Professional Documents
Culture Documents
ثــــــــوان... فـي
يف كلمات م�ضيئة جمعت بني حناياها خربات ال�سنني و�ضمت يف طياتها عمق
الر�ؤية و�سداد الب�صرية ،ير�سم �سيدي �صاحب ال�سمو ال�شيخ حممد بن را�شد
�آل مكتوم نائب رئي�س الدولة رئي�س جمل�س الوزراء حاكم دبي “رعاه اهلل”
خارطة طريق الوطن نحو الريادة امل�ستدامة ،حيث يقول �سموه“ :كل املطلوب
لتحقيق �أهدافنا �أن نقود ال�شعب يف الطريق ال�صحيح ونن ّمي يف بناته و�أبنائه
روح االبتكار والإبداع والثقة بالنف�س والت�صميم على الإجناز والقدرات
القيادية” .بهذه الكلمات،مل يكتف �سموه برفع �سقف طموحات الوطن ،ومل
تقت�صر املعاين على ر�سم خطوات طريق النجاح ،بل جاءت املفردات مبثابة
ملاذا نفعل ب�أبنائنا َّ
كل هذا؟ و�صفة حكيم� .إن االبتكار يف التعليم ين�شئ جي ًال مبدع ًا ،و�صفة الإبداع تُك ّون
ي�أتي الأطفال �إلى العامل �شغوفني بالتعلم وقادرين عليه ،وم�ؤهلني نفاذ الب�صرية وتُك�سب الثق َة بالنف�س ،و�إذا ما اجتمع االبتكار والإبداع مع
له جيني ًا ونف�سي ًا مبا يكتنزونه من قدرات ا�ستثنائية .وخالل نفاذ الب�صرية والثقة بالنف�س تتكون �شخ�صية وقدرات جيل ميتلك مكونات
ال�سنوات الأربع الأولى من �أعمارهم ي�ستوعبون قد ًرا هائ ًال من قيادة امل�ستقبل نحو الريادة ،وقيادة بتلك املوا�صفات البد و�أن تر�سم �سيا�سات
املعلومات ،ويكت�سبون العديد من املهارات دون �إر�شاد مبا�شر، مبنية على ت�أ�صيل روح االبتكار يف الأجيال اجلديدة ،لنجد �أنف�سنا �أمام دائرة
فيفهمون ثقافة جمتمعهم ويتع ّلمون التحدث بلغته ،ويتعلمون كيف مبدعة تُعيد �إنتاج ذاتها حتت عنوان الريادة امل�ستدامة.
يدافعون عن �آرائهم ،وكيف يجادلون ،وكيف يعقدون �صداقات ويف �إطار �سعي م�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم الدائم على ن�شر وطباعة
مع الآخرين ،وكيف يطرحون �أ�سئلتهم .كما �أنهم يُعمِ لون خيالهم امل�ؤلفات التي تُرثي العقول وترتقي مبكت�سبات الوطن والتي ت�ؤكد على منهجية
ويعربون عن �آمالهم ،وير�سمون �ألوان ًا زاهي ًة لأحالمهم .يدفعهم توجهات ور�ؤى قيادتنا الر�شيدة ،ت�أتي ملخ�صات الدفعة ال�سابعة ملبادرة
�إلى كل هذا ف�ضولهم التلقائي ،ودوافعهم الفطرية� .إال �أن هذه وجيل
مبدع ٍ طفل ٍ “كتاب يف دقائق” لت�شمل 3موا�ضيع معنية ب�أهمية تن�شئة ٍ
الرغبة اجلاحمة والقدرة الهائلة على التعلم ،تتوقف �أو تنحرف مبتكر وقاد ٍة قادرين على �إحداث التغيري.
ٍ
عن م�سارها الفطري وعن طبيعتها ،عندما يبلغ الأطفال اخلام�سة
�أو ال�ساد�سة من العمر ،بفعل ُنظم التعليم الإلزامي ،ومبعنى �أ�صح ويف دفعتنا اجلديدة �سي�أخذكم ملخ�ص كتاب “التعلُّم بال ّلعب” يف رحلة
“التعليم الإجباري ”.فالدر�س الأول والأ�صعب الذي يتعلمونه يف ع�صف ذهني حول ما �إذا كان نظام التعليم الإلزامي املُطبق يف العامل حالي ًا
املدار�س هو �أن التع ّلم عمل �شاق ،وواجب �إجباري ،يخلو من املتعة هو الأجنع لأطفالنا والأقدر على تن�شئة جيل مبدع؟ �أم �أن غريزة التعلم
والب�ساطة والتلقائية ،ولذا من الأف�ضل جتنبه �أو التحايل عليه، الفطرية لدى الأطفال ،املبنية على الف�ضول والتلقائية ،تفقد بريقها وتنحرف
والتعامل معه بنف�س �أدواته ،للتخل�ص من عيوبه ،واالكتفاء مبا عن امل�سار مبجرد حتجيمها يف قالب روتيني جامد ُي َ�س َّمى التعليم الإلزامي؟
ميكن االقتناع به من ح�سناته. �أما ملخ�ص الكتاب الثاين فيحمل ا�سم“ :ر�ؤية الالمرئي :كيف تتمتع بنظرة
ثاقبة وب�صرية نافذة؟” ،حيث يناق�ش خالله م�ؤلف الكتاب ،جاري كالين،
فطرة اللعـب �أهم حمفزات نفاذ الب�صرية والتفكري الإبداعي ،والتي يلخ�صها يف خم�سة
عوامل هي :الروابط وامل�صادفات والف�ضول واملتناق�ضات والي�أ�س الإبداعي.
وتختم ملخ�صات الدفعة ال�سابعة بكتاب “القادة ُي�ؤ ِثرون ف ُي�ؤ ِّثرون” من
الأطفال جمبولون بطبيعتهم على حب اللعب واال�ستك�شاف الذاتي
ت�أليف �سيمون �سينيك ،الذي يتبنى نظرية مثرية لالهتمام ،حيث يرى الكاتب
دون م�ساعدة الكبار .وهم يحتاجون �إلى االنطالق واحلرية يف
�أن املحفزات التي ت�سهم يف حت�سني �سلوك الأفراد على ال�صعيد ال�شخ�صي
اللعب من �أجل �أن ينموا .كما �أن دوافعهم للعب بحرية هي دوافع
هي ذاتها التي ت�ساعد امل�ؤ�س�سات التجارية يف حتقيق النجاحات.
غريزية و�أ�سا�سية كامنة ومتو ِّثبة� .صحيح �أن فقدان القدرة على
اللعب بحرية قد ال يوهن اجل�سد كما يفعل نق�ص الغذاء �أو الهواء ويف اخلتام �أمتنى �أن تنعموا بقراءة مفيدة و�أن تنال ملخ�صات الدفعة
�أو املاء� ،إال �أنه يقتل الروح ويعوق النمو العقلي والنف�سي بكل طاقاته ال�سابعة من “كتاب يف دقائق” ر�ضاكم� ،آم ًال �أن نكون قد �ساهمنا يف تنوير
واحتماالته .فال ّلعب احلر هو الو�سيلة التي يتع ّلم من خاللها الأبناء العقول وتعزيز قيمة العلم ولو باجلزء الي�سري من �أجل امل�ساهمة يف تطوير
كيف يك�سبون الأ�صدقاء ،والتعاون واالنتماء ،ف�ض ًال عن التغلُّب جمتمع متقدم ،يتخذ من العلم والثقافة والأدب �سند ًا وظهري ًا يتكئ عليه يف
على خماوفهم ،وحل م�شاكلهم ،وال�سيطر ِة على مجُ ريات حياتهم. رحلته نحو الريادة امل�ستدامة.
جمال بن حويرب
الع�ضو املنتدب مل�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم
1
كتاب في دقائق
عندما تتاح للأطفال احلرية والو�سائل والظروف التي تمُ ّكنهم من حتقيق احتياجاتهم اخلا�صة ب�أنف�سهم ،ويف ظروف �آمنة ،ف�إنهم يزدهرون
و َيتطورون ويندفعون يف م�سارات متنوعة وغري متوقعة ،ويكت�سبون املهارات املنا�سبة والثقة الالزمة ملواجهة حتديات احلياة .يف مثل هذه
يطلب ال ُ
أطفال م�ساعد َة الكبار �إال عند احلاجة املا�سة فقط .فلي�س هناك ما يدعو لإجبارهم �أو «�إلزامهم» على الدرو�س والواجبات البيئة ،ال ُ
واملهمات واالختبارات والدرجات ،وت�صنيفهم بالإكراه -تبع ًا لأعمارهم -يف ف�صول درا�سية جامدة ،ا�ستناد ًا �إلى �سيا�سات وا�سرتاتيجيات
و�أدوات عفَّى عليها الزمن ،ومل تتط ّور منذ فجر نظم التعليم الإلزامي .فكل هذا يتداخل -يف الواقع العملي -ويتعار�ض مع تلقائية وفطرة
التع ّلم الطبيعي التي يتمتع بها كل من البنات والأبناء بال ا�ستثناء.
مفارقة رهيبة
منذ ب�ضع �سنوات� ،أجرى عاملا النف�س“ :ميهايل ت�شكزنتميهايل” و “جريمي هانرت”،
درا�س ًة عن مدى ال�سعادة �أو التعا�سة التي ي�شعر بها الطالب يف املدار�س العامة،
وذلك يف ال�صفوف الدرا�سية من ال�ساد�س �إلى الثاين ع�شر� .شملت َع ِّين ُة الدرا�سة
�أكرث من 800طالب ،من 33مدر�سة خمتلفة ،يف 12جمتمع ًا خمتلف ًا .حيث حمل
أوقات الطالب �ساعات يد خا�صة ملدة �أ�سبوع ،كانت مربجم ًة على بث � ٍ
إ�شارات يف � ٍ
�صباحا ،وال�ساعة العا�شرة والن�صف م�سا ًء،
ً ع�شوائي ٍة بني ال�ساعة ال�سابعة والن�صف
الطالب مبلء ا�ستبيانات يف حوزتهم ،مو�ضحني فيها �أين ُ وكلما انطلقت �إ�شارة ،قام
كانوا ،وماذا كانوا يفعلون ،ومدى �إح�سا�سهم بال�سعادة �أو التعا�سة يف تلك اللحظة.
جت ّلت �أدنى م�ستويات ال�سعادة عندما كان الأطفال يف املدر�سة ،وبلغت �أعلى م�ستوياتها
عندما كانوا خارجها ،وخا�ص ًة عندما كانوا يتحدثون ويتفاعلون ويلعبون مع �أ�صدقائهم.
�أما الوقت الذي كانوا يق�ضونه مع �آبائهم و�أمهاتهم ،فجاء يف املنطق ِة الو�سطى مت�أرجح ًا
ما بني ال�سعادة والتعا�سة .كما ارتفع م�ستوى ال�سعادة يف عطلة نهاية الأ�سبوع ،ثم كان
يرتاجع يف الليلة التي ت�سبق الأ�سبوع الدرا�سي اجلديد .فمن هو الذي نظر ثم ق ّرر �أنّ
�أف�ضل طريق ٍة لتعليم الأطفال هي �إجبارهم و�إلزامهم على �أن يعي�شوا يف بيئات متماثلة
ومعيارية ومق ّننة ،ويف � ٍ
أو�ضاع مت�شابهة ورتيبة جتعلهم ي�شعرون بامللل والتعا�سة والقلق؟!
�إنها مفارق ٌة م�ؤ�سف ٌة وحمزنة؛ فها نحن وبا�سم التعليم ،نحرم الأطفال كثري ًا من الوقت
واحلرية اللذين يحتاجونهما ليع ِّلموا �أنف�سهم ب�أنف�سهم ،وب�أ�ساليبهم وطرقهم اخلا�صة.
وبا�سم احلفاظ على �سالمتهم ،نحرمهم من الطاقات التي يحتاجونها لتنمية املفاهيم
وال�شجاعة ،والثقة الالزمة ملواجهة حتديات احلياة املتقلبة واملت�شابكة ،ب�إقدام ورباطة ج�أ�ش.
2
كتاب في دقائق
باطراد؛ بعدما فقدنا القدرة على ر�ؤية الطريقة الطبيعية لرتبية �أطفالنا ،ولأننا مل نعد ن�ؤمن تعليم حقيقي ٍة تتزاي ُد خطورتُها ّ
يعي�ش العامل �أزم َة ٍ
بهم وبقدراتهم ،وو�ضعناهم يف بيئات تع ّلم تقيد قدراتهم الطبيعية ،وتحَ ُ ول بينهم وبني تعليم �أنف�سهم .لقد �أن�ش�أنا لهم عامل ًا يقودهم �أحيان ًا
�إلى التيه وال�ضياع ،فيجعلهم غ َري قادرين على الثقة ب�أنف�سهم ،الكت�ساب املهارات الالزمة لكي ين�ضجوا ويتحملوا م�س�ؤولياتهم عندما ُ
ي�ش ّبون
عن الطوق ويدخلون عالمَ َ الكبار.
املعرفة واملهارة
نفرت�ض �أنه لكون ثقافات ال�صيادين وجامعي الثمار “�أب�سط” من ثقافاتنا ،ف�إن �أطفال َ من اخلط�أ �أن
تلك املجتمعات مل يكونوا بحاجة �إلى تع ّلم الكثري مقارن ًة ب�أطفالنا� .إذ يحتاج منط احلياة يف جمتمعات
ال�صيد والزراعة القدمية �إلى املعرفة واملهارة ب�صورة كبرية ،وب�سبب الغياب الن�سبي للتخ�ص�ص املهني
والتدريب الفنيُ ،ي�صبح على كل طفل اكت�ساب ثقافة جمتمعه كلها ،وبكافة جوانبها وتنوع مناحيها،
�أو على الأقل اجلوانب املنا�سبة لطبيعته وفطرته؛ ذكر ًا كان �أم �أنثى.
اللعب لي�س ن�شاط ًا �إجباري ًا ،وال ميكن �أن يكون .بل يحق للالعبني دائم ًا االن�سحاب من
اللعبة .ففي اللعب االجتماعي ،يعرف ك ُّل العب �أن َمن ال ير�ضي عن اللعبة �سين�سحب
منها ،و�إذا ما �شعر الكثريون بعدم الر�ضا ف�إن اللعبة تنتهي تلقائي ًا .ولكن للحفاظ على
ا�ستمرارها ،ال يجب على الالعبني تلبية رغباتهم ال�شخ�صية فح�سب ،و�إمنا �أي�ض ًا تلبية
رغبات �شركائهم من الالعبني الآخرين .وبالتايل ،ف�إن حاجة الأطفال �إلى اللعب تعد
دافع ًا قوي ًا ليتعلموا كيف يراعون رغبات الآخرين ،والتفاو�ض معهم ،وحل اخلالفات التي
قد تن�شب بينهم.
4
كتاب في دقائق
�ضبط النف�س
كثري ًا ما يع ِّلق الباحثون الذين يدر�سون طبيعة جمتمعات ال�صيد وجمع الثمار ،على ميل �أفراد تلك املجتعات القوي �إلى
اال�ستمتاع واالبتهاج و�ضبط النف�س .يقول عامل الأنرثوبولوجيا “ريت�شارد جولد”“ :ميكننا دائم ًا مالحظة الإح�سا�س
احلر القائظ ،ومن اجلفاف ال�شديد، باالبتهاج واال�ستعداد لل�ضحك واملزاح بني قاطني ال�صحراء .وحتى عندما يعانون من َ
ويواجهون نق�ص ًا يف املاء والغذاء .هذا االبتهاج جز ٌء من القبول املنظم واجلماعي للم�ش ّقات وال�صعاب املتتالية التي �ست�ؤدي
ال�شكوى منها �إلى تفاقمها ”.ولذا ،فقد كان �أبناء جمتمعات ال�صيد واملزارعني يعي�شون الواقع وير�ضون بالقدر ،وكانوا
متذمرين وال �ش ّكائني.
را�ضني ومتالحمني ومتعاونني ،ال ِّ
خ�صائ�ص اللعب
اللعب مفهوم ميلأ عقولنا بالتناق�ضات عندما نحاول التفكري فيه
بعمق؛ فهو ن�شاط جاد ،ولكن لي�س باملعنى احلريف للكلمة؛ وهو ن�شاط
تخ ّي ٌلي وعفوي ،ولكنه يف نف�س الوقت ،مقيد بالقواعد ومرتكز على الواقع؛
�سلوك طفويل ،ولكنه ال�سبب يف �أعظم �إجنازات احل�ضارة الإن�سانية. وهو ٌ
اللعب و�سيلة طبيعية لكي يتعلم الأطفال ما
ومن منظور تطوري وتنموي ،يعد ُ
يجب عليهم تعلمه للبقاء على قيد احلياة والعي�ش حياة �إيجابية ومثمرة .وعلى
اللعب يكون دائم ًا مفعم ًا باحلبور وال�سرور وال�سعادة والإفادة� ،إال
الرغم من �أن َ
�أنه يبقى عم ًال جاد ًا ور�صين ًا ومنتج ًا .ولذلك يرى خرباء علم النف�س االجتماعي
والتفكري الإيجابي� ،أن اللعب احلقيقي ال يبد�أ �إال عندما نظن �أننا نعمل ،و�أن العمل
املنتج والف ّعال ال ي�صل �إلى �أعلى م�ستويات االن�سجام� ،إال عندما نظن �أننا نلعب.
ورغم �صعوبة تعريف اللعب� ،إال �أنه ميكننا فهمه من خالل خ�صائ�صه اخلم�س التالية:
يل غري مقيد بقواعد العالــم “الواقع ــي” �أو -4اللعب ٌ
ن�شاط خيا ٌ -1اللعب اختيار وتنظيم ذاتي.
“اجلاد”. -2يف بع�ض الأحيان تكون الو�سيلة يف اللعب �أهم من الغاية.
وخال من ال�ضغوط. -3للعب قواعد ال متليها ال�ضرورات املادية ،ولكنها تنبع من عقول -5يعتمد اللعب على �إطار ذهني َن ِ�شطٍ ،
الالعبني.
اللعب و�ضبط النف�س
يف الن�صف الأول من القرن الع�شرين� ،أ َّكد عامل النف�س الرو�سي “ليف
فيجوت�سكي” �أن لعب الأطفال بحرية هو الطريقة الأ�سا�سية التي يتعلمون بها
التحكم يف �أنف�سهم و�سلوكياتهم وعواطفهم .فدافع الأطفال للعب يجعلهم
يتجاهلون امل�ضايقات ويقمعون اندفاعهم ،مما مي ّكنهم من االلتزام بقواعد
اللعبة� ،إذ تنتقل هذه القدرات تدريجي ًا �إلى حياتهم خارج �أر�ض امللعب .وقد
�ضروري لنمو بع�ض مك ّونات الدماغ
ٌ أبحاث احلديث ُة �إلى �أن اللعب
�أ�شارت ال ُ
الالزمة لل�سيطرة على اخلوف والغ�ضب ،وللت�صرف بفاعلية وثقة يف املواقف
الع�صيبة .ولي�س من قبيل امل�صادفة �أن الثقافات التي تتيح لأطفالها حرية �أكرب
يف اللعب ،هي الثقافات التي يت�سم فيها الكبار بقدرة �أكرب على �ضبط النف�س.
ملاذا �أ�صبحت مدار�سنا هكذا؟!
كيف انتقلنا من البيئة التي يكون فيها التع ّلم ممتع ًا ومن�شود ًا� ،إلى البيئة التي ُيفر�ض فيها التعليم على الط ّالب بطرق
جتعل الكثريين منهم ي�شعرون بالعجز والقلق واالكتئاب؟ لكي نفهم ملاذا و�صلت الأمور �إلى هذا ،ال بد �أن نعرف �شيئ ًا
مهم ًا عن تاريخ الب�شرية.
5
كتاب في دقائق
ظهور الزراعة
منذ �آالف ال�سنني ،عا�ش الب�شر ظروف ًا م�ستقر ًة ن�سبي ًا يف جمتمعات ال�صيد وجمع
الثمار .وتكيفت غرائزهم على طريقة احلياة تلك ،ثم ظهرت الزراعة التي ت�سببت
يف �سل�سلة من التغريات املتعاقبة وال�سريعة يف طرق املعي�شة ،مما �أدى �إلى تغيري
جذري يف طرق التفكري والأ�ساليب املتبعة يف تربية الأطفال.
لقد اعتمدت �أمناط احلياة يف جمتمعات ال�صيد وجمع الثمار على املعارف واملهارات
الهائلة واالنتباه واحلذر ال�شديدين� ،إال �أنها كانت تفتقر �إلى ت�شغيل العمالة .ولأن �أفراد
تلك املجتمعات كانوا �أكرث فاعلية ،فقد كان عليهم اكت�ساب معرفة عميقة بالنباتات
واحليوانات التي يعتمدون عليها ،ف�ض ًال عن معرفة م�ساحات الأرا�ضي التي يجوبونها.
كان عليهم تنمية مهاراتهم يف �صناعة �أدوات ال�صيد وجمع الثمار وكيفية ا�ستخدامها،
وكان عليهم �أن يبتكروا طرق ًا جديد ًة لإيجاد الطعام والدفاع عن �أنف�سهم �ضد احليوانات
املفرت�سة ،لكنهم مل يكونوا م�ضطرين �إلى العمل ل�ساعات طويلة.
والرتبية ال�صماء .وتوالت الدرا�سات بعدئذ لت�ؤكد على ما مت التو�صل يف الواقع ،كان ق�ضاء ال�ساعات الطويلة يف ال�صيد وجمع الثمار ،ي�ؤدي
�إليه من نتائج يف هذا املجال. �إلى نتائج عك�سية ،لأنه يت�سبب يف ا�ستهالك الغذاء ب�شكل �أ�سرع من
�إمكانية �إعادة توفريه .يرى علماء الأنرثوبولوجيا �أن �أفراد جمتمعات
ال�صيد مل يكونوا مييزون بني اللعب والعمل مثلما نفعل اليوم .فقد
يعد ذلك االختالف الثقايف يف تربية الأطفال �أمر ًا منطقي ًا �إذا ما
ن�ش�أوا وترعرعوا وهم ميار�سون لعبة ال�صيد وجمع الثمار ،وانتقلوا
ت�أملنا تلك ال�صفات ال�شخ�صية للمزارع املثايل مقارن ًة ب�صفات
تدريجي ًا من اللعب �إلى املمار�سة الفعل ٌية ،ولكن بنكهة اللعب ،ومل
الإن�سان املثايل يف جمتمعات ال�صيد وجمع الثمار؛ حيث يعتمد
ينظروا �إلى العمل باعتباره كدح ًا وفع ًال يومي ًا �إلزامي ًا.
النجاح يف الزراعة على التم�سك ب�أ�ساليب جمرب ٍة قد �أثبتت فاعليتها
من قبل .فالإبداع يف املجتمع الزراعي يع ُّد خماطر ًة كبرية؛ ف�إذا ومع ظهور الزراعة ،بد�أت املجتمعات متيل �إلى احلد من حرية
ما ف�سد املح�صول� ،ضاعت الإمدادات الغذائية لعام كامل .ومبا الأطفال ،وتعزيز الأ�ساليب العقابية يف الرتبية .حدث هذا على
�أن املزارعني – على عك�س ال�صيادين – مل يعتادوا م�شاركة الغذاء ما يبدو يف كل مكان؛ ففي درا�سة �أجريت يف منت�صف القرن
مع الآخرين و�إال �ستعاين العائلة التي تفقد حم�صولها من اجلوع. الع�شرين ،ا�ستخدم العلماء وثائق �أنرثوبولوجية لرتتيب املجتمعات
املجتمعات الزراعي َة ب�شكل عام تت�سم ببنية هرمية ،ولذا ف�إن
ِ كما �أن وف ًقا لفل�سفات و�أ�ساليب تن�شئة �أطفالها .وقد تراجعت املجتمعات
طاعة الأبناء لأبيهم املزارع ،وطاعة الفلاّ حني ل�صاحب الأر�ض ،تُع ُّد التي ت�ش ّدد على الطاعة العمياء وا�ستخدام العقاب البدين ،لت�أتي
من �ضرورات النجاح االجتماعي واالقت�صادي .وبالتايل ف�إن املزارع يف مكانة مت�أخرة ومنزلة متدنية .فيما �أو�ضحت الدرا�سة �أن هذا
املثايل هو املزارع املطيع ،وامللتزم بالقواعد ،واملحافظ على �أ�ساليب الرتتيب مرتبط ارتباط ًا وثيق ًا بطرق املعي�شة يف هذه املجتمعات.
الزراعة التقليدية التي ال يجوز املخاطرة مبخالفتها .ولذا يهدف فك ّلما اعتمد املجتمع بقدر �أكرب على الزراعة ،وبقدر �أقل على ال�صيد
ال�صارم الذي يفر�ضه املزارعون على �أبنائهم� ،إلى غر�س
ُ االن�ضباط وجمع الثمار ،كانت القيمة الأهم فيه هي الطاعة ،وتبعه التقليل من
هذه ال�صفات يف نفو�سهم. قيمة �إ�شباع الذات والإجناز يف احلياة كنتيجة حتمية للطاعة العمياء
-4عدم تعزيز التعاون ،وت�شجيع ال�سخرية .املدر�سة ب�شكلها -1عـــــدم غر�س الإح�ســــــا�س بامل�س�ؤوليـــة ال�شخ�صية
احلايل تع ِّلم الأنانية و�سخرية الطالب بع�ضهم من بع�ض .ف�إجبار واالعتماد على النف�س .يتقيد الأطفال يف املدار�س وغريها
الأطفال على التناف�س فيما بينهم ،وت�صنيفهم تبع ًا لدرجاتهم من الأماكن التي يديرها الكبار ،بل وين�شغل معظمهم يف �أغلب
املدر�سيةُ ،
يحمل ر�سال ًة �ضمني ًة ب�أن مهمة كل طالب هي �أن يهتم �أوقاتهم بالكثري من الواجبات والعمل الق�سري الذي ال يحققُ
مب�صلحته ال�شخ�صية فقط ،و�أن يتجاهل م�صالح الآخرين ،لكي ما نن�شده من تنوع الإجنازات ،نظر ًا الن�شغاله بتحقيق نتائج
ي�صبح هو الأف�ضل بينهم .وك�أن م�ساعدته لزمالئه قد ت�ضره، متماثلة دون مراعاة لتفاوت امليول وتنوع االجتاهات ،وعندئذ
لأنها ترفع منحنى تعلمهم وت�ضاعف درجاتهم املدر�سية ،مما قد يحرم الطالب من فر�ص االعتماد على النف�س وحتمل امل�س�ؤولية
يعني انخفا�ض ترتيبه هو .كثري من الطالب ي�سعون �إلى حتقيق ال�شخ�صية .وبالتايل ت�ضعف ثقتهم ب�أنف�سهم ،كما تهتز ثقة
إجنازات م�شهود ٍة لي�شار �إليهم بالبنان حني يهزمون الآخرين
ٍ � الكبار بهم ،العتقادهم ب�أنهم غري �أكفاء ،وغري قادرين على
بد ًال من �أن ي�ساعدوهم. حتمل امل�س�ؤولية ،مع �أن هذا غري �صحيح يف جوهره.
-5عدم تنمية احل�س النقدي� .أحـ ــد �أهـ ــم الأهداف العامـ ـ ـ ــة -2تقوي�ض الدافـــــع الفطري �إلى التعلم بتحويــــل العلم
املفرت�ضـ ـ ــة للتعليـ ـ ــم هو غر�س احل�س النقدي .ورغم هذا ،يتعلم �إلى عمل .فالأطفال بطبيعتهم ف�ضوليون وحمبون لال�ستطالع
الطـ ــالب جتنب جمي ـ ــع �أ�شكال التفكري النقدي ،لأنهم يفهمون واال�ستك�شـ ــاف واللعــب بط ـ ــرق جتعله ـ ــم يتعرفــون على العامل
�أن مهمتهم الوحيدة يف املدر�سة هي احل�صول على درجات عالية ويفهمون ـ ـ ــه .ل ـكــن الطبـيعـ ـ ـ ـ ــة الإلزامية التي يت�سم بها
يف االختبارات ،والتفكري النقدي يتعار�ض مع هذه الغاية .فلكي جب املرء على التعليم حالي ًا حت ِّول العلم �إلى عمل .ف�أي ن�شاط ُي رَ ْ
يح�صل الطالب على درجة جيدة ،يجب �أن يعرف ما يريده املعلم ممار�سته ،بوجود و�إ�شراف وب�إمالء طرف �آخر ،فلي�س �إال عم ًال
فيفعله ،وال يحيد عنه قيدَ �أُمنلة. �إلزامي ًا ال ميكن �أن نتوقع منه َ
نتائج باهرة.
-6عدم تنوع املهارات واملعارف .ب�إجبار جميع الطالب على -3احلكــــم على الطالب بطــــرق تعزز الإح�ســـــا�س
درا�سة نف�س املناهج ،ف�إننا نق ّلل من فر�صهم يف فتح َ
نوافذجديدة، باخلجـــل والغطر�ســـة وال�سخرية والغ�ش .يبدو �أن
واخلو�ض يف م�سارات بديلة .وللأ�سف ،ميثل املنهاج املدر�سي ِ نظام تقييم الطالب بالدرجات والتقديرات ،املخ�ص�ص
جمموعة حمدودة للغاية من املهارات واملعارف التي تعترب مهمة �أ�سا�س ًا لتحفيزهم ،قد �أ�صبح و�سيل ًة لتعزيز ال�سخرية
يف م�سريتنا العملية التي ترثي جمتمعنا .ففي هذا الع�صر املتخم والغ�ش؛ حيث يتم �إقنا ُع الطالب دائم ًا ب�أن تفوقهم
باملعارف واملعلومات ،ال ي�ستطيع �أحد �أن يتعلم �إال النزر الي�سري يف وجناحهم حتدده درجاتهم املدر�سية يف االختبارات فقط،
كل جمال .بعبارة �أخرى :كل �إن�سان يقطف زهرة من كل ب�ستان. و�أن االنتقال �إلى مرحلة درا�سية تالية ،و�صو ًال �إلى التحرر
فلماذا ُيجبرَ اجلميع على تعلم نف�س النزر الي�سري ،وقطف نف�س النهائي من نظام التعليم ،يعتمد �أ�سا�س ًا على ما يحققونه
الزهرة ،يف كل �صف وكل مدر�سة وكل جيل؟! من درجات.
7
كتاب في دقائق
اختالط ال�صغار وخمتلفي الأعمار
و�س ُيم ِّكنهم
ي�ستطيع ال�صغار االنخراط يف �أن�شطة قد تكون معقدة �أو �صعبة �أو خطرة �إذا ما قاموا بها وحدهم� ،أو مع �أطفال يف نف�س عمرهمَ .
التعلم من مراقبة الأن�شطة املعقدة التي ميار�سها من هم �أكرب منهم �سن ًا .وميكنهم احل�صول على رعاية ودعم عاطفي �أف�ضل مما يو ِّفره لهم
�أقرانهم من نف�س ال�سن.
كما �أن تعامل الأطفال الأكرب �سن ًا مع من هم �أ�صغر منهم ،يتيح لهم ممار�سة مهارات القيادة والتوجيه والإدارة ،فيكت�سبون خرب ًة وفهم ًا
�أعمق للمفاهيم املعقدة عندما ي�شرحونها ملن هم �أ�صغر منهم ،مما يجربهم على التفكري فيما يعرفونه وما ال يعرفونه .ومثلما ُيلهم الأطفال
الأكرب �سن ًا من هم �أ�صغر منهم ،ويحفزونهم نحو االنخراط يف �أن�شطة �أكرث تعقيد ًا� ،أو تطور ًا ،يلهم الأطفال الأ�صغر�سن ًاَ ،من هم �أكرب منهم،
باالنخراط يف �أن�شطة �أكرث �إبداع ًا وعفوية.
تلعب �صغار الثدي ّيات من جميع الأنواع تقريب ًا �ألعاب املطاردة .وقد الحظ العلماء
والباحثون �أن احليوان املُطا َرد ُيظهر � -أحيان ًا -عالمات ا�ستمتاع باللعبة �أكرث من
احليوان الذي يطارده .وعلى ما يبدو ،ف�إن مكاف�أة لعبة املطاردة هي �أن يتحول
يت�ضمن تعر�ض ًا املُطارِد �إلى ُمطا َرد .نالحظ هنا �أن الو�ضع ّ
املف�ضل هو املوقف الذي ّ
�أكرب للخطر؛ لأن الالعب الذي َيجري هارب ًا تكون لديه قدرة �أقل على التحكم فيما
يحدث ،وفر�صة �أقل يف التوقف للراحة ،ويكون �أكرث عر�ضة لل�سقوط والإ�صابة ،من
الالعب الذي يطارده� .إذ يبدو �أن التعر�ض للخطر -يف حد ذاته -يعد جزء ًا ال
يتجز�أ من ال�شعور بالإثارة.
8
كتاب في دقائق
وقد �أ�شارت املالحظات �إلى �أن الأطفال ي�ضعون �أنف�سهم عمد ًا يف مواقف خميفة يكونون فيها عر�ض ًة للمخاطر .فهم يفعلون ذلك عندما
يت�س ّلقون الأ�شجار� ،أو يقفزون من �أماكن عالية� ،أو يت�س ّلقون �صخر ًة تلو �أخرى� ،أو ي�ستخدمون �ألواح التزلج على املنحدرات .يف مثل هذه الأن�شطة
أطفال خوفهم مثلما يختربون قوتهم .هذا املزيج من اخلوف واملتعة هو ال�شعور الذي ن�سميه الإثارة .يف مثل هذه املحفوفة باملخاطر ،يخترب ال ُ
الألعاب يكون الأطفال م�س�ؤولني متام ًا ع ّما يقومون به من �أن�شطة معقدة ،وعما يتخذونه من قرارات �صعبة.
يف ثقافتنا احلالية والتقليديةُ ،يف ِْرط الآباء وغريهم من الكبار يف حماية الأطفال من الأخطار املحتملة �أثناء اللعب ،ويف كل الظروف ،م�ستهينني
املتوخى منها متام ًا ،فتحرم ال َ
أطفال من الفر�ص التي بقدراتهم على رعاية �أنف�سهم ،وا ُ
حل ْكم ال�صحيح على الأمور .هذه اال�ستهانة تحُ ّقق عك�س ّ
يحتاجونها كي يتعلموا كيف ي�سيطرون على �سلوكهم وعواطفهم.
9
كتاب في دقائق
من التعليم الإلزامي �إلى االلتزام االجتماعي
راع وكلُّنا م�س�ؤول عن رع ّيته .و ُك ٌل ِم ّنا يحمل على عاتقه التزام ًا اجتماعي ًا جتاه توفري فر�ص تعليمية ثر ّية لكل طفل ،بغ�ض النظر عن خلفيته
كلٌّنا ٍ
�أو م�ستوى ذكائه �أو قدراته وفق ًا ملا نراها نحن من بعيد ،من دون �أن ن�س�أله عنها .ولنف ّكـر�سوي ًا من الآن ف�صاعد ًا يف �إن�شاء مدار�س مفتوحة،
ومرنة وتطوعية وم�س�ؤولة و�إيجابية وغري �إلزامية ،يتمكن فيها الطالب من اللعب ،واال�ستك�شاف ،والتع ّلم ،يف بيئة جميلة ومرنة ومفتوحة
ومبهجة ومواتية للتنمية الفكرية واجل�سدية والأخالقية التي نبتغيها؛ بيئة ت�ساعدنا على بناء جمتمع متالحم ومتكامل ومتفاعل بني �أفراده،
ومبدع يف ر�ؤيته ،وذكي يف فكره ،ومنتج يف عمله ،و�إيجابي يف نظرته ،و�سعيد يف كافة مناحي حياته.
المؤلف:
بيتر جراي :باحث وعالم نفس في كلية “بوسطن” األمريكية ،وله مدونة تربوية شهيرة
باسم“ :التعلم الحر .”Free to Learn
كتب مشابهة:
1. Unschooling Rules
55 Ways to Unlearn What We Know About Schools and Rediscover Education
By Clark Aldrich. Greenleaf Book Group. 2011
قواعد التعلم الالصفي 55 :طريقة لتغيير التعليم المدرسي وإعادة اكتشاف التربية .تأليف :كالرك ألدريش.
مجموعة جرين ليف للنشر 2011
2. Ungifted
Intelligence Redefined.
By Scott Barry Kaufman, 2013
الطالب وليس القالب هو الغالب :عندما يقيم الطالب المدارس .نيكيل جويال2012 .
10
كتاب في دقائق
“كان �أبناء جمتمعات ال�صيد
وجامعي الثمار واملزارعني ،يتقبلون
الواقع ،وير�ضون با َ
لقـدر ،كما
ير�ضون بالقليل ،وكانوا متالحمني
ومتعاونني ،ال َ
متذ ِّمرين
وال ّ
�شكائني”.
بيتر جراي