Professional Documents
Culture Documents
مكتبة الكتب - عضين
مكتبة الكتب - عضين
عِ ضين
رواي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
ِ
عضـ ـ ـ ـ ـين
محمد أشرف فؤاد
2
عِ ضين
جميع الحقوق محفوظة © عصير الكتب للنشر
اإللكتروني
http://book-juice.com
رواية
ِعضين
المؤلفة :محمد أشرف فؤاد
نشر في :أبريل 8102
تصميم غالف :إسالم محمد
تقييم وتصحيح :همام أحمد $أحمد ضياء
تنسيق داخلى :عصير الكتب للنشر االلكتروني
3
عِ ضين
اإلهداء
4
عِ ضين
-1-
قبل أسبوعين
في الشهور األخيرة كان الخطر يطارد زوجها ..وهي كل يوم تنتظر ذلك الخبر السيء ..ال تعلم حينها كيف
ستتصرف وكيف سيكون شعورها أو رد فعلها ..ال تعلم إن كانت ستموت من الصدمة أم ستبقى بقية حياتها
تعيسة ..ولكنها متأكدة أنها لن تتحمل فقدانه ..تكون على قمة العالم عندما تعلم أنه ما زال حيًا وأنه بخير
خبر ما يوحي بأنه في مأزق أو تسمع خبر وفاته أو حتى عندما ال تعلم عنه
وتكون أتعس خلق اهلل عندما ينتشر ٌ
شيئًا ،لكنها كانت تمني النفس بأن كل تلك األخبار كاذبة وسيكون بخير قريبًا ،تلجأ لربها بالدعاء ...وال خاب
من لجأ لربه..
أيقظها رنين هاتفها المحمول ..صديقتها أماني تتصل بها في وقت متأخر ..ترددت أن ترد عليها ..تتصل بها في
خبرا سيئًا وهي غير مستعدة إطالقًا لسماع خبر من هذا النوع في هذا الوقت
فجرا هذا يوحي بأن هناك ً
الرابعة ً
على األقل ..حاولت تجاهل صديقتها لكن قلبها حثها على الرد..
أماني ؟ هل ِ
أنت بخير؟!
5
عِ ضين
أسرعت آسية لتفتح التلفاز وأمسكت بجهاز التحكم وارتبكت ماذا عليها أن تفعل؟! سألتها..
فعال ،حدقت فيها غير مصدقةً لما تراه أو تقرؤه حتى أن
قلبت آسية القنوات بسرعة إلى أن وصلت لهذه القناة ً
هاتفها سقط منها وتفكك وهي لم تشعر به ،تحاول استيعاب الخبر أو تصديقه على األقل!
"عاجل ...وصول صاحبي "فيديو القرن" إلى مطار القاهرة منذ قليل"...
قرأت الخبر عدة مرات لتتأكد أنها ال تحلم أو تتخيل ..تساءلت ..عمر؟! عمر هنا في مصر؟! ..ال تصدق ما
مجددا بذه ٍن مشتت..
ً تماما أنها كانت تكلم صديقتها ..التفت لهاتفها المفكك وقامت بتجميعه
تقرؤه ..نسيت ً
رن هاتفها من جديد فور أن قامت بإعادة تشغيله ..هذه المرة ليست صديقتها ..إنه مدير المستشفى التي كانت
تتعالج فيها ..
تطاير قلبها من الفرحة ..لقد أخبرها أن زوجها قد عاد وهو في طريقه للمستشفى ..ليس هذا فقط ..بل أرسل
إليها سيارةً تابعة للقوات المسلحة لنقلها هي ووالدة زوجها لمطار سوهاج الدولى تمهي ًدا لنقلهما إلى القاهرة
خالل ساعات لتكونان بجانبه..
في ظرف دقائق كانت كلتاهما في الشارع تسرعان حتى وصلتا لسيارة القوات المسلحة التي كانت بانتظارهما
جميعا ناحية المطار ..
وركباها وانطلقوا ً
************
صباحا تظهر سيارات الشرطة وتتوسطهم سيارة إسعاف في شوارع القاهرة المؤدية
ً الساعة الرابعة والنصف
للمستشفى العسكري ..يبدو كموكب لشخصية هامة ،دقائق قليلة وكانت السيارات قد وصلت للمستشفى ..كان
6
عِ ضين
الجميع هناك جاهزون الستقبال هذه الشخصية ،نزلت من سيارة األسعاف فتاةً تبدو في منتصف العشرينات من
عمرها ..يبدو عليها األرهاق ..كانت شارة الذهن !..حاولت مساعدة رجال األسعاف في جر النقالة التي تحمل
جميعا المصعد عداها هي
هذه الشخصية لكنها تركت األمر لهم ،أسرعت بجانبهم لدخول المستشفى ،دخلوا ً
التي قررت أن تصعد السلم لضيق مساحة المصعد ،نادتها إحداهم ...
ماريان..
التفتت ورائها ناحية الصوت ،فتاة تبدو في نفس سنها تقريبًا ،اقتربت الفتاة منها ..
بدا على ماريان التشتت وعدم التركيز ..جذب انتباهها الميكروفون الذي تمسكه الفتاة ،يحمل اسم القناة التي
كانت تعمل فيها قبل رحلتها التي خاضتها ،أكملت الفتاة..
المرخص لها بتغطية األحداث هنا بعد رجوعكم ،واآلن أريد بعض ِ
بفضل عمك أصبحنا القناة الوحيدة ُ
التفاصيل لننفرد باألخبار..
رجاء..
حسنًا ،أتبعيني ً
7
عِ ضين
ورجاء ال تخالفي األوامر ،ال تدلي بأي معلومات أو تصريحات على األقل في
ً ليست مساعدة ..بل أمر
الوقت الراهن..
ِ
أخبرك أنه كي يحصل على التصريح كان لنا شرطًا وهو عدم نشر أي خبر إال بعد وأظن أن رئيس القناة قد
موافقتنا ..أليس كذلك؟!
هزت الفتاة رأسها إيجابًا لقد فهمت كالهما أن هذا الرجل من األمن الوطني ،تركهم وصعد بمفرده وصعدتا وراءه
للطابق الثاني حيث غرفة العمليات ..جلست لترتاح على أحد كراسي االستراحة بجانب غرفة العمليات التي دخل
فيها عمر ،يظهر عليها التعب واألرهاق ،أسندت رأسها للوراء وارتخى جسدها ..تحاول تذكر ما كان يجب عليها
قليال لكن ذهنها كان مشو ًشا ..ال تستطيع التركيز ،أغمضت عينيها لتستجمع تركيزها ..مرت
فعله بعدما تستريح ً
لحظات طويلة وهي تشعر بارتخاء في جسدها ..فجأة فتحت عينيها بعدما سمعت صوت أحدهم قادم نحوها..
قليال ..الحظت قدوم فتاة بسرعة وتتقدم نحو غرفة العمليات..
فتحت عينيها ونظرت للساعة ..لقد غفوت ً
فعال لكن الممرضات أخرجتها..
دخلت ً
خارجا..
مسموح سيدتي ،عليكي االنتظار ً
ٌ غير
رجاء
لكنني أخبرتكم أني زوجته ..أريد األطمئنان عليهً ..
جذبت ماريان يدها ،التفتت إليها آسية وسألتها ماريان والدهشة باديةً عليها..
8
عِ ضين
ال تقلقي ،تعالي معي..
نظرت آسية نظرة أخيرة لغرفة العمليات ثم أصطحبتها ماريان لكراسي االستراحة..
ِ
لطبيعتك مرةً أخرى ..أنا مسرورةً ج ًدا ِ
ورجوعك تماما ِ ِ
قبل كل شيء أود أن أهنئك على تماثلك للشفاء ً
دائما أن أراكي ولو لمرةً واحدة..
ألجلك ..كنت أود ً
ما زالت آسية شاردة الذهن وكأن ال أحد يكلمها ،سألتها ماريان..
ِ
زوجك بخير صدقيني.. لماذا تبدين قلقةً هكذا؟!
خطيرا صدقيني ،ربما تكون هناك رصاصة مستقرة في يده أو كتفه البد من
ً التدخل الجراحي هنا ليس
رجاء..
أخراجها ،فقط ال غير ..ال تقلقي ً
عليكي أن تشكري اهلل يا آسية ،من كان يتوقع رجوعنا مصر مرًة أخرى ،لقد فقدنا األمل كليًا في العودة ..ال
أصدق أننا هنا!
دائما..
يحق لي التكبر والغرور به ً
أعلم ذلك ..لطالما كان ُ
قاطعت حديثهما إمرأة جاءت متأخرة بعض الوقت عن آسية عرفتها ماريان أنها والدة عمر..
بدال عنها..
ردت ماريان ً
عمر بخير يا خالة ..هو حاليًا في غرفة العمليات ..بعض الكدمات فقط..
نسيت أن أعرفكم بنفسي ..أنا ماريان ..أنا من قمت بتصوير فيديو القرن الذي يظهر فيه عمر وهو..
سكتت فجأة ولم تكمل كالمها ..أدركت أنها تتكلم مع والدة عمر ،لم تُ ِرد أن تذّكرها بتلك الحادثة ،عملت
حاال ،ألتفتت آلسية..
على تغيير الموضوع ً
أنت ِ
ألنك تملكينه ،على الجميع أن دائما ما كان عمر يكلمني ِ
عنك وعن حبكما لبعض ،محظوظة ِ
ً
يحسدك..
قليال..
شعرت آسية بالغيرة ً
كثيرا.. ِ
يبدو أنه كان يثق بك ً
ابتسمت ثم قالت..
11
عِ ضين
معا طوال هذه الرحلة ،أنقذته فعمل على ردها لي ..كانت أمامه الفرصة
بعد تصوير هذا الفيديو أصبحنا ً
ضل أن نرجع كالنا لمصر ..أنا كذلك في األيام األخيرة تلك سنحت لي الفرصة للعودة
للهرب والعودة لكنه ف ّ
معا..
لكنني قد قررت البحث عنه والعودة ً
شكرا ِ
لك ماريان.. ً
أصال..
أنا من يجب أن أشكره ..لواله لم أكن على قيد الحياة ً
تذكرت شيئًا..
تذكرت أنني يجب أن أطمئن والداي ،سأرجع إليكم بعد قليل ..أنتظراني هنا
اتصلت ماريان بعمها لتطمئنه عليها وكذلك ليطمئن والديها عليها ،ثم اتفقت معه على عمل مداخلة تليفونية مع
المذيعة شيرين...
المذيعة شيرين عبد النور في تغطيتها لهذا الحدث عبر اتصال هاتفي مع ماريان..
ِ
سالمتك... أهال ماريان ..حم ًدا هلل على
" -واآلن معنا ماريان من المستشفى العسكري بالمعاديً ..
ٍ
بصوت مرهق.. ردت ماريان
شكرا ِ
لك شيرين.. ً
تبدين مرهقة يا ماريان! يبدو ِ
أنك لم تنامي أليام..
النوم؟ تبدو هذه الكلمة مألوفةً لي ..أتذكر بأن معناها الراحة ،أليس كذلك؟!
يبدو بأن ِ
لديك الكثير لتقولينه يا ماريان..
11
عِ ضين
طوال هذه المدة لم نعرف معنى النوم يا شيرين ..كننا ننام على ٍ
خوف ونستيقظ على قصف ..حياتنا كانت
جحيما.
ً
أسمعيني يا شيرين ..ال يمكنني أن أتحدث أكثر من أن أطمئن الجميع علينا اآلن ،لكن أع ُد ِك بعد أن أنتهي
من التحقيق سأخبركم بكل شيء حصريًا..
ولماذا التحقيقات؟
حسنًا ..أتر ِ
كك اآلن لترتاحي يا ماريان ولنكمل كالمنا بعد أن ينتهي التحقيق...
حسنًا
أخيرا ..تهافتت عليه آسية بعدما خرجت به الممرضات والحقتهم حتى غرفة
بعد ساعتين في غرفة العمليات خرج ً
العناية المركزة..
لم تصدق آسية عينها بعد ..تخاف أن تستيقظ ويكون ما يحدث اآلن معها مجرد ُحلم ،تمرر يدها على شعره..
أخيرا شعرت بنبض قلبها يعمل من جديد بعد أن توقف
تريد أن تتأكد أنها تلمسه هو ح ًقا ،قبّلته على جبينهً ،
قليال على األريكة التي
تقريبًا ،نور عينها بعد أن فقدت بصرها ،روحها بعد أن صارت ميتة ،فكرت في أن تنام ً
بالغرفة ..تريد أن يمر الوقت بسرعة لتراه بخير ..ستلجأ للنوم!
************
12
عِ ضين
معا ،كانا يلعبان بالكرة وفجأة تعثر أحدهما ،أسرع ليطمئن عليه..
ابتسم حين رآهما يلعبان ً
ٍ
بصوت عالي والطفل الثاني يحاول بدأ مهند يصرخ ويبكي ،إنه ينزف بشدة من كتفه ،ليس مجرد تعثر ،صرخ
تهدئته..
ذاهب به يا إيالن؟!
ٌ إلى أين أنت
مجددا..
ً بدا حزينًا ..لن يراهما
سأفتقدكما يا رفاق..
كثيرا ..لكن نحن نثق بأنك ستلحق بنا قريبًا ،مع السالمة يا عمر..
ونحن كذلك يا عمر ..سنفتقدك ً
13
عِ ضين
مفتوحتان ،حاول أن يناديها لكنه لم يستطع كذلك ..حاول أن يفتح عينيه بالكامل والتركيز أكثر الستيعاب
األمر ..أمعن النظر ناحيتها ،بدأ يدرك األمر ..هذه ليست ماريان ،لكن من المستحيل أن تكون هي من يفكر
بها ..ال ال مستحيل ..آسية ؟! ما الذي جاء بها هنا ..مستحيل ..أنه يحلُم ،بالتأكيد يحلُم!
14
عِ ضين
-8-
البدايات
القاهرة
كان يومه سيئًا خاصة بعدما حدث خالف كبير مع المذيعة شيرين ..خالف قد يؤدي لفض الشراكةُ معها وبذلك
ستخسر المحطة األموال التي تأتي من اإلعالنات التي تأتي من طرفها وبالطبع برنامجها يستولي على أكثر من
%01من األعالنات ،يصفها دائما بزوجة أبليس! أمام التلفاز تظهر ٍ
بوجه مالئكي بريء ..أما ما وراء الشاشات ً
مثال..
فإنها تتحول لكائن مخيف كاألفعى ً
ما قطع تفكيره صوت طرقات على باب مكتبه ..تلك الطرقات يعرفها جي ًدا..
أدخلي يا ماريان..
بدال من والديها..
أطلت برأسها للداخل ..تلك الفتاة الذي طالما قام بتربيتها ً
ِ
ألجلك بالطبع.. حتى لو كنت كذلك ..سأتفرغ
أوال..
كنت في الجامعة وأنهيت يومي هناك وكنت في طريقي للبيت لكنني فكرت أن أطمئن عليك ً
ُ
خبرا وراء كالمها..
نظر إليها نظرة متحدية وكأنه يعرف أنها تخبئ ً
فقط؟!
15
عِ ضين
حسنًا ..لقد ظهرت نتيجتي وما زالت أحتفظ بمركز الصدارة للفصل الدراسي الثالث على التوالي..
حاال..
حسنًا ..حسنًا ،سأرسل طاقم القناة لهناك ً
قالها لمن يهاتفه وهو ينظر لماريان بابتسامة ،أغلق االتصال والتفت إليها..
ِ
وتفوقك؟! وما رأيك في تغطية مظاهرات عند القصر الرئاسي كهدية مني بسبب ِ
نجاحك
دائما ..رفع
قفزت ماريان فرحة من مكانها ،قبّلته ثم خرجت من مكتبه مسرعةً لعملها الذي يكلفها بها عمها ً
سماعة الهاتف طالبًا غرفة اإلعدادات ليرسلوا طاقم تغطية مع ماريان..
دائما بماريان التي ترفع رأسه ويفتخر بها أمام الجميع خاصة
ظهرت ابتسامة الفخر على وجهه ،طالما كان واث ًقا ً
شيرين ،منذ أن راهن بماريان للعمل بالمحطة كمراسلة أخبار وهي تسلب حب الناس من شيرين لصالحها،
أصبحت تنافسها في الشهرة تقريبًا ..أصبحت ماريان أصغر مراسلة تلفزيونية تعمل باإلعالم وهذا ليس بسبب
دائما ما كانت ماريان تُظهر موهبتها في تغطية
عمها الذي يعمل كمدير للمحطة بالشراكة مع شيرين..ال الً ..
ومعرضة للخطر عكس شيرين التي
دائما في قلب األحداث ُ
األحداث ،وسلبت من شيرين جزء من شهرتها كونها ً
تجلس في المحطة وأمام التلفاز في أمان..
************
عادت ماريان للبيت متأخرة بأقصى درجات اإلرهاق بعد سهرها الليلةَ السابقة للمذاكرة وامتحان نصف الفصل
الدراسي الثاني في صباح اليوم ومن بعدها تغطيتها لمظاهرات اليوم ..دخلت غرفتها وارتمت على سريرها في ٍ
تعب
16
عِ ضين
وإرهاق شديدين وما كان ينقص من يومها شيء إال أن تأتي والدتها لتعاتبها ،دخلت والدتها الغرفة والغضب باديًا
عليها..
إهمال؟! عن ماذا تتكلمين يا أمي؟! نسيت أن أخبرك أن نتيجة النصف األول قد ظهرت ..مازالت في المركز
األول يا أمي ..فكيف أهمل دراستي كما تقولين؟!
17
عِ ضين
تملكها ،صحيح أنها فقدت الوعي تقريبًا إال أنها ما
لم تكمل كالمها ألنها غرقت في النوم بسبب اإلرهاق الذي ّ
عال بسببها ،لكن ماريان اعتبرت أن ما يحدث هو مجرد ٍ
بصوت ٍ زالت تدرك صوت والديها وهما يُعاتبان بعضهما
حلم!
سوهاج
دخلت مكتبة ال ُكلية ألول مرة منذ التحاقها بكلية الزراعة ،وكغالبية طالب هذه الكلية فإن التنسيق قد أجبرها
على االلتحاق ب ُكلية الزراعة ولذلك تظهر عالمات عدم الرضا واالمتعاض على وجههاُ ،عرفت بين صديقاتها
كثيرا ..دخلت آسية المكتبة وتوجهت
بابتسامتها التي ال تُفارق وجهها لكن فيما يتعلق بالدراسة تبغض األمر ً
ألمينة المكتبة..
صباح الخير..
ردت األمينة..
ِ
أساعدك؟! صباح الخير ..كيف
أنا آسية ،أدرس في الصف الثانيُ ..كلفت بعمل بحث في مادة االجتماع الريفي ،كيف يمكنني تجميع
البحث من فضلك؟!
ضا في الصف الثاني وهو غالبا يقوم بكتابة البحث نفسه المطلوب ِ
منك ،تلك الرفوف وراءه فيها هو أي ً
ً
الكتب المتعلقة بذلك البحث..
18
عِ ضين
ِ
أشكرك سيدتي.. حسنًا..
لدقائق ظلت آسية تبحث في عناوين الكتب عن موضوع بحثها ..لم تدخل المكتبة من قبل لذلك بدا األمر صعبًا
بالنسبة لها ،أما عمر فتوقف عن إكمال بحثه بسبب وجود آسية خلفه ..فاض به األمر فقرر أن يساعدها حتى
ضا..
يتمكن هو من إنهاء توترها هذا وإنهاء كتابة بحثه هو أي ً
ال أب ًدا..
كنت أريد كتابة ٍ
بحث عن "دور المكاتب األرشادية في تنمية الريف عذرا ،لكنني ألول مرة أدخل المكتبةُ ،
ً
المصري" وال أعرف من أين أبدأ!
التفت عمر لرف الكتب واختار ثالثة كتب وكأنه يعرف هذه الكتب عن ظهر قلب ثم أعطاها لها.
هذه الكتب فيها موضوع بحثك ،لقد قُمت بكتابة هذا البحث األسبوع الماضي ،أما بخصوص دخولك لهذه
المكتبة للمرة األولى فهذا طبيعي ج ًدا في ُكليتنا ..أنا ال أدخلها محبةً فيها ..مرغم ِ
أخاك ال بطل.. ٌ
أبتسمت آسية شاكرة له..
أخذت الكتب منه وجلست بجانبه دون قصد ،كانت قريبةً من رف الكتب الخاص بالبحث..
19
عِ ضين
متظاهرا بأنه مازال يكتب بحثه! هل
ً جالسا في مكانه
بعد دقائق أنهى عمر كتابة بحثه وهو ال يدري لماذا ال يزال ً
أعجبه الكالم معها؟! ماذا لو يفتح معها نقا ًشا آخر؟! ..تردد للحظات ثم انطلق لسانه فجأة..
هذه المادة ال أُذاكرها تقريبًا ،لم أفهم شيئًا من شرح الدكتور في المحاضرات السابقة ،وطالما لم أفهم شيئًا
سهال..
حال ً أصال ..هذا يبدو ًفي أي مادة ال أُذاكرها ً
رد عليها بسخرية..
أرغمت نفسي على ُمذاكرة المادة وعمل تلخيص لها ،لو أردتي الحصول على
ُ الفارق بيني وبينِك هو أنني
ٍ
نسخة منه لن أمانع..
شكرا لك..
أنا ممتنةً لكً ،
هذا من دواعي سروري..
21
عِ ضين
غادرت آسية المكتبة بالفعل وظل هو لدقائق يتأمل في حديثه معها ،أدرك فجأة أن هناك ُمحاضرة قد بدأت
بالفعل ،نظر في ساعته فأدرك أنه قد مر على بدء المحاضرة ربع ساعة تقريبًا ..أدرك أن آسية لم تكمل كتابة
البحث وأسرعت فقط للحاق بالمحاضرة...
21
عِ ضين
-3-
لقد تم لقاء آخر بينهما وتكلما كثيرا ،استرسال في الكالم ٍ
لوقت طويل دون أن يضع كالهما الوقت في األعتبار.. ً ٌ
تطرقا لموضوعات كثيرة كان أغلبها فيما يخص المواد التي يدرسانها ،انجذب كالهما نحو اآلخر ،ولعل هذا
هاما لينشغل باله اليومين الماضيين..
األرتياح في الحديث معها كان سببًا ً
لقد صنع عمر بداخله شخصيةً وهمية يستطيع أن يصارحها دون قيود وبأمان ودون خوف ..لقد كان يؤمن بأن
أقرب صدي ٌق له هو نفسه ،كان يحاور نفسه..
وقف أحمد أمامه ورفع حاجبيه وهو ينظر لعمر ،ثم جاءته فكرة رافقتها أبتسامة ماكرةً..
أنا غبي؟! حسنًا ..سأغادر لكن ال تسألني عن المعلومات التي حصلت عليها ..سالم..
حسنًا ..حسنًا يمكنك فعل هذا ثانيةً لكن أخبرني ..ماذا عرفت عنها؟!
فقط؟!
22
عِ ضين
تعجب أحمد من سؤاله..
شكرا
حسنًا هذا يكفي اآلنً ..
هز أحمد رأسه نافيًا..
ليس بهذه الطريقة ..شكري أنا له طريقةً أخرى أنت تعرفها جي ًدا ..وجبة غذاء في ٍ
مطعم فاخر..
أوال ..كيف حصلت على هذه التفاصي؟ ال تقل لي أنك حسنًا وجبة غذاء في ٍ
مطعم فاخر لكن أخبرني ً
أصال..
تتبعتها ..أنت ال تعرفها ً
قدر ٍ
ات خاصة ،الصحفي ال يُفصح عن مصادره..
حسنًا ..أنا أعرف مصادرك تلك لكن السؤال األهم هنا ..هل عرفت تلك المعلومات من ياسمين أم سارة أم
نور؟!
مازحا..
أجابه أحمد سر ًيعا ً
إيمان..
ٍ
بصوت عال ،خطر على بال أحمد سؤال.. ضحكا
23
عِ ضين
تعجب أحمد من سؤاله..
تقصد من بجميعكم؟!
أنت وعقلي ..تتهماني بأنني أحاول نسيان تجربتي السابقة بآسية ،أنا فقط انجذبت إليها واأليام القادمة
فعال أحاول نسيان تجربتي السابقة بها أم أنها بدايةً جديدة..
ستُظهر لي ما إذا كنت ً
نظر أحمد في ساعته..
حسنًا ..هيا لنسرع ،البد وأن ال نغيب على آخر محاضرة لعل وعسى يُفاجئنا دكتور المادة بحذف نصف
مثال..
المنهج ً
سخر عمر منه وأسرعا لحضور آخر محاضرة في هذه السنة..
24
عِ ضين
-4-
كانت تعاني صعوبة األعتراف بأن هناك فتاةً في سن المراهقة تُنافسها شهرةً في الساحة اإلعالمية ،هذا االعتراف
جاء بعد أن علمت بتلك العروض التي تلقتها ماريان للعمل بأكبر وكاالت األنباء العالمية ويتم رفض تلك العروض
ضا غير مستعدة للتخلي عن مكانتها كأشهر أعالمية في من قِبل عمها ثروت ألنها لم تُكمل دراستها بعد ،هي أي ً
مصر والشرق األوسط..
المشكلةُ هنا أن ماريان متفوقة دراسيًا ،حاولت أن تعرقل تفوقها هذا بأكثر األشياء إثارةً في حياة ماريان ..العمل
ٍ
أحداث كثيرة في محاولةً منها للتأثير على تركيزها خاصةً أنها تخوض الميداني كمراسلة ،كانت تُرسلها لتغطية
دائما ما كانت تُثبت
ضا ..فكرت في التأثير على والديها لمنعها لكن ماريان ً
امتحانات آخر العام لكنها تتفوق أي ً
لهم العكس وتبطل حجتهم ..عملها بالمحطة هو سر تفوقها في الدراسة..
أدخل...
أنفتح الباب ودخلت ماريان وقد ال يُخفي عليها توجسها من االبتسامة التي استقبلتها بها شيرين..
من الغريب أن تطلبني األستاذة شيرين عبد النور بنفسها ،البد أن تسجل صفحات التاريخ هذا..
ط ج ًدا..
ولماذا كل هذا االندهاش والتعجب يا ماريان؟! األمر بسي ٌ
بدت على ماريان الحيرة..
25
عِ ضين
رفعت ماريان حاجبها في قلق..
كارثة ..لقد أخطأت في نقطة في السؤال الثاني وأظن أنني سأفق ُد مركزي..
لكن ال أظن ِ
بأنك تطلبين مقابلتي لتسألينني عن حال االمتحان معي اليوم ..شيرين ال تفعل ذلك..
صدقيني..
كثيرا ..اعذريني فأنا صريحة لحد الوقاحة أحيانًا ،لكن دعينا نرى ما طلبتيني ألجله وحينها
االمر ال يريحني ً
أعرف سبب قلقي..
يمكنني أن ُ
ساد بينهما الصمت للحظات ،تكلمت شيرين بج ّدية..
للبعض منّا فرصةً إذا أضاعها سيندم بقية عمره عليها وقد يعيش على أمل تكرار الفرصة لعل وعسى
ُ قد يأتي
أصال
يستغلها هذه المرة ..هذا إن جآءته ً
سكتت للحظة ثم أكملت كالمها..
26
عِ ضين
رأيي في ماذا؟!
ظننتك أذكى من ذلك وستفهمين قصدي ..أنا أعرض ِ
عليك العمل ضمن طاقم برنامجي كمراسلة ميدانية.. ِ
فقط!
ح ّدقت فيها ماريان ..آخر ما كانت تتوقعه من شيرين أن تعرض عليها العمل معها ،ابتسمت ثم قامت من مكانها
وأدارت ظهرها لشيرين..
بحرية ودون قيود ..أعلم بمكان الحدث هنا أو هناك فأسرع للتغطية واالنضمام لطاقم أي برنامج
أنا أعمل ُ
ِ
بأوامرك ِ
طاقمك الخاص يعني أنني سأتقيد الذي يصادف ميعاد بثه موعد حدوث الحدث ..عملي ضمن
وببر ِ
نامجك فقط وهذا ال يُناسب أسلوبي يا شيرين..
المهينةَ لها..
سهال ،لكن لم تتوقع الرفض أو الرفض بهذه الطريقة ُ
توقعت شيرين أن نقاشها مع ماريان لن يكون ً
ِ
رفضك هذا؟! أترفضين العمل مع أكبر إعالمية في مصر والشرق األوسط؟! هل ي ِ
مكنك تخيل معنىُ
إلي عروض للعمل في
أتخرج من الجامعة ويُق ّدم ّ
بالطبع يُمكنني تخيل هذا ..يُمكنني تخيل األمر حين ّ
أنت كذلك سيكون من ضمن تلك العروض ..يُمكنني حينها أن أقرر أي ٍ
عرض ك ِ وعرض ِ
ُ وكاالت أنباء عالمية
ِ
وأظنك تعرفين ماذا سأقرر بالطبع! سأقبل
يحمر وجهها غضبًا ،قطبت شيرين حاجبيها لكن ماريان التفتت لتخرج من
قالتها ماريان بسخرية مما جعل شيرين ّ
مكتبها وهي تختم هذا الحوار..
لقد أخبر ِ
تك أنني صريحة لدرجة الوقاحة لكن يبدو أن وقاحتي تلك مع البعض نعمة..
خرجت دون أن تنطق بكلم ًة أخرى ،فيما بقيت شيرين تحاول أن تستوعب ما حدث ،كان هناك احتمال أن ترفض
عرضها لكن ليس بتلك الطريقة!
27
عِ ضين
ِ
الختيارك الشخصية الخطأ، بأنك نجحتي في جعلي أخوض حربا ِ
معك لكن ستندمين أعترف ِ
ُ حسنًا ماريان..
ً
األمر ليس بتلك السهولة يا ماريان ..ستدفعين الثمن..
28
عِ ضين
-5-
كانت آسية وأماني في طريقهما للجامعة في حافلة الجامعة لتأدية آخر االمتحانات العملية لهذا العام ،كانت أماني
تُراجع الدروس العملية لكنها الحظت شرود ذهن صديقتها ..تبدو غير طبيعية هذه األيام..
عادت آسية لواقعها من جديد ،التفتت ألماني ثم هزت رأسها بالنفي ،كانت تبدو شاردة لذلك لم تتركها أماني
وشأنها..
حاال..
آسية ..هناك شيءٌ ال أعرفه وأود أن تخبريني به ً
التفتت آسية إليها ،حدقت بأماني وتساءلت ..كيف أنها لم تخبرها حتي االن؟!
هناك أحدهم يقوم بتصرفات غريبة لجذب انتباهي ،يحاول أن يُقابلني لكنني أتظاهر بعدم الفهم..
29
عِ ضين
اندهشت أماني ،كيف لم تالحظ هذا؟! لقد انتقل عمر من فصله المعملي للفصل التي تدرس فيه هي وآسية..
أكملت آسية كالمها عنه..
قليال بشأن الدراسة وأعطاني ُمذكرة لمادة اإلحصاء ..هذا باإلضافة لتلك
قابلني مرتين فقط ..تحدثنا ً
التصرفات الغريبة مثل ُمراقبتي وتتبُعي!
قليال ،ثم عادت لتنظر في كتابها بذه ٍن شارد ،مالت آسية نحوها لتهمس لها..
فكرت أماني ً
أو ربما يكون كل هذا ّوهم وغير حقيقي ،وربما قد تكونين فهمتي ما يحدث خطأ..
31
عِ ضين
-6-
كان عمر في غرفته يتجول بين صفحات األنترنت على حاسوبه المحمول عندما دخل عليه أدهم دون أستئذان،
لم يبالي بدخول أخيه بهذه الطريقة ..فهو قد أعتاد على مضايقات أخيه له..لم يبدي أي أهتمام بوجوده..
دخل أدهم على أخيه قاطبًا حاجبيه ..ين وي مواجهته ،لكن عمر ينظر لشاشة حاسوبه دون األهتمام بوجوده ،تقدم
أدهم تجاه عمر ووقف بجانبه فيما أستمر عمر بتجاهله ،سأله أدهم..
صباحا ؟!
أين ذهبت حين خرجت ً
مختصرا..
ً التفت إليه عمر ببرود ثم عاد ونظر إلى شاشة حاسوبه ،كان رده
كنت في الجامعة..
ال يهمني أن كنت تصدقني أم ال ..أنت تعلم جي ًدا أني ال أكذب..
31
عِ ضين
كفى أسئلة يا أدهمِ ،
هات ما عندك ..ماذا تريد ؟
لقد قُمت بالتوقيع على أستمارة سحب الثقة ،أليس كذلك ؟!
ساخرا..
أفلت عمر يده من قبضة أخيه ثم قال ً
لقد أثار عمر غضب أخيه ،عاد أدهم ومسك عمر من ذراعه ثم أمسكه من ياقة قميصه ،لقد ظهر ما كان أدهم
ينوي فعله ...
لن أدعك تخرج من البيت أب ًدا ،سأقوم بسجنك هنا في غرفتك لحين رجوعك لصوابك يا أحمق..
حاول عمر أفالت نفسه بالقوة ونجح في ذلك ،لكنه لم ينجح في تفادي ردة فعل أخيه السريعة حين دفعه ،لم
يستطع تفادي أختالل توازنه وأرتطام وجهه بحافة السرير الخشبية ،..بسبب علو صوتهما فُتح باب الغرفة فجأة..
واضعا يده على فمه وهو يحاول أيقاف
هذه المرة كانت والدتهم التي فُزعت عندما رأت عمر ساقطًا على األرض ً
تدفق الدم ،أسرعت نحوه وهي تصرخ..
32
عِ ضين
تبعها الشيخ محسن حينما سمع هو اآلخر صوت مشاجرة وصراخها ،دخل والصدمة بادية على وجهه من الذي
يراه ،أسرع عمر بالرد عندما الحظ وجود والده على باب غرفته..
ال شيء يدعو للقلق يا أمي ..لقد تعثرت بسبب محاولتي لتفادي سلك شاحن حاسوبي ،لقد أصطدمت بحافة
السرير ..
أسرعت به والدته خارج الغرفة إليقاف النزيف ،فيما بقي في الغرفة أدهم ووالده ،فهم الشيخ محسن ما دار بينهما
من شجار كان نتيجته أصابة عمر ..فهم أن عمر كذب حين قال أن أدهم كان يحاول أنقاذه ..نظر ألدهم نظرة
قاسية كنوع خاص من العتاب فيما أكتفى أدهم بأبعاد نظره عن والده كنوع من الهروب..
33
عِ ضين
-0-
ما حدث صباح هذا اليوم جعلها تفكر في تطور عالقة عمر بها بجدية ،لم تكن تتوقع أن يحدث هذا ،كانت تظن
أن عالقته بها سوف سكون سحابية ..تنتهي ما إن تنتهي السنة الدراسية ويطول غيابهما عن بعضهما ،لكن ما
حدث اليوم معها يهدم ظنها بأنها عالقة سحابية..
ما قطع تفكيرها هذا هو صوت والدتها خارج غرفتها وهي ترحب بأماني ،فتحت باب غرفتها وسحبت صديقتها
للداخل وأبتسمت لوالدتها فيما يعني أنها تمزح مع صديقتها ،تفاجأت أماني من تصرفات آسية الجنونية أو
المرتبكة ،سألتها..
كنت أنا هناك ،لقد أحرجني أمام أخي ..البد وأن أخي قد فهم ما جرى ..بالتأكيد
لقد أتى إلى صيدلية أخي و ُ
فهم كل شيء..
ِ
أحرجك ؟! آسية ..أنا ال أفهم شيئًا! أخبريني بهدوء ماذا حدث ومن هذا الذي
كنت مع أخي في الصيدلية كعادة كل يوم وفجأة وجدت عمر أمامي ..ال
من سيكون غير عمر برأيك ؟!ُ ،
أعلم كيف أتى وكيف عرف صيدلية أخي !
فجأة أنفجرت أماني ضاحكة مما أثارت غضب آسية أكثر !..
ِ
أعصابك تلك ؟! هل يمكنني أن أعرف سبب برود
34
عِ ضين
و هل هذا ما يشغلك ؟! ،فتاةٌ حمقاء وساذجة !..
قليال..
هدأت أماني ثم جلست وأجلست معها آسية ،خفضت صوتها ً
جادا في عالقته ِ
بك، معلومات ِ
عنك وأنه سيكون ً ٍ ِ
أخبارك بأنه بدأ بالفعل في جمع ما فعله عمر اليوم يريد به
بمعنى آخر أنه يُصرح بحبه لكي !..
بدا على آسية الشرود والقلق ،وضعت أماني يدها على يد آسية لتطمئنها..
سهال يا آسية..
و بالطبع لن يكون هذا ً
أرتسمت أبتسامة ماكرة على وجهها ثم أكملت..
فعال أم أن األمر
قليال كما تقولين ،..ماذا تتوقعين أنتي ؟ ،..هل يحبني ً
بعي ًدا عن أننا سنختبره أو سنتسلى به ً
مجرد تسلية ؟!
ٍ
بصوت عالي .. قليال ،سكتت للحظات ثم فكرت
أرجعت أماني ظهرها للوراء ً
ال أعتقد بأن األمر مجرد تسلية بالنسبة له ..لقد علم بتفاصيل مهمة في حياتك دون أن تخبريه بشيء ،حتى
ِ
يحبك كثيرا ،قد يسعى جاه ًدا لمعرفة تفاصيل أكثر عن حياتِك دون أن تخبريه بشيء ..لو أنه
أنكما لم تتقابال ً
ستعرفين أنه قد عرف عن حياتك أكثر مما تعرفين أنتي عن نفسك !..
هل من الممكن أن يكون في حياته فتا ًة أخرى غيري ؟!،قلب الرجال يتسع للكثير كما تعرفين..
لكل قاعدةً أستثناء ..أحيانًا يكتفي الرجل بواحدةٍ فقط تملئ قلبه وعينه وحياته..
36
عِ ضين
-2-
تجمعوا على مائدة الفطار لكن تجمعهم هذا لم يمنع من أن كل واح ًدا فيهم كان في عالمه الخاص..
كان أدهم يفكر في خطوته التالية وال يعلم كيف سيقنع والده بهذا ..لكن ال مانع من الكذب أحيانًا في الوصول
لما يبتغيه ..سيكذب حتى يتمكن من السفر ومساندة أخواته في األعتصام ضد من يريد هدم الحكم اإلسالمي..
ضد العلمانيين والليبراليين الكفرة ..ضد هؤالء الجهلة الذين يسمحون لغيرهم بغسيل دماغهم ..لقد أنتصر
اإلسالميون في جميع المعارك األنتخابية بعد ثورة يناير العظيمة والتي كانوا هم الغالبية العظمى فيها ..هم
ستمر
ئيس مدني ُمنتخب في تاريخ مصرُ ، يستحقون ذلك ولذلك سيتم الدفاع عن الشرعية ..شرعية أول ر ٌ
التظاهرات المعارضة للرئيس كغيرها التي سبقتها والتي مرت مرور ِ
الكرام في النهاية لكن بعدما تمر تلك ُ
شرع اهلل ..أما من كان سببًا في أطالق دعوات
التظاهرات على خير ستخرس كل األلسنة وسيتم الحكم بما ّ
المنتخب
عسيرا ..لقد أرادوا زعزعة أستقرار وأمن البالد بحضرة الرئيس ُ
ً التظاهر هذه فسوف يكون حسابه
والشرعي للبالد ..سيندمون على ذلك ..سيندمون..
عمر كان يفكر طيلة الوقت في النتائج التي ستؤول إليها تلك التظاهرات ..هل سينجحون هذه المرة في إزاحة
الحكم وأنفردوا بها طاردين كل من شارك معهم في ثورة يناير من
حكم اإلسالميين الذين سيطروا على مقاليد ُ
الساحة السياسية ؟! أم ستدخل البالد في نف ٌق مظلم من الصراعات والفتن ؟! ،لكن هو متأكد من أن مسألة
أصال ..اإلسالميون كذلك قد أعتصموا بالفعل كرد على
الحكم ستكون صعبة بل وأقرب للمستحيل ً
أزاحتهم من ُ
تلك التظاهرات المعا ِرضة لحكمهم ،بالفعل تلك التظاهرات تحتاج لمعجزة لتنجح وتزيح حكم اإلسالميين ،جميع
من وقّع على أستمارة سحب الثقة من الرئيس سيشارك في تظاهرات نهاية األسبوع ،البد أن تنجح هذه التظاهرات
هذه المرة !..
أما الشيخ محسن فكان يُفكر في الحال الذي وصل إليه ولديه ..تلك الثورة اللعينة كان الجميع يُعلق آماله عليها
عاما من الظلم والفساد لكن الحقيقة الواضحة هي أنها كانت مؤامرة إلسقاط مصر ..ثورة لم
لتنتهي حقبة ثالثين ً
تُنهي الظلم والفساد كما أدعت ،بل أنها أصابت المصريين باألنقسام ..أصبح في كل أسرة من هو يميل
37
عِ ضين
للمعارضة ومن هو يميل للنظام السابقّ ،توحدوا في البداية صد النظام السابق حتى
لإلسالميين ومن هو يميل ُ
ليعارض
منقسما ..بعضهم ُخلق ُ
ً الحكم ،لقد أصبح المجتمعأسقطوه لكنهم أفترقوا بعد ذلك ليسعوا خلف كرسي ُ
والبعض اآلخر ُخلق ليُصفق لألنجازات ويبرر للخراب ،الجميع ي ّدعي
ُ في األنجازات أو في الخراب والهدم..
الوطنية..
ضا
فرقتهم ،هي أي ً
كانت األم حزينة وقلقة بسبب ما يحدث بين ولديها ..كالهما ال يُطيق اآلخر ،السياسة هي من ّ
قد علمت بما حدث بينهم ليلة أمس على الرغم من أن كالهما لم يتحدثا بشيء أمام والديهما ..ربما هي تدرك
ضا حيال األيام القادمة ..األمور السياسية في البالد متخبطة وغير مستقرة،
األمور أكثر من زوجها ،هي قلقة أي ً
قلقة بشأن ما يفكر به ولديها ..هناك أعتصامات وهناك تظاهرات ..قلقة بشأن مشاركتهم المحتملة في تلك
األحداث ..تخاف من بطش اإلسالميين أو أعتقاالت األمن ..كانت تُناجي ربها بأن تكون األمور بخير ..
لماذا ستسافر القاهرة يا أدهم ؟! ،ولماذا هذا الوقت بالذات ؟!
لقد تم تكليفي ٍ
بعمل كثير في القاهرة ،ح ًقا ال أعلم متى سينتهي عملي هذا..
نظر والديه لبعضهما في شك وكأنهما يعلمان كذب أدهم ،يعلمان أن سفره في هذا التوقيت بالذات يعني أنه قد
مجددا
ً قرر المشاركة في األعتصام ،أما عمر فمازال يأكل وال يهتم لما يجري حوله ،التفت الشيخ محسن ألدهم
ليسأله بلهجةً تحذيرية..
هذا العمل كلفتك بها الشركة التي تعمل بها أم كلفك بها آخرون ؟!
38
عِ ضين
أربك هذا السؤال أدهم وقد شعر للحظة بأن كذبته تلك لم تنطلي على والده ،شعر وكأنه يعرف كل شيء وأنه
تعمد أن يجعله يعترف له رسميًا وبوضوح بما ينوي فعله ،التفت ألخيه في شك بأن أخاه قد أفشى بشيء ألبيه
لهذا قد كشفه والده سر ًيعا ،أما عمر مازال يتجاهل ما يحدث حوله ،التفت أدهم لوالده..
تعلم جي ًدا ماذا أقصد يا أدهم ..أسمعني جي ًدا ..أنا ال أكره شيءٌ في حياتي قدر ما أكره السياسة ..إن
أنت ُ
يوما بأنك قد أنضممت ألي جماعة ..حزب ..تنظيم ..تظاهرات أو حتى أعتصامات سيكون عقابك
سمعت ً
صغيرا كي تُعاقب..
قاسيًا ،وأظنك ليس ً
ضا..
التفت لعمر أي ً
ضا يا عمر..
هذا الكالم موجهٌ لك أنت أي ً
ثم نظر لكالهما..
طرق بيديه على المائدة بغضب ثم قام ولم يكمل طعامه ،تبعته والدتهم كذلك لتحاول أن تُهدئ والدهم ،التفت
أدهم وأمال ليهمس لعمر..
لم أخبره بشيء وال يهمني األمر من األساس ،فالتذهب كما تريد ..لن أتوسل إليك كي ال تفعل شيئًا..
أمرك مفضوح وتسألني عن سبب غضب والدك ؟! ،والدك علم بكل شيء من كذبتك تلك..
39
عِ ضين
أطلق ضحكة ساخرة..
41
عِ ضين
-9-
ٍ
حدث يحظى بأهتمام ٍ
حدث عالمي، طيلة حياتها كانت تنتظر مثل هذا اليوم الذي ستحظى فيه بفرصة تغطية
أخيرا جاء اليوم الذي ينتظره الجميع ..يوم الثالث من يوليو ،ليس هذا فقط ما يجعلها سعيدة..
العالم كلهً ،..
بل وصل األمر لتلقيها أتصال خاص من القوات المسلحة ألحتمال ية تغطية تظاهرات اليوم من طائراتها الخاصة
بعدما نجحت في تغطية تظاهرات الثالثين من يونيو – أول أمس – ..تعرف جي ًدا أن القوات المسلحة أعطت
سوءا بعد خطابه األخير ..ال تعلم ماذا تنوي
للرئيس ُمهلة محددة لتهدئة األمور وأحتواء معارضيه لكن األمر زاد ً
القوات المسلحة أن تفعل ..هل ستدخل في ِ
صدام مع اإلسالميين ؟! ،حاولت أن تعرف معلومات بخصوص
تغطيتها لألحداث اليوم لكنها فشلت ..هناك قر ًارا قد أتُخذ وسيتم تنفيذه ،لقد أنتهت المهلة المحددة على أية
ٍ
ساعات قليلة وسيتضح كل شيء.. حال بحلول منتصف الليل،
كانت ماريان أمام المرآة تُنهي من تعديل مالبسها وشكلها عندما دخلت والدتها ورأتها وهي تتجهز للخروج في
مثل هذا الوقت ..
مثيرا سيحدث اليوم ،البد وأن أكون في قلب الحدث يا أمي !..
يبدو أن هناك حدثًا ً
سألتها والدتها والدهشة باديةً عليها..
فجرا وسر خروجي اآلن هو أنني البد وأن أكون في مقر وزارة الدفاع
حسنًا يا أمي ..أعلم أنها الساعة الثالثة ً
مثيرا على ما يبدو..
بعد ساعةً من اآلن ،كما أخبرتك سيكون هناك حدثًا ً
ابتسمت ثم أكملت كالمها..
41
عِ ضين
دائما..
لقد تم اختياري أنا بالذات لتغطية أحداث اليوم ..سأجعلكم تفتخرون بي ً
بدت والدتها مستسلمة ..
حاضر يا أمي..
ثواني قليلة وخرجت والدتها من الغرفة وقد أغلقت الباب ورائها ،سمعت ماريان صوت بوق سيارة ..عرفت أنها
سيارة المحطة ..توجهت ناحية النافذة وأشارت لباقي الطاقم أنها مستعدة ،أرتدت حقيبتها الظهرية وتوجهت ناحية
الباب لكنه لم يُفتح بعد ..حاولت أدارة المقبض لكن الباب موص ًدا ..حاولت أستيعاب األمر لكنها فجأة فطنت
أن والدتها هي من فعلت هذا لمنع نزولها اليوم..
ِ
أرجوك.. أمي ..أفتحي الباب ..أمي ..ال تفعلي هذا
ليس اليوم يا ماري ،لن تسير األمور بخير اليوم ،قلبي يُحدثني بأن هناك مصيبة ستحدث ..عليكي بالبقاء
هنا..
تصرخ ماريان..
ِ
أرجوك.. رجاءا ليس اليوم ،سأكون في حماية القوات المسلحة ..ال تقلقي..
أميً ..
لم يأتيها رد والدتها ،وقفت لثواني لتفكر بهدوء ماذا ستفعل ،بالتأكيد شيرين هي من أخبرت والدتها بأتصال
القوات المسلحة بها لتغطية األحداث المرتقبة اليوم ،لقد تملكتها الغيرة كون أن مؤسسة مثل مؤسسة الجيش
تُسند مهمة تصوير وتغطية المظاهرات منذ أول أمس وتكليفها بمهمة اليوم هي نفسها ال تعرفها..
جالت بنظرها في الغرفة تبحث عن شيء ال تعرفه ،أمسكت بهاتفها وأتصلت بأحدهم..
42
عِ ضين
شكرا لك..
هيثم ...والدتي قامت بحبسي في غرفتي ،أرجوك أصعد لشقتنا وحاول أقناعها ،..حسنًا ً ...
أغلقت الهاتف وتوجهت ناحية نافذة غرفتها ،شاهدت زميلها هيثم يخرج من السيارة التابعة للمحطة ودخوله
للعمارة ،جالت بنظرها في الشارع ..تفكر في طريقة للهروب ..تعرف والدتها جي ًدا ..لن يستطيع هيثم أقناعها..
حتى عمها لن يستطيع جعل والدتها تتركها وشأنها ،ال تستطيع القفز كذلك ..تسكن في الطابق الخامس والمسافة
كبيرة ،نظرت على يمينها ثم التفتت أمامها ..فجأة أتسعت عيناها ..راودتها فكرة أو مخاطرة ،التفتت ليمينها
مجددا ..إنها تلك الماسورة الضخمة ..تساءلت ..لماذا ال تُجرب أن تعمل في غير مجالها ولو مرة ؟! ،تبدو
ً
مهنة السرقة ممتازة ..لكنها لن تسرق ،..فكرت في هروبها بأستخدام تلك الماسورة !..
حسنًا ..أعلم بأن اللصوص يعانون ..فالنجرب معاناتهم ..ال طريقةً أخرى أمامي..
قالتها لنفسها بسخرية ،وضعت أحدى قدميها في الخارج ..تنهدت ثم أخرجت كلتا قدميها وأسندت نفسها على
الجزء الزائد من المبنى والذي يفصل الطوابق عن بعضها ..أصبحت ترى غرفتها وهي بالخارج على حافة
السقوط ..مشت بحذر بمحازاة النافذة إلى أن وصلت للماسورة بصعوبة ،ما أن لمستها حتى أسرعت لتتشبث
بالماسورة بكلتا يديها وقدميها ،أغمضت عيناها وأصبحت تجذب نفسها لألسفل بهدوء ..أستمرت على تلك
الحال إلى أن وجدت نفسها قد المست األرض ،فتحت عينها ..لم تصدق أنها قد تمكنت من الهرب والنجاة
فعال ..أسرعت بأتجاه السيارة ،الجميع ذُهل عندما رأوا ماريان ..أخرجت ماريان هتافها وأتصلت بهيثم ..
ً
حاول هيثم أقناع والدة ماريان باألمر لكنها ترفض ،فجأة وجد هاتفه يرن ..أخرجه فوجد أن ماريان تتصل به ،رد
عليها ليخبرها بفشله بأقناع والدتها..
هيثم ..لقد تمكنت من الهرب ..ال تخبر والدتي بذلك ..تصرف طبيعيًا وكأنك قد يأست من محاوالتك
كثيرا..
حاال ألننا تأخرنا ً
تلك ،أنزل ً
بدا على هيثم الذهول للحظة ثم أسرع ليبدو طبيعيًا ،يأس هيثم من محاوالته تلك..
43
عِ ضين
علي أن أستأذن ،..أتمنى لماريان حظًا موف ًقا..
حسنًا ...سيدتي ،كما تشاءينّ ..
مسرعا ،ركب السيارة وبقوة الصاروخ تبخرت السيارة في لحظة..
ً غادر هيثم
44
عِ ضين
-01-
أصبحت مصدر فخر للجميع ، ..الجميع يثني على موهبتها الرائعة والتي تزينها بمجهودها ..تستحق ما وصلت
نجاح باهر في تغطية أحداث يوم الثالث من يوليو ،..جميع وكاالت األنباء العالمية
إليه من النجاح ،نجحت ٌ
قامت بتغطية مشتركة مع المحطة ،أصبحت قناة " " exclusive newsأشهر قناة عالمية ،كانت ماريان
ٍ
بلغات كثيرة.. السبب في شهرة القناة ..بيانات القوات المسلحة تُعرض على القناة أول بأول ..تغطية األحداث
أستضافة شخصيات قيادية وهامة ..تقريبًا يمكن وصفها بأنها المادة الخام للقناة والمحطة..
أنا أسمع..
أنك تعملين معي لكنني أتفقت مع ِ
عمك أنني سأغير مواعيد برنامجي حسب حسنًا ..أنا مازلت مصرة على ِ
ُ
ٍ ٍ
ما ستنفردين فيه بمعلومات مهمة أو تغطية ألحداث هامة..
45
عِ ضين
مجددا..
ً وهمت ماريان بتركها لكن شيرين أستوقفتها
تصافحتا ّ
مثال ..العالم كله ينتظر فض األعتصام وال أحد يعلم ميعاده بالضبط ،ماذا لو
معلومة ميعاد فض األعتصام ً
أوال ؟!
أعلناه نحن ً
التفتت ماريان حولها بتعجب ،التفتت إليها..
46
عِ ضين
أسرعت شيرين تجاه مكتب ثروت – عم ماريان – وسط ذهول من الجميع وسخط من شيرين في نفس الوقت..
تمنى الجميع حينها لو يحدث ما تتكلم عنه شيرين وأحداهن تترك المحطة ..الجميع يؤيد فكرة خروج شيرين
ٍ
أستئذان حتى بادرت بالطبع واألبقاء على ماريان ،تبعتها ماريان بغضب لمكتب عمها ،وما أن دخلتا كلتاهما دون
شيرين بتوجيه صب غضبها على ثروت ..
أسمعني جي ًدا يا ثروت ..لقد تحملت أبنة أخيك تلك من أجلك لكن حان الوقت ألن تترك أحدانا هذه
القناة ،وأنا ُمصرة على أن تختار بيننا اآلن ..إما أنا أو هي في المحطة !..
ألجمه لسانه ولم ينطق ..ماذا حدث لتتدهور عالقتهن ببعضهن لهذه الدرجة ؟! ،حاول أن يقوم بتهدئة األجواء
لكن رد ماريان السريع والغاضب منعه من ذلك..
أصال ..أنا من يجب أن تترك القناة وتبقى شيرين أشهر أعالمية في مصر
ال ..ال تضعي عمي في هذه المعادلة ً
والشرق األوسط والتي تمتلك أكثر من نصف أسهم تلك القناة بالمشاركة مع عمي ،لكن ال تندمي يا شيرين
عندما أخرج ببيان أستقالتي من هذه القناة أوضح فيه سبب خروجي من هنا..
تريد أن تخبر الجميع بأنها تعلم ميعاد فض األعتصام ..عليك أن تقنعها بخطورة ذلك..
مجددا..
ً التفتت إليها
ِ
وشأنك هكذا وأنتي تعلمين ذلك ..أو أن القوات المسلحة هذا على أساس أن تلك الجماعات ستتر ِ
كك
أصال .. ستسمح ِ
لك بذلك ً
أرتسمت على وجه ماريان أبتسامة ساخرة ،ردت عليها بهدوء ...
47
عِ ضين
يبدو ِ
أنك محقة ..لقد فاتني هذا األمر ..لكن ما ال أعلمه هو كيف وصلتي لهذه الشهرة وأنتي بهذا الغباء..
أنك كنتي تريدين معرفة معلومة بسيطة مثل ميعاد فض األعتصام وتهملين الحدث سأغادر اآلن المحطة بسبب ِ
أصال..
أصال ،لن تكون معلومة ميعاد فض األعتصام مهمة عندما تقوم قوات األمن بذلك ً
نفسه ً
قالت ماريان بلهجة تهديد..
سأكون أنا حينها في قناةٌ أخرى أنقل تغطية ما يحدث من فض األعتصام بينما أنتي تتفاجئين بأن فض
األعتصام قد بدأ !..
مجددا..
ً همت بالخروج لكنها التفت إليها
ّ
سأغادر المحطة لكنني على ثقة ِ
بأنك ستندمين على ذلك وتطالبين برجوعي ،واأليام بيننا !..
أسرعت بالخروج من القناة دون أن يوقفها أحد لتهدئتها ..حاول عمها أن يوقفها لكنها كانت غاضبة كفاية ألن ال
تستمر في هذه المهزلة ،يبدو أن لكل قاعدةً أستثناء عدا القاعدة التي تقول أنها عندما تقوم شيرين باألبتسامة في
وجه ماريان فإنه غالبًا ما سينتهي حوارهم بشجا ٍر عنيف !..
48
عِ ضين
-00-
مر األسبوع األخير من شهر رمضان كسابقه منذ بداية الشهر المبارك ..شهر رمضان هذه السنة لم يكن بالجمال
المعتاد ككل سنة ،فاألحداث السياسية في البالد كانت كفيلة ببعث التوتر والقلق والترقب في كل أسرة ،هناك من
المرتقب..
كان ينتظر بفارغ الصبر فض األعتصام ،هناك من كان يخشى ذلك اليوم ُ
كان الشيخ محسن ممن كانوا يخشون ذلك اليوم ،يجهل مصير أبنه ..يتابع األخبار أول بأول وكل حين ..ال
يعرف ماذا ينتظر ..هل ينتظر أن يرد أسمه في قوائم اللذين تم أعتقالهم بتهمة التحريض لألعتصام ؟! ،أم ينتظر
مثال ؟! ،أم أنه يُريح بال والديه ويرجع قبل فوات األوان !..
فض األعتصام ويجده في قوائم الوفيات ً
كان عمر كعادته يسهر كل يوم ويتصفح مواقع األخبار ..هو اآلخر لم يكن ليعرف عن ماذا يبحث ..هل يتوقع أن
مثال ميعاد فض األعتصام ؟! أم أن األمور ستكون ِ
مفاجئة ؟! ،أنتفض عمر عندما وجد أول أخبار يعلن أحدهم ً
تلك الليلة " ..أشتباكات بين الشرطة ومعتصمي ميدان النهضة بالقرب من جامعة القاهرة ،" ..األخبار تنتشر
ٍ
طرقات سريعة منه على الباب جعلتهم بسرعة في المواقع واألحداث تتسارع ،!..أسرع عمر بأتجاه غرفة والديه..
يتوقعون ما يحدث ،فتح والده الباب والقلق باديًا عليه..
ٍ
لحظات وقد بدأت معركة ميدان رابعة..
49
عِ ضين
" كانت ماريان وسط المعركة مختبئة في أحدى البنايات ترتدي الزي المضاد للرصاص وحامية الرأس المصفحة..
لم تكن تريد تفويت هذه التغطية بالذات ...في الخارج من ورائها تحركات قوات الشرطة وكذلك الدخان
مفتوحا لبرنامجها لتغطية تلك األحداث الهامة..
ً المتصاعد ،وبالطبع شيرين خصصت لهذا الحدث وقتًا
حقيقة األمر يا شيرين األمور هنا تبدو معقدة عكس ما حدث في ميدان النهضة ،كما ترين ما يحدث في
الخارج ..هناك طلقات نا ٍر متبادلة بين الطرفين ..الشرطة تُلقي القنابل المسيلة للدموع ..هناك عدد من الحرائق
ٍ
معلومات دقيقة حتى اآلن بشأن الوفيات أو األصابات.. والدخان المتصاعد ،لكن ليس لدي
لماذا لم يكن قرار الفض هنا في ميدان رابعة مفاجئًا كما حدث في ميدان النهضة ؟!
بالطبع وصلتهم أخبار فض أعتصام النهضة لذلك كانوا مستعدون هنا عندما وصلنا برفقة قوات األمن ،أول ما
قامت به قوات األمن هنا هو أطالق التحذيرات بفض األعتصام سلميًا عبر مكبرات الصوت وأخبرت الجميع بأن
سالما وكذلك دعت المعتصمين المسلحين لتسليم أسلحتهم بهدوء ٍ
هناك ممرات آمنة لخروج من أراد الخروج ً
" ...
لم يكن هناك أح ًدا ليصف شعور أسرة أدهم حينها ..بدا األمر مخي ًفا بالنسبة لهم ..تحذيرات وطرقات آمنة
جميعا ..هل قُتل ٍ
ودخان متصاعد وحرائق وأطالق نار وقنابل مسيلة للدموع ..تضاربت األحتماالت في أذهانهم ً
أدهم ؟! أم أُعتقل ؟! ،أم أنه يُقاتل ضد قوات الشرطة ؟! ،األحتمال األخير هذا بالذات نتائجه وخيمة ..لو واجه
سوءا ووالدة عمر بدأت تنتابها
الشرطة بسالح ستكون نهايته إما القتل أو األعتقال لو بقي حيًا ،األمور تزداد ً
نوبات المرض السكري ..الحيرة والخوف والقلق يسيطرون على األسرة بكاملها..
مر ٍ
يومان آخران لم تُغلق فيهما أجفان الجميع ..كيف تغفو أعينهم وهم ال يعلمون شيء عن أدهم على الرغم من
أن عملية فض األعتصامين قد أنتهت رسميًا ،لم يعد الشيخ محسن يتحمل كل هذا الضغط ..لقد عزم على
51
عِ ضين
السفر للقاهرة والبحث عن أدهم ..سيبدأ بالشركة التي يعمل بها أو التي كان يعمل بها لو شارك في هذا
األعتصام ..أن لم يجده هناك وهذا هو المتوقع سيبحث عنه في أقسام الشرطة والمستشفيات ،أقترح عمر السفر
معه لكنه رفض ليرعى والدته في غيابه
أسرع الشيخ محسن لمحطة القطار وسأل عن أقرب قطار متوجه للقاهرة ..ركب القطار بعد وصوله وبعدما جلس
رقم مجهول ..لم يعيره أي أهتمام ،رن هاتفه مرًة أخرى بنفس هذا الرقم المجهول،
في أحدى مقاعده رن هاتفهٌ ..
رد على الهاتف هذه المرة ..أتسعت عيناه وأزدادت ضربات قلبه ..أنه أدهم..
سكت للحظات ليستمع ألدهم الذي قاطع سؤاله ،قام الشيخ محسن من مكانه بسرعة ونزل من القطار قبل
تحركه بسرعة ليغادر المحطة ،خرج من المحطة وأشار لسيارة أجرة وركبها ولم يسافر..
حقا ..؟! ،هل رجع أدهم معه ..؟! ألم يخبرك كيف حاله ؟!
و اهلل هو بخير ..على األقل هذا ما أخبرني به أبي ،لقد أتصل به أدهم قبل سفر والدي بدقائق وأخبره أنه هنا
في سوهاج وأخبرني بأنه سيأتي لهنا في خالل ساعة..
أمي ..علينا أن نشكر اهلل على رجوع أدهم بالسالمة ،كنا نتوقع كارثة ولكنه الحمد هلل رجع بالسالمة ،لم يُرد
اهلل أن يُحملنا ما ال طاقة لنا به !..
رفعت والدته عينيها للسماء شاكرةً ربها ،بعد دقائق الحظت أن عمر يتجهز للخروج ..سألته في دهشة..
51
عِ ضين
ذاهب ؟!
ٌ عمر ..إلى أين أنت
سوءا..
سأخرج يا أمي ،وجودي هنا عندما يرجع أبي ومعه أدهم سيزيد األمور ً
أدركت والدته ما يرمي إليه هو ،وجود عمر أثناء معاقبة والده ألدهم سيزيد هذا من سوء العالقة بين ولديها..
ٍ
ضروري كذلك يا بني.. لكنني ال أعلم كيف أتعامل أنا مع ما سيحدث يا عمر ..وجودك
خرج عمر وترك والدته وقد أزداد قلقها بمرور كل ثانية ،تتوافد لرأسها أحتماالت كثيرة !..
************
52
عِ ضين
أدهم حبيبي ..كيف حالك ؟! أين كنت ؟! ،كنت سأموت عليك قل ًقا..
لم تُكمل ترحيبها بأبنها حتى دفعه والده بأتجاه غرفته والغضب باديًا عليه ،حينها عرفت والدته أنه حان وقت
كثيرا اللحظات القادمة ،دخل أدهم غرفته وتبعه والده ..كادت والدته تدخل معهم لكن زوجها
الحساب ..تخشى ً
تقف على الباب وتتنصت عليهما،
منعها من الدخول وأغلق الباب وأوصده من الداخل ،أما هي فأكتفت فقط بأن ُ
بدأت أصواتهم ترتفع تدريجيًا ..تتمنى لو تكون مجرد مشادة كالمية فقط !..
ٍ
لحظات طويلة مرت عليها وهي تطرق الباب كلما أرتفعت أصواتهم خوفًا من حدوث كارث ًة ما بالداخل ..فُتح بعد
أخيرا وخرج الشيخ محسن ووجهه يبدو شاحبًا ..أستند على الحائط وهو متوجهٌ لغرفته ،دخلت والدة أدهم
الباب ً
غرفته ..حاولت أن تتكلم معه لكنه لم يستجيب لها ،خطر ببالها فجأة كيف كان حال زوجها عندما خرج من
الغرفة ..كان وجهه شاحبًا ،أسرعت لغرفتها لتطمئن عليه..
في نفس الوقت كان عمر في طريقه للرجوع للبيت وحيث أن بمجرد أنتصاف الليل تبدأ الكالب سهرتها في
الشوارع ،أندهش عمر لعددهم..
مصدوما وساخطًا..
ً وقف
علي أن أفعل اآلن ؟! ،هذا ما جنيناه من أفعالك يا أدهم ..أتجنب أحراجك أمامي بسبب أفعالك تلك
ماذا ّ
ثم أجد أسراب الكالب هذه أمامي !..
أين كنت حتى هذا الوقت ؟! ألم تتعلم كيف تتحمل المسؤولية أب ًدا ؟!
53
عِ ضين
رد عليه عمر بتلعثم ليتجنب غضبه ..
كنت في..
حاال..
ليس لدينا وقت لنسمع تفاهاتك تلك ،أتبعني بسرعة لتساعدني في حمل أبيك للمستشفى ً
تبعه عمر بسرعة دون أن يفهم ماذا حدث ،بدأ يتدارك األمر عندما وجد والده فاق ًدا للوعي تقريبًا وتحاول والدته
جميعا للمستشفى
مساعدة أدهم في حمله ،أسرع هو ليساعد أدهم في حمل أبيه لسيارة أدهم ،بعد دقائق وصلوا ً
وتم حجزه في غرفة العناية المركزة..
كان أدهم يتكلم مع موظفوا األستقبال عندما كان عمر يستفسر من والدته عما حدث في غيابه..
لقد تعب فجأة عندما أشتد الحوار بينهم ..كان وجهه شاحبًا وعندما دخلت عليه الغرفة وجدته ُملقي على
إلي بكلمات غير مفهومة وكان ينصب منهسريره في حالة غير طبيعية ،عندما سألته عن ما أذا كان بخير تمتم ّ
العرق بغزارة ،لذلك أسرعنا به لهنا !..
ردد في نفسه أنه لم يتخيل أن األمر يصل لهذا الحد ،أقترب إليهم أدهم فسألته عن حال والده..
قليال..
سالت الدموع فجأة من عينيها ،حاول أن يُصحح األمر ً
ال تقلقي لقد تم حجزه في غرفة العناية المركزة وهو بخي ٍر اآلن ..يحتاج للراحة فقط..
54
عِ ضين
بنوبة غضب قامت والدته بتوبيخه..
أنت السبب يا أدهم ..أنت السبب ..لماذا فعلت هذا ؟! ،لماذا يا أدهم ؟! لماذا ؟!
55
عِ ضين
-08-
عمر وآسية..
بالرغم كل تلك األحداث التي عصفت به في أجازته هذه إال أنه لم يخلو عقله من التفكير بآسية ..تلك الفتاة
التي دخلت قلبه دون سابق إنذار ،تأتيه في أحالمه فيعشق النوم ليراها ،عيناه لم تكن تراها لكن عقله يتذكرها
بكل تفاصيلها ،تأكد أنها لم تكن سحابة عاطفية ..لقد أحبها بصدق ،مرت األجازة بحلوها ومرها ..بأحداثها
كال منهما يأمل بأن اآلخر مازال على وعده الذي لم يقطعه مع
مجددا ..ألتقيا و ً
ً ضا ثم ألتقيا
المثيرة والمملة أي ً
اآلخر ..كالهما يأمل بأن ما سبق لم تكن مجرد دعابة أو سحابة ورحلت ..ألتقيا ومن أول نظرة عرف كالهما
معا ..كالهما سيخوضا حربًا ضد بعضهما لكنها ليست مدمرة ،..بل بالعكس تلك
أنهما سيخوضان غمار الحياة ً
الحرب ستكون رائعة !..
معا ..كالهما لم يرى سوى كال منهما ينتظر الوقت والزمن الذي سيجمعهما ً
مرت سنةً أخرى وحدث ما جعل ً
اآلخر فقط ،سنةً مرت وقد أدرك الجميع عالقة عمر بآسية ،مرت سنة وكل أصدقائهم ينتظرون العالقة الرسمية
ثنائي رائع ..يشبهان بعضهما ويكمالن بعضهما كذلك ..كان لسان حال الجميع..
في السنة األخيرة ..سيكونان ٌ
" الطيور على أشكالها تقع " ..
كالهما كان طرفي نزاع ..طرفي معركة ،كالهما كانا يساندان صديقيهما ،..أماني تجعل صديقتها صلبة ..ليست
ضا هو ال يجعل صديقه لقمةً سائغة
لقمة سائغة ..ليست سهلة المنال ،أحمد يُفشل كل مخططات صديقتها ..أي ً
لصديقتها أو لها لتفترسه..
لكن يبدو أن العشق قد أصاب الجميع ..لقد أعجبته شخصية أماني ..ليست مثل أي فتاة عرفها أو تعامل معها..
أخيرا ..كانت تحاول أن تحمي صديقتها من عمر إال أنها سقطت هي األخرى في
أما هي ..فآن لقلبها أن يلين ً
56
عِ ضين
مصيدة الحب ،كانت عالقتهما أسرع من عالقة صديقيهما ببعض ..مرت السنة الثالثة من الجامعة وها هما
أصبحا ثنائي آخر..
ماريان ...
مازال تفوقها وذكائها يطغيان عليها ،تواصل نجاحاتها تاركةً الجميع خلفها وتسبقهم بسنين ضوئية ..تواصل
شهرتها ومغامراتها ،تجاوزت خالفاتها مع شيرين وعادت للقناة مرةً أخرى بعد أقناع عمها لها برجوعها..
مرت سنةً دراسية أخرى كانت فيه هي كالعادة ..األولى ! ،الجميع يعرف أنها ستتخلى عن تعيينها في الجامعة
دائما وأينما كان !..
كونها تحتل المرتبة األولى ..هي تعشق العمل الميداني ..المغامرة والمجازفة ..تطارد النجاح ً
-03-
مر النصف األول من العام الدراسي األخير سر ًيعا وها هي األجازة األخيرة قد أتت ،لقد حان وقت التفكير بجدية
كثيرا.. ٍ
بشأن أتخاذ خطوةً أيجابية خاصةً أنه لم يتبقى سوى نصف عام دراس ٍي أخير ،بعدها ستصعب األمور ً
هي تنتظر أن يخبرها بخطوته التالية ،وهو يخشى مواجهتها ..تمر عليه أوقات ويظن أن ما مضى كان مجرد
صداقة برئية وال تتعدى ذلك ..تتسارع األيام أمامه والوقت ينفذ وال مجال للتأجيل أكثر ،لقد مضى أسبوع على
فورا !..
بداية النصف الدراسي األخير ،البد من التخلص من خجله وأتمام الخطوة األولى ليتبعها بالثانية ً
كان عمر وأحمد يجلسان على المقهى وبعد أنتهاء مباراة كانوا يشاهدونها ..أتفقا على أتمام الخطوة األولى في
خالل يومين ..أن يخبر عمر والديه باألمر..
عاد عمر للبيت وهو يفكر في خطوته األولى ..كيف ينفذها بدقة ؟! ،كيف يقنع والديه بمسألة أرتباطه بها رغم أن
الدراسة لم تنتهي بعد !..
جالسا في غرفته غارقًا في تفكي ٍر عميق ،هذا الشرود جعله ال يشعر بأن والدته قد طرقت الباب ودخلت ،فجأة
ً
وجدها تجلس أمامه وتحدق في عينيه بسخرية وكأنها تعرف فيما يفكر ،باغتته بسؤال..
57
عِ ضين
ضا ؟ !
أهي معك في نفس الصف أي ً
أتسعت عيناه عندما سألته ،فاجأه سؤالها هذا ،وعندما رأت هي عالمات التعجب قد ُرسمت على وجه عمر
تأكدت أنها معه في نفس الصف ،أعتدلت في جلستها..
ضا ،تلك اللحظة التي كان ينتظرها عمر ويخطط لها ،أن
يبدو أن األمور تسري على ما يرام وعلى غير المتوقع أي ً
يُحادث والدته عنها ،عمل على أستغالل هذا..
أسمها آسية..
جميلة ؟!
تماما بأن
أمورا أهم بكثير من جمال الشكل فقط ..أثق ً
دعني أخبرك أن الجمال ليس كل شيء ،هناك ً
أختيارك هذا بعي ًدا عن الجمال الشكلي فقط..
أعلم ذلك يا أمي ،لو كان أختيار الفتاة لجمالها لكان الرجل يتزوج كل يوم فتاة أجمل من تلك التي قبلها ..
لهذا أنا أثق بأختيارك جي ًدا ،واآلن أخبرني ..هل أخبرت والدك ؟!
58
عِ ضين
تماما مع
ال ..لم أخبر ال أبي وال أدهم ..أنتي أول من يعلم بهذا ،تلك الثقة التي تمنحيني أياها أفتقدها ً
والدي أو أدهم !..
بالتأكيد ..بالتأكيد أريد وإال لم أكن ألتحدث عنها أمامك ..أنها أجمل مما تتخيلين ،..لقد عرفت الكثير
عنها..
رفعت والدته حاجبها األيمن ناظرةً له بتهكم وسخرية ،ضحك هو بسبب نظرة والدته التهكمية ،أكملت هي
كالمها..
مثال ،! ..شعرت بها في فترة الخطوبة فقط ثم عاملني والدك بعدها كأحد أصدقائه..
هذه الرومانسية ً
حاال ..
علي الذهاب لتحضير العشاء ً
حسنًا ..سأتكلم مع والدك بخصوص هذاّ ،
فرح عمر بأقتراح والدته وأحتضنها بشدة قبل أن تتركه وتغادر غرفته ،لقد كان األمر أسهل مما تخيّل ،اآلن حان
وقت الخطوة التالية !..
59
عِ ضين
-04-
ٍ
خطوات قادمةً نحوها ..ال تستطيع المقاومة ،أقتربت الخطوات أكثر فأكثر ويزداد خوفها مما هو سمعت صوت
قادم ،وقفت تلك األقدام أمامها وهي ُملقاة على األرض بال قوة ..تعرف هذه األقدام جي ًدا ..أنها شيرين..
أنحنت شيرين لتحدثها ..
مررت شيرين يديها من بين القضبان التي تفصلهما لتمسح بيدها على شعر ماريان ..
ِ
مكانك هذا غيري أنا ..ستبقين ِ
محبسك هذا ..ال يعلم مازلتي كما أنتي ياماري ..فتاةً حمقاء ،ستظلين هنا في
هكذا بدون ٍ
طعام أو شراب إلى أن تغادرين عالمنا هذا ..أو تعودين لرشدك..
كانت تعاني ..كانت تصرخ ولكن صرختها كانت مكتومة إال أن رنين هاتفها أنقذها من ذلك الكابوس ..أطلقت
أخيرا ..حاولت أن تهدأ وأن تستوعب األمر ..هاتفها مازال يرن إلى أن سكت ،جلست على
ماريان صرختها تلك ً
61
عِ ضين
ٍ
بكابوس مرعب.. سريرها تحاول تهدئة عقلها جراء هذا المجهود الذي بذله في هذا الحلم ..لقد كانت تحلم
كفى فقط تواجد شيرين في حلمها ، !..هذا كافي لتحويل حلمها لكابوس ،رن هاتفها مرةً أخرى ..التفتت إليه
وتناولته ..أنه هيثم ،توقعت أن يكون هناك حدث هام اآلن ..
مبشرا ..
راودها القلق فجأة ،رؤية شيرين حتى لو في حلمها ليس ً
ٍ
لحادث مريع.. لقد تعرض ِ
عمك
بالتأكيد..
في غضون دقائق كانت ماريان قد وصلت المستشفى ..لقد أخبروها أنه في غرفة العمليات ،وما أن خرج الطبيب
حتى أسرعت إليه ...
61
عِ ضين
أخبرني يا دكتور ..كيف حاله ؟!
حاال..
رجاءا ..هو بخير وسيتم نقله لغرفة العناية المركزة ً
ال تقلقي ً
عذرا
لقد دخل في غيبوبة ،وال نعلم متى سيستفيق منهاً ،
غادر الطبيب من أمامها ،وقفت أمام غرفته تتأمله وهو نائم ..همست لنفسها..
رجاءا ،ال تحسبني قويةً بما يكفي لمواجهة هذا العالم ..أنا أستند عليك ،أنت من قمت
عمي ..ال تتركني ً
بتربيتي ونشأتي ..قمت بمساندتي ودعمي ،أرجوك يا عمي ال ترحل ،أنا أضعف مما تتخيل بدونك..
رن هاتفها فأخرجها من تفكيرها ،أنه هيثم مرةً أخرى ..لقد أوصلها للمستشفى منذ قليل وذهب هو للمحطة..
مرحبًا يا هيثم..
شكرا لسؤالك..
بخيرً ..
مجددا..
ً ال تقولي هذا
ضربت بيدها على رأسها ،لقد تذكرت أن اليوم هو أول أيام أنتخابات مجلس الشعب..
62
عِ ضين
حسنًا ..سأكون في المحطة في خالل ساعةً من اآلن..
أغلقت المكالمة وهي تنظر لعمها بقلق ،تتمنى لو أنه يكون بخير..
************
صباحا ..كان الجم يع متواجد هنا وبنشاط ،أخذت تبحث عن هيثم لكنها لم تجده،
ً وصلت ماريان المحطة
ناداتها أحداهن ..
لقد رأيته منذ ساعةً تقريبًا ،ذهب ليقوم بتغطية األنتخابات ..
لقد أرسلته األستاذة شيرين ..رفض هو في البداية لكنها أجبرته بأن يصطحب أحدى المراسالت هناك..
حسنًا ..شكرا ِ
لك .. ً
63
عِ ضين
وسمح لها
سؤال واحد فقط ..لماذا فعلت هذا ؟! ،أطرقت باب مكتبها ُ
توجهت ناحية مكتب شيرين وفي عقلها ٌ
بالدخول ..
كيف ترسلين هيثم لتغطية األنتخابات بدوني ؟! ،أال تعلمين أنه يعمل معي ؟!
ِ
لكنك لم تتصلين بي وتخبرينني بهذا !..
حدقت إليها شيرين ولم تعقب عليها ..أكتفت بالصمت ،أردفت ماريان ..
متاحا اآلن ..لقد قمت بتوزيع الجميع منذ ساعة ،الجميع في موقعه اآلن..
طاقما ً
ليس هناك ً
موجودا !..
ً أشتمت ماريان رائحة أستغالل شيرين للفرصة ،عمها ليس
حدقت بها ماريان في غضب قاطبة حاجبيها ،تد رك ما ترمي إليه شيرين ،أعطتها أجازة لمدة يومين حتى يضيع
عليها فرصة تغطية األنتخابات ،تسعى ألخفائها عن الساحة ،أستدارت وخرجت من مكتبها ولسان حالها ..لو كان
موجودا لما كان يسمح بحدوث هذا..
ً عمي
64
عِ ضين
-05-
كانت تبكي بداخلها ..تخشى مواجهة محتملة قريبة ! ،كانت تصرفاته هذه األيام توحي بأنه يتجهز للقائها ..ال
تعلم ماذا كان سيقول بالضبط لكنه سيحدث قريبًا ..قريبًا ج ًدا ،ما حدث معها منذ يومين بدد كل أحالمها ..لم
تتخيل أن األمور ستنتهي بهذه السرعة ..كانت تختبئ كلما أمكنها هذا !..
أما عمر فقد مرت تلك األيام الماضية وهو يتدرب على الخطة ..كانت خطته بسيطة ج ًدا ..التخلص من خجله
دائما ما يراوده شعور بأنه سينسى كل كالمه الذي يتدرب
قليال لكنه ً
أمام آسية وترتيب كالمه لها ..أصبح أفضل ً
كثيرا،..
دائما ما كان يشجعه ويحمسه على ذلك ،لقد حانت تلك الخطوة التي تأخرت ً عليه أمامها لكن أحمد ً
مستغال حماسته تلك وأال
ً يُردد في نفسه الحوار الذي يتوقعه بينهما ،لقد أصبح مستع ًدا ..عليه مواجهتها اليوم
مجددا..
ً سيفقد ثقته في نفسه
ضل عمر األنفصال عن صديقه من بداية اليوم ،يريد التركيز ،ظل يبحث عنها أو عن صديقتها
في ذلك اليوم ف ّ
أخيرا ،وعندما الحظته أماني من
أماني في أرجاء الكلية ..بعد نصف ساعة من البحث والصعود والنزول وجدهن ً
تشجع وتقدم نحوها ..وقفت وهي تنكس بعيد همست لصديقتها ثم تركتها وحيدة ..لقد الحظ هو ذلكّ ،..
أرضا ..تق ّدم نحوها حتى وقف أمامها مباشرةً ،كان سيصيبه التوتر لكنه عزم على أطالق أول كلمة وبعدها
رأسها ً
لن يستطيع أيقاف نفسه ..سيُجبر نفسه على عدم الخجل..
صباح الخير..
فورا..
أكمل كالمه ً
ِ
يهمك شخصيًا.. كنت أود الحديث ِ
معك في أم ٍر هام ،أم ٍر
65
عِ ضين
رفعت رأسها ونظرت إليه وكأنها تعرف مسب ًقا ما يريد عمر التحدث بشأنه ،الحظ عمر أن وجهها يبدو جام ًدا ..لم
يكترث لهذا خشية أن يفقد تركيزه ،أكمل عمر كالمه عندما لم يجد أجابةً منها..
فرح عمر بعد نطقه لجملته األخيرة تلك ..لقد تجاوز األصعب ،أكمل كالمه..
تماما بأجابتها ،لكن ما أقلقه هو صمتها ..حتى اآلن لم تنطق بكلمةً واحدة
قالها عمر وهو ينتظر جوابها ..واث ٌق ً
ضا تجنب النظر له من بداية حديثه..
سوى رد التحية فقط ..الحظ أي ً
قالتها والدموع تسربت إليها فجأة ،أي صاعقةٌ هذه التي نزلت على عمر ؟! ،تمر الثواني وهو يحدق إليها ال
يستوعب ما قالت ..ليس هذا ما كان يخطط له أو يتوقعه ..كان من المفترض أن يكون سؤاله روتينيًا فقط ،!..
نظرت هي إليه فوجدته غارقًا في صدمته ،أما هي ففقدت سيطرتها على دموعها أمامه ،حتى أنه أدرك نظراتها
منكسرا ..لم ينطق بكلمةً أخرى بعد رفضها ،أما هي فتسمرت
ً الباكية إليه فتراجع خطوتين للوراء ثم التفت وغادر
66
عِ ضين
مكانها لدقائق تتابع خطواته المنكسرة والخائبة ،حتى ما أن أختفى من أمامها كليًا أدركت أنها تقف بدموعها وسط
صديقاتها ..أسرعت لتمسح دموعها وتحركت من مكانها بحثًا عن صديقتها أماني..
67
عِ ضين
-06-
مؤخرا ،فساب ًقا كانت أيامه المتبقية له في الجامعة تمر سريعة ..لم
أصبحت أيامه بال معنى خاصةً بعد ما حدث ً
يكن حينها قد صارحها بالحقيقة وقد شعر بتسرب الوقت ،أما اآلن فتكاد أيامه ال تتحرك أطالقًا ..أيامه قد
أصابها الملل والفتور !..
أنعزل عن الجميع وكلما كان يخلو بنفسه تخونه ذاكرته بتذكيره لما حدث في ذلك اليوم ..لقد كانت تسير
وهما ،!..يستحيل أن تكون العالقة
األمور على ما يرام ..ماذا حدث أذن ؟! ،غير معقول أن كل ما عاشه كان ً
التي كانت تربطهم ببعضهم هي مجرد عالقة أصدقاء جامعة ..حتى لو فهم األمور على نح ٍو خاطئ منذ البداية..
ضا ؟!
هل فهم صديقه أحمد كل هذه العالقة بالخطأ أي ً
حينها قرر وألول مرة في حياته أن يكتب مذكرات خاصة به ..ستكون بدايتها سيئة ..لكن ال يهم طالما أنه
سيفصح للورق عما بداخله ،لقد رأى أن الكتابة هي ملجأه الوحيد اآلن للهروب من واقعه..
مذكرات عمر..
" كانت ملكةً على عرش قلبي ..فلم يعجبه القدر ذلك وقرر أن يثور علينا ويُفرق بيننا ويعزلها عن عرشها،..
كنت أظن بأنه يمكنني تغيير هذه القاعدة
وكأنني مثل الجميع البد وأن أحظى بقصة حب أولى في حياته وتفشلُ ..
68
عِ ضين
ضا ،سأحاول نسيانها رغم معرفتي أنني لن أستطيع ذلك ..لن أستطيع
لكن ما حدث هو أنني كالجميع ..فشلت أي ً
ألنها كانت مصدر سعادتي ..سعادتي أرتبطت بوجودها في حياتي..
جميل في حياتي ..أصبحت حبيس نفسي فقط ،لقد رحلت بعدما سرقت مني مفتاح
ٌ برحيلها ..رحل كل ما هو
سعادتي ..لقد سرقت نفسها مني" ..
هل بذلك يحاول طردها من أفكاره ..؟! ،ال ال ..هي من نوع الضيف الثقيل الذي ال يخرج حتى لو لمحت له
بطرده ،ال يظن بأن فكرة المذكرات تلك جيدة ..لقد كان يفكر في طريقة للتخلص من التفكير ..لكنه لم يُفلح..
كانت أيامه مضطربة وعادت عالقته السيئة مع أخيه أدهم ،امتحانات أخر العام قد أقتربت وهو قد عاد ألهماله
كل شيء تقريبًا ..أصبح أما حبيس غرفته أو في المقهى وحي ًدا أو معه أحمد ..
رن هاتفه أثناء وجوده بالمقهى ،صديقه أحمد ..ال يريد سماع مواساةً منه ،رن هاتفه مرةً أخرى..
كان يستمع له بتركيز ،قطب عمر حاجبيه من غرابة ما يسمع ،بدأ يدرك األمر كله..
بالطبع هذا منطقي ..كيف لم نفكر في هذا من قبل ؟! ،حسنًا لنتقابل غ ًدا..
أغلق عمر هاتفه وهو يفكر باألمر ..كان هذا منطقيًا ،لقد علم سبب رفض آسية له !..
69
عِ ضين
-00-
ليس هناك أسوء من أن يظن أحدهم أنك سيئًا كنت أنت بالنسبة له كل ما يملك ،..قضت أيامها األخيرة وهي
تعاتب نفسها ..تُع ّذب ضميرها ..لماذا لم تخبره بالحقيقة كاملة ؟! لماذا أكتفت برفضه فقط ؟! ،تلعن حظها
دائما ..ال تعرف لماذا أختار القدر أن يكون توقيت أعتراف عمر بحبها له هو نفس التوقيت لألمر الذي حدث
ً
كثيرا وتساءلت ..كيف يفكر بها بعدما حدث ؟! هل يظن أنها كانت تتالعب به وبمشاعره ؟ ،أم
فكرت ًمعهاّ ..
أنه يتفهم بأن هناك سببًا قويًا جعلها تفعل ما فعلت ؟! ،هي لم تكن بخي ٍر حينها ..الحظت في أيامه األخيرة أنه
كان يتجنب النظر إليها ..هل بذلك يحاول نسيانها ؟! هذا منطقي ..سيحاول نسيانها بعدما أنتهت عالقتهم
ببعضهم ،لكنها لم تكن لتُفضل أن ينتهي األمر بهذه الطريقة..
لما بلغها التعب أقصاه من التفكير قررت أن تواجهه ..قررت أن تُصحح له ظنه ،البد وأن تخبره بسبب رفضها
و ّ
له ..لعل وعسى يبقى ما حدث بينهما ساب ًقا في طي الذكريات الجميلة ..أخبرت صديقتها أماني على عزمها
مصارحته وبالطبع أيدت أماني هذه الخطوة ..البد أن تواجه عمر وتصارحه هي بنفسها بكل شيء..
عمر..
التفت عمر وأحم د إليها ،ظهر أحمد وكأنه قد تفاجأ باألمر فقرر أن يتركهما ليتحدثا بمفردهما ،نادت عليه وهي
تتوقع أنه سيلحق بأحمد ويتجاهلها ،لكنه لم يفعل ..ظل واق ًفا ُمبع ًدا نظراته عنها ..أصابها التوتر فجأة ،رغم أنها
كانت تستعد لمواجهته وأخباره باألمر إال أن التوتر قد نال من ها النها كانت تتوقع أنها ستعاني في جعله يفهم
ٍ
خطوات نحوه األمر منها ..لكن أستجابته السريعة تلك تؤكد لها بأن عمر مازال يبحث عن السبب ،سارت بضع
إلى أن وقفت أمامه ..
71
عِ ضين
قليال ..أيمكنني هذا ؟!
عمر ،أريد التحدث معك ً
الحظت فتور عينه عنها كعادة األيام األخيرة ،رد عليها بجفاء ..
أجاب عليها عمر بنظرةً صامتة هي األولى له منذ فترةً طويلة ..نظرةً مفادها أنه يرغب لمعرفة السبب ،أكملت هي
كالمها ..
نظر إليها عمر قاطبًا حاجبيه ..يتعجب من أستثناء نفسها ..أكملت هي ..
دائما ما تعرف أخبار ومعلومات عني ال أعلم كيف تصل أليك ..بالتأكيد تعرف كيف تكون شخصية أبي
أنت ً
..
أخيرا ..
لحظات أخرى ساد فيها الصمت ،أبعد عمر نظره ليستجمع أفكاره ،تكلم ً
ِ
عليك الزواج بأبن عمك ألنه من تقاليد عائلتكم أعلم ذلك ..أعلم بشخصيته الصعبة ..أعلم أنه قد فرض
أنك ضعيفة ال تقوي على مواجهته أو رفض هذه الزيجة ..أعلم أنه لو ِ
بيدك األمر زواج األقارب فقط ،أعلم كذلك ِ
71
عِ ضين
سوءا ،أما هو فسنحت له
أخيرا علمت بأنه لم يظن بها ً
ضا ظروفها ..فرحت ألنها ً تتابعه في دهشة ..يعلم أي ً
الفرصة ليخبرها بآخر ما تمنى قلبه أن يخبرها قبل أن يخرجها من حساباته..
معا ،بل الوحيدة التي أحببتها ،لقد أنتهت األمور على ِ
ين فقط ألنك الوحيدة التي سكنت قلبي وعقلي ً
أنا حز ٌ
نح ٍو سئ..
سوءا..
رغم ألم ما يقوله في قلبها إال أنها أبتسمت ..أبتسمت النه لم يظن بها ً
بدأت الدموع تتسرب من عينيها ..كانت تتمنى مثل هذا الكالم في ظروف أفضل من هذه ،لكن تسير الرياح بما
ال تشتهي السفن ،ظهرت أبتسامة الندم عليها..
يوما ما ؟! ،البد وأنها ستكون أسعد فتاةً بالعالم ،بالتأكيد سأحسدها
من سعيدة الحظ تلك التي ستحظى بك ً
...
حاولت آسية تمالك نفسها من األنهيار ..دموعها تهرب منها وهي تحاول السيطرة عليها..
72
عِ ضين
كنت قلقة حيال هذا الحوار معك ..كنت قلقة
شكرا لك على كل شيءُ ..
بك أب ًدا يا عمرً ..
لم يخب ظني َ
سوءا ،لكن األمر غير ذلك ..كالعادة تفاجئني ..على كل حال أتمنى لك التوفيق في حياتك..
من أنك تظن بي ً
كانت تهم بالرحيل إال أن بدا على عمر أنه سيتكلم ،نظر إليها عمر ...
أخيرا ؟!
أيمكنني أن أطلب شيئًا ً
معا..
بدا عليها السعادة واألهتمام ً
أبعد عمر نظره والتفت بنصف جسده وكأنه سيختم بكالمه ثم يرحل..
ِ
أرجوك ساعديني على نسيانِك ،دعينا نتعامل كأصدقاء ال أكثر على األقل حتى تنتهي تلك األيام المتبقية لنا
في الجامعة !..
73
عِ ضين
-02-
نفعا لهزم العدو ، ..عندما يكون عدوك بالغ القوة فأن ما يحتاجه ليسقط هو عدة
أحيانًا ال يجدي أستخدام القوة ً
متألما وضعي ًفا بهذا الجزء من جسده بالذات..
ضربات ضعيفة في مكان ما بجسده ،حينها سيجد العدو نفسه ً
سينهار تدريجيًا ،وبذلك تكون أنت من قد شكلت نقطة قوة لك بنفسك ..أو بمعنى آخر ..لقد أضعفت عدوك،
الذكاء والعقل هما من ينتصران في النهاية..
كان هذا التوقيت مثاليًا لها لتوجيه ضربتها التي ربما تكون قاضية ..جعلِها تختفي عن الساحة األعالمية قبيل
ت ّخرجها بفترة حتى ما أن تخرجت بعد عدة شهور لن تجد تلك العروض األجنبية التي كانت تتلقاها وتكتفي
بالحلم فقط بالعمل هنا في القناة معها ..ستكون ُمجبرة على العمل هنا دون ت ّكبُر ..
أخيرا على ماريان ..لقد أستغلت حالة ثروت المرضية ومنعتها من تغطية ً كانت شيرين تشعر بنشوة األنتصار
األنتخابات ،لقد نسي الجميع ماريان ،كانوا يعتادون رؤيتها في األحداث الهامة لكن اآلن ال..
باكرا ،لم يقم أحدهم بألقاء التحية لها ..كانوا يتظاهرون بأنهم مشغولون ،توجهت لمكتبها
وصلت المحطة ً
قليال ثم رفعت سماعة الهاتف لتطلب قهوتها ،الحظت وجود ورقةً ما على مكتبها ..تناولتها
مباشرةً ..أسترخت ً
ٍ
تعجب مما تقرأ ،..رفعت سماعة الهاتف مرة أخرى .. وقرأت ما فيها ،قطبت حاجبيها في
************
74
عِ ضين
بعد أن رحبت بالجميع ..جلست مع هيثم الذي كان أكثر المستائين برحيلها ..
ِ
سنفتقدك يا ماريان..
ضا سأفتقد العمل معك يا هيثم ..أعلم بأنه قرار صعب لكن كان البد من أتخاذه ..لكنني أعدك بأنني
أنا أي ً
سأعود..
ِ
تنتظرك في مكتبها.. ماريان ..األستاذة شيرين
التفتت لهيثم مرة أخرى بأبتسامة مفادها أنها البد أن ترحل اآلن ،صافحته بوداع ثم توجهت لمكتب شيرين ..
جلست قبالة شيرين ،التفتت شيرين من وراء مكتبها لتجلس أمام ماريان..
مدت شيرين إليها ورقة ،أكتفت ماريان بالنظر إليها فقط ..
هذه أستقالتي..
أرتسمت أبتسامة على وجهها الحظتها ماريان لكنها لم تُعقب ،مالت ناحيتها شيرين ..
أهتماما بكالمها..
ً لم تبدي ماريان
ِ
أمامك يا شيرين.. حسنًا وها هي أستقالتي
تناولت شيرين قلمها ووقّعت على موافقتها على أستقالة ماريان ..
ِ
بطردك من المحطة .. عليكي أن توضحي األمر ِ
لعمك يا ماريان ،سيظن أنني أنا من قمت
ظهرت ماريان وكأنها تفاجئت بسبب عدم معرفة شيرين باألمر ،كانت السخرية واضحة ج ًدا في وجهها..
أال تعلمين باألمر يا شيرين ؟! ،كيف يُعقل أن جميع من يعمل هنا يعلم باألمر وأنتي ال ؟!
أمالت شيرين رأسها في عدم فهم ،نظراتها تعني أن تسأل ماريان بصمت ..ما هذا الذي ال أعرفه ؟! ،أكملت
ماريان عندما رأت مالمح وجهها..
76
عِ ضين
لقد قَبلت بعرض الـ" " BBCيا شيرين ، ! ..وبعدما أنهي دراستي في الجامعة بعد شهرين سألتحق للعمل
هناك ..
غير مصدقة لما تسمعه ،وكأن لسان حالها كيف ومتى حدث هذا ؟! ،أكملت ماريان ..
ح ّدقت بها شيرين ُ
ِ
أشكرك بطريقتي الخاصة .. سيوقع بنفسه إال أنني فضلت أن
كان عمي ّ
لتهم بالرحيل ..
نظرت ماريان في ساعتها ُ
لقد تأخرت اآلن البد وأن أخبرهم بأنني أستقلت رسميًا من هنا..
ثم سألقي ببيان على صفحتي على الفيس بوك أعرب فيه عن شكري ِ
لك يا شيرين ،ال تنسي أن تتمني لي
رجاء..
مزي ًدا من التوفيق ً
خرجت ماريان ومازالت شيرين غارقةً في صدمتها ..لقد جعلت ماريان تنتصر في النهاية بطريقةً ما عكس ما كانت
تخطط له..
77
عِ ضين
-09-
للمفاجأة نوعان أما أن تكون سارة وسعيدة تلك التي يتمناها الجميع أو تكون سيئة وحينها فقط تُسمى صدمة..
شخص ساذج آمن بخياله المريض الذي يوحي له بأن الدنيا ستبتسم
ٌ تلك الصدمة كفيلة أحيانًا بتحويل أحدهم من
حذرا في كل خطوة
دائما إلى ذلك الشخص الذي نضج عقله وعلّمه أن يتوقع األسوأ قبل األفضل وأن يكون ً
له ً
يخطوها بحياته ..السعيدة منها فقط ُسميت بأسمها " مفاجأة " والسيئة أرتبطت باسم آخر " ..صدمة "..
تساءل في نفسه ..من أين جاء بذلك الجفاء الذي ظهر به أمام آسية ؟! ،منذ أسابيع فقط كان يخطط للتخلص
كفيال بأن طباعه تتغير فجأة..
مؤخرا كان ً
من خجله عندما يحادثها في موضوع أرتباطهم ببعض ،لكن ما حدث له ً
مرت أيام منذ آخر مرة رأى فيها آسية ..كان يتجنب رؤيتها ولو صدفة ..يحاول محوها من ذاكرته ولو بدا هذا
مجددا ..ليس ألنه يكرهها ..ال ال ..يريد فقط
ً مستحيال ..كان يريد أن تمر أيامه في الجامعة سريعة حتى ال يراها
ً
جميال بينهما ذات يوم ..كان يحاول دخول مبنى الكلية من ٍ
باب آخر غير الرئيسي والجلوس في نسيان ما كان ً
أماكن بعيد ًة عن األنظار ..كل هذا لتمر تلك األيام سريعة وليتها تمر هذه المرة..
وصل أحمد وعمر للكلية هذا الصباح وكان يسرعان لحضور المحاضرة األخيرة لهم قبل امتحانات آخر العام
وبدال من أن يصعدا لمكان المحاضرة وقف عمر ضل الدخول من ٍ
باب آخرً ، وكعادة األيام األخيرة الماضية ف ّ
فجأة..
لن أتأخر يا أحمد ..سأمضي هذه األستمارة من مكتب شئون الطالب وسألحق بك..
78
عِ ضين
هز أحمد كتفيه وصعد بسرعة ليُلحق بالمحاضرة..
وصل أحمد للطابق الرابع حيث القاعة التي ستحتضن المحاضرة األخيرة ..في نفس الوقت الذي كانت آسية
وأماني تنزالن من الطابق الخامس في طريقهن للقاعة ..أحمد الحظ أن أستاذ المادة قد دخل القاعة وأغلق الباب
ورائه ..أسرع ورائه وكان سيطرق الباب ليستأذن بالدخول لكنه سمع صراخ أحداهن فجأة بالقرب من القاعة
فقدت آسية توازنها وهي تنزل الدرج وسقطت من أعلى الدرج حتى أصطدم رأسها بحافة أخر درجة في السلم..
صرخت أماني ونزلت الدرج بسرعة لألطمئنان على صديقتها التي وضعت يديها على رأسها متألمة بدون أن تصدر
صوتًا ..أسرع أحمد بأتجاه الصوت الذي صرخ فوجد في نهاية الممر عند مدخله أماني وهي تحاول أن تستغيث
بأحدهم ألنقاذ آسية..
كان شعور أحمد حينها لحظي ..كان يريد أن يظهر عمر اآلن ويرى ما حدث لكن صراخ وبكاء أماني جعله
يصحو من غفلتهِ ..
حمل آسية على يديه ودخل بها المصعد وتبعته أماني لينزال بآسية للوحدة الطبية بالكلية..
في اللحظة ذاتها التي دخل فيها أحمد وأماني المصعد كان عمر قد وصل للطابق الرابع من على درج السلم..
تنهد عندما علم بأن المحاضرة قد بدأت بالفعل ..طرق الباب وأذن له الدكتور بالدخول ،جال بنظره وسط
ضا عدم وجود
ضا ،والحظ أي ً
وسع مجال بحثه للقاعة كلها فلم يجده أي ً
أصدقائه باحثًا عن أحمد لكنه لم يجدهّ ..
ضل أحمد مقابلة أماني عن حضور المحاضرة األخيرة أما آسية
أماني أو آسية ،لقد رجح في عقله أنه ربما ف ّ
ضلت هي األخرى عدم الحضور..
فف ّ
أنتهت المحاضرة األخيرة وغادر عمر القاعة مع زمالئه ..أخرج هاتفه ليتصل بأحمد فوجد أن هناك ما يزيد عن
العشرين مكالمة فائتة جميعها من أحمد ..لم يسمع رنين هاتفه ألنه كان صامتًا ،أتصل به ..رد أحمد وصوته يبدو
مضطربًا ...
79
عِ ضين
عمر ..أين أنت اآلن ؟!
صدم عمر ..فقد النطق وزادت ضربات قلبه ،حاول أن يظهر صوته ألحمد ...
ُ
أغلق عمر الهاتف وأسرع لينزل ،خرج من باب الكلية وهو يجري بسرعة ،عقله يعمل بسرعة ويفترض أحداث
تمت أو ستتم ،لقد نسي ذلك العاشق تكبره ِ
وعناده وظهرت حقيقته التي حاول نسيانها ،..عشقه وحبه آلسية.. ّ
81
عِ ضين
-81-
كان يظن أنه يحاول نسيانها ..كان يفكر في كيفية نسيانها ،سخر من نفسه ..محاولة نسيانها هي بحد ذاتها
نسي أنه كان يحاول نسيانها ..كان عقله يستبق األحداث
تفكير فيها ،ولمجرد سماعه فقط بأن آسية في خطر َ
ٌ
ويتوقع األسوء..
وصل عمر في ٍ
وقت قياسي ..وقت يستطيع من خالله أن يتيقن بأنه كان يعيش في أكذوبة تسمى " نسيانها "،
عندما وصل للطابق الثالث حيث العناية المركزة كان قد وجد أحمد وأماني يقفان ويتحادثان والهم باديًا على
وجهيهما ..أسرع عمر بأتجاهما وعندما وقف أمامهم سألهم ..
أنتظر عمر أجابةً من أحدهما لكنه لم يلقى منهما سوى الصمت ،تبادل أحمد وأماني نظر ٍ
ات مقلقة وهذا ما زاد
من توتر وعصبية عمر..
أخيرا ..
تكلم أحمد ً
تنفس عمر الصعداء ،أرتاح عقله من تفكيره في األسوء ،لقد ظن أنها على وشك الموت أو حدث لها شيءٌ أسوء
من هذا ..التفت ألماني التي كانت تبكي..
أماني ..ال داعي ألن تبكي ..ستكون األمور بخير ..ال تقلقي ..
التفتت أماني ألحمد وكأنها تقول له أن عمر ال يعلم بشيء ،تركتهما وأبتعدت عنهما ،لقد فهم عمر من نظرتها
تلك ألحمد أن هناك شيء ما ال يعلمه ..
81
عِ ضين
أحمد ..ما الذي يجري هنا وال أعلمه ؟! ،لماذا تبكي أماني هكذا ؟!
انتظارا لتكملة كالمه ،أكمل أحمد وهو يحاول جاه ًدا أن
ً توقف فجأ ًة عن الكالم مما جعل عمر يقطب حاجبيه
يقولها ٍ
بلطف لكنه لم يُفلح ..
نزل الخبر كالصاعقة على عمر ،ال يعلم كم مضى من الوقت وهو يحدق له غارقًا في صدمته ،شعر ببرود يسري
بجسده ،لم تتحمله قدماه فجلس بالمقاعد التي كانت خلفه ،حاول أستيعاب األمر ،جلس أحمد بجانبه وأربت
محاوال تهدئته ..
ً على كتفه
التفت عمر ناحية أماني التي وقفت بعي ًدا أمام أحدى الغرف ،توجه نحوها وتبعه أحمد ،وعندما أقتربا كالهما من
الغرفة التي تقف أمامها أماني خرجت منها أمرأة تبدو في الخمسين من عمرها ،التفت عمر ألحمد فهز أحمد
رأسه أيجابًا ..لقد فهم عمر أن هذه المرأة هي والدتها..
تق ّدم عمر وصافح والدة آسية ،ثم فاجأته بسؤال لم يتوقعه ..
82
عِ ضين
أكتفى عمر بهز رأسه أيجابًا فقط محدقًا بها ،لقد لمحت هي في عينيه نظرة تساؤل ..كيف عرفته ؟! ،التفتت
نحو الواجهة الزجاجية لغرفة أبنتها لترى أبنتها ممدة ويبدو على وجهها األلم وهي في ٍ
عالم آخر ،أبتسمت بحزن
وألم ..
دائما ما كانت تحكي لي أسرارها وكنت أنت أحد أسرارها يا عمر ..لذلك ال تتعجب من معرفتي لك..
ً
لقد كان الحزن باديًا على وجهه ،كان أول من فكر في كيفية أِخبار آسية بعجزها هذا! ..
83
عِ ضين
-80-
ظلت األمور على حالها أسبوع كامل ،أسبوع ظلت فيه آسية في عالمها الخاص مغشيةً عليها ،أحمد وأماني وعمر
يترددون يوميًا على المستشفى لألطمئنان عليها لعل وعسى أن تستفيق من غيبوبتها وتتدارك ما فاتها من
االمتحانات العملية..
لقد عاد أخيها يوسف من سفره فور سماعه بالحادثة التي تعرضت لها آسية ..كذلك والدها الذي كان يتردد
عليها كلما سنحت له الفرصة ،أما أبن عمها فقد زارها مرةً وحيدة كان ال يبدو عليه عالمات التأثر أو القلق بتلك
الحادثة التي تعرضت لها شخصيةً في حياته من المفترض أنها تكون خطيبته!! لكنه بعد هذه الزيارة اليتيمة كان
يكتفي باالتصال فقط..
جميعا على المستشفى بعدما أدوا االمتحان العملي األخير ..عمر وأحمد كانا
ً كعادة األيام األخيرة ترددوا
يجلسان خارج الغرفة كالعادة ..والدة آسية وأماني تجلسان مع آسية في الغرفة
ماذا ؟!
توقف أحمد في مكانه وهو يتعجب من قرار عمر بعدم تفضيله للدخول اآلن ،متى الوقت المناسب برأيه ؟!
أما في الداخل فكانت المشاعر مختلطة ما بين الفرحة بأستفاقة آسية وما بين القلق والترقب في اللحظات
القادمة ..كيف ستستقبل خبر عجزها ؟!
ِ
سالمتك يا حبيبتي !.. حم ًدا هلل على
84
عِ ضين
كادت آسية أن تختنق لكنها كانت تتحمل ..
ِ
سالمتك.. ِ
أفتقدناك يا غبية ،حم ًدا هلل على
قليال ؟!
شكرا يا صديقة الغبية ،هل يمكنني التنفس ً
ً
أفلتت آسية نفسها من أماني بحركة مزاحية ،أسندت ظهرها للوراء في ٍ
أنهاك واضح..
منذ متى وأنا هنا لكي تكون هذه الفرحة بأعينكم ؟!
ظهر بخاطر أماني فجأة عدم وجود عمر في الغرفة ..رغم أنها أبلغتهم بذلك ،لكنها أدركت ما قرره عمر ..هذا
فعال لدخوله أو الظهور أمامها ..اللحظات القادمة ستكون صعبة خاصةً مع وجوده هنا !..
ليس الوقت المناسب ً
ِ
حالتك.. أنتي هنا منذ أسبوع وستخرجين حالما تتحسن
صدمت آسية مما سمعته ،عملت على القيام من سريرها لكنها لم تستطيع ..أستوقفها جسدها فجأة ..تعجبت ُ
ألنها غير قادرة على التحرك لكنها ظنت أنها قد تكون مازالت مجهدة ..في هذه اللحظة نظرت أماني ووالدة
آسية لبعضهما في توجس ..لحظة الحقيقة ستكون قاسية على الجميع هنا..
ٍ
بصوت مسموع.. زفرت آسية وفكرت
85
عِ ضين
قد فاتتني ا المتحانات العملية وبالطبع لن أستطيع اللحاق بأول مادتين على األقل ..سنةً أخرى في تلك
الكلية الملعونة ؟! ،ماذا فعلت يا ربي ليكون حظي هكذا ؟!!
أخيرا..
صحيحا ..لقد تخلصت المهندسة آسية من غيبوبتها ً
ً أذن ما سمعته
نعم تخلصت من الغيبوبة ولم أتخلص من الدراسة في تلك الجامعة ،لقد فاتتني االمتحانات يا ربي !..
رجاءا..
هل يمكنني اللحاق بامتحانات آخر العام ؟! ،أريد الخروج من هنا بسرعة ً
لوقت أطول لمتابعة حالتك إال أنني سأسمح ِ
لك بالخروج الليلة ،وليكن في ِ
مكوثك هنا ٍ كنت أفضل
مع أنني ُ
ِ
وجهك يا آسية ..قليلون فقط من كثيرا تلك األبتسامة على ِ
حسبانك أننا سنبدأ عالجك قريبًا ،وبصراحة أسرني ً
ِ
عالجك بالتأكيد !.. يقابلون عجزهم بأبتسامة هكذا ..سيسهل هذا من
جملته األخيرة تلك كانت كافية بشرح سبب الصمت الذي ساد المكان فجأة! ما كان يخشاه الجميع قد
جميعا..
حدث ..حانت تلك اللحظات الصادمة ،لذلك قد يتم سماع دقات قلبهن ً
أما آسية فقطبت حاجبيها في عدم فهم ..من هؤالء الذين يقابلون عجزهم بأبتسامة ؟! ،وما هذا العالج ولماذا
أصال معها ..سألت الطبيب ..
؟! ،منذ أن أستفاقت وهي لم تعلم ماذا حدث ً
سهال ؟!
ما عالقة ما تقوله بي يا دكتور ؟! ،وعالج ماذا الذي سيكون ً
نظر الطبيب ألماني ولوالدة آسية..
للحظة لم تستوعب آسية ما قيل أمامها ،ثم جاء بخاطرها فجأة عدم قدرتها على تحريك نفسها خاصةً نصفها
السفلي ..حاولت تحريك قدميها لكنها لم تستطيع ولم يتحركا ..التفتت للطبيب محدقةً به متمنية أن ما يجول
86
عِ ضين
صحيحا أو أنها قد فهمت الموضوع كله خطأ ..لكن كيف يكون قد فهمت خطأ وقد بدا على ً بخاطرها ليس
والدتها القلق والخوف وكذلك الحال بالنسبة لصديقتها أماني ؟! ،سألته..
شلل ؟!
87
عِ ضين
-88-
كان من المفترض أن تخرج من المستشفى منذ عدة أيام ولكن حالتها النفسية أجبرتها على البقاء لعدة ٍ
أيام
أخرى ،لم تصبح آسية تلك الفتاة المبهجة والمرحة والمشاكسة ..أصبحت يائسة وحزينة بل وصل األمر الى إنها
تعد وتحصي أيامها المتبقية في الحياة ..أصبحت تنتظر أجلها..
أنتهت االمتحانات وأنتهت الدراسة معها للجميع باستثناء آسية التي لم يهمها األمر على األطالق فهي لم تعد
تهتم ألمر تلك الحياة بعد ماحدث لها ..سافر أخوها للعمل في الخليج ،ولم ترى إبن عمها قد زارها ليطمئن
دائما في عمله وقد يمر أيام دون
عليها ولو مرة بل يكتفي فقط بأرسال أمنياته بالشفاء لها ! ،أبيها منشغل ً
زيارتها ..أما والدتها وأماني فكانتا معها طوال الوقت في غرفة العناية المركزة ،أحمد وعمر خارج الغرفة ..أحمد
يدخل بين الحين واآلخر ليطمئن عليها وكلما دخل أحمد تتذكر آسية عمر وعن تخليه عنها هو اآلخر حتى في
مثل تلك ال ظروف ،الجميع يعرف ان عمر لم يتخلى عنها وانه متواجد منذ بداية األزمة لكنه ال يستطيع الدخول
بعد !..
أتعرفين يا أمي ..بعد الحادثة التي تعرضت لها لم تعد تهمني حياتي أو أي شئ فيها لكن ما يؤلمني ح ًقا أن
دائما ،حتى إبن عمي لم يزورن..
كل من كانوا حولي تركوني اآلن ..أخي يوسف سافر ولم يعد يهتم ،أبي منشغل ً
ال أظن أنه سيرتبط بفتاة عاجزة مثلي ..أنتي وأماني فقط تسانداني،أحيانا أحمد كذلك ..
88
عِ ضين
هناك أحدهم لم يتخلى ِ
عنك هو اآلخر !..
تساءلت آسية في نفسها ..أيعقل أن يكون هو ؟! ،هي تشعر بوجوده لكنها ظنت ذلك ألنها لم تعتاد على فراقه
بعد ،هل ح ًقا لم يتخلى عنها هو اآلخر ؟!
بدا األمر طبيعيًا بالنسبة آلسية ،أحساسها منذ البداية كان صادقًا ..عمر لم يتخلى عنها لكنه ال يريد الظهور اآلن
بسبب ما حدث في آخر حديث بينهما
ِ
نسيانك بالرغم أنه تح ّدثنا في ٍ
وقت أنتي كنتي نائمةً حينها ،كان يلوم نفسه ألنه قرر ذات يوم أن يبتعد وحاول
يعلم جي ًدا أنه قد تم خطبتك ..لقد وقف بجانبك في الوقت الذي أنشغل فيه البعض بحياته فقط..
أسندت آسية ظهرها للوراء وحدقت بالسقف ..كانت تفكر في كالم والدتها ..كانت تفكر في عمر ..تساءلت..
أصال ..أن يتخلى عنها ويكون هو كغيره أم أن ال يخلى
لماذا لم يتخلى عنها هو اآلخر ؟! ،لم تعلم ماذا تريد ً
89
عِ ضين
واضحا أنه يُشفق عليها ..ال تعلم كم من الوقت مر لكي تجد أن والدتها قد نامت بجانبها،
ً عنها وبذلك سيكون
ضا قد أرهقها التفكير فنامت..
هي أي ً
91
عِ ضين
-83-
كان من المفترض أن يكون أول من يدعمها ويقف بجانبها في محنتها لكنه كان أول الراحلين عنها ،لم يزورها قط
سوى تلك المرة اليتيمة يوم الحادثة التي تعرضت لها ،!..كان هذا في ُعرف الجميع أنه قد قر فسخ خطبته بها،
بالتأكيد هذا سيؤثر عليها نفسيًا ..ليس ألنها تحبه أو شيء هكذا فهي لم تطيقه من األساس لكن مغزى الرحيل
عنها هو من سيشعرها بالعجز الحقيقي..
لذلك كان على الجميع أن ال يسمحوا بأن تتدهور حالتها النفسية ،كان هناك من أبدى أستعداده التام للوقوف
مستحيال..
ً بجانبها حتى شفائها حتى لو بدا هذا صعبًا أو
كان الجميع يقف خارج الغرفة عدا والدة آسية ..كانوا يخططون إلعداد مفاجأة آلسية بدخول عمر واألطمئنان
عليها كأعالن عن عودة العالقات بينهما ..الجميع يريد أن يجعل آسية تفهم أن عمر مازال يحبها وأنه ُمصر على
الوقوف بجانبها ومساعدتها عكس من كان يلقبونه بخطيبها هذا الذي لم يهتم باألمر من األساس ،دخلت أماني
غرفة آسية بالمستشفى فيما ظل عمر وأحمد في الخارج ينتظران أشارة أماني لهما بالدخول ،وبمجرد دخول أماني
مبتسمة شعرت آسية بشئ غير طبيعي سيحدث وربما ح ّدثها حثها بأنها سترى عمر اليوم بعد أن حدثتها والدتها
عنه باألمس ،جلست أماني بجانب آسية في الجهة المقابلة لوالدة آسية ونظرت إليها بأبتسامةً غريبة ..
وحيث أن آسية كانت تنتظر خبر واحد جيد منذ الحادثة عدلت من وضعيتها على السرير لتجلس وعلى وجهها
الترقب ،قالت ألماني بترقب..
أمسكت بهاتفها قامت بفعل شيء فيه ثم تركته ،التفتت إليها لتخبرها بالخبر األول ..
ِ
ويمكنك الخروج الليلة.. ِ
حالتك مستقرة أوال لقد أخبرنا الطبيب بأن
ً
91
عِ ضين
أرتسمت البهجة على وجه آسية لكنها فكرت للحظة في أنها للمرة األولى ستواجه العالم بعجزها هذا ،لكن ما
قطع تفكيرها هو صوت والدتها عندما سألت أماني ..
قالتها آسية بحدة ،للمرة الثانية آسية تقاطع عمر عندما يرتب كالمته لها ،أندهش الجميع من سؤالها المفاجئ
هذا ..أرتبك عمر وكان يستعد ليرد عليها لكنه لم تسمح له بأن يتكلم مرًة أخرى..
ال أريد أشفاقًا من أحد ..سأعيش حياتي المتبقية هكذا إلى أن أرحل ..
92
عِ ضين
الجميع في حالة ذهول مما تقوله آسية ..ال أحد توقع هذا أن يحدث ..أما عمر فال يمكنني وصف حالته
قليال ..
مجددا ،أكملت آسية عتابها بعدما هدأت ً
ً
فيلما رومانسيًا
أذهب يا عمر ..ال تتقمص دور البطل أو الطيب وترتبط بفتا ًة عاجزة ..نحن هنا ليس في ً
هنديًا ..أذهب وحاول نسياني وعش حياتك طبيعيًا وتزوج بفتا ًة تحبها وتحبك..
مجددا..
ً أرجوك ..ال أريد مساعدتك أو حتى رؤيتك
مصدوما ..تبعه أحمد الذي عمل على تهدئته ،فيما نظرت أماني آلسية نظرت عتاب
ً مسرعا
ً أدار عمر ظهره وخرج
وخرجت مسرعة هي األخرى لتلحق بعمر لتوضح األمر له وعندما لحقت به نادته ثم وقفت أمامه..
متوقعا ..يبدو أننا قمنا بذلك في الوقت الخطأ ،..لم يكن عليك أن تظهر
عمر ،..أعلم أن ما حدث كان غير ً
جميعا لم ندرك هذه المشكلة ،أرجوك ألتمس لها العذر فهي ليست على مايرام وأعلم
لها في بداية أزمتها لكننا ً
قليال فأنك ستدرك حالتها جي ًدا وتلتمس لها العذر..
أنك لو فكرت في األمر ً
93
عِ ضين
-84-
التخرج الخاصة بكلية األعالم ،لم يبدأ الحفل رسميًا ولكن ال بأس من بعض
بدأ الجميع يتوافد لحضور حفلة ُ
ٍ
شخصيات جامعية كرئيس جامعة القاهرة ونائبه وأساتذة في الموسيقى الهادئة حالما يصل كبار ضيوف الليلة من
كلية األعالم مثل عميد الكلية وبعض األساتذة ..أعالميون وشخ ٍ
صيات عامة مثل المذيعة الشهيرة شيرين عبد
النور ..كان منظمو الحفل ينتظرون هؤالء الضيوف ألحياء الحفل رسميًا..
بسم اهلل الرحمن الرحيم " وما توفيقي إال باهلل " صدق اهلل العظيم ...
جاء أحدهم ولعشرة دقائق متواصلة ظل الجميع ينصت آليات القرآن ،مرًة أخرى صعد ُمقدم الحفل المنبر..
و ألن حفلنا سيطول هذه الليلة فقد قررنا البدء من اآلن..
بدأت األنوار تنطفئ في القاعة وبدأت الشاشة العمالقة تعرض مشاهد لفتاة ما تمسك ميكروفونًا ..تلتف الكاميرا
ٍ
معلومات عنها ... لتقف أمامها ..ويتم تثبيت الصورة وعرض
ماريان مجدي ..تحتل المرتبة األولى بين طالب الكلية بتقدير أمتياز مع مرتبة الشرف ..تحب العمل الميداني
والمغامرة ،تعمل في قناة " ، " exclusive newsوتعد أصغر مراسلة ميدانية في مصر والشرق األوسط..
ثم يتم عرض مشاهد متتالية ومقتطعة لماريان وهي تعمل كمراسلة ميدانية..
نحن اآلن نقف أمام القصر الرئاسي و ،...لكن آخر األخبار التي وردت ألينا هو أن ،..واآلن يا شيرين نحن
في الطائرة الخاصة بالقوات المسلحة لتغطية تظاهرات اليوم المطالبة بـ ...
94
عِ ضين
ثم ظهر صوت ُمقدم الحفل فجأة مع رجوع األضواء مرةً أخرى للقاعة ..
خاصا على
ممرا ً
ظهرت ماريان في آخر القاعة وسط صخب كبير وحفاوةً من الجميع لها ..لقد صنع لها زمالئها ً
الجانبين لتمر هي وسطهم من آخر القاعة حتى وصلت لكبار الضيوف ..تسلمت شهادتها الرمزية ثم وقفت على
المنصة أللقاء كلمتها ،كان الجميع يعرفها بال أستثناء ..تلك ماريان التي تظهر في البرامج األخبارية من مختلف
الميادين واألحداث في مصر..
سكتت للحظات ثم بدأت كلمتها والسعادة تغمرها وكذلك الخجل وكأنها ألول مرة ستواجه جمع غفير من
الناس..
أردت النجاح ،ووصلت للقمة وليس معنى وصولي للقمة يعني أنني نجحت ،النجاح هو
النجاح قرار ..ولقد ُ
يوما ..األمر لم يقتصر فقط وصولي للقمة ..فمازال الطريق أمامي
دائما ألعتالئها ً
الحفاظ على القمة التي سعيت ً
طويال ،لذلك مخطئ من يظن أن الوصول للقمة فقط هو النجاح..
ً
أود أن أشكر الجميع ..جميعكم كان له دوره الخاص في حياتي ..الجميع كان سببًا ما في ما وصلت إليه
اآلن..
أبي وأمي قاما بتربيتي على مبدأ النجاح والوصول للقمة وأن ال أضع سق ًفا لطموحاتي ..
عمي ثروت الذي تحدى الجميع بي وكان يثق في موهبتي الذي طالما هو قرر تنميتها عندي..
شيرين ...
95
عِ ضين
توجهت األنظار كلها ناحية شيرين ..حتى شيرين نفسها كانت تنتظر أن تذم فيها ماريان أو تنتقدها..
أكملت ماريان..
حدقت شيرين بماريان ..لم تتوقع أن تمدحها بعد كل ما فعلته معها ،كذلك ثروت الذي كان منده ًشا لما قالته
ماريان ..لم تكونان على ما يرام ساب ًقا ..فلماذا فعلت ذلك ؟! ،أما والديها فكانا يبتسمان ..لم يعلما أب ًدا بما كان
يحدث بين ماريان وشيرين..
أصدقائي ..الذين كانوا لطيفين معي ..لم يكن الحقد بيننا ..ساعدنا بعضنا ولم نبخل عن بعضنا بشيءٍ ..
أيام
كل في طريقه الذي رسمه لنفسه أو الذي لم ٍ
معا ..أيام قليلة وسنفترقٌ ..
قليلة وستنتهي امتحانات آخر أعوامنا ً
ضا..
يرسمه أي ً
كان الجميع يصفق بحرارة بعد أنتهاء كلمتها ..قامت هي بمعانقة والديها ومن بعدهم عمها...
96
عِ ضين
هاما في حياتي وفيما وصلت إليه أنا ،لذلك ِ
دورا ً
ضا لم أكذب ..كان لك ً
ال داعي لذلك اآلن ،لكنني أي ً
شكرا ِ
لك.. ً
لقاءا صحفيًا مع كل طالب أو طالبة تخرج أللقاء كلمة بمناسبة التخرج ..كانت األجواء مرحة
كانت ماريان تعقد ً
هذه الليلة ..هذه الليلة لن ينساها الجميع !..
97
عِ ضين
-85-
عادت لبيتها بعد فترة ليست بالقصيرة ولكنها عادت هذه المرة عاجزة ..كانت في األسابيع الماضية سجينة غرفةً
ممال بالنسبة لها ..فما بال القادم من
أسابيع قليلة فقط وقد أصبح األمر ً
ٌ ما في المستشفى لكنها لم تكن سوى
مهال ..ماذا لو كان هذا العجز الزمها طوال عمرها ؟! ،لن تتحمل هذا البؤس أب ًدا ٍ
أيام أو شهور وربما سنين ؟!ً ،
!..
و بعد أن حملتها والدتها وتشاركت أماني معها في نقلها لسريرها وما أن أطمأنت عليها حتى خرجت من الغرفة
لتدبر شئون بيتها الذي تم هجره طوال األسابيع الماضية ..كانت فرصة لتنفرد أماني بآسية في الحديث معها..
لم يكن ِ
عليك أن تفعلي هذا مع عمر يا آسية ..لم يكن ليستحق هذا !..
معا ،أي ٍ
سبب هذا الذي يجعل آسية أن تطرد عمر بهذه الطريقة ؟! ،لقد وقف بدت على أماني الحيرة والشفقة ً
بجانبها طيلة الوقت ولم يتخلى عنها كما فعل خطيبها ..عمر ال يستحق رد آسية العنيف هذا !..
ٍ
لحظة مضت وها هو صوتها يرتفع لكن قطع تفكيرها صوت والدة آسية من الغرفة األخرى ..لقد رن الهاتف منذ
ال أماني وال آسية أستطعتا أن تفسرا كالمها ..ظنت آسية أن والدتها تعاتب زوجها على غيابه المتكرر هذه األيام
أساسا وخاصةً في مثل تلك الظروف ..خروجها من المستشفى ومواجهتها للعالم الخارجي أول
حتى يكاد ال يظهر ً
مرة بعجزها هذا تطلّب حضوره على األقل لكنه لم يفعل ،!..لكنها فجأة سمعت صوت صراخ والدتها ،أسرعت
98
عِ ضين
أماني تلقائيًا لخارج الغرفة لمعرفة سبب صراخ والدة آسية ،!..فيما ظلت آسية على سريرها عاجزةً عن الحركة..
للحظةً واحدة تساقطت دمعةً يتيمة على وجهها بسبب أحساسها بالعجز ألول مرة ،!..لكن سرعان ما أستعادت
لتقربه إليها لكنها الحظت دخول
مجددا والحظت قرب الكرسي المتحرك من سريرها ..مدت يديها ّ
ً وعيها لواقعها
أماني غرفتها ..كان وجهها شاحبًا يبدو عليه التوتر مع سماعها في نفس الوقت لصوت نحيب والدتها خارج
الغرفة !..
خارجا ..ومع
و ما أن دخلت أماني الغرفة بوجهها الشاحب هذا ،حدقت آسية بها بنظرة تساؤل عما يحدث ً
صمت أماني المخيف الذي أستمر للحظات أنزعجت آسية ،!..بادرت هي بالكالم..
ها ..تكلمي يا أماني ماذا حدث ؟! ،لماذا أمي تبكي ؟!
أنه ِ
والدك يا آسية ..
أتسعت عيني آسية وكأنها قد علمت الباقي ،صراخ والدتها وأضطراب صديقتها بهذا الشكل ..مع غياب والدها
ٍ
ظروف كهذا ال يعني إال شيئًا واح ًدا تمنت لو أنها تمادت فقط في تفكيرها السلبي ..سألتها في توتر.. في
وتوفي..
لقد تعرض لحادثّ ..
و بحركةً غير واعية لكنها مألوفة أعتادت عليها آسية في الفترة األخيرة عند سماعها لألخبار السيئة ،نامت آسية
ٍ
لحظات وتراكمت الدموع في عينيها ثم أطلقت صرخةً مؤلمة على ظهرها في ٍ
غياب عن وعيها من أثر الصدمة..
وعالية جعلت والدتها تأتي مسرعةً محاولةً تهدئتها ..حاولت والدتها بمساعدة أماني من تهدئتها لكن فشلتا في
99
عِ ضين
ٍ
للحظات مغمضةً عينيها في بدء لغياب وعيها تدريجيًا رغم ذلك ..لم تتحكم آسية في نفسها وأستمر هذا الوضع
أحساسها بما يجري حولها !..
111
عِ ضين
-86-
أماني أصبح يومها كله تقريبًا مع آسية ووالدتها لتلبية أحتياجاتهم ،أما عمر وأحمد فأصبح وجودهم أعتياديًا
وضروريًا وكأن جميعهم أصبحوا عائلةً واحدة..
و ألن هذا أسوأ ما قد يحدث لها فقد أعتادت على مثل هذه األخبار وعندما بدأت تدرك واقعها جي ًدا وتعتاد على
حالتها الجديدة كان يومها يقتصر بين نومها أو الجلوس صامتة دون التفكير حتى في شيء ،!..فال شيء يعد يثير
أهتمامها في حياتها بعد ما حدث معها ،حتى تلك اللحظة التي تم كسر روتين حياتها الممل في أيامها األخيرة
ٍ
لحظات قد حدثت ساب ًقا في المستشفى قد يراها الجميع الماضية ..لحظة سماح أماني بدخول عمر فجأة ليعيد
نظرا للعواقب الوخيمة التي قد تنتج عن هذا ،!..فقد أجبر عمر أماني على
أن الوقت ليس مناسبًا لمواجهة أخرى ً
فعال أستقبل نظرات آسية ،!..تلك النظرات القاسية التي يشوبها الغضب ،ثم ما
األستئذان للدخول وعندما دخل ً
أن سنحت الفرصة لإلنقضاض عليه فعاتبته من جديد بغضب..
مجددا..
ً ثم بدأت دموعها تنطلق من جديد منذرًة بأنهيارها
لماذا الجميع ضدي ؟! ،أال تفهمون ما أعانيه ؟! ،أتركوني وشأني أرجوكم !..
قالتها وهي في قمة أنهيارها ،فقاطعها عمر هذه المرة بشجاعة وأجبر الجميع على األنصات له ..حتى آسية
نفسها ..
ِ
وحدك.. لديك ،أنا هنا ولن أغادر ..لن أتر ِ
كك لتعاني هذه المرة دعيني أكمل كالمي ثم نرى ما ِ
111
عِ ضين
تفاجأ الجميع من كالمه ،أكمل ما جاء ألجله..
مأذق كبير والبد من وقوف الجميع بجانِبك وأول هؤالء الناس ..أنا !..
أنتي في ٍ
ِ
وأساعدك حتى تشفين بأذن اهلل .. لست ِ
أنت من يقرر ذلك ..شأتي هذا أم أبيتي سأقف بجانبك
أُشفى ؟! ،أتعرف ما مشكلتك يا عمر ؟! ،أنك تتصنع األمل ،سأظل هكذا طوال عمري وأنت سيصيبُك
الملل قريبًا وسترحل كالبقية ..
ضا ال أحب الشفقة ،أكمل حياتك بعي ًدا عني وأستمتع بها قدر
شخص طيب لكنني أي ً
ٌ أنك
أعلم جي ًدا يا عمر َ
أنفعك أنا ..
َ ما تشاء ،صدقني لن
قالت جملتها األخيرة ولم تستطع السيطرة على دموعها ،وكأنهما يتحادثان بمفردهما عزم عمر ألفراغ ما في قلبه
حتى بوجود والدتها..
112
عِ ضين
دائما دون أن يخجل ! ،والدة آسية وأماني
خرج عمر على الفور بعدها في أرتياح ..ألول مرة يفرغ ما في قلبه ً
كانتا مذهولتين مما حدث ،أستلقت آسية على سريرها بعد خروج الجميع وظنت أن النوم سيتأخر كعادته وأنها
ستبدأ رحلة التفكير فيما حدث معها منذ قليل ..ستفكر في كالم عمر ،لكن العجيب أنها وجدت نفسها قد
ٍ
لساعات طويلة ،ظلت جالسة على فعال
أستيقظت فجأة ..نظرت في الساعة بجانبها فوجدت أنها قد نامت ً
سريرها سارحةً بخيالها فيما حدث باألمس ..لقد نامت لساعات بمجرد أطمئنانها أن عمر لن يتخلى عنها ،فكرت
كيف كان هو قاسيًا في حديثهم األخير قبل الحادثة ،ظهرت أبتسامة على وجهها لحظة دخول أماني الغرفة..
ردت آسية..
ضعف أخرى ِ
لك ..عمر.. ٍ حسنًا ..يبدو أنني أكتشفت نقطة
113
عِ ضين
أذا لماذا فعلتي كل هذا معه منذ البداية ؟!
ُسرت أماني بكالم صديقتها أكثر منها ،أبتسمتا لبعضهما وظال يتسامران طوال اليوم حتى منتصف اليوم إلى أن
نامت آسية وفي مخيلتها أنها ستبدأ حياةً أساسها وقوامها عمر..
114
عِ ضين
-80-
لم تكن تتخيل أن يصل بها الحال أنها لتحبها هكذا ،ولم تعد تفكر في النيل منها ،بل كانت تفكر في كيفية
أصال لذلك ِ
الصدام الذي كان يحدث تعويضها عما فاتها ،كانت مخطئة في التعامل معها ،ولم يكن هناك داعي ً
بينهما ،لكنها تساءلت عن سر هذا التحول في شخصيتها المفاجئ ؟! ،هل بسبب ما قالته في حفل ت ّخرجها ؟!..
ربما ، ..لكن ليست هذه المشكلة ،المشكلة أنها كانت تهاجمها بال داعي ،كانت تعاني صعوبة األعتراف أن
فعال ..لقد أكتسبت حب الناس لصالحها..
ماريان أفضل منها ً
كانت شيرين تقف بجوار ثروت في صالة األنتظار بمطار القاهرة الدولي ،كانوا ينتظرون ماريان لتوديعها قبل خوض
مغامرتها الجديدة في لندن لكنها تأخرت ، ..يبدو بأنها كانت تحاول توديع زمالئها في القناة قبل السفر ،لكنهما
أخيرا الحظًا قدوم ماريان من بعيد ..كانت تبدو مهمومةً وشاردة !!..
ً
أما عن ماريان فكانت تشعر بالضيق ،كانت تريد توديع عمها لكنها لم تجده في أماكنه المألوفة ..ال مكتبه أو بيته
همت بالبحث عن شيرين لتسألها عن مكان عمها ثروت لكنها أختفت هي األخرى وكأنهما
حتى هاتفه مغلقّ ..
أتفقا على ذلك في ٍ
وقت كانت تحتاج لتوديعهم ،لكنها الحظت أنها ستتأخر على ميعاد طائرتها ،ال مفر أذن..
عليها التوجه للمطار وأنتظار طائرتها..
و عند دخولها صالة األنتظار الحظت أحدهم وهو يشير إليها بيده ،أنه عمها ..أرتسمت الفرحة علي وجنتيها
وأسرعت نحوه بعد أن تركت حقيبتها ..عانقته في حرارة..
هكذا تكون األمور منطقية ،لم أكن ألسافر دون توديعك يا عمي..
قليال..
أربت على ظهرها ،أبعدها عنه ً
115
عِ ضين
التفتت إلى شيرين التي الحظت وجودها للتو بجانب عمها ،تبادلتا األبتسامة ثم تعانقتا ،ثم قالتها شيرين
بسخرية..
سأفتقد الشجار ِ
معك يا ماري..
ال ..ال أعتقد بأننا سنتشاجر ثانيةً ،لكن أن أردتي ذلك فال مانع لدي أن أبقى هنا لنتشاجر !..
قليال !..
أوال ثم ترجعين لنتشاجر كالعادة ،حسنًا يمكنني أن أصبر ً ِ
حلمك ً ال ليس اآلن ..عليكي بتحقيق
ضحكتا ثم جاء النداء بأن الطائرة على وشك األقالع ..أخرجت شيرين هاتفها وفتحت الكاميرا وألتقط ثالثتهم
أخيرا ثم توجهت لطائرتها..
وداعا ً
بعض صور الـ " سيلفي " ،ثم ودعتهم ماريان ً
ركبت طائرتها وأستقرت بمقعدها ،كانت سعيدة ومتحمسة لمغامرتها الجديدة ،تناولت هاتفها وفتحت صفحتها
معا التي تم ألتقاطها منذ
على الـ " الفيسبوك " ،..أبتسمت عندما وجدت أن شيرين قد أشارت إليها بصورتهما ً
قليل وعليها تعليق ..
منشور كان في دقائقه األولى يملك عشرات األعجابات والتعليقات ..كلها تتمنى حظًا موف ًقا لها..
116
عِ ضين
-82-
مرت األيام وتبدلت األحوال ،وأصبحت تنتظر مجيئه كل يوم ..في كل مرةً هو يأتي إليها كانت تمني النفس في أن
يقضي ٍ
وقت أطول معها ألنها كانت تدرك أنه قريبًا لن ينتظم في المجيء إليها بسبب أجراءات ألتحاقه بالقوات
المسلحة ومن ثم تأدية الخدمة العسكرية ..خاصةً بعد أن ظهرت نتيجة الكشف األول أنه سيخضع لكشف طبي
آخر في القاهرة بعد أيام..
في الفترة األخيرة كان يتم اإلعداد لبدء عالج آسية وقد أوصى عدة أطباء بتكملة عالجها في األسكندرية ..هناك
سهال خاصةً بعد أن عرض
أطباء أكفاء في هذا المجال واألمكانيات متوافرة عن الصعيد ،كان أمر السكن هناك ً
ٍ
سنوات في األسكندرية للمصيف كل عام وبالطبع قبلها عليهم عمر أن يسكنوا في شقتهم التي أشتراها والده منذ
ضا مما أزاح عن والدة آسية مصاريف
فورا بل ورحب بذلك أي ً
أستئذن عمر من والده بعدما شرح له حالتها ووافق ً
السكن..
فعال بسبب
كانوا جميعهم بالغرفة ،..كان عمر يتحدث مع والدة آسية بشأن أستعدادات السفر ،كانت ممتنةٌ له ً
دعمه المستمر نحوهم ...
هذا رقم والدتي ..أن واجهتكم أي ظروف ولم أكن أنا معكم ِ
عليك أن تتصلي بها وتطلبين المساعدة..
117
عِ ضين
أصبحا بمفردهما ..كالهما ينتظر اآلخر أن يتكلم أو يبدأ بالحديث ،..بادرت آسية بالكالم..
أشكرك يا عمر على كل شيء ،..ال أعرف كيف أرد لك الجميل ..
جميل ..؟!
ال أقصد مضايقتك ،لكنك تقف بجانبي وأقل ما يمكنني فعله هو أن أشكرك فقط..
أنك أصبحتي كل حياتي ..كل ما أملك ..حتى كل ما ال أملك؟! ،قلتها مرة ساب ًقا وها ِ
أخبرك ِ هل يمكننى أن
أنا أقولها ثانيةً ..أحبك !
خجال وترددت في النظر لعينيه مباشرةً وعجز لسانها عن الرد بعد تلك الكلمات ..حتى هو شعر
أحمر وجهها ً
بخجلها ..تعجبه مالمح الخجل التي تظهر على وجنتيها ..أخبرها كذلك أنه سيسافر معهم لترتيب األمور معهم
في األسكندرية قبل رحيله للقاهرة للكشف الطبي الخاص به ..
************
رجع عمر البيت متأخرا ليتجهز هو اآلخر للسفر ،لن يحتاج لحقائب ..سفر ٍ
ليوم واحد في القاهرة ثم سيرجع ٌ ً
بعدها ،وما أن دخل غرفته حتى دخل أخوه ورائه..
118
عِ ضين
ماذا تفعل ؟!
مثال ؟!
و لماذا تسأل ؟! ،ستساعدها ً
لم يجب أدهم بشيء ،أكمل عمر كالمه ..
مجددا..
ً أتجه أدهم ناحية الباب وفتحه وقبل مغادرته الغرفة التفت لعمر
أنا ال أحقق معك ،فضلت أن أخبرك أنني سأسافر األسكندرية األيام القادمة ،أظن لو أنني وجدت أحدهم
هناك سيتم طرده !..
تبع كالمه بأبتسامة ماكرة ثم خرج وأغلق الباب ورائه ،غادر وقد ترك عمر في حيرة من أمره ،ال يستطيع أن يخبر
آسية ووالدتها أن أخاه سيسكن في الشقة أو أن يمنع أخاه من السكن هناك ،!..ال يعلم أن كان تهديد أخاه هذا
حقيقيا أم مجرد ٍ
عناد فقط !.. ً
119
عِ ضين
-89-
وليال
نهارا على الذهاب برفقتهم للطبيب لمتابعة جلسات العالج ً منذ أن سافر معهم كان يومه هناك يقتصر ً
يساهم هو في التخفيف عن تعبها طوال النهار في العالج وإدخال السرور لقلبها حين يقترح عليها الخروج للتنزه
على الكورنيش أو التجول في شوارع االسكندرية..
يدفع عمر كرسيها المتحرك في سعادة من حديثهم طوال نزهة كل يوم ،كل متعة الدنيا تتلخص في الحديث مع
ضلت والدتها أن
من تحب ،أما والدتها فكانت تفضل السير لوحدها أمامهم أو خلفهم ،..في الليلة االخيرة ف ّ
تكون بالبيت ألعداد العشاء وتجهيز حقيبة عمر قبل رحيله ألداء الخدمة العسكرية فجر اليوم..
في هذه الليلة الهادئة الغير أعتيادية في األسكندرية يدفع عمر كرسيها وبعد صمت دام لدقائق كثيرة أقترحت
آسية أن يجلسا على كافتيريا تطل على الكورنيش ،طلبا من النادل مشروبات ثم أستمر الصمت لدقائق أخرى
أيضا ال حظ فيها عمر لمعان عيني آسية مع إبتسامة تكاد تكون مختفية ..كان يظهر عليها التفكير والشرود،
قاطع عمر صمتها هذا..
تنبهت آسية إلى عمر الذي كان قد الحظ شرودها ،أقترب عمر إليها ..
ِ
تعجبك نزهة الليلة ؟! لم
111
عِ ضين
هزت آسية رأسها نافية ..
ضا ..
ال ..ليس األمر هكذا ،ولكني ال أعلم أي ً
ظل عمر يترقبها لتقول المزيد لكنها هزت رأسها لتبحث عن كلمات فلم تجد ،هزت كتفيها في حيرةٍ من أمرها،..
عمر على يقين إنها تريد أن تقول شيئًا ،قرأ في عينيها وحيرتها ذلك وال يحتاج الن تتكلم هي كي يعرف ذلك،
أسند ظهره للوراء وأظهر تمرده ليحثها على أن تتكلم..
خجال..
أبعدت وجهها بإتجاه الكورنيش ً
عمر ..هل أحببت قبل ذلك ؟! ،أعني قبل أن نلتقي ؟!
ِ
فهمك لمعنى الحب !.. هذا يعتمد على
سألته هي ..
111
عِ ضين
نظرت هي مرة أخرى ناحية الكورنيش نادمةً على سؤالها هذا ..كان من األفضل أن تقف عند المنطق األول..
أكمل عمر كالمه..
أرتسمت أبتسامةً عريضة على وجهها ،أكمل عمر ليختم كالمه في هذه النقطة..
زادت إبتسامتها حتى كادت تقفز من كرسيها لوال أن قدماها تأبى ذلك االن ..
112
عِ ضين
-31-
تحدثت مع شيرين بهذا الشأن فنصحتها أن تقدم طلب بنقلها للقناة الناطقة باللغة العربية وسيكون من السهل
فعال
مثال لتغطية األحداث فيها لصالح شبكة الـ " .." BBCأقتنعت بالنصيحة ونجحت ً
حينها أن ترجع مصر ً
حدث جلل في مكان ما
ٌ في األنتقال للقناة الناطقة بالعربية لكنها لن تغادر لندن أال للضرورة القسوة لتغطية
بالعالم أيًا يكن..
جذب أنتباهها ضجةً ما تحدث بالخارج ..تطلّعت لما يحدث بالخارج من الحوائط الزجاجية للمقهى ..من
أناس آخرون ..من يجلس ويرمي بالشيء يضحك خارجا يرمي شيئًا ما في األرض ويلتقطونها ٌيجلس بالمقهى ً
بهستيرية ومن يلتقط هذه األشياء يبدو عليهم األستسالم ،لم تولي األمر أي أهمية ..صحيح يبدو أنه غريبًا لكن
هاما بالتأكيد ،لكنها غيرت رأيها عندما الحظت أحد الشابان اللذان كان يجلسان أمامها قام وقد أرتسمت
ليس ً
ضا أن هذا الشاب يعرف قصة ما
ومثيرا ويبدو أي ً
هاما ًخارجا ً
على وجهه عالمات الغضب ..يبدو أن ما يحدث ً
يحدث..
لم تتردد ماريان في تتبعه ،..لقد فهمت األمر عندما صاح هذا الشاب غضبًا في أحد الجالسين بالخارج..
أخرجت كاميرتها الصغيرة من جيبها وبدأت بتصوير ما يحدث ..
خرج هذا الشاب من المقهى غاضبًا لما يحدث بالخارج ،األمر ال يحتمل السكوت أكثر من هذا ..يبدو األمر
وقت مضى ،لقد كانت الجماهير بالخارج تُلقي بالعمالت المعدنية في األرض ليلتقطها مهينًا أكثر من أي ٍ
ُ
الالجئون السوريون بكل ٍ
ذل وهوان ،يلقون هذه العمالت بكثير من السخرية ..يتعمدون أذالل هؤالء الالجئين،
113
عِ ضين
أما عن هؤالء الالجئين فال سبيل لهم إال أن يقبلوا بهذه المهانة ..يتسابقون إلذالل أنفسهم مقابل ألتقاط ما يرميه
هؤالء الناس من عمالت تكفيهم ٍ
ليوم أو يومين وربما تكفيهم الساعات القليلة القادمة فقط..
وقف بين هؤالء وهؤالء ..التفت لتلك الجماهير وصاح فيهم غاضبًا..
لم يتلقى سوى همهمات منهم ،بعضهم بدأ يفكر فيما كان يفعله والبعض اآلخر يستمع له بالمباالة وسخرية..
كان بأمكانكم مساعدتهم ..ال أن تقوموا بأذاللهم هكذا ،ماذا ستخسرون لو قدمتم إليهم هذه العمالت
بطريقة الئقة كمساعدة لهم ؟!
تكلم بالعربية..
تفاجأ هذا الشاب عندما وجد أحدهم أتى من خلفه وأمسكه من ذراعهّ ،
جميعا ؟!
هل أنت تملك المال الكافي لمساعدتنا ً
ح ّدق به الشاب منده ًشا من سؤال الرجل هذا ،عندما طال صمته أكمل الرجل كالمه..
114
عِ ضين
تماما ..أنت تقوم بألحاق الضرر بنا ..أرجوك نحن ال
إذن أنت ال تقوم بمساعدتنا كذلك ..على العكس ً
رجاءا..
نريدك أن تدافع عنّا هكذا ..ال نريد مساعدتك ،أرحل ً
بدأت عيني الرجل تفيض بالدموع ..ال تعرف أن كانت هذه دموع الذل والهوان أو دموع الحسرة ..
ال يصدق هذا الشاب ما يسمعه ..ألجمه لسانه ،ال يعلم أن كان عليه أن يتناقش مع هذا الرجل في أمر يخص
قوت يومه أو أن يدافع عنهم ، !..أخرجه صديقه من شرود ذهنه عندما أربت على كتفه ،أقنعه صديقه
فعال من المكان كله..
فورا ..وأنسحبوا ً
باألنسحاب ً
كان حدثًا يستحق تسليط الضوء عليه ،عادت ماريان للمقهى وعملت على كتابة تقريرها عما حدث ..ستقوم
بمساعدة هؤالء الالجئين بطريقتها الخاصة ..ستقوم بجذب أستعطاف الناس ليتم الضغط وبقوة على المنظمات
بدال من أذاللهم هكذا !..
الحقوقية والحكومات لمساعدة هؤالء الناس ً
115
عِ ضين
-30-
لقد عانى خالل الشهرين الماضيين ألم األبتعاد عنها ..تملّكه القلق عليها في كل لحظةً ،أحيانًا يُخيّل إليه أنها
أسبوعا
ً صحيح أنها
ٌ أخيرا حصل على أجازة ليطمئن عليها،
تماما ..كان يحلم بذلك ،لكنه ً أقتربت من الشفاء ً
واح ًدا فقط منهم يومان للسفر لكنها كانت كافية ليطمئن عليها..
أمي ..ماذا حدث ؟! هل أنتي بخير ؟! ،هل والدي بخير ؟!
ٍ
بصوت يتمل ّكه الحيرةُ والقلق.. رفعت والدته وجهها عن يديها وأتكأت للوراء وقالت
غائب عن البيت منذ يومين وال نعلم عنه شيئًا ،لم نجده حتى اآلن !..
أدهم ليس هناٌ ،
حاول عمر أستيعاب كالم والدته ،أكملت هي كالمها..
فعلنا كل ٍ
شيء يمكننا فعله ..بحثنا عنه في كل مكان ..أتصلنا بأصدقائه في الشركة لكننا لم نجده في أي
مكان وال أحد يعلم مكانه !..
للحظة فهم عمر كل شيء ،فكر في تهديد أخيه له من قبل حينما أخبره أنه سيسافر األسكندرية ويطرد من في
صدم من هذا ال تفكير بالذات ،بسرعة أخرج هاتفه وبحث في األرقام عن رقم آسية حتى
الشقة ،!..عمر نفسه ُ
116
عِ ضين
أخيرا ،فأتصل بها في الحال ويأتيه الصوت " ..الرقم المطلوب مغلق أو ،" ...عاود األتصال مرةً أخرى
عثر عليه ً
ضا ..حاول األتصال برقم والدتها لكنه مغلق هو اآلخر ،ال شك في األمر أذن ..لقد نف ّذ أدهم
لكنه مغل ًقا أي ً
تهديده وسافر األسكندرية وطرد أسية ووالدتها من الشقة وبطبيعة الحال قامتا بأغالق هواتفهن أو غيّرتا أرقامهن
مجددا !..
ً لتجنب رؤيته
أذالال ..يعطوننا مأوى ثم يطردوننا منه ، !..هكذا تخيل عمر ردة فعلهم بعدما طردهم أدهم من الشقة،
كفى ً
الحظت والدته ت وتره الشديد بعدما أخبرته عن أختفاء أخيه ،!..خاصةً أنه كان يضرب يده بعصبية في الحائط
بعدما كان يحاول األتصال بأحدهم..
كثيرا خاصةً التفكير الذي أستنفذ كل طاقته وهدوءه ،ح ًقا أنه ال يعرف ماذا سيفعل هناك..
أرهقته ساعات السفر ً
كيف سيكون ردة فعله عندما يجد أخاه فقط في الشقة ،!..هل ستصل األمور إلى حد الشجار بينهم ؟! ،هذه
المرة سيكونان بمفردهما ..لن يكون معهما والديهما هذه المرة ليّفضوا شجارهم هذا ،!..ثم ماذا بعد الشجار
أصال ؟!
مثال ؟! ،أين يبحث عنهما ً
معه ؟! هل سيعيد هذا آسية ووالدتها للشقة ً
117
عِ ضين
عمر ؟! ،حم ًدا هلل على سالمتك ..تفضل !..
دخل عمر والشرود باديًا على وجهه ..أدهم ليس هنا وآسية ووالدتها هنا ،!..ماذا يعني هذا ؟! ،أسئلة كثيرة
ٍ
أجابات منطقية ،أقترحت والدة آسية عليه أن تعد له الفطور لكنه لم يسمعها ،أقتربت منه دارت بعقله باحثًا عن
وأربتت على كتفه..
نظر إليها في شرود وألجمه لسانه عن الرد ،بماذا يجيبها ؟! ،هل يخبرها بعدم رغبة أخيه بوجودهما هنا في الشقة
؟! ،أم يشغل بالهم بمشاكل أسرية ال شأن لهم فيها ،!..عندما الحظ أنتظارها ألجابةً منه رد عليها..
مثال بوجودكن !
أخي مختفي منذ يومين وال أحد يعرف مكانه ،!..ظننته قد أتى لهنا وتفاجأ ً
ثم تذكر شيئًا حين التفت إليها..
كثيرا ليلة أمس لكن هواتفكم كانت مغلقة ،!..أين كنتن ؟!
لقد أتصلت بكن ً
صباحا للطبيب ألجراء جلسة العالج فأغلقنا هواتفنا قبلها ،وعندما أنتهينا خرجنا لنتنزه كعادة
ً كالعادة ذهبنا
كل يوم ونسينا أننا قد أغلقنا هواتفنا في الصباح ،ثم عندما رجعنا كان األرهاق باديًا علينا بجالء ،!..خلدنا للنوم
ولم نشعر بشيء بعدها..
متفهما ،لقد أرتاح باله من عناء التفكير في أحتماالت البحث عنهن في األسكندرية..
ً هز عمر رأسه
118
عِ ضين
للحظة أدرك عمر أنه لم يلحظ أي تغيي ٍر يُذكر في حالة آسية ،!..قطب حاجبيه في عدم رضا ،تعجبت هي من
تغيير مالمحه هكذا فجأة عندما كان ينظر إليها ،!..ألقت على نفسها نظرةً سريعة لعل أن تكون مالبسها غير
مثال أو أي شيء غير طبيع ٍي هنا ،!..لكنها لم تلحظ شيئًا يستحق تغيير مالمحه هكذا..
مناسبة ً
أبعد وجهه عنها في سخط ،وكأنه ال يريد أخبارها بشيء يجرح مشاعرها ،!..وهي ال تفهم شيئًا !..
كانت والدة آسية قد تركتهما يتحدثان بينما هي تجهز الفطور ،!..عندما خرجت للصالة وجدت جمود الحديث
بينهما فتساءلت..
هزت آسية كتفيها في حيرة ،بينما عمل عمر على أنهاء هذا الجدل..
ِ
حالتك.. ِ
مشاعرك يا آسية ،لكنني لم ألحظ أي تغيير قد طرأ في ال أقصد جرح
نعم يا أمي ..ال ليس هنا كذلك ..سأضطر للبحث عنه هنا في األسكندرية لعل وعسى أن أجده قبل أنتهاء
أجازتي ..حسنًا أتصلي بي لو كان هناك أي تطورات ..سالم ..
119
عِ ضين
-38-
أسية ..تستأنف عالجها الروتيني في ملل دون تطور ولو طفيف حتى في حالتها ،أما عن باقي وقتها فكان أغلبه
كثيرا وفقط مسألة وقت كي
تهاتف صديقتها أماني التي تصارحها هي األخرى بأن العالقة بينها وبين أحمد تطورت ً
كثيرا لصديقتها
وفعال لم يمر يومان حتى أخبرتها بأنها قد تمت خطبتها رسميًا من أحمد ،فرحت ً
يتقدم لخطبتها ً
عز عليها نفسها ..عاجزة ولم تستطع أن تتزوج هي بمن أحبته !..
لكن ّ
ٍ
لسنوات عديدة من األنجاب رزقهما اهلل بأدهم ثم الشيخ محسن وزوجته ..يعيشان أتعس أيامهما ،فبعدما ُحرما
عمل هناك وأنتهز الفرصة ليؤمن مستقبل من بعده عمر ،سافر بعدها الشيخ محسن للسعودية حين جائه عقد ٍ
أوالده ،وحين رجع وجد أبناؤه قد تأثرا باألحداث السياسية للبالد من بعد ثورة يناير وأصبحا ع ُدوان في أس ٍرٍة
كثيرا وتشاجرا أكثر ،واآلن قد عادا مرًة أخرى وحيدين ال عمر وال أدهم !..
واحدة ،أختلفا ً
بعد شهوٍر عدة عاد عمر وقد أنهى فترته التدريبية في الجيش وأصبح من اآلن ضابطًا أحتياطيًا في القوات
بل
المسلحة ،كان ينتظر هذا بفارغ الصبر ليقدم طلبًا رسميًا لعالج آسية على نفقة القوات المسلحة لكنه قُ َ
بالرفض ،!..وحين حصل على أجازته تلك أقتصر طريقه وسافر لألسكندرية مباشرةً هذه المرة ،لم يرجع للشقة
مهموما وحزينًا ،منذ تلك الحادثة التي تعرضت لها
ً قليال ..كان
ضل أن يجلس على الكورنيش ً
فور عودته ولكنه ف ّ
آسية وهو يشعر بأنها قد أصبحت مسؤلةً منه ،أعتمد على الجيش في األنفاق على عالجها لكنهم رفضوا ،لم
يشعر بمرور الوقت إال عندما هبطت األمطار عليه ،!..حين وصل للعمارة كان الليل قد أنتصف ..صعد الدرج
وال للطابق الرابع وعلى وجهه أرتسمت عالمات الحزن والخيبة ،!..طرق الباب ففتحت له والدة آسية
وص ً
كالعادة ،الحظت عليه األستياء وكأنه يحمل هموم الدنيا كلها على كتفه ،رحبت به وأدخلته ،جلس في الصالة
كعادته وهي تبعته ،سألته ..
عمر ..أعلم أن ال جديد فيما يخص أخيك ..أتصل بوالدتك بأستمرار لألطمئنان عليها لكنها تبدو حزينةً ج ًدا
بسبب أختفاء أخيك المفاجيء ،ربما يكون قد سافر ولم يخبركم ،حدثتني والدتك مر ًارا عن أدهم وأفعاله..
شخصيته صعبة وغريبة وغير مستبعد أنه قد سافر ولم يخبركم ..هذا وارد ..
متفهما لكالمها..
ً ضا للحظات ،هز رأسه وبدا
ساد الصمت أي ً
الصبر يا عمر الصبر ،أنا لم أيأس من روح اهلل بعد ولن أفعل ،كذلك الحال أنت وقفت بجانبنا ولم تبخل
بشيء عنّا ،فلماذا تلوم نفسك أذن ؟!
قدمت طلبًا للقوات المسلحة لعالج آسية في مستشفياتهم على نفقتهم أو الحصول على مميزات ..وافقوا
في البداية لكنهم عندما علموا أنها ليست من أهلي رفضوا طلبي ..البد أن تكون قريبتي من الدرجة األولى ..هذا
شرطهم..
121
عِ ضين
فاجأتها جملته األخيرة تلك ،قريبته من الدرجة األولى ؟! عادةً القرابة من الدرجة األولى تكون أما والدته ،أخته ،
أبنته أو زوجته ..وحيث أن الخيارات الثالثة األولى غير متاحية ..فماذا لو كان ،...قاطع عمر تفكيرها حين
أكمل كالمه بنبرته الحزينة والراجية..
كنت أود مساعدتها ،كنت أود سرعة عالجها وشفائها لكن ُكتب علينا روتين العالج الحكومي !..
ُ
عملت والدة آسية على أضافة المرح في حديثها مع عمر ...
أتعرف يا عمر ..في مصر ُسمعة المستشفيات والمدارس الحكومية أسوأ من ُسمعة الراقصات !..
تعالت ضحكة عمر فجأة ،لم يعهد أن والدة آسية ترمي بالنكات هكذا ،!..سعدت هي كذلك ألخراج عمر من
مزاجه السيء ،أبتسمت ثم أتجهت ناحية المطبخ إلعداد العشاء له قبل النوم ..الحظ عمر أبتسامتها تلك لكنه
ظن أنها ممتنةً فقط لما يفعله هو مع أبنتها أو بسبب حبه لها ،لكن الحقيقة غير ذلك ،تلك األبتسامة كانت
لفكرة قد حضرتها فجأة وتفكر فيها بجدية !..
************
خلد عمر للنوم ..في حقيقة األمر هو لم ينم طيلة هذه الليلة ،..لم يستوعب األمر الذي عرضته عليه والدة آسية
كثيرا في هذا األمر ووجد أن ما عرضته عليه كان من الطبيعي أن
،!..لقد عرضت عليه الزواج من آسية ،!..فكر ً
تفكر به والدة آسية ..فهي تريد األسراع من عالج أبنتها وكذلك حبهما لبعضهما وبذلك ستضرب عصفورين
بحج ٍر واحد..
122
عِ ضين
أمر آخر لم يفكر فيه أحد ،كيف سيكون رد آسية عندما يُعرض عليها األمر ؟! هل ستتقبل األمر لكن هناك ٌ
فعال ؟!
زواجا عن أقتناع أنه يحبها ً
بسهولة ؟! أم ستعتبره إشفا ٌق ووهم ؟! ،أم سيكون ً
************
عندما دخلت آسية ووالدتها الشقة كان الظالم الحالك يسود المكان على غير العادة ،!..لكن عندما أُضيئت
األنوار فجأة كانت أولى مفاجآت الليلة بأنتظارها ، !..أتسعت عيناها من الفرحة حين وجدت أماني بأنتظارها
وكادت تقفز من مكانها من الفرحة ..أسرعت أماني نحوها وعانقتها في حرارة ..لقد أشتاقت الصديقتان لبعضهما
أخيرا ظهرت توأمة روحها..
كثيراً ،
ً
ِ
أفتقدتك يا غبية !..
قالتها آ سية بأبتسامة باكية بعدما ضربت صديقتها على ظهرها بعدما عانقتا بعضهن مازحة ،ردت أماني بنفس
األشتياق ..
قبل ٍ
عام من اآلن كنت أستيطع المشي وكنت أجري هنا وهناك ،كنت أسرع عندما أتأخر عن المحاضرة ،لكن
اآلن..
123
عِ ضين
قاطعتها والدتها ..
ِ
أدعك تفسدين هذه الليلة ،ما رأيك أن نطفئ الشموع اآلن لنبدأ سهرتنا ؟! ِ
كالمك الفارغ هذا ..لن ِ
دعك من
عام وأنتي بخير يا آسية ،في السنة القادمة ستكونين على ما يرام وأر ِ
اهنك على هذا.. كل ٍ
ألتف الجميع حول كعكة الميالد وبعد ترديد طقوس أعياد الميالد أنسحبت والدة آسية للمطبخ داعيةً أماني
لمساعدتها في أعداد عشاء الليلة ،أدركت آسية أن مفاجآت الليلة لم تنتهي وأن ما يحدث اآلن ليس مجرد رغبةً
من والدتها في تركهما بمفردهما ليتحدثا فقط ..قلبها يُحدثها بأن هناك شيئًا آخر ينتظرها ،تتبعت نظرات عمر
أخيرا ..
المترددة إلى أن تكلم ً
ِ
أحادثك بشأن زواجنا لكن جرت الرياح بما ال تشتهي السفن ،!..عدت كنت أخطط ألنعام مضى ُ منذ ٍ
لحادث ليتخلى الجميع ِ
عنك إال من كنتي أنتي حياته ،!..لكن تلك السفينة ٍ ويائسا ،..بعدها بأيام تتعرضين
خائبًا ً
التي أرغمتها الرياح للجريان في طر ٍيق ال تشتهيه قد تكون سلكت طري ًقا أفضل من ذلك الطريق المعتاد الذي
عرض قد رفضيه ساب ًقا ..هل تتزوجينني ؟!
مجددا ألعرض عليكي ٌ
ً عدت
خسرته ،!..اآلن ُ
حينها كان شعورها مختلطًا ..تشعر بالسعادة المفرطة ،كانت تبكي داخليًا من الفرحة وظهر هذا في لمعان عينيها،
مجددا
ً مجددا فكرت في رفضه
ً مجددا منه إال عندما فعلها هو
ً لكنها لم تتحرك ساكنة ،رغم أنها كانت تنتظر هذا
،!..ال تريد األشفاق بأي صورةٍ كانت
124
عِ ضين
أما عن عمر ففكر في أنها قد تظن أنه أذا أقترح عليها أن يتزوجها ذات يوم وهي في تلك الحالة فأنه بذلك
يُشفق عليها ،عندما ساد الصمت بينهما للحظات أيقن بأنها داخليًا تفكر هكذا ،أسرع لتوضيح األمر..
كانت والدتها وأماني تطالن برأسيهما من باب المطبخ وتستمعان لما يجري بينهما في الخارج ..تبتسمان وتترقبان
رد آسية ،حين طال الصمت بينهما وفي نفس الوقت التي كانت تفكر آسية في الرد عليه سبقتها أماني بزغاريد
بدال عن آسية !..
الفتيات تلك معلنةً عن موافقتها على الزواج ً
كانت تلك المفاجأة الكبرى التي تنتظرها الليلة ،دقائق وقد كان المأذون في الشقة لعقد قرانهما ..تمت الزيجة
فعال معلنةً عن حياةً جديدة لكليهما ..حياةً ال يدري أحدأ تفاصيلها القادمة بعد !..
ً
-33-
أخيرا من تغطية لسلسة من الحلقات عن موضوع الالجئين السوريين في مختلف الدول األوروبية،
لقد أنتهت اليوم ً
بديال
سافرت لعواصم تلك الدول ورصدت حاالتهم وكتبت تقاريرها عن المخيمات السورية التي أصبحت وطنًا ً
لهم في تلك الدول ،!..لقد رصدت معاناتهم وعلى عكس ما كان يقدمه األعالم األوروبي عن المعاملة الحسنة
دائما ،!..السوريون يتم معاملتهم بذل
لهؤالء الالجئين ..رصدت هي الحقيقة كما تعودت أن تقولها وتبرزها ً
ومهانة..
كانتا تجلسان في المقاعد الخارجية لمطعم كازان التركي في شارع ويلتون بلندن حين بدا لماريان بالذات أن هناك
أمرا ما غير طبيعيًا يحدث أو سيحدث هنا ،!..ربما ألن حدسها الصحفي جعلها تشعر بشيء غير طبيعي ،!.. ً
الحظتها سارة عندما توقفت ماريان عن الحديث معها فجأة ..تنظر لشيءٌ ما قاطبةً حاجبيها ،!..لكن الغريب أن
ليس هناك ما يُلفت األنتباه !..
ماري ..ماذا ِ
بك ؟!
ٍ
بصوت أعلى.. لم ترد ماريان ،كررت سارة ندائها
التفتت إليها ماريان وكأنها للتو سمعتها ،التفتت مرةً أخرى لما كانت تنظر إليه وهي تسألها..
ماذا به ؟!
126
عِ ضين
أال يثير الريبة ؟!
مثال من ٍ
أصول عربية ؟! مسلما ً
يثير الريبة لمجرد أنه ذو لحية ويبدو ً
التفتت إليها ماريان متفاجئة من طريقة تفكيرها !..
و أنا لم أقصد مضايقتك يا ماريان ،كل ما في األمر أن ديننا ليس سيئًا ..ليس كل ملتحي أرهابي وليس كل
ُمنتقبة يُثار من حولها الشكوك..
األسالم بريئًا من تلك الجماعات والمنظمات التي أساءت لديننا ،!..بسببهم أصبح الناس حتى من عموم
رجل ذو لحية !..هل يتبع تنظيم أرهابي أم له نشاطات مشبوهة ؟! ،أصبحت
المسلمين ينتابهم الشك حول ٌ
المنتقبة محل سخرية وأشمئزاز من الجميع ،!..ديننا أبسط وأرقى من ذلك بكثير ..نحن لسنا أرهابيين يا ماريان
وهذا الذي يستخدموه ليس ديننا ،ديننا رحمةً للعالمين وليس هال ًكا لهم ...
كان صوتها يخالطه األلم والحزن والغيرة على دينها ،أقتربت منها ماريان لتوضح ما كانت تقصده..
سارة ..لماذا تقولين مثل هذا الكالم ؟! ،أنا لم أقصد أن أجرح في اإلسالم أو أي شيء من هذا القبيل،
ِ
أضايقك ،ما أقصده هو أن تحاولين التركيز في تصرفات هذا الرجل الذي.. صدقيني لم أقصد أن
همت ماريان بتوضيح األمر أكثر ،شعرت سارة باألرتياب نحوه فوجئت ماريان وسارة أن الرجل أقترب عندما ّ
ويسارا وهو يمسك بسترته وهو ينوي فتحه ،!..نظرتا
ً كذلك ،! ..تصرفات الرجل غير طبيعية ..يلتفت يمينًا
لبعضهما في ٍ
شك وأرتياب ..هزت ماريان كتفيها أشارًة أن هذا ما تقصده ،!..ظل الوضع هكذا وهما تترقبانه
ٍ
بصوت عالي بحذر وعندما أزدحم المكان فجأة ظهرت أبتسامةً ماكرة على وجه ذلك الرجل ثم أطلق صيحته
سمعه الجميع من حوله " ..اهلل أكبر " ثم فتح سترته !..
127
عِ ضين
منبطحا على األرض متيقنًا بأن اللحظة القادمة سيكون ميتًا
ً لقد توقف الزمن عند هذه اللحظة ..كان الجميع
بدال من أن يسمع الجميع صوت األنفجار كآخر ما سيسمعوه في عندما يُفجر هذا األنتحاري نفسه ،لكن فجأة ً
ٍ
ضحكات عالية بصورة هستيرية !.. حياتهم ..سمعوا صوت أحدهم يطلق
128
عِ ضين
-34-
في سوهاج وفي أحدى أكبر قاعات المناسبات (األفراح) تجمعت أعداد غفيرة لعائلتي العروسين وأصدقائهم،
كال منهما يكن األدب واألحترام
العروسان أحبا بعضهما حين كانا زميلين في الجامعة وتطورت العالقة بينهما و ً
لآلخر ،هي فتاةً ريفية ..قد أحسن والديها تربيتها ،أكملت تعليمها األساسي ثم إلتحقت بكلية الزراعة لتحقق
أمنية أهلها في إدارة أراضيهم الزراعية وكذلك إضافة لقب " باشمهندسة " قبل إسمها ،دخلت الجامعة ورأت ما
ضلت األنعزال ولكنها
رأت من إختالف الحياة في قريتها وحياة الجامعات ..لم تعجبها الحياة الجامعية لذلك ف ّ
تعرفت على صديقة عمرها حتى بات من يراهن يتيقن بأنهمن أختين أو على األقل تجمعهن صلة قرابة..
أما هو فقد ألتحق بهذه الكلية بسبب فيروس التنسيق الذي يصيب طالب الثانوية العامة عادةً ..دخل كلية زراعة
مرغما ،لكنه ت ّقبل وضعه هناك حين رأها ألول مرة بعد عامين منذ إلتحاقهما بالكلية ..كان يجيد التعامل مع
ً
ضلها هي فقط عن باقي الفتيات التي عرفهن ،أحبها
الفتيات ،لكنه حين رآها ألول مرة تاب عن حياته المراهقة وف ّ
وبعدما ت ّخرج من الجامعة عانى في البحث عن وظيفة حتى عثر على واحدة فتقدم ألهلها لزواجها..
ٍ
مشهد مهيب ورائع تم زفاف أماني على أنغام الدبكة اللبنانية الرائعة وبنفس الطريقة تم زفاف أحمد كذلك و في
وما أن وصال لمسرح الرقص حتى ألتف أصدقاء أحمد وأماني حولهما ليتراقص الجميع ،وما أن أنتهت أغاني
ٍ
ضيوف آخرين أشتاقت لهم الترحيب بهما حتى أظُلمت القاعة كلها ثم تم أضائتها تدريجيًا بعد ثواني معلنةً عن
أصدقاء الكلية !..
في البداية غلب على الحاضرين الشفقة حين رأوا عمر وهو يدفع آسية على كرسيها المتحرك في الممر الطويل
كثيرا بالنسبة ألصدقاء الكلية الذين لم يروها منذ ذلك اليوم التي تعرضت فيه هي لتلك ولم يختلف الحال ً
الحادثة ،بدت أنيقة وأكثر أشراقًا رغم ما يعصف بداخلها من آآلم ،كان يحزنها نظرة األستعطاف تلك التي يبديها
الحاضرين هنا لكن كل هذا تبدد حين رأت أصدقائها يتهافتون ويتسابقون إليها أشتياقًا لتلك الفتاة الشقية
والمزعجة ،يالها من أيام ولت دون رجعة ،حين كانت تشاكس زميالتها بخفة دمها المعهود ،لكنها أيام قد أنتهى
129
عِ ضين
ٍ
أستقبال حافل كان زمانها وها هي اآلن تجلس على كرسي متحرك عاجزة تنتظر تهافت صديقاتها إليها ،وياله من
أنفض الجميع.. ٍ
أعظم وأروع من زفاف العروسين ،وبعد ليلة صاخبة سعد الجميع فيها مع العروسينّ ..
131
عِ ضين
-35-
مجددا بعد يومين فقط من سفره ..كان باديًا عليه القلق والتوتر والعجلة من أمره
ً لم يكن من الطبيعي أن يظهر
صباحا ،دخل عمر الغرفة التي تتم بها عالج آسية ..لم تختفي عالمات الدهشة والحيرة
ً حين وصل للمستشفى
على وجه آسية ووالدتها التي كانت تتابع الطبيبة وهي تحاول أن تجعل أبنتها أن تُحرك أطراف قدميها
فور دخوله فهمت الطبيبة أن عليها الخروج وتوقِف جلسة العالج مؤقتًا ،أتجه عمر ناحية آسية وقام بتقبيل رأسها
فتبسمت والدتها من حب صغيريها ،!..لكن سرعان ما تنبهت آسية من زي عمر الرسمي على
ثم جلس بجانبها ّ
غير العادة !..
خطب ما ؟!
ٌ لم أعهد أن أراك بالزي العسكري ،!..أهناك
أمسك عمر يدها وقبّلها ثم نظر لوالدتها التي تنتظر لتفهم ما يحدث..
لست في عطلة..
أنا ُ
نظر لساعته ثم أكمل..
سأسافر بعد نصف ساعة في مهمةً ما تابعة للقوات المسلحة ،فضلت أن أطمئنكم وأعلمكم باألمر..
سنسافر أسبانيا ،..هناك مناورات مشتركة بين جيشي البلدين ،ال تقلقي سأعود قريبًا..
و كأن خاطر آسية ووالدتها واح ًدا ..كلتاهما لم تصدقا عمر في كل كالمه ،!..يتكلم وهو يحاول تجنب النظر
إليهن مباشرةً ،هل هي ح ًقا مجرد دورة تدريبية أم غير هذا ؟!
131
عِ ضين
لم يتم أخبارنا بشيء سوى أننا سنذهب في مهمةً تدريبية ،الشيء األهم اآلن هو أنني عندما أعود أريد أن
ِ
عالجك يا آسية.. تقدما في
أالحظ ً
ال يهمني العالج ،ما يهمني هو أنت..
ِ
عالجك.. و أنا ال يهمني سوى
أستودعكم اهلل..
ّلوح إليهن بيده ثم خرج بخطى سريعة نحو الدرج إال أنه فوجئ بأن والدة آسية تناديه ،التفت إليها منده ًشا ..
فهم عمر أن والدة آسية تشك بأمره ،لم يعتاد المراوغة أو الكذب لذلك قد ظهر جليًا لها أو آلسية أو كلتاهما
مجددا..
ً أنه يكذب بخصوص هذا األمر ،حاول المراوغة
لقد أخبر ِ
تك أنني سنقوم بمناورات مشتركة مع..
قاطعته في حزم..
لم يستطع عمر المراوغة هذه المرة ،رد بلهجة يملؤها الغلبة على أمره ..
ليست آمنة وليست خطيرة ،!..لقد تم أختياري ضمن كتيبةً مصرية ستسافر اليمن للمشاركة في التحالف
العربي هناك ،ستُوَكل ألينا بعض المهمات البسيطة ،مشاركتنا ستكون رمزية ولن يتم األعتماد علينا هناك..
132
عِ ضين
بدا عليها القلق هي كذلك ،ظهر قلقها جليًا على وجهها بصورة تكاد تكون مبالغة ،الحظ عمر توترها هذا
باألضافة لتأخره عن زمالئه..
لم أكن أريد أن أخبركم بهذا ،لم أكن ألريد أن أحملكم ما ليس بوسعكم أن تحملوه ،ال تقلقي ،لن نتأخر
وسنكون بأمان..
ٍ
بشيء كهذا ، ..أريد أن تواصل تقدم حالتها وال أريد أن يؤثر تأخيري لو حدث أرجوكي ال داعي ألن تخبريها
على تقدمها بالعالج !..
سأرجع في أسرع وقت ممكن بأذن اهلل ،هي مسألة ٍ
وقت فقط..
هزت رأسها أيجابًا لتؤيده في أخفاء األمر على آسية حتى ال يؤثر هذا على عالجها ،لكنها لم تستطع أخفاء قلقها
قليال قبل الدخول
مسرعا ،ظلت هي واقفة لدقائق لتحاول من تهدئة نفسها ً
ً عليه ،أستدار عمر وغادر المستشفى
تصنعت األبتسامة لتُطمئِن أبنتها بأن األمور بخير !..
مجددا ،دخلت وقد ّ
ً لغرفة آسية
************
هبطت الطائرات العسكرية المصرية في مطار عدن ،نزلت منها الكتيبة المشاركة في التحالف العربي باليمن ،كانت
مستشارا عسكريًا ،هذا
ً مصر قد أرسلت كتيبة مكونة من مائة جندي برئاسة اللواء صفوت الدكروري بصفته
كثيرا
باألضافة لمساعديه من الضباط األحتياط ..مصطفى سراج وعمر محسن ،..كان اللواء صفوت يثق بهما ً
لذلك رشحهم معه عندما أُسندت إليه المهمة..
مصطفى تخرج من كلية الطب بتقدير أمتياز مع مرتبة الشرف غير أنه أظهر براعةً طبية في سنة التخرج لذلك
تمسكت به القوات المسلحة وعينته ضابطًا أحتياطيًا شأنه شأن عمر الذي أكتسب الشخصيةَ العسكرية خالل
تلك الشهور القليلة الماضية ..كذلك هو اآلخر قد أظهر براعةً قتالية في التدريبات من أجادة أستخدامه للسالح
بمهارة وتركيزه التام في تدريبات أستراتيجيات المعارك والحروب..
133
عِ ضين
عند نزول الكتيبة أرض المطار ركبوا سيار ٍ
ات تابعة للتحالف حتى وصلوا بعد ساعات لمكان المعسكر الخاص
بهم ،كان المكان ا لمجهز لهم يليق بمكانة الجيش المصري الذي يميل دوره في هذه المهمة إلى العمل
األستخباراتي عنه القتالي..
ٍ
أهتمام مبالغ فيه في األسابيع التي تلت سفر عمر مع الكتيبة المصرية كانت والدة آسية تتابع نشرات األخبار في
أصال ال من قريب وال من بعيد وكأنهم منعزلين
حتى أدهش ذلك آسية ،!..فليس في أسرتها من يتابع السياسة ً
جميعا قناعة بأن السياسة قذرة ..
عن كل العالم ..فكان لديهم ً
في كل ليلة تندمج آسية مع أحدى المسلسالت وكانت والدتها تنتهز وجود الفواصل األعالنية لتغيير القناة لمتابعة
قنوات األخبار مما أثار الشك والريبةَ في نفس آسية ،!..وعندما تحاول أن تستفسر من والدتها عن سر أهتمامها
بنشرات األخبار في الفترة األخيرة تجد أنها تتهرب والدتها بحجةً ما ،!..لكن ما كان يطمئنها هو أتصال عمر بها
كلما سنحت له الفرصة ليطمئن عليها !..
بعد أشه ٍر من تواجد الكتيبةَ المصرية باليمن بدأت تتحول مشاركتهم الرمزية إلى مشاركة فعلية في التحالف بعدما
جائتهم األوامر بتنفيد عدة مهمات قتالية بسيطة ومحدودة خاصةً بعدما أصبحت شوكة الجماعة الحوثية متينةً في
تماما في
ظهر الشعب اليمني ،وخالل هذه األشهر قلت األتصاالت تدريجيًا بين عمر وآسية حتى أنقطعت ً
األسبوعين الماضيين !..
في ٍ
وقت متأخر من الليل كانت آسية ُملقا ًة على سريرها في غرفتها بالمستشفى ..لقد أرهقها التفكير ..لماذا
أنقطع عمر فجأةً عن األتصال بها ؟! ،لم يعد يهتم أم أنه ال يجد فرصة لألتصال بها ؟! ،أم تراه قد أُصيب في
مثال ؟!
التدريبات ً
134
عِ ضين
أفزعها األحتم ال األخير فأنتفضت من مكانها وما أن أعتدلت في جلستها حتى الحظت والدتها وقد غفوت في
مكانها وهي جالسة ممسكةً بجهاز التحكم ..التفتت آسية للتلفاز لتجد أن والدتها كانت تشاهد نشرة أخبار
كعادة األسابيع األخيرة !..
يحا على األطالق ، ..حتى أنها ليست شئون داخلية كي تجذب أنتباهها
سياسةً مرًة أخرى ؟! ،لم يعد األمر مر ً
بهذا الشكل ،!..أمور وأحداث تحدث في الوطن العربي ..ماشأننا نحن بها ؟! ،تساءلت في نفسها ..هل هي
أخا من األساس ..حتى أنه لم يفكر في األتصال بها
مثال ؟! ..أخاها ؟! ،كادت تنسى أن لها ً
قلقة بشأن أخاها ً
ولو مرة واحدة ،!..تفكير تفكير تفكير ..أرهقت نفسها بالتفكير في كل شيء ولم تنال من هذا سوى أن حياتها
قليال وعندما
تُسرق ،!..قررت أن تسعد نفسها ،!..لذلك قررت أن تفكر بأيجابية ..عمر بخير لكنه مشغول ً
قليال ..لقد أستطاعت
تسنح له الفرصة لن يتردد وسيتصل ،تتشوق لترى ردة فعله عندما يجدها قد تحسنت ولو ً
أخيرا أن تحرك أطراف قدميها..
ً
ٍ
بأهتمام واضح ،!..حينها وهمت بمتابعة األخبار مرًة أخرى
تنبهت حين وجدت والدتها قد قامت من غفوتها ّ
فخ بسيط لها..
أعادت آسية التفكير في سر تحول والدتها الغريب ..فقامت بنصب ٍ
أمي !..
لم ترد والدتها عليها بسبب أنشغالها الشديد بما يُعرض على التلفاز ..حاولت آسية أن تفهم حقيقة ما يُعرض على
مهال ..ماذا لو كان لعمر
التلفاز لكنها لم تجد صلة بين بما يحدث في اليمن ومتابعة والدتها لهذه األخبار ً ،!..
صلةً بما يحدث ؟! يبدو األمر غريبًا ج ًدا ،!..فكرت في هذا األمر بجدية ،تذكرت شيئًا ..عندما قام عمر
بتوديعهما وخرج من غرفتها تبعته والدتها لترجع لغرفتها بعد دقائق والقلق باديًا على وجهها ..لكنها فكرت في أن
ربما والدتها قلقة فقط من سفر عمر ال أكثر كونه سيتركهم ،لكن ماذا إن كان عمر لم يخبرها بالحقيقة !..
135
عِ ضين
عمر لم يسافر أسبانيا كما قال ،..حينها كان يريد أن يُطمئنني فقط..
واضحا عليها،
ً مازال وجه والدتها جام ًدا بسبب دهشتها ..أبعدت وجهها عن أبنتها لتتحكم في قلقها الذي كان
هنا عزمت آسية على مواجهة والدتها ومعرفة حقيقة ما يحدث..
عادت تعابير الدهشة لتسيطر على وجه والدتها بقوة ،أدركت أنها وقعت في فخ آسية ،تساءلت آسية في شك..
هل له عالقةً بما يحدث في اليمن ؟! ،هل سافر اليمن ؟!
ساد الصمت بينهما للحظات ثم هزت والدتها رأسها أيجابًا ،وكأنها كانت تنتظر تلك الصدمة وتغيرت مالمح
وجهها ليكسوها القلق هي األخرى واضعةً يدها على قلبها لتهدئة نبضاته المتسارعة !..
جذب أنتباههن بداية البرنامج السياسي المشهور للمذيعة شيرين عبد النور ...
" الحوثيون هم جماعات شيعية مسلحة مدعومة من الدولة األيرانية الشيعية للتدخل في شئون اليمن ،حينها
أستشعرت المملكة ال سعودية خطر تلك الجماعات وكذلك زيادة نفوذ األيرانيين في المنطقة الخليجية عامة،
وعلى أمنها القومي خاصةً ..فكونت تحال ًفا عربيًا لوقف تلك الجماعات وردعها عن نشطاتها المسلحة ضد
الشعب اليمني ولوقف تهديهم ألمن الخليج العربي ،..تزايدت نشاطات تلك الجماعات األرهابية إلى أن وصل
األمر ألختطاف الرئيس اليمني نفسه وحجزه في ٍ
مكان مجهول وأستولوا هم على الحكم م ّدعين بأن لهم أحقية
حكم البالد في ظل عدم تواجد رئيس !..
متى سينتهي الصراع في اليمن ؟! ،اليوم سنتكلم عن الشأن اليمني ..معي في األستديو الخبير األسترتيجي " ...
في هذه اللحظة أستشعرت آسية ووالدتها الخطر المحدق بعمر ..بدأت آسية بحذف تفاؤلها بأن عمر بخير وأن
أنقطاع أتصاالته تلك هو مجرد أنشغال ،ليس أمامها سوى أن تنتظر لترى ما تحمله األيام القادمة لها !...
136
عِ ضين
-36-
فتحت عينيها في ٍ
أرهاق واضح بعد ذلك األمس المتعب والمرهق بالنسبة لها ،توجهت صوب النافذة وأزاحت
الستار وتطلعت على شروق الشمس هذا اليوم ،لم يغب عن بالها ما حدث معها باألمس ،!..كانت تظن بأنها قد
حققت حلمها عندما جاءت لهنا لكن يبدو بأن هناك من يريد مضايقتها..
كانت أول الواصلين لمدينة مانشستر لتغطية أنفجار قد أستيقظت على أثرها هذه المدينة ،!..عندما بلّغتها
المحطة بتلك المعلومة قامت بتجهيز الطاقم الخاص بها مسرعةً صوب هذه المدينة ،كانت الشرطة قد سبقتها
وألتفوا بمكان الحادث لمنع دخول أو خروج أي أحد حالما تنتهي التحقيقات ،حاولت ماريان الحصول على أية
معلومات لكنها فشلت ،!..أنتظرت بالقرب منهم لعلها تصل لفكرًة أو حيلةً ما للحصول على معلومات لكنها في
النهاية لم تتمكن سوى الحصول على معلومةً كانت بديهية عرفها الجميع وهي أن الحادث عمل أرهابي وليس
قليال مع المراسلون
نتيجة ماس كهربي أو شيئًا هكذا ،ما جعلها مستاء ًة أكثر هو أن رجال الشرطة كانوا يتساهلون ً
ٍ
معلومات حصرية من هؤالء الرجال وفي نفس الوقت لم اآلخرون عداها هي وبالطبع فشلت في أستقطاب أي
ٍ
معلومات عن الحادث.. تستطع لتسأل أحد المراسلين عن
جذب أنتباهها خروج أحدهم من ذلك الملهى الليلي الذي حدث فيه األنفجار وكان يبدو مختل ًفا عن الجميع..
حاولت اللحاق به قبل ركوب سيارته لكنها فشلت مرةً أخرى ..زفرت بسبب تواصل فشلها اليوم لكنها لم
أصال وتتبع هذا الرجل ..تركت طاقمها وتتبعت هذا الرجل بعدما
تستسلم بعد ،قررت أن تبتعد عن مكان الحادثة ً
زحاما ما في
أوقفت سيارة أجرة لتتبعه ،..توقفت السيارة ونزل منها هذا الرجل ودخل مبنى ما ..أحدث هذا الرجل ً
ضا ماريان وتتبعته ووقفت أمام المبنى " ..الطب الشرعي "..
مدخل المبنى ،نزلت أي ً
تمكنت بطريقةً ما من التسلل لداخل المبنى وسط هذا الزحام ..فوجدت أمامها مباشرة غرفة تبديل المالبس
فدخلتها وسرقت معط ًفا طبيًا لتتجول بحرية داخل المبنى ،بحثت عن هذا الرجل محاولةً أن تتخفى بقدر األمكان
137
عِ ضين
فعال في أحدى المختبرات ،التفتت حول نفسها باحثةً عن ٍ
مكان وأال تثير ضجة في بحثها عنه حتى لمحته ً
يمكنها األنتظار أو األختفاء فيه ،لم يكن هناك مكانًا أنسب من دورة المياه !..
كانت دورة المياه في آخر الرواق ويمكنها رؤية الداخل والخارج من ذلك المعمل الذي دخله الطبيب ،لكن ما
ٍ
ساعات صعب بالنسبة لها هو أنتظارها بالساعات ربما بالداخل أو دخول أحدهم لدورة المياه ،ظلت بالفعل هو
ٌ
معلومات حول منفذ الهجوم األرهابي ،الحظت وجود تحركات على باب المعملٍ كثيرا للحصول على
أرهقتها ً
فعلمت أنه بعد لحظات سيخرج التقرير ربما ،خرجت من دورة المياه وأقتربت من المعمل وأنخفضت لتمثل أنها
جزءا من أشالئه
تقوم بربط حذائها ،!..أثناء ذلك سمعت أحداهن وهي تقرأ أسم منفذ الهجوم بعد جمع وتحليل ً
" ...لون دوغ " أميركي الجنسية !..
فورا بعد أن أنفردت بهذا الخبر ،..في حقيقة األمر كانت تريد الهرب
أسرعت ماريان لتهرب من هذا المكان ً
لسببين ..حتى ال يالحظ وجودها أحد ولتكون أول من ينفرد بهذا الخبر قبل تسربه ،نزلت الدرج بسرعة وعندما
كان يقابلها أحدهم كانت تخفض رأسها وتسرع أكثر في النزول عندما يحاول تذكر أحدهم أين رأها أو من تكون
وهمت بالهرب إال أن أحد رجال األمن تمكن منهي ،!..وصلت لمدخل المبنى وألقت بالمعطف الطبي ّ
األمساك بها ..حاولت أن تشرح له األمر لكنه أصر على أعتقالها ،كانت تنتظر معجزة وقد حدثت بالفعل..
هز المكان كله ..أنشغل الجميع بذلك األنفجار وتمكنت هي من الهرب !..
أنفجار آخر بالقرب من المبنى ّ
ٌ
في اللحظة التي كانت ماريان تُلقي بالخبر الذي أنفردت به ظهر على الشاشة شريطًا أحمر لخب ٍر عاجل من
ٍ
لسبب آخر وأن منفذ الهجوم من أصل تونسي يدعى " السلطات األنجليزية تفيد بأن الحادث كان أرهابيًا وليس
وليد أزارو " ،..بالطبع عندما أخبرها المذيع بأن ما أعلنته السلطات األنجليزية مخال ًفا لما تحصلت عليه من
معلومات أعترضت وأكدت صحة معلوماتها حول هوية منفذ األنفجار األول في الملهى الليلي ولم يكن من
المنطق أن تفصح عن مصدر معلومتها ،بالطبع كان الهجوم ضاريًا على السلطات األنجليزية على مواقع التواصل
138
عِ ضين
مسلما ،!..لكن المذيع فهم أن القناة وقعت في مشكلة
ً ألسما عربيًا
األجتماعي بسبب ألصاق تهمةً كهذا ً
عموما..
تضارب األخبار وأنهى تغطية ماريان لألنفجارين ً
مساءا حين وصلت ماريان للمحطة لفهم ما يجري ،!..وصلت لمكتب السيد ويلسون مدير
ً كانت التاسعة
المحطة..
ِ
تسللت لمبنى الطب الشرعي دون أذن وقمتي بأنتحال شخصية طبيبةً لقد تم أصدار أمر بأعتقالك ،!..لقد
هناك !..
زفت ماريان ..لقد نسيت أنه من الطبيعي وجود كاميرات في هذا المكان تكشف عن هويتها ،أكمل ويلسون..
ِ
ضلوعك في التخطيط لذلك األنفجار الذي حدث بالقرب ليس هذا فقط يا ماريان ،األتهام األخير ِ
لك هو
من مبنى الطب الشرعي..
قاطعه طرق أحدهم على الباب ،أنها الشرطة أتت لتنفيذ أمر أعتقالها ،أصطحبها المستشار القانوني للمحطة إلى
فجرا وهي تترنح بسبب ٍ
قسم الشرطة ،بعد ساعات من التحقيق معها تم أخالء سبيلها ،!..وصلت لشقتها ً
األرهاق الذي نالته اليوم ،ثواني وكانت قد غرقت في ٍ
نوم عميق !..
139
عِ ضين
ما قطع تفكيرها رنين هاتفها ،أنه السيد ويلسون..
ماريان ..؟!
ٍ
بصوت مرهق.. سكتت للحظات ثم ردت عليه
كالهما ..؟!
مهمةً جديدة..
أين ..؟!
العراق ..
لحظات الصمت كانت كفيلة بشرح الذهول التي بدت عليها ،!..لم تستوعب ماريان بعد ما قاله ..هي تنتظر منه
أن يخبرها بأنه يمزح ،سألها..
141
عِ ضين
ِ
حلمك كان العمل بقناةً عالمية وها قد تحقق على األغلب عندما عملتي ألي جي ًدا يا ماريان ،أعلم أن
أصغي ّ
معنا ،لكن صدقيني حلم كل صحفي أو مراسل أخبار هو نقل خبر القرن ،بمعنى ..قد تتغير حياتك بسبب خب ٍر ما
ِ
حياتك بسببها ألفضل ما يكون ..خاصةً ،!..وال أظن أن هناك مكانًا ما مليئًا بمثل تلك األخبار التي قد تتغير
ِ
أنك موهوبة وتستطيعين تميّز تلك األخبار المميزة..
تساءلت ماريان في نفسها ..ما هذا العبث ؟! ،يحاول أقناعها بطريقة غبية..
ضا !..
و لماذا العراق بالذات ؟! ،يمكنن أن أرجع مصر ..فمازالت األحداث هناك مثيرةً أي ً
لكن ماذا إن أخبر ِ
تك بأن هناك حروبًا ستقام بالعراق قريبًا ؟! ،سيتم تحرير محافظات العراق من تنظيم داعش
بأنك أكثر من تستحقين تغطية هذه األحداث هناك.. قريبا ،أظن ِ
ً
سكت للحظات ثم أستطرد..
و ربما يحدث شيئًا غير مألوفًا كما تحبين ،ألم تعشقين تلك األحداث األستثنائية أثناء تغطية األخبار ؟!
لم يتلقى جوابًا منها سوى الصمت ،عمل على أنهاء المكالمة ..
فعال للتفكير باألمر ،األمر ليس بهذه البساطة أغلقت ماريان الهاتف ،يبدو كالمه منطقيا ،لكنها تحتاج ٍ
لوقت ً ً
لتقرر اآلن !..
141
عِ ضين
-30-
خصوصا إن األتصاالت لم يكن من السهل عليها أن تعلم بوجوده في ٍ
بلد ذات أرض خصبة للمعارك والقتال
ً
بينهما قد إنقطعت منذ فترة ليست بالقصيرة ،كان قد مر على خطف الرئيس اليمني أسبوعين كاملين سرت فيها
االخبار على وتيرة واحدة وهي معارك بين الجماعة الحوثية وجيش التحالف العربي ...
كانت حالتها النفسية السيئة سبب قوي لتراجع تطور عالجها ،إنتابتها أفكار سودوية حول مصير عمر هناك ..ال
يمكنها أن تتخيل كيف ستكون حياتها بدون عمر إن أُستُشهد في أحدى هذه المعارك ..لمن تحيا إذن ؟! ،هو
الحياة بالنسبة لها ..هل يمكن للمرء أن يعيش دون حياته ؟! ،تريد أن تهب حياتها له كما وهب حياته لها !..
قليال ...
عادت بذاكرتها للوراء ً
في الحافلة في طريق عودتهم للقاهرة بعد حضور حفل زفاف صديقيهما في سوهاج إنطفأت األنوار في الحافلة
ونام ركابها إال منهما فقد بدا عليهما األستمتاع بالليلة السالفة ..تبادر آسية بالكالم بعد صمت دام لدقائق..
رغما عني واألتعس من ذلك كانت ستكون فتاة غيري هي من ستفوز بك
حينها كنت أتعس خلق اهلل ،سأتزوج ً
!..
-نعم فارس أحالمي أنا وأنا من فزت بك في النهاية ومن تقترب منك سأفترسها أو أقتلها بال رحمة..
142
عِ ضين
-أنا أستحقك ،أنا من فزت ِ
بك وليس ِ
أنت !..
مألت وجهها إبتسامة خجولة ،داهمتهما لحظة صمت أطلت بعدها آسية على وجه عمر فوجدته هائم في النظر
لشئ ما أعجبه ،فطلت برأسها هي األخرى في إتجاه ما ينظر هو فوجدته ينظر لفتاة صغيرة تداعبه من بعيد فتفاعل
معها ،وللحظة تمنت لو أنها بخير لتجعله سعي ًدا..
ومشجعا لها..
ً مبتسما
ً نظر إليها
-أنتظر شفاؤك بفارغ الصبر ،حينها سينعم اهلل علي مرة أخرى بعدما رزقني ِ
بك !.. ّ
جماال ،ثم أضاف عمر ...
خجال مع أبتسامة زادتها ً
إحمر وجهها ً
ٍ
غضب مفاجئ ... عقدت حاجبيها في
دائما ما كنت أتألم حين يذكر القرآن قصتها وكم فرحت عندما نصرها
أنا أعشق السيدة مريم عليها السالمً ..
يما لها..
عظيما ..لقد ّسمى اهلل سورة بأسمها تكر ً
نصرا ً
اهلل ً
مجددا..
ً نظر إليها
143
عِ ضين
سأسميها مريم ، ..حينها سترددين دعاء زوجة عمران حين أنجبت السيدة مريم ( إذ قالت إمرأةُ ِعمرا َن ِ
رب
السميع العليمُ * فلما وضعتُها أُنثى واهلل أعلم بما وضعت
ُ أنت
حرًرا فَـتّقبّل مني إنك َ
لك ما في بطني ُم ّ
رت َ
إنّي نَ َذ ُ
بك وذُريتها من الشيطان الرجيم ) ،حينها سيحفظها اهلل من
وليس الذكر كاالُنثى وإني سميتُها مريم وإني أُعي ُذها َ
الشيطان الرجيم...
عادت لواقعها في المستشفى حين سمعت هي ووالدتها المذيع يلقي بخبر عاجل
" عاجل ...قوات التحالف العربي في اليمن تنجح في تحرير الرئيس اليمني المختطف من الحوثيين "
إرتسمت إبتسامة واسعة على وجهها وكذلك والدتها التي ظلت تردد دامعة ...
بالطبع لم يكن هذا الخبر بحد ذاته هو من أفرحهم لكن طالما لم يُذكر أن هناك شهداء أو إصابات في الصفوف
إنشغال فقط بما يحدث هناك من
ٌ المصرية فهذا يعني أن عمر بخير وأن إنقطاعه عن االتصال بهم هو مجرد
مهمات ،منذ قليل عادت من رحلة ذكرياتها معه ،ربما لم تخترع البشرية الة الزمن بعد لكن المرء قادر على
السفر عبر ذكرياته ..إما لكون رحلة سعيدة أو مرهقة !..
منذ أن أُختطف الرئيس اليمني ُكلفت الكتيبة المصرية بعملية إستخباراتية لمعرفة مكان أختطافه ،وبالفعل نجحت
العناصر المصرية بقيادة مصطفى سراج في تحديد مكان الرئيس المختطف وحان دور عمر في تنفيذ عملية تحريره
كان اللواء صفوت قد قّسم كتيبته لربعها بقيادة مصطفى للمهمات االستخباراتية وباقي كتييته للمهمات القتالية
بقيادة عمر ،وضعت الخطة كاملة وتجهزوا لتنفيذها ،كانوا يعلمون بمدى صعوبة هذه المهمة ...
كانت ليلة هادئة تسبق العاصفة القادمة ،كانت اإلجراءات األمنية مشددة في مدينة البريقة في محافظة عدن
أسيرا في أيدي الجماعات الحوثية،
اليمنية ،وفي أحد منازل حي الزحف األحمر يقطن الرئيس اليمني المختطف ً
لما
تسللت المجموعة المصرية المنزل من أعاله ونزلوا على سلم متخفي قد صنعوه الحوثيين من قبل ،كان عمر ُم ً
144
عِ ضين
بكل مخابئ المنزل حسب المعلومات التي جمعها زميله مصطفى ،نزل عمر هذا السلم الخفي مع عناصر قليلة
من مجموعته إلى أن وصل الى نافذة لغرفة كانت نصف مفتوحة فوجد عمر الرئيس يجلس على أريكة ال حول له
وال قوة فتنّبه الرئيس لشئ يتحرك وراء النافذة فظهر له رجل مقنع مختل ًفا عن من قاموا بأختطافه فأشار له عمر
بالسكوت كي يكمل مهمته ،كذلك فهم الرئيس من إشارات عمر إنه من قوات التحالف أتت لتحرره ،سأله عن
مشيرا بأصابعة متخفيًا بخمسة أفراد في الغرفة ،!..أقتحم عمر الغرفة هو
عدد الموجودين في الغرفة فأجابه ً
ومجموعته وما إن دخل حتى أعطى إشارة عن طريق الالسلكي لمجموعة خارج المنزل بإحداث شغب كي يتمكن
من تخفيف الضغط في المنزل وتحرير الرئيس..
عند دخوله تبادل إطالق النار مع االفراد المسلحة وبأسبقية المجموعة المصرية سقط مختطفي الرئيس قتلى،
على الفور أحاطت هذه المجموعة الرئيس عند خروجهم من الغرفة في إتجاه المخرج وتزايد عدد قتلى الحوثيين،
أعتمدت المجموعة المصرية على عنصري التشتيت والمفاجأة ..وفور خروجهم من المنزل توقفت سيارات
محاوال حمايته أُصيب بطلقة في كتفه وسط
ً ضخمة أمام المنزل فأسرعوا بأتجاهها وأثناء إحاطة عمر للرئيس
إطالق نار عنيف عشوائي ، !..فأسرعت المجموعة بإدخال الرئيس أحدى السيارات ودخل عمر معه لحمايته
وإنطلقت السيارات هاربة من جحيم الرصاصات واالسلحة الثقيلة التي بدأت تظهر حين بدا الوضع يتخذ شكل
المعركة ..
عندما كانوا في السيارات في طريق العودة أخلع عمر قناعه وظهر العرق على جبينه ..كان يتألم بشدة بسبب
الرصاصة التي أخترقت كتفه ،حاول الرئيس االطمئنان عليه لكن لم يكن بمقدور عمر إجابته ألنشغاله بألمه !..
145
عِ ضين
مضى يومان على المهمة األخيرة وسط إشادة وثناء على مجهودات الكتيبة المصرية ترحيب من القيادة العربية،
تسلمت قوات التحالف الرئيس اليمني من الكتيبة المصرية وعزمت المملكة السعودية على السماح للكتيبة
المصرية بالرجوع لمص ر وأنتهاء مهمتهم في اليمن ال سيما بعد أن عرفت الميليشيات الحوثية مكان المعسكر
المصري وقد تحدث كارثة في قادم األيام !..
تلك األخبار أسعدت الكتيبة المصرية كلها ،كان عمر يخطط ألن يفاجأها حين يظهر لها فجأة في المستشفى
ضا يمني نفسه في أن يتفاجأ حين يرا ها أنها قد تطورت في عالجها ،لكن ما أفسد مخططه هذا هو مرور
وكان أي ً
الساعة كالسنة ..لم يطيق األنتظار لذلك قرر أن يُسعد نفسه اآلن ،قرر أن يسمع صوتها اآلن ..لذلك فقد قرر
االتصال بها ،شكل أرقامها عبر هاتفه وأتصل بها لكن لم يأتيه الرد منها ،!...زفر وقد غيّر رأيه ..سينام لتمر
الساعات القادمة بسرعة ،سيراها قريبًا ..هو متأكد من ذلك..
على الجانب اآلخر كانت غرفة آسية خالية ال أحد فيها لكن هاتفها يرن بأستمرار دون أن يسمعه أحد..
146
عِ ضين
-32-
كانت تُمسك هاتفها منذ ليلة أمس عندما علمت أنه قد أتصل بها وهي لم ترد بسبب أنها تركت هاتفها في
الغرفة ..لذلك لم تفارق هاتفها منذ األمس ،!..فجأة وجدت هاتفها يرن من جديد ..أنه هو ..أنه عمر !..
أخيرا..
قالتها بلهفة وأشتياق كبيرين ،لم تصدق أنها تسمع صوته ً
حالي ؟! ،اآلن تسأل عن حالي ؟! ،أين كنت طوال هذا الوقت ؟!
قاطعته في ٍ
عتاب واضح..
آسف ؟! وبماذا سيفيد أسفك يا عمر ؟! لماذا تركتني هكذا أقلق عليك ؟! ،تركتني في وقت كنت في أمس
الحاجة أليك فيه ،!..لقد أنقطعت فجأةً عن األتصال بي !..
علي ؟!
تدريبات في اليمن يا عمر ؟! ،منذ متى وأنت تكذب ّ
147
عِ ضين
لم يتفاجئ عمر من معرفة آسية باألمر ..البد وأن والدتها قد أخبرتها رغم تحذيره لها بعدم أخبارها ..
كفى تأس ًفا يا عمر ،أنا من يجب أن تعتذر بسبب تلك العصبية..
أحبك !..
ِ
أمامك مباشرًة !.. ٍ
ساعات قليلةً فقط وسأكون ِ
أخبرك بأن ضا ،وألكفر عن ذنبي هذا دعيني أن ِ
أحبك أي ً
أغلقت آسية هاتفها وقلبها ال يتوقف عن النبض بسرعة ،تشعر وكأنه سيظهر في أي ٍ
وقت أمامها ..وربما اآلن،
مهال ..لديها
فكرت في كيف أنه سيكون سعي ًدا حين يعلم أنها تسير لوحدها ولو ثواني ..تطورت حالتها أكثرً ،
148
عِ ضين
جلسة عالج اآلن ..ستبذل أقصى ما في وسعها لتسعده ..لديها أمل يكفي ألن تصدق أنها ستعود كما كانت في
هذه الجلسة بالذات !..
أما عن والدتها فهي كانت في غاية السعادة حين رأت األصرار على العالج هكذا بعد تلك المحادثة بينهما
ٍ
ساعات قليلة تملكتها كل وتمنت بكل جوارحها أن يعود عمر بسرعة ..لمجرد أنه أخبرها فقط بأنه سيعود خالل
تلك الحماسة ..فكيف سيكون األمر حين يكون هو معها هنا ؟! ،للحظة شعرت بأنقباض قلبها فجأة وتبدلت
تعابير وجهها للقلق ،الوقت ينفذ منها والبد من تواجد عمر هنا في أقرب ٍ
وقت ممكن ..قد ينكشف سرها في أي
ٍ
ساعات وسيعتني لحظة وحينها من سيعتني بأبنتها ؟! ،حاولت طرد هذه الفكرة من تفكيرها ..سيعود عمر خالل
بآسية ..هي تثق بذلك..
شعرت بالغثيان فجأة ..لقد حان وقت نوبات مرضها ،لكن ال أحد يعلم بذلك وال حتى أبنتها ..لذلك هي تتمنى
لو يرجع عمر بسرعة ليعتني بأبنتها ،ستطمئن عليها بوجوده في حال لو حدث شيئًا لها..
أسرعت ناحية غرفة آسية ..أغلقت الباب وأسندت ظهرها عليه ..بدأت تفقد وعيها تدريجيًا وشعورها بالقيء مع
أرضا فاقد ًة
صداع بسبب صوت صفير في أذنيها وتتشوش رؤيتها بالتدريج ،تشنجت أعصابها وأصبحت تتلوي ً
وعيها !..
رجاءا..
آسية ..أنتظري دقيقة ً
أسرعت لتنظف األرض من أثر قيئها وغيرت مالبسها بسرعة كي تظهر أنها فقط كانت تغيير مالبسها..
مرت األمور بسالم ولم تلحظ آسية كالعادة أي شيء ..الجميع منشغل بعودة عمر المرتقبة خالل دقائق من اآلن
وخاصةً آسية التي أنتهت من جلسة عالجها للتو وتستعد للقاء الغالي..
149
عِ ضين
************
شماال بأتجاه العاصمة صنعاء ومنها للعودة لمصر ،فجأة أهتزت الطائرة التي يتواجد بها
أقلعت الطائرات المصرية ً
اللواء صفوت ومساعده مصطفى ،توجها كالهما نحو غرفة القيادة ،..خفق قلب اللواء صفوت وسأل قائد الطائرة
بذعر ..
ضا..
لقد أعترض طريقنا صاروخ مضاد للطائرات ..يبدو أن الحوثيين قد أستولوا على هذه المدينة أي ً
أوال..
هذا أن أستطعنا الهروب من هنا ً
أمر اللواء صفوت قائد الطائرة بأن يتصل بمطار صنعاء لكن ال أحد يجيب ..كرر األتصال لكن النتيجة نفسها،..
فكر في حل للخروج من األزمة لكن عقله ال يستطيع التفكير اآلن ..كل ما يأتي لعقله هي تلك الكوارث التي
ستنتج ..إما أسرى في يد الحوثيين أو تحطم الطائرات في هذه المنطقة السكنية وأستشهادهم هذا باألضافة
لهؤالء المواطنين اليمنيين الذين سيموتون نتجية أنفجار الطائرات وفي كلتا الحالتين ستحدث أزمة سياسية
جديدة..
حال ..
أقترح عليه مصطفى ً
151
عِ ضين
سيدي ..ماذا لو عدنا لمعسكرنا ونطلب المساعدة من قوات التحالف ؟!
قليال ..قد تكون قوات التحالف تركت المعسكر وبذلك ليس من الحكمة العودة
أقتراح يستحق التفكير فيه ولو ً
للمعسكر في عدن ألنهم ربما يكون الحوثيين قد أستولوا على المكان وبذلك سيقعون أسرى في أيديهم ،وفي
ضا قد أستولى عليها
نفس الوقت تبدو فكرة الطيران نحو مطار صنعاء خطيرة ..ال أحد يجيب هناك وربما يكون أي ً
هؤالء الحمقى ..لكن ال وقت لديه ..عليه أتخاذ قرار سريع ..هو ال يستطيع التفكير في أي حل اآلن ،..أي قرار
سيكون مجازفة على كل حال..
فعال..
أذن ..العودة للمعسكر يبدو الحل األمثل ً
حاال ..
عد بنا لمطار عدن ً
هز قائد الطائرة رأسه أيجابًا ثم ضغط على زر األتصال بالطائرة األخرى ..لكن الصدمة هنا أن الجهاز أصدر
تشو ًشا ..لقد فقد األتصال بالطائرة األخرى !
لقد ُشل تفكير اللواء صفوت في هذه اللحظة ..ماذا عليه أن يفعل أو يقرر ؟! ..ال يستطيع الهبوط بالطائرة في
هذه المنطقة ألنقاذ عمر وبقية الكتيبة ..أنها منطقة سكانية وكفى أن الطائرة األخرى قد سقطت وستحدث الكثير
أصال بسبب هذا القصف العشوائي..
من الضرر ،وال يستطيع الهروب من هذا المكان ً
151
عِ ضين
ذلك القصف العشوائي لم يُمهل اللواء صفوت التفكير في أختيار أي طري ٌق يسلك أو الخروج من صدمته ..لقد
أهتزت الطائرة هزة عنيفة أفقدتها مروحياتها ...لقد أشتعلت النيران في مؤخرة الطائرة وسقطت هي األخرى..
************
كان عمر في الطائرة األخرى قد صنع من ذكرياته آلة زمن لتمر ساعات عودته سر ًيعا ..وفع ًال ..فقد عاد لماضيه
أسرع مما عاد لوطنه..
نظر عمر أمامه فوجد أن الطائرة األخرى تحاول المراوغة ،..أمر قائد الطائرة بأن يصله باللواء صفوت في الطائرة
األخرى لكنه تفاجأ بأن األتصال قد أنقطع به..
ذلك القصف لم يمهله التفكير حتى ..هزةٌ أخرى أفقدت الطائرة مروحياتها وأخذت طريقها في التهاوي ..عمر
أرضا ..ثواني ولحقت بها الطائرة األخرى لتحدثا
وأخيرا سقطت الطائرة ً
ً ويسارا..
ً يتخبط في جدران الطائرة يمينًا
جميعا..
هائال في المنطقة ..لقد أنتهى أمرهم ً
أنفجارا ً
ً
152
عِ ضين
-39-
كانت تتشوق لمغامرةً جديدة في حياتها ..ليس من ذلك النوع من الناس الذين يفضلون رتابة حياتهم أو عملهم
فعال مختلفة ..كانت تبحث عن الفرصة
،!..كانت ترغب بحياةً مختلفة عن الجميع ولطالما كانت حياتها ً
بنفسها ..آمنت أنه ليس من الجيد أنتظار الفرصة لتأتيها ..بل عليها البحث عن الفرص وأن لم تجد ستصنع
واحدة !..
كانت في طريقها لمكتبه لكنها توقفت بالقرب من الباب عندما سمعت أنه أحدهم جاء بسيرة ماريان ..تعرف هذا
صدمت عندما علمت
حادا وكأن هناك مشكلةً بخصوص ماريانُ ،
الصوت جي ًدا ..أنها شيرين ،!..كان حديثهما ً
أن أبنتها في طريقها للعراق ودفعت الباب بعنف وصبت كامل غضبها على ثروت ألنه لم يعلمها باألمر ساب ًقا..
حاول جميعهم األتصال بها لكن ماريان ال تجيب ..يعلمون كم أن ماريان عنيدة ولن ترد على أحدهم كي ال
يوبخها ..لقد أتخذت قرارها على أية حال ،راسلتها شيرين على الفيسبوك وشرحت لها ما حدث منذ قليل !..
صباحا ثم سافر الطاقم كله بسيارة المحطة إلى الموصل عبر طر ٍيق
ً كان يومها شاقًا ..وصلت بغداد في العاشرة
أخيرا ..ترجلت من السيارة لترى مسكنهم
بري ،!..أخرجتها سارة من تفكيرها حين توقفت السيارة ..لقد وصلوا ً
مساءا ..أثنتي عشرة ساعة تقريبًا
الجديد هنا ..يبدو جي ًدا ! ،نظرت في ساعتها فوجدت أنها قد تجاوزت العاشرة ً
153
عِ ضين
سفر بالسيارة ..كم كان هذا مره ًقا ،في حقيقة األمر هي ال تفكر بشيء اآلن سوى أيجاد السرير ألحتضانه ،!..
عليها أن تتقبل أنها في العراق ..وستفعل..
************
عاجل ...رسميًا القوات المصرية المشاركة في التحالف العربي باليمن تغادر البالد في طريقها للعودة ألرض
الوطن..
أبتهاجا عندما سمعته من قناة أخبارية ،فهي تعلم مسب ًقا بذلك لكن كون أن
ً كثيرا وجعلها تزداد
أفرحها ذلك الخبر ً
حاال ألستقباله..
الخبر قد ُعرض في التلفاز فهذا يعني أنه قد أوشك على الظهور وعليها أن تتجهز ً
ٍ
لحظات فقط كانت على أتم األستعداد ،تتطلع على النافذة ..تتسارع نبضات قلبها متوقعةً ظهوره في أي و خالل
لحظة وهي تلعن كل لحظة تجعلها تنتظر ..بل وكل لحظة أبعدتها عنه..
مرت الدقائق كالساعات ..تمر الساعة تلو األخرى وهي تنتظر دون فائدة ..بدأت تيأس ويخيب ظنها ..متى
ٍ
ساعات قليلة !.. سيعود ؟! لقد وعدني بأنه سيكون أمامي خالل
ال داعي للقلق هكذا يا آسية ..سيكون بخير ..أحساسي يقول لي هذا ،ربما يكون قد حدث شيئًا ما سيأخره
قليال..
ً
ٍ
بغضب باكية ... صاحت آسية
154
عِ ضين
خبر يتم تداوله منذ ساعات !..
آسية ..أفتحي التلفاز بسرعة ..هناك ٌ
أرتسمت عالمات الدهشة والقلق على وجه آسية ووالدتها ،أسرعت والدتها لفتح التلفاز وأخذت تنتقل بين
القنوات بسرعة باحثةً عن قناة أخبارية..
..مرت ساعات على حادثة أختفاء الطائرات المصرية في اليمن ،!..الغموض مازال يلتف حول الحادثة ،..هل
الطائرات المصرية أُختطفت أم تحطمت ..؟! ،في حقيقة األمر أصبحنا ال نفهم أي شيء يحدث له عالقة بمصر
!..
صمتت المذيعة للحظات ويبدو أنها تتلقى معلومات جديدة من فريق اإلعداد ،يظهر شريط أخباري عاجل ...
العثور على جثث متفحمة في المنطقة التي تحطمت فيها الطائرات المصرية !..
لقد قتلها الخبر األخير كما قُتل عمر ..لم تتحمل آسية الخبر فسقطت ،أما والدتها فكانت تخشى ما كانت
تنتظره ،!..وكما توقعت والدتها فأن نهاية عمر أو موته تعني نهاية آسية ونهايتها هي كذلك ،!..لقد أنتهى كل
شيء ..كل شيئ !..
155
عِ ضين
-41-
ٍ
لكابوس مزعج للكتيبة في الصباح كانت األمور كلها تسير على ما يرام ولكن سرعان ما تحولت تلك األمور
المصرية ،..فبعدما سعد الجميع بخبر أنتهاء مهمتهم رسميًا في اليمن وكانوا في طريقهم للعودة بدأ ذلك
الكابوس ..حيث تمت مهاجمتهم على الحدود اليمنية السعودية وحينها قرروا العودة لمعسكرهم الذي كانوا فيه
قبل ساعات في محافظة عدن ،..لكن القصف العشوائي لم يُمهلهم التفكير في حل للخروج من األزمة ..أُصيبت
الطائرات بتلك القذائف وهوت كلتاهما لكن قبل وقوعها أستطاع اللواء صفوت ومصطفى النزول من الطائرة
بالمظالت أما عمر فقد تم أنقاذه قبل أنفجار الطائرة بثواني..
سقطت الطائرتان وتم أنقاذ من يمكن أنقاذه ..أما البقية فقد أحترقوا بعد األنفجار شاملين معهم أغلب سكان
المنطقة ،..أما من بقي حيًا فأسرعت الجماعة الحوثية بالقبض عليهم وأجبارهم على ركوب سيارات نقل صغيرة
لنقلهم لمكان أعتقالهم ،كانت أعدادهم غفيرة بالعدد الذي ال يسمح بأي مخاطرة من الكتيبة المصرية للمقاومة..
ضا في
كان اللواء صفوت يفكر في كيفية الخروج من هذا المأذق ،ليس وحده ..عمر ومصطفى يفكران أي ً
األحتماالت القادمة..
156
عِ ضين
سيحتجزونا لساعات..
وأحتمال آخر أن تغضب قواتنا المسلحة وتقوم بمهاجمتهم ..سيتضح كل شيء خالل ساعات..
ٌ هذا أحتمال ،..
مجددا..
ً مثال ،ألعادة شرعية حكمهم للبالد
أو سيستخدموننا للمساومة ً
157
عِ ضين
-40-
كان يجلس في مكتبه بوقار حين كان ينتظر بفارغ الصبر البدء في تنفيذ الخطة التي رسمها ،..ظل حسين أياز
رئيس المخابرات األيرانية يتابع القنوات األخبارية كالعادة بشرود ،فجأة رن هاتف مكتبه الداخلي ..أنها مساعدته
الخاصة تستأذنه أليصاله بشخص معين كان هو قد أوصاها عندما يتصل أن تصله به ،أنتظر لثواني قبل أن يتكلم
ذلك الشخص..
مرحبًا سيدي..
حسنًا ..عليك أن تحتفظ بهم هذه المرة ..ال أريد أي خطأ أن يحدث !..
آمل ذلك ..على األقل لحين أرسال الدعم لتنفيذ باقي المهمة..
158
عِ ضين
حسنًا سيدي ..أنا أنتظر..
أغلق الهاتف وأرتسمت األبتسامة على وجهه ..تسير خطته على مايرام ،ما أخرجه عن تفكيره مرًة أخرى مساعدته
الخاصة عندما أستئذنته بالدخول..
أتصال سري ؟! ..ال يمكن أن يكون من المخابرات المصرية ..يا لحماقة هؤالء الرجال –
ٌ قطب حسين حاجبيه..
الحوثيين -لو كان األتصال من المصريين..
خرج حسين من مكتبه وسار عبر أروق ًة خاصة حتى وصل لغرفة األتصاالت السرية ،دخل الغرفة وتوجه ناحية
شاشة األتصال التي تستعملها أجهزة المخابرات لألتصال ببعضها ،بادر المتصل بالتحية ..
الحقيقة الوحيدة هنا هو أنك تفهم سبب أتصالي ،وال أُفضل أن ندخل في معركةً كالمية..
أسمعني جي ًدا ..ما تفعلونه لن يمر بسالم وأعتقد أنك تعلم جي ًدا قيمة ومكانة المخابرات المصرية ..ال أظنك أنك
تظن أننا سنقف مكتوفي األيدي..
أسمعني أنت يا هذا ..أنتم اآلن تحت أيدينا ..لستم في وض ٍع يُسمح لكم بتهديننا..
تهاني لك..
لقد أوقعت بي يا رجلّ ..
مجددا..
ً ساد الصمت للحظات فكسره شريف
هكذا يكون الكالم سيد شريف ،..أنا لم أقم بخطوتي التالية بعد ..خدمة صغيرة أن فعلتها من أجلي وأتفقنا على
كل شيء سأقوم بتأجيل خطوتي التالية لحين التأكد رسميًا من تنفيذ ما أتفقنا عليه وحينها ستعود األمور كما
كانت..
كما توقع شريف ..فهؤالء االيرانيين قد صنعوا ف ًخا لهم وسيساومونهم على شيءُ هكذا..
161
عِ ضين
لكنك تعلم جي ًدا سيد حسين أن طلبكم مرفوض ..مرفوض حتى لمجرد التفكير فيه..
بدا على حسين أنه مسرور بالحديث ..لقد وصل إلى ما يرمي إليه..
من المنطقي أن ترفضوا طلبنا ،..حسنًا أنا ال ألومك على أختيارك سيد شريف ،لكن من حقك معرفة أن الخطوة
التالية سيتم تفعيلها تلقائيًا أن لم أتدخل أنا أليقافها اآلن..
سيد حسين ..ال تصنع أزمة بين البلدين ..ال تقدم على فعل شيء ربما تندمون عليه الح ًقا ..
علي القيام بها حسنًا سيد شريف ..أعتقد بأنه ليس لدي وقت ألضيعه معك في ٍ
نقاش تافه ..لدي أمور أهم ّ
اآلن..
فكرا في تهديد شريف ..زفر وأخذ يلعن مودعا أياه بسخرية ،وحينما أنهى األتصال وقف ُم ً ً ّلوح حسين بيده
أثرا ورائهم ..يا لهؤالء الحمقىّ ،لقد فقدت الخطة واح ًدا بالمائة من سريتها ،ال
دائما ما يتركون ً
الحوثيين الذين ً
رقما سر ًيعا..
يهم ..األمور تسير على مايرام ،خرج من غرفة األتصاالت عائ ًدا لمكتبه ،رفع سماعة الهاتف وطلب ً
************
161
عِ ضين
أجتماع مصغر مع أعضاء مكتبه ،بادر أحدهم بالكالم..
ٍ في الجهة األخرى يجلس شريف في
مثال ؟! ،بذلك سنقوم بفضح نواياهم قبل أذية ما تبقى من جنودنا..
ماذا لو قمنا بتسريب الخبر ألعالم ً
سيكون هذا مجرد ألتفاف ومراوغةً منا لعدم أبراز فشلنا في حماية جنودنا ..هكذا سيفكر الرأي العام المصري
!..
ضا أن نكتفي بالمشاهدة ،!..ال أظن بأن هذا مجرد تهديد سيدي ،بالتأكيد سيتخدمون
و ليس من المنطقي أي ً
جنودنا..
تدخل أحدهم..
دعونا ننتظر يا سادة ..لن يطول األمر حتى نرى ما سيحدث ،هم متعطشون ألنتصار علينا ،لكن ما أؤكده أنهم لن
يفلتوا بفعلتهم أيًا كانت..
ٍ
ساعات تقريبًا لمتابعة أي تطورات أو أقتراحات سيطر القلق على هذا األجتماع الذي أستمر في األنعقاد كل ثالث
جديدة ...
162
عِ ضين
اليمن ...
مثال ؟! أو أن
لنصف ساعةً تقريبًا وهم يشعرون بتحركات مريبة في الخارج ..ربما هي أجراءات األفراج عنهم ً
التحالف العربي يسعى لتحريرهم من قبضة هؤالء المليشيات ،لكن بمرور الوقت يزداد األمر ريبة ،!..إلى أين
ستسير األمور أسوء من هذا ؟!
ما أنتزعه من أفكاره هو صوت فتح أبواب السجون وتلك األضطرابات بالخارج ..حاول جميعهم فهم ما يحدث
بالخارج لكنهم تعرضوا للدفع والعنف من هؤالء المرتزقة ..تم أنقيادهم للخارج وأجبارهم للجلوس على ركبهم في
جميعا بأفراد تلك المليشيات المسلحة ،..تمر الساعة تلو األخرى والوضع كما هو ..
ساحةً كبيرة وتم أحاطتهم ً
ال جديد ..ال يعرفون سبب جلوسهم هكذا..
كان الليل قد حل بعد جلوسهم هكذا لساعات ..ال طعام وال شراب منذ الصباح ..الجميع ُمرهق ،فجأة ظهرت
مجددا ،!..جال بخاطرهم
ً تحركات جديدة حولهم ،!..تلك العربات التي نقلتهم لذلك المكان قد جاءت
جميعا أن هؤالء الحوثيين سيتالعبون بهم أو أنهم سيتم تسليمهم لقوات التحالف العربي ،..تم أجبارهم لركوب
ً
ضا ولكن هذه المرة من قسوة برودة الصحاري ..بعد ساعات مجددا ،!..في الطريق كانوا يعانون أي ً
ً هذه العربات
مرت عليهم كاأليام وصلوا لمكان ما..
نزل من أحدى الطائرات جنود بزي زيتي ..عرفهم اللواء صفوت وأدرك مصيبة الوضع القادم ،أنهم الحرس الثوري
األيراني ..أن كانت األمور سيئة مع الحوثيين ..فكيف سيكون األمر مع الحرس الثوري ؟! ،وكما توقع منذ
البداية ..أنهم الطرف األذكى هنا وليس الحوثيين الحمقى ، ..أقترب منهم على ما يبدو الضابط األعلى رتبة
بينهم ..قائد الحرس الثوري ..وقف أمامهم ...
حاال..
ليقف أمامي قائدي الطائرتين ً
163
عِ ضين
مهددا أياهم..
واضحا بين أفراد الكتيبة جميعهم ،..جميعهم التفتوا لبعضهم ،كرر قائد الحرس كالمه ً
ً بدا التردد
أومأ اللواء صفوت ألحدهم للوقوف ، ..وقف قائد الطائرة الوحيد الذي نجا ،فهم أن اآلخر قد مات أثناء سقوط
الطائرة األخرى فأشار إليه قائد الحرس بالقدوم نحوه ثم أمره بأتباعه ..أيقن قائد الطائرة حينها أنهم سوف يُقتل أو
سيتم أجباره على فعل شيءٌ ما ،وقف بجانب أحد الطائرات ليحادثه..
ألي جي ًدا ..ستركب الطائرة وستقلع بها حسب أوامرنا ،كما أن هناك طائرتين
لن أعيد كالمي مرتين ..أصغي ّ
خيرا بعدها..
خاصةً بنا ستقلعان بجانبك وسترافقك لمكان الهبوط ..أي محاولة للمراوغة ..صدقني لن يحدث ً
سأله..
ليس لدي أجابة ..عليك بتنفيذ األوامر حرفيًا وإال ستكون هناك عواقب وخيمة..
نظر الجندي للواء صفوت من بعيد ..حتى أن اللواء صفوت شعر بأرتباكه ،بعد لحظات تم أجبار الجميع على
السير نحو الطائرة ربما للمغادرة ..تساءل الجميع ..أالم ينوون هؤالء الحمقى ؟!
164
عِ ضين
-48-
لم يكن أمامهم سوى أن يستغيثوا بما تبقى من قوات األمن العراقية ليتم ترحيلهم لمصر ،لكن هناك آخرون ال
يرحبون بهم هنا في العراق ولن يسمحوا بأن يصلوا لألمن العراقي ..ال سيما في تلك المناطق التي يسيطرون
عليها ،غير مرحبون من قِبل داعش..
كما توقع اللواء صفوت ..فأن األيرانيين قد صنعوا لهم ف ًخا ،منذ قليل تم أجبارهم على دخول المجال الجوي
العراقي ثم قامت الطائراتان اللتان أصطحبتهما بأحداث الضرر في الطائرة التي أُرغم المصريين في الركوب فيها
وأجبروهم على أستخدام المظالت للنزول من الطائرات التي سقطت ..ليس هذا فقط ما حدث ..فقد ألقت هذه
الطائرات األيرانية األسلحة على المصريين وحينها أكتمل فخهم ،! ..أعطوهم أسلحة وأقحموهم في معارك ال
شأن لهم بها ..حينها أدرك اللواء صفوت ومساعديه حجم المصيبة التي حدثت ..لقد تم توريط مصر في معركةً
ما بالعراق ..من سيصدق بأنه تم أجبارهم على دخول المجال الجوي العراقي ؟! من سيصدق أن سقوط الطائرة
وتسببها في أحراق عدة منازل وقتل المواطنين العراقيين ومن قبلهم اليمنيين لم يكن بسبب المصريين وأنما هذا
من فخ األيرانيين ؟! من سيصدق أنه قد تم ألقاء األسلحة عليهم لتوريطهم في معارك هنا في العراق ؟! ..لقد تم
أِعداد الفخ بطريقة ذكية توحي للعالم كله بأن مصر تنتهك العروبة..
أرتبك الجميع عندما سمعوا صوت طلقات رصاصية من بعيد ،وبعد ثواني أدركوا بأن هذا الصوت يقترب منهم..
أدرك اللواء صفوت كم الفزع والذعر اللذان سيطران على جنوده ..هذا شعور طبيعي فالقادم مجهول ،صرخ فيهم
تماما أن تلك الرصاصات
اللواء صفوت وهو يحمل سالحه لتحفيز جنوده على القتال ..ال سيما بعد أن أيقن ً
الصادرة هي من تنظيم داعش ..لقد لمحهم من بعيد..
165
عِ ضين
أسمعوني جي ًدا يا رجال ..عقيدتنا كما تعلمون أننا ال نهاب أو نرهب الموت ..بل سيكون مرحبًا به أذا ما كان
ينتهي األمر بالشهادة ..نحن في ظرف أما أنكون فيه أو ال نكون ..أحياء أو شهداء ..أما أن ننتصر أو ننهزم
بشرف..
أن لم نقاتل هؤالء األوغاد أما أن يقتلونا أو يأسروننا ونُذبح في النهاية ،وحينها سنكون أموات وليس شهداء..
خيار آخر ..سنقاتلهم ونحصل على أحدى الحسنيين ..النصر أو الشهادة..
ليس أمامنا ٌ
جرت الحماسة في جنوده ..رائع ،هذا ما كان يريده بالضبط ، ..أما أن ينتصر وبعدها يستغيث بقوات األمن
العراقية ويغادرون البالد ..أو أن يتم قتلهم حتى ال يتم توريط الوطن في مشاكل هي عن غنى عنها..
أما عن عمر فأُلصقت في ذهنه كلمتين فقط من كالم اللواء صفوت ..النصر أو الشهادة ..كم كان يتمنى في أن
يحيا في زمن رسول اهلل وصحابته حينما كان المسلمون ينتصرون بسبب قلة ذنوبهم ..حينها لم يمتلك المسلمون
بسالح أقوى..
ٍ ال العدد وال ِ
العتاد لمجابهة عمالقة أمبراطوريات التاريخ ..الفرس والرومان ..لكنهم أنتصروا
متحفزا لهذه
ً األيمان باهلل تعالى ..لم يهابون الموت قدر ما كانوا يهابوا ويخشون التفريط في حق اهلل ،كان عمر
الفكرة ..أما النصر أو الشهادة ..فكان أول المتقدمين وتبعه مصطفى ثم اللواء صفوت الذي أعاد شيءٌ من
التنظيم في صفوف جنوده..
بوضوح لهم وتبادل الطرفان أطالق النار بكثافة وبعد مرور ساعةً
ٍ بادر المصريون بالقتال عند ظهور عناصر داعش
من القتال المتواصل بينهما ظهر تفوق المصريين وتزايدت خساير الطرف الداعشي مما ألهب ذلك حماسة
المصريين وطاردوهم حتى في الشوارع الجانبية..
كان من الطبيعي أن تصل أصداء تلك المعركة لوسائل األعالم العالمية فأرسلت القنوات ُمراسليها لمدينة الموصل
كل يُفسر ما يحدث حسب توجهه ..وكانت في مقدمة تلك القنواتBBC " .. العراقية لتغطية المعركة ..و ٌ
دائما بسباق التغطية وكانت أول من تصل ألرض المعركة لتغطيتها بعد أن
" Arabicوكانت ماريان الفائزة ً
166
عِ ضين
شيء غريبًا بالنسبة لها في صباح هذا اليوم..
نقلت الخبر أثناء أنتقالها من مكان سكنها لمكان المعركة ،..بدا كل ٌ
الجيش المصري في العراق يحارب الداعشيين ؟! ..تساءلت كيف يكون هذا ؟! وما عالقة هذا بذاك هنا في
العراق ؟! ،عندما وصلت لمكان المعركة أسرعت لتكون في قلب الحدث وليس األكتفاء عن قرب ..لقد قررت
تخطي كل حواجز الخوف ..وبعد أن رفضت سارة أو باقي الطاقم األقتراب أكثر قررت ماريان أكمال الطريق
بمفردها ..لم تأتي لهنا في العراق كي تكون كاآلخرين ..ستقوم بمغامرةً جديدة..
أخذت الكاميرا وذهبت بمفردها بعد أن طلبت من سارة أال تبتعد بسيارة المحطة حتى ال تنقطع أشارة البث وأن
تسعى ألخفائها بالقرب من هذه المنطقة ، ..قامت بتثبيت كاميرا عالية التقنية في قبعتها المصفحة وتركتهم
وأسرعت هي لتكون في قلب المعركة ، ..كانت تؤمن بأن المغامرة وحدها هي من تعطي لحياتها معنى ..وكذلك
ستعطي لقناتها األسبقية في نقل الحدث..
أستمر المصريون في مطاردة العناصر الداعشية في ال شوارع الجانبية إلى أن وصلوا لشوارع توجد في مقدمتها
فخ آخر
حواجز أسمنتية ..حينها راود اللواء صفوت الشعور بالقلق حيال هذا ..هل يمكن أن يكونوا قد وقعوا في ٍ
؟! ،وأن صح ما يظنه فأن عناصر داعش قد نجحت في نصب هذا الفخ لهم ..نجحوا في أستدارج المصريين
حيث عددهم الذي يفوق المصريين أضعافًا ..لقد أستدرجوهم هنا ليتسنى لهم قتل وتصفية المصريين
لمعقلهم ُ
فورا من هذا المكان والهرب بعي ًدا عن هنا
بسهولة ..وفي الوقت الذي كان سيعلن فيه اللواء صفوت األنسحاب ً
فوجئ بأسطول من السيارات القادمة نحوهم من بعيد ..حتى لو حاولوا الهرب من هنا سيكون من السهل
أصطيادهم في الشوارع الجانبية ..لقد تبدلت األحوال في لحظة ..منذ لحظات كان المصريين هم من يطاردون
تماما ..يا لسخرية القدر..
داعش في الشاوارع الجانبية ..واآلن ..يحدث العكس ً
أدرك عمر حيرة اللواء صفوت ..لقد ظهر عليه جليًا القلق ..ال يعرف كيف سيتصرف في مثل هذا المأذق..
أغمض عمر عينيه وتذكر آسية ..تذّكر عجزها وعالجها ..فرحها وحزنها ..ضحكتها وبكاؤها ..تذّكر لحظة
مجددا ،ردد في نفسه ..اللحظة األخيرة أذن..
ً لقاؤهما األول وكذلك لحظة الوداع ..لم يكن يعرف أنه لن يراها
وداعا أمي وأبي..
وداعا آسيةً ..
ً
167
عِ ضين
سيدي ..ال مفر أذن ..هذه النهاية ..فالنقاتل ونموت بشرف ..لن أسمح لهم بأن يذبحوني على الهواء مباشرةً..
نظر اللواء صفوت ومصطفى لبعضهما ..وكالهما التفتا إلى أفراد الكتيبة ..الجميع أبدوا أستعدادهم للموت
ضا ..ليس بوسع أحدهم أن يُذبح ويُعرض على التلفاز في نشرات األخبار ..فلتكن شهادة وليس موتةً عادية..
أي ً
فعال وأن كان والبد وأن نُقتل هنا فسنحدث خسائر في صفوفهم ..هذا ما دار في تفكير
أذن ال مفر من ذلك ً
مجددا لمواجهة الداعشيين في تلك الشوارع
ً اللواء صفوت ومصطفى ..أستدار اللواء صفوت ومعه مساعديه
أوال واألحت ماء في هذه المباني لحين وصول باقي الدعم الداعشي لمواجهتهم ..كالسباق ..البد من
الخرسانية ً
أتمام خطو ًة للوراء كي تنطلق بأقصى سرعة ،..هي محاولة لكسب الوقت األضافي فقط ..حمل الجميع سالحه
وتوجهوا ناحية معركتهم األخيرة ..
أجتاز المصريون الحواجز الخرسانية دون مشاكل وهذه هي المشكلة األكبر ..لقد توقعوا أن تكون هناك مقاومة
فخ ثالث في
لكن ال شيء حتى وصلوا لمنتصف أحدى هذه الشوارع ..حينها فقط أدرك الجميع أنهم وقعوا في ٍ
ٍ
يوم واحد فقط ..للحظة كان الشارع هادئًا لكن ما أن وصلوا لمنتصف المسافة حتى أنهال عليهم الرصاص وسقط
العديد من المصريين قبل أن يدركوا الوضع ..لقد تم حصارهم في منتصف الشارع ..بسرعة تشتت المصريين في
كل مكان وبعد دقائق أشتد القتال وأرتفعت كثافة الرصاصات المتراشقة في كل مكان حتى لجأ المصريون
لألختباء واألحتماء في البنايات التي حولهم ،لقد تحول الوضع لجحيم..
168
عِ ضين
كانت القوات الداعشية الداعمة قد وصلت بالفعل للشارع الذي يقاتل فيه المصريون وتستعد ألقتحام المكان
درسا لن ينسوه ..ال أحد يجرؤ على مهاجمة التنظيم هنا في العراق بالذات ،أصدر جهاز وتلقين هذه القوات ً
األرسال الذي يمسكه القائد في العربة األولى صوتًا..
محذرا أياه..
ً رد عليه القائد
نعم ..تقدموا لكن كونوا حذرين ..أريد هؤالء أحياء وليس أموات ..هذا مفهوم ؟!
بعد ثواني قليلة فقط سمع القائد هدير طائرات تحوم فوقه ..تساءل عن ما تفعله تلك الطائرات هنا اآلن ؟! ،أنها
طائرات قتالية !..
خاصا هنا..
حاال ،يبدو بأن المصريون سيلقون ترحيبًا ً
أسمع ..علينا األنسحاب ً
حاضر سيدي..
في حقيقة األمر أنه ليس سعي ًدا بسبب أن القوات المصرية سيتم ألقاء حتفهم عندما تقصف الطائرات األمريكية
شخصا آخر سيموت وبسبب هذا سيكون سعي ًدا،
ً هذا المكان ..فالمصريون ال يعنون شيئًا بالنسبة له ،هناك
ح ّدث نفسه ...
منذ أن تم أنشاء هذا التنظيم العريق وأنا كنت فيه المساعد األول واليد اليمنى لخليفة المسلمين ..لكن عندما
جئت أنت هنا يا أبو عمار أخذت مكاني وتراجعت أنا خطوةً للوراء ( ..ضحك بينه وبين نفسه ) ..سأتركك تواجه
وداعا يا أبو عمار..
تلك القوات البائسة لوحدك وأن لم تُقتل منهم فتلك الطائرات األمريكية ستتولى أمركً ..
اخرا )
ائعا (..قالها بينه وبين نفسه س ً
كنت صدي ًقا ر ً
169
عِ ضين
تراجعت السيارات الداعشية للخلف وغادرت المكان بسرعة وفي الوقت الذي كانت تستعد فيه الطائرات لقصف
الموقع برمته أنتهز اللواء صفوت الفرصة ليجمع ما تبقى من جنوده ويعلن األنسحاب هو اآلخر ألي مكان لحين
أنتهاء هذا القصف الذي على وشك الحدوث ،تكلم عبر جهاز األرسال ..
التفت مصطفى حوله متعجبًا من هذا القرار المفاجئ ..كان مصطفى وعمر قد تشتتا بعي ًدا عن اللواء صفوت
بسبب الهجوم المفا جئ من الداعشيين منذ دقائق وهما اآلن في أحد الشوارع الجانبية المتفرعة من الشارع
الرئيسي ..لكن قد الحظ مصطفى أن عمر قد أقتحم أحدى البنايات وكان يستعد هو اآلخر ألقتحام المبنى
ومساعدته لكنه توقف وحاول األتصال بعمر السلكيًا ...
أتاه الرد سر ًيعا ..لكن ليس من عمر هذه المرة ..أنه اللواء صفوت ..
فورا..
حاال وننسحب ً
لقد أقتحم أحدى البنايات سيدي ..سأتفقده ً
فورا ...
مصطفى ..ال وقت لدينا ..أنسحب ً
171
عِ ضين
فورا يا مصطفى ..المبنى الذي أقتحمه عمر فيه الكثيرين من الداعشيين ..البد وأنه قد قُتل،
قلت لك أنسحب ً
ُ
حاال يا مصطفى ..هناك هجوم على وشك البدء ..بسرعة..
أنسحب ً
ٍ
بصوت يشوبه الحيرة والغلبة على أمره.. رد عليه مصطفى
مسرعا بأتجاه بداية الشارع فوجد البقية هناك عدا اللذين قُتلوا ،هرب الجميع بعي ًدا..
ً أنسحب مصطفى
كان والد ماريان يجلس في الصالون يتابع أخبار العراق منذ أن علم بوصول ماريان هناك ..وعندما خرجت والدة
ماريان من المطبخ وجدت زوجها يحدق بذعر وخوف في التلفاز ،التفتت هي األخرى ناحية التلفاز ووقعت
أدوات المطبخ من يديها من الصدمة ..جثت على ركبتيها ..لم تتحمل الوقوف ..أبنتها في خطر..
كانت تتابع قنوات األخبار منذ أن علمت بأختفاء الطائرة المصرية في اليمن ..سمعت كذلك بما يدور في العراق
فيلما
سالحا ويقتل آخرين وكأنها تشاهد ً
ً درج ما يحمل
لكنها لم تكن لتتخيل أن ترى ما يشبه أبنها وهو يصعد ٌ
مثيرا ..بالتأكيد هو ..عمر أبنها ،ال تعلم ما بوسعها أن تفعل ..أبنها سيُقتل ال محالة وزوجها يعاني بجانبها من نوب ًة
ً
هورا لتأدية خدمته العسكرية يُقتل
وحتما سيموت هو اآلخر عندما يعلم أن أبنه الذي غاب عنهم ش ً
قلبية جديدةً ..
أو يُذبح ،..يكاد قلبه يحترق هو اآلخر ..أحد أبنائه سيُقتل اآلن واآلخر مختفي منذ أعوام ..حاله كحال يعقوب
عليه السالم ..فقد أبنيه ..فهل سيصبر مثل ما صبِر يعقوب ؟!
171
عِ ضين
أيقنت بأنها لن ترى عمر ثانيةً ال سيما بعد كل تلك األخبار التي تتحدث عن أختفاء الطائرات المصرية التي كانت
ستغادر اليمن ،كذلك تلك األخبار التي يتم تداولها في مواقع التواصل األجتماعي عن أن القوات المصرية تُقاتل
تنظيم داعش في العراق ..كان يأتيها هاجس بين الحين واآلخر بأنه سيتم القبض على عمر من قِبل التنظيم ثم
يذبحونه وينشرون مشاهد ذبحه ..لم تتحمل بشاعة الفكرة ..ستموت حينها بالطبع..
أما عن والدتها فكانت مصيبتها تتعاظم بمرور الوقت ..عمر مفقود وهي ستموت قريبًا ولن يبقى أحد ليرعى
أبنتها ..الجميع رحل وعمر كذلك سيرحل ..أثار المرض يظهر عليها بشدة ..على األقل داخليًا ..سترحل هي
األخرى..
رن هاتف آسية عدة مرات لكنها لم ترد ..لم تكن في مزاج يسمح لها بأن تكلم أحد ..حتى لو كان المتصل هي
صديقتها أماني ،لكنها عندما علمت بأصرار صديقتها بأن تكلمها ووصول عدد المكالمات التي لم يرد عليها لرقم
خيالي قررت أن ترد..
ٍ
بصوت هادي ال يبالي بشيء.. ردت آسية
ِ
أرجوك أتركيني اآلن ،ليس في حال يسم ـ ... ال أريد أن أرى شيئًا يا أماني..
شهقت آسية من الصدمة وأرتمى هاتفها من يدها دون قصد ..تناولت جهاز التحكم وقلبّت القنوات إلى أن
فعال ،..أطلقت صرخةً مكتومة ..كاد قلبها أن
وصلت لقناة تعرض مشاهد حية ألحدهم وهو يقاتل ،أنه عمر ً
يتوقف..
172
عِ ضين
البث المباشر ...
" ...معركةً شرسة بين الجنود المصريين وعناصر تنظيم داعش في أحد ضواحي مدينة الموصل في شمال
أخيرا في أحد الشوارع ِ
العراق ..كانت السيطرة واضحة من قبل المصريين بدليل أنهم وصلوا إلى معقل التنظيم ً
ٍ
لهجوم المثبت في بدايتها حواجز خرسانية وأسمنتية ! ..توقف القتال لدقائق بدا فيه وكأن المصريين يخططون
جديد ، ..عزموا على ما يبدو أقتحام هذا الشارع لكنهم تلقوا وابل من الرصاص وسقط العديد منهم ،..تشتتوا
جميعا وتوجهت الكاميرا بالصدفة وراء جنديان يقاتالن بضراو ًة شديدة ..أنفصل الجنديان بضعة أمتار عن
ً
بعضهما ..كانت المراسلة قد أقتربت من أحدهما ..التفتت المراسلة بالكاميرا للخلف ووجدت أن اآلخر ربما
يلحق بصديقه الذي توجه بالمناسبة ناحية أحد المباني ..وجهت المراسلة الكاميرا مرًة أخرى ناحية الجندي حتى
دخلت ورائه هذا المباني..
فجأة ظهر داعشي أمامهم فبادر الجندي المصري بقتله بسرعة ، ..بدأت عناصر داعش في الظهور الواحد تلو
اآلخر لكن سرعة البديهة لهذا الجندي المصري كانت رائعة ،أحتمت المراسلة وراء الجندي فكانت الكاميرا تبث
ما يحدث من وراء الجندي مباشرًة ، ..ظل الجندي المصري يقاتل حتى أضطر لصعود درج هذا المبنى وعند كل
أوال ..أستمر الحال هكذا إلى أن أهتز
منعطف يظهر داعشي ولحسن الحظ كان هذا الجندي هو من يبادر بالقتل ً
المكان بعنف " !...
*************
أقتحم عمر أحدى المباني على يقين بأن مصطفى والبقية سيلحقون به ،لكنه لم يُدرك بأن هناك فتا ًة تتعقبه..
مهجورا ..إال أنه لم يكن كذلك بعدما ظهر عناصر داعش الواحد تلو اآلخر، ً للحظة األولى بدا وكأن المبنى
دائما ،..كان يدرك بأن مهارته تلك لن تدوم وسيأتي صديقه
وأتخذ القتال شكله المعتاد وكانت األسبقية لعمر ً
مصطفى لمساعدته وفي النهاية سيكون مصير كالهما القتل عندما يتكاثر الداعشيين هنا..
173
عِ ضين
قاده القتال لصعود الطوابق التالية وكان كثافة الرصاصات تزداد عند كل منعطف ..وفي نفس الوقت كان يسعى
لحماية تلك الفتاة التي ظهرت فجأة والتي تحتمي به من وابل الرصاصات المتراشق ،ال يعرفها وال يعلم من أين
ضا سبب أنشغاله بحمايتها..
أتت بالضبط وال يعلم أي ً
كان وابل الرصاص هذا يوحي له بأنه ليس المصري الوحيد في المبنى ..البد وأن البقية خلفه يساعده ولكنه
دائرا في
عندما كان يلقي بنظرًة خاطفة في مدخل الدرج كان ال يجد أحد ..ح ّدث نفسه بأنه ربما يكون القتال ً
المبنى ذاته أو أن قوات داعش الداعمة قد دخلت المبنى وتدور بينهم وبين زمالؤه قتال شديد ،أهتز المبنى
بعنف شديد ..فكر عمر في أنه ربما يكون خيار داعش األخير هو تدمير المبنى بأكمله والتضحية بعناصره القليلة
الموجودة في المبنى مقابل أن ينتهي كل هذا الجدل..
************
" ...وجهت المراسلة الكاميرا ناحية فت حة الدرج فوجدت أن عناصر داعش تصعد مسرعة تجاههم لكن ما
أنقذهم هذه المرة هزًة أخرى للمبنى كانت كفيلة بسقوط جزء من الدرج بهؤالء الداعشيين ،..قرر الجندي
أخيرا ..وللحظ العاثر فقد ظهر له رجلين داعشيين عندما كان يستعد لألختباء
المصري األحتماء في أحد الطوابق ً
قليال ، ..خرجت الرصاصة من سالح هذا المصري وأستقرت في في أحدى غرف هذا الطابق ألستيعاب األمر ً
ضا رأس أحد الرجلين فيما هاجم اآلخر الجندي المصري ودار بينهما عر ٍ
اك جسدي فكان الغلبة لذلك الجندي أي ً
عندما حطم رأس الداعشي بحج ٍر ناتج من األنقاض المتراكم نتيجة القصف الذي يتعرض له المبنى ! "
************
174
عِ ضين
وأسرع بالصعود ألعلى أكثر ..حينها ظن عمر بأنه أن لم يُقتل على يد تنظيم داعش فأنه سيُدفن تحت األنقاض
بعد لحظات مع تلك الفتاة ..قرر األختباء في أحد غرف الطابق التالي لكنه فوجئ برصاصة كادت أن تصيبه
ولكنها أستقرت في مدخل الطابق ..ال أراديًا أطلق عمر رصاصة ناحية الرجلين اللذان ظهرا له فجأة فأصيبت هذا
الرصاصة أحدهما وقُتل ..فيما هاجمه اآلخر ،..ل َكم الداعشي عمر ومسكه من خصره ..حاول عمر األفالت
معا على االرض بجانب كومة من األنقاض فتمكن عمر باألمساك بحجارة وأفرغ غضبه
وظل يدفعه الى أن وقعا ً
وألمه في تحطيم جمجمة ذلك الداعشي الى أن قُتل..
************
175
عِ ضين
قليال ثم قام بضربها وأبعادها عنه ،ظهر صوتها المتألم
قد الحظ وجودها ،التفت الرجل إليها ..فاجئه األمر ً
هم الداعشي ألستئناف ما كان سيفعله ضربه المصري وأبعد السكينة عن يده ثم وجه له للجميع ،..وعندما ّ
اللكمات ..بدت المعركة بينهما وكأنها متكافئة ..تبادال اللكمات والضربات ،وبعد لحظات من القتال العنيف
بينهما أستعاد الداعشي سيطرته من جديد على القتال وبدا على الجندي أنه قد فقد وعيه عندما دفعه الداعشي
وهم بذبحه وظهرت الدماء على رقبة
نحو الحائط ..أمسك الداعشي السكين مرةً أخرى وأمسك برقبة المصري ّ
أي آخر" ..
للمراسلة ر ٌ
الجندي ..لكن على ما يبدو من أهتزاز الكاميرا أن ُ
************
كان الشيخ محسن والد عمر يحدق بالتلفاز غير مصدق ما يُعرض عليه ..وعندما جاء مشهد ذبح أبنه سقط
مغشيًا عليه ،كذلك صرخت والدة عمر صرخةً مدوية ..كادت هي األخرى أن تفقد وعيها أو حياتها كلها لكن
ضا قد ذُبح ...
حتى هذا لم يكن بيديها ..اآلن زوجها مغشيًا عليه وأبنها أي ً
************
كثيرا
" ...عندما تقدمت المراسلة بحذر تجاه الداعشي كانت تمسك بعصا خشبية فضربته ..أوجعته تلك الضربة ً
وأظهر لها وجهه البغيض وصب كامل غضبه عليها حين ركلها في بطنها ركلةً جعلها تهوي آلخر الغرفة ..تألمت
بشدة ،ثم أقترب منها وأصبح وجه الداعشي أمام الكاميرا مباشرة لكنه على ما يبدو ال يعلم حتى اآلن أنه يتم
تصويره ،ويبدو أنه مسكها من قميصها ...
176
عِ ضين
ومتألما ،..التفت الداعشي مرةً أخرى ناحية الجندي المصري وأمسك بالسكين بيده اليمنى
ً ظهر صوتها باكيًا
أستعدادا لذبحه ..لكنه فوجئ أن الجندي قد سدد له ضربتين في أسفل بطنه مما
ً وشعر الجندي بيده اليسرة
جعله يتألم بشدة ،أستغل الجندي ألم الداعشي وبحركة خاطفة التفت حوله ماس ًكا بقطعة زجاج مهشمة بيده
غارسا نصل قطعة الزجاج في رقبته ..فسقط الداعشي
وباليد األخرى مسك رأس ذلك الداعشي بارزا رقبته لألمام ً
قتيال" ..
ً
***********
كانت الشاشة منقسمة لنصفين ..نصف الشاشة األيمن كان يرصد ردود الفعل المختلفة للمذيع الذي يقوم
بالتعليق على ما يحدث في نصف الشاشة األخرى الذي ينقل تلك المعركة منذ البداية ،عندما ذُبح ذلك
الداعشي أبدى المذيع فرحة عارمة وكأنه قد فاز للتو بكأس العالم والجميع في األستديو هتف بأسم ماريان..
************
منذرا بسقوط جزء من السقف ،إقتربت المراسلة ماريان من الجندي الذي يجلس
" ...فجأة أهتز المكان بعنف ً
على ركبتيه بجانب جثة الداعشي محدقًا به في ذهول ..حاولت أن تشده من ذراعه قبل أن يُهدم المبنى بأكمله
عليهم لكنه ال يستجيب لها ..مازال محدقًا بالداعشي ..وخالل محاولتها تلك سقطت القبعة المصفحة من رأسها
على األرض ..حاولت ألتقاطها لكن األوان قد فات ..لقد وقع عليها السقف وتوقف البث " ! ...
************
للتو أدرك عمر بأن المبنى على وشك األنهيار ..المبنى يتم قصفة بشراسة وقد يصبح أنقاض في غضون لحظات،
قرر أن يقفز من أي نافذة حتى لو كانت عالية ولم يجد أمامه سوى غرفةً في نهاية هذا الطابق ،أمسك بماريان
داعشي آخر كان يغلق حاسوبه بسرعة ليهرب من هذا
ٌ وجريا سويًا تجاه تلك الغرفة وعند دخولهم الغرفة وجدا
177
عِ ضين
المكان قبل تدميره ،رفع عمر سالحه تجاه ذلك الداعشي قبل أن يلتفت ناحية عمر ..فيما هربت ماريان لألختباء
على أمل أن الكاميرا مازالت تعمل وتبث ما يحدث..
الغريب في األمر أن عمر وجه سالحه نحو الداعشي إال أنه لم يطلق رصاصته سر ًيعا عليه كعادته ..حدقا
لبعضهما للحظات ثم أطلق الداعشي ضحكة هستيرية وهو يضرب كفيه منده ًشا ...
أنت ..؟! ،أنت من فعلت هذا كله ؟! ،يا ألهي من كان يصدق هذا ؟!
لم يصدق عمر ما يراه ..هذا مستحيل ،كيف يمكن أن يحدث هذا ..؟!ّ ،نزل عمر سالحه والعرق يتصبب من
وجهه بغزاره ،حينها ظنت ماريان أن هيبة ذلك الرجل أقلقت عمر وجعلته ُمرتب ًكا ،..صحيح أنه كان في هذا الرجل
ضا ليس شيئًا يجعل هذا الجندي مرتب ًكا ومرتع ًشا هكذا ..أنتهز الداعشي تردد عمر فأنهال عليه
شيئًا مريبًا لكن أي ً
تماما وسقط ،وعندما سقط عمر أنهال عليه الداعشي بالركل في
باللكمات السريعة والقوية حتى فقد عمر أتزانه ً
بطنه ووجهه وأي جزء من جسد عمر كان يتلقى ضربات من هذا الرجل حتى أمتلىء وجه عمر بالدماء كأنهما
بالضبط في حلبة المصارعة ..حاول عمر الوقوف وتفادي ضربات الداعشي إال أنه لم يستطيع ذلك ،مسكه
الرجل من خصره ودفعه بأتجاه ٍ
باب زجاجي فتحطم الزجاج بسبب أصطدام عمر به بقوة ،أنتهز الرجل أستسالم
فعال
تماما ،..مسك برأس عمر ووضع السكين على رقبته ً
عمر الغريب وضعفه فتوجه ألحضار سكينة لينتهي منه ً
إال أن عمر وجد نفسه مازال حيًا ..شعر بأن تلك الفتاة التي كانت تحتمي به سعت ألنقاذه ،ضرب الداعشي
أستعدادا لتكملة ما يفعله بعمر ،هنا بدا على عمر الغضب ..فجأة ضرب هذا
ً ماريان بقوة ثم عاد ومسك السكين
الرجل في يده وجعله يفلت السكين ثم تكافئت المعركة بينهما إلى أن أستعاد الداعشي سيطرته على القتال بعد
مجددا
ً أن دفع هذا الداعشي عمر وجعله يصطدم بالحائط بقوة ففقد عمر وعيه ..أمسك الرجل برأس عمر
مجددا على رأسه ..قام بغضب ثم ركلها في
ً ليذبحه لكنه فجأة وجد نفسه يصرخ بشدة ..لقد قامت ماريان بضربه
أوال ..قام بمسك
مجددا لينتهي من عمر ً
ً بطنها ركلةً قوية جعلها تشعر وكأنها قد أُقتلعت روحها من جسدها ..عاد
ضا بأنه يتألم بشدة ،هذه المرة كانت ضربةً غير متوقعة من عمر ..قام عمر
رأسه واألستعداد لذبحه لكنه فوجئ أي ً
ألما ،حينها ألتف عمر حول الرجل ماس ًكا قطعة زجاج
بضربه أسفل بطنه ضربتين قويتين جعلته يخر على األرض ً
178
عِ ضين
مستغال ضعفه ثم غرس نصل قطعة
ً مهشمة ثم بحركةً رشيقة وسريعة مسك برأس الداعشي وأبرز رقبته لألمام
الزجاج تلك في رقبته وحاول الداعشي وقف تدفق الدم بسرعة من رقبته لكنه فشل ..ومات..
179
عِ ضين
-43-
لم يكن بمقدورها الكتمان أكثر من هذا ،فمسألة رجوع عمر أصبحت مستحيلة والمرض يشتد عليها يوما بعد
نحيال وضعي ًفا ..القيئ المستمر ..ربما لم تالحظ آسية ما يحدث لوالدتها حتى اآلن بسبب
األخر ..بدا جسدها ً
كثيرا ..تنام
أنشغالها بما يحدث لعمر ..ال تعلم أن كان حيًا أم مات بعدما أنقطعت تلك المشاهد ..كانت تنام ً
حزينة جريحة باكية ومتألمة ،من كان يسعدها قد رحل ..رحل بعي ًدا حيث ال رجعة..
آسية..
كانت آسية تعجز عن الرد ..ال تستطيع حتى أن تفتح عينيها ،أكملت والدتها..
للحظة بدت مترددة ..حاولت تأجيل حديثها هذا فيما بعد لكن يبدو أن أصرارها على إخبار أبنتها بكل شيء قد
طغى عليها ..هي ال تضمن وجودها على قيد الحياة لساعةً أخرى حتى..
ِ
بزواجك منه منذ البداية ..فهو لم يكن ليعتني كنت حزينةً ألجلك حينما فُرض ِ
عليك إبن عمك ولم أكن راضية ُ
بك لو حدث ِ
لك مكروه ..هذه الحادثة كانت نعمة من اهلل عز وجل وليست نقمة كما تظنين ..فاهلل أرحم على
ِ
ليساندك في عنك ومن جديد عاد عمرعمك ِعباده من أنفسهم ،حينها سقط القناع عن الجميع وإبتعد إبن ِ
إجتياز إختبار اهلل ِ
لك ..عندما تفانى في مساعدتك أثبت للجميع إنه يحبك ،أنا من إقترحت عليه فكرة الزواج
بك ،فرح لذلك ولم يتردد لحظة ..كم كان سعيدا ِ
بك ،ولوال الظروف حينها كان ليخبر العالم أجمع ليشاركه ِ
فرحته بك ،أما عن وجهة نظري أنا فكان األهم عندي أن يتم عالجك لكن هذا ليس السبب الوحيد..
181
عِ ضين
ضا كانت تستمع لوالدتها تتحدث ب ًشان زواجها من عمر أو ما شابه..
كانت آسية في عالمها الخاص ..لكنها أي ً
كانت تعلم ما تحكيه والدتها ..عندما أجبرها والدها على الزواج بأبن عمها في الوقت الذي كان يريد عمر فيه
األعتراف بحبه لها أيام الجامعة ..رحل عمر لكنها قد تعرضت لحادث تسبب بشللها ..تركها خطيبها الذي
أجبرها والدها على خطبتها منه ..لكن عمر قد عاد ليساندها ..تزوجها وهي عاجزة بفضل أقتراح والدتها بذلك..
ألتحق بالخدمة العسكرية وسافر في مهمةً وطنية..
صعقت ..فتحت آسية عينيها بعد كلمة والدتها األخيرة ،التفتت إليها في ذهول..
و كأنها قد ُ
ساد الصمت بينهما للحظات ،ثم هزت والدتها رأسها أيجابًا وأكملت كالمها..
منذ سنتين أُصبت بالسرطان ، ..خشيت أن أتعالج بالكيميائي ،لم أكن ألفضل الظهور ضعيفة أمام الجميع أو أن
أحدهم يشفق علي ،وعندما بلغت هذه المرحلة التي ال يجدي العالج فيها نفعا حدثت تلك الحادثة ِ
لك ومات ً ّ
والدك وأختفى ِ
أخاك فجأة..
بك هو أنه الوحيد الذي سيقف بجانبك حين أغادر هذه الدنيا ،لقد ِ
أحبك عمر السبب اآلخر لعرضي له بالزواج ِ
أكثر مني أنا..
قطبت آسية حاجبيها في ضيق ،شعرت وكأن شيئًا ما يطبق على صدرها..
181
عِ ضين
رجاءا
رجاءا ،ال ت ّدعي المرض كي تجبرينني على العودة للعالج ..سأعود لكن أخبريني ً
أمي ..ال تقولي هذا ً
بالحقيقة ..أنتي لستي مريضة ،أليس كذلك ؟!
شعرت آسية وكأنها تلك هي اللحظات األخيرة التي سترى فيها والدتها ،أحتضنتها بشدة وهي تبكي..
سأفعل ..سأفعل يا أمي ،لكن عليكي بأن تحيا ألجلي ،..لن تتركيني لوحدي يا أمي ..أليس كذلك ؟!
ف ّكت والدتها ذراعي أبنتها عنها ثم أخرجت ورقة صغيرة من حقيبتها وأعطتها ألبنتها..
حاولت األتصال بوال دة عمر ألطمئن عليها ومعرفة ما أذا كانت قد شاهدت ما حدث لعمر أم أنها غافلة ..لكنها
لم تجيب ،قمت بجلب العنوان من مدير المستشفى ،..حينما ال أكون هنا ِ
معك أذهبي لهناك..
************
سوهاج ...
نُقلت والدة عمر إلى غرفة العناية المركزة بأحدى المستشفيات ،كان من الصعب أن تتحمل مشاهدة لحظة مقتل
أبنها ،كانت تفكر في تلك المصائب ..أبنها أدهم المختفي ..عمر الذي قُتل ..زوجها الذي مات..
182
عِ ضين
معا حينما كانت تُعرض على الشاشة مشاهد لقتال عمر تنظيم داعش األرهابي في العراق..
كانا يشاهدان التلفاز ً
في النهاية سقط زوجها مغشيًا عليه ،أما هي فصرخت كي تستغيث بجيرانها ألنقاذ زوجها ،لكن بالها المشغول
ضا..بتلك اللحظات التي سيقتل فيها عمر جعل مرض السكري يرتفع عنده بشدة فأفقدها الوعي هي أي ً
و حين شاهد الجيران تلك المشاهد أسرعوا لبيت الشيخ محسن ليطمئنوا عليه وعلى زوجته ،طرقوا الباب فلم
مكروها فأضطروا لكسر الباب فوجدوا كالهما ممدان على
ً يجيب أحد ..حينها تأكدوا بأن قد حدث لهم
حاال لكن تبين لزوجته بعدما أستفاقت أن زوجها قد مات نتيجة أزمة قلبية
األرض ،..تم نقلهما للمستشفى ً
حادة ..حزنت أكثر وأكثر وأسودت الدنيا كلها في عينها وأرتفع نسبة السكري عندها للدرجة المزمنة ..فتم نقلها
هي األخرى لغرفة العناية المركزة..
************
القاهرة ...
ليومين لم تتوقف عينيها عن البكاء ، ..تلك الحسرة من فقدان أبنتها التي أُرغمت على خوض تجربة في العراق
مقابل عدم تبديد حلمها..
آه بخير ..عندما أعلم أن أبنتي في العراق ستكون األمور بخير ..عندما أعلم أنها قامت بتصوير أخطر فيديو في
العالم ستكون األمور بخير..
183
عِ ضين
التفتت إليه ثم عاتبته..
ماتت ..؟! ،ال أعلم كيف سيكون حالي عندما يتم أذاعة مشاهد ذبحها في القنوات ..
وضعت رأسها على المنضدة منذرةً بنوبة حزن شديدة ،أكملت كالمها وكأنها تحادث نفسها..
أما عن والدها فوضع رأسه بين كفيه لضعف حيلته ..كان قد عمل على تحقيق حلم أبنته في أن تكون أكبر
أعالمية في مصر ..دعمها حتى ألتحقت بكلية األعالم ..تحقق جزء كبير من حلمها حين عملت بالقناة التي
يديرها أخوه ثروت ومن ثم أنتقلت ألكبر محطات األخبار في العالم ،هو اآلخر ال يعلم كيف سيتحمل مشاهد
ذبحها !..
184
عِ ضين
-44-
كانت وكالء األنباء العالمية ووسائل األعالم ومواقع التواصل األجتماعي جميعها تناولت تلك المشاهد التي قامت
بتصويرها ماريان ،حتى وصل عدد مشاهدي الفيديو ما يقارب المائة مليون ُمشاهد في الساعات األولى التي تلت
تلك الحادثة..
" -من الغريب أن نجد العالم كله يهاجمنا ويتصيد لنا األخطاء في حين تناسوا وتغافلوا عن األنجاز الذي
تحقق منذ يومين ..يهاجموننا ألن جنودنا كانت في العراق وقاتلت ذلك التنظيم األرهابي لكنهم ال يضعون في
بالهم كيف كانت الكتيبة المصرية تقاتل بشراسة ضد ذلك التنظيم األرهابي أو أن كيف نجح الجندي المصري
في قتل قيادي في تنظيم داعش ..جميعنا شاهدنا ذلك الفيديو والذي بالمناسبة قد حقق أعلى نسبة مشاهدة هذه
السنة على موقع اليوتيوب والذي صنفته جريدية الواشنطن بوست بأنه " فيديو القرن " ،لكن خلف كواليس هذا
ٍ
معلومات خطيرة تُعرض ألول مرة حصريًا على قناتنا .. الفيديو أسر ًارا تحصلنا عليها ،..سنقدم لكم
سكتت للحظات ثم تابعت وشرحت الخطة الكاملة التي قام بها األيرانيون لأليقاع بالكتيبة المصرية التي شاركت
باليمن..
عاجل ...الجندي المصري يُدعى عمر محسن وهو يحمل رتبة صف ضابط أحتياطي وهو أحد مساعدي اللواء
صفوت المستشار العسكري المصري باليمن ..
عاجل ...الداعشي هو اآلخر مصري الجنسية ويُلقب بـ " أبو عمار " وهو الرجل الثاني في تنظيم داعش والذراع
األيمن لزعيم التنظيم..
************
في نفس التوقيت كان شريف في مكتبه مع مساعده األول ( أيمن ) يتابعان برنامج شيرين..
مبكرا..
كثيرا سيدي ..كان يمكننا تجنب كل هذا بمجرد تسريب الخبر لألعالم ً
لقد تأخرنا ً
أتشكك في ردنا عليهم ؟! ،أسمعني جي ًدا يا أيمن ..ال تستهين أب ًدا بقدرتنا ..هم من أختاروا الخيار األصعب
بهجوم شرس ..ما تبقى من جنودنا قد عادوا مصر ،ونحن قمنا بتسريب خطتهم التي ٍ وعلينا أن نستعد للرد عليهم
أستخدموها لألعالم ..
أمرا ما..
بدا على أيمن التفكير في ً
186
عِ ضين
ابتسم شريف بمكر ...
سؤال آخر..
بدا على أيمن األرتياح ،راوده ٌ
فعال هو عمر ..أريد أن أعرف لماذا بدا عليه التردد في بداية قتاله مع أبو عمار ؟! ،يبدو هذا األمر
ما يهمنا اآلن ً
غريبًا..
أمر ما غير
واجما نتيجة صدمة أو ٌ
طرق أحدهم الباب فأذن شريف للطارق بالدخول ،أنها مساعدته ،كان وجهها ً
مثال..
أعتيادي ً
آسفة سيدي على المقاطعة ،لكن ورد ألينا تقرير عاجل وغريب ...
تلقى شريف التقرير منها ولم يستغرق األمر ثواني حتى ظهرت عالمات الدهشة والصدمة جليًا على وجه شريف،..
ذلك األمر الذي جعل أيمن يتساءل عن سبب ذُعر وصدمة شريف..
بدا على شريف عدم التصديق ،هذا منطقي ..ال ال هذا غير منطقي بالمرة ..أعطى التقرير أليمن منتظر ردة فعله،
وعندما تفحص أيمن ما في التقرير أتسعت عيناه من الصدمة ونظر لشريف في عدم تصديق..
نظر أيمن مرًة أخرى للتقرير وهو يعيد قرائته مرات ومرات ليتأكد أنه لم يتوهم ..
187
عِ ضين
-45-
عادت لتستكمل عالجها من جديد ..فقط لتُطمئن والدتها عليها في آخر أيامها ،..كانت في مراحل متقدمة من
كثيرا ،لكن ما فائدة أن تحيا بمفردها بعد أن يرحل الجميع عنها ..؟! ،كانت تتألم
العالج وهذا سيسعد والدتها ً
وال أحد يشعر بأآلمها تلك إال اهلل..
لو كانت تدرك ما سيحدث لها لتمنت أن يتوقف الزمن وال يتقدم خطوةً أخرى ،كم أشتاقت لتلك السنوات..
حين كانت تخطط هي وصديقتها أماني ألختبار حب عمر لها ،عندما تكون صديقتها راضية عنه يكون يوم سعده
شرا فذلك المسكين لن يسلم من فخها أب ًدا ،عمر ؟! أين هو اآلن
وستمهد لها كي تقابله أما أن كانت تنوي ً
ياترى ؟! ،قلبها يحدثها بأنه مازال حيًا ..ربما يكون بخير ..ال تعرف لماذا يراودها هذا األحساس بالذات ،ربما
ٍ
أحساس مؤلم حين تتذكر أنه لو تم القبض عليه من ألنه ال يوجد خبر يؤكد وفاته ،..لكن سرعان ما يداهمها
عناصر داعش األرهابية لربما كان العقاب أشد وأقسى ألنه قتل قيادي مهم عندهم..
وعاجال
ً حي يُرزق ؟! ..حينها سيكون تحت رحمة هؤالء
ح ًقا هي ال تعلم ماذا تتمنى ..هل تتمنى أنه يكون مازال ٌ
آجال ستراه يُذبح وبأبشع الطرق ،أم تتمنى أنه قد مات فيُرحم من هؤالء المرتزقة ؟! ..لكن حينها لن تراه
أم ً
مجددا ،لن تلجأ سوى هلل ..أن اهلل قد خلق المستحيل فكيف يعجز عن جعل المستحيل ممكنًا ..هي تثق بأن اهلل
ً
سيُخرج عمر من محنته لو كان حيًا..
قريبًا ج ًدا ستصبح وحيدة ..ستصبح يتيمة ،والدتها على وشك الرحيل هي كذلك ..والدها الذي رحل منذ شهور
طويلة ..أخاها الذي يبدو وكأنه قد تبرأ من عائلته بالكامل..
فعال والدتها مريضة ؟! أم أنها ت ّدعي ذلك لتستمر هي بالعالج ؟! ،ما زالت غير
فكرت في كالم والدتها ..هل ً
مقتنعة بكالم والدتها بخصوص مرضها ،ح ّدثت نفسها بأنها البد وأن تستمر بالعالج ألجل والدتها ..ألجل عمر..
ضا ،مازال األمل يراودها بشفاء والدتها أن كانت مريضةً ح ًقا ..كذلك األمل يراودها بأن عمر
وألجلها هي أي ً
يوما ما ..ستكون سببًا في فرح الجميع بها وبشفاؤها وستفرح هي بشفاء والدتها وبرجوع عمر قريبًا..
سيرجع ً
188
عِ ضين
كل هذا كان يدور بعقلها حين كانت تتلقى جلسة العالج ...أفكار ..تخيالت ..ذكريات ..أحالم ..أمنيات
وحنين ،تق ّدمت في عالجها حين بدأت تمشي بعكازين لمسافات ال بأس بها ،أنهت جلسة عالجها اليوم بجرعة
أمل تراودها ..عمر سيعود ووالدتها ليست مريضة ..
أنهت عالجها وجلست على كرسيها كالعادة ودفعتها نادية الممرضة نحو غرفتها وبجانبها والدتها ،الحظ ثالثتهن
تحركات غير طبيعية في المستشفى وخاصةً في بداية الممر لهذا الطابق ...عرفت نادية أن هناك مصابين ربما من
أحدى العمليات في سيناء ..ذهبت لتفقد األمر لتجد أنهم أصحاب تلك الرحلة المريرة لليمن..
حاولت أبالغ آسيى بذلك لكنها وجدت غضب اللواء صفوت فيها بسرعة العالج ..أسرعت ناحية الدرج
وأختفت بعدها ،ومازالت آسية ووالدتها تترقبان ما يحدث ...
ِ
أرجوك.. أمي ..أدفعيني لهناك
كثيرا..
أمي ! ..ال تقلقي ،لن نقترب ً
حتى والدتها تملكها الفضول تجاه هذا األضطراب الحاصل هناك ..دفعت الكرسي وأتجهت لهناك ،كان هناك
أحدهم أبتعد عن البقية ويهاتف أح ًدا ما ،لم يلحظ آسية وهي تندفع نحوه ،أما هي فقد زادت ضربات قلبها
أضطرابًا حين سمعته وهو يتكلم مع أحدهم في الهاتف ...
نعم ..لقد نجونا بأعجوبة من معركتنا تلك في العراق ،لكننا قد فقدنا الكثيرين من زمالئنا ..
فجأة وجد مصطفى بأن أحدهم يشده من زراعه ،أستدار ليعرف من يشده هكذا فوجد فتا ًة قعيدة تقف بجانبها
أمرأة كبيرة ،سألته آسية..
189
عِ ضين
أين عمر ؟! ،ألم يأتي معكم ..؟!
آسف لذلك..
لألسف سيدتي ،..لقد أستشهد عمر في المعركة ،أنا ٌ
لقد تجمد الوقت بالنسبة لها ،أستطاع عقلها أن يمرر أمامها كل لحظاتها مع عمر في ثانية حتى وصلت لتلك
اللحظة األخيرة التي كانت بينهم قبل شهور ..قبل مغادرته ،..لقد مات عمر ..لم يعد هناك عمر في حياتها ..لقد
رحل ..رحل عمر ،بكل قوتها صرخت متألمة..
حاولت والدتها وكذلك مصطفى من تهدئتها لكنهما فشال حين بدت آسية بفقدان وعيدها تدريجيًا وهي تهذي
بكلمات غير مفهومة حتى فقدت وعيها بالكامل..
أسرع مصطفى بدفع كرسي آسية المتحرك تجاه غرفة أي طبيب ،أسرع أحد األطباء بفحصها وأثناء ذلك لفت
أنتباه مصطفى ما يُعرض على التلفاز ..مشاهد تعرض عمر وهو يقاتل أحدهم ..أصبح يشاهد ما يحدث أمامه
بتركيز وتلهف مما سيحدث ،الحظه الطبيب صديقه..
متسائال..
ً أشار مصطفى ناحية التلفاز
191
عِ ضين
نظر مصطفى لصديقه نظرةً تفيد بأنه يجهل ما يحدث ،أدرك الطبيب أن صديقه مصطفى ال يعلم ح ًقا ما يحدث..
هذا عمر يقاتل قيادي داعشي ،..لقد تمكن منه في النهاية وقتله..
أنهى الطبيب من فحص آسية وأعطاها حقنة مهدئة ،خلع قفازته ثم وقف بجانب صديقه يشرح له ما يُعرض على
التلفاز ..
ضا على
كان مصطفى يصب كامل تركيزه على ما يشاهده ويربط ما قاله الطبيب بما يحدث ،كان األمر غريبًا أي ً
والدة آسية والتي تابعت ردة فعله الغريب ..تساءلت في نفسها ..كيف يقول أنه قد أُستشهد وهو اآلن يندهش
مما يُعرض على التلفاز ؟! ،على أي أساس قال أن عمر قد مات ؟! ،التفت مصطفى ناحية آسية وهي فاقدة
الوعي ،وقفت أمامه والدتها..
ماذا يحدث هنا يابني ؟! ،ما الذي يدهشك في هذه المشاهد التي تُعرض ؟! ،هل يتعلق األمر بعمر ؟!
كل ما في األمر سيدتي أنني ال أعلم أي شيء بخصوص تلك المشاهد ..لقد ظننت أنه قُتل حين دخل ذلك
جميعا أنه قُتل..
المبنى وحده ،لكنني لم أرى هذا وال أعلم ماذا حدث له بعد ذلك ،لقد ظننا ً
يعني أنه ربما يكون ما زال حيًا ؟! ،أنت لم تره ميتًا من األساس ؟!
191
عِ ضين
قليال ...
فكر ً
فورا ...
علي المغادرة ً
عن أذنك سيدتيّ ،
عازم على إخبار اللواء صفوت بذلك ،جميعهم ال يعلمون ما حدث بعد
أسرع مصطفى للخروج من الغرفة وهو ٌ
أنسحابهم..
192
عِ ضين
-46-
خير من ألف حلم ..كانت تحلم بأن تكون األعالمية األولى في مصر ..كانت لديها قناعة بأنهارب واقع ٌ
تستطيع بناء مدرسة أعالمية جديدة ..أعالم مهني ..واضح ..صريح وحقيقي..
منذ ٍ
أعوام قليلة مضت أنحرف األعالم عن مساره الحقيقي وأنقسم لفئتين ..فئةً معارضة واألخرى مؤيدة بشدة،
معارضا ومن كان يعارض أصبح مؤي ًدا ،!..ليس في مصر
ً حتى ما تغيرت الوجوه وتبدلت األحوال يصبح المؤيد
مثال لديها منصة أعالمية ضخمة تدافع عن سياساتها وقراراتها..
فقط ..بل في العالم أجمع ،فالدولة األيرانية ً
الواليات المتحدة يتبدل أعالمها حسب هوية الحزب الحاكم للبالد والحزب المعارض كذلك يكون أعالمه
جاهزا ..في الحقيقة األعالم كله عار وتكاد تكون حقيقةً علمية ثابتة في زماننا هذا ..ال توجد قناة على وجه
ً
األرض تلتزم الحيادية أو تعرض الحقيقة كاملة ،هذا كله ببساطة ألن الجميع يرى الحقيقة التي يريدها فقط وليس
الحقيقة المجردة ، ..الطبيب أعتزل الطب وعمل باألعالم والكاتب أعتزل قلمه وعمل باألعالم ورجل األعمال
أفتتح قناته الخاصة وحسب ميوله يوجه أعالميي قناته ..والغريب في األمر أن الفئة الوحيدة التي تجد صعوبة بالغة
في العمل باألعالم هم خريجي كلية األعالم!..
يوما ما ،لحظة ..هل تم تصوير ما حدث باألمس ؟! ،أم أن مجهودها ذهب سدى
يوما وستفعله ً
لديها حلم التغيير ً
؟! ،ربما أبتعدت سيارة المحطة أو تم تدميرها بسبب قذائف تلك الطائرات ..بذلك لن يتم تصوير شيء وها هو
حلم آخر قد تبخر..
ٌ
هذا ما كان يدور برأس ماريان حين كانت تقف في شرفة لمبنى مهجور وعمر الممدد على األرض بجانبها في
متأثرا بمعركته الدامية مع ذلك الداعشي في صباح اليوم ،لقد قامت بأسعافه وأخرجت قطع ٍ
تماما ً
غياب عن الوعي ً
ٍ
ساعات طويلة من األغماء بدأت تعابير وجه عمر بالتحرك وأخيرا وبعد الزجاج الصغيرة المتناثرة على وجهه،
ً
ألما ،..جثت على ركبتيها بجانبه وحاولت أفاقته ..لم تعرف عنه شيئًا سوى أسمه الذي قرأته على زيه العسكري..
ً
عمر ..عمر..
193
عِ ضين
فتح عينيه بصعوبة ،..في البداية لم يرى شيئًا لكن بمرور الثواني بدأت الرؤية تتضح ..ضباب ثم حائط أو سقف
ومدمرا تقريبًا ثم ..ثم صوت يناديه بأسمه ..عمر ..عمر ..حاول أن يلتفت للصوت لكنه لم يستطع
ً مهشما
ً
تحريك رأسه ولحسن الحظ أن ماريان قامت بتعديل وضعيه رأسه تجاهها ..تساءل ..من هذه الفتاة ؟! كيف
تعرف أسمي ؟! أين أنا ؟ وماذا حدث ؟! ،يا ألهي أشعر بصداع مؤلم ج ًدا ..رأسي ثقيلةً ج ًدا ،بدأت األحداث
تتسارع في ذهنه ..أنفجار الطائرة وهبوطهم بالمظالت ..القتال ضد تنظيم داعش ومطاردتهم ..شوارع في
مقدمتها حواجز أسمنتية وخرسانية ..النصر أو الشهادة ..قتاله في المبنى ..أين البقية ؟! ..حمايته لتلك الفتاة
الغريبة ..لقد رأيتها من قبل ..آه صحيح ..هي من تحاول أيقاظي اآلن ..قتله لذلك الداعشي..
لم يرد عليها وكأنه لم يسمعها ..كان يحاول أن يستوعب ما حدث ،قدمت له شطيرة مربى..
ٍ
ساعات كثيرة ..شعرت بالجوع فقمت بجولة حول هذا المبنى ولحسن الحظ وجدت لقد مر على تواجدنا هنا
حقيبتي كانت ُملقاة في الشارع ..ووجدت هذه ..أكلت نصفها وتركت النصف اآلخر لك..
نظر إليها وكأنه للتو الحظ وجودها ..ينظر إليها بصمت دون حر ٍ
اك حتى ،جلست هي األخرى مستندةً على
قليال ،!..سمعت صوت اآلذان ..نظرت لساعتها
الحائط تنتظره يتكلم ،فجأة فتحت عينيها ..يبدو أنها قد غفت ً
فجرا ..يبدو أنها قد نامت وليست مجرد غفوة ..الحظت عدم وجود عمر بجانبها كما كان قبل
فوجدتها الرابعة ً
194
عِ ضين
أن تنام ..التفتت حولها لتجده في الشرفة ،وقفت بجانبه ..بدا عليه الهدوء وتدارك األمر لكن مازال األرهاق باديًا
عليه ،التفت إليها وسألها ...
أما عن سؤالك عن باقي زمالئك فأظن بأن الجميع أختفى فجأة ..ربما ظنوا أنك ميت ورحلوا..
أغمض عينيه للحظات ثم فتحهما وتحسس الجروح التي ملئت وجهه ،فأكملت هي كالمها..
أيمكنني معرفة من ِ
أنت ؟!
حسنًا ..أنا ماريان من شبكة قنوات الـ " " BBC Arabicوجئت لهنا لتغطية بعض األخبار ولكنني فقدت
ضا ..ال أعرف أين ذهبوا ..
طاقمي أنا أي ً
مجددا ..بدا أن ذهنه سيعود ثانية للشرود ،عقد حاجبيه ثم سألها ..
ً نظر أمامه
بدا عليها الدهشة من تحوله في الكالم فجأة ،أرتبكت بسبب الحدة التي يسألها بها..
عقدت حاجبيها هي األخرى وأظهرت تحدي في الكالم معه بعد أن وجهت أصبعها نحوه..
ليكن لديك فكرة ..هذا ليس السبب الوحيد ،أنقذتك ألنه لو تم قتلك سأكون أنا التالية ،..أنقذتك ليتم أنقاذي
أنا األخرى..
علي أن أشكرك..
آسف ..لم أقصد مضايقتك ،كان يجب ّ
تبدو عليها الحيرة في أمره ..هل تعامله بلطف أم بغلظةً وتحدي ؟! ،كيف تتم معاملة هذا الشخص على أية
حال..
حسنًا ..ال مشكلة ،المهم أنك بخي ٍر اآلن ،هل يمكنني سؤالك عن شيء ؟!
نوعا ما !..
ما سبب تواجدكم هنا في العراق ؟! ،يبدو األمر غريبًا ً
عندما علمت بأمر أشتباككم مع عناصر تنظيم داعش تعجبت من األمر ال سيما بعدما علمت بأنكم مصريين..
يوم جديد ،لكن يبدو بأن األرض أعترضت عن صفاء السماءكانت السماء صافية حين أعلنت عن قدوم شروق ٍ
فقررت الترحيب بضيو ٍ
ف آخرين ،!..نظر كالهما بعي ًدا فوجدا سيارات نقل صغيرة تتجه نحوهم ،!..دخال
196
عِ ضين
ليختبئا ثم نظرا خلسةً من وراء حائط الشرفة فوجدا تلك السيارات تقترب بشدة من المبنى وأستقرت عند
المدخل ،نظر عمر وماريان لبعضهما في توتر ،سألها..
تبعته وهي ال تعلم ما يدور بذهنه ،كيف سيهرب من نفس المدخل الذي سيصعدون هم نحوه..
لكن من أخبرك أنهم آتون ألجلنا ..أو ألجلك تحدي ًدا ؟!
التفت إليها..
تحركا بسرعة ناحية السلم الوحيد التي تعرفه ..فكرت في كيفية الهرب من هؤالء من هذا السلم ..لقد بدأت
تشك بقواه العقلية ..
197
عِ ضين
في األسفل وعند مدخل المبنى وقفت سيارتين نقل صغيرة ،نزل من األولى شخصين يرتديان جلبابًا بيِض وعليها
جهازا السلكيًا ...
سترات رمادية وكأنهم من بدو سيناء ،أخرج أحدهم ً
نعم سيدي ..نحن في المكان المحدد ،ستتم األمور بسرعة ،قريبًا سيكونان أمامك ،...ال تقلق لن أدعهم يهربا
...
أغلق الالسلكي وأشار للبقية بأتباعه ،أثنان منهم وقفا ليحرسا مدخل المبنى والبقية دخلوا المبنى لينجزوا المهمة
! ...
198
عِ ضين
-40-
كادت أنفاسهم أن تنقطع ..لساعةً متواصلة ظال يركضا ليبتعدا عن المبنى قدر األمكان ،عندما كانا في ذلك
لما واحد فقط ومدخل واحد لهذا المبنى يمكنهما الهرب،..
المبنى المهجور حضرته فكرةً سريعة ..حتى بوجود ُس ً
ينزل الدرج ثم يختبئ وراء باب أحد الغرف القريبة من السلم في الطابق السفلي القريب من المدخل الوحيد لهذا
المبنى ليكون أسرع لهم الخروج من المبنى حين يقوم هؤالء الرجال بتفتيش الغرف سر ًيعا ثم يصعد هؤالء الرجال
للطوابق العليا ألستكمال البحث ..حينها سيخرج هو وماريان من الغرفة وينزلون مباشرًة للطابق األرضي ويتمكنا
من الهرب..
فعال ، ..أختبئا وراء باب غرفة في الطابق الثاني وبعدما قام هؤالء الرجال بتفتيش
سارت األمور كما خطط عمر ً
الطابق الثاني سر ًيعا صعدوا للطابق الثالث ألستئناف البحث ،حينها خرج عمر وماريان متخفيان من الغرفة
مسرعين ونزلوا الدرج بأتجاه المخرج الوحيد لهذا المبنى لكن لسوء الحظ فقد وجدا رجلين على باب المدخل،
مجددا ..أسرع أحد الرجلين خلفهما
ً وعندما الحظهما الرجلين حاوال أيقافهما ولكن عمر وماريان أسرعا للصعود
وهو يمسك بهاتف أرسال ليخبر اآلخرين بأنه يطارد الهدف وهم اآلن بأتجاههم فيما بقي الرجل اآلخر واق ًفا عند
مجددا..
ً المدخل لعلهم يفكرون في الهرب من هنا
عندما وصل عمر وماريان للطابق الثاني وجدا الرجلين ينزالن من الطابق الثالث وقد ألتقيا عند في منتصف السلم
ما بين الطابقين ..لقد تم محاصرتهم ، ..تراجع عمر وماريان بسرعة تجاه نفس الغرفة التي أختبئا فيها منذ قليل
ضا ،نزل الرجالن بسرعة حتى ألتقوا
وبدون تفكير فتح عمر النافذة وأمر ماريان بالقفز ورائه بسرعة وبدون تفكير أي ً
جميعا وركبا السيارة للحاق بهما حين ركض الهدف في تلك الشوارع خلف هذا المبنى ،..ظلت
بالثالث ونزلوا ً
السيارات تطاردهم في الشوارع الجانبية ذات الطرقات الوعرة ،لحسن الحظ لم تكن تلك الشوارع تصلح أن
فعال منهم ،..اآلن هما تآئهان في ضواحي هذه المدينة يسيران
تسير تلك السيارات فيها ،لقد تمكنا من الهرب ً
ببطئ شديد بعد أطمئنا على هروبهما من هؤالء األوغاد الذين كانوا يطاردوهم ،سألته ماريان وهي مازالت تلهث..
199
عِ ضين
مفكرا..
صمت عمر للحظات ً
ابتسمت بأستهجان..
ِ
علمت إلى أين نسير ثم أكتشفتي أن ما إلى المجهول ..إلى الال شيء نعرفه ..أصبحت أُفضل المجهول ،ماذا لو
نسير إليه هو الهالك بعينه ؟!
سأتوقف..
و بعدها ...؟!
قطع حديثهما ذلك األضطراب الحادث في نهاية الشارع ورائهم ..التفتوا بذعر بأتجاه ما يحدث ،في لحظة ساد
األضطراب المكان كله ..بدا على الجميع الفزع والخوف والهرب من شيء ما ،!..سيار ٍ
ات مجهولة تطلق النار ٌ
على المارة عشوائيًا والكثير يسقط والجميع ال يعرف شيئًا سوى الهرب اآلن ،تدافع عمر وماريان وسط الناس
211
عِ ضين
هاربين معهم ..الجميع يهرب حيث الالجهة مذعورين ، !..وعندما وصل عمر لمفترق طريق التفت ليمسك
صدم حين لم يجدها بجانبه أو حوله على األقل ،التفت حوله ليبحث عنها جي ًدا وسط هذا الحشد
بماريان لكنه ُ
المتدافع ..السيارات التي تطلق النار تقترب أكثر فأكثر ،لم يستطع مقاومة تدافع الناس ..دفعه الناس معهم إلى
أخيرا ..تقف حائرة يملؤها القلق
اليسار وعندما حاول المقاومة وقف مرةً أخرى ليبحث عنها ،ها هي ..لقد رأها ً
والخوف والذعر في مقدمة الشارع األيمن لمفترق الطريق تبحث عنه ..حاول عمر أن يناديها لكنه لم يتذكر
مجددا وجد عمر أن
ً أسمها ،!..لحسن الحظ فقد عثرت عليه هي األخرى ،وعندما أستعدا ليقتربا من بعضهما
مثال ولكن الرصاصة كانت في طريقها
قتيال كان بجانبه ..بالطبع لم يقصد هذا الرجل أن يفاديه ً
شخصا ما سقط ً
ً
لعمر وهذا الرجل كان يهرب كالجميع ..مر بجانب عمر بذعر ولسوء حظه كانت الرصاصة من نصيبه !..
عندما وجد عمر أنه من المستحيل أن يقتربا من بعضهما أكثر من ذلك السيما بعد أقتراب تلك السيارات
منهم ..أشار إليها لذلك المبنى المهجور ورائها لتختبئ به وهي قد فهمت ذلك من أشاراته ،كانت السيارات قد
ٍ
بشكل ُمخيف.. وصلت تقريبًا لهذا المفترق مع سقوط الناس قتلى
سمع أحدهم صوتًا ما رغم علو الصوت المزعج لتلك السيارات الحفارة ..التفت ورائه باحثًا عن مصدر الصوت
لكنه لم يجد شيئًا ..ح ّدث نفسه بأنه ربما يتخيل ،بعد دقائق أنتهت تلك السيارات من حفر حفرةً كبيرة ولتكتمل
211
عِ ضين
جرت تلك الحفارات القتلى وألقت بهم في تلك الحفرة ثم بعدها ُردمت الحفرة !..
الوحشية وعدم األنسانيةّ ..
وغادروا المكان بعدها ...
كانت تبكي بحرقة وتصرخ بصمت ..كان ما يحدث أمامها مر ًيعا ..عمر ُدفن حيًا ودقائق وسيموت من كانت
ٍ
ساعات قليلةً فقط إال أنها أحبته وأطمأنت إليه ..ال تحتمي به في هذه البلدة ،صحيح أنها لم تعرفه سوى من
تعرف لماذا وكيف تم ذلك !..
212
عِ ضين
-42-
كان هناك أح ًدا ما يجثو على ركبتيه ..لقد رأته آسية ، !..كان يبدو وكأنه في مأذق أو يحتاج لمساعدة ،أقتربت
منه وهي تتحامل على عكازيها وصدمها ما رأت ،!..أزدادت ضربات قلبها أضطرابًا ..مستحيل ..أنه هو ..عمر
؟!
ٍ
بشكل مذهل !.. آسية ..؟! ،يبدو ِ
بأنك قد تعافيتي تقريبًا ،!..تتطورين
قالها وهو يجبر نفسه على األبتسامة ،يتنفس بصعوبةً بالغة ،أقتربت منه وتركت عكازيها وجثت هي األخرى على
ركبتيها ..أربتت على كتفه..
بدأ عمر بالسعال ووجهه يزداد عرقًا وكذلك نَفسه الذي يزداد صعوبة..
خرت قواه بالكامل وسقط بكامل جسده على األرض ..حاول أن يخرج الكالم..
213
عِ ضين
ال تتركني يا عمر ،..قاوم أرجوكِ ،عش ألجلي ..
حاال..
أع ُدك ..واهلل سأفعل ،لكنك ستحيا ألجلي يا عمر ،قاوم أرجوك ..سأحضر المساعدة ً
حاولت مساعدته لكنه فقد وعيه بالكامل ،صرخت آسية طالبةً النجدة..
فتحت عينيها ببطئ شديد ،كانت الصورة مشوشة ثم تتضح بالتدريج ..ثم والدتها..
ِ
سالمتك يا آسية ،..هل أنتي بخير ؟! حم ًدا هلل على
ٍ
بصوت منخفض ج ًدا.. تمتمت آسية
214
عِ ضين
سكتت آسية للحظات جعلت فيهم والدتها تتساءل ،عمر ..ما شأن عمر اآلن ؟! ،هل كانت تحلم به ؟! ،بدا أن
لغزا ،..في البداية قالوا أنه قد قُتل ثم ظهر في الفيديو ثم أن زمالئه لم يروا الفيديو ولم
موضوع عمر ذاك سيكون ً
يروا جثته كذلك ..وكذلك هي تحلم به اآلن ،!..عادت آسية لتتمتم من جديد..
عمر في ٍ
مأذق يا أمي ،أنجدوه أرجوكم..
بدا أن كالم أبنتها متواف ًقا مع ما يحدث اآلن رغم غرابته ،أيعقل أن عمر لم يمت بعد ؟! ،حاولت والدتها
تهدئتها..
غابت عن الوعي مرة أخرى ،!..تسارعت األفكار في عقل والدتها ..لقد سمعت قبل ذلك عن شيء يسمى
صحيحا فأنه وبطريقةً ما ..تواصلت آسية مع عمر وعلمت بأنه على قيد الحياة،
ً تواصل الخواطر ولو كان هذا
فكرت مرة أخرى ..ربما يكون هذا مجرد هذيان ،لكنها أبعدت هذه الفكرة عن عقلها ..تريد أن تتمسك باألمل
مجددا ..لم يتم تأكيد خبر وفاة عمر بعد ..وربما يكون في مأذ ٌق ح ًقا..
ً
عزمت والدة آسية على التحدث مع مصطفى وتستفسر منه على كل شيء ،الوقت بدأ يلفظ أنفاسه األخيرة
تماما ،تحركت بأتجاه الباب لكن حدث شيئًا لم يكن في الحسبان !..
معها ..أوشكت على الرحيل ً
أرضا دون أن يفهم الطبيب الذي فحص آسية منذ قليل أو نادية الممرضة
فجأة سقطت والدة آسية هي األخرى ً
تماما..
مجددا لكن يبدو أنها قد أُغشي عليها ً
ً ما الذي حدث ..حاولت نادية أن تساعدها على النهوض
215
عِ ضين
-49-
أخيرا كانت أنفاسه قد أنقطعت كما هو المتوقع وفي محاولةً بائسة منها مسكت معصمه
عندما عثرت عليه ً
لتتحسس نبضه ..شعرت ٍ
بنبض خفيف ،تسلل األمل إليها في أنه قد يكون حيًا ،وضعت رأسها على صدره
فرحا ونسيت بشاعة ما هي متواجده فيه ٍ
وبالكاد كان قلبه ينبض نبضات متباعدة ،تسارعت نبضات قلبها هي ً
حاليًا ..وعلى الفور قامت ماريان بأخراج عمر من تلك المقبرة وبسرعة قامت بعمل تنفس صناعي له ثم ضغطت
أخيرا عن أدخال الهواء لصدره مرةً أخرى ..
على صدره بقوة ،بدأ عمر بالسعال معلنًا ً
مجددا ،قامت
ً كان عليهما أن يبتعدا عن تلك المقبرة ألنه من المؤكد بأن ذلك التنظيم األرهابي سوف يعود لهنا
ماريان بسحبه لذلك المبنى الذي أختبأت فيه منذ قليل ،حل الغروب ومازال عمر في حالة ٍ
غياب عن الوعي،
كانت تفكر في بداية األمر عن سبب زحام المدينة في ٍ
ساعة مبكرة كهذا من اليوم لكنها أكتشفت األجابة بعدها
بساعات !..
216
عِ ضين
باألستيالء على هذه القوافل وقاموا بمجزرةً أخرى ،!..ح ينها هربت ماريان تجاه هذا المبنى المهجور بسرعة
لألطمئنان على عمر ولحسن الحظ كان ما يزال عمر يغط في ٍ
نوم عميق..
جذب أنتباهها تحرك عمر ،كان ال يستطيع أن يرفع رأسه ..كلما رفعها سقطت مرًة أخرى ويغمض عينيه بشدة
متأثرا ٍ
بألم في رأسه ،فتح عينيه بصعوبة بعد مساعدة ماريان له ألستعادة وعيه ..كان يحاول جاه ًدا أن يستعيد ً
ٍ
وبصوت تنفسه ووعيه بالكامل ،التفت إليها هذه المرة وقد بدا عليه أنه سعيد هذه المرة ..كان يفكر بسعادة
مسموع ..
ظل عمر يردد هذه الجملة ،حاولت ماريان أن تكون أمامه مباشرًة ..
عفوا ؟!
ً
217
عِ ضين
تبدو أصغر سنًا من أن تتزوج ..
مبكرا..
ذنب فعلت كي يتم أعتقالك ً
أي ٌ
مجددا ..
ً ابتسم عمر لمزاحها ،ساد بينهما الصمت للحظات ثم قاطعته ماريان
أصال ؟!
كنت تتكلم عن أن زوجتك قد تعافيت ،بماذا أصيبت ً
أُصيبت بشلل في حادثة ،لكنني أقسم أنني رأيتها بخير ..ولكن..
سكت عمر فجأة وهذا الصمت المفاجئ جعلها تنتظر كلمته التالية..
يا رجل ..أنه مجرد حلم ،كفى أن اهلل قد طمئنك عليها ،..فقط هي ربما تكون حزينة ألنك بعي ٌد عنها ..
قليال ..
فكر في كالمها ً
آمل ذلك..
على ِذكر الجوع ..بطني تصدر قرقرة ..أال يوجد ما نأكله ؟!
218
عِ ضين
شعر عمر بالخجل ..أذ من المفترض أنه يقوم برعاية تلك الفتاة ..عليه أن يتصرف كرجل ..لكن أين ..هنا ..هنا
في العراق ؟! ،قاطع تفكيره أقتراحها بمساعدته للنهوض ،مدت إليه يدها ..
قبل أن تجيب هي كان هو قد أجاب نفسه ..بالتأكيد عندما كان مغشيًا عليه ،لكنه تساءل عن سبب أغمائه من
األساس ! ،كان يحاول تذكر األمر غير مستمع لكالم ماريان ..سمعها عندما عاد من شرود عقله ...
..لكن أليس من الغريب أنك تقوم بالتمثيل وتستمر به رغم أنك ترى نفسك تُدفن؟! ،كيف لم تنكشف ؟!
ممثال في هوليود..
عموما تصلح أنك تكون ً
ال تقل لي أنك لم تُمثل ً ،!..
مازال لم يستوعب األمر ..تمثيل ..دفن ..ماذا حدث أذن ؟! ،أستوقفها ليفهم ما حدث..
فعال أنه ال يفهم شيئًا وشرحت له منذ أن أفترقا في صباح اليوم بسبب هجوم ذلك التنظيم حتى تم أفاقته
أحست ً
من الغيبوبة منذ قليل ،منطقيًا ال يتم تصديق ذلك على األطالق ..لكنه قد حدث بالفعل ..لقد أغشي عليه بسبب
ٍ
لمسافات أختناقه تقريبًا من الجثة التي كان يختبئ تحتها ،!..على كل حال لقد نال منهم التعب بعدما ساروا
219
عِ ضين
أصال في هذه المدينة المهجورة ،بادرت
جوعا وال شيء هنا يوحي بالحياة ً
طويلة في شوارع الموصل ،تضوروا ً
ماريان بأقتراح..
ألين ..؟!
تقدمت ماريان أمامه ..أما هو فتبعها وهو يفكر في صياغة جملة قصيرة يقولها ألحدهم لطلب الطعام ..يبدو األمر
منزل ما ظهرت الخيبة على وجه عمر ألن ماريان هي من قامت باألمر وليس هو ..ليس هذا
مهينًا ،وعند وصولهم ٌ
فعال ،حسنًا ..يبدو األمر مهينًا
فقط ،!..فقد أُغلق الباب في وجههم من األهالي وتمت معاملتهم كالمتشردين ً
ومخجال أيضاُ بالنسبة له..
ً
لكن لم يمنع ذلك ماريان من مواصلة هذا ..صحيح أنها تشعر بالخجل لكنها مضطرة ،هي مسألة حياة أو موت
بالنسبة لها ..ال وقت للخجل اآلن ألنهم سيضطرون لفعل ذلك في النهاية ،كان لديها أنطباع أولي عن عمر بأنه
ضلت أال تُشعره بذلك قدر األمكان..
نوعا ما لذلك ف ّ
خجول ً
وصال ٍ
لبيت في منتصف الشارع وتقدمت ماريان لطرق الباب ،سمعا صوت فتا ًة صغيرة من الداخل..
211
عِ ضين
تنهدت ماريان وعزمت على تغيير طريقتها هذه المرة ..
هل ِ
والدك موجود ؟!
التفتت لعمر ورائها فهزت كتفيها بعدما رأت تحديق عمر بها ،..لقد وضعته في مواجهة مع الرجل ،سيكمل هو
الطريق أذن ،فُتح جزءٌ صغير من الباب وظهر نصف وجه لفتاةً تبدو في مقتبل العشرينات ..
نحن غرباء عن هذه المدينة ووقعنا في مأذق ،لم يعد لدينا ما نأكله و...
بدت الفتاة أنها لم تستمع لماريان ..كانت تحدق بذلك الوجه المرتبك خلف ماريان ،كانت تحدق بعمر ..فجأة
مفتوحا ،لم يفهما ما حدث للتو ونظرا لبعض في عدم فهم ،التفتا وقررا
ً دخلت الفتاة مسرعة وتركت الباب
مهروال للحاق بهم ..
الرحيل ..لكن فجأة خرج أحدهم من البيت ً
مهال ..
ً
التفتا ناحية الرجل ،كان يحدق بعمر وكأنه ال يصدق ما يراه ،سأله الرجل..
عمر وماريان كالهما ال يفهمان ما يحدث ،!..من هذا الرجل وكيف عرف عمر ؟! ،أومأ عمر برأسه أيجابًا دون
تفسيرا لما يحدث ..كانت الفتاة تقف خلف أبيها على ما يبدو ،عندما أومأ عمر برأسه فرحت الفتاة
ً فهم منتظر
...
211
عِ ضين
فرح الرجل وكأنه قد رأى صدي ًقا عز ًيزا بعد ٍ
غياب طويل ..على الفور قام بأزاحة نفسه من على الباب وأشار لعمر
ٍ
بشكل مريب ..ينظر عمر وماريان لبعضهما في توجس ،..أشار الرجل لهما وماريان بالدخول ،..بدا مرحبًا بهم
بالجلوس فجلسا وقد تناسوا جوعهم بسبب هذا األرتباك ،..جلس الرجل أمامهم وقد بدا عليه مرحبًا بعمر أكثر
!..
سيدي ..ح ًقا نحن ال نفهم شيئًا ،كيف عرفت عمر ؟! أو ربما يجدر بي سؤالك عن أن كيف العالم كله يعرف
عمر ؟!
تعجب الرجل من سؤال ماريان ،شك في األمر لكنه شعر بأن هناك خطئًا ما ...
للحظة تجمد عمر في مكانه ..ذُعر وخاف من الفضيحة ..كيف حدث هذا بالضبط ؟! ،نظر لماريان التي كانت
بجانبه منذ لحظة ..أنها ليست كذلك اآلن ،!..منذ أن سمعت ماريان أجابة الرجل وهي تقوم بحر ٍ
كات بهلوانية
ف ِرحةً بما سمعت ،حسنًا ..يبدو أنها هي ً
فعال من فعلت هذا ،دار برأسه ما حدث حينها في لحظة ،عمل الرجل
على تهدئة ماريان التي تكاد أن تلمس السقف..
212
عِ ضين
أذن يبدو ِ
أنك أنتي المراسلة ماريان التي قامت بتصوير الفيديو ..لقد أنقذتيه عندما كاد أن يُقتل من ذلك
الداعشي ..
كانت ماريان غامرة في السعادة ..لقد ظنت أن الكاميرا لم تعمل أو أن البث قد أنقطع..
كان اآلن هو ميعاد بث برنامج شيرين عبد النور ،شكلت ماريان رقم القناة وأسرعت لتنصت للبرنامج ،فجأة تنبه
الجميع ألنكسار عمر وعدم مشاركته الفرحة رغم أنه بطل الحدث ..أقتربت إليه ماريان وحاولت أن تستنطقه ...
بدا على الجميع أنهم ال يفهمون شيئًا ،بدأت شيرين عبد النور مقدمتها لبرنامجها الليلة ..
يبدو أن أسرار هذا الفيديو لن تتوقف أب ًدا ..وهذا ما جعله يتربع على عرش اليوتيوب هذا العام خالل يومين
فقط ..حيث وصل عدد مشاهدات هذا الفيديو إلى ما يقارب الخمسمائة مليون مشاهد والعدد يزداد كل لحظة..
ضا..
تحول أي ً
فزعا كذلك ،وقد يكون نقطة ٌ
سر جديد قد يكون هو األهم واألقوى ..واألشد ً
ٌ
213
عِ ضين
كانت مقدمة شيرين تلك قد جذبت أنتباه الجميع ..وكأن الجميع تيقنوا بأن لتلك المقدمة النارية وذلك السر
ِ
أرجوك.. تحدي ًدا عالقة بحالة عمر الحالية ،أما عمر فكان يعرف ما ستقوله شيرين ..كان لسان حاله ..ال تفعلي
أكملت شيرين..
باألمس عرضنا لحضراتكم معلومات تخص هذا الفيديو وأحد هذه المعلومات أن ذلك الجندي المصري أسمه "
عمر محسن عبد العال " وهو يشغل منصب صف ضابط أحتياط في الجيش المصري وهو أحد مساعدي اللواء
صفوت الدكروري المستشار العسكري المصري في الكتيبة المصرية التي شاركت في اليمن ..
سكتت للحظة وكأنها تفكر في الطريقة المناسبة التي ستعرض بها الخبر ..
و كما ه و المعروف في تلك الجماعات المتطرفة كتنظيم داعش األرهابي أن رجالها ال يستخدمون أسمائهم
مثال لعصر
أسماءا مستعارة أو ما نستطيع أن نسميها نحن " كنيات " ..أسماء تعود ً
ً الحقيقية ..بل يستخدمون
الخالفة األسالمية ...
كنية هذا الرجل الداعشي الذي قتله عمر هو " أبا عمار " وهو الرجل الثاني في تنظيم داعش ،لكن هذا ليس
السر المفزع الذي سنقدمه لكم..
بدا على ماريان والرجل وأبنته التركيز الشديد مع مقدمة شيرين النارية ..يبدو أن سر تلك الليلة مفاجأة من العيار
الثقيل ،أما عمر فقد أستسلم للصمت ،حان للحقيقة أن تنكشف ..
أكملت شيرين..
السر يكمن في األسم الحقيقي لهذا الرجل الداعشي البارز في التنظيم ..أسمه هو ..
توقف العالم بأسره بالنسبة لعمر ،أما الجميع فحدقوا بعمر غير مصدقين ..مستحيل ..مستحيل ما يحدث ..ال
سيما ماريان التي شعرت وكأنها قد قتلت عمر بتصويرها لهذا الفيديو..
214
عِ ضين
-51-
كان شريف وأيمن هما الوحيدان المتبقيان من هذا األجتماع األخير ،..كان يبدو على شريف التعب ..فهو لم
يغادر مكتبه منذ ثالثة أيام ، !..كان لديه تفاني في العمل غير طبيعي والبد أن يباشر على كل العمليات بنفسه..
فلقد تم أحباط عمليتا تفجير ليلة أمس في الساعات األخيرة كانت ستتم في محافظات الصعيد ،..هذا باألضافة
لعملية خطف الجنود المصرية منذ أيام في اليمن ،عندما الحظ أيمن األرهاق الشديد الظاهر جليًا على شريف
حاول أقناعه بالراحة ..
ال يبدو على شريف أنه كان يسمعه ،وضع يديه فوق رأسه ومال بظهره للوراء في شعوٍر تام باألرهاق ،أعاد عليه
ضا لم يلقي أي أجابة ،كان يبدو عليه التفكير أكثر من األرهاق ،..كرر أيمن ندائه..
أيمن أقتراحه بالراحة لكنه أي ً
أنتبه شريف هذه المرة ،..مال لألمام هذه المرة متكئًا على منضدة األجتماع ويبدو عليه التفكير بأم ٍر ما ،فكر في
أن يجعل أيمن يشاركه أفكاره..
هاما هناك
ما الذي جعل عمر يقتل أخاه ؟! ،واألهم من ذلك ..كيف وصل أخوه لتنظيم داعش بل وشغل منصبًا ً
في التنظيم ؟! ،نحن نتكلم هنا عن ثاني أهم قيادي ألكبر التنظيمات األرهابية في العالم !..
215
عِ ضين
صدم عمر عندما وجد أخاه المختفي منذ أعوام داعشي ،لكنني ال أظن أنه
نصف كالمك األول صحيح ..لقد ُ
قتاال ..في البداية بدا على عمر األستسالم أو الصدمة من ضرب
قتله ألنه داعشي ،!..ال ال ..لقد دار بينهما ً
أخيه له بهذه الطريقة ..لم يكن ليريد أن يقاتل أخيه ،وعندما نتكلم عن غريزة حب البقاء سنجد أن عمر وجد
ضا أن
نفسه على وشك الموت من ضربات أخيه المتتالية فتحركت نفسه للدفاع عنه دون أن يدري ..لقد كاد أي ً
شخصا كاد أن يقتله ،ضرب أخيه له جعله يفقد أعصابه
ً يُذبح ،!..لم يفكر حينها بأنه سيقاتل أخاه ..كان يقاتل
ويقاتل أخيه ..
لقد كانت نية أخيه القتل يا أيمن ،أنا ال أعلم كيف أستسلم عمر كل هذا الوقت ..كيف لم يعمل دماغه على
تدخل تلك المراسلة ماريان لكان عمر هو المقتول ،هل حماية نفسه عندما كاد أن يُقتل أول مرة ،!..ولوال ُ
تماما وأستلم هو األمر
أصال ..؟! ،لقد قام عقله بألغاء وعيه ً
ستصدقني لو قلت لك أن عمر لم يقصد قتل أخيه ً
بدال عن عمر ..
ً
كرد فعل طبيعي قام دماغه بالدفاع عنه بألغاء فكرة أنه يُقاتل أخيه الذي وبالمناسبة كاد أن يقتله منذ قليل لوال
تدخل ماريان ..هكذا كان دماغه وعقله يعمالن في تلك اللحظة ،فهمت يا أيمن ..؟!
ُ
ضا..
منطقي أي ً
ٌ سؤال
تحليال منطقيًا بعض الشيء ،راوده ٌ
قليال بكالم شريف ،يبدو ً
أقتنع أيمن ً
216
عِ ضين
هز شريف كتفيه ال يعلم ،..كان سيجيبه ولكن صوت السماعة الداخلية لقاعة األجتماعات قطعت كالمه ...أنها
مساعدته..
أسرع شريف بأتجاه مكتبه وتبعه أيمن ،رفع شريف سماعة الهاتف ...
حاال..
و كيف تمكنا من الهرب ؟! ،أربعة أشخاص ضد أثنين وهربا منكم ؟! ،البد وأن تجدهم ً
أسمعني جي ًدا ..أبحثوا عنهم في كل مكان ..بالتأكيد لم يبتعدوا ،لن أغادر مكتبي إال وهم أمامي هنا ..مفهوم ؟!
217
عِ ضين
-50-
في الحلم يمكننا أن نعيش ألف واقع ، ..كانت في عالمها الخاص حين فتحت عينيها ال تتذكر شيء سوى تلك
اللحظات التي كانت معه في الحلم ،ظل عقلها يكرر لها حلمها ،..لم تكن لتبالي بأنه في الحلم كان يعاني بقدر
ما كانت سعيدةً لرؤيته على كل حال ..لم يمت والبد وأن تفسير ذلك الصوت الذي ظهر لها في الحلم بأن هناك
حلما ..لقد حقق لها حلمها ما عجز عنه
أح ًدا ما سيساعد عمر في محنته ،المهم أنها رأته حتى لو كان ذلك ً
واقعها ..لنصف ساعة وهي ممددة على سريرها محدقةً بسقف الغرفة ومنفصلة عن العالم الخارجي غارقةً في
عالمها الخاص ،لم تدرك ما يحدث حولها إال بعد ألحاح نادية الممرضة ألفاقتها..
نظرت آسية لها في شرود وكأنها ألول مرةً تراها ،تنهدت آسية ...
لم تجيبها آسية ،مازالت تحت تأثير الحلم ،فكرت نادية في طريقة ألخراج آسية من شرودها هذا ...
لم تتلقى نادية سوى الصمت مرةً أخرى ،فكرت أن تتالعب بها لتثير أهتمامها..
و كأنها لم تسمع شيئًا سوى أسمه ،..التفتت آسية لنادية فجأة وقد بدا عليها األهتمام ..كانت متلهفة لسماع أي
خب ٍر عنه عدا وفاته ،حتى لو كان في محنة فسيراودها األمل برجوعه ً
يوما ما ،حاولت أن تستجمع تركيزها من
جديد وسألتها..
أحي هو أم ...؟!
أين عمر ؟! ٌ
لم تكن تريد نطق أو مجرد التفكير حتى أنه ميت ،بدت على نادية أنها ستمازحها لكن نظرة آسية الجدية لها
جعلتها تتراجع عن ذلك وتخبرها بما عرفته ،مالت عليها لتهمس لها..
218
عِ ضين
سمعت المدير وهو يتكلم على الهاتف مع أح ٌد ما وهو متفاجئ ال يستطيع تصديق أن عمر مازال على قيد الحياة
!..
تدفق الدم فجأة في وجه آسية وأحمر وجهها وأغرقت عيناها بالدموع في لحظة ،نزعت الغطاء عنها بسرعة
همت بسرعة بأتجاه الباب..
والتفتت بسرعة لتبحث عن عكازيها لم تعد تعتمد عليهما لكنها اآلن تريد األسراعّ ،
سألتها نادية ..
كانت آسية قد خرجت من الغرفة مسرعة ،لحقت بها نادية وعرفت أنها تتجه لمكتب المدير لتعرف كل شيء،
تماما ..يغمرها أحساس الفرحة واألمل لسماع شيء واحد فقط ..أنه حي ،لكن
كانت تسرع وكأنها قد ُشفيت ً
لحظة ،توقفت فجأة ،..هناك شيءٌ ما ينقصها ،للحظة تملكها شعوٍر غريب ،!..كانت تبحث عن شيء ال تعرفه
..
ما كانت تخشاه نادية على وشك الحدوث ..لم تكن تريد أخبارها عن الكارثة التي حدثت صباح اليوم بنفسها،
ٍ
كلمات لتجيبها على السؤال الذي شخص آخر غيرها ..كانت تحاول أن تجد كانت تُفضل أن يخبرها أي
ٌ
ستطرحه آسية حالما تتذكر هي ما الشيء الذي ينقصها..
أما ما يدور في عقل آسية فقد وصل لحد الغرابة ..يزداد أحساسها بالحيرة والتوتر ..يزداد ضربات قلبها سرعة..
أصال ؟!،
فرحتها تنقصها شيءٌ أساسي ،مستحيل ..كيف يفوتني هذا ..كيف فاتني أن أسأل عنها ؟! أين هي ً
التفتت لتسأل نادية ..
219
عِ ضين
نادية ..أين أمي ؟! ،أنا لم أرها حين تمت أفاقتي !..
أبعدت نادية وجهها عن آسية وأفكارها تتسارع بحثًا عن مخرج من هذا المأذق ،..بماذا تجيبها ؟! ،تخاف أن
تخبرها بما حدث فتكون هي السبب في عودة الشلل إليها مرًة أخرى أو كارثة أخرى تحل بها ،طال صمت نادية
وهذا ما جعل التوتر يتسرب إليها ..تلعثمت نادية في الرد عليها ...
تعجبت من تلعثم نادية هكذا ،!..لكن سرعان ما بدأ الشك يراودها ..تذكرت كلمات والدتها عن مرضها..
" سبب أخفيته عن الجميع ..مرضي ..أصبت بالسرطان ..حين أغادر الدنيا ،دعيني أرحل مطمئنة "
أمك ،..لقد..
نفذ صبر آسية ..صرخت بوجه نادية لتخبرها باألمر ،وهذا ما زادها أرتبا ًكا ..بدأت عيونها تغرقها بالدموع ..
بعد أن أغمي ِ
عليك ..سقطت هي األخرى ،وعندما قام الطبيب بفحصها ..وجدها ..
أساسا..
ضا بالنسبة لها ،وقد رأت الكلمة تخرج من نادية قبل نطقها ً
توقف الزمن أي ً
صمت مخيف ومنذر بما هو أسوأ قادم ،حدقت آسية في الفراغ ..مرت لحظات على ٌ و على غير المتوقع..
ٍ
وبصوت منخفض.. صمت آسية الرهيب ،وكالهدوء الذي يسبق العاصفة بدأت عيني آسية بالدموع
لماذا أنا يا ربي ؟! لماذا تفعل بي هذا ؟! لماذا أنا بالذات من تريد أبتالئها ؟! أال يوجد من يُبتلى غيري ؟!
توقف يا ربي ..ال أريد المزيد من األختبارات ..توقف أرجوك ..توقف ..توقف..
ٍ
بكلمات غير مفهومة ..تتنفس بصعوبة، بدأ صوتها ينخفض تدريجيًا ،أنحنت وأتخذت وضعية السجود ،تهذي
ت ّدخل أحدهم وسط هذا الحشد وحملها وتابعته نادية ،لم يُغشى عليها ككل مرة لكنها فقدت أدراكها بمن حولها
كليًا ،لم يكن أحد ليتحمل كل هذا ويظل على قيد الحياة ..قد يكون الموت أرحم به..
221
عِ ضين
-58-
ٍ
صوت ممكن أحيانًا تتولد لدينا الرغبة الشديدة بالموت لنرتاح من عبث هذه الحياة ..نريد البكاء والصراخ بأعلى
ولكن ما فائدة هذا إن لم يشعر أحدهم بالمعاناة واأللم الذي نحتويه ..؟!
في البداية كان هو الوحيد الذي يعرف أنه قتل أخيه ..كان حينها يبكي بصمت ويعاتب نفسه بصمت ..كان
يتحمل وزره بنفسه وال أحد يعلم ،لكن اآلن العالم كله بات يعرف ذلك ،..راودته أسئلة منطقية ووجودية بالنسبة
له ..هل سيفهم العالم أنه لم يقصد قتل أخيه ؟! ،هل سيفكر العالم في أن أخاه كان يسعى لقتله وهو قد قتله
بحركة ال أرادية ؟! ،واألهم من ذلك العالم ..كيف حال والديه بعدما شاهدوا أبنائهم يقاتلون بعضهم أمام العالم
كله وأن أحدهما قتل اآلخر ؟! ،كيف سيغفر والديه عنه بعدما قتل أخيه الذي أختفى منذ سنوات ؟! ،كيف
سيستقبلوه عندما يرجع إليهم ،سيطردونه أم أنهم يتفهمون األمر ؟!
صنع أهم حدث في حياتها بسبب هذا بدت ماريان متأسفةً ج ًدا مما فعلته ،لم تقصد أن تجرحه بالتأكيد ،لقد ُ
حامال لذنباُ لم يقصد فعله ..سيعيش حيا ًة صعبة وشاقة ..سيتألم
ضا سيعيش عمر حياته المتبقية ً الفيديو وبسببه أي ً
شخصا ما ٍ
لحظة وكل حين ،الجميع سيهاجمونه ويلعنونه وقد يتبرأ والديه منه ،ال تعلم ماذا أقترفت لتجعل في كل
ً
تعيسا هكذا !..
ً
222
عِ ضين
مازال الصمت يخيّم عليه ..يتنفس بسرعة ،أكملت هي ..
أُقدر جي ًدا ما تمر به ،..صدقني عندما نرجع مصر سأشرح للجميع حقيقة ما حدث و..
ٍ
غضب مفاجئة.. و كأنه كان ينتظر تلك الكلمات ليبدأ نوبة
قاتال وليس أي قاتل ..تخيلي أنه بسببك قتلت أخي ،!..بسببك أنتي سيتبرأ والداي مني، ِ
بسببك أنتي أصبحت ً
األمور واضحة لدى الجميع اآلن ..لقد قتلت أخي..
كأي فتاة ضعفت أمام غضب عمر الجارف ،قاومت خروج دموعها ،وقامت بتصعيد حدة الكالم معه..
أنت وجودك في هذا المكان غير مبرر ،!..كيف جئتم العراق ؟! ولماذا أنت بالذات من صعد لذلك المبنى
تفسير منطقي لذلك سوى أنك كنت تعلم مكانه وقد أتيت إليه لقتله ،أنت أردت أن تكون
ٌ بالذات ؟! ،ليس هناك
بطال ويصفق لك الجميع..
ً
أستمرت ماريان في توجيه الضربات القاضية له ،أقتربت منه ثم أكملت بأخر ما أستنتجته..
223
عِ ضين
لقد كنت تعمل على حمايتي طوال الوقت حتى تصل إليه ،طبيعي أن تستغل وجودي لصالحك هناك ،قتلته وكأنه
بارعا يا عمر ،لقد أقنعت العالم كله أنك قتلت
بطال أمام العالم ..كان تمثيلك ً
داعشي فقط ،وبذلك تظهر ً
داعشي بارز ،لكن لسوء حظك لم يدم هذا سوى ٍ
ليوم واحد فقط .. ٌ
مصدوما بما فيهم عمر نفسه،
ً تحدي ماريان له جعلتها تتفوه بكلمات تدين بها عمر ،جعلت الجميع يقف
خرت
منطقي ج ًدا ،!..هو نفسه أقتنع بكالمهاّ ،
ٌ للحظات تكرر مرًة أخرى لحظة قتل أخيه ..مستحيل ..كالمها
مستسلما وقد تملكه اليأس بقوةٍ أكبر هذه المرة..
ً قادرا على الوقوف ..بدا
فعال ولم يعد ً
قواه ً
ٍ
للحظات طويلة في المكان وبصورة أقرب للجنون ردد عمر ... ساد الصمت
ال ..ال لم أقصد ..أقسم بربي أنني لم أقصد قتله ..لم أٌقصد ذلك..
فقد السيطرة على نفسه وشحب وجهه فجأة وأخذ يرتجف وهو يردد تلك الكلمات بصورة متقطعة ،هو نفسه ال
يصدق نفسه ،!..ندمت ماريان على أندفاعها الزائد ..لقد أخرجت كل شكوكها نحو عمر حتى لو كانت هذه
الشكوك ضعيفة أو غير منطقية أو ربما ليس لها أساس من الصحة ،هو من أستفزها وأضطرت لتدافع عن نفسها
أ مامه ،أذ من غير المعقول أن تنقذه مرتين وفي النهاية يلومها على ذلك ،!..لكنها جعلته يتألم على كل حال،
فعال بهذه األتهامات..
مجددا لكنها شعرت بأنها قد قضت عليه ً
ً ترددت في أن تعتذر له
أوال..
أتركيه اآلن ..ال نريد أن تتفاقم األمور أكثر من ذلك ،دعيه يهدأ ً
أومأت برأسها متفهمةً األمر وراقبت عمر الذي كان يظهر عليه اليأس ،خافت عليه من أن يتهور ويقوده تفكيره
مثال..
لإلقدام على خطوةً خطيرة ..كاألنتحار ً
224
عِ ضين
-53-
جميع من حولها قد رحل ،..تساءلت ماذا فعلت كي يحدث لها كل هذا ؟! ،هناك من رحل دون عودة ..وهناك
من غادر ولم يبالي ..وهناك مفقود ..نعم مفقود ..لقد علمت بأن عمر مفقو ٌد في العراق ..مصيره مجهول..
أخبرها بذلك مدير المستشفى ،عمر مازال على قيد الحياة لكنه مفقود ومازال البحث عنه جاريًا..
وما ما ..سيرحل كما رحل اآلخرون ،آخر من رحلت هي سندها في الحياة..
مجددا ي ً
ً لم تعد تؤمن بأنها ستالقيه
صندوق أسرارها ..رحلت عن الدنيا وما فيها ..رحلت والدتها ..ال تعلم كيف غفلت عن مرض والدتها ..حتى لو
نجحت والدتها في أخفاء األمر عن الجميع كان والبد أن تعلم بهذا سواء أخبرتها والدتها أم ال ..عاتبت نفسها
كثيرا ،حتى بعدما أخبرتها والدتها عن مرضها كان عليها أن تعيش كل ثانيةً معها ..تهتم بها وتعانقها وتضحك
ً
وتمرح معها ..لكنها لألسف أشغلها أمر عمر مرةً أخرى حتى رحلت عنها فجأة..
و لم يقطع شرودها هذا سوى صوت الشيخ الذي يرتل القرآن على قبر أحدهم ..يبدو أن ساكني القبور أزدادوا
نفرين خالل ساعةٍ واحدةُ ،دفنت والدتها هنا في سوهاج ..فلقد غادرت آسية المستشفى في القاهرة ومعها
جثمان والدتها وقررت العودة للصعيد بعدما حصلت على تصريح الطبيب بالخروج وأمكانية أستكمال عالجها في
وهمت بالرحيل لكنها التفتت وألقت نظرًة أخيرة على قبر والدتها ...
بيتها ،وقفت ّ
عادت من الجامعة والسرور يملئ قلبها ...هي وصديقتها أماني تحدثا بشأن تصرفات عمر وصديقه األخيرة
وأستنتجتا أنه سيعترف رسميًا بحبه لها ،..لم تالحظ وجود ضيوف عندها عندما رجعت ،طُرق الباب فأذنت
بالدخول ،أنه يوسف أخوها ،عندما رأى أشراق وجهها ..
ِ
عودتك من الجامعة ؟! تبدين سعيد ًة اليوم ..منذ متى وأنتي تبتسمين بعد
اليوم هو ِ
يومك وال أحد يستطيع أفساد فرحتك ،..أال تريدين أن ترحبي بالضيوف ؟!
ِ
سننتظرك.. حسنًا
خرج أخاها من غرفتها ،وماهي إال دقائق حتى خرجت آسية من غرفتها وهي ترتسم األبتسامة على وجهها ورحبت
بعمها وزوجته وأبناء عمها محمد ومراد ..جلست مكانها وساد المرح المكان كله ،لكن هناك أحدهم لم يكن
مسرورا ..والدتها ..هي الوحيدة التي كانت تكره هذه الزيارة بالذات وكانت تتعجب من تصرفات آسية ،!..
ً
أمرا ليس بمحله يحدث هنا ..ما سر سعادتها تلك ؟!
ح ّدثت والدتها نفسها بأن هناك ً
بفرح وسرور ،..قفزت آسية من مكانها فرحة وتساءلت غير مصدقة ...
قالها وهو يربت على كتف أبنه محمد ٍ
يا ألهي ..محمد سيخطب ؟! ،مبروك يا محمد ..كنت أعلم بأن هذا اليوم سيكتمل بمثل هذا الخبر..
للحظة ساد الصمت المكان كله فجأة ..الجميع قاموا بتثبيت نظرهم على آسية ال يصدقون ما سمعوا منها اآلن..
صدم مما سمعه ..أذًا فهو قد أساء فهمها ..لم تكن سعيدةً لهذا السبب ؟! ،كذلك والدتها
حتى أن أخوها قد ُ
التي لم تعد تفهم شيئًا ، !..أما والدها وعمها وأبناء عمها جميعهم قد أندهشوا ألنهم ظنوا أن سبب الفرحة في
المكان كله واح ًدا..
226
عِ ضين
شعرت آسية بأنها قد أرتكبت خطئًا ما ..راجعت تصرفها فلم تجد نفسها قد أخطئت في شيء ،!..حاول يوسف
أنهاء حالة األرتباك تلك..
عذرا يا جماعة ..يبدو أن هذا خطئي ..في حقيقة األمر أنا لم أخبر آسية بشأن حضوركم اليوم..
ً
نظرت آسية للجميع حولها وعندما نظرت لوالدتها ثانيةً بدأت تدرك الوضع جي ًدا ..عادت لتنظر ألخيها وال تتمنى
صحيحا ،..التفت أخوها نحوها ...
ً أن ما يدور بعقلها
ِ
خطبتك يوم الخميس المقبل يا آسية ..على محمد أبن عمك.. حسنًا..
عاد الصمت ليسيطر على المكان ..الجميع ينتظر رد آسية التي شعرت بقشعريرة تسري بجسدها ،قامت على
ٍ
لكابوس مزعج ..منذ قليل كانت تستعد ألعتراف الفور وتوجهت مسرعة لغرفتها ..لم تتخيل أن فرحتها ستتحول
ٍ
شخص غريب ..نعم غريب ..مادام هذا عمر بحبه لها في قادم األيام ..واآلن يتم أجبارها على الزواج من
الشخص ليس عمر فأن الجميع غرباء وغير مرغوب فيهم !..
ضل الهدوء
دخل والديها غرفتها ..توجهت والدتها مباشرة نحوها أما والدها فكانت عيناه تستشيطان غضبًا لكنه ف ّ
معها في البداية ،سألها والدها..
ِ
تصرفك هذا ؟! ما معنى
كانت تخشى مواجهته ..كانت تعلم ما معنى أنه غاضب ،لكنها عزمت على مواجهته هذه المرة..
ِ
خطبتك يوم الخميس القادم نادم بشدة ألنني سمحت ِ
لك بدخول الجامعة ،حسنًا ..سأصحح خطئي اآلن وستتم ٌ
دون تأجيل..
227
عِ ضين
ال ....
صفعت بقوة على وجهها ،أسرعت والدتها لتحميها من بطش لم تكن لتكمل أعتراضها حتى وجدت أنها قد ُ
والدها هذه اللحظة وأحتضنتها ،التفت والدها لوالدتها ...
أنتي من قمتي بتدليلها هكذا ،..أنا غير مستعد لخسارة عالقتي بأخي من أجل تلك الغبية..
لم تكمل سؤالها حين قاطعها وهو يوجه إليها تهدي ًدا ...
خرج من الغرفة وهو يحاول أعادة رسم األبتسامة على وجهه ..كان يحاول أن يقنع أخيه بأن أبنته قد تفاجئت
تماما ..ال تستطيع أن تنقذ أبنتها من هذه الزيجة القهرية
باألمر ،أزداد نحيب آسية في حضن والدتها المستسلمة ً
! ...
اآلن أصبحت آسية يتيمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ..التفتت ثم غادرت المقابر ،أوقفت سيارة أجرة
وساعدها السائق على وضع حقيبتها بالسيارة..
حسنًا..
228
عِ ضين
أنطلق بها السائق وأسندت هي رأسها على النافذة ،من جديد غرقت في ذكرياتها لكن هذه المرة ليست
بالبعيدة ،..غرقت في وقت رحيلها من المستشفى ..أكثر من أفتقدته هناك ..نادية ..تلك الممرضة التي أعتبرتها
حارا وصعبًا مثل وداعيتها مع صديقتها أماني حين كانت سترحل للعالج..
وداعا ً
صديقتها ..لقد كان ً
أرتسمت أبتسامةً حزينة على وجهيهما ،أسرعت نادية لحمل الحقيبة وأسرعت قبل آسية نحو السيارة أمام
المستشفى وهي تبكي ال تريد رحيل صديقتها ،بعدما وضعت الحقيبة أسرعت للعودة للمستشفى دون األلتفات
آلسية ..تريد تجنب توديعها ..لكنها لم تتحمل األمر وقررت النظر ورائها ..كانت آسية لم تغادر بعد ..كانت
تنظر من النافذة تنتظر أن تنظر إليها نادية لتوديعها ..ابتسمت آسية لها وغادرت على الفور ..
بكت نادية وتوسلت إليها أن ال ترحل ..لكن للضرورة أحكام ..لكنهما تواعدتا بأال يفقدا األتصال بينهما..
وصلنا سيدتي..
نعم ..هذا هو العنوان المكتوب بالورقة وهذا هو الشارع ،لكن أعذريني سيدتي الشارع ضيق وال يمكنني الدخول
بالسيارة ...
نزل السائق وأخرج الحقيبة وعندما نزلت هي وقفت وقد عرض عليها مساعدته ال سيما بعدما علم بأنها ألول مرة
تزور هذا المكان لكنها شكرته وغادر ...
ِ
مساعدتك يا خالة ؟! هل يمكنني
229
عِ ضين
ضحكت آسية من لقب خالة تلك..
أصال ...
مفكرا ،أسرعت آسية لتصحح معلومات الولد ..ربما ال يعرف عمر ً
فرك الولد رأسه ً
أتبعيني يا خالة..
تبعته آسية ألى أن توقفا أمام أحد منازل الشارع ،أشار لها الولد..
ترك الولد الحقيبة وغادر بعد أن شكرته ،وقفت أمام المنزل لدقائق تفكر فيما ستقوله لوالدي عمر ،..ضغطت
على الجرس وأنتظرت ،بعد دقيقةً تقريبًا فتحت والدة عمر الباب ..فوجدت فتا ًة تبدو شاحبة الوجه تستند على
عكاز بيمينها وبجانبها حقيبةً كبيرة ،سألتها آسية..
أومأت والدة عمر برأسها أيجابًا ،بدت أن تلك الفتاة مألوفةً بالنسبة لها لكنها لم تتعرف إليها بعد ،على الفور
حملت حقيبة آسية وأدخلتها المنزل ثم ساعدت آسية على الدخول ومن ثم جلستا على أقرب أريكة بجانب
الباب ،تعجبت آسية من أستقبالها ،كذلك جاهدت والدة عمر لتتعرف عليها ..تبدو تلك الفتاة كانت عاجزة أو
231
عِ ضين
بدال من أدهم ..لحظة ..أيمكن أن تكون هي ؟! ،ساد الصمت بينهما ٍ
لحادث ما ..وتناديها بأم عمر ً تعرضت
أخيرا ...
لدقائق ثم قررت آسية التكلم ً
أنا ..أنا..
ٍ
بسؤال تخميني ... تلعثمت في الكالم فجأة وبدت أنها مترددة ،باغتتها والدة عمر
آسية ..؟!
لم تتخيل والدة عمر أن تخ مينها هذا سيترك أثر الدهشة على وجه تلك الفتاة ،حتى هي أندهشت ألندهاش
الفتاة ،ردت آسية وهي محدقةً بها ...
ِ
وحالتك تلك هي الوحيدة القريبة من عقلي.. كان مجرد تخمين ،تبدين مألوفةً بالنسبة لي
أحتضنتها والدة عمر مرحبةً بها ،حينها تذكرت آسية آخر مرة عانقت فيها والدتها..
ِ
أستقبالك لي هكذا ؟! ،رغم أنه مجرد تخمين ..؟! هل هذا هو سبب
صمت آخر بينهما أستمر للحظات ،فكرت آسية في نفسها ..هل تعلم والدة عمر شيئًا آخر سوى أنها آسية ؟!،
ٌ
مثال ..؟! ،قاطعت والدة عمر تفكيرها بسؤال..
زوجته ً
231
عِ ضين
أُخفق قلب آسية ،أدارت بوجهها بعي ًدا عاجزةً عن الرد ،..أحست والدة عمر بألم آسية وتجنبها لألجابة ..
كان يصعب عليها ف ي نفسها أن تنطق بخبر وفاتها ،لم تصدق حتى اآلن أن والدتها قد توفيت ،نظرت إليها
ودموعها على وشك األنطالق..
أين ِ
والدك يا آسية ؟! أين باقي أسرتك ..؟!
لقد توفي أبي منذ سنةً تقريبًا ..وأخي سافر ولم يعد بعد ..لذلك أتيت لهنا..
صعقت ..ال تصدق ما تسمعه للتو ..عمر تزوجها ؟! متى وكيف حدث هذا ؟! ،أكملت آسية كالمها ...
و كأنها ُ
232
عِ ضين
سرا وال يعلم به سوى أنا وعمر ووالدتي وصديقتي أماني ،لم يخبركم عمر بذلك ألنه كان يعلم
لقد تم هذا الزواج ً
أنكم لن توافقوا على أرتباطه بفتاةً عاجزة..
ساندتها للصعود للطابق الثاني ثم جعلتها ترتاح ثم دخلت هي لتجهيز المكان لراحة آسية ..
كانت والدة عمر تُجهز الغرفة التي ستنام فيها آسية لكنها سمعت صرختها ،أسرعت لتعرف ماذا حدث لها..
وجدتها تقف أمام التلفاز ثابتةً في مكانها مصدومة ..عيناها تحدقان بالتلفاز في صدمة ..التفتت هي األخرى
ناحية التلفاز لترى ما سبب صدمتها وصراخها ،للحظة بدا كل شيء غير مفهوم ،!..ما هذا ؟! كيف ذلك ؟!،
ذعرا وتبكي ووالدة عمر فارغةً فاها ال تصدق ما تراه !...
آسية ترتجف ً
سالحا مرتديًا زيًا داعشيًا يقاتل ضد قوات األمن العراقية ..كانت لحيتة
ً صورا لعمر وهو يمسك
القناة تعرض ً
كبيرة ..كان عمر داعشيًا..
و اآلن بعد أن عرضنا لحضراتكم تلك الصور ..دعونا نتساءل ..ما الذي يدفع عمر للقتال في صفوف تنظيم
سؤال ليس له سوى أجابةٌ داعش األرهابي ؟! ،مع العلم أنه أول ٍ
أمس فقط كان يقاتل تنظيم داعش نفسه ٌ ،!..
فعال قتل أخيه ..ليحصل على مكانه في التنظيم ..أذن األمر ليس أنه قتل
واحدة منطقية ..وهي أنه كان ينوي ً
داعشيًا ..تفكير شيطان ،..أمثال عمر هم من أساءوا لألسالم .
233
عِ ضين
-54-
لقد قتلته أتهاماتها له ،..بالنسبة له لم تكن كلماتها مجرد نوبةً عصبية أجتاحتها ..لقد قالت الحقيقة ..أو على
األقل ستكون هذه أتهامات الجميع له ،حتى لو كان كالمها غير حقيقي فسيظل هو يحتقر نفسه أينما كان وفي
كل لحظة ..لقد قتل أخاه..
حتى لو كانت هذه طبيعته البشرية وكان في نوبة غضب بسبب ضربات أخيه التي كادت أن تقتله أو السكين التي
مبررا حتى أمام نفسه لقتل أخيه ،..لقد قام بأعادة أول جريمة قتل بشرية..
كانت ستذبحه ..كل هذا ال يعطيه ً
مقتل قابيل على يد أخيه هابيل..
تساءل ..ما الذي أوصل األحداث لهذا الحد ؟! ،عندما ألتحق بالجيش كان يحلم بأن تُشفى آسية ..سافر فجأة
لمهمةً وطنية لكن ما لم يتوقعه في حياته أنه يتحول لقاتل وسافك للدماء ومجرم ،..تساءل ما الذي يفعله هنا ؟!
سؤال
أين بقية زمالئه بالكتيبة ؟! لماذا هو بالذات من ُحشر في هذا المكان ؟! ،سخر من نفسه عندما راوده ٌ
عجيب،..كيف وصل أخاه لهذا المكان ؟! ثم تذكر ذلك السؤال الذي طرحه على نفسه ..كيف هو نفسه وصل
لهذا المكان ؟! ،األجابة نفسها ولكن الطريقة مختلفة ...
خيرا لها
صدف يكون ً صدف أشر وأسوأ من ألف ميعاد ..هناك ُ خير من ألف ميعاد لكن هناك ُ
ب صدفةً ٌ يقولون ُر ّ
لو كانت بميعاد ، !..ما قطع تفكيره هو الجوع الذي أعلن تمرده الكامل وكاد يقتله ..لم يأكل شيئا منذ ٍ
يوم ً
حرك رأسه وأدرك بأن الجميع يحاول تهدئته وتحريكه..
أخيرا ّ
ونصف تقريبًا ً ،!..
كانت ماريان تحاول بشتى الطرق األعتذار عما بدر منها ..الرجل وأبنته يحاوالن تقديم الطعام له وجعله يأكل،
طويال للطعام المقدم له ..قطعة جبن ورغيف وبفطرته مد عمر يده وتناول أول لقيمة ..الجميع سعدوا
نظر عمر ً
عندما بدأ عمر باألكل ،كان عمر يأكل على أستيحاء ،..ظن الرجل أن عمر يقلل من شأن الطعام المقدم له..
أعذروني من فضلكم ..أعرف أن الطعام ليس بالجيد وال يليق بكم ،ولكن هذا فقط ما جنيناه من الحصار
المفروض علينا من تنظيم داعش ،نأكل اليوم وال نعلم أذا كنا سنأكل غ ًدا أم ال ...
234
عِ ضين
توقف عمر عن األكل فجأة وشعر باألحراج الشديد ..يأكل من قوت الناس الوحيد في هذا اليوم ،!..أدرك
الرجل خطأه ..لم يكن يقصد أن يقول ذلك ليتوقف عمر عن األكل ،أسرع ليوضح األمر ...
يا عمر ..ال أقصد ما فهمته يا رجلُ ..كل أرجوك ،أسمعني ..ما أقصده هو أنه منذ أن تم محاصرتنا من تنظيم
قليال ..هؤالء المرتزقة يستولون على تلك القوافل التي تصل الموصل
داعش والمساعدات الغذائية ال تصل إال ً
كمساعدات من عدة دول..
شعر عمر بالذنب وكان هذا واضح جليًا على وجهه ،ألح الرجل على عمر باألكل ..أربت على كتفه..
مرغما يا عمر..
أستحلفك باهلل يا عمر لتأكل ما هو أمامك كله ،ال تقلق أن اهلل هو الرزاق ..ورزقنا سيأتينا ً
بدأ عمر مرةً أخرى باألكل ..شعوره باألستيحاء يسيطر عليه ،بدأ يستفيق من غيبوبة التفكير التي سيطرت عليه
ضلت أن تخلق حديثًا
هذه الليلة ،حاولت ماريان كسر حالة الجمود لدى عمر وأن تُنسيه ما حدث منذ قليل ،ف ّ
لتجذب أنتباهه ،التفتت للرجل..
أنا جمال الدين سعد ..عقي ٌد سابق بالجيش العراقي ،وهذه أبنتي تغريد..
مطرود ..أول ما قام به األحتالل األمريكي في العراق هو تفكيك األجهزة األمنية هنا وأولها القوات المسلحة..
أنجذب عمر لكالم الرجل ،كان الرجل يتكلم بنبرةٍ حزينة ،سألته ماريان..
235
عِ ضين
عسكري سابق ؟!
ٌ رجل
و اآلن ..؟! ،أعتقد أن لكم جيش ..لماذا لم ترجع منصبك بأعتبارك ٌ
شعرت ماريان بالخجل عندما حادثت الرجل في موضوع ربما ال يحب أن يتكلم هو فيه ،عملت على تغيير
الحديث ..
أحمر وجه الرجل فجأة ونظر ألبنته في توجس وخوف من مواجهتها بس ٍر طالما حافظ على بقائه ً
سرا عنها ..
تغريد ..الوقت متأخر وسهرتي كثيرا الليلة ،ضيوفنا سيخلدون للنوم بعد قليل ،ستنام ماريان ِ
معك في غرفتك وأنا ً
وعمر سننام في غرفتي..
236
عِ ضين
أوال بتفكيك الجيش وتسريح قوادها ..ولم يكتفوا بهذا الحد ،..لقد
بعدما دخل األحتالل األمريكي بالدنا قاموا ً
قاموا بأعتقالنا في سجون أبو غريب ..بالتأكيد سمعتم بها ، ..أقذر ما حدث في تاريخ السجون قد حدث هنا في
سجون العراق..
هناك في تلك السجون حصل كل ما هو ليس آدمي بالمرة ، ..كانوا يغتصبون نسائنا أمام أعيننا وال نستطيع
حمايتهن ،وأنا واح ًدا من هؤالء ..لقد هتكوا ِعرضها أمامي وفي لحظة ألم ..ماتت ،ولم يكتفوا بهذا الحد ..فلقد
تعالت ضحكاتهم وأزداد عدد مغتصبيها حتى بعدما ماتت ،!..لقد هتكوا ِعرضها وهي ميتةً أي ً
ضا ،ماذا تتوقعوا
مني حينها ؟! ،بأتم معنى الكلم أخرجت الوحش الكامن بداخلي ..أستطعت األفالت منهم وأنقضضت على
أحدهم وقمت بقتله ،ال أعلم كيف أستطعت ذلك ولكنني فعلت !..
شعرت ماريان باأللم ،كذلك كون هذا الرجل قتل أحد الجنود األمريكيين في السجن تعني نهايته في الحال..
فكيف مازال على قيد الحياة ؟!
و ماذا فعلوا بك بعدها ؟! ،كيف لم يقتلوك ؟! ،من الطبيعي أن تكون تلك نهايتك !..
ال لم يقتلونني حينها ،..لقد تفننوا في طرق التعذيب ..بكل هدوء تم زجي في غرفةً مريبة ..حينها ظننت أنهم
علي جنسيًا..
سيقتلونني بطريقةً ما ،فجأة وجدت أن من دخل تلك الغرفة جنديات أمريكيات وقمن باألعتداء ّ
بمعنى آخر أغتصاب ..يعرفون أن للرجل العربي كرامة وقد قمن بهتك تلك الكرامة ..قام أحدهم بتصوير ما
ضا ..بعد ما حدث وبعد هتك عرضي
يحدث وبالطبع أستقر هذا الفيديو في المواقع األباحية ،لم يكتفوا بهذا أي ً
أنا كرجل أخرجوني عاريًا لساحة السجن الخارجية ..كانوا قد بنوا غرفًا بال سقف من السيراميك ..أدخلوني
كثيرا في
تماما ..كنا ً
بواحدةً منهم وفي ليلة الشتاء القاسية سلّطوا علينا خراطيم المياه العمالقة ونحن عاريين ً
نمت
المسلطة علينا ومن البرودة التي ال تُحتمل ،من شدة التعب وألم التعذيب ُ
الغرفة ،كنا نتألم من شدة المياه ُ
على األرض عاريًا ..أستيقظت على أصوات الكالب التي تحاول أن تنهش جسدي ..حاولت أن أحمي عورتي
جروحا في جسدي كله ..لم تعد لدي أي قو ًة لمزيد من مقاومة األلم..
ً فعال قد أحدثت
بسبب أن الكالب كانت ً
237
عِ ضين
كنت أشعر بأن النهاية قد أقتربت ،فوجئت بأنهم قد أحضروا جثة زوجتي وأغتصبوها مرةً أخرى في تحدي منهم
هذه المرة ألقاوم حتى ..هؤالء الحمقى ..قد هتكوا عرض األموات !..
بعد أسابيع من العذاب تم األفراج عني ،تذكرت بالصدفة أن لي بنتًا خبأتها عند أحد الجيران قبل أعتقالي ،وبعد
مرور السنوات وكباقي األطفال عندما يكبرون كانت قد الحظت غياب والدتها ..أخبرتها بأنها قد توفيت في
حادثة ..لم أكذب ..لكنني أخفيت باقي الحقيقة ،!..عملت بالمقاوالت بأج ٍر يومي ..واآلن ال أعمل..
قامت وأتجهت ناحية غرفة تغريد ..لم تتحمل ألم قصة هذا الرجل ،فجأة وجدت باب غرفة تغريد مواربًا ..كانت
تغريد تستمع لما يقوله والدها ..أستمعت لقصة وفاة والدتها ،!..كانت تبكي وتتألم لمعرفتها الحقيقة ..ياليتها لم
تعرف الحقيقة ..بعض الحقائق كان من األفضل لها أن تختفي !..
ومسرحا
ً ضا ..أصبحت العراق مه ًدا
و اآلن ظهر لنا تنظيم داعش فجأة ..أصبح جميع العراقيين يقاتلون بعضهم بع ً
لجميع األرهابيين ..من يحب أن يُظهر موهبته في األرهاب فاليمسك سالح ويأتي هنا في العراق..
طويال ، ..الرجل بذكرياته المؤلمة وعمر المتأثر بقصة الرجل ،قارن عمر بين قصته وقصة هذا
ساد الصمت بينهما ً
الرجل ،من األكثر مأساوية ؟! ،من قتل أخاه أم من ماتت زوجته وهي ُمغتصبةً أمامه ؟!
تسامر كالهما حتى قبيل الفجر إلى أن غلبهما النوم ..دخل عمر مع الرجل غرفته لينام ..غط الرجل في ٍ
نوم عميق
بمجرد أن وضع رأسه على وسادته ،أما عمر فظل مستيقظًا حتى الفجر يتذكر حديثه مع الرجل ..لقد نسي عمر
مطوال حول عدة قضايا أقليمية وعالمية ال سيما
عسكري سابق ..كان حديثًا ً
ٌ رجل
كل همومه وأستمتع بحديثه مع ٌ
238
عِ ضين
الحديث عن تلك الجماعات المتأسلمة مثل تنظيم داعش والقاعدة وغيرها من تلك الجماعات ..فكر عمر في
أنه ليس من الغريب أنضمام أخيه لتلك الجماعات المتأسلمة ،فلقد أنضم لتلك الجماعات شباب أوروبي
مسيحي ..الشيء الذي يدفع الشباب لأللتحاق بهذه الجماعات هو حمل السالح وأغوائهم بأحقيتهم في الدفاع
دائما ما يُصورون لرجالهم أنهم ُحماة هذا الدين
عن دين يحاربه الغرب بكافة الطرق الشرعية والغير شرعية ً ،!..
!..
كان أخوه واح ًدا منهم ..بعدما أختفى فجأة منذ سنتين وبعد فشل كل محاوالت البحث عنه ها هو فقط من عرف
الحقيقة ..أنه داعشيًا ..ثم أنتشرت هذه الحقيقة ومعها حقيقةً أخرى ..أنه قُتل على يد أخاه عمر..
قاطع تفكيره صوت أذان الفجر بالخارج ..تأكد عمر من أن الرجل غرق في ٍ
نوم عميق ،لقد أنجاه النوم من
ذكرياته المؤلمة ومن واقعه المرير ،قام عمر وغادر الغرفة بهدوء ..توجه لغرفة تغريد وبخط ٍ
وات هادئة سار ناحية
ماريان وقام بتحريكها ،فتحت ماريان عينيها في دهشة من تواجد عمر بالغرفة..
ٍ
وبصوت خافت .. أشار لها بالصمت
رجاءا..
هيا تحركي ،أتبعيني ً
أشار لها بخفض صوتها ،تبعته للخارج في الصالة ثم غادرا المنزل بهدوء ..ورغم أنها لم تفهم شيئًا إال أنها فرحت
ضا للراحة لبعض الوقت ،كانت تريد أن تعثر على طاقمها ثم مغادرة العراق
لهذا القرار المفاجئ ورغم أحتياجها أي ً
في أسرع وقت ..لن تستمر هنا أكثر من ذلك..
في بيت جمال ..فُتح باب غرفة تغريد ..أنها هي ..لم تنم وعرفت بمغادرتهم ..لفت أنتباهها ورقةً موضوعة على
المنضدة بجانب التلفاز ..أمسكتها وقرأت ما فيها..
239
عِ ضين
ضلنا المغادرة ..ال تقلق فربك هو ربُنا كذلك وهو من
" سيد جمال ..نحن نعتذر عما بدر منا هذه الليلة ..لقد ف ّ
ضا
آسف أي ً
ضا ،..آسفون لتذ ُكرك تلك الذكريات المؤلمة مع أنني أظن أنك لم تناسها قطٌ ،..
سيتكفل برزقنا أي ً
ألننا غادرنا دون علمك ..وسالمي عليك وعلى تغريد ..أتمنى أن أراك مرةً أخرى وتكون حينها بخي ٍر وصحة" ..
دخلت تغريد غرفتها والدموع لم تترك عيناها منذ أن سمعت بحقيقة حادثة والدتها..
241
عِ ضين
-55-
دائما بنظرية المؤامرات وهذا لم يأتي من فراغ ،..فلقد أصبحت الهجمات األرهابية ضد مصر كثيرة
كان يؤمن ً
بشكل مبالغ فيه اليومين الماضيين وكأن الجميع في الخارج يتسابق على شن أشرس هجمة على مصر ..والكارثة
األكبر أن تلك الهجمات أنتقلت من سيناء إلى المدن المصرية األخرى..
أُرهقت األجهزة األمنية في األونة األخيرة ،فلقد أحبط األمن المصري كل تلك الهجمات عدا تلك التي حدثت
مساء األمس في مول تجاري كبير بالقاهرة وأودت بحياة العشرات..
و كأي حادث أرهابي يحدث في مصر فأن أول من يُالم على هذا هو جهاز المخابرات واألجهزة األمنية بسبب
التقصير الشديد من وجهة نظر النشطاء السياسيين والشعب ..أنتقادات شرسة في األعالم ومواقع التواصل
األجتماعي ..
ضا ويحتفي بهما ؟! ،من يُقدر تلك المجهودات األمنية في أحباط
من يتكلم عن األنجازات واأليجابيات أي ً
العشرات بل والمئات من العمليات األرهابية ؟!
أن للبشر عامةً وللمصريين خاصة عادة سخيفة ..يتصيدون أخطائك وذالتك وال يذكرون أب ًدا نجاحاتك ..ماذا لو
علم الناس عن تلك الحروب األستخباراتية ؟! ماذا لو علموا بأن هناك من يقوم بالتضحية مقابل أن يُحبط
عمليات قد تُحدث كوارث بشرية ؟! هل الجميع سيدعمهم ؟! هل من أحد سيُقدر ويُثني مجهوداتهم العظيمة ؟!
أم كالعادة سينكرون ذلك ..؟!
241
عِ ضين
لكن المخابرات ليست معنية بالحديث عن أنجازاتها أو مهامها ،في النهاية وظيفة المخابرات األساسية هي حماية
األمن القومي ،أهم مبدأ للنجاح أن تعمل بصمت وتدع اآلخرين يتكلمون كيفما شاءوا ..أترك القيل والقال وأعمل
بصمت ..في النهاية أنت من ستُسأل عن هذا أمام اهلل وستجازى به ولن يقبل عذرك بأنك لم تستطيع بسبب أن
قالوا..
و رغم كل هذه األخفاقات التي حدثت فأنه مازال يعمل على أصالح كل هذا ،لكن ما كان يشغل باله أكثر هو
عمر الداعشي ..يعلم جي ًدا أنه قد تم أجبار عمر على القتال في صفوفهم ..لكن هل يعلم عمر مكان ماريان ؟!،
سؤال آخر ..هل عمر مقتنع بما يفعله مع تنظيم داعش أم أنه يفعل ذلك ألجل ماريان ..؟!
راوده ٌ
المشكلة هنا أنه حالما يجد ماريان يكون قد أقتنع بما يفعله ..حينها سيكف عن البحث عنها ..الوقت ليس في
صالحه ..ماذا سيفيد أن وجدها بعد أن أقتنع بقتاله بجانب داعش ..؟!
أحتمال صادم ..أنتفض من مكانه بسرعة ..راوده أحتمال مفزع ..ماذا لو قام عمر بذبح ماريان ؟!
ٌ فجأة صدمه
242
عِ ضين
-56-
كان لز ًاما عليهما المغادرة ..ال يمكنهما األختباء أكثر في منزل هذا الرجل ،الرجل يجد قوت يومه بصعوبة وهذا
أصال ..السبب اآلخر لمغادرتهم هو أنهم ال يريدون أقحام الرجل وأبنته في مطارة داعش لهم
أن حصل عليه ً
والتسبب لهم بمشاكل هم بالتأكيد في غنى عنها..
غادروا بهدوء دون أن يخبروه بذلك ..ومرةٌ أخرى يسيرون في طريق المجهول ،فهمت ماريان ذلك تلك المرة ولم
تسأل عن وجهتهم المقبلة..
أثناء سيرهم في شوارع الموصل رأوا مشهد أنساني ُمريع ..رأوا رجل ربما يقارب الخمسين يجري وراء آخر عربة
في قافلة أنقاذ غذائية كانت قد غادرت بسبب الزحام الشديد عليها ..كان يريد اللحاق بها لعله يستطيع سرقة
لقيمات يسد بها جوع أسرته ،أمسك بمقبض العربة الخلفي وصعد لكن العربة توقفت فجأة بسبب تجمهر األهالي
قليال فتم دهسه ،!..والغريب
أرضا ولسوء حظه رجعت العربة للخلف ً
أمامها لتقف ..تعثرت قدمي الرجل فوقع ً
أن أهالي المنطقة تجاهلوا األمر وكأن شيءٌ لم يحدث ..سعوا فقط للحصول على الطعام غير مبالين بالرجل
المقتول ،!..بكت ماريان لرؤية أطفال ذلك الرجل وهم يحاولون أيقاظه..
ٍ
لمسافات بعيدة في المدينة لعلهم يصلوا إلى قسم شرطة أو مكتب أمسكها عمر وأجبرها على المغادرة وساروا
حكومي يستغيثوا به لكنهم فشلوا في أيجاده..
على بعد أمتار كانت هناك عربة نقل ستتحرك وتغادر المكان ،حضرته فكرة سريعة ..شد ذراعها مرةً أخرى للحاق
بهذه العربة قبل أن تسرع ..طاوعته في ذهول ..وفي اللحظة األخيرة فهمت أن عليها التعلق بمؤخرة العربة
والصعود على متنها ،هذه المرة سيتركون عربة نقل هي من تحدد وجهتهم..
ٍ
صمت طويل ،ففكرت أن تكسر ذلك الصمت ... ساد بينهما
عمر ..أنا آسفة ،آسفة عما بدر مني في منزل هذا الرجل ،كنت فقط عصبية و...
فعال ،قادتني الصدفة الغريبة من مصر للملكة المتحدة ثم للعراق لتتبُعك أنت
ح ًقا آسفة يا عمر ..لم أقصد ذلك ً
حدث هام ..كذلك أنت قادتك المصادفة ألغرب ما يتخيله عقل !..من مصر لليمن ثم العراق
بالذات ولتصوير ٌ
وأخيرا..
ً
توقفت فجأة ..ال تريد أن تجرحه من جديد ،رسمت أبتسامة ورفعت حاجبيها وبثقة أخبرته ..
ربما لم يتفهم الجميع أمرك ..لكنني أخبرك وبكل ثقة أن هناك أحدهم يتفهم أمرك جي ًدا..
ٍ
بصوت مسموع.. فهم عمر أالم تشير ماريان ..أنها آسية ..تلك الفتاة الرائعة ..بدا عليه التفكير
لم أنسى ذلك اليوم أب ًدا ..اليوم الذي غيّر مسار حياتي كلها ، ..أتذكر اليوم الذي ألتقينا فيه ألول مرة باليوم
والتاريخ والساعة والمكان ،..كل لحظة أتذكرها ..كل لقاءٌ حدث بيننا وما حدث فيه ..أتذكر حديثنا كله وكأنه
يحدث أمامي كل يوم ..أتذكر تفاصيل لقاءاتنا جميعها ..
كل ما يُحكى عن أسطورة النظرة األولى حقيقي ،..بدأت حياتي منذ تلك اللحظة تحدي ًدا ،..عرفت معنى الحب
خشيت أوقات أن
ُ ضا أدرك بأن حياته ال تساوي شيء بدون اآلخر،
كل منا يحب اآلخر وكالنا أي ً
معها ..كان ٌ
أعترف رسميا بحبي لها لكنني كل مرة كنت أفضل التسويف ٍ
لوقت آخر خشية أن تُسيء فهمي.. ً
عندما حان الوقت لألعتراف تلقيت صدمةً لم أكن ألتخيلها ...ستتزوج ..ظننت أن هذه النهاية وكل شيء قد
فعال ،لكن أرادة اهلل كانت حاضرة لتُظهر لي عجائب قدرته ،تُصاب بالشلل في حادثة ويبتعد من كان
أنتهى ً
سيتزوجها عنها لتجدني أنا أمامها من جديد ويعطيها اهلل سببًا آخر للحياة..
244
عِ ضين
ضا بزواجنا أن األمور قد أنتهت لصالحنا هذه المرة ..لتظهر لنا من جديد
كنت أنا الحياة بالنسبة لها وظننت أي ً
فصل جديد عليكم التعايش معه ..
أرادة اهلل ويقول لنا أن األمر لم ينتهي بعد ،..هناك ُ
قليال وأغمض عينيه ...
أرجع رأسه للوراء ً
و عندما غادرت أدركت معنى إنفصال الروح عن الجسد ،..قد يكون كل إنفضال الروح عن الجسد يعني الموت،
ميت على قيد الحياة..
هذه حقيقة فأنا ٌ
ما جذب إنتباههم هو توقف العربة ...نظر عمر حوله فوجد إنهم بمكان يبدو هادئًا وراقيًا في هذه المدينة ..إذن
ضا هو
ليست كل األماكن سيئةً هنا وربما يتم العثور على المساعدة هنا للخروج من هذا المكان ،جذب إنتباهه أي ً
مثال ثم سرعان ما رأى شعار فريقه المفضل
أصوات ضجيج داخل مقهى ،فكر في إنه قد تكون هناك مباراة مهمة ً
في كرة القدم ..لاير مدريد اإلسباني ..نسي كل همومه في هذه اللحظة وأرتسمت تعابير البهجة والسعادة على
وجهه ،كان يعشق كرة القدم وباألخص هذا الفريق ..كان يعرف أن أغلب العراقيين يشجعون فريق لاير مدريد ..لم
يتابع فريقه المفضل بسبب هذه المهمة اللعينة ،تقدم بحماسة بإتجاه المقهى ...حاولت ماريان لفت أنتباهه إلى
فعال على وشك دخول المقهى ..فكرت بأنها تلحق
أن هناك قسم شرطة في الجهة األخرى من الشارع لكنه كان ً
به وحينما تنتهي المباراة يمكنها إخباره باألمر ،زفرت ماريان ...
اللعنة على كرة القدم ،..ال أعرف ما المتعة في الجري وراء شيءٌ دائري لعين..
إلتحقت به ودخلت المقهى معه ..الصخب يملئ المكان ،تبدو مباراةً مهمة ،التفتت لترى وجه عمر المتحمس
ج ًدا ..فرحت بذلك ،يبدو إنه وجد شيئًا يخفف عنه عبء ومشاكل اليومين الماضيين ،آمنت فعال بسحر كرة
القدم على الرجال لدرجة انها أنست عمر همومه كلها !..
ضا مناطق
تعرف ماريان جي ًدا من خالل عملها كمراسلة األوضاع في العراق ،هناك مناطق محاصرة وهناك أي ً
المؤمنة،
يسيطر عليها األمن العراقي ..لكن ال يمنع هذا وجود عمليات أرهابية في بعض االحيان في تلك المناطق َ
دائما في المناطق الحيوية المليئة بالصراعات كان من الصعب عليها تخيل أن هناك مناطق بهذا
وبحكم عملها ً
245
عِ ضين
القدر الغريب من الهدوء والرقي في العراق بالذات ..األعالم ال ينقل سوى الصراعات والخراب حتى يظن الناس
معا..
أن العالم كله شر وخراب وينفي مبدأ أن في كل مكان يتواجد الخير والشر ً
سمعت ماريان أصوات صخب في الخارج لكنها لم تستطع أن تخرج لتعرف ما يحدث بالخارج بسبب تكدس
ال مشجعين على مدخل المقهى ،لكنها رشحت بأن هناك أحتفاالت بالخارج ..لكن شيئًا ما يقلقها ،حاولت أن
عالم آخر ..هنا فرحة
عالم وفي الخارج ٌ
مندمجا في الحديث مع مشجع آخر ..هنا ٌ
ً تخبر عمر بقلقها لكنه كان
ذعرا وتوقف قلبها وتسارعت أنفاسها عندما رأت من بعيد
وفي الخارج أحزان ال تنتهي ..للحظة إتسعت عيناها ً
رجاال مسلحين يلبسون زيًا أسود مندفعين نحو المقهى ، !..أمسكت بذراع عمر وهزته بعنف فنظر إليها في
ً
دهشة من تصرفها المفاجئ ،لم يسمعها بسبب الصخب المنتشر في المكان ..إقتربت وصرخت في أذنيه
وأخبرته ،لم يتمكن من اإللتفات للوراء..
للحظة ساد المكان كله األضطراب والرصاص المتراشق وتساقط الواحد تلو اآلخر ،..دخلت المجموعات
أرضا وسط إندفاع الجميع عشوائيًا وسقط
المسلحة وأطلقت النار عشوائيًا في جميع االتجاهات ،إنبطح عمر ً
246
عِ ضين
وبدال
ميت مرة أخرى لكنه ً
وصدم رأسه باألرض صدمة قوية ..تألم بشدة وحاول تمثيل إنه ٌ
قتيال ُ
عليه شخص ما ً
عن ذلك بحث بيديه عن ماريان!..
ماريان ..ماريان..
بصرا ..حاول
ردا منها ،أين هي ..؟! ،هل قُتلت ؟! ،كان نصف ُم ً
قالها بصوت يشوبه األلم والضعف ..لم يتلقى ً
جاه ًدا البحث عن ماريان لكنه لم يُفلح ،أحس بنفسه يرتفع عن األرض ..أحدهم يساعده ..بدأ يفقد وعيه شيئًا
فشيئًا..
على الشاشة فريق يتوج بأمجد الكؤوس األوروبية ،..وما حول الشاشة دماءٌ متناثرة ،..على األرض جثث ُملقاة،..
في المكان مأساة أخرى ،بين الجثث ال توجد ماريان ،وال يوجد عمر كذلك !! ...
247
عِ ضين
-50-
ظن إنه قد رحل عن هذه الدنيا وإرتاح من العار الذي لحق به ..ظن أن األمور قد أنتهت وأنه سيُحاسب عما
عالم بكل شيء ولن يخيب ظن اهلل به
سوءا ولم يعلموا بحقيقة األمر فإن اهلل ٌ
قريب ..بالتأكيد إن ظن الجميع فيه ً
..
حامال لراية
كيف سيكون األمر عندما يقف هو وأخيه جنبًا إلى جنب متخاصمين أمام اهلل؟! ،من منهم سيكون ً
الحق ؟ ،من تمسك بدينه وحاول جاه ًدا أن ينصره ولكنه فعل ذلك بالطريقة التي تسيء لإلسالم أم ذلك الذي
إكتفى بعالقته المتواضعة مع اهلل وأن يكتفي بأن يرى الناس اإلسالم في ُخلقه لكنه في النهاية قتل أخيه ..؟!
صعق عندما راوده أحتمال مفزع لم يفكر به طوال األيام الماضية ..القاتل والمقتول في النار ،!..هذا قول رسول
ُ
مستسلما وتركه يفعل ما
ً فعال هذا القول على كالهما ..في البداية لم يكن يريد هو قتل أخيه ..كان
اهلل وينطبق ً
يشاء به ولكن في النهاية هو من قتل أخيه وليس العكس ..إنطبق شرط رسول اهلل ليكون القاتل والمقتول في النار
تحصل على فرصته المناسبة لقتل القاتل لفعل ،فما بالك بالقاتل نفسه ؟!! ،لكن ..يشعر
وهي لو أن المقتول ّ
صفع بالماء على وجهه ،شهق ثم فتح عينيه بثقل في جسده ..يشعر بشيءٌ ما حوله ،فجأة وجد نفسه قد ُ ٍ
بصعوبة في ذهول ! ،ما زال حيًا ؟! ،حاول أن يتذكر آخر شيء قد حدث له لكنه تفاجأ بأن أحدهم يصيح به في
غضب ...
248
عِ ضين
مرغما في طرقات أشبه بالمتاهة ، ..كانت هناك أصوات من حوله وبعدة لغات أين يسير ،!..كان يسير معهم ً
كذلك ، !..لم يستجمع كافة أفكاره بعد ،ما يدركه فقط اآلن إنه أسير أحدى الجماعات المتطرفة ..فجأة أُجبر
علي التوقف ثم نزعوا ذلك القناع فوجد نفسه واق ًفا أمام إحدى الغرف ،كان هناك من يحرس الغرفة ،..فتح لهم
ٍ
بصوت شجي .. الباب وسمح لهم بالدخول ،عندما دخل عمر مقي ًدا وجد شخص ما يقرأ القرآن
ص ٍد فَِإن
ْع ُدواْ لَ ُه ْم ُك َّل َم ْر َ
وه ْم َواقـ ُ
ص ُر ُ
اح ُ
وه ْم َو ْ ث َو َجدتُّ ُم ُ
وه ْم َو ُخ ُذ ُ ين َح ْي ُ ( فَِإ َذا انسلَ َخ األَ ْشهر الْحرم فَا ْقـتـلُواْ ال ِ
ْم ْش ِرك َ
ُ ُ ُ ُ ُُ ُ َ
يم) الزَكا َة فَ َخلُّواْ سبِيلَهم إِ َّن اللَّه غَ ُف ِ
الصال َة َوآتَـ ُواْ َّ
ور َّرح ٌ
َ ٌ َ ُْ تَابُواْ َوأَقَ ُامواْ َّ
أغلق المصحف ونظر بإتجاه عمر ، ..قام من مكانه وأتجه ناحيته ليقف أمامه مباشرة ..تبادال النظرات الحادة
بينهما ،كالهما لم يتنازل عن النظر بحدة في عيني اآلخر لكن الفارق هنا أن ذلك الرجل يكاد يسمع دقات قلب
عمر المتسارعة ..لحظات ما قبل الموت ، ..أو هكذا كان يظن ،فجأة أطلق ذلك الرجل ضحكة مكتومة ثم
ساخرا ..
تعالت ضحكته ثم قال ً
من حسن حظي أن رجالي كانوا يقظون و يعملون بتركيز ليلة أمس ،ثواني قليلة كانت كافية بإعالن موتك انت
في من جديد ..
وهي ،ستتم مكافآتهم بالتأكيد ..فأنت طريقي الستعادة ثقة الخليفة ّ
و كأن عمر لم يسمع سوى كلمتين فقط " أنت وهي " ..ماريان ..ليلة أمس ..المقهى ..الهجوم اإلرهابي ،قُتلت
؟!! ..ال ال كالمه يدل على إنها مازالت على قيد الحياة مثله ،قطب عمر حاجبيه في غضب وسأله ..
أين هي ؟!
تعجب من نبرة صوته المتحدية فأطلق ضحكةً ساخرة مرة أخرى ..
249
عِ ضين
ضا تلك الشخصية الغريبة والغامضة ذاتها ،عليك أن تفكر في نفسك اآلن يا عمر ودعك من اآلخرين
لديك أي ً
..
لم ينتبه عمر ألي كالم سوى أن هذا الرجل لم يجيبه على سؤاله ،كرر سؤاله بنفس حدة الغضب ..
ٍ
بشكل أوضح مكانها سيعتمد على إختيارك.. هذا يعتمد على تعاونك معنا ..أو
وضع اهلل سبحانه وتعالى أمامنا طريقان ..الهداية والضالل ،وعلى األنسان أن يختار بينهما وعلى أساس أختياره
سيكون جزاؤه ..إما جنةٌ عرضها السموات واألرض أو في جهنم خال ًدا فيها ..أبعدنا اهلل وأياك عنها ..
ما عالقة هذا بسؤالي ؟! أين ماريان ؟ ،ومن أنت وماذا أفعل أنا هنا ؟!
تماما ...
عني ٌد مثله ً
متسائال..
ً قاطعه عمر
251
عِ ضين
قالها بسخرية مما جعل عمر يقطب حاجبيه مستغربًا ،فهم الرجل أن عمر لم يفهم بعد ،ضرب بكفه على جبهته
..
يا رجل ال تقول لي إنك ال تعرف أن أخاك كان يُلقب هنا بأبو عمار..
ساهما ،يلتفت حوله مشرد الذهن غير مصدقًا لما سمعه ..أو حتى لما رآه ..كيف
صعق عمر لما سمعه ..وقف ً
ُ
لم ينتبه لذلك ؟! ،راية داعش مثبتة على الحائط ..لقد فهم األمر كله ،لكن يتبقى شيء واحد فقط ال يفهمه..
لماذا لم ينتقموا منه ويقتلوه حتى اآلن ؟! ..هل لذلك عالقة بما يسعى إليه ذلك الرجل؟! ،إستطرد الرجل كالمه
...
لندع موضوع أخاك جانبًا ولتسمع عرضي لك ،ولك حرية األختيار ..
بدا على عمر التركيز ،لحظات صمت بدا على ذلك الرجل أنه يرتب كالمه ..مسألة إقناع عمر ليست بالسهلة،
قائال..
إستطرد ً
نظر إليه عمر نظرة أنكار ،ال يعرف لكنه يشك باألمر ،أستطرد الرجل..
علي
ب ّ وج َ
من العدل أن أمنحك حق أختيار مصيرك ..إما ان تكون معنا أو علينا ،لكن قبل أن تقرر أيضا مصيرك َ
أن أوضح لك كافة األمور ..من نحن ؟ وما هدفنا ؟ هل ما يشاع عنا صحيح ؟!
يريد الدخول بمقدمة ليقنع عمر بما يريد هو الوصول إليه ،فيما كان يسخر عمر في نفسه من هذا الداعشي ،هو
نفسا
ح ًقا يعرف من يكون هؤالء ..قتلة ..سفاحين ..أرهابيين ..متأسلمين وجنود الغرب الخفية ،..أخذ الرجل ً
عمي ًقا ..كان مستع ًدا لمناقشة حتمية اآلن ..
أعرفك بنفسي يا عمر ..أنا عثمان بكير ..المساعد األول لحضرة الخليفة أبو بكر البغدادي ..أنشأنا تنظيمنا هذا
تمهي ًدا لعودة الخالفة اإلسالمية ..من جديد سنحكم العالم..
251
عِ ضين
أحالم وردية يا هذا..
ٌ
ليست أحالم يا عمر طالما لدينا أيمان بهذا سنفعل ..طالما ننفذ ما أمرنا اهلل به سيأتي اليوم الذي نُكافء به من
اهلل عز وجل ..
و هل اهلل أختاركم أنتم بالذات لتنفذوا أوامره وتقوموا أنتم بمهمة أستعادة مجد المسلمين ؟! ،ثم ما هي أوامر اهلل
التي تسعون لتنفيذها ..القتل والدمار والخراب وترويع الناس وذبحهم وقتلهم دون ذنب ؟!
فتحنا كتاب اهلل وتدبرنا أياته فوجدنا إننا أُمة أضاعت دينها بأيديهاُ ..أمة رضيت بالذل والهوانُ ..أمة هجرت
ِ
ب إِ َّن قَـ ْومي اتَّ َخ ُذوا َه َذا الْ ُق ْرآ َن َم ْه ُج ً
ورا ﴾ . ول يَا َر ِّ
الر ُس ُ
ال َّ
﴿وقَ َ
القرآن ..يقول اهلل َ
ساخرا..
ابتسم عمر ً
ال تقول بأنك تريد أقناعي بتنظيمكم هذا ..أنتم أرهابيين على كل حال..
حسنًا ..يمكننا أن نتناظر اآلن ..ما رأيك ؟ ..أخبرك بقناعاتي وأنت تخبرني بما لديك وعلى أية حال سنصل
لنتيجةً ما..
شعر عمر بقشعريرة تسري بجسده ..لم يعتاد أب ًدا على المناظرات أو التحدي من هذا النوع من النقاش ،ثم أنه
غير مست عد لمناظرة داعشي ،بالتأكيد حججه ستكون ضعيفة أمام هذا الرجل ،!..صمت ولم يبدي موافقته لكن
عثمان أعتبر سكوت عمر هذا موافقة ،..رتّب كالمه في عقله وأستعد جي ًدا لمناظرة ضرورية اآلن ألقناع عمر ..أو
بمعنى أدق يستعد ألقناع عمر بأي حال من األحوال بغض النظر على أنها ليست مناظرة من األساس ..
252
عِ ضين
إسما ...في البطاقة مسلمين وفي نحن أُمةٌ سقط منها إسالمها وخرجت علينا أجيال ال تعرف عن اإلسالم إال ً
حياتهم فاسقين ..أنتشرت السرقة والخداع والنفاق والكذب والرشاوي والزنا وكذلك الفساد في كل شيء (ظَ َه َر
ض الَّ ِذي َع ِملُوا لَ َعلَّ ُه ْم يَـ ْرِج ُعو َن) ،..نسينا ديننا ونسينا ت أَي ِدي الن ِ ِ ِ الْ َفس ُ ِ
َّاس ليُذي َق ُهم بَـ ْع َ اد في الْبَـ ِّر َوالْبَ ْح ِر بِ َما َك َسبَ ْ ْ َ
أوامر اهلل ،نسينا الرسول وسنته ،نسينا إسالمنا حتى خدعونا الغرب ويدعوننا باإلرهاب ..يقتلوننا ويعذبوننا
ويشردوننا ويُـ ّهجروننا من بيوتنا ويسلبون اموالنا وبعد كل هذا نتبعهم..
أنشأنا هذه الدولة ( داعش ) لردع الكافرين وإعادة اإلسالم لمكانه الطبيعي وقتال كل أعداء اهلل واإلسالم ..
الجميع حولنا كافرون ..الشيعة كافرون ..النصارى وإليهود كافرون ..حتى المسلمين المتقاعدين هم للكفر أقرب
جميعا..
منه لإليمان ..واهلل أمرنا بقتالهم ً
قطب عمر حاجبيه وقال بأستهجان وسخرية من كالمه ..
تماما..
لم يتعجب عثمان من الجرأة والشجاعة التي يبديها عمر في هذا المكان بالذات ،أخوه مثله ً
يا رجل ال تصدق كل ما يُعرض في األعالم ،..متى حدث وأن قتلنا أبرياء ؟! ،ديننا ال يأمرنا بذلك ونحن ال نفع ـ
...
253
عِ ضين
ال تكلمني بأسم الدين يا هذا ،..ثم أن الموضوع ال يتعلق باألعالم ..لقد حدث هذا معي أول أمس حين هاجمتم
لكنت ميتًا االن..
ودفنت معهم حينها ولوال أن أحدهم أنقذني ُ
الناس في شارع في شوارع الموصل وقتلتموهم ُ
قليال ..يريد السيطرة على األمور دون أن يصيب عمر
لحظات صمت فكر حينها عثمان بتهدئة األجواء ً
بالعصبية..
اوال ..النصارى وإليهود وغيرهم ، ..هؤالء كافرون وال خالف عليهم ،يقول اهلل ( َوَمن دعنا نبدأ بغير المسلمين ً
ِ ِ ِِ ِ ِ ِ
ين) ،..أذن فأنا وأنت نتفق على كون هؤالءاإل ْس َالِم دينًا فَـلَن يُـ ْقبَ َل م ْنهُ َو ُه َو في ْاآلخ َرة م َن الْ َخاس ِر َ
يَـ ْبتَ ِغ غَْيـ َر ِْ
كفرة ..وحيث أنهم كافرون فإننا مطالبون كمسلمين قتالهم حتى يُسلموا ..يقول حبيبنا المصطفى في حديثه (
أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال اهلل)..
و لكن اهلل قال ( َال إِ ْك َر َاه فِي الدِّي ِن ) ،فلماذا نُكره الناس على األسالم ً
بدال من أن نقتلهم ..؟!
254
عِ ضين
ب
ْح ْر ُ
ض َع ال َ شدُّوا ال َْوثَا َق فَِإ َّما َمنًّا بَـ ْع ُد َوإِ َّما فِ َد ًاء َحت ٰ
َّى تَ َ َّى إِذَا أَثْ َخنتُ ُم ُ
وه ْم فَ ُ الرقَ ِ
اب َحت ٰ ب ِّ ض ْر َ
ين َك َف ُروا فَ َ ِ َّ ِ
لَقيتُ ُم الذ َ
ض َّل أَ ْع َمالَ ُه ْم )..يل اللَّ ِه فَـلَن ي ِ
ين قُتِلُوا فِي َسبِ ِ َّ ِ
ُ ضا ( َوالذ َ أ َْوَز َارَها ) وهناك أي ً
ثانيًا ..قول اهلل ( َال إِ ْك َر َاه فِي الدِّي ِن ) قد تم تحريف معناه الحقيقي من شيوخ هذا العصر أو من يسمون أنفسهم
ُدعاة األسالم ..تفسير هذه اآلية هو أن اهلل قد ّخير الناس جميعهم بين دين األسالم أو ال ُكفر ولم يفرض علينا
األسالم عنوةً ،وإذا ما إختاروا غير اإلسالم وجب علينا قتالهم كما أمرنا اهلل ..وهذه بالمناسبة الحرية التي
يفتخرون بها الغرب في بالدهم ..
مبتهجا
ً فكر عمر للحظة ..كيف يأمر اهلل صراحة في القرآن بقتل كل من هو غير مسلم ؟! ،أما عثمان فكان
بسبب صمت عمر هذا ..هذا يعني أنه يستمع له ويفكر في كالمه ..
دائما ما
يوما ما ..أتأخذونهم بذنب حكوماتهم ؟!ً ،
لكن ما ذنب المراسلين الذين تذبحونهم ؟ ،قد يعلنوا أسالمهم ً
تُظهرون أن ديننا دين قتل ودمار ..لقد صححتم إدعاء الغرب بأن األسالم دين أرهاب وقتل ،بهذه الطريقة سينفر
يوما ما ..لقد أسأتم لديننا..
إليهود والنصارى من التفكير في اإلسالم ً
فكر عثمان للحظة ثم قال ..
أوال نحن غير مبالين برأي الغرب في ديننا ما دمنا ننفذ أوامر اهلل ،ثم إنهم ال يتركوننا أبدا سواء في السلم أو
ً
الحرب ولذلك سنواصل جهادنا وقتالنا في سبيل اهلل ..
ثانيًا نحن نجذب شباب أوروبي إلينا وهذا يعني إننا نصل إليهم في عقر دارهم ولهذا يحاربوننا في ديننا،
وبخصوص هذا فنحن ُدعاة إسالم وليس سبب لنفور الناس عن ديننا ..
قام من كرسيه والتف حول عمر وأربت بيده على كتفه ..
ثالثا ..أنظر لنفسك ياعمر ،فلو كنا ح ًقا إرهابيين كما يدعي األعالم لكنا قتلناك كذلك ال سيما إنك قد قتلت ثاني
رجل في دولتنا بغض النظر طب ًعا إنه أخاك..
أهم ٌ
255
عِ ضين
تالحقت أفكار عمر القديمة ..كان كمثله من الناس قد سمع مناظرة منقوصة أو أشباه مناظرات وقد حفظ فقط
بعض الردود التي يعرف في قرارة نفسه إنها ضعيفة وغير مجدية أمام هذا الرجل ،أما عثمان فكان يريد ضرب
الحديد وهو ساخن كما تقول األمثال ..يريد أستغالل توتره ،أستطرد عثمان..
ضا ردي على الهجوم الذي قمنا به في الشارع الذي كنت تسير فيه أو ذلك المقهى ،في حقيقة األمر
لم أنسى أي ً
كنا ننفذ عملية إنتقامية ضد الخوارج ( الشيعة ) ...
هم صحيح مختلفون عنا لكنهم في النهاية مسلمون ،لماذا هم كافرون ولماذا نقتلهم من األساس ؟!
فرح عثمان بسؤال عمر هذا ،..سؤاله يدل على إنه أقتنع بأن غير المسلم كافر وهذا سيسهل مهمته ،مرًة أخرى
جلس أمام مكتبه وفتح فيديو آخر فيه مشاهد لشيوخ وأئمة شيعية وهم يلقون محاضرات ،ذُهل عمر مما رآه
وسمعه ،..بعد أنتهاء المشاهد أكمل عثمان كالمه ..
كما ترى ياعمر ..الشيعة يسبون ويشتمون آل بيت رسول اهلل ويلعنون صحابة رسول اهلل ..أبا بكر الصديق صديق
الصادق األمين وعمر ميزان العدل البشري في األرض وقد قدسوا سيدنا علي كرم اهلل وجهه وكأنه إله ،! ..ويرون
بأنه األحق برسالة األسالم وعندما أنت قدناهم رأوا بأن علي له األحقية بخالفة رسول اهلل عن أبا بكر وعمر وعثمان
رضي اهلل عنهم أجمعين ..كما أن لهم قبلة خاصة بهم ..لهم كعبة غيرنا ،حتى أن علي رضي اهلل عنه قد روي
حديث عن رسول اهلل ( ..يقول الرسول ..يا علي أال أدلك على ٍ
عمل أن عملته كنت من أهل الجنة – وأنك من
أهل الجنة -؟ سيكون بعدنا قوم لهم نبز ( لقب ) يُقال لهم الرافضة ( الشيعة ) فإن أدركتهم فقاتلهم فأنهم
مشركون ) ...
رفع عثمان حاجبيه في سيطرة واضحة على المناظرة ..لقد نجح في األمساك بزمام األمور هنا ،صحيح أن عمر ال
مقتنعا لكن كونه مرتب ًكا فهذا يعني أنه تأثر بكالمه ..
يبدو عليه ً
أتقبل بأن توصف ُأمنا عائشة بنت محم ًدا بالزانية ؟!!
256
عِ ضين
بدا على عمر الذهول والتوتر ..ال يعرف كيف يرد عليه ..حججه ضعيفةً ج ًدا ،هناك خطأ ما لكنه ال يستطيع
مقاومة هذا السيل الجارف من األفكار والقناعات الجديدة وتلك التساؤالت التي تظهر لها أجابةٌ اآلن أو تلك
التي غامضة ،إستغل عثمان حالة التراخي التي يمر بها عمر وأنغماسه في ذهوله وفك قيوده وأجلسه على الكرسي
..
ومسيطرا ..ال يدري ما عليه فعله وال يعرف فيما يفكر ..في ماريان التي ال يعلم
ً جلس عمر والذهول باديًا عليه
عضوا ..أم في
مكانها أو مصيرها ..أم آسية التي أفتقدها حد الجنون ..أم في ذلك التنظيم الذي كان أخوه فيه ً
ذلك الرجل الذي يحاول إقناعه بشيء طالما كرهه ( األنضمام لتنظيم أسالمي ) ،طالما إقتنع أن أي تنظيم
أسالمي هو فقط لتشويه األسالم ..حتى مقاومة هذا الرجل في هذا المكان باتت مستحيلة ..المقاومة هنا تعني
فورا ..هو مازال يأمل بأن يجد طريقة ليُك ّفر بها عن ذنبه األزلي ..ذنبه الذي تعلق به منذ أيام ..قتل أخيه..
القتل ً
هؤالء هم الشيعة يا عمر ...مشركون كما أخبرنا رسولنا الكريم ،يتبقى لدينا آخر فئة لنتكلم عنها ..المتقاعسين..
تقاعست أُمتنا عن الدين فكان عقابنا من اهلل إنه أبتالنا بمصائب ال حصر لها ..الفساد والجهل والفقر
اه ِدين ِمن ُكم و َّ ِ
َّى نَـعلَم ال ِ
الصاب ِر َ
ين َونَـ ْبـلُ َو أَ ْخبَ َارُك ْم ْ َ ْم َج َ واالستعمار ..وأعظم إبتالء هو إبتالء الدين ( َولَنَْبـلُ َونَّ ُك ْم َحت ٰ ْ َ ُ
) ..ظهرت شيوخ وآخرون ي ّدعونهم دعاة اإلسالم بأفكار الغرب ..خرج علينا الغربيين ليفهمونا ديننا على
طريقتهم ..نحن هنا لنعيد زماننا الذي كان لإلسالم فيه عزة وقوة ..نحن هنا نجاهد كما أمرنا اهلل ( يَا أَيُّـ َها النَّبِ ُّي
ص ُير ) وكذلك لنقاتل ( َوَما لَ ُك ْم َال تُـ َقاتِلُو َن اهم ج َهنَّم ۚ وبِْئس الْم ِ جِ
اه ِد الْ ُك َّفار وال ِ ِ
ين َوا ْغلُ ْظ َعلَْي ِه ْم ۚ َوَمأ َْو ُ ْ َ ُ َ َ َ ْمنَافق َََ ُ َ
ِ ِ فِي َسبِ ِ
ين )..
ض َعف َ يل اللَّه َوال ُ
ْم ْستَ ْ
و األمثلة على هذا كثيرة يا عمر..
257
عِ ضين
وخصوصا تلك التي تتحدث عن الجهاد والقتال في سبيل اهلل ،وعامة
ً تفضل يا عمر ..اقرأ القرآن وتدبر اآليات
المسلمين متقاعسين ..ال يهمهم سوى متاع الدنيا اآلن ويؤسفني أن أقول لك أن المسلمين حاليًا مسلمين
يوما ..بسبب إبتعاد الناس عن الدين أصبح غالبيتهم
بالفطرة ولو لم يولدوا مسلمين لما كانوا يفكرون في اإلسالم ً
يفكر بأن الجنة والنار والحساب والعقاب وهم ..والباقين ال يفكرون في هذا األمر إطالقًا..
منتظرا رد فعل عمر ..كان يأمل أن يكون عمر قد إقتنع ،..أما عمر فكان قد
ً كان عثمان قد انتهي من كالمه
ضرب بكل هذا الكالم عرض الحائط ،كان يقتنع بأن كل هذا الكالم نوع من أنواع غسيل المخ ،لكنه كان يفكر
في شيئًا آخر ..يفكر في إنقاذ ماريان والهروب من هذا المكان ،قاطع عثمان تفكيره ..
قام من مكانه وألتف حول مكتبه ليجلس أمام عمر مباشرة ،وضع يديه على ركبتي عمر ..
و إن رفضت ..؟!
ضا..
لن أفعل وال تفكر في ذلك أي ً
قام عثمان من مكانه ،وقال وهو يلتفت ليجلس على كرسيه..
خيار آخر يا عمر ،في النهاية ستنضم إلينا ..شئت هذا أم أبيت ..
ليس لديك ٌ
شيء هكذا..
ال تكن واث ًقا هكذا ..إن كنت تهددني بالقتل إن لم أنضم أليكم ،فأني أفضل أن أُقتل على أن أفعل ٌ
258
عِ ضين
إرتسمت تلك األبتسامة الماكرة على وجه عثمان ..
خطرت بباله ماريان ..ورقة ضغط رابحة ،كيف لم يفكر بهذا ..تم أحتجازها مقابل أنضمامه إليهم ،إما أن يكون
داعشي مثلهم أو يتم قتلها..
ٌ
قطع عثمان تفكيره ..
لدينا هنا الكثير من األسماء المرشحة ..لكنها مهمةً سهلة وال تحتاج لشخص ذو خبرة ،مهمة الذبح ليست مهمةً
خطيرة أو صعبة ..بأمكان أي طفل صغي ٍر مجاهد أن يفعلها..
سكت للحظات ثم نظر لعمر فأتسعت تلك األبتسامة الماكرة على وجهه في نفس اللحظة التي خفق فيها قلب
عمر ..ليس بسبب تهديد ذلك الرجل بقتل ماريان فقط ..وإنما بسبب تلك النظرة ذو األبتسامة الماكرة..
عرا عندما فهم ما يقصده هذا الرجل ..فهم أنه من سيقود هذه المهمة ..مهمة قتل ماريان!..
إتسعت عيناه ذُ ً
259
عِ ضين
-52-
كانت تلك األخبار التي وردته منذ قليل كافية لتوقف سيل األنتقادات التي ُوجهت للمخابرات في األونة
مثال كانت األتهامات تتراشق عليهم بالتقصير مرة وبالتسبب في حوادث مرة
األخيرة ،..ففي األسبوع الماضي ً
أخرى حتى وصل األمر ألتهامهم بتدبير التفجير الذي حدث في كنيسة بالصعيد بحجة أنهم يريدون أشغال الناس
في هذا الحادث بعي ًدا عن الذي يحدث في المجتمع المصري حالياُ من غالء لالسعار والتخبطات السياسية! ..
لكن كل هذا تغير منذ يومين ،أصبح غالبية الناس تفتخر بجهاز المخابرات ال سيما بعدما سربت المخابرات
تفاصيل أحباط تفجير كنيسة أخرى في القاهرة وكذلك أحباط محاولة أغتيال النائب العام المصري لألعالم ..لقد
كان يرى بأن لكي يوقف تلك األنتقادات التي من المؤكد أنها ستؤثر على عناصرها عليه بأن يعلن حاليًا عن بعض
الحقائق ..ال فائدة من النجاح دون أن يتم تقديم ولو قليال من الدعم لهم ،وأبسط أنواع الدعم التي تحتاجها
فعال عندما أدرك الناس بعد كل هذا أنهم في عالم مختلف
المخابرات من الشعب هي الثقة فقط ..وهذا ما تحقق ً
تماما عن عالم المخابرات ..عالم آمن وسط بحور الدم التي تحيط بالمنطقة العربية ..أدركوا بأن هناك عشرات بل
ً
مئات من الهجمات األرهابية التي يتم أحباطها والتي أذا حدثت ستخلف ورائها كوارث !..
أمس أستلم الرسالة االولى " لقد تم أستالم الهدف " ..فرح لذلك أذ أن خطته تسير كما هو المخطط له،
وبالتالي فهو ينتظر الرسالة الثانية ليقوم بحركته التالية ، ..فيديو آخر سيقلب الموازين وسيغير كل شيء ،فيديو
سي ساعد المخابرات على توجيه ضربات قاضية للجميع وستحصل منها على مكاسب سياسية هائلة ،أولها أظهار
قوة المخابرات المصرية وقدرتها على أختراق تلك المنظمات األرهابية وأرجاع مجد المخابرات المصرية من
جديد ..فمسألة أختراق تلك الجماعات طبيعيًا في عالم المخابرات فهو على يقين بأن أغلب عناصر داعش
وخاصة القيادات منهم هم في األصل عناصر أستخباراتية ٍ
لدول غربية ...
ثانيهما هو مساومة الدول الغربية لوقف العقوبات األقتصادية على مصر ووقف العدائية التي تظهرها هذه الدول
للسياسة المصرية أو ستضطر حينها المخابرات لنشر المزيد من هذه المشاهد وتفضح سياسة هذه الدول في
التعامل مع تلك المنظمات..
261
عِ ضين
ثالثهما هو تطبيق مقولة " أنقالب السحر على الساحر " ..أنقالب سحر األعالم على األعالميين ..األعالم
كاذب والناس تحب وتعشق الكذب واألعالميين يجارون الناس في الكذب ويبحثون عن الحقيقة الزائفة ليرضوا
الن اس بها ،وبذلك الشيء الذي ينوي فعله سيمنح للمخابرات العمل دون ضغوط أعالمية ألن حينها سيفقد الناس
تماما ..
الثقة في األعالم ً
تماما حول موضوع عمر ..ما حدث في هذا الفيديو الذي ين يديه والذي يستعد لنشره
أما رابعهما أنهاء الجدل ً
سغيّر تفكير الناس في عمر الذي تحول من أرهابي لبطل قومي جندته المخابرات المصرية في صفوف داعش وأنه
تحامل على نفسه وقام بالمستحيل وقتل أخيه الداعشي ..كانت مهمة وطنية ..هكذا سترى الناس عمر بمجرد
رؤيتهم لهذا الفيديو..
عزم على متابعة برنامج المذيعة شيرين هذه الليلة ،كان برنامجها يستمر ألربع ساعات متواصلة كل ليلة ..أربع
ساعات كافية لتقتل بها أدمغة الناس بسمومها التي تبثها كل ليلة بكالمها وموضوعاتها ونقاشاتها ..لقد صنعت
شهرتها بسبب دقتها في أختيارها للموضوعات الشائكة والمهمة ج ًدا..
تابع منذ قليل هجومها الشرس والمتواصل منذ يومين تقريبًا على عمر ،..وكذلك تابع تلك المشادة الكالمية التي
تماما أن آسية مازالت تثق بعمر وأن كل ما يحدث له مكيدة لكنها
كانت بينها وبين آسية زوجة عمر ،كان يعرف ً
قد يمر عليها أوقات تتساءل عن سبب أنضمام عمر لتلك التنظيم األرهابي ،!..تحتاج بشدة ألجابة منطقية لهذا
السؤال ،بين يدي شريف األجابة وليس األجابة فحسب ...هذا الفيديو سيكون عمر بسببه بطل قومي وليس
قليال
أرهابيًا ...فيديو سيجعل من آسية فخورة به وليس مجرد أنها قد تبحث عن مبررات ..سيطمئنها ذلك ولو ً
على عمر ..
تبقى على أنتهاء البرنامج حوالي ساعة تقريبًا وهذا هو الوقت المناسب لتوجيه ضربته القادمة ..سيخرس شيرين
بصيصا من األمل ،لكنه ال يستطيع األقدام على
ً لألبد بسبب أكتشاف الناس كذبها وأدعائاتها وكذلك ليمنح آسية
فعل هذا األن إال بعد التأكد من الرسالة األخرى ..الرسالة التي ستضمن سالمة عمر وماريان من قبضة تنظيم
داعش ..فقط يتمنى لو هذا يتم اآلن فهو يريد..
261
عِ ضين
قاطع تفكيره رنين هاتفه مرة أخرى ..رسالةٌ أخرى وفتحها بسرعة " ..تلك الطيور الحبيسة أنطلقت األن ..قريبًا
ستعود لديارها " ،..أتسعت تلك األبتسامة على وجهه ،لقد حان الوقت ..حان وقت معرفة الحقيقة !!..
************
كانت أماني قد شاهدت كباقي المصريين مشاهد قتال عمر في صفوف تنظيم داعش األرهابي في معركةً ما ضد
الجيش العراقي ..عندما علمت بوجود آسية في سوهاج أسرعت لرؤيتها والوقوف بجانبها خاصة بعدما نُشرت
تلك المشاهد ،فرحت أماني ألن آسية تماثلت للشفاء تقريبًا لكن حالتها النفسية سيئة ...
...لذلك وبعد كل هذا أتعجب ممن يدافعون عنه ، !..لقد إنضم لهذا التنظيم اإلرهابي الذي يقتل ويذبح
ضا ..حتى وصلت طبعا ،نكاح الجهاد وما خالفه ..تفجير كنائس ومساجد أي ً
األبرياء وتكفير كل البشر عداهم ً
وخلفت وراء هذه
نفوذهم هنا في مصر حينما فجر أحدهم نفسه في الكنيسة منذ أيام ومن قبلها المول التجاريُ ..
العمليات األنتحارية عشرات القتلى والمصابين ، ..وال نعلم ماهو دوره بالتحديد في هذه العمليات ال سيما وإنه
دائما
ضا الواقع يخبرنا بأن عمر قد خدعنا منذ البداية وأوهمنا بأنه بطل لكن في النهاية الحق ً
مصري ،ولذلك أي ً
يعلن عن تواجده الواضح أمامنا ..عمر أرهابيًا شئنا هذا أم أبينا ،فكان..
صمتت فجأة لتصغي لما يُقال لها في سماعة األذن ،تبسمت بسخرية ورفعت حاجبيها في تعجب ودهشة..
262
عِ ضين
مجددا..
ً قاطعتها آسية
قضية رأي عام ..؟! ،لقد تركتي مشاكل العالم كله ولم تهتمي سوى بمشكلة زوجي ،!..لقد أصبح عمر هو
المذنب الوحيد في هذا العالم اللعين ..لقد أصبحتم مالئكة األرض والسماء وأصبح عمر فجأة أبليس الذي
عصي ربه وأخرجكم من الجنة ؟!
سهال أب ًدا ،لقد خدعنا زوجك ..ظننا في البداية إنه بطل قومي قتل ثاني
إهدئي سيدة آسية ..ما حدث لم يكن ً
أهم قيادي داعشي لكن سرعان ما ظهرت الحقيقة ،لقد قتل أخيه ليحتل مكانه في هذا التنظيم ..ثأر قديم بين
زوجك وأخيه ..
ِ
أخبرك سيدتي بأن األمور بينهما لم تكن أتظنين بأننا ال نعرف الخالف الذي كان بين عمر واخيه ؟! ،دعيني -
على ما يرام خاصة في تلك السنوات األخيرة ..وها نحن قد شاهدنا ما حدث في النهاية ..زوجك قتل أخيه ليفوز
بمكانة رفيعة في هذا التنظيم األرهابي ..
ِ
أنفردت بخبر لم أبالغ حين وصفت حديثك هذا بالهراء ،كيف يمكن لعمر أن يخطط لكل هذا وأنتي بنفسك قد
أختطاف الكتيبة المصرية كلها للعراق ؟! ،الحقيقة هنا ِ
أنك لو لم تهاجمي عمر لن تجدي ما تتحدثين عنه
وستتقاعدين..
لقد نفذ صبر شيرين ،ردت بحدة توازي حدة آسية ..
263
عِ ضين
ِ
زوجك أرهابيًا ووظيفتي هنا كأعالمية هو نقل الحقيقة هنا سيدة آسية والتي يصعب عليكي األعتراف بها هو أن
ِ
زوجك ِ
أسألك ..هل شاهدتي تلك المشاهد التي عرضناها والتي يظهر فيها األحداث وأعالم الناس بها ،دعيني
ِ
زوجك البد وأن تدافعين مقاتال في صفوف تنظيم داعش األرهابي ؟! ،بالطبع من المؤكد ِ
أنك قد شاهدتيه ..وألنه ً
ِ
زوجك كان من ضمن الجنود ِ
أتهامك لنا سيدة آسية ،!..وبخصوص أن كيف أن عنه ،لكن ما ليس طبيعيًا هنا هو
المختطفة والتي أُرسلت للعراق وفي نفس الوقت كان يخطط لذلك فهو قد أستغل هذه الفرصة لتصفية حساباته
ِ
زوجك في قتل أخيه ظنًا واضحا عندما ترك الكتيبة وذهب وحده لقتل أخيه ،..في النهاية نجح مع أخيه وكان هذا
ً
منه أن ال أحد سيعلم بهذا األمر لكنه أكتشف أنه يتم تصويره ،دعيني أسألك سؤال آخر ..أتعرفين مكان مراسلتنا
السابقة ماريان التي قامت بتصوير هذه المشاهد ؟! ،تعرفين شيئًا عنها أو أنها بخير أم ال ؟!
لحظة صمت تفكر فيها آسية بأجابة مقنعة وعيناها قد ملؤها الدموع ،وبصوت هادئ أكملت شيرين كالمها ...
العقل والمنطق هنا يحكمان بأن ماريان تحت رحمة عمر في هذا التنظيم أو ربما تكون قد قُتلت ،وال أُخبئ ِ
عليك
في أنني أتوقع ظهور فيديو ستنشره داعش عما قريب ..فيديو لذبح ماريان ..
ال ..ال يمكنه فعل هذا ،عمر ليس هكذا صدقيني ..
بدال
بدأت شيرين تسمع صوت نحيب آسية منذرةً بالبكاء ،فجأة أختطف أحدهم سماعة الهاتف من آسية وأكمل ً
عنها ...
264
عِ ضين
-و من تكون أنت ؟
و هكذا وقعتي في الفخ سيدتي ، ..أردت فقط أن أُظهر للناس كيف تفهمين القضايا وتحللينها وتنشري
األكاذيب ،قمتي بتحويل كالمي لتهديد وقمتي بأستغالل هذا لصالحك..
حدقت شيرين بالكاميرا أمامها غير متفهمةً ما يتحدث عنه ،اكمل أحمد ..
لو قام العالم كله بمهاجمة عمر فسأكون أنا الوحيد الذي يدعمه ويقف بجانبه ألنني الوحيد الذي يعرف عمر
حق المعرفة ..ثقتي في صديقي ال حدود لها حتى وأن فقد العالم كله بما فيه زوجته ووالدته الثقة فيه ،وكذلك
يوما ما ..
ثقتي بربي في أنه سيظهر حقيقة الجميع ً
265
عِ ضين
-ما هي الحقيقة سيدي برأيك ؟! ،العالم كله شاهد الحقيقة !..
أصابك هو ِ
أنك ِ -سيدتي ..أنتم أيها األعالمييون كاذبون ..تزيفون الواقع لخدمة مصالحكم ! ،وأكبر خطأ قد
شخصا يفهم في هذا المجال جي ًدا..
ً تجادلين
-ح ًقا ؟! ،حسنًا أتحداك أمام مشاهدينا ..فلتخبر المشاهدين كيف نقوم بخداعهم هكذا يا فيلسوف عصرك ..
يمكنكما بكل سهولة خداع الناس بمشاهد مصطنعة وما عليكم هو وضع عنوان مثير فقط باالضافة لشرح بسيط
يُبعد الناس عن الحقيقة والنظر لتلك المشاهد بنظرة مختلفة ..تلك التي تري ُدنها..
واصلت شيرين سخريتها من أحمد وقامت بالتصفيق هذه المرة مع أبتسامة ساخرة ..
بارعا ح ًقا ..لقد أخبرت مشاهدينا بكيفية صناعة مشاهد قتال عمر في صفوف داعش ،!..دعني أشرح
يبدو أنك ً
خاصا
ديكورا ً
ً هذا بالتفصيل ..لقد أستأجرنا عمر وجعلناه يرتدي مالبس داعشية وأمسك بسالح مزيف وصنعنا
يمثل مشاهد قتالية ثم قمنا بأخراج هذا الفيلم وعرضناه على المشاهدين كي نجعلهم يصدقون بأن عمر
وجعلناه ّ
أرهابيًا لكي تزداد هذه القناة شهرة ،هنيئًا لك سيدي لقد كشفت خدعتنا وأقنعت الناس كلها بأننا كاذبون..
الحقيقة قاسية ج ًدا سيدي ،..وأنت كذلك تواجه صعوبة األعتراف بذلك ..ليس هينًا أب ًدا أن تعترف حتى بينك
وبين نفسك بأن صديقك قد أصبح أرهابيًا..
266
عِ ضين
حسنًا ياسادة ..أنتهت مداخلتنا مع زوجة وصديق عمر وأظن أن جميعكم قد عرف ح ًقا من الذي يخدعكم..
عمر وأمثاله أم نحن ،!..لكنني ألتمس لهم العذر كذلك ..فماذا بأمكانهم أن يفعلوا بعدما خذلهم عمر ؟! ،واآلن
نترككم مع فاصل قصير ثم نعود بعدها لتكملة آخر فقرة في برنامجنا الليلة ..
كان نحيب آسية وبكاؤها يزدادان ،وحاولت صديقتها أماني أحتواها وضمها واألربات عليها لتهدئتها ،أما أحمد
عاجزا عن تكملة رده على هذه
كثيرا من شخصيته المرحة منذ ما حدث لصديقه كان يقف أمام التلفاز ً
الذي فقد ً
المذيعة ..كان شاحب الوجه يريد نصر اهلل المؤكد ..يثق في اهلل أنه سينصر صديقه ولو بعد حين ،كان يهم
بمغادرة الغرفة ولكنه فجأة توقف عندما الحظ ما يُعرض في التلفاز ..مستحيل ! ..كيف لهذا أن يحدث ؟!!!،
الحظته أماني عندما توقف محدقًا بالتلفاز ونظرت هي األخرى بالتلفاز لترى ما أثار أنتباهه ح ًقا ،..أتسعت عيناها
ذهوال هي ووالدة عمر مما يروه ..أما آسية فرفعت رأسها عندما توقفت أماني عن األربات عليها لتهدئتها وكذلك
ً
لتعرف سبب الصمت الذي خيم على المكان فجأة وأصوات تلك الهمهمات التي تنبعث من التلفاز ..الحظت
ضا من
جميعا فنظرت هي األخرى ناحية التلفاز ليتوقف قلبها للحظات فارغة فاها وتوقف تنفسها أي ً
صدمتهم ً
ذهوال وكادا يخرجان من محجريهما!..
الصدمة ..أتسعت عيناها ً
267
عِ ضين
-59-
يوما بقوة
مقتنعا بأن األسالم لم ينتشر ً
يوما بأنه قد يُقدم على هدم حضارًة ما وبأسم األسالم ..كان ً
لم يكن يتخيل ً
السيف وهدم الحضارات كما ي ّدعي الكثيرين ..مثل عثمان ،لكنه اآلن غير ذلك ..حتى ولو كان غير راضيًا عما
يوما
مسلما ذات يوم هل كان ليفكر في أعتناق األسالم ً
يفعله فهو لم يعد كما كان ساب ًقا ،فكر في أنه لو لم يكن ً
ما ال سيما بعد ما يرى ما يفعله هو اآلن ؟!
بعد أيام من خضوعه لتهديد عثمان والقبول باألنضمام رسميًا للتنظيم ُكلف بالخروج في أول مهمة له ..تدمير
تلك األصنام المتواجدة في متحف الموصل ..كان يشعر بالذنب حينما كان يُمسك بمطرقة عمالقة ليكسر بها
تلك التماثيل الضخمة ألعظم حضارتين في العراق ..األشورية والكلدانية ..أما الصغيرة منها فكان يضعها في
حقيبته ليحملها للتنظيم هناك حسب ما ُكلف به ،لم يكن ليفهم حاجة التنظيم لمثل هذه اآلثار ؟! ،ولماذا تُدمر
الكبيرة فقط ويتم مصادرة وسرقة الصغيرة منها ؟!
قليال ..
رجع بذاكرته للوراء ً
" ... -ظننت حينها أنه قد نف ّذ تهديده وطردهم من البيت ،لكن المفاجأة هي أنه لم يفعل ،!..ومنذ ذلك اليوم
يوما ما بأي جماعة أسالمية..
تحدي ًدا لم يره أحد ،ومع مرور األيام عرفت لماذا لم أعترف أنا ً
أحذر يا عمر في كالمك ،..ليس هناك ما يسمى بـ " جماعة أسالمية " ،وأذا أردت تسميتهم فاألصح هو "
جماعة متأسلمة "
أراح عمر ظهره للوراء غير مباليًا بما قاله الرجل العراقي ..
268
عِ ضين
يوما من معرفة ما تفعله هذه الجماعات زيادة عنا كمسلمين ،!..نصلي كما يصلون ،ونصوم كذلك..
لم أتمكن ً
ضا ..
نحج ونزكي كلما أستطعنا ذلك ،هم مسلمون ونحن كذلك أي ً
قطب عمر حاجبيه في عدم فهم ،منذ قليل كان يتكلم عن األحتالل األميركي للعراق ثم قاده الحديث معه بقصة
أختفاء أخيه فجأة ألى ما حدث ما حدث ،..وها هو ذا يتكلم عن هذه الجماعات ،في الحقيقة كان عمر يريد
عسكري بشأن تلك الجماعات ،أكمل الرجل كالمه..
ٌ األستماع لرأي رجل
هناك فرق بين ثالثة مصطلحات هامة " مسلم ،متأسلم ،أسالمي " ..أما المسلم فهو من كان دينه األسالم
وخلقه األسالم وسار على منهج اهلل وأتبع ُسنة الرسول سالم اهلل وصالته عليه ،..األسالمي هو ليس بالضرورة أن
ً
وسنة رسولنا أفضل من المسلم ،..أما
يكون دينه األسالم ولكن ًخلقه األسالم وأحيانًا نجده يسير على منهج اهلل ً
مسلما لكنه وبكل أسف يستخدم الدين واألسالم للمصالح الشخصية والخاصة..
ً المتأسلم فهو غالبًا ما يكون
لذلك هي ليست جماعات أسالمية ولكنها متأسلمة ..
فردا ،..ولعلك
هذا ألنهم كانوا يعلمون أن اهلل سبحانه وتعالى لن يحاسبنا كجماعات بل كلهم آتيه يوم القيامة ً
تالحظ أن السلف الصالح كانوا يتنافسون فيما بينهم في عمل الخيرات واجتناب الذنوب والمعاصي وغضب اهلل
..
269
عِ ضين
سكت للحظة ثم أكمل كالمه..
هناك الكثير من األسئلة التي تدور في عقل من يتدبر األمر جي ًدا ..كيف تكونت هذه الجماعات ومتى ؟ وعلى
دول ما بأنها قد وصلت من العلم أقصاه ؟! ألم ت ٌدعي
أي أساس تكونت ؟ ومن سمح بتكوينها ؟ ،..ألم ت ّدعي ٌ
هذه الدول بأمتالكها ألقوى أجهزة مخابرات ؟! ..
في الحقيقة هذا ليس أدعاء ! ،هذه حقيقة وهذه الحقيقة ذاتها هي من تُفسر أجابات تلك األسئلة..
أتقصد بأن هذه الدول الغربية هي من قامت بتكوين تلك الجماعات ؟! ،..صحيح أنني ضد هذه الجماعات لكن
من الغير منطقي أن تكون هذه الدول من كونت هذه الجماعات ال سميا ماتفعله تلك الجماعات فيها من
هجمات أرهابية وعمليات أنتحارية في تلك الدول !..
بعد الحروب العالمية التي حدثت في القرن الماضي والتي خلفت ورائها مليارات القتلي حول العالم أصبح
التاريخ يُدين الغرب بشدة بسبب سفك كل هذه الدماء ،وكان ردهم هو األدعاء بأن األسالم جاء بقوة السف
والحروب والحمالت األحتاللية على الدول وأرغامهم على الدخول في األسالم أو دفع الجزية ،..وألن التاريخ
كان شاه ًدا ومنص ًفا فقد وقف بجانبنا نحن المسلمين وأستطعنا أن نكذبهم بأنها كانت مجرد فتوحات لنشر الدين
وتخليص هذه الدول من ظلم األمبراطوريات مثل الفرس والروم والحمالت الصليبية والمغول وغيرهم عبر
التاريخ ..تلك األمبراطوريات نفسها كانت قد أحتلت تلك البالد التي فتحها المسلمين..
271
عِ ضين
فكروا خارج الصندوق ..فكروا كيف تتم األستفادة من تلك الخسارة وأثبات أدعائاتهم وجعل التاريخ يقف
بجانبهم ،..تكوين جماعات تتكلم بأسم الدين وتقتل بأسم الدين وتقوم بكل شئ بأسم الدين ..القاعدة ،طالبان،
األخوان ،السلفيين ،داعش ، ..هذا غير الجماعات والجبهات الصغيرة والغير معروفة ،منهم ما أنشأته المخابرات
فعال ومنهم ما تم أنشاؤه لغرض معين فقط ،تتم السيطرة على هذه الجماعات وما يخرج عن سيطرتهم
الغربية ً
فهي في النهاية خسارة بسيطة ال تُذكر أمام تلك المكاسب الكبيرة وبعدها يتم القضاء على تلك الجماعة التي
فعال في أقناع التاريخ بأداتنا كذلكً ..كتِب التاريخ وبالفعل تم ذكرنا في الخانة
خالفت أوامرهم ..لقد نجحوا ً
السوداء ..لقد ُسفكت دماؤنا عبر ثورات وهمية " ..الربيع العربي " ..وها هي النتيجة ..لقد أصبحت شعوبنا
بحورا من الدم ..ونحن اآلن نعيش أبهي وأقوى عصورنا ( ..قالها بسخرية ) ..هنا لم تعد هناك
العربية عبارة عن ً
حياة أب ًدا ..
ٍ
بصوت عالي .. قليال ثم بدا يفكر
سكت ً
دائما ما يراودني سؤال أعرف أجابته جي ًدا ..ماذا قدمت تلك الجماعات لألسالم ؟! "
لذلك ً
قطع تفكيره توقف العربة ،كان قد أنهى ما يفعله من تكسير التماثيل وجاءت العربة لتنقلهم لمكانهمّ ،ترجل من
العربة وسلم حقيبته وعلى الفور أتجه ناحية العنبر الذي ينام فيه ..ظل يسير في ذلك الفناء الواسع دون أن يكلم
أحد ..مر بساحة التدريب فجذب أنتباهه الحركات القتالية التي يتعلمونها هؤالء الرجال ..سار لمسافة أخرى في
قيادي آخر ..أصطف
ٌ طريق عودته لمكانه لكنه تفاجأ حين رأى عشرات األطفال يخرجون من مبنى ما يتقدمهم
عال كانوا يرددون " اهلل أكبر " ..تعجب ٍ
وبصوت ٍ األطفال في صفوف منتظمة وكأنهم ُمدربون على ذلك منذ فترة
عمر من حماس هؤالء األطفال ولكنهم ماذا يفعلون هنا ؟! ،أشار القائد بيده ليتوقفوا عن الترديد ليلقي عليهم
خطابًا ما ..
أحسنتم ياشباب ..بارك اهلل فيكم ..البد وأن حبيبنا محم ًدا ...
ٍ
بصوت عالي ردد األطفال..
271
عِ ضين
صل اهلل عليه وسلم ...
فرح بما يراه اآلن من مكانه الرفيع ..يرى شبابًا في مقتبل عمرهم
البد وأن حبيبنا محم ًدا صلوات اهلل عليه ٌ
بصحابي جليل وهو أسامة بن زيد ..ذلك الصحابي الشاب الذي خرج
ٌ مذكرا أيانا
يقاتلون في سبيل نصرة دينناً ..
على رأس جيش كامل وهو لم يتعدى التاسعة عشرة من عمره وكانوا جميعهم بما فيهم صحابة رسول اهلل يمتثلون
مستقبل باهر هنا معنا وستكونون قواد هذه األمة بعدنا ..سوف يُخلّد التاريخ أسمائكم،
ٌ ألوامره ..لذا أتوقع لكم
أما اآلن فهيا بنا لنتعلم شيئًا جدي ًدا ..
ذعرا عندما رأى هذا الرجل قد أخرج سكينًا متمنيًا أن ال يحدث ما يفكر فيه ..
شهق عمر وأتسعت عيناه ً
أحد أساليب ق تالنا مع العدو هو الذبح ،سنتعلم اليوم طريقة ذبح الرهائن لدينا ،لكننا اليوم سنجرب هذا على هذه
الشاة ..
لكن ما قطع ذهوله هذا ..هذا الصوت الذي ظهر عبر مكبرات الصوت في ذلك الفناء..
نداء عاجل ..على الجميع التوجه الى الساحة الرابعة ..أكرر ..على الجميع التوجه للساحة الرابعة لألهمية
ٌ
القصوى..
مشدوها لم يتخيل أنه سيرى ما رأى ..فجأة وجد من يدفعه بقوة في كتفه..
ً كان مازال
مرغما وسار بأتجاه ما يسير نحوه هؤالء الشباب للساحة الرابعة ..وبعد أن وصل الجميع رأى عمر
تحرك عمر ً
ضا رأسه
مستسلما خاف ً
ً لباسا برتقاليًا يبدو
قفص حديدي كبير ويوجد بداخله شخص يرتدي ً
بعي ًدا على مرمى بصره ٌ
وكأنه يشعر بالعار ،قطب عمر حاجبيه ..يبدو أنه سيتم تنفيذ حكم األعدام ألحدهم ..فجأة وجد هذا الرجل
المدعو عثمان بكير يقف بجانب هذا القفص مخاطبًا الجميع..
272
عِ ضين
السالم عليكم ياعباد اهلل المؤمنين..
جميعا بأن هناك تحال ًفا دوليًا يحاربنا ولألسف الشديد تتواجد عدة دول عربية في هذا التحالف الكافر..
نعلم ً
أوال ،..هذا األحمق..
عدوا آخر داخليًا والبد أن نقاتلهم ً
عدونا ليس الكافرين فقط ..بل يوجد ً
من جيش العدو ، ..األمس أستطعنا أسقاط طائرة أردنية مشاركة في هذا التحالف ضدنا والبد وأن نجعل هذه
الدول تستفيق وتعلم إلى أي طرف من المفترض لها أن تقاتل بجانبها ..تحارب بجانب األسالم والمسلمين أم مع
العدو الكافر..
صاح الجميع غاضبًا وجميعهم رشقوا هذا الطيار األردني بالحجارة ألى أن رفع عثمان يده أشارة لهم بالتوقف ،ثم
أكمل كالمه..
نوعا ما..
عقابه اليوم سيكون مختل ًفا ً
أنتبه عمر فجأة للرجل الذي يقوم بتصوير هذا الحدث موجها الكاميرا ناحية هذا االسير األردني ،وللحظة أدرك
عمر أنه لم يالحظ أن هذا األسير مبلل وكذلك األرض من تحته ولكن عندما الحظ وجود ثالثة رجال بجانب هذا
مبلال بالماء ..و أنما بالبنزين ،!..هز عثمان رأسه
القفص ممسكين بمشعالت نارية أدرك بأن هذا األسير ليس ً
عالمة على بدء تنفيذ حكم اآلعدام ..رمى هؤالء الرجال النيران داخل القفص وسرعان ما أمسكت النيران في هذا
األسير ،تعجب عمر في البداية من كون هذا األسير واق ًفا بهدوء غير مباليًا بالنيران التي أمسكت فيه ح ًقا ..ألم
طالبا
يشعر بألم ؟! ،لكن سرعان ما بدأت تظهر عالمات األلم عليه وبدأ في الصراخ والجري داخل القفص ً
أشتعاال في جسده ..كان ينير المكان أكثر
ً النجدة وممس ًكا بقضبان هذا القفص وكلما فعل هذا تزداد النيران
متفحما ومتخشبًا ،هذا المشهد الذي جعل عمر يتقيء ..
ً نهارا ..ظل هكذا ألى أن سقط ميتًا
رغم أن الوقت كان ً
273
عِ ضين
من بعيد كان يراقبه ذلك الشاب في كل حركة وخطوة يخطوها ُمكل ًفا بذلك من عثمان ..أتجه ناحية عثمان
وهمس له في أذنه ثم أنحنى له وغادر ،أسرع عثمان ناحية عمر وهو عائ ًدا للعنبر ثم ناداه ..
عمر..
ناظرا ألسفل ..ال يطيق النظر لهذا الرجل اللعين ،أربت الرجل بيده على كتف عمر
توقف عمر مقطبًا حاجبيه ً
مبتسما أبتسامة عرفها عمر أنها ماكرة..
ً
لقد أحسنت في مهمتك األولى ياعمر ،لكن ال تظن أن كل المهمات ستكون هكذا بهذه السهولة ،..الليلة
ستعرف مهمتك القادمة ليوم غد ..أستعد !
ضا قل ًقا حيال ما يحدث معه أو ما سيحدث غ ًدا ..تُري ما هي المهمة التي سينفذها غ ًدا ؟!
تركه عمر بصمت أي ً
تناقلت وسائل األعالم االردنية والعالمية مشاهد أعدام الطيار معاذ الكساسبة التي عرضها تنظيم داعش ..واالمم
المتحدة كان دورها هو األدانة فقط..
274
عِ ضين
-61-
حامال سالحه وذخيرته كما هي لم يطلق رصاصة واحدة منذ بدء المهمة
كان مختبئًا في إحدى مباني هذه المدينة ً
الثانية له ،معركة الحفاظ على األرض كما يسميها تنظيم داعش أو كما يسميها الطرف األخر " معركة تحرير
الموصل " ..بالطبع هي معركة لتحرير الموصل من تنظيم داعش ،..راح يفكر بمنطق بعي ًدا عن أنه قد أُرغم على
صواب أم خطأ ؟! ..بمعنى هل يتوجب عليه كمسلم أنه يقاتل الجيش
ٌ خوض هذه المعركة ،هل ما يفعله اآلن
العراقي ذو الغالبية الشيعية بصرف النظر أنه يقاتل في صفوف داعش ؟! ،لكن سرعان ما أزاح هذه الفكرة عن
رأسه ..كان يكره تلك المعارك الطائفية على أية حال ،لكن بالطبع هذا أفضل من تلك المهمة التي تم تكليفه بها
لوال تدخل ُمصعب ،حينها قد ُخفق قلبه وكاد يقع عندما علم بتلك المهمة المستحيلة على عقله تقبلها ..
يبدو عليك األرهاق ،..لم تنم منذ البارحة ،أليس كذلك ؟!
كثيرا ! ..ياللعجب ،لكن يا عمر عليك أن تعرف أننا مسلمون وليس يهود كي ننقض عهودنا، تهتم ألمر ماريان ً
وعدناك بأنها ستكون بخير طالما ال تعصي أوامرنا ،وحتى لو أقدمنا على مخالفتنا لن نقوم نحن بذلك ..بل أنت يا
عمر في الوقت الذي ستفكر فيه بعصياننا..
275
عِ ضين
قطب عمر حاجبيه في غضب لكنه فضل كتمان غضبه النه ال حول له وال قوة ،..أستطرد عثمان كالمه..
يا عمر ..عادة أنا ال أتكلم بلطف هكذا مع الجميع ،حتى هذا المكتب ال يدخله الكثيرون ..المميزون فقط هم
وبناءا على طلبي أنا فقط ،..عادة ما أصدر أوامري ويتم أرسالها للمجاهدين وتنفيذها
من يُسمح لهم بالدخول هنا ً
أخا لي ..صحيح أنني كنت أكره أخاك
دون نقاش أو جدل ،لكن أنت حالةً خاصة بالنسبة لي ياعمر ،..أنا أعتبرك ً
عندما كان هنا في التنظيم ولكنه رحل اآلن وبفضلك أنت رجعت لمكاني هنا ،لذلك أنا مدين لك يا عمر بالكثير
وسأعمل جاه ًدا ألرد لك هذا الدين ..
كثيرا في هذا الرجل ،..أرتسمت أبتسامة أخرى على وجه عثمان ولكنها
نظر إليه عمر بقلق وتوتر شديدين ،ال يثق ً
تبدو ككل مرة ماكرة ..
صعق عمر لما سمعه اآلن ..بهذه السهولة ؟! ،لكنه فجأة تذكر شيئًا ..
ُ
هنا ضحك عثمان بصوت عالي لدرجة أنه ُسعل من كثرة الضحك..
شحب وجهه فجأة ،ولم يفهم في البداية قصد هذا الرجل لكنه فجأة ذُعر عندما فكر بأنه ..
أنتفض عمر من مكانه ضاربًا بيده على المكتب في غضب شديد ..
ال تظن يا هذا بأنني سأقوم بتفجير نفسي أو أقتل جنود ال ذنب لها ،..أنت تحلم ،وأن كنت تظن أنك سوف
تهددني بأنك ستجبرني على قتل ماريان فأنك مخطئ ..لن أقوم بهذا وال ذاك ولتفعل ما تشاء بي..
276
عِ ضين
بهدوء أعصاب ابتسم عثمان ثم سأله ..
نظر إليه عمر نظرة فهمها عثمان جي ًدا ..نظرة تساؤل عن ماهية العملية التالية بالضبط ،أكمل عثمان كالمه ..
دعني أشرح لك ، ..هناك دول ما زالت قوية ولن نستطيع دخولها اآلن ومنها مصر ،لكننا نستطيع أختراقها اآلن
...
نحن دولة الخالفة يا عمر والبد من أخضاع أي جماعة أو جبهة أسالمية تحت أوامرنا لذلك قد خضعت لنا
جماعة أنصار بيت المقدس وجبهات النصرة وغيرها التي تقطن في سيناء وجميعهم يمتثلون ألوامرنا وجميع
مهماتهم تنسب ألينا ..
مذعورا مستن ًدا على أحدى مباني في أحدى ساحات دولة داعش ،راح يفكر
ً عاد لواقعه مرةً أخرى ..كان يقف
في اآلنتحار فعليًا ..ت بدو فكرة جيدة ،فهذا الوضع يبدو أن ال نهاية له ،الوضع هنا ليس بسبب األنضمام لداعش
277
عِ ضين
فحسب ..وأنما هو أبعد من ذلك بكثير ..تنفيذ مهمة أرهابية في مصر ..أثارت هذه الفكرة غثيانه ،برزت في
مستحيال وحتى لو تمكن من فعل ذلك فأنه
ً ذهنه فكرة أخرى ..راح يفكر في طريقة للهروب من هنا وهذا يبدو
من المستحيل له الهروب دون ماريان وإال لم يكن لينضم إليهم منذ البداية لو لم يهمه أمرها ! ،لكن المشكلة هنا
أنه ال يعلم مكانها أو مصيرها حتى اآلن ،..عاد ليفكر من جديد في األنتحار ..يبدو هو الخيار األمثل أمامه اآلن
كافرا ..أرهقه التفكير ،جلس مكانه
ليتخلص من هذا الوضع البائس الذي ال نهاية له ،لكنه بذلك سيموت ً
وفكر ..الموت واحد وتعددت األسباب ..لماذا يفكر في األنتحار في الوقت الذي يستطيع فيه رفض تنفيذ تلك
العملية األرهابية في مصر وبعدها يرفض ذبح ماريان على أية حال !! ..في النهاية سيضطر عثمان لقتل كالهما
عموما فكرة
وبالتالي أما سيموت شهي ًدا أو على اآلقل مقتوال المهم أنه بعي ًدا عن األنتحار ،بدت له فكرة الموت ً
رائعة ..سيرتاح من هذا العبث الذي يملئ العالم بأكمله ..
ما جذب أنتباهه هو قدوم ُمصعب الجوهري نحوه ،..وقف ُمصعب أمامه ليسأله..
تفاجأ عمر للحظة لعدم معرفة مساعده األول تفاصيل المهمة القادمة ،وكأنه كان ينتظر لحظة كهذه ليعلن فيها عن
تمرده وعصيانه لهم ..
ال ..ال أعلم ولكنه أخبرني فقط أن العملية القادمة ستكون في مصر أما تفاصيل تلك العملية لن أعرفها إال في
الوقت المناسب ..
278
عِ ضين
قطب عمر حاجبيه وزفر ..
ال ..لم يخبرني بشئ سوى أن العملية القادمة ستكون في مصر ،وسواء أخبرني أم ال لن أقوم بتلك العملية أطالقًا
حتى وأن هددتموني بقتلي أو بقتل ماريان ..بأختصار لن أقوم بتنفيذ هذه العملية ولن أقتل ماريان !!
للحظة أدرك عمر أن ُمصعب شارد الذهن وال يستمع لكالمه ..يفكر في شئ ما ،كان ينظر بعي ًدا في الناحية
الشرقية من الساحة حيث التجمع الكبير من مقاتلي داعش ،فجأة نظر إليه ُمصعب وكأنه أنتبه للتو من كالم عمر
حول عدم تنفيذه للعملية القادمة بمصر ،وبلهجة آمرة ..
أسرع لهناك وأنضم لهؤالء المجاهدين لألستعداد للمعركة ضد الجيش العراقي غ ًدا ..
و قف عمر فجأة ليتدارك ما يقوله هذا الرجل ،بدا مرتب ًكا ..
و لكنني أنا من يأمرك اآلن باألنضمام لهؤالء الرجال لألستعداد للمعركة وليس القائد عثمان ،أم أنك ترغب في
تنفيذ المهمة التي أُسندت أليك في مصر ؟!
تورد وجه عمر فجأة وكأن فرج اهلل قد أُنزل عليه ،بدت له فرصة جيدة للهروب من تنفيذ العملية في مصر ،هز
عمر رأسه نافيًا أصراره على تنفيذ المهمة التي كلفه به عثمان ،وبلهجة آمرة ..
شكرا لك ..
ً
متهكما ..
ً رد عليه ُمصعب
ال تظن أني أصنع لك معروفًا ،فعلت هذا فقط ألنك غير مؤهل لتنفيذ عمليات في بلد مثل مصر..
279
عِ ضين
مهما ورجع ليستوقفه ..
كان كالهما يهمان بالمغادرة في أتجاه معاكس لبعضهما ولكن عمر تذكر شيئًا ً
نظر إليه ُمصعب نظرة طويلة لم يفهمها عمر ، !..التفت وغادر دون أن يخبره بشئ ،فكر عمر في أنه يسرع في
أستغالل هذه الفرصة وينضم لهؤالء الرجال قبل أن يرجع ُمصعب في كالمه ،ففرصة القتال في هذه المعركة قد
تكون هي األفضل له..
قليال..
فكرة أنه ربما يموت في معركة كهذه أفضل بكثير من األنتحار أو تنفيذ مهمة أرهابية في مصر ..فكر ً
كيف يموت بذكاء في معركة كهذه ،فلو ِ
عمد على أنه يُقتل في المعركة فكأنه قد قرر األنتحار ولكن بطريقة أخرى
قليال إلى أن وصل لهؤالء الرجال الذين
فعال ..الموت بذكاء ،زفر ً
أكثر ذكاء ،في الواقع هذا ما كان يريده ً
يستعدون لمعركة الغد ..
************
شئ جديد ..لكنني جعلته ينضم للمجاهدين في معركة الغد ضد الجيش العراقي ..
ال ٌ
281
عِ ضين
صاح به غاضبًا..
فورا ..
يبدو أنك نسيت مكانك هنا يا ُمصعب ،عمر سينفذ عملية مهمة االيام القادمة ..أرجعه ً
سمعت بهذا من عمر وليس منك سيدي !! ،أهذا له عالقة بفشل عملياتنا األخيرة في مصر ؟! ،هل تشك بي
سيدي ؟!
حسنًا سيدي ولكن أن كان عليك أن تشك بأحدهم فعليك أن تفكر بمنطق منذ متى وعملياتنا تفشل سيدي..
كانت نسبة فشل العمليات التي نقوم بتنفيذها في سيناء ال تتعدى العشرون بالمئة ولكن مع قدوم عمر أصبحت
جميع عملياتنا تقريبًا في مصر فاشلة ومكشوفة..
ماذا تريد أن تقول ؟! ،أيعقل أن يكون عمر مجرد فخ وقعنا فيه ؟!
281
عِ ضين
كامال ..
قام ُمصعب من مكانه ليشرح األمر ً
بارزا في جماعتنا
عضوا ً
و هل لديك تفسير آخر سيدي ؟! ..ينفصل عمر من كتيبته في الجيش المصري ثم يقتل ً
بارزا ،ثم وبطريقة ما
بغض النظر عن أنه أخوه ،..ربما وجد هذا صعبًا في البداية لكن أبو عمار في النهاية داعشيًا ً
يذهب عمر للمكان ذاته الذي كن ا سننفذ فيها عملية قتل الشيعة في ذلك المقهى ..كانوا يعرفون أننا سنقوم
بتجنيده في التنظيم..
لكنه كان سيٌقتل مرتين ..مرة عندما ُدفن حيًا ومرة في هذا المقهي ؟
فعال ..
بدا على ُمصعب أنه يجاريه ً
و هذا بالضبط ما يؤكد كالمي سيدي ،..ألم تجد أنه من الغريب يتم أنقاذه بعد أن ُدفن حيًا ؟! وكذلك تم قتل كل
من في المقهي عداه هو وتلك الفتاة ؟! ،أتظن أنه لو أنضم ألينا بطريقة أخرى هل كنت ستصدق أنتماؤه لنا ؟؟..
بالطبع ال وهكذا كانت خطتهم منذ البداية ،أن تكون طريقة أنضمامه لنا بطريقة بعيدة عن أثارة شكوكنا حوله ..
ضا ..لكن
بالطبع سيدي يمكنك فعل هذا ولكنك حينها قد تكون أخترت الطريقة الخطأ ،ستفشل هذه المهمة أي ً
دعني أوضح لك شيئًا آخر سيدي ، ..حتى لو لم يكن عمر عنصر أستخبارتي مصري فمن مصلحتنا أن يقاتل في
معركة الغد ..عمر لديه مهارات قتالية عالية وسيكون أكثر أفادة لنا من أن يتم أجباره على تنفيذ عملية ما في دولة
ضا بطريقةً ما أن شارك هو فيها..
مثل مصر ..قد تفشل مهمتنا في مصر أي ً
282
عِ ضين
لم يتمكن عمر من اللحاق بالمحاضرة األخيرة قبيل المعركة الحاسمة غ ًدا ،..كانت آخر كلمات الرجل الذي
معا أيها المجاهدون سوف ننتصر ونحافظ على أرضنا وأسترداد ما سلبونا أياه هؤالء الكافرين..يخاطبهمً " ..
بجنة عرضها السموات واألرض " قال الرجل ستكون الموصل هي بدايتنا الجديدة ..هيا يارجال ..هيا لنفوز ٍ
الكلمات األخيرة بصوت رنان أقشعر جسد عمر بسببها ..ردد في نفسه ..هؤالء الحمقى !! كيف جعلوه
يتحمس لشئ كهذه ؟
************
رجع لواقعه مرةً أخرى ، ..ما قطع تفكيره أشتداد حدة المعركة بعدما بدأت فقط بمناوشات خفيفة ،حتى اآلن لم
يستخدم سالحه ولم يطلق رصاصةً واحدة ..كان يتمنى إنتهاء هذه المعركة دون اللجوء لقتل أحد ،ففي النهاية
هو يقاتل في صفوف جماعة أرهابية بغض النظر أنه يقاتل جيش ذو أغلبية شيعية ..لكن ما جذب أنتباهه هو
وجود مراسلين لقنوات عدة تغطي هذه المعركة ،أقتنع بكالم الرجل العراقي حين قال له " ...بدون األعالم لن
تتواجد الحروب في شعوبنا ..األعالم هو السالح الذي تستخدمه الدول لتحاربنا به "..
صعق عندما رأى فتاة صغيرة تحتمي خلف سيارة ما من وابل الرصاص المتراشق فوق رأسها وعلى الفور فكر في
ُ
أستخدام سالحه ليحمي نفسه على األقل حتى ينقذ هذه الفتاة الصغيرة ،..عبر للجهة األخرى من الشارع
مستخدما سالحه ليحمي نفسه وما أن وصل إليها حتى جعلها تحتمي به ورغم صوت الرصاص المتراشق فوقهم
ً
والمصم لآلذان إال إنه سمع صراخ سيدة يبدو أنها والدة هذه الفتاة وكانت مذعورة ..ال يعرف إن كانت مذعورة
من هذا الرصاص المتراشق فوق رأس أبنتها خوفًا من أن تصيبها رصاصة أم ألن أبنتها أصبحت في حماية
داعشي ..ربما يستخدمها الح ًقا ويضمها للتنظيم !!
أشار إليها عمر بالبقاء في مكانها ريثما ينقذها ..كانت هي األخرى تحتمي داخل مبنى في آخر الشارع ،جعل
الصغيرة تمسك بقميصه من الخلف وال تفلته ألنه سينتقل للجهة األخرى من الشارع حيث تتواجد والدتها في
أرضا وضغط على
المبنى ،وهكذا فعلت الفتاة بالضبط ولكن لسوء الحظ أخترقت رصاصة كتفه األيسر وسقط ً
283
عِ ضين
أرضا لكنه سرعان ما قام وحمل الفتاة على ذراعه األيمن ووصل الجهة األخرى في أقل من
رأس الفتاة كي تنبطح ً
ثانية ،أحتضنت األم فتاتها التي ما أن افلتتها لتشكر عمر المستند على الحائط مصابًا ..
أشار لها عمر بالصعود إلى األعلى لكي تحتمي في المبنى هي وطفلتها ألن المعركة على أشدها ،فعلت ما أمرها
صعق عندما فكر بأنه قد تم ٍ
قصف عنيفُ .. به وما هي إال لحظات حتى وجد أن المبنى قد أهتز فجأة جراء
طاما في كل طابق ،واصل الصعود
أذيتهن ،تحامل على يده اليمنى وصعد السلم بسرعة لألعلى ولكنه كان يرى ُح ً
إلى أن وجد نفسه فجأة في سطح هذا المبنى وال أثر للفتاة ووالدتها هنا ..نزل مرة أخرى ليتفحص كل طابق
لعلهم يحتمون بجانب أحد الحوائط أو ...
عندما وصل للطابق الثاني وجد يد صغيرة تخرج من تحت األنقاض ..ذُعر عندما فكر باألمر ،توجه ناحية هذه
متألما بسبب الجرح الذي في كتفه غير مصدقًا لما رآه ..الفتاة ووالدتها تحت األنقاض ميتتين
األنقاض ليزيحها ً
وجههم ليلقوا حتفهم..
، !..أُزرفت دموعه في الحال وشعر بتأنيب ضميره ألنه هو من أمرهم بالصعود ألعلىّ ..
سلمهم للموت بيديه هاتين ،تناسى جرحه وآآلمه وحمل سالحه وراح بكل عزيمة وحماسة وعقل يريد الثأر ليشارك
في المعركة ..الجيش العراقي أصبح عدوه هو اآلن ..لقد قتلوا الطفلة ووالدتها ..
تعجب مجاهدي داعش من فرط المهارة التي يبديها عمر في القتال ،لقد تحولت المعركة فجأة لصالحهم ليس
ألن عمر قرر فجأة القتال ..ال ال كل ما في األمر أن القوات العراقية لم يأتي لها الدعم حتى اآلن من طائرات
التحالف فأضطر الجيش العراقي للبدء في األنسحاب تدريجيًا ،..وبعد ساعات من المعركة المتواصلة أتضح جليًا
أنتصار تنظيم داعش في هذه الجولة..
كانت عناصر داعش منتشيين بأنتصارهم المبدئي ..جولةٌ أولى قد حسموها ،وفيما كانوا ّيهمون بمغادرة المكان
جالسا حزينًا يبكي بحرقة ،أشار له أحدهم باألستعداد لمغادرة المكان وركب السيارة معهم..
كان عمر ً
محتفال بالنصر جذب أنتباهه تجمع مجموعة من الناس حول شيء ما،
ً وفيما كان أسطول داعش في طريق العودة
في ثانيتين فقط مرت السيارة التي يركبها بهذا التجمع ولكنه لم يصدق ما رأه ،! ..يبدو أن أحدهم ُملقى على
مقتوال ،سمع ٍ
صوت مألوف ..صوت يعرفه جي ًدا يصراخ ويندب حظه .. يحا أو ً
األرض جر ً
284
عِ ضين
دوما ؟! ..لماذا أنا من دون الناس من تبتليني في أهلي ؟!..
دائما ياربي ؟! ..لماذا أنا ما تفعل بي هذا ً
لماذا أنا ً
أكفرت بك من قبل كي تفعل هذا بي ؟! أجبني يا اهلل ..أجبني !
مستحيل !..أنه جمال الدين ! ،تلك الملقاة على األرض مقتولة هي تغريد ؟!
كان يحدق في أتجاههم رغم أبتعاد السيارة التي يركبها عنهم شارد الذهن ..توقف عقله بالكامل ال يصدق ما
تماما ..لم ينتبه إال عندما وصل مقر التنظيم ..نزل وتوجه ناحية العنبر كالعادة ،مرت
رآه ،الصدمة أفقدته عقله ً
حياته كلها في ذهنه في لحظة ،في لحظة تذكر والديه وكيف تركهما في حالتهما الصحية السيئة وكيف حالهم
بعدما شاهدوا الفيديو ؟! ،تذكر مهمته في اليمن وأختطافهم للعراق ..تذكر أنفصاله عن اللواء صفوت والكتيبة،
تذكر صدمته عندما واجه أخوه ألول مرة بعد أختفائه فجأة ..تذكر معركتهما وتذكر قتله ألخيه ،تذكر آسية
والحادثة التي تعرضت لها ..كيف حالها اآلن ؟ ،تذكر صديقه أحمد ..هل مازال يدعمه حتى اآلن ؟ هل يثق في
أصال بعدما حدث ؟ ،تذكر الرجل العراقي وأبنته وتذكر كيف كانت نهايتهم ..تذكر تلك المرأة وصغيرتها..
صديقه ً
تذكر أنضمامه لتنظيم أرهابي ..
من كان يتصور هذا أن يحدث ؟! ،من كان يتخيل أن حياته ستكون هكذا ؟! ،أين هي نقطة بداية كل هذه
األحداث ؟ ،بدا له وكأن األمس فقط كان في مصر واليوم هو هنا ..هنا في داعش !! ،جرت األحداث بسرعة
البرق !! ،أيمكن أن يكون كل ما يحدث معه حتى اآلن هو مجرد كابوس ؟! ،هل سيستيقظ بعد قليل ليجد نفسه
كابوسا أو حقيقيًا متى ينتهي ؟
نائما وأنه كان يحلم فقط بكابوس مرعب ؟ ،وسواء أكان هذا ً
في البيت ً
فاض به األمر والبد من أن ينهي هذا الكابوس بنفسه ،!..لن ينتظر مساعدة أحد في أنهاء هذا ..سيصل لمرحلة
فعال أو ذلك الواقع الكارثي والكابوسي
لن يستمر الكابوس بعدها ..سواء أكان هذا الكابوس هو كابوس حقيقي ً
ضا..
أي ً
285
عِ ضين
-60-
ٍ
بشيء على األطالق ،..منذ أن تم نقلها لهذا المكان ليلة أرضا ال حول لها وال قوة ..لم تعد تشعر
كانت جاثمةً ً
أمس وهي جاثمة على جانبها األيمن ال تقوى على الحركة ،لم تأكل منذ أن تم أعتقالها من قِبل هذا التنظيم..
ساب ًقا كانت تتعجب حين ترى المراسلين الذين يتم أختطافهم من قبل تنظيم داعش كيف يكونوا مستسلمين هكذا
عند ذبحهم ..علمت أن ليس هذا مثاليةً منهم بأنهم فخورين بعملهم ..ال ال فالنفس البشرية على أية حال لديها
غريزة حب البقاء سواء كانت تريد الحياة أم ال ، ..لقد تم حقنها بمخدر منذ قليل حتى ال تقاوم عملية الذبح بعد
ساعات قليلة من اآلن ،وما أصعب أن يمر المرء بلحظاته األخيرة..
كانت ماريان تتساءل لماذا اهلل لم يُعلمنا بميعاد موتنا ،وياليتها لم تعلم ،..اآلن فقط علمت حكمة الرب من
ذلك ،خفق قلبها وذرفت دموعها ..في النهاية هي بشرية ،بعد ساعات ستموت..
سمعت صرير الباب يُفتح ببطء ..لم ترى سوى أقدام لشخصين يقفان على الباب ..هل حان الوقت ؟! ،لكنها
نهارا ،كم تمنت لو تعيش فقط
كانت تعلم أنها في ساعات الفجر اآلن ومن الطبيعي أن تتم عملية ذبح المراسلين ً
لحظات قليلة أخرى..
************
286
عِ ضين
هنا !! ..أين ستكون أذن ؟ ،حتى ُمصعب نفسه لم يعرف مكانها ألنه وبكل بساطة هو من أخبره أن ماريان ليست
هنا في العراق ! ،حسنًا ..إذن البد من مواجهة عثمان ..المواجهة األخيرة بينهم..
متأخرا كاآلن..
ً كان الطريق خاليًا أمامه ،تعجب من ذلك ..ليس من المفترض أن يكون هكذا حتى لو كان الوقت
لقد توقع بعض الصعوبة في مواجهته األخيرة تلك به ،على أية حال الطريق سال ًكا أمامه ولن يتراجع عما سيفعله..
وصل لباب المكتب ووقف أمامه للحظات ..تردد في البداية لكنه شجع نفسه على مواصلة األمر ..لقد حسم
أمره اآلن ،فتح الباب ودخل بسرعة ،وقف للحظات يحدق بعثمان المصدوم أو المتفاجئ من دخول عمر هكذا
، !..كان يعمل على شيء في حاسوبه المحمول ،حدق عثمان في غضب ودهشة في نفس الوقت ،من ذا الذي
يستطيع دخول مكتبه بهذه الطريقة ؟! ،سأله عثمان بحدة..
متجاهال نظرات عثمان الغاضبة ،رد عليه عمر بهدوء أعصاب ..
ً تقدم عمر خطوتين نحو مكتبه وهو ينظر حوله
287
عِ ضين
لكنك وعدتني بأنها ستكون بخير !..
شعر عثمان بشيء من الرهبة والخوف ..تعجب من أنه يخاف من شخص كهذا !! ،دقات قلبه زادت دون مبرر..
كان تساؤل عمر هذا ال يحمل سوى معنى واحد فقط ،..إنه كان ينوي ح ًقا فعل شيءٌ اآلن وال يهتم لعواقبه ،يبدو
وباردا على غير عادته ،هل وصل لمرحلة البالدة ؟! ،فاجئه حركة عمر ..قام عمر باألمساك بالحاسوب من
يائسا ً
ً
أمامه وقام بفتح الشاشة ،قام عثمان في غضب وإلتف حول المكتب بسرعة وأمسك بذراع عمر ودفعه بعي ًدا عن
الحاسوب ..
أرضا ،إتجه ناحية الحاسوب مرة أخرى ليفتحه ففوجئ بأن عثمان
طارحا عثمان ً
التفت إليه عمر وقام بدفعه بقوة ً
قد دفعه هو ، ..سقط عمر بعد أصطدامه بالكرسي ،أقترب إليه عثمان ليضربه من جديد فوجد عمر قد ركله في
صدره فرجع للوراء خطوتين فاق ًدا توازنه إثر الركلة ،..حاول أستعادة توازنه لكنه فوجئ باللكمة التي سددها عمر
في وجهه مما أفقدته توازنه كليًا ،أمسكه عمر من شعره ورطم وجهه على المكتب ثالثة مرات حتى فقد عثمان
فعال ،..مسكه عمر
شرا ً
دما أدرك بأن عمر كان ينوي به ً
تركيزه وقوته وتوازنه كليًا ،وبعدما أصبح وجه عثمان كله ً
من كتفه وأجلسه على كرسيه والتفت عمر من ورائه ووضع السكين على رقبته بعد أن شد شعره للوراء ..
288
عِ ضين
رد عمر بهدوء ..
ألين ؟!
شعر عثمان بأختناق ..أو بأقتراب أجله ،عمر قد يصر على فعلته ولن يتردد لحظة ،إذا كان قد قتل أخيه فهل
سيتردد في قتله هو ؟!
ساد صمت للحظات فكر فيها عثمان بمأزق عمر ،عرف أنه يفكر في ما بعد ما يفعله اآلن ! ،بعد أن عرف
مكان ماريان ،كيف سيكون مصيره ؟! ،كيف سيكون مصيره بعد أن يخرج من هذه الغرفة ؟! هكذا قد يتساءل
عمر في نفسه ،أسرع عثمان ليطمئنه ..
طبعا بعدم أذية ماريان ،..أليس كذلك ؟! ،أرجوك ال تقول لي بأنك تريد الحصول على ثقتي بك
هذا كما وعدتني ً
مرًة أخرى..
289
عِ ضين
حاال اآلن باالفراج عنك وعن ماريان ،سأطلق سراحك ياعمر كما أردت
أمرا ً
ماذا تريد أذن ؟ ،أسمعني ..سأصدر ً
ولن تتم مالحقتك ..صدقني..
ح ًقا ال أعرف كيف أرد لك هذا الجميل ،لكن أظن أنه من األفضل لك أن تشعر بما تشعر به ماريان اآلن وبما
ضا ،جميعنا سنموت بعد لحظات يا عثمان..
أشعر به أنا اآلن أي ً
في لحظة كتب عمر نهاية هذا الرجل ،ذبحه ..تطاير الدم كالنافورة من رقبته ولثواني تلت ظل فيها جسد عثمان
اسما
وناظرا لعمر يطلب النجدة منه ،فيما كان عمر واق ًفا ر ً
واضعا يده على رقبته ليوقف هذا النزيف ً
يهتز بشدة ً
مستمتعا بالمشهد ..
ً أبتسامة األنتقام على وجهه
أخيرا ووقف أهتزاز جسده وتناثر دمه على المكتب والمصحف ،..أمسك عمر المصحف ومسح مات عثمان ً
الدم من عليه ،تساءل في نفسه ..ماذا فعلت ؟! ،ها هو كتاب اهلل ملوثًا بدماء أحدهم ..وضعه في مكانه بشرود
بعد أن مسح الد م من عليه ،فتح الحاسوب ليرى آخر ما كان يفعله عثمان على حاسوبه ،كان ينهي أمر ماريان
تماما ،!..أصدر أوامره بذبح ماريان بعد ثمانية وأربعين ساعة من اآلن ،ذلك الوغد !..
ً
ال يعرف ما الذي جعله ينظرحوله في الغرفة ..جذبه شيئًا ما وراء الحاسوب ناحية األرض في أنحاء الغرفة !!،
وقع نظره أتجاه الباب ..الباب مفتوح ؟! ،تذكر أنه قد أغلق الباب وراءه ،ليس هذا فقط ما جعله يتسمر في
مكانه ،ثمة شخص ما واقف على الباب ! ،رفع بصره ليرى هوية من كشف أمره ،مستحيل ،!..أنه ُمصعب ! ...
291
عِ ضين
-68-
لم يتحرك ..ظل ساكنًا ولم يبدي أي ردة فعل حينما رأى ُمصعب يغلق كاميرا الفيديو التي كانت بيده..
دخل ُمصعب بهدوء وأوصد باب الغرفة ورائه بالمفتاح ،التفت وجال بنظره في الغرفة كلها ..الفوضى في الغرفة..
رأس عثمان المقتول الظاهرة من خلف مكتبه وبجانبه عمر الواقف في ذهول ..إستسالم أو ربما بالدة ،وتلك
الدماء المتناثرة ،!..تقدم ُمصعب نحو عمر الذي مازال واق ًفا خلف المكتب في شرود ..
لم أثق بك في البداية ،وأعترضت على وجودك هنا ،لكني تلقيت تعليمات بضرورة تواجدك هنا ! ،هنا سيكون
طريقك للهروب من الجحيم في العراق..
هاما في حياتنا واألذكى هو من يستغل الصدفة ..في الوقت الذي ُكلفت بتنفيذ العملية
دورا ً
أحيانًا الصدفة تلعب ً
تلقيت معلومةً بوجودك أنت هناك في المقهى ..بدا األمر غريبًا بالنسبة لي في البداية ،لكن عندما علمت بأن
هناك مباراة لفريقك المفضل أصبح األمر منطقيًا ،لقد تعمدت حمايتك منذ البداية يا عمر..
أمسك ُمصعب بالمنشفة وأخذ يمسح الدم من على المكتب ،وأثناء ذلك أجابه ..
كانت هناك عملية ستنفذ في مصر ، ..سلسلة تفجيرات تستهدف قوات األمن والسياحة في سيناء ،لقد أخبرت
قادتي هناك بكافة المعلومات وأفسدت على التنظيم نجاح هذه العمليات ،بعدها تغيرت نظرة القائد عثمان لي،
كثرت الشكوك حولي وليتأكد من صحة شكوكه من عدمها كلفني بمهمة هنا ،الهجوم على المقهى ذو الغالبية
291
عِ ضين
ضا
الشيعية ..لو رفضت األمر ستزداد الشكوك حولي أكثر فأكثر بل وسأكون في موضع أتهام بخيانة التنظيم ..أي ً
هؤالء لم يكونوا شيعة عاديين ..كانوا جماعات متشددة مثل هذا التنظيم بالضبط..
بعدها بساعات حصلت على معلومات بوجودك في هذا المقهى والتصرف لكي تبقى تحت أنظاري بدون علم
التنظيم ،وجدت هذا صعبًا في ظل الظروف التي ُأمر بها في هذا الوقت ..فكرت جي ًدا كيف أستغل هذا وخرجت
بفكرًة عبقرية..
أنتهى من مسح كل آثار الدم على المكتب والحائط ،ثم وقف ُمصعب أمامه ليكمل كالمه..
فكرت ماذا لو أنقذتك وجندتك هنا في التنظيم ألكسب ثقة عثمان من جديد بالنسبة لي ،وتخليصك أنت من
كل األتهامات الموجهة أليك بقتل أخيك !..
كان عثمان هنا هو الذراع األيمن لزعيم التنظيم ولكن منذ ألتحاق أخاك بالتنظيم هنا وهو قد فاز بمكانةً خاصة
عند الزعيم ومع أجتهاده فاز بمكانة عثمان وأصبح ثاني أهم قيادي داعشي ،بالطبع هذا أثار غضب عثمان،
وعندما نزلت الكتيبة المصرية هنا وكنتم تقاتلون التنظيم أرسل الزعيم قوات دعم بقيادة عثمان وكنت أنا معه..
ضل عثمان األنسحاب وكذلك سيُقتل أخاك على أية حال..
لكنه عندما وجد هجوم الطائرات األمريكية عليكم ف ّ
سواء من المصريين أو من الهجمات األمريكية ،وكالجميع شاهدنا فيديو قتلك ألخيك ،فأصبحت أنت بالتالي
ضا من الشكوك حولي ..كلفني بمهمةً بسيطة وهي
طريقه ألستعادة مكانته لدى الزعيم ،هذا لم يمنع عثمان أي ً
تماما عن معرفة أية معلومات ألي عملية أخرى..
مراقبتك ،وأبعدني ً
فهم عمر كل شيء ،راوده سؤال آخر..
لكن كيف سأنقذ ماريان ؟! ،كيف سأخرج من هنا على كل حال ؟!
لم يتبقى أمامك سوى ساعةً واحدة فقط لتهرب من هنا ..
292
عِ ضين
توجه ُمصعب ناحية مكتبة عثمان ،أزاح بعض الكتب من الجزء االوسط من رفوف المكتبة ،وفجأة جذب جزء
المكتبة األوسط هذا ناحيته ،!..لم يستوعب عمر ما يراه ..هناك باب حديدي وراء المكتبة ،تساءل عمر
بأندهاش..
منذ فترة دخلت هذه الغرفة خلسة دون أستئذان القائد عثمان ألنه وبكل بساطة كان في سوريا في أجتماع مع
زعيم التنظيم ..أو هكذا أعتقدت ..كنت أريد الحصول على بعض المعلومات من مكتبه ،لكنني فوجئت عندما
دخلت ووجدته يدفع هذا الجزء من المكتبة ناحية الداخل ..لم أعير أنتباهي لما فعله آنذاك ألنني كنت في وضع
علي أن أبرر وجودي في غرفته وبمثل هذه الطريقة التي أقتحمت بها مكتبه ،تسمرت مكاني وتساءلت
خطيرّ ..
في نفسي كيف حدث هذا ؟! ،كنت متأك ًدا أنه في سوريا وأنه لم يدخل التنظيم هنا هذا اليوم ،..كيف أراه أمامي
ضا لم يتخذ أجراء
فورا وتبرير موقفي هذا ،صحيح أنه لم يقتنع حينها لكنه أي ً
فجأة اآلن ؟! ،أسرعت بالتصرف ً
ضدي ،لكنها كانت بداية عالقتنا المتوترة ..كان بداية الشك بأمري ..
أخيرا ،ثم ظهر من ورائه تجويف داخلي كبير ..نفق سري !!،
أدار ُمصعب المقبض الحديدي بصعوبة وفتحه ً
أستطرد كالمه..
بعدما خرجت من هذا المأذق بسالم فكرت في األمر جي ًدا وبهدوء ..فكرت في لحظة أغالق القائد لهذا الجزء
صدمت
من المكتبة !! ،دخلت مرةً أخرى في وقت تأكدت فيه جي ًدا هذه المرة أنه في سوريا مع زعيم التنظيمُ ،
عندما فتحت ورأيت هذا ..
صدمت أكثر عندما وجدت خريطة توضح مسار هذه المتاهة ،!..األمر لم يكن عاديًا أو مجرد نفق فقط ،هذا
و ُ
النفق أشبه بالمتاهة ،وله فتحات كثيرة في عدة أنحاء كثيرة ،وجدتها في أحدى هذه الكتب ..أخرج ُمصعب
ذهوال،
الخريطة من جيبه ،وكانت واضحة أنها نسخة مصورة وليست األصلية ،أخذها عمر ثم أتسعت عيناه ً
293
عِ ضين
مستحيل ..نفق أرضي تشبه المدينة ،مدينة كاملة تحت األرض ،!..ليس مجرد نفق يصل مكان بمكان ! ،ال..
أنه نفق يصل هذا المكان بكل مكان ،!!...بكل مكان ..حتى سوريا!..
أكمل ُمصعب..
عرفت بعدها كيف أنه كان يخرج ويدخل التنظيم هنا دون أن يراه أحد ،!..عرفت أني كنت متيقظًا عندما علمت
ُ
بأنه كان في سوريا ح ًقا ولم أكن مخطئًا حين دخلت ووجدته هنا فجأة !
مجددا ..
ً نظر لساعته
سندفن عثمان هنا ،سيمنحنا هذا بعض الوقت حتى يالحظوا أختفاء عثمان ،بعض الوقت لكي تهرب أنت ولكي
أنجز أنا بعض األشياء هنا..
بطال قوميًا حين تم تصويرك وأنت تقتل ثاني أهم قيادي في
األمر كان منطقيًا في مصر ..في بداية األمر أنت كنت ً
أسم مشترك ..أكتشف تنظيم الدولة لكن سرعان ما تحولت لمجرم حين تم أكتشاف ما يربطك بأخيك من ٍ
متهما بقتلك ألخيك لألستحواذ على مكانته هنا وما دعم أتهام الجميع لك بذلك هو
الجميع أنه أخاك وأصبحت ً
صورا لك وأنت تحارب مع التنظيم صباح أمس ضد الجيش العراقي..
نشر وسائل األعالم ً
تذكر عمر على الفور مأساة ما حدث أمس في المعركة ..الفتاة الصغيرة ووالدتها ..تغريد التي قتلت وحزن والدها
عليها ..
294
عِ ضين
معا ودخال الغرفة
أنتهيا من الحفر ودخل ُمصعب ليحمل جثمان عثمان وساعده عمر في دفنه ،ثم ردما الحفرة ً
مرة أخرى ،مد ُمصعب إليه يده ...
الخريطة..
تساءل عمر..
ثم ستسلم نفسك لحرس الحدود السعودي وحينها سنتواصل مع المملكة لنستلمك منهم ..
أوال ..
بخصوص ماريان ..سنحاول أنقاذها ،عليك أنقاذ نفسك ً
هز عمر رأسه أيجابًا في شرود ،طّبق الخريطة مرة أخرى ووضعها في جيبه ثم توجه ناحية النفق ،ثم توقف ..التفت
لمصعب عندما تذكر شيئًا..
ُ
عندما دخلت أنت هنا أغلقت كاميرةً ما كانت معك ،!..أكنت تصور ما حدث ؟
اهلل سبحانه وتعالى أثبت برائتها في الحال ،حدثت معجزة وتكلم المسيح وهو في المهد صبيًا..
وحدث لم يكن في الحسبان ، ..بينما كان القوم يتجهزون لألنقضاض عليها حدثت المعجزة
ُ نتكلم هنا عن معجزة
وتكلم المسيح وهو ما زال في المهد صبيًا ،هذا بالضبط ما سنفعله فيما يخص أمرك هذا ،سنثبت أنك لست
واضحا بالنسبة للجميع ..األمر
ً داعشي بالمرة ،لقد قتلت للمرة الثانية ثاني أهم قيادي داعشي ،!..األمر سيكون
ليس متعل ًقا بثأ ٍر مع أخيك أو بسبب أنك كنت تريد أخذ مكانه ..
فهم عمر كل شئ اآلن ،إستدار عمر نحو النفق ووقف في بداية النفق من الداخل مشاه ًدا لغلق الباب عليه من
قبل ُمصعب ،باب النفق السري الذي هو جزء من مكتبة في غرفة عثمان الذي ُدفن هنا تحته ..من كان يتصور أن
يحدث هذا معه ! ،بدأ بالتحرك لكنه فوجئ بأن الباب قد فُتح مرة أخرى على عجل من األمر ،ظهر له ُمصعب
محذرا أياه ...
ً مجددا
ً
متفهما ثم أغلق ُمصعب الباب مرةً أخرى وقد سمع عمر صوت غلق المقبض من الخارج
ً هز عمر رأسه أيجابًا
يسارا كما هو مخطط له،
هذه المرة ،سار عمر في األتجاه الذي حدده له ُمصعب دون أن يفتح الخريطة ..توجه ً
ك ان يسير ببطئ شديد شارد الذهن ال يفكر سوى بشئ واحد فقط اآلن ..ماريان !! ،كيف سيتركها ؟! ،لقد
كبيرا
أنقذت حياته مرتين ! ،الساعات تمضي وأجلها يقترب ..توقف مكانه للحظات ونظر وراءه ..لقد قطع شوطًا ً
ناحية فتحة الهروب في تلك المدينة التي أشار له ُمصعب ،ماذا لو ..ذهبت ألنقاذها بنفسي ؟!
حسم أمره في لحظة ..لحظة جعلته يدرك أنه يجري بسرعة للعودة لنقطة البداية ،في ظرف عشر دقائق تقريبًا كان
فعال حيث الباب السري يبتعد عنه بضعة أمتار وقبر عثمان تحته ..قال بصوت مسموع لنفسه
عند نقطة البداية ً
مشيرا ..لنبدأ من جديد ..هذه المرة إلى سوريا ..إلى ماريان..
ليشجع نفسه ً
296
عِ ضين
-63-
تفكر فيه بأستمرار وال تنساه ،كيف تنسى ذلك المالك الذي أعاد لها روحها من جديد ..وقف بجانبها في أحلك
أوقاتها حتى تماثلت للشفاء تقريبًا ،فكرت للحظة ..هل كانت ستتأقلم مع أصابتها تلك إن لم يتدخل هو ألنقاذها
ضا لم تشعر بعجزها طيلة مساندته لها ..لكن كيف يكون لهذا المالك أن يكون أداة قتل ؟!،
؟! ،لكنها أي ً
مستحيل أنه قد كان أنضم لهذا التظيم األرهابي بمليء أرادته ولكن كيف يمكن لما رأته أن يكون غير حقيقي ؟!،
ضا تدرك أن ثمة هناك شئ غير حقيقي ،لكن ولكن
رغما على ماذا ؟! ،لكنه أي ً
رغماُ ..م ً
فكرت في أنه قد يكون ُم ً
ولكن ..
ما قطع تفكيرها سماعها لصوت يناديها ،صوت بدا للوهلة األولى أنه غريب ،التفتت لمصدر الصوت من ورائها..
كثيرا ،نعم ذلك الصوت تعرفه جي ًدا ..إنه
شهقت عندما رأته ،علمت أن الصوت الغريب كان غريبًا ألنها أفتقدته ً
حياتها ..إنه عمر !!
رغم أنها ال تفهم شئ إنتفضت من مكانها مسرعةً بأتجاهه في فرحةً عارمة ..الدموع في عينيها هربت بسرعة
منها ..أنها دموع األشتياق ! ،كان هو كذلك يجري نحوها ،يجريان نحو بعضهما لكن ..ال يقتربان !! ،توقفت
أمرا غريبًا يحدث ،!..نظرت ورائها فوجدت المسافة تباعدت
لتلتقط أنفاسها ..توقفت ألنها الحظت بأن هناك ً
بينها وبين الكرسي حيث كانت تجلس منذ قليل ،نظرت بأتجاه عمر الذي ما زال يركض نحوها لكن المسافة ال
محاوال ألتقاط أنفاسه ..كان يتنفس بصعوبة..
ً تقل ! ..ماذا يحدث إذن ؟! ،فجأة توقف عمر وجثى على ركبتيه
تماما كما حلمت من قبل ! ،ركضت نحوه من جديد محاولةً إنقاذه ولكن ..
ً
297
عِ ضين
تعبت من التفكير ..تساءلت مرةً أخرى ..كيف هو اآلن ؟! ،هل ما زال حيًا ؟ ..يا ألهي ..متى سينتهي كل هذا
العبث في حياتي ؟؟ ،متى سيعود عمر ؟!
فتح عينيه ..فكر للحظة ..هل ما زال حيًا ؟! ،حاول تذكر ما حدث معه ،بعد ما كان يجري بأتجاه سوريا بدأ
يشعر بنقص الهواء ،ليس هذا فقط ما أثار ذعره حينها ..فجأة ظهر أمامه ثالث ممرات ولم يعد يملك الوقت
كثيرا ..أختار الممر األوسط ومع مرور الوقت بدأ يشعر بأنعدام
على كل حال ليجرب الممرات الثالثة ،لم يفكر ً
تماما حتى أختنق ولم يشعر بشيءٌ بعدها..
الهواء ً
أخيرا أن
أسرع في طريق العودة للوراء حيث تلك الممرات ،..ثم سلك الطريق الصحيح هذه المرة بعدما تذكر ً
فعال أنه
الخريطة معه ،مرت ساعة أخرى وهو يحاول األسراع للوصول للجهة األخرى قبل نفاذ الهواء الذي شعر ً
مجهودا فبالتأكيد سيجد في هذه صعوبة بالغة ..نظر للخريطة بعدما ظهر له على
ً يتسرب مرة أخرى غير أنه يبذل
298
عِ ضين
مستقيما وتجاهل أي فتحات جديدة ،لقد وصل تقريبًا،..
ً يمينه ممر آخر لكن الخريطة تخبره بمواصلة الطريق
بضع عشرات المترات وسيجد نفسه في الجهة األخرى ..
صعق عندما
فعال ..لكنه ُ
طويال ثم تحرك فجأة ليسرع بالوصول ،بعد دقائق وصل ً
نفسا ً
أغمض عينيه ليهدأ وأخذ ً
وجد أن نهاية النفق مسدود !! ،مستحيل ..هل هذا النفق ذو فتحة واحدة فقط ..؟! ،الممرات الثالثة مسدود
وهذا يعني أن هذه الخريطة ليست األصلية أو أنهم قاموا بسد هذه الممرات وفتحوا أخرى ؟! ،نظر للخريطة مرة
أخرى وأسترجع مسار الطريقة منذ البداية ..إنه في الطريق الصحيح !! ،لكنه مسدود !! ،نال منه التوتر سر ًيعا
قهرا
وتصبب عرقًا ،الهواء قليل ج ًدا ..و اآلن ال مجال للتراجع حتى والمخاطره ليخرج من فتحة أخرى ،صرخ ً
أرضا لكنه لم يفقد وعيه
عال وقطع الخريطة ..فقد أعصابه بسرعة وبدأ يشعر بدوار ولم يتحمل ،سقط ً ٍ
بصوت ٍ
بالكامل ،الحظ وجود حجارة صغيرة أمامه ..مد إليها يده ومسكها ثم رماها بأقصى ما يستطيع تجاه نهاية النفق
ٍ
بشيء معدني ،حاول عمر توجيه بصره نحو النهاية !.. المسدود ! ،سمع صوت أرتطام الحجارة
فعال وتحسس نهاية النفق ! ،إتسعت عيناه من شيءٌ لم يتوقعه أب ًدا ..باب
زحف بصعوبة تجاه النهاية حتى وصل ً
؟!! ،لكن ال يبدو كذلك ..باب معدني مطلي بلون التراب ليبدو كنهاية للنفق !..
طرق الباب وحاول الصراخ لكن صوته لم يسمعه هو حتى ،لكن فجأة سمع صوت متاريس الباب تُفتح ..لحظات
ضا ، ..الموت باألختناق أو أن أحدهم سيفتح الباب ويقتله ،كان يأمل بأن تكون
يترقبها ما بين الموت والموت أي ً
نهاية الممر فتحة في بيت مهجور كما كان سيخرج في الجهة األخرى ..
محاوال أستنشاق قليل الهواء الذي تجدد في المكان فجأة وليرى هوية من فتح له
ً فُتح الباب ،ورفع عمر رأسه
الباب ،أرتسمت على وجه الرجل مالمح الجدية والغضب ..ثم ابتسم أبتسامة ماكرة..
عمر..
299
عِ ضين
-64-
على كل حال ..لم يكن ليصدق إنه مازال على قيد الحياة ..لقد خرج حيًا من النفق بعدما تعرض لألغماء عدة
مرات وكان قريبًا من الموت ،وكذلك لم يقتله ذلك الداعشي أو على األقل ليس هناك ما يوحي إنه قد تم القبض
عليه حتىُ ..سمح له بألتقاط أنفاسه ثم سأله الرجل..
لم يستوعب عمر األمر بعد ،هز رأسه إيجابًا ثم أكمل الرجل كالمه..
ما كان عليك أن تسلك هذا الطريق ! ،ظننتك قد ُمت في هذا النفق ،لماذا خالفت ما أُمرت به ؟!
ساهما ومحدقًا بالرجل ،!..بدا سؤاله غريب ج ًدا عليه ! ،أراد معرفة مصير ماريان ..هل وصل في
ً ظل عمر
الوقت المناسب ألنقاذها أم فات األمر عليه ؟!
لم تظهر أي تعابير على الرجل ،توجه الرجل ناحية باب الغرفة وفتحه ..
حسنًا ..أتبعني..
تحرك عمر على الفور خلف هذا الرجل إلى أن حاذاه ،ثم أكمل الرجل كالمه..
311
عِ ضين
التفت ناحية عمر ...
بدا عمر غير واث ًقا من األجابة عليه ،في البداية ظن عمر أن هذا الرجل على علم بما حدث ولكن سؤاله هذا
يوحي بالعكس ،وهذا يرجح إنه داعشي وليس رجل مخابرات مثل ُمصعب..
تماما وقد ال تقوى على الهروب معك ،عليك بحملها والهرب بها ألبعد مكان تستطيع
ماريان في حالة مخدرة ً
الوصول إليه ،عليك بأستغالل حالة األضطراب تلك التي تضرب التنظيم اآلن..
هنا تغيّرت شكوك عمر حول هذا الرجل ،إنه رجل مخابرات مثل ُمصعب تم تجنيده في هذا التنظيم في سوريا
وحرصا من ُمصعب..
ً دهاءا
لكنه يبدو أكثر ً
لكن دعني أسألك ،..لماذا لم تنقذ ماريان ؟! ماذا لو لم آتي ألنقاذها ؟ هل كنت ستسمح بقتلها ؟!
311
عِ ضين
األمور ال تسير هكذا ..من المفترض أنك عسكري وتعرف ما أعنيه ،أمر ماريان أو غيرها ال يعنيني بشيء ..أنا هنا
في مهمةً محددة ال أكثر..
طبعا..
كيف سنهرب من هنا ؟ ،أعني أنا وماريان ً
ممر سري يستخدمه التنظيم للهروب من قبضة الجيش السوري والوصول لهنا ،ستستخدمه أنت وماريان،
هناك ُ
ستخرجان عبر ٍ
فتحة في كهف أحدى صحاري مدينة الحسكة ،بعدها يمكنكما التصرف والعودة لمصر ...
كيف سنتصرف هنا ؟!!،أليس من مهمتك إيصالنا لمكان آمن نصل منه لمصر ؟!
عندما علمت المخابرات بأنك غيرت مسارك وستأتي لهنا ..كانت مهمتي هي أستقبالك ومساعدتك على الهروب
ٍ
لمكان آمن ثم الباقي عليكم، أصال ،وها قد حدث ذلك ..مهمتي هي أيصالكم
أنت وماريان ..هذا إن كنت حيًا ً
هنا ينتهي دوري يا عمر..
أكمال سيرهما وتوقفا عند باب سجن ما ،فتح الرجل باب هذا السجن..
كانت ملقاة على األرض بال قوة مرتدية زيًا برتقاليًا ..زي األعدام ،أسرع عمر ليطمئن عليها ،نظرت إليه في شرود
لباسا داعشيًا وكذلك لحيته التي كبرت خالل أيام ..رمت
صدمت ،!.رأته وهو يرتدي ً
وعندما أستوعبت األمر ُ
صحيحا ..قالتها بصوت
ً نظرها لذلك الرجل الواقف على الباب ثم عادت بنظرها لعمر خشية أن ما تفكر به
ضعيف ومصدوم ..
عمر ..؟!
312
عِ ضين
حملها عمر على يديه وخرج بها من غرفة السجن تلك ،أوصد بعدها هذا الرجل الباب وكأن شيئًا لم يحدث..
ضا فتح الرجل هذا الباب السري وأشار لعمر باألسراع ،مرة أخرى حمل عمر ماريان على يديه وتوجه ناحية
أي ً
النفق وقبل أن يغلق الرجل الباب التفت إليه عمر..
قالها وقد أرتسمت أبتسامة على وجه عمر ..أبتسامة تبدو في ظاهرة أنها ماكرة ،أمال الرجل برأسه في تساؤل
عرفه عمر دون أن ينطق الرجل..
نعم لن تجدوه..
أدرك الرجل معنى أبتسامة عمر تلك ومعنى كالمه كذلك ،لقد قُتل عثمان والذي قتله هو عمر ..أو شيءٌ هكذا..
المهم أن عثمان قد قُتل ،أغلق الرجل الباب وأعاد ترتيب المالبس المعلقة وأغلق أبواب الخزانة وكأن شيء لم
يحدث ،سيكون هن اك متسع من الوقت ليدركوا أن ماريان ليست هنا كذلك ،جلس على مكتبه وجلس على
حاسوبه ..فتح أيميله األلكتروني الخاص والسري وكتب " ..تلك الطيور الحبيسة أنطلقت األن ..قريبًا ستعود
لديارها " ...تم األرسال ...
أغلق أيميله الخاص به ومسح التاريخ وكل شيء فعله اآلن ! ...
313
عِ ضين
تسريب فيديو مقتل عثمان على يد عمر أثناء برنامج شيرين..
314
عِ ضين
-65-
كانت تسير بسرعة البرق نحو غرفة األعدادات ،كانت بأمكانها قتل أحدهم هذه الليلة ،أو ربما الجميع ..كيف
شرسا على
هجوما ً
ً ومتى حدث هذا ؟! ،شعرت وكأن الجميع كان يخطط لكل هذا منذ البداية ،يجعلونها تشن
عمر ثم بعدها وفي نهاية برنامجها بالذات يتم عرض مشاهد تبرئة عمر ،..ال سيما بعد المداخلة التي قامت بها
المدانة وليس عمر !
للتو قبل الفاصل مع زوجته ،!..الجميع سيتعاطف مع زوجته ومع قضية عمر ،أصبحت هي ُ
و عندما كانت مندفعة تجاه غرفة األعدادات أصطدمت بأحدهم ..بدا غريبًا ..أفرغت جزء من غضبها عليه..
التفت إليها الرجل قاطبًا حاجبيه لكنها قد أكملت طريقها مندفعة ناحية غرفة األعدادات وغادر الرجل في
صمت ،دخلت هي الغرفة متجهة ناحية أحدهم لتفرغ جل غضبها عليه لكنها فجأة توقفت عندما مسك أحدهم
محاوال إيقافها ..أنه ثروت ..تفاجأت من وجوده هنا في هذا المكان واآلن !..
ً يدها
ٍ
غضب آتية ،حاول هو تمالك أعصابه .. سألته والشرارة في عينيها تنذر بموجة
أذن كنت هنا وقت عرض تلك المشاهد ولم تمنع حدوث هذا ؟!
315
عِ ضين
أحتمال آخر..
ٌ سكتت للحظة لتستوعب هي كالمها ،هناك
ٍ
بصوت ُمخجل .. لم يقوى ثروت على النظر في عينيها التي تحدقان به ،قال
ال ..أنا لم أسمح بذلك ،مهما بدت العالقة بيننا متوترة يا شيرين فال أستطيع األقدام على فعل شئ كهذا ..
مباحث أمن الدولة ، ..لقد جاءوا أثناء الفاصل األعالني لبرنامجك وأجبروني على قطع األعالنات وتشغيل هذا
الفيديو ،لقد شاهدت الفيديو ِ
مثلك ومثل الجميع ألول مرة ..
لقد كنتي تهاجمينهم طوال هذه الفترة بالذات يا شيرين ،..حادثة المول التجاري وحادثة الكنيسة وهجومك
المستمر على عمر خالل اليومين الماضيين ،كل هذا من شأنه أن يضر بمصلحتهم ،أرادوا األنتقام بطريقة ذكية
ِ
جمهورك بالكامل ،واآلن علينا التفكير بهدوء لنحل هذه المشكلة .. وشرعية ،بهذه الطريقة تفقدين ثقة
ٍ
بصوت مسموع ... الحظ ثروت شرودها ،أو أنه مجرد هدوء ما قبل العاصفة ،فكرت
316
عِ ضين
صناع األعالم هنا في مصر وال أظن بأن تلك المشاهد مصطنعة ،حتى لو كانت كذلك ..علينا
يا شيرين ..نحن ُ
التفكير بهدوء للخروج من هذه األزمة..
دخل أحدهم فجأة الهثًا ،توقف أمامهم مباشرة ثم ألتقط أنفاسه ليخبرهم ..
هناك خبر سئ سيدي ،..هناك تجمع لعدة أشخاص أمام بوابة مدينة األنتاج الرئيسية والعدد في تزايد !..
هذا الحشد ِ
ضدك سيدة شيرين ...
ما كان يخشاه ثروت قد حدث ،الحكومة قد حشدت الناس ضدها بذكاء ،التفت لشيرين فجأة ليقترح عليها شيئًا
ما ..
ال ..لن أعتذر يا ثروت وسأكمل طريقي ،سيعرف الجميع من هي شيرين ...
علينا األسراع يا شيرين قبل تفاقُم األزمة ،الوقت ليس في صالحنا ،هذا أن أردتي الخروج من هنا على قيد
الحياة ،..نحن ما زلنا في بداية المشكلة ويمكننا حلها اآلن بسهولة..
أحمر وجهها وخرجت من غرفة األعدادات بسرعة في غضب ،كانت تتمتم بكلمات غير مفهومة لكنها مفهومة
بالنسبة لثروت ،تتوعد لرد كيد الحكومة بها ،..ستقلب الطاولة من جديد ..ستجعل محاولتهم لإليقاع بها محاولة
فاشلة ..أو خطأ قد يندمون عليه ..
317
عِ ضين
-66-
روحا وجس ًدا واح ًدا ، ..لم يتخيل إنه قد يتغيب عنها كل هذه المدة،
لقد أختار اهلل أن يُفرق بينهما بعد أن أصبحا ً
ضا ! ،لم يعد يراها بعينيه لكنه يراها بقلبه وما
مجددا ،لقد أفتقدها ولقد أعتاد أفتقادها أي ً
ً لم يتخيل إنه قد ال يراها
القلب إال بأبصر من العين..
تساءل ..كيف حالها اآلن ؟! هل ُشفيت أم تّخلوا عنها بعدما فقد مكانه في الجيش ؟! ،ما يرهقه هو أنه ال
يعرف عنها شيء وربما هي تعرف عنه كل ما يحدث معه بالتفصيل ! ،ال يراها وال يعرف عنها شيء لكن قلبه
فعال يخبره بالحقيقة !..
أمل أم أن قلبه ً
يحدثه بأنها بخير ..قلبه يخبره أنها قد تم شفاؤها ..ال يعرف أن كان هذا ٌ
ضا ..قلبه الذي أحبها أكثر
سيصدق قلبه ،قلبه الذي توجها ملكةً عليه ،ابتسم ..هل يغار من قلبه ألنه أحبها أي ً
ّ
منه ،قلبه يستحقها أكثر منه ،..الظروف من حوله تجبره على تحمل نسيانها لكن قلبه يأبى ذلك..
تحركت ماريان التي ك انت نائمة بجانبه في عربة النقل التي أستقلونها عندما خرجوا من الكهف الداعشي ،ما زالت
تحت تأثير المخدر ،أمسكت برأسها متألمة ..يبدو أن أثر المخدر بدء يختفي تدريجيًا واأللم يزداد شيئًا فشيئًا
ضا تدرك ما يدور حولها ..تدرك أنها لم تكن تحلم وأن عمر جاء لينقذها وهربا سويًا ،التفتت لعمر لكنها أي ً
وتبسمت رغم ما تشعر به من ألم..
ُكنت على وشك العودة للظهور مرة أخرى على التلفاز لكن هذه المرة كضحية ..ما كان عليك أن تنقذنيُ ..كنت
أريد أن ينتهي كل شيء ..
ضحك عمر وفهم ما تقصده ،لقد كانت تتهكم عليه كرد لما فعله هو ساب ًقا بعد أن أنقذته ،سالته ..
أثناء رحلتهمها هذه جذب أنتباهها الفتة عمالقة مرت من فوقهم ..كانت أحدى كلماتها هي " الحكسة "،..
تعجبت وحاولت تذ ُكر أين هذا المكان بالضبط في العراق !..
318
عِ ضين
ضا
ضا وعلى ما يبدو أن هنا في العراق يوجد الحكسة أي ً
ُكنت أظن أن الحكسة مدينةً سوريةً فقط ،!..لكنها أي ً
!..
الحسكة ليس لها فروع أخرى آنستي ،الحكسة مدينةً سورية فقط ..
أصال في رده..
أتسعت عيناها في صدمة ،ال تستوعب ما كانت تتوقعه ً
أنتي هنا منذ أيام ،لقد تم نقلك لهنا ليتم أعدامك ،بالطبع ِ
كنت في حالة مخدرة..
حاولت أن تستوعب األمر لكن معدتها تدخلت لتعلن أحتجاجها في هذا الوقت ،مسكت معدتها متألمة ،..سألها
عمر ..
جائعة ؟!
نظر حوله خارج العربة فوجد مباني وبيوت أهالي فعرف أنهم قد تخطوا حدود القرية الخارجية ودخلوا القرية
نفسها ..
319
عِ ضين
حسنًا دعينا ننزل هنا ،ونبحث عن طعام..
أطرق عمر بيده على الزجاج خلف السائق وأشار له بالتوقف للنزول ،توقفت السيارة ونزال منها ثم أشار عمر
للسائق بالشكر ،..اآلن عليهما البحث عن طعام ثم مواصلة طريقهما..
معا في طرق مجهولة حتى وصال لبداية شارعٌ ما ..لم تستطع ماريان السير أكثر من هذا ،جسدها
ظال يسيران ً
ضعيف ج ًدا وكاد يقتلها الجوع ،كان الشارع خاليًا تقريبًا ،أجلسها على الرصيف ووقف أمامها يفكر باألمر..
مبتسما..
ً التفت إليها
كثيرا ..على بُعد مترات قليلة منها أطرق باب أول بيت صادفهُ ،فُتح
قالها وقد بدأ يبتعد عنها ،لكنه لم يبتعد عنها ً
الباب فتحة بسيطة ..ال يظهر منها سوى عين واحدة فقط..
311
عِ ضين
شاب ما قد خرج من هذا البيت الذي تركه للتو ،أقترب عمر إليه ،سأله
فوجئ بأحدهم يناديه ،التفت ناحيته ليجد ٌ
الشاب بحذر..
نظر عمر لهيئته ..وعرف سبب أغالق الباب في وجهه هكذا منذ قليل ،لقد ظنت هذه المرأة أنه داعشي..
حاال ..
ال ..لكنني تورطت معهم بطريقةً ما ،أسف الزعاجك ..سأرحل ً
ضا..
قاطعه الشاب بسؤال يتملكه الشك أي ً
متأكد ..؟!
شرد ذهن عمر فجأة ولم يستمع لسؤال الشاب ،نظر ناحية ماريان التي ما زالت فاقدة القوة تقريبًا على الحراك،
نظر الشاب ناحية ما ينظر إليه عمر فوجد فتاة تجلس على الرصيف وتبدو منهكة وضعيفة ،سأله..
فرح عمر وشعر باألمتنان تجاه هذا الشاب ،أسرع ليسند ماريان ويدخلها المنزل ..أجلسها على أقرب أريكة،
أستأذن منهما الشاب للحظات ،أنتهز عمر هذه الفرصة ليكلم ماريان ..
ِ
طاقتك بسرعة ،ال نريد أزعاجهم أكثر من هذا.. ماريان ..حاولي أستعادة
311
عِ ضين
رمضانية ،دخل عليهما الشاب وزوجته ..يبدوان عروسان بالتأكيدِ ..
وضع الطعام أمامهم ..التفتت زوجة الشاب
لعمر معتذرة ..
آسفة عما بدر مني ،كان األمر غريبًا ومخي ًفا بالنسبة لي ..ظننتك داعشي أو من تلك الجماعات ،تفضلوا
الطعام..
تكلم الشاب..
كانت مارايان تأكل بشراهة متجاهلة ما يحدث حولها ،لم يفهم عمر قصد هذا الشاب..
متفهما األمر..
ً هز الشاب رأسه
312
عِ ضين
قص عمر عليهم ما جرا معه األيام الماضية ،تأثروا ج ًدا بالقصة ،خاصة مصير تلك الفتاة تغريد ..حتى أن ماريان
صدمت بذلك الخبر وحزنت ،فقدت شهيتها عندما علمت بوفاة تلك الفتاة البريئة ! ..تلك الفتاة التي سمعت
ُ
والدها وهو يقص على عمر قصة وفاة والدتها..
هناك شيئًا غريبًا في قصتك تلك ، !..أظنني على علم ببعض ما حدث معك ،ال أستطيع تذكر متي وأين سمعت
بعض التفاصيل هذه !!
قامت لميس وأتجهت ناحية المطبخ مبتسمة وتبعتها ماريان بعدما أستعادت طاقتها بالكامل ...
حان وقت األفطار ..الفطور جاهز والجميع مستعد لألفطار ،حتى ماريان أحبت أجواء شهر رمضان،..كانوا
بأنتظار األ ذآن وها بالفعل أنطلق األذآن وبدأوا بتناول الفطور ،مرت دقائق حتى أنتهت ماريان من الفطور أو من
" Exclusive news األكل ثم أمسكت بجهاز التحكم عن بعد وتنقلت بين المحطات بحثًا عن قناة
أخيرا ،كانت شيرين عبد النور تتكلم..
" ووجدتها ً
علي
ضا َو َجب ّ
فادحا عندما قمت بمهاجمة عمر دون أدلة دامغة ،لذلك أي ً
" ... -لذلك قد أرتكبت خطئًا ً
أوال ثم للمصرين بعدها " ...
األعتذار لعمر وزوجته ً
البرنامج جذب أنتباه الجميع فجأة ال سيما عمر عندما سمع أسمه تردده تلك المذيعة ،يعرف أنه قد أصبح
فعال هو تردديها لكلمة " زوجته " !..
مشهورا في مصر حتى لو كانت هذه الشهرة سلبية ،لكن ما أثار أنتباهه ً
ً
مثال ألستضافة زوجة عمر األرهابي في برنامجها وتم مهاجمتها
لماذا تعتذر هذه الحمقاء ؟! ،هل وصل األمر ً
شخصيًا بسبب خطأ لم يقصده هو ؟؟ ،ما قطع تفكيره صوت أسامة الذي عال فجأة ...
313
عِ ضين
هكذا يكون الوضع منطقيًا ،منذ البداية وأنا أُحدث نفسي بأني قد رأيتك من قبل ولكنني لم أتخيل أن الضابط
المصري عمر محسن شخصيًا قد يعلق هنا في سوريا ويستغيث بي ويكون هنا في بيتنا ،لقد بدا األمر خياليًا
بالنسبة لي !..
قالها والفرح والفخر يتطايران من عينيه ،فيما كان عمر شارد الذهن يفكر بشيء واحد فقط ..آسية ..لكن أسامة
وزوجته ظنا بأن عدم رد عمر وشرود ذهنه الواضح يعود إلى خجله وأحراجه من الذنب الذي لُصق به ..الجميع
يعرف أنه قتل أخيه على أية حال ..البد وأنه يواجه صعوبات بينه وبين نفسه كلما ذّكره أحد ،تدخل أسامة
لتوضيح األمر ..
ت أكد يا عمر بأن الجميع يعلم معاناتك ،الجميع يعلم بأنك لم تكن تقصد قتلك ألخيك بحد ذاته ،األعالم فقط
هو من روج لفكرة أنك قد فعلت ذلك بدافع األنتقام من أخيك وخطف مكانته في التنظيم ،لكن ال أحد كان
يصدق كالمهم اال بالطبع مناصري هؤالء األعالميين على صفحات التواصل األجتماعي ،..لكن من الغريب أن
تعتذر تلك المذيعة بالذات عن مهاجمتك أنت ،..أتساءل ماذا حدث لتغير رأيها ؟!
الجميع بال أستثناء أتسعت أعينهم من الدهشة بما فيهم عمر نفسه ،رجل مخابرات ؟ من ؟! عمر ؟! ،لقد ظن
جميعا تلك المشاهد التي تُعرض اآلن..
ً شخصا غيره ،تسمر الجميع أمام التلفاز ليروا
ً عمر بأنها تتكلم عن
مشاهد قتل عمر لقيادي داعشي آخر ،عمر ألول مرة يشاهد نفسه وهو يقتل عثمان ..ماريان ألول مرة تشاهد
ضا وأول مرة تعرف هذا الرجل على أنه قيادي داعشي آخر ..
هذا المشهد أي ً
314
عِ ضين
أنقضت الساعات األخيرة من اليوم سر ًيعا كعادة هذا الشهر الكريم ومع تجاوز ساعات منتصف الليل أقترب وقت
السحور ،كانوا نائمين ..أسامة ولميس في الطابق الثاني مع طفليهما وماريان وعمر في الطابق األرضي كل منهما
على أريكة ..ورغم أنهم على أية حال كانوا سيستيقظون لتناول السحور قبل الفجر فلقد أستيقظوا بذعر على
صوت أطالق نار في الخارج ،يبدو أن هناك معركةً ما بالخارج ،وكانت ما زالت الكهرباء منقطعة ،سألت ماريان
في ذعر..
لقد فاتنا وقت الهروب ..لم أتوقع أب ًدا أن تبدأ هذه المعركة في هذا الشهر على األقل..
أجابه أسامة..
حرب السيطرة على القرية يا عمر ..حرب بين الجيش النظامي وفصائل المعارضة..
هزت لميس رأسها موافقة أياه وغادرت الغرفة في قلق وتبعتها ماريان لتساعدها ،نظر عمر وأسامة لبعضهما في
قلق..
و اآلن ..هل علمت لماذا سنرحل عن هنا ؟! ،من اآلن فصاع ًدا ال تضمن أن تبقى على قيد الحياة في أي
لحظة..
315
عِ ضين
-60-
تساءل ..متى ستكون العودة هلل ؟! ..يخطر بباله اليوم فيؤجل العودة للغد ثم يأتي الغد وقد أغرقته الدنيا
بمشكالتها فينشغل بحلها فيفشل فتضيق عليه فيتذكر اهلل مرة أخرى وكيف أنه قد ضل الطريق ،!..فيسلك طريق
اهلل ويطرق بابه ويشكوه همومه فتُحل مشاكله لكن سرعان ما يرجع لنقطة البداية من جديد ..ليس في ذلك حرج
وال عيب ..فباب اهلل ال يُغلق أمام من يسعى جاه ًدا في كل مرة للعودة إليه ،إنما العيب كل العيب أن ال نتذكر اهلل
سوى في كل مأذق نقابله فقط ...
ٍ
مسجد قريب رغم تحذير أسامة للجميع بعدم مغادرة المنزل في أي حال من األحوال هذه نزل يصلي الظهر في
األيام ..على األقل للتأكد من الصوت الذي ُسمع أمس ..هل هي بداية حرب أم كانت مجرد مناوشات فقط ؟!،
كثيرا
لم يُبالي بتحذيره وسعى ألصالح عالقته مع اهلل بأي طريقة ممكنة وال يظن بأن ما تبقى له من عمره سيكون ً
لذلك سيصلح كل شيء من اآلن ..وبداية أصالح كل شيء هو أصالح عالقته مع ربه..
كان في المسجد حين أذن أحدهم آذان الظهر ..كان يفكر في كالم أسامة باألمس..
بعد فجر اليوم نام الجميع عداه هو وأسامة ،كانا يتسامران ...
أشعر وكأنني صرت داعشيًا ح ًقا ..تهاجمني أفكار وأسئلة كثيرة ،!..لقد تأثرت فعليًا بكالم عثمان بغض النظر عن
أنني كنت أكرهه أو أكره تلك التنظيمات عامةً..
أتعلم ..؟! ،مشكلة التطرف تكمن في أنهم يقومون بأجتزاء النص القرآني ويقولون لك هكذا يقول القرآن ولسنا
نحن..
فعال !..
فعال ولم أستطع تكذيبه ألنه قرآن ً
هذا ما قاله عثمان ً
316
عِ ضين
لم يفهم عمر ،..كذلك أدرك أسامة أن عمر لم يفهم قصده ..
موضوعات القرآن شبكية وليست خطية ..شبكية بمعنى أنها موضوعات متشابكة ومتداخلة مع بعضها ..مثل
تماما ..الحياة شبكية وموضوعاتها متداخلة ومتشابكة وليست منفصلة ،موضوعات التوراة خطية ..بمعنى
الحياة ً
تماما..
أن موضوعاتها منفصلة ،لذلك القرآن حياة ألنه يُعبر عن الحياة ً
لذلك عند دراسة الموضوعات القرآنية علينا بطبيق فكرة قالها أحد الدعة األسالميين " ..القرآن جملةً واحدة "
بموضوع ما وقرآئتها كنص واحد خاصة تلك الموضوعات الشائكة مثل
ٍ وهي عبارة عن تجميع كل اآليات المتعلقة
تماما عن التطرف أو
الجهاد والقتال وما إلى ذلك ،..هدف هذه الفكرة هو الخروج بموضوع متوازن وبعيد ً
األلحاد..
الملحدين كذلك يقومون بأجتزاء النص القرآني ويقولون كيف يقول اهلل كذا وكذا ..كيف يأمر بالقتل ..وكيف
وكيف وكيف ثم يقرر بعدها أن يُلحد بسبب الفهم الخاطئ لموضوعات القرآن ..لذلك هو نفس الحل ..القرآن
جملةً واحدة حتى ال تحدث تلك المشاكل..
ين َج َعلُوا َّ ِ حتى القرآن نفسه قد عاب ورفض منهج األجتزاء ..يقول اهللَ " ..كما أَنْـ َزلْنَا َعلَى ال ِ ِ
ين * الذ َ
ْم ْقتَسم َ
ُ َ
ين " ك لَنَسأَلَنـَّهم أ ِ ِِ
َج َمع َ
ين * فَـ َوَربِّ َ ْ ُ ْ ْ
الْ ُق ْرَآ َن عض َ
أصال المذنبون..
ضا لعدم السعي للفهم الصحيح لأليات بل هم ً
أذن فهؤالء المتطرفون محاسبون أي ً
منتظرا مناقشته..
هز أسامة رأسه ً
317
عِ ضين
سكت أسامة للحظة بدا فيها وكأنه يستعد ألجابة عمر ..
فرق بين الجهاد والقتال ..كل أيات الجهاد عندما تقرأها كجملةً لقد وقع الجهاديون في خطاٌ فادح ..القرآن ّ
واحدة تكتشف أنها تتكلم عن بذل الجهد والبناء والعطاء والتنمية ..معنى الجهاد هو البناء..
أما القتال فهو يتكلم عن معركةً عادلة بين جيشين ..ساحة معركة وجيشين وأسلحة وهكذا ..
قليال..
فكر عمر ً
ِ َّ ِ أيات تتحدث عن قتال الكافرين مثل " وا ْقـتـلُوهم حي ُ ِ هناك ٍ
ب
ض ْر َ وه ْم" " ،فَِإذَا لَقيتُ ُم الذ َ
ين َك َف ُروا فَ َ ث ثَق ْفتُ ُم ُ َ ُ ُ ْ َْ
اب" " ،فَِإذَا انسلَ َخ ْاألَ ْشهر الْحرم فَا ْقـتـلُوا ال ِ
الرقَ ِ
ْم ْش ِرك َ
ين".. ُ ُ ُ ُ ُُ ُ َ ِّ
قليال..
يبدو هذه منطقيًا ،فكر عمر ً
دائما ما كان يردد قائد التنظيم في العراق أن هدف تنظيم داعش األساسي هو رد األعتداء الواقع على
لكن ً
المسلمين من أعداء األسالم..
هناك آية تقول " فَ َم ِن ا ْعتَ َد ٰى َعلَْي ُك ْم فَا ْعتَ ُدوا َعلَْي ِه بِ ِمثْ ِل َما ا ْعتَ َد ٰى َعلَْي ُك ْم ۚ " ..أذن فمن يعتدي علينا فعلينا أن
مثال فأننا سنحمل ذنبه ليوم
ذات المعتدي ..أذن عندما نقتل مواطنًا أنجليزيًا أو صحفي أميركي ً نعتدي على ِ
الدين ،..قتل الصيادين المصريين !..لماذا يتم قتلهم برأيك ؟! هم نصارى ..لهم دينهم ولنا ديننا فلماذا يتم
مثال ؟!
ذبحهم وهم ُعزل بدون أسلحة ؟! ،منذ متى وهم أعتدوا علينا لنعتدي عليهم ؟! هل كانت معركةً متكافئة ً
318
عِ ضين
آمنُوا َّ ِ
ين َ
أوال " ..يَا أَيُّـ َها الذ َ
و ليس هذا فقط ..فالقرآن ألزمنا قبل الدخول في معركة أن نرد األعتداء بالسالم ً
ا ْد ُخلُوا فِي ِّ
السل ِْم َكافَّةً " ..أطرقوا كل أبواب السالم ً
أوال..
أذن فقاتلوا في سبيل اهلل الذين يقاتلونكم ..ومن أعتدى عليكم فأعتدوا على ذات المعتدي ..أدخلوا في السلم
نفعا ندخل في معركة ..معركة ستكون عادلة بين جيشين ..حينها نقتلوهم
أوال ،وأذ لم تجدي هذه الطرق ً
كافة ً
حيث ثقفتموهم كمثل أي جيش في العالم في كل زمان ..حينها يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال لتشجيع
الجنود..
سؤاال كان يراوده عندما كان والده يقص عليه حروب المسلمين والفتوحات األسالمية..
تذكر عمر ً
ماذا بشأن الفتوحات األسالمية ..كنا نحن من نُرسل جيوشنا لهناك ..أال يعتبر هذا أعتداء ؟!
تماما
كانت الدولة األسالمية حينها دولة وليدة ناشئة ،كانت أمبراطوريات مثل الفرس والروم يريدون القضاء عليها ً
مثال منشغل بحروب
قبل تفاقم قوتها ،..كانت الفتوحات األسالمية لرد األعتداء وليس لألعتداء ،..كان أبا بكر ً
أصر على خروج جيش أسامة بن زيد لمواجهة الفرس ..فتح على نفسه معركتين حاسمتين بسبب الردة ولكنه ّ
ضا !..
تهديدات الروم أي ً
ثم أن الفرس والروم كانوا محتلين ومغتصبين ألغلب الدول وكانت الدولة األسالمية تفتح هذه الدول وترفع الظلم
عنها..
ماذا عن حديث رسول اهلل " أمرت أن أقاتل الناس كافة حتى أن يشهدوا أن ال أله أال اهلل " ؟!
319
عِ ضين
لقد فهمت الحديث خطأ يا عمر ..كلمة الناس في اللغة العربية تعني أما كل الناس أو فئة صغيرة مكونة من عشرة
أصال أنه سيحاربهم حتى يسلموا ..المقصد هنا
مثال ،..في هذا الحديث هو يتكلم عن قريش ولم يقصد ً
أشخاص ً
أن قريش لن توقف الحرب حتى يؤمنوا به في النهاية ألنه لن يستسلم وسيواصل الدعوة ،!..لم يقصد أنه
أصال..
سهال أن ال نفهم لغتنا ً
سيُكرههم على األسالم ،نحن أبتعدنا عن لغتنا فكان ً
الجهاد باقي ليوم القيامة يا عمر ..لكن لكل عصر جهاده ،كان الرسول يقول " خلوا بيني وبين الناس " ..كان
يريد أن يدعوهم لكن قادة قريش كانوا يمنعوه من الوصول للناس فكان الحل الوحيد أمامه للوصول للناس هو
الجهاد..
عاد لواقعه من جديد ،..ما قطع تفكيره سقوط شيء على ظهره ..أنه طفل تعثر فوقع على ظهره ،التفت إليه عمر
مبتسما وأمسكه ثم أوقفه أمامه..
ً
321
عِ ضين
إيالن..
ابتسم الرجل وجلس بجانبه وحاول أن يُجلس إيالن بجانبه لكنه فشل ...
قليال يا أبي..
سألعب ً
يا إيالن نحن في بيت اهلل وال يجب أن تلعب في بيته ،أتينا هنا لنلعب أم لنصلي ..؟!
ضحك عمر من براءة هذا الطفل وغلب والده على أمره تارًكا إيالن يلعب ،مرت لحظات صمت كان الرجل يبدو
متوترا بجانبه ..ينظر إليه ثم يتردد أن يكلمه وهكذا عدة مرات ،الحظ ذلك عمر..
فيها ً
321
عِ ضين
لماذا ابتسمت هكذا ؟!
ذهوال ..
أتسعت عيني الرجل ً
ح ًقا ؟! ،أنت ذلك الضابط المصري الذي قتل أخي ـ ...
سؤال هكذا ال يجب أن يسأله ال سيما بعد عرض الفيديو اآلخر والذي شوهد فيه أنه قتل لم يُكمل سؤالهُ ..
قيادي آخر وهذا يعني أنه قد أُجبر على قتل أخيه من المخابرات المصرية كمهمةً وطنية ،رد عمر عليه ..
ُ
نعم ..أنا هو ذاك الرجل الذي قتل أخيه ،لكن ليس كما يصوره األعالم سيدي ..
متفهما كالمه..
ً هز الرجل رأسه
لكن كيف أتيت لهنا ..؟! ،هل تم تكليفك بمهمة ما هنا في سوريا من قِبل المخابرات ؟!
قالها الرجل وهو مائل بأتجاه أذن عمر كي ال يسمعه أحد بصوت منخفض جعل عمر يضحك على أثرها ...
نظر عمر للساعة أمامه وتساءل ما أذا كان من المفترض أن يكون الوقت الفاصل بين األذان واألقامة ربع الساعة
فقط ؟! ،لقد مر نصف ساعة تقريبًا على اآلذان واألمام لم يظهر بعد ! ،سمع همهمات الناس في المسجد،
شخصا ينزف بشدة ،!..
ً الجميع منزعج من تأخر الصالة ..فجأة دخل عدة أشخاص المسجد مسرعين وحاملين
أنه األمام على ما يبدو ، !..فجأة بدت األجواء هنا في المسجد متوترة ومضطربة ،التفت عمر ليبحث عن شيء
ال يعرفه ،!..ليست األمور هنا في المسجد فقط مضطربة ،فلقد ُسمع صوت رصاص متراشق في الخارج ،وفي
صرخا .. ٍ
صوت واحد هو والرجل ً
إيالاااااان..
322
عِ ضين
خارجا،
أصبح الرجل مشتتًا ..يبحث عن طفله بجنون داخل المسجد ،فيما أسرع عمر للخارج عندما الحظ إيالن ً
فعال بصعوبة وحمله ..أحتضنه
خارجا بسبب تدافع الناس للمسجد ،..وصل إليه ً
كان يلعب في الخارج وعلق ً
وخبئه بين ذراعيه ليحميه من وابل الرصاص المتراشق في كل جهة بطريقة عشوائية ..فجأة وجد المسجد عبارة
تماما ..تساءل ..هل مات والد إيالن ؟! ،لم يعد هناك
عن ركام بجانبه ..إحدى القذائف أصابت المسجد دمرته ً
وقت للتفكير ..عليه أيجاد مكان آمن لألختباء بالطفل ..أسرع ليفادي نفسه من الرصاصات المتراشقة حوله من
أرضا وتحته الطفل ،يحاول وبشتى
مجددا ،..سقط ً
ً كل جهة ،!..لم يكمل هروبه حين أصابته في كتفه األيمن
الطرق حمايته ،حاول النهوض وأحتضان إيالن لمواصلة حمايته على األقل حتى يتمكن من األختباء في مكان
آمن ،مرة أخرى يجري وسط هذا الوابل من الرصاص العشوائي ،أحتمى بأحدى المحالت المدمرة جراء ما
يحدث اآلن ،..الصدفة العجيبة هنا أنه وجد والد الطفل مختبئًا في نفس المكان يبكي ويصرخ لعدم أيجاده
لطفله ..لقد ظن أن طفله قد مات في المسجد أو حتى خارجه ،عندما وجد عمر يدخل ليحتمي بالمكان ممس ًكا
بطفله ليحتمي فيه جرى نحو طفله ليحمله من عمر وأحتضنه بشدة وأخذ يُقبله بدموع منهمرة ،التفت لعمر كي
يشكره..
لقد وجده مستن ًدا على الحائط فاقد الوعي ..أو ربما قد مات..
323
عِ ضين
-62-
حتما ..هي
يوما ما ..متى وكيف ؟ ،ال تعلم لكنه سيستجيب ً
لم ينقطع أملها باهلل أب ًدا ،تثق في أنه سيستجيب لها ً
دوما ..سيعود عمر ..سيعود إليها ولو بعد حين ..
متأكدة ،لطالما أحسنت ظنها بربها ً
طفال
لقد طمئنها اهلل ليلة أمس بطريقة غريبة ،ظهر عمر في أحدى نشرات األخبار صدفة ليلة أمس وهو يحمل ً
المصاب ..وبعدما وصل للمستشفى بهذا الطفل مات الطفل..
صارخا لطلب النجدة ألنقاذ الطفل ُ
ً بين ذراعيه
مات بعد أن لفظ آخر كلماته " ..سأخبر اهلل بكل شيء " ،تلك الكلمات التي لن يدرك العالم كارثيتها وقوتها إال
خصما للعالم كله أمام اهلل..
حينما يقف هذا الطفل ً
خطر ببالها سؤال لم تجد له أجابة مقنعة ،لماذا أرسلت المخابرات المصرية عمر لسوريا ؟! ،لقد أُفتُ ِ
ضح أمر عمر
وعرفه العالم كله بأنه عنصر مخابراتي تم تجنيده في صفوف تنظيم داعش وقتل قياديين فيها ..ورغم ذلك تم
أرساله لسوريا!..
منذ أيام تم عرض الفيديو الثاني له كان في العراق وأمس رأته في سوريا ..فيم تفكر المخابرات ؟! متى ستنتهي
مهمة عمر تلك ويرجع إليها ؟!
توضأت وأرتدت حجابها وفرشت سجادة الصالة ..وقفت أمام اهلل لتصلي الفجر ...اهلل أكبر ..الفاتحة ثم آية
الكرسي ..تركع ثم تُسمع اهلل حمدها ..ثم تسجد وتدعي اهلل مرة أخرى ..لن تكف عن الدعاء ...لقد ُشفيت
تماما عندما تضرعت هلل وطلبت منه ذلك ..
ً
فكرت في أنها كيف تعيش معه كل لحظة وكأنها األخيرة ..لن تفكر بما سيأتي ،ما سيأتي الح ًقا ليس كما تحب أو
تتمنى ..سيصيبه الملل على كل حال ..ستتعالج لكن مع طول فترة عجزها سيصيبه الملل ولن يستمر ألجلها..
سيتسرب إليه الملل شيئًا فشيئًا ،لذلك فكرت أنها لن تفكر بمستقبل عالقتها معه ،قاطعت والدتها تفكيرها ..
ٍ
لحظة معه يراودني شعور الوحدة بعدما يصيب عمر الملل مني ،كيف يمكنني كلما فكرت في األستمتاع بكل
التعود على الحياة بدونه ؟!
لم تُجب والدتها ..سؤالها منطقي ..لمتى ؟! ،أكملت آسية كالمها ...
متى سيأتي اليوم الذي يقرر فيه عمر تركي بعدما أصابه الملل من حبه لفتاةٌ عاجزة ؟! ،ماذا سيقول لي حينها كي
ال يجرح مشاعري ؟ كيف سيكون شكله حينها ؟
لم ينتابني أدنى شك في أن اهلل سيتركنا في محتنا هذه ،في البداية أنتي ظننتي أن عمر سيتر ِ
كك كالبقية ولكنه كان
أول الداعمين لكي ..كان أول من يقف بجانبك وال أطنه سيتر ِ
كك أب ًدا..
325
عِ ضين
لكنها مسألة وقت يا أمي..
أو يصبر فينال جائزته من اهلل في النهاية ..جائزته هو أنتي يا آسية ..أنتي جنته ومكافأة صبره ..أراهن بعمري كله
أن عمر لن يتركك في ظرف هكذا ولن يتركك أب ًدا ..
ولكن هذه الصور ال تحتاج لتعلي ٌق منا ..ال تحتاج سوى ألن نصمت لندرك كم تخاذلت الحكومات العربية في
شعب يموت أطفاله كل
بي يتم أبادته وتفككه وتهجير مواطنيه هربًا من الجحيم في أوطانهم ٌ ،!..
شعب عر ٌ
أنقاذ ٌ
قصف هنا ورصاصةٌ ُهناك ..ما بين الهجمات الكيميائية هنا وما بين الغر ُق ُهناك ،تلك الصور التي
ٌ يوم ما بين
صور لن ينساها التاريخ..
تُعرض أمامكم اآلن سوف تُدين العالم كلهٌ ..
327
عِ ضين
-69-
كامال وهي تبحث عنه بإستمرار رغم تلك األوضاع السيئة التي تمر بها
أسبوعا ً
ً يأست من البحث عنه،..
المدينة ،..لقد تقاسم طرفي النزاع حصار المدينة ..النصف الغربي منها كانت محاصرة من قِبل جيش النظام
السوري أما الجهة الشرقية فكان تُحاصرها فصائل المعارضة !..
كانت ماريان تخرج كل يوم لتبحث عنه لعلها تعرف أخبار عنه لكن سرعان ما كانت تعود لبيت أسامة وزوجته
حتى ال تضل الطريق أو تقع في مأزق فال تعود ،كانت كمائن الجيش النظامي في كل مكان ورغم أن لميس ال
مجددا ،..كانت ماريان
ً تعرفها سوى من ٍ
أيام قليلة مضت فقط إال أنها أحبتها وطلبت منها أن تحرص على العودة
دائما لذلك كان من السهل بالنسبة لها الهرب واألختباء من تلك الكمائن..
معتادة ً
تتساءل ..أين تراه يكون ؟! ،لقد بحثت عنه في كل األماكن القريبة من البيت ..في الشوارع والمساجد وأحيانًا
ضا في ذلك المسجد الذي تم أستهدافه في نفس يوم
كانت تسأل عنه في البيوت المجاورة ،بحثت عنه أي ً
أختفاؤه حتى أنها لم تجده في جثث الضحايا ، !..كذلك بحثت في المستشفى القريبة من ذلك المسجد
المدمر لكنها لم تجده ،!..لقد ح ّذر أسامة الجميع في ذلك اليوم من مغادرة البيت في أي ٍ
حال من األحوال ُ
فعال بداية حرب بين
حتى يتم معرفة سبب صوت تلك المناوشات التي حدثت ليلتها ،تأكدت أحاسيسه وكانت ً
قوات النظام وفصائل المعارضة ..لقد تم محاصرتهم من قِبل قوات النظام ،ليس هناك أدوية أو مواد غذائية أو
ضا لم تعود منذ أن تم قطعها ..الحياة هنا
مياه حتى دخلت المدينة منذ أن فُرض عليهم الحصار ..الكهرباء أي ً
مأساوية ،بل أنها البداية فقط..
شعرت بالجوع لكنها تعلم جي ًدا أن مخزون الطعام في البيت بدأ ينفذ ،تحاول بقدر ما تستطيع أن تتحمل الجوع،
وجدت في الصوم الطريقة المناسبة لكبح جوعها ،لم تقوى كذلك على العطش فدخلت المطبخ لتشرب خلسة
فدخلت لميس ورائها فجأة فوجدتها تشرب ،ضحكت ماريان ،وضعت لميس يديها على جانبيها ورفعت حاجبيها
..
ِ
أصابك الجوع فال تترددي باألكل،ال تقلقي بشأننا ..فاهلل خير رازقًا وهو ماريان ..ال تقلقي بشأن الطعام ،إذا ما
أرحم الراحمين ..
نائما ؟!
أين أسامة ؟! مازال ً
نائما ،لقد سهرنا حتى ما بعد السحور ،كنا نفكر في ..
نعم ..ما زال ً
ٍ
صدمة وفزع ..تسائلتا ماذا حدث ؟! ،لكن لميس فجأة أهتز البيت بطريقة جعلتهما تسقطان ..نظرتا لبعض في
تذّكرت زوجها ورضيعهما وهما نائمان بالطابق الثاني ، ..صرخت وتوجهت بسرعة ناحية السلم لكن البيت أهتز
لما رأت أن
بعنف هذه المرة جعلتها تسقط من السلم لتعيد صعودها من جديد ،حاولت ماريان منعها من الصعود ّ
الطابق الثاني قد ُدمر تقريبًا ،أبعدت لميس يديها بعنف وأصرت على الصعود ،تبعتها حتى أقتربتا من الغرفة
المدمرة تقريبًا !
ُ
فجأة خرج أسامة حاضنًا لصغيره ليحميه من أي شيء ،حاول الهرب ألي مكان لينقذ طفله أو حتى ليطمئن ما إذا
كان قد أصابه شيء أم أنه على ما يرام..
جميعا مرًة أخرى ناحية السلم وحاولوا النزول والخروج من المنزل ،تداعى السقف من فوقهم فبدأً توجهوا
باألنهيار ،..أسرع هو ناحية باب المنزل ليهرب لكنه الحظ أن زوجته لم تُسرع خلفه ..كان من الطبيعي أن ينظر
كامال على السلم وماريان تحاول أنقاذها ..لكن على أي حال يبدو أن
خلفه ليعرف ماذا حدث ،لقد وقع السقف ً
لميس ليست تحت األنقاض ..هذا جيد..
329
عِ ضين
خارجا ،نظر لطفله ولم يستوعب األمر ..ظل يُحدق به دون وعي ،!..طفله كان لونه
التفت ليهرب بصغيره ً
دما،
أبيض ،..ليس بشرته هكذا ..أنما التراب الناتج عن أنقاض هذا البيت يملئ وجهه ..دماغه الهشة تنزف ً
وضع أذنه على قلبه لعله يخيب ما يفكر فيه لكنه لم يسمع نبضات..
دموعا
أما ماريان فلم تستطع السيطرة على دموعها ..أقتربت من أسامة ونظرت إليه بعفوية لكنه كان يذرف ً
ضا في شرود ،ثم عاود النظر لطفله ...
الحسرة والحزن ..ظل محدقًا بطفله ،التفت لماريان أي ً
كنا سنرحل عن هنا قريبا من أجله ..من أجل أن يحيا في ٍ
مكان آمن بعد أن ُدمر وطنه ،كنا سنرحل لكنه رحل ً
كنت أتخيل !..
قبلنا ..رحل أسرع مما ُ
بدأ نحيبه يزداد ،بدأ يغضب بحزن ..
لماذا هو ؟! ،لماذا هو بالذات ؟! ،لماذا هو بينما يبقى الطُغاة ؟! ،لماذا صغيري بالذات هو من يموت بينما يبقى
هذا العالم القذر ؟! ،لماذا هو ،..لماذا ؟!!
مجددا عند خالقنا ،أهدأ ..لن يطول األمر ..قريبًا سنلحق بك ..قريبًا ...
ً شفيعا لنا يا صغيري وسنتقابل
ستكون ً
331
عِ ضين
-01-
ومهموما من معرفة العالم كله بأنه قاتل للحظات فقط تناسى عمر ما حدث منذ قليل ،صحيح أنه بدا حزينًاٍ "
ً
مستمتعا بكالم جمال الدين ..كان الحوار معه شي ًقا ..شي ًقا لدرجة أنهم تطرقوا لنقاشات أخرى..
ً أخيه ..لكنه كان
،...لكن من المخطئ برأيك ؟ ،قضية سوريا معقدة ،ال أعرف من يحارب من وألجل ماذا..
تريد أن تعرف من المذنب ؟! ،أخبرني أذن ..من هم أطراف النزاع في سوريا ؟! ،من يمتلك األسلحة ؟ ،وما هي
خسائر أطراف المعركة هناك ؟! من الضحية برأيك ؟ هل يحاول أحدهم حل األمور بعقالنية ؟! ،هل يتواجد أمل
ولو بسيط بأنهاء تلك الصراعات قريبًا ؟!
و أمريكا وروسيا وأيران وتركيا والصين وفرنسا ودول أوروبا واألمم المتحدة وداعش وغيرها من الجماعات
المتأسلمة ...أصبحت أرض خصبة للمعارك والقتال يا عمر ..واآلن من يحمل السالح من هؤالء ؟!
ضا تحمل السالح، جميعهم ..أرى أن جميعهم يحملون أسلحة ..الجيش يدعم النظام وفصائل المعارضة أي ً
الواليات المتحدة وحلفاؤها تدعم تلك الفصائل ..روسيا وحلفاؤها يدعمون النظام ،والجماعات األرهابية كالعادة
ال تفرق بين هؤالء أو هؤالء ..تقتل في الجميع !..
بالضبط هذا ما يحدث هناك ،هي أرض معارك ..سوريا لم يعد وطنًا للسوريين ..لقد أصبحت وطنًا للقتال
شر َدون،
والمعارك والدم ،من ضحية هذه المعارك ؟! ..أنه الشعب نفسه ..األآلف يُقتلون يوميًا والمئات منهم يُ ّ
لقد أصبحوا مثلنا نحن العراقيين ..ال وطن لهم !..
األمم المتحدة نجحت في أيجاد وط ٍن بديل لهؤالء ..تلك المخيمات هي وطنهم الحالي ،!..باهلل عليك كيف
أصال
يكون حالي عندما أعلم بأن أعضاء األمم المتحدة هم عبارة عن مندوبي حكومات تلك الدول التي تحارب ً
مثال ؟! ،هل ستتغير مواقفهم عن مواقف بالدهم ؟! ،هم
علي أن أتوقع من هؤالء ً
في سوريا والعراق ؟! ..ماذا ّ
أصال موجودين في األمم المتحدة نيابةً عن حكوماتهم ،حتى نظام التصويت فيها عجيب ..خمس دول لها حق ً
الفيتو ودائمين في المجلس وغيرهم يتواجد عبر تصويت من هؤالء ..ما كل هذا العبث ؟! ،هل تتوقع بعد كل هذا
حاسما لألمم المتحدة في أنقاذ مثل أوطاننا تلك ؟! ،أيعجز العالم كله عن حل
ً مؤثرا أو قر ًارا
ورا ًأن يكون هناك د ً
مشكلة العراق أو سوريا ؟! ،هل أختفت عقول العالم كله ؟!
ال شيء..
أما سوريا وبرغم ما يحدث فيها مازال هناك جيش وهنا تكمن المشكلة لديهم ..يحاولون بشتى الطرق تدمير
فعال في تفكيكه وها نحن نرى أربعة جيوش لسوريا ..الجيش دعائم الجيش السوري عبر تفكيكه ..نجحوا ً
النظامي ،الجيش الحر المعارض وفصائل أخرى ...لكن ما زالت هناك قوة ولو بسيطة في الجيش السوري لم يتم
تدميرها بالكامل" ..
332
عِ ضين
لم حقيقي ،حينها كان حديثه مع هذا الرجل قد أنساه مشكلته الحقيقية ..بل
فتح عينيه ..لقد كان يحلُم ..لكنه ُح ٌ
أستصغرها مقابل كل هذا العبث الذي يحدث في العالم ،ذلك العالم والذي لألسف الشديد يسكنه البشر..
حاول لدقائق أستيعاب أي شيء لكنه فشل ،حاول رفع رأسه لكنه شعر ٍ
بألم شديد ،حاول مرًة أخرى بمساعدة
ذراعيه حتى لكنه الحظ أن يده اليمنى ُمقيدة ،حرك رأسه تجاهها فوجد تلك الجبيرة القماشية ..تساءل ماذا
حدث ؟!
أسند رأسه مرة أخرى وبدأت الصورة تتضح في ذهنه ..كان في المسجد مع والد الطفل ثم ذلك الهجوم ثم
محاولته ألنقاذ الطفل ثم تلك الرصاصة التي أصابته ثم ..ثم ال شيء ..توقف عقله عند هذه اللحظة ! ،حاول
جالسا..
بكل قوته النهوض وبعد معاناة من ذلك األلم في ذراعه كان بالفعل ً
حاول أن يتذكر أو يستوعب المكان لكنه ال يعلم أين هو ! ،ليس في مستشفى أو عيادة ..هو في غرفة ..أيعقل
أن يكون في بيت أسامة ؟! ،ال ال ليس هو ،قام من مكانه وحاول أسناد نفسه على الحائط حتى وصل لباب
الغرفة بصعوبة ،فتحه ..فوجد الجميع ينظر إليه ..ال يعرف فيهم أح ًدا ..أسرع تجاهه طفل ..نعم يعرف هذا
الطفل ..أنه أيالن ..هو بخي ٍر أذن..
ال شكر على واجب سيدتي ..المهم أنه بخير والحمد هلل..
333
عِ ضين
هذه زوجتي..
و هذا سعد أخي وصاحبي وهذه أبنته رقية طبيبة وهي من عالجتك ..
ضا ؟ !
سترحلون أنتم أي ً
خصوصا في أجراءات السفر ،..سنسافر
ً قليال
نعم ...سنهاجر كندا ونقيم عند أختي هناك ،األمور ستكون صعبة ً
أوال وسنقيم عدة أيام هناك إلى أن تصل ألينا مصاريف السفر لكندا ..
لتركيا ً
ضا سيرحالن ..
كان عمر قد شرد ذهنه ،تذكر أسامة وزوجته ..هما أي ً
جميعكم سترحلون ؟! ،جميعكم ستتركون أوطانكم ؟ من سيبقى هنا أذن بعد رحيلكم ؟!
334
عِ ضين
هكذا أرادوا ..إما موتكم أو تشردكم ،وقد نجحوا..
تتكلم وكأنه ليس من حقنا أن نعيش ،!..أنت بنفسك ال يعجبك الوضع هنا وتريد الرحيل..
فعال حتى لو كان ثمن رجوعي هو حياتي ..فأنا أريد الموت في وطني حتى ال
بالنسبة لي ..أريد العودة لوطني ً
أشعر بغربتي حتى وأنا ميت ،أشتهي الموت في وطني وال أطيق العيش في غيرها ..
ال فائدة من هذه الوطنية المثالية يا عمر ..لن تنفعني هذه الوطنية عندما نموت هنا من الجوع أو العطش ..لن
تنفعني هذه الوطنية عندما نعيش في ذُعر كل يوم بأنتظار الموت ..هل يمكنك التفكير في وطنك عندما يتعلق
ٍ
للحظة واحدة .. األمر بأطفالك ؟! ،ال أعتقد بأنك ستتردد في الرحيل ولو
في أنا ما شئت ..لكن صدقني لو كان وطني يتعرض لهذا ما كنت غادرته هكذا،
سميها ما شئت سيدي ،وأعتقد ّ
لن نعيش حياتين مثاليتين سيدي ..لقد ُخلقت لنا حيا ًة مثالية واحدة فقط ..أما الدنيا أو اآلخرة ،في النهاية أنتم
من أضعتوا وطنكم يا سيدي ،ليس كل الثورات نعيم ،بعضها خراب..
هيمن الصمت على الجميع ،بينما بدا عمر مشتتًا ،سأله الرجل ..
ال أعرف ،...هل المسجد الذي كنا نصلي فيه بعي ٌد عن هنا ؟
حتى لو كان قريبًا من هنا لن تستطيع العودة إلى حيث ما كنت يا عمر ،الخروج من هنا اآلن أو بدون حذر لن
حتما..
يكون قر ًارا صائبًا ،..قوات الجيش الحر يحاصروننا من كل جهة ،وخروجك اآلن سيعرضك للقتل ً
بد ا عمر شارد الذهن ،معنى كالم الرجل أن المسجد فقط بعيد عن هنا ،وحتى لو تمكن من الوصول للمسجد لن
مجددا ،أنه في الجهة األخرى من المدينة إذن ،لقد فقد ماريان مرة أخرى !..
ً يتذكر طريق العودة
335
عِ ضين
-00-
" عاجل ...األمم المتحدة تناشد الحكومة اإليرانية بضبط النفس والتخلي عن سياسة األعتقاالت " ...
" واشنطن تحذر رعاياها في أيران باألبتعاد عن المناطق الملتهبة باألحداث " ...
" منظمات حقوقية تدين بشدة ما يحدث في السجون اإليرانية من تعذيب النشطاء السياسيين " ....
" قائد الثورة اإليرانية يصف المعارضة باألرهابية ويتهمها بزعزعة أستقرار البالد " ...
هكذا تناقلت وسائل األعالم ما يحدث في أيران هذه األيام ،..حملة أعتقاالت واسعة تشنها الحكومة اإليرانية
للمعارضة بسبب دعواتهم المستمرة للتظاهر بعدما تداول نشطاء سياسيين لمشاهد من داخل السجون لشباب
ومواطنين يتم تعذيبهم لمجرد أعتراضهم على سياسة الحكومة..
كان يسعى فقط إلحداث بلبلة وتوتر في الشارع اإليراني لكن األحداث تطورت وخرجت عن السيطرة ،وهذا هو
مستمتعا بضجة األخبار هذه
ً فعال ..أن تخرج األمور عن سيطرته حتى ال يمكنه التصرف حينها ..كان
المطلوب ً
..
ما قطع تفكيره صوت هاتف مكتبه ،رفع سماعة الهاتف بدون تردد ..
أتصال هام من الدرجة األولى وقد قمت بتحويله لغرفة األتصاالت السرية ..
ٌ سيد شريف ،..لديك
حاال..
حسنًا ،سأتي ً
كثيرا ،تأخرت ولكنها أتت في النهاية ،لقد أستسلم الطرف اآلخر على كل حال وقرر تسوية
أنتظر هذه المكالمة ً
األمور معه ،تحرك من مكانه وأتجه ناحية غرفة األتصاالت السرية ..وصل إليها بالفعل وفتح الباب ودخل الغرفة
وأغلق الباب ورائه ،وقف أمام تلك الشاشة العمالقة التي تشبه المرآة ..ضغط مفتاح التشغيل ،ظهر أمامه من هو
مترددا..
متوقع بالنسبة له ..حسين رئيس المخابرات اإليراني ،كان ً
336
عِ ضين
كثيرا ،لم أتوقع أتصالك بنا خاصة في تلك الظروف التي تمر بها البالد !..
سيد حسين ..لقد أفتقدناك ً
مهال سيد حسين ،ال يعني تعاطفنا معكم أنه يكون لديكم الحق في أتهامنا بأشياء ال نفهمها حتى ،..ماذا
مهالً ..
ً
فعلنا كي تلقي باللوم علينا ؟!
أنت تعلم جي ًدا ماذا فعلتم سيد شريف ،تريدون األنتقام ،..لكن صدقني سيكون ردنا أعنف من ردكم أن لم تنهوا
ما بدأتموه في بالدنا..
حقيقي أنا ال أفهم ماذا فعلنا ليكون كالمك معي بهذه الطريقة ،!..وال أعلم ما ذلك الشيء الذي بدأناه والذي
ردا قاسيًا والذي تهددني بأن
حاال ،لكن دعني أسألك سيد حسين ..ماذا فعلتم أنتم كي نرد نحن ً
علينا أنهائه ً
أصال سيكون ردكم أعنف ؟!
ردكم أنتم سيكون أعنف ؟! وعن ماذا ً
337
عِ ضين
سيد شريف ..هذا األمر يختلف عن ذاك ،تداعيات ما حصل في حادث طائرتكم بسيطة ويمكن حلها ،لكن ما
بدأتموه أنتم هو األخطر على األطالق ..مظاهرات تتعلق بقلب نظام الحكم ولعلك تدرك سيدي ما هو الفرق بين
هذا وذاك ،عليك بأنهاء هذا كما بدأته..
حتى اآلن ال أدري لماذا تربط بين ما يحدث في بالدك وبيننا نحن ! ،لكن دعنا من هذا كله ..ما هو سبب
أتصالكم بنا ؟!
قالها وقد أرتسمت أبتسامة علي وجهه تظهر لخصمه أنها سخرية ..سخرية جعلته يغضب في حديثه معه ..
سيد شريف أن لم تنهي ما بدأتموه صدقني سيكون عقابكم قاسي ج ًدا ..وأنت تدرك معنى كالمي جي ًدا ،حتى
اآلن األوضاع عندكم غير مستقرة ..ال تدعني أستخدم أساليبي في معاقبتكم ..
قالها شريف وقد أستغرقوا ثواني من الصمت في نظرًة قاسية بينهم ..
أوال ..
و بالنسبة ألساليبك التي تهددنا بها فعليك أستخدامها لتُنهي مشكلتكم ً
أغلق األتصال وقد شعر بنشوة األنتصار ،على كل حال كان األنتقام قاسيًا ،بعض الوقت فقط وتنتهي هذه
المشكلة هناك لكنها ستستنفذ منهم الكثير ..
شعور مختلف ..شعور الرضى ،فجأة سمع صوت أحدهم يطرق الباب
ٌ جلس على مكتبه من جديد ويغمره
بسرعة ..ماذا هناك ..؟!
338
عِ ضين
أدخل ...
مستمعا ..
ً تلهف شريف لسماعه ،هز رأسه
أخيرا..
لقد رصدنا عمر وماريان ً
339
عِ ضين
-08-
قبل أ سبوعين فقط كانت الحرب في المدينة عبارة عن مناوشات بين الطرفين أو بين أطراف المعركة كلها بعد
ظهور جماعات وعصابات أخرى غير الجيش النظامي والحر ..لكن اآلن ..األمور أصبحت كارثية ،ال يمر يوم إال
وتُرتكب مجزرة جديدة في المدينة وأمام عينه ،مرة تُرمى عليهم براميل متفجرة من طائرات تحلق فوقهم وينتج
عنها أحداث كارثية في المناطق المجاورة ،مرة ثانية تداهمهم عصابات مسلحة يقتلون عشوائيًا من يجدونه حيًا..
مرة أخرى يتخذ أطراف المعركة الدائرة هنا المدنيين كدروع بشرية لصد هجوم الطرف اآلخر ،من يحارب من ومن
يقتل من ؟! ،أحيانًا تكون حياة الغابة مناسبة ..على األقل هناك قانون ثابت فيها وهو قانون البقاء لألقوى ..لكن
أصال ..أمسك بسالح وأطلق الرصاص على من
ما يحدث هنا هو أسوأ من حياة الغابة ..هنا ال يوجد قانون ً
ضا..
يحاربك أو من ال يحاربك أي ً
لقد أدرك جي ًدا حديث والد إيالن معه بخصوص الوطن ،..لم يعد هناك وطنًا ليدافع عنه أحد ..لم تعد هناك
عموما قد نجح والد إيالن الهروب بأسرته من المدينة
ً سوريا كي يكون هناك سوريون يدافعون عن بالدهم..
األسبوع الماضي ،على األقل هذا ما يظنه ،إذ أنه لم يظهر منذ أن غادر المنزل هو أو أح ًدا من أسرته يوحي
المشدد التي تعيشه
فعال في الهروب من هذا الجحيم بطريقةً ما رغم هذا الحصار ُ
بوجودهم هنا ،البد وأنه نجح ً
المدينة..
ليلة أمس كانت مأساوية بالنسبة لعمر ..إحدى القذائف أصابت البيت الذي يختبئ فيه هو وعائلة عم سعد
صديق والد إيالن ،كان عمر في الخارج كعادة كل يوم يبحث عن ماريان ليهربا سويًا لكنه يرجع خائبًا ..هذه المرة
صدم عندما وجد زوجة سعد تحت
كاما في صدمةُ ..
رجع البيت فوجده قد أنهدم ..أقترب من البيت الذي أصبح ر ً
ضا تحت
األنقاض وقد فارقت الحياة ،..بحث عن الباقي وذهنه لم يستوعب الصدمة بعد ،عثر على عم سعد أي ً
األنقاض لكنه مازال يتنفس ..أنه على قيد الحياة ..حاول إزالة األنقاض من عليه لكنه أمسكه من يده وجعله
يقترب منه ليهمس له بشيء ما ..
341
عِ ضين
مهند ورقية ..؟! ،أين هم يا عم سعد ؟! ،أخبرني بسرعة..
لقد تم حبسهم في هذه الغرفة ..ذلك الحائط المنهدم قد سد عليهم الباب و هذه الغرفة بال نوافذ كما تعلم،
أرجوك بسرعة..
قام عمر من مكانه لينقذ أوالده لكنه الحظ أن الرجل قد مات ،!..أسرع ناحية الغرفة المسدودة وبحث عن
شيء ثقيل ليهد تلك األنقاض ..وجد مطرقة كان يستعملها الرجل في عمله ..لم يتردد لحظة وعمل جاه ًدا ليزيل
تلك األنقاض عن الغرفة ،وبعد مجهود قد أستنفذ منه طاقته بالكامل أصبحت هناك فتحة ال بأس بها يستطيع
منها أن يراهما من خاللها ،خرجت رقية وهي تحمل أخاها مغشيًا عليه ..حاولت أفاقة أخاها ومساعدة عمر على
الهدوء ليستعيد أنفاسه ..
خرج عليهم هذا الصباح وقد فقدت رقية وأخيها والديهما ،الكارثة لم تقف عند هذا الحد ،..لقد تسلل مهند
خارجا عندما هدأ أطالق النار في فجر اليوم ..خرج على حين غفلة من أخته ومن عمر كذلك ،فزع عمر
للعب ً
أثرا ..لم يعثروا
عندما أخبرته رقية بأختفاء مهند ،أسرع كالهما ليبحثا عنه بالقرب من البيت لكنهم لم يجدوا له ً
مجددا ورصاص متراشق هنا وهناك ،التفت ورائه ليأخذ بيديها ويختبئا سويًا
ً عليه ،!..فجأة ظهر صوت أطالق نار
لكنه وجدها ُملقاة على األرض ، !..حملها بسرعة ودخل بها للبيت المنهدم ،لقد أصابتها عدة رصاصات وواحدة
منها أصابت قلبها ..لقد تركت الدنيا هي األخرى !..
341
عِ ضين
لم يتبقى سواه هو والفتى الذي لم يظهر حتى اآلن ..البد وأنه قد مات هو اآلخر في ٍ
مكان ما ،ال يعرف ما إذا
كان قد أوفى بوعده تجاه الرجل في حماية أبنائه والهرب بهما أم أنه لم يكن على قدر المسؤولية ..لكنه كذلك
لم يسمح بذلك ..وكذلك الظروف كانت ضده..
يختبئ بين أنقاض البيت وبجانبه جثمان رقية على أمل أن يظهر مهند ،وهي األمنية الوحيدة التي تحققت حتى
أخيرا أم بالصدمة حينما كان يستعد لعبور الشارع وسط أطالق النار
اآلن ..ال يعرف أن كان يشعر بالفرحة ألنه رآه ً
هذا ،صرخ فيه عمر..
أين رقية يا عم عمر ؟! أين أختي ؟! ،أريدها أن تعالجني ..هي تعرف كيف تعالجني..
مسرعا
ً وجد عمر فتحة في المحل التجاري الذي كان يختبئ به مهند ،تطل هذه الفتحة على شارع آخر ،أتجه به
إلى الالمكان ،..يجرى نحو أي شيء ينقذ به مهند ،سأله عمر بحدة..
أصال ..؟!
لماذا خرجت دون أستئذان يا مهند ؟! وأين كنت ً
كنت في المكان الذي ُدفن فيه والداي ،كنت أزورهم في أول يوم لهم في وحدتهم تلك ،ظننتهم جائعين ..لكنهم
علي ،فتركت الطعام أمام قبرهم وأسرعت بالرجوع لكنني رأيت أن الحرب قد عادت..
لم يردوا ّ
342
عِ ضين
مسرعا ليجد من ينقذ مهند أو أن أحدهم يعرف مكان مستشفى ،بدأ الطفل يشعر باأللم تدريجيًا
ً كان عمر يجري
وكان يهذي بكالم ،سأله..
توقف عمر للحظة محدقًا بالطفل ..كيف عرف ؟!! ،واصل الجري لمكان آمن ،أكمل الطفل هذيانه..
ماتت رقية ولم تستطع عالج نفسها ؟! ،يا لحماقتها ، !..رغم أنها كانت طبيبة إال أنها كانت تكره األدوية لو
يوما ما ،لكنها كانت تحب أن تكون السبب في شفاء الناس ..
تعبت ً
سكت الطفل فجأة بينما دخل عمر مسج ًدا ..كان في الواقع عبارة عن مستوصف ،كان الجرحى والمصابين
فعال بالصراخ..
المتضررين من المناطق المجاورة يتعالجون هنا بسرعة ،وضع عمر الطفل على أحدى السرائر وبدأ ً
األلم يشتد خاصة بعد تدخل الطبيب لعالجه لكن عقله لم يكف بالبحث عن من يستمع لشكواه ..يريد أن
يشتكي العالم كله لكن لمن ..؟! لوالديه اللذان توفيا باألمس أم ألخته التي ماتت اليوم ..حتى لو كانت أخته
حية ..لم تكن لتفعل شيئًا هي ضعيفة ..
مجددا..
ً بعد أن ترك عمر الطبيب يقوم بعمله سمع أحدهم ينادي عليه ،التفت ناحية الصوت وتفاجئ حين رأها
أنها ماريان ،!..رحبت به بلهفة ...
مجددا..
ً الحمد هلل ..بخير ،من الجيد أن أر ِ
اك
ماذا بك يا عمر ..هل أنت بخير ؟! ،أقصد لماذا أتيت لهنا ؟!
343
عِ ضين
التفت ناحية الطفل ليخبرها بأصابة الطفل لكنه وبالرغم الصخب الموجود في المسجد لكنه سمع صراخ الطفل
...
آآآآه ..آآآآه ..واهلل لسوف أخبره ..سوف أخبره بكل شيء ..سأخبر اهلل بكل شيء..
وكأن الزمن توقف عند هذه اللحظة ،ذُعر عمر وكأن أحدهم قد هدده بحياته ،!..هذا الطفل سيخبر اهلل بكل
طفل لم يرى في حياته إال الدمار..
شيء ؟! ،لكن اهلل يعلم كل شيء ح ًقا ..لكنه بالتأكيد سيستمع لذلك الطفلٌ ..
لم يرى سوى هؤالء الذين يموتون كل ٍ
يوم أمام عينيه ..لم يرى سوى نقص الغذاء والماء والحصار كل يوم ..لم
ونهارا ..
ليال ًورجال يقاتلون بعضهم ً
ٌ يرى سوى طائرات ترمي بقنابل
كان قلبه يخفق مما سمعه اآلن ،التفت إليها وكان قد تذكر شيئًا ..
لماذا أنتي هنا يا ماريان ؟! ،وكيف حال أسامة وزوجته ؟!
أخفضت ماريان رأسها ..كان الحزن بادي عليها جليًا ،تعجب من صمتها فسألها ..
صدم عمر من سماع خبر أعتاد سماعه ورؤيته يوميًا ،أكملت ماريان ..
ُ
344
عِ ضين
نائما ،التفت
جاء أحدهم من ورائه وأربت على كتفه ،التفت عمر إليه ..أنه الطبيب ،التفت بسرعة لمهند فوجده ً
للطبيب مرةً أخرى..
يا أستاذ ،..لألسف لقد مات طفلك ،رحمه اهلل وصبرك أنت على ما بالك..
لم يتحرك عمر ..كان كالصنم ،!..محدقًا بالطفل وعيناه تذرفان الدموع ..كانت غزيرة بدرجة تعلن عن ضعفه
وأستسالمه ،ظلت الجملة األخيرة للطفل قبل أن يلفظ أنفاسه األخيرة تتردد في ذهنه ..سأخبر اهلل بكل شيء
،!..لقد مات الطفل ..مات مهند ..مات آخر من تبقى في هذه العائلة ..مات وهو يهدد الجميع بأنه سوف
يخبر اهلل بكل شيء !..
345
عِ ضين
-03-
يومهم األخير
لم تكن لتتخيل أن رحلتها تلك ستنتهي قريبًا ،..وصل األمر لدرجة الحلم ..كانت تحلم بالعودة وبالذات مع
أخيرا
عمر ،ففي اليوم التي عثرت فيه على طاقم القناة وجدت عمر كذلك بالصدفة وعلى الفور أتصلت بعمها ً
وطمأنته على نفسها ،أمرها بالعودة مع طاقم القناة فور أنتهاء مهمة الطاقم في سوريا بعد أيام لكنه عاد بعدها
بدقائق ليتعجل رجوعهم ومعهم عمر بالتأكيد ..ح ّدثها عن أجر ٍ
اءات غريبة ،..سيسلكون طري ًقا بريًا حتى العاصمة
دمشق ومنها إلى المطار وستكون هناك طائرة خاصة بأنتظارهم ..لكنها ال تبالي بهذا ..المهم هو رجوعها لمصر..
ابتسمت وهي تنظر من نافذة العربة ..تنتظر تلك الساعات القادمة أن تمر بسرعة ..ال تطيق األنتظار ..
كثيرا وتحمل
ومهموما ..لقد شاب شعره وظهر وكأنه عجوز ..لقد عانى ً
ً التفتت فجأة ناحية عمر ..كان يبدو حزينًا
أكثر من طاقته ،فكرت للحظة ..هل يمكن أن ينجحوا هذه المرة في العودة لمصر ؟! ،أم أن القدر يخبئ لهم
كثيرا بالعودة لمصر ..لقد أعتاد المفاجآت..
مفاجأة أخرى تبقيهم هنا ؟! ،بالتأكيد هو كذلك يشك ً
أما عمر فقد أصبح ضعي ًفا ..ضعي ًفا لدرجة إنه ال يقوى حتى على الكالم ..لم يعد يتحمل صدمةً أخرى ،ال يعلم
إن كان عليه أن يفرح أم يحزن بعودته لمصر ،!..ح ًقا ال يعرف بماذا يشعر ،..كيف سيكون أستقبال والديه له
خاصةً بعد ما حدث ؟! ،آسية ..كيف حالها اآلن يا ترى ؟! ،وبخصوص ما حدث في رحلته الشاقة تلك ..هل
عليه أن ينسى ما حدث ؟! ،بدا ذهنه مشو ًشا ..هاجمت تلك الذكريات على ذهنه فجأة وأعلنت عليه الحرب في
وقت ضعفه ..الرجل العراقي وأبنته ..لحظة قتل أخيه ..عثمان بكير ..النفق ..سوريا ..أسامة وزوجته ..المسجد..
إيالن ومهند ..سعد ورقية ..سأخبر اهلل بكل شيء !..
أغمض عينيه ليطرد هذا التفكير ..لقد أُرهق ذهنيًا ونفسيًا وجسديًا ،فتح عينيه فجأة عندما شعر بأيد أحدهم على
كتفه ،أنها ماريان ،..نظرت إليه وسألته ..
346
عِ ضين
هز رأسه أيجابًا ولم يتكلم ،ابتسمت ثم عزمت على بث األمل له ..
أمامنا نصف ساعة تقريبًا ونصل مطار دمشق ،قريبًا سنعود ...
أنظر يا عمر ..العاصمة هنا تبدو هادئة ج ًدا وكأننا لسنا في سوريا ..زمالئي أخبروني أن ما يُذاع في الفضائيات
بشأن الحرب في سوريا ال يحدث سوى في األرياف ..ريف دمشق ،ريف حلب ،ريف الالذقية وكذلك ريف
الحسكة الذي كنا فيه ،أما المدن نفسها فهادئة ج ًدا !..
جذب أنتباهه ما يتم أذاعته في التلفاز داخل عربة الطاقم ،كان المذيع يتكلم باألنجليزية لكن ما جذب أنتباهه
فعال تلك المشاهد التي ال يتمنى أن تكون هي التي في مخيلته..
ً
شاطئ ما ،لكنه بنفس المالبس التي رآه بها آخر مرة ،الصور
ٌ المشاهد لصور طفل منكب على وجهه على
أوضحت وجه ذلك الطفل ..زادت ضربات قلب عمر فجأة ..شعر وكأن العالم كله يتآمر عليه ،!..بدأ نفسه
يزداد ويزداد صعوبة ،بدأ يستوعب الصدمة ،أقترب من الشاشة ..
وقفت ماريان بجانبه وتتبادل نظراتها بين الطفل الغريق وعمر ،سألته ..
بدأ صوته يشوبه التوتر وماريان ال تفهم ،تحاول تهدئته ،..بدأ صوته يرتفع ..
ال ..ليس أنت ..أخبرني يا إيالن أنه ليس أنت ،أخبرني بذلك يا فتى ..ال تمت أرجوك ..أجبني ..أجبني يا
إيالن..
347
عِ ضين
ضعف يسري بجسده ،بدأ يفقد توازنه ،بدأ التشوش بعينيه ،..ثم ..ثم ال شيء بعدها ،!..فقد
ٌ بدأ يشعر بدوار..
تماما وسط ذهول من ماريان وطاقم القناة !..
عمر وعيه ً
348
عِ ضين
-04-
قبل أسبوع
أخيرا وحتى اآلن لم يصدق بعد أنه عاد ،لقد أصبح األمر بالنسبة له أسطوريًا..
كامال على عودته لمصر ً
أسبوعا ً
ً مر
التفت ناحية آسية التي كانت نائمةً ،ابتسم ..لقد كان سيفقد عقله حين رآها تمشي ..نسي كل أآلمه حين وجدها
ضا حينما أخبرته أن والدتها قد توفيت..
قد تخلصت من عجزها ،تذكر أي ً
أحمد وأماني تزوجا ..لديهما طفلةً بعمر الشهرين ،كانا يُحبان بعضهما ولقد جمع اهلل بينهما في خير..
جميعا ،أستعجله
زاره باألمس اللواء صفوت ومصطفى وباقي زمالؤه في الكتيبة التي سافرت اليمن ..لقد أفتقدهم ً
اللواء صفوت للشفاء كون الرئيس وجه دعو ًة رسمية لهم بحضور أحتفالية لثورة يوليو في جامعة القاهرة ،وسيكون
هو بالذات ضيف شرف تلك الليلة بسبب تلك الرحلة العجيبة التي خاضها ..
349
عِ ضين
ضحك عمر ..
ماريان ..تتغزل فيك منذ أن عدتما ،وأنت تبتسم كلما تكلمت هي..
تعالت ضحكته..
ك أنني لم أقابل ِ
غيرك في و اهلل مجنونة ..من يمكنها أن تسلب عقلي وقلبي ِ
غيرك ؟! ،هل ستصدقينني لو أخبرتُ ِ
حياتي ؟!
ٍ
بصوت خافت .. نظرت إليه بشك ،ابتسمت ثم أقتربت منه أكثر ..ألصقت جبهتها بجبهته ،و
351
عِ ضين
-05-
يوما ما ،تطارده ذكريات رحلته المريرة كلما ّسلم نفسه للتفكير ..ذكريات تشبثت
تمنى لو أنه يُصاب بالزهايمر ً
مهما من األساس،
بعقله وترفض الرحيل ولو بالقوة ..حتى اآلن ال يعلم إن كان سعي ًدا بعودته أم أن األمر لم يعد ً
لقد أصبح يفكر في طريقة للتخلص من التفكير !..
قاطعته ..
ال أريد التحدث في هذا الموضوع يا عمر ،ما حدث قد حدث وليس بمقدورنا أن نغيّر شيئًا قد حدث ..لكننا
قادرون على التعامل معها حتى لو لم نستطع النسيان !..
أنا وآسية جاهزتان ..ال تتأخر فهم ينتظروننا أمام الفندق ..
351
عِ ضين
خير من أن تفقد كالهما ..وأدهم لم
مبررا لقتل أخيه لكن أن ترى أحدهما ٌ
كالهما مرةً أخرى ،بالتأكيد هذا ليس ً
يكن ليسمح بذلك !..
شرد ذهنه مرةً أخرى ..هل الشهرة التي يحظى بها اآلن حقيقية أم زائفة ؟!
توقف الموكب فجأة وهذا ما أخرجه من دوامة تفكيره ..نظر لذلك المبنى القديم ذو القبة التي تُميز جامعة
ائعا ..خاصةً عندما تكون أحد أهم ضيوف هذه
القاهرة ..مبنى قاعة األحتفاالت الكبرى بالجامعة ،يبدو المشهد ر ً
الليلة ..
جميعهم رأوا ماريان التي كانت لها األولوية لنقل أحتفاالت الليلة على التليفزيون المصري ببث مشترك مع قناة "
" .." BBC Arabicكانت تقوم بتغطية األحداث خاصة مع ،" exclusive news
وصول الضيوف..
كانت آسية تشعر بأنها أسعد من في العالم ..رجوع عمر بالسالمة ..الشهرةَ التي يحظى بها ..كونها أصبحت من
ضا،
ومبهج ،فجأة التفتت ليسارها بطريقة أثارت أنتباه عمر ،التفت هو أي ً
شعور رائع ُ
الضيوف المهمة هذه الليلةٌ ..
سألها..
352
عِ ضين
آسية ،..أتبحثين عن أحد ؟!
عالم موازي ..قُبض قلبها فجأ ًة ..كانت تبدو متوترًة تبحث بين وجوه الحاضرين
لم تسمع سؤاله ألنها كانت في ٌ
عن أحدهم ،ذلك الذي كان من المفترض أن يرعاها بعدما ماتت والدتها ،ذلك الذي كان من المفترض أن يكون
أول من يساعدها في أزمتها ،تساءلت ..هل هو ح ًقا من رأته ؟! ،ال ال مستحيل ،..البد وأنها يُخيل إليها فقط..
لكن لماذا ؟! ،لماذا اآلن بالذات تذكرته ؟! ،تنبهت لعمر الذي يبدو وكأنه كان يُحدثُها وكذلك والدته التي كانت
تلتفت للمكان التي شردت آسية بذهنها ناحيته ..
سألها عمر..
أحتضنتها والدة عمر ،قاطعهما عمر عندما رأى أن أغلب الحاضرين يدخلون قاعة األحتفاالت..
في غصون ربع ساعة تقريبًا كان جميع الضيوف في أماكنهم المحددة لهم ،الجميع ينتظر قدوم الضيف األخير
واألهم في هذه الليلة ..رئيس الجمهورية
آسية ووالدة عمر جلستا في الصفوف األولى فيما ذهب عمر مع أحد أفراد األمن لغرفة ِ
األعداد لألستعداد أللقاء
كلمة في هذه األحتفالية..
جلس في الغرفة المخصصة له لألستعداد ..كان يشاهد على التلفاز ما يحدث على المسرح من أفتتاح لهذه
قليال ،يبدو قل ًقا وضربات قلبه تزداد سرعة ..ال يعرف أن كان توتره هذا طبيعي بسبب ما
الليلة ..لكنه شرد بذهنه ً
ضا
يم له ومن الرئيس شخصيًا أم أن هناك شيئًا ما سيحدث الليلة ؟! ،ليس من الغريب أي ً
سيحدث الليلة من تكر ٌ
353
عِ ضين
أن يشعر بعدم الراحة أو األمان ..ما حدث معه طيلة رحلته هذه جعله يتوقع األسوأ أن يحدث حتى لو كان ما
يحدث أمامه طبيعيًا..
قاطعه أحدهم..
أغمض عينيه وعمل على تصفية ذهنه من كل شيء ،قام من مكانه وخرج من الغرفة وقام أحدهم بتركيب
أخيرا للممر المؤدي لخشبة المسرح مباشرة ،وقف ينتظر أشارة لدخول المسرح..
ميكروفون صغير ببدلته ووصل ً
أرخى أعصابه وأستعد أللقاء كلمته في هذه الليلة ..سيظهر ألول مرة بالنسبة للناس منذ رجوعه من مهمته التي
ُكلف بها من المخابرات -حسب ما يرى الجميع ..-
حارا من الضيوف
نوعا ما ،وبعدما لقي ترحيبًا ً
أصال ..كانت شخصيته خجولة ً
في حياته لم يقف أب ًدا أمام جمهور ً
حاول تجنب نظرات الجميع له ،ال يريد األرتباك..
كنت
ثيرا ،قادنا الحديث في النهاية إلى رسالة ..رسالة لكم ..للمصريين ..لو ُ
كثيرا ..أستمتعت بكالمه ك ً
تكلمنا ً
وعلي أن أسلمكم هذه
حيًا ووصلت لمكانةً كهذه وخدمتني الظروف ألخبركم هذه الرسالة فستكون هذه أمانة ّ
األمانة ..
354
عِ ضين
جيش قوي يحميكم ..تنامون مرتاحين على سرائركم..
يا أهل مصر ..أنتم لم تدركوا النعمةَ التي بين أيديكمٌ ..
حادث أرهابي كل
ٌ تتعلمون وتتسوقون ..تأكلون وتشربون ..تلبسون وتفرحون في األعياد ..تحزنون لو حدث
نحن ..ميتون ورغم ذلك نخاف
حين ..على كل حال أنتم على قيد الحياة وتُطبق عليكم قوانين الحياة ،أما ُ
اض منتشرةَ
الموت كل يوم ،!..تفجيرات ومذابح كل يوم ..ال طعامٌ هنا وال ماء إال ما يأتينا من مساعدات ..أمر ٌ
تعليم هنا ...ال أمن وال أمان..
هنا وال عالج يوقف هذا المرض ..ال ٌ
عرض ربما تقبلون به ..ماذا لو أعطيتمونا جيشكم مقابل ما تطلبوه منا ..مقابل أعز ما نملك ؟! ،رغم أننا ال
لدي ٌ
أصال لنبادلكم به جيشكم..
نملك شيئًا ً
ربما كانت أمنية كل عراقي أن يمتلك جي ًشا مثل جيشكم لكن ليست كل األماني تتحقق..
ٍ
جيوش قوية ولكن لم يتبقى منها سوى جيشكم ..أنتقدو جيشكم كيفما شئتم كانت منطقتنُا هذه تقوم على ثالثة
لكن ال تفككوه أو تدمروه أرجوكم ..
أدعمو جيشكم وال تسمحوا لمن يعرف قيمة جيشكم جي ًدا أن يفككه عبركم أو من خاللكم..
ال تُخطئِوا مثل خطأنا نحن ..نحن أسقطنا جيشنا بأيدينا في سبيل الحرية ..وها نحن ندفع ثمن حريتنا تلك ..
... -وهذه كانت رسالة هذا الرجل أليكم ،الرجل الذي فقد زوجته وأبنته في حادثتين مأساويتين ..رحمهن اهلل
وصبّره اهلل على ما باله ،..ال أعرف أن كان يشاهدني اآلن أم ال ،ال أعلم إن كان حيًا أم فارق الحياة هو اآلخر..
هناك من تقابله لمرةٍ واحدةٍ فقط في حياتك لكنه يعلق بذهنك للدرجة التي تجعلك تتمنى لو تقابله مرًة أخرى .
355
عِ ضين
كالما آخر ألقوله بعد رسالة هذا الرجل ،أتمنى فقط أن تتأملوا كالمه ،والسالم عليكم ورحمة اهلل
لم يعد لي ً
وبركاته" ..
أنتهى من خطابه القصير ثم أبتعد بضع خطوات عن المنصة وسط تصفي ٌق حار من الجمهور في القاعة ،كان
شخص آخر وبيده علبة زرقاء مفتوحة ...قالدة النيل..
ٌ الرئيس قد قام من مكانه وصعد المسرح وتبعه
وقف عمر مكانه يستشعر هيبة أقتراب الرئيس منه ،..فجأة عاوده شعور القلق مرةً أخرى ..يشعر بأنقباض قلبه..
شرد بذهنه لثواني قليلة ..لماذا شعر بذلك فجأة ..لقد تجاوز شعور أن يقف أمام جميع قيادات الدولة بما فيهم
الرئيس نفسه مخاطبًا ..فماذا حدث أذن ؟! ،لكنه عاد وأصطنع أبتسامة تُنسيه فقط ذلك الشعور على األقل في
ضا تجاه الرئيس ،..الرئيس بنفسه
اللحظات القليلة القادمة ..أقترب الرئيس منه وبيده القالدة ..تحرك هو أي ً
سيقلّده أعلى وسام في البالد ..ما رآه في رحلته تلك جعله يتنبأ بما كل هو ٍ
سيء آت ..
بعد أن تم تقليده قالدة النيل ابتعد خطوتين عن الرئيس ثم تذكر أن سلم المسرح في الجهة األخرى فالتفت ومر
دم تناثر فجأة على وجه الرئيس !..
أمام الرئيس ..ولكن ...لكن ،..لكن ال شيء بعدها إال ٌ
فزع الرئيس عندما وجد تلك الدماء على وجهه ..مال جسد عمر عليه فجأة ،لقد قُتل عمر في لحظة ..وقبل أن
فورا ...
يقع الرئيس به كان الحرس الخاص به قد أحاط به ويحاولون حمايته والخروج من المكان ً
************
المكان حولها مضطرب ..الجميع يجري هنا وهناك في فزع ..األضطراب والذعر والخوف يسيطرون على
المكان..
إال هي ..ما زالت تجلس على كرسيها محدقة بعينيها على عمر الذي قُتل لتوه ،لم تستوعب األمر بعد ..لم تهنئ
مجددا يذهب بهذه السهولة ؟!
ً كثيرا ،بعد كل هذا الغياب وبعد أن يلتقيا
به ً
356
عِ ضين
قامت من مكانها متجهة نحوه ..تخطو الخطوة تلو األخرى في أرتباك وعيناها مثبتتان على زوجها الميت على
المسرح ..ال ت سمع وال ترى غيره ،عيناها تفيض بدموع الحسرة واأللم ،صعدت سلم المسرح وتوجهت نحوه..
أمر ما،..
جثت على ركبتيها بجانبه ..وضعت رأسها على صدره ..أدركت أنه ليس هناك نبض ،خطر على بالها ٌ
عندما ألتحق عمر بالجيش أول مرة أختفى أخيه فجأة وأستمر أختفاؤه إلى أن أتضح في النهاية أنه ألتحق بتنظيم
أرهابي ،!..كذلك األمر مع أخيها ..سافر ليعمل بقطر لكنه لم يظهر بعدها والشركة التي كان يعمل بها هنا في
مصر أخلت مسؤليتها عنه بعدما أستمر غيابه من فرع الشركة في دولة قطر ..أختفى منذ تلك اللحظة لكنها ظنت
أنها تخيلت أنها قد رأته اليوم ،لكن يبدو أن الحقيقةُ واضحة ..أخوها يوسف يعمل مع تلك الجماعة األرهابية
مثلما عمل أخو عمر ..التفتت لعمر وهي تحدثه وتهمس له كأنه مازال حيًا ...
هو من قتلك ،..لم أصدق نفسي حين لمحته اليوم ،ظننتي أهلوس أو فقط أتخيل !..
تساءلت..
صدقني ليس هناك حياةً بعدك ..لن يطول األمر حتى ألحق بك ..سأالحقك أينما ذهبت ..لن أتحرك من مكاني
هنا حتى تأخذني معك ..لن أبقى هنا لوحدي ،!..أتفهم ؟! لن أبقى هنا وحدي ..
أنفجار آخر يهز المكان بعنف وجزء من السقف يقع هذه المرة ..لقد وقع السقف عليهما وحصيلة القتلى تزداد
ٌ
نفرا ..لقد رحلت آسية كذلك !..
ً
357
عِ ضين
كان ضمن الفريق األمني المسؤول عن تنظيم الحفل داخل قاعة األحتفاالت الكبرى ،..كان يقوم بتوجيه الضيوف
صعق عندما رأى أخته تنزل من سيارةٍ خاصة بنقل من الصالة الرئيسية لمكانهم المحدد داخل القاعة ،لكنه ُ
صاحب الفيديو الشهير " عمر" ..كان يعلم أنه قد تزوجها وكان يساعدها لتجاوز أزمتها لكنه لم يعلم أنها قد
تعافيت ولم يتوقع كذلك حضورها الليلة ..ظن أن الدعوة أقتصرت على عمر فقط ،!..لكن ال يبدو األمر
ضا لديه تعليمات بتنفيذ مهمته الليلة وفي اللحظة المناسبة سيبدأ هو تلك الليلة الكارثية ،حاول
كذلك ..لكنه أي ً
أن يتوارى عن األنظار سر ًيعا قبل أن تالحظه آسية..
وفي أحد الممرات الفرعية للصالة الرئيسية وقف يوسف مستن ًدا على الحائط ..رجع بذاكرته للوراء..
" كانت تجلس في الصيدلية معه ..تُذاكر محاضراتها األخيرة ،أو هكذا بدا له في البداية ..الغريب أنه كان يتابعها
بتركيز ..لحظات تشرد بذهنها ثم تعاود لقراءة ما بيدها من ورق فتشرد مرةً أخرى وتبتسم كل حين ثم تعود لتنظر
في أوراقها ..
ِ
تجعلك تبتسمين هكذا ؟! و هل هذه المسائل هي من
طبعا..
ابتسم ؟! ،ال ..لم أقصد هذا ً
358
عِ ضين
خجال ،خفضت رأسها
توترت بخجل ..تنظر لعينيه ثم تبعدهما ،لم تتحمل نظراته ،..ابتسمت وأحمر وجهها ً
بخجل ثم نظرت إليه مرةً أخرى لتجده مازال يحدق بها ..
ماذا ..؟!
قابلت ...
ُ في الجامعة
دخل شخص الصيدلة فجأة ،آخر شخص كانت تتوقع أن يأتي لهذا المكان ..عمر ..أتسعت عيناها من المفاجأة
وظلت محدقةً به لثواني..
كان األمر طبيعيًا بالنسبة ألخيها لذلك كان بديهيًا أن يفهم أن هذا هو الشخص الذي كانت ستتكلم عنه اآلن..
واضحا ،فبعد صدمة رؤيته فجأة ظلت تلتفت برأسها ما بين عمر وأخيها ،نظر أخوها لألوراق التي
ً أرتباكها كان
أمامه وكأنه لم يفهم شيئًا ..
قالها وقد أرتسمت أبتسامة ماكرة على وجهه ،قرأت الروشتة وتحركت بأرتباك لصرفها ،..عمر يقف مكانه وهو
يتأمل أرتباكها ، ..صرفت له الروشتة كما علمها أخوها وأنصرف عمر ،ظلت للحظات بعدها جالسة والصمت
ضا..
يُخيم على المكان أي ً
359
عِ ضين
حاال والتركيز جي ًدا..
علي الذهاب للبيت ً
والمذاكرة كثيرةّ ،
أعذرني يا يوسف ..لقد أكتشفت أن الوقت ضيق ُ
سالم .
عاد لواقعه من جديد بعدما تعالت األصوات من حوله بعد وصول موكب الرئيس أمام مبنى القاعة ،!..تحرك
المطلة على القاعة من الداخل ..كان يقف
جزءا بسيطًا من النافذة ُ
بسرعة ناحية غرفةً ما ..كانت مظلمة ،فتح ً
جهز سالحه ووضع ماسورة السالح على قاعدة
أمامها رجلي أمن المسافة بينهما محددة كما هو مخطط لهّ ،
النافذة مصوبًا فوهته ناحية الفتحةَ الصغيرة التي يُبقيها الرجالن بينهما ليطلق يوسف رصاصته ،..بعد وصول
الرئيس وجلوسه في المكان المخصص له خرج عمر وألقى تلك الكلمة األفتتاحية لهذه الليلة ..
كان ينتظر لحظة بعينها لتكتمل مهمته هذه الليلة ..ال يريد أن يكون الهدف متحرًكا ..األفضل يكون ثابتًا ولو
للحظةً واحدةً فقط لتفادي أي خطأ يمكن أن يحدث على سبيل الصدفة حتى ،ضبط سالحه وتحرك بعدسة
السالح مع الهدف وتبعه حالما يقف ويثبت للحظة ثم يطلق الرصاصة ..الخطأ ممنوع ،يريد هو بذاته أن ينال
شرف أغتياله ،ضغط على السماعة التي في أذنه وهمس فيها ..
أنا جاهز تقريبًا ...ثواني قليلة وستُنفذ المهمة ،أستعدوا أنتم كذلك..
ِ
ظننتك عاجزة ولن تستطيعي الحضور، آسف يا عزيزتي ،سامحيني يا آسية ..لم أعلم ِ
أنك ستحضرين حفلة الليلة، ٌ
خيارا آخر وال وقت لدي لتحذيرك ..
لكنني لن أفوت هذه الفرصة أب ًدا ،آسف لم تتركي لي ً
361
عِ ضين
ِ
اللحظة تماما ..ها هي
المخطط له ..كان صليب الكالشنكوف على رأسه ً أخيرا في المكان ُ
توقف الرئيس ً
المناسبة ،ضغط على الزناد وخرجت الرصاصة وأصابت الرئي ـ ! لكن ماذا حدث؟!! كارثة ،الرصاصة لم تصيب
أوال وهذا
الهدف ،تحرك عمر فجأة عندما أحتضن الرئيس فجأةً وأصابته الرصاصة ،كان من المفترض أن يتصافحا ً
ٍ
بخطوات سريعة ووضعها في حقيبة يعطيه الوقت الكافي ألصابة هدفه بنجاح ..استدرك خطأه بسرعة وفك سالحه
وخرج متخفيًا وسط الصخب الذي يحدث بالخارج..
لم يقتصر األمر على مقتل عمر أو استهداف الرئيس ..حدوث سلسلة أنفجارات بعد ذلك ..أنفجاران هدما
تماما وأنفجارات أخرى طالت الصالة الرئيسية والباب الرئيسي للمبنى ..أنفجارات خلفت ورائها عشرات
القاعة ً
الضحايا ..كل هذا فقط ألستهداف الرئيس..
عمر كان الضحيةَ األولى هذه الليلة ، ..والدته لم تتحمل فقدان أخر فرد في عائلتها وتوفيت بسكتة قلبية ،آسية
التي أصرت على اللحاق بعمر ،..ماريان التي أنهدمت عليها البوابة الرئيسية بعد أنفجار هز المبنى كله رحلت هي
األخرى..
دين له"
روجوا دائما لمقولة "األرهاب ال َ
لم تكن تلك نهايةً مرغوبةً فيها ،لكن هذا هو األرهاب األسود اللعينّ ،
غير ذلك ..لألرهاب دين ..دين الحقد والكراهية ..القتل والدمار ..التطرف والكذب والخداع.. لكن الحقيقة ُ
الخراب والظلم والفتن ..لقد صنعوا دينهم بأيديهم! دينًا جدي ًدا ..دين األرهاب..
تمت
8102/0/30
361
عِ ضين
362
عِ ضين