Professional Documents
Culture Documents
:يقول العارف باهلل األمير عبد القادر الجزائري رضي هللا عنه
في كتابه“ :المواقف” ،الموقف المائة والواحد والخمسون“ :قال هللا تعالى حاكيا قول موسى للخضر عليهما السالم﴿ :هل أتبعك على أن
﴾.تعلمن مما عُلمت رُشدا
اعلم أن المريد ال ينتفع بعلوم الشيخ وأحواله إال إذا انقاد له االنقياد التام ،ووقف عند أمره ونهيه ،مع اعتقاده األفضلية واألكملية ،وال يغني
أحدهما عن اآلخر ،كحال بعض الناس يعتقد في الشيخ غاية الكمال ويظن أن ذلك يكفيه في نيل غرضه ،وحصول مطلبه ،وهو غير ممتثل
وال فاعل لما يأمره الشيخ به ،أو ينهاه عنه… ،فهذا موسى عليه السالم ،مع جاللة قدره وفخامة أمره ،طلب لقاء الخضر عليه السالم،
﴾.وسأل السبيل إلى لُقيِّه ،وتجشم مشاق ومتاعب في سفره ،كما قال﴿ :لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا
﴾.ومع هذا كله لمّا لم يمتثل نهيا واحدا ،وهو قوله﴿ :فال تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا
ما انتفع بعلوم الخضر عليه السالم ،مع يقين موسى عليه السالم الجازم أن الخضر أعلم منه بشهادة هللا تعالى ،لقوله تعالى عندما قال
موسى عليه السالم :ال أعلم أحدا أعلم مني[ :بلى ،عبدنا الخضر] وما خصّ علما دون علم ،بل عمّم ،وكان موسى عليه السالم أوال ما علم
أن استعداده ال يقبل شيئا من علوم الخضر عليه السالم ،وأما الخضر عليه السالم فإنه علم ذلك أول وهلة فقال﴿ :إنك لن تستطيع معي
صبرا﴾ .وهذا من شواهد علمية الخضر عليه السالم ،فلينظر العاقل إلى أدب هذين السيدين :قال موسى عليه السالم﴿ :هل أتبعك على أن
تعلمن مما علمت رشدا﴾ .أي هل تأذن في اتباعك ألتعلم منك؟ ففي هذه الكلمات من حالوة األدب ما يذوقها كل سليم الذوق .وقال الخضر
عليه السالم﴿ :فإن اتبعتني فال تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا﴾.وما قال :فال تسألني ،وسكت ،فيبقى موسى عليه السالم حيرانا
متعطشا C،بل وعده أن يحدث له ذكرا ،أي علما بالحكمة فيما فعل… ،فأكملية الشيخ في العلم المطلوب منه المقصود ألجله ال تغني عن
المريد شيئا ،إذا لم يكن ممتثال ألوامر الشيخ ،مجتنبا لنواهيه .وقد قيل في ذلك :وما ينفع األصل من هاشم إذا كانت النفس من باهلة
منطو
ٍ وإنما تنفع أكملية الشيخ من حيث الداللة الموصلة إلى المقصود ،وإال فالشيخ ال يعطي المريد إال ما أعطاه له استعداده ،واستعداده
فيه ،وفي أعماله ،كالطبيب
الماهر إذا حضر المريض وأمره بأدوية فلم يستعملها المريض فما عسى أن تغني عنه مهارة الطبيب؟ وعدم امتثال المريض دليل على أن
هللا تعالى ما أراد شفاءه من علته ،فإن هللا إذا أراد أمرا هيّأ له أسبابه .وإنما وجب على المريد طلب األكمل األفضل من المشايخ خشية أن
”.يلقي قياده بيد جاهل بالطريق الموصل إلى المقصود ،فيكون ذلك عونا على هالكه