You are on page 1of 328

‫بقلم‬

‫مروان منير‬

‫ﻟﻠﻨﺸـــــــﺮ واﻟﺘـــــــﻮزﻳﻊ‬
‫عاشقة الظالم‬

‫ﻟﻠﻨﺸـــــــﺮ واﻟﺘـــــــﻮزﻳﻊ‬
‫مروان منير‬
‫دار سما للنشر والتوزيع‬
‫جمهورية مصر العربية‬
‫‪ 15‬ش يوسف الجندي متفرع من شارع البستان ‪ -‬باب اللوق ‪ -‬القاهرة‬
‫تليفون‪+2 01271919100 - +202 24517300 :‬‬
‫‪emil: samanasher@yahoo.com‬‬ ‫الطبعة األولى‪ :‬يناير‬
‫‪publishing@sama-publishing.com‬‬ ‫‪1440‬هـ ‪2019 -‬م‬

‫فهرسة أثناء النشر إعداد إدارة الشئون الفنية‬


‫دار الكتب المصرية‬
‫منير ‪ ،‬مروان‬
‫عاشقة الظالم‬
‫التوزيع‬ ‫مروان منير ‪ -‬القاهرة‪ :‬سما للنشر والتوزيع‪2019 ،‬‬
‫‪ 328‬ص؛ ‪19٫5×13٫7‬سم ‪( -‬عاشقة الظالم )‬
‫تدمك ‪978-977-781-240-5‬‬
‫‪ - 1‬القصص العربية‪.‬‬
‫‪ 80‬ش طومان باي ‪ -‬الزيتون ‪ -‬القاهرة ‪ -‬جمهورية مصر العربية‬
‫تلفاكس‪+2 01099998240 - +202 24518068 :‬‬ ‫أ‪ .‬العنوان ‪813‬‬
‫‪emil:aldawleah_group1@yahoo.com‬‬ ‫رقم اإليداع‪2018/23599 :‬‬
‫تدمك ‪978-977-781-240-5‬‬

‫التنفيذ الفني‬

‫جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة‬


‫لدار «سما» للنشر‬
‫يحظر طبع أو نشر أو تصوير أو تخزين أي جزء من هذا الكتاب‬
‫بأية وسيلة إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصوير‬
‫‪ali@daraj-eg.com‬‬ ‫أو خالف ذلك إال بإذن كتابي من الناشر فقط‪.‬‬
‫مروان منير‬
‫حتسست حوهلا‪ ..‬مدت يدهيا عن اليمني واليسار بشكل دائري‪ ..‬ملسته‪..‬‬
‫التقطته‪ ..‬الشال األزرق‪ ..‬ضمته بكلتا يدهيا وضعته عىل خدها‪ ..‬تنهل من‬
‫نعومته‪ ..‬فهي حتن وترتاح إىل كل ما صنع من القامش املخميل‪ ..‬تنهدت وهي‬
‫تشتم رائحة الشال‪ ..‬رائحة آخر عطر قدم إليها هدية‪ ..‬كم حتب هذه الرائحة‬
‫ولو كانت تبحث عن عطر يف حمالت العطور‪ ..‬كانت ابتاعته بالتأكيد‪ ..‬قريب‬
‫من ذوقها فرائحته تعيد إليها ذكريات مضت‪ ..‬ال تغيب عن خميلتها‪..‬‬
‫واآلن حان دور البحث عن عصاها التي تتكئ عليها‪ ..‬فهذه العصا متثل‬
‫هلا الصديق ورفيق الدرب والطريق‪ ..‬آه‪ ..‬ها هي العصا اخلشبية ذات اللون‬
‫البني الداكن‪ ..‬تفحصت العصا بأصابعها‪ ..‬وقربتها هي األخرى من أنفها‪..‬‬
‫لتشتم فيها رائحة الطبيعة‪ ..‬رائحة تشعرك أن اإلنسان من تراب وذاهب إىل‬
‫مآله ‪..‬إىل الرتاب‪..‬‬
‫حاولت النهوض ببطء من فوق رسيرها الصغري‪ ..‬قامت بتحريك‬
‫عصاها يف حركة ال إرادية جهة اليمني واليسار‪ ..‬تتحسس طريقها لتفادي‬
‫االصطدام بأي من أثاث حجرهتا‪ ..‬ازدادت حركتها بط ًئا حيث بلغ هبا العمر‬
‫وختطي اخلمسني عا ًما بقليل هي مدام‪ /‬نورا‪ ..‬أو نورا اخلري ‪..‬كام كان يطلق‬
‫عليها كل من تعامل معها وعرفها عن قرب‪ ..‬وقفت متكأة عىل عصاها والشال‬

‫‪5‬‬
‫قابعا يف‬
‫األزرق عىل كتفيها يف وسط حجرهتا الصغرية املرتبة‪ ..‬حيث كل يشء ً‬
‫مكانه بال حراك منذ زمن طويل‪ ..‬رفعت يدهيا إىل وجهها تتحسسه‪ ..‬مرت‬
‫بأطراف أصابعها عىل خطوط مائلة ومستقيمة يف جبهتها وبعض اخلطوط‬
‫حول عينيها‪..‬‬

‫تنهدت بعد نفس عميق‪ ..‬تنهدت ثانية بعمق‪ ..‬وغاصت بذاكرهتا إىل‬
‫سنوات طويلة مضت‪ ..‬ذهبت بذاكرهتا أكثر وأكثر إىل مايض‪ ..‬عربت به‬
‫عرشات السنني‪..‬‬

‫ملمس اخلطوط الطويل واملائلة عىل وجنتيها يشعرها بالكهولة‪ ..‬فتحاول‬


‫اهلرب من شبح جتاعيد الكهولة بأن تتذكر أيام شباهبا ومجاهلا‪ ..‬كم كانت رائعة‬
‫اجلامل ‪..‬بيضاء‪ ..‬ذات عينان واسعتان بلون بني فاتح أشبه بلون حبة البندق‪..‬‬
‫شعر بني مائل لالمحرار‪ ..‬ناعم ينسدل عىل كتفيها‪ ..‬ذات جسد ممشوق‬
‫القوام‪ ..‬وأمجل من كل هذا ابتسامتها الرقيقة التي كانت ال تفارق شفتاها‪..‬‬

‫تذكر ذات مرة أن رآها أحد الشعراء عندما كانت تتجول يف معرض‬
‫ملقيا عليها بي ًتا من الشعر‪..‬‬
‫للكتاب لرشاء بعض الكتب فاستوقفها ً‬
‫بنية‪ ..‬بنية الشعر‪ ..‬بنية العينني‬

‫ذات طلة مميزة كأهنا ملك بل ملكني‬


‫ً‬
‫خجل وشكرته وواصلت التجول يف انحاء املعرض فرحة‬ ‫أمحر وجهها‬
‫من اإلطراء الرقيق‪..‬‬

‫‪6‬‬
‫صباحا‪ ..‬فقد‬
‫ً‬ ‫سمعت صوت ساعة يدها الناطقة‪ ..‬الساعة اآلن العارشة‬
‫منحتها مجعية "بصرييت" لرعاية املكفوفني هذه الساعة لتعينها عىل التعرف عىل‬
‫هنارا من ليل‪..‬‬
‫الوقت حيث فقدت برصها منذ سنوات مضت‪ ..‬فال تعرف ً‬
‫غري مدركة هل النوافذ مفتوحة أم مغلقة‪ ..‬فهذه الساعة تعينها عىل التعرف‬
‫بدل من االنتظار لتسأل عن الوقت وتنتظر اإلجابة‪ ..‬يا له من‬‫عىل الوقت ً‬
‫كثريا‪..‬‬
‫اخرتاع مذهل‪ ..‬سهل عليها متاعب احلياة ً‬
‫اعتادت نورا عىل احلياة بعيون مفتوحة لكن ال تعمل‪ ..‬يمكننا القول‬
‫اهنا عيون ديكور‪ ..‬مجيلة واسعة بنية اللون‪ ..‬جذابة تسحر الناظر إليها لكن‬
‫لألسف عينان ال تعمل‪ ..‬فقدت قدرهتا عىل نقل الصور إىل املخ‪ ..‬فيأيت هذا‬
‫اجلهاز الرائع‪ ..‬الساعة الناطقة لتخربها بالوقت وقتام أرادت بمجرد ضغطة‬
‫زر‪ ..‬فتسمع أمجل صوت حمبب إىل نفسها «الساعة اآلن ‪".....‬‬
‫صباحا يف شهر نوفمرب‪ ..‬أمجل شهور‬
‫ً‬ ‫بعد أن عرفت أهنا الساعة العارشة‬
‫اخلريف املحببة إىل قلب نورا‪ ..‬سارت ببطء بني قطع األثاث القليلة يف غرفتها‬
‫ً‬
‫ودائم ما تطلب من‬ ‫املحببة إىل نفسها فهي تعرف مكان كل قطعة بالتحديد‬
‫عطيات مسئولة النظافة والرتتيب أال حترك أي قطعة من مكاهنا وإن أرادت‬
‫حتريكها للتنظيف او مسح األرض من حتتها‪ ..‬أن تعيدها إىل مكاهنا بالتحديد‪..‬‬
‫سارت ببطء وبابتسامة عىل شفتاها الورديتان إىل النافذة‪..‬‬
‫رفعت يدهيا وامسكت باملقبض وأدارته جهة اليمني فإذا بالنافذة تفتح‬
‫بقوة من شدة اهلواء البارد النقي‪ ..‬نسمة من اهلواء اللطيف البارد دفع شعر‬
‫نفسا عميقًا مع‬
‫نورا إىل اخللف ويف كل اجتاه‪ ..‬فتحت نورا رئتيها وأخذت ً‬

‫‪7‬‬
‫ابتسامة أمجل من ذي قبل‪ ..‬وشي ًئا فشي ًئا‪ ..‬سافرت بذاكرهتا عرب الزمن‪ ..‬مخسة‬
‫وعرشون عا ًما للوراء‪ ..‬عندما كانت يف أوج شباهبا يف الثانية والعرشين من‬
‫عمرها‪..‬‬
‫تذكر كل ما مر هبا ومرت به كأنه حدث باألمس حيث كانت تقف أمام‬
‫نافذة حجرهتا يف شهر نوفمرب‪ ..‬فصل اخلريف ما أمجله والنافذة مفتوحة‪..‬‬
‫هيب من خالهلا هواء بارد نقي منعش‪ ..‬يتالعب بشعرها فيحركه يف كل اجتاه‪..‬‬
‫تغمض نورا عينيها وتستنشق اهلواء بأكرب كمية تستطيع أن متأل هبا رئتيها‪..‬‬
‫فتشم عبري زهور مجيلة‪ ..‬ما أمجل هذه األيام حيث امتت الثانية والعرشون‪..‬‬
‫سمعت طر ًقا عىل الباب ‪ ..‬قالت‪ :‬اتفضل‪ ..‬فإذا بأمها‪ ..‬كريمة ‪ ..‬أم طيبة‬
‫حنون ‪..‬تعشق البيت وتربية األوالد‪ ..‬واإلخالص إىل زوجها العميد متقاعد‪:‬‬
‫فؤاد صادق‪ ..‬أب حنون لولد‪« ..‬رشيف» طالب باألكاديمية البحرية‪ ..‬وبنت‬
‫رائعة يف مجال الشكل واخللق‪ ..‬نورا‪ ..‬خترجت يف كلية الفنون اجلميلة‪ ..‬تعشق‬
‫الفنون بجميع أنواعها‪ ..‬من رسم‪ ،‬وموسيقى‪ ،‬وشعر‪ ،‬ونحت‪..‬‬
‫صباح اخلري يا نورا‪ ..‬قالت مدام كريمة‪ ..‬تعايل اإلفطار جاهز‪..‬‬
‫ذهبت نورا فألقت حتية الصباح عىل أباها الذي تعشقه وحترتمه إىل حد‬
‫كبري ليس فقط لكونه األب احلنون ولكن ملا قام به من خدمات جليلة إىل مرص‬
‫ً‬
‫ضابطا يف اجليش وحتديدً ا يف حرب أكتوبر‪..‬‬ ‫إبان كان‬
‫هنض األب‪ ..‬وطبع قبلة عىل جبني نورا وسأهلا بابتسامة حنون عام سوف‬
‫تفعله اليوم‪ ..‬بعدما ترك اجلريدة التي كان ينهمك يف قراءهتا‪ ..‬أجابته نورا‬
‫أهنا ليس لدهيا الكثري لتفعله‪ ..‬سوف تذهب للنادي للدوران حول الرتاك‪..‬‬

‫‪8‬‬
‫وبعدها تشرتي بعض األلوان وأدوات الرسم‪ ..‬ثم تعود إىل البيت عىل موعد‬
‫الغداء‪ ..‬وبينام هي تتحدث فإذا برشيف يربت عىل كتفها يف حنان ً‬
‫قائل‪..‬‬
‫صباح اخلري يا بابا‪ ..‬صباح اخلري يا نورا‪ ..‬مل أرك منذ بضعة أيام‪ ..‬حيث كنت‬
‫وكنت ِ‬
‫أنت نائمة‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫يف األكاديمية يف االسكندرية وعدت باألمس ً‬
‫ليل‬
‫جتمعوا حول مائدة اإلفطار يف حجرة السفرة يف البيت املكون من ثالث‬
‫غرف به أثاث أنيق ولكن قديم بعض اليشء‪ ..‬تبادلوا األحاديث اخلفيفة وإذا‬
‫بنورا تنظر إىل ابيها قائلة‪« ..‬ممكن يا سيادة العميد حتكلينا عن موضوع خطة‬
‫اخلداع التي سبقت احلرب إبان كنت ضابط صغري برتبة مالزم أول»‪..‬‬
‫نظر األب وشاح بوجهه بعيدً ا وغاص وأمعن النظر إىل السقف‪ ..‬رسح‬
‫بذاكرته‪ ..‬يتذكر تفاصيل وكأهنا جتري أمام عينيه كرشيط سينامئي‪ ..‬وتنهد‬
‫تنهيدة عميقة ً‬
‫قائل‪:‬‬
‫"آه يا نورا‪ ..‬لو تعلمون كيف لعبت املخابرات احلربية‪ ،‬واملخابرات‬
‫العامة‪ ،‬ورئاسة اجلمهورية والصحافة واإلعالم من دور عظيم يف خداع العدو‬
‫واإلحياء إىل قيادته وإهيامهم بعدم قدرة جيشنا وال قيادتنا وال اقتصادنا عىل‬
‫حتمل ويالت احلرب أو الدخول حتى يف مناوشات‪..‬‬
‫نادرا‬
‫فالتفاصيل كثرية‪ ..‬وقد لعب الرئيس السادات اللعبة بدهاء وذكاء ً‬
‫ما يتكرر مثله‪..‬‬
‫أسهب العميد فؤاد صادق يف رسد وحكي كثري من التفاصيل عن خطة‬
‫اخلداع وكيف إن العدو الصهيوين قد بلع الطعم‪ ..‬وحتقق اهلدف‪ ..‬وجاءت‬
‫رضبة البداية بدون االستعداد الكامل من قبل جيش العدو املحتل‪..‬‬

‫‪9‬‬
‫ً‬
‫منهمكا يف األكل وبني كل‬ ‫كانت نورا تسمع باهتامم‪ ..‬بينام كان رشيف‬
‫فرتة وأخرى يقول ألمه «تسلم إيدك» أنا حمروم طوال األسبوع من أكلك‬
‫احللو ده‪ ..‬باستنى العودة يوم اإلجازة األسبوعية ألتذوق من عمل يديك‬
‫أحىل أنواع الطعام‪..‬‬
‫استعدت نورا بمالبس رياضية خفيفة وتوجهت إىل النادي‪ ..‬ذهبت‬
‫إىل املمشى «الرتاك»‪ ..‬وبدأت يف العد‪ ..‬فهي تريد أن تلف حول الرتاك مخسة‬
‫مرات‪ ..‬وإن استطاعت أن تزيد فسوف تفعل‪..‬‬
‫ارتدت سامعة املوسيقى وأكدت عىل ربط حذائها وبدأت امليش‪..‬‬
‫أهنت اللفة األويل والثانية ويف الثالثة بدأت تشعر بالتعب وإذا هبا‬
‫تتعثر وتسقط عىل األرض‪ ..‬امتدت إليها يدان لتحمي رأسها قبل أن ترتطم‬
‫باألرض الصلبة فتجرح أو تنزف‪ ..‬يدان ظهرهتا من حيث ال تدري وكأن‬
‫السامء أو العناية اإلهلية أرسلتها لتحميها وتلتقطها قبل أن تصاب يف رأسها‪..‬‬
‫استمعت لكلامت مثل «حرضتك كويسة‪ ..‬ألف سالمة‪ ..‬عىل مهلك‪..‬‬
‫جاءت سليمة‪ ..‬قدر ولطف‪»..‬‬
‫ساعدها بعض األشخاص حتى أجلسوها عىل أقرب مقعد يف حديقة‬
‫مرسعا بكوب بارد من املياه ‪..‬‬
‫ً‬ ‫النادي وجاءها النادل‬
‫فتحت عيناها لرتى وجهه‪ ..‬وجه ضخم ذو برشة سمراء‪ ..‬رقبة عريضة‬
‫‪..‬عضالت يف أماكن متفرقة من جسمه‪ ..‬يشبه املصارعني املشهورين يف‬
‫واضحا‬
‫ً‬ ‫التلفاز‪ ..‬كان ينظر إليها يف خوف حقيقي وهلفة وقلق‪ ..‬رأت كل هذا‬

‫‪10‬‬
‫جليا يف عينيه‪ ..‬ابتسمت ابتسامة خفيفة كي يطمئن من جتمعوا حوهلا قائلة‬
‫ً‬
‫«ماتقلقوش أنا احلمد هلل بخري»‪..‬‬
‫مستمرا يف هلفة‬
‫ً‬ ‫قابعا يف مكانه‬
‫انفض اجلمع من حوهلا ما عداه‪ ..‬ظل ً‬
‫وقلق ً‬
‫قائل «هل يل أن أكون بجانبك أو أن أقوم بإيصالك إىل أي مكان»‬
‫شعرت نورا بالشفقة عليه بسبب رد فعله امليلء بالقلق والرعب عليها‬
‫بالرغم أنه ال يعرفها ومل يسبق هلام التعارف مسبقًا‪..‬‬
‫حاولت النهوض ولكنها ماتزال تشعر ببعض الدوار‪ ..‬تشعر بحرارة‬
‫حاجزا للرؤية‪..‬‬
‫ً‬ ‫الشمس وحاولت النظر أمامها لكن عضالته شكلت‬
‫***‬

‫‪11‬‬
‫جميبا‪ ..‬فكان هناك من‬
‫دق جرس التليفون‪ ..‬التقط العميد فؤاد السامعة ً‬
‫يسأل عن رشيف‪ ..‬حرض رشيف وكان حيادث أحد أصدقاءه لكي يقوموا‬
‫برتتيب لقاء الشلة‪ ..‬شلة رشيف حيث اعتادوا أن يلتقوا يف عطلة هناية‬
‫االسبوع منذ أن التحق رشيف باألكاديمية البحرية‪..‬‬
‫أهنى رشيف املكاملة واجته إىل املطبخ حيث أمه منهمكة يف إعداد مجيع‬
‫األصناف التي حيبها رشيف‪ ..‬فدخل إىل أمه كي يراجع معها لستة الطعام‪،‬‬
‫وأهنا لن تنسى شي ًئا مما حيبه وينتظر العودة للمنزل اللتهام الطعام البيتي الذي‬
‫ال يعىل عليه‪..‬‬
‫***‬

‫‪12‬‬
‫تناولت نورا رشفة من عصري الليمون بالنعناع املثلج املنعش‪ ..‬وهي‬
‫تستمع لذلك الشاب ذو العضالت‪ ..‬لكن يبدو من نظرة عينيه أهنا ال تعرب عن‬
‫شكل جسده املنفوخ بعضالت يف كل مكان‪ ..‬جسد مرعب بعينني رقيقتني‬
‫حتمل نظرة حانية‪ ..‬وإذا به يتكلم بصوت رقيق مهذب ال يعرب ً‬
‫أيضا عن ما‬
‫ترى عيناها من جسد هائل احلجم‪..‬‬
‫وبعبارات مهذبة قال‪« :‬هل حرضتك بخري‪ ..‬بامذا تشعرين اآلن هل يل‬
‫أن استدعي الطبيب‪ ..‬أو أن أبلغ أحدً ا من أفراد ارستك‪ ..‬ماذا عساي أن أفعل‬
‫أو أقدم لك من خدمات‪..‬‬
‫ابتسمت نورا يف تعجب وهي ال تزال غري قادرة عىل استيعاب حجم‬
‫عضالته مع نظرات عينيه احلنونتان ونربة صوته الدافئ امليلء باالهتامم فقالت‪:‬‬
‫اطمئن‪ ..‬أنا بخري‪ ..‬كم أود أن اشكرك عىل كل ما قدمته يل من رعاية أنا كنت‬
‫اشعر بام حيدث حويل حتى وإن كانتا عيناي مغلقتان‪ ..‬احرضت يل كرسيا‪..‬‬
‫لدي «الليمون بالنعناع» كيف‬
‫وظللت بجانبي واحرضت يل العصري املفضل ّ‬
‫أمس احلاجة لرشفة أو رشفات من ذاك املرشوب‬
‫عرفت أين أحبه وأين كنت يف ّ‬
‫املنعش‪..‬‬

‫‪13‬‬
‫ابتسم يف خجل ً‬
‫قائل" أنا مل أفعل إال الواجب‪ ..‬وأي شخص يف مكاين‬
‫مصافحا نورا ً‬
‫قائل‪ :‬أنا‬ ‫ً‬ ‫كان فعل أكثر‪ ..‬اسمحي يل أن أقدم نفيس‪ ..‬ما ًدا يده‬
‫ماجد حمروس‬
‫ردت نورا وهي تردد هذا االسم يف رسها «ماجد حمروس» قائلة‪:‬‬
‫أنا نورا‪ ..‬نورا فؤاد‪ ..‬عضوة يف النادي وال أمارس إال رياضة امليش‪..‬‬
‫وأنت أي رياضة عنيفة متارس‪..‬‬
‫ابتسم ماجد‪ ..‬وملا رياضة عنيفة حتديدً ا‪..‬؟؟!! دارت نورا بعينيها متجولة‬
‫ومشرية إىل عضالته املنترشة يف انحاء جسده الفارع‪..‬‬
‫"أبعد كل هذا وال متارس رياضة عنيفة‪..‬؟!"‬
‫قال‪ :‬لك كل احلق أنا ألعب كامل أجسام ورفع أثقال‪ ..‬ومنذ ذلك اليوم‪..‬‬
‫بدأ عهد جديد يف حياة نورا‪ ..‬حيث استمرت يف مواعدة ومقابلة ماجد مرتني‬
‫يف االسبوع ثم اصبحت ثالثة مرات إىل أن اصبحا يلتقيان تقريبا كل يوم‪..‬‬
‫أخذ العميد فؤاد رشفة من قهوته الرتكية حيث اعتاد من عرشات السنني‬
‫ان يرشهبا من يد كريمة بعد أن يشرتي البن املحوج من حمالت البن الربازييل‬
‫حيث أنه زبون دائم هناك وقد ورث حب رشب القهوة عن أبيه األستاذ صادق‬
‫رمحة اهلل عليه فعلم أرسار حتويج القهوة وأنواعها وأماكن زراعتها والفرق بني‬
‫البن اليمني‪ ،‬واألثيويب‪ ،‬والربازييل‪ ،‬والكيني‪ ،‬واالندونييس‪ ..‬وكيفية عمل‬
‫القهوة عىل الطريقة اإليطالية‪ ،‬الفرنسية‪ ،‬أو املرصية – الرتكية‪..‬‬
‫تذكر كيف كان والده يرشح له كل املعلومات عن القهوة وحبه وعشقه‬
‫رسيعا ليكون ً‬
‫رجل ويستطيع‬ ‫ً‬ ‫هلا منذ طفولته وكم اشتاقت نفسه أن متر السنني‬

‫‪14‬‬
‫ممنوعا يف طفولته عن‬
‫ً‬ ‫تذوق هذا املرشوب داكن اللون العجيب‪ ..‬حيث كان‬
‫رشب القهوة‪..‬‬
‫ومع الرشفة الثانية بدأ العميد فؤاد يف كتابة بعض صفحات أخرى يف‬
‫أجندة خاصة قرر فيها منذ زمن أن يكتب مذكراته‪ ..‬وكانت هذه املذكرات‬
‫خاوية من أي يشء يذكر خارج احلياة العسكرية‪ ..‬فقد كتب بعض الصفحات‬
‫القليلة عن نشأته وأرسته ثم رشع عىل الفور يف رسد بدايته احلقيقة لتكوين‬
‫شخصيته والتي بدأت مع اختاذه قرار التحاقه بالكلية احلربية قبيل امتحانات‬
‫الثانوية العامة بأسابيع قليلة‪..‬‬
‫مل يكن العميد فؤاد أو نورا يدركان أن هذه املذكرات سوف يكون هلا‬
‫األثر البالغ وحتويل مسار حياة نورا‪ ..‬وتكون هلا عونًا وسندً ا يف مواجهة ما‬
‫ختوضه من تقلبات الزمان‪..‬‬
‫يف إحدى املقابالت يف النادي بني «نورا» و «ماجد» أبو عضالت‪ ..‬هكذا‬
‫كانت تسميه «مروة» صديقة نورا‪ ..‬حيث تعرفت عليها نورا خالل إحدى‬
‫الرحالت اجلامعية‪ ..‬بعدها صارتا صديقتان رغم فارق املستوى املادي‬
‫واالجتامعي وألن مروة ليست عضوة يف النادي كانت تذهب بصحبة نورا‪..‬‬
‫أخذ ماجد يرتدد ويتلعثم يف الكالم وكأنه يبحث عن بعض مجل تائهة‬
‫يف خضم زحام األفكار املليئة هبا رأسها‪ ..‬ونورا تنظر إليه نظرة املنتظر لسامع‬
‫نتيجة امتحانه‪..‬‬
‫أخريا استجمع قواه وقال‪ :‬نورا‪ ..‬أنا كلمت ماما عنك‪ ..‬وهي حابة‬
‫ً‬
‫تشوفك وتتعرف عليك‪ ..‬فسكتت نورا ما بني فرح وقلق‪ ..‬فرح ألنه بدأ‬

‫‪15‬‬
‫يف اختاذ خطوات جادة نحو طفو عالقتهام عىل سطح نظرة املجتمع‪ ..‬وقلق‬
‫مشوب باخلوف من تلك املقابلة‪..‬‬
‫هل تنال اعجاهبا وكيف خترب أباها بذلك وتستأذنه‪ ..‬وماذا ترتدي‪..‬‬
‫وهل تأخذ معها هدية أم ورد أم علبة حلوى‪ ..‬وهل حقيقي هناك أم يف املنزل‬
‫كثريا يف مسلسالت وأفالم التليفزيون‪..‬‬
‫أم ماذا؟؟ فهي رأت تلك األالعيب ً‬
‫عرشات االسئلة تتالحق وتدور يف رأسها‪ ..‬استفاقت عىل صوت «ماجد»‬
‫يقول‪ :‬أنا كلمتها عنك كثريا وهي أحبتك من كالمي قبل أن ِ‬
‫تراك‪ ..‬فهي منذ‬ ‫ً‬
‫زمن بعيد دائمة احلديث واللح يف الطلب أن اتزوج ويكون هلا أحفاد‪ ..‬فبعد‬
‫تقريبا‬
‫ً‬ ‫أن تزوجت أختي «هدى» ‪..‬وهي تعيش وحيدة وتشعر بامللل ألنني‬
‫طوال اليوم خارج املنزل‪ ..‬الصباح يف العمل وبعد الغداء أتوجه للنادي‬
‫ألداء التمرينات يف اجليم‪ ..‬يف رفع االثقال وبناء العضالت لكامل األجسام‪..‬‬
‫حيث أنه من املفرتض أن أمثل النادي أنا وبعض الزمالء يف املسابقات املحلية‬
‫والدولية‪..‬‬
‫"ها"‪ ..‬ما رأيك يا نورا؟!‪ ..‬هل حترضين لتناول الشاي والكعك مساء‬
‫الغد‪..‬‬
‫اطرقت نورا برأسها إىل األرض‪ ..‬ال تدري بامذا جتيبه‪ ..‬فهي فرحة جدً ا‬
‫هلذا العرض ولكن ما يقلقها هو سيادة العميد‪ ..‬أباها‪ ..‬هل ختربه وتستأذنه‬
‫فهي تعلم أنه يف الغالب سريفض ويطلب منها العكس‪ ..‬أنه من األصول‬
‫واملفروض أن يأيت «ماجد» لزيارهتم ً‬
‫أول للتعرف عليهم وعليه‪ ..‬وتكوين‬
‫زوجا‪..‬‬
‫رأي فيه واالطمئنان إىل انه يليق بنورا ً‬

‫‪16‬‬
‫هذه هي األصول التي ً‬
‫دائم ما يتحدث عنها سيادة العميد وأهنا من الصعب‬
‫عليها‪ ..‬بل من املستحيل إثناءه عن رأيه‪ ..‬وإن مل ختربه‪ ..‬فهي ترتكب جرم‪ ..‬فهي حتبه‬
‫وحترتمه للغاية وهو أقرب من هلا يف البيت‪ ..‬اكثر من األم كريمة أو األخ رشيف‪..‬‬
‫ً‬
‫ودائم تستمتع بأحاديثه خاصة يف‬ ‫فأباها هو مثلها األعىل يف احلياة‪ ..‬علمها الكثري‬
‫فرتات حرب أكتوبر ‪ 1973‬بكل تفاصيلها وأرسارها‪..‬‬

‫هي يف مأزق حقيقي‪ ..‬ويف نفس الوقت «ماجد» جالس أمامها ينظر إليها‬
‫فرحا‬
‫يف ذهول‪ ..‬ماذا تنتظر نورا لتجيبني وتقبل الدعوة‪ ..‬ظننتها سوف تتهلل ً‬
‫وسعادة وأهنا كانت تتمني اليوم كي يتم التعارف مع أرسيت ثم أرسهتا‪..‬‬
‫أطالت نورا الصمت وأحست أنه من العيب أال تقبل الدعوة ولكن‬
‫األصول التي تعلمتها من أبيها متيل عليها تأجيلها حلني زيارة «ماجد» إليهم يف‬
‫بيتها ً‬
‫أول‪ ..‬وإذا طلبت منه مهلة للتفكري‪ ..‬ربام يغضب ويعترب ردي هذا إهانة‬
‫له ولوالدته‪ ..‬وماذا إذا علمت األم أنني طلبت مهلة للتفكري قبل الرد بقبول‬
‫تكون فيها رأ ًيا سي ًئا وتغضب عليها قبل أن تقابلها‪..‬‬
‫الدعوة فسوف ّ‬
‫يا إهلي‪ ..‬ماذا عساي أن أفعل‪ ..‬أنا سوف أقبل‪ ..‬وساحمني يا أيب هذه هي‬
‫املرة األويل التي أخفي فيها عنك شي ًئا ها ًما كهذا يف حيايت‪..‬‬
‫وقبل أن جتيب ماجد بقبول الدعوة وأهنا آتية لزيارهتم يف الغد حدث أن‬
‫انقذهتا العناية اإلهلية‪ ..‬فإذا بمروة صديقة نورا تنقض عليها‪ ..‬نورا‪ ..‬نورا‪ ..‬هل‬
‫تعلمني من دخل النادي لتوه اآلن‪ ..‬إنه مطربك املفضل "رامي حداد" هيا‪ ..‬هيا‪..‬‬
‫لنلتقط معهم بعض الصور‪ ..‬وقبل أن جتيبها نورا‪ ..‬سحبتها من يدها واهنضتها من‬
‫عىل املقعد وركضت هبا نحو لفيف من الناس قد جتمهر حول املطرب املعروف‪..‬‬

‫‪17‬‬
‫ً‬
‫مذهول غري مصدق‪ ..‬جاحظ العينني‪ ..‬فاتح فمه‬ ‫جتمد «ماجد» يف مكانه‬
‫أجنت‬
‫مع ابتسامة باهتة وانفاس خمنوقة‪ ..‬حبيسة رئتيه‪ ..‬ما هذا الذي حيدث‪ُّ ..‬‬
‫هذه ‪..‬وأي مطرب مشهور هذا الذي ترتكني ألجله‪ ..‬أنا ال أصدق‪ ..‬هذا‬
‫درب من اجلنون هل هذه نورا الرقيقة املهذبة التي تتحدث ً‬
‫دائم عن األصول‪..‬‬
‫ترتكني بدون كلمة واحدة ألجل هذا التافه‪ ..‬يكاد الدم أن ينفجر يف عروقه‬
‫من شدة الغيظ واحلنق عىل هذا املطرب الذي ال يستحق إال لقب «تافه»‪ ..‬أود‬
‫أن أذهب إليه وألكمه عدة لكامت يف وجهه وحنجرته‪ ..‬فال يستطيع الغناء‬
‫بعد اليوم فيعلن اعتزاله وحيال إىل املعاش وهو يف هذه السن الصغرية فريحينا‬
‫من طلته غري املحببة إىل النفس‪ ..‬ومن هتافت هؤالء الفتيات حوله وكأهنن‬
‫مسلوبو العقل واإلرادة‪ ..‬ونورا‪ ..‬نورا‪ ..‬نورا ترتكني وتركض وراء هذا‬
‫التافه‪ ..‬وأمي‪ ..‬ودعوهتا‪ ..‬ماذا عساي أن أقول ألمي غري أن أكذب وادعي‬
‫عدم مقابلتي نورا‪ ..‬ال أستطيع حتمل أن أكون سخريتها لنهاية العام‪..‬‬
‫هل نورا تتالعب بمشاعري‪ ..‬هل هي غري جادة وال ترى يف زوج هلا‪..‬‬
‫هل هي غري مستعدة فاضطرت للهرب من املوقف‪..‬؟!‬
‫وأنا‪ ..‬ماذا عساي أن أفعل اآلن‪ ..‬أأنتظر عودهتا‪ ..‬لعلها تتذكرين وتعود‬
‫جارا ورائي أذيال اخليبة والفشل يف فهم أي يشء‪..‬‬
‫أم أذهب إىل البيت ً‬
‫اختفت نورا بني مجوع املعجبات بذلك املطرب الذي مل يسرتعى انتباهها‬
‫ال بشخصه وال بأغانيه اخلالية من مجال اللحن وعذوبة الكلمة‪..‬‬
‫جانبا متخذة طريقها إىل بوابة النادي اخلارجية‪..‬‬
‫استغلت هذا اجلمع وانزوت ً‬
‫***‬

‫‪18‬‬
‫ً‬
‫منهمكا يف التهام فطرية اللحم الضخمة‪ ..‬وأصدقاءه ينظرون‬ ‫كان رشيف‬
‫إليه يف تعجب وكأنه مل َير طعا ًما يف حياته قط‪..‬‬
‫جائعا‪ ،‬ولكنه‬
‫ً‬ ‫فقال أحدهم‪ :‬أهلذا احلد أنت جائع‪ ..‬فأجاب بأنه ليس‬
‫يفتقد إىل احلرية وإىل تنوع االختيار يف كل تفاصيل يومه منذ االستيقاظ إىل‬
‫هناية اليوم‪ ..‬اقرتب عالء صديق رشيف من أذنه ومهس ً‬
‫قائل‪" ..‬أريدك يف‬
‫أمر هام"‪ ..‬فأشار له رشيف أن ينتظر حتى يفرغ من الطعام‪ ..‬وبعدما انتهي‬
‫واضعا يده عىل بطنه أن‬
‫ً‬ ‫رشيف من التهام الفطرية بأكملها استأذن أصدقاءه‬
‫أصيب بالتخمة وأنه يريد أن يميش ً‬
‫قليل للمساعدة يف هضم الفطرية العائلية‬
‫احلجم هذه‪ ..‬واستغل هذا املوقف عالء معل ًنا رغبته عن السري معه لتسليته‪..‬‬
‫وبالفعل قاما االثنني بالسري بطول الشارع‪ ..‬وما أن ابتعدا ً‬
‫قليل حتى قال‬
‫خماطبا عالء‪ ..‬ها‪ ..‬كنت تريد أن تقول شي ًئا يا عالء‪..‬‬
‫ً‬ ‫رشيف‬
‫منتظرا بفارغ الصرب أن يبدأ رشيف بالكالم ويعريه انتباهه‪..‬‬
‫ً‬ ‫وكان عالء‬
‫متجرا للمالبس ً‬
‫ملكا أليب وأنا‬ ‫ً‬ ‫تعلم يا رشيف أننا‪ ..‬أي ارسيت نملك‬
‫أقف معه نصف الوقت ألساعده‪ ..‬فلقد أصبح يعتمد ع ّ‬
‫يل كثريا وأوكل يل‬
‫الكثري من املهام‪ ..‬وباألمس كنت من املفروض ان أكون يف املتجر من العارشة‬
‫صباحا حتى اخلامسة مسا ًء‪ ..‬ولكنني خرجت يف نزهة مع صديقة يل‪ ..‬املشكلة‬
‫ً‬

‫‪19‬‬
‫أن أيب يطالبني أن أثبت له أين كنت‪ ..‬فهو أصبح غري مصدق ملا أقوله ً‬
‫دائم‬
‫وبالطبع أنا ال أستطيع أن أخربه أين قضيت الوقت وتركت العمل ومجيع‬
‫املهامت املوكلة يل ألتنزه مع فتاة‪ ..‬وأنا أعلم جيدً ا كم حيبك أيب ويثق فيك‬
‫وحسن تربية أبيك لك‪ ..‬اخرتتك أنت‬ ‫ً‬
‫ودائم التحدث باخلري عن أخالقك ُ‬
‫لتذهب إىل املتجر لنقابل أيب وتقول له أنني قضيت اليوم معك حيث أنك‬
‫طلبت مساعديت يف أمر خيص أرستك‪..‬‬
‫أرجوك‪ ..‬أسد يل هذه اخلدمة ولن أنساها أبدً ا لك‪ ..‬فعالقتي بأيب تتدهور‬
‫وهو قد أوشك عىل فقد الثقة يب‪..‬‬
‫أومأ رشيف برأسه وأجاب عالء أن عليه أن يدخل إىل احلامم وأنه قريب‬
‫من البيت فقال لعالء انتظرين يف املقهى مع بقية األصدقاء‪ ..‬سأذهب إىل املنزل‬
‫رسيعا‪..‬‬
‫ً‬ ‫وأعود‬
‫بالطبع مل يشعر رشيف باالرتياح ملا وقع عىل مسامعه من قصة عالء‬
‫والكذب واللف والدوران وتأليف القصص للخروج من مأزق مع أبيه‬
‫ليضعه هو يف مأزق مع ضمريه ومبادئه وتربيته املستقيمة‪ ..‬لذلك اخرتع‬
‫احتياجه لدخول احلامم‪ ..‬ليذهب إىل البيت ويستشري سيادة العميد الوالد‬
‫فلقد كان رشيف ميلء بالعيوب مثل الكسل واإلمهال وحب الطعام برشاهة‬
‫والالمباالة‪ ..‬لكن كانت به أهم ميزة‪ ..‬هي الضمري اليقظ واألمر اآلخر هو‬
‫رجوعه «للميزان» ألبيه سيادة العميد‪ ..‬كام كان يطلق عليه رشيف أن أباه هو‬
‫«ميزان» البيت هو رمز العدل واالعتدال هو من يستطيع ان يقيس االشياء‬
‫بميزان مثل ميزان قياس الذهب‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫مرسعا‪ ..‬فتح الباب وهو ينادي‪ ..‬أيب‪..‬‬
‫ً‬ ‫صعد رشيف إىل الطابق الثالث‬
‫أيب‪ ..‬يا سيادة العميد‪ ..‬يا ميزان البيت‪ ..‬أين حرضتك‪ ..‬فأجابته األم‪ً ..‬‬
‫أهل يا‬
‫رشيف‪ ..‬تتعيش يا حبيبي‪ ..‬فأجاب رشيف أنه أكل كمية من الطعام ربام تكفيه‬
‫ملدة عام كامل‪ ..‬واستطرد‪ ..‬أين بابا‪ ..‬بابا يف البلكونة‪ ..‬يقرأ‪..‬‬
‫تقدم رشيف يف هدوء‪ ..‬بابا ممكن أخذ من وقت حرضتك دقائق اريدك‬
‫يف أمر هام وعاجل‪ ..‬ترك األب الكتاب من يده وخلع نظارته الطبية وتفحص‬
‫وجه رشيف بعناية ً‬
‫قائل‪ ..‬شكلك قلقان‪ ..‬مالك يا ابني؟!‬
‫مازحا‪ً ..‬‬
‫دايم لديك القدرة عىل قراءة ما يدور يف رأيس‪..‬‬ ‫ً‬ ‫ابتسم رشيف‬
‫قص رشيف عىل أبيه ما دار بينه وبني عالء‪..‬‬
‫سكت العميد برهة ثم قال‪ :‬شوف يا رشيف أنا حا أحكي لك حكاية‬
‫صغرية ومنها سوف تستخلص اإلجابة عىل تساؤالتك ولن تقع يف هذه‬
‫احلرية‪..‬‬
‫فأنا أعلم أنك بني امرين كالمها جلل‪ ..‬األول‪ ..‬أن يكون لك موق ًفا‬
‫اجيابيا مع صديقك أو بمعني آخر أن تترصف من منطلق الشهامة ومساندة‬
‫ً‬
‫صديقك والثاين‪ ..‬هو علمك انك إلنقاذ صديقك من املوقف غري اللطيف‬
‫هذا‪ ..‬هو أن تكذب من أجله‪..‬‬
‫أعلم ما يدور بداخلك‪ ..‬ولكن اسمعني وبعدها ستعرف ما جيب عليك‬
‫فعله «زمان قبل حرب اكتوبر ببضعة شهور‪..‬‬
‫يف هذا األثناء دخلت نورا املنزل مرسعة إىل حجرهتا‪ ..‬وهي يف طريقها‬
‫إىل احلجرة سمعت صوت أبيها وأخيها رشيف ً‬
‫وأيضا سمع صوت خطواهتا‬

‫‪21‬‬
‫سيادة العميد فنادها‪ ..‬نورا‪ ..‬نورا‪ ..‬فذهبت اليهام وألقت عليهام التحية يف‬
‫معاتبا‪ ..‬كده ماجتيش تسلمي عىل بابا يا نورا‪ ..‬وأين قبلتي‪..‬‬
‫ً‬ ‫الرشفة فقال األب‬
‫التي انتظرها منذ خروجك صباح اليوم‪..‬‬
‫مقنعا تقوله‪ ..‬فاعتذرت متعللة أن لدهيا‬
‫ارتبكت نورا ومل جتد كال ًما ً‬
‫مبكرا‪..‬‬
‫بعض الصداع وأهنا تفكر يف أن تنام ً‬
‫نظر إليها األب بعني األب املدرك ملا حيدث ألوالده ً‬
‫قائل‪ ..‬حس ًنا لكن‬
‫هل يل أن أطلب إليك أن جتليس معنا وتستمعي ملا كنت أنوي أن أقصه عىل‬
‫أخيك رشيف‪ ..‬فقال رشيف اجليس معنا يا نورا فأنا مل أرك منذ الصباح‪..‬‬
‫حائرا بني أمرين‪ ..‬أيمد يد العون‬
‫جلست نورا بجوار رشيف الذي كان ً‬
‫واملساعدة ويقدم الدعم إىل صديقه ليخرجه من ورطة وضع هو نفسه فيها‪..‬‬
‫أم ينحاز إىل ما يرتاح اليه ضمريه وإىل املبادئ واألصول التي تلقاها يف بيت‬
‫أبيه العميد‪..‬‬
‫ناظرا إىل أعىل نقطة يف حجرة املعيشة‬
‫بدأ العميد فؤاد حديثه شارد الذهن ً‬
‫مجيعا فيها بعد أن كانوا يف الرشفة‪..‬‬
‫التي جلسوا ً‬
‫بدأ حديثه بقوله كاملعتاد‪ ..‬شوفوا يا والد‪ ..‬زمان عندما كنت ضابط‬
‫صغري برتبة مالزم أول‪ ..‬قبل حرب اكتوبر العظيمة ببضعة أشهر‪ ..‬حدث‬
‫ان كنا يف الكتيبة عىل اجلبهة الغربية لشط قناة السويس حيثام كام تعلمون كان‬
‫العدو يف الضفة الرشقية املقابلة لنا‪ ..‬ويف أحد األيام جاء استدعاء إىل قائد‬
‫الكتيبة للذهاب للقاهرة لالجتامع ببعض القيادات العسكرية‪ ..‬وحل حمله‬
‫نائب قائد الكتيبة حلني عودة القائد وكان هناك اثنان من الضباط موكل هلام‬

‫‪22‬‬
‫مهمة مراجعة ومسئولية التعيني‪ ..‬والتعيني هو خمزون الطعام والرشاب جلميع‬
‫افراد الكتيبة وكان من املفروض ان حيصل كل فرد يف وجبة الغداء عىل علبة‬
‫من اللحم املطهو «البلوبيف» كام يسمونه يف تلك األيام‪ ..‬وإذا بنائب قائد‬
‫يوميا من كل‬
‫الكتيبة يأمر الضابط املسئول عن التعيني أن يرصف له علبتان ً‬
‫يشء وكان املخزون يكفي لرصف علبة واحدة من كل األصناف لكل فرد‪..‬‬
‫حاول الضابط املسئول عن التعيني االعرتاض أو رشح األمر ولكن‬
‫النائب هنره وأخربه أن هذا أمر وجيب التنفيذ‪ ..‬انصاع الضابط لألمر ونفذ‬
‫املطلوب‪ ..‬وبعد عدة أيام قل املخزون من الطعام وقارب عىل النفاد‪..‬‬
‫ويف اليوم التايل عاد قائد الكتيبة من مهمته يف القاهرة وبدأ مبارشة عمله‬
‫نائبا للقائد‪ ..‬وبدأ القائد بعمل تفتيش‬
‫كقائد وعاد النائب ملكانه األصيل ً‬
‫ومتابعة كل التدريبات وكل ما دار يف أسبوع غيابه‪ ..‬وتنقل من موقع إىل موقع‬
‫يتفقده حيث أنه كان من الشخصيات احلازمة التي هتتم بالتفاصيل وأنه يفضل‬
‫متابعة ورؤية كل يشء بنفسه وال يعتمد عىل التقارير املكتوبة وحسب‪..‬‬
‫وعندما توجه إىل املكان املخصص لتخزين املؤن والتعيينات «الطعام»‬
‫وحتدث مع الضابطني املسئولني عن التعيينات‪ ..‬أدرك ان خمزون الطعام قارب‬
‫عىل النفاذ‪ ..‬وبكل احلسابات كان من املفروض ان هذا املخزون يكفيهم عىل‬
‫اسبوعا آخر‪ ..‬عندها تعجب القائد وقرر استدعاء الضابطان إىل‬
‫ً‬ ‫أقل تقدير‬
‫مكتبه لسؤاهلام‪ ..‬نظر كل منهام لآلخر وشعرا أهنام مقدمان عىل موقف صعب‬
‫وأهنام يف أزمة حقيقية وربام يوجه إليهام اهتام باإلمهال أو التبديد أو ربام رسقة‬

‫‪23‬‬
‫طعام‪ ..‬وهذا أمر مشني وخاصة ان كالمها مل يرتكب جر ًما‪ ..‬وبعد انرصاف‬
‫القائد حيث كانت أوامره رصحية‪« ..‬عايزكم يف مكتبي بعد نصف ساعة»‪..‬‬
‫وجه الضابط األول «أيمن» اللوم إىل زميله الضابط «عبد احلميد»‬
‫واستطرد منتقدا سكوته وصمته ً‬
‫قائل‪ ..‬مل يكن ينبغي أن نطيع أوامر نائب‬
‫القائد ونعطيه زيادة من الطعام‪ ..‬فهو بالكاد يكفي وجيب أن ندرب أنفسنا عىل‬
‫التقشف‪ ..‬فنحن يف حالة حرب‪..‬‬
‫مضطرا إلطاعة األوامر‪..‬‬
‫ً‬ ‫رد «عبد احلميد» وماذا عساي أن أفعل كنت‬
‫أنت تعرف قوانني العسكرية‪ ..‬وأنا أرى من األفضل االلتزام بالصمت وإال‬
‫رسا لنائب القائد وأنه هو من أخذ الزيادة من الطعام‪..‬‬
‫نفيش ً‬
‫مل يشعر «أيمن» باالرتياح وأبدى اعرتاضه عىل ما قاله زميله‪ ..‬كيف يل‬
‫أن أسكت عن خطأ‪ ..‬وكيف يل أن احتمل عقوبة مل ارتكبها بل قام هبا واستفاد‬
‫هبا غريي فبالتأكيد أن القائد سوف يقوم بمجازاتنا واهتامنا إما باإلمهال أو‬
‫االختالس‪ ..‬ال أدري‪..‬‬
‫أنا غري مرتاح وضمري يميل ع ّ‬
‫يل أن أقول احلقيقة حتى لو غضب مني‬
‫نائب القائد‪ ..‬فاستوقفه عبد احلميد بإشارة من يديه أمام فمه‪ ..‬والشهامة يا‬
‫«أيمن»‪ ..‬أين الشهامة ووقوفك إىل جانب زمالئك وال تنيس أننا نحب نائب‬
‫كثريا‪..‬‬
‫القائد فهو مرح ومتساهل معنا ً‬
‫نظر إليه «أيمن» يف حرية واتفقا االثنان عىل أال يذكرا اسم النائب عند‬
‫سؤاهلام وأن يلتزما الصمت حني مثوهلام أمام قائد الكتيبة يف مكتبه بعد دقائق‪..‬‬
‫وأن يسلكا طريق الشهامة‪..‬‬

‫‪24‬‬
‫استمع قائد الكتيبة لكالم كال الضابطني‪ ..‬وابتسم وقال يف هدوء طاملا‬
‫كان السمة األساسية يف أحاديثه رغم أنه قائد يتسم باحلزم والشدة‪ ..‬ولكن إذا‬
‫حتدث تشعر يف حديثه باهلدوء‪ ،‬والوعي‪ ،‬واحلكمة‪ ،‬والثقة بالنفس‪..‬‬
‫"أنا مدرك ملوقفكام من نائب القائد‪ ..‬انتم اردتم أن تكونوا أوفياء‬
‫نفسا عميقًا‪ ..‬ال يصح‬
‫وخملصني له ألنه زميل‪ ..‬ولكن‪ ..‬ثم سكت برهة وأخذ ً‬
‫إال الصحيح‪ ..‬اإلنسان حيق له أن خيفي فعلة زميله إذا كان هذا خيص حقوقه‬
‫وحده‪ ..‬وليس حقوق األخرين‪ ..‬فأنت لك مطلق احلرية أن تعطي لكن مما‬
‫متلك وهذا ما يدعوين اتعجب من الفهم اخلاطئ لبعض الناس‪ ..‬أنه إذا أبلغ‬
‫عن خطأ ما وقع‪ ..‬إهنا فتنة أو أهنا وشاية‪ ..‬وإذا قال احلقيقة يف شهادة وكأنه‬
‫قلت نخوته ورجولته ومل يساند صديقه‪ ..‬افهمونا ً‬
‫قديم بعض القيم املغلوطة‪..‬‬
‫الشهامة صفة مجيلة‪ ..‬لكن كن ً‬
‫شهم فيام متلك وليس عىل حساب املبادئ‪..‬‬
‫فكونك تبلغ عن خطأ فهذه ليست فتنة وإنام هو وضع األشياء يف نصاهبا‬
‫واملساعدة يف أن تستقيم األمور‪ ..‬فام فعلتموه أنا اتفهمه ولكن ليس هذا هو‬
‫الترصف السليم‪..‬‬
‫ثم أضاف هبدوء‪ ..‬أنا أعلم كل كبرية وصغرية يف وجودي أو غيايب وليس‬
‫بغرض التجسس وإنام بغرض القيادة‪ ..‬القيادة الصحيحة للكتيبة‪ ..‬األمر يبدو‬
‫وتافها إذا حتدثنا عن نقص يف بعض معلبات البلوبيف أو التونا‪ ..‬أو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بسيطا‬
‫بعض قطع اجلبن املثلثات‪ ..‬ولكن اخلطري يف األمر‪ ..‬أال وهو أننا تربينا عىل‬
‫اإليثار والتقشف وحتمل الصعاب‪ ..‬هذا هو قدر اجلندي‪ ..‬ونحن حمتلون يف‬
‫جزء غايل من أرضنا والبد من احلرب واستعادة هذ اجلزء مهام كان الثمن‪..‬‬

‫‪25‬‬
‫فإذا فرطنا يف ما تربينا عليه أو مبادئنا فسوف يكون من الصعب مواجهة‬
‫عدو له جيش مسلح تسليح حديث وتسانده أعتى القوي العاملية‪..‬‬
‫اعذروين يا أوالدي‪ ..‬كام قلت ال يصح إال الصحيح‪ ..‬فالبد أن نتبع‬
‫اللوائح‪ ..‬النائب اخطأ‪ ..‬وال جمال للخطأ يف هذه األيام وترصف بال وعي‬
‫وبيشء من األنانية‪ ..‬أدت إىل نقص يف خمزون الطعام الذي من املفرتض ان‬
‫يكفينا لفرتة طويلة‪..‬‬
‫أنتم كلكم أوالدي ومسئولون مني‪ ..‬فاعذروين يف اإلطالة يف احلديث‪..‬‬
‫لكننا تعلمنا مما سبقونا‪ ..‬واآلن حقكم علينا أن نعلمكم ونعطيكم من خرباتنا‬
‫ليس عىل املستوى العسكري فحسب ولكن ً‬
‫أيضا عىل املستوى األبوي‬
‫واإلنساين‪..‬‬
‫نزل كالم قائد الكتيبة بر ًدا وسال ًما عىل قلب وعقل «أيمن» وابتسم لكن‬
‫ابتسامة باهتة‪ ..‬حتمل لو ًما وعتا ًبا لنفسه‪ ..‬كيف مل أمتسك بموقفي وأرفض أن‬
‫أقول احلقيقة‪ ..‬هذه ليست شهامة وإنام تعد شهادة زور وهي يشء حمرم‪..‬‬
‫كان من املفرتض أن أمتسك بموقفي وال أنساق وراء مزاعم «عبد احلميد»‬
‫إهنا من الشهامة ان تساند صديقك نعم‪ ..‬نعم‪ ..‬فأنا أذكر حديث النبي صيل‬
‫اهلل عليه وسلم‪« ..‬انرص أخاك ظاملًا أو مظلو ًما‪ ..‬فقالوا ننرصه مظلو ًما‪ ..‬فكيف‬
‫شجاعا وأقول‬
‫ً‬ ‫ننرصه ظاملًا‪ ..‬قال‪ :‬بأن ترده عن ظلمه"‪ ..‬كان جيدر يب أن أكون‬
‫احلقيقة‪ ..‬فقويل للحقيقة هي نرصة للنائب ورده عن ظلمه‪ ..‬حيث انه ظلم‬
‫نفسه وظلم أفراد وقائد الكتيبة‪..‬‬

‫‪26‬‬
‫أما «عبد احلميد» فبعد سامعه حلديث قائد الكتيبة‪ ..‬بدأ يف مراجعة نفسه‬
‫ومما ساعده عىل ذلك أسلوب القائد األبوي وهدوء حديثه‪ ..‬فشعر يف كالمه‬
‫باحلكمة والصدق‪ ..‬فقرر تبني هذا الرأي وأن يكون مساندً ا لصديقه‪ً ..‬‬
‫أول‪:‬‬
‫ليس عىل حساب املبادئ واملثل‪ ..‬والثاين أن يكون عطاءك مما متلك وليس مما‬
‫هو ملك للجميع‪..‬‬
‫***‬

‫‪27‬‬
‫العميد‪ :‬رشيف‪ ..‬رشيف‪ ..‬هل تسمعني‪ ..‬انتبه رشيف وكأنه يستيقظ‬
‫من سبات عميق أو أنه آت من رحلة طويلة‪..‬‬

‫معقبا‪ :‬تعرف يا بابا‪ ..‬رواياتك وأحاديثك عن مواقف مثل‬


‫قال رشيف ً‬
‫هذه جتعلني أعيش معك يف عامل مثري من التخيل لصور واشكال كل يشء‪..‬‬
‫وجوه األشخاص وشكل الكتيبة والرمال واألسلحة وخالفه‪ً ..‬‬
‫فعل يا أيب‬
‫شعورا فريدً ا كأنني جمند وعىل شفا الدخول يف حرب‬
‫ً‬ ‫عشت مع كل كلمة‬
‫حترير‪..‬‬

‫ساخرا من رشيف‪ ..‬أهذا كل ما خرجت به من حديثي‪..‬‬


‫ً‬ ‫تعجب العميد‬
‫واضح أنك مل تفهم من كالمي حر ًفا‪ ..‬واشعرتني أنني أحادث ً‬
‫طفل أو انني‬
‫اصطحبته ملشاهدة فيلم شيق عن احلرب العاملية ً‬
‫مثل‪..‬‬

‫أما نورا فكانت تعيش يف عاملها اخلاص‪ ..‬تستمع لألب ولكن بداخلها‬
‫رصاع ورصاخ‪ ..‬وأمل روحي‪ ..‬وهي تستمع حلكمة األب وأنه ما روى هلم هذه‬
‫بعضا من اخللق واملثل بداخل ً‬
‫كل منهام‪ ..‬فاألجدر‬ ‫احلادثة إال بغرض زرع ً‬
‫هبا أن تتحيل بتلك املثل وتصارح أباها الذي هو بمثابة املثل األعىل واملعلم‬
‫الشجاع‪ ..‬وترشكه فيام يدور يف رأسها منذ الصباح‪..‬‬

‫‪28‬‬
‫أتذهب ألم ماجد للتعارف أم تعتذر وتطلب منه هو املجيء إىل منزهلم‬
‫للتعارف ً‬
‫أيضا‪ ..‬أليست هذه هي األصول‪ ..‬هي تعرف اإلجابة وتعلم جيدً ا‬
‫ويقي ًنا يف قرارة نفسها أهنا ليست بحاجة إىل استشارة األب‪ ..‬ذلك األب‬
‫العظيم الذي زرع فيهم البذرة واألساس وترك هلم مساحة من احلرية للتحرك‬
‫والقدرة عىل اختاذ القرار‪..‬‬
‫رد العميد عىل رشيف‪ :‬ها يا رشيف هل فهمت من حديثي يشء خيص‬
‫موضوع صديقك‪ ..‬هل علمت ماذا جيب عليك فعله وكيف لك ان تتخذ‬
‫قراراتك بنفسك‪..‬‬
‫أومأ رشيف بابتسامة تنم عن فخره بأبيه واعتزازه أنه املعلم وليس فقط‬
‫األب‪ً ..‬‬
‫قائل‪ :‬ربنا خيليك لينا يا أعظم أب‪ ..‬هل تأذن يل باخلروج‪..‬؟؟‬
‫هم رشيف باخلروج بعد أن عقد العزم عىل مقابلة «عالء» إلبالغه بقراره‬
‫باالعتذار عن عدم قدرته عىل مساندته‪ ..‬ألنه ليس هذا هو الطريق القويم‬
‫للخروج من أزمته‪ ..‬فال جيب أن نعالج اخلطأ بخطأ أكرب منه‪ ..‬فعالء اخطأ‬
‫برتكه ساعات العمل وحتمل املسئولية وخداع أبيه ثم يطلب من صديقه أن‬
‫يقوم بالكذب ألجله‪ ..‬فاخلسائر هنا كبرية إذا اكتشفت احلقيقة‪ ..‬خسائر‬
‫ال يستطيع ضمري رشيف أن يتحملها فبامذا يظن به والد عالء إذا اكتشف‬
‫احلقيقة‪ ..‬سوف تتبدل نظرته اليه لالجتاه العكيس‪ً ..‬‬
‫فبدل من أهنا نظرة توقري‬
‫واحرتام له وألبيه وأرسته‪ ..‬إىل نظر ٍّة إىل انسان كاذب يساند صديقه يف خداعه‬
‫كثريا من ثقته‬ ‫ألبيه املكافح‪ً ..‬‬
‫وأيضا ما مصري عالقة «عالء» بأبيه فإنه سيفقد ً‬
‫فيه‪ ..‬وفقدان الثقة حيدث يف حلظة‪ ..‬ولكن استعادة تلك الثقة ربام يتطلب‬

‫‪29‬‬
‫ً‬
‫ودائم اخلطأ حيدث بصعوبة‬ ‫فرتات طويلة‪ .‬هذا إذا نجح يف ذلك من األصل‪..‬‬
‫يف أول مرة‪ ..‬وإذا اقدم االنسان عيل فعل اخلطأ وتكيف ضمريه مع ذلك‪..‬‬
‫فسوف يكون أسهل بكثري يف املرات التالية‪..‬‬
‫كل هذا اجلدل واجلدال‪ ..‬كان يدور داخل رأس رشيف وهو يسري يف‬
‫طريقه إىل املقهى حيث كان جيلس «عالء» يف انتظاره بصحبة بعض األصدقاء‪..‬‬
‫ظانًا منه أن صديقه رشيف جاء للذهاب معه إىل متجر املالبس ملقابلة األب‪..‬‬
‫واقناعه بام طلب منه مسبقًا‪ ..‬مل يكن يعلم أن رشيف صديقه القادم بعد دقائق‬
‫عاقد العزم والنية عىل الرفض والبعد عن هذا اللغط‪ ..‬حيث كان رشيف‬
‫غري مكرت ًثا إن كان هذا سوف يغضب صديقه عالء منه وربام تتأثر صداقتها‬
‫متذكرا لرشيف أنه مل يسانده يف‬
‫ً‬ ‫يف املستقبل برفضه طلبه‪ ..‬وأن يظل «عالء»‬
‫حمنته وأزمته مع أبيه وخاصة ان عالء يرى أنه طلب بسيط وتنفيذه سهل وأنه‬
‫ليس بالطلب العضال الذي حيتاج كل هذا التفكري وتلك التحليالت‪ ..‬ما كل‬
‫هذه التعقيدات وكأننا أخطأنا يف أحد األئمة أو املشايخ‪ ..‬ما كل هذا ‪ ..‬ما هلذا‬
‫الرشيف يعاملني وكأنه هو وأرسته أصحاب املبادئ واملثل يف هذه الدنيا وأهنم‬
‫ال خيطئون‪..‬‬
‫سوف يأيت اليوم الذي ربام حيتاجني فيه‪ ..‬سريى ماذا أفعل‪ ..‬لن أنسى له‬
‫عدم مساندته يل‪..‬‬
‫واآلن ماذا أنا فاعل مع أيب‪ ..‬املفرتض أن أذهب إىل املتجر واحلديث معه‬
‫إلصالح ما بيننا فأنا ال أطيق غضبه ع ّ‬
‫يل‪ ..‬فام أتقاضاه من عميل معه ال أستطيع‬
‫أن احتصل عليه يف أي مكان آخر هذا إن وجدت ً‬
‫عمل من األصل وباإلضافة‬

‫‪30‬‬
‫أنني سوف أكون جمرد عامل وهناك من هو مدير ع ّ‬
‫يل‪ ..‬أما مع أيب فأنا بمثابة‬
‫صاحب املكان فأنا ابن صاحب املتجر واجلميع يكنون يل االحرتام وأيب ال‬
‫حياسبني عىل يشء إال لو قرصت يف العمل أو كذبت عليه‪ ..‬كمثل الفعلة‬
‫الشنعاء التي اقدمت عليها‪..‬‬
‫مايل أنا والنساء‪ ..‬ملا خرجت مع هذه الفتاة؟‬
‫أوقعت نفيس يف املشاكل «لعنة اهلل عىل النساء أمجعني» لكن اخلطأ احلقيقي‬
‫هو عدم مساندة رشيف يل يف حمنتي‪ ..‬ماذا كان حيدث لو أتى معي ملقابلة أيب‪..‬‬
‫كل ما هو مطلوب منه أن يقول له مجلة واحدة‪ ..‬عالء كان معي طوال‬
‫اليوم‪ ..‬وانتهى األمر‪ ..‬أهلذا احلد هذه اجلملة صعبة القول أو النطق‪ ..‬فهذه‬
‫اجلملة كفيلة بعودة خيوط الثقة الواصلة بيني وبني أيب‪..‬‬
‫***‬

‫‪31‬‬
‫مروة‪ ..‬فتاة سمراء‪ ..‬متوسطة اجلامل‪ ..‬خترجت يف اجلامعة من أحد‬
‫الكليات النظرية‪ ..‬لكنها مثلها مثل اآلالف من خرجيي تلك اجلامعات‪ ..‬جمرد‬
‫حاملة لشهادة الليسانس‪ ..‬لكن مستوى الثقافة ال يتعدى احلد األدنى الذي‬
‫من املفرتض أن يلم به حامل الليسانس من الثقافة أو املعرفة يف خمتلف نواحي‬
‫أساسيا يف احلياة مثل الطعام والرشاب‪ ..‬فحمل‬
‫ً‬ ‫احلياة‪ ..‬وأن القراءة متثل شي ًئا‬
‫الكتاب والقراءة فيه‪ ..‬أصبحت عادة‪ ..‬بتنا نراها لدي األجانب وخاصة من‬
‫الدول الغربية أما نحن فقلام نجد من يمسك بكتاب ليقرأ‪ ..‬أصبحت األجهزة‬
‫اإللكرتونية هي شغلنا الشاغل ومن املمكن أن جتد أحدهم ينفق اآلالف‬
‫لرشاء جهاز من هذه األجهزة بينام سعر كتاب جديد ال يتعدى العرشات وإذا‬
‫كان الكتاب مستعمل فربام يصل سعره ألقل من عرشة‪..‬‬
‫فمروة كام اعتربها مل تنل ً‬
‫حظا من الثقافة حتى لو كانت حاملة لشهادة‬
‫جامعية فهناك فرق كبري وشاسع بني ان حتمل شهادة يف يدك وبني ان حتمل علم‬
‫ومعرفة يف عقلك‪ ..‬والغريب يف كثري من الشباب عىل شاكلة مروة أهنم يتلقون‬
‫املعلومات ويتثقفون ويشكلون آراءهم عرب ما يرونه يف القنوات الفضائية عىل‬
‫جهاز التلفاز‪ ..‬فريددون وينقلون ما يقوله بعض الضيوف يف تلك القنوات بال‬
‫وعي أو حتقق من معلومات‪ ..‬فأصبحنا ناقلني للمعلومة وترديدها دون ادين‬

‫‪32‬‬
‫وعي او بذل جهد للبحث والتحري عن صحة تلك املعلومات‪ ..‬فتشدقنا هبا‬
‫مثلنا مثل النحلة التي حتمل حبوب اللقاح من زهرة إىل أخرى بني أرجلها‬
‫لتستمر احلياة النباتية‪ ..‬أما نحن فلكي تستمر احلياة اجلاهلية التي نعيشها‬
‫فنحن نلعب دور النحلة ونقوم بنقل اآلراء الغريبة والشاذة واملعلومات‬
‫املغلوطة التي هي كفيلة إما بتدمري عقل الشباب وابعادهم عن االنتامء وحب‬
‫الوطن أو بإهلائهم عن العمل واإلنتاج‪ ..‬فنسهر حتى الصباح أمام الشاشات‬
‫نشاهد تلك الربامج الدخيلة والتي تتعمد بالطبع أن تبدأ قرب منتصف الليل‬
‫وختتم فقراهتا قرب الفجر‪..‬‬
‫فباهلل عليكم أي أمة قادرة عىل االنتاج والصناعة‪ ..‬ورجاهلا ونساؤها‬
‫يسهرون حتى الصباح أمام التلفاز والكارثة اهنا ليست لنهل العلم احلقيقي‬
‫وإنام لسامع اخلبيث من الكالم واآلراء‪..‬‬
‫تعيش مروة يف أرسة متوسطة احلال‪ ..‬فاألب يعمل سائق يف رشكة مرص‬
‫للطريان حيث يقوم بنقل املضيفات والعاملني بالرشكة من وإيل املطار‪ ..‬عم‬
‫«زكريا» حمبوب من اجلميع ويؤدي مهامه بإخالص ويتسم باألمانة والسمعة‬
‫الطيبة‪ ..‬فقد انفصل عن زوجته‪ ..‬أم مروة‪ ..‬منذ أن كانت مروة يف املرحلة‬
‫االعدادية‪ ..‬حيث اكتشف خيانتها له‪ ..‬فطلقها‪ ..‬ومن يومها يعيش مع مروة‬
‫وحدمها‪ ..‬أما األم‪ ..‬فبدأت حياة أخرى جديدة مع نفس الشخص املتسبب يف‬
‫طالقها‪..‬‬
‫عادت مروة إىل املنزل ‪ ..‬بعدما جتمعت مع لفيف من الفتيات وقليل‬
‫من الشباب حول املطرب املعروف يف النادي‪ ..‬دخلت يف مناقشة طويلة مع‬

‫‪33‬‬
‫العم زكريا وحتولت إىل حادة ثم إىل تراشق بالكالم‪ ..‬إن مروة باتت ختجل من‬
‫مالبسها وأهنا ليست عىل املستوى الالئق وخاصة عندما تذهب إىل النادي‬
‫بصحبة نورا «العضوة يف النادي» حيث إن مروة ليست لدهيا بطاقة عضوية‬
‫أو بطاقة دخول‪ ..‬فهي اعتادت عىل الدخول مع نورا بنت العميد فؤاد الذي‬
‫له باع طويل يف جملس ادارة النادي لسنوات مضت استمرت مروة يف جداهلا‬
‫مع زكريا وبكاءها عىل حاهلا وكم تشعر باخلجل مما لدهيا سواء مالبسها أو‬
‫تليفوهنا‪ ..‬ويف الوقت ذاته ترى وتشاهد وتتفحص الفتيات األخريات‬
‫وخاصة يف النادي‪ .‬ماذا يرتدين وما لدهين من أنواع وماركات معروفة‬
‫ومشهورة من األحذية واملالبس الرياضية‪ ..‬وبعد أداء التمرينات يتوجهن‬
‫إىل مطعم أو كافيرتيا النادي ليتناولن أشهي األطعمة املعروفة وآخرهم عند‬
‫افتتاح املطعم الياباين يف النادي حيث يتهافت اجلميع عىل صنف من الطعام‬
‫اسمه «سويش»‪..‬‬
‫نظر إليها زكريا بحنق وغيظ يبحث عن كلامت هيدأ هبا من غضب مروة‬
‫واحساسها بالدونية وأهنا أقل من بنات جيلها‪ ..‬وبدأ يرشح هلا أن اهلل هو‬
‫من يقسم الرزق بني العباد ويعطي كل انسان عىل قدر احتياجه وحيرمه من‬
‫أشياء أخرى وأن اهلل غري ظامل للعبيد وإذا نظر اإلنسان إىل حاله سيجد أنه ربام‬
‫ومنع عنه كثرة املال أو أنعم اهلل عليه بنعمة اإلنجاب‬
‫لديه صحة وراحة بال ُ‬
‫واملال وحرمه من مجال اخللقة وهكذا أخذت مروة تستمع إليه وبداخلها قنبلة‬
‫موقوتة تقرتب تكأهتا من االنفجار يف أي حلظة‪ ..‬ومل تستطع مروة سامع املزيد‬
‫مرارا‪..‬‬
‫من أباها فأشارت إليه أنه كفي‪ ..‬لقد سمعت هذا احلديث ً‬

‫‪34‬‬
‫فام هي إال حجج واهية يلقوهنا للمحرومني كي يضمنوا صمتهم وعدم‬
‫االعرتاض أو املقارنة بينهم وبني الطبقات العليا‪ ..‬من هلم حياة أخرى غري‬
‫حياتنا‪ ..‬يا أيب‪ ..‬اآلن هناك يشء اسمه مرتبة رسير جاهزة‪ ..‬بدل املحشوة‬
‫قطن هذه‪ ..‬ويشء آخر اسمه «ميكروويف» لتسخني الطعام وعمل الفشار‬
‫وغريه ً‬
‫بدل من البوتاجاز القديم هذا وكله كوم وأنبوبة البوتاجاز هذه كوم‬
‫آخر‪ ..‬فكل من أعرفهم لدهيم غاز طبيعي يف منازهلم‪ ..‬فال يتعرضون لإلهانة‬
‫واالبتزاز املادي الرخيص عند احلاجة إىل األنبوبة‪ ..‬ويشء ثالث اسمه «دي‬
‫يف دي» لسامع املوسيقى ومشاهدة األفالم ورابع اسمه تليفزيون «إل إي دي»‬
‫نحيف‪ ..‬خفيف الوزن ذو صورة واضحة ورائعة األلوان ً‬
‫بدل من هذ التلفاز‬
‫الذي يشبه الفيل املنتفخ‪ ..‬وخامس وسادس وسابع‪..‬‬
‫أخذت مروة تفرغ كل ما بداخلها من مقت وأحقاد جتاه تلك الطبقات‬
‫وأهنا ملاذا مل تكن واحدة من هؤالء‪ ..‬ذوات العيشة الناعمة املرحية ويعمل هلم‬
‫ألف حساب يف أي مكان يدخلون‪..‬‬
‫ترقرقت عينا زكريا بالدموع ومل جيد من الكلامت إال أن يقول‪« ..‬الصرب‬
‫لك كل ما تطمحني وتصبو إليه‬ ‫يا ابنتي‪ ..‬ربام يأتيك عريس غني حيقق ِ‬
‫ً‬
‫طويل‬ ‫نفسك‪ ..‬فقط هي كلمة واحدة حا أقوهلا لك وخدهيا عن رجل عاش‬
‫وله من اخلربات الكثري‪ ..‬هناك يف بعض املنازل أو املكاتب احلكومية نجد‬
‫ً‬
‫ودائم ما تكون احلكمة مكررة عىل معظم‬ ‫ً‬
‫دائم برواز أو يافطة عليها حكمة‬
‫احلوائط يف املكاتب وكأهنم أجروا اتفاق فيام بينهم عيل تزيني احلوائط بنفس‬
‫الكلامت املأثورة‪ ..‬أو أهنا الزام حكومي وردت يف أحد بنود القانون‪ ..‬املهم‬

‫‪35‬‬
‫أحد هذه الرباويز املعلقة جتدين مكتو ًبا عليها «القناعة كنز ال يفني» وبالتأكيد‬
‫ملحتها عينك أكثر من مرة يف أكثر من مكان‪ ..‬ودائام تنظرين إليها بال اكرتاث‬
‫أو ببعض الضيق والشعور بامللل من نفس الكالم اجلامد طوال الوقت‪ ..‬لكن‬
‫احلقيقة يا مروة‪..‬‬
‫اهنا احلقيقة‪ ..‬انه ً‬
‫فعل القناعة بمثابة الكنز‪ ..‬فاذا حتلت نفس انسان‬
‫وقانعا ً‬
‫أيضا بام حرمه اهلل من نعم ربام‬ ‫ً‬ ‫قانعا بام عنده من رزق‬
‫بالقناعة‪ ..‬واصبح ً‬
‫تكون عند غريه‪ ..‬فإنه يا ابنتي يصل إىل يشء اسمه «الرضا» وعندك وصول‬
‫نفسك للشعور بالرضا‪ ..‬الرضا باملقسوم‪ ..‬الرضا بالرزق فيوصلك بتقدير ما‬
‫لديك وأنك افضل حاال من غريك ‪ ..‬الرضا جيعلك تنظرين إىل من هم دونك‬
‫‪..‬أما عدم وجود الرضا ً‬
‫فدائم تتوق نفسك ملا يف يد غريك ونظرك مثب ًتا عيل من‬
‫هم أعىل منك فتلهيك نفسك عن اشياء كثرية مفيدة يف حياتك ألنه ببساطة كل‬
‫تركيزك أصبح يف مركز مراقبة الغري‪ ..‬ماذا يلبسون ويأكلون وأين يسكنون‪..‬‬
‫وسياراهتم وحليهم ومدارس أوالدهم وسفرياهتم‪ ..‬الخ‪ ..‬الخ‪..‬‬
‫فأهنا يابنتي متاهة‪ ..‬نعم متاهة ودوامة بال هناية‪ ..‬ويف آخر املطاف‬
‫ستجدين نفسك مضطرة لقبول حالك أو أن تغضبي اهلل أو ختالفي القوانني‪..‬‬
‫الرضا يا مروة يوصلك إىل املحطة األخرية‪ ..‬وهي السالم مع النفس‪..‬‬
‫ِ‬
‫شعرت يو ًما بسالم داخيل بمعني ال لألحقاد أو االضغان أو الكره ألحد‬ ‫هل‬
‫أو النقمة عيل ما لديك والنظر ملا يف يد غريك‪..‬‬
‫أيضا أنني مل أنل ً‬
‫حظا من التعليم‬ ‫ربام أنا اسمي العم زكريا‪ ..‬السائق وربام ً‬
‫املدريس واجلامعي‪ ..‬لكن يابنتي احلياة هي املعلم االوسع فنتعلم منها ومما‬

‫‪36‬‬
‫نمر به من جتارب ‪...‬والقراءة‪ ..‬فالقراءة جتعلك من املثقفني وشتان الفرق بني‬
‫املتعلم تعليم املدارس واجلامعات واملثقف القارئ للكتب‪..‬‬
‫انظري خلفك‪ ..‬ماذا ترين قابع عىل احلائط‪ ..‬إهنا مكتبة خشبية قديمة‪...‬‬
‫رخيصة الثمن لكنها حتوي كنوزً ا من العلم واملعرفة‪ ..‬كتب يف شتي العلوم‬
‫واآلداب‪ ..‬فأنا لدي كتب منذ مطلع القرن العرشين‪ ..‬وجمالت قديمة هبا‬
‫حكم ومواعظ كفيلة إلصالح الكون بأكمله‪..‬‬
‫فأنت تعلمني أنني كل يوم مجعة بعد اداء الصالة اذهب إىل سور األزبكية‬
‫ويف جيبي ورقة فئة العرشون جنيها‪ ..‬فأجتول بني الكتب املستعملة القديمة‪..‬‬
‫فقبل أن انظر إىل عنوان الكتاب أو من هو الكاتب أو دور النرش‪ ..‬فأنني اضع‬
‫الكتاب عىل انفي ألشتم أمجل رائحة عطرية تعطرت هبا أنفي‪ ..‬رائحة الورق‬
‫القديم‪ ..‬ثم افتح الكتاب من الداخل ألشاهد اوراقه الصفراء البالية‪ ..‬فلون‬
‫الورق القديم املائل لالصفرار‪ ..‬مع الرائحة الغريبة والفريدة هلذا الورق‬
‫يعزفون بداخيل أمجل االحلان‪ ..‬أعظم سيمفونية ممكن إلنسان أن يسمعها يف‬
‫أهم وأعظم دار أوبرا يف العامل‪ ..‬يف فيينا أو برلني أو موسكو‪..‬‬
‫فتحت مروة عيناها وفتحت معه فمها‪ ..‬غري مصدقة قائلة‪:‬‬
‫كيف عرفت يا أيب عن أوبرا فيينا أو برلني أو أيه‪ ..‬أيه‪..‬‬
‫فقال‪ :‬موسكو‪ ..‬ثم استطرد‪ ..‬يوجد خلفك يف الرف الثالث من أعىل‬
‫املكتبة‪ ..‬الكتاب الرابع يتحدث عن اشهر مباين األوبرا يف العامل وورد به ذكر‬
‫دار األوبرا املرصية القديمة التي تم حرقها يف مطلع اخلمسينيات وتوجد هلا‬
‫صور للمبني من اخلارج والداخل وأهنا كانت مصنفة أهنا من أهم وأفضل‬

‫‪37‬‬
‫قاعات األوبرا يف ذاك الوقت‪ ..‬ربنا هيدي اجلاهلني الذي قاموا بإحراقها‪..‬‬
‫كنت امتني أن أدخلها‪ ..‬أو أمر من أمامها‪ ..‬من كثرة هباءها‪ ..‬لك ِّني رايض‬
‫بالصور‪..‬‬
‫دعيني أكمل ما حيدث يل يف سور األزبكية‪ ..‬يا له من مكان رائع‪ ..‬أنني‬
‫اعشق هذا املكان يا مروة‪ ..‬اشعر أنه يتعاطف معنا نحن الغالبة وحينو علينا‪..‬‬
‫فيقدم لنا وجبة دسمة شهية من العلوم والفنون واآلداب يف صورة كتب زهيدة‬
‫الثمن‪ ..‬اعيش معها يف عامل آخر طوال األسبوع حتى يأيت يوم اجلمعة الذي‬
‫يليه‪ ..‬لدرجة يابنتي ان معظم البائعني هناك صاروا يعرفونني ونتبادل التحيات‬
‫واالبتسامات‪ ..‬اهنم اناس طيبون تعلوا وجوههم البشاشة‪ ..‬وجوه بسيطة بال‬
‫تكلف‪ ..‬والكثري منهم حيمل داخل عقله الكثري من العلم‪ ..‬وهناك ً‬
‫ايضا‬
‫يابنتي اقابل كثري من طلبة اجلامعات باحثون عن كتب ومراجع ملساعدهتم يف‬
‫ابحاثهم‪ ..‬وهناك ً‬
‫ايضا من يقوم بتحضري للامجستري أو الدكتوراه‪ ..‬فيجد يف‬
‫هذا املكان ربام ما ال جيده يف مكان آخر‪ ..‬انني اعتربه بمثابة بيتي الثالث‪ ..‬بعد‬
‫بيتنا واملسجد‪..‬‬
‫دخلت مروة إىل حجرهتا وأغلقت الباب خلفها‪ ..‬ورأسها ميلء باألفكار‬
‫من شتي االجتاهات ويف الوقت ذاته فخورة ومعجبة ببالغة وحكمة ابيها وأنه‬
‫كيف تأثر بالقراءة إىل هذا احلد وكيف اثرت فيه الكتب لتجعل حديثه منمقًا‬
‫مرتبا األفكار‪ ..‬صاحب حجة ومنطق رغم بساطة األسلوب‪..‬‬
‫ً‬
‫وليكن‪ ..‬كل ما سمعته جيد‪ ..‬لكن أنا ال أستطيع العيش هكذا‪ ..‬هبذه‬
‫املالبس وتلك احلجرة القديمة بأثاثها الغريب الشكل‪ ..‬ودهان احلائط الذي‬

‫‪38‬‬
‫أكل عليه الزمان ورشب فال تعرف لونه‪ ..‬أهو أصفر فاقع أم بني باهت أم‬
‫رمادي أم أنه قد سكب عليه قهوة‪ ..‬أم ماذا وهذه الستارة القديمة التي تغطي‬
‫الشباك‪ ..‬واألرض بال سجادة ورسيرها القديم الذي يصدر أصواتًا غريبة‬
‫كلام صعدت اليه او هنضت من عليه‪ ..‬أصواتًا خميفة تشعرين باالشمئزاز وكأنه‬
‫يوجد مزرعة فئران حتت الرسير‪..‬‬
‫وتلك املرتبة بلوهنا املائل لالصفرار‪ ..‬ملاذا كل يشء يف هذا البيت لونه‬
‫أصفر أو رمادي‪ ..‬وال نعرف اللون األصيل لألشياء‪ ..‬مرتبة حمشوة قطن‪ ..‬ال‬
‫قطعا من احلجارة أو‬
‫أظنه قطنا‪ ..‬فهي صلبة لدرجة انني عيل يقني ان بداخلها ً‬
‫الصخور‬
‫***‬

‫‪39‬‬
‫أدار ماجد مفتاح البيت ناحية اليسار‪ ..‬فتح الباب ببطء وحذر متعمدً ا أال‬
‫حيدث صوتًا‪ .‬خلع حذائه كي حيافظ عيل السكون واهلدوء عند دخول البيت‪..‬‬
‫وفور دخوله وقبل أن يغلق الباب خلفه وجد أمه قابعة أمامه عىل كنبة كبرية‬
‫وأمامها بعض األطباق هبا املكرسات‪ ..‬وطبق كبري لتضع فيه القرش وما تبقي‬
‫من جثث املكرسات اهلامدة‪ ..‬فإهنا سيدة مخسينية بدينة‪ ..‬بدينة بشكل ملفت‪..‬‬
‫هلا قسامت وجه غري مرحية عابسة الوجه‪ ..‬قليلة االبتسام‪ ..‬تعشق اجللوس أمام‬
‫التلفاز واألكل والتسايل‪ ..‬أي يشء يكون يف فمها طوال الوقت بغض النظر‬
‫أهنا جائعة أم ال‪ ..‬فنصف وقتها تقضيه يف التفكري يف الطعام والنصف اآلخر‬
‫مركز عىل ماجد ابنها الوحيد‪ ..‬مات زوجها منذ عدة سنوات‪ ..‬ربام لعدم‬
‫قدرته عىل حتملها واحلياة معها ففضل الذهاب إىل العامل اآلخر‪ ..‬وهي تتباهي‬
‫هبذا األمر‪ ..‬دائمة القول بفخر‪« ..‬انا فرست أبوك حلد ما مات‪ ..‬مش حاقدر‬
‫عليك انت» ‪..‬فهي دائمة الرتديد هلذه اجلملة‪ ..‬احلاجة «نعامت»‪ ..‬لكنها يف‬
‫احلقيقة جمموعة من النقامت املتوحدة واملرتاصة داخل هذا البدن املنتفخ‪..‬‬
‫استقبلته بنفس طريقة االستقبال املعهودة‪ ..‬والشكوى من الوحدة‬
‫وأنه يرتكها طوال اليوم لقضائه يف هذا النادي اللعني‪ ..‬داعي ًة اهلل أن هيدم‬
‫هذا النادي عىل رؤوس أصحابه ومسئوليه‪ ..‬وتذكره ً‬
‫دائم أهنا أمه‪« ..‬عارف‬

‫‪40‬‬
‫يعني إيه أمك‪ ..‬أم ال تعرف‪ ..‬أمك التي محلت فيك‪ ..‬تسعة أشهر‪ ..‬وولدتك‬
‫وعانت آالم الوالدة‪ ..‬والدة طبيعية بدون بنج أو ختدير ليس مثل هذه األيام‪..‬‬
‫البنات املتدلعة عايزة تولد يف مستشفى وتأخذ ختدير‪ ..‬وكامن والدة قيرصية‬
‫وكل واحدة منهن ترفض التعب واألمل‪ ..‬فلحظة الوالدة رغم أملها الشديد إال‬
‫أهنا تضع احلب من األم للرضيع‪ ..‬فكيف بمن تلد بتخدير وقيرصية أن حتب‬
‫وليدها‪ ..‬بنات آخر زمن»‪..‬‬
‫وقف ماجد املفتول العضالت ذو اجلسم املخيف أمام أمه وقد حتول‬
‫لفأر‪ ..‬وجهه إىل األرض يسمع نفس االسطوانة كل يوم‪ ..‬حيث تبدأ يف توجيه‬
‫اللوم إليه برتكها وإمهاهلا بال طعام وبال ونيس أو جليس وختتم كالمها بجملة‬
‫«يا خسارة تربيتي فيك»‪..‬‬
‫يستأذهنا ماجد إىل الدخول إىل حجرته لوضع أغراضه‪ ..‬حقيبة املالبس‬
‫الرياضية وأن يذهب إىل احلامم ليتحمم بعد جمهود الرياضة الزائد يف اجليم‬
‫والركض يف الرتاك‪ ..‬وبينام هو خيطو جتاه حجرته‪ ..‬فإذا باحلاجة «نعامت» أمه‬
‫ترصخ كمن لدغها عقرب‪ ..‬تعايل هنا يا واد يا ماجد‪ ..‬اخبار البت اليل كلمتني‬
‫عنها ايه ويا تري جاية بكرة الساعة كام‪..‬‬
‫"جاءك املوت يا تارك الصالة" هكذا حادث "ماجد" نفسه‪ ..‬كنت‬
‫ظننتها نسيت‪ ..‬فأجاهبا يف عجالة‪ ..‬أنا مل التقى هبا اليوم يا أمي‪ ..‬سأدعوها‬
‫عندما أراها يف الغد‪ ..‬فقالت احلاجة‪ ..‬أيوة خليها تيجي أنا عايزة اشوفها‪..‬‬
‫"أوعي تكون خايبة زي اليل قبلها‪ ..‬أنا كربت وعايزة اليل خيدمني"‬

‫‪41‬‬
‫ناعيا حظه وظروفه‪ ..‬فلقد خاض جتربة اخلطوبة عدة‬
‫دخل ماجد حجرته ً‬
‫مجيعا باءت بالفشل بسبب أمه‪ ..‬فأما األم غري راضية‬
‫مرات من قبل ولكنها ً‬
‫عن العروسة أو أن اخلطيبة ال تتحمل األم بكلامهتا القاسية واهتاماهتا الدائمة‬
‫ملن أمامها باإلمهال والتقصري يف حقها‪ ..‬أو بكاءها حاهلا أهنا ال جتد من حينو‬
‫وربت‪..‬‬
‫كبت ّ‬
‫عليها بعدما ّ‬
‫وكان هذا أكثر ما خييف ماجد‪ ..‬نورا خمتلفة عن كل سابقيها‪ ..‬هي رقيقة‬
‫حساسة عطوفة حنون‪ ..‬ذو خلق رفيع‪ ..‬وكام سمع أهنا من أرسة حمرتمة‬
‫واجلميع يشهد بحكمة أباها وأخالق أخيها‪..‬‬
‫إنه ال يطيق أن يفقد نورا أو خيرسها أو أن تضيع من يديه فهي أفضل‬
‫وأنسب من تكون زوجة له يف أناقتها وتعليمها وبمعرفتها بأكثر من لغة‪..‬‬
‫هذه هي الزوجة التي ترشف بصحيح‪ ..‬فأنا أمامي سفريات كثرية يف بعض‬
‫املسابقات يف كامل األجسام ورفع األثقال‪ ..‬يف عدة عواصم من العامل وعلمت‬
‫أنه ممنوع اصطحاب الزوجات أيام املنافسات الرسمية لكن من املمكن حضور‬
‫الزوجة يف يوم التكريم واحلصول عيل امليداليات والكؤوس املختلفة‪ ..‬فال‬
‫أري نفيس إال ونورا جتلس أمامي فرحة مشجعة مصفقة‪ ..‬وهو عىل منصة‬
‫التتويج باملركز األول‪ ..‬أو الثاين عىل أقل تقدير‪ ..‬ولكن القضية هي نفس‬
‫العقبة‪ ..‬أمي‪ ..‬ماذا عساي أن أفعل‪ ..‬هي أمي وأوىص عليها اهلل ورسوله‪..‬‬
‫يل‪ ..‬لكنها هي املتسببة ً‬
‫دائم يف هروب كل من أقبلت عىل‬ ‫وهلا كل األفضال ع ّ‬
‫الزواج منهن‪..‬‬

‫‪42‬‬
‫هل أصارح نورا باحلقيقة‪ ..‬حقيقة شخصية أمي وأهنا بكل رصاحة تريدين‬
‫ان أتزوج من فتاة تكون هلا بمثابة اخلادمة واجلليسة األنيسة‪ ..‬وباإلضافة لذلك‬
‫فإهنا ربام تسمعها من الكالم ما يؤذهيا طوال الوقت‪ ..‬فهل تتحمل؟!!‬
‫وملا تتحمل هي‪ ..‬ملا ال تكون أمي عطو ًفا حنونًا وتراعي بنات الناس‪..‬‬
‫حرصا عىل‬
‫ً‬ ‫ملا ال تتوقف عن الطعام واملقرمشات واملسليات طوال الوقت‪..‬‬
‫شهرا بعد اآلخر‪ ..‬ضغط‪ ..‬سكر‪..‬‬ ‫ً‬
‫وإقالل لعدد األدوية الذي يتزايد ً‬ ‫صحتها‬
‫ارتفاع كوليسرتول ودهون عىل الكبد‪ ..‬خشونة الركبة وآالم املفاصل‪..‬‬
‫وأخريا زاد عليهم أدوية القلب‪ ..‬حيث أن عضلة القلب‬
‫ً‬ ‫حساسية الصدر‪..‬‬
‫باتت ضعيفة‪..‬‬
‫ما احلل‪ ..‬ارشدين يارب إىل الصواب‪ ..‬أنا ال أستطيع فعل كال األمرين ال‬
‫أستطيع أن أحكي لنورا عن أمي بكل التفاصيل وأن تنتظر ما هي مقدمة عليه‬
‫من وجود «محا» صعبة اإلرضاء‪ ..‬بل مستحيلة‪..‬‬
‫يف الوقت ذاته ال أستطيع أن أغري من طباع أمي ونظرهتا لألمور وكرهها‬
‫للجيل احلايل من البنات وأهنن كلهن متدلعات‪ ..‬ليس كزماهنا عندما كانت‬
‫الزوجة تقوم بخدمة الزوج وعائلته وإن كان عىل حساب مظهرها‪ ..‬صحتها‪..‬‬
‫تعليمها‪ ..‬ثقافتها‪ ..‬ال هيم املهم هو ارضاء الزوج وعائلته واألوالد‪..‬‬
‫"لن تتحمل نورا‪ ..‬أنا أعلم‪ ..‬لن تتحمل‪ ..‬حظي كده"‪ ..‬هكذا كان‬
‫كبريا عىل كتفه‬
‫بشكريا ً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حامل‬ ‫يتمتم ماجد بكلامت وهو يف طريقه إىل احلامم‬
‫وأمه تنظر إليه بتعجب واستغراب‪ ..‬قائلة «الواد باينه اجتنن»‪..‬‬
‫***‬

‫‪43‬‬
‫رأسه سوف تنفجر‪ ..‬وهو جالس بني أصدقائه يف املقهى من الغيظ من‬
‫معكوسا‪ ..‬ما كان خذله‪ ..‬بل ذهب معه‬
‫ً‬ ‫موقف رشيف معه‪ ..‬ولو كان األمر‬
‫ونفذ كل ما يطلبه منه إلنقاذه‪..‬‬
‫مد يده إىل جيب رسواله اخللفي‪ ..‬سحب حافظة نقوده‪« ..‬فتحها فإذا هبا‬
‫جنيهات قليلة‪ ..‬بالكاد تكفيه هذه الليلة‪ ..‬فهو غري مرصح له بالذهاب للعمل‬
‫ودخول املتجر قبل أن يسوي خالفه مع أبيه فمن أين يأيت بمرصوفه‪ ..‬نقود‬
‫تكفيه يف األيام القادمة‪ ..‬شكلها كده أيام سودا»‪..‬‬
‫ساهرا يف املقهى إىل وقت متأخر من الليل كي يضمن‬
‫ً‬ ‫قرارا بأن يظل‬
‫اختذ ً‬
‫أن يكون أبيه نائم ويف سبات عميق‪ ..‬ويف الصباح حيادث والدته ويطلب منها‬
‫أن تتوسط له وحتنن قلب أبيه عليه ليساحمه‪ ..‬كيف هذا وأمه غاضبة من فعلته‬
‫أكثر من أبيه‪ ..‬ومع كل هذا هو يعلم أنه ببعض القبالت واالحضان لألم‪ .‬فهي‬
‫دائام ما يرق قلبها رسيعا‪..‬‬
‫انتظر عالء يف املقهى حتى الثانية بعد منتصف الليل ثم توجه إىل سيارته‬
‫والنعاس يغالب عينيه ويتثاءب ربام بعدد أربع مرات يف الدقيقة‪..‬‬
‫قاد سيارته وسط الظالم والطرقات خالية من املارة‪..‬‬
‫***‬

‫‪44‬‬
‫قاربت الساعة عىل احلادية عرشة ومروة عازمة ومصممة أهنا ستأخذ‬
‫خطوات جادة ألجل اصالح هندامها ومظهرها اخلارجي‪ ..‬فأخذت تقنع‬
‫أباها أهنا يف حاجة إىل نقود ألجل رشاء بعض املالبس اجلديدة عىل املوضة‪..‬‬
‫فقدم هلا العم زكريا بعض النقود‪ ..‬نظرت إليها بيشء من االحتقار قائلة‪ ..‬ما‬
‫هذا‪ ..‬هذا ال يكفي لرشاء بيجامة للنوم‪..‬‬

‫فقام األب عىل مضض وفتح أحد األدراج وأخرج كل ما فيه من نقود‬
‫ً‬
‫قائل هذا كل ما معي حتى آخر الشهر‪ ..‬حلني أن اقبض من «مرص للطريان»‬
‫مجيعا‪ ..‬فامزال هناك أربعة أيام عىل أول الشهر‪ ..‬كوين حذرة وغري‬
‫ال تنفقيهم ً‬
‫مبذرة‪..‬‬

‫طبعا ومهت‬
‫أخذت النقود فرحة واحرضت شنطة يدها ذو املاركة املقلدة ً‬
‫باخلروج‪ ..‬فإذا باألب يصيح‪ ..‬مروة‪ ..‬إىل أين ذاهبة الساعة اآلن احلادية عرشة‬
‫ً‬
‫ليل وكل املوالت واملتاجر مغلقة اآلن‪..‬‬

‫مفتوحا حتى‬
‫ً‬ ‫ال يا أيب‪ ..‬كم أنت قديم‪ ..‬فالكثري من املوالت يظل‬
‫ساعات متأخرة ويغلق قرب الفجر‪ ..‬ال تقلق فأنا يف مكان آمن به أناس‬
‫كثريون وحراس أمن‪..‬‬

‫‪45‬‬
‫استقلت مروة سيارة أجرة أقلتها إىل إحدى املوالت الشهرية التي طاملا‬
‫كانت مروة تتمني دخوهلا كمشرتية وليس كمتفرجة أو مشاهدة ملا وراء زجاج‬
‫الفتارين وكفى‪ ..‬كانت رأسها تدور وتتسارع وهي مليئة بالصور لشتي أنواع‬
‫املالبس وماذا سوف تقوم برشائه وما هي احتياجاهتا‪ ..‬ويف ذات الوقت هي‬
‫صورا لذلك املقهى الشهري يف املول‪ ..‬وأهنا تتمني أن‬
‫ً‬ ‫وكثريا تشاهد‬
‫ً‬ ‫تسمع‬
‫تتذوق أحد أصناف القهوة التي يقدمها‪ ..‬وربام معها قطعة من كعكة اجلبن أو‬
‫كوكيز‪ ..‬كام تسمع من زميالهتا ً‬
‫دائم‪..‬‬
‫ويف داخل أروقة املول‪ ..‬سارت مروة بفخر واعتزاز ويشء من الكرب‬
‫والتكرب رافعة رأسها إىل األعىل وهي تصعد عىل السلم الكهربائي وكأهنا تريد‬
‫اخبار كل من حوهلا من صفوة القوم‪ ..‬أهنا هنا لتشرتي مالبس جديدة من‬
‫عامليا‪ .‬فتوضع وتقدم هلا وهي بداخل أكياس مطبوع عليها‬
‫ماركات معروفة ً‬
‫اسامء اشهر املحالت ثم تدخل باب بيتهم يف احلي الشعبي حاملة يف يدها هذه‬
‫احلقائب واألكياس فرياها اجلريان من نوافذهم ورشفاهتم‪ ..‬ثم تتخيل نفسها‬
‫عندما تتقابل مع نورا‪ .‬وكم االعجاب الذي سوف يرتسم عىل وجهها وترصح‬
‫ً‬
‫وأيضا وهي داخلة إىل النادي‪ ..‬بداية من‬ ‫هلا بأهنا اليوم يف منتهي الشياكة‪..‬‬
‫البوابة واحلراس عليها‪ ..‬إىل االعضاء بالنادي‪ ..‬فينبهرون بجامهلا رغم سامر‬
‫مجيعا‪..‬‬
‫برشهتا لكنها سوف تكون أشيك وأمجل منهن ً‬
‫أفاقت مروة وهي تصطدم بأحد املارين بدون قصد ‪..‬فاعتذرت‪..‬‬
‫وبدأت يف التسوق‪ ..‬وقفت أمام فاترينة عرض أحد املحالت فوجدت فيها‬
‫بعض قطع املالبس مما كانت ً‬
‫دائم تتوق إىل أن تقتنيها وأهنا سوف تكون‬

‫‪46‬‬
‫الئقة عىل جسدها املمشوق الطويل‪ ..‬وإذا هبا تلمح األسعار‪ ..‬غري مصدقة‪..‬‬
‫فالرقم كبري واألصفار كثرية‪ ..‬فسعر قطعة واحدة يفوق كل ما معها من نقود‪..‬‬
‫شهقت غري مصدقة‪ ..‬إن كل ما معها ال يكفي إال أن تشرتي بالكاد جورب أو‬
‫بلوزة واحدة‪ ..‬ولكنها استجمعت قواها قائلة إن هذا املتجر البد أنه مبالغ يف‬
‫اسعاره سأذهب إىل غريه‪ ..‬أكيد هناك من هم أقل يف السعر منه بكثري‪ ..‬كررت‬
‫املحاولة‪ ..‬وتنقلت من متجر إىل آخر‪ ..‬لثالث‪ ..‬رابع‪ ..‬خامس‪ ..‬صعدت إىل‬
‫طابق أعىل‪ ..‬فأعىل‪ ..‬ما كل هذا كيف يعيش اإلنسان هبذه األسعار‪ ..‬هذا‬
‫جنون‪..‬‬
‫اصيبت بنوع من االحباط‪ ..‬نظرت إىل ساعة يدها فقد ختطت الواحدة‬
‫بعد منتصف الليل‪ ..‬جلست لربهة عىل أحد املقاعد املنترشة يف أرجاء املول‬
‫لتستعيد توازهنا وتستفيق من الغفلة التي وضعت نفسها فيها ظانًّا منها أن نقود‬
‫سائق احلافالت يف رشكة الطريان كافية أن جتعلها زبونة يف أحد هذه املتاجر‪..‬‬
‫يا لنا من غالبه‪ ..‬هم يف واد ونحن يف واد آخر‪ ..‬لقد ظننت نفيس من أصحاب‬
‫ً‬
‫حامل يف‬ ‫الطبقة املتوسطة‪ ..‬من هم هؤالء الناس‪ ..‬فكل منهم يشرتي ما أراد‬
‫يده بطاقة يدفع هبا وكأن هذه البطاقة متصلة اتصال مبارش بمغارة عىل بابا‪..‬‬
‫ولكي أكون واحدة من أصحاب تلك البطاقات جيب أن يكون هلا دخل كبري‬
‫من عملها الذي يقوم بتحويل راتبها عىل البنك‪ ..‬ثم يقوم البنك بإصدار بطاقة‬
‫االئتامن هلا بحد أقىص معني حسب راتبها‪ ..‬هذا ما أجابتها به إحدى صديقاهتا‬
‫العاملة يف أحد البنوك عندما سألتها مروة ذات مرة عن كيفية احلصول عيل‬
‫بطاقة كهذه ‪..‬كام يسموهنا‪ ..‬فيزا كارت‪..‬‬

‫‪47‬‬
‫سارت يف طرقات املول‪ ..‬متجهة إىل الباب اخلارجي وهي تتمتم بني‬
‫شفتيها ‪ ..‬فيزا كارت‪ ..‬فيزا كارت‪ ..‬عيل بابا كارت‪..‬‬
‫وهي يف طريقها للخروج إىل الطريق‪ ..‬رأت يف الطابق السفيل للمول‬
‫املقهى الشهري الذي تراه وتسمع عن مرشوباته دائام‪ ..‬فتذكرت حلمها الثاين‪..‬‬
‫بعد التسوق‪ ..‬هو اجللوس يف هذا املقهى كزبونة وليس كمتفرجة‪ ..‬اطلب‬
‫قهويت مع قطعة احللوى واجلس وسط هؤالء القوم‪..‬‬
‫توجهت إىل كاونرت الطلبات ونظرت إىل القائمة املعلقة يف األعىل طلبت‬
‫نوع مل تألفه من القهوة وشعرت باخلجل أن تسأل من يتلقى منها الطلبات عن‬
‫ماهية هذا الصنف من القهوة وما بداخله وكيف يصنع‪..‬‬
‫وكام حدث سابقًا فوجئت بسعر كوب القهوة‪ ..‬غايل جدً ا جدً ا‪ ..‬لكن‬
‫ال أستطيع عن الرتاجع‪ ..‬فدفعت جزء كبري مما معها من نقود يف ثمن القهوة‬
‫وقالت له الغي قطعة احللوى‪ ..‬أنا لست جائعة‪ ..‬اضطرت لفعل هذا بعدما‬
‫علمت ان القهوة غالية الثمن بشكل مبالغ فيه وهي يف النهاية عبارة عن بعض‬
‫من القهوة والسكر واللبن فام بالك باحللوى‪ ..‬كم يا تري يكون سعرها‪..‬‬
‫احسنت الترصف أن الغتها‪..‬‬
‫جلست عىل أحد الطاوالت غري املرحية‪ ..‬كل هذه األموال وأجلس غري‬
‫مسرتحية‪ ..‬ما هذا اليوم العجيب‪..‬‬
‫***‬

‫‪48‬‬
‫دخلت نورا إىل حجرهتا بعد أن اطفأت النور‪ ..‬وأخربت اجلميع أهنا‬
‫بحاجة إىل النوم‪ ..‬وأين هو النوم‪ ..‬سافر بعيدً ا عن مقلتي نورا‪ ..‬اخذت‬
‫األفكار تتحرك يف رأسها ذها ًبا وإيا ًبا‪ ..‬وبعدما استمعت إىل ما قصه عليهم‬
‫سيادة العميد األب احلنون‪ ..‬كم حتب أباها‪ ..‬هي يف مأزق‪ ..‬إن أخربت‬
‫أباها‪ ..‬فهي تعلم متام العلم ان الرد هو الرفض بالتأكيد‪ ..‬وأنه حمق يف ذلك‪..‬‬
‫ولكن‪« ..‬ماجد»‪ ..‬هي حتبه بدرجة كبرية‪ ..‬ترى فيه الشاب الوسيم ذو الطموح‬
‫أن يكون أحد ابطال العامل‪ ..‬فهي كانت ً‬
‫دائم حترتم من هلم تطلعات وطموحات‬
‫تقودهم إىل النجاح‪ ..‬ومن يعرف طعم النجاح‪ ..‬يظل دو ًما يف نجاح إذا حافظ عليه‪..‬‬
‫وأنه من العيب أن ترفض دعوة ماجد للتعرف بأمه‪ ..‬فهذه خطوة جيدة‪..‬‬
‫وأخريا استقر هبا الرأي أال ختذل‬
‫ً‬ ‫تزامحت األفكار يف رأسها‪ ..‬بني رفض وقبول‪..‬‬
‫«ماجد» فسوف تقبل الدعوة وتقوم بزيارة األم‪ ..‬لعلها تنجح يف أن جتعلها حتبها‬
‫وتعاملها كأبنتها وليساحمها اهلل وليساحمها أباها فيام هي مقدمة عليه‪ ..‬والقيام‬
‫بإخفاء يشء هام كهذا عن والدها اجلميل‪ ..‬املثل األعىل‪ ..‬احلنون‪..‬‬
‫واآلن‪ ..‬السؤال هو الشغل الشاغل‪ ..‬ماذا ترتدي‪..‬؟؟؟ فبالتأكيد جيب‬
‫وأيضا ماذا تأخذ معها؟؟‪ ..‬اتأخذ‬ ‫ً‬
‫حمافظا إىل أبعد احلدود‪ً ..‬‬ ‫أن يكون مظهرها‬
‫ور ًدا أم حلوى أم االثنني معا‪ ..‬باقة من الزهور وعلبة من الشكوالتة الفاخرة‪..‬‬

‫‪49‬‬
‫أخريا استطاع‬
‫فخورا بنفسه بأنه ً‬
‫ً‬ ‫أما رشيف فقد جلس يف الرشفة وحيدً ا‪..‬‬
‫التخلص من سطوة اصدقاءه عليه حتت مقولة‪ ..‬الشهامة‪ ..‬الصحاب‪..‬‬
‫اجلدعنة‪ ..‬صاحب صاحبه‪..‬‬
‫كل هذا مجيل ورائع ولكن بام ال يتعارض مع املثل واملبادئ هذا ما ألقاه‬
‫عليه سيادة العميد‪ ..‬استمرت سعادته اكثر بأنه أصبح سيد قراره وليس منقا ًدا‬
‫وراء أحد‪ ..‬ومن حقه أن يقبل أو يرفض أي طلبات‪ ..‬وعىل اآلخر احرتام رأيه‬
‫وليس اجباره عىل القبول وحتويله إىل جمرد منصاع وتابع حتت نفس املسمى‬
‫والبنود التي تندرج حتت كلمة «الشهامة» فكم من شهامة أودت بأصحاهبا‬
‫إىل غياهب السجون أو تسببت هلم يف مشكالت عانوا من توابعها وويالهتا‬
‫لسنوات طويلة أو افسدت عالقات أرسية‪ ..‬فالعقل هنا من يكون املتحكم‬
‫وله الغلبة‪ ..‬وليس عاطفة احلب لألصدقاء وحسب‪..‬‬
‫كانت هذه هي أحد مشكالت وعقد رشيف مع حاله‪ ..‬أنه غري قوي‬
‫الشخصية وقليل احليلة جتاه أصحابه‪ ..‬فرس فرحته هو والدة رشيف جديد‪..‬‬
‫يعلم متي يقول ال‪ ..‬وال يأبه بغضب أحدهم ولوم وتأنيب اآلخر واهتامه‬
‫بالنذالة واخلسة وعدم مساندته ألصدقائه‪ ..‬إذا كان صديقي سيوقعني يف‬
‫مشكالت مع ارسيت أو القانون أو ضمريي فأنا يف استغناء عن هذه الصداقة‪..‬‬
‫وأنه ليس بالصديق احلقيقي الذي يتسبب يف ايذائي‪..‬‬
‫أهنت مروة كوب القهوة وهي تتمني أن تستمر ترشف منها لألبد كم‬
‫طعمها مجيل‪ ..‬كم هو لذيذ هذا الكراميل املوضوع يف خطوط متشابكة فوق‬
‫رغاوي اللبن الساخن يف الطبقة العليا من الكوب‪..‬‬

‫‪50‬‬
‫كم هو لذيذ ويستحق ما دفع فيه‪ ..‬آه‪ ..‬تنهدت وهي تتمني أن حتيا حياة‬
‫هؤالء الناس وتستمتع بطعامهم ورشاهبم ومتاجرهم ومنازهلم وسيارهتم‪..‬‬
‫الخ‪.‬‬
‫فرغت القهوة وليس هناك ما تفعله‪ ..‬والساعة ختطت الثانية بعد منتصف‬
‫الليل بقليل‪ ..‬امسكت بحقيبة يدها بعد أن وضعت فيها بعض من املناديل‬
‫الورقية املطبوع عليها اسم وشعار املقهى الفاخر كي تتذكره ً‬
‫دائم وكي تتفاخر‬
‫باملنديل عندما خترجه من حقيبتها لتجفيف وجهها عن التعرق‪ ..‬فيعلم من‬
‫معها أهنا جتلس وترشب قهوهتا يف هذه األماكن املميزة وأهنا سوف ختربهم اهنا‬
‫زبونة دائمة الرتدد هناك‪ ..‬كذبة بيضاء‪ ..‬ال ضري منها‪..‬‬
‫خطت خطوات جتاه الباب اخلارجي للمول وهي تنظر للخلف جتاه‬
‫الكافية والطاولة التي كانت جالسة عليها ومازال عليها كوب القهوة الفارغ‬
‫اآلن‪ ..‬ثبتت عينيها نحو املقهى والطاولة قائلة‪ ..‬سوف أعود‪ ..‬انتظروين‪ ..‬أنا‬
‫عائدة اليكم مرة أخرى ولكن يف املرة القادمة سيكون بجانب كوب القهوة‬
‫طبق من احللوى الشهية التي ألغيت طلبها‪ ..‬اين عائدة‪ ..‬سوف ترون‪..‬‬
‫مهت مروة بعد أن نزلت من عىل سالمل املول واصبحت يف الشارع‬
‫لإلشارة لسيارة أجرة تستلقها للبيت‪ ..‬لكنها فكرت اهنا حتتاج للتفكري‪..‬‬
‫سريا عىل األقدام كي تستمتع باجلو اجلميل وتعيد‬
‫فقررت ان تعود إىل بيتها ً‬
‫التفكري يف كل يشء مر هبا اليوم بد ًءا من كالم أبيها عن القناعة ونعمة الرضا‬
‫والسالم النفيس الداخيل‪ ..‬سور األزبكية‪ ..‬رائحة الكتب‪ ..‬لون الورق‬
‫األصفر‪ ..‬النقود‪ ..‬املتاجر يف املول ومجال املعروضات‪ ..‬لكن األسعار‪ ..‬آه من‬

‫‪51‬‬
‫األسعار‪ ..‬فهي ال تصدق هذه األرقام الكبرية‪ ..‬ولكن كان ختامها مسك‪..‬‬
‫كوبا من القهوة‪ ..‬صحيح باهظ الثمن‪ ..‬لكن ينقلك إىل عامل آخر خاصة وأنت‬
‫تعامل معاملة العظامء وأنت جالس وسط صفوة املجتمع‪ ..‬مثلك مثلهم يا له‬
‫من إحساس رائع يعطي ثقة ال حدود هلا بالنفس‪..‬‬
‫خماطبا املقهى والكوب‪ ..‬هل أنا جننت؟ هل‬
‫ً‬ ‫لكن ما جعلني انظر خلفي‬
‫حدثت يل لوثة من كل هذه األحداث وتناقضاهتا؟‪ ..‬بعد حديث عم زكريا‬
‫الطيب عن القناعة والثراء الفاحش لبعض الطبقات‪ ..‬والفيزا كارت املفتوح‬
‫رأسا عىل مغارة عىل بابا‪ ..‬ما هذا الزمن العجيب الذي نعيش فيه‪ ..‬وكيف‬
‫ً‬
‫يل أن أحتدث للمقهى وللكوب الفارغ بعدما أفرغت كل حمتواه بداخيل‪..‬‬
‫فهو اآلن قابع يف معديت املستمتعة بطعمه الرائع‪ ..‬ما جعلني اقول بكل ثبات‬
‫وثقة أين عائدة مرة أخرى‪ّ ..‬آن يل بكل هذه األموال وأنا ما زلت أبحث عن‬
‫وظيفة‪..‬‬
‫***‬

‫‪52‬‬
‫قاد عالء سيارته مرسعا وهو غاضب ويشعر باملهانة وأنه قد صفع عىل‬
‫وجهه من رشيف‪ ..‬الطرقات خالية وقليل من املارة يسري عىل األقدام وقليل‬
‫من السيارات هنا وهناك‪..‬‬
‫خماطبا إياه بقوة وعنف‬
‫ً‬ ‫فكر عالء أن يرسل إىل رشيف رسالة عىل هاتفه‬
‫وأنه لن يساحمه أنه اعتمد عليه ولكن رشيف تعمد ان خيذله‪..‬‬
‫مرسعا‪ ..‬تظهر أمامه جسد فتاة تعرب‬
‫ً‬ ‫وبينام هو يمسك هباتفه و يقود‬
‫الطريق‪ ..‬فلم يستطع الترصف و فعل أي يشء‪ ..‬و يف جزء من الثانية حدث‬
‫ما هو غري متوقع حيث صدم بمقدمة سيارته شي ًئا ما‪ ..‬وارتطم جسد الفتاة‪..‬‬
‫سقطت عىل األرض أمام سيارته‪ ..‬نزل عالء بعد أن جتمهر بعض املارة‬
‫القليلني ممن كانوا يف الطريق‪..‬‬
‫طلب عالء من بعض الواقفني مساعدته عىل محل الفتاة ألخذها إىل‬
‫أقرب مشفي لالطمئنان عليها‪..‬‬
‫قاد عالء السيارة وهو يرجتف من اخلوف‪ ..‬فهذه أول مرة يصدم هبا‬
‫إنسان‪ ..‬فقد حدث مرة أن اصطدم بسيارة أخرى‪ ..‬صدام خفيف من اخللف‪..‬‬
‫لكن أن يصدم إنسان‪ ..‬فهذه أول مرة‪..‬‬
‫كانت الفتاة ملقاة عىل املقعد اخللفي للسيارة‪ ..‬هل ماتت‪ ..‬زاد رعب‬
‫عالء عندما ظن أهنا ممكن أن تكون ماتت‪ ..‬لقد ضاع مستقبله وضاعت كل‬
‫أحالمه وسوف يزج به يف السجن‪..‬‬

‫‪53‬‬
‫إنه ال يستطيع حتمل هذا أبدا‪ ..‬سوف يقتل نفسه إذا زجوا به يف السجن‪..‬‬
‫لقد عرفت اآلن أن مشكلتي مع أيب أسهل بكثري مما كنت اظن‪..‬‬
‫ملاذا انشغلت باهلاتف‪ ..‬آه‪ ..‬ألرسل إىل رشيف وأعنفه بكلامت قاسية‪..‬‬
‫رشيف مرة ثانية يتسبب يف ايذائي ووضعي يف موقف ال أحسد عليه‪ ..‬يارب‬
‫اسرت‪..‬‬
‫صدر صوت خفيف من الفتاة امللقاة عىل املقعد اخللفي‪ ..‬محد اهلل عالء‬
‫عىل أهنا مازالت هبا الروح‪..‬‬
‫وصل عالء إىل املستشفى وأخربهم أنه معه حالة طــوارئ‪ ..‬توجه‬
‫املسعفون عىل الفور ومحلوا الفتاة عىل رسير املشفى املتنقل ذو العجالت‪..‬‬
‫ادخلوها للطوارئ‪..‬‬
‫نظر عالء إىل املقعد اخللفي فوجد عىل ارضية السيارة حقيبة نسائية عرف‬
‫أهنا اكيد ختص الفتاة أخذها واجته إىل داخل املشفى لالطمئنان عىل الفتاة‪..‬‬
‫جلس عىل أقرب مقعد‪ ..‬تقدم إليه أحد موظفي االستقبال يريد أن يدون يف‬
‫األوراق الرسمية بياناته وبيانات املريضة وأنه البد من ابالغ الرشطة ألهنا‬
‫حادثة سري وهبا فتاة مصابة‪ ..‬ال يعرف حجم اصابتها وال مصريها إال اهلل‬
‫سبحانه وتعايل‪ ..‬هكذا رشح موظف االستقبال لعالء املوقف‪ ..‬زاد توتر عالء‬
‫وخوفه بعدما سمع كلمة الرشطة وكلمة ال يعلم مصريها‪ ..‬وبدأت الصور‬
‫ترتاقص أمام عينيه وهو بمالبس السجن‪ ..‬وهو يف حمكمة وأمه منهارة وأبوه‬
‫يصب عليه جم غضبه ولعناته بام سبب هلم من فضائح‪ ..‬وكم هي سمعته‬
‫احلسنة عنوان حياهتم بني اجلريان ً‬
‫وايضا يف جتارة املالبس اجلاهزة‪..‬‬

‫‪54‬‬
‫هز موظف االستقبال كتف عالء وهو غارق يف افكاره وختيالته املرعبة‬
‫وانتبه واملوظف يسأله‪ ..‬هل معاك بيانات املصابة‪ ..‬اسمها‪ ..‬عنواهنا‪ ..‬تاريخ‬
‫امليالد‪ ..‬أي بيانات‪ ..‬أجاب عالء بتلقائية‪ ..‬أنه ال يعلم من هي وليس لديه أي‬
‫سابق معرفة هبا‪..‬‬
‫ما هذا اليوم النحس‪ ..‬كل هذا بسبب ذاك امللعون «رشيف»‪..‬‬
‫فبينام هو يفكر فإذا باملوظف يسأل عالء «أمال شنطة مني دي»‪..‬‬
‫نظر اليه عالء واستفاق مما هو فيه من غياب عن الوعي‪ ..‬نعم اعتقد‬
‫أهنا حقيبتها‪ ..‬اخرجوا حافظتها من احلقيبة واطلعوا عىل بطاقة هويتها ألخذ‬
‫بياناهتا‪ ..‬فأخذ عالء يقرأ عىل املوظف البيانات املدونة يف البطاقة‪ ..‬االسم‪/‬‬
‫مروة زكريا احلسيني‪...‬‬
‫***‬

‫‪55‬‬
‫استيقظت نورا يف الصباح عىل دوي صوت جرس هاتفها‪ ..‬استفاقت‬
‫ونظرت لتجد رقم غري معروف‪ ..‬اجابت فإذا به العم زكريا‪ ..‬فجاءها صوته‬
‫بلهفة‪ ..‬أنا آسف يا آنسة نورا‪ ..‬اتصل يب أحدهم من املستشفى وابلغني ان‬
‫مروة تعرضت حلادث سري‪ ..‬صدمتها سيارة‪ ..‬أنا سوف اذهب إىل هناك‬
‫وأرجوك ان حترضي فأنت تعلمني كم هي حتبك‪..‬‬

‫بعد فرتة قصرية كان حول رسير مروة كل من العم زكريا وعالء يتبادالن‬
‫احلديث وعالء ال يتوقف عن تقديم اعتذاره ّ‬
‫عل عم زكريا يغفر له امهاله يف‬
‫القيادة‪ ..‬فتحت نورا باب الغرفة وحيت عم زكريا بلهفة مستفرسة عن حالة‬
‫مروة التي هبا بعض كدمات يف اماكن متفرقة من جسدها‪ ..‬ونظرت ملن هو‬
‫واقف بجانب عم زكريا‪ ..‬إنه عالء صديق رشيف‪..‬‬

‫نظر اليها عالء بكل ما فيه من غضب وكره ملا فعله رشيف وقناعته بأنه‬
‫السبب وراء كل هذا النحس الذي يالزم اليوم وكاد أن ينفجر يف وجهها آخذا‬
‫بثأره من أخيها الذي كان صديقه‪ ..‬ولكنه متالك نفسه وقرر الصرب حتى يفكر‬
‫هبدوء يف الطريقة التي ينتقم هبا ويرد اعتباره‪..‬‬

‫‪56‬‬
‫فأجاب عىل نورا‪ً ..‬‬
‫أهل نورا‪ ..‬لكن السؤال‪ ..‬ما الذي أتى هبا هنا‪ ..‬ومن‬
‫الواضح اهنا تعرف والد األنسة مروة املصابة‪ ..‬فسأهلا ماذا أتى بك هنا؟‪ ..‬هل‬
‫سبق لكم التعارف‪ ..‬فأجابت نورا «نعم إهنا مروة صديقتي وهذا والدها»‪..‬‬
‫ثم نظرت إىل عم زكريا‪ ..‬هذا عالء صديق رشيف أخي يا عم زكريا‪..‬‬
‫***‬

‫‪57‬‬
‫متوجها لإلسكندرية حيث انتهت‬
‫ً‬ ‫حزم رشيف حقيبته يف الصباح الباكر‬
‫أجازة هناية األسبوع‪ ..‬مرتد ًيا الزي الرسمي لضباط البحرية التجارية‪..‬‬
‫استقل القطار‪ ..‬جلست يف املقعد املقابل له فتاة عىل قدر من اجلامل رقيقة تتسم‬
‫بالبساطة لكنها كانت منهمكة يف العبث بأزرار هاتفها املحمول‪ ..‬وعيناها‬
‫مغرورقتان بالدموع‪ ،‬وكأنه مطر يريد أن ينهمر وتوقف فجأة حلني صدور‬
‫اإلذن باهلطول‪..‬‬
‫نظر إليها رشيف وبداخله كم من التساؤالت‪ ..‬ترى ماذا يبكي هذه‬
‫الفتاة‪ ..‬هل ضايقها أحد‪ ..‬هل هي تائهة؟‪ ..‬هل فقدت نقودها وليس لدهيا‬
‫تذكرة القطار؟ هل تراها مريضة؟‪ ..‬عرشات األسئلة بال إجابات جالت يف‬
‫رأس رشيف يف دقائق معدودة‪ ..‬بعدها قرر أن يسأهلا‪ ..‬استجمع كل قواه‬
‫واستحرض شجاعته واقرتب منها بأدب شديد وخجل واضح‪ ..‬هل حرضتك‬
‫بخري‪ ..‬هل يل أن أساعدك‪ ..‬عادة ال تلتفت هي ملثل هذه العبارات حيث‬
‫عادة تكون مقدمة سخيفة ومعروفة للتعارف وهي ليست عىل استعداد يف‬
‫الدخول يف مثل هذا السخف‪ ..‬لكنها عندما رفعت عينيها ونظرت إليه‪ ..‬رأت‬
‫شا ًبا يرتدي بدلة البحرية التجارية‪ ..‬شعرت باالطمئنان‪ ،‬وأنه من املستحيل‬
‫أن تكون تلك املقدمة نوع من املعاكسات حيث هي تعلم أن أصحاب هذه‬

‫‪58‬‬
‫املهنة يوقرون وحيرتمون زهيم إىل حد كبري‪ ..‬أجابته‪ ..‬أنا بخري لكن هاتفي‬
‫ال يعمل‪ ..‬مات فجأة وأنا يف أمس احلاجة إليه‪ ..‬فظرويف حتتم ع ّ‬
‫يل أن أجري‬
‫بعض املكاملات قبل وصولنا حمطة سيدي جابر يف االسكندرية‪..‬‬
‫أخرج هاتفه من جيب سرتته‪ ..‬قدمه هلا‪ ..‬تستطيعني استعامل هاتفي يف‬
‫أي وقت إذا أحبتي‪ ..‬شكرته بأدب‪ ..‬موضحة له أن املشكلة أهنا مثل الكثريين‬
‫ال حتفظ األرقام‪ ..‬كلها عىل ذاكرة اهلاتف‪ ..‬وإذا فقدته أو ال يعمل فأنا ال‬
‫استطيع اجراء أي مكاملة‪ ..‬فكر رشيف لثواين ثم اقرتح عليها إن وافقت أن‬
‫يتفحصه لربام يستطيع اصالحه ليعمل‪ ..‬عىل األقل لتحصل عىل األرقام من‬
‫ً‬
‫حماول بكل الطرق التي يعلمها عن أرسار‬ ‫عليه‪ ..‬وافقت وجلس يف مقعده‬
‫تشغيل تلك اهلواتف وبعد فرتة عاد إليها إنه حاول‪ ،‬ولكن لألسف فشلت‬
‫املحاولة ثم استطرد وكأنه وجد ما هو تائه منه‪ ..‬أنا عندي فكرة أحنا ممكن‬
‫نأخذ الرشحية الصغرية بداخل هاتفك‪ ..‬نضعها يف هاتفي وبذلك تستطيعني‬
‫احلصول عىل األرقام خاصة وأن هاتفي برشحيتني حيث يمكن وضعه يف‬
‫الرشحية رقم اثنني حيث أن لدي خط واحد فقط‪..‬‬
‫فرحا‪ ..‬كيف مل‬
‫انفجرت أساريرها وابتسمت ابتسامة عريضة وهللت ً‬
‫ختطر هذه الفكرة عىل بايل‪ ..‬حرضتك يف منتهي الذكاء‪..‬‬
‫ابتسم رشيف وشعر بيشء من الثقة الزائدة وكأنه يقول ان هذا اقل ما‬
‫لدي‪ ..‬بالرغم أنه منذ حلظات كان يشعر أنه فاشل وال جييد الترصف‪..‬‬
‫نجحت الفكرة واستخرجت الفتاة أرقام التليفونات املهمة ودونتهم‬
‫عىل ورقة حتى ال تكرر اخلطأ‪ ..‬أكمال الرحلة سو ًيا بعد أن تبادال التعارف‪..‬‬

‫‪59‬‬
‫هي «مايا»‪ ..‬متخرجة يف كلية الفنون اجلميلة باإلسكندرية‪ ..‬كانت يف القاهرة‬
‫لزيارة عمها الذي تعرض لوعكة صحية مفاجئة‪ ..‬تبادال األحاديث يف‬
‫جماالت شتى حتى وصول القطار إىل حمطة سيدي جابر‪ ..‬اتفقا عىل اللقاء يف‬
‫االسكندرية وافرتقا بعد ان تبادل ارقام تليفوناهتام‪..‬‬
‫استقلت سيارة كانت يف انتظارها بجوار املحطة واستقل رشيف سيارة‬
‫اجرة تقله إىل األكاديمية ويف الطريق كانت صورة «مايا» تتحرك أمام عينيه‬
‫بخجلها‪ ..‬أناقتها‪ ..‬أدهبا وعدم قدرهتا عىل الترصف يف مشكلة التليفون‪ ..‬كان‬
‫رشيف من النوع الذي حيب ان تعتمد عليه فتاته يف أمور كثرية‪ ،‬وأن تعود إليه‬
‫يف كل كبرية وصغرية يشعره بأمهيته وخربته التي اكتسبها يف حياته هلا قيمة‬
‫ومعنى وتصلح ألن ينقلها اليها لتستفيد منها‪ ،‬فتح هاتفه ونظر إىل ارقام هاتفها‬
‫كم هي ارقام مجيلة مرتاصة بعناية أرقام كلها زوجية وسهلة التذكر‪..‬‬
‫أما مايا فانطلقت هبا السيارة التي أرسلها إياه أباها‪ ..‬فأباها هو الدكتور‬
‫«كامل شوقي» أستاذ جامعي متقاعد وهب حياته بعد التقاعد للعمل العام‪،‬‬
‫وخدمة املجتمع‪ ..‬فقام بإنشاء مجعية خرية لرعاية املكفوفني وضعاف البرص‪..‬‬
‫يف حي الشاطبي باإلسكندرية‪ ..‬هو سعيد هبذا العمل الذي يؤديه‪ ..‬رغم‬
‫صعوبته ومسئولياته الكثرية لكنه مبهور بالنتائج التي يصلون اليه ويعاونه يف‬
‫العمل يف اجلمعية بعض من املتخصصني يف رعاية املكفوفني‪ ،‬وبعض الشباب‬
‫من املتطوعني‪ ..‬وبينهم «مايا» فهي تعمل لديه يف أجازهتا واأليام التي ليس هلا‬
‫فيها عمل‪ ..‬فهي تعمل مصممة ديكور‪ ..‬حتب هذا العمل جدً ا حيث التعامل‬

‫‪60‬‬
‫مع اخلامات املختلفة واأللوان يشعرها بسعادة غامرة خاصة بعد أن ينتهى‬
‫العمل وتستمع إىل ثناء العميل عيل ذوقها يف ديكور املكان‪..‬‬
‫ولكن اكثر ما يؤرقها يف هذا العمل هو صعوبة التعامل مع عامل الدهان‬
‫والبناء والكهرباء وخالفه‪ ..‬حيث إهنم أحيانًا يتأخرون عن احلضور‪ ،‬وأيام‬
‫أخرى ال يأتون من األساس فشغلها الشاغل ً‬
‫دائم هو البحث عن طاقم عمل‬
‫ملتزم بمواعيده‪ ..‬ذو مهارة وكفاءة‪ ..‬إلهناء العمل يف ميعاده بدون تأخري‪..‬‬
‫حيث إهنا ترى أن أساس عملها قبل اجلودة والذوق هو السمعة الطيبة‬
‫وااللتزام بميعاد التسليم‪..‬‬
‫مايا‪ ..‬يتيمة األم‪ ..‬توفيت والدهتا وهي مرشفة عىل امتحانات السنة‬
‫النهائية باملرحلة الثانوية‪ ..‬ورغم أحزاهنا وما مرت به من فرتات صعبة‬
‫استطاعت ان تستعد لالمتحانات وأن تلتحق بكلية الفنون اجلميلة‪..‬‬
‫عندما رأت «مايا» «رشيف» شعرت باالرتياح خاصة ظهوره املفاجئ‬
‫لنجدهتا والتعامل مع املشكلة التي تبدو بسيطة لكنها كانت سوف تؤخر عودهتا‬
‫وهي لدهيا ارتباطات هامة بعمل ديكورات ألحد الفيالت الدوبلكس‪..‬‬
‫وقارا وهيبة‪..‬‬
‫هو وسيم وعيناه مرحيتان‪ ..‬انيق‪ ..‬سرتته البحرية تعطيه ً‬
‫قريبا حيث هي ختجل‬
‫وتتمني أن تكون بينهام صداقة‪ ،‬وأن يبادر باالتصال هبا ً‬
‫نظرا ألهنا ال تعرفه وال يعرفها جيدً ا ً‬
‫وأيضا كي ال‬ ‫أن تأخذ خطوة مثل هذا‪ً ..‬‬
‫يظن هبا اهنا فتاة سهلة الوصول إليها‪..‬‬
‫***‬

‫‪61‬‬
‫يقيض ماجد عادة يف النادي نصف وقته يف اجليم لبناء العضالت‬
‫والتمرين عىل رفع أوزان وأثقال متفاوتة‪ ..‬ثم يتناول غذاءه وهي وجبة عادة‬
‫ما تكون مليئة بالربوتينات‪ ..‬ثم يقيض النصف الثاين من وقته يف االسرتخاء‬
‫واالستشفاء اخلفيف بأن يميش حول الرتاك فيقوم بالدوران لستة مرات‪..‬‬
‫ولكن اليوم حتديدً ا كان ماجد متشوق للقاء نورا إلعادة اقناعها بزيارة أمه‬
‫والتقرب منها ظانًا منه أهنا رفضت الفكرة‪ ..‬فهو ال يوجه إليها أي لوم إذا‬
‫فعلت‪..‬‬
‫أهنى ماجد الدوران ملدة مخسة مرات وهو اآلن يسري ببطء يف املرة األخرية‬
‫يسري وهو يتلفت يف كل اجتاه ممكن أن تظهر منه نورا‪ ..‬بدأ الشعور باإلحباط‬
‫يزداد‪ ..‬وتسلل إىل نفسه شبح فقدان نورا‪ ..‬أترى غضبت منه إىل هذا احلد‪..‬‬
‫فهي مل هتاتفه ليلة أمس وال يف الصباح كام كانت معتادة‪ ..‬مل يسمع منها «صباح‬
‫اخلري»‪ ..‬هل أخربها أحد عن أمي وعن صعوبة التعامل معها؟ هل عرفت‬
‫أنني انوي إذا تزوجنا أن نعيش يف بيت أمي لذلك قررت أن هتجرين وهترب‬
‫وتنجو بنفسها‪ ..‬لكني أرى ً‬
‫دائم احلب واللهفة يف عينيها يف كل مرة نتقابل‬
‫فيها‪ ..‬هي رقيقة وواضحة وال أظن أهنا تسلك ذلك املسلك‪ ..‬اسلوب‬
‫االختفاء واالختباء‪ ..‬إذا أرادت ان تقطع عالقتها يب فبالتأكيد سوف ختربين‬

‫‪62‬‬
‫بذلك بنفسها‪ ..‬هل حدث هلا مكروه‪ ..‬ربام تكون مريضة‪ ..‬ربام حدثت مشادة‬
‫مع سيادة العميد حول هذا املوضوع ال‪ ..‬ال‪ ..‬أنا أعلم أنه رجل ذو عقل راجح‬
‫وحكمة‪ ..‬فسمعته ناصعة البياض وهو رجل متفاهم وليس ديكتاتورا وعقله‬
‫متفتح كام كانت هي ختربين عنه‪ ..‬فلقد أحببته قبل حتى أن اتقابل معه‪ ..‬إذا‬
‫ماذا؟‬
‫انتهت سادس لفة حول الرتاك‪ ..‬مازالتا عينا ماجد تدوران يف كل اجتاه‬
‫بحثًا عن نورا‪ ..‬فهي متثل الزهرة اجلميلة يف النادي‪ ..‬وكم رفضت خطا ًبا‬
‫حسبام سمعت‪ ..‬فأنا حمظوظ لدرجة كبرية إن وجدت لدهيا ً‬
‫قبول يل‪ ..‬وبدأنا‬
‫يل ً‬
‫أول احلصول‬ ‫كأصدقاء‪ ،‬واألن نحن احباب وأريد أن أخطبها لكن يتحتم ع ّ‬
‫ً‬
‫وأيضا ألننا سوف نعيش لدهيا‬ ‫نظرا ألهنا أمي‬
‫عىل رضاء أمي وموافقتها‪ً ..‬‬
‫يف بيتها‪ ..‬بدأ ماجد بالشعور بالتعب بعد أن وصل للفة التاسعة‪ ..‬وإذا به‬
‫يسمع صوتًا يأيت من خلفه‪ ..‬نعم هي‪ ..‬إهنا نورا‪ ..‬بط ّلتها اجلميلة وابتسامتها‬
‫املعهودة‪ ..‬تنظر إليه وتومئ برأسها بإشارة فهم منها أهنا تعني «نعم»‪.‬‬
‫***‬

‫‪63‬‬
‫استفاقت مروة لتجد نفسها يف رسير يف مشفي ومعلق يف يدها بعض‬
‫املحاليل‪ ..‬ورأسها مربوط وبعض أجزاء يف جسدها تؤملها‪..‬‬
‫جالسا عىل كريس بجوارها وهو نائم‪ ..‬نادته فلم‬ ‫ً‬ ‫نظرت لتجد أباها‬
‫مفزوعا وعىل وجهه آثار‬
‫ً‬ ‫ينتبه‪ ..‬نادته مرة أخرى بصوت أعىل‪ ..‬فإذا به ينتبه‬
‫التعب وكأنه مل ينم منذ أسابيع ومل يبدل مالبسه أو يتحمم‪ ..‬فرح العم زكريا‬
‫برؤيته مروة‪ ..‬ويبدو عليها آثار حتسن وأهنا تتحدث بوعي كامل ملا حوهلا‪..‬‬
‫سألته‪ :‬ماذا حدث‪..‬‬
‫اذكر أين كنت عائدة من املول إىل البيت وكنت أسري يف الطريق الذي كان‬
‫خاليا من املارة أو السيارات إال القليل وبعدها شعرت باصطدام من خلفي ومل‬
‫ً‬
‫أدر ماذا حدث بعدها‪ ..‬أهل هذا االصطدام كان من سيارة؟!!‬
‫أصدمتني سيارة‪ ..‬من أتى يب إىل هنا؟!! البد أهنا سيارة االسعاف‪..‬‬
‫أخربين يا أيب أصحيح أن صدمتني سيارة‪ ..‬وأكيد فر السائق امللعون بسيارته‬
‫وهرب من حتمل املسئولية‪ ..‬آه لو أعرف من هو هذا اللعني‪ ..‬البد من ابالغ‬
‫الرشطة عنه‪ ..‬أو ربام تكون سيدة مشغولة هباتفها‪ ..‬أو بإصالح زينة وجهها‬
‫وهي تقود السيارة بإمهال‪ ..‬أنسوين طعم القهوة الرائعة التي تناولتها‪..‬‬
‫فتح باب الغرفة‪ ..‬طل منه وجه عالء‪..‬‬

‫‪64‬‬
‫تفحصت مروة وجه عالء جيدً ا بعد أن دخل الغرفة واعتذر لعدة مرات‬
‫وكان العم زكريا ً‬
‫داعم ملوقف عالء فهو يرى فيه انسان حمرتم‪ ..‬اهتم بابنته‬
‫بعد احلادث‪ ..‬غري كثري من الناس عادة ما ينتاهبم اخلوف فيقررون اهلرب‬
‫والنجاة بأنفسهم بعيدً ا عن حتقيقات الرشطة أو ابتزاز املصاب وطلب األموال‬
‫كتعويض مع نفقات العالج‪..‬‬
‫بعد أن جالت مروة وصالت يف مالمح عالء وتفاصيل بنيانه‪ ..‬مل تكن‬
‫سعيدة‪ ..‬فهي طاملا حلمت بشاب مجيل‪ ..‬وسيم‪ ..‬مهندم‪ ..‬يعرف كيف‬
‫يرتدي عىل أحدث املوضات‪ ..‬فإذا هبا جتد عالء غري وسيم قصري إىل حد ما‬
‫غري مهندم‪ ..‬وبه نظرات حائرة غري مرحية‪..‬‬
‫تبادال احلديث وكان العم زكريا يشرتك معهام يف احلديث أحيانًا وأحيانًا‬
‫أخرى يقدم احللوى والعصري لعالء أو يذهب إىل الكافترييا إلحضار أكواب‬
‫الشاي الساخنة‪..‬‬
‫علمت مروة أن سيارة عالء من املاركات املعروفة الباهظة الثمن وأن‬
‫متجرا للمالبس بوسط البلد‪ ..‬وأنه وحيد ابويه و ميسور احلال‬
‫ً‬ ‫أباه يمتلك‬
‫إىل حد بعيد‪..‬‬
‫غنيا‬
‫هذا ما كانت مروة حتلم به وتصبو دوما إليه‪ ..‬أن تتزوج من رجال ً‬
‫فتحيا حياة صفوة املجتمع‪ ..‬تشرتى ما تريد وتأكل ما تشتهي وترتدي افخم‬
‫الثياب من اشهر بيوت االزياء ‪ ..‬وأن يكون هلا منزل عرصي به كل ما حتلم‬
‫ً‬
‫وأيضا يكون هذا الزوج مجيل الشكل والصورة‪ ..‬وسيم‪..‬‬ ‫به وحتتاجه اليه‪..‬‬

‫‪65‬‬
‫تتفاخر به أمام أصحاهبا وأقارهبا‪ ..‬طويل‪ ..‬أبيض ذو عينان خرضاوان أو‬
‫زرقاوان بشعر بني فاتح أو أشقر‪..‬‬
‫ولكنها تعلم جيدا أن اإلنسان ال يتحصل عىل كل يشء‪ ..‬وعليها أن ختتار‬
‫إما الوسامة ام املال‪ ..‬وقبل أن جتيب عن هذا السؤال تبادر إىل ذهنها أهنا تراه‬
‫وتتحدث معه للمرة األويل‪ ..‬فهي ال تعلم عن حياته اخلاصة شي ًئا‪ ..‬ربام يكون‬
‫متزوجا ولديه أوالد أو مطلق‪ ..‬أو كاره للنساء وحيمل بداخله من‬
‫ً‬ ‫خاطبا‪ ..‬أو‬
‫ً‬
‫العقد الكثري‪..‬‬
‫كيف يل أن افكر فيه كرجل املستقبل‪ ..‬وأنا بالكاد أعرف اسمه وعدد‬
‫االعتذارات التي قدمها‪ ..‬وليست لدي الشجاعة الكافية أن اسأله يف هذه‬
‫األمور الشخصية ولكن كل ما استطيع فعله اآلن أن أحاول النظر إىل أصابع‬
‫يده إن كان يرتدي خا ًمتا للزواج‪ ..‬ويف اليد اليمني أم اليرسى‪ ..‬نظرت فإذا به‬
‫واضعا يديه يف جيوب رسواله‪..‬‬
‫ً‬ ‫واقف مكانه‬
‫قالت لعالء‪ ..‬اتفضل العصري يا استاذ عالء وقطعة من الشكوالتة‬
‫فأجاب أنه أخذ بالفعل‪ ..‬أرصت أن يستزيد ويأخذ مرة أخرى ألنه فأل غري‬
‫حسن أن يرفض طلبها‪..‬‬
‫لبى طلبها‪ ..‬أخرج يده‪ ..‬فكانت كلتا يداه خاوية من أي خاتم زواج‪..‬‬
‫شعرت باالرتياح فقررت نصب شباكها حوله‪ ..‬فإنه عريس لقطة كام يطلق‬
‫البعض‪ ..‬التنازل عن الشكل ممكن لكن التنازل عن املال واحلياة املرحية فإنه‬
‫أمر غري حمتمل وال تنازل عن رغد العيش إطال ًقا‪ ..‬كفى ما ضاع من حياهتا‪..‬‬
‫منذ سنني وهي حتيا حياة يقولون عنها "مستورة"‪ ..‬لكن هي ال تراها كذلك‪..‬‬

‫‪66‬‬
‫إهدارا للعمر وحرمان ما بعده حرمان‪ ..‬ملاذا يتمتع األخرين بحياة‬
‫ً‬ ‫هي تراها‬
‫ال نعرف عنها إال القشور‪ ..‬ملاذا أمر من أمام مطاعم الكباب الشتم رائحة‬
‫الدخان فقط‪ ..‬يسيل لعايب وال استطيع تذوقها واالستمتاع هبا‪..‬‬
‫لدي مقومات مجالية أنثوية غري متوفرة‬
‫أنا لست أقل من أناس كثريين‪ّ ..‬‬
‫لكثري من اإلناث‪ ..‬وهذا وحده كفيل ليلهث ورائي هذا العالء‪..‬‬
‫سأجعله بال قدرة او استطاعة ان يقاومني‪ ..‬هو جيذبني بأمواله وأنا‬
‫أصيبه بلوثة من جنون أنوثتي ومجايل‪..‬‬
‫كان عالء ينظر إليها وال يشء جيول يف باله إال كيفية اخلروج من هذه‬
‫الورطة حيث كان ينتظر وصول أمني الرشطة باألوراق الرسمية وبمحرض‬
‫صلح حيصل به عالء عىل الضامن أن مروة لن تقاضيه حيث أهنم تصاحلوا‬
‫ويقفل املحرض ويذهب ليعالج أموره مع أبيه‪ ..‬خاصة أنه مل يذهب إليه‬
‫باألمس ليحصل عىل رضاه واليوم انتصف النهار ويود عالء أن يذهب إىل‬
‫أبيه يف املساء فيصلح ما أفسده عليه رشيف‪ ..‬ولكن أخت رشيف نورا ظهرت‬
‫يف الوقت املناسب‪ ..‬لعيل استخدم مروة إلذالل نورا وبالتايل إذالل رشيف‬
‫ً‬
‫توكيل معتمدً ا‬ ‫وأبيه اللذان يرفعان راية الصح والصحيح‪ ..‬وكأهنام فقط لدهيام‬
‫لتحديد ماهية الصح والصحيح لألشياء‪ ..‬فكلام اسمع حديثهام الذي ال خيلو‬
‫من تلك العبارة ال يصح إال الصحيح‪ ..‬أكاد أجن واتساءل ‪..‬من اعطاكام‬
‫احلق يف حتديد الصحيح لألشياء‪ ..‬فربام صحيحكم ال يتناسب ويتامشى مع‬
‫صحيحي‪ ..‬لقد مللت وشعرت باإلعياء من كل هذه األحداث الرسيعة‬
‫املتعاقبة التي حتدث حويل بد ًءا من اخلروج للنزهة مع تلك الفتاة اللعينة التي‬

‫‪67‬‬
‫بالكاد أذكر اسمها إىل هذه املروة الراقدة أمامي والتي ظهرت كشيطان فجأة‬
‫بال مقدمات أمام سياريت أنا‪ ..‬وملاذا أنا‪ ..‬إذا أردت اهلالك وأن تلقي بنفسك‬
‫إىل التهلكة فلتذهبي وهتلكني‪ ..‬لكن بعيد عن طريقي وبعيدً ا عن سياريت‪..‬‬
‫ويف هذه اللحظات استأذن أمني رشطة يف الدخول ومتم اجراءات حمرض‬
‫الصلح‪ ..‬تنفس عالء الصعداء طار ًدا عنه شبح دخوله النيابة فاملحكمة فالبدلة‬
‫الزرقاء‪ ..‬فالسجن‪..‬‬
‫***‬

‫‪68‬‬
‫جلست نورا مع ماجد جلسة مطولة ترشح له ملاذا غادرت وملاذا غابت يف‬
‫الرد عليه‪ ..‬حيث حريهتا كانت هي الغالبة عليها واملتسببة يف تأجيل قرارها‪..‬‬
‫لكن اطمئن ال استطيع رد طلبك وأنا أكثر تشو ًقا للقاء والدتك والتقرب إليها‬
‫واالستمتاع بحديثها‪..‬‬
‫هم ماجد أن يطلعها عىل طبيعة شخصية األم وما هي مقبلة عليه من قنابل‬
‫َّ‬
‫موقوتة مزروعة يف كل مكان يف بيتهم‪ ..‬أي أهنا مقبلة عىل اختبار هيئة واختبار‬
‫طاعة وبداية مرشوع خادمة ألمه املحبة لألكل وعدم احلركة‪ ..‬الشاكية طوال‬
‫الوقت‪ ..‬الناقدة الفاحصة املحللة لشخصيات من حوهلا‪ ..‬فإما يكون هذا‬
‫الشخص يكرهها أو طامع فيام عندها من مال‪..‬‬
‫ظل ماجد صامدً ا عىل سكوته وعدم البوح بامهية املهمة املقبلة عليها نورا‬
‫يف بيته‪ ..‬فكلام هم ليرشح هلا‪ ..‬ختيلها تنتفض من مكاهنا وتغادره ً‬
‫ركضا بأقىص‬
‫ما لدهيا من رسعة إىل أن ختتفي وال يراها بعد اليوم‪ ..‬فهو عىل أتم االستعداد‬
‫لتحمل أي يشء إال فقداهنا‪ ..‬فهو يرى فيها زوجة املستقبل التي تليق بريايض‬
‫جيول عواصم العامل ومتتلئ املجالت الرياضية املتخصصة بصوره وتصبح‬
‫أخباره ملء السمع والبرص‪..‬‬
‫حددا موعدً ا يف مساء الغد لزيارة نورا‪ ..‬والذهاب إىل وكر األفاعي‪..‬‬
‫بيت ماجد وأمه‪..‬‬
‫***‬

‫‪69‬‬
‫ما أن وصل رشيف إىل مكان اقامته خلع عنه سرتته وأخرج هاتفه ليهاتف‬
‫«مايا»‪ ..‬ظل اهلاتف يصدر صوت رنان‪ ..‬ومل جيب أحد عىل الطرف اآلخر‪..‬‬
‫شعر رشيف بالضيق وأنه ربام ترسع‪ ..‬أكيد هي اآلن تنظر إىل رقم يظهر عىل‬
‫شاشة هاتفها وتدير رأسها‪ ..‬أتراها تستخف به‪ ..‬ربام‪ ..‬وربام مشغولة بغريه‪..‬‬
‫أو أهنا ال تذكره حيث إهنا كانت جمرد رحلة قطار وانتهت بوصول القطار إىل‬
‫حمطته النهائية فينزل الركاب كل يف طريقه‪ ..‬فال يدرك أحد من كان معه يف‬
‫نفس القطار منذ دقائق معدودة‪ ..‬وماذا عن استعامهلا هلاتفي‪..‬؟؟‬
‫آه تذكرت لقد كان هاتفها ال يعمل‪ ..‬ربام مل تستطع رشاء غريه‪ ..‬ولكنها‬
‫ذكرت يف حديثها أن لدهيا يف بيتها هاتف آخر زائد عن احلاجة‪ ..‬وأهنا سوف‬
‫تضع فيه الرشحية‪ ..‬وفجأة رن هاتف رشيف‪ ..‬نظر إىل رقم الطالب‪ ..‬إهنا هي‬
‫«مايا» حيث سجل رقم هاتفها يف قائمة األسامء باسم «فتاة القطار» ظهرت فتاة‬
‫القطار‪ ..‬رد رشيف وقلبه يرقص من الفرح وحاول أن ينظم أنفاسه ويكون‬
‫ً‬
‫متامسكا ال يظهر فرحته‪ ..‬وان يتأدب يف حديثه قدر اإلمكان‪..‬‬
‫تبادال احلديث‪ ..‬حيث شكرته يف البداية ملساعدته وتقديم العون هلا‬
‫لتستطيع االتصال بالسائق كي يقلها من املحطة‪ ..‬إىل أن تناقشا يف أمور كثرية‬
‫‪ ..‬الدراسة‪ ..‬األفالم املحببة لكليهام‪ ..‬السياحة والسفر‪ ..‬األماكن املفضلة‬
‫لكل منهام‪ ..‬اختلفا يف اشياء واتفقا يف اشياء أخرى‪ ..‬لكن كان هناك شيئان‬

‫‪70‬‬
‫اشرتكا يف حبهام‪ ..‬األول أن مايا متخرجة من كلية الفنون اجلميلة بالقاهرة‪..‬‬
‫فاآلن أصبح لرشيف موعدً ا مع خرجيات الفنون اجلميلة املحببني إىل نفسه‪..‬‬
‫اخته نورا التي حيبها ويقدرها‪ ..‬ومايا‪ ..‬التي مل يكن رشيف يعلم أنه‬
‫سوف هينأ ويعرف معني العشق احلقيقي بنسامت وجودها هتيم حوله‪..‬‬
‫أما األمر املشرتك األخر بينهام‪ ..‬هو حبهام للقهوة وملحل البن الربازييل يف‬
‫حمطة الرمل حتديدً ا‪ ..‬فقد أخذ رشيف عن أبيه حب مذاق القهوة وتعلم عيل‬
‫يديه فنون صنعتها وأنواعها وكل علم يتعلق هبا‪ ..‬ومنذ أن التحق باألكاديمية‬
‫البحرية التجارية باإلسكندرية‪ ..‬فقد صار عشقه رشب القهوة املقدمة‬
‫حتميصا وطح ًنا يف حمالت البن الربازييل العتيقة بمحطة الرمل‬
‫ً‬ ‫طازجة‪..‬‬
‫والتي تعد بمثابة أحد أهم معامل اإلسكندرية‪ ..‬هكذا كان رشيف دو ًما يقول‬
‫ألصحابه يف القاهرة يف أجازته األسبوعية‪ ..‬الغريب أن مايا‪ ..‬كانت تعشق‬
‫هذا املكان‪ ..‬وتستمتع برشب القهوة هناك‬
‫***‬

‫‪71‬‬
‫استعدت نورا يف حجرهتا ارتدت مالبس طويلة فضفاضة‪ ..‬رفعت‬
‫شعرها ألعيل وارتدت بعض احليل البسيط‪ ..‬ووضعت القليل من املساحيق‪..‬‬
‫وأمحر شفاه خفيف ‪..‬استقلت سيارة أجرة وطلبت من السائق أن يذهب هبا‬
‫إىل أحد حمالت الزهور قبل إيصاهلا إىل العنوان القابع به بيت ماجد‪..‬‬
‫انتقت باقة من الزهور املتنوعة األشكال واأللوان‪ً ..‬‬
‫فعل زهور رقيقة‬
‫وساحرة يفوح منها عبري هييم بالروح وحيلق إىل آفاق بعيدة تنسى معها مهوم‬
‫ذاهبا إىل جنة اخللد‪..‬‬
‫احلياة وكأنك غادرت كوكب األرض ً‬
‫هذا ما يفعله عبري ولون الزهور بوجدان وقلب نورا الرقيق املرهف‪..‬‬
‫وقبل أن تغادر حمل الزهور‪ ..‬فكرت أن تشرتي ً‬
‫أيضا مزهرية تليق بتلك الباقة‬
‫الرائعة‪ ..‬حس ًنا فكرة جيدة ً‬
‫فعل اشرتت وطلبت من البائع أن يغلفها تغليف‬
‫هدايا بعناية وتنمق‪..‬‬
‫وقفت نورا أمام شقة ماجد‪ ..‬ضغطت عىل زر اجلرس‪ ..‬فسمعت من‬
‫ينادي من الداخل بصوت مسموع ملن يف اخلارج‪« ..‬انت يازفت افتح الباب‪..‬‬
‫أمل تسمع اجلرس» دق قلب نورا بشدة‪ ..‬أترى من يقول تلك الكلامت الفظة‪..‬‬
‫ربام صوت من التلفاز‪ ..‬ولكن كيف عرف وتزامن ذلك الصوت مع رناهتا‬
‫جلرس الباب‪..‬‬

‫‪72‬‬
‫طردت نورا تلك األفكار خارج رأسها يف اللحظة التي فتح فيها ماجد‬
‫ً‬
‫حماول‬ ‫الباب بجسده الضخم ليسد فتحة الباب ويكاد بعض الضوء املشع‬
‫الظهور من بني أذرعه‪ ..‬القت عليه التحية‪ ..‬رحب هبا أشد الرتحيب وأخفي‬
‫ما بداخله من هلع وخوف من تلك املقابلة وكعادة كل الناس وضع يده عيل‬
‫ً‬
‫متمتم «ربنا يسرت»‪..‬‬ ‫قلبه وهو يغلق الباب خلف نورا‬
‫ابتسمت احلاجة نعامت‪ ..‬ابتسامة يف وجه نورا من الصعب تفسري‬
‫ً‬
‫وسهل‪ ..‬رشفتينا‪ ..‬تفضيل اجليس‬ ‫معناها‪ ..‬مدت يدها مصافحة نورا‪ً ..‬‬
‫أهل‬
‫عىل الكريس أمامك خليني أشوف كويس‪..‬‬
‫بالغ ماجد يف الرتحيب بنورا مستخد ًما كل العبارات التي يسمعها عند‬
‫الرتحيب بالضيوف‪ ..‬استمرت اجللسة يف حدود الساعتني خرجت بعدها نورا‬
‫من بيت ماجد فرحة وشعرت أهنا يف أمان بني ترحاب احلاجة نعامت وحفاوة‬
‫ماجد‪ ..‬شعرت بارتياح ولكنها مل تكن تعلم أهنا مشاعر مزيفة مترسعة وأن‬
‫جدران هذا البيت سوف تشهد عىل بداية خفوق واهنيار شمس نورا‪..‬‬
‫دخل ماجد حجرته وهو يف غاية السعادة أن املقابلة متت عىل خري وكانت‬
‫أمه لطيفة للغاية مع نورا‪ ..‬مرحبة مبتسمة عىل غري عادة‪ ..‬شعر بسعادة غامرة‬
‫وأن حلمه يف الزواج من نورا يقرتب‪ ..‬وفجأة استفاق من أحالمه عىل صوت‬
‫أعىل من زئري الطائرات‪« ..‬انت يازفت» فقد كانت هذه هي الطريقة والعبارة‬
‫املحببة للحاجة نعامت للنداء ملاجد‪..‬‬
‫"جايبلنا ورد‪ ..‬ورد‪ ..‬وإيه ده كامن‪ ..‬فــازة‪ ..‬أعمل بيهم إيه مش‬
‫كانت جابت حاجة تتأكل أحسن أو شوية مكرسات اتسىل بيهم»‪ ..‬بنات‬
‫مابتفهمش‪ ..‬إحنا بقى حاناكل الورد ده مشوي وال مقيل‪..‬‬

‫‪73‬‬
‫حتولت احلاجة نعامت بعد أن خلعت عنها قناع الوداعة وعادت إىل‬
‫صورهتا األصلية بعد خروج نورا من باب البيت ونفضت عنها ثوب الود‬
‫واحلب واألم احلنون الذي ارتدته مؤق ًتا إرضاء ملاجد بعد أن قىض ساعات‬
‫يستجدهيا ويستعطفها أن حتسن مقابلة نورا وترحب هبا غاية الرتحيب‪..‬‬
‫ذاك الثوب القابض عىل أنفاسها‪ ..‬تكاد روحها خترج من بني جنباهتا بسبب‬
‫دورا‬
‫التكلف الزائد التي كانت فيه‪ ..‬فكانت كممثل عىل خشبة املرسح يؤدي ً‬
‫يكرهه‪ ..‬فيتمنى الساعة التي تأيت ويسدل الستار وتنتهي املرسحية وينتهي‬
‫دوره‪ ..‬وال هيتم إن صفق له اجلمهور أم ال فشغله الشاغل واملستحوذ عىل‬
‫دورا يمقته بشدة‪..‬‬
‫تفكريه هو إهناء اداء ً‬
‫استقلت نورا سيارة أجرة إىل منزهلا‪ ..‬تشعر بالفرح والسعادة وكأهنا‬
‫صعبا ويف الغد سوف تعرف النتيجة من ماجد عندما تسأله‬
‫ً‬ ‫اجتازت امتحانًا‬
‫عن رأي أمه فيها‪ ..‬لكنها تشعر من خالل األحاديث املتبادلة أن احلاجة نعامت‬
‫مبسوطة منها‪..‬‬
‫واألن يا أيب‪ ..‬يا سيادة العميد‪ ..‬حان الوقت أن أصارحك بام أخفيت‬
‫عنك‪ ..‬أول مرة أقدم فيها عىل اخفاء يشء عنك‪ ..‬وآخر مرة‪ ..‬حان الوقت‬
‫ألحكي‪ ..‬وتلتمس يل األعذار‪ ..‬فأنا متعلقة بتالبيب عقلك وحكمتك‪..‬‬
‫إنك سوف تلتمس يل العذر وتساحمني‪ ..‬ربام أخطأت فيام أقدمت عليه‪ ..‬كان‬
‫ع ّ‬
‫يل أن أستأذن وأرشكك معي فيام جيرى‪ ..‬لكن البنات يا سيادة العميد هلا‬
‫خماوف‪ ..‬وحالة من التفكري ختتلف بعض اليشء عنكم أنتم عامل الرجال‪..‬‬
‫اجلامد‪ ..‬العامل عقله و مراعاة األصول يف كل يشء‪..‬‬

‫‪74‬‬
‫هكذا كانت تتخيل نورا حديثها ألبيها وهي يف السيارة األجرة إىل أن‬
‫وصلت أمام منزهلا‪..‬‬
‫صعدت مرسعة‪ ..‬دخلت إىل البيت تبحث عن سيادة العميد‪ ..‬سمعت‬
‫صوت السيدة أم كلثوم يأيت من الرشفة‪ ..‬تشدو بأغنية «اسأل روحك»‬
‫فأدركت أن سيادة العميد يف أحسن حال ومزاجه صايف‪ ..‬فهي تعلم كم‬
‫حيب أباها االستامع إىل أغاين أم كلثوم‪ ..‬وأن هذه األغاين هلا أعظم األثر يف‬
‫حتسني مزاجه وسعادته‪ ..‬وهذا ما شجعها وأعطاها الضوء األخرض أن الوقت‬
‫مناسب للحديث معه‪ ..‬فامذا لو غضب من ترصفها‪ ..‬فتكون بذلك تسببت يف‬
‫تعكري صفوه ومزاجه‪ ..‬أقول له‪ ..‬أم ال‪ ..‬هي احلرية‪..‬‬
‫نفس احلرية التي انتابتني باألمس‪ ..‬قبل الذهاب إىل املقابلة‪ ..‬واآلن‬
‫تنتابني وتلبسني نفس احلرية بعد عوديت‪ ..‬لكن جيب أن أكون حازمة يف‬
‫قرارايت‪ ..‬سأخربه باألمر وليكن ما يكون‪ ..‬إذا تناقش معي هبدوء ّقبلت يده‬
‫ومرت األزمة عىل خري‪ ..‬وإذا غضب سأهرب إىل املطبخ واستعني بأمي لتلعب‬
‫دور الوسيط بيننا وترقق فؤاده ع ّ‬
‫يل‪ ..‬أليس اسمه فؤاد‪ ..‬أي قلب‪ ..‬أطيب‬
‫يل‪ ..‬وال أطيق أن أخذله‪ ..‬فهو ً‬
‫دائم‬ ‫وأحن قلب يف الدنيا‪ ..‬أنا ال أطيق غضبه ع ّ‬
‫يتوسم ّ‬
‫يف اخلري والعقل الراجح وإعامل العقل للوصول إىل الصواب‪..‬‬
‫اجتهت نورا صوب الرشفة وتنحنحت‪ ..‬تنحنحت ثانية بصوت أعىل‪..‬‬
‫سارحا مع األغنية‪..‬‬
‫ً‬ ‫انتبه العميد فؤاد‪ ..‬بعد أن كان مغمض العينني‬
‫"تعايل يا نورا‪ ..‬اسمعي معايا الست" بس قويل ملامتك تعمل لنا شاي‬
‫بالنعناع وأجليس بجواري‪..‬‬

‫‪75‬‬
‫تشجعت نورا‪ ..‬وبدأت يف رسد ما حدث هلا بالتفصيل إىل وصوهلا للبيت‬
‫بعد انتهاء املقابلة‪ ..‬ثم استطردت قائلة‪ ..‬استحلفك باهلل يا أيب أال تغضب‬
‫مني‪ ..‬اعذرين‪ ..‬فأنا ترصفت من منطلق عقيل واختذت قراري بعد أن اهتديت‬
‫بعد طول تفكري أنه ال ضري مما حيدث‪..‬‬
‫سكت األب للحظات ثم وضع يده احلانية عىل كتف نورا وضمها ً‬
‫قائل‪:‬‬
‫أنا ثقتي فيك كبرية وإن كنت ً‬
‫دائم أطلب منك االستئذان‪ ..‬فهذا فقط خلويف‬
‫عليك ومحايتك‪ ..‬وليس تقليل من ثقتي فيك أو يف رجاحة عقلك أنا أكيد‬
‫كنت أمتني أن تصارحيني من البداية وترشكيني معك‪ ..‬لكن تعودنا يف اجليش‬
‫ً‬
‫ودائم اإلنسان يتعلم من أخطائه‪..‬‬ ‫أن نعطي فرصة ملن أخطأ‪..‬‬
‫لكن يا نورا ِ‬
‫أنت الزم تدعي ماجد للحضور إىل بيتنا ومعه والدته لو‬
‫أمكن للتعارف‪ ..‬أنا واثق من اختيارك لكن دعيني أراه وأجلس معه ألطمئن‬
‫عليك وإن سارت األمور بخري‪ ..‬نفرح بيك ونخلص منك يف نفس الوقت‪..‬‬
‫ابتسام سو ًيا وحتولت اجللسة يف الرشفة إىل ضحك ونكات بعد أنه بدأت‬
‫بخوف ورهبة وتردد‪ ..‬ظلت نورا قابعة يف حضن أباها احلنون‪ ..‬إىل أن دخلت‬
‫مدام ‪ /‬كريمة‪ ..‬األم بأكواب الشاي بالنعناع‪..‬‬
‫***‬

‫‪76‬‬
‫قابعا يف السيارات لدقائق‬
‫أوقف عالء سيارته أمام متجر املالبس‪ ..‬ظل ً‬
‫يفكر كيف يبدأ حديثه‪ ..‬وبامذا يعلل كل ترصفاته املشينة وأخطاءه‪ ..‬وفجأت‬
‫طرأت يف رأسه فكرة‪ ..‬وضع يده داخل حقيبته الصغرية وأخرج منه صورة‬
‫ضوئية من حمرض التصالح بينه وبني مروة‪ ..‬أشار إليه ً‬
‫قائل أنت املنقذ‪..‬‬
‫دخل إىل املتجر‪ ..‬سأل أحد العاملني عن أبيه‪ ..‬أجاب أنه يف الطابق‬
‫ً‬
‫منهمكا يف استعامل اآللة احلاسبة إلجراء‬ ‫العلوي يف املكتب‪ ..‬حيث كان األب‬
‫بعض احلسابات اخلاصة بتوريدات املالبس اجلاهزة‪ ..‬وقف عالء أمامه‬
‫للحظات‪..‬‬

‫انتبه األب‪ ..‬نظر إىل عالء نظرة لوم‪ ..‬وغضب‪ ..‬عتاب‪ ..‬وغضب‪..‬‬
‫حزن‪ ..‬وغضب‪ ..‬تساؤالت‪ ..‬وغضب‬

‫أخذ عالء يف استعامل أسلوب اللف والدوران يف حديثه مع ابيه عن اجلزء‬


‫اخلاص برتكه العمل للتنزه مع فتاة‪ ..‬واألب يستمع إليه وهو غري مصدق أيا‬
‫من كلامته‪ ..‬إىل أن جاء عالء إىل املرحلة التالية‪ ..‬حادثة السيارة وقرر أن حيكيها‬
‫بشكل درامي ينتزع معه عطف وحنان األب وحيرك مشاعر اخلوف عىل ولده‬
‫لديه‪« ..‬اسكت يابا مش أنا عملت حادث وكدت أن أذهب إىل السجن» فإذا‬

‫‪77‬‬
‫باألب يفاجئ عالء برده املتسم بالربود الشديد وسخرية أشد‪« ..‬ها‪ ..‬ماذا‪..‬‬
‫صدمت نملة أم ذبابة»‪..‬‬
‫كفاك كذ ًبا‪ ..‬عيناك تفضحك‪ ..‬حتى الكذب فأنت فيه فاشل‪..‬‬
‫نظر عالء إىل األرض وكان مستعدً ا للحظة تكذيب األب له‪ ..‬فأخرج‬
‫صورة حمرض الرشطة بالتصالح‪ ..‬مد يده به إليه ً‬
‫قائل‪" :‬اتفضل ده دليل صدق‬
‫كالمي"‪ ..‬لوال أن الفتاة وأباها ناس طيبني‪ ..‬كان زماين يف هبدلة من كل اجتاه‪..‬‬
‫فقد تنازلوا عن حقهام ورفضوا أي تعويض مايل‪..‬‬
‫قرأ األب صورة املحرض بعناية ثم قام من مكانه وربت عىل كتف عالء‬
‫ً‬
‫قائل‪ :‬انت ابني الوحيد‪ ..‬بحبك وأحيانًا أقسو عليك ملصلحتك ولكي يشتد‬
‫عودك‪ ..‬اعذرين‪ ..‬ومحدا هلل عىل سالمتك‪ ..‬تعاىل ننيس اليل فات‪ ..‬وارجع إىل‬
‫عملك‪ ..‬وكل حاجة تكون أفضل إن شاء اهلل‪..‬‬
‫انفرجت اسارير عالء وهدأ قلبه وابتسم ولسان حاله يقول‪ ..‬احتلت‬
‫املشكلة وبدون مساعدة هذا الرشيف اللعني‪..‬‬
‫وبدأ عالء يستعيد ما فاته من العمل يف اليومني املاضيني واستمع من أبيه‬
‫بتقرير وايف عن العمل‪..‬‬
‫***‬

‫‪78‬‬
‫البن الربازييل‪ ..‬هو املكان الذي شهد أول لقاء بني رشيف ومايا‪ ..‬جلسا‬
‫سويا ومها يرتشفان مرشوب الكابتشينو املحبب إليهام‪ ..‬وتبادال أطراف احلديث‬
‫وبعض النكات وبعد كل رشفة من فنجان القهوة اإليطالية ذو اللبن كثيف الرغوة‬
‫تشري مايا إىل فم رشيف أن هناك شار ًبا أبيض كام كانت تسميه‪ ..‬وهي بقايا رغاوي‬
‫احلليب ترتك عالمة عىل الشفاه العليا‪ ..‬تشبه الشارب الشائب للكهول‪..‬‬
‫كثريا ويف كل مرة تشري إليه مايا‪ ..‬تضحك ضحكة‬ ‫تكرر هذا األمر ً‬
‫يرقص هلا قلب رشيف‪ ..‬فلقد أحب ضحكتها وصوهتا‪ ..‬وتلقائيتها يف‬
‫كثريا ودائمة النظر‬
‫احلديث‪ ..‬حيث يصدر من قلبها‪ ..‬وأهنا تتحدث عن عملها ً‬
‫يف هاتفها وارسال بعض الرسائل واستقبال رسائل أخرى‪ ..‬ثم قام رشيف‬
‫بدوره باحلديث عن أهم الشخصيات يف حياته‪ ..‬سيادة العميد فؤاد صادق‪..‬‬
‫مؤخرا بينه وبني‬
‫ً‬ ‫وكيف هو متأثر بأخالقياته‪ ..‬وقيمه ثم حكي هلا ما حدث‬
‫وكم احلرية التي الزمته إىل أن اهتدي إىل طريق أبيه وارمتى بني‬
‫صديقه عالء ّ‬
‫مقنعا‬
‫أيضا‪ ..‬كيف كان األب ً‬ ‫أحضانه واستعان بعقله وحكمته‪ ..‬وحكي هلا ً‬
‫وموجها وخري معلم‪ ..‬فلم يسدي إليه النصائح ويكيل إليه الكلامت يف صورة‬
‫ً‬
‫لكامت‪ ..‬ترضبه يف رأسه ولكنه أجابه بموقف وحكاية حدثت بالفعل إبان‬
‫كان يف اخلدمة يف اجليش قبيل حرب أكتوبر العظيم‪ ..‬واستمر احلديث بينهام‬
‫ومها ال يشعران كم مر من الوقت‪..‬‬
‫***‬

‫‪79‬‬
‫غادرت مروة املشفى بعد أن متاثلت للشفاء ورصح هلا األطباء أهنا‬
‫فقط ستستمر يف تعاطي أقراص املضاد احليوي ملدة ثالثة أيام أخرى‪ ..‬لكنها‬
‫تستطيع ممارسة حياهتا بشكل طبيعي‪..‬‬
‫أصبح الشغل الشاغل ملروة هو كيف تتقرب من عالء‪ ..‬فلقد احتفظت‬
‫برقم هاتفه حني تبادال األرقام بعد أن تم التوقيع عىل حمرض الصلح‪ ..‬فأمسكت‬
‫هباتفها لتتحدث معه وختربه أهنا خرجت من املشفى وأهنا تتامثل للشفاء‪ ..‬فإذا‬
‫هبا تسأل نفسها‪ ..‬وهل سيهتم إذا خرجت من املشفى أم ال‪ ..‬ربام هو مشغول‬
‫بأموره‪ ..‬أو ربام أنه عىل عالقة مع فتاة أو عدة فتيات أخريات‪..‬‬
‫هي ترى نفسها مميزة ومتفردة من نوعها وأن من سيتزوجها سوف تُفتح‬
‫له أبواب السعادة‪ ..‬بام لدهيا وما تستطيع أن تقدمه إلسعاد من حيظى هبا‪ ..‬ربام‬
‫هو نوع من الغرور‪ ..‬لكن هذا ما تراه يف نفسها‪..‬‬
‫جانبا‪ ..‬شعرت أنه من العيب أن تبادر هي باالتصال‪..‬‬
‫وضعت اهلاتف ً‬
‫وماذا تقول وبامذا تعلل سبب املكاملة‪ ..‬ليس هناك ما يقال‪..‬‬
‫أطالت التفكري واهتدت إىل فكرة‪ ..‬األفضل أن أذهب إىل متجر املالبس‬
‫مدعية أنني قد دخلت بالصدفة ومل أكن أعلم أنه متجرهم‪ ..‬وربام اشرتي‬

‫‪80‬‬
‫بعض قطع املالبس من هناك ببقية النقود املتبقية منذ يوم ذهايب إىل ذلك املول‬
‫واملقهى اللعني‪ ..‬ليلة احلادث‪.‬‬
‫ساهرا إىل وقت متأخر من الليل يكمل بعض األوراق‬
‫ً‬ ‫ظل عالء‬
‫واحلسابات التي كانت معطلة فرتة غيابه‪ ..‬أغلق باب املتجر وظل هو يف‬
‫الداخل‪ً ..‬‬
‫حماطا بكم من الفواتري وأوراق البنوك وأوراق طلبيات وايصاالت‬
‫من مصانع املالبس‪ ..‬وإذا به يسمع طر ًقا عىل الباب‪ ..‬تعجب ألن املتجر مغلق‬
‫ومظلم عدا ضوء صغري يف املكتب يف الطابق العلوي‪..‬‬
‫مرسعا لينظر من يكون‪ ..‬فإذا برجالن خلف زجاج‬
‫ً‬ ‫هبط عالء الدرج‬
‫الباب يشريان إليه للتحدث إليه‪ ..‬فتح عالء الباب فدخال بدون استئذان‬
‫ودخلت خلفهم فتاة‪ ..‬نظر إليها عالء‪ ..‬نعم هي‪ ..‬هي الفتاة التي خرج للتنزه‬
‫معها يف ذاك اليوم املشئوم الذي أغضب والدي ع ّ‬
‫يل ومنح فرصة عظيمة‬
‫درسا يف الرشف واخللق القويم‪..‬‬
‫لرشيف برفض طلبه وتلقينه ً‬
‫واضحا اهنام أتيا الفتعال‬
‫ً‬ ‫ترصفا الرجالن مع عالء بحامقة وعنف وكان‬
‫مشكلة معه حيث أخرباه أن تلك الفتاة هي اختهام الصغرى وأنه قد غرر هبا‪..‬‬
‫وتأثرت سمعتها بخروجه معها وأن بعض اجلريان رأوهم سو ًيا وأصبحت‬
‫مثار حديث يف احلي الشعبي الذي يسكنون فيه‪..‬‬
‫حاول عالء أن يتناقش معهام يف هدوء لكنه ملح يف اعينهام بوادر غضب‬
‫وغدر‪ ..‬غافلهام وفر هار ًبا من باب املتجر وتركهم يف الداخل ركض إىل‬
‫مرسعا‬
‫ً‬ ‫مرسعا‪ ..‬خرجوا ثالثتهم وركضوا خلفه لكنه استطاع أن يقود‬
‫ً‬ ‫سيارته‬

‫‪81‬‬
‫قبل وصوهلم إىل باب سيارته‪ ..‬فركضوا مرسعني إىل سيارهتم القديمة وقادوا‬
‫خلفه‪..‬‬
‫تقريبا رغم‬
‫قاد عالء السيارة بأقىص رسعة ممكنة وهم خلفه بنفس رسعته ً‬
‫ان سيارهتم من النوع القديم‪..‬‬
‫انعطف عالء جهة اليمني مرة وجهة اليسار مرة وهم خلفه ويقرتبون‬
‫رسيعا وعينه عىل عداد‬
‫ً‬ ‫وأصبحوا عىل وشك اللحاق به وبدأ قلبه يدق‬
‫الوقود‪ ..‬فلم يكن لديه من الوقود الكثري وكان ينوي بعد أن يفرغ من عمله أن‬
‫يذهب إىل أقرب حمطة وقود مليلء خزان السيارة‪..‬‬
‫استدار عالء جهة اليمني فجأة وبرسعة عالية مل يستطع معها التحكم يف‬
‫السيارة فإذا هبا تنقلب ويغيب عالء عن الوعي‪ ..‬وقد فرت السيارة األخرى‬
‫مرسعة يف االجتاه املعاكس‪..‬‬
‫كان األستاذ مجال والد عالء يتحدث إىل زوجته والدة عالء عام دار بينهام‬
‫وأن املشكلة حلت بينه وبني عالء وإنه قد قرر فتح صفحة جديدة واعطائه‬
‫الفرصة كاملة إلثبات مدي جديته وحتمله للمسئولية‪ ..‬وعلقت األم‪ ..‬أهنا‬
‫دائمة القلق عليه حيث هو حظه قليل يف الدنيا فهي من الناس الذين يؤمنون‬
‫نظرا لضيق حظه وأنه‬
‫باحلظوظ وترى يف عالء أنه دائم الوقوع يف املشكالت ً‬
‫مسكني ً‬
‫دائم ما تقسوا عليه الدنيا‪..‬‬
‫وبينام مها يتبادالن احلديث‪ ..‬دق جرس التليفون بصوت من يبلغهام أن‬
‫عالء يف املشفى نتيجة تعرضه حلادث انقالب سيارته يف إحدى املناطق النائية‪..‬‬
‫رصخت األم قائلة‪« ..‬أمل أقل لك‪ ..‬ياعيني يا بني حظك يف الدنيا قليل»‪..‬‬

‫‪82‬‬
‫رصح األطباء لألستاذ مجال وزوجته أن عالء ليس يف حالة جيدة وأهنم‬
‫جيرون اإلشاعات والفحوصات الالزمة‪ ..‬حيث يتشككون يف أن عالء به‬
‫كرس يف الساق اليمني وخلع بالكتف‪ ..‬وبعض سحجات وردود بالقفص‬
‫الصدري‪..‬‬
‫كان األستاذ مجال بداخله غصة‪ ..‬شعر بتأنيب الضمري وأخذ يلقي اللوم‬
‫عىل نفسه أنه ربام زاد من قسوته عىل أبنه بعض اليشء جعلت تفكريه مشغول‬
‫وأراد تعويض ما فاته من عمل مرتاكم‪ ..‬فأرهق نفسه يف العمل وخفض من‬
‫ساعات نومه مما أدي إىل إصابته باإلرهاق وعدم الرتكيز‪..‬‬

‫فحدث ما حدث عند قيادته للسيارة‪ ،‬ومل يعي ما هو فيه من ارهاق وأكيد‬
‫كان هلذا كله التأثري عىل جهازه العصبي الذي مل يتخذ القرار السليم وقت‬
‫القيادة وعادة احلوادث حتدث يف ثواين معدودة‪ ..‬أنا املسئول‪ ..‬أنا السبب‪..‬‬
‫رحيم به إىل أبعد حد‪ ..‬أنا مل أكن هكذا من قبل‪ ..‬كنت ً‬
‫دائم‬ ‫ً‬ ‫كان جيب أن أكون‬
‫األب احلنون من أين أتت إىل كل تلك الغلظة‪ ..‬هل من اخطاء عالء املتكررة‬
‫أم عناده وعدم االنتباه او عدم طاعتي‪ ..‬هل كربيائي هو ما أدى يب إىل كل‬
‫هذا‪..‬‬
‫ال أعلم‪ ..‬ولكن كل ما أعلمه اآلن أن ابني الوحيد ملقى عىل رسير يف‬
‫املشفى‪ ..‬وأمه منهارة من البكاء وهذا كله بسببي أنا‪ ..‬نعم بسبب قسويت أنا‪..‬‬
‫***‬

‫‪83‬‬
‫ارتدت مروة مالبسها وتعمدت ان ترتدي ما هو ضيق ومظهر ملفاتنها‪..‬‬
‫رغم أهنا تسكن يف حي شعبي وربام تتعرض النتقادات من اجلريان وبعض‬
‫املعاكسات وهي تعلم أن العم زكريا أباها يرفض أن ترتدي مثل تلك املالبس‬
‫عطرا‪ ..‬هو العطر الوحيد‬
‫الضيقة غري املحتشمة من وجهة نظره‪ ..‬ثم وضعت ً‬
‫لدهيا‪ ..‬رخيص الثمن لكن يمكن أن يؤدي الغرض‪ ..‬أمام متجر املالبس‪..‬‬
‫تقف مروة ناظرة بعينيها إىل األعىل لتقرأ عىل يافطة املتجر‪..Jimmy’s Fashion‬‬
‫اعجبتها اليافطة‪ ..‬فعرفت أهنا ترجع إىل اسم «مجال» والد عالء وصاحب‬
‫املتجر‪..‬‬

‫دلفت إىل الداخل متصنعة والعبة دور أهنا زبونة تريد رشاء مالبس‪..‬‬
‫دارت بعينيها يف املكان‪ ..‬املتجر مكون من طابقني يربطهام درج ضيق‪..‬‬
‫منسق بعناية‪ ..‬توجد اثنتان من العامالت‪ ..‬ولكن أين عالء‪ ..‬ربام يف الطابق‬
‫العلوي‪ ..‬ترى ما هي وقع املفاجأة عىل عالء إذا رأى مروة أمامه‪..‬‬

‫زبونة ترغب يف رشاء مالبس هلا‪ ..‬هل يمنحها بعض قطع املالبس جمانًا‬
‫أم ببعض التخفيض‪ ..‬أو ربام يتجاهلها‪ ..‬فقد انتهت قصة خوفه ورعبه من‬
‫التحقيقات وربام السجن‪ ..‬بعد أن وقع حمرض الصلح واحتفظ بنسخة مصورة‬

‫‪84‬‬
‫منه‪ ..‬فهو مل يعد بحاجة يل ومل يعد أن يكون رقيقًا مهذبا مستعط ًفا وينطق‬
‫بكلامت االعتذار بني احلني واآلخر‪..‬‬
‫تظاهرت بالبحث عن بلوزة‪ ..‬ثم انتقلت إىل قسم الرساويل وبعدها إىل‬
‫ويسارا باحثة عن عالء‪ ..‬أين هو ربام يف‬
‫ً‬ ‫السرتات ويف كل مرة تتلفت يمنيا‬
‫الطابق األعىل‪ ..‬وبينام هي تفكر فيه وبمكان وجوده إذا بإحدى العامالت‬
‫األنيقات تأيت من خلفها وتعرض عليها املساعدة إذا أرادت أو أهنا تبحث عن‬
‫مقاس مل جتده فربام حترضه هلا من املخزن‪ ..‬فإذا بمروة تتشجع وتسأهلا بشكل‬
‫مبارش وبدون مقدمات‪ ..‬فهي تعرف الوصول إىل أهدافها من أقرص الطرق‬
‫بال تردد أو خجل أو حتى إعادة تفكري وأعامل العقل‪« ..‬أين األستاذ عالء»؟‬
‫بدت عالمات الدهشة عىل وجه العاملة‪ ..‬إذ كان سؤال مروة مفاجأة‬
‫هلا فقد ظنت أهنا ربام تسأهلا عن لون معني أو موديل أو مقاس أو غري ذلك مما‬
‫خيص رشاء املالبس أو حتى السؤال عن األسعار‪..‬‬
‫أجابت العاملة ببعض الالمباالة‪« ..‬إنه ليس هنا»‪ ..‬استمرت مروة يف‬
‫لدي موعد معه»؟‪ ..‬أجابتها‬
‫أسلوهبا املبارش‪ ..‬فسألتها ثانية‪« ..‬أين هو‪ّ ..‬‬
‫العاملة‪« ..‬لألسف لن يستطيع املجيء للموعد»‪ ..‬مروة‪« :‬ملاذا»؟ ‪ ..‬العاملة‪..‬‬
‫«إنه حمجوز باملشفى‪ "..‬مروة‪" ..‬ماذا‪ ..‬ماذا حدث له أنا التي كنت حمجوزة‬
‫باملشفى"‪ ..‬قضب جبني العاملة التي ال تفهم ما تقوله مروة لكنها أجابتها أنه‬
‫تعرض حلادث سيارة‪ ..‬انقلبت عىل إثرها سيارته وهو اآلن خيضع للعالج‪..‬‬
‫اهنالت مروة بلهفة بعرشات األسئلة يف وجه العاملة‪ ..‬كيف هو؟‪ ..‬كيف‬

‫‪85‬‬
‫صحته؟‪ ..‬هل معه أحد؟‪ ..‬أين هي املشفى وما اسمها؟‪ ..‬ويف أي قسم أو‬
‫قريبا؟‪ ..‬هل سيعيش؟‪..‬‬
‫دور؟‪ ..‬وماذا قال األطباء؟‪ ..‬أخيرج ً‬
‫دخل إىل املتجر سيدتان فاستأذنت العاملة مروة يف الذهاب ملواصلة‬
‫عملها ومساعدة الزبائن‪ ..‬لكن مروة امسكتها من يدها ‪..‬استوقفتها قائلة آخر‬
‫سؤال‪ ..‬ما هو اسم املشفى‪..‬‬
‫***‬

‫‪86‬‬
‫اتفق ماجد ونورا عىل اللقاء للحديث عن مقابلة األمس وما جيب فعله‬
‫يف األيام القادمة‪..‬‬
‫تبادال احلديث يف خمتلف املجاالت‪ ..‬استفاض ماجد يف رسد احالمه‬
‫وأمنياته يف زوجة تشاركه حلمه وهدفه بأن يكون ً‬
‫بطل للعامل يف رفع األثقال‬
‫ً‬
‫وأيضا يف كامل األجسام وإن كل متطلباته وأحالمه يف زوجة املستقبل وجدها‬
‫يف نورا‪ ..‬ثقافتها‪ ..‬إجادهتا للغة األجنبية‪ ..‬مظهرها األنيق املرشف‪ ..‬شخصيتها‬
‫املرحة املحبوبة التي جتعل كل من يراها أن يكن هلا كل االحرتام والود‪..‬‬
‫جاء دور نورا لتبيح له برسها بأهنا طاملا حلمت برجل ضخم اجلثة ذو‬
‫عضالت قوي البنيان والشخصية تشعر معه باحلامية واألمان‪ ..‬تكون أصغر‬
‫وأضعف منه وتستمد قوهتا من قوته‪ ..‬وتستغل ضعفها الستاملته إليها‪..‬‬
‫اتفقا عىل ترتيب موعد واستئذان العميد يف زيارة ماجد إليهم وحده يف‬
‫البداية فإذا شعر بقبول من األرسة‪ ..‬حرض مرة أخرى بصحبة أمه والتقدم‬
‫بطلب يدها‪..‬‬
‫وافقت نورا قائلة‪ ..‬اترك يل أمر امليعاد سوف أحدده مع أيب وأخربك به‪..‬‬
‫وقضيا بقية اليوم يف حديث طويل وضحكات‪ ..‬وتناوال الغداء سو ًيا‪ ..‬وألغى‬
‫ماجد مرانه املسائي ليقيض الوقت مع نورا‪..‬‬

‫‪87‬‬
‫أصبحت قصتهام مثار احلديث يف النادي‪ ..‬وعرف اجلميع أهنام متحابان‬
‫ومقبالن عىل إعالن خطبتهام‪ ..‬ففرح من فرح‪ ..‬وحقد واستشاط البعض‬
‫اآلخر‪ ..‬حيث كانت نورا حمط اعجاب من اجلميع وكذلك ماجد كان ملف ًتا‬
‫لالنتباه بعضالته البارزة والظاهرة من خلف مالبسه الضيقة امللتصقة عىل‬
‫جسده‪..‬‬
‫***‬

‫‪88‬‬
‫جلس العميد يف حجرة املعيشة بجوار مدام كريمة فإذا به يقول‪ ..‬كربت‬
‫قريبا نفرح هبا إن شاء اهلل‪..‬‬
‫نورا‪ ..‬بقت عروسة‪ً ..‬‬
‫اجابته مدام كريمة‪ ..‬كيف عرفت أهو إحساس أم ماذا؟‪..‬‬
‫قص عليها العميد فؤاد ما دار بينهام هو ونورا باألمس ولوال حبه الشديد‬
‫هلا لغضب عليها بسبب إخفائها أشيا ًء هامة عنه ودخوهلا بيتا ال نعلم من فيه‪..‬‬
‫لكن احلمد هلل ربنا سرت‪ ..‬وأن ثقته كبرية فيها‪ ،‬ويعلم أن ماجد أكيد شاب ممتاز‬
‫طاملا وقع اختيار نورا عليه‪..‬‬
‫لقد أفنى عمره يف تربيتها وأخيها رشيف عىل أنه ال يصح إال الصحيح‪..‬‬
‫***‬

‫‪89‬‬
‫توجهت مروة إىل املشفى حيث يعالج عالء من آثار حادثة انقالب‬
‫سيارته‪ ..‬صعدت إىل غرفته‪ ..‬طرقت الباب‪ ..‬دخلت والقت التحية عىل‬
‫األستاذ مجال وحرمه وعرفتهم بنفسها‪ ..‬كان األستاذ مجال وحده يعلم بقصة‬
‫حادثة مروة املتسبب فيها ابنه عالء وأهنا آثرت الصلح إلنقاذ ابنه من حتقيقات‬
‫النيابة‪ ..‬وكان األستاذ مجال قد أخفى كل تلك األحداث عن زوجته والدة‬
‫عالء الراقد يف رسيره أمامهم‪..‬‬
‫عندما سمعت والدة عالء ما تقوله مروة أهنا الفتاة التي صدمها عالء‬
‫بسيارته‪ ..‬أجابتها‪ ..‬أكيد حرضتك خمطئة‪ ..‬عالء ابني مل يصدم أحدً ا‪ ..‬لكنه‬
‫هو من انقلبت به سيارته‪ ..‬ربام اشتبه عليك األمر واحلجرات‪ ..‬يمكنك أن‬
‫ِ‬
‫ليدلوك عىل غرفة هذا الشاب الذي صدمك‪ ..‬وكيف‬ ‫تسأيل مكتب االستقبال‬
‫صدمتك سيارة وأنا أراك‪ ..‬اعذريني‪ ..‬بخري أمامي وال يوجد أثر إلصابة‪..‬‬
‫ال لكسور وال جروح وال كدمات أو سحجات‪..‬‬
‫اذهبي‪ ..‬اذهبي إىل مكتب االستقبال سوف يدلوك هناك‪..‬‬
‫وموجها حديثه إىل مروة‪..‬‬
‫ً‬ ‫مقاطعا زوجته‬
‫ً‬ ‫تدخل األستاذ مجال‬
‫تفضيل يا بنتي‪ ..‬اجليس‪ ..‬ترشيب حاجة‪ ..‬نظرت إليه زوجته يف تعجب‪..‬‬
‫بعني مليئة بالتساؤالت‪ ..‬وتتمتم ماذا جيري‪..‬‬

‫‪90‬‬
‫هل تعرف اآلنسة يا مجال‪ ..‬أجاهبا‪ ..‬نعم سوف أخربك ‪..‬أنا مل أرد فقط‬
‫أن أسبب لك اإلزعاج ألن كل يشء صار بخري‪..‬‬
‫استأذن األستاذ مجال مروة أن تكون عىل راحتها‪ ..‬وسوف يعود ً‬
‫حال‪..‬‬
‫مجيعا‬
‫سيذهب إىل الكافيرتيا إلحضار قهوة هلم ً‬
‫أشار إىل زوجته أن هتم واصطحبه إىل خارج الغرفة‪..‬‬
‫معا إىل الكافيرتيا وجلسا عىل أحد الطاوالت‪ ..‬قص عليها األستاذ‬
‫ذهبا ً‬
‫معقبا أن عالء صدم‬
‫مجال ما حدث لعالء قبل أيام من حادثة انقالب سيارته ً‬
‫فتاة وتسبب يف حادث وبعد أيام تسبب يف حادث آخر لنفسه‪..‬‬
‫جلست مروة أمام عالء‪ ..‬وهو يف غياب تام عن الوعي وحماط بمجموعة‬
‫من األجهزة واألنابيب وقدمه موضوع يف جبرية جبس ورأسه مربوط برباط‬
‫طبي‪..‬‬
‫نظرت مروة إىل عالء بعد أن اقرتبت من رسيره قائلة‪ ..‬لقد تبادلنا‬
‫األدوار‪ ..‬منذ أيام كنت أنا الراقدة هنا وأنت الزائر واملتسبب يف احلادث‪..‬‬
‫أنت من صدمني لكن اآلن واألدوار تبدلت‪ ..‬أنت الراقد هنا وأنا الزائرة‬
‫لكن لست املتسببة يف احلادث ومع ذلك لن أتركك إال معاىف متارس حياتك‬
‫كام كنت‪ ..‬لقد أصبحت شغيل الشاغل‪ ..‬فرصتي التي أرسلها يل اهلل ألبدأ‬
‫يف حتقيق أحالمي يف العيش املريح‪ ..‬أصبحت مرييض أنا‪ ..‬فأنا من ستكون‬
‫بجانبك‪ ..‬مترضك تعطيك دواءك‪ ..‬تطعمك يف فمك‪ ..‬كل احتياجاتك‬
‫أصبحت بني يدي وأنا أصبحت رهن إشارتك‪ ..‬فأنت رصت اآلن قدري‪..‬‬

‫‪91‬‬
‫عاد األب األستاذ مجال وزوجته إىل حجرة عالء‪ ..‬تغريت نربة األم مدام‬
‫وفاء متام التغري‪ ..‬فرحبت بمروة للغاية وقدمت اليها القهوة الساخنة وقطعة‬
‫من احللوى‪ ..‬وشكرهتا عىل معروفها مع عالء وقبول طلب التصالح وابعاد‬
‫ابنها عن خضوعه للتحقيقات أو الزج به يف السجن مع اللصوص والقتلة‬
‫وأن ابنها رقيق‪ ..‬مهذب‪ ..‬ال حيتمل أن يكون هذا مصريه‪ ..‬بجانب أنه االبن‬
‫والفرحة الوحيدة لدهيا يف الدنيا‪ ..‬وأنه يمثل الذراع اليمني ألبيه واملساعد‬
‫األول يف أعامهلم يف متجر املالبس‪ ..‬إن شاء اهلل تذهبني معنا إىل هناك يف إحدى‬
‫األيام‪ ..‬أنه متجر كبري ذو طابقني‪..‬‬

‫مل تعلم مدام وفاء ان مروة زارت املتجر قبل احلضور إليهم بأقل من‬
‫ساعتني‪ ..‬ثم استطردت مدام وفاء‪ ..‬لن أنسى لك معروفك هذا ما حييت‪..‬‬
‫وأرجو أن تلتميس يل العذر‪ ..‬يف الطريقة التي قابلتك هبا‪ ..‬مل أكن عىل علم بام‬
‫حدث لعالء‪ ..‬فلقد تعمد أباه أن خيفي عني أمر احلادثة واصطدام سيارته بك‬
‫يل من أي أخبار‬ ‫ً‬
‫ودائم ما خييش ع ّ‬ ‫نظرا لعلمه أين مريضة بارتفاع ضغط الدم‪..‬‬
‫ً‬
‫سيئة وخاصة إذا كانت متعلقة بعالء ابني وقطعة من قلبي وروحي‪..‬‬

‫ومرحبا بك‬
‫ً‬ ‫ولكن عندما علمت تأثرت لك بشدة‪ ..‬فأنت مثل ابنتى‪..‬‬
‫معنا يف أي وقت ويف أي مكان‪ ..‬فنحن أرسة صغرية ليس لنا من األقارب أو‬
‫املعارف الكثري‪ ..‬فأرجو أن تقبيل دعويت عىل الغداء يف أي مطعم قريب من‬
‫هنا‪..‬‬

‫‪92‬‬
‫إجابتها مروة أهنا ً‬
‫أيضا مدينة لعالء بالكثري‪ ..‬رغم أنه هو من أصاهبا لكنه‬
‫أظهر هلا وهي راقدة يف املستشفى الكثري من العطف واالهتامم ومل يرتكها حلظة‬
‫واحدة حتى ميعاد خروجها‪ ..‬وكم هو رقيق وحساس‪..‬‬
‫بالطبع كان حديث مروة ملفقًا بالكامل وخايل متا ًما عن أي حقيقة‬
‫وعار عن الصحة‪ ..‬فلم يزر عالء مروة إال مرتان فقط‪ ..‬األويل لالطمئنان‬
‫عىل وضعه القانوين حسب حجم إصابتها‪ ..‬واملرة الثانية يوم امتام املصاحلة‬
‫الستالم حمرض الصلح ليكون يف أمان من الناحية القانونية ويضمن أال يعود‬
‫أحدً ا عليه بالتقايض أو حتى طلب التعويض‪..‬‬
‫لكن مروة تعمدت أن تطوق رقبتها بجميل عالء كي تتسني وتتاح‬
‫هلا الفرصة أمام أمه وأبيه‪ ..‬أن ترد له اجلميل‪ ..‬أن تكون إىل جواره وتظهر‬
‫شهامتها وإخالصها ووفاءها‪ ..‬بذلك تكون األمور أسهل والطريق مفروش‬
‫بالورود ليصبح عالء هو الزوج الذي طاملا متنت‪ ..‬وتدخل متجر املالبس ليس‬
‫كزبونة ولكن كامرأة ابن صاحب املكان ويكون لدهيا حساب بأحد املصارف‪،‬‬
‫وتستخرج كارت الفيزا العجيب‪ ..‬املتصل مبارشة بمغارة عىل بابا ‪..‬‬
‫استمرت مروة يف احالمها وختيالهتا بينام مدام وفاء مل تتوقف عن‬
‫احلديث عن عالء وكم هو حساس وطيب وال يستحق كل ما حيدث له وكم‬
‫هي حمظوظة من سوف تكون من نصيبه‪ ..‬ويكون هو رجلها‪..‬‬
‫متادت مروة يف اخليال‪ ..‬ذهبت بأحالمها إىل أبعد مدى‪ ..‬فاخليال متاح‬
‫للجميع واحللم أمر مرشوع لكل الناس فقريهم وغنيهم‪ ..‬مجيلهم وقبيحهم‪..‬‬
‫لكن أحالم مروة كانت تشعرها بأمر آخر وهذا ما حادثت به ذاهتا‪ ..‬إن أحالم‬

‫‪93‬‬
‫الفقراء جمرد أحالم‪ ..‬يذهب هبا البعض إىل مكان وزمان يقلهم‪ ..‬لكن مروة‬
‫أحالمها قريبة التحقيق ومتلك شواهد عىل ذك‪ ..‬ها هو عالء‪ ..‬حلمها‪ ..‬راقد‬
‫أمامها بال حراك بال حول له وال قوة‪ ..‬وها هي أتت لتكن الراعية واملسئولة‬
‫طلبا وسوف يرفع‬
‫عن العناية به إىل أن يتم شفاؤه وبعدها أكيد لن يرفض هلا ً‬
‫الراية البيضاء معل ًنا احتياجه إليها أشد االحتياج حيث إنه اعتاد أن تقدم له كل‬
‫ما حيتاج من اهتامم ورعاية من أصغر األشياء إىل أكربها‪ ..‬والشاهد اآلخر‪..‬‬
‫هي مدام وفاء نفسها حيث و ّثقت مروة روابط املودة بينهام‪ ..‬بذهاهبام سو ًيا‬
‫للغداء وتبادل احلديث استطاعت أن تدخل إىل قلب أم عالء‪ ..‬ويف أمور مثل‬
‫هذه دائام ما تكون األم هي أهم عنرص وفرد يف منظومة تكوين الرأي فيمن‬
‫تصلح أن تكون زوجة لعالء‪ ..‬فإذا استطاعت مروة أن تستميل مدام وفاء‬
‫إليها وجتعلها تنظر إليها بعني زوجة االبن ال فتاة احلادثة فهذا أول الطريق‬
‫لتحقيق احللم‪..‬‬
‫لذلك فحلمي قابل للتحقيق‪ ..‬هكذا أخذت مروة تردد يف داخلها‪..‬‬
‫كل الظروف مهيأة أن أكون فرد جديد يف هذه األرسة وإذا رزقت بمولود‬
‫فستزيد أسهمي لدهيم‪..‬‬
‫***‬

‫‪94‬‬
‫ً‬
‫طويل داخل إحدى الفيالت التي ترشف عىل أعامل‬ ‫قضت مايا وق ًتا‬
‫الديكورات بداخلها‪ ..‬فقد اهنت مجيع التصميامت منذ عدة أيام وبعدها بدأ‬
‫العمل داخل الفيال حيث يوجد حوهلا عدد ال بأس به من العاملني يف خمتلف‬
‫التخصصات وهي بني منضدة العمل املستوى عليها مجيع لوحات الرسم‬
‫اهلنديس للتصميامت بكل تفاصيلها وبني اعطاء التعليامت والتوجيهات‬
‫لكل عامل وما جيب عليه عمله بالتحديد وبني كل فرتة قصرية وأخرى يدق‬
‫هاتفها‪ ..‬ترد فتحادث مرة مورد السرياميك ومرة أخرى املسئول عن توريد‬
‫أدوات الكهرباء وغريه من كل املستلزمات إلهناء العمل‪ ..‬وبني احلني واآلخر‬
‫حيادثها رشيف يف الوقت القليل بني مواعيد حمارضاته النظرية حيث يف وقت‬
‫العمل ال يستطيع االتصال أو تلقي مكاملات‪..‬‬
‫وبينام هي تنظر يف بعض أوراق التصميامت لتحضري ملا جيب أن تفعله يف‬
‫الغد وما يسمونه «جتهيز شغل بكرة» أتى إليها أحد العامل وهو املسئول عن‬
‫تركيب احلجارة يف مدخل الفيال‪ ..‬فإذا به خيربها أنه يصعب عليه تركيب تلك‬
‫نظرا ألن أحجامها سوف خترج عن مستوى باقي احلوائط بنسبة كبرية‬
‫احلجارة ً‬
‫فتفسد الذوق العام‪ ..‬اعرتضت مايا عىل رأيه قائلة إهنا هي املسئولة‪ ..‬ما عليه‬
‫إال أن يطيع األوامر وكفى‪..‬‬

‫‪95‬‬
‫احتد عليها حيث شعر أهنا قد أهانته وأشعرته أنه ليس لديه عقل وعليه‬
‫فقط تنفيذ األوامر‪ ..‬وأنه مل يعتاد تلقي األوامر من امرأة‪ ..‬فهذه هي املرة األويل‬
‫التي يعمل فيها حتت إمرة مهندسة‪ ..‬ال مهندس‪ ..‬فكانت كل ملحوظة تذكرها‬
‫له أو توجيهه يف بعض األعامل كان تشعره أكثر باملهانة وأن كربياءه قد تم‬
‫غائرا‪..‬‬
‫ووضع فيه سكينا احدث جرحا ً‬
‫جرحه ُ‬
‫فلوال احتياجه للامل ألن زوجته عىل وشك الوالدة ويريد التحصيل عيل‬
‫تكاليف الوالدة ورعاية زوجته واجلنني ملا اضطر إلغالق فمه وعرف كيف‬
‫يرد عىل هذه املرأة البلهاء التي ينادوهنا باملهندسة‪..‬‬
‫مر اليوم وانتهى العمل واستعدت مايا ملغادرة املكان وهذا العامل ‪..‬‬
‫فرج‪ ..‬يرمقها بعني مليئة باحلنق والغيظ ويفكر كيف يرد اعتباره أمام باقي‬
‫العامل وهم يشاهدون االسطي فرج وهو يتلقى األوامر بنربة حازمة من تلك‬
‫املهندسة‪ ..‬وملاذا هي مهندسة‪ ..‬فهو لديه خربة وفهم أفضل منها بمراحل‪..‬‬
‫وماذا يدرسون يف هذه الكلية اللعينة؟‪..‬‬
‫كتبا ويدخلون امتحانات‪ ..‬لكن يف األخري‬
‫يف الغالب ال يشء‪ ..‬حيملون ً‬
‫أنا األسطى‪ ..‬األسطى فرج الذي هيابه اجلميع ويسمعون لتعليامته يف كيفية‬
‫سري العمل‪..‬‬
‫ً‬
‫سميكا يتحمل‬ ‫وقميصا‬
‫ً‬ ‫واسعا‬
‫ً‬ ‫كانت مايا تتحرك بخفة مرتدية برسواله‬
‫االتربة وغريه‪ ..‬وتضع يف قدمها حذا ًء خمصص لألمان ‪ Safety Boots‬وقد‬
‫رفعت شعرها ألعىل وقامت بربطه برباط شعر سميك ووضعت عىل رأسها‬
‫كا ًبا كي حيميها من األتربة والغبار ً‬
‫وأيضا خماطر العمل‪..‬‬

‫‪96‬‬
‫يف آخر حمادثة هاتفية مع رشيف اتفقا عىل اللقاء للسهر ً‬
‫ليل والذهاب‬
‫إىل دور السينام‪ ..‬عادت إىل منزهلا‪ ..‬بدلت مالبسها‪ ..‬حتممت وارتدت فستانا‬
‫للسهرة ذو اللون األسود مما زاد من مجاهلا وهبائها يف ذلك الفستان‪ ..‬واسدلت‬
‫شعرها عىل كتفيها ووضعت بعض املساحيق اخلفيفة وارتدت ً‬
‫قرطا من‬
‫الذهب األبيض مع قالدة وساعة مرصعة من نفس التصميم ووضعت قدميها‬
‫يف حذاء المع أسود‪..‬‬
‫نظر إليها رشيف وهو ينتظرها أسفل العامرة‪ ..‬أطلق صافرة عالية تعرب‬
‫عن اعجابه بجامهلا‪ ..‬وكم هي فاتنة‪ ..‬فأجابته أنك مل تشاهدين منذ ساعتني‬
‫‪..‬تقريبا كنت اشبه بصبي امليكانيكي‪..‬‬
‫ً‬
‫زاد التقارب والتفاهم بني مايا ورشيف وتوطدت عالقتهام عىل أفضل‬
‫ما يكون وصارت تسود بينهام روح الصداقة القوية أقوى من عالقة شاب‬
‫بفتاة‪ ..‬وشعر أنه شي ًئا فشي ًئا ليس بحاجة إىل أصدقاءه الشباب حيث كان كل‬
‫وقته ودعاباته وافكاره وساعاته املمتعة يقضيها مع مايا إما عىل اهلاتف أو‬
‫خالل مقابالهتام أو حلظات التفكري فيها‪ ..‬كان يغلف روحه بنسيم رقيق ينعش‬
‫وجدانه وهيز قلبه برفق فينتظم دقاته‪..‬‬
‫أما مايا فكانت تعيش حالة ال تستطيع وصفها‪ ..‬انقلبت حياهتا رأسا‬
‫عىل عقب وسارت عىل نفس درب رشيف دون سابق اتفاق‪ ..‬فرويدً ا رويدً ا‬
‫استغنت عن صديقاهتا ومل تعد بحاجة إليهن فقد وجدت يف رشيف الصديق‪..‬‬
‫الصديقة‪ ..‬فقد كان يشاركها اهتامماهتا‪ ..‬فيقوم بدور صديقتها عند احلديث‬
‫عن املالبس‪ ،‬واملوضات‪ ،‬أو أدوات املاكياج‪ ..‬أو بعض املسلسالت وما‬

‫‪97‬‬
‫يعرض عىل شاشات التلفاز‪ ..‬حيث هذه األمور هي أقل اهتاممات الشباب‪..‬‬
‫لكن رشيف كان خمتل ًفا‪ ..‬خمتل ًفا عن بقية الشباب‪ ..‬فكان قريب منها يف كل‬
‫يشء وأصبح كاتم أرسارها والناصح األمني‪..‬‬
‫قرارا سو ًيا بأن حان الوقت إلعالن خطبتهام‪ ..‬وكل طرف‬
‫اختذا االثنني ً‬
‫عليه بالتحدث ألهله‪ ..‬إىل أن تتم األمور بشكل الئق‪..‬‬
‫كانت مهمة سهلة عيل مايا حيث كان أباها رجل ذو عقل وحكمة‬
‫ومنتهى أمله أن يرى ابنته اجلميلة وعىل رأسها تاج وطرحة ويف يدها خاتم‬
‫زواج‪..‬‬
‫تقريبا فبمجرد أن حتدث إىل والديه وأخته‬
‫ً‬ ‫أما رشيف فكان وضعه مماثل‬
‫نورا يف أول إجازة أسبوعية بعد االتفاق‪ ..‬سمع زغرودة من أمه واألحضان‬
‫والقبالت من أباه ونورا‪ ..‬ثم عقّب رشيف ً‬
‫قائل‪ ..‬يا أيب ال تكن مثل ما كنا‬
‫نسمع عن تقاليد زمان أن الولد يتزوج بعد البنت ‪..‬أي ال تطلب مني انتظار أن‬
‫أول‪ ..‬ضحك األب وقال قد كانت هذه عادات‬ ‫عريسا إىل نورا وتتزوج ً‬
‫ً‬ ‫يأيت‬
‫قديمة لكن كان لدهيم وجهة نظر نحرتمها لكن ال تقلق ليس لك عالقة هبذا‬
‫األمر‪ ..‬حدد أنت موعدً ا مع أهل عروسك وإن شاء اهلل يتم نعمته عليكام‬
‫وتفرحا سو ًيا ونفرح معكام‪..‬‬
‫***‬

‫‪98‬‬
‫كبريا من البسبوسة ثم‬
‫ذهب ماجد ملتجر حلويات رشقية واشرتى صح ًنا ً‬
‫توجه إىل أحد متاجر بيع املقرمشات‪ ،‬والتسايل واشرتى كمية من املكرسات‬
‫وعاد إىل البيت‪ ..‬أخفى كل هذه املشرتيات وراء ظهره‪ ..‬وقف أمام أمه‬
‫احلاجة نعامت فإذا به متطره بوابل من التوبيخ واللوم والعتاب كعادهتا‪ ..‬عىل‬
‫تركها وحيدة يف البيت بال طعام وتسايل‪ ..‬فليس أمامها إال بعض بذور عباد‬
‫الشمس‪..‬‬
‫انتظر ماجد إىل أن فرغت‪ ..‬وافرغت ما يف جعبتها من مجيع أنواع الكلامت‬
‫غري املحببة إىل أي نفس برشية وابتسم ً‬
‫قائل‪" ..‬شويف جبتلك أيه"؟‬
‫نظرت‪ ..‬فتحت عيناها‪ ..‬بسبوسة‪ ..‬وما هذا‪ ..‬لوز‪ ..‬بندق‪ ..‬عني مجل‪..‬‬
‫كم أنت رائع يا ماجد‪ ..‬صحيح ابن بار بأمه‪ ..‬ال تنساين ابدً ا‪ ..‬ادعوا لك من‬
‫قلبي يف كل وقت وآذان‪..‬‬
‫هكذا تلونت وتبدلت احلاجة نعامت عندما حصلت عيل الرشوة من‬
‫ماجد فهذا بالتحديد ما كان يشعر به ماجد‪ ..‬إنه إلرضاء أمه البد أن يدفع هلا‬
‫رشوة وال أفضل وال أهم ما يف احلياة لدهيا من الطعام واملكرسات‪..‬‬
‫بعد أن التهمت قطعة كبرية من البسبوسة وكان ماجد يعد هلا كوبا من‬
‫الشاي بدأت يف التسايل‪ ..‬مع املكرسات‪ ..‬انتهز ماجد هذه الفرصة ليفتح‬

‫‪99‬‬
‫معها موضوع زيارهتام ملنزل نورا والتقدم خلطبتها‪ ..‬استمعت للكالم وهي‬
‫تأكل املكرسات ويصدر عنها مجيع أنواع األصوات املزعجة‪ ..‬كمحرك سيارة‬
‫قديمة‪..‬‬
‫وما ان انتهي من كالمه‪ ..‬قامت بالدعاء له ومباركته وأهنا تاركة له حتديد‬
‫املوعد وهي عىل أتم استعداد لترشيفه والذهاب معه‪..‬‬
‫عقدت نورا جلسة مع أبيها وأمها وأخيها رشيف‪ ..‬ختربهم فيها عن‬
‫طلب حتديد موعد للعريس ووالدته‪ ..‬طلب منها رشيف أن يكون املوعد‬
‫يف هناية األسبوع القادم حيث أجازته األسبوعية انتهت وعليه أن يتوجه إىل‬
‫اإلسكندرية يف صباح الغد‪..‬‬
‫رسيعا‪ ..‬وجاء اليوم املوعود‪ ..‬فقام ماجد يف صباح ذاك‬
‫ً‬ ‫مر األسبوع‬
‫متبعا الطريقة ذاهتا‬
‫اليوم برشاء كل أنواع املأكوالت التي حتبها احلاجة نعامت ً‬
‫السرتضاء أمه وضامن مباركتها وأال تتلفظ بأي كلمة تعكر صفو الزيارة لعائلة‬
‫نورا‪..‬‬
‫كانت جلسة لطيفة تم فيها التعارف‪ ..‬وكان سيادة العميد يتفحص‬
‫ماجد بعناية ليس بظاهر الشكل فقط وإنام درجة علمه وثقافته وكيفية معاجلته‬
‫لألمور‪..‬‬
‫مرت الوقت عىل خري وكان أكثرهم سعادة هو العريس ماجد‪ ..‬ليس‬
‫ً‬
‫ملحوظا لدى أرسة نورا‪ ..‬وما ساعده عيل ذلك ان أمه مل‬ ‫ألنه وجد ً‬
‫قبول‬
‫يصدر عنها ما كان خيشاه حيث كانت مبتسمة لطيفة ومل تتحدث عن الطعام‬
‫كثريا ومل تبح بنواياها يف أهنا ترى يف زوجة ابنها ما هي إال خادمة أمه‪ ..‬ليس‬

‫‪100‬‬
‫هلا قيمة وال أمهية يف بيتهم سوي خدمة احلاجة نعامت واستجداء واستعطاف‬
‫رضاها وعليها أن تكن صبورة محولة‪ ..‬أن تتحمل غضب احلاجة وما يتبعه‬
‫من وابل من النقد واللوم الالذع‪ ..‬الذي يصل إىل حد االهتامات غري املتخيلة‬
‫وليس هناك ما يمنع من وجود بعض السباب بني وصلة التأنيب‪..‬‬
‫كانت براءة نورا جتعلها يف قالب كالفراشة التي ال حتب إال النور وتبتعد‬
‫عن كل ما هو معتم‪ ..‬أحبت احلاجة نعامت ملجرد أن سمعت منها بعض‬
‫الكلامت اللطيفة‪ ..‬وقررت ممارسة الضغط عىل أبيها لقبول فكرة أن تتزوج‬
‫يف بيت ماجد ونعامت وليس شقة منفصلة ختصها وحدها وتكون هي امللكة‬
‫املالكة املسيطرة عيل بيتها وكيف ترتب أثاثه وطريقة تنظيفه إىل كل هذه‬
‫التفاصيل‪..‬‬
‫سمع العميد رد ماجد عندما سأله إن كان يملك ً‬
‫منزل للزوجية‪..‬‬
‫قال‪ ..‬يا عمي بيتنا واسع وكبري وأنا وحيد أمي‪ ..‬وأيب توىف منذ سنوات‬
‫وأنا ال أستطيع ترك أمي وحيدة وحتديدً ا وهي تعاين من بعض املشكالت‬
‫الصحية النامجة عن التقدم يف العمر‪ ..‬بالتأكيد ترصف سيادة العميد مثل أي‬
‫انسان عاقل متفهم للموقف وعيل علم ودراية بمكانة األم‪ ..‬بأن أومأ وهز‬
‫رأسه بعدم االعرتاض عىل ما سمعه من ماجد‪ ..‬لكن كان يف قرارة نفسه‬
‫متوجس خيفة وحزين عىل نورا‪ ،‬ويشعر بغصة يف حلقه وساوره إحساس‬
‫أن القادم ليس به خري‪ ..‬مل يشعر باالرتياح لكالم ماجد وشعر فيه بيشء من‬
‫األنانية أن ماجد يفرض عليهم التضحية والتنازل عن بيت الزوجية ومملكة‬

‫‪101‬‬
‫الزوجة واستغالله ملسمى رعاية األم‪ ..‬حيرم فتاة رقيقة من أن تكون حرة يف‬
‫منزل جيمعها ورشيك حياهتا‪..‬‬
‫أخذ سيادة العميد يردد بعد أن انرصف الضيوف‪« ..‬اسرت يارب» كانت‬
‫نورا أكثرهم سعادة وفرحة‪ ..‬بكل أنوثتها وبراءهتا تعيش أمجل أيام يف حياة‬
‫أي فتاة‪ ..‬أن يتقدم هلا عريس هي حتبه وراغبة فيه وتكون اجللسة عائلية‬
‫وقريبا سوف تعقد االتفاق عىل‬
‫ً‬ ‫لطيفة‪ ..‬كل يشء يسري يف الطريق الصحيح‬
‫حتديد موعد حفل اخلطوبة وكيف يكون احلفل ويف أي مكان‪ ..‬من أدعو‪..‬‬
‫وفستاين‪ ..‬آه جيب أن يكون أشيك وأمجل فستان خطوبة وتكون حفلة بسيطة‬
‫ولكن يف نفس الوقت مميزة تعلق يف ذاكرة كل من حرضها وتكون هي امللكة‬
‫املتوجة‪ ..‬املتوهجة‪ ..‬التي ال ينساها أحد من احلارضين وتكون حديث‬
‫اجلميع‪ ..‬العروسة‪ ..‬كم هي مجيلة أنيقة‪ ..‬بسيطة‪ ..‬براقة‪ ..‬متوهجة‪ ..‬فراشة‬
‫احلفل‪ ..‬زهرة وعبري احلارضين يشم رائحتها لكن من عىل بعد‪ ..‬وهم يف‬
‫أماكنهم فهي ليست إال ملك لرجل واحد فقط ‪..‬سيصبح حديث العامل يف‬
‫وقت قصري ببطوالت وجوائز وكؤوس وتكريامت يف مجيع عواصم العامل‪..‬‬
‫فقد أخذت عهدً ا عىل نفسها أن تسانده بكل ما أوتيت من قوة حتى حتقيق‬
‫اهلدف‪ ..‬فتتهافت عليه كامريات مجيع املحطات الرياضية وتكون هي بجانبه‪..‬‬
‫حلمه هو‪ ..‬لكنها رأت احللم معه وعاشت فيه‪ ..‬كم هو مجيل أن جتعل حلم‬
‫من حتب هو ً‬
‫أيضا حلمك‪ ..‬مهام اختلفت الشخصيات ومكونات وأبعاد كل‬
‫شخصية‪..‬‬

‫‪102‬‬
‫مل تكون نورا تتخيل أن تقبل بعريس حيرمها من أهم وأول ما حلمت به‪..‬‬
‫خالصا هلا حتى لو كان بيت قديم‬
‫ً‬ ‫هو بيتها‪ ..‬بكل أركانه وتفاصيله‪ ..‬أن يكون‬
‫خايل من وسائل الراحة‪ ..‬لكنها كفيلة أن تضع ملساهتا يف كل ركن وجتعل منه‬
‫بيت مريح‪ ..‬حتب العيش فيه وحيب ماجد العودة إليه بعد يوم شاق يف العمل‬
‫والتمرينات‪..‬‬
‫لكن الغريب أهنا قبلت بأن تعيش يف بيت ليس هلا وال حق هلا بتغيري ما‬
‫فيه أو تعديل حجرات أو ديكورات‪ ..‬كالستائر أو السجاد‪ ..‬النجف‪ ..‬فرش‬
‫احلامم‪ ..‬كم هو إحساس قاس أن تشعر بأن أهم وأغىل أحالمك يسلب منك‬
‫لكن هي حتبه واحلب مقرتن بالتضحيات لضامن استمراريته‪ ..‬فام من حمب‬
‫وعاشق إال وتنازل وضحي من أجل حبيبه‪..‬‬
‫ماجد يستحق‪ ..‬وأمه تبدو طيبة وسوف يقدران بالتأكيد لنورا تلك‬
‫التضحية ويعمالن عىل راحتها وسعادهتا‪ ..‬وسوف متارس هي دورها‪ ..‬دور‬
‫زوجة البطل‪ ..‬ذو أمجل وأضخم عضالت عىل مستوى العامل‪ ..‬كم هو مجيل‬
‫أن تكون يف دائرة الضوء‪ ..‬وأن تكون حمط أنظار وحديث اجلميع وتوضع‬
‫صورك عىل غالف املجالت‪ ..‬وتتهافت القنوات اإلعالمية للحصول منك‬
‫عىل ترصيح أو معلومة عن ما هو اجلديد وما هو القادم‪..‬‬
‫ما أن اقرتبت احلاجة نعامت من سيارة ماجد املصفوفة يف أحد الشوارع‬
‫اجلانبية من بيت نورا‪ ..‬فتح ماجد باب السائق وجلس عىل مقعد السيارة‬
‫استعدا ًدا إلدارة املحرك وإذا به يسمع ً‬
‫وابل من التوبيخ املصحوب بنوبات‬

‫‪103‬‬
‫رعدية من السباب املحمل بكل أنواع الصفات السيئة ‪..‬التي كان أقلها‪ ..‬يا‬
‫جاحد‪..‬‬
‫طبعا خلصت حاجتي من‬
‫كيف ترتكني وال تفتح يل باب السيارة‪« ..‬آه ً‬
‫جاريت» انتهي اللقاء‪ ..‬أنا رشفتك لكن نسيت كم كنت لطيفة مع عروسك‬
‫وأهلها واآلن تنساين وجتلس وحدك‪ ..‬أنسيت أين أمك التي ربتك وسهرت‬
‫عليك‪ ..‬باألمس ظننت أنك ضحكت ع ّ‬
‫يل بطبق البسبوسة وبعض املسليات‬
‫التافهة مثلك أنا كدة فهمت ملاذا زادت جرعة حنيتك يف األيام األخرية‪..‬‬
‫استمرت وانطلقت احلاجة نعامت كأهنا ماسورة انكرس حمبسها‪ ..‬فخرج‬
‫منها كل ما جتود به من األلفاظ مصحو ًبا بصوت ٍ‬
‫عال أوقف بعض املارة‬
‫يشاهدون هذا املشهد العجيب‪..‬‬
‫أكثر ما كان خييف ماجد‪ ..‬أن يكون أحد يف رشفة بيت نورا شاهدا أو‬
‫مستمعا أل ًيا من هذا العزف املنفرد من األم جتاهه‪ ..‬يا هلا من أم‪ ..‬وكأهنا‬
‫مضبوطا عىل عدد دقائق اجللسة ثم انطلق اجلرس وانطلقت معه‬‫ً‬ ‫كان ميقاهتا‬
‫طلقاهتا وسهامها القاتلة يف كل اجتاه‪..‬‬
‫مرسعا من فوق كريس القيادة واستدار إىل الباب اآلخر وفتحه هلا‬
‫ً‬ ‫هرع‬
‫ً‬
‫ومعلل أنه مل يقصد وكان يظن أهنا تستطيع دخول السيارة‬ ‫معتذرا‬
‫ً‬ ‫وأجلسها‬
‫بمفردها‪..‬‬
‫لكن احلاجة نعامت مل تتوقف‪ ..‬بعد أن انطلق بالسيارة بعيدً ا عن رشفة‬
‫بيت نورا وبعيدً ا عن هذا التجمع والتجمهر من الناس الذين تواجدوا حوله‬
‫يف حلقة يف حلظات معدودة‪ ..‬يا له من شعب يعشق الفضائح‪..‬‬

‫‪104‬‬
‫يف الطريق ظل يفكر كيف يصلح حمبس هذه املاسورة املنفجرة‪ ..‬هي‪..‬‬
‫هي نفس الطريقة هذا ما يسكتها‪ ..‬توقف أمام أحد متاجر احللويات الشهرية‬
‫وسأهلا‪ ..‬يا أمي اجلميلة أتريدين كنافة أم بقالوة‪..‬‬
‫نظرت إليه وتوقفت فجأت عن السباب‪ ..‬القت بنظرها خارج النافذة‬
‫لتتفحص املكان‪ ..‬وكان متجرا شيك وغايل‪ ..‬تغري الصوت وتغريت الطريقة‬
‫وتبدلت الكلامت‪ ..‬واهلل يا ماجد يا بني مش عارفة‪ ..‬أفضل أنزل معك واختار‬
‫بنفيس ما أريده‪..‬‬
‫هبطت من السيارة بدون أن تنتظر منه املساعدة وكانت عىل الرصيف‬
‫قبله ويف انتظاره ويف داخل املتجر‪ ..‬صالت وجالت وأحرزت العديد من‬
‫األهداف يف مرمي حافظة نقود ماجد الذي كان يبكي من داخله‪ ..‬وأن أحالمه‬
‫ربام تتبخر فقط بسبب هذه السيدة الرشهة للحلويات‪ .‬مفرتسة املكرسات‪..‬‬
‫***‬

‫‪105‬‬
‫فتح عالء عينيه وأطلق ً‬
‫بعضا من آهات األمل‪ ..‬نظر حوله‪ ..‬وجد نفسه‬
‫ً‬
‫حماطا بمجموعة من األنابيب وقدمه اليرسى مرفوع ألعىل عىل حامل وحماطة‬
‫بجبرية من اجلبس األبيض‪ ..‬حتسس رأسه حيث كان يشعر ببعض األمل‬
‫مربوطا واجزاء متفرقة من جسده تؤمله لكن أملًا خفي ًفا‬
‫ً‬ ‫والصداع‪ ..‬فوجد رأسه‬
‫يستطيع حتمله‪ ..‬نظر حوله‪ ..‬وكانت الغرفة مظلمة بعض اليشء والضوء فيها‬
‫خافت لكنه استطاع أن يميز ما حوله‪ ..‬وبينام هو جيول يف غرفته غري املعتادة‬
‫وقفت عينيه عىل جسد نائم عىل كريس‪ ..‬إهنا فتاة‪ ..‬وواضعة قدميها عىل كريس‬
‫آخر مقابل هلا‪ ..‬فتح عينيه أكثر‪ ..‬أنا أعرف هذا الوجه رأيت هذه الفتاة من‬
‫قبل‪ ..‬آه‪ ..‬نعم‪ ..‬نعم‪ ..‬إهنا مروة فتاة احلادث لكن ما أتى يب هنا‪ ..‬وما أتى‬
‫هبا هنا‪..‬‬

‫لقد كانت هي املصابة وأنا الزائر‪ ..‬كيف تم قلب املشهد‪ ..‬قلب‪..‬‬


‫انقالب‪ ..‬آه تذكرت‪ ..‬لقد كانت السيارة تنقلب وأنا بداخلها بعدما طاردين‬
‫هذان الرجالن اللذان يدعيان أهنام أقرباء هذه الفتاة أو هي اختهم‪ ..‬ال أعلم‪..‬‬
‫فيبدو عىل مالحمهم عالمات االجرام‪ ..‬نعم‪ ..‬اتذكر اآلن‪ ..‬لقد أتوا إىل املتجر‬
‫مفتوحا إلنقاذ نفيس‪ ..‬وأرسعت بسياريت ومها‬
‫ً‬ ‫وأنا هربت وتركت باب املتجر‬

‫‪106‬‬
‫خلفي وطالت املطاردة إىل أن شعرت بسياريت تقفز إىل األعىل وأنا بداخلها وال‬
‫أعلم ماذا حدث بعد ذلك‪..‬‬
‫ما أراه حويل وما أراين أنا فيه‪ ..‬أكيد أدرك ما حدث بعد ذلك‪ ..‬نُقلت إىل‬
‫املستشفى وأنا ملقي هنا اآلن ألعالج‪ ..‬ولكن أين أيب ‪..‬هل غضب ع ّ‬
‫يل عندما‬
‫مفتوحا وأنا لست بالداخل‪..‬‬
‫ً‬ ‫ذهب إىل املتجر ووجده‬
‫ترى ماذا ظن يب؟‪ ..‬أكيد ظن كعادته يب أنني قليل الرتكيز وعقيل ليس يف‬
‫مفتوحا هكذا‪ ..‬مل ولن جيول بخاطره انني كنت مطار ًدا من‬
‫ً‬ ‫رأيس ألترك املتجر‬
‫هذان املجرمان‪ ..‬وأردت انقاذ نفيس من معركة أنا فيها أكيد اخلارس ومل أرد‬
‫مكسورا‪ ..‬جرحيًا يف مشفي‪ ..‬هربت وظننت أين‬
‫ً‬ ‫أن ُأقتل أو أن ينتهي يب احلال‬
‫نجحت يف اهلرب منهم‪ ..‬لكن كلمة القدر نافذة‪ ..‬شئنا أم أبينا‪..‬‬
‫جمروحا ولكن باختالف الوسيلة‬
‫ً‬ ‫مكسورا‬
‫ً‬ ‫انتهي يب احلال يف املشفى‬
‫فانقالب السيارة أرحم الف مرة من ُأرضب من هذان املجرمان‪ ..‬لكن‬
‫كثريا والتي أنفق فيها‬
‫اخلسارة املادية كبرية حيث حتطمت سياريت التي أحبها ً‬
‫والدي مبلغً ا ً‬
‫كبريا كي هيديني إياها يف عيد ميالدي ويشجعني عىل العمل معه‬
‫ومساعدته بعد التخرج من اجلامعة‪..‬‬
‫أين أمي؟‪ ..‬هل تعلم بأمر حادثي هذا‪ ..‬هل تعلم أين وحدي يف غرفة‬
‫شبه مظلمة بكسوري‪ ..‬بجروحي‪ ..‬أئن وحيدً ا‪..‬‬
‫لكن أنا لست وحدي‪ ..‬فهذه الفتاة‪ ..‬مروة من كانت ملقاة يف املشفى من‬
‫قبل ‪..‬قابعة معي هنا‪ ..‬من أتى هبا‪ ..‬وكيف علمت بام حدث يل‪ ..‬ومن سمح‬
‫هلا باملبيت هنا‪ ..‬أكيد هلا كل الشكر عىل ما تقدمه‪..‬‬

‫‪107‬‬
‫لكن هل تعلم أمي أو يعلم أيب أن مروة هنا‪ ..‬وهل تعارفا‪ ..‬أو علام‬
‫من تكون هي‪ ..‬أمي مل تعلم أين صدمت فتاة‪ ..‬فأنا مل أخربها وطلبت من أيب‬
‫وأيضا خو ًفا عىل صوريت أمامها‪..‬‬
‫ورجوته أال خيربها خو ًفا عليها ً‬
‫تقلبت مروة يف املقعد الضيق‪ ..‬فاستيقظت‪ ..‬فتحت عيناها‪ ..‬وجدتني‬
‫أنظر إليها‪ ..‬نظرت إىل كأهنا تراين ألول مرة‪ ..‬تلفتت حوهلا كأهنا فقدت‬
‫الذاكرة أو نسيت أهنا هنا يف حجريت بجوار رسيري يف املشفى‪ ..‬استفاقت‬
‫وفركت عيناها وقالت‪ :‬انت صاحي‪ ..‬محدا هلل عىل سالمتك‪..‬‬
‫هززت رأيس بابتسامة خفيفة للغاية‪ ..‬وطبيعي أن أسأهلا‪ ..‬وقبل أن أبدأ‬
‫يف سؤايل بادرتني هي‪ ..‬أكيد تريد أن تعرف ما أتى يب هنا‪ ..‬وكيف عرفت بأمر‬
‫احلادث‪ ..‬وأسئلة أخرى تدور يف داخلك‪..‬‬
‫لدي أنا‪ ..‬وأنا عىل استعداد لإلجابة عليها‬
‫اإلجابات ألسئلتك مجيعها ّ‬
‫لكن أريدك ً‬
‫أول أن تعدين أن متنحني الفرصة ألرد لك اجلميل‪..‬‬
‫فكر عالء ً‬
‫قليل‪ ..‬أي مجيل‪ ..‬فأنا صدمتها‪ ..‬وآملتها‪ ..‬وتسببت يف رقدهتا‬
‫يف املشفى ومل أزرها إال مرتان زيارات قصرية واخذت صورة حمرض الرشطة‬
‫وأخرجتها من رأيس وتناسيتها متا ًما‪..‬‬
‫بدأت مروة روايتها لعالء ببعض احلقائق واخفاء البعض اآلخر‪..‬‬
‫ذكرت له أهنا كانت ترغب يف رشاء بعض املالبس اجلديدة فذهبت إىل‬
‫‪ Jimmy’s Fashion‬حيث أخربهتا إحدى صديقاهتا أهنا ستجد ما تبحث‬
‫عنه يف ذلك املتجر حتديدً ا‪ ..‬وهناك من خالل احلديث مع العاملة علمت اسم‬
‫صاحب املتجر وتذكرت أنك اخربتني يف أول تعارف بيننا عندما كنت أنا‬

‫‪108‬‬
‫املصابة يف املشفى‪ ..‬انك ابن صاحب متجر شهري‪ ..‬فسألتها إن كان لصاحب‬
‫املتجر ابنا اسمه عالء‪ ..‬واخربتني باسم املشفى الذي تعالج فيه‪..‬‬
‫اتيت لزيارتك ألرد لك زياريت ومجائلك ع ّ‬
‫يل‪ ..‬التقيت بمدام وفاء‬
‫والدتك واالستاذ مجال والدك‪ ..‬يف احلقيقة أناس رائعون وأنا أحببتهام من أول‬
‫أيضا وثقا ّ‬
‫يف بعدما علام أين أنا الفتاة التي أنت صدمتها وأخرب والدك‬ ‫لقاء‪ ..‬مها ً‬
‫والدتك باألمر حيث أهنا مل تكن تعلم أو تسمع به من قبل عىل ما يبدو‪..‬‬
‫خصوصا أين قد وافقت عىل التصالح ورفضت االستمرار‬
‫ً‬ ‫رحبا يب بشدة‬
‫يف قضية دهسك يل بسيارتك ورفضت ً‬
‫أيضا احلصول عىل تعويض مادي حتى‬
‫ً‬
‫أصيل يل‪..‬‬ ‫لو كان هذا حقًا‬
‫كان عالء يستمع إليها باهتامم إىل ان ذكرت مجلة «بسيارتك» تذكر سيارته‬
‫الفارهة الفاخرة‪ ..‬إهنا ربام اآلن قابعة عىل سقفها وكل قطعة فيها أكيد مكسورة‬
‫وغري قابلة للعمل‪..‬‬
‫شكر عالء مروة ووعدها أن هلا أي فرصة تريدها‪ ..‬رغم أنه متعجب‪..‬‬
‫انت‬
‫أي فرصة هذه يف رعاية وخدمة انسان كسري مثيل‪ ..‬ثم سأهلا‪ ..‬لكن ملاذا ً‬
‫هنا ً‬
‫ليل وليس أيب أو أمي‪ ..‬أجابته أهنا اتفقت مع مدام وفاء عىل أن تشاركهم‬
‫ثانيا نظرا النشغال األستاذ مجال والدك حيث‬ ‫العناية بك‪ً ..‬‬
‫أول لرد اجلميل‪ً ..‬‬
‫انه سوف يقوم مضطرا بعمله يف املتجر باإلضافة لعملك‪ ..‬حيث أخربه‬
‫األطباء ان قدمك موضوعة يف اجلبس وربام يستغرق هذا يف حدود ستة أسابيع‬
‫وبعدها عالج طبيعي حتى تستطيع السري عليها جمد ًدا‪..‬‬

‫‪109‬‬
‫صباحا حني طرق باب غرفة عالء بينام‬
‫ً‬ ‫كانت الساعة شارفت عىل الثالثة‬
‫تروي له مروة أسباب مبيتها يف الغرفة‪..‬‬
‫ظنا عالء ومروة أنه أكيد ميعاد دواء أو تغيري حملول اجللوكوز الواصل‬
‫ليد عالء عرب أنبوب شفاف ضيق‪..‬‬
‫فتحت مروة الباب لتجد رجلني يسأالن عن عالء وأهنام قادمان‬
‫ورقيا بني اللون بداخله ً‬
‫بعضا من‬ ‫ً‬ ‫كيسا‬
‫لزيارته‪ ..‬وحيمل أحدمها يف يده ً‬
‫ثمرات الربتقال‪ ..‬فسألت مروة وهي تستعد للتعارف عليهام لتدخل يف دائرة‬
‫األرسة أكثر وأكثر‪« ..‬أنئتام أقرباء عالء»‪ ..‬فرد أحدهم‪ ..‬ال‪ ..‬نحن أصدقاءه‪..‬‬
‫تفضال‪..‬‬
‫بمجرد دخوهلام وعالء ينظر إليهام فتذكرمها عىل الفور‪ ..‬ذهب أحدهم‬
‫آمرا إياها أن خترج إىل الكافيرتيا إلحضار الشاي‪..‬‬
‫إىل عالء واآلخر إىل مروة ً‬
‫تعجبت من سلوكهام‪ ..‬يترصفان بطريقة غريبة‪ ..‬ومل يرحب هبام عالء‪..‬‬
‫خرجت مروة وهي غري مقتنعة أن هذان الرجالن اصدقاء عالء‪ ..‬حتى‬
‫أن مظهرمها ال يدل عىل املستوى االجتامعي ألصدقاء عالء فعادة األصدقاء‬
‫يربط بينهم اشياء متقاربة ومشرتكة وفور أن خرجت مروة وقف أحدهم‬
‫خلف الباب ليضمن أال يفتح من أي شخص سواء طبيب أو ممرضة أو عودة‬
‫مروة نفسها‪ ..‬والثاين ذهب إىل عالء وهو ملقي عىل رسيره وقلبه يدق بشدة‬
‫يكاد يرصخ من اخلوف ولسان حاله يقول‪ ..‬اغيثوين‪ ..‬النجدة‪ ..‬لكنه مل يستطع‬
‫الكالم فقد انسدت حنجرته من هول املفاجأة ومن جرأة هذان املجرمان‪..‬‬

‫‪110‬‬
‫وثانيا يأتيان إىل املشفى‪ ..‬ماذا بعد‪ ..‬ربام عرفا طريق‬ ‫ً‬
‫أول أتيا إليه يف املتجر‪ً ..‬‬
‫بيته ً‬
‫أيضا‪..‬‬
‫أمرا إياه «امسك هذا‬
‫شاهرا مطواة يف وجه عالء‪ً ..‬‬
‫ً‬ ‫قال أحدمها وهو‬
‫القلم‪ ..‬وقع عىل وصل األمانة هذا» نظر إليه عالء ومل يفعل ما أمره به‪ ..‬هنره‬
‫الرجل واقرتب باملطواة أكثر ناحية رقبة عالء إىل أن شعر هبا تالمس رقبته‪..‬‬
‫أدرك أنه سوف يذبح إن مل يطع األوامر‪..‬‬
‫قال عالء بصوت متحرشج مبحوح‪ ..‬ملاذا أوقع‪ ..‬وماذا يف هذه الورقة‪..‬‬
‫رد عليه أنه تسبب هلم يف فضيحة رشف‪ ..‬فضيحة أخالقية يوم أن خرج‬
‫وقيض اليوم مع أختهام ومها ال يدريان ماذا حدث هلا‪ ..‬ربام غرر هبا أو أرتكب‬
‫أي فعلة مشينة معها‪ ..‬وأن حقها لن يذهب سدى فهي هلا عائلة وليست فتاة‬
‫رخيصة أو فتاة ليل‪..‬‬
‫لذا عليه أن يدفع ثمن فعلته وأن ينفذ ما يطلب منه بال جدال أو نقاش‬
‫ذبيحا مثل أي ماعز أو دجاجة‪..‬‬
‫حال‪ ..‬سيصبح بعد دقائق ً‬ ‫وإال فاملوت نصيبه ً‬
‫ولن يعلم بأمرمها أحد وال حتى الرشطة ‪..‬‬
‫من هول املوقف و شدة اخلوف والرعب‪ ..‬وقّع عالء عىل ايصال األمانة‪..‬‬
‫أخذه الرجل وطواه ودسه يف جيبه بعد أن قال‪ ..‬إن هذا ليس هناية املطاف‪..‬‬
‫هناك جوالت أخرى‪ ..‬وسوف يرامها عالء مرة أخرى حيث هم حيمالن له‬
‫اخلري‪ ..‬ويرتبان له بعض األمور يف صاحله وصاحلهام‪..‬‬
‫ويف ثواين‪ ..‬كانا خارج الغرفة‪ ..‬وكام دخال فجأة بدون أن يشعر هبام أحد‬
‫يف املشفى خرجا ً‬
‫أيضا فجأة‪..‬‬

‫‪111‬‬
‫عادت مروة بأكواب الشاي الساخن‪ ..‬وما أن دخلت الغرفة وجدت‬
‫عالء فاتح فاه وعيناه هبا بدايات دموع‪ ..‬فهو غري مصدق ما حيدث له‪ ..‬ما هذا‬
‫الكابوس‪..‬؟ كل هذا حيدث يل بسبب أن خرجت للتنزه مع فتاة ال أذكر حتى‬
‫اسمها‪..‬‬
‫كل يشء يف حيايت يسري يف شكل غري متوقع‪ ..‬يسء للغاية‪ ..‬يف خالل‬
‫اسبوعني تبدل حايل إىل اسوأ سيناريو ال يقدر عىل توقعه أو التنبؤ به أمهر أو‬
‫أعلم العارفني والعرافني‪..‬‬
‫متى تنتهي قصة هاذان املجرمان معي؟‪ ..‬هل أبلغ الرشطة؟‪ ..‬لقد‬
‫وضعا توقيعي عىل إيصال أمانة ال أدري الرقم الذي وضع فيه أم تركاه ً‬
‫فارغا‬
‫البتزازي فهي ورقة متثل كام يقول التجار شيك عىل بياض لقد وضعوا رقبتي‬
‫حتت أقدامهم‪ ..‬وماذا‪ ..‬ماذا قال ذلك املخبول املجرم قبل أن يغادر‪ ..‬أن‬
‫سيكون بيننا تعاون أو ثمة يشء من هذا القبيل‪..‬‬
‫أي تعاون سريبطني مع هذان املجرمان؟‪ ..‬اشعر أن رأيس تدور‪ ..‬كل‬
‫وناظرا إىل سقف الغرفة‪ ..‬ونظرات اهللع‬
‫ً‬ ‫هذا ومروة تنظر إليه وهو فاتح فاه‬
‫واخلوف متأل وجهه وعيناه‪..‬‬
‫استدار عالء ً‬
‫قليل قدر استطاعته باحثًا عن الزر الذي يدق فتحرض‬
‫املمرضة‪ ..‬سألته مروة إن كان يريد أي مساعدة فأجاهبا بأن تستدعي املمرضة‪..‬‬
‫بالفعل حرضت بعد دقائق‪ ..‬بمجرد أن دخلت املمرضة الغرفة‪ ..‬وكأهنا أتت‬
‫إلنقاذه أو أهنا مندوب من قبل الرشطة‪« ..‬أشعر بتعب وأمل ودوار‪ ..‬أرجو أن‬

‫‪112‬‬
‫تعطيني مسك ًنا قو ًيا‪ ..‬أريد أن أنام‪ ..‬أو أريد أن أموت‪ ..‬خدروين‪ ..‬اجعلوين‬
‫أنام أو أموت‪ ..‬هيا برسعة"‪..‬‬

‫تعجبت مروة من طريقة عالء يف احلديث‪ ..‬بدا وكأنه مريض نفيس‬


‫مصاب هبالوس وختاريف‪ ..‬صوته مرتعش يتحدث برسعة شديدة بكلامت‬
‫متالحقة كأهنا يف سباق مع يشء جمهول ال يعلم كنهه غريه‪..‬‬

‫انتاب مروة القلق‪ ..‬عادت املمرضة باملسكنات واعتذرت عن التأخري‬


‫حيث إهنا البد وأن تستشري الطبيب‪..‬‬

‫يف الصباح حرضت مدام وفاء واالستاذ مجال‪ ..‬قدما الشكر ملروة وأن‬
‫عليها أن تنرصف لتنام وترتاح وإذا أرادت أن تأيت يف الليل فسوف يكون‬
‫كرم زائد منها‪ ..‬وكان عالء مازال ً‬
‫نائم‪ ..‬لكن نوم ال يعرف طعم الراحة أو‬
‫االسرتخاء‪ ..‬فقد كانت تطارده جمموعة من الكوابيس يف حلقات مسلسلة‬
‫متشابكة‪ ..‬ال تفارقه‪ ..‬ينتهي كابوسا‪ ..‬فيعقبه اآلخر ويبدأ يف جلسات‬
‫التعذيب‪ ..‬فكانت تصدر عنه بعض الرصخات وهو نائم‪..‬‬

‫انزعجت األم لكن األستاذ مجال وضح هلا أهنا ربام من آثار األمل بالتأكيد‪..‬‬

‫انرصف األستاذ مجال وترك األم وحدها مع وحيدها يف غرفة املشفى‪..‬‬

‫***‬

‫‪113‬‬
‫كان عىل مايا أن متر عىل بعض معارض اإلكسسوار والنجف‪ ..‬لتحديد‬
‫بعض القطع لإلضاءة التي سيتم تركيبها يف الفيال ملتابعة عمل اجلميع وقد‬
‫وكم العمل الذي يتعني‬
‫رشحت هلم باألمس ما ينبغي عمله لكل فرد حتديدً ا ّ‬
‫عليهم أن يتم مع هناية اليوم‪..‬‬
‫وعندما حان دور مكاملة املسئول عن تركيب األحجار االسطي «فرج»‬
‫أجاهبا عيل اهلاتف أنه ال يستطيع القيام بعمل غري مقتنع بجدواه أو صحته‪..‬‬
‫لن يعمل‪ ..‬سيتوقف وينتظرها ملناقشة األمر عىل الطبيعة‪..‬‬
‫انتاب مايا يشء من الضيق ألهنا ال حتب التكاسل يف العمل أو اضاعة‬
‫الوقت حيث كل يشء لدهيا حمسوب ولدهيا جدول بعمل وانجاز يوم بيوم‬
‫وأخربها األسطى فرج أنه سينتظرها مهام طال الوقت للنقاش والتفاهم ومل‬
‫يكن أمام مايا إال املوافقة واجابته‪ ..‬حس ًنا انتظرين ولكنني سأتأخر بعض‬
‫الوقت‪ ..‬فامزال أمامي الكثري ألهني مجيع تنقاليت‪..‬‬
‫حاول رشيف ترتيب لقاء مع مايا ليتقابال بعد حمارضاته وبعد عملها‬
‫لكنها أخربته أهنا ال تدري يف أي وقت سوف تنهي مجيع تنقالهتا خاصة أن‬
‫الزحام املروري عىل أشده وأهنا تنتقل بني أماكن تتباعد عن بعضها وبعد ذلك‬
‫البد أن تعود إىل الفيال‪ ..‬لتتابع ماتم من عمل اليوم وبعدها هلا حديث مطول‬

‫‪114‬‬
‫مع أحد مسئويل تركيبات األحجار «االسطي فرج» الذي عىل ما يبدو أعلن‬
‫عصيانه واستطردت‪« ..‬نشوف حكايته ايه ده كامن»‪..‬‬
‫ما كان من رشيف إال أنه أخربها بأنه سوف يكون يف انتظارها‪ ..‬عندما‬
‫تفرغ وتكون قادرة عىل اخلروج‪ ..‬فلن يستغرق وق ًتا لينتظرها اسفل منزهلا‪..‬‬
‫اتفقا عىل اللقاء إن استطاعت مايا بعد يوم عمل شاق و طويل‪..‬‬
‫تنقلت مايا بني املتاجر النتقاء بعض أنواع من السرياميك للمطبخ‬
‫واحلاممات الثالث يف الفيال ثم قامت باالتفاق مع إحدى متاجر السجاد‬
‫واملوكيت عىل أنواع وألوان املوكيت وميعاد الرتكيب بعدها اجتهت إىل متاجر‬
‫ً‬
‫طويل ملشاهدة البضائع‬ ‫بيع أقمشة الستائر ومستلزماهتا‪ ..‬فقضت هناك وق ًتا‬
‫واملعروضات وانتقاء املناسب منها‪ ..‬واختتمت تنقالهتا يف إحدى ورش‬
‫تصنيع وتشكيل احلديد لالتفاق عىل بعض نامذج «الفريفورجيه» للرشف‬
‫وبعض احلواجز والقواطع داخل الفيال‪ ..‬وبعدها شعرت مايا ان طاقتها‬
‫أخريا اهنت كل املشاوير لدرجة اهنا‬
‫ً‬ ‫قد استنفدت وأهنا تشعر بتعب شديد‪..‬‬
‫نسيت أن تتناول أي طعام‪ ..‬فكانت تشعر بجانب التعب باجلوع الشديد‬
‫رفضت تناول أي يشء فضلت أهناء املتابعة يف الفيال والنقاش مع األسطي‬
‫فرج وبعدها تستعد لتناول العشاء مع رشيف‪..‬‬
‫انتابتها حالة من الرضا والقبول بعد متابعة األعامل وأن كل عامل أدى‬
‫دوره كام هو موكل إليه‪ ..‬فكل يشء يسري عىل ما يرام عدا تركيب األحجار يف‬
‫احلائط املقابل ملدخل الفيال‪..‬‬

‫‪115‬‬
‫كان االسطى فرج بمفرده يف الفيال بعد أن غادر مجيع العاملني‪ ..‬كان يف‬
‫انتظار الست املهندسة كام ينادهيا العامل‪ ..‬عدا االسطي فرج الذي كان به من‬
‫التكرب ان ينادهيا هبذا اللقب‪ ..‬وكان عادة ينادهيا «ياست» وهي مل تعر لألمر‬
‫انتباه لعلمها أن عمله لن يستغرق أكثر من ثالثة أو أربع أيام عىل األكثر وربام‬
‫ال تتعاون معه ثانية يف املستقبل وأي عمل قادم حيث تشعر أنه شخص كثري‬
‫النقاش كثري اجلدال‪ ..‬قليل العمل‪ ..‬يبحث عن مكانة مزعومة‪ ..‬أنه رئيس‬
‫العامل وال يتلقى أوامر من أحد حتى لو كانت من املهندسة املسئولة عىل تنفيذ‬
‫أعامل التشطيبات فلم يكن من السهل التعامل معه وحيتاج إىل ترويض دائم‪..‬‬
‫هكذا أخربها أحد املقاولني عندما استعانت به إن كان لديه أو يعرف اسطي‬
‫شاطرا لرتكيب األحجار بحرفية‪..‬‬
‫ً‬
‫جالسا عىل األرض‬
‫ً‬ ‫ما أن انتهت مايا من املعاينة توجهت إليه حيث كان‬
‫ً‬
‫مشعل سيجارة كرهية الرائحة ‪ ..‬رائحة عطرية غريبة غري‬ ‫يف مدخل الفيال‬
‫رائحة السجائر املعتادة‪ ..‬ولكنها عطرية غري حمببة‪ ..‬لدرجة أن انتاب مايا نوبة‬
‫من السعال بتأثري الدخان الكثيف الذي شي ًئا فشي ًئا مأل املكان‪..‬‬
‫كان االسطى فرج ذو جسم ممتلئ‪ ..‬وله شارب كثيف ويد خشنة وأصابع‬
‫غليظة عيناه هبام امحرار دائم ونظراته غري مرحية‪ ..‬وسليط اللسان‪..‬‬
‫أهنت مايا جولتها يف الفيال وهبطت الدرج إىل الطابق األريض موجهة‬
‫حديثها لفرج‪ ..‬ها‪ ..‬ما هي املشكلة وماذا تريد ان تقنعني به‪..‬‬
‫مشريا إىل أماكن تركيب احلجارة‬
‫ً‬ ‫هنض فرج من مكانه وبدأ يرشح هلا‬
‫وكانت مايا تقف بمسافة بعيدة عنه بعض اليشء‪ ..‬طلب منها أن تقرتب‬

‫‪116‬‬
‫وتضع يدها عىل احلائط وتالحظ سمك احلائط أقل بكثري من سمك احلجارة‬
‫وبالتايل ستكون احلجارة هبا بروز خارجي اكثر من الالزم وغري متناسق يف‬
‫شكله‪..‬‬
‫اقرتبت مايا وبدأت تضع أصابعها عىل احلائط وأمسكت بأحد قوالب‬
‫احلجارة والصقتها بيدها واسندهتا عىل احلائط لرتى حجم الربوز اخلارجي‬
‫فإذا فرج وبشكل فجائي استدار من خلف مايا وأمسكها من ظهرها وطوق‬
‫يداها من أمامها وألصق جسده بجسدها بقوة‪ ..‬رصخت وأمطرته بوابل من‬
‫السباب‪ ..‬آمرة إياه ان يرتكها ويبتعد عنها‪ ..‬لكنه كان يف حالة غري مؤهلة لسامع‬
‫غري صوت رغباته وشهواته التي ال توصف إال باحليوانية‪ ..‬كان مقززا برائحة‬
‫منفرة‪..‬‬
‫حاولت مايا التخلص منه لكنه كان أقوي من أي حماولة تقوم هبا لإلفالت‬
‫من قبضة يديه وابعاد هذا اجلسد اخلنزيري عنها‪..‬‬
‫كانت مازالت ممسكة بقالب احلجارة عندما كانت تقيس سمك احلائط‬
‫مقارنة بمقياس وسمك احلجارة أفلتت يدها برسعة ورفعت يدها بشكل‬
‫تلقائي وهبطت بيدها حاملة احلجارة بكل ما أوتيت من قوة وشجت هبا‬
‫رأس فرج‪ ..‬ورأت دماءه القذرة تنهمر من رأسه لتمأل وجهه‪ ..‬وختيلت أهنا‬
‫ختلصت منه وباستطاعتها اهلرب‪ ..‬لكن القدر كان خمبئ هلا ما هو اسوأ من‬
‫ذلك بكثري اذ هرع فرج خلفها ومل هيتم بدمائه املسالة من رأسه لتغطي مالحمه‬
‫الكرهية واستطاع االمساك هبا عىل الدرج وهي حتاول الصعود ألعيل الفيال‬

‫‪117‬‬
‫أمسكها من قدميها ركلته بشدة حماولة االفالت منه لكنه اقرتب من وجهها‬
‫ولطمها عدة لطامت عىل وجهها حتى فقدت الوعي‪..‬‬
‫منتظرا مكاملة من مايا ليستعد للخروج‬
‫ً‬ ‫وضع رشيف هاتفه بجواره‬
‫ملالقتها حتت منزهلا للذهاب إىل أحد املطاعم املحببة اليهم لتناول العشاء عىل‬
‫أنغام املوسيقي اهلادئة والشموع املنترشة عىل طاوالت املطعم‪..‬‬
‫خمصصا للمأكوالت البحرية‪ ..‬ويفضل احلجز مسبقًا‬
‫ً‬ ‫صغريا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مطعم‬ ‫كان‬
‫ً‬
‫اتصال باملطعم حلجز‬ ‫نظرا لإلقبال الشديد عليه‪ ..‬التقط رشيف هاتفه واجرى‬
‫ً‬
‫طاولة‪ ..‬ردت عليها إحدى العامالت باملطعم أنه تم قيد اسمه ولكن لن‬
‫تقريبا قبل ساعتني اجاب أنه وقت كايف لالستعداد‬
‫ً‬ ‫تكون هناك منضدة خالية‬
‫والذهاب اليهم‪..‬‬
‫طال انتظار رشيف حتى غط يف نوم عميق دون ان يشعر بنفسه أو بالوقت‬
‫وإذا به يسمع جرس هاتفه‪..‬‬
‫رد رشيف وبعد أن استمع ملن حيادثه قفز لتوه وارتدي ما رآه أمامه وهبط‬
‫إىل سيارته وقادها بأرسع ما يكون‪ ..‬وصل إىل املشفى بمنطقة سموحة سأل‬
‫عن مايا أخربوه أهنا يف العناية املركزة‪ ..‬فهي يف حالة اعياء شديد مل يدرك‬
‫رشيف حقيقة ما حدث ملايا وما فعله هبا «فرج»‪..‬‬
‫حاول ان يسرتجع ذاكرته‪ ..‬أهنا اخربته اهنا ذاهبة إىل الفيال وبعدها إىل‬
‫البيت لتبديل مالبسها‪ ..‬واالستعداد للعشاء‪..‬‬
‫ماذا حدث هلا يا تري‪ ..‬وملاذا غرفة العناية املركزة‪ ..‬حاول التقاط أي معلومات‬
‫من الطاقم الطبي املرشف عىل عالجها لكن اجلميع كانوا يف حالة صمت تام‪..‬‬

‫‪118‬‬
‫مطقطقني رؤوسهم إىل األرض بال اجابات ألي من أسئلة رشيف‪ ..‬وبعد دقائق‬
‫حرض الدكتور كامل شوقي والد مايا‪ ..‬القى التحية عىل رشيف وأبلغه أن مايا اخربته‬
‫بصداقتها لرشيف‪ ..‬وأنه كان يتنظر الفرصة املناسبة للقائه‪ ..‬ولكن ليس هذا‬
‫هو املهم اآلن‪..‬‬
‫أخربين يا رشيف ماذا قال االطباء عن مايا‪ ..‬ماذا حدث هلا وملاذا العناية‬
‫املركزة‪ ..‬هل اصطدمت سيارهتا‪ ..‬هل سقطت يف العمل‪ ..‬هل وقع عليها‬
‫يشء من مواد البناء‪ ..‬ماذا إذا؟‪..‬‬
‫مرت الساعات بطيئة‪ ..‬ويف األخري جلس إليهام أحد األطباء يف حجرة‬
‫وطلب أال يدخل عليهم أحدً ا‪ ..‬قص عليهام احلالة الطبية والصحية ملايا حيث‬
‫تعرضت لالغتصاب بعنف‪ ..‬فأصيبت بتهتك يف أعضائها التناسلية مما سبب‬
‫هلا نزيف ومن الواضح اهنا نزفت بشدة لكن محدً ا هلل أن فصيلة دمها متوفرة‬
‫لدينا فاستطعنا نقل الدم اليها بام يعوض ما فقدته‪ ..‬واآلن هي أفضل لكن‬
‫جيب أن تظل يف العناية املركزة ملدة يومني عىل األقل‪ ..‬وربام نحتاج أن نستعني‬
‫بالطب النفيس ملساعدهتا للخروج مما سوف تكون عليه حيث عادة ما يمر‬
‫أصحاب احلاالت مثل مايا بأسوأ احلاالت النفسية‪.‬‬
‫ساد صمت رهيب بعد أن فرغ الطبيب من حديثه‪ ..‬صمت مرعب‪..‬‬
‫حزين‪ ..‬مميت‪ ..‬قاتل‪ ..‬مؤمل للنفس البرشية‪ ..‬صمت طاع ًنا يف الكرامة‪..‬‬
‫الكربياء‪ ..‬اإلحساس بالظلم والقهر‪ ..‬بأيدي مكتوفة‪ ..‬وال يستطيع العقل أن‬
‫حياول التخيل او التصور ملا حدث ملايا‪ ..‬أجهش الدكتور كامل يف البكاء غري‬
‫مصدق ما سمعه‪..‬‬

‫‪119‬‬
‫مايا‪ ..‬بنتي أنا‪ ..‬اغتصاب‪ ..‬عامل بناء‪ ..‬كيف وملاذا وماذا حدث يف الدنيا‬
‫االنسانية‪ ..‬ال‪ ..‬احليوانية التي اصبح بعضنا غار ًقا فيها‪..‬‬
‫كاد عقل رشيف أن يتوقف عن العمل‪ ..‬ظل صام ًتا لفرتة ال يصدق‬
‫ماذا حدث‪ ..‬من هو ذاك احليوان الذي أقدم عىل مثل هذه الفعلة‪ ..‬يؤذي‬
‫«مايأيت"‪ ..‬كام كان حيب أن ينادهيا‪" ..‬يا مايايت" هيجم عليها‪ ..‬اغتصاب‪..‬‬
‫أنا غري مصدق‪ ..‬حاول رشيف البكاء لكن الدموع رفضت اهلطول وظلت‬
‫حبيسة داخل عينيه إال بعد أن يطمئن عىل مايا ويعرف من أقدم عىل هذه‬
‫الفعلة‪ ..‬سأقتله‪..‬‬
‫بعد دقائق حرض ضابطان من الرشطة‪ ..‬حيث قامت املشفى بإبالغ‬
‫الرشطة‪ ..‬طلب الضابط احلديث إليهام عىل وجه الرسعة‪ ..‬وانفرد هبام يف‬
‫إحدى احلجرات وتبادل معهام احلديث وألقي عليها العرشات من األسئلة‬
‫وبعدها توجه إىل قسم الرشطة وبدأ فريق من املباحث اجلنائية واملباحث العامة‬
‫يف تويل هذه القضية والعمل عىل فك مالبسات ما حدث‪ ..‬والقاء القبض عىل‬
‫اجلاين أو اجلناة إذا كانوا أكثر من فرد واحد‪..‬‬
‫مل جيد رشيف من يلجأ إليه‪ ..‬إال سيادة العميد‪ ..‬أمسك هباتفه وحادث‬
‫ومفزوعا‬
‫ً‬ ‫منزعجا‬
‫ً‬ ‫شارحا كل يشء ألبيه‪ ..‬استمع األب وقام من مكانه‬
‫ً‬ ‫أباه‬
‫وكل ما قاله لرشيف‪ ..‬ابقي مكانك‪ ..‬سوف أكون بجوارك بعد ساعتني‪..‬‬
‫أغلق سيادة العميد اهلاتف غري مصدق ما حدث وما سمعه من ابنه‬
‫رشيف‪ ..‬وأخذ يتمتم «سرتك يارب» اتصل بأحد السائقني ليأيت بسيارته ليقل‬

‫‪120‬‬
‫سيادة العميد إىل االسكندرية حيث مل تكن أعصابه قادرة عىل الرتكيز يف القيادة‬
‫عيل الطرق الرسيعة وال حتى البطيئة‪..‬‬
‫رصاخا‬
‫ً‬ ‫أفاقت مايا من غيبتها‪ ..‬وبدأت تتذكر ما حدث هلا‪ ..‬رصخت‬
‫ً‬
‫متواصل بال توقف حتى توقفت فجأة كأهنا فارقت احلياة‪..‬‬
‫هرع إليها الطبيب واملمرضات وتم حقنها يف ذراعها بمسكن قوي‬
‫للغاية‪ ..‬نامت بعده عىل الفور‪..‬‬
‫حترك فريق البحث والتحري‪ ..‬والبحث اجلنائي‪ ..‬مجعوا معلومات كثرية‬
‫ووضعوا اخليوط بجوار بعضها فنسجت هلم تصورا ملا قد يكون حدث داخل‬
‫الفيال وأن اجلاين البد وان يكون هو فرج مسئول تركيب الطوب احلجري‬
‫تقريبا اختفى‪ ..‬مل يظهر يف بيته وزوجته‬
‫خاصة أهنم بحثوا عنه يف كل مكان لكنه ً‬
‫ال تعلم عنه شي ًئا منذ ذلك اليوم املشئوم‬
‫***‬

‫‪121‬‬
‫سألت نورا والدهتا عن سيادة العميد‪ ..‬أين ربام يكون فهي تريد احلديث‬
‫إليه بشأن ماجد وتفاصيل االتفاق عيل حفل اخلطوبة‪ ..‬أجابت األم أنه أخربها‬
‫أنه ذاهب إىل االسكندرية لزيارة رشيف وقضاء بعض الوقت معه لالطمئنان‬
‫عىل حالته ومعيشته و مل تكن األم بالطبع تعلم أمر املكاملة التي تلقاها زوجها‬
‫من ابنهام رشيف‪ ..‬وحالة الضياع واالنكسار التي يعيشها رشيف وهو يرى‬
‫«ماياته» تضيع من بني يديه‪ ..‬ومما زاد خوفه أن الطبيب أخربه أنه لألسف‬
‫انه من املالحظ ان كثري من تلك احلاالت يقدمن عىل االنتحار والتخلص‬
‫من احلياة‪ ..‬فالطبيب النفيس هنا له األثر والدور األكرب يف عودهتا مرة أخرى‬
‫للحياة‪..‬‬

‫بعد مرور أيام شعر رشيف أن غياب مايا عن الوعي سيطول أليام‪..‬‬
‫أسابيع ربام شهور‪ ..‬ال أحد يعلم‪ ..‬ولن يستطيع أن يقف مكتوف األيدي‪..‬‬
‫وكلام تواصل مع الضباط املسئولني عن القضية خيربوه اهنم ليسوا ساكتني وال‬
‫صامتني يتحركون يف كل مكان للبحث عن املشتبه فيه الوحيد‪ ..‬فرج‪..‬‬
‫يسمع رشيف كل هذا ويزداد ً‬
‫غيظا ومق ًتا‪ ..‬يرضب كل يشء حوله‬
‫بيديه‪ ..‬ويركل كل ما يف طريقه بأقدامه‪ ..‬يريد حتطيم كل ما هو حوله‪..‬‬

‫‪122‬‬
‫كيف ملايا أن تعود الفراشة اجلميلة التي متأل الدنيا حوهلا هبجة وفرحة‪..‬‬
‫أنوثتها‪ ..‬أناقتها‪ ..‬ابتسامتها‪ ..‬شعرها الناعم‪..‬‬
‫جاء هذا الوغد ليدمر كل ذلك ليرسق الفرحة ويطفئ البهجة والرباءة‬
‫ويقتل االبتسامة‪ ..‬كيف جيرؤ هذا اللعني أن يضع فقط أصبعه ليلمس املالك‬
‫الطاهر «مايا»‪ ..‬البد من قتله ألف مرة‪ ..‬تعذيبه آالف الساعات‪ ..‬كيف جيرؤ‬
‫هذا الكافر بكل الرشائع‪..‬‬
‫بينام رشيف يفكر ويكاد ان يفقد عقله بعدما فقد اعصابه‪ ..‬حرض سيادة‬
‫ً‬
‫طويل إىل صدره وربت عىل كتفيه ثم قام إىل د‪ .‬كامل‬ ‫العميد‪ ..‬ضم رشيف‬
‫ملصافحته والتعرف عليه واألخذ بشدة عىل يديه مؤكدً ا له أن مايا مثل نورا‬
‫ابنته وأنه لن يغادر اإلسكندرية حتى االطمئنان عليها وعىل رشيف وأن يبدآ‬
‫حياهتام سو ًيا وأن يتخطيا ما حدث مهام طال فالزمن كفيل بتقديم الدواء‬
‫والشفاء‪ ..‬أال وهو النسيان‪..‬‬
‫طرأت يف عقل رشيف بعض األفكار التي حتولت بعد فرتة قصرية عىل‬
‫خطة عمل يف رأسه قرر أن ينتقم ملايا‪ ..‬أن يبحث عن اجلاين بنفسه ذلك اللعني‬
‫«فرج» ويمثِّل به ويطلق عليه كال ًبا جائعة تنهشه‪ ..‬ويعرضه لتيار كهربائي قيمته‬
‫ألف فولت‪ ..‬أو يقذف به إىل قارعة الطريق من أعىل برج سكني فتتكرس كل‬
‫قطعة عظام يف جسده العفن إىل ماليني القطع الصغرية فال يصلح معها ترميم‪..‬‬
‫لقد تكون بداخيل بركان من الرش والغضب يريد أن خيرج وأن ينفجر‪..‬‬
‫ويقذف بكل محمه املحرتقة امللتهبة لتحرق كل من تسبب يف إيذاء لـ»مايايت»‪..‬‬
‫***‬

‫‪123‬‬
‫استيقظت مروة يف املساء بعدما خلدت لنوم عميق لساعات من فرط‬
‫التعب جهزت العشاء لوالدها العم زكريا‪ ..‬واختلقت له قصة‪ ..‬إن عالء يف‬
‫املشفى نتيجة حادث سيارة وأن أمه ظلت ترجوها لفرتة طويلة ملساعدهتا يف‬
‫طبعا العكس كان هو الصحيح‪ ..‬فمروة هي‬
‫العناية به‪ ..‬فاضطرت للقبول‪ً ..‬‬
‫من أخذت حتاول إقناع مدام وفاء أهنا لن تقدر عىل احلضور والبقاء مع عالء‬
‫طوال اليوم والليل بمفردها‪ ..‬لذلك البد أن تشاركهم وتساعدهم ويكون هلا‬
‫دور يف العناية به وأنا قبلت بوردية الليل ألكون إىل جواره إذا ما احتاج إىل‬
‫يشء‪ ..‬وافق العم زكريا عىل مضض‪ ..‬غري مقتنع‪ ..‬ولكونه حيمل أخالق والد‬
‫البلد‪ ..‬مل يستطع الرفض حتى لو كان ً‬
‫رافضا بعقله‪..‬‬
‫قادرا‬
‫قضت مروة ليلتها الثانية بجوار عالء وقد حتسنت صحته وأصبح ً‬
‫عىل الكالم بال عناء‪ ..‬اقرتبت منه أكثر‪ ..‬وبدأ عالء يرى بعض امليزات فيها‪..‬‬
‫سارحا‬
‫ً‬ ‫ولكن بني احلني واآلخر كان يبدو عىل عالء نظرات مليئة بالقلق ويظل‬
‫بأفكاره لفرتة طويلة‪ ..‬فكم متنت مروة أن تعلم فيام يفكر عالء‪ ..‬البد أن هناك‬
‫ما يشغله ربام حزين عىل سيارته فهي سيارة فاخرة باهظة الثمن وانه كان حيبها‬
‫رسا أو العديد من‬
‫كثريا‪ ..‬هل السيارة أم أن هناك أمر آخر‪ ..‬البد أنه خيبئ ً‬
‫ً‬
‫األرسار بداخله‪ ..‬آه لو استطاعت أن تنتقل وتتجول بداخله وبني جنباته‬

‫‪124‬‬
‫لتطلع عىل ما يدور فيها وما وراء تلك النظرة الشاخصة‪ ..‬فهو قليل الكالم‪..‬‬
‫ومهام سألته فمن املستحيل أن يبوح هلا ويفصح عام بداخله‪ ..‬فلم تكن العالقة‬
‫بينهام هبذه القوة واملتانة والثقة لدرجة البوح باألرسار‪..‬‬
‫كلام سمع عالء الطرق عىل باب غرفته هيبط قلبه وضغط دمه إىل أدنى‬
‫مستوياته‪ ..‬حيث ً‬
‫دائم ما يعتقد أنه أحد أفراد الرشطة‪ ..‬يقبض عليه ويضعه يف‬
‫السجن بسبب وصل األمانة املزان بتوقيعه‪..‬‬
‫***‬

‫‪125‬‬
‫بدأ رشيف أويل خطواته للبحث بنفسه عن اجلاين «فرج» عرف من‬
‫ضابط البوليس حمل اقامة فرج‪ ..‬قرر رشيف أن يرتك دراسته للتفرغ هلذه‬
‫املهمة الغريبة عليه لكنها ليست غريبة عىل رجولته واسرتداد كرامته وحق‬
‫«مايا»‪ ..‬لكنه تراجع عن فكرة تركه للدراسة حيث ال يريد أن يشعر أحد‬
‫بغيابه وانقطاعه عن حضور املحارضات‪ ..‬وتبدأ عملية البحث عنه وسؤاله‬
‫عن اسباب انقطاعه عن الدراسة فهو يريد أن خيوض عملية البحث عن املجرم‬
‫يف رسية تامة وعدم معرفة أي شخص كي ال يصل األمر إىل الرشطة فيوقع‬
‫نفسه حتت طائلة القانون ويعطله كل هذا عن الوصول هلدفه أال وهو االنتقام‬
‫حمطم‪ً ..‬‬
‫ذليل‪..‬‬ ‫مهشم‪ً ..‬‬
‫ً‬ ‫وعودة حق مايا بأن يرى اجلاين‬

‫بالفعل ذهب رشيف يف الصباح حلضور املحارضات‪ ..‬كالعادة وحاول‬


‫أن يكون هادئًا ويبدو عليه سامت الطيبة من مرح وتركيز يف الدراسة‪ ..‬وما أن‬
‫حل املساء حتى انتقى رشيف أسوأ ما يف خزانة مالبسه من مالبس ال يبدو‬
‫عليها املظهر الفاخر‪ ..‬وأخذ معه بعض النقود‪ ..‬وبحث يف بعض أدراج مكتبه‬
‫عن جهاز تليفون حممول قديم للغاية‪ ..‬وجده‪ ..‬ووضع فيه رشحية اهلاتف وقام‬
‫بشحنه بالطاقة الكهربائية وتوجه إىل كرموز حيث يقطن ذلك الـ»فرج»‪..‬‬

‫‪126‬‬
‫دار رشيف حول منزل فرج دورة‪ ..‬تفقد فيها البيت القديم املكون من‬
‫ثالثة طوابق ويسكن فرج يف الطابق األريض‪ ..‬ونافذة بيته تطل عىل الشارع‬
‫الضيق‪ ..‬نافذة منخفضة من السهل أن ترى من بداخل البيت وأنت تسري يف‬
‫الشارع إن مل يكن هناك ستائر حتجب الرؤية‪..‬‬
‫فكر رشيف أن يسأل أحد أصحاب املحالت املالصقة ملنزل فرج‪ ..‬لكنه‬
‫رسيعا ويفسد عىل‬
‫ً‬ ‫تراجع خو ًفا من إثارة التساؤالت حوله‪ ..‬فيكشف نفسه‬
‫نفسه املهمة بأكملها‪ ..‬واملوقف ال حيتمل املخاطرة‪..‬‬
‫توجه إىل أحد املحالت ليشرتي كارت شحن دقائق هلاتفه القديم‪..‬‬
‫ً‬
‫مشغول برتتيب بضاعته يف الرفوف‬ ‫وحاول التحدث مع البائع لكن البائع كان‬
‫وإضافة بضائع جديدة هلا‪..‬‬
‫نظر حوله فوجد مقهى بلدي‪ ..‬ذهب للجلوس عليها ‪ ..‬طلب كو ًبا‬
‫من الشاي وعندما جاء القهوجي بالشاي استوقفه رشيف وقدم له سيجارة‬
‫من علبة السجائر املحلية الصنع التي اشرتاها منذ دقائق بعد رشاءه كارت‬
‫شحن املحمول‪ ..‬سأله رشيف إن كان يعرف له عمل‪ ..‬فهو بال عمل وعليه‬
‫مسئوليات مجة وهو العائل الوحيد لألرسة وأنه ظل بال عمل ملدة طويلة‪..‬‬
‫فسأله القهوجي عن طبيعة صنعته وما جييده من عمل‪ ..‬فقال له انه كان يعمل‬
‫مساعدً ا عند أسطى تركيب أحجار لكنه حصل عىل عقد عمل يف إحدى الدول‬
‫املجاورة وتركه بال عمل فسأله القهوجي لِ َ مل تسافر معه فتستطيع أن تدخر‬
‫صعبا للغاية وال جمال لالدخار‪..‬‬
‫ً‬ ‫بعض النقود‪ ..‬لقد أصبح حال البلد هنا‬
‫فبالكاد الكل يعيش‪..‬‬

‫‪127‬‬
‫فسارع رشيف بسؤاله قبل ان ينشغل مع بعض الزبائن األخرين انه سمع‬
‫ان هناك اسطى معلم يف تركيب األحجار اسمه االسطى «فرج» يبحث عن‬
‫مساعد فأين هو وكيف له أن يقابله‪..‬‬
‫شذرا وغابت بشاشة وجهه وأجاب ال أعرف وتركه‬
‫نظر إليه القهوجي ً‬
‫وذهب ملساعدة أحد الزبائن‪..‬‬
‫شعر رشيف أن ما هو مقدم عليه خميف‪ ..‬هو املجهول بعينه وأن مهمته‬
‫ليست سهلة بل هي أشبه باملستحيل‪..‬‬
‫جالسا غار ًقا يف التفكري‪ ..‬غري عابئ‬
‫ً‬ ‫مرت فرتة ورشيف مازال عيل القهوة‬
‫بقذارة املكان وال اإلزعاج من حوله يف كل مكان‪ ..‬وبينام هو جالس‪ ..‬جاء‬
‫إليه القهوجي وأخربه أن هناك من يستطيع مساعدته فأخرج رشيف سيجارة‬
‫أخرى وناوهلا للقهوجي‪ً ..‬‬
‫قائل‪ ..‬من هو؟‬
‫أخذه القهوجي إىل أحد الطاوالت‪ ..‬والتي جيلس عليها رجل قبيح‬
‫املظهر ارتعد رشيف من شكله‪ ..‬وتوقف الكالم يف حلقه لدقائق‪ ..‬واستمع إىل‬
‫القهوجي الذي قام بتقديم الرجل إليه‪ ..‬االسطى «عاشور» خري من يساعدك‬
‫عىل اجياد عمل مساعد ألسطي تركيبات أحجار‪..‬‬
‫جلس رشيف بجوار االسطى عاشور وهو منهمك بتدخني الشيشة التي‬
‫خيرج منها دخان كثيف كون جمموعة ال بأس هبا من السحب امللوثة واملشبعة‬
‫بكل انواع الكربون‪ ..‬أول وثاين وربام ثالث ورابع إن وجد‪..‬‬
‫متعجبا من حقارة ودنو املكان‪ ..‬وهذا‬
‫ً‬ ‫كان رشيف يتلفت حوله‬
‫«العاشور» وحده تركيبة غريبة‪ ..‬شكله‪ ..‬صوته‪ ..‬مسكته للشيشة وباليد‬

‫‪128‬‬
‫األخرى يمسك أداة معدنية يضغط هبا عىل الفحم‪ ..‬فيشتعل ويزداد امحرارا‬
‫مع كل نفس‪..‬‬
‫توجه عاشور بالسؤال إىل رشيف‪ ..‬هل لديك خربة كبرية يف تركيبات‬
‫األحجار‪ ..‬كم مرت تقوم برتكيبه يف اليوم وهل لديك خربة يف تكسري وهتذيب‬
‫األحجار‪..‬‬
‫مل يعرف رشيف بامذا جييب لكنه آثر احللول الوسطية‪ ..‬فقال إنه مازال‬
‫يف مرحلة التعليم‪ ..‬ومل يعمل بيده لكنه فقط يقوم بمناولة املعلم احلجارة‬
‫وحتضري املؤن االسمنتية‪ ..‬آاااه ‪..‬هكذا زفر املعلم عاشور بصوت مثل نعيق‬
‫الغربان‪ ..‬صبي يعني‪« ..‬طب قوم فز من جنبي واميش اقعد عىل الرصيف‬
‫هناك‪ ..‬بال قلة أدب‪ ..‬لغاية ما نشوف نشغلك عند مني» وأنا اليل كنت فاكره‬
‫معلم وباحرتمه‪ ..‬هكذا أكمل عاشور وصلة توبيخ رشيف‪..‬‬
‫مرت عىل رشيف ساعتان وهو جالس عىل الرصيف املتسخ للغاية‪..‬‬
‫من يصدق ان رشيف ابن العميد فؤاد أحد أبطال حرب أكتوبر واخلبري‬
‫العسكري‪ ..‬و الطالب املجتهد الذي اقرتب أن يكون ضابط بحري جتاري‬
‫وبعد سنوات ربام يصري قبطانًا عىل أحد السفن الكبرية‪ ..‬يكون هذا حاله‪..‬‬
‫جالسا عىل رصيف متسخ يف حي شعبي مل يسبق له السري‬
‫ً‬ ‫يرتدي مالبس رثة‪..‬‬
‫ومنتظرا إشارة من رجل أشبه‬
‫ً‬ ‫ناظرا‬
‫فيه من قبل وال يعرف عن قاطنيه شي ًئا ً‬
‫باملجرمني أو مرتادي السجون املعلم عاشور‪ ..‬باحثًا عن جمرم آخر‪ ..‬هدفه‬
‫املنشود‪« ..‬فرج»‪..‬‬

‫‪129‬‬
‫ألجل مايا وثأرها كل يشء هيون‪ ..‬مل ولن أكون ً‬
‫رجل إال إذا انتقمت‬
‫ملايا مادامت الرشطة عاجزة وحركتها بطيئة إىل هذا احلد‪ ..‬كان هاتف رشيف‬
‫مغلقًا فقد خيش ان يتحدث فيه فيسمعه أحد فيعلم انه ابن ناس من طريقة‬
‫حديثه‪ ..‬وال يقنع أنه صبي‪..‬‬
‫كاد عقل العميد فؤاد أن يشت من طول بحثه عن رشيف‪ ..‬فكان هياتفه‬
‫ولكن ال يرد‪ ..‬ومل يكن باملنزل وال يعلم أحد أين ذهب ومل يأيت إىل املشفى‬
‫وهذه أول مرة يغيب فيها عن مايا خاصة فرتة املساء‪..‬‬
‫أخذت األفكار السوداء تدور يف رأس العميد‪ ..‬إىل أن فطن أنه البد‬
‫وأكيد أن رشيف عمل حادثة بسيارته‪ ..‬فهو ً‬
‫دائم سارح مشتت التفكري‬
‫منذ حادثة مايا وبالتايل تركيزه قليل وبذلك من السهل ان يرتطم بأي يشء‬
‫يف طريقه أو ال يكون لديه القدرة عىل تقدير املسافات والزمن الذي حيتاجه‬
‫لكبس مكابح السيارة عند اللزوم‪..‬‬
‫***‬

‫‪130‬‬
‫وتقريبا‬
‫ً‬ ‫رن صوت مايا عاليا جملجال يف أركان الدور الثالث باملشفى‬
‫ً‬
‫متواصل مع ركل باألقدام وقذف‬ ‫رصاخا‬
‫ً‬ ‫سمعه كل من كان يف املشفى‪..‬‬
‫املالءات عىل األرض مع قذف للوسادات يف كل اجتاه‪..‬‬
‫ً‬
‫مزلزل أرجائه إىل أن وصل الطبيب وخلفه‬ ‫ظل الرصاخ يدوي يف املكان‬
‫اثنتان من التمريض وفعلوا كام فعل يف السابق‪ ..‬حقنة خمدرة تساعدها عىل‬
‫النوم ونسيان ما يف رأسها مؤق ًتا‪..‬‬
‫سأل الدكتور كامل‪ ..‬الطبيب املعالج عن املوقف فأجابه أن هذه األمور‬
‫تستغرق وق ًتا وأن مايا حتتاج للرصاخ وتفريغ ما بداخلها من شحنات نتيجة‬
‫لتعرضها للقهر‪ ..‬وبعد فرتة تبدأ مرحلة العالج النفيس مع أحد األطباء املهرة‬
‫يف هذا املجال‪ ..‬فملف حالتها بني يديه اآلن وهو من يقوم بعمل خطة عالج‬
‫هلا وإن شاء اهلل تسري األمور عل خري‪..‬‬
‫***‬

‫‪131‬‬
‫طال انتظار رشيف حتى جاءته اإلشارة من املعلم عاشور أن يأيت إليه‪ ..‬فإذا‬
‫أمرا إياه أن يذهب إىل اقرب بائع ويشرتى له علبتني من‬
‫به يعطيه بعض النقود ً‬
‫السجائر‪ ..‬التقط رشيف النقود وأغلق يده عليها بإحكام وسار لعدة خطوات‬
‫ثم توقف فا ًحتا يده ً‬
‫ناظرا إىل النقود غري مصدق ما حيدث له‪ ..‬أنا أشرتي سجاير‬
‫هلذا الـ‪ ...‬كله هيون يف سبيل راحة مايا ومعرفة احلقيقة واالنتقام هلا‪..‬‬
‫مرسعا وإذا بعاشور خيربه أن يذهب‪..‬‬
‫ً‬ ‫اشرتي رشيف السجاير وعاد‬
‫مناسبا‪ ..‬ذهب رشيف بعيدً ا‪ ..‬ضاع‬
‫ً‬ ‫ويأيت غدً ا يف املساء ليكون وجد له ً‬
‫عمل‬
‫منه اليوم األول يف مهمته بال حصوله عىل أي معلومات وال أي استفادة‪..‬‬
‫هكذا ظن رشيف الذي يعلم أن قربه من املعلم عاشور سيكون فيه‬
‫مفاتيح فك لغز اختفاء فرج ومكان اختباؤه‪ ..‬وهل كان فرج وحيدً ا عندما قام‬
‫بفعلته احلقرية‪ ..‬أم كان معه رشكاء أخرين‪..‬‬
‫سار رشيف ملسافة طويلة عىل قدميه حتى وصل إىل الشارع الرئييس بعيدا‬
‫عن احلي الشعبي حيث كانت سيارته مصفوفة ثم قام بفتح هاتفه‪ ..‬فوجد‬
‫معربا عن قلقه عليه‬
‫وابل من الرسائل قاد ًما إليه أغلبها من أبيه سيادة العميد‪ً ..‬‬
‫وأنه اختفي بال سبب‪..‬‬
‫حادث أبيه يف اهلاتف الذي طلب منه أنه يريد أن يراه ً‬
‫حال‪..‬‬

‫‪132‬‬
‫مل يستطع رشيف الذهاب ملالقاة أبيه بتلك املالبس ورائحة الشيشة‬
‫امللتصقة بجسده وشعره ومالبسه فبالقطع سوف يثري العرشات من األسئلة‬
‫تفسريا عن احلالة التي هو عليها‪..‬‬
‫ً‬ ‫برأس أبيه والبد أن يعطيه‬
‫لكن السؤال األهم واألعظم الذي خيشى أن يسمعه هو «أين كنت كل‬
‫هذا الوقت وملاذا هاتفك مغلق»؟ فهو مل يعتد الكذب وبالتحديد عىل أبيه‪..‬‬
‫ً‬
‫وأيضا مل يعتد‬ ‫فإما أن يظل صام ًتا بال إجابة وهذا معناه أن بداخله ما خيفيه‬
‫أبيه منه عىل هذه املعاملة الغريبة‪ ..‬أو أن يقول احلقيقة التي سوف تصدم أباه‬
‫وتسبب له قلقًا فوق ما به من قالقل‪..‬‬
‫متجها إىل بيته‬
‫ً‬ ‫كان رشيف يفكر يف كل هذه األمور وهو يقود سيارته‬
‫لتبديل مالبسه برسعة قبل الذهاب للقاء ابيه يف املشفى حيث ترقد مايا‬
‫حبيبته‪ ..‬أه يا مايا‪ ..‬ماذا حدث لك وماذا فعل بك هؤالء األوغاد‪ ..‬اقسم لك‬
‫يا مايا‪ ..‬لن أختىل عنك ولن أترك حقك يضيع مهام كلفني هذا‪ ..‬من دراستي‪..‬‬
‫من روحي‪ ..‬أي يشء فداء لك‪..‬‬
‫دخل رشيف من باب العامرة الكبري حيث يسكن وإذا بحارس العامرة‬
‫ومانعا له من الصعود ً‬
‫قائل «عىل فني أنت رايح عند مني»؟‬ ‫ً‬ ‫متعجبا‬
‫ً‬ ‫ينظر اليه‬
‫فإذا برشيف يقول له جرى أيه ياعم عبد التواب‪ ..‬أنا رشيف‪ ..‬فتح عبد التواب‬
‫معا‪" ..‬األستاذ رشيف» اعذرين ظننتك واحدً ا من هؤالء املزعجني‬
‫عينياه وفاه ً‬
‫بتوع اإلعالنات أو الدليفري‪ ..‬معذرة‪ ..‬لكن ملاذا حرضتك تلبس هكذا‪ ..‬هل‬
‫أنت بخري‪ ..‬صعد رشيف برسعة للتحمم وتبديل مالبسه‪..‬‬
‫***‬

‫‪133‬‬
‫علم ماجد من نورا بعد أن حادثها يف اهلاتف أن سيادة العميد غري متواجد‬
‫بالقاهرة وأنه ذهب لبعض الوقت لإلسكندرية لالطمئنان عىل رشيف وعىل‬
‫إقامته هناك‪ ..‬وقضاء بعض الوقت لالستجامم عىل بحر شاطئ سيدي برش‬
‫حيث هو املكان املفضل لديه الذي مجع ذكريات طفولته عندما كان حيرض‬
‫بصحبة أرسته إىل املصيف يف كل عام بعد انتهاء الدراسة مبارشة وأنه يعشق‬
‫االسكندرية يف فصل الشتاء‪ ..‬هكذا أخربت نورا ماجد وليس عليهام إال‬
‫مجيعا لالتفاق عىل مجيع التفاصيل واخلطوات‬
‫االنتظار حلني عودته ليجتمعوا ً‬
‫إلمتام اجراءات اخلطوبة وحفل اخلطوبة‪..‬‬
‫وصل إىل مسامع احلاجة نعامت ً‬
‫بعضا من حديث ماجد ففهمت أن كل‬
‫يشء مؤجل ومرهون بعودة سيادة العميد فإذا هبا كعادهتا وكالسهم املنطلق‪..‬‬
‫أنت يا أهبل مصدق ان سيادة العميد مسافر‪ ..‬ده أكيد انت ماعجبتوش‬
‫ومش مايل عينيه ويرد البنته من هو أفضل منك‪ ..‬عنده حق‪ ..‬انت عندك ايه‬
‫وحيلتك ايه غري شوية عضالت منفوخة وكلها باألدوية اليل بتاخدها طوال‬
‫الوقت‪ ..‬بكرة عضالتك دي تفش وترجع تاين شبه الربص ومافيش بنت‬
‫تبصلك‪ ..‬فرحان بنفسك عىل أيه‪ ..‬ده أنت حتى أمك مش بتهتم بيها وسايبها‬
‫كده ماعندهاش أكل وال حد خيدمها ويشوف طلباهتا‪ ..‬مبقتش قادرة أقوم‬

‫‪134‬‬
‫أعمل حاجة زي زمان أنت صحيح ابن جاحد‪ ..‬أي ولد تاين مكانك كان‬
‫حس عىل دمه‪ ،‬واحترك وخرج جب شوية أكل ومكرسات‪ ..‬أخص عليك‬
‫وخسارة تربيتي فيك‪..‬‬
‫ذاهبا إىل النادي حيث‬
‫استمع ماجد ملوشح كل يوم تقريبا وغادر البيت ً‬
‫حتول إىل كرة من الثلج منفوخة العضالت‪..‬‬
‫***‬

‫‪135‬‬
‫كثريا‬
‫حل الظالم وبدأت مروة ورديتها لرعاية عالء الذي متاثل للشفاء ً‬
‫قادرا عىل القيام من رسيره للحركة البسيطة بواسطة عكاز أو االستناد‬
‫واصبح ً‬
‫عىل مروة واالعتامد عليها يف كل يشء‪ ..‬صارت مروة لعالء أقرب املحيطني به‬
‫عرف عنها كل يشء حيث قضوا ليايل طويلة يف احلديث عن كل يشء‪..‬‬
‫تعلق هبا وبدأ قلبه يدق هلا‪ ..‬فقد كانت هلا اسلحة أنثوية موجهة جتاه‬
‫مشاعره طوال الوقت ومل هتدأ وال هتنأ حتى وقع بني حبال شباكها‪..‬‬
‫ويف أحد املرات رصح ألمه مدام وفاء بمدي اعجابه وامتنانه ملروة بام‬
‫تقدمه له من خدمات ورعاية واهتامم وأنه يري فيها زوجة مناسبة وأهنا اثبتت‬
‫قدرهتا عىل رعاية رجل يف أصعب الظروف وأشدها فال أصعب وال أشد من‬
‫الكسور والكدمات والرقاد يف الرسير أليام طوال بال حراك وغري ذلك فهي‬
‫هلا عقل راجح ومتحدثة جيدة‪ ..‬وأنه يرغب يف التقدم خلطبتها فور التخلص‬
‫من اجلبس املغلف قدمه واستعادة قدرته عىل السري مرة أخرى بدون مساعدة‬
‫العكاز‪ ،‬فليس من الطبيعي أن يتقدم خلطبتها وهو ممسك بعكاز يستند عليه‪..‬‬
‫مانعا من ذلك لكنها يف‬
‫أبدت األم موافقتها املبدئية حيث هي ال ترى ً‬
‫نفس الوقت تعتقد إنه ربام من االفضل االنتظار حتى تدخل بيتهم وتتعرف‬
‫اجتامعيا أم ال‪..‬‬
‫ً‬ ‫عىل والدها وبقية العائلة لتحدد مستواها‪ ..‬وإن كانت تصلح‬

‫‪136‬‬
‫شعر عالء بعدم الراحة يف كالم األم وأن هناك اجتاه أو احتامل للرفض‬
‫إذا ما كانت عائلة مروة عىل غري املستوى االجتامعي الالئق هبم وأن تكون أم‬
‫أوالده يف املستقبل وأباها يكون جدهم إىل آخر هذه األمور‪..‬‬
‫***‬

‫‪137‬‬
‫قاد ماجد سيارته عرب بوابة النادي فإذا به جيد األمن عىل البوابة يستوقفه‬
‫وخيربه انه مطلوب يف اإلدارة ألمر هام‪ ..‬فعليه التوجه لإلدارة قبل بدء متريناته‬
‫وبالفعل توجه ماجد إىل هناك وهو غري مدرك ما هو يف انتظاره من حمرك سيغري‬
‫مسار حياته متا ًما‪..‬‬
‫عقد أحد املسئولني يف النادي جلسة معه اخربه فيها انه تم وقع اختيارهم‬
‫عليه للسفر إىل كييف بأوكرانيا ضمن الفريق املشارك يف بطولة رفع األثقال‬
‫املقامة كل عامني وأمامه أقل من ثالثة اشهر لالستعداد للسفر‪ ..‬وعليه أن‬
‫جاهزا للمسابقة وأن مدربه عىل علم بكل هذه‬
‫ً‬ ‫يتمرن بقوة اكثر واكثر ويكون‬
‫التفاصيل‪ ..‬فليعقد جلسة عمل معه ويستمع لتعليامته جيدً ا كي يستطيع ان‬
‫جاهزا وحتقيق مركز متقدم وميدالية فنحن لن نشارك ملجرد املشاركة او‬
‫ً‬ ‫يكون‬
‫املوقف الترشيفي لكن نحن باحثون عن املنافسة عىل املراكز األوىل‪..‬‬
‫وعليه إحضار جواز سفره لقيام اإلدارة بعمل الالزم من استخراج‬
‫التأشريات وغريه من االجراءات اخلاصة بالسفر‪..‬‬
‫خرج ماجد من مكتب اإلداري بعد هذا اللقاء وسامعه النبأ السار أنه‬
‫أخريا حلمه بدأ‬
‫ً‬ ‫ضمن الفريق املسافر للمسابقة‪ ..‬كاد يطري من الفرح‪..‬‬
‫يتحقق أن يكون يف أهم عواصم العامل‪ ..‬يكون حمط انظار املحطات الرياضية‬

‫‪138‬‬
‫وكامريات وعدسات العاملني يف املجال الريايض‪ ..‬لكن أين النصف الثاين‬
‫من حلمه أن يسافر بصحبة زوجته اللبقة اجلميلة املتحدثة لعدة لغات‪..‬‬
‫أول ما خطر بباله ان حيادث نورا وخيطرها هبذا اخلرب السار‪ ..‬حادثها‬
‫وأخربها أنه حيمل انباء طيبة للغاية أحلت عليه ملعرفة األنباء السارة لكنه صمم‬
‫وجها لوجه‪..‬‬
‫عىل أن حترض ملالقاته يف النادي فيخربها ً‬
‫وبالفعل بعد أقل من ساعة كانت نورا داخل أسوار النادي ملالقاة ماجد‬
‫وما أن التقيا سألته عن اخلرب السار فقص عليها ما حدث بينه وبني اداري‬
‫النادي واخربها انه سيتحدث معهم كي يمنحوه املوافقة الصطحاب زوجته‪..‬‬
‫ماذا‪ ..‬زوجته‪ ..‬متتمت نورا كيف هذا‪ ..‬انت تقول يل ان السفر يف غضون‬
‫ثالثة أشهر‪ ..‬فكيف نتمم اخلطوبة ومن بعدها الزفاف يف اقل من ثالثة أشهر‪ ..‬انا مل‬
‫ِ‬
‫ألتق بوالدي منذ عدة أيام‪ ..‬اعتقد أن األمر صعب للغاية والوقت غري كايف متا ًما‪..‬‬
‫إحلاحا شديدا شارحا كم هو حيبها ويعشقها ويريدها إىل‬
‫ً‬ ‫ألح ماجد‬
‫جواره وأهنا أول فرصة يتحصل عليها وجيب ان تكون معه يف كل خطواته‬
‫وتعطيه من الدعم والدعاء عىل قدر استطاعتها فهو يف اشد االحتياج اليها هي‬
‫وحدها‪ ..‬احتياجه إىل نورا‪ ..‬نورا وفقط‪..‬‬
‫جلسا ماجد ونورا بعد ان وافقت ان تلك الثالثة اشهر هي كل ما متلك‬
‫من الوقت إلمتام كل يشء وإقناع أرسهتا بذلك مع إهنا ترى أن هذا درب من‬
‫اجلنون‪ ..‬جلسا سو ًيا يبحثان كل االمور ويتناقشان يف مجيع التفاصيل بداية من‬
‫ترتيب حلفل خطوبة صغري «عىل الضيق» كام يقولون إىل الزفاف ثم السفر إىل‬
‫كييف بأوكرانيا‪..‬‬
‫***‬

‫‪139‬‬
‫ً‬
‫طويل‪ ..‬ثم‬ ‫جلس سيادة العميد مع رشيف بعد ان تفحصه ونظر إليه‬
‫بدأ حديثه لرشيف‪ ..‬أنت خمبي عليا ايه؟‪ ..‬عرفت حاجة عن حالة مايا ومش‬
‫قادر تقول‪ ..‬قويل يا بني صارحني‪ ..‬أم علمت أخبار من الرشطة‪ ..‬لقد رأيتك‬
‫باألمس تتحدث إىل أحد الضباط يف الردهة‪ ..‬هل تعلم يشء ال نعلمه ارجوك‬
‫أرسارا‪ ..‬جيب أن نكون فريقًا واحدً ا وقلبنا‬
‫ً‬ ‫صارحني يا ابني فاملوقف ال حيتمل‬
‫عىل قلب رجل واحد‪..‬‬
‫أمام إرصار وإحلاح األب ‪ ..‬وحب رشيف واحرتامه ألبيه وعدم قدرته‬
‫عىل خمالفة ضمريه وحمو سنوات الرتبية املستقيمة التي تريب عليها رشيف عن‬
‫أبيه‪ ،‬مل يكن أمامه إال إخبار والده بام نوى عليه وفعله قبل احلضور إليه وأنه‬
‫عىل استعداد ان يتحمل ويتقبل ثورة األب وتأنيبه‪ ..‬لكنه لن يرجع عام هو فيه‬
‫مهام كانت النتائج‪ ..‬لن يفرط يف مايا ولن يفرط يف حقها مهام كان الثمن‪ ..‬لكن‬
‫املفاجأة أن وجد أباه ويف عينيه الدموع يضم رشيف إىل صدره وحيتضنه بشدة‬
‫وقوة لدرجة العنف ويربت عىل كتفيه ً‬
‫قائل‪:‬‬
‫أنا فخور بك يا رشيف هكذا يترصف الرجال‪ ..‬فال نستحق أن ينادينا‬
‫البعض بالرجال إن مل نترصف مثلهم‪ ..‬انت ترصفت وكأنك تقرأ أفكاري‪..‬‬
‫أنا كنت منتظر يومان آخران إن مل ينجح رجال البحث اجلنائي يف الوصول‬

‫‪140‬‬
‫والقبض عىل هذا الوغد «فرج» فكنت عاز ًما عىل التحرك أنا وأنت بمفردنا‬
‫إلراحة ضامئرنا واحلصول عىل حق مايا ووضع األمور يف نصاهبا وتذكر يا‬
‫رشيف أنه ال يصح إال الصحيح‪..‬‬
‫واآلن يا رشيف هناك أمرين البد من اخلوض فيهام‪ ..‬أوهلام‪ ..‬أحكي‬
‫وقص عىل وبالتفاصيل الكاملة كيف سارت مهمتك اليوم‪ ..‬كام إنه جيب أن‬
‫نرتب أمورنا ومسارات حتركنا بعناية‪ ..‬فيا ابني التخطيط ألي أمر ال يقل أمهية‬
‫عن تنفيذ املهمة نفسها‪..‬‬
‫قاطعه رشيف ً‬
‫قائل‪ :‬إذن يا أيب أنت توافقني الرأي يف ما أنا مقدم عليه‬
‫مهام كانت املخاطر املحاطة به التي ربام ممكن أن تودي بحيايت‪ ..‬لكن ال هيمني‬
‫رجل ً‬
‫بدل من أعيش جبانًا‪..‬‬ ‫ان أموت ً‬

‫رسح األب بخياله وكأنه سافر عرب الزمن عرشات من السنني للوراء يف‬
‫املايض يف سبعينيات القرن املايض حتديدا قبل انطالق حرب أكتوبر‪ ..‬كانت‬
‫هناك جلسة نقاش عامة يف مركز قيادة اجليش الثاين امليداين وكنت واحدً ا ممن‬
‫حرضوا تلك اجللسة‪ ..‬كانت االقرتاحات واآلراء خمتلفة عىل موعد احلرب‬
‫وأفضل الطرق لبدايتها أتكون عرب الطريان ً‬
‫أول أم الزوارق العابرة لقناة‬
‫السويس ً‬
‫أول‪ ..‬أم ماذا وتوقيت احلرب وكم من املدة نحتاج لنتم استعدادنا‪..‬‬
‫اذكر كلمة قائد اجليش الثاين‪ ..‬كلمة غري مكتوبة ولكن نابعة من القلب‬
‫حيث قال إن هناك من اغتصب أرضنا واالغتصاب معناه هتك عرض‬
‫والعرض كرامة‪ ..‬فنحن اآلن بال كرامة‪ ..‬كرامتنا انتزعت وعلينا كرجال أن‬

‫‪141‬‬
‫نستعيدها وزيادة‪ ..‬وأن نرد هلم هتك العرض واغتصاب كرامتهم فام أخذ‬
‫بالقوة ال يسرتد إال بالقوة مهام كانت التكلفة والتضحيات‪..‬‬
‫مجيعا يف سبيل هذا اهلدف فاهلل سبحانه وتعايل وعدنا باجلنة‬
‫فإن متنا ً‬
‫وإن نجحنا بنرص وتوفيق من اهلل‪ ..‬فتعود إلينا األرض ونغسل العار وهتك‬
‫العرض ونرتكهم يف عارهم وويلهم هم املعتدون واهلل يقول يف كتابه الكريم‬
‫«ومن اعتدى فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم» صدق اهلل العظيم‪....‬‬
‫هذه يا رشيف كانت الكلامت التي حركت رجولتنا ونخوتنا وجعلتنا‬
‫ننحت األرض ونأكل الزلط كام يقولون‪ ..‬والنرص كان حليفنا‪ ..‬فيا بني أنت‬
‫عىل حق أنا ال أحبذ أن حتصل عىل حقك بيدك فنحن يف دولة قانون وتوجد‬
‫رشطة وقضاء لكن إذا مل تتحرك الرشطة‪ ،‬وتنجح يف القبض عىل اجلاين الفاعل‬
‫يف قضية مثل هذه‪ ..‬فالبد أن نتحرك نحن‪ ..‬حس ًنا فعلت وأنا معك‪ ..‬لكن‬
‫دعنا نخطط بشكل سليم وأنا اعطيك كل خربايت يف إنجاز تلك املهمة بنجاح‬
‫مع االستعانة بالوسائل العلمية‪..‬‬
‫قال رشيف‪ ..‬وما األمر اآلخر يا أيب‪ ..‬لقد قلت هناك أمرين‪..‬‬
‫قال األب‪ ..‬الدكتور كامل يف حالة صعبة ملا حدث مع ابنته أنا أقرتح أن‬
‫نتقدم له بطلب يد مايا‪ ..‬أعرف أن الظروف سيئة للغاية لكن نحن نريد أن‬
‫رسميا‪ ..‬هل توافق يا رشيف أن تكون‬
‫ً‬ ‫نترصف بشكل رسمي وتصري خطيبها‬
‫مايا زوجتك رغم كل ما حدث وما مرت به‪..‬‬
‫فرحا ً‬
‫قائل‪ :‬بالتأكيد‪ ..‬أنت أعظم أب وأحن أب يف الكون‪..‬‬ ‫تنهد رشيف ً‬

‫‪142‬‬
‫أجابه األب‪ ..‬كنت أعلم أنك رجل بمعني الكلمة‪ ،‬ولن تتخىل عنها مهام‬
‫كانت الظروف‪ ،‬واآلن هيا نبدأ ختطيطنا فقط أعطني عرشة دقائق أقوم فيها‬
‫بإجراء بعض املكاملات بعدها نبدأ حديثنا مع الدكتور كامل لطلب يد مايا‪..‬‬
‫فرح د‪ .‬كامل بام سمعه من العميد فؤاد وابنه رشيف‪ ..‬لكنها كانت‬
‫فرحة مغتصبة‪ ..‬فرحة مقتولة‪ ..‬غري مكتملة‪ ..‬فرحة سرت ولئم جرح وترميم‬
‫ما هو مكسور وليست فرحة بداية عهد مجيل وميالد أرسة سعيدة حييطها‬
‫عروسا هبذه‬
‫ً‬ ‫احلب‪ ،‬والود‪ ،‬والنقاء‪ ،‬والطهارة‪ ،‬والرباءة‪ ..‬كيف ملايا أن تكون‬
‫احلالة؟‪ ..‬فهي غائبة عن الوعي وإذا أفاقت فهي يف رصاخ دائم‪ ..‬وحذرين‬
‫األطباء من حماولة اقدامها عىل التخلص من حياهتا ‪ ..‬االنتحار‪ ..‬ياللهول‪..‬‬
‫ما الذي حيدث‪ ..‬من اطفأ نور حياتنا من اقتلع الزهرة اجلميلة من األرض‬
‫وحرمها احلياة؟!‪..‬‬
‫معقبا أنه كان يتمنى كأي أب أن يسمع‬
‫وافق لطلب رشيف وشد عيل يده ً‬
‫طلبه هذا يف الظروف الطبيعية والعادية‪ ..‬أنت رجل ابن رجل يا رشيف‪..‬‬
‫لقد زادت مكانتك واحرتامي لك آالف املرات‪ ..‬وتأكد أين سأكون لك األب‬
‫الثاين ولن اترككام ما حييت وسأسخر كل امكانيايت إلسعادكام‪..‬‬
‫دخل رشيف عىل مايا احلجرة وهي نائمة‪ ..‬اقرتب منها‪ ..‬أمسك بيدها‬
‫بني كفيه ثم وضعها عىل وجنته ً‬
‫قائل هلا وهو يقبل يدها والدموع ملء عينيه‪..‬‬
‫أنا أتقدمتلك يا مايا‪ ..‬خطبتك من باباك‪ ..‬خطوة كنت أحلم هبا منذ عرفتك‬
‫والتقيت بك يف القطار‪ ..‬أتذكرين ذلك اليوم‪ ..‬يوم القطار أنا اعتربه يوم‬
‫ميالدي احلقيقي‪ ..‬يوم وقعت عيناي عليك صدقت وأمنت باحلب من أول‬

‫‪143‬‬
‫حبا ليس‬
‫نظرة بعد أن كنت اعتربه شي ًئا خيص كتاب السينام وحسب‪ ..‬أحببتك ً‬
‫كأي حب‪ ..‬وعشقتك‪ ..‬عشقت روحك قبل جسدك ليس كأي عشق‪ ..‬فأنا‬
‫أهيم بك وفيك يا مايا‪..‬‬
‫خطبتك‪ ..‬وأنا أعلم فرحتك هبذا اخلرب‪ ..‬لن أسمح أن تُكرس فرحتنا‪..‬‬
‫أعاهدك واقسم لك أال أترك حقك مهام كلفني األمر‪ِ ..‬‬
‫أنت مسئولة مني ويف‬
‫محايتي وأنا املسئول عام حدث لك‪ ..‬كان جيب أن أصحبك يف كل مكان‪..‬‬
‫افيقي يا مايا‪ ..‬متسكي باألمل‪ ..‬عييش من أجلنا‪ ..‬نكمل ما بدأناه‪ ..‬أنا معك‬
‫بجوارك وسأظل ً‬
‫دائم‪..‬‬
‫أمامنا العمر‪ ..‬نبني أرستنا الصغرية وتنجبني يل بن ًتا مجيلة تأخذ عنك‬
‫مالمح وجهك‪ ..‬رقتك‪ ..‬أخالقك‪ ..‬امانتك‪ ..‬التزامك‪ ..‬افيقي من أجيل‪..‬‬
‫من أجلك‪ ..‬أنا يف آخر عام يف األكاديمية‪ ،‬ومقبل عىل التخرج نبدأ عهدا‬
‫جديدً ا‪ ..‬أيب و أباك يف اخلارج يقدمان لنا كل العون والدعم‪ ..‬أصبح يل أبوين‬
‫وأنت كذلك‪ ..‬كل أحباءنا حولنا ورضا اهلل عز وجل هو أساس حياتنا‪ ..‬ادعو‬
‫اهلل أن متر حمنتنا عىل خري لنبدأ عهدً ا جديدً ا‪ ..‬أكون لك الزوج واحلبيب‪..‬‬
‫الصديق‪ ..‬الرفيق‪ ..‬األب‪ ..‬األخ‪.‬‬
‫مايا أرجو ان تتامسكي‪ ..‬عودي‪ ..‬احلياة أمامنا‪ ..‬ورمحة اهلل عز وجل‬
‫تطلنا‪ ...‬فإذا برشيف يشعر بحركة من أصابع يدها وهي ملقاة بني يديه‪..‬‬
‫نظر اليها إىل عينيها‪ ..‬اهنا تتحرك‪ ..‬اهنا تشعر به‪ ..‬مال عيل وجهها وطبع قبلة‬
‫عىل جبينها‪..‬‬

‫‪144‬‬
‫يف هذه االثناء أجرى سيادة العميد مكاملة ألحد أصدقائه القدامى الذي‬
‫كان يشغل منصب يف املخابرات احلربية أبان حرب اكتوبر وطلب منه سيادة‬
‫العميد مقابلته يف مكان عام يف أمر هام‪ ..‬فأجابه أنه موجود باإلسكندرية‬
‫لألسف وعليه أن ينتظر حتى يعود إىل القاهرة بعد ايام‪ ..‬فرح العميد ً‬
‫قائل‬
‫وملاذا لألسف أنا ً‬
‫أيضا يف اإلسكندرية‪ ..‬اتفقا عىل اللقاء يف الصباح الباكر‪..‬‬
‫***‬

‫‪145‬‬
‫جلست نورا إىل والدهتا ختربها بام كان هلا مع ماجد وأهنام اتفقا ان يقوما‬
‫بتجهيز كل يشء يف غضون ثالثة أشهر‪ ..‬استمعت اليها األم باهتامم ومل تبد‬
‫أي اعرتاض‪ ..‬قبلتها قبالت كثرية وقالت هلا‪ ..‬أما بخصوص التفاصيل فكل‬
‫هذه األمور كام تعلمني يف يد رجل واحد فقط‪ِ ..‬‬
‫أباك سيادة العميد‪ ..‬فأجابت‬
‫رسيعا‪ ..‬فقالت إنه‬
‫ً‬ ‫نورا إنه يف اإلسكندرية وال تعلم متي حيرض والوقت يمر‬
‫حادثها هاتفيا وطمأهنا عليها واطمئن عليهم‪..‬‬

‫التقطت نورا هاتفها وحادثت أباها‪ ..‬ورشحت له عرب اهلاتف ملخصا‬


‫ملا دار مع ماجد والثالثة شهور الفاصلة عىل امتام زفافها فكان رد األب‪ ..‬أنه‬
‫صعب أن يتناقشا يف أمر كهذا عرب اهلاتف ويف الوقت ذاته هو ال يعلم بموعد‬
‫عودته إىل القاهرة حتديدً ا‪ ..‬فمن األفضل أن تستقل نورا القطار إىل االسكندرية‬
‫وينتظرها والدها يف حمطة سيدي جابر وتقيم معهام ورشيف يف شقته حلني إهناء‬
‫مهمته والعودة هبا إىل القاهرة‪..‬‬

‫سمعت األم ما دار من حوار مع األب اخذت السامعة من نورا قائلة‬


‫لزوجها‪ ..‬وهل ترتكوين هنا وحدي أنا ً‬
‫أيضا آتية مع نورا فنكون كلنا يف مكان‬
‫واحد مع بعض‪..‬‬

‫‪146‬‬
‫وافق األب عىل الفور وبعد أن اغلق هاتفه اجته إىل غرفة مايا حيث‬
‫رشيف بالداخل‪ ..‬استدعاه حرض إليه رشيف والدموع ملء عيناه‪ ..‬ضمه أباه‬
‫إىل صدره وقال له امسح وجهك‪ ..‬اريدك‪..‬‬
‫رشح األب لرشيف ما قالته له نورا من قرب ميعاد خطوبتها وزفافها‬
‫وكذلك قدومها وأمه سو ًيا إىل االسكندرية لإلقامة معهام يف شقته‪..‬‬
‫استحسن رشيف الفكرة فقال هذه فكرة جيدة كي نطمئن عليهام‬
‫األفضل من املكاملات اهلاتفية‪ ..‬فقال األب لكن يا رشيف جيب أن نكون أنا‬
‫وأنت حذرين من موضوع املهمة اخلاصة التي نقوم هبا فال جيب أن تعرف‬
‫عنها نورا أو مامتك‪ ..‬عدين بذلك مهام كانت األسباب‪ ..‬سوف نعلمهم فقط‬
‫بأمر مايا وخطوبتك هلا‪ ..‬وربام كان هلام دور يف زيارهتا والتخفيف عنها فزيارة‬
‫األخت واألم هلا أمهيتها ونورا سوف تصبح أخ ًتا ملايا وكذلك مامتك سوف‬
‫مجيعا وهذا أمر جيد أن يعوضا‬
‫تصبح بمثابة األم هلا فهي يا ابني حتتاج لنا ً‬
‫غيابك أن انشغلت فيام نرتب إليه من مهمة اإليقاع هبذا الوغد‪ ..‬أنا بدأت‬
‫التحرك انتظر مني التعليامت يا رشيف بعد حمارضاتك الصباحية وأعلم إنه‬
‫سوف يكون أمامنا يو ًما شاقا وطويل‪..‬‬
‫يف الصباح تقابل العميدان‪ ..‬العميد فؤاد والعميد وجدي األسيوطي‬
‫الضابط السابق باملخابرات احلربية رشح العميد فؤاد للعميد االسيوطي ما‬
‫حدث ملايا برسعة واستحرض فيه نخوة الرجولة ومجيع املواقف البطولية التي‬
‫مرا هبا أبان حرب استعادة الكرامة من املغتصب املعتدي والذي جترع من نفس‬
‫كأس املرار وأكثر‪..‬‬

‫‪147‬‬
‫سأل العميد فؤاد صديقه ما يقرتح وماذا عسامها ان يفعال‪..‬‬
‫استمع العميد األسيوطي جيدً ا ثم بدأ يف رشح ما ينبغي عليهام عمله‪..‬‬
‫أول‪ ..‬نحن نحتاج ملساعدة‪ ..‬لدي جمندان لكن عىل درجة عالية من‬ ‫فقال ً‬
‫الكفاءة فمن احلكمة االستعانة هبام يف البحث والتحري ومجع املعلومات‬
‫ومراقبة منزل فرج عىل مدار الساعة ومراقبة املقهى الذي يرتاده مجيع العامل يف‬
‫شخصيا بالصوت‬
‫ً‬ ‫البناء وغريه‪ ..‬أما املحور الثاين هو مراقبة االسطي عاشور‬
‫والصورة‪..‬‬
‫فقال العميد فؤاد كيف هذا‪ ..‬فقال العميد األسيوطي قابلني هنا بعد‬
‫ساعتني وسأرشح لك كل يشء‪ ،‬ومن األفضل أن يكون رشيف معك لنحدد‬
‫األدوار‪ ..‬ونبدأ العمل فالوقت يف مثل هذه األمور له قيمة أغيل من الذهب‪..‬‬
‫***‬

‫‪148‬‬
‫عقدت مدام وفاء جلسة مطولة مع مروة يف كافيرتيا املشفى واطلعتها عىل‬
‫رغبة عالء يف التقدم خلطبتها وأن عليها حتديد موعدً ا مع والدها واعطاؤهم‬
‫العنوان للحضور‪ ..‬كانت وردية األم النهارية انتهت وسوف تبدأ يف أعقاهبا‬
‫وردية مروة الليلية‪ ..‬فبينام هي جالسة تتحدث إىل عالء كعادهتام‪ ..‬طرق‬
‫الباب‪ ..‬فتحت فإذا مها نفس الرجلني الذين حرضا لعالء يف اليوم الثاين‬
‫للحادث‪ ..‬فقالت تفضال‪ ..‬ثم التفتت لعالء صائحة اصدقاءك يا عالء‪..‬‬
‫دخل الرجالن واذا بعالء تتغري مالحمه ويرتبك ويتلعثم يف الكالم وال يدري‬
‫ماذا يقول‪ ..‬فوجه كالمه ملروة مستأذنا إياها إن كانت تستطيع إحضار شاي‬
‫وكيك من الكافيرتيا للضيوف‪..‬‬
‫ً‬
‫وسهل‪..‬‬ ‫تعجبت مروة فلم يكن أمامها إال أن تقول حارض‪ً ..‬‬
‫أهل‬
‫سارت ببطء وهي تنظر إىل الرجالن اللذين ال يشبهان عالء يف أي يشء‬
‫ال الشكل وال امللبس وال الرائحة وال حتى طريقة الكالم‪..‬‬
‫شعرت مروة أن هناك أمر غري طبيعي وحتديدً ا بعدما شاهدت رد فعل عالء‬
‫عند رؤيتهام والقلق واخلوف الذي ارتسم عىل وجهه فقد صارت مروة تعرف‬
‫عالء جيدً ا وردود افعاله يف كل يشء من طول الساعات التي قضياها سويا‪..‬‬
‫ليست هذه طريقة لقاء األصدقاء إطال ًقا‪ ..‬البد ان يف األمر يشء‪ ..‬ويشء‬
‫غري مريح‪ ..‬فتحت مروة باب الغرفة للخروج إلحضار الشاي والكيك‪،‬‬

‫‪149‬‬
‫وأغلقت الباب خلفها وتعمدت أال تغلقه غلقًا جيدً ا‪ ..‬تركت فيه فتحة صغرية‬
‫ووقفت وراء الباب ممسكة هباتفها تنظر إليه امام من يمر من امام الغرفة كأهنا‬
‫ترسل رسالة لكن يف احلقيقة هي أرادت أن تتنصت وتستمع ملا يدور بالداخل‬
‫بني عالء وهذين الضيفني الثقيلني‪..‬‬
‫نظر إليهام عالء بغضب ً‬
‫قائل‪ ..‬ماذا أتى بكام هنا‪ ..‬أمل حتصال عىل ما‬
‫تريدان‪ ..‬سوف أبلغ الرشطة ان حرضمتا إىل هنا مرة أخرى او أي مكان‬
‫أتواجد به‪ ..‬فرد أحدهم اهدأ يا عالء‪ ..‬نحن هنا للخري‪ ..‬قاطعه عالء ‪..‬أي‬
‫خري يأيت من وراءكام أنا ألعن ذلك اليوم الذي رأيت فيه املحروسة أختكام‪..‬‬
‫اتسعت عينا مروة عندما سمعت بأمر األخت‪ ..‬األمر فيه امرأة أخرى‪..‬‬
‫يا ويلتي‪ ..‬أنا اكره املنافسة ألين ً‬
‫دائم اخلارسة‪..‬‬
‫استطرد الرجل يف حديثه وطلب من عالء يعطيه اذنه ويسمع جيدً ا ملا‬
‫سيقوله‪ ..‬سأل الرجل عالء‪ ..‬متى سوف تغادر املشفى ومتى تستطيع السري‬
‫عىل قدميك وقيادة سيارتك‪ ..‬أجاب عالء انه ربام االسبوع القادم يقومون‬
‫بفك اجلبس ويبدأ العالج الطبيعي والسري عىل قدميه‪ ..‬فرد الرجل ً‬
‫قائل‪:‬‬
‫إذا موعدنا األسبوع القادم ألرشح لك طبيعة العمل الذي سوف يرفعك إىل‬
‫السامء العليا وتكون من أصحاب املاليني‪ ..‬لن تندم أبدً ا وسوف تشكرين عىل‬
‫اختياري لك ملشاركتنا يف اعاملنا‪..‬‬
‫حاول عالء أن يستفهم منه عن طبيعة هذا العمل وأي عمل هذا الذي‬
‫يدر كل تلك األموال ومن شخصني يبدو عليهام االجرام مثلهام‪..‬‬
‫ابتعدت مروة عن الباب مرسعة واجتهت إىل الكافترييا برسعة عندما‬
‫شعرت ان الرجالن هيام بالوقوف ومغادرة الغرفة‪ ..‬عادت مروة بعدما‬

‫‪150‬‬
‫أحرضت كوبني من الشاي وبعض قطع الكيك وثبتت أعينها عىل وجه عالء‬
‫تتفحص ما به وتأثري كالم الرجلني عليه فتأكد شعورها أن هناك يشء غامض‬
‫وأن هذا الرجالن ال يصلحان ان يكونا من أصدقائه‪ ..‬وموضوع العمل هذا‬
‫أكيد فيه يشء خمالف للقانون‪ ..‬ومن هي تلك الفتاة التي ذكرها عالء‪..‬‬
‫نظرت اليه وسألته‪ ..‬أصحيح يا عالء أن هذان الرجلني أصدقائك؟‪..‬‬
‫صمت عالء وقد عقد العزم أن يبوح برسه ملروة وحيكي هلا حقيقة األمر‬
‫خاصة إنه يريد قبل أن يتزوجها أن تعرف عنه كل يشء‪..‬‬
‫وبالفعل قص عليها حكايته منذ ان تقابل وهذه الفتاة‪ ..‬وقصته مع‬
‫غضب أبيه عليه وطلبه املساعدة من رشيف ورفض رشيف ملساندته بحجة‬
‫املثل واملبادئ ثم ظهور هذان الرجالن اللذان تسببا يف انقالب سيارته‬
‫ووجوده يف املشفى والباقي انت تعرفينه‪..‬‬
‫ارتاحت مروة بعد سامعه ألنه قرر أن يعطيها من الثقة الكثري فأجابته‪:‬‬
‫تعلم يا عالء ان احلسنة الوحيدة يف هذا املجرمني القبيحي املنظر إهنام املتسببان‬
‫يف قربنا من بعض‪ ..‬فلوال مطاردهتام لك وانقالب سيارتك ما أتيت إىل املشفى‬
‫وما قابلتك ثانية وما قضيت معك كل هذه الليايل وحدنا نتحدث عن كل‬
‫يشء حتى رصت إىل أقرب من نفيس‪ ..‬وطرق حبك باب قلبي‪ ..‬لدرجة أنني‬
‫رصت أمتنى أال تتامثل للشفاء كي ال أفقد لقياك كل ليلة‪.‬‬
‫***‬

‫‪151‬‬
‫بعد ساعتني عاد العميد االسيوطي للقاء العميد فؤاد وابنه رشيف وكان‬
‫يقود سيارة ختص إحدى املطاعم واملستعملة يف الديليفري‪ ..‬وبصحبته شابني‬
‫يبدو عليهام القوة والذكاء‪..‬‬
‫ً‬
‫مطول يف مكان منزوي بعيدً ا عن الناس يف‬ ‫اجتامعا‬
‫ً‬ ‫عقد اخلمسة رجال‬
‫أحد املقاهي‪ ..‬رشح العميد االسيوطي دور كل منهم‪ ..‬رشيف عليه التقرب‬
‫من االسطي عاشور وإكامل دوره بالبحث عن عمل كمساعد ألسطي تركيب‬
‫األحجار والزيادة عىل دورك هو إنك سوف تعطي هذه لألسطي عاشور عىل‬
‫سبيل اهلدية أو الرشوة إلجياد عمل لك‪ ..‬وأخرج العميد األسيوطي من حقيبة‬
‫يف يديه علبة حفظ السجائر الفرط‪ ..‬معدنية فضية اللون‪ ..‬فتحها أمامهم ثم‬
‫هلبا من ثقب صغري‪ ..‬إهنا والعة جانبية فقال هلم‬
‫ضغط عىل زر فأخرجت ً‬
‫هذه علبة من السجائر تباع يف أماكن كثرية وهبا والعتها‪ ..‬أهدهيا له يا رشيف‬
‫وأخربه إهنا تليق به وضع هبا بعض السجائر‪ ..‬وأملح له اهنا هدية تشجيعية‬
‫ملساعدته عىل إجياد عمل‪..‬‬
‫متعجبا وقال‪ ..‬وملا كل هذا يا سيادة العميد‪ ..‬أنا‬
‫ً‬ ‫نظر رشيف للعلبة‬
‫أرى إنه من االفضل أن أعطيه ثمن هذه العلبة فهؤالء الناس يفضلون النقود‬
‫السائلة عيل اهلدايا‪..‬‬

‫‪152‬‬
‫ابتسم العميد األسيوطي وأجابه‪ ..‬إهنا ليست علبة سجائر فحسب إهنا‬
‫جهاز حديث تستعمله بعض أجهزة املخابرات إنه جهاز للتسجيل الصويت‬
‫لتسجيل مجيع أحاديثه فنعرف من يقابل‪ ،‬وماذا يقول وايضا هذه العلبة هبا‬
‫(‪ )G.P.S‬أي إنه جهاز تتبع فنعرف منه أين يتواجد عاشور بالتحديد وهذا‬
‫أمر مهم للغاية‪ ..‬فتح رشيف عينيه متعجبا ملا سمعه وأبدى اعتذاره لترسعه يف‬
‫نقد اقرتاح اجلهاز‪ ..‬وشعر أن العميد األسيوطي ليس شخصية عادية ولكن‬
‫يعتمد عىل العلم والوسائل احلديثة يف القيام باملهام‪.‬‬
‫وأخذ العميد االسيوطي يف رشح باقي أدوار كل فرد حيث أن العميد فؤاد‬
‫سوف يقوم بقيادة السيارة التي عليها اسم أحد املطاعم واخلاصة بالديليفري‬
‫ً‬
‫وأيضا‬ ‫حيث أخربه إهنا مزودة بجهاز استقبال صويت لسامع حديث عاشور‬
‫اخلرائط املتصلة بعلبة السجائر هذه لتحديد موقع عاشور‪..‬‬
‫أما الشابان األخران «باسم ‪ ..‬رفعت» فأحدمها سوف يتنكر يف صورة‬
‫بائع جائل واآلخر سيكون يف صورة مندويب املبيعات احلاملني حلقيبة هبا بعض‬
‫البضائع املقلدة فيطوفون عىل أصحاب املتاجر‪ ،‬ومرتادي املقاهي لريقب ما‬
‫حيدث ويكون له حرية احلركة يف كل األماكن بام ال يثري استغراب البعض‬
‫***‬

‫‪153‬‬
‫استيقظت مايا ألول مرة بدون كوابيس‪ ..‬فتحت عينيها بال رصاخ‪..‬‬
‫كانت عيناها ونظراهتا مثبتة إىل السقف ودموع تنهمر من عيناها بال توقف‪..‬‬
‫دخلت عليها إحدى املمرضات فوجدهتا مستيقظة بعيون دامعة مفتوحة‬
‫أرسعت الذهاب إىل الطبيب ‪..‬عندما حرض فرح لتوقف الرصاخ وطلب عىل‬
‫الفور إبالغ الطبيب النفيس املوكل اليه حالتها وحضوره عىل الفور ليتوىل‬
‫احلديث معها وإكامل عالجها النفيس‪..‬‬
‫***‬

‫‪154‬‬
‫أعدت نورا ووالدهتا مدام كريمة حقائب صغرية حتوي األغراض‬
‫املهمة لقضاء بضعة أيام يف اإلسكندرية‪ ..‬توجها إىل حمطة رمسيس ليستقال‬
‫القطار املتجه إىل االسكندرية وعيل اجلانب األخر يف حمطة سيدي جابر كان‬
‫العميد فؤاد يف انتظارمها‪ ..‬استقال سيارة اجرة إىل طريق منزل رشيف‪ ..‬ويف‬
‫الطريق حكي هلام العميد بشكل رسيع قصة رشيف مع مايا وما حدث بعدها‪..‬‬
‫اهنمرت دموع نورا وهي تسمع ما حدث ملايا وخاصة إهنا خرجية كلية الفنون‬
‫اجلميلة مثلها‪ ..‬بكت معها األم وازداد خوفها عيل نورا ملا ختيلت كم عانت‬
‫مايا‪ ..‬شعرا سو ًيا باحلب جتاه مايا قبل أن يلتقيا وكأهنام يعرفاهنا منذ زمن‪..‬‬

‫طلبت نورا أن يذهبا إىل املشفى لزيارة مايا قبل الوصول ملنزل رشيف‪..‬‬
‫استحسن األب الفكرة وطلب من السائق أن حيول وجهته إىل عنوان املشفى‪..‬‬
‫وهناك زارت نورا ومدام كريمة مايا‪ ..‬كانت مايا جالسة‪ ..‬صامتة‪ ..‬باكية بال‬
‫صوت وال حراك‪ ..‬وقع حب مايا يف قلب نورا وتذكرت كم متنت أن يكون‬
‫هلا أخ ًتا بن ًتا منذ طفولتها فشعرت عندما رأت مايا إهنا كاألخت التي متنتها منذ‬
‫كثريا جتاه مايا فقد شعرت باحلب واالرتياح‬
‫الطفولة‪ ..‬ومل خيتلف إحساس األم ً‬
‫هلا بجانب كل ما يف الدنيا من الشعور باإلشفاق عليها وما مرت به‪..‬‬

‫‪155‬‬
‫ظال معها لساعات ومها ال يعلامن أن كانت مايا تسمعهام أم ال‪ ..‬هل‬
‫تشعر بوجودمها‪ ..‬هل ترامها‪ ..‬هل تعرف من مها؟‬
‫جاء الطبيب النفيس ليقيض بعض الوقت مع مايا للحديث معها‪ ،‬وحماولة‬
‫إعادهتا مرة أخرى للقدرة عىل احلديث والبعد عن االنعزال‪..‬‬
‫***‬

‫‪156‬‬
‫حل املساء وبدأ رشيف مهمته بأن ارتدي نفس مالبسه القديمة واستعامل‬
‫نفس اهلاتف القديم واصطحب معه علبة السجائر املعدنية التي هبا والعة‬
‫واشرتى علبتان من السجائر من النوع الذي يدخنه االسطي عاشور وتوجه‬
‫إىل كرموز‪ ..‬صف سيارته يف شارع رئييس بعيدً ا عن املقهى وسار عىل قدميه‬
‫إىل ان وصل إىل املقهى‪ ..‬وجد االسطي عاشور جيلس عىل نفس الطاولة كأهنا‬
‫خمصصة له وحدة وال يستطيع إنسان آخر كائن من كان أن جيلس عليها‪..‬‬
‫اقرتب منه ألقى عليه السالم وأخربه انه حرض كام طلب منه‪ ..‬عله وفق يف‬
‫إجياد عمل له مع أحد معارفه االسطوات‪ ..‬ثم مد يده بعلبة السجائر املعدنية‪..‬‬
‫نظر اليها االسطي عاشور ً‬
‫قائل ما هذه؟ فتحها رشيف أمامه‪ ..‬فكانت ممتلئة‬
‫بالسجائر املرتاصة جنبا إىل جنب ويغلق عليهم قطعة من احلديد متنعهم من‬
‫السقوط عند فتح العلبة‪ ..‬ثم ضغط عىل زر جانبي فانطلق اللهب الصغري من‬
‫خصيصا كي تساعدين يف‬
‫ً‬ ‫شارحا ان هبا والعة‪ ..‬اشرتيتها لك‬
‫ً‬ ‫فتحة صغرية‬
‫إجياد عمل‪ ..‬هي هدية لك‪..‬‬

‫فرح عاشور وابتسم ألول مرة ‪ ..‬أخذها وقال لرشيف هدية مقبولة‪..‬‬
‫ترك الشيشة من يده وأخذ سيجارة من العلبة اجلديدة ثم أغلقها وضغط عىل‬

‫‪157‬‬
‫الزر اجلانبي وأشعل السيجارة من الوالعة‪ ..‬ابتسم ابتسامة أخرى أوسع من‬
‫االبتسامة السابقة‪..‬‬
‫كان لوقع هدية رشيف تأثري السحر يف تغيري االسطي عاشور معاملته‬
‫لرشيف‪ ..‬سار رشيف خطوات جتاه الرصيف كي جيلس عليه كام كان‬
‫باألمس‪ ..‬واذا بعاشور يطلب منه اجللوس بجانبه عىل احد املقاعد ثم سأله‬
‫عن اسمه فأجابه رشيف ان اسمه «رمضان»‪..‬‬
‫فقال له عاشور‪ ..‬شوف ياواد يا رمضان كان فيه اسطي معانا هنا حمتاج‬
‫صبي لكنه ليس موجو ًدا اآلن‪ ..‬اعطني مهلة للغد ألجد لك عمل وأكيد‬
‫سيكون لك مكان مع احد االسطوات يف الغد‪ ..‬املهم انك تطيل رقبتي‪ ..‬عايز‬
‫اسمع إنك بتاع شغل وليس لعب وهلو وإضاعة الوقت وكفى‪ ..‬اذهب اآلن‬
‫اخبارا سارة‪..‬‬
‫ً‬ ‫ومر عىل يف الغد جتد عندي‬
‫وشكرا مرة تانية عىل اهلدية اجلميلة دي‪ ..‬حا اجنن بيها كل االسطوات‪..‬‬
‫ً‬
‫فطاملا كنت أشاهد علب مثل هذه مع املمثلني يف األفالم السينامئية فقط وكامن‬
‫مألهتا بالسجائر‪ ..‬انت بتفهم وملاح ياواد يا رمضان‪..‬‬
‫متت أول وأهم خطوة بنجاح‪ ..‬سار رشيف يف طرقات متعرجة كثرية إىل‬
‫ان وصل إىل سيارته‪ ..‬ارسل رسالة إىل العميد االسيوطي إنه تم إيصال األمانة‬
‫إىل املعلم عني «ع»‪..‬‬
‫تلقى العميد األسيوطي الرسالة وفهم أن عاشور أخذ العلبة ويمكن من‬
‫اآلن سامع كل ما يدور بينه وأي شخص آخر ً‬
‫وأيضا حتديد موقعه عىل اخلريطة‪..‬‬
‫***‬

‫‪158‬‬
‫جلست مروة إىل اباها بعد تناول الغداء وبعدها صنعت له الشاي بالنعناع‬
‫عريسا يرغب يف التقدم إليه لطلب يدها‪..‬‬
‫ً‬ ‫حتادثه أن هناك‬
‫فسأهلا ‪ ..‬هل أعرفه‪ ..‬أجابت نعم‪ ..‬انه عالء الذي صدمني بالسيارة‬
‫والذي ازوره مع والدته كل يوم‪ ..‬ثم طلبت من أباها قبل حتديد موعد لزيارة‬
‫أهله أن حياول إصالح البيت من الداخل فاحلوائط حتتاج ألعامل دهان وقطع‬
‫االثاث تبدو بمظهر غري الئق وحتتاج إىل جتديد وكذلك الستائر البد التخلص‬
‫منها وعمل ستائر جديدة‪ ..‬وكذلك أعامل السباكة يف املطبخ واحلامم حتتاج‬
‫لعناية كثرية‪..‬‬
‫استمع هلا األب وهز رأسه وقال‪ ..‬منني‪ ..‬لقد ادخرت مبلغً ا ليوم كهذا‪..‬‬
‫يوم زواجك‪ ..‬مصاريف الزواج وال يمكن ان انفقها إلصالح هذا البيت‪..‬‬
‫هذه النقود لرشاء مستلزمات بيتك أنت يا مروة وليس هذا البيت‪ ..‬بيتك هو‬
‫األهم‪..‬‬
‫لدى ورايض وسعيد بكل يشء حويل وادعو اهلل دائام‬
‫أنا هنا متأقلم مع ما ّ‬
‫ان يديم هذا النعيم ع ّ‬
‫يل‪ ..‬نظرت اليه مروة قائلة‪« ..‬نعيم»‪ ..‬تقول «نعيم» يا ايب‬
‫حرام عليك إنك مل َتر كيف يعيش الناس وما هي شكل منازهلم من الداخل‬
‫واخلارج‪ ..‬نظر اليها يف حزن واشفاق ً‬
‫قائل‪ :‬استغفري اهلل يا ابنتي وال جتحدي‬

‫‪159‬‬
‫بنعمة اهلل علينا نحن أفضل حاال من أناس كثريين‪ ..‬كم أنا خائف عليك يا‬
‫مروة من تطلعاتك وطموحك الذي ال يتناسب معنا‪ ..‬أريض بام قسم لنا اهلل‪..‬‬
‫واشكريه عىل نعمه‪ ..‬سيزيد نعمه عليك هكذا وعدنا رب العاملني «ولئن‬
‫شكرتم ألزيدنكم»‪..‬‬
‫استمعت إليه مروة‪ ،‬ومل جتد كلامت ترد به عليه ولكن قلبها وعقلها كان‬
‫ً‬
‫ناقم عىل معيشتها املتواضعة هذه وتشعر إهنا ال تقل عن غريها‪ ،‬وتستحق أن‬
‫ترتفع إىل مكانة أعىل بكثري‪ ..‬لكن السؤال هنا‪ ..‬ماذا سوف تفعل مع مدام وفاء‬
‫أم عالء‪ ..‬فهي بالتأكيد لن ترض البنه زوجة تعيش يف بيت كهذا ومستوى‬
‫اجتامعي أقل بكثري منهم‪ ..‬ما هي األوراق التي لدهيا إلقناعها‪ ..‬ليس لدهيا‬
‫شي ًئا‪ ..‬اليشء الوحيد هو أن يتمسك هبا عالء حلد أن يواجه أمه ويضغط عليها‬
‫وجيربها أن تقبل مروة زوجة له وتتغايض عن تدين مستوى معيشتها‪ ..‬وشكل‬
‫بيتهم ومستوى تعليم ووظيفة أباها املتواضعة للغاية‪..‬‬
‫***‬

‫‪160‬‬
‫عادت نورا ووالدهتا من املشفى إىل منزل رشيف وصف أغراضها‬
‫وطلبت نورا اجللوس إىل أبيها للحديث عن ماجد وجتهيزات اخلطوبة‬
‫صباحا حيث يتعني‬
‫ً‬ ‫والزفاف‪ .‬فطلب منها األب تأجيل تلك اجللسة لباكر‬
‫عليه اخلروج ً‬
‫حال‪ ،‬وال يعلم يف اي وقت سيعود‪..‬‬
‫بدأت تتدفق املعلومات ومجيع ما يدور حول عاشور حيث التقط جهاز‬
‫االتصال املصنوع يف شكل علبة سجائر معدنية‪ ..‬اهنالت كلامت عاشور عىل‬
‫جهاز االستقبال املوضوع داخل سيارة املطعم‪ ..‬وقام اجلهاز بتسجيل كل تلك‬
‫املحادثات ووضعها عىل رشحية ذاكرة صغرية‪ ..‬كانت كل اتصاالت عاشور‬
‫عادية معظمها حول األعامل والشغل يف جمال املعامر والتشطيبات‪ ..‬وبعض‬
‫املكاملات األخرى من زوجته واوالده‪..‬‬
‫ولكن اهلام يف األمر هي مكاملة واحدة غري معلوم من هو طرفها الثاين‬
‫حيث مل ينطق عاشور باسمه ولو مرة واحدة فقط وهذا دليل عىل حرصه‬
‫الشديد أال يسمعه أحد ممن هو جالس بجواره يف املقهى‪ ..‬كانت املكاملة تدور‬
‫حول نصائح وأخبار من عاشور إىل الرجل االخر عىل اخلط‪..‬‬
‫ابق مكانك‪ ..‬ال تفكر يف الظهور‪ ..‬هناك وجوه غريبة ظهرت يف الشارع‬
‫أنا جالس يف القهوة واستطيع أن اكشف كل ما يدور حويل يف الشارع‪..‬‬

‫‪161‬‬
‫مصيبتك كبرية‪ ..‬الدنيا مقلوبة يف الداخلية‪ ..‬أمني الرشطة اخربين إنك‬
‫إذا تم اإليقاع بك فربام تكون عقوبتك االعدام‪ ..‬ابق مكانك بال حراك وأنا‬
‫كثريا إال للرضورة القصوى‪..‬‬
‫سوف أتى اليك عندما هتدأ األمور وال تتصل يب ً‬
‫فاهم الرضورة القصوى‪ ..‬ثم سكت عاشور ليستمع لكالم الطرف اآلخر‪..‬‬
‫وبعدها أجابه‪ ..‬ال تقلق‪ ..‬زوجتك واوالدك بخري وكل طلباهتم انا كفيل هبا‪..‬‬
‫بيبعتولك السالم‪ ..‬ثم سكت عاشور مرة أخرى يستمع للرجل‪ ..‬وبعدها‬
‫أجابه‪ ..‬ال‪ ..‬ال‪ ..‬زوجتك ال تعلم شي ًئا كل ما تعلمه أن احلكومة تبحث عنك‬
‫ألنك تسببت يف مشاكل يف العمل وأنا حريص إال ينطق أحدً ا بكلمة‪ ..‬فاألمر‬
‫حتى هذه اللحظة غري معروف للجميع‪ ..‬اطمئن‪ ..‬أنت غلطت غلطة كبرية‬
‫وورطت نفسك يف موضوع كبري أحنا كلنا ال نستطيع مواجهته‪ ..‬فاستمع‬
‫عاشور إليه مرة اخرى ثم أجاب‪ ..‬حشيش ايه يا راجل ومش يف وعيك ايه‪..‬‬
‫عملك ايه احلشيش دلوقتي‪ ..‬اديك وديت نفسك يف داهية بطل اهلباب ده‬
‫وفوق لنفسك علشان نعرف هنربك للواحات وبعدها نشوف سكة تروح بيها‬
‫ليبيا‪ ،‬وهناك تكون يف أمان والشغل هناك كتري وأنت صنايعي شاطر وتكون‬
‫مطلوب وممكن كامن زوجتك ووالدك يذهبوا إليك هناك وينضموا إليك‪..‬‬
‫استمع العميد األسيوطي هلذا احلوار‪ ..‬وكانت برشة اخلري أنه بالفعل‬
‫االسطي عاشور لديه مفتاح حل اللغز‪ ..‬فبالتأكيد إن الرجل الذي حيادثه هو‬
‫«فرج» اجلاين الفعيل وأنه ارتكب جريمته بعد أن دخن خمدر احلشيش‪ ..‬وأنه‬
‫خمتبئ يف مكان ما‪ ..‬لكن املقلق يف األمر هو أهنم يستعدون لتهريبه إىل الواحات‬

‫‪162‬‬
‫ثم بعدها إىل ليبيا وبالتأكيد عرب الصحراء الغربية‪ ..‬الوقت ليس يف صاحلنا‪..‬‬
‫هكذا حادث العميد األسيوطي نفسه‪..‬‬
‫اتصل بالعميد فؤاد وطلب لقاءه أمام مديرية أمن االسكندرية ألمر‬
‫عاجل ال حيتمل التأجيل‪ ..‬أخذ العميد االسيوطي أجهزة االتصال ورشحية‬
‫الذاكرة املسجل عليها املكاملة‪ ،‬وتوجه إىل مديرية أمن االسكندرية ويف اخلارج‬
‫وجد العميد فؤاد يف انتظاره‪ ..‬صعدا إىل داخل املبني وطلبا لقاء رئيس املباحث‬
‫ألمر عاجل للغاية‪..‬‬
‫امتدت اجللسة مع رئيس املباحث ألكثر من ساعتني كان ً‬
‫ملم فيها بخيوط‬
‫القضية من قبل وكان عىل علم بذهاب رشيف بمالبسه القديمة إىل كرموز‬
‫وجلوسه عىل املقهى ولقاءه بعاشور‪ ..‬وذكر هلم إهنم يتحركون لكن يف رسية‬
‫حتى يستطيعوا إهناء مهمتهم بدون لفت انتباه عاشور وفرج‪ ،‬وبالتايل فرار‬
‫فرج وربام يصعب عليهم اإليقاع به‪..‬‬
‫شكرهم وطلب منهم أن ما سمعوه يكون طي الكتامن عن رشيف‬
‫واألخرين وإن يدعوا كل يشء يسري بصورة طبيعية‪ ..‬حتى رشيف يرتكوه‬
‫يفعل ما يفعل ظانًا أنه سوف يصل للحقيقة‪ ..‬فدوره مهم وهو إهلاء عاشور‬
‫بالتفكري فيه‪ ..‬حيث كان عاشور يعلم أن رشيف ليس صبي أو مساعد أسطى‬
‫تركيب أحجار‪ ..‬كان يعلم أن وراءه شي ًئا ما‪ ..‬لكنه تعامل معه بحرص‪ ..‬وكان‬
‫يعلم ً‬
‫أيضا أن اسمه ليس «رمضان»‪..‬‬
‫***‬

‫‪163‬‬
‫انتظرت نورا عودة والدها إىل البيت بعد أن تركه يف الصباح الباكر ألمر‬
‫هام للغاية كام ذكر هلا قبل مغادرته البيت‪ ..‬حتدثت مع ماجد هاتفيا لتطمئن‬
‫عام سيقوم هو بعمله وبعدها حتادث والدها يف اجلانب املوكلة هي بتنفيذه‪..‬‬
‫عاد العميد فؤاد للبيت فوجد نورا يف انتظاره وأمامها بعض األوراق‬
‫مدون عليها ما تريده بالتحديد واملهام املوكلة هلا‪ ..‬وأوراق أخرى مدون فيها‬
‫املهام املوكلة ملاجد للقيام هبا‪..‬‬
‫استمع العميد لرشح من نورا عن رؤيتها ووجهة نظرها يف كل اخلطوات‬
‫بد ًءا من حجز القاعة وفستان الفرح وبطاقات الدعوة‪ ..‬إىل آخره‪..‬‬
‫بعدها صمت العميد فؤاد للحظات‪ ..‬ثم ابتسم يف وجه ابنته وربت عيل‬
‫ركبتيها وقال‪« ..‬كل هذا مجيل ورائع يا نورا ولكن هذا ال يشغلني‪ ..‬كل ما‬
‫يدور يف بايل هو سؤال واحد أوجهه لك وتذكري هذا السؤال وتلك اجللسة‪..‬‬
‫هل ترين يف ماجد الزوج املناسب؟؟‪ ..‬وهل توافقني عىل تقديم كل هذه‬
‫التنازالت من اجله؟؟ وأهم ما تتنازلني عنه هو حقك يف وجود يف شقة خاصة‬
‫بك وبه‪ ..‬يف حياة جديدة بدون تدخل أو وجود ألحد‪ ..‬أنا يا بنتي ال أعلم‬
‫ميعاد أجيل‪...‬‬
‫قاطعته نورا‪ ..‬بعد الرش عليك يا أمجل أب‪..‬‬

‫‪164‬‬
‫استطرد ً‬
‫قائل‪ ..‬أنا وريب يعلم ال أمتني لك أنت ورشيف إال كل اخلري‬
‫زوجا‬
‫والسعادة ولكني من داخيل غري مقتنع بامجد‪ ..‬ال أراه يليق بأن يكون ً‬
‫لك‪ ..‬أنت نورا‪ ..‬اجلميلة حمط أنظار اجلميع‪ ..‬واألمر الثاين أنا غري ٍ‬
‫راض عن‬
‫إقامتك يف بيت أمه‪ ..‬فالبيت ليس بيتك‪ ..‬بيتها هي ومهام كانت هي امرأة طيبة‬
‫فمن الطبيعي والوارد بشدة أن يكون بينكام اختالف يف الطباع‪ ..‬وأسلوب‬
‫احلياة داخل املنزل‪ ..‬ربام ال تتحملك وال تتحمليها‪ ..‬فامذا هو موقفك إذا‬
‫حدث هذا‪ ..‬هل ترتكني البيت أم ترتكه هي؟!‬
‫أشعر أن ماجد أناين وال يأبه إال باستفادته هو وحده‪ ..‬فكري يا بنتي‬
‫جيدً ا‪ ..‬الرتاجع اآلن أمر هني‪ ..‬لكن إذا حدث الزواج وانتقلت للعيش‬
‫معهام‪ ..‬فلك اهلل يا ابنتي‪ ..‬أرجو أن تعيدي تفكريك أنا أعطيك احلرية لكن‬
‫جيب أن أكون لك الناصح األمني‪ ..‬أنا يا نورا غري مرتاح‪ ..‬تذكري هذه اجلملة‬
‫ِ‬
‫تراجعت‪..‬‬ ‫جيدً ا‪ ..‬وسأكون سعيدً ا إن‬
‫استمعت نورا وتأثرت بكالمه وبينام هي تفكر فيام قاله األب أتتها رسالة‬
‫من ماجد «أحبك يا نورا‪ ..‬يا عشقي األول واألخري أفني عمري فداك‪..‬‬
‫سعادتك هي مهي األول واألخري»‪..‬‬
‫قرارا بأن تستمر مع ماجد رغم حتذيرات‬
‫بعد أن قرأت الرسالة اختذت ً‬
‫أباها املتكررة‪ ..‬كانت متني نفسها أن حب ماجد هلا أكرب من أي صغائر‬
‫ممكن تعرتض طريقهام وأن والدته لطيفة كام كانت يف املقابلة الوحيدة التي‬
‫مجعتهام‪ ..‬وأهنا ال تستطيع أن ختذل ماجد يف أحالمه‪ ..‬وإال تكون بجواره‬
‫يف طريقه للصعود إىل النجومية يف عامل الرياضة‪ ..‬وكانت دو ًما حتلم بالسفر‬

‫‪165‬‬
‫معه يف املحافل الدولية والتكريامت والكؤوس‪ ..‬شاشات التلفاز وعدسات‬
‫املصورين‪ ..‬الفنادق الفخمة والطريان من عاصمة ألخرى واالستقبال امللكي‬
‫واألسطوري هلام‪ ..‬بعد كل بطولة حيصل فيها عىل املركز األول‪ ..‬كانت‬
‫وطموحا جائز حتقيقه لكن هل ماجد يرى األمور‬
‫ً‬ ‫مرشوعا‬
‫ً‬ ‫أمرا‬
‫تطلعات نورا ً‬
‫كام هي تراها؟!!!‬
‫قدم العميد إىل ابنته مبلغً ا من املال يكفي الحتياجاهتا يف الوقت احلايل‪..‬‬
‫ورصح هلا أن تعود إىل القاهرة إذا ارادت‪ ..‬فأجابته أهنا تعلقت باميا وتفضل ان‬
‫تظل بجوارها بعض األيام حتى تتجاوز املحنة ويف نفس الوقت يمكنها رشاء‬
‫بعض األغراض من اإلسكندرية‪..‬‬
‫وبالفعل انطلقت نورا وتوجهت إىل املشفى لزيارة مايا‪ ..‬وعندما رأهتا‬
‫شعرت أهنا يف حالة أفضل‪ ..‬ومن الواضح أن جلسات الطبيب النفيس هلا‬
‫قد بدأ تأثريها االجيايب يف الظهور‪ ..‬إذ ألقت نورا التحية الصباحية عىل مايا‬
‫فإذا باميا ترد بتحية‪ ..‬قامت نورا بتقديم نفسها اليها وعاملتها بمنتهي اللطف‬
‫واحلنان‪ ..‬ارتاحت مايا عند رؤية نورا أخت حبيبها رشيف‪ ..‬وبعد ساعة‬
‫ً‬
‫حامل هدايا كثرية وزهور ملايا‪ ..‬شعر براحة‬ ‫تقريبا عند الظهرية حرض رشيف‬
‫ً‬
‫عند رؤية نورا بصحبة مايا واهنام أصبحتا صديقتان‪..‬‬
‫حتسنت مايا أكثر بوجود نورا ورشيف‪ ..‬وبدأت تتحدث للحظات‬
‫وتبكي للحظات أخرى‪ ..‬وكان هذا يشعرها بالراحة ان تبكي بني يدي‬
‫رشيف‪ ..‬وهو بجوارها ثم دخل أباها د‪ .‬كامل ومعه العميد فؤاد فامتألت‬
‫احلجرة باألحباب مما أدخل األمان والسعادة عىل قلب مايا وكان له أعظم‬

‫‪166‬‬
‫األثر يف رسعة شفاءها وعودهتا للحياة‪ ..‬وتعمد اجلميع عدم التحدث عن‬
‫تلك الليلة املشئوم فامضوا وقتهم يف االبتسام وتذكر أيام مجيلة مجعتهم باميا‪..‬‬
‫وقامت مايا بتمشيط شعرها‪ ،‬وقام رشيف برش بعض قطرات من عطر اشرتاه‬
‫ملايا وهو يعلم إهنا حتب هذه الرائحة‪..‬‬
‫حرض الطبيب النفيس‪ ،‬وكان أشدهم سعادة هبذا اجلمع العائيل احلميم‬
‫امللتف حول مايا‪ ..‬وأخربهم أن هذا يعجل بشفائها‪ ..‬وبعدها دخلت عليهم‬
‫مدام كريمة والدة رشيف‪ ،‬ويف يدها لفة ضخمة من أشهى املأكوالت التي‬
‫صنعتها بيدها بعد أن سألت رشيف عن أصناف الطعام التي تفضلها مايا‬
‫وكان هذا سبب تأخريها يف احلضور حيث استغرق إعداد الطعام واحللوى‬
‫بعض الوقت بجانب زحام الطريق‪ ..‬وأبدت سعادهتا بحديث اجلميع‬
‫وباحلديث مع مايا الرقيقة‪..‬‬
‫***‬

‫‪167‬‬
‫انتاب مدام وفاء والدة عالء بعض الشعور بالقلق وأن عالء ربام ترسع يف‬
‫قراره يف إعالن نيته وعزمه الزواج من مروة وأنه يرى فيها الزوجة املناسبة‪..‬‬
‫وقد بدأ عالء مرحلة العالج الطبيعي وممارسة التامرين لتقوية عضالت‬
‫القدم‪ ..‬ثم بعدها االستغناء التام عن املساعدة والعودة ملامرسة نشاطه بصورة‬
‫طبيعية‪..‬‬
‫انفردت مدام وفاء بمروة لتطلب منها حتديد موعد مع والدها لزيارهتم‬
‫يف منزهلم للتعارف خاصة ان عالء سوف يغادر املستشفى يف الغد‪..‬‬
‫شعرت مروة بعدم االرتياح‪ ..‬وخاجلها شعور قوي أن مدام وفاء هلا‬
‫غرض آخر من وراء هذه الزيارة ليس للتعارف فحسب‪ ..‬ربام أرادت أن تعاين‬
‫وتستكشف مستواهم االجتامعي وشخصية والدها ودرجة ثقافته وتعليمه‪..‬‬
‫وكل هذه األمور‪ ..‬ارتعدت ً‬
‫قليل‪ ..‬لكنها متاسكت عندما تذكرت تأثريها عىل‬
‫عالء وأنه أصبح ال يستطيع االستغناء عنها‪ ..‬فكان هذا هو املسلك والطريق‬
‫الوحيد الذي عليها ان تسري فيه حيث أن والدته ربام ال ترىض هبا زوجة البنهام‬
‫الوحيد بعد الزيارة وبعد أن ترى بعينيها الشارع واحلي الشعبي التي تقطن‬
‫ً‬
‫وأيضا املنزل من الداخل باإلضافة إىل تواضع ثقافة أباها ومهنته «سائق»‬ ‫به‬
‫حتى لو قرأ أباها كتب مكتبة الكونجرس األمريكية بأكملها فلسوف يظل‬

‫‪168‬‬
‫يف نظر املحيطني به عم زكريا سائق حافلة برشكة مرص للطريان وحتي لو كان‬
‫هلا أصدقاء مثل نورا ودخوهلا معها للنادي‪ ..‬كل هذا لن يشفع هلا أمام مدام‬
‫وفاء إذا تعلق األمر بابنها الوحيد واختيار زوجته‪ ..‬وكل ما قدمته من خدمات‬
‫ومشاركتها العناية بعالء وحيدها والسهر كل ليلة خلدمته ورعايته‪ً ..‬‬
‫أيضا‬
‫لن يشفع هلا كل هذا‪ ..‬أميل الوحيد والعصا التي اتكئ عليها هي مدى قوة‬
‫حب عالء يل وتعلقه يب‪ ..‬فهو ورقة الضغط الوحيدة التي أملكها للضغط عىل‬
‫األم واألب وجعلهام يعلنان مباركتهام هلذا الزواج والرضوخ أمام رغبة ابنهام‬
‫الوحيد‪..‬‬
‫َ‬
‫ترض عني‬ ‫أما أنا فسوف استمر يف حماولة استاملتها لصفويف‪ ..‬علها‬
‫وتتنايس ما سوف تراه عند زيارهتا إىل بيتنا‪ ..‬ولقاءها مع أيب الذي اختوف من‬
‫عيبا وكل تلك األمور التي ال‬
‫حديثه عن التواضع والرضا وأن الفقر ليس ً‬
‫تؤدي إىل أي طموح أو ارتفاع املستوى‪..‬‬
‫***‬

‫‪169‬‬
‫يف املساء ذهب رشيف كعادته إىل منطقة كرموز بمالبسه الرثة وهاتفه‬
‫القديم ومسامه اجلديد «الواد رمضان» وما أن دخل الشارع الضيق ذو الرائحة‬
‫العطنة إذ به جيد من ينادي عليه‪ ..‬ويقول له ان األسطي عاشور ينتظرك عىل‬
‫املقهى يف نفس مكان كل ليلة‪..‬‬

‫توجه رشيف أو «الواد رمضان» إىل عاشور‪ ..‬ألقى عليه التحية وهم‬
‫باجللوس عىل مقعد بجواره فإذا باالسطي عاشور ينهره ويأمره أن جيلس عىل‬
‫الرصيف بعيدً ا كام حدث يف أول لقاء به‪ ..‬تعجب رشيف‪ ..‬ملاذا يتعامل معه‬
‫عاشور هكذا بجفاء لدرجة إنه سحب منه رشف اجللوس عىل املقعد بجواره‬
‫وأعاده إىل مآله األصيل وهو الرصيف املتسخ للغاية‪..‬‬

‫باألمس عندما اهديته علبة السجائر املعدنية ذات الوالعة ومليئة‬


‫بالسجائر من نفس النوع الذي يدخن قربني إليه‪ ،‬واجلسني بجواره‪ ..‬واليوم‬
‫قد تناسى كل هذا وأعادين عىل الرصيف‪ ..‬هل يف األمر يشء‪ ..‬أم انه رجل‬
‫ذو مزاج متقلب‪ ..‬نظر إليه رشيف يتفحصه عله يرى عيل وجهه ما يفرس له‬
‫هذا املوقف الغريب‪ ..‬فوجده كام هو ذو قسامت حادة‪ ..‬قبيح الوجه‪ ..‬وال‬
‫يرتك الشيشة من يده وال يبعدها عن فمه والدخان الكثيف يغطي املكان حوله‬

‫‪170‬‬
‫وأمامه اهلاتف‪ ،‬ويف اليد األخرى األداة املعدنية التي يضغط هبا عىل الفحم كي‬
‫تعمل الشيشة يف أهبى صورة ويزيد كثافة دخاهنا‪..‬‬
‫لكن ما الحظه رشيف خمتلف عن كل ليلة‪ ..‬ان كان بجانبه رجالن يف عمر‬
‫الثالثينيات‪ ..‬قبيحي املنظر واهليئة‪ ..‬ويشعالن السجائر وال يدخنان الشيشة‪..‬‬
‫نادي عليه االسطي عاشور وهو غارق يف التفكري‪ ..‬ان يأتيه‪ ..‬انتفض رشيف‬
‫من مكانه وتوجه حيث جيلس االسطي عاشور‪ ..‬فوجد عاشور يبتسم ابتسامة‬
‫مثل متساح اوقع بفريسته‪ ..‬وقال لرشيف «افرح ياواد يا رمضان‪ ..‬لقيتلك‬
‫شغل وممكن تبدأ بكرة الصبح»‪ ..‬لكن عايزين بطاقة الرقم القومي ونقوم‬
‫بتصويرها ونأخذ نسخة‪ ..‬أعطني بطاقتك يا رمضان» ‪..‬‬
‫سقط يف يد رشيف ومل يدر ما عساه ان يقول او جييب فهو ال يستطيع‬
‫اطالع عاشور عىل بطاقته حيث فيها كل بياناته احلقيقية وإذا حدث هذا فهو‬
‫شخصيا يف ورطة حقيقية وال يعلم مدي وقعها عىل االسطي عاشور وماذا هو‬
‫ً‬
‫فاعل به‪ ..‬إال اهلل عز وجل‪..‬‬
‫رسيعا وهو مرتعد‪« ..‬ليست معي يا اسطي‪ ..‬رسقت مني‬
‫ً‬ ‫أجاب رشيف‬
‫منذ أيام وسوف استخرج أخرى جديدة»‪..‬‬
‫ضحك عاشور بصوت عايل ارجتت واهتزت له املقاعد وأركان املقهى‬
‫وشاركه الرجالن حوله الضحك ونظر الثالثة إىل بعضهم‪ ..‬فقال عاشور‬
‫«كنت عارف» وأشار للرجالن فاجتها نحو رشيف وامسكا به ووضع أحدهم‬
‫سكي ًنا يف جانبه حمذرا إياه إال ينطق بكلمة وإال ستستقر هذه السكينة يف جنبه‪..‬‬
‫أما اآلخر فأخذ يفتش قميصه ورسواله إىل أن وجد مفاتيح البيت والسيارة‬

‫‪171‬‬
‫ونقو ًدا وهاتفه القديم واملحفظة وهي بيت القصيد‪ ..‬املحفظة‪ ..‬وضع الرجل‬
‫هذه األشياء أمام عاشور‪ ..‬والغريب ان كل رواد املقهى كانوا كاملوتى‪ ..‬ال‬
‫ينظرون إليهم وال هيتمون بام حيدث لرشيف‪ ..‬سكي ًنا يف جنبه ويتم تفتيشه عل ًنا‬
‫يف املقهى يف الشارع وال حيرك أحدً ا ساك ًنا‪ ..‬فمن يرشب الشاي ومن يلعب‬
‫الطاولة ومن يدخن الشيشة كل مشغول يف أمره أو يدعى إنه مشغول خو ًفا من‬
‫الديناصور البرشي األسطى عاشور‪..‬‬
‫جاءت اللحظة احلاسمة وما كان خيشاه رشيف حلظة التقاط عاشور‬
‫ملحفظته‪ ..‬وهو يقلبها يف يده ويعاينها من اخلارج ويقرهبا من أنفه ويشمها‪..‬‬
‫ويقول لرشيف‪« ..‬دي شكلها كده حمفظة جلد طبيعي وماركة كامن‪ ..‬منني‬
‫العز ده ياواد يا رمضان‪ ..‬ملا نشوف بأه رمضان ولال حا تطلع شوال ولال‬
‫حكايتك ايه‪ ..‬ما أنا ناقصك انت كامن»‪..‬‬
‫كان العميد االسيوطي يف سيارة الديلفري املصفوفة يف شارع قريب من‬
‫املقهى‪ ..‬شعر العميد ومن معه ان رشيف يف خطر حقيقي‪ ..‬فهؤالء الناس‬
‫ال يتورعون عن الترصف بحامقة‪ ..‬وأسهل يشء هو استعامل اآلالت احلادة‬
‫والقتل ثم اهلرب‪ ..‬فحياة رشيف يف خطر حقيقي‪..‬‬
‫ً‬
‫اتصال بأحد رجال املباحث القريبني من‬ ‫أجرى العميد االسيوطي‬
‫املكان انه البد من التدخل برسعة وإال سوف يكون مصري رشيف وحياته غري‬
‫مضمونة‪ ..‬خاصة أن العميد األسيوطي قد قطع وعدً ا أمام أبيه العميد فؤاد أن‬
‫حيافظ عىل حياة ابنه يف املقام األول‪..‬‬

‫‪172‬‬
‫بدأ االسطي عاشور يف فتح املحفظة ببطء فنظر يف البداية إىل اماكن وضع‬
‫العمالت الورقة‪ ..‬أخرجها‪ ..‬تبدو أورا ًقا كثرية من فئة املائتني جنيه‪ ..‬عدها‬
‫فإذا هي قرابة األلفني وأربعامئة‪ ..‬دسها عاشور يف جيبه وأكمل تفتيش املحفظة‬
‫ووصل إىل النقطة احلاسمة‪ ..‬أماكن ختزين الكروت‪ ..‬كروت كثرية‪ ..‬كارت‬
‫بنك استثامري وكارت فيزا‪ ..‬وكارينه األكاديمية وعليه صورة رشيف‪ ..‬نظر‬
‫فيه االسطي عاشور فوجد صورة رشيف وهو يرتدي الزي الرسمي للبحرية‬
‫التجارية فظن بجهله ومحاقته إنه ضابط رشطة‪ ..‬انتفض من مكانه قبل أن‬
‫يكمل النظر يف بقية الكروت والبطاقة الشخصية‪« ..‬طلع ضابط‪ ..‬يا هنار‬
‫أسود" أشار إىل الرجلني أن يأخذوه إىل حيث اتفقا من قبل‪..‬‬
‫قام الرجالن باقتياد رشيف وسارا مرسعني به يف طرقات متعرجة ضيقة‬
‫إىل أن وصال إىل مكان اشبه بمخزن به أدوات دهان وحدايد‪ ..‬قاموا بتوثيقه‬
‫جيدً ا ووضع كاممة عىل فمه وأغلقا املخزن من اخلارج وعادا إىل االسطي‬
‫عاشور‪ ..‬فإذا به هيب واقفا ويوجه أوامره إليهام بأهنم البد وأن يغادروا هذا‬
‫فورا ألنه يف دقائق سوف يكون الشارع ميلء برجال الرشطة بحثًا عن‬
‫املكان ً‬
‫زميلهم‪ ..‬فهو مازال يعتقد أن رشيف ضابط رشطة‪..‬‬
‫من حسن حظ رشيف أن رجال الرشطة املتنكرين حرضوا أمام املقهى‬
‫وهم يقتادوا رشيف إىل خمزن البويات واحلدايد‪ ..‬واطمأنوا إهنم عرفوا‬
‫مكانه‪ ..‬فكان كل ما ينتظرونه هو إجراء مكاملة من عاشور إىل فرج أو العكس‬
‫أن حيادث فرج عاشور‪ ..‬حيث أن رجال املباحث قد وضعوا أرقام هاتف‬
‫عاشور حتت املراقبة بالطبع بعد استخراج إذن النيابة العامة‪..‬‬

‫‪173‬‬
‫قسم رجال فريق البحث اجلنائي أنفسهم إىل ثالث جمموعات‪ ..‬األوىل‬
‫حتركت خلف عاشور والرجالن ملراقبتها ومعرفة أوكار اختبائهم‪ ..‬فمن‬
‫املمكن أن يكون فرج يف انتظارهم‪..‬‬
‫أما املجموعة الثانية فذهبت إىل املخزن حيث يرقد بداخله يف الظالم‪..‬‬
‫ً‬
‫ومكمم‪ ..‬لتحريره وانقاذه‪ ..‬وهو ما تم‬ ‫رشيف موثقًا ومعصوب العينني‬
‫بالفعل‪..‬‬
‫أما املجموعة الثالثة ان تكون جاهزة للتحرك فور حتديد مكان فرج عند‬
‫اتصاله بعاشور او اتصال عاشور به‪..‬‬
‫حرر رجال املباحث رشيف وذهبوا به بعيدً ا حيث سيارة الديليفري‬
‫واملخصصة ملراقبة اتصاالت عاشور وسامع كل ما يقوله ملن حوله‪..‬‬
‫أما عاشور ورجاله فتوجها إىل بوابة دخول مقابر كرموز وهناك يف‬
‫الظالم ساروا بني املقابر يف املمرات الضيقة إىل أن وصلوا إىل حجرة ختص‬
‫أحد االثرياء وهبا املقربة‪..‬‬
‫دخلوا إىل احلجرة حيث كانت هي أحد األماكن التي يلتقون هبا بعيدً ا‬
‫عن أعني الرشطة‪ ..‬صدرت األوامر لرجال املباحث بعدم مهامجتهم حتى‬
‫تأتيهم األوامر‪ ..‬فقط مراقبة املكان ومجيع حتركاهتم‪ ..‬وعند اقرتاب الفجر‪..‬‬
‫حدث ما كان ينتظره اجلميع‪ ..‬اتصال من املجرم «فرج» لعاشور‪ ..‬التقطت‬
‫األجهزة املكاملة وقامت اجهزة حتديد املواقع بتحديد موقع فرج فإذا به داخل‬
‫أحد كهوف جبل من جبال الفيوم‪ ..‬عىل الفور‪ ..‬تم االتصال بمديرية أمن‬
‫الفيوم وعمل التنسيق الالزم‪ ،‬وتم إرسال قوة كبرية من الرشطة للمنطقة‬

‫‪174‬‬
‫املحددة ويف نفس الوقت صدرت األوامر لرجال املباحث املراقبني لعاشور‬
‫بمقابر كرموز بمهامجة الوكر وإلقاء القبض عىل عاشور ومن معه وحتريز كل‬
‫ما بداخل احلجرة‪..‬‬
‫بالفعل توجهت قوة من رشطة الفيوم بمهامجة الكهف من اخلارج والقاء‬
‫بعض القنابل املسيلة للدموع‪ ..‬كان فرج خمتب ًئا داخل الكهف باجلبل بصحبة‬
‫جمموعة من اهلاربني من السجن وبعض املطلوبني للعدالة‪ ..‬شعر فرج ومن‬
‫معه بمحارصة الرشطة للمكان وإلقاء أول قنبلة غاز مسيل للدموع عليهم كي‬
‫تصيبهم باالختناق ويرتكوا كهفهم فيصبحوا يف العراء بال محاية‪..‬‬
‫بدأ فرج ومن معه بإطالق العيارات النارية باجتاه تواجد ومتركز قوات‬
‫األمن‪ ..‬وبادهلم رجال الرشطة بأطالق األعرية النارية وأمطرهم بوابل من‬
‫الرصاص‪ ..‬استمر تبادل اطالق النار حوايل الساعتني تقريبا إىل ان شاهد‬
‫رجال األمن بعض املجرمني خيرجون من الكهف ويركضون برسعة متجهني‬
‫إىل عربة دفع رباعي كانت قابعة اسفل اجلبل‪..‬‬
‫الحقهم رجال األمن بإطالق الرصاص عليهم فأردوهم قتىل وكانت‬
‫هذه هي اللحظة املناسبة لرجال األمن باالقرتاب من الكهف ودخوله‬
‫وبالفعل تم القبض عىل من بداخل الكهف بعد استسالمهم ووضع أيدهيم‬
‫فوق رؤوسهم‪ ..‬بحث رجال األمن عن فرج بينهم فإذا به واحدً ا ممن خرجوا‬
‫من الكهف يف اجتاه عربة الدفع الرباعي وأردته الرشطة ً‬
‫قتيل‪ ..‬قتل فرج‪ ..‬رمز‬
‫الفجر‪ ..‬فمن األفضل ان تعيد ترتيب احلروف‪ً ..‬‬
‫بدل من «فـ ر ج» «فـ ج ر» ‪..‬‬ ‫ُ‬

‫‪175‬‬
‫فهو فاجر معدوم االنسانية والضمري وقد ارتاحت البرشية بمقتله واخلالص‬
‫من أمثاله من الذئاب البرشية‪..‬‬
‫وصل اخلرب إىل مسامع رشيف والعميد األسيوطي ومن معه‪ ..‬فبينام هم‬
‫حيمدون اهلل أن متت مهمتهم بنجاح بدون خسائر بني صفوفهم انتاب رشيف‬
‫حيا وينتقم‬
‫حزن عميق‪ ..‬حيث كانت أمنيته القبض عىل هذا الفرج الفاجر ً‬
‫منه بنفسه ويشفي ما بداخله من غل وكره‪ ..‬فيشعر أن مايا عاد هلا حقها‪..‬‬
‫ربت العميد األسيوطي عىل كتف رشيف ً‬
‫قائل‪ :‬اترك األمر للخالق فهو املنتقم‬
‫اجلبار وال تلوث يدك بدماء رجل فاجر كهذا‪ ..‬اهتم يا رشيف بخطيبتك وأبدً ا‬
‫عهدً ا جديدً ا‪..‬‬
‫***‬

‫‪176‬‬
‫انطلقت نورا بني متاجر املالبس واإلكسسوار وبيدها بعض األوراق‬
‫مدون فيها كل ما سوف حتتاجه ويف نفس الوقت تقوم باملتابعة مع ماجد عرب‬
‫اهلاتف عام قام به وحجم االنجاز الذي أداه وما بتبقى‪ ..‬كانت تشعر بسعادة‪..‬‬
‫سعادة العروس املقبلة عىل الزواج‪ ..‬واتفقت ان تلتقي مع والدهتا بعد ساعتني‬
‫لتكون بصحبتها يف رشاء مجيع احتياجاهتا‪..‬‬
‫قرر رشيف اغالق موضوع الفاجر فرج بعد مقتله‪ ..‬ويتفرغ متا ًما ملايا وأن‬
‫يتم زواجه منها بعد أن تتامثل للشفاء متا ًما وتعود حلياهتا الطبيعية‪ ..‬فراشة مجيلة‪..‬‬
‫أخرب الطبيب النفيس د‪ .‬كامل ان مايا يف حتسن كبري وأن بإمكاهنا العودة‬
‫حلياهتا واالندماج مع املجتمع‪ ..‬ويف وقت قصري يمكن هلا العودة لعملها‪..‬‬
‫ولكن يفضل ان تقوم بعمل تصميامت الديكور عىل الورق والكمبيوتر فقط‬
‫يف هذه املرحلة بدون الدخول يف مواقع العمل واالحتكاك بالعامل‪..‬‬
‫رحب األب هبذا االقرتاح حيث كان دو ًما يرى أن مايا أرق من التعامل‬
‫مع عامل الدهانات واخلشب وغريه وأنه األفضل استغالل موهبتها وخرباهتا‬
‫يف حتديد كل التصميامت ويكون التنفيذ يف املواقع من نصيب مهندسني‬
‫أخرين‪ ..‬فيكون حمل عملها هو املكتب فقط‪..‬‬
‫***‬

‫‪177‬‬
‫حتدد موعد زيارة مدام وفاء إىل منزل مروة‪ ..‬كان األستاذ مجال يقود‬
‫السيارة عرب شوارع ضيقة أمام املنزل القديم صف السيارة‪ ..‬نزلوا منها ومدام‬
‫وفاء تتلفت حوهلا غري مصدقة ان هذا املكان ممكن ان يكون املكان الذي تربت‬
‫ونشأت فيه زوجة ابنها‪ ..‬وأم أحفادها وأن أباها املصون الذي سوف تراه‬
‫بعد دقائق بالتأكيد سوف يكون جدً ا ألحفادها ومحا ابنها ويضع يده يف يد‬
‫زوجها ويكون ندً ا هلم‪ ..‬كيف تندمج األرستني يف عالقة نسب وهم يعيشون‬
‫يف عاملني خمتلفني متا ًما‪ ..‬فهي ال تعلم عن هذا العامل شي ًئا غري إنه عامل سفيل‪..‬‬
‫دوين‪ ..‬كل يشء فيه غريب وغري حمبب عىل األقل اليهم‪ ..‬كيف سيأيت أحفادها‬
‫لزيارة جدهم هنا وربام املبيت‪ ..‬واللعب يف الشارع‪ ..‬وسامع كلامت غريبة عىل‬
‫أسامعهم وترديدها فيعودون إليها‪ ،‬وهم عىل هيئة أخرى وصورة مغايرة ملا‬
‫تتمنى أن يرتبوا ونشأوا عليها‪..‬‬

‫مع كل درجة من درجات سلم العامرة كانت مدام وفاء تتلفت حوهلا‬
‫وتشعر باالشمئزاز وهتز رأسها وتنظر إىل زوجها وابنها ولسان حاهلا يقول‬
‫هيا بنا نعود من حيث اتينا‪ ..‬رأينا بام فيه الكفاية وكام يقولون الكتاب بيبان‬
‫من عنوانه‪..‬‬

‫‪178‬‬
‫فتح هلم العم زكريا الباب بكل عبارات الرتحاب وابتسامة واسعة‬
‫عريضة ودعاهم للدخول‪ ..‬ظلت مدام وفاء صامتة غري مصدقة وال مستوعبة‬
‫ما حيدث‪ ..‬وملاذا هي هنا يف هذا املكان الذي ال حيتاج إىل ترميم فقط ولكن إىل‬
‫نسف‪ ..‬وكانت تنظر إىل عالء معاتبة إياه‪« ..‬أنت السبب‪ ..‬بعد كل ما قدمته‬
‫لك من اهتامم وتربية‪ ..‬مدارس دولية‪ ..‬وكانت كل طلباتك جمابة‪ ..‬بعد كل‬
‫هذا‪ ..‬هل هذه هي نظرتك الختيار رشيكة حياتك‪ ..‬من تليق أن تكون أما‬
‫ألوالدك‪ ..‬أن تصبح واحدة من أرستنا‪..‬‬
‫عرضت عليك بنات كثر‪ ..‬أكثر ً‬
‫مجال‪ ..‬ثقافة‪ ..‬تعليم‪ ..‬مستوى اجتامعي‬
‫مرموق‪ ..‬عائلة تترشف هبا‪ ..‬تركت كل ذلك لتجرنا وراءك إىل هذا املكان‬
‫ساحمك اهلل يا بني‪..‬‬
‫ظهرت مروة يف ثياب بسيطة وأنيقة‪ ..‬ألقت عليهم السالم وحاولت‬
‫طمأنة مدام وفاء بأن اكثرت من ترحاهبا وتقديم العصائر واحللوى هلا‪ ..‬عسى‬
‫ان تشعر بكرمهم‪ ..‬فيطغي هذا عىل شعورها باالشمئزاز من املكان‪..‬‬
‫وما أن انتهت زيارهتم وغادروا شقة مروة هبطوا الدرج إىل السيارة‬
‫وابتدأت مدام وفاء يف إخراج ما يف جعبتها مستخدمة كل كلامت اللوم‪،‬‬
‫والعتاب‪ ،‬والشعور بالغثيان من ذلك اجلو واملكان الغريب‪ ..‬ومل تتوقف‬
‫عن الرصاخ يف وجه عالء حتى وصلوا إىل بيتهم‪ ..‬وبدأت اجلولة الثانية من‬
‫توبيخها البنها يف البيت‪ ..‬حاول عالء من هتدئتها مستعي ًنا بوالده‪« ..‬احلقني يا‬
‫بابا‪ ..‬تدخل أرجوك‪ ..‬قول حاجة ملاما‪ ..‬أنا من حقي اختيار رشيكة حيايت عىل‬
‫املعايري واألسس التي أراها»‪..‬‬

‫‪179‬‬
‫أخريا وأعلن رأيه أنه‬
‫ً‬ ‫ظل هذا اجلدال قائم بينهم إىل ان تكلم األب‬
‫متضامن مع زوجته وفاء وأن عالء يستحق أن تكون له زوجة أرقى من‬
‫مروة‪ ..‬وأن عليه أن يفكر يف زوجته ليست فقط كزوجة ولكن ً‬
‫ايضا كأم فإنه‬
‫خيتار ألوالده أما صاحلة‪ ..‬تشبهه وأن تكون ارسهتا تشبه ارستنا وهو ما يسمي‬
‫التوافق وأي زواج ال يعرتف بالتوافق فمآله إىل املأذون والطالق أو املحاكم‬
‫واملشاكل‪..‬‬
‫نصيحتي لك يا عالء أال تترسع وفكر فيام نقوله‪ ..‬نحن أصحاب جتارب‬
‫وخربات يف احلياة‪ ..‬ال تستهني هبا‪ ..‬بل استعني هبا‪ ..‬وادعو اهلل لك باهلداية‪..‬‬
‫زادت حدة اخلالف بني عالء ومدام وفاء‪ ..‬ترك عىل اثرها البيت وذهب‬
‫إىل أحد الفنادق الرخيصة القريبة من حمطة رمسيس‪ ..‬وفور أن دخل حجرته‬
‫غاضبا‪ .‬طلب أن يتقابل مع مروة يف أرسع‬
‫ً‬ ‫يف الفندق هاتف مروة وكان صوته‬
‫وقت‪ ..‬أعطاها عنوان أحد املقاهي القريبة من الفندق وبعد أقل من ساعتني‬
‫التقيا يف املقهى‪ ..‬وبادرته بطبيعة احلال بالسؤال‪ ..‬ما بك‪ ..‬صوتك كان متغري‪..‬‬
‫هل حدث شي ًئا؟‪..‬‬
‫ظل عالء صام ًتا لفرتة‪ ..‬ثم بدأ باحلديث‪ ..‬وقص عليها ما دار بينه وبني‬
‫والدته منذ خروجهم من منزهلم‪ ..‬وموقف أبيه‪ ..‬وكم هو مستاء مما حدث‪..‬‬
‫يل السمع‬ ‫ً‬
‫تلميذا يف املدرسة وع ّ‬ ‫ثم استطرد‪ ..‬اهنم يعاملونني كأنني ما زلت‬
‫والطاعة‪ ..‬أنا قاربت عىل الثالثني وأدير متجر والدي بكفاءة وأستطيع اختاذ‬
‫القرارات اهلامة وأمههم قرار زواجي‪ ..‬أنا من سيتزوج وليس أمي أو أيب‪..‬‬
‫أعلم جيدً ا اهنم خيافون ع ّ‬
‫يل لكن يف الوقت ذاته فإهنم يبالغون يف مسألة املستوى‬

‫‪180‬‬
‫االجتامعي وتلك اآلراء العجيبة التي طاملا شاهدهتا عىل شاشات التلفاز يف‬
‫أفالم قديمة‪ ..‬كنا نشاهدها عىل إهنا جمرد أفالم‪ ..‬لكن أن تكون هذه هي حقيقة‬
‫واقعنا وهذا هو تفكرينا فنحن نعود للوراء وال نتطور‪ ..‬ثم ما ذنبك انت يف‬
‫كل هذا‪ ..‬هل اختار أحدنا أن يولد يف كنف أرسة فقرية أو غنية‪ ..‬متعلم أم ال‪..‬‬
‫هل اخرتت أنا حمل سكني ومن يكون أيب ومن أمي‪ ..‬وأنت كذلك يا مروة‪..‬‬
‫ملاذا تدفعني ثمن احلي الشعبي الذي تقيمني فيه‪ ..‬سالمل العامرة املتهالكة‪..‬‬
‫البيت القديم‪ ..‬واملوبيليا فيه حتتاج الكثري لتعود عىل ما كانت عليه‪ ..‬وأباك‬
‫اجتامعيا‪ ..‬لِ َ‬
‫ً‬ ‫العم زكريا‪ ..‬ما به‪ ..‬فهو ال يعجبهم‪ ..‬يقولون وظيفته غري مرشفة‬
‫‪ ..‬هل عمله حالل أم حرام‪ ..‬إذن فهو رجل رشيف مكافح‪..‬‬
‫ً‬
‫وايضا يتحدثون عن تعليمه انا اراه عىل قدر ال بأس به من الثقافة فلقد‬
‫حتدثت اليه فوجدته ملام بمعلومات كثرية يف شتي املجاالت وعلمت انه كثري‬
‫القراءة يف غري اوقات العمل‪ ..‬وهذا يف رأيي يشء طيب‪..‬‬
‫بعد أن استمعت إليه مروة اجابته‪ ..‬أنه ال مفر يا عالء غري اننا نتزوج‬
‫وال هيم رأهيم او موافقتهم‪ ..‬أنا احبك وأنت حتبني‪ ..‬وأنت رجل مسئول‬
‫وأنا أستطيع أن أعمل‪ ..‬إذن ماذا ينقصنا‪ ..‬هيا نتحرك وبرسعة فأنت أحسنت‬
‫صغريا كي‬
‫ً‬ ‫صنعا عندما تركت املنزل‪ ..‬فالبد هلم ان يوقنوا انك لست ً‬
‫طفل‬ ‫ً‬
‫يتحكموا يف أهم قرار وخطوة يتخذها أي انسان وهو الزواج‪ ..‬فيجب عىل‬
‫األهل اال يتدخلوا يف هذه املسألة عىل االطالق‪ ..‬انظر إىل أيب‪ ..‬هذا أيب‪ ..‬العم‬
‫زكريا‪ ..‬الذي ال يعجبهم‪ ..‬ووظيفته ال تليق هبم وكذلك تعليمه املتواضع‪..‬‬
‫فقد ترك يل حرية اختيار الرجل الذي سوف أعيش معه أغلب سنوات عمري‬

‫‪181‬‬
‫وأمحل اسمه وأكون أم ألوالده وكامتة أرساره وطائعة له يف كل يشء‪ ..‬وأبقى‬
‫حتت قدميه أوفر له أسباب النجاح فنكرب سو ًيا وننجح سو ًيا‪ ..‬ونرى فلذة‬
‫اكبادنا ونربيهم وننشئهم أفضل تنشئة وال نحرمهم من بناء شخصية قوية‬
‫قادرة عىل اختاذ القرار عندما يصبحون يف سن الشباب‪..‬‬
‫فبينام مها جالسان يتناقشان يف األمر إذا برجلني التفا حوهلام وجلسا عىل‬
‫نفس الطاولة‪ ..‬نظرت مروة‪ ..‬اهنام نفس الرجالن اللذان يدعيان إهنام أصدقاء‬
‫عالء‪..‬‬
‫فزع عالء واضطرب وقام من مكانه ينظر إليهام ويكاد ال يصدق نفسه‪..‬‬
‫ذلك الكابوس عاد مرة أخرى‪ ..‬متى تنتهي هذه القصة السخيفة القميئة‪..‬‬
‫كم أمتنى أن اقتلهام أو أبلغ عنهام الرشطة فتنقذين من رشمها‪ ..‬وهذه املسكينة‬
‫مروة تظن أهنام أصدقائي‪ ..‬وتتعامل معهام بأدب شديد‪ ..‬آه لو تعلم إهنام من‬
‫عامل آخر غري عاملنا‪ ..‬عامل اإلجرام واالنحراف‪ ..‬وكفى أنني وقعت عىل وصل‬
‫أمانة وأن ترصفت معهام بحامقة فمن السهل عليهام إيداعي يف السجن بتقديم‬
‫هذا االيصال إىل النيابة واملطالبة باملبلغ املدون فيه والذي ال أعلم قدره حيث‬
‫وقعت قبل كتابة الرقم‪..‬‬
‫وجومها قبيحة‪ ..‬وهلم رائحة غري حمببة أنا ال أعلم حتى اسمهام كي أقدمها‬
‫إىل مروة عىل أهنام أصدقائي ونكمل هذا املسلسل اهلابط‪ ..‬وبينام هو غارق يف‬
‫أفكاره‪ ..‬زجره أحدمها ً‬
‫قائل‪ ..‬اسمع ليس لدينا وقت لننتظر أن تستفيق من‬
‫عالمات البالهة املرسومة عىل وجهك‪ ..‬اتيناك يف أمر هام‪ ..‬هل نتكلم أمام‬
‫اآلنسة‪ ..‬أم أنه من األفضل أن نذهب إىل مكان آخر نستطيع التحدث فيه‪..‬‬

‫‪182‬‬
‫وقبل أن جييب عالء قالت مروة‪ ..‬أكيد تستطيعان الكالم‪ ..‬أنا خطيبة عالء‪..‬‬
‫وهو ال خيفي عني شي ًئا‪..‬‬
‫نظر اليها الرجل بعني ضيقة ً‬
‫قائل‪ ..‬إذن أنت تعلمني من نحن وماذا كان‬
‫بيننا من قبل وما فعله خطيبك ويستحق عليه القتل؟!‬
‫فتحت مروة عينيها عىل أقىص اتساع وهي تستمع لكالم هذا الصديق‬
‫املزعوم لعالء‪« ..‬ما كان بينهم من قبل»؟! «يستحق القتل»‪ ..‬ترى ماذا فعل‬
‫عالء حتديدً ا‪ ..‬لقد ذكر يل أنه رصيح معي ألبعد حد وليس يف داخله ما خيفيه‬
‫عني‪ ..‬اذن هو خيفي يشء وعالقته هبذين الرجلني‪ ..‬وماذا ً‬
‫أيضا يف جعبته خيفيه‬
‫عني‪..‬‬
‫ثم توجهت مروة بالكالم هلذا الرجل‪ ..‬أنا ال أعلم حتديدً ا ما بينكام‬
‫حيث انني ال أتدخل يف أعامل عالء‪ ..‬لكن إذا أردت فيمكن أن حتكي يل‪ ..‬أنا‬
‫أسمعك‪ ..‬ماذا حدث‪ ..‬يف عجالة قص عىل مروة ما حدث حتديدً ا منذ خروج‬
‫عالء مع اختهام طيلة النهار إىل ان ظهرا يف املستشفى عىل إهنام صديقان لعالء‪..‬‬
‫وتعمد الرجل أن يذكر أمر توقيع عالء عىل ايصال أمانة «عىل بياض» وأن‬
‫رقبته حتت رمحتهام‪..‬‬
‫ظنت مروة ان كل تلك املالحقات من هذين الرجلني كي يضغطا عىل‬
‫عالء وجيرباه أن يتزوج من أختهام لدرء الفضائح وكالم الناس‪ ..‬فإذا تذكرهم‬
‫عريسا‬
‫ً‬ ‫أهنا خطيبته وأنه لن يتم زواجه إال منها هي‪ ..‬وإن عىل اختهام أن جتد‬
‫آخر‪ ..‬فهي وعالء كانا بصدد حتديد موعد زفافهام قبل دخوهلام عليهام‪..‬‬

‫‪183‬‬
‫ضحك الرجل ضحكة مليئة بالرش والسخرية والثقة من جمرم جتاه‬
‫ضحيته ً‬
‫قائل‪ ..‬إن خيالك ذهب بعيدً ا‪ ..‬أي زواج تتحدثني عنه‪ ..‬نحن هنا من‬
‫أجل عمل‪ ..‬بيزنس‪ ..‬فلوس‪ ..‬كتري‪ ..‬كتري‪ ..‬إذا تعاونتم معنا فسيعم اخلري عىل‬
‫اجلميع‪ ..‬واملصلحة واحدة‪ ..‬هل يكره أحدنا النقود؟!‪ ..‬هل تكرهني النقود‬
‫يا آنسة؟! وانت يا استاذ عالء‪ ..‬انت مقبل عىل زواج وحتتاج مبالغ طائلة يف‬
‫سبيل إمتام هذا الزواج‪..‬‬
‫ومطيعا سوف‬
‫ً‬ ‫خملصا‬
‫ضع يدك يف يدنا ولن تندم واذا اثبت كفاءة وكنت ً‬
‫اعيد إليك وصل األمانة‪ ..‬وإذا رفضت التعاون وتنفيذ كل ما يطلب منك‬
‫بالتفاصيل التي نذكرها‪ ..‬فأنت اجلاين عىل نفسك‪ ..‬أراك خلف القضبان‬
‫يف قضية نصب وحترير ايصال أمانة بمبلغ ال تتخيله‪ ..‬فأنا استطيع اكتب‬
‫الرقم الذي أريده‪ ..‬عرشة ماليني‪ ..‬عرشين‪ ..‬ثالثني‪ ..‬أربعني‪ ..‬فاألرقام‬
‫واألصفار اسهل يشء يف الكتابة وأنا أعشق كتابة األصفار واعشق ً‬
‫أيضا أن‬
‫انتقم لرشف أختي إن مل تتعاون معنا‪ ..‬وسوف نحتاجك أنت ً‬
‫أيضا يا آنسة‬
‫يف االشرتاك معنا‪ ..‬وسوف ينالك األجر و املال الكثري‪ ..‬غري أموال عالء‪..‬‬
‫لقد عرفتي رسنا‪ ..‬ومن يعلم رسنا أصبح واحد مننا‪ ..‬األمر جد ليس فيه أي‬
‫هزل‪ ..‬بيزنس كبري يعمل فيه العرشات‪ ..‬بل املئات‪ ..‬وانتام ستكونان عضوان‬
‫جديدان يف تلك املنظومة‪ ..‬ها‪ ..‬هل تريد بعض الوقت للتفكري؟!‬
‫أجاب عالء‪ ..‬بالتأكيد اعطني فرصة ألفكر يف األمر بالرغم أين ال أعلم‬
‫أي يشء عن طبيعة العمل واملهمة‪ ..‬ولكنها من الواضح جليا اهنا ال تبدو‬

‫‪184‬‬
‫قانونية عىل االطالق ‪..‬دعنا نتقابل بعد يومني يف هذا املكان ألعطيك ردي‬
‫النهائي‪..‬‬
‫ضحك نفس الرجل مرة ثانية‪ً ..‬‬
‫قائل‪ ..‬ال يومني وال ثالثة‪ ..‬هي نصف‬
‫ساعة‪ ..‬سوف نجلس يف الطاولة التي بجوارك نرشب فيها القهوة وانتام تكلام‬
‫وتناقشا يف األمر وبعد نصف ساعة نجلس سو ًيا مرة أخرى‪ ..‬إذا رفضت‬
‫ِ‬
‫وأنت يا‬ ‫سأذهب ولن تراين مرة أخرى ولكن استعد الرتداء البدلة الزرقاء‪..‬‬
‫آنسة ال تنيس العيش واحلالوة عند الزيارة‪ ..‬أما إذا كنت ً‬
‫عاقل وحسبت األمور‬
‫بشكل صحيح‪ ..‬فنجلس مرة أخرى نحن األربعة ألرشح لكم ما ينبغي عمله‬
‫بال نقاش من احد‪ ..‬اذ جيب عليكام التنفيذ وفقط‪ ..‬اعتقد أن كالمي واضح‪..‬‬
‫انتقل الرجالن للجلوس عىل طاولة أخرى بالقرب منهم‪..‬‬
‫ً‬
‫وأيضا مروة كانت ترتعد وتنتفض‬ ‫نظر عالء إىل مروة والرعب يمأله‬
‫فبالرغم ما يبدو عليها الشجاعة وأهنا ال ختيش أحدً ا‪ ..‬ولدهيا عقل ال يتوقف‬
‫طيلة الوقت‪ ..‬إال أن عقلها يف تلك اللحظة قد توقف عن العمل متا ًما كمن‬
‫ألقى عليه بعض الكتل االسمنتية السائلة‪ ..‬فجفت وحتجرت عليه وأوقفته‬
‫عن العمل‪..‬‬
‫رعب يمأل عيني عالء‪ ..‬وعرق يتصبب من رأسه ووجهه‪ ..‬ومروة‬
‫أخريا تكلم عالء ً‬
‫قائل‪" ..‬ماذا عسانا أن‬ ‫حتك يدهيا ببعضهام بحركة عصبية‪ً ..‬‬
‫نفعل‪ ..‬أنه هيددين‪ ..‬أمل تسمعي كالمه‪"..‬‬
‫فأجابت مروة‪ ..‬يبدو عليهام االجرام حقًا‪ ..‬اعتقد اننا ال نستطيع أن‬
‫نضع رقبتنا حتت أرجلهم‪ ..‬البد وإبالغ الرشطة‪« ..‬فزع عالء وانتفض»‪ ..‬أمل‬

‫‪185‬‬
‫تسمعي كالمه وهتكمه عىل البدلة الزرقاء‪ ..‬العيش واحلالوة‪ ..‬أنا يف املوقف‬
‫الضعيف‪ ..‬توقيعي عىل اإليصال‪ ..‬بدأت مروة يف استعادة هدوءها واستعادت‬
‫معها نفسها األمارة بالسوء واملحملة بالطموح القائم عىل اجلشع واجلوع‬
‫فقالت «إذن‪ ..‬دعنا نجرب‪ ..‬ليس هناك ما نخرسه‪ ..‬أمل تسمع ما قال عن‬
‫األموال واملاليني‪ ..‬الفرصة أتتنا‪ ..‬يمكن ربنا بعث هؤالء لنصبح اغنياء"‪..‬‬
‫غضبا ً‬
‫قائل‪ ..‬اهلل يرسل هؤالء املجرمني‪ ..‬استغفري اهلل يا‬ ‫ً‬ ‫استشاط عالء‬
‫مروة‪ ..‬نعم انا يب الكثري من العيوب لكن ان اكون حتت امرة جمرمان كهذين‪..‬‬
‫سأحتول ملجرم مثلهام‪ ..‬ولن تنفعني اي اموال إذا وضعت يف السجن‪.‬‬
‫أجابته مروة‪ ..‬اسمع يا عالء‪ ..‬احنا حانتجوز‪ ..‬صح‪ ..‬يعني سوف‬
‫نحتاج إىل املال الكثري‪ ..‬وأرستك غري راضية عن زواجك يب‪ ..‬مما يرتتب عليه‬
‫حرمانك من أي نقود وربام حرمانك من العمل يف املتجر‪ ..‬فلن يكون لديك‬
‫ال مال وال عمل وال راتب شهري‪ ..‬أنا اعتقد ان هذا هو احلل األمثل‪ ..‬دعنا‬
‫نرى ماذا يريدان‪ ..‬واحتياجنا للامل حيتم علينا ان نتحملهم بأسلوهبم الغريب‬
‫وشكلهم االجرامي هذا‪..‬‬
‫بدأ عالء يلني ويقتنع‪ ..‬وأشار اليهام أن يأتيا‪..‬‬
‫حرض الرجالن إىل طاولة عالء ومروة ‪ ..‬وبدأ أحدهم الكالم‪ ..‬انه‬
‫سوف يدخل يف املوضوع مبارشة بدون عمل مقدمات أو حماولة تزويق كالمه‬
‫او تنميقه‪..‬‬
‫ِ‬
‫وأنت يا ست‪ ..‬كل املطلوب منكام أن تعمال ديليفري‬ ‫"شوف يا عالء‬
‫مثل تلك املطاعم الشهرية فنحن نقوم بتوصيل الطلبات‪ ..‬ولكام أجر جمزي‪..‬‬

‫‪186‬‬
‫كثريا لكن مع الوقت سوف تكونان من األغنياء‪..‬‬
‫صحيح يف البداية لن يكون ً‬
‫وكلام زاد اخالصكام واتقانكام العمل وبحرص شديد وعدم الكالم فيه مع‬
‫أحد‪ ..‬زادت مكانتكام وزاد أجركام»‪..‬‬
‫أهم يشء يف عملنا هذا وقبل رشح املطلوب منكام‪ ..‬هي الرسية‪ ..‬فال‬
‫تتكلم مع أحد عن هذا العمل وال أقرب الناس إليك‪ ..‬وإذا اكتشفنا خمالفتكام‬
‫هلذا األمر وحدث أن حتدث أيا منكام وأباح رسنا‪ ..‬فسوف تعاقبون عقا ًبا ال‬
‫ينفع معه ند ًما‪..‬‬
‫ازداد اضطراب عالء وخوفه‪ ..‬وهم واق ًفا ً‬
‫قائل‪ ..‬إذا بدأت كالمك‬
‫بالتهديد فبالتأكيد القادم أســوأ‪ ..‬وأنا ال أحب وال أعرف العمل حتت‬
‫التهديد‪ ..‬ضحك الرجل‪ ..‬وجذب عالء من يديه اقعده عىل املقعد وقال‪« :‬إنه‬
‫ليس هتديدً ا ولكننا نرسى قواعد للعمل من البداية كي ال تدعي إنك كنت ال‬
‫تعلم أو أن أحدً ا مل خيربك‪ ..‬اتفقنا؟!»‪ ..‬أريد أن أسمع‪..‬‬
‫أومأ عالء وأومأت مروة باملوافقة‪ ..‬فقالت مروة «ممكن إذن تدخل يف‬
‫صلب املوضوع وترشح طبيعة العمل‪ ..‬فأي ديليفري هذا الذي حيتاج إىل‬
‫رسية تامة»‪..‬‬
‫أجاب الرجل‪ ..‬خطيبتك واعية وناصحة يا عالء‪ ..‬لكن هي هلا كل‬
‫احلق‪ ..‬عمو ًما اسمعا يل جيدً ا وتلفت الرجل حوله ومل تكن الطاوالت‬
‫املجاورة هلم مشغولة كانت مجيعها خاوية من أي زبائن‪ ..‬فشعر باالطمئنان انه‬
‫يستطيع أن يتحدث بحرية‪ ..‬العمل هو بشكل رصيح وبدون مراوغة‪ ..‬توزيع‬
‫كوكايني عىل زبائننا واكثرهم طلبة اجلامعة‪..‬‬

‫‪187‬‬
‫أوشك عالء عىل االهنيار ووضع يده عىل فمه ليكتم رصخته‪ ..‬والغريب‬
‫أن مروة مل تنزعج وأهنا هي من حاولت هتدئته‪ ..‬وربتت عىل كتفه واجلسته‬
‫عىل املقعد وقالت‪ ..‬أمل تتوقع ذلك‪ ..‬أنا توقعت‪ ..‬فهذا واضح وجيل‪ ..‬ماذا‬
‫تنتظر بعد كل ما سمعت منه‪ ..‬ماذا ختيلت عن الديليفري‪ ..‬يكون بيتزا أو‬
‫بريجر‪ ..‬أكيد هناك أعامل خمالفة للقانون‪ ..‬اهدأ فنحن نقدر عىل ذلك ونكن يف‬
‫أمان وجني األموال‪ ..‬وتستطيع أن تستغني عن أموال أرستك وتكون حر يف‬
‫مجيع قراراتك‪ ..‬أنا موافقة‪ ..‬دعنا نجرب ولن نخرس يشء‪..‬‬
‫رفع الرجل يده يف وجه مروة ً‬
‫قائل‪ ..‬ليس هناك جمال للتجربة بعد‬
‫ان أفصحت لكام عن طبيعة العمل‪ ..‬إذن أنتام معنا وال جمال للرتاجع وما‬
‫عليكام إال السمع والطاعة والفهم جيدً ا والتنفيذ‪ ..‬واضح‪ ..‬ثم بدأ يرشح‬
‫قريبا سوف يتم التعارف مع بعض‬
‫هلام خطوات العمل بكل تفاصيلها وأن ً‬
‫االشخاص الذين يقومون بتدريبهم واإلجابة عىل ّأية تساؤالت لدهيم‪ ..‬ثم‬
‫أضاف‪ ..‬واآلن بدأ عملكام وبالتايل بدأت احلصول عىل األموال فلسوف أقوم‬
‫بدفع أجر هذا الفندق ملدة شهر إىل أن تستطيعا تدبري أموركام واالنتقال لشقة‬
‫خاصة بكام‪..‬‬
‫استمرت هذه اجللسة حوايل ثالث ساعات ختللها رشح من الرجل إىل‬
‫هم واق ًفا هو وزميله‬
‫عالء ومروة والرد عىل عرشات األسئلة منهام‪ ..‬وبعدها َّ‬
‫كثريا‪ ..‬القيا عليهام التحية وانرصفا‪..‬‬
‫الذي ال يتحدث ً‬
‫بعدها قالت مروة لعالء اهنا حتتاج إىل هواء نقي‪ ..‬دعنا نخرج لنتمشى‬
‫بالقرب من كورنيش النيل ونكمل حديثنا‪..‬‬

‫‪188‬‬
‫بدأ عالء ومــروة خطواهتام األوىل يف عامل التجارة غري املرشوعة‬
‫«املخدرات»‪ ..‬دفعت اطامع وتطلعات مروة عالء إىل طريق ال يؤدي إال إىل‬
‫هالك‪ ..‬وضعف شخصية عالء وعدم قدرته عىل أن يقول «ال» للخطأ إال أن‬
‫تابعا بال رأي يلهث وراء طموح مروة اهلالك‪ ..‬ونيس ما كان يسمعه‬
‫يكون ً‬
‫ً‬
‫دائم من رشيف صديقه السابق أنه «ال يصح إال الصحيح»‪..‬‬
‫أما عن رشيف فكان يقيض أمجل وأسعد أيامه مع مايا‪ ..‬يقيض الصباح يف‬
‫حمارضاته حيث تبقى بضعة أشهر عىل خترجه‪ ..‬ويف املساء بأكمله مع مايا‪ ..‬إما‬
‫خيرجان سو ًيا أو يكون معها يف املكتب اهلنديس وهي تعمل‪ ..‬فكل من يعمل‬
‫يف املكتب مع مايا أصبح صديقًا لرشيف وأحبه اجلميع‪..‬‬
‫أما مايا فتامثلت للشفاء متا ًما وعادت كام كانت وأحبت رشيف آالف‬
‫املرات عن ذي قبل‪ ..‬وبدأ رشيف يراسل بعض رشكات املالحة‪ ..‬حيث أنه‬
‫اقرتب من خترجه من األكاديمية البحرية وإنه جاهز للعمل كضابط بحري‪..‬‬
‫كانت جمرد مراسالت جلس نبض سوق العمل‪ ..‬وكان تركيزه عىل سوق‬
‫العمل األوروبية كي يبدأ حياته مع مايا يف بلد خمتلف‪ ..‬خو ًفا عليها من أي‬
‫انتكاسة‪..‬‬
‫ً‬
‫ضخم يف إمتام‬ ‫اقرتب موعد زفاف نورا عىل ماجد وقد بذلت نورا جمهو ًدا‬
‫وانجاز أشياء كثرية إلمتام الزفاف يف غضون الشهور الثالثة‪ ..‬وقت قصري‬
‫للغاية فاجلميع حوهلا غري مصدق إهنا استطاعت عمل كل هذا بنفسها يف تلك‬
‫ً‬
‫مذهول من نشاطها غري العادي وماجد‬ ‫الفرتة الزمنية‪ ..‬حتى ماجد نفسه كان‬
‫ً‬
‫أيضا كان يبذل جمهو ًدا غري عادي يف أداءه للتمرينات العضلية والتزامه بنظام‬

‫‪189‬‬
‫غذائي خاص‪ ..‬فكان يرتك البيت طيلة اليوم‪ ..‬مما زاد غضب والدته احلاجة‬
‫نعامت عليه‪ ..‬وكل فرتة هتدده إنه إذا استمر يف انشغاله وامهاله هلا‪ ..‬فلن حترض‬
‫حفل زفافه‪ ..‬ولن يعيش وعروسه معها يف بيتها‪ ..‬فكان ماجد يتبع نفس‬
‫أسلوبه‪ ..‬أسلوب الرشوة‪ ..‬فيشرتي هلا كل ما حتبه من طعام وأنواع املكرسات‬
‫املختلفة‪ ..‬فتقوم بالدعاء له لعدة أيام إىل أن يتالشى تأثري الطعام واملكرسات‪..‬‬
‫وتبدأ مرحلة جديدة من السباب والتوبيخ واللوم‪ ..‬وهكذا هي حياة ماجد مع‬
‫احلاجة نعامت والدته‪ ..‬هو فهمها وهي تفهمه جيدً ا‪ ..‬ولكن حتى هذه اللحظة‬
‫وهو يرى نورا تتحرك يف كل االجتاهات إلمتام مرشوع زفافها‪ ..‬مل يصارحها‬
‫بطبيعة شخصية والدته ونوع العالقة بينهام‪ ..‬وما هي مقدمة عليها‪..‬‬
‫هكذا كان حيبها لكن ليس بالشكل الكايف الذي يوفر هلا األمان والعدل‬
‫واحلامية‪ ..‬فلم يكن لدى نورا أدنى فكرة عىل ما هي مقدمة عليه وأهنا تبدأ‬
‫عهدا من التعاسة والشقاء مل تكن تتخيله وال أكثر املتشائمني يتوقعه‪..‬‬
‫مايا منكفئة عىل طاولة الرسم اهلنديس‪ ..‬منشغلة بعمل رسم وتصميم‬
‫ديكور إلحدى الڤلل‪ ..‬فإذا برئيس القسم اهلنديس يف املكتب حيادثها تليفونيا‬
‫ويسأل كيف تسري األمور‪ ..‬وبعدها أخربها أن العميل صاحب الڤيال التي‬
‫تقوم مايا بتصميامهتا له طلب يف التصميم‪ ..‬فهو يريد إضافة بعض األحجار‬
‫عند مدخل باب الڤيال ما أن اهنت مايا املكاملة‪ ..‬ومل تتاملك نفسها‪ ..‬ذهب هبا‬
‫خياهلا إىل ما مر هبا منذ بضعة شهور‪ ..‬ما أشبه اليوم بالبارحة‪ ..‬جال بخياهلا كل‬
‫ما حدث هلا يف تلك الليلة املشئوم‪ ..‬يف تلك الڤيال‪ ..‬وهي هي نفس القصة‪..‬‬
‫األحجار عند مدخل باب الڤيال‪ ..‬فرج‪ ..‬االسطى املجرم فرج‪ ..‬والدخان‬

‫‪190‬‬
‫ذو الرائحة الغريبة وقباحة ودمامة وجهه‪ ..‬عيناه احلمراوان‪ ..‬سلم الڤيال‪..‬‬
‫مغشيا عليها‪..‬‬
‫ً‬ ‫وفجأة اهنارت مايا يف البكاء‪ ..‬إىل أن سقطت‬
‫هرع رشيف إىل بيتها بعد تلقيه مكاملة من د‪ .‬كامل والد مايا خطيبته‪..‬‬
‫حبيبته ‪..‬وهناك كان نفس الطبيب النفيس القائم عىل عالجها‪ ..‬وأخذ يسأهلم‬
‫أن حتدث معها أحدً ا فيام حدث هلا باملايض‪..‬؟ اجابوا بالنفي وأهنم حذرين أال‬
‫مجيعا قد نسوا ما قد حدث‪ ..‬فقال‬
‫يتحدث معها أحد يف هذا األمر لدرجة إهنم ً‬
‫الطبيب أن هذه االنتكاسة بسبب استثارة تعرضت هلا مايا‪ ..‬سواء بالسمع أو‬
‫البرص‪ ..‬فإما إهنا رأت ً‬
‫رجل شبيه يف الشكل من هذا املجرم فرج أو أن أحدً ا يف‬
‫املكتب تكلم معها يف مثل هذا األمر‪.‬‬
‫ً‬
‫اتصال بأحد زمالئها باملكتب‪ ..‬فجاءته‬ ‫التقط د‪ .‬كامل هاتفه وأجرى‬
‫اإلجابة ان كل يشء كان يسري بصورة جيدة وطبيعية‪ ..‬ولكن قبل إغامء مايا‪..‬‬
‫جاءهتا مكاملة من رئيس القسم‪ ..‬فطلب د‪ .‬كامل أن حيصل عىل رقم هاتف‬
‫رئيس القسم وما ان حادثه د‪ .‬كامل‪ ..‬أخربه منه أن الطبيب النفيس موجو ًدا‬
‫معهم ويريد التحدث معه‪ ..‬وبعد إهناء مكاملة الطبيب مع رئيس القسم‬
‫اهلنديس‪ ..‬أخربهم الطبيب أن الصورة قد اتضحت‪ ..‬لقد ذكّ رها املهندس‬
‫رئيس القسم بدون قصد‪ ..‬بام حدث هلا يف تلك الليلة حيث حتدث عن بعض‬
‫األمور اخلاصة بالتصميم مشاهبة متا ًما ملا كانت تقوم به مايا من أعامل يف تلك‬
‫الليلة‪ ..‬فأعادت عليها رشيط وتفاصيل كل ما حدث‪ ..‬وبالتأكيد ختيلته وكأنه‬
‫حيدث أمامها‪ ..‬فلم يتحمل عقلها ان يمر هبذه األحداث مرة أخرى لذلك كان‬
‫االغالق للوظائف أو اإلغامء هو احلل للهرب من تلك اخلياالت والذكريات‬

‫‪191‬‬
‫األليمة‪ ..‬كان هذا تفسري منطقي ملا حدث ملايا‪ ..‬وبدأ الطبيب عىل اعطاءها‬
‫بعض املهدئات ألنه توقع أن ربام تستيقظ عىل رصاخ شديد كام حدث هلا بعد‬
‫احلادثة مبارشة‪..‬‬
‫بدأ احلزن خييم عىل اجلميع‪ ..‬رشيف و د‪ .‬كامل وبعض األصدقاء فطلب‬
‫رشيف ان خيتيل بالدكتور كامل يف إحدى الغرف للحديث معه‪..‬‬
‫بدأ رشيف كالمه «أنه حيب مايا أكثر من نفسه و أكثر من أي يشء‬
‫قريبا جدً ا‪ ..‬وأنه يري أن يعجل‬
‫يف احلياة وأنه سوف يتخرج ويتم دراساته ً‬
‫بالزواج من مايا وأن يكون زفافهام بعد التخرج مبارشة‪ ..‬ألنه ال يستطيع أن‬
‫يوميا يف املساء‪ ..‬كان هذا الرأي‬
‫يرتكها لبعض الوقت حتى لو كانا يتقابالن ً‬
‫موافقًا متا ًما ملا يراه د‪ .‬كامل وأنه األفضل ملايا ‪..‬ملا يعلم كم هي حتب رشيف‬
‫لدرجة اجلنون‪ ..‬فأجابه إنه يرحب للغاية وأنه حيب رشيف مثل ابنه ولن ينسى‬
‫له موقفه الشجاع يف أصعب الظروف وبعد حادث مايا‪ ..‬طلب يدها للزواج‬
‫ومتت خطبتها وهي مازالت يف حالة إغامء يف املشفى‪ ..‬فهذا الترصف ال خيرج‬
‫إال عن نبيل ابن نبيل لكن د‪ .‬كامل طلب من رشيف قبل احلديث يف أي يشء‬
‫أن يستشري رأي الطبيب النفيس إن كان التعجل بالزواج والزفاف يف مصلحة‬
‫مايا أم ضدها وبالتأكيد وافق رشيف وكله أمل أن يكون هذا يف مصلحتها‬
‫ويعجل بشفائها وتنسى متا ًما ما مرت به وأن يبدآ حياة جديدة بال آالم أو‬
‫ذكريات موجعة ‪..‬كان رشيف ال يكل وال يمل من التقدم للوظائف وإرسال‬
‫كل ما لديه من مستندات إلجياد عمل‪ ..‬وكان يكتب هلم أن مجيع أوراقه كاملة‬
‫تقريبا‪..‬‬
‫ً‬ ‫ما عدا شهادة التخرج التي سوف حيصل عليها بعد شهرين‬

‫‪192‬‬
‫أخرب الطبيب النفيس د‪ .‬كامل والد مايا ان فكرة الزواج من رشيف‪..‬‬
‫فكرة جيدة للغاية وسوف تبعد مايا عن أي مثريات تؤدي إىل انتكاستها مرة‬
‫أخرى‪ ..‬فهو مرحب بالفكرة متا ًما‪..‬‬
‫ارتاح قلب د‪ .‬كامل ملا سمعه من الطبيب وأصبح اجلميع موحدين يف‬
‫رؤيتهم لألمور وما ينقصهم إال توفيق اخلالق عز وجل‪..‬‬
‫اقرتب موعد زفاف نورا وماجد وأصبحا عىل بعد أيام قالئل قبل أن‬
‫ينطلقا يف رحلة الطموح والنجومية ملاجد وبصحبة رشيكته نورا‪ ..‬كثف‬
‫ماجد من تدريباته اكثر وأكثر وكان يقوم بتنفيذ مجيع تعليامت مدربه وكذلك‬
‫النصائح اخلاصة بالتغذية واإلكثار من الربوتينات وأتم إداري النادي مجيع‬
‫تقريبا‪..‬‬
‫ً‬ ‫إجراءات السفر‪ ..‬وكان الرتتيب عىل أن السفر بعد الزفاف بأسبوع‬
‫طلب العميد فؤاد والد نورا أن جيلس معها عىل انفراد قبل الزفاف بيوم‬
‫واحد حيث أصبح كل يشء معد وجاهز‪..‬‬
‫جلس العميد فؤاد بجوار نورا وحتدث قائال‪ ..‬نورا ِ‬
‫أنت ابنتي الوحيدة‪..‬‬
‫اجلميلة‪ ..‬باقي يوم واحد عىل زفافك‪ ..‬فغدً ا احلفلة‪ ..‬الفرح‪ ..‬الليلة الكبرية‪..‬‬
‫وأنا كأب مسئول حيب ابنته يل ان أسألك مرة أخرية قبل أن أسلمك بيدي‬
‫أنت واثقة من اختيارك‪ ..‬هل ِ‬
‫أنت راضية عن تضحياتك وما‬ ‫لزوجك‪ ..‬هل ِ‬
‫قدمتيه من تنازالت‪ ..‬يا نورا مازال الوقت يف صاحلنا حتى ولو قبل الفرح‬
‫بدقيقة إذا أردت الرتاجع‪ ..‬فأنا كفيل بالتصدي لكل هذه الرتتيبات وإلغاءها‬
‫مهام كانت التكلفة يا نورا‪ ..‬أنا قلبي غري ٍ‬
‫راض عام حيدث‪ ..‬وعقيل وخربيت‬
‫يف احلياة ترى ظال ًما قاد ًما‪ ..‬اشم رائحة مشاكل ومتاعب وتعاسة تلوح يف‬
‫األفق‪..‬‬

‫‪193‬‬
‫نظرت إليه نورا وبدأت الدموع تنهمر من عينيها‪ ..‬يا أيب‪ ..‬كنت أمتنى ان‬
‫دائم أصدقك وأعلم ً‬
‫دائم‬ ‫أراك سعيدً ا كام أنا سعيدة‪ ..‬أنا ً‬
‫وبالتجربة ان توقعاتك يا أيب ً‬
‫دائم صائبة‪ ..‬لكن هذه املرة‪ ..‬اسمح يل‬
‫أن استمر فأنا أشعر بسعادة كبرية وأين سوف أكون أسعد زوجة‪ ..‬ماجد‬
‫ً‬
‫ودائم أسمع منه حلو الكالم‪ ..‬وأنه وعدين أين سوف أكون ملكة‬ ‫إنسان طيب‬
‫متوجة يف بيت والدته‪ ..‬وأنني حمط اهتاممه‪ ..‬ومصدر سعادته وأن طموحاته‬
‫يف البطوالت الرياضية لن تتحقق بدوين‪..‬‬
‫دعني اجرب يا أيب‪ ..‬وأدعو يل أن يتم اهلل عىل زواجي عىل خري وأن‬
‫يمنحنا اهلل السعادة والربكة والسعة يف الرزق‪ ..‬ويرزقنا باألطفال والذرية‬
‫الصاحلة‪..‬‬
‫تم الزفاف‪ ..‬ونورا عروس وال أمجل‪ ..‬وحفل الزفاف‪ ..‬راقي‪ ..‬هادئ‪..‬‬
‫شيك‪ ..‬رقيق‪ ..‬منظم‪ ..‬كل يشء كان رائع‪ ..‬حتى احلاجة نعامت كانت يف‬
‫سعادة غامرة‪ ..‬حيث كانت طاوالت الطعام مليئة بخريات اهلل من كل ما لذ‬
‫وطاب‪ ..‬وكان اجلميع يقول إهنا ليلة من ألف ليلة‪..‬‬
‫سافرت نورا وماجد لقضاء أسبوع العسل يف أحد املنتجعات القريبة‬
‫من القاهرة وباقي عىل سفر ماجد إىل كييف بأوكرانيا عرشة أيام‪ ..‬أسبوع‬
‫لقضاء شهر العسل وثالثة أيام يف التمرينات إلزالة آثار الطعام والوزن الزائد‬
‫والتخلص من الدهون‪..‬‬
‫غضبا‪ ..‬ملاذا تركوها وحدها‬
‫يف ذلك األسبوع كانت احلاجة نعامت تشيط ً‬
‫ملدة سبعة أيام كاملة‪ ..‬ملاذا ال يقضون شهر عسلهم هذا هنا يف البيت كي هيتموا‬

‫‪194‬‬
‫يب‪ ..‬أين زوجة ابني اآلن‪ ..‬هتنأ وتنعم ويقوم عىل خدمتها العاملني بالفندق‬
‫وأنا هنا وحدي ال أجد من يقدم يل شي ًئا وال كو ًبا من املاء ملاذا مل يأخذونني‬
‫معهم إىل الفندق‪ ..‬ماجد مل يعد ابني لقد أصبح زوج نورا‪ ..‬زوج الست‪ ..‬زوج‬
‫اهلانم‪ ..‬وأنا أظل بال أنيس بال ابن وزوجة ابن‪ ..‬من يساعدين أو جيالسني‪..‬‬
‫هذا االبن العاق وتلك الزوجة اللئيمة‪ ..‬لقد قطع يل وعدً ا أنه إذا تزوج فسوف‬
‫يأيت بزوجته للعيش هنا خلدمتي‪ ..‬لتسهر عىل راحتي‪ ..‬وتستعطفني وتتمنى‬
‫أن أرىض عنها‪..‬‬
‫ِ‬
‫وأعطه نقو ًدا وهو بالتايل‬ ‫هكذا كان دو ًما خيربين أن أساعده يف زواجه‬
‫يضمن يل العيش اهلانئ‪ ..‬واآلن يبدأ حياته بخداعي‪ ..‬يذهب بعيدً ا ملدة سبعة‬
‫أيام كاملة‪ ..‬واألكثر من هذا أن هاتفه وهاتفها مغلقان‪!!..‬‬
‫***‬

‫‪195‬‬
‫بدأت مروة أوىل خطواهتا يف عاملها اجلديد‪ ..‬واملجهول‪ ..‬ألتزمت بام قيل‬
‫هلا من تعليامت‪ ..‬وأول هذه التعليامت هو الفصل يف العمل بني مروة وعالء‬
‫فكل منهام سوف يعمل بمفرده ويتلقى تعليامت ختص عمله وحده واألماكن‬
‫التي سوف ينقل إليها لفافات املخدرات‪ ..‬وكل التفاصيل اخلاصة بذلك‪..‬‬
‫حتمست مروة للعمل وظنت إنه عمل تافه ومن سهولته إهنا كانت تطلب‬
‫املزيد لتقوم بنقله وكانت تدون كل األماكن التي تذهب إليها باجلرعات لتقوم‬
‫بحساب راتبها حيث هم أبلغوها أن لكل نقلة مبلغً ا ً‬
‫كبريا من املال وإذا احرضت هلم‬
‫زبائن فلها مبالغ إضافية وغري مسموح هلا التحدث مع عالء خطيبها عن األماكن‬
‫واألشخاص الذين تذهب إليهم‪ ..‬وهو كذلك‪ ..‬وشي ًئا فشي ًئا أصبح لدي مروة‬
‫وعالء مبالغ كبرية من املال‪ ..‬اتفقا عىل الزواج ورشاء شقة‪ ..‬وبالفعل ذهب عالء‬
‫إىل العم زكريا إلقناعه بقبوله من دون وجود أهله معه‪ ..‬حيث طاملا رفض زكريا أن‬
‫يزوج ابنته لرجل عىل قطيعة مع أهله وحتديدً ا األم حيث هي غاضبة عليه‪..‬‬
‫ولكن بعد اإلحلاح الشديد من عالء ومروة اضطر العم زكريا للموافقة‬
‫أخريا وعىل مضض‪ ..‬وبالفعل قاما برشاء شقة وأرشفا عىل تأثيثها واتفقا عىل‬
‫ً‬
‫حتديد موعد الزفاف بعد شهر‪..‬‬
‫***‬

‫‪196‬‬
‫أهنى رشيف آخر أيام االختبارات النهائية للسنة النهائية وأصبح عىل بعد‬
‫أيام قالئل عىل خترجه‪ ..‬ويف هذا اليوم حتديدا تلقى خطا ًبا من رشكة مالحة‬
‫إيطالية وحمدد به موعد للمقابلة الشخصية وعليه أن يستعد بجميع أوراقه‪..‬‬
‫واملؤجل منها‪ ..‬يمكن تقديمه بعد أن جيتاز االختبارات واملقابلة الشخصية‬
‫وأن هذه الرشكة مقرها الرئييس مدينة جنوة اإليطالية‪..‬‬
‫علميا وشخصيا هلذه‬
‫ً‬ ‫وبالفعل توجه رشيف وكان عىل أتم استعداد‬
‫املقابلة فهي تعد فرصته األويل يف عامل العمل كضابط بحري جتارى‪..‬‬
‫تليفونيا بعد أن أهنى املقابلة وأخربها اهنم سريسلون إليه‬
‫ً‬ ‫هاتف مايا‬
‫إذا وقع اختيارهم عليه‪ ..‬وتواعدا عىل اللقاء للتنزه يف أحد احلدائق وبعدها‬
‫تناول بعض الفطائر ثم التوجه لرشب القهوة املعتادة يف مكاهنم املفضل «البن‬
‫الربازييل» بمحطة الرمل‪..‬‬
‫إلكرتونيا انه تم اختياره للعمل لدي رشكة‬
‫ً‬ ‫ويف الصباح تلقى رشيف بريدً ا‬
‫املالحة اإليطالية‪ ..‬وعليه امتام إجراءاته لالستعداد للسفر يف أقرب وقت وأنه‬
‫عليه التوجه إىل مقر الرشكة الفرعي باإلسكندرية للتوقيع عىل العقود ومعرفة‬
‫كافة التفاصيل‪ ..‬وفور انتهائه من قراءه الربيد حادث مايا انه يريد مقابلتها‬
‫ألمر يف غاية األمهية‪ً ..‬‬
‫وفعل التقيا واصطحبها معه إىل مقر الرشكة حيث وقع‬

‫‪197‬‬
‫عىل العقود وأخربهم إنه سيتزوج وبعدها يكون جاهز للسفر ومعه زوجته‬
‫معا وجتهيز مكان‬
‫بصحبته حيث يتعني عىل الرشكة امتام إجراءات التأشرية هلام ً‬
‫اقامة هلام‪..‬‬
‫ثم هاتف رشيف الذي كان يشعر انه كفراشة تلتصق بنور مايا ودفئها‬
‫وحناهنا‪ ..‬هاتف اباه سيادة العميد فؤاد أن حيرض لإلسكندرية لالتفاق عىل‬
‫كل التفاصيل مع والد مايا بشكل رسمي وعائيل‪..‬‬
‫فرح األب بشدة حيث انه كان حيب مايا بشدة وحيب أباها‪ً ..‬‬
‫ودائم ما كان‬
‫حيث رشيف عىل االهتامم باميا وإحسان املعاملة هلا‪..‬‬
‫تعمد رشيف عندما كان يراسل رشكات املالحة أن خيتار الرشكات‬
‫األجنبية ويبتعد عن الرشكات املرصية ألنه كان يفضل أن تكون السنوات‬
‫األوىل لزواجه باميا أن تبدأ خارج مرص‪ ..‬وأن الرشكات األجنبية سوف توفر‬
‫له ذلك أن يقيم يف تلك البلد‪ ..‬كان خوفه عىل مايا أن حتتك باملجتمع‪ ..‬ربام‬
‫تصادف أحدً ا يشبه يف الشكل ذاك املجرم «فرج» أو ان متر من أمام الڤيال التي‬
‫حدثت بداخلها تلك الواقعة‪ ..‬لذلك هو آثر أن تكون البداية والسنوات‬
‫األوىل يف دولة أخرى‪ ..‬وهذا متا ًما ما قام رشيف برشحة لوالد مايا عندما ذهب‬
‫بصحبة أباه سيادة العميد لالتفاق عىل كتب الكتاب والزفاف‪ ..‬حيث كانت‬
‫مايا منشغلة يف إعداد بعض احللوى هلم‪..‬‬
‫فرح د‪ .‬كامل بام سمعه من رشيف وأن السفر يصب يف مصلحة مايا‬
‫متا ًما وبقدر فرحه عىل اهتامم ورعاية رشيف ملايا‪ ..‬بقدر حزنه عىل فراق مايا‬
‫وسفرها بعيدً ا عنه‪ ..‬فلقد تعود أن يراها كل يوم ويف اليوم أكثر من مرة‪ ..‬وأهنام‬

‫‪198‬‬
‫كانا يقومان بكل يشء سو ًيا‪ ..‬فلم يبق هلم إال بعض كام يقولون‪ ..‬وذلك بعد‬
‫وفاة والدهتا قبل التحاقها باجلامعة‪..‬‬
‫جلسا مايا ورشيف إلعداد قائمة باملدعوين حلفل الزفاف من األقارب‬
‫واألصدقاء‪ ..‬فحمل كل منهام ورقة ً‬
‫وقلم‪ ..‬يكتبان من يرغبون يف دعوته‬
‫ً‬
‫وبعضا من األصدقاء‬ ‫للحفل‪ ..‬كتب رشيف ً‬
‫بعضا من أصدقاء الدراسة املقربني‬
‫القدامى وعندما جاء ذكر عالء صديقه القديم يف رأسه‪ ..‬فإذا به يشعر بغصة يف‬
‫حلقه وعدم الراحة لدعوته‪ ..‬فقام بشطب اسم عالء من قائمة املدعوين فهو‬
‫ال يعلم أي يشء عن عالء بعد ما كان بينهام يف الفرتة املاضية من جلوء عالء اليه‬
‫ليخلصه من غضب اباه بكذبة‪ ..‬ورفض رشيف القيام هبذا الدور والكذب‬
‫من اجله‪ ..‬هذا آخر عهده بعالء فال يعلم ما مر به بعدها ومل يكن اطالقا يتوقع‬
‫صغريا للمخدرات وأن رشيكة‬
‫ً‬ ‫ان يكون عالء قد خط اويل خطواته كتاجر‬
‫حياته القادمة هي رشيكته يف تلك التجارة املحرمة‪ ..‬والسم الذي يؤذي به هذا‬
‫الشعب الطيب‪ ..‬شطب عالء من القائمة‪ ...‬احتلت مروة وبعدها عالء مكانة‬
‫كبرية يف شبكة توزيع املخدرات وأصبح هلام اسام معرو ًفا لدى مجيع أعضاء‬
‫الشبكة‪ ..‬فعرفت «مروة» باسم «اهلانم» وعالء باسم «الربنس» وصار للهانم‬
‫والربنس مساعدين أو «صبيان» كام كان ينادوهنم للعمل حتت أمرهتم وتلقى‬
‫األوامر‪..‬‬
‫وصل اسم اهلانم والربنس إىل مسامع أفراد مكتب مكافحة املخدرات‪..‬‬
‫وبدأ رجال مباحث املخدرات عملهم جلمع معلومات عن اهلانم والربنس‪..‬‬
‫من مها وما هي أسامءهم احلقيقة وأي معلومات تفيد البحث‪ ..‬وأهم سؤال‬

‫‪199‬‬
‫هو‪ ..‬مع من يعملون ومن هم أفراد الشبكة والصبيان الذين يعملون حتت‬
‫أمرهم‪ ..‬وكان هذا بالطبع حيدث يف رسية شديدة‪..‬‬
‫آخر يوم يف أسبوع العسل‪ ..‬نورا وماجد يف غاية السعادة‪ ..‬قررت نورا‬
‫تقريبا لالطمئنان عىل مجيع األهل‬
‫أن تقوم بتشغيل هاتفها ألول مرة منذ اسبوع ً‬
‫واألصدقاء والرد عىل الرسائل‪ ..‬وقام ماجد ً‬
‫أيضا بفتح هاتفه ليجد عرشات‬
‫الرسائل من اصدقاءه ومدرب وإداري النادي ونحو أكثر من مائة رسالة‬
‫وتأنيبا عىل إمهاله هلا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫توبيخا‬ ‫صوتية من احلاجة نعامت والدته‪ ..‬ليس هبا إال‬
‫والسفر بدوهنا وإغالق هاتفه‪ ..‬وكم هو ابن عاق وشعورها بالندم عىل إنجابه‬
‫ورعايته إىل أن أصبح ً‬
‫رجل مثل «البغل» عىل حد تعبريها‪..‬‬
‫قام ماجد بإلغاء مجيع الرسائل الصادرة من والدته خو ًفا من ان تصل إىل‬
‫ً‬
‫ومتوسل هلا أن تنسى له‬ ‫معتذرا‬
‫ً‬ ‫تليفونيا‬
‫ً‬ ‫مسامع نورا‪ ..‬ثم قام باالتصال هبا‬
‫إغالق هاتفه حيث وجوده يف شهر العسل ال يستطيع معه الرد عىل مكاملات‬
‫وخالفه‪ ..‬وحاول بشتى الطرق تقديم الوعود إنه سوف يعود بعد يوم واحد‬
‫وهيتم هبا كل االهتامم وايضا معه زوجته نورا لتقوم عىل راحتها وتقديم كل‬
‫املساعدة هلا‪ ..‬نجح ماجد يف إمخاد ثورة والدته واتفقا عىل أن تزيد صربها عليه‬
‫يو ًما آخر‪ ..‬وبعدها سوف ترى شي ًئا آخر منه ومن نورا‪..‬‬
‫***‬

‫‪200‬‬
‫بدأت مروة وعالء يف التخطيط لعمل ساتر ألشغاهلم‪ ..‬فقد تضخمت‬
‫ثروهتام وأصبح الرقم يف البنك كبري‪ ..‬وخشيا أن يفتضح أمرمها‪ ..‬ويطبق عليهام‬
‫متجرا للمالبس اجلاهزة‪ ..‬حيث‬
‫ً‬ ‫قانون «من أين لك هذا»؟‪ ..‬ففكرا يف رشاء‬
‫كان لدي عالء خربة كبري يف هذا املجال كي ال تثار الشكوك حوهلام‪ ..‬وأن هذا‬
‫املتجر سوف يساعدمها عىل جلب شحنات من املخدرات من خارج البالد‪..‬‬
‫وعن طريق أوراق استرياد املالبس اجلاهزة يمكن ً‬
‫أيضا مترير بعض األكياس‬
‫الصغرية من الكوكايني‪ ..‬ثم طرأت لعالء فكرة أهنام يمكنهام االستعانة بالعم‬
‫زكريا دون أن يدري فهو سائق حافالت برشكة مرص للطريان‪ ..‬فدخوله‬
‫وخروجه من املطار أمر يومي يقوم به منذ أكثر من ربع قرن وهو معروف‬
‫لدي سلطات املطار‪ ..‬سمعته طيبة وال خيضع للتفتيش الدقيق مثل الراكب أو‬
‫املسافر العادي‪ ..‬استمعت مروة إليه‪ ،‬ومل تعرتض بل عىل العكس شعرت أن‬
‫ً‬
‫خمططا جيدً ا يف أساليب التخفي‬ ‫مستوى ذكاء عالء ارتفع للغاية وأنه أصبح‬
‫والبعد عن إثارة الشبهات‪..‬‬

‫وبالفعل كانت تصل بعض الشحنات مع أحد الركاب وكانت مروة‬


‫تطلب من والدها مقابلة املسافر القادم من بريوت او الدار البيضاء فيأخذ‬

‫‪201‬‬
‫منه حقيبة يد صغرية ظانًا ان هبا بعض األدوات واإلكسسوار اخلاص بصناعة‬
‫املالبس‪..‬‬
‫وبالفعل يوجد داخل احلقيبة اكياس من األزرار أو بعض من اخليوط‬
‫املميزة حلياكة املالبس‪ ..‬لكن ً‬
‫دائم تكون للحقيبة أماكن رسية خمبأ هبا‬
‫املخدرات‪ ..‬وهذا املسكني‪ ..‬األب املخدوع‪ ..‬عم زكريا‪ ..‬حيمل احلقيبة بكل‬
‫مهة وإخالص وأمانة ظانًا منه أنه يقدم املساعدة إىل مروة وزوجها عالء يف‬
‫نجاح مرشوعهام‪ ..‬متجر املالبس ومل خيلد إىل ذهنه ولو للحظة أن ما حيمله يف‬
‫يده يقدر بماليني اجلنيهات ويف الوقت ذاته يدمر عقول وصحة عرشات بل‬
‫مئات من الشباب ومل يتبادر إىل ذهنه اطال ًقا ان ابنته‪ ..‬قطعة منه‪ ..‬من حتمل‬
‫اسمه‪ ..‬هي من تعرضه للخطر و هي التي تسخر منه وجتعله حيمل السم يف‬
‫صورة ادوات حياكة‪ ..‬وأن عقابه إذا ُعرف ما بداخل احلقيبة لسوف يكون‬
‫السجن املؤبد وربام اإلعدام‪..‬‬
‫هل تدرك مروة هذه احلقيقة أن اباها‪ ..‬عم زكريا‪ ..‬إذا ُاكتشفت أمره فلن‬
‫يكون يف تلك الساعة‪ ..‬عم زكريا‪ ..‬أباها الطيب احلنون‪ ..‬قارئ القرآن املصيل‪..‬‬
‫قارئ الكتب‪ ..‬عاشق الورق األصفر القديم صديق بائعي الكتب القديمة‬
‫عىل سور االزبكية‪ ..‬بل سيتحول يف نظر القانون واالعالم إىل املجرم‪ ..‬تاجر‬
‫املخدرات الفاسد‪ ..‬عديم االنسانية‪ ..‬من يقوم بتدمري الشباب‪ ..‬من جيلب‬
‫املخدرات من دول أخرى كل تلك التوصيفات واالهتامات والسباب سوف‬
‫يكون من نصيب أباها باإلضافة إىل البدلة الزرقاء الزي الرسمي ملن هو قابع‬
‫يف غياهب السجون وظلامت الزنازين وربام االزرق يتحول لألمحر‪ ..‬فاالجتار‬

‫‪202‬‬
‫يف املواد املخدرة عقوبتها يف القانون هي اإلعدام‪ُ ..‬يعدم أباها‪ ..‬يموت عم‬
‫زكريا الربيء بسبب فعلتها‪ ..‬بسبب غباءها‪ ..‬جحودها‪ ..‬أنانيتها‪ ..‬كذهبا‪..‬‬
‫طمعها وحلم الثراء الرسيع‪ ..‬شاركت مروة يف تدمري بلد بأكمله يف مرحلة‬
‫نموه‪..‬‬
‫وحيتاج أن ينمو بسواعد الشباب‪ ..‬التي تقوم هي وعالء وأخرين من‬
‫املجرمني بالعمل عىل إذهاب عقل هؤالء الشباب‪ ..‬فال بناء‪ ..‬وال تنمية‪..‬‬
‫وتظل هكذا بلد نامي إىل األبد‪ ..‬ال تعرف أن تكون بلد متطور‪ ..‬بلد متقدم‪..‬‬
‫بلد صناعي‪ ..‬مبتكر‪..‬‬
‫ال تدرك مروة كل هذا وال تريد حتى التفكري فيه أو التذكري به‪ ..‬وال‬
‫تكرتث بام يمكن أن يكون مصري أباها أو شباب بلدها فكل تفكريها‬
‫واجتهادها منصب فقط عىل ابتكار أساليب جديدة للتوزيع والتنكر والتهرب‬
‫من رجال مكتب مكافحة املخدرات لكن اهلل ً‬
‫دائم باملرصاد‪ ..‬فكان رجال‬
‫مكتب املكافحة أكثر يقظة مما كانت تظن وأشد دها ًء مما كانت تعتقد وبدأ‬
‫اخلناق يضيق حول مروة وعالء وبدأ العد التنازيل لكي يقعا يف قبضة الرشطة‪..‬‬
‫كانت هناك رسالة من مروة إىل نورا هتنئها بالزفاف وشهر العسل وتتمنى‬
‫أن تراها أو تزورها لتقديم هلا هدية الزواج‪ ..‬وأرسلت مروة مع الرسالة‬
‫صورة سيارة أملانية الصنع‪ ..‬فاخرة باهظة الثمن وأبلغتها إهنا صورة سيارهتا‬
‫اجلديدة‪..‬‬
‫عادت نورا إىل القاهرة مع زوجها ماجد‪ ..‬لتبدأ أوىل أيامها يف بيته مع‬
‫والدته احلاجة نعامت‪ ..‬ويف الطريق طلب ماجد التوقف أمام متجر للحلوى‪..‬‬

‫‪203‬‬
‫وقام برشاء جمموعة متنوعة من احللوى الرشقية وبعض املكرسات‪ ..‬قبل‬
‫الذهاب إىل البيت فكانت تلك اللفافات من احللوى بمثابة احلامية واحلصن‬
‫من وابل الرصاص الذي سوف متطره به احلاجة نعامت‪ ..‬والذي ادخرته يو ًما‬
‫بعد يوم منذ أن سافر ونورا إىل أسبوع العسل‪ ..‬فهذه اللفافات هي البلسم‬
‫الشايف للساهنا وكفيل بتحويل ما به من سم ناقع إىل قطرات من العسل يمتد‬
‫مفعوهلا إىل ان يفرغ الطعام واحللوى عن آخره يف البيت‪ ..‬لتبدأ رحلة عودة‬
‫السم إىل لساهنا وانطالق رذاذه وزخاته لتصيب كل من حوهلا باللعنات‬
‫والتكدير وتنغيص العيش‪ ..‬وهذا ما مل تكن تعلمه نورا أو حتى تتوقعه أن‬
‫هناك أمهات هبذه الصورة وعىل تلك الشاكلة ‪..‬انقىض أول يوم بسالم يف‬
‫بيت احلاجة نعامت‪ ،‬ويف اليوم التايل بدأ ماجد يستعد للذهاب إىل النادي ألداء‬
‫التمرينات حيث إنه باقي يومني عىل سفره لالشرتاك يف املسابقة بأوكرانيا‪..‬‬
‫ومهت نورا باالستعداد للذهاب معه إىل النادي والركض حول الرتاك كام‬
‫كانت تفعل يف املايض القريب قبل الزواج‪..‬‬
‫وإذا هبام عىل باب الشقة يسمعان من ينادهيام من اخللف إهنا احلاجة نعامت‬
‫«إىل أين انتام ذاهبان»؟‪ ..‬أجاب ماجد إىل التمرين يف النادي‪ ..‬احلاجة‪ ..‬حس ًنا‪..‬‬
‫أنت ذاهب إىل التمرين ألجل املسابقة‪ ..‬وملاذا تصطحب زوجتك معك‪..‬‬
‫أجابتها نورا‪ ..‬أنا معتادة عىل الرياضة الصباحية يف النادي‪ ..‬فامليش مفيد‬
‫للغاية لكل اجلسم وخاصة القلب‪ ..‬قالت احلاجة «ده كان زمان يا حبيبتي قبل‬
‫الزواج‪ ..‬اآلن انت زوجة‪ ..‬الزم تراعي زوجك وام زوجك‪ ..‬اذهب انت يا‬

‫‪204‬‬
‫ماجد‪ ..‬ربنا معاك يا بني واترك يل نورا معي كي نقوم بتحضري أمور املنزل‬
‫سويا»‬
‫نظرت نورا إىل ماجد الذي لزم الصمت وهم باخلروج وبعد دقيقة‬
‫وجدت نورا نفسها يف البيت مع احلاجة نعامت التي بدأت يف إمالء بعض‬
‫القواعد واملمنوع واملسموح يف البيت‪ ..‬وبعدها أوكلت إليها معظم مهام‬
‫البيت من تنظيف وترتيب وغسل وكي املالبس والطبخ‪ ..‬هذا باإلضافة إىل‬
‫خدمة احلاجة نعامت شخصيا‪..‬‬
‫فكانت احلاجة تنطق اسم نورا يف اليوم الواحد مئات املرات‪ ..‬حتملت‬
‫نورا اليوم األول‪ ..‬وكانت منهكة ويف غاية التعب إىل أن عاد ماجد يف املساء‬
‫وما أن أغلقا عليهام باب حجرهتام‪ ..‬إذا باحلاجة نعامت تبدأ يف البكاء بصوت‬
‫عال مسموع‪ ..‬وحتزن عىل حاهلا‪ ..‬أن تسهر أمام التلفاز وحيدة بال أنيس أو‬‫ٍ‬
‫جليس فاضطرا ماجد ونورا باجللوس معها بالرغم من التعب الشديد واآلالم‬
‫التي كانت ترسي بجسد نورا وكذلك ماجد من قوة وكثرة التدريبات‪..‬‬
‫***‬

‫‪205‬‬
‫قامت مروة باالشرتاك يف النادي‪ ..‬دفعت مبلغً ا ً‬
‫باهظا من املال قيمة‬
‫عضوا بعد أن كانت جمرد مرافق ملن حيمل بطاقة العضوية‪..‬‬
‫ً‬ ‫العضوية وأصبحت‬
‫حيث كانت تستعني بنورا ملساعدهتا يف الدخول إىل النادي‪ ..‬فكانت تصف‬
‫سيارهتا الفارهة بالداخل بعد الدخول من البوابة‪ ..‬وكانت دائمة البحث‬
‫عن نورا‪ ..‬ولكن مل جتدها ومل تكن تعلم طبيعة حياة نورا اجلديدة‪ ..‬فلم يكن‬
‫اهلدف من اشرتاك مروة يف النادي فقط للتفاخر وأن تنهى عقدهتا القديمة‬
‫عضوا‪ ..‬بل لفتح أسواق جديدة ومنافذ للبيع الرسي للمخدرات يف‬
‫ً‬ ‫وتصبح‬
‫النوادي‪ ..‬بعد أن قامت بعمل شبكة للبيع يف اجلامعات وخاصة اجلامعات‬
‫اخلاصة منها‪..‬‬
‫واستمر تتبع رجال مكتب مكافحة املخدرات لنشاطاهتا وكان اهلدف‬
‫من تأجيل القاء القبض عليها هو الصرب ملعرفة مجيع أفراد شبكتها يف األماكن‬
‫املتعددة التي فتحت منافذ بيع فيها وآخرهم هو النادي‪..‬‬
‫***‬

‫‪206‬‬
‫استعد ماجد للسفر إىل البطولة وكان من املفروض أن تصحبه نورا‬
‫زوجته يف السفر‪ ..‬لكن احلاجة نعامت كان هلا رأ ًيا آخر حيث أثارت زوبعة من‬
‫البكاء صاحبها بعض اإلغامء واالدعاء أن ضغطها يف ارتفاع وإهنا أوشكت‬
‫عىل مفارقة احلياة‪ ..‬وأن هذا ما سوف جيلب الفرح والرسور إىل نورا حيث‬
‫إهنا تشعر أن نورا تريد التخلص منها كي حتصل عىل البيت وماجد لنفسها‪..‬‬

‫هذا ما قالته احلاجة نعامت يف وجه نورا وماجد‪ ..‬مما أبكى نورا واذرفت‬
‫من الدمع الكثري والكثري والكثري‪ ..‬وبالطبع إلثبات أن نورا ال تكن تلك‬
‫املشاعر القبيحة جتاه احلاجة نعامت‪ ..‬آثرت املكوث معها عىل الذهاب يف أول‬
‫رحلة هلا خارج البالد بصحبة زوجها‪ ..‬السلبي الصامت الذي مل ينترص هلا يف‬
‫يوم من األيام ومل يعرف طريق الوقوف إىل صفها يو ًما‪ ..‬وكان كتلة ليست‬
‫عضلية فحسب‪ ..‬انام كان كتلة من األنانية متيش عىل األرض‪ ..‬وأن التنازل‬
‫والتضحيات مل يكتبا إال باسم نورا فحسب وأنه بعيد متا ًما عن كل هذه‬
‫املعاين‪ ..‬وأنه كان يتعجل الزفاف قبل ميعاد سفره ليس حلبه لنورا أو رغبته يف‬
‫اصطحاب نورا معه ولكنه ليقينه انه لن يستطيع السفر وترك أمه احلاجة نعامت‬
‫واهنا سوف تقوم بعمل اي يشء إذا سافر وتركها كام هددته حتى لو وصل هبا‬

‫‪207‬‬
‫احلال إلبالغ الرشطة عنه وادعاء انه رسق نقودها‪ ..‬ملنعه من السفر إال إذا‬
‫اوجد البديل‪ ..‬من تقوم عىل خدمتها عىل مدار الساعة‪..‬‬
‫وقد حاول جلب العديد من اخلادمات لكن مل تتحمل أي منهن طباع‬
‫احلاجة نعامت الصعبة وكثرة مطالبها‪ ..‬وطريقة معاملتها التي ال ختلو من‬
‫االهانات تصل إىل السباب‪ ..‬هكذا بدأت أقنعه ماجد يف السقوط أمام نورا‪..‬‬
‫تفسريا إلحلاحه والعجلة يف امتام الزفاف يف ثالثة اشهر‪..‬‬
‫ً‬ ‫وبدأت جتد‬
‫***‬

‫‪208‬‬
‫ً‬
‫ومنهمكا عىل كتابة مذكراته وذكريات حرب اكتوبر‬ ‫كان العميد فؤاد عاكفا‬
‫العظيمة بكل تفاصيلها‪ ..‬وخباياها التي كان مسموح بنرشها واالفصاح عنها‪..‬‬
‫وكان هدفه من وراء ذلك ان يتعلم الشباب واالجيال التي مل يكن هلا نصيب‬
‫من معارصة زمن تلك احلرب العظيمة‪ ..‬كيف تكون االرادة‪ ..‬القوة‪ ..‬الصرب‪..‬‬
‫اجللد‪ ..‬التحدي‪ ..‬التحمل‪ ..‬كل هذا مصحو ًبا بالتخطيط السليم واالستعداد‬
‫وفنيا وايامهنم بأن اهلل يرعاهم ما داموا عىل احلق واالنتصار للمظلوم‪..‬‬
‫بدنيا ً‬
‫الكامل ً‬
‫وكان العميد فؤاد ً‬
‫دائم ما يري ان كل ما كتب وما قيل ليس بكايف وال‬
‫يستويف ربع الرشح املفروض عن تلك احلرب‪ ..‬وبام انه واحدً ا من افراد‬
‫القوات التي شاركت فيها‪ ..‬فهو شاهد عيان وشاهد عىل عرص احلرب‬
‫املجيدة‪ ..‬وشاهد عىل انكسار العدو وذهلم‪ ..‬تراجعهم وتقهقرهم أمام طوفان‬
‫دورا يف احلرب سواء بالتمريض‪..‬‬
‫رجال اجليش املرصي وكيف لعبت املرأة ً‬
‫التربع بالدم وحث األوالد عىل الذهاب للقتال وكذلك الدعاء وهو ما كان‬
‫ً‬
‫وايضا ذكر كم كان اهل سيناء وقبائلها يف نرصة وصفوف‬ ‫يصل إىل السامء‬
‫اجليش املرصي واظهروا ً‬
‫كم من الوطنية غري العادية وكم من ادوار لعبوها‬
‫لتحقيق النرص وطرد العدو املحتمل من اطهر البقاع يف العامل‪ ..‬أرض االنبياء‪..‬‬
‫***‬

‫‪209‬‬
‫يف تلك األثناء وضع رشيف مع مايا اللمسات األخرية إلمتام زفافهام‬
‫وكانت مايا تزداد ً‬
‫مجال يو ًما بعد يوم‪ ..‬ويزداد معه حبها لرشيف الذي كان‬
‫تقول عنه ً‬
‫دائم‪ ..‬أنه الدنيا‪ ..‬أنه رشيف األرشاف‪..‬‬
‫تم تعيني رشيف يف رشكة املالحة اإليطالية والتي سوف يبدأ أوىل رحالته‬
‫عىل سفنها من جنوة‪ ..‬حيث سوف يقطن رشيف مع عروسه مايا متجها إىل‬
‫ميناء طنجة باملغرب‪..‬‬
‫وبالفعل تم الزفاف يف أرقى الفنادق باإلسكندرية‪ ،‬وكانت مايا ملكة‬
‫كملكات العرص احلديث‪ ..‬مجاهلا خيطف االبصار‪ ..‬قضيا بعدها ثالثة أيام‬
‫باإلسكندرية ثم توجها مبارشة إىل جنوة بإيطاليا‪..‬‬
‫متجها إىل كييف بأوكرانيا‪ً ..‬‬
‫تاركا نورا إىل‬ ‫ً‬ ‫سافر ماجد مع البعثة الرياضية‬
‫طوفان امه احلاجة نعامت تصارع أمواجها وتغرق يف لكامت من لساهنا الذي‬
‫ال يعرف للكلمة الطيبة طريقًا‪ ..‬وبعد بضعة أيام استطاعت نورا التي اختذت‬
‫سالحا كي تستعني به عىل متاعب احلياة وشقائها يف بيت زوجها اخلروج‬
‫ً‬ ‫الصرب‬
‫كثريا وشعرت كأهنا‬
‫يف صباح أحد األيام للذهاب إىل النادي الذي استوحشها ً‬
‫مل تعد ترتاده بعد الزواج‪ ..‬وكأن زواجها جاءه بمثابة العقوبة‪ ..‬عقوبة عىل‬
‫ماذا‪ ..‬ربام ألهنا ظلمت نفسها بتقديمها كل تلك التنازالت ملن ال يستحق‬

‫‪210‬‬
‫حتى التفكري فيه‪ ..‬وها هو اآلن يف أوربا وتاركها إىل براثن أمه كي تفرتسها‬
‫ببطء إىل ان تنتهي شي ًئا فشي ًئا‪..‬‬
‫دخلت نورا إىل طرقات النادي وشعرت اهنا عرفت قيمة هذا املكان اكثر‬
‫من أي وقت ميض‪ ..‬فدائام االحساس باحلرمان جيعلنا نعرف قيمة االشياء‬
‫احلقيقية‪ ..‬جتولت‪ ..‬وألقت السالم والتحية عىل كل من تعرفهم وحاولت‬
‫ً‬
‫منهكا من‬ ‫اللف والركض يف الرتاك لكنها مل تستطع حيث اصبح جسدها‬
‫اعامل املنزل وخدمتها للحاجة نعامت‪ ..‬فلم تعد تقوى عىل الركض كسابق‬
‫عهدها‪ ..‬ما اضاف عىل وجهها نظرات من احلزن قد الحظها اجلميع‪ ..‬فالنور‬
‫انطفأ والزهرة أذبلت‪..‬‬
‫فبينام هي جالسة‪ ..‬حزينة‪ ..‬غابت عنها االبتسامة يف حديقة النادي اذ‬
‫سمعت من حيادثها من خلف كتفها‪ ..‬نظرت خلفها‪ ..‬اهنا مروة‪..‬‬
‫نظرت ثانية‪ ..‬انه صوت مروة‪ ..‬فهل هي صحيح مروة‪ ..‬نعم لكنها صار‬
‫امجل‪ ..‬اشيك‪ ..‬ترتدي الكثري من احليل املصنوع من الذهب وخالفه وبيدها‬
‫مفاتيح سيارة من املاركات األملانية املعروفة وهاتف باهظ الثمن‪..‬‬
‫جلسا سويا تبادال احلديث يف شتي األمور وكانت نورا يف ذهول من تبدل‬
‫احلال‪ ..‬فزهرة نورا ذبلت وزهرة مروة اينعت‪ ..‬حتى طريقة كالمها اختلفت‬
‫وأصبحت بحق سيدة جمتمع‪ ..‬وتنفق ببذخ‪ ..‬أكل هذا من زوجها‪ ..‬أهو غني‬
‫إىل هذا احلد‪..‬‬
‫سألت مروة نورا عن أحوال سيادة العميد ومدام كريمة ورشيف‪..‬‬
‫وعندما جاء احلديث عن رشيف استفاضت مروة يف االسئلة‪ ..‬فأخربهتا نورا‬

‫‪211‬‬
‫انه خترج يف االكاديمية البحرية‪ ..‬ويعمل لدي رشكة ايطالية يف ايطاليا‪ ..‬وأنه‬
‫تقريبا سوف تبدأ أويل رحالت مركبه‬
‫تزوج وسافر منذ أيام قالئل وبعد اسبوع ً‬
‫من جنوة إىل ميناء طنجة يف املغرب‪ ..‬وما ان سمعت مروة اسم املغرب‪..‬‬
‫طرأت يف رأسها فكرة‪ .‬من املمكن ان تستعني برشيف بدون علمه عىل جلب‬
‫املخدرات من جتار املغرب إىل مرص‪ ..‬حيث إنه يف اآلونة األخرية جيدون‬
‫صعوبة بالغة يف ادخال شحناهتم إىل البالد حيث أصبح رجال مكتب مكافحة‬
‫املخدرات اكثر يقظة واستطاعوا ان حيبطوا الكثري من عمليات التهريب‪..‬‬
‫لذلك فكرت يف االستعانة بعنارص جديدة ووجوه غري مكشوفة وليس هلا اي‬
‫ملفات لدي رجال جهاز مكافحة املخدرات لذلك قررت ان توطد عالقتها‬
‫أكثر بنورا‪ ..‬واألمر اآلخر الذي طرأ عىل رأسها هي االستعانة بنورا نفسها يف‬
‫توزيع املخدرات داخل النادي وبدون ً‬
‫أيضا أن تشعر كام تفعل مع أباها وما‬
‫تريد تنفيذه مع رشيف‪..‬‬
‫رسيعا‪ ،‬ومل تشعر نورا ومل تدرك كم مىض عليها‬
‫ً‬ ‫مىض الوقت يف النادي‬
‫وهي بني الطبيعة واهلواء الطلق تتأرجح لتعلن عصياهنا عىل عامل ماجد‬
‫واحلاجة نعامت أو حسب ما بدأت نورا تشعر‪ ..‬احلاجة نقامت‪ ..‬تكره العودة‬
‫إىل ذلك السجن وتلك السجانة‪ ..‬فهي مل ختلق هلذا‪ ..‬مل تتم تعليمها يف كلية‬
‫الفنون اجلميلة لتصبح خادمة مهانة ً‬
‫بدل من فنانة مبدعة مرموقة يتحدث عن‬
‫أعامهلا القايص والداين‪..‬‬
‫تذكرت نورا حديث والدها وتكرار حديثه حتى قبل الزفاف بيوم‬
‫واحد‪ ..‬آه كم من اخلربات يمتلكها ذلك األب احلكيم احلليم احلنون‪ ..‬يعطيها‬

‫‪212‬‬
‫كل احلريات املتاحة يف العامل لكنه يف ذات الوقت مل يبخل عليها بالنصيحة‬
‫وإبداء خماوفه وعدم ارتياحه من ماجد ومن ترصفات نورا وحجم التنازالت‬
‫التي قدمتها ومل حتصل عىل أي يشء وال حتى املعاملة الطيبة‪ ..‬ها هو ماجد يف‬
‫بالد حترتم احلريات وحترتم املرأة‪ ..‬يرتكها فريسة المرأة بال قلب أو عقل‪ ..‬ال‬
‫متلك إال السيطرة عىل فمها وما يلبي نداء رشه جوعها‪..‬‬
‫خدعتني بمعسول الكالم يف أول لقاء ومن كثرة تكرارها كلمة «ابنتي»‬
‫ظننتها سوف تضعني يف مكانة االبنة هلا‪ ..‬لكنها يف الظاهر تقول ابنتي ويف‬
‫الباطن تعني «خادمتي»‪ ...‬هل من خمرج ؟؟؟!!!!‪ ..‬آه كم متنيت أن ارمتي يف‬
‫أحضان أيب واحتمى بذراعيه واطلب منه العفو والغفران عيل ما ارتكبته يف‬
‫حقه بعدم األخذ بنصيحته والرتاجع يف الوقت املناسب وعىل ما ارتكبته يف‬
‫حق نفيس وآدميتي من إلقاء نفيس يف هالك ماجد ونقامت‪ ...‬أقصد نعامت‪..‬‬
‫أدفع ثمن محاقتي وعنادي‪ ..‬انجرفت وراء نظرات ماجد احلاملة وكالمه‬
‫املغلف بكل معاين العشق ووعوده الكاذبة بأنني سوف أكون ملكة حياته‬
‫وأمرية أحالمه ورشيكة له يف عامل االضواء والشهرة‪ ...‬كل الكالم والوعود‬
‫والنظرات الكاذبة ال تروي مشاعر حب‪ ..‬أنا من استحق أن توضع يف قالب‬
‫اخلادمة ألنني وقعت يف فخ ماجد األناين‪ ..‬املتحدث اللبق عن مشاعر دافئة‬
‫ومستقبل زاهر‪ ..‬أصبح ومهًا‪ ..‬رسا ًبا‪..‬‬
‫لقد رأيت الوهم بعيني ومسكت رساب نعامت بيدي‪ ..‬األم التي ال تعرف عن‬
‫حبا‪..‬‬
‫األمومة غري شهوة البطن‪ ..‬وماجد وحديثه العذب املغلف بالسم‪ ..‬وظننته ً‬
‫***‬

‫‪213‬‬
‫بدأت مسابقات كامل األجسام يف أكرب وأضخم الصاالت الرياضية يف‬
‫العاصمة األوكرانية «كييف» استعد مجيع املتسابقني وقبل بدء املنافسات قامت‬
‫اللجنة املنظمة باختيار عشوائي لبعض الرياضيني لعمل حتليل املنشطات‪..‬‬
‫لقياس ما إذا تعاطى أحدهم ملواد منشطة تساعد املتسابق يف ظهور العضالت‬
‫والقوة والتحمل اكثر من غريه‪ ..‬وقد وقع االختيار عىل اربعة من املتسابقني‬
‫كان ماجد أحدهم وبالفعل قام بعمل التحليالت وأخذ العينة‪ ..‬ثم توجه إىل‬
‫املكان املخصص له حلني أن يأيت دوره للصعود عىل خشبة العرض للقيام‬
‫بالعرض اخلاص به واستعراض عضالته املتفرقة يف أماكن متعددة من جسده‪..‬‬
‫بالفعل قام ماجد بعرض مذهل أذهل مجيع احلارضين‪ ..‬وكان قد تدرب‬
‫وتكرارا يف القاهرة‪ ..‬وفور انتهاء العرض تقدم إليه بعض املدربني‬
‫ً‬ ‫مرارا‬
‫عليه ً‬
‫من الدول املنافسة لتحيته وإبداء إعجاهبم بمستوى لياقته وضخامة عضالته‪..‬‬
‫ً‬
‫وأيضا‬ ‫مما أدخل الفرحة عىل قلبه‪ ..‬ومن أول حلظة أصبح ملاجد معجبني‬
‫معجبات‪ ..‬وكانت أكثرهم إعجا ًبا فتاة اوكرانية شقراء ‪ ..‬بيضاء ‪ ..‬زرقاء‬
‫العينني‪ ..‬رائعة اجلامل‪ ..‬صارت تتقرب إليه وتسري خلفه يف طرقات وأماكن‬
‫الالعبني يف الصالة الرياضية املغطاة‪ ..‬ومل ترتك مناسبة إال واقرتبت فيها منه‬
‫بابتسامات ونظرات اإلعجاب وبدأت تتحدث إليه بإنجليزية ركيكة عن كم‬

‫‪214‬‬
‫هو رائع وكم هي حتب املرصيني وإن حلم حياهتا أن تقابل أحدهم وتعيش معه‬
‫قصة من اإلعجاب املتبادل ولربام يتطور ليكون شي ًئا آخر‪..‬‬
‫ويف صباح اليوم التايل وجد ماجد نفس الفتاة يف مطعم الفندق حيث‬
‫كان ماجد يتناول طعام اإلفطار مع بقية افراد البعثة‪ ..‬تقدمت نحوه ماسكة يف‬
‫يدها إحدى اجلرائد األوكرانية وفتحتها أمامه‪ ،‬وأشارت له إىل صدر الصفحة‬
‫الرياضية ليجيد صورته بجسده الكامل وعضالته الالمعة‪ ..‬فطلب منها أن‬
‫ترتجم له ما هو مكتوب عنه‪ ..‬فأخذت ترتجم وترشح كل ما قيل عنه‪ ..‬كيف‬
‫إنه البطل املنتظر وإنه مفاجأة البطولة وأن معظم النقاد الرياضيني أشادوا‬
‫بمستوى لياقته‪ ،‬وأهنم ما رأوا قط حجم عضالت مثل عضالته‪ ..‬ثم بعد ذلك‬
‫عرضت عليه الفتاة التي قامت بتعريف نفسها إليه باسم «سامانتا»‪ ..‬عرضت‬
‫عليه أن تصحبه يف نزهة داخل البلد فهي حتفظ كل شرب فيها وتؤكد له كم‬
‫سوف يستمتع بتلك النزهة‪..‬‬
‫ظهرا حيث‬
‫وافق ماجد ولكن أكد عليها إنه جيب أن يعود قبل الثالثة ً‬
‫عليه أن يتواجد يف اجليم ليقوم بعمل بعض التمرينات اخلفيفة للمحافظة عيل‬
‫لياقته‪ ..‬وبالفعل انطلقا ماجد وسامانتا إىل اماكن متفرقة وتوطدت عالقتهام‬
‫دقيقة بعد االخرى وعند عودهتم إىل الفندق الذي يقيم فيه ماجد كان هناك‬
‫حشد من الصحفيني جيرون لقاءات مع بعض الرياضيني‪ ..‬وكانوا يف انتظار‬
‫ماجد مفاجأة البطولة وبمجرد هبوطه من سيارة األجرة وبصحبته «سامانتا»‬
‫اهنالت عليه الكامريات ترمي بضوء فالشها عليه وعليها ومها بيدان متعانقتان‪..‬‬
‫ومن يرامها ال يظنه إطال ًقا إهنام تعارفا فقط ألول مرة يف الصباح‪ ..‬وهذه أول‬

‫‪215‬‬
‫نزهة هلام سويا حيث كان ماجد معانقًا بأصابعه أصابع «سامانتا»‪ ..‬ويف خالل‬
‫ساعات قليلة التقطت وكاالت األنباء حول العامل الصور واألخبار‪..‬‬
‫وبينام نورا تقوم بتنظيف املنزل كالعادة وتتلقي األوامر من نعامت وتسمع‬
‫منها ما يؤذهيا‪ ..‬كم هي مهملة وغري مرتبة وال هتتم بطعامها وال تقدم هلا أي‬
‫خدمات وأن ماجد أخطأ باختيارها زوجة‪ ..‬وأن أي امرأة ريفية غري متعلمة‬
‫افضل وانفع هلم منها‪ ..‬تسمع نورا بأذنيها‪ ،‬وال تستطيع أن تبادهلا السباب‪..‬‬
‫فقد تربت نورا عىل الصرب واحرتام الكبري‪..‬‬
‫دق جرس هاتفها‪ ..‬جففت يدها والتقطت هاتفها فاذا بمروة تطلق هلا‬
‫التهاين‪ ..‬الف مربوك‪ ..‬فرحت لك حقًا‪ ..‬مل تفهم نورا ما رس كل تلك التهاين‬
‫واملباركات‪..‬‬
‫استطردت مروة قائلة ان صور ماجد يف كل اجلرائد حيث أبىل بال ًء‬
‫حس ًنا يف منافسات األمس وأصبح ملء السمع والبرص ويقولون عنه إنه‬
‫اسطورة ومفاجأة البطولة وأن اغلب النقاد يرشحونه للمركز األول‪ ..‬مل تد ِر‬
‫نورا بنفسها‪ ،‬وهي تبكي وتضحك يف الوقت ذاته مثل هطول املطر يف يوم‬
‫مشمس‪ ..‬هل تفرح لنجاح ماجد بدوهنا بعد وعوده هلا ان تكون بجواره‪..‬‬
‫رشيكته يف النجاح‪ ..‬يترشف هبا‪ ..‬تدير اعامله‪ ..‬تساعده يف تنظيم مواعيده‪..‬‬
‫غذاءه‪ ..‬تدريباته‪ ..‬لقاءاته الصحفية وغري كل هذا‪ ..‬أم حتزن ان تسمع وتعلم‬
‫عن خرب نجاحه وتألقه من مروة‪ ..‬فلم هياتفها ولو مرة واحدة‪ ..‬سألت نورا‬
‫مروة من اين اتت بتلك االخبار‪ ..‬فأجابتها من اجلرائد‪ ..‬هل معك جرائد‬
‫اآلن‪ ..‬فأجابتها نورا بالنفي‪ ..‬فعرضت مروة أن تقابلها نورا يف النادي وتعطيها‬

‫‪216‬‬
‫اجلرائد بصورة زوجها داخلها‪" ..‬صورته رائعة واألكثر روعة تلك الفتاة التي‬
‫بصحبته يف مجيع الصور‪ ..‬فهي رائعة اجلامل‪ ..‬مجال أورويب"‪..‬‬
‫ال تعلم نورا كيف ارتدت مالبسها وماذا اختارت لرتتديه وألول مرة‬
‫ً‬
‫طويل‪ ،‬النظر يف املرآة‪ ..‬املرآة صديقة‬ ‫يف حياهتا أن تغادر نورا بال الوقوف‬
‫كل انثى‪ ..‬فعادة نورا ً‬
‫دائم أن تنظر يف املرآة مرات عديدة عىل فرتات متقطعة‬
‫عندما تستعد للخروج و مرة طويلة قبل اختيار مالبسها‪ ..‬ومرة بعد اختيارها‬
‫ووضعها عىل جسدها من اخلارج لرتى تناسق األلوان والذوق ومرة أخرى‬
‫قبل دخول احلامم حيث تنظر إىل برشهتا وشعرها ثم يأيت دور مرآة احلامم‪..‬‬
‫فتنظر إليها طول الوقت عن غسل اسناهنا وغسل وجهها وتفحص كل تفاصيل‬
‫الوجه‪ ..‬ثم تعود مرة أخرى إىل مرآة حجرة ارتداء املالبس وتطيل النظر بعد‬
‫ارتداء مالبسها قطعة قطعة لتتأكد اهنا منمقة‪ ..‬وبعدها يأيت دور النظر بغرض‬
‫وضع املاكياج وتطيل الوقت فيه وترسم كل تفاصيل وجهها كأعظم فنان‬
‫إيطايل وهي خرجية الفنون اجلميلة فلها ذوقها اخلاص يف وضع األلوان حول‬
‫العني والشفاه وباقي الوجه باعتناء شديد وذوق رفيع‪ ..‬غري ذلك تأيت مرحلة‬
‫تصفيف الشعر التي ال تقل عن كل ما سبق بل ربام تزيد لكن يف تلك اللحظة‬
‫الفارقة يف حياة نورا مل تعد عيناها قادرة عىل مالحظة أن يف حجرهتا مرآة‪ ،‬وإهنا‬
‫متتلك أفضل أنواع أدوات املاكياج وأن لدهيا شعر مربوط من اخللف «ذيل‬
‫حصان» وأهنا بعد دقائق سوف تكون يف الشارع للذهاب إىل النادي وهناك‬
‫تقابل العديد من أصدقائها مل هتتم بكل هذا‪ ..‬كل ما مر بخياهلا ليس ماجد أو‬
‫مروة أو تلك الصور يف اجلرائد أو تلك الفتاة األوروبية التي تدعي مروة إهنا‬

‫‪217‬‬
‫بصحبة ماجد‪ ..‬لكن كل ما كان يرتاقص أمام خياهلا هي صورة سيادة العميد‬
‫ً‬
‫حكيم ولديه ُبعد نظر و يستطيع أن يرى‬ ‫فؤاد‪ ..‬األب احلكيم احلنون‪ ..‬كم هو‬
‫األمور من بواطنها وليس الظاهر فقط‪..‬‬
‫كيف حدث يل كل هذا وهبذه الرسعة املذهلة‪ ..‬احتول من فتاة مدللة يف‬
‫بيت أبوهيا إىل زوجة بال زوج حارض‪ ..‬أعيش مع امرأة من اسوأ ما يمكن أن‬
‫تكون عليه النساء ومن املفرتض أن أنادهيا ماما‪ ..‬ألهنا ام زوجي ويف مكانة‬
‫قرارا بمفرده‪ ،‬ومل يستمع أو يلتزم بنصائح من يكربه‬
‫امي‪ ..‬أكل إنسان اختذ ً‬
‫س ًنا وحكمة يعاقب بمثل ما اعاقب به ؟؟؟؟‪ ..‬وكيف يستطيع إنسان أن يكون‬
‫خمادعا إىل هذه الدرجة‪ ..‬أن يتالعب بثقتي فيه التي منحتها إياه منذ معرفتي‬
‫ً‬
‫به؟‬
‫كنت أظنه حيبني حقًا‪ ..‬كنت أظنه يتذكر كم من تنازالت قدمت‪ ..‬وأنا‬
‫التي إذا اشارت بطرف إصبعها لتهافت عليها العديد من الرجال‪ ..‬رجال‬
‫صادقون خملصون‪ ..‬بدون «نعامت» أو فتاة أوروبية‪ ..‬كم احتقر نفيس واحتقر‬
‫براءيت‪ ..‬ال بل سذاجتي‪ ..‬احلمقى فقط هم من خيتلقون األعذار ويبدؤون يف‬
‫تغيري األسامء وتبديلها فيسمون الغباء‪ ..‬براءة‪ ..‬ويطلقون عىل أخطائهم‪..‬‬
‫سذاجتهم‪..‬‬
‫دار كل هذا يف رأس نورا وهي يف طريقها إىل النادي‪ ..‬وما أن اقرتبت من‬
‫احلديقة الكبرية التقطتها مروة بعينيها املتشفيتان‪ ..‬احلاقدتان فلطاملا كانت تغار‬
‫وحتقد عىل نورا ألهنا األمجل‪ ..‬الناجحة‪ ..‬املحبوبة من اجلميع ‪..‬القاطنة بحي‬
‫سكني راقي‪ ..‬وهلا أب ذو مكانة مرموقة واجلميع يكن له احرتا ًما‪ ..‬وحانت‬

‫‪218‬‬
‫اللحظة‪ ..‬حلظة أن تنظر مروة إىل رد فعل نورا بعد أن تشاهد صور زوجها‬
‫وبصحبته الفتاة األوروبية‪ ..‬وتتفحص االنفعاالت املرسومة عىل قسامت‬
‫وجهها‪..‬‬
‫فتحت نورا اجلرائد إىل أن وصلت للصفحة املخصصة ألخبار الرياضة‪..‬‬
‫وقعت عيناها عليه‪ ..‬نعم‪ ..‬هو‪ ..‬إنه ماجد زوجها‪ ..‬الذي مل حيادثها عرب‬
‫اهلاتف ولو مرة واحدة‪ ..‬ماجد زوجها الذي تركها خادمة‪ ..‬فريسة‪ ..‬عبدة‬
‫ألمه‪ ..‬التي ال مثيل هلا يف الوجود‪..‬‬
‫ماجد زوجها‪ ..‬الذي وعدها بمصاحبته والسفر معه‪ ..‬يدً ا بيد‪ ..‬قد نسيها‬
‫ووجه دفته لشقراء‪ ..‬حسناء‪ ..‬أوروبية‪..‬‬
‫نظرت إىل الصور بإمعان‪ ..‬ماجد يشبك أصابعه بني أصابع تلك الفتاة‬
‫وهي ملتصقة بجسده‪ ..‬ما هذا الذي اراه‪..‬‬
‫ارمتت نورا عىل أقرب مقعد وهي يف حالة ذهول‪ ..‬ماجد بكالمه املعسول‬
‫وحبه اجلارف يرتكني هكذا وبال أدنى ذنب مني أو إبداء أي أسباب‪ ..‬كم‬
‫امتنى لو عاد يب الزمن إىل الوراء أربعة أشهر‪ ..‬ملا كنت سمحت هلذا املاجد أن‬
‫يتحدث معي حتى جمرد احلديث‪ ..‬وملا كنت تنازلت عن أي حق من حقوقي‬
‫وأوهلم طول مدة اخلطوبة والتعارف اجليد وقريب منه ومن والدته نقامت‬
‫«نعامت»‪..‬‬
‫مسكينة نورا‪ ..‬زهرة مجيلة‪ ..‬ذبلت يف وقت قصري‪ ..‬ذبحها ماجد حينام‬
‫كذب عليها يف مشاعره‪ ..‬كذبه يف إخفاء طباع والدته‪ ..‬كذبه يف وعوده بالسفر‬
‫يوميا‪..‬‬
‫معه وكذبه إنه سوف حيادثها ً‬

‫‪219‬‬
‫دارت الدنيا هبا وشعرت إهنا يف حالة إعياء شديدة‪ ..‬حالة دوار‪ ..‬حالة‬
‫غثيان‪ ..‬سارت يف الطرقات بعد أن خرجت من بوابة النادي‪ ..‬سارت ببطء‬
‫شديد وهي ال تعلم وال هتتدي إىل أين ذاهبة‪ ..‬وبدون أن تشعر وجدت نفسها‬
‫أمام البيت القديم‪ ..‬البيت اجلميل‪ ..‬أبوهيا‪ ..‬الصدق‪ ..‬احرتام اآلخر‪ ..‬الطريق‬
‫املستقيم‪ ..‬ال يصح إال الصحيح‪..‬‬
‫رفعت نورا عينيها إىل األعىل‪ ..‬إىل الرشفة علها جتد اباها العميد فؤاد‬
‫جالسا حيتيس قهوته كالعادة‪ ..‬كانت الرشفة خاوية إال من نبات الصبار‪..‬‬
‫ً‬
‫الصبار الصابر عىل احلر وقلة املياه‪ ..‬حييا يف الصحراء‪ ..‬كم يذكرين هذا النبات‬
‫خداع‪ ..‬خيانة ماجد‪ ..‬يصرب عىل‬ ‫صبارا‪ ..‬يصرب عىل ّ‬
‫كذاب‪ّ ..‬‬ ‫ً‬ ‫بنفيس اصبحت‬
‫صبارا حييا يف صحراء بيت ماجد وأمه‪ ..‬بيتا أشد ع ّ‬
‫يل قساوة‬ ‫ً‬ ‫اهانات والدته‪..‬‬
‫من صحراء جرداء‪ ..‬بال ظل أو رشفة ماء‪ ..‬وهذا الثعبان القابع يف الصحراء‬
‫بدل الرمحة باحللوى‪ ..‬والعطف باملكرسات‪ ..‬واحلب‪ ..‬باملعجنات‪..‬‬
‫الذي ّ‬
‫وزوجي‪ ..‬نعم أنا زوجة‪ ..‬أنا يل زوج‪ ..‬أين هو؟ مع من؟‪ ..‬ماذا يفعل‪..‬‬
‫كيف يقيض يومه‪ ..‬هل يذكرين‪ ..‬هل يذكر أن له زوجة؟‪ ..‬حتيا بصرب يف‬
‫صحراءه‪ ..‬أين دموعي‪ ..‬حتجرت داخيل كام تتحجر الصخور يف الصحراء‪..‬‬
‫يارب‪ ..‬انقذين مما أنا فيه واعدين إىل تلك الرشفة وهذا البيت احلنون إىل‬
‫احضان أيب وأمي وأخي وزوجته اجلميلة‪ ..‬تركت اخلري‪ ..‬فعاقبني اهلل‪..‬‬
‫استدارت نورا عائدة إىل الصحراء القاحلة حيث ثعبان الصحراء تنتظرها‬
‫حبا يف نورا‪ ..‬لكن تفتقد خادمتها‪..‬‬
‫باحثة عنها‪ ..‬ليس عشقًا وال ً‬

‫‪220‬‬
‫مل يكن العميد فؤاد وهو منهمك يف استكامل كتابة مذكراته‪ ..‬يدرك أنه منذ‬
‫حلظات كانت نورا حبيبته قرة عينيه‪ ..‬تقف وحيدة‪ ..‬خائفة‪ ..‬مهانة حتت رشفة‬
‫بيته‪ ..‬تبحث عنه ربام يطل ويدعوها للصعود‪ ..‬مل يكن يعلم إهنا خجىل منه‪..‬‬
‫لدرجة ان يمنعها خجلها عن الصعود اليه واالستقواء به وطلب النجاة‪ ..‬نورا‬
‫اجلميلة‪ ..‬اختذت الصبار ً‬
‫مثل تسري عىل دربه‪ ..‬عادت إىل الصحراء القاحلة‪..‬‬
‫ظهرت نتيجة حتليل العينة العشوائية لتحليل الكشف عن تعاطي‬
‫املنشطات التي أخذت من ماجد يف اليوم األول للبطولة والتي اذهل فيها مجيع‬
‫احلضور وحصل عىل أعىل تقدير يف هذا اليوم‪ ..‬النتيجة سلبية‪..‬‬
‫يف اليوم الثاين للبطولة‪ ..‬وبعد ان قىض ماجد ليلة يف سهر مع «سامانتا»‬
‫وتلقى حتذيرات من مدربه أن عليه االلتزام بالتدريبات والنظام الغذائي‪..‬‬
‫مبكرا‪ ..‬صعد ماجد إىل منصة العرض‪ ..‬أبىل بالء حس ًنا لكن ليس‬
‫ً‬ ‫والنوم‬
‫بنفس قوة وإهبار اليوم األول‪ ..‬وكانت صديقته اجلديدة "سامانتا" جتلس يف‬
‫الصفوف األمامية ال تتوقف عن تشجيعه‪ ..‬كان من املفرتض ان يكون هذا‬
‫يدعي‪..‬‬
‫املكان لنورا‪ ..‬زوجته‪ ..‬حبيبته كام كان ّ‬
‫بعد انتهاء العرض‪ ..‬مل يتوجه ماجد إىل فندق اإلقامة وإنام خرج مع‬
‫«سامانثا» لقضاء بقية اليوم معها‪ ..‬والسهر إىل وقت متأخر من الليل‪ ..‬عاد‬
‫مبكرا‬
‫ً‬ ‫إىل الفندق مع بدايات الفجر‪ ..‬وبالطبع كان من املفرتض ان يستيقظ‬
‫لتناول االفطار ثم التوجه إىل اجليم ألداء التدريبات حتت إرشاف مدربه الذي‬
‫كثريا يف احلصول عيل‬
‫بدأ يشعر أنه خيرس ويفقد أهم العبيه الذي عول عليه ً‬
‫امليدالية الذهبية ورفع علم مرص‪ ..‬مع سامع النشيد الوطني بعد ان حيقق املركز‬

‫‪221‬‬
‫األول‪ ..‬لكن كيف له من حتقيق أي مركز وهو نائم كجثة هامدة‪ ..‬وركضه‬
‫وراء تلك الفتاة التي ال تدرك أمهية متثيل الوطن واحلصول عىل املركز األول‪..‬‬
‫يف اليوم الثالث للبطولة‪ ..‬أدى ماجد أدا ًء سي ًئا للغاية وبدا عليه اإلرهاق‬
‫وظهور هاالت سوداء حتت عينيه من قلة عدد ساعات نومه‪ ..‬وبدأت‬
‫الذعا من اجلميع وأنه‬
‫الصحافة يف اعادة النظر يف تقييمها ملستواه وتلقى نقدً ا ً‬
‫مجيعا وكام بدا عليه يف اليوم االفتتاحي للبطولة‬
‫مل يعد احلصان االسود كام ظنوا ً‬
‫وبعد العرض‪..‬‬
‫عصبيا وال يريد التحدث ألحدث وال‬ ‫ً‬ ‫كان ماجد حزي ًنا للغاية وبدا‬
‫تأنيبا من مدربه‪ ..‬وإذا «بسامنتا» تدخل عليه مبتسمة‬
‫يتحمل ان يسمع نقدً ا أو ً‬
‫لدي حل رائع ملساعدتك يف استعادة مستواك‪..‬‬
‫ومشجعة له قائلة‪« :‬ال حتزن ّ‬
‫يقف اآلن بالباب أحد خرباء التغذية الرياضية‪ ..‬ففي يده املفتاح وكلمة الرس‬
‫يف العودة لنفس مستوى اليوم األول‪ ..‬وربام افضل بكثري‪ ..‬وتصبح مرة اخرى‬
‫احلصان األسود وحديث النقاد»‪..‬‬
‫وقبل "سامانتا"‬
‫فرحا‪ ..‬هنض من مكانه ّ‬
‫فتح ماجد عيناه دهشة مما يسمع‪ً ..‬‬
‫وضمها إىل ذراعيه واص ًفا إياها باملنقذ‪ ..‬وكم هي رائعة وهتتم بشئونه بدرجة‬
‫مذهلة‪ ..‬ثم اضاف حمدثا نفسه‪ ..‬أين فتيات مرص‪ ..‬يرون كيف تكون معاملة‬
‫الرجل وكيف يكون االهتامم والدفع به لألمام إىل طريق النجاح‪ ..‬إىل منصة‬
‫التتويج عيل الفور‪..‬‬
‫دخل خبري التغذية وفتح حقيبة واعطي ماجد بعض علب الدواء ً‬
‫قائل‬
‫إهنا عقاقري ومقويات وفيتامينات‪ ..‬تعوضه عن نقس الربوتني الذي ال حيصل‬

‫‪222‬‬
‫عليه ماجد بشكل كايف للمساعدة يف بروز وتشكيل العضالت‪ ..‬وكذلك‬
‫ً‬
‫تعويضا عن‬ ‫بعض األدوية التي سوف تساعده عىل الرتكيز واالنتباه جيدً ا‪..‬‬
‫قلة عدد ساعات النوم‪..‬‬
‫فرح ماجد بتلك العقاقري وبدأ عىل الفور يف تعاطيها‪ ..‬ثم استعد‬
‫للخروج للتنزه مع «سامانتا» غري عابئ بالتدريبات‪ ..‬حيث اصبح لديه من‬
‫العقاقري واملكمالت ما يكفيه ليستغني عن الذهاب إىل اجليم او مراقبة نظامه‬
‫عرصا‪..‬‬
‫ً‬ ‫الغذائي‪ ..‬فله ان يأكل ما يشتهي وينام قرب الفجر واالستيقاظ‬
‫ً‬
‫حلول جلميع‬ ‫فسحر "سامانتا" ليس فقط يف مجاهلا ولكن يف االهتامم به وإجياد‬
‫مشكالته بخالف إمتاعه باخلروج والتنزه معها والذهاب ألماكن كان يصعب‬
‫عليه اكتشافها بمفرده‪..‬‬
‫جاء اليوم الرابع للبطولة‪ ..‬استيقظ ماجد بصعوبة بالغة يف الصباح‪..‬‬
‫حيث مل حيصل عىل نصيب من النوم إال ساعتني فقط‪ ..‬ثم تناول ً‬
‫بعضا من‬
‫تلك العقاقري التي سوف تساعد عىل الرتكيز وعقاقري أخرى ملساعدته يف‬
‫انتفاخ عضالته‪ ..‬صعد إىل منصة العرض‪ ..‬أدى العروض بصعوبة فلم يكن‬
‫يدري ماذا يفعل حتديدً ا ومل يلتزم بالرتتيب يف عرض عضالته‪ ..‬وبعد العرض‬
‫ُطلب منه الذهاب للمعمل ألخذ عينة‪ ..‬حيث وقع عليه االختيار وبعض‬
‫الرياضيني األخرين إلجراء اختبارات حتليل املنشطات‪..‬‬
‫كانت «سامانتا» يف انتظاره‪ ..‬حاول االعتذار عن اخلروج معها لتعبه‬
‫الشديد وحاجته امللحة للحصول عيل قسط من الراحة واخللود للنوم‪ ..‬لكنه‬
‫فشل أمام رقتها وإغراءاهتا له بأنه سوف يقيض وق ًتا لن ينساه طيلة حياته‬

‫‪223‬‬
‫وسوف يذهب إىل مكان جديد متا ًما حيث ال ختلو متعة واال جيدها حارضة‬
‫أمامه‪ ..‬ونقلت اليه تعليقات احلارضين للعرض وهو فوق املنصة انه أدي أدا ًء‬
‫جيدً ا للغاية وأن عضالته كانت يف حالة مميزة ومنتفخة للغاية‪ ..‬رضخ ماجد‬
‫إلحلاحها وذهب لقضاء اليوم معها‪..‬‬
‫***‬

‫‪224‬‬
‫قىض رشيف ومايا أمجل أيام حياهتام يف طرقات وشوارع چنوة لعدة أيام‬
‫بعدها ذهبا يف نزهة لعدة أيام يف روما العاصمة حيث الفنون واإلبداع وهو ما‬
‫كانت حتلم به مايا ً‬
‫دائم أن تزور التاريخ واملتاحف والكنائس‪ ..‬فن التصوير‬
‫والنحت‪ ..‬إبداعات مايكل انجلو‪ ..‬دافنيش‪ ..‬وأخرين‪ ..‬وحضور عروض‬
‫األوبرا‪ ..‬زيارة برج بيزا املائل‪ ..‬واملرسح األوليمبي‪..‬‬
‫تناوال الطعام اإليطايل الشهي حيث استهال يومهام بتذوق القهوة‬
‫االيطالية يف الصباح مع بعض شطائر البيتزا يف الغداء‪ ..‬وتوقفت مايا بصحبة‬
‫ً‬
‫طويل أمام رسامني يفرتشون األرض يف امليادين ويقومون برسم‬ ‫رشيف‬
‫لوحاهتم أو وجوه بعض املارة مقابل مبلغ زهيد من املال‪ ..‬مستخدمني القلم‬
‫الفحم‪ ..‬أو مشاهدة بعض عازيف اجليتار وهم يعزفون املقطوعات الشهرية‪..‬‬
‫كانت مايا يف قمة سعادهتا‪ ..‬وسعادهتا برشيف كانت أكرب حيث كان هلا بمثابة‬
‫يوميا وصوهتا يرقص من‬
‫هدية السامء اليها‪ ..‬وكانت حتادث اباها د‪ .‬كامل ً‬
‫شدة الفرح‪..‬‬
‫باقي بضعة ايام عىل التحاق رشيف باملركب املتجهة إىل املغرب يف اويل‬
‫رحالته العملية كضابط بحري جتاري‪ ..‬وأكثر ما كان يؤرقه هي مايا كيف‬
‫يرتكها ملدة اسبوعني يكون هو يف رحلة‪ ..‬الذهاب والعودة‪ ..‬يف تلك األثناء‬

‫‪225‬‬
‫ألتقى رشيف ومايا ببعض األصدقاء واجلريان وبدأت تتكون هلام صداقات‬
‫تساعدمها عيل االندماج يف املجتمع اإليطايل‪ ..‬الذي يشبه إىل حد كبري املجتمع‬
‫السكندري الذي نشأت فيه مايا وقىض رشيف جزء كبري من حياته هبا‪..‬‬
‫اقرتح رشيف عىل مايا ان تلتحق بإحدى املدارس لتعلم اللغة اإليطالية‪..‬‬
‫ً‬
‫وأيضا كي ال تشعر بامللل يف غيابه وربام يصبح هلا أصدقاء‪ ..‬يؤنسون وحدهتا‬
‫حلني عودته‪ ..‬وكانت تلك فكرة جيدة للغاية‪ ..‬حيث استفادت منها مايا‬
‫ألقىص مدى‪..‬‬
‫تعلمت اللغة اإليطالية واستطاعت ان تكون بعض مجل وكلامت‬
‫ً‬
‫وأيضا أصبح هلا عدد ال بأس به من‬ ‫تساعدها عىل احلياة وقضاء مصاحلها‬
‫جنسيات خمتلفة ممن يدرسون معها اللغة اإليطالية‪ ،‬وكذلك بعض من اجلريان‬
‫اإليطاليني ‪..‬وبتبادل احلديث معهم زاد اتقاهنا للغة أكثر وأكثر‪..‬‬
‫***‬

‫‪226‬‬
‫استطاعت مروة إقناع نادل يعمل بالكافيرتيا الرئيسية بالنادي وبأغرائه‬
‫بالكثري من املال أن يكون ذراعها اليمنى يف النادي وإن كل من يريد رشاء‬
‫الكوكايني سوف يأتيه بكلمة رس متفق عليها‪ ..‬فيقدم له اجلرعة بجانب‬
‫املرشوب الذي يطلبه حني جلوسه بالكافيرتيا‪ ..‬وبدأ النادل عمله بإتقان‬
‫شديد وكان له زبائن من الرجال والنساء ‪..‬‬
‫ثم استطاعت مروة من إقناع ً‬
‫رجل آخر يعمل يف مراقبة محام السباحة‬
‫ومن يرتاده وبمجرد حصوله عىل مبلغ كبري من املال أبدى انصياعه الشديد‬
‫واستعداده التام لعمل ما يطلب منه مقابل استمرار تدفق املال عليه حيث كام‬
‫علمت مروة إنه عىل عالقة بفتاة تقدم خلطبتها منذ ثالث سنوات وال يستطيع‬
‫امتام زواجه لضيق ذات اليد وضعف راتبه‪..‬‬
‫هنارا ويقوم بالتوزيع ً‬
‫ليل مع بعض أعوانه‪..‬‬ ‫عالء يعمل يف متجر املالبس ً‬
‫ويف إحدى املرات جاءه أحد الرجال املوردين لشحنات املخدرات له وملروة‬
‫زوجته أخربه فيها أن العمل تطور لدهيام وإهنام ابتدعوا طر ًقا جديدة للتهريب‬
‫وعليه ان يتدرب عليها حيث يتم إخفاء الكوكايني يف نعول األحذية الرياضية‬
‫وداخل بعض املالبس‪ ،‬وبام إنه لديه متجر للمالبس اجلاهزة فمن الطبيعي‬

‫‪227‬‬
‫واملنطقي أن يقوم باسترياد ً‬
‫بعضا من تلك املالبس بشكل طبيعي وتدخل‬
‫البالد دون لفت االنتباه‪..‬‬
‫لكن املشكلة لدهيم أن تلك املالبس املحشوة بالكوكايني يتم جتهيزها يف‬
‫املغرب‪ ..‬واملغرب أصبحت حمط انتباه رجال اجلامرك ورجال مكتب مكافحة‬
‫املخدرات‪ ..‬فيجب نقلها إىل بلد آخر بشكل شخيص وليس عن طريق‬
‫الشحن‪ ..‬ومن ثم يعاد شحنها من تلك البلد إىل مرص ‪..‬‬
‫ثم استطرد قائال‪" ..‬وقد علمنا أن ملروة صديقة هلا اخ يعمل ضابطا بحريا‬
‫يف ايطاليا وإن رحالت املركب التي يعمل عليها تتجه إىل املغرب وعلمنا ً‬
‫أيضا‬
‫أن هذا الرجل كان صديقًا لك يف يوم من األيام‪ ..‬فكل ما هو مطلوب منك‬
‫اعادة هذه الصداقة وأحيائها مرة أخرى‪ ..‬عن طريق االتصال به وهتنئته‬
‫بالزواج وإنك ال تريد أن خترسه كصديق وامنياتك بعودة صداقتكام من جديد‬
‫ونسيان ما حدث من قبل»‪..‬‬
‫"وتستطيع يا عالء أن حتصل عىل رقم هاتفهم يف إيطاليا والربيد‬
‫االلكرتوين اخلاص به من زوجتك مروة حيث هي تتواصل مع اخته نورا‬
‫ويمكن ان تسأهلا بسهولة عن كل تلك املعلومات بغرض اخلري وعقد الصلح‬
‫بني عالء ورشيف»‪..‬‬
‫أطال عالء النظر للرجل فا ًحتا فاه غري مصدق ما يسمعه‪ ..‬كيف هلم بمعرفة‬
‫كل هذه املعلومات بتفاصيلها‪ ..‬صديقه السابق وما حدث بينهام‪ ..‬عمله يف‬
‫إيطاليا‪ ..‬صداقة زوجتي مروة بأخته نورا‪ ..‬من هؤالء الناس كيف عرفوا كل‬

‫‪228‬‬
‫تلك املعلومات‪ ..‬لكن الفكرة اعجبته‪ ..‬وأكثر ما أعجبه فيها ان يرشك رشيف‬
‫صاحب املبادئ‪ ..‬وال يصح إال الصحيح‪ ..‬يف هتريب الكوكايني‪..‬‬
‫وبدأ الرجل يف رشح خطة العمل لعالء بكل التفاصيل‪ ..‬كيف يوطد‬
‫عالقته برشيف وكيف يطلب منه أن يقابل أحد رجاهلم يف املغرب واحلصول‬
‫منه عىل بعض املالبس يف حقيبة لتساعد عالء يف متجره ونجاح مرشوع‬
‫املالبس اجلاهزة فيكون عمل خري ومساعدة صديق بدون كذب كام طلب منه‬
‫عالء يف السابق وكان هذا سبب القطيعة بينهام‪..‬‬
‫عندما عادت مروة من النادي حيث أصبحت تتواجد هناك بشكل يومي‬
‫لالهتامم ومتابعة السوق اجلديد للتوزيع التي قامت بتكوينه داخل النادي‬
‫وأعضائه جلست مع عالء جلسة مطولة‪ ..‬رشح هلا فيها ما دار بينه وبني ذلك‬
‫الرجل وما هو دورها بالتحديد وأن عليها تنفيذ مجيع التعليامت بكل دقة‬
‫واتقان‪..‬‬
‫زاد محاس رجال مكافحة املخدرات وزاد معه صربهم عىل عالء ومروة‬
‫ً‬
‫وأيضا معرفة أفراد‬ ‫االستطاع بإيقاع أكرب عدد من املتاجرين بتلك السموم‬
‫الشبكة الدولية باملغرب ولبنان‪ ..‬ومتابعة مالحقتهم بالتعاون مع البوليس‬
‫الدويل‪..‬‬
‫***‬

‫‪229‬‬
‫ً‬
‫اتصال من العميد فؤاد والدها ووالدهتا‪ ..‬يطمئنان عليها‬ ‫تلقت نورا‬
‫وإهنام يفتقداهنا ويتمنيان هلا السعادة‪ ..‬كانت نورا تسمعهام ودموعها تنهمر‬
‫بال توقف ولكن بدون مههامت أو أي صوت‪ ..‬وأخربهتم اهنا بخري وسعادة‬
‫وطلبت منهام الدعاء هلا‪..‬‬

‫بعدها تلقت نورا أعنف انواع التوبيخ من احلاجة نعامت تلومها عىل‬
‫تركها بال طعام افطار وانشغاهلا باهلاتف طوال الوقت وأن عليها جتهيز طعام‬
‫الغداء بعد ذلك باإلضافة إىل األعامل املنزلية األخرى‪ ..‬وبينام هي تستمر يف‬
‫وصالت اللوم والعتاب الذي يصل يف بعض االوقات إىل درجة السباب‪..‬‬
‫غضبا قائلة‪ ..‬تاين‪..‬‬
‫ً‬ ‫دق هاتف نورا مرة أخرى فاستشاطت احلاجة نعامت‬
‫تليفونك امللعون ده تاين‪ ..‬لن اتناول أفطاري بسببك أنت ومكاملاتك‪ ..‬ربنا‬
‫يأخذك انت واليل بيتصل َ‬
‫بيك‪..‬‬

‫جانبا‪ ..‬لرتد عىل مروة حيث ظهر اسمها عىل اهلاتف‪ ..‬كي‬
‫انزوت نورا ً‬
‫ال تسمع ما جيرح أذناها‪ ..‬ولكي ال تعرف مدى الشقاء والبؤس الذي تعيشه‬
‫نورا مع تلك السيدة امللقبة باحلاجة نعامت‪ ..‬كيف تكون حاجة ويصدر منها‬
‫كل هذه االفعال والكلامت القبيحة‪..‬‬

‫‪230‬‬
‫ً‬
‫طويل مع مروة‪ ..‬حيث طلبت مروة من نورا أن تقابلها يف‬ ‫حتدثت نورا‬
‫أمر هام فاعتذرت نورا متعللة بأهنا ال تستطيع ان ترتك والدة ماجد وحدها‪..‬‬
‫فهي حتتاج إىل وجودي بجانبها‪ ..‬فلم تكن نورا تكذب حيث كان هذا هو‬
‫سببا آخر خفي‪ ..‬منع نورا عن مقابلة‬
‫السبب احلقيقي الظاهر‪ ..‬لكن كان هناك ً‬
‫مروة هي خشيتها ان تقدم اليها مروة جمموعة أخرى من اجلرائد التي هبا اخبار‬
‫ماجد مع احلسناء األوروبية وهم يف وضع أكثر محيمية‪ ..‬فلربام تنهار أو متوت‬
‫وكم االهانات التي تتعرض هلا من‬
‫حرسة ليست عىل ماجد ولكن عىل نفسها ّ‬
‫كل اجلوانب‪..‬‬
‫يشء ما داخلها كان يشعرها أن مروة تريد التشفي فيها‪ ..‬وأهنا سعيدة‬
‫بأخبار ماجد وصوره وليس كام تظهر من تأثر‪ ..‬بأن الرجال كلهم خائنني‪..‬‬
‫فبعد اعتذار نورا ورفضها اخلروج إىل النادي للقاء مروة اضطرت مروة‬
‫ان تفصح هلا عن طلبها عرب اهلاتف اخربهتا أن عالء يفتقد صديقه رشيف‬
‫كثريا لقطع العالقات بينهام وهو يريد أن يستعيد صداقته مرة أخرى‪،‬‬
‫وحيزن ً‬
‫وخاصة بعد علمه بخرب زواجه باإلسكندرية فهو يريد رقم هاتفهم بإيطاليا‬
‫وكذلك عنوان الربيد اإللكرتوين اخلاص برشيف‪ ..‬فهو عمل خري وجيب أنا‬
‫ِ‬
‫وأنت يا نورا أن نشرتك فيه‪ ..‬الصلح بني زوجي وأخيك‪..‬‬
‫بالطبع مل تد ِر نورا ما يدور يف اخلفاء وراء كل مجل ومكاملات مروة املغلفة‬
‫بالعسل اخلارج من فم افعي فكيف ألفعي أن تدر ً‬
‫عسل‪ ..‬فبالتأكيد هو السم‬
‫الناقع يف قارورة حلفظ العسل‪..‬‬

‫‪231‬‬
‫فرحت نورا باالشرتاك يف الصلح بني أخيها وصديقه القديم والذي هو‬
‫يف نفس الوقت زوج صديقتها‪ ..‬وعىل الفور أرسلت هلا رسالة هبا رقم اهلاتف‬
‫يف إيطاليا وكذلك الربيد اإللكرتوين‪..‬‬
‫***‬

‫‪232‬‬
‫حرض اليوم اخلامس يف بطولة كامل األجسام بأوكرانيا‪ ..‬وماجد يف حال‬
‫اسوأ من ذي قبل ومستواه يف تراجع‪ ..‬لكن ثقته يف العقاقري كبرية إىل حد جعله‬
‫هيمل التدريبات متا ًما واعتمد فقد عىل التعويض عن نقص اللياقة والتغذية‬
‫بالعقاقري‪ ..‬وكانت «سامانتا» دائمة التشجيع له واقناعه انه يف حال افضل وأنه‬
‫سوف يكون من األبطال‪ ..‬وعىل اجلانب اآلخر مل يتوقف مدربه عن حتذيره له‬
‫مبكرا واالهتامم‬
‫أنه عليه االبتعاد عن تلك الفتاة والرتكيز يف التدريبات والنوم ً‬
‫باجلانب الغذائي‪ ..‬والبعد عن أي عقاقري حيث هو ال يعلم ما هي تركيبة تلك‬
‫العقاقري واملواد املستخدمة هبا أهي مسموح هبا للرياضيني أم ممنوعة‪..‬‬

‫وبالفعل ما خيش منه مدربه قد حدث حيث ظهرت نتيجة حتاليل العينة‬
‫التي اخذت من ماجد من قبل ولألسف النتيجة هذه املرة «إجيابية" أي إهنا‬
‫اثبتت تعاطيه للمنشطات وهذا أمر جلل يف األوساط الرياضية‪ ..‬حيث يعد‬
‫بمثابة التزوير أو اخلداع والتزييف حيث يتعاطى موا ًدا منشطة جتعله يتفوق‬
‫عىل أقرانه املنافسني يف البطولة وهو ما جيرمه القانون الدويل للعبة‪ ..‬وكانت‬
‫فضيحة مدوية يف مجيع وسائل اإلعالم حيث حتدثت عن تعاطي ماجد‬
‫هم بالبحث عن «سامانتا» التي اختفت‬
‫للمنشطات املحظورة‪ ..‬وفور علمه َّ‬

‫‪233‬‬
‫من جواره ليسأهلا عن تلك العقاقري ومفعول السحر الذي من املفروض أن‬
‫جيعله من املنافسني عىل املراكز األويل‪..‬‬
‫اختفت «سامانتا» ووجد ماجد نفسه وحيدً ا‪ ..‬وتعرض للخضوع‬
‫ـرارا بحقه‪ ..‬وبالطبع ُمنع من إكامل العروض‬
‫للتحقيق حلني إصــدار قـ ً‬
‫واالستمرار يف املنافسة بالبطولة‪..‬‬
‫وهنا تظهر مروة مرة أخرى لتستمر يف التشفي وإبالغ نورا بآخر األخبار‬
‫وبفضيحة ماجد األخالقية وسقوطه املدوي وأصبح لقبه اجلديد ً‬
‫بدل من‬
‫احلصان األسود إىل الريايض األسوأ‪ ..‬ومل ترمحه صفحات اجلرائد واملجالت‬
‫التي جمدته يف أول يوم‪ ..‬هي نفسها حتدثت عن تعاطيه املنشطات املحظورة‪..‬‬
‫قرارا من اللجنة املنظمة واالحتاد الدويل بإيقاف ماجد عن‬
‫بعدها صدر ً‬
‫ممارسة أي رياضة ملدة أربعة سنوات‪ُ ..‬قىض عىل ماجد كريايض‪..‬‬
‫تلقى رشيف مكاملة عىل هاتفه قبل سفره بيومني حيث كانت من عالء‬
‫يطلب منه نسيان ما مىض وأن يبدآ صفحة جديدً ا وأنه طاملا اختذه صديقًا‬
‫مقر ًبا‪ ..‬وال يريد التفريط يف تلك الصداقة‪ ..‬ثم هنأه بالزواج والسفر والعمل‪..‬‬
‫فرح رشيف بمكاملة عالء وفرح باستعادة صديقه القديم أحد اعضاء‬
‫الشلة‪ ..‬وفرح أكثر بعودة عالء إىل رشده او كام ظن رشيف‪ ..‬وبعدها تظاهر‬
‫عالء بعدم معرفته عن عمل رشيف فحكى له رشيف خط سريه وأنه سيبحر‬
‫إىل املغرب ثم العودة إىل إيطاليا وبعدها يعود مع مايا إىل مرص يف أجازة لزيارة‬
‫األهل ثم العودة مرة أخرى إىل ايطاليا‪..‬‬

‫‪234‬‬
‫وبعدما استمع عالء اليه باهتامم طلب منه ان كان رشيف يستطيع اسداء‬
‫خدمة إليه تساعده يف عمله اجلديد يف املالبس اجلاهزة‪ ..‬إنه اتفق مع احد‬
‫التجار املوردين للمالبس باسترياد بعض قطع املالبس فإذا كان باستطاعة‬
‫رشيف مقابلته وإحضار حقيبة املالبس منه‪..‬‬
‫كبريا ووافق أن يكون عونا لعالء يف اويل خطواته يف‬
‫ابدى رشيف تعاونا ً‬
‫متجره اجلديد‪..‬‬
‫التحقت مايا بمدرسة تعليم اللغة االيطالية وكانت سعيدة للغاية واصبح‬
‫هلا اصدقاء من بلدان خمتلفة يدرسون اإليطالية مثلها‪..‬‬
‫جاء يوم سفر رشيف‪ ..‬شعرت مايا منذ صباح ذلك اليوم كأن روحها‬
‫تغادرها ببطء‪ ..‬أمجل من يف احلياة‪ ..‬احلياة نفسها‪ ..‬رشيف يغيب أسبوعني‪..‬‬
‫اسبوعان حتبس فيها األنفاس وتتوقف احلياة‪ ..‬نعم بدون رشيف ال حياة‬
‫ولكني عاهدته أن أتفوق يف دراسة اللغة وأخرج للتنزه يف البلدة‪ ..‬اكتشف‬
‫شوارعها‪ ..‬حدائقها‪ ..‬وعاهدته ً‬
‫أيضا أن أتقن طبخ بعض األكالت اإليطالية‬
‫التي حيبها وأتقن ً‬
‫أيضا عمل قهوة الصباح الذي يفضلها رشيف وورث حبها‬
‫من والده العميد فؤاد‪..‬‬
‫أبحرت مركب رشيف بعيدً ا عن امليناء وبدا أول عهده بالعمل تعرف عىل‬
‫افراد طاقم السفينة وكون عالقات طيبة معهم‪ ..‬اجلميع أحبه ألدبه الشديد‬
‫وحسن خلقه بجانب اجتهاده يف العمل وااللتزام بجميع التعليامت وطاعة‬
‫رؤساءه وقبطان السفينة‪ ..‬وما أن وصلت املركب إىل ميناء «طنجة» قبل رحلة‬
‫العودة فكان يريد رشاء اهلدايا ملايا وأبيه وأمه ونورا‪ ..‬وهو يف طريقه للخروج‬

‫‪235‬‬
‫من امليناء واثناء مروره باجلوازات تعرف عىل أحد العاملني بمنطقة اجلوازات‬
‫ً‬
‫بشوشا اسمه «سعيد»‪ ..‬وما ان عرف «سعيد» ان‬ ‫مغربيا‬
‫ً‬ ‫والتفتيش‪ً ..‬‬
‫رجل‬
‫رشيف الضابط البحري عىل املركب القادمة من جنوة مرصي اجلنسية فرح‬
‫ورحب به أشد الرتحيب وحادثه بالعربية إنه ممتن لرؤيته حيث أخو "سعيد"‬
‫األصغر يدرس يف القاهرة يف األزهر الرشيف وأنه زار القاهرة ثالث مرات وله‬
‫أصدقاء كثر هناك‪ ..‬وسأل رشيف أن كان يريد أي مساعدة أن يطلب ويلجأ‬
‫اليه عىل الفور‪ ..‬جلسا سويا حوايل الساعتني تبادال فيها األحاديث حيث‬
‫كان سعيد قد اهني عمله فمكث مع رشيف يف كافيرتيا بامليناء قبل الذهاب‬
‫إىل البيت‪ ..‬وقام «سعيد» بدعوة رشيف إىل الغداء معه وصمم عىل أن يقبل‬
‫رشيف الدعوة‪ ..‬وبعدها سوف يصطحبه ألخذه يف جولة باألسواق لرشاء‬
‫رائعا استمتع به رشيف للغاية‬
‫مغربيا ً‬
‫ً‬ ‫ما حيتاجه من هدايا ألرسته‪ ..‬كان غذا ًء‬
‫حيث كان رشيف يعشق االسامك منذ ان كان يقيم باإلسكندرية فوجد ما لذ‬
‫وطاب من الطعام املغريب الشهي واصناف االسامك املتنوعة وكذلك احللوى‬
‫املغربية الشهرية‪ ..‬ثم بعد الغداء بدأت جولتهام يف مدينة طنجة الساحلية حيث‬
‫زار األسواق وقصبة غيالن‪ ..‬ثم اختتام الزيارة بسوق الداخل‪..‬‬
‫كان رشيف سعيدً ا للغاية بتلك اجلولة الرائعة وسعيد أن اكتسب صداقة‬
‫«سعيد»‪ ..‬حيث شعر أنه يعرفه منذ زمن‪ ..‬ومتنى رشيف لو كانت مايا بصحبته‬
‫حيث هي تعشق الفسيفساء وما أكثرها يف األماكن العامة وداخل املنازل‪..‬‬
‫ثم جلسا عىل إحدى املقاهي واحتسى رشيف الشاي املغريب بالنعناع وكان‬

‫‪236‬‬
‫جو املدينة رائع حيث تقع بني البحر املتوسط واملحيط األطلنطي عىل الطرف‬
‫الغريب جلبل طارق‪..‬‬
‫وخالل جولته وبعد عدة مكاملات من رشيف ملايا ووالده العميد فؤاد‬
‫وأمه مدام كريمة تلقي رشيف مكاملة من عالء من القاهرة وبعد الكثري من‬
‫السالمات دخل عالء مبارشة يف طلبه أن طلب من رشيف أن يقابل أحد جتار‬
‫املالبس اجلاهزة التي يتعامل معهم عالء ويتلقى منه شحنة صغرية من املالبس‬
‫عىل احدث صيحات املوضة يف داخل حقيبة وعليه أن يعود هبا إىل إيطاليا ثم‬
‫حيرضها معه إىل القاهرة‪..‬‬
‫أبدى رشيف موافقته عىل الفور حيث كان سعيدا بعودة عالقته بعالء إىل‬
‫ما كانت عليه من قوة قبل حدوث اخلالف بينهام‪..‬‬
‫وبالفعل بعد أقل من ساعة تلقى رشيف مكاملة من أحد األشخاص‬
‫املغاربة خيربه فيها أن لديه حقيبة له ختص عالء تقابال يف حضور «سعيد» وأخذ‬
‫رشيف احلقيبة واهنى جولته ويف املساء قام سعيد بتوصيله إىل امليناء والدخول‬
‫معه حتى سلم املركب حيث كان سعيد معرو ًفا بامليناء لطول فرتة عمله هناك‬
‫ً‬
‫وأيضا لطبيعته املرحة وصداقته مع اجلميع‪..‬‬
‫وكالعادة داخل امليناء البد أن يعرب بوابات األمن وأماكن التفتيش‬
‫والتأمني‪ ..‬مر سعيد وخلفه رشيف ووضع حقائبه وما معه من هدايا‬
‫عىل احلزام اخلاص بنقل احلقائب للكشف عليها‪ ،‬وإذا باملراقبني األمنيني‬
‫يستوقفون رشيف وحقائبه ويطلبون تفتيش مجيع احلقائب اخلاصة به وخاصة‬
‫حقيبة املالبس اجلاهزة املراد إيصاهلا إىل عالء‪..‬‬

‫‪237‬‬
‫قام فريق متخصص بتفتيش احلقائب واالستعانة ببعض الكالب‬
‫البوليسية املدربة حيث انقض زوج من الكالب عىل حقيبة عالء‪..‬‬
‫اصطحب الفريق االمني رشيف واحلقيبة وقاموا بتفتيشها جيدً ا وكان‬
‫معه سعيد‪ ..‬أكياس مستور عالء‪ ..‬وجد الفريق األمني أكياس الكوكايني يف‬
‫داخل املالبس يف اماكن رسية‪ ..‬وبالطبع كان رشيف هو املسئول عن احلقيبة‪..‬‬
‫وتدخل سعيد ليرشح هلم انه كان شاهد عيان عىل تلقى رشيف للمكاملة من‬
‫َّ‬
‫عالء وبعدها تاجر املالبس اجلاهزة املغريب والذي تقابل مع رشيف بصحبة‬
‫سعيد حيث ال يعرف رشيف ما بداخل احلقيبة ومن فرط أخالقه وأمانته مل‬
‫يقم رشيف بفتح احلقيبة للتأكد من حمتوياهتا‪..‬‬
‫مدبرا لرشيف دون علمه حيث‬
‫أدرك البوليس املغريب ان االمر ربام يكون ً‬
‫يكون ً‬
‫ناقل للمخدرات دون أن يدري ماذا حيمل‪ ..‬فهم معتادون عىل تلك‬
‫االساليب من املهربني حيث ً‬
‫دائم ما يلجؤون إىل وجوه جديدة غري معروفة‬
‫لدى الرشطة‪ ..‬وكتم عنهم خرب وحقيقة ما حيملون‪..‬‬
‫قام البوليس املغريب بعمل اتصاالته بالبوليس املرصي والبوليس‬
‫الدويل‪ ..‬وجاءت اإلجابات والردود يف صالح رشيف حيث أخربهم رجال‬
‫رشطة مكافحة املخدرات إهنم عىل علم بكل التفاصيل ولدهيم تسجيالت‬
‫تثبت تورط عالء وسذاجة رشيف وعدم علمه أو اشرتاكه يف هذه األعامل‬
‫اإلجرامية‪ ..‬وتم التنسيق واالتفاق بني رجال الرشطة يف كال البلدين أن يكمال‬
‫التمثيلية لكن دون تعريض رشيف للخطر‪ ..‬حيث استبدلوا احلقيبة بأخرى‬
‫مشاهبة وأعطوها لرشيف واعتذروا له عن اخلطأ‪ ..‬وكانت احلقيبة البديلة‬

‫‪238‬‬
‫هبا مالبس دون وجود أي خمدرات حيث يستطيع رشيف العودة إىل إيطاليا‬
‫واخلروج منها إىل مرص دون مشاكل‪..‬‬
‫وتم إرسال احلقيبة األصلية إىل السلطات املرصية حيث تستبدهلا عند‬
‫دخول رشيف إىل مطار القاهرة دون أن يشعر وعند مقابلة عالء باحلقيبة يتم‬
‫مجيعا يف حالة تلبس ويكون اعتبار رشيف جمرد شاهد ملك يف‬
‫القبض عليهم ً‬
‫القضية‪ ..‬هذا ما اتفق عليه رجال الرشطة يف البلدين وبعد موافقة رؤسائهم‬
‫وطلب من سعيد الكتامن وأال يطلع رشيف بأي يشء‬‫بالطبع‪ ..‬وبدأت اخلطة ُ‬
‫حتى ال يرتبك وتفسد خطتهم‪..‬‬
‫***‬

‫‪239‬‬
‫يف مطار القاهرة عاد ماجد وحيدً ا جير أذيال اخليبة والعار بعد ثبوت‬
‫تعاطيه للمنشطات وحرمانه من البطولة وطرده من اوكرانيا ومعاقبته بعدم‬
‫االشرتاك يف أي بطولة حملية أو دولية ملدة أربع سنوات كاملة‪..‬‬
‫يف داخل املطار مل جيد احدً ا يف انتظاره من إدارة النادي أو أصدقائه حيث‬
‫أصبح منبو ًذا‪ ..‬وشعر إنه سوف يعامل مثل املزورين واملرتشني وشعر بالندم‬
‫عىل انجرافه وراء تلك احلسناء األوروبية اخلبيثة اخلائنة‪ ..‬فهي أول من تركته‬
‫وختلت عنه بمجرد أن فقد عرش نجوميته وبسبب هلثه وراءها‪ ..‬أضاع كل‬
‫يشء‪ ..‬بداية الطريق‪ ..‬ضاع الطريق ملاذا مل يستمع لنصائح مدربه؟ ملاذا مل جيرب‬
‫أن يبتعد عنها؟ ملاذا رأي فيها أكثر من زوجته أو أي امرأة مرصية‪ ..‬الشعر‬
‫األصفر‪ ..‬العينان الزرقاوان‪ ..‬ولكن كم يساوي كل هذا بدون إخالص‪..‬‬
‫بدون صدق يف املشاعر بدون املساندة والدفع لألمام‪..‬‬
‫غرق ماجد‪ ..‬وضاعت كل أحالمه‪ ..‬مل يعد له يشء‪ ..‬وظيفته ال تكفي‬
‫ً‬
‫مسئول عن بيت‪ ..‬زوجة وربام أطفال‪ ..‬وما هو موقف النادي‬ ‫راتبها أن يكون‬
‫واحتاد اللعبة منه‪ ..‬يف الغالب سوف يتم حتويله للتحقيق ويمنع من دخول‬
‫النادي‪ ..‬النادي الذي شهد مقابلة نورا وأحىل أيام حياته وحبه لنورا‪ ..‬نورا‬
‫تليفونيا‬
‫ً‬ ‫املخلصة املثابرة الصابرة اخلادمة ألمه‪ ..‬ماذا يقول هلا وهو مل حيادثها‬

‫‪240‬‬
‫زوجا سي ًئا وعاملها اسوأ معاملة وبالتأكيد إهنا عرفت‬
‫ولو مرة واحدة‪ ..‬كان ً‬
‫إخباره وشاهدت صوره مع «سامانتا» يف اجلرائد بامذا يربر فعلته‪ ..‬كم هو ندل‬
‫خائن‪ ..‬مهمل‪ ..‬غري أمني عليها‪ ..‬رغم أن وصية والدها العميد فؤاد الوحيدة‬
‫ان يضع نورا يف عينيه وهيتم هبا ويسعدها وال هيمل أمرها مطلقًا‪..‬‬
‫ماذا يقول لسيادة العميد‪ ..‬لن جيد إال كل احتقار وإهانة من اجلميع‪..‬‬
‫فاشل‪ ..‬أنا فاشل‪ ..‬مطرود من جنة البطوالت وحمروم من نعيم التتويج بأي‬
‫ميدالية‪..‬‬
‫***‬

‫‪241‬‬
‫حتركت مركب رشيف يف طريقها لإلبحار عائدة إىل ميناء جنوة‬
‫اإليطايل‪ ..‬كم يشتاق ملايا‪ ..‬وكم ستفرح باهلدايا والصور التي التقطها هباتفه‬
‫لألماكن الرائعة واجلميلة يف مدينة طنجة الساحرة‪ ..‬وصديقه اجلديد "سعيد"‬
‫كم هو رائع ومل يرتكه حلظة واحدة‪ ..‬إىل أن عاد ‪ ..‬كم يتمني رشيف أن يرد‬
‫إليه املعروف وأن يستضيفه يف مرص وأخيه ً‬
‫ايضا‪ ..‬وماذا عن تلك احلقيبة التي‬
‫ختص عالء ملاذا قامت الرشطة بتفتيشها‪ ..‬ماذا كانت تشك فيه‪ ..‬لكن كل يشء‬
‫سار عىل أفضل حال‪ ..‬وبالطبع مل يكن رشيف يعلم أن احلقيبة التي يف حوزته‬
‫هي احلقيبة البديلة وأن األصلية يف حوزة الرشطة بميناء طنجة‪..‬‬
‫طلب أحد أعضاء الشبكة التي يعمل هبا عالء ومروة االجتامع هبام ألمر‬
‫هام وحدد هلام مكان االجتامع بأحد الفنادق املطلة عىل النيل‪ ..‬وبالفعل حرضا‬
‫يف املوعد و تبادال األحاديث العامة ثم تطرقا للحديث عن عملهم يف توزيع‬
‫الكوكايني وكيفية تسيري األمور‪ ..‬وبعد ان استمع الرجل لعالء وما يقوم به‬
‫وبعده استمع إىل مروة واألسواق اجلديدة التي تسعى لفتحها يف النادي وغريه‬
‫مؤخرا اتته‬
‫ً‬ ‫اخربهم ان هلم اعوان يف الرشطة إلبالغهم بأي خطر حييق هبم وأنه‬
‫إخبارية أن رشطة مكافحة املخدرات ورجال مباحث األموال العامة جيرون‬
‫حتريات عن عالء ومروة واهنم حيومون حوهلام من بعيد‪..‬‬

‫‪242‬‬
‫اخربهم إنه حتى هذه اللحظة األمور تبدو جيدة لكن ال يعلم أحد ما‬
‫سوف حيدث يف املستقبل لذلك وجب عليهام احلذر الشديد‪ ..‬ثم قام بإعطاء‬
‫بعض التعليامت والنصائح هلام كي تساعدهم يف عدم إثارة الشبهات حوهلام‪،‬‬
‫وأهنام البد وأن يكونا بعيدين عن مرسح األحداث من عملية البيع والتوزيع‬
‫فهذه املسألة يقوم هبا من دوهنم من مساعدين كي يبقيا مها يف أمان‪..‬‬
‫أثارت تلك الكلامت خماوف مروة حيث هي اعتادت عيل احلياة الرغدة‪..‬‬
‫البيت الفخم والسيارة الفارهة وحساب البنك امليلء باألرقام الكبرية‪ ..‬وأهنا‬
‫ال تريد العودة أليام مثل اليوم الذي دخلت فيه إىل املول لتكون فقط متفرجة‬
‫وأقىص ما استطاعت فعله هو رشاء كوب من القهوة بالكراميل التي ال تنسى‬
‫طعمها حتى اآلن‪ ..‬وبعد أن صارت من األغنياء فهذه القهوة يف تلك الليلة‬
‫حتديدً ا هلا مذاق خاص‪ً ..‬‬
‫فدائم املحروم يرى األشياء ويتذوقها بشكل خمتلف‬
‫متا ًما عمن هو معتاد عليها‪..‬‬
‫تتذكر أول رشفة‪ ..‬كم كانت مليئة‪ ..‬غنية بمذاق قهوة خمتلف عن أي‬
‫قهوة قد تناولتها من قبل‪ ..‬واللبن يأخذ شكل السحاب فوق قرص الشمس‪..‬‬
‫وعليها خيوط من صوص الكراميل املتشابك ليصنع مزجيا ونسيجا حلو‬
‫املذاق بطعم السكر‪ ..‬ومل تكن تعلم أن القهوة ممكن أن يوضع عليها كراميل‬
‫ولبن مثل القطن والسحاب‪ ..‬وتناولت معها قطعة من الكوكيز‪ ..‬مقرمشة من‬
‫اخلارج‪ ..‬ناعمة من الداخل‪ ..‬وهبا قطع من الشكوالتة التي مل تذوب فيها لكن‬
‫تذوب يف فمك بمجرد أن تضعها فيه‪ ..‬ما هذا الطعم‪ ..‬شعرت أهنا يف اجلنة‪..‬‬

‫‪243‬‬
‫وبعد أن أصبحت من األغنياء ذهبت ذات مرة إىل املكان ذاته وجلست‬
‫عىل نفس الطاولة‪ ..‬وطلبت نفس نوع القهوة بالكراميل ونفس قطعة‬
‫الكوكيز‪ ..‬وبدأت يف احتساء القهوة وقضم قطعة من الكوكيز‪ ..‬لكن املذاق‬
‫كان خمتل ًفا متا ًما‪ ..‬املكان هو املكان‪ ..‬والقهوة واحللوى ‪ ..‬هي‪ ..‬هي‪ ..‬لكن‬
‫من الواضح أن املعاناة يف احلصول عىل املال وضيق ذات اليد جيعل مذاق كل‬
‫يشء يستمر آلخر العمر‪ ..‬كالزوجة األوىل‪ً ..‬‬
‫دائم هي التي تبقى يف الذاكرة و‬
‫ال تنسى‪ ..‬مهام تزوج االنسان من مرات عديدة‪..‬‬
‫استفاقت مروة وصوت الرجل اجلالس بجوارها وعالء ‪..‬يؤكد عليها أن‬
‫تأخذ حذرها جيدً ا وإال ضاع كل يشء‪..‬‬
‫وصلت تلك اجلملة إىل مسامع مروة‪« ..‬ضاع كل يشء»‪ ..‬فأصابتها يف‬
‫مقتل‪ ..‬وسهام تلك الكلامت املرتاشقة احدث ثقو ًبا يف جسدها‪ ..‬ضاع كل‬
‫يشء‪ ..‬ما معني هذا أن تعود كام كانت أال تكون اهلانم‪ ..‬تفقد البيت املريح‬
‫واخلادمة‪ ..‬لن تقود سيارة فارهة وتكون حمط إعجاب وأنظار اجلميع‪ ..‬أن‬
‫تفقد عضوية النادي وتتسول من يساعدها يف ارتياده بدون عضوية وتعود‬
‫للعيش مع أباها عم زكريا سائق احلافالت ومرتاد سور األزبكية بكتبه‬
‫الصفراء القديمة‪ ..‬يا له من كابوس‪..‬‬
‫انتفضت مروة عدة مرات‪ ..‬شعرت بالذعر الشديد‪ ..‬شعرت بالغثيان‬
‫كأن كلامت هذا الرجل أصابتها باحلمى يف احلال‪..‬‬
‫***‬

‫‪244‬‬
‫أدار ماجد مفتاح البيت وعىل وجهه مهوم الكون وكآبة الدهر‪ ..‬فتح‬
‫الباب وكأنه كان باألمس ليجد أمه احلاجة نعامت يف نفس جلستها والطاولة‬
‫مرتبا‬
‫أمامها مليئة باحللوى واملكرسات كالعادة‪ ..‬ولكن اجلديد ان وجد بي ًتا ً‬
‫أنيقًا‪ ..‬األثاث‪ ..‬السجاد‪ .‬البيت به يشء مجايل خمتلف‪ ..‬صار أمجل‪ ..‬له ملسة‬
‫انثوية‪ ..‬آه‪ ..‬إهنا نورا‪ ..‬أكيد نورا التي أسأت معاملتها وأمهلتها لدرجة أخشى‬
‫منها أال تغفر يل جفائي‪..‬‬
‫وقبل يدها‪ ..‬اهنالت عليه احلاجة نعامت باألسئلة‬
‫ألقي التحية عىل أمه َّ‬
‫عن صحته وعن أيام السفر والبطولة وامليداليات واهلدايا‪ ..‬أين هدايا تلك‬
‫البلد التي كنت فيها‪ ..‬أمل يكن يبيعون احللوى‪ ..‬أين ما وعدتني به من مالبس‬
‫ومأكوالت‪..‬‬
‫مل يكن ماجد يسمع حر ًفا مما قالته أمه‪ ..‬كانت عيناه تتجوالن يف أركان‬
‫وأخريا خفت صوت أمه قائلة‪ ..‬آه‪ ..‬تبحث عن نورا التي‬
‫ً‬ ‫وغرف البيت‪..‬‬
‫اتعبتني وأمهلتني وزادت من ارتفاع ضغطي‪ ..‬إهنا يف الرشفة تقوم بتعليق‬
‫املالبس عىل احلبل‪ ..‬تردد ماجد يف الذهاب إىل الرشفة‪ ..‬كان يشعر بخجل‬
‫وخيبة أمل مل يشعر هبا طيلة حياته‪ ..‬فنورا ال تعلم موعد حضوره‪ ..‬ال تعلم‬
‫أن طائرته هبطت أرض املطار وأنه غادر املطار وأنه داخل البيت عىل بعد‬

‫‪245‬‬
‫خطوات منها وهي ال تعلم‪ ..‬أي زوج هذا‪ ..‬زوجة ال تعلم شي ًئا عن زوجها‬
‫سوى صوره ويده ملتصقة بيد احلسناء األوروبية ذات العينان الزرقاوان‪..‬‬
‫سار ببطء إىل الرشفة يف اللحظة التي كانت نورا تغادر الرشفة إىل الداخل‬
‫حيث انتهت من تعليق املالبس‪ ..‬وجدته أمامها فجأة بجثته الضخمة ووجهه‬
‫متجهم ال يعرف لالبتسامة طريق‪ .‬قال‪ :‬زوجتي حبيبتي نورا ‪ ..‬نظرت نورا‬
‫إليه‪ ..‬مل تصدق‪ ..‬أنت هنا‪ ..‬منذ متى؟‬
‫أنا‪ ..‬أنا‪ ..‬زوجتك‪ ..‬حبيبتك نورا‪ ..‬ال أعلم‪ ..‬صعب‪ ..‬صعب‪ ..‬ثم‬
‫مغشيا عليها‪..‬‬
‫ً‬ ‫ارمتت عىل األرض‬
‫***‬

‫‪246‬‬
‫كانت مايا تنتظر رشيف يف رشفة صغرية مطلة عىل الشارع الرئييس‪..‬‬
‫وبعد حلظات ملحت سيارة أجرة تقف أسفل املنزل ينزل منها حبيبها‪ ..‬رفيق‬
‫درهبا صاحبها‪ ..‬نديمها‪ ..‬رشيف‪ ..‬شعرت أن احلياة بدأت تعود إليها من‬
‫جديد وأن الدفء بدأ يعرف طريقه إىل قلبها‪ ..‬فقد كانت حياهتا شبه متوقفة‬
‫إىل أن يعود مصدر طاقتها‪ ..‬مصدر سعادهتا‪ ..‬غذاء روحها احلقيقي‪..‬‬
‫ً‬
‫دائم يقولون أن املوسيقى هي غذاء الروح‪ ..‬ولكن مايا كانت تقول دو ًما‬
‫ان رشيف هو غذاء الروح‪..‬‬
‫ً‬
‫حامل جمموعة من احلقائب واألكياس البالستيكية‬ ‫دخل رشيف املنزل‬
‫الضخمة وما أن دخل وضع كل يشء عىل األرض ووجد مايا تقفز لرتمتي‬
‫بني يديه داخل أضالعه‪ ..‬تلمس قلبه بيدها وتعزف عىل أوتار روحه ومفاتيح‬
‫ً‬
‫طويل‪ ..‬مل يشعرا بالوقت‪ ..‬زاد حب مايا وتضاعف يف قلبه‬ ‫قلبه‪ ..‬عانقها عنا ًقا‬
‫مئات املرات‪ ..‬ومل يشعر بوجع وأمل البعد إال عندما كان يف طريقه إليها‪..‬‬
‫مايا‪ ..‬تزامحت يف وجهها دموع وابتسامات‪ ..‬آهات مع رصخات فرح‪..‬‬
‫ً‬
‫طويل‪ ..‬قص رشيف عىل مايا كل تفاصيل رحلته منذ ان غادر املنزل‬ ‫جلسا‬
‫إىل رحلة الباخرة عرب البحر املتوسط إىل ميناء طنجة باملغرب إىل لقاء سعيد‬
‫والتفتيش الذي تعرض له يف ميناء طنجة حتى وصوله اليها‪ ..‬واتفقا أن يكون‬

‫‪247‬‬
‫ميعاد عودهتم بعد أربعة أيام إىل القاهرة للقاء األحباب‪ ..‬العميد فؤاد ووالدته‬
‫ونورا اخته بعدها التوجه إىل االسكندرية لإلقامة هناك يف اإلجازة ولقاء د‪.‬‬
‫كامل والد مايا ولكن قبل الذهاب إىل اإلسكندرية عىل رشيف أن يقابل عالء‬
‫ليعطيه حقيبة املالبس التي احرضها من املغرب إليه‪..‬‬
‫يف تلك األثناء كثف رجال مباحث مكافحة املخدرات مع األموال العامة‬
‫تتبعهم لنشاط عالء ومروة ومراقبة أماكن التوزيع واألشخاص املتعاونني‬
‫معهم‪ ..‬وكذلك مراقبة حساباهتم البنكية وهل هي يف بنك واحد أم موزعة‬
‫يف أكثر من بنك‪..‬‬
‫قام الطبيب بحقن نورا حقنة مهدئة تساعدها عىل النوم والراحة‪ ..‬كانت‬
‫نورا نائمة والدمع ينهمر عىل وجنتيها يف مشهد غريب فهي غائبة عن الوعي‬
‫متا ًما ومع ذلك عيناها ال تكف عن البكاء‪ ..‬مسكينة نورا‪ُ ..‬ظلمت وحتطمت‬
‫عىل صخرة من ال قلب له ومع أمه املنزوعة الرمحة واحلنان‪..‬‬
‫فرحا بعد مكاملة رشيف ومايا وأنه باقي أيام‬
‫كان العميد فؤاد أشد الناس ً‬
‫معزة خاصة يف قلب سيادة العميد‬
‫قالئل عىل حضورمها للقاهرة‪ ..‬فكانت ملايا َّ‬
‫يعدوهنا االبنة الثانية بجانب نورا‪..‬‬
‫ومدام كريمة‪ ..‬فهام ُّ‬
‫ويف تلك االثناء كانت الرشطة يف مرص تتابع وصول رشيف مطار القاهرة‬
‫لتقوم بتبديل احلقيبة قبل تسليمها ملن حيرض الستالمها من رشيف‪ ..‬ربام عالء‬
‫بنفسه أو أحد العاملني لديه إلبعاد عالء عن أي مناطق خطر‪..‬‬
‫عقد عالء جلسة عمل مع مروة تبادال فيها األحاديث عن كل ما يقومان‬
‫به من توزيع ثم تطرقا إىل حساباهتام يف البنوك وافصح عالء ملروة عن رغبته‬

‫‪248‬‬
‫هنائيا‪ ..‬ويكفى ما قد مجعه من مال‬
‫عن التوقف عن هذا العمل وتلك التجارة ً‬
‫فهو ٍ‬
‫كاف وزائد عن احلد‪ ..‬وأنه يستطيع أن يركز جمهوده يف متجر املالبس‬
‫ويريد من مروة ً‬
‫أيضا التفكري يف التوقف والتفرغ للبيت‪ ..‬أو العمل معه يف‬
‫املتجر إذا أرادت‪ ..‬وأعرب هلا عن قلقه مما سمعه من ذاك الرجل عن خرب قيام‬
‫املباحث بعمل حتريات عنهام‪..‬‬
‫وأضاف ً‬
‫قائل أنه ال يريد ان خيتتم كل ما قام به بحامقة تزج به إىل ما وراء‬
‫القضبان‪ ..‬وأنه يفكر يف إصالح حياته اخلاوية من أي متعة‪ ..‬يتمنى أن يصلح‬
‫عالقته بأبويه واالعتذار هلام وطلب السامح والغفران من أمه حتديدً ا ويتمنى‬
‫أن يصبح أبا وأن تنجب له مروة ولد أو بنت حيمل اسمه ويكون امتدادا له‪..‬‬
‫استمعت اليه مروة وبدأت تتأثر بكالمه‪ ..‬ولكنها اشرتطت أن تقوم‬
‫بعملية كبرية تربح منها الكثري وتكون هي األخرية وبعدها تتوقف متا ًما وتتفرغ‬
‫له وللبيت وتفكر يف اإلنجاب‪..‬‬
‫وبالفعل بدأت يف جتميع كمية كبرية من خمدر الكوكايني وتقسيمه إىل‬
‫جاهزا للتوزيع‪ ..‬اجتمعت بأعواهنا وصبياهنا‬
‫ً‬ ‫جرامات قليلة واعداده ليكون‬
‫بعد أن اهنوا عملهم يف تقسيم الكمية بعد خلطها وجتهيزها‪ ..‬ورشحت هلم‬
‫خطة العمل‪ ..‬وقسمت الكمية عىل أربعة أقسام‪ ..‬سوف يتوجه األعوان‬
‫والصبيان بثالثة أرباع الكمية يف التوزيع باألماكن املخصصة هلم منذ فرتة‬
‫طويلة‪ ..‬أما اجلزء الرابع من الكمية فسوف تأخذه مروة إىل النادي إلعطائه‬
‫للنادل وعامل محام السباحة ليقوما بتوزيعه وبيعه داخل النادي‪..‬‬
‫***‬

‫‪249‬‬
‫خط سيادة العميد آخر صفحة يف مذكراته وأصبحت جاهزة ومعدة‬
‫للنرش وقتام شاء‪ ..‬وقد اختار ملذكراته عنوانًا‪" ..‬عجائب أكتوبر‪ ..‬دروس يف‬
‫فنون القتال" تلك املذكرات التي فرغ فيها العميد فؤاد الكثري من ذكرياته مع‬
‫أحداث حرب الكرامة‪ ..‬حرب سطر فيها جيشنا أعظم البطوالت يف قهر عدو‬
‫درسا‬
‫ظن دو ًما أنه الذي ال يقهر‪ ..‬كرس وحطم رجالنا هذه املقولة ولقنهم ً‬
‫يف فنون احلرب والقتال سيظلون يذكرونه لسنوات طويلة وأثبت أن الذكاء‬
‫املرصي ال يقل بل ربام يزيد عنهم بكثري‪..‬‬

‫استعد رشيف ومايا للسفر إىل مرص واجتها إىل املطار ليستقال الطائرة التي‬
‫تقلهم يف أول اجازة هلم بعد زفافهم وأول اجازة لرشيف بعد تسلمه العمل‪..‬‬

‫مايا كانت يف أوج سعادهتا حيث هي تعشق السفر وركوب الطائرات‬


‫وخاصة مع اكثر من حتب يف هذه احلياة‪ ..‬مع حبيبها رشيف‪..‬‬

‫استفاقت نورا‪ ..‬وخياالت تدور يف رأسها‪ ..‬تذكر إهنا كانت بالرشفة‪..‬‬


‫ثم فجأة اظلمت احلجرة‪ ..‬وجسد ماجد كان هو احلاجز واحلاجب للضوء‪..‬‬
‫نعم اهنا رأته‪ ..‬حيجب ضوء النهار‪ ..‬كام حجب عنها الفرحة‪ ...‬أتراها كانت‬
‫حتلم‪ ..‬هل هو كابوس؟!‬

‫‪250‬‬
‫ولكنها تشعر بالضعف واهلزال واإلعياء الشديد‪ ..‬ثم نظرت جانبها‬
‫فوجدت عىل الطاولة اجلانبية بعض العقاقري وكو ًبا من املاء‪ ..‬وبعد دقائق‬
‫دخل ماجد عليها‪ ..‬انزعجت‪ ..‬أما تراها مازالت يف ذلك الكابوس‪ ..‬مل‬
‫تفرح لرؤية ماجد حيث تاليش حبه من داخلها وتبدل مكانه شعور غريب‬
‫باالشمئزاز مصحوب بالشفقة عليه حيث كان يلهث ورائها قبل الزواج ثم‬
‫استغلها وباعها وخرسها بسهولة بعد الزواج‪ ..‬لن تعود كام كانت ولن ترىض‬
‫بام تقوم به‪ ..‬فهي كانت تنتظر عودته للرجوع إىل أبيها‪ ..‬مل تشأ نورا أن ترتك‬
‫أمه وحدها حتى لو كانت األم القاسية يف ثوب ثعبان يلتف حول رقبتها كل‬
‫خائبا‪ ..‬عاد بفضيحة‪..‬‬ ‫كابوسا‪ ..‬إنه ماجد قد عاد‪ً ..‬‬
‫فاشل‪ً ..‬‬ ‫ً‬ ‫يوم وليلة‪ ..‬ليس‬
‫اقرتب منها ماجد وعيل وجهه عالمات اخلوف والقلق عليها‪ ..‬نفس‬
‫تلك العالمات قد رأهتا نورا من قبل يف يوم التعارف األول عندما كانت متيش‬
‫وتركض حول الرتاك وهذا كان رس إعجاهبا به‪ ..‬فقد رأت جسم شجرة بلوط‬
‫بقلب عصفور ووجه زهرة اللوتس‪ ..‬أحبت فيه حنانه وقلقه واهتاممه هبا‪..‬‬
‫نظرت اليه نورا مرة أخرى نعم إهنا نفس النظرات احلانية هل تراين أخدع‬
‫مرة أخرى‪ ..‬إنك واهم أهيا املاجد‪ ..‬ال يلدغ املؤمن من جحر مرتني‪ ..‬استطعت‬
‫التالعب يب وخداعي مرة‪ ..‬جعلتني خادمة ألمك‪ ..‬فيك كل اخلصال اخلبيثة‬
‫ً‬
‫فاشل‪ ..‬جتر أذيال اخليبة‪ ..‬تريد أن تعيد نفس العبارات عىل‬ ‫واألن عدت‪..‬‬
‫مسامعي‪ ..‬وترى اعجايب بك‪ ..‬هيهات‪ ..‬استمر يف محاقاتك ولكن بعيدً ا‬
‫عني‪ ..‬مل أترك أمك ألن أيب رباين وأحسن تربيتي‪ ..‬ذلك األب الذي نصحني‬
‫زوجا‪ ..‬ذاك األب الذي أوصاك عىل ابنته‪ ..‬ع ّ‬
‫يل أنا‪ ..‬أنا نورا يا‬ ‫أال اختذك ً‬

‫‪251‬‬
‫ماجد‪ ..‬نورا‪ ..‬بنت العميد فؤاد‪ ..‬الذي ِّ‬
‫يكن له اجلميع كل االحرتام‪ ..‬أنت‬
‫أهيا احلقري تزوجت ابنته لتكن ملكة‪ ..‬جعلتها خادمة‪ ..‬وخنتها وعرف العامل‬
‫كله خيانتك‪ ..‬أمهلتها‪ ..‬مل حتادثها يف اهلاتف ولو مرة واحدة لكن اهلل كان عقابه‬
‫أرسع مما تتخيل‪ ..‬فاهلل يمهل‪ ..‬وال هيمل‪..‬‬
‫حاول ماجد التحدث لكنها هنضت من فوق رسيرها ودفعت به خارج‬
‫الغرفة صارخة يف وجهه بكل ما أوتيت من قوة‪ ..‬اتركني وحدي‪ ..‬ثم انتفضت‬
‫وارتدت مالبسها واخذت كل األشياء اهلامة وخرجت من املنزل وصوت‬
‫ماجد يف اخللف‪ ..‬نورا‪ ..‬نورا‪ ..‬إىل أين انت ذاهبة‪ ..‬انتظريني اوصلك‪..‬‬
‫مل تعره انتباها وسارت يف طريقها إىل بيت أباها‪ ..‬بيتها القديم‪ ..‬بيت‬
‫السعادة والراحة‪ ..‬يف كنف امها احلنون‪ ..‬إىل حجرهتا اجلميلة ورسيرها‬
‫ورشفتها‪ ..‬كم اشتاقت إىل كل تلك األماكن‪ ..‬ضحت هبا من أجل ماجد‪..‬‬
‫كم أنا غبية‪ ..‬أتية لك يا أيب ألحتمي بك‪ ..‬اآلن استطيع االستعانة بك‪ ..‬مل‬
‫استطع ان افعلها لوجود احلاجة نعامت وحدها‪ ..‬وبنت األصول ال ترتك امرأة‬
‫مريضة طاعنة يف السن وحدها وتذهب إىل بيت أبيها ولكن ما أن عاد ماجد‪..‬‬
‫فأنا آتية اليك‪ ..‬لتبقيني يف أحضانك وجترب ماجد أن يطلقني بال رجعة‪..‬‬
‫نظرت حوهلا وهي تعرب الشارع وجدت نفسها أمام بوابة النادي‪ ..‬ذلك‬
‫النادي الذي شهد قصة تعارف نورا وماجد املحتال‪ ..‬كنت أوشكت أن‬
‫اكرهه‪ ..‬لكن رمحة من عند اهلل نزلت بعدهلا‪ ..‬فمنع ماجد من دخول النادي‬
‫بسبب غشه ومنشطاته‪ ..‬وعاد يل النادي وحدي بدون ذلك اخلائن‪..‬‬

‫‪252‬‬
‫وكانت نورا تشعر بالدم يغيل يف عروقها وأنفاسا تتالحق من التفكري‬
‫املتواصل ففكرت‪ ..‬إن ذهبت إىل أيب وأنا يف هذه احلالة ربام يصاب بيشء أنا‬
‫عصريا‬
‫ً‬ ‫أخشى عليه االفضل ان أدخل النادي‪ ..‬ارتاح من التفكري وأرشب‬
‫وعندما أشعر أين هدأت وعىل طبيعتي اذهب إىل األب احلنون‪..‬‬
‫استعد عالء للقيام بآخر أيام التوزيع ونقل أكياس الكوكايني‪ ..‬وكان‬
‫حيمل أكرب كمية منذ ان بدأ هذا العمل االجرامي‪ ..‬الكمية كانت كبرية وتدر‬
‫ً‬
‫ضخم‪ ..‬وبالفعل اجته إىل املكان األول والذي سوف يوزع فيه نصف‬ ‫دخال‬
‫تقريبا وكان يف انتظاره من سيقوم بالرشاء ومعه مبلغ ضخم من املال‬
‫ً‬ ‫الكمية‬
‫ويف أثناء التسليم والتسلم وجد عالء الرشطة حتيط هبم من كل جانب ويف‬
‫حلظات وهدوء تام كانت األساور احلديدية ملتفة حول أيدي عالء وكل‬
‫من معه ممن اشرتكوا يف التسليم والتسلم‪ ..‬وتم تصوير عملية القبض عليهم‬
‫صوت وصورة‪ ..‬وتم التحفظ عىل كمية الكوكايني والنقود‪ ..‬ويف تلك اللحظة‬
‫كانت هناك قوة أخرى من الرشطة تداهم شقة عالء ومروة لتفتيشها ولسوء‬
‫احلظ كانت مروة قد غادرت الشقة متجهة إىل النادي بربع كمية الكوكايني‬
‫فقام رجال املباحث بتتبع أثرها واللحاق هبا‪ ..‬وقوة أخرى قامت بالقبض عىل‬
‫أعوان وصبيان مروة وبحوزهتم ثالثة د أرباع الكمية‪..‬‬
‫وأثناء قيادة مروة سيارهتا هاتفت أباها عم زكريا أن يدخل إىل داخل‬
‫صالة املطار ملقابلة رشيف صديق عالء وشقيق نورا صديقتها واحلصول منه‬
‫عىل حقيبة فيها مالبس جاهزة ختص املتجر‪ ..‬واحلضور هبا إىل شقتها‪..‬‬

‫‪253‬‬
‫هبطت الطائرة القادمة من إيطاليا‪ ..‬سار رشيف ومايا يف طرقات املطار‪..‬‬
‫تليفونيا خيربها أنه يف مطار القاهرة ومتجه إىل بيت األب‬
‫ً‬ ‫حادث رشيف نورا‬
‫سيادة العميد‪ ..‬فرحت نورا أشد الفرح بسامع صوت رشيف حيث يمنحها‬
‫القوة وفرحت اكثر لعلمها بعودته وانه يف القاهرة‪ ..‬أخربته إهنا يف النادي‬
‫فطلب منها ان تبقى مكاهنا سيمر عليها بسيارة ليموزين من املطار فتأيت معهم‬
‫إىل بيت العائلة‪..‬‬
‫كانت سيارة رجال مكافحة املخدرات قد استطاعت اللحاق بسيارة‬
‫مروة وأصبحت خلفها ومروة متجهة إىل النادي‪ ..‬فانتظر الرجال حيث‬
‫يريدون ضبطها وهي يف حالة تلبس‪ ..‬دخلت مروة النادي عربت البوابة‪..‬‬
‫هاتف رشيف أباه بعد أن قابل العم زكريا وأعطاه حقيبة عالء ولكنها‬
‫احلقيبة احلقيقية املليئة باملخدرات بعد ان بدهلا رجال املباحث باملطار بالتعاون‬
‫مع رشطة املطار‪..‬‬
‫خرج رشيف ومايا خارج املطار ليستقال سيارة ليموزين وبقى عم زكريا‬
‫جالسا عىل كريس داخل صالة املطار ومعه احلقيبة‪ ..‬قام ليتحرك هبا إليصاهلا‬
‫ً‬
‫إىل مروة وعالء يف شقتهم فإذا برجال الرشطة يستوقفونه ويلقون القبض‬
‫عليه‪ ..‬ويقومون بفتح احلقيبة أمامه وهي مليئة باألماكن الرسية التي حتوي‬
‫أكياس الكوكايني اخلام‪..‬‬
‫ذهل العم زكريا‪ ..‬هذا الرجل الطيب القارئ لكتاب اهلل‪ ..‬حيمل تلك‬
‫السموم وهو ال يدري‪..‬‬
‫قام رجال الرشطة بتصوير الواقعة بالصوت والصورة‪..‬‬

‫‪254‬‬
‫هاتف رشيف أباه قبل أن يدخل السيارة الليموزين أخربه إنه يف املطار‬
‫وسوف يستقل سيارة وإنه يف الطريق إىل البيت ولكن قبل ذلك سوف يمر عىل‬
‫نورا يف النادي يصطحبها معه اليهم‪..‬‬
‫فرح العميد فؤاد كثريا بقدوم رشيف وعاتبه انه مل خيربه بميعاد حضوره‬
‫فكان يرغب ان ينتظره يف املطار‪ ..‬فقال له رشيف انه أراد ان تكون مفاجأة‬
‫هلم‪ ..‬فقال العميد فؤاد إذن انتظر مع نورا يف النادي سوف أتى اليكم ونتناول‬
‫طعام الغداء هناك حيث أن والدتك مل تبدأ حتضري الغداء‪ ..‬ولن تستطيع‬
‫االنتهاء يف تلك الفرتة القصرية‪ ..‬وافق رشيف عىل هذا االقرتاح فكلهم حيبون‬
‫النادي ومطعم النادي‪..‬‬
‫دخلت مروة إىل النادي وتوجهت إىل الكافيرتيا يف احلديقة الكبرية‪..‬‬
‫وأثناء مرورها يف طرقات النادي بعد ان صفت سيارهتا الفارهة تلقت مكاملة‬
‫تليفونية إنه تم القبض عىل عالء وعىل والدها العم زكريا وأن الرشطة يف‬
‫طريقها اليها فعليها أن هترب ان استطاعت‪..‬‬
‫توجهت مروة إىل الكافيرتيا وجدت نورا جالسة توجهت إليها وبعد‬
‫أن ألقت السالم عيل نورا أدعت إهنا تشعر بصداع شديد وطلبت من نورا‬
‫إذا استطاعت أن حترض هلا ً‬
‫بعضا من املاء حيث إهنا ال تستطيع انتظار قدوم‬
‫النادل‪..‬‬
‫حتركت نورا عىل الفور متجهة إىل داخل الكافيرتيا لتحرض املاء فتحت‬
‫مروة حقيبة يد نورا ووضعت بداخله كيس الكوكايني ومهت بالنهوض‪..‬‬
‫رأت عىل مبعدة رجال املباحث داخل النادي يتجهون ناحيتها حاولت اهلرب‬

‫‪255‬‬
‫ركضت بأقىص رسعة صوب سيارهتا لكن رجال املباحث كانوا أرسع منها‬
‫والقوا القبض عليها وعند عودة نورا باملاء كان أحد رجال املباحث يتوجه‬
‫إليها وعرف اهنا صديقة مروة ‪..‬طلب القيام بتفتيش حقيبة يدها وبمجرد‬
‫فتحها وجد بداخلها كيس الكوكايني‪..‬‬
‫ُالقى القبض عىل نورا وكان كل هذا تم تسجيله بالصوت والصورة‪ ..‬يف‬
‫تلك االثناء وصلت سيارة رشيف ومايا‪ ..‬كذلك وصلت سيارة العميد فؤاد‬
‫ومدام كريمة التقيا عىل بوابة النادي دخال إىل الداخل ليشاهدوا مجيعهم أقسى‬
‫وأسوأ مشهد وموقف يف حياهتم عىل االطالق‪ ..‬العديد من رجال املباحث‬
‫يملؤون جنبات النادي‪ ..‬مروة والنادل وعامل محامات السباحة ملقي القبض‬
‫عليهم ومن خلفهم‪ ..‬املالك‪ ..‬الرقيقة احلاملة نورا واألساور احلديدية حتيط‬
‫يدهيا وهي تبكي يف حالة اهنيار تام وحالة ذهول ومل تفهم بعد‪ ..‬ماذا حيدث‬
‫ملاذا يلقون القبض عليها‪ ..‬وملاذا يلقون القبض عيل مروة‪ ..‬وما هذا الكيس‬
‫الذي بداخله سكر او دقيق‪ ..‬ما كل هذا‪ ..‬وما أن رأت رشيف وأباها العميد‬
‫فؤاد حتى سقطت عىل األرض يف حالة إعياء تام‪..‬‬
‫يف تلك االثناء‪ ..‬حتركت فرق عديدة من رجال مباحث األموال ورجال‬
‫مكافحة املخدرات وألقت القبض عىل مجيع أفراد الشبكة بالكامل‪ ..‬ومن ضمنهم‬
‫الرجالن اللذان طاردا عالء منذ فرتة طويلة وأجربوه عىل توقيع وصل األمانة‪..‬‬
‫وبالتنسيق مع رجال الرشطة يف املغرب ألقى القبض عىل الرجل الذي‬
‫ادعى إنه تاجر مالبس وقابل رشيف وأعطاه احلقيبة التي كانت بداخلها كمية‬
‫كبرية من املخدرات‪..‬‬

‫‪256‬‬
‫مل يتحمل العميد فؤاد ان يرى نورا متهمة يف قضية اجتار يف الكوكايني‬
‫وخاصة إنه يعاين من ضعف يف عضلة القلب‪ ..‬وضع يده عيل صدره وشعر‬
‫متحجرا يف مكانه مع مايا يف‬
‫ً‬ ‫بضيق يف التنفس وسقط عىل األرض‪ ..‬رشيف‬
‫ذهول‪ ..‬أخته يف سيارة الرشطة يف طريقها إىل مديرية األمن وأباه يوضع يف‬
‫سيارة إسعاف يف طريقه إىل مستشفى املعادي العسكري‪ ..‬يا إهلي‪ ..‬ماذا حيدث‬
‫يل ولنا‪ ..‬نورا اجلميلة‪ ..‬وأيب العميد احلنون بطل حرب اكتوبر قاهر األعداء‪..‬‬
‫سقطت الدموع من عينيه‪ ..‬التقفته مايا وضمته إىل صدرها وهي تبكي بشدة‪..‬‬
‫فكم حتب نورا وأباها‪ ..‬وال تنسى كم كانوا بجوارها أيا ًما طويلة يف أشد حمنة‬
‫وأقسى جتربة مرت هبا يف حياهتا‪..‬‬
‫جلست نورا مكبلة اليدين عىل املقعد اخللفي لسيارة الرشطة حيث فقدت‬
‫السيطرة عىل أجهزة جسمها‪ ..‬فال تدري أ ًيا منها يعمل وأ ًيا ال يعمل‪ ..‬فقدت‬
‫الشعور باألمل‪ ..‬هل مات جهازها العصبي‪ ..‬تشعر أن جلدها وحلمها يتساقط‬
‫وينفصل عن عظامها‪ ..‬مل يتبقَ منها إال عظا ًما‪ ..‬والعظام ليس هبا أعصاب‪..‬‬
‫العظام ال تشعر باألمل‪ ..‬ماذا يفيد إذا كنت حرة أم مقيدة‪ ..‬مل تعد يل حياة‪..‬‬
‫زواج تعيس ثم خادمة ثم خمدوعة‪ ..‬ثم مهانة مذلولة بعدها خيانة‪ ..‬تشفي‪..‬‬
‫واآلن خمدرات يف حقيبتي‪ ..‬أخي‪ ..‬زوجته‪ ..‬أيب املسكني قلبه مل يتحمل‪..‬‬
‫اجرمت يف حق نفيس وارسيت‪ ..‬أنا جمرمة‪ ..‬قاتلة‪..‬‬
‫ظلت نورا هتذي طوال الطريق إىل مديرية األمن وكانت موقنة بحق انه‬
‫مل يعد هبا جلدا أو ً‬
‫حلم‪ ..‬كانت موقنة إهنا هيكل عظمي‪ ..‬من األعىل مججمة‬

‫‪257‬‬
‫ثم فقرات رقبة حتتها قفص صدري أجوف بال أعضاء بداخله‪ ..‬حتتها عظام‬
‫احلوض والساقني ثم قدمني ال يقويا عىل الصمود والوقوف‪..‬‬
‫سارت يف طرقات مديرية األمن منقادة من قبل يد غليظة وأناس بأصوات‬
‫خشنة ورائحة العطن خمتلطة بروائح سجائر رخيصة‪ ..‬وصوت أقدام أمامها‬
‫وخلفها يعلو يف اماكن وخيفت يف أماكن أخرى‪ ..‬سارت ببطء قبل أن تتوقف‬
‫وجوها‬
‫ً‬ ‫أمام أحد املكاتب املغلقة‪ ..‬سارت ببطء اكثر‪ ..‬نظرت حوهلا‪ ..‬وجدت‬
‫تعرفها‪ ..‬نعم أنا رأيت تلك الوجوه من قبل‪ ..‬وجه يشبه اللعينة «مروة» ووجه‬
‫آخر يشبه زوجها األمحق ووجه آخر عليه عالمات النبل‪ ..‬يشبه والد اللعينة‬
‫مروة‪ ..‬ووجه ثالث ورابع وجوه كثرية‪ ..‬عيناها زائغتان‪ ..‬ال تستطيع النظر‬
‫هبام لكن مل تعد لدهيا القدرة عيل اغالقهام‪ ..‬تشعر بالتعب‪ ..‬باإلعياء‪ ..‬تريد‬
‫أن تسقط عىل األرض تريد أن تتحول إىل ذبابة أو ناموسة‪ ..‬أفضل هلا مما هي‬
‫فيه‪ ..‬احلرشات أفضل ً‬
‫حال منها‪ ..‬ليتني كنت حرشة‪ ..‬أنا أسوأ‪ ..‬أنا مدمرة‪..‬‬
‫دمرت انوثتي‪ ..‬مجايل‪ ..‬براءيت حتى ضحكتي وابتسامتي‪ ..‬دمرهتا‪ ..‬ثم انتقلت‬
‫بكل رشوري بعد أن تعرفت عىل ماجد ظننت أين أحبه وألجله تنازلت‪..‬‬
‫فرطت‪ ..‬ضحيت‪ ..‬قبلت إهانات ال تتحملها أي فتاة مثيل ويف ظرويف‪..‬‬
‫هل أنا زوجة؟‪ ..‬وأين زوجي؟! سندي‪ ..‬رجيل‪ ..‬بني يدي من أبكى؟! ويف‬
‫أحضان من أرمتي؟ هل أنا زوجة؟ أنا ضائعة‪ ..‬زوجة بال زوج‪ ..‬وأيب‪ ..‬يارب‬
‫أنقذ أيب واشفه‪ ..‬وضع ما به يب‪ ..‬هو حيتاج لقلب سليم وصحة‪ ..‬أما أنا فال‬
‫احتاج إال إىل قلب متوقف‪ ..‬إىل جسد ال يعمل‪ ..‬احتاج أن اغادر‪ ..‬أهرب‪..‬‬
‫انزوي بعيدً ا عن هذا العامل‪ ..‬أن اختفي‪ ..‬أتبخر‪ ..‬أصبح ال إنسان‪ ..‬ال يشء‪..‬‬

‫‪258‬‬
‫أريد أن أموت‪ ..‬نعم املوت هو خاليص‪ ..‬وهو عقايب يف الوقت ذاته‪ ..‬املوت‪..‬‬
‫ارتاح‪ ..‬وكل من حويل يرتاح‪ ..‬فيارب أؤمر مالئكة املوت أن حترض‪ ..‬ارسلهم‬
‫لقبض روحي والصعود هبا إىل‪ ..‬إىل‪ ..‬إىل أين؟ ال أعلم هل إىل جنة‪ ..‬كل ما‬
‫فعلته وأجرمت فيه والزلت أذكر اجلنة‪ ..‬اجلنة ليست يل‪ ..‬ال استحقها‪ ..‬وال‬
‫أستحق حتى أن أذكرها‪ ..‬فلم يتبق إال اجلحيم‪ ..‬السعري‪ ..‬يارب هل أسألك‬
‫الرمحة‪ ..‬أم ذنويب أكرب من سؤايل‪ ..‬هل للقاتلة أن ترحم؟ هل للمذنبة من‬
‫توبة؟ يارب أشفي أيب واقبل ندمي وحرسيت‪ ..‬أقبل توبتي‪ ..‬أحطني بسياج‬
‫من رمحتك‪ ..‬عال األسوار‪..‬‬
‫مل يتحمل العميد فؤاد ما رآه بأم عينيه‪ ..‬ومل يستطع األطباء تأخري إرادة‬
‫رب العاملني صعدت روحه إىل رهبا‪ ..‬فارق احلياة‪ ..‬نعم‪ ..‬رجل بطل حارب‬
‫رب‪ ..‬ع َّلم‪ ..‬أحسن‪ ..‬أحبه‬ ‫وانترص وكرس كربياء عدو ظن أنه ال يقهر‪َّ ..‬‬
‫اجلميع‪ ..‬واحرتمه اجلميع كانت آخر كلامته‪ ..‬النداء‪ ..‬يا نورا‪ ..‬نورا‪..‬‬
‫مرت أيام عصيبة عىل رشيف ومايا‪ ..‬موت األب العنيد‪ ..‬األب العميد‪..‬‬
‫حمنة نورا وحماكمتها‪ ..‬ومايا يف بداية شهور محلها‪..‬‬
‫اضطر رشيف للعودة إىل إيطاليا مع مايا وجنينها ذو الثالثة اشهر يف‬
‫احشائها وذلك بضغط من د‪ .‬كامل والد مايا‪ ..‬اقنعه أن كل يشء يسري من‬
‫يسء إىل اسوأ وليس من الصواب أن يفقد وظيفته‪ ..‬ال يشء عليه أن يقوم به‪..‬‬
‫نورا اآلن يف احلبس االحتياطي عىل ذمة القضية ويقوم بالدفاع عنها نخبة من‬
‫أفضل املحامني‪ ..‬ووالدته‪ ..‬تعيش مع أختها «خالته» وهي يف أمان تام فال‬
‫داعي لوجوده وخسارة كل يشء‪..‬‬

‫‪259‬‬
‫ماجد سمع من أمه احلاجة نعامت ما ال يطيقه برش‪ ..‬عن الزوجة نورا‬
‫بنت األكابر‪ ..‬تاجرة املخدرات‪ ..‬التي طاملا ادعت الرباءة وذهاهبا للنادي‬
‫عضوا يف شبكة لتوزيع تلك السموم‪..‬‬
‫ً‬ ‫للميش‪ ..‬ولكنها كانت‬
‫ظلت لساعات ختوض يف رشف وعرض وطهارة نورا‪ ..‬نورا التي كانت‬
‫هلا خادمة‪ ..‬التي حتملت اذاها وعباراهتا اجلارحة‪ ..‬نورا التي رفضت أن‬
‫ترتكها وحيدة عندما سافر ابنها ماجد واختار رفيقة غري زوجته نورا وبخل‬
‫عليها حتى بمكاملة هاتفية‪..‬‬
‫استمع ماجد لكالم والدته ووصلت الشحنة الغاضبة بداخله إىل ذروهتا‬
‫فقام عىل الفور باالتصال باملحامي املوكل بالدفاع عن نورا وأخربه أنه يريد‬
‫امتام الطالق من نورا‪..‬‬
‫نورا بمالبس السجن البيضاء ال تتحدث ألحد‪ ..‬ممتنعة متا ًما عن‬
‫الكالم‪ ..‬تذهب يف سيارة الرتحيالت إىل مبني النيابة للتحقيق‪ ..‬تظل صامتة‪..‬‬
‫تسمع عرشات االسئلة‪ ..‬املئات من النصائح‪ ..‬إن السكوت سوف يؤدي‬
‫هبا إىل حكم قاس ال تتحمله واذا جتاوبت مع املحققني أثناء التحقيق فلربام‬
‫يساعدها يف فهم مالبسات وفك لغز ما حدث‪ ..‬لكن نورا بال أي استجابة‬
‫فهي مازالت تطلب العفو من اهلل ليس من البرش‪ ..‬أو املوت‪ ..‬مل تعلم بخرب‬
‫وفاة اباها لآلن‪ ..‬تدعوا له اهلل بالشفاء وأن تراه لتقبل يداه وقدماه‪ ..‬ع ّله يغفر‬
‫هلا محاقاهتا‪ ..‬وعنادها وعدم اتباع نصائحه‪..‬‬
‫كانت نورا تعتقد أن اسوأ ما يف الوجود هو العيش بجوار احلاجة نعامت‬
‫وثعباهنا القبيح القابع داخل فمها املمتلئ باحللوى واملكرسات‪ ..‬ثعبان ينفث‬

‫‪260‬‬
‫سمه إىل كل من حوله‪ ..‬وأن االسوأ منه هو الزواج واقرتاهنا بشخص أناين‬
‫فاسد‪ ..‬فاشل‪ ..‬مثل ماجد‪ ..‬ولكن وجودها داخل جدران السجن جعلها‬
‫تشعر ان هناك ما هو األسوأ عىل اإلطالق‪ ..‬السجن وحتديدً ا سبب دخول‬
‫السجن‪ ..‬االهتام «حيازة واجتار يف املخدرات» يا للعار‪ ..‬نورا‪ ..‬زهرة النادي‪..‬‬
‫اجلميلة‪ ..‬كريمة بطل حرب أكتوبر العظيمة رجل الوطنية‪ ..‬ابنته متهمة بتجارة‬
‫وحيازة مواد خمدرة سموم يقتل هبا جيل بأكمله‪..‬‬
‫أتى إىل نورا من خيربها ان هلا زيارة شخصية خاصة‪ ..‬يف مكتب أحد‬
‫ضباط السجن‪ ..‬ذهبت إىل املكتب بصحبة احلارسة كانت تظن أن املحامي‬
‫أتى ليقنعها برضورة احلديث للدفاع عن نفسها وبالتايل جيد هو ما يقوله ليدافع‬
‫عنها يوم املحاكمة‪..‬‬
‫فبعد دراسة املحامي مللف قضيتها جيدً ا والنظر فيه من مجيع اجلوانب‬
‫وجد ان موقفها يف غاية الصعوبة حيث ضبط داخل حقيبة يدها كمية من‬
‫الكوكايني وكانت إجراءات الضبط سليمة‪ ..‬اذن النيابة وغريها من األمور‬
‫القانونية فاألمل الوحيد هو أن تتحدث نورا ترشح كيف حدث هذا‪ ..‬تدافع‬
‫عن سمعتها وسمعة ابيها سيادة العميد فؤاد‪ ..‬صمتها يعجل هبا إىل سنوات‬
‫طويلة بالسجن وربام اإلعدام‪ ..‬صمتها يضع حياهتا‪ ..‬رشفها‪ ..‬وهيبط هبا إىل‬
‫دون مستوى الشبهات‪ ..‬يعيش اإلنسان وحييا سنوات عمره ثم يموت وكل‬
‫يشء يذهب إال السرية احلسنة‪ ..‬فهل سرية نورا وعائلتها ستكون حسنة مع‬
‫ً‬
‫وانحطاطا يف اوحال عامل اجلريمة‪..‬‬ ‫التزامها الصمت‪ ..‬سريهتا ستزداد تلو ًثا‬
‫عامل جتارة حمرمة‪ ..‬غري مرشوعة دوليا‪ ..‬جتارة سموم قاتلة‪..‬‬

‫‪261‬‬
‫ضمنيا بارتكاهبا‬
‫ً‬ ‫صمت نورا من الناحية الشكلية للقانون يعد اعرتا ًفا‬

‫اجلريمة‪ ..‬اعرتا ًفا ان براءهتا وطهارهتا‪ ..‬تلوثت وتدنست بوجود ً‬


‫كيسا من‬
‫البالستيك حيوي مسحوق ابيضا‪ ..‬من أين أتى؟‪ ..‬ال تعلم‪ ..‬كيف وجدوه يف‬
‫حقيبتها‪ ..‬ال تعلم‪ ..‬هي ال تعلم اي يشء سوى أن يف املوت خالصها‪..‬‬
‫دخلت مكتب الضابط لتجد أمامها أمها مدام كريمة‪ ..‬األم احلنون األم‬
‫ً‬
‫طويل‪ ..‬حترك هنر الدموع داخل‬ ‫الفاضلة‪ ..‬املضحية‪ ..‬نظرت نورا إىل أمها‬
‫عينيها وفاض‪ ..‬فاض هنر الدمع عىل وجهها ومالبسها‪ ..‬ال متلك نورا ما‬
‫تعب هبا عام يدور بداخلها‪ ..‬ارمتت يف احضان األم احلنون‪..‬‬
‫دموعا‪ِّ ..‬‬
‫ً‬ ‫تقدمه إال‬
‫استغاثت نورا بأمها‪ ..‬بدون ان تنطق بكلمة‪ ..‬استغاثت بنظراهتا أن اخرجيني‬
‫من هنا‪ ..‬خذيني‪ ..‬اهريب يب بعيدً ا إىل آخر بقاع األرض‪ ..‬إىل مكان ال وجود‬
‫للبرش فيه غريك وأيب احلنون‪..‬‬
‫ابتعدت نورا خطوة إىل اخللف لتنظر إىل أمها الصامتة ً‬
‫أيضا‪ ..‬نظرت‬
‫اليها وتفحصتها جيدً ا‪ ..‬إهنا هزيلة‪ ..‬هزيلة للغاية‪ ..‬حزينة‪ ..‬عيناها يملؤمها‬
‫الدمع‪ ..‬وما هذه املالبس‪ ..‬نورا تعرف هذه املالبس جيدً ا‪ ..‬فطاملا كانت امها‬
‫ترتدهيا عندما تكون ذاهبة ألداء واجب العزاء يف عزيز ُفقد‪ ..‬وكانوا يسمون‬
‫تلك املالبس "هدوم العزا"‪ ..‬وكانت األم تعلقها يف آخر مكان يف خزانة‬
‫نادرا ما تستخدمها‪..‬‬
‫مالبسها‪ ..‬حيث اهنا ً‬
‫أخريا تكلمت‬
‫ماذا يعني هذا‪ ..‬ملا السواد‪ ..‬ملاذا تلك املالبس‪ ..‬من مات‪ً ..‬‬
‫نورا‪ ..‬متسائلة‪" ..‬ماما‪ ..‬ليه األسود‪ ..‬مني مات‪"..‬؟!‬

‫‪262‬‬
‫ظلت األم صامتة لدقائق ثم انفجرت يف البكاء‪« ..‬بابا مات يا نورا»‪ ..‬مل‬
‫يتحمل ما حدث‪ ..‬سيادة العميد فؤاد البطل‪ ..‬مات يا نورا‪ ..‬منذ أسبوع‪ ..‬مل‬
‫نخربك‪ ..‬خو ًفا عليك‪ ..‬لكن جيب أن تعريف‪ ..‬آخر كلامته كانت اسمك‪ ..‬كان‬
‫ينادي عليك‪ ..‬كم أحبك‪ ..‬وأوصاين وصية خاصة بك‪..‬‬
‫كانت األم تتكلم ومستمرة يف الكالم ومل تشعر بسقوط نورا عىل األرض‬
‫مغشيا عليها‪ ..‬وأثناء سقوطها ارتطمت رأسها عىل حافة املقعد‪ ..‬شجت‬
‫ً‬
‫رأسها واهنمر منها سيل من الدماء‪..‬‬
‫األم مستمرة يف حديثها ال تشعر ما حدث لنورا‪ ..‬إىل ان دخل عليهم‬
‫الضابط ليخربهم انه تركهم وق ًتا ً‬
‫طويل أكثر من املعتاد‪ ..‬وعليهم ان ينرصفوا‪..‬‬
‫األم إىل خارج أسوار السجن ونورا تظل قابعة يف أسوار السجن إىل زنزانتها‪..‬‬
‫حرضت سيارة االسعاف لتوقف نزيف الدم من رأس نورا وتنقلها عىل‬
‫الفور إىل مستشفى السجن‪..‬‬
‫تركت األم وصية األب لدي الضابط وأوصته ان يعطيها لنورا فور‬
‫تعافيها من اإلصابة أثر وقوعها عىل حافة املقعد ثم عىل األرض‪ ..‬أثر سامعها‬
‫خرب وفاة أمجل وأحن إنسان يف الوجود‪ ..‬إىل من تلجأ اليه وقد الشدائد‪ ..‬األب‬
‫الصامد‪ ..‬احلكيم‪ ..‬الصابر عىل عنادها وقراراهتا‪ ..‬أكثر من آمن بحرية املرأة‪..‬‬
‫عقل نورا الرقيقة وقلبها الضعيف مل يتحمل ما حدث هلا من سجنها‬
‫والتحقيقات لكن كل هذا يف جانب‪ ..‬وأباها يف جانب آخر‪ ..‬أنه األب‪..‬‬
‫األب‪..‬‬

‫‪263‬‬
‫سافر رشيف يف رحلة جديدة مع املركب‪ ..‬بعد ان طلب وضعه عىل‬
‫رحلة مغايرة لرحلة جنوة – طنجة‪ ..‬فتم وضعه عىل رحلة – جنوة «ايطاليا»‬
‫إىل ميناء برشلونة «إسبانيا"‪..‬‬
‫أراد رشيف االبتعاد عن كل االماكن التي هلا عالقة بام حدث له ولنورا‬
‫فقد عرف كل ما مر به وما كان يدبره له عالء وحقيقة حقيبة املالبس املليئة‬
‫بالسموم وأسباب مكاملات عالء وحماولة الصلح معه وادعاءه انه صديقه‬
‫الذي طاملا احبه وأراد ان تستمر صداقتهام طوال العمر‪..‬‬
‫ً‬
‫مذهول من كل يشء‪ ..‬نورا‪ ..‬زواجها اليسء والزوج‬ ‫مازال رشيف‬
‫اخلائن‪ ..‬ثم الصديقة املزيفة املجرمة التي مل ترحم صديقتها وال حتى أباها‬
‫القابع يف السجن بسببها وكانت كل نواياه الطيبة أن يقدم يد العون هلا ولزوجها‬
‫املجرم وان حيمل أي حقائب ألجلهام‪ ..‬يقابل الغرباء من بقية أفراد الشبكة‬
‫وهو ال يعلم من يقابل وماذا حيمل‪ ..‬لقد جعلوا هذا املسكني حيمل بيده التي‬
‫تقرأ القرآن واحلاملة لكتاب اهلل هذه السموم‪ ..‬ارشكوه معهم بدون علمه‪..‬‬
‫ونورا‪ ..‬طاملا أدت خدمات إىل اللعينة املجرمة مروة‪ ..‬ومل حتصل نورا إال‬
‫وأخريا الصاق هتمة‪ ..‬اهلل وحده يعلم اهنا بريئة‬
‫ً‬ ‫عىل احلقد والغل والشامتة‪..‬‬
‫متا ًما منها‪ ..‬خمدرات‪ ..‬أختي أنا‪ ..‬أمجل بنات النادي تتاجر يف املخدرات‪..‬‬
‫وأين ؟؟يف النادي الذي كان أيب أهم عضو جملس إدارة به‪..‬‬
‫وصل إىل الضابط املسئول عن العنرب الذي فيه زنزانة نورا‪ ..‬بعض‬
‫األوراق واخلطابات التي ختص السجينات وكان من بينها وثيقة طالق نورا‬
‫من ماجد‪ ..‬مصيبة جديدة حتط عىل رأس املسكينة نورا الغائبة عن الوعي‬

‫‪264‬‬
‫يف مشفي السجن‪ ..‬مربوطة الرأس‪ ..‬ال تعلم عن احلياة إال كوابيس‪ ..‬مات‬
‫أباها‪ ..‬كل ما تذكره هو نبأ وفاة أباها وال تعلم ان يف انتظارها وثيقة طالق‪..‬‬
‫ففي أيام قليلة حتولت نورا إىل نورا املجرمة تاجرة املخدرات‪ ..‬ثم يتيمة األب‬
‫‪..‬واآلن نورا املطلقة‪..‬‬
‫وخلقنا لنتحمل ونتسلح بالصرب وااليامن‬
‫كم تقسوا احلياة أحيانًا علينا‪ُ ..‬‬
‫لكن الرضبات ازدادت عىل نورا وازدادت آالمها‪ ..‬فلم تعد تتحمل‪ ..‬ال عقلها‬
‫وال قلبها وال جسدها اهلزيل الذي منعت عنه الطعام بحثًا عن النهاية‪ ..‬بحثًا‬
‫عن موت رحيم‪ ..‬فمالئكة املوت التي خيشاها وهياهبا اجلميع‪ ..‬هي مالئكة‬
‫رمحة‪ ..‬مالئكة خالص لنورا‪ ..‬املالئكة املخلصون‪ ..‬املنقذون‪..‬‬
‫أصبح رشيف ال يقوم بعمل يشء داخل املركب إال العمل‪ ..‬حتى يف‬
‫أوقات راحته‪ ..‬صار يرفض أن حيصل عىل راحة‪ ..‬فقد وجد يف العمل‬
‫راحته‪ ..‬فالعمل يبعده عن شبح التفكري الذي كاد أن يقتله‪ ..‬ال يصدق ان‬
‫يفقد أباه وأخته يف حمنة ليس هناك اشد منها حمنة‪ ..‬وزوجته‪ ..‬حبيبته مايا بدونه‬
‫وحيدة وهي حتمل يف احشائها طفله أو طفلته األويل‪ ..‬الذي طاملا كان يمني‬
‫نفسه بأن يكون أباه جدً ا بعد ان ينجب اول حفيد يف األرسة‪..‬‬
‫مات األب‪ ..‬مات جد الطفل دون أن يريا بعضهام‪ ..‬بال تالقي‪ ..‬سيظل‬
‫اجلد العميد فؤاد ذكرى مجيلة‪..‬‬
‫كان رشيف قلقًا عىل مايا‪ ..‬لذلك اتفق ان تشغل وقتها يف الرسم يف البيت‬
‫متجرا‬
‫ً‬ ‫ووعدها عند عودته إذا اكملت عد ًدا من اللوحات سوف يستأجر هلا‬

‫‪265‬‬
‫وحيوله إىل جالريي لعرض اعامهلا فيه‪ ..‬فهي موهوبة وتتمتع بحس فني راقي‬
‫للغاية ولدهيا افكار جديدة للتعبري بالفن التشكييل‪..‬‬
‫وقبل سفره بيوم توجها سو ًيا لرشاء كل مستلزمات الرسم التي تكفيها‬
‫املدة التي يغيب فيها رشيف‪..‬‬
‫وبالفعل بدأت مايا خطواهتا األويل يف وضع ما لدهيا من أفكار وخيال‬
‫وتصورات يف لوحات منفصلة لكن متصلة املوضوعات‪ ..‬فقد اختارت‬
‫لنفسها خطا يكون الرابط للمعني بني مجيع لوحاهتا‪ ..‬وهو «معاناة االنسان‬
‫مع الالضمري»‪ ..‬وهو موضوع صعب التعبري عنه ومن الصعب فهمه لغري‬
‫املتخصص يف الفن التشكييل‪..‬‬
‫عملت بجد ومهة شديدة وكان بداخلها محاس نابع من غضب مما حدث‬
‫هلا باملايض من رجل بال ضمري‪ ..‬ومما حدث لنورا من صديقة وزوج و محاة بال‬
‫ضمري ومما حدث لرشيف من صديق بال ضمري‪ ..‬وما حدث لعم زكريا من‬
‫وأخريا وفاة امجل واشجع الرجال من كل هؤالء الذين سبقوا‬
‫ً‬ ‫ابنة بال ضمري‪..‬‬
‫بال ضمري‪ ..‬إهنا ارادة اهلل‪ ..‬اختبار من اهلل وعلينا تقبل القدر‪ ..‬خريه ورشه‪..‬‬
‫لكن ليس معني أن نتقبله هو أن نضغطه يف داخلنا ونقوم بكبته‪ ..‬البد‬
‫من اخراج الوحش الصارخ داخلنا‪ ..‬ليرصخ ً‬
‫قائل كلمته‪ ..‬معل ًنا رفض ملن‬
‫هم بال ضمري ان يقوموا بإيذائنا‪ ..‬ونقف مكتويف االيدي ال نحرك ساك ًنا‬
‫وال نستطيع حتى ان ندافع عن انفسنا‪ ..‬فاهلل وهبني اتقان استخدام الفرشاة‬
‫واأللوان‪ ..‬وهذا هو سالحي للتعبري عن الغضب الكامن بداخيل واخراجه‬
‫بآاليت‪ ..‬األلوان والفرشاة‪ ..‬والتصوير بكل تلك املعاين احلزينة الصارخة‪..‬‬

‫‪266‬‬
‫حاجزا أمام من ختلصوا من ضامئرهم ووجهوا‬
‫ً‬ ‫كي يستفيق املجتمع‪ ..‬ويقف‬
‫سهامهم وأسلحتهم إلينا‪ ..‬لتسقط ضحاياهم «نورا‪ ..‬رشيف‪ ..‬أنا‪ ..‬عمي‬
‫فؤاد»‪ ..‬كلنا ضحاياهم‪ ..‬فلنرصخ قائلني «ال»‪..‬‬
‫جاءت يوم جلسة املحكمة‪ ..‬مجيع املتهمني حرضوا وجتمعوا سو ًيا يف‬
‫مجيعا‪ ..‬الفاجر واحلائر‪ ..‬عالء ومروة مع العم‬
‫قفص االهتام قفص ضمهم ً‬
‫زكريا املذنب الربيء كلهم وراء اسالك القفص احلديدي‪ ..‬ينتظرون سامع‬
‫مصريهم اال واحدة ‪..‬إال نورا‪ ..‬راقدة يف رسير صغري يف مشفى السجن‬
‫وعىل باب حجرهتا حراسة‪ ..‬فاقدة الوعي متا ًما‪ ..‬هل من اثر ارتطام رأسها‬
‫أم أن عقلها هيرب هبا بعيدً ا‪ ..‬بعيدً ا‪ ..‬عن هذا اجلنون‪ ..‬ما حيدث هلا درب من‬
‫اجلنون‪ ..‬أي انسان يتحمل كل هذا‪ ..‬وآخر الرضبات املوجعة هو موت البطل‬
‫وعادة عندما يموت البطل هتبط الستائر وتكتب النهاية‪ ..‬فهل ستائر نورا يف‬
‫طريقها للهبوط‪ ..‬هل ستكتب النهاية وهي عىل ذلك الرسير الصغري وعىل‬
‫حجرهتا حارس‪ ..‬خمافة أن هترب‪ ..‬أهنم وامهون ان ظنوا إهنا باحثة عن حرية‪..‬‬
‫وأن اهلروب هو املخلص هلا‪ ..‬عىل العكس هي باحثة عن عقاب عن عذاب‬
‫تكفر به عن جرائمها يف حق نفسها ومن حوهلا ممن أحبوها‪ ..‬مات البطل‪..‬‬
‫ظلت نورا هتذي بكلامت وهي نائمة‪ ..‬غائبة‪ ..‬هاربة من احلقيقة‪ ..‬ليست‬
‫حقيقة سجنها أو حقيقة ظلم قد وقع هلا‪ ..‬إنام حقيقة اشد مرارة واشد عىل‬
‫نفسها ايال ًما وال تتحملها مهام كان هلا من الصرب أكوا ًما‪ ..‬حقيقة موت أباها‪..‬‬
‫عميدها‪ ..‬موت البطل‪..‬‬

‫‪267‬‬
‫مات بطلها‪ ..‬فوجدت نفسها وهي نائمة تنعيه بأشعار قد تعلمت كيف‬
‫تنظمها منه‪ ..‬من البطل‪ ..‬العميد فؤاد‪ ..‬فقالت بصوت يكاد يكون غري‬
‫مسموع إال ألذنيها‪..‬‬
‫مات البطل‪ ..‬مات البطل دون التفاتة أو اهتامما‬
‫مات البطل‪ ..‬قبل الوداع وقبل إلقاء سالما‬
‫يظل البطل ً‬
‫بطل‪ ..‬فهو املهاب‪ ..‬هو الفارس اهلامم‬
‫فاهلثوا وراء قاتله‪ ..‬هلموا هال انتقاما‬
‫مايل من عيش بعده فمتع احلياة صارت عداما‬
‫مات معلمي ‪ ..‬من علمني الشجاعة ورمي السهاما‬
‫شقاء وآالما‬
‫ً‬ ‫فلم يبق يل بعد موته اال‬
‫فيابني البرش اصدقوين القول‪ ..‬اهنا أضغاث أحالما‬
‫تأتينا بكابوس‪ ..‬فننتفض بعد سكينة والناس نياما‬
‫فقفوا للبطل العظيم‪ ..‬وامنحوه كل وقار واحرتاما‬

‫اهنمر الدمع من عيني نورا‪ ..‬وصاحب نزول دمعاهتا آال ًما شديدة يف‬
‫رأسها وعيناها‪ ..‬لكنها حتملت وشعرت ان دموعها هي ماء الغسل الذي‬
‫يغتسل به املتويف‪ ..‬فصارت تعترص عيناها أكثر لتغسل جسده الطاهر بدموعها‬
‫أكثر وأكثر‪..‬‬
‫رشحا‪..‬‬
‫ً‬ ‫انعقدت جلسة املحكمة‪ ..‬استفاضت النيابة ممثلة يف رئيسها‪..‬‬
‫مقرتنا بأدلة‪ ..‬عام قامت به تلك الشبكة املحلية والدولية من إدخال السموم‬
‫للبالد ثم القيام بتوزيعها وبيعها‪ ..‬فتدمر شبا ًبا هم القوة احلقيقية والثروة ألي‬
‫بلد تسعي ألن تكون بني مصاف الدول القوية‪..‬‬

‫‪268‬‬
‫فكيف ملجتمع ان يكون صناعي‪ ..‬زراعي‪ ..‬منتج‪ ..‬كيف ينتج وهو‬
‫يتعاطى كل ما يذهب العقل ويوهن البدن‪..‬‬
‫ً‬
‫طويل‪ ..‬إىل ان جاء دور الدفاع عن املتهمني وبعد‬ ‫حتدث ممثل النيابة‬
‫اوقات طويلة وصرب طويل من قايض اجللسة تم تأجيلها لسامع شهود ومناقشة‬
‫أدلة وبراهني أكثر‪..‬‬
‫كانت مروة قابعة وراء القضبان احلديدية‪ ..‬صامتة‪ ..‬تتذكر وتتخيل‪..‬‬
‫سيارهتا الفارهة‪ ..‬والبيت احلديث‪ ..‬واخلادمة‪ ..‬وعضوية النادي‪ ..‬واسمها‬
‫كام كان ينادهيا اجلميع «اهلانم» واألموال الطائلة يف البنوك وحقيبة يدها وطعم‬
‫القهوة من ذاك املقهى الشهري‪ ..‬املزدانة بالكراميل‪..‬‬
‫ستقيض ما يتبقى هلا من عمر تتذكر طعم ال مثيل له وخاصة إذا دفعت فيه‬
‫آخر نقود لدهيا‪ ..‬فإن مذاقه حتام يكون خمتل ًفا‪..‬‬
‫تتذكر مروة كل هذا وعن يسارها جيلس عىل األرض العم زكريا‪..‬‬
‫أباها املسكني افنى عمره يف زرع معنى «نعمة الرضا» لكن املعنى مل يثبت يف‬
‫األرض‪ ..‬اقتلعته نسمة هواء ضعيفة هبت عىل املكان‪ ..‬خسارة يا مروة‪..‬‬
‫ِ‬
‫عليك أبوك‪..‬‬ ‫هانت عليك نفسك وهان‬
‫وشاخصا ببرصه إىل ما بني قدميه‬
‫ً‬ ‫ناظرا‬
‫وعالء عيل يمني مروة‪ ..‬عالء ً‬
‫يستعيد رشيط حياته وأحداثها‪ ..‬ويتساءل هل من خطأ صغري خروجي‬
‫وتنزهي مع فتاة ال أعرفها يفعل يب كل هذا‪ ..‬يودي يب إىل سجن إىل عامل سحيق‬
‫ال أنتمي إليه وال استطيع أن أكون جزء منه‪ ..‬أنا عالء ‪..‬وحيد أيب وأمي‪..‬‬
‫ً‬
‫مدلل‪ ..‬كيف يب أن اعيش هكذا يف هذا املكان وأتناول هذا‬ ‫عشت عمري‬

‫‪269‬‬
‫الطعام‪ ..‬أين حجريت‪ ..‬محامي‪ ..‬طاولة السفرة‪ ..‬أصناف الطعام‪ ..‬مالبيس‬
‫املهندمة النظيفة‪ ..‬سياريت‪..‬‬
‫أين اصدقائي‪ ..‬ورشيف صديقي‪ ..‬ثبت عىل مبدأه‪ ..‬هو عىل صواب‬
‫ً‬
‫دائم‪ ..‬رشيف عىل صواب‪ ..‬ربام هلذا اخطأت‪ ..‬أخذت طريقًا عكس طريقه‪..‬‬
‫عاندت ألثبت لنفيس ولرشيف وللجميع انه عىل خطأ وأنني عىل صواب‬
‫وإنه خرسين كصديق وأردت أن أجعله يتذوق طعم الندم‪ ..‬لكن صار التيار‬
‫ضدي وكان العكس متا ًما‪ ..‬رشيف هو الناجي وأنا الغارق‪ ..‬هو عىل صواب‬
‫وأنا املجرم املتهم يف جتارة حمرمة يف حماولة تسميم املجتمع‪ ..‬يف الرتبح بامل‬
‫عن طريق غري رشعي أو قانوين‪ ..‬اين أمي التي قاطعتها‪ ..‬وأيب‪ ..‬كم حتملني‬
‫فرصا كثرية‪..‬‬
‫ومنحني ً‬
‫إهنا مروة‪ ..‬تلك الفتاة اخلبيثة اللعينة‪ ..‬دخلت حياتنا دون استئذان‬
‫اقتحمت عاملي‪ ..‬توددت إىل‪ ..‬قامت بخدمتي‪ ..‬كيف مل اكتشف هذا ومل‬
‫انظر هلا عىل اهنا جمرد خادمة‪ ..‬كيف مل تراها عيني‪ ..‬إهنا كانت تأيت للمشفى‪..‬‬
‫تسهر الليل بطوله عىل كريس فقط لتخدمني‪ ..‬دون ان تعرفني او تربطنا أي‬
‫عالقة من أي نوع‪ ..‬استمعت لنصائحها‪ ..‬صدقت اهنا ختاف ع ّ‬
‫يل وتريد أن‬
‫تراين يف مكان أعىل مما أنا فيه‪ ..‬أحكمت خيوط شباكها حويل‪ ..‬عزلت أمي‬
‫عني‪ ..‬وبدلت االسامء‪ ..‬حكمة أيب اسمتها‪ ..‬التحكم ّ‬
‫يف طوال الوقت وإلغاء‬
‫لشخصيتي‪ ..‬وسامعي لنصائح أمي‪ ..‬أوجدت هلا ً‬
‫اسم آخر «ال يصح أن تكون‬
‫ابن امك»‪ ..‬وهذا بالطبع اهتام ال يقبله كربياء أي رجل‪ ..‬خبيثة‪ ..‬ماكرة‪..‬‬
‫هي سبب كل ما أنا فيه‪ ..‬هي من حتمست لفكرة جتارة املخدرات‪ ..‬دنيئة‪..‬‬

‫‪270‬‬
‫جائعة‪ ..‬تبحث عن الرتبح الرسيع‪ ..‬تعشق املال‪ ..‬وال تعشق غريه‪ ..‬هي مل‬
‫حتبني ومل حتب أباها املسكني الذي مل يسلم من أذاها‪ ..‬ومل حتب صديقتها الطيبة‬
‫نورا بل عىل العكس كانت متقتها‪ ..‬حتقد عليها‪ ..‬تغار منها‪..‬‬
‫مجيعا‪ ..‬حطمتني وكرست ظهر أيب‪ ..‬واضفت‬
‫هي السبب يف هدمنا ً‬
‫احلزن والقهر عىل قلب أمي‪ ..‬فتحت يل طريق الشيطان ألسري فيه ال ‪ ..‬ليس‬
‫طريق الشيطان‪ ..‬إنه طريقها هي‪ ..‬أهنا الشيطان ذاته‪..‬‬
‫***‬

‫‪271‬‬
‫حترك مايا فرشاهتا بألوان متعددة يف كل اجتاه يف لوحاهتا تصور هبا ما‬
‫يتكبده اإلنسان من معاناة عندما يلتصق به ويقتحم حياته من ال ضمري له‪..‬‬
‫فصورت االنسان بال ضمري كحيوان القنفد‪ ..‬أشواكه تطال كل من‬
‫ً‬
‫اشواكا كثرية يف كل‬ ‫حوله فال يسلم من لسع أشواكه أحد‪ ..‬حيث يمتلك‬
‫مكان وكل اجتاه‪ ..‬فحيثام كنت عن يمينه أو يساره‪ ..‬فوقه‪ ..‬أسفله‪ ..‬سوف‬
‫تتوجع وتتأمل أملًا شديدً ا‪ ..‬واذا حاولت اخلالص واالبتعاد عنه‪ ..‬يظل يالحقك‬
‫بمعسول الكالم‪ ..‬إىل ان تسمح له باالقرتاب‪ ..‬فيقرتب وتكتوي أملًا مرة أخرى‬
‫فأشواكه لن ترمحك وسوف تظل تنغمس يف جلدك وتتوغل حتى ترصخ أملا‪..‬‬
‫وترى جلدك يدمي‪ ..‬ودماءك تسيل‪ ..‬عندها فقط يشعر بالسعادة وربام يتنحى‬
‫جانبا ويرحل‪ ..‬وأنت تصبح حطا ًما‪ ..‬بدم مسال‪..‬‬
‫ً‬
‫هكذا صورت مايا هذا املشهد ورسمته يف أبدع وأهبى صورة ومن يرى‬
‫اللوحة فاملعني غري مسترت‪ ..‬املعنى واضح وجيل‪ ..‬من الظامل بال ضمري‪ ..‬ومن‬
‫الضحية والفريسة‪..‬‬
‫اهنت مايا العديد من اللوحات‪ ..‬وبني كل فرتة وأخرى كانت جترى‬
‫ً‬
‫واتصال ثالثًا بوالدة رشيف‬ ‫ً‬
‫واتصال بأبيها يف اإلسكندرية‬ ‫اتصاال برشيف‬
‫مدام كريمة املقيمة يف بيت أختها‪..‬‬

‫‪272‬‬
‫هكذا شعرت مايا بمسئولية جتاه اجلميع وكانت تتمني لو استطاعت أن‬
‫تزور نورا‪..‬‬
‫مرت عدة أيام عىل نورا‪ ..‬تفيق للحظات ثم تستعيد طريق اهلروب‪..‬‬
‫طريق اخلالص االغامء الذي ربام يؤدي هبا إىل اهلدف األسمى‪ ..‬اخلالص‬
‫الكبري والنهائي إىل املوت‪ ..‬ويف إحدى املرات افاقت تنظر حوهلا‪ ..‬فوجدت‬
‫احلجرة مظلمة متا ًما فعرفت ان الوقت مازال ً‬
‫ليل ومل حين الفجر بعد‪..‬‬
‫ثم سمعت اثنان من االطباء بجوار رسيرها يتحدثان بالعربية مع بعض‬
‫املصطلحات الطبية باإلنجليزية استطاعت أن تفهم إهنم يتحدثون عن حالة‬
‫مريض أصيب بنزيف حاد يف املنطقة املحيطة باملخ أدى إىل خروج العصب‬
‫املغذى للعني من الناحيتني وإىل انسداد األوعية الدموية التي تغذى الشبكية‬
‫بواسطة جلطة دموية‪ ..‬ولسوء حظ هذا املريض فآنه أصيب بفقدان للبرص يف‬
‫عينيه وليس عني واحدة كام هو شائع‪..‬‬
‫استعادت نورا موهبتها يف الرتمجة الفورية‪« ..‬من هذا املسكني الذي‬
‫يتحدثان عنه الذي فقد البرص يف كلتا عينيه ويذكر الطبيبان ً‬
‫أيضا أنه ال عالج‬
‫حلالته‪ ..‬سيقىض ما تبقي له من عمر «أعمى»‪« ..‬كفيف»‪ ..‬اآلن أدركت أن‬
‫مهام كربت مصيبتي فإن هناك من هو ذائق البتالء اكرب‪ ..‬يارب اشفي كل‬
‫املرىض‪ ..‬وساعد هذا الرجل عىل تعلم ممارسة حياته اجلديدة بال ضوء‪ ..‬بال‬
‫نور‪ ..‬ساعده عىل التكيف عىل فقدان نعمة البرص‪ ..‬ويارب حقق يل مطلبي‪..‬‬
‫ارسل مالئكتك ليأخذوا ويقبضوا تلك الروح البائسة‪ ..‬روحي‪ ..‬روح امرأة‬

‫‪273‬‬
‫خذلت أباها وأمها‪ ..‬ضاعت وسط ظنها ان براءهتا تشفع هلا من الذئاب‬
‫والثعابني‪..‬‬
‫يف نفس اليوم زار نورا ثالثة أطباء طبيب متخصص يف املخ واألعصاب‬
‫وطبيب آخر متخصص يف أمراض الرمد والعيون وثالث هو الطبيب العام‬
‫املسئول عن حالة نورا‪ ..‬التف حوهلا األطباء الثالثة يف جنح الظالم والساعة‬
‫تشري إىل الثانية بعد الظهر والشمس يف منتصف السامء‪ ..‬لكن الظالم حييط‬
‫احلجرة من كل مكان‪ ..‬قاموا باحلديث اليها ورشح حالتها بالتفصيل‬
‫واخربوها ان الساعة تدق الثانية‪ ..‬منتصف النهار‪ ..‬فتذكرت ما سمعته من‬
‫قبل عن حالة ذلك املريض األعمى‪ ..‬انه أنا‪ ..‬أنا أصبحت عمياء‪ ..‬كفيفة‪..‬‬
‫كنت ادعو لنفيس وأنا أظن أين أدعو لرجل كفيف وأمتني ان يتأقلم عىل الوضع‬
‫اجلديد‪ ..‬إنه أنا من جيب أن تتأقلم عىل الظالم يف النهار والليل‪ ..‬ليس هناك‬
‫فارق بينهام اين طلبت املوت بعد كل ما مر يب من عذاب‪ ..‬فيارب ً‬
‫بدل من‬
‫اإلرسال يف طلب وقبض روحي تأخذ برصي‪ ..‬أي راحة هذه‪ ..‬فها أنا ذا يزاد‬
‫لقبا جديدً ا‪ ..‬نورا العمياء‪ ..‬نورا الكفيفة‪ ..‬كنت دو ًما اتطلع ألن‬
‫عىل ألقايب ً‬
‫يأيت أحدً ا لفتح النافذة‪ ..‬اآلن‪ ..‬ال داعي‪ ..‬نافذة مغلقة أو مفتوحة‪ ..‬مفتاح‬
‫نور يعمل أو ال يعمل‪ ..‬كل األمور متساوية‪ ..‬لقد أرخيت ستائر عيني ولن‬
‫ترتفع أبدً ا‪ ..‬أين النهاية‪ ..‬هبطت الستائر وأرخيت ومازلت انتظر‪ ..‬كلمة‪..‬‬
‫كلمة واحدة‪ ..‬كلمة "النهاية"‪ ..‬ففيها راحتي‪ ..‬وفيها انتقام السامء مني‪ ..‬هناية‬
‫بطعم الراحة‪..‬‬

‫‪274‬‬
‫عادت نورا إىل السجن‪ ..‬عادت بمظهر جديد‪ ..‬ال تسري وحدها‪ ..‬وإنام‬
‫معها من يسحبها ويوجهها‪..‬‬
‫استدعاها ضابط السجن قال هلا بعض كلامت املواساة والرفق بحاهلا‪..‬‬
‫ثم اخربها أنه حيمل هلا شيئني مهمني‪ ..‬األول من زوجها‪ ..‬ثم ناوهلا ورقة‬
‫كبرية‪ ..‬قالت له‪ ..‬ما هي‪ ..‬أنا ال استطيع النظر والقراءة هال تساعدين وتقرأ‬
‫ما فيها‪ ..‬بعد ان سكت للحظات وال يدري ما يقول تشجع ً‬
‫قائل‪ ..‬إهنا وثيقة‬
‫طالقك يا نورا من زوجك املدعو" ماجد حمروس" وربت عىل كتفها‪ ..‬كغري‬
‫عادة أي امرأة تتسلم ورقة طالقها فتحزن وتبكي حتى لو كانت تتمناها من‬
‫قبل لكن نورا شعرت بالعكس متا ًما‪ ..‬فكانت تشعر أن ماجد يصعب إبعاده‬
‫عن حياهتا‪ ..‬وعندما امسكت الوثيقة يف يدها رفعتها إىل شفاها وقبلتها قائلة‪..‬‬
‫لك احلمد يارب عىل نعمة اخلالص من الكابوس والثعبان‪ ..‬شعرت بارتياح‬
‫غريب‪ ..‬إن مل يعد هلا أي صلة هبذا املخلوق وأمه‪..‬‬
‫ثم استطرد الضابط بعد ان رأي رد فعل نورا اهلادئ السعيد فتشجع ً‬
‫قائل‬
‫أما اليشء الثاين يا نورا‪ ..‬فهذه املذكرات تركتها لك والدتك مدام كريمة قائلة‬
‫إهنا آخر وصايا والدك العميد فؤاد رمحة اهلل عليه‪ ..‬ان يعطوك أنت مذكراته‬
‫بخط يده‪ ..‬وجاءت والدتك لتنفيذ الوصية وعند اصابتك تركتها لك‪..‬‬
‫امسكت نورا دفرت املذكرات بلهفة وأول ما فعلته هو وضعه عىل وجهها‬
‫انفاسا متالحقة وتشتم املذكرات من كل‬
‫ً‬ ‫لتشتم فيه رائحة أباها ظلت تأخذ‬
‫جانب ودموعها ال تتوقف‪ ..‬ثم قالت يارب‪ ..‬أخذت برصي قبل أن أراها‬
‫واقرأ حروفها حر ًفا حر ًفا‪ ..‬إنه خط أيب‪ ..‬سيادة العميد‪ ..‬كنت أمنى نفيس‬

‫‪275‬‬
‫يارب أن متهلني بضعة أيام ثم أسحب برصي مرة أخرى‪ ..‬ثم سألت الضابط‬
‫هل ممكن ان تقرأ يل عنوان املذكرات‪ ..‬ماذا سامها أيب‪..‬‬
‫نظر الضابط إىل الدفرت وأجاب‪« ..‬عجائب اكتوبر‪ ..‬دروس يف فنون‬
‫القتال»‪..‬‬
‫ابتسمت نورا ألول مرة منذ اسابيع‪ ..‬فرحة مل تشعر هبا منذ زمن بعيد‪..‬‬
‫فرحة نجاح أباها‪ ..‬اكتامل املذكرات‪ ..‬فهو واضح من معنى العنوان‪ ..‬يتحدث‬
‫ً‬
‫وايضا كيف لقن‬ ‫عن اعجب وأغرب ما مر به خالل اشرتاكه يف احلرب‪..‬‬
‫درسا ليجعل من ال يقهر‪ ..‬يقهر!!‬
‫اجليش املرصي العدو ً‬
‫شكرت نورا الضابط وانرصفت‪ ..‬وال يشغل تفكريها أمر طالقها عىل‬
‫االطالق وأن كل ما كان يستحوذ عىل ذهنها هو كيف ستقرأ هذه املذكرات‪..‬‬
‫من ممكن ان يساعدها يف ذلك‪ ..‬وبينام هي سائرة بصحبة احلارسة التف حوهلا‬
‫مجع من السجينات يقدمن هلا املواساة والعزاء بعد سامعهن بخرب طالقها وقد‬
‫تطوعت بعض منهن بسب ولعن الرجال‪ ..‬وأنه ال مأمن المرأة من رشهم‪..‬‬
‫مل تكن نورا تنصت إليهن‪ ..‬كل ما كان يدور يف رأسها هو من تصلح‬
‫ان تساعدها يف قراءة املذكرات بانتظام دون أن تشعر بملل‪ ..‬فلم جتد نورا‬
‫إال إىل توجيه الطلب بشكل مبارش فأشارت هلن بيدهيا ان كفوا عن الثرثرة‬
‫واسمعوين‪ ..‬انصت اجلميع‪ ..‬رفعت نورا دفرت املذكرات إىل أعىل قائلة‪ ..‬هذه‬
‫مذكرات أيب عن حرب اكتوبر ورشح للخطط والتكتيكات العسكرية والتي‬
‫شارك يف وضعها وتنفيذها بنفسه للوصول إىل اهلدف املنشود‪ ..‬حترير األرض‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫هل يل أن تساعدين احداكن يف قراءة تلك املذكرات يل‪ ..‬فأنتن كام‬
‫تعلمن‪ ..‬ال أبرص‪ ..‬فبالتايل ال أقرأ‪..‬‬
‫سكت اجلميع‪ ..‬وجاء صوت من بعيد‪« ..‬أنا‪ ..‬أنا يل عظيم الرشف أن‬
‫اقرأ معك مذكرات رجل عظيم قدم لبلده خدمات جليلة»‪..‬‬
‫تقدمت الفتاة وقامت بتعريف نفسها لنورا‪ ..‬اسمي «ايناس» عمي كان‬
‫حمبا للرئيس السادات وكان دائم احلديث عن ذكاءه وفطنته بجانب ثقافته‬
‫ً‬
‫ً‬
‫وأيضا الدينية‪ ..‬اتقانه لإلنجليزية والفارسية‪ ..‬هذا‬ ‫السياسية والتارخيية‬
‫بجانب الشخصية التي جترب من يتعامل معه عىل احرتامه وتوقريه‪ ..‬أحببت‬
‫السادات بسبب روايات عمي عنه وأنا صغرية‪ ..‬وعندما كربت ونضجت‬
‫كثريا عن فرتة حكمه وحتديدً ا فرتة ما قبل وما بعد حرب‬
‫شخصيتي قرأت ً‬
‫أكتوبر العظيمة‪..‬‬
‫نورا وايناس أصبحتا صديقتان منذ ذلك اليوم‪ ..‬ظهور ايناس يف حياة‬
‫جانبا‪ ..‬ووجود مذكرات سيادة العميد‬
‫نورا ازاح عنها التفكري وطلب املوت ً‬
‫فؤاد جعلت نورا حتب احلياة وتتشبث هبا اكثر‪ ..‬كي تقرأ كل حرف وتقرأ‬
‫ببصريهتا ما بني السطور‪..‬‬
‫كانت إيناس قارئة جيدة وكانت مستمتعة بقراءة املذكرات مع نورا‪..‬‬
‫جاءت ميعاد املحاكمة للنطق باحلكم‪ ..‬كان قلب نورا يدق بشدة قبل‬
‫النطق باحلكم‪ ..‬وقد أبىل املحام اخلاص هبا بال ًء حس ًنا‪ ..‬حيث اوضح من‬
‫خالل السرية الذاتية لنورا والسرية الذاتية ملروة‪ ..‬أن نورا بعيدة متا ًما عن‬
‫شبهة حيازة تلك املواد واهنا تركت مروة وبجوارها حقيبة يدها إلحضار املاء‬

‫‪277‬‬
‫فقامت مروة بإلقاء الكيس يف حقيبة نورا‪ ..‬ومما ساعد يف قوة موقف نورا هو‬
‫شهادة أحد ضباط الضبط واإلحضار الذي كان يطارد مروة داخل النادي‬
‫ورأها متيل عىل مقعد نورا بعد ان هنضت متجهة إىل داخل الكافترييا‪ ..‬وكان‬
‫واضح إهنا تفعل شي ًئا ما فوق املقعد‪ ..‬وعندما هربت طاردها بعض الرجال‬
‫وتوجه بنظره إىل الطاولة حيث وجد حقيبة نورا عىل املقعد ففهم أن مروة‬
‫كانت تفعل شي ًئا باحلقيبة وعند عودة نورا باملاء طلب منها ان يفتش حقيبتها‬
‫وعثر بداخل احلقيبة وعىل سطحها ليس بأسفل احلقيبة عىل كيس الكوكايني‪..‬‬
‫ثم أكد رجل آخر من رجال مكافحة املخدرات أقوال زميله حيث قال كال ًما‬
‫مشابه لذلك‪ ..‬مما أعطى قناعة للقايض أن نورا مل تكن إال ضحية تعيسة وأن‬
‫مروة هي رأس الشيطان األكرب‪..‬‬
‫ً‬
‫وأيضا ملف نورا الطبي واحلالة الصحية التي أصبحت عليها وفقداهنا‬
‫البرص‪ ..‬أدي إىل ان يقوم القايض بإصدار حكمه بالسجن ملدة عام واحد‬
‫فقط‪ ..‬وقد مر منه نصفه حتت السجن االحتياطي وباقي أشهر معدودة وخترج‬
‫نورا من هذا الكابوس‪..‬‬
‫ً‬
‫وبعضا من أفراد ارسة نورا‪..‬‬ ‫كانت مدام كريمة حارضة للجلسة‬
‫جالسا يف هدوء يف الصف األخري للقاعة‪ ..‬وبمجرد‬
‫ً‬ ‫وكان هناك ً‬
‫رجل‬
‫النطق باحلكم انطلق يف التصفيق والتهليل حيث إنه معرو ًفا أن االجتار يف‬
‫املخدرات عقوبتها االعدام ويف أقل تقدير احلكم بالسجن املؤبد‪..‬‬
‫من هذا الرجل؟؟‪ ..‬نظر اجلميع إليه‪ ..‬حتى نورا أدارت رأسها نحو‬
‫الصوت‪ ..‬وبالطبع ال تستطيع رؤيته‪ ..‬فسألت والدهتا التي كانت تقف‬

‫‪278‬‬
‫بجوارها وهي داخل القفص واألم يف خارج القفص وبينهام القضبان احلديدية‬
‫من هذا الرجل يا أمي؟؟‪ ..‬أين أعرف هذا الصوت لكن ال استطيع التذكر‪..‬‬
‫نظرت اليه مدام كريمة واجابت نورا قائلة‪ ..‬إنه أبو الغالية أبو زوجة‬
‫اخيك‪ ..‬صاحت نورا فرحة عمي د‪ .‬كامل‪..‬‬
‫نعم إنه د‪ .‬كامل‪ ..‬حرض من االسكندرية يف كل جلسات حماكمة نورا‬
‫ً‬
‫أموال يف‬ ‫وهو من أحرض املحامي اخلاص للدفاع عنها‪ ..‬وكان يرتك هلا‬
‫األمانات يف السجن‪ ..‬وقد زارها يف مشفى السجن اكثر من مرة لالطمئنان‬
‫عليها لكن دون ان تدري‪..‬‬
‫تقدم منها مهن ًئا إياها‪" ..‬نعم يا نورا انا عمك كامل‪ ..‬ألف مليون‬
‫قريبا جدً ا سوف خترجني»‪ ..‬شكرته نورا بشدة ثم استطردت قائلة‪..‬‬
‫مربوك‪ً ..‬‬
‫اخرج فني وملني‪ ..‬وأنا بظرويف هذه و برصي الذي ذهب عني‪ ..‬ماذا عساي‬
‫أن افعل‪..‬‬
‫اجاب د‪ .‬كامل ‪ ..‬نورا ال تقلقي أنا اعددت لك كل يشء وهناك الكثري‬
‫من املفاجآت يف انتظارك‪ ..‬دعينا فقط ندعوا اهلل أن متر أيامك رسيعة وخترجني‬
‫عىل خري‪..‬‬
‫عادت نورا إىل السجن بعد جلسة املحاكمة‪ ..‬بدأ الشعور بالعدل يزحف‬
‫إىل قلب نورا شي ًئا فشي ًئا‪ ..‬كانت تظن انه ال خالص من اهتامها بتجارة سموم‬
‫غري مرشوعة‪ ..‬يعلم اهلل وحده إهنا مل يكن هلا ناقة وال مجل يف هذا العمل‬
‫الرشير‪ ..‬عادت إىل سجنها إىل زنزانتها‪ ..‬إىل مذكرات اباها‪..‬‬

‫‪279‬‬
‫جلست مع إيناس لتبدأ القراءة هلا يف صفحات املذكرات التي طاملا‬
‫متنت نورا ان ترى اوراقها‪ ..‬وخط أبيها اجلميل‪ ..‬وطريقة تنظيمه للحروف‬
‫واالسطر وبينام إيناس تقرأ استوقفتها نورا سائلة ايناس‪ ..‬أمل تلحظي ع ّ‬
‫يل شي ًئا‬
‫خمتل ًفا اليوم؟‪ ..‬أجابت ايناس‪« ..‬نعم»‪ ..‬أرى عىل وجهك شعور بالسعادة‬
‫والرضا‪ ..‬ما رس هذه السعادة يا ترى‪ ..‬هل بسبب احلكم املخفف الذي‬
‫ِ‬
‫حصلت عليه أم ماذا؟!‬
‫ردت نورا‪ ..‬نعم احلكم املخفف باإلضافة إىل رؤيتي ألمي احلنون وافراد‬
‫ارسيت‪ ..‬كذلك رأيت ً‬
‫رجل كم أكن له كل تقدير واحرتام‪ ..‬إنه د‪ .‬كامل والد‬
‫مايا اجلميلة زوجة اخي رشيف‪ ..‬آه‪ ..‬كم أحبهم‪ ..‬رشيف أخ بمعني الكلمة‬
‫كثريا‪ ..‬طيبة‪ ..‬حنون‪ ..‬مجيلة‪ ..‬فنانة موهوبة‪ ..‬هي‬
‫وزوجته مايا‪ ..‬أحبها ً‬
‫متخرجة من كلية الفنون اجلميلة مثيل‪ ..‬كم شعر قلبي بالفرحة عندما رأيت‬
‫عمي د‪ .‬كامل وكأنني رأيت رشيف ومايا‪..‬‬
‫عادت إيناس للقراءة من جديد واستمرت يف االنتقال بني الصفحات‬
‫وهي مستمتعة ونورا أيضا يف غاية االستمتاع بكتابة أباها وأسلوبه الشيق‬
‫واضحا‪ ..‬إىل ان وصلت إيناس عند‬
‫ً‬ ‫والصدق الشديد الذي تشعر به جليا‬
‫أحد املواقف التي كان يذكرها العميد فؤاد حيث كتب «احلياة العسكرية‬
‫داخل اجليش املرصي كام يظنها الكثريون تتسم بالشدة واحلزم وال تعرف‬
‫إال الرصامة والعقاب الشديد للمخطئ‪ ..‬ال‪ ..‬هناك رجال هلا قلب وتعرف‬
‫الرمحة والتسامح وتقدير األمور حق قدرها واحيانًا روح األب تتغلب عىل‬
‫روح الرتبة العسكرية األمرة الناهية‪ ..‬واستشهد العميد فؤاد لتثبيت هذا املعنى‬

‫‪280‬‬
‫بأحد املواقف التي مر هبا اثناء خدمته يف اجليش قبيل حرب اكتوبر العظيمة‪..‬‬
‫حيث إنه تقدم أحد املجندين إىل قائده املبارش بطلب نزول اجازة رسيعة إىل‬
‫بلدته لرؤية امه حيث اخربه احد املجندين العائد لتوه من االجازة وهو يقطن‬
‫بنفس البلدة أن حالة والدته الصحية سيئة للغاية ويقول االطباء اهنا يف أيامها‬
‫األخرية وهي تنطق وتصيح باسم ولدها املجند طوال وقت افاقتها‪..‬‬
‫ً‬
‫طويل عىل أمه‪ ..‬وتقدم بالطلب للذهاب يف إجازة طوارئ‬ ‫بكى املجند‬
‫لرؤية أمه لكن قائده قام بالتأشري عىل طلبه «بالرفض» ً‬
‫قائل أننا نحتاج إىل‬
‫مجيع االفراد للتدريبات ولن يسمح بأي اجازة مهام كان املوقف‪ ..‬رفض القائد‬
‫املبارش‪..‬‬
‫أهنار املجند وانخرط يف البكاء ومل يستطع الرتكيز يف أي عمل يوكل اليه‪..‬‬
‫ويف جنح الليل استطاع التسلل عرب أسالك املعسكر‪ ..‬هرب من املعسكر‪..‬‬
‫وسافر إىل بلدته وظل بجوار أمه ثالثة أيام كاملة‪ ..‬ويف اليوم الرابع‪ ..‬ماتت‬
‫األم وهي تدعو لولدها راضية عنه‪ ..‬قام بدفنها وعمل مجيع اإلجراءات‬
‫الالزمة ويف املساء أتى مجع غفري إىل داره للتعزية‪ ..‬وعند بداية خيوط الفجر‬
‫األويل توجه املجند عائدً ا إىل وحدته‪ ..‬وبمجرد دخوله تم إلقاء القبض عليه‬
‫حيث انه ُسجل هار ًبا من اليوم األول ملغادرته املعسكر‪ ..‬ووضع يف أحد‬
‫زنازين السجن احلريب‪ ..‬وعندما ُرفع الطلب إىل قائد الكتيبة للتأشري لتوقيع‬
‫اجلزاء عىل املجند اهلارب وكنت أنا قائد الكتيبة‪ ..‬قبل التأشري أردت العمل‬
‫بالعدل كام قال اهلل تعايل يف كتابه العزيز «إن اهلل يأمر بالعدل واإلحسان»‬
‫فطلبت مذكرة تفصيلية بواقعة اهلروب ومالبساهتا وعند قراءة املذكرة علمت‬

‫‪281‬‬
‫ان املجند اتبع التعليامت واالجراءات وقام بتقديم الطلب إلجازة الطوارئ‬
‫إىل قائده املبارش والذي رفض املوافقة عىل طلبه‪ ..‬بعدها هرب املجند البد يف‬
‫األمر يشء‪ ..‬أريد سامعه قبل التأشري بالعقاب‪..‬‬
‫حرض املجند من زنزانته إىل مكتبي‪ ..‬دعيته للجلوس وأحرضت له كو ًبا‬
‫من الشاي الثقيل واشعرته أين مل احرضه لسؤاله أو حماكمته‪ ..‬بل ملشاركته‬
‫اسباب اهلروب وعليه ان حيكي ويرشح وهو يف امان تام‪ ..‬وأي رس يقوله لن‬
‫يذاع مهام كانت األسباب‪ ..‬هكذا يتعامل الرجال‪..‬‬
‫بدأ املجند يف رشح املوقف من وجهة نظره وكيف انه كاد جين وفقد تركيزه‬
‫يف التدريبات وكل يشء‪ ..‬خو ًفا عىل أمه وفقداهنا‪ ..‬وإن كان هلل حكمة يف موت‬
‫أمه وال اعرتاض فعىل األقل‪ ..‬يراها‪ ..‬ويسرتها بالدفن الرشعي بنفسه حيث‬
‫هو االبن الوحيد عىل ثالث شقيقات‪ ..‬واألب متويف منذ زمن‪ ..‬واألن بعد‬
‫وفاهتا اصبح هو العائل الوحيد لألرسة‪ ..‬بجانب الرعاية عىل استيحاء من‬
‫االقارب‪..‬‬
‫أمرت بإحضار عدد ‪ 2‬غداء يل وللمجند املسكني‬
‫ُ‬ ‫اقرتب موعد الغداء‪..‬‬
‫الذي اصبح يتيم األب واألم‪ ..‬ومحل مسئولية ثالثة فتيات وهو يف اجليش‬
‫ومقبل عىل حرب ال يعلم أحدً ا إال اهلل وحده إن كان سيعود ً‬
‫سليم معايف إىل‬
‫شقيقاته أم يستشهد أم يصاب‪ ..‬ال أحد يعلم‪..‬‬
‫هكذا تعلمنا أن ألي رواية وجهة نظر أخرى‪ ..‬وإن للعدالة وجوه‬
‫كثرية‪ ..‬وليس من العدل السامع من طرف واحد والتحيز التام هلذا الرأي‬

‫‪282‬‬
‫دون اعطاء الفرصة للطرف اآلخر لعرض قضيته ورشح وجهة نظره‪ ..‬فكام‬
‫تعلمنا‪ ..‬للعدالة اكثر من رواية‪..‬‬
‫بعد الغداء‪ ..‬أصدرت أوامري‪ً ..‬‬
‫أول‪ ..‬يذاع يف طابور الصباح إقامة‬
‫جملس عزاء يف إحدى صاالت االجتامعات وقيام افراد الكتيبة بتعزية املجند‪..‬‬

‫ثانيا‪ :‬التربع بمبلغ واحد جنيه وهذا اختياري ملراعاة ظروف املجند‬
‫ً‬
‫وأرسته‪..‬‬

‫ثالثًا‪ :‬إصدار العفو عنه يف عقوبة اهلرب واستبدال العقوبة املنصوصة‬


‫بأمره تنظيف العنابر ملدة ثالثة أيام‪..‬‬

‫فرح املجند عند سامعي القاء تلك األوامر عىل املساعد اخلاص يب‪..‬‬
‫لكتابتها وابالغها للجميع وقام بعناقي والدموع تنهمر من عينيه‪ ..‬ثم قال‬
‫يل‪ ..‬يا فندم أنا أعلم ان الرجال ال تبكي‪ ..‬وعند موت أمي مل ِ‬
‫أبك حيث‬
‫متوقعا موهتا بني حلظة وأخرى ولكن ما فعلته معي اليوم‪ ..‬نزع حاجز‬
‫ً‬ ‫كنت‬
‫الدمع من عيني فوجدتني ال امتالك نفيس وابكي بشدة‪ ..‬لقد هربت وتغيبت‬
‫اربعة ايام‪ ..‬اوقفت عقايب واستدعيتني ملكتب حرضتك الذي أدخله ألول‬
‫مرة واحرضت يل الشاي واستمعت يل باهتامم رغم علمي بحجم انشغالك‬
‫يف اعامل القيادة‪ ..‬وأحرضت يل نفس الغداء الذي تأكله وأوليتي رشف تناول‬
‫الغداء مع قائد الكتيبة وبعدها تعفوا عني وتطلب من اجلميع التربع باملساعدة‬
‫املالية‪ ..‬كم أنت أب رحيم‪ ..‬كم انت عادل حكيم‪..‬‬

‫‪283‬‬
‫بعد ان استمعت اليه ودموعه ال تتوقف عن اهلطول وهو يف شدة التأثر‪..‬‬
‫أخربته ان القيادة ليست فقط حزم وعقاب وأوامر‪ ..‬إنام عقل‪ ..‬وحكمة‪..‬‬
‫ورمحة»‪..‬‬
‫انتهت ايناس من قراءة تلك الفقرة من رواية العميد فؤاد قائد الكتيبة‬
‫وحكايته مع أحد املجندين وان الرمحة تسبق العقاب والعدل يسبق الشدة‬
‫كانت ايناس اثناء قراءهتا تشعر بتسارع يف انفاسها ومل تشعر بالدمع يسقط من‬
‫عيناها‪ ..‬كانت تقرأ لنورا ولنفسها وخياالت تتحرك أمامها بشكل متسارع‬
‫واصوات وأحداث كثرية مرت عليها هلا عامل مشرتك مما قرأته يف مذكرات‬
‫العميد فؤاد‪..‬‬
‫شعرت نورا بصوت بكاء إيناس واستمر الصوت يف ازدياد إىل ان‬
‫اجهشت ايناس بصوت ٍ‬
‫عال مسموع ممتلئ باآلهات والزفرات‪ ..‬والقت‬
‫برأسها عىل صدر نورا‪ ..‬مل تستطع نورا فعل أي يشء إال أن تقوم بدور األم‬
‫احلانية عىل فتاهتا‪ ..‬التي من الواضح إهنا متر بأزمة نفسية عنيفة وتعيش حالة‬
‫من احلزن والتخبط مصحوبة بصمت خالص‪ ..‬إىل ان حانت اللحظة‪ ..‬حلظة‬
‫استثارة أخرجت فيها إيناس كل ما بداخلها من ضغط وكبت ومن الواضح ان‬
‫املوقف الذي رواه العميد فؤاد يف مذكراته‪ ..‬كان هو القشة التي قسمت ظهر‬
‫ذكريات مؤملة مضت داخل إيناس‪..‬‬
‫بعد ان هدأت ‪ ..‬سألتها نورا حيث كانت يف غاية القلق عليها‪ ..‬تريد أن‬
‫تعرف ماذا حدث‪ ..‬هل هي هلا عالقة هبذا املجند‪ ..‬فهذه الرواية حدثت من‬
‫عرشات السنني ربام يكون أباها‪ ..‬جدها‪ ..‬أحد اقرباءها‪ ..‬ال أعلم‪ ..‬البد أن‬

‫‪284‬‬
‫افهم‪ ..‬ما دخل مذكرات ايب يف اهنيار ايناس‪ ..‬يا هلذا العامل الضيق‪ ..‬كأن هناك‬
‫مجيعا‪ ..‬أو ربام أكون خمطئة وليس هلذه الرواية أي‬ ‫ً‬
‫خيوطا ترتبط ما بني الناس ً‬
‫عالقة بينها و وبني كل ما حدث من اهنيار داخيل إليناس‪ ..‬البد ان تتكلم‪..‬‬
‫قالت نورا‪« ..‬ايناس‪ ..‬ارتاحي واهدأي‪ ..‬كل مشكلة وهلا حل‪ ..‬انظري‬
‫إ ّيل‪ ..‬كنت باحثة عن املوت‪ ..‬اآلن أنا مشتاقة للحرية للخروج خارج تلك‬
‫االسوار رغم فقدان برصي وأين مل أعد أرى إال ظال ًما‪ ..‬لكن لدي طاقات‬
‫كثرية ألكمل مسرييت ومسرية أيب‪..‬‬
‫أجابت ايناس‪« :‬حس ًنا سأتكلم‪ ..‬ألنك نورا من أنارت يل طريقي رغم‬
‫فقدانك للنور‪ ..‬لكن اشعر بالنور خيرج من داخلك لينري كل ما حولك‪ ..‬اين‬
‫وأخريا وجدتك‬
‫ً‬ ‫احبك يا نورا‪ ..‬احب صداقتك‪ ..‬فأنا ليس يل أصدقاء‪..‬‬
‫سأحكي لك قصتي وستفهمني من كالمي الرابط بني قصتي وقصة املجند يف‬
‫مذكرات سيادة العميد فؤاد‪ ..‬والدك رمحة اهلل عليه‪..‬‬
‫أنا اسمي «ايناس عبد الرحيم» من أرسة أقل من متوسطة احلال‪ ..‬أقرب‬
‫إىل االرسة الفقرية‪ ..‬أنا واختي «ملياء»‪ ..‬وأمي املوظفة بإحدى املحاكم‪ ..‬قسم‬
‫االرشيف‪ ..‬تويف والدي وأنا يف املرحلة االعدادية‪ ..‬كنت دائمة متفوقة يف‬
‫دراستي وكان مشهود يل بالذكاء والقدرة عىل التحصيل الدرايس واحلفظ‬
‫الرسيع‪ ..‬ومل أكن احتاج إىل االستعانة بمدرس خصويص كام كانت تفعل كل‬
‫التلميذات األخريات يف املدرسة احلكومية حيث كام تعلمني مستوى جودة‬
‫املدارس املتدين وعدد التلميذات الكثري للغاية جيعل عملية التحصيل غري‬
‫ذات قيمة‪ ..‬باإلضافة إىل عوامل اخرى كثرية أدت إىل سوء مستوى التعليم‬

‫‪285‬‬
‫احلكومي‪ ..‬وليس كام كنت أسمع من جدي أن عىل أيامه كانت املدارس‬
‫احلكومية هي يف قمة املدارس وال يلجأ إىل التعليم اخلاص إال من فشل يف‬
‫النجاح والتفوق يف املدارس احلكومية‪ ..‬والتي َّخترج فيها عظامء األمة والساسة‬
‫والعلامء ورجال القانون‪ ..‬الوزراء‪ ..‬وكل من ساهم يف تأسيس وتثبيت دعائم‬
‫قيام دولة قوية ِّ‬
‫يكن هلا اجلميع آنذاك كل احرتام‪..‬‬
‫أختي «ملياء» تكربين بثالث سنوات‪ ..‬أكملت دراستها الثانوية بصعوبة‬
‫شديدة حيث مل تكن «ملياء» تفهم معظم الدروس وكانت بحاجة إىل أخذ‬
‫الدروس اخلصوصية املساعدة وبالطبع كان ذلك يف غاية الصعوبة عىل ميزانية‬
‫األرسة‪ ..‬حيث كان راتب امي بالكاد يكفي لالحتياجات االساسية من‬
‫املعيشة‪..‬‬
‫حصلت ملياء عىل الثانوية العامة لكن بمجموع ضعيف‪ ..‬مل جتد أي كلية‬
‫مما كانت ترغب فيهم‪ ..‬واالختيارات كانت حمدودة فالتحقت باملعهد الفني‬
‫يوميا‬
‫التجاري‪ ..‬زادت طلبات ملياء حيث كانت تريد الذهاب إىل املعهد ً‬
‫بمالبس الئقة‪ ..‬ولألسف رسبت ملياء يف السنة األويل للمعهد‪ ..‬وأصبحت‬
‫أنا يف الصف الثاين الثانوي‪ ..‬ومل احتاج إىل اخذ دروس خصوصية وكانت‬
‫تقريبا وال اهتم باملاكياج‬
‫ً‬ ‫أمي تفخر يب أين ال اكلفها الكثري وليس يل طلبات‬
‫ً‬
‫ودائم‬ ‫والعطور‪ ..‬فكانت رأيس متتلئ بالنظريات اهلندسية والدوائر الكهربائية‬
‫اتطلع ألعرف كيف تعمل األجهزة سواء التلفاز‪ ..‬املكواة‪ ..‬السخان وكل ما‬
‫تقع عليه عيني من أجهزة كهربائية والكرتونية‪..‬‬

‫‪286‬‬
‫نجحت ملياء يف عامها األول مكرر يف املعهد وانتقلت أنا إىل الصف‬
‫الثالث الثانوي أصعب وأهم سنة يف تاريخ أي متعلم‪ ..‬اجتهدت للغاية حيث‬
‫ً‬
‫مقسم بني املدرسة يف الصباح ومساعدة أمي يف األعامل املنزلية‬ ‫كان وقتي‬
‫بعد عوديت‪ ..‬ثم استذكار درويس املمتعة يف املساء وجزء من الليل‪ ..‬انتهت‬
‫السنة وأديت االختبارات النهائية‪ ..‬وكان هديف األسمى هو االلتحاق بكلية‬
‫اهلندسة‪ ..‬حتدثت مع أمي يف األمر‪ ..‬فأخربتني أهنا تتمني يل كل خري‪ ..‬لكن‬
‫هي تعلم أن هذه الكلية حتتاج بعض املرصوفات الزائدة عن أي كلية نظرية‬
‫أخرى ومن الصعب عليها تدبري الالزم يل‪ ..‬إذا كان جمموع درجايت يؤهلني‬
‫لدخول كلية اهلندسة‪ ..‬فطرأت يل فكرة‪ ..‬هي العمل‪ ..‬البد أن أعمل وأدخر‬
‫بعض املال ليعينني عىل مرصوفات الكلية وال أختىل عن حلمي‪ ..‬فكرت أين‬
‫أعمل وماذا استطيع القيام به‪..‬‬
‫يوجد يف الشارع اخللفي لبيتنا ً‬
‫حمل إلصالح األجهزة الكهربائية مثل‬
‫اخلالط ‪-‬املكواة ‪-‬الراديو‪ ..‬مكنسة‪ ..‬وخالفه‪ ..‬فكرت ملا ال أعمل هناك إذا‬
‫احتاجوا املساعدة فأنا أعشق التعامل مع األجهزة وفهمها واصالحها‪ ..‬نعم‬
‫غدً ا اذهب إليهم وال ضري من التجربة‪ ..‬فأنا أعلم ان صاحب تلك الورشة‬
‫هو رجل طيب اسمه عم «راغب» حسن السمعة‪ ..‬واجلميع يف حيينا يلجأ إليه‬
‫إلصالح أي عيوب تطرأ عىل أجهزهتم املنزلية‪..‬‬
‫يف الصباح توجهت إىل ورشة عم راغب‪ ..‬كان موجو ًدا وحده‪ ..‬ظننت‬
‫ً‬
‫وعامل يعملون يف تلك الورشة‪ ..‬لكنها كانت ورشة‬ ‫أناسا كثريون‬
‫أن هناك ً‬

‫‪287‬‬
‫صغرية مليئة باألجهزة القديمة وقطع غيار عديدة ومسامري وأدوات إصالح‬
‫اعرف بعضها والبعض ال أعرفه‪..‬‬
‫سألته إن كنت أستطيع العمل عنده للمساعدة يف إصالح األجهزة‪ ..‬نظر‬
‫إىل عم راغب نظرة أب حنون‪ ..‬وضحك ً‬
‫قائل‪" ..‬يابنتي‪ ..‬مصنع اخلياطة يف‬
‫آخر الشارع‪ ..‬احنا هنا ورشة إصالح اجهزة كهربائية»‪..‬‬
‫ابتسمت له قائلة‪« ..‬أعلم يا عم راغب‪ ..‬أنا آتية للعمل عندك أنت يف‬
‫إصالح األجهزة املنزلية‪ ..‬وليس يل اهتاممات باملالبس وحياكتها»‪..‬‬
‫نظر إ ّىل عم راغب‪ ..‬فحصني جيدً ا وترك ما يف يده ً‬
‫قائل ‪" ..‬وماذا‬
‫تستطيع فتاة مثلك مع االجهزة املنزلية"‪ ..‬أجبته‪" ..‬إين أقوم بإصالح أجهزة‬
‫منزلنا عندما تتوقف عن العمل واستطعت فهم معظم األجهزة وكيفية عملها‬
‫واألعطال الشائعة التي حتدث هلا"‪ ..‬رفع عم راغب حاجبيه مستغر ًبا حديثي‬
‫للغاية‪ ..‬فتاة نحيلة‪ ..‬مل تتعدى الثامنة عرشة من عمرها تدعي اهنا تقوم بإصالح‬
‫أعطال األجهزة‪ ..‬ما هذا اجلنون اهنا حقًا مضيعة للوقت‪..‬‬
‫نظرت إىل عم راغب واستنبطت ما يفكر فيه فقلت له «ليس هناك ما‬
‫خترسه يا عم راغب‪ ..‬اعطني شي ًئا مما امامكم اصلحه لك وترى بنفسك»‪..‬‬
‫استحسن عم راغب الفكرة وقال «ملا ال ‪ ..‬تعاىل‪ ..‬ادخيل‪ ..‬اجليس عىل‬
‫هذا املقعد‪ ..‬خدي هذه املكواة‪ ..‬إن اصحاهبا يقولون إهنا كانت تعمل بصورة‬
‫جيدة وفجأة توقفت عن العمل‪ ..‬سأضع أمامك بعض املفكات واألدوات‬
‫األخرى التي ربام حتتاجينها‪ ..‬وقال‪ :‬انني ال أصدق أنني فعلت هذا معك‪..‬‬
‫أن اسمح لك بالعبث يف أجهزة زبائني لكن أمام إرصارك وكي توقني انه أمر‬

‫‪288‬‬
‫طبعا‬
‫صعب للغاية‪ ..‬سمحت لك‪ ..‬وإذا فشلت يف إصالحها وهذا املتوقع ً‬
‫أرجو أن تنرصيف هبدوء دون اهدار وقتي بالكالم‪ ..‬سوف اذهب إىل هذه‬
‫املقهى القريبة إلحضار القهوة وسأحرض لك كو ًبا من الشاي‪ ..‬هل ترشبني‬
‫الشاي‪ ..‬أجبته بالنفي‪ ..‬بأنني ال أريد شي ًئا‪ ..‬فقط العمل‪..‬‬
‫ذهب عم راغب إىل املقهى وبدأت يف تفحص املكواة‪ ..‬وضعتها يف‬
‫الكباس الكهربائي‪ ..‬من املفروض أن أرى ضوء أمحر‪ ..‬مل يكن هناك ضوء‪..‬‬
‫قمت بفتحها من اجلانب اخللف بعد أن نزعت املسامري‪ ..‬اختربت كل‬
‫وأخريا اكتشفت أن السلك املوصل للكهرباء به عطل‪ ..‬به تآكل‬
‫ً‬ ‫األجزاء‬
‫وقطع فال تصل الكهرباء إىل السلك احلراري داخل املكواة‪..‬‬
‫قمت بإصالح القطع وتوصيل السلك ببعضه بإحكام ووضع رشيط‬
‫كثريا‬
‫أسود الصق يف طبقات فوق بعضها‪ ..‬وجربت‪ ..‬اهنا تعمل‪ ..‬محدت اهلل ً‬
‫وقمت بإعادة املسامري وإغالق املكواة من اجلزء اخللفي وقمت ً‬
‫أيضا بتنظيفها‬
‫كيسا من البالستيك كان‬
‫من بعض األتربة واإلتساخ العالق هبا ووضعتها يف ً‬
‫موجو ًدا أمامي‪.‬‬
‫عاد عم راغب حيمل صينية عليها فنجان القهوة وكو ًبا من املاء املثلج‪..‬‬
‫ِ‬
‫عليك‪..‬‬ ‫جلس وقال يل‪ ..‬ملاذا مل تبدي يف إصالحها‪ ..‬أكيد املوضوع صعب‬
‫اذهبي يا بنتي وحاويل يف مصنع اخلياطة‪ ..‬ربام حيتاجون إىل عامالت هناك‪..‬‬
‫ابتسمت له قائلة‪« ..‬املكواة تم إصالحها خالص يا عم راغب‪ ..‬يمكنك‬
‫أن ختتربها بنفسك وقمت ً‬
‫ايضا بتنظيفيها فصارت مثل اجلديدة متا ًما"‪..‬‬

‫‪289‬‬
‫فتح عم راغب فمه مندهشً ا‪ ..‬كيف فعلت هذا هبذه الرسعة‪ ..‬أنا مل أتأخر‬
‫آتيا إليك‪ ..‬وماذا ً‬
‫أيضا‬ ‫جمرد انتظرت العامل يف املقهى لصنع قهويت ثم عدت ً‬
‫مجيعا‪..‬‬
‫تقريبا مجيع األجهزة‪ ..‬فأنا قرأت عنها ً‬
‫ً‬ ‫تستطيعني إصالحه‪ ..‬فأجبته‪..‬‬
‫فرحا وأبدى اعجابه انني قمت بتنظيف املكواة‬
‫فرح عم راغب اشد ً‬
‫واعادهتا كاجلديدة وقال‪ ..‬عارفة يا إيناس يابنتي انا عمري ما اهتميت بتنظيف‬
‫األجهزة قبل إعادهتا للزبون‪ ..‬اصلحها واقبض اجريت فقط‪ ..‬لكن مسألة‬
‫التنظيف هذه مهمة للغاية‪ ..‬فاملكواة بجانب إهنا تعمل لكن شكلها اختلف‬
‫متا ًما عن الصورة التي احرضوها يل إلصالحها‪ ..‬أنا موافق أن تعميل عندي‬
‫وبالنسبة لألجر‪ ..‬أنا ال استطيع أن ادفع لك راتب شهري لكن من املمكن ان‬
‫نتشارك يف كل جهاز تقومني بإصالحه‪ ..‬تأخذي نصف اجرة اصالحه وأنا‬
‫النصف اآلخر‪ ..‬اتفقنا‪ ..‬راضية‪..‬‬
‫طبعا فرحت جدً ا أنه قبلني ألقوم بالعمل الذي أحبه وأجد نفيس فيه‪..‬‬
‫ً‬
‫ً‬
‫وأيضا حلم دخول كلية‬ ‫ً‬
‫وأيضا أنه كلام زادت األجهزة املعطلة‪ ..‬زاد راتبي‬
‫اهلندسة لن يضيع ولن اضع عىل كاهل أمي املزيد من األعباء‪ ..‬يكفي ما‬
‫تكبدها هلا ملياء من أعباء مادية كثرية‪..‬‬
‫بدأت عميل بجد واجتهاد مع عم راغب وهو رجل طيب حقًا‪ ..‬وكنت‬
‫يف منتهي السعادة وكانت الزبائن يف ازدياد وحتديدً ا بعد ظهور اخلدمة اجلديدة‬
‫أن الزبون يتسلم جهازه يعمل وموضوع داخل كيس وبحالة املصنع‪ً ..‬‬
‫وأيضا‬
‫أصبحنا نعطي ضامنًا من املحل ملدة شهر يف حالة ان االصالح مل يكن جيدً ا‪..‬‬
‫وبعد فرتة اكتسبت خربة طويلة وشهرة واسعة واصبحت الورشة أو املحل‬

‫‪290‬‬
‫يأتيه زبائن من أماكن بعيدة للغاية بنا ًء عىل السمعة الطيبة‪ ..‬االلتزام بمواعيد‬
‫التسليم واجلودة والضامن‪..‬‬
‫ظهرت نتيجة الثانوية العامة‪ ..‬وكان ترتيبي الثانية عىل حمافظة القاهرة‬
‫وقام السيد املحافظ ووزير التعليم بتكريمي أنا ومجيع املتفوقني واملتفوقات‬
‫وحصلت عيل شهادة تقدير مع مبلغً ا من املال‪ ..‬وضعته يف حساب توفري‬
‫ً‬
‫بسيطا يعينني عىل مرصوفات الدراسة‬ ‫ربحا شهر ًيا ولو‬
‫بالربيد كي يدر يل ً‬
‫وربام ال أضع أي أعباء عىل كاهل أمي املكافحة املسكينة‪..‬‬
‫التحقت بكلية اهلندسة‪ ..‬وكنت يف أشد أيامي سعادة‪ ..‬جو الكلية خيتلف‬
‫متا ًما عن املدرسة الثانوية‪ ..‬عامل جديد متا ًما‪ ..‬قاعات املحارضات‪ ..‬الدكاترة‪..‬‬
‫الطلبة والطالبات‪ ..‬كافيرتيا الكلية‪ ..‬املسجد‪ ..‬اشياء كثرية خمتلفة‪ ..‬جو جديد‬
‫متا ًما‪..‬‬
‫كنت أذهب للجامعة يف الصباح ثم أعود إىل البيت للغداء والنوم ملدة‬
‫ساعة وبعدها الذهاب إىل الورشة مع عم راغب‪ ..‬يف ذلك الوقت خترجت‬
‫ملياء من املعهد الفني التجاري واستطاعت أن جتد ً‬
‫عمل يف إحدى رشكات‬
‫التسويق العقاري‪ ..‬عمل شاق لكنه كان مربح بعض اليشء‪..‬‬
‫اصبح وضعي يف الورشة حمرج يل بعض اليشء‪ ..‬حيث بدأت اتعرض‬
‫للمعاكسات من بعض الزبائن وكان عم راغب يقوم بالدفاع عني ومحايتي‬
‫لكن زادت األمور بصورة أصبح من الصعب معها ان استمر يف هذا املكان‪..‬‬
‫افصحت لعم راغب عن استيائي مما حيدث وأنه من الصعب االستمرار‬
‫يف هذا الوضع‪ ..‬نظر إىل عم راغب ً‬
‫قائل‪" ..‬أنا اتعودت عىل وجودك معي‪..‬‬

‫‪291‬‬
‫وبمهارتك أصبحت الورشة تعمل بمعدل عرشة اضعاف عىل ما كانت عليه‬
‫من قبل جميئك؟‪ ..‬لكن ِ‬
‫أنت مثل ابنتي وال أرىض لك الشعور باإلهانة‪ ..‬أنا‬
‫لدي اقرتاح‪ ..‬إصالحك لألجهزة ال يتطلب وجودك هنا يف الشارع والتعرض‬
‫حلامقات الزبائن‪ ..‬أنا اتعامل مع الزبائن‪ ..‬أرسل لك االجهزة املعطلة إىل بيتك‬
‫واعطيك االدوات الالزمة لإلصالح‪ .‬قومي باإلصالح يف بيتك ثم أرسل لك‬
‫آخذهم من البيت‪ ..‬وهبذا ال ترتكيني ونضمن لك البعد عن مضايقات الزبائن‬
‫واملعاكسات من الرجال‪ ..‬ما رأيك يابنتي"‪..‬‬
‫شعرت ً‬
‫فعل بعد سامعي القرتاح عم راغب ان أيب مل يمت‪ ..‬حيث‬
‫كثريا بحكمته واحرتامه عن غياب األب‪ ..‬كان اقرتاحه‬
‫عوضني عم راغب ً‬
‫رائعا يضمن يل الربح املايل واستمرار اكتساب اخلربة والتعامل مع األجهزة‬
‫ً‬
‫املعطلة‪ ..‬ويف نفس الوقت اكون يف بيتي بجوار أمي‪ ..‬وعندما أفرغ من‬
‫االصالح استطيع استذكار درويس‪..‬‬
‫وبالفعل صارت األمور معي بشكل أكثر من ممتاز‪ ..‬ومرت السنوات‬
‫داخل الكلية وأنا يف تفوق ويف نفس الوقت أقوم باإلنفاق عىل نفيس وكنت‬
‫أمينة مع عم راغب إىل أبعد حد‪ ..‬حيث كان هناك بعض الزبائن من اجلريان‬
‫حيرضون أجهزهتم املعطلة التي حتتاج إىل اصالح إىل بيتنا‪ ..‬فاعتذر هلم وال‬
‫اقبلها واقول هلم ان يذهبوا إىل الورشة إىل عم راغب وهو سوف يقوم‬
‫بالالزم‪ ..‬فلم أعمل من وراء ظهره مطلقًا‪ ..‬وأنا يف السنة األخرية يف الكلية‬
‫‪ ..‬جاء عريس ألختي ملياء‪ ..‬وكم كانت فرحة هبذا للغاية‪ ..‬هو زميل هلا يف‬
‫مدخرا بعض النقود لعمل‬
‫ً‬ ‫تقريبا وكان‬
‫ً‬ ‫العمل‪ ..‬أحواله املادية تشبه أحوالنا‬

‫‪292‬‬
‫مجيعا فهي أم العروسة‪ ..‬وبعد‬
‫فرحا منا ً‬
‫اخلطبة وخالفه‪ ..‬وكانت أمي أشد ً‬
‫االتفاق عىل كل يشء وامتام اخلطبة كانت أمي مطالبة أن تؤدي اجلزء املادي‬
‫عليها من جتهيز ابنتها العروسة ملياء حيث حتتاج إىل أجهزة منزلية مثل ثالجة‪..‬‬
‫غسالة‪ ..‬تلفاز ومجيع ما حتتاجه أي فتاة مقبلة عىل جتهيز منزل الزوجية‪..‬‬
‫مل يكن لدي أمي أي مدخرات وكانت يف ورطة حقيقية خاصة أمام أهل‬
‫العريس‪ ..‬فأشارت عليها إحدى اجلارات ان احلل الوحيد الذي يلجأ اليه‬
‫الكثريون يف مثل هذه األمور هو ان تشرتى كل ما حتتاجه العروس وتقوم‬
‫بالسداد بالتقسيط بالطبع بعد اضافة قيمة الفوائد التي عادة ما تكون باهظة‬
‫فينتقل السعر االسايس ألي سلعة إىل رقم اكرب بكثري بعد اضافة الفوائد‪..‬‬
‫سلكت أمي هذا الطريق وتبنت هذا احلل وبالفعل توجهت إىل احد‬
‫املتاجر الشهرية لرشاء احتياجات ملياء‪ ..‬وبالطبع ذهبت معها ملياء الختيار‬
‫اجهزهتا‪ ..‬وطلبت مني أمي أن اذهب معها حيث لدي خربة كبرية من عميل‬
‫يف إصالح األجهزة باإلضافة أين عن قريب أصبح مهندسة فتستعني بخربيت‬
‫يف اختيار اجليد من املاركات التي تتحمل العمل الشاق دون ان تتعرض للتلف‬
‫رسيعا‪ ..‬وبالفعل ذهبنا وبعد الفحص واالختيار وقع اختيارنا عىل مجيع‬
‫ً‬
‫األجهزة املطلوبة‪ ..‬ثم جاء وقت التحدث مع صاحب املتجر عن االسعار‬
‫واألمور املادية‪ ..‬دعانا للجلوس إىل مكتبه يف أحد أركان املتجر‪..‬‬
‫شهرا يستغرق السداد‬
‫أوضح لنا األسعار بعد الفائدة وكيفية السداد وكم ً‬
‫والتحذير القانوين املعتاد‪ ..‬أنه إذا مل يتم السداد فلسوف يتخذ إجراءات‬

‫‪293‬‬
‫قانونية ضد أمي وسحب واسرتداد االجهزة وربام يتطور األمر إىل اللجوء إىل‬
‫املحكمة‪..‬‬
‫وافقت أمي عىل كل الرشوط واألمور القانونية‪ً ..‬‬
‫رغم عنها كي تتم زواج‬
‫ملياء‪..‬‬
‫طلب صاحب املتجر منها بطاقة الرقم القومي لعمل االجراءات‪ ..‬عندما‬
‫نظر إىل املهنة يف البطاقة ردها مرة ثانية إىل أمي ً‬
‫قائل‪ ..‬أهنا ال تصلح إلعطائها‬
‫أي يشء بالتقسيط‪ ..‬سألته عن السبب‪ ..‬أجاب‪ ..‬أهنا تعمل يف املحكمة‪ ..‬وهو‬
‫بحكم خربته ال حيب التعامل مع بعض الفئات واملهن‪ ..‬منهم من يعملون يف‬
‫املحكمة حيث أن له جتارب معهم ومل يسددوا ومل يستطع فعل يشء معهم وكام‬
‫يقولون‪ ..‬مل آخذ منهم حق وال باطل‪ ..‬عرفوا كيف تكون املامطلة وأن تظل‬
‫قضايا التسديد تستمر لسنوات طويلة‪..‬‬
‫نظرت إليه أمي‪ ..‬بعد أن هنضت من مكاهنا وقالت‪« ..‬إذن أضعنا وقتك‬
‫ووقتنا بال أي استفادة‪ ..‬وكادت تنرصف‪ ..‬لوال ان صاحب املتجر استطرد يف‬
‫كالمه ً‬
‫قائل‪ ..‬انه يوجد حل آخر وهو أن تقوم ابنتك بالتوقيع عىل الشيكات‬
‫وأوراق االستالم ً‬
‫بدل منك وأن يكون القرض والفوائد باسمها‪..‬‬
‫نظرنا ثالثتنا إىل بعضنا وقالت ملياء‪ ..‬ال بأس‪ ..‬سأقوم أنا بالتوقيع وحتمل‬
‫املسئولية كاملة‪ ..‬فال وقت لدينا‪ ..‬البد من استكامل فرش الشقة وحتديد ميعاد‬
‫الزفاف‪ ..‬أخرجت ملياء بطاقة رقمها القومي‪ ..‬نظر فيها صاحب املتجر ومل‬
‫يبدي أي رد فعل‪ ..‬ثم طلب أن يرى بطاقتي أنا‪ ..‬مددت يدي له هبا نظر إىل‬
‫املهنة‪« ..‬طالبة بكلية اهلندسة»‪ ..‬ثم سألني يف أي سنة أنت يف الكلية‪ ..‬أجبته‬

‫‪294‬‬
‫«يف السنة األخرية ويتبقى شهرين عىل خترجي»‪ ..‬ابتسم وتوجه ألمي بالكالم‬
‫ً‬
‫قائل وهو يشري إىل‪" ..‬بنتك دي هي اليل تصلح أن نكتب االوراق باسمها"‪..‬‬
‫ردت أمي ملاذا إيناس حتديدً ا‪..‬‬
‫قال‪ ..‬أطلعك عىل رس‪ ..‬يف مثل هذه األمور‪ ..‬أمور التقسيط وكتابة‬
‫الشيكات نحن نبحث عن من هم أصحاب املهن املرموقة‪ ..‬حيث إهنم خيافون‬
‫عىل سمعتهم للغاية‪ ..‬فيقومون بالسداد‪ ..‬دون الدخول يف إجراءات قانونية‬
‫يل‪ ..‬لذلك‬ ‫ً‬
‫أموال‪ ..‬وبذلك يزيد الرضر ع ّ‬ ‫واالستعانة باملحامي الذي يكلفني‬
‫إذا أردت امتام كل يشء يف عرش دقائق‪ ..‬عىل اآلنسة إيناس أن تكون هي‬
‫الضامن ويكون كل األوراق صادرة باسمها»‪..‬‬
‫نظرت ملياء إىل وكذلك أمي‪ ..‬ينتظران مني اإلجابة بالقبول أو الرفض‪..‬‬
‫حبي الشديد للمياء أختي واشفاقي عىل أمي‪ ..‬جعلني أوافق عىل الفور‪..‬‬
‫قمت بالتوقيع عىل مجيع األوراق‪ ..‬ومن ضمن هذه األوراق‪ ..‬عدد أربع‬
‫شيكات بدون املبلغ‪ ..‬شيكات عىل بياض‪..‬‬
‫استلمت ملياء األجهزة ونقلتها إىل شقتها‪ ..‬وسارت مجيع األمور بخري‪..‬‬
‫وتم زفاف ملياء‪ ..‬وبقيت أنا وأمي بعد خترجي يف الكلية والتحقت بالعمل بأحد‬
‫مصانع االلكرتونيات‪ ..‬وبعد ثالثة أشهر ماتت أمي إثر حادث سيارة وهي يف‬
‫طريق عودهتا بعد خروجها من العمل‪ ..‬ماتت أمي‪ ..‬اصبحت وحيدة‪..‬‬
‫وكانت أحوال ملياء سيئة متا ًما من الناحية املادية‪ ..‬حيث فقد زوجها‬
‫وظيفته واصبحا يعيشان عىل راتب ملياء الذي قارب عىل التوقف حيث كانت‬
‫ملياء يف شهور محلها األخرية ونصحها األطباء أن ظروف محلها ليست عىل ما‬

‫‪295‬‬
‫يرام ويتطلب منها الراحة التامة‪ ..‬فانقطع راتبها هي األخرى‪ ..‬مازال زوجها‬
‫يبحث عن العمل يف أي مكان‪ ..‬مرتبي كان ضعي ًفا ألين يف بداية التعيني‪..‬‬
‫فكان ال يكفي لسداد اقساط االجهزة باإلضافة إىل الفائدة الباهظة‪ ..‬تراكمت‬
‫ع ّ‬
‫يل االقساط والديون وجاءين أول انذار من حمامي متجر األجهزة‪ ..‬وتعددت‬
‫االنذارات إىل ان تم القبض ع ّ‬
‫يل حيث حصل صاحب املتجر عىل حكم غيايب‬
‫بسجني لثالث سنوات‪ ..‬حاولت استئناف احلكم لكن قايض االستئناف أيد‬
‫احلكم‪ ..‬واألن أنا يف شهري السابع وأمامي سنتان ومخسة شهور‪ ..‬وقد ضاع‬
‫مستقبيل وال أعلم اين اذهب وكيف يل اجياد عمل وأنا يل سابقة سجن‪..‬‬
‫كنت أمتني ان يترصف صاحب املتجر‪ ..‬كام ترصف والدك العميد فؤاد‬
‫مع املجند أن نجد سو ًيا ً‬
‫حل آخر غري عقوبة السجن‪ ..‬لكن روح القانون‬
‫حربا عىل الورق وليس هلا أي ً‬
‫حمل لإلعراب عىل أرض الواقع‪..‬‬ ‫أحيانًا تكون ً‬
‫املال يتحدث ويسيطروا أصحاب املال ً‬
‫دائم هو الفائزون‪ ..‬فأنا يف نظر الدين‬
‫والرشع أعد من الغارمات‪ ..‬بمعني اين استحق الزكاة وواحدة من الثامين‬
‫أصناف من الناس التي وجب عىل املجتمع مساعدهتم‪ ..‬وحماولة مساعدهتم يف‬
‫السداد‪ ..‬لكن الرمحة نزعت من قلوب اجلميع‪ ..‬حتى القضاة‪ ..‬رموز العدل‪..‬‬
‫عندما بكيت بشدة‪ ..‬بكيت ألين وجدت من يؤمن بنفس وجهة نظري‬
‫ان الرمحة والعدل قبل العقاب وتنفيذ اللوائح وهذا ما تعلمناه من مواقف‬
‫مشاهبة مر هبا الفاروق عمر بن اخلطاب قبل زمن خالفته واثناء اخلالفة وهو‬
‫كرسا وال خر ًقا‬
‫أمري املؤمنني تعلمنا منه ان التنازل عن العقاب أحيانًا ليس يعد ً‬
‫للقانون وإنام دفع رضر أكرب قد حيدث إذا تم تنفيذ القانون‪..‬‬

‫‪296‬‬
‫فأنا يتيمة األب واألم وابدأ حيايت بديون ثقيلة ثم السجن‪ ..‬يف يشء مل‬
‫أستفد منه وجرم مل ارتكبه‪..‬‬
‫أهذا هو العدل‪ ..‬كنت متفوقة يف الكلية ومشهود يل من اساتذيت‬
‫والدكاترة مجيعهم واآلن ينتهي يب احلال إىل سجن مع املهربني والقتلة‪..‬‬
‫انتهت ايناس من رسد روايتها واالجابة عىل سؤال نورا‪ ..‬ما هي هتمتك‬
‫وما أتى بك إىل السجن‪ ..‬نظرت إىل نورا وجدهتا غارقة يف دموعها‪ ..‬حلظات‬
‫صمت مرت بينهام ومها ال يتوقفان عن البكاء‪..‬‬
‫حتى قالت نورا‪ ..‬كم نحن مساكني‪ ..‬معرش النساء‪ً ..‬‬
‫دائم ما ندفع ثمن‬
‫اخطاء غرينا‪ ..‬لكن ال تقلقي يا إيناس‪ ..‬أنا أحببتك ولن أنسى فضلك ع ّ‬
‫يل‬
‫يف مساعديت بعد فقدي البرص‪ ..‬وقراءة مذكرات أيب‪ ..‬لن اتركك وسنجد‬
‫دائم فهو الرحيم‪ ..‬أليس اسمك‪ ..‬إيناس عبد‬ ‫ً‬
‫حل إن شاء اهلل‪ ..‬اذكري اهلل ً‬
‫الرحيم‪ ..‬فلنأخذ ً‬
‫حظا من اسمك‪ ..‬وندعو اهلل الرحيم‪ ..‬أن يرمحنا وخيرجنا‬
‫من هذا املكان‪ ..‬فهو أعلم اننا قد ظلمنا ومل نرتكب شي ًئا نعاقب عليه‪ ..‬بل عىل‬
‫العكس‪ ..‬نحن نحتاج التكريم والعطف واحلنو من املجتمع‪ ..‬ليس العقاب‪..‬‬
‫توجهت نورا إىل مكتب الضابط يف السجن وطلبت االتصال بالدكتور‬
‫كامل وأهنا تريده أن يزورها ألمر هام‪ ..‬ثم عادت إىل الزنزانة مرة أخرى‬
‫وطلبت من إيناس أن تكتب كل ما روته هلا عىل الورق ألهنا حتتاج إىل وجود‬
‫قصتها وما حدث هلا مدونة عيل الورق ألمر هام‪..‬‬
‫مل تفهم إيناس هذا الطلب الغريب من نورا ولكنها قامت بالتنفيذ لثقتها‬
‫الكبرية يف نورا‪..‬‬

‫‪297‬‬
‫تعجبت نورا من قصة إيناس‪ ..‬تتحمل اخطاء وكوارث ارتكبها من‬
‫ال قلب وال ضمري هلم‪ ..‬أمل نأيت عىل خاطرهم بعد فعلتهم‪ ..‬كيف نواجه‬
‫احلياة واملجتمع ويقضون الناس أيام األعياد والعطالت يف مرح وخروج إىل‬
‫املتنزهات‪ ..‬ونحن بدون أي ذنب نشقى ونعذب بني جدران وداخل أسوار‪..‬‬
‫نُحبس‪ ..‬نُعاقب‪ُ ..‬نان‪ ..‬ونُحرم من كل ما يدعو إىل الفرح وكل ما يدخل‬
‫الرسور عىل قلب إنسان‪ ..‬فالفرح والرسور ليس لنا‪ ..‬نحن املعاقبون بفعل مل‬
‫نرتكبه واثم مل نأته ندفع اثامنًا باهظة من حلظات عمرنا‪ ..‬سارق يرسق السعادة‬
‫من العني وال يوجد يف أي قانون من قوانني ودساتري العامل أي بند أو فقرة‬
‫ترد لنا كربيائنا وكرامتنا التي حتولت إىل أساور حديدية نقيد هبا وحتولت إىل‬
‫قضبان حديدية نحبس بداخلها‪..‬‬
‫أنا‪ ..‬إيناس‪ ..‬عم زكريا‪ ..‬رشيف‪ ..‬أيب‪ ..‬وغرينا كثريون ضحايا ألفعال‬
‫حبا بحب‪..‬‬
‫شياطني يعيشون بيننا ولألسف نحبهم وهم يومهونا أهنم يبادلوننا ً‬
‫حبا بكوارث‪ ..‬انتقام‪ ..‬خراب وتدمري حلياة كنا نحلم‬ ‫لكنهم‪ ..‬يبادلوننا ً‬
‫ونرسم خيوطها إىل ان تتقطع تلك اخليوط وتتحول إىل فتات ثم إىل تراب هيب‬
‫عليه الريح فينثره بعيدا ومل يعد حتى ُيرى بالعني‪ ..‬هنيم بأحالمنا وأمنياتنا عن‬
‫املستقبل‪ ..‬ثم يأيت هذا الرتاب املنثور‪ ..‬املدفوع برياح قوية‪ ..‬تزج به بعيدً ا‪..‬‬
‫فيصفع تلك االحالم واالمنيات ملقيا هبا يف بئر سحيق‪..‬‬
‫طلبت من إيناس أن تكتب عىل ورقة وتضيفها إىل أوراق قصتها وأن‬
‫تكون هذه الورقة بمثابة الغالف‪ ..‬اكتبي عليها‪ ..‬إيناس عبد الرحيم‪ ..‬غارمة‬
‫من آالف الغارمات‪ ..‬نستحق العدل يف جمتمع ظامل‪..‬‬

‫‪298‬‬
‫حرض عمي د‪ .‬كامل إىل الزيارة اخلاصة وكانت يف نفس مكتب الضابط‬
‫الرحيم احلنون الذي انقذين عندما سقطت ُ‬
‫وشجت رأيس‪ ..‬والذي أعطاين‬
‫مذكرات أيب مع وثيقة حريتي من ماجد‪ ..‬وهو الذي طلبت منه االتصال‬
‫بالدكتور كامل فقام بإجراء املكاملة من تليفونه الشخيص‪ ..‬كم هو لطيف‪..‬‬
‫ودود‪.‬‬
‫هنض الضابط من مكانه عندما احرضوين وهم باخلروج‪ ..‬لكني طلبت‬
‫منه أن يبقى ليستمع ملا أريد أن اقوله لعمي د‪ .‬كامل‪ ..‬حيث أن لوجوده أمهية‪..‬‬
‫رشحت هلام موقف إيناس بشكل خمترص وأخربهتم أن تفاصيل قصتها مكتوبة‬
‫يف تلك الورقات‪ ..‬عندما فرغت‪ ..‬ربت عىل كتفي عمي د‪ .‬كامل وأثنى عىل‬
‫حماولتي مساعدة سجينة‪ً ..‬‬
‫قائل‪ ..‬يا نورا‪ ..‬قلبك الرحيم يسع اجلميع حتى‬
‫املسجونات‪ ..‬اطمئني‪ ..‬سوف أكلف املحامي اخلاص يب باألمر ونحاول أن‬
‫نرد املبلغ إىل التاجر وتنتهي القضية وخترج إيناس‪ ..‬عندها تدخل الضابط‬
‫ً‬
‫قائل‪ ..‬إن بعض زمالئه من الضباط أقاموا مجعية خريية ملساعدة الغارمات‬
‫وتسديد ديوهنم واملساعدة يف االجراءات القانونية حتى يتم االفراج عنهم‪..‬‬
‫قلت هلم‪ ..‬وهلذا أردت أن تبقى معنا يا حرضة الضابط لعلمي إنك حتب‬
‫عمل اخلري وربام يكون لديك افكار واقرتاحات للمساعدة‪..‬‬
‫قام الضابط عىل الفور باالتصال بصديق له متطوع للعمل ملساعدة‬
‫الغارمات ورشح له املوقف وأخربه أنه سوف يرسل له تفاصيل ومالبسات‬
‫ما حدث إليناس‪..‬‬

‫‪299‬‬
‫انتهت اجللسة وبدأ الضابط يف ارسال األوراق إىل صديقه وانرصف‬
‫عمي د‪ .‬كامل للذهاب للمحامي يف مكتبه الطالعه عىل األمر وعمل الالزم‪..‬‬
‫ما أمجل أن تقدم يد العون وأنت نفسك يف أمس احلاجة إليها‪..‬‬
‫االيثار‪ ..‬يمنحك شعور بلذة غريبة‪ ..‬ان تعطي من حيتاج وتتجاهل‬
‫احتياجاتك أنت‪ ..‬أن خترج إيناس املظلومة إىل النور‪..‬‬
‫***‬

‫‪300‬‬
‫اقرتب موعد عودة رشيف من رحلته من برشلونة‪..‬‬
‫ازداد اشتياقه ملايا وخوفه عليها وعىل محلها‪ ..‬ومل يتوقف طوال رحلته‬
‫عن التفكري يف نورا أخته‪ ..‬وما مرت به وما اصاهبا وهي كالنسمة مل تقرتف‬
‫أي ذنب‪..‬‬
‫انتهت مايا من آخر لوحة كانت تضع الواهنا وجترى بالفرشاة عليها‪..‬‬
‫أمتت ثالثون لوحة‪ ..‬عن نفس املوضوع «اإلنسان والالضمري»‪ ..‬ثم بدأت يف‬
‫العمل يف لوحة جديدة بأبعاد أكرب واسلوب خمتلف‪ ..‬وهو البورترية‪ ..‬مكثت‬
‫طوال اليوم بال توقف‪ ..‬ترسم كل تفاصيلها وكانت تنتظر إىل هاتفها حيث‬
‫كانت ترسم صورة مسجلة عىل هاتفها يف ملف الصور‪..‬‬
‫دق هاتفها‪ ..‬إذا به رشيف خيربها انه وصل إىل ميناء جنوة بالفعل وأنه‬
‫سوف يستقل سيارة أجرة إىل املنزل‪ ..‬وبينام هي تسمعه كانت باليد األخرى‬
‫ختط آخر خط يف اللوحة احلادية والثالثون‪ ..‬ثم قامت بوضع قطعة كبرية من‬
‫القامش عليها دون أن تالمس األلوان التي مل جتف بعد‪..‬‬
‫***‬

‫‪301‬‬
‫قام الثالثة بالتنسيق فيام بينهم‪ ..‬د‪ .‬كامل واملحامي مع الضابط‪ ..‬وقطعوا‬
‫كبريا يف اهناء إجراءات خروج ايناس بعد تسديد ديوهنا مع التاجر الذي‬ ‫ً‬
‫شوطا ً‬
‫أبدى ترحيبا بالتنازل عن الفوائد وجزء آخر مقابل حصوله عىل املال دفعة‬
‫واحدة‪ ..‬وبالفعل قام بالتوقيع عىل تسلم النقود ثم أكمل املحامي االجراءات‬
‫إىل أن حتدد يوم خروج إيناس من السجن‪..‬‬
‫يف تلك االثناء كانت نورا قد أكملت ثالثة أرباع مدة حبسها وتقدم‬
‫الضابط هلا بطلب إفراج حلسن السري والسلوك‪..‬‬
‫***‬

‫‪302‬‬
‫ما أن دخل رشيف من باب البيت حتى قفزت عليه مايا دون أن تدري‬
‫إهنا حامل وال جيب ان تقوم بحركة مفاجئة كهذه لكن من شدة اشتياقها حلبيبها‬
‫ً‬
‫طويل‪..‬‬ ‫ً‬
‫طويل‪..‬‬ ‫ً‬
‫طويل‪..‬‬ ‫مل تد ِر ما فعلت‪ ..‬كان لقا ًء ً‬
‫حارا‪ ..‬عنا ًقا‬

‫ما أمجل مشاعر اللقاء بعد طول غياب‪ ..‬اشتياق مغلف بحب جارف‬
‫ينسى املرء معه من وأين هو‪ ..‬وما أن أفاقا‪ ..‬قال رشيف ملايا‪ ..‬تعايل شويف أن‬
‫جايب ايه ليكي وكامن الطفل القادم‪ ..‬اشياء كثرية للغاية‪..‬‬

‫فرحت مايا باهلدايا وعانقته وقالت له‪ ..‬وقبل ان أكمل مشاهدة اهلدايا‬
‫مجيعا‪ ..‬جذبته من ذراعه ببطء إىل أن وصلت به‬
‫أود أن أريك هديتي لك أو لنا ً‬
‫إىل حجرة الرسم التي فيها أدواهتا ولوحاهتا‪..‬‬

‫نظر‪ ..‬وجد عدد كبري من اللوحات عىل أرض الغرفة مستندً ا عىل احلائط‬
‫وهبا تعبري غريب عن رصخات انسان واستغاثة من أشخاص يسقطون‬
‫واشخاص أخرين يغرقون‪ ..‬مع بعض الرشح منها‪ ..‬فهم رشيف أهنا رصخة‬
‫رفض لكل من يعيش بيننا بال ضمري‪ ..‬ثم نظر فوجد يف منتصف الغرفة حامل‬
‫خشبي عليه لوحة كبرية ومغطاة بمالءة‪ ..‬سأل مايا عنها فقالت اهنا املفاجأة ثم‬
‫نزعت الغطاء بحرص شديد حيث أن األلوان مل جتف بعد‪..‬‬

‫‪303‬‬
‫انطلقت رصخة‪ ..‬رصخة فرح‪ ..‬مع تساقط بعض الدموع من عيني‬
‫رشيف‪ ..‬أهنا‪ ..‬إهنا‪ ..‬إهنا صورة نورا‪ ..‬نورا‪ ..‬نعم هي‪ ..‬كيف فعلت هذا‪..‬‬
‫ِ‬
‫انت عظيمة يا مايا‪ ..‬صورة نورا طبق األصل بابتسامتها وعينيها الساحرتني‪..‬‬
‫كانت صورة لنورا‪ ..‬قلدهتا مايا من الصورة التي عىل هاتفها ولكن‬
‫أضافت عليها بروزً ا فجعلتها جمسمة وكأهنا متثال عىل لوحة‪..‬‬
‫نظر رشيف إىل الصورة البارزة‪ ..‬متثال مصغر من نورا‪ ..‬آه كم هي مجيلة‪..‬‬
‫ُظلمت ً‬
‫كثريا‪ ..‬لكنني يا مايا لدي شعور قوي إن اهلل عز وجل سوف يرعاها‬
‫لصربها عىل البالء واألذى‪ ..‬واملصيبة األخرية‪ ..‬فقدان البرص‪..‬‬
‫كم أود أن حترض إىل ايطاليا للعيش معنا هنا‪ ..‬فرحت مايا عند سامعها‬
‫اقرتاح رشيف وقالت‪ ..‬كنت أريد ان اقرتح عليك ذلك للغاية فكم أحب نورا‬
‫وامتنى أن تكون معنا ويكون يل اخ ًتا مثلها وال تنسى أهنا فنانة مثيل‪ ..‬وسوف‬
‫يكون بيننا تفاهم كبري‪ ..‬وأنا ال أنسى كم كانت بجواري أيام حمنتي‪ ..‬هي‬
‫وعمي فؤاد رمحة اهلل عليه‪..‬‬
‫***‬

‫‪304‬‬
‫أرسل ضابط السجن يف طلب ايناس إىل مكتبه‪ ..‬عندما حرضت قام‬
‫الضابط يزف خرب خروجها من السجن بعد ثالثة أيام‪ ..‬مل تفهم إيناس شي ًئا‪..‬‬
‫تألألت عيناها من شدة الفرح‪ ..‬لكن الفضول الذي بداخلها كان أقوى من‬
‫اخلرب نفسه‪ ..‬قالت‪ ..‬أنا‪ ..‬حرضتك تقصدين أنا‪ ..‬إيناس عبد الرحيم‪..‬‬
‫ابتسم الضابط ً‬
‫قائل‪ ..‬نعم أنت‪ ..‬فقالت كيف هذا‪ ..‬مستحيل أن التاجر‬
‫فجأة سوف يغري شهادته أو يتنازل عن حقه‪ ..‬أو أن القايض يعفو عني بدون‬
‫مسببات‪ ..‬كيف هذا‪..‬‬
‫أخرج الضابط األوراق التي كتبتها ايناس بخط يدها‪ ..‬حتكي فيها قصتها‬
‫بشكل خمترص‪ ..‬أشار باألوراق ً‬
‫قائل‪ ...‬الرس يا إيناس يف هذه األوراق‪..‬‬
‫قالت ايناس‪ ..‬هذه األوراق التي طلبت مني نورا أن اكتبها‪..‬‬
‫أجاب الضابط‪ ..‬نعم والرس ً‬
‫أيضا لدى نورا‪ ..‬نورا هي من قامت بكل‬
‫كثريا‪ ..‬هي‬
‫يشء‪ ..‬اهنا مالك يف صورة انسان يمشى عىل األرض وهي حتبك ً‬
‫من قامت بالتنسيق بيني وبني مجعية مساعدة الغارمات التابعة لوزارة الداخلية‬
‫وأيضا عمها د‪ .‬كامل واملحامي اخلاص به‪ ..‬كل هذه األطراف سامهت لك‬
‫وحلاالت أخرى كثرية مشاهبة‪ ..‬أن نرفع العبء عن كاهلهن ونقوم بالسداد‬
‫وبذلك يتم التصالح ويسقط احلكم‪..‬‬

‫‪305‬‬
‫فالفضل بعد اهلل عز وجل لنورا‪ ..‬هي صاحبة املبادرة وهي وراء كل هذا‬
‫التنسيق ولدي خرب مفرح ً‬
‫أيضا للغاية ولكن اترك لك إبالغه إىل نورا‪..‬‬
‫ً‬
‫وايضا‬ ‫لقد ُقبل االلتامس املقدم لنورا‪ ..‬بأن خترج يف ثالثة ارباع املدة‬
‫ملراعاة ظروف فقداهنا للبرص‪ ..‬فتمت املوافقة عىل خروجها هي األخرى‬
‫وجارى عمل الالزم من اإلجراءات وسنحاول ان يكون توقيت مغادرتكام‬
‫للسجن واحد‪ ..‬اذهبي إىل نورا وبرشهيا هبذا اخلرب‪..‬‬
‫ركضت ايناس بأقىص رسعة لدهيا باحثة عن نورا وجدهتا جالسة بجوار‬
‫النافذة تستنشق هواء الصباح‪ ..‬علها تشعر معه بنسامت احلرية عرب النافذة‬
‫والقضبان من خلفها‪..‬‬
‫صاحت إيناس بأعىل صوت هلا‪ ..‬نورا‪ ..‬نورا‪ ..‬افراج‪ ..‬سوف خترجني‪..‬‬
‫التفتت نورا إىل الصوت القادم من خلفها‪ ..‬إنه صوت إيناس‪ ..‬تقول‬
‫إفراج‪ ..‬جتمعت بعض الفتيات حول نورا وايناس‪ ..‬وحكت هلن إيناس‬
‫ما سمعته من الضابط وكم كان لنورا الفضل االسايس يف مساعدة ايناس‬
‫للخروج‪ ..‬ولوال حتركاهتا بوعي وذكاء ملا كانت إيناس وجدت من يمد هلا‬
‫يد العون‪..‬‬
‫انقضت ايناس عىل نورا متطرها بالقبالت واألحضان والدموع تنهمر‬
‫من عيناها غري مصدقة اهنا سوف تعود املهندسة ايناس ً‬
‫بدل من السجينة‪..‬‬
‫ً‬
‫وأيضا نورا شعرت ان اهلل استجاب هلا ولدعائها يف دقائق معدودة‪ ..‬فعندما‬
‫كانت تستنشق اهلواء النقي وعليل الصباح حتدثت إىل اهلل سبحانه وتعايل‪..‬‬
‫حديثًا من قلبها‪ ..‬مل يكن يف صورة كلامت الدعاء املعروفة واملأثورة‪ ..‬ولكنه‬

‫‪306‬‬
‫كان حديثًا من العبد للخالق‪ ..‬إهنا ُظلمت وأن اهلل هو العدل‪ ..‬وأنه يمهل‬
‫ولكن ال هيمل ابدً ا وأهنا متنت املوت من قبل لكن اهلل اراد هلا احلياة حلكمة ما‪..‬‬
‫ثم اخذ واسرتد وديعة من ودائعه‪ ..‬البرص‪ ..‬لكنها راضية وصابرة لكن يارب‬
‫انا ُسجنت ً‬
‫ظلم ومل أؤذي أحدً ا يف حيايت‪ ..‬فبحق أي عمل خري قمت به يارب‬
‫سهل يل خروجي من هذا املكان‪..‬‬
‫وبينام هي حتادث املويل عز وجل‪ ..‬سمعت صياح إيناس ونبأ االفراج‬
‫عنها وخروجها يف غضون يومان أو ثالثة عىل األكثر‪..‬‬
‫مر ثالثة أيام‪ ..‬ويف صباح اليوم الرابع فتح باب السجن اخلشبي القديم‬
‫عاليا مدو ًيا‪ ..‬كأهنا رصخة مارد‪ ..‬ختيف من بداخل السجن ومن‬
‫رصيرا ً‬
‫ً‬ ‫حمد ًثا‬
‫يسري أمامه‪..‬‬
‫نورا وايناس متشابكتان األيدي‪ ..‬خرجتا سو ًيا‪ ..‬ببطء‪ ..‬وإذا بالدكتور‬
‫كامل يف انتظارمها بسيارته الفارهة‪ ..‬تقدم نحو نورا وعانقها وهنأها عىل‬
‫مجيعا إىل اإلسكندرية‪..‬‬
‫اخلروج وكذلك ايناس‪ ..‬وانطلقوا ً‬
‫طلبت نورا من إيناس أن تظل معها أينام تكون‪ ..‬فهي تعودت عليها‬
‫وال تستطيع فراقها وخاصة ان ايناس مل يعد هلا أحدً ا إال أختها التي سافرت‬
‫مع زوجها وابنها إىل إحدى الدول املجاورة للعمل فأصبحت إيناس وحيدة‬
‫متا ًما‪..‬‬
‫يف الطريق إىل االسكندرية توقفوا لالسرتاحة ً‬
‫قليل وتناول الطعام مع‬
‫القهوة التي كانت نورا تتمنى أن تتذوقها كام كان أباها حيبها‪..‬‬

‫‪307‬‬
‫وبينام هم جالسون عىل طاولة يف املطعم‪ ..‬بدأ د‪ .‬كامل حديثه إىل نورا ويف‬
‫وجود إيناس‪" ..‬هل تتذكري يا نورا عندما اخربتك يف إحدى املرات ان هناك‬
‫مفاجأة يف انتظارك‪ ..‬اومأت نورا برأسها قائلة «نعم اتذكر‪»..‬‬
‫استطرد د‪ .‬كامل نحن اآلن ذاهبون ألريك تلك املفاجأة وأنا سعيد للغاية‬
‫ان املهندسة ايناس معنا تشاركنا ذلك احلديث‪ ..‬قالت ايناس‪ ..‬هل من املمكن‬
‫ان اشعر اين واحدة منكم‪ ..‬ناديني ايناس فقط واسمح يل ألقبك كام تفعل‬
‫نورا‪ ..‬عمي‪ ..‬شعر د‪ .‬كامل بالسعادة لسامعه ذلك‪ ..‬وابدي فرحه الشديد‪..‬‬
‫لدي‬
‫لدي أرسة‪ ..‬لكن يا عمي كامل ّ‬
‫ابتسمت نورا قائلة «اآلن اشعر ان ّ‬
‫سؤال وأرجو املعذرة وال تغضب من سؤايل‪ ..‬قال «تفضيل»‪..‬‬
‫كثريا وتكليف املحامي اخلاص بك‬
‫قالت‪« ..‬تأيت إىل القاهرة لزياريت ً‬
‫للدفاع عني ومساعدة إيناس دون ان تقابلها ولو مرة واحدة ملجرد أين طلبت‬
‫ذلك ثم تسعي ملساعديت يف االفراج املبكر عني‪ ..‬ملا تفعل كل هذا‪ ..‬ليس‬
‫ً‬
‫معقول ملجرد انك والد مايا زوجة أخي رشيف‪..‬؟!!‬
‫ابتسم د‪ .‬كامل ً‬
‫قائل‪" ..‬آه‪ ..‬بمناسبة رشيف ومايا فقد قطعت هلم عهدً ا‬
‫أول وبعدها‬ ‫أن هناتفهم بمجرد خروجك‪ ..‬لكن سأجيب عىل استفسارك ً‬
‫نقوم باالتصال هبم لالطمئنان عليك»‪..‬‬
‫أيضا يا ايناس اسمعي وانصتي ملا أقوله‪ ..‬أنا‬ ‫ِ‬
‫وأنت ً‬ ‫اسمعيني جيدً ا يا نورا‬
‫فحرمت حنان‬
‫يل ابنة وحيدة هي مايا‪ ..‬توفيت والدهتا وهي يف سن صغري‪ُ ..‬‬
‫األم‪ ..‬فقمت أنا بدور األب واألم لكي أعوضها عن غياب أمها ولكن بالطبع‬
‫مل أنجح يف هذه املهمة إال بنسبة ضئيلة حيث ان غياب األم ال ُيعوض وإن كان‬

‫‪308‬‬
‫هلا ألف أب‪ ..‬لكنني حاولت‪ ..‬أقللت من ساعات عميل وكنت اصطحبها‬
‫معي يف كل األماكن‪ ..‬ومل أفكر يف الزواج إطال ًقا بعد زوجتي والدة مايا وفا ًء‬
‫وأيضا ال أحتمل ان تقوم امرأة أخرى أيا ما كانت ان تلعب دور‬ ‫واخالصا هلا‪ً ..‬‬
‫ً‬
‫األم ملايا‪..‬‬
‫أحببت ابنتي مايا بجنون وهي كذلك‪ ..‬كنت هلا األب‪ ..‬األخ‪..‬‬
‫الصديق‪ ..‬كل يشء‪ ..‬إىل أن أمتت تعليمها‪ ..‬وبدأت حياهتا العملية كمهندسة‬
‫ديكور واستمرت حياتنا يف سعادة وهناء‪ ..‬إىل ان تعرفت عىل رشيف يف‬
‫القطار واخربتني يومها بكل التفاصيل‪ ..‬وتوطدت عالقتها به إىل ان حتول‬
‫حبا جار ًفا عميقًا بينهام‪ ..‬وكنت انتظر اليوم الذي يأيت فيه رشيف مع عائلته‬
‫ً‬
‫للتعارف والتقدم خلطبتها‪ ..‬حيث اخربتني مايا كم هو مهذب وجاد يف عالقته‬
‫جديرا‬
‫ً‬ ‫هبا‪ ..‬رصح هلا رشيف أنه ينتظر ان يتخرج من األكاديمية كي يكون‬
‫متخرجا من اجلامعة وعىل‬
‫ً‬ ‫بطلب يدها‪ ..‬حيث هناك فر ًقا أن يكون ً‬
‫طالبا أو‬
‫أخا‬
‫وشك تسلم العمل وخاصة إنه لن يلتحق باخلدمة العسكرية حيث إنه ً‬
‫وحيدً ا ألخت بنت‪..‬‬
‫منطقيا للغاية وأنه‬
‫ً‬ ‫فرحت عند سامع هذا الكالم حيث كان تفكري رشيف‬
‫باقي شهور عىل خترجه وال ضري من االنتظار‪..‬‬
‫ثم يف يوم أسود‪ ..‬أغرب‪ ..‬حدث ما حدث ملايا‪ ..‬ومن الطبيعي أن أي‬
‫شاب مثل رشيف ان يفكر أو يرتاجع يف قرار اختاذ مايا زوجة له‪ ..‬حيث هي مل‬
‫بكرا‪ ..‬ومرت بتجربة نفسية وجسدية قاسية للغاية وال يعلم إال اهلل وحده‬
‫تعد ً‬
‫اثرا يستمر معها طيلة حياهتا‪..‬‬
‫هل ستجتاز تلك املحنة أم سوف ترتك لدهيا ً‬

‫‪309‬‬
‫وربام تلجأ إىل وسائل للنسيان أو اهلروب من التفكري وختيل صور ما حدث هلا‬
‫‪..‬مثل اخلالص من احلياة باالنتحار‪ ..‬أو ادمان املسكنات‪..‬‬
‫ولكن ما حدث من رشيف ووالدك‪ ..‬سيادة العميد اجلليل رمحة اهلل عليه‬
‫اهبرين ورفع رأيس لعنان السامء‪ ..‬مل يرتكا مايا ولو حلظة واحدة وفوق كل هذا‬
‫أنه بمجرد أن اطمئن من الطبيب أن مايا تستجيب للعالج وهي مستمرة يف‬
‫اغامئها وعدم شعورها عام حيدث حوهلا‪ ..‬تقدم رشيف ومعه والده يطلب يد‬
‫مايا مني وهي طرحية الفراش‪..‬‬
‫فأخربوين باهلل عليكم‪ ..‬ماذا اشعر أمام هذا الشهم البطل رشيف ووالده‬
‫املريب الفاضل‪ ..‬الرمحة واإلخالص والرجولة‪ ..‬معاين قدمها لنا رشيف يف‬
‫صورة طلب يد مايا مني‪..‬‬
‫بعدها أخذت عهدً ا عىل نفيس أن أكون لكم‪ ..‬لعائلة رشيف خاد ًما‬
‫خملصا أمي ًنا لعيل أرد ولو جزء صغري من مجيله ع ّ‬
‫يل أنا ومايا‪..‬‬ ‫ً‬
‫واآلن مايا حامل يف طفلها األول وسعيدة للغاية‪ ..‬وال يؤرقها غري‬
‫معا حياة‬
‫أزمتك أنت يا نورا‪ ..‬واآلن محدا هلل أنك تنعمني باحلرية وسوف نبدأ ً‬
‫جديدة ‪..‬اعتربيني أبا لك‪..‬‬
‫هل بذلك أجبت لك عن استفساراتك وأزلــت الغموض الذي‬
‫بداخلك‪ ..‬ومع ذلك لن افصح عن املفاجأة إال يف االسكندرية‪ ..‬هيا بنا نميض‬
‫لنصل قبل ان حيل الظالم‪..‬‬
‫طوال الطريق ونورا تفكر فيام سمعته من د‪ .‬كامل وكم هناك أناس‬
‫قلوهبم مليئة بأغىل وأنفس املعادن‪ ..‬وصون اجلميل ورده مازال يف أدبياهتم‪..‬‬

‫‪310‬‬
‫تقريبا بعدما مررت به يف حمنتي لكن أناس‬
‫ً‬ ‫كنت قد فقدت ثقتي يف كل الناس‬
‫مثل عمي كامل وضابط السجن ورشيف‪ ..‬أعادوا يل اتزاين وثقتي أن الدنيا‬
‫مازال هبا الكثري من اخلري‪..‬‬
‫كم أشعر بالراحة واألمان يف ظل عمي كامل الذي أعاد يل صورة والدي‬
‫احلكيم العادل‪..‬‬
‫محدا لك يا رب‪ ..‬ألقيت يب يف النار وقبل ان احرتق انتشلتني إىل احضان‬
‫هذا األب احلنون‪..‬‬
‫وصلوا إىل االسكندرية وتوجهت هبم السيارة إىل منطقة الشاطبي‪ ..‬حيث‬
‫نزلوا ودخلوا عامرة ويف الدور األريض كانت هناك مساحة شاسعة‪ ..‬دخلت‬
‫نورا ممسكة بذراع إيناس‪ .‬استوقفهام د‪ .‬كامل وبدأ يرشح هلام املكان ً‬
‫قائل‪..‬‬
‫"هذه هي املفاجأة يا نورا‪ ..‬إهنا مجعية خريية وثقتها يف وزارة التضامن وهي‬
‫مجعية خمصصة خلدمة املكفوفني‪ ..‬تقدم هلم كل ما حيتاجونه من خدمات ولدينا‬
‫جمموعة من املتخصصني لتدريب املكفوفني عىل تعلم كيفية القراءة بطريقة‬
‫ً‬
‫وايضا نقوم بإمدادهم باألدوات التي حيتاجوهنا مثل العصا والنظارة‬ ‫برايل‬
‫وخالفه واملسامهة يف عالج اإلبصار أن إذا كانت هلم أي فرصة لذلك‪..‬‬
‫مل تصدق نورا ما تسمعه قالت‪« ..‬وهل فعلت كل هذا ألجيل»‪..‬‬
‫أجاب د‪ .‬كامل‪« ..‬نعم إنه جزء صغري من رد اجلميل لرشيف ولك‬
‫ِ‬
‫وألبيك العظيم‪ ..‬واملفاجأة األهم هي آتية اآلن‪ ..‬ثم صاح‪ ..‬اتفضيل يا مدام‬
‫كريمة‪..‬‬

‫‪311‬‬
‫فإذا بوالدة نورا تظهر من إحدى الغرف لرتمتي نورا يف احضاهنا‪« ..‬أمي‪..‬‬
‫امي‪ ..‬اشتقت لك‪ ..‬وكنت لتوي سوف أطلب من عمي كامل أن احادثك‬
‫وأذهب اليك يف الصباح الباكر‪»..‬‬
‫تدخل كامل يف احلديث ً‬
‫قائل‪ ..‬ال يانورا‪ ..‬مدام كريمة نقلت كل ما‬
‫خيصها وسوف تقيم معك أنت وإيناس يف شقة يف الدور الثاين يف نفس املبني‪..‬‬
‫كم هو عظيم عمي كامل‪ ..‬مفاجآته ال تنتهي‪ ..‬أنه هدية من السامء‪..‬‬
‫رسول رمحة وعدل‪..‬‬
‫كثريا‪ ..‬وضحكنا‬
‫كثريا‪ ..‬وبكينا ً‬
‫هاتفيا‪ ..‬فرحنا ً‬
‫ً‬ ‫حادثت رشيف ومايا‬
‫ُ‬
‫كثريا‪ ..‬وأذ برشيف يعرض عىل أن يقوم بعمل إجراءات سفري إليه واإلقامة‬
‫ً‬
‫يف ايطاليا حيث ال يستطيع ان يرتكني وحيدة وكذلك أمي‪..‬‬
‫أجبته أن عرضه ممتاز وفكرت فيه أنني حال خروجي سأسافر إليك‪..‬‬
‫لكن بعد كل املفاجآت التي قدمها يل عمي كامل‪ ..‬فاعتقد أن احلياة هنا‬
‫أصبحت مرحية ورائعة وأشعر بالكثري من األمان والود واحلب بني أصدقائي‬
‫وأحبائي‪ ..‬وأن يكون يل دور يف ادارة اجلمعية والعمل عىل إسعاد الغري ممن هم‬
‫يف حاجة إىل املساعدة‪ ..‬فهذا أمر عظيم‪..‬‬
‫قامت مايا بتصوير لوحاهتا وتوجهت بصحبة رشيف إىل مبني أكاديمية‬
‫الفنون وتقابلت مع بعض املسئولني تطلب اتاحة الفرصة هلا لعمل أول‬
‫معرض هلا بمدينة جنوة‪ ..‬ثم قامت بعرض صور للوحات التي أعجب هبا‬
‫كل من شاهدها من املسئولني ثم اخربوها أن هناك جلنة سوف تشكل للبت يف‬
‫طلبها والرد عليها يف غضون أسبوع‪..‬‬

‫‪312‬‬
‫دخل د‪ .‬كامل عىل نورا اثناء تدريبها لبعض الفتيات الكفيفات‪ ..‬للقيام‬
‫بعمل بعض األشغال الفنية‪ ..‬وطلب أن يتحدث إليها وايناس يف أمر هام‪..‬‬
‫بدأ د‪ .‬كامل حديثه أن هناك مفاجأة أخرى لديه هلام‪..‬‬
‫قالت نورا ضاحكة‪« ..‬لقد أصبحت يا عمي‪ ..‬رجل املفاجآت‪ ..‬وكلها‬
‫مفاجآت سعيدة ومفرحة»‪..‬‬
‫استطرد كامل «لقد استطعت ان اشرتك لكام يف مسابقة للمكفوفني‪..‬‬
‫فكرة املسابقة مبنية عيل القيام باخرتاع خيدم املكفوفني‪ ..‬تُعقد املسابقة يف مدينة‬
‫روما اإليطالية‪ ..‬بعد ثالثة أشهر من اآلن‪ ..‬وسوف يتنافس معنا متسابقني‬
‫من أكثر من ستني دولة وقد قمت بطباعة رشوط االشرتاك وكذلك تفاصيل‬
‫االخرتاع من حيث اهدافه النبيلة ملساعدة ذوي االحتياجات اخلاصة لفاقدي‬
‫البرص‪..‬‬
‫شعرت نورا بالفرحة والرسور وباخلوف يف آن واحد حيث هي مسئولية‬
‫ثقيلة ملقاة عىل عاتقها فقالت هل من املمكن االستعانة بأي شخص مبرص‪..‬‬
‫فأجاب كامل‪ ..‬نعم لكن من يقدم ويستعرض املرشوع بالرشح جيب ان يكون‬
‫من املكفوفني‪..‬‬
‫ارتاحت نورا هلذه االجابة حيث كانت تريد إرشاك إيناس معها يف هذا‬
‫املرشوع‪ ..‬وبالفعل كانت يف رأس نورا فكرة عندما كانت يف السجن ومتنت لو‬
‫استطاعت حتقيقها‪..‬‬
‫طلبت نورا عقد جلسة مع إيناس تعرض عليها فكرهتا وتتبادل‬
‫النقاش فيها‪ ..‬جلسا سو ًيا لساعات طويلة حيث بدأت نورا حديثها أن من‬

‫‪313‬‬
‫اهم احتياجات االنسان الكفيف هو القدرة عيل ممارسة حياته بشكل مشابه‬
‫للمبرص‪ ..‬ومن أهم تلك األمور هو السري يف الطرقات وحتديد اجتاهاته وخط‬
‫سريه بدون املساعدة من انسان مرافق له‪ ..‬سوف يكون االعتامد فقط عىل‬
‫التكنولوجيا‪..‬‬
‫استمعت إيناس جيدا‪ ..‬ثم سألت نورا‪ ..‬هذا موضوع يبدو جيد لكن أنا‬
‫مل أفهم‪ ..‬ما هي فكرتك‪ ..‬البد من تفاصيل‪ ..‬ماذا يدور يف رأسك‪ ..‬ارشحي‬
‫يل كل التفاصيل‪..‬‬
‫ردت نورا ‪..‬شويف يا سيديت‪ ..‬أنا أريد أن يكون مثبت عيل كل مبني يف‬
‫البلدة واحلي وكذلك اشارات املرور قطعة معدنية الصقة عليها «باركود» رقم‬
‫ً‬
‫حامل جهاز مزود‬ ‫تسلسيل وهذا الكود يمكن للشخص الكفيف ان يكون‬
‫بسامعة يضغط عىل زر فينطق اجلهاز بصوت مسموع خيربه بكل املعلومات‬
‫والبيانات املدونة يف الكود املطبوع عىل القطعة الالصقة املثبتة عيل املباين‬
‫وبالطبع تكون مقاومة للحرارة واالمطار‪ً ..‬‬
‫فمثل يقف أمام مبني كلية الطب‬
‫فيضغط عىل الزر‪ ..‬تأتيه االجابة‪« ..‬إنك أمام مبني كلية الطب‪ ..‬شارع‪...‬‬
‫رقم‪..»...‬‬
‫ويشري مرة أخرى إىل اشارات املرور «فتصله املعلومات انت امام اشارة‬
‫مرور خرضاء او محراء‪ ..‬وهي بشارع كذا» وهكذا‪..‬‬
‫فام رأيك يف هذا الفكرة يا إيناس وهل من الناحية التقنية يمكن حتقيقها‬
‫ام إنه أمر مستحيل‪..‬‬

‫‪314‬‬
‫أجابتها إيناس إهنا معجبة بالفكرة أشد االعجاب وتعتقد أنه من املمكن‬
‫حتقيقها ولكن سوف نحتاج إىل فريق كامل من مربجمني ألجهزة احلاسب‬
‫وكذلك متخصصني يف االلكرتونيات وأنا منهم وبعد ذلك بعض العامل ممن‬
‫يضعون الالصقات عىل املباين واشارات املرور وبالتأكيد بعد أخذ موافقة‬
‫رئيس احلي‪ ..‬طلبت نورا ان يشرتك معهام عم كامل يف املناقشة‪ ..‬عرضت‬
‫عليه الفكرة وما حيتاجونه‪ ..‬أجاب‪ ..‬إهنا فكرة جديدة وممتازة ومل يسمع هبا‬
‫من قبل ويمكن تسجيلها كرباءة اخرتاع باسم نورا‪ ..‬ووعد أنه سوف يساهم‬
‫معهام بكل امكاناته‪ ..‬فسوف يقوم بجلب أحد املتخصصني يف برجمة الكمبيوتر‬
‫وكذلك الكهرباء وااللكرتونيات‪ ..‬وكذلك سوف يبدأ يف االجراءات مع‬
‫رئاسة احلي‪ ..‬كي حيصل عىل موافقتهم لوضع امللصقات الصغرية‪..‬‬
‫وما عليهم إال ان يقوموا بتشكيل فريق للعمل حتت رئاسة املهندسة‬
‫ايناس وبإرشاف من نورا‪ ..‬ونبدأ العمل عىل بركة اهلل‪..‬‬
‫***‬

‫‪315‬‬
‫إلكرتونيا إىل مايا من موظف بأكاديمية الفنون خيربها فيه أنه قد‬
‫ً‬ ‫جاء بريد ً ا‬
‫أسبوعيا من العرض حيث‬
‫ً‬ ‫حتدد هلا موعدً ا لعرض لوحاهتا يف معرض يستغرق‬
‫أعجبت اللجنة بأعامهلا وقررت التعاون معها واعطاءها الفرصة كاملة لعرض‬
‫إبداعاهتا وسوف يقام املعرض يف تاريخ ما بني شهرين إىل ثالثة شهور من اآلن‬
‫وأهنم سوف يرسلون اليها بريدً ا آخر فيه امليعاد املحدد وعنوان القاعة‪..‬‬
‫عقد الفريق التقني ونورا‪ ..‬عرشات اجللسات وقاموا بوضع تصور‬
‫كامل لكل تفاصيل هذا املرشوع‪ ..‬ووقع اختيارهم ان اجلهاز الناطق الذي‬
‫سوف حيمله الكفيف‪ ..‬سيكون يف شكل ساعة يد ذكية‪ ..‬حيث أن هبا سامعة‬
‫خارجية أو تعمل عىل سامعة «بلوتوث» يمكنها نطق الوقت والتاريخ وهبا زر‬
‫آخر لقراءة البيانات من امللصق‪« ..‬الباركود» املثبت عىل احد املباين عىل اشارة‬
‫املرور أو أي متنزه أو معلم اثري‪..‬‬
‫استعانوا بفريق آخر يقوم بجمع البيانات عن أسامء املباين واسامء الشوارع‬
‫حيث سوف تقرن بأرقام تطبع يف صورة «باركود» فتستطيع الساعة قراءهتا‬
‫والنطق هبا للكفيف فتساعده أن يعلم مكانه حتديدا‪..‬‬
‫مرت أيام وأسابيع واجلميع منهك يف العمل إىل ان حانت اللحظة‬
‫احلاسمة هي إعالن انتهاء املرشوع‪ ..‬والقيام بإجراء أول جتربة له عملية يف‬

‫‪316‬‬
‫مجيعا إىل الشارع اخللفي للعامرة ومعهم د‪ .‬كامل واختاروا‬
‫الشارع‪ ..‬فتوجهوا ً‬
‫نورا ان تكون هي أول من خيترب الساعة الناطقة حيث اهنا هي صاحبة فكرة‬
‫االخرتاع‪..‬‬
‫وبالفعل سارت نورا وحدها وضغطت عىل الزر‪ ..‬فقامت الساعة‬
‫بالنطق أهنا أمام مدرسة‪ ..‬وبعدها أهنا امام اشارة مرور محراء‪ ..‬وهكذا نجحت‬
‫فرحا أن سهرهم وتعبهم مل يضع سدى‪ ..‬وإذا‬
‫التجربة‪ ..‬وصار اجلميع هيللون ً‬
‫بالدكتور كامل يقطع عليهم فرحتهم وجيعلهم يتجمدون يف اماكنهم ساكنني‪..‬‬
‫ً‬
‫قائل‪ ..‬هذه الساعة ناطقة باللغة العربية وأنتم سوف تعرضون اخرتاعكم‬
‫هذا أمام جلنة دولية يف روما‪ ..‬فالبد عىل األقل أن تكون اللغة الناطقة هي‬
‫عامليا‪..‬‬
‫االنجليزية حيث هي اللغة األوىل ً‬
‫تنبه اجلميع هلذه النقطة اهلامة‪ ..‬فاستمروا يف اجتامعاهتم وعملهم وقاموا‬
‫بتغيري لغة اجلهاز إىل النطق باإلنجليزية‪ ..‬وأعادوا جتربته مرة أخرى مع نورا‬
‫فخرا هبم‪ ..‬فطلب‬ ‫ً‬
‫أيضا‪ ..‬ومتت التجربة بنجاح وكان كامل أشد الناس ً‬
‫منهم عمل ملف كامل مدعم بالرسومات والتصميامت وتوجه به إىل املكان‬
‫املخصص لتسجيل براءات االخرتاع وقام بتسجيله باسم نورا فؤاد‪..‬‬
‫توجه د‪ .‬كامل إىل نورا إلخبارها إنه تم تسجيل براءة االخرتاع باسمها‬
‫فوجدها تبكي بشدة وهي حتتضن مذكرات أباها سيادة العميد فؤاد‪..‬‬
‫طرق الباب كي تشعر بوجوده‪ ..‬دعته للدخول وقالت‪« ..‬جئت يف‬
‫الوقت املناسب يا عمي كامل‪ ..‬سوف أطلب منك آخر طلب‪ ..‬أو رجاء‪..‬‬
‫كثريا إن فعلت‪..‬‬
‫تؤديه يل‪ ..‬واعلم انك سوف تسعدين ً‬

‫‪317‬‬
‫أجاب أنه عىل استعداد لعمل أي يشء هلا وألي فرد من افراد ارسهتا‪..‬‬
‫جففت دموعها وهي تشكره‪ ..‬قائلة‪« ..‬خذ هذه املذكرات‪ ..‬إهنا مذكرات‬
‫أيب‪ ..‬أريد أن اطبعها يف كتاب وتباع يف املكتبات‪ ..‬فهي ليست جمرد مذكرات‬
‫أو سرية ذاتية‪ ..‬حيكي فيها أحداث مرت من حياته‪ ..‬ال‪ ..‬أهنا دروس وعرب‬
‫موجهة إىل القارئ العادي الوطني وكذلك كل من له اهتامم بالعلوم العسكرية‬
‫واخلطط والتكتيكات‪ ..‬عصارة وخربة سنوات طوال‪ ..‬عشق فيها جيش بالده‬
‫وآمن بالقضية‪ ..‬قضية حترير أرض ُاحتلت بالقوة ومل تسرتد إال بالقوة‪..‬‬
‫بعد صمت‪ ..‬قال د‪ .‬كامل كم أنا مشتاق إىل جلسة من جلسات العميد‬
‫أخا‪ ..‬صديقًا‪ ..‬رجل ذو مواقف تتسم باالستقامة الشديدة‬
‫فؤاد والدك‪ ..‬كان ً‬
‫حبا وحنانًا‪ ..‬رمحة اهلل عليه وعزائنا‬
‫يعلم متي يكون حاز ًما ومتى يمأل األرض ً‬
‫الوحيد يا نورا‪ ..‬هي تلك املذكرات‪ ..‬هل تسمحني يل بقراءهتا‪..‬‬
‫اتركي يل هذا األمر‪ ..‬فإن يف رأيس بعض افكار إلخراج هذه املذكرات‬
‫يف أهبى صورة تليق بكاتبها‪ ..‬فهذه املذكرات كتبت عن حرب خاضها جيش‬
‫مرص‪ ..‬فالبد من ارشاك جيش مرص يف إخراجها إىل النور‪ ..‬سوف أجرى‬
‫اتصاالت بإدارة الشئون املعنوية بالقوات املسلحة وأنا عىل يقني إهنم سوف‬
‫يقدمون كل الدعم واملساندة‪ ..‬فام قيل عن تلك احلرب العظيمة هو الفتات‬
‫أقل بكثري مما كانت عليه قبل احلرب ويف أثناءها وما بعدها‪..‬‬
‫***‬

‫‪318‬‬
‫ذهبت مايا إىل القاعة التي خصصت هلا لعرض لوحاهتا وكتابة شهادة‬
‫ميالد ألول معرض هلا‪ ..‬وقامت بمراجعة طريقة عرض اللوحات مع القائمني‬
‫عىل ادارة املعرض‪ ..‬وقد استحرضت داخلها روح مصممة الديكور‪ ..‬حيث‬
‫بدأت يف وضع ملساهتا عىل شكل وطريقة وضع اللوحات‪ ..‬وعندما عرضت‬
‫افكارها عىل اإلدارة القت كل ترحيب‪..‬‬
‫أهنى فريق عمل مرشوع نورا وضع اللمسات النهائية الخرتاعهم والقيام‬
‫بتجربته أكثر من مرة ويف أكثر من موقع‪ ..‬ويف أجواء خمتلفة‪ ..‬وخاصة عند‬
‫هطول األمطار حيث قاموا باستخدام بعض خراطيم املياه ذات الدفع القوي‬
‫وتوجيهها إىل أحد األعمدة التي حتمل عليها ملصق «الباركود» وقام أحدهم‬
‫بضغط الزر يف الساعة‪ ..‬فقامت بالوظيفة كاملة ونطق املعلومات اخلاصة هبذا‬
‫املكان‪..‬‬
‫قدم د‪ .‬كامل املرشوع إىل إدارة املسابقة يف روما عرب الربيد اخلاص بعد‬
‫أن وضع ً‬
‫اسم للمرشوع كام طلبت اإلدارة املرشفة عىل املسابقة أن عىل مجيع‬
‫املتسابقني القيام بتسمية مشاريعهم املقدمة باسم يعرب عن اجتاه االخرتاع‪..‬‬
‫فاجتمع د‪ .‬كامل بفريق عمل املرشوع ومعهم نورا بالطبع قبل ارسال أوراق‬
‫املرشوع النهائية إىل اإلدارة يف روما وأخربهم أن هذا االجتامع خمصص‬

‫‪319‬‬
‫الختيار اسم الخرتاعهم يعرب عنه‪ ..‬فقام البعض باقرتاح أكثر من اسم وكان‬
‫د‪ .‬كامل يدون تلك االسامء يف ورقة أمامه‪ ..‬إىل أن فرغ اجلميع‪ ..‬ثم سألت‬
‫نورا‪ ..‬عمي كامل‪ ..‬اشعر ان لديك اسم للمرشوع ولكنك تنتظر حتى نفرغ‬
‫مجيعا من االقرتاحات‪..‬‬
‫ً‬
‫قائل‪" ..‬كم ِ‬
‫أنت ذكية للغاية يا نورا‪ ..‬بالفعل لدي اسم هلذا‬ ‫ابتسم كامل ً‬
‫االخرتاع ولكم كل احلق يف ان توافقني عليه أو تعرتضوا»‪..‬‬
‫مجيعا تعلمون ان هذه اجلمعية اخلريية اخلاصة برعاية املكفوفني‬
‫أنتم ً‬
‫أيضا أن صاحب فكرة هذا االخرتاع‬ ‫اسمها «مجعية بصرييت»‪ ..‬وتعلمون ً‬
‫واملسجلة باسمها هي نورا‪ ..‬لذا اقرتح أن اطلق اسم «بصرييت ونورا» عىل‬
‫هذا االخرتاع‪..‬‬
‫ابتسم اجلميع وهم ينظرون إىل بعضهم البعض‪ ..‬بينام اهنمرت دموع نورا‬
‫وانخرطت يف البكاء‪ ..‬القى االسم استحسان اجلميع وقامت ايناس باحتضان‬
‫نورا بشدة‪ ..‬وتكلمت نورا قائلة‪ ..‬اعذروا يل دموعي‪ ..‬فكم كنت أمتني ان‬
‫يكون ايب معي يف هذا اليوم‪ ..‬لكن اسأل اهلل أن يعطيني القدرة عىل اخراج‬
‫كتابه يف أفضل صورة حتى وإن مل أكن قادرة عىل رؤية الكتاب وال الغالف‬
‫اخلارجي الذي كنت امتني ان أقوم بتصميمه بنفيس‪ ..‬لكن هي ارادة اهلل‪..‬‬
‫وضع د‪ .‬كامل األوراق وكتب عليها من اخلارج اسم املرشوع املقدم إىل‬
‫املسابقة الرسمية‪. Basirati and Noura ..‬‬
‫***‬

‫‪320‬‬
‫تلقى كل من د‪ .‬كامل‪ ..‬نورا‪ ..‬إيناس‪ ..‬دعوة للحضور إىل جنوة يف ايطاليا‬
‫حلضور حفل افتتاح معرض مايا األول‪ ..‬حتت عنوان «االنسان والالضمري»‪..‬‬
‫كانت تلك هي املرة األويل إليناس ان ختوض جتربة السفر إىل خارج‬
‫البالد‪ ..‬وكانت بصحبة نورا ً‬
‫دائم ومعهم د‪ .‬كامل‪ ..‬فرح رشيف بقدومهم‬
‫للغاية‪ ..‬واستعد اجلميع حلفل االفتتاح يف املساء‪ ..‬اشرتى رشيف لنورا‬
‫وايناس مالبس جديدة للسهرة ‪..‬‬
‫بدأ احلفل وعند دخوهلم فوجئ اجلميع ان يف منتصف القاعة وضع حامل‬
‫خشبي ضخم‪ ..‬حمفور خشبه بنقوش الورد الرائعة‪ ..‬حفر يدوي‪ ..‬ووضع عىل‬
‫احلامل اخلشبي لوحة االفتتاح‪ ..‬وعند قص الرشيط من قبل حاكم مدينة جنوة‬
‫وممثل الثقافة يف املدينة ورئيس أكاديمية الفنون‪ ..‬تعمدت مايا أن تأخذ نورا إىل‬
‫جوارها وهي ترشح هلا شكل القاعة وفكرة التصميامت الداخلية‪ ..‬وبعد قص‬
‫رشيط الدخول‪ ..‬مع عزف موسيقي وتريات‪ ..‬رائعة‪..‬‬
‫ستارا‪ ..‬أزيح الستار‪ ..‬فإذا‬
‫وقف اجلميع أمام احلامل اخلشبي وكان خيفيه ً‬
‫هبا لوحة جمسمة لوجه نورا‪ ..‬وجه مجيل رقيق املالمح حيمل براءة الطفولة‪..‬‬
‫تقدمت مايا بصحبة نورا ووقفا بجوار احلامل واللوحة‪ ..‬فقام اجلميع‬
‫بإطالق اآلهات‪ ..‬إن هذه الفتاة هي صاحبة اللوحة الرائعة‪..‬‬

‫‪321‬‬
‫حتدثت اليهم مايا بلغة ايطالية سليمة شارحة كم هي حتب نورا واهنا‬
‫هتدي إليها هذا املعرض املقام عىل رشفها‪..‬‬
‫صورا للوحة وبجوارها صاحبة اللوحة ‪..‬‬
‫ً‬ ‫التقطت عدسات الكامريا‬
‫نورا‪ ..‬والفنانة املنفذة للوحة‪ ..‬وكتب حتتها «وتستمر الرباءة‪ ..‬نورا»‪..‬‬
‫صورا للوحة الرائعة من‬
‫ً‬ ‫ذاع صيت اسم نورا وصورها احلقيقية بجانب‬
‫عمل الفنانة مايا كامل‪..‬‬
‫تعجبت نورا من دورة الزمن والقدر التي ال تتوقف‪ ..‬فكانت حتلم يف‬
‫يوم من األيام أن تالحقها عدسات املصورين وهي بصحبة ماجد‪ ..‬الذي كان‬
‫حبا‪..‬‬
‫زوجها يف يوم من األيام والتي ظنت أن ما تشعر به جتاهه هو ً‬
‫حبا‪ ..‬حيث احلب البد أن يوجه إىل من يستحقه ويقدره‬
‫ال‪ ..‬مل يكن يو ًما ً‬
‫حبا‪..‬‬
‫حبا‪ ..‬وإن ظننته ً‬
‫حق تقديره‪ ..‬مل يكن ً‬
‫واآلن بعد كل ما مر يب من أحداث‪ ..‬تأيت إىل عدسات الكامريات دون‬
‫أن أطلبها أو أسعى إليها‪ ..‬اصبحت نورا يف الصحف اإليطالية واألوروبية‪..‬‬
‫رمزا للوداعة لدرجة أن امرأة ايطاليا كانت يف حالة وضع‬
‫ايقونة للرباءة‪ً ..‬‬
‫مولودة جديدة‪ ..‬اسمتها «نورا»‪ ..‬وكانت نورا شاهدة عىل نجاح مايا يف‬
‫أوىل معارضها‪ ..‬حيث بيعت معظم لوحاهتا بثمن باهظ‪ ..‬ووضعت مايا أوىل‬
‫أقدامها عىل أعتاب النجاح والفن واإلبداع‪ ..‬وعرفت طريق الشهرة كفنانة‬
‫مرصية معارصة يف بلد الفن إيطاليا‪ ..‬وكان رشيف و د‪ .‬كامل وإيناس أشد‬
‫سعادة باجلميع‪..‬‬

‫‪322‬‬
‫استمر الثالثة يف إيطاليا‪ ..‬نورا‪ ..‬ايناس‪ ..‬د‪ .‬كامل ضيو ًفا عىل رشيف‬
‫ومايا‪ ..‬وبدأ العد التنازيل لبدء املسابقة الدولية ألفضل اخرتاع خيدم االنسان‪..‬‬
‫توجه د‪ .‬كامل بمفرده إىل روما لإلرشاف عىل وضع اللمسات األخرية‬
‫والتنسيق مع ادارة املسابقة للخروج باملرشوع املرصي يف أهبى صورة‪..‬‬
‫توجه اجلميع إىل روما‪ ..‬العاصمة االيطالية‪ ..‬قبل العرض بثالثة أيام‬
‫حيث قاموا بجوالت عديدة لبعض املتاحف واملتنزهات واألماكن التارخيية‪..‬‬
‫وكانت إيناس دو ًما بصحبة نورا ترشح هلا ما هو مكتوب عىل الكتيب السياحي‬
‫الذي حتمله عن معامل املدينة‪..‬‬
‫جاء يوم احلسم‪ ..‬يوم املسابقة والتي تقدم هلا متسابقني من اثنان وستون‬
‫دولة‪ ..‬وقامت الوفود من كل دولة بعرض اخرتاعاهتم وتشغيلها مع الرشح‬
‫الوايف لكيفية عملها وما تأثريها عىل مساعدة اإلنسان‪..‬‬
‫إىل أن جاء دور مرص‪ ..‬فتقدم الفريق املصاحب للمرشوع بعرض فكرته‬
‫وتشغيله وحتدثت نورا باإلنجليزية‪ ..‬والحظ احلضور أن نورا غري مبرصة‬
‫وأثناء الرشح وعرض فكرة االخرتاع وأنه ملساعدة املكفوفني يف األحياء‬
‫والشوارع وتقديم نموذج الساعة الناطقة بعدة لغات‪..‬‬
‫ً‬
‫طويل‪ ..‬وقامت‬ ‫القى االخرتاع استحسان اجلميع والتصفيق لنورا‬
‫اللجنة املنظمة بالتصفية بني العارضني الختيار افضل عرشة اخرتاعات‪..‬‬
‫إىل ان تقوم جلنة اخرى بتصفيتهم مرة أخرى لتحديد صاحب املركز األول‪..‬‬
‫كأسا ومبلغ مايل ضخم باإلضافة إىل تبني إحدى‬
‫والذي سوف حيصل عىل ً‬
‫الرشكات االخرتاع بتنفيذه وطرحه يف االسواق‪..‬‬

‫‪323‬‬
‫وضع اجلميع ايدهيم عىل قلوهبم قبل حلظة النطق بالنتيجة النهائية لتحديد‬
‫الفريق الفائز باملركز األول‪..‬‬
‫بعد حديث مطول ومقدمة عن أمهية املسابقة حتدث رئيس اللجنة املنظمة‬
‫ويف يده مظروف مغلق‪ ..‬بداخله اسم الفريق الفائز‪..‬‬
‫اجلميع حيبسون انفاسهم وتكاد قلوهبم تتوقف‪ ..‬ونورا صامتة لكنها‬
‫تتمتم بالدعاء‪ ..‬أن يكون النرص من حليف مرص‪ ..‬كام كان ً‬
‫دائم يردد العميد‬
‫فؤاد «النرص ملرص»‪..‬‬
‫أخريا ُفتح املظروف‪ ..‬الفائز باجلائزة األويل هو مرشوع «‪»Basirati & Noura‬‬
‫ً‬
‫من مرص عن اخرتاع خيدم املكفوفني لتسهيل حتديد أماكنهم ومعرفة‬
‫املعلومات املطلوبة يف األحياء والشوارع وعالمات املرور من خالل ساعة‬
‫ناطقة بعدة لغات توضع يف معصم اليد ويمكن ايصاهلا بسامعة أذن‪..‬‬
‫قفز اجلميع من مكانه‪ ..‬شاكرين هلل تعاىل‪ ..‬تعانقوا بني فرح ودموع‬
‫فرحا وسعادة‪..‬‬
‫بالفوز‪ ..‬وكانت نورا وإيناس ومعهم د‪ .‬كامل أكثرهم ً‬
‫وللمرة الثانية تسعى األقدار وتبتسم لنورا دون أن تسأل أو تطلب‪ ..‬تالحقها‬
‫عدسات املصورين واملتخصصني يف املجالت العلمية والتكنولوجية لتوضع‬
‫صورة غالف عىل إحدى املجالت الشهرية يف عامل االخرتاعات والتكنولوجيا‬
‫وتصبح نورا أشهر شخصية يف إيطاليا يف هذا العام وأيقونة للشباب املبرصين‬
‫واملكفوفني أن حيذوا حذوها وحتديدً ا بعد نرش إحدى املجالت قصتها‬
‫وما مرت به من ظلم ومعاناة منذ زواجها من ماجد وخدمة أمه نعامت إىل‬
‫صداقة مزيفة من مروة إىل هتم باالجتار يف املخدرات‪ ..‬موت األب احلنون‪..‬‬

‫‪324‬‬
‫وأخريا فقدها لنعمة‬
‫ً‬ ‫ثم السجن‪ ..‬بعدها ختيل زوجها عنها متا ًما وتطليقها‪..‬‬
‫البرص‪..‬‬
‫ً‬
‫فدائم يف هناية النفق املظلم‪ ..‬مهام‬ ‫يا هلا من مأساة‪ ..‬لكن النهاية سعيدة‬
‫طال‪ ..‬نور‪ ..‬ونورا هي الضوء املنري لطريق الكثري من الشباب كي حيذوا‬
‫حذوها‪ ..‬الصرب ثم العمل‪..‬‬
‫تم تكريم نورا يف حمافل دولية كثرية‪ ..‬وتم تبني تصنيع الساعة مع‬
‫« ‪» Noura Smart Watch‬‬ ‫الباركود وطرحها يف األسواق حتت مسمى‬
‫عادت نورا إىل مطار القاهرة بصحبة عائلتها اجلميلة‪ ..‬رشيف‪ ..‬مايا‪..‬‬
‫كامل‪ ..‬إيناس‪ ..‬فوجئت باستقبال حافل من آالف الشباب يتقدمهم وزير‬
‫عاليا‪..‬‬
‫الثقافة وحمافظ القاهرة لتحيتها وتكريمها عىل ترشيف ورفع اسم مرص ً‬
‫تقدم إليها وزير الثقافة وقدم هلا هدية داخل علبة وقال هلا‪ ..‬افتحيها‬
‫يا نورا‪ ..‬قامت نورا بفتحها بمساعدة إيناس فإذا هبا أول انتاج من الساعة‬
‫التي كانت هي صاحبة الفكرة‪ ..‬وصنع منها نوعان‪ ..‬واحدة للرجال باللون‬
‫األزرق الداكن وأخرى للنساء باللون الوردي‪..‬‬
‫وكانت ساعة نورا باللون الوردي وناطقة باللغة العربية‪ ..‬وضعها الوزير‬
‫يف يدها وطلب منها أن تقوم بتجربتها‪ ..‬فإذا هبا تنطق «مطار القاهرة أكرب‬
‫وأعرق مطارات إفريقيا والرشق األوسط»‪ ..‬ثم ضغطت عىل الزر الثاين‪..‬‬
‫صباحا بتوقيت القاهرة»‪..‬‬
‫ً‬ ‫«الساعة اآلن تشري إىل احلادية عرشة‬
‫اهنمرت دموع نورا وهي ترى نتاج تعبها هي وفريق العمل و د‪ .‬كامل‬
‫وللمرة الثالثة دون طلب أو سؤال‪ ..‬كانت هناك عدسات للمصورين وبث‬

‫‪325‬‬
‫مبارش الستقبال نورا يف املطار‪ ..‬ثم تقدم ً‬
‫رجل مرتد ًيا زي القوات املسلحة‬
‫برتبة عقيد‪ ..‬صافح نورا بشدة وقدم نفسه أنه مندو ًبا من وزارة الدفاع وقد‬
‫خصيصا الستقباهلا وتوجيه الدعوة هلا حلضور حفل يف الغد يف دار‬
‫ً‬ ‫حرض‬
‫القوات املسلحة املرصية‪ ..‬وسوف يأيت مندوب من وزارة الدفاع بسيارة‬
‫خاصة إىل منزهلا يف الساعة السابعة مساء لينقلها إىل احلفل‪ ..‬وهلا أن تدعوا من‬
‫تشاء من األرسة واألصدقاء‪..‬‬
‫شكرته نورا وقالت اهنا ستكون جاهزة يف امليعاد‪ ..‬ثم شعرت نورا بيد‬
‫تربت عىل كتفها‪ ..‬عرفتها من ملستها أهنا أمها مدام كريمة‪ ..‬ارمتت نورا يف‬
‫ً‬
‫طويل‪..‬‬ ‫أحضاهنا وتعانقا عناقا‬
‫يف اليوم التايل‪ ..‬ذهبت نورا للحفل وهي يف أهبى صورة‪ ..‬وصعدت إىل‬
‫املنصة بجوار كبار قادة اجليش لتكريمها‪ ..‬وطلبوا منها أن تلقي كلمة‪ ..‬وبعدها‬
‫قام رئيس أركان القوات املسلحة بتسليمها هدية وطلب أن تقوم نورا بفتحها‬
‫وساعدها عىل ذلك‪ ..‬حتسست بيدها‪ ..‬أنه كتاب‪ ..‬دق قلبها بشدة‪ ..‬شعرت‬
‫روحا طيبة حانية حتوم حوهلا‪ ..‬هي ال ترى‪ ..‬لكن تشعر بوجودها بمجرد‬
‫أن ً‬
‫أن فتحت اهلدية‪ ..‬طلب منها أن حتسس بيدها غالف الكتاب‪ ..‬فعلت‪ ..‬فإذا‬
‫هو عليه نقاط بارزة عىل طريقة برايل‪..‬‬
‫يا إهلي‪ ..‬استمرت نورا يف اللمس والتحسس بأصابعها فقرأت‪..‬‬
‫"عجائب أكتوبر‪ ..‬دروس يف فنون القتال"‪..‬‬
‫مذكرات من شاهد عيان عىل احلرب‪ ..‬بقلم اللواء‪ :‬فؤاد صادق‪..‬‬

‫‪326‬‬
‫اغرورقت عينا نورا بالدموع‪ ..‬وبكت بشدة وهي تضحك وقامت‬
‫باحتضان رئيس األركان ومل تشعر بام تفعله من شدة الفرح‪ ..‬مذكرات أباها‬
‫العميد فؤاد خرجت للنور‪ ..‬صارت كتا ًبا وطبع ً‬
‫ايضا بطريقة برايل كم هي‬
‫عظيمة ووفية القوات املسلحة املرصية ألبنائها‪ ..‬فالعطاء متبادل ولكن‪ ..‬ما‬
‫هذا‪ ..‬مكتوب مجلة خطأ‪ ..‬مهست نورا يف اذن الضابط أن هناك خطأ يف طباعة‬
‫غالف الكتاب‪ ..‬سأهلا‪ ..‬ما هو؟!‬
‫قالت‪ ..‬مكتوب اللواء فؤاد‪ ..‬إنه عميد‪ ..‬أيب كان حتى وفاته برتبة عميد‪..‬‬
‫ابتسم الضابط وربت عىل كتفها ً‬
‫قائل‪ ..‬كان عميدً ا ومتت ترقيته إىل رتبة‬
‫عاليا يف املحافل‬
‫لواء‪ ..‬هو يستحقها ومن ينجب فتاة مثلك رفعت اسم مرص ً‬
‫الدولية‪ ..‬يستحق أكثر من ذلك بكثري‪..‬‬
‫يا إهلي يا هلا من مفاجآت سعيدة‪..‬‬
‫عاشت نورا أمجل أيام حياهتا‪..‬‬
‫وضعت مايا مولودها األول بحضور رشيف‪ ..‬ولدً ا ً‬
‫مجيل‪..‬‬
‫ومل يستغرق الوقت طوي ً‬
‫ال الختيار اسم للوافد اجلديد‪ ..‬املولود اجلميل‪..‬‬
‫حيث اتفقا عليه األب رشيف‪ ..‬واألم اجلميلة مايا‪ ..‬فؤاد‪...‬فؤاد الصغري‪.‬‬
‫***‬

‫‪327‬‬
‫ومرت سنوات طويلة‪ ..‬فقدت فيها نورا أمها حيث توفت بني يدهيا‬
‫وهي تدعو هلا وبعد عام واحد تويف د‪ .‬كامل‪ ..‬وترك لنورا مفاجأة‪ ..‬فهو رجل‬
‫حيا أو مي ًتا‪ ..‬حيث قام بنقل ملكية "دار بصرييت" باسم نورا‪ ..‬فهي‬
‫املفاجآت‪ً ..‬‬
‫اصبحت مالكة للدار والشقة التي تعلوها يف حي الشاطبي باإلسكندرية‪..‬‬
‫ومازالت نورا تعيش فيها حتى اآلن إىل أن ختطت اخلامسة والستني من العمر‬
‫وهي حتتفظ بأمجل الذكريات‪ ..‬جمالت كثرية باإليطالية واالنجليزية‪ ..‬حتمل‬
‫ً‬
‫وأيضا مازالت ترتدي يف‬ ‫صورهتا ومقاالت كثرية عنها وعن قصة حياهتا‪..‬‬
‫معصمها ساعتها الوردية الناطقة‪..‬‬
‫براءة االخرتاع املسجلة باسمها‪..‬‬
‫وكذلك عىل الطاولة اجلانبية لرسيرها الصغري‪ ..‬موضع كتاب اللواء فؤاد صادق‪..‬‬
‫"عجائب أكتوبر‪ ..‬دروس يف فنون القتال"‬

‫متت‬
‫***‬

‫بقلم ‪ :‬مروان منري‬


‫‪Marwan Monir‬‬
‫‪Marwan92966@Gmail.com‬‬
‫‪00966554903742‬‬

‫ﻟﻠﻨﺸـــــــﺮ واﻟﺘـــــــﻮزﻳﻊ‬

You might also like