You are on page 1of 79

‫خالفة النبوة الثانية‬

‫ال تكون إال للمهدي‬

‫محمد الشويكي‬
‫بيت املقدس‬

‫الطبعة الثانية ‪ -‬مزيدة ومنقحة‬


‫‪1442‬هـ ‪2021 -‬م‬
‫خلافة النبوة الثانية‬
‫لا تكون إلا للمهدي‬

‫محمد الشويكي‬
‫بيت المقدس‬

‫الطبعة الثانية‪ -‬مزيدة ومنقحة‬


‫‪1442‬هـ ‪2021 -‬م‬

‫‪1‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫خالفة النبوة الثانية ال تكون إال للمهدي‬


‫انتشر بين الناس في العقد األخير مقولة أن خالفة المهدي‬

‫مسبوقة بخالفة لغيره‪ ،‬وأتوا على ذلك بأُمور عقلية ونقلية ال ترقى‬

‫لالستدالل على هذا الموضوع‪ ،‬وإليكم بيان ذلك والرد عليه في‬

‫عجالة‪ ،‬وقد قسمته على عدة أبواب‪:‬‬

‫الباب األول‪ :‬ال يمكن إثبات وقطعية عودة الخالفة إلى معترك‬

‫الحياة إال بأخبار المهدي‪ ،‬مع ذكر بعضها في هذه العجالة‪.‬‬

‫الباب الثاني‪ :‬مناقشة أدلتهم في وجود خليفة قبل المهدي وردها‬

‫دراية ورواية‪.‬‬

‫الباب الثالث‪ :‬أدلة وموانع على وجود خالفة قبل خالفة المهدي‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫أما الباب األول‪ :‬فال يمكن االستدالل على عودة الخالفة بدون‬

‫االعتماد على األحاديث في ذكر اإلمام المهدي‪:‬‬

‫إن أدلة عودة الخالفة والتمكين دون أن نضيف إليها ما ورد‬


‫من األحاديث في خليفة آخر الزمان المهدي‪ ،‬فال تصل إلى درجة‬
‫القطع واليقين‪ ،‬فمنها ما هو ظني في الداللة‪ ،‬ومنها ما هو ظني‬
‫في الثبوت والداللة‪ ،‬وأشهرها قول هللا تعالى‪{ :‬وعد هللا الذين‬
‫آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في األرض كما‬
‫استخلف الذين من قبلهم} فهذه اآلية الكريمة ظنية الداللة‪ ،‬فمن‬
‫العلماء من قال بأنها خاصة بالصحابة‪ ،‬كأبي العالية ومقاتل‬
‫والضحاك وغيرهم‪ ،‬ومنهم من عممها‪ ،‬كالبيضاوي والقرطبي‬
‫وغيرهما‪ ،‬واختالفهم في معناها الختالفهم في معنى قوله‪:‬‬
‫{منكم} هل هي للتبعيض أم للبيان‪ ،‬واختالفهم في عموم اللفظ‬
‫وخصوص السبب‪.‬‬

‫ومن أشهر األدلة في ذلك أيضا ما رواه أحمد وغيره عن‬


‫حذيفة بن اليمان قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪{ :‬تكون‬
‫النبوة فيكم ما شاء هللا أن تكون‪ ،‬ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها‪،‬‬
‫ثم تكون خالفةً على منهاج النبوة‪ ،‬تكون ما شاء هللا أن تكون‪،‬‬

‫‪3‬‬
‫ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها‪ ،‬ثم تكون ملكا ً عاضا ً‪ ،‬تكون ما‬
‫شاء هللا أن تكون‪ ،‬ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها‪ ،‬ثم تكون ملكا ً‬
‫جبرية‪ ،‬فتكون ما شاء هللا أن تكون‪ ،‬ثم يرفعها إذا شاء أن‬
‫يرفعها‪ ،‬ثم تكون خالفةٌ على منهاج النبوة‪ ،‬ثم سكت}‪.‬‬

‫فهذا الحديث ظني الثبوت وإن كان صريحا في عودة الخالفة‪،‬‬


‫ألنه خبر آحاد رواه صحابي واحد من بين آالف الصحابة‪ ،‬ومن‬
‫كان هذا حاله فال يصلح االحتجاج به في األمور الغيبية‪ ،‬وقس‬
‫على ذلك سائر األدلة‪ ،‬سوى ما ورد من األحاديث في خليفة آخر‬
‫الزمان المهدي‪ ،‬فهي قطعية في الثبوت والداللة‪ ،‬فقد بلغت أكثر‬
‫من خمسين حديثا‪ ،‬عن أكثر من عشرين صحابيا‪ ،‬فيها الصحيح‬
‫والحسن والضعيف المنجبر بغيره‪ ،‬وقد قال بتواترها تواترا‬
‫معنويا جمع من العلماء بلغ عددهم عدد التواتر‪ ،‬كأبي الحسن‬
‫األُبري‪ ،‬وأيده ابن حجر العسقالني‪ ،‬والمزي‪ ،‬والسخاوي‬
‫وغيرهم‪ ،‬وممن قال بتواترها أيضا أبو عبد هللا القرطبي‪ ،‬وابن‬
‫حجر الهيتمي‪ ،‬ويوسف بن يحيى المقدسي‪ ،‬والسيوطي‪،‬‬
‫والبرزنجي‪ ،‬وصاحب كنز العمال‪ ،‬والشوكاني‪ ،‬والسفاريني‬
‫وغيرهم‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫لذا فإنه بدون ذكر األحاديث في خليفة آخر الزمان المهدي‪ ،‬لن‬
‫يستطيع أحد الجزم بعودة الخالفة اإلسالمية‪ ،‬ولن يبعث األمل في‬
‫نفوس المسلمين في خالصهم من ربقة الكفار وأنه سيكون لهم‬
‫صولة وجولة ودولة من جديد‪ ،‬إال بأخبار خليفة آخر الزمان‬
‫المهدي الموعود في األحاديث المتواترة‪ ،‬وقد اخترت لكم في هذه‬
‫العجالة جملة من هذه األحاديث تدلل على ما ذكرته لكم‪:‬‬

‫فقد روى اإلمام أحمد في مسنده وابن ماجة وابن أبي شيبة‬
‫وأبو يعلى وغيرهم عن علي بن أبي طالب رضي هللا عنه قال‪:‬‬
‫قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪{ :‬المهدي منا أهل البيت‬
‫يُصلحه هللا في ليلة} هذا حديث حسنه السيوطي في الجامع‬
‫الصغير والبستوي في المهدي المنتظر وصححه األلباني في‬
‫صحيح الجامع الصغير وأحمد شاكر في شرح مسند أحمد‪.‬‬

‫وروى ابن أبي شيبة وأبو داود وأحمد بن حنبل وغيرهم عن‬
‫علي بن أبي طالب قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪{ :‬لو‬
‫لم يبق من الدهر إال يوم لبعث هللا عز وجل رجال من أهل بيتي‬
‫ورواه الضياء المقدسي في‬ ‫يملؤها عدال كما ملئت جورا}‬
‫األحاديث المختارة وقال‪ :‬إسناده حسن‪ ،‬وصححه األرنؤوط في‬
‫تخريجه لحديث أبي داود‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وروى الحاكم في المستدرك عن أبي سعيد الخدري رضي هللا‬
‫عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪{ :‬يخرج في آخر أُمتي‬
‫المهدددي يس دهللايه هللا الويددث وتُخددرج األرض نباتهددا ويُع ددي المددال‬
‫صحاحا ً‪ ،‬وتكثدر الماشدية‪ ،‬وتع دم األُمدة‪ ،‬يعدي سدبعا ً أو ثمانيداً}‬
‫قااال الحاااكم فااي المسااتدرك‪ :‬هااذا حااديث صااحيح اإلسااناد‪ ،‬ووافقااه‬
‫الذهبي‪ ،‬وصححه األلباني في السلسلة الصحيحة‪.‬‬

‫وروى أبااو داود واباان ماجااة فااي سااننهما والطبرانااي والحاااكم‬


‫عان أُم ساالمة رضاي هللا عنهااا قالاات‪ :‬سامعت رسااول هللا صاالى هللا‬
‫عليه وسلم يقول‪{ :‬المهدي من عترتدي مدن ولدد فا مدة} رماز لاه‬
‫الساايوطي فااي الجااامع الصااغير بالصااحة‪ ،‬وصااححه األلباااني فااي‬
‫ساانه العزياازي فااي السااراج المنياار‪،‬‬
‫صااحيح الجااامع الصااغير‪ ،‬وح ع‬
‫وكذلك البستوي في المهدي المنتظر‪.‬‬

‫وروى الطبراني في األوسط عن أباي هريارة رضاي هللا عناه‬


‫عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪{ :‬يكدون فدي أُمتدي المهددي إن‬
‫قصر فسبع وإال فثمان وإال فتسع تنعم أُمتي فيها نعمة لم ينعمدوا‬
‫مثلهددا يُرسددل السددماء علدديهم مدددرارا ً وال تدددخر األرض شدديئا ً مددن‬
‫يهللاددوم الرجددل يهللاددول‪ :‬يددا مهدددي أع نددي‬ ‫النبددات‪ ،‬والمددال كدددو‬

‫‪6‬‬
‫فيهللاول‪ :‬خذ} قاال الهيثماي فاي مجماع الزوائاد‪ :‬رواه الطبراناي فاي‬
‫األوسط ورجاله ثقات‪.‬‬

‫وروى الترمذي في سننه وابان حباان فاي صاحيحه واللفاظ لاه‬


‫عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا علياه وسالم‪{ :‬لدو لدم‬
‫يبق من الدنيا إال ليلة‪ ،‬لملك فيها رجل من أهدل بيدت النبدي صدلى‬
‫هللا عليه وسلم} وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫وروى أبو داود والترمذي وابن حبان والحااكم وغيارهم عان‬


‫عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه عن النبي صالى هللا علياه وسالم‬
‫قال‪{ :‬لو لم يبق من الدنيا إال يوم ل ول هللا ذلك اليوم حتى يبعدث‬
‫فيه رجالً مني أو من أهدل بيتدي يدوا س اسدمه اسدمي واسدم أبيده‬
‫اسم أبي يمأل األرض قس ا ً وعددالً كمدا ملئدت المدا ً وجدورا} قاال‬
‫الترمذي‪ :‬هاذا حاديث حسان صاحيح‪ ،‬وقاال الحااكم‪ُ :‬‬
‫طار عاصام‬
‫عااان زر عااان عباااد هللا كلهاااا صاااحيحة إذ عاصااام إماااام مااان أئماااة‬
‫المسلمين‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح الجاامع الصاغير‪ ،‬وكاذلك‬
‫البستوي في المهدي المنتظر‪.‬‬

‫وروى ابن ماجة والحاكم والبيهقي وغيرهم عن ثوبان رضي‬


‫هللا عنااه قااال‪ :‬ق اال رسااول هللا صاالى هللا عليااه وساالم {يهللاتتددل عنددد‬

‫‪7‬‬
‫كنـزكم ثالثة كلهم ابن خليفة ثدم ال يصدير إلدى واحدد مدنهم} وفاي‬
‫روايااة أبااي عماارو الااداني {ثددم ال يصددير الملددك ألحددد مددنهم} وفااي‬
‫رواية ابن أبي خيثمة {ثم ال يصير األمر إلى واحد منهم} ثم قاال‪:‬‬
‫{ثددم ت لددع الرايددات السددود مددن قبددل المشددر فيهللادداتلونكم قتدداال لددم‬
‫يهللااتلدده قددوم‪ ،‬ثددم ذكددر شدديئا ً فهللاددال‪ :‬إذا رأيتمددوح فبددايعوح ولددو حبددوا ً‬
‫على الثلج فإنه خليفة هللا المهدي} هذه رواية الحاكم‪ ،‬وفي دالئل‬
‫النبوة للبيهقي {ثم تجيء الرايدات السدود فيهللاتلدونكم قدتالً لدم يهللاتلده‬
‫قوم‪ ،‬ثم يجيء خليفة هللا المهدي} قال الحاكم‪ :‬هذا حديث صحيح‬
‫علاااى شااارط الشااايخين‪ ،‬ووافقاااه الاااذهبي‪ ،‬وقاااال البوصااايري فاااي‬
‫الزوائد‪ :‬هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات‪.‬‬

‫وروى أحمد والحاكم عن أباي ساعيد الخادري رضاي هللا عناه‬


‫قااال‪ :‬قااال رسااول هللا صاالى هللا عليااه وساالم‪{ :‬تُم دأل ُ األرض جددورا ً‬
‫والما ً فيخرج رجل من عترتي يملك سبعا ً أو تسعا ً فديمأل ُ األرض‬
‫قس ا ً وعدالً} قال الحاكم في المستدرك‪ :‬هذا حاديث صاحيح علاى‬
‫شرط مسلم ولم يخرجاه‪.‬‬

‫وروى أحمد وأبو يعلى عن أبي سعيد رضي هللا عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسااول هللا صاالى هللا عليااه وساالم‪{ :‬أ ُبشددركم بالمهدددي يبعددث علددى‬
‫وزالزل فيمأل األرض قس ا ً وعددالً كمدا ُملئدت‬ ‫اختالف من النا‬

‫‪8‬‬
‫جددورا ً والمداً‪ ،‬يرضددى عندده سدداكن السددماء وسدداكن األرض} قااال‬
‫الهيثمي في المجمع‪ :‬رواه أحمد بأسانيد وأبو يعلى باختصار كثيار‬
‫ورجالهما ثقات‪ ،‬وقال السايوطي فاي الحااوي‪ :‬أخرجاه أحماد وأباو‬
‫يعلى بسند جيد‪.‬‬

‫وروى الحاكم في المستدرك عان أباي هريارة رضاي هللا عناه‬


‫عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من حديث السافياني جااء فياه‪:‬‬
‫{ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة فيبلغ السفياني فيبعث إليه‬
‫ُجندددا ً مددن جندددح فيهددزمهم فيسددير السددفياني بمددن معدده حتددى إذا‬
‫صاروا ببيداء من األرض ُخسف بهدم فدال ينجدو مدنهم إال المخبدر‬
‫عنهم} قال الحاكم‪ :‬هذا حديث صحيح اإلسناد على شرط الشيخين‬
‫ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهبي في التلخيص على المستدرك‪.‬‬

‫وروى الحارث بن أبي أُسامة في مسنده وأباو نعايم فاي أخباار‬


‫المهدي وأبو عمرو الداني في السنن الاواردة فاي الفاتن عان جاابر‬
‫باان عبااد هللا رضااي هللا عنااه قااال‪ :‬قااال رسااول هللا صاالى هللا عليااه‬
‫وسلم‪{ :‬ينـزل عيسى بن مريم فيهللاول أميرهم المهددي‪ :‬تعدال صدل‬
‫بنا‪ ،‬فيهللاول‪ :‬ال‪ ،‬إن بعضكم أمير بعض تكرمة هللا لهذح األُمة} قاال‬
‫ابن القيم في المنار المنيف‪ :‬هذا إسناد جيد‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫وروى أحمااد وأبااو داود والترمااذي وغياارهم عاان عبااد هللا باان‬
‫مسعود رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رساول هللا صالى هللا علياه وسالم‪:‬‬
‫{ال تددذها الدددنيا حتددى يملددك العددرب رجددل مددن أهددل بيتددي يددوا س‬
‫اسمه اسمي} قال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫ورواه اباان حبااان فااي صااحيحه بلفااظ‪{ :‬ال تهللاددوم السدداعة حتددى‬
‫رجل من أهل بيتي‪ ،‬يوا س اسدمه اسدمي واسدم أبيده‬ ‫يملك النا‬
‫اسم أبي}‪.‬‬

‫ورواه أبو عمرو الداني وأبو نعيم والمخلص بلفظ‪{ :‬لن تذها‬
‫الدنيا حتى يملك الدنيا رجل من أهل بيتي يوا س اسمه اسمي}‪.‬‬

‫ورواه أبو نعيم في صفة المهدي عن أبي سعيد الخدري بلفظ‪:‬‬


‫{ال تهللاددوم السدداعة حتددى يملددك األرض رجددل مددن أهددل بيتددي يمددأل‬
‫األرض قس ا وعدال}‪.‬‬

‫وفااي مسااتدرك الحاااكم وصااححه ووافقااه الااذهبي‪ ،‬عاان أبااي‬


‫الطفيل عان محماد بان الحنفياة قاال‪ :‬كناا عناد علاي بان أباي طالاب‬
‫رضي هللا عنه فسأله رجل عن المهدي فقال علي رضي هللا عناه‪:‬‬
‫{هيهات ذاك رجدل يخدرج فدي آخدر الزمدان إذا قدال الرجدل هللا هللا‬
‫قُتل‪ ،‬فيجمع هللا له قوما ًكهللازع السدحاب يؤلدف هللا بدين قلدوبهم ال‬

‫‪10‬‬
‫يستوحشددون إلددى أحددد وال يفرحددون ب حددد يدددخل فدديهم علددى عدددة‬
‫أصددحاب بدددر‪ ،‬لددم يس دبهللاهم األولددون وال يدددركهم ا خددرون وعلددى‬
‫عدد أصحاب الوت الذين جاوزوا معده النهدر‪ ،‬قدال أبدو ال فيدل‪:‬‬
‫قدال ابدن الحنفيدة‪ :‬أتريددح ت قلدت‪ :‬نعددم‪ ،‬قدال‪ :‬إنده يخدرج مدن بددين‬
‫هاذين الخشبتين‪ ،‬قال‪ :‬ال جرم ال أريمهما حتى أموت‪ ،‬فمدات بهدا‬
‫يعني مكة حرسها هللا} فهاذا الحاديث وإن كاان موقوفاا علاى علاي‬
‫رضي هللا عنه فإنه يأخاذ حكام المرفاوع إلاى رساول هللا صالى هللا‬
‫عليه وسلم ألنه في أمر غيبي على ما تقرر عند أهل هذا الشأن‪.‬‬

‫وروى ابن حبان فاي صاحيحه والطبراناي فاي المعجام الكبيار‬


‫وأبو عمرو الداني في سننه واللفظ له بإسناد حسن عن عبد هللا بن‬
‫مسعود رضي هللا عناه قاال‪ :‬قاال رساول هللا صالى هللا علياه وسالم‬
‫{يخددرج رجددل مددن أهددل بيتددي اسددمه اسددمي و ُخلهللادده ُخلهللاددي يمألهددا‬
‫قس ا وعدال كما ملئت جورا والما}‪.‬‬

‫ورواه أبو نعيم األصفهاني في صفة المهدي عان عباد هللا ابان‬
‫عمر بن الخطاب مرفوعا نحوه‪.‬‬

‫وروى أبو داود في سننه عان علاي بان أباي طالاب رضاي هللا‬
‫عنه موقوفا‪ ،‬وقد نظار إلاى ابناه الحسان فقاال‪( :‬إن إبندي هدذا سديد‬

‫‪11‬‬
‫كما سماح النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وسيخرج مدن صدلبه رجدل‬
‫باسم نبيكم‪ ،‬يشبهه في ال ُخلق وال يشبهه في الخلدق يمدأل األرض‬
‫عدال)‪.‬‬

‫هذه جملة من األحاديث في خبار المهادي لهاذه العجالاة وهاي‬


‫كماا تارون أحاديااث صاحيحة اإلساناد ماان أصال خمساين حااديثا أو‬
‫يزيدون‪ ،‬عن عدد مان الصاحابة بلغاوا مبلاغ التاواتر‪ ،‬بال المتاواتر‬
‫يثباات بأقاال ماان ذلااك عنااد أئمااة هااذا الشااأن‪ ،‬وقااد وردت أحاديااث‬
‫المهاادي عاان قرابااة عشاارين صااحابيا مرفوعااا وموقوفااا‪ ،‬وال يسااع‬
‫المقام لذكرها هناا‪ ،‬وقاد حققتهاا لكام فاي كتاابي "المهددي المنت در‬
‫والخالفددة الثاني دة علددى منهدداج النبددوة" وهااو مطبااوع ومتااداول‪،‬‬
‫وسااترون غيرهااا أيضااا عاان غياار هااؤالء الصااحابة فااي معاار‬
‫الكالم والحوار في هذه العجالة‪.‬‬

‫البددداب الثددداني‪ :‬مناقشدددة اسدددتدالالتهم فدددي وجدددود خالفدددة علدددى‬


‫المنهاج قبل خالفة المهدي وردها‪:‬‬

‫لقد نشأت ناشئة في هذا العصر من مشايخ وغير مشايخ ومن‬


‫أبناء تكتالت إسالمية وغير إسالمية‪ ،‬فمنهم من ينكر خبر المهدي‬
‫من باب إنكاره للسنة‪ ،‬وهؤالء ال ينتمون إلاى التكاتالت اإلساالمية‬

‫‪12‬‬
‫باااال معظمهاااام إن لاااام يكاااان جماااايعهم قااااد تااااأثر بالثقافااااة الغربيااااة‬
‫وبالمستشرقين‪ ،‬وال عبرة بهم وبإنكارهم وتشاكيكهم‪ ،‬فهام فاشالون‬
‫ال يعملون شيئا سوى التشاكيك بالسانة وبرواتهاا وكاأنهم موظفاون‬
‫لااذلك‪ ،‬فااالعبرة عناادنا بمااا قالااه أهاال الجاارح والتعااديل فااي تصااحيح‬
‫الروايااات وتضااعيفهما فهاام أهاال هااذا العلاام‪ ،‬وال عباارة بمااا قالااه‬
‫غيرهم كائنين من كانوا‪.‬‬

‫أما أبناء التكتالت اإلسالمية فمنهم من يقول بأن خالفاة النباوة‬


‫ليست للمهدي الذي بُ ع‬
‫شر به في آخر الزماان كماا فاي األخباار آنفاة‬
‫الذكر‪ ،‬ومنهم من يقول بأنها مسبوقة بخالفة لغيره‪ ،‬ظنا منهم أنهام‬
‫أصااحابها رجمااا بالغيااب‪ ،‬فهااؤالء الناشاائة ليسااوا ماان أهاال العلاام‬
‫بحديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وال بحقيقة المهادي رضاي‬
‫هللا عناااه‪ ،‬وجااال اعتماااادهم فياااه هاااو مقالاااة أحااازابهم وتكاااتالتهم‬
‫ومشااايخهم دون االستضاااءة بنااور العلاام القاااطع فااي مسااألة غيبيااة‬
‫كهذه‪ ،‬ع‬
‫وإن المرء ليعجب من إصرارهم على رفض تواتر أخباره‪،‬‬
‫ورفض فكرة كاون خالفاة النباوة الثانياة ال تكاون إال للمهادي‪ ،‬وال‬
‫ندري أمن جهل هو أم من عصبية ألحزابهم ومشايخهم؟!! وربماا‬
‫من الجهتين معا‪ِ ،‬علما أنهم ال ولم ولن يستطيعوا أن يثبتاوا صاحة‬

‫‪13‬‬
‫ادعاائهم‪ ،‬وكال ماا قاالوه إماا عقلاي تخميناي‪ ،‬أو ضاعيف ظناي فااي‬
‫الثبوت والداللة‪ ،‬ال يرقى لالستدالل‪ ،‬كما ستعرفه تاليا‪.‬‬

‫أما كالمهم العهللالي‪ :‬فكقولهم‪( :‬هل يعني ذلك أن نقعاد وننتظاره فاي‬
‫البيوت وال نعمل) وقولهم‪ ( :‬هل نضع أيدينا على خدنا وال نعمل)‬
‫وقولهم‪( :‬هذا يدعو إلى التواكل) إلى غير ذلك من األقوال‪.‬‬

‫والجددواب علددى هددذا التن ددع وهددذا اإلرجدداف‪ :‬إن ماان يساامع هااذا‬
‫الكالم منهم يظن أنهم قد أقاموا الدين‪ ،‬ويظن أن فكرة كاون خالفاة‬
‫النبوة هي للمهدي تمنع إقامة الدين أو تهدمه!!!‪ ،‬علما أن أصحاب‬
‫هااذه المقااوالت لاام يقاادموا شاايئا ال لالُمااة وال لفكاارة الخالفااة سااوى‬
‫ال ُخطب والمواعظ والتحليالت‪ ،‬ناهيك عن فشالهم وقاد أ ُتيحات لهام‬
‫سمي بالربيع والخريف العربي ولم يغتنموهاا‪ ،‬أو قال‬
‫الفرص فيما ُ‬
‫ليسااوا كفئااا لهااا‪ ،‬باال واألدهااى ماان ذلااك واألماار أنهاام يرياادون ماان‬
‫الجيوش الموالية للكفار ولنواطيرهم أن يقيماوا لهام دولاة الخالفاة‪،‬‬
‫وهذه قاصمة ت ُبين لك أنه ليسوا هم من يقيم دولة الخالفة‪ ،‬فعلى ما‬
‫هذه الضجة وهذا اإلنكار؟!! ثام قاد مضاى علاى األماة قراباة قارن‬
‫وهي في ذلة وقتل وضياع ومساكنة دون فائادة مان هاذه الجياوش‪،‬‬
‫أليس من معتبر؟!! فالسعيد من اتعظ بغيره‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫إن الاااذين يحااااولون إثباااات أن المهااادي مسااابو بخالفاااة‪ ،‬إماااا‬
‫للدفاع عن أنفسهم وعن فشلهم طيلة قرن من الزمن‪ ،‬وإما لشك في‬
‫قلاااوبهم مااان فكااارة ظهاااور المهااادي‪ ،‬وإماااا خوفاااا علاااى ألمعياااتهم‬
‫وأحاازابهم ماان الاازوال واالناادثار‪ ،‬فاسااتخدموا هااذا األساالوب دون‬
‫التصريح باإلنكار والتشكيك تمويها‪ ،‬سيما وأنه ال يوجد لاديهم فاي‬
‫ذلك دليل صريح صحيح متواتر‪ ،‬بل كل ما جااووا باه هاو تخماين‬
‫وظن ال يغني من الحق شيئا‪ ،‬كما ستعرفه بعد قليل‪.‬‬

‫أضف إليه أن الكثير من الحركات الجهادية في األُماة ال تعمال‬


‫إلقامة الخالفة‪ ،‬فهل يقال إنهم قاعادون فاي بياوتهم وال يعملاون أو‬
‫أنهم عطلوا األحكام؟!!‪ ،‬أم يقال ذلك لمن يدعي العمل للخالفة وال‬
‫يقدم شيئا ألُمة اإلسالم سوى ما ذكرنا؟!!‪.‬‬

‫كما وأن أصحاب هذه اإلشاعة تااركون ألعظام األعماال التاي‬


‫فرضها هللا على اإلطال وهي جهااد الادفع العيناي فاي سابيل هللا‪،‬‬
‫وبحجاااة غيااااب الخالفاااة‪ِ ،‬علماااا أن مااان المعاااروف عناااد الغالبياااة‬
‫العظمى من أئماة المسالمين أن هاذا الجهااد ال يحتااج إلاى أميار أو‬
‫على فكارة‬ ‫خليفة بخالف جهاد الطلب الكفائي‪ ،‬فيقال لمن يعتر‬
‫خالفة المهدي والتمهيد والتوطئة لها بحجة أنها تادعو إلاى التثبايط‬
‫وتعطيل األحكام وما إلى ذلك من المزايدات‪ :‬هاا هاو الجهااد الاذي‬

‫‪15‬‬
‫ال يعطله عدل عادل وال جاور جاائر وال انتظاار المهادي‪ ،‬فاذهاب‬
‫وادخل به الجنة‪ ،‬أم أنك تعتبر العمل لإلسالم هو فقاط باالنتمااءات‬
‫الحزبية والحركية؟!!!‪.‬‬

‫ثم قد وردت نصوص صاحيحة تاأمر باالقعود فاي البياوت فاي‬


‫عصار الفاتن كمااا جااء فااي الصاحيح ماان حاديث حذيفااة بان اليمااان‬
‫المطااول فااي دعاااة الضاااللة علااى أبااواب جهاانم جاااء فيااه‪{ :‬فمددا‬
‫ت مرني إن أدركني ذلدك قدال‪ :‬فدالزم جماعدة المسدلمين وإمدامهم‪،‬‬
‫قلت‪ :‬فإن لم يكدن لهدم جماعدة وال إمدام قدال‪ :‬فداعتزل تلدك الفدر‬
‫كلها ولو أن تعض ب صل شجرة حتى يدركك الموت وأنت كدذلك}‬
‫فهل يقال بأن هذا الحديث يادعو إلاى اإلحبااط والتثبايط واالنبطااح‬
‫والهزيمااة؟!!!‪ ،‬ثاام قااد رواه اإلمااام أحمااد فااي المسااند بلفااظ مثياار‬
‫لالهتمام قال‪{ :‬ثم تكون دعاة الضاللة فإن رأيت يومئذ خليفة هللا‬
‫فددي األرض فالزمدده وإن نهددك جسددمك وأخددذ مالددك‪ ،‬وإن لددم تددرح‬
‫فاضددرب فددي األرض ولددو أن تمددوت وأنددت عدداض بجددذل شددجرة}‬
‫علااى أحااد ماان‬ ‫ومعلااوم أنااه لاام تطلااق لفظااة خليفااة هللا فااي األر‬
‫خلفاء المسلمين إال على المهدي خليفة آخر الزمان‪ ،‬كما علمته من‬
‫الروايااات آنفااا فااي حااديث االقتتااال عنااد الكنااز‪ ،‬فيسااتفاد منااه أنااه ال‬

‫‪16‬‬
‫يمكن أن يكون خليفة بعد عصر الفتن ودعاة الضاللة التاي نعيشاه‬
‫إال خليفة هللا المهدي‪.‬‬

‫وللعلم أقول لمن يقول بفرضاية العمال إلقاماة الخالفاة ويُفساق‬


‫الكفاياة‪ ،‬يعناي إذا‬ ‫من ال يعمل لها‪ :‬إن العمال لهاا هاو مان فارو‬
‫عرفااه أهاال‬
‫قااام بااه أهاال الكفايااة سااقط اإلثاام عاان اآلخاارين كمااا ع‬
‫األُصول‪ ،‬بل إن أهل الكفاياة المكلفاين بالعمال لهاا هام صانفان مان‬
‫المساالمين فقااط‪ :‬أهاال الواليااة (قااريل) وأهاال الحاال والعقااد‪ ،‬ولاايس‬
‫جميع الناس‪ ،‬علاى ماا ذكاره إماام الحارمين الجاويني فاي الغيااثي‪،‬‬
‫والماوردي والفراء في األحكام السلطانية وغيرهم‪.‬‬

‫ثم من المهم أن يُعارف أن انتظاار المهادي ال يُعطال شايئا مان‬


‫العينية‪ ،‬من صالة‪ ،‬وصيام‪ ،‬وزكاة‪ ،‬وحا ‪ ،‬وجهااد دفاع‪،‬‬ ‫الفرو‬
‫وبر والدين‪ ،‬وصلة رحم وماا إلاى ذلاك‪ ،‬كماا وال يعطال الفارو‬
‫الكفائية أيضا‪ ،‬كاألمر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر‪ ،‬وتعلم العلم‬
‫وتعليماااه‪ ،‬ودعااااوة النااااس إلااااى اإلساااالم‪ ،‬وإصااااالح ذات البااااين‪،‬‬
‫والقضاء باين النااس‪ ،‬ونصارة الملهاوف والمظلاوم وماا إلاى ذلاك‪،‬‬
‫أضف إلى هاذا كلاه أن انتظاار المهادي يأخاذ حكام انتظاار الفارج‪،‬‬
‫وانتظار الفرج مع الصبر عبادة‪ ،‬وهو أفضل من األعماال العبثياة‬
‫والفاشالة التااي سااببت اإلحباااط لاادى األُمااة قطعااا‪ ،‬بانتظااارهم لااوهم‬

‫‪17‬‬
‫اسمه الجيوش المتربصة باألمة لتقيم لهم دولة الخالفة اإلساالمية‪،‬‬
‫وستعلم سببا لعبثيتها وفشلها غير هذا بعد قليل‪.‬‬

‫فأيهما أحق باالنتظار ما ثبت ذكاره باألحادياث المتاواترة عان‬


‫النبااي صاالى هللا عليااه وساالم‪ ،‬أم وهاام الجيااوش المرتبطااة بأعااداء‬
‫األمة والملة؟!!!!!‪.‬‬

‫ثام إن هنالاك فروضاا معطلاة مناذ هاادم الخالفاة العثمانياة‪ ،‬وال‬


‫عالقة لها بالدعوة لخالفة المهدي‪ ،‬كجهاد الطلب‪ ،‬وإقامة الحادود‪،‬‬
‫وعقوبة الردة‪ ،‬وعقوبة شاتم النبي‪ ،‬وجماع الزكااة وتوزيعهاا علاى‬
‫األصناف الثمانية‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬فعلى من يقع اللوم؟!! هل يقع على‬
‫حزب التحرير‪ ،‬أم علاى اإلخاوان المسالمين‪ ،‬أم علاى السالفيين‪ ،‬أم‬
‫علااى الحركااات الجهاديااة‪ ،‬أم علااى ماان؟!!! ألاايس انتظااار الخالفااة‬
‫‪ ،‬ف ِل ام لاام يُقاال عاان ذلااك بأنااه تعطياال للعماال‬ ‫تعطاايال لهااذه الفاارو‬
‫واتكالية وقدرية غيبية وما إلى ذلاك مان عباارات غايتهاا التشاكيك‬
‫والطعن على أخبار المهدي؟!!‪.‬‬

‫سااني بأوصااافه‬
‫وفااي الحقيقااة إن الاادعوة إلااى خالفااة المهاادي ال ُّ‬
‫التي وردت فاي األحادياث هاي بحاد ذاتهاا عمال‪ ،‬وتوطئاة وتمهياد‬
‫وتنبيه لالمة من الوقوع في حبائل من يدعي المهدوية كذبا‪ ،‬وتنبيه‬

‫‪18‬‬
‫لالمة ممان ال يصالح لخالفاة النباوة وال يساتحقها‪ ،‬فياودي بهاا إلاى‬
‫الفشل واليأس والقنوط‪ ،‬كما حصل فيما يسمى (خالفة الدواعل)‪.‬‬

‫وقد وردت عدة أحاديث في الذين يوطئاون للمهادي‪ ،‬كحاديث‬


‫ابن ماجة في سننه والبازار فاي مسانده وغيرهماا عان عباد هللا بان‬
‫جاازء الزبياادي عاان النبااي صاالى هللا عليااه وساالم أنااه قااال‪{ :‬يخددرج‬
‫من المشدر يو ئدون للمهددي سدل انه} وحاديث أباي داود‬ ‫نا‬
‫في سننه عن علي بن أبي طالب موقوفاا‪( :‬يخدرج رجدل مدن وراء‬
‫النهددر يهللاددال لدده الحددارر بددن حددرار علددى مهللادمتدده رجددل يهللاددال لدده‬
‫لرسدول هللا صدلى‬ ‫المنصور‪ ،‬يو س ل محمدد كمدا مكندت قدري‬
‫هللا عليه وسلم) وفي سنن أبي عمرو الاداني وفاتن نعايم بان حمااد‬
‫عن محمد بن علي بن أبي طالب قال‪( :‬تخرج رايات من خراسان‬
‫ثم تخرج أخرى ثيابهم بديض علدى مهللاددمتهم رجدل مدن بندي تمديم‬
‫يو س للمهدي سدل انه) وفاي فاتن نعايم بان حمااد عان أرطاأة بان‬
‫المنذر بإسناد صحيح أنه قال‪( :‬وي هر بخراسان قوم يدعون إلدى‬
‫المهدددي) إلااى غياار ذلااك ماان الروايااات التااي تاادلل علااى أن فكاارة‬
‫التمهيااد والتوطئااة لخليفااة هللا المهاادي هااي عماال مشااروع وليساات‬
‫بدعا من القول والعمل‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ثم إنني لم أقل في كتابي "المهددي المنت در والخالفدة الثانيدة‬
‫علدددى منهددداج النبدددوة" إال أن خالفاااة النباااوة الثانياااة ال تكاااون إال‬
‫للمهدي‪ ،‬فعلى الاذين يعملاون لخالفاة علاى منهااج النباوة أن يكاون‬
‫عملهم توطئاة وتمهيادا لاه‪ ،‬ال ألي شاخص آخار‪ ،‬علاى اعتباار أناه‬
‫الخليفااة الموعااود آخاار الزمااان كمااا جاااءت بااه األخبااار الصااحيحة‬
‫آنفا‪ ،‬وهذا موافق لكون خالفاة النباوة الثانياة هاي آخار خالفاة‪ ،‬وال‬
‫يكون بعادها مباشارة إال عيساى بان ماريم علياه الساالم علاى نفاس‬
‫المنهاج‪ ،‬كما جاء في حاديث الطباري والطبراناي وغيرهماا‪{ :‬أندا‬
‫بعيسى بن مريم ألنه لم يكدن بيندي وبينده نبدي‪ ،‬وإنده‬ ‫أولى النا‬
‫خليفتددي علددى أُمتددي بعدددي} وفااي حااديث عبااد الاارزا والبخاااري‬
‫وغيرهمااا‪{ :‬ينددزل فدديكم ابددن مددريم حكم دا ً عدددالً وإمام دا ً مهللاس د ا ً}‬
‫وموافق أيضا لكونها على منهاج النبوة أن يكون قائدها من قريل‬
‫كماااا كانااات خالفاااة النباااوة األُولاااى وكماااا فاااي الحاااديث الصاااحيح‬
‫المتواتر‪{ :‬األئمة مدن قدري } وموافاق أيضاا التصااف أصاحاب‬
‫خالفااة النبااوة األُولااى بالمهدويااة كمااا جاااء فااي حااديث أبااي داود‬
‫والترمااذي وغيرهمااا‪{ :‬علدديكم بسددنتي وسددنة الخلفدداء الراشدددين‬
‫المهددددديين عضددددوا عليهددددا بالنواجددددذ} وموافااااق لكااااون أتباعهااااا‬
‫كالسااابقين األولااين‪ ،‬كمااا فااي حااديث الحاااكم عاان علااي آنفااا {لددم‬

‫‪20‬‬
‫يسدبهللاهم األولددون وال يدددركهم ا خددرون}‪ ،‬وموافااق لكونهااا تكااون‬
‫كماا فاي خالفاة النباوة‬ ‫بإجماع أهل الحق مان األماة دون معاار‬
‫األولى‪ ،‬وما حديث‪{ :‬فديمأل األرض قسد ا ً وعددالً} وحاديث‪{ :‬فدال‬
‫والعدددرب‬ ‫يدددرا بسدددببه محجمدددة دم} وأحادياااث‪{ :‬يملدددك الندددا‬
‫عيشدا ً لدم‬ ‫واألرض والدنيا} وحديث‪{ :‬أن األمة في زمانده تعدي‬
‫تعشه من قبل} إال أكبر دليل على إجماعهم عليه‪ ،‬ما عادا ماا ورد‬
‫في العمالء والمنافقين من الشام والعارا الاذين سيخساف بهام فاي‬
‫البيداء‪ ،‬على ما جاء في الحديث المتواتر‪.‬‬

‫لذا فإن العمل لغير خالفة المهدي هاو عمال لغيار موعاود هللا‬
‫المهدي وهو عبث ال فائدة منه سوى ليقال أننا نعمل‪ ،‬فالواقع أثبت‬
‫فشل ذلك طيلة قرن من الزمن‪ ،‬فال نهتم بوجاود خالفاة علاى غيار‬
‫منهاج النبوة وال نتباكى عليها‪.‬‬

‫ثم ليس المهم مجرد أن نعمل‪ ،‬بل المهم أن يكون عملنا‬


‫صحيحا‪ ،‬وال يكون صحيحا مع النية الصادقة إال إذا وافق صد‬
‫الخبر بأن يوافق اآلمر الخبري فيه لآلمر‬ ‫الخير‪ ،‬وصد‬
‫الوجودي وإال كان الخبر كذبا‪ ،‬وال يمكن تكذيب ما ثبت بالتواتر‪،‬‬
‫ظلما وجورا‪ ،‬ال يعيد لها القسط‬ ‫فصد الخبر أنه بعد ملئ األر‬
‫والعدل إال خليفة هللا المهدي كما في حديث أحمد والحاكم آنفا‪،‬‬

‫‪21‬‬
‫وأنه بعد دعاة الضاللة ال يكون إال خليفة هللا المهدي كما في‬
‫حديث أحمد‪ ،‬وال يقيم جهاد الطلب بعد تعطيله إال المهدي كما في‬
‫والدنيا والناس‪ ،‬كما عند ابن حبان والداني‬ ‫أحاديث ملكه لالر‬
‫وأبي نعيم‪ ،‬وأن الذي يعيد لالمة وحدتها وألفتها بعد اختالف‬
‫وفرقة هو المهدي كما في حديث الحاكم عن علي موقوفا (ثم‬
‫ألفتهم ونعمتهم‪ ،‬فيكونون‬ ‫ي هر الهاشمي فيرد هللا إلى النا‬
‫على ذلك حتى يخرج الدجال)‪ ،‬وأن الذي يفتح مدائن الشرك‬
‫وخصوصا رومية‪ ،‬هو خليفة هللا المهدي كما جاء في الحديث‬
‫الذي رواه خيثمة اإلطرابلسي في أحاديثه‪ ،‬والخطيب البغدادي في‬
‫موضح األوهام‪ ،‬والبيهقي في البعث والنشور عن كثير بن عمرو‬
‫بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا‪{ :‬ال تهللاوم الساعة حتى يفتح‬
‫رجل من أهل بيتي رومية وجبل الديلم} وأن الذي سيجعل بيت‬
‫المقدس عاصمة خالفته هو المهدي‪ ،‬كما جاء في حديث‬
‫الطبراني‪{ :‬يعمل على هذح األمة سبع سنين وينزل بيت‬
‫المهللاد } وحديث نزول نبي هللا عيسى عليه السالم من السماء‬
‫على المهدي في بيت المقدس يوم حصار الدجال لها‪ ،‬وقتالهما‬
‫لليهود ودجالهم‪ ،‬كما عند ابن ماجة وأبي نعيم وغيرهما‪ ،‬وأن‬

‫‪22‬‬
‫الذي سيبرم الصلح مع بني األصفر الروم ويقاتلهم في الملحمة‬
‫الكبرى هو المهدي كما عند الطبراني وأبي نعيم وغيرهما‪.‬‬

‫فالذي يقول يمكن لغير المهدي أن يقوم بهذه األعمال‪ ،‬فإنما‬


‫يخالف صد الخبر بل ويكذبه‪ ،‬وال يمكن تكذيب الخبر الصحيح‪،‬‬
‫فكيف وقد تواتر الكثير منه‪ ،‬ولتقريب الفهم أكثر ما رواه اإلمام‬
‫أحمد وغيره أنه حينما أراد عمر بن الخطاب قتل ابن صياد لظنه‬
‫أنه الدجال‪ ،‬فمنعه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وقال له‪{ :‬إن‬
‫يكن هو فلست بصاحبه إنما صاحبه عيسى بن مريم} إذن‬
‫فموعود هللا له هو عيسى بن مريم وال يمكن ألحد قتله غيره‪،‬‬
‫فالذي يعمل على خالفه إنما يعمل لغير موعود هللا‪ ،‬ويعمل على‬
‫خالف صد الخبر‪ ،‬وهو عبث ال فائدة منه‪.‬‬

‫أضف إلى ذلاك أن العمال لغيار موعاود هللا المهادي هاو عمال‬
‫عبثي‪ ،‬فإن خالفة ولو على غير منهاج النبوة قبل المهدي ال يمكن‬
‫إثباتهااا إال بخباار صااحيح متااواتر ألنهااا ماان الغيبيااات‪ ،‬ف اال تثباات‬
‫بأخبار اآلحاد أو باالستنتاج‪ ،‬بل باالقطع‪ ،‬ولام يثبات لهاا شايء مان‬
‫ذلك أبدا‪ ،‬إال خالفة السفياني الجائر كما جاء في فتن نعيم بن حماد‬
‫وغيره‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫ومددن اسددتداللهم بددالعهللالي أيضددا ً‪ :‬قااولهم‪ِ :‬لاام لاام ينتظاار الصااحابة‬
‫طالاب الياوم‬
‫ُ‬ ‫والتابعون وأهل اإلسالم األوائل ظهور المهدي‪ ،‬كما يُ‬
‫بانتظاره‪ ،‬بل استمروا فاي تطبياق الشاريعة وفاي الفتوحاات ونشار‬
‫اإلسالم حتى وصلوا إلى الصين شرقا وإلى األندلس غربا‪.‬‬

‫الجواب عليه‪ :‬من وجهين‪:‬‬

‫األول‪ :‬لاام يكاان حااالهم كحالنااا المشاارذم المفاار ال كيااان وال دولااة‬
‫لاادينا‪ ،‬وال عاازة وال كرامااة تااذكر لاادينا‪ ،‬رغاام كثاارة عااددنا وكثاارة‬
‫المشايخ والجماعات واألحزاب والجيوش‪ ،‬بل كان لهم دولة تطبق‬
‫الشرع وتحمله جهادا في سبيل هللا‪ ،‬وتادفع عانهم الظلام والعادوان‪،‬‬
‫كما حصل معهم في رد عادوان التتاار والمغاول والقضااء علايهم‪،‬‬
‫فلم يكونوا بحاجة إلى المهدي حينها‪.‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬كانوا يعلمون جيدا أن ظهور المهدي إنما يكون فاي‬
‫آخر الزمان ال فاي أولاه‪ ،‬كماا فاي حاديث ابان ماجاة والحاارث بان‬
‫أبااي أسااامة فااي صااالة عيسااى باان مااريم خلفااه فااي بياات المقاادس‪،‬‬
‫وقتلهما لدجال اليهود في فلسطين‪ ،‬وذلك في آخار الزماان حتماا ال‬
‫في زمانهم‪ ،‬وكما في حديث علاي بان أباي طالاب ماع أباي الطفيال‬
‫آنفا‪( :‬ذاك رجل يخرج في آخدر الزمدان)‪ ،‬وحاديث أباي ساعيد عناد‬

‫‪24‬‬
‫الحاااكم آنفااا (يخددرج فددي آخددر أمتددي المهدددي) وهااذا مااا أثبتااه أئمااة‬
‫المسلمين في مصنفاتهم منذ ذلك الزمان كما علمتاه آنفاا فاي البااب‬
‫الثاني من ذكرهم ألحاديثه‪ ،‬ومانهم مان عناون ألحاديثاه (بالمهادي‬
‫المنتظااار) أو (باااالمنتظر) أي أن فكااارة انتظااااره كانااات متصاااورة‬
‫عندهم ال يمكن إنكارها‪ ،‬ألنهم يعلمون أن ظهوره ال يكون إال فاي‬
‫آخر الزمان‪.‬‬

‫وأمددا مددا انددوح وتخيلددوح دلدديالً مددن النهللاددل ولدديل بدددليل‪ :‬فإمااا أنااه‬
‫ماع الصاحيح‪ ،‬كاساتداللهم‬ ‫ضعيف أو لايس بصاريح‪ ،‬أو يتعاار‬
‫بحااديث االقتتااال عنااد الكنااز‪{ :‬يهللاتتددل عنددد كنددزكم ثالثددة كلهددم ابددن‬
‫خليفة} ثم قال في آخره {ثم يجيء خليفة هللا المهددي} معتبارين‬
‫أن االقتتال بين أبناء خليفاة قبال مجايء المهادي دليال علاى وجاود‬
‫خالفة قبله‪.‬‬

‫الجددواب عليدده‪ :‬إن هااذا الحااديث ال ياادل علااى وجااود خالفااة علااى‬
‫منهاااج النبااوة قباال المهاادي ال ماان قريااب وال ماان بعيااد‪ ،‬وال حتااى‬
‫خالفة على غير المنهاج‪ ،‬فقوله‪{ :‬ثالثة كلهم أبن خليفة} ال يعناي‬
‫بالضرورة أنها خالفة بالمعنى الشرعي وذلك لآلتي‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫أوال‪ :‬إن لفظ {خليفة} هنا نكرة‪ ،‬والنكرات تفيد العموم‪ ،‬عناد أهال‬
‫المعاني‪ ،‬أي أنها تحتمل أكثر مان معناى‪ ،‬إال إذا دخلات علياه (أل)‬
‫التعريف‪ ،‬كقوله‪{ :‬أ ُوصي الخليفة بعدي} أو أُضيف إليهاا إضاافة‬
‫تخصاايص‪ ،‬كقولااه‪{ :‬خليفددة هللا المهدددي} وكقولااه‪{ :‬خليفتددي مددن‬
‫بعدي} فما دامت منفرده‪ ،‬ولم يدخل عليها (أل) فإنها تحتمل خليفة‬
‫ب االمعنيين االصااطالحي واللغااوي‪ ،‬كااأمير وإمااام وملااك وساالطان‬
‫وحاااكم‪ ،‬ماان باااب أنااه يخلااف بعضااهم بعضااا‪ ،‬وباالحتمااال يسااقط‬
‫االساااتدالل‪ ،‬وال يمكااان حملاااه علاااى معناااى دون آخااار أال ببيناااة أو‬
‫قرينة‪.‬‬

‫ومن القرائن الشارعية الدالاة علاى أن لفاظ خليفاة تاأتي بمعناى‬


‫ملك وبالعكس‪ ،‬ما رواه نعايم بان حمااد وابان األعراباي بساند جياد‬
‫عن عبد هللا بن عمرو بن العاص قال عن معاوية بان أباي سافيان‪:‬‬
‫{ملك األرض المهللادسدة} ومعاروف علاى ظااهر الكاف أن معاوياة‬
‫بن أبي سفيان هو خليفة المسلمين في عصره‪.‬‬

‫ومن الدالئل والقرائن الشارعية علاى أن لفاظ خليفاة قاد تعناي‬


‫ملكا‪ ،‬والملك يعني خليفة‪ ،‬وذلك من حديث حذيفة آنفاا‪{ :‬ثدم تكدون‬
‫ُملكا ً عاضاً} {ثم تكون ُملكا ً جبريدة} أي تكاون الخالفاة ُملكاا‪ ،‬ألن‬
‫قولااه { ُملكداً} خباار لكااان‪ ،‬واساامها ضاامير مسااتتر تقااديره الخالفااة‪،‬‬

‫‪26‬‬
‫وكذلك حديث‪{ :‬خالفة النبدوة ثالثدون عامدا ً ثدم تكدون ُملكدا ً} وفاي‬
‫رواية‪{ :‬ثم يؤتي هللا ملكه من يشاء}‪.‬‬

‫وماان الاادالئل أيضااا علااى أن معنااى ملااك تااأتي بمعنااى خليفااة‪،‬‬


‫وخليفة بمعنى ملك‪ ،‬حديث أبي هريرة مرفوعا كما في مسند أحمد‬
‫والهللاضاء في األنصار} ومعروف علاى‬ ‫وغيره‪{ :‬الملك في قري‬
‫ظاهر الكف أن هذا الحديث روي أيضا بلفظ‪{ :‬الخالفة في قري‬
‫والهللاضدداء فددي األنصددار} كمااا فااي مسااند أحمااد وغيااره أيضااا‪ ،‬ممااا‬
‫يعني أنه بنفس المعنى‪.‬‬

‫ومن الداللة أيضا على أن قولاه‪{ :‬خليفدة} تاأتي بمعناى ملاك‪،‬‬


‫ما جاء في نفس الحديث‪{ :‬ثم ال يصير ال ُملك إلى أحد مدنهم} ولام‬
‫يقل ال تصاير الخالفاة‪ ،‬وفياه أيضاا دليال صاريح أن المهادي حاين‬
‫يظهر ال يكون علاى النااس إماام وال خليفاة‪ ،‬فقاد جااء فاي الحاديث‬
‫بعد ذلاك بصايغة‪( :‬ثدم يجديء خليفدة هللا المهددي) ولفاظ (ثدم) فاي‬
‫الحالتين للترتيب على التراخي ال على الفور‪ ،‬كما هاو مقارر عناد‬
‫أهل اللغة‪ ،‬فربما يكون بين اقتتالهم وبين الراياات الساود شاهرا أو‬
‫ساانة أو أكثاار‪ ،‬وبااين الرايااات السااود وبااين مجاايء المهاادي مهلااة‬
‫كتلااك‪ ،‬ففي اه دلياال صااريح أن مجيئ اه ولاايس علااى الناااس إمااام‪ ،‬باال‬
‫فوضى وهرج وفتن‪ ،‬ال كما توهموه‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬إن الخالفة التي يقتتل أبناوها عليهاا ال يمكان أن تكاون علاى‬
‫منهااااج النباااوة‪ ،‬فلااام يحصااال اقتتاااال علاااى ال ُملاااك إال فاااي الملاااك‬
‫العضاااو ‪ ،‬أماااا فاااي عهاااد خالفاااة النباااوة األ ُولاااى عهاااد الخلفااااء‬
‫الراشدين فلم يحصل بينهم وال باين أبناائهم اقتتاال علاى الملاك‪ ،‬إال‬
‫مان غيارهم‪ ،‬ثاام خاروج الرايااات الساود التاي تقتاال المسالمين دلياال‬
‫آخر على خلو الزمان قبل المهدي من خالفة تدفع عن الناس القتل‬
‫والظلم‪.‬‬

‫ومما انوح وتخيلوح دلديال ولديل بددليل‪ :‬أنهام جااووا بحاديث مان‬
‫الصااالحين أو ماان غيااره‪{ :‬يكددون خليفددة مددن خلفددائكم فددي‬ ‫ريااا‬
‫آخر الزمان يحثو المال وال يعدح} قالوا‪ :‬رواه مسلم‪.‬‬

‫الجواب عليه‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬فتشت عنه في صحيح مسلم وفي غيره فلم أجاده بهاذا اللفاظ‪،‬‬
‫وإنما بلفظ‪{ :‬يكون في آخر الزمدان خليفدة يهللاسدم المدال وال يعددح}‬
‫وكفى هللا المؤمنين القتال‪.‬‬

‫وجااود الحااديث مكاابرة ماانهم‪ ،‬فااإن قولااه‪{ :‬مددن‬ ‫ثانيدا ً‪ :‬علااى فاار‬
‫خلفددائكم} لبيااان الجاانس ال للتبعاايض أو التعاادد‪ ،‬فلااو كااان اللفااظ‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫{يكون خليفة مدن خلفداء آخدر الزمدان} لكاان المعناى الاذي ذهباوا‬
‫إليه صحيحا‪.‬‬

‫ومما يؤيد أنه لبيان الجنس ال للتبعيض أنه ثبت في رواية مسالم‬
‫وغياره بلفااظ‪{ :‬مددن خلفددائكم خليفددة يحثدوا المددال حثيداً} يعنااي ماان‬
‫خلفاء المسلمين ال من غيرهم‪.‬‬

‫ثالثدا ً‪ :‬لااو ساالمنا جاادال بوجااود هااذا اللفااظ‪ ،‬وبااالمعنى الااذي ادععااوه‪،‬‬
‫فليس فيه أنهم قبل المهدي مباشرة على الترتيب‪ ،‬فايمكن أن نعتبار‬
‫خلفاااء الخالفااة العثمانيااة قبلااه‪ ،‬فلاايس فااي لفظااه ترتيبااا وال تعقيبااا‪،‬‬
‫ساايما وأن خالفااتهم ت ُعتباار ماان ال ُملاااك الجبااري فااي آخاار أطاااوار‬
‫الخالفة‪ ،‬الذي يعقبه خالفة على منهاج النبوة كما في حديث حذيفة‬
‫آنفااا‪ ،‬فهاام قااد أخااذوها عنااوة وجباارا عاان العاارب قااريل فااي عهااد‬
‫السلطان سليم األول بعد غزوه لمصر وأجبر الخليقة العباسي فيها‬
‫علااى بيعتااه للخالفااة‪ ،‬فكااان الساالطان سااليم األول هااو أول خليفااة‬
‫عثماااني‪ ،‬ال كم اا يتوهمااه الاابعض ماان أننااا اآلن نعاايل فااي العهااد‬
‫الجبري‪.‬‬

‫ثم إن مان يملاك ولاو شايئا بسايطا مان علام النحاو يعارف ذلاك‪،‬‬
‫فقوله في الحديث‪{ :‬ثم تكون ملكا ً جبرية} فإن {ملكا ُ} خبر لكان‪،‬‬

‫‪29‬‬
‫وأما اسمها فضمير مساتتر تقاديره هاي {الخالفدة} أي {ثدم تكدون‬
‫الخالفة ملكا ً جبرية} كماا كانات ملكاا عاضاا فاي العصار األُماوي‬
‫والعباسي‪ ،‬كما وإن جميع المصنفين فاي الفقاه والحاديث والتفساير‬
‫والجباري فاإنهم‬ ‫والتاريخ حينماا يتكلماون عان دول الملاك العاا‬
‫متفقاااون علاااى وصااافها بالخالفاااة األموياااة‪ ،‬والخالفاااة العباساااية‪،‬‬
‫والخالفااة العثمانيااة‪ ،‬أمااا عصاارنا فهااو عصاار الرفااع بااين الحااالتين‬
‫األخياارتين فااي الحااديث‪ ،‬وهااو عصاار الطواغياات‪ ،‬وعصاار إمااارة‬
‫السفهاء‪ ،‬التي يعقبها خالفة على منهااج النباوة إن شااء هللا تعاالى‪،‬‬
‫فقد جاء في ذلك آثار تدلل عليه‪ ،‬ففي السنن الواردة في الفتن ألبي‬
‫عمرو الداني عن أنس بان مالاك رضاي هللا عناه قاال‪( :‬إنهدا نبدوة‬
‫ورحمددة‪ ،‬ثددم خالفددة ورحمددة‪ ،‬ثددم ملددك عضددوض‪ ،‬ثددم جبريددة‪ ،‬ثددم‬
‫واغيت) وفي مصنف ابان أباي شايبة عناه رضاي هللا عناه أيضاا‬
‫بلفااظ‪( :‬إنهددا سددتكون ملددوك ثددم جبددابرة ثددم واغيددت) وكم اا فااي‬
‫حديث كعب بن عجرة عند أحمد وغياره {أعداذك هللا يدا كعدا مدن‬
‫إمارة السفهاء‪ ،‬قال‪ :‬وما إمارة السفهاءت قال‪ :‬أُمدراء ال يهتددون‬
‫بهديي وال يسدتنون بسدنتي} ومان المقطاوع باه أن أُماراء وملاوك‬
‫اليااوم ال يهتاادون بهاادي النبااي صاالى هللا عليااه وساالم وال يسااتنون‬
‫بسنته‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫وممددا انددوح وتخيلددوح دلدديال علددى دعددواهم ولدديل بدددليل أيض داً‪:‬‬
‫اسااتداللهم بحااديث أُم ساالمة رضااي هللا عنهااا الااذي رواه أبااو داوود‬
‫وأحمد وغيرهما‪{ :‬يكون اختالف عندد مدوت خليفدة فيخدرج رجدل‬
‫مددن أهدددل مكدددة‬ ‫مددن أهدددل المدينددة هاربدددا ً إلدددى مكددة في تيددده ندددا‬
‫فيخرجونه وهو كارح فيبايعونه بين الركن والمهللاام}‪.‬‬

‫الجددواب عليدده‪ :‬إن هااذا الحااديث ال يصاالح دلاايال فااي الغيبيااات عنااد‬
‫جمهاور العلمااء‪ ،‬ألناه فاو كوناه خبار آحااد ال يفياد العلام واليقااين‬
‫عند العلماء كافة ما عدا ابن حزم والكرابيسي‪ ،‬كما حققته لك فاي‬
‫كتااابي "خبددر الواحددد ال يفيددد العلددم وال يؤخددذ فددي العهللاائددد"‪ ،‬فإنااه‬
‫حديث مضطرب اإلسناد مداره على قتادة وهو مادلس مان الطبقاة‬
‫الثالثة على ماا ذكاره ابان حجار العساقالني فاي طبقاات المدلساين‪،‬‬
‫وماان المعااروف عنااد أئمااة الحااديث والروايااة أن الماادلس ال تقباال‬
‫روايتااه إن لاام يصاارح بالسااماع‪ ،‬وقتااادة رحمااه هللا قااد عنعنااه ولاام‬
‫يصرح بالسماع في كل رواياته‪ ،‬فرواه مارة منقطعاا عان أم سالمة‬
‫من غير واسطة كما في علل الدارقطني‪ ،‬وهو لام يلتاق باأُم سالمة‪،‬‬
‫ومرة يرويه موقوفا على أُم سلمة كما في سنن أبي عمرو الاداني‪،‬‬
‫وماارة يرفعااه مرسااال كمااا عنااد عبااد الاارزا ‪ ،‬وماارة يرويااه عاان‬
‫مجهول كما فاي سانن أباي داود‪ ،‬ومارة يروياه عان مجاهاد عان أُم‬

‫‪31‬‬
‫سلمة وهو لم يلتق بمجاهد‪ ،‬وبالجملة فقد قال األلباني عنه كما فاي‬
‫تحقيقااه لمشااكاة المصااابيح‪ :‬إسااناده ضااعيف‪ ،‬وكااذلك البسااتوي فااي‬
‫المهدي المنتظر‪ ،‬وحسنه آخارون‪ ،‬وأكثار ماا يمكان أن يقاال عناه‬
‫أنه حديث مختلف فيه‪ ،‬وما كان هذا حاله فال يرقى حتى إلى الظن‬
‫وال يصح االحتجاج به في الغيبيات‪.‬‬

‫أضف إلياه أن لفاظ (خليفدة) فاي الحاديث ظنياة الداللاة أيضاا‪،‬‬


‫فيحتماال أن ال تكااون بمعناهااا الشاارعي المعااروف فااي الفقااه‪ ،‬ألنهااا‬
‫جااااءت بصااايغة نكااارة‪ ،‬والنكااارات تحتمااال أكثااار مااان معناااى لغاااة‬
‫وأُصوال‪ ،‬كالتي سابقت فاي حاديث االقتتاال عناد الكناز‪ ،‬وال داعاي‬
‫إلعادته هنا‪ ،‬ومن المعلوم أن االحتمال ال يقاوم باه اساتدالل ال فاي‬
‫الفقااه وال فااي الغيبيااات‪ ،‬فاايمكن أن يكااون معنااه (عنددد مددوت ملددك)‬
‫ويؤيد ذلك ما رواه الطبراني من وصف رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم لهذا الخليفة تحديدا بالملك فقال‪( :‬ثم يسير ملدك المودرب إلدى‬
‫ملددك المشددر فيهللاتلدده‪ ،‬فيبعددث جيش دا ً إلددى المدينددة فيخسددف بهددم)‬
‫ومعلاااوم فاااي الحاااديث الصاااحيح المتاااواتر أن حادثاااة الخساااف فاااي‬
‫المدينة هي للجيل الذي يغزو مكة زمن المهدي‪ ،‬فيسقط بذلك كله‬
‫االستدالل بهذا الحديث‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫ثم إن الحديث على ما فيه مان الكاالم كماا قاد علمات‪ ،‬يباين أن‬
‫اختالفااا يحصاال بعااد مااوت خليفااة‪ ،‬فخااروج الرجاال يكااون بساابب‬
‫االخااتالف‪ ،‬ال بمجاارد المااوت‪ ،‬فاايمكن حملااه علااى الساالطان عبااد‬
‫الحميد‪ ،‬فنحن نعايل ألام الفرقاة واالخاتالف مناذ موتاه رحماه هللا‪،‬‬
‫حيث لم يحدد الحديث مادة زمنياة لهاذا االخاتالف‪ ،‬والساؤال‪ :‬مااذا‬
‫على األُمة فعله في هذه المدة‪ ،‬سواء كاان السالطان عباد الحمياد أو‬
‫غيره‪ ،‬هل تنتظر ظهور المهدي أم تعمل لخالفة قبال المهادي؟!!!‬
‫فإن قيل‪ :‬بل تعمل! فمعناه مخالفاة لهاذا الحاديث الاذي يحتجاون باه‬
‫ألنه لم ينص على ذلك‪ ،‬بل نص على أن الذي يكون بعاد ذلاك هاو‬
‫المهااادي حساااب اساااتداللهم‪ ،‬وإن قيااال‪ :‬ننتظااار‪ ،‬فمعنااااه عااادنا إلاااى‬
‫االنتظار وإلى نفس الدائرة‪.‬‬

‫ثم يضاف إلى ذلك كله أن الحديث لم يصرح بأن الرجل الذي‬
‫يخرج هو خليفة هللا المهدي‪ ،‬وإنما قال‪{ :‬رجدل مدن أهدل المديندة}‬
‫مما يُضعف االستدالل به زيادة‪ ،‬فيجعله خاضعا لالجتهاد فمصيب‬
‫ومخطئ‪ ،‬وما كان هذا حاله فال يصلح في األمور الغيبية والعقدية‬
‫أيضا‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫ومما انوح وتخيلوح دليالً وليل بددليل‪ :‬حاديث حذيفاة بان اليماان‬
‫رضي هللا عنه‪{ :‬ثدم تكدون خالفدة علدى منهداج النبدوة} معتبريناه‬
‫على العموم دون تخصيص بالمهدي‪.‬‬

‫الجددواب عليدده‪ :‬هااو كااذلك خباار آحاااد وإن صااح إسااناده‪ ،‬فااال يفيااد‬
‫القطع واليقين‪ ،‬ألن مداره على رجل واحد‪ ،‬هاو حذيفاة بان اليماان‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬بينما أخبار خالفة المهدي فقاد ثبتات باالتواتر عان‬
‫بسدنة نبديهم}‬ ‫أكثر من عشرين صحابيا‪ ،‬ككونه {يعمل في الندا‬
‫وكونه خليفة آخر الزمان {يكون في آخر أُمتي المهدي} وكونه {‬
‫الددذي يحثددو المددال حثيددا} وكونااه {يهللاسددم المددال وال يعدددح} وكونااه‬
‫يظهر {بعد الجبدابرة} وكوناه الاذي {يفدتح روميدة وجميدع مددائن‬
‫الشددرك} وكونااه الااذي {يمددأل األرض قسد ا وعدددال} وكونااه الااذي‬
‫{يملدددك األرض والددددنيا جميعدددا} وكوناااه {يندددزل بيدددت المهللادددد‬
‫ويجعلها مهللار خالفته} وكونه { يُختم به هذا األمر} إلى غيار ذلاك‬
‫المتاواتر ماع‬ ‫كما حققناه في كتاب المهادي المنتظار‪ ،‬فاإذا تعاار‬
‫اآلحاد ولم يمكن الجماع بينهماا قُادم المتاواتر علياه اتفاقاا ولاو كاان‬
‫تواترا معنويا ألنه يفيد القطع واليقين كالتواتر اللفظي سواء بسواء‬
‫عند العلماء قاطبة‪ ،‬وإذا تعار عموم خالفة النبوة مع خصوص‬
‫خالفة المهادي حمال العماوم علاى الخصاوص أُصاوال‪ ،‬أي حملات‬

‫‪34‬‬
‫خالفاااة النباااوة فاااي آخااار الزماااان فاااي حاااديث حذيفاااة علاااى خالفاااة‬
‫المهدي‪ ،‬وكال الحالتين تدلل قطعا على أن خالفة النباوة الموعاودة‬
‫والمنتظاارة‪ ،‬إنمااا هااي خالفااة المهاادي محمااد باان عبااد هللا الحسااني‬
‫سني ال غيره‪ ،‬لمجيء األخبار أنه يكاون فاي آخار الزماان‪ ،‬وأناه‬
‫ال ُّ‬
‫بعاد عصار الجباابرة‪ ،‬وبااه يخاتم هللا هاذا األمار‪ ،‬إلااى آخار ماا تقاادم‬
‫ذكره‪.‬‬

‫ثم إن هذا الحاديث هاو أحاد ابارز األدلاة علاى أن خالفاة النباوة‬
‫الثانية ال تكون إال للمهدي‪ ،‬كماا ساتراه بعاد قليال عناد المواناع مان‬
‫وجود خالفة على المنهاج غير خالفة المهدي‪.‬‬

‫وممددا انددوح وتخيلددوح دلدديال ولدديل بدددليل أيض داً‪ :‬حااديث‪{ :‬يكددون‬
‫وكلهددم يجتمددع عليدده‬ ‫بعدددي اثن دا عشددر خليفددة كلهددم مددن قددري‬
‫النا } معتبرين مجيء المهدي بعدهم وأنهم لم يأتوا بعد‪.‬‬

‫الجددواب عليدده‪ :‬هااذا كااالم لاايس عليااه دلياال سااوى التخمااين والظاان‬
‫الذي ال يرقى لالحتجاج به‪ ،‬سيما وأن حاديثنا فاي األُماور الغيبياة‪،‬‬
‫والرد على هذا الظن وهذا التخمين من عدة جوانب‪:‬‬

‫الجانا األول‪ :‬أنه لام يارد فاي الحاديث أن هاؤالء الخلفااء يكوناون‬
‫في آخار الزماان‪ ،‬ولام يارد فياه أيضاا أنهام قبال المهادي وال بعاده‪،‬‬

‫‪35‬‬
‫وهذا أمر غيبي ال يصلح له أخبار اآلحاد عند جمهور العلماء ولو‬
‫صح إسناده‪ ،‬فمن باب أولى ال يصلح فيه الرأي والقياس‪.‬‬

‫الجانا الثاني‪ :‬يكفاي للارد علياه أناه جااء فاي بعاض رواياتاه عناد‬
‫أحمد وغيره ما يدل على أن عصرهم قاد مضاى‪ ،‬فجااء فيهاا‪{ :‬ثدم‬
‫يخرج كذابون بين يدي الساعة} أي ليس خالفة على المنهاج وال‬
‫علااى غياار المنهاااج‪ ،‬ثاام بعاادهم أيضااا‪{ :‬ثددم يخددرج عصددابة مددن‬
‫المسددلمين فيسددتخرجون كنددز األبدديض كسددرى وآل كسددرى} وفااي‬
‫رواية عند أبي داود وأحمد وغيرهما‪{ :‬قالوا‪ :‬ثم ماذا يكونت قال‪:‬‬
‫ثددم يكددون الهددرج} أي كثاارة القتاال بااين المساالمين‪ ،‬وهااذا كلااه قااد‬
‫حصل‪.‬‬

‫الجانددا الثالددث‪ :‬ويكفااي لاارد هااذه الاادعوى أيضااا بمااا روي عاان‬
‫الصاااحابة ماااان جعلهاااام لهااااؤالء الخلفااااء فااااي العصااااور األولااااى‬
‫للمساالمين‪ ،‬فقااد روى نعاايم باان حماااد بإسااناد جيااد عاان اباان عباااس‬
‫رضااي هللا عنااه وقااد ذكااروا عنااده أنااه يكااون اثنااي عشاار خليفااة ثاام‬
‫األمير‪ ،‬فقال‪( :‬وهللا إن منا بعد ذلك السفاح والمنصدور والمهددي‬
‫يدفعها إلى عيسى بن مدريم) وكالماه هاذا يعناي صاراحة أنهام قاد‬
‫مضوا‪ ،‬ألن من المعلاوم تاريخياا أن السافاح والمنصاور كاانوا فاي‬
‫العصاار العباسااي ولاام يبااق إال مجاايء المهاادي‪ ،‬وهااذا يأخااذ حكاام‬

‫‪36‬‬
‫المرفوع إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ألنه كالم في غيب ال‬
‫يخضااع لالجتهاااد‪ ،‬وروى اباان أبااي شاايبة واباان أبااي عاصاام بسااند‬
‫صحيح عن عبد هللا بن عمرو بن العاص أنه قال‪( :‬يكون في هدذح‬
‫األُمة اثنا عشر خليفة) ثم عد الخلفاء الراشدين من ضمنهم‪.‬‬

‫الجانا الرابع‪ :‬إن جمهورا من العلماء قد ذهب إلى القول بمضاي‬


‫الخلفاااء اإلثنااي عشاار بانتهاااء العصاار األُمااوي‪ ،‬كااابن حبااان فااي‬
‫فاي شارحه‬ ‫صحيحه‪ ،‬والبيهقي في دالئل النبوة‪ ،‬والقاضي عياا‬
‫لمساالم‪ ،‬واباان كثياار فااي البدايااة والنهايااة‪ ،‬واباان حجاار فااي فااتح‬
‫الباري‪ ،‬وابن أبي العز في شرح الطحاوياة‪ ،‬وابان القايم فاي شارح‬
‫أبي داود‪ ،‬والسيوطي في تاريخ الخلفاء وغيارهم‪ ،‬ومانهم مان قاال‬
‫ب ُمضاايهم ولاام يبااق إال المهاادي‪ ،‬كااابن كثياار والساايوطي وغيرهمااا‪،‬‬
‫يعرف ذلك عنهم المتبحر في هذا العلم‪.‬‬

‫ومما انوح وتخيلوح دليال وليل بدليل‪ :‬ما جاء في حديث حذيفاة‪:‬‬
‫{ثم تكون خالفة على منهاج النبدوة} مان أن كونهاا خالفاة ينبغاي‬
‫أن يكون فيها أكثر من خليفة على اعتبار معناهاا اللغاوي الماأخوذ‬
‫من االساتخالف‪ ،‬أي يخلاف بعضاهم بعضاا‪ ،‬قاالوا‪ :‬وبماا أناه لايس‬
‫بعد المهدي أحد يخلفه بالخالفة‪ ،‬يتحتم وجاوده قبلاه مماا يادل علاى‬
‫أنه مسبو بخليفة‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ويكفي لرد هذا التخيل وهذا الاوهم إضاافة إلاى كوناه عان رأي‬
‫وليس بنص‪ ،‬من جهتين‪:‬‬

‫الجهة األولى‪ :‬أنه ثبت فاي أكثار مان حاديث عان النباي صالى هللا‬
‫عليه وسلم أن عيسى بن مريم سيكون اإلمام والخليفة بعاد المهادي‬
‫عليهمااا السااالم‪ ،‬ففااي معجاام الطبرانااي الصااغير والبعااث والنشااور‬
‫للبيهقااي بإسااناد جيااد عاان عبااد هللا باان مغفاال قااال‪ ،‬قااال رسااول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسالم‪{ :‬ثدم يندزل عيسدى بدن مدريم مصددقا ً بمحمدد‬
‫وعلدى ملتدده إمامدا ً مهددديا ً وحكمدا ً عدددالً} وروى اباان ماجااة وأحمااد‬
‫والحاكم وغيرهم من حديث أبي هريارة عان رساول هللا صالى هللا‬
‫عليه وسلم أنه قال‪{ :‬ينزل ابدن مدريم حكمدا ً عددالً وإمامدا ً مهللاسد اً}‬
‫وروى ابن أبي شيبة وأحمد عن عائشة رضاي هللا عنهاا مرفوعاا‪:‬‬
‫{ثددم يمكددث عيسددى فددي األرض أربعددين عامدا ً إمامدا ً عددادالً وحكمدا ً‬
‫مهللاس د اً} وروى أبااو داود وأحمااد وغيرهمااا عاان أبااي هرياارة فااي‬
‫علددى اإلسددالم‪،‬‬ ‫عيسااى باان مااريم مرفوعااا أيضااا‪{ :‬فيهللااتددل النددا‬
‫فيددد الصددليا ويهللاتددل الخنزيددر ويضددع الجزيددة} وروى الطبااري‬
‫والطبراني وغيرهما بإساناد حسان عان أباي هريارة مرفوعاا‪{ :‬أال‬
‫إن ابددن مددريم لدديل بينددي وبيندده نبددي‪ ،‬إال أندده خليفتددي فددي أُمتددي‬
‫بعدي} وروى أبو الشيخ بن حيان من حديث أباي هريارة مرفوعاا‬

‫‪38‬‬
‫أيضا‪{ :‬ينزل عيسى بن مريم فيهللاتل الدجال‪ ،‬ويمكث أربعين عامدا ً‬
‫يعمل فيهم بكتداب هللا وسدنتي ويمدوت‪ ،‬فيسدتخلفون بد مر عيسدى‬
‫رجالً من بني تميم} فهذه األ ُمور التي ذكرتها هاذه األحادياث عناه‬
‫عليه السالم ال يقوم بها إال أمير سلطان خليفة‪.‬‬

‫الجهة الثانية‪ :‬إن غير واحد من العلماء قد أكد من هاذه األحادياث‬


‫بأن عيسى عليه السالم سيحكم األمة بعد المهدي بشريعة اإلسالم‪،‬‬
‫كاااالقرطبي فاااي التاااذكرة‪ ،‬وابااان كثيااار فاااي تفسااايره‪ ،‬وابااان حجااار‬
‫العسقالني في فتح الباري‪ ،‬والسيوطي في الحاوي‪ ،‬والعظيم أبادي‬
‫فااااي عااااون المعبااااود‪ ،‬واأللوسااااي فااااي تفساااايره وغياااارهم‪ ،‬وقااااال‬
‫الساافاريني‪( :‬وقددد انعهللاددد إجمدداع األُمددة علددى أندده ينددزل_أي عيسددى‬
‫عليه السالم_ ويحكم بهذح الشريعة المحمدية)‪.‬‬

‫الجهة الثالثة‪ :‬يمكن أن يكون هنالك خلفاء أيضا بعاد عيساى علياه‬
‫السااالم كمااا جاااء فااي روايااة أبااي الشاايخ آنفااا {فيسددتخلفون ب د مر‬
‫عيسى رجال من بني تمديم} وكماا جااء فاي فاتن نعايم وغياره عان‬
‫جابر الصدفي مرفوعا‪{ :‬سيكون من أهل بيتي رجل يمدأل األرض‬
‫عدالً كما ملئت جوراً‪ ،‬ثم من بعدح الهللاح اني والذي بعثني بدالحق‬
‫ما هو بدونه}‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫فااإن قياال هااذه روايااات ضااعيفة! الجااواب‪ :‬إن الضااعيف عنااد‬
‫األئمة األربعة أحب وأفضل من الرأي والقياس إذا تعارضا‪ ،‬على‬
‫ما نقله عنهم ابن حزم في المحلى‪ ،‬وابن القيم فاي إعاالم الماوقعين‬
‫وغيرهماا‪ ،‬أضااف إليااه أن المعمااول بااه عنااد الغالبيااة العظمااى ماان‬
‫العلماااء أن الضااعيف إذا تعااددت طرقااه ارتقااى إلااى رتبااة الحااديث‬
‫الحسن‪.‬‬

‫هااذه هااي أهاام اعتراضاااتهم فيمااا وقااع لااي علااى كااون خالفااة‬
‫النباااوة الثانياااة ال تكاااون إال لإلماااام المهااادي‪ ،‬وكماااا رأيااات فهاااي‬
‫اعتراضات ضعيفة‪ ،‬ليس فيها دليل واحد صاحيح صاريح‪ ،‬وأكثار‬
‫ما يقال فيها أنها ظن ال يغني من الحق شايئا‪ ،‬فلام تقاو علاى األخاذ‬
‫والااارد‪ ،‬ولااان تقاااوى علاااى رد األدلاااة الصاااحيحة الصاااريحة كماااا‬
‫ستعرفها تاليا‪.‬‬

‫فااإن قياال بااأن قصاادهم خالفااة عاديااة ال علااى منهاااج النبااوة‪،‬‬


‫الجددواب عليدده‪ :‬إن لاام تكاان علااى المنهاااج‪ ،‬فالعماال لهااا عماال لغياار‬
‫موعود هللا‪ ،‬أي أناه عمال عبثاي‪ ،‬فاال تساتحق مناا العنااء والتبااكي‬
‫عليهاا‪ ،‬وال تفسايق الناااس وتجهايلهم لعادم العماال لهاا‪ ،‬ونظيار ذلااك‬
‫كما تقدم ذكره من منع النباي صالى هللا علياه وسالم لعمار لماا أراد‬
‫أن يقتل ابن صياد لظنه أنه الادجال قاائال لاه كماا فاي مساند أحماد‪:‬‬

‫‪40‬‬
‫{إن يكن هو فلست صداحبه‪ ،‬إنمدا صداحبه عيسدى بدن مدريم} فلام‬
‫يقل أحد بأن هذا قعود عن العمل أو اتكالية أو قدرية غيبية‪ ،‬مع أن‬
‫!!!‬ ‫قتل الدجال فر‬

‫الباب الثالث‪ :‬أدلة وموانع شرعية من وجود خالفة قبل خالفة‬


‫المهدي ال على المنهاج وال على غير المنهاج‪:‬‬

‫فهنالك أدلة وموانع شرعية غيار ماا تقادم مناقشاته ورده‪ ،‬تمناع‬
‫وجود خالفة على المنهاج غير خالفة المهدي‪.‬‬

‫فماان هااذه األدلااة والموانااع حااديث حذيفااة باان اليمااان عنااد أحمااد‬
‫وغيااره الااذي جاااء فيااه {ثددم تكددون خالفددة علددى منهدداج النبددوة ثددم‬
‫سدددكت} فخالفاااة النباااوة الثانياااة ال تنطباااق إال علاااى خالفاااة اإلماااام‬
‫المهدي وذلك لسببين‪:‬‬

‫أولهما‪ :‬بما أن خالفة النبوة كما في هذا الحديث ال تكون في الدنيا‬


‫إال مرتين‪ ،‬مرة في مبتدأ اإلسالم ومرة في آخره‪ ،‬فإناه لام يارد أي‬
‫دليل يثبت عودة خالفة النبوة آخر الزمان باالقطع واليقاين وال مان‬
‫هااو صاااحبها إال مااا ورد ماان األحاديااث المتااواترة فااي خليفااة آخاار‬
‫الزمان المهدي‪ ،‬مما يادل علاى أناه صااحبها باالتالزم باين كونهماا‬
‫في آخر األمة‪ ،‬ومن يقول خالف ذلك فعليه الدليل‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫فإن قيل ب ن الحديث يُحمل على عمومه!‪.‬‬

‫الجددواب‪ :‬تقاادم الكااالم علااى أن عمااوم هااذا الحااديث يحماال علااى‬


‫خصوص المهدي‪ ،‬وتقديم المتواتر على اآلحاد إذا تعارضا‪.‬‬

‫ثانيهما‪ :‬إذا ما قورنات خالفاة النباوة الثانياة بخالفاة النباوة األولاى‬


‫من حيث الدين والتقوى والمهدوية والعدالاة والقرشاية‪ ،‬فاال وجاود‬
‫في األُمة مثل الصحابة إال المهدي وأنصااره كماا جااء فاي حاديث‬
‫الحاااكم عاان علااي باان أبااي طالااب آنفااا {فيجمااع هللا لااه قومااا كقاازع‬
‫الخرياااف يؤلاااف هللا باااين قلاااوبهم‪ ،‬ال يستوحشاااون إلاااى أحاااد وال‬
‫يفرحون بأحد‪ ،‬يدخل فيهم على عدة أهل بدر‪ ،‬لم يسبهللاهم األولدون‬
‫وال يدددركهم ا خددرون} وكمااا فااي حااديث اباان أبااي شاايبة وغيااره‬
‫{ليدركن المسيح من هذح األُمة أقوام إنهم لمدثلكم أو خيدر} ومان‬
‫الثاباات أن المساايح عليااه السااالم عنااد نزولااه ماان السااماء سيصاالي‬
‫خلف المهدي كما تقدم في حديث جابر عند الحارث بن أبي أسامة‬
‫وأبااي عماارو الااداني‪ ،‬وكمااا أن مهدويااة الصااحابة كمااا فااي حااديث‬
‫أحمد والترمذي وغيرهما {وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من‬
‫بعدي} هي باتباع هدي النباي وسانته‪ ،‬فكاذلك المهادي سامي باذلك‬
‫ألن هللا تعالى هو الذي يهديه كماا فاي حاديث علاي بان أباي طالاب‬
‫عنااد أحمااد واباان ماجااة وغيرهمااا {يصددلحه فددي ليلددة واحدددة} أي‬

‫‪42‬‬
‫باإللهام ال عن طريق العلم البشري‪ ،‬فلن يقلد أحدا من العلمااء فاي‬
‫نظامه بل {يعمل في هذح األمة بسنتي} كما في حديث أباي ساعيد‬
‫عند البيهقي والخطيب وغيرهما‪ ،‬وكما أن أخال المهدي كأخال‬
‫النبي محمد صلى هللا علياه وسالم‪ ،‬كماا فاي حاديث أباي داود وابان‬
‫حبان وغيرهما مرفوعا وموقوفاا {يشدبهه فدي ال ُخلدق وال يشدبهه‬
‫فددي الخلددق}‪ ،‬وكمااا أن هللا عااز وجاال ترضااى عاان الصااحابة فإنااه‬
‫ترضااى عاان خليفااة هللا المهاادي حيااث جاااء فااي حااديث أبااي سااعيد‬
‫الخدري عند أحمد وأبي يعلى {يرضى عنه ساكن السماء وساكن‬
‫األرض} وكما أن الصحابة رضاي هللا عانهم قاد كاانوا فاي عصار‬
‫النبوة‪ ،‬فكذلك المهدي ومن معه سيدركون نبوة المسيح عيساى بان‬
‫مريم عليه السالم‪ ،‬كما في حديث جابر عند الحارث بن أبي أسامة‬
‫وأبي عمرو الاداني فاي صاالة المسايح علياه الساالم ماع المسالمين‬
‫خلااف المهاادي‪ ،‬فكاال مااا تقاادم ذكااره ماان المقارنااة لياادلل ويؤكااد أن‬
‫خالفاااة النباااوة الثانياااة ال تنطباااق إال علاااى خليفاااة هللا المهااادي دون‬
‫غيره‪.‬‬

‫ثم الذي يدلل أيضا على أن خالفة النبوة الثانية فاي الحاديث ال‬
‫تكااون إال للمهاادي قااول هللا تعااالى‪{ :‬وعددد هللا الددذين آمنددوا مددنكم‬
‫وعملدوا الصددالحات ليسددتخلفنهم فدي األرض كمددا اسددتخلف الددذين‬

‫‪43‬‬
‫من قبلهم} فإذا سلمنا باأن قولاه {مدنكم} للبياان‪ ،‬فاإن االساتخالف‬
‫الثاني يكون كاالساتخالف األول بقولاه {كمدا اسدتخلف الدذين مدن‬
‫قددبلهم} ماان حيااث الصاافة والهيئااة واألشااخاص والاادين والتقااوى‬
‫والمهدوية لوجود كاف التشبيه في اآلية على عمومها‪.‬‬

‫فااااإن قياااال‪ :‬بااااأن االسااااتخالف لعمااااوم الااااذين آمنااااوا وعملااااوا‬


‫الصالحات!‪.‬‬

‫الجدواب‪ :‬ال يمكاان وجااود كاماال اإليمااان والعماال الصااالح ماان‬


‫عاادل وغيااره كمااا كااان فااي الصااحابة إال عن اد خليفااة هللا المهاادي‬
‫وأتباعاااه وأنصااااره كماااا تقااادم ذكااار األدلاااة علياااه فاااي مقاااارنتهم‬
‫بالصحابة آنفا‪ ،‬وإال فلو وجدوا لوقع الوعد‪ ،‬فلما لام يقاع تباين عادم‬
‫وجودهم‪.‬‬

‫ولتقريب المعنى أكثر فإن الخليفة العاادل عمار بان عباد العزياز‬
‫رغاام مااا قياال عاان كثاارة عدلااه فإنااه لاام يثباات أنااه يشاابه الخلفاااء‬
‫الراشدين وال أن خالفته على منهاج النبوة‪ ،‬فقد كانت ضمن الملك‬
‫‪ ،‬وفي فتن نعايم بإساناد صاحيح عان التاابعي طااووس وقاد‬ ‫العا‬
‫سئل عن عمر بن عبد العزيز هل هاو المهادي؟ فقاال‪( :‬ال‪ ،‬إنده لدم‬
‫يستكمل العدل كله)‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫وزياااادة فاااي صااافاء المهااادي ونقائاااه إضاااافة إلاااى ديناااه وتقاااواه‬
‫وعدله‪ ،‬أنه لم يختلط بالفتن‪ ،‬فقد روى ابن أبي شيبة والبيهقي وأبو‬
‫عمرو الداني بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي هللا عنه أنه قال‬
‫في وصفه (لم تلبسه الفتن ولم يلبسها)‪.‬‬

‫فهذا كله دليل ساطع قاطع على أن خالفة النبوة الثانية واألخيرة‬
‫ال تكون إال لخليفة هللا المهدي‪.‬‬

‫ومن هذح األدلة والموانع‪ :‬ماا رواه أحماد والحااكم وغيرهماا‬


‫مرفوعا كما تقد ذكره‪{ :‬ال تهللادوم السداعة حتدى ت ُمدأل األرض المدا ً‬
‫وجددورا ً وعدددواناً‪ ،‬ثددم يخددرج رجددل مددن أهددل بيتددي يمألهددا قس د ا ً‬
‫وعدددالً كمددا ملئددت قبلدده الم دا ً وعدددوانا ً} ففااي هااذا الحااديث دلياال‬
‫صااريح علااى أن المهاادي مساابو بعصاار ملاايء ب االظلم والجااور‬
‫‪ ،‬فدخول (أل) التعريف على لفظاة‬ ‫والعدوان في كل أنحاء األر‬
‫ال جاازءا منهااا‪ ،‬ونظياار ذلااك‬ ‫(أرض) تفيااد العمااوم أي كاال األر‬
‫قول هللا تعالى‪{ :‬الذي خلدق السدماوات واألرض} أي كال األر‬
‫ال جزءا منها‪ ،‬فال يصح أن يكاون هاذا عصار خالفاة علاى منهااج‬
‫في عصرها ظلما وعدوانا وجورا‪.‬‬ ‫النبوة وقد ملئت األر‬

‫‪45‬‬
‫ومن هذح الموانع‪ :‬أنه يظهر في عصر دعاة الضااللة والكفار‪ ،‬ال‬
‫فااي عصاار خالفااة تطب اق اإلسااالم‪ ،‬فقااد روى اإلمااام أحمااد وغيااره‬
‫واللفظ ألحمد عن حذيفة بن اليمان رضي هللا عناه كماا تقادم ذكاره‬
‫في الحديث المطول عن سوآله عن الخير والشر جااء فياه‪{ :‬قلدت‪:‬‬
‫ثم ماذات قال‪ :‬تكون دعاة الضاللة‪ ،‬قال‪ :‬فدإن رأيدت يومئدذ خليفدة‬
‫هللا في األرض فالزمه وإن نهك جسمك وأخدذ مالدك‪ ،‬فدإن لدم تدرح‬
‫فدداهرب فددي األرض ولددو أن تمددوت وأنددت عدداض بجددذل شددجرة‪،‬‬
‫قلت‪ :‬ثم ماذات قال‪ :‬ثم الدجال} وعند ابن عساكر‪{ :‬قلت‪ :‬وما بعدد‬
‫الدجالت قال‪ :‬عيسى بن مريم}‪ .‬فالشاهد في هذا الحديث أن خليفاة‬
‫هللا لاام يطلااق فااي اإلسااالم إال علااى اإلمااام المهاادي كمااا فااي حااديث‬
‫االقتتال عند الكنز {ثدم يجديء خليفدة هللا المهددي} ثام ذكار بعاده‬
‫الدجال وعيسى بن مريم‪ ،‬ومعلوم فاي السانن والمساانيد الصاحيحة‬
‫الثابتة أن الدجال وعيسى يكونان في زمن المهدي‪ ،‬ثم الترتيب في‬
‫الحاااديث‪ ،‬دعااااة الضااااللة‪ ،‬ثااام إن رأيااات خليفاااة هللا فاااي األر‬
‫فالزمه‪ ،‬يعني أناه يتواجاد فاي عصار دعااة الضااللة ال فاي عصار‬
‫خالفة على المنهاج وال على غير المنهاج‪.‬‬

‫وفي مساتدرك الحااكم وصاححه عان علاي بان أباي طالاب وقاد‬
‫سئل عن وقات ظهاور المهادي‪ ،‬فقاال‪( :‬ذاك رجدل يخدرج فدي آخدر‬

‫‪46‬‬
‫الزمددان إذا قددال الرجددل هللا هللا قُتددل) فااأي دولااة وأي خالفااة وأي‬
‫حكومة وأي سالطنة هاذه قبال المهادي التاي تقتال مان يقاول هللا هللا‬
‫؟!! إال أن يكون حكامها طواغيت على غير اإلسالم قطعا‪.‬‬

‫وفي الفتن لنعيم بن حماد عان مطار الاورا مان التاابعين قاال‪:‬‬
‫(ال يخرج المهدي حتى يُكفر باهلل جهرة) وفي سنده ضاعف‪ ،‬لكان‬
‫الضعيف أحب من الرأي كما قرره أئمة الفقه األربعة‪ ،‬فكيف وهو‬
‫يوافق الصحيح من حديث علي وحذيفة آنفا‪ ،‬فينجبار بهماا والحماد‬
‫هلل رب العالمين‪.‬‬

‫ومن هذح الموانع أيضا ً‪ :‬أن المهدي يظهر في عصر الفاتن ال فاي‬
‫عصر خالفة وتمكين‪ ،‬فقد روى ابن أبي شيبة وأبو نعيم وغيرهما‬
‫بإسناد جيد عن أبي سعيد الخدري رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪{ :‬يخرج رجل من أهل بيتدي عندد انهللا داع‬
‫من الزمان واهور من الفتن يكون ع اؤح حثيثاً}‪.‬‬

‫فهل هنالك فتنة أكبار مان غيااب سالطان اإلساالم‪ ،‬فعان اإلماام‬
‫أحمد بن حنبل رحمه هللا قال‪( :‬الفتنة إذا لدم يكدن إمدام يهللادوم بد مر‬
‫النا )‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫وروى ابن أبي شيبة عن علي بن أباي طالاب موقوفاا ماا يؤياد‬
‫قااول اإلمااام أحمااد ماان كااالم مطااول عنااه جاااء فيااه‪( :‬فتنددة ف يعددة‬
‫جاهليدددة‪ ،‬لددديل فيهدددا إمدددام هددددى‪ ،‬قيدددل‪ :‬ومدددا بعدددد ذلدددك يدددا أميدددر‬
‫المددؤمنينت قددال‪ :‬يُفددرج هللا الددبالء برجددل مددن أهددل البيددت تفددريج‬
‫األديم) وهذا يعتبر نصا في أن المهدي حاين يظهار ال يكاون علاى‬
‫الناس إمام هدى‪.‬‬

‫ومن هذا األدلة والموانع‪ :‬أن خالفاة النباوة ال تكاون فاي الادنيا إال‬
‫مرتين‪ ،‬فمرة في عهد الصحابة الخلفاء الراشدين رضي هللا عنهم‪،‬‬
‫ومرة في آخر الزمان في عهاد المهادي وعيساى بان ماريم عليهماا‬
‫السالم‪ ،‬كما في حاديث حذيفاة آنفاا {ثدم تكدون خالفدة علدى منهداج‬
‫النبددوة} فااإن قلنااا بأنااه يمكاان أن تكااون خالفااة علااى المنهاااج قباال‬
‫المهاادي‪ ،‬فمعناااه أنهااا ثااالث ماارات ولاايس ماارتين‪ ،‬وهااذا مخااالف‬
‫للنص‪ ،‬وذلك أنه قبال المهادي كماا فاي حاديث أباي ساعيد الخادري‬
‫وغيره‪{ :‬أن األرض ت ُمأل قبلده المدا ً وجدوراً} فماال ُ األر ظلماا‬
‫وجورا بعد خالفة على منهاج النبوة‪ ،‬يستغر عقاودا مان الازمن‪،‬‬
‫وهذا يعني إنقطاعا بعيد األمد بينهما‪ ،‬مماا يادل علاى جعلهاا ثاالث‬
‫مارات وهااذا مخااالف لاانص الحاديث قااوال واحاادا‪ ،‬ومخااالف للانص‬
‫القرآني في أن االستخالف الموعود مرتاان ال أكثار {ليسدتخلفنهم‬

‫‪48‬‬
‫في األرض كما استخلف الذين من قبلهم} ومخالف أيضا لما جاء‬
‫فااي معجاام الطبرانااي عاان علااي مرفوعااا‪ ،‬وفااي ساانن أبااي عماارو‬
‫الداني ودالئل النبوة للبيهقي عن ابن عباس موقوفا بإسناد صاحيح‬
‫جاء فيه‪{ :‬وهللا لو لم يبق من الدنيا إال يوم‪ ،‬لختم هللا بنا هذا األمار‬
‫كما قتحه} وقال‪{ :‬بنا فتح هذا األمر وبنا ختم} وبما أن النبوة قاد‬
‫انقطعت فلم يبق إال أن خالفة النباوة ال تكاون إال مارتين‪ ،‬مارة فاي‬
‫العصر األول‪ ،‬وختامها آخرهاا فاي عصار رجال مان أهال البيات‪،‬‬
‫وهذا يعتبر نصا في المسألة‪.‬‬

‫ومدددن هدددذح المواندددع‪ :‬أن المهااادي يظهااار فاااي عصااار الجباااابرة‬


‫والمنافقين ال في عصر خالفة على المنهاج‪ ،‬على ماا رواه خيثماة‬
‫والطبراني وابن مندة وأبو نعايم وغيارهم بإساناد حسان عان جاابر‬
‫الصاادفي مرفوعااا‪{ :‬سدديكون مددن بعدددي خلفدداء ومددن بعددد الخلفدداء‬
‫أُمددراء‪ ،‬ومددن بعددد األُمددراء ملددوك‪ ،‬ومددن بعددد الملددوك جبددابرة‪ ،‬ثددم‬
‫يخدرج رجددل مددن أهددل بيتددي يمدأل ُ األرض عدددالً كمددا ملئددت جددوراً}‬
‫وفي رواية الطبري في التهذيب وأبي عمرو الداني فاي ساننه عان‬
‫حذيفة مرفوعا من حديث مطول جاء فيه‪{ :‬فعند ذلدك يندادي منداد‬
‫إن هللا عددز وجددل قددد ق ددع عددنكم مدددة‬ ‫مددن السددماء‪ :‬أيهددا النددا‬

‫‪49‬‬
‫الجبددارين والمندددافهللاين وأشدددياعهم وأتبدداعهم‪ ،‬ووالكدددم خيدددر أُمدددة‬
‫محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فالحهللاوا به في مكة فإنه المهدي}‪.‬‬

‫ومددن هددذح الموانددع أيضددا‪ :‬إن الااذي ساايقيم الخالفااة ساايكون مجااددا‬
‫ألماار دُرس واناادثر منااذ قرابااة مائااة عااام وهااو ساالطان اإلسااالم‪،‬‬
‫وعلى رأس كل مائاة عاام يبعاث هللا مجاددا لهاذه األماة‪ ،‬فقاد روى‬
‫أبااو داود فااي سااننه والحاااكم فااي مسااتدركه والبيهقااي فااي المعرفااة‬
‫وغيرهم بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي هللا عناه عان النباي‬
‫صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪{ :‬إن هللا يبعث لهذح األمة على رأ‬
‫كددل مائددة سددنة مددن يجدددد لهددا دينهددا} وال يوجااد فااي المنظااور أي‬
‫شااخص يمكااان أن يكااون مجاااددا لهااذا األمااار ِلتلتااف األماااة حولاااه‬
‫وتجتماااع علياااه‪ ،‬سااايما وأن المجااادد هاااذه المااارة فاااي خضااام هاااذه‬
‫التكنلوجياااااا الهائلاااااة‪ ،‬وكثااااارة الكفاااااار والمناااااافقين والمشاااااككين‬
‫المستحوذين على األمة‪ ،‬الباد وأن يكاون ذو علام ممياز عان علاوم‬
‫سائر البشر مسلمين وغير مسلمين حتى يتمكن من إقناعهم وإزالة‬
‫الريب والشك من نفوسهم‪ ،‬وأن يكون ذو شخصية مميزة عن بقياة‬
‫البشااار أيضاااا‪ ،‬مااان حياااث التأيياااد اإللهاااي لياااتمكن مااان قياااادتهم‬
‫وتخليصاااهم مااان الظلااام والجاااور الواقاااع بهااام‪ ،‬ولااايس عنااادنا بهاااذه‬
‫الصاافات وهااذه المقومااات أحااد بعااد الخلفاااء الراشاادين المهااديين‬

‫‪50‬‬
‫أصااحاب خالفااة النبااوة األولااى إال خليفااة هللا المهاادي الااذي يتلقااى‬
‫العلم باإللهام ال عان طرياق الجامعاات والجماعاات‪{ ،‬يصدلحه هللا‬
‫في ليلة واحدة} وهو الذي {يشبه النبي صلى هللا عليه وسلم في‬
‫أخالقه} وهو الذي {لم تلبسه الفتن ولم يلبسها} وهو المؤيد مان‬
‫هللا تعااالى‪ ،‬فيمااده بجبرياال عليااه السااالم ليعاقااب الااذين يخرجااون‬
‫لحربه من المنافقين {فيخسف بهم في بيداء مكة والمدينة} وهاو‬
‫الذي ينزل له عيسى عليه السالم من الساماء لنصارته فاي القضااء‬
‫على اليهود وعلى دجالهم في فلسطين‪ ،‬وهو الاذي {يخدرج هللا لده‬
‫كنوز األرض} ويمكن له فتح رومية وكال مادائن الشارك‪ ،‬ويمكان‬
‫والدنيا‪.‬‬ ‫له كل األر‬

‫هذا ما تحتاجه األمة هذه األيام ال مجارد شايخ أو أميار جماعاة‬


‫أو حزب ال يملك من هذه المقومات شيئا‪ ،‬مما يعني بالضرورة أن‬
‫خالفة النبوة الثانية واألخيرة فاي هاذه الادنيا ال يمكان أن تكاون إال‬
‫لخليفة هللا المهدي‪.‬‬

‫ومن هذح الموانع أيضا ً‪ :‬أن الخالفة لن ترجع ألي بلد خرجت منه‬
‫فتسااتقر فيااه‪ ،‬وإنمااا اسااتقرارها األخياار يكااون ببياات المقاادس كمااا‬
‫جاءت بذلك اآلثار عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ففي تاريخ‬
‫دمشق وفتن نعيم بإسناد رجاله موثقون عان ياونس بان ميسارة بان‬

‫‪51‬‬
‫حلبس ُمرسال عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪{ :‬هذا األمر‪-‬‬
‫يعني الخالفة‪ -‬كائن بعدي بالمدينة‪ ،‬ثم بالشدام‪ ،‬ثدم بدالجزيرة‪ ،‬ثدم‬
‫بالعرا ‪ ،‬ثم بالمدينة‪ ،‬ثم ببيت المهللاد ‪ ،‬فإذا كانت ببيت المهللادد‬
‫فثم عهللار دارها ولن يخرجها قوم فتعود إليهم أبدا ً}‪.‬‬

‫فهذا الحديث وإن كان مرسال فهو حجاة بإجمااع التاابعين علاى‬
‫ما ذكره الطبري وغيره‪ ،‬ثم هو أفضل من الرأي كماا هاو معماول‬
‫ماع الصاحيح‪،‬‬ ‫به عند األئمة كما قد علمت‪ ،‬سيما وأنه ال يتعار‬
‫أضف أنه غيب طابق الواقع‪ ،‬فلان تعاود هاذه البلادان كماا فاي هاذا‬
‫الحديث دار خالفة أبدا‪ ،‬وال نعلم أثرا يادل علاى أن صااحبها الاذي‬
‫يناازل بهااا بياات المقاادس غياار المهاادي‪ ،‬باال الااوارد كمااا فااي أخبااار‬
‫المهدي ألبي نعيم وغيره أن الحرب مع اليهود ودجاالهم والقضااء‬
‫علاايهم يااوم ينطااق الحجاار والشااجر إنمااا تكااون فااي بياات المقاادس‬
‫وأكنافه‪ ،‬ويكون قائدها المهدي وبصاحبة عيساى بان ماريم عليهماا‬
‫الساالم‪ ،‬وكماا فاي حاديث أباي عمارو الاداني فاي ساننه أن المهادي‬
‫يناازل بياات المقاادس‪ ،‬وكمااا فااي حااديث الااداني والحااارث باان أبااي‬
‫أسامة من نزول عيسى علياه الساالم علاى المهادي والصاالة خلفاه‬
‫ببيت المقدس‪ ،‬وفي فتن نعيم عان علاي بان أباي طالاب وكعاب بان‬

‫‪52‬‬
‫مالك ومحمد بن الحنفية وأرطاأة بان المناذر أن المهادي يساير إلاى‬
‫بيت المقدس وينزلها‪.‬‬

‫ثم لو سلمنا جدال وتنطعا ومكابرة أناه يمكان أن يكاون هنالاك‬


‫خالفة قبل خالفة المهدي‪ ،‬فبئسات تلاك الخالفاة التاي سايقتتل أبنااء‬
‫خلفائها فيما بينهم على الملك كما في حديث "االقتتال عند الكنز"‪،‬‬
‫مليئة فاي عصارها ظلماا‬ ‫ثم بئست تلك الخالفة التي تكون األر‬
‫وجورا‪ ،‬ثم بئست تلك الخالفة التي يكون عصرها عصر اختالف‬
‫وفااتن وفرقااة واقتتااال‪ ،‬وهااذا كلااه ممااا يساابق المهاادي فيؤكااد أنااه ال‬
‫خالفااة علااى المنهاااج إال خالفتااه‪ ،‬ثاام ال وجااود لااذكر خالفااة قباال‬
‫المهاادي إال مااا يُااازعم ماان خالفااة السااافياني األزهاار اباان الكلبياااة‬
‫المشوه‪ ،‬على ما ذُكر في فتن نعيم بن حماد‪ ،‬وها هي بوادرهاا فاي‬
‫الشام قد الحت‪ ،‬فبئست مان خالفاة قائادها أو أحاد قادتهاا السافياني‬
‫الااذي يصاال ظلمااه وجااوره إلااى بقاار بطااون النساااء وقتاال الصاابيان‬
‫والعلماااء‪ ،‬ثاام بئساات تلااك الخالفااة التااي س ايُجنِعد قادت ُه اا جناادا لغاازو‬
‫الكعبة ولمحاربة من ب ع‬
‫شر به صلى هللا عليه وسلم والذي سيخساف‬
‫هللا بهاام بالبيااداء كمااا أثبتناااه فااي صاادر هااذه الرسااالة‪ ،‬ثاام مااا هااذه‬
‫الخالفة التاي لان تحارر بيات المقادس واألنادلس‪ ،‬ولان تفاتح روماا‬

‫‪53‬‬
‫والقسااطنطينية والااديلم وسااائر ماادائن الشاارك‪ ،‬وال تملااك الاادنيا وال‬
‫حتى العرب؟!‪.‬‬

‫فاااالنبي صااالى هللا علياااه وسااالم أخبرناااا فاااي عااادة رواياااات أن‬
‫صاااحب هااذا الشاارف العظاايم هااو اإلمااام المهاادي ال غيااره‪ ،‬وقااد‬
‫خرجتها في كتابي "المهدي المنت ر والخالفة الثانية على منهاج‬
‫النبددوة" علااى نحااو حااديث أبااي عماارو الااداني فااي نزولااه بياات‬
‫المقاادس‪ ،‬وعلااى نحااو حااديث اباان ماجااة وغيااره فااي قتالااه لليهااود‬
‫بصاحبة عيساى عليهماا الساالم ببيات المقادس‪ ،‬وعلاى نحاو حااديث‬
‫الطبرانااي وغيااره فااي فتحااه لماادائن الشاارك واسااتخراجه للكنااوز‪،‬‬
‫وعلى نحو حديث خيثمة والبغدادي وأباي عمارو الاداني فاي فتحاه‬
‫لروميااة وجباال الااديلم‪ ،‬وعلااى نحااو حااديث اباان ماجااة فااي فتحااه‬
‫للقسااطنطينية ثانيااة‪ ،‬وعلااى نحااو حااديث الطبرانااي فااي الصاالح مااع‬
‫الروم الذي يعقبه الملحمة الكبرى يكون على يد المهدي‪ ،‬إلى غير‬
‫ذلك مما قد علمت عنه آنفا‪.‬‬

‫لاااذا فاااال تساااتحق خالفاااة غيااار خالفاااة المهااادي مااان أحاااد مااان‬
‫المساالمين أن يتباااكى عليهااا‪ ،‬باال ال بااد ماان االسااتعاذة منهااا وماان‬
‫شرورها‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫وإنك لتعجب من جرأة البعض في إنكار كون المهدي هاو مان‬
‫ساايكون أمياار المساالمين يااوم الملحمااة الكباارى مااع بنااي األصاافر‬
‫الااروم‪ ،‬وهااو ماان ساايفتح روميااة وسااائر بااالد الشاارك‪ ،‬وهااو ماان‬
‫سيحرر بيات المقادس‪ ،‬وهاو مان سايقاتل الادجال واليهاود ويقضاي‬
‫عليهم بصحبة عيساى علياه الساالم‪ ،‬ومان أناه سايملك كال األر‬
‫والااادنيا‪ ،‬فاااإن كاااان ال ُمنكااار لاااذلك ال يعااارف هاااذه الرواياااات فإنهاااا‬
‫مصاايبة‪ ،‬ألنااه قااال بغياار علاام وتااألى علااى هللا وعلااى رسااوله‪ ،‬وإن‬
‫كااان يعرفهااا فالمصاايبة أعظاام‪ ،‬ألنااه يكااون بااذلك أشاابه بالاادجال‬
‫والمموه‪.‬‬

‫أما ما نشاهده أو نسمعه عن اإلعالن عن خالفة إساالمية فاي‬


‫الهباااء‪ ،‬مااا هااي إال سياسااة امتصاااص‬ ‫العاارا والشااام علااى أر‬
‫لمشاااعر األُمااة ال حقيقااة لهااا‪ ،‬باال هااي دول وطنيااة تساامت باساام‬
‫اإلسالم‪ ،‬وربما لتقسيم العرا والشام إلى إقليم ساني وآخار شايعي‬
‫وثالث كردي‪ ،‬أما إن كان أصحابها مخلصون فهو انتحار سياساي‬
‫وقتاال لمشاااعر المساالمين نسااأل هللا العافيااة‪ ،‬وقااد ُجاارب ذلااك فااي‬
‫أفغانساااتان ولااام يااانجح‪ ،‬وهاااذا لااايس فقاااط لفقااادان مقوماااات الدولاااة‬
‫الحقيقيااة التااي يُفتاار بهااا تااأمين األماان والطااب والطعااام لالمااة‪،‬‬
‫ومواجهااة كاال دول الكفاار وعمالئهاام‪ ،‬ولاايس فقااط ألن األُمااة لاام‬

‫‪55‬‬
‫تجتمع عليها ولم ت ُعلن بمشورتها‪ ،‬وليس فقط أنه ال تكون فاي هاذه‬
‫البلاادان دولااة خالفااة كمااا فااي حااديث اباان حلاابس آنفااا‪ ،‬باال ألن هللا‬
‫تعااالى لاام يتكفاال بتأييااد خالفااة وقااوم بعااد خالفااة النبااوة األُولااى إال‬
‫خالفة وقوم المهدي‪ ،‬كتأييده بجبريال علياه الساالم لخساف الجايل‬
‫الذي يجايء لغازو الكعباة فاي عصاره‪ ،‬وتأيياده باإنزال عيساى بان‬
‫مريم عليه السالم من السماء لقتال الادجال‪ ،‬وتأيياده باإخراج كناوز‬
‫له‪ ،‬ومن تأييده أن هللا هو الاذي يصالحه ال الجماعاات وال‬ ‫األر‬
‫الجامعات‪ ،‬ومان تأيياده أن أتباعاه كالساابقين األولاين‪ ،‬ومان تأيياده‬
‫عناه‪ ،‬إلاى غيار ذلاك مماا تقادم ذكاره‪،‬‬ ‫رضا أهل الساماء واألر‬
‫وقد بينته وحققته لك في كتابي "المهدي المنت ر والخالفة الثانية‬
‫على منهاج النبوة"‪.‬‬

‫إن مما يغلب على الظن وربما يصل إلى حد القطع من أن‬
‫عصرنا هو عصر خليفة هللا المهدي المؤيد من هللا كي يتمكن من‬
‫تطبيق دينه وحمله للعالم أجمع‪ ،‬فال يمكن التخلص من دول الكفر‬
‫المتقدمة تكنلوجيا ومن استعمارهم‪ ،‬بل وال يمكن التخلص من‬
‫المنافقين والمضبوعين بالكفار وبأفكارهم‪ ،‬إال بقائد رضي ٍ مؤيد‬
‫من هللا تعالى‪ ،‬فالواقع خير دليل على ذلك فمنذ قرابة مائة عام‬
‫واألُمة ترزح تحت وطأت الكافر المستعمر وعمالئه رغم كثرة‬

‫‪56‬‬
‫جيشها وتعداد دولها وقادتها وأحزابها ومشايخها‪ ،‬ورغم عمل‬
‫العاملين‪ ،‬فكل المؤشرات والعالمات التي ذُكرت في شأن‬
‫المهدي‪ ،‬الصحيحة منها والضعيفة تنص على أنه ال ُمؤيد الوحيد‬
‫من هللا تعالى في هذا العصر وله‪.‬‬

‫ثم أقول في ختام رسالتي هذح‪ :‬لقد بقيت عالمة واحدة تسبق‬
‫مجيء المهدي أو إيذانا لبعثه‪ ،‬وهي فتنة اقتتال في بالد الحجاز‬
‫على ال ُملك‪ ،‬كما في حديث االقتتال عند الكنز آنفا‪ ،‬تبدأ بعد موت‬
‫مليكهم‪ ،‬بين أبناء األسرة المالكة هناك‪ ،‬ال كما يتوهم البعض من‬
‫أنه اقتتال على الكنز‪ ،‬فالرواية تقول‪{ :‬يهللاتتل عند كنزكم} ولم تقل‪:‬‬
‫(على كنزكم) وهذا يتفق مع رواية أبي عمرو الداني التي تقول‪:‬‬
‫{ثم ال يصير الملك واألمر إلى واحد منهم} ولم تقل‪( :‬ثم ال يصير‬
‫الكنز) وأما كونها في بالد الحجاز فلرواية عبد الرزا ‪{ :‬يهللاتتل‬
‫عند حرتكم هذح} ورواية ابن عساكر‪{ :‬يهللاتتل عند داركم} وفي‬
‫رواية البيهقي‪{ :‬عند كنزكم هذح} ولما رواه نعيم في الفتن بإسناد‬
‫حسن عن أبي هريرة قال‪( :‬تكون بالمدينة وقعة تور لها أحجار‬
‫الزيت‪ ،‬ما الحرة عندها إال كضربة سو ‪ ،‬فيتنحى عن المدينة‬
‫قدر بريدين ثم يبايع المهدي) وبوادرها في هذه األيام قد بدت‬
‫للعيان في تصرفات ابن الملك سلمان مع أعمامه وأبناء عمومته‬

‫‪57‬‬
‫وإخوته وسائر األُسرة الملكية هناك‪ ،‬من مالحقة وسجن واغتيال‪،‬‬
‫فإذا حصلت فتنة االقتتال هذه ووقعت‪ ،‬أتتهم الرايات السود من‬
‫شيعة ومن غير شيعة لت ُمعن فيهم قتال لم يقتله قوم من قبل‪ ،‬كما‬
‫جاء في حديث الكنز‪ ،‬ثم يجيء على إثرها المجدد الموعود خليفة‬
‫هللا المهدي فيرفع هللا به القتل والذل والظلم والعدوان عن‬
‫المسلمين‪ ،‬ويُ ع‬
‫طهر به بالدهم من المستعمرين ومن عمالئهم‪،‬‬
‫فاسألوا هللا العظيم أن يكون هذا عصره وأوانه وأن يكون هو‬
‫المجدد الموعود والغياثي المنتظر لهذا الزمان‪ -‬آمين‪ -‬وصلى هللا‬
‫وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫واليكم بعض البيانات التي أصدرها أنصار العمل اإلسالمي‬


‫ففيها دالالت أيضا ً على أن الخالفة‬ ‫الموحد في بيت المهللاد‬
‫الثانية على منهاج النبوة ال تكون إال للمهدي‪:‬‬

‫‪58‬‬
‫الوياثي المنت ر‪:‬‬
‫هجم بعض الناس ممن ال علم لهم بحديث رسول هللا ‪-‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ -‬وال بمصطلحه على المهدي المنتظر‪ ،‬فأنكروه‬
‫واعتبروا أن األحاديث التي ذكرته ضعيفة‪ ،‬وأحسنهم قوال فيه أن‬
‫أحاديثه أخبار آحاد‪ ،‬وكال الفريقين مخطئ قطعا‪ ،‬فال أحاديثه‬
‫ضعيفة وال هي أخبار آحاد‪ ،‬بل هي صحيحة ومتواترة‪ ،‬فقد رواها‬
‫جملة من األئمة والحفاظ كأبي داوود والترمذي وأحمد وأبي يعلى‬
‫وابن أبي شيبة والحاكم وابن حبان وابن ماجة والبزار والطبراني‬
‫وغيرهم عن أكثر من عشرين صحابيا وأكثر من ثالثين حديثا‬
‫صحيحا‪ ،‬وقد قال غير واحد من األئمة بتواتر أحاديث المهدي‪،‬‬
‫كاألُبري والسخاوي وابن حجر العسقالني وابن حجر الهيتمي‬
‫والقرطبي والشوكاني والكتاني وغيرهم‪.‬‬

‫وهنالك بعض آخر من الناس يقول‪ :‬إن الحديث عن المهدي حديث‬


‫في‬ ‫فيه‪ ،‬والجواب‪ :‬إن الخو‬ ‫عن غيب وال يمكن الخو‬
‫في موضوع القضاء والقدر والهدى‬ ‫موضوع المهدي كالخو‬
‫في عذاب القبر والمسيح‬ ‫والضالل واإلرادة والمشيئة‪ ،‬وكالخو‬

‫‪59‬‬
‫في موضوع خالفة النبوة‪ ،‬فكيف يخوضون‬ ‫والدجال‪ ،‬وكالخو‬
‫في موضوع المهدي؟!!‬ ‫في مثل هذه الغيبيات ويمنعون الخو‬
‫إال أن يكون أحد أمرين‪:‬‬

‫األمر األول‪ :‬أنهم ُج عهال فِعال بأخبار المهدي‪ ،‬فالرسول محمد‪-‬‬


‫صلى هللا عليه وسلم‪ -‬وأصحابه من بعده قد خاضوا فيه‪ ،‬وكذلك‬
‫األئمة من بعدهم كما ذكرناه آنفا‪.‬‬

‫األمر الثاني‪ :‬أنهم يخافون على ألمعيتهم ونجوميتهم من التالشي‬


‫إذا هم ذكروا للناس من هو المهدي وما هي قدراته وصفاته‪ ،‬على‬
‫نحو‪ :‬أنه مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي في التقوى والعدالة‪،‬‬
‫وعلى نحو‪ :‬ع‬
‫أن دولته ستكون كدولة الخلفاء الراشدين‪ ،‬وعلى‬
‫نحو‪ :‬ع‬
‫أن هللا رضي عنه كما رضي عن الصحابة والتابعين‪،‬‬
‫وعلى نحو‪ :‬أ عن رب العزة جل وعال هو الذي أصلحه وعلعمهُ فلن‬
‫يُقلعد أحدا في أي قضية‪ ،‬وعلى نحو‪ :‬ع‬
‫أن هللا يُمده بالمالئكة كما أمد ع‬
‫جده األول‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬في بدر والخند ‪ ،‬وعلى نحو‪:‬‬
‫قسطا وعدال كما ُملئت ُ‬
‫ظلما وجورا‪،‬‬ ‫ع‬
‫أن دولته ستمال األر‬
‫وعلى نحو‪ :‬أنه يحثي المال للناس حثيا وال يعده عدا‪ ،‬وعلى نحو‪:‬‬

‫‪60‬‬
‫ع‬
‫أن الموطئين والممهدين له على قلتهم هم خير الناس‪( ،‬لم يسبقهم‬
‫أن ُخلُقه ك ُخلق جده‬
‫األولون وال يدركهم اآلخرون) وعلى نحو‪ :‬ع‬
‫محمد‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬وعلى نحو‪ :‬أنه من قريل من‬
‫أفضل القبائل عند هللا تعالى ومن أُسرة شريفة من عترة رسول‬
‫هللا‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬وعلى نحو‪ :‬أنه ليس في عمله ُ‬
‫ظلم وال‬
‫عيب‪ ،‬وعلى نحو‪ :‬أنه ال عالقة له باألحزاب وال بالجماعات‪،‬‬
‫(فلم تلبسه الفتن ولم يلبسها) وعلى نحو‪ :‬ع‬
‫أن عيسى عليه السالم‬
‫حينما ينـزل من السماء سيصلي خلفه مأموما‪ ،‬وعلى نحو‪ :‬أنه‬
‫ال ُمحرر لبيت المقدس والفاتح لرومية وسائر مدائن الشرك‪ ،‬وعلى‬
‫نحو‪ :‬أن هللا يخسف له أعداءه بالبيداء‪ ،‬إلى غير ذلك‪.‬‬

‫فمن األمر الطبيعي المقطوع به أن المسلمين إذا عرفوا ذلك‬


‫فسيستصغرون كل شخص وكل داعية إذا ما قورن به‪ ،‬ولذلك فهم‬
‫يستبعدون ذكره بين الناس‪.‬‬

‫أيها المسلمون‪ :‬ع‬


‫إن مجددنا الموعود وغياثنا المنتظر لن يكون‬

‫مجرد شيخ أو خطيب أو كاتب أو مفسر‪ ،‬بل إنه فو ذلك سيكون‬

‫قائدا محررا ُمؤيدا من السماء‪ ،‬وال يوجد في الكون أي شخص‬

‫‪61‬‬
‫غيره يستحق أن يكون صاحب الخالفة الثانية على منهاج النبوة‪،‬‬

‫ونحن في أنصار العمل اإلسالمي الموحد إذ نُعلن للناس أجمع في‬

‫هذا المقام أننا على استعداد تام بحول هللا وقوته على إثبات ذلك‬

‫باألدلة الصحيحة ومناظرة من يقول خالفه في الزمان والمكان‬

‫الذي يريد‪.‬‬

‫هللا أكبر هللا أكبر هللا أكبر‪.‬‬

‫أنصار العمل اإلسالمي الموحد‬

‫بيت المهللاد ‪-‬‬

‫‪13‬رمضان المبارك ‪ 1427‬هجرية‬

‫‪62‬‬
‫ال ُمجدد الموعود‪:‬‬
‫يكثُر الحديث عن المجددين انطالقا من الحديث الاذي رواه أباو‬
‫داود والحاااكم والطبرانااي بإسااناد صااحيح عاان أبااي هرياارة عاان‬
‫رسااول هللا ‪-‬صاالى هللا عليااه وساالم‪ -‬قااال‪( :‬إن هللا عددز وجددل يبعددث‬
‫لهذح األُمة على رأ كل مئة سنة من يُجدد لها دينهدا) وانطالقاا‬
‫أيضااا ماان تخاااذل مااا يُس ا عمى بالقااادة واألُمااراء والزعماااء فااي هااذا‬
‫الوقاات‪ ،‬فكاال حاازب وكاال جماعااة تعتباار شاايخها ومؤسسااها هااو‬
‫المجدد الموعود‪ ،‬حتى أُصيبت األ ُمة بتخمة المجاددين‪ ،‬وماع ذلاك‬
‫فإن اإلسالم والمسلمين (مكاندك سدر) مناذ أكثار مان ثماانين عاماا‪،‬‬
‫ذلة ومهانة واعتداء على العقيدة في كل مكاان يوجاد فياه مسالمون‬
‫دون تغيير أو تجديد‪ ،‬والصاحيح أن األُماة اإلساالمية بكال أطيافهاا‬
‫وانتماءاتهااا تنتظاار ُمجااددا موعااودا‪ ،‬ولكاان هااذه الماارة لاايس مجاارد‬
‫شيخ أو عالم‪ ،‬وإنما هذه المرة تنتظر قائدا يُجدد لهاا دينهاا‪ ،‬فيُحياي‬
‫فيهااا األماال‪ ،‬يملؤهااا عاادال وقسااطا كمااا ُملئاات ظلمااا وجااورا‪ ،‬هااذه‬
‫المرة تنتظر ُمجددا قائدا وليس مجرد شيخ أو أمير حازب أو أميار‬
‫جماعة‪ ،‬هذه المرة تنتظر ُمجاددا قائادا ال عالقاة لاه بااألحزاب وال‬
‫بالجماعات المنتشارة فاي عاالم المسالمين المختلفاة المتنازعاة فيماا‬

‫‪63‬‬
‫بينهااا‪ ،‬هااذه الماارة تنتظاار ُمجااددا ال عالقااة لااه ال بالجماعااات وال‬
‫بالجامعات (يُصلحه هللا في ليلة واحدة)‪ ،‬هذه المرة تنتظار ُمجاددا‬
‫شر به رسولنا األكرم محمد‪-‬صلى هللا عليه وسالم‪ -‬فاي األحادياث‬ ‫ب ع‬
‫الصااحيحة المتااواترة‪ ،‬تثااق بااه األ ُ عمااة‪ ،‬لاام تلبسااه الفااتن ولاام يلبسااها‪،‬‬
‫تنتظر قائدا ال تكون دولته دولاة حزبياة‪ ،‬يكاون قاادرا علاى توحياد‬
‫األ ُ عمة بجميع طوائفها وأحزابها في وقت غابت فيه الوحادة واألُلفاة‬
‫س عمي بالمجاددين‪ ،‬هاذه المارة تنتظار‬
‫من بين أبنائها رغم وجود ما ُ‬
‫ُمجااددا مؤي ادا ماان هللا رب العااالمين‪ ،‬قائاادا ُمجااددا ال يعتمااد علااى‬
‫األسباب المادية بل يعتمد على التأييد والادعم اإللهاي كاي يساتطيع‬
‫مواجهة أمريكا وأُوروبا ويهود وسائر أئمة الكفر‪ ،‬كما في حديث‪:‬‬
‫(الخسف بالبيداء) وحديث‪( :‬جبريل على مهللادمتده وميكائيدل علدى‬
‫سدداقته) وحااديث‪( :‬يرضددى عندده سدداكن السددماء وسدداكن األرض)‬
‫وحديث‪( :‬يُنـزل هللا له الهللا ر من السماء)‪.‬‬

‫أيهددا المسددلمون فددي كددل مكددان‪ :‬لاام يبااق لاارأس المائااة إال بضااعة‬

‫أعااوام‪ ،‬ألن رأس المائااة آخرهااا‪ ،‬فاألُمااة منااذ ثمااانين عامااا ونيعااف‬

‫وهي من غير قائد يقودها إلى العزة والنصر والتمكين رغم وجود‬

‫هااذا الكاام الهائ ال ماان الجماعااات واألحاازاب والعلماااء‪ ،‬فنرجااو هللا‬

‫‪64‬‬
‫سبحانه أن يكون ُمجدد رأس المائة هذه هو المهدي محمد بن عباد‬

‫هللا العربي القرشي الهاشمي من ولاد فاطماة الزهاراء بان الحسان‬

‫بن علي بن أبي طالب‪-‬رضي هللا عنهم أجمعاين‪ -‬ذلاك الاذي أخبار‬

‫عنااه رسااول هللا ‪-‬صاالى هللا عليااه وساالم‪ -‬انااه يُبعااث غيعاثااا‪ ،‬ويفااتح‬

‫روما‪ ،‬وينشر العدل‪ ،‬ويعيد لبيت المقدس كنوزه التي سرقت مناه‪،‬‬

‫وانااه يقتاال دجااال اليهااود بصااحبة عيسااى عليااه السااالم‪ ،‬وانااه الااذي‬

‫يصاالي عيسااى عليااه السااالم خلفااه‪ ،‬وأنااه خليفااة آخاار الزمااان الااذي‬

‫يحثي المال حثيا وال يعده عدا‪ ،‬وانه صااحب الخالفاة الثانياة علاى‬

‫منهاج النبوة‪ ،‬وإن ش عكك به المش عككون وأنكره المنكرون‪ ،‬فالمهدي‬

‫ال يُحبه إال مؤمن وال يكرهه إال منافق‪.‬‬

‫أيها المسلمون ‪ :‬قولوا لكل المتخاذلين والمنافقين ع‬


‫بأن وعد هللا آت‬

‫ال محالاااة إن شااااء هللا (فدددإن كدددل مدددا هدددو آت قريدددا) وان القائاااد‬

‫سبحانه كما أنباأت‬ ‫الموعود سيأتي بإذن خالق السماوات واألر‬

‫‪65‬‬
‫بذلك األحاديث المتواترة‪ ،‬وسيُلقي بالخوناة والمناافقين إلاى مزابال‬

‫التاااريخ‪ ،‬وس ايُنقض كاال مااا أبرمااوه ماان معاهاادات واتفاقيااات مااع‬

‫الكفار على بالد المسلمين‪.‬‬

‫أيهدددا المسدددلمون العددداملون للتجديدددد‪ ،‬أيهدددا المتشدددوقون للنصدددر‬

‫والتمكدين‪ :‬ابتهلاوا إلاى هللا تعاالى أن يكاون هاذا هاو زمان المهادي‬

‫الموعود كي يُخلعص األُماة مماا هاي فياه مان العنات والاذل والظلام‬

‫ع‬
‫الماوطئين لاه‪،‬‬ ‫والفرقة والشتات‪ ،‬ثم ابتهلوا أن تكونوا من أنصااره‬

‫انه سبحانه على كل شيء قدير وباإلجاباة سابحانه جادير‪ ،‬وصالى‬

‫هللا وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫أنصار العمل اإلسالمي الموحد –‬

‫بيت المهللاد ‪-‬‬


‫‪ 26‬رمضان المبارك ‪1426‬هجرية‬

‫‪66‬‬
‫ال ـائفـة ال ـاهرة‬
‫قال عليه الصالة والسالم‪{ :‬ال تزال ائفة من أُمتي يهللااتلون‬
‫على الحق ااهرين إلى يوم الهللايامة}‪.‬‬

‫يكثر الحديث في أي عصر من العصور عن الطائفة الظاهرة‪،‬‬


‫سيما إذا كثر في األُمة وجود األحزاب والجماعاات والفار ‪ ،‬فكال‬
‫يزعم أناه هاذه الطائفاة الظااهرة‪ ،‬بال هنالاك مان يادعي أناه الفرقاة‬
‫الناجية رجما بالغيب‪ ،‬وإنما يريد صاحب هذه الادعوى بادعواه أن‬
‫يُفهم نفسه ومان حولاه أناه أفضال وأزكاى مان غياره‪ ،‬وهاذا مادعاة‬
‫للعصبية الحزبية التي تاؤدي للفرقاة والتناازع باين المسالمين وهاو‬
‫حاارام‪ ،‬فااال يصااح وال يحااق ألحااد أو جهااة حزبيااة أو حركيااة أن‬
‫تدعي ذلك لنفسها دون غيرها‪.‬‬

‫إنه بعاد االساتقراء فاي النصاوص الاواردة فاي الطائفاة الظااهرة‬


‫وفي الواقع المعاصر‪ ،‬تبين بما ال يدع مجاال للشك أن صفات هاذه‬
‫الطائفة ال توجد في أحد من أبناء األُمة وتنظيماتها حتى كتابة هذه‬
‫األسااطر فيمااا نعلاام‪ ،‬باال وجاادنا أنهااا ال يمكاان أن تكااون إال للمهاادي‬
‫محمد بن عبد هللا الحسني السني وأنصاره‪ ،‬وذلك للقرائن التالية‪:‬‬

‫‪67‬‬
‫الهللارينة األُولى‪ :‬أن قوله‪{ :‬ال تزال ائفة مدن أُمتدي يهللاداتلون علدى‬
‫الحق} دليل على استمرارية جهاد هذه الطائفة دون انقطااع وأنهاا‬
‫ال تشتغل غيره‪ ،‬ال مجرد استمرارية وجودها من غير جهاد‪ ،‬فهذه‬
‫الحالة ال تنطبق على أحد من الموجودين‪ ،‬فدإن قيدل‪ :‬إنهام يقااتلون‬
‫إذا كانت لهم دولة‪ ،‬أ عما وهم من غير دولة فال‪ ،‬بادليل أناه ورد فاي‬
‫بعااض نصااوص الطائفااة‪{ :‬ال تددزال ائفددة مددن أُمتددي علددى الحددق‬
‫ااهرين} على اإلطال بدون ذكر القتال‪.‬‬

‫الجواب‪ :‬إنه قد تواتر في نصوص الطائفة أو أكثرهاا ذكار القتاال‪،‬‬


‫بينمااا عدمااه فلاام يتااواتر‪ ،‬فااالمتواتر أو األكثاار مقاادم علااى اآلحاااد‬
‫واألقل أُصوال‪ ،‬ثم إن نصوصاها قاد بينات وقيادت كيفياة الظهاور‪،‬‬
‫وذلك بالقتال والجهاد‪ ،‬فيحمال المطلاق علاى المقياد أُصاوال كاذلك‪،‬‬
‫أضف إليه أنه جاء فاي بعاض نصوصاها‪{ :‬لعددوهم قداهرين} وال‬
‫يمكن قهر األعداء إال بالقتال والجهاد‪.‬‬

‫الهللارينة الثانية‪ :‬جاء في نصوصها‪{ :‬ال تزال ائفة من أُمتي على‬


‫الحق منصورين} وفي رواية‪{ :‬لعدوهم قاهرين} فالمالحظ لواقع‬
‫األُمااة يجااد أنهااا جميعهااا بأحزابهااا وجماعاتهااا وتكتالتهااا ودولهااا‬
‫مقهورة مغلوبة مستعمرة من قبال أعادائها‪ ،‬فاأين االساتمرارية فاي‬
‫الظهور والنصر الذي يدعيها البعض واهما ؟!!!‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫الهللاريندة الثالثددة‪ :‬جااء فااي نصوصاها أن آخاار هاذه الطائفااة ساايقاتل‬
‫الدجال‪{ :‬حتى يهللااتل آخرهم المسيح الدجال} ومعلوم علاى ظااهر‬
‫الكف عند أهل العلم بالحاديث أن الاذين سايقاتلون الادجال هام جناد‬
‫المهدي بصحبة عيسى عليه السالم‪ ،‬فكيف يمكن أن تكون الطائفة‬
‫غيرهم ؟!!‪.‬‬

‫الهللارينة الرابعة‪ :‬جاء في نصوصها أنها تكون في أكثر من مكاان‪،‬‬


‫فماارة‪{ :‬يهللادداتلون علددى أبددواب دمشددق} وماارة‪{ :‬علددى أبددواب بيددت‬
‫المهللاددد } ومعلااوم أنااه منااذ عقااود ال وجااود فااي دمشااق وال علااى‬
‫أبوابهااا ماان يقاتاال أو يجاهااد فااي ساابيل هللا ملاال الكفاار‪ ،‬ثاام ع‬
‫إن غياار‬
‫جهااة مماان قاتاال علااى أبااواب بياات المقاادس قااد تخلااى عاان جهاااده‪،‬‬
‫ومنهم من أصبح يقاتل على الدنيا والملك‪ ،‬فهل هذا من الحق الذي‬
‫عليه الطائفة ؟!!‪.‬‬

‫الهللارينة الخامسة‪ :‬إنه جاء في نصوصها صراحة أن عيساى علياه‬


‫السالم يُصلي خلف إمام تلك الطائفة‪ ،‬ففي صحيح مسلم‪{ :‬ال تدزال‬
‫ائفة مدن أُمتدي يهللاداتلون علدى الحدق اداهرين إلدى يدوم الهللايامدة‪،‬‬
‫قددال‪ :‬فينددـزل عيسددى بددن مددريم‪ ،‬فيهللاددول أميددرهم‪ :‬تعددال صددل لنددا‪،‬‬
‫فيهللاول‪ :‬ال‪ ،‬إن بعضكم على بعض أُمدراء} فمعلاوم أن اإلماام الاذي‬
‫يصاالي عيسااى خلفااه هااو اإلمااام المهاادي‪ ،‬فااروى الحااارث باان أبااي‬

‫‪69‬‬
‫أُسامة وأبو نعيم وأبو عمرو الداني بإسناد صحيح‪{ :‬ينـزل عيسدى‬
‫بدن مددريم فيهللادول أميددرهم المهددي‪ :‬تعددال صدل بنددا‪ ،‬فيهللاددول‪ :‬ال‪ ،‬إن‬
‫بعضكم على بعض أُمراء تكرمة هللا هذح األُمة}‪.‬‬

‫أيها المسلمون‪ :‬من السهل أن تدعي جهة ما أنها الطائفة الظاهرة‬


‫أو الفرقة الناجية‪ ،‬لكن مان الصاعب بال مان المساتحيل إثباات ذلاك‬
‫لما علمت من القرائن واألدلة آنفا‪.‬‬

‫ثم ليس المهم أن يدعي المرء أنه وأنه‪ ،‬بل المهم أن يعمل وفق‬
‫الشرع وبإخالص‪ ،‬فعمله هذا دليال علاى صادقه وإخالصاه ولايس‬
‫ادعاوه أنه كذا‪.‬‬

‫وللعلم ع‬
‫فإن البعض يخلط بين الطائفة الظااهرة والفرقاة الناجياة‪،‬‬
‫فالطائفة الظاهرة عرفناها آنفا‪ ،‬أما ال ِفرقة الناجية‪ :‬فهي في حاديث‬
‫رسااول هللا صاالى هللا عليااه وساالم‪{ :‬وسددتفتر أُمتددي إلددى بضددع‬
‫وسددبعين شددعبة‪ ،‬اثنتددان وسددبعون فددي النددار وواحدددة فددي الجنددة‪،‬‬
‫قيل‪ :‬ومن هيت قال‪ :‬هي الجماعة} وفاي رواياة أُخارى‪{ :‬هدي مدا‬
‫أنا عليه وأصحابي} فالجماعاة المقصاودة‪ :‬هاي جماعاة المسالمين‬
‫وإماااامهم‪ ،‬أي دولاااة الخالفاااة اإلساااالمية‪ ،‬وهاااذه كانااات علاااى مااار‬
‫العصور إلى ما قبل تسعين عاماا تقريباا‪ ،‬وأماا قولاه‪{ :‬هدي مدا أندا‬

‫‪70‬‬
‫عليدده وأصددحابي} فإنهااا تنطبااق علااى كاال ماان اتبااع الساانة واتبااع‬
‫الصحابة‪ ،‬سواء كان فردا أو حزبا أو جماعة‪ ،‬لذا فاال يصاح ألحاد‬
‫ادعاء ذلك لنفسه دون غيره وإال كان ُمتأ ٍل على هللا تعالى‪.‬‬

‫أيها المسلمون‪ :‬إن فاي حاديث الطائفاة الظااهرة بشاارة ببقااء أُماة‬
‫اإلسااالم إلااى يااوم الاادين‪ ،‬وببقاااء الجهاااد فااي ساابيل هللا كااذلك حتااى‬
‫ينـزل عيساى بان ماريم علياه الساالم مان الساماء‪ ،‬ويظهار الادجال‬
‫لعناااه هللا للقضااااء علياااه وعلاااى جناااده اليهاااود‪ ،‬وعساااى أن يكاااون‬
‫ظهورها وظهور أميرها قريبا جدا إن شاء هللا تعالى‪ ،‬فثقاوا بوعاد‬
‫هللا ونصره‪ ،‬وأبشروا بما بشر به رسول هللا صلى هللا عليه وسالم‪،‬‬
‫واحرصااوا أن تكونااوا مماان آماان وتااابع‪ ،‬ال مماان تااولى عصاابية‬
‫وحزبية مان غيار علام وال هادى وال كتااب منيار‪{ ،‬يدا أيهدا الدذين‬
‫آمنوا اتهللاوا هللا وقولوا قوالً سديدا ً}‪.‬‬

‫أنصار العمل االسالمي الموحد‬


‫– التاسع من رمضان ‪1427‬ح‪2007 -‬م‬ ‫بيت المهللاد‬

‫‪71‬‬
‫ال خالص من اليهود واألمريك إال بدولة المهدي‪:‬‬
‫كثرت الفتن وكثارت الماوآمرات علاى األُماة واإلساالم فاي كال‬
‫مكااان حتااى وصاالت إلااى حااد التخمااة‪ ،‬وال أحااد ماان المتاازعمين‬
‫يتحاارك علااى المسااتوى المطلااوب‪ ،‬فااي حااين أن كاال شااعب ماان‬
‫شعوب األُمة يزعم أن زعيماه هاو المنقاذ والمخلاص مان الضااللة‬
‫والهااالك‪ ،‬لكاان الواقااع ك اذعب هااذا الاازعم وأبااان عااواره وأبااان أن‬
‫هؤالء المتزعمين ليسوا منعا وال مان هللا فاي شايء‪ ،‬فمانهم مان هاو‬
‫منشغل في الدنيا وجمعها بالقمار والبورصة‪ ،‬أو باالساتحواذ علاى‬
‫خيرات األمة من بترول وغيره‪ ،‬ومنهم من هو منشاغل بالرياضاة‬
‫شااعر والفاان‪ ،‬وماانهم ماان هااو منشااغل بأفكااار‬‫وركااوب الخياال وبال ِ ع‬
‫الكفار مان علمانياة وديمقراطياة وغيرهاا ويحارص علاى تطبيقهاا‬
‫ولو بالحديد والنار‪ ،‬ومنهم مان هاو منشاغل بالسالطة يناافس عليهاا‬
‫يقتل هذا وياذبح ذاك فاي سابيلها‪ ،‬ومانهم مان هاو منشاغل بمالحقاة‬
‫المسااالمين تحااات مسااامى محارباااة اإلرهااااب تزلفاااا مناااه لليهاااود‬
‫ولالمريكان وغيرهم من أُمم الكفر‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وأما بالنسبة للمشايخ وأُمراء األحزاب والجماعاات فهام أيضاا‬
‫مشاغولون بأنفساهم وأحازابهم وجماعاااتهم‪ ،‬كال مانهم يعتبار حزبااه‬
‫وجماعته هي األفضل وهي الحجة على األخرى وهي أمل األُمة‪،‬‬
‫في حين أنهم متنازعون مختلفون متباينون‪ ،‬فليسوا على شيء مما‬
‫يزعمون‪ ،‬فقاد مضاى علاى هاذا الواقاع قراباة مائاة عاام لام يُقادموا‬
‫لالُمة على مستوى مبادئها ودينهاا وقضااياها المصايرية أي شايء‬
‫يُذكر‪ ،‬رغم ثورة الثائرين منهم ومن غيارهم‪ ،‬واستشاهاد المقااتلين‬

‫‪72‬‬
‫هنااا وهناااك‪ ،‬فلاام يتغياار أي شاايء ماان واقااع األُمااة الملاايء بالفرقااة‬
‫والفتن والمؤآمرات إال سوءا زيادة فو زيادة‪.‬‬
‫الخضم إال بعث ال ُمجدد الموعود‬ ‫أيها المسلمون‪ :‬ال ينقذنا من هذا ِ‬
‫صااااحب فساااطاط اإليماااان وصااااحب الطائفاااة الظااااهرة الغيااااثي‬
‫المنتظر مجيؤه في هذا العصر‪ ،‬سيما وقد جربت األُمة الكثير مان‬
‫القيادات غيره طيلة قرن من الزمان دون جدوى‪ ،‬فهو القائد ال ُملهم‬
‫والمؤيد من هللا تعالى القادر على لملمة األُمة وتوحيدها وإيصاالها‬
‫إلااى التمكااين والنصاار علااى الملاال كلهااا‪ ،‬مصااداقا لقااول هللا تعااالى‪:‬‬
‫(لي هددرح علددى الدددين كلدده ولددو كددرح المشددركون) فإنااه ال يختلااف‬
‫اثنان ذوا عدل من المسلمين أناه ال أحاد غيار اإلماام المهادي قاادر‬
‫علااى توحيااد األُمااة كلهااا عربااا وعجمااا علااى المسااتوى اإلقليمااي‬
‫والقبلي والحزبي في أُمة واحدة‪ ،‬وال أحد غيره قادر على الوقوف‬
‫فااي وجااه األمريكااان واليهااود‪ ،‬وال أحااد غيااره قااادر علااى تطبيااق‬
‫الشااااريعة اإلسااااالمية علااااى منهاااااج النبااااوة كمااااا طبقهااااا الخلفاااااء‬
‫الراشاادون‪ ،‬وال أحااد غياااره قااادر علااى إساااكات الشاايعة اإلمامياااة‬
‫الرافضة وإفحامهم ورد كيادهم‪ ،‬وال أحاد غياره سايفتح روماا‪ ،‬وال‬
‫أحد غيره سيفتح القسطنطينية ثانية‪ ،‬ولن تنعم األُماة وتزدهار كماا‬
‫فااي العصااور األُولااى وتملااك األر إال فااي عهااده‪ ،‬ولاان تااتخلص‬
‫األُمة من الخونة والمرتزقة وممن ال يحكم بما أنازل هللا تعاالى إال‬
‫في عهده‪ ،‬ولن تحرر القدس ومكة والمدينة وسائر باالد المسالمين‬
‫المسااتعمرة إال علااى يديااه‪ ،‬فتأييااد هللا تعااالى لااه ساايمكنه ماان هااذا‬
‫وغيره‪ ،‬فجبريال علياه الساالم علاى مقدماة جيشاه‪ ،‬وميكائيال علاى‬
‫ساقته‪ ،‬وكما ثبت بالتواتر عن حادثة الخسف بالبيداء‪ ،‬فإن جبريال‬

‫‪73‬‬
‫عليااه السااالم يخااو تلااك المعركااة وحااده فيخسااف األر بااذلك‬
‫الجاايل‪ ،‬وماان تأييااد هللا تعااالى للمهاادي أن هللا تعااالى يُنااـزل عليااه‬
‫عيسى علياه الساالم مان الساماء لمسااعدته فاي قتال دجاال اليهاود‪،‬‬
‫ومن تأييد هللا له أنه يُخرج له كل كنوز األر ‪.‬‬
‫أيها المسلمون‪ :‬إن اليهود وبحبل من األمريك واإلنجليز والروس‬
‫وغياارهم ماان الصااليبيين ساايراوحون مكااانهم فااي أر فلسااطين‬
‫حتااى يظهاار المهاادي والاادجال والمساايح‪ ،‬وربمااا فااي هااذه األثناااء‬
‫ينصبون هيكلهم المزعوم‪ ،‬فكما أنه لم يمنعهم أحد مان المتازعمين‬
‫ماان أخااذ فلسااطين وجعلهااا إساارائيل‪ ،‬ولاام يماانعهم أحااد ماان ضاارب‬
‫غزة وتجويع أهلها‪ ،‬فلن يمنعهم أحد منهم من نصب وثانهم‪ ،‬ثام إن‬
‫كاال مااا يفعلونااه ويخططونااه إلفشااال مااا يساامى السااالم معهاام‪ ،‬هااو‬
‫بتخطاايط ماان هللا تعااالى لتااأخير انهاااء هااذه القضااية‪ ،‬والواقااع خياار‬
‫دليل‪ ،‬فمنذ ستين عاما خلت بما فيها من نضال لابعض المخلصاين‬
‫لها‪ ،‬لم يتغير شيء فيها إال لالسوأ‪ ،‬قتال وذل وتشاريد ونفاي وفقار‬
‫وحصار وضياع لالر والمقدسات‪ ،‬فاليهود دوما يبحثون عمان‬
‫يتنازل لهم عن فلساطين‪ ،‬وقاد حظاوا باذلك‪ ،‬وياا حباذا عنادهم هاذه‬
‫المرة لو كان شيخا ليأخذ التنازل الصفة الشرعية اإلسالمية كي ال‬
‫يطالب أحد من المسلمين فيما بعد بهذه الاديار‪ ،‬فيغادوا مان يطالاب‬
‫بها إرهابياا منباوذا‪ ،‬ولاذلك نجادهم أحياناا يغاازلون حركاة حمااس‬
‫علااى حساااب حركااة فااتح‪ ،‬كمااا حصاال بااإخراج بعااض المساااجين‬
‫مقابل روية أو سماع صوت جنديهم شاليط المخطوف لدى حركاة‬
‫حماس‪ ،‬وكما في قولهم إن السلطة الفلسطينية طلبت مانهم ضارب‬
‫غااازة والقضااااء علاااى حمااااس (ويمكدددرون ويمكدددر هللا وهللا خيدددر‬

‫‪74‬‬
‫المدداكرين) فسااواء أرادوا ماان ذلااك اإلطاحااة بحركااة فااتح ومنظمااة‬
‫التحرير لتحل حماس محلهاا أو لرفاع أساهمها لتعاود إلاى مشااركة‬
‫فتح في السلطة لتأخذ المفاوضات الطابع اإلسالمي‪ ،‬أو أرادوا من‬
‫ذلك اإلطاحة بمحمود عباس ليحل محلاه شاخص غياره أقاوى مناه‬
‫فإن هذا وذاك لن يغير مان‬ ‫يستطيع فر الموآمرات على شعبه‪ ،‬ع‬
‫واقاااع قضاااية فلساااطين إقليمياااا وإساااالميا أي شااايء‪ ،‬فساااتظل هاااذه‬
‫القضاية عالقااة تااراوح مكانهااا شااوكة فااي أعنااا الكفااار والمنااافقين‬
‫مهماااا صااانعوا مااان ماااؤآمرات‪ ،‬إلاااى أن ياااأتي المهااادي الموعاااود‬
‫والدجال والمسيح عليه الساالم‪ ،‬ففاي عصارهم ياتم القضااء المبارم‬
‫على اليهودية والصليبية جميعا‪ ،‬وليس أدل على ذلاك مان الحاديث‬
‫الصحيح عن رساول هللا محماد صالى هللا علياه وسالم الاذي يروياه‬
‫ابن ماجاة فاي ساننه والحااكم فاي المساتدرك وغيرهماا مان حاديث‬
‫مطول مشهور في أحوال الدجال وفتنه جاء فيه‪( :‬قالت أُم شريك‪:‬‬
‫يارسددول هللا ف د ين العددرب يومئددذت قددال‪ :‬هددم يومئددذ قليددل‪ ،‬وجلهددم‬
‫ببيت المهللاد وإمامهم رجل صالح‪ ،‬فبينما إمامهم قد تهللادم يصلي‬
‫بهم الصبح إذ نزل علديهم عيسدى بدن مدريم الصدبح فرجدع اإلمدام‬
‫يددنكي يمشددي الهللاههللاددرى ليتهللادددم عيسددى يُصددلي بالنددا ‪ ،‬فيضددع‬
‫عيسى يدح بين كتفيه ثدم يهللادول لده‪ :‬تهللاددم فصدل فإنهدا لدك أُقيمدت‪،‬‬
‫فيصددلي بهددم إمددامهم‪ ،‬فددإذا انصددرف قددال عيسددى عليدده السددالم‪:‬‬
‫افتحوا الباب‪ ،‬فيفدتح ووراءح الددجال‪ ،‬معده سدبعون ألدف يهدودي‬
‫كلهم ذو سيف ُمحلى وساج‪ ،‬فإذا ن ر إليه الدجال ذاب كما يذوب‬
‫الملح في الماء وين لدق هاربداً‪ ،‬ويهللادول عيسدى عليده السدالم‪ :‬إن‬
‫لي فيدك ضدربة لدن تسدبهللاني بهدا‪ ،‬فيدركده عندد بداب اللدد الشدرقي‬

‫‪75‬‬
‫فيهللاتله‪ ،‬فيهزم هللا اليهود‪ ،‬فدال يبهللادى شديء ممدا خلدق هللا يتدوارى‬
‫به اليهود إال أن ق هللا ذلك الشديء‪ ،‬ال حجدر وال شدجر وال حدائ‬
‫وال دابة‪ ،‬إال الورقد فإنها مدن شدجرهم ال تن دق‪ ،‬إال قدال‪ :‬يدا عبدد‬
‫هللا المسددلم‪ ،‬هددذا يهددودي فتعددال فاقتلدده) ثاام قااد جاااء ذكاار المهاادي‬
‫صريحا في رواية أبي نعايم الحاافظ فاي أخباار المهادي‪( :‬قالدت أُم‬
‫شددريك‪ :‬ف د ين العددرب يارسددول هللا يومئددذت قددال‪ :‬هددم يومئددذ قليددل‬
‫وجلهدددم ببيدددت المهللادددد وإمدددامهم المهددددي رجدددل صدددالح‪ ،‬فبينمدددا‬
‫إمامهم قد تهللادم يصلي بهم الصبح إذ نزل عيل بدن مدريم ‪)......‬‬
‫ثم من المعلوم باألدلة الصريحة الصحيحة أن الذي يصالي عيساى‬
‫خلفه هو اإلمام المهدي‪ ،‬وال مجال لذكرها في هاذه العجالاة‪ ،‬فإنهاا‬
‫معروفة عند أهل العلم على ظااهر الكاف‪ ،‬فباات واضاحا مان هاذا‬
‫الحديث أن المعركة الفاصالة باين اليهاود والمسالمين والتاي ينطاق‬
‫فيها الحجر والشجر هي في فلسطين ببيت المقدس واللد‪ ،‬وواضاح‬
‫أيضااا أن قادتهااا همااا المهاادي وعيسااى عليهمااا السااالم ماان جهااة‪،‬‬
‫والدجال واليهود من جهة ثانية‪ ،‬فعساى أن يكاون ذلاك قريباا جادا‪،‬‬
‫فاليهود وألول مرة بعد مجيء اإلسالم يصاير لهام دولاة فاي بيات‬
‫المقدس وفلسطين‪ ،‬وهااهم يعيثاون فاي األر فساادا وعلاوا مارة‬
‫ثانية في التاريخ‪ ،‬وهاي المارة اآلخارة التاي ذكرهاا القارآن الكاريم‬
‫عنهم في سورة اإلسراء على الرأي الاراجح‪ ،‬وهااهم يُكثارون مان‬
‫زراعاااة شاااجر الغرقاااد فاااي فلساااطين‪ ،‬وأصااابحت مديناااة اللعاااد فاااي‬
‫عصرهم أر المطاارات التاي سايربط الادجال حمااره فيهاا‪ -‬أي‬
‫طائرته‪ -‬وخصوصا شرقيها‪ ،‬كما وأن اليهود اليوم ُمسلطون علاى‬
‫المسلمين وعلى ديارهم ومقدساتهم ال عكس‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫أمااا تسااليط المساالمين علاايهم وقااتلهم والقضاااء علاايهم وعلااى‬
‫أعوانهم وتحرير كامال فلساطين‪ ،‬فواضاح مان الحاديث آنفاا أناه ال‬
‫يكون إال في عهد المهدي وعيسى بان ماريم عليهماا الساالم (إنهدم‬
‫يرونه بعيدا ً ونراح قريبا ً) فأبشروا أيهاا المسالمون وثقاوا بوعاد هللا‬
‫ونصره‪ ،‬فالمسألة مسألة وقت‪ ،‬فكل ما هو آ ٍ‬
‫ت قريب‪ ،‬هللا أكبر هللا‬
‫أكبر هللا أكبر‪.‬‬

‫أنصار العمل اإلسالمي الموحد‬

‫بيت المهللاد ‪ -‬الثالث من ذي الهللاعدة ‪1430‬هـ‬

‫‪77‬‬

You might also like