You are on page 1of 60

‫املقدمة‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ,‬و الصالة و السالم على رسوله األمني‪ ,‬و على آله و أصحابه‬
‫و التابعني و من تبعهم إبحسان إىل يوم الدين‪ ,‬أما بعد‪.‬‬

‫التصوف هو شيئ ال يستطيع أن نرتكها يف عامل اإلسالمي‪ ,‬و هو علم من العلوم‬


‫أحول أن أحلل و أشرح‬
‫الذي على كل منا أن نعرفها و نعرف أحواهلا‪ ,‬و يف هذا البحث ّ‬
‫عن أحوال التصوف يف عامل اإلسالم و خصوصاً يف بالد إندونيسيا‪.‬‬

‫وعليه فإن هذا البحث يركز على دراسة حركة التصوف يف إندونيسيا حماوال تغطية‬
‫واستيعاب جوانب املوضوع املختلفة مما يتعلق‪ :‬أوال‪ ،‬بتاريخ دخول التصوف إىل هذا البلد‪،‬‬
‫فيقوم هذا البحث بتحليل النظرايت اليت قدمها النظّار لتفسري املوضوع؛ واثنيا‪ ،‬ابلدور الذي‬
‫لعبه الدعاة الصوفيون يف إنتشار اإلسالم يف هذا البلد‪ ،‬فيقوم البحث بنقاش منهج ومقومات‬
‫وقواعد الدعوة السلمية الصوفية اليت هبا اجنذب إىل اإلسالم وأقبل عليه أهل هذا البلد بكل‬
‫حب وشغف؛ واثلثا‪ ،‬أببرز مشايخ صوفية هذه املنطقة ومدارسها وطرقها وتعاليمها وطقوسها‬
‫الدينية ونشاطاهتا اجلتماعية وعالقاهتا املتبادلة مع التصوف العريب‪.‬‬

‫و أشكر جزيلة الشكر إىل فضيلة أستاذان الكرمي‪ ,‬د‪ .‬عبد الوهاب جان الذي قد‬
‫كلفين بكتابة و اإلختيار هذا املوضوع النافع فجزاك هللا خرياً‪.‬‬

‫و هللا املوافق و اهلادي إيل سواء السبيل‪ ,‬و احلمد هلل رب العاملني‪ ,‬و صلى هللا على‬
‫نبينا حممد و على آله و أصحابه أمجعني‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أمهية املوضوع‬

‫فإن هذا املوضوع هو موضوع مهم حيث نعرف أحوال الصوفية يف عامل اإلسالمية‪,‬‬
‫و خصوصا أحواهلا يف إندونيسيا‪ .‬و البحوث الذي حيلل و يفصل أحوال الصوفية يف‬
‫إندونيسيا أيضاً ليس بكثري‪ ,‬و هذا يكون مهم أن أكتب حبثي يف هذا املوضوع‪.‬‬

‫التصوف‪ ,‬و يكون ابلتمام أن أكتب‬


‫و أيضاً أان أرغب يف كتابة البحث حول موضوع ّ‬
‫حبثي يف هذا املوضوع "جهود الصوفياء يف نشر اإلسالم يف إندونيسيا"‪.‬‬

‫أسباب إختيار املوضوع‬

‫تطور الصوفية يف عامل اإلسالم‬


‫‪ .1‬معرفة أحوال ّ‬
‫‪ .2‬معرفة جهود الصوفياء يف نشر اإلسالم يف إندونيسيا و منهجه يف الدعوة‬

‫‪ .3‬معرفة بعض الطرق الصوفية يف إندونيسيا و علمائهم‬

‫‪ .4‬معرفة كيفية دخول الصوفية يف إندونيسيا‬

‫‪ .5‬معرفة جهود الصوفياء يف رد على اإلستعمار و على اخلرفات يف إندزنيسيا‬

‫املنهج هذا البحث‬

‫يف هذا البحث‪ ,‬أحول أن استخدم منهج التحليل و الوصف حيث أشرح فيه أبخذ‬
‫من بعض املراجع و املصادر املوجودة إما من اللغة العربية و اإلجنليزية و اإلندونيسيا‪ .‬مث‬
‫أمجعها و أرتبها حىت يتم هذا البحث و إبشراف من أستاذ مشرف البحث‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫إشكالية البحث‬

‫و بعض مشاكل أجدها يف حالل كتابة هذا البحث‪ ,‬منها من املصادر البحث املقصورة‬
‫من الكتوب و خصوصا يف هذا البالد‪ ,‬و أيضاً بعض كتب الرتاجم علماء الصويف يف‬
‫إندونيسيا‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫خطة البحث‬

‫املبحث األول ‪ :‬تعريف التصوف‬

‫املصطلحات الصوفية‬ ‫‪:‬‬ ‫املطلب األول‬

‫تصوف‬
‫ألصل كلمة ّ‬ ‫‪:‬‬ ‫املطلب الثاين‬

‫تعريف التصوف لدى املتصوفة أنفسهم‬ ‫‪:‬‬ ‫املطلب الثالث‬

‫مفهوم التصوف يف اإلسالم‬ ‫‪:‬‬ ‫املطلب الرابع‬

‫نظرة امجالية اىل مراحل تطور التصوف‬ ‫املطلب اخلامس ‪:‬‬

‫التصوف يف اإلندونيسيا‬ ‫املطلب السادس ‪:‬‬

‫اتريخ دخول التصوف إىل إندونيسيا‬ ‫‪:‬‬ ‫املطلب السابع‬

‫املبحث الثاين ‪ :‬طرق الصوفية و علماء الصويف يف اندونيسيا‬

‫بعض طرق الصوفية يف إندونيسيا‬ ‫‪:‬‬ ‫املطلب األول‬

‫‪ .1‬الطريقة النقشبندية‬
‫‪ .2‬الطريقة القادرية‬
‫‪ .3‬الطريقة التيجانية‬
‫‪ .4‬الطريقة الشاذلية‬
‫‪ .5‬الطريقة الرفاعية‬

‫تطور الصوفية وطرقها وأبرز مشاخيها يف إندونيسيا‬ ‫‪:‬‬ ‫املطلب الثاين‬

‫املبحث الثالث ‪ :‬جهود الصوفياء يف نشر اإلسالم يف إندونيسيا‬

‫‪4‬‬
‫مناهج الدعوة الصوفية يف إندونيسيا‬ ‫‪:‬‬ ‫املطلب األول‬

‫• دعوة امللوك والشعوب إىل اإلسالم‬


‫• املشاركة يف النظام السياسي واإلداري‬
‫• إنشاء املساجد واملدارس اإلسالمية‬
‫• التأليف والرتمجة‬

‫اجلهود يف نشر االإسالم‬ ‫‪:‬‬ ‫املطلب الثاين‬

‫اجلهود يف إسالمية التقاليد واالأدب والثقافة احمللية‬ ‫‪:‬‬ ‫املطلب الثالث‬

‫‪5‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬تعريف التصوف‬

‫املصطلحات الصوفية‬ ‫‪:‬‬ ‫املطلب األول‬

‫تصوف‬
‫ألصل كلمة ّ‬ ‫‪:‬‬ ‫املطلب الثاين‬

‫تعريف التصوف لدى املتصوفة أنفسهم‬ ‫‪:‬‬ ‫املطلب الثالث‬

‫مفهوم التصوف يف اإلسالم‬ ‫‪:‬‬ ‫املطلب الرابع‬

‫نظرة امجالية اىل مراحل تطور التصوف‬ ‫املطلب اخلامس ‪:‬‬

‫التصوف يف اإلندونيسيا‬ ‫املطلب السادس ‪:‬‬

‫اتريخ دخول التصوف إىل إندونيسيا‬ ‫‪:‬‬ ‫املطلب السابع‬

‫‪6‬‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫األول ‪ :‬تعريف التصوف‬


‫املبحث ّ‬
‫‪ .1‬املصطلحات الصوفية‬
‫• التصوف ‪ :‬مصدر من تصوف تصوفاً‪ ,‬و هي طريقة سلوكية قوامها‬
‫‪1‬‬
‫التقشف و التحلي ابلفضائل‪ ,‬لتزكوا النفوس و تسموا الروح‬
‫• الطريقة ‪ :‬لطريقة الصوفية تعين ً‬
‫أوال النسبة إىل شيخ يزعم لنفسه الرتقي‬
‫يف ميادين التصوف والوصول إىل رتبة الشيخ املريب‪ .‬ويدعي لنفسه‬
‫ابلطبع رتبة صوفية من مراتب األولياء عند الصوفية كالقطب والغوث‬
‫والوتد والبدل‪.‬‬
‫ضلِ ْل فَلَ ْن ََِت َد لَهُ َولِيًّا ُمْرِش ًدا‬ ‫• مرشد ‪ :‬اسم فاعل من َ‬
‫أرشد‪َ { :‬وَم ْن يُ ْ‬
‫}‪ ,2‬مرب ليدله على الطريق‪ ،‬ويرفع عنه األخالق املذمومة‪ ،‬ويضع‬
‫‪3‬‬
‫مكاهنا األخالق احملمودة‬
‫• السالك ‪ :‬الذي مشى على املقامات حباله ال بعلمه وتصوره‪ ،‬فكان‬
‫‪4‬‬
‫العلم احلاصل له عينا أييت من ورود الشبهة املضلة له‬
‫تصوف‬
‫‪ .2‬أصل كلمة ّ‬
‫األول من املسلمني ابسم الصوفية قائالً‬
‫يعلل القشريي يف رسالته عدم تسمية اجليل ّ‬
‫أنّه بعد وفاة النيب صل هللا عليه و سلّم كان املسلمون ممن صحبوه يرون ألنفسهم شرفاً ال‬
‫يدانيه شرف يف أن يسموا ابالصحابة‪ ,‬وكذالك األمر ابلنسبة للجيل الذي تالهم‪ ,‬فكانوا‬

‫‪ 1‬معجم الوسيط عجم عريب من إصدار جممع اللغة العربية ابلقاهرة‪ ،‬الطبعة الثالثة عام ‪1998‬‬
‫‪ 2‬الكهف‪17 :‬‬
‫‪ 3‬خالصة التصانيف يف التصوف‪ ،‬أتليف‪ :‬الغزايل ص‪.18‬‬
‫‪ 4‬تعريف ابن عريب‬

‫‪7‬‬
‫يرون يف اطالق لفظ التابعني عليهم شرفاً‪ ,‬فلم تظهر لذالك تسمية املقبلني على العبادة‬
‫‪5‬‬
‫ابلزهاد و العباد و النسك و البكائني مثّ الصوفية اال بعد اجليل الصحابة و التابعني‪.‬‬

‫و قد اختلف يف اشتقاق كلمة (الصويف) و قد قيل ‪ :‬الظاهر من هذاالسم أنه لقب اذ ال‬
‫يشهد له من جهة العربية اشتقاق أو قياس‪ ,‬و قد قيل ‪ :‬هو من الصوفاء‪ ,‬و اىل هذا يشري‬
‫أبو الفتح البسيت بقوله ‪:‬‬

‫فيه و ظنوه مشت ّقا من الصويف‬ ‫التنازع الناس يف الصويف و اختلفوا‬


‫‪6‬‬
‫صاىف فصوىف حىت لقب الصوىف‬ ‫ولست أحنل هذا االسم غري الفىت‬

‫مشتق من الصفو مبعىن الصفا أيضاً‪ ,‬و قيل أنه مشتق من الصف ألن الصوفية يف‬
‫وقيل أنه ّ‬
‫صف األول أمام هللا‪ ,‬و قيل أنه نسبة من أهل الصوفة‪ ,‬و كانوا قوماً من الفقراء املهاجرين و‬
‫األنصار بنيت هلم صفة يف مؤخرة مسجد الرسول‪ ,‬و كانوا يقيمون فيها و كانوا معرفني‬
‫ابعبادة ‪ ,‬ز قيل أنه مشتق من الصفة‪ ,‬و قيل هو مشتق من اسم صوفة بن مرة أحد سدنة‬
‫الكعبة يف اجلاهلية‪ ,‬و قيل من كلمة ( سوفيا) اليواننية اليت تعين احلكمة‪ ,‬و قيل غري هذا‪,‬‬
‫ولكن الدراسة العلمية أثبتت أن هذه الوجوه كلها بعيدة‪ ,‬و األصوب أن يقال ان اشتقاق‬
‫كلمة صويف هو من (الصوف)‪ ,‬فقال ‪ :‬تصوف الرجل اذا لبس الصوف‪ ,‬و كان لبس‬
‫الصوف شعاراً للعباد و الزهاد األول نشأة الزهد‪ ,‬و كثري من الصوفية أنفسهم يذهبون اىل‬
‫هذا الرأي األخري‪ ,‬و منهم السراج الطوسي يف كتابه (اللمع)‪ ,‬و يؤيده ابن خلدون و اخرون‪.‬‬

‫‪ .3‬تعريف التصوف لدى املتصوفة أنفسهم‬

‫‪ 5‬الرسالة القشريية ‪ ,‬القاهرة ‪133‬ه‪ ,‬ص ‪8-7‬‬


‫‪ 6‬احلياة الروحية يف اإلسالم‪ ,‬د‪ .‬حممود مصطفى حلمي‪ ,‬ص ‪89-83‬‬

‫‪8‬‬
‫وقد اختلفوا اختالفاً كثرياً يف تعريفه‪ ،‬كما اختلفوا يف أصله واشتقاقه‪ ،‬بل اختلفوا هنا‬
‫يف تعريفه اختالفاًكثرياً حىت تناقضت وتعارضت تعريفاهتم فمن املتصوفة الذين أوردوا تعريفات‬
‫عدة للتصوف‪:‬‬
‫‪- 1‬معروف الكرخي التصوف األخذ ابحلقائق واليأس مما يف أيدي اخلالئق‪.7‬‬
‫‪ -2‬اجلنيد (التصوف أن تكون مع هللا بال عالقة) وقد عرفه أيضاً مبا يلي فقال‪( :‬التصوف‬
‫تصفية القلب عن موافقة الربية ومفارقة األخالق الطبعية وإمخاد الصفات البشرية وجمانبة‬
‫‪8‬‬
‫الدواعي النفسانية ومنازلة الصفات الرابنية والتعلق بعلوم احلقيقة واتباع الرسول يف الشريعة)‬
‫عرف سحنون التصوف مبا يلي حني ُسئل عنه فقال‪( :‬التصوف هو أن ال متلك‬
‫‪ -3‬وقد َّ‬
‫‪9‬‬
‫شيئاً وال ميلك شيء)‬
‫‪ .4‬مفهوم التصوف يف اإلسالم‬

‫مر التصوف يف اإلسالم مبراحل متعددة‪ ,‬و تواردت عليه ظروف املختلفة‪ ,‬و اختذ‬ ‫ّ‬
‫تبعاً لكل مرحلة‪ ,‬ووقفاً ملا مربه من ظروف‪ ,‬مفاهيم متعددة‪ ,‬و لذالك كثرت تعريفته‪ ,‬و كل‬
‫تعريف منها قد يشري اىل بعض جوانبه دون البعض االخر‪ .‬ولكن يظل هناك أساس واحد‬
‫للتصوف ال خالف عليه‪ ,‬وهو أنه أخالقيات مستمدة على اإلسالم‪ .‬و لعل هذا ما أشار‬
‫إليه ابن القيم يف (مدارج السالكني) قائالً ‪" :‬التصوف خلق‪ ,‬فمن زاد عليك يف اخللق زاد‬
‫عليك يف الصفاء"‪.10‬‬

‫‪ 7‬عوارف املعارف ‪ ,‬للسهروردي ‪,‬ص ‪62‬‬


‫‪ 8‬التعريف ملذهب أهل التصوف‪ ,‬للكالبذي‪ ,‬ص ‪34‬‬
‫‪ 9‬اللمع‪ ,‬الطوسي‪ ,‬ص ‪15‬‬
‫‪ 10‬تصوف بدائرة املعارف اإلسالمية‪ ,‬مصطفى عبد الرزاق‬

‫‪9‬‬
‫التصوف اذن يف أساسه خلق‪ ,‬وهو هبذا االعتبار روح اإلسالم ألن أحكام االسالم‬
‫كلها مردودة اىل أساس األخالقي‪.11‬‬

‫ذالك أننا اذا نظران اىل قران الكرمي فسنجده جاءان أبنواع خمتلفة من األحكام الشرعية‪,‬‬
‫و هي تندرج بوجه عام حتت ثالثة أقسام رئيسية ‪ :‬العقائد و الفروع من العبادات و‬
‫املعامالت‪ ,‬و األخالق‪ ,‬فلنوضح ما ينطوي عليه كل قسم منها ‪:‬‬

‫أما العقائد فتشمل اإلميان بوجود هللا الصانع القادر املختار ووحدانيته و عبادته وحده‬
‫الشريك له ‪ ,‬و اإلميان مبالئكته و كتبه و رسله و اليوم االخر و القدر خري و شره‪.‬‬

‫و أما األحكام الشرعية الفرعية اليت تضمنها القران فتشمل أحكام العبادات و‬
‫الكفارات و النذور و املعامالت املالية و أحكام األسرة و أحكام اجلرائم و العقوابت املقررة‬
‫عليها‪ ,‬و أحكام الدولة ‪ ,‬و ما ذالك مما هو تضمن يف كتب الفقه ابلتفصيل‪.‬‬

‫بقيت بعد انحية األخالق يف القران‪ ,‬فقد وردت يف القران الكرمي اايت كثرية حتث‬
‫على مكارم األخالق‪ ,‬كالزهد و الصرب و التوكل و الرضا و احملبة و اليقني و ما اليها‪ ,‬مما‬
‫يندب اليه كل مسلم ليكمل اميانه‪ ,‬و قد بني القران أ ّن الرسول صل هللا عليه وسلم هو‬
‫االسوة احلسنة ملن يريد التكمل هبذه الفضائل يف أرقى صوره‪.‬‬

‫واحلقيقة أن األخالق االسالم هي أساس الشريعة حبيث اذا افتقرت أحكام الشريعة‪,‬‬
‫سواء يف ذالك األحكام االعتقادية أو االحكام الفقهية‪ ,‬اىل االساس اخللقي كانت صورة ال‬
‫روح فيها‪ ,‬أو هيكال فارغاً من املضمون‪.‬‬

‫‪ 11‬املدخل إىل التصوف اإلسالمى ‪ ,‬د‪ .‬الوفا الغنيمي التفتازين‪ ,‬ص ‪12-11‬‬

‫‪10‬‬
‫ان التدين ليس جمرد التمسك بشكليات الدين جون جوهره‪ .‬أو ادعاء الدين لتحقيق‬
‫مآرب ذاتية‪ ,‬و امنا التدين هو الفهم الواعي للدين و العمل به مبا يربط حياة التعبد حبياة‬
‫اجملتمع ‪ ,‬فال ينعزل الدين و يتوقع أصحابه بعيداً عن احلقائق احلياة‪.‬‬

‫ان من أهم ما ينبغي ان يفهم عليه الدين أنه يف جوهره أخالق بني العبد و ربه ‪ ,‬و‬
‫بينه و بني نفسه‪ ,‬و بينه و بني أسرته‪ ,‬مثّ بينه وبني األفراد جمتمعة‪.12‬‬

‫أدرك صوفية اإلسالك أمهية أساس األخالقى للدين فجعلوا اهتمامهم موجهاً إليه‪ ,‬و‬
‫أي علم من العلوم اليقرتن ابخلشية من هللا و املعرفة به فال جدوى منه و ال‬
‫ذهبوا اىل ا ّن ّ‬
‫طائالً حتته‪ ,‬فما أكثر ما َت ّد من العلم يف الكتب حبيث يسهل عليك حتصيله‪ ,‬أما األخالق‬
‫حتصيلها عسري ألهنا تكون مثرة ممرسة شاقة و صراع بني اإلنسان و نفسه األمارة ابلسوء‬
‫ليلزمها جادة الصواب‪ .‬و ملا حبثوا يف األخالق على هذا النحو الذي أشران اليه يف اإلعتبار‬
‫أهنا جوهر الدين‪ ,‬أنشأوا بذاللك علماً مستقال مكمال لعلمى الكالم و الفقه‪ ,‬فاعترب عند‬
‫املسلمني من العلوم الشرعية‪ ,‬أي العلوم اليت تستند من القرآن و السنة‪ .‬و هلذا عرفه ابن‬
‫خلدون بقوله ‪" :‬علم التصوف من العلوم الشرعية احلادثة يف امللة‪ ,‬و أصله عند سلف األمة‬
‫و كبارها من الصحابة و التابعني و من بعدهم‪ ,‬طريق احلق و اهلداية‪ ,‬و أصلها العكوف‬
‫على العبادة‪ ,‬و اإلنقطاع اىل هللا تعاىل‪ ,‬و األعراض عن زخرف الدنيا و زينتها‪ ,‬و الزهد فيما‬
‫يقبل عليه اجلمهور من لذة و مال و جاه‪ ,‬و االنفراد عن اخللق يف اخللوة و للعبادة‪ ,‬و كان‬
‫ذالك عاما يف الصحابة و السلف‪ .‬فلما فشا االقبال على الدنيا يف القرن الثاين وما بعده‪,‬‬
‫و جنح الناس اىل خمالطة الدنيا‪ .‬اختص املقبلون على العبادة ابسم الصوفية و املتصوفة"‪.13‬‬

‫‪ 12‬املدخل إىل التصوف اإلسالمى ‪ ,‬د‪ .‬الوفا الغنيمي التفتازين‪ ,‬ص ‪12‬‬
‫‪ 13‬املقدمة‪ ,‬املطبعة الباهية‪ ,‬القاهرة‪ ,‬ص ‪328‬‬

‫‪11‬‬
‫و من هذا يتبني لك أن التصوف يف اإلسالم‪ ,‬كعلم الديين‪ ,‬خيتص جبانب األخالق‬
‫و السلوك‪ ,‬وهو روح اإلسالم‪.‬‬

‫على أن التمييز بينه و بني علم الكالم (الباحث يف العقائد) و علم الفقه (الباحث‬
‫يف العلم االحكام و الفروعية العملية) متييز االعتبار فقط‪ ,‬و ليس حقيقياً‪ ,‬فاألصل يف الشريعة‬
‫أنه واحدة‪ ,‬فالعلم الفقه يستند اىل علم الكالم استناد الفرع اىل األصل‪ ,‬و علم التصوف‬
‫يستند اىل علم الكالم و الفقه‪ ,‬فالبد للصويف من علم الكامل ابلكتاب و السنة‪ ,‬و لذالك‬
‫يقول الشعراين يف طبقاته ‪:‬‬

‫"هو (أي علم التصوف) علم انقدح يف القلوب األولياء حني استنارت ابلعلم الكتاب‬
‫‪14‬‬
‫و السنة‪ ,‬و التصوف امنا هو زبدة عمل العبد أبحكام الشريعة"‬

‫‪ .5‬نظرة امجالية اىل مراحل تطور التصوف‬


‫بعد أن حددان مفهوم التصوف يف اإلسالم بوجه عام حيسن أن نشري اىل مراحل‬
‫تطوره ابجياز ‪:‬‬
‫و املرحلة االوىل يف نشأة التصوف هي اليت تسمى مبرحلة الزهد‪ ,‬و هي واقعية يف‬
‫القرنني األول و الثاين اهلجريني‪ ,‬فقد كان هناك أفراد املسلمني أقبلوا أبدعية و قرابت‪ ,‬و‬
‫كانت هلم طريقة زهدية يف احلياة تتصل ابملأكل و امللبس و املسكن‪ ,‬و قد أرادوا العمل من‬
‫اآلجل اآلخرة‪ ,‬فآثروا النفسهم هذا النوع من احلياة و السلوك‪ ,‬و نضرب ألولئك مثال احلسن‬
‫البصرى م ‪110‬ه‪ .‬و رابعة العدوية م ‪185‬ه‪.‬‬
‫و منذ القرن الثالث للهجرة جند الصوفية و قد عنوا ابلكالم يف الدقائق أحول النفس‬
‫و السلوك‪ ,‬و غلب عليهم الطابع األخالقي يف علمهم و عملهم‪ ,‬فصار التصوف على‬

‫‪ 14‬الشعراين‪ ,‬الطبقات الكربى‪ ,‬ج ‪, 1‬ص ‪4‬‬

‫‪12‬‬
‫أيديهم علما لألخالق الدينية‪ ,‬و كانت مباحثهم األخالقية تدفعهم اىل التعمق يف دراسة‬
‫النفس االنسانية و دقائق أحوال سلوكها‪ ,‬و ظهر الكالم يف الفناء الصويف خصوصاً على يد‬
‫بسطامي‪ ,‬و نشأمن ذالك كله علم للصوفية يتميز عن علم الفقه من انحية املوضوع و املنهج‬
‫و الغاية‪ ,‬و له لغته االصطالحية اخلاصة الىت ال يشارك الصوفية فيها غريهم‪ .‬و من انحية‬
‫األخرى جند بعض الشيوخ التصوف كاجلنيد و السرى السقطى و اخلراز و غريهم‪ ,‬جيمعون‬
‫حوهلم املريدين من أجل تربيتهم فتكونت أول طرق الصوفية يف اإلسالم اليت كانت آنذاك‬
‫مبثابة املدارس اليت يتلقى السالكون فيها آدب التصوف علما و عمالً‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫و كان هناك يف القرن الثالث اهلجرى أيضاً نوع من التصوف ميثله احلالج الذي أعدم‬
‫ملقالته يف احللول سنة ‪309‬ه‪ ,‬و يبدوا أنه كان متأثراً فيه بعناصر أجنبية عن اإلسالم‪.‬‬
‫مثجاء االمام الغزاىل يف القرن اخلامس اهلجري فلم يقبل من التصوف إال ماكان‬
‫متماشياً متاماً مع الكتاب و السنة‪ ,‬و رامياً إىل زهد و التقشف و هتذيب النفس و إصالح‬
‫أخالقها‪ .‬و قد عمق الغزاىل الكالم يف معرفة الصوفية عاى حنو مل يسبق اليه‪ ,‬و محل على‬
‫مذهب الفالسفة و املعتزلة و الباطنية‪ ,‬و انتهى به االمر اىل أرساء قواعد النوع من التصوف‬
‫املعتدل يساير مذهب أهل السنة و اجلماعة الكالمى‪ ,‬و خيالف التصوف احلالج و‬
‫البسطامي يف الطابع‪.‬‬
‫و منذ قرن السادس اهلجرى أخذ نفوذ التصوف السىن يف العامل االسالمى يزداد بتأثري‬
‫عظم شخصية الغزاىل‪.‬‬
‫و ظهر صوفية كبار كونوا النفسهم طرقاً لرتبية املريدين منهم سيد أمحد الرفاعي م‬
‫‪ 570‬ه‪ ,‬و السيد عبد القادر اجليالين م ‪ 651‬ه‪ ,‬و من املعتقد أهنما متأثران بتصوف‬
‫‪16‬‬
‫الغزاىل‪.‬‬

‫‪ 15‬املقدمة‪ ,‬املطبعة الباهية‪ ,‬القاهرة‪ ,‬ص ‪328‬‬


‫‪ 16‬املدخل إىل التصوف اإلسالمى ‪ ,‬د‪ .‬الوفا الغنيمي التفتازين‪ ,‬ص‪18‬‬

‫‪13‬‬
‫مثّ ظهر يف قرن السابع من اهلجري شيوخ اآلخرون ساروا على نفس الطريق‪ ,‬أبرزهم‬
‫أبو حسن الشاذىل م ‪ 656‬ه‪ ,‬و تلميذه أبو العباس املرسي م ‪ 686‬ه‪ ,‬و تلميذمها ابن‬
‫عطاء هللا السكندري م ‪ 709‬ه‪ ,‬و هم أركان املدرسة الشاذلية يف التصوف‪ ,‬و يعترب تصوفهم‬
‫أيضاً امتداداً لتصوف الغزاىل السين‪.‬‬
‫على أنه منذ قرن السادس اهلجرى أيضاً جند جمموعة األخرى من شيوخ التصوف‬
‫الذين مزجوا تصوفهم ابلفلسفة‪ ,‬فجاءت نظرهتم بني بني‪ ,‬ال هي تصوف اخلالص‪ ,‬و ال هي‬
‫فلسفة اخلالص‪ ,‬نذكر من هؤالء السهروردى املقتول صاحب (حكمة االشراق) م ‪ 549‬ه‪,‬‬
‫و الشيخ األكرب حمي الدين ابن العريب م ‪ 638‬ه‪ ,‬و السلطان العاشقني الشاعر الصويف‬
‫املصري عمر ابن الفارض م ‪ 632‬ه‪ ,‬و عبد احلق ابن سبعني املرسي م ‪ 669‬ه‪ ,‬و من‬
‫حنا حنوهم يف التصوف‪ ,‬و واضح أهنم قد استفادوا من عديد من املصادر و االراء االجنبية‬
‫كالفلسفة اليواننية‪ ,‬خصوصاً مذهب االفالطونية احملدثة‪ .‬و قد قدم لنا أولئك الصوفية النظرية‬
‫العميقة يف النفس و االخالق و املعرفة و الوجود هلا قيمتها من الناحيتني الفلسفية و‬
‫‪17‬‬
‫التصوفية‪ ,‬كما كان أتثريها على من تالهم من الصوفية املتأخرين‪.‬‬
‫‪ .6‬التصوف يف اإلندونيسيا‬
‫مما ال جدال فيه بني الدارسني و الباحثني أن دجول اإلسالم إىل األرض جاوة (يطلق‬
‫مصطلح "‪ "jawa‬يف األدبيات العربية‪ ,‬و الدارسات االستشراقية أيضاً‪ ,‬قبل منتصف القرن‬
‫يضم إندونيسيا‪,‬‬
‫العشرين امليالدي على اإلقليم املعروف اآلن جبنوب شرق آسيا و الذي ّ‬
‫ماليزاي‪ ,‬و سنغافورة‪ ,‬برواني‪ ,‬الفلبني‪ ,‬اتيالندي‪ ,‬و ما إىل ذالك)‪ ,‬و اتشاره فيها‪ ,‬أو أبحرى‬
‫"إسالمياهتا"‪ ,‬قد متت بطريقة سليمة خالفاً لكثري من املناطق العامل اإلسالمي‪ ,‬و خالفا‬

‫املدخل إىل التصوف اإلسالمى ‪ ,‬د‪ .‬الوفا الغنيمي التفتازين‪ ,‬ص‪19-17‬‬ ‫‪17‬‬

‫‪14‬‬
‫كذالك لدخول و انتشار املسيحية أىل املنطقة حيث كان يعتمد أساساً على العملية‬
‫العسكرية االستعمارية‪.‬‬
‫كانت هذه العملية السلمية يف اإلسالمية بفضل جهود مشرتكة مرتامية األطراف بني‬
‫الرحالني و املالحني املسلمني من العرب و غريهم بشكل عام‪ ,‬و الدعاة الذين‬
‫التجار و ّ‬
‫قصدوا املنطقة من أجل الدعوة بشكل اخلاص‪ .‬فكان من بني هؤالء من جاءوا من خلفية‬
‫صوفية على اختالف طرقها و اَتاهاهتا املتنوعة‪ .‬بل أ ّكد بعض الباحثني و الدارسني احملليني‬
‫احلظ األوفر من هذه العملية كان راجعاً إىل جهود هؤالء الصوفيني املخلصني‪ ,‬و ذالك‬ ‫أن َّ‬
‫استنادا إىل مصادر األدبية و الواثئق التارخية اجلاوية و نظراً إىل واقع سيادة اللون الصويف يف‬
‫‪18‬‬
‫اإلسالم هذه املنطقة‪.‬‬
‫كما تناولت ابلتحليل و النقاش تطور احلركة التصوف و ديناميتها يف إندونيسيا قدمياً‬
‫و حديثاً‪ .‬فعند التحليل األخري‪ ,‬مل تتفرد صوفية هذه املنطقة عن أخواهتا السابقة و املعاصرة‬
‫يف املناطق العامل العريب و اإلسالمي بشكل عام من حيث التعاليم و األفكار اليت ليست‬
‫متنوعة فحسب‪ ,‬بل متباينة و متعارضة أيضاً‪ .‬فقدمياً ظهرت الوجودية يف مملكة دمياك‬
‫(‪ )Demak‬اإلسالمية يف جزيرة جاوه (‪ ) Java‬يف أواخر القرن اخلامس عشر امليالدي‬
‫عند الصويف اجلاوي املشهور ابلشيخ سييت جينار (‪ )Siti Jenar‬بتعليمه عقيدة "وحدة‬
‫العبد مع هللا" (‪ ,)Manunggaling Kawulo Gusti‬كما ظهرت هذه الفكرة‬
‫كذالك يف مملكة آتشيه (‪ )Aceh‬اإلسالمية يف سومطرة (‪ )Sumatera‬يف نفس القرن‬
‫تقريباً عند الصويف املعروف ابسم محزة فنصوري (‪ .)Hamzah Fansuri‬و على الرغم‬
‫من أن هذه الفكرة كانت و ال تزال فكرة شاذة على هامش الفكر الصويف املعتدل السائد‬
‫يف املنطقة‪ ,‬فهناك بعض املفكرين اإلندونيسيني املتحمسني الذين حياولون إحياءها من جديد‬

‫د‪ .‬أنيس مالك طه ‪ ,‬التصوف يف إندونيسيا‪ ,‬مركز امليسبار للدراسات و البحوث‪ 2013 ,‬ص ‪4‬‬ ‫‪1.18‬‬

‫‪15‬‬
‫منذ مطلع القرن احلادي و العشرين الراهن‪ ,‬مما يزيد موضوع التصوف يف إندونيسيا استحقاقاً‬
‫‪19‬‬
‫أكثر للدراسة و التحليل‪.‬‬
‫‪ .7‬اتريخ دخول التصوف إىل إندونيسيا‬

‫إن اخلطاب عن دخول التصوف إىل إندونيسيا ال ميكن فصله عن دخول اإلسالم‬
‫ذاته إىل هذه املنطقة على ما أفادت الدراسات و البحوث عن هذا املوضوع‪ .‬فهناك تداخل‬
‫كبري و معقد بينهما بشكل يكاد يستحيل القطع على أيهما أقدم من اآلخر‪ ,‬و ذالك‬
‫لغياب دليل صريح و سند اترخيي صحيح على حنو ما حدث غالباً يف اتريخ دخول اإلسالم‬
‫إىل أطراف العامل اإلسالمىي بشكل عام‪ ,‬فالرواايت املوجودة الواردة يف كتابني أدبني حمليني‬
‫أوالمها بعنوان ‪( Hikayat Raja-Raja Pasai‬قصص ملوك الباساي)‪ ,‬و الثاين‬
‫بعنوان ‪( Sejarah Melayu‬اتريخ املاليو)‪ ,‬و اليت تناقلها أهل املنطقة قبلهما و بعدمها‪,‬‬
‫إمنا هي عبارة عن القصص الشعبية اليت قد اختلطت إىل حد كبري ابألساطري‪ .20‬و تالفيا‬
‫هلذا الفراغ العلمي كان من املتوقع جدا أن تظهر يف الساحة يف مثل هذا الوضع أفكار و‬
‫رؤى و أطروحات هي يف احلقيقة ال تعدو أكثر من نظرايت‪.‬‬

‫و على الرغم من القصور الذي تعاين منه هذه النظرايت و االنتقادات اليت تتوجه‬
‫إليها‪ ,21‬يظل االعتماد عليها أمرا سائغا له مربوراته العلمية و األكادمية‪ .‬فكان من بني هذه‬
‫النظرايت ما يذهب إلبه الباحثني األجناب أبن اإلسالم دخل إىل أرض جاوة أرخبيل‬

‫‪ 19‬أنيس مالك طه‪ ,‬األستاذ بقسم أصول الدين و مقارنة األداين كلية معارف الوحي اإلسالمي و العلوم اإلنسانية ‪ ,‬اجلامعة اإلسالمية العاملية‬
‫مباليزاي‪.‬ص ‪4-3‬‬
‫‪20 Hikayat Raja-Raja Pasai (Kuala Lumpur; Fajar Bakti, 1987); Tun Seri Lanang, Sejarah‬‬

‫‪Melayu, ed. By William Girdlestone Shellabear (Kuala Lumpur: Fajar Bakti, 1987).‬‬
‫‪21 Prof. Dr. Azyumardi Azra, Jaringan Ulama Timur Tengah dan Kepulauan Nusantara Abad‬‬

‫‪XVII & XVIII, Akar Pembaruan Islam Indonesia. Edisi Revisi (Jakarta: Kencana, 2004).‬‬
‫‪PP.19-2‬‬

‫‪16‬‬
‫نوسانتارا (‪ )Nusantara‬مع الدعاة الصوفيني‪ ,‬فانتشر فيها بصورة مكثفة و كاسحة و‬
‫بسرعة ابرقة بفضل جهودهم املضنية يف الدعوة إىل هذا الدين اجلديد‪ ,‬ملا هلا من األساليب‪,‬‬
‫على حد تعبري أنطوين جزنز‪ ,‬تتميز هبدؤ و سلم و استعدادات كثري منهم للتعاطف و التكيف‬
‫و االنصهار مع العادات و التقاليد احمللية قبل اإلسالم‪ .‬و قد أكد جونز نظريته هذه جمداد‬
‫إثر ظهور االنتقادااتملوجهة إليها قائالً ‪:‬‬

‫كان يف اجتهادي إعطاء األولوية للحركة الصوفية يف األسلمة اخلطأ‪ ,‬و لكن مل يكن‬
‫خطأ كليا‪ .‬إذا كان التعميم أبن جزر اهلند أصبحت إسالمية بسبب اجلاذبية الروحية لدى‬
‫الصوفية‪ ,‬هو واسع جدا‪ ,‬فليس من اخلطأ ابضرورة أن نقول أن العديد‪ ,‬إن مل يكن الغالبية‬
‫العظمى من العلماء الذين لعبوا دورا يف إنشاء التجمعات املسلمة يف جنوب شرق آسيا‬
‫كانت لديهم االنتماءات الصوفية‪ .‬و على نفس املنوال‪ ,‬فمن املؤكد أهنا مفرطة يف تبسيط‬
‫يف الكالم أبن اإلسالم قد مت تقدميها إىل جزر اهلند من قبل التجار دون اىل العلماء‬
‫‪22‬‬
‫(الصوفيني)‪.‬‬

‫و قد مال إىل هذه النظرية كثري من الباحثني اإلندونيسيني املتأخرين‪ ,‬و يف مقدمتهم‬
‫أزيوماردي عزرا (‪ ,)Azyumardi Azra‬و مؤكدين أن هذه النظرية هي الوحيدة اليت‬
‫ميكن أن تقدم تفسريا لواقع سيادة اللون الصويف لألسالم يف هذه املنطقة‪ 23.‬و لكن يبقى‬
‫هناك سؤال أساسي هام يتعلق ابلتاريخ ال جواب له حىت اآلن ابلتفاق بني الفريقني املؤيدين‬
‫ة املعارضني‪ ,‬وهو مىت و على يد أي صويف كان ذالك الدخول على وجه التحديد‪ ,‬نظر إىل‬
‫أن الداللة و الشواهد األثرية تدل واضحة على أن اإلسالم قد دخل يف هذه املنطقة قبل‬
‫ظهور احلركات و الطرق الصوفية يف العامل اإلسالمي ؟ خاصة و أن أصحاب هذه النظرية‬

‫‪22‬‬ ‫‪John, Islamization in Southeast Asia, P. 58‬‬


‫‪23‬‬ ‫‪Azra, Jaringan Ulama, P.14‬‬

‫‪17‬‬
‫إمنا خلصوا إىل تلك النتيجة بناء على شيوع الصوفية يف األماكن املختلفة من املنطقة يف‬
‫العصور اليت شاهدت انتشار الطرق الصوفية يف العامل اإلسالمي بشكل عام منذ القرن‬
‫السادس اهلجري أو الثاين عشر امليالدي‪.‬‬

‫و بدون الدخول يف اجلدل حول هذا املوضوع‪ ,‬فالظاهر هو احتمل دخول التصوف‬
‫مع دخول اإلسالم يف أرض جاوة أو أرخبيل املاليو‪ ,‬و ذالك يف بداية القرون األوىل للهجرة‪,‬‬
‫على يد الدعاة املسلمني العرب‪ ,‬على حنو ما جاء ذمن تقرير املؤمتر عن "دخول اإلسالم فيب‬
‫إندونيسيا" املنعقد يف امليدان (‪ ,)Medan‬و من ‪ 17‬إىل ‪ 20‬مارس ‪1963‬م‪ 24,‬خاصة‬
‫إذا أخذان يف االعتبار مفهوم التصوف ذالك املعىن العام الذي هو اجلانب السلوكي األخالقي‬
‫لإلسالم‪ ,‬أو "مقام اإلحسان"‪ ,‬و على ما تقرر عند العلماء التصوف السوين‪ .25‬و يبدوا‬
‫هذه الذي يقصده جونز‪ ,‬رائد هذه النظرية‪ ,‬حيث يقول ‪:‬‬

‫ال ينبغي أن يعىن ابلصوفية أبهنا منفصلة أو متميزة عن جسد الفقه الواسع حيث‬
‫كانت تكملها و تنموا جبانبه انبثاقا من املصادر األولية‪ ,‬القرآن الكرمي و السنة النبوية الشريفة‪,‬‬
‫على الرغم من أن دار اإلسالم قد انقسمت منذ فرتة طويلة يف التقرير موقفها من التقليد‬
‫الصويف الثيوصوفية البن العريب‪ .‬فكان شيوخ الصوفية ال يفهم ابلضرورة أهنم كأفراد أو مجاعة‬
‫من فصلني عن العلماء‪.‬‬

‫أما التصوف يف املفهوم املعروف بطرقه املختلفة فقد أتكد عند الباحثني و املؤرخني‬
‫اتفاقا ان التصوف و الطرق الصوفية قد مت العثور على تواجدها و نشاطها بشكل ملحوظ‬
‫يف بعض الوالايت املنطقة‪ ,‬خاصة يف مشال سومطرة و مشال جاوة‪ ,‬يف أواخر قرن السادس‬

‫‪24‬‬
‫‪Risalah Seminar Sedjarah Masuknja Islam Ke Indonesia… tgl. 17 sampai 20 Maret 1963 di‬‬
‫‪Medan. Publ. by Pertjetakan (Waspada), Medan, 1963‬‬
‫‪ 25‬يقول السيد صديق الغمري رمحه هللا يف رسالته ‪" :‬فغاية ما تدعو إليه الطريقة و تشري إليه هو مقام اإلحسان بعد تصحيح اإلسالم و اإلميان"‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫عشر امليالدي و أوائل القرن السابع عشر امليالدي‪ ,‬و ذلك بناء على مؤلفات أدبية من‬
‫الرسائل و أشعار صوفية االَتاه ابللغة اجلاوية و املاليوية بدأت تظهر خالل هذا الرتيخ‪ .‬و‬
‫من هذه املؤلفات اليت تضل أكثر وضوحاً على وجود الطرق الصوفية خالل هذه الفرتة ما‬
‫جاء يف بعض أشعار محزة فنصوري م ‪ ,1600‬حيث ذكر فيه اسم مؤسس الطريقة‬
‫القادرية‪ .26‬و أما قبله فظل احتمال ظهور التصوف يف هذه املنطقة أمرا واردا‪ ,‬كما سبق‬
‫التعرض له‪ ,‬و لكن بدون دليل اثبت قوي‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪Syed Muhammad Naquib al-Attas, The Mysticism of Hamza Fansuri. (Kuala Lumpur,‬‬
‫)‪University of Malaya Press, 11, (1970‬‬

‫‪19‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬طرق الصوفية و علماء الصويف يف اندونيسيا‬

‫بعض طرق الصوفية يف إندونيسيا‬ ‫املطلب األول ‪:‬‬

‫‪ .6‬الطريقة النقشبندية‬
‫‪ .7‬الطريقة القادرية‬
‫‪ .8‬الطريقة التيجانية‬
‫‪ .9‬الطريقة الشاذلية‬
‫الطريقة الرفاعية‬ ‫‪.10‬‬

‫تطور الصوفية وطرقها وأبرز مشاخيها يف إندونيسيا‬ ‫املطلب الثاين ‪:‬‬

‫‪20‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬طرق الصوفية و علماء الصويف يف اندونيسيا‬

‫طريق لغة‪ :‬هي السري أىل هللا‪ ،‬وطريقة الرجل‪ :‬مذهبه‪ ،‬يقال‪ :‬هو على طريقة حسنة‬
‫وطريقة سيئة‪ .‬واصطالحا‪ :‬اسم ملنهج أحد العارفني يف التزكية والرتبية واألذكار واألوراد أخذ‬
‫هبا نفسه حىت وصل إىل معرفة هللا‪ ،‬فينسب هذا املنهج إليه ويعرف ابمسه‪ ،‬فيقال الطريقة‬
‫الشاذلية والقادرية والرفاعية نسبة لرجاالهتا‪ .‬واسم الطريقة مقتبس من القرآن يف اآلية‪َ " :‬وأَ ْن‬
‫ِ‬
‫اه ْم َماءً َغ َدقًا‪.‬‬ ‫استَ َق ُاموا َعلَى الطَِّري َقة َأل ْ‬
‫َس َقْي نَ ُ‬ ‫لَ ِو ْ‬
‫‪27‬‬

‫‪ .1‬بعض طرق صوفية يف إندونيسيا‬

‫و بعض الطرق الصوفية املوجودة يف إندونيسيا منها‪:‬‬

‫‪ .1‬الطريقة النقشبندية‬
‫الطريقة النقشبندية هي واحد من أكرب الطوائف الصوفية واليت تنتسب إىل حممد هباء‬
‫الدين شاه نقشبند واشتق امسها منه‪ ،‬ومن مث عرفت به‪ .‬الطريقة النقشبندية هي الطريقة‬
‫الوحيدة اليت ت ّدعي تتبع السلسلة الروحية املباشرة مع نيب اإلسالم حممد من خالل أبو بكر‬
‫الصديق وبذلك تكون تلك الطريقة مرتبطة بطريق غري مباشر بسيدان علي عن طريق جعفر‬
‫‪28‬‬
‫الصادق‪ .‬ختتلف بقية الطرق عن تلك الطريقة أبن سلسلتها خالل سيدان علي‪.‬‬
‫املنهج النقشبندي‬

‫‪ 27‬سورة اجلن ‪16‬‬


‫‪28‬صحيفة الشرق األوسط (‪ 4‬يونيو ‪" .)2010‬النقشبندية‪ ..‬طريقة صوفية تلبس عباءة السياسة"‪ .‬اطلع عليه بتاريخ ‪ 8‬يونيو ‪2013‬‬

‫‪21‬‬
‫ال فرق بني الشريعة والطريقة ولكن الصويف ينقطع للذكر والفكر فيصفو قلبه‪ ،‬يزيد‬
‫إميانه فيكون عني اليقني فيطبق الشريعة بقلب ممتلئ اإلميان‪ .‬ومن احنرف عن الشريعة برأت‬
‫منه الطريقة‪ .‬وبعد هذه املقدمة آن لنا أن نعرف‪:29‬‬
‫‪ 1‬ما هو املنهج النقشبندي للوصول إىل قمم اآلمال الروحية؟‬
‫‪ 2‬كيف بدأت النقشبندية؟ وسلسلة رجاهلا رمحهم هللا‪.‬‬
‫‪ 3‬مىت مسيت هذه الطريقة ابلنقشبندية؟ وملاذا؟‬
‫نشري أوالً إىل أقوال ملشايخ التصوف قبل الشروع يف اإلجابة املفصلة‪:‬‬
‫قال الشيخ عبد هللا الدهلوي املتوىف يف (‪)1240‬ه ‪ :‬إن مثرة هذه الطريقة "النقشبندية"‬
‫هي احلضور الدائم يف حضرة احلق تعاىل وترسيخ العقيدة اإلسالمية عقيدة أهل السنة واجلماعة‬
‫وإتباع سنة النيب الكرمي (صلى هللا عليه وسلم)‪.‬‬
‫ويف كتاب احلديقة الندية للشيخ حممد بن سلمان البغدادي يروى أن الشيخ حممد‬
‫مراد األزبكى قال‪" :‬إن الطريقة النقشبندية طريقة الصحابة الكرام ابقية على أصلها‪ ،‬مل يزيدوا‬
‫ومل ينقصوا وهي عبارة عن دوام العبودية ظاهرا وابطنا بكمال االلتزام ابلسنة والعزمية ومتام‬
‫اجتناب البدعة والرخصة يف مجيع احلركات والسكنات من عادات ومعامالت مع دوام احلضور‬
‫مع هللا تعاىل على طريق الذهول واالستهالك"‬
‫ونقل يف نفس املصدر عن أبن حجر اهليتمي ‪ 974 909‬ه "الطريقة العلية الساملة‬
‫من كدورات جهلة الصوفية هي الطريقة النقشبندية" قال مقدم كتاب القدسية‪ :‬التصوف‬
‫النقشبندي إتباع السنة وهو معتدل و وسط وأساسه تطبيق الشريعة وَتنب البدع‪.‬‬
‫ويقول أيضاً‪ :‬إن اعتدال السلوك النقشبندي وما فيه من إتباع الشريعة‪ ،‬ويسر الطريقة‬
‫كان السبب يف شيوع هذه الطريقة السيما بني علماء الدين فقلب الصويف النقشبندي هلل‪،‬‬

‫‪29‬‬ ‫‪http://aboabdo.ahlamontada.com/t41-topic‬‬

‫‪22‬‬
‫وجسمه للناس‪ .‬واحلقيقة أن املشايخ الذين وصفوا هذه الطريقة جممعون على أهنا إتباع للشريعة‬
‫أوال‪ ،‬والدوام على الذكر والفكر والعبودية واإلخالص واإليثار ونكران الذات اثنيا‪،‬‬
‫وابلنسبة جلواب السؤال األول نقول‪ :‬جاء يف كتاب إيضاح الطريق‪ :‬إن النقشبنديني‬
‫هلم ثالث طرق للوصول إىل قمة املراد‪:‬‬
‫‪ 1‬الدوام على الذكر ‪.‬‬
‫‪ 2‬املراقبة‪.‬‬
‫‪ 3‬طاعة املرشد‪.‬‬
‫ال بد من القول أن اخلطوة األوىل هي التوبة أي اإلقالع عن كل عمل سيء بشكل‬
‫ابت‪ .‬وتطبيق تعاليم القرآن والسنة النبوية‪.30‬‬
‫‪ .2‬الطريقة القادرية‬
‫القادرية‪ ،‬أحد الطرق الصوفية السنية واليت تنتسب إىل عبد القادر اجليالين (‪ 471‬ه‬
‫‪ 561 -‬ه )‪ ،‬وينتشر أتباعها يف بالد الشام والعراق ومصر وشرق أفريقيا‪ .‬وقد كان لرجاهلا‬
‫األثر الكبري يف نشر اإلسالم يف قارة أفريقيا وآسيا‪ ،‬ويف الوقوف يف وجه املد األورويب الزاحف‬
‫إىل املغرب العريب‪.‬‬
‫و الشيخ إىل عبد القادر اجليالين هو عبد القادر بن أيب صاحل بن عبد هللا اجليلي‬
‫احلسين‪ ،‬ولد جيالن (العراق) سنة ‪ 470‬ه وقدم بغداد شاابً سن ة ‪ 488‬ه ‪ ،‬وتفقه على عدد‬
‫من مشاخيها‪ .‬جلس للوعظ سنة ‪ 520‬ه ‪ ،‬وحصل له القبول عند الناس‪ ،‬واعتقدوا داينته‬
‫وصالحه‪ ،‬وانتفعوا بكالمه ووعظه‪ .‬اشتهر عن الشيخ عبد القادر ما يدل على فقهه وعلمه‪.‬‬
‫وظهرت على يديه الكثري من الكرامات‪ ،‬واتب وأسلم على يديه العديد من الناس‪ .‬تويف وعمره‬
‫‪ 90‬عاماً ودفن يف رواق مدرسته سنة ‪ 561‬ه ‪.‬‬

‫‪30‬‬ ‫‪http://aboabdo.ahlamontada.com/t41-topic‬‬

‫‪23‬‬
‫قواعد الطرق القادرية‬
‫يذكر الشيخ خملف العلي القادري احلسيين أهم قواعد وأسس الطريقة القادرية‪:31‬‬
‫االلتزام ابلكتاب والسنة‪ :‬يقول الشيخ عبد القادر اجليالين‪( :‬طريقتنا مبنية على الكتاب‬ ‫‪.1‬‬
‫والسنة فمن خالفهما فليس منا)‪ .‬ويقول‪( :‬اجعل الكتاب والسنة جناحيك طر هبما‬
‫إىل هللا)‪.‬‬
‫اجلَ ٌد وال ًك ٌد ولزوم احلَ ٍد حىت تنقد‪ :‬ومعىن (ج د) اجلدية يف سلوك الطريق إىل هللا‪ ،‬ومعىن‬ ‫‪.2‬‬
‫(ك د) بذل اجلهد واجلوارح والنفس والروح يف السري إىل هللا بدون هوادة وال تراخي‪،‬‬
‫ومعىن(لزوم احلد) االلتزام ابلشريعة وحتليل احلالل وحترمي احلرام والوقوف عند حدود هللا‬
‫وعدم َتاوزها‪ ،‬ومعىن (حىت تنقد) حىت َتف النفس عن املعاصي والذنوب والشهوات‬
‫وامللذات واألخالق السيئة وال يبقى فيها إال هللا جل يف عاله‪.‬‬
‫االجتماعٌ واالستماعٌ واإلتباعٌ حىت حيصل االنتفاع‪ :‬ومعىن هذا االجتماع ابلصاحلني‬ ‫‪.3‬‬
‫والعلماء واملرشدين واألخوة يف هللا واالستماع هلم أبدب وإتباع ما يقولون وما أيمرون‬
‫من اهلدي النبوي وبذلك حيصل لدينا االنتفاع والوصول ملا وصلوا إليه‪.‬‬
‫االعتقاد بشيخ الطريقة العقيدة الصحيحة‪ :‬ومعىن هذا أن حيبوه وحيرتموه ويقدروه وال‬ ‫‪.4‬‬
‫يهملوه وال يعظمونه فوق احلد املطلوب وال يغلوا يف حبه وال يعتقدوا فيه العصمة فإنه‬
‫بشر خيطئ ويصيب لكنه حمفوظ بعناية هللا إن أخطأ سرعان ما يرجع إىل هللا ويتوب‬
‫إليه‪ ،‬يقول الشيخ عبد القادر اجليالين يف كتابه الغنية‪( :‬اي بين إايك أن تنظر إىل شيخك‬
‫أنه معصوم إمنا هو بشر خيطئ ويصيب فإن رأيت منه خمالفة فاحبث له عن عذر شرعي‬
‫فإن مل َتد له عذر فاستغفر له هللا فإنه بشر خيطئ ويصيب)‪.‬‬

‫‪ 31‬موقع الطريقة القادرية العلية ‪ -‬قواعد الطريقة‬

‫‪24‬‬
‫حب الشيخ‪ :‬لكن حب هللا والرسول مقدم عليه وهو املراد احلقيقي من السري والسلوك‬ ‫‪.5‬‬
‫على يد الشيخ املرشد فهو دليلنا إىل حب هللا ورسوله‪.‬‬
‫الدعوة إىل هللا‬ ‫‪.6‬‬
‫كثرة الذكر هلل تعاىل‪ :‬فالذكر هو املعراج يف السري إىل هللا يف الطريقة القادرية‪ ،‬فمن أهم‬ ‫‪.7‬‬
‫أعمال املريد كثرة األذكار واملداومة عليها وعلى االستغفار والصالة على الرسول ابلليل‬
‫والنهار وبذلك يرتقي املريد يف مقامات احملبة هلل ولرسوله والذكر هو الوسيلة العظمى‬
‫لتزكية النفس وتربيتها وحتليتها ابألخالق احملمدية‪.‬‬
‫حمبة آل البيت‪ :‬وحبهم مقدم على كل من سواهم من الناس ألهنم بضعة النيب ووصيته‬ ‫‪.8‬‬
‫ألمته‪ ،‬مع احلب والتقدير واإلكبار واإلجالل للصحابة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر بن‬
‫اخلطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أيب طالب‪.‬‬
‫حب كل األولياء والصاحلني‪ :‬وحب مشايخ ومرشدين الطرق األخرى‪ ،‬وال يفرقون وال‬ ‫‪.9‬‬
‫مييزون بني طريقة وأخرى‪ ،‬وال يتعصبون لطريقتهم وال يطعنون ابلطرق األخرى اليت تنهج‬
‫منهج الكتاب والسنة‪ ،‬وذلك كله مع احملبة والتعظيم والتقدير لطريقتهم وملشاخيهم كما‬
‫ينبغي أن يكون‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫‪ .3‬الطريقة التيجانية‬
‫التيجانية‪ ،‬إحدى الطرق الصوفية السنية‪ ،‬تنتسب إىل أبو العباس أمحد التيجاين وامسه‬
‫الكامل أمحد بن حممد بن املختار بن سامل التيجاين (‪)1737-1815‬م املتوىف يف ‪1230‬‬
‫ه ‪ ،‬وقد بدأت هذه الطريقة يف بلدة بومسغون بوالية البيض (اجلزائر) غري بعيد عن مسقط رأس‬
‫مؤسسها عني ماضي بوالية األغواط اليت أجرب على مغادرهتا بعد مدامهتها من قبل قوات ابي‬

‫‪ 32‬زاوية تيجانية‬

‫‪25‬‬
‫وهران الباي عثمان سنة ‪1787‬م وصار هلا أتباع يف مشال أفريقيا‪ ،‬مصر‪ ،‬فلسطني‪،‬الشام‪،‬‬
‫السودان (دارفور)‪ ،‬موريتانيا ‪ ،‬السنغال ونيجرياي‪.‬‬
‫مؤسس الطريقة التجانية هو أبو العباس أمحد بن حممد بن املختار ابن أمحد بن حممد‬
‫سامل التجاين‪ ،‬الذي ولد عام ‪ 1150‬ه املوافق ل ‪1737‬م يف قرية عني ماضي بوالية األغواط‬
‫يف اجلزائر‪ ،‬وحفظ القرآن الكرمي كما درس العلوم الشرعية وارحتل متنقال بني فاس‪ ،‬وتلمسان‪،‬‬
‫وتونس‪ ،‬والقاهرة ومكة‪ ،‬واملدينة املنورة‪ ،‬وبغداد‪.‬‬
‫شد الرحال إىل مدينة فاس سنة ‪ 1171‬ه املوافق ل ‪1758‬م‪ ،‬وهبذه املدينة كان‬
‫أمحد التجاين حيضر جمالس العلم وحياور كبار علماء املدينة‪ ،‬وإن كان اهتمامه انصب على‬
‫اجلانب الروحي أكثر من أي شيء آخر[حباجة ملصدر]‪ ,‬وقد التقى فيها بعبد هللا بن حممد‬
‫العريب بن أمحد بن عبد هللا معن األندلسي وتكلم معه يف أمور مث ملا أراد أن يودعه دعا له خبري‬
‫الدارين ‪،‬وقبل افرتاقهما قال له ‪ :‬هللا أيخذ بيدك ثالاثً‪ .‬والعامة للطريقة موجود بعني ماضي‬
‫‪33‬‬
‫اليت ومنها انتشرت إىل عموم إفريقيا‪.‬‬
‫‪ .4‬الطريقة الشاذلية‬

‫الطريقة الشاذلية هي إحدى الطرق الصوفية املعروفة‪ ،‬وتنتشر بشكل أساسي يف مصر‬
‫وتونس واجلزائر‪ ،‬وتنتسب إىل أيب احلسن علي بن عبد هللا بن عبد اجلبار الشاذيل‪ ،‬املولود سنة‬
‫‪591‬ه (وقيل سنة ‪593‬ه ) يف غمارة‪ ،‬ابلقرب من مدينة سبتة املغربية‪.‬‬

‫حج مث‬
‫وانتقل يف صغره إىل مدينة تونس‪ ،‬وانتقل من بلدة إىل بلدة‪ ،‬وكان ضريرا‪ ،‬مث ّ‬
‫دخل العراق‪ ،‬وبدأ يفتش عن القطب الصويف حسب زعمه فقال له أحد أولياء الصوفية‪:‬‬
‫"إنك تبحث عن القطب ابلعراق‪ ،‬مع أن القطب ببالدك‪ ،‬ارجع إىل بالدك َتده"‪ ،‬فرجع‬

‫‪ 33‬زاوية تيجانية‬

‫‪26‬‬
‫الشاذيل إىل بالده ابحثاً عن "القطب" وهو حممد عبد السالم بن مشيش ‪.‬كما أخذ التصوف‬
‫‪34‬‬
‫عن أيب الفتح الواسطي الرفاعي‪ ،‬شيخ الرفاعية يف عصره‪.‬‬

‫ومن غمارة يف املغرب‪ ،‬حيث أخذ الشاذيل التصوف عن شيخه ابن مشيش‪ ،‬انتقل إىل شاذلة‬
‫ابلقرب من مدينة تونس‪ ،‬واعتزل الناس يف جبل زغوان‪ ،‬وهو مالزم للرايضات الصوفية‪ ،‬وأقام‬
‫‪35‬‬
‫على ذلك م ّدة‪ ،‬حىت نسب إىل هذه البلدة‪.‬‬

‫التف‬
‫مث انتقل أبو احلسن الشاذيل من شاذلة إىل تونس‪ ،‬وأخذ ينشر التصوف هناك‪ ،‬و ّ‬
‫حوله مجاعة من األتباع‪ ،‬لكنه لقي إنكاراً شديداً من حاكم تونس‪ ،‬ومن كبار قضاهتا‪ ،‬فرتك‬
‫وتوجه إىل مصر‪ ،‬فكتب أهل تونس إىل أهل مصر إنه يقدم عليكم مغريب زنديق‪ ،‬وقد‬
‫تونس ّ‬
‫أخرجناه من بلدان فاحذروه‪ ،‬ونزل اإلسكندرية‪ ،‬وأخذ يدعو إىل التصوف إىل أن مات سنة‬
‫‪656‬ه ‪ ،‬يف صحراء عيذاب شرقي مصر‪ ،‬وهو يف طريقه إىل احلج‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫أهم عقائدها‬

‫‪ 1‬االعتقاد بوحدة الوجود على النحو الذي يعتقد هبا عموم الصوفية‪ ،‬إذ نقل الشاذلية عن‬
‫شيخهم قوله‪" :‬من أطاع هللا يف كل شيء‪ ،‬هبجرانه لكل شيء‪ ،‬أطاعه هللا يف كل شيء‪ ،‬أبن‬
‫يتجلى له يف كل شيء‪.‬‬

‫وعلي ُدل‪ ،‬وأان الكل"‬


‫وقوله‪" :‬قيل يل (أي أوحى هللا إيل)‪ :‬اي علي‪ ،‬يب قل‪ّ ،‬‬

‫‪ 34‬دراسات يف التصوف للشيخ ظهري ص‪236‬‬


‫غلواً شديداً‪ .‬وقد أخذ التصوف عن عبد الرمحن العطار الزايت‪ .‬ومات ابن مشيش مقتوالً سنة ‪622‬ه‬ ‫‪35‬‬
‫ابن مشيش‪ ،‬من صوفية املغرب‪ ،‬ويغلون به ّ‬
‫وتعترب الصالة املشيشية أهم وأشهر األذكار عند الشاذلية‪.‬‬
‫‪36 http://www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=5087‬‬

‫‪27‬‬
‫كما نقل الصوفية عن ابن مشيش‪ ،‬شيخ الشاذيل‪ ،‬قوله‪" :‬اللهم زج يب يف حبار األحدية‪،‬‬
‫وانشلين من أوحال التوحيد‪ ،‬وأغرقين يف عني حبر الوحدة‪ ،‬حىت ال أرى وال أمسع وال أحس‬
‫إالّ هبا "‬

‫‪ .2‬أتويل آايت القرآن أتويالً ابطنياً‪ ،‬يصرف اآلايت عن مرادها‪ ،‬على طريقة الفرق الباطنية‬
‫اليت ّادعت أن لإلسالم والقرآن ظاهراً وابطناً‪.‬‬

‫يقول ابن عطاء هللا السكندري‪" :‬لكل آية ظاهر وابطن‪ ،‬وح ّد ومطلع[("‪]). 11‬كما نقل‬
‫ابن عطاء عن بعض شيوخه‪،‬أنه فسر اآلية (يهب ملن يشاء إاناثً) احلسنات‪( ،‬ويهب ملن‬
‫يشاء الذكور) العلوم‪( ،‬أو يزوجهم ذكراان وإاناثً) علوما وحسنات‪( ،‬وجيعل من يشاء عقيماً)‬
‫ال علم وال حسنة‪ .‬وقد نقل شيخ األزهر السابق عبد احلليم حممود عن أيب احلسن الشاذيل‬
‫تفسري قول هللا تعاىل على لسان موسى عليه السالم‪( :‬هي عصايت) معرفيت بك‪ ،‬أعتمد‬
‫عليها‪( ،‬أهش هبا على غنمي) أوالدي يف الرتبية‪( ،‬ويل فيها مآرب أخرى) من ابب يل وقعت‬
‫ريب ال تسعين فيه أرض وال مساء‬
‫مع ّ‬
‫‪ 3‬الغلو يف الشاذيل‪ ،‬وشيوخهم اآلخرين‪ ،‬حىت أوصلوا بعضهم إىل مرتبة الربوبية‪ ،‬فقد قالوا‬
‫أن مقام الشاذيل هو عند العرش‪ ،‬وأن هللا كلّمه يف جبل زغوان‪ ،‬الذي اعتكف فيه‪ .‬وزعموا‬
‫أنه ما من كائن أو ويل هلل‪ ،‬إالّ وأطلع هللا شيخهم أاب العباس املرسي عليه وعلى امسه ونسبه‬
‫وكم حظه من هللا‪ .‬وكان الشاذيل يقول مفتخراً بتلميذه أيب العباس املرسي‪ :‬أييت األعرايب إليه‬
‫يبول على ساقيه فيخرج من عنده عارفاً ابهلل‪ .‬ويزعم الصوفية أن املرسي كان يتكلم يف سائر‬
‫العلوم وكل اللغات واأللسن‪ ،‬ويقول‪ :‬شاركنا الفقهاء فيما هم فيه ومل يشاركوان فيما حنن فيه‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫وكان يقول وهو ميسك بلحيته‪ :‬لو علم علماء العراق والشام ما حتت هذه الشعرات‬

‫‪37 37‬‬ ‫‪http://www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=5087‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ .5‬الطريقة الرفاعية‬
‫الرفاعية هي طريقة صوفية ينتشر أتباعها يف العراق ومصر وسوراي وغرب آسيا‪ .‬هلم‬
‫راية ابللون األسود متيزهم عن ابقي الطرق الصوفية‪ .‬تُنسب إىل الفقيه الشافعي األشعري‪،‬‬
‫أمحد بن علي الرفاعي (‪ 512‬ه ‪ 578 -‬ه ) امللقب ب "أبو العلمني" و"شيخ الطرائق"‬
‫و"الشيخ الكبري" و"أستاذ اجلماعة"‪.‬‬
‫تقوم الطريقة الرفاعية على العمل مبقتضى ظاهر الكتاب والسنة‪ ،‬مث أخذ النفس‬
‫ابجملاهدة واملكابدة‪ ،‬واإلكثار من الذكر‪ ،‬وقراءة الورد‪ ،‬وذلك وفق إرشادات الشيخ وتوجيهاته‪،‬‬
‫مع ضرورة التسليم واالنقياد له واالنصياع ألوامره‪ .‬وعلى املريد أن يتمسك ابلكتاب والسنة مث‬
‫تعاليم الشيخ ويعمل مبا قاله من االلتزام ابلسنة‪ ،‬وموافقة السلف الصاحل على حاهلم‪ ،‬ولباس‬
‫ثوب التعرية من الدنيا والنفس‪ ،‬وحتمل البالء‪ ،‬ولبس الوقار واجتناب اجلفاء‪.‬‬
‫وقد اشتهر عن بعض أتباع الرفاعي حديثا القيام أبفعال عجيبة كاللعب ابلثعابني‪،‬‬
‫وركوب األُسود‪ ،‬والدخول يف النريان املشتعلة دون أن حترقهم أو تؤثر فيهم‪ ،‬وغريها‪ ،‬فهذه مما‬
‫مل تكن معروفة عند الشيخ الرفاعي‪ ،‬لكنها استُحدثت بعد وفاته‪ ،‬وإن كان الشيخ قد عُرف‬
‫حداب ورعاية للحيواانت الضالة‬
‫حبنانه الشديد على اإلنسان واحليوان‪ ،‬وكان أشد ما يكون ً‬
‫واملريضة‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫‪ .2‬تطور الصوفية وطرقها وأبرز مشاخيها يف إندونيسيا‬

‫انتشر اإلسالم يف أرض جاوة أو أرخبيل املاليو وقد كانت حالة املسلمني يف العامل‬
‫العريب بدأت تضعف سياسيا وثقافيا بسقوط بغداد‪ ،‬عاصمة اخلالفة العباسية‪ ،‬على يد‬
‫التتار عام ‪565‬ه‪1258/‬م‪ .‬فهذا الوضع بدوره يشجع الكثري من املسلمني على اللجوء‬

‫‪ 38‬أنيس مالك طه‪ ,‬األستاذ بقسم أصول الدين و مقارنة األداين كلية معارف الوحي اإلسالمي و العلوم اإلنسانية ‪ ,‬اجلامعة اإلسالمية العاملية‬
‫مباليزاي‪.‬ص‪21‬‬

‫‪29‬‬
‫إىل حياة العزلة واحلياة الروحية‪ ،‬ومن هنا وجدت الصوفية أرضية خصبة للنمو والزدهار‬
‫واالنتشار‪.‬‬
‫غري أنه من الصعوبة مبكان حتديد التاريخ الذي دخلت فيه الصوفية إىل أرض جاوة‬
‫أو أرخبيل املاليو ابلضبط ‪.‬إذ إن أقصى ما تفيدان املصادر والشواهد املكتوبة والتارخيية هو‬
‫أن حركة الصوفية قد استقرت ابدئ ذي بدء يف آتشيه منذ أواخر القرن السادس عشر‬
‫امليالدي‪ ،‬بوصول الشيخ محزة الفنصوري عائدا إىل حيث مسقط رأسه‪ ،‬بنصور(‪،)Pansur‬‬
‫بعد رحلته العلمية الروحية الطويلة إىل بلدان العامل اإلسالمي واجلزيرة العربية‪ ،‬مبا فيها مكة‬
‫املكرمة واملدينة املنورة‪ .‬فقد التقى الفنصوري يف ترحاله بكثري من العلماء الصوفيني‪ ،‬خاصة‬
‫يف بغداد‪ ،‬حيث روي أنه متت بيعته مريدا يف الطريقة القادرية هناك‪, 39‬كما سنحت له هذه‬
‫الرحلة فرصة ذهبية للتعرف واالطالع على أفكار وكتب شيوخ الصوفية الكبار من أمثال‬
‫أبيمنصور احلالج وحميي الدين بن عريب وعبد الكرمي اجليلي والقشريي والغزايل وغريهم‪ .‬غري‬
‫ورواد‬
‫أن الذي يظهر واضحا يف موؤلفاته وديوان أشعاره الغزيرة املختلفة أنه كان من مؤسسي ّ‬
‫التصوف الفلسفي‪ ،‬وابلتحديد مذهب وحدة الوجود‪ ،‬يف املنطقة‪ .‬ومن هنا ال يوجد امسه يف‬
‫سلسلة علماء القادرية يف أرخبيل نوسانتارا وإن رويت بيعته يف الطريقة القادرية كما مر‪.‬‬
‫إىل جانب محزة الفنصوري‪ ،‬جاء الشيخ مشس الدين ابساي أو السومطراين(ت‬
‫‪1630‬م) ليعززه ويوؤازره يف أتسيس الطريقة الوجودية يف املنطقة من خالل كتاابته الكثرية‬
‫يف لغيت املاليوية والعربية‪ .‬يبدو أن السومطراين كان أول من قام بشرح أو تقدمي «مراتب‬
‫الوجود السبع» عند ابن عريب إىل مسلمي العامل املاليوي حىت ذاع صيتها وأصبحت حتظى‬
‫بشعبية كبرية بينهم‪ .‬وكان مسش الدين يف ذلك قائما بدور شارح أو ُمق ِّدم ملا سطره الشيخ‬

‫‪39‬‬
‫‪Syed Naquib Al-Attas، Some Aspects of Sufism as Understood and Practiced among the‬‬
‫‪Malays (Singapore: Malaysian Sociological Research Institute، 1963)، p. 51; Azra، Jaringan‬‬
‫‪Ulama، P 891‬‬

‫‪30‬‬
‫حممد فضل هللا اهلندي الربهانبوري (ت‪1620‬م) يف رسالته املختصرة املوسومة التحفة املرسلة‬
‫عرف أنه يتمذهب بطريقة هذا‬
‫إىل النيب يف علم حقيقة الشريعة احملمدية‪ ،‬إال أنه ما كان يُ َ‬
‫الشيخ اهلندي اليت هي الشطارية اليت تعد من الطرق الصوفية املعتربة عند املسلمني بشكل‬
‫عام ‪،‬بل املعروف أن هذه الطريقة إمنا صارت ذائعة بني مسلمي املنطقة فيما بعد بفضل‬
‫جهود الشيخ عبد الرؤوف السنكلي (ت ‪ 40)3961‬واحلجاج الذين رجعوا من أرض احلرم‪.‬‬
‫‪41‬‬

‫غدا لدعوة هذين الشيخني الوجودية أثر رائج واسع وعميق يف أوساط املسلمني‬
‫ملكانتهما املرموقة كشيخ اإلسالم يف سلطنة آتشيه والعامل املاليوي‪ .‬ويف احلقيقة ‪،‬إن هذا‬
‫االَتاه الوجودي مل يكن حكرا لدى العامل املاليوي فقط‪ ،‬ووفقا للدراسة احلديثة إمنا اكتشف‬
‫وجوده ونفوذه أيضا بني مسلمي جزيرة جاوة ابلذات بشكل ملحوظ‪ ،‬بل كان هذا قبل العامل‬
‫املاليوي بفرتة‪ ،‬وهو عند صاحبه الداعية الصويف الوجودي اجلاوي املعروف الشيخ سييت‬
‫جنار(‪( )Sheykh Siti Jenar‬حوايل ‪1517-6241‬م) وقد اشتهرت فكرته وفلسفته‬
‫الوجودية يف اللغة اجلاوية ب ‪( manunggaling kawulo-Gusti‬أي وحدة العبد‬
‫واملعبود أو وحدة األان وهللا‪ 42).‬جاء يف سريته أن سييت جنار ارحتل طويال يف طلب العلم‬
‫واملعرفة إىل بغداد والبصرة ومكة املكرمة حيث التقى يف هذه البالد املختلفة علماءها وشيوخ‬
‫الطرق الصوفية‪ ،‬كما أنه وجد فرصة الطالع على الكتب الصوفية الكثرية اليت من أمهها‬
‫التعرف للكالابذي والرسالة للقشريي والفتوحات املكية البن‬
‫كتاب الطواسني للحالج و ّ‬
‫عريب واإلحياء للغزايل‪ ،‬فتعلم منها ما يشاء من العلوم الصوفية ما ميكنه من صياغة تعاليمه‬

‫‪40‬‬ ‫‪Al-Attas، Some Aspects of Sufism، p. 29.‬‬


‫(‪41 Martin Van Bruinessen، Kitab Kuning، Pesantren dan Tarekat )،Bandung: Mizan، 1995،‬‬

‫‪pp.90-189‬‬
‫التفاصيل عن الشيخ سييت جنار وأفكاره راجع‪. Manunggaling Kawula-Gusti،Sholikhin :‬‬ ‫‪42‬‬

‫‪31‬‬
‫الصوفية املتميزة‪ ،‬مبا فيها فكرة وحدة الوجود‪ ،‬يف قالب حملي جاوي‪ .‬وعندما عاد الشيخ اإىل‬
‫بلده‪ ،‬تسريبون(‪ ،)Cirebon‬جباوة الغربية‪ ،‬حوايل ‪1463‬م‪ ،‬بدأ بنشر هذه الفكرة بني‬
‫املسلمني واستطاع أن جيذب إعجاب الكثري منهم‪ ،‬وخاصة هؤالء الذين مل يكن انتساهبم إىل‬
‫اإلسالم سوى االسم فقط وقلوهبم مطمئنة أو منهمكة ابلقناعة الدينية امللفقة بني العناصر‬
‫اهلندوكية والبوذية والروحانية والطقوسيةاجلاوية(‪ – )Kejawen‬األمر الذي أدى إىل‬
‫احلالج من قبل‪،‬‬
‫حماكمته أمام جملس األولياء التسعة (‪ )Walisanga‬ابإلعدام‪ ،‬على غرار ّ‬
‫وإحراق مجيع موؤلفاته‪ .‬ولعل هذا ما مييزه عن تلميذه‪ ،‬محزة الفنصوري (وقد قيل أنه التقى‬
‫بسييت جنار أثناء زايرته إىل جزيرة جاوة) الذي متكن من احلصول على دعم سياسي ومحاية‬
‫أمنية من بالط شلطنة آتشيه‪ .‬ومن هنا نرى العالقة قائمة بني الوجوديني يف أرخبيل نوسانتارا‬
‫وأن الطريقة الوجودية قد سقت طريقها قدما إىل األمام يف املنطقة قبل غريها من الطرق‬
‫السوفية األخرى‪ ،‬وأهنا كما أفادت املصادر والدراسات‪ ،‬حملية كانت أم أجنبية‪ ،‬ظلت سائدة‬
‫‪43‬‬
‫يف حياة املسلمني الفكرية والدينية يف العامل املاليوي حىت أييت عصر الرانريي‪.‬‬
‫يف ‪ 6‬حمرم ‪1047‬ه ‪ 31/‬مايو ‪1637‬م ‪،‬شهدت آتشيه قدوم عامل شهري من علماء‬
‫التصوف «األرثوذكسي» من كوجرات‪ ،‬امسه الشيخ نور الدين حممد بن علي بن حسنجي‬
‫بن حممد حامد الرانريي القرشي الشافعي‪ ،‬املعروف بنور الدين الرانريي‪ .‬قدم هذا العامل إىل‬
‫آتشيه وهي كانت يف حالة فراغ السلطة املرجعية الدينية إثر وفاة محزة الفنصوري وتلميذه‬
‫مسش الدين السومطراين والسلطان اسكندر مودا(‪1636-( )Iskandar Muda‬‬
‫‪1607‬م)الذي كان ميدمها ابحلماية السياسية‪ .‬ففي هذا الوسع احملرج مت تعيني الرانريي شيخ‬
‫اإلسالم اجلديد ومفتيا لسلطنة آتشيه اليت تزعمها السلطان اسكندر اثين(‪-1641‬‬

‫‪43‬‬ ‫‪Azra, Jaringan Ulama, p. 201.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪1636‬م)‪ .‬متتع الرانريي بسعة العلم واملعرفة يف اجملالت املختلفة والورع والتقوى وبتأليف عدة‬
‫من الكتب يف فروع العلم واملعرفة املختلفة‪ ،‬مما يوؤهله للقيام بدور مصلح ديين‪ .‬وأول ما قام‬
‫به من اإلصالح هو تصحيح الفهم اخلاطئ والتش ّوش الفكري يف عقيدة املسلمني نتيجة‬
‫الدعوة الوجودية الفنصورية املكثَّفة واملنظَّمة‪ .‬على الرغم من جهود الفنصوري‬
‫األصيل واملفتاحي يف إسالمية ثقافة العامل املاليوي‪ ،‬كانت فكرته الوجودية ودعوهتاإليها‬
‫تتعارض مع عقيدة مجهور علماء املسلمني يف العامل‪ .‬ومن هنا ‪،‬أصدر الرانريي الفتوى ‪،‬إىل‬
‫جانب نشر كتاابته الكثرية‪ ،‬مبصادرة العقيدة الوجودية وحرمة تداوهلا لدى العوام ومبالحقة‬
‫علمائها يف العامل املاليوي على غرار ما حدث يف حماكمة الشيخ سييت جنار مبملكة دمياك‬
‫اإلسالمية جباوة من قبل‪.‬‬
‫بيد أن أي فكرة أو أيديوجلية‪ ،‬كما أفادان التاريخ ‪،‬لتموت أبدا مبوت موؤسسها ‪،‬بل‬
‫هي قد ختتفي فرتة وتظهر مرة أخرى عند ما سنحت الظروف املالئمة لذك ‪.‬فقد عادت‬
‫الوجودية الفنصورية إىل احلياة‪ ،‬بل و إىل القوة‪ ،‬من جديد بزعامة أحد منتصريها يدعى سيف‬
‫الرجال الذي حصل على اإلعجاب الكاسح من اجلماهري وثقتهم به حبسن تعامله معهم‬
‫وصربه الدؤب يف الدفاع عن معتقداته وأفكاره من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى ضعف موقف‬
‫السلطانة سفية الدين(‪1675-1641‬م) يف القسية‪ ،‬مما أثر ضعفا وسلبا يف وضع الرانريي‬
‫يف اجملتمع فاضطر اإىل مغادرة آتشيه يف ‪1645‬م‪ ،‬بعد خدمته اإلصالحية اجلليلة يف هذه‬
‫‪44‬‬
‫السلطنة ملدة سبع سنوات تقريبا‪.‬‬
‫ومنذ الربع األخري من القرن السابع عشر امليالدي تتابع دخول الطرق الصوفية‬
‫نكلي(‪1693-1615‬م) الطريقة‬ ‫الس ِ‬
‫األخرى إىل أرض جاوة‪ .‬فقد قدَّم عبد الروؤوف ِ‬
‫ّ‬
‫الشطارية إىل آتشيه يف ‪1679‬م ‪،‬ال من اهلند كما قد كان من املتوقع‪ ،‬ولكن من املدينة‬

‫‪ 44‬أنيس مالك طه‪ ,‬األستاذ بقسم أصول الدين و مقارنة األداين كلية معارف الوحي اإلسالمي و العلوم اإلنسانية ‪ ,‬اجلامعة اإلسالمية العاملية‬
‫مباليزاي‪.‬ص ‪23‬‬

‫‪33‬‬
‫املنورة حيث مت فيها تلقينه مببادئ وتعاليم الطريقة من قبل الشيخ أمحد القششي والشيخ‬
‫إبراهيم الكوراين صاحب احتاف الذكي بشرح التحفة املرسلة إىل النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫وإجازهتما له بتعليمها ونشرها بني املسلمني يف أرض جاوة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فهو يعد أول من نشر‬
‫الطريقة الشطارية يف هذه املنطقة‪ ،‬فيظهر امسه دائما يف سلسلة شيوخ هذه الطريقة‪ 45.‬مث‬
‫نكلي حبمل هذه الطريقة ونشرها إىل مناطق أخرى يف أرخبيل نوسانتارا‪ ،‬ومن‬ ‫الس ِ‬
‫توىل تالمذة ِ‬
‫ّ‬
‫أشهرهم الشيخ عبداحمليي الذي نشر الطريقة الشطارية يف جاوة الغربية‪.‬‬
‫الس ِ‬
‫نكلي عاملا عالمة يتمتع بسعة العلم واملعرفة والتقوى والورع وعالقاته الواسعة‬ ‫ِ‬
‫كان ّ‬
‫نكلي كان يتمتع مبا هو أكثر مما‬ ‫الس ِ‬
‫ِ‬
‫مع علماء احلرمني يف زمانه‪ ،‬بل يوؤكد عزرا يف حتليله أن ّ‬
‫امتاز به الرانريي‪ ،‬مما يوؤهله ملواصلة مسرية احلركة اإلصالحية اليت قد بد أ به الرانريي‪ 46.‬غري‬
‫أنه كان يف حركته اإلصالحية هذه حياول اتباع شيخه الكوراين الذي يفضل قدر اإلمكان‬
‫الس ِ‬
‫نكلي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املنهج التوفيقي اهلادئ على املنهج الراديكايل على حنو ما فعلهّ الرانريي‪ .‬فقام ّ‬
‫ابلتوفيق بني األفكار واآلراء املتعارضة بني بعضها ببعض‪ .‬ففي هذه احلالة‪ ،‬على الرغم من‬
‫شدة إنكاره للفكرة الوجودية الفنصورية كان ال ينتقدها إال بطريق غري مباشرة‪ ،‬كما أنه ال‬
‫يظهر عدم موافقته ملوقف الرانريي املعارض للوجودية بطريق مباشرة‪.‬‬
‫نكلي‪ ،‬يدعى الشيخ حممد يوسف‬ ‫الس ِ‬
‫ِ‬
‫و هناك عامل آخر معاصر لعبد الروؤف ّ‬
‫املاكاساري(‪1699-1627‬م)‪ ،‬له جهود يذكر يف تطور التصوف يف نوسانتارا‪ .‬فبعد أن‬
‫أمضى هذا الشيخ وقته يف البالد العربية قرابة العقدين من الزمان وتتلمذ على يدي إبراهيم‬
‫الكوراين وغريه حىت حصل على اإلجازة منهم لتعليم عدد من الطرق الصوفية بني بين جنسه‪،‬‬
‫مثل النقشبندية‪ ،‬القادرية‪ ،‬الشطارية‪ ،‬ابعلوية‪ ،‬اخللواتية ‪،‬عاد اإىل بالده يف ‪1670‬م آخذا‬
‫بيده تعليم الطريقة اليت مساها اخللواتية‪ ،‬واليت هي عبارة عن شكل من أشكال التقنيات‬
‫‪45‬‬ ‫‪Al-Attas, Some Aspects of Sufism, p. 29.‬‬
‫‪46‬‬ ‫‪Azra, Jaringan Ulama, pp 258-228 .‬‬

‫‪34‬‬
‫الروحية وغريها‪ .‬فكانت الطريقة موؤثرة جدا يف سولويزي اجلنوبية‪ ،‬وخاصة بني طبقة النبالء‬
‫‪47‬‬
‫يف ماكاسار‪.‬‬
‫وبعد قرن من الزمان‪ ،‬دخلت الطريقة الس ّمانية يف سومطرة (ابليمبانج وآتشيه) من‬
‫خالل جهود عبد هللا عبد الصمد بن عبد هللا (ت ‪1800‬م) املعروف ابسم الفاليمباين‪،‬‬
‫تلميذ سومطراين للشيخ حممد بن عبد الكرمي السمان(‪9171-1775‬م)‪ .‬مجع الشيخ‬
‫السمان بني الطريقة اخللواتية والقادرية والنقشبندية‪ ،‬مع الطريقة الشاذلية من مشال أفريقيا‪.‬‬
‫فهذا اجلمع أو الدمج اجلديد مع راتبه اجلديد مسي يف النهاية ابلطريقة السمانية ‪،‬أي نسبة‬
‫إىل نفسه‪ .‬وكان أحد تالميذه البارز ‪،‬عبد الصمد الفاليمباين‪ ،‬هو الذي ألف ذلك الراتب‬
‫اجلديد املسمى ب «راتب السمان »مع بيان كيفية قراءته وأدائه ابلتفصيل يف كتابه هداية‬
‫السالكني ليقرأه أتباع هذه الطريقة يف الذكر اجلماعي بطريقة صحيحة‪ .‬وقد انل هذا الراتب‬
‫بشعبية كبرية يف مناطق أرخبيل املاليو‪ ،‬خاصة يف آتشيه‪ ،‬جوهر‪ ،‬اباتفيا (جاكرات)‪ ،‬جنوب‬
‫‪48‬‬
‫سومطرة ‪،‬وسولويزي‪.‬‬
‫مل تظهر طريقة من الطرق الصوفية إال ولقيت ترحيبا وإقبال من قبل مسلمي أرض‬
‫جاوة‪ ،‬وإندونيسيا بوجه خاص‪ .‬وها هي «القادرية والنقسبندية»‪ ،‬مثل الطريقة السمانية من‬
‫قبل‪ ،‬ظهرت كمحاولة للجمع بني العناصر الروحانية األساسية للطريقة القادرية والنقشبندية‪،‬‬
‫ابإلضافة إىل العناصر الروحانية األخرى‪ .‬قام هبذا اجلمع عامل من علماء نوسانتارا‪ ،‬امسه أمحد‬
‫خطيب من مسباش‪ ،‬بكاليمنتان أو بورنيو (‪ .)Borneo‬حظى أمحد خطيب‪ ،‬الذي قضى‬
‫معظم حياته يف مكة املكرمة‪ ،‬ابحرتام كبري بني الناس خارج العامل املاليوي لسعتة علمه‬

‫‪47‬‬ ‫‪Ustaz Uthman El-Muhammady ، (Tasawwuf Dan Kedudukannya Di Nusantara) in http :://‬‬
‫‪traditionalislam.freeservers.com/Tasawwuf_Kedudukannya_DiNusantara.htm، retrieved on‬‬
‫‪48 Drewes, A Note, pp. 81-78; Lombard, Les tarékat, p. 144; See also Abubakar Aceh,‬‬

‫‪Pengantar IImu Tarekat )Solo: Rarnadhani199 p. 354.‬‬

‫‪35‬‬
‫ومعرفته الغزيرة يف الفقه وعلم الكالم وعلم التصوف‪ .‬وقد تتلمذ على يديه حشد كبري من‬
‫الطالب واملريدين‪ ،‬مما يوؤدي اإىل سرعة تضاعف عدد أتباع هذه الطريقة اليت تفوق الطريقة‬
‫السمانية فتحل حملها يف الصدارة واألكثر شعبية يف العامل املاليوي ‪.‬‬
‫تويف أمحد خطيب مشباس عام ‪ ،3781‬أو ‪ ،1875‬وخلفه عبد الكرمي من ابننت‬
‫(‪ )Banten‬كشيخ مشايخ هذه الطريقة‪ ،‬فاضطر إىل النتقال إىل مكة املكرمة حيث املقر‬
‫الرئيسي ليحل حمل موقف الشيخ هناك ‪.‬أما اخلليفتان احملليتان فأحدمها الكياهي (الشيخ)‬
‫طلحة يف نشرييون‪ ،‬واآلخر كياهي(شيخ) يف مادورا‪ .‬تظل هذه الطريقة واحدة من الطرق‬
‫الصوفية املعتربة الكربى من حيث األتباع يف أرخبيل نوسانتارا‪.‬‬
‫ومع تقدم املواصالت البحرية وتسهيل التنظيمات اإلجرائية للسفرايت يف القرن التاسع‬
‫عشر والعشرين‪ ،‬ازداد عدد املسلمني من أرض جاوة الذين قاموا برحلة احلج إىل احلرمني‬
‫الشريفني من فرتة إىل فرتة‪ ،‬مما فتح هلم ابب التعارف واالحتكاك مع إخواهنم املسلمني من‬
‫العرب وغريهم‪ .‬فكانت هذه الظاهرة هي اليت تقدم تفسريا النتشار وتطور خمتلف الطرق‬
‫الصوفية األخرى يف املنطقة بشكل ملفت للنظر‪ .‬فظهرت فيها‪ ،‬اىل جانب ما سبق ذكره‪،‬‬
‫الطريقة الرفاعية واخلالدية واألمحدية والتيجانية والعلوية واجلنيدية واإلدريسية والدسوقية‬
‫والرمحنية والصديقية وغريها مما له أصل يف البالد العربية واإلسالمية‪ ،‬وما نشأ داخل إندونيسيا‬
‫ذاهتا من املذاهب والطرق الصوفية الباطية احمللية ‪،‬أمثال ‪Susila Budhi Dharma‬‬
‫)‪Paguyuban Ngesthi Tunggal (PANGESTU). ,(SUBUD‬‬
‫‪49‬‬
‫و غريمها‪.‬‬
‫يف سياق هذا الوسع‪ ،‬ابدرت مجعية هنضة العلماء ‪،‬أكرب املنظمة اإلجتماعية الدينية‬
‫اإلسالمية إبندونيسيا‪ ،‬بتأسيس مجعية أهل الطريقة املعتربة النهضية(‪ )JATMAN‬يف‬
‫‪49‬‬
‫‪Hj Wan Mohd Saghir Abdullah، Penyebarann Thariqah-Thariqah Shufiyyah Mu’tabarah di‬‬
‫‪Dunia ( Melayu، )Kuala Lumpur: Khazanah Fathaniyyah، 2000‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ 20‬الربيع األول ‪1377‬ه ‪ 01/‬أكتوبر ‪1957‬م يف بيسانرتين تيغال رجيا(‪،)Tegalrejo‬‬
‫ماغيالنغ(‪ ،)Magelang‬جاوة الوسطى‪ ،‬بغية التنظيم والتنسيق واملراقبة فيما بني الطرق‬
‫الصوفية شىت‪ .‬وحسب ما جاء يف املوقع الرمسي هلذه اجلمعية‪ ،‬هناك إحدى عشرة طريقة‬
‫صوفية حصلت على االعرتاف لدى مجعية هنضة العلماء‪ ،‬وهي الرفاعية‪ ،‬القادرية‪،‬‬
‫الشاذلية‪ ،‬األمحدية‪ ،‬التيجانية ‪،‬النقشبندية‪ ،‬الدسوقية‪ ،‬الشطارية‪ ،‬العلوية‪ ،‬السمانية‪،‬‬
‫‪50‬‬
‫اجلنيدية‪.‬‬
‫غري أن املالحظ أن هذه املبادرة يف احلقيقة هي جمرد التفكري اإلجيايب والرغبة اإلجيابية‬
‫و أن هذا التنظيم غري ملزم وال سلطان له حىت ابلنسبة ألعضاء مجعية هنضة العلماء اأنفسهم‪،‬‬
‫بدليل أن شيخ شيوخ الطريقة القادرية والنقشبندية ‪،‬الكياهي حاجي احب الوفاء اتج العارفني‪،‬‬
‫املعروف ب أابه آنوم (‪ ) Abah Anom‬مل يكن ينضم إىل مجعية أهل الطريقة املعتربة‬
‫‪51‬‬
‫النهضية ول إىل مجعية أهل الطريقة املعتربة اإلندونيسية( ‪ )JATMI‬املنشقة منها‪.‬‬
‫مما سبق من حتليل ميكن أن نالحظ مدى خطورة الوضع الفكري اإلندونيسي الصويف‬
‫بشكل خاص‪ ،‬واإلسالمي بشكل عام‪ .‬ذلك الوسع الذي يبشر بقوة الطباع والتجاه التحرري‬
‫الليربايل األصيل يف صميم تركيب البنية الثقافية احمللية ‪.‬‬

‫‪50‬‬ ‫‪http://thoriqoh-indonesia.org/index.php?option=com_content&view=article&id=77&Item‬‬
‫‪id=93 id=93‬‬
‫‪51‬‬ ‫‪Julia Day Howell ،Sufism and the Indonesian Islamic Revival، in The Journal of Asian‬‬
‫‪Studies,60 ،no. 3 August 2001 ،p. 709‬‬

‫‪37‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬جهود الصوفياء يف نشر اإلسالم يف إندونيسيا‬

‫مناهج الدعوة الصوفية يف إندونيسيا‬ ‫املطلب األول ‪:‬‬

‫• دعوة امللوك والشعوب إىل اإلسالم‬


‫• املشاركة يف النظام السياسي واإلداري‬
‫• إنشاء املساجد واملدارس اإلسالمية‬
‫• التأليف والرتمجة‬

‫اجلهود يف نشر االإسالم‬ ‫‪:‬‬ ‫املطلب الثاين‬

‫اجلهود يف إسالمية التقاليد واالأدب والثقافة احمللية‬ ‫‪:‬‬ ‫املطلب الثالث‬

‫اجلهود يف الدفاع عن االإسالم‬ ‫‪:‬‬ ‫املطلب الرابع‬

‫‪38‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬جهود الصوفياء يف نشر اإلسالم يف إندونيسيا‬

‫‪ .1‬مناهج الدعوة الصوفية يف إندونيسيا‬

‫قبل أن ندخل إىل لب املوضوع‪ ,‬سأشرح لكم كيفية مناهج الدعوة الصوفية يف نشر اإلسالم‬
‫يف إندونيسيا و هو فيما يلى ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬دعوة امللوك والشعوب إىل اإلسالم‬

‫إن التجار املسلمني والصوفية األوائل يهتمون بنشر الدعوة اإلسالمية وتعاليمها بني‬
‫الشعوب وامللوك يف أحناء عامل املاليو العريض‪ .‬فبالنسبة لدعوهتم امللوك إىل هذا الدين‪ ،‬فقد‬
‫ذكرت أن األولياء التسعة انزلوا يف عامل املاليو خاصة يف جزيرة جاوا اإلندونيسية ‪ ،‬كانوا‬
‫ُ‬
‫يركزون دعوهتم على ملك والية جاوا‪ ،‬وإبسالم امللك ومن حوله من األسرة املالكة وكرباء‬
‫الوالية‪ ،‬أسلم كل الشعب‪ ،‬متمشيا متاما مع طبيعة الشعب املاليوي الذي يطيع امللوك طاعة‬
‫اتمة منذ قدمي الزمان‪ ،‬وهبذا املنهج استطاع الصوفية أن ينشروا اإلسالم بسرعة فائقة‪.‬‬

‫وابلنسبة لدعوهتم الشعوب إىل دين اإلسالم‪ ،‬فقد وجدانهم كونوا مراكز استقروا فيها‪،‬‬
‫وكانوا مثاال حسنا للتعامل وحسن السرية‪ ،‬وامتازوا ابلنظافة ورقي املعيشة‪ ،‬فاستهووا السكان‪،‬‬
‫وكانوا دمثي األخالق‪ ،‬ذوي قابلية لالندماج ابألهلني فأصهروا إليهم‪ ،‬وأسلمت النساء الالئي‬
‫تزوجن من املسلمني‪ ،‬وأجننب ذرية مسلمة أسهمت يف زايدة عدد املسلمني هناك‪ ،‬وفعل‬
‫املسلمون األوائل ما فعل املسلمون يف غري قطر من شرائهم األرقاء واألطفال‪ ،‬وتنشئتهم تنشئة‬
‫إسالمية‪ ،‬مث كانت هلم مساجد‪ ،‬وكونوا وحدات إسالمية امتازت ابلرقي وحسن الرتبية‪.52‬‬

‫‪ 52‬معركة التبشري ‪ :‬ص ‪١٠٦‬‬

‫‪39‬‬
‫بدأوا مبعرفة ميول الشعب وهوايتهم‪ ،‬فاندجموا بينهم اندماجا‪ ،‬وتثقفوا بثقافتهم‪ ،‬وتفننوا‬
‫بفنوهنم‪ ،‬حىت ظلوا حمببني معززين عند الناس مما ييسر هلم الطريق لريشدوهم إىل الدين القيم‪.‬‬
‫ولقد واجهوا الناس يف أحناء البالد حبكمة ابلغة‪ ،‬وكانوا ال ينهون الشعب عن ممارسة أي‬
‫شيء أحبوه‪ ،‬إال وجعلوا له البديل حىت ال يتباعدوا عنهم ليتمكنوا من حماابهتم‪ ،‬ودعوهتم إىل‬
‫اإلسالم من غري أن يتعرضوا منهم ألذى أو عدوان أو رد فعل سيء‪ ،‬وعلى سبيل املثال‪،‬‬
‫عندما علموا مبيول الشعب وحبهم للموسيقى اجلاوية املشهورة “جندينج)‪،”(Gending‬‬
‫درسوا هذا الفن وأتقنوه‪ ،‬كتبوا كلمات تتضمن تعاليم اإلسالم‪ ،‬وحلنوا هلم أحلاان‪ ،‬وكذلك‬
‫عندما عرفوا حب الشعب لفن “وااينج كوليت )‪” (Wayang Kulit‬الذي كان حيكي‬
‫ملحمة هندوكية وبوذية مأخوذة من القصص املشهورة يف الكتب اهلندوكية‪ ،‬وهي ملحمة‬
‫“مهابراات )‪”(Mahabrata‬و“راماايان)‪ ،”(Ramayana‬ألفوا القصص اليت تتناسب‬
‫مع تعاليم اإلسالم ومبادئه العالية الرفيعة بدال من القصص اهلندوكية‪ .‬ويف القصص اليت ألف ها‬
‫هلم الصوفية‪ ،‬كانت حتكي دائما أن أقوى ما لدى اإلنسان من السالح‪ ،‬هو سالح اإلميان‬
‫الذي يبدأ بكلمة الشهادتني‪ ،‬وهذا السالح أقوى من كل سالح كان يستعمله أبطال ملحمة‬
‫“مهابراات” و“راماايان”‪ ،‬ألن سالح “راماايان” سوف يزول‪ ،‬أما سالح اإلميان‪ ،‬فباق إىل‬
‫األبد ليخرج الناس من الظلمات إىل النور‪ ،‬ومن الضاللة إىل اهلدى‪ .‬وكان الداعي الصويف‬
‫جاك ميتاز ب أداء هذه التمثيلية‪ ،‬وكان ‪-‬بعد االنتهاء منها‪ -‬ال يطلب من‬
‫سوانن كايل َ‬
‫املتفرجني أية مكافأة له على عمله‪ ،‬سوى أن يرددوا وراءه الشهادتني يف اإلسالم‪ ،‬وهكذا‬
‫قاد الكثري من الناس يف طريق اإلسالم‪.53‬‬

‫اثنيا ‪ :‬املشاركة يف النظام السياسي واإلداري‬

‫‪ 53‬انتشار علم التصوف ورجاله يف العامل املاليوي ‪ :‬ص ‪٤٠‬‬

‫‪40‬‬
‫ومن مظاهر نفوذ الصوفية يف عامل املاليو‪ ،‬ذلك الدور القيادي واإلداري الذي لعبه‬
‫كثري من الصوفية يف البالد‪ .‬فالشيخ مشس الدين السومطراين مثال‪ ،‬كان رئيس الوزراء لدولة‬
‫أتشيه اإلسالمية اليت كانت تلك األايم يف حكم السلطان إسكندر مودا‪ .‬وهبذا‪ ،‬كان جيمع‬
‫بني األمور الكبرية يف نفس الوقت ؛ إدارة الدولة الكبرية مثل مملكة أتشيه اإلسالمية الواسعة‬
‫النفوذ‪ ،‬والرائسة يف العلوم الدينية والشرعية‪ ،‬وخاصة علم التصوف‪ ،‬كما كان أديبا حيتل املركز‬
‫الثاين بعد شيخه محزة الفنصوري‪ 54.‬وكذلك الشيخ نور الدين الرنريي‪ ،‬فقد لعب دورا كبريا‬
‫يف دولة أتشيه اإلسالمية كشيخ اإلسالم الذي بذل كل جهوده يف نشر اإلسالم وتعاليمه‪،‬‬
‫وحارب فيها تعاليم الوجودية اليت يراها مذهبا فاسدا خيرج صاحبه عن امللة‪ .‬وميكن القول إنه‬
‫ال خيلو عامل صويف كبري ماليوي من أن يشارك سالطني البالد أو ملوكها ويساعدهم يف أمور‬
‫الدولة كاملفيت‪ ،‬أو شيخ اإلسالم‪ ،‬أو الوزير‪ ،‬أو املستشار امللكي‪.‬‬

‫اثلثا ‪ :‬إنشاء املساجد واملدارس اإلسالمية‬

‫جبانب ما بذل الصوفية من اجلهود‪ ،‬وما سلكوا من الطرق والوسائل لدعوة الناس إىل‬
‫اإلسالم ابحلسىن‪ ،‬فإهنم يهتمون أيضا ببناء املساجد‪ ،‬وإنشاء املدارس اإلسالمية‪ ،‬وأتسيس‬
‫القرى العلمية اإلسالمية للحفاظ على سري الدعوة اإلسالمية يف أحناء البالد‪.‬‬

‫وابلنسبة لبناء املساجد‪ ،‬فهو أمر شائع معروف لدى كل العلماء الدعاة األوائل؛‬
‫الصوفية منهم أو غري الصوفية‪ ،‬فكل واحد منهم حريص على أن يبين املسجد ليكون مركز‬
‫الدعوة اإلسالمية ومنطلقها أتسيا ابلنيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقد كان صلى هللا عليه وسلم‬
‫بىن أول ما بىن يف املدينة املنورة املسجد النبوي منطلق النور واهلدى ومركز التعليم‪ .‬ففي اتريخ‬
‫الدعوة اإلسالمية اليت قام هبا الصوفية املاليويون‪ ،‬جند كل واحد منهم حريصا على أتسيس‬

‫‪ 54‬انتشار علم التصوف ورجاله يف العامل املاليوي ‪ :‬ص ‪٤١‬‬

‫‪41‬‬
‫مسجد جامع‪ ،‬أو مسجد غري جامع‪ ،‬أو بناء املدرسة التقليدية أو القرية العلمية‪ ،‬أو أتسيس‬
‫املسجد وبناء املدرسة معا‪.55‬‬

‫رابعا ‪ :‬التأليف والرتمجة‬

‫لقد أكثر العلماء الصوفية املاليويون من التأليف والرتمجة يف الفقه والعقيدة وعلم‬
‫التصوف‪ .‬وإنين مل أابلغ حني أقول إن معظم العلماء املاليويني مييل إىل علم التصوف أو‬
‫ميارس األعمال الصوفية‪ ،‬وذلك نظرا إىل قوة أتثري التصوف يف البالد‪.‬‬

‫فأول كتاب مصنف يف عامل املاليو هو كتاب “حبر الالهوت” أتليف الشيخ عبد هللا‬
‫العارف‪ .‬ويعتقد أن للشيخ عبد هللا العارف كتبا كثرية غري هذا الكتاب‪ ،‬ولكن مل يعثر عليها‬
‫سوى هذا الكتاب الذي كتبه ابللغة العربية‪ ،‬وقد مت نقله إىل اللغة املاليوية يف عهد مملكة‬
‫مالكا اإلسالمية‪ ،‬وحتمل النسخة املرتمجة اسم “حبر الالهوت” أيضا‪ .‬وجدير ابلذكر أن‬
‫هذه الفرتة من الزمن تعترب فرتة البداية حلركة التأليف والرتمجة‪ ،‬ومل تزدهر بعد ازدهارا ملموسا‪.‬‬
‫وأما يف الفرتة الثانية (القرنني ‪ ١٦-١٥‬امليالديني)‪ ،‬فلم تنشط حركة التأليف والرتمجة يف علم‬
‫التصوف وإن كان هناك بعض املؤلفات يف العلوم األخرى‪ .‬وأما يف الفرتة الثالثة (القرنني‬
‫‪ ١٧-١٦‬امليالديني)‪ ،‬فقد نشطت حركة التأليف والرتمجة يف كل فروع العلوم اإلسالمية‬
‫بصورة تلفت النظر‪ .‬ونقتصر هنا على ذكر املؤلفني الصوفية ومؤلفاهتم دون غريهم من العلماء‬
‫واملؤلفات‪ .‬من أشهر الصوفية يف هذه الفرتة الشيخ محزة الفنصوري‪ ،‬والشيخ مشس الدين‬
‫السومطراين‪ ،‬والشيخ نور الدين الرنريي‪ ،‬والشيخ عبد الرؤوف سينكيل‪ ،‬والشيخ يوسف اتج‬

‫‪55‬‬ ‫‪http://iainsalatiga.ac.id/web/ 1.‬‬ ‫مناهج الدعوة الصوفية يف إندونيسيا‬

‫‪42‬‬
‫اخللويت‪ ،‬والشيخ عبد امللك بن عبد هللا الشهري بلقب تؤ فولو مانيس‪ ،‬والشيخ عبد الصمد‬
‫‪56‬‬
‫الفلمباين‪ ،‬والشيخ حممد نفيس البنجاري وغريهم‪.‬‬

‫أكتفي مبا تقدم من احلديث الوجيز لذكر مناهج الصوفية املاليويني يف نشر اإلسالم‬
‫وتعاليمه وتوسيع دائرة الدعوة اإلسالمية يف عامل املاليو بصفة عامة‪ ،‬وإندونيسيا بصفة خاصة‪،‬‬
‫واتضح لنا أن هلم فضال كبريا يف نشر الدعوة إىل هللا وقد أومأت إىل فضلهم يف كل حديثي‬
‫عن كل واحد من الصوفية‪ ،‬وهبذا جن د أن لكل واحد منهم فضال ال يستهان به يف نشر‬
‫اإلس الم وتعاليمه‪ .‬وإذا أردان أن نستبني فضلهم يف الدعوة اإلسالمية أكثر‪ ،‬فال بد من‬
‫ختصيص حبث مستقل لذلك‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫‪ .2‬اجلهود يف نشر االإسالم‬

‫التجار العرب املعروفني جبهودهم الرايدية يف نشر اإلسالم يف املنطقة يف‬


‫ابإلضافة إىل ّ‬
‫مرحلته األوىل ‪،‬أفادت املصادر والبحوث والدراسات أبن هنالك إسارات قوية إىل وجود دور‬
‫فعال لعبه الصوفيون يف هذا املوسوع كذلك منذ ما بعد ظهور الطرق الصوفية يف العامل‬
‫ابرز ّ‬
‫العريب اإلسالمي‪ .‬فقد سجل الرحالة ابن بطوطة الذي قدم إىل مملكة ابساي اإلسالمية عام‬
‫‪1346‬م حضور عدة من العلماء الفارسيني فقهاء الشافعية جملس السلطان امللك الظاهر‬
‫للقراءة واملذاكرة‪ ،‬وكان من بينهم القاضي الشريف أمري سيد الشريازي واتج الدين األصبهاين‬
‫وغريهم الذين تزامن قدومهم إىل هذه اململكة يف نفس الوقت مع ابن بطوطة‪ .‬وهؤالء العلماء‬
‫الفارسيني‪ ،‬وفقا لتفسري سرايكي(‪ ،)Schrieke‬كانوا من الصوفيني نظرا ‪،‬على ما يبدو‪،‬‬
‫ويشهد لذلك ما جاء يف‬ ‫‪57‬‬
‫ألصلهم الفارسي وانتشار الصوفية يف بالد الفرش آنذاك‪.‬‬

‫‪ 56‬انظر مقال “املخطوطات اإلسالمية املاليوية من جانب تقسيم املراحل الزمنية” لألستاذ وان حممد صغري بن عبد هللا‪ ،‬ص ‪ ١‬و‪ ،٢‬وانظر خزانة‬
‫تراث املؤلفات املاليوية‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬ص ‪٣‬‬
‫‪57 B.J.O. Schrieke ،Indonesian Sociological Studies ،part two (The Hague and Bandung: M.‬‬

‫‪van Hoeve1957 ،) p. 239.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪( Sejarah Melayu‬اتريخ املاليو) أن السلطان مالقا أرسل وفدا إىل مملكة ابساي‬
‫اإلسالمية يف عهد السلطان منسور شاه(‪1477-1456‬م) ملقابلة شيخ صويف امسه خمدوم‬
‫هناك من أجل سؤاله عن ما إذا كان إبمكان الشخص الذي قد كتب له القدر أنه من‬
‫أصحاب النار أن يغري ذلك ويصلح حالته ‪.‬‬

‫وتظهر اجلهود الصوفية بشكل أكرب وأكثر يف انتشار اإلسالم جبزيرة جاوة ابلذات‪،‬‬
‫حيث كان هذا االنتشار‪ ،‬على أشهر وأصح الرواايت ‪،‬إمنا مت بفصل جهود العلماء الصوفيني‬
‫خالل الفرتة ما بني منتصف القرن اخلامس عشر امليالدي حىت آخر القرن‪ .‬وكان عددهم‬
‫تسعة‪ ،‬وهم حسب الرتتيب الزماين مولنا مالك إبراهيم (‪ ،)Sunan Gresik‬ورادين‬
‫رمحت( ‪ , )Sunan Ampel‬خمدوم إبراهيم (‪ , ) Sunan Bonang‬رادين قاسم‬
‫(‪ , )Sunan Drajat‬رادين عني اليقني (‪ ,) Sunan Giri‬رادين جعفر الصادق‬
‫(‪ , )Sunan Kudus‬رادين شهيد (‪ ,)Sunan Kalijogo‬رادين عمر سعيد‬
‫(‪ , )Sunan Muria‬شريف هداية هللا (‪ ,)Sunan Gunung Jati‬ومن هنا كانوا‬
‫يعروفون عند أهل جاوة ابألولياء التسعة( ‪ .)Wali Songo‬ولعل أهم وأخطر هذه اجلهود‬
‫هم ما قام به رادين رمحت من تربية ابن ملك مملكة ماجاابهيت( ‪Kerajaan‬‬
‫‪ )Majapahit‬اهلندوكية‪ ،‬امسه رادين فتاح‪ ،‬تربية إسالمية وإعداده ليصبح زعيما مسلما‪،‬‬
‫فكان هو املؤسس وامللك األول ململكة دمياك اإلسالمية( ‪Kerajaan Islam‬‬
‫‪ )Demak‬إثر جناحه يف اإلطاحة مبملكة أبيه ‪،‬أي مملكة ماجاابهيت ‪،‬إطاحة ال رجوع‬
‫‪58‬‬
‫هلا هنائيا‪ .‬فأصبحت مملكة دمياك اإلسالمية مركزا أساسيا إلسالمية جزيرة جاوة وما حوهلا‪.‬‬

‫‪ 58‬أنيس مالك طه‪ ,‬األستاذ بقسم أصول الدين و مقارنة األداين كلية معارف الوحي اإلسالمي و العلوم اإلنسانية ‪ ,‬اجلامعة اإلسالمية العاملية‬
‫مباليزاي‪.‬ص‪11‬‬

‫‪44‬‬
‫على أن هناك دراسات حديثة جاءت ابكتشافات جديدة حول دخول اإلسالم‬
‫وانتشاره جبزيرة جاوة‪ ،‬مفادها أن اإلسالم قد مت عرضه ألهاليها قبل تلك الفرتة بثالثة قرون‬
‫أو أكثر‪ ،‬وأن فصل األسبقية يف ذلك راجع إىل جهود شيخ صويف رومي يدعى مولنا علي‬
‫مشس زين(‪ ،)Maulana Ali Syamsu Zein‬الذي عرض اإلسالم للملك برابو‬
‫ُ‬
‫جااياباي (‪ ،)Prabu Jayabaya‬ملك مملكة كديري اهلندوكية (‪Kerajaan Hindu‬‬
‫‪ ،)Kediri‬يف القرن الثاين عشر امليالدي‪ ،‬وسار معلِّ َمهالديين‪ 59.‬وقد تبني ذلك واضحا‬
‫من خالل تصفح كتاب أديب جاوي رفيع املستوى وشديد األثر يف قلوب اجلاويني من خمتلف‬
‫املستوايت الثقافية واإلجتماعية حىت اآلن ‪،‬بعنوان جانغكا جااياباي( ‪Jangka‬‬
‫‪ :Jayabaya‬نبوؤات جااياباي) ‪،‬ألفه رادين أنغابيهي رانقاوارسيتو ( ‪R. Ngabehi‬‬
‫‪1802-1873( )Ranggawarsito‬م)‪ .‬ذكر املوؤلف يف هذا الكتاب‪ ،‬الذي هو‬
‫مشس زين قد قدم من‬
‫عبارة عن حترير أو تنقيح كتاب مسرر(‪ ،)Musarrar‬أن مولنا علي ُ‬
‫الروم لزايرة امللك جااياباي لتعليمه اإلسالم ‪،‬فتعلم امللك على يديه‪ 60.‬فكان ورود هذه املعلومة‬
‫يف هذا الديوان األديب اجلاوي املشهور‪ ،‬على الرغم من وجود بعض التحفظات لدى بعض‬
‫الباحثني يف صحة وقوع احلكاية ونسبة مضمون الديوان إىل امللك جااياباي ذاته‪ ،‬كان ذلك‬
‫شاهدا بينا على القول بثبوت وصول اإلسالم إىل املمالك اهلندوكية بدواخل جزيرة جاوة‪،‬‬
‫ومملكة كديري اهلندوكية بوجه خاص‪ ،‬على يد الدعاة الصوفيني‪ ،‬سيما و أن هنالك شواهد‬
‫أخرى توؤكد وتعزز هذا القول‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪59‬‬ ‫‪K.H. Muhammad Sholikhin، Manunggaling Kawulo-Gusti: Filsafat Kemanunggalan Syekh‬‬


‫‪Siti Jenar (Yogyakarta: Narasi، 2008)، p. 61; also‬‬
‫‪http://susiyanto.wordpress.com/05/02/2009/islam-dalamramalan-jayabaya/#_ftnref4‬‬
‫‪60‬‬ ‫‪http://superpriyo.wordpress.com/19/05/2010/kitab-musarar-joyoboyo-edisi-lengkap-‬‬
‫‪dengan-terjemahan-bahasa-indonesia-oleh-bapak-isjana-dewa/‬‬

‫‪45‬‬
‫ظهور استخدام بعض كلمات ومصطلحات عربية إسالمية أو بعض عناصر اللغة‬ ‫‪.1‬‬
‫العربية يف ديوان الشاعر األديب أمبو ابنولوه(‪ ،)Empu Panuluh‬وهو‬
‫شاعر من شعراء امللك جااياباي‪ ،‬املعنون ‪ ،Gatotkacasraya‬الذي مت حتريره‬
‫حوايل ‪1140-1150‬م‬
‫لقد عثر الباحثون األثريون موؤخرا على مواقع أثرية لالأحياء اإلسالمية سكنها‬ ‫‪.2‬‬
‫املسلمون داخل عاصمة مملكة ماجاابهيب اهلندوكية‪ ،‬وهي اليت أتسست إثرشقوط‬
‫مملكة كديري اهلندوكية‪ .‬وهذا إن دل على شيء فإمنا يدل على أن سبق انتشار‬
‫اإلسالم يف املنطقة فرتة من الزمان‪.‬‬
‫اكتشاف مواقع أثرية يف املنطقة لقبور حتمل أمساء املسلمني‪ ،‬منها قرب يف‬ ‫‪.3‬‬
‫غريسيك‪ ،)) Gresik‬حيمل اسم امرأة مسلمة‪ ،‬فاطمة بنت ميمون بن هبة هللا‬
‫‪،‬يكتب خبط كويف وابللغة العربية والتاريخ اهلجري‪ ،‬يعين أهنا تويف عنها يف ‪ 7‬رجب‬
‫‪475‬ه (املوافق ل ‪ 2‬ديسمرب ‪1082‬م(‪.‬‬
‫فقد اتضحت بذلك اجلهود الرايدية اليت قدمها الصوفيون يف إيصال اإلسالم إىل‪ ،‬ونشره يف‬
‫‪61‬‬
‫‪،‬أرض جاوة أو أرخبيل املاليو عامة‪ ،‬وإندونيسيا خاصة‪.‬‬
‫‪ .3‬اجلهود يف إسالمية التقاليد واالأدب والثقافة احمللية‬
‫إن الذي يطالع التاريخ الثقايف ألرخبيل نوسانتارا قبل اإلسالم ليجد أن الثقافة‬
‫اهلندوكية‪ -‬البوذية هي السائدة ابعتبار أهنما متثالن الداينتني األساسيتني أو الرمسيتني جلميع‬
‫ممالك هذه املنطقة إىل جانب املعتقدات احمللية األسلية البدائية من الروحانية والسعوذة‬
‫واخلرافيات‪ .‬غري أنه ميكن القول إن اهلندوكية هي األكثر سيادة وهيمنة واستحكاما على‬
‫اإلطالق‪.‬‬

‫‪ 61‬أنيس مالك طه‪ ,‬األستاذ بقسم أصول الدين و مقارنة األداين كلية معارف الوحي اإلسالمي و العلوم اإلنسانية ‪ ,‬اجلامعة اإلسالمية العاملية‬
‫مباليزاي‪.‬ص‪16‬‬

‫‪46‬‬
‫وعليه فإن حماولة أي تغيري ليس أبمر سهل وال بد من مراعاة هذا الواقع الثقايف السائد‬
‫واملستحكم‪ .‬فقد أفادت املصادر‪ ،‬استنادا إىل عدم ورود أي ذكر عن حدوث قتال أو حرب‬
‫يف تعريف اإلسالم إىل املنطقة ‪،‬أن الدعاة األوائل إمنا قاموابتقدمي اإلسالم إىل أهايل املنطقة‪،‬‬
‫فرادى أو مجاعة‪ ،‬ابستخدام طريقة سلمية هادئة تدرجيية للغاية‪ ،‬مبا هو من شأنه أن ال‬
‫حيدث أي نفور أو شعور ابالستغراب واالندهاش واالنزعاج يف نفسية املدعوين ‪،‬أو ال يثري‬
‫أي كره أو غضب ضد الدعوة اإلسالمية اجلديدة‪ .‬وذلك عن طريق حماولة التكيُّف مع البيئة‬
‫الثقافية احمللية‪ ،‬ويف بعض األحيان «التنازل » إىل ‪،‬أو النصهار ببعض التقاليد والثقافة احمللية‬
‫كما سنرى فيما بعد‪ .‬وهذه الطريقة إمنا كانت معروفة بشكل واسع عند كثري من الصوفيني‬
‫‪،‬وشيئا ميتازون به يف الدعوة إىل اإلسالم‪ .‬ولذلك جنحوا يف استمالة اجلماهري وترغيبهم يف‬
‫‪62‬‬
‫اإلقبال على هذا الدين جناحا ابهرا‪.‬‬
‫و أول ما تناولت عملية اإلسالمية من بني التقاليد والعادات هو بدهيا تغيري النظرة‬
‫الكفرية للعامل والوجود(‪ )worldview‬إىل النظرة اإلسالمية التوحيدية ‪.‬فال يتوقع أصال‬
‫حدوث أي تغيري جذري يف اجملتمع إال إبحداث تغيري يف هذا اجلانب العقدي التصوري أول‬
‫وقبل كل شيء‪ .‬وذلك ألن هذا اجلانب هو الذي حيدد ذاتية اإلنسان وشخصيته أفرادا‬
‫ومجاعة‪ .‬فكان الدعاة الصوفيون يف املنطقة مثل أمثاهلم الدعاة يف املناطق األخرى يف العامل‬
‫متاما‪ ،‬و إذا كان هناك اختالف فيما بينهم إمنا حدث يف الطريقة واألسلوب والوسيلة ل يف‬
‫املبدإ واجلوهر والغاية‪.‬‬
‫وجدت مصداقية ذلك فيما خلفوه من تعاليم وأفكار وتقاليد مدونة يف كتبهم‬
‫وموؤلفاهتم ومطَبقة يف واقع حياة اجملتمع الثقافية واألدبية ‪.‬أجل ‪،‬إن اإلنصاف حيتم لنا أن‬
‫نعرتف حبقيقة قلة عدد الكتب واملوؤلفات اليت تركها علماء املنطقة مع كثرة عدد املسلمني‬

‫‪ 62‬أنيس مالك طه‪ ,‬األستاذ بقسم أصول الدين و مقارنة األداين كلية معارف الوحي اإلسالمي و العلوم اإلنسانية ‪ ,‬اجلامعة اإلسالمية العاملية‬
‫مباليزاي‪.‬ص‪16‬‬

‫‪47‬‬
‫فيها‪ ،‬بل هم األكثر يف العامل قاطبة‪ .‬ومن بني هذه القلة ديوان الصويف املاليوي الكبري‬
‫املشهور‪ ،‬محزة الفنصوري (ت حوايل ‪1600‬م)‪ ،‬وموؤلفاته ورسائله الصوفية‪ ،‬وأشهرها على‬
‫اإلطالق شراب العاشقني و أسرار العارفني و املنتهي‪.‬‬
‫يظهر دوره واضحا يف إسالمية التقاليد والثقافة واألدب من خالل التعرف على مميزات‬
‫وخصائص موؤلفاته ورسائله وأشعاره الكثرية‪ .‬وقد بني عبد اهلادي هذه املميزات يف كتابه‬
‫‪Tasawuf Yang Tertindas: Kajian Hermeneutik Terhadap ،‬‬
‫‪( Karya-karya Hamzah Fansuri‬التصوف املضطهد‪ :‬دراسة هرمينيوطيقية‬
‫ملوؤلفات محزة فنصوري)‪ 63,‬ما ملخصه كما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬استخدام كلمات أو سطلحات للتعبري عن شخصية املوؤلف (يعين هو نفسه)‬
‫وهي مأخوذة من املفاهيم الصوفية عن الرتبة الروحية (املقامات) العالية يف علم‬
‫السلوك‪ ،‬مثل‪ :‬الفقري ‪(anak dagang،‬عابر سبيل)‪ ،‬العاشق‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫‪ .2‬كثرة مقتطفات اآلايت القراآنية واحلديث واألمثال والكلمات العربية‪ ،‬اليت قد‬
‫مت استخدام بعضها منذ فرتة طويلة جمازاي رمزاي عند الكتاب الصوفيني العرب‬
‫والفرس من أمثال ابيزيد البسطامي ‪،‬أبو منصور احلالج‪ ،‬اجلنيد البغدادي‬
‫‪،‬اإلمام الغزايل وابن عريب‪ ،‬فريد الدين العطار‪ ،‬جالل الدين الرومي‪ ،‬فخر‬
‫الدين العراقي وغريهم‪ .‬فهناك ما ال يقل من ‪ 1200‬كلمات عربية موجودة‬
‫يف ‪ 23‬قصيدة شعرية حلمزة الفنصوري‪ .‬وهذا يدل على مدى كثافة عملية‬
‫األسلمة السريعة اليت حدثت ألول مرة لالأدب واللغة والثقافة املاليوية يف‬
‫القرن السادس عشر امليالدي ‪.‬‬

‫‪63‬‬ ‫‪Abdul Hadi W. M.، Tasawuf Yang Tertindas: Kajian Hermeneutik Terhadap Karya-karya‬‬
‫‪Hamzah Fansuri )Jakarta: Paramadina، 2001:198(.‬‬

‫‪48‬‬
‫‪ .3‬استخدام األمثال والصور الرمزية أو املفاهيمية اليت استخدمها الشعراء الصوفية‬
‫كثريا يف العامل العريب والفارسي يف وصف َتارهبم وأفكارهم الصوفية فيما يتعلق‬
‫ابحلب‪ ،‬والسكر الروحي‪ ،‬والفناء‪ ،‬واملعرفة‪ ،‬ومراتب الوجود وغريها ‪.‬‬
‫‪ .4‬كما هي حالة شعر الشعراء الصوفيني بشكل عام‪ ،‬قصائد محزة الفنصوري‬
‫تتميز كذلك ابجلمع بني امليتافيزيقا واملنطق وعلم اجلمال بصورة متوازنة‪.‬‬
‫‪ .5‬ابإلضافة إىل ما سبق‪ ،‬لقد كتب محزة الفنصوري كل موؤلفاته ورسائله وديوانه‬
‫الشعري يف اللغة املاليوية مستخدما احلروف العربية أو ما يعرف كثريا فيمابعد‬
‫ب حروف جاوي (‪.)Huruf Jawi‬‬

‫وهكذا‪ ،‬تبني جبالء جهود الصويف املاليوي الكبري محزة الفنصوري يف اإلسالمية‪ .‬وقد‬
‫سلك مسلكه العلماء الصوفيون الكبار الذين جاوؤا يف املنطقة من بعده‪ ،‬كتبوا كتبهم‬
‫ورسائلهم وديواهنم يف اللغة املاليوية مستخدمني احلروف العربية ‪،‬وهم أمثال الشيخ عبد‬
‫الروؤف السنكلي( ‪ ،)M 3961/H/1615– M 1105H 4201‬والشيخ مشس‬
‫الدين السومطراين‪ ،‬والشيخ نور الدين الرانريي‪ ،‬والشيخ عبد الصمد الفاليمباين وغريهم‪ .‬فكان‬
‫هلم فضل كبري يف إرساء بنية الثقافة واحلضارة واألدب اإلسالمية املاليوية إببراز العنصر العريب‬
‫‪64‬‬
‫اإلسالمي أكثر وضوحا وجالء‪.‬‬

‫أما احلضارة اجلاوية فليست هي األخرى مبنأى عن اإلسالمية كذلك‪ ،‬غري أن عملية‬
‫إسالميتها ختتلف نوعا ما عما وجدانه يف إسالمية احلضارة املاليوية املذكور أعالها ‪.‬إذ كان‬
‫جهود الدعاة الصوفيني يف جزيرة جاوة يتمحور أساسا حول مساعي التكيُّف مع‪ ،‬والنصهار‬
‫ابلتقاليد والعادات والثقافة اجلاوية احمللية السائدة – األمر الذي حدا ببعض الباحثني إىل‬

‫‪64‬‬
‫‪Abdul Hadi W. M.، Tasawuf Yang Tertindas: Kajian Hermeneutik Terhadap Karya-karya‬‬
‫‪Hamzah Fansuri )Jakarta: Paramadina، 2001:198(.‬‬

‫‪49‬‬
‫تسمية هذه العملية ب "َتوية اإلسالم "(‪Ind Jawanisasi Islam; Eng.: .:‬‬
‫‪ ،)Javanization of Islam‬وهي اليت مساها البعض اآلخر ب "توطينية اإلسالم"(‬
‫‪)Ind.: Pribumisasi Islam; Eng.: Indigenization of Islam.‬‬
‫ولكن ال بد من االستدراك هنا‪ ،‬أبن هذا ابلطبع ال يعين أن هذه العملية قد مت فيها إمهال‬
‫أو إهدار املبادئ واألصول واملعامل اإلسالمية سرورة‪ ،‬وإمنا كل ما يف األمر هو أن هذه املبادئ‬
‫واألصول قد مت عرضها وترمجتها ألهايل املنطقة يف قوالب ثقافية أدبية حملية من الكتب‬
‫ودواوين الشعر وسائر أنواع الفنون‪ .‬فهؤالء الدعاة الصوفيون كانوا يرون إيصال زبدة رسالة‬
‫اإلسالم إىل الناس املنغرقني يف التقاليد والثقافة اهلندوكية البوذية هبذه الطريقة أسهل وأقرب‬
‫اإىل القبول‪ .‬وفعال‪ ،‬لقد استطاع أن يسق اإلسالم طريقه إىل قصور ملوك جاوة اهلندوسيني‬
‫البوذيني القدامى‪ ،‬ومت تدوين ذلك يف دواوين شعرائهم اجلهابذة على حنو ما رأينا يف‬
‫الصفحات السابقة‪ .‬ففي كتاب ‪ Gatotkacasraya‬للموؤلف األديب الساعر‬
‫اأمبوابنولوه( ‪ )Empu Panuluh‬املذكور‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬وفقا للدراسة اليت قام هبا‬
‫الدكتور سوتسيبتا ويريوسوابرتو( ‪ )Sutjipto Wirjosuparto‬للكتاب ‪،‬أنه قد كثر‬
‫فيه ورود األلفاظ أو املفردات أو املصطلحات العربية اإلسالمية‪ 65.‬وهكذا أيضا ابلنسبة‬
‫للكتب األدبية اجلاوية األخرى ‪،‬أسرار ومسرر وجانغكا جااياباي‪ ،‬املذكورة سابقا‪ .‬الفرق‬
‫الواضح بني الكتب األدبية اجلاوية واملاليوية هو أن األوىل‪ ،‬وإن احتوت على األلفاظ أو‬
‫املفردات اأو املصطلحات العربية اإلسالمية‪ ،‬فهي كتبت يف اللغة اجلاوية وابحلروف اجلاوية‬
‫األصلية‪ ،‬بينما الثانية ‪،‬أي الكتب األدبية املاليوية‪ ،‬كتبت يف اللغة املاليوية وابحلروف العربية‬
‫املعروفة ب (‪)Huruf Jawi‬‬

‫‪65‬‬‫‪R.M. Sutjipto Wirjosuparto، A Short Cultural History of Indonesia )Leiden: E.J. Brill،‬‬
‫‪1952،( p. 83; see also Sholikhin، op. cit.، pp. 67-66.‬‬

‫‪50‬‬
‫لقد برز هذا املنهج الثقايف التوطيين اجلاوي بشكل واضح جدا يف إسالمية الفنون‬
‫املسرحية الشعبية‪ ،‬ويف مقدمتها مسرحية الدمية اجللدية( ‪ ،)Wayang Kulit‬اليت قام‬
‫إبسالميتها سونن كاليجاقا( ‪)Sunan Kalijaga‬واستخدمها لدعوة الناس إىل اإلسالم‪.‬‬
‫كانت هذه املصرحية الشعبية يف األصل عبارة عن عرض قصص البطولية األسطورية الواردة‬
‫يف كتاب ماهاهباراات( ‪ )Mahabharata‬املقدس يف اهلندوكية‪ .‬وقد أحب أهل جاوة هذا‬
‫العرض املسرحي حبا شديدا ال ينازعه شيء آخر‪ .‬ذلك ألن مشاهدة هذا العرض يستفيد‬
‫منها الناس فوائد كثرية ‪،‬فإىل جانب ترويح النفس هناك عرب ودروس وعظات تعليمية تربوية‬
‫فلسفية روحية دقيقة وعميقة تنفعهم يف واقع حياهتم اليومية‪ ،‬فردية كانت أو اجتماعية‪ .‬فهذه‬
‫املكانة املرموقة اليت متتع هبا هذا الفن املسرحي يف قلوب اجلاويني هي اليت لفتت انتباه سونن‬
‫كاليجاقا إىل استغالله وسيلة للدعوة إىل هللا‪ ،‬فقام بتعديل سيناريوهات املسرحية عن طريق‬
‫‪66‬‬
‫إدراج املبادئ والتعاليم اإلسالمية وإدماجها فيها‪ ،‬مع إحداث‪.‬‬

‫وإضافة الشخصيات الرمزية األسطورية األربع اجلديدة املعروفة بتسمية ”أربعة مهارج"‬
‫(‪ ،) Ind.: punakawan; Eng.: clown‬اليت متثل الصفات األخالقيةاملختلفة‬
‫لالإنسان‪ .‬وأمساء هؤالء األربعة هي األول‪ :‬مشّر (‪ )Semar‬والثاين ‪:‬‬

‫قارن (‪ ،)Gareng‬والثالث‪ :‬فاترك (‪ ،)Petruk‬والرابع‪ :‬ابغ(‪. ) Bagong‬‬


‫فكلها من الكلمات العربية لكن حصل يف كل منها تصحيف أو إمالة أو غريمها من أجل‬
‫استثقال نطقها يف اللسان اجلاوي‪ .‬وكذا تنطبق هذه الطريقة على النطق ابلكلمات‬
‫واملصطلحات العربية املشهورة األخرى الواردة يف هذه املسرحية؛ فعلى سبيل املثال ‪،‬مصطلح‬

‫‪ 66‬أنيس مالك طه‪ ,‬األستاذ بقسم أصول الدين و مقارنة األداين كلية معارف الوحي اإلسالمي و العلوم اإلنسانية ‪ ,‬اجلامعة اإلسالمية العاملية‬
‫مباليزاي‪.‬ص‪18‬‬

‫‪51‬‬
‫«كلمة الشهادة»‪ ،‬اليت هي مبثابة سالح انجع يتسلح به مشّر(‪ )Semar‬دائما يف حواره‬
‫وجداله‪ ،‬يُنطَق يف اللسان اجلاوي ب "كلماسادا"(‪.) Kalimosodo‬‬

‫وهكذا متت إسالمية الثقافة واألدب والتقاليد احمللية اجلاوية بطريقة تدرجيية استمرت‬
‫لعدة قرون من الزمان إىل أن جاء جيل الدعاة اجلدد من أبناء البلد يف منتصف القرن العشرين‬
‫‪67‬‬
‫الذين قاموا حبركة اإلصالح اإلسالمية‬
‫‪ .4‬اجلهود يف الدفاع عن االإسالم‬

‫كما هو شأن معظم احلركات الصوفية يف األقطار اإلسالمية األخرى‪ ،‬ق ّدمت صوفية‬
‫أرض جاوة جهودا جبارة يف الدفاع عن اإلسالم‪ ،‬وعلى وجه خاص عندما جاءت القوات‬
‫االستعمارية األوربية السليبية – برتغال وهولندة وبريطانيا وأسبانيا ‪ -‬إىل هذه املنطقة يف أوائل‬
‫القرن السادس عشر امليالدي وما بعده‪ .‬لقد سجل التاريخ بطولة رائعة قام هبا العلماء‬
‫الصوفيون بعد ما فشلت املمالك اإلسالمية يف الدفاع عن نفسها وسقوطها حتت سيطرة‬
‫وهيمنة القوات االستعمارية األوربية‪.‬‬

‫ويف خالل القرون الثامن عشر‪ ،‬التاسع عشر و أوائل العشرين‪ ،‬فقد كانت احلركات‬
‫الصوفية الكربى يف أفريقيا وآسيا‪ ،‬يف كثري من األحيان‪ ،‬هلا عالقة مع احلركات اإلسالمية‬
‫السائدة‪ .‬فقد قام الصوفيون يف كثري من األحيان بقيادة حركات اإلصالح وزعامة املعارضة‬
‫ضد الظلم واهليمنة األجنبية أو االستعمارية ‪.‬على سبيل املثال‪ ،‬كان أتباع النقشبندية وشاه‬
‫ويل هللا يقفون صامدين ضد القوة االستعمارية الربيطانية يف اهلند‪ .‬وهذا صحيح كذلك يف‬
‫إندونيسيا‪ .‬واحلقيقة أهنم كانوا متورطني بشدة يف احلركات السياسية ‪،‬أمثال أولئك الذين‬
‫شاركوا يف ثورة الفالحني يف ابننت( ‪ ،)Banten‬جاوة الغربية‪ ،‬يف عام ‪1888‬م‪،‬‬
‫‪67‬‬‫‪Karel A. Steenbrink ،Beberapa Aspek tentang Islam di Indonesia Abad 19 Jakarta: Bulan‬‬
‫‪Bintang1984 ،p. 175‬‬

‫‪52‬‬
‫فمعظمهم كانوامن أعضاء الطريقة القادرية‪ .‬وهناك مثال آخر هو احلرب اآلتشيهية يف‬
‫آتشيه(‪)Aceh‬ضد اهلولندة يف أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬واليت أظهرت دليال على قوة‬
‫‪68‬‬
‫التأثري السنوسي‪ ،‬وكذلك احلركة النقشبندية يف سومطرة الغربية‪.‬‬

‫اإلصالحية‪ ،‬يف‬ ‫(العلماء)‬ ‫حركة ‪Padri‬‬ ‫إن‬ ‫وكذلك ‪،‬‬


‫مينانغكابو (‪,)Minangkabau‬بسومطرة‪ ،‬اليت وقفت صامدة ملكافحة االستعمار‬
‫اهلولندي الصلييب‪ ،‬كانت الطريقة الصوفية املنتشرة يف تلك الفرتة متثل واحدة من مقوماهتا‬
‫‪.‬وكان دور الصوفية يف حماربة االحتالل اهلولندي للدفاع عن اإلسالم واضحا أيضا يف حرب‬
‫ديبونيغورو( ‪1825 -1830Diponegoro‬م) جباوة الوسطى‪ .‬ففي تلك املعركة‪ ،‬كان‬
‫األمري ديبونيغورو يوؤازره ويناصره يف صفه الكياهيون (العلماء)‪ ،‬زعماء الصوفية يف املنطقة‪.‬‬

‫وجاء يف مقالة مارتن فان بروين (‪ ،)Martin van Bruinessen‬بعنوان ‪:‬‬


‫« ‪Tarekat dan Politik: Amalan Untuk Dunia Atau‬‬
‫‪( »?Akherat‬الطريقة والسياسة‪ :‬من أجل الدنيا أم اآلخرة؟)‪ 69‬ما يؤكد أيضا دور القادة‬
‫الصوفيني وأتباعهم يف النضال ضد اهلولنديني‪ .‬وكان أشدهم يف ذلك قادة الطريقة السمانية‪،‬‬
‫وأتباعهم يف حرب مينتينج( ‪ )Perang Menteng‬يف ابليمبانج (‪،)Palembang‬‬
‫سومطرة ‪،‬أسفرت عن احنسار القوات اهلولندية يف أول هجومها للمنطقة عام ‪1819‬م‪.‬‬

‫وابإلضافة إىل ذلك‪ ،‬لقد سجل التاريخ أيضا العديد من حركة التمرد قادهاشيوخ‬
‫الطرق الصوفية املختلفة ضد االحتالل اهلولندي‪ ،‬مثل حركة املقاومة فيباجنارماسني(‬
‫‪ ،)Banjarmasin‬جنوب كاليمانتان( ‪1862-1859‬م)‪ ،‬وبطولة حاجي رفاعي(‬

‫‪68‬‬‫‪Karel A. Steenbrink ،Beberapa Aspek tentang Islam di Indonesia Abad 19 Jakarta: Bulan‬‬
‫‪Bintang1984 ،p. 175.‬‬
‫هذه املقالة نشرت يف جملة ‪ ،Pesantren‬العدد ‪ ،9‬رقم ‪ ،)2991( 1‬ص ‪41-3‬‬ ‫‪69‬‬

‫‪53‬‬
‫‪ )Haji Ripangi‬من كايل ساساك( ‪ )Kalisasak‬عام ‪1859‬م ‪،‬ومعركة‬
‫تسياجنور(‪ ،)Cianjur‬سوكابومي(‪ )Sukabumi‬عام ‪1885‬م‪ ،‬وحركة املزارعني‬
‫سامني( ‪ )Petani Samin‬عام ‪1890-1917‬م‪ ،‬وحادثة غاروت( ‪ )Garut‬عام‬
‫‪1919‬م‪ ،‬وما إىل ذلك‪.‬‬

‫ولقد شهد عهد ثورة االستقالل اإلندونيسي نفس الظاهرة أو ما يسبهها كذلك‪.‬‬
‫كان العديد من السباب يف خمتلف الوليات واملناطق جبزيرة جاوة مستعدين متام االستعداد‬
‫للقتال ضد القوات اهلولندية اليت حاولت العودة إىل احتالل جاوة يف أواخر األربعينات من‬
‫القرن العشرين املاضي‪ .‬فهم كانوا يتدربون يف فنون الدفاع عن النفس حتت رعاية وعناية‬
‫شيوخ الطرق الصوفية املختلفة يف سورااباي وجومبانغ وابطي وقدس وسوكابومي وابننت‬
‫‪70‬‬
‫وغريها‪.‬‬

‫‪70‬‬‫‪Martin van Bruinessen, Tarekat Dan Politik: Amalan Untuk Dunia Atau Akhirat?, Majalah‬‬
‫‪Pesantren, Vol IX, no. 1992, PP 14-3.‬‬

‫‪54‬‬
‫اخلامتة‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ,‬لقد متت كتابة هذا البحث النافع عن موضوع "جهود الصوفياء‬
‫يف نشر اإلسالم يف إندونيسيا" ‪ ,‬وحاولت فيه ابلتحليل عن كيفية أحوال الصوفياء يف‬
‫ينشرون اإلسالم يف إندونيسيا‬
‫إندونيسيا‪ .‬و عرفنا أن الصوفياء له دور كبري من حيث ّ‬
‫ابستخدام منهجهم و بطريقة سليمة‪.‬‬

‫و بيّنت فيه أيضاً بعض الطرق الصوفية املوجودة يف إندونيسيا و بعض خصوصيتهم‬
‫حىت نعرف بعض التصورات عنهم‪ ,‬و دور علماء الصوفية و جهودهم يف نشر اإلسالم‪ .‬و‬
‫نعرف أن التصوف قد دخل يف إندونيسيا بطريقة سليمة من بعض التجار من العرب و اهلند‬
‫و الفرس و هلم أثر كبري يف دعوة اإلسالم يف إندونيسيا حىت اآلن‪.‬‬

‫و أمتىن بكتابة هذا البحث نستطيع أن نزيد معلمتنا عن أحوال التصوف يف عامل‬
‫اإلسالمى و خصوصاً يف إندونيسيا‪ .‬و أخرياً‪ ,‬أشكر شكراً جزيال إىل فضيلة األستاذ د‪ .‬عبد‬
‫الوهاب جان الذي قد كلّفين و أشرفين يف كتابة هذا البحث النافع و جزاك هللا أحسن‬
‫اجلزاء‪.‬‬

‫و هللا املوافق و اهلادي إيل سواء السبيل‪ ,‬و احلدهلل رب العاملني‪ ,‬و صلى هللا على نبينا‬
‫حممد و على آله و أصحابه أمجعني‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫املصادر و املراجع‬

‫ القرآن الكرمي‬.1
‫ السنة النبوية‬.2
‫اللغة العربية املعاصر‬، ‫ املعجم الوسيط‬.3
133 ‫ لقاهرة‬,‫ الرسالة القشريية‬.4
‫ احلياة الروحية يف اإلسالم‬,‫ حممود مصطفى حلمي‬.‫ د‬.5
‫ تصوف بدائرة املعارف اإلسالمية‬,‫ مصطفى عبد الرزاق‬.‫ د‬.6
‫ املدخل إىل التصوف اإلسالمى‬,‫ الوفا الغنيمي التفتازين‬.‫ د‬.7
,‫ مركز امليسبار للدراسات و البحوث‬,‫ التصوف يف إندونيسيا‬, ‫ أنيس مالك طه‬.‫ د‬.8
2013
‫ انتشار علم التصوف ورجاله يف العامل املاليوي‬.9
‫املراجع ابللغة اإلجنليزية‬
1. Syed Muhammad Naquib al-Attas, The Mysticism of Hamza Fansuri. Kuala Lumpur,
University of Malaya Press
2. Jhon, Islamization in Southeast Asia
3. Julia Day Howell ،Sufism and the Indonesian Islamic Revival، in The Journal of Asian
Studies,60 ،no. 3
4. Syed Naquib Al-Attas ،Some Aspects of Sufism as Understood and Practiced among
the Malays ,Singapore: Malaysian Sociological Research Institute
5. R.M. Sutjipto Wirjosuparto ،A Short Cultural History of Indonesia ,Leiden: E.J.
Brill1952 ،
6. B.J.O. Schrieke ،Indonesian Sociological Studies ،part two ,The Hague and
Bandung: M. van Hoeve1957

56
‫املراجع ابللغة اإلندونيسيا و املاليوية‬
1. William Girdlestone Shellabear , Hikayat Raja-Raja Pasai ,Kuala Lumpur: Fajar Bakti,
1987.

2. Prof. Dr. Azyumardi Azra, Jaringan Ulama Timur Tengah dan Kepulauan Nusantara
Abad XVII & XVIII, Akar Pembaruan Islam Indonesia. Edisi Revisi Jakarta: Kencana,
2004

3. Risalah Seminar Sedjarah Masuknja Islam Ke Indonesia… tgl. 17 sampai 20 Maret


1963 di Medan. Publ. by Pertjetakan (Waspada), Medan, 1963

4. Martin Van Bruinessen، Kitab Kuning، Pesantren dan Tarekat ،Bandung: Mizan،
1995،

5. Abubakar Aceh, Pengantar IImu Tarekat ,Solo: Rarnadhani199


6. Hj Wan Mohd Saghir Abdullah، Penyebarann Thariqah-Thariqah Shufiyyah
Mu’tabarah di Dunia Melayu، Kuala Lumpur: Khazanah Fathaniyyah، 2000

7. K.H. Muhammad Sholikhin، Manunggaling Kawulo-Gusti: Filsafat Kemanunggalan


Syekh Siti Jenar ,Yogyakarta: Narasi، 2008

8. Abdul Hadi W. M.، Tasawuf Yang Tertindas: Kajian Hermeneutik Terhadap Karya-
karya Hamzah Fansuri ,Jakarta: Paramadina، 2001:198

9. Karel A. Steenbrink ،Beberapa Aspek tentang Islam di Indonesia Abad 19 ,Jakarta:


Bulan Bintang1984

10. Martin van Bruinessen, Tarekat Dan Politik: Amalan Untuk Dunia Atau
Akhirat?, Majalah Pesantren, Vol IX, no. 1992

‫املراجع من الصحف إنرتنت‬


1. http://thoriqoh-
indonesia.org/index.php?option=com_content&view=article&id=77&Item id=93 id=93
2. http ::// traditionalislam.freeservers.com/Tasawwuf_Kedudukannya_DiNusantara.htm،
retrieved on
3. http://aboabdo.ahlamontada.com/t41-topic
4. http://superpriyo.wordpress.com/19/05/2010/kitab-musarar-joyoboyo-edisi-lengkap-
dengan-terjemahan-bahasa-indonesia-oleh-bapak-isjana-dewa/
5. http://susiyanto.wordpress.com/05/02/2009/islam-dalamramalan-jayabaya/#_ftnref4

57
6. http://tulisantessa.blogspot.com/2013/06/sekilas-tokoh-tokoh-sufi-dalam-sejarah.html

58
‫فهرس‬

‫‪ .1‬املقدمة ‪1 ..................................................................‬‬
‫‪ .2‬أمهية املوضوع ‪2 ............................................................‬‬
‫‪ .3‬أسباب إختيار املوضوع ‪2 ...................................................‬‬
‫‪ .4‬منهج البحث ‪2 ............................................................‬‬
‫‪ .5‬إشكالية البحث‪3 ..........................................................‬‬
‫‪ .6‬خطة البحث ‪4 ............................................................‬‬
‫‪ .7‬املبحث األول ‪ :‬تعريف التصوف ‪6 ..........................................‬‬
‫املصطلحات الصوفية ‪7 .....................................................‬‬
‫تصوف ‪7 .......................................................‬‬
‫أصل كلمة ّ‬
‫تعريف التصوف لدى املتصوفة أنفسهم ‪9 .....................................‬‬
‫مفهوم التصوف يف اإلسالم ‪9 ...............................................‬‬
‫نظرة امجالية اىل مراحل تطور التصوف‪12 ......................................‬‬
‫التصوف يف اإلندونيسيا‪14 ...................................................‬‬
‫اتريخ دخول التصوف إىل إندونيسيا‪16 ........................................‬‬
‫‪ .8‬املبحث الثاين ‪ :‬طرق الصوفية و علماء الصويف يف اندونيسيا‪20 ....................‬‬
‫بعض طرق الصوفية يف إندونيسيا‪21 ............................................‬‬
‫‪ .i‬الطريقة النقشبندية‪21 ...................................................‬‬
‫‪ .ii‬الطريقة القادرية ‪23 .....................................................‬‬
‫‪ .iii‬الطريقة التيجانية ‪25 ....................................................‬‬
‫‪ .iv‬الطريقة الشاذلية‪26 .....................................................‬‬

‫‪59‬‬
‫‪ .v‬الطريقة الرفاعية ‪28 .....................................................‬‬
‫تطور الصوفية وطرقها وأبرز مشاخيها يف إندونيسيا‪29 .............................‬‬
‫‪ .9‬املبحث الثالث ‪ :‬جهود الصوفياء يف نشر اإلسالم يف إندونيسيا ‪38 ................‬‬
‫مناهج الدعوة الصوفية يف إندونيسيا ‪39 .........................................‬‬
‫‪ .i‬دعوة امللوك والشعوب إىل اإلسالم ‪39 ....................................‬‬
‫‪ .ii‬املشاركة يف النظام السياسي واإلداري‪41 ..................................‬‬
‫‪ .iii‬إنشاء املساجد واملدارس اإلسالمية‪41 ....................................‬‬
‫‪ .iv‬التأليف والرتمجة‪42 .....................................................‬‬
‫اجلهود يف نشر اإلسالم ‪43 .....................................................‬‬
‫اجلهود يف إسالمية التقاليد واالأدب والثقافة احمللية‪46 ..............................‬‬
‫اجلهود يف الدفاع عن االإسالم ‪51 ...............................................‬‬
‫‪ .10‬اخلامتة‪55 ..................................................................‬‬
‫‪ .11‬املصادر و املراجع‪56 ........................................................‬‬
‫‪ .12‬فهرس‪59 ..................................................................‬‬

‫‪60‬‬

You might also like