You are on page 1of 135

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫‪République Algérienne Démocratique et Populaire‬‬


‫و ازرة التعليم العالي والبحث العلمي‬
‫‪Ministère de l’Enseignement Supérieur et de la Recherche Scientifique‬‬

‫‪Université Mohamed KHIDHER-Biskra‬‬ ‫جامعة محمد خيضر‪ -‬بسكرة‬


‫‪Faculté des Sciences Economiques,‬‬
‫كلية العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيير‬
‫‪Commerciales et des Sciences de Gestion‬‬
‫‪Département des Sciences Economiques‬‬ ‫قسم العلوم االقتصادية‬

‫مطبوعة بعنوان‪:‬‬

‫تاريخ الوقائع االقتصادية‬

‫مقدمة لطلبة سنة أولى ‪ LMD‬مجال العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيير‬

‫إعداد األستاذة ‪ :‬حوحو سعاد‬

‫السنة الجامعية ‪2015 -2014 :‬‬


‫مـقـدمـة‬

‫يهتم علم اإلقتصاد بتفسير الظواهر اإلقتصادية وتحليلها‪ .‬ولقد عرفت البشرية جملة من‬
‫األحداث والظواهر والوقائع االقتصادية وذلك منذ ظهور اإلنسان على وجه األرض‪.‬‬

‫ولقد جاءت الوقائع االقتصادية نتيجة لحاجة اإلنسان للعيش وللتطور‪ ،‬أي لتحسين مستوى‬
‫غير اإلنسان من نمط‬
‫معيشته‪ ،‬من خالل تحسين مأكله ومسكنه وأمنه‪ .‬وللوصول إلى ذلك‪ ،‬فقد ّ‬
‫حياته حسب درجة تقدمه‪ ،‬والوسائل المتاحة في كل فترة من فترات حياته‪.‬‬

‫لقد أدى هذا التطور في الحياة اإلجتماعية واإلقتصادية لإلنسان إلى تطور الفكر‬
‫الرقي باألنشطة والسياسات االجتماعية واالقتصادية لإلنسان‪ ،‬وهكذا نرى أن‬ ‫االقتصادي وبالتالي ّ‬
‫هناك عالقة وطيدة بين الوقائع واألفكار االقتصادية‪.‬‬

‫تهدف هذه المطبوعة في تاريخ الوقائع االقتصادية الموجهة لطلبة السنة األولى ‪ LMD‬في‬
‫العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيير‪ ،‬للتعريف بأهم محطات تاريخ الوقائع االقتصادية التي‬
‫شهدها العالم منذ نشأة اإلنسان (أي اإلنسان البدائي) إلى غاية الوقت الحالي (عصر العولمة‬
‫االقتصادية)‪ ،‬وما تخللهما من أزمات وتطورات اقتصادية هامة‪ ،‬أدت بالبعض منها إلى تغيير‬
‫الخريطة االقتصادية للدول‪ ،‬من خالل تغيير سياسات الدولة فيها في الحياة االقتصادية من تدخل‬
‫أو اقتصاد حر وغيرهما‪.‬‬

‫تضم هذه المطبوعة مجموعة من المحاضرات طبقا للمقرر الوزاري‪ ،‬وهي موزعة على أربعة‬
‫عشرة فصل كالتالي ‪:‬‬

‫أول فصل عبارة عن فصل تمهيدي‪ ،‬وفيه تم تعريف الوقائع االقتصادية وتوضيح أهميتها‬
‫وعالقتها بالفكر االقتصادي‪.‬‬

‫وقد جاء الفصل األول والثاني التاليين للفصل التمهيدي إلبراز الوقائع االقتصادية في‬
‫األنظمة االقتصادية واالجتماعية القديمة من خالل نظام المشاعية البدائية ثم نظام الرق‪.‬‬

‫أما الفصل الثالث والرابع فقد خصصا للوقائع االقتصادية التي حدثت في العصور الوسطى‬
‫من خالل الوقائع االقتصادية في العالم اإلسالمي‪ ،‬والعالم الغربي الذي برز فيه النظام اإلقطاعي‪.‬‬

‫‪I‬‬
‫مـقـدمـة‬

‫جاء الفصل الخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع لألحداث التي عقبت النظام‬
‫اإلقطاعي من خالل ظهور للنظام الرأسمالي ثم الثورة الصناعية وبعدها المشكلة األلمانية فاألزمة‬
‫االقتصادية العالمية لسنة ‪ ،1929‬وفي األخير النظام االشتراكي‪ .‬ظهرت خالل هذه الفترات‬
‫تغييرات هامة على مستوى األنظمة والسياسات المتبعة في معظم الدول‪ .‬أدت إلى بروز‬
‫اقتصاديات وتراجع أخرى‪ ،‬ومن تلك التغييرات جاء الفصل العاشر والفصل الحادي عشر ليبين‬
‫النظام االقتصادي الجديد والنماذج التنموية المعاصرة من خالل بروز االقتصاديات اآلسيوية‪.‬‬

‫الفصلين األخيرين وهما الفصل الثاني عشر والفصل الثالث عشر كانا للعولمة المالية‬
‫واألزمة المالية العالمية لسنة ‪ ،2008‬وهو آخر حدث برز في تاريخ الوقائع االقتصادية إلى يومنا‬
‫هذا‪.‬‬

‫ولقد تعمدت تقسيم المطبوعة على عدة فصول بهذا الشكل حتى يسهل على الطلبة الذين‬
‫هم بصدد إعداد البحوث‪ ،‬أو الذين يودون االطالع على أحداث تاريخ الوقائع االقتصادية‪،‬‬
‫الوصول إلى المعلومة بكل سهولة ويسر‪.‬‬

‫‪II‬‬
‫فصل تمهيدي‬

‫وجدت الوقائع االقتصادية منذ وجود اإلنسان نفسه‪ ،‬ذلك ألن اإلنسان كان يبحث عن‬
‫أفضل السبل لتلبية حاجاته األساسية قبل أن يفكر في تحليل الظواهر االجتماعية واالقتصادية‬
‫المحيطة به‪.‬‬

‫تتأثر الوقائع االقتصادية بالواقع االجتماعي واالقتصادي المادي السائد‪ ،‬وبالتالي فان دراسة‬
‫تاريخ الوقائع االقتصادية سوف يتأثر باألفكار االقتصادية المرافقة لتلك الوقائع‪ ،‬لذلك يمكن اعتبار‬
‫أن الوقائع واألفكار االقتصاديين كانا ومازاال يتأثران ببعضهما ويؤثران في بعضهما البعض كذلك‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬ماهية الوقائع االقتصادية‬

‫تعنى دراستنا التاريخية االقتصادية بدراسة وتحليل الظواهر االقتصادية خالل فترات تطور‬
‫المجتمعات من وجهة نظر تاريخية‪ ،‬وعلى هذا فكثي ار ما يطلق على علم التاريخ االقتصادي‬
‫اصطالح التطور االقتصادي أو تاريخ األحداث والوقائع االقتصادية‪.‬‬

‫وعليه يمكن تعريف الوقائع االقتصادية على النحو التالي‪ :‬هي تلك األحداث التي جرت في‬
‫الحيز المكاني والزماني من التاريخ فشكلت النظريات االقتصادية مجراها الطبيعي‪ .1‬وذلك أن‬
‫اإلنسان كان يبحث دائما عن أفضل الطرق إلشباع حاجاته األساسية قبل أن يفكر في تحليل‬
‫الظواهر االقتصادية واالجتماعية المحيطة به‪.‬‬

‫إن دراسة تاريخ األفكار االقتصادية والتي جاءت بالتأكيد بعد الوقائع واألحداث االقتصادية‪،‬‬
‫تعني دراسة صراع وتطور وتتابع الفكر المرافق لتلك الوقائع‪ ،‬ذلك ألن الوقائع االقتصادية تساهم‬
‫في بروز فكر اقتصادي‪ ،‬ألنه ببساطة هذه الوقائع هي التي خلقت المناخ وهيأت الظروف‬
‫االقتصادية لألفكار االقتصادية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬العالقة بين الوقائع االقتصادية واألفكار االقتصادية‬

‫‪ -1‬بن طاهر حسين‪ ،‬مدخل إلى الوقائع االقتصادية‪ ،‬دار بهاء الدين للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،2010 ،‬ص‪.7.‬‬

‫‪4‬‬
‫فصل تمهيدي‬

‫إن موضوع الفصل بين األفكار االقتصادية والوقائع االقتصادية في غاية الصعوبة‪ ،‬بسبب‬
‫أن األفكار االقتصادية كانت بنت الظروف االقتصادية واالجتماعية والسياسية في زمان ومكان‬
‫معينين‪ ،‬كما أن الوقائع تأثرت على مدى التاريخ بأفكار اقتصادية دافع عنها اإلنسان وحاول‬
‫الوصول إليها‪.1‬‬

‫بعد االكتشافات الجغرافية واإلصالحات الدينية ثم النمو االقتصادي بعد جلب األموال من‬
‫القارات المكتشفة‪ ،‬كان من جراء ذلك ارتفاع األسعار بشكل هائل حيث تعرفت أوربا مبك ار على‬
‫ظاهرة التضخم النق دي مما جعل رجال الفكر االقتصادي يعكفون على معالجة تلك الظاهرة‪ .‬وكان‬
‫ووضع النظرية الكمية بالنقد؛‬ ‫"‪"Jean Bodin‬‬ ‫أول من الحظها االقتصادي المركانتيلي‬
‫وتتلخص بأنه كلما ارتفعت كمية النقد كلما انخفضت قيمته‪ ،‬وترتفع القيمة بتقلص الكمية‪ ،‬أي أن‬
‫قيمة النقد رهن بكميته‪ .‬أدى كل هذا إلى‪:‬‬

‫‪ -‬إرتفاع دخول التجار‪.‬‬

‫‪ -‬نشاط حركة المدن‪.‬‬

‫‪ -‬تكدس الثروات في يد فئة قليلة‪.‬‬

‫‪ -‬تطور العمل المصرفي‪.‬‬

‫مما دعى االقتصاديين التجاريين إلى تدوين كثير من األفكار االقتصادية مثل‪:‬‬

‫‪ -‬قضايا التجارة الدولية‪.‬‬

‫‪ -‬الميزان التجاري‪.‬‬

‫‪ -‬الضريبة الجمركية‪.‬‬

‫‪ -1‬خالد ابو القمصان‪ ،‬موجز تاريخ األفكار االقتصادية عبر العصور‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،2001 ،‬ص‪.6.‬‬

‫‪5‬‬
‫فصل تمهيدي‬

‫‪ -‬ميزان المدفوعات‪.1‬‬

‫ومن األمثلة األخرى التي توضح العالقة بين الوقائع االقتصادية باألفكار االقتصادية نذكر على‬
‫سبيل المثال‪:‬‬

‫‪ -‬لقد كان من أثر الحروب النابليونية أن ارتفعت أسعار المحاصيل الزراعية ارتفاعا كبي ار وقد عاد‬
‫هذا االرتفاع بالفائدة على مالك األراضي‪ ،‬وكان من جراء ذلك أن صيغت نظرية الريع عند‬
‫ريكاردو‪ ،‬وأصبحت جزء ال يتج أز من النظرية االقتصادية االنجليزية‪.‬‬

‫‪ -‬أثر األزمة العالمية الكبرى عام ‪ 1929‬في القضاء نهائيا على النظرية التقليدية في التشغيل‬
‫وافساح الطريق إلى حلول نظرية كينز التي ساهمت في حل هذه األزمة‪.2‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬أهمية دراسة تاريخ الوقائع االقتصادية‬

‫إن دراسة ومعرفة تاريخ الوقائع االقتصادية له أهمية بالغة لعل أهمها يكمن في‪:3‬‬

‫‪ -‬ضرورة التعرف على الوقائع المتعلقة بوفرة الموارد وتحديد الحاجات واختيار ما ينتج إلشباعها‬
‫من سلع وخدمات‪.‬‬

‫‪ -‬تتبع حركة المتغيرات التي تمر بها المجتمعات اإلنسانية‪ ،‬من وقوف على عالقات اإلنتاج التي‬
‫سادت فيها‪ ،‬على مستوى تقسيم العمل ودور المنظم في تسيير المشاريع اإلنتاجية‪.‬‬

‫‪ -‬تنمية القدرة على البحث والبحث العلمي والتحليل من خالل معرفة األساليب والطرق العلمية‬
‫التي يسلكها الباحثون االقتصاديون عند دراسة المشاكل المطروحة‪.‬‬

‫‪ -‬معرفة التاريخ تمكننا من التعرف على نتاج رجال الفكر والفالسفة وما توصلوا إليه من أفكار‬
‫وأساليب لعالج تلك المشاكل من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى اإلستفادة من معرفة مشاكل وأخطاء‬
‫الماضي لمعالجة مشاكل الحاضر وظروف المستقبل إثر انتقاء أحسن الطرق الموجهة‪.‬‬

‫‪ -1‬بوقرة رابح‪ ،‬خبابة عبد هللا‪ ،‬الوقائع االقتصادية من التاريخ القديم إلى بداية القرن الواحد والعشرون‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪ ،2014‬ص‪.22.‬‬
‫‪ -2‬بن طاهر حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.8.‬‬
‫‪ -3‬بوقرة رابح‪ ،‬خبابة عبد هللا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬ص‪.11-9 .‬‬

‫‪6‬‬
‫فصل تمهيدي‬

‫‪ -‬إستيعاب النظريات المعاصرة ألن النظرية االقتصادية كسائر النظريات العلمية األخرى تساهم‬
‫في تفسير حقائق معينة وتقدم الحلول للمشاكل القائمة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الوقائع االقتصادية في األنظمة االقتصادية واالجتماعية القديمة (المشاعية البدائية)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫تمهيد‬

‫عرفت البشرية سلسلة من العالقات اإلجتماعية التي تكونت بهدف العمل الجماعي لتلبية‬
‫اإلحتياجات الضرورية لإلنسان وتطورت هذه العالقات عبر التاريخ‪.‬‬

‫إن أول نظام عرفته البشرية هو نظام المشاعية‪ ،‬حيث كان البشر في هذا النظام يجتمعون‬
‫في شكل قطيع يهيمون في الغابات وعلى ضفاف األنهار ويلتقطون كل ما هو صالح لألكل في‬
‫طريقهم (أوراق‪ ،‬ثمار‪.)...‬‬

‫في بداية هذا النظام كان اإلنسان ال يعرف بعد كيفية صنع اللباس والمسكن حيث كان‬
‫يعيش في الكهوف والمغارات‪ ،‬وبما أن اإلنسان يتميز بالعقل بدأ يالحظ الظواهر التي تحيط به‪،‬‬
‫وبدأ يستعمل األدوات التي تساعده في حياته اليومية كاستعمال الحجر كأداة وسالح للصيد وبعدها‬
‫ظهرت األدوات القاطعة المخصصة لحفر األرض‪ ،‬فسهلت هذه األدوات حياة اإلنسان البدائي‬
‫حيث أن النشاط األساسي الذي عرف في هذا الوقت هو الصيد بعد أن كان اإلنسان يعتمد كليا‬
‫على خيرات الطبيعة في شكلها الجاهز‪ ،‬وأخذ اإلنسان يؤدي أبسط األعمال بصورة جماعية‬
‫لمواجهة الحياة القاسية التي يعيشها‪.‬‬

‫أدى العمل الجماعي إلى تطور العقل البشري حيث ظهرت الحاجة إلى التواصل بين الناس‬
‫فكانت الرموز الصوتية واإلشارات هي أول لغة تواصل في المشاعية البدائية والتي تطورت إلى‬
‫كلمات مميزة ولغة مما ساهمت في نقل التجربة والخبرات اإلنتاجية‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬خصائص نظام المشاعية البدائية‬

‫المطلب األول‪ :‬على مستوى القوى المنتجة‬

‫عرفت عملية اإلنتاج البدائي بتدني وانخفاض مستوى قوى اإلنتاج وكذا أدوات العمل‪،‬‬
‫وكانت تلك هي السمة الغالبة لعملية اإلنتاج البدائي‪ ،‬لهذا السبب سعى اإلنسان في صراعه‬
‫المستمر مع الطبيعة إلى تطوير وسائل العمل‪ ،‬وقد استلزمت هذه العملية زمنا طويال تم من‬
‫خاللها‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫الوقائع االقتصادية في األنظمة االقتصادية واالجتماعية القديمة (المشاعية البدائية)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫‪ -1‬إكتشاف النار‪ :‬تم اكتشاف النار في هذا النظام وذلك عن طريق حك الحجارة‪ ،‬هذا اإلكتشاف‬
‫ساعد اإلنسان في تلك الفترة في حياته اليومية وذلك التخاذها وسيلة للدفاع عن النفس وأداة‬
‫للعمل‪.‬‬

‫‪ -2‬إكتشاف القوس‪ :‬كان لهذا االكتشاف خطوة كبيرة في تطور قوى اإلنتاج‪ ،‬وأصبح الصيد أكثر‬
‫أنواع النشاط العملي إنتاجية‪ .‬أخذ الصيد يفيض عن الحاجيات اليومية فتعلم اإلنسان حصر‬
‫الحيوانات في أماكن خاصة لفترات أخرى وتعلم من ذلك ترويض هذه الحيوانات‪ ،‬وكان أول حيوان‬
‫قام اإلنسان بترويضه هو الكلب الذي رافق اإلنسان في البحث عن الغذاء ثم الماعز فالبقر‬
‫والحصان‪ .‬وقبل ما يقارب ‪ 8000‬و‪ 9000‬سنة إنتشرت تربية الحيوانات بشكل واسع في إفريقيا‬
‫وآسيا الغربية والهند والصين وأوروبا‪ ...‬وقد وفرت تربية الحيوانات زيادة عن المنتوجات الغذائية‪،‬‬
‫الصوف والجلود ومواد ضرورية للحياة‪ ،‬وأخذ اإلنسان يستعمل قوة الحيوانات في الجر وحراثة‬
‫األرض‪ ،‬ومع االستقرار أخذ اإلنسان يبني المساكن‪ ،‬وبدأ يصنع األلبسة واألدوات المنزلية ويصنع‬
‫أوائل وسائل اإلنتقال من زحافات وقوارب وعجالت‪ ،‬وبالتدريج كان النشاط االقتصادي لإلنسان‬
‫البدائي يتنوع وأدوات العمل تصبح أكثر تخصصا وكماال‪.‬‬

‫‪ -3‬بروز ظاهرة بذر الحبوب‪ :‬أدرك الناس أنه في المستطاع بذر الحبوب على مقربة من القرية‬
‫وأنه ليس من الضروري أن يجوبوا األرض طلبا للنباتات‪ .‬وكانت الذرة والشعير والحنطة أولى‬
‫المزروعات التي زرعها اإلنسان‪ .‬وقد ظهرت األشكال البدائية للزراعة في البداية في األقاليم‬
‫المالئمة للزراعة والتي كانت بين النهرين‪ ،‬ووادي النيل‪ ،‬الهند وايران‪ .‬وفي تلك المناطق صارت‬
‫الزراعة تدريجيا الفرع الرئيسي لالقتصاد‪ ،‬وانفصلت كامل اإلنفصال عن القطف والصيد‪ .‬ومنذ‬
‫عهد المشاعة القروية زرع اإلنسان جميع النباتات التي نعرفها اليوم تقريبا‪ .‬وقد قلص اإلنتقال إلى‬
‫الزراعة من تبعية اإلنسان للطبيعة بسبب المردود المرتفع نسبيا لعمل المزارع الذي أتاح له ومنذ‬
‫ذلك الوقت لتشكيل احتياطات تساعده على مواجهة الكوارث الطبيعية‪.1‬‬

‫وبصورة عامة يمكن القول أن التطور الحاصل في أدوات العمل كانت له نتائج هامة حيث‬
‫أنه ساعد على ظهور األشكال البدائية للزراعة‪ ،‬حيث بدأ اإلنتقال تدريجيا من جمع النباتات إلى‬

‫‪ -1‬بن طاهر حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬ص‪.22 -20.‬‬

‫‪10‬‬
‫الوقائع االقتصادية في األنظمة االقتصادية واالجتماعية القديمة (المشاعية البدائية)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫العمل الزراعي المتطور‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى بدأت القبائل البدائية (التي كانت دائمة‬
‫الترحال) بالتدريج تتحضر وتستقر في أماكن معينة باإلضافة إلى تحسن شروط الحياة بشكل عام‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬عالقات اإلنتاج في المجتمع البدائي‬

‫بما أن الفرد ال يقوم بمفرده بعملية اإلنتاج تنشأ عالقات بين األفراد تسمى عالقات اإلنتاج‪،‬‬
‫وهنا يجدر بنا حصر عالقات اإلنتاج في القانون االقتصادي األساسي لنظام إنتاج المشاعية‬
‫البدائية وهو "ضمان وسائل المعيشة الضرورية لإلنسان باالعتماد على أدوات إنتاج بدائية وعلى‬
‫أساس مشاعية تملك وسائل اإلنتاج والعمل الجماعي وطريقة التوزيع المتساوي للمنتوجات" ‪ .‬من‬
‫هذا القانون يمكن استنتاج أن عالقات اإلنتاج في المجتمع البدائي تتسم بـ ‪:‬‬

‫‪ -1‬العمل الجماعي‪ :‬الذي يأخذ شكل التعاون البسيط‪ ،‬حيث يقوم كل أفراد العشيرة بالعمل بطريقة‬
‫جماعية إلنجاز عمل واحد فقط (الصيد مثال) دون أن يكون هناك تخصص أو تقسيم عمل‪،‬‬
‫باستثناء التقسيم الفيزيولوجي للعمل سواء حسب الجنس (بين الرجال والنساء) أو التقسيم حسب‬
‫السن‪ ،‬حيث كانت النساء تقوم بجمع النباتات وادارة شؤون المنزل وكان الصيد من اختصاص‬
‫الرجال‪ ،‬ولعل السبب الرئيسي وراء طبيعة العمل الجماعية هو انخفاض وضعف مستوى أدوات‬
‫العمل (عدم وجود أدوات عمل متطورة) والتي ال يستطيع بواسطتها الفرد منفردا مواجهة الطبيعة‪.‬‬
‫لهذا كان العمل الجماعي واجبا وضروريا في نفس الوقت في العهد البدائي‪ ،‬لذلك كان األفراد‬
‫ينتقلون مجتمعين من عمل إلى آخر من الصيد مثال إلى الزراعة أو الرعي وذلك حسب ما يراه‬
‫أعيان الجماعة (األفراد األكبر سنا) مناسبا وينسجم مع مصلحة الجماعة‪.‬‬

‫‪ -2‬الملكية الجماعية لوسائل اإلنتاج‪ :‬حيث ترتبط ارتباطا وثيقا بالسمة األولى (العمل الجماعي‬
‫والتعاون البسيط)‪ .‬إذ كانت األرض وجميع الموجودات (أدوات العمل) ملكا للجميع وهذا طبعا‬
‫باستثناء بعض األشياء مثل األلبسة وبعض وسائل الدفاع عن النفس وهذا لضرورة استخدامها‬
‫بطريقة فردية‪.‬‬

‫‪ -3‬التوزيع المتساوي للمنتوجات‪ :‬بسبب ضعف القوة المنتجة‪ ،‬الملكية المشاعية على وسائل‬
‫اإلنتاج ومنتجات العمل يفرضان شكال معينا من أشكال التوزيع‪ ،‬وهو التوزيع المتساوي‪ ،‬وهذا‬
‫بغض النظر عن كمية ونوع العمل الذي يبذله في اإلنتاج الجماعي‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الوقائع االقتصادية في األنظمة االقتصادية واالجتماعية القديمة (المشاعية البدائية)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التنظيم االجتماعي ( نظام العشيرة )‬

‫كانت العشيرة تمثل الوحدة االقتصادية واالجتماعية والسياسية التي يقوم عليها المجتمع‬
‫البدائي ويذكر أن المرأة احتلت مكانة مرموقة ولعبت دو ار هاما في المرحلة األولى للنظام العشيري‬
‫وذلك بسبب شروط الحياة المادية نفسها‪.‬‬

‫كانت الز ارعة البدائية والتدجين البدائي من اختصاص المرأة وهما أهم من الصيد (من‬
‫تخصص الرجل) من الناحية االقتصادية حيث يعتبر الصيد ذو مردود غير مضمون‪.‬‬

‫وقد تعاظم دور المرأة إلى أن أصبح النسل ينسب إليها وسميت هذه المرحلة بنظام العشيرة‬
‫األمومية‪ ،‬إلى أن تطورت القوى المنتجة وظهر التدجين المتطور (المراعي) والزراعة المتطورة‬
‫(الحبوب) والتي كانت من اختصاص الرجل‪ ،‬الشيء الذي أدى إلى انقالب الموازين وانتقلت‬
‫السيادة من المرأة إلى الرجل وأصبح النسل ينسب إليه وحل نظام العشيرة األبوية محل العشيرة‬
‫األمومية‪.‬‬

‫هذا ونظ ار لعدم وجود الفائض واالستثمار والملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج والطبقات لم‬
‫يظهر في ذلك الوقت ما يسمى بجهاز الحكم (الدولة) وكان العرف وحده هو وسيلة الحكم وهو‬
‫أساس هيبة رؤساء العشائر‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬تطور التقسيم االجتماعي للعمل‬

‫ارتبط التقسيم االجتماعي للعمل مع ظهور كل من الزراعة والرعي أي زراعة األرض وتربية‬
‫المواشي‪ .‬حيث حصل تخصص في العمل (تقسيم العمل) على أساس المشاعيات‪ ،‬وكان أول‬
‫تقسيم اجتماعي كبير للعمل (تقسيم للعمل على أساس المشاعيات) هو تأليف قبائل الرعاة وقبائل‬
‫الزراعة وهو ما زاد في إنتاجية العمل إلى حد كبير‪.‬‬

‫كانت أهم نتيجة له ذا التقسيم اإلجتماعي للعمل تطور ما يسمى بالتبادل بين قبائل الرعاة‬
‫وقبائل الزراعة وقد بدأ نطاق التبادل باإلتساع مع ظهور تقسيمات اجتماعية أخرى للعمل نتيجة‬
‫تطور أدوات اإلنتاج‪ ،‬فظهرت مهنة صنع األواني الفخارية والحياكة اليدوية‪ ،‬ومع ظهور الحديد‬
‫أصبح من الممكن صنع األدوات الحديدية (المحراث‪ ،‬الفأس‪ ،‬السيف‪ )...،‬وبهذا تمهد الطريق‬

‫‪12‬‬
‫الوقائع االقتصادية في األنظمة االقتصادية واالجتماعية القديمة (المشاعية البدائية)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫النقسام هام جديد في المجتمع وهو التخصص الحرفي أو المهني داخل المشاعية نفسها وهو ما‬
‫أدى إلى توسع نطاق المبادالت‪.‬‬

‫إن التقسيم اإلجتماعي األول للعمل (مشاعات الرعاة‪ ،‬مشاعات الزراعة‪ ،‬مشاعات‬
‫الحرفيين) قد وسع نطاق المبادالت وذلك بـ ‪:‬‬

‫‪ -‬مشاعات الرعاة‪ :‬فوائض في الماشية‪ ،‬جلود‪ ،‬صوف‪ ،‬لحوم‪...‬‬

‫‪ -‬مشاعات الزراعة‪ :‬فوائض في الحبوب‪ ،‬الخضر‪ ،‬الفواكه‪.‬‬

‫‪ -‬مشاعات الحرفيين‪ :‬فوائض في وسائل العمل المصنوعة من المعادن (النحاس‪ ،‬الحديد‬


‫والبرونز‪.)...‬‬

‫تجدر اإلشارة هنا إلى أن التبادل كان في البداية يتم على أساس عشائري بين رؤساء‬
‫العشائر وباسم عشائرهم ثم تحول بعد تملك الماشية ملكية خاصة إلى تبادل بين األفراد وقد كان‬
‫هذا التحول تدريجيا إلى أن أصبح التبادل الفردي هو الشكل الوحيد للتبادل‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬ظهور التملك الخاص والطبقات‬

‫يمكن القول عند التكلم عن التملك الخاص والطبقات أننا بصدد التكلم عن مرحلة جد‬
‫متقدمة من النظام المشاعي (تكاد تكون بمثابة مرحلة انتقالية بين النظام المشاعي ونظام الرق)‪،‬‬
‫فبعد التطور الحاصل على مستوى أدوات العمل أصبح العمل أكثر إنتاجية وهو األمر الذي لم يعد‬
‫يستدعي العمل بطريقة جماعية على مستوى العشيرة‪ ،‬فارتفاع اإلنتاجية سمح باإلنتاج في الزراعة‬
‫والرعي والحرف على نطاق اجتماعي أضيق من العشيرة وهو األسرة التي أصبحت الوحدة‬
‫االقتصادية واالجتماعية الجديدة في المجتمع‪ ،‬وبهذا فسح المجال للعمل الخاص على نطاق‬
‫األسرة للحلول تدري جيا محل العمل الجماعي المشترك وهو الذي أدى إلى ظهور الملكية الخاصة‬
‫لوسائل اإلنتاج‪ ،‬ويشير التاريخ أن الملكية الخاصة بدأت بالماشية‪ ،‬فقد بدأ زعماء العشائر‬
‫بامتالكها بعدما كانت ملكية جماعية ألفراد العشيرة‪ ،‬ثم امتدت الملكية الخاصة لجميع أدوات‬
‫اإلنتاج وكانت األرض آخر ما دخل في نطاق التملك الخاص‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الوقائع االقتصادية في األنظمة االقتصادية واالجتماعية القديمة (المشاعية البدائية)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫وقد أدى ظهور الملكية الخاصة إلى تقسيم العشيرة أوال إلى أسر كبيرة ثم إلى وحدات‬
‫عائلية صغيرة باإلضافة إلى تغيير البنيان االجتماعي للمجتمع البدائي حيث انفصل مالكي وسائل‬
‫اإلنتاج عن عامة أفراد المجتمع وأصبحوا يتولون المناصب اإلجتماعية والسياسية – وهو ما ساهم‬
‫في نشوء األسر األرستقراطية‪ .-‬هذا وقد توسع نطاق الملكية نحو تملك جميع وسائل اإلنتاج بما‬
‫فيها اإلنسان نفسه‪ ،‬ففي السابق كان األسرى ُيقتلون ألنه في ظل انخفاض مستوى أدوات العمل ال‬
‫يستطيع األسرى إنتاج كميات إضافية تزيد عن حاجاتهم‪ ،‬ولكن في ظل تطور أدوات العمل أصبح‬
‫اإلحتفاظ باألسرى مجدي من الناحية االقتصادية‪ ،‬إذ أصبح األسرى يحققون فائضا من المنتجات‬
‫وهو ما أصبح يبرر عدم قتل أسرى الحرب واإلكتفاء باستعبادهم‪ ،‬وبهذا ظهر نظام الرق وتوسع‬
‫ليشمل مع التطور التاريخي أفراد القبيلة نفسها‪ .‬وبهذا تكون عالقات اإلنتاج المشاعية قد انتهت‬
‫لتحل محلها عالقات إنتاج جديدة‪.1‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬إنحالل نظام المشاعية البدائية‬

‫يمكن إدراج أسباب انحالل نظام المشاعية البدائية فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬تطور مستوى اإلنتاج وظهور المنتوج الفائض وذلك بسبب تطور قوى اإلنتاج اإلجتماعية‪.‬‬

‫‪ -‬التحول من العمل الجماعي المشترك إلى العمل الفردي بسبب تخصص أدوات العمل ووسائله‬
‫وامتالك األفراد لها‪.‬‬

‫‪ -‬نهاية التوزيع المتساوي لمنتوجات العمل بين أفراد الجماعة وظهور حب التملك مما أدى إلى‬
‫ظهور التفاوت االقتصادي‪.‬‬

‫‪ -‬أزمة عالقات اإلنتاج‪ :‬بعدما مال دور المنتجين إلى عدم التساوي‪ ،‬إزدهرت الملكية الخاصة‬
‫على حساب الملكية العامة وأصبحت أمالك العائالت وراثية وتعاظم نتيجة ذلك التفاوت في الثروة‬
‫بين أعضاء المشاعة وصار في مقدور أصحاب األمالك أن يرغموا المحرومين منها على العمل‬
‫لحسابهم ليستولوا من ثمة على فائض إنتاج عملهم‪ ،‬وكانت أولى ضحايا اإلستغالل أسرى الحروب‬

‫‪ -1‬ملخص تاريخ الوقائع االقتصادية‪ ،‬منشور على الموقع االلكتروني‪ https//app.box.com/s/u89mx7189g9l5sgbazds. :‬تاريخ‬
‫الزيارة ‪.2015/04/07‬‬

‫‪14‬‬
‫الوقائع االقتصادية في األنظمة االقتصادية واالجتماعية القديمة (المشاعية البدائية)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫حيث تحولوا تدريجيا إلى أرقاء (عبيد)‪ ،‬ودشن ظهور الرق عهدا تاريخيا جديدا هو عهد استغالل‬
‫اإلنسان لإلنسان وانقسم المجتمع الذي لم يكن يعرف في الماضي سوى شكل واحد من الملكية هو‬
‫الملكية الجماعية تدريجيا إلى ثالث طبقات رئيسية تكونت بحسب عالقاتها بأدوات العمل ووسائله‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق)‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫تمهيد‬

‫بدأ نظام الرق بالتشكل عقب انهيار النظام المشاعي حوالي ‪ 4000 -3000‬سنة قبل‬
‫الميالد واستمر إلى غاية القرنين الثالث والرابع الميالدي في شمال إفريقيا وآسيا وازدهر في اليونان‬
‫وروما إلى غاية القرن الخامس الميالدي‪.‬‬

‫لقد شملت عمليات اإلنتاج في هذه المرحلة كل من الرعي والزراعة والنشاط الحرفي‬
‫(ظهرت هذه األعمال وتطورت في ظل النظام المشاعي) إال أن شروط وظروف اإلنتاج في هذه‬
‫المرحلة تختلف في نظام الرق عنه في النظام المشاعي‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬أنواع العبودية‬

‫لقد ظهر النظام العبودي في صورتين‪:1‬‬

‫‪ -1‬عبودية شرقية‪ :‬كان العبيد يتشكلون فيها من األشخاص الذين يقعون في األَسر نتيجة‬
‫الحروب‪.‬‬

‫‪ -2‬عب ودية غربية‪ :‬عرفت تطور الملكية الخاصة التي شملت العبيد ووسائل اإلنتاج بما فيها‬
‫األرض‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬خصائص النظام العبودي (نظام الرق)‬

‫المطلب األول‪ :‬البنية الطبقية في المجتمع العبودي‬

‫في ظل نظام الرق انقسم المجتمع البشري ألول مرة إلى طبقات‪ ،‬وتعود هذه الظاهرة إلى‬
‫عالقات اإلنتاج بشكل أساسي‪ .‬وعليه يمكن أن نطلق اسم الطبقات على فئات واسعة من الناس‬
‫تحتل مكانة متباينة في إطار نظام معين لإلنتاج اإلجتماعي وتتميز عن بعضها البعض بعالقاتها‬
‫بوسائل اإلنتاج‪ ،‬وبوظائفها في التنظيم اإلجتماعي للعمل‪ ،‬وبالتالي بطرق الحصول على الثروات‬

‫‪ -1‬إسماعيل سفر‪ ،‬عارف دليلة‪ ،‬تاريخ األفكار االقتصادية‪ ،‬مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية‪ ،‬سوريا‪ ،1990 -1989 ،‬ص‪.13.‬‬

‫‪17‬‬
‫الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق)‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫اإلجتماعية التي تضع اليد عليها‪ ،‬وبحجم هذه الثروة‪ .1‬وقد انقسم نظام الرق إلى ثالث طبقات‬
‫رئيسية وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬طبقة العبيد‪ :‬وهم المحرومين من ملكية وسائل اإلنتاج والمكروهين على العمل بالعنف‬
‫المباشر‪.‬‬

‫‪ -2‬طبقة المنتجين‪ :‬وهم المالكون األحرار لوسائل اإلنتاج‪ ،‬ويحتفظون بالتنظيم المشاعي‬
‫كالحرفيين والفالحين الصغار والتجار والمرابين‪.‬‬

‫‪ -3‬طبقة األسياد‪ :‬وهم مالك العبيد الذين أصبح عددهم يزداد بسبب الحروب وتجارة الرقيق‬
‫وازدياد الحاجة إلى القوة العاملة المنتجة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدولة في المجتمع العبودي‬

‫لم يكن بوسع مالكي العبيد إخضاع العبيد المشاغبين واكراههم على العمل من أجلهم وزيادة‬
‫ثرواتهم واشباع حاجتهم المتنامية التي ال يمكن إشباعها أبدا إال بوجود جهاز دائم للقمع وقد تكون‬
‫هذا الجهاز تدريجيا ليشكل الدولة وكانت وظائف الدولة في العبودية تتمثل في‪:‬‬

‫المستغلين‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪ -‬حماية السادة وقمع‬

‫‪ -‬ت وسيع أراضي الدولة عن طريق شن الحروب لإلستيالء على العبيد وظهور جيش محترف‬
‫مهمته الدفاع عن مصالح الطبقة السائدة‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تطور اإلنتاج والقوى المنتجة‬

‫كان الربط بين وسائل اإلنتاج وقوة العمل يتم عن طريق العمل اإلجباري‪ ،‬وهذا بواسطة‬
‫اإلستعانة بعدد كبير من المراقبين لضبط عمل العبيد‪ ،‬لقد كانت هذه الطريقة مساعدة على تطوير‬
‫قوى اإلنتاج في مجال اإلنتاج الحرفي والصناعي واستخراج المعادن‪ ،‬والغزل والنسيج‪ ،‬أبرز ما‬
‫خلدته تلك المرحلة هي أنظمة الري في العراق ومصر‪ ،‬وأهرامات ومعابد مصر‪ ،‬والقصور والمعابد‬

‫‪ -1‬بن طاهر حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.30.‬‬

‫‪18‬‬
‫الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق)‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫الهندية‪ ،‬المسارح ال رومانية‪ ،‬سور الصين العظيم‪ ،‬هذه اإلنجازات تحققت في تلك العصور الماضية‬
‫إنما قامت على أكتاف العبيد‪.‬‬

‫كما تطور اإلنتاج الحرفي وبخاصة صناعة األواني الفخارية‪ ،‬والغزل والنسيج وبعض‬
‫األدوية واألدوات الموسيقية‪ ،‬وقد استخدمت في اإلنتاج هذه األشياء وتشييدها أدوات عمل أكثر‬
‫تعقيدا من التي استخدمت في المشاعية البدائية (نول النسيج‪ ،‬دوالب صنع األدوات الفخارية‪ ،‬رحى‬
‫الطاحون اليدوي)‪.‬‬

‫وأفضى تطور التجارة عن طريق البحر إلى تحسين المنشآت البحرية‪ ،‬وط أر تحسن مماثل‬
‫على صناعة األسلحة‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬عالقات اإلنتاج‬

‫‪ -1‬الملكية‪ :‬تميزت عالقات اإلنتاج في المجتمع العبودي بامتالك السادة لوسائل اإلنتاج إضافة‬
‫إلى المنتجين‪ ،‬أي امتالك وسائل اإلنتاج والعبيد معا‪ ،‬إن العبيد في رأي بعض الفالسفة اليونانيين‬
‫يعتبر أداة عمل ويعبرون بذلك بقولهم يوجد نوعان من األدوات‪ ،‬أدوات جامدة وأدوات حية‪ ،‬والعبد‬
‫يعتبر أداة حية مملوكة ‪.1‬‬

‫‪ -2‬العمل‪ :‬كانت السمة الغالبة للعمل في هذه المرحلة هي العمل الجماعي والتعاون بين العبيد‬
‫ولكن في إطار اإلكراه االقتصادي والقسر (اإلستغالل) لصالح السادة الذين يمتلكون أدوات العمل‬
‫بما فيها العبيد (اإلنسان) ‪.‬‬

‫إلى جانب عمل العبيد في جميع المجاالت ( الزراعة والرعي والعمل الحرفي) ‪ -‬إذ كان‬
‫العبيد يقومون بإنتاج الجزء األكبر من المنتجات ويشكل نشاطهم العمود الفقري في عملية اإلنتاج‬
‫في المجتمع العبودي – كان هناك بعض المنتجين من األحرار الذين كانوا ينتجون بصفة فردية‬
‫حيث تمتعوا بحرية امتالك وسائل اإلنتاج والعمل وكانوا في الغالب متخصصين في بعض‬
‫األعمال الحرفية (الحدادة واأللبسة والزراعة) إال أنهم في نفس الوقت يخضعون للنظام العام‪ ،‬حيث‬
‫كان يتعين عليهم دفع ضرائب (جزء من دخولهم) للدولة سواء في صورة نقدية أو عينية‪ ،‬وكانت‬

‫‪ -1‬محمد دويدار‪ ،‬مبادئ االقتصاد السياسي‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص‪.71.‬‬

‫‪19‬‬
‫الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق)‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫هذه الفئة من األحرار تمثل عماد الجيش‪ ،‬إذ ال يسمح للعبيد بالعمل في الجيش وذلك لحاجة‬
‫األسياد الماسة إليهم لممارسة أوجه النشاط المختلفة‪.‬‬

‫‪ -3‬توزيع المنتوجات‪ :‬إن إنتاج الخيرات المادية في النظام العبودي كان موجه لسد حاجات‬
‫األسياد المتزايدة باستمرار وكان يتم ذلك عن طريق اإلستثمار في العبيد‪ ،‬حيث كان العبيد يقومون‬
‫بمختلف األنشطة لصالح األسياد في شكل عالقة ( سيد – عبد ) وكانت المنتجات توزع بين‬
‫السادة والعبيد‪ ،‬وكان من حق السادة تحديد الكيفية التي يتم بواسطتها توزيع المنتوج‪ ،‬والذي عادة‬
‫ما كان يتم تقسيمه إلى جزئين‪:‬‬

‫أ‪ -‬المنتوج الضروري‪ :‬وهي كمية من المنتوج (الحبوب مثال) موجهة لسد الحاجات األساسية للعبيد‬
‫من أجل القيام بعملية تجديد قوة العمل واإلستمرار في اإلنتاج‪.‬‬

‫ب‪ -‬المنتوج الفائض‪ :‬يمثل القسم األعظم من المنتوج ويستخدم من قبل السادة إلشباع الحاجات‬
‫اإلستهالكية وبناء القصور والمسارح وغيرها‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬العالقات النقدية والتبادل البضاعي في نظام الرق‬

‫‪ -1‬التبادل‪ :‬يرجع ظهور التبادل وتطوره إلى النظام المشاعي‪ ،‬وكان التبادل يتم بين المنتجين في‬
‫شكل سلعة مقابل سلعة‪ .‬ومع ظهور النظام العبودي تطورت عمليات التبادل وأصبحت بظهور‬
‫النقود (التي تطورت هي األخرى وأخذت أشكاال مختلفة) تتم في شكل (سلعة – سلعة نقدية –‬
‫سلعة)‪ .‬ولقد لعب دور السلعة النقدية كل من الماشية‪ ،‬الملح‪ ،‬السمك المجفف والجلود‪ ...‬ثم‬
‫تطورت النقود وأخذت أشكاال معدنية وكان لها أث ار كبي ار في تطور وتنمية التجارة‪.‬‬

‫‪ -2‬ظهور رأس المال التجاري‪ :‬مع تعاظم دور النقود كوسيط للمبادلة وفي ظل بعد المنتجين عن‬
‫بعضهم البعض وتبعثرهم أدى هذا إلى ضرورة وجود فئة تقوم بدور الوسيط بين البائعين والمشترين‬
‫(بعد أن كان التبادل يتم بين المنتجين مباشرة) وكان ظهور العمل التجاري ثالث تقسيم اجتماعي‬
‫كبير للعمل‪ ،‬حيث تخصصت فئة من التجار بشراء وبيع السلع وكان الفرق بين سعر البيع والشراء‬
‫مصدر الربح التجاري‪ ،‬وبذلك لم يعد دور النقود قياس للقيمة فقط بل وأصبحت النقود كوسيلة‬
‫لجمع الثروة وظهر ألول مرة رأس المال التجاري‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق)‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪ -3‬ظهور رأس المال الربوي‪ :‬رأس المال الربوي هو رأس المال الذي يحقق الربا والذي لم يكن‬
‫ليظهر لوال انتشار التبادل البضاعي انتشا ار واسعا وتظهر النقود والقروض النقدية‪.1‬‬

‫رأس المال الربوي الذي ظهر في هذه المرحلة اتخذ من النقد كوسيلة لإلقراض والتسليف‬
‫حيث يقوم المرابون بتقديم القروض النقدية إلى السادة والمنتجين والحرفيين واألفراد مقابل معدل‬
‫ف ائدة (الربا)‪ .‬والمرابون هم كبار التجار يتصرفون بثروات نقدية كبيرة وأحيانا من مالكي العبيد‬
‫األثرياء والى جانب هؤالء ُوجد عدد كبير من المرابين المتوسطين والصغار‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬نظم الحضارة عند اليونان والرومان‬

‫لقد شكلت الحروب المصدر الرئيسي بمد المجتمعات بالعبيد‪ ،‬إذ كان للرقيق أهمية كبيرة‬
‫في النظام االجتماعي واالقتصادي لتلك الفترة وكما قال " انجلز" أنه بدون نظام الرق ما قامت‬
‫دولة اليونان‪ ،‬ولما بلغت من الفن والعلم ما بلغت‪ ،‬ولما قامت اإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬وبالتالي لما‬
‫قامت أوربا الحديثة‪ .‬وعلى هذا سوف نتطرق إلى كل من الحضارة اليونانية والرومانية في نظام‬
‫العبودية كما يلي‪:2‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المجتمع اليوناني‬

‫وجد هذا المجتمع خالل القرنين الرابع والخامس قبل الميالد‪ ،‬أما النشاط االقتصادي فكان‬
‫قائما على الزراعة واستخراج المعادن وتصنيعها‪ ،‬وعلى التجارة الخارجية‪.‬‬

‫الفرع األ ول‪ :‬التنظيم االجتماعي الطبقي‬

‫كان المجتمع اليوناني مجتمع رق وعبودية‪ ،‬ساد فيه نظام الطبقات والذي كان يتألف من‪:‬‬

‫‪ -1‬طبقة المالك األرستقراطيين‪ :‬وتتصدر قمة الهرم اإلجتماعي‪ ،‬وهي تنظر للعمل اليدوي نظرة‬
‫َسخرية‪ ،‬تحصل على الريع العقاري دون أن تساهم في اإلنتاج‪.‬‬

‫‪ -1‬بن طاهر حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.35.‬‬


‫‪ -2‬بوقرة رابح‪ ،‬خبابة عبد هللا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬ص‪.39 -36.‬‬

‫‪21‬‬
‫الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق)‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪ -2‬طبق ة متوسطة‪ :‬وهي الطبقة التي تلي طبقة المالك‪ ،‬تشمل هذه الطبقة صغار المالك‬
‫والحرفيين‪.‬‬

‫‪ -3‬طبقة األجانب‪ :‬وهي طبقة األجانب المحرومين من الحقوق السياسية‪.‬‬

‫‪ -4‬طبقة العبيد‪ :‬وهي التي تقع في أسفل الهرم والذين يقع على عاتقهم‪ ،‬وحدهم‪ ،‬العمل اإلنتاجي‬
‫(زراعي‪ ،‬صناعي‪ ،‬تعديني) واألعمال المنزلية وخدمة المحاربين في الحروب‪ .‬لهذا كانت تجارة‬
‫العبيد من النشاطات االقتصادية المربحة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التنظيم االقتصادي‬

‫‪ -1‬الزراعة‪ :‬شغلت الزراعة مساحة قدرها ‪ % 20‬من إقليم الدولة وظهرت الوحدات اإلنتاجية مثل‪:‬‬

‫‪ -‬وحدات كبار المالك‪ :‬وتشغل نسبة ضئيلة من إجمالي المساحات المزروعة إال أنها أحسن‬
‫األراضي خصوبة‪ ،‬تزرع بالحبوب وتتربى عليها الماشية وبالطبع العبيد والعمال األجراء هم الذين‬
‫يقومون بالعمل اإلنتاجي‪.‬‬

‫‪ -‬وحدات المالكين الصغار‪ :‬تشمل معظم األراضي الزراعية ذات جودة منخفضة يملكها أكثر من‬
‫نصف السكان‪ ،‬يقوم بالعمل اإلنتاجي األسرة وما تملكه من عبيد مستعملين أبسط أدوات اإلنتاج‪.‬‬

‫‪ -2‬الصناعة‪ :‬إهتم المجتمع اليوناني بصناعة األسلحة واألواني المنزلية‪ ،‬وقامت وحدات حرفية‬
‫تجمع أفراد عائالتهم وعبيدهم وبعض العمال األجراء‪ ،‬وكان محرك اإلنتاج الطلبات المسبقة من‬
‫التجار وغيرهم‪ .‬كما منحت المعادن لمن يستطيع العمل بها‪.‬‬

‫‪ -3‬التجارة الخارجية‪ :‬عرفت التجارة الخارجية رواجا نسبيا وخاصة بعد صنع السفن التجارية التي‬
‫قامت لتعوض عجز القطاع الزراعي في سد احتياجات السكان من المواد الغذائية‪.‬‬

‫كما انتشرت النقود ونشطت المبادالت النقدية وعمليات البيع والشراء‪ ،‬أما حق التعامل‬
‫بالفضة فكان حك ار على الدولة فقط‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المجتمع الروماني‬

‫‪22‬‬
‫الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق)‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫يعتبر النظام الروماني أوضح مثال على النظام االقتصادي الزراعي‪ ،‬القائم على الرق‪،‬‬
‫ففيه الزراعة هي النشاط االقتصادي األساسي‪ ،‬وملكية األرض الزراعية هي اإلستثمار الوحيد‬
‫المأمون‪ ،‬ثم إن الرقيق هم أساس النشاط االقتصادي‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التنظيم االجتماعي والطبقي‬

‫أباح القانون الروماني استيالء المواطنين األحرار على العبيد األجانب‪ ،‬كما كانت الدولة‬
‫تبيع للمواطنين أسرى الحروب حيث كان البنيان الطبقي يتألف من‪:‬‬

‫‪ -1‬طبقة النبالء (األشراف) وطبقة الفرسان‪.‬‬

‫‪ -2‬طبقة العامة وطبقة العبيد‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التنظيم االقتصادي‬

‫‪ -1‬الزراعة‪ :‬بدأت بشكل المزرعة العائلية الصغيرة ما لبثت أن أخذت تتوسع بالتدريج ويتوسع‬
‫بتوسعها ملكية فئات قليلة من األراضي الزراعية‪.‬‬

‫‪ -2‬عالقات اإلنتاج‪ :‬كانت عالقات اإلنتاج قائمة على أساس الملكية الفردية لوسائل اإلنتاج‬
‫وزادها توسعا عمل العبيد اإلستثماري دون مقابل‪ ،‬حيث تخصصت منتجات المزارع الكبرى بصورة‬
‫رئيسية للبيع في السوق‪ ،‬ولهذا اعتبر أن ما يميز النشاط االقتصادي آنذاك تطور اإلنتاج المثير‬
‫بهدف إشباع الحاجات اإلستهالكية إلى اإلنتاج بهدف المبادلة وتكوين الثروات من قبل التجار‬
‫وأصحاب رؤوس األموال‪.‬‬

‫‪ -3‬التجارة‪ :‬انحصر النشاط التجاري في البداية بتبادل منتجات القرية الغذائية بمنتجات المدينة‬
‫الحرفية‪ ،‬وبعد الفتوحات الرومانية نشطت الحركة التجارية وتكونت طبقة التجار وأصحاب رؤوس‬
‫األموال الجديدة‪ ،‬وأخذ التحول ينتقل تدريجيا من االقتصاد الزراعي إلى االقتصاد التجاري وأخذت‬
‫تختفي معه الطبقة المتوسطة من الزراع‪.‬‬

‫‪ -4‬تطور رأس المال النقدي الربوي‪ :‬أدى نمو التجارة والتداول النقدي إلى تطور رأس المال‬
‫النقدي الربوي‪ ،‬وأخذت تنشأ شركة الملتزمين الذين كانوا يقومون بالعمليات التسليفية ويلتزمون‬

‫‪23‬‬
‫الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق)‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫بجباية الضرائب‪ ،‬وانتشرت بصورة واسعة مكاتب الصرافة‪ ،‬حيث كانت عملية حفظ النقود وتحويلها‬
‫تتم هناك‪ .‬أما األشخاص الذين كانوا يمارسون مهنة التجارة والربا وتقديم القروض بفائدة بدؤوا‬
‫ينفصلون تدريجيا وشكلوا طبقة اجتماعية مميزة سميت طبقة الفرسان‪.‬‬

‫‪ -5‬التجارة الخارجية‪ :‬سادت التجارة الخارجية فيما بعد‪ ،‬وأصبحت روما بذلك تستورد من الواليات‬
‫التابعة لها المنتجات الزراعية وتصدر إليها المصنوعات المعدنية‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬إنحالل النظام العبودي‬

‫هناك أسباب عديدة تقف وراء انحالل النظام العبودي من أهمها‪:1‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التناقض بين قوى اإلنتاج وعالقات اإلنتاج‬

‫يكمن الطابع المتميز ألسلوب اإلنتاج العبودي في الملكية المطلقة للسادة‪ ،‬أي تحويل‬
‫المنتج ووسائل اإلنتاج إلى ملكية فردية خاصة‪ ،‬وربط المنتجين بوسائل اإلنتاج‪ ،‬واستخدام العنف‬
‫واإلكراه للقيام بالعملية اإلنتاجية‪ ،‬وبذلك تميزت عناصر اإلنتاج بثالث صفات رئيسية‪:‬‬

‫‪ -‬الحجم الكبير من المنتجين العبيد‪.‬‬

‫‪ -‬اإلكراه واستخدام العنف للقيام باإلنتاج‪.‬‬

‫‪ -‬ضعف إنتاجية وسائل أدوات العمل بسبب تحطيمها المقصود من قبل العبيد‪.‬‬

‫وبدأ التناقض بين المصالح االقتصادية للعبيد والمصالح االقتصادية لمالكي العبيد‪ ،‬وكان‬
‫العبد الذي يعد عمله أساس حياة المجتمع العبودي واستم ارره محروما من أية حوافز مادية أو‬
‫معنوية لذلك لم يكن مهتما بنتائج عمله أو زيادة اإلنتاجية‪.‬‬

‫ورغم التطور البطيء جدا لقوى اإلنتاج‪ ،‬فقد حققت قوى اإلنتاج خالل ‪ 4‬آالف عام من‬
‫عمر المجتمع العب ودي تطو ار هاما‪ ،‬وتشهد على ذلك اآلثار الباقية في مصر وبابل والصين وأثينا‬
‫وروما وغيرها‪.‬‬

‫‪ -1‬بن طاهر حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬ص‪.39 -36.‬‬

‫‪24‬‬
‫الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق)‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫كانت أدوات العمل الجديدة تتطلب خبرات ومهارات أكثر تطورا‪ ،‬ولم يكن لدى العبيد أي‬
‫حافز لذلك وهكذا فقد أصبح هذا الشكل من أشكال اإلستغالل عائقا في وجه تطور اإلنتاج وغير‬
‫نافع اقتصاديا في الوقت الذي كانت فيه حاجات الطبقة غير المنتجة تتزايد بسرعة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التناقض بين االستثمارات الصغيرة واإلنتاج العبودي الكبير‬

‫كانت اإلستثمارات الكبيرة تباع بأسعار منخفضة بسبب انخفاض التكاليف (انخفاض‬
‫تكاليف معيشة العبيد بسبب اإلستغالل)‪ ،‬ولم تتمكن االستثمارات الصغيرة من الصمود في‬
‫المنافسة المفروضة عليها من قبل المشاريع العبودية الكبيرة فأخذت تفلس ويحل بها الخراب بأعداد‬
‫كبيرة‪ ،‬وأسهم في ذلك تزايد الضرائب وارتفاع معدالت فوائد المرابين‪ ،‬وأدى ذلك إلى نشوء جماهير‬
‫ضخمة من الفقراء والمحرومين من ملكية وسائل اإلنتاج‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التناقض بين الريف والمدينة‬

‫لقد أصبحت المدن مراكز لإلنتاج الحرفي والتجارة والمراباة وتجمعا ثقافيا‪ ،‬أما الريف فقد‬
‫حافظ على الكثير من سمات النظام المشاعي البدائي‪ ،‬من هنا بدأت عالقة اإلستغالل بين الريف‬
‫والمدينة‪ ،‬من خالل شراء منتجات الفالحين في الريف بأسعار منخفضة وبيعها في المدن بأسعار‬
‫مرتفعة هذا التبادل يسمى " التبادل الالمتكافئ "‪ ،‬وكذلك من خالل الضرائب وشتى أنواع الرسوم‬
‫المفروضة على الفالحين مما أدى إلى إفقار الريف وعدم إمكان تجديد القوى فيه وتدهور الزراعة‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬ظهور عالقات جديدة‬

‫تزعزعت أركان األنظمة العبودية بفعل تناقضاتها الداخلية ولم تعد الحروب تقدم المزيد من‬
‫العبيد‪ ،‬وأخذ عددهم يتناقص‪ ،‬وأخذت االستثمارات الكبيرة والصغيرة تنهار‪ ،‬وارتفع سعر العبيد‬
‫وارتفعت تكاليف عملهم‪ ،‬وبدأ الميل إلى توزيع األمالك الكبيرة لإلستثمار على العبيد والفالحين‬
‫األحرار الذين خسروا أراضيهم وأصبح العبيد والفالحين تابعين شخصيا لمالك األرض‪ ،‬وعليهم‬
‫العمل في أرضه مقابل جزء من المحصول واعطاء الجزء األعظم من المحصول إلى المالك‪،‬‬
‫وأصبح وضع العبيد يتقارب تدريجيا مع وضع الفالحين األحرار ويتحسن وضعهم ويمتلكون حرية‬
‫شخصية أكبر‪ ،‬ولقد شهدت مثل هذا التحول اإلمبراطورية الرومانية والصينية‪ ،‬ولقد لعب نظام‬

‫‪25‬‬
‫الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق)‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫طبقة العبيد وتمرداتهم وثوراتهم دو ار في تحقيق هذا التحول‪ ،‬لكن وقوع الفالحين األحرار‬
‫المستأجرين لألرض من مالك العبيد تحت المديونية الدائمة وأعمال العنف واإلكراه التي استخدمها‬
‫المالكون والدولة جعلت هؤالء الناس األحرار مرتبطين باألرض وفاقدين حريتهم عمليا حتى‬
‫أصبحت األرض تباع مع الفالحين العاملين عليها‪ ،‬وكان مالكو األرض يحولون تدريجيا بعض‬
‫العبيد المتميزين إلى فالحين مستأجرين لألرض وذلك من أجل حفز العبيد اآلخرين على العمل‪.‬‬

‫إن هذه العالقات الجديدة خلقت حوافز جديدة لبذل جهود إضافية من أجل زيادة اإلنتاج‬
‫ألن قسما من هذه الزيادة ستكون من نصيب المنتجين أنفسهم‪ ،‬وكان مالكو األرض يقدمون لوازم‬
‫الزراعة للفالحين والعبيد المستأجرين باإلضافة إلى قطعة األرض وذلك مقابل أجرة معينة إما نقدا‬
‫أو عينا (جزء من المحصول) باإلضافة إلى ذلك كان على الفالحين والعبيد دفع ضرائب عالية‬
‫للدولة‪ .‬إن هذه األشكال الجديدة من العالقات كانت مقدمة لظهور المجتمع اإلقطاعي‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬الصراع الطبقي وانهيار النظام العبودي‬

‫أدى تفاقم التناقضات االقتصادية إلى تفاقم التناقضات االجتماعية وباألخص بين العبيد‬
‫ومالكي العبيد‪ ،‬كان العبيد يهربون من العمل ويحطمون أدوات العمل‪ ،‬وكان من أهم أشكال نضال‬
‫العبيد ضد السادة االنتفاضات المسلحة التي كان أكبرها انتفاضتان كبيرتان في جزيرة صقلية‬
‫(‪ 132 -138‬ق م) و(‪ 101 -104‬ق م)‪ ،‬وانتفاضة عبيد الصين في هينان وسيشوان وشاندون‬
‫(‪ 13 -22‬ق م) وغيرها‪.1‬‬

‫لقد برهن العبيد من خالل هذه االنتفاضات على أنهم ليسوا قطعان ماشية وال أدوات إنتاج‬
‫بسيطة كما كان يعاملهم األسياد‪ ،‬ورغم أن اإلنتفاضات كانت تنتهي بالفشل والهزيمة‪ ،‬وهذا ألن‬
‫القائمين بها كان ينقصهم التنظيم واالنضباط الضروريان‪ ،‬فقد كانوا يشتتون قواهم وال يفلحون في‬
‫الصمود أمام القوات الجيدة التسليح للطبقة الحاكمة‪ ،‬وبالرغم من ذلك إال أنها كانت بمثابة ضربات‬
‫تسدد إلى األشكال البالية لعالقات اإلنتاج‪.‬‬

‫المطلب السادس‪ :‬الفتوحات اإلسالمية و نهاية العهد الروماني‬

‫‪ -1‬عارف دليلة‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬منشورات جامعة حلب‪ ،‬سوريا‪ ،1979 ،‬ص‪.121.‬‬

‫‪26‬‬
‫الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق)‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫كان الفتح اإل سالمي الذي التف حول شواطئ البحر األبيض المتوسط فاصال لنظام الرق‪،‬‬
‫وهكذا فان سقوط روما كإمبراطورية سجل في الوقت نفسه انهيار النظام العبودي بشكل كلي‪.‬‬
‫وبنهاية العهد الروماني كان من المفروض أن تنتهي تلك الطبقات‪ ،‬إال أنه حدث العكس‪ ،‬حيث أن‬
‫تكون العالقات‬
‫النظام الطبقي قد مد جذوره أكثر في الفترة التي تلت العهد الروماني‪ ،‬فترة ّ‬
‫اإلقطاعية أي بداية تطور النظام اإلقطاعي في أوربا‪.1‬‬

‫‪ -1‬بوقرة رابح‪ ،‬خبابة عبد هللا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.40.‬‬

‫‪27‬‬
‫الوقائع االقتصادية في العالم اإلسالمي‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫تمهيد‬

‫ينظر المؤرخون إلى فترة العصور الوسطى الطويلة التي مرت بها أوربا كفترة ظالم فكري‬
‫وتأخر اقتصادي‪ ،‬وكان من أبرز اإلشعاعات الحضارية التي بزغت منذ القرن السابع الميالدي‪،‬‬
‫إشعاع الحضارة اإلسالمية التي قامت على قوة العقيدة وانتشرت مع الفتوحات اإلسالمية حتى‬
‫وصلت إلى أجزاء عديدة من أوربا‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الحياة االقتصادية واالجتماعية قبل اإلسالم‬

‫كان العرب قبل اإلسالم يعيشون في مرحلة إنحالل العالقات المشاعية البدائية وظهور‬
‫العبودية وكانت أرستقراطية العشيرة تستغل العبيد في رعي الماشية والزراعة وأعمال الري‪ ،‬ولقد‬
‫أدى استخدام العبيد في الرعي إلى االستغناء عن رعاة الماشية األحرار في العمل اإلجتماعي‪.‬‬

‫وفي القرن السادس أي قبل ظهور اإلسالم‪ ،‬جرت عملية انحالل عالقات المشاعية البدائية‬
‫بفضل تطور التجارة والربا‪ ،‬ورافقتهما تناقضات عديدة بين البدو والحضر‪ ،‬بين مالك العبيد‬
‫والعبيد‪ .‬وكانت قبيلة قريش تتاجر ببضائع الهند والشام فتنقلها إلى أوربا‪ ،‬وكانت تسيطر على‬
‫طرق المواصالت التي تربط األطراف البعيدة مثل الطريق الرابط بين الهند والشام‪.‬‬

‫وقد تحول اإلقتصاد البدوي الذي كان يهيمن على شبه الجزيرة العربية في القرن السادس‬
‫ميالدي من اقتصاد بدوي إلى تجاري في مكة والى زراعي في المدينة‪ .‬ولقد أدى هذا التحول‬
‫مباشرة إلى سيادة رأس المال وزيادة استغالل الفقراء وضعف روح الجماعية للقبيلة لكنه أدى في‬
‫الوقت نفسه إلى امتداد النفوذ العربي خارج األطراف البعيدة من الجزيرة العربية والى رسوخ فكرة‬
‫العروبة التي سوف يدعمها نزول القرآن الكريم بالعربية ويعززها‪ ،‬لقد أصبحت قبيلة قريش تمثل‬
‫وحدة سياسية عربية في زمن تعاني فيه القبائل العربية األخرى‪ ،‬كانت تعترف بالتقاليد والعادات‬
‫واألعراف القبلية وتتخذ موقف الحذر والحياد حيال القوتين المتنافرتين‪ ،‬لكنها تمثل أيضا تقدما في‬
‫التنظيم السياسي واالجتماعي‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الحياة االقتصادية واالجتماعية في صدر اإلسالم‬

‫‪29‬‬
‫الوقائع االقتصادية في العالم اإلسالمي‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫يبقى مركز قبيلة قريش التجاري وأسلوبها الطبقي القبلي هما المسيطران على الحياة‬
‫االقتصادية واالجتماعية في قلب الجزيرة العربية إلى أن جاء اإلسالم من حيث هو ثورة اجتماعية‬
‫شاملة أحل مفهوم األمة محل مفهوم القبيلة‪ ،‬ومفاهيم اإليمان محل مفاهيم الشرك واإللحاد‪،‬‬
‫ومفاهيم الشريعة اإلسالمية والعدالة االجتماعية محل مفاهيم االستغالل والتسلط المادي‪ ،‬ومفاهيم‬
‫االنقسام والتمييز بمفاهيم المساواة بين المسلمين الذين ال تفريق بينهم إال بالتقوى‪.‬‬

‫لقد أرسى اإلسالم الشورى أسس دولة حديثة بدأت مقدماتها في المدينة ثم انتشرت في باقي‬
‫الجزيرة العربية وبالد الشام والعراق‪ ،‬وأصبح ينظم اإليرادات العامة التي تتطلبها الدولة الحديثة‪،‬‬
‫فكان الخراج والجزية والزكاة‪ ،‬وهكذا ولدت إمبراطورية أصبحت بسرعة مرك از عالميا نابضا بالتقدم‬
‫االقتصادي والحضاري‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التنظيم االجتماعي‬

‫ظل التفاوت في الثروة واالنقسام االجتماعي‪ ،‬فمكة التي كانت مدينة تجارية كانت تضم فئة‬
‫التجار الذين كان منهم التاجر الكبير والتاجر الصغير وما يقع بينهما‪ ،‬كما وجدت فئة العبيد‬
‫وكانت تفرض عليهم أجو ار يومية‪ .‬وهذا ينطبق على مختلف المناطق‪ ،‬مع خصوصية المناطق‬
‫الزراعية مثل الطائف ويثرب لوجود المزارعين بعدد كبير‪ ،‬غالبيتهم يعيشون عيشة كفاية‪ ،‬إال أن ما‬
‫يمكن قوله أن حدة التفاوت في مكة كان كبي ار مقارنة بالمناطق األخرى‪ ،‬إذ أن التجارة من شأنها‬
‫أن تخلق متفاوتا حادا في الثروات‪ .‬إال أن األوضاع لم تصل إلى حد الفصل الطبقي لتبلور‬
‫الطبقات االجتماعية‪.1‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تطور الزراعة‬

‫استمر التقدم في العهد العباسي وتوسعت السوق في الدولة اإلسالمية بنمو المراكز‬
‫اإلنتاجية الزراعية والصناعية نموا كبي ار فقد تطورت الزراعة وخاصة بعد إدخال اإلستصالحات‬
‫واألسمدة وتحسين تقنية الري‪ ،‬وكانت تتسع بإدخال زراعة القطن في الحقول السورية والرز في‬
‫الحقول العراقية كما انتشرت ز ارعة قصب السكر والتمور والتوت واستوردت أنواع من الفواكه‬

‫‪ -1‬عبد علي كاظم المعموري‪ ،‬تاريخ األفكار االقتصادية‪ ،‬دار ومكتبة الحامد للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،2012 ،‬ص‪.158 .‬‬

‫‪30‬‬
‫الوقائع االقتصادية في العالم اإلسالمي‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫والخضار لم تكن معروفة في عدد من أقطار الدولة اإلسالمية كما توسعت تربية الخيول‬
‫والحيوانات األخرى لتلبي حاجات تلك السوق الواسعة‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تطور الصناعة‬

‫لقد عرفت الصناعة تطو ار هي األخرى‪ ،‬وذلك بتحسين وسائل غزل ونسيج القطن والحرير‬
‫وصناعة الزجاج والزيوت والعطور والصابون والمراهم والجلود والسجاد والموازين واألواني‬
‫والسيوف‪ ،‬وكذلك بإدخال الطاحون المدارة بالماء لطحن الدقيق أو عصر قصب السكر‪.‬‬

‫كما أقيمت المصانع الحكومية وغير الحكومية مستخدمة العمال والطاقة المائية أو الحيوانية‬
‫وكانت حرية العمل وامكانية اإلثراء موجودة كما أن اليد العاملة رخيصة ومتوفرة وكانت أقطار‬
‫الدولة اإلسالمية تصدر إلى العالم مواد أولية لصناعتها‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬ظهور نظام تداول نقدي عالمي‬

‫إن كثافة هذه الفعاليات االقتصادية تبين أن المواد الزراعية والصناعات التي كانت مكرسة‬
‫للتبادل والتجارة كانت تزداد انتشا ار وتنوعا كلما ازدهر التبادل والتجارة مع العالم الخارجي وبفضل‬
‫هذا التطور أصبح الدينار العربي عملة مرغوبة ومطلوبة‪ .‬وألول مرة في التاريخ يقوم ما يمكن‬
‫تسميته بنظام تداول نقدي عالمي‪.‬‬

‫وقامت مراكز تجارية ومؤسسات مصرفية ذات فروع في عدد من األقاليم داخل الدولة‬
‫اإلسالمية وخارجها‪ ،‬وأوجدت الحياة االقتصادية المزدهرة تقنية الضمانات والمدفوعات بطريقة‬
‫السفتجة‪.‬‬

‫هذه األمثلة التي ذكرناها من تاريخ الوقائع االقتصادية تكفي للبرهنة على قيام ما يمكن‬
‫تسميته ببداية عملية نمو اقتصادي قائمة على تكاثف الفعاليات االقتصادية المتمحورة حول‬
‫االزدهار التجاري الذي يحركه عامل الربح كان يجري إلى دورته المالية التي تزداد اتساعا إنتاجيا‬
‫زراعيا صناعيا متناميا‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫الوقائع االقتصادية في العالم اإلسالمي‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫إنها بداية عملية نمو اقتصادي تندفع في طريق رأسمالي‪ ،‬حيث أن طبقة غنية ذات صفات‬
‫تجارية كانت تنمو في إطار الدولة اإلسالمية وتحتل مكانا كبي ار في بنيان المجتمع وتصبح في‬
‫غضون القرنين التاسع والعاشر عامال اقتصاديا واجتماعيا هاما‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬نتائج الفتوحات اإلسالمية في العصرين األموي والعباسي‬

‫المطلب األول‪ :‬العصر األموي‬

‫كانت األقطار التي اتجه إليها الفتح اإلسالمي تعيش عصر من العبودية‪ ،‬حيث إقطاعيات‬
‫األسر الحاكمة وحيث العبيد‪ ،‬إلى أن جاء الفتح فاعتبر أراضي األسر الحاكمة وأراضي النبالء‬
‫الكبار ملك لبيت المال‪ ،‬كما أن الفتوحات سهلت تجمع الثروة بين أيدي فئة قليلة أعطيت أراضي‬
‫كثيرة لألغنياء ‪ ،‬وتحول العرب القادمون من الجزيرة العربية من ممارسة النشاط التجاري إلى‬
‫الملكية الزراعية‪ ،‬حيث أدرك أشراف القبائل أهمية األرض وما تعود به من ثروة فسارعوا المتالكها‬
‫بينما أدرك عامة الشعب ذلك بشكل متأخر‪.‬‬

‫وهذا ما نتج عنه هوة مادية كبيرة بين هؤالء األغنياء الجدد وبين عامة الشعب‪ ،‬بحيث أدى‬
‫التوسع في امتالك األراضي واستصالحها إلى ظهور الملكيات الزراعية الكبيرة وخاصة في أواخر‬
‫أيام األمويين بحيث برزوا إقطاعيين كبار مثل مسلمة بن عبد المالك (أمير العراق ‪103 -102‬‬
‫هـ) وخالد القسرى (‪ 120 -105‬هـ ) وهشام بن عبد المالك (‪125 -105‬هـ)‪.‬‬

‫كما أن العرب الفاتحين نظموا سجالت دقيقة باألراضي والسكان ومهنهم كما نظموا‬
‫الضرائب على األفراد واألراضي والمهن‪ .‬كما شهد تاريخ تلك الفترة ثورات متعددة مثل ثورة زيد بن‬
‫علي في الكوفة سنة ‪ 122‬هـ‪ ،‬وزيد بن الوليد بن عبد المالك سنة ‪ 126‬هـ وثورة الخوارج وثورة‬
‫المقنع في إيران ‪ 163 -159‬هـ‪ ...‬الخ‪ ،‬كانت هذه الثورات تنادي جميعها بالمساواة والعدل وعدم‬
‫إرهاق الفالحين ومنع الملكيات الكبيرة وعدم جباية الضرائب والعودة لمبدأ الشورى والمساواة‪.‬‬

‫وبصفة عامة يمكن القول أن هذه الفترة تميزت باستثمار أفضل لألراضي التي شملها الفتح‬
‫كما تميزت كذلك بنمو الصناعة الحرفية المحلية في توطيد مؤسسات الدولة وانشاء الدواوين وصك‬
‫العملة واقامة تقنية الري والطرق وتنظيم التجارة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الوقائع االقتصادية في العالم اإلسالمي‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬العصر العباسي‬

‫شهدت الخالفة العباسية مرحلة انقراض المجتمعات القبلية وتطور ملحوظ في النشاط‬
‫التجاري إلى جانب النشاط الزراعي حيث قسمت األراضي أيام العباسيين إلى ثالث أنواع‪:‬‬

‫‪ -1‬أراضي الصوافي‪ :‬وتعود ملكيتها إلى بيت المال‪.‬‬

‫‪ -2‬أراضي الخراج‪ :‬وهي ملكية فردية مقابل دفع الخراج وهو أجرة األرض للدولة‪.‬‬

‫‪ -3‬أراضي الموات‪ :‬وهي ملك لمن يستصلحها‪.‬‬

‫كما أن اإلزدهار شمل النواحي األخرى‪ ،‬حيث نمت في العهد العباسي المدن وازدادت‬
‫كون فئة رأسمالية ناشطة اعتمدت مبدأ‬ ‫الحرف المهنية وانتظمت قوانينها وتراكمت األموال مما ّ‬
‫شركات المساهمة وتدخلت الدولة في األسعار وخصوصا بالنسبة للمواد الغذائية كما زاد نشاط‬
‫الصيارفة وراجت الصكوك‪ ،‬وبصورة عامة فقد شهدت المرحلة العباسية تطو ار كبي ار في مجال‬
‫الصناعة والزراعة والتجارة‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬الحياة االقتصادية واالجتماعية في مرحلة االنهيار‬

‫بداية من القرن العاشر ميالدي بدأ التراجع العربي على كافة األصعدة‪ ،‬ولقد تميز ذلك‬
‫بالضعف السياسي في مركز الخالفة العربية وازدياد قوة الحماة األجانب لهذه الخالفة‪ ،‬مما أدى‬
‫إلى دخول البويهيين بغداد سنة ‪ 1045‬م‪ ،‬فسادت أنواع مختلفة من اإلقطاع مثل إقطاع األسر‬
‫الحاكمة واقطاع الجند والقادة‪ ،‬الذي كان يختلف عما وجد في أوروبا‪ ،‬كان الهدف منه في البداية‬
‫هو تخلص الدولة من نفقات الجيش لكنه تحول بعد ذلك إلى إقطاعيات كثيرة يملكها العسكريون‬
‫ويجنون منها األموال الطائلة‪.‬‬

‫لم يكن هم ذلك اإلقطاع العسكري الزراعة أو اإلنتاج وانما الربح السريع وجمع المال‬
‫فأهملت متطلبات الزراعة من الري‪ ،‬وتدهورت أحوال الفالحين وزادت الضرائب على األرض مما‬
‫جعل أهلها يتركونها للقادة العسكريين‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫الوقائع االقتصادية في العالم اإلسالمي‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫وساعد هذا الضعف قبيلة عقيل على منطقة الموصل وغرب الفرات واستولى بنو أسد على‬
‫منطقة الحلة‪ ،‬واستولت قبيلة خفاجة على جنوب العراق‪ ،‬وكانت هذه القبائل في منازعات مستمرة‬
‫مما نشر الفوضى والخراب وزاد في الغالء والمجاعات كما تراجع النشاط التجاري نتيجة لتعرض‬
‫التجارة للمصادرة وللضرائب الباهضة المفروضة عليها‪ ،‬وتراجع الوضع المعيشي للناس عموما مما‬
‫زاد في نقمة الشعب على الحكم البويهي وشجع على حركات التمرد‪.‬‬

‫وبالرغم من الوضع المتردي‪ ،‬يمكن ذكر بعض الجوانب اإليجابية نذكر منها نشوء‬
‫التنظيمات الشعبية مثل العيارين والشطار والفتوة وبعض المجموعات الصوفية‪ ،‬وانتشار ظاهرة‬
‫التعليم الذي كان مفتوحا لفئات الشعب م ما كان له األثر االيجابي في بقاء شعلة العلم والمعرفة‪،‬‬
‫وعندما جاء السالجقة سنة ‪ 1092‬م تابع اإلقطاع العسكري توسعه وانتشاره وتخريبه للبالد‪ ،‬وتحول‬
‫هذا اإلقطاع من إقطاع متخصص في جمع الضرائب إلى إقطاع وراثي لألرض كان يملك‬
‫اإلقطاعي العسكري سلطات واسعة مقابل تجهيز الجند واعدادهم‪.‬‬

‫وفي نهاية عقد السالجقة تشتتت إمبراطوريتهم وبدأت عليهم الحمالت الصليبية التي كانت‬
‫المقدمة األولى لما أصبح نعرفه اليوم بظاهرة االستعمار‪ ،‬ولكن النهاية للخالفة العباسية وللزمن‬
‫العربي جاءت حين اجتياح المغول بغداد سنة ‪ 1335‬م‪ ،‬وغابت الشمس العربية إلى يومنا هذا‪.1‬‬

‫‪ -1‬بن طاهر حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬ص‪.54-48 .‬‬

‫‪34‬‬
‫الوقائع االقتصادية في العالم الغربي‬ ‫الفصل الرابع‪:‬‬

‫تمهيد‬

‫حلت اإلقطاعية محل نظام العبودية‪ ،‬وقد ساد في أوربا في العصور الوسطى التي امتدت‬
‫في الفترة مابين سقوط اإلمبراطورية الرومانية الغربية على يد القبائل الجرمانية في القرن الخامس‬
‫ميالدي وحتى فتح المسلمين للقسطنطينية في القرن الخامس عشر‪.1‬‬

‫المبحث األول‪ :‬النظام اإلقطاعي‬

‫كان النظام اإلقطاعي بمثابة النظام االقتصادي واالجتماعي والسياسي الذي ساد في‬
‫أوروبا آنذاك‪ ،‬حيث نشأ هذا النظام على أنقاض النظام العبودي وذلك بعدما قامت القبائل‬
‫الجرمانية (أقل تحض ار من الرومان) باحتالل روما‪ ،‬فقد كانت اإلمبراطورية الرومانية في جزأيها‬
‫الشرقي والغربي تقوم على سيادة أهل روما وعلى نظام الرق والتجارة بين مختلف أجزائها‪ ،‬وكان‬
‫نظام ا لحكم يقوم على وجود سلطة مركزية قوية مركزها روما‪ ،‬وبالتالي السيطرة على اإلمبراطورية‬
‫الرومانية الغربية ‪ 476‬م‪ ،‬كما قامت الدولة اإلسالمية في القرن الثامن الميالدي بشن الحروب‬
‫على اإلمبراطورية الرومانية الشرقية واإلمبراطورية الفارسية‪ ،‬كل ذلك أدى إلى انهيار العالم القديم‬
‫وضياع معالمه في أوروبا وذلك بعد سقوط روما وانهيار جهاز الحكم المركزي فيها وانقطاع‬
‫التجارة بين الشرق والغرب بسبب تعاظم نفوذ الدولة اإلسالمية‪.‬‬

‫في ظل هذه الظروف بدأ النظام اإلقطاعي بالتشكل ألن ملوك الجرمان الذين سيطروا على‬
‫روما لم يكونوا قادرين على إ قامة سلطة مركزية‪ ،‬لذا عمدوا إلى تنصيب قادة جيوشهم حكاما‬
‫لألقاليم‪ ،‬ومع مرور الوقت بدأ هؤالء القادة باتخاذ بعض مظاهر االستقالل عن السلطة المركزية‪،‬‬
‫فأصبحت وظائفهم وألقابهم وراثية وصاروا يجمعون الضرائب لحسابهم الخاص‪ ،‬كما قاموا بإنشاء‬
‫المحاكم اإلقطاعية التي تحك م بأسمائهم وكان لكل إقطاعية جيشها الخاص‪ ،‬حتى أن أغلب‬
‫اإلقطاعيين بدؤوا بصك (بإصدار) النقود بأسمائهم‪ ،‬وبذلك بدأت اإلقطاعية وكأنها وحدة اقتصادية‬
‫واجتماعية وسياسية‪ ،‬وبالتالي تشكل ما يسمى بالهرم اإلقطاعي الذي يأتي في قمته اإلمبراطور‬
‫الذي فقد نفوذه السياسي واالقتصادي مع مرور الوقت لصالح قاعدة الهرم التي تتألف من قادة‬
‫اإلقطاعيين – النبالء – األشراف – األسياد – اللوردات‪.‬‬

‫‪ -1‬سعيد سعد مرطان‪ ،‬مدخل للفكر االقتصادي في اإلسالم‪ ،‬مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬لبنان‪ ،2002 ،‬ص‪.21.‬‬

‫‪36‬‬
‫الوقائع االقتصادية في العالم الغربي‬ ‫الفصل الرابع‪:‬‬

‫تعريف اإلقطاعية (الضيعة)‪ :‬هي وحدة اقتصادية اجتماعية تقوم على اإلنتاج الطبيعي‪،‬‬
‫وتهدف على األقل في المراحل األولى إلى اإلكتفاء الذاتي‪ ،‬وهي ُم َشكلة في بعض األحيان من‬
‫قرية أو أكثر يتوسطها قصر السيد (اإلقطاعي) الذي يمتلك األرض‪ ،‬ويقيم في أكواخ القرية من‬
‫يقومون بالنشاط اإلنتاجي (عبيد األرض)‪ ،‬والفالحون األحرار (هم أقلية محدودة تملك مساحات‬
‫صغيرة من األراضي)‪ ،‬وعادة ما كانت اإلقطاعية تضم بعض الحرفيين كالحداد والنجار وصانع‬
‫األواني وغير ذلك‪.‬‬

‫استولى قادة اإلقطاعيات على أغلب األراضي الزراعية بطرق مختلفة‪ ،‬كإرهاق الفالحين‬
‫بالضرائب الشيء الذي يدفعهم إلى تسليمها بعد الغرق في الديون‪ ،‬أو تسليمها طوعا مقابل‬
‫الحصول على الحماية‪ ،‬وأصبحت بالتالي أغلب األراضي ملكا لإلقطاعيين وتحول المزارعين‬
‫وأسرهم إلى أقنان لألرض (عبيد األرض)‪ ،‬يعملون لدى اإلقطاعيين وتحت سيطرتهم (تابعين لهم)‪،‬‬
‫وكانت األراضي موزعة بالشكل التالي‪:‬‬

‫‪ -1‬جزء من األرض يحتفظ به السيد لنفسه والجزء الثاني يوزع بين المزارعين بالتساوي‪ ،‬حيث‬
‫يقومون بزراعة حصتهم من األرض لحسابهم الخاص مع التزامهم بدفع جزء من المحصول في‬
‫شكل ريوع نقدية أو عينية لسيد اإلقطاعية وللكنيسة (إندمجت الكنيسة في النظام اإلقطاعي‬
‫وأصبحت جزءا منه تدافع عنه وتحبذه وارتبطت بذلك مصالحها بمصالح النظام اإلقطاعي)‪.‬‬

‫السخرة في ذلك الجزء من األرض المخصص لإلقطاعي‪،‬‬


‫‪ -2‬يلتزم المزارعون بالعمل وفق نظام َ‬
‫السخرة معناه العمل بدون‬
‫حيث يخصصون أيام معينة من األسبوع للعمل على أرضه (نظام َ‬
‫مقابل)‪.‬‬

‫‪ -3‬كان يحق لرقيق األرض (المزارعين) توريث حق زراعة األرض (حصتهم من األرض) إلى‬
‫أبنائهم بعد موتهم‪ ،‬كما كانوا مجبرين على العمل وطاعة من يرث سيد اإلقطاعية في حالة موته‪،‬‬
‫ويلتزم سيد اإلقطاعية بحماية رقيق األرض والقضاء بينهم (العدالة) مع ضمان بعض الحاجات‬
‫الضرورية األخرى‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫الوقائع االقتصادية في العالم الغربي‬ ‫الفصل الرابع‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أشكال الريع اإلقطاعي‬

‫السخرة‪ :‬وهو الشكل األول للريع‪ ،‬وفي ظل هذا الشكل ينتج الفالح المنتوج الضروري‬ ‫‪ -1‬ريع َ‬
‫لضمان وجوده وعائلته خالل عدد من أيام األسبوع باستعمال أدواته الخاصة‪ ،‬بينما ينتج المنتوج‬
‫الفائض الذي ينتزعه اإلقطاعي بدون مقابل‪.‬‬

‫‪ -2‬الريع العيني‪ :‬في هذا الشكل ال ينفصل العمل من أجل الذات ال في المكان وال في الزمان‪،‬‬
‫فالفالحون التابعون ينتجون المنتوج الضروري واإلضافي في استثماراتهم‪ ،‬ثم يذهب المنتوج‬
‫اإلضافي إلى اإلقطاعي في صورة نسبة من المنتجات‪.‬‬

‫إن تحول اإلقطاعيين إلى هذا الشكل من أشكال الريع بدافع اإلستفادة من الحافز المادي‬
‫لدى الفالحين بتحسين نتاج عملهم في استثماراتهم الخاصة‪ ،‬حيث أدرك اإلقطاعي أنه من‬
‫األفضل إنتاج المنتوج الفائض في مستثمرة الفالح ألن إنتاجية وشدة عمله هناك ستكون أعلى‬
‫وبذلك يوفر اإلقطاعي نفقات الناظرين على العمل واإلكراه الشخصي المكشوف‪.‬‬

‫‪ -3‬الريع النقدي‪ :‬هو الشكل المتحول للريع العيني‪ ،‬ويتميز عنه بأن الفالحين ال يقدمون‬
‫لإلقطاعيين المنتوج الفائض‪ ،‬وانما ثمن هذا المنتوج‪ ،‬فالفالح أصبح مضط ار ليبيع هذا المنتوج أي‬
‫تحويله إلى نقود‪.‬‬

‫وقد ترتبت بعض النتائج للتحول من الريع العيني إلى النقدي نذكر منها ما يلي‪:‬‬

‫أ‪ -‬في ظل الريع النقدي تتدعم وتتوسع ملكية الفالحين ألدوات اإلنتاج‪.‬‬

‫ب‪ -‬أصبح الفالح بإمكانه شراء التزاماته وتحرير نفسه من اإلقطاعي والتحول كليا إلى فالح حر‬
‫مالك لألرض‪.‬‬

‫ج‪ -‬ظهور سعر األرض‪ ،‬أي تحول األرض إلى بضاعة‪ ،‬ولم تعد إمكانية شراء األرض مقتصرة‬
‫على الفالحين فقط‪ ،‬بل أصبح بإمكان سكان المدينة شراء قطع أرضية بهدف تأجيرها للفالحين‪.‬‬

‫‪ -1‬عارف دليلة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .‬ص‪.137 -136 .‬‬

‫‪38‬‬
‫الوقائع االقتصادية في العالم الغربي‬ ‫الفصل الرابع‪:‬‬

‫كان اقتصاد اإلقطاعية يميل إلى تحقيق اإلكتفاء الذاتي (إقتصاد مغلق) فناد ار ما تتم‬
‫المبادلة بين اإلقطاعيات‪ ،‬وبذلك فقد أهملت التجارة ولم تعد تشكل أهمية كبيرة لدى اإلقطاعيين‪،‬‬
‫وبالمقابل كانت الزراعة تمثل أهم نشاط اقتصادي في أوربا في ذلك الوقت‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬دور الكنيسة في العصور الوسطى‬

‫كان للكنيسة دو ار قياديا ومحوريا في العصور الوسطى‪ ،‬فلقد امتلكت الكنيسة أراضي‬
‫شاسعة اشتغل في زراعتها عدد كبير من العبيد‪ ،‬وفي الحقيقة يمكن اعتبار الكنيسة أكبر إقطاعي‬
‫في العصور الوسطى قاطبة‪ ،‬كما سيطرت الكنيسة سيطرة تامة على الحياة الفكرية والروحية‬
‫للمجتمع‪ ،‬فقد احتكرت التعل يم احتكا ار مطلقا في مجتمع سادت فيه األمية سيادة شبه كاملة‪ ،‬لذا‬
‫انحصرت الحياة الفكرية في رجال الدين الذين فسروا جميع جوانب الحياة انطالقا من المنظور‬
‫الديني األخالقي‪.1‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬النظام الحرفي‬

‫تعتبر المنظمات الحرفية الصورة األولى للنقابات العمالية التي نراها اليوم‪ ،‬ففي مجال‬
‫الصناعات الحرفية ظهرت تنظيمات نقابية ابتداءا من القرن ‪ 12‬م‪ ،‬تقوم باإلشراف على النشاط‬
‫الحرفي في المدينة (يمارس النشاط الحرفي خارج سيطرة اإلقطاعية) تسمى بالنقابات الطائفية‪،‬‬
‫فكان لكل حرفة نقابتها الخاصة بها مهمتها تنظيم النشاط الحرفي‪ ،‬حيث تقوم هذه النقابات بما‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬تحديد األسعار والمحافظة عليها‪ ،‬تحديد عدد العمال في كل حرفة‪ ،‬مع وضع شروط للعضوية‬
‫في النقابة‪.‬‬

‫‪ -2‬اإلشراف على اإلنتاج وضمان جودته‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬عالقات اإلنتاج في النظام اإلقطاعي والحرفي‬

‫‪ -1‬محمد عمر أبو عيده‪ ،‬عبد الحميد محمد شعبان‪ ،‬تاريخ الفكر االقتصادي‪ ،‬الشركة العربية المتحدة للتسويق والتوريدات‪ ،‬مصر‪،2008 ،‬‬
‫ص‪.35.‬‬

‫‪39‬‬
‫الوقائع االقتصادية في العالم الغربي‬ ‫الفصل الرابع‪:‬‬

‫يجتهد اإلقطاعيون للحصول على أكبر قدر ممكن من المنتوج الفائض في شكل ريع‬
‫عقاري إقطاعي وذلك عن طريق اإلستثمار اإلكراهي في الفالحين‪.‬‬

‫ومن هنا فالعالقة مع مالك األرض السيد كانت قائمة على أساس التبعية‪ ،‬وبهذا كان‬
‫المجتمع ينقسم إلى طبقتين رئيسيتين وهما طبقة اإلقطاعيين والفالحين‪ ،‬والى جانب هذا كانت‬
‫هناك فئات أخرى مثل صغار المنتجين من الفالحين وحرفيين وتجار ومرابون‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة هنا أن هذه المرحلة عرفت ضعف وانحصار التجار بين أوروبا والشرق وهذا‬
‫راجع لعدم وجود األمن واإلستقرار في الطرق التجارية التقليدية المؤدية إلى الشرق وذلك بعد تعاظم‬
‫نفوذ الدولة اإلسالمية‪ ،‬لذلك فإن أوروبا في عهد اإلقطاع تميزت باإلكتفاء الذاتي واقتصرت‬
‫تجارتها مع العالم الخارجي على بعض المنتجات فقط‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬إنحالل النظام اإلقطاعي والحرفي وزواله‬

‫قامت النقابات بدور هام في تقدم الصناعات وتقوية مراكز أعضائها إال أن الصناعة كانت‬
‫يدوية ب ينما اإلنتاج ظل محدودا‪ ،‬إذ كانت دائما تعمل على تحديد اإلنتاج خشية أن تنهار األسعار‬
‫فتسوء حالة األعضاء‪ ،‬وابتداءا من منتصف القرن التاسع عشر إضمحلت النقابات الطائفية نتيجة‬
‫إلى عدة عوامل أهمها‪:‬‬

‫‪ -1‬عدم التقدم الصناعي‪ :‬حيث عملت النقابات اإلبقاء على مستوى الصناعة التقليدي إذ وضعت‬
‫العقبات أمام العمال الفنيين مما أعدم روح اإلبتكار واالختراع دون أي تقدم صناعي‪.‬‬

‫‪ -2‬التساوي في السوق‪ :‬كانت النقابات توزع حاجة السوق بين أعضائها من السلع بالتساوي‪ ،‬إذ‬
‫كان ال يفرق بين المنتج الجيد والمنتج الرديء‪ ،‬مما أدى ببعض العمال إلى الخروج عن ذلك‬
‫النظام نظ ار للطموح في اإلبتكار والتجديد‪.‬‬

‫‪ -3‬التقيد في أدوات اإلنتاج وعدد العمال‪ :‬حيث حددت النقابة مقدار اآلالت وعدد العمال الذين‬
‫يمكن ألي صاحب حرفة استخدامها‪ ،‬مما لم يسمح للتوسع الصناعي‪.1‬‬

‫‪ -1‬بوقرة رابح‪ ،‬خبابة عبد هللا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.61.‬‬

‫‪40‬‬
‫الوقائع االقتصادية في العالم الغربي‬ ‫الفصل الرابع‪:‬‬

‫‪ -4‬الشروط القاسية التي وضعت أمام العمال‪ :‬إن تزايد عدد السكان ورغبتهم في التوسع في‬
‫اإلنتاج اصطدمت بقيود النقابات الطائفية‪ ،‬فأصبحت تلك النقابات عامال من عوامل الجمود‬
‫والتأخر ألنها كانت تقاوم كل جديد في طرق الصناعة وتضييق سبيل العمل أمام الصناع‪ ،‬رغبة‬
‫منها في تحديد اإلنتاج وصار العامل الذي تحرم عليه النقابة اإلشتغال بمهنة معينة ملزما إما‬
‫بالخضوع للنقابة أو الخروج عن دائرة نفوذها في المدينة‪ ،‬وممارسة عمله في الريف‪ ،‬لذا كثر‬
‫التذمر والشكوى من النقابات سواء كان ذلك من جمهور المستهلكين أو المنتجين‪ ،‬وصار إلغاؤها‬
‫في طليعة اإلصالحات المطلوبة‪.1‬‬

‫لقد حافظت المظاهر المميزة لنمط اإلنتاج اإلقطاعي على أهميتها في فترة انحالل‬
‫اإلقطاع‪ ،‬لكن نشوء العالقات الرأسمالية جعلها عرضة لتغيرات هامة‪ ،‬وقد بدأت تلك الفترة في‬
‫القرن السادس عشر‪ ،‬وان تكون العناصر األولى لنمط اإلنتاج الرأسمالي قد ظهرت في المدن‬
‫اإليطالية ابتداء من القرنين الرابع عشر والخامس عشر‪.‬‬

‫في نهاية فترة اإلقطاعية‪ ،‬ومع بلوغ القوى اإلنتاجية مستوى رفيعا بدأت تظهر العالقات‬
‫الرأسمالية في داخل االقتصاد اإلقطاعي‪ .‬وكانت تلك العالقات على صلة وثيقة بتشكيل طبقتين‬
‫جديدتين‪ ،‬البرجوازية مالكة وسائل اإلنتاج وأدواته‪ ،‬والعمال األجراء المحرومين من تلك الوسائل‪،‬‬
‫والمضطرين بالتالي إلى بيع قوة عملهم للرأسماليين‪.‬‬

‫كان الرأسمالي يجبر األجير على العمل أكثر مما هو ضروري لتأمين رزق أسرته‪ .‬ونشأ‬
‫عن ذلك فائض قيمة الذي يستحوذ عليه الرأسمالي‪ .‬وكان استحواذ الرأسمالي على فائض القيمة‬
‫يشكل في آن واحد القانون األساسي للرأسمالية والشكل النوعي لإلستغالل في ظل هذا النظام‪.2‬‬

‫‪ -1‬اسماعيل محمود علي‪ ،‬تاريخ الفكر االقتصادي‪ ،‬مكتبة الوفاء القانونية‪ ،‬مصر‪ ،2011 ،‬ص‪.11.‬‬
‫‪ -2‬بن طاهر حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.65.‬‬

‫‪41‬‬
‫النظام االقتصادي الرأسمالي‬ ‫الفصل الخامس‪:‬‬

‫تمهيد‬

‫بعد زوال النظام اإلقطاعي في أوربا ظهر نظام اقتصادي جديد إستقر على تسميته بالنظام‬
‫االقتصادي الرأسمالي‪ ،‬الذي ظهر وازدهر في أوروبا الغربية فغير من وجه المعمورة تغيي ار جذريا‬
‫خالل فترة زمنية وجيزة على خالف األنظمة اإلقتصادية السابقة التي استمرت لفترات طويلة‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف النظام االقتصادي الرأسمالي‬

‫النظام الرأسمالي هو ذلك النظام االقتصادي الذي يقوم على مبادئ الحرية االقتصادية‪،‬‬
‫والتي تشمل حرية التملك‪ ،‬التعاقد‪ ،‬اإلنتاج‪ ،‬التسعير‪ ،‬التبادل‪ ،‬اإلستهالك‪ ،‬وحرية التصرف في‬
‫الدخل والثروة‪ .‬وتتحدد الق اررات فيه وفقا آللية السوق الحرة‪ ،‬بغية تحقيق أكبر عائد مادي ممكن‬
‫ألطراف التعامل‪.1‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أهداف النظام االقتصادي الرأسمالي‬

‫الهدف األساسي للنشاط االقتصادي في النظام الرأسمالي هو تحقيق المصلحة الذاتية للفرد‪،‬‬
‫أي إشباع الحاجات والرغبات الفردية في المجتمع‪ ،‬وهذا ما يعبر عنه بالفردية‪ ،‬واذا ما سعى كل‬
‫فرد في المجتمع عند قيامه بالنشاط االقتصادي إلى تحقيق مصلحته الخاصة‪ ،‬فإن مصلحة‬
‫المجتمع ككل سوف تتحقق فالمصلحة الخاصة تلعب دور المحرك األساسي للنشاط االقتصادي‪،‬‬
‫وبالتالي تسعى كل وحدة اقتصادية إلى تحقيق مصلحتها الذاتية‪ ،‬فمثال المنتج يقوم بإنتاج سلعة‬
‫معينة من أجل تحقيق أقصى ربح‪ ،‬والعامل يسعى حين يؤجر طاقته اإلنتاجية إلى الحصول على‬
‫أكبر أجر ممكن وبأقل جهد مبذول‪ ،‬وكذلك المستهلك فإنه يسعى إلى تحقيق أقصى إشباع ممكن‬
‫من الدخل الذي يملكه‪ ،‬وبالتالي نجد أن كل وحدة اقتصادية تسعى من وراء قيامها بنشاطها‬
‫االقتصادي إلى الحصول على أكبر مردود ممكن من ذلك النشاط‪.‬‬

‫‪ -1‬سعيد سعد مرطان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.29.‬‬

‫‪43‬‬
‫النظام االقتصادي الرأسمالي‬ ‫الفصل الخامس‪:‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬خصائص النظام االقتصادي الرأسمالي‬

‫تميز النظام الرأسمالي بالخصائص التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬الملكية الخاصة للموارد االقتصادية‪ :‬تتمثل في حق الفرد أو مجموعة من أفراد المجتمع‬


‫امتالك األصول المادية وغير المادية والتصرف بها بالطرق التي يسمح بها القانون وتعد هذه‬
‫الخاصية األساس في النظام الرأسمالي ذلك أنها تعطي الحق لمالك هذه الموارد أو من سيوكله‬
‫باتخاذ القرار االقتصادي‪ ،‬وهذا ما أكسب النظام الرأسمالي صفة الالمركزية في اتخاذ الق اررات‪،‬‬
‫ألن كل وحدة قرار اقتصادي سوف تتخذ الق اررات المتعلقة بالموارد التي تملكها بناءا على هدفها‬
‫التي تحدده وباستقاللية تامة عن الوحدات األخرى‪ ،‬وبمعزل عن أي توجيه مركزي سواء من قبل‬
‫الدولة أو أي جهة أخرى‪.‬‬

‫‪ -2‬الحرية اإلقتصادية‪ :‬لقد أطلق على النظام الرأسمالي بالنظام اإلقتصادي الحر‪ ،‬بناءا على هذه‬
‫الخاصية‪ ،‬وتعني الحرية اإلقتصادية أن لكل وحدة قرار اقتصادي من منتجين ومستهلكين الحق‬
‫في توجيه واستخدام مواردها في النشاط الذي تفضله وترغبه‪ ،‬وهذا يعني أن تلك الحرية تكون‬
‫مطلقة وبدون أية قيود في استخدام الموارد االقتصادية فمن دافع المصلحة الذاتية تسعى الوحدة‬
‫اإلقتصادية دائما لتعظيم العائد اإلقتصادي من الموارد التي تملكها‪.‬‬

‫‪ -3‬حافز الربح‪ :‬يعد حافز الربح في النظام الرأسمالي الدافع األساسي لزيادة اإلنتاج وهو المحرك‬
‫الرئيسي ألي قرار يتخذه المنتجون فكل فرد في هذا النظام إنما يتصرف بما تمليه عليه مصلحته‬
‫الشخصية بما يتفق مع تحقيق أهدافه الخاصة‪ ،‬وبما أن الربح هو الفرق بين اإليرادات والتكاليف‬
‫فان المنتجين في النظام الرأسمالي يختارون النشاط االقتصادي المالئم الستغالل الموارد بأفضل‬
‫طريقة ممكنة‪.‬‬

‫‪ -4‬سيادة المنتج‪ :‬بما أن المنتج يسعى إلى تحقيق أقصى ربح فإن رغبات المستهلكين هي التي‬
‫تحدد مجاالت اإلنتاج التي فيها ربح أكبر‪ ،‬وكذلك حين تزداد رغبات المستهلكين في منتج معين‬
‫يزداد طلبهم عليها‪ ،‬وبالتالي يتجه المنتجون إلى إنتاج هذا المنتج ليحققوا أرباح أكبر‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫النظام االقتصادي الرأسمالي‬ ‫الفصل الخامس‪:‬‬

‫‪ -5‬تقسيم الناتج اإلجمالي إلى قسمين حسب طبقات المجتمع فتحصل الطبقة التي تملك وسائل‬
‫اإلنتاج على القسم األكبر من الناتج في شكل أرباح وفوائد بينما تحصل طبقة العمال على جزء‬
‫قليل منه لضمان سد حاجاتها الضرورية في شكل أجور‪.‬‬

‫‪ -6‬إعتماد النظام الرأسمالي على الصناعة بالدرجة األولى بدال من الزراعة‪.‬‬

‫‪ -7‬توسع مجال التقسيم اإلجتماعي للعمل‪ ،‬وأصبح اإلنتاج يهدف إلى التبادل وتحقيق الربح بدال‬
‫من اإلستهالك لذلك سمي باإلقتصاد السلعي‪.‬‬

‫‪ -8‬اإلنتقال الحر لليد العاملة وانفصالها عن وسائل اإلنتاج األخرى‪ ،‬وصار العمل كسلعة تباع‬
‫وتشترى في السوق‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬العوامل التي ساهمت في قيام النظام االقتصادي الرأسمالي‬

‫كانت أهم العوامل التي ساهمت في قيام النظام االقتصادي الرأسمالي وزوال النظام‬
‫اإلقطاعي ما يلي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬القضاء على طبقة األشراف واألسياد وقيام الدولة القومية‬

‫أدى تراجع سلطة الكنيسة ونتيجة للثورة ضد اإلقطاع واإلستغالل أصبحت مقاليد الحكم في‬
‫أوربا في يد عدد قليل من الحكام‪ ،‬فقد استطاع الملوك أن يجمعوا السلطات في أيديهم تدريجيا‬
‫ويقضوا بالتالي على التفكك ممثال في اإلقطاعيات‪ ،‬وبذلك ظهرت الدولة القومية في أوربا في‬
‫أواخر القرن الخامس عشر مثل فرنسا‪ ،‬انكلترا‪ ،‬اسبانيا‪ ،‬هولندا وغيرها‪ ،‬أصبحت وحدات سياسية‬
‫مستقلة ذات سلطة مركزية قوية‪ ،‬وكان لها ملوك حقيقيون‪ ،1‬وقد ساهمت مجموعة من العوامل في‬
‫القضاء على اإلقطاع وظهور الدولة القومية أهمها‪:‬‬

‫‪ -1‬هروب رقيق األرض إلى المدن أين يجدون حرية أكبر في العمل وبالتالي تخليهم عن‬
‫اإللتزامات اإلقطاعية هو ما ساهم في زعزعة النظام اإلقطاعي وذلك باعتبار الفالحين ركيزة‬
‫اإلنتاج الزراعي في اإلقطاعية (الضيعة)‪.‬‬

‫‪ -1‬عبد علي كاظم المعموري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.241.‬‬

‫‪45‬‬
‫النظام االقتصادي الرأسمالي‬ ‫الفصل الخامس‪:‬‬

‫‪ -2‬إنتشار استعمال النقود المعدنية (ذهب وفضة) في التبادل‪ ،‬حيث كان تجار وصناع المدينة‬
‫يتعاملون بالنقود‪ ،‬لذلك أجبر اإلقطاعيون أثناء شراء منتوجاتهم إلى دفع المقابل نقدا وهو ما دفعهم‬
‫إلى التعامل مع أقنان األرض (الفالحين) بالنقود وهو ما أدى إلى تحول اإللتزامات اإلقطاعية إلى‬
‫إلتزامات نقدية بعدما كانت عينية (سلع) وهو ما ساهم في التخفيف من عالقة التبعية التي كانت‬
‫تربط الفالح بالسيد وتحولت عالقة التبعية هذه إلى أن أصبحت في شكل إيجار‪.‬‬

‫‪ -3‬تحالف تجار المدينة مع الملوك من أجل القضاء على اإلقطاع وفي ذلك اإلتفاق مصالح‬
‫للطرفين‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬ازدياد عدد السكان‬

‫شهد سكان أوروبا عامة وخاصة سكان المدن زيادة كبيرة ابتداءا من منتصف القرن ‪16‬‬
‫وذلك لعدة أسباب‪ ،‬وهو ما ساهم بدوره في زيادة الطلب على المنتجات الغذائية الشيء الذي أدى‬
‫إلى ارتفاع أسعارها وهو ما أدى إلى التحول تدريجيا من زراعة اإلكتفاء الذاتي إلى الزراعة‬
‫الرأسمالية‪ ،‬حيث لم يعد المزارع يزرع وينتج لنفسه وألسرته أو لإلقطاعية فقط بل أصبح ينتج‬
‫لغرض البيع في السوق وتحقيق الربح‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬اإلكتشافات الجغرافية والفتوحات األوربية‬

‫خرجت أوربا من عزلتها بعد اكتشافها طريق رأس الرجاء الصالح والوصول إلى الشرق سنة‬
‫‪ 1498‬م ووصولها إلى العالم الجديد سنة ‪ 1492‬م‪ ،‬حيث تمكنت من الحصول على مستعمرات‬
‫واسعة في مختلف أنحاء العالم مثل أمريكا وافريقيا والشرق األقصى‪ ،‬أدت اإلكتشافات الجغرافية‬
‫إلى وجود العالقات التجارية والى وجود الحروب (اإلستعمار) والذي كان أساس هذه الحروب هو‬
‫الحصول على الذهب والفضة بسبب‪:‬‬

‫‪ -1‬ملخص تاريخ الوقائع االقتصادية‪ ،‬منشور على الموقع االلكتروني‪ https//app.box.com/s/u89mx7189g9l5sgbazds. :‬تاريخ‬
‫الزيارة ‪.2015/04/07‬‬

‫‪46‬‬
‫النظام االقتصادي الرأسمالي‬ ‫الفصل الخامس‪:‬‬

‫‪ -1‬عدم قابلية الذهب للتلف‪.‬‬

‫‪ -2‬يمكن خزنهما‪.‬‬

‫‪ -3‬تمثل قيمة كبيرة في حيز صغير‪.‬‬

‫حيث اعتبرت هذه الدول بأن أساس قوة الدولة هو المعدن النفيس‪.1‬‬

‫وكان لهذه الفتوحات واالكتشافات الجغرافية نتائج هامة على الصعيد االقتصادي حيث‬
‫ساهمت في ازدهار النظام الرأسمالي من خالل‪:‬‬

‫‪ -1‬أدت هذه األخيرة إلى اتساع نطاق األسواق والمبادالت‪.‬‬

‫‪ -2‬تدفق كميات كبيرة من المعدن النفيس‪.‬‬

‫‪ -3‬توسع كبير في مختلف فروع اإلنتاج من صناعة وزراعة‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬التطور الفكري واإلصالح الديني‬

‫لم يعد الفكر الديني في أوربا يحتقر وينظر نظرة دنيوية إلى األعمال واألنشطة االقتصادية‬
‫خارج نطاق الزراعة كما كان سائدا في العصور الوسطى‪ ،‬بل أصبح يقر بتفوق الذهاب إلى العمل‬
‫على الذهاب إلى الكنيسة‪ ،‬فأصبح للعمل في الزراعة والصناعة وكل األعمال واألنشطة بما فيها‬
‫الزراعة نفس األفضلية‪ ،‬كذلك ظهرت أفكار جديدة ال تعتبر اإلقراض بفائدة ربا وانما مشاركة في‬
‫الربح وهو ما أعطى دفع قوي للنظام الرأسمالي ولم يعد هناك صعوبات في الحصول على رؤوس‬
‫األموال‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬تطور النظم النقدية‬

‫حيث لم يعد المدخر أو أصحاب الودائع يدفعون للصيارفة فوائد مقابل احتفاظهم بأموالهم‬
‫فقط بل أصبح الصيارفة يدفعون فوائد مقابل الودائع والمدخرات للمدخرين والمودعين وهو ما ساهم‬
‫في زيادة اإلدخار وبالتالي توفر رؤوس األموال الالزمة لالستثمار‪.‬‬

‫‪ -1‬خالد أبو القمصان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .‬ص‪.26 -25 .‬‬

‫‪47‬‬
‫النظام االقتصادي الرأسمالي‬ ‫الفصل الخامس‪:‬‬

‫تجدر اإلشارة هنا أن النظام الرأسمالي في أول عهده كان ذا صبغة تجارية ومن هنا كانت‬
‫تسمى المرحلة األولى لهذا النظام بالرأسمالية التجارية‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬مراحل تطور النظام الرأسمالي‬

‫تطور النظام الرأسمالي من خالل ثالث مراحل هي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مرحلة الرأسمالية التجارية (‪)1750 -1450‬‬

‫تميزت هذه المرحلة بتراكم األموال عن طريق نهب ثروات العالم الجديد‪ ،‬وتطور المدن‪،‬‬
‫وتزايد المعامالت النقدية‪ ،‬وظهور البنوك والتبادل الحر‪.‬‬

‫بدأ عهد الرأسمالية التجارية في أوربا على وجه التقريب من منتصف القرن الخامس عشر‬
‫واستمر خالل القرن السابع عشر وظل تأثيره على الحياة االقتصادية إلى غاية منتصف القرن‬
‫الثامن عشر أين بدأت الرأسمالية الصناعية تأخذ مجراها في المجتمعات األوربية‪ ،1‬حيث سيطرت‬
‫التجارة والمبادالت في هذه المرحلة على النشاطين الزراعي والصناعي‪ ،‬حيث أن كل ما كان ينتج‬
‫يتم إنتاجه لغرض المبادلة أي للتجارة الداخلية والخارجية (رأس المال التجاري سيطر على الزراعة‬
‫والصناعة وجعلهما في خدمة التجارة مباشرة)‪ ،‬هذا وقد عرفت هذه المرحلة ظهور طريقة اإلنتاج‬
‫الرأسمالية سواء في الزراعة أو الصناعة‪ ،‬وعلى ذلك ظهرت طبقتين اجتماعيتين تختلفان على‬
‫أساس اقتصادي وهما طبقة الرأسماليين أرباب العمل وطبقة العمال األجراء تربطهما عالقة‬
‫تعاقدية‪.‬‬

‫بعد أن حققت الدول األوربية وحدتها السياسية بدأت العمل على تحقيق وحدتها وقوتها‬
‫اإلقتصادية‪ ،‬حيث بدأت هذه األخيرة بالتدخل في الحياة اإلقتصادية على نطاق واسع ابتداءا من‬
‫القرن السادس عشر‪ ،‬فلم يعد يقتصر دورها على سن التشريعات والقوانين بل تعدى دورها في‬
‫المجال ال داخلي إلى تنظيم التجارة والصناعة‪ ،‬كما تقوم الدولة بإنتاج أو تشجيع صناعة معينة‪،‬‬
‫كما تقوم في المجال الخارجي بوضع قواعد لتنظيم شؤون تجارتها الخارجية كمنع تصدير سلعة‬

‫‪" -1‬التحوالت االقتصادية والمالية واالجتماعية والفكرية في العالم في القرن ‪19‬م"‪ ،‬مقال منشور في الموقع‪:‬‬
‫‪ http://www.startimes.com/f.aspx?t=34672665‬تاريخ الزيارة ‪2015/05/01‬‬

‫‪48‬‬
‫النظام االقتصادي الرأسمالي‬ ‫الفصل الخامس‪:‬‬

‫معينة وقد أطلق على هذه السياسة مصطلح السياسة التجارية أو الميركنتيلية وهي التي سادت في‬
‫أوربا‪ ،‬إسبانيا‪ ،‬فرنسا والبرتغال إلى منتصف القرن الثامن عشر‪.‬‬

‫ولقد ساعد على انتشار هذه السياسة التجارية ظهور طبقة اجتماعية جديدة سرعان ما‬
‫انتزعت مكانة مرموقة في الحياة االقتصادية واالجتماعية والسياسية في عدد من دول أوروبا والتي‬
‫كانت مكونة من التجار وأرباب األعمال ورجال المال‪ ،‬حيث انسجمت مصالحهم مع مصالح‬
‫الدول القومية (الملوك) وازداد تفردهم وكانت حماية مصالحهم موضع اهتمام من طرف السياسيين‬
‫ومالت بالتالي سياسة الدولة إلى تحقيق مصالح هذه الفئة‪.‬‬

‫ولما كانت قوة الدولة وثروتها تتحدد بمقدار ما تملكه من معادن نفيسة (ذهب وفضة) فقد‬
‫كان من المصلحة االقتصادية للدولة الناشئة في أوربا أن تدعم نفوذها السياسي بقوة اقتصادية‬
‫وذلك عن طريق الحصول على أكبر قدر من المعادن النفيسة‪ ،‬وقد تولى الحاكم (الملك) إدارة‬
‫مجهودات الدولة من أجل ذلك‪ ،‬سواء عن طريق استغالل المناجم التي تحت سيطرتها أو عن‬
‫طريق التجارة الخارجية‪ ،‬وقد أخذت سياسة التجاريين صو ار مختلفة نوجزها فيما يلي‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬السياسة المعدنية في اسبانيا (القرن ‪16‬م)‬

‫إتخذت السياسة التجارية في اسبانيا الشكل المعدني ويعتبر أكثر أشكال السياسة التجارية‬
‫بساطة‪ ،‬وتقوم هذه السياسة على حصول الدولة على المعادن النفيسة بطريقة مباشرة سواء عن‬
‫طريق استغالل مناجمها أو مناجم مستعمراتها‪ ،‬ومنع خروجها‪ .‬وقد تماشت هذه السياسة مع حالة‬
‫اسبانيا في القرن السادس عشر‪ ،‬حيث تدفقت إليها كميات كبيرة من المعادن النفيسة من‬
‫مستعمراتها في أمريكا‪ ،‬البيرو والمكسيك‪ ،‬وبالتالي لم يستدعي األمر إال اإلحتفاظ بها ومنع‬
‫خروجها‪ ،‬ولتحقيق هذا الهدف قامت إسبانيا فضال عن منع خروج الذهب والفضة بإجبار‬
‫المصدرين اإلسبان على إعادة ثمن صادراتهم في شكل مبالغ نقدية مع إجبار المصدرين األجانب‬
‫بإخراج ثمن صادراتهم إلسبانيا في شكل سلع إسبانية ال في شكل نقود (ذهب وفضة)‪ ،‬هذا‬
‫باإلضافة إلى تخفيض قيمة العملة الوطنية اإلسبانية (القيمة اإلسمية) مقابل العمالت األجنبية من‬
‫أجل اجتذابها إلى الداخل وبالتالي منع خروج العملة الوطنية إلى الخارج‪ .‬وقد أدى كل هذا إلى‬
‫تدفق كميات كبيرة من المعادن النفيسة إلى الخزينة اإلسبانية وهو ما أدى إلى زيادة كمية النقود‬

‫‪49‬‬
‫النظام االقتصادي الرأسمالي‬ ‫الفصل الخامس‪:‬‬

‫المتداولة الشيء الذي أدى إلى ارتفاع المستوى العام لألسعار‪ ،‬وهو األمر الذي شجع في المرحلة‬
‫األولى بعض الصناعات ونشاط التجارة على اعتبار أن التاجر أو الصناعي يحقق أرباح في ظل‬
‫ارتفاع األسعار‪ ،‬إال أن هذا اإلرتفاع في األسعار تواصل حتى بلغ مستويات قياسية‪ ،‬وفي ظل‬
‫إهمال اإلسبان للزراعة أدى هذا إلى انهيار األوضاع االقتصادية في إسبانيا وحدث شلل في‬
‫التجارة الخارجية‪ ،‬وهو الذي أدى إلى خروج كميات كبيرة من المعادن النفيسة والتي كانت تهرب‬
‫إلى الخارج لفقدان الثقة في اإلقتصاد اإلسباني‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬السياسة الصناعية في فرنسا (القرن ‪17‬م)‬

‫لم تكن لدى فرنسا مناجم غنية بالذهب والفضة كإسبانيا‪ ،‬لذا كانت السياسة التجارية فيها‬
‫مغايرة للسياسة المعدنية‪ ،‬لهذا طبقت فرنسا خالل القرن السابع عشر تحت قيادة الوزير " كولبير"‬
‫سياسة تهدف إلى التأثير على حجم المعادن النفيسة التي تمتلكها الدولة عن طريق إقامة قاعدة‬
‫صناعية قوية وقادرة على المنافسة الدولية‪ ،‬تمكنها من زيادة الصادرات عن الواردات وتحقيق‬
‫فائض في الميزان التجاري‪ ،‬وقد تم التركيز على الصناعة ألن الزراعة أكثر عرضة للتقلبات‬
‫الجوية وألن قيمة المنتوج الصناعي أعلى نسبيا مقارنة مع المنتوج الزراعي في حالة تساوي الكمية‪،‬‬
‫هذا باإلضافة إلى إقامة أسطول بحري قوي واقامة الشركات المتخصصة في التجارة الخارجية‪.‬‬

‫ولقد تم تطبيق هذه السياسة الصناعية عن طريق تخفيض نفقات اإلنتاج (تخفيض األجور‬
‫وأسعار المنتجات الغذائية)‪ ،‬هذا باإلضافة إلى مساعدة المشروعات بتقديم إعفاءات ضريبية مع‬
‫منحها امتيازات أخرى (توفير أدوات العمل‪ ،‬إستخدام العمالة الفنية األجنبية)‪ ،‬هذا باإلضافة إلى‬
‫إنشاء صناعات ومشروعات مملوكة للدولة‪ ،‬باإلضافة إلى حماية الصناعة الوطنية عن طريق‬
‫فرض رسوم جمركية عالية على المنتجات األجنبية ذات المثيل المحلي مع إعفاء الواردات من‬
‫المواد األولية الالزمة للصناعة المحلية من الرسوم الجمركية‪ ،‬هذا باإلضافة إلى منح إعانات‬
‫لشركات التصدير (الصادرات) لزيادة قدرتها التنافسية في السوق األجنبية‪.‬‬

‫ساهمت كل هذه اإلجراءات في تشجيع الصناعة الوطنية وبالتالي ساهمت في دخول‬


‫كميات معتبرة من المعادن النفيسة عن طريق تحقيق فائض في الميزان التجاري‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬السياسة التجارية في انجلت ار (القرن ‪ 17‬و‪18‬م)‬

‫‪50‬‬
‫النظام االقتصادي الرأسمالي‬ ‫الفصل الخامس‪:‬‬

‫لم تكن األوضاع في إنجلت ار مماثلة لما كان عليه الحال في كل من فرنسا واسبانيا ومن ثم‬
‫فقد كان اإلهتمام الرئيسي للسياسة التجارية فيها موجها الكتساب المعادن النفيسة عن طريق‬
‫التجارة مع العالم الخارجي (التجارة الخارجية) وبالتالي تحقيق فائض في الميزان التجاري يضمن‬
‫دخول المعادن النفيسة (ذهب وفضة) وكذا عن طريق إعطاء عناية فائقة لألسطول البحري‬
‫اإلنجليزي لما يقدمه من خدمات النقل البحري حيث تمثل خدمات النقل البحري صادرات غير‬
‫منظورة (ميزان العمليات التجارية) وتساهم في الحصول على المعادن النفيسة‪.‬‬

‫ولم تصبح في هذه المرحلة جمع المعادن النفيسة غاية في حد ذاتها وانما مجرد وسيلة‪،‬‬
‫فالغاية كانت فتح أسواق خارجية للسلع والمنتجات اإلنجليزية‪.‬‬

‫ولقد ساعد على تجسيد كل ذلك صدور قانون كرامويل سنة ‪1651‬م (معدل في ‪1660‬م)‬
‫وما تضمنه من إجراءات كتخفيض سعر الفائدة واعفاء المنتجات الوطنية من الضرائب على‬
‫الصادرات ودعم صناعات التصدير عن طريق خفض تكاليف اإلنتاج (أجور العمال)‪ ،‬كما تضمن‬
‫القانون باإلضافة إلى بنود أخرى أن تكون السفن القائمة بالتجارة مع العالم الخارجي مملوكة‬
‫ألشخاص إنجليز وأن يكون على األقل ¾ من عمالها إنجليز‪.1‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مرحلة الرأسمالية الصناعية (‪ -1750‬أواخر القرن ‪19‬م)‬

‫تميزت هذه المرحلة بالتطور العلمي والتقني واكتشاف مصادر جديدة للطاقة‪ ،‬إضافة إلى‬
‫االستعمال المكثف لآلالت وظهور التركيز الرأسمالي واالحتكارات‪.2‬‬

‫ويمكن تعريف الرأسمالية الصناعية بأنها النظام الذي يتبلور فيه التقدم اآللي والناتج عن‬
‫سيطرة رأس المال على الجهاز الصناعي واإلنتاجي سواء كان ذلك في صورة المصانع أو الورش‬
‫الحديثة‪ ،‬والتي تستخدم اآلالت كأساس للعملية اإلنتاجية‪.1‬‬

‫‪ -1‬ملخص تاريخ الوقائع االقتصادية‪ ،‬منشور على الموقع االلكتروني‪ https//app.box.com/s/u89mx7189g9l5sgbazds. :‬تاريخ‬
‫الزيارة ‪.2015/04/07‬‬
‫‪" -2‬التحوالت االقتصادية والمالية واالجتماعية والفكرية في العالم في القرن ‪19‬م"‪ ،‬مقال منشور في الموقع‪:‬‬
‫‪ http://www.startimes.com/f.aspx?t=34672665‬تاريخ الزيارة ‪2015/05/01‬‬

‫‪51‬‬
‫النظام االقتصادي الرأسمالي‬ ‫الفصل الخامس‪:‬‬

‫لقد تطور النظام االقتصادي األوربي من إقتصاد إقطاعي إلى نظام رأسمالي تجاري لكن‬
‫الرأسمالية لم تتوقف عند هذا الحد بل تطورت حتى وصلت في القرن الثامن عشر إلى الرأسمالية‬
‫الصناعية‪ ،‬وأهم حدث ارتبط به هذا التطور هو الثورة الصناعية فتغير الفن اإلنتاجي (مزيج‬
‫عوامل اإل نتاج) بإحالل اآلالت محل األدوات التي كانت مستغلة من قبل في اإلنتاج وظهر ما‬
‫يعرف باسم األداة اآللية‪ ،‬وسميت هذه المرحلة بالرأسمالية الصناعية نظ ار لضخامة رؤوس األموال‬
‫التي أصبحت توظف في الصناعة وأصبح الجهاز اإلنتاجي في هذا النظام ذو طاقة إنتاجية‬
‫ضخمة‪ ،‬وتغير النظام عما كان عليه في السابق‪ ،‬فقد كانت التجارة هي مركز النشاط األساسي في‬
‫ظل الرأسمالية التجارية وكانت الصناعة دائما قائمة لخدمة التجارة‪ ،‬أما في الرأسمالية الصناعية‬
‫فأصبحت الصناعة تحتل المركز الرئيسي ألنها هي التي تحكم النشاط اإلقتصادي‪ ،‬إلى أن ظهرت‬
‫الثورة الصناعية‪ ،‬حيث تميزت هذه المرحلة بالمنافسة الشديدة ما لبثت أن تحولت إلى مرحلة‬
‫اإلحتكار وذلك في النصف الثاني من القرن التاسع عشر‪ ،‬حيث دخلت الرأسمالية مرحلة اإلحتكار‬
‫التي أدت إلى تقسيم العالم إقتصاديا بين اإلتحادات اإلحتكارية العالمية‪ ،‬وذلك حين يسلك‬
‫اإلحتكاري ون سبال في احتكار العالم تبدأ بحسم الصراع فيما بينهم وذلك بتقسيم السوق المحلية‪ ،‬بعد‬
‫إشباعها بالسلع‪ ،‬تبدأ مرحلة صراع مختلف اإلحتكارات الكبرى على األسواق الخارجية حيث تلجأ‬
‫هذه اإلحتكارات إلى سياسة إغراق السوق وفق الطلب عليها وبأسعار أقل من تلك المعمول بها في‬
‫البلد األصلي وأحيانا بأسعار تقل عن سعر التكلفة وهذا كآخر إجراء لتحطيم المنافسين‪ ،‬وتغطي‬
‫هذه االحتكارات خسائرها على حساب مواطنيها مستفيدة من الضرائب الجمركية على السلع‬
‫المستوردة ويستمر الصراع فيما بين المحتكرين إلى أن يتقلص عددهم بفعل قوى السوق‪ ،‬فتظهر‬
‫بذلك مجموعات احتكارية قليلة من مختلف البلدان الرأسمالية مستندة إلى المؤسسات الدولية التي‬
‫تكرست لخدمة نظام العولمة‪ ،‬الرأسمالية الراهنة‪ ،‬وهي منظمة التجارة العالمية ‪ WTO‬وصندوق‬
‫النقد الدولي‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مرحلة الرأسمالية المالية (أواخر القرن ‪19‬م)‬

‫‪ -1‬أحمد فريد مصطفى‪ ،‬سهير محمد السيد حسن‪ ،‬تطور الفكر والوقائع االقتصادية‪ ،‬مؤسسة شباب الجامعة‪ ،‬مصر‪ ،2000 ،‬ص‪.89.‬‬

‫‪52‬‬
‫النظام االقتصادي الرأسمالي‬ ‫الفصل الخامس‪:‬‬

‫تميزت مرحلة الرأسمالية المالية بتطور وظيفة البنوك نحو ميدان االستثمار وظهور أشكال‬
‫جديدة من الشركات‪ ،‬إضافة إلى تزايد تأثير البورصات في االقتصاد وظهور التركيز المالي‬
‫(الهولدينغ)‪ ،‬مما جعل البنوك تتحكم في النظام الرأسمالي‪.‬‬

‫تطور الرأسمالية المالية‪:‬‬

‫فرض التقدم الصناعي والحاجة إلى تمويل المشاريع الكبرى‪ ،‬تحوالت في بنية ووظيفة البنوك‬
‫التقليدية ذات الطابع العائلي‪ .‬فظهرت بنوك جديدة على غرار الشركات المجهولة االسم‪ ،‬لم‬
‫تقتصر وظيفتها على منح القروض للتجار وأرباب الصناعة فقط‪ ،‬بل أصبحت توظف جزءا من‬
‫رأسمالها في النشاط الصناعي فتحولت إلى مؤسسة بنكية رأسمالية صناعية‪ .‬وبذلك أصبحت‬
‫الصناعة خاضعة لهيمنة البنوك‪.1‬‬

‫المبحث السادس‪ :‬تقييم النظام االقتصادي الرأسمالي‬

‫حقق النظام االقتصادي الرأسمالي عدة مزايا وعيوب‪ ،‬فمن بين المزايا التي قدمها ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬تلبية الرغبات الخاصة باألفراد نتيجة الحرية االقتصادية ودافع الربح‪.‬‬

‫‪ -‬تلبية رغبات المستهلكين باعتبارهم مصدر الربح بالنسبة للمنتجين وكذلك استفادتهم من نتائج‬
‫حرية المنافسة‪.‬‬

‫‪ -‬زيادة إنتاجية العمال وتحفيزها ماديا‪.‬‬

‫‪ -‬تحسين طرق وأساليب اإلنتاج‪ ،‬ومنه تحسينه كما وكيفا‪.‬‬

‫‪ -‬من المحاسن التي يمكن أن تنسب إلى نظام الحرية االقتصادية‪ ،‬دوره في تهيئة المناخ المناسب‬
‫لقيام الثورة الصناعية وما أعقبها من تطور في اإلنتاج ووسائله وظهور أعداد كبيرة من الشركات‬
‫والمؤسسات اإلنتاجية والتجارية والمالية والنقدية محلية كانت أم دولية‪.‬‬

‫‪" -1‬التحوالت االقتصادية والمالية واالجتماعية والفكرية في العالم في القرن ‪19‬م"‪ ،‬مقال منشور في الموقع‪:‬‬
‫‪ http://www.startimes.com/f.aspx?t=34672665‬تاريخ الزيارة ‪2015/05/01‬‬

‫‪53‬‬
‫النظام االقتصادي الرأسمالي‬ ‫الفصل الخامس‪:‬‬

‫إال أن تطبيق النظام الرأسمالي بصورته المثالية عند تطبيق مبادئ مذهب الحرية‬
‫االقتصادية‪ ،‬لم تدم إال لفترة قصيرة قد ال تتجاوز نصف قرن من الزمان‪ ،‬وذلك لما أحدثه هذا‬
‫النظام من خلل في الهياكل االقتصادية واالجتماعية للدول التي طبقته‪ ،‬مما أدى بحكومات هذه‬
‫الدول للتدخل في النشاط االقتصادي بهدف التأثير على مجريات األمور‪.‬‬

‫ومن اآلثار السلبية لهذا النظام نذكر‪:1‬‬

‫‪ -‬ظهور اإلحتكارات الكبيرة وارتفاع األسعار ومعدالت األرباح وانخفاض األجور الحقيقية للعمال‪،‬‬
‫مما أدى إلى ظهور الفوارق الكبيرة في توزيع الدخل والثروة وخلق جو من التوتر بين الرأسماليين‬
‫والعمال‪.‬‬

‫‪ -‬سعي الرأسماليين و ارء زيادة اإلنتاج مقابل تخفيض التكاليف أدى إلى انتشار البطالة وظهور‬
‫األزمات االقتصادية‪.‬‬

‫‪ -‬تعارض المصالح الخاصة في بعض األحيان مع المصلحة العامة للمجتمع‪.‬‬

‫‪ -‬إستغالل العمال بطريقة ال إنسانية وحرمانهم من بعض حقوقهم‪.‬‬

‫مما سبق يمكن القول أن النظام الرأسمالي قد عجز عن تطبيق نموذجه النظري وذلك لعدم‬
‫استطاعة هذا النموذج مسايرة التغيرات والتطورات االقتصادية التي أحدثتها الثورة الصناعية‪،‬‬
‫إضافة إلى عدم مقدرته على تفادي مساوئ هذا التطور من جوانبه االقتصادية واالجتماعية والبيئية‬
‫دون تدخل مباشر من الحكومة‪ .‬لقد أصبح التدخل الحكومي في النشاطات االقتصادية في الدول‬
‫الرأسمالية سمة ثابتة لكل الحكومات‪ .‬بل يمكن القول أن التعديالت التي أدخلت على مبادئ‬
‫النظام الرأسمالي والسماح بتدخل الحكومات‪ ،‬من خالل السياسة المالية‪ ،‬والنقدية والتجارية‬
‫واإلنتاجية هي التي ضمنت له االستمرار حتى وقتنا الحاضر‪.‬‬

‫‪ -1‬سعيد سعد مرطان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .‬ص‪.30 -29.‬‬

‫‪54‬‬
‫الثورة الصناعية‬ ‫الفصل السادس‪:‬‬

‫تمهيد‬

‫كانت إنجلت ار أسبق دول العالم في الثورة الصناعية‪ ،‬فقد ظهرت فيها تلك الثورة في النصف‬
‫الثاني من القرن الثامن عشر‪ ،‬في حين أنها لم تظهر في فرنسا إال في الربع األول من القرن‬
‫التاسع عشر‪ ،‬وفي ألمانيا في الربع الثاني منه‪ ،‬وفي بقية الدول بعد ذلك‪.1‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف الثورة الصناعية‬

‫يقصد بالثورة الصناعية التطورات الكبيرة التي عرفتها الصناعة في أوربا عامة وانجلت ار‬
‫خاصة ابتداءا من منتصف القرن الثامن عشر والتي أدت إلى حدوث تحول كيفي في فنون اإلنتاج‬
‫الصناعي‪ ،‬حيث تم اإلنتقال من الصناعة اليدوية التي تعتمد على عمل اإلنسان (أدوات عمل‬
‫بسيطة) إلى الصناعة اآللية التي تعتمد على اآللة التي تدفعها القوة المحركة‪ .‬حيث عرفت أوربا‬
‫في هذه المرحلة موجة عارمة من اإلختراعات واإلكتشافات ساهم إدخالها في مختلف فروع‬
‫الصناعة إلى تطويرها (كصناعة الحديد وتعدين الفحم‪ ،‬صناعة المنسوجات‪ ،‬وتوليد الطاقة‬
‫المحركة) الشيء الذي ساهم في حدوث زيادة هائلة في كل من اإلنتاج والتكوين الرأسمالي‬
‫وأصبحت الصناعة على إثرها النشاط الرئيسي في االقتصاد الوطني‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أسباب قيام الثورة الصناعية في أوربا‬

‫يمكن إجمال األسباب األساسية لقيام الثورة الصناعية في أوربا فيما يلي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬العامل السكاني‬

‫عرف سكان أوروبا منذ أواخر القرن الثامن عشر زيادة كبيرة ومستمرة وذلك النخفاض‬
‫معدل الوفيات (توفر الرعاية الصحية خاصة في المدن)‪ .‬فزيادة عدد السكان تؤدي إلى توفر‬
‫األيدي العاملة‪ ،‬خاصة في ظل تمتع العمال بحرية اختيار األعمال واإلنتقال من عمل إلى آخر‪،‬‬
‫مما يساعد على نهضة وتقدم الصناعة‪.‬‬

‫‪ -1‬إسماعيل محمد علي‪ ،‬تطور الفكر االقتصادي‪ ،‬مؤسسة طيبة للنشر والتوزيع‪ ،‬مصر‪ ،2011 ،‬ص‪.138.‬‬

‫‪56‬‬
‫الثورة الصناعية‬ ‫الفصل السادس‪:‬‬

‫وعموما يمكن القول أن زيادة عدد السكان يؤدي إلى زيادة عرض العمل‪ ،‬وبذلك تجد‬
‫المشروعات الجديدة والقديمة حاجتها من األيدي العاملة بأجور معقولة‪ .‬كذلك فإن زيادة عدد‬
‫السكان تمثل زيادة في الطلب على السلع والخدمات وهو ما يعمل على اتساع نطاق السوق وبذلك‬
‫تنمو الصناعة و ال يعوقها التخلص من فائض اإلنتاج‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اتساع تجارة أوربا الداخلية والخارجية (اتساع األسواق الداخلية والخارجية)‬

‫عند التطرق إلى الدور الذي لعبته تجارة أوروبا الداخلية والخارجية في التطور الصناعي‬
‫في أوروبا‪ ،‬يجب الوقوف على أهمية الدور الذي تلعبه وسائل النقل والمواصالت وذلك على‬
‫اعتبار أن تطورها يساهم في ازدهار التجارة الداخلية والخارجية‪ ،‬وتجدر اإلشارة هنا إلى الطفرة‬
‫النوعية والتقدم الحاصل على مستوى وسائل النقل والمواصالت سواء كانت مائية أو برية‪ ،‬حيث‬
‫تمكنت الدول األوربية من ربط أجزائها المختلفة بوسائل نقل اقتصادية كالقطارات والسفن‪ ،‬وكان‬
‫النقل النهري يلعب دور كبير في ربط مختلف أجزاء أوروبا‪ ،‬وكذا تم الوصول إلى األسواق‬
‫الخارجية بعد ظهور الناقالت الحديثة وخاصة السفن التجارية الضخمة وهو ما ساهم في اتساع‬
‫األسواق الداخلية والخارجية‪.‬‬

‫فقد تطورت تجارة أوربا الداخلية والخارجية حتى شملت العالم القديم والجديد‪ ،‬وذلك بعد‬
‫اكتشاف العالم الجديد والطريق المؤدي إلى الشرق عبر رأس الرجاء الصالح‪ ،‬وهو الشيء الذي‬
‫ساهم في نمو الصناعة في القرنين ‪ 18‬و‪19‬م‪ ،‬إذ تمكنت أوربا من خاللها الوصول بمنتجاتها إلى‬
‫أسواق الدول المختلفة‪ ،‬فكلما كانت السوق قادرة على امتصاص عدد كبير من المنتجات كلما مال‬
‫حجم المشروعات إلى الكبر‪ ،‬حيث ساهم اتساع نطاق السوق نتيجة للطلب الكبير على السلع في‬
‫جعل اإلنتاج نمطي وأمكن بالتالي إدخال اآلالت تدريجيا في العمليات اإلنتاجية لمواجهة الطلب‬
‫المتزايد‪ ،‬خاصة إذا علمنا أن انخفاض أثمان السلع الصناعية نتيجة لإلنتاج الكبير وانخفاض‬
‫تكاليف الشحن أدى إلى توسع كبير في الطلب على السلع الصناعية وربما بنسبة تفوق نسبة‬
‫اإلنخفاض في األثمان حيث أن الطلب على تلك السلع كان كبير المرونة‪ ،‬كما أن الزيادة في‬
‫الدخول التي نجمت عن التوسع في اإلنتاج في كافة دول العالم الصناعية أو الزراعية أدت إلى‬
‫ا لتوسع في الطلب على المنتجات الصناعية حيث أن الطلب على هذه األخيرة كان يتمتع بمرونة‬
‫دخلية كبيرة‪ ،‬وبذلك يكون اتساع السوق قد ساعد على التصنيع والتوسع في اإلنتاج‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫الثورة الصناعية‬ ‫الفصل السادس‪:‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬وفرة رؤوس األموال وامكانيات التراكم الرأسمالي‬

‫كان من أهم النتائج التي ترتبت على اتساع تجارة أوروبا الداخلية والخارجية أن ازدادت‬
‫أرباح وثروات أصحاب المصانع وشركات النقل والتجار والوسطاء‪ ،‬وبذلك تجمع لدى أوروبا مبالغ‬
‫طائلة وأموال كبيرة لمقابلة ما تحتاج إليه الصناعة من أموال‪ ،‬حيث توفرت رؤوس األموال الالزمة‬
‫لإلستثمار في إنتاج سلع استهالكية‪ ،‬وكذا إنتاج العدد واآلالت (السلع اإلنتاجية أو الرأسمالية)‪،‬‬
‫باإلضافة إلى رؤوس األموال الالزمة لتمويل عمليات البحث والتطوير‪ ،‬هذا وقد كانت ندرة رأس‬
‫المال لدى معظم الدول األوروبية العائق األساسي أمام قيام الصناعة‪ ،‬وتجدر اإلشارة إلى أن‬
‫الصناعة في أوروبا نمت نموا كبي ار عندما تمكنت الصناعة القائمة من تحقيق أرباح وفيرة أعيد‬
‫استثمارها في إقامة صناعات جديدة‪ ،‬حيث كانت أرباح المنشآت تمثل المصدر الرئيسي لمواجهة‬
‫حاجات الصناعة الناشئة‪.‬‬

‫ومن األمور األخرى التي ساهمت في تمويل الصناعة قيام وظهور شركات المساهمة التي‬
‫استطاعت أن تجمع المدخرات من صغار وكبار المدخرين على حد سواء‪ ،‬كما أن نشأة البنوك‬
‫وقيامها بوظيفتها التقليدية المتمثلة في الحصول على الودائع من األفراد والهيئات واعادة إقراضها‬
‫لتمويل االقتصاد ساهم مساهمة فعالة في ازدهار الصناعة في أوروبا‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬الحرية االقتصادية وعدم التدخل الحكومي‬

‫تؤدي الحرية االقتصادية وعدم التدخل الحكومي إلى المنافسة الحرة بين البائعين والمشترين‬
‫في السوق الذي بدوره يكفل تحديد الثمن الذي يحقق التوازن بين العرض والطلب دون أن يكون‬
‫ألي فرد بائعا كان أو مشتريا أي أثر في تحديده‪ .‬وال يوجد بالتالي أي داع لتدخل الحكومة من‬
‫أجل تحديد ثمن عادل ألي سلعة أو أجر عادل ألي نوع من أنواع العمل ‪.‬‬

‫وفي ظروف المنافسة الحرة يسعى المنتجون إلى تحسين وسائل إنتاجهم بقصد تخفيض‬
‫التكاليف حتى يحققوا أكبر قدر من األرباح‪ .‬ويضطر كل منتج إلى متابعة غيرة في استخدام‬
‫الوسائل الحديثة في اإلنتاج حتى يحافظ على تكاليف إنتاجه عند مستويات تنافسية‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫الثورة الصناعية‬ ‫الفصل السادس‪:‬‬

‫وتؤدى المنافسة إلى انخفاض تكاليف المعيشة بقضائها على المنتجين غير األكفاء في أي‬
‫مجال من مجاالت اإلنتاج‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬تطور علمي واكتشافات علمية‬

‫كبير بفعل االختراعات التقنية التي مست عمليتي الغزل‬


‫ا‬ ‫شهدت صناعة النسيج تطو ار‬
‫والنسيج مثل ابتكار مغزل جيني والنول اآللي‪.‬‬

‫تطورت الصناعة التعدينية أمام بعض التجديدات‪ :‬حيث تمكن أبرهام داربي من إنتاج‬
‫الفوالذ ( الحديد المصفى ) في حين استطاع هنري كورت من الحصول على مادة الصلب‪.‬‬

‫شكل المحرك البخاري أهم اختراع في القرن ‪ 18‬م‪ .‬وتم ذلك بفضل أبحاث كل من نيوكمن‬
‫وجيمس واط‪ ..‬وقد استخدم المحرك البخاري في مختلف الصناعات وفي السكك الحديدية والمالحة‬
‫البحرية‪.‬‬

‫وباكتشاف آالت اإلنتاج المتطورة واستخدامها في الصناعة‪ ،‬كل ذلك أدى إلى ازديادها‬
‫وازدهارها‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬مظاهر الثورة الصناعية‬

‫‪59‬‬
‫الثورة الصناعية‬ ‫الفصل السادس‪:‬‬

‫كان من أهم مظاهر الثورة الصناعية ما يلي‪:1‬‬

‫المطلب األول‪ :‬ظهور نظام المصانع اآللية وكبر حجم المشروعات‬

‫بقيام اإلختراعات العلمية العظيمة في القرن ‪18‬م واستخدام اآللة التي تحركها الطاقة والتي‬
‫كانت على درجة عالية من القوة اإلنتاجية‪ ،‬ظهر وازدهر نظام المصانع اآللية‪ .‬فقد تمكن أصحاب‬
‫المصانع وكبار الحرفيين من إقامة الصناعة الجديدة وأصبحوا يمثلون طبقة الرأسماليين‪ ،‬أما‬
‫صغار أصحاب الحرف فاضطروا إلى العمل في المصانع كعمال مأجورين‪ ،‬وتحولت وحدات‬
‫اإلنتاج في أوربا إلى المصنع الكبير‪ ،‬حيث كان كبر حجم الوحدات اإلنتاجية (المصانع) من أهم‬
‫مظاهر الثورة الصناعية‪ .‬فبعد أن كان المشروع يستخدم عددا محدودا من العمال‪ .‬أصبح يوظف‬
‫المئات‪ ،‬وبمرور الوقت أصبح آالف العمال يعملون في المصنع الواحد‪ ،‬حيث تشير تقديرات عام‬
‫‪ 1830‬أن عدد العمال في مصانع القطن كان يقدر بحوالي ‪ 175‬عامال‪ ،‬و‪ 93‬عامال في مصانع‬
‫الحرير و‪ 45‬عامال في مصانع الصوف‪ ،‬أما مصانع الحديد فكان عدد العمال بها في حدود‬
‫‪ 1500‬إلى ‪ 2000‬عامال‪.‬‬

‫وعلى المستوى القطري فان السمة الغالبة على الصناعة األلمانية مثال هي كبر حجم‬
‫المشروعات‪ ،‬فقد قام التوسع الصناعي فيها نتيجة المتصاص المصانع الكبيرة فيها للمصانع‬
‫الصغيرة (اإلندماج والتكامل)‪ ،‬أما الصناعة في فرنسا فكانت وحداتها تميل نسبيا إلى الصغر‪،‬‬
‫لذلك كان عدد العمال فيها محدودا‪ ،‬ولعل أهم األسباب التي كانت وراء ذلك هو الندرة النسبية‬
‫للفحم الحجري وتفضيل الفرنسيين التخصص في إنتاج السلع الكمالية التي تحتاج إلى مهارات‬
‫وفنون إنتاج عالية‪.‬‬

‫إن تحول الصناعة إلى الصورة الجديدة أدى إلى وجود طبقة اجتماعية جديدة هي طبقة‬
‫المديرين وذلك بعد أن تعقدت مشكلة إدارة المصانع الكبيرة مما دفع بالمالكين والمساهمين بأن‬
‫يعهدوا إلى أصحاب الخبرة بإدارة مشروعاتهم‪.‬‬

‫‪ -1‬ملخص تاريخ الوقائع االقتصادية‪ ،‬منشور على الموقع االلكتروني‪ https//app.box.com/s/u89mx7189g9l5sgbazds. :‬تاريخ‬
‫الزيارة ‪.2015/04/07‬‬

‫‪60‬‬
‫الثورة الصناعية‬ ‫الفصل السادس‪:‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬ظهور النزعات االحتكارية في الصناعة‬

‫لقد أدى تطور وسائل النقل والمواصالت إلى جعل العالم سوقا واحدة يتنافس فيها الكثير‬
‫من المنتجين من مختلف دول العالم‪ ،‬وقد أدى التنافس بينهم إلى تسابقهم نحو تخفيض األسعار‬
‫وهو ما أدى بدوره إلى تخفيض األرباح بل وتحقيق خسائر في الكثير من الحاالت‪ ،‬وهو ما دفعهم‬
‫إلى التكتل واإلتحاد وعقد اإلتفاقيات المختلفة والدخول في أشكال الترست والكارتل بقصد القضاء‬
‫على المنافسة والتحكم في األسعار وذلك لضمان تحقيق المستوى المنشود من األرباح‪ ،‬والواقع أن‬
‫التكتالت االحتكارية انتشرت بشكل كبير خاصة في الربع األخير من القرن التاسع عشر في‬
‫مختلف نواحي الحياة االقتصادية وبصورة كبيرة خاصة في كل من ألمانيا والواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪.‬‬

‫ففي ألمانيا‪:‬‬

‫قامت وازدهرت نقابات إنتاجية تعرف باسم الكارتل‪ ،‬كان غرضها منع المنافسة بين‬
‫المنتجين عن طريق عقد اتفاقات خاصة بتوزيع األسواق واألسعار وتنظيم اإلنتاج (تحافظ‬
‫الشركات الداخلة في الكارتل على شخصيتها القانونية واستقاللها المالي واإلداري) حيث تقيد حرية‬
‫وسلطات الشركات بعد انضوائها تحت راية هذا التنظيم االحتكاري وتوقيعها اتفاقيات‪ ،‬وقد انتشرت‬
‫هذه االحتكارات بشكل كبير في صناعة التعدين والحديد والصناعات الكهربائية والبنوك وأدت هذه‬
‫السياسة إلى كبر بعض المشروعات لدرجة تقترب من االحتكار الكامل‪.‬‬

‫أما في الواليات المتحدة األمريكية‪:‬‬

‫فقد ظهرت االحتكارات في شكل تراست وهو تنظيم عكسي لنظام الكارتل‪ ،‬حيث تفقد‬
‫المشروعات الداخلة فيه شخصيتها اإلعتبارية واستقاللها المالي واإلداري بحيث تندمج الشركات‬
‫المتعاقدة وتصبح مشروعا واحدا وتحت إدارة موحدة تقوم برسم سياسات اإلنتاج والتسعير‪....‬وقد‬
‫سارعت الواليات المتحدة انطالقا من مبدأ رفض اإلحتكار إلى إصدار قوانين لمحاربة التراست من‬
‫خالل قانون شومان في ‪ 1890‬ثم قانون كاليتون سنة ‪.1914‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬نتائج الثورة الصناعية‬

‫‪61‬‬
‫الثورة الصناعية‬ ‫الفصل السادس‪:‬‬

‫كان للثورة الصناعية العديد من اآلثار واالنعكاسات المباشرة وغير المباشرة على النواحي‬
‫االقتصادية واالجتماعية والسياسية نقوم بحصرها فيما يلي‪:1‬‬

‫المطلب األول‪ :‬زيادة الثروة القومية لدى أوروبا وزيادة قوتها الحربية‬

‫زادت ثروات بلدان أوروبا نتيجة للثورة الصناعية وأصبحت الدول غنية بمصانعها ومناجمها‬
‫متمتعة بمقدرة إنتاجية عالية‪ ،‬حيث لم يقتصر اإلثراء على أصحاب رؤوس األموال فقط‪ ،‬بل حققت‬
‫الدول زيادة كبيرة في إيراداتها من الضرائب المباشرة وغير المباشرة‪.‬‬

‫ونظ ار لما حققته هذه الدول من أرباح وفيرة وخاصة انجلت ار وفرنسا فإنها وظفت قد ار كبي ار‬
‫من هذه األموال في زيادة قوتها العسكرية والحصول على مستعمرات واسعة عادت على‬
‫اقتصادياتها بمكاسب عديدة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬ارتفاع مستويات المعيشة‬

‫بالرغم من أن الثورة الصناعية زادت من أهمية اآلالت ونفوذ أرباب العمل وكان العامل في‬
‫الغالب تحت رحمة أصحاب المصانع‪ ،‬إال أنها مهدت لتجمع العمال وتوحدهم‪ ،‬حيث أصبحوا‬
‫قادرين على الحصول على أجور وشروط عمل أحسن مما كانوا ليحصلوا عليها لو كانوا متفرقين‪،‬‬
‫وعلى العموم يمكن القول أن الثورة الصناعية حققت زيادة ملموسة في مستويات المعيشة الحقيقية‬
‫وذلك عن طريق زيادة اإلنتاج الزراعي والصناعي الذي أغرق األسواق ونجم عنه انخفاض في‬
‫األسعار وبالتالي زيادة القدرة الشرائية الحقيقية للنقود‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬شدة الخالف بين العمال وأصحاب األعمال‬

‫في الغالب ينشأ الخ الف بين العمال وأصحاب األعمال‪ ،‬كون العمال الذين اجتمعوا حول‬
‫المصنع وبدأو يناقشون أوضاعهم يطالبون بزيادة األجور وتحسين شروط العمل‪ ،‬ومن الناحية‬

‫‪ -1‬ملخص تاريخ الوقائع االقتصادية‪ ،‬منشور على الموقع االلكتروني‪ https//app.box.com/s/u89mx7189g9l5sgbazds. :‬تاريخ‬
‫الزيارة ‪.2015/04/07‬‬

‫‪62‬‬
‫الثورة الصناعية‬ ‫الفصل السادس‪:‬‬

‫األخرى يحاول أصحاب األعمال الضغط على العمال حتى تزيد أرباحهم وتنمو استثماراتهم‪ ،‬لذلك‬
‫رأى العمال ضرورة التكتل في النقابات واالتحادات العمالية التي تدافع عن مصالحهم‪ ،‬حيث‬
‫تتعدى مطالبة النقابة أرباب العمل برفع األجور وتحسين أوضاعهم إلى مطالبة الدولة واقناعها‬
‫بسن التشريعات التي تنظم عالقاتهم بأرباب العمل كما تسعى في الغالب النقابات العمالية لدى‬
‫السلطات من أجل حماية الصناعة أو إعانتها أو رعايتها بأي صورة‪ ،‬لكي تنشط الصناعة وتصبح‬
‫قادرة على مقابلة مطالب العمال وهذه الفكرة الحديثة آمنت بها بعض النقابات ومؤداها أن تحسن‬
‫مستواهم المعيشي ال يتأتى إال إذا تقدمت الصناعة‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬تركز السكان في المدن‬

‫زاد عدد سكان دول أوروبا الصناعية بصورة واضحة خالل القرن ‪ ،19‬كما أن نسبة كبيرة‬
‫من السكان تركزت في المدن فلقد زاد سكان انجلت ار وألمانيا وبلجيكا في السنوات من ‪ 1801‬إلى‬
‫‪ ، 1901‬ففي نهاية القرن التاسع عشر كان سكان المدن يشكلون ثلثي سكان ألمانيا وثالث أرباع‬
‫سكان انجلت ار ونصف سكان فرنسا‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬نمو التجارة الخارجية‬

‫وتعتبر سبب ومظهر ونتيجة للثورة الصناعية‪ ،‬فقد ازدهرت تجارة أوروبا الخارجية نتيجة‬
‫الزدهار صناعتها‪ ،‬وحدث أن أصبحت السمة الغالبة عليها أنها تصدر مواد ومنتجات صناعية‬
‫وتستورد مواد أولية الزمة لصناعتها‪.‬‬

‫المطلب السادس‪ :‬تطور الزراعة األوربية‬

‫إن قيام ثورة صناعية في أوروبا أدى إلى حدوث تطور كبير على مستوى وسائل ونظم‬
‫الزراعة األوربية استحق أن يطلق عليه بالثورة الزراعية‪ ،‬حيث حدث تطور كبير في الزراعة‬
‫األوربية في القرن التاسع عشر‪ ،‬وذلك نتيجة إلتباع الوسائل العلمية وتطبيق النظم الجديدة التي‬
‫تجمعت عن الثورة الصناعية‪ ،‬حيث أدى اكتشاف األسمدة الكيميائية وتطوير نظم صرف حديثة‬
‫وادخال اآللة إلى العمل الزراعي إلى تقدم وازدهار الزراعة‪.‬‬

‫ففي انجلترا‪:‬‬

‫‪63‬‬
‫الثورة الصناعية‬ ‫الفصل السادس‪:‬‬

‫واعتبا ار من القرن ‪ 18‬تحقق اإلنتقال إلى نظام الزراعة الفردية أو الرأسمالية وتم القضاء‬
‫نهائيا على نظام الزراعة اإلقطاعية وانتشرت المزارع التي تدار بطريقة رأسمالية‪.‬‬

‫في بريطانيا‪:‬‬

‫مالت الملكيات الزراعية إلى الكبر وانتشرت المزارع الكبيرة‪ ،‬وذلك راجع لعدة أسباب أهمها‬
‫يتعلق بنظام اإلرث السائد في بريطانيا والتوسع في حركة التسييج باإلضافة إلى اعتبارات أخرى‪.‬‬
‫وهذا عكس الزراعة في باقي البلدان األوربية التي مالت فيها الملكيات الزراعية إلى الصغر‪ ،‬ففي‬
‫فرنسا مثال فقد تم االنتقال فيها إلى نظام الزراعة الرأسمالية بعد الثورة الفرنسية‪.‬‬

‫المطلب السابع‪ :‬االستعمار وآثاره االقتصادية‬

‫لقد عرفت الفترة التاريخية الالحقة للثورة الصناعية قيام موجة استعمارية كبيرة‪ ،‬ويمكن القول‬
‫أن الثورة الصناعية دفعت إلى انتشار االستعمار في القرن ‪ 19‬ويطلق على الموجة االستعمارية‬
‫في هذه المرحلة باالمبريالية الجديدة‪ ،‬وذلك بالرغم من أن فكرة التوسع اإلستعماري كانت قائمة من‬
‫قبل‪ ،‬فقد سادت حتى في العهد المركنتيلي وسميت هذه الموجة اإلستعمارية باإلمبريالية القديمة‪،‬‬
‫حيث تمكنت الدول األوربية الصناعية وخاصة فرنسا وبريطانيا من السيطرة على مناطق عديدة‬
‫من العالم والتحكم فيها بمرونة كبيرة وذلك ألن‪:‬‬

‫‪ -1‬دول أوربا الصناعية كانت في حاجة ماسة إلى أسواق واسعة لتصريف منتجاتها الصناعية‬
‫وذلك لتسلط فكرة حدوث إفراط في اإلنتاج وعدم قدرة اإلستهالك المحلي على استيعاب كميات‬
‫اإلنتاج الكبيرة (وقد لخص ج‪ .‬فييري الوضع في سنة ‪ 1885‬بقوله بأن المستعمرة مركز تصريف)‪.‬‬

‫‪ -2‬المستعمرات كانت بمثابة مصدر مهم للحصول على المواد الغذائية والمواد األولية الالزمة‬
‫للصناعة‪.‬‬

‫‪ -3‬كانت المستعمرات بمثابة فضاء واسع الستثمار رؤوس األموال األوربية‪ ،‬باإلضافة إلى كونها‬
‫مجاال مهما لتصريف جزء من الفائض السكاني األوربي‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫الثورة الصناعية‬ ‫الفصل السادس‪:‬‬

‫وكان من نتائج فتح أبواب المستعمرات على مصراعيها أن تهدمت أوضاع الصناعة‬
‫الحرفية القديمة بداخلها وذلك تحت وطأة منافسة المنتجات الصناعية األوربية (الهند مثال واضح‬
‫على ذلك) ولم تقم في هذه الدول صناعات حديثة بدل الصناعات القديمة في مقابل ازدهار‬
‫وتطور النشاط األولي سواء في الزراعة أو استخراج الخامات والمواد األولية‪ ،‬فقد تدفقت رؤوس‬
‫األموال من البلدان األوربية اإلستعمارية‪ ،‬خاصة فرنسا وبريطانيا‪ ،‬لكي تستثمر في إنتاج وتصدير‬
‫مواد أولية في المستعمرات‪ ،‬وكانت هذه التدفقات تتم بدافع الربحية‪ ،‬وحققت بالفعل مكاسب وفيرة‬
‫لكافة المشروعات اإلستثمارية التي عملت بالمجاالت المذكورة مما جعل الدول اإلستعمارية تحاول‬
‫تكريس تقسيم دولي للعمل تتخصص على إثره الدول المستعمرة في إنتاج وتصدير مواد أولية‪ ،‬في‬
‫حين تتخصص الدول اإلستعمارية في إنتاج وتصدير مواد صناعية‪.‬‬

‫وقد كشفت الدراسات اإلقتصادية عن الحقائق التالية بشأن التخصص في إنتاج السلع‬
‫األولية الذي قام في المستعمرات اعتبا ار من النصف األخير من القرن التاسع عشر وظل قائما‬
‫حتى حصلت هذه الدول على استقاللها بل والى اآلن في غالبية الدول‪:‬‬

‫أ‪ -‬معظم المكاسب التي تحققت نتيجة لالستثمار في القطاع األولي داخل المستعمرات كانت‬
‫تتركز في أيدي أصحاب المشروعات الغربية بينما ذهب الجزء األصغر منها إلى سكان‬
‫المستعمرات‪.‬‬

‫ب‪ -‬إ ن أصحاب المشروعات الغربية قاموا سواء بإعادة استثمار أرباحهم في نفس النشاطات‬
‫األولية أو قاموا بتحويل أرباحهم إلى أوطانهم األصلية‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫معاهدات السالم والمشكلة األلمانية‬ ‫الفصل السابع‪:‬‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫كان لتاريخ الوقائع االقتصادية التي حدثت أللمانيا منذ بداية الحرب العالمية األولى إلى ما‬
‫بعد الحرب العالمية الثانية األثر الواضح في معجزة انطالق دولة تم تدميرها في كل الميادين‪ ،‬في‬
‫أن تنتشل نفسها وتصبح في مصاف الدول المتقدمة‪ .‬وهي تجربة تستحق الدراسة والتعرف إليها‬
‫من خالل هذا الفصل‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬ألمانيا في الحرب العالمية األولى‬

‫عانت ألمانيا منذ حدوث الحرب العالمية األولى من عدة مشاكل اقتصادية واجتماعية‬
‫وعسكرية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬ألمانيا قبل الحرب العالمية األولى‬

‫كان ت ألمانيا قبل الحرب العالمية األولى دولة عظمى بكل معنى الكلمة‪ ،‬وأقوى دول القارة‪،‬‬
‫وللدول العظمى مصالح مستديمة توجه سياستها الخارجية مهما كانت الحكومات أو نوع النظام‬
‫السياسي فيها‪.‬‬

‫وفي السنوات العشر قبل الحرب كانت ألمانيا على درجة واسعة من النمو االقتصادي‬
‫والسكاني‪ ،‬فقد كان النمو االقتصادي فيها عظيماً وأفضل من إنكلترا‪ ،‬ألن ألمانيا حققته دون‬
‫القضاء على الزراعة بل طورتها‪ .‬وكانت أول دولة أوروبية في استخراج الفحم الحجري‪ ،‬واألولى‬
‫في الصناعات التحويلية المعدنية‪ ،‬وكذلك الكيميائية والكهربائية‪ ،‬وفي صناعة النسيج تأتي مباشرة‬
‫بعد بريطانيا‪ .‬يضاف إلى ذلك ما عرف عن األلمان من روح المبادرة في المشاريع‪ ،‬وحب النظام‬
‫واالندفاع في العمل‪ ،‬لكن مع غطرسة قومية ال تخلو من نوازع السيطرة‪.1‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬ألمانيا في الحرب العالمية األولى‬

‫‪ -1‬منذرالحايك‪" ،‬المعجزة األلمانية بين الحربين"‪ ،‬مقال منشور في الموقع االلكتروني‪:‬‬


‫‪ http://www.diwanalarab.com/spip.php?article22880‬تاريخ الزيارة‪2015/04/17 :‬‬

‫‪67‬‬
‫معاهدات السالم والمشكلة األلمانية‬ ‫الفصل السابع‪:‬‬

‫شهدت الفترة المتراوحة ما بين ‪ 1914‬و‪1918‬م‪ ،‬حربا عالمية أولى شارك فيها حلفان‬
‫عسكريان هما حلف المركز أو الوسط ضد دول التحالف‪ .‬وقد خلفت الحرب خسائر كبرى على‬
‫المستوى البشري و االقتصادي‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مراحل الحرب العالمية األولى‬

‫كان حدث مقتل ولي عهد النمسا "فرنسوا فرديناند" الش اررة التي أوقدت نار الحرب العالمية‬
‫األولى التي عملت ألمانيا والنمسا (دول المركز أو الوسط) على إنهائها في فترة وجيزة‪ ،‬لكن‬
‫صمود فرنسا وروسيا وبريطانيا (دول التحالف) جعل الحرب تستمر إلى ‪1918‬م‪.‬‬

‫و قد مرت الحرب بمرحلتين أساسيتين‪:‬‬

‫‪ -‬المرحلة األولى (‪ :)1917 - 1914‬تميزت بنهج خطة الحرب المتحركة وحققت فيها ألمانيا‬
‫عدة انتصارات سواء في الجبهة الغربية ضد فرنسا أو في الجبهة الشرقية ضد روسيا‪ .‬وتميزت هته‬
‫المرحلة بأحداث كبرى أهمها الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين‪.‬‬

‫‪ -‬المرحلة الثانية (‪ :)1918 - 1917‬تميزت باستئناف الحرب المتحركة حيث اضطرت ألمانيا‬
‫إلى توسيع حرب الغواصات لتشمل سفن الدول الداعمة للحلفاء‪ .‬وبفعل ارتباط المصالح واغراق‬
‫بعض سفنها وافق الكونغرس على طلب الرئيس األمريكي ويلسون بخصوص إعالن الحرب على‬
‫ألمانيا‪ ،‬هذه األخيرة التي كانت تستعد الستئناف الحرب المتحركة خاصة مع انسحاب االتحاد‬
‫السوفياتي اثر نجاح الثورة البلشيفية‪ .‬ومع دخول الواليات المتحدة الحرب قلب الكفة لصالح الحلفاء‬
‫الذين انتصروا باستعمال أسلحة جديدة كالدبابات والمدافع والطائرات والغازات السامة‪ ،‬فعقدت‬
‫معاهدة بريست ليتوفسك سنة ‪1918‬م التي أقرت رسميا إنهاء الحرب على ألمانيا‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬نتائج الحرب العالمية األولى‬

‫‪68‬‬
‫معاهدات السالم والمشكلة األلمانية‬ ‫الفصل السابع‪:‬‬

‫‪ -1‬النتائج البشرية والمادية‪ :‬اعتبرت ألمانيا الخاسر األكبر في الحرب حيث فقدت ما يناهز ‪2‬‬
‫مليون ألماني‪ ،‬تلتها روسيا‪ ،‬واعتبرت الواليات المتحدة األمريكية األقل خسارة في الحرب على‬
‫مستوى أعداد القتلى‪ .‬خلفت الحرب آالف المعطوبين (ذوو االحتياجات الخاصة) الشيء الذي أثر‬
‫سلبا على دولهم التي كانت ملزمة بتخصيص ميزانيات خاصة إلعالتهم (التقاعد)‪ .‬كما لوحظ بعد‬
‫الحرب ظهور مشكل التضخم مما أفرز مشاكل اقتصادية تمثلت في غالء كلفة المعيشة‪ .‬كما‬
‫نشير إلى لجوء كل دول أوروبا لالقتراض لتعزيز القدرات العسكرية خالل الحرب وإلعادة إعمار‬
‫وبناء أوروبا بعد الحرب‪.‬‬

‫‪ -2‬النتائج االقتصادية‪ :‬خلفت الحرب خسائر اقتصادية جسيمة بعد تدمير البنايات االقتصادية‬
‫واالجتماعية (كالمعامل والمساكن واألراضي الفالحية والطرق)‪ ،‬مما أدى إلى تراجع اإلنتاج‬
‫الفالحي والصناعي‪ ،‬وانتشار الفقر والبطالة‪ ،‬وقد عاشت الدول المتحاربة أزمة مالية خانقة بسبب‬
‫نفقات الحرب الباهضة‪ ،‬فازدادت مديونية الدول األوربية بعد لجوئها لالقتراض من الخارج‪ ،‬كما‬
‫ركزت بعض الدول على مستعمراتها لتنشيط اقتصادها‪ ،‬ومقابل التراجع األوروبي استفادت دول‬
‫أخرى من الحرب كالواليات المتحدة األمريكية واليابان‪.‬‬

‫‪ -3‬النتائج السياسة‪ :‬تفككت األنظمة اإلمبراطورية القديمة‪ ،‬وسقطت األسر اإلقطاعية الحاكمة بها‬
‫(روسيا‪ ،‬ألمانيا‪ ،‬النمسا المجر …)‪.‬‬

‫كما تغيرت الحدود الترابية للقارة األوربية بظهور دول جديدة‪ ،‬وقامت الثورة الروسية التي‬
‫طبقت أول نظام اشتراكي‪ ،‬وعقد مؤتمر للصلح بقصر فرساي سنة ‪1919‬م الذي فرضت معاهداته‬
‫شروطا قاسية على الدول المنهزمة‪ ،‬كما أنشئت عصبة األمم لنشر السلم والتعاون انطالقا من‬
‫المبادئ ‪ 14‬للرئيس األمريكي ولسون‪.1‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬معاهدات السالم‬

‫‪" -1‬أوربا بعد نهاية الحرب العالمية األولى إلى األزمة االقتصادية"‪ ،‬مقال منشور في الموقع االلكتروني‪:‬‬
‫‪http://www.startimes.com/f.aspx?t=33205252‬‬

‫‪69‬‬
‫معاهدات السالم والمشكلة األلمانية‬ ‫الفصل السابع‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تحديد أهم بنود معاهدة فيرساي‬

‫تم توقيع االتفاقية في ‪ 28‬جوان ‪ 1919‬بحضور الدول المنتصرة وعلى رأسها الواليات‬
‫المتحدة وبريطانيا وفرنسا وايطاليا ومن دون حضور ألمانيا‪ .‬وقد تضمنت االتفاقية مجموعة من‬
‫الفصول فاق عددها ‪ 200‬فصل نصت كلها على تحميل ألمانيا مسؤولية اندالع الحرب وبالتالي‬
‫إلزامها بدفع تعويضات مادية للدول المنتصرة‪ .‬كما نصت االتفاقية على منح منطقة األلزاس‬
‫واللورين لفرنسا‪ ،‬ودفع ألمانيا إلى عدم بناء تحصينات عسكرية قرب الحدود بينها وبين فرنسا‬
‫(منطقة نهر الراين)‪ ،‬كما انتزعت المستعمرات من ألمانيا لصالح كل من فرنسا وبريطانيا‪.1‬‬

‫أُجبرت ألمانيا على الرغم من االحتجاجات الشديدة عندها إلى أن تعترف بالذنب لبدئها‬
‫الحرب في عام ‪ ،1914‬وبالتالي فهي مسؤولة عن التعويضات الضخمة التي عليها أن تقوم‬
‫بتعويضها لدول الحلفاء المتضررة والمواطنين بسبب العدوان األلماني‪.‬‬

‫وسمي هذا الشرط الحقًا عند األلمان بشرط ذنب الحرب‪ ،‬وقد شعرت الغالبية العظمى من‬
‫َ‬
‫األلمان بالمهانة واالستياء حول هذه النقطة‪ ،‬وبعد ذلك أصبحت هذه النقطة قضية النازيين أثناء‬
‫‪2‬‬

‫حملتهم الكبرى في عام ‪. 31920‬‬

‫في عام ‪ 1921‬قُدر مجموع التعويض للدول المتضررة وهو ‪ 132‬مليار مارك ذهبي‬
‫ألماني‪ ،‬وقد كان الخبراء االقتصاديين للحلفاء على معرفة أن ألمانيا لن تستطيع أن تدفع مثل هذا‬
‫المبلغ كتعويض وفي عام ‪ 1931‬علِّق دفع التعويض من قبل المجتمع الدولي‪ ،‬بسبب أن ألمانيا قد‬

‫‪ -1‬ذ‪.‬رشيد احمايمي‪" ،‬العالم غداة الحرب العالمية األولى"‪ ،‬مقال منشور في الموقع االلكتروني‪:‬‬
‫‪ http://www.khayma.com/rachidgeo/1guerre%20mondialll.htm‬تاريخ الزيارة‪2015/04/17 :‬‬
‫‪ -2‬النازية‪ :‬نظام ديكتاتوري أقامه أدولف هتلر بألمانيا سنة ‪ 1933‬يعتمد على حكم الفرد و تقديسه في غياب أي تمثيل نيابي‪.‬‬
‫‪ -3‬محمود علي‪" ،‬ألمانيا من إمبراطورية عظيمة إلى دولة ذليلة بعد الحرب العالمية األولى" ‪ ،‬مقال في شبكة اإلعالم العربية "محيط" ليوم‪:‬‬
‫‪ ،2014/08/10‬منشور في الموقع االلكتروني‪ http://moheet.com/ :‬تاريخ الزيارة‪2015/04/17 :‬‬

‫‪70‬‬
‫معاهدات السالم والمشكلة األلمانية‬ ‫الفصل السابع‪:‬‬

‫دفعت ما يعادل ‪ 20.598‬مليون مارك ذهبي ألماني كتعويض‪ ،‬ومع صعود شعبية أدولف هتلر‬
‫أُلغيت جميع السندات والقروض المفروضة على ألمانيا‪.1‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المعاهدات األخرى ضد الدول المنهزمة‬

‫يمكن إجمال معاهدات السالم الموقعة بعد الحرب العالمية األولى من خالل الجدول التالي‪:‬‬

‫جدول رقم (‪ :)1‬معاهدات السالم بعد الحرب العالمية األولى‬

‫أهم شروطها‬ ‫الطرف المعني بها‬ ‫تاريخها‬ ‫المعاهدات‬

‫‪ -‬فصل النمسا عن المجر‪.‬‬


‫‪ -‬اقتطاع أجزاء ترابية منهما لصالح‪:‬‬ ‫‪ 10‬سبتمبر ‪1919‬م‬ ‫معاهدة سان جرمان‬
‫اإلمبراطورية‬
‫يوغوسالفيا وتشيكوسلوفـاكيا وايطاليا وبولونيا‬
‫ورومانيا‪.‬‬ ‫النمساوي ‪-‬المجرية‬
‫‪ -‬تحديد قواتهما العسكرية‪.‬‬ ‫‪ 4‬جوان ‪1920‬م‬ ‫معاهدة تريانون‬

‫‪ -‬اقتطاع أراضي بلغارية لصالح اليونان‬


‫ويوغوسالفيا و ورومانيا‪.‬‬ ‫بلغاريا‬ ‫‪ 27‬نوفمبر ‪1919‬م‬ ‫معاهدة نويي‬
‫‪ -‬تحديد قواتها العسكرية‪.‬‬
‫‪ -‬تفكيك اإلمبراطورية العثمانية وتسليم جل‬
‫أراضيها األوربية لليونان‪.‬‬
‫‪ -‬اقتطاع أراضي المشرق العربي واخضاعها‬ ‫اإلمبراطورية العثمانية‬ ‫‪ 10‬أوت ‪1920‬م‬ ‫معاهدة سيـفر‬
‫لالنتداب الفرنسي واالنجليزي‪.‬‬

‫المصدر‪ :‬قاسم بوسعيدة‪ ،‬محمد بن ريانة‪،‬محمد ربدان‪" ،‬الحرب العالمية الثانية"‪ ،‬دروس في التاريخ والجغرافيا على الموقع‬
‫‪http://his-geo.tw.ma/604.html‬‬ ‫االلكتروني‪:‬‬

‫‪ -1‬محمود علي‪" ،‬ألمانيا من إمبراطورية عظيمة إلى دولة ذليلة بعد الحرب العالمية األولى" ‪ ،‬مقال منشور في الموقع االلكتروني‪:‬‬
‫‪ http://moheet.com/2014/08/10/‬تاريخ الزيارة‪2015/04/17 :‬‬

‫‪71‬‬
‫معاهدات السالم والمشكلة األلمانية‬ ‫الفصل السابع‪:‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬ألمانيا النازية والسير نحو الحرب‬

‫عمل هتلر‪ 1‬عند وصوله إلى الحكم تطبيق برنامجه الوارد في كتابه " كفاحي" ويقوم هذا‬
‫البرنامج على‪:‬‬

‫‪ -‬نقض معاهدة فرساي وتحقيق المجال الحيوي‪ 2‬للشعب األلماني وقد كانت الخطوة األولى‪ ،‬في‬
‫ثم‬
‫ضمها في مارس ‪ّ 1938‬‬
‫ضم ماليين األلمان الذين يعيشون خارج الرايخ بدءا بالنمسا التي ّ‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬
‫ّ‬
‫طالب بمنطقة السودات‪ 5‬التابعة لتشيكوسلوفاكيا‪.‬‬

‫‪ -‬انعقد مؤتمر مونيخ يومي ‪ 29/28‬سبتمبر ‪ 1938‬كمحاولة إلنقاذ السلم وانتهى بتلبية مطالب‬
‫ألمانيا التوسعية في السودات ‪.‬‬

‫‪ -‬تزايدت أطماع هتلر وعمل على عقد الحلف الفوالذي مع ايطاليا ‪ 31‬مارس ‪ 1939‬ومعاهدة‬
‫البولونية‬
‫ّ‬
‫‪6‬‬
‫عدم االعتداء مع االتحاد السوفياتي في ‪ 23‬أوت ‪ 1939‬فطالب بمدينة دانتزيغ‬
‫فقررت الديمقراطيات التصدي‪ ،‬وفي ‪ 1‬سبتمبر ‪ 1939‬اقتحمت ألمانيا‬
‫التوسعية ّ‬
‫ّ‬ ‫فتوضحت أطماعه‬
‫البولونية فأعلنت انكلت ار وفرنسا الحرب على ألمانيا يوم ‪ 3‬سبتمبر ‪ 1939‬فاندلعت‬
‫ّ‬ ‫األراضي‬
‫العالمية الثانية‪.7‬‬
‫ّ‬ ‫الحرب‬

‫استمرت الحرب ‪ 6‬سنوات وانتهت سنة‪ 1945‬بانتصار الحلفاء ‪.‬‬

‫‪ -1‬هتلر‪ :‬أدولف هتلر زعيم الحزب النازي في ألمانيا وصل إلى الحكم سنة ‪ 1933‬و فرض النظام الدكتاتوري و كانت سياسته أحد أسباب‬
‫الحرب العالمية الثانية‪.‬‬
‫‪ -2‬المجال الحيوي‪ :‬سياسة اعتمدها هتلر تهدف إلى التوسع في األراضي الموجودة في شرق أوربا باعتبارها ضرورية لحياة‬
‫الشعب األلماني ‪.‬‬
‫‪ -3‬الرايخ‪ :‬كلمة تعني الدولة‪ ،‬وقد سميت ألمانيا النازية بالرايخ الثالث‪.‬‬
‫‪ -4‬النمسا ‪ :‬ضمها هتلر أللمانيا في مارس ‪ 1938‬رغم تنصيص معاهدة فرساي على منع ذلك‪.‬‬
‫‪ -5‬السودات ‪ :‬منطقة تضم ‪ 3‬ماليين ألماني ‪ ،‬انتزعت من ألمانيا و منحت لتشيكوسلوفاكيا ‪ .‬استرجعها هتلر إثر مؤتمر مونيخ في سبتمبر‬
‫‪. 1938‬‬
‫‪ -6‬دانتزيغ‪ :‬مدينة ألمانية حولها الحلفاء إلى مدينة حرة تديرها جمعية األمم ‪ .‬طالب هتلر باسترجاعها في صائفة ‪.1939‬‬
‫‪ -7‬قاسم بوسعيدة‪ ،‬محمد بن ريانة‪،‬محمد ربدان‪" ،‬الحرب العالمية الثانية"‪ ،‬دروس في التاريخ والجغرافيا على الموقع االلكتروني‪http://his- :‬‬
‫‪geo.tw.ma/604.html‬‬

‫‪72‬‬
‫معاهدات السالم والمشكلة األلمانية‬ ‫الفصل السابع‪:‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية‬

‫كانت الحرب العالمية الثانية بين حلفين أساسيين‪ ،‬وهما‪ :‬دول المحور (ألمانيا واليابان‬
‫العالمية الثّانية من أكثر الحروب‬
‫ّ‬ ‫وتعد الحرب‬
‫الدول الحلفاء (بريطانيا وفرنسا وأمريكا)‪ّ .‬‬
‫وايطاليا) و ّ‬
‫لكل دول العالم‪ ،‬وحصلت فيها الكثير‬‫دموية واراقة للدماء‪ ،‬حيث كانت رقعتها واسعة تمتد ّ‬
‫البشرّية ّ‬
‫وفيات هائلة ‪.‬‬
‫وتسبب بأعداد ّ‬
‫خيالي من الجنود‪ّ ،‬‬ ‫من المعارك‪ ،‬وشارك فيها عدد‬
‫ّ‬
‫بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية واستسالمها في ‪ 8‬ماي ‪ 1945‬كانت األوضاع‬
‫االقتصادية والمالية كارثية نتيجة لألضرار الجسيمة التي ألحقتها الحرب ببنيتها األساسية وبمرافقها‬
‫االقتصادية‪ .‬ونتيجة للديون والمبالغ الطائلة التي تعهدت ألمانيا بدفعها كتعويضات لدول الحلفاء‬
‫المنتصرة‪.‬‬

‫دمر ثلثا البالد بالكامل خاصة المدن األلمانية الكبرى التي سويت أكثر من نصف مساكنها‬
‫باألرض‪ .‬وفقدت ألمانيا ‪ 3.3‬مليون عسكري‪ .‬و ‪ 3.8‬مليون مدني‪ .‬و بلغ عدد أسرى الحرب‬
‫األلمان نحو ‪ 11‬مليون أسير بقي ‪ 6‬ماليين منهم في المعسكرات السوفييتية حتى عام ‪.1948‬‬
‫وأرسلت قوات الحلفاء عدة ماليين من األسرى اآلخرين إلى كل من فرنسا وبولونيا وانكلت ار للعمل‬
‫بالسخرة من أجل إعادة بناء هذه الدول واصالح ما دمرته جيوش النازية‪.‬‬

‫كان التحدي األول الذي جابهته ألمانيا المدمرة والمحتلة بعد الحرب هو نقص الرجال (عدد‬
‫سكان ألمانيا بعد الحرب ‪ 27‬مليون‪ 20 ،‬مليون منهم نساء)‪ .‬و ينظر األلمان بفخر كبير للدور‬
‫الذي اضطلعت به المرأة األلمانية في هذه الفترة الصعبة التي برزت فيها ظاهرة “نساء األنقاض”‪.‬‬
‫فقد وجدت النساء األلمانيات أنفسهن مع أطفالهن بال مأوى وال مأكل وال مشرب‪ ،‬لكنهن شمرن عن‬
‫سواعدهن وكانت مهمتهن األولى هي استخراج الحجارة السليمة من بين األنقاض إلعادة‬
‫استخدامها مرة أخرى في البناء‪ ،‬واخالء األبنية والشوارع من األنقاض ونقلها إلى خارج المدن‪،‬‬
‫وكذلك العمل في المصانع التي لم تتضرر من القصف‪ ،‬وعاش األلمان ثالث سنوات بعد الحرب‬
‫في ظروف تشبه المجاعة مع تقنين الغذاء وانعدام الرعاية الطبية ونقص المحروقات للتدفئة في‬
‫الشتاء القارس‪ ،‬فتضاعفت معدالت الوفيات عما كانت عليه أثناء الحرب نفسها؛ ورغم ذلك‬

‫‪73‬‬
‫معاهدات السالم والمشكلة األلمانية‬ ‫الفصل السابع‪:‬‬

‫تضافرت جهود النساء مع الالجئين الوافدين من عدة بلدان في أوروبا الشرقية إلزالة آثار الدمار‬
‫واعادة بناء ما يمكن بناؤه‪.‬‬

‫خالل السنوات األولى التي أعقبت الحرب فقدت العملة األلمانية (المارك) قيمتها ومكانتها‬
‫كعملة متداولة وكان التعامل يجري غالبا بعمالت دول الحلفاء المكلفة بإدارة المناطق األربعة التي‬
‫قسمت إليها الدولة األلمانية بعد استسالمها عام ‪ .1945‬وهذه الدول هي‪ :‬االتحاد السوفياتي‪-‬‬
‫الواليات المتحدة‪ -‬بريطانيا‪ -‬فرنسا‪.‬‬

‫و في شهر ماي من عام ‪ 1948‬قررت الدول الغربية توحيد المناطق الثالث التي كانت‬
‫تحت إدارتها لتشكل ما سمي (ألمانيا الغربية)‪ ،‬أما المنطقة التي كانت خاضعة لسيطرة االتحاد‬
‫السوفيتي فأصبحت منذ عام ‪( 1949‬ألمانيا الشرقية)‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬المعجزة االقتصادية األلمانية‬

‫أدى اختالف الظروف والتطورات السياسية في كل من األلمانيتين إلى اختالف أوضاعهما‬


‫االقتصادية‪ ،‬وفيما لم تفلح ألمانيا الشرقية‪ ،‬فإن اقتصاد ألمانيا الغربية أصبح وخالل فترة قصيرة ال‬
‫تتعدى عشرة سنوات من أكثر اقتصاديات العالم تطو ار وازدها اًر‪.‬‬

‫ويرى الخبراء أن العامل الرئيسي الذي أدى إلى تعثر التقدم اإلقتصادي في ألمانيا الشرقية‬
‫كان السياسة االقتصادية الممركزة التي انتهجتها بإيحاء من االتحاد السوفياتي الذي كان يجد في‬
‫وجود الفقر والبطالة تربة خصبة إلنتشار الشيوعية‪ ،‬إضافة إلى عوامل أخرى أهمها‪ :‬إقدام االتحاد‬
‫السوفياتي على نقل العديد من المصانع ووسائل اإلنتاج الصناعية من ألمانيا الشرقية إلى المناطق‬
‫السوفياتية ليعوض نفسه عن الخسائر التي لحقت به أثناء الحرب‪.‬‬

‫باإلضافة إلى أن رفض االتحاد السوفياتي االنضمام إلى مشروع (مارشال) حرم ألمانيا‬
‫الشرقية من المساعدات المالية األميركية التي تمتعت بها كل دول أوروبا الغربية‪.‬‬

‫مشروع مارشال هو مشروع اقتصادي وضعه الجنرال جورج مارشال إلعادة إعمار أوروبا‬
‫بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية‪ ،‬الجنرال جورج مارشال كان رئيس هيئة أركان الجيش األميركي‬
‫أثناء الحرب العالمية الثانية وأصبح بعدها وزير الخارجية األميركي في جانفي ‪ ،1947‬أعلن‬

‫‪74‬‬
‫معاهدات السالم والمشكلة األلمانية‬ ‫الفصل السابع‪:‬‬

‫مارشال بنفسه هذا المشروع في ‪ 5‬جوان ‪ 1947‬في خطاب أمام جامعة هارفرد‪ ،‬وشكلت حينها‬
‫هيئة أطلق عليها “منظمة التعاون االقتصادي األوربي” لإلشراف على إنفاق ‪ 12.4‬مليار دوالر‬
‫أميركي إلعادة إعمار وترميم وتوسيع البنية التحتية‪ ،‬واعادة بناء وتشغيل االقتصاد وتطوير‬
‫المشاريع الصناعية األوربية (حصلت ألمانيا الغربية منها على مليار دوالر)‪.‬‬

‫باإلضافة إلى تلك المساعدات األمريكية‪ ،‬كان العامل البشري هو العامل الحاسم وبدونه ما‬
‫كان هناك نهضة‪ ،‬فقد أظهر األلمان في ألمانيا الغربية رغم إنكسارهم في الحرب ووجودهم تحت‬
‫احتالل فعلي رغبة واص ار ار كبيرين على العمل الشاق وفقا لنظام والتزام صارم‪ ،‬وسرعان ما‬
‫استعادت ألمانيا الغربية الكثير من قوتها العاملة المؤهلة‪ ،‬كما أن نظام التعليم المتطور استطاع أن‬
‫من سكان ألمانيا للدخول إلى مستوى جامعي أو المتالك المؤهالت‬ ‫‪1‬‬
‫يؤهل أكثر من ‪% 84‬‬
‫المهنية المعترف بها‪ ،‬كما أن االهتمام الشديد بمجال البحث العلمي وانفاق الدولة بالمليارات جعل‬
‫من ألمانيا أحد رواد االبتكار في العالم‪ ،‬كما استفاد اقتصاد ألمانيا الغربية بشكل كبير من عدد‬
‫إضافي من اليد العاملة‪ ،‬التي كانت تتكون من المهاجرين‪ ،‬الذين قرروا العودة إلى أرض الوطن‬
‫بعد انتهاء الحرب‪ ،‬فشكلوا بذلك طاقة إضافية سخرت في خدمة االقتصاد‪.2‬‬

‫ويشير المؤرخون األلمان إلى روح التضحية و العمل الجماعي التي تميز بها األلمان في‬
‫هذه المرحلة‪ ،‬فقد تراجعت التوترات االجتماعية بين الالجئين من أصول ألمانية وبين األلمان‬
‫أنفسهم وانخرط الجميع في بناء الدولة الجديدة‪ ،‬كما ساهمت النقابات في ذلك بعدم المبالغة في‬
‫مطالبها لزيادة الرواتب وتراجعت المطالب الفئوية أمام تحدي بناء ألمانيا الجديدة‪.‬‬

‫لقد تمكن األلمان الغربيون خالل خمس سنوات فقط من العمل الدؤوب والشاق من التغلب‬
‫على تحديات جمة ووضعوا بالدهم المدمرة على طريق اإلنطالق االقتصادي‪.3‬‬

‫‪ -1‬أيمن متولي‪ ،‬مقال منشور في الموقع االلكتروني‪ http://mosgcc.com/mos/magazine/article.php?storyid=1888 :‬تاريخ‬


‫الزيارة‪2015/04/18 :‬‬
‫‪ -2‬عبد الجليل أميم‪ ،‬التجربة النهضوية األلمانية‪ :‬كيف تغلبت ألمانيا على معوقات النهضة؟ ‪ ،‬مركز إنماء للبحوث والدراسات‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪ ،2014‬ص‪.128 .‬‬
‫‪" -3‬األوضاع في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية بأسبوع" ‪ ،‬مقال منشور في الموقع االلكتروني‪:‬‬
‫‪http://www.jordanianleaks.com/2014/10‬‬

‫‪75‬‬
‫معاهدات السالم والمشكلة األلمانية‬ ‫الفصل السابع‪:‬‬

‫لقد تبني إيرهارد‪ 1‬واإلقتصادي األلماني ألفرد أرماك نموذج إقتصادي حمل إسم "إقتصاد‬
‫السوق اإلجتماعي"‪.‬‬

‫وجاء النموذج الجديد ليجمع بين محاسن إقتصاد السوق الحر‪ ،‬مثل توفير المنتجات والقدرة‬
‫اإلقتصادية المتطورة عالية الكفاءة‪ ،‬وفي نفس الوقت يتالفي مساوئ المنافسات الشرسة واإلحتكار‬
‫واستغالل العمال والمعامالت التجارية الضارة بالمجتمع‪.‬‬

‫فالهدف من إقتصاد السوق اإلجتماعي هو تحقيق أكبر قدر من الرخاء مع تأمين حقوق‬
‫المجتمع والعمال‪ .‬والدولة مسموح لها بالتدخل الهامشي في الشأن اإلقتصادي الذي يرتكز بشكل‬
‫رئيسي على القطاع األهلي المدني وبالتالي يقتصر دور الدولة على تحفيز النشاط اإلقتصادي‬
‫ووضع سياسات تضمن بيئة تنافسية إيجابية ووضع سياسات إجتماعية لحماية الفرد والعمال‪.‬‬
‫وسرعان ما أسس المجتمع المدني شركات مساهمة لإلنتاج واعادة اإلعمار بالتعاون مع البنوك‪.‬‬
‫فظهرت شركات كبرى مثل مرسيدس وفولكسفاجن وباير وشركات الحديد والصلب‪ ..‬إلخ‪ ،‬ولم تكن‬
‫تلك الشركات الكبرى بمعزل عن المجتمع بل تم ربط كل شركة كبرى بشركات أصغر ومشروعات‬
‫صغيرة ومتناهية الصغر تقدم خدماتها ومنتجاتها للشركة الكبرى األم‪ ،‬وسرعان ما تتحول‬
‫المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر إلى شركات متوسطة تستوعب الكثير من األيدي العاملة‪،‬‬
‫وتعد الشركات المتوسطة أكبر مولد لفرص العمل في البالد‪.‬‬

‫ويظهر دور الدولة في أوقات األزمات اإلقتصادية وخاصة عند إرتفاع أعداد العاطلين‪،‬‬
‫فتتبني سياسات لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر وتدعمها بقروض صغيرة أو‬
‫متوسطة بشروط ميسرة لحين نجاحها في دخول السوق وتحقيق النمو اإلنتاجي الذي يسمح لها‬
‫بالمنافسة وبالتالي يتحقق الهدف المتمثل في تشغيل العاطلين وتوفير دخل إلعاشة ذويهم وايجاد‬
‫مشروعات قابلة للنمو والتحول إلى شركات كبيرة منتجة قادرة على تلبية إحتياجات السوق المحلية‬
‫واإلقليمية والعالمية‪.‬‬

‫‪ -1‬اإلقتصادي لودفيج إيرهارد الملقب بـ'منقذ ألمانيا' ‪ ،‬شغل وزي ار لإلقتصاد األلماني في عام‪ ، 1949‬ثم مستشا ار أللمانيا خالل الفترة من عام‬
‫‪ 1963‬وحتي نهاية عام ‪.1966‬‬

‫‪76‬‬
‫معاهدات السالم والمشكلة األلمانية‬ ‫الفصل السابع‪:‬‬

‫أما فيما يتعلق بالديون الخارجية كانت ألمانيا مدينة بمقدار‪ 30‬مليار مارك لـ‪ 70‬دولة وكان‬
‫من الصعب على األلمان تسديد ديونهم دون أن تتأثر ميزانية البالد المثقلة بااللتزامات‪ ،‬وتم‬
‫التوصل إلتفاق بلندن في فيفري ‪ 1953‬ألغيت بمقتضاه نصف الديون األلمانية بينما تمت جدولة‬
‫النصف المتبقي ليتم تسديدها على المدى البعيد‪ .‬وكافأت األقدار الشعب األلماني بشكل درامي‬
‫غير متوقع‪ .‬فقد نشبت الحرب الكورية ‪ .1953 -1950‬وصاحبت الحرب حالة من زيادة الطلب‬
‫السلعي العالمي في وقت إنخفض فيه المعروض من السلع‪ ،‬وبالتالي لم تجد أسواق العالم بدا من‬
‫كبيرة‪.‬‬ ‫وبكميات‬ ‫األلمانية‬ ‫المنتجات‬ ‫لتلقى‬ ‫مصراعيها‬ ‫على‬ ‫أبوابها‬ ‫فتح‬
‫وكان الشعب األلماني في إنتظار الفرصة السانحة فانطلقت المصانع األلمانية والعمالة الماهرة‬
‫لتلبية إحتياجات السوق العالمي وتمكن األلمان من مضاعفة قيمة صادراتهم خالل فترة الحرب‬
‫الكورية والسنوات التي تلتها‪.‬‬

‫وعلى الرغم من إعتقاد البعض بأن المعجزة اإلقتصادية األلمانية كانت نتاج لمشروع‬
‫مارشال الذي دشنته الواليات المتحدة بعد الحرب إلغاثة إقتصاديات الدول األوروبية‪ ،‬فإن الخبراء‬
‫يؤكدون أن خطة مارشال لم تقدم أللمانيا الغربية سوى قدر ضئيل من المساعدة‪ .‬فبحلول‬
‫عام‪ 1954‬قدمت خطة مارشال وبرامج المساعدات الخارجية المصاحبة ما قدر بـ‪ 2‬مليار دوالر‬
‫فقط وفي عامي‪ 1948‬و‪ 1949‬لم تمثل مساعدات خطة مارشال سوى أقل من‪ %5‬من الدخل‬
‫القومي للبالد‪ ،‬وكان إستنزاف المساعدات الخارجية المقدمة أللمانيا يتم بواسطة التعويضات التي‬
‫كانت تقدمها لدول الحلفاء وقدرت بـ‪ 4,2‬مليار دوالر سنويا باإلضافة لتكاليف اإلحتالل‪.1‬‬

‫وبفضل المعجزة اإلقتصادية تحول المجتمع األلماني إلى مجتمع حديث منتج خدمي‬
‫إستهالكي‪ ،‬نمت معه الطبقة الوسطى وارتفع فيه مستوى الطبقات الدنيا من فالحين ومهنيين‪،‬‬
‫وتآكلت فيه الحدود الصارمة بينهما كما تضاءلت الفروقات بين المدينة والقرية‪ .‬وتكون أساس‬
‫إجتماعي متين يسمح بالتعددية السياسية واقامة نظام ديمقراطي على أسس سليمة‪ .‬على عكس ما‬
‫كان يتبناه بعض سياسيي ألمانيا في مرحلة بعد الحرب من ضرورة فرض سياسة إقتصادية مركزية‬
‫إلنقاذ البالد‪.‬‬

‫‪ -1‬طارق الشيخ‪" ،‬معجزة اقتصادية رفعت األلمان إلي عنان السماء"‪ ،‬مقال منشور في الموقع االلكتروني‪:‬‬
‫‪http://www.ahram.org.eg/NewsQ/135995.aspx‬‬

‫‪77‬‬
‫معاهدات السالم والمشكلة األلمانية‬ ‫الفصل السابع‪:‬‬

‫ووفقا لهذا النظام الناجح فإن كل ألماني هو عنصر فاعل في المجتمع‪ ،‬مسؤول عن نفسه‬
‫و تجاه اآلخرين و تتدخل الدولة لمساعدته فقط حين يعجز هو عن مساعدة نفسه‪.‬‬

‫وبعد إعادة توحيد شطري ألمانيا عام ‪ 1990‬تمكن إقتصاد ألمانيا الغربية القوي من إعادة‬
‫بناء دولة بكاملها في الشطر الشرقي‪ ،‬وكشف ألمان الشرق عن معدنهم الحقيقي وانخرطوا في‬
‫العمل للحاق بركب التطور اإلقتصادي والصناعي في الشطر الغربي‪.‬‬

‫و في الوقت الراهن يعتبر إقتصاد ألمانيا خامس أكبر إقتصاد في العالم و أهم اقتصاديات‬
‫االتحاد األوروبي‪ ،‬كذلك تقف ألمانيا في طليعة الدول المصدرة في العالم‪ ،‬حيث بلغ حجم التصدير‬
‫األلماني في العام الماضي أكثر من ألف وخمسمائة مليار دوالر سنوياً‪.1‬‬

‫‪ -1‬األوضاع في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية بأسبوع‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫األزمة االقتصادية العالمية ‪( 1929‬أزمة الكساد)‬ ‫الفصل الثامن‪:‬‬

‫تمهيد‬

‫تعتبر األزمات االقتصادية جزء ال يتج أز من طبيعة النظام الرأسمالي‪ ،‬فهي بشكل عام تبدأ‬
‫بزيادة اإلنتاج نتيجة لهدف الرأسمالي إلى زيادة ربحه‪ ،‬مما يؤدي إلى تراجع أسعار السلع‬
‫المعروضة بسبب أن العرض يفوق الطلب‪ ،‬مما يؤدي في األخير إلى موجة من اإلفالسات‬
‫المتتالية التي تؤدي إلى نقص القوى الشرائية والبطالة وغيرها‪ ،‬مما يؤدي إلى انهيار أسهم تلك‬
‫الشركات في البورصات العالمية‪ ،‬وهكذا تحدث األزمات‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬األزمات االقتصادية‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم األزمات االقتصادية‬

‫منذ القرن التاسع عشر وظهور الصناعة اآللية بدأت األزمات االقتصادية تشكل اقتصاد‬
‫البالد الرأسمالية‪ ،‬والسبب الرئيسي لحدوث األزمات هو فائض اإلنتاج حيث يختل التوازن بين‬
‫الكمية المنتجة والقدرة الشرائية لدى المستهلكين نظ ار لما يحدث من التناقض بين صفة اإلنتاج‬
‫الجماعية وملكية عوامل اإلنتاج الفردية وطبيعة اإلنتاج الرأسمالي الذي ال يهدف إال إلى تحقيق‬
‫أكبر ربح‪ ،‬ألن اإلنتاج أصبح يوجه في الحقيقة إلى الطبقة القادرة على الشراء من جهة ومن جهة‬
‫أخرى المنتج الذي ال يحقق ربحا ولو كان المجتمع في حاجة كبيرة إليه يتوقف عن اإلنتاج‪،‬‬
‫فيحدث اختالل التوازن االجتماعي وحدوث األزمة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدورات االقتصادية‬

‫تميز اإلنتاج الرأسمالي خالل القرن التاسع عشر بظاهرة الدورات االقتصادية المتالحقة‬
‫التي تختلف من حيث التوقيت وطول المدة‪ ،‬وهي تمر بالمراحل التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬مرحلة االنتعاش‪ :‬ويميل فيها المستوى العام لألسعار إلى الثبات‪ ،‬أما النشاط االقتصادي‬
‫فيتزايد ببطء وينخفض سعر الفائدة والمخزون السلعي‪.‬‬

‫‪ -2‬مرحلة الرواج أو الرخاء‪ :‬تبدأ األسعار في اإلرتفاع فتشجع المؤسسات المنتجة في زيادة حجم‬
‫اإلنتاج فيزداد حجم الدخل والعمالة‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫األزمة االقتصادية العالمية ‪( 1929‬أزمة الكساد)‬ ‫الفصل الثامن‪:‬‬

‫‪ -3‬مرحلة األزمة‪ :‬تبدأ األسعار في الهبوط‪ ،‬ويتزايد تقلص حجم اإلنتاج فتظهر البطالة العمالية‪،‬‬
‫ويتزايد المخزون‪ ،‬ويبدأ الخوف التجاري في اإلنتشار وترتفع أسعار الفائدة‪.‬‬

‫‪ -4‬مرحلة الكساد‪ :‬تنخفض األسعار بسبب كساد التجارة وضعف النشاط التجاري وتعم البطالة‪.1‬‬

‫وحسب العلماء الذين اهتموا بهذه الظاهرة فان النظام الرأسمالي كان معرضا لمثل تلك‬
‫األزمات بمعدل واحدة كل سبعة سنوات تقريبا‪ ،‬ورغم اختالف أسبابها‪ ،‬إال أن البؤس والبطالة‬
‫والتده ور االقتصادي كان الصفة البارزة لإلقتصاد الحر في فترة األزمة‪ ،‬ولقد لوحظ أنه بعد األزمة‬
‫الكبرى سنة ‪ 1929‬التي اضطرب بتأثيرها النظام الرأسمالي حتى كاد أن ينهار تماما ونهائيا‪ ،‬بأن‬
‫هذه األزمات الدورية التي كانت تصيب هذا النظام خفت من حدتها وشدتها بسبب التدخل‬
‫الحكومي في القطاع االقتصادي إستمر في التوسع والسيطرة لمنع حدوث مثل تلك األزمات‪.2‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬نشأة الكساد‬

‫بدأت بوادر األزمة تظهر في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬إذ أن معدل اإلنتاج بدأ في‬
‫التدهور منذ عام ‪ 1927‬ألن سياستها اإلستثمارية الخارجية لم تتسم باإلنتظام وذلك نظ ار لحداثة‬
‫خبرة المستثمرين األمريكيين وعدم وجود أسطول تجاري أمريكي كالذي اعتمدت عليه تجربة‬
‫االستثمارات البريطانية الخارجية‪ ،‬فمهد ذلك النطالق ش اررة األزمة العالمية في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪.‬‬

‫ينشأ الكساد بحدوث ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬تتحسن توقعات رجال األعمال ويزداد اإلقبال على شراء األوراق المالية مما يؤدي إلى ارتفاع‬
‫أسعارها‪.‬‬

‫‪ -‬تتوسع البنوك في منح اإلئتمان لتمويل عمليات المضاربة في البورصات‪.‬‬

‫‪ -‬تصدر الشركات سندات جديدة وقد تلجأ إلى اإلقتراض‪.‬‬

‫‪ -1‬بوقرة رابح‪ ،‬خبابة عبد هللا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬ص‪.94 -93 .‬‬
‫‪ -2‬بن طاهر حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.113 .‬‬

‫‪81‬‬
‫األزمة االقتصادية العالمية ‪( 1929‬أزمة الكساد)‬ ‫الفصل الثامن‪:‬‬

‫‪ -‬تزداد الدخول ويزداد الطلب على اإلستهالك مما يصاحبه زيادة في الطلب على السلع‬
‫اإلنتاجية‪.‬‬

‫‪ -‬هذا النشاط المتزايد ينعكس على البورصة فترتفع أسعار األوراق المالية إلى الحد الذي ال‬
‫تستطيع فيه أي زيادة‪.‬‬

‫‪ -‬إلى هذا الحد تبدأ البنوك في تقليل فرص اإلئتمان وتقليل القروض ثم تبدأ في طلب أموالها‬
‫المقرضة خشية أن المودعين يبدءون في سحب أموالهم‪.‬‬

‫‪ -‬زيادة الطلب على السلع اإلنتاجية يؤدي إلى ارتفاع أثمانها مما يرافق نقص في الطلب والى‬
‫تراكم فائض كبير في إنتاجها‪ ،‬فيبدأ اإلنتاج في التقلص مما ينعكس على البورصة فتنخفض‬
‫أسعارها وتبدأ مرحلة الكساد‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬أسباب أزمة الكساد لسنة ‪1929‬‬

‫من بين أهم األحداث المحركة لألزمة في أكتوبر ‪ 1929‬قرار بنك انجلت ار برفع سعر‬
‫الخصم مما أدى إلى انسحاب بعض رؤوس األموال األوربية‪.‬‬

‫وفي أمريكا على وجه الخصوص‪ ،‬حدث تدهور كبير في أسعار التعامل في بورصة‬
‫نيويورك وانعكست تلك األوضاع على الصناعات األساسية كصناعة السيارات‪ ،‬حيث صاحب ذلك‬
‫انخفاض كبير في الطلب على السلع المصنوعة‪ ،‬وهكذا بدأ اإلنتاج واألسعار في تدهور مستمر‪،‬‬
‫كما انتشرت البطالة وارتفع عدد العمال العاطلين عن العمل عام ‪ 1929‬ما بين ‪ 30‬إلى ‪40‬‬
‫مليون‪.‬‬

‫وبصفة عامة يمكن إرجاع أسباب كساد سنة ‪ 1929‬إلى‪:‬‬

‫‪ -1‬إنهيار بورصة األوراق المالية في نيويورك في أكتوبر ‪ ،1929‬فعندما ارتفعت األسعار إلى‬
‫حدود لم تعرف من قبل بدأ الخبراء يتشاءمون مما نتج عنه سلسلة من التصرفات أدت إلى زيادة‬
‫التشاؤم والسعي نحو بيع األوراق‪ ،‬مما أدى إلى انهيارها بشكل أسرع‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫األزمة االقتصادية العالمية ‪( 1929‬أزمة الكساد)‬ ‫الفصل الثامن‪:‬‬

‫‪ -2‬يرجع البعض سبب الكساد إلى نفاذ فرص اإلستثمار سنة ‪ 1929‬حيث أن النشاط االقتصادي‬
‫بلغ القمة ولم يجد مجاال آخر لإلستثمار فبدأت األزمة وحل الكساد‪.‬‬

‫‪ -3‬نقص اإلستهالك‪ :‬حيث يقول البعض أن نقص اإلستهالك كان سببا هاما في حدوث الكساد‪،‬‬
‫إال أن نقص اإلستهالك يؤدي إلى كساد الصناعات اإلستهالكية وبالتالي خفض استثماراتها مما‬
‫يؤثر بالطبع على صناعات السلع الرأسمالية‪.‬‬

‫‪ -4‬من أسباب الكساد انكماش التجارة وانخفاض حجم اإلستثمار الخارجي‪ ،‬إذ قامت حكومات‬
‫الدول المختلفة بوضع عراقيل في وجه التجارة الخارجية‪ ،‬وأصبحت القيود تفرض بصفة خاصة‬
‫على الواردات من المواد الغذائية والسلع الرأسمالية‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬سياسات الحد من األزمة‬

‫لقد نشطت السياسات االقتصادية من مختلف الدول لمواجهة آثار األزمة ودفع عجلة النمو‬
‫وتخفيض حدة البطالة وكان لتلك السياسات القومية صو ار شتى‪:‬‬

‫ففي ألمانيا واليابان اعتمدت السياسات االقتصادية على اإلنفاق الحكومي التضخمي وعلى‬
‫زيادة الطلب لألغراض الحربية‪ ،‬وبفضل ذلك ارتفع حجم اإلنتاج الصناعي في ألمانيا عام ‪1937‬‬
‫إلى ‪ % 121‬عما كان عليه في عام ‪.1932‬‬

‫وفي بريطانيا اتخذت إجراءات سريعة لإلنعاش االقتصادي لم تعتمد على كثافة اإلنفاق‬
‫العام بل على تنشيط االئتمان بشروط بسيطة مما ساعد القطاع الخاص على النشاط السريع‪ ،‬وقد‬
‫زاد اإلنتاج في عام ‪ 1937‬بنسبة ‪ % 71‬مما كان عليه عام ‪.11932‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬نتائج أزمة الكساد لسنة ‪1929‬‬

‫ترافقت األزمة االقتصادية بتقلبات حادة في أسعار صرف العمالت مما نتج عنه انهيار‬
‫النظام الذهبي في معظم الدول‪ ،‬وفي نفس الوقت تدهورت القدرة الشرائية لمعظم العمالت بسبب‬
‫تزايد العجز في الموازنة العامة وموازين المدفوعات وانخفاض حجم االحتياطات الذهبية الرسمية‪.‬‬

‫‪ -1‬بوقرة رابح‪ ،‬خبابة عبد هللا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬ص‪.98 -96 .‬‬

‫‪83‬‬
‫األزمة االقتصادية العالمية ‪( 1929‬أزمة الكساد)‬ ‫الفصل الثامن‪:‬‬

‫في انجلت ار تم إيقاف قابلية إبدال النقود الورقية بالذهب بتاريخ ‪ 21‬سبتمبر ‪ 1931‬م بالرغم‬
‫من أن هذا اإلبدال كان على شكل سبائك‪ ،‬وقد نتج عن ذلك تدهور في قيمة اإلسترليني وما تبعه‬
‫من تدهور في قيم العمالت التي كانت مرتبطة به‪ .‬وفي الواليات المتحدة سبب إلغاء العمل‬
‫بالنظام الذهبي عام ‪ 1933‬م إلى تزايد اإلقبال على إبدال النقود الورقية بالذهب‪ ،‬وأيضا انخفاض‬
‫السيولة لدى البنوك باإلضافة إلى انخفاض االحتياطات الذهبية‪ .‬لقد تسببت هذه األزمة في‬
‫انخفاض قيم العمالت الرئيسية الدولية بحوالي ‪ % 50‬و ‪ % 84‬بالمقارنة مع مستوى ما قبل‬
‫األزمة‪.‬‬

‫كما نتج عن أزمة االئتمان الدولي الطويل األجل توقف ‪ 25‬دولة عن سداد قروضها‬
‫الخارجية منها ألمانيا والنمسا‪.1‬‬

‫‪ -1‬بن طاهر حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.116.‬‬

‫‪84‬‬
‫النظام االقتصادي االشتراكي‬ ‫الفصل التاسع‪:‬‬

‫تمهيد‬

‫ظهرت االشتراكية في القرن الثامن عشر‪ ،‬كمذاهب ومدارس مختلفة‪ ،‬تجمع على إحالل‬
‫النظرية الجماعية محل الفردية التي قام عليها النظام الرأسمالي‪ ،‬كما تجمع على ضرورة تدخل‬
‫الدولة في الحياة االقتصادية‪.1‬‬

‫المبحث األول‪ :‬نشأة النظام االقتصادي االشتراكي‬

‫مرت االشتراكية بمرحلتين أساسيتين في نشأتها‪ ،‬أما المرحلة األولى فهي مرحلة االشتراكية‬
‫المثالية‪ ،‬وتعتبر نشأة هذه المرحلة منذ عهد أفالطون حيث كان يحلم بتكوين مجتمع مثالي يعيش‬
‫فيه الناس سواسية بال تفريق بينهم‪ ،‬ويزول من المجتمع كل صور النظام االجتماعي والسياسي‬
‫واالقتصادي‪ ،‬وقد ظلت هذه األفكار مضمرة في أذهان الكثير من الفالسفة والمفكرين على مر‬
‫العصور‪ ،‬حتى جاء القرن التاسع عشر لتدخل االشتراكية مرحلة جديدة أال وهي االشتراكية‬
‫العلمية‪ ،‬وذلك من خالل "كارل ماركس" الذي قام بوضع أسس االشتراكية العلمية التي كانت‬
‫تهدف إلى تعويض مبدأ الرأسمالية‪ ،‬وسانده في ذلك التفاوت الطبقي واالضطهاد الكبير الذي‬
‫عانت منه طبقة العمال في الدول األوربية خالل القرن التاسع عشر‪.‬‬

‫وقد ظهرت االشتراكية ونمت وتطورت كرد فعل للتناقضات والسلبيات التي أفرزها النظام‬
‫الرأسمالي كانعدام المساواة وبروز فئتين مختلفتين‪ ،‬وهيمنة المذهب االقتصادي الحر‪.‬‬

‫طبق هذا النظام منذ نجاح الثورة البلشفية في ‪ 25‬أكتوبر ‪ 1917‬بروسيا‪ ،‬ومنذ ذلك التاريخ‬
‫أصب حت االشتراكية نظام اقتصادي وسياسي واجتماعي في االتحاد السوفياتي ثم انتقلت إلى أجزاء‬
‫أخرى من العالم بعد الحرب العالمية الثانية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تعريف النظام االقتصادي االشتراكي‬

‫النظام االقتصادي االشتراكي هو مجموعة من النظريات السياسية واالقتصادية واالجتماعية‬


‫التي تتمركز على الملكية الجماعية لمصادر الثروة ووسائل اإلنتاج وتكافؤ الفرص لدى الجميع‪،‬‬
‫وهو يهدف إلى تحقيق العدالة االجتماعية بين أفراد المجتمع‪ ،‬وهو النظام الذي يتميز بتملك الدولة‬

‫‪ -1‬سعيد سعد مرطان‪ ،‬مدخل للفكر االقتصادي في اإلسالم‪ ،‬مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬لبنان‪ ،2002 ،‬ص‪.31 .‬‬

‫‪86‬‬
‫النظام االقتصادي االشتراكي‬ ‫الفصل التاسع‪:‬‬

‫لعوامل اإلنتاج (أي الملكية الجماعية) كاألراضي واآلالت والمصانع‪ ،‬وتتخذ جميع الق اررات‬
‫االقتصادية فيه من خالل جهاز التخطيط‪ ،‬ومن هنا جاءت تسمية هذا النظام بنظام التخطيط‬
‫المركزي‪.‬‬

‫يعتمد النظام االقتصادي االشتراكي على أسلوب التخطيط المركزي والشامل في اإلدارة‬
‫االقتصادية فيتم رسم أهداف طموحة والسعي لتحقيقها عن طريق حصر الموارد المتاحة وتوجيهها‬
‫توجيها واعيا وكفؤا‪ ،‬يتصف التخطيط في االشتراكية بالشمول والمركزية واإللزامية‪ ،‬ويتصف النظام‬
‫االقتصادي االشتراكي بهيمنة الدولة على االقتصاد‪ ،‬والتي تلعب دو ار رئيسيا في عمليات اإلنتاج‬
‫والتوزيع من خالل سيطرتها على وسائل اإلنتاج (الملكية العامة)‪ ،‬ويستهدف النشاط االقتصادي‬
‫عادة السعي لتحقيق األهداف التي تتبناها الدولة‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬أسس وخصائص النظام االقتصادي االشتراكي‬

‫للنظام االقتصادي االشتراكي عدة أسس وخصائص نجمعها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬الملكية الجماعية لوسائل اإلنتاج‪ :‬أي أن وسائل اإلنتاج ملك للمجتمع وليس ملك الفرد‪،‬‬
‫الملكية الفردية في النظام االشتراكي تكاد تنحصر في أشياء بسيطة مثل السلع االستهالكية‪ ،‬وتأخذ‬
‫الملكية الجماعية لوسائل اإلنتاج إحدى صورتين فهي إما ملكية الدولة وهي الصورة األكثر شيوعا‬
‫في التطبيقات االشتراكية‪ ،‬واما في صورة الجمعيات التعاونية‪ ،‬حيث تنشأ جمعيات تعاونية لملك‬
‫األراضي‪ ،‬أو الصناعات الصغيرة‪ ،‬فمثال تكون هناك جمعيات تضم كل واحدة منها مجموعة من‬
‫الفالحين لتملك مساحة من األراضي الزراعية‪.‬‬

‫‪ -2‬جهاز التخطيط هو الذي يخصص الموارد‪ :‬يعتمد النظام االشتراكي على جهاز التخطيط‬
‫المركزي بدال من جهاز األثمان (نظام السوق) ا لذي تعتمد عليه الرأسمالية‪ ،‬والتخطيط المركزي في‬
‫النظام االشتراكي يعني تنظيم النشاط المتعلق بعملية اإلنتاج والتبادل والتوزيع واالستهالك‪ ،‬فمثال‬
‫يتم تنظيم اإلنتاج في النظام االشتراكي من حيث كمية السلع المراد إنتاجها وأنواعها والموارد التي‬
‫تستخدم في ذلك عن طريق جهاز التخطيط المركزي‪ ،‬الذي يعد الجهة الوحيدة لتحديد العرض‬
‫والطلب في ظل ذلك النظام‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫النظام االقتصادي االشتراكي‬ ‫الفصل التاسع‪:‬‬

‫‪ -3‬زوال المنافسة التجارية‪ :‬أي القضاء على المنافسة الفردية وخلق منافسة من نوع آخر وهي‬
‫المنافسة بين األفراد والمؤسسات في زيادة اإلنتاج وتحسينه كما ونوعا‪.‬‬

‫‪ -4‬إشباع الحاجات الج ماعية (كل حسب طاقته وكل حسب حاجته)‪ :‬حيث يقدم كل فرد خدماته‬
‫إلى المجتمع بحسب طاقته‪ ،‬وفي المقابل يتسلم الفرد من المجتمع بحسب حاجته‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪:‬عيوب النظام االقتصادي االشتراكي‬

‫‪ -1‬انعدام الحرية الفردية‪ :‬فقد الفرد حريته في اختيار النشاط االقتصادي وفي التملك‪ ،‬وفي اختيار‬
‫السلع والخدمات التي يستهلكها وأصبحت كل هذه األشياء تقرر من قبل الجهاز المركزي‬
‫للتخطيط‪.‬‬

‫‪ -2‬انخفاض إنتاجية العامل‪ :‬نتيجة إهمال الحوافز المادية إذ من غير المتوقع أن يبذل الفرد‬
‫بصفته أجي ار عند الدولة قصارى جهده من أجل زيادة اإلنتاج وتخفيض التكاليف‪.‬‬

‫‪ -3‬خلق البيروقراطية‪ :‬إن مبدأ المركزية يضفي على العملية التخطيطية درجة عالية من عدم‬
‫المرونة والبيروقراطية‪ ،‬وهذا يؤدي بدوره لتدني مستويات اإلنتاجية‪.‬‬

‫‪ -4‬عدم كفاءة أسلوب التخطيط المركزي إلدارة االقتصاد القومي‪ :‬تؤدي مركزية التخطيط لعدم‬
‫قدرة االقتصاد على مواجهة التغيرات الطارئة في الحياة االقتصادية وخاصة التي يصعب التنبؤ بها‬
‫مواجهة سريعة وفاعلة‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫نظام بريتون وودز والنظام االقتصادي الجديد‬ ‫الفصل العاشر‪:‬‬

‫تمهيد‬

‫النظام االقتصادي العالمي هو القواعد التي وضعت في أعقاب الحرب العالمية الثانية‪،‬‬
‫لضبط العالقات االقتصادية بين الدول المختلفة‪ ،‬وهو ما يعتمد على ثالث أركان أو ركائز‪ :‬أولها‬
‫النظام النقدي الدولي‪ ،‬وهو الذي يتحكم في كل ما له صلة بأسعار الصرف‪ ،‬وموازين المدفوعات‪،‬‬
‫ومصادر تمويل العجز‪ .‬ويعتبر صندوق النقد الدولي هو المسؤول عن ذلك النظام‪ .‬وثانيها هو‬
‫النظام المالي الدولي‪ ،‬وهو الذي يتحكم في كل ما يتعلق بحركة رؤوس األموال الدولية‪ ،‬سواء‬
‫كانت مساعدات أجنبية‪ ،‬أو قروض خارجية‪ ،‬أو استثمارات أجنبية مباشرة أو غير مباشرة‪ .‬وفي‬
‫هذا المجال يقوم البنك الدولي لإلعادة التعمير والتنمية بالمساهمة في هذه الركيزة‪ .‬وتتمثل الركيزة‬
‫الثالثة في النظام التجاري الدولي‪ ،‬وهو الذي يتحكم في كل ما يتعلق بتصدير السلع أو استيرادها‪.‬‬
‫وقد تولت الجات المسؤولية عنه إلى أن استبدلت بها منظمة التجارة العالمية‪.‬‬

‫تعتبر الركائز الرئيسية الثالث ( النظام النقدي الدولي‪ ،‬النظام المالي الدولي‪ ،‬والنظام‬
‫التجاري الدولي) أهداف تكوين نظام اقتصادي عالمي جديد سمي ببريتن وودز‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬نشأة نظام بريتن وودز‬

‫اجتمعت وفود قادمة من ‪ 44‬دولة منذ ‪ 70‬عاما لحضور المؤتمر النقدي والمالي للدول‬
‫المتحدة في بريتون وودز بوالية نيوهامبشير‪ ،‬كان الهدف هو تصميم نظام نقدي دولي جديد بغرض‬
‫تصحيح الفوضى االقتصادية في الفترة ما بين الحربين العالميتين األولى والثانية‪ ،‬من حاالت‬
‫التضخم المفرط واالنكماش المرهق في عشرينات القرن الماضي‪ ،‬وتداعي قاعدة الذهب‪ ،‬وفترة الكساد‬
‫الكبير في ثالثينات القرن الماضي‪.‬‬

‫وكان التحدي الذي واجه خبراء النقد والمالية هو استحداث نظام يتيح للبلدان تصحيح‬
‫اختالالتها الخارجية دون اللجوء إلى التخفيضات التنافسية في سعر الصرف المثبطة لذاتها‬
‫والسياسات التجارية التقييدية التي كانت تستخدم خالل الفترة ما بين الحربين العالميتين‪ .‬فقد كان من‬
‫الالزم توزيع أعباء التصحيح على نحو عادل بين بلدان الفائض وبلدان العجز‪ ،‬وتوفير سيولة عالمية‬
‫كافية بهدف تعزيز نمو التجارة والدخول على مستوى العالم‪ .‬واستنادا إلى جهود تمهيدية ضخمة ) قام‬
‫بأغلبها جون مينارد كينز من الخزانة البريطانية‪ ،‬وهاري ديكستر وايت من الخزانة األمريكية(‪ ،‬أنجزت‬

‫‪90‬‬
‫نظام بريتون وودز والنظام االقتصادي الجديد‬ ‫الفصل العاشر‪:‬‬

‫الوفود خطوة استثنائية حيث استطاعت االتفاق على النظام النقدي في فترة ما بعد الحرب خالل ثالثة‬
‫أسابيع فقط‪ .‬وفي ختام المؤتمر‪ ،‬أشار وزير الخزانة األمريكي هنري مورغنتاو االبن‪ ،‬إلى أنه بالرغم‬
‫من أن أعمال المؤتمر قد تبدو غامضة بالنسبة للجمهور‪ ،‬فإن النظام الجديد مرتبط "بأساسيات وواقع‬
‫الحياة اليومية"‪ .‬وقال إن ما تم تحقيقه في بريتون وودز كان "خطوة مبدئية ستتيح للدول مساعدة‬
‫بعضها البعض في تحقيق التنمية االقتصادية على نحو يحقق المنفعة المتبادلة والثراء للجميع"‪.1‬‬

‫وقتئذ تم التوقيع على اتفاقية أصبحت فيما بعد أساساً للنظام النقدي الحديث‪ ،‬وأصبح‬
‫الدوالر األمريكي العملة الدولية الرئيسية‪ .‬عندها كان هذا النظام العالمي االقتصادي الجديد فعاالً‪،‬‬
‫ولكن في ظل الواقع الراهن بدأت عمالت جديدة تدخل حياتنا كبديل عن الدوالر‪.‬‬

‫وفي شهر جويلية من عام ‪ 1944‬اتخذ قرار هام أحدث تغيي اًر جذرياً في تنمية االقتصاد‬
‫العالمي‪ ،‬وهنا يشير الخبير االقتصادي الروسي المعروف سيرغي خيستانوف قائالً‪:‬‬

‫إن فكرة نظام بريتون وودز تكمن في أنه سمح في تحقيق االستقرار بشأن أسعار صرف‬
‫العمالت الرئيسية للبلدان المشاركة عن طريق ربطها بالدوالر األمريكي‪ ،‬مع العلم أن األخير كان‬
‫في ذلك الوقت مرتبط بالذهب‪ .‬وفي ظل إنشاء هذا النظام‪ ،‬عندما كانت معظم الدول األوروبية‬
‫تحت أنقاض تداعيات الحرب العالمية الثانية‪ ،‬لعب نظام بريتون وودز دو اًر هاماً في إعادة إعمار‬
‫أوروبا بعد الحرب بشكل خاص‪ ،‬وأرست دعائمها حتى السبعينات من القرن الماضي بشكل عام‪.2‬‬

‫تهدف اتفاقية بريتون وودز إلى تحقيق االستقرار في االقتصاد العالمي‪ ،‬وتم فيها تثبيت‬
‫سعر صرف الدوالر األميركي بما يساوي ‪ 35‬أوقية من الذهب‪ ،‬ثم تثبيت عمالت الدول أمام‬
‫صعودا وهبوطًا من‬
‫ً‬ ‫الدوالر األميركي‪ ،‬وعدم السماح لسعر صرف العملة بالتقلب أكثر من ‪%2‬‬
‫القيمة الثابتة أمام الدوالر‪.3‬‬

‫‪ -1‬أتيش ريكس غوش‪" ،‬في مركز الصدارة"‪ ،‬مجلة التمويل والتنمية‪ ،‬المجلد ‪ ،51‬العدد ‪ ،3‬صندوق النقد الدولي‪ ،‬واشنطن‪ ،‬سبتمبر ‪،2014‬‬
‫ص‪.50 .‬‬
‫‪" -2‬أسس نظام بريتون وودز أصبحت في غياهب النسيان"‪ ،‬مقال منشور في الموقع االلكتروني‪:‬‬
‫‪ http://arabic.sputniknews.com/arabic.ruvr.ru/2014_07_05/274302882/‬تاريخ الزيارة ‪2015/04/14‬‬
‫‪" -3‬اتفاقية بريتون وودز"‪ ،‬مقال منشور في الموقع االلكتروني‪http://www.arabictrader.com/beta/ar/economic- :‬‬
‫‪ dictionary/5‬تاريخ الزيارة‪2015/04/14 :‬‬

‫‪91‬‬
‫نظام بريتون وودز والنظام االقتصادي الجديد‬ ‫الفصل العاشر‪:‬‬

‫وقد انتهى مؤتمر بريتون وودز باالتفاق على مجموعة من المبادئ أهمها‪:‬‬

‫‪ -‬أن سعر الصرف يعتبر من المسائل ذات األهمية الدولية‪ ،‬وينبغي العمل على ضمان ثبات أسعار‬
‫الصرف‪ ،‬على األقل في المدة القصيرة‪ ،‬مع إمكانية تعديلها في بعض الظروف إذا ظهر ما يستوجب‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪ -‬من المصلحة زيادة االحتياطي من الذهب والعمالت الحرة في كل دول‪ ،‬حتى ال تضطر الدولة‬
‫إلى اتخاذ إجراءات وسياسات قد تضر بالتوازن الداخلي لمواجهة العجز في ميزان مدفوعاتها‪.‬‬

‫‪ -‬أن تحقيق المصلحة السياسية واالقتصادية للعالم يتطلب إيجاد نظام للتجارة متعددة األطراف‬
‫وتحقيق القابلية لتحويل العمالت‪.‬‬

‫‪ -‬أن أفضل الطرق لتحقيق هذا التعاون النقدي هو إنشاء منظمة دولية ذات وظائف محددة‪.‬‬

‫‪ -‬في كثير من األحوال‪ ،‬تكون االختالالت النقدية راجعة إلى أسباب غير نقدية‪ ،‬ومن هنا يجب‬
‫على المنظمات النقدية أن تتعاون مع المنظمات األخرى لعالج هذه االختالالت‪.‬‬

‫‪ -‬أن زيادة االستثمارات الدولية هي أمر حيوي لالقتصاد الدولي‪.1‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مؤسسات نظام بريتزن وودز‬

‫نتج عن مؤتمر بريتون وودز ‪ 1944‬عدة ق اررات أهمها إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك‬
‫الدولي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬صندوق النقد الدولي‬

‫وضع ممثلو الدول المشاركة في مؤتمر بريتون وودز إتفاقية التأسيس لمؤسسة دولية تشرف‬
‫على النظام النقدي الدولي وتعمل على إلقاء قيود الصرف المرتبطة بالتجارة في السلع والخدمات‬
‫وتحقيق إستقرار أسعار الصرف ‪.‬‬

‫‪ -1‬حازم الببالوي‪ ،‬النظام االقتصادي الدولي المعاصر‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،2000 ،‬ص‪.‬ص‪.50 -49 .‬‬

‫‪92‬‬
‫نظام بريتون وودز والنظام االقتصادي الجديد‬ ‫الفصل العاشر‪:‬‬

‫وفى ديسمبر عام ‪ 1945‬وقعت ‪ 29‬دولة على إتفاقية تأسيس " صندوق النقد الدولي ‪." FMI‬‬

‫أهداف صندوق النقد الدولي‬

‫تتمثل أهداف صندوق النقد الدولي فيما يلي ‪:‬‬

‫‪ -1‬تشجيع التعاون الدولي في الميدان النقدي بواسطة هيئة دائمة تهيئ سبيل التشاور والتآزر فيما‬
‫يتعلق بالمشكالت النقدية الدولية‪.‬‬

‫‪ -2‬تسيير التوسع والنمو المتوازن في التجارة الدولية‪ ،‬وبالتالي اإلسهام في تحقيق مستويات مرتفعة‬
‫من العمالة والدخل الحقيقي والمحافظة عليها‪ ،‬وفي تنمية المواد اإلنتاجية لجميع البلدان األعضاء‬
‫على أن يكون ذلك من األهداف األساسية لسياستها االقتصادية‪.‬‬

‫‪ -3‬العمل على تحقيق االستقرار في أسعار الصرف والمحافظة على ترتيبات صرف منتظمة بين‬
‫البلدان األعضاء‪ ،‬وتجنب التخفيض التنافسي في قيم العمالت ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬البنك الدولي‬

‫يعد البنك الدولي لإلنشاء والتعمير ثاني مؤسسة نقدية يتم إنشاؤها بمقتضى إتفاقية "بريتون‬
‫وودز" ويطلق عليه حالياً البنك الدولي وقد بدأ في مباشرة أعماله في ‪ 25‬جانفي ‪ ،1946‬وتم ربط‬
‫البنك باألمم المتحدة بمقتضى إتفاق في ‪ 15‬نوفمبر ‪.1947‬‬

‫أهداف البنك الدولي‬

‫عادة ما ينظر إلى البنك الدولي على أنه مؤسسة دولية تقدم القروض لألغراض اإلنتاجية‬
‫في الدول األعضاء فيها‪ ،‬غير أن مهمة البنك الدولي تتشعب لتتجاوز مجرد تقديم القروض‪ .‬فلقد‬
‫نصت اإلتفاقية في مادتها األولى على عدة أهداف من أهمها ‪:‬‬

‫‪93‬‬
‫نظام بريتون وودز والنظام االقتصادي الجديد‬ ‫الفصل العاشر‪:‬‬

‫‪ -1‬كما هو مبين من تسميته فإن اسم البنك األول هو التعمير‪ ،‬والتعمير يقصد به المعاونة في‬
‫تنمية أقاليم الدول األعضاء عن طريق تعمير المناطق التي دمرتها وخربتها الحروب‪ ،‬ويمثل هذا‬
‫الهدف حالياً حاجة ملحة بالنسبة للبالد حديثة اإلستقالل واآلخذة في النمو إلزالة أثار التخريب‬
‫اإلستعماري وحروب اإلستقالل‪ .‬باإلضافة إلى ذلك فإن البنك الدولي يقوم بتيسير إستثمار رؤوس‬
‫األموال في أغراض إنتاجية إلستثمار القدرات القومية للدول األعضاء ‪.‬‬

‫‪ -2‬تشجيع االستثمارات األجنبية الخاصة عن طريق الضمانات التي يقدمها البنك أو المساهمة‬
‫بنسبة من القروض المقدمة‪ .‬ويقوم البنك الدولي أيضاً بتقديم القروض من رأسماله في حالة عدم‬
‫وجود إستثمارات خاصة كافية‪ ،‬أو عدم إمكانية قيام المقترض بالحصول على القروض الالزمة من‬
‫مصادر أخرى ‪.‬‬

‫‪ -3‬تقديم المساعدات الفنية في إعداد وتنفيذ برامج القروض‪ ،‬وفي تنفيذ برامج إستثمارية طويلة‬
‫األجل‪ .‬وقد لجأ الكثير من الدول األعضاء‪ ،‬وخاصة الدول اآلخذة في النمو‪ ،‬إلى طلب معونة‬
‫البنك الدولي في مسائل تتعلق ببرامج تنميتها اإلقتصادية‪.‬‬

‫‪ -4‬العمل على تنمية التجارة الدولية‪ ،‬والمحافظة على إستقرار موازين المدفوعات عن طريق‬
‫تشجيع اإلستثمارات الدولية‪ ،‬لتنمية الموارد اإلنتاجية للدول األعضاء‪ ،‬مثل تشجيع اإلستثمار في‬
‫مجال الصناعة والزراعة وتوليد الكهرباء‪.‬‬

‫‪ -5‬المساعدة على تسوية المنازعات المتعلقة باإلستثمارات األجنبية بالطرق السليمة‪.‬‬

‫وقد لعب البنك دو اًر رئيسياً في تسوية منازعات بين حكومات دول أعضاء فيه (أو هيئات‬
‫تابعة لها ) بعضها بعضاً أو بينها وبين مستثمرين أجانب‪.‬‬

‫‪ -‬ففي عام ‪ 1951‬ثار خالف بمناسبة تأميم إيران لشركة نفط األنجلو – إيرانية‪ ،‬وفي عام ‪1956‬‬
‫نجح البنك في التوسط لتسوية الخالف الذي ثار بمناسبة تأميم قناة السويس بين المساهمين في‬
‫هذه الشركة والحكومة المصرية ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫نظام بريتون وودز والنظام االقتصادي الجديد‬ ‫الفصل العاشر‪:‬‬

‫‪ -‬كما حاول البنك مؤخ اًر في عام ‪ 1985‬أن يساعد في تسوية نزاع نشأ بين شركة غاز تابعة‬
‫للحكومة األرجنتينية وشركة هولندية‪.1‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬انهيار نظام بريتون وودز‬

‫في منتصف ستينات القرن الماضي‪ ،‬بدأت الضغوط تواجه نظام بريتون وودز بسبب حاالت‬
‫العجز المستمرة في ميزان المدفوعات األمريكي والتي تحول على إثرها نقص الدوالر في أعقاب‬
‫الحرب إلى تخمة دوالرات‪ .‬وفي ظل تثبيت قيمة الدوالر مقابل الذهب‪ ،‬كانت المشكلة الرئيسية من‬
‫منظور الواليات المتحدة تكمن في وضع بلدان الفائض على مسار التصحيح) ألمانيا واليابان أساسا‪،‬‬
‫في ذلك الوقت(‪ .‬وبالنسبة لبقية العالم‪ ،‬كانت األزمة تكمن في أن العجز األمريكي هو مصدر‬
‫السيولة النظامية‪ ،‬ولكن تزايد حجم الدوالرات في خزائن البنوك المركزية األجنبية أدى إلى زعزعة الثقة‬
‫في قدرة الواليات المتحدة على توفير غطاء من الذهب لهذه الدوالرات‪.‬‬

‫وكان الحل الذي جاء به صندوق النقد الدولي هو حقوق السحب الخاصة وهي أصول‬
‫احتياطية صورية ) مماثلة إلى حد ما لعملة البانكور التي استحدثها كينز ( من شأنها توفير السيولة‬
‫دون الحاجة إلى عجز مقابل في بلدان عمالت االحتياطي‪ .‬ولكن هذا الحل كان غير كاف وجاء‬
‫متأخ ار جدا‪ .‬وهكذا انهار نظام بريتون وودز رغم ما تم اتخاذه من تدابير يائسة لترقيع النظام من‬
‫خالل خطوط تبادل النقد األجنبي بين البنوك المركزية في ستينات القرن الماضي ومحاولة يائسة‬
‫أخيرة إلعادة مواءمة أسعار العمالت بموجب اتفاقية سميثسونيان في عام ‪ 1971‬بعدما علقت‬
‫الواليات المتحدة تحويل احتياطيات الدوالر إلى ذهب‪ .‬وفي ظل االضطرابات الحادة الناتجة عن‬
‫صدمات أسعار النفط في أواخر عامي ‪ 1973‬و ‪ ، 1974‬كان من المستحيل إعادة تثبيت أسعار‬
‫صرف العمالت الرئيسية مقابل بعضها البعض‪ .‬وواجه صندوق النقد الدولي أزمة وجودية إثر انهيار‬
‫نظام بريتون وودز‪ .‬وظهرت تساؤالت غير مستغربة حول أهمية منظمة كان الغرض من وجودها‬
‫إدارة نظام لم يعد موجودا‪.‬‬

‫‪" -1‬مؤتمر بريتون وودز"‪ ،‬مقال منشور على الموقع االلكتروني‪http://www.3loom-eltgara.com/2014/10/Bretton-Woods- :‬‬
‫‪ Conference.html‬تاريخ الزيارة ‪2015/04/14‬‬

‫‪95‬‬
‫نظام بريتون وودز والنظام االقتصادي الجديد‬ ‫الفصل العاشر‪:‬‬

‫وبالرغم من أن نظام بريتون وودز لم يعد موجودا منذ أوائل سبعينات القرن الماضي‪ ،‬كان‬
‫النظام النقدي الدولي ال يزال يواجه العديد من المشكالت التي واجهها مصممي النظام‪ .‬ففي التقرير‬
‫النهائي الذي عرضته لجنة العشرين ) لجنة و ازرية تم تشكيلها في جويلية ‪ 1972‬للنظر في إجراء‬
‫إصالحات في النظام النقدي الدولي ( على مجلس محافظي الصندوق في جوان‪ 1974‬على سبيل‬
‫المثال‪ ،‬أشارت إلى أن" تحقيق االتساق بين التزامات جميع البلدان المدينة والدائنة على حد سواء"‬
‫و"تعزيز إدارة السيولة العالمية" من األهداف الرئيسية التي يلزم تحقيقها إلصالح النظام النقدي‬
‫الدولي‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فإن اإلنجاز الحقيقي للمؤتمر النقدي والمالي لم يكن وضع نظام بريتون وودز‪ ،‬ولكن‬
‫اإلنجاز الحقيقي هو إنشاء مؤسسة تستطيع تلبية االحتياجات المتغيرة ألعضائه وتقوم بذلك بالفعل‬
‫لتحسين الواقع اليومي الذي يعيشه الناس‪.1‬‬

‫‪ -1‬أتيش ريكس غوش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.51 .‬‬

‫‪96‬‬
‫بروز االقتصاديات اآلسيوية‬ ‫الفصل الحادي عشر‪:‬‬

‫تمهيد‬

‫لقد شهدت منطقة شرق آسيا خالل الفترة (‪ )1990-1965‬نمواً سريعاً يفوق ما شهدته أي‬
‫منطقة أخرى في العالم‪ .‬وقد تمثل المصدر الرئيس لهذا اإلنجاز في نمو أشبه بالمعجزة شهدته‬
‫اقتصاديات ثماني دول هي‪ :‬هونج كونج‪ ،‬واندونيسيا‪ ،‬واليابان‪ ،‬وجمهورية كوريا‪ ،‬وماليزيا‪،‬‬
‫وسنغافورة‪ ،‬وتايالند‪ ،‬وتايوان‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬محددات النمو في االقتصاديات اآلسيوية‬

‫يرجع النمو في االقتصاديات اآلسيوية إلى المحددات التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬التراكم المتنامي لرأس المال المادي والبشري المتمثل في تحسين مستوى التعليم العام والتدريب‬
‫وتحسين معايير اختيار العاملين‪.‬‬

‫‪ -2‬التدخل الحكومي في تأمين البنى التحتية المتطورة وتقديم مختلف أنواع العون والمساعدة‬
‫لشركات القطاع الخاص األكثر كفاءة في خدمة أهداف السياسة االقتصادية‪.‬‬

‫‪ -3‬إضافة إلى اعتبارات العدالة في تقاسم النمو مما أدى إلى حفز جميع عناصر اإلنتاج وتحسين‬
‫مساهمتها في التطور االقتصادي واالجتماعي لتلك الدول‪.‬‬

‫وهذا ما يبرهن على أن هذه االقتصاديات كانت أقدر من معظم االقتصاديات األخرى‬
‫على تخصيص الموارد المادية والبشرية لصالح استثمارات إنتاجية عالية وعلى اكتساب التقنية‬
‫واتقانها‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬سياسات النمو في االقتصاديات اآلسيوية‬

‫ولتفسير النمو‪ ،‬فقد ثبتت دراسات البنك الدولي لبحوث السياسات العامة كيف أن السياسات‬
‫المرنة يمكن أن تسهم في تحقيق االستقرار االقتصادي والنمو السريع للصادرات المصنعة‪ ،‬وكيف‬
‫أن في وسع المؤسسات الحكومية أن ترسي قاعدة للنمو العادل‪ ،‬وكيف أن السياسات العامة‬
‫المتعددة في أشكالها استطاعت توجيه اإلقتصادات الثمانية لتحقيق التراكم السريع لرأس المال‬
‫المادي والبشري بصورة غير اعتيادية‪ ،‬وكيفية مساهمة مزيج السياسات المختلفة ومداها في‬

‫‪98‬‬
‫بروز االقتصاديات اآلسيوية‬ ‫الفصل الحادي عشر‪:‬‬

‫التطبيق الناجح لثالث مهام رئيسية في إدارة اإلقتصاد وهي‪ :‬التراكم الرأسمالي‪ ،‬وتخصيص‬
‫الموارد‪ ،‬ونمو اإلنتاجية‪.1‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬أسباب النجاح في االقتصاديات األسيوية‬

‫اعتمد نجاح اقتصاديات شرق آسيا في جانب منه على السياسات التي تم تبنيها‪ ،‬و في جانب‬
‫آخر على اآلليات المؤسساتية التي تم إنشاؤها لتنفيذ تلك السياسات‪ .‬إذ وفرت االقتصاديات اآلسيوية‬
‫جميعها مناخا مؤسسيا آمنا لإلستثمار الخاص أدى إلى مستويات عالية جدا من النمو معتمدة على‬
‫القطاع الخاص‪ .‬و أهم ما تمتعت به هذه االقتصاديات‪:‬‬

‫‪ -1‬جهاز خدمة مدنية عالي الكفاءة الذي لديه القدرة على مراقبة األداء‪ ،‬ويكون بمنأى عن‬
‫التدخالت السياسية‪.‬‬

‫يعتبر النظام التنافسي مسألة حيوية لكفاءة االستثمار‪ ،‬فأغلب االقتصاديات اآلسيوية تطبق‬
‫إطار المنافسة القائم على نظام السوق‪ ،‬لكن بعض االقتصاديات اآلسيوية قد تقدمت خطوة إضافية‬
‫من خالل إيجاد نظام جديد يقوم على اعتبارات الكفاءة (بحيث يجمع كال من المنافسة ومنافع التعاون‬
‫بين الشركاء وبين الحكومة والقطاع الخاص)‪.‬‬

‫‪ -2‬مجموعة متميزة من اإلدارات التكنوقراطية‪ ،‬وجهاز حكومي حسن السمعة بفضل ثالث عوامل‬
‫وهي‪:‬‬

‫أ‪ -‬األجور مرتفعة بشكل كاف لجذب المديرين االقتصاديين ذوي الكفاءة واإلحتفاظ بهم‪.‬‬

‫ب‪ -‬في االقتصاديات اآلسيوية حيث الجهاز الحكومي ذو مستوى كفاءة عالية‪ ،‬فإن القوانين‬
‫واإلجراءات التي تحكم العاملين في القطاع العام تحميها المؤسسات كما أنها بمعزل عن التدخالت‬
‫السياسية‪ ،‬وترتكز التعيينات والترقيات باألخص على الكفاءة وليس على المحاباة‪.‬‬

‫‪ -1‬البنك الدولي‪ ،‬تقرير البنك الدولي لبحوث السياسات العامة‪ ،‬معجزة شرق آسيا ‪:‬النمو االقتصادي والسياسات العامة‪ ،‬ترجمة عبد هللا ناصر‬
‫السويدي‪ ،‬شيخة سيف الشامسي‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث اإلستراتيجية‪ ،‬أبو ظبي‪ ، 2000 ،‬ص‪.119 .‬‬

‫‪99‬‬
‫بروز االقتصاديات اآلسيوية‬ ‫الفصل الحادي عشر‪:‬‬

‫ج‪ -‬أن الوظيفة العامة تمنح مستوى اجتماعيا رفيعا‪ .‬وهذه العوامل حسنت نوعية العاملين في الجهاز‬
‫الحكومي‪ ،‬وحدت من الفساد‪ ،‬وأوجدت روح التضامن بين العاملين في الخدمة المدنية مما ساعد على‬
‫استقاللية الجهاز الحكومي وعدم خضوعه للضغوط السياسية‪.‬‬

‫‪ -3‬إنشاء مؤسسات لتقوية االتصال مع القطاع الخاص‪ ،‬حيث تم تشكيل مجالس تشاور رسمية‪،‬‬
‫والتي بصفة عامة طورت على المستوى االقتصادي التنسيق بين الشركات وحسنت انسياب‬
‫المعلومات بين قطاع األعمال والقطاع الحكومي‪ .‬أما على المستوى السياسي‪ ،‬فقد ساعدت على‬
‫التزام تقاسم النمو وقللت من السعي إلى مجرد الربحية‪ .‬وقد أدى تبادل المعلومات إلى صعوبة‬
‫حصول الشركات على امتيازات خاصة من الحكومة والى عدم تمكن المسؤولين الحكوميين من منح‬
‫امتيازات خاصة‪ .‬وبهذا فإن مجالس التشاور ساعدت على كبح السلوك اإلنتهازي‪ ،‬كما قامت بمهام‬
‫رقابية مهمة‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬دور الدولة في االقتصاديات اآلسيوية‬

‫إن أغلب حكومات االقتصاديات اآلسيوية – وبخاصة تلك التي في شمال شرق آسيا– كانت‬
‫تتدخل في األسواق من أجل التعجيل بالنمو‪ .‬وتنطوي هذه التدخالت جميعا على تحمل شكل من‬
‫أشكال التكلفة سواء في شكل تكلفة مالية مباشرة للدعم أو إضاعة عوائد محتملة‪ ،‬أو في شكل ضرائب‬
‫ضمنية على القطاع العائلي وقطاع الشركات – على سبيل المثال – من خالل التحكم في هيكل‬
‫الحماية أو معدالت الفائدة‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬سياسات التدخل الحكومي‬

‫من خالل دراسة للبنك الدولي تم تقييم ثالث مجموعات من سياسة التدخل الحكومي في‬
‫االقتصاديات اآلسيوية وهي‪:‬‬

‫أ‪ -‬تشجيع صناعات معينة أو قطاعات صناعية فرعية معينة‪.‬‬

‫ب‪ -‬االئتمان الموجه‪.‬‬

‫ج‪ -‬إستراتيجية تنشيط الصادرات‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫بروز االقتصاديات اآلسيوية‬ ‫الفصل الحادي عشر‪:‬‬

‫وخلص التقييم إلى أن تشجيع صناعات معينة بشكل عام لم يفلح كثي ار وبالتالي لم يكن واعدا‬
‫بالنسبة إلى االقتصاديات النامية األخرى‪ ،‬وقد نجح االئتمان الموجه في ظل أوضاع وظروف خاصة‬
‫لكنه كان ينطوي على أخطار جمة‪ ،‬وكانت إستراتيجية تشجيع الصادرات هي األكثر نجاحا من بين‬
‫أساليب سياسة التدخل الحكومي الثالثة‪ ،‬كما أنها مثلت أعلى الفرص الواعدة درجة بالنسبة إلى‬
‫االقتصاديات النامية األخرى‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اآلليات المؤسساتية المنشأة لتنفيذ السياسات‬

‫وبالموازاة لمختلف تدخالت الدولة‪ ،‬الدول اآلسيوية رغم اختالف تجاربها‪ ،‬شيدت استقرار‬
‫ديناميكيات النمو على مجموعة من المؤسسات التي منها أوامر دستورية مستقرة‪ ،‬بيروقراطية منظمة‬
‫ومؤهلة‪ ،‬هيئات للتفاوض والتشاور بين الحكومة وأوساط األعمال‪ ،‬مؤسسات قطاعية ديناميكية التي‬
‫ترافق تطوير نشاطات صناعية جديدة‪.1‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬أمثلة عن تجارب تنموية معاصرة‬

‫المطلب األول‪ :‬التجربة التنموية الماليزية‬

‫تعتبر ماليزيا من بين دول اإلقتصادات اآلسيوية السالفة الذكر‪ ،‬ويطلق عليها "يابان العالم‬
‫اإلسالمي"‪ ،‬حيث استطاع ذلك " النمر اآلسيوي" تحقيق نقلة نوعية متميزة في المجاالت الصناعية‬
‫والسياحية والتكنولوجية والطبية والتعليمية حتى وصلت إلى المرتبة الـ ‪ 18‬على خريطة العالم‬
‫االقتصادية‪ ،‬بل هناك إستراتيجية ‪ 2020‬التي تسعى ألن تكون ماليزيا في المرتبة السادسة‪ ،‬فيما‬
‫بلغت نسبة المتعلمين ‪ % 93‬بعد أن كانت األمية والجهل والتخلف قبل ‪ 35‬عاما إحدى سمات‬
‫شعب الماليو‪ ،‬وكنتيجة لذلك اعتبرت مثاال ناجحا وتجربة أسطورية تنافس مثيالتها من الدول‬
‫الصناعية المتقدمة‪.‬‬

‫ويمكن تتبع المراحل واإلستراتيجيات التنموية الماليزية من خالل الشكل التالي‪:‬‬

‫‪ -1‬زوين ايمان‪ " ،‬دور الجيل الثاني من اإلصالحات االقتصادية في تحقيق التنمية – دراسة حالة الجزائر‪ ، " -‬مذكرة مقدمة ضمن متطلبات‬
‫نيل شهادة الماجستير في العلوم االقتصادية‪ ،‬فرع التحليل واالستشراف لالقتصادي‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة‪ ،2011/2010 ،‬ص‪ .‬ص‪-15 .‬‬
‫‪.17‬‬

‫‪101‬‬
‫بروز االقتصاديات اآلسيوية‬ ‫الفصل الحادي عشر‪:‬‬

‫شكل رقم (‪ :)1‬إستراتيجيات النموذج التنموي الماليزي‬

‫المراحل التي مرت بها مسيرة التنمية في ماليزيا‬

‫مرحلة التحرر االقتصادي‬ ‫مرحلة التصنيع الثقيل‬ ‫مرحلة تدخل الدولة‬

‫بلغ فيها اإلقتصاد الماليزي‬ ‫مثلت البداية الصلبة والحقيقة‬ ‫رسم مسيرة التنمية ووضعها‬
‫مرحلة النضج وتجاوز مخاطر‬ ‫لتعميق القاعدة الصناعية‬ ‫على الطريق الصحيح وتوسيع‬
‫التراجع‬ ‫واإلنطالق إلى آفاق التصدير‬ ‫رقعة القطاع العام‬

‫المصدر‪ :‬عبد المطلب عبد الحميد‪ ،‬نماذج تنموية معاصرة‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2013 ،‬ص‪.22.‬‬

‫وقد وضع مخططو النموذج الماليزي عدد من اإلستراتيجيات لتحقيق التنمية تتلخص في‬
‫النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -‬التعامل مع اإلستثمار األجنبي المباشر بحذر حتى منتصف الثمانينيات‪ ،‬ثم السماح له بالدخول‬
‫ولكن ضمن شروط أال تنافس السلع التي ينتجها المستثمر األجنبي الصناعات الوطنية‪.‬‬

‫‪ -‬إمتالك رؤية مستقبلية للتنمية والنشاط اإلقتصادي من خالل خطط خماسية متتابعة ومتكاملة‬
‫منذ اإلستقالل وحتى اآلن‪ ،‬بل إن استعداد ماليزيا المبكر للدخول في القرن الحالي أي القرن الواحد‬
‫والعشرين من خالل التخطيط لماليزيا ‪.2020‬‬

‫‪102‬‬
‫بروز االقتصاديات اآلسيوية‬ ‫الفصل الحادي عشر‪:‬‬

‫‪ -‬التنوع الكبير في البنية الصناعية وتغطيتها لمعظم فروع النشاط الصناعي (الصناعات‪:‬‬
‫اإلستهالكية‪ -‬الوسيطة‪ -‬الرأسمالية)‪.‬‬

‫‪ -‬إنتهاج إستراتيجية اإلعتماد على الذات في االضطالع بالعبء التنموي‪ ،‬سواء البشري أو‬
‫التمويلي‪ ،‬حيث عملت على حشد المدخرات المحلية الالزمة الستغالل الموارد الطبيعية والمادية‬
‫المتاحة‪.‬‬

‫‪ -‬اإلستفادة القصوى من موقع ماليزيا الجغرافي المركزي كبوابة للسوق اآلسيوي كعامل جذب‬
‫لشركات اإلستثمار التي تتحرى عن فرص مربحة خارج الحدود‪.‬‬

‫‪ -‬اإلهتمام بتجربة تحسين المؤش ارت اإلجتماعية لرأس المال البشري اإلسالمي‪ ،‬وكذا توفير رؤوس‬
‫األموال المحلية الالزمة لمختلف أوجه التنمية بصورة متزايدة والتي أسهمت في اإلقالل من الديون‬
‫الخارجية‪.‬‬

‫‪ -‬إلتزام الحكومة باألسلوب اإلسالمي السليم في ممارسة مختلف األنشطة االقتصادية وتوجيه‬
‫الموارد‪.‬‬

‫‪ -‬طبي عة دور الدولة في النشاط االقتصادي في ماليزيا تتم من خالل القنوات الديمقراطية للشورى‬
‫المتمثلة في األحزاب الماليزية المتعددة التي توفر أوسع مشاركة ممكنة للناس في مناقشات لجميع‬
‫القضايا المتعلقة بالمصلحة العامة‪ ،‬ومتابعة السلطة التنفيذية في تطبيقها الجاد لجميع السياسات‬
‫التي يتم الموافقة عليها‪.1‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التجربة التنموية الصينية‬

‫إن التجربة التنموية الصينية تعد من أكبر وأنجح التجارب التنموية في العالم وذلك للظروف‬
‫الصعبة التي واجهت هذه التجربة وفي مقدمتها كبر حجم السكان وقلة الموارد قياساً بالسكان‪ ،‬لذا‬
‫فإن التعرف على أساسيات هذه التجربة يجعلنا نقف على الدرب السليم عند القيام بالتخطيط ألي‬
‫عملية تنمية‪.‬‬

‫‪ -1‬عبد المطلب عبد الحميد‪ ،‬نماذج تنموية معاصرة‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2013 ،‬ص‪.‬ص‪.23 -22 .‬‬

‫‪103‬‬
‫بروز االقتصاديات اآلسيوية‬ ‫الفصل الحادي عشر‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الوضع العام في الصين قبل التنمية‬

‫في القرن التاسع عشر كانت الصين إمبراطورية تعيش منغلقة على نفسها إلى حد كبير‬
‫وفي هذا القرن كثرت الحروب‪ ،‬وانتشرت الثورة الصناعية بشكل كبير‪ ،‬فبدأت حرب األفيون بين‬
‫الصين وبريطانيا عام (‪ )1842‬وانتهت بسيطرة بريطانيا على هونغ كونغ‪ ،‬ثم بدأ التخلي عن‬
‫تايوان لليابان عام (‪ ،)1895‬وحصلت روسيا وألمانيا على امتيازات خطوط الحديد فيها‪ ،‬وكان لهذه‬
‫األوضاع ردود فعل عميقة في البالد وانتشار روح الثورة ضد الحكم القائم الضعيف‪ ،‬وانتهت بثورة‬
‫عام (‪ )1911‬وقيام الجمهورية عام (‪ ،)1921‬التي أنهت الحكم الضعيف في الصين‪.‬‬

‫وفي العشرينات بدأ هناك جناحين األول يرى أن النموذج الشيوعي ال يناسب الصين‬
‫وأوضاعها العامـة‪ ،‬والثاني يميل إلى النموذج السوفيتي الشيوعي ويرى أنه الضمان لتحقيق التغيير‬
‫اإليجابي‪ .‬وفي عام (‪ )1925‬إشتد الخالف داخل الحكم وحسم األمر عام (‪ )1927‬بإخراج‬
‫الشيوعيين من الحكم واضطروا إلى الذهاب إلى الريف الذي كان بعيد عن سلطة الدولة وكونوا‬
‫هناك نفوذ قوي بقيادة قائد الحزب (ماوتسي تونغ) ثم نشبت الحرب األهلية في نهاية األربعينيات‬
‫واستمرت عامين وانتهت الحرب بسيطرة الجيش األحمر وهو تنظيم للحزب الشيوعي على السلطة‬
‫عام (‪.)1949‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬إجراءات ما قبل التنمية‬

‫كانت الخطوات األولى للقيام بتنمية شاملة هي القيام بعدة إجراءات منها‪:‬‬

‫إلغاء اإلمتيازات األجنبية‪ ،‬تأمين التجارة الخارجية‪ ،‬تحديد حدود دنيا لألجور ترتبط هذه الحدود‬
‫بأسعار األرز (سلعة الغذاء الرئيسية)‪ ،‬تطبيق نظام البطاقات التموينية الستهالك السلع األساسية‬
‫مع تحديد أسعارها‪ ،‬فرض نظام تراخيص العمل واإلقامة في المدن‪ ،‬تأمين المشروعات الكبيرة‬
‫ومصادرة الملكيات الكبيرة وأمالك بعض األجانب‪ ،‬إلغاء العملة السابقة‪ ،‬تنظيم الملكيات الزراعية‬
‫الصغيرة والمتوسطة في شكل جمعيات تعاونية (تشبه هذه المرحلة إلى حد كبير اإلجراءات التي‬
‫قامت في االتحاد السوفيتي بعد الثورة)‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬بداية الخطط التنموية‬

‫‪104‬‬
‫بروز االقتصاديات اآلسيوية‬ ‫الفصل الحادي عشر‪:‬‬

‫‪ -1‬بدأت الخطة الخماسية األولى بين (‪ )1957-1953‬بإعطاء وزن كبير للصناعة بمختلف‬
‫مستويـاتها‪ ،‬مع التأكيد على الزراعة واعادة تنظيم الجمعيات لضمان تقديمها لفائض أكبر لتمويل‬
‫عملية التنمية‪ ،‬أي إن (ماوتسي تونغ) كان يؤكد على الزراعة والصناعة معاً‪ ،‬كما أن التوازن كان‬
‫موجوداً بين اإلستهالك والتراكم وتوسيع نظام التعليم والقضاء على األمية‪ .‬وقد نجحت الخطة‬
‫نجاح كبير فارتفعت معدالت نمو الصناعة إلى (‪ )%20‬عما كان متوقعاً وارتفعت مستويات‬
‫الصحة والتعليم بشكل واضح‪ ،‬ومعدالت نمو الزراعة (‪ )% 41‬مما ضمن تحسناً ملحوظاً في‬
‫مستوى التغذية‪ ،‬وارتفع تراكم الدخل القومي إلى (‪ )% 24‬ومعدالت االستثمار المادي إلى ( ‪%‬‬
‫‪.)71‬‬

‫‪ -2‬أدت النتائج اإليجابية للخطة الخماسية األولى إلى زيادة الثقة بإمكان تحقيق انجازات أكبر‪،‬‬
‫فوضعت الخطة الخماسية الثانية (‪ )1962-1958‬لتحقيق القفزة العظيمة إلى األمام‪ ،‬والهدف هو‬
‫مضاعفة اإلنتاج خالل سنة واحدة تحت شعار (بقدر ما يجسر اإلنسان بقدر ما تنتج األرض) وقد‬
‫ركزت الخطة على الصناعة الثقيلة وتمويلها من خالل زيادة نسبة التراكم المقرر من اإلنتاج‬
‫المحلي ومعنى ذلك زيادة الفائض المطلوب من الزراعة والصناعة اإلستخراجية‪ ،‬ولم تنجح القفزة‬
‫في دفع اإلنتاج الصناعي إلى المستويات المرجوة في الوقت الذي ضعف فيه دور الصناعات‬
‫الصغيرة‪ ،‬فقد شهدت الفترة مابين (‪ )1960-1957‬النزاع ثم الفراق بين الصين واالتحاد السوفيتي‪،‬‬
‫وتعاقب ظروف مناخية مدمرة عصفت باإلنتاج الزراعي‪ ،‬وكان الفشل في الصناعة واستمر التنظيم‬
‫الزراعي وفق الخطة‪.‬‬

‫‪ -3‬وضعت الخطة الخماسية الثالثة بين (‪ )1967-1963‬وسط مشاكل عديدة‪ ،‬فقد أرهقت‬
‫المواجهات الخارجية اإلمكانيات العامة وانخفضت إنتاجية الصناعة عما كان مقد اًر لها وظهر فتور‬
‫في حماس العاملين لضعف الحوافز المادية‪ ،‬وكانت قيادة الصين تشعر أن النظام فيها كان‬
‫مستهـدف‪ ،‬فمن حرب في كوريا إلى أخرى مع الهند والى ثالثة لمواجهة القوى التي حاولت إعادة‬
‫السيطرة على الهند الصينية‪ ،‬وخوفاً من انتكاس الثورة قامت حركة سميت بـ (الثورة الثقافية) عام‬
‫)‪(1966‬وكان هدف (ماو) من إثارة الثورة الثقافية تكتيل قوى الشبيبة باعتبارها صاحبة المصلحة‬
‫في التغيير وانها الوحيدة القادرة على دفع الصين إلى األمام ومواجهة األعداء دون اعتماد على‬
‫أحد من الخارج‪ ،‬وقد تبع التوجه الجديد تعديل أسلوب الخطة الثالثة ومدها حتى عام (‪ )1970‬لكي‬

‫‪105‬‬
‫بروز االقتصاديات اآلسيوية‬ ‫الفصل الحادي عشر‪:‬‬

‫توائم التغيرات الجديدة‪ ،‬وكانت مشكلة الثورة الثقافية ليست في المسائـل التي طرحتها ولكن في‬
‫العنف الذي شملها واتساع نطاق تطبيقها في المدن التي هي المراكز الحساسة للتغير االجتماعي‬
‫مهما قيل عن الريف وطاقاته‪ ،‬وقد واكب الثورة الثقافية تغيير مادي واضح من مضاعفة نصيب‬
‫الصناعة الثقيلة التي أصبحت قاعدة التطور الصناعي‪ ،‬وزيادة إنتاج الصناعات الخفيفة والمحلية‬
‫التي مكنت من تغطية نسبة هامة من احتياجات األقاليم وكانت إنتاجيتها مرتفعة إلى حد جعلت‬
‫الصين مكتفية ذاتياً في أغلب السلع الغذائية ويتمتع المواطنون بمستوى تغذية أعلى بكثير عما‬
‫كانوا يحصلون عليه‪.‬‬

‫كما كان لها األثر في بروز القيم الصينية التقليدية مثل العمل باجتهاد في سبيل المصلحة‬
‫الذاتية وطغيانها على بعض قيم الحزب الشيوعي‪ ،‬ومن ثم عادت األسرة لتكون الوحدة األهم في‬
‫الريف الصيني‪ ،‬وبعد أن كان الصيني في الماضي يخدم الشعب أصبح يخدم األسرة ونفسه‪.‬‬

‫‪ -4‬خفت حدة الثورة الثقافية عند وضع الخطة الخماسية الرابعة وفي ظل اإلنفراج الدولي إزاء‬
‫الصين وخروجها من عزلتها وانضمامها إلى األمم المتحدة‪ ،‬واستمرت الخطة في سياسة اإلعتماد‬
‫على الذات وزيادة اإلستثمار المخصص للصناعة مع استمرار الجهود اإلجتماعية للقضاء على‬
‫األمية وتوسيع فرص التعليم وتحسين المستوى الصحي والمعاشي للمواطنين‪ ،‬أما اإلنتاج الزراعي‬
‫فقد قفز إلى ما قيمته (‪ )223‬مليون دوالر في السنة‪ ،‬أي بمعدل (‪ )%600‬عما كان عليه عام‬
‫(‪ ،)1949‬وقد احتلت الصين بعد هذه الخطة المركز الثالث في العالم بعد روسيا وأمريكا من حيث‬
‫حجم اإلنتاج الصناعي وتنوعه‪.‬‬

‫‪ -5‬أما الخطة الخماسية الخامسة (‪ )1980-1976‬والتي توفي فيها (ماو) خالل السنة األولى‬
‫بدأت سياسة إصالح جديدة ترى أن العبرة هي في ثبات الخطوات ومواجهة الواقع وليس في القفز‬
‫فـوقه‪ ،‬كما وجهت الدعوى إلى تحديث الصناعة واعطاء البحث العلمي والتقدم التكنولوجي دو اًر‬
‫أكبر تحت رعاية الدولة واعادة النظر في المشروعات وتقويمها على أساس أدائها وحسن إنتاجها‬
‫وليس على أساس حجم هذا اإلنتاج بغض النظر عن نوعيته وهي المشكلة التي واجهت الدولة‬
‫االشتراكية في المراحل األولى لعملها‪ .‬وبعد رحيل (ماو) ضعفت األيديولوجية االشتراكية وعادت‬
‫الوطنية الصينية إلى البروز ومعها فكرة (أن الصـين مـركز العـالم)‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫بروز االقتصاديات اآلسيوية‬ ‫الفصل الحادي عشر‪:‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬ظهور بعض مظاهر التغيير‬

‫‪ -1‬في محاولة إلرجاع (شنغهاي) لسابق عهدها كمركز تجاري وصناعي دولي‪ ،‬أقيمت في‬
‫الثمانينات (‪ )14‬شركة أمريكية – صينية مشتركة في مجاالت (األجهزة الكهربائية – المعدات‬
‫النفطية – العطور ‪… -‬الخ) إضافة إلى مجموعة شركات مشتركة مع اليابان وهولندا وألمانيا‪.‬‬

‫‪ -2‬إنشاء عدد من المشاريع الخاصة‪ ،‬ففي عام (‪ )1984‬كان هناك (‪ )9,3‬مليون مشروع موزعة‬
‫بين النقل والبناء وصناعة األحذية والخدمات‪ .‬وقد خلف هذا طبقة برجوازية صغيرة في الصين‪.‬‬

‫‪ -3‬إنشاء مناطق حرة في عدة أقاليم على الساحل الصيني الجنوبي الشرقي لجلب رؤوس األموال‬
‫األجنبية‪.‬‬

‫‪ -4‬بدأت الصين تستجيب إلى كتابات الغرب الرأسمالي حول ضرورة تحديد النسل إليجاد نوع من‬
‫التوازن بين السكان والموارد‪ ،‬وقد قررت فرض نوع من العقوبات على من ينجب أكثر من طفل‬
‫واحد‪ ،‬مما أدى إلى عودة ظاهرة ( وأد البنات) في الريف التي اختفت عند قيام الثورة‪.‬‬

‫الفرع الخامس‪ :‬مؤشرات النجاح باألرقام حتى منتصف الثمانينات‬

‫‪ -1‬ارتفع الدخل الصناعي بعد الخطة األولى (‪ )% 128‬عما كان عليه في السابق‪.‬‬

‫‪ -2‬يقدر إنتاج الصين من مادة األرز بـ أكثر من (‪ )% 38‬من إنتاج العالم‪.‬‬

‫‪ -3‬إرتفع إنتاجها من القمح من (‪ )30‬مليون طن عام (‪ )1970‬إلى (‪ )41‬مليون طن عام‬


‫(‪ )1975‬واحتلت المرتبة الثالثة في العالم بعد روسيا وأمريكا‪ ،‬وكان نصيب الفرد من القمح (‪394‬‬
‫كغ)‪.‬‬

‫‪ -4‬ارتفعت نسبة االدخار إلى (‪ )% 40‬وهي أعلى نسبة في العالم‪ ،‬حتى أعلى من اليابان‪.‬‬

‫‪ -5‬إرتفع معدل الدخل القومي للفرد الصيني إلى (‪ )% 4,7‬خالل (‪ )33‬سنة من عام (‪-1952‬‬
‫‪ )1985‬على الرغم من زيادة السكان (‪ )400‬مليون نسمة‪ ،‬وهو من أعلى المعدالت في العالم‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫بروز االقتصاديات اآلسيوية‬ ‫الفصل الحادي عشر‪:‬‬

‫‪ -6‬إرتفع معدل العمر من (‪ )48‬سنة عام (‪ )1949‬إلى قرابة السبعين في نهاية السبعينات‬
‫وانخفض معدل الوفيات إلى حوالي (‪ )6‬باأللف‪.‬‬

‫الفرع السادس‪ :‬أسباب نجاح التجربة الصينية‬

‫‪ -1‬التعاون بين الدولة والقاعدة العريضة من الجماهير‪ ،‬وبخاصة الفالحين الذين يشكلون الجزء‬
‫األعظم من السكان‪ ،‬كما أن بداية الثورة كانت في الريف الذي انطلق منه الحزب الشيوعي‪.‬‬

‫‪ -2‬إصالح الزراعة وهي القطاع الرئيسي في الصين من خالل القضاء على اإلقطاع وتوزيع‬
‫األراضي وتكوين الجمعيات الفالحية ونجاح االستثمارات الزراعية وقيام بعض الصناعات في‬
‫الريف وبالتالي لم ينعكس سلباً على العمالة الريفية ( وأصبح الفالح أحد أهداف التنمـية‪ ،‬بعد أن‬
‫كان ضحية في تجارب دولية أخرى)‪.‬‬

‫‪ -3‬نجاح الثورة الثقافية إلى حد ما في تطوير أبناء الصين بكافة فئاتهم ونشر القيم اإلشتراكيـة‪.‬‬

‫‪ -4‬كفاءة الجهاز التخطيطي كان له الدور الفاعل في تعبئة الطاقات والموارد وموازنتها بشكل‬
‫دقيق بحيث حققت إشباع هذا الكم الهائل من السكان والقيام بالتصدير وتحقيق مكانة متقدمة بين‬
‫الدول الصناعية‪.‬‬

‫‪ -5‬القيم والعوامل اإلجتماعية كان لها األثر البالغ في نجاح خطط التنمية‪. 1‬‬

‫وهكذا تميز النموذج التنموي الصيني‪ .‬وكخالصة لما سبق تقديمه‪ ،‬فإنه وقبل عام ‪1978‬م‪،‬‬
‫كانت الصين دولة فقيرة إقتصاديا‪ ،‬حيث انخفاض الدخل الفردي والناتج المحلي ومعدل نموه‬
‫المنخفض والمساهمة المنخفضة للصين في التجارة الدولية واإلستثمار األجنبي الذي ليس له وجود‬
‫بها قبل عام ‪ .1978‬وبسيطرة اإلقطاع على النشاط االقتصادي لها وعدم إنفتاحها على العالم‬
‫الخارجي وبانتشار الفقر والمجاعات واإلعتماد على الوسائل غير المتطورة في الزراعة وعدم وجود‬
‫السياسات والخطط والرغبة الحقيقية للخروج بالصين من دائرة الفقر والتخلف‪.‬‬

‫‪" -1‬تجربة الصين التنموية"‪ ،‬مقال منشور في الموقع االلكتروني‪ http://www.ejtemay.com/showthread.php?t=14427 :‬تاريخ‬
‫الزيارة ‪.2015/04/10‬‬

‫‪108‬‬
‫بروز االقتصاديات اآلسيوية‬ ‫الفصل الحادي عشر‪:‬‬

‫ومنذ نهاية سبعينات القرن العشرين الماضي‪ ،‬وضعت الصين تحديث إقتصادها في المركز‬
‫األول من أولوياتها‪ ،‬حيث لم تكن الكثافة السكانية الهائلة عبئا على الحكومة الصينية فى تحقيق‬
‫التنمية االقتصادية‪ ،‬بل تميزت الحكومات الصينية في فن إدارة الموارد البشرية وحسن استغاللها‬
‫لزيادة اإلنتاج‪ ،‬فجعلت من الكثافة السكانية ميزة تتمتع بها وليست عائق أمام التنمية‪ . 1‬حيث‬
‫تخلت تدريجيا عن الخطة من أجل إقتصاد السوق‪ ،‬وعبأت مواردها الضخمة من األيدي العاملة‪،‬‬
‫واستغلت دخول عصر العولمة لتصبح مصنعا للعالم‪ ،‬وبذلت جهدا استثماريا كبي ار من أجل تحديث‬
‫الصناعة‪ ،‬وتطوير البنية التحتية‪ ،‬وجذبت رؤوس األموال األجنبية التي خلقت قدرات إنتاجية جديدة‬
‫في القطاعات التي تستجيب للطلب المحلي والعالمي‪ ،‬وتحسن مستوى معيشة الصينيين تحسنا‬
‫كبيرا‪ .‬مما جعلها في بداية القرن الواحد والعشرين تظهر كقوة اقتصادية كبرى على مستوى‬
‫اإلقتصاد العالمي حيث أصبح االقتصاد الصيني اإلقتصاد الثاني عام ‪ 2009‬في العالم بعد‬
‫اإلقتصاد األمريكي مباشرة‪. 2‬‬

‫‪ -1‬غادة سيد عبد هللا سيد‪" ،‬تقييم تجربة التنمية اإلقتصادية فى الصين ومصر ‪ -‬دراسة مقارنة" ‪ ،‬مقال منشور في الموقع االلكتروني‪:‬‬
‫‪ /http://www.alnodom.com/index.php‬تاريخ الزيارة ‪.2015/04/10‬‬
‫‪ -2‬عبد المطلب عبد الحميد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.55.‬‬

‫‪109‬‬
‫العولمة االقتصادية‬ ‫الفصل الثاني عشر‪:‬‬

‫تمهيد‬

‫إن النظام االقتصادي العالمي الجديد الذي وضع تاريخيا بناءا على رغبة طرف واحد‪ ،‬أدى‬
‫إلى تفاوت كبير في النمو االقتصادي على المستوى العالمي وبذلك بدأ يشكل عقبة في طريق‬
‫استمرار النمو ليس فقط بالنسبة لدول العالم الثالث بل للدول المتقدمة أيضا‪ ،‬لهذا فإن إدخال‬
‫تعديالت على النظام االقتصادي الدولي القائم مسألة ضرورية تطرحها الدول المتقدمة مثل دول‬
‫بلدان العالم الثالث تماما مع فارق وهو أن الدول المتقدمة تريد من موقع القوة أن تفرض التعديالت‬
‫التي تسمح لها باالستمرار بنهب خيرات العالم الثالث‪ ،‬وفي نفس الوقت تحسن أوضاع الدول‬
‫المتخلفة‪.‬‬

‫إن التعديالت التي تطرحها الدول المتقدمة ال تختلف كثي ار على وصفة االقتصادي‬
‫االنجليزي "جون مينار كينز" بإعادة توزيع الدخل في مصلحة الفئات الفقيرة وذلك من أجل إطالة‬
‫عمر النظام الرأسمالي واالستمرار في استغالل الطبقات الكادحة في هذا المجتمع‪.‬‬

‫إن االنتقال الذي حققته العالقة بين الدول المتقدمة والمتخلفة من الصراع إلى الحوار ما هو‬
‫إال صراع بسالح جديد‪ ،‬حيث ترغب الدول المتقدمة أن تحافظ على القدر األعظم من المكاسب‬
‫التي رتبتها لنفسها‪ ،‬وتؤمن الحد األعلى من مصالح دول العالم الثالث التي يمكن أن تقبل بها‪.1‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف العولمة االقتصادية‬

‫نظ ار لتشعب مجاالت العولمة االقتصادية ال سيما في جانبها االقتصادي الذي يشمل العديد‬
‫من القطاعات منها اإلنتاجي‪ ،‬والخدمي والتكنولوجي‪ ،‬والتسويقي واإلداري‪ ،‬والمالي‪ ،‬فإن مفهوم‬
‫العولمة االقتصادية سوف يتغير‪ .‬ومن أهم التعريفات التي تناولت العولمة االقتصادية نذكر‪:‬‬

‫العولمة هى اإلتجاه المتنامي نحو جعل العالم دائرة اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية‬
‫واحدة‪ ،‬تتالشى في داخلها الحدود بين الدول‪. 2‬‬

‫‪ -1‬بن طاهر حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.178.‬‬


‫‪ -2‬هيفاء عبد الرحمان ياسين التكريتي‪ ،‬آليات العولمة االقتصادية وآثارها المستقبلية في االقتصاد العربي‪ ،‬دار الحامد للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫‪ ،2010‬ص‪.31.‬‬

‫‪111‬‬
‫العولمة االقتصادية‬ ‫الفصل الثاني عشر‪:‬‬

‫كما يشير مفهوم العولمة االقتصادية إلى زيادة االندماج االقتصادي على مستوى العالم وذلك‬
‫نتيجة لزيادة نطاق عمليات تحرير التجارة في السلع والخدمات وتحرير تدفقات رؤوس األموال بين‬
‫الدول‪ ،‬كما يشير المصطلح إلى سهولة انتقال عنصر العمل والمعرفة الفنية والتكنولوجية عبر الحدود‬
‫الدولية‪.1‬‬

‫وعلى ذلك يمكن تعريف العولمة على أنها تحول العالم إلى سوق واحدة تزداد فيها المنافسة‬
‫على جميع األصعدة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬العوامل المفسرة للعولمة المالية‬

‫ترجع جذور العولمة االقتصادية إلى القرن الخامس عشر وذلك مع زيادة تبادل السلع بين‬
‫األمم آنذاك‪ ،‬أما العولمة المالية فهي حديثة النشأة نسبيا‪.‬‬

‫تظافرت عوامل عديدة في توفير المناخ المالئم لتغذية زخم العولمة المالية التي بدأت في‬
‫التبلور منذ ما يربو على ربع قرن من الزمان‪ ،‬وكان من أهم العوامل المفسرة لها‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تنامي الرأسمالية المالية‬

‫لقد كان للنمو المطرد الذي حققه رأس المال المستثمر في األصول المالية دو ار أساسيا في‬
‫إعطاء قوة الدفع لمسيرة العولمة المالية‪ ،‬فأصبحت معدالت الربح التي حققها رأس المال المستثمر‬
‫في أصول مالية تزيد بعدة أضعاف عن معدالت الربح التي تحققها قطاعات اإلنتاج‪ ،‬وصارت‬
‫الرأسمالية ذات طابع ريعي‪ ،‬تعيش على توظيف رأس المال ال على استثماره على الصعيد‬
‫العالمي‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬عجز األسواق الوطنية عن استيعاب الفوائض المالية‬

‫حدثت موجة عارمة من تدفق رؤوس األموال الدولية ناتجة عن أحجام ضخمة من‬
‫المدخرات والفوائض المالية التي ضاقت األسواق الوطنية عن استيعابها‪ ،‬فاتجهت نحو الخارج بحثا‬
‫عن فرص استثمار أفضل ومعدالت عائد أعلى‪.‬‬

‫‪ -1‬نوري منير‪ ،‬السياسات االقتصادية في ظل العولمة‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ، 2010 ،‬ص‪ .‬ص‪.10 -9 .‬‬

‫‪112‬‬
‫العولمة االقتصادية‬ ‫الفصل الثاني عشر‪:‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬ظهور االبتكارات المالية‬

‫ارتبطت العولمة المالية بظهور كم هائل من األدوات المالية الجديدة التي راحت تستقطب‬
‫العديد من المستثمرين‪ ،‬فإلى جانب األدوات التقليدية المتداولة (األسهم‪ ،‬السندات)‪ ،‬أصبح هناك‬
‫العديد من األدوات االستثمارية منها المشتقات التي تتعامل مع التوقعات المستقبلية وتشمل‪:‬‬
‫المبادالت‪ ،‬المستقبليات‪ ،‬السقف‪ ،‬الخيارات‪ ،‬وكل هذه األدوات تتيح للمستثمرين مساحة واسعة من‬
‫االختيارات عند اتخاذ ق ارراتهم االستثمارية‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬التقدم التكنولوجي‬

‫ساهم هذا العنصر في مجاالت االتصاالت والمعلومات مساهمة فعالة في دمج وتكامل‬
‫األسواق المالية الدولية‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬التحرير المالي المحلي والدولي‬

‫لقد ارتبطت التدفقات الرأسمالية عبر الحدود ارتباطا وثيقا بعمليات التحرير المالي الداخلي‬
‫والدولي‪ ،‬وقد زادت معدالت النمو للتدفقات وسرعتها خالل العقدين األخيرين من القرن الماضي‬
‫مع السماح للمقيمين وغير المقيمين بحرية تحويل العملة بأسعار الصرف السائدة إلى العمالت‬
‫األجنبية واستخدامها بحرية في إتمام المعامالت الجارية والرأسمالية‪.‬‬

‫المطلب السادس‪ :‬إعادة هيكلة صناعة الخدمات المالية‬

‫حدثت تغيرات هائلة في صناعة الخدمات المالية واعادة هيكلتها على مدى العقدين‬
‫الماضيين وعلى وجه الخصوص العقد التاسع من القرن الماضي‪ ،‬بحيث عملت كحافز لإلسراع‬
‫من وتيرة العولمة المالية‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬أدوات العولمة االقتصادية‬

‫المطلب األول‪ :‬الشركات المتعددة الجنسيات‬

‫‪113‬‬
‫العولمة االقتصادية‬ ‫الفصل الثاني عشر‪:‬‬

‫هي إحدى السمات األساسية للعولمة‪ ،‬فهي تؤثر بقوة على االقتصاد العالمي من خالل ما‬
‫يصاحب نشاطها في شكل استثمارات مباشرة من نقل التكنولوجيا‪ ،‬والخبرات التسويقية واإلدارية‪،‬‬
‫وتأكيد ظاهرة العولمة في كافة المستويات اإلنتاجية والمالية والتكنولوجية والتسويقية واإلدارية‪،‬‬
‫ويضاف إلى ذلك أن تلك الشركات العمالقة ذات اإلمكانيات التمويلية الهائلة تلعب دور العائد في‬
‫الثورة التكنولوجية التي نقلت الفن اإلنتاجي إلى أن يصبح فنا إنتاجيا كثيف المعرفة‪ ،‬وبالتالي فهي‬
‫من هذا المنظور تعمق االتجاه نحو العولمة وبالتحديد العولمة االقتصادية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المنظمات واالتفاقيات‬

‫يستند النظام االقتصادي العالمي‪ ،‬الذي أقامته الواليات المتحدة األمريكية بعد الحرب‬
‫العالمية الثانية على ثالث مؤسسات كبرى دولية تقوم بإرساء قواعد وبنيان هيكل للعولمة ودعم‬
‫مجاالته ا الرئيسية الثالث وهي‪ :‬عولمة التجارة‪ ،‬عولمة التمويل‪ ،‬عولمة االستثمار‪ ،‬ليصبح كل‬
‫شيء معولم‪ ،‬من أجل بناء عولمة فعالة‪ ،‬ومنه فإن هذه المنظمات الثالثة تبني وتؤسس للعولمة‬
‫وتشرف على تكوين البنية التحتية لها وهي‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬منظمة التجارة العالمية )‪(WTO‬‬

‫تعتبر منظمة التجارة العالمية أحد الركائز األساسية في نظام العولمة ألنها المشرفة‬
‫الرئيسية على نظام التجارة في النظام العالمي الجديد‪ .‬وقد حلت هذه المنظمة محل االتفاقية العامة‬
‫للتعريفات والتجارة (الجات) والتي أنشئت عام ‪ 1948‬كاتفاق متعدد األطراف‪ ،‬والتي كانت تضع‬
‫وتنظم إطا ار عاما في التجارة الدولية‪ .‬وعلى مدى عمر الجات أضيفت العديد من التعديالت‬
‫واالتفاقيات من خالل جوالت المفاوضات التجارية التي بلغت ثمانية جوالت‪ ،‬كان آخرها جولة‬
‫األورجواي‪ .‬وأصبحت منظمة التجارة العالمية هي المنظمة الرئيسية المسؤولة عن تنفيذ العولمة‬
‫على المستوى التجاري واالقتصادي‪ .‬تضم المنظمة ‪ 134‬دولة حتى جانفي ‪ 1999‬وتشارك بنحو‬
‫‪ % 95‬من حجم التجارة الدولية‪ ،‬وتضع مجموعة من القواعد والقوانين التي تلتزم بها الدول‬
‫األعضاء في مجال التجارة الدولية للسلع والخدمات واألفكار‪ ،‬وتحدد حقوق والتزامات الدول‬
‫األعضاء في إطار عام واسع ومتعدد األطراف‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬صندوق النقد الدولي‬

‫‪114‬‬
‫العولمة االقتصادية‬ ‫الفصل الثاني عشر‪:‬‬

‫أنشئ الصندوق بموجب اتفاقية بريتون وودز التي عقدت في جويلية ‪ 1944‬وأصبحت‬
‫نصوصها نافذة في ‪ 27‬ديسمبر ‪ .1945‬وظيفة الصندوق هي‪:‬‬

‫‪ -1‬دعم استقرار أسعار الصرف‪.‬‬

‫‪ -2‬المحافظة على التدابير المنظمة للصرف بين الدول األعضاء لتفادي التنافس على تخفيض‬
‫أسعار الصرف‪.‬‬

‫‪ -3‬المساهمة في إقامة نظام للمدفوعات المتعددة األطراف بالنسبة للعمليات الجارية بين الدول‬
‫األعضاء‪.‬‬

‫‪ -4‬إزالة القيود المفروضة على الصرف األجنبي والتي تعوق نمو التجارة الدولية‪.‬‬

‫‪ -5‬بث الثقة بين الدول األعضاء من خالل جعل موارد الصندوق ميسورة لها بضمانات مالئمة‪،‬‬
‫ومن ثم إتاحة الفرصة لها لتصحيح اإلختالل في موازين مدفوعاتها دون اللجوء إلى التدابير التي‬
‫من شأنها أن تقضي على الرخاء الوطني أو الدولي‪.‬‬

‫إستطاع الصندوق من خالل التنظيم الدائم أن يعمل على تدعيم التعاون الدولي‪ ،‬وتوفير‬
‫األجهزة الالزمة للتشاور والتعاون حول حل المشكالت النقدية الدولية‪ ،‬وساهم مساهمة فعالة في‬
‫النمو المتوازن للتجارة العالمية من خالل توفير التمويل الالزم لها‪.‬‬

‫يتجه الصندوق في الوقت الراهن إلى دراسة امتداد إشرافه إلى ميزان المعامالت الرأسمالية‬
‫لموازي ن المدفوعات للدول األعضاء‪ ،‬وفي الوقت نفسه الدفع نحو إيجاد عملة الكترونية دولية‬
‫يصدرها هو ليتحول في المستقبل إلى بنك مركزي عالمي للعالم كله‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬البنك الدولي‬

‫هو أحد مؤسسات اتفاقية بريتون وودز التي عقدت في جويلية ‪ ،1944‬حيث أنشئ البنك‬
‫الدولي عام ‪ .1945‬بدأ في ممارسة نشاطه في جوان ‪ ،1946‬جاء إنشاؤه ليقوم بـ‪:‬‬

‫‪ -1‬تلبية الحاجة الماسة إلى رأس المال لتمويل األعمال‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫العولمة االقتصادية‬ ‫الفصل الثاني عشر‪:‬‬

‫‪ -2‬إعادة البناء لما دمرته الحرب العالمية الثانية‪.‬‬

‫‪ -3‬تنمية اقتصاديات الدول المتخلفة‪.‬‬

‫ومن ثم أعطى البنك حق منح أو ضمان القروض التي تقدم لمشروعات تحقق أغراضه‪،‬‬
‫وهو يمثل قمة التعاون بين رأس المال الخاص ورأس المال الحكومي العام في مجال االستثمار‬
‫الدولي‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى عمليات اإلقراض وضمان القروض فان البنك يقدم العديد من الوظائف أهمها‪:‬‬

‫‪ -4‬تقديم المعونة الفنية للدول األعضاء المتخلفة اقتصاديا‪ :‬مثل تحديد أسبقية المشروعات‪ ،‬وابداء‬
‫النصح والتدابير اإلدارية والتنظيمية لتنفيذ هذه المشروعات‪.‬‬

‫‪ -5‬تشجيع االستثمار الخاص بما يضمن نمو واسع للقطاع الخاص‪ :‬مما يساعد على تأصيل‬
‫العادة اإلدخارية‪ ،‬وايجاد قدرة على تشغيل المدخرات بطريقة إنتاجية‪ ،‬إجتذاب رؤوس أموال إضافية‬
‫ورجال أعمال إلى محيط النشاط االقتصادي‪.‬‬

‫‪ -6‬فض المنازعات المالية بين الدول األعضاء‪ ،‬وتدريب موظفي حكومات الدول األعضاء على‬
‫إدارة التنمية‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار فقد تطور البنك الدولي وتوسعت أنشطته للدرجة التي معها أصبح يرمز‬
‫إليه كمجموعة تضم ثالث مؤسسات رئيسية يطلق عليها مجموعة البنك الدولي‪ ،‬وهذه المؤسسات‬
‫هي‪:‬‬

‫‪ -‬البنك الدولي لإلنشاء والتعمير‪.‬‬

‫‪ -‬الرابطة الدولية للتنمية‪.‬‬

‫‪ -‬مؤسسة التمويل الدولية‪.‬‬

‫تعمل هذه المجموعة على المساعدة في تحقيق التقدم االقتصادي ورفع مستوى المعيشة‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫العولمة االقتصادية‬ ‫الفصل الثاني عشر‪:‬‬

‫إن هذه المؤسسات الكبرى للعولمة (منظمة التجارة العالمية‪ ،‬صندوق النقد الدولي‪ ،‬البنك‬
‫الدولي) ليست هي التي تسعى لتحقيق العولمة‪ ،‬ولكن هناك مؤسسات أخرى تعمل على تحقيقها‬
‫وهي‪:‬‬

‫‪ -‬األحزاب والمنظمات السياسية على اختالف اتجاهاتها‪.‬‬

‫‪ -‬االتحادات والمؤسسات ذات الطابع الدولي‪.‬‬

‫‪ -‬الجامعات والمعاهد ومراكز البحث العلمي وصفوة العلماء‪.1‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬انعكاسات العولمة على البلدان النامية‬

‫لقد أدى تطبيق العولمة إلى انعكاسات عديدة خاصة على الدول النامية منها اإليجابي‬
‫ومنها السلبي‪ ،‬والتي يمكن إجمالها فيما يلي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬سلبيات العولمة على البلدان النامية‬

‫‪ -‬عولمة المديونية الخارجية‪ :‬ظهرت أزمة المديونية الخارجية في المكسيك في أوت ‪ ،1982‬مع‬
‫زيادة تلك الديون وخدماتها إلى درجة أن العديد من الدول المدينة أصبحت عاجزة عن تسديدها‪.‬‬

‫ومن التطورات التي شهدها العالم في العشرية الممتدة بين منتصف السبعينيات ومنتصف‬
‫الثمانينيات من القرن الماضي موجة اإلبداعات المالية‪ ،‬فقد عمدت بنوك الدول المتقدمة بالتعاون‬
‫مع بيوت السمسرة المتخصصة إلى تحويل الديون الخارجية للدول النامية إلى أوراق مالية تتداول‬
‫في األسواق المالية العالمية‪ ،‬شأنها في ذلك شأن أية أداة مالية عادية‪.‬‬

‫ولقد كان لهذا االختراع المالي الذي بدأت تعرفه األسواق المالية العالمية مع حلول منتصف‬
‫الثمانينيات من القرن الماضي انعكاسات هامة على الدول النامية‪ ،‬حيث أصبحت تلك الديون‬
‫تنتقل من بنك إلى بنك آخر ومن مؤسسة مالية إلى أخرى وحتى من دولة إلى أخرى‪ ،‬في ظرف‬
‫ثواني معدودة‪.‬‬

‫‪ -1‬بوقرة رابح‪ ،‬خبابة عبد هللا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 221 .‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫العولمة االقتصادية‬ ‫الفصل الثاني عشر‪:‬‬

‫كما أصبحت ملكية تلك الديون تنتقل من اليابان إلى الواليات المتحدة إلى بريطانيا إلى‬
‫ألمانيا في فترات جد قصيرة‪ ،‬نظ ار الستعمال وسائل التداول االلكترونية الحديثة‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك أن فرنسا اشترت ‪ 6‬ماليير دوالر من الديون الجزائرية بهذه الطريقة‪ ،‬مع‬
‫نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي‪ ،‬من بنوك ومؤسسات مالية وحتى من دول‬
‫دائنة للجزائر‪ ،‬وبانتشار هذه العملية وجدت الدول المدينة نفسها حائرة فيما يتعلق بملكية الدين‬
‫وبالتالي أصبحت تابعة لبنوك ومؤسسات مالية ودول لم تستدن منها أصال وبهذه الطريقة تمت‬
‫عولمة جانب هام من المديونية الخارجية للدول النامية‪ ،‬ال سيما وأن تلك المؤسسات المالية التي‬
‫تقوم بهذه التركيبات المالية المعقدة هي قلب النظام المالي العالمي النابض‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك سيطرة مؤسسات بريتون وودز على مصادر التمويل زادت من عولمة‬
‫تلك المصادر بصفة عامة وعولمة المديونية الخارجية بصفة خاصة‪.‬‬

‫ومن المظاهر األخرى التي ساهمت في عولمة المديونية إمكانية استبدال الديون الخارجية‬
‫والداخلية للدول المدينة بمساهمات في الشركات المخوصصة‪.‬‬

‫‪ -‬إنهيار األسواق المالية‪ :‬لقد مرت األسواق المالية بالعديد من االنهيارات التي انعكست سلبا على‬
‫االقتصاد العالمي‪ ،‬فشهدت تلك األسواق أول انهيار في سنة ‪ 1929‬حيث أدى إلى إفالس ‪5000‬‬
‫بنك وأغرق االقتصاد العالمي فيما عرف بالكساد العظيم‪ ،‬على الرغم من عدم وجود ارتباط بين‬
‫األسواق المالية العالمية آنذاك‪ ،‬كما استيقظ العالم في أكتوبر ‪ 1987‬على انهيار حاد آخر كلف‬
‫العالم خسارة قدرها ‪ 2000‬مليار دوالر في أسابيع معدودة‪ ،‬تلى هذا اإلنهيار إنهيارات صغيرة‬
‫أخرى مثل ما حدث في أكتوبر ‪ ،1989‬وخسرت على إثره البورصات العالمية حوالي ‪ 200‬مليار‬
‫دوالر‪.‬‬

‫لقد ساعد اإلرتباط بين األسواق المالية العالمية‪ ،‬على انتقال عدوى اإلنهيار من بورصة‬
‫ألخرى ومن دولة ألخرى في أوقات قياسية لدرجة أن تذبذب أسعار أسهم تلك البورصات كان‬
‫متزامنا تقريبا‪ ،‬فتلك البورصات مرتبطة بشبكات اتصال متطورة تسمح لها بالحصول على‬
‫المعلومات عن بعضها البعض في الوقت الفعلي‪ ،‬كما تتداول العديد من األصول المالية المصدرة‬
‫في دول أخرى تلك األسواق مما يزيد من ارتباطها وعولمتها‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫العولمة االقتصادية‬ ‫الفصل الثاني عشر‪:‬‬

‫وع لى الرغم من هذه السلبيات فان العولمة المالية ال تخل من بعض الجوانب االيجابية‬
‫نذكرها فيما يلي‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬إيجابيات العولمة على البلدان النامية‬

‫‪ -‬تدفق رؤوس األموال األجنبية‪ :‬أدى الربط بين األسواق الناشئة وأسواق الدول المتقدمة إلى زيادة‬
‫التدفقات المالية نحو الدول النامية‪ ،‬فبينما تراوحت تلك التدفقات بين ‪ 10‬و ‪ 20‬مليار دوالر سنويا‬
‫فقط خالل عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي‪ ،‬إرتفعت إلى ‪ 63‬مليار دوالر سنة‬
‫‪ 1990‬ووصلت إلى ‪ 120‬مليار دوالر سنة ‪.1991‬‬

‫وارتفعت بعد ذلك بانتظام لتصل إلى ‪ 280‬مليار دوالر سنة ‪ ،1997‬لتنخفض بعد ذلك إلى‬
‫‪ 234‬مليار دوالر سنة ‪ ،1998‬بسبب األزمة المالية التي مرت بها األسواق المالية الناشئة‪ ،‬هذا‬
‫من ناحية اإلستثمار في األدوات المالية المتاحة في تلك األسواق‪ .‬أما من ناحية اإلستثمارات‬
‫المباشرة في الدول النامية (ماعدا دول أوربا الشرقية)‪ ،‬فقد ازدادت بحوالي ‪ % 30‬سنويا خالل‬
‫الفترة ‪ 1992 -1987‬مقيمة بالدوالرات الجارية وارتفعت حسب إحصائيات البنك العالمي من ‪10‬‬
‫ماليير دوالر سنة ‪ 1985‬إلى ‪ 37‬مليار دوالر سنة ‪ ،1994‬وعلى الرغم من الفوائد التي جلبتها‬
‫تلك االستثمارات‪ ،‬إال انه يعاب عليها ميزة التركيز‪ ،‬أي أنها توجهت إلى عدد محدود جدا من‬
‫البلدان النامية‪ ،‬فمثال استأثرت ‪ 6‬دول فقط بمعظم تلك االستثمارات في سنة ‪ 1992‬وهي الصين‪،‬‬
‫المكسيك‪ ،‬األرجنتين‪ ،‬ماليزيا‪ ،‬وتايلندا‪ ،‬وخالل ثالث سنوات فقط (‪ ،)1993-1991‬استفادت‬
‫الصين لوحدها بـ ‪ 40‬مليار دوالر من تلك االستثمارات‪.‬‬

‫‪ -‬عولمة األسواق المالية الناشئة‪ :‬لقد تم ربط العديد من األسواق المالية التابعة للدول النامية‬
‫بالنظام المالي العالمي‪ ،‬السيما األسواق اآلسيوية ابتداء من أوائل التسعينيات من القرن الماضي‪.‬‬
‫فاألفراد والمؤسسات في تلك البلدان يقرضون ويتداولون األوراق المالية في مختلف األسواق المالية‬
‫العالمية‪ ،‬فحتى ميزانيات مؤسساتهم المالية والبنكية تحتوي على أصول وخصوم مقومة بعمالت‬
‫مختلفة‪.‬‬

‫أدى انفتاح تلك األسواق على رأس المال األجنبي إلى تسهيل توجيه إدخار عالمي معتبر‬
‫إلى تلك المنطقة من العالم‪ ،‬مما جعلها تبرز كقطب اقتصادي ومالي له وزنه في االقتصاد‬

‫‪119‬‬
‫العولمة االقتصادية‬ ‫الفصل الثاني عشر‪:‬‬

‫العالمي كما ساعد توفر أسواق تلك الدول على مستوى عال من التكنولوجيا ووسائل االتصال‬
‫الحديثة على اإلسراع في عولمتها‪.1‬‬

‫‪ -‬الثورة المعرفية وما يترتب عنها من تقدم عملي تكنولوجي يسهل حركة انتقال األموال والسلع‬
‫والخدمات ويقلل أثر المسافات‪.‬‬

‫‪ -‬عولمة الثقافة وتزايد الصالت غير الحكومية‪ ،‬مما أدى إلى زيادة التنسيق بين األفراد والجماعات‬
‫ذات المصالح المشتركة‪ ،‬خاصة في المجاالت النافعة كحماية البيئة مثال‪.‬‬

‫‪ -‬تعميم إستعمال التكنولوجيا‪.2‬‬

‫‪ -1‬بن طاهر حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 218.‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ -2‬عبد الرحمان بن سانية‪ " ،‬االنطالق االقتصادي بالدول النامية في ظل التجربة الصينية" ‪ ،‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم‪،‬‬
‫تخصص اقتصاد التنمية‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد‪ ،‬تلمسان‪ ،2013 -2012 ،‬ص‪.343 .‬‬

‫‪120‬‬
‫األزمة المالية العالمية ‪2008‬‬ ‫الفصل الثالث عشر‪:‬‬

‫تمهيد‬

‫إرتبط ظهور األزمة المالية ارتباطا وثيقا بالجهاز المصرفي الذي لعب دو ار هائال في زيادة‬
‫حجم األصول المالية المتداولة وزيادة الثقة فيها‪.‬‬

‫ومن هنا بدأت بوادر األزمة المالية من خالل بدأ انقطاع الصلة بين االقتصاد المالي‬
‫واالقتصاد العيني‪ ،‬من خالل التوسع المالي بإصدار أنواع متعددة من األصول المتنوعة بشكل‬
‫مستقل عن االقتصاد العيني‪ ،‬وأصبحت لألسواق المالية حياتها الخاصة بعيدا عما يحدث في‬
‫االقتصاد العيني‪ ،‬ومن هنا تبرز بشكل واضح األزمة المالية المعاصرة التي نجمت عن التوسع‬
‫الكبير في األصول المالية بشكل مستقل عما يحدث في االقتصاد العيني‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬أسباب األزمة المالية العالمية‬

‫يرجع السبب في أزمة الرهن العقاري (األزمة المالية العالمية)‪ ،‬التي تسببت في اإلنهيار‬
‫المالي العالمي إلى‪:1‬‬

‫‪ -1‬التوسع في القروض العقارية‪ ،‬بدون ضمانات كافية‪ ،‬وبمخاطر مرتفعة‪ ،‬حيث أهملت البنوك‬
‫في التحقق من القدرة االئتمانية للمقترضين‪ ،‬وقد بلغ حجم القروض المتعثرة لألفراد نحو مائة مليار‬
‫دوالر بأمريكا‪.‬‬

‫‪ -2‬قيام البنوك ببيع القروض العقارية إلى شركات التوريق‪ ،‬وقيام هذه الشركات بإصدار سندات‬
‫بهذه القروض وطرحها لالكتتاب العام‪ ،‬مما أدى إلى تراكم َكم هائل من الديون مرتبطة ببعضها‬
‫البعض في توازن هش‪.‬‬

‫‪ -3‬ارتفاع سعر الفائدة أدى إلى التغيير في طبيعة سوق أمريكا‪ ،‬فانخفضت أسعار المنازل‪ ،‬مما‬
‫أدى إلى اللجوء إلى بيع العقارات المرهونة‪ ،‬أو رهنها مقابل قرض جديد بفائدة جديدة‪ ،‬وبالتالي‬
‫أصبح العقار الواحد مرهونا بحقوق متعددة‪.‬‬

‫‪ -1‬محمد سعيد محمد الرمالوى‪ ،‬األزمة االقتصادية العالمية ‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬مصر‪ ،2011 ،‬ص‪.‬ص‪.136 -135.‬‬

‫‪122‬‬
‫األزمة المالية العالمية ‪2008‬‬ ‫الفصل الثالث عشر‪:‬‬

‫‪ -4‬مما أدى إلى زيادة ظاهرة استيالء المقرضين على العقارات‪ ،‬بسبب تزايد حاالت العاجزين عن‬
‫السداد‪ ،‬وكثرة المواجهات بين المقترضين والبنوك‪.‬‬

‫‪ -5‬مما أدى إلى زيادة عدد المنازل المعروضة للبيع بالواليات المتحدة إلى ‪ % 75‬عام ‪،2007‬‬
‫حيث بلغ عددها ‪ 2.2‬مليون‪ ،‬وهو ما يمثل نحو ‪ % 1‬من عدد المساكن بأمريكا‪.‬‬

‫‪ -6‬مما أدى إلى قلة السيولة المالية‪ ،‬وبالتالي ضعفت قدرة البنوك على تمويل الشركات واألفراد‬
‫المتعثرين‪ ،‬األمر الذي أدى إلى انخفاض اإلنفاق االستثماري واالستهالكي‪ ،‬وهدد بحدوث كساد‪.‬‬

‫‪ -7‬مما أدى إلى انتقال أزمة الرهن العقاري من الواليات المتحدة إلى القارة اآلسيوية واألوربية‪ ،‬ثم‬
‫تطورت لتشمل معظم دول العالم‪ ،‬فتحولت من أزمة رهن عقاري إلى أزمة مالية عالمية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬نشأة األزمة المالية العالمية‬

‫نشأت األزمة المالية في سنة ‪ 2007‬نتيجة ما أطلق عليه أزمة الرهون العقارية‪ ،‬فالعقارات‬
‫في أمريكا هي أكبر مصدر لإلقراض واإلقتراض‪ ،‬ألن المواطن األمريكي يشتري عقاره بالدين من‬
‫البنك مقابل رهن هذا العقار‪ ،‬واألزمة بدأت فيما عرف بالرهون العقارية األقل جودة‪ ،‬وهذا بالشكل‬
‫التالي‪:‬‬

‫يقوم المواطن األمريكي بشراء بيته بالدين مقابل رهن هذا العقار‪ ،‬ثم ترتفع قيمة العقار‪،‬‬
‫فيحاول صاحب العقار الحصول على قرض جديد نتيجة ارتفاع سعر العقار‪ ،‬وذلك مقابل رهن‬
‫جديد من الدرجة الثانية‪ ،‬ومن هنا جاءت تسميتها بالرهون األقل جودة‪ ،1‬ألنها رهونات من الدرجة‬
‫الثانية‪ ،‬وبالتالي فإنها معرضة أكثر للمخاطر إذا انخفضت قيمة العقارات‪ ،‬ولكن البنوك لم تكتف‬
‫بالتوسع في هذه القروض األقل جودة‪ ،‬بل استخدمت "المشتقات المالية" لتوليد مصادر جديدة‬
‫للتمويل‪ ،‬وبالتالي للتوسع في اإلقراض‪.‬‬

‫عندما يتجمع لدى البنك محفظة كبيرة من الرهونات العقارية‪ ،‬فإنه يلجأ إلى استخدام هذه‬
‫"المحفظة من الرهونات العقارية" إلصدار أوراق مالية جديدة يقترض بها من المؤسسات المالية‬

‫‪ -1‬محمد عبد الوهاب العزاوي‪ ،‬عبد السالم محمد خميس‪ ،‬األزمات المالية‪ :‬قديمها وحديثها‪ ،‬أسبابها ونتائجها‪ ،‬والدروس المستفادة‪ ،‬دار‬
‫اثراء للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،2009 ،‬ص‪.47 .‬‬

‫‪123‬‬
‫األزمة المالية العالمية ‪2008‬‬ ‫الفصل الثالث عشر‪:‬‬

‫األخرى بضمان هذه المحفظة‪ ،‬وهو ما يطلق عليه "التوريق"‪ ،‬فكأن البنك لم يكتف باإلقراض‬
‫األولي بضمان هذه العقارات‪ ،‬بل أصدر موجة ثانية من األصول المالية بضمان هذه الرهون‬
‫العقارية فالبنك يقدم محفظته من الرهونات العقارية كضمان لالقتراض الجديد من السوق عن‬
‫طريق إصدار سندات أو أوراق مالية مضمونة بالمحفظة العقارية‪ ،‬وهكذا فان العقار الواحد يعطي‬
‫مالكه الحق في االقتراض من البنك‪ ،‬ولكن البنك يعيد استخدام نفس العقار ضمن محفظة أكبر‬
‫لالقتراض بموجبها من جديد من المؤسسات المالية األخرى وهذه هي "المشتقات المالية"‪ ،‬وتستمر‬
‫العملية في موجة بعد موجة‪ ،‬بحيث يولد العقار طبقات متتابعة عن اإلقراض بأسماء المؤسسات‬
‫المالية واحدة بعد األخرى‪ ،‬وهكذا أدى تركز اإلقراض في قطاع العقارات على زيادة المخاطر‪ ،‬كما‬
‫ساعدت األدوات المالية الجديدة (المشتقات) على تزايد وتعاظم هذا الخطر بزيادة أحجام اإلقراض‬
‫موجة تلو الموجة‪ ،‬حيث نتج عن عمليات التوريق هذه زيادة في معدالت عدم الوفاء بالديون‬
‫لرداءة العديد من تلك الديون‪ ،‬مما أدى إلى انخفاض قيمة السندات المدعمة باألصول العقارية في‬
‫السوق األمريكية بأكثر من ‪.1 % 70‬‬

‫وهكذا يتبين لنا أن األزمة المالية بدأت جراء إفالس سوق صغير نسبيا يسمى سوق‬
‫القروض العقارية من الدرجة الثانية في الواليات المتحدة‪ ،‬ألن البنوك والمؤسسات المالية أقدمت‬
‫على إقراض أمواال إلى أناس لغرض شراء السكنات العائلية بدون أن تتوفر فيهم الشروط الالزمة‪،‬‬
‫غير أن هذه المؤسسات اعتبرت أنه ما دامت قيمة العقار في ارتفاع مستمر فال يهم مستوى دخل‬
‫المستفيد من القرض وال مستوى وضعيته االجتماعية‪.‬‬

‫ولكن عندما بدأت أسعار السكنات الممولة تنخفض في غضون سنة ‪ ،2007‬بدأت األزمة‬
‫تأخذ أبعاد أخرى‪ .‬فالمستفيدون من القروض العقارية أصبحوا عاجزين عن تسديد مستحقاتهم‬
‫الشهرية نظ ار الرتفاع معدالت الفائدة مقارنة بالسعر المرجعي عند اإلقتراض‪ .‬وعلى إثر ذلك‬
‫تهاوت المؤسسات المالية المانحة لهذه القروض‪.‬‬

‫‪ -1‬أشرف محمد دوابه‪" ،‬الدروس المستفادة من األزمة المالية العالمية والرؤية المستقبلية لمؤسسات الزكاة" ‪ ،‬المؤتمر العالمي الثامن للزكاة‬
‫تحت شعار األزمة المالية الدولية وانعكاساتها على إيرادات ومصروفات مؤسسات الزكاة‪ 30-29 ،‬مارس ‪ ،2010‬بيروت‪ ،‬ص‪.11.‬‬

‫‪124‬‬
‫األزمة المالية العالمية ‪2008‬‬ ‫الفصل الثالث عشر‪:‬‬

‫فاألزمة العقارية كانت لها تأثيرات جد هامة على األسواق المالية‪ ،‬ألن أغلب القروض‬
‫الممنوحة سوقت في شكل محافظ عقارية تم تحويلها فيما بعد إلى أوراق مالية وبيعت في السوق‬
‫المالية إلى المستثمرين في جميع أنحاء العالم‪.‬‬

‫وهكذا نجد أن األزمة العقارية من الدرجة الثانية هي نتاج للتهور والمبالغة الذي وصلت‬
‫إليه سوق الرهن العقاري في الواليات المتحدة‪ .‬فلقد كانت السياسة النقدية األمريكية جد مرنة خالل‬
‫السنوات ‪ ، 1990‬بمعنى اتخاذ إجراءات تحفيزية تتعلق بتخفيض أسعار الفائدة إلى مستوى لم‬
‫يسبق له مثيل من قبل‪ ،‬مما سمح للمتعاملين االقتصاديين والخواص بالحصول على قروض‬
‫بأسعار فائدة جد ضعيفة‪.‬‬

‫ولكن بعد نشوب األزمة في خريف سنة ‪ 2000‬نتيجة بروز أزمة المعلوماتية (اإلنترنت)‪،‬‬
‫زادت السياسة النقدية مرونة أكثر فأكثر بحيث وصلت معدالت الفائدة للبنك االحتياطي األمريكي‬
‫إلى ‪ % 1‬سنة ‪ .2001‬هذا المستوى من أسعار الفائدة سمح بالزيادة من االقتراض من البنوك‬
‫بغرض رفع االستهالك‪ ،‬شراء السكنات الفخمة والزيادة في االستثمار في المؤسسات االقتصادية‪.‬‬

‫هذه األزمة لم تقتصر فقط على المؤسسات التي كانت معنية مباشرة بمنح القروض غير‬
‫الجيدة ولكنها شملت كل المؤسسات التي اشترت األوراق المالية في السوق والمدعمة بقروض‬
‫عقارية أو غيرها (البنوك‪ ،‬الكيانات الخاصة‪ ،‬شركات التأمين‪ ،‬صناديق المعاشات‪.1)...،‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬تطورات األزمة المالية العالمية‬

‫فيما يلي المحطات الكبرى التي مرت بها األزمة‪:‬‬

‫‪ -1‬عبد القادر بلطاس‪ ،‬تداعيات األزمة المالية العالمية‪ :‬أزمة ‪ ، Sub-prime‬دار النشر ‪ ، Régende‬بدون بلد نشر‪ ،2009 ،‬ص‪.‬ص‪.‬‬
‫‪.83 -82‬‬

‫‪125‬‬
‫األزمة المالية العالمية ‪2008‬‬ ‫الفصل الثالث عشر‪:‬‬

‫‪ -‬فيفري ‪ :2007‬عدم تسديد تسليفات الرهن العقاري الممنوحة لمدينين ال يتمتعون بقدرة كافية‬
‫على التسديد يتكث ف في الواليات المتحدة ويسبب أولى عمليات اإلفالس في مؤسسات مصرفية‬
‫متخصصة‪.‬‬

‫‪ -‬أوت ‪ :2007‬البورصات تتدهور أمام مخاطر اتساع األزمة والبنوك المركزية تتدخل لدعم سوق‬
‫السيولة‪.‬‬

‫‪ -‬أكتوبر‪ -‬ديسمبر ‪ :2007‬عدة مصارف كبرى تعلن انخفاض كبير في أسعار أسهمها بسبب‬
‫أزمة الرهن العقاري‪.‬‬

‫‪ 22 -‬جانفي ‪ :2008‬االحتياطي الفدرالي األمريكي (البنك المركزي) يخفض معدل فائدته الرئيسية‬
‫ثالثة أرباع النقطة إلى ‪ % 3.50‬وهو إجراء ذو حجم استثنائي‪ ،‬ثم تخفيضه تدريجيا إلى ‪% 2‬‬
‫بين جانفي وأفريل ‪.2008‬‬

‫‪ 11 -‬مارس ‪ :2008‬تظافر جهود البنوك المركزية مجددا لمعالجة سوق التسليفات‪.‬‬

‫‪ 16 -‬مارس ‪" :2008‬جي بي مورجان تشيز" يعلن شراء بنك األعمال األمريكي "بير ستيرنز"‬
‫بسعر متدني مع المساعدة المالية لالحتياطي الفدرالي‪.‬‬

‫‪ 24 -‬أفريل ‪ :2008‬قام بنك "يو بي إس" السويسري بنشر نتائج التحقيقات الداخلية حول‬
‫األسباب الحقيقية وراء خسارته ا لفادحة جراء أزمة الرهن العقاري األمريكية‪ ،‬والتي أدت إلى شطب‬
‫‪ 40‬مليار دوالر من أصوله‪ ،‬في أكبر خسارة يتعرض لها أول مصرف سويسري‪ ،‬والمصنف الثالث‬
‫أوربيا‪ ،‬واألول عالميا في مجال إدارة الثروات الخاصة‪.‬‬

‫‪ 30 -‬ماي ‪ :2008‬بحسب مسؤول بو ازرة الخزانة األمريكية أن أزمة الرهن العقاري بدأت تخف‬
‫بعد الجهود التي قام بها االحتياطي االتحادي والبنوك المركزية األخرى لضخ األموال في‬
‫المؤسسات المالية‪ .‬وقال "كلي لوري" مساعد وزير الخزانة للشؤون الدولية أن االحتياطي االتحادي‬
‫والبنوك األخرى تنسق جهودها لحماية النظام المالي من االضطراب بعدما ظهرت أزمة قروض‬
‫الرهن العقاري سنة ‪ ،2007‬كما أشار "لوري" إلى أن المؤسسات المالية أبلغت عن خسائر زادت‬

‫‪126‬‬
‫األزمة المالية العالمية ‪2008‬‬ ‫الفصل الثالث عشر‪:‬‬

‫عن ‪ 300‬مليار دوالر بسبب األزمة المالية‪ ،‬لكن تم تخفيف هذه المشكلة بتوفير ‪ 200‬مليار دوالر‬
‫من البنوك األمريكية مما ساعد في توفير القروض‪.‬‬

‫‪ 7 -‬سبتمبر ‪ :2008‬و ازرة الخزانة األمريكية تضع المجموعتين العمالقتين في مجال تسليفات‬
‫الرهن العقاري "فريدي ماك" و "فاني ماي" تحت الوصاية طيلة الفترة التي تحتاجانها إلعادة هيكلة‬
‫ماليتهما‪ ،‬مع كفالة ديونهما حتى حدود ‪ 200‬مليار دوالر‪.‬‬

‫‪ 15 -‬سبتمبر ‪ :2008‬اعتراف بنك األعمال "ليمان ب ارذرز" بإفالسه‪ ،‬بينما يعلن أحد أبرز البنوك‬
‫األمريكية "بنك أوف أميركا" شراء بنك آخر لألعمال في وول ستريت هو "ميريل لينش"‪ ،‬وعشرة‬
‫مصارف دولية تتفق على إنشاء صندوق للسيولة برأسمال ‪ 70‬مليار دوالر لمواجهة أكثر حاجاتها‬
‫إلحاحا‪.‬‬

‫‪ 16 -‬سبتمبر ‪ :2008‬االحتياطي الفدرالي والحكومة األمريكية تؤممان أكبر مجموعة تأمين في‬
‫العالم "إيه آي جي" المهددة باإلفالس عبر منحها مساعدة بقيمة ‪ 85‬مليار دوالر مقابل امتالك‬
‫‪ %79.9‬من رأسمالها‪.‬‬

‫‪ 17 -‬سبتمبر ‪ :2008‬البورصات العالمية تواصل تدهورها والتسليف يضعف في النظام المالي‪،‬‬


‫وتكثف البنوك المركزية العمليات الرامية إلى تقديم السيولة للمؤسسات المالية‪.‬‬

‫‪ 18 -‬سبتمبر ‪ :2008‬البنك البريطاني "لويد تي إس بي" يشتري منافسه "إتش بي أو إس" المهددة‬
‫باإلفالس‪ .‬السلطات األمريكية تعلن أنها تعد خطة بقيمة ‪ 700‬مليار دوالر لتخليص البنوك من‬
‫أصولها غير القابلة للبيع‪.‬‬

‫‪ 19 -‬سبتمبر ‪ :2008‬الرئيس األمريكي "جورج بوش" يوجه نداء إلى التحرك فو ار حيال خطة‬
‫اإلنقاذ البنوك‪.‬‬

‫‪ 23 -‬سبتمبر ‪ : 2008‬األزمة المالية تطغى على المناقشات خالل الجمعية العامة لألمم المتحدة‬
‫في نيويورك‪ .‬األسواق المالية تضاعف قلقها أمام المماطلة حيال الخطة األمريكية‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫األزمة المالية العالمية ‪2008‬‬ ‫الفصل الثالث عشر‪:‬‬

‫‪ 26 -‬سبتمبر ‪ :2008‬انهيار سعر سهم المجموعة المصرفية والتأمين البلجيكية الهولندية‬


‫"فورتيس" في البورصة بسبب شكوك حول قدرتها على الوفاء بالتزاماتها‪ ،‬وفي الواليات المتحدة بنك‬
‫"جي بي مورغان" يشتري منافسه "واشنطن ميوتشوال" بمساعدة السلطات الفدرالية‪.‬‬

‫‪ 28 -‬سبتمبر ‪ :2008‬خطة اإلنقاذ األمريكية موضع اتفاق في الكونغرس‪ .‬وفي أوربا‪ ،‬يجري‬
‫تعويم فورتيس من قبل سلطات بلجيكا وهواندا ولوكسمبرج‪ .‬وفي بريطانيا‪ ،‬يجري تأميم بنك‬
‫"برادفورد" و "بينجلي"‪.‬‬

‫مجلس النواب األمريكي يرفض خطة اإلنقاذ‪ .‬وبورصة وول ستريت تنهار‪ .‬كما تراجعت‬
‫البورصات األورب ية بقوة هي األخرى‪ ،‬وفي اللحظة ذاتها واصلت معدالت الفائدة بين البنوك‬
‫ارتفاعها مانعة البنوك من إعادة تمويل ذاتها‪ .‬وقبل رفض الخطة‪ ،‬أعلن بنك "سيتي جروب"‬
‫األمريكي شراء منافسه "واكوفيا" بمساعدة السلطات الفدرالية‪.1‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬آثار األزمة المالية العالمية‬

‫خلفت األزمة المالية العالمية العديد من اآلثار سندرجها من خالل تأثيرها على االقتصاد‬
‫العالمي وعلى المؤسسات المالية وأخي ار على االقتصاد الجزائري‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬آثار األزمة المالية العالمية على االقتصاد العالمي‬

‫هناك مجموعة من المؤشرات الخطيرة التي تهدد االقتصاد األمريكي والعالمي يمكن إيجازها‬
‫ضمن النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -‬إفالس متواصل لكثير من البنوك‪ ،‬والمؤسسات العقارية‪ ،‬وشركات التأمين‪ ،‬وقد بلغ عدد البنوك‬
‫المنتهية ‪ 11‬بنك‪ ،‬من بينها "بنك إندي ماك" الذي يستحوذ على ‪ 32‬مليار دوالر من األصول‪،‬‬
‫وودائع بقيمة ‪ 19‬مليار دوالر‪.2‬‬

‫‪ -1‬بن طاهر حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 229‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ -2‬فريد كورتل‪ "،‬األزمة المالية العالمية وأثرها على االقتصاديات العربية" ‪ ،‬مقال منشور على الموقع االلكتروني‪:‬‬
‫‪ www.jinan.edu.lb/conf/Money/1/kourtel.pdf‬تاريخ الزيارة ‪.2015/04/03 :‬‬

‫‪128‬‬
‫األزمة المالية العالمية ‪2008‬‬ ‫الفصل الثالث عشر‪:‬‬

‫‪ -‬تدهور حاد في نشاط األسواق المالية العالمية جراء تأثره بالقطاع المصرفي والمالي‪ ،‬وهو ما‬
‫يفسر تقلب مستوى التداوالت ترتب عنها اضطرابا وخلال في مؤشرات البورصة بتراجع القيمة‬
‫السوقية لـ ‪ 8‬مؤسسات مالية عالمية بحوالي ‪ 574‬مليار دوالر‪ ،‬مما دفع الكثير من المستثمرين‬
‫عدم الرغبة في تحمل المخاطر العالية‪.‬‬

‫‪ -‬ارتفاع نسبة الديون العقارية على نحو ‪ 6.6‬تريليون دوالر‪ ،‬بلغت ديون الشركات نسبة ‪18.4‬‬
‫تريليون دوالر وبذلك فان المجموع الكلي للديون يعادل ‪ 39‬تريليون دوالر‪.‬‬

‫‪ -‬إضعاف الناتج المحلي اإلجمالي‪ ،‬كما بلغت نسبة البطالة ‪ ، % 5‬ومعدل التضخم ‪. % 4‬‬

‫‪ -‬تراجع كبير في نسب نمو الدول الصناعية من ‪ % 1.4‬سنة ‪ 2008‬إلى حدود ‪ % 0.3‬سنة‬
‫‪. 2009‬‬

‫‪ -‬تراجع أسعار النفط بدول منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" إلى ما دون ‪ 55‬مليار دوالر‬
‫للبرميل‪.‬‬

‫‪ -‬إعالن رسمي بدخول إيطاليا وألمانيا كأول وثالث اقتصاد أوروبي في مرحلة ركود إقتصادي‪.‬‬

‫‪ -‬التعثر والتوقف والتصفية وافالس العديد من البنوك‪.‬‬

‫‪ -‬انخفاض حاد في مبيعات السيارات وعلى رأسها أكبر المجموعات األمريكية " فورد" و"جنرال‬
‫موتورز "‪.‬‬

‫‪ -‬بالنسبة للدول األوربية فقد انخفضت أسعار العقارات فيها أيضا‪ ،‬كما أطلقت العديد من‬
‫الشركات الكبرى مثل "سمينز" و "ميشالن" إشارات تحذيرية من تأثير األزمة األمريكية عليها‬
‫وتكبدت الكثير من الشركات األوروبية العاملة في الواليات المتحدة األمريكية خسائر كبيرة‪ ،‬مثل‬
‫شركة "‪ "BMW‬لصناعة السيارات التي لحقت بها خسائر قدرت بـ ‪ 236‬مليون دوالر‪.‬‬

‫‪ -‬أما في الدول اآلسيوية مثل الهند والصين‪ ،‬فبالرغم من التفاؤل لدى بعض الشركات المتواجدة‬
‫بهذه الدول من أن تأثير األزمة سيكون ضئيال‪ ،‬إال أن الواقع ينفي ذلك‪ ،‬وتأثير األزمة سيكون‬
‫واضحا‪ ،‬ال ننسى أن الصين تصدر ما نسبته ‪ % 21‬من صادراتها اإلجمالية نحو الواليات‬

‫‪129‬‬
‫األزمة المالية العالمية ‪2008‬‬ ‫الفصل الثالث عشر‪:‬‬

‫المتحدة األمريكية‪ .‬وفيما يخص اليابان فقد شهد تراجعا في النمو االقتصادي وعدم استقرار في‬
‫أسعار األوراق المالية‪ ،‬مما دفع بالبنك المركزي لإلبقاء على سعر الفائدة في حدود ‪ ، % 0.5‬كما‬
‫تراجعت صادرات الشركات نتيجة انخفاض قيمة الدوالر‪ ،‬وانخفض اإلنتاج الصناعي بمعدل ‪%‬‬
‫‪.1 3.1‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تأثير األزمة العالمية على بعض المؤسسات‬

‫منذ بداية األزمة المالية العالمية تضررت بعض البنوك والمؤسسات المالية وشركات التأمين‬
‫من بينها‪:‬‬

‫‪ -‬البنك البريطاني "نورذرن روك" أول مصرف للتسليف العقاري في بريطانيا تؤممه الحكومة‬
‫البريطانية في ‪ 17‬فيفري ‪.2008‬‬

‫‪ -‬البنك البريطاني "اليانس أند اليسستر" أعلن في ‪ 14‬جوان أن البنك "سانتاندار" االسباني يشتريه‬
‫بقيمة ‪ 1.66‬مليار يورو فقط مع زيادة رأسماله‪.‬‬

‫‪ -‬بنك األعمال األمريكي "ليمان براذرز" وضع في ‪ 15‬سبتمبر تحت حماية قانون اإلفالس قبل‬
‫تصفيته واشترى البنك البريطاني "بار كليز" نشاطاته األمريكية في حين اشترى البنك الياباني‬
‫"نومو ار هولدينغ" النشاطات في أوروبا وآسيا والشرق األوسط‪.‬‬

‫‪ -‬إفالس خمس بنوك أمريكية في يوم واحد بتاريخ ‪ 2009/08/02‬وتكبد خسائر بمقدار ‪700‬‬
‫مليون دوالر‪.‬‬

‫‪ -‬منذ بداية األزمة المالية أفلس ‪ 71‬بنك أمريكي حسب بيانات أوت ‪.2009‬‬

‫‪ -1‬ساعد مرابط‪" ،‬األزمة المالية العالمية ‪ :2008‬الجذور والتداعيات" ‪ ،‬ملتقى دولي حول األزمة المالية واالقتصادية الدولية والحوكمة‬
‫العالمية‪ ،‬أيام ‪ 21-20‬أكتوبر ‪ ،2009‬جامعة فرحات عباس‪ ،‬سطيف‪ ،‬ص‪.15 .‬‬

‫‪130‬‬
‫األزمة المالية العالمية ‪2008‬‬ ‫الفصل الثالث عشر‪:‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تأثير األزمة المالية العالمية على االقتصاد الجزائري‬

‫مما ال شك فيه أن االقتصاد الجزائري كغيره من االقتصاديات العالمية سوف يتأثر باألزمة‬
‫االقتصادية العالمية ‪ ،‬وان كان بنسبة أقل مقارنة بالدول األخرى وذلك لألسباب التالية‪:‬‬

‫‪ -‬عدم وجود سوق مالية بالمعنى الفعلي في الجزائر‪.‬‬

‫‪ -‬عدم وجود ارتباطات مصرفية للبنوك الجزائرية مع البنوك العالمية بالشكل الذي يؤثر عليها‪.‬‬

‫‪ -‬درجة انفتاح االقتصاد الجزائري محدودة بشكل نسبي على االقتصاد العالمي‪ ،‬ذلك أن اإلنتاج‬
‫الجزائري ال يعتمد على التصدير باستثناء المحروقات وذلك ما يجعله في مأمن من أي كساد قد‬
‫يصيب االقتصاد العالمي والكثير من الدول التي تعتمد على صادرات قد تتأثر بالركود والكساد في‬
‫الدول المستهلكة لمنتجاتها‪.‬‬

‫وعن تأثيرات األزمة المالية على القطاع المصرفي فتشير التقارير االقتصادية بأن الجزائر‬
‫في منأى من تداعياتها نظ ار لعدم مخاطرتها في مجال التوظيف المالي‪ ،‬فضال عن عدم ارتباط‬
‫بنوك الجزائر بشبكات وتعامالت خارجية رغم الخسائر المسجلة في أصول البنوك الكبرى‪ ،‬وهذا‬
‫نتيجة للتسيير الحذر الحتياطات الصرف الجزائرية مع غياب أي استثمار في أصول ذات‬
‫مخاطر‪.‬‬

‫ورغم اآلثار غير المباشرة لألزمة العالمية‪ ،‬إال أنها انعكست على بعض الجوانب في‬
‫االقتصاد الجزائري منها‪:‬‬

‫‪ -‬انخفاض أسعار العديد من السلع في السوق العالمية نتيجة الركود‪ ،‬وباعتبار الجزائر بلد مستورد‬
‫للسلع فاألزمة نافعة لالقتصاد على المدى القريب حيث يمكن ذلك من خلق ديناميكية في‬
‫االقتصاد‪.‬‬

‫‪ -‬اختالل التوازنات المالية الكبرى إن استمرت أسعار المحروقات في االنهيار‪.‬‬

‫‪ -‬األزمة االقتصادية قد تحد من االستثمارات الخارجية‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫األزمة المالية العالمية ‪2008‬‬ ‫الفصل الثالث عشر‪:‬‬

‫‪ -‬تراجع التحويالت المالية بشكل ملحوظ‪.‬‬

‫وبسبب خطورة األزمة العالمية المالية على االقتصاد العالمي ككل‪ ،‬كانت هناك عدة‬
‫إجراءات لإلنقاذ سريعة من أجل تدارك الوضع باإلضافة إلى عدة توصيات من طرف الخبراء‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬السياسات المتبعة لمواجهة األزمة المالية العالمية‬

‫بعد انفجار الوضع حاولت الحكومات في أمريكا‪ ،‬أوروبا وآسيا معالجة الوضع من خالل‬
‫ضخ األموال‪ ،‬التأميم‪ ،‬البيع‪ ،‬الخوصصة‪ ،‬اإلندماج وغير ذلك‪ ،‬وسنحاول عرض البعض منها‪:‬‬

‫‪ -‬على مستوى أمريكا تمت عمليات التأميم وضخ األموال‪ ،‬ومن الحاالت البارزة في خطة اإلنقاذ‬
‫االمريكية‪ ،‬نذكر الوفاء بديون شركة التأمين وهي أكبر شركة في العالم "‪ "AIG‬على شكل إنقاذ‬
‫مستتر الهدف منه إنقاذ البنوك األخرى المعرضة لالنهيار‪ ،‬ولم يعرف ذلك إال عندما أعلن وزير‬
‫الخزانة األمريكي آنذاك "هنري بولسون" عن ذلك اإلجراء بشكل صريح بعد أن حصلت "‪"AIG‬‬
‫كحل إلنقاذ مجموعة بنوك وشركات أخرى وذلك ألنها اعتقدت أن هذه المجموعة كبيرة للغاية على‬
‫أن تتركها تنهار معتقدة أن إنقاذها كان سينقذ مؤسسات أخرى كبيرة‪ .‬وبالفعل وافق مجلس االتحاد‬
‫الفيدرالي وو ازرة الخزانة األمريكية على إعطاء "‪ 85 "AIG‬بليون دوالر بمعدل فائدة ‪%5( % 8‬‬
‫معدل فائدة زائد ‪ % 3‬رسوم الدفع المقدم)‪.1‬‬

‫‪ -‬تتفق البنوك المركزية في مجموعة االقتصاديات الرئيسية في العالم‪ ،‬ومنها البنك المركزي‬
‫األوربي وبنك اليابان على ضخ ‪ 180‬مليار دوالر في األسواق عن طريق زيادة مشترياتها من‬
‫سندات الخزانة األمريكية‪.‬‬

‫‪ -‬توافق عشرة مصارف دولية على إنشاء صندوق للسيولة برأسمال قدره ‪ 70‬مليار دوالر لمواجهة‬
‫أكثر حاجاتها إلحاحا‪ ،‬كما أعلنت المصارف المركزية موافقتها على فتح مجاالت اإلقراض‪.‬‬

‫‪ -‬قرر المسؤولون عن األسواق المالية يوم ‪ 20‬سبتمبر ‪ 2008‬وقف المضاربات القصيرة األجل‬
‫مؤقتا‪.‬‬

‫‪ -1‬مفيدة يحياوي‪" ،‬واقع االزمة المالية العالمية وانعكاساتها على مستوى االقتصاد الكلي والجزئي" ‪ ،‬مجلة أبحاث اقتصادية وادارية‪ ،‬العدد‬
‫الثامن‪ ،‬ديسمبر ‪ ،2010‬جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،‬ص‪.174 .‬‬

‫‪132‬‬
‫األزمة المالية العالمية ‪2008‬‬ ‫الفصل الثالث عشر‪:‬‬

‫‪ -‬تخفيض سعر الفائدة‪ :‬حيث قام البنك المركزي األمريكي بخفض سعر الفائدة لمستوى ‪ % 1‬في‬
‫أكتوبر ‪ ، 2008‬كما قام البنك المركزي البريطاني بخفض سعر الفائدة لمستوى ‪( % 3‬وهو أخفض‬
‫مستوى فائدة على اإلطالق منذ ‪ 54‬عاما)‪ ،‬وكذلك مصرف أوروبا المركزي خفضها لمستوى ‪%‬‬
‫‪ 3.25‬في نوفمبر ‪ ،2008‬ومصرف اليابان المركزي الذي خفض سعر الفائدة أيضا من ‪% 0.5‬‬
‫إلى ‪ % 0.3‬في أكتوبر ‪ 2008‬أيضا‪ .‬كانت تلك خطوة غير مسبوقة في أن تقوم كل البنوك‬
‫المركزية األساسية في العالم بتخفيض سعر الفائدة مما يدل فعال على عمق األزمة‪ .‬والهدف من‬
‫خفض الفائدة بشكل عام هو خفض تكلفة االقتراض بالنسبة إلى المستثمرين والمستهلكين مما‬
‫سيحرر كتلة نقدية إضافية في االقتصاد ويشجع على اإلنفاق‪ ،‬وهو بدوره سينشط الطلب على‬
‫السلع المحلية ويحرك االقتصاد المحلي من جديد‪ .‬ونجاح هذه السياسة يقوم على فرضيات عدة لم‬
‫تتحقق جميعها (كما أملت البنوك المركزية العالمية تلك) لمواجهة األزمة‪.1‬‬

‫‪ -1‬محمد سامر القصار‪ ،‬األزمة المالية العالمية‪ :‬دالئل اقتصادية على سطوع المنظومة اإلسالمية من بين أنقاض الرأسمالية‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫دمشق‪ ،2009 ،‬ص‪.‬ص‪.45 -44 .‬‬

‫‪133‬‬
‫الخاتمة‬

‫تعتبر دراسة الوقائع االقتصادية دراسة ألهم األحداث التي جرت في تاريخ البشرية‪ ،‬ذلك‬
‫ألن اإلنسان كان دائم البحث عن أفضل الطرق إلشباع حاجاته األساسية قبل أن يفكر في تحليل‬
‫الظواهر االقتصادية واالجتماعية المحيطة به‪.‬‬

‫تبرز أهمي ة دراسة تاريخ الوقائع االقتصادية من خالل ضرورة التعرف على الوقائع‬
‫االقتصادية المختلفة عبر العصور‪ ،‬وبالتالي معرفة أهم األفكار واألساليب لمعالجة شتى أنواع‬
‫األزمات التي حصلت في الماضي‪ ،‬وهذا طبعا لالستفادة من أخطاء ومشاكل الماضي وذلك‬
‫بتجنبها والحذر منها والوقوف عندها‪ ،‬وكذلك لتفسير الظواهر الحالية التي هي حلقة متتالية من‬
‫تطور تاريخ البشرية وبالتالي اإلسهام في تفسير حقائق معينة وتقديم الحلول للمشاكل المعنية‪.‬‬

‫كان اإلنسان في العصر القديم يفتقر إلى كل مقومات الحياة الكريمة‪ .‬فكان يعيش في‬
‫مشاعات يسودها التعاون في كل شيء‪ ،‬كان يأكل مباشرة من الطبيعة‪ ،‬يسكن في الكهوف‬
‫والمغارات‪ ،‬وكان يستعمل الحجارة في الصيد أو في الدفاع عن نفسه‪ ،‬لذلك سميت هذه الفترة‬
‫بالعصر الحجري‪.‬‬

‫طور من أدوات إنتاجه وذلك بصنع القوس واألدوات‬ ‫بعد أن اكتشف اإلنسان المعادن‪ّ ،‬‬
‫اإلنتاجية كالفأس والمعول وغيرها‪ ،‬مما ساهم في زيادة إنتاجيته‪ ،‬وبالتالي أصبح يوفر له ولعائلته‬
‫الفائض في اإلنتاج‪.‬‬

‫بظهور الفائض في اإلنتاج بدأ التداول بين القبائل فيما يعرف بنظام المقايضة‪ ،‬أي تبادل‬
‫سلعة مقابل سلعة أخرى‪ :‬عسل مقابل قمح‪ ،‬أو بقر مقابل فؤوس‪...‬‬

‫نتيجة لعدم قابلية بعض السلع للتجزئة كالبقر والغنم وغيرهما (على عكس القمح والملح‬
‫مثال)‪ ،‬أصبحت هناك حاجة ملحة لظهور وسيط للمبادلة ومخزن للقيمة على أن يكون قابل‬
‫للتجزئة‪ ،‬وهكذا ظهرت النقود‪ ،‬في شكلها المعدني أوال (ثم بعد ذلك تطورت هي األخرى لتصل ما‬
‫وصلت إليه اليوم)‪.‬‬

‫بظهور النقود في صورتها األولى‪ ،‬ساهم ذلك كثي ار في عمليات التجارة وغيرها‪ .‬فبعد أن‬
‫كان الفرد يأخذ قطيعه من الماشية مثال لمقايضته بسلعة أخرى‪ .‬أصبحت النقود تحل محل هذا‬

‫‪135‬‬
‫الخاتمة‬

‫القطيع‪ ،‬وبالتالي سهلت النقود على الفرد عمليات التداول مما ساعد على تطوير اإلنتاج والرعي‬
‫والصيد والمبادالت‪ ،‬والى التراكم الم الي‪ ،‬وظهور ما يسمى برأس المال التجاري ورأس المال‬
‫الربوي‪.‬‬

‫أصبح األسرى الذين كانوا يقتلون في السابق نتيجة لنقص الغذاء‪ ،‬يتركون في شكل عبيد‪،‬‬
‫يخدمون السيد سواء في الزراعة أو غيرها‪ .‬وهكذا ظهر نظام الرق والطبقات داخل المجتمع‪ ،‬ثم‬
‫النظام اإلقطاعي الذي زاد فيه استغالل السيد اإلقطاعي للعبيد والفالحين مما أدى بهم إلى‬
‫الهروب للمدن والتمرد إلى غاية سقوط هذا النظام‪.‬‬

‫بظهور الحرية االقتصادية وحرية التملك ظهر النظام الرأسمالي في أوروبا‪ ،‬الذي أدى إلى‬
‫انتعاش اإلنتاج والتصنيع والتجارة وغيرها‪ ،‬وما دام الرأسمالي له حرية التملك والتصرف فقد زاد في‬
‫اإلنتاج بهدف زيادة البيع وبالتالي زيادة الربح‪ ،‬وبتغطيته السوق المحلية‪ ،‬أصبح يبحث عن‬
‫مصادر خارجية من خالل االكتشافات الجغرافية واالستعمار‪ ،‬وذلك بهدف الحصول على الموارد‬
‫األولية من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى لتسويق المنتجات الفائضة‪ .‬كل هذا أدى إلى إحداث ثورة‬
‫صناعية هامة أدت إلى التطوير واالبتكار من أجل زيادة اإلنتاج‪ ،‬فظهرت القوة البخارية وزادت‬
‫المصانع وأنشئت السكك الحديدية والبواخر الكبيرة وغيرها لزيادة اإلنتاج والمصانع والتجارة وغيرها‪.‬‬

‫أدت هذه الثورة (الثورة الصناعية) إلى زيادة العرض في اإلنتاج في السوق أكثر من الطلب‬
‫عليه‪ ،‬مما أدى إلى حدوث كساد كبير للسلع‪ ،‬مما أدى إلى حدوث أزمة عالمية سنة ‪.1929‬‬
‫عرفت بأزمة الكساد الكبير التي ظلت على مدى ‪ 4‬سنوات تقريبا تنخر االقتصاد‪.‬‬

‫بعد أن ظهر فشل الحرية االقتصادية وحرية التملك‪ ،‬دعت بعض الجهات إلى تدخل الدولة‬
‫في الحياة االقتصادية وهذا ما وقع فعال‪ ،‬وظهر النظام االشتراكي الذي كان النظام االقتصادي فيه‬
‫مخطط مركزيا‪ ،‬فالدولة هي التي تخطط لإلنتاج والبيع وغيرها‪ ،‬بصفتها أدرى باحتياجات الدولة ‪،‬‬
‫والمنظمة لها‪.‬‬

‫لم يجري النظام االشتراكي حسب ما خطط له في البداية‪ ،‬فبعد أن تعافى االقتصاد العالمي‬
‫من ويالت النظام الرأسمالي القائم على الحرية المطلقة‪ ،‬وذلك بتنظيمه؛ فقد أصبح المسؤولون في‬

‫‪136‬‬
‫الخاتمة‬

‫الدولة يعيشون الفساد من خالل المحسوبية‪ ،‬والرشوة‪ ،‬والتحايل والبيروقراطية وغيرها‪ ،‬مما أدى‬
‫بانهيار النظام االشتراكي ليحل محله النظام العالمي الجديد‪.‬‬

‫بظهور النظام العالمي الجديد ظهرت العولمة‪ ،‬والتي من خاللها برزت اقتصاديات وضعفت‬
‫اقتصاديات أخرى‪ .‬وبما أن العولمة جعلت من العالم قرية واحدة‪ ،‬فإنه ما يظهر من أزمة في دولة‬
‫ما سوف ينتقل وفي اللحظة ذاتها إلى باقي دول العالم‪ ،‬وهذا ما حدث في معظم األزمات‬
‫االقتصادية والمالية‪ ،‬والتي كان آخرها أزمة الرهن العقاري التي بدأت بوادرها في سنة ‪ ،2007‬أما‬
‫تداعياتها فما زالت إلى يومنا هذا في بعض البلدان‪.‬‬

‫وهكذا نرى أنه خالل تاريخ الوقائع االقتصادية فإن األحداث تتناوب من أزمات ورواج‬
‫وكساد وغيرها‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫أوال‪ :‬الكتب‬

‫‪ -‬أحمد فريد مصطفى‪ ،‬سهير محمد السيد حسن‪ ،‬تطور الفكر والوقائع االقتصادية‪ ،‬مؤسسة‬
‫شباب الجامعة‪ ،‬مصر‪.2000 ،‬‬

‫‪ -‬إسماعيل سفر‪ ،‬عارف دليلة‪ ،‬تاريخ األفكار االقتصادية‪ ،‬مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية‪،‬‬
‫سوريا‪.1990 -1989 ،‬‬

‫‪ -‬إسماعيل محمد علي‪ ،‬تطور الفكر االقتصادي‪ ،‬مؤسسة طيبة للنشر والتوزيع‪ ،‬مصر‪.2011 ،‬‬

‫‪ -‬اسماعيل محمود علي‪ ،‬تاريخ الفكر االقتصادي‪ ،‬مكتبة الوفاء القانونية‪ ،‬مصر‪.2011 ،‬‬

‫‪ -‬بن طاهر حسين‪ ،‬مدخل إلى الوقائع االقتصادية‪ ،‬دار بهاء الدين للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪.2010‬‬

‫‪ -‬بوقرة رابح‪ ،‬خبابة عبد هللا‪ ،‬الوقائع االقتصادية من التاريخ القديم إلى بداية القرن الواحد‬
‫والعشرون‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪.2014 ،‬‬

‫‪ -‬حازم الببالوي‪ ،‬النظام االقتصادي الدولي المعاصر‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪.2000 ،‬‬

‫‪ -‬خالد ابو القمصان‪ ،‬موجز تاريخ األفكار االقتصادية عبر العصور‪ ،‬ديوان المطبوعات‬
‫الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.2001 ،‬‬

‫‪ -‬سعيد سعد مرطان‪ ،‬مدخل للفكر االقتصادي في اإلسالم‪ ،‬مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬لبنان‪.2002 ،‬‬

‫‪ -‬عارف دليلة‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية‪ ،‬سوريا‪.1979 ،‬‬

‫‪ -‬عبد الجليل أميم‪ ،‬التجربة النهضوية األلمانية‪ :‬كيف تغلبت ألمانيا على معوقات النهضة؟ ‪،‬‬
‫مركز إنماء للبحوث والدراسات‪ ،‬بيروت‪. 2014 ،‬‬

‫‪139‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫‪ -‬عبد القادر بلطاس‪ ،‬تداعيات األزمة المالية العالمية‪ :‬أزمة ‪ ، Sub-prime‬دار النشر‬
‫‪ ، Régende‬بدون بلد نشر‪.2009 ،‬‬

‫‪ -‬عبد المطلب عبد الحميد‪ ،‬نماذج تنموية معاصرة‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪.2013 ،‬‬

‫‪ -‬عبد علي كاظم المعموري‪ ،‬تاريخ األفكار االقتصادية‪ ،‬دار ومكتبة الحامد للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫عمان‪.2012 ،‬‬

‫‪ -‬محمد سامر القصار‪ ،‬األزمة المالية العالمية‪ :‬دالئل اقتصادية على سطوع المنظومة‬
‫اإلسالمية من بين أنقاض الرأسمالية‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪.2009 ،‬‬

‫‪ -‬محمد دويدار‪ ،‬مبادئ االقتصاد السياسي‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬بدون تاريخ‬
‫نشر‪.‬‬

‫‪ -‬محمد سعيد محمد الرمالوى‪ ،‬األزمة االقتصادية العالمية ‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪.2011‬‬

‫‪ -‬محمد عبد الوهاب العزاوي‪ ،‬عبد السالم محمد خميس‪ ،‬األزمات المالية‪ :‬قديمها وحديثها‪،‬‬
‫أسبابها ونتائجها‪ ،‬والدروس المستفادة‪ ،‬دار اثراء للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪.2009 ،‬‬

‫‪ -‬محمد عمر أبو عيده‪ ،‬عبد الحميد محمد شعبان‪ ،‬تاريخ الفكر االقتصادي‪ ،‬الشركة العربية‬
‫المتحدة للتسويق والتوريدات‪ ،‬مصر‪.2008 ،‬‬

‫‪ -‬نوري منير‪ ،‬السياسات االقتصادية في ظل العولمة‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪،‬‬


‫‪.2010‬‬

‫‪ -‬هيفاء عبد الرحمان ياسين التكريتي‪ ،‬آليات العولمة االقتصادية وآثارها المستقبلية في االقتصاد‬
‫العربي‪ ،‬دار الحامد للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪.2010 ،‬‬

‫‪140‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫ثانيا‪ :‬المجالت العلمية‬

‫‪ -‬أتيش ريكس غوش‪" ،‬في مركز الصدارة"‪ ،‬مجلة التمويل والتنمية‪ ،‬المجلد ‪ ،51‬العدد ‪ ،3‬صندوق‬
‫النقد الدولي‪ ،‬واشنطن‪ ،‬سبتمبر ‪.2014‬‬

‫‪ -‬مفيدة يحياوي‪" ،‬واقع االزمة المالية العالمية وانعكاساتها على مستوى االقتصاد الكلي‬
‫والجزئي" ‪ ،‬مجلة أبحاث اقتصادية وادارية‪ ،‬العدد الثامن‪ ،‬ديسمبر ‪ ،2010‬جامعة محمد خيضر‪،‬‬
‫بسكرة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬المؤتمرات والملتقيات العلمية‬

‫‪ -‬أشرف محمد دوابه‪" ،‬الدروس المستفادة من األزمة المالية العالمية والرؤية المستقبلية‬
‫لمؤسسات الزكاة" ‪ ،‬المؤتمر العالمي الثامن للزكاة تحت شعار األزمة المالية الدولية وانعكاساتها‬
‫على إيرادات ومصروفات مؤسسات الزكاة‪ 30 -29 ،‬مارس ‪ ،2010‬بيروت‪.‬‬

‫‪ -‬ساعد مرابط‪" ،‬األزمة المالية العالمية ‪ :2008‬الجذور والتداعيات" ‪ ،‬ملتقى دولي حول األزمة‬
‫المالية واالقتصادية الدولية والحوكمة العالمية‪ ،‬أيام ‪ 21-20‬أكتوبر ‪ ،2009‬جامعة فرحات عباس‪،‬‬
‫سطيف‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬التقارير الدولية‬

‫‪ -‬البنك الدولي‪ ،‬تقرير البنك الدولي لبحوث السياسات العامة‪ ،‬معجزة شرق آسيا ‪:‬النمو االقتصادي‬
‫والسياسات العامة‪ ،‬ترجمة عبد هللا ناصر السويدي‪ ،‬شيخة سيف الشامسي‪ ،‬مركز اإلمارات‬
‫للدراسات والبحوث اإلستراتيجية‪ ،‬أبو ظبي‪. 2000 ،‬‬

‫خامسا‪ :‬األطروحات والرسائل الجامعية‬

‫‪ -‬عبد الرحمان بن سانية‪ " ،‬االنطالق االقتصادي بالدول النامية في ظل التجربة الصينية"‪،‬‬
‫أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم‪ ،‬تخصص اقتصاد التنمية‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد‪،‬‬
‫تلمسان‪.2013 -2012 ،‬‬

‫‪141‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫ " دور الجيل الثاني من اإلصالحات االقتصادية في تحقيق التنمية – دراسة حالة‬،‫ زوين إيمان‬-
‫ فرع‬،‫ مذكرة مقدمة ضمن متطلبات نيل شهادة الماجستير في العلوم االقتصادية‬، " -‫الجزائر‬
.2011/2010 ،‫ قسنطينة‬،‫ جامعة منتوري‬،‫التحليل واالستشراف االقتصادي‬

‫ مواقع االنترنت‬:‫سادسا‬

http://www.ejtemay.com/showthread.php?t=14427
http://www.alnodom.com/index.php
www.jinan.edu.lb/conf/Money/1/kourtel.pdf
https//app.box.com/s/u89mx7189g9l5sgbazds.
http://www.diwanalarab.com/spip.php?article22880
http://www.startimes.com/f.aspx?t=33205252
http://www.khayma.com/rachidgeo/1guerre%20mondialll.htm
http://moheet.com/2014/08/10/
http://his-geo.tw.ma/604.html
http://mosgcc.com/mos/magazine/article.php?storyid=1888
http://www.jordanianleaks.com/2014/10
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/135995.aspx
http://arabic.sputniknews.com/arabic.ruvr.ru/2014_07_05/274302882/
http://www.arabictrader.com/beta/ar/economic-dictionary/5
http://www.3loom-eltgara.com/2014/10/Bretton-Woods-Conference.html
http://www.startimes.com/f.aspx?t=34672665

142
‫فهـرس الجـداول‬

‫الصفحة‬ ‫عنوان الجدول‬ ‫رقم الجدول‬

‫‪71‬‬ ‫معاهدات السالم بعد الحرب العالمية األولى‬ ‫(‪)1‬‬

‫فهـرس األشـكال‬

‫الصفحة‬ ‫عنوان الشكل‬ ‫رقم الشكل‬

‫‪102‬‬ ‫إستراتيجيات النموذج التنموي الماليزي‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪143‬‬
‫فهرس المواضيع‬

‫فهـرس المواضيـع‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫أ‬ ‫مقدمة‬
‫‪3‬‬ ‫فصل تمهيدي‬
‫‪4‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬ماهية الوقائع االقتصادية‬
‫‪5‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬العالقة بين الوقائع االقتصادية واألفكار االقتصادية‬
‫‪6‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬أهمية دراسة تاريخ الوقائع االقتصادية‬
‫‪8‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬الوقائع االقتصادية في األنظمة االقتصادية واالجتماعية القديمة‬
‫‪9‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬خصائص نظام المشاعية البدائية‬
‫‪9‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬على مستوى القوى المنتجة‬
‫‪11‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬عالقات اإلنتاج في المجتمع البدائي‬
‫‪12‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬التنظيم االجتماعي ( نظام العشيرة )‬
‫‪12‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬تطور التقسيم االجتماعي للعمل‬
‫‪13‬‬ ‫المطلب الخامس‪ :‬ظهور التملك الخاص والطبقات‬
‫‪14‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬انحالل نظام المشاعية البدائية‬
‫‪16‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الوقائع االقتصادية في نظام العبودية (نظام الرق)‬
‫‪17‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬أنواع العبودية‬
‫‪17‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬خصائص النظام العبودي‬
‫‪17‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬البنية الطبقية في المجتمع العبودي‬
‫‪18‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬الدولة في المجتمع العبودي‬
‫‪18‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬تطور اإلنتاج والقوى المنتجة‬
‫‪19‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬عالقات اإلنتاج‬
‫‪20‬‬ ‫المطلب الخامس‪ :‬العالقات النقدية والتبادل البضاعي في نظام الرق‬
‫‪21‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬نظم الحضارة عند اليونان والرومان‬

‫‪144‬‬
‫فهرس المواضيع‬

‫‪21‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬المجتمع اليوناني‬


‫‪23‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬المجتمع الروماني‬
‫‪24‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬انحالل النظام العبودي‬
‫‪24‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬التناقض بين قوى اإلنتاج وعالقات اإلنتاج‬
‫‪25‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬التناقض بين االستثمارات الصغيرة واإلنتاج العبودي الكبير‬
‫‪25‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬التناقض بين الريف والمدينة‬
‫‪25‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬ظهور عالقات جديدة‬
‫‪26‬‬ ‫المطلب الخامس‪ :‬الصراع الطبقي وانهيار النظام العبودي‬
‫‪27‬‬ ‫المطلب السادس‪ :‬الفتوحات اإلسالمية و نهاية العهد الروماني‬
‫‪28‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬الوقائع االقتصادية في العالم اإلسالمي‬
‫‪29‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬الحياة االقتصادية واالجتماعية قبل اإلسالم‬
‫‪30‬‬ ‫المبحث الثاني‪:‬الحياة االقتصادية واالجتماعية في صدر اإلسالم‬
‫‪30‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬التنظيم االجتماعي‬
‫‪30‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬تطور الزراعة‬
‫‪31‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬تطور الصناعة‬
‫‪31‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬ظهور نظام تداول نقدي عالمي‬
‫‪32‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬نتائج الفتوحات اإلسالمية في العصرين األموي والعباسي‬
‫‪32‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬العصر األموي‬
‫‪33‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬العصر العباسي‬
‫‪33‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬الحياة االقتصادية واالجتماعية في مرحلة اإلنهيار‬
‫‪35‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬الوقائع االقتصادية في العالم الغربي‬
‫‪36‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬النظام اإلقطاعي‬
‫‪38‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬أشكال الريع اإلقطاعي‬
‫‪39‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬دور الكنيسة في العصور الوسطى‬

‫‪145‬‬
‫فهرس المواضيع‬

‫‪39‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬النظام الحرفي‬


‫‪40‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬عالقات اإلنتاج في النظام اإلقطاعي والحرفي‬
‫‪40‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬انحالل النظام اإلقطاعي والحرفي وزواله‬
‫‪42‬‬ ‫الفصل الخامس‪ :‬النظام االقتصادي الرأسمالي‬
‫‪43‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬تعريف النظام االقتصادي الرأسمالي‬
‫‪43‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬أهداف النظام االقتصادي الرأسمالي‬
‫‪44‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬خصائص النظام االقتصادي الرأسمالي‬
‫‪45‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬العوامل التي ساهمت في قيام النظام االقتصادي الرأسمالي‬
‫‪45‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬القضاء على طبقة األشراف واألسياد وقيام الدولة القومية‬
‫‪46‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬ازدياد عدد السكان‬
‫‪46‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬اإلكتشافات الجغرافية والفتوحات األوربية‬
‫‪47‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬التطور الفكري واإلصالح الديني‬
‫‪47‬‬ ‫المطلب الخامس‪ :‬تطور النظم النقدية‬
‫‪48‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬مراحل تطور النظام الرأسمالي‬
‫‪48‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬مرحلة الرأسمالية التجارية (‪)1750 -1450‬‬
‫‪51‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬مرحلة الرأسمالية الصناعية (‪ -1750‬أواخر القرن ‪19‬م)‬
‫‪53‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬مرحلة الرأسمالية المالية (أواخر القرن ‪19‬م)‬
‫‪53‬‬ ‫المبحث السادس‪ :‬تقييم النظام االقتصادي الرأسمالي‬
‫‪55‬‬ ‫الفصل السادس‪ :‬الثورة الصناعية‬
‫‪56‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬تعريف الثورة الصناعية‬
‫‪56‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬أسباب قيام الثورة الصناعية في أوروبا‬
‫‪56‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬العامل السكاني‬
‫‪57‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬اتساع تجارة أوربا الداخلية والخارجية‬
‫‪58‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬وفرة رؤوس األموال وامكانيات التراكم الرأسمالي‬

‫‪146‬‬
‫فهرس المواضيع‬

‫‪58‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬الحرية االقتصادية وعدم التدخل الحكومي‬


‫‪59‬‬ ‫المطلب الخامس‪ :‬تطور علمي واكتشافات علمية‬
‫‪60‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬مظاهر الثورة الصناعية‬
‫‪60‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬ظهور نظام المصانع اآللية وكبر حجم المشروعات‬
‫‪61‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬ظهور النزعات االحتكارية في الصناعة‬
‫‪62‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬نتائج الثورة الصناعية‬
‫‪62‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬زيادة الثروة القومية لدى أوروبا وزيادة قوتها الحربية‬
‫‪62‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬ارتفاع مستويات المعيشة‬
‫‪63‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬شدة الخالف بين العمال وأصحاب األعمال‬
‫‪63‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬تركز السكان في المدن‬
‫‪63‬‬ ‫المطلب الخامس‪ :‬نمو التجارة الخارجية‬
‫‪63‬‬ ‫المطلب السادس‪ :‬تطور الزراعة األوربية‬
‫‪64‬‬ ‫المطلب السابع‪ :‬االستعمار وآثاره االقتصادية‬
‫‪66‬‬ ‫الفصل السابع‪:‬معاهدات السالم والمشكلة األلمانية‬
‫‪67‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬ألمانيا في الحرب العالمية األولى‬
‫‪67‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬ألمانيا قبل الحرب العالمية األولى‬
‫‪68‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬ألمانيا في الحرب العالمية األولى‬
‫‪70‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬معاهدات السالم‬
‫‪70‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬تحديد أهم بنود معاهدة فيرساي‬
‫‪71‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬المعاهدات األخرى ضد الدول المنهزمة‬
‫‪72‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬ألمانيا النازية والسير نحو الحرب‬
‫‪73‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية‬
‫‪74‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬المعجزة االقتصادية األلمانية‬
‫‪79‬‬ ‫الفصل الثامن‪ :‬األزمة االقتصادية العالمية ‪( 1929‬أزمة الكساد)‬

‫‪147‬‬
‫فهرس المواضيع‬

‫‪80‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬األزمات االقتصادية‬


‫‪80‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬مفهوم األزمات االقتصادية‬
‫‪80‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬الدورات االقتصادية‬
‫‪81‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬نشأة الكساد‬
‫‪82‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬أسباب أزمة الكساد لسنة ‪1929‬‬
‫‪83‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬سياسات الحد من األزمة‬
‫‪83‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬نتائج أزمة الكساد لسنة ‪1929‬‬
‫‪85‬‬ ‫الفصل التاسع‪ :‬النظام االقتصادي االشتراكي‬
‫‪86‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬نشأة النظام االقتصادي االشتراكي‬
‫‪86‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬تعريف النظام االقتصادي االشتراكي‬
‫‪87‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬أسس وخصائص النظام االقتصادي االشتراكي‬
‫‪88‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬عيوب النظام االقتصادي االشتراكي‬
‫‪89‬‬ ‫الفصل العاشر‪ :‬نظام بريتون وودز والنظام االقتصادي الجديد‬
‫‪90‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬نشأة نظام بريتن وودز‬
‫‪92‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬مؤسسات نظام بريتزن وودز‬
‫‪93‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬صندوق النقد الدولي‬
‫‪93‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬البنك الدولي‬
‫‪95‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬انهيار نظام بريتون وودز‬
‫‪97‬‬ ‫الفصل الحادي عشر‪ :‬بروز االقتصاديات اآلسيوية‬
‫‪98‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬محددات النمو في االقتصاديات اآلسيوية‬
‫‪98‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬سياسات النمو في االقتصاديات اآلسيوية‬
‫‪99‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬أسباب النجاح في االقتصاديات اآلسيوية‬
‫‪100‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬دور الدولة في االقتصاديات اآلسيوية‬
‫‪100‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬سياسات التدخل الحكومي‬

‫‪148‬‬
‫فهرس المواضيع‬

‫‪101‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬اآلليات المؤسساتية المنشأة لتنفيذ السياسات‬


‫‪101‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬أمثلة عن تجارب تنموية معاصرة‬
‫‪101‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬التجربة التنموية الماليزية‬
‫‪103‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬التجربة التنموية الصينية‬
‫‪110‬‬ ‫الفصل الثاني عشر‪ :‬العولمة االقتصادية‬
‫‪111‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬تعريف العولمة االقتصادية‬
‫‪112‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬العوامل المفسرة للعولمة االقتصادية‬
‫‪112‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬تنامي الرأسمالية المالية‬
‫‪113‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬عجز األسواق الوطنية عن استيعاب الفوائض المالية‬
‫‪113‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬ظهور االبتكارات المالية‬
‫‪113‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬التقدم التكنولوجي‬
‫‪113‬‬ ‫المطلب الخامس‪ :‬التحرير المالي المحلي والدولي‬
‫‪113‬‬ ‫المطلب السادس‪ :‬إعادة هيكلة صناعة الخدمات المالية‬
‫‪114‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬أدوات العولمة االقتصادية‬
‫‪114‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬الشركات المتعددة الجنسيات‬
‫‪114‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬المنظمات واالتفاقيات‬
‫‪117‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬انعكاسات العولمة على البلدان النامية‬
‫‪117‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬سلبيات العولمة على البلدان النامية‬
‫‪119‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬إيجابيات العولمة على البلدان النامية‬
‫‪121‬‬ ‫الفصل الثالث عشر‪ :‬األزمة المالية العالمية ‪2008‬‬
‫‪122‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬أسباب األزمة المالية العالمية‬
‫‪123‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬نشأة األزمة المالية العالمية‬
‫‪126‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬تطورات األزمة المالية العالمية‬
‫‪128‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬آثار األزمة المالية العالمية‬

‫‪149‬‬
‫فهرس المواضيع‬

‫‪128‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬آثار األزمة المالية العالمية على االقتصاد العالمي‬
‫‪130‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬تأثير األزمة العالمية على بعض المؤسسات‬
‫‪131‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬تأثير األزمة المالية العالمية على االقتصاد الجزائري‬
‫‪132‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬السياسات المتبعة لمواجهة األزمة المالية العالمية‪.‬‬
‫‪134‬‬ ‫الخاتمة‬
‫‪138‬‬ ‫قائمة المراجع‬
‫‪143‬‬ ‫فهرس الجداول‬
‫‪143‬‬ ‫فهرس األشكال‬
‫‪144‬‬ ‫فهرس المواضيع‬

‫‪150‬‬

You might also like