You are on page 1of 140

‫علم االجتماع العائلي‬

‫االستاذه الدكتوره‬

‫ليلى علد الوهاب‬


‫‪2‬‬

‫الفصل األول‬
‫علم االجتماع العائلي‬
‫موضوعه وأهم مجاالت الدراسة فيه‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬

‫علم االجتماع العائلي ‪ :‬موضوعه وأهم مجاالت الدراسة فيه‬


‫يعد نظام األسرة والزواج من أقدم النظم االجتماعية التي عرفها‬
‫المجتمع االنساني علي مر العصور ‪ .‬وبرغم قدم هذين النظامين إال أنه من‬
‫المعروف أن تغيرات وتحوالت هامة طرأت عليهما فأثرت بالتالي علي‬
‫أشكال األسرة والزواج وأنماط الحياة المترتبة عليهما‪ ،‬كذلك حجم األسرة‬
‫وطبيعة العالقات التي تربط بين أفرادها‪ :،‬واألدوار التي عليها نظام تقسيم‬
‫العمل ونمط السلطة العائلية الذي يحدد تلك العالقات واألدوات وما يترتب‬
‫عليهما من مكانات اجتماعية سواء داخل األسرة أو فى المجتمع شكل عام‪.‬‬

‫وبرغم سيادة نمط األسرة النووية ‪ Nuclear Family‬فى معظم‬


‫مجتمعات العالم الحديث والمعاصر‪ ،‬نتيجة لظهور المجتمعات الصناعية‬
‫الرأسمالية‪ ،‬إال أن هناك أنماطاً وأشكاالً أخري عديدة لألسرة تنتشر فى‬
‫مجتمعات العالم خاصة مجتمعات العالم الثالث فى أسيا وأفريقيا وأمريكا‬
‫الالتينية حيث ال زالت أنماط وعالقات االنتاج اإلقطاعية هي المسيطرة‪،‬‬
‫كذلك فإن هذه المناطق ال تخلو من وجود مجتمعات قبلية ذات اتساق ثقافية‬
‫واجتماعية تختلف اختالفاً واضحاً عن تلك االقطاعية أو الرأسمالية أو‬
‫االشتراكية وما من شك فى أن كل نمط من أنماط االنتاج وعالقاته وما‬
‫يرتبط من أنساق اجتماعية وثقافية وسياسية يؤثر تأثيراً واضحاً فى تحديد‬
‫شكل األسرة ونظم الزواج التي تحكمها وطبيعة األدوار والمكانات التي‬
‫يشغلها كل فرد من أفرادها‪ ،‬وكذلك العالقات والعمليات االجتماعية التي‬
‫تنشأ بداخلها‪ ،‬وتلك التي تربط بين األسرة كمؤسسة وغيرها من المؤسسات‬
‫والنظم االجتماعية القائمة فى المجتمع بشكل عام‪.‬‬

‫ومع هذا نجد أن األسرة بمفهومها الحديث الذي تطور عين‬


‫الدراسات السوسيولوجية واألنثروبولوجية التي ظهرت فى أوروبا‬

‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫الرأسمالية متاثرة بالمدرسية الوصفية والدورانية االجتماعية وبعض‬


‫التيارات النفسية ‪ ،‬قد ركزت معظم اهتمامها علي تناول وتفسير األسرة –‬
‫كمجال علم االجتماع العائلي – من الداخل أي دراسة أنواعها وحجمها‪،‬‬
‫ووظائفها والعالقات الداخلية بين أفرادها‪ ، :‬واألدوار والمكانات التي يتمتع‬
‫بها كل فرد فيها‪ ،‬وأهم من هذا كله أصبح مجال دراسة المشكالت‬
‫االجتماعية لألسرة التي صاحبت عمليات التصنيع والتحضر وخروج المرأة‬
‫للعمل‪ ،‬أحد اهم المجاالت الرئيسية التي هيمنت علي معظم البحوث‬
‫والدراسات فى مجال علم االجتماع العائلي خالل فترة طويلة امتدت حتي‬
‫أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من هذا القرن‪.‬‬

‫وعلي الرغم من أن األسرة كنظام كان موضع اهتمام المفكرين‬


‫والفالسفة ورجال الدين علي مر العصور والحضارات االنسانية ‪ ،‬إال أن‬
‫اإلطار الذي كان يحكم تفسير هؤالء لألسرة كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً‬
‫بالتأمالت الفلسفية القائمة علي الخالق والدين من كونفوشيوس المعلم‬
‫األول فى الصين القدينة‪ ،‬إلي أفالطون وأرسطو عند اإلغريق‪ ،‬ثم المسيح‬
‫والقديس أوجستين وأخيراً مفكروا عصر النهضة فى أوروبا وسوف تعود‬
‫إلي هذا الموضوع مرة أخري باستفاضة عند مناقشة آراء الفالسفة‬
‫والعالقة بين المرأة والرجل داخلها‪.‬‬

‫أما ما يجدر التركيز عليها فى هذا الجزء من الحديث عن نشأة علم‬


‫االجتماعي العائلي – أي الدراسة العلمية لألسرة بمختلف جوانبها – هو ما‬
‫يرتبط بظهور أول محاالوت علمية مبنية علي التحقيق القائم علي األدلة‬
‫التاريخية المادية‪ ،‬فهي تلك المحاوالت التي جاءت نتيجة لتطوير ميادين‬
‫أخري فى العلم من أبرز تلك المحاوالت نتائج دراسات عالم البيولوجي‬
‫المعروف تشارلز دارون فى إنجازه الشهير "أصل األنواع" عام ‪1859‬ن ثم‬

‫‪4‬‬
‫‪5‬‬

‫الدراسات األنثولوجية واألنثروبولوجية التي اهتمت بتفسير أصل األسرة‬


‫والزواج كدراسة باخوفين "حق األم" عام ‪ ،1861‬فدراسة ماك لينان "‬
‫الزواج البدائي ‪ ،1856‬فدراسة ليبوك "أصل الحضارة" ‪ ،1870‬ثم دراسة‬
‫لويس مورجان‪" ،‬المجتمع القديم" ‪ 1877‬وأخيراً دراسة أنجلز الشهيرة‬
‫"أصل العائلة" ‪ ،‬والملكية الخاصة والدولة ‪ ،1884‬وهي الدراسة التي‬
‫اعتمد فيها علي المادة األنثروبولوجية التي جمعها مورجان فى مؤلفه‬
‫"المجتمع القديم"‪.‬‬

‫هذا وقد حدث تطور منهجي خالل النصف األول من القرن العشرين‬
‫اتجه بدراسات وبحوث األسرة وجهة أمبيريقية وصفية اعتمدت علي المادة‬
‫الميدانية المدعمة بأساليب التحليل اإلحصائي وقد ابتعد هذا االتجاه‬
‫األمبريقي بشكل واضح عن استخدام المنهج التاريخي الذي اتبع فى‬
‫الدراسات السابقة والذي اهتم فى المقام األول بالبحث عن أصل وتطور‬
‫أشكال األسرة والزواج عبر الزمن والمكان‪ ،‬فعلي العكس تماماً من ذلك‬
‫حيث االتجاه األمبريقي اهتمامه الرئيسي علي دراسة األسرة فى المجتمعات‬
‫الصناعية الرأسمالية‪ ،‬وبالتحديد المشكالت االجتماعية التي عانت منها‬
‫األسرة من جراء عمليات التصنيع والتحضر وباتت تشكل خطراً يهدد البناء‬
‫االجتماعي للمجتمع الرأسمالي ككل‪ ،‬خاصة مع تزايد حدة التفاوت الطبقي‬
‫بين أبناء األسرة الغنية (الطبقة البرجوازية) وابناء األسرة الفقيرة من‬
‫الطبقة العاملة‪.‬‬

‫إن مشكالت مثل التفكك أو التصدع األسري‪ ،‬وعدم التوافق‪،‬‬


‫والطالق والجريمة واالنحراف والدعارة‪ ،‬والهجرة إلي غير ذلك من‬
‫المشكالت االجتماعية‪ ،‬أصبحت تمثل بؤرة اهتمام علماء االجتماع وعلماء‬
‫النفس المحافظين ‪ ،‬ليس فقط بغرض بحث هذه المشكالت ومحاولة إيجاد‬

‫‪5‬‬
‫‪6‬‬

‫حلول لها ‪ ،‬ولكين أيضاً بهدف الحفاظ علي النظام االجتماعي القام وحمايته‬
‫من أي خلل أو تصدع يمكن أن يهدد بناءه الكامل ويعتبر فردريك لوبالي‬
‫رائد هذا االتجاه الذي تأثر إل يحد كبير فى دراسته عن األسرة بأوجست‬
‫كونت ونزعته الوضعية فى تفسير المجتمع بظواهره االجتماعية المختلفة ‪،‬‬
‫وقد سار عل ينهج كونت ولوبالي العديد من الباحثين والعلماء من أمثل‬
‫بيرجسن وكولي وتوماس وبارك من بين علماء االجتماع ‪ ،‬كما أثرت‬
‫دراسات فرويد وأدلر ويونج فى مجال التحليل النفسي فى تدعيم وتثبيت‬
‫أركان هذا االتجاه ذات النزعة الفردية اإلصالحية المعتمدة عل يالمناهج‬
‫الكمية فى مجال بحوث ودراسات األسرة‪.‬‬

‫والمؤكد أن كل من االتجاهين التاريخي واألمبريقي قد تاثر بشكل‬


‫واضح باألفكار والنظريات التي هيمنت علي الحياة الفكرية والسياسية‬
‫واالجتماعية فى أوروبا منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتي النصف‬
‫األول من القرن العشرين ‪ .‬لقد تبلورت هذه األفكار والنظريات فى‬
‫أيديولوجييتين هما األيديولوجية الرأسمالية واأليديولوجية االشتراكية اللتان‬
‫لعبتا دوراً أساسياً فى توجيه العلم والسياسة واألخالق والقانون والفلسفة‬
‫إلي غير ذلك من أبنية فوقية‪.‬‬

‫لذلك نستطيع أن نقرر أن االتجاه التاريخي فى دراسة األسرة قد‬


‫تاثر بشكل كبير بالنظرية الماركسية وبمنهجها المادي الجدلي التاريخي فى‬
‫تفسير وفهم المجتمع بمختلف جوانبه ومؤسساته االقتصادية واالجتماعية‬
‫والسياسة والثقافية فى ضوء المعطيات التاريخ والشواهد الدافعية لمختلف‬
‫الظواهر ‪ ،‬فى إطار عملية الصراع االجتماعي والتغيرات التي طرأت علي‬
‫المجتمع االنساني عبر تطوره التاريخي نتيجة لتلك التطورات التي حدثت‬

‫‪6‬‬
‫‪7‬‬

‫فى قوي وعالقات االنتاج التي تشكلت فى ضوئها تكوينات اجتماعية‬


‫اقتصادية حددتها الماركسية فى خمسة مراحل هي ك‬

‫‪-3‬االقطاعية‪.‬‬ ‫‪-2‬العبودية‪.‬‬ ‫‪-1‬المشاعية البدائية‪.‬‬

‫‪-5‬االشتراكية‪.‬‬ ‫‪-4‬الرأسمالية‪.‬‬

‫لقد استطاع كارل ماركس فى إطار نقده للمجتمع الرأسمالي وكشف وفضح‬
‫تنقضاته االجتماعية واألخالقية ‪ ،‬أن يكشف عن الجوهر والطبيعة الطبقية‬
‫لنظام األسرة والزواج تحت النظام الرأسمالي ‪ ،‬مؤكدأً أ‪ ،‬األسرة بتكوينها‬
‫البورجوازي هي أحد الدعائم التي يرتكز عليها ذلك النظام فهي أحد وسائله‬
‫الفعالة فى تكوين عالقات االستغالل والتمييز ‪ ،‬كما أنه مصدر هام لتدعيم‬
‫األوضاع الطبقية فى المجتمع وقد أوضح ماركس أيضاً كيف أنه من خالل‬
‫نظام األسرة والزواج فى المجتمع الرأسمالي يتم تكديس وتراكم الثروة‬
‫والنفوذ بين أبناء الطبقة البرجوازية‪.‬‬

‫أما االتجاه الثاني الذي أشرنا إليه سالفاً فى تفسير وتناول نظام‬
‫األسرة والزواج وهو االتجاه األمبريقي الوضعي الذي يتبني األيدولوجية‬
‫الرأسمالية فستقوم افتراضاته النظرية علي أساس أن المجتمع بناء متكامل‬
‫يتكون من مجموعة من األنساق يؤدي كل منها وظيفة من أجل تساند‬
‫واستقرار هذا البناء أن علماء هذا االتجاه يرون أن األسرة تمثل الخلية‬
‫األساسية للمجتمع ‪ ،‬وأن اي تصدع أو تفكك يطرأ عليها من شأنه أن يؤثر‬
‫علي بقية أجزاء البناء االجتماعي ‪ ،‬وعليه فإن دراسة مشكالت األسرة‬
‫ومحاولة إيجاد حلول للتوترات التي تنشأ فيها وعنها هي أحد المهام العلمية‬
‫السوسيولوجية التي يجب إعطاؤها أولوية فى البحث والدراسة ‪ ،‬من أجل‬
‫تثبيت دعائم النظام االجتماعي وتحقيق االستقرار له‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪8‬‬

‫إن هذا االتجاه المحافظ فى علم االجتماع وعلم االجتماع العائلي قد‬
‫تنشأ كما سبق وإ ن ذكرنا علي أيدي أوجست كونت ‪ ،‬ولوبالي وتطور علي‬
‫أيدي سبنسر ودور كايم وفيبر ‪ ،‬وفيوال إلي المدرسة البنائية والوظيفية‬
‫الحديثة بعلمائها من أمثال بارسونز وميرتون وكولي وبيرجس‬
‫وكوماروفسكي ووليام جود وغيرهم ‪ .‬وسوف نعود مرة أخري إلي هذه‬
‫النقطة بشئ من التفصيل عند الحديث عن االتجاهات النظرية فى تفسير‬
‫نظام األسرة والزواج‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪9‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫األســـــــرة‬
‫تعريفها وأنواعها ووظائفها‬

‫‪9‬‬
‫‪10‬‬

‫األسرة ‪ :‬تعريفها وأنواعها ووظائفها‬


‫‪Family‬‬ ‫أوالً ‪ :‬تعريف األسرة‬
‫اختلف علماء االجتماع واألنثروبولوجيا فيما بينهم حول وضع‬
‫تعريف محدد لألسرة ‪ ،‬فالبعض يضع تعريفه علي أساس بيولوجي (الجنس‬
‫والتناسل) والبعض األخر يركز علي بعض الجوانب االجتماعية مثل التنشئة‬
‫االجتماعية ‪ ،‬والتفاعل االجتماعي‪ ،‬كذلك المكانات ‪ Status‬واألدوار ‪Roles‬‬
‫التي يكتسبها األفراد فى إطار نظام األسرة والزواج‪.‬‬

‫هناك أيضاً إشكالية أخري تظهر عند التصدي لتحديد مفهوم األسرة‬
‫والزواج ‪ ،‬حتي أن البعض يري أن األسرة ما هي إال الزواج مضافاً عليه‬
‫االنجاب‪ ،‬أي ان الزواج شرطاً أولياً لقيام األسرة – لذا يعتبر بعض العلماء‬
‫األسرة نتاجاً لتفاعل العالقات الزواجية ‪ Conjagal Realationship‬وهؤالء‬
‫العلماء هم العلماء المحافظون ‪ ،‬بينما يري عدد أخر من العلماء‬
‫الراديكاليين أن األسرة ينظم الزواج التي تنشأ عنها ‪ ،‬ما هي إال نتاجاً‬
‫لعالقات االنتاج السائدة فى المجتمع التي يحددها شكل الملكية القائم سواء‬
‫كانت ملكية عامة أو مشاعية ‪ ،‬أو ملكية خاصة‪.‬‬

‫وقبل أن نتطرق لمناقشة العالقة بين نظامي األسرة والزواج‬


‫وأيهما نتاجاً لألخر؟ وكيف يختلفان من مجتمع ألخر ومن فترة تاريخية‬
‫معينة إلي فترة تاريخية أخري؟ وما هي العوامل واضعين فى االعتبار‬
‫االختالفات االيدولوجية والنظرية القائمة بين معظم علماء االجتماع‪.‬‬

‫وبرغم التعريفات الكثيرة التي قدمها العلماء لمفهوم السرة إال أنه‬
‫ومع هذا فسوف نحاول أن نعرض ألهم أنواع األسرة كما حددها علماء‬
‫االجتماع سواء المحافظين أو الراديكاليين‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪11‬‬

‫التعريفات المثالية المحافظة ‪:‬‬


‫قدم عدد من علماء االجتماعي المحافظين من أمثال وستر مارك وهنري‬
‫مين وميردوك ويونج وبيرجس وغيرهم تعريفات لألسرة ال تخرج عن‬
‫اآلتي ‪ :‬األسرة هي جماعة نسائية يطلق عليها البعض ايضاً اسم وحدة‬
‫اجتماعية بطريقة قانونية أو شبه قانونية ‪ .‬وهي تتكون من راجل وأمرأة‬
‫وأبنائههما المباشرين يقطنون معاً فى مكان مشترك ‪ ،‬وتقوم بين‬
‫الزوجين عالقات جنسية يقرها المجتمع والدين بهدف انجاب األطفال‬
‫ورعايتهم ‪ .‬كما يتميز بوجود عالقات تتسم بالخصوصية واالستمرارية‬
‫لفترات طويلة تلزم أفرادا بسلسلة من الحقوقو والواجبات (حقوق الزوج‬
‫والزوجة واألبناء وواجباتهم إزاء بعضهم وإ زاء الغير)‪.‬‬

‫وعلي سبيل المثال لو نظرنا إلي تعريف ميردوك ‪murdock‬‬


‫لألسرة لوجدنا أنه يلخص هذا المعني عندما يقوم أن األسرة وحدة‬
‫اجتماعية يتفاعل أفرادها تفاعالً متبادالً ويؤدي كل فرد فيها دوراً ما‬
‫حدده المجتمع وثقافته ‪ ،‬كما يحقق التفاعل بين افارد األسرة إشباعاً‬
‫لحاجات اقتصادية واجتماعية ونفسية وجنسية كما يرتبط بانجاب األطفال‬
‫وتربيتهم‪.‬‬

‫لو تأملنا الترعيفات السابقة لوجدنا أنها تركز علي عدة نقاط هي‬
‫بمثابة الشروط فى نظر هؤالء العلماء لقيام األسرة وأدائها لوظائفها ‪.‬‬
‫هذه الشروط أهمها‪.‬‬

‫عالقة بين رجل وإ مرأة ينظمها القانون ويعترف بهاالمجتمع‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫مسكن مشترك يستخدم كمأوي مناسب ألفراد السرة لتحقيق‬ ‫‪-2‬‬


‫احتياجاتهم ومصالحهم المختلفة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪12‬‬

‫أن تتسم العالقة بالخصوصية واالستمرارية‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫أن يرتبط وجودها بإنجاب األطفال وتربيتهم ‪ ،‬وفقاً للثقافة‬ ‫‪-4‬‬


‫والمعايير األخالقية السائدة‪.‬‬

‫أن يقوم كل فرد فيها بدور يحدده المجتمع بمعاييره‬ ‫‪-5‬‬


‫االجتماعية والثقافية المتعارف عليها‪.‬‬

‫إشباع الحاجات االجتماعية والنفسية والعاطفية‪ :‬ألفرادها‪.‬‬ ‫‪-6‬‬

‫وجود عدد من الحقوق والواجبات بين أفراد األسرة إزاء‬ ‫‪-7‬‬


‫بعضهم وإ زاء الغير‪.‬‬

‫يتميز أفراد السرة بإنتسابهم إلي أصل عائلي واحد ‪ ،‬يحملون‬ ‫‪-8‬‬
‫إسمه ويرتبطون بروابط القرابة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪13‬‬

‫التعريفات المادية الراديكالية‪:‬‬


‫تستمد معظم التعريفات الراديكالية ألسرة والزواج مفهومها من‬
‫كتابات ماركس وانجلز حول نظام األسرة والزواج التي وردت فى كثير‬
‫من أعمالها سواء المشتركة أو المنفردة ومنها علي سبيل المثال "رأس‬
‫المال" لماركس و"البيان الشيوعي" لماركس وانجلز وأصل العائلة‬
‫والملكية الخاصة والدولة النجلز وحالة الطبقة العاملة فى انجلترا النجلز‪.‬‬

‫وكما سبق وأشرنا فإنتعريف ماركس وانجلز لألسرة والزواج‬


‫ارتبط بتحليلهما المادي الجدلي التاريخي لنشأة المجتمع ونشأة الملكية‬
‫الخاصة وظهور الطبقات‪.‬‬

‫وقد توصال إلي أن عالقات االنتاج والتطور الذي طرأ عليها يعد‬
‫هو المسئول األساسي عن تحديد شكل األسرة وأنماط الزواج المترتبة‬
‫عليها ن وهذا ما سنعرض له بالتفصيل فى الفصل الثالث‪.‬‬

‫أما عن التعريف الذي يمكن أن نسوقه هنا فى إطار الحديث عن‬


‫الترعيفات الراديكالية لألسرة فهو تعريف أفانسييف الذي اعتمد فيه علي‬
‫آراء ماركس وانجلز والتعريف يقول أن األسرة هي أحد األشكال‬
‫التاريخية الهامة للتجمع االنساني الذي تنعقد وتتشابك فيه الوظائف‬
‫الطبيعية مع الوظائف االجتماعية ‪ ،‬بالرغم من غلبة الوظائف‬
‫االجتماعية‪ ،‬أما عن الوظائف الطبيعية فهي تلك التي تنجم ‪ .‬عن دخول‬
‫أفراد من الجنسين فى عالقات ينتج عنها انجاب األطفال‪.‬‬

‫أما العالقات االجتماعية بين النساء والرجال والباء واألبناء‬


‫فتتحدد وتعتمد علي العالقات االقتصادية االجتماعية السائدة لنمط االنتاج‬

‫‪13‬‬
‫‪14‬‬

‫السائد ز كما ترتبط األسرة بشكل أو بأخر بنمط من الزواج يقوم عل‬
‫ياتحاد ودي بين رجل وإ مرأة ينظم بشكل معين العالقات المتبادلة‬
‫واالهتمامات المشتركة والتقارب الزوجي بين الزوج والزوجة ‪ .‬واألسرة‬
‫عند تأديتها لوظائفها الهامة تتصل بشكل وثيق بالعالقات االجتماعية‬
‫القائمة فى النظام االجتماعي ككل ‪ ،‬أي أن األسرة فى مجتمع طبقي‬
‫بالرغم من تمتعها بدرجة من االستقالل النسبي ن إال أنها تمثل الخلية‬
‫االقتصادية األولي باعتبارها جزء من العالقات االقتصادية لنظام المجتمع‬
‫‪ ،‬الذي ينظمها وفقاً لمعاييره القانونية واألخالقية واأليدولوجية‬
‫والروحية‪.‬‬

‫بناء علي التعريف السابق يحدد أفانسييف الوظئاف التي تؤديها‬


‫األسرة فى المجتمع الطبقي بثالث وظائف هي ‪:‬‬

‫تنظيم العالقات بين الجنسين ‪ ،‬ذلك الذي يقوم علي أساس‬ ‫‪-1‬‬
‫سيادة النظام االقتصادي القائم بقواعده القانونية واألخالقية‪.‬‬

‫إنجاب وتربية األبناء ‪ ،‬وهم الطاقة االجماعية القادرة علي‬ ‫‪-2‬‬


‫العمل ‪ ،‬بمعني أخر إعادة إنتاج قوة العمل الالزمة‪.‬‬

‫تدبير شئون المنزل وخدمة أفراد األسرة‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫من العرض السابق نستطيع أن نستنتج أهم الفروق الجوهرية‬


‫بين كالً النوعين من التعريفات التي تناولت األسرة والزوج‪ ،‬فبينما تركز‬
‫التعريفات المحافظة علي وصف تقرير األسرة بنمطها السائد فى‬
‫المجتمعات الرأسمالية الحديثة الذي يتمشي فى سيادة نمط األسرة‬
‫النووية القائمة علي الزواج األحادي ‪ ،‬متجاهلين‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫‪15‬‬

‫أوالً ‪ :‬وجود أنماط أخري من األسر ‪ ،‬مناطق من قارات آسيا وافريقيا‬


‫واستراليا تختلف اختالفاً بيناً عن ذلك النمط السائد فى مجتمعات‬
‫أوروبا وأمريكا‪.‬‬

‫ثانياً ‪ :‬التأكيد علي أهمية األسرة باعتبارها الخلية االجتماعية األولي‬


‫التي يتحقق بواسطتها التكيف والتفاعل االجتماعي بين األفراد‬
‫سواء داخلها أو مع غيرها من المؤسسات االجتماعية األخري‬
‫الموجودة فى المجتمع ‪ ،‬متغافلين دور العوامل‪ :‬اإلقتصادية والطبقية‬
‫أي النظام االقتصادي – االجتماعي للمجتمع ككل وتاثيره علي وضع‬
‫األسرة وعلي العالقات القائمة بين أفرادها‪.‬‬

‫ثالثاً ‪ :‬إهمال البعد التاريخي في تفسير مفهوم األسرة والتركيز علي‬


‫البعد القانوني واألخالقي ‪ ،‬فبدت األسرة كما لو كانت مؤسسة أو‬
‫نظام يخلق ويتشكل بالقوانين والمعايير األخالقية – فى حين أنها‬
‫ظاهرة اجتماعية تاريخية تشكلت وفقاً للنظام االقتصادي‬
‫االجتماعي‪ ،‬وتطوره مع تطور هذاالنظام بما يعكسه من أنظمة‬
‫قانونية وأخالقية وروحية‪.‬‬

‫فإذا نظرنا إلي التعريفات المادية الرايكالية لوجدنا أنها قد راعت كل‬
‫هذه الجوانب مؤكدة علي اهمية البعد الطبقي والبعد التاريخي والبعد‬
‫االقتصادي فى تحديد مفهوم األسرة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪16‬‬

‫أنواع األسرة ‪:‬‬


‫استقر رأي علماء االجتماع واألنثروبولوجيا علي تحديد عدد من األنواع‬
‫لألسرة يمكن إيجازها فى االتي ‪:‬‬

‫‪-1‬األسرة النووية ‪:Nuclear Family‬‬


‫وأحياناً يطلق عليها األسرة الزواجية ‪ Conjugal Family‬علي‬
‫اعتبار ان رابطة الزواج ذات أهمية أساسية بالنسبة لها ‪ .‬وهي تتكون‬
‫من الزوج والزوجة واألبناء المباشرين وتقوم علي نمط الزواد األحادي‬
‫‪. Monogamy‬‬

‫وعن دورة الحياة فى األسرة النووية يقسم العلماء األسرة إلي‬


‫دورتين األولي تسمي بأسرة التوجيه ‪ Family of orientation‬ويقصد بها‬
‫األسرة التي يولد فيها الشخص ويحصل فيها علي تنشئته االجتماعية‬
‫األولي واألساسية والثانية وتسمي بأسرة االنجاب أو التناسل ‪Family Of‬‬
‫‪ Procreation‬ويقصد بها الفرد فى أسرة التوجيه عندما يصل إلي درجة‬
‫النضج البدني والنفسي أو االقتصادي الذي يمكنه من أن يكون أسرة‬
‫بنفسه وينجب ويوجه إلي أن ينمو أوالده فينفصلون مكونين أسرة جديدة‬
‫بالتالي وهكذا‪.‬‬

‫‪-2‬األسرة الممتدة ‪: Extended Family‬‬


‫وهي األسرة التي تتكون من أكثر من جيل كاألب واألم واألبناء‬
‫غير المتزوجين واألبناء المتزوجين ‪ ،‬وزوجاتهم وأوالدهم وقد يضاف‬
‫إليها بعض اقارب الزوج كالعم أو العمة واألخ أو األخت ‪ .‬وهم يشتركون‬
‫ويعيشون فى مسكن كبير واحد أو مساكن منفصلة متجاورة يكونون‬

‫‪16‬‬
‫‪17‬‬

‫وحدة متالزمة ومستمرة تقوم علي رابطة الدم ‪ ،‬ويتبادلون معاً للخدمات‬
‫وتقسيم العمل ومن الممكن تصنيف هذه التعريفات إلي نوعين ‪ ،‬تعريفات‬
‫مثالية محافظة ‪ ،‬وتعريفات مادية راديكالية‪.‬‬

‫إن اختالف العلماء حول تحديد مفهوم األسرة قد انعكس بشكل‬


‫واضح فى تحديد أنواعها ووظائفها واشكال الزواج المرتبطة بكل منها ‪،‬‬
‫العمل داخل المنزل وخارجه من حيث شراء االحتياجات والتشاور فى‬
‫أمور األسرة كلها والخروج معاً إلي السوق وقضاء أوقات الفراغ‪،‬‬
‫والتعاون الوثيق فى مقابلة الحاجات المشتركة من رعاية للمسنين‬
‫واألطفال‪ :‬والمرضي وهم جميعاً يشتركون معاً في االحتفال بالمناسبات‬
‫المختلفة للألسرة‪.‬‬

‫واألسرة الممتدة أحياناً ما يشار إليها بمصطلح السرة المشتركة‬


‫‪ Joint Family‬وأحياناً أخري يستخدم مصطلح األسرة الدموية للتعبير‬
‫عنها ‪ ،‬حيث أن عالقات القرابة وصالت الدم سواء عن طريق األب أو‬
‫األم تعد عامالً مميزاً لتكوين األسرة الممتدة‪.‬‬

‫األسرة المركبة ‪: Compound Family‬‬


‫وهي األسرة التي تقوم علي النظام التعددي فى الزواج سواء‬
‫تعدد أزواج أو تعدد زوجات ‪ ،‬وأيضاً فى حالة الزواج الثاني الناجم عن‬
‫الطالق أو وفاة أحد الزوجين ‪ ،‬واألسرة المركبة تتكون من زوج ‪+‬‬
‫زوجتان أو أكثر ‪ +‬األحوة واألخوات األشقاء ‪ +‬األخوة واألخوات غير‬
‫األشقاء ‪ .‬أو تتكون من الزوج ‪ +‬زوجان أو أكثر ‪ +‬األخوة واألخوات‪:‬‬
‫األشقاء ‪ +‬األخوة واألخوات غير األشقاء ‪ .‬وفى هذه الحالة قد تكون‬
‫اإلفامة فى مسكن واحد أو فى مسكنين منفصلين ‪ .‬كما قد تتكون األسرة‬

‫‪17‬‬
‫‪18‬‬

‫المركبة أيضاً من زوج ‪ +‬أبنائه من زوجة سابقة ‪ +‬زوجة وأبنائها من‬


‫زوج سابق ‪ +‬أبنائها ‪ .‬وفى الواقع فإن هذا النوع من األسر وإ ن كان ال‬
‫يمثل نمطاً شائعاً إال أنه وجد فى جميع المجتمعات القديمة والحديث‬
‫والمعاصرة مع مالحظة اختالف درجة انتشاره من مجتمع ألخسر ومن‬
‫زمن إلي زمن أخر‪.‬‬

‫يالحظ أن التصنيف السابق ألنواع األسرة ‪ ،‬عالوة علي انه يمثل‬


‫االتجاه المثالي المحافظة فى علي االجتماع ‪ .‬فهو أيضاً يؤكد علي‬
‫المفهوم‪ :‬الحديث لألسرة الذي يغفل وجود األنواع واألشكال القديمة لها‬
‫وألنماط الزواج المنبثقة منها ‪ ،‬وهو بذلك يحاول أن يؤكد ويعظم من‬
‫شأن الشكل الحديث السائد فى المجتمعات الرأسمالية الصناعية‪.‬‬

‫أما عن التصنيف الذي قدمه علماء االتجاه المادي الرايكالي‬


‫لألسرة وأنواعها فقد اتجه إل يتحديد أنواع األسرة أو أنماطها علي أسس‬
‫أربعة هي‪:‬‬

‫‪-2‬خط التوريث‪.‬‬ ‫‪-1‬خط انتساب األطفال‪.‬‬

‫‪-4‬سكن األسرة‪.‬‬ ‫‪-3‬نمط السلطة والسيادة‪.‬‬

‫وبناء عل يهذه األسس أمكن لهم تقسيم األسرة إلي نوعين‬


‫أساسيين‪:‬‬

‫أوالً ‪ :‬األسرة األمومية ‪ Maternal‬نسبة إلي األم ‪.‬‬

‫ثانياً ‪ :‬األسرة األبوية ‪ Paternal‬نسبة إلي األب ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫‪19‬‬

‫فمن ناحية النسب والتوريث هناك أسرة االنتساب إلي خط األم‬


‫‪ Matrilineal‬وأسرة االنتساب إلي خط األب ‪ Patrilineal‬وعن طريق أي‬
‫منهما يتحدد نظام التوريث داخل األسرة‪.‬‬

‫ومن حيث السكني فهناك أسرة السكني عند األب ‪Patrilocal‬‬


‫للتعبي رعن عادة انتقال الزوجين الحديثي الزواج للسكني مع قبيلة‬
‫الزوج أو فى قرته ‪ ،‬وأسرة السكني عند األم ‪ Matrolocal‬عندما ينتقالن‬
‫إلي قبيلة الزوجة أو قريتها لإلقامة فيها ‪ .‬كذلك فهناك أسرة السكني‬
‫المستقلة ‪ Neolocal‬وتعني انتقال الزوجين ومعيشتهما فى مسكن جديد‬
‫مستقل‪.‬‬

‫أما من حيث السلطة فهناك نمط األسرة األمومية التي تسيطر عليها األم‬
‫‪ Matriarchy‬وتتميز مكانة المرأة فى هذا النمط باالرتفاع وتحظي سلطة‬
‫ووضع يمكنها من السيادة والحكم‪.‬‬

‫كذلك فهناك األسرة األبوية ‪ Patriarchal‬التي يسيطر فيها األب أو األبناء‬


‫الذكور ‪ ،‬وفى هذا النمط من السلطة العائلية ينحط وضع المرأة وتهبط‬
‫مكانتها ويتحدد دورها عند حدود االنجاب ورعاية األسرة واألبناء‪.‬‬

‫ويري أصحاب االتجاه المادي أنه باإلضافة إلي هذين النوعين ‪ ،‬فقد‬
‫سبقهما نمط السرة العشائرية ‪ ،‬فالعشيرة ‪ Clan‬البدائية فى المجتمعات‬
‫القديمة بعالقاتها وتكوينها ونمط االنتاج الذي اعتمد عليها اقتصادها‬
‫البسيط ‪ ،‬قد شكل من جميع أفرادها أسرة واحدة تقوم علي عالقات‬
‫التعاون والتضامن ‪ ،‬كما لم يكن هناك تخصيص فى عالقات الزواج ‪،‬‬

‫‪19‬‬
‫‪20‬‬

‫فجميع نساء العشيرة كن مشاعاً لجميع رجالها ‪ ،‬واألطفال كانوا يعتبرون‬


‫جميع النساء أمهات لهم ‪.1‬‬

‫إذا نظرنا إلي تصنيف العلماء الراديكاليين لألسرة الستطعنا أن‬


‫نستخلص اآلتي ‪:‬‬

‫أوالً ‪ :‬أنه بالرغم أن نمط األسرة األموية وهو أحد أقدم أشكال األسرة قد‬
‫أختفي من معظم المجتمعات الحديثة والمعاصرة إال أنه ال زالت‬
‫هناك قبائل ينتشر بينها هذا النمط كبعض قبائل الهنود الحمر‬
‫وبعض القبائل فى الهند وفى أفريقيا‪.‬‬

‫ثانياً ‪ :‬أن هذا النمط ظهر وساد فى ظل النظم المشاعية اي قبل نشأة‬
‫الملكية الخاصة وظهور الطبقات التي أحدثت علي حد قول‬
‫ماركس انقالباً فى تاريخ األسرة وبالذات فى مكانة المرأة حيث‬
‫عانت تحت األنظمة العبودية واالقطاعية والرأسمالية اضطهاداً‬
‫مزدوجاً ‪ :‬إضطهاد ضمن إطار المجتمع ‪ ،‬وإ ضطهاد ضمن إطار‬
‫األسرة ‪( .‬أنظر الفصل الخاص بتغير أدوار المرأة وتطور‬
‫المجتمع)‪.‬‬

‫ثالثاً ‪ :‬بالرغم من ادعاء العلماء المحافيظم بأن هذا التصنيف ينطبق‬


‫علي المجتمعات القديمة فقط ‪ .‬إال أن المتأمل للتصنيف يستطيع‬
‫أن يدرك أنه بتطبيق األسس التي قام عليها يمكن تطبيقه علي‬
‫مختلف المجتمعات وفى مختلف العصور ‪ ،‬فمن حيث النسب‬
‫والتوريث والسلطة فإن معظم األسر التي تعيش فى المجتمعات‬
‫الحديث والمعاصرة اوالتي ينتمي بعضها إل يالنظام الرمالي‬

‫‪ 1‬راجع الفصل الذي يتناول نشأة األسرة وتطورها من التفصيالت حول هذا الموضوع‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪21‬‬

‫والبعض األخر إلي النظام االشتراكي والمجتمعات النامية التي‬


‫تعيش فى مناطق العالم الثالث تنتمي كلها إلي نمط األسرة األبوية‪،‬‬
‫ومن حيث السكني فهناك أسرة السكني المستقلة ‪ Neolocal‬وهي‬
‫ما يطلق عليها اسم األسرة النووية ‪ ،‬وهناك أسرة سكني األب‬
‫وهي معظم األسرة التي تعيش فى المجتمعات النامية حيث ال زالت‬
‫العالقات اإلقطاعية تميز هذه المجتمعات وعلي األخص األسر التي‬
‫تعيش فى المناطق الريفية لهذه المجتمعات ‪ ،‬أما أسرة السكني‬
‫عن طريق األم فهي وإ ن كانت غير واضحة إال أنها موجودة فى‬
‫بعض القبائل المنتشرة فى مناطق مختلفة من العالم‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬وظائف األسرة ‪:‬‬


‫تعرضنا فى الجزء األول من هذا الفصل عن الحديث عن تعريفات‬
‫األسرة عند رأي العلماء فى تفسير األسرة وأهميتها ‪ ،‬وقد رأينا أن‬
‫العلماء اختلفوا‪ :‬بحسب توجيهاتهم األيويولوجية ومنطلقاتهم النظرية ‪،‬‬
‫فبينما أكد علماء االجتماع المحافيظ علي أهمية السرة باعتبارها تحقق‬
‫وظيفة هامة ألفرادها من ناحية ‪ ،‬وللنظام االجتماعي من ناحية أخري ‪،‬‬
‫انطلق العلماء الراديكاليون من موقف مبني علي نقد األسرة خاصة‬
‫األسرة فى المجتمعات الطبقية التي تتحول إل يعامل يدعم النظام الطبقي‬
‫االجتماعي من خالل عالقات الزواج البرجوازية التي تقوم علي التبادل‬
‫ولتحقيق المصالح االقتصادية ‪ ،‬وايضاً بوصفها مؤسسة تعمل علي إعادة‬
‫إنتاج أجيال جديد ة تحمل القيم والمعايير البورجوازية التي يكتسبها‬
‫األطفال من خالل عمليات التنشئة االجتماعية التي يمرون بها خالل‬
‫مراحل نموهم المختلفة داخل األسرة ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪22‬‬

‫ونظراً للتغير االجتماعي الذي طرأ علي بناء األسرة فى‬


‫المجتمعات الغربية الرأسمالية الحديثة وعلي األخص الوظائف التي‬
‫تؤديها األسرة ألفرادها ‪ ،‬نجد أن علماء االجتماع المحافظون قد اختلفوا‪:‬‬
‫فيما بينهم حول تحديد أهمية األسرة فى ضوء مجموعة الوظائف التي‬
‫تؤديها ألفرادها‪ ،‬مع مالحظة أنهم لم يختلفوا علي أهمية وظيفة األسرة‬
‫للمجتمع بشكل عام ولدروها فى تحقيق االستقرار والضبط االجتماعي‬
‫للنظام ككل ‪.‬‬

‫ويري وليام أوجبرن وهو أحد علماء االتجاه المحافظ أن السرة‬


‫فى المجتمعات الحديثة قد فقدت العديد من وظائفها نظراً للتقدم والتطور‬
‫التكنولوجي الذي طرأ علي هذه المجتمعات فأدي إلي زيادة التخصص‬
‫وتعقد المجتمع الحديث ‪ ،‬مما أدي إلي إنتقال عدد كبير من الوظئاف التي‬
‫كانت تقوم بها األسرة إل يمؤسسات وتنظيمات أخري خارج نطاق األسرة‬
‫‪ .‬ويعدد أوجبرن هذه الوظائف فى الوظيفة االقتصادية ‪ ،‬والوظيفة‪:‬‬
‫التعليمية ‪ ،‬والوظيفة‪ :‬الدينية ‪ ،‬والوظيفة الترفيهية ‪ ،‬ووظيفة األمن‬
‫والحماية‪.‬‬

‫ويشير أوجبرن إلي أن األسرة فى العصور السابقة كانت هي‬


‫النظام االجتماعي الرئيسي حيث كانت فى الماشي تشكل‪:‬‬

‫‪ -1‬الوحدة االقتصادية القائمة علي االكتفاء الذاتي فى االنتاج‬


‫واالستهالك‪.‬‬

‫‪ -2‬كما كان أعضاء األسرة يستمدون مكانتهم االجتماعية من مكانة‬


‫أسرهم‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪23‬‬

‫‪ -3‬كانت األسرة تقوم بتعليم أفرادها ليس فقط القراءة والكتابة‬


‫ولكن أيضاً أصول الحرفة أو الصنعة أو الزراعة والتربية الدينية‬
‫والشئون المنزلية‪.‬‬

‫‪ -4‬إقامة الشعائر والطقوس الدينية‪.‬‬

‫‪ -5‬كانت األسرة أيضاً مسئولة عن حماية أعضائها وتحقيق األمن‬


‫االقتصادي واالجتماعي والنفسي‪.‬‬

‫‪ -6‬كانت الوظيفية الترفيهية محصورة ايضاً داخل نطاق األسرة أو‬


‫بين عدة أسر‪.‬‬

‫ويؤكد أوجبرن أن مأساة األسرة الحديثة تكمن فى فقدانها ألغلب‬


‫الوظائف التي كانت تقوم عليها فالوحدات االنتاجية الكبري فى المجتمع‬
‫كالمصانع والمتاجر والبنوك حلت محل الوحدات االقتصادية العائلية ‪ ،‬كما‬
‫حلت المدارس والجامعات كؤسسات اجتماعية محل الوحدة التعليمية‬
‫العائلية البسيطة ‪ ،‬واصبحت وظيفة األمن والحماية من مسئولية أجهزة‬
‫ومؤسسات مستقلة كجهاز الشرطة ‪ ،‬أما ممارسة الشعائر والطقوس‬
‫الدينية فأصبحت تقام فى دور العبادة واختصت مؤسسات اجتماعية‬
‫بعينها علي تقديم الترفيه مثل المسارح ودور السينما وغير ذلك من‬
‫وسائل الترفيه‪.‬‬

‫هذا وقد اعتبر أوجبرن أن التغيرات التكنولوجية وما أحدثته من‬


‫تغيرات فى بناء األسرة الحديثة بفقدانها العديد من وظائفها قد ساد علي‬
‫حدوث التفكك األسري وزيادة معدالت الطالق واالنحراف‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪24‬‬

‫أما تالكوت بارسونز ‪ ، Prsons‬ووليام جود ‪ ، Goode‬وهما من أبرز‬


‫علماء النظرية البنائية الوظيفية المحافظة فقد اختلفا مع أوجبرن فى‬
‫تفسيرة للتغيرات التي طرأت عل ياألسرة الحديثة فأحدثت انهياراً وتفككاً‪:‬‬
‫بها ‪ .‬فبارسونز علي سبيل المثال رأي أن التغيرات الحديثة فى أنماط‬
‫األسرة ووظائفها ال يمكن تفسيرها عل يا‪،‬ها انهيار أو تفكك ‪ ،‬فعلي‬
‫العكس تماماً من ذلك فإن فقدان السرة لبعض وظائفها وانتقالها إ‬
‫ليوحدات اجتماعية أخري يجعل األسرة أكثر حرية فى تبني وظئاف‬
‫جديدة ‪ ،‬أو فى تحسين مستوي أدائها للوظئاف الباقية ويقول فى هذا‬
‫المعني "عندما تكون وظيفتان مستغرقتان فى نفس البناء ثم يحدث أن‬
‫يقوم بأدائها بناءات مختلفان ‪ ،‬فإنهما تؤديان بدقة وعناية أكثر وبدرجة‬
‫أكبر من الحرية " ويؤكد بارسونز أن السرة الحديثة أصبحت أكثر إشباعاً‬
‫وتلبية لالحتياجات العاطفية والشخصية الكل من البالغين واألطفال‪.‬‬
‫وكون األسرة أصبحت أكثر تخصصاً فهذا ال يعني أنها أصبحت أقل أهمية‬
‫ألن المجتمع أصبح يعتمد عليها أكثر فى أداء العيد من وظائفه المختلفة"‪.‬‬

‫ويتفق وليام جود مع براسونز فى أهمية األسرة ووظيفتها بالنسبة‬


‫للنسق والنظام االجتماعي العام ‪ ،‬وذلك بتأكيده علي الوظئاف الوسيطة‬
‫لألسرة باعتبار أن األسرة وسيط بين الفرد والمجتمع الكبير وهي بذلك‬
‫تقوم بوظيفة هامة فى الضبط االجتماعي من خالل عملية التنشئة‬
‫االجتماعية ‪ Socialization‬وهكذا تتضح األفطار المحافظة لعلماء البنائية‬
‫الوظيفة فى تفسيرهم لوظائف األسرة وتأكيدهم عل يدورها فى تحقيق‬
‫الضبط االجتماعي واالستقرار للنظام االجتماعي العام وهو هنا النظام‬
‫الرأسمالي القائم علي االستغالل الطبقي‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪25‬‬

‫لقد حدا هذا بعلماء االجتماع الماديين للراديكاليين باالبتعاد عن‬


‫التأكيد علي أ÷مية األسرة ووظائفها وعلي العكس تماماً ‪ ،‬فكما سبق‬
‫االشارة اتجهوا‪ :‬إلي نقد األسرة بأنماطها ووظائفها فى ظل األنظمة‬
‫الطبقية وسيطرة نمط الملكية الخاصة ويري أصحاب هذا االتجاه أن‬
‫األسرة ال يمكن أن تتحرر فى ظل هذه األوضاع االجتماعية االقتصادية‬
‫الغير متكافئة والتي بدروها خلقت العديد من الظواهر والمشكالت‬
‫االجتماعية المنتشرة فى المجتمعات الرأسمالية كمشكلة العالقات‬
‫الجنسية خارج الزواج ومشكلة البغاء ‪ .‬أن االباحية الجنسية والبغاء أنما‬
‫تعكسان فساد المجتمع البورجوازي ورياء األخالقي ‪ ،‬إذ أن الفرد العاجز‬
‫عن االنعتاق من العبوديات االجتماعية يصبح عبداً لغرائز‪.‬‬

‫إن األسس الحقيقي فى رأي أصحاب هذا االتجاه لقيام األسرة‬


‫وتأديتها لوظائفها يقوم عل ياالختيار الحر القائم علي الحب المتبادل بين‬
‫شخصين من جنسين مختلفين بعيداً عن االعتبارات والمصالح االقتصادية‬
‫‪ .‬وهم يرون أن هذا األساس ال يمكن أن يتوفر فى ظل األوضاع الطبقية‬
‫الدائمة فى المجتمع ‪ ،‬وبالتالي فإن هذا الشرط ال يتحقق إال فى ظل‬
‫المجتمعات االشتراكية التي تقوم علي إلغاء الملكية الخاصة‪.‬‬

‫ويصور انجلز هذا التحرر العائلي بقوله ‪ " :‬أن تحويل وسائل االنتاج‬
‫إل يالملكية العامة يؤدي إلي أن تكف العائلة القائمة علي نظام الزواج‬
‫عن أن تكون هي الوحدة االقتصادية للمجتمع ‪ ،‬وأن يتحول االقتصاد‬
‫المنزلي الخاص إلي ناعة اجتماعية وأن تصبح تربية األطفال سواء كانوا‬
‫شرعيين أو طبيعيين وتعليمهم من المور العامة حيث يرعي المجتمع‬
‫كافة األطفال ‪ ...‬وسيختفي فى نفس الوقت السبب االجتماعي سواء فى‬

‫‪25‬‬
‫‪26‬‬

‫الناحية االقتصادية أو األخالقية الذي يخلق الريائ فى العالقات الجنسية‬


‫سواء داخل نظام الزواج أو خارجه كما ستختفي األسباب التي تدفع‬
‫بالنساء إل يممارسة البغاء‪.‬‬

‫ويؤكد جان فريفيل ذلك المعني بقوله أن حرية الحب الحقيقية‪ :‬وحرية‬
‫الزواج ورفاهية األسرة ‪ ،‬مشروطة بنهاية النظام الرأسمالي ‪ .‬ذلك أن‬
‫حرية الزواج وبالتالي حرية اختيار شريط الحياة لن تتحقق إال يوم أن‬
‫تلقي الملكية الخاصة وتلغي معها االعتبارات االقتصادية التي ما تزال‬
‫تلعب إلي اليوم دوراً حاسماً فى اختيار ذلك الشريك‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪27‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫تطور المجتمع وتغير أشكال األسرة‬
‫والزواج‬

‫‪27‬‬
‫‪28‬‬

‫تطور المجتمع وتغير أشكال األسرة والزواج‪:‬‬


‫نبذة تاريخية عن نشأة المجتمع االنساني‪:‬‬
‫منذ ظهور االنسان فى مرحلة متأخرة من مراحل تطوره الطبيعية‬
‫وبدأ فى التمييز عن غيره من الكائنات الحيوانيةز أخذ يصنع ويبتكر‬
‫األدوات الالزمة لعمله والنتاجه ‪ ،‬هذه األدوات التي بدأت بشكل بدائي‬
‫ارتبطت بطبيعة العالقة االنتاجية البسيطة بين االنسان والطبيعة من خالل‬
‫علميات القنص والصيد وجمع الثمار ‪ ،‬وطبيعة األدوات فى البداية من‬
‫األخشاب ثم من الحجارة فى مراحل متقدمة من تطور قوي االنتاج قم من‬
‫المعادن‪.‬‬

‫منذ يصنع االنسان األدوات التي استخدمها فى عملية وانتاجه‬


‫ظهر بذلك أو لشكل من أشكال العمل ‪ ،‬كما ظهر أول شكل من أشكال‬
‫التجمع االنساني فبفضل العمل ولد المجتمع االنساني وأخذ فى التطور‬
‫والنمو عن الممالك الحيويانية معدالً بذلك ما ظهر فى حياته الماية‬
‫واالجتماعية – وكان الكتشاف النار دور أساسي فى دخول االنسان فى‬
‫مرحلة جديدة من التطور‪ ،‬وفاستخدامها ألول مرة فى طهو أطعمته وفى‬
‫صنع أدوات إنتاجه ‪ ،‬كما استعان بها فى توسيع دائرة انتشاره عل‬
‫ياألرض ‪ ،‬فاقتحم وألول مرة المناطق الباردة وعاش فيها‪.‬‬

‫وقد عاش االنسان البدائي خالل حقبة طويلة من الزمن علي‬


‫قطف الثمار وصيد الحيوانات وأدي تقدم الصيد نتيجة الختراع "القوس"‬
‫والسهام إلي استئناس بعض الحيوانيات – وكما أدات مالحظات االنسان‬
‫األول أثناء قطعه الثمار أدت إلي نمو الجذور التي كانت تسقط عل‬
‫ياألرض واستطاع أن يفهم كيفية نمو البنات وأن يهتم بأول شكل من‬

‫‪28‬‬
‫‪29‬‬

‫أشكال الزراعة البدائية والتي اعتمدت إلي فترات طويلة من الزمن علي‬
‫وسائل وأدوات بدائية بسيطة‪.‬‬

‫واستخدمت الماشية والدواب كقوة تساعد االنسان علي عملية‬


‫الزراعة وظل ذلك مستمراً حتي اكتشف االنسان المعادن وعرف كيفية‬
‫صهرها فاستخدام المواد المعدنية فى الزراعة وأصبح العمل الزراعي‬
‫عندئذ أكثر انتاجاً فخرج االنسان بذلك من المرحلة البدائية‪.‬‬

‫(العشيرة) كأول شكل من أشكال األسرة‪:‬‬


‫كان أسالف االنسان فى الوقت الذي لم تكن قد تحللت االنسانية‬
‫تماماً من المملكة الحيوانية يعيشون فى قطعان وعندما تكون االقتصاد‬
‫البدائي زاد عدد السكان ضيئاً فشيئاً فانتظم المجتمع فى عشائر ‪Tribes‬‬
‫فى ذلك العصر كان األفراد يتحدون مع بعضهم البعض بواسطة صالت‬
‫الدم وكانواوحدهم الذين يستطيعون التجمع للعمل مع بعضهم البعض‬
‫للحفاظ علي الجنس البشري وتحقيق حياة اجتماعية بيولوجية – فأدركوا‬
‫أن وجودهم البيولوجي ال يتم إال بوجودهم االجتماعي ‪ ،‬فالعمل كان سبب‬
‫من أسباب التجمع البشري ‪ ،‬وقد كان الطابع البدائي ألدوات االنتاج ال‬
‫يسمح للعمل الجماعي بأن يزاول إال فى نطاق ضيق‪ .‬لجماعة من األإلراد‬
‫ارتبطوا فيما بينهم برابطة العصب الواحد وبالحياة كجماعة‪ ،‬لذلك كان‬
‫االنسان البدائي يعتبر أي شخص ال تربطه به صلة العصب وال الحياة‬
‫المشتركة فى نطاق العشيرة يعتبره عدواً له‪ -‬وكانت العشيرة فى الغالب‬
‫مكونة من بضع عشرات من األفراد الذين تربطهم بعضهم البعض‬
‫عالقات انتاجية‪ ،‬كما وحدت بينهم روابط الدم وبمرور الوقت زاد كيان‬

‫‪29‬‬
‫‪30‬‬

‫الجماعة ووصل إلي عدة مئات من األفراد ونمت عادة العيش الجماعية‬
‫وأمنحت مزايا العمل الجماعي إلي القاء سوياً ‪.‬‬

‫فى نطاق العشيرة كان االنسان البدائي لم تكن لديه غير أدوات‬
‫بدائية بسيطة للعمل والذي كانت تهاجمه األخطار الحقيقية‪ :‬وتؤثر فيه‬
‫معتقدات خيالية ‪ ،‬ال يستطيع العيش منفصالً عن غيره لذلك كانت مجرد‬
‫فكرة أبعاده عن عشيرته وإ نصاله عن ذويه ترهقه وتثبت الذعر فى‬
‫نفسه كما كان أفنانه عن جماعته يبدو فى نظره بمثابة الحكم عليه‬
‫باإلعدام‪.‬‬

‫وقد ظلت فكرة ارتباط الفرد بعشيرته واعتقاده بفنائه إذا بعد‬
‫عنها ظلت موجودة لدي مجتمعات أكثر تطوراً من مجتمعات االنسان‬
‫األول ‪ .‬فقد كان اليونانيون القدماء كما كان البرابرة جميعاً يعاقبون‬
‫القائل بعقوبة "النفي" وقد كانت عالقات االنتاج فى داخل العشيرة تحددها‬
‫حالة القوي االنتاجية وطابعها لذلك كان األفراد نتيجة لتأخر وتخلف‬
‫أدوات اإلنتاج يعيشون فى وحدة كاملة تقوم أساساً علي التعاون المتبادل‬
‫بينهم كما لو لم يكن بينهم تناقض بين أي فرد وبين الملكية‪.‬‬

‫ففي نطاق العشيرة فرض المستوي الشديد االنخفاض للقوي‬


‫االنتاجية تقسيم وتزيع الغذاء "االنتاج" إلي أجزاء متساوية ‪ ،‬وكان من‬
‫المستحيل قيام أي طريقة أخري للتقيم أو التوزيع إذا كانت منتجات العمل‬
‫تكفي بالكاد الشباع االحتياجات الضرورية للجماعة ‪ ،‬وكان حصول أحد‬
‫األفراد عل ينصيب يزيد عن نصيب األخرين يعني أن يموت شخصاً أخر‬
‫جوعاً ‪ ،‬لذلك تأصلت لدي الشعب البدائية عادة المساواة فى توزيع العائد‬
‫من االنتاج‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫‪31‬‬

‫وقد روي العالم "دارون" عن مشاهداته لعشيرة "لوجيان" أنه قد‬


‫أعطي ألحد افراد هذه العشيرة غطاء يتدفأ به فأخذ يمزق الغطاء قطعأً‬
‫ويوزع أجزاءه عي كل فرد من افراد عشيرته ‪ .‬كذلك كان يفعل‬
‫"البوشمان" بكل هدية بتلقاها أحدهم من أحد األجانب‪.‬‬

‫وفى المرحلة التي كانت المجتمعات البشرية تعيش فيها عل‬


‫يالقنص وعلي الثمارز كان جميع افراد الجماعة يقومون بها كما كان‬
‫نتاج عملهم يوزع علي الجميع ‪ ،‬فقد كان الصيد يعد ملكاً للجماعة ال‬
‫لشخص صائده‪.‬‬

‫وقد الحظ عالم األنثروبولجيا "لويس مورجان" أن القبائل التي‬


‫كانت تعيش فى سهول أمريكا الشمالية والتي كانت تعتمد فى معيشتها‬
‫علي ما تأكله من حيوانات ‪ ،‬كانت تبدي فى صيدها شيوعته" ‪ .‬وذكر أن‬
‫"ذوي األقدام السوداء" كانوا يتعقبون قطعان الجاموس الوحضي جماعة‬
‫وعندما يبدأ القنص يترك الصائدون ورائهم الحيوانات التي اصطادوها‬
‫لمن يسيروا خلفهم ويستمرون فى ذلك حتي يكتفي الجميع‪.‬‬

‫وقد كانت هذه الجماعات البشرية نتيجة العتمادهم علي الصيد‬


‫والقنص كوسيلة للمعيشة تجولوا األرض سالكين فى ذلك األنهار والبحار‬
‫ويضع أفرادها رحالهم حيث يجدون ميسرة ‪ ،‬وعندما نمت القبائل البدائية‬
‫وإ زداد عدد أفرادها وبعد اكتشاف أول شكل من أشكال الزراعة البدائية‬
‫تعين علي هؤالء البدائيين االعتماد فى معيشتهم علي ما تقدم لهم‬
‫الطبيعة من فاكهة وثمار وما يصطادون من حيوانات وأسماك كما تعين‬
‫أن يستغلوا مساحات واسعة من األرض وأال عجزوا عل يالحصول علي‬
‫طعامهم ‪ .‬وظهر نتيجة لهذا االستقرار أو لتقسيم لألراضي ‪ .‬وعندما كف‬

‫‪31‬‬
‫‪32‬‬

‫االنسان البدائي عن التجول والترحال وشيد له منزالً يأوي إليه لم يكن‬


‫هذا المنزل فردياً ايضاً بل كان شائعاً لكلك أفراد العشير‪ .‬وظل شائعاً فى‬
‫المرحلة األولي التي بدأت العائلة فيها تتخذ الشكل األمومي‪ .‬وقد شاهد‬
‫"البيروز" فى "بولونيزيا" المنازل تبلغ ثالثة مائة قدم وعشرين قدماً‬
‫عرضاً ‪ ،‬وعشرة أقدام ارتفاعاً وكانت تبدو عل يشكل شفينة مقلوبة لها‬
‫فتحتين عند نهايتها ويقطن بها أكثر من مائة شخص‪.‬‬

‫كذلك تفسير الشيء عند جماعة "األيروكوا"‪ :‬وفى هذه المنازل‬


‫الشائعة كانت األغذية واألطعمة‪ :‬شائعة بدورها كما كان طهيها وتناولها‬
‫شائعاً بين األفراد ‪ ،‬فلدي جماعة " األيروكوا" كان الطعام يجهز بين‬
‫سكان المنزل وكانت كبري النسوة تقوم بتوزيعه من األناء الكبير علي‬
‫األسر كل حسب حاجاته ‪ .‬وقد ذكر الباحث "ستيفن" أن هنود "المايا" كان‬
‫لهم مطبخ واحد شائع يقع فى كوخ من أكواخ القرية ويضيف إلي ذلك ما‬
‫كان يتبقي من طعام لدي هذه الجماعات البدائية كان يوضع فى المخزن‬
‫الشائع للجماعة ولكل فرد أن يأخذ منه ما يريد حتي لو كان هذا الطعام‬
‫مما لم يشارك فيه وفى إنتاجه والحصول عليه ‪ .‬وقد بدأ التطابق بين‬
‫الظروف االقتصادية التي سادت هذه الجماعات وبين قيم وأخالق‬
‫البدائيين واضحاً جلياً‪ .‬فقد داعمت المشاعية فى االنتاج واالستهالك‬
‫المساواة بين أفارد العشيرة والقبيلة‪ ،‬كما أنها نمت وزادت من مشاعر‬
‫التعاون علي الحياة ‪ .‬وقد كتب الباحث "كاتلين" يقول أن كل فرد فى‬
‫القرية الهندي رجل كان إمرأة أو طفالً كان له الحق أن يدخل أي سكن‬
‫من المساكن حتي لو كان مسكن الزعيم ويأكل أن كان جائعاً‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪33‬‬

‫والواقع أن العشيرة كانت تباشر علي كل فرد من أعضائها‬


‫سلطاناً واسعاً حتي أن بعض علماء االجتماع الذين درسوا كثيراً من‬
‫القبائل البدائية لم يكن له كيان مستقل وإ نما كان يوجد بحكم انتمائه إلي‬
‫القبيلة التي تتحمل مسئوليته وأنه أي الفرد لم تكن له أي أ÷مية باعتباره‬
‫فرداً وإ نما أهميته ترجع إلي إعتباره عضواً فى الجماعة‪.‬‬

‫نشأة الملكية وظهور العائلة‪:‬‬


‫لقد ارتبطت العائلة فى بدايتها بنشأة الملكية وما ترتب عليها من‬
‫تطور فى عالقات االنتاج السائدة ونشأة عدد من القيم المرتبتة علي هذه‬
‫العالقات ‪ ،‬وبنشأة الملكية انتقل المجتمع وألول مرة من مجتمع بدائي‬
‫جماعي إلي مجتمع طبقي وظلت عالقات االنتاج القائمة علي الملكية‬
‫موجودة فى المجتمعات الطبقية التي بدأت بالمجتمع العبودي وانتقلت مع‬
‫تطور قوي وعالقات االنتاج إل يالمجتمع االقطاعي ‪ .‬وتطور الحال حتي‬
‫وصلت إلي المجتمع الرأسمالي وسوف نتناول بالشرح نشأة الملكية‬
‫والتطور والنمو الذي مرت به المجتمعات فى ظل العالقات القائمة علي‬
‫الملكية‪.‬‬

‫فى المجتمعات البدائية األولي عاش اإلنسان األول فترات طويلة‬


‫قبل أن يكتشف كيفية تحقيق غريزته الجنسية وقد كانت الجماعة البدائية‬
‫جمع من الرجال والنساء ارتبطوا بعضهم ببعض فى معيشتهم وفى‬
‫عملهم كي يستطيعوا‪ :‬السيطرة علي الطبيعة الشباع جاجاتهم البيولوجية‪،‬‬
‫وما حدث فى الشكل االقتصادي حدث كذلك فى العالقات الجنسية‪ .‬فقد‬
‫كان االنسان البدائي بادئ األمر إنساناً متوحشاً فكان ينمو من الطبيعة‬
‫وفى نفس الوقت ينموا ضدها كائن بيولوجي وكائن اجتماعي محاوالً أن‬

‫‪33‬‬
‫‪34‬‬

‫يفهمها وأن يتغلب عليها ويخضعها إلرادته ‪ ،‬كذلك لم يكن االنسان‬


‫البدائي يعرف فى بادئ األمر العالقات المحرمة ولم يكن ذلك ما يري منع‬
‫هذا الحرام حتي ظهرت بوادر عالقات االنتاج القائمة علي التبادل قد‬
‫حدث هذا نتيجة لتطور فى قوي االنتاج الذي ترتب عليه ظهور أول شكل‬
‫من اشكال الملكية الخاصة‪.‬‬

‫وظهور الطبقات من خالل سيطرة فئة من الفئات االجتماعية‬


‫علي الفائض من االنتاج وظهر مع تبادل الفائض من االنتاج أول شكل‬
‫من أشكال التبادل فى العالقات الزواجية وتغيرت بذلك العالقات الجنسية‬
‫القائمة علي المحرمات وبدأت تظهر القيود علي العالقات الجنسية األولي‬
‫‪ .‬وقد حدث هذا فى حقيقة األمر كأثر من أثار نمو القوي االنتاجية فعندما‬
‫اكتشف االنسان النار واستأنس الحيوانات أخذت القبائل تنمو وأخذ عدد‬
‫أفرادها يزداد ‪ ،‬ولما كان نمو القوي االنتاجية قد ظل خالل اآلالف من‬
‫السنين وفى بطئ كان نمو القبائل وزيادة عدد أفرادها يتم بدرجة أسرع‬
‫من التقدم الذي كان يحدث فى القوي االنتاجية مما ترتب عليه انفصال فى‬
‫العائلة الجماعية وأنشأت منازل متعددة بعد أن كانت القبيلة تعيش بكل‬
‫افرادها فى مسكن واحد نظراً ألن قوي االنتاج السائد وقتئذ كانت ال‬
‫تسمح بإقامة منزل كبير يجمع األعداد المتزايدة وبهذا االنفصال بدأت‬
‫تظهر عالقات جنسية قائمة علي التخصيص مجموعة نسائ لرجل أو‬
‫مجموعة رجال ألمرأة أو رجل ألمرأة واحدة‪.‬‬

‫الزواج الجماعي ‪:‬‬


‫كانت العالقات الجنسية تتم فى المجتمع البدائي األول بشكل‬
‫مشاعي يمعني أنه كانت نساء عشيرة ما مشاعاً لرجال عشيرة أخري‬

‫‪34‬‬
‫‪35‬‬

‫وكان األطفال الذين ينتسبون إلي العشيرة يعتبرون كأخوة وأخوات‬


‫ويطلقون لفظ أب أو أم علي كل الرجال والنساء الذين هم من جيل أبائهم‬
‫وأمهاتهم الحقيقيين وقد الحظ أحد العلماء فى إحدي القبائل التي كانت‬
‫تعيش علي جزيرة أن جميع األفراد كانوا يعتبرون أخوات أمهاتهم اخوات‬
‫لهم وأوالد هؤالء أخوة وأخوات لهم ‪ ،‬كما لوحظ أيضاً أن كلمات " أم –‬
‫زوج – زوجة" لم تكن تستعمل لدي جماعات مثل "البونيزيا" إال فى صيغة‬
‫الجمع ‪ .‬وفى ظل هذه العالقات بدأت تظهر داخل نطاق زواج الجماعة‬
‫عالقات مزدوجة أي عالقات بين رجل وامرأة لها طابع االستمرار قد‬
‫تطول أو تقصر فقد كان الرجل يضم إليه زوجة رئيسية من بين النسائ‬
‫يصبح هو كذلك الزوج الرئيسي بالنسبة لها من بين الرجال "العالقات‬
‫التخصيصية القائمة علي اإلرادة واالختيار الجد" إال أن هذا لم يكن يعني‬
‫الزواج الفردي أو الجماعي أي االقتصار علي زوج واحد أو علي زوجة‬
‫واحدة إذ بقيت العالقات الجنسية العرفية من حق كال من كال الطرفين‬
‫وظلت هذه العالقة الزوجية تنفصل بسهولة إذا كان من حق أي من‬
‫الطرفين إنهاء العالقة بسهولة وقد استمر زواج الجماعة وما ظهرت فيه‬
‫من عالقات مزدوجة لها طابع االستمرار والدوام‪ . :‬ولم يكن هناك ما‬
‫يدعو إل يتغيير هذا الشكل الذي كان أو ألشكال العائلة أو تحوله إلي‬
‫الشكل الفردي أي إلي صورة الزواج األحادي أو الفري لو لم تظهر قوة‬
‫اجتماعية جديدة هي الملكية الخاصة لوسائل االنتاج التي دعمت سلطان‬
‫الرجل‪.‬‬

‫ومن الخطأ القول بأن الزواج الفردي قد دخل إلي هذه المجتمعات‬
‫بهدف جنسي فالواقع أنه كان بعيد كل البعد عن كونه وسيلة إلشباع‬
‫الغرائز الجنسية وقد أصبح فيما بعد الزواج الفردي أحد القيود الرئيسية‬

‫‪35‬‬
‫‪36‬‬

‫التي فرضت علي مزاولة هذه الغريزة ‪ ،‬فاإلناث غير المتزوجات فى ذلك‬
‫المجتمع كن مطلقات الحرية فى عالقتهن الجنسية ‪ ،‬وعندما فقدت النساء‬
‫نتيجة لنمو الزراعة فى أشكالها المتطورة ولزيادة الثروة وتراكمها فى‬
‫أيدي فئات قليلة – فقدت النساء صفتهن وقيمتهن باعتبارهن منتجات‬
‫رئيسيات‪ ،‬فاتجهن إلي إبراز مفاتنهن‪ ،‬وبمرور الوقت أصبح العنصر‬
‫الجنسي هو العامل الرئيسي للزواج‪ .‬وقد ظل هذا واضحاً جلياً فى‬
‫المجتمعات العبودية واالقطاعية والرأسمالية فى ظل عالقات االستغالل‬
‫عندما استخدم جسد المرأة كأحد عناصر االمتاع للرجل" ‪ .‬وهكذا فقد‬
‫تميزت المرحلة األولي للنظام العشائري بأن المرأة فيها كانت تحتل‬
‫منزله مرتفعة "المجتمع األموي" نبعت من الظروف االقتصادية‬
‫واالجتماعية السائدة وذلك عندما كانت مهنة الرجل فى ذلك الوقت هي‬
‫الصيد باألدوات البدائية البسيطة وكان نتاج الصيد نتاجاً جماعياً ومن ثم‬
‫لم يكن كافياً كلياً إال من خالل توزيعه توزيعاً جماعياً علي كل أفراد‬
‫الجماعية ‪ .‬وكان األشكال الوليدة لفالحة األرض وتربية الماشية بعد‬
‫استئناسها ذات أهمية اقتصادية كبيرة فى ذلك الوقت إذ كانت مصدراً‬
‫أكثر ضماناً وانتظاماً للمعيشة من الصيد وكانت الفالحة وتربية الماشية‬
‫البدائيين من نصيب النساء لذلك لعبت المرأة خالل عصر طويل الدور‬
‫الرئيسي فى المجتمع العشائري حتي أن هذه المرحلة سميت بالمرحلة‬
‫"األمومية"‪ :‬وكانت النساء البدائيات فى ظل هذه العالقات هن القادرات فقط‬
‫علي التعرف علي أطفالهن كما كان من الطبيعي نتيجة لقيام النساء علي‬
‫التنظيم المعيشي للعشيرة أن لتلف األطفال حول أمهاتهم ومن ثم ظهر‬
‫االنتساب إلي األم وهو ما وضح فى كل المجتمعات البشرية القديمة ومن‬
‫بينها العشائر المصرية القديمة‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪37‬‬

‫أم القول بأن قيمة المرأة كانت تنحصر دائماً فى انجاب األطفال‬
‫وأنها كانت عبدة للرجل من أول ظهور المجتمع فهو قول خاطئ ال يستند‬
‫علي األدلة العلمية ألن هذا الوضع قد نشأة واستمد أصوله من عصر‬
‫العبودية ونشأة الملكية الخاصة وتحكم‪ :‬الطبقات‪.‬‬

‫كما كشفت كثير من الدراسات الحديثة عن بطالن هذا القول‪ .‬وقد‬


‫عرفت المجتمعات البدائية باعتبارها منجبة األطفال كما عرفتها كذلك‬
‫باعتبارها منتجة وبل حائة كذلك علي الثروات االجتماعية مع الرجل ‪.‬‬
‫كما عرفت المرأة فى هذه الجتمعات كزعيمة‪.‬‬

‫وق ذكر "أثورايت" الذي قضي عدة سنين فى بعثة لدراسة قبائل‬
‫"األروكوار" أنه فى حالة االختالف بين الرجل والمرأة كان الرجل ينسحب‬
‫إلي عشيرته ‪ .‬كما استندت أيضاً السيدة "زي اشتريش" فى تدليلها علي‬
‫ما كانت عليها المرأة من قيمة كبيرة بأنها كانت بداية الحضارات ممثلة‬
‫بشكل بارز فى اآللهة وكان عدد النساء من اآللهة مساوياً لعدد الذكور‬
‫منها‪ ،‬وفى بعض األحيان كان يعلو عليها‪.‬‬

‫وبتطور الشكل األمومي للعائلة بعد ظهور الشكل الفردي للملكية‬


‫كانت الملكية تنتقل إلي األبناء عن طريق األم كما أن هناك قول بأن كثير‬
‫من المظاهر والعادات التي لوحظت فى عدد من المجتمعات ترجع إلي‬
‫العصر التي سيطرت فيه األم فى بداية المجتمعات االنسانية ‪ .‬ففي "جاوا"‬
‫كان هذا الشكل للعائلة موجود إلي عهد قريب ‪ .‬كانت أموال الفرد‬
‫وممتلكاته تنتقل بعد وفاته إل يعائلة أمه‪ ،‬كذلك كان المال فى القبائل‬
‫الموجودة فى أفريقيا وأسيا والباسك الذين ظلوا يحتفظون بالديانة‬
‫المسيحية والحضارة باألخالق العائلية فكانت الفتاة الكبري بعد وفاة‬

‫‪37‬‬
‫‪38‬‬

‫والدتها باالضافة إلي أنها ترث كل أموال وممتكالت العائلة ‪ ،‬كانت أيضاً‬
‫لها السيادة علي أخوتها وأخواتها األصغر منها وكان الرجل لديهم يظل‬
‫خاضعاً طوال حياته للمرأة كأبن أو كأخ أو كزوج‪.‬‬

‫وكان الباسك يقولوا فى أمثالهم "الزوج هو الخادم األول لزوجته‬


‫وكان الخال له سلطة علي أبناء أخته أكثر من سلطان والدهم عليهم كما‬
‫كان له الحق فى أين يطالبهم بالعمل والعون طالما أنهم كانوا يرثونه بعد‬
‫وفاته ‪ ،‬لذلك كان ابن األخت عادة يصاحب خاله فى رحالته حامالً له‬
‫المؤن والبضائع ‪ .‬وقد ذكرت السيدة "استراتشي" أ نالنساء فى مصر‬
‫قديماً كن يملكن أكثر األراضي تلك التي تورث عن طريق نسب األم‪.‬‬

‫ويقول "باشومنين" أن من بين العادات التي فحصها "هيرودون"‬


‫فى مصر أن البنات وحدهن كن الالتي يتحملن مسئولية أعالة الوالدين‬
‫المتقدمين فى السن مما يوضح أن هذهال ظاهرة تستمد أصولها‬
‫التاريخية من مرحلة سيطرة المرأة‪.‬‬

‫وقد بقيت أثار هذه المرحلة فى اليونان تحت عهد أرسطوا إذ كان‬
‫خمس أراضي "إسبارطا" مملوكة للنساء‪ ،‬وبنمو القوي وعالقات االنتاج‬
‫من خالل التطور الذي حدث فى عملية الزراعة واحالل األبوية محل‬
‫العشيرة األمومية انتقلت السيادة من األم إلي الرجل وتولي رئاسة‬
‫الجماعة وتوطدت من هذا الوقت البنوة والنسب عن طريق األب‪ ،‬كما‬
‫اصبحت الثروة تنتقل عن طريقه إلي ورثته من الذكور ‪ .‬فقد لوحظ أن‬
‫ثروة األب فى المجتمعات اليونانية القديمة ال تنتقل إلي ابنته بعد وفاته‬
‫وإ نما تنتقل إل يزوجها فى حالة إذا لم يكن للمورث وارث ذكر‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫‪39‬‬

‫وقد أخذت اإلطاحة بسلطان المرأة ونفوذها – التي أوجبتها‬


‫التطور فى أساليب االنتاج وعالقاته‪ -‬تحدث فى بعض الشعوب تدريجياً‬
‫وفى البعض األخر وكانت تحدث بقوة ووحشية‪ .‬والتاريخ اليوناني يعطينا‬
‫صورة من تجريد نساء أثينا وغيرها من المدن الساحلية فى لبنان من‬
‫حقوقهن وأموالهن بالقوة حتي أن ظهرت جماعة من النساء دافعن عن‬
‫امتيازتهن بالسالح ‪ .‬كما أن األسطير ظلت تحتفظ بذكري هذا الكفاح‬
‫البطولي‪ .‬وقد أحدث هذا الصراع بين سيطرة المرأة والرجل نوعاً من‬
‫االنقسام‪ :‬بين الجنسين فى أدوار كل منهما ومكانته ووضع كل منهما‬
‫أيضاً‪.‬‬

‫أصل تقسيم العمل وأثره عل يتطور األسرة‬


‫كان العمل فى المجتمع البدائي يقوم علي التعاون البسيط وهو‬
‫فى نفس الوقت استخدم كمية كبير من قوي العمل لتحقيق احتياجات‬
‫الجماعة وقد سمح هذا التعاون البسيط ألفراد المجتمع البدائي األول بان‬
‫يقوم بمهما كان من المستحيل لفرد واحد أن يقوم بها مثل "صيد‬
‫الحيوانات المتوحشة من الغابات " كما ادت تطور أدوات االنتاج إل ينشأة‬
‫تقسيم العمل ذلك الذي كان فى المجتمعات األولي يقوم عل يالتقسيم‬
‫الطبعي للعم لوفقاً للجنس والسن "بين الرجال والنسائ وبين البالغين‬
‫واألطفال‪ :‬والشيوخ" ‪ .‬وقد كان التقسيم الطبيعي للعمل هو أبسط شكل من‬
‫أشكاله وقد تطور وتدعم بنمو القوي االنتاجية وأصبح الصيد اختصاص‬
‫الرجال وجني الحاصالت وجمع الثمار وإ دارة المنزل من اختصاص‬
‫النساء‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫‪40‬‬

‫وبهذا إنشأة أول تباين النتاجية العمل ‪ ،‬وباالنتقال إلي تربية‬


‫الماشية وزراعة األرض ظهر أو ل تقسيم اجتماعي للعمل ‪ ،‬وقد بدأت‬
‫جماعات مختلفة ثم أفراد مختلفة فى جماعة بذاتها فى مزاولة نشاطات‬
‫إنتاجية تميزة وكان تكون القبائل الراعية هو أول تقسيم اجتماعي للعمل‬
‫منذ حقق هذا النشاط تقدم كبير ‪ .‬إذا تعلمت هذه القبائل مالحظة الماشية‬
‫عل ينحو كان يحقق علي الحصول من مزيد من اللحم والصوف واللبن‬
‫مما أدي إلي رفع إنتاجية العمل كما كانت القبائل التي تزرع األرض قد‬
‫حققت بدورها بمرور الوقت تقدم أخر فى إنتاج الحاصالت الزراعية‬
‫وكان هذا التقسيم هو أساس نظام التبادل بين أعضاء الجماعات البدائية‬
‫وكان هذاالشكل غير موجود خالل فترة طويلة إذ كان ما يخلقه من أفراد‬
‫من منتجات كان يستخلفه جماعة أخري‪ .‬أي أن نظام المبادلة بين‬
‫العشائر نشأة وتطور بشكل كبير مع ظهور التقسيم االجتماعي للعمل‬
‫وكانت المبادلة بين القبائل التي تختص بزراعة محصول من المحاصيل‬
‫بينها وبين القبائل الراعية‪ ،‬عندما يزيد االنتاج عن حاجة أعضاء‬
‫الجماعة ‪ .‬إلي جانب النمو الذي حققته الزراعة والنمو الذي حققه‬
‫الرعي كانت ترتقي نشاطات انتاجية أخري وقد تعلم األفراد صناعة‬
‫وانتاج انية من الفخار فى العصر الحجري ‪ ،‬ثم ظهر النسيج اليدوي‬
‫وأخيراً أصبح من الممكن من صهر الحديد والمعادن صنع أدوات إنتاجية‬
‫للعل ‪ ،‬كما صنعت أيضاً األسلحة المعدنية لذلك تكونت فى نطاق الجماعة‬
‫البدائية فئة من األفراد تزاول حرف معينة تطورت بتطور المواد‬
‫المستخدمة فى االنتاج كما سبق اشرنا ‪ ،‬وكانت هذه الفئات مظهر أخر‬
‫من مظاهر تقسيم العمل االجتماعي‪.‬‬

‫تحلل الجماعية المشاعية وظهور الطبقات‬

‫‪40‬‬
‫‪41‬‬

‫وصل نظام المشاعية البدائية فى صورة العشيرة األمومية إلي‬


‫ذروة نموه مع التطور الذي حدث فى قوي االنتاج إلي إنتقال العشيرة إلي‬
‫المرحلة األبوية وبدأت الجماعات األمومية األولي فى التحلل واالنهيار‪.‬‬

‫فبعد أن كانت عالقات االنتاج فى المجتمعات البدائية متطابقة مع تطور‬


‫مستوي االنتاج ‪ ،‬بدأ اإلطار الضيف للملكية الشائعة والتقسيم المتساوي‬
‫لمنتجات العمل فى المرحلة األخيرة للعشيرة األمومية نتيجة للتطور الذي‬
‫حدث لألدوات وبدأ هذا اإلطار الضيق يعوق تطور القوي االنتاجية‬
‫الجديدة فحتي بعد تطوير األدوات كانت الزراعة فى الحقل ال يمكن أن تتم‬
‫إال بجهد جماعي ومن ثم كان العمل الجماعي ضرورة لمعيشته األفراد‪.‬‬
‫ومع التطور الذي استمر فى أدوات العمل أصبح من الممكن لعائلة واحدة‬
‫أن تزرع قطعة من األرض وأن تشمن لنفسها وسائل المعيشة التي هي‬
‫فى حاجة إليها "كما أصبح من الممكن أيضاً" نتيجة لتحسين أدوات‬
‫االنتاج االنتقال من االنتاج الجماعي إلي االنتاج الفردي حيث أصبح أكثر‬
‫إنتاجية فى الظروف الجديدة‪.‬‬

‫وانتقلت العشيرة إلي عدد من العائالت األبوية الكبيرة وتفككت‬


‫بذلك بعض الخاليا العائلية التي جعلت من أدوات االنتاج واألدوات‬
‫المنزلية والماشية من ملكيتها الخاصة فلم تكد األرض التي ظلت ملكية‬
‫شائعة خالل وقت طويل تزرع مشاعاً كما لم تعد خصائصها تستهلك‬
‫مشاعاً بين أفراد العشيرة وإ نما أصبحت األرض فى كل سنة تقسم بين‬
‫العائالت التي تفككت إليها العشيرة وكانت فى الغالب جماعات ذات طابع‬
‫ريفي‪ .‬كما كان التقسيم بين العائالت يتم فى الحدود الممكنة من المساواة‬
‫فبعض الشعوب كانت تسلم كل عائلة قطعة من األرض توازي ما يمكن أن‬

‫‪41‬‬
‫‪42‬‬

‫يقوم بعمله زوج من البقر مثالً فكانت وحدة التقسيم فى الهندي مثالً هو‬
‫ما يمكن أن يقوم بحرثه زوج من المحارث وفى "زوجاً" ما يقوم بعمله‬
‫زوج من الثيران ‪ .‬أي أن تقسيم األراضي علي حسب الجهد الذي يقوم‬
‫به األفراد وكان جزء من األرض يبقي دائماً للزيادة المحتملة فى عدد‬
‫السكان والمصروفات العامة واألجور لموظفي القرية‪ .‬وكان هذا الجزء‬
‫يزرع مشاعاً كما بقيت المراعي ومنافع الحياة دون تقسيم وبقي التمتع‬
‫بها شائعاً لكل السكان ‪ .‬وبظهور الملكية ونظام المبادلة حدث انقالب‬
‫عريض لكل المجتمع البدائي حيث اوجد ظهور الملكية الخاصة عدم‬
‫تساوي األموال المنقولة لدي الجماعات المختلفة فأدي هذا إلي وجود‬
‫مصالح متباينة واشتغل‪ :‬األفراد الذين كانوا يزاولون مهام رؤساء ومهام‬
‫القادة الحاميين ورجال الدين مركزهم لكي يحصلوا علي مزيد من الثروة‬
‫فامتلكوا جزء من الملكية المشاعية وأخذوا ينفصلون شيئاً فشيئاً عن‬
‫أعضاء جماعاتهم ليكونوا طبقة جديدة سميت بالطبقة االرستقراطية كما‬
‫أصبح الملك والسلطان ينتقل فى ظل هذه المجتمعات وبالذات فى هذه‬
‫الطبقة بالوراثة وأخذت تزداد ثراء بينما كان بقية أعضاء الجماعة‬
‫يسقطون شيئاً فشيئاً تحت تبعياتهم االقتصادية واالجتماعية والسياسية‬
‫وبفضل تطور االنتاج أصبح فى إمكان الفرد أن ينال فى تربية الماشية‬
‫والزراعة من وسال المعيشة ما يزيد عما يلزمه كي يحافظ علي حياته‬
‫ويحقق احتياجاته فأصبح من الممكن أيضاً أن يملك الفرد العمل الذي‬
‫يزيد حاجاته والمنتج الذي يزيد عن حاجاته‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫‪43‬‬

‫الفصل الرابع‬
‫تطور الدراسة العلمية لألسرة‬

‫‪43‬‬
‫‪44‬‬

‫تطور الدراسة العلمية لألسرة"‬


‫أوالً مراحل ما قبل نشأة النظرية االجتماعية‪:‬‬
‫بالرغم من أن الدراسة العلمية لألسرة قد بدأت متأخرة‪ -‬أواخر‬
‫القرن التاسع عشر – نتيجة لتطور مناهج البحث فى مجاالت معرفية‬
‫أخري ‪ ،‬كمجاالت علوم البيولوجيا – األنثولوجيا – األنثروبولوجيا‪ ،‬إال‬
‫أن األسرة وشئونها كانت موضع اهتمام الفالسفة والمفكرين ورجال‬
‫الدين علي مر العصور والحضارات االنسانية‪.‬‬

‫وجدير بالمالحظة أن اهتمام المفكرين والفالسفة ودراسة شئون‬


‫األسرة لم يكن اهتماماً لذاتها بقدر ما كان اهتماماً بإدراجها كجزء من‬
‫دراستهم لشئون الدولة بصفة عامة ‪ ،‬وكذلك فقد اتسمت دراساتهم‬
‫بالذاتية ‪ ،‬والتجريد فلم تخرج تفسيراتهم عن التأمالت الفلسفية القائمة‬
‫علي األخالق والدين ‪ ،‬لذلك كانت أقرب إلي الوصايا واألحكام‪ :‬األخالقية‬
‫منها إلي االجتماع العائلي ‪ ،‬ومع هذا فقد أفادت كل المجاالت الفكرية‬
‫السابقة علي نشأة علم االجتماع العائلي فى هذا الميدان نظرياً ومنهجياً‬
‫ويمكن تقسيم دراسة األسرة فى الفكر االجتماعي والحضارة إلي المراحل‬
‫التالية‪:‬‬

‫الشرق القديم‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫األغريق القدماء‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫الرومان والمسيحية‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫العرب والمسلمون‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫عصر النهضة فى أوروبا‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫‪44‬‬
‫‪45‬‬

‫وجدير بالذكر أن آراء الفالسفة والمفكرين في األسرة قد تضمنت‬


‫ايضاً رأيهم في المرأة ودورها ومكانتها ‪ ،‬وعكست تلك اآلراء واألفكار‬
‫درجة التطور الحضاري التي مرت به المجتمعات االنسانية سواء علي‬
‫المستوي المادي (نمط االنتاج وعالقاته ‪ +‬نمط الملكية ‪ +‬شكل البنية‬
‫الطبقية) أو علي المستوي المعنوي (األخالق والفلسفة‪ :‬والدين والقيم‬
‫السائدة)‪.‬‬

‫إن الحضارة ‪ Culture‬ال تنشأ من فراغ وال تعيش من فراغ ‪،‬‬


‫لكنها تعكس نمط االنتاج وعالقات الملكية السائدة في ظل تكوين‬
‫اقتصادي اجتماعي معين‪ ،‬وقد تميزت الحضارة علي مر عصور تاريخية‬
‫طويلة (العبودية – االقطاعية – الرأسمالية) بأنها حضارة طبقية أبوية‬
‫في نفس الوقت والحضارة التي نعيشها األن هي نتاج لتلك الحضارات‪.‬‬

‫والحقيقية‪ :‬التي أكدتها كثير من البحوث والدراسات التاريخية أن‬


‫القيم والفكار والمثل واألخالق والعادات والتقاليد قد اختلفت من وقت‬
‫ألخر ‪ ،‬ومن مجتمع لمجتمع أخر حسب الظروف االجتماعية والحالة‬
‫االقتصادية التي تحددها عالقات االنتاج فى المجتمع ‪ .‬فمثالً كان من‬
‫السهل دائماً علي البشر فى كل العصور أن يغيروا من نظم الزواج ونظم‬
‫العالقات الجنسية حسب الظروف االقتصادية دون أي اعتبار لما سمي‬
‫بالقيم األخالقية ‪ .‬ففي فترات الفقر وازدياد عدد السكان يباح قتل األطفال‬
‫‪ ،‬ويباح االجهاض وتحرم العالقات الجنسية خارج الزواج‪ ،‬وتشجيع‬
‫الناس علي عدم الزواج أو علي الزواج مع تحديد النسل ‪ ،‬ويستطيع أي‬
‫مجتمع فى أي وقت أن يستخرج من قيمة الدينية واألخالقية ما يتمشي‬
‫مع مصالح الطبقة المهيمنة والمسيطرة فى المجتمع‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫‪46‬‬

‫ومما يؤكد ذلك وجود بعض القبائل الفقيرة التي تقع جنوب الهند‬
‫وتبيح تعدد األزواج وليس الزوجات‪ .‬إذ أن عدداً من الرجال أو الشقاء‬
‫يتزوجون امرأة واحدة ‪ ،‬فهذا باإلضافة إلي توفير النفقات ‪ ،‬فإنه يقلل‬
‫عدد األطفال ‪ ،‬وقد حدث تعدد األزواج فى عهود كثير ألسباب اقتصادية‬
‫مختلفة ‪ .‬عند العرب قبل االسالم ‪ .‬وفى اليونان القديمة حيث كان‬
‫القانون يبيح تعدد األزواج وكان األطفال الزائدون عن حاجة الدولة‬
‫يقتلون بأن يلقوا بهم فى مقبرة سميت بمقبرة "تاجبيتوس" كما كان‬
‫اليونان القدماء يسمحون بجميع العالقات الجنسية خارج الزواج بشرط‬
‫أال يؤثر علي ثروة الزوج أو تنتقل ميراثه إلي طبقة أدني أو أطفال رجل‬
‫أخر‪.‬‬

‫وفيما يلي عرض لبعض نماذج من أفكار الفالسفة والمفكرين فى‬


‫مختلف العصور القديمة والحديثة كإشارة للحضارة الطبقية األبوية التي‬
‫تسود العالم حتي األن‪.‬‬
‫األسرة والمرأة فى الحضارة المصرية القديمة‪:‬‬
‫يري المؤرخون أن نظام األسرة فى مصر القديمة كان يتمتع‬
‫بقدر من االستقرار ‪ ،‬وكانت األسرة المصرية خاضعة لنظم ومراسم دقيقة‬
‫فى شئون الزواج والطالق‪ .‬ويتميز النظام األسري بخصائص ثالثة‪:‬‬

‫‪ -1‬السيادة االبوية‪.‬‬

‫‪ -2‬التربية األخالقية‪.‬‬

‫‪ -3‬الحرص علي أداء العبادات والطقوس‪.‬‬

‫وقد نصت التعاليم والوصايا علي تبصير رب األسرة بشئون أسرته‬


‫وبالواجبات الملقاة علي عاتقه ألن األسرة هي الخلية الحية التي يتركب‬

‫‪46‬‬
‫‪47‬‬

‫منها جسم الدولة فيجب الحرص علي سالمتها ‪ .‬وبالرغم من أن األسرة‬


‫المصرية القديمة كانت ذات سلة أبوية يسيطر فيها الرجل علي األسرة‪.‬‬
‫إال أن المرأة كانت تقاسمه العمل وتتمتع بقدر من الحرية وقدر من‬
‫ارتفاع مكانتها‪ ،‬وسمحت األسرة المصرية القديمة بتعدد الزوجات‬
‫والطالق وأوصت باألطفال واليتامي والمترمالت والمطلقات‪ .‬ومع ها فقد‬
‫كان التعدد وزواج المحارم ينتشر بصفة خاصة بين نساء طبقة الملوك‬
‫واألمراء‪ .‬وقد تمتعت النساء فى ظل هذا الطبقة بمزايا مكنتهن من‬
‫الصدارة وتولي شئون الحكم‪ . :‬ويكفي االشارة إلي اثنتين من اشهر من‬
‫حكمن فى التاريخ من أشهر من حكمن فى التاريخ المصري القديم وهن‬
‫حتشبسوت ونفريتي‪.‬‬

‫وال ننسي ان هذه المجتمعات قد شهدت فى مراحل سابقة النظام‬


‫األمومي وكانت الديانات القديمة تنصب اآللهة من اإلناث والذكور ‪ ،‬كما‬
‫كانت الطقوس السائدة تمجد الحياة ال تفرق بين الذكور واالناث وتحترم‬
‫الجنس‪ .‬علي عكس ما حدث بعد ذلك فى ظل المجتمعات الطبقية األبوية‬
‫التي ظهرت فيما بعد بظهور الملكية الخاصة ونشأة التبادل وظهور‬
‫الطبقات‪ .‬ففي ظل هذه المجتمعات بدأت الطقوس والشعائر ترتكز علي‬
‫الموت والدمار‪ .‬وعلي تأثير الجنس علي التفرقة بين االناث والذكور‪.‬‬

‫ففي مصر القديمة بعد أن كانت الديانات تؤكد علي الحياة وتحترم‬
‫الوالدة وترفع من شأن المرأة عالياً وتجعلها مثل "إيزيس" ألهه الخلق‬
‫والخير والحياة تغير األمر بعد سيطرة نظم الملكية الخاصة حيث سيطر‬
‫الرجل علي األسرة والمجتمع وتغيرت الديانات وأصبحت ترتكز علي‬
‫الموت والدمار‪ ،‬وسيطرت علي المجتمع عالقات جديدة تقوم علي الجشع‬

‫‪47‬‬
‫‪48‬‬

‫والصراع والتقاتل علي توسيع األمالك وما حدث فى مصر القديمة حدث‬
‫أيضاً فى المجتمع اإلغريقي القديم وفى الهند والصين‪.‬‬
‫األسرة والمرأة فى الصين القديمة "كونفوشيوس" ‪:‬‬
‫يعد كونفوشيوس أشهر وأبرز حكماء الصين وقد كانت له‬
‫تعاليمه فى مختلف أمور الحياة ‪،‬إال أنه كان من أول من اهتموا قديماً‬
‫ببحث شئون األسرة ‪ .‬وقد أوضح أهمية األسرة فى النظام االجتماعي‬
‫بالحرص علي مقوماتها ومدي تأديتها لوظيفتها‪.‬‬

‫وترتكز األسرة الفاضلة عند كونفوشيوس عل يالدعائم اآلتية ‪:‬‬

‫أ‪-‬التضامن الطبيعي بين عناصرها‪.‬‬

‫ب‪-‬الطاعة طاعة األبناء لآلباء والزوجات لألزواج‪.‬‬

‫ج‪-‬التطهر واالخالص والمعرفة‪.‬‬

‫د‪-‬المشاركة الوجدانية بين عناصرها كالمحبة والشفقة‪ :‬والعطف‪.‬‬

‫ويري أن عدم توفر عناصر من هذه العناصر يهز دعائم األسرة‪.‬‬


‫كما حدد أربعة واجبات ملزمة أودعتها العناية اآللهية وهي واجبة طاعة‬
‫الوزير للملك ‪ ،‬واألبن لواده‪ ،‬والزوجة لزوجها‪ ،‬واألخر األسغر لألكبر‪.‬‬
‫وهذه هي الدعامة األخالقية للشعب وخصصته‪ .‬وعن مكان المرأة فى‬
‫الصين القديمة فهي لم تختلف عن مصر والهند فى مراحل نشأة الكلية‬
‫وظهور الطبقات اتجهت الديانات فيها لتحقير المرأة وجعلها مجرد جارية‬
‫لزوجها‪ .‬كما تعتت ووصمت بأسواء الصفات وتحرم علي سبيل المثال‬
‫كتب الهند المقدسة المرأة من الحق فى الحرة وفى امتالك الثروة ‪.‬ويقول‬
‫سفر الجامعة ‪" :‬لقد وجدت المرأة اشد مرارة من الموت"‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫‪49‬‬

‫األسرة والمرأة عند األغريق القدماء‪:‬‬


‫لقد اهتم فالسفة اليونان القدماء بتفسير األسرة فى إطار تناولهم‬
‫لنظام الدولة وما يجب أن تكون عليه ‪ .‬ومن أبرز هؤالء الفالسفة‬
‫أفالطون وأرسطو‪.‬‬

‫وقد ضمن أفالطون أرائه عن األسرة فى فلسفته عن المدينة‬


‫الفاضلة عندما تحدث عن نظام األسرة فى ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬طبقة الفالسفة والمحاربين‪:‬‬
‫وقد قام أفالطون مدينته الفاضلة علي أساس مشاعية النساء فى‬
‫هذه الطبقة‪ ،‬وطالب بالمساواة بين الجنسين فى الحقوق والواجبات ‪ ،‬كما‬
‫أقترح خضوع األطفال بنين وبنات لتربية اجتماعية واحدة تتولي أمورها‬
‫الدونة كما طالب بفرض رقابة فعالة علي هؤالء األطفال وأن تتخذ‬
‫االجراءات التي تحول دون معرفة األمهات ألطفالهن حتي ال تشغل‬
‫النساء بعواطف‪ :‬األمومة‪ ،‬عن الرجل وتلبية رغباته وامتاعه‪.‬‬

‫ثانياً ‪ :‬طبقات الشعب ‪:‬‬

‫وقد رأي أن تقوم األسرة فى هذه الطبقات عل يوحدانية الزوج‬


‫والزوجة ‪ .‬وترتكز عل يالتعاقد المشروع ‪ .‬ويباح الطالق‪.‬‬

‫أما أرسطو فقد ذهب إلي أن األسرة هي أول اجتماع تدعو غليه‬
‫الطبيعة ‪ ،‬وتتألف األسرة عند أرسطو من الزوج والزوجة واألبناء‬
‫والعبيد ‪ .‬وقد رأي أن الطبيعة هي التي حددت المراكز االجتماعية ألفراد‬
‫األسرة فجعلت الرجل فى مركز السيد والنساء والعبيد فى أدني مرتبة‬
‫إجتماعية ‪ .‬ومن المعروف أن أرسطو مع غيره من فالسفة اليونان‬
‫القدماء قد حقروا من شأن ومكانة المرأة وجردوها من كل األدوار حتي‬

‫‪49‬‬
‫‪50‬‬

‫دور االنجاب‪ .‬فقد ذهب أرسطو إلي أن العامل األساسي اإليجابي فى‬
‫التناسل هو الحيوان المنوي الذكري الذي يحتوي عل يالجنين االنساني‬
‫الكامل وال يحتاج فقط إال تجويف داخلي (الرحم) من أجل أن ينمو‬
‫ويتغذي ‪ .‬وظن أرسطو أن المرأة إذا ساهمت فى صنع الجنين فهي‬
‫تساهم بمادة خام غير حية ‪ .‬أم الرجل وحده فهو الذي يمنح الطفل‬
‫الحياة‪.‬‬

‫وبالطبع فإن العلم الحديث والنظريات الفسيولوجية‪ :‬الحديثة قد‬


‫أثبتت خطأ كل أفكار أرسطوا عن التناسل بل علي العكس تماماً فقد تبين‬
‫أن الجنين يتكون من التحام بويضة المرأة بالحيوان المنوي للرجل‬
‫وبدون البويضة ال يتكون الجنين ‪ ،‬كما أن الجنين يحمل الصفات الوراثية‬
‫لكل من الزوج والزوجة معاً ‪.‬‬

‫وهذا يؤكد أن أراء وأفكار أرسطو وغيره من الفالسفة الذين‬


‫تأثروا به وحذوا خذوه كانت تعبر عن وجهات نظرهم الشخصية التي‬
‫تحمل مضموناً طبقياً وأبوياً فى تفسيرهم للمجتمع والمرأة عل يحد‬
‫سواء‪.‬‬

‫ويعود أرسطوا ليدعم فلسفته الطبقية األبوية عندما أن الطبيعة‬


‫والعوامل‪ :‬الوراثية قد منحت الرجل السلطة المطلقة بينما فرضت علي‬
‫المرأة الطاعة والفضيلة ويحدد مظاهر سلطة الرجل فى ثالثة مظاهر هي‬
‫‪:‬‬

‫‪ -1‬سلطة السيد ‪ :‬وهي سلطته علي إرقائه ويمثلها أرسطو بالسلطة‬


‫الديكتاتورية‪.‬‬

‫‪ -2‬سلطة األب ‪ :‬وهي سلطته علي أبنائه ويمثلها بالسلطة الملكية‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫‪51‬‬

‫‪ -3‬سلطة الزوج ‪ :‬وهي سلطته عل يزوجته ويمثلها بالسلطة‬


‫الجمهورية‪.‬‬

‫وبالرغم من تحديد أرسطوا لنمط سلطة الزوج علي زوجته بأنها ذات‬
‫طابع جمهوري أي ديمقراطي ‪ ،‬إال أن هذا التصنيف يتناقض مع جملة‬
‫أرائه عن المرأة خاصة عندما خصها بصفة الطاعة ‪ .‬لذلك فالسلكة‬
‫الزوج علي زوجته فى ضوء مجمل أفكاره هي أقرب للسلطة‬
‫الديكتاتورية‪.‬‬

‫هذا وقد تطرق أرسطوا ايضاً ألمور أخري فى األسرة والزواج عندما‬
‫تكلم عن سن الزواج بالنسبة للفتاة وبالنسبة للرجل ‪ ،‬كما تناول أيضاً‬
‫مسألة انحالل األسرة والخيانة الزوجية‪ ،.‬وتطرق أيضاً لشئون الطفول‬
‫فأيد سياسة تحديد النسل وتكلم عن مراحل نمو الطفل وحددها فى مراحل‬
‫ثالث متتالية‪:‬‬

‫‪ -1‬التكوين الجسماني والبيولوجي‪.‬‬

‫‪ -2‬نشأة القوة النزوعية والعصبية‪.‬‬

‫‪ -3‬نشأة النفس العاملة‪.‬‬

‫ومع اختالفنا الكامل مع آراء أرسطو إال أن هذا ال يمنع أن نقرر‬


‫حقيقة أن آرائه قد ساهمت بشكل كبير فى وضع أسس االجتماع العائلي‪،‬‬
‫كما أثرت فى العديد من المفكرين والفالسفة والعلماء فيما بعد‪.‬‬

‫وقبل أن ننتقل إلي عرض دراسة األسرة عند الرومان والمسيحية‬


‫يجدر اإلشارة هنا إلي أن أرسطوا فى موقفه المعادي للمرأة كان واحداً‬
‫من بين العديد من الكتاب والفالسفة األغريق الذين غالوا فى إزدراء‬

‫‪51‬‬
‫‪52‬‬

‫المرأة والتحقير من شأنها ‪ .‬فيثاغورس علي سبيل المثال يميز بين "مبدأ‬
‫الخير الذي خلق النظام والنور والرجل‪ ،‬ومبدأ الشر الذي خلق الفوضي‬
‫والظلمات والمرأة ويعلن أبقراط أن المرأة هي فى خدمة البطن"‪ 1‬ويعرج‬
‫أرسط أن "األنثي خلقت أنثي بسبب نقص معين لديها فى الصفات حدث‬
‫نتيجة خطأ وقع للحيوان المنوي للرجل" إال أن الحقيقة‪ :‬التي تكشفها‬
‫الحفريات والديانات القديمة فى اليونان قبل نشأة الملكية الخاصة‬
‫وانتشارها وظهور المجتمع العبودي الطبقي األبوي‪ ،‬تؤكد أن هذه‬
‫المجمتعات قد شهدت العصور األمومية ويستدل مع ذلك بأن معظم اآلله‬
‫القديمة كانت إناثاً يرمزون بها إلي المطر والخضرة والخير والجمال مثل‬
‫اآلله "باليزم" وأآلله أستريت" وأالله "ماجنا" وأالله "فينوس"‪.‬‬

‫وفى هذه المراحل كانت تمجد الحياة والطبيعة واالنسان ويحترم‬


‫الجسد ورغباته ‪ ،‬وتحترم العالقة بين النساء والرجال‪ .‬إال أن هذا الوضع‬
‫قد تبدل بنشأة المجتمعات الطبقية التي يسيطر عليها الرجل‪ ،‬ويسيطر‬
‫األسرة األبوية تغيرت األفكار والمعتقدات واتجهت إلي الفصل بين جسد‬
‫االنسان وروحه وعقله واعتبرت المرأة ممثلة للجسد والرجل ممثالً‬
‫للروح والعقل‪ .‬ومجدت الروح ليمجد الرجل‪ ،‬وحقر الجسد لتحقر المرأة‪،‬‬
‫كما تغيرات وتحولت الطقوي والشعائر الدينية من احترام الجسد واحترام‬
‫المرأة إلي تأثيم الجسد والهروب الصوفي منه وبدي هذا واضحاً فى‬
‫تدنيس المرأة المتزوجة وتقديس المرأة العذراء‪.‬‬
‫األسرة والمرأة عند الرومان وفى المسيحية‪:‬‬

‫‪ 1‬والمقصود هنا بخدمة البطن أنها خلقت لطهو الطعام ولتقديم الشراب‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫‪53‬‬

‫كانت دعائم المجتمع العبودي قد بدأت تكتمل فى ظل المجتمع‬


‫اليوناني سواء فى مرحلة الكالسيكية أو فى ظل العصر البطولي‪ 2‬وبهذا‬
‫بدأت مالمح العائلة األبوية تتشكل بوضوح واكتمل نموها فى ظل‬
‫المجتمع والحضارة الرومانية القديمة‪.‬‬

‫أساس من العبيد ‪ ،‬وقد أوضح‬


‫ً‬ ‫وقد كانت العائلة عند الرومان تتكون‬
‫أنجلز ذلك بقوله أن كلمة عائلة ‪ Familia‬لم تكن تعني فى األصل عند‬
‫الرومانيين الزوج والزوجة واألبناء‪ ،‬بل تعني مجموعة من العبيد‬
‫يخضعون لرجل واحد‪ .‬وقد تطورت فيما بعد لتعريف الهيئة االجتماعية‬
‫الجديدة التي كان رئيسها سيداً علي المرأة واألوالد وعدد من العبيد الذين‬
‫يمتكلهم وبحكم‪ :‬القوانين والسلطة األبوية الرومانية ‪ ،‬كان السيد يملك‬
‫حق الحياة والموت علي جميع هؤالء األشخاص الخاضعين له‪.‬‬

‫وقد ظهر فى ظل هذا الشكل للعائلة الزواج األحادي رجل محل الزواج‬
‫الثنائي أو التعددي ألجل ضمان ابوة األبناء الذي سيورثهم األب خيراته‬
‫من بعده‪ .‬ولتحقيق هذا وضعت الزوجة تحت سلطة زوجها المطلق فإذا‬
‫قتلها فإنه ال يفعل غير أن يمارس حقه‪.‬‬

‫كما أن حق الطالق كان حكراً علي الزوج فقط فهو وحده الذي يتمتع‬
‫بحق فسخ الزواج‪ .‬ويمكن تحديد أهم مالمح العائلة فى المجتمع الرواني‬
‫فى االتي ‪:‬‬

‫‪ -1‬سلطة مطلقة للرجل علي العبيد والنساء واألطفال‪.‬‬

‫‪ -2‬سيدة نمط الزواج األحادي‪.‬‬

‫‪ -3‬سلطة الطالق من حق الرجل فقط‪.‬‬

‫‪ 2‬ويقصد بالعصر البطولي المرحلة التي سادت فيها لحروب من أجل توسيع األمالك وجلب الغنيمة‬

‫‪53‬‬
‫‪54‬‬

‫ومع مجئ المسيحسية داعب النساء والعبيد أم لعظيم فى التحرر‬


‫واالعتاق‪ ،‬ولكن سرعان ما خاب ظنهم عندما تحولت المسيحية من دين‬
‫للفقراء والمضطهدين إلي دين دولة‪.‬‬

‫وقد حاول رجال الدين والكنيسة أن يضفوا شرعية دينية عل‬


‫ياالضطهاد الطبقي والجسي الذي كان يعاني منه العبيد والنساء كما‬
‫روجوا لكثير من األفكار التي تدنس المرأة وتحقر من شأنها‪.‬‬

‫وقد رأوا فيها مفسدة االنسان ومسخ الشيطان وهالك الروح ‪،‬‬
‫وقد قال ترتوليان فى هذا المعني أن رأس حواء هي المسئولة عن االثم‬
‫كله ولهذا يجب أن نعطي رأسها احتقاراً لهذا الرأس المدنس األثم‬
‫ووصفها القديس يوحنا بقوله "ليس هناك بين كل وحوش األرض‬
‫المفترسة من هو أشد أذي وضرراً من المرأة" أم القديس أوجستين فقد‬
‫أكد علي عالقة العبودية بين الرجل والمرأة بإعطائها شرعية دينية بقوله‬
‫"أن الرجل هو الروح السامية ‪ ،‬وأن األنثي هي األدني ذات الجسد‬
‫والشهوة الجنسي‪ ،‬أن الرجل فى صورة أدم هو الزوج الذي هو صورة‬
‫من صور اهلل ‪ .‬وأن حواء حين جاءت فقد جاءت فقط لتكون زوجة أدم‬
‫ولتلد أطفاله" أي أن المرأة دورها هو دور األم المنجبة فقط أما فيما عدا‬
‫ذلك من أدوار فهي مرفوضة تماماً‪.‬‬

‫وفى العصور الوسطي االقطاعية كانت المرأة تعتبر ملكاً للرجل‪،‬‬


‫وكانت جزءاً من إقطاعيته‪ ،‬ومصيرها بيد صاحب االقطاعية ز وكان من‬
‫حق "الفارس" أن يسئ معاملة زوجته وأن يضربها وأن يعاقبها عقاباً‬
‫معقوالً وأن يهبها ويورثها لغيره‪ ،‬وحتي ان يبيعها ‪ .‬وضماناً لوفاتها له‬
‫كان يحبسها فى "حزام العفة" إذا ما اظطر إلي السفر فى حرب من‬

‫‪54‬‬
‫‪55‬‬

‫الحروب‪ .‬كما لم يكن لألم أي سيطرة علي أبنها منذ بلوغه السابعة من‬
‫عمره ‪ ،‬وكان من حقه أن يعلن نفسه راشداً ووصياً علي أمه بالذات إذا‬
‫توفي والده‪ .‬وهذا فى ظل طبقة المحاربين النبالء (االقطاعيين) أما فى‬
‫طبقة االقنان (الفالحين) فم لتكن زوجة القنن أكثر من دابة تعيش بائسة‬
‫محتقرة‪ ،‬جاهلة مسحوقة تحت وطأة اإلقطاع والزوج‪.‬‬

‫وقد روج لهذه األوضاع فيلسوف ذلك العصر توماس الكويني‬


‫الذي اتفق مع أرسطوا فى كل آرائه وأفكاره عن األسرة والمرأةوأكد‬
‫علي كل ما جاء بها بقوله أن الرجل خلق لألنشطة النبيلة والمعرفة‬
‫الفكرية أما المرأة فرغم أن لديها روحاً عاملة إال أنها وجدت من أجل‬
‫الجنس فقط وهي ليست إال وسيلة للتناسل من أجل حفظ النوع" وبرغم‬
‫تأييد الكويني ألفكار وآراء أرسطوا إال أنه اختلف معه فى جزئية خاصة‬
‫بتعليم األبناء‪ .‬فبينما رأي أرسطو أن تعليم األبناء هي مهمة المرأة ‪،‬‬
‫رأي الكويني أن مهمة تعليم األبناء هي مهمة الرجل ألنه يملك القوة‬
‫والسيطرة والحكمة الالزمة للتعليم‪ .‬وأصر توماس الكويني بهذا الرأي‬
‫علي أن يضم األطفال إلي الب فى حالة الطالق ‪ ،‬علي أن يبقوا مع األم‬
‫الالث سنوات األولي من العر‪ .‬ومن ناحية السلطة قرر "الكويني" أن‬
‫المرأة قد كتب عليها أن تحيا تحت هيمنة الرجل وأ تكون لها اي سلطة‬
‫فى األسرة‪.‬‬

‫هكذا يتضح لنا أن الفالسفة والمفكرين ورجال الدين بترويجهم‬


‫لمثل هذه األفكار إنما كانوا يسعون من أجل أن تسود القيم االقتصادية‬
‫المطلوبة في ذلك الوقت وهي القيم التي تقوم علي تدعيم نظم اإلقطاع‬
‫والملكية والتوريث وفرض النظام األبوي ليورث األباء أطفالهم‪:‬‬
‫الشرعيين فحسب‪ ،‬أما أطفالهم الغير شرعيين فهم مندسين ولدتهم نساء‬

‫‪55‬‬
‫‪56‬‬

‫مدنسات وال حق لهن فى الرض أو الميراث وال حق لهن فى النسب أو‬


‫حمل إسم األب‪.‬‬
‫األسرة والمرأة عند العرب والمسلمين‪:‬‬
‫نالت األسرة والمرأة عند العرب قبل االسالم وبعده اهتماماً كبيراً‬
‫واتجه االهتمام بشئون األسرة فى أمور الزواج والطالق والنسب واإلرث‬
‫كما نالت عالقة المرأة بالرجل عناية كبيرة ظهرت فى العديد من كتابات‬
‫المؤرخين العرب والمسلمين‪.‬‬

‫إال أنه من المالحظ أن كتابات المؤرخين قد أنصب معظمها علي‬


‫شئون األسرة والمرأة بعد االسالم ‪ ،‬مكتفين باإلشارة إلي أن العصر الذي‬
‫وصفوه "بعصر الجاهلية" قد تميز بانحالل األسرة وفسادها وانحطاط‬
‫وضع المرأة ويدللون علي ذلك بظاهرتين هما ‪ :‬انتشار تعدد الزوجات‬
‫المطلق وانتشار ظاهرة وأد البنات‪.‬‬

‫ويري الغزالي حرب فى كتابه "استقالل المرأة فى اإلسالم" أن‬


‫إهمال المؤرخين لتاريخ العرب قبل االسالم ذلك التاريخ الذي امتد من‬
‫سنة ألف وخمسمائة ق‪.‬م إلي سنة ‪ 622‬بعد الميالد‪ ،‬ثم الفترة التي تلت‬
‫ذلك وأطلقوا عليها عصر الجاهلية والتي تقدر مدتها بين مائة وخمسين‬
‫سنة إلي مائتين وخمسين سنة ‪ ،‬هو ليس من األنصاف للحقيقة‬
‫والتاريخ‪ ،‬خاصة أن هذا التاريخ الطويل الممتد قد شهد كثير من المعالم‬
‫اإليجابية خاصة فى استقالل المرأة العربية وارتفاع مكانتها‪.‬‬

‫ويضيف الغزالي حرب طأن إقرارنا بفضل االسالم علي المرأة‬


‫العربية ال ينبغي أن يحول بيننا وبين أنصاف الحقيقية‪ :‬والتاريخ بأسلوب‬

‫‪56‬‬
‫‪57‬‬

‫علمي موضوعي ال صله له بخطب المنابر وسيوفها الخشبية وتهاويلها‬


‫الوعظية‪.‬‬

‫وقد عرض الغزالي لمظاهر استقالل المرأة وعلو شأنها وارتفاع‬


‫مكانتها فى تاريخ العرب قبل االسالم ‪ ،‬فى ضوء ما اصطلح عليه‬
‫الباحثون والمؤرخون فى تقسيمهم هذا التاريخ إلي ثالثة أقسام هي ‪:‬‬

‫‪-3‬المتسعربة‪.‬‬ ‫‪-2‬العارية‪.‬‬ ‫‪-1‬البائدة‪.‬‬

‫أما البائدة‪:‬‬
‫فيري أنهم الذين بادوا ‪ ،‬وجاء الحديث عن بعض قبائلهم فى‬
‫القرأن الكريم مثل "عاد وثمود" "وادي القري" ويرجح الغزالي أن تكون‬
‫دولة حمواربي من العرب البائدة نظراً لعراقتهم فى القدم ‪ ،‬ورجوعها إلي‬
‫القرن الثالث والعشرين قبل الميالد ‪ ،‬وهو القرن الذي كانت فيه هذه‬
‫الدولة تحكم بابل وسائر بالد العراق حكماً يشهد للعرب بأنهم من اسبق‬
‫األمم إل يالمدنية والعلم ‪ ،‬كما نتطلق بذلك "شريعة حمورابي" التي عثروا‬
‫عليها فى بالد "البسوس" منقوشة بالحرف المسماري علي مسلة الحجر‬
‫السود الصلب قبل ظهور شريعة موسي والتوراه المنزلة عليه بثمانية‬
‫قرون أو أكثر‪ .‬وقد كفلت هذه الشريعة المؤلفة من "‪ "281‬مادة للمرأة‬
‫حقها فى تولي منصب القضاء والحكم‪ ،‬وفى مقاضات الرجل مقاضاة الند‬
‫للند ‪ ،‬وفى ان تخلفه فى ملكية األرض والوصاية علي األوالد‪ .‬وفى‬
‫حضانة أوالدها إذا طلقها الرجل وفى مزاولة المهن واألعمال كالرجل‬
‫سواء بسواء‪.‬‬

‫أما العاربة ‪:‬‬

‫‪57‬‬
‫‪58‬‬

‫فهم القحطانيون الين اشتهرت منهم دولتين هما "سبأ وحميرط‬


‫وقد ظهرت دولة سبأ قبل الميالد بثمانية قرون‪ .‬وأعتلت المرأة فيها‬
‫الحكم‪ :‬وتعد "بلقيس" نية اليشرج ولكن سبأ من أشهر الملكات فى تاريخ‬
‫العرب القديم وقدم شهد لها بقوة الفراسة ‪ ،‬وحسن الحيلة وبعد النظر فى‬
‫استجالء الحقائق العامة وتدبير شئون الملك‪ ،‬وقد حكمت بلقيس دولة‬
‫سبا لمدة خمسة عشر عاماً‪.‬‬

‫ولمك تكن بلقيس هي النموذج الوحيد الفريد فى ذاك التاريخ العربي‬


‫العريق ‪ ،‬بل هناك ملكات عربيات أخريات حكمن منهن "الملكة خلدو‬
‫والملكة شقيلة الثانية والملكة شقليه الثالثة"‪ ،‬وقد حكمن دولة األقباط ‪،‬‬
‫أما ثاني أهشر ملكة عربية فقد ظهرت فى القرن الثامن الميالدي بمدينة‬
‫"تدمر" في الشمال الشرقي من دمشق و الملكة " زنوبيا " أو زينب أو‬
‫"الزباء " ويعتبر عصرها من أزهى العصور واستطاعت بحكمتها‬
‫واستقاللها وقوة و شخصيتها أن تبسط سلطنها على مصر وسوريا‬
‫ولبنان وبعض العراق و جزيرة العرب‪.‬‬

‫أما العرب المستعربة‪:‬‬

‫فكانوا يعيشون فى شمال بالد اليمن فى تهامه ونجد والحجاز الى‬


‫مشارف الشام والعراق ويسمون " االسماعيلية " نسبة الى جدهم األعلي‬
‫إسماعيل بن إبراهيم كما يسمون "العدنانية" نسبة إلي عدنان الذي ينتهي‬
‫إليه جد النبي محمد بن عبد اهلل‪.‬‬

‫وبالرغم من أن تاريخ هذه المنطقة لم يشهد إمرأة واحدة وصلت‬


‫إلي المكانة السياسية المرموقة التي وصلت إليها المكالت العربيات‬
‫األخريات‪ ،‬فليس معني ذلك أن المرأة العربية قبيل اإلسالم كانت محرومة‬

‫‪58‬‬
‫‪59‬‬

‫من كافة حقوقها كما يحلوا لبعض الباحثين أن يجردوها من كل الفضائل‬


‫والمزايا‪.‬‬

‫ويستشهد الغزالي علي مظاهر احترام المجتمعات العربية قبل‬


‫اإلسالم للمرأة وتقديهرم لها باآلتي ‪:‬‬

‫‪ -1‬يمشي الشعر العربي فى هذه الفترة بمديخ المرأة الحساسها‬


‫المرهف وذوقها السليم ‪ ،‬وبالدعاء لها‪ .‬كما يظهر منه اعتزاز‬
‫العرب وفخرهم بشهادة المرأة تقديراً لها‪.‬‬

‫‪ -2‬إفتخار كثير من قبائل العرب وملوكهم‪ :‬وشعرائهم بنسبتهم إلي‬


‫أمهاتهم ومن اشهر العرب الذين أثروا االنتساب إلي إمهاتهم فى‬
‫فخر واعتزاز عمرو بن هند ‪ ،‬وأوسي بن حارثة وليد بن ربيعة‬
‫وابن ميادة وغيرهم كثيرين‪.‬‬

‫‪ -3‬ومن أعظم ظواهر االحترام للمرأة فى بعض القبائل العربية قبل‬


‫االسالم تمتع المرأة بحريتها كاملة فى اختيار زوجها‪ ،‬ثم فى‬
‫الخالص منه واالنفصال عنه إذا أرادت ‪ .‬ومن أمثلة هؤالء بهية‬
‫صغري كريمات زين بن حارثة ‪ ،‬والزباء ابنه علقمة الطائي‬
‫وتماضر بنت الشريد وغيرهن ‪ .‬كذلك فهناك العديد من النساء‬
‫الالتبي تزوجن والعصمة بأيديهن‪.‬‬

‫‪ -4‬أما بخصوص حرية المرأة فى االنفصال عن زوجها واحترام هذه‬


‫الحرية ‪ ،‬فقد عرف‪ ،‬المرأة البدوية أنها إذا أرادت إشعار زوجها‬
‫برغبتها فى النفصال عنه ‪ ،‬كانت تحول باب بيتها أو خيمتها إلي‬
‫جهة مضادة للجهة التي تعود الدخول عليها منها‪ ،‬فيفهم الزوج‬

‫‪59‬‬
‫‪60‬‬

‫أن زوجته قد رغبت عنه وزهدت فيه فيفارقها بناء عل يطلبها‬


‫ورغبتها‪.‬‬

‫وهذا وقد شاركت المرأة العربية الرجل فى كافة ميادين الحياة‬


‫االجتماعية كميدان العمل والتجارة ‪ ،‬وميدان الطب والتمريض وميدان‬
‫القتال وميدان الخطابة‪ ،‬وميدان الشعر ونقده ‪ ،‬وميدان الفن والغناء‪،‬‬
‫ويعطي الغزالي أمثلة عديدة من النساء شاركن فى كل هذه الميادين‪.‬‬

‫ومع كل ما تقدم فإنه البد من تحليل سوسيولوجي لكل ما أورده‬


‫الغزالي من حقائق عن استقالل المرأة واحترامها فى المجتمعات العربية‬
‫القديمة وقبل االسالم ‪ .‬وبالطبع تحليلنا السوسيولوجي سوف يعتمد علي‬
‫البحث فى العالقة بين هذه األوضاع المتميزة وبين نمط االنتاج الذي ساد‬
‫في هذه المناطق فى تلك الفترات التاريخية وعما إذا كان هذا الوضع كان‬
‫سمة جميع النساء أم كان يخص طبقات بعيتها؟ وسوف نجمل تحليلنا‬
‫السوسيولوجي فى النقاط التالية‪:‬‬

‫أوال ً‪ :‬أنه بدون شك يمكن تقرير أن المجتمعات العربية القديمة فى‬


‫مناطقها الحضارية المختلفة قد شهدت فى فترة من فترات‬
‫تطورها المرحلة األمومية ‪ ،‬فالعديد من المالمح والمظاهر التي‬
‫أوردها الغزالي والتي حققها كثير من العلماء والمؤرخين فى‬
‫بحوثهم ودراستهم تؤكد أن المرأة كانت تتمتع بمكانة مرموقة‬
‫وبقدر من االستقالل والحرية وقدر أخر من احترام المجتمع تقدير‬
‫لها‪ .‬والمؤكد أن هذا الوضع لم يظهر من فراغ فالبد من شروط‬
‫موضوعية تساعد عل يخلق هذا الوضع أو علي تدهوره ومن أهم‬
‫هذه الشروط الموضوعية‪ ،‬الشرط االقتصادي متمثالً فى نمط‬

‫‪60‬‬
‫‪61‬‬

‫االنتاج وعالقاته ونمط الملكية السائدة ‪ ،‬والواضح فى العرض‬


‫السابق أن التاريخ العربي القديم الذي تناوله الغزالي تتميز فيه‬
‫المجتمعات العربية بظهور النظم الطبقية وهذا يتضح من أن كل‬
‫النساء الالئي أشار إليهن كن يمثلن طبقة الملوك أو قبائل‬
‫األشراف فى الجزيرة‪ ،‬مع مالحظة أن اليمن القديم والشام‬
‫والعراق كانت مناطق زراعية تطورت فيها بعد التجارة إلي جانب‬
‫الزراعة ‪ ،‬بينما مناطق الجزيرة كانت مناطق صحراوية تعيش‬
‫فيها القبائل علي النمط البسيط لالنتاج الرعوي الذي تطور فيما‬
‫بعد وأصبح يعتمد اعتماداً أساسياً علي التجارة‪.‬‬

‫ومع أن النظم الطبقية وضحت معالمها إال أن الشكل األبوي‬


‫لألسرة لم يكن قد اكتمل بعد ‪ ،‬وكان المجتمع األمومي ال زالت بعض‬
‫مالمحه باقية ‪ .‬ويشير إلي ذلك تقلد المرأة لمناصب الحكم ووجود‬
‫عائالت تحمل نسب األم‪ ،‬وحرية المرأة فى اختيار الزوج وحقها فى‬
‫تطليقه‪ ،‬وحرية المرأة فى التملك والتصرف فى ماله‪ .‬وهذا هو ما حدث‬
‫كما ذكرنا من قبل فى المجتمعات المصرية واألغريقية القديمة‪.‬‬

‫ثانياً ‪ :‬أن هذا الوضع لم يستمر فقد تطورت عالقات االنتاج والملكية فى‬
‫هذه المجتمعات بشكل أدي إلي نشأة المجتمع العبودي واالقطاع‬
‫والبورجوازي التجاري‪ ،‬وفى ظل هذا التطور بدأت الفجوة بين‬
‫األغنياء من الملوك واألمراء واإلشراف تزداد‪ ،‬كما بدأت الملكية‬
‫ونظم التبادل تلعب دورها الحاسم فى تطور شكل األسرة ‪ ،‬فتبدلت‬
‫العالقات القائمة علي السيادة األمومية بعالقات األسرة ذات‬
‫السلطة األبوية ‪ ،‬وبدأ نظام النسب والتوريث عن طريق األب‬
‫يسيطر علي نمط العالقات داخل األسرة والمجتمع فأصبح‬

‫‪61‬‬
‫‪62‬‬

‫تااألمراء واإلشراف أسياد علي فقراء المجتمع الذين تحولوا إلي‬


‫عبيد وتحولت النساء فى الطبقات الفقيرة غلي جواري وورقيق‬
‫أبيض يباع ويشتري ويرث‪.‬‬

‫هكذا فى نفس المناطق حدثت تطورات وتحوالت أدت إلي انحطاط‬


‫مكانة المرأة فإنتشرت ظاهرة التعدد للزوجات لإلمعان فى تحقير المرأة‬
‫التي أصبحت مجرد متاع للرجل ‪ ،‬كما أطلقت الحرية الكاملة للرجل فى‬
‫الطالق‪.‬‬

‫ثالثاً ‪ :‬لقد خلق هذا الوضع نسقاً من القيم ينظر إل يالمرأة عل يا‪،‬ها عار‬
‫ونذير بالشر ال بشيراً بالخير‪ ،‬وهذا مما ساعد مع انتشار الفقر‬
‫غلي ظهور عادة وأد البنات التي لم تكن أصيلة فى هذه‬
‫المجتمعات‪.‬‬

‫وجدير بالذكر أن هذه العادة لم تقتصر علي وأد البنات فقط كما‬
‫هو شائع بل كانت بين االناث والذكور معاً ‪ .‬ففي الطبقات الفقيرة مع‬
‫ازدياد الفقر كان يلجأ رب األسرة إلي وأد أبنائه من الذكور واالناث‪ ،‬أما‬
‫عادة وأد البنات فقد انتشرت بين بعض قبائل اإلشراف التي اعتبرهن‬
‫عاراً ورجساً من عمل الشيطان ‪ ،‬والحقيقة‪ :‬أنها كانت تتلخص منهن‬
‫رغبة منها فى أن يؤول االرث إلي البناء الذكور فقط‪ ،‬وال ننسي أن وأد‬
‫األبناء كان منتشراً أيضاً فى مراحل التدهور والفقر فى مجتمعات اليونان‬
‫والرومان القديمة كما سبق وأن رأينا‪.‬‬

‫لقد جاء االسالم ومجتمع الجزيرة يمتلئ بالظلم واالستغالل‬


‫وانتشار العديد من الظواهر االجتماعية المرضية وسيطرة طبقة علي‬
‫سائر الطبقات فى المجتمع الذين تحولوا إلي عبيد لهذه الطبقة الممثلة فى‬

‫‪62‬‬
‫‪63‬‬

‫قبائل اإلشراف فى نجد والحجاز وتهامة فى الجزيرة العربية ‪ .‬ولقد‬


‫جاءت شريعة اإلسالم ال لتعالج المشكالت االقتصادية واالجتماعية‬
‫للمجتمع العربي فحسب‪ .‬بل لتنظيم كافة العالقات االنسانية علي صعيد‬
‫العالم بأسره‪ ،‬لذلك فهي لم تنطو علي قوانين محددة جامدة وملزمة ‪،‬‬
‫بقدر ما حوت من مبادئ عامة قادرة علي استيعاب المتغيرات التي تظهر‬
‫فى بعدها المكاني والزماني أي التي تختلف من مجتمع ألخر ومن فترة‬
‫تاريخية إلي فترة تاريخية أخري‪.‬‬

‫إن إنتصار الدعوة اإلسالمية وانتشارها الواسع يشهد علي أنها‬


‫لم تكن مجرد دعوة دينية إلي التوحيد ‪ ،‬فهناك شعوب وأمم كثير كانت‬
‫موحدة ولكنها كانت إلي جان ذلك تحمل مضموناً اجتماعياً واقتصادياً‬
‫وسياسياً يقدم حلوالً مالئمة لمعظم المشكالت والتي كان منها الناس‬
‫سواء فى الجزيرة العربية أو خارجها وعل ياألخص فى الطبقات الفقيرة‬
‫المستعبدة‪.‬‬

‫وقد قامت الدعوة لترسيخ مبادئ اجتماعية واقتصادية وسياسية‬


‫هامة منها الدعوة إلي العدالة واألخوة والتكافل االجتماعي ومحاربة‬
‫االستغالل والرق والتسلط االقتصادي ‪ ،‬فضالً عن ديمقراطية الحكم‪:‬‬
‫بحسب مبدأ الحكم‪ :‬شوري بينكم ‪ ،‬عمالً باأليتين "وشاورهم فى األمر"‬
‫و"أمرهم شوري بينهم"‪.‬‬

‫أما فيما يخص األسرة وشئونها ومكانة المرأة فيها وفى‬


‫المجتمع‪ ،‬فقد أولي الدين االسالمي أهمية كبيرة لهذين الموضوعين فقد‬
‫اهتم بشئون الزواج والطالق وحضانة األطفال واألرث‪ ،‬كما أفاض فى‬
‫تناول العالقة بين الزوجة والزوج واألباء واألبناء‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫‪64‬‬

‫وقد اختلف الفقهاء ورجال الدين والمفكرون حول تفسير هذه‬


‫األمور فى الدين االسالمي‪ ،‬وانقسموا إلي فريقين ‪ :‬فريق مستنير يقوم‬
‫تفسيره لشئون األسرة وتحديد مكانه المرأة ودورها علي أساس تحقيق‬
‫العدالة والمساواة بين المرأة والرجل ‪ ،‬ويري أن األصل فى الدين هو‬
‫تحقيق هذا المبدأ الهام ‪ ،‬وفريق أخر يتخذ موقفاً جامداً متزمتاً ورجعياً‬
‫من هذه األمور ويتخذ من التمييز بين المرأة والرجل منطلقاً أساسياً فى‬
‫تفسير الدين االسالمي لها‪.‬‬

‫وكما هو معروف فإن االختالفات بين العلماء والمفكرين‬


‫والفقهاء يختلف باختالف موقعهم االجتماعي وموقفهم السياسي فهم أما‬
‫محافظون يدعمون الوضاع والنظم القائمة علي االستغالل والتمييز‬
‫والقهر‪ ،‬أو راديكاليون (يمكن وصفهم هنا بتقدميين يسعون إلي تغير‬
‫األوضاع لتحقيق العدالة والمساواة والتحرر االجتماعي وسوف نعرض‬
‫لراي فريق فى تفسير الدين لشئون األسرة ومكانة المرأة والعالقة بينها‬
‫وبين الرجل ثم ننهي هذا الجزء بتحليل سوسيولوجي عام‪.‬‬

‫أوالً ‪ :‬الفريق األول ويمثل‪ :‬التيار المستنير في اإلسالم‬

‫‪64‬‬
‫‪65‬‬

‫يرى علماء الدين وفقهائه ومفكريه المستنيرين أن تنظيم األسرة في‬


‫اإلسالم قام على أسس من أهمها ‪:‬‬
‫‪ -1‬احترام اختيار الزوجة لزوجها ‪ ،‬وعدم اجبارهاعلى الزواج ممن ال‬
‫تريد ‪ ،‬ويستشهد أصحاب هذا الفريق بأمثلة عديدة منها السيدة أم‬
‫كلثوم بنت أبي بكر الصديق التي رفضت الزواج من عمر بن الخطاب‬
‫وهو أمير المؤمنين ‪ ،‬ولما سألتها أختها عائشة ‪ :‬ترغبين عن أمير‬
‫المؤمنين ؟ ردت في صؤاحة وقوة ‪ :‬نعم إنه خشن العيش ‪ ،‬شديد‬
‫على النساء ‪ ،‬كما رفضت عائشة بنت طلحة الزواج من بشر بن‬
‫مروان لتتزوج من ابن عمها الذي تحبه ‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن مرونة الفقه اإلسالمي وواقعيته المستنيرة ‪ ،‬أنه اعتبر تعدد‬
‫الزوجات في اإلسالم خاضعاً للظروف االقتصادية واالجتماعية‬
‫والصحية التي تحيط بالفرد واألسرة والمجتمع واعتبره تارةً مباحاً‬
‫وتارةً مكروهاً محرماً ‪.‬‬
‫ويستشهد المفكرون على ذلك بأن الرسول قد رفض رفضاً قاطعاً‬
‫أن يتزوج عليبن أبي طالب على ابنته فاطمة وصاح من فوق المنبر‬
‫الآذن ‪ ...‬الآذن ‪ ...‬الآذن إال أن يحب علي بن أبي طالب أن ُيطلق‬
‫ابنتي ‪ ،‬وينكح ابنتهم فإنما ابنتي بضع ٌة مني يريبني ما رابها ‪،‬‬
‫ويؤذيني ما آذاها ‪.‬‬
‫كما يرون ان إباحة اإلسالم للتعدد كانت قائمة مع نظرة ديناميكية‬
‫واقعية لإلسالم ‪ ،‬فالظروف السياسية التي اقتضتها انتشار الدعوة‬
‫أدت إلى حتمية الحروب مما زاد من اعداد النساء على الرجال ‪،‬‬
‫وكثرة عدد األرامل واليتامى ‪ ،‬فما كان على اإلسالم إال أن ينظم هذه‬
‫المسألة االجتماعية االقتصادية والسياسية بإباحته التعدد في هذه‬

‫‪65‬‬
‫‪66‬‬

‫الظروف ويؤكد هذا ا ‪ ،‬اآلية التي أشارت إلى التعدد جاءت في‬
‫معرض الحديث عن اليتامى بقوله " وإ ن خفتم أال تقسطوا في اليتامى‬
‫فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثالث ورباع فإن خفتم أال‬
‫تعدلوا فواحدة "‪.‬‬
‫وفي موضوع العدل بين النساء جاء القول قاطعا ًفي آية أخرى "‬
‫ولن تستطيعوا‪ :‬أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم "‪(.‬النساء‪)129:‬‬

‫‪ -3‬أما موضوع الطالق فقد أعطى اإلسالم للمرأة الحق في طلب الطالق‬
‫واالنفصال عن زوجها إذا أساء عشرتها ‪ ،‬بل ذهب إلى حد اعطاء‬
‫المرأة العصمة بيدها فيعقد الزواج فان لم تكن فعليها أن تفتدي‬
‫حريتها وكرامتها بما تدفعه لزوجها من مال بإسم " ال ُخلع" مادام‬
‫هناك سبب مقبول من األسباب المفصلة في الفقه اإلسالمي ‪ ،‬الغيبة‬
‫الطويلة أو العجز عن مباشرة الحقوق الجنسية ‪ ،‬أو سوء المعاملة‬
‫‪،‬أو استحالة التجاوب والتعاون بينها وبين زوجها على إسعاد األسرة‬
‫‪.‬‬
‫كما أن هناك أمثلة عديدة على االستجابة لطلب المرأة للطالق‬
‫البغض " فهذه السيدة الخنساء بنت خزام األنصاري ‪،‬‬
‫لمجرد " ُ‬
‫تشكوا إلى الرسول أن أباها لم يأذن لها في الرجل الذي اختاره قلبها‬
‫‪ ،‬وأرغمها على الزواج من ٍ‬
‫رجل آخر فقال لها الرسول ‪ :‬انكحي من‬
‫ِ‬
‫شئت ‪ ،‬وردت نكاح ابيها وأذن لها في الزواج ممن اختارته هي على‬
‫الرغم من أبيها وهناك مثآٌل خر معروف عن احدى الجاريات‬
‫التيأعتقتهن السيدة عائشة وتسمى " بريرة " وقد أراد زوجها أن‬
‫يرغمها على البقاء معه ‪ ،‬وكانت ال تطيقه ‪ ،‬فلما شفع الرسول له‬

‫‪66‬‬
‫‪67‬‬

‫عندها سألته في صراحة وقوة ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ :‬أهي شفاعة من‬
‫عندك أم أنت تأمرني بذلك ؟ فأجابها الرسول إنما أشفع ‪ ،‬فقالت ال‬
‫أريده زوجاً لي ‪ ،‬فأجابها الرسول لطلبها ‪.‬‬

‫‪ -4‬يرى المستنيرون من فقهاء اإلسالم أن اإلسالم قد أعطى للمرأة‬


‫حقوقها متساوية مع الرجل في كافة جوانب الحياة االجتماعية‬
‫واالقتصادية والسياسية ‪ ،‬كحق العمل وحق التعليم وحق الممارسة‬
‫والمشاركة السياسية ‪.‬‬
‫ويقف العالمة أبو اليد بن رشد فقيه الفقهاء منذ أكثر من ثمانية‬
‫قرون ليؤكد هذا المعنى بقوله " أنه يجب على النساء أن يقمن‬
‫بخدمة المجتمع ‪ ،‬والدولة قيام الرجل " ويضيف بن رشد بأن الكثير‬
‫من فقر عصره وشقائه يرجع إلى أن الرجل يمسك المرأة لنفسه ‪،‬‬
‫كأنها نبات أو حيوان أليف خلقت لمجرد متاعه بدالًمن أن يمكنها من‬
‫المشاركة في انتاج الثروة المادية والعقلية وفي حفظها بل ذهب هذا‬
‫المفكر السابق إلى أن العبودية التي نشأت عليها المرأة قد أتلفت‬
‫مواهبها ‪ ،‬وقضت على مقدرتها العقلية ‪ ،‬لهذا قل أن تجد امرأة ذات‬
‫فضائل ‪ ،‬وهن عيال "‪ "1‬على أزواجهن كالحيوانات الطفيلية ‪.‬‬
‫وضرب الفقهاء في هذا المجال بأمثلة كثيرة لنساء مسلمات تألقن‬
‫في مجال الثقافة والعلم ‪ ،‬ومن هؤالء السيدة عائشة بنت طلحة حفيد‬
‫أبي بكر الصديق التي كانت تشهد مسابقة الرماية ‪ ،‬وتناضل بين‬
‫الرجال بالسهام والنبال ‪ ،‬كما عرف عنها مجالسها الثقافية‬
‫واالجتماعية المشهورة ‪ ،‬والتي كان يشاركها فيها شيوخ بني أمية‬
‫ومثقفوهم‪ :‬وشعراؤهم ‪ ،‬حتى أنها تفوقت عليهم في الثقافة الفلكية ‪.‬‬
‫‪ )(1‬والمقصود بعيال هنا ‪ :‬أن النساء أصبحن عالة على األسرة والمجتمع ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫‪68‬‬

‫ومن النماذج المعروفة أيضاًفيهذا المجال السيدة سكينة بنت‬


‫الحسين بن على ‪ ،‬التي كانت شاعرة وأديبة وعالمة ومثقفة وكان‬
‫مجلسها الذي يشهده العلماء واألدباء والشعراء ‪ ،‬أيضاً السيدة عمرة‬
‫الجمحية التي عرفت سفورها ومغالطتها للرجال في مجالسها‬
‫العلمية‪ ،‬وتفوقها عليهم بعلمها وأدبها وثقافتها ‪ ،‬وعن ممارسة‬
‫الحقوق السياسية ‪ ،‬فاألمثلة كثيرة أهمها دور السيدة خديجة بنت‬
‫خويلد في نصرة الدعوة اإلسالمية ‪ ،‬ودور أسماء بنت أبي بكر في‬
‫حماية الرسول ووالدها ابي بكر في الهجرة من مكة إلى المدينة ‪،‬‬
‫والحرب التي أعلنتها عائشة على علي بن أبي طالب ‪ ،‬إلى غير ذلك‬
‫من األمثلة التي توضح مشاركة المرأة في كافة الشئون السياسية‬
‫بما في ذلك حقها في المشاركة في القضاء والحكم‪ ، :‬ويقول في ذلك‬
‫بن جرير ‪ :‬التشترط الذكورة في القضاء‪ ،‬ألن المرأة يجوز لها أن‬
‫تكون ُمفتية ‪ ،‬فيجوز لها أن تكون قاضية ‪ ، ...‬ويقول أبي حنيفة "‬
‫يجوز أن تكون المرأة حاكماً على اإلطالق في كل شئ ‪."..‬‬
‫هكذا يتضح لنا الموقف المستنير لفقهاء اإلسالم المستنيرين‬
‫من موضوع المرأة ‪ ،‬دورها ومكانتها وعالقتها بالرجل في السرة‬
‫والمجتمع ‪ ،‬وإ ذا كنا قد أفضنا في عرض هذا الجزء بهدف الكشف‬
‫عن كثير من المغالطات واألوهام واألفكار الرجعية التي تهيمن على‬
‫عقول الكثير حتى يومنا هذا ‪ ،‬والتي مصدرها الرئيسي هو ذلك التيار‬
‫الفكري المغلق والضيق ‪ ،‬المتزمت والرجعي‪.‬‬
‫وفي الصفحات التالية سنحاول أن نعرض لبعض من آرائهم‬
‫وأفكارهم والخلفية االجتماعية والسياسية التي ينطلقون منها ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬التيار المحافظ في اإلسالم ‪:‬‬

‫‪68‬‬
‫‪69‬‬

‫ويضم فريق كبير من الفقهاء ورجال الدين والعلماء‪ ،‬وينطلق من‬


‫موقف فكري متزمت يعبر عن موقفهم االجتماعي واالقتصادي‬
‫والسياسي ‪.‬‬
‫وينظر أصحاب هذا الفريق إلى المرأة نظرة جزئية ضيقة فهم ال‬
‫يرون فيها إال أنها مجرد أنثى يفتن جسدها الرجل ويوقعه في براثن‬
‫الغواية ‪ ،‬ويقصرون كل ادوارها وإ مكاناتها عند حدود اإلنجاب وتربية‬
‫الطفال وخدمة الزوج وإ متاعه واالمتثال الكامل له بالطاعة والخضوع‪،‬‬
‫بناء على موقفهم هذا يجردون المرأة من كافة حقوقها االجتماعية‬
‫وهم ً‬
‫وبناء على ذلك يحددون قواعد‬
‫ً‬ ‫واالقتصادية والسياسية في األسرة ‪،‬‬
‫لتنظيم شئون األسرة وتحديد مكانة المرأة وعالقتها بالرجل في اآلتي ‪:‬‬
‫‪ -1‬حق الرجل الكامل في تعدد الزوجات فيكل زمان ومكان‪.‬‬
‫‪ -2‬حق الرجل في تطليق زوجته وقت ما يشاء وبالكيفية التي يراها ‪.‬‬
‫‪ -3‬حق الرجل في السيادة الكاملة على المرأة واألبناء في األسررة‬
‫في مقابل الخضوع والطاعة من جانب الزوجة ‪.‬‬
‫‪ -4‬حق الرجل في حضانة األبناء بعد السنوات األولى من تربيتهم ‪،‬‬
‫فهو الذييورثهم ماله وأسمه ونسبه وحسبه ‪.‬‬
‫‪ -5‬فرض الحجاب واالحتجاب على المرأة ‪ ،‬ضماناً لحصانتها وعفتها‬
‫وحرصاً على تجنب الرذيلة ‪.‬‬
‫وإ ذا كان التيار المستنير قد استند على أراء فقيه الفقهاء بن‬
‫رشد في تفسيره لمكانة المرأة ودورها وعالقتها بالرجل فقد استند‬
‫أصحاب التيار المحافظ الرجعي على أراء أبو حامد الغزالي ولقبوه‬
‫بحجة اإلسالم ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫‪70‬‬

‫وتقوم فلسفة أبو حامد الغزالي ونظرته للمرأة في وصفه للزواج‬


‫من المرأة بأنه " نوع من أنواع الرق " واعتبر المرأة حيواناً أليفاً‬
‫مسكيناً يرثى له ‪ ،‬يعطف عليه ‪ ،‬ويحافظ بالحجاب والسوار خوفاً منه‬
‫وخوفاً عليه ‪.‬‬
‫وقد حدد حجة اإلسالم هذا واجبات المرأة المسلمة في كل زمان‬
‫ومكان باآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تكون قاعدة فيبيتها ‪ ،‬فال يكثر صعودها واطالعها على‬
‫سطوح الجيران ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون قليلة الكالم لجيرانها وأال تدخل عليهم إال فيحال‬
‫توجب الدخول عليهم ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن تحفظ بعلها في غيبته وحضرته وتطلب مشورته في‬
‫جميع أمورها ‪ ،‬وأال تخونه في نفسها وماله ‪.‬‬
‫‪ -4‬أال تخرج من بيتها إال بإذنه ‪ ،‬فإذا أذن لها بالخروج فلتخرج‬
‫مختفية في ٍ‬
‫ثياب رثة ‪ ،‬ولتلتمس في خروجها المواضع‬
‫الخالية ‪ ،‬مبتعدة عن الشوارع واألسواق ‪ ،‬محترزة أن يسمع‬
‫غريب صوتها ‪ ،‬أو يعرف شخصيتها ‪.‬‬
‫‪ -5‬وإ ذا استأذن صديق لبعلها على باب المنزل‪ -‬ولم يكن بعلها‬
‫حاضراً بالمنزل – فواجبها أال تستفهم من هذا الصديق عن‬
‫سبب حضوره ‪ ،‬وأال تبادره بالكالم ‪ ،‬تأدباً منها بأدب الغيرة‬
‫على زوجها ‪.‬‬
‫‪ -6‬وأن تقنع من زوجها بما رزقه اهلل ‪ ،‬مقدمة حقه على حقها‬
‫وحقوق سائر أقاربها ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫‪71‬‬

‫‪ -7‬وأن تكون متنظفة في نفسها ن ومستعدة فيجميع األحوال ‪،‬‬


‫ليتمتع بها زوجها إن شاء ‪.‬‬
‫‪ -8‬وأن تشفق على أوالدها ‪.‬‬
‫‪ -9‬وأن تكون قصيرة اللسان عن مراجعة الزوج ‪ ،‬وسب األوالد‬
‫‪.‬‬
‫‪ -10‬وأن تقوم بكل خدمة تقدر عليها في دارها ‪.‬‬
‫وفي حقيقة األمر فان السرد الطويل الذي أوردناه سالفاً عن‬
‫استقالل المرأة وارتفاع مكانتها في اإلسالم عبر عنه الفقهاء‬
‫المستنيرين ‪ ،‬كفيل بأن يرد على كل هذه االدعاءات الظالمة التي ان‬
‫دلت على شئ‪ ،‬فهي تدل على أن اصحابها إنما يعبرون عن مواقفهم‬
‫الشخصية ويتسترون وراءالدين إلضفاء شرعية على تلك المواقف‬
‫التي يسعون بها لتحقيق مصالحهم الطبقية والسياسية ‪.‬‬
‫وليس من قبيل الصدفة أن تنشر هذه األفكار و الدعاوي الرجعية‬
‫في فترات األنحطاط و التدهور األ قتصادي واالجتماعي والسياسي‬
‫للمجتمعات العربية خالل تاريخها الممتد حتي وصلت بها الي عصر‬
‫الجمود والتخلف الوالذي وصف "بعصر الحريم " في ظل الحكم التركي‬
‫نالذي فرض فيه الحجاب والتحجب علي المرأة وسلبت كل حقوقها‬
‫االجتماعية واالقتصادية والسياسية بل واالنسانية أيضاً داخل السرة‬
‫وفي المجتمع بصفة عامة فباالضافة الي سلب حقوقها االسرية وفي‬
‫حرمت من حقها في التعليم والعمل ‪ ،‬والمشاركة السياسية والجتماعية‬
‫في كافة المجاالت في المجتمع‬
‫ويرد اصحاب االتجاه المستنير علي دعاة الرجعية في مسألة‬
‫حجاب واحتجاب المرأة بأعتباره الضمان الوحيد لحصانتها وحمايتها ‪،‬‬

‫‪71‬‬
‫‪72‬‬

‫بقولهم " ان فيهذا افالس للتربية ‪ ،‬فالتربية الصحيحة هو الضمان الذي‬


‫ال يضر معه سفوره ‪ ،‬وال ينفع بدونه حجاب ان امام المجتمع الطبيعي‬
‫الجامع بين الجنسين ال الجامع االنفضالي الشاذ ‪ ،‬الذي يفصل بين‬
‫الجنسين فصالً تاماً هو الكفيل بتنظيم العالقة بين الجنسين وتهذيبها لكي‬
‫تقوم علي التقدير واالحترام المتبادل بين الجنسين ‪ ,‬بحيث ينظر كل‬
‫جنس الي االخر نظرة ندية تري فيه شريكاً كامالً في صنع األسرة‬
‫والمجتمع والحياة ‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬األسرة والمرأة في عصر النهضة األُوروبية ‪:‬‬
‫تبين لنا من خالل عرض التطور الذي مرت به المجتمعات‬
‫األوروبية وانعكس في آراء وأفكار الفالسفة والمفكرين ورجال الدين‬
‫كتعبير عن تحالف طبقة االقطاع والكنيسة لتدعيم السلطة الطبقية (سلطة‬
‫األشراف والنبالء) والسلطة األبوية ‪ -‬سلطة الرجل الكاملة علي المرأة‬
‫في األسرة والمجتمع فانحطت وتدنت مكانة المرأة وتحولت النساء الي‬
‫جواري وغانيات لخدمة االسياد وأمتاعهم والترفيه عنهم ‪.‬‬
‫إال ان هذا الواقع قد بدأفي التغير والتحسين التدريجي في القرن‬
‫الخامس عشر ‪ ،‬نتيجة لتغير الظروف االقتصادية واالجتماعية في ذلك‬
‫الوقت خاصة علي أثر اكتشاف طريق رأس الرجاءالصالح ‪ ،‬الذي أدي‬
‫الي انتعاش في حركة التجارة والصناعة الجديدة الناشئة ‪.‬‬
‫وقد صاحب هذا التغير في األوضاع والظروف االقتصادية للمجتمع‬
‫تغيراً في نسق القيم و االفكار والفلسفات التي سادت كما بدأت مكانة‬
‫المرأة ترفع شيئا فشيئاً ساعد على ذلك ظهور عدد من المفكرين‬
‫والفالسفة ورجال الدين الذين دافعوا عن حق المرأة في أال يضطهدها‬
‫زوجها ‪ .‬ومن هؤالء مارتن لوثر وكالفن ‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫‪73‬‬

‫ومع هذا فإن عصر النهضة لم يعدل من الحقوق القانونية للمرأة ‪،‬‬
‫ولكنه أدى إلى تطورات كبيرة في نسق القيم واألخالق ‪ ،‬فقد تراجعت‬
‫التقاليد اإلقطاعية واألفكار الخرافية أما روح البحث واالختراع والنزعة‬
‫الفردية واإلنسانية ‪ ،‬فاكتسبت المرأة نوعاً من االستقالق وشاركت في‬
‫الحياة الفكرية ووجدت من يدافع عنها ‪.‬‬
‫ومع قيام الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر وظهور‬
‫المجتمعات الرأسمالية ‪ ،‬أتيح لعدد متزايد من النساء إمكانية العمل ‪،‬‬
‫ولكن اآللت الجديدة قضت في الوقت نفسه على األشغال اليدوية التي‬
‫كانت وقفاً على النساء ‪ ،‬كالغزل والحياكة ‪ ،‬وبذلك اشتدت حمى المزاحمة‬
‫في سوق العمل وشاعت البطالة وتدنت أجور العمالة النسائية‪.‬‬
‫وبالرغم من الدور البارز والحاسم الذي لعبته النساء في الثورة‬
‫الفرنسية ‪ ،‬عندما اقتحمت عامالت الضواحي وبائعات سوق الخضار‬
‫وفي الخامس والسادس من أكتوبر ‪ 1789‬أبواب المجلس البلدي‬
‫مطالبالت بالخبز ‪ ،‬ثم زحفن على قصر فرساي بأعداد قدرت بحوالي‬
‫‪ 8000‬امرأة مما دعا ميشلية أن يقول ‪" :‬كان الرجال قد استولوا علي‬
‫الباستيل ‪ ,‬فإن النساء قد استولين على المملكة " بالرغم من هذا فإن‬
‫الثورة بعد نجاحها رفضت أن تمنح المرأة حقوقها المدنية واقتصرت في‬
‫إصدار قانون يبيح الطالق ‪ ،‬وذلك في عام ‪. 1792‬‬
‫وعندما استتبت أقدام النظام الراسمالي ‪ ،‬أزاح من أمامه كل‬
‫العراقيل اإلقطاعية ‪ ،‬االستغالل اليد العاملة الحرة ‪ ،‬ولخفض األجور عن‬
‫طريق استخدام النساء واألطفال‪ ، :‬ثبتت الدولة البرجوازية نظام األسرة ‪،‬‬
‫ركيزة العهد البورجوازي ‪ ،‬وجاء قانون نابليون المدني يعبر عن ذلك ‪،‬‬
‫فقد جعل المرأة المتزوجة تحت وصاية زوجها ‪ ،‬انطالقاً من أنها ملك‬

‫‪73‬‬
‫‪74‬‬

‫لزوجها الذيتنجب له أوالده ‪ ،‬وقد صرح نابليون أمام مجلس الدولة ‪" :‬‬
‫أن الطبيعة قد جعلت في نسائنا عبدات لنا " ومن حق الزوج أن يقول‬
‫لزوجته ‪ :‬سيدتي لن تخرجي اليوم ‪ ،‬لن تذهبي إلى المسرح ‪ ،‬لن تري‬
‫هذا الشخص أو ذلك ‪ ،‬وبعبارة أخرى سيدتي ‪ :‬انت ملكاً ليروحاً وجسداً‬
‫‪.‬‬
‫ُجراء من العمال والنساء أن تضحياتهم من أجل‬
‫لقد اكتشف األ َ‬
‫هباء ‪ ،‬وأنهم‬
‫انجاح الثورات االجتماعية البورجوازية ‪ ،‬قد ضاعت ً‬
‫تحولوا تحت قبضة الراسمالية إلى ٍ‬
‫شكل جديد من العبودية ‪.‬‬
‫وقد عكست كتابات األدباء والمفكرين في ذلك الوقت خيبة األمال‬
‫التي كانت معقودة على المجتمع الجديد الذي بشر به فالسفة عصر‬
‫التنوير ‪ ،‬من أمثال هؤالء كتابات االشتراكيين الطوبائيين كسان سيمون‬
‫وفروبيه في فرنسا ‪ ،‬وأويب في انجلترا ‪ ،‬حينم أدانوا المجتمع الرأسمالي‬
‫ووصفوه بأنه فوضوي وغاشم ‪ ،‬حلت فيه سيطرة طبقة محل سيطرة‬
‫طبقة أخرى ‪ ،‬وتمت فيه التناحرات االجتماعية ‪ ،‬وفوضى االنتاج وذاع‬
‫فيه بؤس الشعب وافترس فيه البشر بعضهم بعضا ‪ ،‬وتأبدت عبودية‬
‫المرأة ‪.‬‬
‫وقد حاول سيمونيين بوجه خاص من أن يحرروا المرأة من الذي‬
‫ترزخ تحته ‪ ،‬فنادوا بإعادة اإلعتبار للمتع الجنسية ‪ ،‬انطالقاً من فكرة أن‬
‫ما خلقه اهلل لم يكن رجساً‪ ،‬وأن الجسد شأنه شأن الروح ‪ ،‬من خلق اهلل ‪،‬‬
‫إال أن مايعيب انسان سيمونية يكمن فيعدم اعتمادها على تحليل طبقي‪،‬‬
‫فكانت نظرتهم للمرأة ال من خالل دورها االجتماعي ‪ ،‬وإ نما من خالل‬
‫وظيفتها الجنسية وبوصفها رمزاً للجسد الذي كانت هذه المدرسة قضيبه‬

‫‪74‬‬
‫‪75‬‬

‫‪ ،‬فارادت بذلك تجديد المجتمع بواسطة مذهب صوفي شهواني ‪ ،‬ومن هنا‬
‫كانت الخيبة العميقة التي انتهى إليها أعضاؤها ‪.‬‬
‫أما فوربيه ‪ ،‬بما عرف عنه من خيال ولذاعة هجاءوحس رفيع‬
‫بالعدالة ‪ ،‬فقد طالب بانعتاق المرأة والمساواة القانونية بين الجنسين‬
‫وبحرية العواطف‪ ، :‬وقد رأى أن خير األمم هي تلك التي تمنح النساء‬
‫القدر األكبر من الحرية ‪.‬‬
‫ذلك هو المعيار الحقيقي للتقدم االجتماعي ‪ ،‬وقد قال في كتابه‬
‫نظرية الكتاب األربع ‪ " :‬أن التقدم االجتماعي والتغيرات المرحلية تتم‬
‫حسب تقدم النساء نحو الحرية ‪ ،‬وانحطاط النظام االجتماعي تابع‬
‫لنقصان حرية النساء ‪ ...‬ان توسيع امتيازات النساءهو المبدأ العام لكل‬
‫تقدم اجتماعي " ‪ .‬كما قرر أن النساء قادرات ‪ ،‬شأن الرجال تماماً على‬
‫القيام بشتى أنواع األعمال ‪ ،‬وعندما تتاح لهن إمكانية اظهار طاقتهن‬
‫ويتجاوزونهن ‪.‬‬
‫َ‬ ‫الطبيعية ‪ ،‬فإنهن يعادلن الرجال‬
‫وفي نقد فوربيه للحضارة ‪ ،‬أدان بشدة التجارة والزواج اللذين‬
‫يقومان على الكذب والرياء ‪ ،‬والكذب في العالقات االقتصادية ‪ ،‬والرياء‬
‫في العالقات الجنسية والزواج القائم على " مضاربات شرهة " ينمي‬
‫األنانية ويذل المرأة ‪ ،‬حتى قبل الزواج ‪ ،‬ألنه يوجب على الفتاة أن‬
‫البد لها من ٍ‬
‫شار مهما كان الثمن ‪ ،‬وهكذا تتسم‬ ‫تعرض نفسها كبضاعة ُ‬
‫تجارة األجساد تحت ستار القانون ‪.‬‬
‫وبرغم هذه األفكار المتقدمة لفوربيه فقد وقع – ِانه شأن غيره من‬
‫الطوبائيين – فيخطأ الخلط بين تحرر المرأة واإلباحة الجنسية ‪ ،‬وهو‬
‫مالم يدرك أن تحرر المرأة رهن بالتطور االجتماعي والتاريخي ‪ ،‬بل كان‬

‫‪75‬‬
‫‪76‬‬

‫كل ظنه أن هذا التحرر مرهون بحرية العواطف‪ :‬والعالقات الجنسية‬


‫وحدها ‪.‬‬
‫ومع أي نقد قد يوجه إلى الطوبائيين ‪ ،‬إال أنه البد من تقرير حقيقة‬
‫أن أفكارهم قد ساعدت مؤسسي االشتراكية العلمية فيما بعد (ماركس‬
‫وانجلز ) على تقديم نظريتهم الشاملة في التطور االجتماعيللمجتمع‬
‫اإلنساني وفي تفسير وتحليل أنظمة األسرة والزواج ‪ ،‬وفيالكشف عن‬
‫التناقضات الرئيسية التي خلقت الشروط التي أدت إلى استبعاد المرأة‬
‫واضطهادها ‪.‬‬
‫وهكذا يبدو لنا جلياً من خالل العرض السابق لنظم األسرة والزواج‬
‫ووضع المرأة في المجتمع ‪ ،‬والحضارة أن الظروف االقتصادية وعالقات‬
‫روج لها بعض‬
‫االنتاج والملكية وما تعكسه من تاقضات اجتماعية َ‬
‫المفكرين والفالسفة على مدار الحضارات المختلفة ‪ ،‬فجاءت أفكارهم‬
‫تبريراً ألوضاع قائمة في المجتمع ‪ ،‬وتبريراً لكل اشكال االضطهاد‬
‫والتميييز والقهر ‪.‬‬
‫ان المغالطات العلمية واالجتماعية االقتصادية والدينية التيوقع‬
‫فيها الكثير من المفكرين والفالسفة على مدى عشرين قرناً أو أكثر ‪،‬‬
‫انما تفتقر إلى ابسط أدوات التفكير العلمي بل المنطقي كما أن كثيراً من‬
‫الحقائق التي خرجوا بها إلى الناس في كل عصر من العصور ‪ ،‬وقد‬
‫اثبتت البحوث والدراسات العلمية الحديثة زيفها ‪.‬‬
‫وبرغم هذه الحقيقة فالتزال مثل هذه األفكار تهيمن على عقول‬
‫الناس ‪ ،‬بل ان العديد من النظم والنظريات والقوانين الحديثة التي تحكم‬
‫مجتمعات اليوم ‪ ،‬تستند عليها في تنظيمها لشئون األسرة والزواج ‪،‬‬

‫‪76‬‬
‫‪77‬‬

‫وفي تحديد وضع المرأة في المجتمع ومكانتها وأدوارها وعالقتها‬


‫بالرجل‪.‬‬

‫الفصل الخامس‬

‫‪77‬‬
‫‪78‬‬

‫نشأة النظرية االجتماعية ودراسة األسرة‬

‫نشأة النظرية االجتماعية ودراسة األسرة ‪:‬‬


‫إذا كنا عرفنا أن علم االجتماع العام قد نشأ تحت كنف الرأسمالية‬
‫وتحت وصياه علماء االجتماع المحافظين بتوجهاتهم األيدولوجية ‪ ،‬فإن‬
‫علم االجتماع العائليلم يخرج عن نفس المسار ‪.‬‬
‫وفي هذا الفصل سوف نعرض آلراء ونظريات علم االجتماع في‬
‫ضوء االتجاهين الرئيسيين في النظرية وهما ‪:‬‬
‫االتجاه المحافظ المثالي‪:‬‬
‫ويمثلهم هنا ‪ :‬أوجست كونت وهربرت سبنسر ودور كايم ‪،‬‬
‫واستروارد ‪ ،‬ووليام سمنر ‪ ،‬ثم زيمر مان وتالكوت بارسونز األمريكي‪.‬‬
‫أما االتجاه المادي المثالي فسوف نعرض له من خالل النظرية‬
‫الماركسية في تفسيرها لألسرة ونظام الزواج وأهم العوامل‪ :‬والظروف‬

‫‪78‬‬
‫‪79‬‬

‫االقتصادية واالجتماعية التي اثرت فيهما وفي تحديد أشكالها ‪ ،‬ويمثل هذا‬
‫االتجاه كارل ماركس ‪ ،‬وفريدريك انجلز ‪.‬‬
‫أوالً ‪ :‬االتجاه المحافظ في تفسير األسرة والزواج ‪:‬‬
‫‪ -1‬أوجست كونت ( ‪: )1857- 1798‬‬
‫ُيعد كونت أحد رواد الفكر والفلسفة‪ :‬االجتماعية بفرنسا وينسبإليه‬ ‫‪-1‬‬
‫الفضل في نشأة علم االجتماع‬
‫‪ -‬اعتمدنا في هذا الفصل على د‪ /‬إجالل حلمي ‪ ،‬محاضرات في علم‬
‫االجتماع العائلي‪.‬‬
‫‪ -‬ارجع للفصل األول الخاص باألسرة ‪ ،‬موضوعاتها ومجاالتها بفرنسا‬
‫وينسب إليه‬
‫ُ‬
‫الفضل فيعلم االجتماع ‪.‬‬
‫رأى كونت أن المجتمع يتكون من ثالث عناصر ‪ :‬الفرد ‪ ،‬العائلة ‪ ،‬الدولة‬
‫‪ ،‬غير أن الفرد في ذاته ال يعتبر عنصراً اجتماعياً فالقوة االجتماعية‬
‫مستمدة من تضامن األفراد ‪.‬‬

‫أعتبرأوجست كونت األسرة هي ‪ :‬الخلية األولى في جسم المجتمع –‬ ‫‪-2‬‬


‫ويمكن مقارنتها في طبيعتها ومركزها بالخلية في المركب البيولوجي‪،‬‬
‫ويرى كونت أن نظام األسرة موجود بالفطرة وأن الحياة السرية هي‬
‫الحالة الطبيعية لإلنسان ‪ ،‬فالفردية في نظره ال تمثل شيئاً من الحياة‬
‫االجتماعية ‪ ،‬واعتبر الزواج استعداداً‪ :‬طبيعياً عاماً واألساس األول في‬
‫البنيان االجتماعي ‪ ،‬وأن هذا الزواج يجب أن يكون قائماً على وحدانية‬
‫الزوج والزوجة كما يرى أن كل عامل يضعف الزواج أو يقلل من شأنه‬
‫يعتبر عامل هدم وهو لذلك اليقبل ظاهرة الطالق ‪ ،‬ويقرر كونت مبدأ‬

‫‪79‬‬
‫‪80‬‬

‫خضوع المرأة للرجل مع االعتراف بسموها من الناحية العاطفية‬


‫واألخالقية ‪ ،‬فالنساء أرقى من الرجال في العواطف والمشاركات‬
‫وذكاء وقدرة على التفكير وذلك العتبارات‬
‫ً‬ ‫الوجدانية ولكنهن أقل فهماً‬
‫بيولوجية ‪.‬‬

‫أما عن إصالح النظام األسري ‪:‬‬


‫فقد استمد كونت كل ما ذكره فيهذا الشأن من نظام السرة‬
‫المسيحية الكاثوليكية ويركز على الوظيفة األخالقية للسرة ‪ ،‬فاألسرة‬
‫الصالحة هيالتي تشيع بين أفرادها وعناصرها عواطف حب الغير وكل ما‬
‫من شأنه أن يهذب األفراد ويجعلهم‪ :‬يستسقوا من مبدأ التضامن‬
‫االجتماعي ن وقد اعتبر كونت أن األم هي المسئولة عن إعداد األطفال‬
‫فيالمرحلة األولى ‪ ،‬فهي تُقَ ِوم لسان الطفل وتعلمه اللغة وتغرس فيه‬
‫مبادئ الدين الوضعي ( عبادة االنسانية ) الذي دعا اليه كونت ‪.‬‬

‫‪-2‬سبنسر ) ‪: H. Spencer ( 1820- 1903‬‬


‫أعتق مذهب التطور ‪ Evolution‬في النشؤ واالرتقاء وحاول‬
‫تطبيق هذه الفكرة فيميادين علم الحياء وعلم النفس وعلم األخالق وعلم‬
‫االجتماع ‪ ،‬فقد ذهب سبنسر للقول بأن االرتقاء فيجميع ممالك الطبيعة‬
‫من نبات وحيوان واجتماع انساني ( وما يتصل به من شئون تتعلق‬
‫بالعادات والفنون واألخالق) انما تقوم على أساس واحد هو االنتقال من‬
‫التماثل والتشابه ‪ Homoqeneity‬إلى التباين وعدم التجانس‬
‫‪ Hetoqeneity‬وينتقل سبنسر من ميدان الحياة البيولوجية غلى مجال‬
‫الحياة االجتماعية فيذهب إلى القول بأن المجتمع في أول عهده كان‬
‫يتألف من أفراد متشابهين متماثلين من حيث طرق معيشة الفرد ‪ .‬فالفرد‬

‫‪80‬‬
‫‪81‬‬

‫يعيش على الفطرة وال يحتاج لآلخرين فهو يعد طعامه بنفسه ‪ ،‬ويبني‬
‫مسكنه ويدافع عن نفسه مثله مثل األنواع الدنيا من الحيوان ‪ ،‬ثم تطورت‬
‫ارتقاءمن مرحلة الفطرة وهنا‬
‫ً‬ ‫الحياة االجتماعية وانتقلت إلى مرحلة أكثر‬
‫اتخذت الفروق واالختالفات في الظهور شيئاً فشيئاً ‪ ،‬فأصبح للفردزوجة‬
‫وأوالد ‪ ،‬ولم يعد يقومبشئون المعيشة وحده ‪ ،‬بل تقاسمت بين الزوج‬
‫والزوجة وأوالده في أعمال الصيد والرعي‪ ،‬ثم مالبث أن ازداد التخصص‬
‫في مجال الحياة االجتماعية فاصبح ثمة أفراد يقومون بالزراعة وأخرون‬
‫يقومون بالصناعة ومنهم من يقوم بوظيفة الدفاع وغيرهم يقومون‬
‫بوظائف إدارية وأخرين يقومون بوظائف تربوية وهكذا‪ ،‬وقد اشار‬
‫سبنسر إلى ان األسر‪ Family‬تخضع ايضاً لمبدأ التطور ‪ .‬فبعد أن كان‬
‫رباألسرة هو حاكمها وقاضيها ومربيها وهو الذي يدبر اقتصادياتها‬
‫انتقلت هذه الوظائف إلى هيئات اجتماعية متعددة موجودة في المجتمع ‪،‬‬
‫وأصبح لكل فرد في األسرة وظيفة ومركز اجتماعي يشغله ‪ ،‬وقد قسم‬
‫سبنسر المجتمعات إلى نوعين ‪ :‬مجتمعات حربية ‪ :‬وتكون فيهالقوة‬
‫مصدر السيطرة للرجل ‪ ،‬وهو الذييحكم ويقضى وتكون له السلطة وكل‬
‫شئ وهو عصب السرة وسيدها ‪ ،‬ومجتمعات صناعية ‪ :‬وفيها تحتل‬
‫المرأة مركزاًمعادالً للرجل وتسود بينهما روح المشاركة والتعاون‬
‫والتضامن كما تمتاز بقسط كبير من التكافل االجتماعي ومن رعاية‬
‫الدولة ‪ ،‬ومن خصائص المجتمعات الصناعية أيضاًأن تسود روح‬
‫المشاركة ‪ ،‬حرية الرأي العام والديمقراطية في العالقات االجتماعية ‪.‬‬
‫خالصة القول يعتبر ‪ Spencer‬األسرة ‪ Family‬بصفة عامة‬
‫خالصة الجنس وأن المرأة هي التي تعكس قدراته وخصائصه الموروثة‬

‫‪81‬‬
‫‪82‬‬

‫وأن األسرة بوصفها خلية بيولوجية واجتماعية تتأثر بعوامل البيئة‬


‫والوراثة ومقومات التنازع على البقاء ‪.‬‬
‫أما عن نظرة سبنسر للمرأة فقد كان يؤيد سيادة الرجل على‬
‫األسرة وعدم نزول المرأة إلي ميدان الحياة العامة وكان يري أن عمل‬
‫المرأة في منزلها خيراً من الخدمة في الوظائف العامة ‪.‬‬
‫‪ -3‬إميل دوركايم (‪: Emile Durkeim)1917-1858‬‬
‫يعتبر دوركايم أحد دعائم الحركة العلمية عامة في النصف‬
‫األخير من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ‪ .‬وهو منشئ علم‬
‫اإلجتماع الحديث وزعيم المدرسة الفرنسية لعلم اإلجتماع التي التزال‬
‫قائمة حتي وقتنا الحاضر ‪.‬‬
‫ويذهب دوركايم إلي أن أول شكل اجتماعي يمكن تصوره أو‬
‫افتراضه لنشأة الحياة اإلجتماعية هو المعشر أو الترابط ‪ Horde‬ثم‬
‫العشيرة ‪ Clan‬ثم اإلتحاد ‪ Phcatrie‬وأخيراً القبيلة ‪ Tribu‬ويسمي هذه‬
‫األشكال " المجتمعات البدائية أو المتأخرة " ‪.‬‬
‫نظريته في شئون األسرة ‪:‬‬
‫درس دوركايم األسرة بوصفها الخلية األولي من المجتمع ودرسها‬
‫في طبيعتها ‪ ،‬وفي أشكالها ‪ ،‬وفي وظائفها ‪ .‬ورجع في هذا الصدد إلي‬
‫أقدم األشكال األسرية في المجتمعات التوتمية التي يعتبرها دائماً أقدم‬
‫أشكال المجتمعات اإلنسانية ‪ .‬وانتهي في دراسته إلي أن اإلجتماع‬
‫األسري اليقوم علي الغريزة ودوافع الطبيعة ولكنه يقوم علي قواعد‬
‫وأساليب يرتضيها " العقل الجمعي " وتدعو إليها الحياة اإلجتماعية ‪.‬‬
‫وقد درس نطاق األسرة وقرر أنه تطور من اإلتساع إلي الضيق ‪ .‬فقد‬
‫انتقلت األسرة من الشكل التوتمي حيث كان واسعاً كل السعة ‪ ، ،‬إلي‬

‫‪82‬‬
‫‪83‬‬

‫األسرة األبوية الكبيرة التي كانت معروفة لدي اليونان والرومان ‪ ،‬ثم‬
‫ضاق نطاق األسرة شيئاً فشيئاً حتي وصل إلي الحد الذي كانت عليه‬
‫األسرة الرومانية في عصورها التاريخية المعروفة باألسرة األبوية‬
‫المغيرة (‪ ) Famille Partiarcale‬ثم اقتصرت األسرة علي شكلها‬
‫الحالي السائد في معظم الشعوب المتمدنة وهي األسرة الزواجية (‬
‫‪ )Famille Conjugale‬وكان لهذا التطور أثره في وظائف األسرة ‪.‬‬
‫فلقد تطورت هذه الوظائف من األوسع إلي الواسع ثم إلي الضيق‬
‫فاألضيق ‪ .‬ومن أهم الظواهر التي درسها دوركايم ظاهرة اإلنتحار وذلك‬
‫في ثنايا دراسته في اإلجتماع األخالقي ‪ ،‬ومحاولته تطبيق المنهج‬
‫اإلحصائي علي الظواهر اإلجتماعية ‪ .‬واعتمد دوركايم في دراسته هذه‬
‫علي اإلحصائيات التي عملت في مختلف البالد األوروبية لالنتحار بين‬
‫عامي ‪ ( 1890 ،1840‬في فرنسا وإ نجلتراوإ يطاليا وألمانيا) وبحث‬
‫العوامل‪ :‬اإلجتماعية الكامنة في طبيعتها ‪ ،‬وهي األسباب الخارجة عن‬
‫زوائد األفراد والتي تنشأ من طبيعة الظروف المحيطة بالمجتمع فهي قد‬
‫تكون مرتبطة باألزمات اإلقتصادية والدينية والسياسية أو بانهيار‬
‫الروابط األسرية أو بقيام الحروب والثورات ‪ ،‬ووصل دوركايم من وراء‬
‫دراسته إلي قانون اجتماعي خالصته ‪ :‬أن الميل إلي االنتحار يتناسب‬
‫تناسباً عكسياً مع درجة التكامل في البيئة الدينية ودرجة التماسك في‬
‫األسرة ‪ ،‬ودرجة التوحد في الهيئة السياسية – فكلما قويت الهيئات‬
‫الثالث ( الدين واألسرة والدولة ) اشتدت سلطتها علي األفراد الذين‬
‫ينتمون إليها ‪ ،‬كلما قل عدد المنتحرين وبالعكس ‪.‬‬
‫‪ -4‬لستروارد (‪:Laster Ward )1913 -1841‬‬

‫‪83‬‬
‫‪84‬‬

‫يطلق عليه أحياناً "مؤسس علم اإلجتماع األمريكي " وقد بدأت‬
‫شهرته في هذا العلم عندما نشر كتابه عام ‪ 1903‬عن الديناميكية‬
‫اإلجتماعية‪ Sociale dynamics‬أهم الموضوعات التي تناولها‬
‫بنظرياته وآرائه في الديناميكا اإلجتماعية وشئون األسرة وأصل الحياة‬
‫اإلجتماعية وتطورها وسوف نعرض فيما يلي آرائه في شئون األسرة‬
‫وأصل الحياة ‪.‬‬
‫اهتم وارد بدراسة المشاعر واألحاسيس اإلنسانية ‪ ,‬فهي في‬
‫نظره قوة هامة مؤثرة في سلوك اإلنسان ونشاطه اإلجتماعي‪ .‬وقد رتب‬
‫علي ذلك نظرته في الحب‪ -‬فهناك ثمة استعداد طبيعي مزود به الجنس‬
‫اإلنساني‪ ,‬وهو سر بقائه‪ ,‬وهذا اإلستعداد‪ :‬هو "الحب الطبيعي" ولقد‬
‫تطور هذا الحب منذ فجر اإلنسانية وتشعب لفروع كثيرة أهمها ‪ :‬الحب‬
‫العاطفي بين الرجل والمرأة والحب الزواجي بين الزوج والزوجة ‪,‬‬
‫والحب األبوي بين األب واألبناء والحب األموي بين األم والرضيع ‪,‬‬
‫والحب القائم علي صالت الدم بين العصبيات وذوي القربي واألرحام ‪,‬‬
‫وحب الجنس القائم علي الصالت العنصرية واألثنولوجية ‪ .‬وبالرغم من‬
‫هذه الشعبات فإن الحب الطبيعي ما زال هو الدعامة األساسية لدوام بقاء‬
‫الجنس اإلنساني ‪.‬‬
‫ويعتبر وارد "الحب العاطفي" أول خطوة في ظهور نظام الزواج‬
‫وهو يدل علي مركب النقص في الجنسين علي السواء بمعني أن كالً‬
‫منهما تنقصه صفات يريد أن يكملها من اآلخر ‪ .‬ولذلك فهو يطالب بأن‬
‫المجتمع يجب أن يتيح الفرص لظهور مثل هذا الحب وعندما ينتهي هذا‬
‫الحب بالزواج ‪ ,‬ينتقل إلي عاطفة زوجية ويري وارد‪ -‬أن مرحلة‬
‫الشيوعية الجنسية‪ Promis cuity -‬مرت بها قبل أن ينتشر الحب‬

‫‪84‬‬
‫‪85‬‬

‫العاطفي بين الجنسين وهو يذهب للقول بأن اإلضطرابات التي يعانيها‬
‫النظام الثنائي أي نظام وحدانية الزوج والزوجة ‪ Monogamy‬لعلها‬
‫ترجع ترجع في معظمها إلي بقايا الشيوعية الجنسية ‪ ,‬ولكنه يعتقد مع‬
‫ذلك أن هذا الزواج الثنائي هو النظام الذييجب ان يدعم في المجتمعات‬
‫المعاصرة ‪ ،‬كما يقرر وارد أن أقدم مظهر للحصول على زوجات هو‬
‫النظام القائم على االستيالء على المرأة بالقوة وكان هذا النظام أساس‬
‫احتكار األقوى للنساء‪ ،‬اما الضعيف فقد كتبت عليه العزوبة ‪ ،‬والزواج‬
‫كان مرتبطاً في البداية بالضرورة االقتصادية ‪ ،‬ثم مالبثت اشكاله أن‬
‫تطورت من الشيوعية الجنسية إلى نظام تعدد الزوجات (‪)Poygyny‬‬
‫إلى الوحدانية بهذه النظم تشترك فيمبدأ واحد وهو ملكية الزوج للزوجة‪.‬‬
‫وقد عرض وارد كذلك إلى حقوق المرأة ومبدأ المساواة بينها‬
‫وبين الرجل ‪ ،‬فقرر أن أنانية الرجل حالت وقتاً طويالً دون المساواة‬
‫الحقة ‪ ،‬هذا إلى جانب العادات والقاليد والقوانين التي كانت بمثابة حجر‬
‫عثرة في سبيل االعتراف بمركزها االجتماعي وتقرير مساواتها بالرجل‬
‫بيد أنها استطاعت رغم ذلك أن تشق طريقها حتى وصلت للمساواة‬
‫المنشودة‪.‬‬

‫أصل الحياة االجتماعية وتطورها ‪:‬‬


‫يرى وارد أن الحياة اإلنسانية مرت بثالث عصور ‪ :‬العصر‬
‫الفردى ويتميز بالحياة االنفرادية ‪ ،‬والعصر الجماعي ويتميز بقيام‬
‫الجماعات والقبائل ‪ ،‬والعصر القومي ويتميز بقيام المدن والحكومات‬
‫المدنية ‪ ،‬ونشأت القوميات والدول المستقلة ‪ .‬ويذهب للقول بأن اإلنسان‬
‫األول كائن غير اجتماعي ( ‪ ) Anti-social‬وأناني محب لنفسه ‪ ،‬فقد‬

‫‪85‬‬
‫‪86‬‬

‫عاش اإلنسان في فجر اإلنسانية عيشة انعزالية انفرادية ‪ ،‬ثم اضطرته‬


‫الظروف االجتماعية إلى تكوين ترابطات وجماعات صغيرة ‪ ،‬ومن ثم‬
‫إدراك قيمة وأهمية الجماعة وانتقل من العصر األول الفردي إلى عصر‬
‫حياة الجماعة وحب االجتماع ‪ ،‬ثم ما لبث أن استقرت األحوال‬
‫االجتماعية وقامت المدن ونشأت النظم السياسية واإلدارية ‪ ،‬فظهرت‬
‫الدول والحكومات التي تعمل على استتباب األمن واستقرار الحياة‬
‫االجتماعية ويأمل وارد في أن االنسانية سوف تنتقل إلى عصر رابع هو‬
‫" العصر العالمي " ولسوف تتحدد جميع الحكومات فيحكومة واحدة‬
‫وتقوم هيئة عالمية لتنسيق المصالح الدولية وحل المشكالت حالً أساسه‬
‫الرضا والقبول وقوامه على العدالة والحرية ‪ ،‬فهذا العصر العالمي الذي‬
‫ستخطوه االنسانية يعد العصر القومي الذي مازلنا نعاني مساوئه حتى‬
‫اليوم سوف يقذف بالحواجز اللغوية والجنسية والقومية ‪ ،‬وستشهد‬
‫اإلنسانية فيه قيام رابطة أو وحدة دولية ‪.‬‬

‫‪ -5‬ويليام سمنر ( ‪: William Sumner ) 1910 – 1840‬‬


‫يعتبر سمنرمن الرعيل األول من علماء االجتماع في أمريكا الذي‬
‫تفخر بهم جامعة يبل ( ) ‪ .‬وكان صاحب مدرسة وتتلمذ على يديه كثير‬
‫من رواد الدراسات االجتماعية ومن أهم الموضوعات التى اوالها مزيداً‬
‫من عنايته النظام األسري والطبقات االجتماعية والقيم االجتماعية‬
‫والعادات والتقاليد ‪ ،‬وأصل اإلنسان ‪ ،‬وتصنيف الجماعات ‪.‬‬
‫نظام األسرة ( ‪: ) Family institution‬‬
‫يرى سمنر أن الطبيعة زودت الرجال والنساء بجاذبية كانت سبباً‬
‫في قيام النظم الزواجية التي كانت سبباً في دوام الجنس البشري وبقاء‬

‫‪86‬‬
‫‪87‬‬

‫الوجود االجتماعي‪ ،‬واألسرة بصفة عامة فينظره عبارة عن هيشة يرتبط‬


‫أعضاؤها في المأكل والمسكن والعمل والخضوع لنظم معينة – فهي‬
‫صورة مصغرة لحياة المجتمع ‪ .‬أما األسرة الزواجية فهي الوحدة‬
‫االجتماعية التي تقوم على أساس الرضا والقبول المتبادل بين رجل –‬
‫وأسرة وذلك لغرض انجاب األطفال والمعاشرة الصحيحة في نطاق‬
‫االطار االجتماعي ‪.‬‬
‫كما يقرر سمنر أن النظام األموي ( ‪ ) Maternal‬من حيث‬
‫محور القرابة األسرية كان أسبق ظهوراً من النظام األبوي (‪)Paternral‬‬
‫فمحور القرابة في فجر اإلنسانية كان يدور حول آالم منبنها ألن الرجال‬
‫كانوا يعيشون بعيدين عن نسائهم في الجري وراء األقوات في رحالت‬
‫الصيد ولما استقرت الحياة االجتماعية إلى ٍ‬
‫حد ما استطاع الرجل أن يصل‬
‫إلى قوة العائل ومن ثم النظام األبوي الذي بمقتضاه أصبح األب محور‬
‫القرابة ‪.‬‬
‫وتناول سمنر مقومات األسرة الحديثة وعرض لمظاهر انحاللها‬
‫وناقش فكرة الطالق وأسباب التوتر في محيط األسرة وذهب القول بأن‬
‫سياسة الباب المفتوح في الطالق ستؤدي إلى انحالل الروابط االجتماعية‬
‫وفساد المجتمع ‪ ،‬وتعني فيالتربية االجتماعية التي يتلقنها مواطنوه‬
‫فيزمانه – فهي التعدهم للزواج الحديث – ونادى بتدعيم الزواج الثنائي (‬
‫نظام وحدانية الزوج والزوجة ) ‪.‬‬

‫‪ -6‬النظرية الدورية عند كارل زيمرمان ‪:‬‬


‫يعتبر كارل زيمرمان ‪ Carl Zimmer man‬أول من دعم هذه‬
‫النظرية في كتابة " األسرة والحضارة " وقد اعتمد في تدعيم نظريته‬

‫‪87‬‬
‫‪88‬‬

‫على مادة تطويرية مقارنة استقاهما من المجتمعات المختلفة المتقدمة ‪،‬‬


‫وقد اعتمد تحليله إلى اقصى حد على ما يعرف باسم التقاليد الغربية‬
‫ابتداء من اليونان القديمة والتي امتدت خالل العصور‬
‫ً‬ ‫التيظهرت‬
‫الوسطى حتى القرن العشرين في أمريكا وقد التزم خالل الكتاب بفكرة‬
‫هامة ‪ ،‬وهي أنه ال توجد عالقة وثيقة بين طبيعة األسرة وتنظيمها وبين‬
‫طبيعة المجتمع الكبير ‪ ،‬ولذلك فإن حدوثتغير في أحدهما يرتبط ارتباطاً‬
‫وثيقاً مع التغيرات في اآلخر ‪ ،‬ومعنى ذلك أن األسرة والمجتمع يتبادالن‬
‫التأثير من حيث أنهما عوامل أو نتائج في مسيرة التغير العامة ‪ ،‬إال أنه‬
‫يضيف إلى األسرة نظامين آخرين هما ( الكنيسة والحكومة ) كمصدرين‬
‫للتغير االجتماعي‪ ،‬حيث يتنافسان مع األسرة في التأثير على العالقات‬
‫األسرية ‪.‬‬
‫وقد وجد زيمرمان من خالل تتبعه لتاريخ الغرب ثالثة نماذج‬
‫اسرية وهي‪ :‬نموذج‬
‫اسرة الوصاية ‪ The Trustee Family‬ونموذج األسرة العائلية ‪The‬‬
‫‪Domestic Family‬‬
‫واألسرة النواة ‪.‬‬
‫وتشتق " أسرة الوصاية " من الحقيقة‪ :‬القاتلة بأن األعضاء ال‬
‫ُينظر إليهم كاعضاء في األسرة بل كأوصياء على اسمها وأمالكها‬
‫ونسبها وتعتبر في حد ذاتها " خالدة " بغض النظر عن وجود األفراد ‪،‬‬
‫وإ لى جانب درجة عالية من "األسرية " فليس هناك أي تصور لحقوق‬
‫األفرد أو أي تساؤل عن رفاهية الفرد ترتبط برفاهية األسرة كجماعة ‪.‬‬
‫وأسرة الوصاية لها سلطة كبيرة على أفرادها ‪ ،‬وتستمد سلطة‬
‫الم ْطلَقَة من كونها قوة منبعثة من دوره كوصي على‬
‫الزوج – أو األب ُ‬

‫‪88‬‬
‫‪89‬‬

‫األسرة ومن تحمله مسئوليتها ‪ .‬وتنظيم األسر في عشائر لتكون الدولة‬


‫في نهاية األمر ‪ ،‬وعند تشكيل الحكومة فإنها التدخل في شئون األسرة إال‬
‫نادراً‪ .‬أما عضوية األسرة فإنها تعتمد على طقوس معينة ‪ ،‬ويمكن‬
‫للجماعة أن ترفض أو أن تقبل أعضاء جدد إلى جانب فرض قيود عديدة‬
‫على الطالق والنوع الوحيد المسموح به هو حق الزوج في طالق زوجته‬
‫إذا شعر أنها التتعاون معه في العمل على تكامل الجماعة ‪.‬‬
‫يأتي بعد ذلك في سلم تطور نظام األسرة "األسرة العائلية" وهي‬
‫نوع متطور أو مشتق من أسرة الوصاية حيث تضعف سيطرة األسرة‬
‫على أفرادها وتزداد سلطة الدولة التي تحد من حق األسرة في معاقبة‬
‫افرادها ‪ ،‬وتهيئ الظروف لممارسة الحقوق الفردية لكي يتمكن‬
‫اعضاءاألسرة من مواجهة سلطتها ‪ .‬ومع أن نظام العشيرة يميل إلى‬
‫االختفاءإلى ان األسرة كوحدة تبقى قوية على الرغم من نمو فكرة‬
‫الحقوق وامكانيات تحطيم القيود المفروضة على الطالق ‪.‬‬
‫أما "األسرة النواة " فهي على النقيض من النوع األول حيث حلت‬
‫الفردية محل األسرية ‪ ،‬وتناقصت قوة األسرة وسلطتها إلى الحد األدنى ‪،‬‬
‫أساس منظمة أفراد ‪ ،‬وإ ذا كانت التضحية بالنفس في‬
‫ً‬ ‫واصبحت الدولة‬
‫سبيل أهداف الجماعة من السمات المميزة ألسرة الوصايا ‪ ،‬فإن مذهب‬
‫النفعية أو اللذة هو ما يميز اسرة النواة ‪ ،‬وقد أصبح الزواج عقداً مدنياً‪،‬‬
‫ليست له القدسية التي كانت في الماضي مما جعل الطالق أمراًشائعاً ‪،‬‬
‫وهذا إلى جانب أدلة أخرى على تفشي الفردية مثل الحركات النسائية‬
‫وعدم الرغبة في االنجاب ومشاكل الشباب ‪ ،‬وكثير من االضطرابات التي‬
‫ترتبط بحياة األسرة عامة ‪ ،‬ويرى زيمومان أن األسرة النواة فقدت‬

‫‪89‬‬
‫‪90‬‬

‫المقدرة على إنجاز وظائف األسرة الضرورية ‪ ،‬ولم يعد بإمكانها ارضاء‬
‫المتطلبات المتزايدة للفردية ‪.‬‬
‫وقد انتهى زيمومان من تحليله لتطور نماذج السرة خالل تاريخ‬
‫المجتمع الغربي منذ عام‪ 1500‬ق‪.‬م حتى اآلنلى التغير االجتماعيعامة‬
‫وتغير النسق األسري يتفاعالن بصورة حتمية حيث يتبادالن موقع السب‬
‫والنتيجة ‪ ،‬أما التغير االجتماعي في الوقت الحاضر فإنه يسير في طريق‬
‫غير واضح ‪ ،‬ويتنبأ كما يتنبأ الكثيرون بأن الحضارة الحديثة سوف‬
‫تنهار كما انهارت الحضارات القديمة ‪.‬‬
‫ويرى زيمومان أن دورة التغير مستمرة ‪ ،‬ألن أسرة الوصاية‬
‫تحمل في داخلها بذور انهيارها وتفككها‪ ، :‬فبينما يتيح قانونها البدائي‬
‫للعدالة قيام مجتمع منظم ‪ ،‬ويزيد من تراكم الثروة ويؤكد على العمل‬
‫االنتاجي ‪ ،‬إال ان سلطتها المطلقة على أفرادها تؤدي إلى سوء االستعمال‬
‫‪ ،‬فقد تظلم الزوجات وقد يتعرض األوالد للخطر أو يصبحون عرضة‬
‫للطغيان والظلم ‪ ،‬كما أن حقوق الفراد قد تقمع بوجه عام ‪ ،‬وهذا يؤدي‬
‫إلى نشأة المنازعات بين األسرة ‪ ،‬بتطورالمجتمع تتناقص قوة الجماعة‬
‫القرابية الممتدة وتبدأ األسرة العائلية في الظهور‪.‬‬
‫وتعتبر األسرة العائلية أكثر انماط السرة شيوعاً في المجتمعات‬
‫األكثر تحضراً ‪ ،‬وقد اصبحت النمط السائد في المجتمع نتيجة لقوى‬
‫وعوامل داخل األسرة وخارجها ‪ ،‬وقد كان السبب في ظهورها الرغبة‬
‫في معاملة أكثر عدالً من جانب اعضاء األسرة إلى جانب تأثيرات‬
‫الحكومة والدين ‪ ،‬وهي لذلك التشبه اسرة الوصاية حيث أنها التحمل‬
‫بداخلها بذور انهيارها ‪ ،‬ولكن التغيرات مالبثت أن دقت بابها من الخارج‬
‫‪،‬حيث بدات نظم أخرى غيرها تحدد سلطاتها ‪ ،‬كما زادت القوانين التي‬

‫‪90‬‬
‫‪91‬‬

‫تمنح الحقوق لألفراد في الوقت في الوقت الذي خلقت فيه الثقافة مناخاً‬
‫عاماً شجع على مقاومة السرة العائلية وبالتالي أتيحت الفرصة لظهور‬
‫األسرة النواة ‪.‬‬
‫وأخيراً يعتقد زيمرمان أن ظهور األسرة النواة كان عامالً أو‬
‫مصاحباً لتصدع اركان الحياة االجتماعية ‪ ،‬والذي يتمثل فياختالل‬
‫االنسجام والتوافق فيالزواج وانتشار الزنا وسوء استعمال الجنس‬
‫وسهولة الطالق ‪ ،‬وانتشار ظاهرة األوالد غير الشرعيين والجناج ‪ ،‬في‬
‫الوقت الذي تندثر فيه مفهومات الوالء واالنتماء والتضحية ‪ ،‬وتزايد‬
‫ظهور النزعة الفردية ‪ .‬ويرى زيمرمان أنه نظراً لالنهيار الواضح‬
‫المستمر في السرة النواة فليس بعيد أن تظهر من جديد أسرة الوصاية ‪،‬‬
‫وهكذا يعيد التاريخ نفسه ‪.‬‬
‫‪ -7‬النظرية البنائية الوظيفية عند تالكوت بارسونز ‪: T . Parsons‬‬
‫يعتبر االتجاه البنائي الوظيفي في تحليل النسق األسري من‬
‫أحدث التحليالت في هذا المجال‪ ،‬وهو يتناول بالبحث " التكامل بين السرة‬
‫والنظم األخرى ‪ ،‬كما يحلل الوظائف التي تقوم بها هذه الوحدة البنائية‬
‫( األسرة ) في المجتمع الصناعي الحديث ‪.‬‬
‫وتعتبر دراسة تالكوت بارسونز " ‪Talcott Parsons‬‬
‫للبناءالوظيفيلألسرة من أكبر وأشمل تطبيقات تلك النظرية ‪.‬‬
‫يبدأ تحليل بارسونز بالتأكيد على الحقيقة القائلة بأن نسق‬
‫األسرة األمريكية نسق مفتوح يقوم فقط على العالقة الزوجية ‪ ،‬واألسرة‬
‫النواة منعزلة عن الجماعات القرابية الواسعة ‪ ،‬أي أن العزلة كائنة في‬
‫بناء األسرة ‪ ،‬فليس هناك قبيلة أو عشيرة أو أي جماعة قرابة أخرى‬
‫يرتبط بها الفرد أو ينتمي إليها ‪ ،‬كما أن أعضاء األسرة ال يرتبطون معا‬

‫‪91‬‬
‫‪92‬‬

‫ًبعالقات متعددة ‪ .‬وإ نما يغلب عليهم طابع العالقات الثنائية والشكل التالي‬
‫يوضح هذه الفكرة ‪.‬‬
‫األب‬ ‫األم‬ ‫االم االب‬
‫األخ‬
‫األخ‬ ‫األنا‬ ‫الزوج‬ ‫األخت‬
‫األخت‬ ‫(الزوجة)‬

‫االبن‬ ‫االبنة‬
‫الزوجة‬ ‫الزوج‬
‫الحفيدة‬ ‫الحفيدة‬
‫الحفيد‬ ‫اشكال متداخلة من األسرة النواة )‬
‫( خمسةالحفيد‬

‫ويالحظ من هذا الشكل أن األنا عضو مشترك في كل من‬


‫األسرتين ‪ ،‬أسرة التوجيه وأسرة االنجاب ‪ ،‬والزوج ( الزوجة ) يشترك‬
‫في نفس أسرة االنجاب مع األنا ولكن ال يشترك معه في أسرة التوجيه ‪،‬‬
‫وهكذا بالنسبة لكل فرد من أفراد األسرة األخرين ‪ .‬فعند الزواج ينتقل كل‬
‫فرد جزئياً من وحدته القرابية ( األسرة النواة ) ويكون أسرة جديدة ‪،‬‬
‫ويؤكد بارسونز أن االنفتاح وتعدد االتجاهات متضمن فيطبيعة النسق‬
‫القرابي ويفضل لذلك استعمال لفظ ‪ Multilinial‬للتأكيد على أنه‬
‫التوجد جماعة قرابية ترتكز على خطوط ساللية واحدة ‪ .‬فكل جيل يختار‬
‫أزواجه من الخارج دون أي اعتبار لروابط القرابة مع الجيل السابق ‪.‬‬
‫أيأن كل اسرة نواة هي نتاج اندماج خطين اسريين مختلفين ‪ ،‬ومن‬
‫المحتمل أن تندمج مع خطوط أسرية مختلفة تماماً في أي جيل تال‪،‬‬
‫وتوجد قواعد صارمة تحد من أي تحيز نحو أي من أسرتي الزوج أو‬
‫الزوجة ‪ ،‬حيث يتعين أن يكون هناك اهتمام متساو بكال الجانبين ‪ ،‬ومثال‬
‫ذلك إذا تناول الزوجين عشاءهما مع اسرة الزوج فمن الواجب أن يقضيا‬

‫‪92‬‬
‫‪93‬‬

‫عطلة نهاية األسبوع مع أسرة الزوجة وهكذا ‪ ،‬ومن وجهة نظر األباء‬
‫يجب أيضاً أن اليكون هناك تحيزاً في معاملة أبنائهم ‪.‬‬
‫ويصف بارسونز الزواج بأنه حجر األساس فيالنسق القرابي‬
‫لألسرة ( األمريكية ) وعندما يتم الزواج يفترق الزوجين عن اسرتي‬
‫التوجيه ‪ ،‬أما األبناء فإنهم يمنحون والءهم ألبويهم واخوتهم‪ :‬الذين‬
‫يضمهم جميعاً مسكن واحد خاص بهم دون غيرهم واتفاقاً مع العزلة‬
‫البنائية والجغرافية للوحدة األسرية الزوجية اليتدخل الوالدان أو اليكون‬
‫لهما دور هام في عملية اختبارات أبنائهما عند الزواج ‪ ،‬على عكس‬
‫ماهو قائم في المجتمعات ذات االنساق األسرية حيث يشترك الباءفي‬
‫عملية االختيار ألن الزوج أو الزوجة الجديدة سيصبحان شركاء في‬
‫المسكن وفي الوحدة القرابية ‪ .‬ويترتب على ذلك أن يقوم الزواج في‬
‫األسرة النواة على أساس الحب الرومانتيكي أما في الجماعات القرابية‬
‫الواسعة‪ :‬فإنها التشجع الحب الرومانتيكي ألن استمرار العاطفة العميقة‬
‫بين الزوجين قد يهدد والءهما لوالديهما وللجماعة ‪.‬‬
‫وهناك حقيقة هامة يجب أن نؤكد عليها ‪ ،‬وهي أن األسرة نسق‬
‫من الناحية البنائية الوظيفية اليمكن فهمها إال بإدراك ارتباطاتها بالنسق‬
‫المهني ‪.‬وإ ذا أخضعنا هذه العالقات المتبادلة للتحليل فسوف نتبين ان‬
‫كثيراً مما أشار إليه بعض الباحثين كعالمات على التفكك األسري وليست‬
‫كذلك على اإلطالق ألن التفكك ماهو في واقع األمر سوى تكيف لمتطلبات‬
‫االقتصاد الصناعي ‪.‬ألن مكانة األسرة في المجتمع األمريكي متصلة‬
‫اتصاالً وثيقاً باهتمامات الزوج من خالل دخله ومكانته ومستوى الحياه‬
‫المعيشية الذي ينتمي إليه ‪ ،‬والدليل على ذلك أنه في اقتصاديات ما قبل‬
‫التصنيع كان هناك تكامل مباشر بين السرة والنسق الوظيفي‪ ،‬فاألب كان‬

‫‪93‬‬
‫‪94‬‬

‫يعمل في المنزل أو قرياً منه ‪ ،‬ويساعده على انجاز كل األنشطة االنتاجية‬


‫أعضاء أسرته أو وحدته القرابية ‪ .‬وقد أدى قيام نظام المصنع إلى عدة‬
‫تغيرات من بينها التخفف ‪ ،‬من المعايير التي تحكم العالقات الخارجية‬
‫والداخلية لألسرة التقليدية تلك التي التي ال تبنى على االرتباط بالمعايير‬
‫العالمية الفعالة فياالقتصاد ‪ ،‬فهذه المعضلة يمكن حلها بواسطة الفصل‬
‫بين األدوار العائلية والوظيفية‪ ، :‬فعلم األسرة وعلم العمل يفترقان‬
‫ويختلفان تماماً ‪ ،‬ألن النسق االقتصادي للمجتمع الصناعي يتطلب قوة‬
‫عاملة متحركة تفترض افتراضاً دائماً أو مؤقتاً ألعضائها خصوصاً إذا‬
‫كانوا يعملون في مهن مختلفة ‪.‬‬
‫وهذا يقتضي توافقاً من األسرة كلها ‪ ،‬كجماعة أو كأفراد ‪ ،‬ويظهر‬
‫ذلك حين يكون عليهم انتزاع أنفسهم‪ :‬من بيئتهم األصلية والتوافق مع‬
‫المدينة الجديدة ‪ ،‬ومع الجيران ودخلوا المدارس األخرى واتخاذ أصدقاء‬
‫جدد ‪.‬‬
‫لكن فصل األدوار األسرية عن المهنية يؤدي إلى عزل األسرة‬
‫النواة وحمايتها فينفس الوقت من المنافسات الداخلية التيقد تؤثر على‬
‫كيانها ويتيح الفرصة للحركة االجتماعية والجغرافية اتفاقاً مع متطلبات‬
‫النسق المتوازنة ‪.‬‬
‫أما ِ‬
‫العالم الفنلندي وستر مارك ‪ Waster Marck‬فقد اعترض‬
‫على الزعم بظهور الزواج التعددي قبل الزواج األحادي أو المونوجامي‬
‫‪ Monogamy‬استناداً إلى تشابه حياة اإلنسان البكر وأنماط الحياة‬
‫الحيوانية األخرى ‪ ،‬وذهب إلى القول بأن الزواج الحادي كان اسبق في‬
‫الظهور ‪ .‬وقد اعتمد وسترمارك على نظريته هذه على المعلومات‬
‫المؤكدة عن الحياه الجنسية لدى القردة العليا أو بعضهم على األقل ‪،‬‬

‫‪94‬‬
‫‪95‬‬

‫حيث يكتفي الذكر باالتصال جنسياً بأنثى واحدة يدافع عنها ويظل مخلصاً‬
‫لها ‪ ...‬وعلى ذلك ذهب وسترمارك إلى أن الزواج المونوجامي ليس هو‬
‫الشكل األول للزواج فحسب بل والشكل الطبيعي أيضاً بينما صور الزواج‬
‫األخرى ليست سوى تطورات استثنائية في تاريخ البشرية‪ .‬ففي كل‬
‫المجتمعات التي تعترف بنظام العقود بنوعيه نجد هناك ميالً ولو رمزياً‬
‫إلى وحدانية الزواج ‪ ،‬فحيث يوجد تعدد الزوجات يكون في األغلب هناك‬
‫زوجة كبيرة مفضلة ‪ ،‬بينما تنزل الزوجات األخريات منزلة ثانوية‬
‫بالنسبة إليها ‪ ،‬كما أنه حيث‪ ....‬تعدد األزواج فإنه يوجد غالباً زوج‬
‫رئيسي هو في العادة األخ األكبر الذي ينسب األوالد إليه كما هو الحال‬
‫عند التوداء ‪.‬‬

‫ثانياً ‪ :‬االتجاه المادي في تفسير‪ :‬األسرة والزواج‬


‫(كارل ماركس وانجلز) ‪Marks & F.Engels‬‬
‫لم يحاول ماركس وضع نظريته فياألسرة خالل مراحل التاريخ‬
‫االنساني وإ نما حاول دراسة التغيرات التي لحقت باألسرة نتيجة‬
‫الستخدام‪ :‬االالت في الصناعة في بلد واحد هو انجلترا وفي مرحلة زمنية‬
‫محدودة ‪ ،‬هي النصف الثاني من القرن التاسع عشر ‪.‬‬
‫وفي رأي ماركس أن استخدام اآلالت في الصناعة وإ حاللها محل‬
‫األدوات أدى إلى انتقال ملكية أدوات اإلنتاج إلى صاحب العمل بحيث‬
‫تحول العامل إلى مجرد شخص أجير يبيع قوة عمله لصاحب العمل لقاء‬
‫أجر معلوم ‪ ،‬كما أن تجزئة العملية االنتاجية وتبسيطها أدى إلى‬
‫االستعانة بالنساء واألطفال وإ حاللهم محل الرجال كما أدى إلى انخفاض‬
‫معدالت األجور نتيجة لزيادة العرض على الطلب في سوق العمل ‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫‪96‬‬

‫ولقد كان لهذه التغيرات أثر كبير على األسرة حيث أصبح جميع‬
‫األفراد يعملون في المصانع جنباً إلى جنب وبأجور زهيدة وساعات‬
‫طويلة قد تصل غلى أربعة عشر ساعة يومياً‪ ،‬مما أدى إلى سوءاألحوال‪:‬‬
‫االقتصادية لألسر العمالية ‪ ،‬وارتفاع معدالت الوفيات بين العاملين‬
‫وبخاصة بالنسبة لألحداث الذين يعملون في الصناعة ‪.‬‬
‫وقد اعتمد ماركس في كتاباته عن اسرة على نتائج عدة بحوث‬
‫اختيارية قامت بها لجان االستقصاء التي كانت موجودة فيأيامه ‪ ،‬لقد كان‬
‫النساء واألطفال‪ :‬مكلفون بالعمل ويفرق بين األم وطفلها كما كانت تهمل‬
‫األطفال مما أدى إلى ارتفاع نسبة وفيات الرضع واألطفال ‪.‬‬
‫واضطر األباء إلى بيع قوة عمل أبنائهم في سن مبكرة وبشروط‬
‫قاسية ‪ ،‬بل باعوا في الواقع األطفال أنفسهم‪. :‬‬
‫أما الفتيات الصغيرات فلم يتيسر لهن الفرصة ليتعلمن فنون‬
‫التدبير المنزلي‪ ،‬فقد جرفهن تيار الثورة الصناعية فنظام المصنع القائم‬
‫على التوسيع في المكاسب إلى الحد األقصى بهدف تراكم رأس المال قد‬
‫هم النظام التقليدي لألسرة في الطبقة الدنيا‪.‬‬
‫أما بالنسبة لسلطة األباء في األسرة فقد ظلت كما هيإذا كان الباء‬
‫في المراحل األولى لنظام المصنع يعملون جنباً إلى حنب مع أبنائهم ‪،‬‬
‫واحياناً كثيرة مع زوجاتهم مما مكنهم من مالحظة أوالدهم داخل المصنع‬
‫وبالتاليالمحافظة على سلطتهم األبوية ‪ .‬وإ ن كانت هذه السلطة قد‬
‫تضاءلت فيما بعد بدخول أنواع جديدة من اآلالت وزيادة التخصص‬
‫وتقسيم العمل ‪ ،‬رغم محاوالت ماركس ‪ Marks‬في تفسير ظاهرة‬
‫التصنيع والسرة إال أنه لم يكن يهدف – كما سبق أن ذكرنا – إلى صياغة‬
‫نظرية عامة للتغيير األسري‪ ،‬فكان فكرة الفلسفي المستمد من هيجل‬

‫‪96‬‬
‫‪97‬‬

‫‪ Hegel‬يفترض أن التفسيرات العلمية واالجتماعية كانت صحيحة‬


‫بالنسبة إلى بعض األحداث أو العهود الخاصة بها ‪ ،‬وفي هذه الحالة‬
‫ظهور النظام الرأسمالي ‪.‬‬
‫أما إنجلز ‪ Engles‬فقد ركز في دراسته الشهيرة عن ‪ -‬أصل‬
‫األسرة والملكية الخاصة والدولة ‪ -‬على العوامل‪ :‬الرئيسية وراء عمليات‬
‫االستغالل بأشكاه المختلفة كما تعكسها أنماط وعالقات االنتاج الموجودة‬
‫في المجتمعات الطبقية ‪ ،‬فقد بين أنجلز في دراسته هذه كيف أن أوضاع‬
‫المرأة وظروف القهر واالستغالل التي تعرضت لها قد ظهرت كنتيجة‬
‫لتطورات معينة حدثت مع نشأة الملكية الخاصة والدولة واألسرة ‪.‬‬
‫ولكي نوضح هذه النقطة الب أن نعرض بإيجاز ألهم النقط التي‬
‫يمكن أن نستخلصها من دراسة انجلز من نمط اإلنتاج وتطور نشأة‬
‫العائلة ومكانة المرأة في المجتمع ‪.‬‬
‫حول منشأ العائلة والملكية الخاصة والدولة ‪ ،‬حاول إنجلز –‬
‫مستنداً إلى كتاب المجتمع القديم للويس هنري مورجان – أن يركز على‬
‫تطور البشرية مع مراعاة ما يتعلق باالقتصاد والحياة السياسية المعيشية‬
‫المنزلية ‪.‬وعموماً فإن المحاولة لم تكن مغفلة عند أي كاتب الحق ‪.‬‬
‫وحديثاً – لقد حدد الكثيرون أجزاء من حقبة التطور اإلنساني على ضوء‬
‫معلومات استداللية حديثة ولكن هذه الدراسات تصطدم بعائق أو عائقين‪.‬‬
‫علماء اإلنسان هؤالء الشديدو المعرفة بالدراسات الحديثة لما قبل‬
‫التاريخ المكتوب يكادوا يكونون من الطبقات العليا والوسطى ‪ ،‬انهم‬
‫ينحون نحو أن يتقلد الذكور كالً من السيطرة واإلبداع وأن يتجاهلوا‬
‫الصراعات المتغيرة للرجال والنساء تماماً مثل طبقات المجتمع ‪ .‬أما‬

‫‪97‬‬
‫‪98‬‬

‫مايختص بالنساء فمجرد معلومات استداللية من شأنها أن تكون غير‬


‫دقيقة وال يعتد بها ‪.‬‬
‫ان " مورجان " يرتب ثالثة مراحل رئيسية للتطور الثقافي وهي‬
‫التي يقسمها " انجلز "إلى مايقرب من تسعة مراحل ‪ :‬الهمجية السفلى‬
‫والوسطى والعليا ‪ ،‬والبربرية السفلى والوسطى والعليا ‪ ،‬وقُسمت‬
‫الحضارة إلى حكومات مركزية تتميز بنظام متطور بواسطة الرق‬
‫وعبودية األرض والعمل الشاق ‪.‬‬
‫ووفقاً لما يقوله " انجلز " عن المجتمع اإلنساني الهمجي‬
‫السفلي‪ ،‬أو حتي ما قبل البشرية فإن بعضهم اليزال يعيش في الشجر‬
‫ويقتايون علي الفواكه‪ :‬والجوز وجذور النباتات ‪.‬‬
‫وتطورت القدرة علي الكالم خالل هذه الحقبة ‪ .‬وألفراد هذه‬
‫الجماعة المحلية الصغيرة عالقات جنسية مشوشة وبدون تمييز أما عند‬
‫نهاية هذه الحقبة فإن العالقات الجنسية أصبحت بين األجيال المتقاربة‪،‬‬
‫ولكن من خالل كل جيل فاألخوة وأبناء العم استمروا في التزاوج بدون‬
‫تميز ليشكلوا عائالت تربطها وحدة الدم ‪.‬‬
‫وفي مرحلة الهمجية الوسطي انتشر البشر علي األرض طوروا‬
‫صيد األسماك واشعال النار وبعض أنواع الصيد ‪ ،‬واخترعوا بضعة‬
‫أسلحة مثل الهراوة (النبوت) والرماح ‪ " ،‬أنجلز" يضع كل ذلك في حقبة‬
‫الهمجية الوسطي ‪ .‬وأصبح التزاوج محرماً من خالل مجتمع األقارب ‪،‬‬
‫ولكن مجموعة من األخوات وبنات العم من عصب واحد يقبلون التزاوج‬
‫من عصبية أخري من مجموعة من اإلخوان وأبناء العم الذكور من‬
‫عصبية مجاورة ‪ .‬أن التزاوج الجماعي قد أثمر علي اتساع في النسب‬

‫‪98‬‬
‫‪99‬‬

‫في األسرة الشيوعية التي استمر أفرادها في التعاون واإلقتصاد وكذلك‬


‫في الجنس والعناية بالطفل ‪.‬‬
‫وفي مرحلة الهمجية العليا اخترعوا القوس والسهم ونما الصيد‬
‫وتزايد وأصبحت األحجار المصقولة وصناعة السالل والمنازل‬
‫المصنوعة من الخشب والقوارب المصنوعةمن جذور الشجر ‪ ،‬أصبحت‬
‫كلها تستخدم ‪ .‬ولقد استمرت األسرة الشيوعية ولكن عند نهاية الحقبة‬
‫قامت النساء بالتأثير والتغيير في نظام الزواج من التزاوج الجماعي إلي‬
‫زواج فردين مما يعطي الزوجين – سواء كانوا زوج وزوجة واحدة أو‬
‫الجمع بين عدد من الزوجات – حريةالطالق ‪.‬ولقد رأي "أنجلز" أن ذلك‬
‫يحدث جزئياً ألن الزواج المحرم والممنوعات التي يحتمها الزواج قد‬
‫امتدت بتوسع لدرجة أنه أصبح من الصعب اإلستمرار في الزواج‬
‫الجماعي بين األخوات ‪ ،‬كما أن قوة النساء في إدارة البيت أصبحت تكفي‬
‫لوضع حد للجنس الذي تراه النساء شيئاً فادحاً ‪ .‬أن أنالمنزل الشيوعي‬
‫الذي أدير بشكل واسع بواسطة النساء امتد حتي حقبة البربرية‬
‫‪.‬وبانتشار السكان فإن الجماعة ذات القرابة األسرية قد تشتت بالزواج‬
‫من الخارج وشكلت مايسمي اآلن بالعشائر داخل مجتمعات أكبر‪.‬‬
‫وفي عصر البربرية السفلى صار اختراع الفخار‪ ،‬وبدأ عصر‬
‫البربرية الوسطى عند استخدام الزراعة في العالم الجديد والحيوانات في‬
‫العصر القديم ‪ ،‬ولقد ظن " انجلز " أن الزراعة أتت متأخرة كثيراً عن‬
‫استخدام‪ :‬الحيوانات في العصر القديم قرب نهاية البربرية الوسطى وهذه‬
‫الحقبة قد تمثلت في أهالي " المكسيك " وأهل " بيرو " والهنود‬
‫واألمريكان في العالم الجديد وكذلك بواسطة اآلريون والساميون القدماء‬
‫في العالم القديم ‪.‬وخالل هذه الحقبة من العالم القديم فإن الملكية الخاصة‬

‫‪99‬‬
‫‪100‬‬

‫– وخاصة قطعان الرعي – بدأت تجمع بواسطة الرجال الذين – بذلك‬


‫اكتسبوا‪ :‬قوة وسيطرة واكتسبوا تسلطاً جديداً على النساء واصبحوا‬
‫قادرين على تحويل النظام الهابط من سيطرة النساء إلى سيطرة الرجال‪.‬‬
‫ضي عليه وتأسس بدالً منه‬
‫إن تحكم النساء في النظام االقتصادي قد قُ َ‬
‫نظام شيوخ األسر‪ ،‬إن" انجلز " يسمي ذلك بالهزيمة التاريخية لجنس‬
‫النساء ‪.‬‬
‫ولقد استمرت رئاسة الرجال بطريقة متسلطة خالل عصر البربرية‬
‫العليا وحتى المدنية ‪ ،‬واستمرت في شكل مخفف في المجتمع الغربي ‪،‬‬
‫ولما اصبح الرجال هم السلطة العليا في العائلة كما هم كذلك في المجتمع‬
‫قاموا بتغيير نظام الزواج ذو الطالق السهل إلى الزواج بزوجة واحدة في‬
‫الوقت الواحد ويكون فيه الطالق إما ممنوعاً وإ ما مسموحاً به للرجال‬
‫فقط ‪.‬و" انجلز " ومثله " باكوفن " وآخرون اعتقدوا أن قيادة الرجل‬
‫لألسرة اصبحت ممكنة بالمعلومات الحديثة المكتسبة عن دور الذكور في‬
‫النسل زكذلك القدرة على سالمة األبوة الفسيولوجية ‪ .‬وهذه المعرفة‬
‫باإلضافة إلى نمو عملية توريث الممتلكات في يد الذكور جعلت الرجال‬
‫يسنون قواعد لمشروعية وقانونية توريث أبنائهم ‪ ،‬وبالطبع فكان مثل‬
‫هذه القواعد والقوانين قد قيدت كثيراً من حرية النساء الجنسية‬
‫واالجتماعية ‪.‬‬
‫ولقد سقطت مكانة النساء في عصر البربرية الوسطى بالعبودية‬
‫وهي شئ مشابه لما حدث للحيوانات المستخدمة ‪ .‬فعندما نشأت العبودية‬
‫فإن طبقات المجتمع تولدت ‪ ،‬والرجال ضمن الطبقة ذات المملكة كانوا‬
‫قادرين على استغالل النساء والعبيد ‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫‪101‬‬

‫ومع نظام الزواج من زوجة واحدة فإن الرعي والعبودية ورئاسة‬


‫شيخ األسرة لألسرة قد توطدت ليس فقط باألقارب بل ايضاً مع مجموعة‬
‫من األسرذات نسب واحد ‪ ،‬هذا باإلضافة إلى الروابط الوشيحة ‪ .‬وقد‬
‫يشترك الشيخ رئيس األسرة في قيادة المجموعة مع مجلس استشاري‬
‫من أفراد السرة البالغين ‪ ،‬وقد يكون لديه الحكم‪ :‬بالحياة أو الموت على‬
‫النساء واألطفال‪ :‬والعبيد ‪.‬‬
‫أن نظام رئيس األسرة الرجل وسيطرته قد اصبح متوطداً خالل‬
‫الربرية العليا عندما أمكن صهر الحديد واختراع السيارات والعربات‬
‫والمركبات ‪ ...‬الخ ‪ ،‬وكذلك النمو الهائل لتعداد السكان في المدن‬
‫الكبيرة القوية ‪ .‬أن األغريق والرومان السابقون ( اإليطاليون ) والقبائل‬
‫األلمانية والقراصنة النورمانديون القدماء يمثلون عصر البربرية العليا ‪.‬‬
‫ولقد اُدخلت الكتابة بالحروف األبجدية في عصر المدنية وقامت‬
‫الدولة كما حدث مبكراً في أثينا وروما ‪ .‬ويعتقد " انجلز " أن هذه القوة‬
‫األوربية البارعة قد أظهرت وقدمت األعمال الوضيعة النحطاط المرأة‪،‬‬
‫وأثينا قد تكون أكثر من روما في ذلك ‪ ،‬وفي بعض الواليات الصغيرة أو‬
‫المحيطة في المدينة األولى فإن بعض آثار العشائر مازالت باقية مما‬
‫ُيستدل منها على حدوث مايشبه الزواج الجماعي وأن النساء لهن مكانة‬
‫عالية ‪ .‬ومن بين هذه المدن كانت مدينة " أسبرطة " واكثر منها داللة‬
‫على ذلك األلمان الذين انتشروا في االمبراطورية الرومانية الزائلة ‪،‬‬
‫ويخطئ " انجلز" في اعتقاده أن حب الجنس الثاني نشأ بين الشعوب‬
‫األلمانية بسبب ميلهم إلى الزواج الثنائي من زوج وزوجة ‪.‬‬
‫ويصف – " انجلز " – في رومانسية زواج أفراد البروليتاريا‬
‫(طبقة العمال ) معتقداً‪ :‬بأن عمل المرأة خارج المنزل قد أزال آخر اثر‬

‫‪101‬‬
‫‪102‬‬

‫لسيطرة الرجل في المنزل بالرغم من بقية من الوحشية تجاه المرأة‬


‫والتي أصبحت متأصلة بإحكام مع توطيد الزواج من زوجة واحدة ‪ .‬ومع‬
‫عائل لألسرة‬
‫ذلك فإن مكانة الرجل من بين الطبقات الخاصة باعتباره ً‬
‫ويكسب عيشها تجعله كالبورجوازي داخل األسرة ‪ ،‬بينما الزوجة تمثل "‬
‫البروليتاريا " ضيقاً للعمل ‪ ،‬فهي تعيش في عبودية الخدمة المقنعة ‪.‬‬
‫تماماً مثل تقسيم العمل على اساس الجنس كان األساس لكل ماتعاقب من‬
‫التقسيم الشاق ‪ .‬وخضوع النساء في بربرية أدت إلى ميالد المجتمع‬
‫الطبقي حيث العائلة البورجوازية الحديثة ( الطبقة المتوسطة ) تحتوي‬
‫بداخلها اتجاهين متعارضين ‪ :‬البورجوازية البروليتاريا ‪ .‬قد يكون الحل‬
‫في إلغاء تقسيم العمل على اساس الجنس وتكون إدارة الممتلكات على‬
‫المشاع وخدمة العمل الجماعي والعناية بالطفل دخول المرأة بقوة في كل‬
‫أشكال العمل العام في ظل مجتمع اشتراكي ‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫‪103‬‬

‫الفصل السادس‬

‫االتجاهات السوسيولوجية في دراسة أدوار المرأة‬

‫االتجاهات السوسيولوجية في دراسة أدوار المرأة‬


‫انطلقت الحركة النسوية في أوروبا وأمريكا بدعوى نقد‬
‫األيديولوجيتين السائدتين ‪ :‬األيديولوجية الرأسمالية ‪ ،‬واأليديولوجية‬
‫االشتراكية ‪ .‬فاألولى في نظرهم تدعم عالقات القوة القائمة لصالح‬
‫الرجل في المجتمع وتفرض على المراة الخضوع واإلستسالم للسلطة‬

‫‪103‬‬
‫‪104‬‬

‫األبوية ‪ Patriarchal‬التي تميز عالقة المرأة بالرجل سواء داخل األسرة‬


‫أو خارجها‪.‬أما األيديولوجية االشتراكية فيرون أنها أخفقت‪ :‬في حل‬
‫المسألة النسوية عندما علقت عملية تحرير المرأة وإ زالة‬
‫التميزواالضطهاد ضدها بانتصار الثورة االشتراكية وحل التناقضات‬
‫الطبقية الناجمة عن عالقات الملكية السائدة في ظل المجتمعات‬
‫الرأسمالية ‪.‬‬
‫وبناء عليه فقد طرحت الحركة النسوية أيديولوجية بديلة سميت‬
‫ً‬
‫باأليديولوجية النسوية ‪ Feminist Ideology‬اعتبرت أن الصراع‬
‫األساسي في المجتمع يعود بالدرجة األولي إلي التمييز القائم علي‬
‫الجنس ‪Sex discrimination‬وعليه فإن النضال البد وأن يتجه إلي‬
‫تحقيق المساواة بين الجنسين ‪ ،‬عندئذ يمكن أن تختفي بقية أشكال‬
‫التمييز األخري كالطبقة واللون – والساللة ‪ ...‬إلخ ‪.‬‬
‫أما عن اإلفتراضات التي أسست عليها الحركة النسوية‬
‫أيديولوجيتها فيمكن تلخيص أهمها في اآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬يعد النظام األبوي‪ Patriarchy‬هو الوحدة األولي في خلق الوضع‬
‫الخاضع المتدني للمرأة وهو المسئول األول عن القهرواإلضطهاد‬
‫اللذان تتعرض لهما المرأة ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن عملية اإلنجاب ‪ Reproduction‬وما يترتب عليها من عالقات‬
‫تعد هي العامل الرئيسي في تفسير القهر الجماعي ‪ .‬فدور المرأة في‬
‫اإلنجاب المسئول عن تدني وضعها اإلجتماعي عندما تعدي هذا‬
‫الدور مجرد الحمل ورضاعة األطفال إلي رعاية األسرة‬
‫وتدبيرشئونها ‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫‪105‬‬

‫‪ -3‬بناء علي اإلفتراضين السابقين ‪ ،‬فإن رسم استراتيجية نسوية البد‬


‫أن يتجه في المقام األول ضد ماسمي بالتفوق الذكري‪Male‬‬
‫‪ supremacy‬واعتبار أن الرجل هو الذي يجب مواجهته والنضال‬
‫ضده ‪.‬‬
‫وهكذا تشكلت األيديولوجية النسوية ليس كما يدعون علي نقد‬
‫كل من الرأسمالية و اإلشتراكية ‪ ،‬ولكن لتفنيد األسس النظرية للماركسية‬
‫في تفسير أسباب التمييز بين الجنسين وتقسيم األدوار بينهما ‪ ،‬في إطار‬
‫عالقات الملكية التي سادت مختلف المجتمعات الطبقية عبر التطور‬
‫اإلجتماعي الذي مرت به المجتمعات البشرية ‪ .‬وليس أدل علي ذلك من‬
‫استخدامهم لمفاهيم استبدلوا بها المفاهيم الرئيسية للنظرية الماركسية ‪،‬‬
‫فالنظام الطبقي استخدم في مقابلة النظام األبوي ‪ ،‬وعملية اإلنتاج‬
‫استخدم في مقابلها عملية اإلنجاب وعالقات اإلنجاب في مقابل عالقات‬
‫اإلنتاج ‪ ،‬والنضال ضد التفوق الذكري مقابل للنضال ضد الطبقة‬
‫الرأسمالية ‪ .‬وقد كشف العديد من اإلنتقادات التي وجهتها كاتبات‬
‫راديكاليات للحركة النسوية واألسس النظرية التي شيدوا عليها‬
‫أيديولوجيتهم‪ :‬عن أن هذه الحركة تنطوي علي تدعيم للنظام الرأسمالي‬
‫القائم ‪ ،‬والتخرج عن كونها حركة ليبرالية تمثل نساء الطبقة‬
‫البورجوازية ‪ ،‬تطالب بمزيد من الحرية لبنات هذه الطبقة ومساواتهن‬
‫بالرجل في ظل عالقات الملكية السائدة ‪.‬‬
‫لعل من المفيد ونحن بصدد مناقشة تناول الحركة النسوية لقضية‬
‫التمييز واإلضطهاد التي تتعرض لهما المرأة ‪ ,‬الرجوع إلي السياق‬
‫النظري الذي كان يهيمن علي علم اإلجتماع وغيره من العلوم‬

‫‪105‬‬
‫‪106‬‬

‫االجتماعية األخري قبيل بزوغ حركات تحرير المرأة ‪ ،‬فقد يلقي الضوء‬
‫علي العوامل التي ساعدت علي بزوغ مثل هذه الحركات ‪.‬‬
‫أن أغلب الدراسات اإلجتماعية التي كانت سائدة في النصف‬
‫األول من هذاالقرن والتي تناولت موضوع التمييز بين أدوار الجنسين‬
‫وتقسيم العمل بينهما ‪ ،‬يمكن تصنيفها إلي أربعة أنماط من الدراسات‬
‫تختلف بحسب المفاهيم والجوانب التي ترتكز عليها الدراسة ‪ .‬هذه‬
‫األنماط هي ‪:‬‬
‫‪ -1‬نمط يهتم بتحديد الفروق بين الجنسين ‪.‬‬
‫‪ -2‬نمط يهتم بالمعايير واألدوار التي تحكم كالً منهما ‪.‬‬
‫‪ -3‬نمط يهتم بالنساء كإحدي جماعات األقلية ‪.‬‬
‫‪ -4‬نمط يهتم بالنساء كإحدي الجماعات السياسية ‪.‬‬
‫وبينما يهتم النمط األول بتحليل الخصائص اإلنفعاليةواإلدراكية‪:‬‬
‫بين الجنسين ‪ ،‬يهتم النمط الثاني بعطاء نماذج لألدوار التي يلعبها كل‬
‫منهما والصراعات التي قد تنشأ بين هذه األدوار ‪ ،‬أما النمط الثالث فيهتم‬
‫بدراسة الحياة الهامشية للنساء واألضرار التي تلحق بهن والتماثل الذي‬
‫قد يتحقق لهن ‪ .‬أما النمط الرابع واألخير فيهتم بدراسة اهتمامات كل من‬
‫المرأة والرجل وتوزيع القوة بينهما ‪.‬‬
‫أن هذه األنماط األربعة من الدراسات اإلجتماعية تنظر إلي التغير‬
‫اإلجتماعي باعتباره العملية التي ستحقق التوازن بين الجنسين ففي‬
‫ضوء التغير اإلجتماعي سوف تخفي اإلختالفات بين الجنسين ‪,‬‬
‫واإلنحراف سيصبح طبيعياً ‪ ,‬وتتماثل جماعات األقلية ‪ ,‬وتصبح عالقات‬
‫القوة متكافئة ‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫‪107‬‬

‫وجدير بالذكر أن معظم تلك البحوث والدراسات قد استمدت‬


‫أصولها النظرية من التراث النظري لعلم االجتماع الغربي واألمريكي‬
‫الذي يؤكد علي ان تقسيم العمل بين الجنسين يقوم علي اساس طبيعي‬
‫ووظيفي في نفس الوقت ‪ ،‬أي أن أألصل النظري الذي شكل األطار‬
‫المرجعي لمعظم الدرسات والبحوث كان يدعم فكرة التمييز ويساند قوة‬
‫وسلطة الرجل في المجتمع وقدرته علي ممارسة كل األنشطة المختلفة‬
‫ويؤكد في نفس الوقت علي تبعية المرأة وخضوعها لسلطة الرجل في‬
‫المجتمع واألسرة ‪ .‬باألضافة إلي تلك الدرسات فقد ظهر العديد من‬
‫كتابات علماء النفس الموجهين بنظرية التحليل النفسي حاولو التأكيد‬
‫أيضاً علي العالقة بين الفروق األنثوية والذكورية وما يرتب عليها من‬
‫سلوك ينقل المرأة من مستوي االهتمامات المهنية إلي الثبات العائلي‬
‫والزواجي ‪.‬‬
‫إن التراث النظري الذي غذي الكثير من البحوث والدراسات‬
‫األجتماعية التي اهتمت بدراسة التمييز بين أدوار المرأة والرجل تمثل‬
‫في نظريين ذاع صيتهما وكان لهما أثر امتد إلي وقت قريب علي معظم‬
‫الدراسات والبحوث االجتماعية ‪ ،‬هاتان النظريتان هما النظرية الوظيفية‬
‫لعالم االجتماع بارسونز ونظرية التحليل النفسي لسيجموند فرويد ‪.‬‬
‫ويقيم المنظور الوظيفي مقوالته النظرية على افتراض أن دور‬
‫المرأة األساسي هو دورها في األسرة باعتبارها زوجة وام وربة بيت‬
‫وعليه يؤكد هذا المنظور على وضع التبعية بالنسبة للمرأة ‪ ،‬وقد حاول‬
‫باسونز باعتباره من ابرز علماءهذا االتجاه أن يقدم نظرية يفسر بها‬
‫أهمية تقسيم العمل بين المرأة والرجل بحيثي ختص الرجل بالعمل‬

‫‪107‬‬
‫‪108‬‬

‫واالنتاج وممارسة كافة األنشطة االقتصادية والسياسية في المجتمع ‪،‬‬


‫ويحقق قدراً من التوازن داخل النسق االجتماعي للمجتمع ككل ‪.‬‬
‫وقد تطورعن هذا المنظور اتجاه آخر يرى أن هناك تطوراً وتغيراً‬
‫طرأ على أوار الجنسين والمرأة بوجه خاص ‪ ،‬ويفسرون هذا التغير في‬
‫ضوء التطورات العلمية والتكنولوجية‪ :‬التي صاحبت نشأة المجتمعات‬
‫الصناعية المتقدمة ‪ ،‬ومن العلماء الذين تبنوا هذا التفسير في دراسات‬
‫مختلفة كوما روفسكي ‪ ،‬وهارتلي ‪ ،‬ولوبات ‪ ،‬وروسي ‪ ،‬وغيرهم من‬
‫علماء االجتماع الغربيين واألمريكان على وجه الخصوص ‪ ،‬وجدير‬
‫بالذكر أن معظم هؤالء العلماء تأثرت دراساتهم بأراء وكتابات عالمي‬
‫االجتماع األمريكيين ميرتون وزنانيكي ‪.‬‬
‫وإ ذا أتينا إلى النظرية األخرى التي ساعدت في تشكيل المناخ‬
‫والسياق النظري والفكري في تفسير أدوار الجنسين وكان لهما اكبر‬
‫األثر في ردود الفعل التي انعكست فيما بعد في كتابات اصحاب االتجاه‬
‫النسوي ‪ ، Feminism‬نجد أنها نظرية التحليل النفسي لفرويد ‪ ،‬فقد‬
‫انطلق عدد كبير من علماء النفس والمحللين النفسيين من مثال أدلر ‪،‬‬
‫هيلين دويتس ‪ ،‬وفروم ‪ ،‬من نظرية فرويد لتأكيد فكرة دونية المرأة ‪،‬‬
‫تلك النظرية التي يمكن تلخيصها في الجملة التالية ‪Anatomy is‬‬
‫‪ herdesting‬أي أن البناء التشريحي لألنثى هو الذي يحدد الخصائص‬
‫النفسية لديها ‪.‬‬
‫ويرى فرويد أن البناء التشريحي لجسم المرأة بناء ناقص إذا‬
‫ماقورن بالرجل ألنها التملك العضو الذكري ‪ ،‬وعليه فهي تشعر‬
‫بحسدوغيرة شديدين تجاه العضو الذكري للرجل ‪ ،‬وقد حاول فرويد أن‬
‫يؤكد هذه الفكرة عن طريق تفسيره لعقدتيالكترا ‪ Electra‬والخصاء‬

‫‪108‬‬
‫‪109‬‬

‫‪ Castration‬وتتلخص فكرة هاتين العقيدتين فيأن الفتاه عندما تدرك‬


‫أنها التملك العضو الذكري ؛ تحاول أن تعوض هذا النقص عن طريق‬
‫جعل األب موضعاً للحب ‪.‬‬
‫ولقد تعرضت نظرية فرويد ونظرية بارسونز وغيرها من‬
‫االتجاهات التقليدية فيتفسير التمييز بين المرأة والرجل ‪ ،‬إلى نقد شديد‬
‫من قبل علماء االجتماع وعلماء النفس الراديكاليين باإلضافة إلى النقد‬
‫الذي وجه إليهما من خالل أصحاب االتجاه النسوي ‪،‬وقد أقام‬
‫بناءعلى رفض االفتراضات التي قام عليها‬
‫هؤالءالعلماء نقدهم ً‬
‫الوظيفيون والمحللون النفسيون من اصحاب نظرية فرويد تحليلهما‬
‫لمسألة التمييز بين المرأة والرجل على اساس نظرتهم باعتبارا كائناً‬
‫بيولوجياً وليست كائناً إنسانياً ‪ ،‬كما أكدو على أن المعطيات البيولوجية‬
‫اليمكن االعتماد عليها في تفسير الظاهرة االجتماعية ‪.‬واعتبروا أن‬
‫المحاوالت التي ساقها العلماء التقليديون في تفسير ظاهرة التمييز بين‬
‫المرأة والرجل وتقسيم العمل بينهما في ضوءالفروق التشريحية بين‬
‫األنثى والذكر هي محاوالت غير علمية ‪ ،‬فالتمييز بين المرأة والرجل‬
‫جاء نتيجة لعوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية وحضارية ‪ ،‬لعب‬
‫تطور عالقات الملكية فيها الدور األساسي ‪.‬‬
‫ويعد س‪.‬رايت ميلز من أبرز علماءاالجتماع الراديكاليين الذين‬
‫وجهوا نقداً إلى النظرية الوظيفية ‪ ،‬وعلى وجه التحديد الوظيفة‬
‫البارسونزية ‪ .‬وقد ركز ميلز فينقده لنظرية بارسونز في تقسيم العمل‬
‫واألدوار بين المرأة والرجل على أن بارسونز حاول ان يشيد نمذج‬
‫يتحقق من خالله التكامل األسري والتكامل المهني‪ ،‬ولكي يتحقق التكامل‬
‫في هذين النظامين فالبد من إحداث نوع من العزل في األدوار ‪ ،‬أي أن‬

‫‪109‬‬
‫‪110‬‬

‫تكون أدوار المرأة منحصرة داخل األسرة ‪ ،‬بينما يترك للرجل عالم العمل‬
‫واالنتاج ‪ ،‬إن هذا التصور البارسونزي يعكس في حقيقة األمر الخلفية‬
‫اليديولوجية لبارسونز وحرصه على تحقيق التكامل والتوازن داخل‬
‫النسق االجتماعي للمجتمعات الرأسمالية والحفاظ على عالقات القوة‬
‫السائدة فيها ‪.‬‬
‫أما علماءالنفس الذين وجهوا نقداًشديداً‪ :‬آلراءفرويد ونظريته في‬
‫التحليل النفسي بوجه عام ‪ ،‬وفي رأيه حول تأكيد دونية المرأة بوجه‬
‫خاص ‪ ،‬فيمثلهم كل من كارين هورني وكالرا طومسون ‪ ،‬فقد رفضت‬
‫هاتان العالمتان اعتبار أن الصدمة التناسلية ‪ Genital trauma‬التي‬
‫تصيب المرأة نتيجة لفقدانها العضو التناسليالذكري والحسد الذيتشعر به‬
‫تجاه الجنس الخر المتالكه هذا العضو أمراُ محتوماً واكدت كل منهما‬
‫على أن الخصائص األنثوية للمرأة اليمكن ردها إال للجذور االجتماعية‬
‫وليست للجذور البيولوجية ‪ ،‬وقد تساءلت هورني" إذا كانت الخصائص‬
‫البيولوجية تعتبر هي األساس في التمييز بين الجنسين ‪ ،‬فلماذا يفترض‬
‫دائماً أن المرأة هي األدنى وهي التي تشعر بالحسد من الرجل وليس‬
‫العكس ؟ أليس التفوق البيولوجي للمرأة في قدرتها على حمل األطفال‬
‫واإلنجاب قد يكون حقاً سبباً في إحساس الرجل بأنه األدنى ‪ ،‬ذلك‬
‫اإلحساس الذي يستحثه على الخلق الحضاري لتغيير عقمه البيولوجي ؟‬
‫لعل ذلك السياق النظري والمناخ الفكريالذيكان سائداً في الدراسات‬
‫االجتماعية التي تناولت موضوع التمييز بين الجنسين وتقسيم العمل‬
‫بينهما ‪ ،‬لعله كان مسئوالً إلى حد بعيد عن نشأة وبزوغ التيار النسوي‬
‫في علم االجتماع وغيره من العلوم االجتماعية األخرى ‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫‪111‬‬

‫وبالرغم من أن الساحة الفكرية والنظرية لم تكن تخلو من نظرية‬


‫اجتماعية كان لها اسهامها الواضح في تفسير موضوع التميز بين‬
‫المرأة والرجل في إطار نظريتي المادية الجدلية والمادية التاريخية إال أن‬
‫التيار النسوي جاء كرد فعل للنظرية الوظيفية ونظرية التحليل النفسي ‪.‬‬
‫لقد أعطى كل من ماركس وانجلز وبيبل اهتماماً خاصاً بقضية‬
‫اضطهاد المرأة والتمييز بينها وبين الرجل في المجتمع ‪ .‬وقد عزوا‬
‫عملية تمركز القوة والسلطة في يد الرجل في المجتمع والحضارة‬
‫اإلنسانية ‪ ،‬مقابل الخضوع والقهر للمرأة ‪ ،‬إلي التطور اإلقتصادي الذي‬
‫مرت به المجتمعات اإلنسانية عبر مراحل تطورها المختلفة ‪ .‬أما انجلز‬
‫فقد حاول في مؤلفه" أصل األسرة ‪ ،‬والملكية الخاصة ‪ ،‬والدولة " الذي‬
‫اعتمد فيه إلي حد كبير علي المادة األنثروبولوجية التي جمعها عالم‬
‫األنثروبولوجية لويس مورجان ‪ ،‬حاول أن يقدم تفسيرات شاملة للعوامل‪:‬‬
‫التي ساعدت علي نشأة التمييز بين الجنسين من خالل تفسيره لموضوع‬
‫اإلستغالل الطبقي ونشأة الملكية الخاصة ويقول انجلز في هذا المعني "‬
‫أن أول تنافر وأول عداء طبقي ظهر في التاريخ كان متطابقاً مع تطور‬
‫العداء بين المرأة والرجل في ظل نظام الزواج اآلحادي ‪ ،‬كما أن أول ظلم‬
‫طبقي كان مصاحباً لظلم الرجل للمرأة ‪ .‬وفي تفسيره لهذه المقولة‬
‫أوضح أنه في ظل النظام العشائري وهو النظام الذي شهد أول تاريخ‬
‫اإلنسانية ‪ ،‬كان للمرأة دور حاسم في العملية اإلنتاجية ‪ .‬فقد كان الرجل‬
‫يخرج للصيد وتقوم المرأة بجمع الثمار ‪ ،‬عالوة رعايتها ألفراد العشيرة‬
‫من الشيوخ واألطفال ‪ ،‬وعليه فقد اكتسبت المرأة في ظل النظام وبفضل‬
‫الدور اإلنتاجي واإلجتماعي الذي كانت تلعبه – عالوة علي دورها في‬
‫عملية اإلنجاب الذي كان وظيفة إجتماعية هامة لحفظ الجنس البشري –‬

‫‪111‬‬
‫‪112‬‬

‫اكتسبت مكانة أفضل من الرجل ‪ .‬وسميت هذه المجتمعات نظرأ لذلك‬


‫بالمجتمعات األمومية ‪ Matriarchal‬نسبة إلي ارتفاع مكانة األم ‪ ،‬حيث‬
‫كان األبناء ينسبون إلي أمهاتهم وكان التوريث يتم عن طريقها ‪.‬‬
‫وقد فسر انجلز انحسار دورالمرأة وتدني مكانتها إلي التطور‬
‫الذي حدث في قوي اإلنتاج ونشأة نظام تقسيم ‪ .‬فبتطور نظام تقسيم‬
‫العمل تطور اإلنتاج وزاد عن استهالك الجماعة وبدأت الحاجة إلي تبادل‬
‫الفائض من اإلنتاج ‪ ،‬فظهر بذلك نظام التبادل الذي ترتب عليه بالتالي‬
‫نشأة نظام الملكية الخاصة فشهد بذلك التاريخ اإلنساني أول شكل من‬
‫أشكال المجتمعات الطبقية ‪ .‬كان ذلك في ظل المجتمع العبودي الذي لم‬
‫يشهد فقط استبعاد الرجل للمرأة ولكن استبعاد الرجل للرجل ‪ .‬ومع تطور‬
‫األنظمة الطبقية ونشأة المجتمعات اإلقطاعية والرأسمالية ‪ ،‬ونظرأ لتطور‬
‫عالقات اإلنتاج القائمة علي اإلستغالل ‪ ،‬ظهر النظام األبوي وتطور ‪،‬‬
‫فاكتسب الرجل مزيداً من القوة والسيادة مقابل انحطاط مكانة المرأة‬
‫وتحولها إلي مجرد سلعة وأداة للمتعة والمنفعة كما انحصر دورها‬
‫وامكانياتها اإلنتاجية واإلنسانسية في الحدود البيولوجية أي في نطاق‬
‫عملية اإلنجاب ورعاية األبناء واألسرة ‪.‬‬
‫هكذا قدمت النظرية الماركسية تفسيرها لقضية التمييز ضد‬
‫المرأة ‪ ،‬ومع هذا وكما سبق وذكرنا ‪ ،‬فإن التيار النسوي لم يستفد منه‬
‫إال في حدود استخدام المنهج المادي الجدلي في تفسير هذه القضية‬
‫بالشكل الذي يخدم افتراضاتهم ‪ ،‬وهذا ما جعلنا نقر أن ما فعله التيار‬
‫النسوي لم يكن استفادة بقدر ما كان تفنيداً لألسس النظرية التي أقام‬
‫عليها التحليل الماركسي تفسيره لقضية التمييز واإلضطهاد ضد المرأة ‪،‬‬

‫‪112‬‬
‫‪113‬‬

‫ذلك عندما استبدل التيار النسوي األس اإلقتصادية اإلجتماعية بأسس‬


‫بيولوجية في تفسير أسباب اضطهاد المرأة وتدني مكانتها ‪.‬‬
‫لقد شهدت السنوات العشر األخيرة تطوراً جديداً في الساحة‬
‫النظرية والفكرية لعلم اإلجتماع ‪ ،‬بظهور تيار جديد سمي بالتيار‬
‫الماركسي النسوي ‪ Marxist feminist‬لقد أخذ هذا التيار علي عاتقه‬
‫نقد وتفنيد األسس واإلفتراضات التي أقام عليها التيار النسوي الليبرالي‬
‫تفسيره لقضية التمييز بين الجنسين ‪ ،‬ويمكن تلخيص أهم هذه اإلنتقادات‬
‫في اآلتي ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬أن تأكيد التيار النسوي الليبرالي علي أن النظام األبوي هو‬
‫المسؤول األول عن القهر التي تعرضت له المرأة قد استبعد من‬
‫التحليل المجتمعات قبل األبوية بما في ذلك المجتمع األمومي الذي‬
‫تمتعت فيه المرأة بسلطة ومكانة عالية وهذا في حد ذاته يفيد‬
‫اإلعتقاد الراسخ لدي أصحاب اإلتجاه النسوي بأن األسرة األبوية هي‬
‫بمثابة معطي إلهي كوني ‪. God – given universal‬‬
‫ثانياً ‪ :‬أنه لخطأ منهجي االعتماد على مرحلة تاريخية الحقة دون‬
‫الرجوع إلى ماسبقها من مراحل تاريخية ‪ ،‬فقد اعتمد التيار‬
‫النسويعلى المرحلة األبوية باعتبارها نقطة البدء الساسية متغافالًعن‬
‫أن هذه المرحلة في حد ذاتها كانت مالزمة لنشأة الملكية الخاصة‬
‫وظهور الطبقات ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬أقام التيار النسوي افتراضاته على حجج بيولوجية عندما عتبر أن‬
‫عالقة التناسل بين المرأة والرجل هي العامل األساسي في تفسير‬
‫انحطاط مكانة المرأة وسيادة مكانة الرجل ‪ ،‬لقد وقع التيار النسوي‬
‫بهذا في نفس الخطأ الذي وقع فيه أصحاب النظريات النظريات‬

‫‪113‬‬
‫‪114‬‬

‫المحافظة عندما أقاموا تحليلهم لمسالة التمييز بين الجنسين وتقسيم‬


‫العمل بينهما على أساس المعطيات البيولوجية ‪ .‬إن تاريخ تطور‬
‫العلم االجتماعي قد أثبت أن المحاوالت المختلفة التي حاولت تفسير‬
‫السلوك االجتماعي بالرجوع إلى المحددات البيولوجية هي محاوالت‬
‫كذبها ‪ ،‬وذلك ألن الدور السياسي واأليديولوجي لمثل‬
‫ثبت فيما بعد ُ‬
‫هذه المحاوالت سيصل إلى ما يسمى بالتفاعل الحتمي ‪Inevitable‬‬
‫‪ reactionary‬طالما أن التنظيمات االجتماعية ارتبطت بمعطى‬
‫طبيعي‪ Naturally‬فيصبح من الصعب إحداث أي تغيير ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬يدعي التيار النسوي أن تحرير المرأة لم يأتي إال عن طريق‬
‫تكوين حركة نسوية تناضل من أجل الوصول إلى الحقوق الفردية‬
‫للنساء ‪.‬وإ ذا افترضنا جدالً أن مثل هذه الحركة تستطيع أن تنجح‬
‫وتحل التناقص القائم على الجنس ‪ ،‬فكيف يمكن أن تتحقق المساواة‬
‫في مجتمع الزال نظامه االجتماعي االقتصادي يقوم على تناقص‬
‫رئيسي أال وهو التناقض الطبقي ‪ .‬إن المساواة إذا تحققت فيهذا‬
‫اإلطار فسوف تتمتع بها شريحة اجتماعية من النساء وهي شرائح‬
‫الطبقة البورجوازية بينما يظل بقية النساء والرجال من الطبقة‬
‫العاملة الكادحة يرقعون تحت وطأة االستغالل والقهر ‪.‬‬
‫خامساً ‪ :‬وأخيراً يقرر عدد من علماء االجتماع من أصحاب االتجاه‬
‫الماركسي النسوي من أمثال جاتيل وسافيوتيوشيال روبتهام ووينيوم‬
‫وغيرهم أن الحركات الفردية التي نشأت لتناقض أشكال التمييز ‪،‬‬
‫سواء منها القائم على الجنس أو اللون أو الساللة أو الدين أو العمر‬
‫‪ ...‬الخ ‪ ،‬قد نشأت وتبلورت في ظل المجتمعات الرأسمالية ليس فقط‬
‫لتدر مزيداً من الربح للطبقة الحاكمة ‪ ،‬ولكن لتعين حركة النضال ضد‬

‫‪114‬‬
‫‪115‬‬

‫التمييز واالستغالل الحقيقي القائم على الطبقة ‪ ،‬وتضيف ليكوك أن‬


‫التناقض المؤلم حقاً في الصورة السياسية المعاصرة يرجع إلى أن‬
‫الشعوب التي تشترك في مصير طبقيواحد أصبحت تصارع بعضها‬
‫بعضاً أحياناً باسم الجنس وأحياناً أخرى باسم اللون ‪ ...‬الخ ‪.‬‬

‫هذه أهم االنتقادات التي وجهت إلى التيار النسوي الليبرالي والأريد‬
‫أن أذهب إلى أبعد من ذلك مع بعض المتشددين الذين يرون أن انتشار‬
‫الحركة النسوية على هذا النطاق الواسع فيأوروبا الغربية والواليات‬
‫حد ما عن ارتفاع معدالت الطالق ‪،‬‬
‫المتحدة األمريكية يعد مسئوالً إلى ً‬
‫وانتشار ظاهرة الجنسية المثلية ‪ Homosexuality‬وانتشار جريمة‬
‫االغتصاب ‪ Rape‬وغيرها من الممارسات العنيفة ضد المرأة ‪.‬‬
‫أما عن التيار الماركسي النسوي فهناك سؤال ممكن أن يثار حول‬
‫أهم االسهامات التي يقدمها ويختلف فيها مع الماركسيين الكالسيكيين ‪.‬‬
‫يتفق التيار الماركسي النسوي الجديدمع النظرية الماركسية في‬
‫تفسيرها المادي الجدلي والمادي التاريخي لقضية التمييز واالضطهاد‬
‫التي تميزوضع المرأة وعالقتها بالرجل داخل األسرة وخارجها ‪.‬‬
‫ويسلمون بأن حل التناقضات الطبقية ونجاح الثورات االشتراكية هو أمر‬
‫حتمي في إلغاء كافة أشكال التمييز بالمجتمع ‪.‬ولكنهم مع هذا يختلفون‬
‫مع مؤسسي الماركسية في أن حل التناقض الجنسي وغيره من أشكال‬
‫التناقضات القائمة على اللون ‪ ،‬العمر ‪ ...‬الخ ‪ ،‬سيتم بشكل ميكانيكي‬
‫بمجرد حل التناقض الطبقي‪ ،‬وهذا مادعاهم إلى تبني فكرة ما تسمى بـ‬
‫‪ " Raiding – consciousness‬تنمية الوعي" ‪ ،‬ويقصدون بهذه الفكرة‬
‫ضرورة وجود نظرية للمرأة تسير بالتوازي مع الدعوة إلى الثورة‬

‫‪115‬‬
‫‪116‬‬

‫االشتراكية تساعد النساء على فهم خصوصية االضطهاد الذي تعرضت‬


‫له – إلى جانب االضطهاد الطبقي – وانعكس في صورة قيم ومفاهيم‬
‫وأفكار طبعت العالقة بين المرأة والرجل بطابع تقليدي يصعب تغييره إال‬
‫بوجود وعي نسوي يحرر طرفي العالقة من كثير من القيم والمفاهيم‬
‫والتقاليد الموروثة ‪ .‬وقد حاولت جاتيل في رد لها علي نقد وجهه نورتن‬
‫دودج إلي وضع المرأة فيالمجتمعات اإلشتراكية فأشارت إلي أنه " إذا‬
‫كانت األنظمة اإلشتراكية قد استطاعت أن تغير األساس المادي لعالقة‬
‫بين المرأة والرجل ( تحقيق التحرر اإلقتصادي للمرأة ) فإن الجانب‬
‫المعنوي من هذه العالقة الذي يتمثل في القيم واألفكار و اإلتجاهات التي‬
‫ظلت ألجيال وأجيال في ظل المجتمعات الطبقية السابقة علي المجتمع‬
‫اإلشتراكي تلعب دوراً أساسياً في تزييف وعي كل طرف من أطراف‬
‫العالقة بطبيع وجوده ‪ ،‬وبالدور الذي يجب أن يلعبه في المجتمع الزال‬
‫يمارس تأثيره في ظل المجتمعات اإلشتراكية ‪ .‬وإ ذا كان البعض يري أن‬
‫هذا التناقض سيحل بمزيد من الممارسة والمشاركة للمرأة في كافة‬
‫النواحي اإلقتصادية واإلجتماعية والسياسية ‪ ،‬إال أن هذا ال يعفي تلك‬
‫األنظمة من مسئوليتها نحو التصدي لهذه المشكلة عن طريق التزامها‬
‫إلي جانب األيديولوجية الماركسية بنظرية خاصة للنساء تساعد علي‬
‫تخليص المجتمع من القيم والمفاهيم التقليدية القديمة وتزيد من وعي‬
‫النساء بأهمية وجودهن وبالدور الذي يجب أن تلعبه في المجتمع حتي‬
‫تتحقق المساواة الكاملة بين جميع أفراده ‪.‬‬
‫في ضوء العرض السابق لتراث علم اإلجتماع النظري وموقفه من‬
‫قضايا المرأة وأهم التطورات التي طرأت عليه ‪ ،‬نستطيع أن ننتقل إلي‬

‫‪116‬‬
‫‪117‬‬

‫علم اإلجتماع في المنطقة العربية وموقفه أوالً ‪ :‬من ذلك التراث النظري‬
‫الذي عرضنا له سالفاً ‪ ،‬ثانياً ‪ :‬من قضايا المرأة العربية ‪.‬‬

‫من المعروف أن علم اإلجتماع في منطقتنا العربية اتسم بأنه علم‬


‫ناقل وليس ناقداً ‪ ،‬كما أنه في نقله محافظ ال يواكب آخر ما توصل إليه‬
‫العلم والجدل النظري في العالم ‪ .‬ولإلنصاف فإن التعميم هنا قد يكون‬
‫مخالً وغير معبر عن الحقيقة‪ ، :‬فهناك محاوالت جادة قدمها عدد من‬
‫باحثي وعلماء اإلجتماع العربي اليمكن التقليل من شششأنها ‪ ،‬إال أنها‬
‫تدخل في نطاق اإلستثناء وال تشكل القاعدة ‪ .‬وفي حقيقة األمر فإن‬
‫موقف علم اإلجتماع في المنطقة العربية من التراث النظري الذي اهتم‬
‫ودرس قضايا المرأة اليختلف كثير عن موقفه فيما يخص غير ذلك من‬
‫القضايا والمسائل اإلجتماعية األخري فإلي وقت قرب ظلت المدرسة‬
‫الوضعية ثم النبائية الوظيفية هما النظريتان المهيمنتين علي توجه‬
‫باحثي ودارسي علم اإلجتماع سواء في مصر أو غيرها من البلدان‬
‫العربية ‪ ،‬وأمل هذا التوجيه دراسة وبحث موضوعات انحصرت في‬
‫مجاالت كالتصنيع والتحضر واألسرة ( عالقتها ومشكالتها ) واإلنحراف‬
‫والجريمة ‪ ،‬إلي غير ذلك من المجاالت ‪.‬‬
‫وبالرغم من هذه الموضوعات وتلك المجاالت من البحث قد تطورت‬
‫في مجتمعات أوروبا مع نشأة النظام الصناعي الرأسمالي إال أنه ظلت‬
‫الشغل الشاغل لكثير من الباحثين والدارسين العرب لفترة طويلة ‪،‬‬
‫بصرف النظر عما يميز الواقع العربي خصوصيات يرجع بعضها إلي‬
‫انتماء هذا الجزء من العالم إلي مجموعة الدوا النامية ‪ ،‬ويرجع البعض‬
‫إلي خصوصية المرحلة التاريخية التي تمر بها مجتمعات المنطقة‬

‫‪117‬‬
‫‪118‬‬

‫وطبيعة قوي وعالقات اإلنتاج السائدة فيها وما يرتبط بها من النساق‬
‫ثقافية وقيمية ‪ .‬ومع هذا فقد بدأت في اآلونة األخيرة مالمح تيار نقدي‬
‫تظهر علي الساحة العربية شجع علي ظهورها نمو التيار الراديكالي في‬
‫علم اإلجتماع الغربي واألمريكي ‪ ,‬ثم ظهور نظرية التبعية التي حاولت‬
‫أن تفسر العالقات اإلقتصادية والسياسية التي تربط مجتمعات العالم‬
‫الثالث بالنظام الرأسمالي العالمي‪.‬‬
‫إال أن الوضع لم يكن كذلك فيما يختص بدراسة أوضاع المرأة‬
‫العربية مما يجعلنا نؤكد أن لم يكن هناك اهتمام كاف بقضايا المرأة‬
‫العربية يسمح بإيجاد تياريولي هذه القضية اهتماماً خاصاً في البحث‬
‫والدراسة سواء علي المستوي النظري أو التطبيقي فالتأثر بالمدرسة‬
‫الوضعية والوظيفية‪ :‬الذي شكل اإلطار النظري والمرجعي لمعظم الباحثين‬
‫والباحثات في هذا المجال ‪ ,‬قد وجه معظمهم لدراسة أوضاع المرأة‬
‫كمتغير تابع في مجاالت كاألسرة وعالقتها ومشكالتها والتصنيع‪,‬‬
‫واإلنحراف ومشكالت الخصومة واإلنفجار السكاني ‪ ..‬إلي غير ذلك من‬
‫المجاالت ‪.‬‬
‫وبنظرة سريعة عيل معظم الدراسات والبحوث التي اهتمت‬
‫بدراسة المرأة العربية أمكن تصنيفها إلي ثالثة إتجاهات أساسية ‪:‬‬
‫‪ -1‬المرأة واألسرة ‪.‬‬
‫‪ -2‬المرأة والمشكالت ‪.‬‬
‫‪ -3‬المرأة والتنمية‪.‬‬
‫وتتركز معظم بحوث ودراسات اإلتجاه األول حول موضوعات‬
‫مثل ‪ :‬األسرة والطفولة ‪ ,‬التنشئة اإلجتماعيةمشكالت الطالق اإلنحراف‪,‬‬

‫‪118‬‬
‫‪119‬‬

‫التعارض بين دوري المرأة في األسرة والعمل ‪ ,‬قوانين األسرة واألحوال‬


‫الشخصية ‪..‬‬
‫إلي غير ذلك من الموضوعات أما اإلتجاه الثاني فقد ركز اهتمامه علي‬
‫دراسة موضوعات مثل ‪ :‬العالقة بين الخصوبة العالية للمرأة ومشكلة‬
‫تنظيم األسرة ‪ ,‬الخصائص الديموغراطية للمرأة ‪ ,‬أثر التعليم علي‬
‫المشكلة السكانية ‪ ,‬أثر العمالة علي خصوبة المراة ‪ ,‬إلي غير ذلك من‬
‫الموضوعات المرتبطة بمشكلة اإلنفجارالسكاني وتنظيم األسرة ‪.‬‬
‫ويعد اإلتجاه الثالث أكثر تطوراً في تناول قضايا المرأة بالقياس‬
‫لإلتجاهين السابقين ‪ ,‬خاص ًة بتركيزه علي موضوعات مثل دور المرأة‬
‫في التنمية ‪ ,‬أثر التعليم علي وضع المرأة ‪ ,‬دور المرأة العاملة في‬
‫المجتمع ‪ ,‬المرأة والتنمية المحلية ‪ ,‬مشكالت المرأة العاملة ‪ ..‬إلخ ‪.‬‬
‫وبناء عليه نجد أن هناك عدد من اإلنتقادات النظرية والمنهجية‬
‫ً‬
‫التي يمكن أن توجه إلي البحوث والدراسات التي تناولت موضوع المرأة‬
‫أهمها ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن هذه الدراسات قد انطلقت من تصور نظري محافظ أدي إلي‬
‫دراسة المشكالت التي قد تكون المرأة طرفاً فيها ‪ ,‬أكثر من دراستها‬
‫للمشكالت التي تعاني منها المرأة‪.‬‬
‫‪ -2‬أتسمت معظم تلك الدراسات والبحوث بالسمة التجريبية ‪ ,‬فلجأت إلي‬
‫وصف وتقرير أوضاع قائمة أكثر ما حاولت تفسير وتحليل األسباب‬
‫والعوامل‪ :‬التي خلقت هذه األوضاع‪.‬‬
‫‪ -3‬التركيزعلي المرأة كمتغير تابع ‪ Dependant variable‬في معظم‬
‫البحوث والدراسات ‪ ,‬فحتي تلك التي اهتمت بموضوعات المرأة‬
‫والتنمية ‪ ,‬سعت إلي التعرف علي الدور الذي يمكن أن تساهم به‬

‫‪119‬‬
‫‪120‬‬

‫المرأة ‪ ,‬أكثر مما حاولت أن تبين ما يمكن أن تسهم به التقنية في‬


‫تطوير وتحسين أوضاع النساء ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن معظم البحوث والدراسات ركزت اهتماماً علي شرائح إجتماعية‬
‫من النساء في المجتمع وبالتحديد شرائح المرأة في الطبقة الوسطي‬
‫‪ ,‬وأهملت الجموع الغفيرة من النساء في الطبقات الشعبية الفقيرة‬
‫سواء في الحضر أو الريف أو البادية ‪.‬‬
‫أن العرض الموضوعي لوضع علم اإلجتماع في المنطقة العربية‬
‫وموقفه من قضايا المرأة ‪ ,‬يفرض علينا إبراز بعض الدراسات التي‬
‫أخذت علي عاتقها خالل العقد المنصرم دراسة أوضاع المرأة وقضية‬
‫التميز ضدها من منظور تقدمي ‪ .‬لقد اهتمت هذهالدراسات التي أخذ‬
‫بعضها شكل المقال والبحوث النظرية ‪ ,‬والبعض اآلخر شكل البحوث‬
‫التطبيقية بقضايا مثل تطور الوعي اإلجتماعي والسياسي للمرأة العربية‬
‫والعوامل‪ :‬والظروف اإجتماعية واإلقتصادية والسياسية والقانونية‬
‫والثقافية التي تعيق حركة المرأة ومساهمتها الفعالة في أوجه الحياة‬
‫المختلفة للمجتمع ‪ .‬وبالرغم من ذلك ال تشكل هذه الدراسات سوي‬
‫مجهودات مبعثرة ال تغطي أو تسد النقص الواضح في دراسة علم‬
‫اإلجتماع وغيره من العلوم اإلجتماعية لقضايا المرأة العربية‪.‬‬
‫وفي الواقع فإن اإلهمال وعدم اإلهتمام الواضحين بدراسة قضايا‬
‫المرأة العربية وأوضاعها اإلجتماعية واإلقتصادية والسياسية والقانونية‬
‫والثقافية ‪ ،‬مسألة تحتاج إلي وقفة من علماء اإلجتماع والباحثين‬
‫والدارسين العرب إلعادة النظر في هذا الوضع ‪ ،‬فصحيح أن وضع المرأة‬
‫العربية جزء اليتجزأ من الواقع اإلجتماعي واإلقتصادي والثقافي‬
‫لمجتمعات هذه المنطقة ‪ ،‬إال أن هناك خصوصية يتمتع بها وضع المرأة‬

‫‪120‬‬
‫‪121‬‬

‫من اضطهاد وقهرمركب واقع عليها ‪ .‬فهناك اضطهاد يقع بحكم انتمائها‬
‫إلي عالم كان والزال مطمعاً لإلستنزاف واإلستغالل والسيطرة من قبل‬
‫اإلستعمار في شكله القديم والحديث ‪ ،‬وهناك اضطهاد تخضع له بحكم‬
‫انتماء غالبية النساء في المجتمعات العربية بل في مجتمعات العالم‬
‫الثالث كله إلي الطبقات الكادحة الفقيرة سواء في الريف أو الحضر ‪،‬‬
‫وإ ضطهاد ثالث تخضع له بحكم أنها امرأة في ظل مجتمعات أبوية تمنح‬
‫القوة والسيادة للرجل وتسلب المرأة كثيراً من حقوقها اإلجتماعية‬
‫وتختزل طاقاتها اإلنتاجية واإلنسانية إلي مجرد كونها كائناً بيولوجياً‬
‫(التأكيد علي وظيفة اإلنجاب واإلجتماعيةوالسياسية) ‪ ،‬واضطهاد رابع‬
‫تخضع له بحكم الثقافة التقليدية والقيم الدينية المرتبطة بها والتي التري‬
‫في المرأة إال جسداً يجب تغطيته وعزله وأحكام الرقابة عليه ‪.‬‬
‫أال تستحق هذه األوضاع وهذا اإلضطهاد المركب الذي تعاني منه‬
‫المرأة العربية من الباحثين والدارسين العرب أن يولوا اهتماماًخاصاً‬
‫لدراسة قضايا المرأة في المجتمعات العربية ‪ ،‬خاصة إذا مانشأت نية‬
‫صادقة نحو فهم وتفسير واقع مجتمعاتنا ‪ ،‬فالدراسة والفهم هما المدخل‬
‫الحقيقي نحو تغيير أعمق يسد ويفي باحتياجات جميع األفراد‬
‫ونسء بال أي تمييز بينهم‬
‫ً‬ ‫رجاالً‬

‫‪121‬‬
‫‪122‬‬

‫الفصل السابع‬

‫تغير أدوار المرأة وتطور المجتمع‬

‫‪122‬‬
‫‪123‬‬

‫تغير أدوار المرأة وتطور المجتمع‬


‫شهد العقدان األخيران حركة واسعة حول قضية تحرير المرأة وقد‬
‫حاول العديد من الدراسات االجتماعية الحديثة – التي بدأت بالتحديد في‬
‫الستينات من هذا القرن فياوروبا وأمريكا – أن تعيد النظر في بعض‬
‫المفاهيم التقليدية التي ظلت – فترات طويلة – تهيمن على التصورات‬
‫واالتجاهات السائدة في علم االجتماع التي اثرت تاثيراً بالغاً على توجيه‬
‫البحوث في موضوع التميز بين ادوار الجنسين ‪ .‬بظهور هذه الدراسات‬
‫والكتابات الحديثة في علم االجتماع بدأت قضايا وموضوعات المرأة‬
‫تخرج من ذلك المجال الضيق الذي ظلت حبيسة فيه لسنوات طويلة ‪.‬‬
‫وهو ميدان علم االجتماع السري ‪. Sociology of family‬‬
‫وأخذت تستقل تدريجياً حتى تبلورت أخيراً في ميدان وفرع جديد‬
‫من علم االجتماع يسمى علم اجتماع أدوار الجنسين ‪Sociology sex‬‬
‫‪ roles‬وإ ذا سلمنا بأن هذا االستقالل قد يساهم في تقديم فهم اكثر‬
‫موضوعية للعديد من قضايا المرأة والتي أهمها التمييز بين أدوار‬
‫الجنسين وتقسيم العمل بينهما ‪ ،‬فإن هذا االستقالل اليعني أن دراسات‬
‫وبحوث هذا الفرع الجديد قد تخلصت تماماً من تلك المنظورات التقليدية‬
‫القديمة في تناول ودراسة ادوار الجنس ‪ ،‬ويمكننا أن نميز بين ثالثة‬
‫اتجاهات للبحوثوالدراسات حول أدوار الجنسين وأدوار المرأة على وجه‬
‫الخصوص وسنعرض لهذه االتجاهات الثالثة كمدخل لطرح تصورنا‬
‫الخاص عن دور المرأة في المجتمع ‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫‪124‬‬

‫أوالً ‪ :‬االتجاه األول ( االتجاه التقليدي )‬


‫يؤكد هذا االتجاه على ضرورة تقسيم العمل بين الجنسين بحيث‬
‫تقوم المرأة بعملية االنجاب ورعاية األسرة واألبناء أي أن دورها‬
‫اليتعدى كونها زوجة وأم وربة بيت ‪ ،‬ويقوم الرجل بالعمل واالنتماء‬
‫والمشاركة في كافة النواحي االقتصادية واالجتماعية والسياسية‬
‫بالمجتمع ‪ ،‬ويرى أصحاب هذا االتجاه الذي دعم أساسه عالم االجتماع‬
‫األمريكي (بارسونز) أن التقسيم بهذا الشكل هو عملية طبيعية ‪Natural‬‬
‫ووظيفية ‪ Functional‬في ٍ‬
‫آن واحد ‪ .‬فهي طبيعية بمعنى أن هناك‬
‫خصائص بيولوجية لكل من الذكر واألنثى ‪ ،‬هي التي حددت الدور‬
‫االجتماعي الذي يجب أن يلعبه كل منهما في المجتمع ‪ .‬ويعنون‬
‫بالوظيفية أن تقسيم العمل بين المرأة والرجل على هذا النحو من شأنه‬
‫أن يدعم نظام األسرة في المجتمع ويحقق قدراً من التوازن داخل البناء‬
‫الجتماعي ككل ‪ .‬ذلك البناء الذي يمثل نظام األسرة أحد األنساق‬
‫الرئيسية فيه ‪.‬ولكن تقسيم العمل بين الرجل والمرأة على النحو السابق‬
‫اليقف في نظر أصحاب هذا االتجاه عند تحديد وتوزيع األدوار بين‬
‫الجنسين ‪ ،‬وإ نما يذهب إلى أبعد من ذلك حيث أنه يرى أن لكل دور محدد‬
‫قيمة محدودة ‪ ،‬وتعكس لنا هذه القيمة وضع ومكانة صاحبه في المجتمع‬
‫وبناء على ذلك فال يجدمؤيد هذا االتجاه أية غضاضة في أن تظل‬
‫ً‬ ‫–‬
‫المرأة في وضع ومكانة أقل من تلك التي يحتلها الرجل فيالمجتمع‪ ،‬بل‬
‫وتظل تابعاً ضعيفاً ومقهوراً يحتاج دوماً إلى حماية الرجل وسيطرته‬
‫سواء كان هذا الرجل أباً أو أخاً أو زوجاً ‪.‬‬

‫ثانياً ‪ :‬االتجاه الثاني ( االتجاه المحافظ )‬

‫‪124‬‬
‫‪125‬‬

‫يركز أصحاب هذا االتجاه في دراستهم للمشكلة على العوامل‪:‬‬


‫الحضارية التي صاحبت التغيير الذي طرأ على أدوار الجنسين بوجه عام‬
‫والمرأة على وجه الخصوص في ظل المجتمعات الصناعية ‪ .‬وانتشرت‬
‫وذاعت عديد من الدراسات التي اهتمت بالمشكلة علي هذا المستوي ‪،‬‬
‫كدراسات كوماروفسكي‪ Komarovsky 1953،1964‬ودراسة هارتلي‬
‫‪ Hartely‬سنة ‪ ، 1970‬ودراسة لوباتا ‪ Lopata‬سنة ‪1971‬ودراسة‬
‫روسي ‪ Rossi‬سنة ‪ ،1964‬وغيرها من الدراسات التي تأثرت إلي حد‬
‫كبير بآراء وكتابات عالمي اإلجتماع األمريكيين ميرتون وزنانيكي ‪.‬‬
‫ويولي أصحاب هذا اإلتجاه اهتماماً كبيراً لتأثير التطور العلمي‬
‫والتكنولجي في المجتمعات الصناعية في شكل األسرة وأدوار المرأة فيها‬
‫‪ .‬فنري مثالً كومارفسكي وهارتلي ‪ Komarvsky , Hartely‬يركزان‬
‫علي أن التغير الذي أصاب دور المرأة إنما هو نتيجة حتمية لتقلص دور‬
‫المرأة في األسرة ‪ .‬فمع نشأة ونمو المجتمعات الصناعية بدأت األسر‬
‫الكبيرة والممتدة – والتي كانت مسئولية المرأة فيها كبيرة في تربية‬
‫ورعاية األبناء ‪ -‬في اإلختفاء وحلت محلها األسر النووية ‪ .‬وأصبح‬
‫الوقت الذي تبذله المرأة في رعاية وتربية األبناء أقل‪ .‬ونتيجة للتقدم‬
‫الصناعي اصبح الوقت الذي تستغرقه المرأة وكذلك المهارة في األعمال‬
‫المنزلية غير ذي قيمة ‪.‬‬
‫نخلص من هذا إلى أن التطور خلق لدى المرأة وقت فراغ أطول‬
‫ومسئولية أقل مما أدى إلى ازدياد فرص التعليم والعمل بالنسبة لها ‪.‬‬
‫ويفسر علماء االجتماع المتأثرون بهذا االتجاه – وضع ومكانة المرأة‬
‫المتميزين بقدر كبير من الدونية ‪ ،‬بوجود عدد من التناقضات الحضارية‬
‫التي جاءت كنتيجة للتعارض الذي نشأ بين النموذج القديم لدور المرأة‬

‫‪125‬‬
‫‪126‬‬

‫والنموذج الجديد ( الذي ظهر نتيجة للتطور الصناعي ) هذا التعارض‬


‫أخذ يمارس دوراً أساسياً في المجتمع من خالل عملية التنشئة والتطبيع‬
‫االجتماعي ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬االتجاه الثالث (االتجاه الراديكالي )‬
‫يعتبر هذا االتجاه حديثاً نسبياً في أوروبا وأمريكا ‪.‬ولقد ظهر‬
‫بالتحديد في أوائل الستينات من هذا القرن مع بداية ظهور حركات تحرير‬
‫المرأة ‪ ،‬وأخذ في النمو واالنتشار وبدأ يجتذب اهتمام العديد من‬
‫المشتغلين بالعلوم االجتماعية وبالتحديد علم االجتماع وعلم النفس‬
‫واألنثروبولوجيا ‪ .‬وظهرت نتيجة ذلك العديد من الكتابات الراديكالية‬
‫التي صدرت معظمها عن باحثين وعلماء من اإلناث حتى أنه أطلق عليهم‬
‫إسم النسوية الراديكالية ‪. Radical feminism‬‬
‫ويعد االتجاه الراديكالي في واقع األمر من االتجاهات الرئيسية‬
‫ُ‬
‫الجديرة بالنظر واالهتمام ‪ .‬وترجع أهميته إلى تلك الثورة التي أحدثتها‬
‫معظم الكتابات والدراسات التي تناولت مشكلة المرأة سواء في نطاق‬
‫علم االجتماع أو حتى على مستوى الدعوة إلى تحرير المرأة من خالل‬
‫الجماعات والحركات المنتشرة اآلن في العالم ‪ .‬وعلى وجه الخصوص‬
‫في أوروبا وأمريكا ‪ .‬ولقد ثارت الكتابات والدراسات على علم االجتماع‬
‫نفسه موجهة إليه عديدأ من االتهامات ‪ ،‬أهمها ‪:‬‬
‫‪ -1‬نقص البيانات والدراسات التي تهتم بحياة ومشكالت النساء في‬
‫المجتمع – ذلك النقص الذي يؤدي بالضرورة إلى عدم فهم‬
‫المجتمعات فهماً صحيحاً ‪ ،‬حيث اليعرف إال القليل عن نصف سكانها‬
‫– وهم النساء ‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫‪127‬‬

‫‪ -2‬ركزت العديد من الدراسات والبحوث التي أجريت على المرأة على‬


‫المشكالت االجتماعية واالنحرافات التي تتسبب عن المرأة على‬
‫حساب تناولها لتلك التي تعاني منها ‪ ،‬ومثال ذلك جناح األحداث‬
‫والتضخم السكاني وغيرها ‪.‬‬
‫‪ -3‬أكدت معظم الدراسات من جهة أخرى على تقسيم العمل بين‬
‫الجنسين داخل األسرة وعلى المشكالت التي تنشأ نتيجة التداخل بين‬
‫أدوار المرأة في األسرة وبين دورها كعاملة ‪.‬‬
‫‪ -4‬أبرزت الكتابات الراديكالية حقيقة تحيز علم االجتماع على األخص‬
‫أوروبا وأمريكا – إلى جانب الرجل ‪ .‬وأشارت بعض الدراسات مثل‬
‫دراسة بيرنارد ‪ 1973‬أن علم االجتماع األمريكي بنظرياته المختلفة‬
‫قد استخدم ليساند ويدعم قوة الرجل وليبز أيضاً عمليات التمييز‬
‫والقهر الموجودة في تلك المجتمعات ‪.‬‬
‫ونتيجة لهذه االتهامات انطلقت معظم دراسات وكتابات أصحاب‬
‫االتجاه الراديكالي الحديث لتؤكد زيف وتحيز معظم الدراسات التقليدية‬
‫ولتكشف لنا القناع عن المنطلق األيديولوجي الذي كان وراء معظم هذه‬
‫الدراسات ‪.‬‬
‫ومن هنا جاء رفض معظم الدراسات الراديكالية لتلك المسلمات‬
‫واالفتراضات التي أقامت عليها البحوث والدراسات التقليدية – األمريكية‬
‫منها والغربية – أساساً لتقسيم العمل وتوزيع األدوار بين الجنسين ‪.‬هذا‬
‫األساس الذي ينطوي على عملية التمييز بين الجنسين بحيث تبقى القوة‬
‫والسيادة في جانب الرجل مقابل الخضوع والتبعية من جانب المرأة‪.‬‬
‫ولهذا فإن اصحاب االتجاه الراديكالي ‪ ،‬عندما نادوا بحرية المرأة‬
‫وتخليصها من كافة أشكال الظلم واالستغالل الواقع عليها ‪ ،‬نادوا ايضاً‬

‫‪127‬‬
‫‪128‬‬

‫بتحرير علم االجتماع وتخليصه من كافة االتجاهات التقليدية القديمة التي‬


‫ظلت وال تزال مهيمنة وموجهة لمعظم البحوث في موضوع األدوار‬
‫والعالقات بين الجنسين ‪.‬وبنظرة إلى الكتابات الراديكالية نستطيع أن‬
‫نستخلص حقيقة اساسية هي أن هذه الكتابات في معظمها قد حاولت أن‬
‫تقدم تفسيراً جديداً لعملية تقسيم العمل وتوزيع األدوار والمكانات بين‬
‫الرجل والمرأة ‪.‬وعلى الرغم من أن هذه الكتابات تختلف فيما بينها في‬
‫طريقة التفسير ‪ ،‬إال أن أصحابها يجمعون على أن مسألة التمييز بين‬
‫الجنسين هي في حقيقتها ليست مسألة طبيعية جاءت بحكم االختالف‬
‫الفسيولوجي لكل من الذكر واألنثى ‪ ،‬ولكنها مسألة تاريخية نشأت‬
‫وتطورت نتيجة لعديد من العوامل‪ . :‬فيرجعها البعض ألسباب وعوامل‬
‫سياسية ‪ ،‬والبعض األخر يرى أنها نتيجة لعوامل نفسية أو عوامل‬
‫اقتصادية واجتماعية ‪.‬وأخيراً هناك من حاولوا تفسير هذه المشكلة‬
‫بعوامل حضارية ‪.‬‬
‫وهنا البد أن نتوقف عند أصحاب هذا االتجاه لكي نميز منهم أولئك‬
‫الذين حاولوا أن يقدموا تفسيراً ماركسياً قائماً على استعارة بعض‬
‫المصطلحات أو على تحوير األساس الذي تفسر به نشأة وتطور مسألة‬
‫التمييز بين الرجل والمرأة وما ترتب عليه من استغالل وظلم نتيجة‬
‫لنشأة وتطور الملكية الخاصة وما تعكسه من تناقضات طبقية وعالقات‬
‫انتاجية كشفت عن نفسها بجالء من خالل نظام األسرة في شكلها‬
‫التسلطي ( األبوي ) ‪.‬‬
‫هذا الشكل الذي نشأ وتدعم في كنف المجتمعات الطبقية ‪ ،‬وكما‬
‫نشرنا سلفاً فإن المحاوالت التي قدمها بعض الراديكاليين النسويين‬
‫‪ Radical feminists‬وإ ن كانت قد استخدمت إطاراً ماركسياً إال أنها‬

‫‪128‬‬
‫‪129‬‬

‫جاءت متأثرة إلى حد كبير بالفكر الليبرالي ‪ .‬ويؤكد ذلك النقد الذي وجهه‬
‫معظمهم‪ :‬لتفسير انجلز لموضوع التمييز بين أدوار الجنسين وعالقة ذلك‬
‫في التقدم االقتصادي للمجتمع‪ .‬وهو التفسير الذي ورد في دراسته‬
‫الشهيرة عن أصل األسرة والملكية الخاصة والدولة والذي يعتبر من‬
‫االنجازات القيمة ‪ .‬فقد أدى إلى إعادة النظر في العديد من المفاهيم‬
‫واالفتراضات والمسلمات التي كانت سائدة وساعد أيضاً على تركيز‬
‫االنتباه على العوامل الرئيسية وراء عمليات االستغالل ( في أشكاله‬
‫المختلفة كما تعكسها أنماط وعالقات االنتاج الموجودة في المجتمعات‬
‫الطبقية ) فقد بين انجلز في دراسته هذه كيف أن أوضاع المرأة وظروف‬
‫القهر واالستغالل التي تعرضت لها قد ظهرت كنتيجة لتطورات معينة‬
‫حدثت مع نشأة الملكية الخاصة والدولة واألسرة ولكي نوضح هذه‬
‫النقطة البد أن نعرض بإيجاز ألهم النقط التي يمكن أن نستخلصها من‬
‫دراسة انجلز ‪:‬‬
‫‪ -1‬في النظام العشائري‪ -‬وهو النظام الذي شهد أول تاريخ اإلنسانية –‬
‫كانت المرأة تقف جنباً إلى جنب مع الرجل في السعي من أجل القوت‬
‫‪ ،‬وقد اكتسبت بفضل الدور الحاسم الذي كانت تلعبه في الحياة من‬
‫المزايا والحقوق مالم تشهده في كافة المراحل التاريخية الالحقة ‪.‬‬
‫ومن هنا فقد أطلق على هذه المجتمعات " األموية " نظراً لسيادة‬
‫النظام األموي الذي يمنح المرأة حق الوراثة ونسب األبناء ‪.‬‬
‫‪ -2‬مع نمو وزيادة االنتاج نشأ أول شكل لتقسيم العمل ‪ ،‬وظهر نظام‬
‫التبادل الذي أدى إلى نشأة الملكية الخاصة ‪ ،‬فشهد التاريخ اإلنساني‬
‫بذلك أول شكل من اشكال المجتمعات الطبقية ومع نشأة نظام تقسيم‬
‫العمل بدأ دور الرجل يزداد أهمية ‪ ،‬فتولى الرجل الحكم‪ :‬سواء في‬

‫‪129‬‬
‫‪130‬‬

‫داخل البيت أو خارجه ‪ ،‬وتجردت المرأة من كل الحقوق التي كانت‬


‫تتمتع بها في ظل النظام العشائري ‪ ،‬وانحطت مكانتها وتحولت إلى‬
‫مجرد إلى مجرد سلعة وأداة للمنفعة ‪.‬‬
‫‪ -3‬ومع تطور األنظمة الطبقية ونشأة المجتمعات اإلقطاعية والرأسمالية‬
‫ونطور عالقات االنتاج القائمة على االستغالل ‪ ،‬اكتسب الرجل المزيد‬
‫من القوة والسيادة فيمقابل التبعية والخضوع الكاملين من جانب‬
‫المرأة التي استبعدت من كافة النشاطات االقتصادية واالجتماعية‬
‫والسياسية ‪ ،‬وحصرت نشاطاتها وامكانياتها وقدراتها االنتاجية‬
‫واإلنسانية في الحدود البيولوجية وهيعملية االنجاب ‪.‬‬
‫‪ -4‬إن تحرير المرأة من كل أشكال االستغالل والعبودية اليمكن أن‬
‫يتحقق إال بتحرير المجتمع بأسره من صور االستغالل المختلفة التي‬
‫تشترك المرأة فيها مع كثير من الفئات االجتماعية األخرى ‪ ،‬وذلك لم‬
‫يتم إال بزوال األنظمة الطبقية وقيام مجتمعات جديدة تخلو من كل‬
‫أشكال التمييز والظلم واالستغالل ‪ ،‬ويدخل فيها اإلنسان مع أخيه‬
‫اإلنسان – بصرف النظر عن جنسه ولونه أو سنه – في عالقات‬
‫أسسها الحب والتعاون من أجل السعادة والرفاهية للمجتمع وبالطبع‬
‫فإن هذه الصور الجديدة من العالقات لن تظهر وتتحقق إال في ظل‬
‫النظام االشتراكي ‪.‬‬
‫بناء على‬
‫‪ -5‬في المجتمع االشتراكي الذي تتحدد قيمة الفرد فيه ً‬
‫مشاركته في عملية االنتاج وعلى ما يقدمه من عمل – فإن السبيل‬
‫الوحيد لتحسين أوضاع المرأة وتحقيق المساواة بينها وبين الرجل‬
‫هو إعطاؤها الفرص الكاملة لكي تخرج عن ذلك الدور التقليدي لها‬
‫في السرة وتشارك بفاعلية في النشاط المنتج للمجتمع ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫‪131‬‬

‫بعدهذا العرض ألهم النقاط التي ركزت عليها دراسة انجلز‬


‫نستطيع أن نقف على أهم الخالفات بينه وبين من حاولوا أن يقدموا‬
‫تفسيراً ماركسياً لمشكلة التمييز بين أدوار الجنسين ‪ .‬نكر على سبيل‬
‫المثال دراسة كيت ميليت ‪ " Kate Millet 1970‬السياسات الجنسية‬
‫‪ " Sexual polities‬فقد ركزت ميليت في دراستها على عالقات القوة‬
‫الموجودة فيالمجتمعات الرأسمالية ومنها المجتمع األمريكي على سبيل‬
‫المثال ‪ .‬ولقد وصفت ميليت المجتمع األمريكي بأنه مجتمع قائم على‬
‫التسلط والقوة اللذين ينعكسان على األسرة وعلى العالقة بين الرجل‬
‫والمرأة داخل هذه األسرة ‪ ،‬وهو المجتمع الذي احتفظ بكافة أنواع‬
‫النشاط االنساني للذكر وحصر دور المرأة فيالوظائف البيولوجية فقط ‪،‬‬
‫فيري ميليت أنه لما كانت األسرة هي الوسيط بين الفرد والمجتمع فهي‬
‫تؤثر بطريقة قاطعة على الشخصية ‪ :‬قيمها واتجاهاتها ‪ .‬وتؤكد ميليت‬
‫أن تغير االتجاهات أكثر ضرورة من التحول في عالقات االنتاج‪ .‬وهنا‬
‫يبدو الفرق الجوهري بينها وبين انجلز ‪ ،‬فبينما يركز انجلز على ضرورة‬
‫التغير في عالقات االنتاج للقضاء على التمييز بين الرجل والمرأة‪ ،‬تركز‬
‫ميليت على أهمية التغير فيالبناء السيكولوجي للشخصية ‪.‬‬
‫وتحاول فايرستون (‪ )1971‬فيدراسة أخرى بعنوان الجدل‬
‫الجنسي" ‪ " The Dialectic of sex‬أن تفسير العوامل‪ :‬التي أدت إلى‬
‫عملية التمييز بين الجنسين وتنهج في ذلك نفس النهج الذيسارت عليه‬
‫ميليت ‪ .‬فاستخدمت النظرية المادية التاريخية ‪ ،‬مع تعديل الساس‬
‫الجوهرى لبنائها عن طريق طرح بدائل لهذا األساس ‪ ،‬وإ ذا كانت ميليت‬
‫قد اعتبرت أن عالقات القوة وتأثيراتها المختلفة فيالبناءالسيكولوجي‬
‫للشخصية هيالبديل عن عالقات االنتاج والملكية الخاصة فإن فايرستون‬

‫‪131‬‬
‫‪132‬‬

‫تطرح بديالً آخر – وهو ما أسمته بعالقات االنجاب " ‪Reproduction‬‬


‫‪ "Relations‬كأساس لتفسير عملية التمييز والقهر والتي تعرضت لها‬
‫النساء‪ .‬وهي تؤكد أن عملية اإلنجاب قد لعبت دوراًأساسياً في تحديد‬
‫دورومكانة المرأة في المجتمع ‪.‬‬
‫وترى أن حل التناقص القائم في العالقة بين الرجل والمرأة‬
‫وتحقيق المساواة بينهما سوف ينتهي عندما تستقل عملية اإلنجاب تماماً‬
‫عن كليهما ‪،‬وذلك بإحالل اإلنجاب الصناعي‬
‫'' ‪ ''Artificial reproductions‬محل اإلنجاب الطبيعي ‪ ،‬كما ترى أن‬
‫مسألة اعتماد الطفل واألم كل منهما على اآلخر سوف يقل عندما تقوم‬
‫بعض الجماعات الصغيرة والمؤسسات بدور الرعاية والتربية بدالً عن‬
‫األم ‪ ،‬وأخيراً تتصور فايرستون أن عملية تقسيم العمل بين الجنسين‬
‫والتمييز بينهما سوف تنتهي بانتهاء األساس البيولوجي الذي تقوم عليه‬
‫األسرة‪.‬‬
‫واآلن وبعد هذا العرض السابق ألهم االتجاهات والتيارات التي‬
‫اهتمت بقضية التمييز بين أدوار الجنسين –ودور المرأة على وجه‬
‫الخصوص – نستطيع ان نطرح تصورنا الخاص لهذه المشكلة‬
‫وهوتصور يقدم رؤيتنا للدور الذي يجب أن تلعبه المرأة في المجتمع‬
‫ويتضمن ايضاً ردنا على االتجاهات السابقة‪.‬‬
‫أوالً ‪ :‬ان مشكلة التمييز بين أدوار الجنسين وغيرها من القضايا‬
‫والمشكالت التي تهتم بوضع ومكانة المرأة وبالدور الذييجب أن‬
‫تلعبه في المجتمع اليمكن تناولها إال في ضوء المتغيرات‬
‫االقتصادية واالجتماعية والسياسية والحضارية لواقع كل مجتمع‬
‫‪.‬لذلك نستطيع أن نؤكد على أن وضع المرأة ودورها في‬

‫‪132‬‬
‫‪133‬‬

‫المجتمعات الرأسمالية يختلف عنه في المجتمعات االشتراكية ‪،‬‬


‫وهو في المجتمعات النامية – التي يمثل مجتمعنا المصري أحد‬
‫نماذجها – غيره في تلك المجتمعات ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬إن عملية تقسيم العمل بين الجنسين والتمييز بينهما بحيث يقوم‬
‫الرجل بالمشاركة في كافة النشاطات االقتصادية واالجتماعية‬
‫والسياسية للمجتمع ويبقى دور المرأة فقط محصوراً عند حدود‬
‫األسرة أي كونها زوجة وأماً وربة بيت وما يعكسه ذلك من عالقة‬
‫يحتل فيها الرجل القوة والسيادة وتظل المرأة الطرف التابع‬
‫والخاضع – مسألة اليمكن إرجاعها إلى العوامل‪ :‬البيولوجية أو‬
‫للخصائص الفسيولوجية ٍ‬
‫لكل من الجنسين ‪ .‬ولكن الذي يحددها في‬
‫المقام األول هو شكل عالقات اإلنتاج السائدة في المجتمع وشكل‬
‫الملكية فيه ‪ .‬ولقد قدم التاريخ إذاً الدليل على أن تقسيم العمل بين‬
‫الرجل والمرأة وهو أول شكل من أشكال التقسيم الذي ظهر مع‬
‫نشأة الملكية الخاصة في تلك المجتمعات‪ ،‬وأقدم مثاالً ألوضح فيه‬
‫هذه النقطة ‪.‬‬
‫لقد كان العبيد في يوم من األيام أقوياء البنية ‪ ،‬ولكن هذا لم يعفهم‬
‫من ان يظلوا عبيداً لسادة قد يكون من بينهم من هو ضعيف البنية‪.‬‬
‫إذاً فالذي حدد عالقة القوة بين السادة والعبيد هنا ليست القوة أو‬
‫الضعف البدني ولكن الذي حدده هو من يمتلك ومن اليمتلك‬
‫ثالثاً ‪ :‬إذا كان على أن تعمل وتكافح من أجل أن تتخلص من كل صور‬
‫التمييزوالظلم التي تعرضت لها وما زالت تعاني منها ‪ ،‬ولكي تحقق‬
‫ذاتيتها كإنسان فال يمكن أن يحدث ذلك على غرار ما تنادي به‬
‫جماعات تحرير المرأة المنتشرة في العالم – وعلى األخص في‬

‫‪133‬‬
‫‪134‬‬

‫أمريكا واوروبا الغربية – من دعاوى نحو مزيدمن التحرر‬


‫الجنسيأو الثورة على األسرة من خالل تخلي المرأة تماماً عن‬
‫دورها فيها ‪ ،‬وعلى عملية االنجاب بالذات التي يرون أنها من أهم‬
‫اسباب دنو شأن المرأة ‪ .‬فهذه الدعاوي في رأيي تضر بقضية‬
‫تحرير المرأة أكثر مما تفيدها‪.‬فالتمييزبكافة أشكاله سواءكان‬
‫قائماًعلى الجنس( الرجل والمرأة ) أو اللون (السودوالبيض)‬
‫أوالعمر(الشباب والكبار)هو انعكاس للتناقضات الطبقية الناتجة‬
‫عن عالقات اإلنتاج الرأسمالية الموجودة في تلك المجتمعات‬
‫‪.‬ولذلك فإن كفاح المرأة في تلك المجتمعات البد أن يلتحم بكفاح‬
‫الطبقة العاملة المستغلة من أجل احالل شكل جديد من العالقات‬
‫تختفي فيه كل صور التمييز واالستغالل بدالً من أن يتخذ كفاحها‬
‫مجرى فرعياً للصراع ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬إذا كانت عملية التمييز بين الجنسين مرتبطة هذا االرتباط الوثيق‬
‫بعمليات الصراع الطبقي والملكية الخاصة فهل هذه العملية سوف‬
‫تحل بطريقة ميكانيكية بمجرد اختفاء عمليات الصراع الطبقي‬
‫والملكية الخاصة فيظل األنظمة االشتراكية ‪ ،‬لإلجابة على هذا‬
‫التساؤل نستطيع أن نقول أن المجتمعات االشتراكية وهيالتي تلتزم‬
‫باإليديولوجية الماركسية قد حاولت منذ البداية أن تدفع بالنساء‬
‫لكي يشاركن فيقوة العمل بكامل ثقلهن ‪ ،‬ونستطيع أن نلمس هذه‬
‫الحقيقة‪ :‬من نسبة مشاركة النساء فيقوة العمل التي تصل إلى ما‬
‫يقارب النصف في هذه المجتمعات ‪ ،‬ومنها تشيكوسلوفاكيا على‬
‫سبيل المثال حيث تصل النسبة إلى ‪ ، %48‬إن مشاركة المرأة في‬

‫‪134‬‬
‫‪135‬‬

‫قوة العمل من شأنها أن تؤثر على دور المرأة ووضعها في‬


‫المجتمع ألنها ستحقق اآلتي ‪:‬‬
‫‪ -1‬فرصة المشاركة الفعلية إلى جانب الرجل فيبناء وصنع وتقدم‬
‫المجتمع ‪.‬‬
‫‪ -2‬سيحقق لها قدراً كبيراً من االستقالل االقتصادي ذلك االستقالل‬
‫الذبي سيساعد علي نشأة عالقة بينها وبين الرجل ال تقوم علي‬
‫اعتماد وخضوع أحد الطرفين لآلخر ‪ ،‬وتختفي فيها المصلحة‬
‫الطبقية ‪ ،‬تقوم علي الحب والتعاون والمشاركة في صنع حياة‬
‫أفضل ‪.‬‬
‫يمكننا هنا التوقف لحظة لكي نري ما إذا كانت هذه الصورة‬
‫من العالقة بين الرجل والمرأة قد تحققت في ظل األنظمة‬
‫االشتراكية بفضل مشاركتها جنباً إلى جنب مع الرجل في قوة‬
‫العمل أم أنها لم تحقق بعد ؟‬
‫نستطيع ان نقرر في هذا الصيف أمراً هاماً يغيب عن بال معظم‬
‫المحللين الذين يرون أن المرأة في المجتمعات االشتراكية لم‬
‫تتحقق لها الحرية واالستقالل المنشودان ‪ ،‬فبالرغم من مشاركتها‬
‫الكبيرة في قوة العمل وفي النشاط المنتج للمجتمع إال أنها ال تزال‬
‫يقع على عاتقعا العبء األكبر من األعباء المنزلية ورعاية األسرة‪.‬‬
‫وقد حاول نورتزن دودج في دراسة أجراها عن النساء في‬
‫االقتصاد السوفيتي ( ‪ )1966‬أن يؤكد ذلك التناقص الواضح في‬
‫وضع المرأة تحت األنظمة االشتراكية ‪ .‬وقد غاب عن دودج كما‬
‫غاب عن كثيرين غيره أنه إذا كانت األنظمة االشتراكية قد‬
‫الستطاعت أن تغير األساس المادي للعالقة بين الرجل والمرأة فإن‬

‫‪135‬‬
‫‪136‬‬

‫الجانب المعنوي من هذه العالقة الذي يتمثل في القيم واألفكار‬


‫واالتجاهات التي ظلت ألجيال وأجيال في ظل المجتمعات الطبقية‬
‫السابقة على المجتمع االشتراكي تلعب دوراً أساسياً في تزييف‬
‫وعي كل طرف من أطراف العالقة بطبيعة وجوده وبالدور الذي‬
‫يجب أن يلعبه في المجتمع هذا الجانب المعنوى الذي يحتاج إلى‬
‫وقت أطول إلحداث التغيير فيه اليزال يمارس تأثيره في ظل‬
‫المجتمعات االشتراكية ‪.‬‬
‫وإ ذا كان البعض يرى أن هذا التناقض سوف يختفى بمزيد من‬
‫الممارسة والمشاركة للمرأة في كافة النواحي االقتصادية‬
‫واالجتماعية والسياسية إال أن هذا اليعفي تلك األنظمة من‬
‫مسؤوليتها نحو التصدي لهذه المشكلة عن طريق التزامها إلى‬
‫جانب اإليديولوجية الماركسية بنظرية خاصة بالنساء تساعد على‬
‫تخليص المجتمع من القيم والمفاهيم التقليدية القديمة ‪ ،‬وتزيد من‬
‫وعي النساء ألهمية وجودهن االجتماعي وبالدور الذي يجب أن‬
‫يلعبنه في المجتمع حتى تتحقق المساواة الكاملة لجميع أفراده ‪.‬‬
‫خامساً ‪ :‬بالنسبة للمجتمعات النامية والتي يمثل المجتمع المصري أحد‬
‫نماذجها ‪ ،‬فإن وضع المرأة والدور الذي يجب أن تلعبه هو شئ‬
‫وثيق االرتباط بظروف التخلف االقتصادي والسياسي التي مر بها‬
‫المجتمع المصري خالل تاريخه القديم والحديث على ٍ‬
‫حد سواء ‪،‬‬
‫لذلك نستطيع أن نقول أن أي تقدم يمكن أن يحدث في وضع المرأة‬
‫مرهون بتقدم وتطور هذا المجتمع ‪.‬‬
‫ولكي أوضح هذه النقطة أستطيع أن أقول إن قضية المرأة في‬
‫المجتمع المصري هي نفسها قضية التنمية وال أقول جزء منها فمشكلة‬

‫‪136‬‬
‫‪137‬‬

‫المرأة التنفصل بحال من األحوال‪ :‬عن مشكلة األمية ومشاكل الريف‬


‫المصري والعمالة والتعليم والشباب والتشريع والصحة وغير ذلك من‬
‫المشاكل التي التخص المرأة فقط ولكنه تخص المجتمع ككل نساءه‬
‫ورجاله ‪ .‬وإ ذا أدركنا هذه الحقيقة الهامة نستطيع أن ندرك أيضاً أنه‬
‫بدون استراتيجية واضحة ومحددة المعالم للتنمية االقتصادية‬
‫واالجتماعية في المجتمع المصري تعمل على ترشيد واستخدام‪ :‬كل‬
‫الطاقات المادية والبشرية رجاالً ونساء بدون أي تمييز – وخاصة أن‬
‫النساء يمثلن نصف الطاقة البشرية لهذا المجتمع – فإننا سنظل نتحدث‬
‫عن كثير من المشاكل دون أي تحسن أو تقدم ‪.‬‬
‫وأخيراً فإن تجارب الشعوب تدلنا على أنه بالعمل وبالعمل المنتج‬
‫يستطيع المجتمع أن يتقدم ‪ ،‬ويستطيع الفرد فيه أن يحقق ذاتيته‬
‫وإ نسانيته بصرف النظر عن جنسه أو لونه ‪.‬‬

‫المصادر والمراجع التي تم اإلستعانة بها‬


‫أوال‪ :‬المراجع العربية ‪:‬‬

‫‪137‬‬
‫‪138‬‬

‫‪ -1‬أنجلز ‪ :‬أصل العائلة الملكية الخاصة ‪ ,‬الدولة ‪ ,‬دار التقدم ‪ ,‬موسكو‬


‫‪.‬‬
‫‪ -2‬محمد الجوهري وآخرين ‪ :‬دراسة علم اإلجتماع ‪ ,‬دار المعارف‬
‫بمصر ‪.1975 ,‬‬
‫‪ -3‬محمد عاطف غيث ‪" :‬المشاكل اإلجتماعية والسلوك اإلنحرافي "‪,‬‬
‫دار المعارف بمصر ‪ ,‬أألسكندرية ‪. 1965 ,‬‬
‫‪ -4‬ثناء الخولي ‪" :‬الزواج والعالقات األسرية" ‪ ,‬دار المعرفة الجامعية ‪,‬‬
‫األسكندرية ‪. 1985 ,‬‬
‫‪ -5‬صموئيل بشارة ‪" :‬التغير اإلجتماعي لنظام األسرة" ‪,‬األسكندرية ‪.‬‬
‫‪ -6‬ثروت أنيس األسيوطي ‪" :‬نظام األسرة بين اإلقتصاد والدين" دار‬
‫الكتاب العربي للطباعة والنشر ‪.‬‬
‫‪ -7‬سيد عويس ‪" :‬حديث عن المرأة المصرية المعاصرة" ‪ ,‬مطبعة‬
‫أطلس القاهرة ‪. 1977 ,‬‬
‫‪ -8‬وليم نظير ‪" :‬المرأة في تاريخ مصر القديم"‪ , :‬دار القلم ‪ ,‬القاهرة ‪,‬‬
‫‪. 1965‬‬
‫‪ -9‬نوال السعداوي‪" : :‬الرجل والجنس" ‪ ,‬مكتبة مدبولي ‪ ,‬القاهرة ‪,‬‬
‫‪. 1977‬‬
‫‪ -10‬ــــــ ‪" :‬األنثي هي األصل" ‪ ,‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر ‪,‬‬
‫القاهرة ‪. 1974,‬‬
‫‪ -11‬الغزالي حر ‪ :‬استقالل المرأة في اإلسالم ‪ ,‬دار المستقبل العربي ‪,‬‬
‫القاهرة ‪.‬‬
‫‪ -12‬جورج طرابيشي ‪(" :‬ترجمة) المرأة واإلشتراكية"‪ , :‬دار األداب ‪,‬‬
‫بيروت ‪. 1979 ,‬‬

‫‪138‬‬
‫‪139‬‬

‫‪ -13‬محمود إسماعيل ‪" :‬سوسيولوجيا الفكر اإلسالمي" ‪ ,‬دار الثقافة‬


‫‪,‬الدار البيضاء ‪. 1980 ,‬‬
‫‪ -14‬إجالل حلمي ‪" :‬محاضرات في علم اإلجتماع العائلي" ‪. 1987 ,‬‬
‫‪ -15‬محمد عمارة ‪" :‬اإلسالم والمرأة رأي اإلمام محمد عبده ‪,‬‬
‫المؤسسة العربية للدراسات والنشر ‪ ,‬بيروت ‪. 1980 ,‬‬
‫‪ -16‬ـــــــ ‪ " :‬قاسم أمين وتحرير المرأة" المؤسسة العربية للدراسات‬
‫والنشر ‪ ,‬بيروت ‪. 1980,‬‬
‫‪ -17‬المسح اإلجتماعي الشامل ‪" :‬المركز القومي للبحوث اإلجتماعية‬
‫والجنائية" مجلد األسرة ‪ ,‬القاهرة ‪. 1985 ,‬‬
‫‪ -18‬ليلي عبدالوهاب ‪" :‬موقف علم اإلجتماع من قضايا المرأة" ‪ ,‬مجلة‬
‫الوحدة ‪. 1985 ,‬‬
‫‪" : __________ -19‬تغير أدوار المرأة وتطور المجتمع" ‪ ,‬المجلة‬
‫القومية اإلجتماعية ‪. 1979 ,‬‬
‫ثانياً ‪ :‬المراجع األجنبية ‪:‬‬
‫‪Afanasyev, Marxist: "Philosophy, progress, -20‬‬
‫‪.publishers, Moscow, 1968‬‬
‫‪.Goode, w.: "The family, New Jersey", 1964 -21‬‬
‫‪Goode, w.: "World revolution and family -22‬‬
‫‪.patterns, the free press, N.4, 1965‬‬
‫‪Ogburn, W.: "Technology and the changing -23‬‬
‫‪.family", Boston, 1955‬‬
‫‪Thomposon, J.: "Sociology, Heinemann",-24‬‬
‫‪.London, 1982‬‬

‫‪139‬‬
140

140

You might also like