Professional Documents
Culture Documents
ةيبعشلا ةيطارقميدلا ةيرئازجلا ةيروهمجلا République Algérienne Démocratique et Populaire يملعلا ثحبلاو يلاعلا ميلعتلا ةرازو Ministère de l'Enseignement Supérieur et de la Recherche Scientifique
ةيبعشلا ةيطارقميدلا ةيرئازجلا ةيروهمجلا République Algérienne Démocratique et Populaire يملعلا ثحبلاو يلاعلا ميلعتلا ةرازو Ministère de l'Enseignement Supérieur et de la Recherche Scientifique
مطبوعة بعنوان:
مقدمة لطلبة سنة أولى LMDمجال العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيير
يهتم علم اإلقتصاد بتفسير الظواهر اإلقتصادية وتحليلها .ولقد عرفت البشرية جملة من
األحداث والظواهر والوقائع االقتصادية وذلك منذ ظهور اإلنسان على وجه األرض.
ولقد جاءت الوقائع االقتصادية نتيجة لحاجة اإلنسان للعيش وللتطور ،أي لتحسين مستوى
غير اإلنسان من نمط
معيشته ،من خالل تحسين مأكله ومسكنه وأمنه .وللوصول إلى ذلك ،فقد ّ
حياته حسب درجة تقدمه ،والوسائل المتاحة في كل فترة من فترات حياته.
لقد أدى هذا التطور في الحياة اإلجتماعية واإلقتصادية لإلنسان إلى تطور الفكر
الرقي باألنشطة والسياسات االجتماعية واالقتصادية لإلنسان ،وهكذا نرى أن االقتصادي وبالتالي ّ
هناك عالقة وطيدة بين الوقائع واألفكار االقتصادية.
تهدف هذه المطبوعة في تاريخ الوقائع االقتصادية الموجهة لطلبة السنة األولى LMDفي
العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيير ،للتعريف بأهم محطات تاريخ الوقائع االقتصادية التي
شهدها العالم منذ نشأة اإلنسان (أي اإلنسان البدائي) إلى غاية الوقت الحالي (عصر العولمة
االقتصادية) ،وما تخللهما من أزمات وتطورات اقتصادية هامة ،أدت بالبعض منها إلى تغيير
الخريطة االقتصادية للدول ،من خالل تغيير سياسات الدولة فيها في الحياة االقتصادية من تدخل
أو اقتصاد حر وغيرهما.
تضم هذه المطبوعة مجموعة من المحاضرات طبقا للمقرر الوزاري ،وهي موزعة على أربعة
عشرة فصل كالتالي :
أول فصل عبارة عن فصل تمهيدي ،وفيه تم تعريف الوقائع االقتصادية وتوضيح أهميتها
وعالقتها بالفكر االقتصادي.
وقد جاء الفصل األول والثاني التاليين للفصل التمهيدي إلبراز الوقائع االقتصادية في
األنظمة االقتصادية واالجتماعية القديمة من خالل نظام المشاعية البدائية ثم نظام الرق.
أما الفصل الثالث والرابع فقد خصصا للوقائع االقتصادية التي حدثت في العصور الوسطى
من خالل الوقائع االقتصادية في العالم اإلسالمي ،والعالم الغربي الذي برز فيه النظام اإلقطاعي.
I
مـقـدمـة
جاء الفصل الخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع لألحداث التي عقبت النظام
اإلقطاعي من خالل ظهور للنظام الرأسمالي ثم الثورة الصناعية وبعدها المشكلة األلمانية فاألزمة
االقتصادية العالمية لسنة ،1929وفي األخير النظام االشتراكي .ظهرت خالل هذه الفترات
تغييرات هامة على مستوى األنظمة والسياسات المتبعة في معظم الدول .أدت إلى بروز
اقتصاديات وتراجع أخرى ،ومن تلك التغييرات جاء الفصل العاشر والفصل الحادي عشر ليبين
النظام االقتصادي الجديد والنماذج التنموية المعاصرة من خالل بروز االقتصاديات اآلسيوية.
الفصلين األخيرين وهما الفصل الثاني عشر والفصل الثالث عشر كانا للعولمة المالية
واألزمة المالية العالمية لسنة ،2008وهو آخر حدث برز في تاريخ الوقائع االقتصادية إلى يومنا
هذا.
ولقد تعمدت تقسيم المطبوعة على عدة فصول بهذا الشكل حتى يسهل على الطلبة الذين
هم بصدد إعداد البحوث ،أو الذين يودون االطالع على أحداث تاريخ الوقائع االقتصادية،
الوصول إلى المعلومة بكل سهولة ويسر.
II
فصل تمهيدي
وجدت الوقائع االقتصادية منذ وجود اإلنسان نفسه ،ذلك ألن اإلنسان كان يبحث عن
أفضل السبل لتلبية حاجاته األساسية قبل أن يفكر في تحليل الظواهر االجتماعية واالقتصادية
المحيطة به.
تتأثر الوقائع االقتصادية بالواقع االجتماعي واالقتصادي المادي السائد ،وبالتالي فان دراسة
تاريخ الوقائع االقتصادية سوف يتأثر باألفكار االقتصادية المرافقة لتلك الوقائع ،لذلك يمكن اعتبار
أن الوقائع واألفكار االقتصاديين كانا ومازاال يتأثران ببعضهما ويؤثران في بعضهما البعض كذلك.
تعنى دراستنا التاريخية االقتصادية بدراسة وتحليل الظواهر االقتصادية خالل فترات تطور
المجتمعات من وجهة نظر تاريخية ،وعلى هذا فكثي ار ما يطلق على علم التاريخ االقتصادي
اصطالح التطور االقتصادي أو تاريخ األحداث والوقائع االقتصادية.
وعليه يمكن تعريف الوقائع االقتصادية على النحو التالي :هي تلك األحداث التي جرت في
الحيز المكاني والزماني من التاريخ فشكلت النظريات االقتصادية مجراها الطبيعي .1وذلك أن
اإلنسان كان يبحث دائما عن أفضل الطرق إلشباع حاجاته األساسية قبل أن يفكر في تحليل
الظواهر االقتصادية واالجتماعية المحيطة به.
إن دراسة تاريخ األفكار االقتصادية والتي جاءت بالتأكيد بعد الوقائع واألحداث االقتصادية،
تعني دراسة صراع وتطور وتتابع الفكر المرافق لتلك الوقائع ،ذلك ألن الوقائع االقتصادية تساهم
في بروز فكر اقتصادي ،ألنه ببساطة هذه الوقائع هي التي خلقت المناخ وهيأت الظروف
االقتصادية لألفكار االقتصادية.
-1بن طاهر حسين ،مدخل إلى الوقائع االقتصادية ،دار بهاء الدين للنشر والتوزيع ،الجزائر ،2010 ،ص.7.
4
فصل تمهيدي
إن موضوع الفصل بين األفكار االقتصادية والوقائع االقتصادية في غاية الصعوبة ،بسبب
أن األفكار االقتصادية كانت بنت الظروف االقتصادية واالجتماعية والسياسية في زمان ومكان
معينين ،كما أن الوقائع تأثرت على مدى التاريخ بأفكار اقتصادية دافع عنها اإلنسان وحاول
الوصول إليها.1
بعد االكتشافات الجغرافية واإلصالحات الدينية ثم النمو االقتصادي بعد جلب األموال من
القارات المكتشفة ،كان من جراء ذلك ارتفاع األسعار بشكل هائل حيث تعرفت أوربا مبك ار على
ظاهرة التضخم النق دي مما جعل رجال الفكر االقتصادي يعكفون على معالجة تلك الظاهرة .وكان
ووضع النظرية الكمية بالنقد؛ ""Jean Bodin أول من الحظها االقتصادي المركانتيلي
وتتلخص بأنه كلما ارتفعت كمية النقد كلما انخفضت قيمته ،وترتفع القيمة بتقلص الكمية ،أي أن
قيمة النقد رهن بكميته .أدى كل هذا إلى:
مما دعى االقتصاديين التجاريين إلى تدوين كثير من األفكار االقتصادية مثل:
-الميزان التجاري.
-الضريبة الجمركية.
-1خالد ابو القمصان ،موجز تاريخ األفكار االقتصادية عبر العصور ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،2001 ،ص.6.
5
فصل تمهيدي
-ميزان المدفوعات.1
ومن األمثلة األخرى التي توضح العالقة بين الوقائع االقتصادية باألفكار االقتصادية نذكر على
سبيل المثال:
-لقد كان من أثر الحروب النابليونية أن ارتفعت أسعار المحاصيل الزراعية ارتفاعا كبي ار وقد عاد
هذا االرتفاع بالفائدة على مالك األراضي ،وكان من جراء ذلك أن صيغت نظرية الريع عند
ريكاردو ،وأصبحت جزء ال يتج أز من النظرية االقتصادية االنجليزية.
-أثر األزمة العالمية الكبرى عام 1929في القضاء نهائيا على النظرية التقليدية في التشغيل
وافساح الطريق إلى حلول نظرية كينز التي ساهمت في حل هذه األزمة.2
إن دراسة ومعرفة تاريخ الوقائع االقتصادية له أهمية بالغة لعل أهمها يكمن في:3
-ضرورة التعرف على الوقائع المتعلقة بوفرة الموارد وتحديد الحاجات واختيار ما ينتج إلشباعها
من سلع وخدمات.
-تتبع حركة المتغيرات التي تمر بها المجتمعات اإلنسانية ،من وقوف على عالقات اإلنتاج التي
سادت فيها ،على مستوى تقسيم العمل ودور المنظم في تسيير المشاريع اإلنتاجية.
-تنمية القدرة على البحث والبحث العلمي والتحليل من خالل معرفة األساليب والطرق العلمية
التي يسلكها الباحثون االقتصاديون عند دراسة المشاكل المطروحة.
-معرفة التاريخ تمكننا من التعرف على نتاج رجال الفكر والفالسفة وما توصلوا إليه من أفكار
وأساليب لعالج تلك المشاكل من جهة ،ومن جهة أخرى اإلستفادة من معرفة مشاكل وأخطاء
الماضي لمعالجة مشاكل الحاضر وظروف المستقبل إثر انتقاء أحسن الطرق الموجهة.
-1بوقرة رابح ،خبابة عبد هللا ،الوقائع االقتصادية من التاريخ القديم إلى بداية القرن الواحد والعشرون ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية،
،2014ص.22.
-2بن طاهر حسين ،مرجع سابق ،ص.8.
-3بوقرة رابح ،خبابة عبد هللا ،مرجع سابق ،ص.ص.11-9 .
6
فصل تمهيدي
-إستيعاب النظريات المعاصرة ألن النظرية االقتصادية كسائر النظريات العلمية األخرى تساهم
في تفسير حقائق معينة وتقدم الحلول للمشاكل القائمة.
7
الوقائع االقتصادية في األنظمة االقتصادية واالجتماعية القديمة (المشاعية البدائية) الفصل األول:
تمهيد
عرفت البشرية سلسلة من العالقات اإلجتماعية التي تكونت بهدف العمل الجماعي لتلبية
اإلحتياجات الضرورية لإلنسان وتطورت هذه العالقات عبر التاريخ.
إن أول نظام عرفته البشرية هو نظام المشاعية ،حيث كان البشر في هذا النظام يجتمعون
في شكل قطيع يهيمون في الغابات وعلى ضفاف األنهار ويلتقطون كل ما هو صالح لألكل في
طريقهم (أوراق ،ثمار.)...
في بداية هذا النظام كان اإلنسان ال يعرف بعد كيفية صنع اللباس والمسكن حيث كان
يعيش في الكهوف والمغارات ،وبما أن اإلنسان يتميز بالعقل بدأ يالحظ الظواهر التي تحيط به،
وبدأ يستعمل األدوات التي تساعده في حياته اليومية كاستعمال الحجر كأداة وسالح للصيد وبعدها
ظهرت األدوات القاطعة المخصصة لحفر األرض ،فسهلت هذه األدوات حياة اإلنسان البدائي
حيث أن النشاط األساسي الذي عرف في هذا الوقت هو الصيد بعد أن كان اإلنسان يعتمد كليا
على خيرات الطبيعة في شكلها الجاهز ،وأخذ اإلنسان يؤدي أبسط األعمال بصورة جماعية
لمواجهة الحياة القاسية التي يعيشها.
أدى العمل الجماعي إلى تطور العقل البشري حيث ظهرت الحاجة إلى التواصل بين الناس
فكانت الرموز الصوتية واإلشارات هي أول لغة تواصل في المشاعية البدائية والتي تطورت إلى
كلمات مميزة ولغة مما ساهمت في نقل التجربة والخبرات اإلنتاجية.
عرفت عملية اإلنتاج البدائي بتدني وانخفاض مستوى قوى اإلنتاج وكذا أدوات العمل،
وكانت تلك هي السمة الغالبة لعملية اإلنتاج البدائي ،لهذا السبب سعى اإلنسان في صراعه
المستمر مع الطبيعة إلى تطوير وسائل العمل ،وقد استلزمت هذه العملية زمنا طويال تم من
خاللها:
9
الوقائع االقتصادية في األنظمة االقتصادية واالجتماعية القديمة (المشاعية البدائية) الفصل األول:
-1إكتشاف النار :تم اكتشاف النار في هذا النظام وذلك عن طريق حك الحجارة ،هذا اإلكتشاف
ساعد اإلنسان في تلك الفترة في حياته اليومية وذلك التخاذها وسيلة للدفاع عن النفس وأداة
للعمل.
-2إكتشاف القوس :كان لهذا االكتشاف خطوة كبيرة في تطور قوى اإلنتاج ،وأصبح الصيد أكثر
أنواع النشاط العملي إنتاجية .أخذ الصيد يفيض عن الحاجيات اليومية فتعلم اإلنسان حصر
الحيوانات في أماكن خاصة لفترات أخرى وتعلم من ذلك ترويض هذه الحيوانات ،وكان أول حيوان
قام اإلنسان بترويضه هو الكلب الذي رافق اإلنسان في البحث عن الغذاء ثم الماعز فالبقر
والحصان .وقبل ما يقارب 8000و 9000سنة إنتشرت تربية الحيوانات بشكل واسع في إفريقيا
وآسيا الغربية والهند والصين وأوروبا ...وقد وفرت تربية الحيوانات زيادة عن المنتوجات الغذائية،
الصوف والجلود ومواد ضرورية للحياة ،وأخذ اإلنسان يستعمل قوة الحيوانات في الجر وحراثة
األرض ،ومع االستقرار أخذ اإلنسان يبني المساكن ،وبدأ يصنع األلبسة واألدوات المنزلية ويصنع
أوائل وسائل اإلنتقال من زحافات وقوارب وعجالت ،وبالتدريج كان النشاط االقتصادي لإلنسان
البدائي يتنوع وأدوات العمل تصبح أكثر تخصصا وكماال.
-3بروز ظاهرة بذر الحبوب :أدرك الناس أنه في المستطاع بذر الحبوب على مقربة من القرية
وأنه ليس من الضروري أن يجوبوا األرض طلبا للنباتات .وكانت الذرة والشعير والحنطة أولى
المزروعات التي زرعها اإلنسان .وقد ظهرت األشكال البدائية للزراعة في البداية في األقاليم
المالئمة للزراعة والتي كانت بين النهرين ،ووادي النيل ،الهند وايران .وفي تلك المناطق صارت
الزراعة تدريجيا الفرع الرئيسي لالقتصاد ،وانفصلت كامل اإلنفصال عن القطف والصيد .ومنذ
عهد المشاعة القروية زرع اإلنسان جميع النباتات التي نعرفها اليوم تقريبا .وقد قلص اإلنتقال إلى
الزراعة من تبعية اإلنسان للطبيعة بسبب المردود المرتفع نسبيا لعمل المزارع الذي أتاح له ومنذ
ذلك الوقت لتشكيل احتياطات تساعده على مواجهة الكوارث الطبيعية.1
وبصورة عامة يمكن القول أن التطور الحاصل في أدوات العمل كانت له نتائج هامة حيث
أنه ساعد على ظهور األشكال البدائية للزراعة ،حيث بدأ اإلنتقال تدريجيا من جمع النباتات إلى
10
الوقائع االقتصادية في األنظمة االقتصادية واالجتماعية القديمة (المشاعية البدائية) الفصل األول:
العمل الزراعي المتطور ،هذا من جهة ،ومن جهة أخرى بدأت القبائل البدائية (التي كانت دائمة
الترحال) بالتدريج تتحضر وتستقر في أماكن معينة باإلضافة إلى تحسن شروط الحياة بشكل عام.
بما أن الفرد ال يقوم بمفرده بعملية اإلنتاج تنشأ عالقات بين األفراد تسمى عالقات اإلنتاج،
وهنا يجدر بنا حصر عالقات اإلنتاج في القانون االقتصادي األساسي لنظام إنتاج المشاعية
البدائية وهو "ضمان وسائل المعيشة الضرورية لإلنسان باالعتماد على أدوات إنتاج بدائية وعلى
أساس مشاعية تملك وسائل اإلنتاج والعمل الجماعي وطريقة التوزيع المتساوي للمنتوجات" .من
هذا القانون يمكن استنتاج أن عالقات اإلنتاج في المجتمع البدائي تتسم بـ :
-1العمل الجماعي :الذي يأخذ شكل التعاون البسيط ،حيث يقوم كل أفراد العشيرة بالعمل بطريقة
جماعية إلنجاز عمل واحد فقط (الصيد مثال) دون أن يكون هناك تخصص أو تقسيم عمل،
باستثناء التقسيم الفيزيولوجي للعمل سواء حسب الجنس (بين الرجال والنساء) أو التقسيم حسب
السن ،حيث كانت النساء تقوم بجمع النباتات وادارة شؤون المنزل وكان الصيد من اختصاص
الرجال ،ولعل السبب الرئيسي وراء طبيعة العمل الجماعية هو انخفاض وضعف مستوى أدوات
العمل (عدم وجود أدوات عمل متطورة) والتي ال يستطيع بواسطتها الفرد منفردا مواجهة الطبيعة.
لهذا كان العمل الجماعي واجبا وضروريا في نفس الوقت في العهد البدائي ،لذلك كان األفراد
ينتقلون مجتمعين من عمل إلى آخر من الصيد مثال إلى الزراعة أو الرعي وذلك حسب ما يراه
أعيان الجماعة (األفراد األكبر سنا) مناسبا وينسجم مع مصلحة الجماعة.
-2الملكية الجماعية لوسائل اإلنتاج :حيث ترتبط ارتباطا وثيقا بالسمة األولى (العمل الجماعي
والتعاون البسيط) .إذ كانت األرض وجميع الموجودات (أدوات العمل) ملكا للجميع وهذا طبعا
باستثناء بعض األشياء مثل األلبسة وبعض وسائل الدفاع عن النفس وهذا لضرورة استخدامها
بطريقة فردية.
-3التوزيع المتساوي للمنتوجات :بسبب ضعف القوة المنتجة ،الملكية المشاعية على وسائل
اإلنتاج ومنتجات العمل يفرضان شكال معينا من أشكال التوزيع ،وهو التوزيع المتساوي ،وهذا
بغض النظر عن كمية ونوع العمل الذي يبذله في اإلنتاج الجماعي.
11
الوقائع االقتصادية في األنظمة االقتصادية واالجتماعية القديمة (المشاعية البدائية) الفصل األول:
كانت العشيرة تمثل الوحدة االقتصادية واالجتماعية والسياسية التي يقوم عليها المجتمع
البدائي ويذكر أن المرأة احتلت مكانة مرموقة ولعبت دو ار هاما في المرحلة األولى للنظام العشيري
وذلك بسبب شروط الحياة المادية نفسها.
كانت الز ارعة البدائية والتدجين البدائي من اختصاص المرأة وهما أهم من الصيد (من
تخصص الرجل) من الناحية االقتصادية حيث يعتبر الصيد ذو مردود غير مضمون.
وقد تعاظم دور المرأة إلى أن أصبح النسل ينسب إليها وسميت هذه المرحلة بنظام العشيرة
األمومية ،إلى أن تطورت القوى المنتجة وظهر التدجين المتطور (المراعي) والزراعة المتطورة
(الحبوب) والتي كانت من اختصاص الرجل ،الشيء الذي أدى إلى انقالب الموازين وانتقلت
السيادة من المرأة إلى الرجل وأصبح النسل ينسب إليه وحل نظام العشيرة األبوية محل العشيرة
األمومية.
هذا ونظ ار لعدم وجود الفائض واالستثمار والملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج والطبقات لم
يظهر في ذلك الوقت ما يسمى بجهاز الحكم (الدولة) وكان العرف وحده هو وسيلة الحكم وهو
أساس هيبة رؤساء العشائر.
ارتبط التقسيم االجتماعي للعمل مع ظهور كل من الزراعة والرعي أي زراعة األرض وتربية
المواشي .حيث حصل تخصص في العمل (تقسيم العمل) على أساس المشاعيات ،وكان أول
تقسيم اجتماعي كبير للعمل (تقسيم للعمل على أساس المشاعيات) هو تأليف قبائل الرعاة وقبائل
الزراعة وهو ما زاد في إنتاجية العمل إلى حد كبير.
كانت أهم نتيجة له ذا التقسيم اإلجتماعي للعمل تطور ما يسمى بالتبادل بين قبائل الرعاة
وقبائل الزراعة وقد بدأ نطاق التبادل باإلتساع مع ظهور تقسيمات اجتماعية أخرى للعمل نتيجة
تطور أدوات اإلنتاج ،فظهرت مهنة صنع األواني الفخارية والحياكة اليدوية ،ومع ظهور الحديد
أصبح من الممكن صنع األدوات الحديدية (المحراث ،الفأس ،السيف )...،وبهذا تمهد الطريق
12
الوقائع االقتصادية في األنظمة االقتصادية واالجتماعية القديمة (المشاعية البدائية) الفصل األول:
النقسام هام جديد في المجتمع وهو التخصص الحرفي أو المهني داخل المشاعية نفسها وهو ما
أدى إلى توسع نطاق المبادالت.
إن التقسيم اإلجتماعي األول للعمل (مشاعات الرعاة ،مشاعات الزراعة ،مشاعات
الحرفيين) قد وسع نطاق المبادالت وذلك بـ :
تجدر اإلشارة هنا إلى أن التبادل كان في البداية يتم على أساس عشائري بين رؤساء
العشائر وباسم عشائرهم ثم تحول بعد تملك الماشية ملكية خاصة إلى تبادل بين األفراد وقد كان
هذا التحول تدريجيا إلى أن أصبح التبادل الفردي هو الشكل الوحيد للتبادل.
يمكن القول عند التكلم عن التملك الخاص والطبقات أننا بصدد التكلم عن مرحلة جد
متقدمة من النظام المشاعي (تكاد تكون بمثابة مرحلة انتقالية بين النظام المشاعي ونظام الرق)،
فبعد التطور الحاصل على مستوى أدوات العمل أصبح العمل أكثر إنتاجية وهو األمر الذي لم يعد
يستدعي العمل بطريقة جماعية على مستوى العشيرة ،فارتفاع اإلنتاجية سمح باإلنتاج في الزراعة
والرعي والحرف على نطاق اجتماعي أضيق من العشيرة وهو األسرة التي أصبحت الوحدة
االقتصادية واالجتماعية الجديدة في المجتمع ،وبهذا فسح المجال للعمل الخاص على نطاق
األسرة للحلول تدري جيا محل العمل الجماعي المشترك وهو الذي أدى إلى ظهور الملكية الخاصة
لوسائل اإلنتاج ،ويشير التاريخ أن الملكية الخاصة بدأت بالماشية ،فقد بدأ زعماء العشائر
بامتالكها بعدما كانت ملكية جماعية ألفراد العشيرة ،ثم امتدت الملكية الخاصة لجميع أدوات
اإلنتاج وكانت األرض آخر ما دخل في نطاق التملك الخاص.
13
الوقائع االقتصادية في األنظمة االقتصادية واالجتماعية القديمة (المشاعية البدائية) الفصل األول:
وقد أدى ظهور الملكية الخاصة إلى تقسيم العشيرة أوال إلى أسر كبيرة ثم إلى وحدات
عائلية صغيرة باإلضافة إلى تغيير البنيان االجتماعي للمجتمع البدائي حيث انفصل مالكي وسائل
اإلنتاج عن عامة أفراد المجتمع وأصبحوا يتولون المناصب اإلجتماعية والسياسية – وهو ما ساهم
في نشوء األسر األرستقراطية .-هذا وقد توسع نطاق الملكية نحو تملك جميع وسائل اإلنتاج بما
فيها اإلنسان نفسه ،ففي السابق كان األسرى ُيقتلون ألنه في ظل انخفاض مستوى أدوات العمل ال
يستطيع األسرى إنتاج كميات إضافية تزيد عن حاجاتهم ،ولكن في ظل تطور أدوات العمل أصبح
اإلحتفاظ باألسرى مجدي من الناحية االقتصادية ،إذ أصبح األسرى يحققون فائضا من المنتجات
وهو ما أصبح يبرر عدم قتل أسرى الحرب واإلكتفاء باستعبادهم ،وبهذا ظهر نظام الرق وتوسع
ليشمل مع التطور التاريخي أفراد القبيلة نفسها .وبهذا تكون عالقات اإلنتاج المشاعية قد انتهت
لتحل محلها عالقات إنتاج جديدة.1
-تطور مستوى اإلنتاج وظهور المنتوج الفائض وذلك بسبب تطور قوى اإلنتاج اإلجتماعية.
-التحول من العمل الجماعي المشترك إلى العمل الفردي بسبب تخصص أدوات العمل ووسائله
وامتالك األفراد لها.
-نهاية التوزيع المتساوي لمنتوجات العمل بين أفراد الجماعة وظهور حب التملك مما أدى إلى
ظهور التفاوت االقتصادي.
-أزمة عالقات اإلنتاج :بعدما مال دور المنتجين إلى عدم التساوي ،إزدهرت الملكية الخاصة
على حساب الملكية العامة وأصبحت أمالك العائالت وراثية وتعاظم نتيجة ذلك التفاوت في الثروة
بين أعضاء المشاعة وصار في مقدور أصحاب األمالك أن يرغموا المحرومين منها على العمل
لحسابهم ليستولوا من ثمة على فائض إنتاج عملهم ،وكانت أولى ضحايا اإلستغالل أسرى الحروب
-1ملخص تاريخ الوقائع االقتصادية ،منشور على الموقع االلكتروني https//app.box.com/s/u89mx7189g9l5sgbazds. :تاريخ
الزيارة .2015/04/07
14
الوقائع االقتصادية في األنظمة االقتصادية واالجتماعية القديمة (المشاعية البدائية) الفصل األول:
حيث تحولوا تدريجيا إلى أرقاء (عبيد) ،ودشن ظهور الرق عهدا تاريخيا جديدا هو عهد استغالل
اإلنسان لإلنسان وانقسم المجتمع الذي لم يكن يعرف في الماضي سوى شكل واحد من الملكية هو
الملكية الجماعية تدريجيا إلى ثالث طبقات رئيسية تكونت بحسب عالقاتها بأدوات العمل ووسائله.
15
الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق) الفصل الثاني:
تمهيد
بدأ نظام الرق بالتشكل عقب انهيار النظام المشاعي حوالي 4000 -3000سنة قبل
الميالد واستمر إلى غاية القرنين الثالث والرابع الميالدي في شمال إفريقيا وآسيا وازدهر في اليونان
وروما إلى غاية القرن الخامس الميالدي.
لقد شملت عمليات اإلنتاج في هذه المرحلة كل من الرعي والزراعة والنشاط الحرفي
(ظهرت هذه األعمال وتطورت في ظل النظام المشاعي) إال أن شروط وظروف اإلنتاج في هذه
المرحلة تختلف في نظام الرق عنه في النظام المشاعي.
-1عبودية شرقية :كان العبيد يتشكلون فيها من األشخاص الذين يقعون في األَسر نتيجة
الحروب.
-2عب ودية غربية :عرفت تطور الملكية الخاصة التي شملت العبيد ووسائل اإلنتاج بما فيها
األرض.
في ظل نظام الرق انقسم المجتمع البشري ألول مرة إلى طبقات ،وتعود هذه الظاهرة إلى
عالقات اإلنتاج بشكل أساسي .وعليه يمكن أن نطلق اسم الطبقات على فئات واسعة من الناس
تحتل مكانة متباينة في إطار نظام معين لإلنتاج اإلجتماعي وتتميز عن بعضها البعض بعالقاتها
بوسائل اإلنتاج ،وبوظائفها في التنظيم اإلجتماعي للعمل ،وبالتالي بطرق الحصول على الثروات
-1إسماعيل سفر ،عارف دليلة ،تاريخ األفكار االقتصادية ،مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية ،سوريا ،1990 -1989 ،ص.13.
17
الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق) الفصل الثاني:
اإلجتماعية التي تضع اليد عليها ،وبحجم هذه الثروة .1وقد انقسم نظام الرق إلى ثالث طبقات
رئيسية وهي:
-1طبقة العبيد :وهم المحرومين من ملكية وسائل اإلنتاج والمكروهين على العمل بالعنف
المباشر.
-2طبقة المنتجين :وهم المالكون األحرار لوسائل اإلنتاج ،ويحتفظون بالتنظيم المشاعي
كالحرفيين والفالحين الصغار والتجار والمرابين.
-3طبقة األسياد :وهم مالك العبيد الذين أصبح عددهم يزداد بسبب الحروب وتجارة الرقيق
وازدياد الحاجة إلى القوة العاملة المنتجة.
لم يكن بوسع مالكي العبيد إخضاع العبيد المشاغبين واكراههم على العمل من أجلهم وزيادة
ثرواتهم واشباع حاجتهم المتنامية التي ال يمكن إشباعها أبدا إال بوجود جهاز دائم للقمع وقد تكون
هذا الجهاز تدريجيا ليشكل الدولة وكانت وظائف الدولة في العبودية تتمثل في:
المستغلين.
َ -حماية السادة وقمع
-ت وسيع أراضي الدولة عن طريق شن الحروب لإلستيالء على العبيد وظهور جيش محترف
مهمته الدفاع عن مصالح الطبقة السائدة.
كان الربط بين وسائل اإلنتاج وقوة العمل يتم عن طريق العمل اإلجباري ،وهذا بواسطة
اإلستعانة بعدد كبير من المراقبين لضبط عمل العبيد ،لقد كانت هذه الطريقة مساعدة على تطوير
قوى اإلنتاج في مجال اإلنتاج الحرفي والصناعي واستخراج المعادن ،والغزل والنسيج ،أبرز ما
خلدته تلك المرحلة هي أنظمة الري في العراق ومصر ،وأهرامات ومعابد مصر ،والقصور والمعابد
18
الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق) الفصل الثاني:
الهندية ،المسارح ال رومانية ،سور الصين العظيم ،هذه اإلنجازات تحققت في تلك العصور الماضية
إنما قامت على أكتاف العبيد.
كما تطور اإلنتاج الحرفي وبخاصة صناعة األواني الفخارية ،والغزل والنسيج وبعض
األدوية واألدوات الموسيقية ،وقد استخدمت في اإلنتاج هذه األشياء وتشييدها أدوات عمل أكثر
تعقيدا من التي استخدمت في المشاعية البدائية (نول النسيج ،دوالب صنع األدوات الفخارية ،رحى
الطاحون اليدوي).
وأفضى تطور التجارة عن طريق البحر إلى تحسين المنشآت البحرية ،وط أر تحسن مماثل
على صناعة األسلحة.
-1الملكية :تميزت عالقات اإلنتاج في المجتمع العبودي بامتالك السادة لوسائل اإلنتاج إضافة
إلى المنتجين ،أي امتالك وسائل اإلنتاج والعبيد معا ،إن العبيد في رأي بعض الفالسفة اليونانيين
يعتبر أداة عمل ويعبرون بذلك بقولهم يوجد نوعان من األدوات ،أدوات جامدة وأدوات حية ،والعبد
يعتبر أداة حية مملوكة .1
-2العمل :كانت السمة الغالبة للعمل في هذه المرحلة هي العمل الجماعي والتعاون بين العبيد
ولكن في إطار اإلكراه االقتصادي والقسر (اإلستغالل) لصالح السادة الذين يمتلكون أدوات العمل
بما فيها العبيد (اإلنسان) .
إلى جانب عمل العبيد في جميع المجاالت ( الزراعة والرعي والعمل الحرفي) -إذ كان
العبيد يقومون بإنتاج الجزء األكبر من المنتجات ويشكل نشاطهم العمود الفقري في عملية اإلنتاج
في المجتمع العبودي – كان هناك بعض المنتجين من األحرار الذين كانوا ينتجون بصفة فردية
حيث تمتعوا بحرية امتالك وسائل اإلنتاج والعمل وكانوا في الغالب متخصصين في بعض
األعمال الحرفية (الحدادة واأللبسة والزراعة) إال أنهم في نفس الوقت يخضعون للنظام العام ،حيث
كان يتعين عليهم دفع ضرائب (جزء من دخولهم) للدولة سواء في صورة نقدية أو عينية ،وكانت
-1محمد دويدار ،مبادئ االقتصاد السياسي ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،الجزائر ،بدون تاريخ ،ص.71.
19
الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق) الفصل الثاني:
هذه الفئة من األحرار تمثل عماد الجيش ،إذ ال يسمح للعبيد بالعمل في الجيش وذلك لحاجة
األسياد الماسة إليهم لممارسة أوجه النشاط المختلفة.
-3توزيع المنتوجات :إن إنتاج الخيرات المادية في النظام العبودي كان موجه لسد حاجات
األسياد المتزايدة باستمرار وكان يتم ذلك عن طريق اإلستثمار في العبيد ،حيث كان العبيد يقومون
بمختلف األنشطة لصالح األسياد في شكل عالقة ( سيد – عبد ) وكانت المنتجات توزع بين
السادة والعبيد ،وكان من حق السادة تحديد الكيفية التي يتم بواسطتها توزيع المنتوج ،والذي عادة
ما كان يتم تقسيمه إلى جزئين:
أ -المنتوج الضروري :وهي كمية من المنتوج (الحبوب مثال) موجهة لسد الحاجات األساسية للعبيد
من أجل القيام بعملية تجديد قوة العمل واإلستمرار في اإلنتاج.
ب -المنتوج الفائض :يمثل القسم األعظم من المنتوج ويستخدم من قبل السادة إلشباع الحاجات
اإلستهالكية وبناء القصور والمسارح وغيرها.
-1التبادل :يرجع ظهور التبادل وتطوره إلى النظام المشاعي ،وكان التبادل يتم بين المنتجين في
شكل سلعة مقابل سلعة .ومع ظهور النظام العبودي تطورت عمليات التبادل وأصبحت بظهور
النقود (التي تطورت هي األخرى وأخذت أشكاال مختلفة) تتم في شكل (سلعة – سلعة نقدية –
سلعة) .ولقد لعب دور السلعة النقدية كل من الماشية ،الملح ،السمك المجفف والجلود ...ثم
تطورت النقود وأخذت أشكاال معدنية وكان لها أث ار كبي ار في تطور وتنمية التجارة.
-2ظهور رأس المال التجاري :مع تعاظم دور النقود كوسيط للمبادلة وفي ظل بعد المنتجين عن
بعضهم البعض وتبعثرهم أدى هذا إلى ضرورة وجود فئة تقوم بدور الوسيط بين البائعين والمشترين
(بعد أن كان التبادل يتم بين المنتجين مباشرة) وكان ظهور العمل التجاري ثالث تقسيم اجتماعي
كبير للعمل ،حيث تخصصت فئة من التجار بشراء وبيع السلع وكان الفرق بين سعر البيع والشراء
مصدر الربح التجاري ،وبذلك لم يعد دور النقود قياس للقيمة فقط بل وأصبحت النقود كوسيلة
لجمع الثروة وظهر ألول مرة رأس المال التجاري.
20
الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق) الفصل الثاني:
-3ظهور رأس المال الربوي :رأس المال الربوي هو رأس المال الذي يحقق الربا والذي لم يكن
ليظهر لوال انتشار التبادل البضاعي انتشا ار واسعا وتظهر النقود والقروض النقدية.1
رأس المال الربوي الذي ظهر في هذه المرحلة اتخذ من النقد كوسيلة لإلقراض والتسليف
حيث يقوم المرابون بتقديم القروض النقدية إلى السادة والمنتجين والحرفيين واألفراد مقابل معدل
ف ائدة (الربا) .والمرابون هم كبار التجار يتصرفون بثروات نقدية كبيرة وأحيانا من مالكي العبيد
األثرياء والى جانب هؤالء ُوجد عدد كبير من المرابين المتوسطين والصغار.
لقد شكلت الحروب المصدر الرئيسي بمد المجتمعات بالعبيد ،إذ كان للرقيق أهمية كبيرة
في النظام االجتماعي واالقتصادي لتلك الفترة وكما قال " انجلز" أنه بدون نظام الرق ما قامت
دولة اليونان ،ولما بلغت من الفن والعلم ما بلغت ،ولما قامت اإلمبراطورية الرومانية ،وبالتالي لما
قامت أوربا الحديثة .وعلى هذا سوف نتطرق إلى كل من الحضارة اليونانية والرومانية في نظام
العبودية كما يلي:2
وجد هذا المجتمع خالل القرنين الرابع والخامس قبل الميالد ،أما النشاط االقتصادي فكان
قائما على الزراعة واستخراج المعادن وتصنيعها ،وعلى التجارة الخارجية.
كان المجتمع اليوناني مجتمع رق وعبودية ،ساد فيه نظام الطبقات والذي كان يتألف من:
-1طبقة المالك األرستقراطيين :وتتصدر قمة الهرم اإلجتماعي ،وهي تنظر للعمل اليدوي نظرة
َسخرية ،تحصل على الريع العقاري دون أن تساهم في اإلنتاج.
21
الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق) الفصل الثاني:
-2طبق ة متوسطة :وهي الطبقة التي تلي طبقة المالك ،تشمل هذه الطبقة صغار المالك
والحرفيين.
-4طبقة العبيد :وهي التي تقع في أسفل الهرم والذين يقع على عاتقهم ،وحدهم ،العمل اإلنتاجي
(زراعي ،صناعي ،تعديني) واألعمال المنزلية وخدمة المحاربين في الحروب .لهذا كانت تجارة
العبيد من النشاطات االقتصادية المربحة.
-1الزراعة :شغلت الزراعة مساحة قدرها % 20من إقليم الدولة وظهرت الوحدات اإلنتاجية مثل:
-وحدات كبار المالك :وتشغل نسبة ضئيلة من إجمالي المساحات المزروعة إال أنها أحسن
األراضي خصوبة ،تزرع بالحبوب وتتربى عليها الماشية وبالطبع العبيد والعمال األجراء هم الذين
يقومون بالعمل اإلنتاجي.
-وحدات المالكين الصغار :تشمل معظم األراضي الزراعية ذات جودة منخفضة يملكها أكثر من
نصف السكان ،يقوم بالعمل اإلنتاجي األسرة وما تملكه من عبيد مستعملين أبسط أدوات اإلنتاج.
-2الصناعة :إهتم المجتمع اليوناني بصناعة األسلحة واألواني المنزلية ،وقامت وحدات حرفية
تجمع أفراد عائالتهم وعبيدهم وبعض العمال األجراء ،وكان محرك اإلنتاج الطلبات المسبقة من
التجار وغيرهم .كما منحت المعادن لمن يستطيع العمل بها.
-3التجارة الخارجية :عرفت التجارة الخارجية رواجا نسبيا وخاصة بعد صنع السفن التجارية التي
قامت لتعوض عجز القطاع الزراعي في سد احتياجات السكان من المواد الغذائية.
كما انتشرت النقود ونشطت المبادالت النقدية وعمليات البيع والشراء ،أما حق التعامل
بالفضة فكان حك ار على الدولة فقط.
22
الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق) الفصل الثاني:
يعتبر النظام الروماني أوضح مثال على النظام االقتصادي الزراعي ،القائم على الرق،
ففيه الزراعة هي النشاط االقتصادي األساسي ،وملكية األرض الزراعية هي اإلستثمار الوحيد
المأمون ،ثم إن الرقيق هم أساس النشاط االقتصادي.
أباح القانون الروماني استيالء المواطنين األحرار على العبيد األجانب ،كما كانت الدولة
تبيع للمواطنين أسرى الحروب حيث كان البنيان الطبقي يتألف من:
-1الزراعة :بدأت بشكل المزرعة العائلية الصغيرة ما لبثت أن أخذت تتوسع بالتدريج ويتوسع
بتوسعها ملكية فئات قليلة من األراضي الزراعية.
-2عالقات اإلنتاج :كانت عالقات اإلنتاج قائمة على أساس الملكية الفردية لوسائل اإلنتاج
وزادها توسعا عمل العبيد اإلستثماري دون مقابل ،حيث تخصصت منتجات المزارع الكبرى بصورة
رئيسية للبيع في السوق ،ولهذا اعتبر أن ما يميز النشاط االقتصادي آنذاك تطور اإلنتاج المثير
بهدف إشباع الحاجات اإلستهالكية إلى اإلنتاج بهدف المبادلة وتكوين الثروات من قبل التجار
وأصحاب رؤوس األموال.
-3التجارة :انحصر النشاط التجاري في البداية بتبادل منتجات القرية الغذائية بمنتجات المدينة
الحرفية ،وبعد الفتوحات الرومانية نشطت الحركة التجارية وتكونت طبقة التجار وأصحاب رؤوس
األموال الجديدة ،وأخذ التحول ينتقل تدريجيا من االقتصاد الزراعي إلى االقتصاد التجاري وأخذت
تختفي معه الطبقة المتوسطة من الزراع.
-4تطور رأس المال النقدي الربوي :أدى نمو التجارة والتداول النقدي إلى تطور رأس المال
النقدي الربوي ،وأخذت تنشأ شركة الملتزمين الذين كانوا يقومون بالعمليات التسليفية ويلتزمون
23
الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق) الفصل الثاني:
بجباية الضرائب ،وانتشرت بصورة واسعة مكاتب الصرافة ،حيث كانت عملية حفظ النقود وتحويلها
تتم هناك .أما األشخاص الذين كانوا يمارسون مهنة التجارة والربا وتقديم القروض بفائدة بدؤوا
ينفصلون تدريجيا وشكلوا طبقة اجتماعية مميزة سميت طبقة الفرسان.
-5التجارة الخارجية :سادت التجارة الخارجية فيما بعد ،وأصبحت روما بذلك تستورد من الواليات
التابعة لها المنتجات الزراعية وتصدر إليها المصنوعات المعدنية.
يكمن الطابع المتميز ألسلوب اإلنتاج العبودي في الملكية المطلقة للسادة ،أي تحويل
المنتج ووسائل اإلنتاج إلى ملكية فردية خاصة ،وربط المنتجين بوسائل اإلنتاج ،واستخدام العنف
واإلكراه للقيام بالعملية اإلنتاجية ،وبذلك تميزت عناصر اإلنتاج بثالث صفات رئيسية:
-ضعف إنتاجية وسائل أدوات العمل بسبب تحطيمها المقصود من قبل العبيد.
وبدأ التناقض بين المصالح االقتصادية للعبيد والمصالح االقتصادية لمالكي العبيد ،وكان
العبد الذي يعد عمله أساس حياة المجتمع العبودي واستم ارره محروما من أية حوافز مادية أو
معنوية لذلك لم يكن مهتما بنتائج عمله أو زيادة اإلنتاجية.
ورغم التطور البطيء جدا لقوى اإلنتاج ،فقد حققت قوى اإلنتاج خالل 4آالف عام من
عمر المجتمع العب ودي تطو ار هاما ،وتشهد على ذلك اآلثار الباقية في مصر وبابل والصين وأثينا
وروما وغيرها.
24
الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق) الفصل الثاني:
كانت أدوات العمل الجديدة تتطلب خبرات ومهارات أكثر تطورا ،ولم يكن لدى العبيد أي
حافز لذلك وهكذا فقد أصبح هذا الشكل من أشكال اإلستغالل عائقا في وجه تطور اإلنتاج وغير
نافع اقتصاديا في الوقت الذي كانت فيه حاجات الطبقة غير المنتجة تتزايد بسرعة.
كانت اإلستثمارات الكبيرة تباع بأسعار منخفضة بسبب انخفاض التكاليف (انخفاض
تكاليف معيشة العبيد بسبب اإلستغالل) ،ولم تتمكن االستثمارات الصغيرة من الصمود في
المنافسة المفروضة عليها من قبل المشاريع العبودية الكبيرة فأخذت تفلس ويحل بها الخراب بأعداد
كبيرة ،وأسهم في ذلك تزايد الضرائب وارتفاع معدالت فوائد المرابين ،وأدى ذلك إلى نشوء جماهير
ضخمة من الفقراء والمحرومين من ملكية وسائل اإلنتاج.
لقد أصبحت المدن مراكز لإلنتاج الحرفي والتجارة والمراباة وتجمعا ثقافيا ،أما الريف فقد
حافظ على الكثير من سمات النظام المشاعي البدائي ،من هنا بدأت عالقة اإلستغالل بين الريف
والمدينة ،من خالل شراء منتجات الفالحين في الريف بأسعار منخفضة وبيعها في المدن بأسعار
مرتفعة هذا التبادل يسمى " التبادل الالمتكافئ " ،وكذلك من خالل الضرائب وشتى أنواع الرسوم
المفروضة على الفالحين مما أدى إلى إفقار الريف وعدم إمكان تجديد القوى فيه وتدهور الزراعة.
تزعزعت أركان األنظمة العبودية بفعل تناقضاتها الداخلية ولم تعد الحروب تقدم المزيد من
العبيد ،وأخذ عددهم يتناقص ،وأخذت االستثمارات الكبيرة والصغيرة تنهار ،وارتفع سعر العبيد
وارتفعت تكاليف عملهم ،وبدأ الميل إلى توزيع األمالك الكبيرة لإلستثمار على العبيد والفالحين
األحرار الذين خسروا أراضيهم وأصبح العبيد والفالحين تابعين شخصيا لمالك األرض ،وعليهم
العمل في أرضه مقابل جزء من المحصول واعطاء الجزء األعظم من المحصول إلى المالك،
وأصبح وضع العبيد يتقارب تدريجيا مع وضع الفالحين األحرار ويتحسن وضعهم ويمتلكون حرية
شخصية أكبر ،ولقد شهدت مثل هذا التحول اإلمبراطورية الرومانية والصينية ،ولقد لعب نظام
25
الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق) الفصل الثاني:
طبقة العبيد وتمرداتهم وثوراتهم دو ار في تحقيق هذا التحول ،لكن وقوع الفالحين األحرار
المستأجرين لألرض من مالك العبيد تحت المديونية الدائمة وأعمال العنف واإلكراه التي استخدمها
المالكون والدولة جعلت هؤالء الناس األحرار مرتبطين باألرض وفاقدين حريتهم عمليا حتى
أصبحت األرض تباع مع الفالحين العاملين عليها ،وكان مالكو األرض يحولون تدريجيا بعض
العبيد المتميزين إلى فالحين مستأجرين لألرض وذلك من أجل حفز العبيد اآلخرين على العمل.
إن هذه العالقات الجديدة خلقت حوافز جديدة لبذل جهود إضافية من أجل زيادة اإلنتاج
ألن قسما من هذه الزيادة ستكون من نصيب المنتجين أنفسهم ،وكان مالكو األرض يقدمون لوازم
الزراعة للفالحين والعبيد المستأجرين باإلضافة إلى قطعة األرض وذلك مقابل أجرة معينة إما نقدا
أو عينا (جزء من المحصول) باإلضافة إلى ذلك كان على الفالحين والعبيد دفع ضرائب عالية
للدولة .إن هذه األشكال الجديدة من العالقات كانت مقدمة لظهور المجتمع اإلقطاعي.
أدى تفاقم التناقضات االقتصادية إلى تفاقم التناقضات االجتماعية وباألخص بين العبيد
ومالكي العبيد ،كان العبيد يهربون من العمل ويحطمون أدوات العمل ،وكان من أهم أشكال نضال
العبيد ضد السادة االنتفاضات المسلحة التي كان أكبرها انتفاضتان كبيرتان في جزيرة صقلية
( 132 -138ق م) و( 101 -104ق م) ،وانتفاضة عبيد الصين في هينان وسيشوان وشاندون
( 13 -22ق م) وغيرها.1
لقد برهن العبيد من خالل هذه االنتفاضات على أنهم ليسوا قطعان ماشية وال أدوات إنتاج
بسيطة كما كان يعاملهم األسياد ،ورغم أن اإلنتفاضات كانت تنتهي بالفشل والهزيمة ،وهذا ألن
القائمين بها كان ينقصهم التنظيم واالنضباط الضروريان ،فقد كانوا يشتتون قواهم وال يفلحون في
الصمود أمام القوات الجيدة التسليح للطبقة الحاكمة ،وبالرغم من ذلك إال أنها كانت بمثابة ضربات
تسدد إلى األشكال البالية لعالقات اإلنتاج.
-1عارف دليلة ،االقتصاد السياسي ،منشورات جامعة حلب ،سوريا ،1979 ،ص.121.
26
الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق) الفصل الثاني:
كان الفتح اإل سالمي الذي التف حول شواطئ البحر األبيض المتوسط فاصال لنظام الرق،
وهكذا فان سقوط روما كإمبراطورية سجل في الوقت نفسه انهيار النظام العبودي بشكل كلي.
وبنهاية العهد الروماني كان من المفروض أن تنتهي تلك الطبقات ،إال أنه حدث العكس ،حيث أن
تكون العالقات
النظام الطبقي قد مد جذوره أكثر في الفترة التي تلت العهد الروماني ،فترة ّ
اإلقطاعية أي بداية تطور النظام اإلقطاعي في أوربا.1
27
الوقائع االقتصادية في العالم اإلسالمي الفصل الثالث:
تمهيد
ينظر المؤرخون إلى فترة العصور الوسطى الطويلة التي مرت بها أوربا كفترة ظالم فكري
وتأخر اقتصادي ،وكان من أبرز اإلشعاعات الحضارية التي بزغت منذ القرن السابع الميالدي،
إشعاع الحضارة اإلسالمية التي قامت على قوة العقيدة وانتشرت مع الفتوحات اإلسالمية حتى
وصلت إلى أجزاء عديدة من أوربا.
كان العرب قبل اإلسالم يعيشون في مرحلة إنحالل العالقات المشاعية البدائية وظهور
العبودية وكانت أرستقراطية العشيرة تستغل العبيد في رعي الماشية والزراعة وأعمال الري ،ولقد
أدى استخدام العبيد في الرعي إلى االستغناء عن رعاة الماشية األحرار في العمل اإلجتماعي.
وفي القرن السادس أي قبل ظهور اإلسالم ،جرت عملية انحالل عالقات المشاعية البدائية
بفضل تطور التجارة والربا ،ورافقتهما تناقضات عديدة بين البدو والحضر ،بين مالك العبيد
والعبيد .وكانت قبيلة قريش تتاجر ببضائع الهند والشام فتنقلها إلى أوربا ،وكانت تسيطر على
طرق المواصالت التي تربط األطراف البعيدة مثل الطريق الرابط بين الهند والشام.
وقد تحول اإلقتصاد البدوي الذي كان يهيمن على شبه الجزيرة العربية في القرن السادس
ميالدي من اقتصاد بدوي إلى تجاري في مكة والى زراعي في المدينة .ولقد أدى هذا التحول
مباشرة إلى سيادة رأس المال وزيادة استغالل الفقراء وضعف روح الجماعية للقبيلة لكنه أدى في
الوقت نفسه إلى امتداد النفوذ العربي خارج األطراف البعيدة من الجزيرة العربية والى رسوخ فكرة
العروبة التي سوف يدعمها نزول القرآن الكريم بالعربية ويعززها ،لقد أصبحت قبيلة قريش تمثل
وحدة سياسية عربية في زمن تعاني فيه القبائل العربية األخرى ،كانت تعترف بالتقاليد والعادات
واألعراف القبلية وتتخذ موقف الحذر والحياد حيال القوتين المتنافرتين ،لكنها تمثل أيضا تقدما في
التنظيم السياسي واالجتماعي.
29
الوقائع االقتصادية في العالم اإلسالمي الفصل الثالث:
يبقى مركز قبيلة قريش التجاري وأسلوبها الطبقي القبلي هما المسيطران على الحياة
االقتصادية واالجتماعية في قلب الجزيرة العربية إلى أن جاء اإلسالم من حيث هو ثورة اجتماعية
شاملة أحل مفهوم األمة محل مفهوم القبيلة ،ومفاهيم اإليمان محل مفاهيم الشرك واإللحاد،
ومفاهيم الشريعة اإلسالمية والعدالة االجتماعية محل مفاهيم االستغالل والتسلط المادي ،ومفاهيم
االنقسام والتمييز بمفاهيم المساواة بين المسلمين الذين ال تفريق بينهم إال بالتقوى.
لقد أرسى اإلسالم الشورى أسس دولة حديثة بدأت مقدماتها في المدينة ثم انتشرت في باقي
الجزيرة العربية وبالد الشام والعراق ،وأصبح ينظم اإليرادات العامة التي تتطلبها الدولة الحديثة،
فكان الخراج والجزية والزكاة ،وهكذا ولدت إمبراطورية أصبحت بسرعة مرك از عالميا نابضا بالتقدم
االقتصادي والحضاري.
ظل التفاوت في الثروة واالنقسام االجتماعي ،فمكة التي كانت مدينة تجارية كانت تضم فئة
التجار الذين كان منهم التاجر الكبير والتاجر الصغير وما يقع بينهما ،كما وجدت فئة العبيد
وكانت تفرض عليهم أجو ار يومية .وهذا ينطبق على مختلف المناطق ،مع خصوصية المناطق
الزراعية مثل الطائف ويثرب لوجود المزارعين بعدد كبير ،غالبيتهم يعيشون عيشة كفاية ،إال أن ما
يمكن قوله أن حدة التفاوت في مكة كان كبي ار مقارنة بالمناطق األخرى ،إذ أن التجارة من شأنها
أن تخلق متفاوتا حادا في الثروات .إال أن األوضاع لم تصل إلى حد الفصل الطبقي لتبلور
الطبقات االجتماعية.1
استمر التقدم في العهد العباسي وتوسعت السوق في الدولة اإلسالمية بنمو المراكز
اإلنتاجية الزراعية والصناعية نموا كبي ار فقد تطورت الزراعة وخاصة بعد إدخال اإلستصالحات
واألسمدة وتحسين تقنية الري ،وكانت تتسع بإدخال زراعة القطن في الحقول السورية والرز في
الحقول العراقية كما انتشرت ز ارعة قصب السكر والتمور والتوت واستوردت أنواع من الفواكه
-1عبد علي كاظم المعموري ،تاريخ األفكار االقتصادية ،دار ومكتبة الحامد للنشر والتوزيع ،عمان ،2012 ،ص.158 .
30
الوقائع االقتصادية في العالم اإلسالمي الفصل الثالث:
والخضار لم تكن معروفة في عدد من أقطار الدولة اإلسالمية كما توسعت تربية الخيول
والحيوانات األخرى لتلبي حاجات تلك السوق الواسعة.
لقد عرفت الصناعة تطو ار هي األخرى ،وذلك بتحسين وسائل غزل ونسيج القطن والحرير
وصناعة الزجاج والزيوت والعطور والصابون والمراهم والجلود والسجاد والموازين واألواني
والسيوف ،وكذلك بإدخال الطاحون المدارة بالماء لطحن الدقيق أو عصر قصب السكر.
كما أقيمت المصانع الحكومية وغير الحكومية مستخدمة العمال والطاقة المائية أو الحيوانية
وكانت حرية العمل وامكانية اإلثراء موجودة كما أن اليد العاملة رخيصة ومتوفرة وكانت أقطار
الدولة اإلسالمية تصدر إلى العالم مواد أولية لصناعتها.
إن كثافة هذه الفعاليات االقتصادية تبين أن المواد الزراعية والصناعات التي كانت مكرسة
للتبادل والتجارة كانت تزداد انتشا ار وتنوعا كلما ازدهر التبادل والتجارة مع العالم الخارجي وبفضل
هذا التطور أصبح الدينار العربي عملة مرغوبة ومطلوبة .وألول مرة في التاريخ يقوم ما يمكن
تسميته بنظام تداول نقدي عالمي.
وقامت مراكز تجارية ومؤسسات مصرفية ذات فروع في عدد من األقاليم داخل الدولة
اإلسالمية وخارجها ،وأوجدت الحياة االقتصادية المزدهرة تقنية الضمانات والمدفوعات بطريقة
السفتجة.
هذه األمثلة التي ذكرناها من تاريخ الوقائع االقتصادية تكفي للبرهنة على قيام ما يمكن
تسميته ببداية عملية نمو اقتصادي قائمة على تكاثف الفعاليات االقتصادية المتمحورة حول
االزدهار التجاري الذي يحركه عامل الربح كان يجري إلى دورته المالية التي تزداد اتساعا إنتاجيا
زراعيا صناعيا متناميا.
31
الوقائع االقتصادية في العالم اإلسالمي الفصل الثالث:
إنها بداية عملية نمو اقتصادي تندفع في طريق رأسمالي ،حيث أن طبقة غنية ذات صفات
تجارية كانت تنمو في إطار الدولة اإلسالمية وتحتل مكانا كبي ار في بنيان المجتمع وتصبح في
غضون القرنين التاسع والعاشر عامال اقتصاديا واجتماعيا هاما.
كانت األقطار التي اتجه إليها الفتح اإلسالمي تعيش عصر من العبودية ،حيث إقطاعيات
األسر الحاكمة وحيث العبيد ،إلى أن جاء الفتح فاعتبر أراضي األسر الحاكمة وأراضي النبالء
الكبار ملك لبيت المال ،كما أن الفتوحات سهلت تجمع الثروة بين أيدي فئة قليلة أعطيت أراضي
كثيرة لألغنياء ،وتحول العرب القادمون من الجزيرة العربية من ممارسة النشاط التجاري إلى
الملكية الزراعية ،حيث أدرك أشراف القبائل أهمية األرض وما تعود به من ثروة فسارعوا المتالكها
بينما أدرك عامة الشعب ذلك بشكل متأخر.
وهذا ما نتج عنه هوة مادية كبيرة بين هؤالء األغنياء الجدد وبين عامة الشعب ،بحيث أدى
التوسع في امتالك األراضي واستصالحها إلى ظهور الملكيات الزراعية الكبيرة وخاصة في أواخر
أيام األمويين بحيث برزوا إقطاعيين كبار مثل مسلمة بن عبد المالك (أمير العراق 103 -102
هـ) وخالد القسرى ( 120 -105هـ ) وهشام بن عبد المالك (125 -105هـ).
كما أن العرب الفاتحين نظموا سجالت دقيقة باألراضي والسكان ومهنهم كما نظموا
الضرائب على األفراد واألراضي والمهن .كما شهد تاريخ تلك الفترة ثورات متعددة مثل ثورة زيد بن
علي في الكوفة سنة 122هـ ،وزيد بن الوليد بن عبد المالك سنة 126هـ وثورة الخوارج وثورة
المقنع في إيران 163 -159هـ ...الخ ،كانت هذه الثورات تنادي جميعها بالمساواة والعدل وعدم
إرهاق الفالحين ومنع الملكيات الكبيرة وعدم جباية الضرائب والعودة لمبدأ الشورى والمساواة.
وبصفة عامة يمكن القول أن هذه الفترة تميزت باستثمار أفضل لألراضي التي شملها الفتح
كما تميزت كذلك بنمو الصناعة الحرفية المحلية في توطيد مؤسسات الدولة وانشاء الدواوين وصك
العملة واقامة تقنية الري والطرق وتنظيم التجارة.
32
الوقائع االقتصادية في العالم اإلسالمي الفصل الثالث:
شهدت الخالفة العباسية مرحلة انقراض المجتمعات القبلية وتطور ملحوظ في النشاط
التجاري إلى جانب النشاط الزراعي حيث قسمت األراضي أيام العباسيين إلى ثالث أنواع:
-2أراضي الخراج :وهي ملكية فردية مقابل دفع الخراج وهو أجرة األرض للدولة.
كما أن اإلزدهار شمل النواحي األخرى ،حيث نمت في العهد العباسي المدن وازدادت
كون فئة رأسمالية ناشطة اعتمدت مبدأ الحرف المهنية وانتظمت قوانينها وتراكمت األموال مما ّ
شركات المساهمة وتدخلت الدولة في األسعار وخصوصا بالنسبة للمواد الغذائية كما زاد نشاط
الصيارفة وراجت الصكوك ،وبصورة عامة فقد شهدت المرحلة العباسية تطو ار كبي ار في مجال
الصناعة والزراعة والتجارة.
بداية من القرن العاشر ميالدي بدأ التراجع العربي على كافة األصعدة ،ولقد تميز ذلك
بالضعف السياسي في مركز الخالفة العربية وازدياد قوة الحماة األجانب لهذه الخالفة ،مما أدى
إلى دخول البويهيين بغداد سنة 1045م ،فسادت أنواع مختلفة من اإلقطاع مثل إقطاع األسر
الحاكمة واقطاع الجند والقادة ،الذي كان يختلف عما وجد في أوروبا ،كان الهدف منه في البداية
هو تخلص الدولة من نفقات الجيش لكنه تحول بعد ذلك إلى إقطاعيات كثيرة يملكها العسكريون
ويجنون منها األموال الطائلة.
لم يكن هم ذلك اإلقطاع العسكري الزراعة أو اإلنتاج وانما الربح السريع وجمع المال
فأهملت متطلبات الزراعة من الري ،وتدهورت أحوال الفالحين وزادت الضرائب على األرض مما
جعل أهلها يتركونها للقادة العسكريين.
33
الوقائع االقتصادية في العالم اإلسالمي الفصل الثالث:
وساعد هذا الضعف قبيلة عقيل على منطقة الموصل وغرب الفرات واستولى بنو أسد على
منطقة الحلة ،واستولت قبيلة خفاجة على جنوب العراق ،وكانت هذه القبائل في منازعات مستمرة
مما نشر الفوضى والخراب وزاد في الغالء والمجاعات كما تراجع النشاط التجاري نتيجة لتعرض
التجارة للمصادرة وللضرائب الباهضة المفروضة عليها ،وتراجع الوضع المعيشي للناس عموما مما
زاد في نقمة الشعب على الحكم البويهي وشجع على حركات التمرد.
وبالرغم من الوضع المتردي ،يمكن ذكر بعض الجوانب اإليجابية نذكر منها نشوء
التنظيمات الشعبية مثل العيارين والشطار والفتوة وبعض المجموعات الصوفية ،وانتشار ظاهرة
التعليم الذي كان مفتوحا لفئات الشعب م ما كان له األثر االيجابي في بقاء شعلة العلم والمعرفة،
وعندما جاء السالجقة سنة 1092م تابع اإلقطاع العسكري توسعه وانتشاره وتخريبه للبالد ،وتحول
هذا اإلقطاع من إقطاع متخصص في جمع الضرائب إلى إقطاع وراثي لألرض كان يملك
اإلقطاعي العسكري سلطات واسعة مقابل تجهيز الجند واعدادهم.
وفي نهاية عقد السالجقة تشتتت إمبراطوريتهم وبدأت عليهم الحمالت الصليبية التي كانت
المقدمة األولى لما أصبح نعرفه اليوم بظاهرة االستعمار ،ولكن النهاية للخالفة العباسية وللزمن
العربي جاءت حين اجتياح المغول بغداد سنة 1335م ،وغابت الشمس العربية إلى يومنا هذا.1
34
الوقائع االقتصادية في العالم الغربي الفصل الرابع:
تمهيد
حلت اإلقطاعية محل نظام العبودية ،وقد ساد في أوربا في العصور الوسطى التي امتدت
في الفترة مابين سقوط اإلمبراطورية الرومانية الغربية على يد القبائل الجرمانية في القرن الخامس
ميالدي وحتى فتح المسلمين للقسطنطينية في القرن الخامس عشر.1
كان النظام اإلقطاعي بمثابة النظام االقتصادي واالجتماعي والسياسي الذي ساد في
أوروبا آنذاك ،حيث نشأ هذا النظام على أنقاض النظام العبودي وذلك بعدما قامت القبائل
الجرمانية (أقل تحض ار من الرومان) باحتالل روما ،فقد كانت اإلمبراطورية الرومانية في جزأيها
الشرقي والغربي تقوم على سيادة أهل روما وعلى نظام الرق والتجارة بين مختلف أجزائها ،وكان
نظام ا لحكم يقوم على وجود سلطة مركزية قوية مركزها روما ،وبالتالي السيطرة على اإلمبراطورية
الرومانية الغربية 476م ،كما قامت الدولة اإلسالمية في القرن الثامن الميالدي بشن الحروب
على اإلمبراطورية الرومانية الشرقية واإلمبراطورية الفارسية ،كل ذلك أدى إلى انهيار العالم القديم
وضياع معالمه في أوروبا وذلك بعد سقوط روما وانهيار جهاز الحكم المركزي فيها وانقطاع
التجارة بين الشرق والغرب بسبب تعاظم نفوذ الدولة اإلسالمية.
في ظل هذه الظروف بدأ النظام اإلقطاعي بالتشكل ألن ملوك الجرمان الذين سيطروا على
روما لم يكونوا قادرين على إ قامة سلطة مركزية ،لذا عمدوا إلى تنصيب قادة جيوشهم حكاما
لألقاليم ،ومع مرور الوقت بدأ هؤالء القادة باتخاذ بعض مظاهر االستقالل عن السلطة المركزية،
فأصبحت وظائفهم وألقابهم وراثية وصاروا يجمعون الضرائب لحسابهم الخاص ،كما قاموا بإنشاء
المحاكم اإلقطاعية التي تحك م بأسمائهم وكان لكل إقطاعية جيشها الخاص ،حتى أن أغلب
اإلقطاعيين بدؤوا بصك (بإصدار) النقود بأسمائهم ،وبذلك بدأت اإلقطاعية وكأنها وحدة اقتصادية
واجتماعية وسياسية ،وبالتالي تشكل ما يسمى بالهرم اإلقطاعي الذي يأتي في قمته اإلمبراطور
الذي فقد نفوذه السياسي واالقتصادي مع مرور الوقت لصالح قاعدة الهرم التي تتألف من قادة
اإلقطاعيين – النبالء – األشراف – األسياد – اللوردات.
-1سعيد سعد مرطان ،مدخل للفكر االقتصادي في اإلسالم ،مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع ،لبنان ،2002 ،ص.21.
36
الوقائع االقتصادية في العالم الغربي الفصل الرابع:
تعريف اإلقطاعية (الضيعة) :هي وحدة اقتصادية اجتماعية تقوم على اإلنتاج الطبيعي،
وتهدف على األقل في المراحل األولى إلى اإلكتفاء الذاتي ،وهي ُم َشكلة في بعض األحيان من
قرية أو أكثر يتوسطها قصر السيد (اإلقطاعي) الذي يمتلك األرض ،ويقيم في أكواخ القرية من
يقومون بالنشاط اإلنتاجي (عبيد األرض) ،والفالحون األحرار (هم أقلية محدودة تملك مساحات
صغيرة من األراضي) ،وعادة ما كانت اإلقطاعية تضم بعض الحرفيين كالحداد والنجار وصانع
األواني وغير ذلك.
استولى قادة اإلقطاعيات على أغلب األراضي الزراعية بطرق مختلفة ،كإرهاق الفالحين
بالضرائب الشيء الذي يدفعهم إلى تسليمها بعد الغرق في الديون ،أو تسليمها طوعا مقابل
الحصول على الحماية ،وأصبحت بالتالي أغلب األراضي ملكا لإلقطاعيين وتحول المزارعين
وأسرهم إلى أقنان لألرض (عبيد األرض) ،يعملون لدى اإلقطاعيين وتحت سيطرتهم (تابعين لهم)،
وكانت األراضي موزعة بالشكل التالي:
-1جزء من األرض يحتفظ به السيد لنفسه والجزء الثاني يوزع بين المزارعين بالتساوي ،حيث
يقومون بزراعة حصتهم من األرض لحسابهم الخاص مع التزامهم بدفع جزء من المحصول في
شكل ريوع نقدية أو عينية لسيد اإلقطاعية وللكنيسة (إندمجت الكنيسة في النظام اإلقطاعي
وأصبحت جزءا منه تدافع عنه وتحبذه وارتبطت بذلك مصالحها بمصالح النظام اإلقطاعي).
-3كان يحق لرقيق األرض (المزارعين) توريث حق زراعة األرض (حصتهم من األرض) إلى
أبنائهم بعد موتهم ،كما كانوا مجبرين على العمل وطاعة من يرث سيد اإلقطاعية في حالة موته،
ويلتزم سيد اإلقطاعية بحماية رقيق األرض والقضاء بينهم (العدالة) مع ضمان بعض الحاجات
الضرورية األخرى.
37
الوقائع االقتصادية في العالم الغربي الفصل الرابع:
1
المطلب األول :أشكال الريع اإلقطاعي
السخرة :وهو الشكل األول للريع ،وفي ظل هذا الشكل ينتج الفالح المنتوج الضروري -1ريع َ
لضمان وجوده وعائلته خالل عدد من أيام األسبوع باستعمال أدواته الخاصة ،بينما ينتج المنتوج
الفائض الذي ينتزعه اإلقطاعي بدون مقابل.
-2الريع العيني :في هذا الشكل ال ينفصل العمل من أجل الذات ال في المكان وال في الزمان،
فالفالحون التابعون ينتجون المنتوج الضروري واإلضافي في استثماراتهم ،ثم يذهب المنتوج
اإلضافي إلى اإلقطاعي في صورة نسبة من المنتجات.
إن تحول اإلقطاعيين إلى هذا الشكل من أشكال الريع بدافع اإلستفادة من الحافز المادي
لدى الفالحين بتحسين نتاج عملهم في استثماراتهم الخاصة ،حيث أدرك اإلقطاعي أنه من
األفضل إنتاج المنتوج الفائض في مستثمرة الفالح ألن إنتاجية وشدة عمله هناك ستكون أعلى
وبذلك يوفر اإلقطاعي نفقات الناظرين على العمل واإلكراه الشخصي المكشوف.
-3الريع النقدي :هو الشكل المتحول للريع العيني ،ويتميز عنه بأن الفالحين ال يقدمون
لإلقطاعيين المنتوج الفائض ،وانما ثمن هذا المنتوج ،فالفالح أصبح مضط ار ليبيع هذا المنتوج أي
تحويله إلى نقود.
وقد ترتبت بعض النتائج للتحول من الريع العيني إلى النقدي نذكر منها ما يلي:
أ -في ظل الريع النقدي تتدعم وتتوسع ملكية الفالحين ألدوات اإلنتاج.
ب -أصبح الفالح بإمكانه شراء التزاماته وتحرير نفسه من اإلقطاعي والتحول كليا إلى فالح حر
مالك لألرض.
ج -ظهور سعر األرض ،أي تحول األرض إلى بضاعة ،ولم تعد إمكانية شراء األرض مقتصرة
على الفالحين فقط ،بل أصبح بإمكان سكان المدينة شراء قطع أرضية بهدف تأجيرها للفالحين.
38
الوقائع االقتصادية في العالم الغربي الفصل الرابع:
كان اقتصاد اإلقطاعية يميل إلى تحقيق اإلكتفاء الذاتي (إقتصاد مغلق) فناد ار ما تتم
المبادلة بين اإلقطاعيات ،وبذلك فقد أهملت التجارة ولم تعد تشكل أهمية كبيرة لدى اإلقطاعيين،
وبالمقابل كانت الزراعة تمثل أهم نشاط اقتصادي في أوربا في ذلك الوقت.
كان للكنيسة دو ار قياديا ومحوريا في العصور الوسطى ،فلقد امتلكت الكنيسة أراضي
شاسعة اشتغل في زراعتها عدد كبير من العبيد ،وفي الحقيقة يمكن اعتبار الكنيسة أكبر إقطاعي
في العصور الوسطى قاطبة ،كما سيطرت الكنيسة سيطرة تامة على الحياة الفكرية والروحية
للمجتمع ،فقد احتكرت التعل يم احتكا ار مطلقا في مجتمع سادت فيه األمية سيادة شبه كاملة ،لذا
انحصرت الحياة الفكرية في رجال الدين الذين فسروا جميع جوانب الحياة انطالقا من المنظور
الديني األخالقي.1
تعتبر المنظمات الحرفية الصورة األولى للنقابات العمالية التي نراها اليوم ،ففي مجال
الصناعات الحرفية ظهرت تنظيمات نقابية ابتداءا من القرن 12م ،تقوم باإلشراف على النشاط
الحرفي في المدينة (يمارس النشاط الحرفي خارج سيطرة اإلقطاعية) تسمى بالنقابات الطائفية،
فكان لكل حرفة نقابتها الخاصة بها مهمتها تنظيم النشاط الحرفي ،حيث تقوم هذه النقابات بما
يلي:
-1تحديد األسعار والمحافظة عليها ،تحديد عدد العمال في كل حرفة ،مع وضع شروط للعضوية
في النقابة.
-1محمد عمر أبو عيده ،عبد الحميد محمد شعبان ،تاريخ الفكر االقتصادي ،الشركة العربية المتحدة للتسويق والتوريدات ،مصر،2008 ،
ص.35.
39
الوقائع االقتصادية في العالم الغربي الفصل الرابع:
يجتهد اإلقطاعيون للحصول على أكبر قدر ممكن من المنتوج الفائض في شكل ريع
عقاري إقطاعي وذلك عن طريق اإلستثمار اإلكراهي في الفالحين.
ومن هنا فالعالقة مع مالك األرض السيد كانت قائمة على أساس التبعية ،وبهذا كان
المجتمع ينقسم إلى طبقتين رئيسيتين وهما طبقة اإلقطاعيين والفالحين ،والى جانب هذا كانت
هناك فئات أخرى مثل صغار المنتجين من الفالحين وحرفيين وتجار ومرابون.
وتجدر اإلشارة هنا أن هذه المرحلة عرفت ضعف وانحصار التجار بين أوروبا والشرق وهذا
راجع لعدم وجود األمن واإلستقرار في الطرق التجارية التقليدية المؤدية إلى الشرق وذلك بعد تعاظم
نفوذ الدولة اإلسالمية ،لذلك فإن أوروبا في عهد اإلقطاع تميزت باإلكتفاء الذاتي واقتصرت
تجارتها مع العالم الخارجي على بعض المنتجات فقط.
قامت النقابات بدور هام في تقدم الصناعات وتقوية مراكز أعضائها إال أن الصناعة كانت
يدوية ب ينما اإلنتاج ظل محدودا ،إذ كانت دائما تعمل على تحديد اإلنتاج خشية أن تنهار األسعار
فتسوء حالة األعضاء ،وابتداءا من منتصف القرن التاسع عشر إضمحلت النقابات الطائفية نتيجة
إلى عدة عوامل أهمها:
-1عدم التقدم الصناعي :حيث عملت النقابات اإلبقاء على مستوى الصناعة التقليدي إذ وضعت
العقبات أمام العمال الفنيين مما أعدم روح اإلبتكار واالختراع دون أي تقدم صناعي.
-2التساوي في السوق :كانت النقابات توزع حاجة السوق بين أعضائها من السلع بالتساوي ،إذ
كان ال يفرق بين المنتج الجيد والمنتج الرديء ،مما أدى ببعض العمال إلى الخروج عن ذلك
النظام نظ ار للطموح في اإلبتكار والتجديد.
-3التقيد في أدوات اإلنتاج وعدد العمال :حيث حددت النقابة مقدار اآلالت وعدد العمال الذين
يمكن ألي صاحب حرفة استخدامها ،مما لم يسمح للتوسع الصناعي.1
40
الوقائع االقتصادية في العالم الغربي الفصل الرابع:
-4الشروط القاسية التي وضعت أمام العمال :إن تزايد عدد السكان ورغبتهم في التوسع في
اإلنتاج اصطدمت بقيود النقابات الطائفية ،فأصبحت تلك النقابات عامال من عوامل الجمود
والتأخر ألنها كانت تقاوم كل جديد في طرق الصناعة وتضييق سبيل العمل أمام الصناع ،رغبة
منها في تحديد اإلنتاج وصار العامل الذي تحرم عليه النقابة اإلشتغال بمهنة معينة ملزما إما
بالخضوع للنقابة أو الخروج عن دائرة نفوذها في المدينة ،وممارسة عمله في الريف ،لذا كثر
التذمر والشكوى من النقابات سواء كان ذلك من جمهور المستهلكين أو المنتجين ،وصار إلغاؤها
في طليعة اإلصالحات المطلوبة.1
لقد حافظت المظاهر المميزة لنمط اإلنتاج اإلقطاعي على أهميتها في فترة انحالل
اإلقطاع ،لكن نشوء العالقات الرأسمالية جعلها عرضة لتغيرات هامة ،وقد بدأت تلك الفترة في
القرن السادس عشر ،وان تكون العناصر األولى لنمط اإلنتاج الرأسمالي قد ظهرت في المدن
اإليطالية ابتداء من القرنين الرابع عشر والخامس عشر.
في نهاية فترة اإلقطاعية ،ومع بلوغ القوى اإلنتاجية مستوى رفيعا بدأت تظهر العالقات
الرأسمالية في داخل االقتصاد اإلقطاعي .وكانت تلك العالقات على صلة وثيقة بتشكيل طبقتين
جديدتين ،البرجوازية مالكة وسائل اإلنتاج وأدواته ،والعمال األجراء المحرومين من تلك الوسائل،
والمضطرين بالتالي إلى بيع قوة عملهم للرأسماليين.
كان الرأسمالي يجبر األجير على العمل أكثر مما هو ضروري لتأمين رزق أسرته .ونشأ
عن ذلك فائض قيمة الذي يستحوذ عليه الرأسمالي .وكان استحواذ الرأسمالي على فائض القيمة
يشكل في آن واحد القانون األساسي للرأسمالية والشكل النوعي لإلستغالل في ظل هذا النظام.2
-1اسماعيل محمود علي ،تاريخ الفكر االقتصادي ،مكتبة الوفاء القانونية ،مصر ،2011 ،ص.11.
-2بن طاهر حسين ،مرجع سابق ،ص.65.
41
النظام االقتصادي الرأسمالي الفصل الخامس:
تمهيد
بعد زوال النظام اإلقطاعي في أوربا ظهر نظام اقتصادي جديد إستقر على تسميته بالنظام
االقتصادي الرأسمالي ،الذي ظهر وازدهر في أوروبا الغربية فغير من وجه المعمورة تغيي ار جذريا
خالل فترة زمنية وجيزة على خالف األنظمة اإلقتصادية السابقة التي استمرت لفترات طويلة.
النظام الرأسمالي هو ذلك النظام االقتصادي الذي يقوم على مبادئ الحرية االقتصادية،
والتي تشمل حرية التملك ،التعاقد ،اإلنتاج ،التسعير ،التبادل ،اإلستهالك ،وحرية التصرف في
الدخل والثروة .وتتحدد الق اررات فيه وفقا آللية السوق الحرة ،بغية تحقيق أكبر عائد مادي ممكن
ألطراف التعامل.1
الهدف األساسي للنشاط االقتصادي في النظام الرأسمالي هو تحقيق المصلحة الذاتية للفرد،
أي إشباع الحاجات والرغبات الفردية في المجتمع ،وهذا ما يعبر عنه بالفردية ،واذا ما سعى كل
فرد في المجتمع عند قيامه بالنشاط االقتصادي إلى تحقيق مصلحته الخاصة ،فإن مصلحة
المجتمع ككل سوف تتحقق فالمصلحة الخاصة تلعب دور المحرك األساسي للنشاط االقتصادي،
وبالتالي تسعى كل وحدة اقتصادية إلى تحقيق مصلحتها الذاتية ،فمثال المنتج يقوم بإنتاج سلعة
معينة من أجل تحقيق أقصى ربح ،والعامل يسعى حين يؤجر طاقته اإلنتاجية إلى الحصول على
أكبر أجر ممكن وبأقل جهد مبذول ،وكذلك المستهلك فإنه يسعى إلى تحقيق أقصى إشباع ممكن
من الدخل الذي يملكه ،وبالتالي نجد أن كل وحدة اقتصادية تسعى من وراء قيامها بنشاطها
االقتصادي إلى الحصول على أكبر مردود ممكن من ذلك النشاط.
43
النظام االقتصادي الرأسمالي الفصل الخامس:
-2الحرية اإلقتصادية :لقد أطلق على النظام الرأسمالي بالنظام اإلقتصادي الحر ،بناءا على هذه
الخاصية ،وتعني الحرية اإلقتصادية أن لكل وحدة قرار اقتصادي من منتجين ومستهلكين الحق
في توجيه واستخدام مواردها في النشاط الذي تفضله وترغبه ،وهذا يعني أن تلك الحرية تكون
مطلقة وبدون أية قيود في استخدام الموارد االقتصادية فمن دافع المصلحة الذاتية تسعى الوحدة
اإلقتصادية دائما لتعظيم العائد اإلقتصادي من الموارد التي تملكها.
-3حافز الربح :يعد حافز الربح في النظام الرأسمالي الدافع األساسي لزيادة اإلنتاج وهو المحرك
الرئيسي ألي قرار يتخذه المنتجون فكل فرد في هذا النظام إنما يتصرف بما تمليه عليه مصلحته
الشخصية بما يتفق مع تحقيق أهدافه الخاصة ،وبما أن الربح هو الفرق بين اإليرادات والتكاليف
فان المنتجين في النظام الرأسمالي يختارون النشاط االقتصادي المالئم الستغالل الموارد بأفضل
طريقة ممكنة.
-4سيادة المنتج :بما أن المنتج يسعى إلى تحقيق أقصى ربح فإن رغبات المستهلكين هي التي
تحدد مجاالت اإلنتاج التي فيها ربح أكبر ،وكذلك حين تزداد رغبات المستهلكين في منتج معين
يزداد طلبهم عليها ،وبالتالي يتجه المنتجون إلى إنتاج هذا المنتج ليحققوا أرباح أكبر.
44
النظام االقتصادي الرأسمالي الفصل الخامس:
-5تقسيم الناتج اإلجمالي إلى قسمين حسب طبقات المجتمع فتحصل الطبقة التي تملك وسائل
اإلنتاج على القسم األكبر من الناتج في شكل أرباح وفوائد بينما تحصل طبقة العمال على جزء
قليل منه لضمان سد حاجاتها الضرورية في شكل أجور.
-7توسع مجال التقسيم اإلجتماعي للعمل ،وأصبح اإلنتاج يهدف إلى التبادل وتحقيق الربح بدال
من اإلستهالك لذلك سمي باإلقتصاد السلعي.
-8اإلنتقال الحر لليد العاملة وانفصالها عن وسائل اإلنتاج األخرى ،وصار العمل كسلعة تباع
وتشترى في السوق.
كانت أهم العوامل التي ساهمت في قيام النظام االقتصادي الرأسمالي وزوال النظام
اإلقطاعي ما يلي:
المطلب األول :القضاء على طبقة األشراف واألسياد وقيام الدولة القومية
أدى تراجع سلطة الكنيسة ونتيجة للثورة ضد اإلقطاع واإلستغالل أصبحت مقاليد الحكم في
أوربا في يد عدد قليل من الحكام ،فقد استطاع الملوك أن يجمعوا السلطات في أيديهم تدريجيا
ويقضوا بالتالي على التفكك ممثال في اإلقطاعيات ،وبذلك ظهرت الدولة القومية في أوربا في
أواخر القرن الخامس عشر مثل فرنسا ،انكلترا ،اسبانيا ،هولندا وغيرها ،أصبحت وحدات سياسية
مستقلة ذات سلطة مركزية قوية ،وكان لها ملوك حقيقيون ،1وقد ساهمت مجموعة من العوامل في
القضاء على اإلقطاع وظهور الدولة القومية أهمها:
-1هروب رقيق األرض إلى المدن أين يجدون حرية أكبر في العمل وبالتالي تخليهم عن
اإللتزامات اإلقطاعية هو ما ساهم في زعزعة النظام اإلقطاعي وذلك باعتبار الفالحين ركيزة
اإلنتاج الزراعي في اإلقطاعية (الضيعة).
45
النظام االقتصادي الرأسمالي الفصل الخامس:
-2إنتشار استعمال النقود المعدنية (ذهب وفضة) في التبادل ،حيث كان تجار وصناع المدينة
يتعاملون بالنقود ،لذلك أجبر اإلقطاعيون أثناء شراء منتوجاتهم إلى دفع المقابل نقدا وهو ما دفعهم
إلى التعامل مع أقنان األرض (الفالحين) بالنقود وهو ما أدى إلى تحول اإللتزامات اإلقطاعية إلى
إلتزامات نقدية بعدما كانت عينية (سلع) وهو ما ساهم في التخفيف من عالقة التبعية التي كانت
تربط الفالح بالسيد وتحولت عالقة التبعية هذه إلى أن أصبحت في شكل إيجار.
-3تحالف تجار المدينة مع الملوك من أجل القضاء على اإلقطاع وفي ذلك اإلتفاق مصالح
للطرفين.
1
المطلب الثاني :ازدياد عدد السكان
شهد سكان أوروبا عامة وخاصة سكان المدن زيادة كبيرة ابتداءا من منتصف القرن 16
وذلك لعدة أسباب ،وهو ما ساهم بدوره في زيادة الطلب على المنتجات الغذائية الشيء الذي أدى
إلى ارتفاع أسعارها وهو ما أدى إلى التحول تدريجيا من زراعة اإلكتفاء الذاتي إلى الزراعة
الرأسمالية ،حيث لم يعد المزارع يزرع وينتج لنفسه وألسرته أو لإلقطاعية فقط بل أصبح ينتج
لغرض البيع في السوق وتحقيق الربح.
خرجت أوربا من عزلتها بعد اكتشافها طريق رأس الرجاء الصالح والوصول إلى الشرق سنة
1498م ووصولها إلى العالم الجديد سنة 1492م ،حيث تمكنت من الحصول على مستعمرات
واسعة في مختلف أنحاء العالم مثل أمريكا وافريقيا والشرق األقصى ،أدت اإلكتشافات الجغرافية
إلى وجود العالقات التجارية والى وجود الحروب (اإلستعمار) والذي كان أساس هذه الحروب هو
الحصول على الذهب والفضة بسبب:
-1ملخص تاريخ الوقائع االقتصادية ،منشور على الموقع االلكتروني https//app.box.com/s/u89mx7189g9l5sgbazds. :تاريخ
الزيارة .2015/04/07
46
النظام االقتصادي الرأسمالي الفصل الخامس:
-2يمكن خزنهما.
حيث اعتبرت هذه الدول بأن أساس قوة الدولة هو المعدن النفيس.1
وكان لهذه الفتوحات واالكتشافات الجغرافية نتائج هامة على الصعيد االقتصادي حيث
ساهمت في ازدهار النظام الرأسمالي من خالل:
لم يعد الفكر الديني في أوربا يحتقر وينظر نظرة دنيوية إلى األعمال واألنشطة االقتصادية
خارج نطاق الزراعة كما كان سائدا في العصور الوسطى ،بل أصبح يقر بتفوق الذهاب إلى العمل
على الذهاب إلى الكنيسة ،فأصبح للعمل في الزراعة والصناعة وكل األعمال واألنشطة بما فيها
الزراعة نفس األفضلية ،كذلك ظهرت أفكار جديدة ال تعتبر اإلقراض بفائدة ربا وانما مشاركة في
الربح وهو ما أعطى دفع قوي للنظام الرأسمالي ولم يعد هناك صعوبات في الحصول على رؤوس
األموال.
حيث لم يعد المدخر أو أصحاب الودائع يدفعون للصيارفة فوائد مقابل احتفاظهم بأموالهم
فقط بل أصبح الصيارفة يدفعون فوائد مقابل الودائع والمدخرات للمدخرين والمودعين وهو ما ساهم
في زيادة اإلدخار وبالتالي توفر رؤوس األموال الالزمة لالستثمار.
47
النظام االقتصادي الرأسمالي الفصل الخامس:
تجدر اإلشارة هنا أن النظام الرأسمالي في أول عهده كان ذا صبغة تجارية ومن هنا كانت
تسمى المرحلة األولى لهذا النظام بالرأسمالية التجارية.
تميزت هذه المرحلة بتراكم األموال عن طريق نهب ثروات العالم الجديد ،وتطور المدن،
وتزايد المعامالت النقدية ،وظهور البنوك والتبادل الحر.
بدأ عهد الرأسمالية التجارية في أوربا على وجه التقريب من منتصف القرن الخامس عشر
واستمر خالل القرن السابع عشر وظل تأثيره على الحياة االقتصادية إلى غاية منتصف القرن
الثامن عشر أين بدأت الرأسمالية الصناعية تأخذ مجراها في المجتمعات األوربية ،1حيث سيطرت
التجارة والمبادالت في هذه المرحلة على النشاطين الزراعي والصناعي ،حيث أن كل ما كان ينتج
يتم إنتاجه لغرض المبادلة أي للتجارة الداخلية والخارجية (رأس المال التجاري سيطر على الزراعة
والصناعة وجعلهما في خدمة التجارة مباشرة) ،هذا وقد عرفت هذه المرحلة ظهور طريقة اإلنتاج
الرأسمالية سواء في الزراعة أو الصناعة ،وعلى ذلك ظهرت طبقتين اجتماعيتين تختلفان على
أساس اقتصادي وهما طبقة الرأسماليين أرباب العمل وطبقة العمال األجراء تربطهما عالقة
تعاقدية.
بعد أن حققت الدول األوربية وحدتها السياسية بدأت العمل على تحقيق وحدتها وقوتها
اإلقتصادية ،حيث بدأت هذه األخيرة بالتدخل في الحياة اإلقتصادية على نطاق واسع ابتداءا من
القرن السادس عشر ،فلم يعد يقتصر دورها على سن التشريعات والقوانين بل تعدى دورها في
المجال ال داخلي إلى تنظيم التجارة والصناعة ،كما تقوم الدولة بإنتاج أو تشجيع صناعة معينة،
كما تقوم في المجال الخارجي بوضع قواعد لتنظيم شؤون تجارتها الخارجية كمنع تصدير سلعة
" -1التحوالت االقتصادية والمالية واالجتماعية والفكرية في العالم في القرن 19م" ،مقال منشور في الموقع:
http://www.startimes.com/f.aspx?t=34672665تاريخ الزيارة 2015/05/01
48
النظام االقتصادي الرأسمالي الفصل الخامس:
معينة وقد أطلق على هذه السياسة مصطلح السياسة التجارية أو الميركنتيلية وهي التي سادت في
أوربا ،إسبانيا ،فرنسا والبرتغال إلى منتصف القرن الثامن عشر.
ولقد ساعد على انتشار هذه السياسة التجارية ظهور طبقة اجتماعية جديدة سرعان ما
انتزعت مكانة مرموقة في الحياة االقتصادية واالجتماعية والسياسية في عدد من دول أوروبا والتي
كانت مكونة من التجار وأرباب األعمال ورجال المال ،حيث انسجمت مصالحهم مع مصالح
الدول القومية (الملوك) وازداد تفردهم وكانت حماية مصالحهم موضع اهتمام من طرف السياسيين
ومالت بالتالي سياسة الدولة إلى تحقيق مصالح هذه الفئة.
ولما كانت قوة الدولة وثروتها تتحدد بمقدار ما تملكه من معادن نفيسة (ذهب وفضة) فقد
كان من المصلحة االقتصادية للدولة الناشئة في أوربا أن تدعم نفوذها السياسي بقوة اقتصادية
وذلك عن طريق الحصول على أكبر قدر من المعادن النفيسة ،وقد تولى الحاكم (الملك) إدارة
مجهودات الدولة من أجل ذلك ،سواء عن طريق استغالل المناجم التي تحت سيطرتها أو عن
طريق التجارة الخارجية ،وقد أخذت سياسة التجاريين صو ار مختلفة نوجزها فيما يلي:
إتخذت السياسة التجارية في اسبانيا الشكل المعدني ويعتبر أكثر أشكال السياسة التجارية
بساطة ،وتقوم هذه السياسة على حصول الدولة على المعادن النفيسة بطريقة مباشرة سواء عن
طريق استغالل مناجمها أو مناجم مستعمراتها ،ومنع خروجها .وقد تماشت هذه السياسة مع حالة
اسبانيا في القرن السادس عشر ،حيث تدفقت إليها كميات كبيرة من المعادن النفيسة من
مستعمراتها في أمريكا ،البيرو والمكسيك ،وبالتالي لم يستدعي األمر إال اإلحتفاظ بها ومنع
خروجها ،ولتحقيق هذا الهدف قامت إسبانيا فضال عن منع خروج الذهب والفضة بإجبار
المصدرين اإلسبان على إعادة ثمن صادراتهم في شكل مبالغ نقدية مع إجبار المصدرين األجانب
بإخراج ثمن صادراتهم إلسبانيا في شكل سلع إسبانية ال في شكل نقود (ذهب وفضة) ،هذا
باإلضافة إلى تخفيض قيمة العملة الوطنية اإلسبانية (القيمة اإلسمية) مقابل العمالت األجنبية من
أجل اجتذابها إلى الداخل وبالتالي منع خروج العملة الوطنية إلى الخارج .وقد أدى كل هذا إلى
تدفق كميات كبيرة من المعادن النفيسة إلى الخزينة اإلسبانية وهو ما أدى إلى زيادة كمية النقود
49
النظام االقتصادي الرأسمالي الفصل الخامس:
المتداولة الشيء الذي أدى إلى ارتفاع المستوى العام لألسعار ،وهو األمر الذي شجع في المرحلة
األولى بعض الصناعات ونشاط التجارة على اعتبار أن التاجر أو الصناعي يحقق أرباح في ظل
ارتفاع األسعار ،إال أن هذا اإلرتفاع في األسعار تواصل حتى بلغ مستويات قياسية ،وفي ظل
إهمال اإلسبان للزراعة أدى هذا إلى انهيار األوضاع االقتصادية في إسبانيا وحدث شلل في
التجارة الخارجية ،وهو الذي أدى إلى خروج كميات كبيرة من المعادن النفيسة والتي كانت تهرب
إلى الخارج لفقدان الثقة في اإلقتصاد اإلسباني.
لم تكن لدى فرنسا مناجم غنية بالذهب والفضة كإسبانيا ،لذا كانت السياسة التجارية فيها
مغايرة للسياسة المعدنية ،لهذا طبقت فرنسا خالل القرن السابع عشر تحت قيادة الوزير " كولبير"
سياسة تهدف إلى التأثير على حجم المعادن النفيسة التي تمتلكها الدولة عن طريق إقامة قاعدة
صناعية قوية وقادرة على المنافسة الدولية ،تمكنها من زيادة الصادرات عن الواردات وتحقيق
فائض في الميزان التجاري ،وقد تم التركيز على الصناعة ألن الزراعة أكثر عرضة للتقلبات
الجوية وألن قيمة المنتوج الصناعي أعلى نسبيا مقارنة مع المنتوج الزراعي في حالة تساوي الكمية،
هذا باإلضافة إلى إقامة أسطول بحري قوي واقامة الشركات المتخصصة في التجارة الخارجية.
ولقد تم تطبيق هذه السياسة الصناعية عن طريق تخفيض نفقات اإلنتاج (تخفيض األجور
وأسعار المنتجات الغذائية) ،هذا باإلضافة إلى مساعدة المشروعات بتقديم إعفاءات ضريبية مع
منحها امتيازات أخرى (توفير أدوات العمل ،إستخدام العمالة الفنية األجنبية) ،هذا باإلضافة إلى
إنشاء صناعات ومشروعات مملوكة للدولة ،باإلضافة إلى حماية الصناعة الوطنية عن طريق
فرض رسوم جمركية عالية على المنتجات األجنبية ذات المثيل المحلي مع إعفاء الواردات من
المواد األولية الالزمة للصناعة المحلية من الرسوم الجمركية ،هذا باإلضافة إلى منح إعانات
لشركات التصدير (الصادرات) لزيادة قدرتها التنافسية في السوق األجنبية.
50
النظام االقتصادي الرأسمالي الفصل الخامس:
لم تكن األوضاع في إنجلت ار مماثلة لما كان عليه الحال في كل من فرنسا واسبانيا ومن ثم
فقد كان اإلهتمام الرئيسي للسياسة التجارية فيها موجها الكتساب المعادن النفيسة عن طريق
التجارة مع العالم الخارجي (التجارة الخارجية) وبالتالي تحقيق فائض في الميزان التجاري يضمن
دخول المعادن النفيسة (ذهب وفضة) وكذا عن طريق إعطاء عناية فائقة لألسطول البحري
اإلنجليزي لما يقدمه من خدمات النقل البحري حيث تمثل خدمات النقل البحري صادرات غير
منظورة (ميزان العمليات التجارية) وتساهم في الحصول على المعادن النفيسة.
ولم تصبح في هذه المرحلة جمع المعادن النفيسة غاية في حد ذاتها وانما مجرد وسيلة،
فالغاية كانت فتح أسواق خارجية للسلع والمنتجات اإلنجليزية.
ولقد ساعد على تجسيد كل ذلك صدور قانون كرامويل سنة 1651م (معدل في 1660م)
وما تضمنه من إجراءات كتخفيض سعر الفائدة واعفاء المنتجات الوطنية من الضرائب على
الصادرات ودعم صناعات التصدير عن طريق خفض تكاليف اإلنتاج (أجور العمال) ،كما تضمن
القانون باإلضافة إلى بنود أخرى أن تكون السفن القائمة بالتجارة مع العالم الخارجي مملوكة
ألشخاص إنجليز وأن يكون على األقل ¾ من عمالها إنجليز.1
تميزت هذه المرحلة بالتطور العلمي والتقني واكتشاف مصادر جديدة للطاقة ،إضافة إلى
االستعمال المكثف لآلالت وظهور التركيز الرأسمالي واالحتكارات.2
ويمكن تعريف الرأسمالية الصناعية بأنها النظام الذي يتبلور فيه التقدم اآللي والناتج عن
سيطرة رأس المال على الجهاز الصناعي واإلنتاجي سواء كان ذلك في صورة المصانع أو الورش
الحديثة ،والتي تستخدم اآلالت كأساس للعملية اإلنتاجية.1
-1ملخص تاريخ الوقائع االقتصادية ،منشور على الموقع االلكتروني https//app.box.com/s/u89mx7189g9l5sgbazds. :تاريخ
الزيارة .2015/04/07
" -2التحوالت االقتصادية والمالية واالجتماعية والفكرية في العالم في القرن 19م" ،مقال منشور في الموقع:
http://www.startimes.com/f.aspx?t=34672665تاريخ الزيارة 2015/05/01
51
النظام االقتصادي الرأسمالي الفصل الخامس:
لقد تطور النظام االقتصادي األوربي من إقتصاد إقطاعي إلى نظام رأسمالي تجاري لكن
الرأسمالية لم تتوقف عند هذا الحد بل تطورت حتى وصلت في القرن الثامن عشر إلى الرأسمالية
الصناعية ،وأهم حدث ارتبط به هذا التطور هو الثورة الصناعية فتغير الفن اإلنتاجي (مزيج
عوامل اإل نتاج) بإحالل اآلالت محل األدوات التي كانت مستغلة من قبل في اإلنتاج وظهر ما
يعرف باسم األداة اآللية ،وسميت هذه المرحلة بالرأسمالية الصناعية نظ ار لضخامة رؤوس األموال
التي أصبحت توظف في الصناعة وأصبح الجهاز اإلنتاجي في هذا النظام ذو طاقة إنتاجية
ضخمة ،وتغير النظام عما كان عليه في السابق ،فقد كانت التجارة هي مركز النشاط األساسي في
ظل الرأسمالية التجارية وكانت الصناعة دائما قائمة لخدمة التجارة ،أما في الرأسمالية الصناعية
فأصبحت الصناعة تحتل المركز الرئيسي ألنها هي التي تحكم النشاط اإلقتصادي ،إلى أن ظهرت
الثورة الصناعية ،حيث تميزت هذه المرحلة بالمنافسة الشديدة ما لبثت أن تحولت إلى مرحلة
اإلحتكار وذلك في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ،حيث دخلت الرأسمالية مرحلة اإلحتكار
التي أدت إلى تقسيم العالم إقتصاديا بين اإلتحادات اإلحتكارية العالمية ،وذلك حين يسلك
اإلحتكاري ون سبال في احتكار العالم تبدأ بحسم الصراع فيما بينهم وذلك بتقسيم السوق المحلية ،بعد
إشباعها بالسلع ،تبدأ مرحلة صراع مختلف اإلحتكارات الكبرى على األسواق الخارجية حيث تلجأ
هذه اإلحتكارات إلى سياسة إغراق السوق وفق الطلب عليها وبأسعار أقل من تلك المعمول بها في
البلد األصلي وأحيانا بأسعار تقل عن سعر التكلفة وهذا كآخر إجراء لتحطيم المنافسين ،وتغطي
هذه االحتكارات خسائرها على حساب مواطنيها مستفيدة من الضرائب الجمركية على السلع
المستوردة ويستمر الصراع فيما بين المحتكرين إلى أن يتقلص عددهم بفعل قوى السوق ،فتظهر
بذلك مجموعات احتكارية قليلة من مختلف البلدان الرأسمالية مستندة إلى المؤسسات الدولية التي
تكرست لخدمة نظام العولمة ،الرأسمالية الراهنة ،وهي منظمة التجارة العالمية WTOوصندوق
النقد الدولي.
-1أحمد فريد مصطفى ،سهير محمد السيد حسن ،تطور الفكر والوقائع االقتصادية ،مؤسسة شباب الجامعة ،مصر ،2000 ،ص.89.
52
النظام االقتصادي الرأسمالي الفصل الخامس:
تميزت مرحلة الرأسمالية المالية بتطور وظيفة البنوك نحو ميدان االستثمار وظهور أشكال
جديدة من الشركات ،إضافة إلى تزايد تأثير البورصات في االقتصاد وظهور التركيز المالي
(الهولدينغ) ،مما جعل البنوك تتحكم في النظام الرأسمالي.
فرض التقدم الصناعي والحاجة إلى تمويل المشاريع الكبرى ،تحوالت في بنية ووظيفة البنوك
التقليدية ذات الطابع العائلي .فظهرت بنوك جديدة على غرار الشركات المجهولة االسم ،لم
تقتصر وظيفتها على منح القروض للتجار وأرباب الصناعة فقط ،بل أصبحت توظف جزءا من
رأسمالها في النشاط الصناعي فتحولت إلى مؤسسة بنكية رأسمالية صناعية .وبذلك أصبحت
الصناعة خاضعة لهيمنة البنوك.1
حقق النظام االقتصادي الرأسمالي عدة مزايا وعيوب ،فمن بين المزايا التي قدمها ما يلي:
-تلبية رغبات المستهلكين باعتبارهم مصدر الربح بالنسبة للمنتجين وكذلك استفادتهم من نتائج
حرية المنافسة.
-من المحاسن التي يمكن أن تنسب إلى نظام الحرية االقتصادية ،دوره في تهيئة المناخ المناسب
لقيام الثورة الصناعية وما أعقبها من تطور في اإلنتاج ووسائله وظهور أعداد كبيرة من الشركات
والمؤسسات اإلنتاجية والتجارية والمالية والنقدية محلية كانت أم دولية.
" -1التحوالت االقتصادية والمالية واالجتماعية والفكرية في العالم في القرن 19م" ،مقال منشور في الموقع:
http://www.startimes.com/f.aspx?t=34672665تاريخ الزيارة 2015/05/01
53
النظام االقتصادي الرأسمالي الفصل الخامس:
إال أن تطبيق النظام الرأسمالي بصورته المثالية عند تطبيق مبادئ مذهب الحرية
االقتصادية ،لم تدم إال لفترة قصيرة قد ال تتجاوز نصف قرن من الزمان ،وذلك لما أحدثه هذا
النظام من خلل في الهياكل االقتصادية واالجتماعية للدول التي طبقته ،مما أدى بحكومات هذه
الدول للتدخل في النشاط االقتصادي بهدف التأثير على مجريات األمور.
-ظهور اإلحتكارات الكبيرة وارتفاع األسعار ومعدالت األرباح وانخفاض األجور الحقيقية للعمال،
مما أدى إلى ظهور الفوارق الكبيرة في توزيع الدخل والثروة وخلق جو من التوتر بين الرأسماليين
والعمال.
-سعي الرأسماليين و ارء زيادة اإلنتاج مقابل تخفيض التكاليف أدى إلى انتشار البطالة وظهور
األزمات االقتصادية.
مما سبق يمكن القول أن النظام الرأسمالي قد عجز عن تطبيق نموذجه النظري وذلك لعدم
استطاعة هذا النموذج مسايرة التغيرات والتطورات االقتصادية التي أحدثتها الثورة الصناعية،
إضافة إلى عدم مقدرته على تفادي مساوئ هذا التطور من جوانبه االقتصادية واالجتماعية والبيئية
دون تدخل مباشر من الحكومة .لقد أصبح التدخل الحكومي في النشاطات االقتصادية في الدول
الرأسمالية سمة ثابتة لكل الحكومات .بل يمكن القول أن التعديالت التي أدخلت على مبادئ
النظام الرأسمالي والسماح بتدخل الحكومات ،من خالل السياسة المالية ،والنقدية والتجارية
واإلنتاجية هي التي ضمنت له االستمرار حتى وقتنا الحاضر.
54
الثورة الصناعية الفصل السادس:
تمهيد
كانت إنجلت ار أسبق دول العالم في الثورة الصناعية ،فقد ظهرت فيها تلك الثورة في النصف
الثاني من القرن الثامن عشر ،في حين أنها لم تظهر في فرنسا إال في الربع األول من القرن
التاسع عشر ،وفي ألمانيا في الربع الثاني منه ،وفي بقية الدول بعد ذلك.1
يقصد بالثورة الصناعية التطورات الكبيرة التي عرفتها الصناعة في أوربا عامة وانجلت ار
خاصة ابتداءا من منتصف القرن الثامن عشر والتي أدت إلى حدوث تحول كيفي في فنون اإلنتاج
الصناعي ،حيث تم اإلنتقال من الصناعة اليدوية التي تعتمد على عمل اإلنسان (أدوات عمل
بسيطة) إلى الصناعة اآللية التي تعتمد على اآللة التي تدفعها القوة المحركة .حيث عرفت أوربا
في هذه المرحلة موجة عارمة من اإلختراعات واإلكتشافات ساهم إدخالها في مختلف فروع
الصناعة إلى تطويرها (كصناعة الحديد وتعدين الفحم ،صناعة المنسوجات ،وتوليد الطاقة
المحركة) الشيء الذي ساهم في حدوث زيادة هائلة في كل من اإلنتاج والتكوين الرأسمالي
وأصبحت الصناعة على إثرها النشاط الرئيسي في االقتصاد الوطني.
يمكن إجمال األسباب األساسية لقيام الثورة الصناعية في أوربا فيما يلي:
عرف سكان أوروبا منذ أواخر القرن الثامن عشر زيادة كبيرة ومستمرة وذلك النخفاض
معدل الوفيات (توفر الرعاية الصحية خاصة في المدن) .فزيادة عدد السكان تؤدي إلى توفر
األيدي العاملة ،خاصة في ظل تمتع العمال بحرية اختيار األعمال واإلنتقال من عمل إلى آخر،
مما يساعد على نهضة وتقدم الصناعة.
-1إسماعيل محمد علي ،تطور الفكر االقتصادي ،مؤسسة طيبة للنشر والتوزيع ،مصر ،2011 ،ص.138.
56
الثورة الصناعية الفصل السادس:
وعموما يمكن القول أن زيادة عدد السكان يؤدي إلى زيادة عرض العمل ،وبذلك تجد
المشروعات الجديدة والقديمة حاجتها من األيدي العاملة بأجور معقولة .كذلك فإن زيادة عدد
السكان تمثل زيادة في الطلب على السلع والخدمات وهو ما يعمل على اتساع نطاق السوق وبذلك
تنمو الصناعة و ال يعوقها التخلص من فائض اإلنتاج.
المطلب الثاني :اتساع تجارة أوربا الداخلية والخارجية (اتساع األسواق الداخلية والخارجية)
عند التطرق إلى الدور الذي لعبته تجارة أوروبا الداخلية والخارجية في التطور الصناعي
في أوروبا ،يجب الوقوف على أهمية الدور الذي تلعبه وسائل النقل والمواصالت وذلك على
اعتبار أن تطورها يساهم في ازدهار التجارة الداخلية والخارجية ،وتجدر اإلشارة هنا إلى الطفرة
النوعية والتقدم الحاصل على مستوى وسائل النقل والمواصالت سواء كانت مائية أو برية ،حيث
تمكنت الدول األوربية من ربط أجزائها المختلفة بوسائل نقل اقتصادية كالقطارات والسفن ،وكان
النقل النهري يلعب دور كبير في ربط مختلف أجزاء أوروبا ،وكذا تم الوصول إلى األسواق
الخارجية بعد ظهور الناقالت الحديثة وخاصة السفن التجارية الضخمة وهو ما ساهم في اتساع
األسواق الداخلية والخارجية.
فقد تطورت تجارة أوربا الداخلية والخارجية حتى شملت العالم القديم والجديد ،وذلك بعد
اكتشاف العالم الجديد والطريق المؤدي إلى الشرق عبر رأس الرجاء الصالح ،وهو الشيء الذي
ساهم في نمو الصناعة في القرنين 18و19م ،إذ تمكنت أوربا من خاللها الوصول بمنتجاتها إلى
أسواق الدول المختلفة ،فكلما كانت السوق قادرة على امتصاص عدد كبير من المنتجات كلما مال
حجم المشروعات إلى الكبر ،حيث ساهم اتساع نطاق السوق نتيجة للطلب الكبير على السلع في
جعل اإلنتاج نمطي وأمكن بالتالي إدخال اآلالت تدريجيا في العمليات اإلنتاجية لمواجهة الطلب
المتزايد ،خاصة إذا علمنا أن انخفاض أثمان السلع الصناعية نتيجة لإلنتاج الكبير وانخفاض
تكاليف الشحن أدى إلى توسع كبير في الطلب على السلع الصناعية وربما بنسبة تفوق نسبة
اإلنخفاض في األثمان حيث أن الطلب على تلك السلع كان كبير المرونة ،كما أن الزيادة في
الدخول التي نجمت عن التوسع في اإلنتاج في كافة دول العالم الصناعية أو الزراعية أدت إلى
ا لتوسع في الطلب على المنتجات الصناعية حيث أن الطلب على هذه األخيرة كان يتمتع بمرونة
دخلية كبيرة ،وبذلك يكون اتساع السوق قد ساعد على التصنيع والتوسع في اإلنتاج.
57
الثورة الصناعية الفصل السادس:
كان من أهم النتائج التي ترتبت على اتساع تجارة أوروبا الداخلية والخارجية أن ازدادت
أرباح وثروات أصحاب المصانع وشركات النقل والتجار والوسطاء ،وبذلك تجمع لدى أوروبا مبالغ
طائلة وأموال كبيرة لمقابلة ما تحتاج إليه الصناعة من أموال ،حيث توفرت رؤوس األموال الالزمة
لإلستثمار في إنتاج سلع استهالكية ،وكذا إنتاج العدد واآلالت (السلع اإلنتاجية أو الرأسمالية)،
باإلضافة إلى رؤوس األموال الالزمة لتمويل عمليات البحث والتطوير ،هذا وقد كانت ندرة رأس
المال لدى معظم الدول األوروبية العائق األساسي أمام قيام الصناعة ،وتجدر اإلشارة إلى أن
الصناعة في أوروبا نمت نموا كبي ار عندما تمكنت الصناعة القائمة من تحقيق أرباح وفيرة أعيد
استثمارها في إقامة صناعات جديدة ،حيث كانت أرباح المنشآت تمثل المصدر الرئيسي لمواجهة
حاجات الصناعة الناشئة.
ومن األمور األخرى التي ساهمت في تمويل الصناعة قيام وظهور شركات المساهمة التي
استطاعت أن تجمع المدخرات من صغار وكبار المدخرين على حد سواء ،كما أن نشأة البنوك
وقيامها بوظيفتها التقليدية المتمثلة في الحصول على الودائع من األفراد والهيئات واعادة إقراضها
لتمويل االقتصاد ساهم مساهمة فعالة في ازدهار الصناعة في أوروبا.
تؤدي الحرية االقتصادية وعدم التدخل الحكومي إلى المنافسة الحرة بين البائعين والمشترين
في السوق الذي بدوره يكفل تحديد الثمن الذي يحقق التوازن بين العرض والطلب دون أن يكون
ألي فرد بائعا كان أو مشتريا أي أثر في تحديده .وال يوجد بالتالي أي داع لتدخل الحكومة من
أجل تحديد ثمن عادل ألي سلعة أو أجر عادل ألي نوع من أنواع العمل .
وفي ظروف المنافسة الحرة يسعى المنتجون إلى تحسين وسائل إنتاجهم بقصد تخفيض
التكاليف حتى يحققوا أكبر قدر من األرباح .ويضطر كل منتج إلى متابعة غيرة في استخدام
الوسائل الحديثة في اإلنتاج حتى يحافظ على تكاليف إنتاجه عند مستويات تنافسية.
58
الثورة الصناعية الفصل السادس:
وتؤدى المنافسة إلى انخفاض تكاليف المعيشة بقضائها على المنتجين غير األكفاء في أي
مجال من مجاالت اإلنتاج.
تطورت الصناعة التعدينية أمام بعض التجديدات :حيث تمكن أبرهام داربي من إنتاج
الفوالذ ( الحديد المصفى ) في حين استطاع هنري كورت من الحصول على مادة الصلب.
شكل المحرك البخاري أهم اختراع في القرن 18م .وتم ذلك بفضل أبحاث كل من نيوكمن
وجيمس واط ..وقد استخدم المحرك البخاري في مختلف الصناعات وفي السكك الحديدية والمالحة
البحرية.
وباكتشاف آالت اإلنتاج المتطورة واستخدامها في الصناعة ،كل ذلك أدى إلى ازديادها
وازدهارها.
59
الثورة الصناعية الفصل السادس:
بقيام اإلختراعات العلمية العظيمة في القرن 18م واستخدام اآللة التي تحركها الطاقة والتي
كانت على درجة عالية من القوة اإلنتاجية ،ظهر وازدهر نظام المصانع اآللية .فقد تمكن أصحاب
المصانع وكبار الحرفيين من إقامة الصناعة الجديدة وأصبحوا يمثلون طبقة الرأسماليين ،أما
صغار أصحاب الحرف فاضطروا إلى العمل في المصانع كعمال مأجورين ،وتحولت وحدات
اإلنتاج في أوربا إلى المصنع الكبير ،حيث كان كبر حجم الوحدات اإلنتاجية (المصانع) من أهم
مظاهر الثورة الصناعية .فبعد أن كان المشروع يستخدم عددا محدودا من العمال .أصبح يوظف
المئات ،وبمرور الوقت أصبح آالف العمال يعملون في المصنع الواحد ،حيث تشير تقديرات عام
1830أن عدد العمال في مصانع القطن كان يقدر بحوالي 175عامال ،و 93عامال في مصانع
الحرير و 45عامال في مصانع الصوف ،أما مصانع الحديد فكان عدد العمال بها في حدود
1500إلى 2000عامال.
وعلى المستوى القطري فان السمة الغالبة على الصناعة األلمانية مثال هي كبر حجم
المشروعات ،فقد قام التوسع الصناعي فيها نتيجة المتصاص المصانع الكبيرة فيها للمصانع
الصغيرة (اإلندماج والتكامل) ،أما الصناعة في فرنسا فكانت وحداتها تميل نسبيا إلى الصغر،
لذلك كان عدد العمال فيها محدودا ،ولعل أهم األسباب التي كانت وراء ذلك هو الندرة النسبية
للفحم الحجري وتفضيل الفرنسيين التخصص في إنتاج السلع الكمالية التي تحتاج إلى مهارات
وفنون إنتاج عالية.
إن تحول الصناعة إلى الصورة الجديدة أدى إلى وجود طبقة اجتماعية جديدة هي طبقة
المديرين وذلك بعد أن تعقدت مشكلة إدارة المصانع الكبيرة مما دفع بالمالكين والمساهمين بأن
يعهدوا إلى أصحاب الخبرة بإدارة مشروعاتهم.
-1ملخص تاريخ الوقائع االقتصادية ،منشور على الموقع االلكتروني https//app.box.com/s/u89mx7189g9l5sgbazds. :تاريخ
الزيارة .2015/04/07
60
الثورة الصناعية الفصل السادس:
لقد أدى تطور وسائل النقل والمواصالت إلى جعل العالم سوقا واحدة يتنافس فيها الكثير
من المنتجين من مختلف دول العالم ،وقد أدى التنافس بينهم إلى تسابقهم نحو تخفيض األسعار
وهو ما أدى بدوره إلى تخفيض األرباح بل وتحقيق خسائر في الكثير من الحاالت ،وهو ما دفعهم
إلى التكتل واإلتحاد وعقد اإلتفاقيات المختلفة والدخول في أشكال الترست والكارتل بقصد القضاء
على المنافسة والتحكم في األسعار وذلك لضمان تحقيق المستوى المنشود من األرباح ،والواقع أن
التكتالت االحتكارية انتشرت بشكل كبير خاصة في الربع األخير من القرن التاسع عشر في
مختلف نواحي الحياة االقتصادية وبصورة كبيرة خاصة في كل من ألمانيا والواليات المتحدة
األمريكية.
ففي ألمانيا:
قامت وازدهرت نقابات إنتاجية تعرف باسم الكارتل ،كان غرضها منع المنافسة بين
المنتجين عن طريق عقد اتفاقات خاصة بتوزيع األسواق واألسعار وتنظيم اإلنتاج (تحافظ
الشركات الداخلة في الكارتل على شخصيتها القانونية واستقاللها المالي واإلداري) حيث تقيد حرية
وسلطات الشركات بعد انضوائها تحت راية هذا التنظيم االحتكاري وتوقيعها اتفاقيات ،وقد انتشرت
هذه االحتكارات بشكل كبير في صناعة التعدين والحديد والصناعات الكهربائية والبنوك وأدت هذه
السياسة إلى كبر بعض المشروعات لدرجة تقترب من االحتكار الكامل.
فقد ظهرت االحتكارات في شكل تراست وهو تنظيم عكسي لنظام الكارتل ،حيث تفقد
المشروعات الداخلة فيه شخصيتها اإلعتبارية واستقاللها المالي واإلداري بحيث تندمج الشركات
المتعاقدة وتصبح مشروعا واحدا وتحت إدارة موحدة تقوم برسم سياسات اإلنتاج والتسعير....وقد
سارعت الواليات المتحدة انطالقا من مبدأ رفض اإلحتكار إلى إصدار قوانين لمحاربة التراست من
خالل قانون شومان في 1890ثم قانون كاليتون سنة .1914
61
الثورة الصناعية الفصل السادس:
كان للثورة الصناعية العديد من اآلثار واالنعكاسات المباشرة وغير المباشرة على النواحي
االقتصادية واالجتماعية والسياسية نقوم بحصرها فيما يلي:1
المطلب األول :زيادة الثروة القومية لدى أوروبا وزيادة قوتها الحربية
زادت ثروات بلدان أوروبا نتيجة للثورة الصناعية وأصبحت الدول غنية بمصانعها ومناجمها
متمتعة بمقدرة إنتاجية عالية ،حيث لم يقتصر اإلثراء على أصحاب رؤوس األموال فقط ،بل حققت
الدول زيادة كبيرة في إيراداتها من الضرائب المباشرة وغير المباشرة.
ونظ ار لما حققته هذه الدول من أرباح وفيرة وخاصة انجلت ار وفرنسا فإنها وظفت قد ار كبي ار
من هذه األموال في زيادة قوتها العسكرية والحصول على مستعمرات واسعة عادت على
اقتصادياتها بمكاسب عديدة.
بالرغم من أن الثورة الصناعية زادت من أهمية اآلالت ونفوذ أرباب العمل وكان العامل في
الغالب تحت رحمة أصحاب المصانع ،إال أنها مهدت لتجمع العمال وتوحدهم ،حيث أصبحوا
قادرين على الحصول على أجور وشروط عمل أحسن مما كانوا ليحصلوا عليها لو كانوا متفرقين،
وعلى العموم يمكن القول أن الثورة الصناعية حققت زيادة ملموسة في مستويات المعيشة الحقيقية
وذلك عن طريق زيادة اإلنتاج الزراعي والصناعي الذي أغرق األسواق ونجم عنه انخفاض في
األسعار وبالتالي زيادة القدرة الشرائية الحقيقية للنقود.
في الغالب ينشأ الخ الف بين العمال وأصحاب األعمال ،كون العمال الذين اجتمعوا حول
المصنع وبدأو يناقشون أوضاعهم يطالبون بزيادة األجور وتحسين شروط العمل ،ومن الناحية
-1ملخص تاريخ الوقائع االقتصادية ،منشور على الموقع االلكتروني https//app.box.com/s/u89mx7189g9l5sgbazds. :تاريخ
الزيارة .2015/04/07
62
الثورة الصناعية الفصل السادس:
األخرى يحاول أصحاب األعمال الضغط على العمال حتى تزيد أرباحهم وتنمو استثماراتهم ،لذلك
رأى العمال ضرورة التكتل في النقابات واالتحادات العمالية التي تدافع عن مصالحهم ،حيث
تتعدى مطالبة النقابة أرباب العمل برفع األجور وتحسين أوضاعهم إلى مطالبة الدولة واقناعها
بسن التشريعات التي تنظم عالقاتهم بأرباب العمل كما تسعى في الغالب النقابات العمالية لدى
السلطات من أجل حماية الصناعة أو إعانتها أو رعايتها بأي صورة ،لكي تنشط الصناعة وتصبح
قادرة على مقابلة مطالب العمال وهذه الفكرة الحديثة آمنت بها بعض النقابات ومؤداها أن تحسن
مستواهم المعيشي ال يتأتى إال إذا تقدمت الصناعة.
زاد عدد سكان دول أوروبا الصناعية بصورة واضحة خالل القرن ،19كما أن نسبة كبيرة
من السكان تركزت في المدن فلقد زاد سكان انجلت ار وألمانيا وبلجيكا في السنوات من 1801إلى
، 1901ففي نهاية القرن التاسع عشر كان سكان المدن يشكلون ثلثي سكان ألمانيا وثالث أرباع
سكان انجلت ار ونصف سكان فرنسا.
وتعتبر سبب ومظهر ونتيجة للثورة الصناعية ،فقد ازدهرت تجارة أوروبا الخارجية نتيجة
الزدهار صناعتها ،وحدث أن أصبحت السمة الغالبة عليها أنها تصدر مواد ومنتجات صناعية
وتستورد مواد أولية الزمة لصناعتها.
إن قيام ثورة صناعية في أوروبا أدى إلى حدوث تطور كبير على مستوى وسائل ونظم
الزراعة األوربية استحق أن يطلق عليه بالثورة الزراعية ،حيث حدث تطور كبير في الزراعة
األوربية في القرن التاسع عشر ،وذلك نتيجة إلتباع الوسائل العلمية وتطبيق النظم الجديدة التي
تجمعت عن الثورة الصناعية ،حيث أدى اكتشاف األسمدة الكيميائية وتطوير نظم صرف حديثة
وادخال اآللة إلى العمل الزراعي إلى تقدم وازدهار الزراعة.
ففي انجلترا:
63
الثورة الصناعية الفصل السادس:
واعتبا ار من القرن 18تحقق اإلنتقال إلى نظام الزراعة الفردية أو الرأسمالية وتم القضاء
نهائيا على نظام الزراعة اإلقطاعية وانتشرت المزارع التي تدار بطريقة رأسمالية.
في بريطانيا:
مالت الملكيات الزراعية إلى الكبر وانتشرت المزارع الكبيرة ،وذلك راجع لعدة أسباب أهمها
يتعلق بنظام اإلرث السائد في بريطانيا والتوسع في حركة التسييج باإلضافة إلى اعتبارات أخرى.
وهذا عكس الزراعة في باقي البلدان األوربية التي مالت فيها الملكيات الزراعية إلى الصغر ،ففي
فرنسا مثال فقد تم االنتقال فيها إلى نظام الزراعة الرأسمالية بعد الثورة الفرنسية.
لقد عرفت الفترة التاريخية الالحقة للثورة الصناعية قيام موجة استعمارية كبيرة ،ويمكن القول
أن الثورة الصناعية دفعت إلى انتشار االستعمار في القرن 19ويطلق على الموجة االستعمارية
في هذه المرحلة باالمبريالية الجديدة ،وذلك بالرغم من أن فكرة التوسع اإلستعماري كانت قائمة من
قبل ،فقد سادت حتى في العهد المركنتيلي وسميت هذه الموجة اإلستعمارية باإلمبريالية القديمة،
حيث تمكنت الدول األوربية الصناعية وخاصة فرنسا وبريطانيا من السيطرة على مناطق عديدة
من العالم والتحكم فيها بمرونة كبيرة وذلك ألن:
-1دول أوربا الصناعية كانت في حاجة ماسة إلى أسواق واسعة لتصريف منتجاتها الصناعية
وذلك لتسلط فكرة حدوث إفراط في اإلنتاج وعدم قدرة اإلستهالك المحلي على استيعاب كميات
اإلنتاج الكبيرة (وقد لخص ج .فييري الوضع في سنة 1885بقوله بأن المستعمرة مركز تصريف).
-2المستعمرات كانت بمثابة مصدر مهم للحصول على المواد الغذائية والمواد األولية الالزمة
للصناعة.
-3كانت المستعمرات بمثابة فضاء واسع الستثمار رؤوس األموال األوربية ،باإلضافة إلى كونها
مجاال مهما لتصريف جزء من الفائض السكاني األوربي.
64
الثورة الصناعية الفصل السادس:
وكان من نتائج فتح أبواب المستعمرات على مصراعيها أن تهدمت أوضاع الصناعة
الحرفية القديمة بداخلها وذلك تحت وطأة منافسة المنتجات الصناعية األوربية (الهند مثال واضح
على ذلك) ولم تقم في هذه الدول صناعات حديثة بدل الصناعات القديمة في مقابل ازدهار
وتطور النشاط األولي سواء في الزراعة أو استخراج الخامات والمواد األولية ،فقد تدفقت رؤوس
األموال من البلدان األوربية اإلستعمارية ،خاصة فرنسا وبريطانيا ،لكي تستثمر في إنتاج وتصدير
مواد أولية في المستعمرات ،وكانت هذه التدفقات تتم بدافع الربحية ،وحققت بالفعل مكاسب وفيرة
لكافة المشروعات اإلستثمارية التي عملت بالمجاالت المذكورة مما جعل الدول اإلستعمارية تحاول
تكريس تقسيم دولي للعمل تتخصص على إثره الدول المستعمرة في إنتاج وتصدير مواد أولية ،في
حين تتخصص الدول اإلستعمارية في إنتاج وتصدير مواد صناعية.
وقد كشفت الدراسات اإلقتصادية عن الحقائق التالية بشأن التخصص في إنتاج السلع
األولية الذي قام في المستعمرات اعتبا ار من النصف األخير من القرن التاسع عشر وظل قائما
حتى حصلت هذه الدول على استقاللها بل والى اآلن في غالبية الدول:
أ -معظم المكاسب التي تحققت نتيجة لالستثمار في القطاع األولي داخل المستعمرات كانت
تتركز في أيدي أصحاب المشروعات الغربية بينما ذهب الجزء األصغر منها إلى سكان
المستعمرات.
ب -إ ن أصحاب المشروعات الغربية قاموا سواء بإعادة استثمار أرباحهم في نفس النشاطات
األولية أو قاموا بتحويل أرباحهم إلى أوطانهم األصلية.
65
معاهدات السالم والمشكلة األلمانية الفصل السابع:
تمهيد:
كان لتاريخ الوقائع االقتصادية التي حدثت أللمانيا منذ بداية الحرب العالمية األولى إلى ما
بعد الحرب العالمية الثانية األثر الواضح في معجزة انطالق دولة تم تدميرها في كل الميادين ،في
أن تنتشل نفسها وتصبح في مصاف الدول المتقدمة .وهي تجربة تستحق الدراسة والتعرف إليها
من خالل هذا الفصل.
عانت ألمانيا منذ حدوث الحرب العالمية األولى من عدة مشاكل اقتصادية واجتماعية
وعسكرية.
كان ت ألمانيا قبل الحرب العالمية األولى دولة عظمى بكل معنى الكلمة ،وأقوى دول القارة،
وللدول العظمى مصالح مستديمة توجه سياستها الخارجية مهما كانت الحكومات أو نوع النظام
السياسي فيها.
وفي السنوات العشر قبل الحرب كانت ألمانيا على درجة واسعة من النمو االقتصادي
والسكاني ،فقد كان النمو االقتصادي فيها عظيماً وأفضل من إنكلترا ،ألن ألمانيا حققته دون
القضاء على الزراعة بل طورتها .وكانت أول دولة أوروبية في استخراج الفحم الحجري ،واألولى
في الصناعات التحويلية المعدنية ،وكذلك الكيميائية والكهربائية ،وفي صناعة النسيج تأتي مباشرة
بعد بريطانيا .يضاف إلى ذلك ما عرف عن األلمان من روح المبادرة في المشاريع ،وحب النظام
واالندفاع في العمل ،لكن مع غطرسة قومية ال تخلو من نوازع السيطرة.1
67
معاهدات السالم والمشكلة األلمانية الفصل السابع:
شهدت الفترة المتراوحة ما بين 1914و1918م ،حربا عالمية أولى شارك فيها حلفان
عسكريان هما حلف المركز أو الوسط ضد دول التحالف .وقد خلفت الحرب خسائر كبرى على
المستوى البشري و االقتصادي.
كان حدث مقتل ولي عهد النمسا "فرنسوا فرديناند" الش اررة التي أوقدت نار الحرب العالمية
األولى التي عملت ألمانيا والنمسا (دول المركز أو الوسط) على إنهائها في فترة وجيزة ،لكن
صمود فرنسا وروسيا وبريطانيا (دول التحالف) جعل الحرب تستمر إلى 1918م.
-المرحلة األولى ( :)1917 - 1914تميزت بنهج خطة الحرب المتحركة وحققت فيها ألمانيا
عدة انتصارات سواء في الجبهة الغربية ضد فرنسا أو في الجبهة الشرقية ضد روسيا .وتميزت هته
المرحلة بأحداث كبرى أهمها الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين.
-المرحلة الثانية ( :)1918 - 1917تميزت باستئناف الحرب المتحركة حيث اضطرت ألمانيا
إلى توسيع حرب الغواصات لتشمل سفن الدول الداعمة للحلفاء .وبفعل ارتباط المصالح واغراق
بعض سفنها وافق الكونغرس على طلب الرئيس األمريكي ويلسون بخصوص إعالن الحرب على
ألمانيا ،هذه األخيرة التي كانت تستعد الستئناف الحرب المتحركة خاصة مع انسحاب االتحاد
السوفياتي اثر نجاح الثورة البلشيفية .ومع دخول الواليات المتحدة الحرب قلب الكفة لصالح الحلفاء
الذين انتصروا باستعمال أسلحة جديدة كالدبابات والمدافع والطائرات والغازات السامة ،فعقدت
معاهدة بريست ليتوفسك سنة 1918م التي أقرت رسميا إنهاء الحرب على ألمانيا.
68
معاهدات السالم والمشكلة األلمانية الفصل السابع:
-1النتائج البشرية والمادية :اعتبرت ألمانيا الخاسر األكبر في الحرب حيث فقدت ما يناهز 2
مليون ألماني ،تلتها روسيا ،واعتبرت الواليات المتحدة األمريكية األقل خسارة في الحرب على
مستوى أعداد القتلى .خلفت الحرب آالف المعطوبين (ذوو االحتياجات الخاصة) الشيء الذي أثر
سلبا على دولهم التي كانت ملزمة بتخصيص ميزانيات خاصة إلعالتهم (التقاعد) .كما لوحظ بعد
الحرب ظهور مشكل التضخم مما أفرز مشاكل اقتصادية تمثلت في غالء كلفة المعيشة .كما
نشير إلى لجوء كل دول أوروبا لالقتراض لتعزيز القدرات العسكرية خالل الحرب وإلعادة إعمار
وبناء أوروبا بعد الحرب.
-2النتائج االقتصادية :خلفت الحرب خسائر اقتصادية جسيمة بعد تدمير البنايات االقتصادية
واالجتماعية (كالمعامل والمساكن واألراضي الفالحية والطرق) ،مما أدى إلى تراجع اإلنتاج
الفالحي والصناعي ،وانتشار الفقر والبطالة ،وقد عاشت الدول المتحاربة أزمة مالية خانقة بسبب
نفقات الحرب الباهضة ،فازدادت مديونية الدول األوربية بعد لجوئها لالقتراض من الخارج ،كما
ركزت بعض الدول على مستعمراتها لتنشيط اقتصادها ،ومقابل التراجع األوروبي استفادت دول
أخرى من الحرب كالواليات المتحدة األمريكية واليابان.
-3النتائج السياسة :تفككت األنظمة اإلمبراطورية القديمة ،وسقطت األسر اإلقطاعية الحاكمة بها
(روسيا ،ألمانيا ،النمسا المجر …).
كما تغيرت الحدود الترابية للقارة األوربية بظهور دول جديدة ،وقامت الثورة الروسية التي
طبقت أول نظام اشتراكي ،وعقد مؤتمر للصلح بقصر فرساي سنة 1919م الذي فرضت معاهداته
شروطا قاسية على الدول المنهزمة ،كما أنشئت عصبة األمم لنشر السلم والتعاون انطالقا من
المبادئ 14للرئيس األمريكي ولسون.1
" -1أوربا بعد نهاية الحرب العالمية األولى إلى األزمة االقتصادية" ،مقال منشور في الموقع االلكتروني:
http://www.startimes.com/f.aspx?t=33205252
69
معاهدات السالم والمشكلة األلمانية الفصل السابع:
تم توقيع االتفاقية في 28جوان 1919بحضور الدول المنتصرة وعلى رأسها الواليات
المتحدة وبريطانيا وفرنسا وايطاليا ومن دون حضور ألمانيا .وقد تضمنت االتفاقية مجموعة من
الفصول فاق عددها 200فصل نصت كلها على تحميل ألمانيا مسؤولية اندالع الحرب وبالتالي
إلزامها بدفع تعويضات مادية للدول المنتصرة .كما نصت االتفاقية على منح منطقة األلزاس
واللورين لفرنسا ،ودفع ألمانيا إلى عدم بناء تحصينات عسكرية قرب الحدود بينها وبين فرنسا
(منطقة نهر الراين) ،كما انتزعت المستعمرات من ألمانيا لصالح كل من فرنسا وبريطانيا.1
أُجبرت ألمانيا على الرغم من االحتجاجات الشديدة عندها إلى أن تعترف بالذنب لبدئها
الحرب في عام ،1914وبالتالي فهي مسؤولة عن التعويضات الضخمة التي عليها أن تقوم
بتعويضها لدول الحلفاء المتضررة والمواطنين بسبب العدوان األلماني.
وسمي هذا الشرط الحقًا عند األلمان بشرط ذنب الحرب ،وقد شعرت الغالبية العظمى من
َ
األلمان بالمهانة واالستياء حول هذه النقطة ،وبعد ذلك أصبحت هذه النقطة قضية النازيين أثناء
2
في عام 1921قُدر مجموع التعويض للدول المتضررة وهو 132مليار مارك ذهبي
ألماني ،وقد كان الخبراء االقتصاديين للحلفاء على معرفة أن ألمانيا لن تستطيع أن تدفع مثل هذا
المبلغ كتعويض وفي عام 1931علِّق دفع التعويض من قبل المجتمع الدولي ،بسبب أن ألمانيا قد
-1ذ.رشيد احمايمي" ،العالم غداة الحرب العالمية األولى" ،مقال منشور في الموقع االلكتروني:
http://www.khayma.com/rachidgeo/1guerre%20mondialll.htmتاريخ الزيارة2015/04/17 :
-2النازية :نظام ديكتاتوري أقامه أدولف هتلر بألمانيا سنة 1933يعتمد على حكم الفرد و تقديسه في غياب أي تمثيل نيابي.
-3محمود علي" ،ألمانيا من إمبراطورية عظيمة إلى دولة ذليلة بعد الحرب العالمية األولى" ،مقال في شبكة اإلعالم العربية "محيط" ليوم:
،2014/08/10منشور في الموقع االلكتروني http://moheet.com/ :تاريخ الزيارة2015/04/17 :
70
معاهدات السالم والمشكلة األلمانية الفصل السابع:
دفعت ما يعادل 20.598مليون مارك ذهبي ألماني كتعويض ،ومع صعود شعبية أدولف هتلر
أُلغيت جميع السندات والقروض المفروضة على ألمانيا.1
يمكن إجمال معاهدات السالم الموقعة بعد الحرب العالمية األولى من خالل الجدول التالي:
المصدر :قاسم بوسعيدة ،محمد بن ريانة،محمد ربدان" ،الحرب العالمية الثانية" ،دروس في التاريخ والجغرافيا على الموقع
http://his-geo.tw.ma/604.html االلكتروني:
-1محمود علي" ،ألمانيا من إمبراطورية عظيمة إلى دولة ذليلة بعد الحرب العالمية األولى" ،مقال منشور في الموقع االلكتروني:
http://moheet.com/2014/08/10/تاريخ الزيارة2015/04/17 :
71
معاهدات السالم والمشكلة األلمانية الفصل السابع:
عمل هتلر 1عند وصوله إلى الحكم تطبيق برنامجه الوارد في كتابه " كفاحي" ويقوم هذا
البرنامج على:
-نقض معاهدة فرساي وتحقيق المجال الحيوي 2للشعب األلماني وقد كانت الخطوة األولى ،في
ثم
ضمها في مارس ّ 1938
ضم ماليين األلمان الذين يعيشون خارج الرايخ بدءا بالنمسا التي ّ
4 3
ّ
طالب بمنطقة السودات 5التابعة لتشيكوسلوفاكيا.
-انعقد مؤتمر مونيخ يومي 29/28سبتمبر 1938كمحاولة إلنقاذ السلم وانتهى بتلبية مطالب
ألمانيا التوسعية في السودات .
-تزايدت أطماع هتلر وعمل على عقد الحلف الفوالذي مع ايطاليا 31مارس 1939ومعاهدة
البولونية
ّ
6
عدم االعتداء مع االتحاد السوفياتي في 23أوت 1939فطالب بمدينة دانتزيغ
فقررت الديمقراطيات التصدي ،وفي 1سبتمبر 1939اقتحمت ألمانيا
التوسعية ّ
ّ فتوضحت أطماعه
البولونية فأعلنت انكلت ار وفرنسا الحرب على ألمانيا يوم 3سبتمبر 1939فاندلعت
ّ األراضي
العالمية الثانية.7
ّ الحرب
-1هتلر :أدولف هتلر زعيم الحزب النازي في ألمانيا وصل إلى الحكم سنة 1933و فرض النظام الدكتاتوري و كانت سياسته أحد أسباب
الحرب العالمية الثانية.
-2المجال الحيوي :سياسة اعتمدها هتلر تهدف إلى التوسع في األراضي الموجودة في شرق أوربا باعتبارها ضرورية لحياة
الشعب األلماني .
-3الرايخ :كلمة تعني الدولة ،وقد سميت ألمانيا النازية بالرايخ الثالث.
-4النمسا :ضمها هتلر أللمانيا في مارس 1938رغم تنصيص معاهدة فرساي على منع ذلك.
-5السودات :منطقة تضم 3ماليين ألماني ،انتزعت من ألمانيا و منحت لتشيكوسلوفاكيا .استرجعها هتلر إثر مؤتمر مونيخ في سبتمبر
. 1938
-6دانتزيغ :مدينة ألمانية حولها الحلفاء إلى مدينة حرة تديرها جمعية األمم .طالب هتلر باسترجاعها في صائفة .1939
-7قاسم بوسعيدة ،محمد بن ريانة،محمد ربدان" ،الحرب العالمية الثانية" ،دروس في التاريخ والجغرافيا على الموقع االلكترونيhttp://his- :
geo.tw.ma/604.html
72
معاهدات السالم والمشكلة األلمانية الفصل السابع:
كانت الحرب العالمية الثانية بين حلفين أساسيين ،وهما :دول المحور (ألمانيا واليابان
العالمية الثّانية من أكثر الحروب
ّ وتعد الحرب
الدول الحلفاء (بريطانيا وفرنسا وأمريكا)ّ .
وايطاليا) و ّ
لكل دول العالم ،وحصلت فيها الكثيردموية واراقة للدماء ،حيث كانت رقعتها واسعة تمتد ّ
البشرّية ّ
وفيات هائلة .
وتسبب بأعداد ّ
خيالي من الجنودّ ، من المعارك ،وشارك فيها عدد
ّ
بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية واستسالمها في 8ماي 1945كانت األوضاع
االقتصادية والمالية كارثية نتيجة لألضرار الجسيمة التي ألحقتها الحرب ببنيتها األساسية وبمرافقها
االقتصادية .ونتيجة للديون والمبالغ الطائلة التي تعهدت ألمانيا بدفعها كتعويضات لدول الحلفاء
المنتصرة.
دمر ثلثا البالد بالكامل خاصة المدن األلمانية الكبرى التي سويت أكثر من نصف مساكنها
باألرض .وفقدت ألمانيا 3.3مليون عسكري .و 3.8مليون مدني .و بلغ عدد أسرى الحرب
األلمان نحو 11مليون أسير بقي 6ماليين منهم في المعسكرات السوفييتية حتى عام .1948
وأرسلت قوات الحلفاء عدة ماليين من األسرى اآلخرين إلى كل من فرنسا وبولونيا وانكلت ار للعمل
بالسخرة من أجل إعادة بناء هذه الدول واصالح ما دمرته جيوش النازية.
كان التحدي األول الذي جابهته ألمانيا المدمرة والمحتلة بعد الحرب هو نقص الرجال (عدد
سكان ألمانيا بعد الحرب 27مليون 20 ،مليون منهم نساء) .و ينظر األلمان بفخر كبير للدور
الذي اضطلعت به المرأة األلمانية في هذه الفترة الصعبة التي برزت فيها ظاهرة “نساء األنقاض”.
فقد وجدت النساء األلمانيات أنفسهن مع أطفالهن بال مأوى وال مأكل وال مشرب ،لكنهن شمرن عن
سواعدهن وكانت مهمتهن األولى هي استخراج الحجارة السليمة من بين األنقاض إلعادة
استخدامها مرة أخرى في البناء ،واخالء األبنية والشوارع من األنقاض ونقلها إلى خارج المدن،
وكذلك العمل في المصانع التي لم تتضرر من القصف ،وعاش األلمان ثالث سنوات بعد الحرب
في ظروف تشبه المجاعة مع تقنين الغذاء وانعدام الرعاية الطبية ونقص المحروقات للتدفئة في
الشتاء القارس ،فتضاعفت معدالت الوفيات عما كانت عليه أثناء الحرب نفسها؛ ورغم ذلك
73
معاهدات السالم والمشكلة األلمانية الفصل السابع:
تضافرت جهود النساء مع الالجئين الوافدين من عدة بلدان في أوروبا الشرقية إلزالة آثار الدمار
واعادة بناء ما يمكن بناؤه.
خالل السنوات األولى التي أعقبت الحرب فقدت العملة األلمانية (المارك) قيمتها ومكانتها
كعملة متداولة وكان التعامل يجري غالبا بعمالت دول الحلفاء المكلفة بإدارة المناطق األربعة التي
قسمت إليها الدولة األلمانية بعد استسالمها عام .1945وهذه الدول هي :االتحاد السوفياتي-
الواليات المتحدة -بريطانيا -فرنسا.
و في شهر ماي من عام 1948قررت الدول الغربية توحيد المناطق الثالث التي كانت
تحت إدارتها لتشكل ما سمي (ألمانيا الغربية) ،أما المنطقة التي كانت خاضعة لسيطرة االتحاد
السوفيتي فأصبحت منذ عام ( 1949ألمانيا الشرقية).
ويرى الخبراء أن العامل الرئيسي الذي أدى إلى تعثر التقدم اإلقتصادي في ألمانيا الشرقية
كان السياسة االقتصادية الممركزة التي انتهجتها بإيحاء من االتحاد السوفياتي الذي كان يجد في
وجود الفقر والبطالة تربة خصبة إلنتشار الشيوعية ،إضافة إلى عوامل أخرى أهمها :إقدام االتحاد
السوفياتي على نقل العديد من المصانع ووسائل اإلنتاج الصناعية من ألمانيا الشرقية إلى المناطق
السوفياتية ليعوض نفسه عن الخسائر التي لحقت به أثناء الحرب.
باإلضافة إلى أن رفض االتحاد السوفياتي االنضمام إلى مشروع (مارشال) حرم ألمانيا
الشرقية من المساعدات المالية األميركية التي تمتعت بها كل دول أوروبا الغربية.
مشروع مارشال هو مشروع اقتصادي وضعه الجنرال جورج مارشال إلعادة إعمار أوروبا
بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية ،الجنرال جورج مارشال كان رئيس هيئة أركان الجيش األميركي
أثناء الحرب العالمية الثانية وأصبح بعدها وزير الخارجية األميركي في جانفي ،1947أعلن
74
معاهدات السالم والمشكلة األلمانية الفصل السابع:
مارشال بنفسه هذا المشروع في 5جوان 1947في خطاب أمام جامعة هارفرد ،وشكلت حينها
هيئة أطلق عليها “منظمة التعاون االقتصادي األوربي” لإلشراف على إنفاق 12.4مليار دوالر
أميركي إلعادة إعمار وترميم وتوسيع البنية التحتية ،واعادة بناء وتشغيل االقتصاد وتطوير
المشاريع الصناعية األوربية (حصلت ألمانيا الغربية منها على مليار دوالر).
باإلضافة إلى تلك المساعدات األمريكية ،كان العامل البشري هو العامل الحاسم وبدونه ما
كان هناك نهضة ،فقد أظهر األلمان في ألمانيا الغربية رغم إنكسارهم في الحرب ووجودهم تحت
احتالل فعلي رغبة واص ار ار كبيرين على العمل الشاق وفقا لنظام والتزام صارم ،وسرعان ما
استعادت ألمانيا الغربية الكثير من قوتها العاملة المؤهلة ،كما أن نظام التعليم المتطور استطاع أن
من سكان ألمانيا للدخول إلى مستوى جامعي أو المتالك المؤهالت 1
يؤهل أكثر من % 84
المهنية المعترف بها ،كما أن االهتمام الشديد بمجال البحث العلمي وانفاق الدولة بالمليارات جعل
من ألمانيا أحد رواد االبتكار في العالم ،كما استفاد اقتصاد ألمانيا الغربية بشكل كبير من عدد
إضافي من اليد العاملة ،التي كانت تتكون من المهاجرين ،الذين قرروا العودة إلى أرض الوطن
بعد انتهاء الحرب ،فشكلوا بذلك طاقة إضافية سخرت في خدمة االقتصاد.2
ويشير المؤرخون األلمان إلى روح التضحية و العمل الجماعي التي تميز بها األلمان في
هذه المرحلة ،فقد تراجعت التوترات االجتماعية بين الالجئين من أصول ألمانية وبين األلمان
أنفسهم وانخرط الجميع في بناء الدولة الجديدة ،كما ساهمت النقابات في ذلك بعدم المبالغة في
مطالبها لزيادة الرواتب وتراجعت المطالب الفئوية أمام تحدي بناء ألمانيا الجديدة.
لقد تمكن األلمان الغربيون خالل خمس سنوات فقط من العمل الدؤوب والشاق من التغلب
على تحديات جمة ووضعوا بالدهم المدمرة على طريق اإلنطالق االقتصادي.3
75
معاهدات السالم والمشكلة األلمانية الفصل السابع:
لقد تبني إيرهارد 1واإلقتصادي األلماني ألفرد أرماك نموذج إقتصادي حمل إسم "إقتصاد
السوق اإلجتماعي".
وجاء النموذج الجديد ليجمع بين محاسن إقتصاد السوق الحر ،مثل توفير المنتجات والقدرة
اإلقتصادية المتطورة عالية الكفاءة ،وفي نفس الوقت يتالفي مساوئ المنافسات الشرسة واإلحتكار
واستغالل العمال والمعامالت التجارية الضارة بالمجتمع.
فالهدف من إقتصاد السوق اإلجتماعي هو تحقيق أكبر قدر من الرخاء مع تأمين حقوق
المجتمع والعمال .والدولة مسموح لها بالتدخل الهامشي في الشأن اإلقتصادي الذي يرتكز بشكل
رئيسي على القطاع األهلي المدني وبالتالي يقتصر دور الدولة على تحفيز النشاط اإلقتصادي
ووضع سياسات تضمن بيئة تنافسية إيجابية ووضع سياسات إجتماعية لحماية الفرد والعمال.
وسرعان ما أسس المجتمع المدني شركات مساهمة لإلنتاج واعادة اإلعمار بالتعاون مع البنوك.
فظهرت شركات كبرى مثل مرسيدس وفولكسفاجن وباير وشركات الحديد والصلب ..إلخ ،ولم تكن
تلك الشركات الكبرى بمعزل عن المجتمع بل تم ربط كل شركة كبرى بشركات أصغر ومشروعات
صغيرة ومتناهية الصغر تقدم خدماتها ومنتجاتها للشركة الكبرى األم ،وسرعان ما تتحول
المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر إلى شركات متوسطة تستوعب الكثير من األيدي العاملة،
وتعد الشركات المتوسطة أكبر مولد لفرص العمل في البالد.
ويظهر دور الدولة في أوقات األزمات اإلقتصادية وخاصة عند إرتفاع أعداد العاطلين،
فتتبني سياسات لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر وتدعمها بقروض صغيرة أو
متوسطة بشروط ميسرة لحين نجاحها في دخول السوق وتحقيق النمو اإلنتاجي الذي يسمح لها
بالمنافسة وبالتالي يتحقق الهدف المتمثل في تشغيل العاطلين وتوفير دخل إلعاشة ذويهم وايجاد
مشروعات قابلة للنمو والتحول إلى شركات كبيرة منتجة قادرة على تلبية إحتياجات السوق المحلية
واإلقليمية والعالمية.
-1اإلقتصادي لودفيج إيرهارد الملقب بـ'منقذ ألمانيا' ،شغل وزي ار لإلقتصاد األلماني في عام ، 1949ثم مستشا ار أللمانيا خالل الفترة من عام
1963وحتي نهاية عام .1966
76
معاهدات السالم والمشكلة األلمانية الفصل السابع:
أما فيما يتعلق بالديون الخارجية كانت ألمانيا مدينة بمقدار 30مليار مارك لـ 70دولة وكان
من الصعب على األلمان تسديد ديونهم دون أن تتأثر ميزانية البالد المثقلة بااللتزامات ،وتم
التوصل إلتفاق بلندن في فيفري 1953ألغيت بمقتضاه نصف الديون األلمانية بينما تمت جدولة
النصف المتبقي ليتم تسديدها على المدى البعيد .وكافأت األقدار الشعب األلماني بشكل درامي
غير متوقع .فقد نشبت الحرب الكورية .1953 -1950وصاحبت الحرب حالة من زيادة الطلب
السلعي العالمي في وقت إنخفض فيه المعروض من السلع ،وبالتالي لم تجد أسواق العالم بدا من
كبيرة. وبكميات األلمانية المنتجات لتلقى مصراعيها على أبوابها فتح
وكان الشعب األلماني في إنتظار الفرصة السانحة فانطلقت المصانع األلمانية والعمالة الماهرة
لتلبية إحتياجات السوق العالمي وتمكن األلمان من مضاعفة قيمة صادراتهم خالل فترة الحرب
الكورية والسنوات التي تلتها.
وعلى الرغم من إعتقاد البعض بأن المعجزة اإلقتصادية األلمانية كانت نتاج لمشروع
مارشال الذي دشنته الواليات المتحدة بعد الحرب إلغاثة إقتصاديات الدول األوروبية ،فإن الخبراء
يؤكدون أن خطة مارشال لم تقدم أللمانيا الغربية سوى قدر ضئيل من المساعدة .فبحلول
عام 1954قدمت خطة مارشال وبرامج المساعدات الخارجية المصاحبة ما قدر بـ 2مليار دوالر
فقط وفي عامي 1948و 1949لم تمثل مساعدات خطة مارشال سوى أقل من %5من الدخل
القومي للبالد ،وكان إستنزاف المساعدات الخارجية المقدمة أللمانيا يتم بواسطة التعويضات التي
كانت تقدمها لدول الحلفاء وقدرت بـ 4,2مليار دوالر سنويا باإلضافة لتكاليف اإلحتالل.1
وبفضل المعجزة اإلقتصادية تحول المجتمع األلماني إلى مجتمع حديث منتج خدمي
إستهالكي ،نمت معه الطبقة الوسطى وارتفع فيه مستوى الطبقات الدنيا من فالحين ومهنيين،
وتآكلت فيه الحدود الصارمة بينهما كما تضاءلت الفروقات بين المدينة والقرية .وتكون أساس
إجتماعي متين يسمح بالتعددية السياسية واقامة نظام ديمقراطي على أسس سليمة .على عكس ما
كان يتبناه بعض سياسيي ألمانيا في مرحلة بعد الحرب من ضرورة فرض سياسة إقتصادية مركزية
إلنقاذ البالد.
-1طارق الشيخ" ،معجزة اقتصادية رفعت األلمان إلي عنان السماء" ،مقال منشور في الموقع االلكتروني:
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/135995.aspx
77
معاهدات السالم والمشكلة األلمانية الفصل السابع:
ووفقا لهذا النظام الناجح فإن كل ألماني هو عنصر فاعل في المجتمع ،مسؤول عن نفسه
و تجاه اآلخرين و تتدخل الدولة لمساعدته فقط حين يعجز هو عن مساعدة نفسه.
وبعد إعادة توحيد شطري ألمانيا عام 1990تمكن إقتصاد ألمانيا الغربية القوي من إعادة
بناء دولة بكاملها في الشطر الشرقي ،وكشف ألمان الشرق عن معدنهم الحقيقي وانخرطوا في
العمل للحاق بركب التطور اإلقتصادي والصناعي في الشطر الغربي.
و في الوقت الراهن يعتبر إقتصاد ألمانيا خامس أكبر إقتصاد في العالم و أهم اقتصاديات
االتحاد األوروبي ،كذلك تقف ألمانيا في طليعة الدول المصدرة في العالم ،حيث بلغ حجم التصدير
األلماني في العام الماضي أكثر من ألف وخمسمائة مليار دوالر سنوياً.1
78
األزمة االقتصادية العالمية ( 1929أزمة الكساد) الفصل الثامن:
تمهيد
تعتبر األزمات االقتصادية جزء ال يتج أز من طبيعة النظام الرأسمالي ،فهي بشكل عام تبدأ
بزيادة اإلنتاج نتيجة لهدف الرأسمالي إلى زيادة ربحه ،مما يؤدي إلى تراجع أسعار السلع
المعروضة بسبب أن العرض يفوق الطلب ،مما يؤدي في األخير إلى موجة من اإلفالسات
المتتالية التي تؤدي إلى نقص القوى الشرائية والبطالة وغيرها ،مما يؤدي إلى انهيار أسهم تلك
الشركات في البورصات العالمية ،وهكذا تحدث األزمات.
منذ القرن التاسع عشر وظهور الصناعة اآللية بدأت األزمات االقتصادية تشكل اقتصاد
البالد الرأسمالية ،والسبب الرئيسي لحدوث األزمات هو فائض اإلنتاج حيث يختل التوازن بين
الكمية المنتجة والقدرة الشرائية لدى المستهلكين نظ ار لما يحدث من التناقض بين صفة اإلنتاج
الجماعية وملكية عوامل اإلنتاج الفردية وطبيعة اإلنتاج الرأسمالي الذي ال يهدف إال إلى تحقيق
أكبر ربح ،ألن اإلنتاج أصبح يوجه في الحقيقة إلى الطبقة القادرة على الشراء من جهة ومن جهة
أخرى المنتج الذي ال يحقق ربحا ولو كان المجتمع في حاجة كبيرة إليه يتوقف عن اإلنتاج،
فيحدث اختالل التوازن االجتماعي وحدوث األزمة.
تميز اإلنتاج الرأسمالي خالل القرن التاسع عشر بظاهرة الدورات االقتصادية المتالحقة
التي تختلف من حيث التوقيت وطول المدة ،وهي تمر بالمراحل التالية:
-1مرحلة االنتعاش :ويميل فيها المستوى العام لألسعار إلى الثبات ،أما النشاط االقتصادي
فيتزايد ببطء وينخفض سعر الفائدة والمخزون السلعي.
-2مرحلة الرواج أو الرخاء :تبدأ األسعار في اإلرتفاع فتشجع المؤسسات المنتجة في زيادة حجم
اإلنتاج فيزداد حجم الدخل والعمالة.
80
األزمة االقتصادية العالمية ( 1929أزمة الكساد) الفصل الثامن:
-3مرحلة األزمة :تبدأ األسعار في الهبوط ،ويتزايد تقلص حجم اإلنتاج فتظهر البطالة العمالية،
ويتزايد المخزون ،ويبدأ الخوف التجاري في اإلنتشار وترتفع أسعار الفائدة.
-4مرحلة الكساد :تنخفض األسعار بسبب كساد التجارة وضعف النشاط التجاري وتعم البطالة.1
وحسب العلماء الذين اهتموا بهذه الظاهرة فان النظام الرأسمالي كان معرضا لمثل تلك
األزمات بمعدل واحدة كل سبعة سنوات تقريبا ،ورغم اختالف أسبابها ،إال أن البؤس والبطالة
والتده ور االقتصادي كان الصفة البارزة لإلقتصاد الحر في فترة األزمة ،ولقد لوحظ أنه بعد األزمة
الكبرى سنة 1929التي اضطرب بتأثيرها النظام الرأسمالي حتى كاد أن ينهار تماما ونهائيا ،بأن
هذه األزمات الدورية التي كانت تصيب هذا النظام خفت من حدتها وشدتها بسبب التدخل
الحكومي في القطاع االقتصادي إستمر في التوسع والسيطرة لمنع حدوث مثل تلك األزمات.2
بدأت بوادر األزمة تظهر في الواليات المتحدة األمريكية ،إذ أن معدل اإلنتاج بدأ في
التدهور منذ عام 1927ألن سياستها اإلستثمارية الخارجية لم تتسم باإلنتظام وذلك نظ ار لحداثة
خبرة المستثمرين األمريكيين وعدم وجود أسطول تجاري أمريكي كالذي اعتمدت عليه تجربة
االستثمارات البريطانية الخارجية ،فمهد ذلك النطالق ش اررة األزمة العالمية في الواليات المتحدة
األمريكية.
-تتحسن توقعات رجال األعمال ويزداد اإلقبال على شراء األوراق المالية مما يؤدي إلى ارتفاع
أسعارها.
-1بوقرة رابح ،خبابة عبد هللا ،مرجع سابق ،ص.ص.94 -93 .
-2بن طاهر حسين ،مرجع سابق ،ص.113 .
81
األزمة االقتصادية العالمية ( 1929أزمة الكساد) الفصل الثامن:
-تزداد الدخول ويزداد الطلب على اإلستهالك مما يصاحبه زيادة في الطلب على السلع
اإلنتاجية.
-هذا النشاط المتزايد ينعكس على البورصة فترتفع أسعار األوراق المالية إلى الحد الذي ال
تستطيع فيه أي زيادة.
-إلى هذا الحد تبدأ البنوك في تقليل فرص اإلئتمان وتقليل القروض ثم تبدأ في طلب أموالها
المقرضة خشية أن المودعين يبدءون في سحب أموالهم.
-زيادة الطلب على السلع اإلنتاجية يؤدي إلى ارتفاع أثمانها مما يرافق نقص في الطلب والى
تراكم فائض كبير في إنتاجها ،فيبدأ اإلنتاج في التقلص مما ينعكس على البورصة فتنخفض
أسعارها وتبدأ مرحلة الكساد.
من بين أهم األحداث المحركة لألزمة في أكتوبر 1929قرار بنك انجلت ار برفع سعر
الخصم مما أدى إلى انسحاب بعض رؤوس األموال األوربية.
وفي أمريكا على وجه الخصوص ،حدث تدهور كبير في أسعار التعامل في بورصة
نيويورك وانعكست تلك األوضاع على الصناعات األساسية كصناعة السيارات ،حيث صاحب ذلك
انخفاض كبير في الطلب على السلع المصنوعة ،وهكذا بدأ اإلنتاج واألسعار في تدهور مستمر،
كما انتشرت البطالة وارتفع عدد العمال العاطلين عن العمل عام 1929ما بين 30إلى 40
مليون.
-1إنهيار بورصة األوراق المالية في نيويورك في أكتوبر ،1929فعندما ارتفعت األسعار إلى
حدود لم تعرف من قبل بدأ الخبراء يتشاءمون مما نتج عنه سلسلة من التصرفات أدت إلى زيادة
التشاؤم والسعي نحو بيع األوراق ،مما أدى إلى انهيارها بشكل أسرع.
82
األزمة االقتصادية العالمية ( 1929أزمة الكساد) الفصل الثامن:
-2يرجع البعض سبب الكساد إلى نفاذ فرص اإلستثمار سنة 1929حيث أن النشاط االقتصادي
بلغ القمة ولم يجد مجاال آخر لإلستثمار فبدأت األزمة وحل الكساد.
-3نقص اإلستهالك :حيث يقول البعض أن نقص اإلستهالك كان سببا هاما في حدوث الكساد،
إال أن نقص اإلستهالك يؤدي إلى كساد الصناعات اإلستهالكية وبالتالي خفض استثماراتها مما
يؤثر بالطبع على صناعات السلع الرأسمالية.
-4من أسباب الكساد انكماش التجارة وانخفاض حجم اإلستثمار الخارجي ،إذ قامت حكومات
الدول المختلفة بوضع عراقيل في وجه التجارة الخارجية ،وأصبحت القيود تفرض بصفة خاصة
على الواردات من المواد الغذائية والسلع الرأسمالية.
لقد نشطت السياسات االقتصادية من مختلف الدول لمواجهة آثار األزمة ودفع عجلة النمو
وتخفيض حدة البطالة وكان لتلك السياسات القومية صو ار شتى:
ففي ألمانيا واليابان اعتمدت السياسات االقتصادية على اإلنفاق الحكومي التضخمي وعلى
زيادة الطلب لألغراض الحربية ،وبفضل ذلك ارتفع حجم اإلنتاج الصناعي في ألمانيا عام 1937
إلى % 121عما كان عليه في عام .1932
وفي بريطانيا اتخذت إجراءات سريعة لإلنعاش االقتصادي لم تعتمد على كثافة اإلنفاق
العام بل على تنشيط االئتمان بشروط بسيطة مما ساعد القطاع الخاص على النشاط السريع ،وقد
زاد اإلنتاج في عام 1937بنسبة % 71مما كان عليه عام .11932
ترافقت األزمة االقتصادية بتقلبات حادة في أسعار صرف العمالت مما نتج عنه انهيار
النظام الذهبي في معظم الدول ،وفي نفس الوقت تدهورت القدرة الشرائية لمعظم العمالت بسبب
تزايد العجز في الموازنة العامة وموازين المدفوعات وانخفاض حجم االحتياطات الذهبية الرسمية.
-1بوقرة رابح ،خبابة عبد هللا ،مرجع سابق ،ص.ص.98 -96 .
83
األزمة االقتصادية العالمية ( 1929أزمة الكساد) الفصل الثامن:
في انجلت ار تم إيقاف قابلية إبدال النقود الورقية بالذهب بتاريخ 21سبتمبر 1931م بالرغم
من أن هذا اإلبدال كان على شكل سبائك ،وقد نتج عن ذلك تدهور في قيمة اإلسترليني وما تبعه
من تدهور في قيم العمالت التي كانت مرتبطة به .وفي الواليات المتحدة سبب إلغاء العمل
بالنظام الذهبي عام 1933م إلى تزايد اإلقبال على إبدال النقود الورقية بالذهب ،وأيضا انخفاض
السيولة لدى البنوك باإلضافة إلى انخفاض االحتياطات الذهبية .لقد تسببت هذه األزمة في
انخفاض قيم العمالت الرئيسية الدولية بحوالي % 50و % 84بالمقارنة مع مستوى ما قبل
األزمة.
كما نتج عن أزمة االئتمان الدولي الطويل األجل توقف 25دولة عن سداد قروضها
الخارجية منها ألمانيا والنمسا.1
84
النظام االقتصادي االشتراكي الفصل التاسع:
تمهيد
ظهرت االشتراكية في القرن الثامن عشر ،كمذاهب ومدارس مختلفة ،تجمع على إحالل
النظرية الجماعية محل الفردية التي قام عليها النظام الرأسمالي ،كما تجمع على ضرورة تدخل
الدولة في الحياة االقتصادية.1
مرت االشتراكية بمرحلتين أساسيتين في نشأتها ،أما المرحلة األولى فهي مرحلة االشتراكية
المثالية ،وتعتبر نشأة هذه المرحلة منذ عهد أفالطون حيث كان يحلم بتكوين مجتمع مثالي يعيش
فيه الناس سواسية بال تفريق بينهم ،ويزول من المجتمع كل صور النظام االجتماعي والسياسي
واالقتصادي ،وقد ظلت هذه األفكار مضمرة في أذهان الكثير من الفالسفة والمفكرين على مر
العصور ،حتى جاء القرن التاسع عشر لتدخل االشتراكية مرحلة جديدة أال وهي االشتراكية
العلمية ،وذلك من خالل "كارل ماركس" الذي قام بوضع أسس االشتراكية العلمية التي كانت
تهدف إلى تعويض مبدأ الرأسمالية ،وسانده في ذلك التفاوت الطبقي واالضطهاد الكبير الذي
عانت منه طبقة العمال في الدول األوربية خالل القرن التاسع عشر.
وقد ظهرت االشتراكية ونمت وتطورت كرد فعل للتناقضات والسلبيات التي أفرزها النظام
الرأسمالي كانعدام المساواة وبروز فئتين مختلفتين ،وهيمنة المذهب االقتصادي الحر.
طبق هذا النظام منذ نجاح الثورة البلشفية في 25أكتوبر 1917بروسيا ،ومنذ ذلك التاريخ
أصب حت االشتراكية نظام اقتصادي وسياسي واجتماعي في االتحاد السوفياتي ثم انتقلت إلى أجزاء
أخرى من العالم بعد الحرب العالمية الثانية.
-1سعيد سعد مرطان ،مدخل للفكر االقتصادي في اإلسالم ،مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع ،لبنان ،2002 ،ص.31 .
86
النظام االقتصادي االشتراكي الفصل التاسع:
لعوامل اإلنتاج (أي الملكية الجماعية) كاألراضي واآلالت والمصانع ،وتتخذ جميع الق اررات
االقتصادية فيه من خالل جهاز التخطيط ،ومن هنا جاءت تسمية هذا النظام بنظام التخطيط
المركزي.
يعتمد النظام االقتصادي االشتراكي على أسلوب التخطيط المركزي والشامل في اإلدارة
االقتصادية فيتم رسم أهداف طموحة والسعي لتحقيقها عن طريق حصر الموارد المتاحة وتوجيهها
توجيها واعيا وكفؤا ،يتصف التخطيط في االشتراكية بالشمول والمركزية واإللزامية ،ويتصف النظام
االقتصادي االشتراكي بهيمنة الدولة على االقتصاد ،والتي تلعب دو ار رئيسيا في عمليات اإلنتاج
والتوزيع من خالل سيطرتها على وسائل اإلنتاج (الملكية العامة) ،ويستهدف النشاط االقتصادي
عادة السعي لتحقيق األهداف التي تتبناها الدولة.
-1الملكية الجماعية لوسائل اإلنتاج :أي أن وسائل اإلنتاج ملك للمجتمع وليس ملك الفرد،
الملكية الفردية في النظام االشتراكي تكاد تنحصر في أشياء بسيطة مثل السلع االستهالكية ،وتأخذ
الملكية الجماعية لوسائل اإلنتاج إحدى صورتين فهي إما ملكية الدولة وهي الصورة األكثر شيوعا
في التطبيقات االشتراكية ،واما في صورة الجمعيات التعاونية ،حيث تنشأ جمعيات تعاونية لملك
األراضي ،أو الصناعات الصغيرة ،فمثال تكون هناك جمعيات تضم كل واحدة منها مجموعة من
الفالحين لتملك مساحة من األراضي الزراعية.
-2جهاز التخطيط هو الذي يخصص الموارد :يعتمد النظام االشتراكي على جهاز التخطيط
المركزي بدال من جهاز األثمان (نظام السوق) ا لذي تعتمد عليه الرأسمالية ،والتخطيط المركزي في
النظام االشتراكي يعني تنظيم النشاط المتعلق بعملية اإلنتاج والتبادل والتوزيع واالستهالك ،فمثال
يتم تنظيم اإلنتاج في النظام االشتراكي من حيث كمية السلع المراد إنتاجها وأنواعها والموارد التي
تستخدم في ذلك عن طريق جهاز التخطيط المركزي ،الذي يعد الجهة الوحيدة لتحديد العرض
والطلب في ظل ذلك النظام.
87
النظام االقتصادي االشتراكي الفصل التاسع:
-3زوال المنافسة التجارية :أي القضاء على المنافسة الفردية وخلق منافسة من نوع آخر وهي
المنافسة بين األفراد والمؤسسات في زيادة اإلنتاج وتحسينه كما ونوعا.
-4إشباع الحاجات الج ماعية (كل حسب طاقته وكل حسب حاجته) :حيث يقدم كل فرد خدماته
إلى المجتمع بحسب طاقته ،وفي المقابل يتسلم الفرد من المجتمع بحسب حاجته.
-1انعدام الحرية الفردية :فقد الفرد حريته في اختيار النشاط االقتصادي وفي التملك ،وفي اختيار
السلع والخدمات التي يستهلكها وأصبحت كل هذه األشياء تقرر من قبل الجهاز المركزي
للتخطيط.
-2انخفاض إنتاجية العامل :نتيجة إهمال الحوافز المادية إذ من غير المتوقع أن يبذل الفرد
بصفته أجي ار عند الدولة قصارى جهده من أجل زيادة اإلنتاج وتخفيض التكاليف.
-3خلق البيروقراطية :إن مبدأ المركزية يضفي على العملية التخطيطية درجة عالية من عدم
المرونة والبيروقراطية ،وهذا يؤدي بدوره لتدني مستويات اإلنتاجية.
-4عدم كفاءة أسلوب التخطيط المركزي إلدارة االقتصاد القومي :تؤدي مركزية التخطيط لعدم
قدرة االقتصاد على مواجهة التغيرات الطارئة في الحياة االقتصادية وخاصة التي يصعب التنبؤ بها
مواجهة سريعة وفاعلة.
88
نظام بريتون وودز والنظام االقتصادي الجديد الفصل العاشر:
تمهيد
النظام االقتصادي العالمي هو القواعد التي وضعت في أعقاب الحرب العالمية الثانية،
لضبط العالقات االقتصادية بين الدول المختلفة ،وهو ما يعتمد على ثالث أركان أو ركائز :أولها
النظام النقدي الدولي ،وهو الذي يتحكم في كل ما له صلة بأسعار الصرف ،وموازين المدفوعات،
ومصادر تمويل العجز .ويعتبر صندوق النقد الدولي هو المسؤول عن ذلك النظام .وثانيها هو
النظام المالي الدولي ،وهو الذي يتحكم في كل ما يتعلق بحركة رؤوس األموال الدولية ،سواء
كانت مساعدات أجنبية ،أو قروض خارجية ،أو استثمارات أجنبية مباشرة أو غير مباشرة .وفي
هذا المجال يقوم البنك الدولي لإلعادة التعمير والتنمية بالمساهمة في هذه الركيزة .وتتمثل الركيزة
الثالثة في النظام التجاري الدولي ،وهو الذي يتحكم في كل ما يتعلق بتصدير السلع أو استيرادها.
وقد تولت الجات المسؤولية عنه إلى أن استبدلت بها منظمة التجارة العالمية.
تعتبر الركائز الرئيسية الثالث ( النظام النقدي الدولي ،النظام المالي الدولي ،والنظام
التجاري الدولي) أهداف تكوين نظام اقتصادي عالمي جديد سمي ببريتن وودز.
اجتمعت وفود قادمة من 44دولة منذ 70عاما لحضور المؤتمر النقدي والمالي للدول
المتحدة في بريتون وودز بوالية نيوهامبشير ،كان الهدف هو تصميم نظام نقدي دولي جديد بغرض
تصحيح الفوضى االقتصادية في الفترة ما بين الحربين العالميتين األولى والثانية ،من حاالت
التضخم المفرط واالنكماش المرهق في عشرينات القرن الماضي ،وتداعي قاعدة الذهب ،وفترة الكساد
الكبير في ثالثينات القرن الماضي.
وكان التحدي الذي واجه خبراء النقد والمالية هو استحداث نظام يتيح للبلدان تصحيح
اختالالتها الخارجية دون اللجوء إلى التخفيضات التنافسية في سعر الصرف المثبطة لذاتها
والسياسات التجارية التقييدية التي كانت تستخدم خالل الفترة ما بين الحربين العالميتين .فقد كان من
الالزم توزيع أعباء التصحيح على نحو عادل بين بلدان الفائض وبلدان العجز ،وتوفير سيولة عالمية
كافية بهدف تعزيز نمو التجارة والدخول على مستوى العالم .واستنادا إلى جهود تمهيدية ضخمة ) قام
بأغلبها جون مينارد كينز من الخزانة البريطانية ،وهاري ديكستر وايت من الخزانة األمريكية( ،أنجزت
90
نظام بريتون وودز والنظام االقتصادي الجديد الفصل العاشر:
الوفود خطوة استثنائية حيث استطاعت االتفاق على النظام النقدي في فترة ما بعد الحرب خالل ثالثة
أسابيع فقط .وفي ختام المؤتمر ،أشار وزير الخزانة األمريكي هنري مورغنتاو االبن ،إلى أنه بالرغم
من أن أعمال المؤتمر قد تبدو غامضة بالنسبة للجمهور ،فإن النظام الجديد مرتبط "بأساسيات وواقع
الحياة اليومية" .وقال إن ما تم تحقيقه في بريتون وودز كان "خطوة مبدئية ستتيح للدول مساعدة
بعضها البعض في تحقيق التنمية االقتصادية على نحو يحقق المنفعة المتبادلة والثراء للجميع".1
وقتئذ تم التوقيع على اتفاقية أصبحت فيما بعد أساساً للنظام النقدي الحديث ،وأصبح
الدوالر األمريكي العملة الدولية الرئيسية .عندها كان هذا النظام العالمي االقتصادي الجديد فعاالً،
ولكن في ظل الواقع الراهن بدأت عمالت جديدة تدخل حياتنا كبديل عن الدوالر.
وفي شهر جويلية من عام 1944اتخذ قرار هام أحدث تغيي اًر جذرياً في تنمية االقتصاد
العالمي ،وهنا يشير الخبير االقتصادي الروسي المعروف سيرغي خيستانوف قائالً:
إن فكرة نظام بريتون وودز تكمن في أنه سمح في تحقيق االستقرار بشأن أسعار صرف
العمالت الرئيسية للبلدان المشاركة عن طريق ربطها بالدوالر األمريكي ،مع العلم أن األخير كان
في ذلك الوقت مرتبط بالذهب .وفي ظل إنشاء هذا النظام ،عندما كانت معظم الدول األوروبية
تحت أنقاض تداعيات الحرب العالمية الثانية ،لعب نظام بريتون وودز دو اًر هاماً في إعادة إعمار
أوروبا بعد الحرب بشكل خاص ،وأرست دعائمها حتى السبعينات من القرن الماضي بشكل عام.2
تهدف اتفاقية بريتون وودز إلى تحقيق االستقرار في االقتصاد العالمي ،وتم فيها تثبيت
سعر صرف الدوالر األميركي بما يساوي 35أوقية من الذهب ،ثم تثبيت عمالت الدول أمام
صعودا وهبوطًا من
ً الدوالر األميركي ،وعدم السماح لسعر صرف العملة بالتقلب أكثر من %2
القيمة الثابتة أمام الدوالر.3
-1أتيش ريكس غوش" ،في مركز الصدارة" ،مجلة التمويل والتنمية ،المجلد ،51العدد ،3صندوق النقد الدولي ،واشنطن ،سبتمبر ،2014
ص.50 .
" -2أسس نظام بريتون وودز أصبحت في غياهب النسيان" ،مقال منشور في الموقع االلكتروني:
http://arabic.sputniknews.com/arabic.ruvr.ru/2014_07_05/274302882/تاريخ الزيارة 2015/04/14
" -3اتفاقية بريتون وودز" ،مقال منشور في الموقع االلكترونيhttp://www.arabictrader.com/beta/ar/economic- :
dictionary/5تاريخ الزيارة2015/04/14 :
91
نظام بريتون وودز والنظام االقتصادي الجديد الفصل العاشر:
وقد انتهى مؤتمر بريتون وودز باالتفاق على مجموعة من المبادئ أهمها:
-أن سعر الصرف يعتبر من المسائل ذات األهمية الدولية ،وينبغي العمل على ضمان ثبات أسعار
الصرف ،على األقل في المدة القصيرة ،مع إمكانية تعديلها في بعض الظروف إذا ظهر ما يستوجب
ذلك.
-من المصلحة زيادة االحتياطي من الذهب والعمالت الحرة في كل دول ،حتى ال تضطر الدولة
إلى اتخاذ إجراءات وسياسات قد تضر بالتوازن الداخلي لمواجهة العجز في ميزان مدفوعاتها.
-أن تحقيق المصلحة السياسية واالقتصادية للعالم يتطلب إيجاد نظام للتجارة متعددة األطراف
وتحقيق القابلية لتحويل العمالت.
-أن أفضل الطرق لتحقيق هذا التعاون النقدي هو إنشاء منظمة دولية ذات وظائف محددة.
-في كثير من األحوال ،تكون االختالالت النقدية راجعة إلى أسباب غير نقدية ،ومن هنا يجب
على المنظمات النقدية أن تتعاون مع المنظمات األخرى لعالج هذه االختالالت.
نتج عن مؤتمر بريتون وودز 1944عدة ق اررات أهمها إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك
الدولي.
وضع ممثلو الدول المشاركة في مؤتمر بريتون وودز إتفاقية التأسيس لمؤسسة دولية تشرف
على النظام النقدي الدولي وتعمل على إلقاء قيود الصرف المرتبطة بالتجارة في السلع والخدمات
وتحقيق إستقرار أسعار الصرف .
-1حازم الببالوي ،النظام االقتصادي الدولي المعاصر ،عالم المعرفة ،الكويت ،2000 ،ص.ص.50 -49 .
92
نظام بريتون وودز والنظام االقتصادي الجديد الفصل العاشر:
وفى ديسمبر عام 1945وقعت 29دولة على إتفاقية تأسيس " صندوق النقد الدولي ." FMI
-1تشجيع التعاون الدولي في الميدان النقدي بواسطة هيئة دائمة تهيئ سبيل التشاور والتآزر فيما
يتعلق بالمشكالت النقدية الدولية.
-2تسيير التوسع والنمو المتوازن في التجارة الدولية ،وبالتالي اإلسهام في تحقيق مستويات مرتفعة
من العمالة والدخل الحقيقي والمحافظة عليها ،وفي تنمية المواد اإلنتاجية لجميع البلدان األعضاء
على أن يكون ذلك من األهداف األساسية لسياستها االقتصادية.
-3العمل على تحقيق االستقرار في أسعار الصرف والمحافظة على ترتيبات صرف منتظمة بين
البلدان األعضاء ،وتجنب التخفيض التنافسي في قيم العمالت .
يعد البنك الدولي لإلنشاء والتعمير ثاني مؤسسة نقدية يتم إنشاؤها بمقتضى إتفاقية "بريتون
وودز" ويطلق عليه حالياً البنك الدولي وقد بدأ في مباشرة أعماله في 25جانفي ،1946وتم ربط
البنك باألمم المتحدة بمقتضى إتفاق في 15نوفمبر .1947
عادة ما ينظر إلى البنك الدولي على أنه مؤسسة دولية تقدم القروض لألغراض اإلنتاجية
في الدول األعضاء فيها ،غير أن مهمة البنك الدولي تتشعب لتتجاوز مجرد تقديم القروض .فلقد
نصت اإلتفاقية في مادتها األولى على عدة أهداف من أهمها :
93
نظام بريتون وودز والنظام االقتصادي الجديد الفصل العاشر:
-1كما هو مبين من تسميته فإن اسم البنك األول هو التعمير ،والتعمير يقصد به المعاونة في
تنمية أقاليم الدول األعضاء عن طريق تعمير المناطق التي دمرتها وخربتها الحروب ،ويمثل هذا
الهدف حالياً حاجة ملحة بالنسبة للبالد حديثة اإلستقالل واآلخذة في النمو إلزالة أثار التخريب
اإلستعماري وحروب اإلستقالل .باإلضافة إلى ذلك فإن البنك الدولي يقوم بتيسير إستثمار رؤوس
األموال في أغراض إنتاجية إلستثمار القدرات القومية للدول األعضاء .
-2تشجيع االستثمارات األجنبية الخاصة عن طريق الضمانات التي يقدمها البنك أو المساهمة
بنسبة من القروض المقدمة .ويقوم البنك الدولي أيضاً بتقديم القروض من رأسماله في حالة عدم
وجود إستثمارات خاصة كافية ،أو عدم إمكانية قيام المقترض بالحصول على القروض الالزمة من
مصادر أخرى .
-3تقديم المساعدات الفنية في إعداد وتنفيذ برامج القروض ،وفي تنفيذ برامج إستثمارية طويلة
األجل .وقد لجأ الكثير من الدول األعضاء ،وخاصة الدول اآلخذة في النمو ،إلى طلب معونة
البنك الدولي في مسائل تتعلق ببرامج تنميتها اإلقتصادية.
-4العمل على تنمية التجارة الدولية ،والمحافظة على إستقرار موازين المدفوعات عن طريق
تشجيع اإلستثمارات الدولية ،لتنمية الموارد اإلنتاجية للدول األعضاء ،مثل تشجيع اإلستثمار في
مجال الصناعة والزراعة وتوليد الكهرباء.
وقد لعب البنك دو اًر رئيسياً في تسوية منازعات بين حكومات دول أعضاء فيه (أو هيئات
تابعة لها ) بعضها بعضاً أو بينها وبين مستثمرين أجانب.
-ففي عام 1951ثار خالف بمناسبة تأميم إيران لشركة نفط األنجلو – إيرانية ،وفي عام 1956
نجح البنك في التوسط لتسوية الخالف الذي ثار بمناسبة تأميم قناة السويس بين المساهمين في
هذه الشركة والحكومة المصرية .
94
نظام بريتون وودز والنظام االقتصادي الجديد الفصل العاشر:
-كما حاول البنك مؤخ اًر في عام 1985أن يساعد في تسوية نزاع نشأ بين شركة غاز تابعة
للحكومة األرجنتينية وشركة هولندية.1
في منتصف ستينات القرن الماضي ،بدأت الضغوط تواجه نظام بريتون وودز بسبب حاالت
العجز المستمرة في ميزان المدفوعات األمريكي والتي تحول على إثرها نقص الدوالر في أعقاب
الحرب إلى تخمة دوالرات .وفي ظل تثبيت قيمة الدوالر مقابل الذهب ،كانت المشكلة الرئيسية من
منظور الواليات المتحدة تكمن في وضع بلدان الفائض على مسار التصحيح) ألمانيا واليابان أساسا،
في ذلك الوقت( .وبالنسبة لبقية العالم ،كانت األزمة تكمن في أن العجز األمريكي هو مصدر
السيولة النظامية ،ولكن تزايد حجم الدوالرات في خزائن البنوك المركزية األجنبية أدى إلى زعزعة الثقة
في قدرة الواليات المتحدة على توفير غطاء من الذهب لهذه الدوالرات.
وكان الحل الذي جاء به صندوق النقد الدولي هو حقوق السحب الخاصة وهي أصول
احتياطية صورية ) مماثلة إلى حد ما لعملة البانكور التي استحدثها كينز ( من شأنها توفير السيولة
دون الحاجة إلى عجز مقابل في بلدان عمالت االحتياطي .ولكن هذا الحل كان غير كاف وجاء
متأخ ار جدا .وهكذا انهار نظام بريتون وودز رغم ما تم اتخاذه من تدابير يائسة لترقيع النظام من
خالل خطوط تبادل النقد األجنبي بين البنوك المركزية في ستينات القرن الماضي ومحاولة يائسة
أخيرة إلعادة مواءمة أسعار العمالت بموجب اتفاقية سميثسونيان في عام 1971بعدما علقت
الواليات المتحدة تحويل احتياطيات الدوالر إلى ذهب .وفي ظل االضطرابات الحادة الناتجة عن
صدمات أسعار النفط في أواخر عامي 1973و ، 1974كان من المستحيل إعادة تثبيت أسعار
صرف العمالت الرئيسية مقابل بعضها البعض .وواجه صندوق النقد الدولي أزمة وجودية إثر انهيار
نظام بريتون وودز .وظهرت تساؤالت غير مستغربة حول أهمية منظمة كان الغرض من وجودها
إدارة نظام لم يعد موجودا.
" -1مؤتمر بريتون وودز" ،مقال منشور على الموقع االلكترونيhttp://www.3loom-eltgara.com/2014/10/Bretton-Woods- :
Conference.htmlتاريخ الزيارة 2015/04/14
95
نظام بريتون وودز والنظام االقتصادي الجديد الفصل العاشر:
وبالرغم من أن نظام بريتون وودز لم يعد موجودا منذ أوائل سبعينات القرن الماضي ،كان
النظام النقدي الدولي ال يزال يواجه العديد من المشكالت التي واجهها مصممي النظام .ففي التقرير
النهائي الذي عرضته لجنة العشرين ) لجنة و ازرية تم تشكيلها في جويلية 1972للنظر في إجراء
إصالحات في النظام النقدي الدولي ( على مجلس محافظي الصندوق في جوان 1974على سبيل
المثال ،أشارت إلى أن" تحقيق االتساق بين التزامات جميع البلدان المدينة والدائنة على حد سواء"
و"تعزيز إدارة السيولة العالمية" من األهداف الرئيسية التي يلزم تحقيقها إلصالح النظام النقدي
الدولي.
وهكذا ،فإن اإلنجاز الحقيقي للمؤتمر النقدي والمالي لم يكن وضع نظام بريتون وودز ،ولكن
اإلنجاز الحقيقي هو إنشاء مؤسسة تستطيع تلبية االحتياجات المتغيرة ألعضائه وتقوم بذلك بالفعل
لتحسين الواقع اليومي الذي يعيشه الناس.1
96
بروز االقتصاديات اآلسيوية الفصل الحادي عشر:
تمهيد
لقد شهدت منطقة شرق آسيا خالل الفترة ( )1990-1965نمواً سريعاً يفوق ما شهدته أي
منطقة أخرى في العالم .وقد تمثل المصدر الرئيس لهذا اإلنجاز في نمو أشبه بالمعجزة شهدته
اقتصاديات ثماني دول هي :هونج كونج ،واندونيسيا ،واليابان ،وجمهورية كوريا ،وماليزيا،
وسنغافورة ،وتايالند ،وتايوان.
-1التراكم المتنامي لرأس المال المادي والبشري المتمثل في تحسين مستوى التعليم العام والتدريب
وتحسين معايير اختيار العاملين.
-2التدخل الحكومي في تأمين البنى التحتية المتطورة وتقديم مختلف أنواع العون والمساعدة
لشركات القطاع الخاص األكثر كفاءة في خدمة أهداف السياسة االقتصادية.
-3إضافة إلى اعتبارات العدالة في تقاسم النمو مما أدى إلى حفز جميع عناصر اإلنتاج وتحسين
مساهمتها في التطور االقتصادي واالجتماعي لتلك الدول.
وهذا ما يبرهن على أن هذه االقتصاديات كانت أقدر من معظم االقتصاديات األخرى
على تخصيص الموارد المادية والبشرية لصالح استثمارات إنتاجية عالية وعلى اكتساب التقنية
واتقانها.
ولتفسير النمو ،فقد ثبتت دراسات البنك الدولي لبحوث السياسات العامة كيف أن السياسات
المرنة يمكن أن تسهم في تحقيق االستقرار االقتصادي والنمو السريع للصادرات المصنعة ،وكيف
أن في وسع المؤسسات الحكومية أن ترسي قاعدة للنمو العادل ،وكيف أن السياسات العامة
المتعددة في أشكالها استطاعت توجيه اإلقتصادات الثمانية لتحقيق التراكم السريع لرأس المال
المادي والبشري بصورة غير اعتيادية ،وكيفية مساهمة مزيج السياسات المختلفة ومداها في
98
بروز االقتصاديات اآلسيوية الفصل الحادي عشر:
التطبيق الناجح لثالث مهام رئيسية في إدارة اإلقتصاد وهي :التراكم الرأسمالي ،وتخصيص
الموارد ،ونمو اإلنتاجية.1
اعتمد نجاح اقتصاديات شرق آسيا في جانب منه على السياسات التي تم تبنيها ،و في جانب
آخر على اآلليات المؤسساتية التي تم إنشاؤها لتنفيذ تلك السياسات .إذ وفرت االقتصاديات اآلسيوية
جميعها مناخا مؤسسيا آمنا لإلستثمار الخاص أدى إلى مستويات عالية جدا من النمو معتمدة على
القطاع الخاص .و أهم ما تمتعت به هذه االقتصاديات:
-1جهاز خدمة مدنية عالي الكفاءة الذي لديه القدرة على مراقبة األداء ،ويكون بمنأى عن
التدخالت السياسية.
يعتبر النظام التنافسي مسألة حيوية لكفاءة االستثمار ،فأغلب االقتصاديات اآلسيوية تطبق
إطار المنافسة القائم على نظام السوق ،لكن بعض االقتصاديات اآلسيوية قد تقدمت خطوة إضافية
من خالل إيجاد نظام جديد يقوم على اعتبارات الكفاءة (بحيث يجمع كال من المنافسة ومنافع التعاون
بين الشركاء وبين الحكومة والقطاع الخاص).
-2مجموعة متميزة من اإلدارات التكنوقراطية ،وجهاز حكومي حسن السمعة بفضل ثالث عوامل
وهي:
أ -األجور مرتفعة بشكل كاف لجذب المديرين االقتصاديين ذوي الكفاءة واإلحتفاظ بهم.
ب -في االقتصاديات اآلسيوية حيث الجهاز الحكومي ذو مستوى كفاءة عالية ،فإن القوانين
واإلجراءات التي تحكم العاملين في القطاع العام تحميها المؤسسات كما أنها بمعزل عن التدخالت
السياسية ،وترتكز التعيينات والترقيات باألخص على الكفاءة وليس على المحاباة.
-1البنك الدولي ،تقرير البنك الدولي لبحوث السياسات العامة ،معجزة شرق آسيا :النمو االقتصادي والسياسات العامة ،ترجمة عبد هللا ناصر
السويدي ،شيخة سيف الشامسي ،مركز اإلمارات للدراسات والبحوث اإلستراتيجية ،أبو ظبي ، 2000 ،ص.119 .
99
بروز االقتصاديات اآلسيوية الفصل الحادي عشر:
ج -أن الوظيفة العامة تمنح مستوى اجتماعيا رفيعا .وهذه العوامل حسنت نوعية العاملين في الجهاز
الحكومي ،وحدت من الفساد ،وأوجدت روح التضامن بين العاملين في الخدمة المدنية مما ساعد على
استقاللية الجهاز الحكومي وعدم خضوعه للضغوط السياسية.
-3إنشاء مؤسسات لتقوية االتصال مع القطاع الخاص ،حيث تم تشكيل مجالس تشاور رسمية،
والتي بصفة عامة طورت على المستوى االقتصادي التنسيق بين الشركات وحسنت انسياب
المعلومات بين قطاع األعمال والقطاع الحكومي .أما على المستوى السياسي ،فقد ساعدت على
التزام تقاسم النمو وقللت من السعي إلى مجرد الربحية .وقد أدى تبادل المعلومات إلى صعوبة
حصول الشركات على امتيازات خاصة من الحكومة والى عدم تمكن المسؤولين الحكوميين من منح
امتيازات خاصة .وبهذا فإن مجالس التشاور ساعدت على كبح السلوك اإلنتهازي ،كما قامت بمهام
رقابية مهمة.
إن أغلب حكومات االقتصاديات اآلسيوية – وبخاصة تلك التي في شمال شرق آسيا– كانت
تتدخل في األسواق من أجل التعجيل بالنمو .وتنطوي هذه التدخالت جميعا على تحمل شكل من
أشكال التكلفة سواء في شكل تكلفة مالية مباشرة للدعم أو إضاعة عوائد محتملة ،أو في شكل ضرائب
ضمنية على القطاع العائلي وقطاع الشركات – على سبيل المثال – من خالل التحكم في هيكل
الحماية أو معدالت الفائدة.
من خالل دراسة للبنك الدولي تم تقييم ثالث مجموعات من سياسة التدخل الحكومي في
االقتصاديات اآلسيوية وهي:
100
بروز االقتصاديات اآلسيوية الفصل الحادي عشر:
وخلص التقييم إلى أن تشجيع صناعات معينة بشكل عام لم يفلح كثي ار وبالتالي لم يكن واعدا
بالنسبة إلى االقتصاديات النامية األخرى ،وقد نجح االئتمان الموجه في ظل أوضاع وظروف خاصة
لكنه كان ينطوي على أخطار جمة ،وكانت إستراتيجية تشجيع الصادرات هي األكثر نجاحا من بين
أساليب سياسة التدخل الحكومي الثالثة ،كما أنها مثلت أعلى الفرص الواعدة درجة بالنسبة إلى
االقتصاديات النامية األخرى.
وبالموازاة لمختلف تدخالت الدولة ،الدول اآلسيوية رغم اختالف تجاربها ،شيدت استقرار
ديناميكيات النمو على مجموعة من المؤسسات التي منها أوامر دستورية مستقرة ،بيروقراطية منظمة
ومؤهلة ،هيئات للتفاوض والتشاور بين الحكومة وأوساط األعمال ،مؤسسات قطاعية ديناميكية التي
ترافق تطوير نشاطات صناعية جديدة.1
تعتبر ماليزيا من بين دول اإلقتصادات اآلسيوية السالفة الذكر ،ويطلق عليها "يابان العالم
اإلسالمي" ،حيث استطاع ذلك " النمر اآلسيوي" تحقيق نقلة نوعية متميزة في المجاالت الصناعية
والسياحية والتكنولوجية والطبية والتعليمية حتى وصلت إلى المرتبة الـ 18على خريطة العالم
االقتصادية ،بل هناك إستراتيجية 2020التي تسعى ألن تكون ماليزيا في المرتبة السادسة ،فيما
بلغت نسبة المتعلمين % 93بعد أن كانت األمية والجهل والتخلف قبل 35عاما إحدى سمات
شعب الماليو ،وكنتيجة لذلك اعتبرت مثاال ناجحا وتجربة أسطورية تنافس مثيالتها من الدول
الصناعية المتقدمة.
-1زوين ايمان " ،دور الجيل الثاني من اإلصالحات االقتصادية في تحقيق التنمية – دراسة حالة الجزائر ، " -مذكرة مقدمة ضمن متطلبات
نيل شهادة الماجستير في العلوم االقتصادية ،فرع التحليل واالستشراف لالقتصادي ،جامعة منتوري ،قسنطينة ،2011/2010 ،ص .ص-15 .
.17
101
بروز االقتصاديات اآلسيوية الفصل الحادي عشر:
بلغ فيها اإلقتصاد الماليزي مثلت البداية الصلبة والحقيقة رسم مسيرة التنمية ووضعها
مرحلة النضج وتجاوز مخاطر لتعميق القاعدة الصناعية على الطريق الصحيح وتوسيع
التراجع واإلنطالق إلى آفاق التصدير رقعة القطاع العام
المصدر :عبد المطلب عبد الحميد ،نماذج تنموية معاصرة ،الدار الجامعية ،اإلسكندرية ،2013 ،ص.22.
وقد وضع مخططو النموذج الماليزي عدد من اإلستراتيجيات لتحقيق التنمية تتلخص في
النقاط التالية:
-التعامل مع اإلستثمار األجنبي المباشر بحذر حتى منتصف الثمانينيات ،ثم السماح له بالدخول
ولكن ضمن شروط أال تنافس السلع التي ينتجها المستثمر األجنبي الصناعات الوطنية.
-إمتالك رؤية مستقبلية للتنمية والنشاط اإلقتصادي من خالل خطط خماسية متتابعة ومتكاملة
منذ اإلستقالل وحتى اآلن ،بل إن استعداد ماليزيا المبكر للدخول في القرن الحالي أي القرن الواحد
والعشرين من خالل التخطيط لماليزيا .2020
102
بروز االقتصاديات اآلسيوية الفصل الحادي عشر:
-التنوع الكبير في البنية الصناعية وتغطيتها لمعظم فروع النشاط الصناعي (الصناعات:
اإلستهالكية -الوسيطة -الرأسمالية).
-إنتهاج إستراتيجية اإلعتماد على الذات في االضطالع بالعبء التنموي ،سواء البشري أو
التمويلي ،حيث عملت على حشد المدخرات المحلية الالزمة الستغالل الموارد الطبيعية والمادية
المتاحة.
-اإلستفادة القصوى من موقع ماليزيا الجغرافي المركزي كبوابة للسوق اآلسيوي كعامل جذب
لشركات اإلستثمار التي تتحرى عن فرص مربحة خارج الحدود.
-اإلهتمام بتجربة تحسين المؤش ارت اإلجتماعية لرأس المال البشري اإلسالمي ،وكذا توفير رؤوس
األموال المحلية الالزمة لمختلف أوجه التنمية بصورة متزايدة والتي أسهمت في اإلقالل من الديون
الخارجية.
-إلتزام الحكومة باألسلوب اإلسالمي السليم في ممارسة مختلف األنشطة االقتصادية وتوجيه
الموارد.
-طبي عة دور الدولة في النشاط االقتصادي في ماليزيا تتم من خالل القنوات الديمقراطية للشورى
المتمثلة في األحزاب الماليزية المتعددة التي توفر أوسع مشاركة ممكنة للناس في مناقشات لجميع
القضايا المتعلقة بالمصلحة العامة ،ومتابعة السلطة التنفيذية في تطبيقها الجاد لجميع السياسات
التي يتم الموافقة عليها.1
إن التجربة التنموية الصينية تعد من أكبر وأنجح التجارب التنموية في العالم وذلك للظروف
الصعبة التي واجهت هذه التجربة وفي مقدمتها كبر حجم السكان وقلة الموارد قياساً بالسكان ،لذا
فإن التعرف على أساسيات هذه التجربة يجعلنا نقف على الدرب السليم عند القيام بالتخطيط ألي
عملية تنمية.
-1عبد المطلب عبد الحميد ،نماذج تنموية معاصرة ،الدار الجامعية ،اإلسكندرية ،2013 ،ص.ص.23 -22 .
103
بروز االقتصاديات اآلسيوية الفصل الحادي عشر:
في القرن التاسع عشر كانت الصين إمبراطورية تعيش منغلقة على نفسها إلى حد كبير
وفي هذا القرن كثرت الحروب ،وانتشرت الثورة الصناعية بشكل كبير ،فبدأت حرب األفيون بين
الصين وبريطانيا عام ( )1842وانتهت بسيطرة بريطانيا على هونغ كونغ ،ثم بدأ التخلي عن
تايوان لليابان عام ( ،)1895وحصلت روسيا وألمانيا على امتيازات خطوط الحديد فيها ،وكان لهذه
األوضاع ردود فعل عميقة في البالد وانتشار روح الثورة ضد الحكم القائم الضعيف ،وانتهت بثورة
عام ( )1911وقيام الجمهورية عام ( ،)1921التي أنهت الحكم الضعيف في الصين.
وفي العشرينات بدأ هناك جناحين األول يرى أن النموذج الشيوعي ال يناسب الصين
وأوضاعها العامـة ،والثاني يميل إلى النموذج السوفيتي الشيوعي ويرى أنه الضمان لتحقيق التغيير
اإليجابي .وفي عام ( )1925إشتد الخالف داخل الحكم وحسم األمر عام ( )1927بإخراج
الشيوعيين من الحكم واضطروا إلى الذهاب إلى الريف الذي كان بعيد عن سلطة الدولة وكونوا
هناك نفوذ قوي بقيادة قائد الحزب (ماوتسي تونغ) ثم نشبت الحرب األهلية في نهاية األربعينيات
واستمرت عامين وانتهت الحرب بسيطرة الجيش األحمر وهو تنظيم للحزب الشيوعي على السلطة
عام (.)1949
كانت الخطوات األولى للقيام بتنمية شاملة هي القيام بعدة إجراءات منها:
إلغاء اإلمتيازات األجنبية ،تأمين التجارة الخارجية ،تحديد حدود دنيا لألجور ترتبط هذه الحدود
بأسعار األرز (سلعة الغذاء الرئيسية) ،تطبيق نظام البطاقات التموينية الستهالك السلع األساسية
مع تحديد أسعارها ،فرض نظام تراخيص العمل واإلقامة في المدن ،تأمين المشروعات الكبيرة
ومصادرة الملكيات الكبيرة وأمالك بعض األجانب ،إلغاء العملة السابقة ،تنظيم الملكيات الزراعية
الصغيرة والمتوسطة في شكل جمعيات تعاونية (تشبه هذه المرحلة إلى حد كبير اإلجراءات التي
قامت في االتحاد السوفيتي بعد الثورة).
104
بروز االقتصاديات اآلسيوية الفصل الحادي عشر:
-1بدأت الخطة الخماسية األولى بين ( )1957-1953بإعطاء وزن كبير للصناعة بمختلف
مستويـاتها ،مع التأكيد على الزراعة واعادة تنظيم الجمعيات لضمان تقديمها لفائض أكبر لتمويل
عملية التنمية ،أي إن (ماوتسي تونغ) كان يؤكد على الزراعة والصناعة معاً ،كما أن التوازن كان
موجوداً بين اإلستهالك والتراكم وتوسيع نظام التعليم والقضاء على األمية .وقد نجحت الخطة
نجاح كبير فارتفعت معدالت نمو الصناعة إلى ( )%20عما كان متوقعاً وارتفعت مستويات
الصحة والتعليم بشكل واضح ،ومعدالت نمو الزراعة ( )% 41مما ضمن تحسناً ملحوظاً في
مستوى التغذية ،وارتفع تراكم الدخل القومي إلى ( )% 24ومعدالت االستثمار المادي إلى ( %
.)71
-2أدت النتائج اإليجابية للخطة الخماسية األولى إلى زيادة الثقة بإمكان تحقيق انجازات أكبر،
فوضعت الخطة الخماسية الثانية ( )1962-1958لتحقيق القفزة العظيمة إلى األمام ،والهدف هو
مضاعفة اإلنتاج خالل سنة واحدة تحت شعار (بقدر ما يجسر اإلنسان بقدر ما تنتج األرض) وقد
ركزت الخطة على الصناعة الثقيلة وتمويلها من خالل زيادة نسبة التراكم المقرر من اإلنتاج
المحلي ومعنى ذلك زيادة الفائض المطلوب من الزراعة والصناعة اإلستخراجية ،ولم تنجح القفزة
في دفع اإلنتاج الصناعي إلى المستويات المرجوة في الوقت الذي ضعف فيه دور الصناعات
الصغيرة ،فقد شهدت الفترة مابين ( )1960-1957النزاع ثم الفراق بين الصين واالتحاد السوفيتي،
وتعاقب ظروف مناخية مدمرة عصفت باإلنتاج الزراعي ،وكان الفشل في الصناعة واستمر التنظيم
الزراعي وفق الخطة.
-3وضعت الخطة الخماسية الثالثة بين ( )1967-1963وسط مشاكل عديدة ،فقد أرهقت
المواجهات الخارجية اإلمكانيات العامة وانخفضت إنتاجية الصناعة عما كان مقد اًر لها وظهر فتور
في حماس العاملين لضعف الحوافز المادية ،وكانت قيادة الصين تشعر أن النظام فيها كان
مستهـدف ،فمن حرب في كوريا إلى أخرى مع الهند والى ثالثة لمواجهة القوى التي حاولت إعادة
السيطرة على الهند الصينية ،وخوفاً من انتكاس الثورة قامت حركة سميت بـ (الثورة الثقافية) عام
)(1966وكان هدف (ماو) من إثارة الثورة الثقافية تكتيل قوى الشبيبة باعتبارها صاحبة المصلحة
في التغيير وانها الوحيدة القادرة على دفع الصين إلى األمام ومواجهة األعداء دون اعتماد على
أحد من الخارج ،وقد تبع التوجه الجديد تعديل أسلوب الخطة الثالثة ومدها حتى عام ( )1970لكي
105
بروز االقتصاديات اآلسيوية الفصل الحادي عشر:
توائم التغيرات الجديدة ،وكانت مشكلة الثورة الثقافية ليست في المسائـل التي طرحتها ولكن في
العنف الذي شملها واتساع نطاق تطبيقها في المدن التي هي المراكز الحساسة للتغير االجتماعي
مهما قيل عن الريف وطاقاته ،وقد واكب الثورة الثقافية تغيير مادي واضح من مضاعفة نصيب
الصناعة الثقيلة التي أصبحت قاعدة التطور الصناعي ،وزيادة إنتاج الصناعات الخفيفة والمحلية
التي مكنت من تغطية نسبة هامة من احتياجات األقاليم وكانت إنتاجيتها مرتفعة إلى حد جعلت
الصين مكتفية ذاتياً في أغلب السلع الغذائية ويتمتع المواطنون بمستوى تغذية أعلى بكثير عما
كانوا يحصلون عليه.
كما كان لها األثر في بروز القيم الصينية التقليدية مثل العمل باجتهاد في سبيل المصلحة
الذاتية وطغيانها على بعض قيم الحزب الشيوعي ،ومن ثم عادت األسرة لتكون الوحدة األهم في
الريف الصيني ،وبعد أن كان الصيني في الماضي يخدم الشعب أصبح يخدم األسرة ونفسه.
-4خفت حدة الثورة الثقافية عند وضع الخطة الخماسية الرابعة وفي ظل اإلنفراج الدولي إزاء
الصين وخروجها من عزلتها وانضمامها إلى األمم المتحدة ،واستمرت الخطة في سياسة اإلعتماد
على الذات وزيادة اإلستثمار المخصص للصناعة مع استمرار الجهود اإلجتماعية للقضاء على
األمية وتوسيع فرص التعليم وتحسين المستوى الصحي والمعاشي للمواطنين ،أما اإلنتاج الزراعي
فقد قفز إلى ما قيمته ( )223مليون دوالر في السنة ،أي بمعدل ( )%600عما كان عليه عام
( ،)1949وقد احتلت الصين بعد هذه الخطة المركز الثالث في العالم بعد روسيا وأمريكا من حيث
حجم اإلنتاج الصناعي وتنوعه.
-5أما الخطة الخماسية الخامسة ( )1980-1976والتي توفي فيها (ماو) خالل السنة األولى
بدأت سياسة إصالح جديدة ترى أن العبرة هي في ثبات الخطوات ومواجهة الواقع وليس في القفز
فـوقه ،كما وجهت الدعوى إلى تحديث الصناعة واعطاء البحث العلمي والتقدم التكنولوجي دو اًر
أكبر تحت رعاية الدولة واعادة النظر في المشروعات وتقويمها على أساس أدائها وحسن إنتاجها
وليس على أساس حجم هذا اإلنتاج بغض النظر عن نوعيته وهي المشكلة التي واجهت الدولة
االشتراكية في المراحل األولى لعملها .وبعد رحيل (ماو) ضعفت األيديولوجية االشتراكية وعادت
الوطنية الصينية إلى البروز ومعها فكرة (أن الصـين مـركز العـالم).
106
بروز االقتصاديات اآلسيوية الفصل الحادي عشر:
-1في محاولة إلرجاع (شنغهاي) لسابق عهدها كمركز تجاري وصناعي دولي ،أقيمت في
الثمانينات ( )14شركة أمريكية – صينية مشتركة في مجاالت (األجهزة الكهربائية – المعدات
النفطية – العطور … -الخ) إضافة إلى مجموعة شركات مشتركة مع اليابان وهولندا وألمانيا.
-2إنشاء عدد من المشاريع الخاصة ،ففي عام ( )1984كان هناك ( )9,3مليون مشروع موزعة
بين النقل والبناء وصناعة األحذية والخدمات .وقد خلف هذا طبقة برجوازية صغيرة في الصين.
-3إنشاء مناطق حرة في عدة أقاليم على الساحل الصيني الجنوبي الشرقي لجلب رؤوس األموال
األجنبية.
-4بدأت الصين تستجيب إلى كتابات الغرب الرأسمالي حول ضرورة تحديد النسل إليجاد نوع من
التوازن بين السكان والموارد ،وقد قررت فرض نوع من العقوبات على من ينجب أكثر من طفل
واحد ،مما أدى إلى عودة ظاهرة ( وأد البنات) في الريف التي اختفت عند قيام الثورة.
-1ارتفع الدخل الصناعي بعد الخطة األولى ( )% 128عما كان عليه في السابق.
-4ارتفعت نسبة االدخار إلى ( )% 40وهي أعلى نسبة في العالم ،حتى أعلى من اليابان.
-5إرتفع معدل الدخل القومي للفرد الصيني إلى ( )% 4,7خالل ( )33سنة من عام (-1952
)1985على الرغم من زيادة السكان ( )400مليون نسمة ،وهو من أعلى المعدالت في العالم.
107
بروز االقتصاديات اآلسيوية الفصل الحادي عشر:
-6إرتفع معدل العمر من ( )48سنة عام ( )1949إلى قرابة السبعين في نهاية السبعينات
وانخفض معدل الوفيات إلى حوالي ( )6باأللف.
-1التعاون بين الدولة والقاعدة العريضة من الجماهير ،وبخاصة الفالحين الذين يشكلون الجزء
األعظم من السكان ،كما أن بداية الثورة كانت في الريف الذي انطلق منه الحزب الشيوعي.
-2إصالح الزراعة وهي القطاع الرئيسي في الصين من خالل القضاء على اإلقطاع وتوزيع
األراضي وتكوين الجمعيات الفالحية ونجاح االستثمارات الزراعية وقيام بعض الصناعات في
الريف وبالتالي لم ينعكس سلباً على العمالة الريفية ( وأصبح الفالح أحد أهداف التنمـية ،بعد أن
كان ضحية في تجارب دولية أخرى).
-3نجاح الثورة الثقافية إلى حد ما في تطوير أبناء الصين بكافة فئاتهم ونشر القيم اإلشتراكيـة.
-4كفاءة الجهاز التخطيطي كان له الدور الفاعل في تعبئة الطاقات والموارد وموازنتها بشكل
دقيق بحيث حققت إشباع هذا الكم الهائل من السكان والقيام بالتصدير وتحقيق مكانة متقدمة بين
الدول الصناعية.
-5القيم والعوامل اإلجتماعية كان لها األثر البالغ في نجاح خطط التنمية. 1
وهكذا تميز النموذج التنموي الصيني .وكخالصة لما سبق تقديمه ،فإنه وقبل عام 1978م،
كانت الصين دولة فقيرة إقتصاديا ،حيث انخفاض الدخل الفردي والناتج المحلي ومعدل نموه
المنخفض والمساهمة المنخفضة للصين في التجارة الدولية واإلستثمار األجنبي الذي ليس له وجود
بها قبل عام .1978وبسيطرة اإلقطاع على النشاط االقتصادي لها وعدم إنفتاحها على العالم
الخارجي وبانتشار الفقر والمجاعات واإلعتماد على الوسائل غير المتطورة في الزراعة وعدم وجود
السياسات والخطط والرغبة الحقيقية للخروج بالصين من دائرة الفقر والتخلف.
" -1تجربة الصين التنموية" ،مقال منشور في الموقع االلكتروني http://www.ejtemay.com/showthread.php?t=14427 :تاريخ
الزيارة .2015/04/10
108
بروز االقتصاديات اآلسيوية الفصل الحادي عشر:
ومنذ نهاية سبعينات القرن العشرين الماضي ،وضعت الصين تحديث إقتصادها في المركز
األول من أولوياتها ،حيث لم تكن الكثافة السكانية الهائلة عبئا على الحكومة الصينية فى تحقيق
التنمية االقتصادية ،بل تميزت الحكومات الصينية في فن إدارة الموارد البشرية وحسن استغاللها
لزيادة اإلنتاج ،فجعلت من الكثافة السكانية ميزة تتمتع بها وليست عائق أمام التنمية . 1حيث
تخلت تدريجيا عن الخطة من أجل إقتصاد السوق ،وعبأت مواردها الضخمة من األيدي العاملة،
واستغلت دخول عصر العولمة لتصبح مصنعا للعالم ،وبذلت جهدا استثماريا كبي ار من أجل تحديث
الصناعة ،وتطوير البنية التحتية ،وجذبت رؤوس األموال األجنبية التي خلقت قدرات إنتاجية جديدة
في القطاعات التي تستجيب للطلب المحلي والعالمي ،وتحسن مستوى معيشة الصينيين تحسنا
كبيرا .مما جعلها في بداية القرن الواحد والعشرين تظهر كقوة اقتصادية كبرى على مستوى
اإلقتصاد العالمي حيث أصبح االقتصاد الصيني اإلقتصاد الثاني عام 2009في العالم بعد
اإلقتصاد األمريكي مباشرة. 2
-1غادة سيد عبد هللا سيد" ،تقييم تجربة التنمية اإلقتصادية فى الصين ومصر -دراسة مقارنة" ،مقال منشور في الموقع االلكتروني:
/http://www.alnodom.com/index.phpتاريخ الزيارة .2015/04/10
-2عبد المطلب عبد الحميد ،مرجع سابق ،ص.55.
109
العولمة االقتصادية الفصل الثاني عشر:
تمهيد
إن النظام االقتصادي العالمي الجديد الذي وضع تاريخيا بناءا على رغبة طرف واحد ،أدى
إلى تفاوت كبير في النمو االقتصادي على المستوى العالمي وبذلك بدأ يشكل عقبة في طريق
استمرار النمو ليس فقط بالنسبة لدول العالم الثالث بل للدول المتقدمة أيضا ،لهذا فإن إدخال
تعديالت على النظام االقتصادي الدولي القائم مسألة ضرورية تطرحها الدول المتقدمة مثل دول
بلدان العالم الثالث تماما مع فارق وهو أن الدول المتقدمة تريد من موقع القوة أن تفرض التعديالت
التي تسمح لها باالستمرار بنهب خيرات العالم الثالث ،وفي نفس الوقت تحسن أوضاع الدول
المتخلفة.
إن التعديالت التي تطرحها الدول المتقدمة ال تختلف كثي ار على وصفة االقتصادي
االنجليزي "جون مينار كينز" بإعادة توزيع الدخل في مصلحة الفئات الفقيرة وذلك من أجل إطالة
عمر النظام الرأسمالي واالستمرار في استغالل الطبقات الكادحة في هذا المجتمع.
إن االنتقال الذي حققته العالقة بين الدول المتقدمة والمتخلفة من الصراع إلى الحوار ما هو
إال صراع بسالح جديد ،حيث ترغب الدول المتقدمة أن تحافظ على القدر األعظم من المكاسب
التي رتبتها لنفسها ،وتؤمن الحد األعلى من مصالح دول العالم الثالث التي يمكن أن تقبل بها.1
نظ ار لتشعب مجاالت العولمة االقتصادية ال سيما في جانبها االقتصادي الذي يشمل العديد
من القطاعات منها اإلنتاجي ،والخدمي والتكنولوجي ،والتسويقي واإلداري ،والمالي ،فإن مفهوم
العولمة االقتصادية سوف يتغير .ومن أهم التعريفات التي تناولت العولمة االقتصادية نذكر:
العولمة هى اإلتجاه المتنامي نحو جعل العالم دائرة اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية
واحدة ،تتالشى في داخلها الحدود بين الدول. 2
111
العولمة االقتصادية الفصل الثاني عشر:
كما يشير مفهوم العولمة االقتصادية إلى زيادة االندماج االقتصادي على مستوى العالم وذلك
نتيجة لزيادة نطاق عمليات تحرير التجارة في السلع والخدمات وتحرير تدفقات رؤوس األموال بين
الدول ،كما يشير المصطلح إلى سهولة انتقال عنصر العمل والمعرفة الفنية والتكنولوجية عبر الحدود
الدولية.1
وعلى ذلك يمكن تعريف العولمة على أنها تحول العالم إلى سوق واحدة تزداد فيها المنافسة
على جميع األصعدة.
ترجع جذور العولمة االقتصادية إلى القرن الخامس عشر وذلك مع زيادة تبادل السلع بين
األمم آنذاك ،أما العولمة المالية فهي حديثة النشأة نسبيا.
تظافرت عوامل عديدة في توفير المناخ المالئم لتغذية زخم العولمة المالية التي بدأت في
التبلور منذ ما يربو على ربع قرن من الزمان ،وكان من أهم العوامل المفسرة لها:
لقد كان للنمو المطرد الذي حققه رأس المال المستثمر في األصول المالية دو ار أساسيا في
إعطاء قوة الدفع لمسيرة العولمة المالية ،فأصبحت معدالت الربح التي حققها رأس المال المستثمر
في أصول مالية تزيد بعدة أضعاف عن معدالت الربح التي تحققها قطاعات اإلنتاج ،وصارت
الرأسمالية ذات طابع ريعي ،تعيش على توظيف رأس المال ال على استثماره على الصعيد
العالمي.
حدثت موجة عارمة من تدفق رؤوس األموال الدولية ناتجة عن أحجام ضخمة من
المدخرات والفوائض المالية التي ضاقت األسواق الوطنية عن استيعابها ،فاتجهت نحو الخارج بحثا
عن فرص استثمار أفضل ومعدالت عائد أعلى.
-1نوري منير ،السياسات االقتصادية في ظل العولمة ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ، 2010 ،ص .ص.10 -9 .
112
العولمة االقتصادية الفصل الثاني عشر:
ارتبطت العولمة المالية بظهور كم هائل من األدوات المالية الجديدة التي راحت تستقطب
العديد من المستثمرين ،فإلى جانب األدوات التقليدية المتداولة (األسهم ،السندات) ،أصبح هناك
العديد من األدوات االستثمارية منها المشتقات التي تتعامل مع التوقعات المستقبلية وتشمل:
المبادالت ،المستقبليات ،السقف ،الخيارات ،وكل هذه األدوات تتيح للمستثمرين مساحة واسعة من
االختيارات عند اتخاذ ق ارراتهم االستثمارية.
ساهم هذا العنصر في مجاالت االتصاالت والمعلومات مساهمة فعالة في دمج وتكامل
األسواق المالية الدولية.
لقد ارتبطت التدفقات الرأسمالية عبر الحدود ارتباطا وثيقا بعمليات التحرير المالي الداخلي
والدولي ،وقد زادت معدالت النمو للتدفقات وسرعتها خالل العقدين األخيرين من القرن الماضي
مع السماح للمقيمين وغير المقيمين بحرية تحويل العملة بأسعار الصرف السائدة إلى العمالت
األجنبية واستخدامها بحرية في إتمام المعامالت الجارية والرأسمالية.
حدثت تغيرات هائلة في صناعة الخدمات المالية واعادة هيكلتها على مدى العقدين
الماضيين وعلى وجه الخصوص العقد التاسع من القرن الماضي ،بحيث عملت كحافز لإلسراع
من وتيرة العولمة المالية.
113
العولمة االقتصادية الفصل الثاني عشر:
هي إحدى السمات األساسية للعولمة ،فهي تؤثر بقوة على االقتصاد العالمي من خالل ما
يصاحب نشاطها في شكل استثمارات مباشرة من نقل التكنولوجيا ،والخبرات التسويقية واإلدارية،
وتأكيد ظاهرة العولمة في كافة المستويات اإلنتاجية والمالية والتكنولوجية والتسويقية واإلدارية،
ويضاف إلى ذلك أن تلك الشركات العمالقة ذات اإلمكانيات التمويلية الهائلة تلعب دور العائد في
الثورة التكنولوجية التي نقلت الفن اإلنتاجي إلى أن يصبح فنا إنتاجيا كثيف المعرفة ،وبالتالي فهي
من هذا المنظور تعمق االتجاه نحو العولمة وبالتحديد العولمة االقتصادية.
يستند النظام االقتصادي العالمي ،الذي أقامته الواليات المتحدة األمريكية بعد الحرب
العالمية الثانية على ثالث مؤسسات كبرى دولية تقوم بإرساء قواعد وبنيان هيكل للعولمة ودعم
مجاالته ا الرئيسية الثالث وهي :عولمة التجارة ،عولمة التمويل ،عولمة االستثمار ،ليصبح كل
شيء معولم ،من أجل بناء عولمة فعالة ،ومنه فإن هذه المنظمات الثالثة تبني وتؤسس للعولمة
وتشرف على تكوين البنية التحتية لها وهي:
تعتبر منظمة التجارة العالمية أحد الركائز األساسية في نظام العولمة ألنها المشرفة
الرئيسية على نظام التجارة في النظام العالمي الجديد .وقد حلت هذه المنظمة محل االتفاقية العامة
للتعريفات والتجارة (الجات) والتي أنشئت عام 1948كاتفاق متعدد األطراف ،والتي كانت تضع
وتنظم إطا ار عاما في التجارة الدولية .وعلى مدى عمر الجات أضيفت العديد من التعديالت
واالتفاقيات من خالل جوالت المفاوضات التجارية التي بلغت ثمانية جوالت ،كان آخرها جولة
األورجواي .وأصبحت منظمة التجارة العالمية هي المنظمة الرئيسية المسؤولة عن تنفيذ العولمة
على المستوى التجاري واالقتصادي .تضم المنظمة 134دولة حتى جانفي 1999وتشارك بنحو
% 95من حجم التجارة الدولية ،وتضع مجموعة من القواعد والقوانين التي تلتزم بها الدول
األعضاء في مجال التجارة الدولية للسلع والخدمات واألفكار ،وتحدد حقوق والتزامات الدول
األعضاء في إطار عام واسع ومتعدد األطراف.
114
العولمة االقتصادية الفصل الثاني عشر:
أنشئ الصندوق بموجب اتفاقية بريتون وودز التي عقدت في جويلية 1944وأصبحت
نصوصها نافذة في 27ديسمبر .1945وظيفة الصندوق هي:
-2المحافظة على التدابير المنظمة للصرف بين الدول األعضاء لتفادي التنافس على تخفيض
أسعار الصرف.
-3المساهمة في إقامة نظام للمدفوعات المتعددة األطراف بالنسبة للعمليات الجارية بين الدول
األعضاء.
-4إزالة القيود المفروضة على الصرف األجنبي والتي تعوق نمو التجارة الدولية.
-5بث الثقة بين الدول األعضاء من خالل جعل موارد الصندوق ميسورة لها بضمانات مالئمة،
ومن ثم إتاحة الفرصة لها لتصحيح اإلختالل في موازين مدفوعاتها دون اللجوء إلى التدابير التي
من شأنها أن تقضي على الرخاء الوطني أو الدولي.
إستطاع الصندوق من خالل التنظيم الدائم أن يعمل على تدعيم التعاون الدولي ،وتوفير
األجهزة الالزمة للتشاور والتعاون حول حل المشكالت النقدية الدولية ،وساهم مساهمة فعالة في
النمو المتوازن للتجارة العالمية من خالل توفير التمويل الالزم لها.
يتجه الصندوق في الوقت الراهن إلى دراسة امتداد إشرافه إلى ميزان المعامالت الرأسمالية
لموازي ن المدفوعات للدول األعضاء ،وفي الوقت نفسه الدفع نحو إيجاد عملة الكترونية دولية
يصدرها هو ليتحول في المستقبل إلى بنك مركزي عالمي للعالم كله.
هو أحد مؤسسات اتفاقية بريتون وودز التي عقدت في جويلية ،1944حيث أنشئ البنك
الدولي عام .1945بدأ في ممارسة نشاطه في جوان ،1946جاء إنشاؤه ليقوم بـ:
115
العولمة االقتصادية الفصل الثاني عشر:
ومن ثم أعطى البنك حق منح أو ضمان القروض التي تقدم لمشروعات تحقق أغراضه،
وهو يمثل قمة التعاون بين رأس المال الخاص ورأس المال الحكومي العام في مجال االستثمار
الدولي.
وباإلضافة إلى عمليات اإلقراض وضمان القروض فان البنك يقدم العديد من الوظائف أهمها:
-4تقديم المعونة الفنية للدول األعضاء المتخلفة اقتصاديا :مثل تحديد أسبقية المشروعات ،وابداء
النصح والتدابير اإلدارية والتنظيمية لتنفيذ هذه المشروعات.
-5تشجيع االستثمار الخاص بما يضمن نمو واسع للقطاع الخاص :مما يساعد على تأصيل
العادة اإلدخارية ،وايجاد قدرة على تشغيل المدخرات بطريقة إنتاجية ،إجتذاب رؤوس أموال إضافية
ورجال أعمال إلى محيط النشاط االقتصادي.
-6فض المنازعات المالية بين الدول األعضاء ،وتدريب موظفي حكومات الدول األعضاء على
إدارة التنمية.
وفي هذا اإلطار فقد تطور البنك الدولي وتوسعت أنشطته للدرجة التي معها أصبح يرمز
إليه كمجموعة تضم ثالث مؤسسات رئيسية يطلق عليها مجموعة البنك الدولي ،وهذه المؤسسات
هي:
تعمل هذه المجموعة على المساعدة في تحقيق التقدم االقتصادي ورفع مستوى المعيشة.
116
العولمة االقتصادية الفصل الثاني عشر:
إن هذه المؤسسات الكبرى للعولمة (منظمة التجارة العالمية ،صندوق النقد الدولي ،البنك
الدولي) ليست هي التي تسعى لتحقيق العولمة ،ولكن هناك مؤسسات أخرى تعمل على تحقيقها
وهي:
لقد أدى تطبيق العولمة إلى انعكاسات عديدة خاصة على الدول النامية منها اإليجابي
ومنها السلبي ،والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
-عولمة المديونية الخارجية :ظهرت أزمة المديونية الخارجية في المكسيك في أوت ،1982مع
زيادة تلك الديون وخدماتها إلى درجة أن العديد من الدول المدينة أصبحت عاجزة عن تسديدها.
ومن التطورات التي شهدها العالم في العشرية الممتدة بين منتصف السبعينيات ومنتصف
الثمانينيات من القرن الماضي موجة اإلبداعات المالية ،فقد عمدت بنوك الدول المتقدمة بالتعاون
مع بيوت السمسرة المتخصصة إلى تحويل الديون الخارجية للدول النامية إلى أوراق مالية تتداول
في األسواق المالية العالمية ،شأنها في ذلك شأن أية أداة مالية عادية.
ولقد كان لهذا االختراع المالي الذي بدأت تعرفه األسواق المالية العالمية مع حلول منتصف
الثمانينيات من القرن الماضي انعكاسات هامة على الدول النامية ،حيث أصبحت تلك الديون
تنتقل من بنك إلى بنك آخر ومن مؤسسة مالية إلى أخرى وحتى من دولة إلى أخرى ،في ظرف
ثواني معدودة.
-1بوقرة رابح ،خبابة عبد هللا ،مرجع سابق ،ص 221 .وما بعدها.
117
العولمة االقتصادية الفصل الثاني عشر:
كما أصبحت ملكية تلك الديون تنتقل من اليابان إلى الواليات المتحدة إلى بريطانيا إلى
ألمانيا في فترات جد قصيرة ،نظ ار الستعمال وسائل التداول االلكترونية الحديثة.
ومن أمثلة ذلك أن فرنسا اشترت 6ماليير دوالر من الديون الجزائرية بهذه الطريقة ،مع
نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي ،من بنوك ومؤسسات مالية وحتى من دول
دائنة للجزائر ،وبانتشار هذه العملية وجدت الدول المدينة نفسها حائرة فيما يتعلق بملكية الدين
وبالتالي أصبحت تابعة لبنوك ومؤسسات مالية ودول لم تستدن منها أصال وبهذه الطريقة تمت
عولمة جانب هام من المديونية الخارجية للدول النامية ،ال سيما وأن تلك المؤسسات المالية التي
تقوم بهذه التركيبات المالية المعقدة هي قلب النظام المالي العالمي النابض.
باإلضافة إلى ذلك سيطرة مؤسسات بريتون وودز على مصادر التمويل زادت من عولمة
تلك المصادر بصفة عامة وعولمة المديونية الخارجية بصفة خاصة.
ومن المظاهر األخرى التي ساهمت في عولمة المديونية إمكانية استبدال الديون الخارجية
والداخلية للدول المدينة بمساهمات في الشركات المخوصصة.
-إنهيار األسواق المالية :لقد مرت األسواق المالية بالعديد من االنهيارات التي انعكست سلبا على
االقتصاد العالمي ،فشهدت تلك األسواق أول انهيار في سنة 1929حيث أدى إلى إفالس 5000
بنك وأغرق االقتصاد العالمي فيما عرف بالكساد العظيم ،على الرغم من عدم وجود ارتباط بين
األسواق المالية العالمية آنذاك ،كما استيقظ العالم في أكتوبر 1987على انهيار حاد آخر كلف
العالم خسارة قدرها 2000مليار دوالر في أسابيع معدودة ،تلى هذا اإلنهيار إنهيارات صغيرة
أخرى مثل ما حدث في أكتوبر ،1989وخسرت على إثره البورصات العالمية حوالي 200مليار
دوالر.
لقد ساعد اإلرتباط بين األسواق المالية العالمية ،على انتقال عدوى اإلنهيار من بورصة
ألخرى ومن دولة ألخرى في أوقات قياسية لدرجة أن تذبذب أسعار أسهم تلك البورصات كان
متزامنا تقريبا ،فتلك البورصات مرتبطة بشبكات اتصال متطورة تسمح لها بالحصول على
المعلومات عن بعضها البعض في الوقت الفعلي ،كما تتداول العديد من األصول المالية المصدرة
في دول أخرى تلك األسواق مما يزيد من ارتباطها وعولمتها.
118
العولمة االقتصادية الفصل الثاني عشر:
وع لى الرغم من هذه السلبيات فان العولمة المالية ال تخل من بعض الجوانب االيجابية
نذكرها فيما يلي.
-تدفق رؤوس األموال األجنبية :أدى الربط بين األسواق الناشئة وأسواق الدول المتقدمة إلى زيادة
التدفقات المالية نحو الدول النامية ،فبينما تراوحت تلك التدفقات بين 10و 20مليار دوالر سنويا
فقط خالل عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ،إرتفعت إلى 63مليار دوالر سنة
1990ووصلت إلى 120مليار دوالر سنة .1991
وارتفعت بعد ذلك بانتظام لتصل إلى 280مليار دوالر سنة ،1997لتنخفض بعد ذلك إلى
234مليار دوالر سنة ،1998بسبب األزمة المالية التي مرت بها األسواق المالية الناشئة ،هذا
من ناحية اإلستثمار في األدوات المالية المتاحة في تلك األسواق .أما من ناحية اإلستثمارات
المباشرة في الدول النامية (ماعدا دول أوربا الشرقية) ،فقد ازدادت بحوالي % 30سنويا خالل
الفترة 1992 -1987مقيمة بالدوالرات الجارية وارتفعت حسب إحصائيات البنك العالمي من 10
ماليير دوالر سنة 1985إلى 37مليار دوالر سنة ،1994وعلى الرغم من الفوائد التي جلبتها
تلك االستثمارات ،إال انه يعاب عليها ميزة التركيز ،أي أنها توجهت إلى عدد محدود جدا من
البلدان النامية ،فمثال استأثرت 6دول فقط بمعظم تلك االستثمارات في سنة 1992وهي الصين،
المكسيك ،األرجنتين ،ماليزيا ،وتايلندا ،وخالل ثالث سنوات فقط ( ،)1993-1991استفادت
الصين لوحدها بـ 40مليار دوالر من تلك االستثمارات.
-عولمة األسواق المالية الناشئة :لقد تم ربط العديد من األسواق المالية التابعة للدول النامية
بالنظام المالي العالمي ،السيما األسواق اآلسيوية ابتداء من أوائل التسعينيات من القرن الماضي.
فاألفراد والمؤسسات في تلك البلدان يقرضون ويتداولون األوراق المالية في مختلف األسواق المالية
العالمية ،فحتى ميزانيات مؤسساتهم المالية والبنكية تحتوي على أصول وخصوم مقومة بعمالت
مختلفة.
أدى انفتاح تلك األسواق على رأس المال األجنبي إلى تسهيل توجيه إدخار عالمي معتبر
إلى تلك المنطقة من العالم ،مما جعلها تبرز كقطب اقتصادي ومالي له وزنه في االقتصاد
119
العولمة االقتصادية الفصل الثاني عشر:
العالمي كما ساعد توفر أسواق تلك الدول على مستوى عال من التكنولوجيا ووسائل االتصال
الحديثة على اإلسراع في عولمتها.1
-الثورة المعرفية وما يترتب عنها من تقدم عملي تكنولوجي يسهل حركة انتقال األموال والسلع
والخدمات ويقلل أثر المسافات.
-عولمة الثقافة وتزايد الصالت غير الحكومية ،مما أدى إلى زيادة التنسيق بين األفراد والجماعات
ذات المصالح المشتركة ،خاصة في المجاالت النافعة كحماية البيئة مثال.
120
األزمة المالية العالمية 2008 الفصل الثالث عشر:
تمهيد
إرتبط ظهور األزمة المالية ارتباطا وثيقا بالجهاز المصرفي الذي لعب دو ار هائال في زيادة
حجم األصول المالية المتداولة وزيادة الثقة فيها.
ومن هنا بدأت بوادر األزمة المالية من خالل بدأ انقطاع الصلة بين االقتصاد المالي
واالقتصاد العيني ،من خالل التوسع المالي بإصدار أنواع متعددة من األصول المتنوعة بشكل
مستقل عن االقتصاد العيني ،وأصبحت لألسواق المالية حياتها الخاصة بعيدا عما يحدث في
االقتصاد العيني ،ومن هنا تبرز بشكل واضح األزمة المالية المعاصرة التي نجمت عن التوسع
الكبير في األصول المالية بشكل مستقل عما يحدث في االقتصاد العيني.
يرجع السبب في أزمة الرهن العقاري (األزمة المالية العالمية) ،التي تسببت في اإلنهيار
المالي العالمي إلى:1
-1التوسع في القروض العقارية ،بدون ضمانات كافية ،وبمخاطر مرتفعة ،حيث أهملت البنوك
في التحقق من القدرة االئتمانية للمقترضين ،وقد بلغ حجم القروض المتعثرة لألفراد نحو مائة مليار
دوالر بأمريكا.
-2قيام البنوك ببيع القروض العقارية إلى شركات التوريق ،وقيام هذه الشركات بإصدار سندات
بهذه القروض وطرحها لالكتتاب العام ،مما أدى إلى تراكم َكم هائل من الديون مرتبطة ببعضها
البعض في توازن هش.
-3ارتفاع سعر الفائدة أدى إلى التغيير في طبيعة سوق أمريكا ،فانخفضت أسعار المنازل ،مما
أدى إلى اللجوء إلى بيع العقارات المرهونة ،أو رهنها مقابل قرض جديد بفائدة جديدة ،وبالتالي
أصبح العقار الواحد مرهونا بحقوق متعددة.
-1محمد سعيد محمد الرمالوى ،األزمة االقتصادية العالمية ،دار الفكر الجامعي ،مصر ،2011 ،ص.ص.136 -135.
122
األزمة المالية العالمية 2008 الفصل الثالث عشر:
-4مما أدى إلى زيادة ظاهرة استيالء المقرضين على العقارات ،بسبب تزايد حاالت العاجزين عن
السداد ،وكثرة المواجهات بين المقترضين والبنوك.
-5مما أدى إلى زيادة عدد المنازل المعروضة للبيع بالواليات المتحدة إلى % 75عام ،2007
حيث بلغ عددها 2.2مليون ،وهو ما يمثل نحو % 1من عدد المساكن بأمريكا.
-6مما أدى إلى قلة السيولة المالية ،وبالتالي ضعفت قدرة البنوك على تمويل الشركات واألفراد
المتعثرين ،األمر الذي أدى إلى انخفاض اإلنفاق االستثماري واالستهالكي ،وهدد بحدوث كساد.
-7مما أدى إلى انتقال أزمة الرهن العقاري من الواليات المتحدة إلى القارة اآلسيوية واألوربية ،ثم
تطورت لتشمل معظم دول العالم ،فتحولت من أزمة رهن عقاري إلى أزمة مالية عالمية.
نشأت األزمة المالية في سنة 2007نتيجة ما أطلق عليه أزمة الرهون العقارية ،فالعقارات
في أمريكا هي أكبر مصدر لإلقراض واإلقتراض ،ألن المواطن األمريكي يشتري عقاره بالدين من
البنك مقابل رهن هذا العقار ،واألزمة بدأت فيما عرف بالرهون العقارية األقل جودة ،وهذا بالشكل
التالي:
يقوم المواطن األمريكي بشراء بيته بالدين مقابل رهن هذا العقار ،ثم ترتفع قيمة العقار،
فيحاول صاحب العقار الحصول على قرض جديد نتيجة ارتفاع سعر العقار ،وذلك مقابل رهن
جديد من الدرجة الثانية ،ومن هنا جاءت تسميتها بالرهون األقل جودة ،1ألنها رهونات من الدرجة
الثانية ،وبالتالي فإنها معرضة أكثر للمخاطر إذا انخفضت قيمة العقارات ،ولكن البنوك لم تكتف
بالتوسع في هذه القروض األقل جودة ،بل استخدمت "المشتقات المالية" لتوليد مصادر جديدة
للتمويل ،وبالتالي للتوسع في اإلقراض.
عندما يتجمع لدى البنك محفظة كبيرة من الرهونات العقارية ،فإنه يلجأ إلى استخدام هذه
"المحفظة من الرهونات العقارية" إلصدار أوراق مالية جديدة يقترض بها من المؤسسات المالية
-1محمد عبد الوهاب العزاوي ،عبد السالم محمد خميس ،األزمات المالية :قديمها وحديثها ،أسبابها ونتائجها ،والدروس المستفادة ،دار
اثراء للنشر والتوزيع ،عمان ،2009 ،ص.47 .
123
األزمة المالية العالمية 2008 الفصل الثالث عشر:
األخرى بضمان هذه المحفظة ،وهو ما يطلق عليه "التوريق" ،فكأن البنك لم يكتف باإلقراض
األولي بضمان هذه العقارات ،بل أصدر موجة ثانية من األصول المالية بضمان هذه الرهون
العقارية فالبنك يقدم محفظته من الرهونات العقارية كضمان لالقتراض الجديد من السوق عن
طريق إصدار سندات أو أوراق مالية مضمونة بالمحفظة العقارية ،وهكذا فان العقار الواحد يعطي
مالكه الحق في االقتراض من البنك ،ولكن البنك يعيد استخدام نفس العقار ضمن محفظة أكبر
لالقتراض بموجبها من جديد من المؤسسات المالية األخرى وهذه هي "المشتقات المالية" ،وتستمر
العملية في موجة بعد موجة ،بحيث يولد العقار طبقات متتابعة عن اإلقراض بأسماء المؤسسات
المالية واحدة بعد األخرى ،وهكذا أدى تركز اإلقراض في قطاع العقارات على زيادة المخاطر ،كما
ساعدت األدوات المالية الجديدة (المشتقات) على تزايد وتعاظم هذا الخطر بزيادة أحجام اإلقراض
موجة تلو الموجة ،حيث نتج عن عمليات التوريق هذه زيادة في معدالت عدم الوفاء بالديون
لرداءة العديد من تلك الديون ،مما أدى إلى انخفاض قيمة السندات المدعمة باألصول العقارية في
السوق األمريكية بأكثر من .1 % 70
وهكذا يتبين لنا أن األزمة المالية بدأت جراء إفالس سوق صغير نسبيا يسمى سوق
القروض العقارية من الدرجة الثانية في الواليات المتحدة ،ألن البنوك والمؤسسات المالية أقدمت
على إقراض أمواال إلى أناس لغرض شراء السكنات العائلية بدون أن تتوفر فيهم الشروط الالزمة،
غير أن هذه المؤسسات اعتبرت أنه ما دامت قيمة العقار في ارتفاع مستمر فال يهم مستوى دخل
المستفيد من القرض وال مستوى وضعيته االجتماعية.
ولكن عندما بدأت أسعار السكنات الممولة تنخفض في غضون سنة ،2007بدأت األزمة
تأخذ أبعاد أخرى .فالمستفيدون من القروض العقارية أصبحوا عاجزين عن تسديد مستحقاتهم
الشهرية نظ ار الرتفاع معدالت الفائدة مقارنة بالسعر المرجعي عند اإلقتراض .وعلى إثر ذلك
تهاوت المؤسسات المالية المانحة لهذه القروض.
-1أشرف محمد دوابه" ،الدروس المستفادة من األزمة المالية العالمية والرؤية المستقبلية لمؤسسات الزكاة" ،المؤتمر العالمي الثامن للزكاة
تحت شعار األزمة المالية الدولية وانعكاساتها على إيرادات ومصروفات مؤسسات الزكاة 30-29 ،مارس ،2010بيروت ،ص.11.
124
األزمة المالية العالمية 2008 الفصل الثالث عشر:
فاألزمة العقارية كانت لها تأثيرات جد هامة على األسواق المالية ،ألن أغلب القروض
الممنوحة سوقت في شكل محافظ عقارية تم تحويلها فيما بعد إلى أوراق مالية وبيعت في السوق
المالية إلى المستثمرين في جميع أنحاء العالم.
وهكذا نجد أن األزمة العقارية من الدرجة الثانية هي نتاج للتهور والمبالغة الذي وصلت
إليه سوق الرهن العقاري في الواليات المتحدة .فلقد كانت السياسة النقدية األمريكية جد مرنة خالل
السنوات ، 1990بمعنى اتخاذ إجراءات تحفيزية تتعلق بتخفيض أسعار الفائدة إلى مستوى لم
يسبق له مثيل من قبل ،مما سمح للمتعاملين االقتصاديين والخواص بالحصول على قروض
بأسعار فائدة جد ضعيفة.
ولكن بعد نشوب األزمة في خريف سنة 2000نتيجة بروز أزمة المعلوماتية (اإلنترنت)،
زادت السياسة النقدية مرونة أكثر فأكثر بحيث وصلت معدالت الفائدة للبنك االحتياطي األمريكي
إلى % 1سنة .2001هذا المستوى من أسعار الفائدة سمح بالزيادة من االقتراض من البنوك
بغرض رفع االستهالك ،شراء السكنات الفخمة والزيادة في االستثمار في المؤسسات االقتصادية.
هذه األزمة لم تقتصر فقط على المؤسسات التي كانت معنية مباشرة بمنح القروض غير
الجيدة ولكنها شملت كل المؤسسات التي اشترت األوراق المالية في السوق والمدعمة بقروض
عقارية أو غيرها (البنوك ،الكيانات الخاصة ،شركات التأمين ،صناديق المعاشات.1)...،
-1عبد القادر بلطاس ،تداعيات األزمة المالية العالمية :أزمة ، Sub-primeدار النشر ، Régendeبدون بلد نشر ،2009 ،ص.ص.
.83 -82
125
األزمة المالية العالمية 2008 الفصل الثالث عشر:
-فيفري :2007عدم تسديد تسليفات الرهن العقاري الممنوحة لمدينين ال يتمتعون بقدرة كافية
على التسديد يتكث ف في الواليات المتحدة ويسبب أولى عمليات اإلفالس في مؤسسات مصرفية
متخصصة.
-أوت :2007البورصات تتدهور أمام مخاطر اتساع األزمة والبنوك المركزية تتدخل لدعم سوق
السيولة.
-أكتوبر -ديسمبر :2007عدة مصارف كبرى تعلن انخفاض كبير في أسعار أسهمها بسبب
أزمة الرهن العقاري.
22 -جانفي :2008االحتياطي الفدرالي األمريكي (البنك المركزي) يخفض معدل فائدته الرئيسية
ثالثة أرباع النقطة إلى % 3.50وهو إجراء ذو حجم استثنائي ،ثم تخفيضه تدريجيا إلى % 2
بين جانفي وأفريل .2008
16 -مارس " :2008جي بي مورجان تشيز" يعلن شراء بنك األعمال األمريكي "بير ستيرنز"
بسعر متدني مع المساعدة المالية لالحتياطي الفدرالي.
24 -أفريل :2008قام بنك "يو بي إس" السويسري بنشر نتائج التحقيقات الداخلية حول
األسباب الحقيقية وراء خسارته ا لفادحة جراء أزمة الرهن العقاري األمريكية ،والتي أدت إلى شطب
40مليار دوالر من أصوله ،في أكبر خسارة يتعرض لها أول مصرف سويسري ،والمصنف الثالث
أوربيا ،واألول عالميا في مجال إدارة الثروات الخاصة.
30 -ماي :2008بحسب مسؤول بو ازرة الخزانة األمريكية أن أزمة الرهن العقاري بدأت تخف
بعد الجهود التي قام بها االحتياطي االتحادي والبنوك المركزية األخرى لضخ األموال في
المؤسسات المالية .وقال "كلي لوري" مساعد وزير الخزانة للشؤون الدولية أن االحتياطي االتحادي
والبنوك األخرى تنسق جهودها لحماية النظام المالي من االضطراب بعدما ظهرت أزمة قروض
الرهن العقاري سنة ،2007كما أشار "لوري" إلى أن المؤسسات المالية أبلغت عن خسائر زادت
126
األزمة المالية العالمية 2008 الفصل الثالث عشر:
عن 300مليار دوالر بسبب األزمة المالية ،لكن تم تخفيف هذه المشكلة بتوفير 200مليار دوالر
من البنوك األمريكية مما ساعد في توفير القروض.
7 -سبتمبر :2008و ازرة الخزانة األمريكية تضع المجموعتين العمالقتين في مجال تسليفات
الرهن العقاري "فريدي ماك" و "فاني ماي" تحت الوصاية طيلة الفترة التي تحتاجانها إلعادة هيكلة
ماليتهما ،مع كفالة ديونهما حتى حدود 200مليار دوالر.
15 -سبتمبر :2008اعتراف بنك األعمال "ليمان ب ارذرز" بإفالسه ،بينما يعلن أحد أبرز البنوك
األمريكية "بنك أوف أميركا" شراء بنك آخر لألعمال في وول ستريت هو "ميريل لينش" ،وعشرة
مصارف دولية تتفق على إنشاء صندوق للسيولة برأسمال 70مليار دوالر لمواجهة أكثر حاجاتها
إلحاحا.
16 -سبتمبر :2008االحتياطي الفدرالي والحكومة األمريكية تؤممان أكبر مجموعة تأمين في
العالم "إيه آي جي" المهددة باإلفالس عبر منحها مساعدة بقيمة 85مليار دوالر مقابل امتالك
%79.9من رأسمالها.
18 -سبتمبر :2008البنك البريطاني "لويد تي إس بي" يشتري منافسه "إتش بي أو إس" المهددة
باإلفالس .السلطات األمريكية تعلن أنها تعد خطة بقيمة 700مليار دوالر لتخليص البنوك من
أصولها غير القابلة للبيع.
19 -سبتمبر :2008الرئيس األمريكي "جورج بوش" يوجه نداء إلى التحرك فو ار حيال خطة
اإلنقاذ البنوك.
23 -سبتمبر : 2008األزمة المالية تطغى على المناقشات خالل الجمعية العامة لألمم المتحدة
في نيويورك .األسواق المالية تضاعف قلقها أمام المماطلة حيال الخطة األمريكية.
127
األزمة المالية العالمية 2008 الفصل الثالث عشر:
28 -سبتمبر :2008خطة اإلنقاذ األمريكية موضع اتفاق في الكونغرس .وفي أوربا ،يجري
تعويم فورتيس من قبل سلطات بلجيكا وهواندا ولوكسمبرج .وفي بريطانيا ،يجري تأميم بنك
"برادفورد" و "بينجلي".
مجلس النواب األمريكي يرفض خطة اإلنقاذ .وبورصة وول ستريت تنهار .كما تراجعت
البورصات األورب ية بقوة هي األخرى ،وفي اللحظة ذاتها واصلت معدالت الفائدة بين البنوك
ارتفاعها مانعة البنوك من إعادة تمويل ذاتها .وقبل رفض الخطة ،أعلن بنك "سيتي جروب"
األمريكي شراء منافسه "واكوفيا" بمساعدة السلطات الفدرالية.1
خلفت األزمة المالية العالمية العديد من اآلثار سندرجها من خالل تأثيرها على االقتصاد
العالمي وعلى المؤسسات المالية وأخي ار على االقتصاد الجزائري.
هناك مجموعة من المؤشرات الخطيرة التي تهدد االقتصاد األمريكي والعالمي يمكن إيجازها
ضمن النقاط التالية:
-إفالس متواصل لكثير من البنوك ،والمؤسسات العقارية ،وشركات التأمين ،وقد بلغ عدد البنوك
المنتهية 11بنك ،من بينها "بنك إندي ماك" الذي يستحوذ على 32مليار دوالر من األصول،
وودائع بقيمة 19مليار دوالر.2
128
األزمة المالية العالمية 2008 الفصل الثالث عشر:
-تدهور حاد في نشاط األسواق المالية العالمية جراء تأثره بالقطاع المصرفي والمالي ،وهو ما
يفسر تقلب مستوى التداوالت ترتب عنها اضطرابا وخلال في مؤشرات البورصة بتراجع القيمة
السوقية لـ 8مؤسسات مالية عالمية بحوالي 574مليار دوالر ،مما دفع الكثير من المستثمرين
عدم الرغبة في تحمل المخاطر العالية.
-ارتفاع نسبة الديون العقارية على نحو 6.6تريليون دوالر ،بلغت ديون الشركات نسبة 18.4
تريليون دوالر وبذلك فان المجموع الكلي للديون يعادل 39تريليون دوالر.
-إضعاف الناتج المحلي اإلجمالي ،كما بلغت نسبة البطالة ، % 5ومعدل التضخم . % 4
-تراجع كبير في نسب نمو الدول الصناعية من % 1.4سنة 2008إلى حدود % 0.3سنة
. 2009
-تراجع أسعار النفط بدول منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" إلى ما دون 55مليار دوالر
للبرميل.
-إعالن رسمي بدخول إيطاليا وألمانيا كأول وثالث اقتصاد أوروبي في مرحلة ركود إقتصادي.
-انخفاض حاد في مبيعات السيارات وعلى رأسها أكبر المجموعات األمريكية " فورد" و"جنرال
موتورز ".
-بالنسبة للدول األوربية فقد انخفضت أسعار العقارات فيها أيضا ،كما أطلقت العديد من
الشركات الكبرى مثل "سمينز" و "ميشالن" إشارات تحذيرية من تأثير األزمة األمريكية عليها
وتكبدت الكثير من الشركات األوروبية العاملة في الواليات المتحدة األمريكية خسائر كبيرة ،مثل
شركة " "BMWلصناعة السيارات التي لحقت بها خسائر قدرت بـ 236مليون دوالر.
-أما في الدول اآلسيوية مثل الهند والصين ،فبالرغم من التفاؤل لدى بعض الشركات المتواجدة
بهذه الدول من أن تأثير األزمة سيكون ضئيال ،إال أن الواقع ينفي ذلك ،وتأثير األزمة سيكون
واضحا ،ال ننسى أن الصين تصدر ما نسبته % 21من صادراتها اإلجمالية نحو الواليات
129
األزمة المالية العالمية 2008 الفصل الثالث عشر:
المتحدة األمريكية .وفيما يخص اليابان فقد شهد تراجعا في النمو االقتصادي وعدم استقرار في
أسعار األوراق المالية ،مما دفع بالبنك المركزي لإلبقاء على سعر الفائدة في حدود ، % 0.5كما
تراجعت صادرات الشركات نتيجة انخفاض قيمة الدوالر ،وانخفض اإلنتاج الصناعي بمعدل %
.1 3.1
منذ بداية األزمة المالية العالمية تضررت بعض البنوك والمؤسسات المالية وشركات التأمين
من بينها:
-البنك البريطاني "نورذرن روك" أول مصرف للتسليف العقاري في بريطانيا تؤممه الحكومة
البريطانية في 17فيفري .2008
-البنك البريطاني "اليانس أند اليسستر" أعلن في 14جوان أن البنك "سانتاندار" االسباني يشتريه
بقيمة 1.66مليار يورو فقط مع زيادة رأسماله.
-بنك األعمال األمريكي "ليمان براذرز" وضع في 15سبتمبر تحت حماية قانون اإلفالس قبل
تصفيته واشترى البنك البريطاني "بار كليز" نشاطاته األمريكية في حين اشترى البنك الياباني
"نومو ار هولدينغ" النشاطات في أوروبا وآسيا والشرق األوسط.
-إفالس خمس بنوك أمريكية في يوم واحد بتاريخ 2009/08/02وتكبد خسائر بمقدار 700
مليون دوالر.
-منذ بداية األزمة المالية أفلس 71بنك أمريكي حسب بيانات أوت .2009
-1ساعد مرابط" ،األزمة المالية العالمية :2008الجذور والتداعيات" ،ملتقى دولي حول األزمة المالية واالقتصادية الدولية والحوكمة
العالمية ،أيام 21-20أكتوبر ،2009جامعة فرحات عباس ،سطيف ،ص.15 .
130
األزمة المالية العالمية 2008 الفصل الثالث عشر:
مما ال شك فيه أن االقتصاد الجزائري كغيره من االقتصاديات العالمية سوف يتأثر باألزمة
االقتصادية العالمية ،وان كان بنسبة أقل مقارنة بالدول األخرى وذلك لألسباب التالية:
-عدم وجود ارتباطات مصرفية للبنوك الجزائرية مع البنوك العالمية بالشكل الذي يؤثر عليها.
-درجة انفتاح االقتصاد الجزائري محدودة بشكل نسبي على االقتصاد العالمي ،ذلك أن اإلنتاج
الجزائري ال يعتمد على التصدير باستثناء المحروقات وذلك ما يجعله في مأمن من أي كساد قد
يصيب االقتصاد العالمي والكثير من الدول التي تعتمد على صادرات قد تتأثر بالركود والكساد في
الدول المستهلكة لمنتجاتها.
وعن تأثيرات األزمة المالية على القطاع المصرفي فتشير التقارير االقتصادية بأن الجزائر
في منأى من تداعياتها نظ ار لعدم مخاطرتها في مجال التوظيف المالي ،فضال عن عدم ارتباط
بنوك الجزائر بشبكات وتعامالت خارجية رغم الخسائر المسجلة في أصول البنوك الكبرى ،وهذا
نتيجة للتسيير الحذر الحتياطات الصرف الجزائرية مع غياب أي استثمار في أصول ذات
مخاطر.
ورغم اآلثار غير المباشرة لألزمة العالمية ،إال أنها انعكست على بعض الجوانب في
االقتصاد الجزائري منها:
-انخفاض أسعار العديد من السلع في السوق العالمية نتيجة الركود ،وباعتبار الجزائر بلد مستورد
للسلع فاألزمة نافعة لالقتصاد على المدى القريب حيث يمكن ذلك من خلق ديناميكية في
االقتصاد.
131
األزمة المالية العالمية 2008 الفصل الثالث عشر:
وبسبب خطورة األزمة العالمية المالية على االقتصاد العالمي ككل ،كانت هناك عدة
إجراءات لإلنقاذ سريعة من أجل تدارك الوضع باإلضافة إلى عدة توصيات من طرف الخبراء.
بعد انفجار الوضع حاولت الحكومات في أمريكا ،أوروبا وآسيا معالجة الوضع من خالل
ضخ األموال ،التأميم ،البيع ،الخوصصة ،اإلندماج وغير ذلك ،وسنحاول عرض البعض منها:
-على مستوى أمريكا تمت عمليات التأميم وضخ األموال ،ومن الحاالت البارزة في خطة اإلنقاذ
االمريكية ،نذكر الوفاء بديون شركة التأمين وهي أكبر شركة في العالم " "AIGعلى شكل إنقاذ
مستتر الهدف منه إنقاذ البنوك األخرى المعرضة لالنهيار ،ولم يعرف ذلك إال عندما أعلن وزير
الخزانة األمريكي آنذاك "هنري بولسون" عن ذلك اإلجراء بشكل صريح بعد أن حصلت ""AIG
كحل إلنقاذ مجموعة بنوك وشركات أخرى وذلك ألنها اعتقدت أن هذه المجموعة كبيرة للغاية على
أن تتركها تنهار معتقدة أن إنقاذها كان سينقذ مؤسسات أخرى كبيرة .وبالفعل وافق مجلس االتحاد
الفيدرالي وو ازرة الخزانة األمريكية على إعطاء " 85 "AIGبليون دوالر بمعدل فائدة %5( % 8
معدل فائدة زائد % 3رسوم الدفع المقدم).1
-تتفق البنوك المركزية في مجموعة االقتصاديات الرئيسية في العالم ،ومنها البنك المركزي
األوربي وبنك اليابان على ضخ 180مليار دوالر في األسواق عن طريق زيادة مشترياتها من
سندات الخزانة األمريكية.
-توافق عشرة مصارف دولية على إنشاء صندوق للسيولة برأسمال قدره 70مليار دوالر لمواجهة
أكثر حاجاتها إلحاحا ،كما أعلنت المصارف المركزية موافقتها على فتح مجاالت اإلقراض.
-قرر المسؤولون عن األسواق المالية يوم 20سبتمبر 2008وقف المضاربات القصيرة األجل
مؤقتا.
-1مفيدة يحياوي" ،واقع االزمة المالية العالمية وانعكاساتها على مستوى االقتصاد الكلي والجزئي" ،مجلة أبحاث اقتصادية وادارية ،العدد
الثامن ،ديسمبر ،2010جامعة محمد خيضر ،بسكرة ،ص.174 .
132
األزمة المالية العالمية 2008 الفصل الثالث عشر:
-تخفيض سعر الفائدة :حيث قام البنك المركزي األمريكي بخفض سعر الفائدة لمستوى % 1في
أكتوبر ، 2008كما قام البنك المركزي البريطاني بخفض سعر الفائدة لمستوى ( % 3وهو أخفض
مستوى فائدة على اإلطالق منذ 54عاما) ،وكذلك مصرف أوروبا المركزي خفضها لمستوى %
3.25في نوفمبر ،2008ومصرف اليابان المركزي الذي خفض سعر الفائدة أيضا من % 0.5
إلى % 0.3في أكتوبر 2008أيضا .كانت تلك خطوة غير مسبوقة في أن تقوم كل البنوك
المركزية األساسية في العالم بتخفيض سعر الفائدة مما يدل فعال على عمق األزمة .والهدف من
خفض الفائدة بشكل عام هو خفض تكلفة االقتراض بالنسبة إلى المستثمرين والمستهلكين مما
سيحرر كتلة نقدية إضافية في االقتصاد ويشجع على اإلنفاق ،وهو بدوره سينشط الطلب على
السلع المحلية ويحرك االقتصاد المحلي من جديد .ونجاح هذه السياسة يقوم على فرضيات عدة لم
تتحقق جميعها (كما أملت البنوك المركزية العالمية تلك) لمواجهة األزمة.1
-1محمد سامر القصار ،األزمة المالية العالمية :دالئل اقتصادية على سطوع المنظومة اإلسالمية من بين أنقاض الرأسمالية ،دار الفكر،
دمشق ،2009 ،ص.ص.45 -44 .
133
الخاتمة
تعتبر دراسة الوقائع االقتصادية دراسة ألهم األحداث التي جرت في تاريخ البشرية ،ذلك
ألن اإلنسان كان دائم البحث عن أفضل الطرق إلشباع حاجاته األساسية قبل أن يفكر في تحليل
الظواهر االقتصادية واالجتماعية المحيطة به.
تبرز أهمي ة دراسة تاريخ الوقائع االقتصادية من خالل ضرورة التعرف على الوقائع
االقتصادية المختلفة عبر العصور ،وبالتالي معرفة أهم األفكار واألساليب لمعالجة شتى أنواع
األزمات التي حصلت في الماضي ،وهذا طبعا لالستفادة من أخطاء ومشاكل الماضي وذلك
بتجنبها والحذر منها والوقوف عندها ،وكذلك لتفسير الظواهر الحالية التي هي حلقة متتالية من
تطور تاريخ البشرية وبالتالي اإلسهام في تفسير حقائق معينة وتقديم الحلول للمشاكل المعنية.
كان اإلنسان في العصر القديم يفتقر إلى كل مقومات الحياة الكريمة .فكان يعيش في
مشاعات يسودها التعاون في كل شيء ،كان يأكل مباشرة من الطبيعة ،يسكن في الكهوف
والمغارات ،وكان يستعمل الحجارة في الصيد أو في الدفاع عن نفسه ،لذلك سميت هذه الفترة
بالعصر الحجري.
طور من أدوات إنتاجه وذلك بصنع القوس واألدوات بعد أن اكتشف اإلنسان المعادنّ ،
اإلنتاجية كالفأس والمعول وغيرها ،مما ساهم في زيادة إنتاجيته ،وبالتالي أصبح يوفر له ولعائلته
الفائض في اإلنتاج.
بظهور الفائض في اإلنتاج بدأ التداول بين القبائل فيما يعرف بنظام المقايضة ،أي تبادل
سلعة مقابل سلعة أخرى :عسل مقابل قمح ،أو بقر مقابل فؤوس...
نتيجة لعدم قابلية بعض السلع للتجزئة كالبقر والغنم وغيرهما (على عكس القمح والملح
مثال) ،أصبحت هناك حاجة ملحة لظهور وسيط للمبادلة ومخزن للقيمة على أن يكون قابل
للتجزئة ،وهكذا ظهرت النقود ،في شكلها المعدني أوال (ثم بعد ذلك تطورت هي األخرى لتصل ما
وصلت إليه اليوم).
بظهور النقود في صورتها األولى ،ساهم ذلك كثي ار في عمليات التجارة وغيرها .فبعد أن
كان الفرد يأخذ قطيعه من الماشية مثال لمقايضته بسلعة أخرى .أصبحت النقود تحل محل هذا
135
الخاتمة
القطيع ،وبالتالي سهلت النقود على الفرد عمليات التداول مما ساعد على تطوير اإلنتاج والرعي
والصيد والمبادالت ،والى التراكم الم الي ،وظهور ما يسمى برأس المال التجاري ورأس المال
الربوي.
أصبح األسرى الذين كانوا يقتلون في السابق نتيجة لنقص الغذاء ،يتركون في شكل عبيد،
يخدمون السيد سواء في الزراعة أو غيرها .وهكذا ظهر نظام الرق والطبقات داخل المجتمع ،ثم
النظام اإلقطاعي الذي زاد فيه استغالل السيد اإلقطاعي للعبيد والفالحين مما أدى بهم إلى
الهروب للمدن والتمرد إلى غاية سقوط هذا النظام.
بظهور الحرية االقتصادية وحرية التملك ظهر النظام الرأسمالي في أوروبا ،الذي أدى إلى
انتعاش اإلنتاج والتصنيع والتجارة وغيرها ،وما دام الرأسمالي له حرية التملك والتصرف فقد زاد في
اإلنتاج بهدف زيادة البيع وبالتالي زيادة الربح ،وبتغطيته السوق المحلية ،أصبح يبحث عن
مصادر خارجية من خالل االكتشافات الجغرافية واالستعمار ،وذلك بهدف الحصول على الموارد
األولية من جهة ،ومن جهة أخرى لتسويق المنتجات الفائضة .كل هذا أدى إلى إحداث ثورة
صناعية هامة أدت إلى التطوير واالبتكار من أجل زيادة اإلنتاج ،فظهرت القوة البخارية وزادت
المصانع وأنشئت السكك الحديدية والبواخر الكبيرة وغيرها لزيادة اإلنتاج والمصانع والتجارة وغيرها.
أدت هذه الثورة (الثورة الصناعية) إلى زيادة العرض في اإلنتاج في السوق أكثر من الطلب
عليه ،مما أدى إلى حدوث كساد كبير للسلع ،مما أدى إلى حدوث أزمة عالمية سنة .1929
عرفت بأزمة الكساد الكبير التي ظلت على مدى 4سنوات تقريبا تنخر االقتصاد.
بعد أن ظهر فشل الحرية االقتصادية وحرية التملك ،دعت بعض الجهات إلى تدخل الدولة
في الحياة االقتصادية وهذا ما وقع فعال ،وظهر النظام االشتراكي الذي كان النظام االقتصادي فيه
مخطط مركزيا ،فالدولة هي التي تخطط لإلنتاج والبيع وغيرها ،بصفتها أدرى باحتياجات الدولة ،
والمنظمة لها.
لم يجري النظام االشتراكي حسب ما خطط له في البداية ،فبعد أن تعافى االقتصاد العالمي
من ويالت النظام الرأسمالي القائم على الحرية المطلقة ،وذلك بتنظيمه؛ فقد أصبح المسؤولون في
136
الخاتمة
الدولة يعيشون الفساد من خالل المحسوبية ،والرشوة ،والتحايل والبيروقراطية وغيرها ،مما أدى
بانهيار النظام االشتراكي ليحل محله النظام العالمي الجديد.
بظهور النظام العالمي الجديد ظهرت العولمة ،والتي من خاللها برزت اقتصاديات وضعفت
اقتصاديات أخرى .وبما أن العولمة جعلت من العالم قرية واحدة ،فإنه ما يظهر من أزمة في دولة
ما سوف ينتقل وفي اللحظة ذاتها إلى باقي دول العالم ،وهذا ما حدث في معظم األزمات
االقتصادية والمالية ،والتي كان آخرها أزمة الرهن العقاري التي بدأت بوادرها في سنة ،2007أما
تداعياتها فما زالت إلى يومنا هذا في بعض البلدان.
وهكذا نرى أنه خالل تاريخ الوقائع االقتصادية فإن األحداث تتناوب من أزمات ورواج
وكساد وغيرها.
137
قائمة المراجع
أوال :الكتب
-أحمد فريد مصطفى ،سهير محمد السيد حسن ،تطور الفكر والوقائع االقتصادية ،مؤسسة
شباب الجامعة ،مصر.2000 ،
-إسماعيل سفر ،عارف دليلة ،تاريخ األفكار االقتصادية ،مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية،
سوريا.1990 -1989 ،
-إسماعيل محمد علي ،تطور الفكر االقتصادي ،مؤسسة طيبة للنشر والتوزيع ،مصر.2011 ،
-اسماعيل محمود علي ،تاريخ الفكر االقتصادي ،مكتبة الوفاء القانونية ،مصر.2011 ،
-بن طاهر حسين ،مدخل إلى الوقائع االقتصادية ،دار بهاء الدين للنشر والتوزيع ،الجزائر،
.2010
-بوقرة رابح ،خبابة عبد هللا ،الوقائع االقتصادية من التاريخ القديم إلى بداية القرن الواحد
والعشرون ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية.2014 ،
-حازم الببالوي ،النظام االقتصادي الدولي المعاصر ،عالم المعرفة ،الكويت.2000 ،
-خالد ابو القمصان ،موجز تاريخ األفكار االقتصادية عبر العصور ،ديوان المطبوعات
الجامعية ،الجزائر.2001 ،
-سعيد سعد مرطان ،مدخل للفكر االقتصادي في اإلسالم ،مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر
والتوزيع ،لبنان.2002 ،
-عارف دليلة ،االقتصاد السياسي ،مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية ،سوريا.1979 ،
-عبد الجليل أميم ،التجربة النهضوية األلمانية :كيف تغلبت ألمانيا على معوقات النهضة؟ ،
مركز إنماء للبحوث والدراسات ،بيروت. 2014 ،
139
قائمة المراجع
-عبد القادر بلطاس ،تداعيات األزمة المالية العالمية :أزمة ، Sub-primeدار النشر
، Régendeبدون بلد نشر.2009 ،
-عبد المطلب عبد الحميد ،نماذج تنموية معاصرة ،الدار الجامعية ،اإلسكندرية.2013 ،
-عبد علي كاظم المعموري ،تاريخ األفكار االقتصادية ،دار ومكتبة الحامد للنشر والتوزيع،
عمان.2012 ،
-محمد سامر القصار ،األزمة المالية العالمية :دالئل اقتصادية على سطوع المنظومة
اإلسالمية من بين أنقاض الرأسمالية ،دار الفكر ،دمشق.2009 ،
-محمد دويدار ،مبادئ االقتصاد السياسي ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،الجزائر ،بدون تاريخ
نشر.
-محمد سعيد محمد الرمالوى ،األزمة االقتصادية العالمية ،دار الفكر الجامعي ،مصر،
.2011
-محمد عبد الوهاب العزاوي ،عبد السالم محمد خميس ،األزمات المالية :قديمها وحديثها،
أسبابها ونتائجها ،والدروس المستفادة ،دار اثراء للنشر والتوزيع ،عمان.2009 ،
-محمد عمر أبو عيده ،عبد الحميد محمد شعبان ،تاريخ الفكر االقتصادي ،الشركة العربية
المتحدة للتسويق والتوريدات ،مصر.2008 ،
-هيفاء عبد الرحمان ياسين التكريتي ،آليات العولمة االقتصادية وآثارها المستقبلية في االقتصاد
العربي ،دار الحامد للنشر والتوزيع ،األردن.2010 ،
140
قائمة المراجع
-أتيش ريكس غوش" ،في مركز الصدارة" ،مجلة التمويل والتنمية ،المجلد ،51العدد ،3صندوق
النقد الدولي ،واشنطن ،سبتمبر .2014
-مفيدة يحياوي" ،واقع االزمة المالية العالمية وانعكاساتها على مستوى االقتصاد الكلي
والجزئي" ،مجلة أبحاث اقتصادية وادارية ،العدد الثامن ،ديسمبر ،2010جامعة محمد خيضر،
بسكرة.
-أشرف محمد دوابه" ،الدروس المستفادة من األزمة المالية العالمية والرؤية المستقبلية
لمؤسسات الزكاة" ،المؤتمر العالمي الثامن للزكاة تحت شعار األزمة المالية الدولية وانعكاساتها
على إيرادات ومصروفات مؤسسات الزكاة 30 -29 ،مارس ،2010بيروت.
-ساعد مرابط" ،األزمة المالية العالمية :2008الجذور والتداعيات" ،ملتقى دولي حول األزمة
المالية واالقتصادية الدولية والحوكمة العالمية ،أيام 21-20أكتوبر ،2009جامعة فرحات عباس،
سطيف.
-البنك الدولي ،تقرير البنك الدولي لبحوث السياسات العامة ،معجزة شرق آسيا :النمو االقتصادي
والسياسات العامة ،ترجمة عبد هللا ناصر السويدي ،شيخة سيف الشامسي ،مركز اإلمارات
للدراسات والبحوث اإلستراتيجية ،أبو ظبي. 2000 ،
-عبد الرحمان بن سانية " ،االنطالق االقتصادي بالدول النامية في ظل التجربة الصينية"،
أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم ،تخصص اقتصاد التنمية ،جامعة أبي بكر بلقايد،
تلمسان.2013 -2012 ،
141
قائمة المراجع
" دور الجيل الثاني من اإلصالحات االقتصادية في تحقيق التنمية – دراسة حالة، زوين إيمان-
فرع، مذكرة مقدمة ضمن متطلبات نيل شهادة الماجستير في العلوم االقتصادية، " -الجزائر
.2011/2010 ، قسنطينة، جامعة منتوري،التحليل واالستشراف االقتصادي
مواقع االنترنت:سادسا
http://www.ejtemay.com/showthread.php?t=14427
http://www.alnodom.com/index.php
www.jinan.edu.lb/conf/Money/1/kourtel.pdf
https//app.box.com/s/u89mx7189g9l5sgbazds.
http://www.diwanalarab.com/spip.php?article22880
http://www.startimes.com/f.aspx?t=33205252
http://www.khayma.com/rachidgeo/1guerre%20mondialll.htm
http://moheet.com/2014/08/10/
http://his-geo.tw.ma/604.html
http://mosgcc.com/mos/magazine/article.php?storyid=1888
http://www.jordanianleaks.com/2014/10
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/135995.aspx
http://arabic.sputniknews.com/arabic.ruvr.ru/2014_07_05/274302882/
http://www.arabictrader.com/beta/ar/economic-dictionary/5
http://www.3loom-eltgara.com/2014/10/Bretton-Woods-Conference.html
http://www.startimes.com/f.aspx?t=34672665
142
فهـرس الجـداول
فهـرس األشـكال
143
فهرس المواضيع
فهـرس المواضيـع
الصفحة الموضوع
أ مقدمة
3 فصل تمهيدي
4 المبحث األول :ماهية الوقائع االقتصادية
5 المبحث الثاني :العالقة بين الوقائع االقتصادية واألفكار االقتصادية
6 المبحث الثالث :أهمية دراسة تاريخ الوقائع االقتصادية
8 الفصل األول :الوقائع االقتصادية في األنظمة االقتصادية واالجتماعية القديمة
9 المبحث األول :خصائص نظام المشاعية البدائية
9 المطلب األول :على مستوى القوى المنتجة
11 المطلب الثاني :عالقات اإلنتاج في المجتمع البدائي
12 المطلب الثالث :التنظيم االجتماعي ( نظام العشيرة )
12 المطلب الرابع :تطور التقسيم االجتماعي للعمل
13 المطلب الخامس :ظهور التملك الخاص والطبقات
14 المبحث الثاني :انحالل نظام المشاعية البدائية
16 الفصل الثاني :الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق)
17 المبحث األول :أنواع العبودية
17 المبحث الثاني :خصائص النظام العبودي
17 المطلب األول :البنية الطبقية في المجتمع العبودي
18 المطلب الثاني :الدولة في المجتمع العبودي
18 المطلب الثالث :تطور اإلنتاج والقوى المنتجة
19 المطلب الرابع :عالقات اإلنتاج
20 المطلب الخامس :العالقات النقدية والتبادل البضاعي في نظام الرق
21 المبحث الثالث :نظم الحضارة عند اليونان والرومان
144
فهرس المواضيع
145
فهرس المواضيع
146
فهرس المواضيع
147
فهرس المواضيع
148
فهرس المواضيع
149
فهرس المواضيع
128 المطلب األول :آثار األزمة المالية العالمية على االقتصاد العالمي
130 المطلب الثاني :تأثير األزمة العالمية على بعض المؤسسات
131 المطلب الثالث :تأثير األزمة المالية العالمية على االقتصاد الجزائري
132 المبحث الخامس :السياسات المتبعة لمواجهة األزمة المالية العالمية.
134 الخاتمة
138 قائمة المراجع
143 فهرس الجداول
143 فهرس األشكال
144 فهرس المواضيع
150