بأح�د اليهود‪ ،‬مثل واقع�ة خلط النبيذ‬
‫م�ن تس�بب يف إحل�اق أذى‪ ،‬ولكنه مل حُي�دث ً‬
‫امل�راق بالنبي�ذ ال�ذي ورد يف التوراة‪ ،‬غري أن احلكماء فرضوا عىل نفس الش�خص غرامة مادية‬
‫تتمث�ل يف التضحية بأفضل ما يملك لتعويض املترضري�ن‪ ...‬وإذا فعل هذا عن طريق اخلطأ أو‬
‫رغما عنه‪ ،‬ليس عليه يشء؛ ألن الغرامة مفروضة‪ ،‬فحسب‪ ،‬عىل من توفرت لديه نية التعمد»‪.‬‬ ‫ً‬
‫هك�ذا يمكننا أن نفهم مغزى ما ورد يف املصادر س�الفة الذك�ر‪ ،‬من أنه ليس ثمة ذنب عىل‬
‫غري اليهودي الذي تسبب يف رضر عن طريق اخلطأ‪.‬‬
‫والس�ؤال ال�ذي يطرح نفس�ه هنا ه�و‪ :‬ملاذا يش�دد الرايب يوس�ف كارو العقوب�ة عىل هذا‬
‫الش�خص؟ أمل نتفق عىل إلزام الش�خص الذي أحلق أذى وكان يس�اوره الش�ك بني ما إذا كان‬
‫ما فعله قد وقع عن عمد أو دون قصد؟ واتفقنا كذلك عىل إلزامه فحس�ب‪ ،‬يف حالة تس�ببه يف‬
‫رضر تقليدي‪.‬‬
‫نرى هنا أن الرايب يوسف كارو يفرتض ببساطة أن نفس الشخص ملزم بدفع تعويض عىل‬
‫الضرر غير التقليدي‪ ،‬مثلام يتم إل�زام اليهودي بدفع تعويض عىل الرضر التقليدي إذا تس�بب‬
‫فيه‪ ،‬أي أنه حتى الش�خص الذي تس�بب يف رضر عن طريق اخلطأ‪ ،‬جيب إلزامه بدفع تعويض‬
‫مثله مثل أي شخص ارتكب ذن ًبا‪.‬‬
‫تتض�ح ه�ذه األم�ور جيدً ا من خلال املقارنة بالقان�ون اجلنائي‪ ،‬فقد ش�اهدنا أن القانون‬
‫اجلنائ�ي يلزم غري اليهودي بالتعويض عن الرضر الذي تس�بب فيه بش�كل غير مبارش‪ ،‬ولكن‬
‫يصعب أن نقول إن نفس الش�خص مذنب يف حالة إحلاق األذى بشخص آخر‪ ،‬بينام يكون غري‬
‫ملزم بيشء يف حالة اإلرضار باملمتلكات‪.‬‬
‫وكام أورد يف «إيفني هعزر»‪ « :‬بام أنه إذا تسبب غري اليهودي يف رضر ما بشكل غري مبارش‪،‬‬
‫أيضا يسري إذا تس�بب يف رضر غري تقليدي‬
‫فإن�ه مل�زم بدف�ع تعوي�ض‪ ،‬وإذا كان نفس األمر ً‬
‫بش�كل غير مبارش‪ ،‬ال تفرقة إ ًذا بني ش�خص فعل هذا ع�ن طريق اخلطأ وش�خص آخر فعلها‬
‫متعمدً ا»‪.‬‬
‫)*(  الرشيعة اليهودية تُلزم الشخص الذي تسبب يف أذى ما‪ ،‬ومل يكن ثمة آثار مادية هلذا األذى‪ ،‬تُلزمه بالتعويض عام‬
‫فعل‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫اختلف كل من كتاب «منحات حينوخ מנחת חינוך)*(» وكتاب«ش�وئيل أوميشيف שואל‬
‫ומשיב)**(» وكتاب «أفنى نيزير אבני נזר)***(»‪ ،‬مع الرأي الوارد يف «هبايت يوس�ف»‪ ،‬وترى‬
‫أنه يمكن إعفاء غري اليهودي الذي يرتكب ذن ًبا غري تقليدي عن طريق اخلطأ‪ ،‬لكنها اتفقت مع‬
‫رأي الرايب موس�ى بن ميمون يف وجوب إلزام األغيار بالتعويض عن الرضر الذي وقع بشكل‬
‫غري مبارش‪ ،‬وف ًقا للقانون اجلنائي‪.‬‬
‫ويب�دو أن تل�ك املص�ادر تعتق�د أن عقوبة التس�بب يف رضر غير تقليدي هل�ي أخف من‬
‫أيضا ما ورد حول هذا بإس�هاب يف‪  ‬كتاب‬
‫عقوبة التس�بب يف رضر بش�كل غري مبارش(وراجع ً‬
‫«أفنى نيزير»)‪.‬‬
‫‪ - 61‬ثم�ة خلاف ح�ول حكم غري اليهودي الذي تس�بب يف قتل ش�خص آخر‪ .‬ورد يف‬
‫التفسري السابق أنه مذنب‪ ،‬بيد أن الرايب موسى بن ميمون مل يؤكد هذا‪ ،‬رغم أنه قد أفتى بنفس‬
‫احلكم يف حاالت مشاهبة (راجع ما ورد يف كتاب «أفنى نيزير»)؛ لذا يمكننا القول إنه يتفق مع‬
‫أيضا رأي الرايب مهئريى רבי המאירי يف الس�نهدرين حول إراقة الدماء‪ ،‬يف‬
‫هذا احلكم‪ .‬وراجع ً‬
‫أيضا ما ورد يف «محدات‬‫إطار مقارنته بني أقوال الرايب موسى بن ميمون ورشائع القتل‪ .‬وراجع ً‬
‫يرسائيل חמדת ישראל)****(»‪.‬‬
‫ولك�ن يف الوق�ت نفس�ه‪ ،‬هناك مم�ا أوردناه دلي�ل عىل أن الرايب موس�ى بن ميم�ون يعفي‬
‫الش�خص ال�ذي تس�بب يف قتل ش�خص آخر م�ن العقوبة (راجع عىل س�بيل املث�ال ما ورد يف‬
‫«منحات حينوخ»)‪ .‬ووف ًقا هلذا‪ ،‬يمكننا أن ندرك ملاذا مل يصدر الرايب موس�ى بن ميمون فتوى‬
‫أيضا ما ورد يف كتاب األسئلة واألجوبة اخلاصة بالرايب يعقوب بن‬
‫تشمل األمر كله‪( .‬وراجع ً‬
‫موش�يه مولين רבי יעקב בן משה מולין)*****(» يف الكتيب األخير‪ ،‬وكذلك راجع ما ورد يف‬
‫رشحا تعليم ًّيا‬
‫)*(  «منحات حينوخ מנחת חינוך»‪ :‬أحد اهلدية التعليمية‪ ،‬وهو أحد كتب التفاسري اليهودية التي تعرض ً‬
‫لألوامر الـ ‪ 613‬الواردة يف العهد القديم‪ ،‬والتي ختص الرجل اليهودي‪.‬‬
‫)**(  «شوئيل أوميشيف שואל ומשיב»‪ :‬أي السائل واملجيب‪ ،‬وهي جمموعة أسئلة فقهية من وضع الرايب يوسف‬
‫شاؤول نتزون (‪1875 – 1810‬م)‪.‬‬
‫)***(  «أفنى نيزير אבני נזר»‪ :‬أي أحجار اإلكليل‪ ،‬وهي جمموعة أسئلة فقهية من وضع الرايب أفراهام بورنشتاين‬
‫(‪1910 – 1839‬م)‪.‬‬
‫)****(  «محدات يرسائيل חמדת ישראל»‪ :‬أي حتفة إرسائيل‪ ،‬أحد كتب التفاسري اليهودية‪ ،‬من وضع الرايب شموئيل‬
‫فيتال بن رايب حاييم (‪1677 – 1598‬م)‪.‬‬
‫)*****(  الرايب يعقوب بن موشيه مولني רבי יעקב בן משה מולין (מהר''יל) (‪1427 – 1360‬م)‪ :‬كان أحد الزعامء‬
‫الروحيني لليهود األشكناز‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫سلس�لة الكت�ب الت�ي وضعه�ا ال�رايب عوفدي�ا يوس�ف הרב עובדיה יוסף)*() يف «يوري�ه‬
‫ديعا»‪ ،‬وما ورد يف الصفحة الثالثة من نفس املصدر‪ ،‬وال يوجد مساحة كافية لإلسهاب‪.‬‬
‫‪ -62‬راجع كذلك ما ورد يف األسئلة واألجوبة التي دوهنا‪.‬‬
‫‪ُ - 63‬ي ِ‬
‫رج�ع كت�اب «منحات حينوخ» هذا األمر إىل وجهة نظر الرايب موس�ى بن ميمون‪،‬‬
‫شخصا لقتل صديقه‪.‬‬
‫ً‬ ‫التي أوردها يف رشائع القتل‪ ،‬وهو نفس حكم من استأجر‬
‫حت�ى يف مثل هذه احلالة‪ُ ،‬يلزم كتاب «منحات حينوخ» املذنب بالتضحية بحياته‪ ،‬رغم أن‬
‫املس�ألة هنا أهون من اعرتاض طريق شخص ما حياول إنقاذ حياته‪ .‬ويعفي املصدر السابق غري‬
‫اليهود من هذه العقوبة وف ًقا للرايب موس�ى ب�ن ميمون‪ ،‬الذي يلزم غري اليهود يف نفس الوقت‪،‬‬
‫هبذه العقوبة يف حالة اعرتاض طريق شخص ما حياول إنقاذ حياته‪ ،‬كام أوردنا سل ًفا‪.‬‬
‫«يظر‬ ‫‪ - 64‬وه�و م�ا ت�م إثباته يف الرايب مهئيرى רבי המאירי يف الس�نهدرين؛ حيث ورد حُ‬
‫إيذاؤه» و«ذلك الذي ارتكب جريمة قتل دون تعمد‪ ،‬بسبب طفل رضيع ُألقي يف طريقه‪ ،‬غري‬
‫نظرا ألنه مل يتعمد ارتكاب اجلريمة‪ .‬وكذلك إذا كان ثمة هيودي ملقى يف‬‫ملزم بمفاداة الطفل‪ً ،‬‬
‫بئر‪ ،‬وقام أحد املجرمني بتحذير شخص ثالث بأنه إذا ساعد اليهودي عىل اخلروج سيقتله‪ ،‬فإنه‬
‫يكون غري ُملزم بإخراجه من البئر»‪.‬‬
‫ويتض�ح م�ن هذا أنه جييز هلذا الش�خص ب�أال يقوم بإنقاذ الش�خص اآلخر‪ ،‬اس�تنا ًدا إىل‬
‫القاع�دة الترشيعي�ة التي تق�ول «كُن س�لب ًّيا»‪ .‬لكن ماذا إذا طول�ب بأال ينقذه اس�تنا ًدا للقاعدة‬
‫الرشعية «قم وافعل קום ועשה»‪ ،‬عىل سبيل املثال‪:‬‬
‫«أن ُيقال له خذ هذا الس�لم من هنا حتى ال يتمكن اليهودي من اخلروج من البئر»‪ ،‬حُيظر‬
‫القيام هبذا‪ ،‬والدليل عىل ذلك ما ورد يف فصل «براخوت ברכות)**(»‪.‬‬
‫‪ - 65‬ثم�ة ش�ك يف ه�ذه احلال�ة‪ ،‬إذا م�ا كان القاتل قد تعم�د القتل‪ ،‬أو أن�ه ال يدرك عىل‬
‫اإلطلاق أن�ه خيل�ق داف ًعا للقتل‪ .‬فيما خيص الرشيعة اليهودية‪ ،‬جيب مناقش�ة أحكام الش�ك يف‬
‫اجلرائ�م اخلطرية الت�ي تُلزم التضحية بالنف�س‪ ،‬فراجع ما ورد حول هذا يف األس�ئلة واألجوبة‬
‫)*( الرايب عوفديا يوسف  הרב עובדיה יוסף (‪.... - 1920‬م ) الزعيم الروحي حلزب شاس‪ ،‬واحلاخام األكرب األسبق‬
‫لليهود السفاراديم يف إرسائيل‪ ،‬ومن أهم مؤلفاته التي نتطرق هلا هنا هي «يابيع أومبري יביע אומר» وهي سلسلة كتب‬
‫حتتوي عىل جمموعة أسئلة وأجوبة فقهية‪ ،‬وله فتاوى عنرصية كثرية بحق العرب واملسلمني‪.‬‬
‫)**(  «براخوت ברכות» أي الربكات‪ ،‬وهو أول أبواب التلمود الستة‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫التي وضعها «طوف طعام فاداعات טוב טעם ודעת)*(»‪.‬‬
‫أم�ا لدى األغيار‪ ،‬فال يوجد ش�ك يف أن األمر مس�موح‪ .‬فلدهيم يع�ود حظر القتل‪،‬عندما‬
‫تكون مس�ألة حياة أو موت‪ ،‬إىل ما يدعيه الثاين حول فرضية « بني ش�خص وصاحبه)**(»؛ لذا‬
‫جي�ب مناقش�ة األمر؛ ألن «البينة عىل من ادعى»‪ ،‬وإذا كان ثمة ش�ك يف ه�ذا االدعاء‪ ،‬ومل يكن‬
‫هناك ما يثبت ادعاءه‪ ،‬فمن حق الشخص الثاين شغل الطريق إلنقاذ نفسه‪.‬‬
‫‪ - 66‬جي�ب اإلش�ارة إىل أنه إذا نجا أحدهم من خطر طبيعي‪ ،‬فإنه حُيظر عىل أي ش�خص‬
‫اس�تغالل ه�ذا الرتكاب جريمة قتل يف حق ش�خص آخر‪ ،‬و ُيس�مح هنا بغل�ق طريق اإلنقاذ؛‬
‫استنا ًدا إىل فرضية «حيايت أول»‪.‬‬
‫عىل س�بيل املثال‪ :‬رأوبني يطارد ش�معون ليقتله‪ ،‬وثمة طريق واحد فقط يمكن لشمعون‬
‫اهل�روب من�ه‪ .‬يف نفس اللحظة‪ ،‬وبش�كل طبيع�ي للغاية‪ ،‬حدث أن وقع�ت بعض األحجار يف‬
‫خطرا‪ ،‬والطريق الوحيدة املتاحة لليفي للهروب من هذا اخلطر‬ ‫اجتاه ليفي‪ ،‬مما شكل عىل حياته ً‬
‫هي نفس الطريق التي سيهرب منها شمعون‪ ،‬لكن إذا شغلها أحدمها سيتم تدمريها وستُغلق‪،‬‬
‫وبالتايل لن يس�تطيع الثاين العبور خالهلا عىل اإلطالق‪ .‬ليفي هنا ال يس�اعد القاتل‪ ،‬بل هو ينقذ‬
‫حياته؛ لذا فإنه ُيسمح له اإلدعاء بأن «حياته أهم»‪.‬‬
‫ما مل نجزه يف حالة مس�اعدة القاتل ينطبق‪ ،‬فحس�ب‪ ،‬يف حالة أن يكون الش�خص يف حالة‬
‫إنق�اذ حليات�ه‪ ،‬وبذلك س�يكون قد س�اعد القات�ل‪ ،‬وليس إذا كان س�ينقذ حياته دون مس�اعدة‬
‫القاتل‪.‬‬
‫‪ - 67‬كنا قد أوردنا س�ل ًفا يف متن الكتاب رأى الرايب أونرتمان يف كتابه «س�بط من هيوذا»‪،‬‬
‫والذي جييز لليهودي قتل اليهودي الذي يسقط فوقه رغماً عنه؛ ألنه أحلق به أذى‪ ،‬حتى وإن كان‬
‫بغري قصد‪ .‬ومن الصعب القول إن هذا الرأي جييز قتل الش�خص الذي يغلق الطريق وما ش�ابه؛‬
‫ألن هذا األمر حمظور لدى اليهود؛ ألنه سيرتتب عىل ذلك فقد نفس هيودية‪ ،‬وال داعي خلرق هذا‬
‫احلظر‪ ،‬كام اتضح سل ًفا يف تفسري فرضية «ملاذا تعتقد أن حياتك أهم من حيايت؟» لدى اليهود‪.‬‬
‫)*(  «طوف طعام فاداعات טוב טעם ודעת»‪ :‬هو أحد مؤلفات الرايب شلومو جلوكر רבי שלמה גרוקר (‪– 1785‬‬
‫‪1869‬م)‪ ،‬وهو من كبار علامء التوراة يف پولندا يف عرصه‪.‬‬
‫)**(  بني شخص وصاحبه בין אדם לחברו‪ :‬ورد يف الوصايا العرش يف التوراة عدد من األوامر اإلهلية لتهذيب سلوك‬
‫اإلنسان يف املجتمع‪ ،‬مثل سلوكه مع صاحبه‪ ،‬ومنها‪ :‬احرتام الوالدين‪ ،‬ال تزن‪ ،‬ال ترسق‪ ،‬ال تقتل‪ ،‬ال تذكره بسوء‬
‫إلخ‪..‬‬

‫‪206‬‬
‫على كل حال‪ ،‬يمكن اس�تخالص أمر آخر من كلامته‪ ،‬ه�و أنه ال وجود هلذا اخلالف لدى‬
‫األغيار‪ ،‬و ُيسمح لدهيم قتل من أغلق الطريق‪ ،‬رغم أنه ال يتعمد هذا‪ ،‬كام ورد يف متن الفصل‪.‬‬
‫رغما عنه‬
‫هذا ألنه لدى األغيار ال قيمة للتس�اؤل الذي يقول‪ :‬هل الش�خص الذي يفعل هذا ً‬
‫يرتك�ب جريم�ة هبذا الفعل أم ال؟‪ ،‬فالتس�اؤل الوحيد ال�ذي يطرحه األغيار ه�و النتيجة‪ ،‬أي‬
‫م�ا ه�ي النتيجة التي ترتبت عىل ما ح�دث؛ لذا فإنه جيوز قتل من يغل�ق الطريق يف هذه احلالة؛‬
‫خطرا عىل ش�خص ثالث (وكام ورد يف القانون املدين بالنس�بة‬
‫ألن غلقه للطريق يثبت أنه يمثل ً‬
‫لالحتامء من الرضر‪ ،‬من أنه ال وجود هنا ألي خالف يف الرأي بني حكم من يقوم بالفعل وبني‬
‫من ال يقوم بالفعل)‪.‬‬
‫‪ - 68‬يمك�ن تفسير ما ورد يف اجلامرا يف «بابا قاما» جي�دً ا‪ ،‬وف ًقا ملا تم رشحه هنا‪ ،‬فاجلامرا‬
‫تفسر األم�ر عىل النحو التايل‪ :‬إن�ه رغم أن امللك داود ق�د أنقذ حياته عن طري�ق إحلاق األذى‬
‫باملحص�ول ال�ذي خيص الفلس�تينيني‪ ،‬أثناء حرب�ه معهم‪ ،‬ورغ�م وجود قاع�دة رشعية تقول‪:‬‬
‫«يظر عليك إنقاذ حياتك عىل حس�اب غريك אין אדם מציל עצמו בממון חברו)*(»‪ ،‬فإن امللك‬ ‫حُ‬
‫سالحا يمكن لألعداء استغالله ضده‪.‬‬ ‫ً‬ ‫داود قد قام بام قام به؛ ألنه اعترب املحصول‬
‫كما طرح حكماء بيت مدراش בית מדרש )**( التس�اؤل التايل يف «التوس�افوت» هل عىل‬
‫الش�خص ال�ذي أنق�ذ حياته عىل حس�اب أمالك الغري‪ ،‬أن يق�وم بالتعويض عن اخلس�ائر التي‬
‫حلقت هبذه األمالك‪ ،‬خاصة إذا كانت مسألة حياة أو موت؟‬
‫علين�ا أن ن�درك م�ا هو احلكم ال�ذي اكتفى به داود‪ ،‬ه�ل اكتفى بالقضي�ة التي وردت يف‬
‫اجلامرا يف «بابا قاما» التي تقول إن‪« :‬الش�خص الذي حياول اهلروب من ش�خص يطارده‪ ،‬فقام‬
‫ش�خصا آخر‪ ،‬هل علي�ه دفع تعوي�ض لصاحبها؛ ألنه اس�تفاد منها لينقذ‬ ‫بتحطي�م ٍ‬
‫أوان خت�ص‬
‫ً‬
‫حياته؟»‪.‬‬
‫كانت اإلجابة التي حصل عليها داود هي أنه رغم وجود فرضية التعويض عن الرضر يف‬
‫حالة وجود خطر عىل حياة غري اليهود‪ ،‬فإننا ال نلجأ إليها يف حالة تعرض األمالك خلسائر‪.‬‬

‫)*(  هي قاعدة يف الرشيعة اليهودية تلزم من ينقذ نفسه عىل حساب هيودي آخر‪ ،‬بتعويضه عن األرضار التي ستلحق به‪.‬‬
‫)**(  بيت مدراش בית מדרש‪ :‬هو مكان يتم فيه دراسة التوراة وأحكام الصالة‪ ،‬وقديماً كان يؤدي بعض اخلدمات‬
‫االجتامعية‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫ونظرا ألن صاحب املحص�ول مل يضعها يف مكان‬ ‫امللكي�ة ه�ي الفيصل يف القانون امل�دين‪ً ،‬‬
‫تعويض�ا لصاحبها عن ذلك (كام‬
‫ً‬ ‫حيظ�ر االقرتاب منه‪ ،‬فعىل من يس�تغلها إلنقاذ حياته أن يدفع‬
‫ورد فيام س�بق حول اخللاف بني حكم إعادة املفق�ودات لدى اليهود‪ ،‬والقان�ون اجلنائي لدى‬
‫األغيار)‪.‬‬
‫ورغم أنه ببس�اطة ُيسمح باس�تغالل املحصول إلنقاذ حياة شخص ما؛ ألن حياة األرواح‬
‫تعويضا لصاحبه�ا (راجع ما‬
‫ً‬ ‫أه�م م�ن األمالك‪ ،‬فإن�ه من يفعل ه�ذا‪ ،‬عليه أن يدفع بعد ذل�ك‬
‫أوردنا من مالحظات عىل إحلاق األذى بشكل غري مبارش يف الفقرة ‪.)18‬‬
‫‪ - 69‬عىل س�بيل املثال‪ :‬قام حام بتضليل يافث‪ ،‬الذي دخل طري ًقا ما حتى هنايته دون أن‬
‫يعرف أنه بذلك يساعد القاتل‪ .‬أو أن يافث كان متواجدً ا يف هذا الطريق‪ ،‬لكن حام خدعه؛ لذا‬
‫اضط�ر للبق�اء هناك‪ .‬أو أن حام كان متواجدً ا يف هذا الطري�ق‪ ،‬فقام يافث بتهديده‪« :‬إذا تركت‬
‫املكان سأقتلك»‪ .‬أو أن يافث مل يدرك أنه يساعد حام عندما يقوم بشغل الطريق‪ ،‬وعدم معرفته‬
‫هبذا يعنى أنه فعل هذا دون تعمد‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ - 70‬رغم أن يافث يفعل هذا رغماً عنه؛ ألنه ال يدري أنه يساعد القاتل‪ ،‬ففي واقع األمر‬
‫أن جهل�ه هبذه احلقيقة يس�اعد القات�ل؛ ولذلك ال حيق له الزعم أن «حي�ايت أوىل»‪ ،‬مثله يف هذا‬
‫مثل الشخص الذي قام القاتل بتقييده ووضعه يف الطريق‪ ،‬ورغم أنه ُمرغم عىل فعل هذا‪ ،‬لكنه‬
‫يس�اعد القات�ل هبذا؛ لذا فلي�س من حقه الزعم ب�أن «حياته أوىل»؛ ألن كون�ه ُأجرب عىل هذا ال‬
‫يصنع فار ًقا‪.‬‬
‫ش�خصا ما بإحلاق األذى بش�خص‬ ‫ً‬ ‫‪ – 71‬ومن املس�تحيل أن نقول إنه إذا أمر أحد القتلة‬
‫آخر‪ُ ،‬يسمح له أن يطيعه؛ ألن أمر القاتل ال يعني أن األمر جيوز؛ حيث إنه معلوم لدينا أنه حُيظر‬
‫تفويض شخص الرتكاب جريمة ما‪.‬‬
‫‪ - 72‬ورد يف الصفحة اليمنى‪ ،‬أن من يعرتض طريق شخص حياول إنقاذ حياته‪ ،‬يستحق‬
‫عقوبة‪ ،‬رغم أنه ليس ثمة عقوبة ملن يرتكب جريمة قتل إذعانًا لتهديد أحد املجرمني‪.‬‬
‫لك�ن م�ن الصع�ب أن نعتبر أن أوامر ورغب�ة املجرم مها مبرر ٍ‬
‫كاف إلعفاء م�ن ارتكب‬
‫اجلريم�ة‪ ،‬باإلضافة لذلك‪،‬علينا طرح تفسير وف ًقا هلذا الفهم‪ :‬يف حال�ة املريض الذي يتعرض‬
‫لضغوط ش�ديدة من ِق َب�ل والديه وأطبائه إلجراء جراحة ما‪ ،‬وبعد أن اس�تجاب هلم‪ ،‬أدرك أنه‬

‫‪208‬‬
‫س�يلحق األذى بش�خص آخ�ر إذا أجرى ه�ذه اجلراحة‪ ،‬ولكنه�م مس�تمرون يف الضغط عليه‬
‫إلجرائه�ا‪ ،‬ه�ل يعد هو من بادر بإجراء العملية فيقع عليه الذنب‪ ،‬أو يقع عىل اآلخرين (الذين‬
‫ال يعدون هنا جمرمني باملعنى التقليدي)؟‬
‫وعلى أي حال‪ ،‬حتى إذا اضطررنا لقبول هذه الفرضية فيام خيص عقاب الش�خص الذي‬
‫يرتك�ب إحدى تل�ك الذنوب اخلطرية الثلاث‪ ،‬رغماً عن�ه‪ ،‬فبالتأكيد يس�تحيل االحتكام هلذه‬
‫الفرضي�ة فيما خيص غير هيودي قتل غير هيودي آخر يف حال�ة وجود خطر على حياته‪ ،‬وهى‬
‫احلال�ة التي جييز فيها «أور س�اميح» إحلاق األذى بمن يعترض طريق اإلنقاذ‪ .‬هذا ألننا يمكن‬
‫أن نق�ول إنه بالنس�بة ملس�ألة العقوبة‪ :‬إن ما هيمن�ا يف األمر هو نية مرتك�ب اجلريمة‪ ،‬وال يوجد‬
‫معي�ار موضوعي لقياس درجة اخلطر؛ لذا جيب مناقش�ة األمر حس�ب من هو صاحب املبادرة‬
‫لإلتيان بالفعل‪.‬‬
‫لكننا نتساءل يف حالة التضحية بالنفس لدى األغيار إذا كان جيوز‪ ،‬ألول وهلة‪ ،‬لغري هيودي‬
‫قت�ل غري هيودي لينقذ حياته‪ .‬لس�نا نناقش يف ه�ذه القضية من هو صاحب فكرة القتل‪ ،‬ولكننا‬
‫نناقش مسألة‪ :‬من يمثل خطورة عىل من؟ وال يمكن عىل اإلطالق بالنسبة هلذه النقطة‪،‬أن نذكر‬
‫الرأي اخلاص بالرايب يرسائيل‪ ،‬والذي خيتلف عام سبق من آراء؛ حيث يقول‪:‬‬
‫من يعرتض طريق ش�خص حياول اهلروب إلنق�اذ حياته‪ ،‬يعرضه للخطر بصورة أكرب من‬
‫شخصا آخر‪.‬‬
‫ً‬ ‫اخلطر الذي تتعرض له أنت إذا طلب منك أحد القتلة أن تقتل‬
‫أيضا جتاه الفعل نفس�ه‪.‬‬
‫(يتضح لنا من رأي الرايب يرسائيل أن ما قاله يرسي‪ ،‬ألول وهلة‪ً ،‬‬
‫لك�ن األم�ر يف حاج�ة إىل مراجعة كام أوردنا س�ل ًفا‪ .‬وراجع كذلك م�ا ورد يف امللحوظة الثانية‬
‫عرشة يف الفصل الرابع)‪.‬‬
‫‪ – 73‬ثم�ة حال�ة أخرى‪ :‬ش�خص بحوزته يشء حُيظ�ر أكله‪ ،‬وهو خيش�ى أن يعتقله امللك‬
‫ويعاقب�ه بامل�وت بس�بب هذا الشيء‪ ،‬والوس�يلة الوحي�دة للتخلص م�ن هذا اليشء ه�و بيعه‬
‫لشخص آخر‪ ،‬أي أنه فعل هذا ألنه راغب يف نقل ملكية اليشء لشخص آخر‪ ،‬ولوال هذا لكان‬
‫ق�د تعرض خلطر‪ .‬جيب مالحظة أنه يف مقابل املثال الس�ابق‪ ،‬ما هيمن�ا هو‪:‬هل من يأكل يرغب‬
‫يف وج�ود الطع�ام يف حوزته؟ وقد أوردنا أنه يف حالة ع�دم رغبته يف ذلك‪ ،‬فهذا يعني أنه تناول‬
‫الطعام‪ ،‬رغماً عنه‪ ،‬ويتم إعفاؤه‪ ،‬حينئذ‪ ،‬من ترديد دعاء الطعام‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫الس�ؤال هن�ا هو‪ :‬ه�ل هو يرغب يف نقل ملكي�ة اليشء؟ ألن عدم رغبت�ه يف اليشء جتعله‬
‫راغ ًبا يف نقل ملكيته لشخص آخر‪ ،‬وتلقائ ًّيا يتشابه هذا مع حالة العالج‪ ،‬وليس اإلرغام‪.‬‬
‫يف ه�ذه احلال�ة ـ حالة البيع باإلجبارـ ال يمكن أن نجد حالة وس� ًطا يكون فيها الش�خص‬
‫املترضر غري راغب يف نقل ملكية اليشء‪ ،‬وأن األمر الواقع اضطره هلذا‪.‬هذا ألن نقل امللكية أمر‬
‫ربا فيها عىل ذلك هي إذعانه لرأي‬‫إنس�اين يف جوهره‪ ،‬واحلالة الوحيدة التي يكون الش�خص جم ً‬
‫شخص آخر‪ ،‬رغم انتفاء الرغبة بداخله يف وقوع احلدث‪.‬‬
‫‪ - 74‬كام ورد يف رشح امللحوظة السابقة‪.‬‬
‫‪ - 75‬يتف�ق ال رايب س�فتي كوهني مع االحتكام إىل نفس الفرضي�ة يف حالة إعفاء من يقوم‬
‫ش�خص ا ما أجبره عىل هذا‪ ،‬حتى لو‬
‫ً‬ ‫بتوصي�ل يشء ما مل حيمله لكنه مرره باس�تخدام يديه؛ ألن‬
‫عرضه هذا خلس�ارة مادية‪ .‬املغزى من األمر هنا هو أن هذا الش�خص مل يقم بيشء غري أخالقي؛‬ ‫ّ‬
‫ألن�ه مل يرتكب اجلريمة بش�كل مبارش‪ ،‬وم�ن يضطر الرتكاب جريمة بطريق�ة غري مبارشة‪ ،‬يتم‬
‫رغم ا عنه‪ .‬راجع ما ورد يف تفسير ال رايب‬
‫إعف�اؤه‪ ،‬رغ�م أنه‪ ،‬ألول وهلة‪ ،‬حيظر عليه توصيل املال ً‬
‫إلياهو بن شلومو زملان רבי אליהו בן שלמה זלמן‪.‬‬
‫لكن ببس�اطة‪ ،‬يتم إعفاء الش�خص فحس�ب‪ ،‬يف حال�ة أن يكون املج�رم احلقيقي قد أمره‬
‫ش�خصا بعينه؛ ألنه حينئذ س�يكون يف إمكانه الزع�م بأن حظ فالن‬
‫ً‬ ‫باحلص�ول على مال خيص‬
‫العاثر هو الذي أدى إىل هذا‪.‬‬
‫ش�خصا بعينه للحصول على أمواله‪ ،‬وترتب عىل ذلك إحلاقه‬‫ً‬ ‫ويف حال�ة أن املجرم مل حيدد‬
‫األذى بشكل غري مبارش بممتلكات هذا الشخص لكي ينقذ ممتلكاته‪ ،‬فإنه ال يمكن إعفاؤه يف‬
‫هذه احلالة‪ ،‬فقد وقع الرضر‪ ،‬وعليه حتمل عواقبه‪.‬‬
‫‪ – 76‬راجع ما ورد يف كتاب «هآور جادول האור גדול)*(»‪.‬‬
‫أيضا يف «بابا قاما» يف الفصل العارش‪.‬‬
‫‪ –77‬ورد هذا ً‬
‫‪ - 78‬وردت اإلجابة عن هذه األسئلة يف فقرة أخرى‪ ،‬وراجع ما ورد يف «بتحيي حوشان‬

‫)*(  «هآور جادول האור גדול»‪ :‬أحد كتب التفاسري اليهودية‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫פתחי חושן )*(»‪ .‬واملقص�ود هن�ا ما ج�اء يف كتاب «نزيقني» يف الفصل الث�اين عرش‪ ،‬الذي أورد‬
‫كلمات الس�ائل يف الفقرة ‪ 113‬حس�ب الرايب ايرسليش‪ ،‬وليس املقص�ود إجابة ايرسليش التي‬
‫وردت يف الفقرة ‪.96‬‬
‫‪ – 79‬راجع كتاب «نتيفوت مشباط»‪.‬‬
‫‪ – 80‬بخص�وص احل�االت التي يتم وضع حدود فيها‪ ،‬بخصوص حماكمة من يتس�بب يف‬
‫خسارة مالية‪ ،‬يمكنك مراجعة ما ورد يف األسئلة واألجوبة اخلاصة بياخني وبوعاز‪.‬‬
‫‪‬‬

‫)*(  «بتحيي حوشان פתחי חושן»‪ :‬هو كتاب من ستة أجزاء‪ ،‬يضم جمموعة أسئلة فقهية من وضع الرايب بالوى הרב בלוי‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫‪‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫نفس اليهودي مقابل نفس األغيار‬

‫خطرا‪ ،‬ويكون الس�بيل إلنقاذهم‬


‫س�نناقش يف ه�ذا الفصل احلالة التي يواج�ه فيها اليهود ً‬
‫هو إحلاق األذى بش�خص من األغيار‪ ،‬وس�نرشح أنه يف مثل هذه احلالة جيب قتل غري اليهودي‬
‫إلنقاذ اليهود‪.‬‬
‫شاهدنا يف الفصل الثالث مصدر اإللزام ببذل النفس عن قتل اليهودي‪:‬‬
‫«إذا قي�ل لش�خص أن يرتكب إحدى اجلرائم ال�واردة يف التوراة حتى ال يأيت‬
‫إثًم�اً ‪ ،‬فليفع�ل‪ ،‬بخالف عب�ادة األوثان‪ ،‬وزن�ا املحارم‪ ،‬وس�فك الدماء‪...‬من أين‬
‫لن�ا إ ًذا اس�تنتاج أنه جيوز القت�ل؟ الفرضية الت�ي نحتكم إليها هن�ا تظهر يف املثال‬
‫الت�ايل الذي خيربنا به الرايب ش�لومو بن يتس�حاق‪« :‬قال يل أحده�م‪ :‬اذهب لقتل‬
‫فالن‪ ،‬وإذا مل تفعل‪ ،‬س�أقتلك‪ .‬فقال له فالن هذا‪ :‬س�أقتلك قبل أن تقتلني‪« .‬ملاذا‬
‫تتوق�ع أن حيات�ك أهم من حيايت؟» وملاذا تعتقد أن حياة ذلك الش�خص أهم من‬
‫(‪)1‬‬
‫حيايت؟»‬
‫من هنا جاء احلكم البس�يط بأنه إذا قيل لرأوبني «اقتل ش�معون أو نقتلك»‪ ،‬حُيظر عليه أن‬
‫يقتل شمعون لينقذ نفسه‪.‬‬
‫تعلمنا يف الفصل الثالث أن ثمة خال ًفا بني كتب الفتاوى الدينية يف احلالة التي يتعرض فيها‬
‫شخص غري هيودي للتهديد‪ ،‬حينام يقال له أن يقتل صاحبه‪ ،‬وأنه إذا مل يفعل س ُيقتل هو‪ .‬بحسب‬
‫الرايب ش�موئيل شنيئورسون‪ُ ،‬يسمح لغري اليهودي بقتل صاحبه لينقذ نفسه من املوت؛ ألنه يف‬
‫ربا متا ًما‪ ،‬وال يوجد لدى األغيار إلزام ببذل النفس عىل اإلطالق‪ .‬وأما‬
‫هذه اللحظة س�يكون جم ً‬

‫‪213‬‬
‫يف رأي «باراشات دراخيم»‪ ،‬فإنه يرى إمكانية االحتكام إىل فرضية «ملاذا تتوقع أن حياتك أهم‬
‫أيضا‪ ،‬بمعنى أنه حُيظر عىل غري اليهودي قتل صاحبه لينقذ نفسه‪.‬‬‫من حيايت؟» لدى األغيار ً‬
‫س�نوضح اآلن م�ا ه�و حك�م اليه�ودي ال�ذي قي�ل ل�ه‪« :‬اقت�ل فالنً�ا غير اليه�ودي أو‬
‫(‪)2‬‬
‫سنقتلك»‪.‬‬

‫‪ – 1‬صيغة التلمود األورشليمي‬


‫وه�ا هو ذلك احلكم قد تم تفسيره يف التلمود األورش�ليمي يف فصل الس�بت)*( يف هناية‬
‫الفصل الرابع عرش؛ حيث ورد‪:‬‬
‫«قال احلاخام حنينا‪ :‬قالت فقرتنا املشنوية أنه حُيظر العالج عن طريق سفك الدماء؛ حيث‬
‫ورد «إن خرج معظمه ال جيب مسه؛ ألنه حُيظر إنقاذ نفس عىل حساب نفس أخرى»‪ .‬واألمر ال‬
‫أيضا قيل له أن يظلم فالنًا‪ .‬واخلالصة أنه‪:‬‬
‫يقترص فحسب عىل أنه قيل ألحدهم اقتل فالنًا‪ ،‬بل ً‬
‫حُيظر عىل غري اليهودي قتل اليهودي‪ ،‬أما العكس ف ُيسمح به»‪.‬‬
‫يوض�ح التلمود األورش�ليمي هنا أن اليه�ودي الذي يواجه خطر امل�وت‪ ،‬حينام يقال له‬
‫(‪)3‬‬
‫«اقتل فالنًا أو نقتلك»‪ُ ،‬يسمح له بقتل غري اليهودي لينقذ نفسه‪.‬‬
‫أيضا اجلار‬
‫ويف حقيق�ة األم�ر‪ ،‬علين�ا أن نتس�اءل إذا كان التلم�ود األورش�ليمي يقص�د ً‬
‫توش�اف بكالمه هذا‪ ،‬أو أنه يتحدث فحس�ب ع�ن غري اليهودي؛ ألنه يمكن القول إنه س�مح‬
‫ويظر إنقاذه من املوت (كام اتضح‬ ‫بقتل غري اليهودي‪ ،‬ليس ثمة وصية باإلبقاء عىل حياته‪ ،‬بل حُ‬
‫يف الفصل األول)‪ .‬أما بالنس�بة للجار توش�اف‪ ،‬الذي توجد وصية باإلبقاء عىل حياته‪ ،‬حُيتمل‬
‫حظرا بقتله‪.‬‬
‫أن هناك ً‬
‫أيضا‬
‫فلنوض�ح أكث�ر‪ :‬وجدنا أنه يوجد إلزام ببذل النفس عن القتل لدى اليهود‪ ،‬ووجدنا ً‬
‫أيضا ملحقاهت�ا‪ .‬إذن‪ ،‬كان جيب‬
‫أن�ه يف بعض احلاالت‪ ،‬ال نحظر فحس�ب اجلريمة نفس�ها ب�ل ً‬
‫الق�ول أنه حُيظ�ر عىل اليهودي قتل اجلار توش�اف يف حالة وجود خطر على حياته‪ ،‬وذلك عىل‬
‫الرغم من أن الفقرة التي حتتوي عىل حظر ليس�ت «ال تقتل» ‪ -‬بل «من يس�فك دم اإلنس�ان»–‬
‫فربام كان هذا احلظر أحد ملحقات سفك الدماء؛ ولذا جيب عىل اليهودي بذل النفس عنه‪.‬‬
‫فقد وجدنا دليلاً عىل أن حظر «س�فك دماء اإلنس�ان»ال يعد أحد ملحقات سفك الدماء‪.‬‬
‫يف الفص�ل الثال�ث أوردنا الفقرة املش�نوية التي تس�مح بقتل اجلنني الذي ُي َع ِّ�رض أمه للخطر‪،‬‬
‫)*(  فصل السبت‪ :‬هو الفصل األول من الباب الثانى يف التلمود‪ ،‬ويناقش أحكام يوم السبت‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫م�ا دام مل يخُ ِ‬
‫�رج اجلنين رأس�ه‪ .‬قتل اجلنين حمظور‪ ،‬اس�تنا ًدا إىل احلك�م الذي حيظر «س�فك دم‬
‫اإلنس�ان» ألنه «ال يوجد يشء مس�موح إلرسائيل وحمظور عىل األغيار» (راجع امللحق األول‬
‫للفصل األول)‪.‬‬
‫كان جي�ب على م�ن «يس�فك دم اإلنس�ان» أن يبذل نفس�ه؛ ألن هذا من ملحقات س�فك‬
‫واضحا ملاذا ُيسمح بقتل اجلنني إلنقاذ األم؟‬
‫ً‬ ‫الدماء‪ ،‬فليس‬
‫إذن‪ ،‬فنحن لدينا دليل واضح عىل أن من «يسفك دم اإلنسان» ال يندرج حتت بند ملحقات‬
‫س�فك الدم�اء‪ ،‬وال جيب بذل النفس عن ذلك‪ ،‬وبطبيعة احل�ال‪ ،‬إذا قيل ليهودي أن «اقتل جار‬
‫توش�اف أو نقتلك»‪ ،‬فإنه ُيس�مح له بقتله لينقذ حياته (وسنس�هب الح ًقا حول الفرق بني غري‬
‫اليهودي واجلنني فيام بعد) (‪.)4‬‬

‫‪ – 2‬دليل من أقوال الرابي شلومو بن يتسحاق‬


‫والرابي موسى بن ميمون‬
‫احلاخامان ش�لومو بن يتس�حاق وموس�ى بن ميمون يعتقدان أن احلكم ال�ذي ُي ِ‬
‫لزم ببذل‬
‫النفس يرسى فحسب يف حالة اليهودي مقابل اليهودي‪ ،‬وليس اليهودي مقابل جار توشاف‪.‬‬
‫ويس�هب الرايب ش�لومو بن يتس�حاق يف توضيح هذا احلكم والفروق الطفيفة يف أسلوب‬
‫تطبيقه يف ثالثة مواضع يف اجلامرا‪« :‬سنهدرين»‪« ،‬بساحيم»‪« ،‬يوما»‪ ،‬ويتضح متا ًما من كالمه أن‬
‫املقص�ود ه�و اليهودي الذي يتعرض خلطر املوت‪ .‬وها هو أحد األمثلة ملا فرسه الرايب ش�لومو‬
‫بن يتسحاق يف فصل «يوما»‪:‬‬
‫«ملاذا تتوقع أن حياتك أغىل من حيايت»‪ ،‬املقصود من هذا أنه ما دام اليهود لدى‬
‫ال�رب أغىل من الوصايا‪ ،‬فإن الرب يبطل مفعول الوصية حتى حيتفظ الش�خص‬
‫بحياته‪.‬لك�ن اآلن يف حال�ة أن اليه�ودي قد لقي حتفه ومل تُنف�ذ وصية الرب‪ ،‬ملاذا‬
‫حَي ُس�ن يف عين�ي الرب أن تخُ رق وصيت�ه‪ ،‬ملاذا تكون حياتك ل�دى الرب أغىل من‬
‫حياة صاحبك اليهودي؟‬
‫يوضح لنا الرايب شلومو بن يتسحاق هنا أنه ما دامنا عىل أية حال سنفقد حياة هيودي‪ ،‬لذا‬
‫فإننا نقول للس�ائل أنه حُيظر عليه قتل صاحبه لينقذ نفس�ه؛ ألنه «ملاذا تكون حياتك لدى الرب‬
‫أغىل من حياة صاحبك اليهودي؟»‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫وبكل بس�اطة نس�تنتج م�ن هذا الكالم أنه عندم�ا نكون أمام أحد خياري�ن‪ ،‬إما حياة جار‬
‫توش�اف أو حياة اليهودي‪ ،‬فإن إجازة قتل جار توش�اف للحفاظ على حياة اليهودي‪ ،‬هي أمر‬
‫مفروغ منه‪( .‬وقد أوردنا تفسير الرايب ش�لومو بن يتس�حاق يف «يوما»؛ ألنه أكثر املواضع التي‬
‫أوضح فيها هذه النقطة‪ ،‬خاصة يف الفقرة النهائية‪ .‬هذا ال يمنع أن لغته واضحة يف كال املوضعني‬
‫اآلخرين‪ ،‬أي يف «بساحيم» و«سنهدرين»‪ ،‬ويصل فيهام لالستنتاج نفسه)‪.‬‬
‫وكان احلاخ�ام ش�اؤول يرسائيىل‪ ،‬يف كتاب�ه «عمود هيامين» أكثر دقة من الرايب ش�لومو بن‬
‫يتسحاق؛ حيث قال‪:‬‬
‫ها هو الرايب شلومو بن يتسحاق يؤكد عىل أن احلديث يتعلق بنفس اليهودي‬
‫وحب الرب له‪ .‬لكن فيام خيص الش�خص األجنبي‪ ،‬فلم نجد تلك املحبة‪ ،‬وعىل‬
‫ه�ذا فإهن�ا كس�ائر الوصاي�ا التي يب ُط�ل مفعوهلا يف حال�ة وجود خط�ر عىل حياة‬
‫اليهودي‪.‬‬
‫أم�ا الرايب موس�ى ب�ن ميمون‪ ،‬فيحدثنا يف رشائع أس�س الت�وراة‪ ،‬يف الفصل اخلامس يف‬
‫الرشيعة السابعة أن‪:‬‬
‫قتل نفس هيودية لعالج نفس أخرى أو إلنقاذ شخص حياته مهددة باخلطر‪ ،‬هو‬
‫أمر حمظور؛ ألن العقل يميل إىل أنه ال جيوز قتل نفس لصالح نفس أخرى‪...‬‬
‫ويؤك�د الرايب موس�ى بن ميمون عىل أن املقص�ود هو «قتل نفس هيودي�ة»(‪ ،)5‬وال يكتفي‬
‫بكلمتي «قتل نفس»‪ .‬وكذلك يدقق الرايب موسى بن ميمون يف كالمه يف الرشيعة اخلامسة‪:‬‬
‫إذا قي�ل ملجموع�ة من األغي�ار أن أعطونا أحدك�م فنقتله‪ ،‬وأن�ه إذا مل تفعلوا‬
‫نفس�ا هيودية‪...‬‬
‫س�نقتلكم مجي ًعا‪ ،‬فليفعلوها ويقتلوهم مجي ًعا حتى ال يس�لموهم ً‬
‫نفسا هيودية‪.‬‬
‫ملزما‪ ،‬فليمت اجلميع وال يسلموهم ً‬
‫وإذا مل يكن ً‬
‫يرهق الرايب موسى بن ميمون نفسه طوال الوقت يف إضافة كلمة «هيودي»‪ ،‬وعىل هذا فإنه‬
‫إذا كان األمر يتعلق بنفس غري هيودية‪ ،‬لكان احلكم قد اختلف(‪.)6‬‬
‫أيضا يرى «بري جماديم פרי מגדים)*(» أنه يتضح لنا‪ ،‬فحسب‪ ،‬يف حالة سفك دماء هيودي‬ ‫ً‬
‫ليه�ودي آخر‪ ،‬يك�ون احلكم هو أن ُيقتل وال يرتكب إثماً ‪ ،‬لكن يف حالة اليهودي الذي س�يقتل‬
‫جار توشاف‪ُ ،‬يسمح لرأوبني بقتل يافث لينقذ نفسه؛ حيث يقول‪:‬‬
‫)*(  «برى جماديم»‪ :‬هو أحد أعامل الرايب يوسف تئوميم (‪1792 – 1727‬م)‪ ،‬والذى تناول فيه «شوحلان عاروخ»‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫إذا أم�ر أح�د األغي�ار هيود ًّي�ا بقتل ش�خص م�ا‪ ،‬ليس م�ن الواض�ح إذا كان‬
‫هيود ًّي�ا أم ال‪ ،‬مثل الطفل املوجود يف مدينة نصفها من اليهود والنصف اآلخر من‬
‫األغيار‪...‬‬
‫يكتفي «بري جماديم» هنا بذكر احلكم يف حالة غري اليهودي الذي هيدد هيود ًّيا ويأمره بقتل‬
‫شخص ما‪ ،‬ليس من الواضح إذا كان هيود ًّيا أو من األغيار – مثل الطفل املوجود يف مدينة نصفها‬
‫من اليهود والنصف اآلخر من األغيار – وإذا مل يفعل سيقتله‪ .‬فهل يف مثل هذه احلالة ُيسمح له‬
‫بالقتل؛ ألن كون اآلخر هيود ًّيا هو فحسب أمر غري مؤكد‪ .‬هنا يرى «بري جماديم פרי מגדים» أنه‬
‫ما دامنا نحن بصدد شخص غري هيودي‪ ،‬فال شك يف أنه ُيسمح لليهودي بقتله لينقذ نفسه‪.‬‬
‫ويعود هذا إىل أنه بس�بب عدم تأكدنا من كون هذا الش�خص هيود ًّيا من عدمه‪ ،‬جيب علينا‬
‫حينئذ تنفيذ مجيع ما أمرت به التوراة‪ ،‬وإذا كان األمر كذلك‪ ،‬فإنه يستحيل القول إن مكانته أقل‬
‫من مكانة جار توشاف (ألنه سيكون ملتز ًما بجميع وصايا التوراة‪ ،‬وليس سب ًعا منها فحسب)‪.‬‬
‫ورغم ذلك يف نفس املصدر الس�ابق ُيس�مح بقتل هذا الش�خص يف حالة وجود خطر عىل حياة‬
‫اليهودي‪ ،‬إذا كان فعلاً غري هيودي‪.‬‬

‫‪ – 3‬دليل من حكم من تتعرض حياته خلطر‬


‫أم�ر بس�يط نجده يف أج�زاء التلمود الس�تة ويف كتب الفت�اوى اليهودية‪ ،‬وه�و أن تعرض‬
‫حي�اة اليه�ودي للخطر يجَ ُ ب مجيع م�ا ورد يف التوراة م�ن وصايا‪ ،‬أما إذا تع�رض غري اليهودي‬
‫خلطر ما‪ ،‬فإن وصايا التوراة تظل س�ارية املفعول حينها‪ .‬وفيام يتعلق بتعرض اليهودي للخطر‪،‬‬
‫حيدثن�ا ال�رايب موس�ى بن ميم�ون يف رشائع أس�س الت�وراة‪ ،‬يف الفص�ل اخلام�س‪ ،‬يف الرشيعة‬
‫األوىل‪ ،‬أنه‪:‬‬
‫يف اللحظ�ة الت�ي يجُبرِ فيه�ا أحد األغي�ار هيود ًّيا على خمالفة إح�دى الوصايا‬
‫الواردة يف التوراة وإال قتله‪ ،‬فليفعل وال ُيقتل‪ ،‬حيث ورد يف العهد القديم (التي‬
‫إذا فعلها اإلنسان حييا هبا) وحييا هبا‪ ،‬ال يموت هبا‪.‬‬
‫وكذلك يف رشائع السبت يف الفصل الثاين يف الرشيعة األوىل‪:‬‬
‫ال يت�م االلت�زام بحرمة الس�بت يف حالة وجود خطر عىل احلي�اة‪ ،‬مثلها كمثل‬
‫مجي�ع الوصاي�ا‪ ،‬وف ًقا لذلك ف�إن املريض الذي تتعرض حياته خلطر‪ُ ،‬يس�مح بأن‬
‫يفعلوا من أجله كل يشء يف السبت‪...‬‬

‫‪217‬‬
‫وأم�ا بخصوص تعرض حياة جار توش�اف خلط�ر املوت‪ ،‬هذا ما يقوله الرايب موس�ى بن‬
‫ميمون بعد ذلك يف نفس الفصل من رشائع السبت يف الرشيعة الثانية عرشة‪:‬‬
‫ُيسمح بتوليد ابنة اجلار توشاف؛ ألننا قد ُأمرنا باحلفاظ عىل حياته وال ندنس‬
‫من أجله حرمة السبت‪.‬‬
‫أي أن�ه‪ ،‬حتى بالنس�بة للجار توش�اف الذي ُأمرن�ا باحلفاظ عىل حيات�ه‪ ،‬ال يمكن تدنيس‬
‫قدسية السبت من أجله (‪.)7‬‬
‫وثمة مثال آخر يف بقية الفصل يف الرشيعة العرشين‪:‬‬
‫إذا كان ثم�ة فِن�اء يقط�ن ب�ه أغيار وهيود‪ ،‬حت�ى لو كان هي�ودي واحد وألف‬
‫م�ن األغي�ار‪ ،‬واتفق أن اهنارت فوقهم كتلة صخرية‪ ،‬جي�ب حماولة إنقاذ اجلميع؛‬
‫ألن بينه�م هيودي‪ ،‬وعندما تف�رق اجلميع‪ ،‬ذهب أحدهم إىل فِناء آخر فس�قطت‬
‫عليه نفس الكتلة الصخرية‪ ،‬جيب إنقاذ حياته‪ ،‬خشية أن يكون هيود ًّيا والبقية من‬
‫األغيار‪.‬‬
‫أي أن�ه يف حال�ة وجود ش�ك يف أن حياة اليهودي فحس�ب تتعرض خلط�ر املوت‪ ،‬يمكن‬
‫تدنيس حرمة السبت‪.‬‬
‫يف احلقيقة‪ ،‬لقد ناقش�ت كتب الفتاوى الدينية ما إذا كان ُيس�مح بانتهاك ما حظره احلكامء‪،‬‬
‫من أجل إنقاذ حياة جار توشاف (الذي أوصتنا التوراة باحلفاظ عىل حياته)‪ .‬وكام ورد يف «بيئور‬
‫هاالخا» عن «شوحلان عاروخ»‪:‬‬
‫و ُيس�مح بتولي�د طف�ل اجلار توش�اف؛ ألننا ق�د ُأمرن�ا باحلفاظ على حياته‪،‬‬
‫دنس�ا‪ ،‬بل ُيس�مح بفعل ذل�ك وإن تعارض مع ما‬ ‫وحتدي�دً ا يف األمور التي ال تعد ً‬
‫حظره احلكامء؛ ألهنم مل يذكروا لنا من جيب احلفاظ عىل حياته يف هذا املثال‪.‬‬
‫وعىل أية حال‪ ،‬ليس ثمة خالف يف أن احلظر التورايت يسقط يف حالة تعرض جار توشاف‬
‫خلطر املوت (‪.)8‬‬
‫ووف ًقا هلذا‪ ،‬هناك دليل آخر عىل ما أثبتناه من آراء الرايب شلومو بن يتسحاق والرايب موسى‬
‫بن ميمون‪ :‬إذا كان جيوز خرق حرمة السبت يف حالة وجود خطر عىل حياة اليهودي‪ ،‬ويف نفس‬
‫الوق�ت ُيس�مح بع�دم احلفاظ عىل حياة اجلار توش�اف ألجل حرمة الس�بت‪ ،‬فمام ال ش�ك فيه‬
‫وبمنتهي البساطة‪ ،‬أنه ُيسمح‪ ،‬من أجل احلفاظ عىل حياة اليهودي‪ ،‬قتل اجلار توشاف‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫وهذه الفرضية تتأكد مع تفسري فرضية «حياتك ليست بأهم من حيايت» لدى اليهود (التي‬
‫فرسناها بالفعل يف الفصل الثالث)‪ .‬وهذه كلامت الرايب شلومو بن يتسحاق يف فصل «يوما»‪:‬‬
‫«ملاذا تتوقع أن حياتك أهم من حيايت؟»؛ حيث ورد «التي إذا فعلها اإلنسان‬
‫حيي�ا هبا»‪ ،‬املغ�زى من هذه الكلمات هو أن حي�اة إرسائيل أحب عن�د الرب من‬
‫الوصاي�ا؛ حي�ث قال الرب‪ ،‬فلتل�غ الوصية وليعش هذا‪ .‬لك�ن اآلن اليهودي قد‬
‫ت�ويف بالفع�ل ومل يت�م االلتزام بالوصية‪ ،‬ملاذا حَي ُس�ن يف عيني ال�رب‪ ،‬إذن‪ ،‬أال يتم‬
‫االلتزام بوصيته‪ ،‬ملاذا يكون دمك أغىل عند الرب من دم اليهودي؟‬
‫يوض�ح الرايب ش�لومو بن يتس�حاق لنا أن الفرضي�ة الس�ابقة‪ ،‬وردت للتعامل مع فرضية‬
‫أخ�رى‪ ،‬والتي وف ًقا هلا كنا مضطرين ألول وهلة بالسماح لذلك اليه�ودي بقتل صاحبه؛ لينقذ‬
‫نفس�ه م�ن املوت؛ حي�ث إن مجيع الذنوب الواردة يف التوراة تس�قط يف حال�ة وجود اخلطر عىل‬
‫أيضا فإن حظر‬‫احلي�اة‪ ،‬كما نتعل�م من فقريت «وع�اش هبا» و«وال يموت هب�ا»‪ ،‬ويف هذه احلال�ة ً‬
‫س�فك الدماء كان جيب أن يس�قط يف حالة تعرض حياة رأوبني خلطر‪ ،‬وقد تم هتديده بالقتل إذا‬
‫مل ينه حياة شمعون‪.‬‬
‫وعن ذلك قال حاخامنا‪ :‬صحيح أن تعرض حياة شخص للخطر يلغى مجيع الوصايا؛ ألنه‬
‫ورد أن «حي�اة إرسائي�ل أحب عند الرب من الوصايا»‪ ،‬لكن هذا فحس�ب يف حالة أن ارتكاب‬
‫الذنب سينقذ بالفعل هيود ًّيا‪ .‬وأما يف هذه احلالة‪ ،‬فألن هناك هيود ًّيا سيموت وليس ثمة إمكانية‬
‫إلنقاذ نفس هيودية‪ ،‬لذلك حُيظر عىل هيودي قتل هيودي آخر‪.‬‬
‫وهنا‪ ،‬فإن كل هذا صحيح فحسب عندما نكون بصدد هيوديني‪ ،‬حينئذ ال يسقط أي حظر؛‬
‫ألنه يف هناية األمر سيفقد هيودي حياته‪ .‬لكن عندما يكون احلديث عن حياة أحد األغيار مقابل‬
‫حي�اة اليهودي‪ ،‬هن�ا تعود الفرضية األوىل م�ن جديد‪ ،‬والتي تقول «إنه ُيس�مح بارتكاب ذنب‬
‫س�قط أي حظر‬ ‫لينقذ حياته»؛ ألنه يف هذه احلالة تتعرض حياة اليهودي خلطر بالفعل‪ ،‬وهو ما ي ِ‬
‫ُ‬
‫تورايت‪ ،‬يف مقابل تعرض حياة جار توش�اف خلطر املوت‪ ،‬وهو ما ال ي ِ‬
‫س�قط أي حظر يف التوراة‬ ‫ُ‬
‫(كام أوردنا سل ًفا)‪.‬‬
‫س�قط عىل الف�ور أي حظر‬‫بمعن�ى آخ�ر‪ ،‬نقول إن تع�رض حياة اليه�ودي خلطر املوت‪ ،‬ي ِ‬
‫ُ‬
‫تورايت‪ .‬أما فيام خيص حظر س�فك الدماء‪ ،‬وهي احلالة التي فيها جيب إهناء حياة ش�معون لكي‬
‫ننقذ حياة رأوبني‪ ،‬والذي هو «هيودي» مثله‪ ،‬حينئذ ال يسقط أي حظر‪ .‬لكن عندما يكون إنقاذ‬
‫(‪)9‬‬
‫حياة رأوبني عىل حساب حياة يافث «جار توشاف»‪ ،‬حينئذ يسقط احلظر‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫‪ – 4‬م���ا ورد يف «التوس���افوت» بش���أن قاعدة «ليس مث���ة أمر حمظور على‬
‫األغيار ومباح إلسرائيل»‬
‫مربرا آخر للترشيع الذي حتدثنا عنه يف الفقرات الس�ابقة‪ ،‬من أنه ُيس�مح‬ ‫يمكنن�ا أن ِ‬
‫نورد ً‬
‫لليهودي بقتل جار توشاف لينقذ حياته‪.‬‬
‫كن�ا ق�د ذكرنا أن احلظر الذي يمن�ع اليهودي من قتل غري اليهودي ينب�ع من القاعدة التي‬
‫تقول «ليس ثمة أمر حمظور عىل األغيار ومباح إلرسائيل»‪ ،‬كام أوضحنا يف الفصل األول‪ .‬وها‬
‫هي «التوسافوت» تناقش نفس القاعدة‪:‬‬
‫ال يوجد أمر مسموح لليهود – مل يرد هذا بالنسبة للوصية الواجب عىل اليهودي‬
‫تنفيذها‪ ،‬فغري اليهودي الذي انتهك قدسية السبت ُيعاقب بالقتل‪ ،‬ومراعاة قدسية‬
‫السبت هي وصية عىل اليهودي‪ ...‬و ُيعاقب غري اليهودي بالقتل إذا قتل اجلنني يف‬
‫حالة التعرس يف الوالدة‪ ،‬بينام ُيعفى اليهودي من العقوبة – عىل الرغم من أنه عىل أية‬
‫حال ال يعني هذا أن األمر مباح‪ .‬لكن يصعب أن نقول يف فصل «سورير وموريه»‪:‬‬
‫«إذا خرجت رأسه ال ُي َّمس ألنه حُيظر قتل نفس لصالح نفس أخرى»‪ ،‬لكن قبل‬
‫أن خترج رأس�ه‪ ،‬مت�د القابلة يدها بق�وة فتقطع أعضاءه وتخُ رجها لك�ي تنقذ أمه‪،‬‬
‫وبنفس الطريقة فإنه حُيظر عىل غري اليهودي فعل ذلك؛ ألهنم ُأمروا باحلفاظ عىل‬
‫أيضا‬ ‫وأيضا فقد ُأوىص اليهود بإنقاذ اجلنني‪ ،‬وربام يكون األمر ً‬
‫مباحا ً‬ ‫حياة اجلنني! ً‬
‫لدى األغيار‪.‬‬
‫تق�ول «التوس�افوت» يف بداية اس�تنتاجها إن�ه «مل يرد هذا بالنس�بة للوصي�ة الواجب عىل‬
‫اليهودي تنفيذها»‪ ،‬وهي تربهن عىل ذلك من خالل حكم إنزال عقوبة املوت عىل غري اليهودي‬
‫الذي ينتهك قدس�ية الس�بت (حس�ب م�ا ورد يف اجلامرا)‪ ،‬وأم�ا اليهودي فال ينطب�ق عليه هذا‬
‫متناقضا مع قاع�دة «ليس ثمة أم�ر حمظور عىل‬
‫ً‬ ‫احلظ�ر على اإلطلاق‪ ،‬وألول وهلة يبدو ه�ذا‬
‫األغي�ار ومب�اح لليهود» !‪ ،‬لكن ألنه ثمة وصية ملزمة لليه�ودي يف هذه احلالة أو تلك‪ ،‬أي أن‬
‫اليه�ودي مثلاً ملزم بأداء واجبات الس�بت؛ لذلك فال عج�ب إذا قلنا إن األمر حمظور عىل غري‬
‫اليهودي ومسموح لليهودي‪.‬‬
‫مس�موحا لليهودي بقتل‬
‫ً‬ ‫وتس�تمر «التوس�افوت» يف التس�اؤل عن كيف حُيتمل أن يكون‬
‫أيضا يف‬
‫جنني إلنقاذ أمه‪ ،‬بينام األمر حمظور عىل غري اليهودي ! وتربر «التوس�افوت» ذلك بأنه ً‬
‫هذه احلالة « ُأمر اليهودي بإنقاذ األم»؛ وهلذا السبب فمن املمكن أن ينشأ موقف ما يكون األمر‬
‫‪220‬‬
‫حمظ�ورا عىل غري اليهودي ومباح لليه�ودي‪ .‬إال أنه يف هناية األمر قالت «التوس�افوت» إنه‬
‫ً‬ ‫في�ه‬
‫أيضا لدى األغيار ُيسمح بقتل اجلنني إلنقاذ أمه‪.‬‬
‫ً‬
‫على أي�ة حال‪ ،‬تعلمنا من كلامت «التوس�افوت» أن�ه عندما يتعلق األم�ر بإحدى الوصايا‬
‫التوراتي�ة‪ ،‬ال جي�ب االحتكام حينها للقاعدة س�الفة الذكر‪ .‬وبش�كل بدهيي‪ ،‬يتض�ح لنا أنه فيام‬
‫خيص املوضوع الذي نناقشه‪ ،‬عندما يضطر رأوبني اليهودي لقتل يافث غري اليهودي لكي ينقذ‬
‫نفس�ه‪ ،‬ه�ذا ألن رأوبني يفعل هذا ً‬
‫تنفيذا للوصية التي تأمره بإنق�اذ النفس اليهودية من املوت‪،‬‬
‫ال يسري هنا حظر قتل غري اليهودي؛ ألنه بش�كل عام حُيظر عىل اليه�ودي قتل غري اليهودي‪،‬‬
‫(‪)10‬‬
‫بخالف هذه احلالة‪.‬‬
‫وتلخيصا هلذه الفقرة نقول إننا قد توصلنا إىل استنتاج واضح مفاده‪ ،‬أنه يف أية حالة يمثل‬
‫ً‬
‫خطرا عىل حي�اة اليهودي‪ُ ،‬يس�مح بقتله (حتى إذا كن�ا بصدد حمبي‬‫فيه�ا وج�ود غري اليه�ودي ً‬
‫الشعب اليهودي‪ ،‬وحتى إذا مل يكن للشخص أي ذنب يف املوقف الذي نشأ)‪.‬‬

‫‪ – 5‬اخلالف حول عالج اجلنني‪ ،‬ومقارنته بغري اليهودي‬


‫وجدنا أنه ُيسمح بقتل اجلنني إلنقاذ حياة هيودي‪ ،‬كام ورد يف املشناه‪:‬‬
‫امل�رأة التي تتعرس يف والدهتا‪ُ ،‬يس�مح بقطع أوصال اجلنين يف أمعائها و ُينتزع‬
‫العضو تلو اآلخر؛ ألن حياهتا أهم من حياته‪ .‬وإذا خرج معظم جس�ده ال ُي َّمس؛‬
‫ألنه حُيظر قتل نفس لصالح نفس أخرى‪.‬‬
‫والرايب شلومو بن يتسحاق يفرس هذا يف «السنهدرين» بأن‪:‬‬
‫ويقول التنائى يف البداية «متد القابلة يدها بقوة فتقطع أعضاءه وتخُ رجها لكي‬
‫نفسا‪ ،‬ويمكن قتله إلنقاذ أمه‪.‬‬
‫تنقذ أمه؛ ألنه ما دام مل خترج رأسه‪ ،‬ال يعد ً‬
‫أي أنه ُيسمح بقتل جنني األم‪ ،‬ما دام مل خترج رأسه بعد‪ ،‬إذا كان تركه سيقتل‬
‫«نفسا» و«حياهتا أهم من حياته»‪.‬‬‫املرأة؛ ألنه مل يعد بعد ً‬
‫خطرا عىل أمه‪ ،‬ولوال وجود‬
‫تتحدث املشناه عن احلالة التي نقتل فيها اجلنني؛ ألنه يشكل ً‬
‫هذا اجلنني‪ ،‬ملا كانت األم تعرضت للخطر‪ .‬ويطرح السؤال التايل نفسه‪ :‬ما هو احلكم يف احلالة‬
‫الت�ي ال يتعل�ق فيه�ا اخلطر باجلنني‪ ،‬ولكن يمكن االس�تعانة به عن طريق قتله‪ ،‬أي هل ُيس�مح‬
‫بقتل جنني امرأة إلنقاذ امرأة أخرى (أو رجل آخر)؟‬

‫‪221‬‬
‫(عىل سبيل املثال‪ :‬عندما ُيسمح بقتل اجلنني واستخدام أجزاء من جسده لصنع دواء حمدد‬
‫لعالج املرىض)‪.‬‬
‫بحس�ب كلامت الرايب ش�لومو بن يتس�حاق الت�ي ذكرناها قبل قليل‪ ،‬يب�دو أنه ليس ثمة‬
‫نفسا من‬
‫فارق يف األمر إذا مل يكن ثمة إلزام ببذل النفس عن قتل اجلنني‪ ،‬فاألمر مباح ألنه ينقذ ً‬
‫امل�وت‪ .‬كام هو األمر عندما قلنا إنه ُيس�مح بخرق أي م�ن املحظورات التوراتية يف حالة وجود‬
‫خط�ر عىل احلياة‪ ،‬س�واء كان احلظر يس�مح بذل�ك أو تم خرق احلظر للعلاج (مثل أكل طعام‬
‫حمظور للعالج)‪.‬‬
‫لكن بحس�ب الرايب موس�ى بن ميمون يف رشائ�ع القتل‪ ،‬وكذلك يف «ش�وحلان عاروخ»‪،‬‬
‫هناك موضع للنقاش‪ ،‬وكان هذا ما ورد‪:‬‬
‫املرأة املتعرسة يف والدهتا‪ُ ،‬يس�مح بقطع اجلنني يف أمعائها‪ ،‬بواس�طة اليد؛ ألنه‬
‫رضرا س�يؤدي لقتله�ا‪ .‬أما أذا أخرج اجلنني رأس�ه بالفعل‪ ،‬فال ُي َّمس؛‬ ‫ِ‬
‫ُيلح�ق هبا ً‬
‫ألنه حُيظر قتل نفس لصالح نفس أخرى‪ ،‬وهذه هي ُسنة احلياة‪.‬‬
‫نس�تنتج من ذلك أن السماح بقت�ل اجلنني يعود لكون�ه يلحق أذى بأم�ه‪ ،‬ويعرض حياهتا‬
‫للخطر‪ .‬وهذا يعني أن هذا مباح فحسب؛ ألنه لوال وجود اجلنني‪ ،‬ملا كان هناك خطر عىل األم‬
‫(وكام أوضحنا الفرق بني اإلنقاذ والعالج يف امللحق األول من الفصل الثالث)‪.‬‬
‫ووف ًق�ا هلذا‪ُ ،‬يس�مح بقت�ل اجلنني يف حالة «اقت�ل جنني فالن أو نقتل�ك»؛ ألنه لوال وجود‬
‫اجلنني ملا كان هناك خطر (‪ .)11‬لكن ليس ثمة رخصة بقتل جنني امرأة لعالج شخص آخر؛ ألن‬
‫اخلطر هنا ال عالقة له بوجود اجلنني‪ ،‬فحسب من سيقتله هو ذلك الذي خلق تلك العالقة‪.‬‬
‫ويندهش احلاخام عاقيفا إجير)*( يف إضافاته عىل «املشناه»‪ ،‬من رأى الرايب موسى بن ميمون‪:‬‬
‫لق�د اندهش�ت ألول وهلة‪ ،‬م�ن أن الرايب موس�ى بن ميمون قال إنه يش�كل‬
‫خطرا ما عىل األم؛ ألنه إذا خرج معظم جس�ده‪ ،‬فإنه ال ُي َّمس‪ ،‬وتفسير ذلك أنه‬
‫ً‬
‫نفسا‪.‬‬
‫رغماً عنك هو ال ُيعد ً‬
‫وكذلك كتب «منحات حينوخ»‪:‬‬
‫نفس�ا‪ ،‬لكنه ال‬
‫مل أمتكن من فهم أنه ُيس�مح بقطع أوصال اجلنني الذي ال ُيعد ً‬
‫ُيعد ملح ًقا لألذى‪.‬‬
‫)*(  عاقيفا إجير (‪1837 – 1761‬م)‪ :‬من كبار احلكامء اليهود األواخر‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫بيد أن عد ًدا من احلكامء األواخر كتبوا يف تفسريهم للحاخام موسى بن ميمون‪ ،‬أنه ُيسمح‬
‫بالفعل‪ ،‬وف ًقا لوجهة نظره‪ ،‬بقتل اجلنني يف حالة كون وجوده يشكل ً‬
‫خطرا‪ ،‬ولوال كونه «تسبب‬
‫يف أذى بسبب وجوده‪ ،‬ملا كان هناك سامح بقتله»‪.‬‬
‫هذا ما كتبه عىل سبيل املثال الرايب حيزقئيل سيجيل لندا)*( يف كتابه «هنوداع بيهودا»‪:‬‬
‫عىل كل حال حُيظر قتل اجلنني إلنقاذ أمه‪ ،‬إذا مل نعترب أنه تسبب هلا يف أذى‪.‬‬
‫أيضا يف (س�يدير طهاروت) )**(‪ ،‬و «إجيروت موش�يه»‪ ،‬ويف حتديثات‬
‫وه�و نفس ما ورد ً‬
‫عىل الرايب موس�ى ب�ن ميمون‪ ،‬وكذل�ك حتديثات‬ ‫)***(‬
‫احلاخ�ام حايي�م هاليفي سلوفيتش�ك‬
‫احلاخام موشيه شيك)****(‪.‬‬
‫لك�ن م�ن امله�م أن نوضح أن�ه وف ًقا هل�ذه الطريقة‪ ،‬حُيظر العلاج باجلنني إلنق�اذ هيودي‪،‬‬
‫و ُيسمح بالعالج بغري اليهودي إلنقاذ هيودي‪ ،‬كام استنتجنا قبل قليل ببساطة‪ ،‬وكام هو موضح‬
‫لدى الرايب موسى بن ميمون؛ حيث يقول‪:‬‬
‫أم�ا عن قت�ل نفس هيودي لعلاج نفس أخ�رى أو إلنقاذ ش�خص من أيدي‬
‫ِ‬
‫مغتصب‪ ،‬فإن الرأي يميل إىل أنه حُيظر إهناء حياة شخص لصالح حياة‬ ‫ش�خص‬
‫شخص آخر‪....‬‬
‫نحن نرى أن الرايب موس�ى بن ميمون يؤكد عىل أن احلظر يتعلق فحس�ب باليهود‪ ،‬ويقول‬
‫أيضا عن حاالت يتم االستعانة فيها بشخص آخر للعالج‪ ،‬وليس إلنقاذ أحدهم من أيدي‬‫هذا ً‬
‫(‪)12‬‬ ‫ِ‬
‫شخص مغتصب ‪.‬‬
‫وعلى الرغ�م م�ن أن حظر قتل اجلنني جاء م�ن قاعدة «ليس ثمة أمر حمظ�ور عىل األغيار‬
‫ومباح لليهود»‪ ،‬مثله مثل حظر قتل غري اليهودي‪ ،‬فإننا نرى أن ثمة فار ًقا ً‬
‫كبريا بني احلالتني‪.‬‬
‫فقد أثبتنا أن حياة اليهودي مهمة‪ ،‬مقارنة بحياة غري اليهودي الذي يدنس قدس�ية الس�بت‬
‫إلنق�اذ هيودي‪ ،‬بينام ال يصح خرق حرمة الس�بت إلنقاذ غري اليه�ودي‪ .‬لكن اجلنني ليس كغري‬
‫اليه�ودي يف ه�ذه احلالة؛ ألنه نظر ًّيا قد تقرر أنه ُيس�مح بخرق حرمة الس�بت إلنقاذ جنني‪ ،‬كام‬
‫ورد يف «شوحلان عاروخ»‪:‬‬
‫)*(  الرايب حيزقئيل سيجيل لندا‪ :‬كان كبري حاخامات براغ‪ ،‬ومن كبار الفقهاء اليهود يف القرن الثامن عرش‪.‬‬
‫)**(  «سيدير طهاروت»‪ :‬هو الباب السادس من أبواب التلمود‪ ،‬ويناقش أمور الطهارة والنجاسة‪.‬‬
‫)***( الرايب حاييم هاليفي سلوفيتشك (‪1918 – 1853‬م)‪ :‬امللقب بالرايب حاييم مربسك‪ ،‬من كبار الشخصيات‬
‫الدينية يف القرن العرشين‪.‬‬
‫)****(  الرايب موشيه شيك (‪1879 – 1807‬م)‪ :‬من كبار حاخامات املجر يف القرن التاسع عرش‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫م�ن جتل�س ف�وق ك�ريس ال�والدة فتوفي�ت‪ ،‬تحَُض�رَ س�كينًا‪ ،‬حت�ى إذا كان‬
‫الي�وم هو الس�بت‪ ،‬حت�ى إذا كان ه�ذا علن ًّيا‪ ،‬وتُش�ق بطنها إلخ�راج اجلنني فقد‬
‫يكون ح ًّيا‪.‬‬
‫وكذلك رشائع يوم الغفران‪:‬‬
‫احلبلى التي تستنش�ق رائح�ة طعام م�ا‪ ،‬إذا مل يعطوها منه وس�تتعرض هي أو‬
‫جنينه�ا للخط�ر‪ ،‬يهُ م�س يف ُأذنيها بأن اليوم ه�و يوم الغفران‪ ،‬ف�إذا هدأت انتهى‬
‫األمر‪ ،‬أما إذا مل هتدأ‪ ،‬فعليهم أن جيعلوها تتذوق طعمه‪ ،‬فإذا هدأت انتهى األمر‪،‬‬
‫أما إذا مل هتدأ‪ ،‬فعليهم أن جيعلوها تتذوق صلصلة الطعام نفسها‪ ،‬وإذا مل هتدأ بعد‬
‫ذلك ُيسمح بإطعامها من الطعام املحظور نفسه‪.‬‬
‫ويفرس احلاخام يوئيل سريكيش هذه النقطة أكثر حينام يقول‪:‬‬
‫خطرا‬
‫اس�تنا ًدا هلذا احلكم‪ُ ،‬يسمح هلا بتناول هذا الطعام‪ ،‬حتى إذا كان يشكل ً‬
‫ما عىل أحدمها‪ ،‬حول هذا قال‪ ،‬هي أو جنينها‪.‬‬
‫نرى هنا أن حياة اجلنني أهم من حياة غري اليهودي‪ ،‬بل وحتى أهم من جار توشاف؛ ألنه‬
‫من أجل إنقاذ حياته يمكن خرق قدس�ية السبت (وتس�قط مجيع املحظورات التوراتية يف حالة‬
‫وج�ود خطر عىل احلياة) (‪ .)13‬يف هذه احلالة يمكننا أن نفهم ملاذا ُيس�مح بالعالج بواس�طة غري‬
‫اليهودي‪ .‬بينام ليس ثمة سامح بالعالج بواسطة اجلنني‪:‬‬
‫ال يصح تدنيس قدسية السبت من أجل إنقاذ حياة غري اليهودي‪ ،‬ومن هنا نرى‬
‫أن حيات�ه أق�ل قيمة من حياة اليهودي؛ لذا فإنه ُيس�مح بقتله إلنق�اذ اليهودي‪ ،‬أما‬
‫اجلنني الذي حياته مهمة إىل حد السامح بتدنيس قدسية السبت إلنقاذه‪ ،‬فليس ثمة‬
‫خطرا‪ ،‬فحينئذ جيربنا‬
‫سامح بقتله لعالج آخرين‪ ،‬إال يف احلالة التي يمثل فيها وجوده ً‬
‫الواقع عىل تفضيل حياة أحدمها عىل اآلخر‪ ،‬ويف مثل هذه احلالة يمكننا أن نقرر أن‬
‫حياة الشخص البالغ أهم من حياة اجلنني (ألننا ال نُعا َقب بالقتل عىل قتله)‪.‬‬
‫وف ًقا هلذا ً‬
‫أيضا سنفرس هذا املربر اإلضايف الذي أوردناه إلمكانية قتل غري اليهودي إلنقاذ‬
‫اليه�ودي‪ .‬فق�د كتبنا أنه يف حالة وج�ود وصية ما واجب عىل اليهودي االلت�زام هبا‪ ،‬ال نحتكم‬
‫حينه�ا لقاعدة «ليس ثمة أمر حمظور عىل األغيار ومباح لليهود»‪ ،‬وعىل هذا فإنه يف حالة وجود‬
‫وصي�ة تُل�زم باحلفاظ عىل حي�اة اليهودي‪ ،‬يبطل حينه�ا احلظر بقتل غري اليه�ودي‪ ،‬وهو احلظر‬
‫الذي ينبع من القاعدة سالفة الذكر‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫أيض�ا يف حالة اجلنني جيب أن تكون الفرضية ذاهت�ا؛ ألنه عندما تكون هناك‬
‫وألول وهل�ة ً‬
‫إمكانية إلنقاذ هيودي بواسطة قتل جنني‪ ،‬يب ُطل حينها احلظر بالقتل‪ ،‬وهو احلظر الذي ينبع من‬
‫نفس القاعدة السابقة‪.‬‬
‫ولك�ي نفرس ملاذا كتب احلكامء األواخر أنه حُيظر العالج بواس�طة اجلنني؟ نقول إنه ال يتم‬
‫االحتكام إىل تلك القاعدة يف حالة وجود وصية واجبة النفاذ !‬
‫وجي�ب أن نوضح هنا‪ :‬أنه بالفعل ال يتم االحت�كام إىل تلك القاعدة يف حالة وجود وصية‬
‫واجب�ة النفاذ ! لكن عندما نواجه ً‬
‫نقاش�ا ح�ول حياة اجلنني‪ ،‬فإننا نجد لدين�ا وصايا متناقضة‪:‬‬
‫أيضا وصية بإنق�اذ اجلنني‪ ،‬بل وتخُ رق‬
‫فم�ن ناحي�ة ثمة وصية بإنقاذ حي�اة اليهودي‪ ،‬لكن هناك ً‬
‫واضح�ا متا ًما‪ ،‬وعىل ه�ذا فإن حظ�ر قتل اجلنني‬
‫ً‬ ‫قدس�ية الس�بت ألجله؛ ل�ذا فاألمر هن�ا ليس‬
‫قائما‪.‬‬
‫يظل ً‬
‫أما فيام خيص غري اليهودي‪ ،‬فإنه ليس ثمة وصية بإنقاذ حياته عىل حساب قدسية السبت‪،‬‬
‫ولذل�ك ف�إن إنقاذ حياة اليهودي أهم من حياة غري اليه�ودي‪ ،‬و ُيبطل احلظر اخلاص بقتله(‪)14‬؛‬
‫ألن هذه احلالة ال حتتوي عىل وصية إلنقاذ حياة اليهودي (‪.)16( )15‬‬
‫‪‬‬

‫‪225‬‬
‫امللحق‬
‫العالقة بني الوصايا السبع ووصايا التوراة الـ ‪613‬‬

‫ُأم�ر اإلنس�ان األول بس�بع وصايا(‪ .)17‬بعد ذلك ُأم�ر بنو إرسائيل بالوصاي�ا الـ‪ 613‬عند‬
‫نزول التوراة يف جبل سيناء (‪.)18‬‬
‫اآلن‪ ،‬بعد نزول التوراة يف جبل سيناء‪ ،‬ما هي عالقتنا بالوصايا السبع؟‬

‫‪ – 1‬اسبتدال الوصايا الـ ‪ 613‬بالوصايا السبع‬


‫تتناول الوصايا الـ‪ 613‬يف الغالب ما قيل يف الوصايا السبع‪ .‬وكام ترى اجلامرا‪ ،‬فإنه ببساطة‬
‫ال توجد وصية ُأمر هبا غري اليهودي‪ ،‬إال وقد ُأمر هبا اليهودي ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫أمورا نجدها يف الوصايا السبع ومل ترد يف الوصايا الـ ‪ ،613‬فتنقسم‬
‫لكن حتى اآلن ثمة ً‬
‫هذه التفاصيل إىل جمموعتني‪:‬‬
‫‪ -1‬أم�ور حمظورة عىل األغيار‪ ،‬لكن الوصايا الـ ‪ 613‬تتطرق إليها بش�كل م ُف َّصل جيعلها‬
‫مسموحة لليهود‪.‬‬
‫عىل س�بيل املثال‪ُ :‬يس�مح لليه�ودي بأن يتزوج أسيرة احلرب‪ ،‬رغ�م أن ذلك حمظور عىل‬
‫قياسا يوضح هذا‪ ،‬وهو أننا ُأمرنا باحتالل أرض إرسائيل من‬
‫األغيار‪ .‬توضح لنا اجلامرا أن ثمة ً‬
‫ِق َبل الرب‪ ،‬أما األغيار فال (‪.)20‬‬
‫وه�ا هو مث�ال آخر‪ :‬حُيظر عىل األغيار (وف ًقا لبعض اآلراء) أن يأكل من اللحم الذي ُقطع‬
‫«عضوا من جس�د حي» بالنس�بة له‪ .‬أما اليهودي‬
‫ً‬ ‫م�ن بق�رة اهتاجت بعد ذبحها‪ ،‬هذا ألنه ُيعد‬
‫ف ُيس�مح ل�ه بذلك؛ ألنه بمج�رد أن يذبحها تكون صاحلة ل�ه رش ًعا أن يأكله�ا‪ ،‬ولذلك ال يعد‬
‫حلمها جز ًءا من جسد حي‪.‬‬
‫أي أن الت�وراة الت�ي ابتدع�ت قيو ًدا جديدة لليه�ود‪ ،‬حررتنا من احلظر ال�ذي خيص أبناء‬
‫نوح‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫مثال آخر‪ :‬ورد يف «التوس�افوت» يف الس�نهدرين‪ ،‬أنه حُيظر عىل غير اليهودي أن يتوقف‬
‫عن العمل يوم الس�بت‪ ،‬أما اليهودي‪ ،‬فألنه قد ُأمر بذلك يوم الس�بت فحس�ب‪ ،‬يمكنه بطبيعة‬
‫احل�ال أن يفعل ذلك طوال أيام األس�بوع‪ .‬لذل�ك‪ ،‬فإن وصية التوقف عن العمل يوم الس�بت‬
‫توضح لنا أننا خرجنا عن قاعدة حظر األمر نفسه عىل األغيار‪.‬‬
‫(‪ )2‬أمور وردت يف الوصايا السبع‪ ،‬ومل ترد يف الوصايا الـ ‪613‬‬
‫مثل‪ :‬حظر قتل اجلنني‪ ،‬وحظر االنتحار‪ ،‬وحظر قتل غري اليهودي‪ .‬وختربنا التوراة بقاعدة‬
‫مهم�ة «مل ي�رد يشء مباح لليهود وحمظ�ور عىل األغيار»‪ ،‬بمعنى أن هذه األم�ور ال بد أن تكون‬
‫حمظورة كذلك عىل اليهود‪.‬‬
‫أي أن�ه‪ :‬ثم�ة نق�اط مل تتطرق إليها الوصايا ال�ـ ‪ 613‬عىل اإلطالق‪ ،‬وتظ�ل عالقتنا هبا كام‬
‫كانت قبل نزول التوراة‪.‬‬
‫وإذا قمنا بتلخيص ما فات سنجد أن‪ :‬الوصايا الـ ‪ 613‬توضح وتكرر عالقة بني إرسائيل‬
‫بالوصايا السبع‪ ،‬وهكذا يف حقيقة األمر‪ ،‬هي تستبدل األحكام الواردة يف الوصايا السبع‪ .‬لكن‬
‫بعض األمور وردت يف الوصايا الس�بع‪ ،‬مل تتطرق إليها الوصايا الـ ‪ .613‬سنظل ملزمني بتلك‬
‫األمور‪ ،‬كام كنا نفعل قبل نزول التوراة‪.‬‬

‫‪ – 2‬االختالف بني االنتحار وقتل اجلنني‪ ،‬وبني قتل غري اليهودي‬


‫ُقسم اآلن املجموعة الثانية‪ ،‬أي النقاط التي مل تتطرق إليها الوصايا الـ ‪ ،613‬إىل نوعني‪:‬‬
‫سن ِّ‬
‫االنتحار وقتل اجلنني مها نوع واحد‪ ،‬بينام حظر قتل غري اليهودي هو النوع اآلخر‪.‬‬
‫غري أننا ال يمكننا االحتكام إىل فرضية «مل يرد يشء مباح لليهود وحمظور عىل غريهم»‪ ،‬يف‬
‫تلك احلاالت‪ :‬فعندما نتحدث عن حظر قتل اجلنني أو عن االنتحار‪ ،‬فنحن بذلك نساوى بني‬
‫سلوك غري هيودي جتاه غري هيودي آخر بسلوك هيودي جتاه هيودي مثله‪.‬‬
‫س�نجد هنا ثمة فرضية أبس�ط‪ :‬إذا كان حُيظر عىل غري اليهودي أن يقتل جنينًا غري هيودي‬
‫أيضا حُيظر عىل اليهودي أن يقتل جنينًا هيود ًّيا أو أن يقتل‬
‫أو أن يقتل نفسه‪ ،‬فبالتبعية‪ ،‬يتضح أنه ً‬
‫نفس�ه‪ .‬تلك الوصايا تعلمنا أن حياة اإلنس�ان ليس�ت ملكه‪ ،‬وأن اجلنني هو بالفعل نفس حية‪،‬‬
‫ويظر قتلها‪.‬‬‫وجيب التعامل معها عىل هذا األساس‪ ،‬حُ‬

‫‪227‬‬
‫بي�د أنه عندما نأيت ملناقش�ة قتل غري اليهودي‪ ،‬يمكننا أن نرف�ض فرضية «مل يرد يشء مباح‬
‫حمظورا عىل غري اليهودي أن يقتل غري هيودي مثله‪،‬‬
‫ً‬ ‫لليه�ود وحمظ�ور عىل غريهم»؛ ألنه إذا كان‬
‫فمحظ�ور كذل�ك عىل اليهودي أن يقتل هيود ًّيا‪ .‬ولكن ال نفهم من ه�ذا إمكانية إيذاء اليهودي‬
‫لغري اليهودي‪ ،‬وهو األمر الذي ربام ُسمح به من باب أن حياهتم ال تساوى شي ًئا‪.‬‬
‫ويتف�ق كل من الرايب نس�يم)*(‪ ،‬واحلاخام ش�موئيل ايدليش)**( يف الس�نهدرين مع نفس‬
‫الفرضية السابقة‪ .‬وتقول اجلامرا‪:‬‬
‫وحمظورا عىل األغيار‪ .‬ما الدليل‬
‫ً‬ ‫مباحا لليهود‬
‫مل يرد يشء حول أن ثمة شيئًا ً‬
‫عىل ذلك؟ إذا كان ُيس�مح لليهودي أن يتزوج أسيرة احل�رب ! وهل الدليل أننا‬
‫ُأمرنا باحتالل أرض إرسائيل من ِق َبل الرب بينام مل يؤمر األغيار بذلك؟‬
‫بل ويتشدد احلاخام نسيم فيام يتعلق بام ورد يف اجلامرا من أن رسقة غري اليهودي جتوز‪:‬‬
‫وألنه ُيس�مح إلرسائي�ل وف ًقا للت�وراة برسق�ة الس�امري‪ ،‬إ ًذا فالرسقة مباحة‬
‫إلرسائيل وحمظورة عىل السامري‪ ،‬أي أنه ُيسمح إلرسائيل برسقة السامري‪ ،‬بينام‬
‫مباحا‬
‫حُيظ�ر عىل الس�امري رسقة صاحبه الس�امري‪ ،‬وإذا كان ورد أن ثمة ش�يئًا ً‬
‫وحمظورا عىل الس�امري‪ ،‬فها قد قيل حول أسيرة احلرب أنه «وها هي‬ ‫ً‬ ‫إلرسائيل‬
‫أسيرة احل�رب مباح�ة إلرسائيل وحمظ�ورة عىل الس�امري»‪ ،‬رغم أن�ه حُيظر عىل‬
‫إرسائيل بكل تأكيد أن يتزوج أسيرة احلرب التي ختص صاحبه‪ .‬أي أن ما خيص‬
‫الس�امري مباح إلرسائيل‪ ،‬كام ورد (ورأى بقية األغيار) وقف وسمح إلرسائيل‬
‫باحلصول عىل نصيبه )***(‪.‬‬
‫أي أن احلاخام نس�يم يدرك أنه وف ًقا للفرضية‪ ،‬يمكن القول إنه ال توجد مش�كلة يف رسقة‬
‫األغيار؛ ألنه حُيظر عىل اليهودي رسقة هيودي‪ ،‬كام حُيظر عىل غري اليهودي أن يرسق غري هيودي‬
‫آخر‪ ،‬وبذلك يتم تطبيق فرضية «مل يرد يشء‪.»...‬‬
‫بي�د أنه‪ ،‬انطال ًقا م�ن املعضلة الواردة يف اجلامرا بخصوص أسيرة احلرب‪ ،‬نرى أنه كذلك‬
‫يف مثل هذه احلالة جيب التش�دد يف تطبيق الفرضية الس�ابقة‪ ،‬ولذلك فهو يوضح لنا أن الس�بب‬
‫يف عدم التش�دد فيام خيص رسقة غري اليهودي‪ ،‬أنه ثمة س�بب حمدد للسماح بذلك‪ ،‬وهو ما ورد‬
‫«رأى بقية األغيار» (كام هو مفرس يف اجلامرا يف بابا قاما‪ ،‬وهو ما سريد الح ًقا)‪.‬‬
‫)*(  الرايب نسيم بن رايب رأوبني‪ :‬من كبار احلكامء األوائل ومفرسي العهد القديم‬
‫)**(  احلاخام شموئيل ايدليش‪ :‬قام بتأليف بعض التحديثات واألساطري للتلمود‪.‬‬
‫)***(  أي األرض التي وعدته هبا‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫ويقول احلاخام شموئيل ايدليش عن اجلزئية السابقة‪:‬‬
‫جي�ب التدقي�ق حول أنه كذلك أسيرة احل�رب خاصة اليهودي�ة حمظورة عىل‬
‫اليهودي كام أوردنا سل ًفا‪.‬‬
‫فقد أدرك أنه ال داعي للتش�دد فيام خيص أسيرة احلرب؛ ألن األمر حمظور بني اليهود؛ لذا‬
‫فال داعي لالحتكام إىل الفرضية السابقة فحسب؛ ألنه ُيسمح لغري اليهودي بالزواج من أسرية‬
‫احلرب التي يمتلكها هيودي‪.‬‬
‫أيضا هذه‬
‫ويف حقيق�ة األمر‪ ،‬إن احلاخام ش�موئيل ايدليش يرى أنه قد ثب�ت يف اجلامرا أن ً‬
‫احلالة تنتمي لنفس الفرضية س�الفة الذكر‪ ،‬غري أن ثمة تدقي ًقا مطلو ًبا لفهم س�بب عدم التش�دد‬
‫مسموحا به‪:‬‬
‫ً‬ ‫أمرا‬
‫يف رسقة غري اليهودي‪ ،‬والتي تعد ً‬
‫أيضا‪ ،‬واألجنبي حمظور عىل األجنبي‪ ،‬فال ينبغي التشدد إذن‬
‫وألن األجنبي مباح إلرسائيل ً‬
‫يف رسقة جس�ده؛ ألنه ورد س�ل ًفا أن األجنبي مباح إلرسائيل‪ ،‬واألجنبي حمظور عىل األجنبي‪،‬‬
‫وجيب أن نقول إن ثمة معضلة يف األمر حتى يرد أن رسقة األجنبي أمر حمظور‪ ،‬واألمر يف حاجة‬
‫لتدقيق (‪.)22( )21‬‬
‫ويتضح من هذا أنه عندما نتحدث عن الفرضية السابقة يف حالة االنتحار‪ ،‬وقتل اجلنني‪،‬‬
‫تكون أقوى بكثري عنها يف حالة قتل غري اليهودي؛ ألنه حينئذ كانت الفرضية تقول إن األمر ال‬
‫عالقة له بقاعدة «مل يرد يشء‪ ،»..‬لوال ما قالته اجلامرا عن أسرية احلرب (‪.)23‬‬
‫ونس�تحدث من ه�ذا االختالف ترشي ًعا‪ ،‬نرى م�ن خالله أن حظر قت�ل اجلنني أخطر من‬
‫حظر قتل غري اليهودي (رغم أن كالمها نبعا من فرضية «مل يرد يشء‪)»..‬؛ حيث إنه ثمة خالف‪،‬‬
‫إذا كان ُيس�مح بالعالج بواس�طة اجلنني (بمعنى‪ :‬قتله إلنقاذ النفس‪ ،‬يف احلالة التي يتسبب فيها‬
‫وجوده يف وقوع خطر ما)‪ ،‬بيد أنه ليس ثمة حظر للعالج بواس�طة حياة غري اليهودي (كام ورد‬
‫يف متن الفصل الرابع)‪.‬‬

‫‪« – 3‬نظر فرجفت األمم!»‬


‫سنس�هب أكثر يف تفسري االختالف يف فرضية «مل يرد يشء‪ »..‬بني حالة قتل غري اليهودي‪،‬‬
‫وبني االنتحار وقتل اجلنني‪.‬‬
‫تقول اجلامرا يف بابا قاما‪:‬‬

‫‪229‬‬
‫قال احلاخام يوس�ف‪« :‬إن الرب وقف وقاس األرض‪ ،‬نظر فرجفت األمم»‪،‬‬
‫م�اذا رأى حتديدً ا؟ س�بع وصايا تلقاها بن�و نوح ومل يلتزموا هب�ا‪ ،‬فوقف وأباحها‬
‫هلم‪.‬‬
‫األمر يبدو وكأن الرب كافأهم عىل ذنبهم ! ويقول حكامؤنا‪ :‬إهنم حتى إذا طبقوا الوصايا‪،‬‬
‫أجرا عن ذل�ك‪ .‬ومل ال؟‪ ،‬يقول التنائي احلاخام مئري‪ :‬م�ن قال إن األجنبي‬
‫فإهن�م ال يس�تحقون ً‬
‫)*(‬
‫واملتعمق يف التوراة مثلهام مثل الكاهن األكرب؟‬
‫وكام يقول النص «التي إذا فعلها اإلنسان حييا هبا»‪ ،‬مل يقل‪ :‬الكهنة والالويون واإلرسائيليون‬
‫فحس�ب‪ ،‬بل قال‪ :‬اإلنسان‪ .‬ونحن نتعلم من هذا عكس ما وصل إليه احلاخام مئري‪ ،‬وأنه حتى‬
‫األجنبي واملتعمق يف التوراة‪ ،‬مثلهام مثل الكاهن األكرب !‬
‫وهك�ذا قي�ل‪ :‬ال يؤج�رون عليها كوصية التزموا هب�ا ونفذوها‪ ،‬بل كأهن�م غري ملزمني هبا‬
‫ونفذوه�ا‪ ،‬ويقول احلاخام حنين�ا يف فصل «اخلصال احلميدة»‪« :‬أعظم ش�أنًا هو من يتم إلزامه‬
‫بوصية ما وينفذها‪ ،‬من ذلك الذي ال يكون ملتز ًما هبا وينفذها رغم ذلك»‪.‬‬
‫بمعن�ى أن�ه يف حلظة نزول الت�وراة‪ ،‬عندما مر الرب عىل الش�عوب‪ ،‬و ُأحبط من أهنم مجي ًعا‬
‫رفضوا حفظ التوراة (وكذلك الوصايا الس�بع‪ ،‬فقد اقرتح عليهم فحسب الوصايا املتضمنة يف‬
‫الوصاي�ا الس�بع !)‪ ،‬أباح هلم املحظ�ورات وأعفاهم من التزامهم بالوصايا الس�بع؛ ألنه حينئذ‬
‫س�يعدون كم�ن حصل عىل ثواب‪ ،‬بينام ه�و مل يلتزم بالوصايا‪ .‬أال أهن�م ال يؤجرون عىل تطبيق‬
‫الوصايا الس�بع‪ ،‬بصفتهم مأمورين هبا فنفذوها بطبيعة احلال‪ ،‬هم فحسب يؤجرون مثلهم مثل‬
‫من مل يؤمر هبا ونفذها‪.‬‬
‫أي أنه‪ ،‬بعد نزول التوراة «يأس» الرب‪ ،‬إذا جاز التعبري‪ ،‬من التعامل مع األغيار باعتبارهم‬
‫مأموري�ن بالوصايا‪ ،‬وكأن حياهتم ذات معنى‪ .‬فف�ي حقيقة األمر‪ ،‬إهنم قد صاروا كمن مل يؤمر‬
‫بوصية لكنه ينفذها‪ ،‬مثلهم مثل احليوان‪ ،‬الذي يعيش حياته دون وعي ومغزى يف احلياة(‪.)24‬‬
‫وه�ا ه�و مصدر حظر قت�ل غري اليهودي نجده يف الوصايا الس�بع قبل أن يؤمر اإلنس�ان‬
‫حمظورا عليه قتل غريه‪ .‬االلتزام بالوصايا السبع‪ ،‬هو الذي جعل‬
‫ً‬ ‫األول بالوصايا السبع‪ ،‬مل يكن‬
‫حياة اإلنس�ان أغىل من احليوان‪ ،‬بينام حتول األغيار إىل غري مأمورين بالوصايا وينفذوهنا‪ ،‬وهبذا‬
‫فإنه ليس�ت هلم عالقة هبؤالء امللزمني بتطبيق الوصايا السبع‪ ،‬ويف هذه احلالة تصري حياهتم أقل‬
‫قيمة من سابقيهم(‪.)25‬‬
‫)*(  أي من حيث املكانة‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫وختربنا املخيلتا يف تفسيرها لآليات (‪ )14 - 21‬يف س�فر اخلروج‪ ،‬أنه ببس�اطة حُيظر قتل‬
‫غري اليهودي حتى بعد نزول التوراة‪:‬‬
‫ومن يتعمد قتل صاحبه يس�تحق القتل «صاحبه‪ ،‬أي أن اآلخرين معفون من‬
‫التزامهم»‪ .‬يقول ايسى بن عقيفا‪ :‬قبل نزول التوراة تم حتذيرنا من سفك الدماء‪،‬‬
‫وبع�د نزول الت�وراة تم ختفيف املحظورات‪ .‬فقد ورد أن�ه ليس ثمة عقوبة دنيوية‬
‫عن هذا فحسب‪ ،‬بل عقوبة أخروية‪.‬‬
‫يقول ايسى هنا‪ :‬إنه ليس من املحتمل أن ُيسمح لليهودي بقتل غري اليهودي‪ ،‬عندما يكون‬
‫حمظورا لدى األغيار‪.‬‬
‫ً‬ ‫األمر نفسه‬
‫لكنن�ا حت�ى اآلن‪ ،‬ال يمكنن�ا مقارنة ه�ذا بأي حال م�ن األحوال مع حظر قت�ل اجلنني أو‬
‫االنتح�ار‪ .‬فف�ي قتل اجلنني واالنتحار‪ ،‬نح�ن نتعلم التعامل مع قيمة حي�اة اليهودي من خالل‬
‫اإلل�زام الواقع عىل غري اليهودي باحرتام حياة غري اليهودي‪ .‬لكن مع قتل غري اليهودي‪ ،‬نتعلم‬
‫أن األمر حمظور بسبب أننا ال نرغب يف خلق وضع يسمح لليهود بذلك‪ ،‬بينام األمر حمظور لدى‬
‫األغيار‪ ،‬رغم أنه‪ ،‬وبدون شك‪ ،‬ثمة فرضية للتفرقة بني األمرين‪ ،‬والقول بعدم املساواة يف ذلك‬
‫بني اليهودي وغري اليهودي‪.‬‬
‫يكتسب األمر قوة أكثر‪ ،‬من منطلق أن الوصايا الـ ‪ ،613‬مل تتطرق مطل ًقا إىل غري اليهودي‬
‫بالش�كل املتع�ارف عليه‪ .‬فغري اليه�ودي من املمكن أن يصري جار توش�اف‪ ،‬وما دام أنه مل يرص‬
‫هكذا‪ ،‬فإنه يعترب يف وضع من «مل يؤمر بالوصية لكنه ينفذها»‪ ،‬ووف ًقا للحاخام موسى بن ميمون‪،‬‬
‫فإن هذا الشخص ال قيمة حلياته (كام ورد يف هناية الفصل الثامن من رشائع امللوك)(‪.)26‬‬
‫ببساطة‪ ،‬ووف ًقا ملا قاله احلاخام ايسى‪ ،‬وما ورد يف اجلامرا(‪ ،)27‬وكتب الفتاوى الدينية‪ ،‬فإن‬
‫حظ�ر قت�ل غري اليهودي ال ينبع من كون حيات�ه ذات قيمة‪ ،‬وإنام ألن وضعه غري حمدد‪ ،‬وبالتايل‬
‫فال قيمة حلياته‪.‬‬
‫وتلخيصا ملا تقدم نقول‪ :‬الفرضية التي تلزم اليهودي بحظر قتل اجلنني‪ ،‬أو حظر االنتحار‬
‫ً‬
‫أقوى بكثري من الفرضية امللزمة بحظر قتل غري اليهودي‪ .‬وهلذا السبب‪ ،‬فإن الرشيعة تفرق بني‬
‫اجلنني وغري اليهودي يف حالة استخدام روحه إلنقاذ هيودي‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫‪ – 4‬الفرضية اليت تقول إن قتل اجلنني واالنتحار مل يردا يف الوصايا الـ‪613‬‬
‫يف حقيقة األمر‪ ،‬رغم الفرضية التي حتظر قتل اجلنني واالنتحار‪ ،‬ال يوجد حتى اآلن سوى‬
‫حمظ�ورات متش�اهبة‪ ،‬متا ًم�ا‪ ،‬مع القتل املؤك�د‪ .‬فاليهودي ال�ذي يقتل جنينً�ا‪ ،‬ال ُيعاقب بالقتل‪،‬‬
‫خطرا عىل أمه وعىل اآلخرين‪.‬‬
‫و ُيسمح كذلك بقتل اجلنني عندما يشكل ً‬
‫وجيب توضيح هذا أكثر‪:‬‬
‫وف ًقا حلكامئنا‪ ،‬طيب اهلل ثراهم‪ ،‬فإنه قد ورد يف تفسري اآليات (‪ )9 - 30‬من سفر اخلروج‪،‬‬
‫أن الوصايا السبع هي وصايا «أولية» يف مقابل الوصايا الـ ‪:613‬‬
‫من�ح الرب أم�م العامل وصايا أولي�ة تتعلق هبم‪ ،‬ومل يوضح فيها النجاس�ة من‬
‫الطه�ارة‪ .‬وعندما ظهر بن�و إرسائيل فرس هلم كل وصية وثواهبا وعقاهبا؛ لذا ورد‬
‫«وإرسائيل بفرائضه وأحكامه»‪.‬‬
‫أيضا بواسطة الرايب هيودا ليفا بن بتسلئيل يف كتاب «تيفئرييت» الفصل‬
‫وتم توضيح هذا ً‬
‫السابع عرش)‪:‬‬
‫لي�س من املناس�ب أن نق�ول إن التفرق�ة التي بين إرسائيل وبقية أم�م العامل‪،‬‬
‫تعن�ي أن بع�ض الوصايا ُمنح�ت هلم‪ ،‬بينام حص�ل إرسائيل على الوصايا كلها‪،‬‬
‫فوف ًق�ا لذلك س�يكون االختالف فحس�ب يف الك�م وليس الكي�ف‪ ،‬وكذلك يف‬
‫كيفي�ة الوصايا نجد تفرقة؛ ألن الرب منح أمم العامل وصايا أولية‪ ،‬مل يوضح فيها‬
‫النجاس�ة والطه�ارة‪ ،‬لذلك فإهنم ال يس�تحقون التوراة الت�ي توضح وتفرس كل‬
‫يشء عىل أساس منطقي‪ ،‬وهو ما مل يتوفر يف تلك الوصايا (‪.)28‬‬
‫ويتف�ق األم�ر مع كلامت املفرسين م�ن أن الغرض من منح الوصايا الس�بع لبني نوح‪ ،‬هو‬
‫احلف�اظ عىل اس�تقرار العامل‪ ،‬حتى ال يفن�ى (‪ .)29‬هكذا وجدنا أهنم قالوا إن وصايا نوح الس�بع‬
‫هي بمثابة «احلفاظ عىل وجود العامل» (‪ ،)30‬و«كل إنس�ان يدرك أن مجيع هذه الوصايا رضورية‬
‫إلقام�ة أي دول�ة‪ ،‬وتتبعه�ا أي مملكة لتق�وم بعقاب املجرمين»(‪« ،)31‬مجيع وصايا نوح الس�بع‬
‫وكذل�ك إقامة فرائض الس�بت وإجالل الوالدي�ن‪ ،‬هي وصايا أخالقي�ة يفرضها العقل‪ ،‬وهي‬
‫كذلك قوانني الدولة التي ال يمكن للعامل أن يستقيم من دوهنا»(‪.)32‬‬
‫وحسب احلاخام مليوفافيتش(‪« :)33‬إن الوصايا السبع ألبناء نوح‪ ،‬هي أوامر الرب لعبيده‪،‬‬
‫صورها»)*(»‪.‬‬
‫وجوهرها هو جوهر وجود العامل؛ حيث ورد أن «للسكن َّ‬
‫)*( أي جعل األرض صاحلة لسكنى البرش‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫بمعنى أن‪ :‬الوصايا الس�بع هي التي متهد لوج�ود العامل األوىل‪« ،‬املادة اخلام»‪ .‬وجود املادة‬
‫يسبق الصورة‪ ،‬أي الوصايا الـ ‪.613‬‬
‫يع�د قت�ل اجلنني تعاملاً مع صورة أولي�ة للحياة‪ ،‬مل خترج إىل الواقع بع�د‪ .‬فاجلنني يف واقع‬
‫األم�ر ه�و احتاملي�ة للحياة(‪ .)34‬مل تتح�دث الوصايا ال�ـ ‪ 613‬عن هذه اجلزئي�ة‪ ،‬بينام وردت يف‬
‫الوصايا السبع األولية !‬
‫أيضا‪ ،‬حظر االنتحار هو تعامل مع أساس الوجود‪ :‬إرادة احلياة مل تتطرق الوصايا الـ‪613‬‬
‫ً‬
‫هل�ذه املس�ألة؛ ألن جوهر الوجود هو بمثابة مادة أولية دون ص�ورة‪ ،‬والوصايا الـ‪ 613‬تتعامل‬
‫فحسب مع الصورة‪.‬‬
‫ينطوي التعامل مع أساس الوجود عىل جانبني‪ ،‬أحدمها خطري‪ ،‬واآلخر بسيط‪ .‬فمن ناحية‬
‫هذا األمر‪ ،‬هو األساس الذي يعتمد عليه كل يشء(‪ ،)35‬لكن من ناحية أخرى األساس ليس يف‬
‫تناول املادة اخلام‪ ،‬بل الصورة‪.‬‬
‫نجد مثالاً مش�ا ًهبا لذلك يف الوصايا‪« :‬مل خيلقها باطلاً بل للس�كن صورها» (أشعياء ‪45‬‬
‫– ‪ .)18‬أي أننا نتحدث هنا عن وصية اخلالق بالزواج وإنجاب األطفال‪ .‬ورد عن هذه الوصية‬
‫م�ن ناحي�ة أهنا وصية مهمة للغاية‪ ،‬ولذلك فإهنا تلغي وصاي�ا أخرى‪ ،‬مثل ذلك احلاخام الذي‬
‫يجُبر عىل عت�ق عبده ليقيم فريض�ة «اجللوس» رغم أنه بعتق�ه للعبد لن يك�ون ملتز ًما بفريضة‬
‫«تستعبدوهنم إىل الدهر» «الويني ‪.»46 - 25‬‬
‫لك�ن م�ن ناحية أخرى‪ ،‬يتضح يف «هحاتام س�وفري» أنه رغم وج�وب توقيع عقوبة القتل‬
‫على م�ن ال يلتزم بإحدى الفرائض‪ ،‬إال أنه يف فريضة «اجللوس» ليس ثمة إجبار يف ذلك؛ ألهنا‬
‫وردت يف أسفار األنبياء‪.‬‬
‫لدين�ا مثال لوصية هتتم بجوهر الوجود اإلنس�انى يف العامل (‪ ،)36‬ولذلك فهي وصية مهمة‬
‫للغاية تلغي غريها من الوصايا‪ ،‬لكنها مل ترد يف التوراة‪ ،‬لذلك فهي ضعيفة قليلاً ‪.‬‬
‫ويتش�ابه ه�ذا كذل�ك مع قتل اجلنني‪ :‬فمن ناحي�ة يعد ذلك إحل�اق أذى للحياة اآلخذة يف‬
‫التك�ون‪ ،‬وت�م حتريم هذا بش�دة‪ .‬لكن م�ن ناحية أخرى‪ ،‬هي جم�رد إحلاق أذى بحي�اة أولية‪ ،‬مل‬
‫تتش�كل صورهت�ا بعد (‪ ،)37‬بيد أن�ه مل يرد يشء حول هذا يف الوصايا ال�ـ‪ ،613‬فبالتايل من يقتل‬
‫اجلنني ال ُيعاقب بالقتل‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫عندم�ا يك�ون ثم�ة تعارض بين الوصايا ال�ـ ‪ 613‬والوصايا الس�بع‪ ،‬فالي�د العليا تكون‬
‫للوصاي�ا ال�ـ ‪613‬؛ ألن األس�اس هو التعامل مع الص�ورة القائمة‪ ،‬ال مع امل�ادة األولية‪ .‬لذا‪،‬‬
‫فإنه ُيسمح بقتل اجلنني‪ ،‬إذا كان وجوده يعيق إنقاذ نفس هيودية‪ ،‬ففي هذه احلالة تلزمنا إحدى‬
‫الوصاي�ا ال�ـ ‪ 613‬بإنقاذ احلياة (الذي ه�و إنقاذ للصورة ال للامدة األولي�ة)‪ ،‬وهي وصية تُبطل‬
‫عمل حظر قتل اجلنني الذي توصلنا إليه فحسب‪ ،‬من خالل فرضية وهي «مل يرد يشء‪ »..‬والتي‬
‫تتناول (املادة األولية ال الصورة)‪.‬‬
‫ويتشابه هذا األمر مع ما أوضحته املشناه من أن احرتام احلاخام أهم من احرتام األب‪« :‬إذا‬
‫فقد معلمه وأبوه شي ًئا ما‪ ،‬األفضلية هنا ملعلمه‪ ،‬فأبوه هو الذي أتى به إىل هذا العامل‪ ،‬ومعلمه هو‬
‫الذي علمه احلكمة التي ستذهب به إىل اآلخرة»(‪.)38‬‬
‫فأب�وه ق�د منحه امل�ادة األولية‪ ،‬أي الكيان املادي‪ ،‬أي هذا الع�امل (‪ .)39‬وأضاف له معلمه‬
‫الصورة‪ ،‬أي التوراة ومن ثم اآلخرة‪ .‬األفضلية ملعلمه؛ ألن األس�اس هو الصورة‪ ،‬وليس املادة‬
‫األولية (هذا رغم أنه لوال هذه املادة ملا كانت هناك صورة) (‪.)40‬‬

‫‪ – 5‬اإلخضاع‪ ،‬التفرقة‪ ،‬التلطيف‬


‫بع�د أن أوضحن�ا الفارق بني حظ�ر قتل اجلنني واالنتحار‪ ،‬وبني حظ�ر قتل غري اليهودي‪،‬‬
‫سنصنع ما يشبه البناء‪ ،‬الذي سيضم البنود املختلفة إللزام اليهود بالوصايا السبع‪ ،‬كام أوضحنا‬
‫حتى اآلن‪.‬‬
‫يف واق�ع األم�ر‪ ،‬لدين�ا ثالثة أن�واع من التطرق‪ :‬فيام خي�ص قتل غري اليه�ودي‪ ،‬وجدنا أننا‬
‫نتبن�ى احلظ�ر املوج�ود لدى األغي�ار يف نقطة س�فك الدماء‪ ،‬غير أن هذه الفرضية ليس�ت من‬
‫أص�ل الدي�ن‪ ،‬وبالتايل فإن ه�ذا احلظر يخُ رق ما دامت كانت حياة اليه�ودي يف خطر ؛ يف غالبية‬
‫األمور التي حتظرها الوصايا السبع‪ ،‬وجدنا أن الوصايا الـ ‪ 613‬توضح وتنظم ما قد تم حظره‬
‫على اليه�ودي‪ ،‬وما ق�د ُأبيح له‪ ،‬وه�ي بذلك تفرق بني اليه�ودي وبقية األغي�ار‪ ،‬وتضعهم يف‬
‫مرتبة مس�تقلة وخمتلفة‪ .‬أما يف قتل اجلنني واالنتحار فقد وجدنا أنه ثمة حمظورات تناقش بداية‬
‫الوجود‪ ،‬وحول هذا حتديدً ا تطرقت الوصايا الس�بع؛ ألن الوصايا السبع تناقش احلياة األولية‪،‬‬
‫جوهر الوجود‪.‬‬
‫سنقوم اآلن برتتيب ما تقدم يف صورة البناء ذي الدرجات الثالث‪ ،‬الوارد يف احلسيدية‪:‬‬

‫‪234‬‬
‫* اإلخض�اع‪ :‬قتل غري اليهودي‪ :‬األصل أنه ال يوجد حظر لقتل غري اليهودي؛ ألن كونه‬
‫ليس جار توشاف جيعل وجوده غري رشعي‪ ،‬أي ال قيمة له‪ ،‬وكام قال الرايب موسى بن ميمون‪:‬‬
‫«وأمر الرب موسى بإخضاع مجيع املخلوقات لقبول وصايا نوح السبع‪ ،‬ومن ال يقبلها فل ُيقتل‪،‬‬
‫ومن يقبلها هو املدعو جار توشاف يف مجيع املواضع»(‪.)41‬‬
‫ه�ذا‪ ،‬ألن جوهر تناول حظر قتل غري اليهودي ينطوي عىل اخلضوع التام الذي خيربنا بأن‬
‫العامل يف حاجة لتعديل‪ ،‬وأننا مل نس�تطع توضيح الواقع لألغيار بواس�طة الوصايا الـ ‪ ،613‬أي‬
‫أنن�ا مضط�رون للخضوع هلذا الواق�ع‪ ،‬وإدراك أنه ما دام مل ننجح – فنح�ن مضطرون لاللتزام‬
‫بتقالي�د ه�ذا الواقع‪ ،‬ويف نفس الوقت‪ ،‬ثمة حدود حلظر قتل غري اليهودي‪ ،‬فاألمر ليس مطل ًقا‪،‬‬
‫رغم أنه مل يقبل أن يكون جار توشاف‪.‬‬
‫* التفرقة‪ :‬الوصايا الـ ‪ :613‬يف املسائل التي وردت يف الوصايا الـ ‪ ،613‬وبالتايل ال عالقة‬
‫لنا بام ورد بشأهنا يف الوصايا السبع‪ ،‬نتعلم التفريق بني اليهود واألغيار‪ .‬يف حني أن التوراة حتدد‬
‫قواعد خمتلفة لتكون هيود ًّيا‪ ،‬فتخرجنا بذلك من حس�اب األغيار‪ ،‬ونحن نشعر أنه ال عالقة لنا‬
‫هبم‪ ،‬فام ُأمر به األغيار ال عالقة لنا به‪ ،‬نحن أبناء الرب الذين قبلوا ما منحهم إياه‪.‬‬
‫* ختفي�ف العقوبة (التلطي�ف)‪ :‬أي قتل اجلنني واالنتحار‪ .‬يف قت�ل اجلنني واالنتحار يتجىل‬
‫تطرقنا ملس�ألة ختفيف العقوبة بالنسبة للوصايا السبع‪ .‬فنحن اآلن ملزمون هبا‪ ،‬ال ألنه «ليس ثمة‬
‫خيار آخر وأن ثمة واق ًعا سي ًئا سيطر علينا»‪ ،‬لكن ألن الوصايا السبع تعلمنا تفاصيل أولية وقديمة‪،‬‬
‫ولذل�ك فهي تتجلى يف الوصايا الـ ‪ .613‬بمعنى أن تلك التفاصيل هلا عالقة قديمة بالوصايا الـ‬
‫‪( 613‬ويتفق هذا مع ما ورد من أن اإلنسان األول قد ازدهر هبا قبل ارتكابه اخلطأ )(‪.)42‬‬
‫‪‬‬

‫‪235‬‬
‫هوامش الفصل الرابع‬

‫‪ - 1‬ورد يف السنهدرين ويوما وبساحيم‪.‬‬


‫‪ -2‬ببس�اطة‪ ،‬وف ًقا للرايب شموئيل شنيئورسون‪ ،‬نجد أنه ال داعي هلذا السؤال؛ ألن حظر‬
‫قت�ل اليه�ودي لغري اليهودي ينبع من حظ�ر قتل غري اليهودي لغري اليهودي‪ ،‬وإذا كان ُيس�مح‬
‫لغري اليهودي بقتل غري اليهودي يف مثل هذه احلالة‪ ،‬فال داعي حلظر ذلك عىل اليهودي‪.‬‬
‫‪ – 3‬أوردنا يف الفصل الثالث الصيغة الواردة يف التلمود األورشليمي‪ ،‬والتي تتشابه للغاية‬
‫م�ع ه�ذه الصيغة مع اختالف طفي�ف‪ .‬وراجع كذلك ما ورد يف بنيه موش�يه الذي أكد أن هذه‬
‫الصيغة مل تتناقض مع الصيغة األوىل‪ ،‬بل تضيف إليها‪.‬‬
‫‪ – 4‬علينا أن نوضح هنا أنه ال يوجد دليل عىل السامح بقتل جنني املرأة املتعرسة يف والدهتا‬
‫وف ًق�ا لرأي ال�رايب أونرتمان‪ ،‬الذي ذكرن�اه يف امللحوظة الثامنة واألربعني من الفصل الس�ابق‪،‬‬
‫وال�ذي مفاده أن اجلنني ُيقتل إذا ش�كَّل أذى لألم‪ .‬لكن عىل كل ح�ال‪ ،‬وف ًقا هلذه الطريقة‪ ،‬فإنه‬
‫يف حالة «اقتل جار توشاف أو نقتلك» ليس ثمة إلزام ببذل النفس‪ ،‬كام هو مثبت يف رأي الرايب‬
‫ش�لومو بن يتسحاق والرايب موس�ى بن ميمون‪ ،‬اللذين سنوردمها فيام بعد‪ .‬وقتل اجلنني أخطر‬
‫من قتل غري اليهودي‪ ،‬كام سنسهب يف هناية الفصل‪.‬‬
‫‪ – 5‬ناقشنا رأى احلاخام يرسائيىل أكثر يف امللحوظة رقم ‪.12‬‬
‫‪ – 6‬ونلفت االنتباه إىل أنه وف ًقا للرايب ش�موئيل شنيئورس�ون‪ ،‬فإنه ألول وهلة‪ ،‬ليس ثمة‬
‫إل�زام بب�ذل النفس عن قتل غري اليهودي‪ ،‬ووف ًقا لنظريته‪ ،‬ليس ل�دى األغيار أصلاً إلزام ببذل‬
‫النفس‪ ،‬وإذا كان ُيس�مح لغري اليهودي بقتل غري اليهودي لينقذ نفس�ه‪ ،‬ويسمح لليهودي بقتل‬
‫مس�موحا هلم‪ ،‬فإنه‬
‫ً‬ ‫غري اليهودي؛ ألن احلظر ينبع من وجود حظر لدى األغيار‪ ،‬فإذا صار هذا‬
‫مس�موح لنا بطبيعة احلال‪ .‬ويف رأي الرايب ش�لومو بن يتسحاق والرايب موسى بن ميمون‪ ،‬فإنه‬
‫من اخلطأ أن نقول إنه بعد التزامنا ببذل النفس عن القتل فإن قتل غري اليهودي متضمن يف هذا‬
‫احلظر؛ ألنه نوع من س�فك الدماء‪ ،‬ولذلك فإن قت�ل غري اليهودي أخطر لدى اليهود عنه لدى‬
‫غري األغيار‪.‬‬
‫‪ – 7‬وهو نفس رأي «أور حاييم»‪« :‬لقد أمرنا الرب بخرق قدس�ية الس�بت يف حالة وجود‬

‫‪236‬‬
‫خطر عىل احلياة‪ ،‬والنص هنا يؤكد أن هذا يتعلق فحسب بحياة اليهود‪ ،‬لكن بالنسبة لغري اليهود‬
‫من عبدة األوثان‪ ،‬هل اجلار توشاف الذي حيافظ عىل وصايا نوح السبع‪ ،‬والذي تتعرض حياته‬
‫للخطر‪ ،‬ال يمكن لليهودي إنقاذه عىل حساب قدسية السبت؟»‪.‬‬
‫‪ –8‬جيب أن نؤكد أن كل هذا يتعلق بجوهر حكم إلغاء احلظر من أجل عالج غري اليهودي‪،‬‬
‫لك�ن بخلاف هذا يوجد يف الترشيع اعتبارات تتعلق باخل�وف من وجود نوع من العداوة التي‬
‫س�تؤدى بطبيعة احلال إىل وجود خطر عىل احلياة‪ ،‬ويويل الترشيع أمهية كربى هلذه االعتبارات؛‬
‫ألنه أمر اليزال قائماً يف أجيالنا بذنوبنا الكثرية (لكن هذا األمر بالطبع غري متاح بنفس الش�كل‬
‫لدى اجلار توشاف)‪.‬‬
‫‪ –9‬وإذا قلن�ا ألول وهل�ة‪ :‬إن حي�اة اليهودي أقل قيمة؛ ألن اليه�ودي ُيعاقب بالقتل عىل‬
‫ذن�وب ال يتلق�ى غير اليهودي نف�س العقوبة عنها‪ .‬واليه�ودي ملزم بب�ذل النفس عىل إحدى‬
‫الكبائر الثالث‪ ،‬بينام غري اليهودي غري ملزم بذلك‪.‬‬
‫سيكون الرد عىل ذلك هو أن هذا ال يعني أن حياة اليهودي أقل قيمة‪ ،‬إال أنه عندما يرتكب‬
‫اليه�ودي ذن ًبا‪ ،‬فإن األذى ال�ذي حُيدثه يكون أكرب مما يرتتب عىل ارت�كاب غري اليهودي لنفس‬
‫الذنب‪ ،‬ولذلك فإن الذنوب التي يقرتفها اليهود تستلزم عقا ًبا أشد‪ ،‬وإلزا ًما ببذل النفس‪.‬‬
‫‪ –10‬واس�تنا ًدا هل�ذه الفرضي�ة‪ ،‬يتضح لنا أن حظر قت�ل غري اليهودي حت�ول إىل أمر مباح‬
‫متا ًما‪ ،‬وليس فحسب أنه يسقط لوجود حياة اليهودي يف خطر‪.‬‬
‫‪ –11‬ببس�اطة‪ ،‬ليس هناك فرق بني اجلنني الذي ُيلحق أذى باألم‪ ،‬وبني احلالة التي يكون‬
‫خطرا‪ ،‬رغم أنه ال يتسبب هنا يف أذى حقيقي «اقتل اجلنني أو نقتلك»؛ ألن‬ ‫وجوده فيها يشكل ً‬
‫ال�ذي يتس�بب يف أذى رغماً عنه ال ُيعاقب بالقتل‪ ،‬وإذا ُقت�ل اجلنني‪ ،‬ال جيب إرجاع ذلك لكونه‬
‫خطرا عىل اآلخرين الذين حياهتم أهم‬
‫متس�ب ًبا يف أذى ما‪ ،‬بل يرجع ذلك لكون وجوده ش�كَّل ً‬
‫منه (وكام تقول املشنا‪« :‬ألن حياهتا أهم من حياته»‪ ،‬أي حياة األم أهم من حياة جنينها)‪ .‬ويرى‬
‫كذلك «باراشات دراخيم» أنه يف حالة «اقتل جنينًا أو نقتلك» ُيسمح بقتل اجلنني‪.‬‬
‫‪ –12‬وه�و نف�س رأي «حومخات ش�لومو»)*( يف تفسيره لـ «ش�وحلان ع�اروخ»؛ حيث‬

‫)*(  «حومخات شلومو»‪ :‬أحد الكتب اخلارجية للعهد القديم‪ ،‬وتم تأليفه يف مرص باإلسكندرية يف منتصف القرن األول‬
‫قبل امليالد ويضم ‪ 19‬فصلاً ‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫يساوي السامح بقتل غري اليهودي إلنقاذ احلياة بالسامح بالرسقة إلنقاذ احلياة‪ ،‬ويبدو من كلامته‬
‫أيضا أن السامح بذلك ينسحب عىل العالج‪ ،‬أ ًّيا كان كنه ذلك الشخص غري اليهودي‪.‬‬ ‫ً‬
‫لكن رأيه أعقد من رأي الرايب موسى بن ميمون ورأي حومخات شلومو‪.‬‬
‫‪ – 13‬ذكرنا أنه ُيس�مح ببس�اطة بتدنيس قدسية السبت من أجل إنقاذ اجلنني‪ .‬وقد وجدنا‬
‫بالفعل حول هذا رأيني لدى احلكامء األوائل يسمحان بذلك من الناحية النظرية‪ ،‬وبالتايل يصري‬
‫لزمة‪ ،‬ويتفق معها يف ذلك بعض احلكامء مثل الرايب شلومو كلوجر)*(‪.‬‬‫األمر بمثابة وصية م ِ‬
‫ُ‬
‫‪ – 14‬جيب اإلش�ارة إىل أنه ألول وهلة كان يمكن القول بأن ثمة فار ًقا بني اجلار توش�اف‬
‫وغري اليهودي‪ ،‬ففي حالة اجلار توش�اف – الذي ُأمر اليهودي باحلفاظ عىل حياته – يس�تحيل‬
‫الق�ول ب�أن حظر قتله َيب ُطل يف حالة وج�ود وصية إلزامية لليهودي؛ ألن�ه هو اآلخر توجد من‬
‫أجل�ه وصية ملزم�ة لليهودي باإلبقاء عىل حيات�ه‪ ،‬فإذا كان األمر كذل�ك‪ ،‬أي الوصيتني أهم؟‬
‫لكن فيام يتعلق بغري اليهودي –فإنه ليس ثمة وصية ملزمة بإنقاذه‪ ،‬وبالفعل يف حالة إنقاذ حياة‬
‫هيودي‪ ،‬فإن حظر قتله يبطل عىل الفور‪ ،‬ولذلك فإن األمر مسموح به‪.‬‬
‫غري أن الرايب موس�ى بن ميمون يرى أن الوصايا التي تأمرنا بإنقاذ اجلار توش�اف ليس�ت‬
‫درج وصية‬ ‫مثل وصية إنقاذ ش�خص هيودي‪ .‬فالرايب موس�ى بن ميمون يف كت�اب «الوصايا» ُي ِ‬
‫احلف�اظ عىل حياة اجلار توش�اف ضمن وصايا الزكاة‪ ،‬أي أهنا ليس�ت وصي�ة يف حد ذاهتا‪ ،‬هذا‬
‫يعنى أنه يعتقد أنه ليس ثمة استثناء خيص اجلار توشاف فحسب‪ ،‬بل هناك أمر بدعمه والتعاون‬
‫معه (وهو ما يشمل إنقاذ حياته‪ ،‬لكن ليس بشكل أسايس)‪.‬‬
‫ووصي�ة ال�زكاة تش�مل أحكا ًما تس�بق أحكا ًما أخرى‪ ،‬ف�زكاة اليهودي لغيره تعتمد عىل‬
‫مس�توى عالقته به‪ ،‬ولذلك حينام يكون هناك أمر ملزم بإنقاذ حياة اليهودي‪ ،‬ويقابله أمر مماثل‬
‫بإنق�اذ حياة اجلار توش�اف‪ ،‬فإن وصية الزكاة هنا ترجح كفة اليه�ودي ال العكس‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن‬
‫حظر قتل اجلار توشاف هنا يسقط‪.‬‬
‫أم�ا وصي�ة إنقاذ اجلنني‪ ،‬فإهنا ليس�ت جمرد زكاة‪ ،‬ب�ل هي وصية تُلزمن�ا باحلفاظ عىل حياة‬
‫روح‪ ،‬ولذل�ك يتم التدقيق بش�أهنا مقابل الوصايا األخرى‪ .‬وألن ثمة وصية هنا‪ ،‬س�واء بإنقاذ‬
‫اجلنني أو بقتله‪ ،‬فإن حظر قتله يظل قائماً يف حالة العالج‪.‬‬

‫ٍ‬
‫ومفت شهري پولندي‪.‬‬ ‫)*(  هو الرايب شلومو كروجر (‪1869 – 1785‬م)‪ :‬مفرس‬

‫‪238‬‬
‫ويتفق هذا مع ما ذهب إليه هنوداع بيهودا يف تفسريه للرايب موسى بن ميمون؛ حيث يقول‬
‫رصاحة إن حكيمنا يرى أنه ال جيوز تدنيس قدسية السبت من أجل إنقاذ جنني (راجع امللحوظة‬
‫«يظ�ر العالج به إلنقاذ هي�ودي»‪« :‬وأما فيام خيص اجلنني – فعلى الرغم من أنه حُيظر‬
‫الس�ابقة) حُ‬
‫خطرا عىل أمه – فعىل أية حال‪ ،‬ما دام أن ثمة‬
‫تدنيس قدس�ية الس�بت ألجل اجلنني إذا مل يش�كل ً‬
‫حظرا بقتله‪ ،‬ففي هذه احلالة إذا مل يكن اجلنني يتسبب يف أذى ما‪ ،‬ف ُيفضل عدم فعل يشء»‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ – 15‬م�ا يتض�ح من هذا أن ثمة فار ًقا بني حظر قتل اجلنني‪ ،‬وبني حظر قتل غري اليهودي‪،‬‬
‫رغم أن كليهام يعودان لفرضية «مل يرد يشء‪ .»...‬ولنوضح األمر أكثر‪ :‬رأينا يف «التوسافوت» أن‬
‫تلك الفرضية سارية املفعول يف حالة وجود وصية إلزامية ما‪ ،‬أي أنه جيب دجمها مع بقية أحكام‬
‫الت�وراة الت�ي ت ِ‬
‫ُل�زم اليهود‪ .‬وعىل كل ح�ال‪ ،‬جيب التدقي�ق يف‪ :‬ماذا نتعلم من ه�ذه الفرضية؟‪،‬‬
‫وبالتايل كيف يمكن أن نترصف عندما تلتقي الفرضية بأحكام التوراة األخرى؟‪.‬‬
‫نحن نتعلم من حظر قتل غري اليهودي أنه مثلام حُيظر عىل غري اليهودي قتل غري اليهودي‪،‬‬
‫حُيظر كذلك عىل اليهودي قتل غري اليهودي‪.‬‬
‫فاحلظر األول يتعلق – كسائر وصايا األغيار – باستقرار العامل‪ .‬عندما تكون هناك رضورة‬
‫إلنقاذ هيودي‪ ،‬فإن هذا أهم من استقرار العامل؛ لذا فإنه ُيسمح بقتل غري اليهودي‪.‬‬
‫أمرا خمتل ًفا بعض اليشء‪ :‬مثلما يتعامل غري اليهودي مع‬
‫أم�ا حظر قتل اجلنين‪ ،‬فنتعلم منه ً‬
‫اجلنني غري اليهودي عىل أساس أنه ُولِد بالفعل‪ ،‬وبالتايل حُيظر قتله‪ .‬فإن اليهودي ً‬
‫أيضا جيب أن‬
‫يتعامل مع اجلنني اليهودي بنفس املنطق‪.‬‬
‫بمعنى أن ما تعلمناه هنا ال يقترص فحسب عىل حظر قتل اجلنني‪ ،‬لكن يمتد لكيفية التعامل‬
‫مع اجلنني‪ ،‬عىل األقل يف حاالت حمددة‪ ،‬عىل أنه شخص بالغ‪.‬‬
‫يف حالة وجود وصية ُم ِ‬
‫لزمة بإنقاذ حياة اليهودي‪ ،‬ال يس�قط حظر قتل اجلنني‪ .‬فقد تعلمنا‬
‫م�ن فرضية «مل ي�رد يشء‪ »...‬أنه جيب التعامل مع اجلنني عىل أنه ش�خص بالغ‪ ،‬ويف هذه احلالة‬
‫س�يتعلق األمر بقتل هي�ودي (ويتفق هذا مع وجود فرضية أخ�رى يف األمر هي‪« :‬جيوز تدنيس‬
‫سبت واحد للحفاظ عىل سبوت كثرية» كام أوردنا يف متن الفصل)‪.‬‬
‫يف حقيقة األمر‪ ،‬ليس اجلنني بش�خص بالغ عىل اإلطالق؛ ولذلك فإنه إذا مل يخُ ِرج رأس�ه‪،‬‬
‫سمح بقتله إلنقاذ أمه‪ .‬لكن إذا مل يتسبب يف أذى‪ ،‬فإنه يبدو أنه حُيظر قتله كام رأينا‪.‬‬
‫ُي َ‬

‫‪239‬‬
‫‪ – 16‬رغم أنه ببس�اطة ُيس�مح بالعالج بواسطة قتل غري اليهودي كام أوضحنا‪ ،‬وجيب أن‬
‫نس�هب أكثر يف هذا‪ :‬جيب أن نوضح أن الرب مل يأمر غري اليهودي بحامية نفس�ه من ذلك الذي‬
‫جاء ليقتله‪ ،‬وكذلك جيب مناقشة إذا كان اليهودي ُم َلز ًما بأن يتحرك ليقتل غري اليهودي يف هذه‬
‫احلالة أم ال‪ ،‬فقد ناقش�ت كتب الفتاوى الدينية إذا كان اإلنس�ان ُملز ًما بإخراج كل ماله‪ ،‬أو أن‬
‫يتأمل آال ًما كثرية ليطيل حياته (راجع املوس�وعة الطبية الرشعية‪ ،‬وخاصة أن إطالة العمر يمكن‬
‫أن تُعد إلزا ًما)‪ ،‬وربام كان قتل غري اليهودي املحب لليهود‪ ،‬يتشابه أحيانًا مع هذه األمثلة‪.‬‬
‫ونس�هب أكثر وف ًقا ملا تم تفسيره يف كتب الفتاوى‪ ،‬من أنه ال ُيقال لشخص إنه ملزم بقطع‬
‫يده لينقذ حياة هيودي آخر‪ ،‬وباملثل‪ ،‬ناقش�ت كتب الفتاوى مس�ألة‪ :‬متى يكون اليهودي ملز ًما‬
‫أيضا‪ ،‬إذا كان ذلك غري ا ُمل َلزم بمنح‬
‫بمن�ح مال�ه كله إلنقاذ حياة هيودي آخر؟‪ ،‬وجيب أن نناقش ً‬
‫أيض�ا من التزام غريه بمنح ماله كله إلنقاذه هو‬
‫ضعف ً‬‫كل مال�ه لينقذ نفس�ه يف حاالت معينة‪ ،‬ي ِ‬
‫ُ‬
‫يف بعض احلاالت‪.‬‬
‫أيضا يف بعض احلاالت لدينا‪ .‬وكان جيب علينا أن‬
‫ويتمل أنه ثمة موضع لفرضية مشاهبة ً‬
‫حُ‬
‫نسهب يف تفسري تلك الفرضية‪ ،‬ولكن ليس هناك جمال لإلسهاب‪.‬‬
‫أيض�ا ثمة فرضيات حتظر األم�ر من جانب العداوة التي تتس�بب يف تعرض حياة أحدهم‬
‫ً‬
‫خلطر املوت‪ ،‬ولكن ليس هناك موضع لإلسهاب‪.‬‬
‫لكن عىل أية حال وببساطة‪ ،‬فإنه ُيسمح لغري اليهودي التطوع بالتربع بقلب أو بكبد لينقذ‬
‫حياة اليهودي‪ ،‬وراجع ما قاله «منحات ش�لومو» )*(من أنه جيوز احلصول عىل أعضاء لزرعها‬
‫حمظورا لدى اليهود‪.‬‬
‫ً‬ ‫يف مستشفى لألغيار‪ ،‬حتى إذا كان األمر‬
‫نوح�ا ُأم�ر هب�ذا (كما جاء يف الس�نهدرين)‪ .‬راج�ع ً‬
‫أيضا الرايب‬ ‫‪ – 17‬وورد يف اجلمارا أن ً‬
‫موس�ى ب�ن ميمون «رشائع امللوك» الذي يقول إن ثمة وصايا س�تًّا ُأمر هب�ا آدم‪ ،‬و ُأضيفت إليها‬
‫وصية سابعة هي حظر أكل اللحم احلي عىل نوح‪.‬‬
‫‪ – 18‬حتدثنا هنا بش�كل عام‪ ،‬غري أن ثمة وصايا ُفرضت ً‬
‫أيضا عىل اآلباء البطاركة (راجع‬
‫الرايب موسى بن ميمون يف املرجع السابق)‪.‬‬

‫)*(  «منحات شلومو»‪ :‬هو أحد أعامل الرايب شلومو زملان أويرباخ (‪ ،)1995 – 1910‬من أهم رجال الدين اليهودي‬
‫يف القرن العرشين‪ ،‬ويضم الكتاب جمموعة أسئلة وأجوبة فقهية‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫‪ – 19‬ومن هذا‪ ،‬يتضح لنا أن الوصية التي وردت مرة واحدة فحسب (قبل نزول التوراة)‬
‫ي ُقصد هبا إرسائيل وليس أبناء نوح‪.‬‬
‫‪ – 20‬ولن نسهب هنا يف تفسري ما املقصود بأن الرب أمرنا باحتالل أرض إرسائيل‪.‬‬
‫‪ – 21‬نرى أنه يقصد صعوبة التفريق بني القضية التي نناقشها‪ ،‬وبني القضية التي ناقشناها‬
‫ساب ًقا‪ ،‬والتي ختربنا أن رسقة غري اليهودي مسموح هبا ؛ ألن كل هذا يأيت يف إطار نقاش وصايا‬
‫بني نوح‪.‬‬
‫‪ – 22‬يبدو أن حتديثات الرايب نسيم مل تكن ُمرضية للحاخام شموئيل ايدليش‪.‬‬
‫‪ – 23‬جيب التأكيد عىل أنه لوال ما أوردناه من آراء الرايب نسيم و احلاخام شموئيل ايدليش‬
‫واملخيلتا وكتب الفتاوى‪ ،‬من أنه حُيظر قتل غري اليهودي‪ ،‬كان يمكن‪ ،‬ألول وهلة‪ ،‬أن نفرس ما‬
‫ورد يف اجلامرا بشكل خمتلف‪ :‬كان يمكننا أن نقول إنه بالفعل ال وجود لقاعدة «مل يرد يشء‪»...‬‬
‫يف حال�ة قت�ل أو رسق�ة غري اليهودي؛ ألن�ه ال جيب أن نفهم م�ن حظر قتل غير اليهودي لغري‬
‫اليهودي‪ ،‬أن قتل اليهودي لغري اليهودي حمظور‪ .‬ويف تفسري اجلامرا لقضية أسرية احلرب‪ ،‬جيب‬
‫أن نوض�ح وف ًقا ملا أوردته «التوس�افوت» يف فصل «قدوشين»‪ :‬أن الت�وراة حتظر عىل اليهودي‬
‫مضاجع�ة زوج�ة غري اليهودي؛ ألن هذا ين�درج حتت قاعدة «والتص�ق بزوجته وليس بزوجة‬
‫صاحبه»‪ ،‬وببس�اطة فإن هذا احلظر ليس بس�بب «ادعاء» املرأة؛ ألن األمر حمظور‪ ،‬س�واء قبلت‬
‫أو رفضت‪ .‬تتشدد اجلامرا يف هذا احلظر فيام خيص السامح لليهودي بالزواج من أسرية احلرب‪،‬‬
‫فاألم�ر هنا ليس بني «هيودي وأحد األغيار» بل بني اإلنس�ان وربه‪ .‬وألن األغيار يف مرتبة أقل‬
‫م�ن اليه�ود‪ ،‬فإنه عندما جيامع هيودي زوجة أحد األغي�ار‪ ،‬فإنه بذلك ينتزع عالقة الزواج التي‬
‫بينهام‪ ،‬وبالتايل فهي تصري دون زوج‪ ،‬فال يصري دا ٍع للحظر‪.‬‬
‫‪ – 24‬ال ش�ك يف أن�ه يمكنه�م تعدي�ل ه�ذا الوضع قليلاً ‪ ،‬ب�أن يتحولوا مجيعه�م إىل جار‬
‫توش�اف‪ ،‬عن طريق إعالن قبوهلم الوصايا الس�بع أمام ثالثة من اليهود‪ .‬حينئذ سيخرجون من‬
‫إط�ار األغيار ويصريون من أتباع الش�عب اليهودي‪ .‬لكن هبذا الش�كل ه�م يعودون لوضعهم‬
‫األول فحسب لتعلقهم بنا‪ ،‬وال يمتلكون القدرة عىل العودة من تلقاء أنفسهم‪.‬‬
‫‪ – 25‬وأما فيام خيص اجلار توش�اف‪ :‬التوراة بالفعل أوصتنا باحلفاظ عىل حياهتم‪ ،‬وبذلك‬
‫فهي تتعامل مع حياهتم عىل أساس أهنا ذات قيمة‪ .‬لكن هذا رشيطة أن يكون متعل ًقا بنا وليس‬

‫‪241‬‬
‫تضمن يف النهي «ال تقتل»‪ ،‬وال يتم‬
‫هبم (كام أوضحنا يف امللحوظة السابقة)‪ ،‬ولذلك فهو غري ُم َّ‬
‫خرق فرائض السبت من أجله‪ ،‬وليس ثمة أي بذل للنفس عن حظر قتله‪.‬‬
‫وأيضا وف ًقا للذين اختلفوا مع الرايب موس�ى بن ميمون يف هذا الش�أن‪ ،‬فإن من هو‬
‫‪ً – 26‬‬
‫ليس بجار توش�اف‪ ،‬س�يظل بمثابة من مل يؤمر ولكنه ينفذ الوصية‪ ،‬ولذلك ف ُيسمح استغالهلم‬
‫كعبيد كام رغبنا‪ ،‬وال يوجد هنا متسع لإلسهاب‪.‬‬
‫‪ – 27‬ورد يف الفصل األول والثاين من الكتاب‪.‬‬
‫‪ – 28‬راج�ع ما قاله الرايب موس�ى بن نحمان يف مالحظاته عىل كت�اب الوصايا‪ ،‬وكذلك‬
‫راجع كتاب «هحينوخ متسفا»‪.‬‬
‫‪ – 29‬وكما رأينا أن غري اليهودي الذي يدنس قدس�ية الس�بت ُيعاق�ب بالقتل‪ .‬وراجع ما‬
‫ورد يف كتاب «عيتس هادار» من أن بني نوح مسئولون عن استقرار العامل‪.‬‬
‫‪ – 30‬الرايب موشيه مطرانى)*( يف كتابه «بيت الوقيم»‪.‬‬
‫‪ – 31‬ورد يف كتاب «عاروخ هشوحلات هعاتيد» – رشائع امللوك‪.‬‬
‫‪ – 32‬ورد يف عدة مصادر أن «وصاياهم تُلزمهم فحسب باحلفاظ عىل النظام العام بشكل‬
‫يقرتب من األخالق العامة»‪.‬‬
‫‪ – 33‬إحدى فقراته‪.‬‬
‫‪ – 34‬كام هو مفرس كذلك يف الفرضية التي تبيح تدنيس قدس�ية الس�بت من أجله «دنس‬
‫من أجله سبتًا لكي حيافظ – يف املستقبل – عىل سبوت كثرية»‪.‬‬
‫وكام ورد يف كتاب «هرسيدي إيش)**(»‪« :‬وها قد ُس�مح بتدنيس قدس�ية السبت ألجله‪،‬‬
‫وف ًقا لصاحب الرشائع الكبرية‪ ،‬يمكننا أن نقول إن التوراة س�محت بتدنيس الس�بت من أجل‬
‫إنبات احلياة املستقبلية؛ حيث قال الرايب موسى بن نحامن؛ ألنه منذ بداية حدوث الوالدة جيب‬
‫أن نقول‪« :‬دنس من أجله سبتًا لكي حيافظ – يف املستقبل – عىل سبوت كثرية» أي السبت الذي‬
‫سيأيت بعد أن خيرج اجلنني إىل احلياة»‪.‬‬

‫)*(  الرايب موشيه مطرانى (‪1580 – 1500‬م) من كبار احلكامء يف صفد يف عهده‪.‬‬
‫)**(  «هرسيدي إيش»‪ :‬كتاب من تأليف الرايب حييئيل يعقوب فينربج‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫وراج�ع كت�اب «تاقان�ات هش�فني)*(»الذي ي�ورد إمكاني�ة أن حظر االس�تمناء الذي هو‬
‫«إرضار بحي�اة مس�تقبلية»‪ ،‬توصلن�ا إليه من خلال ما تم حظره عىل بني ن�وح ؛ ويتفق هذا مع‬
‫حديثنا‪.‬‬
‫‪ – 35‬هبذه الطريقة يتضح لنا معنى ما ورد يف اجلامرا حول أن الوصايا الس�بع هي أس�اس‬
‫أيض�ا أن نحرتم رغبته‬
‫كل يشء‪ ،‬وألن ال�رب اخت�ار أن يويص اإلنس�ان بتل�ك الوصايا‪ ،‬فعلينا ً‬
‫تلك‪ ،‬ونعاقب من ال يلتزم بوصاياه‪.‬‬
‫وهك�ذا ن�رى‪ ،‬أن الوصاي�ا الس�بع مل ي�رد بش�أهنا ن�ص رصيح كام ه�و احل�ال يف الوصايا‬
‫الـ ‪ ،613‬بل هي جمرد جمموعة من التحذيرات‪.‬‬
‫أيضا‪،‬‬
‫‪ – 36‬راجع «ليقوطيه سيحوت)**(»؛ حيث يتأكد لنا أن هذه الوصية ختص األغيار ً‬
‫ويتفق هذا مع حديثنا‪.‬‬
‫أيضا هو إحلاق أذى بصورة أولية؛ ألن اجلس�د بدون اإلرادة كاملادة اخلام‬
‫‪ – 37‬االنتحار ً‬
‫دون هيئة خارجية‪.‬‬
‫‪ – 38‬ورد كذلك يف «شوحلان عاروخ» أن احرتام املعلم أهم من احرتام األب‪.‬‬
‫‪ – 39‬ولذل�ك فإنه ثمة أم�ر يف وصايا احرتام الوالدين ال نج�ده يف وصايا احرتام املعلم‪،‬‬
‫يف حني أن احرتامه ملعلمه منبعه االحرتام نفس�ه‪ ،‬بينام احرتامه لوالديه ينبع من خوفه منهام‪ ،‬أي‬
‫أنه جمرب عليه‪.‬‬
‫‪ - 40‬ويتف�ق م�ع املرشوح هنا أن�ه إذا كان أبوه حاخا ًما‪ ،‬فإن األفضلية هنا س�تكون ألبيه‬
‫بالطبع‪.‬‬
‫‪ – 41‬لق�د أوضحن�ا يف امللحوظة السادس�ة والعرشين أنه وف ًقا للرايب موس�ى بن نحامن‪،‬‬
‫ليس ثمة رضورة إلجبار مجيع املخلوقات ليصريوا جار توشاف‪ ،‬هذا ألهنم ال هيموننا‪ ،‬ولذلك‬
‫إذا مل يقبلوا االلتزام بالوصايا السبع‪ ،‬يمكننا أن نسيطر عليهم ونستغلهم ملصلحة اليهود‪.‬‬

‫)*( «تاقانات هشفني»‪ :‬كتاب من تأليف الرايب تسادوق هكوهني رابينوفيتش (‪1900 -1823‬م) من كبار حكامء‬
‫احلسيدية‪ .‬ومؤلفه يتحدث عن أحكام التوبة‪.‬‬
‫)**( «ليقوطيه سيحوت»‪ :‬سلسلة من ‪ 39‬كتا ًبا تضم حماورات الرايب ميلوفيفيتش‪ ،‬وتضم أعياد اليهود وقضايا دينية‬
‫خمتلفة‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫‪ُ – 42‬أمر اإلنسان األول بست وصايا وهي‪ :‬عدم عبادة األوثان‪ ،‬وعدم التجديف عىل الرب‪،‬‬
‫والعدل‪ ،‬وعدم سفك الدماء‪ ،‬وعدم زنا املحارم‪ ،‬وعدم الرسقة‪ ،‬وكلها وردت يف فقرة واحدة‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫ُأمر نوح بعدم أكل اللحم احلي‪ ،‬ثم ُأمر إب راهيم باخلتان‪ ،‬وتعلم إسحاق أن اخلتان يتم يف سن الثامنة‪،‬‬
‫وتعلم يعقوب رشيعة عرق النساء‪ ،‬تعلم هيودا رشيعة الييبوم)*(‪ .‬ومع نزول التوراة ُأمر بنو إرسائيل‬
‫بـ ‪ 613‬وصية‪ 248 ،‬فريضة و ‪ 365‬من الن واهي‪.‬‬
‫‪ 248‬فريضة تقابل نفس عدد أعضاء اإلنسان‪ ،‬كل عضو يرجو من اإلنسان أن يستخدمه‬
‫لتنفيذ الفريضة التي ختصه‪ .‬و‪ 365‬من النواهي التي تقابل عدد أيام السنة‪ ،‬وكل يوم يطلب من‬
‫اإلنسان أال يفعل ذلك الذنب‪.‬‬
‫‪‬‬

‫)*( الييبوم‪ :‬زواج األرملة أخا زوجها الكبري‪ ،‬وإذا رفض تتزوج األصغر منه‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫‪‬‬
‫الفصل اخلامس‬

‫قتل األغيار يف احلرب‬

‫بعد اهتاممنا بقتل األغيار يف أوقات السلم‪ ،‬سنهتم بقتل األغيار يف أوقات احلرب‪ .‬ونعود‬
‫ونتفق عىل األسس التي تعلمناها‪ ،‬حتى اآلن‪ ،‬بشأن حياة غري اليهودي‪:‬‬
‫ما هو مباح إلرسائيل حمظور عىل األغيار‪ .‬وهلذا السبب ُيباح إلرسائيل قتل غري اليهودي‪،‬‬
‫ما دام كان حُيظر عىل غري اليهودي قتل غري اليهودي‪.‬‬
‫ُيس�مح بمحاكم�ة وقتل غري اليهودي ال�ذي تعدى عىل الوصايا الس�بع ؛ وثمة آراء فقهية‬
‫ختربنا أن األمر حمظور يف حالة وجود عداوة أو خصومة ؛ وثمة آراء أخرى تؤكد أن األمر كان‬
‫حمظورا وف ًقا للفقهاء اليهود؛ يف حني توجد آراء تشري إىل إباحة األمر عندما نحاكم األغيار‪ ،‬وال‬
‫ً‬
‫جيب قتلهم؛ ألن قتلهم مرهون بأسباب معينة‪.‬‬
‫هن�اك اختالف�ات حول مدى إل�زام األغيار ببذل النف�س‪ .‬عىل أي حال اتف�ق العلامء عىل‬
‫كبريا‬
‫خطرا ً‬‫أن غري اليهودي الذي يس�اعد يف القتل ُيس�مح بقتله‪ ،‬لو كان هذا الش�خص يسبب ً‬
‫عىل إرسائيل‪.‬‬
‫خطرا إلرسائيل‪ ،‬فإن قتل غري اليهودي مباح‪،‬‬
‫يف أي حالة َيث ُبت فيه أن غري اليهودي يسبب ً‬
‫عىل سبيل املثال يف حالة «اقتل فالنًا غري اليهودي أو نقتلك»‪.‬‬
‫سنناقش قتل األغيار يف احلرب‪ .‬احلرب هى حالة معقدة تشتبك فيها الفرضيات ـ واقعية‬
‫ونظرية ـ هذا مع ذاك‪ .‬سنتحدث عن الفرضيات والوقائع يف الوقت الذي جيب فيه األخذ بكل‬
‫هذه العنارص يف احلسبان‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫‪ -1‬املُ ِ‬
‫طارد‬
‫أول وأبس�ط احتامل إلباحة قتل العدو يف احلرب هو كونه ُم ِ‬
‫طار ًدا‪ .‬هكذا كتب «ش�وحلان‬
‫أيضا الرايب موس�ى بن ميمون يف رشائع القاتل وحفظ‬
‫عاروخ» يف «حوشين مش�باط»‪ ،‬وكتب ً‬
‫النفس (‪:)1 :6‬‬
‫ِ‬
‫املطارد‬ ‫م�ن ُي ِ‬
‫ط�ارد صاحبه ليقتله‪ ،‬وقد حذره‪ ،‬فهو يالحق�ه‪ ،‬وحتى وإن كان‬
‫صغريا‪ ،‬فإنه من الواجب عىل مجيع ش�عب إرسائيل إنقاذه من ذلك الذي يطارده‬
‫ً‬
‫للحصول عىل أحد أعضاء جسده‪ ،‬وإذا مل يتمكنوا من ذلك فيمكنهم قتله‪.‬‬
‫طارد عن طريق قتل‬‫نتحدث هنا عن هيودي يطارد صاحبه اليهودي‪ ،‬الذي جيب أن ينقذ ا ُمل َ‬
‫صغريا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املطارد‬ ‫ِ‬
‫املطارد حتى لو كان‬ ‫طارد بقت�ل‬ ‫ِ‬
‫املط�ارد‪ ،‬ورشحت لنا الرشيعة رضورة إنقاذ ا ُمل َ‬
‫ً‬
‫طارد‪ ،‬فإذا كان يمكن إنقاذه بإصابة‬ ‫والذي ال يمكن معاقبته (إال أنه ثمة حدود يف حكم انقاذ ا ُمل َ‬
‫ويظر قتله‪ ،‬كام يتضح يف بقية كالم الرايب موس�ى‬ ‫ِ‬
‫املط�ارد‪ ،‬جيب فعل ذلك حُ‬ ‫أحد أعضاء جس�د‬
‫بن ميمون) (‪.)1‬‬
‫ويتضح مما قال الرايب موسى بن ميمون يف نفس الفصل مدى إلزام الرشيعة بإنقاذ ا ُمل َ‬
‫طارد‪،‬‬
‫وخطورة التهرب من إنقاذ الغري‪ ،‬وإنقاذ حياة نفس من إرسائيل‪:‬‬
‫[‪ ]14‬كل من يمكنه اإلنقاذ ومل يفعل‪ ،‬يكون قد خالف قاعدة «ال تتهرب من‬
‫لصوصا قادمون‬
‫ً‬ ‫إنقاذ صاحبك»‪ ،‬وكذلك من يرى صديقه يغرق يف البحر‪ ،‬أو أن‬
‫مفرتس�ا هيامجه ويمكنه إنقاذه س�واء بنفس�ه‪ ،‬أو بتأجري آخرين‬
‫ً‬ ‫نح�وه‪ ،‬أو حيوانًا‬
‫رشا‪ ،‬أو خيططون‬‫أغيارا أو متآمرين يكي�دون له ًّ‬
‫ً‬ ‫إلنق�اذه ومل ينقذه‪ ،‬أو من يس�مع‬
‫ش�خصا غري هيودي أو أحد‬ ‫ِ‬
‫إليقاع�ه يف ف�خ ومل خيرب صاحب�ه‪ ،‬أو من َعل َم أن ثمة‬
‫ً‬
‫القتلة يش�كو من صاحبه‪ ،‬وكان يس�تطيع أن يقوم بتهدئة هذا الشخص من أجل‬
‫صاحب�ه‪ ،‬وإزالة العداوة من قلبه‪ ،‬ومل يفعل‪ ،‬وكل األمور املش�اهبة‪ ،‬من ال يفعلها‬
‫يكن قد خالف قاعدة «ال تتهرب من إنقاذ صاحبك»‪....‬‬
‫[‪ ]15‬على الرغ�م م�ن أنن�ا ال نعاقب من خالف ه�ذه النواه�ي‪ ،‬التي ال تعد‬
‫أفع�الاً خطرية‪ ،‬فإن كل من يضيع ً‬
‫نفس�ا من إرسائيل‪ ،‬كأنما فقد العامل كله‪ ،‬ومن‬
‫حافظ عىل حياة نفس من إرسائيل‪ ،‬فكأنام حافظ عىل وجود العامل كله‪.‬‬
‫وكذلك يفرس «أور حاييم)*(» قتل أهل شكيم بواسطة أبناء يعقوب (التكوين ‪:)25 :34‬‬
‫)*(  «أور حاييم»‪ :‬هو اسم أشهر كتب التفاسري للرايب حاييم بن موشيه بن عطار (‪1743 – 1696‬م)‪ ،‬وهو من كبار‬
‫حكامء املغرب‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫«واقتل�وا كل ذك�ر» إنه أم�ر صعب‪ ،‬فلامذا ُيقت�ل من مل خيطئ؟ وبع�د‪ :‬ملاذا مل‬
‫يب�دأوا بقتل مرتكبي اجلريمة أولاً ؟(‪ )2‬وها ه�م أبناء يعقوب مل يكن يف باهلم قتل‬
‫أحد س�وى من ارتك�ب اجلريمة‪ ،‬لكن مجي�ع أهل املدينة واجه�وا أبناء يعقوب‪،‬‬
‫ِ‬
‫املطارد‪ ،‬وهكذا ورد‬ ‫لكي ال يقتلوا ملكهم‪ ،‬ولذلك قاموا بقتلهم بحس�ب ُحكم‬
‫(‪)4( )3‬‬
‫«واقتلوا كل ذكر»‪.‬‬

‫‪ -2‬من يساعد اجليش‬


‫أيضا عندما ال يقوم بتوجيه هتديد القتل بشكل مبارش‪ ،‬بل بشكل غري‬ ‫ِ‬
‫املطارد ً‬ ‫يرسى حكم‬
‫مبارش‪ ،‬وكام ورد يف «األسئلة واألجوبة» التي وضعها الرايب «يتسحاق بن شيشت )*(» (‪:)5‬‬
‫ثمة ِ‬
‫مطارد يالحق صاحبه ليقتله‪ ،‬سواء بشكل مبارش أو غري مبارش‪ ،‬يتم إنقاذ‬
‫ِ‬
‫املطارد‪.‬‬ ‫املطارد‪ ،‬حتى وإن كان الثمن هو حياة‬
‫َ‬
‫كذلك ُيقتل من يمنح أموال اليهود لألغيار؛ ألن هذه الفعلة ُت َع ِرض األرواح للخطر ؛ كام‬
‫ذكر الرايب موسى بن ميمون (رشائع املالح واملؤذ ‪:)11-10 :8‬‬
‫ُيس�مح بقتل من يس�لم مالاً لألغيار يف كل مكان‪ ،‬وحتى يف هذا الزمان الذي‬
‫ال يؤخذ فيه بأحكام القانون اجلنائي‪ ،‬وجيوز قتله قبل التسليم إذا قال‪ :‬هأنذا أقوم‬
‫بتس�ليم فالن‪ ،‬سواء جس�ده أو ماله‪ ،‬وحتى إذا كان مبلغًا بسي ًطا من املال‪ ،‬يكون‬
‫هبذا يستحق القتل‪ ...‬واعتادوا يف مجيع األزمنة يف مدن الغرب قتل من يسلم مالاً‬
‫خيص إرسائيل لألغيار‪.‬‬
‫وحت�ى م�ن يقوم بتس�ليم مبلغ بس�يط من املال خي�ص اليهود‪ ،‬بواس�طة أحد‬
‫األجانب‪ ،‬حيق ألي شخص أن يقتله‪ ،‬إذا شاهدوه يفعل هذا ثالث مرات‪.‬‬
‫جندي العدو يف أس�لحة االس�تخبارات‪ ،‬والصيانة وما ش�ابه‪ ،‬قام بمساعدة اجليش الذي‬
‫وأيضا جندي يف سلاح الطب خاصة األعداء ُيعد ِ‬
‫مطار ًدا؛ ألنه بدون سلاح الطب‬ ‫نحارب�ه‪ً ،‬‬
‫وأيضا سالح الطب يساند ويعضد من قوة املحاربني ويساعدهم‬ ‫س�يكون اجليش ضعي ًفا جدًّ ا‪ً ،‬‬
‫عىل قتلنا‪.‬‬
‫أيضا ُيعد ِ‬
‫مطار ًدا وجيوز قتله‪ .‬مواطن يعمل يف مصنع إلنتاج‬ ‫املواطن الذي يساعد املحاربني ً‬
‫)*(  الرايب يتسحاق بن شيشت (‪1408 – 1326‬م)‪ :‬من احلكامء األوائل‪ ،‬وعاش يف األندلس يف القرن الرابع عرش‬
‫ومطلع اخلامس عرش‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫األس�لحة ويزود اجليش بالسلاح‪ ،‬مثله مثل اجلندي الذي خيدم يف سلاح االستخبارات ويزود‬
‫اجليش باملعلومات‪ .‬كل من يساعد جيش األرشار بأي طريقة ُيعد ِ‬
‫مطار ًدا‪ ،‬وجيب قتله(‪.)6‬‬

‫‪ -3‬التأييد واملساندة‬
‫مواط�ن يؤيد احل�رب‪ ،‬يمن�ح القوة للمل�ك وللجنود لالس�تمرار يف احل�رب‪ .‬لذلك كل‬
‫مواط�ن يف اململكة التي تعادينا يدعم اجلنود‪ ،‬أو يش�عر براحة ج�راء ما يقومون به‪ُ ،‬يعد ِ‬
‫مطار ًدا‬
‫ِ‬
‫مطار ًدا من يساعد بالقول يف إضعاف مملكتنا‪.‬‬ ‫وجيب قتله‪ .‬و ُيعد‬
‫هكذا يفرس معلمنا احلاخام ليوا )*( واقعة قتل بلعام يف حرب مدين‪:‬‬
‫ال�ذي خرج من مدين الس�تقباهلم‪ ،‬وكان حيمل هلم نصيح�ة رشيرة‪ ،‬ولذلك‬
‫ِ‬
‫مط�ار ًدا ويريد قتل مجيع إرسائي�ل‪ ،‬فكل من يزرع‬ ‫اس�تحق القت�ل؛ ألنه كان ُيعد‬
‫(‪)7‬‬
‫اليأس يف قلب الناس وقت احلرب‪ ،‬فإنه بذلك جيعلهم هيربون من احلرب‪.‬‬
‫وكذلك يرشح احلاخام شاؤل يرسائييل )**( يف كتابه «عامود هايميني» (الرمز ‪ 15‬الفصل‬
‫الثالث) بشأن الواقع الوارد يف كالمه‪:‬‬
‫«كما بل�غ إىل علمن�ا‪ ،‬أن س�كان القرى احلدودي�ة من الع�رب يمنحون محاية‬
‫للعصاب�ات القاتل�ة‪ ،‬حت�ى يتمكنوا م�ن القي�ام بمهامهم دون اخل�وف من تلقي‬
‫عق�اب؛ ألن�ه من الواضح أن أفراد هذه العصابات‪ ،‬بس�بب أفعاهلم‪ ،‬ليس�وا قتلة‬
‫ِ‬
‫مطاردين بس�بب أهدافهم املس�تقبلية‪ ،‬فالس�كان‬ ‫فحس�ب‪ ،‬وإنام يع�دون كذلك‬
‫ِ‬
‫املطارد‬ ‫الذين يس�اعدوهنم ويدعموهنم بكافة األشكال‪ ،‬يعدون بمثابة من ساعد‬
‫الرت�كاب جرائ�م القتل‪ ..‬ومن الواضح أن منح مثل هذه املس�اعدة يش�كل بنية‬
‫حتتية ألفعاهلم املس�تقبلية‪ ،‬بحيث تزداد عدد عملياهتم بفضل هذا التأييد املمنوح‬
‫م�ن ِق َب�ل الس�كان‪ .‬ألنه وف ًق�ا للتقدير الش�ائع‪ ،‬يقوم الس�كان بدعم مجي�ع أنواع‬
‫عمليات هذه العصابات‪ ،‬وهذا بالتأكيد يس�اعد عىل زيادة وتوس�يع عملياهتم يف‬
‫ِ‬
‫مطاردين‪...‬‬ ‫املستقبل‪ ،‬وسنجد أن مجيع السكان هم بمثابة‬

‫)*(  احلاخام ليوا هيودا مفرج‪ :‬من كبار حاخامات القرن السادس عرش‪.‬‬
‫وفقيها‪،‬‬
‫ً‬ ‫)**(  احلاخام شاؤل يرسائييل (‪1995 - 1909‬م)‪ :‬من كبار حاخامات الصهيونية الدينية‪ ،‬وكان حاخا ًما ومفت ًيا‬
‫وعضو بمجلس احلاخامات الكبار‪ ،‬ورئيس مدرسة مركاز هراف إحدى أهم املدارس الدينية املتشددة بالقدس‬
‫املحتلة‪ ،‬وكتابه هذا هيتم بتوضيح الرشيعة لألمور احلياتية والسياسية‪ ،‬وأسئلة وأجوبة ألمور أخرى مهمة‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫ك ُث َر مطا َر ِّ‬
‫دي وأعدائي‬ ‫‪َ -4‬‬
‫ِ‬
‫املطارد هو يف‬ ‫وف ًق�ا ملا كتبناه يف الفقرة الس�ابقة‪ ،‬يمكن‪ ،‬ألول وهل�ة‪ ،‬الزعم‪ :‬إن إباحة قتل‬
‫مطاردين كثريين؟ وقتل أحدهم لن‬ ‫حال�ة أن يكون األم�ر ذا فائدة ما‪ ،‬لكن ماذا إذا كنا بص�دد ِ‬
‫يفيد‪ .‬يف هذه احلالة يس�تطيع أي مؤيد للحرب أن يقول‪ :‬ملاذا تقتلني؟ فبدوين احلرب مس�تمرة‬
‫واخلطر الذي تواجهه لن ينتهي!‬
‫ِ‬
‫املطاردين‪ .‬وال هيم‬ ‫صحيحا‪ :‬فمباح لنا إنقاذ أنفس�نا من‬
‫ً‬ ‫م�ن الواض�ح أن هذا الزعم ليس‬
‫بم�ن نب�دأ‪ ،‬طاملا كنا نقتلهم وننقذ أنفس�نا م�ن خطرهم‪ .‬وختيل‪ :‬إذا قل�ت إن وجود كل هؤالء‬
‫جيعلنا نس�أل بمن نبدأ؟ وهذا الس�ؤال من ش�أنه تعطيلنا عن إنقاذ أنفسنا‪ .‬وألن وجود كل فرد‬
‫منه�م يعطلنا عن ذلك‪ ،‬فإنن�ا نعترب كل واحد منهم ِ‬
‫مطار ًدا وجيب قتله‪ ،‬حتى ال يطرح مثل هذا‬
‫التساؤل الذي ُي َع ِرض حياتنا للخطر‪.‬‬

‫مطاردًا‬
‫‪ - 5‬من توقف عن كونه ِ‬
‫املطارد إذا توقف عن املطاردة‪ ،‬لكن هذا صحيح برشط أال ُيتوقع منه خطورة‬ ‫ِ‬ ‫ال جيب قتل‬
‫يف املس�تقبل‪ .‬وىف احل�االت التي يمكن فيها أن يع�ود للمطاردة من جديد‪ ،‬يمك�ن قتله حينها‪،‬‬
‫حتى إذا مل يكن يامرس املطاردة فعل ًّيا يف هذه اللحظة‪.‬‬
‫ِ‬
‫املطارد‪ ،‬و ُأفتي بذلك يف «ش�وحلان‬ ‫أيضا جتاه الوايش‪ ،‬فقتله نابع من حكم‬‫هكذا نس�تنتج ً‬
‫عاروخ» (حوشني مشباط الرمز ‪.)8()11 :388‬‬
‫حُيظ�ر قت�ل الوايش يف أوقات معينة‪ ،‬لكن يقتل لو كان يش�تد أزره بالوش�اية‪،‬‬
‫ويقتل كام يقتل وشاة آخرون‪.‬‬
‫واتسا ًقا مع موضوعنا‪ ،‬إذا كنا نقول إن اليهودي الذي توقف عن كونه ِ‬
‫مطار ًدا‪ ،‬جيب قتله‪،‬‬
‫فما بالك بالس�كان األغيار «الذين ينارصون بش�تى الصور األعامل اإلرهابي�ة» (كام قال الرايب‬
‫عرض حياتنا للخطر‪ ،‬ال داعي للتدقيق لنرى ما إذا كان‬ ‫يرسائيىل)‪ .‬من يبدو ِ‬
‫مطار ًدا بوضوح و ُي ِ‬
‫يف تلك اللحظة هو بالفعل يؤيد هذه املطاردة أم ال‪.‬‬

‫‪ -6‬اشتباه يف سفك الدماء‬


‫تقرر نظر ًّيا أن األغيار مش�تبه هبم يف س�فك الدماء‪ ،‬وجيب أخذ احلذر منهم‪ ،‬وثمة رشائع‬
‫حتددت بناء عىل ذلك‪ ،‬كام س�بق وأفتى الرايب موس�ى بن ميمون يف رشائع القاتل واحلفاظ عىل‬
‫النفس‪ ،‬يف الفصل الثاين عرش (ويف «شوحلان عاروخ» يف «يوريه ديعا» ‪.)155 -153‬‬
‫‪249‬‬
‫[ ‪ ] 7‬حُيظر عىل اليهودي االختالء باألغيار؛ ألهنم مشتبه هبم يف سفك الدماء‪.‬‬
‫مكروها ال يطول اليهودي‪ ،‬وإذا‬
‫ً‬ ‫وال يسير معهم‪ ،‬حتى إذا أصاب غري اليه�ودي‬
‫صار وضع وكان غري اليهودي يف مكان ٍ‬
‫عال‪ ،‬بينام اليهودي بأسفل‪ ،‬فإنه جيب أن‬
‫يكون العكس؛ لئال يس�قط غير اليهودي فيقتل اليه�ودي‪ ،‬أو يكرس مججمته‪...‬‬
‫[‪ ]8‬حمظ�ور أخ�ذ العلاج من غري اليه�ودي‪ ،‬لكن لو هن�اك رضورة فال مانع‪...‬‬
‫[‪ ]11‬وحمظور قص الشعر يف مكان خيص غري هيودي لئال يقتلنا‪....‬‬
‫«متخصصا»‬
‫ً‬ ‫ثمة تفاصيل كثرية يف تلك الرشائع‪ ،‬عىل سبيل املثال لو كان غري هيودي طبي ًبا‬
‫رضرا لنا‪.‬‬
‫فإنه مباح طلب العالج منه‪ ،‬عىل أال يسبب ذلك ً‬
‫أيض�ا ثمة حاالت ح�ول رضورة ليس احلذر من األغيار فحس�ب‪ ،‬بل وقتلهم‬
‫ونس�تنتج ً‬
‫رضرا علينا‪.‬‬
‫أيضا؛ ألهنم يمثلون ً‬
‫ً‬
‫هكذا ورد يف كتاب «حسيديم»‪:‬‬
‫كان هيود يسيرون يف طريق‪ ،‬وأحلق هبم اللصوص أذى‪ ،‬فأمس�ك هبم اليهود‬
‫فقتلوه�م‪ ،‬وتص�ادف وجود بعض األجان�ب‪ ،‬فخيش اليهود أن ي�رووا ألبنائهم‬
‫أو أقارهب�م‪ ،‬فينتقموا منهم‪ ،‬لذلك ُيس�مح هلم بقتل ه�ؤالء األجانب‪ ،‬حتى وإن‬
‫ق�ال األجان�ب إهنم لن خيربوا أحدً ا‪ ،‬فال جيب تصدي�ق األجانب الذي ورد فيهم‬
‫«الذين حتدثوا باطلاً وكذ ًبا»‪ .‬وورد كذلك أن داود «قتل كل رجل وامرأة‪ ..‬حتى‬
‫ال خيربوا الفلستينيني»‪.‬‬
‫يف اجلامرا يف «عفودا زارا» (‪ )2 :10‬نرى حكاية القيرص الروماين البارع أنطونيوس الذي‬
‫كان له عالقات ودودة مع الرايب هيودا هنايس‪:‬‬
‫كان يمل�ك مغ�ارة تص�ل بني منزل�ه ومنزل هيودا هن�ايس‪ .‬كل ي�وم كان حُيرض عبدان‪،‬‬
‫ليقتلهام‪.‬‬
‫وكتبت «التوسافوت»(‪:)9‬‬
‫أحدمها جاء ليقتل الرايب‪ ،‬وإذا قلنا إن س�فك الدماء هو أحد الوصايا الس�بع‬
‫وحمظ�ور كذلك عىل اليهود‪ ،‬وقد ورد يف عبدة الكواكب ورعاة األغنام أننا نرفع‬
‫ُخف�ض‪ .‬وجي�ب أن نق�ول إنه خيش أن خيبروا الوزراء باألم�ر؛ ألهنم كانوا‬‫وال ن ِ‬
‫عجل بقتله»(‪.)10‬‬
‫سيقتلونه‪ ،‬وقد ورد يف التوراة أن «من جاء ليقتلك ِّ‬

‫‪250‬‬
‫أي أنه‪ ،‬بحسب «التوسافوت» كان ُيسمح ألنطونيوس بقتل عبيده؛ ألنه كان يتخوف من‬
‫خطرا عليه (واألمر يش�به واقعة واردة يف كتاب «حس�يديم» (‪ .))11‬ويف «األس�ئلة‬
‫أهنم يمثلون ً‬
‫واألجوبة»‪« :‬يد إلياهو» )*( (الرمز ‪ )38‬يتعلم من ذلك بالفعل ترشي ًعا‪:‬‬
‫س�ؤال‪ :‬لو أراد عابد للكواكب قتل هيودي‪ ،‬وهناك عابد كواكب آخر واقف‬
‫أيضا‪ ،‬ومل يرغب يف مس�اعدة عابد الكواكب‬ ‫عن�ده ومل يرغب يف إنقاذ اإلرسائييل ً‬
‫املطارد صاح لعابد الكواكب املذكور حتى ينقذه من الثاين‪،‬‬ ‫َ‬ ‫األول‪ ،‬واإلرسائيلي‬
‫فأجاب�ه بعدم رغبته يف تقديم املس�اعدة‪ ،‬وبعد ذلك عندم�ا تغلب اإلرسائييل عىل‬
‫عابد الكواكب الذي يطارده‪ ،‬حُيظر قتل هذا العابد الثاين؛ ألنه مل يرغب يف إنقاذه‬
‫من املجرم الذي يرغب يف قتله‪.‬‬
‫ِ‬
‫باملطارد‪،‬‬ ‫أيضا خياف حتى ال يطوله خطر ما عندما يكتشف ما فعله اإلرسائييل‬ ‫ً‬
‫ويقول إنه كان بإمكانه إنقاذ نفسه بأحد أعضائه وما شابه‪.‬‬
‫اجلواب‪ :‬الرايب موسى بن نحامن وحاخامات كثريون يتساءلون‪ :‬كيف سفك‬
‫أبناء يعقوب الدماء النقية؟ والرايب موس�ى بن ميمون جييب‪ :‬بالعودة إىل السؤال‬
‫موضوع النقاش‪ .‬إذا ما كانت هناك خطورة‪ ،‬فاألمر مباح‪ .‬وكون أن امللحد قتل‬
‫عبي�ده‪ ،‬فهو أمر مثبت وكُت�ب الفقه تبيح قتلهم‪ ،‬حتى إن�ه حمظور أن ِ‬
‫نخفضهم‪،‬‬
‫ومن هنا قتلوا أهل شكيم (‪.)12‬‬
‫وثم�ة كتب فقهية قالت إن�ه ال رضورة حال ًّيا للعودة إىل تلك الرشائ�ع؛ ألهنا ترتبط بواقع‬
‫حم�دد‪ ،‬وليس عندما يتغري الواقع ونكون يف مواجهة أغيار يمكن أن نقول بصورة واضحة إهنم‬
‫مشتبها هبم يف ذلك‪ .‬هكذا كتب مهائريي )**( يف «عفودا زارا» (‪:)13( )1 :26‬‬ ‫ً‬ ‫ليسوا‬
‫رأينا الكثريين يتعجبون من أنه يف تلك األزمنة ال يوجد إنسان يأخذ حذره من‬
‫هذه األمور عىل اإلطالق‪ ،‬ونحن بالفعل فرسنا أس�اس مقصد الكتاب عن أمة ما‬
‫عاد الزمن هبا إىل الوراء حيث األمم القديمة‪ ،‬حينام مل يكن هناك ديانات خمتلفة‪.‬‬
‫أيض�ا يف األس�ئلة واألجوبة «حلافت يائري» )***(‪ ،‬الرم�ز ‪ ،76‬وهو رد الرايب «مئري‬
‫وورد ً‬
‫حلافت يائري» (‪:)14‬‬
‫)*(  «يد إلياهو»‪ :‬كتاب للحاخام مناحم بن شلام‪ :‬سليل عائلة مهائريي (‪1315 -1249‬م) فرنيس األصل‪ ،‬ومن كبار‬
‫مفرسي التلمود‪.‬‬
‫)**(  «مهائريي»‪ :‬كتاب للحاخام إلياهو ديفيد‪ ،‬ويطرح العديد من األسئلة واألجوبة‪.‬‬
‫)***(  «مئري حلافت يائري»‪ :‬كتاب أسئلة وأجوبة للحاخام يائري حاييم (‪1701 -1638‬م) من كبار احلاخامات‬
‫األواخر يف أملانيا‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫إع�داد ال ُعرف ال�ذي اعتادوا ختصيصه مع عبدة األوث�ان يف كل وقت وحني‪،‬‬
‫ومألوف لدينا أنه حُيظر االختالء بغري اليهودي املشتبه به يف سفك الدماء‪...‬بدون‬
‫تعوي�ض‪ ،‬وحمظور إدارة املفاوضات التي تقودن�ا إىل التوحد باملرشكني‪ ،‬يف زمننا‬
‫ليس مألو ًفا ذلك األمر‪ ،‬ومن ُيتهم بذلك جيب قتله‪ ،‬فليس هناك اشتباه يف سفك‬
‫الدماء يف هذا الزمن‪.‬‬
‫أيضا «حاي آدام» )*( (‪ ،)15‬و تأيت أقواله يف «مشنا برورا )**(»(‪ .)16‬وقارنت‬‫وهكذا كتب ً‬
‫كت�ب الفق�ه بني هذا وبني احلكم املرشوح يف «ش�وحلان ع�اروخ» حول مجاع البهائ�م‪ .‬وتأمرنا‬
‫ُ�زل خيص األغيار؛ ألن ثمة ش�كًّا قائماً أن يقوموا‬
‫الرشيع�ة بع�دم وضع البهيمة التي ختصنا يف ن ُ‬
‫بمعارشهتا‪ ،‬ولكن «شوحلان عاروخ» أفتى بأن‪« :‬ويف املواضع التي ال ُيشتبه فيهم هبا والعكس‪،‬‬
‫أيضا)‪.‬‬
‫أيضا ما جاء يف «هبايت يوسف» ً‬ ‫ُيسمح برضهبم وعقاهبم» (وراجع ً‬
‫يف هذه احلالة‪ ،‬يبدو من اجلامرا وكتب الفتاوى أنه بالفعل ثمة شك أسايس جتاه األغيار يف‬
‫كل ما يتصل بتنفيذ الوصايا الس�بع‪ ،‬وكام ورد يف اجلامرا أن الرب تبارك وتعاىل رأى أن األغيار‬
‫ال يلتزم�ون بالوصايا الس�بع (عف�ودا زارا ‪ .)2 :2‬لكن عىل مدار األجي�ال يمكن أن يكون قد‬
‫حدث أن تقدمت أمم أو مجاعات خمتلفة‪َ ،‬قبِ َلت بش�كل عام تنفيذ الوصايا السبع أو جزء منها‪،‬‬
‫وخاصة حينام يتعلق األمر بعقوبة ما‪ ،‬وحينئذ يمكننا أن نقول إن ثمة أمة أو بال ًدا ما تلتزم فعلاً‬
‫بالوصايا‪.‬‬
‫وكما وجدنا بالنس�بة لعب�ادة األوثان‪ ،‬من أن الرشيعة تتعامل بش�كل خمتل�ف مع األغيار‬
‫الذي�ن يعب�دون األوثان وغريه�م من األغي�ار الذين ال يفعل�ون‪ ،‬مثل املس�لمني (انظر رشائع‬
‫األطعمة املحظورة للرايب موسى بن ميمون يف عبادة األوثان)‪.‬‬
‫[ ذكرن�ا هنا ثالث�ة جرائم‪ ،‬عبادة األوثان‪ ،‬وزنا املحارم وس�فك الدماء‪ .‬لكن يبدو أن ثمة‬
‫اختالف�ات بينها‪ :‬عبادة األوثان نابعة أكثر من «عادات األسلاف»‪ ،‬وم�ن العادات والتقاليد‪،‬‬
‫راج�ع اجلمارا (يف حولين ‪ .)2 :13‬ويمك�ن بس�هولة ش�ديدة تعري�ف أم�ة م�ا بأهن�ا ال تعبد‬
‫األوث�ان؛ ألن�ه ليس ثمة خوف منطق�ي أن يقوم غري اليهودي الكافر بعب�ادة األوثان بام خيالف‬
‫عاداته وديانته‪.‬‬

‫)*(  «حاي آدام» هو كتاب رشيعة كتبه احلاخام أفراهام دنيتسج (‪1820 – 1748‬م) يف هناية القرن الثامن عرش‬
‫ومطلع القرن التاسع عرش‪.‬‬
‫)**(  «مشنا برورا» كتاب ترشيعي من وضع الرايب يرسائيل مئري هكوهني مرادين‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫يف املقابل‪ ،‬فإن سفك الدماء ومعارشة البهائم‪ ،‬هي أمور تنبع يف األساس من رغبة اإلنسان‬
‫الداخلي�ة‪ ،‬لذا فالش�ك قائ�م فيها أكث�ر‪ ،‬إال أنه مع هذا نق�ول إن وجود منظوم�ة للعقاب تغري‬
‫هذا الواقع‪.‬‬
‫وبش�كل ما‪ ،‬نقول إن االشتباه يف س�فك الدماء أكثر بكثري من االشتباه يف معارشة البهائم‬
‫وما شابه‪ :‬أولاً ؛ ألن معارشة احليوان هي مسألة ممقوتة لدى األمم املتحرضة‪ .‬وثان ًيا؛ ألن سفك‬
‫الدم�اء تتداخل فيه كراهية إرسائيل «ومعروف أن كارهي يعقوب فعلوها» (الرايب ش�لومو بن‬
‫يتس�حاق‪ ،‬يف تفسير س�فر التكوين ‪ .)4 :33‬وربام هلذا مل يرد يف «ش�وحلان عاروخ» أي ترشيع‬
‫ينبع من الشك يف «لئال يقتلونا»‪ ،‬وحتى عندما يلوح يف األفق ثمة تقدم‪ ،‬فيجب أن نأخذ حذرنا‬
‫وال ننخ�دع باملظاه�ر اخلارجي�ة (‪( )17‬وكمثال لذلك األم�ة األملانية‪ ،‬التي كان�ت تُعترب أهنا أمة‬
‫متقدمة ومثقفة‪ ،‬ثم صارت كاحليوان املفرتس كام هو معروف )‪.‬‬
‫لك�ن م�ا يمكن ختفيف القول فيه حول االش�تباه يف س�فك الدماء هو م�ا يتعلق بالفرتات‬
‫الزمني�ة العادي�ة‪ .‬فف�ي وقت احلرب بالطب�ع تزداد الش�كوك‪ ،‬أما يف أوقات الس�لم‪ ،‬وىف مملكة‬
‫متحرضة‪ ،‬فقد قالت بعض كتب الفتاوى بأن األغيار مجيعهم غري مش�تبه فيهم بس�فك الدماء؛‬
‫ألهنم خيش�ون العقاب من قبل الس�لطة احلاكمة التي «تعاقب القاتل أشد العقاب» وىف أوقات‬
‫معكوس�ا‪ ،‬فثمة س�لطة حاكمة ترغب يف قتلن�ا‪ ،‬وبالتايل حينها تكون ثمة‬ ‫ً‬ ‫احلرب يكون الوضع‬
‫مصلحة لألغيار يف قتلنا‪ .‬وىف هذه احلالة لن يعد األمر جمرد «ختوف»‪ ،‬ولكن عىل األقل السواد‬
‫عرضون حياتنا للخطر‪ .‬وه�ذا يدعم ما أوردناه حول قتل العدو‬ ‫األعظم منهم س�يطاردوننا و ُي ِ‬
‫إذا توقف عن مطاردتنا؛ ألنه ربام يعود ثانية راغ ًبا يف قتلنا‪.‬‬
‫ويف الس�ياق نفس�ه‪ ،‬وجدنا أنه من املناس�ب أن نذكر ما قاله احلكماء يف املدراش يف قضية‬
‫بنحاس)*(‪:‬‬
‫«كي�دوا أله�ل مدي�ن وارضبوه�م؛ ألهنم يكي�دون لك�م»‪ .‬ملاذا قي�ل كيدوا‬
‫عجل‬
‫أله�ل مدين؟ ألهنم يكيدون لكم‪ .‬من ذلك قال احلكماء‪ :‬من جاء لقتلك ِّ‬
‫(‪.)18‬‬
‫بقتله‬
‫أي‪ :‬عندما «يكيدون لكم» يتعاملون معكم كاألعداء (كام رشح الرايب شلومو بن يتسحاق‬
‫حول «كيدوا ألهل مدين»‪ ،‬والذي قصد هبا «اختذوهم أعداء»‪ ،‬أي تعاملوا معهم كأعدائكم)‪،‬‬
‫ِ‬
‫املطاردين‪ ،‬وألهنم يرغبون يف قتلنا‪ ،‬جيب علينا التعجيل بقتلهم‪ ،‬أولاً ‪.‬‬ ‫هم يف حكم‬
‫)*(  اعتاد مفرسو العهد القديم تقسيم فقراته حسب املوضوع أو القضايا الواردة يف هذه الفقرات‪ ،‬والفقرات من الفقرة‬
‫العارشة من اإلصحاح اخلامس والعرشين وحتى الفقرة األوىل من اإلصحاح الثالثني من سفر العدد‪ ،‬تسمى باسم‪:‬‬
‫قضية بنحاس‪ ،‬وتضم فيام تضم مسألة دخول بني إرسائيل ألرض كنعان‪ ،‬وتقسيم األرض عىل القبائل‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫‪ -7‬من خالف حكم القتل والنهب‬
‫ِ‬
‫املطارد‪ .‬واآلن س�نتطرق لألغيار الذين‬ ‫حت�ى اآلن حتدثن�ا عمن حياربنا من ناحية أح�كام‬
‫تعدوا عىل الوصايا السبع‪ ،‬وسنتطرق لذنوهبم تلك‪.‬‬
‫ه�ا ه�م األغيار املش�اركون يف حرب ضدنا‪ ،‬يس�تحقون القتل؛ ألهنم س�افكو دماء‪ .‬حتى‬
‫هؤالء الذين ال يقتلون بأنفسهم يستحقون القتل‪ ،‬كام فهمنا يف الفصل الثالث (يف الفقرة ‪،)26‬‬
‫أيضا بعد‬
‫أي أن األغي�ار يس�تحقون القتل حتى عن القتل غري املبارش ( ولذل�ك فهم حياكَمون ً‬
‫احلرب عندما يكونون قد توقفوا عن املطاردة)‪.‬‬
‫هن�اك س�بب إضايف لضرورة قتل األغي�ار الذي�ن حياربوننا‪ ،‬ه�و أهنم تع�دوا عىل وصية‬
‫الرسق�ة (فهم يف احلرب حيتلون األرض‪ ،‬وحيصلون عىل غنائم من العدو‪ ،‬ويلحقون به األذى‪،‬‬
‫ويتسببون له يف خسائر مادية (‪.))19‬‬
‫يف حالة احلرب عىل أرض إرسائيل هذا السبب يكون أكثر وجاهة‪ ،‬فاألغيار الذين يرغبون‬
‫يف أرض إرسائيل ألنفسهم‪ ،‬يرسقون منا األرض‪ ،‬والتي ورثناها عن آبائنا(‪.)20‬‬

‫‪ -8‬من تعدى على الوصايا السبع‬


‫بخالف اجلرائم الس�ابقةالتى يرتكبها من حياربن�ا‪ ،‬فإن حقارهتم عندما يرغبون يف حماربتنا‬
‫ه�ي جزء من تعدهيم عىل الوصايا الس�بع بش�كل عام (‪ .)21‬ولذلك‪ ،‬فإن�ه يف هذه احلالة حيق لنا‬
‫حماكمتهم وقتلهم عىل نذالتهم وخستهم‪.‬‬
‫هكذا خيربنا الرايب موس�ى بن نحامن يف تفسريه لسفر التكوين (‪ ،)13 :34‬حول قتل أهل‬
‫شكيم‪:‬‬
‫وما الذي يلزمنا به الرب؟ أليس أهل ش�كيم والشعوب األممية السبعة الذين‬
‫يعبدون األوثان‪ ،‬ويكش�فون العورات‪ ،‬ويقوم�ون بكل ما ييسء للرب؟ وتطرق‬
‫إليهم أكثر من موضع يف (التثنية ‪« )2 :12‬فوق اجلبال العالية وفوق التالل وحتت‬
‫كل ش�جرة رطبة»‪« ،‬ال تتعلم لعمل»‪ ،‬وإلخ‪ ،‬وعن كش�ف العورات ورد «ألهنم‬
‫فعل�وا كل م�ا يسيء للرب» (الالويين ‪ ،) 27 :18‬لكن حُيظر على بني يعقوب‬
‫معاقبتهم‪ ،‬بل الرب يعاقبهم‪.‬‬
‫أما يف واقعة ش�كيم‪ ،‬فاألمر يتعلق بمسألة االنتقام ورد الرشف‪ ،‬وقد قام بنو يعقوب بقتل‬
‫امللك‪ ،‬وشعبه‪ ،‬وعبيده؛ ألهنم أطاعوه‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫بمعنى‪ :‬بشكل عام‪ ،‬نحن ال يعنينا غري اليهودي الذي يتعدى عىل الوصايا السبع يف موضع‬
‫بعيد عنا؛ ألنه ليس لنا شأن بذلك‪ .‬لكن عندما نكون يف حرب معهم‪ ،‬فإن هذا يصري جز ًءا من‬
‫حقارهتم العامة‪ ،‬وحينها جيب حماكمتهم عىل نذالتهم وخستهم (‪.)22‬‬
‫و ُيع ِّلمنا الرايب يوم طوف بن أفراهام (اإلش�بييل) يف الفصل الثاين «ال تخُ ِفضوا» إذا كانت‬
‫الع�داوة هي الس�بب ؛ أما يف حالة احل�رب‪ ،‬فالعداوة قائمة فعلاً ‪ ،‬ولن تش�علها احلرب أكثر مما‬
‫هي مشتعلة‪.‬‬
‫وبحس�ب معلمنا يونا ال�ذي يذكر أن الفقهاء اليهود حظ�روا حماكمة وقتل غري اليهودي‬
‫الذي يتعدى عىل الوصايا الس�بع‪ ،‬ويتضح أن هذا يف حالة الس�لم فحس�ب‪ ،‬حينام يكون القتل‬
‫أمرا مألو ًفا‪ ،‬ليس‬ ‫فعًل�اً ً‬
‫آثم ا‪ ،‬ولذلك حظرها الفقهاء؛ أما يف وقت احل�رب‪ ،‬عندما يكون القتل ً‬
‫ثمة حظر حينها يف حماكمة وقتل األغيار عىل ذلك‪.‬‬
‫وبحس�ب «األعمدة الذهبية»‪ ،‬الذي يعتقد مثل معلمنا يونا‪ ،‬من أنه ثمة حظر من الفقهاء‬
‫اليه�ود ملحاكم�ة األغيار وقتلهم‪ ،‬ثبت أن هذا فحس�ب يف أوقات الس�لم‪ ،‬فهو يس�تند يف ذلك‬
‫على م�ا قاله الرايب موس�ى ب�ن ميم�ون (‪ ،)23‬الذي ق�ال بحظر قتل األغي�ار «الذين لي�س بيننا‬
‫وبينهم حرب»‪.‬‬

‫‪ -9‬من يتعدى على وصايا األحكام‬


‫وف ًقا لرأي الرايب موس�ى بن ميمون (وبحس�ب كتاب «هبايت يوسف»)‪ ،‬كتبنا يف الفصل‬
‫الث�اين أنن�ا ال نحاك�م غري اليه�ودي عىل الوصايا الس�بع‪ ،‬إذا كنا نفعل ذلك لس�بب ش�خيص‪،‬‬
‫أيضا بحس�ب رأيه يمك�ن حماكمة األغيار الذين‬
‫بخلاف رغبتن�ا يف معاجلة هذا التعدي ؛ لكن ً‬
‫حياربوننا لتعدهيم عىل وصايا األحكام‪.‬‬
‫هك�ذا كتب الرايب موس�ى بن ميمون يف رشائ�ع امللوك (هناية الفصل التاس�ع) حول فعلة‬
‫شمعون وليفي‪:‬‬
‫ٍ‬
‫ق�اض يف كل والية‪،‬‬ ‫وكي�ف يلتزم�ون هم بتل�ك األحكام؟! عليه�م بوضع‬
‫للحكم بالوصايا الس�ت‪ ،‬وحتذير الش�عب‪ ،‬وابن نوح ال�ذي يتعدى عىل إحدى‬
‫الوصايا الس�بع ُيقتل بالسيف‪ ،‬ولذلك فقد استحق كل أهل شكيم القتل؛ ألهنم‬
‫شاهدوا ملكهم يرسق ومل حياكموه‪ ،‬وابن نوح ُيقتل بشاهد واحد وبقاض واحد‬
‫دون حتذير مسبق‪ ،‬لكن ليس بشهادة امرأة فال حتكم امرأة هلم‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫ويف تعلي�ق الرايب موس�ى بن نحامن على التوراة (التكوي�ن ‪ ،)13 :34‬اندهش من الرايب‬
‫موسى بن ميمون‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ويف التلم�ود األورش�ليمي قال�وا يف أحكام ن�وح‪ ،‬من حاد ع�ن احلق فحكمه‬
‫القتل‪ ،‬ومن أخذ رش�وة ُيقتل‪ .‬يف أح�كام إرسائيل‪ ،‬فإن أي ُحكم أنت تعلم أنه ال‬
‫خيصك‪ُ ،‬يسمح لك باهلروب منه‪ ،‬فكل ما تعرفه والذي انتهيت منه فمسموح لك‬
‫باهلروب منه‪ ،‬لكن يف أحكامهم عىل الرغم من أنك تعرف أن احلكم خيصك إال أنه‬
‫ُيسمح لك باهلروب منه‪ .‬ويبدو من ذلك أن غري اليهودي من حقه أن يقول للقضاة‬
‫إنني لست بحاجة لكم؛ ألن األمر زائد عند إرسائيل‪ ،‬فقد ورد أن «ال هتابوا وجه‬
‫انسان» (التثنية ‪ ،)17 :1‬و «ال ختشى لومة الئم» (السنهدرين ‪ ،)2 :6‬وبالتايل‪ ،‬ال‬
‫جيوز أن يقتل عندما ال يكون مسئولاً عن تنفيذ هذه األحكام مع سادته‪.‬‬
‫أي أن الرايب موس�ى بن نحامن يزعم أنه يس�تحيل اهتام أهل ش�كيم بام فعله ملكهم؛ فهو‬
‫يملك القوة والس�لطة‪ ،‬فكيف يمكن الزعم بأن كل فرد يف ش�كيم مذنب؛ ألنه مل يلتزم بوصايا‬
‫األحكام‪ ،‬وحاول إيقاف امللك عن أفعاله؟ فهل كانوا مضطرين لتعريض أنفسهم للخطر حتى‬
‫حياكموا امللك؟‬
‫أيضا يف «جور أريا» (ويش�به هذا التش�ديد ما جاء يف أور‬
‫وهك�ذا يش�دد الرايب هي�ودا ليفا ً‬
‫حاييم)‪:‬‬
‫ويف حقيقة األمر‪ ،‬لقد أدهش�تنا تلك األقوال (خاصة أقوال الرايب موس�ى بن‬
‫ميم�ون)؛ ألنه كيف يمكن هلم حماكمة ابن رئيس البالد؟ ألهنم كانوا خيش�وهنم‪،‬‬
‫وعىل الرغم مما ُأمروا به من أحكام‪ ،‬فكان يمكنهم املحاكمة‪ ،‬لكنهم ألغوا األمر‪،‬‬
‫فكيف يمكن هلم حماكمتهم؟‬
‫وجيب أن نوضح مقصد الرايب موسى بن ميمون‪:‬‬
‫كل واح�د م�ن أهل ش�كيم ملزم بمحاكمة م�ن يرتكب الفظائ�ع من حوله‪،‬‬
‫وحتى لو مل يمكنه ذلك‪ ،‬فمحظور عليه بالتأكيد عرقلة من حياول حماكمتهم‪.‬‬
‫ونستنتج من واقعة أهل شكيم‪ ،‬أهنم كانوا يعرقلون ما نوى شمعون وليفي القيام به‪ .‬ويف‬
‫هذه احلالة يعدون كمن يبطل مفعول وصية األحكام‪ ،‬وال يمكنهم الزعم بأهنم جمربون(‪.)24‬‬
‫ونتعلم من ذلك أن وجود جمتمع ميلء باألرشار ممن يتعدون عىل الوصايا السبع‪ ،‬ويسمحون‬
‫بإبقاء الوضع عىل ما هو عليه‪ ،‬يعرقل حماولتنا يف حماكمتهم؛ ألن املجتمع حيميهم(‪ )25‬؛ ويف هذه‬
‫‪256‬‬
‫احلالة ثبت أهنم يتعدوا عىل وصايا األحكام‪ ،‬ليس بسبب أهنم جمربون‪ ،‬وما شابه‪ ،‬ولكن بسبب‬
‫رشورهم (‪.)26‬‬

‫‪َ – 10‬من أُجرب على التعاون مع العدو‬


‫حتى اآلن حتدثنا عن األغيار الذين يستحقون القتل عىل أفعاهلم الشنيعة واملروعة‪ .‬واآلن‬
‫س�نتحدث عن هؤالء الذين ليس�وا معنيني باحلرب‪ ،‬ويعرتضون عليها بش�دة (‪ .)27‬يف البداية‪،‬‬
‫أيضا لألغيار‬
‫س�نناقش أح�كام األغيار‪ ،‬الذين حيارب�ون بعضهم البعض؛ حيث يبدو أنه جي�وز ً‬
‫قت�ل هؤالء الذين ُأجربوا عىل املش�اركة يف احلرب‪ ،‬وف ًقا ألح�كام القانون اجلنائي لدى األغيار‬
‫أيضا لليهود؛ ألن‬‫(كما رشحنا باس�تفاضة يف الفصل الثالث)‪ .‬وبطبيعة احلال‪ ،‬ف�إن األمر مباح ً‬
‫حظ�ر قتل هيودي لغري هيودي هو نفس�ه حظر قتل غري هيودي لغير هيودي آخر (كام رشحنا يف‬
‫الفصل األول)‪.‬‬
‫نب�دأ بجندي اشترك يف احلرب ضدنا‪ ،‬لكنه يفعل هذا فحس�ب؛ ألنه ُأجرب عىل املش�اركة‬
‫وتعرض لتهديدات‪.‬‬
‫آثم ا‪ ،‬ألنه ال يمكن السامح باملشاركة يف‬
‫لو أهنم هددوه بخس�ارة مالية أوما ش�ابه‪ ،‬فهو يعد ً‬
‫ِ‬
‫املطارد بكل تأكيد (بالفعل‪،‬‬ ‫احلرب والقتل خو ًفا من خسارة مالية‪ ،‬وإذا فعل ذلك‪ ،‬فهو يف حكم‬
‫من يقتلني ألنني سبقته يف رشاء سلعة جيدة‪ ،‬يعد كمن قتل ألسباب مادية (‪.)......)28‬‬
‫واذا هددوه بأهنم سيقتلونه إذا مل ُي ِ‬
‫شارك يف احلرب‪ ،‬فإن الرايب شموئيل شنيئورسون يبيح‬
‫له االشرتاك يف احلرب؛ ألن األغيار ليسوا ملزمني ببذل النفس عن القتل‪ ،‬ولذلك جيوز له قتل‬
‫أيضا لغريه (حتى األغي�ار) بقتله حتى ال‬
‫آخري�ن حت�ى ال يفقد حياته‪ ،‬وعىل ذلك فإنه ُيس�مح ً‬
‫يموتوا هم‪ ،‬وهذا يعني أن الرايب شموئيل شنيئورسون يرى أنه جيوز قتل مثل هذا اجلندي‪.‬‬
‫وبحسب رواية «باراشات دراخيم»‪ ،‬حُيظر عليه االشرتاك يف القتل‪ ،‬حتى وإن كان سيذل‬
‫ِ‬
‫مطارد‪.‬‬ ‫نفسه عن هذا‪ ،‬وإذا ما فعل ذلك‪ ،‬فإن قتله مباح؛ ألنه‬
‫نعود ون َُذكِّر أننا نقصد كافة أنواع االشرتاك يف احلرب‪ :‬جندي مقاتل‪ ،‬جندي يف املؤخرة‪،‬‬
‫مساعدة مدنية‪ ،‬أو أي أشكال خمتلفة من التأييد واملساعدة‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫‪ -11‬من يغلقون الطريق‬
‫بع�د حديثنا عمن يتعمد مس�اعدة األرشار‪ً ،‬‬
‫تنفيذا لقاعدة «ق�م وافعل)*(»‪ ،‬يتم حماكمتهم‬
‫بحسب اخلسائر التي وقعت بواسطة ُأناس ليسوا بالرضورة ينتمون جليش األرشار‪ ،‬ويلتزمون‬
‫بقاع�دة «اجل�س وال تفعل»‪ .‬عىل س�بيل املث�ال‪ :‬مواطنون يعيش�ون بجوار مصنع أس�لحة‪ ،‬أو‬
‫ِ‬
‫سنعرض‬ ‫أيضا‪ .‬وإذا مل نقصف املكان‪،‬‬
‫معس�كر جيش األرشار‪ ،‬فبقصف املكان س�يصابون هم ً‬
‫أنفسنا نحن للخطورة‪.‬‬
‫أيضا‪:‬‬
‫ما ذكرناه يف السابق يصلح قوله هنا ً‬
‫إذا بق�ي ه�ؤالء املواطن�ون برغبتهم وأغلق�وا بذل�ك الطريق علين�ا يف إيذاء‬
‫األرشار‪ ،‬فهم يف حكم املعتدين (‪( )29‬نفس األمر يف حالة اإلجبار املايل)‪.‬‬
‫أما إذا تم إجبارهم‪ ،‬فليس عليهم ترك املكان‪ .‬وبحس�ب «باراش�ات دراخيم» الذي ُي ِ‬
‫لزم‬
‫غير اليهودي ببذل نفس�ه حتى ال ُيقتل‪ .‬وببس�اطة‪ ،‬فإن هؤالء املواطنين غري ملزمني بفعل أي‬
‫يشء؛ ألن فرضي�ة «مل�ا تتوقع أن حياتك أه�م من حيايت؟» من ش�أهنا أن تنعكس لتصري‪« :‬ملاذا‬
‫تتوقع أنني س�أفعل ش�ي ًئا ما وأفقد حيايت حتى ال تفقد حياتك أنت؟» (كام ورد يف التوسافوت‬
‫يف السنهدرين ‪.)2 :74‬‬
‫لكن رغم السامح هلم بالبقاء يف أماكنهم‪ُ ،‬يسمح كذلك بقتلهم إلنقاذ حياتنا‪:‬‬
‫بحس�ب الرايب شموئيل شنيئورس�ون‪ ،‬فإنه جيوز قتل اآلخرين إلنقاذ حيايت‪،‬‬
‫أيضا غري‬
‫واألغي�ار غير ملزمين ببذل النفس حت�ى ال ُيقتل�وا (وبالتايل‪ ،‬فنح�ن ً‬
‫مأمورين ببذل النفس عن قتلهم‪ ،‬كام ذكرنا)‪.‬‬
‫ووفق�ا لـ «باراش�ات دراخيم»‪ ،‬فإنه جيوز قتل ه�ؤالء الذين بقوا‪ .‬رشحنا جيدً ا يف الفصل‬
‫مضطرا ـ‬
‫ًّ‬ ‫الثال�ث أن من يس�اعد وجوده يف املكان القاتل عىل ارت�كاب جريمته ـ حتى وإن كان‬
‫فإنه يعد مؤذ ًيا‪ ،‬وجيوز إيذاؤه حتى يتوقف عام يفعل‪.‬‬
‫حت�ى إذا ت�م رب�ط أو حبس املواطنين‪ ،‬ومل يكن لدهيم أي خيار س�وى بقائه�م يف املكان‪،‬‬
‫يصريون يف حكم الرهائن‪ ،‬مباح دهسهم وقتلهم لو كان يف هذا سبيل لننقذ أنفسنا من األرشار‪،‬‬
‫كام أوضحنا من قبل أن من يساعد القاتل‪ ،‬ولو كان دون تعمد منه‪ ،‬فإن قتله مباح‪.‬‬

‫)*(  «قم وافعل»‪ :‬هي قاعدة ترشيعية مفادها القيام بيشء إجيايب‪ ،‬أي التعاون هنا‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫كثريا يف مثل هذه احلالة‪ :‬فهم يغلقون طريق اإلنقاذ بوجودهم‪،‬‬
‫الرضع يتواجدون ً‬‫األطفال ُ‬
‫وه�م يفعل�ون هذا دون إرادهتم‪ .‬رغم هذا‪ ،‬فإن قتلهم مباح؛ ألن وجودهم يس�اعد القاتل عىل‬
‫أي حال‪.‬‬
‫كثريا (وربام كان أصح أن نق�ول‪ :‬يف أغلب احلروب) حتدث حالة‬ ‫يف حال�ة احل�رب حيدث ً‬
‫من الغموض بس�بب وجود ُأناس كثريين‪ ،‬بعضهم حياربوننا‪ ،‬أو من املؤيدين هلم‪ ،‬وجزء منهم‬
‫ليس كذلك‪ .‬ختلق هذه املالبس�ات وض ًعا يكون فيه اجلنود خمتبئني بالفعل بني الس�كان‪ ،‬الذين‬
‫جزء كبري منهم ال يساعدوهنم بأى شكل‪.‬‬
‫ُيسمح بقتل هؤالء الناس؛ ألن وجودهم ساعد القاتل (كام أوضحنا بخصوص من حياول‬
‫إطالق النار عىل شخص يقف بني مجع من الناس‪ ،‬فال جناح عليه إذا أصاهبم؛ ألهنم بوجودهم‬
‫رغما عنهم‪ ،‬القاتل يف جريمته)‪.‬‬
‫يف هذا املوضع يساعدون‪ ،‬وإن كان ً‬

‫‪ – 12‬العالج عن طريق قتل أبرياء من جانب العدو‬


‫كام ناقش�نا مس�ألة قتل األبرياء عندم�ا يعيق وجودهم احلرب الت�ي نخوضها‪ .‬غري أن ثمة‬
‫حاالت نتعمد فيها‪ ،‬ألول وهلة‪ ،‬اإلرضار باألبرياء‪ ،‬ويكون وجودهم وقتلهم مفيدين لنا‪ .‬عىل‬
‫الرضع من عائالت امللك الرشي�ر‪ ،‬والذين هم اآلن أبرياء‪ ،‬فقتلهم‬ ‫س�بيل املث�ال‪ :‬قتل األطفال ُ‬
‫سيجعله يتأمل ويتوقف عن حماربتنا‪.‬‬
‫وبحسب رأي الرايب شموئيل شنيئورسون‪ ،‬كام سبق وفرس لنا يف الفصل الثالث حول أنه‬
‫جي�وز لألغيار قتل بعضه�م البعض إلنقاذ حياهتم من املوت‪ .‬يف هذه احلال�ة‪ ،‬ووف ًقا لرأيه‪ ،‬فإنه‬
‫جيوز ببس�اطة لألغيار فعل هذا يف وقت احلرب‪ ،‬إذا كانوا بذلك س�يقللون من خطر هذا امللك‬
‫القاتل‪.‬‬
‫وق�د أوضحنا هناك‪ ،‬أنه يمكن أن نتعلم من هذا الكالم‪ ،‬أن إباحة القتل س�ببها أن وجود‬
‫رضرا ؛ لكن ال جيوز استغالل وجوده إلنقاذ أنفسنا من املوت‪.‬‬
‫الشخص يمثل ً‬
‫أيض�ا‪« ،‬باراش�ات دراخي�م»‪ ،‬حيظر األم�ر‪ ،‬وهو يرى أن�ه حيظر عىل غري هي�ودي قتل غري‬
‫ً‬
‫هيودي آخر لينقذ حياته‪.‬‬
‫وعلى ه�ذا‪ ،‬ووف ًقا لكال املصدرين‪ ،‬فإنه ليس ثمة رخصة تس�مح بذلك (وس�نناقش هذا‬
‫أكثر يف الفصل التايل)‪.‬‬
‫‪259‬‬
‫‪ -13‬حياة اليهودي أمام حياة غري اليهودي‬
‫إن كل النقاش�ات التي دارت بني كل هؤالء احلكامء األواخر تتحدث فحس�ب عن حالة‬
‫احل�رب بني األغي�ار‪ .‬بينام يف حالة وجود حرب بني إرسائيل واألغي�ار‪ ،‬فإن ثمة فرضية أخرى‬
‫إلباحة قتل األغيار‪ ،‬وهي‪ :‬تفضيل حياة اإلرسائييل عىل حياة غري اليهودي‪ .‬ورشحنا يف الفصل‬
‫الراب�ع أن�ه عندما تكون حياة اإلرسائييل يف خطر‪ ،‬فإنه مب�اح قتل غري اليهودي من أجل إنقاذه‪،‬‬
‫وليس علينا بذل النفس عن هذا‪ ،‬وذلك بإمجاع اآلراء‪.‬‬
‫وإذا كان�ت احلرب بني اليهود واألغي�ار‪ ،‬فالعلامء يتفقون باإلمجاع عىل إباحة قتل األغيار‬
‫أيضا يف حالة‬
‫م�ن أج�ل إنقاذ حياة اإلرسائييل(‪ .)30‬كام رشحنا يف الفصل الرابع(‪ :)31‬وهذا مباح ً‬
‫الرضع األبرياء من أجل إصابة آبائهم وما شابه‪.‬‬‫استغاللنا لوجود األطفال ُ‬

‫‪ – 14‬إمجال أسباب قتل العدو يف احلرب‬


‫حتدثنا حتى اآلن بالتفصيل عن مخسة أسباب لإلرضار بالعدو يف احلرب‪ :‬كوهنم ِ‬
‫مطاردين‬
‫مطاردين بس�بب االش�تباه يف كرههم وسفهكم لدماء إرسائيل‪،‬‬‫الشتراكهم يف احلرب‪ ،‬كوهنم ِ‬
‫كوهنم تعدوا عىل الوصايا السبع‪ ،‬كوهنم يساعدون القاتل ولو كانوا جمربين‪ ،‬والسامح بقتل غري‬
‫اليهودي إلنقاذ هيودي‪.‬‬
‫وسنسهب أكثر يف العالقة بينها‪:‬‬
‫م�ن ِ‬
‫يطاردنا بالفعل ُيقتل بمنتهى البس�اطة‪ ،‬وهذا س�بب يف ح�د ذاته‪ .‬كام أنه‬
‫ِ‬
‫املطاردين يف احلرب هو الغرض األسايس منها ؛ وهذا أكثر األمور‬ ‫ببس�اطة‪ ،‬قتل‬
‫املفيدة والرضورية ملنع سفك دماء اليهود‪.‬‬
‫عندما يكون هناك رضورة لقتل آخرين‪ ،‬جيب أن نفحص األسباب األخرى‪.‬‬
‫بش�كل أسايس عندما تكون مس�ألة حياة أو موت‪ ،‬فالقتل مباح؛ إذ إنه جيوز قتل‬
‫غير هيودي م�ن أجل إنقاذ إرسائيل ؛ وبخالف ذلك ُيس�مح لغري اليهودي بقتل‬
‫جمبرا عىل ذلك) كام رشحنا ؛ لكن‬
‫غير هيودي آخر يس�اعد القاتل (حتى لو كان ً‬
‫ِ‬
‫املطاردين عن قتل هؤالء‪.‬‬ ‫بشكل عام‪ ،‬من األفضل قتل‬
‫ِ‬
‫املطاردين عن قتل هؤالء‪ ،‬مرشو ًطا بالتايل‪:‬‬ ‫لكن مع هذه الفرضية‪ ،‬فإنه من األفضل قتل‬
‫‪260‬‬
‫كون األغيار يس�تحقون القتل بس�بب الوصايا الس�بع‪ ،‬أدت إىل عدم ترددنا يف قتلهم‪ ،‬إذا‬
‫كانت ثمة رضورة لذلك (مثلام يف حالة االنتقام‪ ،‬الذي هو ليس رضورة فورية إلنقاذ األرواح‪،‬‬
‫ولكنه�ا متث�ل فائدة عامة فيام بعد)‪ .‬ومقاب�ل االدعاء القائل إنه من األفضل السماح هلم بالتوبة‬
‫واحلفاظ عىل الوصايا السبع من هنا فصاعدً ا‪ ،‬نجد االدعاء اآلخر الذي مفاده أهنم مشتبه فيهم‬
‫بس�فك الدماء‪ ،‬خاصة يف وقت احلرب‪ ،‬ولذلك ال يمكننا أن نأمل من مثل هؤالء األش�خاص‬
‫الذين حياربوننا أن يتوبوا‪ ،‬بل جيب التعامل معهم برصامة وقتلهم (‪.)33( )32‬‬
‫واآلن نورد التوجيه اخلاص بحكامئنا‪ ،‬طيب اهلل ثراهم‪ ،‬جتاه األغيار يف احلرب‪ ،‬وس�نرى‬
‫كيف يتم صياغة الكلامت وف ًقا هلم‪.‬‬

‫‪« -15‬قتل أفضل األغيار يف وقت احلرب»‬


‫يف «فصل سوفريم»)*( (‪:)7 :16‬‬
‫أفضل األغيار ُيقتل وقت احلرب‪.‬‬
‫أيض�ا يف املخيلتا ع�ن الفقرة «وأخذ س�تامئة مركبة منتخبة وس�ائر مركبات‬
‫وكذل�ك ورد ً‬
‫مرص» (اخلروج ‪ ،)7 :14‬وكذلك يف تفسري الرايب شلومو بن يتسحاق عن التوراة‪:‬‬
‫وس�ائر مركبات مرص‪ ...‬مثال ملا كان؟ م�ن خياف كلامت الرب (‪ .)34‬من هنا‬
‫كان الرايب شمعون سعيدً ا أن ثمة قتيلاً يف مرص‪.‬‬
‫ورد ه�ذا احلك�م بكثرة يف فتاوى احلاخام�ات األوائل واألواخر (راجع عىل س�بيل املثال‬
‫«كيس�يف مش�نيه» عن الرايب موس�ى بن ميمون يف رشائع القاتل‪ ،‬وكتيباته التفسريية و«هبايت‬
‫يوسف» يف الرأي ‪ ،158‬و«حوشني مشباط» الرمز ‪.)425‬‬
‫)**(‬
‫واملقص�ود هن�ا أنه يف وق�ت احلرب «جي�ب أن نقتلهم» كام ق�ال الرايب هيوش�ع فولك‬
‫(حوشين مش�باط ‪ ،))35( 425‬وكام ورد يف «األس�ئلة واألجوبة الواردة يف كتاب «يد إلياهو»‬
‫(الرم�ز ‪ ،38‬كام س�يأيت الح ًقا)‪« ،‬فه�ى تبدو نصيح�ة ألول وهلة»(‪ ،)36‬أي أن ه�ذا ليس جمرد‬

‫)*(  «فصل سوفريم»‪ :‬أحد الفصول الصغرية التي حتتوي عىل أمور ترشيعية‪ ،‬ومؤلفها جمهول‪.‬‬
‫)**(  هيوشع فولك (‪1614 - 1550‬م)‪ :‬حاخام پولندي‪ ،‬من كبار مفرسي «شوحلان عاروخ»‪ ،‬ومن كبار احلاخامات‬
‫اليهود يف القرن السابع عرش‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫إباحة بل أكثر‪ .‬و«يد إلياهو» يثبت هذا من إضافة فقرة «وسائر مركبات مرص‪...‬مثال ملا كان؟‬
‫م�ن خي�اف كلامت الرب (‪ .)34‬من هنا كان الرايب ش�معون س�عيدً ا أن ثم�ة قتيلاً يف مرص‪ ».‬فهي‬
‫«نصيحة جيدة» (‪.)37‬‬
‫وىف ه�ذه احلالة‪ ،‬نح�ن ال نقصد األغيار الصاحلين الذين نضطر لقتله�م؛ ألن إنقاذ حياة‬
‫وأيضا ال‬
‫إرسائييل أهم من إنقاذ حياة أحد األغيار‪ ،‬أو بس�بب مس�اعدهتم للقاتل رغماً عنهم ؛ ً‬
‫ِ‬
‫املطاردين اخلطرين؛ ألننا يف هذه احلالة مل يمكننا أن نسميهم «أفضل األغيار»(‪.)38‬‬ ‫نتحدث عن‬
‫وكام جاء يف كتاب «تسيدا لديرخ» )*( (عن رشح الرايب شلومو بن يتسحاق للتوراة)‪:‬‬
‫ويب�دو يل أن م�ن يطارد إرسائيل م�ن األغيار ُيقتل يف احلرب‪ :‬وببس�اطة ماذا‬
‫نتعلم من ذلك األمر؟ من ي ِ‬
‫قدم من األغيار عىل قتل إرسائييل ُيقتل‪.‬‬ ‫ُ‬
‫إال أنن�ا هن�ا نتحدث عن ه�ؤالء الذين يمك�ن أن نعتقد أهن�م «أفضل األغي�ار»‪ ،‬ولذلك‬
‫سنمتنع عن قتلهم بقدر اإلمكان‪ ،‬ثم جاء حكامؤنا طيب اهلل ثراهم‪ ،‬خيربوننا بأال نرتدد ونسارع‬
‫بقتلهم عىل الفور؛ ألن رشهم جيعلنا نشتبه فيهم والتعامل معهم كاألفاعي‪ ،‬خاصة أهنم بطبيعة‬
‫احلال قد تعدوا عىل الوصايا السبع ويستحقون القتل‪.‬‬
‫وكام فرسنا يف كتاب «تسيدا لديرخ»‪:‬‬
‫م�ن يتواجد من األغيار أثن�اء احلرب ُيقتل؛ ألهنم كان�وا يطاردونك لقتلك‪،‬‬
‫فمب�اح قتلهم‪ ،‬مثل ما جرى يف مرص من مس�اعدة لألغيار كما قال الرب‪ ،‬وهذه‬
‫الفريض�ة كام يقوهل�ا حكامؤنا طيب اهلل ثراهم‪ ،‬أي مس�اعدة كبرية أو صغرية هي‬
‫أمر خطري عىل إرسائيل‪ .‬مثلام رشحنا ساب ًقا‪.‬‬
‫ونرى من أقوال «تسيدا لريخ» أن احلديث ال يدور حول الشخصية التي تطاردنا بالتأكيد‪،‬‬
‫فف�ي ه�ذه احلالة ال يوجد اختالف بني اإلرسائييل واألغيار‪ ،‬ف�كل ِ‬
‫مطارد مباح قتله (‪ .)39‬لكننا‬
‫نتحدث عن‪ :‬إذا كان غري هيودي من شأنه أن يطاردنا أم ال؟ وعىل هذا جييب حكامؤنا طيب اهلل‬
‫ثراهم‪ :‬أنه سيطاردنا برشوره‪ ،‬وال جيب الرتدد يف قتله‪.‬‬
‫وأيضا يف هذا الرشح يتأكد الشك الكبري جتاه األغيار‪:‬‬
‫ً‬
‫ً‬
‫صاحلا‪،‬‬ ‫األفضل بني عبدة األوثان ُيقتل؛ ألننا ال نخش�اه‪ ،‬ومتأكدين من كونه‬
‫)*(  «تسيدا لديرخ»‪ :‬كتاب تفسري لألسفار اخلمسة األوىل من التوراة للرايب شلومو يتسحاقي‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫رضرا غري ملحوظ‪،‬‬
‫ولكن جيب أخذ احلذر منه؛ ألن أفضل األفاعي يمكن أن متثل ً‬
‫ويكون أسوأ من سائر األغيار‪...‬‬
‫وكذلك‪:‬‬
‫وقال الرايب ش�معون يف هذا إن أفضلهم‪ ،‬قلبه ميلء باخلبث كاألفاعي‪ .‬ومثله مثل الثعبان‬
‫الذي ال يموت بسهولة‪ ،‬وال سبيل لقتله إال بتحطيم رأسه‪ ،‬وحتى إذا انقسمت رأسه إىل جزأين‪،‬‬
‫ما زال ثمة شك أنه يستطيع أن يلقي بسمومه عرب فمه‪ .‬ولذلك فنحن ال ننصح بذلك‪ ،‬بل فور‬
‫رؤيته جيب حتطيم رأسه‪ ،‬وحينئذ لن يستطيع إيذاءنا‪ ،‬وال جيب تصديق األغيار يف أي يشء‪.‬‬
‫ويف «الف�وش هاوري�ه» )*((عن الرايب ش�لومو يتس�حاقي‪ ،‬بقلم مردخ�اي يافيه صاحب‬
‫الثوب) حول الفروق بني إرسائيل واألغيار يف هذا‪:‬‬
‫وكما قىض أغرق ال�رب فرعون ورجاله يف البحر ومل يب�ق منهم أحد‪ ،‬بالطبع‬
‫كان بينهم من خش�ى الرب‪ ،‬وكنا نس�تطيع أن نقول عنهم؛ ألهنم خش�وا الرب‪،‬‬
‫ِ‬
‫مطاردين‪ ،‬إهنم مل يذهبوا لقتل إرسائيل‪ ،‬بل ذهبوا من أجل فرعون‪،‬‬ ‫رغ�م كوهنم‬
‫ملاذا إ ًذا أغرقهم الرب مع مليكهم يف البحر؟‬
‫لكن الرب أعلم بام يف القلوب‪ ،‬وقد رأى أن خش�يتهم إياه حتولت إىل كراهية‬
‫ورغبة يف املطاردة والقتل‪ ،‬ومل يكن بينهم شخص واحد خيرِّ ‪ ،‬وأن خشيتهم تلك‬
‫كانت قرشة خارجية‪.‬‬
‫بش� َّلح בשלח )**() (‪ )40‬يف تفسيره هلذه املقولة‪:‬‬
‫وكام قال الرايب «هيودا ليفا» حول (قضية َ‬
‫إن حكامءنا‪ ،‬طيب اهلل ثراهم‪ ،‬أكدوا عىل أنه ال جيب أن نتوقع من األغيار يف وقت احلرب معهم‬
‫أن ُيظهروا اخلري‪.‬‬
‫بمعن�ى أنه يف حالة نش�وب حرب بني اليهود بعضهم البع�ض‪ ،‬نحن ندرك أنه ثمة فرصة‬
‫لنك�ون أخ�وة مع من نحارهب�م دائمة للع�ودة إىل عالقة اإلخ�وة مع من نحارهب�م‪ ،‬كام ورد يف‬
‫(أخب�ار األيام الث�اين (‪)14-28‬؛ ألن�ه يف هناية احلرب بني هي�ودا وإرسائيل)***(‪ ،‬قام س�كان‬
‫إرسائيل بتحرير األرسى يف هيودا‪.‬‬
‫)*(  «الفوش هاوريه»‪ :‬كتاب تفسري ملا كتبه الرايب شلومو يتسحاقي‪ ،‬وهو للرايب مردخاي يافيه (‪1612 – 1530‬م)‪،‬‬
‫مفت وصاحب كتب «األثواب»‪.‬‬ ‫وهو ٍ‬
‫)**(  هي القضية الرابعة يف سفر اخلروج‪ ،‬وتضم فيام تضم حادثة غرق فرعون‪ ،‬ومتتد من الفقرة السابعة عرشة من‬
‫اإلصحاح الثالث عرش‪ ،‬وحتى الفقرة السادسة عرشة من اإلصحاح السابع عرش‪.‬‬
‫)***(  أي قبيلتي هيودا وإرسائيل‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫أم�ا يف حال�ة احل�رب م�ع األغيار‪ ،‬م�ن اخلط�أ اتباع ه�ذه الطريق�ة؛ ألننا جي�ب أن نقتلهم‬
‫ب�كل رصام�ة‪ ،‬ففي وق�ت احلرب تزداد رشوره�م‪ ،‬وجتاهل هذا هو من ب�اب احلامقة ويعرضنا‬
‫للخطر(‪.)41‬‬
‫ووف ًقا هلذا الكالم‪ ،‬فقد ورد يف العهد القديم يف سفر (صموئيل أول ‪ )11 - 8 :27‬حول‬
‫داود امللك‪ ،‬الذي قتل يف حروبه مجيع أعدائه‪ ،‬حتى ال يرووا للملك أخيش عام فعل؛ ألن داود‬
‫أخربه أنه حيارب أهل هيودا‪:‬‬
‫وانطل�ق داود ورجاله يش�نون الغارات عىل اجلش�وريني واجلرزيني والعاملقة‬
‫الذين استوطنوا من قديم األرض املمتدة من حدود شور إىل ختوم مرص‪ .‬وهاجم‬
‫داود سكان األرض‪ ،‬فلم يستبق نفسا واحدة‪ .‬واستوىل عىل الغنم والبقر واحلمري‬
‫واجلمال والثي�اب‪ ،‬ثم رج�ع إىل أخيش‪ .‬وعندم�ا كان أخيش يس�أل داود‪« :‬أين‬
‫أغرت هذه املرة؟» كان جييب‪« :‬عىل جنويب هيوذا وعىل جنويب أرض الريمحئيليني‬
‫وجن�ويب القينيني»‪ .‬ومل يكن داود يس�تبقي رجال أو امرأة على قيد احلياة لئال يأيت‬
‫إىل جت من يبلغ أخيش عام فعله داود‪ .‬هكذا كان داود يفعل طوال مدة إقامته يف‬
‫بالد الفلسطينيني‪( .‬صموئيل أول ‪)11 - 8 :27‬‬
‫ويف تفسري الرايب دافيد بن يوسف قمحي)*( لسفر أخبار األيام األول (‪ ،)8 :22‬يقول إن‬
‫داود امللك ترصف بشكل صحيح؛ ألنه كان يقصد إنقاذ حياته‪:‬‬
‫ربام كان بعض ممن سفك دماءهم من بني األغيار‪ ،‬هم ُأناس صاحلون‪ ،‬ورغم‬
‫ذلك لن ُيعاقب عىل قتلهم؛ ألن غرضه هو قتل األرشار حتى ال هيامجوا إرسائيل‪،‬‬
‫(‪)42‬‬
‫وإنقاذ نفسه عندما كان يف أرض الفلستينيني‪.‬‬
‫وم�ا يتض�ح لن�ا بالفعل‪ ،‬أن�ه يف وقت احل�رب علينا أن نؤذي كل من نخش�ى أن�ه يعرضنا‬
‫للخط�ر (اآلن أو يف وقت الحق)‪ ،‬ألن الش�ك كبري‪ ،‬وليس ثم�ة حظر لقتله؛ ألنه ال حيافظ عىل‬
‫(‪)43‬‬
‫الوصايا السبع‪.‬‬

‫‪ – 16‬األطفال الرضع‬
‫الرضع‪ ،‬فإننا من ناحية نراهم أبرياء متا ًما‪ ،‬فهم غري بالغني(‪،)44‬‬
‫عندما نناقش قتل األطفال ُّ‬
‫لذلك ال جيب حماكمتهم بشأن الوصايا السبع‪ ،‬وال يمكن توجيه هتمة التعمد إليهم‪.‬‬

‫)*(  الرايب دافيد بن يوسف قمحي (‪1235 - 1160‬م)‪ :‬من كبار مفرسي العهد القديم وعلامء اللغة العربية‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫لكن من ناحية أخرى‪ ،‬فإن ثمة ختوف كبري مما يمكن أن يفعلوه عندما يبلغون‪ .‬وكام وجدنا‬
‫عدة أمثلة عىل هذا‪:‬‬
‫ُأفت�ي أن�ه حُيظ�ر توليد ام�رأة غري هيودي�ة أو إرضاع ابنه�ا‪ ،‬حتى ال نقوم برتبي�ة طفل يكرب‬
‫ليعبد األصنام (عفودا زارا ‪ .)45()1 ،26‬ومن هنا‪ ،‬فنحن نرى أننا نفرتض أهنم عندما يكربون‬
‫سيفعلون كام يفعل آباؤهم‪ .‬ومع هذه الفرضية‪ ،‬فإننا مأمورون بعدم إنقاذهم من اخلطر‪ ،‬ولكن‬
‫هذا ال يعني أنه ُيسمح لنا بقتلهم‪.‬‬
‫أيضا حول القيام بالقتل‪ ،‬وجدنا أن أش�عياء النبي (‪ )21 ،14‬يدعو لقتل أطفال بابل‪،‬‬
‫لكن ً‬
‫رغم أهنم صغار وغري بالغني؛ ألهنم عندما يكربون سيحذون حذو آبائهم وسيتسببون يف أذى‪:‬‬
‫أع�دوا مذبح�ة ألبنائه جزاء إثم آبائهم‪ ،‬لئال يقوم�وا ويرثوا األرض فيمأل وا‬
‫وجه البسيطة مدنًا‪.‬‬
‫وكام خيربنا الرايب دافيد بن يوسف قمحي (وكذلك الرايب شلومو بن يتسحاق)‪:‬‬
‫فليقتلوهن�م وه�ذا ذنب آبائهم‪ ،‬ومن حقكم أن ختش�وا أن يصير األبناء مثل‬
‫أرشارا‪ ،‬وبحسب ذلك‪ ،‬عليكم بقتلهم حتى ال ينهضوا فريثوا األرض‪.‬‬
‫ً‬ ‫آبائهم‬
‫ويس�هب الرايب بحاييه يف تفسيره للتوراة (تثنية ‪ ،)18-10 :20‬يف تفسري هذه االحتاملية‬
‫كسبب لقتل الطفل يف حرب الشعوب األممية السبعة‪:‬‬
‫الرضع؛ ألهنم س�يحذون حذو آبائهم عندما‬ ‫لي�س ثمة خط�أ يف قتل األطفال ُّ‬
‫يكربون‪ ،‬وس�يفعلون مجيع الفظائع‪ ،‬وس�يتعلم منهم بنو إرسائيل ذلك‪ ،‬وكذلك‬
‫ورد ح�ول هذه القضية‪« :‬حتى ال تتعلموا منه�م فعل الفظائع»‪ .‬وحتى ال تقول‪:‬‬
‫عندم�ا يكبرون س�يتوبون إىل اهلل – انظر من قال إهنم لن يتوب�وا‪ ،‬إنه اهلل العامل بام‬
‫يف النفوس‪ ...‬وكذلك قال أشعياء عليه السالم‪« :‬أعدوا ألبنائهم مذبحة بذنوب‬
‫آبائه�م‪ ،‬حت�ى ال يكربوا فريث�وا األرض وما عليه�ا»‪ .‬وىف هذه احلال�ة – أال نعد‬
‫ق�د س�لبناهم حياهتم؟‪ ،‬نقول إنه جيوز ارتكاب ذن�ب صغري ملنع رضر كبري؛ ألن‬
‫الش�خص العاقل يلقى بنفسه من السطح لينقذ حياته من املوت‪ ،‬أو يقطع يده أو‬
‫قدمه أو أحد أعضاء جس�ده لينقذ بقية جس�ده‪ ،‬أو أن يرشب رشا ًبا ُم ًّرا للتداوي‬
‫به‪ ،‬وهو يف كل هذه احلاالت ال يعد س�ار ًقا‪ ،‬بل هو يصنع معرو ًفا لنفس�ه و ُيبقي‬
‫عىل حياته‪ ،‬وألن اإلنس�ان يفعل هذا لنفس�ه فيس�تحيل اهتامه بالرسقة وحماكمته‪،‬‬

‫‪265‬‬
‫م�ا دام أن�ه ال يفع�ل هذا مع غريه‪ ،‬ومن أج�ل هذا فالتوراة أباح�ت قتل األطفال‬
‫الرض�ع‪ ،‬وارت�كاب ذنب بس�يط ملن�ع رضر أكرب كان س�يلحق بالع�امل‪ ،‬وهو أمر‬ ‫ُّ‬
‫متاما‪ ،‬ملن يتأمله‪.‬‬
‫منطقي‪ً ،‬‬
‫ورغم أنه يتطرق يف األس�اس للش�عوب األممية السبعة‪ ،‬هذا ألن األمر يبدو مؤكدً ا بشكل‬
‫مطلق‪ ،‬لكن يف حالة تطرقنا لشعوب أخرى (كام يتنبأ أشعياء)‪ ،‬جيب يف كل حالة فحص األمر‪،‬‬
‫الرضع‪،‬‬
‫إذا ما كان بالفعل ثمة شك‪ .‬وعىل كل حال‪ ،‬فنحن نتعلم أن ثمة فرضية بإيذاء األطفال ُّ‬
‫إذا تأكدنا أهنم سيرضون بنا عندما يكربون‪ ،‬وىف هذه احلالة يتم إيذاؤهم حتديدً ا (‪( )46‬ليس فقط‬
‫من خالل اإلرضار بالبالغني‪ ،‬بل كليهام م ًعا) (‪.)48( )47‬‬
‫‪‬‬

‫‪266‬‬
‫هوامش الفصل اخلامس‬

‫أيض�ا التدقيق يف‬


‫املطارد ً‬
‫َ‬ ‫‪ -1‬وق�د أس�هبت كتب الفقه يف مناقش�ة مس�ألة إذا ما كان على‬
‫األم�ر‪ .‬راجع ما قاله يتس�حاق بن ريب شيش�ت يف مش�نيه مليل�خ ריב''ש يف משנה למלך يف هناية‬
‫رشائع «املالح واملؤذ» وىف مصادر أخرى‪.‬‬
‫‪ -2‬بحس�ب ترتي�ب الفقرات‪ُ ،‬قت�ل أولاً أهل املدينة‪ ،‬ثم بعد ذلك ش�كيم ومحور مرتكبا‬
‫اجلريمة‪.‬‬
‫‪ -3‬راجع ما ورد حول افرتاض آخر يقول إن أهل املدينة ُقتلوا بسبب أهنم كانوا مشاركني‬
‫يف رسقة «دينا»‪.‬‬
‫والح ًقا س�نهتم بتفسير قتل أهل شكيم بحسب روايتي الرايب موس�ى بن ميمون والرايب‬
‫موس�ى بن نحامن‪ .‬عىل أي حال فهام مل خيتلفا عىل أحكام ا ُمل َ‬
‫طارد‪ ،‬إال أهنام يعتقدان أن األمر إذا‬
‫كان يدور حول عمل فردي‪ ،‬فإن هذا يعني أننا ال نستطيع إدانة أهل شكيم‪ ،‬الذين حيتمون من‬
‫مطاردين؛ ألنه يس�تحيل اإلغارة عىل مدينة ش�لومو بس�بب عمل‬ ‫ِ‬ ‫أبناء يعقوب‪ ،‬الذين يعدون‬
‫ف�ردي‪ ،‬وجيب السماح ألهل املدينة بمعاجلة األم�ر‪ .‬فقط إذا كان هذا العم�ل الفردي هو جزء‬
‫من فساد املجتمع ككل (كام يفرس كل منهام)‪ُ ،‬يسمح لبني يعقوب حينئذ معاجلة األمر بأنفسهم‬
‫وإيذاء مجيع أهل املدينة‪ ،‬وسنسهب حول هذا الح ًقا‪.‬‬
‫أيضا لدى األغي�ار‪ ،‬كام رأينا يف اجلامرا (الس�نهدرين ‪:72‬‬ ‫ِ‬
‫املط�ارد صحيح�ة ً‬ ‫‪ - 4‬أح�كام‬
‫ِ‬
‫«مطارد كان يطارد صاحبه ليقتله‪ ،‬فقال له‪ :‬انظر إنه إرسائييل مثلك وحليف لك‪ ،‬والتوراة‬ ‫‪:)2‬‬
‫قالت «سافك دم اإلنسان باإلنسان دمه ُيسفك»‪ ،‬أي أن التوراة تقول‪« :‬أنقذ دم هذا بدم ذاك»‪.‬‬
‫ِ‬
‫املطارد‬ ‫الفقرة «سافك دم اإلنسان» تتحدث عن أبناء نوح‪ ،‬والحظوا أن اجلامرا تفهم أن أحكام‬
‫ِ‬
‫املط�ارد مباح ؛ وهك�ذا مثبت يف اجلامرا‬ ‫أيضا ل�دى األغيار قتل‬
‫متضمن�ة يف ه�ذه الفق�رة؛ ألنه ً‬
‫َ‬
‫أيض�ا (يف صفح�ة ‪ 57‬هناية العم�ود األول وبداية الثاين) وهي الفق�رات التي اهتمت بأحكام‬ ‫ً‬
‫املط�ارد لدى األغي�ار‪ .‬ويف أقوال «منحات حين�وخ» يف (‪« :)5 :296‬بعد فترة من الزمن أنار‬‫ِ‬

‫‪267‬‬
‫املطارد عىل حس�اب حياة‬
‫َ‬ ‫أيضا تشرح لنا التوراة أن�ه ُيمكن إنقاذ‬‫ال�رب طريق�ي وأدركت أنه ً‬
‫املط�ارد‪ ،‬حت�ى إذا كان ابنً�ا آخر من أبناء نوح؛ حي�ث ورد أن «يطارد صاحب�ه ويقول له‪ :‬انظر‬ ‫ِ‬
‫إنه إرسائييل مثلك‪ ..‬إلخ»‪ ،‬والتوراة قالت‪« :‬س�افك دم اإلنس�ان باإلنس�ان دمه ُيسفك»‪ ،‬و«دم‬
‫أيضا‬
‫املطارد ُيسمح بقتله‪ .»...‬ونرى ذلك ً‬ ‫ِ‬ ‫هذا بدم ذاك»‪ ...‬وهذه الفقرة تقول ألبناء نوح «إن‬
‫يف أقوال الرايب موس�ى بن ميمون يف رشائع امللوك (يف ‪ ،)4 :9‬وىف عدة مصادر أخرى كام قال‬
‫ويظر عىل اآلخرين مس�اعدته‪ .‬لكن‬ ‫ِ‬
‫مط�ارده‪ ،‬حُ‬ ‫للمط�ارد بقتل‬
‫َ‬ ‫بع�ض احلكامء إنه ُيس�مح فقط‬
‫بخالف هذا التشدد‪ ،‬فهم يسمحون بقتل غري اليهودي الذي يطارد هيود ًّيا (فإنه حتى اليهودي‬
‫الذي يطارد هيود ًّيا آخر ُيس�مح بقتله) ؛ وحتى يف احلرب بني األغيار‪ ،‬بش�كل عام‪ ،‬من يس�اعد‬
‫أحد األطراف‪ ،‬فهو يفعل ألنه خيشى إذا مل يقدم يد املساعدة سيلحق به هو اآلخر أذى‪ ،‬وبإمجاع‬
‫اآلراء ُيسمح له باملشاركة يف قتل املعتدين‪.‬‬
‫ِ‬
‫املطارد بشكل غري مبارش قال بعض احلكامء األواخر بتلك الفرضية ؛ انظر‬ ‫‪ -5‬بخصوص‬
‫عىل سبيل املثال «أور ساميح» يف رشائع القتل‪.‬‬
‫‪ -6‬جيب وضع حدود هلذه الفرضية‪ :‬مواطن ينتج أسلحة لصالح مملكة يعيش فيها‪ ،‬وهو‬
‫أيضا بش�كل اعتي�ادي؛ ألن اململكة يف حاجة إىل األس�لحة للدفاع عن نفس�ها يف‬ ‫يفع�ل ذل�ك ً‬
‫مواجهة املجرمني‪ ،‬يمكن هلذا املواطن أن يزعم أنه ال يساعد يف وقت احلرب‪ ،‬لكنه فقط يساعد‬
‫يف حال�ة الدف�اع عن أي هجوم‪ ،‬ومن حق�ه فعل ذلك انطال ًقا من فرضي�ة «حيايت أوىل»‪ .‬األمر‬
‫شخصا اضطر الحتالل مكان إلنقاذ نفس�ه من خطر األحجار امللقاة يف اجتاهه‪ ،‬فاستغل‬ ‫ً‬ ‫يش�به‬
‫أحد األشقياء هذا الوضع‪ ،‬وقام بمطاردة شخص آخر حتى ال يتمكن من اهلروب هلذا املكان؛‬
‫ألن�ه قد أمس�ك به بالفعل‪ .‬بل هذا نتيجة وجود خطر حقيقي على حياته بدون عالقة بالقاتل‪.‬‬
‫أوضحن�ا أن�ه يف هذه احلال�ة (يف الفصل الثالث‪ ،‬يف امللحوظة ‪ ،)72‬أن م�ن احتل املكان ال يعد‬
‫ِ‬
‫مطار ًدا رغماً عنه؛ ألن من حقه فعل هذا من فرضية «حيايت أوىل»‪ ،‬فهو يفعل هذا؛ ألن حياته يف‬
‫أيضا يمكن للمواطن أن يزعم أنه ال عالقة‬ ‫خطر بدون أي عالقة هبذا الش�قي‪ .‬وف ًقا هلذا‪ ،‬فهنا ً‬
‫له بأن امللك الرشير يس�تغل أفعاله اخلرية من أجل أفعال رشيرة‪ .‬وبالفعل‪ ،‬مثل هذا الشخص‪،‬‬
‫ِ‬
‫مط�ار ًدا متعم�دً ا‪ ،‬وجيب إحلاقه بمجموعة أف�راد اململكة التي سنناقش�ها فيام بعد (لكن‬ ‫ال يع�د‬
‫جت�ب اإلش�ارة أنه يف الواقع احلايل‪ ،‬أي ش�خص يس�اعد اجلي�ش‪ ،‬يفعل ذل�ك يف وقت احلرب‬
‫واق لدولته)‪.‬‬ ‫وليس فقط من أجل توفري دفاع ٍ‬

‫‪268‬‬
‫‪ -7‬وقد وردت هذه الفرضية بخصوص املحاربني خاصتنا‪ ،‬وبسببها ُيسمح بقتل اجلندي‬
‫أيضا احلاخام نفتايل‬
‫خاصتنا الذي هيرب من املعركة كام ورد يف فصل «سوطا» ؛ وهو ما رشحه ً‬
‫تسيفي هيودا برلني )*(‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واش ُيقتل‬ ‫(وأيضا يف رأي معلمنا آشري )**( بأن من ث ُبت أنه‬
‫ً‬ ‫‪ -8‬راجع «شوحلان عاروخ»‬
‫بشكل غري مبارش ؛ ألنه ليس مؤكدً ا أنه سيكررها‪ ،‬إال أن حكامءنا‪ ،‬طيب اهلل ثراهم‪ ،‬أفتوا بذلك‬
‫أيضا‪ ،‬من يقوم بالتهديد بأنه سيقوم‬ ‫إلبعاد األش�خاص عن هذا ؛ لكن ببس�اطة أنه وف ًقا ملنهجه ً‬
‫بالوش�اية‪ُ ،‬يس�مح بقتله مبارشة‪ ،‬كما رشحت اجلامرا يف باب�ا قاما ‪ ،1 :116‬وقال�ت‪ :‬إن الرايب‬
‫كاهانا قتل مبارشة من هدد بالوشاية)‪.‬‬
‫‪ -9‬التوسافوت حتدثت مع مصادر أخرى عن خالفهام الذي ناقشناه يف الفصل الثاين‪.‬‬
‫‪ – 10‬وبالفع�ل علين�ا أن نفرس ثانية ما أوردته «التوس�افوت» هن�ا؛ ألن األمر يبدو صع ًبا‬
‫ألول وهلة‪ :‬ملاذا ُيس�مح ألنطونيوس أن ُي َع ِّرض عبيده ملوقف يكونوا مش�تبهني فيه فيتعرضون‬
‫للخط�ر‪ ،‬ومن ث�م يقتلهام؟ حتى ال يذهب ملنزل الرايب‪ ،‬بحيث ال يضطر للتعرض هلذا املوقف؛‬
‫لكن «التوسافوت» فهمت أن األمر مباح ألن زيارات أنطونيوس للرايب ال غنى عنها له‪ ،‬سواء‬
‫م�ن أجل�ه أو من أجل العامل الذي س�يتم إصالحه عندما يعلن قيرص روم�ا توبته‪ ،‬لذا فإنه جيوز‬
‫له االس�تمرار فيام يفعل�ه‪ ،‬وإذا صارا مطاردين‪ ،‬عليهام حتمل العواقب (األمر يش�به ما رشحناه‬
‫يف الفصل الثاين مع هناية الفقرة الثالثة عرشة حول قتل أهل ش�كيم بحس�ب رأي الرايب موسى‬
‫بن نحامن)‪.‬‬
‫‪ -11‬ويف تفسري الرايب مائري إريك لكتاب «حسيديم» (النسخة اخلاصة بمؤسسة احلاخام‬
‫كوك)‪ ،‬فهو قد أشار إىل «التوسافوت» يف فصل «عفودا زارا»‪.‬‬
‫‪ -12‬وهذا ما يش�به ما ورد يف كتاب «أور هحاييم» الذي فرس لنا أهنم حاولوا الدفاع عن‬
‫شكيم ومحور‪ ،‬ولكنهم ُقتلوا‪.‬‬
‫‪ -13‬ويف حتديثات الرايب يوم طوف بن أفراهام (اإلش�بييل) حول «عفودا زارا» (‪)1 :26‬‬
‫حيث كتب‪« :‬وهناك من يس�مح بإعطاء الطفل اليهودي الم�رأة من األغيار لرتضعه‪ ،‬ولكنهم‬
‫أيضا أنه ثمة شك أن هذا سيعرض الطفل للخطر يف املستقبل»‪.‬‬ ‫يقولون ً‬
‫)*( نفتايل تسيفي هيودا برلني‪  :‬من كبار احلاخامات‪ ،‬رئيس مدرسة لوزين الدينية الشهرية‪ ،‬وتويف يف عام ‪1893‬م‪.‬‬
‫)**(  آشري بن حييئيل من أوائل الرشاح يف القرن الرابع عرش‪.‬‬

‫‪269‬‬
‫‪ -14‬اختلف حافت يائري نفسه عىل هذا كام سنورد الح ًقا‪.‬‬
‫‪ – 15‬هكذا ورد يف «حايي آدام» رشائع الصيصيت القاعدة رقم ‪ 11‬الفقرة ‪ ،42‬وبإسهاب‬
‫أكثر يف كتابه «بينات آدام»‪« :‬ها نحن نختيل باألغيار‪ ،‬رغم أن هذا ال جيوز؛ ألهنم مش�تبه فيهم‬
‫بأهنم يسفكون الدماء‪ ،‬ويتم عقاهبم أشد العقاب؛ ألهنم يستحلون دماء اليهودي»‪.‬‬
‫‪ -16‬الرمز ‪« :20‬راجع يف «حايي آدام» الذي كتب عن سفك الدماء»‪.‬‬
‫‪ -17‬وه�ذا رأي «حاف�ت يائري» نفس�ه يف الرمز ‪ ،72‬يف رده عىل ال�رايب ميئري‪ ،‬ومن بني ما‬
‫يقول‪« :‬كان العقاب يتم حينها رغم عدم وجود اش�تباه يف سفك الدماء‪ ،‬ولكن ثمة خماوف مع‬
‫أمرا فظي ًعا‪ ،‬لذلك مل يتحدث‬
‫ذلك‪ ،‬ويبقى فحسب الشك يف معارشة األغيار للبهائم؛ ألنه يظل ً‬
‫«شوحلان عاروخ» عن أي ختفيف للعقوبة عىل رجل أو امرأة إرسائيلية‪ ،‬رغم أن الفقرة تتحدث‬
‫أيضا»‪.‬‬
‫عنهام ً‬
‫‪ -18‬ويفرس مائريي عن السنهدرين (‪ )1 :72‬أن هذا هو مصدر ما ورد يف اجلامرا من أن‬
‫التوراة قالت‪« :‬إذا جاء لقتلك أرسع بقتله»‪.‬‬
‫‪ -19‬ونلف�ت االنتب�اه إىل أن الرايب موس�ى ب�ن نحامن يف حديثه عن ش�كيم (تكوين ‪،34‬‬
‫‪ ،)13‬يق�ول إن التس�بب يف أذى ه�و تنفيذ إلحدى فق�رات رشيعة األح�كام‪ ،‬وليس الرسقة ؛‬
‫أيض�ا ما جاء يف‬
‫على كل ح�ال فم�ن يفعل هذا يس�تحق القتل؛ ألن هذا ذن�ب متعمد (وراجع ً‬
‫«التوسافوت» يف «بابا متسيعا» ‪.)2 :70‬‬
‫‪ -20‬كما تم تفسيره يف «عف�ودا زارا» ‪ ،2 :53‬ويف («بابا بترا» ‪1 :118‬ـ‪ )2‬؛ وراجع ما‬
‫ورد حول سفر صموئيل والقضاة‪ .‬وقد أسهبنا يف تفسري هذ األمر يف مقال «ملكية األرض»‪.‬‬
‫‪ -21‬ويصع�ب ختيل حرب مع أمة من األغيار ال يكونون قد تعدوا عىل الوصايا الس�بع؛‬
‫أيضا لن يبدءوا بمحاربتنا إذا كانوا‬
‫ألنه ال يوجد سبب ملحاربتهم‪ ،‬وبالتاىل فاألمر حمظور ؛ وهم ً‬
‫فعلاً حيافظون عىل وصايا نوح السبع‪.‬‬
‫باإلضاف�ة إىل أنه جتدر اإلش�ارة إىل أنه إذا كانت األمة تضم قل�ة من األغيار حيافظون عىل‬
‫خطرا عىل‬
‫الوصايا الس�بع‪ ،‬فمن الطبيعي أن هؤالء األغيار مشكوك فيهم بشكل أقل يف كوهنم ً‬
‫إرسائيل‪ ،‬ونسبة كوهنم ِ‬
‫مطاردين لنا فيام بعد هي قليلة مقارنة ببقية األغيار‪ ،‬كام ذكرنا(وسنناقش‬
‫الح ًقا عد ًدا من املربرات تسمح بقتلهم يف وقت الرضورة)‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫‪ – 22‬وقد أسهبنا فيام قال الرايب موسى بن نحامن يف الفصل الثاين (يف الفقرة ‪.)13‬‬
‫وجيب مالحظة أننا نرى من الرايب موس�ى ب�ن نحامن أنه ليس ثمة رضورة أن نعرف مجيع‬
‫التفاصي�ل‪ ،‬متى وكيف تعدى عىل الوصايا الس�بع؛ ألن ش�معون وليف�ى بالتأكيد مل يعلام كيف‬
‫تعدى كل فرد من أهل ش�كيم عىل الوصايا الس�بع ؛ إال أن كوهنم جز ًءا من أهل شكيم جيعلهم‬
‫يستحقون القتل (وراجع يف الفصل الثاين حول القضية ذاهتا يف ‪.)15‬‬
‫‪ – 23‬يف بداية الفصل العارش من رشائع عبادة األوثان‪.‬‬
‫‪ -24‬ثمة إش�ارة لألمر لدى الرايب موس�ى بن ميمون الذي قال إن «مجيع أصحاب شكيم‬
‫يس�تحقون القتل»‪« .‬أصحاب ش�كيم» هو تعبري مستقى من سفر القضاء (اإلصحاح التاسع)‪،‬‬
‫ال�ذي يصف رجال املدينة بأهنم أصحاب املدينة؛ ألهنم من قرروا من س�يبقى يف املدينة‪ .‬وأراد‬
‫الرايب موس�ى بن ميمون القول بأن أهل ش�كيم حددوا بأفعاهلم واقع عدم اس�تجابتهم ملا فعله‬
‫شكيم‪ ،‬وال يستطيعون الزعم بغري ذلك‪ ،‬كام فرسنا يف املتن‪.‬‬
‫‪ -25‬يف هذا الس�ياق جيب تفسير أقوال الرايب موسى بن ميمون يف بداية الفصل السادس‬
‫م�ن رشائع اآلراء‪« :‬يتم خلق اإلنس�ان ليك�ون مرتب ًطا بأفعال وآراء أصحاب�ه وأقرانه‪ ،‬وينتمي‬
‫لع�ادات أه�ل دولت�ه‪ ،‬ولذلك فعىل كل ش�خص أن يكون على اتصال بالصاحلين‪ ،‬واجللوس‬
‫يف حضرة احلكماء للتعل�م منهم‪ ،‬والبعد ع�ن األرشار»‪ .‬ولذلك فإذا كان ثم�ة ُأناس صاحلون‬
‫يعيشون يف دولة ظاملة‪ ،‬عليهم الذهاب إىل مكان يمتلئ بالصاحلني‪ ،‬وإذا مل يستطيعوا فعل هذا‪،‬‬
‫فليعيشوا وحدهم»‪.‬‬
‫‪ -26‬نرشح تلك األقوال أكثر‪ :‬أدرك الرايب موسى بن ميمون أنه يستحيل قتل أهل شكيم؛‬
‫ألهنم يتعدون بشكل عام عىل الوصايا السبع‪ ،‬رغم أن هذه اجلرائم هي ما خلقت لشكيم اجلو‬
‫املناسب لريتكب فعلته‪.‬‬
‫بمعنى أن كل فرد من األغيار بتعديه عىل الوصايا الس�بع‪ ،‬يس�اهم بشكل أو بآخر يف خلق‬
‫جو عام يؤثر عىل بقية األغيار يف أي مكان‪ ،‬لكن بحس�ب الرايب موس�ى بن ميمون‪ ،‬ال ُيس�مح‬
‫بقتل مجيع األغيار يف دول جماورة‪ ،‬بل فقط أهل املكان‪ ،‬أهل شكيم يف هذه احلالة‪.‬‬
‫‪ – 27‬وبطبيعة احلال‪ ،‬ال نرسع يف قتلهم؛ ألهنم تعدوا عىل الوصايا الس�بع فحس�ب وف ًقا‬
‫لآلراء املختلفة‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫‪ -28‬راجع «بابا برتا» ‪ ،47‬هناية الصفحة الثانية‪.‬‬
‫‪ – 29‬كما فهمن�ا من الفصل الثالث (الفقرة ‪ )23‬عندما ناقش�نا مس�ألة من يغلق الطريق‪،‬‬
‫ِ‬
‫مطار ًدا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املطارد السلبي يعد‬ ‫وتوصلنا إىل أن‬
‫‪ -30‬وثم�ة حتدي�ث ل�دى اليه�ود يف مقاب�ل األغي�ار‪ ،‬بخلاف م�ا قال�ه الرايب ش�موئيل‬
‫شنيئورس�ون؛ ألن�ه حتى وف ًقا ملا قاله‪ ،‬فإنه حُيظر عىل غير هيودي ثالث أن يتدخل ليقتل واحدً ا‬
‫م�ن أج�ل إنقاذ الثاين‪ ،‬وهو األم�ر الذي خيتلف يف حال�ة اليهود‪ ،‬فكل اليهود مأم�ورون بإنقاذ‬
‫اليه�ود‪ ،‬حت�ى وإن كان الثمن هو حياة غير اليهودي‪ .‬وعىل كل حال‪ ،‬فف�ي وقت احلرب يعد‬
‫مطاردين‪ ،‬وليس ثمة موضع للتفرقة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اجلميع‬
‫‪ – 31‬وم�ا كتبن�اه يف امللحوظ�ة ‪ ،16‬م�ن أن هن�اك فرضيات تق�ول بعدم اس�تخدام هذه‬
‫الرخص�ة يف مجي�ع احلاالت – هذه الفرائض ال ترتبط بوقت احلرب؛ ألهنا تتأس�س عىل حقيقة‬
‫أن�ه ُيس�مح بفعل كل يشء من أجل اس�تقرار الع�امل‪ ،‬وىف وقت احلرب ـ حتدي�دً ا القتل من هذا‬
‫النوع هو الذي سيؤدي إىل استقرار هذا العامل‪.‬‬
‫أيضا كتاب «يس�ود مورا» للرايب أفراهام بن ع�زرا )*(‪« :‬وذكر مغزيني حول‬
‫‪ – 32‬راج�ع ً‬
‫جمموعة املديانني‪ :‬األول‪ :‬أمر جلل‪ ،‬والثاين‪ :‬أنه يف نيتهم إيذاؤكم بعد موت بنت رئيسهم»‪.‬‬
‫وهوم�ا يتف�ق مع م�ا ذكرن�اه‪ :‬أولاً ‪ :‬هم يس�تحقون القتل على كوهنم خمطئين‪ ،‬ويؤثرون‬
‫بالس�لب عىل غريهم‪ .‬ثان ًيا‪ :‬ال جيب أن نتوقع أننا نس�تطيع إصالحه�م ودفعهم إىل التوبة‪ ،‬فهم‬
‫يضمرون لنا الرش‪.‬‬
‫أيض�ا بخصوص‬
‫‪ -33‬تق�ول ه�ذه الفرضي�ة إن�ه ال جيب أن نتوق�ع منهم توب�ة صحيحة ً‬
‫الرضع‪ ،‬كام سنرشح يف هناية الفصل‪.‬‬‫األطفال ُّ‬
‫‪ – 34‬الت�ي ورد فيه�ا‪« :‬فالذي خاف كلمة الرب من عبيد فرعون هرب بعبيده ومواش�يه‬
‫أيضا ما جاء‬
‫إىل البيوت» (اخلروج ‪ ،)20 :9‬وكذلك العبيد واملوايش مل متت بسبب الوباء (انظر ً‬
‫يف الرايب شلومو بن يتسحاق ‪.)10 :9‬‬
‫أيضا يف «هبايت يوس�ف»‪« ،‬يوريه ديع�ا» ‪ ،158‬يف الكلامت التي تبدأ‬
‫‪ – 35‬وه�و مثب�ت ً‬
‫بـ «وما كتب»‪.‬‬
‫)*(  الرايب أفراهام بن عزرا‪ :‬من شعراء العرص األندليس‪ ،‬لغوي وفيلسوف يف القرن الثاين عرش‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫«أيض�ا يف رشح «هبايت يوس�ف» لكلمة‪ :‬ال‬‫‪ -36‬وه�ذا م�ا قاله بخص�وص موضوعنا‪ً :‬‬
‫ختفضوا‪ ،‬يقول أن األمر جيوز‪ ،‬وىف كتاب «األعمدة الذهبية» نجد ثمة اختال ًفا مع كتاب «سفتي‬
‫كوهني»‪.‬‬
‫وتفسير كالم�ه‪« :‬وف ًقا ملنهج كل من «هبايت يوس�ف» و«س�فتي كوهين» (كام تعلمنا يف‬
‫الفصل الثاين)‪ُ ،‬يس�مح بقتل غري اليهودي الذي ال حيافظ عىل الوصايا الس�بع‪ .‬وتش�دد يف هذا‬
‫الشأن كتاب «كوس يشوعوت )*(»‪« :‬تشددت «التوسافوت» يف فصل «عفودا زارا ‪،»2 – 26‬‬
‫يف تفسير كلم�ة «ال ختفضوا» من خالل مقولة «أفضل م�ن يف األغيار ُيقتل»‪ ،‬وبرروا األمر بأن‬
‫واضحا ما هو األمر الذي‬
‫ً‬ ‫هذا يكون يف س�اعة احلرب‪ .‬لكن بحس�ب «هبايت يوسف»‪ ،‬مل يكن‬
‫ختفضوا» ليس إلزا ًما‪ ،‬وليس ثمة تناقض بني هذه‬‫يصعب عىل «التوسافوت» استيعابه‪ ،‬فإن «ال ِ‬
‫الكلم�ة وبين مقولة «أفضل م�ن األغيار ُيقتل»! ويفسر كتاب «يد إلياه�و»‪ ،‬أن «األفضل من‬
‫األغي�ار ُيقتل»‪ ،‬ال يقترص األمر عىل أهنا ليس�ت إلزا ًما‪ ،‬بل ه�ي «بمثابة النصيحة ألول وهلة»‪،‬‬
‫وأن هذا بالفعل ما يمكن فهمه من إضافة الكلامت ملقولة «أفضل األفاعي حتطم خمها»‪ ،‬ولذلك‬
‫ختفضوا»‪ ،‬أي أنه ليست ثمة‬ ‫وجدت «التوس�افوت» صعوبة يف كون هذا يتناقض مع حكم «ال ِ‬
‫إلزام يف األمر‪.‬‬
‫ول�ذا ت�م تربير األمر بأن «أفضل م�ن يف األغيار ُيقتل»‪ ،‬هذا يف وق�ت احلرب؛ ألنه حينها‬
‫بالفعل ثمة إلزام يف األمر‪.‬‬
‫لزم‪ ،‬ف�إذا كان هناك ختوف كبري عىل حي�اة هيودي‪ ،‬علينا‬ ‫‪ -37‬ونفه�م أن ه�ذا االقرتاح ُم ِ‬
‫إزال�ة ه�ذا اخلطر بطريقة رشعية (وكام هو مثبت يف املالحظة الس�ابقة باعتب�ار أن هذا االقرتاح‬
‫ملزم‪ ،‬وليس فقط جمرد نصيحة ؛ واملقصود من كلمة «اقرتاح» أن التوراة مل تأت بوصية جديدة‬ ‫ِ‬
‫هن�ا‪ ،‬ب�ل هي تعلمن�ا كيف نتعامل مع الواقع فحس�ب‪ ،‬وبالت�ايل فنحن نتعلم م�ن هذا ما جيب‬
‫فعله)‪.‬‬
‫أيضا‪ ،‬وليس األغيار فحسب‪.‬‬
‫‪ – 38‬ويف هذه احلالة مباح قتل إرسائيل ً‬
‫‪ – 39‬أي أن مقص�ده ببس�اطة بكلامت «غير اليهودي الذي يف احلرب بني س�ائر األغيار‬
‫املحاربين»‪ ،‬هو ش�خص موج�ود هنا بالفع�ل‪ ،‬لكنه ليس ضم�ن «املقاتلني»‪ ،‬بل هو فحس�ب‬
‫)*(  كوس يشوعوت‪ :‬هو أحد أجزاء كتاب «أسطورة الكؤوس األربعة» للرايب شلومو ففنهايم (‪1814 – 1740‬م)‪،‬‬
‫والذي يناقش مواجهة اإلنسان ملصريه بأسلوب يمزج بني الواقعية والرومانسية من خالل عدة مراحل متثلها هذه‬
‫الكؤوس‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫عدوا‪ ،‬بالتأكيد أنه س�يعد حينها‬
‫موجود بجوارهم ؛ ألنه إذا كان ضمن املحاربني (أي جندى) ًّ‬
‫«شخصا صاحلًا»‪ ،‬كام ذكرنا سال ًفا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫مطار ًدا‪ ،‬ويستحيل تسميته‬
‫‪ – 40‬وورد كذلك يف «بئري هجوال )*(»‪ ،‬الفقرة الس�ابعة ؛ وبطريقة متش�اهبة كتب الرايب‬
‫«زئيف يابتس )**( «يف مالحظاته عىل كتاب «شيفيط ميهودا )***(»‪ ،‬وىف مصادر أخرى‪.‬‬
‫‪ – 41‬جي�ب التحذي�ر قبله�ا؛ ألن اليهود يف قلوهب�م رمحة ويميلون لفعل اخلري‪ ،‬وبحس�ن‬
‫ني�ة يعتق�دون أن األغيار مثلهم‪ ،‬وبالتايل يتم التعامل معهم بحس�ن ني�ة ؛ وال يدركون أن واقع‬
‫األغي�ار أم�ر خمتلف؛ ألهن�م بطبعه�م ال حيملون رمح�ة بداخله�م‪ ،‬والرصامة هي الت�ي تخُ ِضع‬
‫رغبته�م الرشيرة وتس�مح بإصالحهم‪ .‬ثم�ة مثال هلذا اخلطأ نجده يف قص�ة امللك آحاب الذي‬
‫أيضا أدرك األخري‬
‫تعامل بحسن نية مع ملك آرام (ملوك أول‪ ،‬اإلصحاح العرشون)‪ ،‬وحينئذ ً‬
‫أيض�ا يف زمننا هذا نرى إىل أي‬
‫أن املل�ك اليهودي فعل ما فعله ألن اليهود «رمحاء»؛ ولألس�ف ً‬
‫مدى صدقت املخيلتا واملش�ناه يف هذا‪ ،‬إىل أي مدى الرصامة تخُ ِضع رغبتهم الرشيرة وتس�اهم‬
‫يف إصالحه�م‪ ،‬وإىل أي مدى من يفعل هذا يس�فك دم إرسائي�ل (وقد حذر الرايب مليوفافيتش‬
‫كثريا من هذا)‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ – 42‬ببس�اطة‪ ،‬فإن ش�عب العامليق وبعض الشعوب األخرى اس�تحقت القتل؛ ألننا قد‬
‫ُأمرن�ا بع�دم احلفاظ عىل حياة األمم الس�بع وش�عب العامليق‪ .‬وق�د ورد أن داود قتل كل رجل‬
‫وام�رأة حت�ى ال ي�رووا هذا ألخي�ش‪ ،‬أي أن داود ح�رص عىل ذلك‪ ،‬رغم أن ه�ؤالء الناس مل‬
‫يكونوا ضمن هؤالء الشعوب السبع‪ ،‬بل كانوا يعيشون بجوارهم؛ ألن ثمة شك يف أن يذهبوا‬
‫ليحكوا ما حدث للملك أخيش‪ ،‬وهو ما س ُي ِ‬
‫عرض داود ورجاله للخطر‪.‬‬
‫‪ – 43‬ويف ه�ذا الس�ياق يبدو لنا بوضوح اإلل�زام بقتل كل ذكر يف احلال�ة التي نحتل فيها‬
‫أرضا ختص العدو‪ ،‬الذي مل يس�تجب لدعوتنا للسلام ؛ ألن بقاء هؤالء الذكور الكبار سيمثل‬ ‫ً‬
‫خطورة عىل سلطاننا يف نفس املوضع‪ .‬لكننا لن ندخل يف إيضاح هذا احلكم الذي يتعلق بحرب‬
‫احتالل وليس بـ «مساعدة إرسائيل من أيدي العدو»‪ ،‬كام كتبنا يف املقدمة‪.‬‬

‫)*( «بئري هجوال»‪ :‬أحد أعامل الرايب هيودا ليفا بن بتسلئيل‪ ،‬ويناقش فيه مسألة حرية التعبري والرقابة عىل اإلبداع‬
‫الديني‪.‬‬
‫)**( هو الرايب يعقوب عمدين بن تسيفى‪ :‬رجل دين وباحث يف القرن ال ‪.18‬‬
‫)***(  «شيفيط ميهودا»‪ :‬هو كتاب من تأليف الرايب أفراهام اجير ملوبلني‪ ،‬ويناقش فيه عد ًدا من األمور الفقهية‪.‬‬

‫‪274‬‬
‫‪ – 44‬يتعل�ق األم�ر بغري البالغني‪ ،‬وال نقصد س�نًّا حمددة ؛ ألنه ل�دى األغيار ال يتم حتديد‬
‫والص َغر كام يتم األمر لدى اليهود‪ ،‬بل بحسب ذكاء وفطنة كل شخص‪.‬‬ ‫البلوغ ِ‬

‫‪ – 45‬وجيب مناقشة ما إذا كان احلظر يتعلق فقط بعبدة األوثان‪ ،‬أو بكل األغيار الذين ال‬
‫حيافظون عىل الوصايا السبع ؛ راجع هذا يف كتاب «بري جماديم»‪.‬‬
‫‪ – 46‬وببس�اطة فه�م يربح�ون من ه�ذا‪ ،‬إهنم لن يكبروا بطريقة غري صحيح�ة‪ ،‬وبالتاىل‬
‫س�نضطر إىل قتله�م (مثل قصة مورير وس�ورير)‪ .‬ويبدو أن هذا كان مقص�د معلمنا بحايي يف‬
‫بداي�ة كلامت�ه «ألن الرب تبارك وتعاىل يس�تأصل جذور قوهتم من أعىل‪ ،‬ما نفعله هلم بأس�فل‪،‬‬
‫كأننا مل نفعل شي ًئا»‪ ،‬أي‪ :‬ألنه أمر مفروغ منه‪ ،‬جيب استئصال جذور هذه األمة وقوهتا الروحانية‬
‫كلها (أي مجيع قادهتم وزعامئهم)‪ ،‬لن جيد هؤالء األطفال مكانًا يعيشون فيه عيشة صاحلة؛ لذا‬
‫فمن األفضل قتلهم من اآلن‪.‬‬
‫‪ – 47‬مث�ال مش�ابه‪ :‬قت�ل الرب مجيع أه�ل آحاب‪ ،‬ويبدو م�ن الفقرات أن�ه قتل األطفال‬
‫ث�ان ‪ .)1-11 ،9-9‬ويبدو كذلك‬ ‫أيض�ا‪ ،‬ومل يبق عىل أي بقايا لنس�ل آحاب (مل�وك ٍ‬ ‫الرض�ع ً‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أنه لوال فس�اده‪ ،‬لكانت أفعاله صاحلة ومقبولة ؛ وببس�اطة فهو يقتلهم‪ ،‬حتى ال يكربوا فيمثلوا‬
‫خطرا يف املستقبل علينا‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ – 48‬باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬وجدنا أنه ثمة مفهوم للقتل وف ًقا للحظر‪ ،‬كام قال الرايب موسى‬
‫ب�ن نحمان (الالويني ‪ )29 :27‬عن احل�رب مع الكنعاين ملك عراد (الع�دد ‪...« :)3-1 :21‬‬
‫ي ِّرم الشخص الذي ال خيصه مثل املحاربني ومن ينذرون النذور (إذا أعطيتني هذا الشعب‬ ‫من حُ َ‬
‫يف ي�دي فأقوم بتحريم مدهنم) – يموت كل فرد منهم؛ ألنه نوى تدمري األعداء»‪ .‬يبدو بالفعل‬
‫أنه ليس ثمة س�بب للسامح بالقتل‪ ،‬إال يف وضع يكون فيه ثمة احتامل بالسامح هبذا – فالتحريم‬
‫يضي�ف رصامة وإلزا ًما ؛ ولذلك مل نُس�هب يف هذا هنا‪ ،‬وسنس�هب ـ ب�إذن اهلل ـ يف األمر عندما‬
‫نناقش مسألة امللكية والشعب لدى إرسائيل (ألنه هناك يكمن التحديث اخلاص بالتحريم)‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪275‬‬
‫‪‬‬
‫الفصل السادس‬

‫تعمد إيذاء األبرياء‬

‫ناقش�نا يف الفص�ل الس�ابق إحل�اق األذى باألغي�ار يف احل�رب‪ ،‬ورأينا أن�ه بخالف رشور‬
‫األغي�ار‪« ،‬ال�ذي يتجىل وقت احلرب»‪ ،‬كان هناك بعض املواضع الت�ي أبحنا فيها قتل األبرياء‪،‬‬
‫إذا كان عدم قتلهم سيس�اعد العدو‪ .‬س�نناقش يف هذا الفصل احلاالت التي ن ِ‬
‫ُلحق فيها األذى‪،‬‬
‫حتديدً ا‪ ،‬باألبرياء‪ ،‬وسنوضح متى تكون هناك رضورة لفعل هذا‪.‬‬

‫‪ -1‬قتل األبرياء من مملكة صاحلة ‪ -‬عرض التساؤل‬


‫سنتطرق يف البداية إىل هؤالء الذين نحن عىل يقني أهنم أبرياء؛ ألن مملكتهم تؤذي أفرادها‪،‬‬
‫وهم ال حول هلم وال قوة‪ .‬فاململكة تأخذ رجاهلا وجتربهم عىل اخلروج إىل احلرب التي تتعرض‬
‫(‪)1‬‬
‫فيها حياهتم إىل خطر كبري يصل إىل حد القتل‪.‬‬
‫ل�زم امللك رج�ال مملكته عىل اخلروج للح�رب وتعريض حياهت�م للخطر؟ نحن ال‬ ‫مل�اذا ُي ِ‬
‫نتح�دث هنا عن إحلاق األذى بش�خص م�ا؛ ألن وجوده يعيقنا عن قت�ل األرشار ؛ لكن األمر‬
‫يتعلق باستغالل حياة بريء إلحلاق األذى بامللك‪.‬‬

‫الملك‬
‫‪ -2‬ضرورة ُ‬
‫نالحظ أن خوض حرب هجومية هي رضورة مثبتة لإلنس�ان بش�كل عام‪ ،‬ونتوسع قليلاً‬
‫يف رشح األمر‪:‬‬
‫من�ذ أن قت�ل قابيل هابي�ل(‪ ،)2‬وثمة خطر كبري حيدق بسلامة اإلنس�انية‪ ،‬وهو خطر القتل‬
‫والعنف‪ ،‬وكام ورد يف اجلامرا يف «عفودا زارا (‪:»)1 :4‬‬

‫‪277‬‬
‫«ويفعل اإلنس�ان كالس�مك يف امل�اء» فالس�مكة الكبرية تبتل�ع أصحاهبا من‬
‫األسماك الصغرية‪ ،‬ولوال اهللع واخلوف من املالئكة‪ ،‬البتلع اإلنسان الكبري أخاه‬
‫الصغير‪ .‬وهنا يقول الرايب حنينا نائب الكهنة كنا نصيل بصدق للمالئكة‪ ،‬ولوال‬
‫خوفنا منهم النترص الرش عىل اإلنسان‪.‬‬
‫تاري�خ اإلنس�ان خيربن�ا بضعف�ه أمام الشر‪ ،‬فالضعي�ف جيد صعوب�ة يف مواجه�ة القوي‪،‬‬
‫والصادق أمام املجرم والقاتل والسارق‪.‬‬
‫دائم ا هي من توقظ الضامئر‪ ،‬وتنبه اإلنس�ان إىل أنه يرتك�ب ذن ًبا‪ ،‬وتؤيد‬
‫وكان�ت املالئك�ة ً‬
‫النواي�ا احلس�نة وترفض نظريهتا الرشي�رة‪ ،‬وحتذر األخيار من األرشار لئلا يبتلعوهم‪ ،‬وهتدف‬
‫دائم�ا إىل إصلاح الن�اس بش�كل عام‪ ،‬وكام تشير اجلمارا يف فصل «آف�وت ‪:»2 – 3‬‬ ‫املالئك�ة ً‬
‫«الصالة بصدق للمالئكة»‪.‬‬
‫وكام يقول الرايب موسى بن ميمون يف «موريه نفوخيم» (الفصل الثالث‪:)40 ،‬‬
‫ينش�أ اإلنسان عىل فطرته [طبيعة اإلنسان تلزمه باتباع أقرانه]‪ ،‬وطبيعته كبقية‬
‫أصحابه وليس�ت كبقية البرش‪ .‬ال يمكن بش�كل عام إلنس�ان قتل صاحبه إال إذا‬
‫أم�ره قائد يطي�ع ما يقوله‪ )3( .‬وتلك هى طبيعة اإلنس�ان‪ ،‬فالبع�ض ُخلق ليكون‬
‫قائ�دً ا‪ ،‬والبعض اآلخر عليه أن يتبع ه�ؤالء القادة‪ ...‬ومنهم من ُخلق وثمة إلزام‬
‫عليه بفعل أمر حمدد‪ ...‬وهناك ملوك تطيع اهلل‪ ،‬وهناك من خيالفه‪.)4( .‬‬
‫وكام جاء يف كتاب هحينوخ (رشيعة ‪:)46‬‬
‫ن ِ‬
‫ُظه�ر للجمي�ع أن امللك حيك�م األرض كله�ا‪ ،‬ولواله لقتل الن�اس بعضهم‬
‫أمرا مباركًا‪.‬‬
‫البعض‪ ،‬ولصار القتل ً‬
‫مستقرا وهادئًا‪ ،‬وهو ما يعود باملصلحة‬
‫ًّ‬ ‫بدون سلطة مركزية‪ ،‬ال يمكن أن يصري وضع اإلنسان‬
‫ي ِّسن هذا من خلقه ليصري أقوى‪ ،‬فيصري هناك ملوك أصحاب نفوذ وقوة‪.‬‬ ‫عىل اجلميع‪ ،‬كام حُ َ‬
‫ومن هنا‪ ،‬فإنه ثمة رجال يف هذا العامل مس�تعدون للتضحية يف احلرب بأية وسيلة‪ ،‬فامللوك‬
‫حيارب�ون حتى الرمق األخري‪ ،‬لكن ثم�ة احتامل أن يكون هناك إكراه للموت أو للتعرض خلطر‬
‫كبير من أج�ل امللوك‪ .‬ففي احل�رب‪ ،‬ثمة خماطر كبرية وكثيرة‪ ،‬ويمكن يف س�اعة اخلطر إجبار‬
‫اجلندي عىل البقاء يف س�احة املعركة ليح�ارب‪ ،‬وإن كان ذلك األمر يعد بمثابة إضعاف ملوقف‬
‫امللك القوي‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫لك�ن ُيس�مح باالنتح�ار أو التضحي�ة بالنفس (حتى ول�و ليس من أجل املل�ك)(‪ ،)5‬ولو‬
‫حدث أن امللك انتحر أو ضحى بنفسه بني جنوده‪ ،‬فإن هذا هو األمر الصواب ؛ لكن التضحية‬
‫بالنف�س ال تربر تعريض جي�ش كبري صاحب عدد كبري من الرج�ال للخطر‪ .‬اجليش والرشطة‬
‫ينط�وي العمل فيهام عىل إجبار وعىل تضحية بالنفس كبرية‪ ،‬لكن هذا ال يش�مل االنتحار‪ ،‬وال‬
‫يمكن إقامة ُملك يف ظل عدم وجود رشطة وجيش (‪.)6‬‬
‫ونجم�ل الق�ول‪ :‬إذا كان ثمة ملك ال يس�تطيع إجبار مواطنيه من أج�ل احلرب‪ ،‬فإن قوته‬
‫تصري حمدودة‪ ،‬وليس ثمة شك أنه إن عاجلاً أو آجلاً ‪ ،‬لن يستطيع الصمود أمام األرشار الذين‬
‫لن يرتددوا يف إيذاء األرواح من أجل حتقيق نرص‪.‬‬

‫‪ -3‬مجاعة ومملكة‬
‫وفقا ملا كتبناه س�اب ًقا‪ ،‬يتضح أن إقامة ُملك هلو أمر يش�به وضع مجاعة من الناس تطبق مبدأ‬
‫«الفرد يضحي لصالح املجموع»‪ .‬وإذا مل يكن للملك قوة اإلجبار واإلكراه ـ سيكون مجيع أهل‬
‫مملكت�ه يف حالة خوف من املوت بس�بب انتص�ار األرشار يف العامل‪ .‬فالشر يف العامل يضعنا أمام‬
‫وض�ع يصير رضور ًّيا فيه أن يتم التضحية بالبع�ض من أجل صد األرشار – وإذا مل حيدث هذا‬
‫سيموت اجلميع وستصري فوىض وهرج ومرج ينتهى إىل انتصار األرشار‪.‬‬
‫ماذا يكون احلكم يف حالة «امنحونا واحدً ا منكم لنقتله»‪ ،‬أي احلالة السابقة‪ ،‬لدى األغيار؟‬
‫أيضا بحس�ب‬ ‫«تناولن�ا فيما س�بق (يف الفصل الثالث‪ ،‬الفق�رات ‪ )9-8‬هذه املس�ألة‪ ،‬وأوضحنا ً‬
‫«باراشات دراخيم» أن األغيار ملزمون ببذل النفس عن القتل‪ .‬ويف مثل هذه احلالة‪ ،‬يتفق احلكامء‬
‫يف أنه يمكن عمل قرعة لتحديد الش�خص الذي س�يضحي بحياته من أجل البقية؛ ألن الفرضية‬
‫هي احلل املطلوب‪ ،‬وتعلمنا هنا أن الفرضية هي معيار احلكم يف مثل هذه احلالة لدى األغيار‪.‬‬
‫س�نطرح مثالاً هل�ذا النوع من ال ُقرع�ة‪ ،‬يف حالة زرع األعضاء‪ ،‬ففي ه�ذه احلالة يمكننا أن‬
‫نطي�ل م�ن حياة مجيع أفراد اململكة عن طريق إنش�اء «بنك التلقي�ح)*(»‪ ،‬أي‪ :‬أن كل فرد ملزم‪،‬‬
‫بأنه إذا تعرض إىل خطر وكانت حياته عىل وشك االنتهاء – أن يتربع بأعضائه ليطيلوا هبا عمر‬
‫أش�خاص آخري�ن‪ ،‬ومقابل هذا– إذا احتاج هو إىل زرع أعض�اء معينة‪ ،‬يمكنه أن حيصل عليها‬
‫من آخرين‪.‬‬
‫أيضا بنك األعضاء البرشية‪.‬‬
‫)*(  يقصد الكاتب بنكًا للحيوانات املنوية‪ ،‬وربام يقصد ً‬

‫‪279‬‬
‫ه�ذا األم�ر حمظور لدى اليهود؛ ألنه يف اللحظة التي ُيقتل فيها ش�خص من أجل احلصول‬
‫ش�خصا من أجل حياة ش�خص آخر‪ ،‬وهو األمر الذي‬ ‫ً‬ ‫عىل أعضائه‪ ،‬فإننا بذلك نكون قد قتلنا‬
‫حظرته مجيع كتب الفتاوى اليهودية‪ ،‬وسنس�هب بع�ون اهلل يف األمر أكثر عندما نناقش القانون‬
‫اجلنائي لدى اليهود‪ .‬أما لدى األغيار‪ ،‬فليس ثمة فرضية حلظر هذا‪ :‬فاجلميع لدهيم سريبح من‬
‫األمر‪ ،‬وىف هذه احلالة‪ ،‬ليس ثمة حظر لقتل شخص من أجل إنقاذ شخص آخر؛ ألنه ليس ثمة‬
‫فرضي�ة لوج�ود مثل هذا احلظ�ر‪ .‬الفرضية هى حتديدً ا‪ :‬السماح باألمر من أج�ل أن نربح حياة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫أيضا عندما ال نعرف عىل وجه الدقة‪ :‬من هؤالء الذين س�يموتون بعد عملية‬ ‫األم�ر مباح ً‬
‫اإلنقاذ‪ .‬عىل سبيل املثال‪ِ :‬هزة أرضية تُسقط بناية‪ .‬العرشات عالقون حتت األنقاض‪ ،‬وليس ثمة‬
‫طريقة إلنقاذهم بطريقة يدوية ومضمونة قبل أن يموتوا مجي ًعا من اجلوع أو الرشاب‪ .‬والوسيلة‬
‫الوحيدة إلنقاذهم هي اس�تخدام جرار القتحام البناية ونقل األنقاض‪ ،‬لكن بعضهم س ُيصاب‬
‫بس�بب األنقاض التي ستس�قط فوقهم(‪ .)7‬األمر مباح لدى األغي�ار‪ :‬فالقتىل ال يمكنهم الزعم‬
‫بأن «حياهتم أهم» يف مواجهة هؤالء الذين بقوا أحياء؛ ألنه بطبيعة احلال سيموت اجلميع لوال‬
‫ما حدث‪ ،‬ولذلك فإنه ليس ثمة فرضية حلظر األمر‪.‬‬
‫كما يمك�ن أن نق�رر م�ن البداي�ة أننا س�نعقد قرعة‪ ،‬أو تقس�يم اخلط�ر‪ .‬عىل س�بيل املثال‪:‬‬
‫مجاع�ة من الناس تسير يف الصحراء‪ ،‬ومي�اه الرشب التي بحوزهتم نف�دت‪ ،‬والطريقة الوحيدة‬
‫إلنقاذه�م ه�ي التوقف يف مكان مأهول‪ ،‬لكن الطريق إىل هذا املكان ميلء باألس�ود املفرتس�ة‪.‬‬
‫ومن أجل أن ينقذوا أنفس�هم من خطر هؤالء األس�ود‪ ،‬عليهم أن يضحوا بأحدهم لتأكله تلك‬
‫احليوان�ات املفرتس�ة‪ ،‬ويتم إنقاذ حي�اة البقية‪ .‬فقامت اجلامعة بتحديد الضحية بحس�ب الوقت‬
‫الذي س�تهامجهم فيه األسود‪ :‬إذا ما جاءت األس�ود يف الساعة األوىل من الرحلة‪ ،‬فسيلقون هلا‬
‫بفالن ويف الس�اعة الثاني�ة‪ ،‬عالن‪،‬وهكذا‪ .‬واألمر مباح لدى األغي�ار‪ :‬فليس ثمة فرضية حلظر‬
‫القتل هنا؛ ألنه بدون القيام بتلك اخلدعة سيموت اجلميع‪ ،‬ومن املنطقي استخدام هذه الوسيلة‬
‫إلنقاذ اجلامعة‪.‬‬
‫ونقول عن اململكة املش�اهبة هلذه األمثلة‪ :‬يف اململك�ة نحن نقرر توزيع اخلطر عىل األفراد‪،‬‬
‫بحي�ث يضط�ر بعض األفراد أن يضحي بحياته؛ ألن هذا أفضل من أن يتأذى اجلميع من اهنيار‬
‫ع�رض حياته للخطر‪ ،‬س�يضحي بحياته لصالح اململك�ة‪ ،‬لكن يف هناية‬ ‫اململكة‪ ،‬كل ش�خص ُي ِّ‬

‫‪280‬‬
‫األمر‪ ،‬اجلميع ربح من األمر‪ .‬والفرضية حتتم القيام هبذا‪ ،‬وليس ثمة س�بب لدى األغيار حلظر‬
‫األمر‪ ،‬إذا اتضح أن هذه هي حقيقة الوضع‪.‬‬
‫وكام كُتب يف («عامود هيامنى» ‪ -‬هناية الفصل السابع عرش)‪:‬‬
‫ولذلـك فإنه ُيسـمح بتعريض حيـاة األفراد للخطـر يف اململكـة‪ ،‬لصالح سـالمة‬
‫اجلمهور كله(‪.)8‬‬
‫وبكلامت أخرى يمكن القول‪ :‬إن حظر سفك الدماء بني أبناء نوح هو حظر القتل الذي‬
‫يساهم يف احلفاظ عىل استقرار العامل‪ .‬لكن أثناء احلرب‪ ،‬ال يمكن االستناد إىل مثل هذا السبب‬
‫حلظ�ر القتل‪ ،‬حت�ى تتعامل األمة م�ع األرشار واملجرمني الذين بداخلها‪ ،‬وم�ع األعداء الذين‬
‫صحيحا‪ ،‬ما دامنا‬
‫ً‬ ‫خارجه�ا‪ ،‬وحتى يمكن للصاحلني التغلب على املجرمني ويظل هذا الوضع‬
‫مل نصل إىل آخر األيام‪ ،‬عندما‪« :‬ال حيمل غري اليهودي عىل غري اليهودي س�ي ًفا‪ ،‬وال يعلن عليه‬
‫احلرب»(‪.)9‬‬

‫‪ -4‬قتل العدو مثل قتل رجالنا‬


‫أيضا فيام‬
‫إذا كان مباح مللك ما قتل رجاله لرضورة احلرب‪ ،‬فإن نفس الفرضية نلجأ اليها ً‬
‫خيص أفراد مملكة األرشار‪ .‬يف حرب الصدّ يقني ضد األرشار نحن نفرتض أن الرش سي ِ‬
‫لحق بنا‬ ‫ُ‬
‫األذى يف هناية األمر‪ ،‬إذا س�محنا له بذلك(‪ ،)10‬وحتى رجال مملكة الرش سيطوهلم األذى‪ ،‬وإن‬
‫مل يكن اآلن فبعد حني‪.‬‬
‫وىف حقيق�ة األم�ر‪ ،‬فنح�ن نزعم جت�اه كل ف�رد يف اململكة الرشي�رة‪ :‬أنك إذا كن�ت تنتمي‬
‫للملك الرشير‪ ،‬فأنت تتحمل مسئولية أنك تساعد القتلة ؛ وإذا كنت ال تساعده‪ ،‬فيجب عليك‬
‫مس�اعدتنا نحن‪ ،‬وقتلك مباح كام نفعل مع أفراد مملكتنا (ألننا مجي ًعا نواجه نفس الضائقة‪ ،‬وىف‬
‫مثل هذه احلالة‪ُ ،‬يسمح بقتل البعض إلنقاذ الكل)‪.‬‬
‫الرضع واألبري�اء‪ ،‬إذا كان هناك حاجة هلذا يف‬
‫تل�ك الفرضي�ة تبيح تعمد إيذاء األطف�ال ُ‬
‫قت�ل األرشار‪ .‬فعل س�بيل املث�ال‪ :‬إذا كان إيذاء أطفال ملك رشير س�يضغط عليه حتى يتوقف‬
‫عن رشه‪ ،‬يمكن إ ًذا إحلاق األذى هبم (حتى دون الفرضية التي تقول إنه ربام يكربون ويصريون‬
‫أرشارا)‪( .‬راجع هناية الفصل السابق)‪.‬‬
‫ً‬
‫‪281‬‬
‫‪ - 5‬العالج‪ :‬إمجال أسباب السماح‬
‫س�ن ِ‬
‫ُجمل اآلن األسباب املختلفة التي رأيناها حتى اآلن‪ ،‬للسامح باإليذاء املتعمد لألبرياء‬
‫(أي‪ :‬العالج عن طريقهم‪ ،‬وليس اإلنقاذ منهم)‪:‬‬
‫أ‪ُ -‬يسمح لليهودى العالج عىل حساب حياة غري اليهودي‪.‬‬
‫ب‪ -‬وف ًقا ملا قاله الرايب ش�موئيل شنيئورس�ون‪ ،‬فإن األغيار ليسوا ملزمني ببذل النفس عن‬
‫القتل‪ ،‬و ُيسمح ببساطة لغري اليهودي بالعالج عىل حساب حياة غري اليهودي‪ .‬وبحسب‬
‫وأيضا بحسب الرايب شموئيل شنيئورسون‪ ،‬رأينا‬‫«باراشات دراخيم» فإنه حُيظر ذلك‪ً ،‬‬
‫آراء تق�ول بأن�ه ثمة إلزام ببذل النفس يف حالة العالج‪ ،‬وفقط يف حالة اإلنقاذ‪ُ ،‬يس�مح‬
‫لغري اليهودي بقتل غري هيودي آخر لينقذ حياته‪.‬‬
‫ج – ُيس�مح للمملك�ة باإلي�ذاء وبالعالج عىل حس�اب بعض األفراد‪ ،‬إذا كان هذا س�يفيد‬
‫أيضا‪ ،‬س�واء جت�اه أفراد اململكة أو جت�اه األفراد الذين‬
‫املجم�وع ؛ وهذا األمر صحيح ً‬
‫ينتمون ململكة العدو‪.‬‬

‫‪ -6‬سلم األفضليات‬
‫سنقوم اآلن برتتيب سلم أفضليات إليذاء األعداء‪ ،‬بحسب ما تعلمناه حتى اآلن‪:‬‬
‫ِ‬
‫املطاردين أنفسهم أو من يساعدهم عن عمد‪.‬‬ ‫‪ -‬نحن يف األساس نحارب‬
‫‪ -‬نح�ن نح�ارب م�ن ُيته�م بمس�اعدة األرشار والقتلة ؛وبالت�ايل فهم يس�تحقون القتل‬
‫لتعدهيم عىل الوصايا السبع‪.‬‬
‫أيضا باألبرياء الذين يس�اندون القتلة (حتى وإن كان‬
‫‪ -‬ل�و كان رضور ًّيا‪ ،‬نُلح�ق األذى ً‬
‫رغماً عنهم)‪.‬‬
‫‪ -‬لو كان رضور ًّيا‪ ،‬نُلحق األذى باألبرياء الذين ال يساعدون القاتل‪.‬‬
‫‪ -‬بحسب «باراشات دراخيم» يف احلالة األخرية سنضطر لدراسة األمر؛ لنرى أية طريقة‬
‫مناس�بة لقت�ل هذا النموذج م�ن األبرياء‪ ،‬ف�إذا كان إيذاء هذا النوع منهم س�يؤدي إىل‬
‫إنق�اذ ع�دد قليل م�ن اململكة الصاحلة – ال يمكن السماح هبذا ؛ ألنه ليس ثمة س�بب‬
‫لتفضيل حياة أف�راد اململكة الصاحلة عىل حياة أبرياء يف اململكة الرشيرة(‪ .)11‬وبالفعل‬

‫‪282‬‬
‫أيض�ا يف احلالة اخلاصة‬
‫عندم�ا نض�ع حياة مقاب�ل حياة أثناء احل�رب – علين�ا التدقيق ً‬
‫الت�ي نواجهه�ا‪ ،‬وكذلك دراس�ة األمر بش�كل عام‪ ،‬بحي�ث إنه جيب على األخيار أن‬
‫يكونوا أقوى بقدر اإلمكان بأقل اخلسائر املمكنة (وكام سنسهب فيام بعد يف اعتبارات‬
‫االنتق�ام)‪ .‬وكل هذا يف احلرب بني األغيار‪ .‬لكن يف حالة احلرب بني اليهود واألغيار‪،‬‬
‫ُفضل قتل األغيار إلنقاذ اليهود؛ ألن حياة بني إرسائيل هلا األفضلية كام رأينا‬
‫ببساطة ن ِّ‬
‫يف الفص�ل الرابع ؛ وأكثر من ذلك فاليهود هم هؤالء الذين يصلحون العامل ويطبقون‬
‫كلمة الرب (وخاصة الوصايا السبع) يف العامل كله‪.‬‬

‫‪ – 7‬االنتقام‬
‫إح�دى الرضورات القائمة يف مس�ألة إيذاء األرشار هي االنتق�ام‪ .‬من أجل االنتصار عىل‬
‫األرشار‪ ،‬جيب التعامل معهم وف ًقا ملبدأ االنتقام «العني بالعني والسن بالسن»(‪.)12‬‬
‫وكام جاء يف سفر اجلامعة (‪:)11 :8‬‬
‫ألن القض�اء على العمل الرديء ال جيرى رسي ًعا؛ فلذلك قد امتأل قلب بني‬
‫البرش فيهم لفعل الرش‪.‬‬
‫ويفرس ابن عزرا (اتسا ًقا مع ما قاله الرايب شلومو بن يتسحاق)‪:‬‬
‫ما دام مل ينتقم اإلنسان للرش الذي حدث له‪ ،‬سيظل قلبه مليئًا بالبغضاء(‪.)13‬‬
‫أي‪ :‬أن االنتق�ام ه�و رضورة حيوي�ة ل�رد املجرمني عن أفعاهل�م املش�ينة(‪ )14‬وحتى يزداد‬
‫الصديقون بصدقهم(‪ )15‬وعىل قدر الرش كان الفعل (‪ )16‬الرضورى املضاد له(‪.)17‬‬
‫وكام ورد يف مزامري داود (هناية املزمور الثامن واخلمسني)‪:‬‬
‫يفرح الصديق إذا رأى النقمة‪ ،‬ويغس�ل خطواته بدم الرشير‪ ،‬ويقول اإلنسان‬
‫ٍ‬
‫قاض يف األرض‪.‬‬ ‫ثمرا أنه يوجد إله‬
‫إن للصديق ً‬
‫ويفرس الرايب شلومو بن يتسحاق‪:‬‬
‫ثمرا‪ .‬وإذ يقول اخللق إنه هناك ثمرات يف أعامل‬
‫ويقول اإلنس�ان إن للصديق ً‬
‫الصديقني التي أقامها الرب هلم بانتقامهم‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫ويقول الرايب موسى بن ميمون يف «موريه نفوخيم» (‪ ))18(54 :1‬حول رضورة االنتقام‪:‬‬
‫كبريا باملوت‪،‬‬ ‫وكذلك نجد يف أفعاله تبارك وتعاىل أنه جلب لإلنسان حرمانًا ً‬
‫س�واء بم�وت أحد األقارب أو األصدق�اء‪ ،‬كاالبن أو احلفي�د‪ ،‬ويف بعض البالد‬
‫كان يقت�ل كل ذكر بالس�يف‪ ...‬وجي�ب عىل رئيس الدولة ال�ذي كان نب ًّيا (‪ )19‬أن‬
‫يقي�م األح�كام والرشائع بني جنبات دولت�ه‪ ،‬ويقيم يف بعض امل�رات ولقليل من‬
‫الناس عمليات االنتقام‪( ،‬عىل أن يكون صاحب محية جتاه ما جيب االلتزام به‪ ،‬وال‬
‫أيضا‪ ،‬لكن ال يغضب أحدً ا أو يرتبص به‪،‬‬ ‫يتقاعس عن تنفيذها‪ ،‬حتى يلتزم الناس ً‬
‫وإنام يفعل ما جيب االلتزام به جتاه ش�عبه‪ ،‬فال ُيلغي ما ورد يف التوراة من أمر فناء‬
‫الشعوب السبعة‪ ،‬فافعلوا ما أمركم به الرب وال ختالفوا رشيعته‪ ،‬فاحموا ذكر كل‬
‫م�ن خيالف العقيدة من طريق احلق‪ ،‬وكل م�ن يمنع وصوهلا إىل الناس‪ ،‬واقطعوا‬
‫أوصال عبدة األوثان؛ ألهنم أخطأوا يف حق آبائهم وأجدادهم بدون ش�ك‪ ،‬وهو‬
‫ما أمرنا به من رشائع ما تزال مستمرة يف التوراة ويف كل موضع‪ ،‬وعقاب كل من‬
‫أخطأ من املدينة حتى ولو كل من فيها(‪ ،)20‬ملحو الرضر الكبري‪.)21(...‬‬
‫ولذل�ك‪ ،‬فإنن�ا نرتكب أفعالاً قاس�ية هتدف إىل خلق توازن صحيح م�ن الرهبة‪ ،‬وحالة ال‬
‫(‪)22‬‬
‫يمكن فيها فعل الرش‪ .‬كام فهمنا من رشوح الرايب موس�ى بن نحامن لس�فر العدد (‪)6 :31‬‬
‫الرضع من حكم‪:‬‬ ‫حول قتل الذكور ُّ‬
‫كام أمر الرب وقتلوا كل ذكر‪.‬‬
‫أي أن‪ :‬إيذاء مدين لبني إرسائيل (خاصة يف الوقت الذي سبق دخوهلم إىل أرض إرسائيل‬
‫أغيارا كثريين)‪ ،‬جيب أن يتم بشكل صحيح بواسطة قتل األطفال‪ ،‬وهكذا أمرنا سيدنا‬
‫حماربتهم ً‬
‫موسى‪.‬‬
‫ووف ًقا هلذا احلس�اب‪ ،‬فإن الطفل ال ُيقتل من أجل رشه‪ ،‬بل ألنه ثمة رضورة لقتل اجلميع‬
‫الرضع‪ ،‬فإننا بذلك نحقق الغرض‬ ‫يف حال�ة االنتقام من األرشار‪ ،‬ولذلك حينام نقتل األطف�ال ُّ‬
‫أيضا‪ ،‬كام تعاملنا مع اجلامعة م�ن الناس الذين وردوا‬ ‫املطل�وب(‪ .)23‬ويمكن أن نتعام�ل معهم ً‬
‫يف مث�ال س�ابق؛ ألن الواقع حددهم هم بالذات ليكون قتله�م إنقا ًذا للبقية‪ ،‬ودر ًءا للرشور فيام‬
‫اعتبارا آخ�ر أوردناه يف هناية الفصل‬‫ً‬ ‫بع�د (ويتضح بالفعل أن�ه ُيلحق هبذا االعتبار بكل تأكيد‪،‬‬
‫السابق‪ ،‬من أهنم بطبيعة احلال مشتبه فيهم أن يلحقوا بنا األذى إذا تركناهم يكربون)‪.‬‬

‫‪284‬‬
‫أيضا يؤثر عىل صورة القتل‪ .‬صورة التعامل القايس مع األغيار تقودنا إىل تعاملنا‬
‫االنتق�ام ً‬
‫معهم وف ًقا ملبدأ «اجلزاء من جنس العمل»‪ ،‬عىل سبيل املثال ما ورد يف سفر القضاة (‪:)7 :1‬‬
‫فهرب أدوين بازق‪ ،‬غري أهنم تعقبوه وقبضوا عليه وقطعوا أباهم يديه ورجليه‪.‬‬
‫فقال أدوين بازق‪« :‬لقد قطعت أباهم أيدي وأرجل س�بعني ملكا كانوا يلتقطون‬
‫الفتات حتت مائديت‪ ،‬فها الرب قد جازاين بمثل ما فعلت»‪ .‬وأتوا به إىل أورشليم‬
‫حيث مات‪( .‬القضاة ‪)7 ،6 :1‬‬
‫ويف قتل أجاج (صموئيل أول ‪:)33 :15‬‬
‫فقال صموئيل كام أثكل س�يفك النس�اء كذلك تثكل أمك بني النساء‪ ،‬فقطع‬
‫صموئيل أجاج أمام الرب يف اجللجال‪.‬‬
‫والرشوح املذكورة عن ذلك‪ ،‬مثل ما جاء من أقوال للرايب ليفي بن جرشوم)*(‪:‬‬
‫رغبتنا يف املقارنة نابعة من حماولتنا تنفيذ رشائع الرب ونيل مباركته‪ ،‬ويف ذلك‬
‫فائدة كربى حتى ال حيارب أحد ضد إرسائيل‪.‬‬
‫ووجدن�ا أوصا ًفا الذعة للغاية لصور قتل أجاج يف أقوال حكامئنا‪ ،‬طيب اهلل ثراهم‪ ،‬عندما‬
‫ناقشوا مسألة التعامل بمبدأ «اجلزاء من جنس العمل» مع العدو (مدراش رباه‪ ،‬هناية الفقرة ‪:)3‬‬
‫«عامله�م باملث�ل»‪ .‬يرمياهو ق�ال‪« :‬عاملهم باملثل»‪ ،‬وأضاف آس�اف (مزامري‬
‫«ورد على جرياننا س�بعة أضعاف»‪ ،‬فام ه�و الضعف؟ الرايب‬ ‫داود‪ ،‬املزم�ور ‪ُ )79‬‬
‫هي�ودا ب�ن جديا قال عامله�م باملثل ملا فعلوه ببيت املق�دس الواقع يف قلب العامل‪،‬‬
‫وحدثن�ا حكامؤنا عما ورد يف أي�وب (‪« )8 – 10‬يداك كونتان�ى وصنعتانى كىل‬
‫مجي ًعا‪ ،‬أفتبتلعني؟»‬
‫وعندم�ا انتصر داود على م�وآب وعمون‪ ،‬تعام�ل معهم بقس�وة ش�ديدة (صموئيل ثان‬
‫‪:)31 :12 ،2 :8‬‬
‫ورضب املوآبيين وقاس�هم باحلب�ل‪ ،‬أضجعهم على األرض‪ ،‬فقاس بحبلني‬
‫للقتل وبحبل لالستحياء‪ ،‬وصار املوآبيون عبيدً ا لداود يقدمون هدايا (‪.)24‬‬
‫وأخ�رج الش�عب ال�ذي فيه�ا‪ ،‬ووضعه�م حتت مناشير ون�وارج حديد وف�ؤوس حديد‬
‫وأحرقهم يف أتون اآلجر‪ ،‬وهكذا صنع بجميع مدن عمون‪.‬‬
‫)*(  الرايب ليفي بن جرشوم‪ :‬فيلسوف معروف ومؤلف كتاب مهم بعنوان «حروب اهلل»‪ ،‬يف القرن الرابع عرش‬
‫امليالدي‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫وكام قال الرايب ليفي بن جرشوم‪:‬‬
‫س�تة ش�عوب القضاء فيها يعاقب بقسوة ال مثيل هلا‪ ،‬وها هي كانت رغبته يف‬
‫أن يرى ذلك مجيع الشعوب فال حياربوا إرسائيل (‪.)25‬‬
‫أيضا بشدة يف مزامري داود (يف املزمور ‪:)137‬‬
‫هذا ما يتضح ً‬
‫ي�ا بن�ت بابل ا ُملخرب�ة طوبى ملن جيازيك ج�زاءك الذي جازيتن�ا‪ ،‬وطوبى ملن‬
‫ُيمسك أطفالك ويرضب هبم الصخرة (‪.)26‬‬
‫أي أن‪ :‬قسوة أهل بابل جترب الطرف اآلخر عىل التعامل معهم بنفس القسوة‪.)27( ،‬‬
‫وكذلك وجدنا قسوة جتاه السامريني يف عهد شمعون الصديق (يوما ‪:)1 :69‬‬
‫وعلى الفور ثقبوا أعقاهبم وعلقوهم يف أذناب خيوهلم‪ ،‬وكانوا جيروهنم فوق‬
‫األشواك حتى وصلوا إىل جبل جريزيم‪ .‬وألهنم وصلوا إىل جبل جريزيم‪ ،‬قاموا‬
‫بحراثته وزراعته بالكُراث؛ ألن هذا ما كانوا ينوون فعله معنا‪ ،‬وصار ذلك اليوم‬
‫مجيلاً (‪.)28‬‬
‫وىف حقيق�ة األم�ر‪ ،‬إن االعتب�ارات التي حتت�م االنتقام بقس�وة‪ ،‬مرهونة بس�لوك األعداء‬
‫وبش�كل احل�روب يف العامل‪ ،‬وعندم�ا يتعامل العدو بقليل من القس�وة‪ ،‬فإنه ح ًّقا توجد رضورة‬
‫التب�اع مث�ل هذا الس�لوك (‪ .)29‬مثل أقوال احلاخام كوك رمحه اهلل (يف رس�ائله‪ ،‬الفصل األول‪،‬‬
‫الصفحة ‪:)100‬‬
‫متام�ا يف الوقت الذي يك�ون فيه مجيع‬
‫وبخص�وص أمور احلروب‪ ،‬يس�تحيل ً‬
‫اجلريان كالذئ�اب الضارية‪ ،‬أال حيارب إرسائيل؛ ألهنم حينها س�يجتمعون عليه‬
‫إلفنائ�ه‪ ،‬وعىل العك�س‪ ،‬كان يمكنه إلقاء اخلوف يف قلوهب�م إذا تعامل معهم هو‬
‫أولاً بقسوة‪ ،‬أملاً يف جلب اإلنسانية ملا جيب أن تكون عليه (‪.)30‬‬

‫‪ -8‬ما قاله الرابي يهودا ليفا بن بتسلئيل‬


‫سنناقش حالة كل عدو‪ :‬متى وكيف يباح قتله؟‪:‬‬
‫حت�ى اآلن تطرقن�ا ل�كل فرد من أف�راد الع�دو‪ ،‬وفحصنا م�ا إذا كان ُيس�مح بقتله ومتى‪.‬‬
‫باإلضافة هلذه الفرضيات وجدنا أن الرايب هيودا ليفا بن بتس�لئيل خالف ما قاله الرايب موس�ى‬
‫‪286‬‬
‫بن ميمون والرايب موسى بن نحامن يف تفسريمها لواقعة شكيم‪ ،‬ووف ًقا هلذا فقد قام بتحديث يف‬
‫شئون احلروب‪ .‬وهذا هو ما قاله (يف «جور أرييه» حول فعلة شمعون وليفي)‪:‬‬
‫لكن يصعب القول‪ :‬لو أن ش�كيم أخطأ‪ ،‬فام ذنب كل أهل املدينة حتى يلقوا‬
‫حتفه�م؟ ويبدو أنه لي�س باألمر الصعب؛ ألنه ليس ثمة فارق بني أمتني مثل بني‬
‫إرسائي�ل والكنعانيني‪ ،‬اللذين يعدان أمتني «ورصنا ش�ع ًبا واحدً ا» ومنذ البداية مل‬
‫يتم اعتبارمها ش�ع ًبا واحدً ا‪ ،‬ووف ًقا هلذا‪ ،‬تم السماح لكل أمة باتباع نفس الوسائل‬
‫التي تتبعها األمة الثانية يف قتاهلا‪ ،‬كام سمحت لنا التوراة (‪.)31‬‬
‫أي أن‪ :‬بخالف الرايب موس�ى بن ميمون والرايب موس�ى بن نحامن‪ ،‬اللذين أوضحا ملاذا‬
‫كل فرد من أفراد ش�كيم اس�تحق القتل بحسب التوراة – فإن الرايب هيودا ليفا بن بتسلئيل يرى‬
‫أنه ليس ثمة سبب هلذا‪ ،‬فالتوراة منحت امللك سلطة استغالل أهل مملكته‪ ،‬وحتى حياهتم رهن‬
‫إش�ارته كما ذكرنا‪ .‬فتك�ون النتيجة هي أن أفراد مملكت�ه رشكاء يف رشاكة ملزم�ة للغاية‪ .‬الرايب‬
‫هي�ودا ليفا بن بتس�لئيل ذهب إىل مثل هذا األمر‪ ،‬من ش�أنه أن خيلق ح�دو ًدا جديدة يف اململكة‪:‬‬
‫واململك�ة كي�ان واحد‪ .‬يف الوضع الذي يتحد فيه اجلميع‪ ،‬ورشكاء يف اجلس�د الذي هيتم بش�أن‬
‫أيضا ملزم بأفعال غريه (مثلام القدم ملزمة بام اقرتفته اليد) (‪.)33‬‬
‫وجودهم(‪ )32‬كل منهم ً‬
‫نورد من تفسريات سفري العدد‬ ‫واس�تنا ًدا ملا قاله الرايب هيودا ليفا بتسلئيل(‪ ،)34‬يمكن أن ِ‬
‫والتثنية أن ثمة دعوة إىل السالم‪ ،‬يف (‪:)11 – 10 ،200‬‬
‫الصلح – هل جييب بالصلح إذا كانت بعضها؟ التلمود يقول‬‫ف�إن أجابت�ك إىل ُ‬
‫«وفتح�ت لك»‪ ،‬كلها ولي�س بعضها‪« ...‬وإن مل ُتس�املك‪ ،‬بل عمل�ت معك حر ًبا‪،‬‬
‫ً‬
‫أمراضا خطرية‪.‬‬ ‫فحارصها»‪ ،‬وكذلك اجعل أهلها جيوعون ويعطشون ويمرضون‬
‫رأينا هنا أننا نتطرق جلميع أهل املدينة كلهم عىل حد س�واء‪ ،‬وإذا مل تس�تجب املدينة لدعوة‬
‫السالم‪ ،‬كذلك هؤالء األفراد الذين رغبوا يف السالم‪ ،‬سيتحملون اجلوع والعطش واملرض(‪.)35‬‬
‫وما يتضح مما سبق‪ ،‬أن الرايب هيودا ليفا بتسلئيل يرى أنه إذا أحلق أحد أفراد مملكة ما األذى‬
‫بمملكتن�ا‪ ،‬ومل يعاقب�ه أه�ل مملكته‪ ،‬فإن هذا يب�دو كام لو أن اليد قد أحلقت بن�ا أذى‪ ،‬ومل يطلب‬
‫الفم العفو عنها ؛ وىف هذه احلالة‪ُ ،‬يس�مح بإيذاء اجلس�د املتسبب يف األذى كله (‪ .)36‬وليس ثمة‬
‫ُلحق األذى بأعضاء أي رشير يطاردنا‪،‬‬ ‫رضورة لتحديد من الربيء ومن املذنب‪ ،‬بالضبط مثلام ن ِ‬
‫بغض النظر عام إذا كانت هذه األعضاء شاركت يف إيذائنا أم ال (‪.)37‬‬

‫‪287‬‬
‫هوامش الفصل السادس‬

‫‪ - 1‬كام وجدنا يف فصل «سوطا ‪»4 ،7‬؛ حيث يتم معاقبة الرشطيني الذين يقتلون اهلارب‬
‫من املعركة‪ ،‬وبالتأكيد لن يستطيعوا معرفة إذا ما كان حيق له اهلرب لتعرضه للخطر ؛ إال أننا ال‬
‫نسمح ألى شخص باهلروب‪ ،‬واجلميع ملزم بالقتال حتى آخر نفس‪.‬‬
‫«هاحاتام س�وفري» رشح لنا ما ورد يف اجلامرا يف فصل «شفوعوت ‪ :»2 ،35‬قال صموئيل‬
‫املل�ك م�ن قتل أحدً ا يف املعركة ليس عليه حرج‪« .‬فاحلدي�ث يدورعن ملوك األغيار‪ ،‬املباح هلم‬
‫اخلروج للحرب من أجل كرامة اململكة‪ ،‬حتى إذا كانت النتيجة هي قتل ُسدس أفراد اململكة»‬
‫(راج�ع يف ه�ذا األس�ئلة واألجوبة يف الرأي ‪ ،52‬وهناك من فهم ه�ذه الفقرة من اجلامرا بطرق‬
‫خمتلفة) (راجع الرايب ش�لومو بن أفراهام اإلش�بييل‪ ،‬والرايب يوم طوف بن أفراهام اإلش�بييل)؛‬
‫لكننا أوردنا ما يتصل بمس�ألة السماح ملل�ك غري هيودي بقتل أهل مملكت�ه يف احلرب‪ .‬وكذلك‬
‫كتب بتعمق أكثر يف كتاب «هعميق دافار»)*( يف تفسيره لس�فر التكوي�ن (‪ ...« :)6 :9‬احلرب‬
‫وق�ت للكُ�ره والقت�ل‪ ،‬وليس ثمة عقوب�ة عن هذا إطال ًقا؛ ألنه هكذا تأس�س الع�امل‪ .‬وكام ورد‬
‫يف «ش�فوعوت»‪ :‬م�ن قتل أح�دً ا يف املعركة ليس عليه ح�رج ؛ وحتى ملك إرسائيل ُيس�مح له‬
‫بخوض حرب مل تأمره التوراة بخوضها‪ ،‬حتى وإن ُقتل بعض اليهود نتيجة ذلك»‪.‬‬
‫وهذا هو مقصد الرايب موسى بن ميمون يف رشائع امللوك (‪« :)2 :5‬احلرب الرشعية تشمل‬
‫املس�اعدة ض�د أي ع�دو (كام رشحنا يف الرشيعة الس�ابقة) ليس هن�اك رضورة إلضفاء رشعية‬
‫قضائية عليها‪ ،‬لكن خيرج إىل احلرب من تلقاء نفس�ه يف أي وقت‪ ،‬وجيرب الش�عب عىل اخلروج‬
‫مع�ه»‪ .‬ناهي�ك ع�ن أن األمر مباح ل�دى األغيار؛ ألن اخلط�ورة لدهيم أقل فيما خيص األرواح‬
‫والوصايا التي هتدف يف األس�اس الستقرار العامل (كام أسهبنا يف الفصل الثالث‪ :‬وراجع الرايب‬
‫ديفيد بن ش�لام ابن زم�را )**( يف مطلع الباب الرابع‪ ،‬حيث يق�ول‪« :‬إن األحكام املكتوبة هناك‬
‫أيضا بالنسبة للملك غري اليهودي»)‪.‬‬ ‫حول قوة فرض امللك ألوامره سارية ً‬
‫وكام قال داود لرجاله‪« :‬ألن السيف يأكل هذا وذاك» (صموئيل الثاين ‪ ،)25 :11‬واتضح‬
‫األمر عندما قيل‪« :‬إن الس�يف يقتل هذا وذاك يف احلرب‪ ،‬وقال أمل يمت البعض؟‪ ،‬ففي احلرب‬
‫)*( «هعميق دافار»‪ :‬هو كتاب تفسريي ألسفار التوراة اخلمسة وسفر نشيد اإلنشاد‪ ،‬وهو من وضع الرايب نفتايل تسفي‬
‫هيودا برلني (‪.)1893-1816‬‬
‫)**(  الرايب ديفيد بن شلام ابن زمرا (‪1573 – 1479‬م)‪ :‬قايض حمكمة وقائد اليهود املرصيني يف القرن السادس عرش‪،‬‬
‫وله كتاب عن األسئلة واألجوبة‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫أيضا من الط�رف املنتصرِ »‪ .‬ويقول إن داود كان يقصد ً‬
‫أيض�ا أنه من اجليد القيام‬ ‫يس�قط الكثري ً‬
‫بأعامل من هذا النوع يف احلرب‪ ،‬عىل الرغم من أن هذا س�يؤدي إىل س�قوط ضحايا من جانبنا؛‬
‫ألنه عىل أي حال سيؤدي األمر إىل سقوط قتىل فيام بعد‪.‬‬
‫يف اجلامرا يف «يفاموت» ورد أن داود أرس�ل أبناء شاؤول للقتل‪ ،‬حتى يزول غضب الرب‬
‫من عىل أبناء إرسائيل بسبب زعم اجلفعونيم‪ ،‬ورشح األمر بعض احلكامء األواخر (الرايب تسفي‬
‫هيرش يف الفصل الس�ابع من كتابه «تورات نفيئيم» يف «أحكام مل�وك اليهود» ؛ و«ابن هازل»‬
‫عن هناية الفصل الثالث من رشائع امللوك ؛ «أشيل أفراهام» ؛ «يسود يوسيف» للرايب «يوسيف‬
‫مباحا لداود أن‬
‫بن ش�لام» يف الفصل الس�ادس الصفحة ‪ ،)54‬يشير هؤالء احلكامء إىل أنه كان ً‬
‫حلكم املل�ك الذي يقتل األبرياء يف حالة الضرورة واإلصالح‪ ،‬ويتفق هذا مع ما‬ ‫يقتله�م وف ًقا ُ‬
‫نفسا دون‬
‫قاله الرايب موسى بن ميمون يف هناية الفصل الثالث من رشائع امللوك‪« :‬كل من يقتل ً‬
‫أن يتأك�د أهن�ا مذنبة‪ ،‬أو بدون توجيه حتذير‪ ،‬ولو حتى بش�اهد واح�د‪ .‬أو حاقد قتل عن طريق‬
‫قرارا فرد ًّيا بقتله‪ ،‬من أجل احلفاظ عىل استقرار العامل كام يستلزم‬
‫اخلطأ‪ ،‬من حق امللك أن يتخذ ً‬
‫األمر‪ ،‬ويقتل الكثري يف يوم واحد ويعلقهم أليام عديدة ويلقي الرعب يف قلوهبم‪ ،‬ويبيد أرشار‬
‫العامل» ويتضح مما قال أنه يشري هنا إىل نفس الفقرة من اجلامرا يف «يفاموت» كام اتضح يف تفسري‬
‫بعض احلكامء األواخر‪.‬‬
‫وجي�ب أن نالح�ظ أن الرايب يوم طوف بن أفراهام اإلش�بييل حول تفسيره يف «يفاموت»‬
‫رأى أن األم�ر مب�اح فقط بناء عىل س�لطة القضاء‪.‬ويبدو أنه مل يرغب يف قول إن س�بب اإلباحة‬
‫هي أحكام امللوك؛ ألن يف الواقعة األوىل كان اهلدف هو إزالة غضب الرب‪ ،‬وليس لدرء خطر‬
‫عدو خارجى ؛ ويف هذه املشكلة يتعامل داود مع األمر بصفته اهليئة القضائية‪ ،‬وليس استغاللاً‬
‫لس�لطته كمل�ك (عىل أي حال‪ ،‬م�ن الواضح أنه ليس ثمة ف�ارق‪ ،‬وإذا كان�ت للهيئة القضائية‬
‫أيضا إدارة شئون مملكته وما شابه)‪.‬‬
‫سلطة لتقرير هذا‪ ،‬فيحق للملك ً‬
‫(وراجع ما ورد يف «هحاتام سوفري» الذي نفهم منه أن الغرض هنا هو أنه ال حيق للمحكمة‬
‫البت يف هذا األمر‪ ،‬بل إننا بصدد خمالفة التوراة ملنع تدنيس اسم الرب ؛ ويبدو أنه اعتقد كذلك‬
‫أنه ال حق للمحكمة يف اختاذ قرار بقتل ُأناس بسبب إشارة ساموية)‪.‬‬
‫ويف ه�ذا الس�ياق‪ ،‬ح�ول قت�ل األبري�اء على ي�د امللك لضرورة حيوي�ة‪ ،‬جيب أن نشير‬
‫أيض�ا إىل أفع�ال الرب جت�اه أحاب والت�ي نفذها النبي‪ ،‬كما فهمنا يف مالحظ�ة وردت يف هناية‬
‫ً‬
‫الفصل السابق‪.‬‬
‫‪289‬‬
‫وبعون اهلل سنس�هب يف توضيح أس�اس هذه القوة لدى اليهود كذلك‪ ،‬سواء قوة املحكمة‬
‫أو ق�وة املل�ك ؛ فقد أوردنا هنا فقط أمثلة ُيس�مح فيها للملك بإيذاء أف�راد مملكته (األبرياء) يف‬
‫حالة الرضورة‪.‬‬
‫‪ – 2‬وباملناس�بة نق�ول إن م�ا قال�ه حكامؤنا طيب اهلل ثراهم (كتاب تفسير س�فر التكوين‬
‫‪ )22:8‬من أن مقتل هابيل نبع من اعتبارات «أخالقية» خاطئة ختص قابيل‪ ،‬فقد رأى قابيل أن‬
‫هابيل أشجع منه‪ ،‬وأنه جيب أن يقتله ليكون هو األقوى يف هذا العامل‪.‬‬
‫‪ -3‬وراجع األسئلة واألجوبة بعنوان «ياكني وبوعاز» (‪« :)15 :2‬هذا املقال ذكره معلمنا‬
‫رمحه اهلل يف «فصل الس�بت»‪« ...‬وقال‪ :‬من أجل إسماعيل وليس من أجل غري اليهودي‪ ،‬ومن‬
‫أج�ل غير اليهودي وليس من أج�ل صديق‪ ،‬ومن أجل صديق وليس م�ن أجل تلميذ نجيب‪،‬‬
‫تفسيرا آخر وهو‪« :‬من أجل‬
‫ً‬ ‫ومن أجل تلميذ نجيب وليس من أجل اليتيم واألرملة»‪ .‬ورأيت‬
‫إسماعيل وليس من أجل غري هيودي ما‪ ...‬ومن أجل ش�خص ما يعبد األوثان وليس من أجل‬
‫األصدقاء‪ ،‬هم القساوس�ة‪ ،‬فال ُفرس يدعون القساوس�ة أصدقاء‪ ،‬وكان نفس هؤالء األصدقاء‬
‫أرشارا للغاي�ة ويتآم�رون عىل إرسائيل‪ ...‬ووف ًقا هلذا قالوا‪ :‬من أجل ش�خص ما يعبد األوثان‪،‬‬
‫ً‬
‫وليس من أجل صديق ؛ فاملجتمع املدين ال يكتمل بدون قضاء كام ذكرناه»‪.‬‬
‫‪ -4‬وق�د ذكر الرايب موس�ى بن ميم�ون يف «موريه نفوخيم» املثال الت�ايل ملعرفة حقيقة أمر‬
‫معني‪« :‬مثلام يس�ألك ش�خص ما «هل هلذه الدولة ملك؟» فتقول له «نعم‪ ،‬بدون ش�ك»‪«.‬وما‬
‫الدلي�ل على ذل�ك؟»‪ .‬فتقول له إن هذا الش�خص الذي تراه‪ ،‬هو ش�خص ضعيف‪ ،‬ذو جس�د‬
‫ضئيل وأمامه تلك الكمية الكبرية من الدنانري‪ ،‬وهذا الش�خص الثاين صاحب اجلسد العريض‬
‫دينارا واحدً ا‪ ،‬لكن�ه يرفض ويرصفه بعنف‪.‬‬ ‫والق�وي الفقير يقف أمامه ويطلب من�ه أن يعطيه ً‬
‫وبعده�ا خشي أن يقتل�ه املل�ك على فعلته تل�ك‪ ،‬أي أن خوف�ه يمث�ل دليلاً عىل وج�ود ملك‬
‫حيكم اململكة‪.‬‬
‫خطرا مشرتكًا‪.‬‬
‫‪ -5‬وسنسهب فيام بعد حول التطوع الفتداء اآلخرين عندما يواجهون ً‬
‫‪ -6‬خدمة االحتياط يف دولة إرسائيل اليوم هي مثال جيد؛ هلذا‪ :‬ثمة قانون ملزم بالوصول‬
‫لالحتياط‪ ،‬لكن واضح أن هذا القانون ال يمكنه وحده التحكم يف منظومة االحتياط‪ ،‬واملحتوى‬
‫الرئيسي الذي حي�ث هذه املنظومة هو التطوع‪.‬رغ�م هذا‪ ،‬فإن القانون مه�م للغاية؛ ألنه يدعم‬
‫املنظومة‪ ،‬وجيعلها مستقرة‪ ،‬وال ترتبط بسلوك فردى من جانب جندى أو آخر‪ ،‬ولذلك فالناس‬
‫عىل استعداد للتطوع‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫‪ -7‬راجع ما سبق حول هيوشع الذي فرس واقعة مشاهبة‪.‬‬
‫‪ -8‬يف س�ياق حديث�ه كتب أن األمر مب�اح لدى اليهود لنفس الس�بب‪ ،‬ورغب يف التفريق‬
‫بين ه�ذا وبني حالة اجلامعة البرشية‪ ،‬التي حُيظر فيه�ا التضحية بأحد أفراد اجلامعة حتى إذا كان‬
‫اجلميع س�يلقون حتفهم يف مجيع األحوال؛ ألنه حُيظ�ر القتل غري املبارش يف احلرب‪ .‬لكن كالمه‬
‫ه�ذا ه�و نوع من التحديث؛ ألنه يصعب القول إنه يف حالة احلرب‪ ،‬عندما تكون هناك رضورة‬
‫مبارشا (مثل دهس ش�خص ما يعرتض الطريق رغًم�اً عنه‪ ،‬ولوال هذا ملا‬ ‫ً‬ ‫لقت�ل ش�خص ما قتلاً‬
‫كان هن�اك معرك�ة يف األص�ل ؛ أو احلاق األذى برهائ�ن موجودين يف حوزة الع�دو أثناء إيذاء‬
‫الع�دو نفس�ه)‪ ،‬كل هذا حمظ�ور‪ .‬وكذلك مل نجد حالة ُيس�مح فيها بالقتل عندم�ا ال تكون ثمة‬
‫رضورة للقتل املبارش وغري معروف س�ل ًفا من س� ُيقتل (عىل س�بيل املثال‪ :‬األغيار جيربوننا عىل‬
‫فعل يشء س�يعرض أحد أفراد مجاعتنا البرشية خلطر مواجهة أسود مفرتسة‪ ،‬وغري معروف أي‬
‫منهم سيلحق به األذى)‪.‬‬
‫عىل أي حال‪ ،‬فيام خيص اليهود‪ ،‬علينا أن نس�هب أكثر يف تربير إباحة احلرب (وكذلك فيام‬
‫خيص بالسامح باختاذ قرار فردي باحلرب)‪.‬‬
‫‪ -9‬وهو ما فهمناه عندما نوقش األمر بتعمق أكثر يف املالحظة األوىل من هذا الفصل‪.‬‬
‫صحيحا‪ ،‬ملاذا ال نخضع هلم ونسمح هلم بالسيطرة؟‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ – 10‬أما إذا مل يكن هذا‬
‫‪ -11‬انظر رأي الرايب هيودا ليفا بن بتسلئيل حول هذا يف هناية الفصل‪.‬‬
‫‪ -12‬يفسر لنا حكامؤنا‪ ،‬طيب اهلل ثراهم‪ ،‬مقولة «اجلزاء من جنس العمل» عىل أهنا كامنة‬
‫يف أس�اس العامل‪« :‬حيدثنا رايب س�يمون أن رايب ش�معون بار آبا يقول إن مبدأ «اجلزاء من جنس‬
‫العمل» يصلح لكل زمان ومكان‪ ،‬وحيدثنا الرايب هونا أن رايب يويس يقول إنه منذ بدء اخلليقة‪،‬‬
‫رأى الرب أن اإلنسان جيب أن يجُ زى عام يفعل من جنس الفعل نفسه‪.‬‬
‫‪ – 13‬وكذل�ك يف األس�ئلة واألجوبة «حاييم بياد» (الرم�ز ‪ )109‬عن التعامل القايس مع‬
‫األرشار‪« :‬إذا ُطبق مبدأ اجلزاء من جنس العمل‪ ،‬سريتدع اجلميع»‪.‬‬
‫‪ -14‬ثم�ة مث�ال هلذا ورد يف «هبايت حداش» يف األس�ئلة واألجوبة اجلديدة؛ حيث يقول‬
‫إنه ُيسمح بتأخري دفن امليت لغرض االنتقام‪ .‬وراجع كذلك ما ورد يف «ماجني أفراهام» وعدد‬
‫من املصادر‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫‪ –15‬ووف ًق�ا هلذا‪ ،‬ف�إن كلمة «انتقام» تعن�ي اإلحياء‪ .‬أي أن‪ :‬االنتق�ام ليس جمرد رضورة‬
‫خارجي�ة وتقني�ة؛ ألن هذه هي الطريقة الوحيدة ملنع الرش يف املس�تقبل‪ ،‬لكن املترضر يرغب يف‬
‫ه�ذا بالفع�ل‪ ،‬وكما ورد «وعن األرض ال ُيكفر ألجل الدم الذي ُس�فك فيها إال بدم س�افكه»‬
‫(الع�دد ‪ .)33 :35‬وكام كتب الرايب موس�ى بن نحامن يف األوام�ر التي أضافها ألوامر التوراة‪،‬‬
‫(‪ُ « :)13‬أمرن�ا بخصوص القات�ل‪ ،‬بعد أن حكمت املحكمة بالقتل على املذنب‪ ،‬أن ننتقم له»‪،‬‬
‫وأيضا كام ورد يف «هبايت حداش»‬ ‫أيضا الرايب موسى بن ميمون يف رشائع القاتل ‪ً .2 ،1‬‬ ‫وراجع ً‬
‫حول وجوب االنتقام من القاتل احرتا ًما ملن ُقتل‪ ،‬ومن أجل هذا يتم تأجيل أمور أخرى (راجع‬
‫«سفتي كوهني»‪ ،‬واألسئلة واألجوبة للرايب يوم طوف بن أفراهام اإلشبييل)‪.‬‬
‫أي أن‪ :‬االنتق�ام ه�و الرغب�ة اإلجيابية مقابل رغب�ة الرش؛ ألن غريزة الرش تش�تعل بداخل‬
‫اإلنس�ان‪ ،‬ف�كان ال بد من وجود غريزة إجيابية مش�اهبة بداخله ملجاهب�ة هذا الرش؛ ألن األرشار‬
‫صحيحا‪،‬‬
‫ً‬ ‫يترصفون بدون حس�اب‪ ،‬ونحن كذلك نترصف بدون حس�اب لصنع ما يشبه توازنًا‬
‫وليك�ون اجل�زاء من جنس العم�ل؛ وحينئذ نحارب الشر كام ينبغي‪ .‬وراجع هذا بإس�هاب يف‬
‫الفصل الثالث‪ .‬وحتى املوتى معنيون بمسألة االنتقام (كام أوردنا سل ًفا)؛ ألن أرواحهم تطلب‬
‫العدل‪ ،‬أي االنتقام‪ ،‬كام أوضحنا‪.‬‬
‫‪ -16‬راج�ع عىل س�بيل املثال ما قاله الرايب موس�ى بن نحامن ع�ن (تكوين ‪ ،)16 :49‬يف‬
‫تفسيره لفقرة «حياكمه»‪ :‬واملغزى هو أن الفلس�تينيني قاموا باإلغارة عىل إرسائيل عدة مرات‪،‬‬
‫فقد بدأوا عدواهنم يف عهد شمجر بن عناة (قضاة ‪ ،)31 ،3‬وىف عهد يفتاح (قضاة ‪ ،)7 ،10‬و‬
‫بيعهم بواس�طة الفلس�تينيني‪ ،‬وكذلك بعد عبدون بن هليل (قضاة ‪ ،)13 ،12‬ويسلمهم الرب‬
‫للفلس�تينيني أربعين عا ًما (قض�اة ‪ ،)1 ،13‬ومل يتمك�ن أي قاض من إخضاعه�م أو االنتصار‬
‫عليهم عىل اإلطالق‪ .‬ورغم ما ورد من أن ش�مجر (قضاة ‪ )31 ،3‬رضب الفلس�تينيني س�تامئة‬
‫م�رة بمهماز البق�ر‪ ،‬فإن ه�ذا ال يع�د انتقا ًما؛ ألهنا ليس�ت رضب�ة قاصمة‪ ،‬حول ه�ذا ورد عن‬
‫شمش�ون (قضاة ‪ )5 ،13‬ويبدأ ه�و يف إنقاذ إرسائيل من أيدي الفلس�تينيني‪ ،‬وينتقم إلرسائيل‬
‫منهم؛ ألنه قتل الكثري من ش�عبهم وأباد قادة الفلس�تينيني «أي أن‪ :‬الرضبة التي رضهبا ش�مجر‬
‫للفلستينيني كانت دفا ًعا‪ ،‬لكن بالنسبة ألفعال الفلستينيني مل تكن كافية عىل اإلطالق‪ .‬شمشون‬
‫تعام�ل معه�م كما ينبغي وكام تعامل�وا معنا‪ ،‬ولذلك فه�و بالفعل انتقم منهم كما ينبغي‪ ،‬وهبذا‬
‫يكون قد عدّ ل الوضع نسب ًّيا»‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫‪ -17‬وجدن�ا أن االنتق�ام مطلوب أكثر م�ع األغيار‪ ،‬وليس مع إرسائي�ل؛ حيث ُأمرنا «ال‬
‫تق�م وال تغض�ب أبناء ش�عبك»‪ ،‬ونعن�ي هبذا أنن�ا نتوقع من اليه�ود أن يفهم�وا ويتوبوا بدون‬
‫أيضا أنه لدى اليهود االنتقام يعيق التوبة ويؤدي إىل العناد؛ وعدم االنتقام يسمح‬
‫انتقام‪ .‬ونرى ً‬
‫بالتفكير الداخلي وترك طريق الشر‪ .‬أما جتاه األغي�ار فاالنتقام مؤكد؛ ألن ه�ذه هي الطريقة‬
‫الوحيدة إليقاف الرش (ويش�به األمر مع ما أوردناه يف الفصل الس�ابق من أقوال الكاهن الذي‬
‫خي�رج عىل رأس اجلنود‪ ،‬الذي يقول للش�عب أال يش�فقوا عىل األغيار األع�داء؛ ألنه ليس ثمة‬
‫أمل أن يفيد هذا معهم‪ ،‬واإلش�فاق عليهم س�يرض بنا‪ ،‬وس�يبدو أنه ضعف من جانبنا‪ ،‬بخالف‬
‫أيضا خالل احلرب)‪.‬‬ ‫إرسائيل‪ ،‬الذين نتوقع منهم املصاحلة ً‬
‫‪ -18‬راجع املتن لالستزادة‪ ،‬فقد اقتبسنا هنا فقط ما يتصل بمسألة رضورة االنتقام‪ ،‬واملتن‬
‫يتحدث كذلك عن احلالة النفسية للقائد وقت االنتقام‪.‬‬
‫‪ -19‬أي أن�ه‪ :‬حينما يرغب يف االلتزام بأوام�ر الرب متا ًما حتى الوص�ول ملصاف األنبياء‬
‫(راجع تفسري احلاخام أبرنبال‪ ،‬وكام هو ُمثبت يف موضع الحق)‬
‫‪ -20‬راجع رشائع عبادة األوثان ‪ 6 :4‬للرايب موس�ى بن ميمون ؛ و يف «كيس�يف مشنيه»‪،‬‬
‫ويف مردخاي عن السنهدرين‪ ،‬الرمز ‪.715‬‬
‫‪ -21‬وراج�ع ما قاله يف «موريه نفوخيم» يف (اجل�زء الثالث‪« )41 ،‬أنه مثلام ُيعاقب الفرد‬
‫الواح�د‪ ،‬تُعاق�ب كذلك العائلة الواحدة أو األمة الواحدة‪ ،‬حت�ى ترتدع بقية العائالت‪ ،‬وحتى‬
‫إذا ظهر أحد األرشار‪ ،‬ال جيد من يعاونه يف مجيع هذه العائالت»‪.‬‬
‫‪ -22‬وكذلك يف األس�ئلة واألجوبة اخلاصة بالرايب ديفيد بن ش�لام زمرا الفصل السادس‬
‫الرمز الثاين‪.‬‬
‫‪ -23‬كما ورد يف «جم�دال ع�وز» عن الرايب موس�ى بن ميمون ح�ول مثال املدين�ة النائية‪:‬‬
‫«رغم أن النس�اء واألطفال مل يذنبوا‪ ،‬فقد عوقبوا‪ ،‬نتيجة ما اقرتف الكبار لس�ببني‪ :‬األول‪ :‬أهنم‬
‫سيكربون ويصريون مثلهم ؛ والثاين‪ :‬يمكننا اإلرضار بالكبار عن طريق إحلاق األذى بالصغار؛‬
‫ألهنم أعزاؤهم»‪.‬‬
‫‪ -24‬ورد كذلك يف بعض املصادر أن الغرض هو‪ :‬كام قتل ملك موآب أباه وأمه وإخوته‪،‬‬
‫عندما تركهم يف أرض موآب وهرب من شاؤول‪ ،‬كام ورد يف صموئيل أول (‪« )4 :22‬فأودعهام‬

‫‪293‬‬
‫عند ملك موآب»‪ .‬وعندما خرج داود من هناك وذهب إىل مدينة حريات‪ ،‬قتل ملك موآب أباه‬
‫وأم�ه وإخوت�ه‪ ،‬بخالف أحدهم ال�ذي هرب وأحياه ناح�اش هعمونى‪ .‬وها ه�م املؤابيون قد‬
‫ارتكب�وا فعلة حقرية‪ ،‬عندما خرقوا العهد الذي أعط�اه إياهم داود‪ ،‬والصاحلون منهم لن يأتوا‬
‫بمثل هذه الفعلة‪.‬‬
‫‪ -25‬ثم�ة مثال آخر للس�لوك العنيف يف احلرب نجده يف س�فر أخبار األي�ام الثاين (‪،25‬‬
‫‪ (11(« :)12-11‬وأم�ا أمصيا فتش�دد واقتاد ش�عبه وذهب إىل وادي املل�ح‪ ،‬ورضب من بني‬
‫س�اعري عشرة آالف‪ (12( .‬وعشرة آالف أحياء س�باهم بنو هيوذا وأتوا هبم إىل رأس س�الع‪،‬‬
‫وطرحوهم عن رأس سالع فتكرسوا أمجعون»‪.‬‬
‫موجها لصورة القتل العنيفة تلك‪،‬‬‫ً‬ ‫وح ًّق�ا ورد يف املدراش‪ ،‬أننا يمكننا إدراك أن ثمة نق�دً ا‬
‫من أهنا غري رضورية‪« :‬وغضب وأفنى‪ ،‬غضبت ومل أهدأ‪ ،‬أفنيت ومل أهدأ‪ ،‬س�خطت عليكم يف‬
‫عهد بقاح بن رملياهو؛ حيث ورد «وقتل بقاح بن رملياهو»‪ ،‬س�خطت عليكم يف عهد أمصيا؛‬
‫حيث ورد «وأما أمصيا فتش�دد واقتاد ش�عبه وذهب إىل وادي امللح»‪ ،‬ما هو وادى امللح؟ حتت‬
‫صخ�ور املل�ح‪ ،‬أي حتت صخور احلرب‪« ،‬وعرشة آالف أحياء س�باهم بنو هيوذا‪ ،‬وأتوا هبم إىل‬
‫رأس س�الع وطرحوهم»‪ ،‬يف نفس اللحظة قال الرب تبارك وتعاىل‪ :‬مل أحكم بقتل بني نوح إال‬
‫بالس�يف‪ ،‬وأما ‪« -‬وأتوا هبم إىل رأس س�الع‪ ،‬وطرحوهم عن رأس س�الع فتكرسوا أمجعون»‪،‬‬
‫وليس ثمة هدوء يف هذه اللحظة كام قال الرب تبارك وتعاىل‪ :‬ماذا يفعل هؤالء هنا؟ يكتشفون»‪.‬‬
‫عىل أي حال‪ ،‬نرى مما ورد يف املدراش أنه ليس ثمة نقد موجه جلوهر قتل األرسى‪ ،‬إال إن القتل‬
‫كان من الرضورى أن يتم تنفيذه بالسيف‪ ،‬وليس هبذه الصورة العنيفة‪.‬‬
‫وجيب أن نشير إىل أن عد ًدا من املفرسين أكدوا الفهم الذي ذهبنا إليه‪ ،‬لكن ثمة مفرسين‬
‫غريه�م رشح�وا األم�ر بص�ورة خمتلفة‪ ،‬بس�بب مقارنة امل�دراش باجلمارا‪ .‬فق�د ورد يف اجلامرا‬
‫(سنهدرين ‪« :)1 ،103‬وقال الرايب يوحنان أن الرايب شمعون بن يوحاي قال‪ :‬ونحن نفرس ما‬
‫ورد كالت�ايل «رجل حكيم حياكمه رجل أبله‪ ،‬س�خط عليه وأهلك�ه ومل هيدأ»‪ ،‬قال الرب تبارك‬
‫وتعاىل (أن)‪ :‬لقد صببت جام غضبي عىل آحاز وسلمته مللك دمشق‪ ،‬فذبحه وأحرقه (إلهلهم)؛‬
‫حي�ث ورد «ويذبح إلله دمش�ق الذي يرضبه‪ ،‬وقال (أن) إله ملك آرام يس�اعدهم عىل إهالك‬
‫إرسائي�ل بع�د تقديم الذبيحة إليه»‪ .‬صببت ج�ام غضبي عىل أمصيا‪ ،‬وس�لمته مللك أدوم‪ ،‬أتى‬
‫بإهلهم وس�جدوا له؛ حيث ورد «وكان بعد أن رضب أمصيا األدومي‪ ،‬وحيرض إله بني س�اعري‬

‫‪294‬‬
‫وينصبون�ه أمامه�م وس�جدوا ل�ه وتصاعد الدخ�ان منه»‪ .‬يف اجلمارا يتضح أن «ع�دم اهلدوء»‬
‫وأيضا عندما‬
‫أيضا عندما صب جام غضبه يف عهد آحاز ً‬ ‫اخلاص بالرب تبارك وتعاىل‪ ،‬سببه أنه ً‬
‫(د ّمر) وأفنى يف عهد أمصيا (أي‪ ،‬بمنحه األدومي حتت سيطرته ليفعل هبم ما شاء)‪« ،‬مل هيدأ»؛‬
‫ألهنم استمروا يف عبادة األوثان‪.‬‬
‫وإذا رغبنا يف توحيد حمتوى املدراش مع اجلامرا‪ ،‬يتضح لنا أن مقصد املدراش هو أن كلامت‬
‫الرب تبارك وتعاىل التي تقول «مل أحكم باملوت عىل بني نوح إال بالسيف»‪ ،‬معناها أنني إىل هذا‬
‫احلد قمت بتسليم األدوميم لبني إرسائيل ليقتلوهم كيفام شاؤوا‪ ،‬وهذا يعرب عن انتصار ساحق‬
‫منحه الرب هلم‪ ،‬وعىل الرغم من هذا فهو «لن هيدأ» بسبب عبادة أمصيا لألوثان (وتفسري هذا‬
‫يتفق مع الصيغ التي مل يرد فيها عىل اإلطالق مجلة «مل أحكم باملوت عىل بني نوح إال بالسيف»‪.‬‬
‫وبالفعل هذا ما نفهمه يف تفسري الرايب شلومو بن يتسحاق وعدد من املفرسين‪.‬‬
‫وكذلك إذا فرسنا األمر عىل أساس أن املدراش يوجه نقدً ا‪ ،‬سنرى أن هذا النقد ال ينبع من‬
‫جوه�ر الفع�ل‪ ،‬الذي حُيتمل أن يكون له رضورة يف احل�رب ؛ بل النقد ينبع من أنه عبد األوثان‬
‫بعد ذلك‪ .‬أي‪ :‬بام أنه عىل أي حال يعبد األوثان‪ ،‬فإنه يتضح أن أفعاله القاسية جتاه األدومي ال‬
‫تنبع من مصدر جيد‪ ،‬بل من القس�وة‪ ،‬ولذلك فالرب حياسبه عىل هذا الذنب (كام يقول هوشع‬
‫(‪ )4 ،1‬عن الرب «ألنني بعد قليل أعاقب بيت ياهو عىل دم يزرعيل»)‪.‬‬
‫‪ – 26‬الش�اعر الرايب ش�لومو بن يتس�حاق جريوندى‪ ،‬يف مرثيته «ثمل وليس من اخلمر»‬
‫إحياء لذكرى التاسع من آب‪ ،‬ذكر معنى مشا ًهبا‪.‬‬
‫الرض�ع يف بابل ُقتلوا؛‬
‫‪ – 27‬يف هناي�ة الفصل الس�ابق أوردنا فق�رة نفهم منها أن األطفال ُّ‬
‫أرشارا مثل والدهيم ؛ ووف ًقا هلذا فاالنتقام هو فقط أحد أش�كال‬
‫ً‬ ‫خو ًف�ا من أن يكربوا فيصريوا‬
‫القتل‪.‬‬
‫‪ – 28‬وراجع كذلك تفسير حكي�م فيلنا الكبري العالمة (الرايب إلياهو بن ش�لومو زملان)‬
‫لس�فر إس�تري (‪ )5 :9‬ح�ول فق�رة «ويضرب اليهود مجي�ع أعدائه�م برضبة س�يف فيقتلوهنم‬
‫ويبدوهنم» ويفرس لنا أن هذا القتل كان عني ًفا هبدف الردع‪.‬‬
‫‪ – 29‬وجيب أن نشير يف هذا الس�ياق إىل أن العدو العريب اليوم معروف بأفعاله القاس�ية‬
‫والفاسدة‪ ،‬وإذا مل نتبع مبدأ اجلزاء من جنس العمل‪ ،‬ستزداد قسوهتم‪.‬‬

‫‪295‬‬
‫‪ – 30‬راج�ع كذلك م�ا أورده يف كتاب «أوروت)*(»‪ ،‬حول أن األرشار اليوم خيتبأ رشهم‬
‫ورغتبه�م يف القتل خلف قن�اع من «اخلري» و«األخالق»‪« :‬إنه ألعظ�م (من الرش الفظيع الذي‬
‫كان ذات م�رة) ذل�ك الشر اخلبيث الكام�ن داخل امللحدي�ن‪ ،‬والذى يبحث له ع�ن مكان يف‬
‫جوهر القداس�ة‪« ،‬الذي يقتل باس�تخدام أيديه وجوهر القداس�ة يف هياكل امللك»‪ ،‬إهنا تس�عى‬
‫لإلبقاء عىل نجاس�ة العامل‪ ،‬كل الفظاعة اجلس�دية‪ ،‬ومجيع امليول الرشيرة املس�يطرة عىل اجلس�د‬
‫الفظ يف جوهر أساساته املادية‪ ،‬والصعود معه إىل سعادة القداسة‪ ،‬والذي يتلوث ويتنجس عىل‬
‫(استمرارا لقابيل) الرشيرة‪،‬‬
‫ً‬ ‫الفور عندما يلمس اليد النجس�ة‪ ...‬هكذا تدور وتس�تمر القابيلية‬
‫التي ترغب يف أن تبدو حسنة يف عني الرب‪ ،‬وحتى خيلصها‪ ،‬وهي تعلم بالتأكيد أن الرب صب‬
‫جام غضبه عليها‪ ،‬ويف كل زمان تعلن الرغبة القابيلية عن رغبتها يف س�فك الدماء» (كُتب هذا‬
‫الكالم قبل أن يظهر إىل الوجود الرش األملاين)‪ .‬ولذلك جيب االنتباه حتى ال نسقط يف فخ الرش‪،‬‬
‫أيضا عندما تبدو أفعاهلا صاحلة نسب ًّيا‪.‬‬
‫ً‬
‫اس�تمرارا لكالم�ه هناك يق�ول‪« :‬وعىل الرغم من أن الت�وراة قالت «إن اقرتبت من‬‫ً‬ ‫‪– 31‬‬
‫مدينة لتحارهبا‪ ،‬ادعوها للسلام «– أي ألهنم مل يفعلوا ش�ي ًئا لبني إرسائيل‪ ،‬لكن ما العمل إذا‬
‫فعلوا شي ًئا مثل أن أغاروا عىل بني إرسائيل ليقتلوهم – فعىل الرغم من أن هذه الفعلة مل يقم هبا‬
‫فرد واحد؛ ألنه أحد أفراد الش�عب‪ ،‬بام أهنم بدأوا باإلغارة عليهم‪ُ ،‬يس�مح هلم باالنتقام منهم‪،‬‬
‫وكذلك مجيع احلروب التي تنش�ب مثل واقعة مدين التي ورد فيها «كيدوا ألهل مدين»‪ ،‬حتى‬
‫وإن كان الكثري من أفراد الش�عب مل يش�اركوا يف هذا‪ ،‬ليس ثمة فارق؛ ألهنم ضمن نفس األمة‬
‫التي ارتكبت ذن ًبا‪ُ ،‬يس�مح لبني إرسائيل حماربتهم وهكذا هي مجيع احلروب»‪ .‬أي أنه‪ :‬يتش�دد‬
‫يف واقعة «ش�معون وليفي» اس�تنا ًدا إىل األمر التورايت بالدعوة للسالم‪ ،‬التي جيب علينا فيها أن‬
‫نمن�ح األمة التي نحارهبا فرصة لالستسلام قب�ل أن نلحق هبا األذى‪ .‬لكنه ي�رد عىل ذلك بأن‬
‫الدعوة للسالم واجبة فقط يف احلرب التي بادرنا هبا‪ ،‬لكن إذا كانوا (حتى وإن كان بعض أفراد‬
‫ش�عبهم) حتدوا مملكتنا‪ ،‬ليس ثمة إلزام بدعوهتم للسالم‪ ،‬و ُيسمح بقتلهم مجي ًعا (وجيب مناقشة‬
‫رأيه حول كم التحدي الذي يعفينا من دعوهتم للسالم)‪.‬‬
‫وثم�ة رأي كذل�ك ورد يف رشائ�ع امللوك يفيد بوجوب توجيه دعوة السلام يف حالة إنقاذ‬
‫إرسائي�ل إلحدى املامل�ك من خطر أعدائها (يف حالة عدم تعريض بني إرسائيل خلطر يف هذا)‪.‬‬
‫)*(  هو كتاب من تأليف احلاخام أفراهام يتسحاق هاكوهني‪ ،‬صدر يف عام ‪ ،1921‬ويناقش قومية شعب إرسائيل مقابل‬
‫الشعوب األخرى‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫ويرى أنه جيب أن نفرس ونقول إنه يف حالة حرب «مدين»‪ ،‬كان القرار بعدم توجيه دعوة السالم‬
‫هو فتوى وقتية‪ ،‬بينام يرى الرايب هيودا ليفا بن بتسلئيل أهنا مل تكن كذلك‪ ،‬بل إن الرب فقط رأى‬
‫أن املديانيين يف الواق�ع تعمدوا الكيد لنا‪ ،‬ولذلك يعدون ه�م الذين بدأوا باحلرب‪ ،‬وليس ثمة‬
‫دا ٍع لدعوهتم للسلام ؛ وراجع ما قاله الرايب موس�ى بن نحمان يف إضافاته عىل كتاب الرشائع‬
‫حول نفس األمر‪.‬‬
‫وجيب أن نفهم أكثر ما قاله الرايب هيودا ليفا يف كتاب تفسريه سفر العدد (‪ ،)10 :20‬حينام‬
‫ق�ال إنه ليس ثمة إلزام لدعوة ش�عوب كنعان للسلام؛ ألهنم أرشار ويرتكب�ون فظائع حرمها‬
‫ال�رب‪ .‬والكلمات تبدو صعبة يف حد ذاهتا‪ ،‬بل أصعب مما ورد يف س�فر التكوين‪ :‬صعبة يف حد‬
‫ذاهت�ا؛ ألن�ه إذا مل يكن ثمة إلزام للدعوة للسلام ملن يتعدى عىل الوصايا الس�بع – علينا إ ًذا أن‬
‫نفهم يف أي حرب علينا الدعوة للسالم؛ ألنه اتضح أنه حُيظر حماربة من يلتزمون بالوصايا السبع‬
‫(كام قال هحازون إيش) ؛ وهى أصعب مما ورد يف سفر التكوين؛ ألنه إذا مل تكن هناك رضورة‬
‫لدعوة ش�عوب كنعان إىل السلام – ما الداعي إ ًذا يف تربير عدم دعوة شكيم إىل السالم بأنه بدأ‬
‫احلرب عندما سرُ قت دينا؟ ألنه ُيسمح هلم بمحاربتهم كذلك بدون هذا التربير ! وجيب القول‬
‫إن الرايب هيودا ليفا اعتقد أنه بالفعل ليس ثمة إلزام بدعوة ش�عوب كنعان للسلام؛ ألن التوراة‬
‫أرشارا‪ ،‬وعندما يكون هذا هو س�بب احل�رب – ال داعي لدعوهتم‬ ‫ً‬ ‫تبرر حماربته�م بأهنم كان�وا‬
‫للسلام‪ ،‬وخيتلف هذا ع�ن احلرب بدافع فردي‪ ،‬والتي هتدف إىل إجالل ملكنا وتعظيم اس�مه‬
‫وم�ا ش�ابه‪ ،‬وحينئذ لن تكون حمارب�ة األرشار هي الدافع األس�ايس للح�رب‪ ،‬ولذلك فهي ال‬
‫أيضا أنه يف واقعة دين�ا – مل تكن احلرب ضد رشور‬ ‫تعفين�ا من الدعوة للسلام‪ .‬وبذلك يتضح ً‬
‫أه�ل ش�كيم (ألن بني يعق�وب مل حياربوا مجي�ع الكنعانيني األرشار الذين كان�وا يف البالد)‪ ،‬بل‬
‫كانت من أجل رسقة دينا‪.‬‬
‫صحيحا حتديدً ا‬
‫ً‬ ‫‪ – 32‬وعلينا أن نناقش ما قاله الرايب هيودا ليفا حول ما إذا كان هذا احلكم‬
‫بني املاملك (أي س�لطة توحد الوجود األكثر جوهرية ؛ يف مقابل تعاون أهل املدينة‪ ،‬عىل س�بيل‬
‫املثال‪ ،‬الذين يتش�اركون يف أمور مالية عديدة‪ ،‬لكن ثمة مملكة جتمعهم ليقفوا وقفة رجل واحد‬
‫أمام أعدائهم وما شابه) ؛ أو أنه صحيح بني أمتني‪ ،‬رغم أنه يف الواقع العميل‪ ،‬ليس لدى هاتني‬
‫األمتني مملكتان خمتلفتان‪.‬‬
‫‪ – 33‬وىف هذا السياق‪ ،‬جيب أن نورد ما قاله الرايب هيودا ليفا يف موضع آخر‪ ،‬حينام ناقش‬
‫مسألة زواج بني يعقوب من بنات كنعانيات‪ ،‬بخالف ما قاله إبراهيم وإسحاق ألبنائهام‪ ،‬بعدم‬

‫‪297‬‬
‫ال�زواج م�ن نس�اء كنعان ؛ وجي�ب أن نقول إن�ه حينام مل ي�أت إىل الوجود بعد أس�باط إرسائيل‬
‫االثن�ا عشر‪ ،‬الذين ه�م بنو إرسائيل – إذا كانوا قد تزوجوا من نس�اء كنعاني�ات‪ ،‬ملا كان األمر‬
‫حمظورا لدى إرسائيل عىل اإلطالق‪ ،‬لكن عندما صار هناك اثنا عرش سب ًطا وصاروا مجيعهم أمة‬ ‫ً‬
‫واحدة‪ ،‬كام ورد س�ل ًفا لدى ش�كيم بن محور «وكنا ش�ع ًبا واحدً ا» وقبل هذا كنا أمتني – يف هذه‬
‫احلال�ة‪ ،‬نق�ول إهنم صاروا أمة واحدة مع خروج األس�باط إىل الن�ور‪ ،‬وحينها مل يعد ثمة حظر‪،‬‬
‫وف ًقا لكل ما يتصل باألمة‪.‬‬
‫‪ – 34‬ببس�اطة يثب�ت الرايب هيودا ليفا هذا من مجيع احل�روب الواردة يف العهد القديم‪ ،‬كام‬
‫ي�ورد واقع�ة حرب دين�ا كمثال يف س�ياق حديثه ؛ وعلينا أن نتوس�ع يف رشحنا لنق�ول إنه هبذا‬
‫الشكل تتعامل التوراة مع مجيع احلروب‪ ،‬عن رسد أسباب حول قتل الفرد‪ .‬وهكذا تتضح أكثر‬
‫كلامت التوراة حول العامليق والشعوب األممية السبعة‪.‬‬
‫‪ – 35‬حقيق�ة‪ ،‬ال يوج�د بني هذه الكلمات دليل مطلق عىل ما قاله ال�رايب هيودا ليفا؛ ألنه‬
‫يمكننا أن نفرس ونقول إن التوراة ترش�دنا لالس�تجابة للموافقة اجلزئية عىل السالم‪ ،‬بسبب أن‬
‫النتيج�ة هي إرباك األعداء وقدرهتم عىل اهلروب وما ش�ابه‪ ،‬وفيام يتش�ابه م�ع الفرضيات التي‬
‫أوردناها سل ًفا‪.‬‬
‫‪ – 36‬ال داع�ي لق�رار أمة من أجل إهدار دم اململكة الرشيرة‪ ،‬وكذلك األفراد داخل هذه‬
‫اململكة املترضرة يمكنهم إحلاق األذى بمملكتهم الرشيرة ؛ ألن ش�معون وليفى ليس�ا ملكني‪،‬‬
‫بل فردين يف أرسة يعقوب (ويعقوب يعارض ما فعاله)‪ ،‬ورغم هذا فإن دم أهل ش�كيم ُأهدر‬
‫بسبب ما فعاله مع دينا‪ .‬أي أن دمهام ُأهدر ألن أمة هنا أحلقت أذى بأمة أخرى‪ ،‬ومل يكن القرار‬
‫الرسمي للمملكة املترضرة هو الذي أهدر دم األمة املتعدية‪.‬‬
‫‪ – 37‬وجي�ب أن نناق�ش م�ا إذا كانت هذه الرخص�ة التي يمنحها الرايب هيودا ليفا س�ارية‬
‫كذلك جتاه املنتقدين من شعب ثالث يوجد بني الشعب الذي نحاربه‪ :‬يمكننا القول إهنم ليسوا‬
‫جز ًءا من هذا الشعب‪ ،‬وبالتايل فهم ال يعدون جز ًءا من جسده؛ لكن حُيتمل أهنم مع وجودهم‬
‫بينهم‪ ،‬تم استيعاهبم بداخل هذه األمة (وعىل كل حال‪ ،‬ففي حاالت عديدة‪ ،‬ثمة أسباب كثرية‬
‫لقتلهم وردت يف فصول سابقة)‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪298‬‬
‫‪‬‬
‫خط سري الكتاب‬

‫الفصل األول‪ :‬حظر قتل غري اليهودي‬


‫‪ -1‬حُيظ�ر على غير اليهودي قتل غري اليهودي‪ ،‬وإذا قتل فإنه يس�تحق امل�وت (فهمنا هذا من‬
‫فقرة‪« :‬سافك دم اإلنسان باإلنسان ُيسفك دمه»)‬
‫‪ -2‬النهي «ال تقتل» يتطرق إىل اليهودي الذي يقتل هيود ًّيا آخر‪.‬‬
‫‪ -3‬اليهودي الذي يقتل غري اليهودي‪ ،‬ال ُيعاقب بالقتل‪.‬‬
‫‪ -4‬احلظ�ر ال�ذي على اليهودي لقتل غير اليهودي تعلمناه م�ن الفقرة التي تقول «س�افك دم‬
‫اإلنس�ان»؛ ألنه لدينا قاعدة تقول إنه «مل يرد ما يفيد أن ش�ي ًئا ما مباح لليهود وحمظور عىل‬
‫غري اليهود»‪.‬‬

‫الفصل الثانى‪ :‬قتل غري اليهودي الذي يتعدى على الوصايا السبع‬
‫‪ -1‬غري اليهودي الذي تعدى عىل الوصايا السبع‪ ،‬يستحق القتل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بقاض واحد وبدون حتذير ؛ ولذلك فمن يعلم أن ثمة‬ ‫‪ -2‬حُياكم غري اليهودي بش�اهد واحد‪،‬‬
‫غير هيودي قد تعدى عىل إحدى الوصايا الس�بع يمكنه حماكمته‪ .‬وهو ما أفتى به «هبايت‬
‫يوسيف»‪.‬‬
‫‪ -3‬اجلامرا ختربنا أنه بشكل عام حُيظر قتل غري اليهودي (حتى وإن تعدى عىل الوصايا السبع)؛‬
‫ألنه ُيسمح بمحاكمته انطال ًقا من اهتاممنا بالتزامه بالوصايا السبع‪ ،‬وال يمكن قتله ببساطة‬
‫هكذا (ألننا حينئذ نكون قد قتلناه ملجرد القتل)‪ .‬فغري اليهودي يمكنه فعلاً التوبة والتوقف‬
‫ع�ن ارتكاب الذنوب م�ن هنا فصاعدً ا‪ ،‬وحينئذ حُيظر قتله على الذنوب التي ارتكبها فيام‬
‫قبل توبته‪.‬‬
‫‪ -4‬أفت�ى كتاب «األعمدة الذهبية» بأنه رغم أن التوراة تبيح حماكمة غري اليهودي‪ ،‬فإن احلكامء‬
‫اليهود حظروا ذلك‪.‬‬
‫عدوا إلرسائيل‪ ،‬تتم حماكمته‪.‬‬
‫‪ -5‬غري اليهودي الذي يصبح ًّ‬

‫‪299‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬النظرة إىل أرواح البشر لدى األغيار‬
‫‪ -1‬غري اليهود غري ملزمني ببذل النفس يف حالة عدم التزامهم بوصاياهم‪.‬‬
‫‪ -2‬عندم�ا يق�وم أح�د القتلة بتهديد غير هيودي فيقول ل�ه «اقتل فالنًا أو أقتل�ك»‪ ،‬فإن اآلراء‬
‫اختلفت حول ما إذا كان ُيسمح لغري اليهودي يف هذه احلالة بقتل فالن هذا لينقذ حياته‪.‬‬
‫‪ -3‬عندما يتسبب شخص ما يف قتل غري هيودي (عندما يسقط فوقه وما شابه)‪ُ ،‬يسمح‪ ،‬بإمجاع‬
‫اآلراء للمتضرر بقت�ل م�ن حياول إحلاق األذى ب�ه‪ ،‬حتى وإن كان هذا امل�ؤذي يفعل هذا‬
‫رغماً عنه‪.‬‬
‫‪ -4‬عندما يستغل أحد القتلة إحدى الرهائن العرتاض طريق ضحيته‪ُ ،‬يسمح لغري اليهوديالذي‬
‫يتلقى التهديد‪ ،‬بقتل هذا الرهينة لينقذ حياته‪.‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬النظرة إىل أرواح البشر‪ :‬إسرائيل مقابل األغيار‬


‫‪ُ -1‬يسمح لليهود بقتل غري اليهود يف احلالة التي ُيسمح فيها لغري اليهودي بقتل غري اليهودي؛‬
‫ألن احلظر لدى إرسائيل ينبع من نفس أسباب احلظر لدى األغيار‪ .‬وىف هذه احلالة‪ُ ،‬يسمح‬
‫إلرسائي�ل بقتل الرهينة غير اليهودية‪ ،‬إذا كانت هذه هي الطريقة الت�ي يمكنه أن ينقذ هبا‬
‫حياته‪.‬‬
‫‪ -2‬يف حال�ة هتدي�د اليه�ودي بأن «اقتل فالنً�ا أو أقتلك»‪ُ ،‬يس�مح له بقتل غير اليهودي لينقذ‬
‫حياته‪ ،‬رغم أنه وف ًقا لكتاب «باراش�ات دراخيم» الذي حيظر هذا بني األغيار‪ ،‬وذلك ألن‬
‫بذل النفس يكون فقط عىل ارتكاب الكبائر الثالثة)*( (وليس عن سفك الدماء)‪.‬‬

‫الفصل اخلامس‪ :‬قتل األغيار يف احلرب‬


‫‪ -1‬األغيار الذين يؤيدون أو يشجعون عمليات القتل التي تنفذها مملكتهم وما شابه‪ ،‬يستحقون‬
‫القتل وف ًقا حلكم ا ُمل ِ‬
‫طارد‪ ،‬وجيب علينا قتلهم لننقذ أنفسنا من رضرهم‪.‬‬
‫أيض�ا هؤالء الذين ال يش�جعون القتل‪ُ ،‬يس�مح بقتله�م حتى ال يتأذى اليهود‪ ،‬لألس�باب‬
‫‪ً -2‬‬
‫التالية‪:‬‬

‫)*( الكبائر الثالثة هي‪ :‬عبادة األوثان‪ ،‬زنا املحارم‪ ،‬سفك الدماء‪.‬‬

‫‪300‬‬
‫أ – عندما يقال لليهودى‪« :‬اقتل فالنًا أو نقتلك»‪ ،‬فإنه غري ملزم ببذل نفسه؛ ألن هذه احلالة‬
‫ال تنطبق عليها قاعدة «ملاذا تعتقد أن حياتك أهم من حياتى؟»‬
‫ب‪ -‬يف احلال�ة الت�ي حيتج�ز فيها قات�ل رهينة ما وخيتب�ئ خلفه ليقوم بتهدي�د غري هيودي ما‬
‫(حت�ى وإن مل يكن هذا يف وقت حرب)‪ُ ،‬يس�مح ملن تلقى التهدي�د بقتل الرهينة لينقذ‬
‫حياته‪ .‬وكذلك يف حالة احلرب‪ ،‬فإن وجود األبرياء يساعد القتلة‪ ،‬ولذلك فإنه ُيسمح‬
‫بقتله�م لننقذ أرواحنا‪ .‬وألنه يف هذه احلاالت‪ُ ،‬يس�مح لألغي�ار بفعل هذا مع بعضهم‬
‫البعض‪ ،‬فإنه ُيسمح لليهود كذلك بفعل اليشء نفسه جتاه األغيار‪.‬‬

‫وف ًقا لألس�باب السابقة‪ُ ،‬يس�مح كذلك بقتل األبرياء‪ ،‬مثل األطفال ُّ‬
‫الرضع‪ ،‬عندما تكون‬
‫هناك حاجة لفعل هذا إلنقاذ حياة شخص هيودي‪.‬‬
‫‪ -3‬وجدنا أن الرشيعة ختربنا أن األغيار مش�تبه فيهم بش�كل عام بسفك دماء إرسائيل‪ ،‬ويزداد‬
‫هذ الشك أكثر يف حالة احلرب‪.‬‬
‫‪ -4‬إن رشور هؤالء الذين حياربوننا هو جزء من تعدهيم عىل الوصايا السبع‪ ،‬ولذلك فإنه علينا‬
‫حماكمتهم وقتلهم عىل ذنوهبم‪.‬‬
‫‪ -5‬بسبب الفقرتني السابقتني‪ ،‬قرر حكامؤنا‪ ،‬طيب اهلل ثراهم‪ ،‬بشكل هنائى أنه يف وقت احلرب‬
‫جي�ب قت�ل «أفضل من يف األغيار»‪ :‬إهنم يس�تحقون القتل عن ذنوهب�م‪ ،‬وال يمكن حماولة‬
‫إصالحهم يف هذه احلالة؛ ألن رشهم وخطرهم كبري‪.‬‬
‫‪ -6‬كذل�ك األطفال الذين مل يتعدوا عىل الوصايا الس�بع‪ ،‬هناك بعض املربرات لقتلهم بس�بب‬
‫أرشارا مثل آبائهم‪ ،‬حتى وإن مل يمثلوا‬
‫ً‬ ‫اخلطر املستقبيل الذي سيحدث‪ ،‬إذا كربوا وصاروا‬
‫محاية لألرشار‪ ،‬وحتى مع عدم قدرتنا عىل حتديد مكاهنم بدقة‪ ،‬فذلك ال يمنعنا من إحلاق‬
‫األذى باألرشار‪.‬‬

‫الفصل السادس‪ :‬اإلضرار املتعمد لألبرياء‬


‫‪ – 1‬يف حالة «أعطونا أحدكم لنقتله وإال قتلناكم مجي ًعا» لدى األغيار ُيس�مح بالتضحية ببعض‬
‫األفراد إلنقاذ البقية؛ ألنه ليس ثمة فرضية حلظر هذا‪.‬‬
‫‪ُ – 2‬يس�مح مللك األغيار بتعريض حياة أهل بالده للخطر أثناء احلرب؛ ألن اجلميع سيستفيد‪،‬‬

‫‪301‬‬
‫مس�موحا لنا إحلاق األذى باألغيار‪ .‬ولنفس الس�بب ُيس�مح‬
‫ً‬ ‫ويكفي هذا االحتامل ليصري‬
‫كذلك بقتل الناس بني ظهراين العدو‪ ،‬عندما تكون هناك رضورة لذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬االنتق�ام والتعامل بمبدأ «اجلزاء من جن�س العمل»‪ ،‬مهم ورضوري يف احلرب وإلخضاع‬
‫الرضع‪ ،‬أو بشن حرب قاسية‪.‬‬
‫الرش‪ ،‬سواء عن طريق إحلاق األذى باألبرياء واألطفال ُّ‬
‫‪ – 4‬يف رأى الرايب هيودا ليفا بن بتس�لئيل‪ ،‬فإنه ُيس�مح بإحلاق األذى بجميع أفراد مملكة معينة‪،‬‬
‫إذا كان بعض أهلها أرضوا بنا (ألن مجيع أهل هذه اململكة يعدون كاجلسد الواحد)‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪302‬‬
‫‪‬‬
‫اخلامتة‬
‫من لديه أفكار ومزاعم‪ ،‬مثل «خلقنا كانت فكرة يف خاطر الرب‪ ،‬حتى قبل خلق الكون»؛‬
‫و «ثم�ة رغب�ة مقدس�ة وصارمة لدينا المتالك العامل والس�يطرة علي�ه» ؛ و «األغيار يضاجعون‬
‫البهائم»؛ ومن يظنون أنفسهم «تكمن يف داخلهم روح إهلية» ؛ و «هلم األفضلية عىل غريهم من‬
‫الر َضع !‬
‫بني البرش»‪ ،‬يمكنهم‪ ،‬بسهولة‪ ،‬إصدار فتاوى تبيح قتل األطفال ُّ‬
‫حيم�ل كتاب «رشيع�ة امللك» الكثري م�ن احليثي�ات‪ ،‬واملفاهيم‪ ،‬والترصحي�ات‪ ،‬والفتاوى‬
‫وترخص‪ ،‬وتبيح قتل «األغيار»‪ ،‬بدم بارد‪ ،‬حتى الرضع منهم‪،‬‬ ‫ترشع‪َّ ،‬‬
‫احلاخامية اليهودية التي ِّ‬
‫ليضع هذا الكتاب لبنة جديدة قديمة يف مسلسل ما تزال حلقاته مستمرة‪ ،‬هو مسلسل الفتاوى‬
‫الصهيونية ضد «األغيار»‪.‬‬
‫إذا قال�ت ذل�ك إرسائي�ل وحاخامات هيود‪ ،‬فم�ن الطبيعي أن متر تلك الفت�اوى دون أي‬
‫تعقيب من األمم املتحدة‪ ،‬أو اليونيسيف‪ ،‬أو الڤاتيكان‪ ،‬أو منظامت حقوق اإلنسان‪ ،‬وكأن كل‬
‫ذلك أمر مرشوع!‬
‫تضمنها كتاب «رشيعة امللك»‪ ،‬ما هي إال األساس الديني جلرائم الصهاينة‬
‫فالفتاوى التي َّ‬
‫يف الرشق األوسط؟!‬
‫‪‬‬

‫‪303‬‬
‫ﺑﺳﻡ ﷲ ﺍﻟﺭﺣﻣﻥ ﺍﻟﺭﺣﻳﻡ‬

ÊbÌܸa@Ú„äb‘æ@ÚÓfl˝é¸a@ÂÌánËæa@Újnÿfl
The Guided Islamic Library for Comparative Religion
http://kotob.has.it

‫ﻣﻜﺘﺒﺔ ﺇﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﺨﺘﺼﺔ ﺑﻜﺘﺐ ﺍﻻﺳﺘﺸﺮﺍﻕ ﻭﺍﻟﺘﻨﺼﻴﺮ‬


.‫ﻭﻣﻘﺎﺭﻧﺔ ﺍﻻﺩﻳﺎﻥ‬
PDF books about Islam, Christianity, Judaism,
Orientalism & Comparative Religion.

‫ﻻﺗﻨﺴﻮﻧﺎ ﻣﻦ ﺻﺎﻟﺢ ﺍﻟﺪﻋﺎء‬


Make Du’a for us.

You might also like