You are on page 1of 256

‫الطبعة األولى‪ :‬كانون الثاني‪/‬يناير ‪ 2017‬م ‪ 1438 -‬هـ‬

‫ردمك ‪978-614-01-2151-5‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة‬

‫الدوحة ‪ -‬قطر‬
‫هواتف‪)+974( 4930218- 4930183- 4930181 :‬‬
‫فاكس‪ - )+974( 4831346 :‬البريد اإللكتروني‪E-mail: jcforstudies@aljazeera.net :‬‬

‫يمنـــع نأـــس عو اأـــجعمام عه جـــكت مـــن هـــلا الكجـــاأ بإيـــة وأـــي ة ج ـــويرية عو لكجرونيـــة عو‬
‫ميكانيكية بما في للك الجأجيم الفوجـوررافي والجأـجيم ى ـى عةـرطة عو ع ـراو مقـروتأ عو بإيـة‬
‫وأــي ة نةــر عبــرف بمــا في ــا حف ـظ المع ومــا ‪ ،‬واأــجرجاى ا مــن دون لن بطــي مــن الناةــر‬

‫ش‪ .‬م‪ .‬ل‬ ‫إن اآلراء الواردة يف هذا الكتاب ال تعرب بالضرورة عن رأي‬

‫التنضيد وفرز األلوان‪ :‬عبجد ررافيكس‪ ،‬بيروت ‪ -‬هاتف ‪(+9611) 785107‬‬


‫الطباعة‪ :‬مطابع الدار العربية ل ع وم‪ ،‬بيروت ‪ -‬هاتف ‪(+9611) 786233‬‬
‫ةكر وجقدير‬

‫يتقدََّّم املؤلِِّّف بوافر الشكر والتقدير ملركز اجلزيرة للدراسات إلسهامه يف نشر‬
‫مصادر املعرفة‪ ،‬ويأمل أن يُ َمثِِّّل هذا العمل إضافة للمكتبة العربية وملكتبة دراسات‬
‫االجتماع السياسي بشكل خاص‪.‬‬
‫كما يتقدَّم جبزيل الشكر لكلِّ من أسهم يف إعداد الكتاا وإخراجاه يف‬
‫صورته النهائية؛ فبدون تضافر تلك اجلهود مل يكن هذا العمل لريى النور‪ .‬وخيص‬
‫بالشكر إدارة البحوث مبركز اجلزيرة للدراسات ملساعدهتا يف تطوير الكتا بد ًءًا‬
‫مبناقشة التصور ووضع اإلطار العام‪ ،‬مرورًًا مبراجعاة فصاوا الكتاا وإباداء‬
‫املالحظات بغرض تطويرها‪ ،‬وانتهاءً بتنسيق النص وترتيب حمتوياته‪ .‬كما يشاكر‬
‫إدارة النشر والعالقات العامة باملركز ملساعدهتا يف تأمني املراحل النهائية هلذا العمل‬
‫من قبيل التدقيق اللغوي والتصميم واإلخراج الفين‪ ،‬وأيضًًا قسم اإلدارة والتنسايق‬
‫ملتابعة عملية الطباعة والتوزيع‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫المحجويا‬

‫مقدمة‪9 .........................................................................................‬‬

‫الباأ األوم‬
‫جنظيم "الدولة اإلأالمية" و"فجح فريقيا"‬
‫الفصل األول‪ :‬من القاعدة إلى "الدولة اإلسالمية"‪51 ..............................................‬‬

‫الفصل الثاني‪" :‬الدولة اإلسالمية" تتمدد غربا‪ :‬ليبيا وتونس والجزائر والصحراء الكبرى ‪73 ..........‬‬

‫الفصل الثالث‪" :‬بوكو حرام"‪ :‬من الجماعة إلى "الوالية" ‪15 ........................................‬‬

‫الباأ الثاني‬
‫القاىدأ ببالد المغرأ اإلأالمي‪:‬‬
‫الجلور والح فات‬
‫الفصل األول‪" :‬فتح" الصحراء‪91 ................................................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬البنية الهيكلية إلمارة الصحراء‪541 ...............................................‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬حلفاء القاعدة في أزواد‪591 ......................................................‬‬

‫خاتمة‪541 .....................................................................................‬‬

‫قائمة المراجع‪543 ..............................................................................‬‬

‫‪7‬‬
‫مقدمة‬

‫يسعى هذا الكتاب إىل رصد مالمح التنافس "اجلهادي" بني القاعدة وتنظيم‬
‫"الدولة اإلسالمية" يف الساحل والصحراء عرب متابعة تاريخ وجود النشاط السلفي‬
‫اجلهادي املسلح يف املنطقة‪ ،‬ومراحل التََّّشكُُّّل والتطور‪ ،‬مث االنقسامات اليت عرفتها‬
‫بعض التنظيمات اجلهادية‪ ،‬قبل أن تصل عدوى انقسام اجلماعات اجلهادية اليتيت‬
‫اجتاحت العامل وقسََّّمتها إىل فسطاطني متصارعني؛ بدأ صراعهما عليتى ريترعية‬
‫تَمْثِِيل احلركة اجلهادية العاملية‪ ،‬يف املشرق العربيتي‪ ،‬واستقطاب أنصارها وجنودها‬
‫واملؤمنني بفكرها وررعية قتاهلا‪ ،‬مث انتقال عدوى الصراع والتنيتافس إىل منطقيتة‬
‫الصحراء الكربى ومشال وغرب إفريقيا‪.‬‬
‫فقد ظلت هذه املنطقة‪ ،‬أي الساحل والصحراء الكربى‪ ،‬طيلة العقدين املاضيتيني‬
‫جما ًال حيويًًّّا لنشاط وتنامي حركات جهادية ترى نفسها جزءًًا من تنظيتيم القاعيتدة‬
‫وتدين له بالوالء‪ ،‬حىت جاءت مرحلة االنقسام الكربى عشية ظهور تنظيتيم "الدوليتة‬
‫اإلسالمية يف العراق والشام" سنة ‪ ،3102‬ومنازعته لقيادة القاعدة‪ ،‬يف زعامة احلركيتة‬
‫اجلهادية العاملية؛ حيث ركََّّل إعالن تنظيم "الدولة اإلسالمية" ليت "اخلالفة الراريتدة"‬
‫زلزا ًال ضرب خمتلف الساحات "اجلهادية"‪ ،‬وأعاد تشكيل خريطيتة اجلماعيتات تات‬
‫التوجه السلفي القتايل‪ ،‬وصلت توابعه إىل منطقة الصحراء الكربى والساحل؛ حييتث‬
‫عرفت بعض التنظيمات فيها انقسامات داخلية على أساس الوالء كما حصيتل ميت‬
‫مجاعة "املرابطون"‪ ،‬والقاعدة ببالد املغرب اإلسالمي يف اجلزائر‪ ،‬بينما أعلنت تنظيمات‬
‫أخرى نفض اليد من بيعة تنظيم القاعدة‪ ،‬والوالء للدولة اإلسالمية كما حصيتل ميت‬
‫مجاعة "أهل السُُّّنََّّة للدعوة واجلهاد" يف نيجرييا (بوكو حرام)‪ ،‬ووصيتل امميتر حيتدَّ‬
‫االقتتال يف ليبيا والترارق اإلعالمي يف تونس‪ ،‬والقطيعة احلذرة يف مشال مايل‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫ويسعى هذا الكتا للبحث أيضًًا يف صريورة هذا التنافس باني التنظايمني‬
‫وآلياته ومآالته‪ ،‬وامطراف الفاعلة فيه وامخرى الثانوية‪ ،‬معتم ًدًا يف جزء كبري منه‬
‫على معلومات مجعتُها خالا سبعة أعوام من البحث والدراسة‪ ،‬ختلَّلتها رحلة حبث‬
‫وحتقيق قمت هبا إىل صحراء أَ َز َوادْ يف مشاا مايل يف النصف الثاا مان شاهر‬
‫إبريل‪/‬نيسان والنصف اموا من شهر مايو‪/‬أيار عام ‪ ،5155‬متكَّنت خالهلا من مجع‬
‫كثري من املعلومات عرب مقابالت ولقاءات وجلسات مع قادة وعناصر اجلماعاات‬
‫اجلهادية وسكان املنطقة‪.‬‬
‫وقد اعتمدتُ يف الكتا على السرد املتدفِِّّق للمعلومات املتعلقة بتاريخ هذه‬
‫اجلماعات‪ ،‬مع مقاربة تسعى إىل فهم اإلطار الزما واملكا لألحداث اليت يتناوهلا‬
‫الكتا ‪ ،‬وعالقات االتساق وحمطات التنافر بني امطاراف الفاعلاة يف صاناعة‬
‫امحداث املُؤََصِّلََة لإلشكاليات الكربى اليت يطرحها الكتا ‪ ،‬كما تنحاو تلاك‬
‫املقاربة إىل حماولة فهم عالقة اجلماعات اجلهادية على اختالف والءاهتاا بااطي‬
‫االجتماعي واجلغرايف الذي حيتضنها‪ ،‬والعالقات البينية لفرقائها وما ختلََّّلها من مدٍّ‬
‫وجَزْرٍ‪ ،‬وهو ما تطلََّّب بذا جهود مضنية واستدرار سنوات عديدة مان البحاث‬
‫والتحري للتغلب على مجلة صعا واجهتين منذ البداية‪ ،‬أوهلا الغيا شبه التاام‬
‫للمصادر واملراجع‪ ،‬واالعتماد على السعي املستمر واطاوالت احلثيثة الساتنطاق‬
‫امحداث امليدانية والشهود والفاعلني امليدانيني‪ ،‬من قادة وعناصر تلك اجلماعات‬
‫وشركائهم يف امرض‪.‬‬
‫كما أن الكتا يف بابه الثا يُُشكِِّّل إعاادة لصاياغة كتاا "القاعادة‬
‫وحلفاؤها يف أزواد‪ :‬النشأة وأسرار التوسع" الذي ألََّّفتُُه سابقًًا وأصادره مركاز‬
‫اجلزيرة للدراسات عام ‪ ،5154‬لكنَّ أحداثًًا متالحقة عرفتها املنطقة دفعت بااي‬
‫إىل حماولة إعادة صياغته وتنقيحه‪ ،‬وإضافة مستجدات له‪ ،‬بينها فصل كامل يتعلق‬
‫ال عن بع امحداث والتطورات اليت مسََّّات خمتلاف‬ ‫جبماعة بوكو حرام‪ ،‬فض ً‬
‫مستويات الكتا وفصوله وعناوينه‪ ،‬مع إضافة معلومات تتعلق بتاريخ أحاداث‬
‫تضمنها الكتا السابق‪ ،‬لكن مقتضيات البحث والتحاري والتادقيق أجََّّلات‬
‫ظهورها يف النسخة اموىل‪.‬‬
‫‪01‬‬
‫ويتألَّف الكتا من بابني‪ ،‬اموا منهما حيمل عنوان "تنظيم الدولة اإلساالمية‬
‫وفتح إفريقيا"‪ ،‬ويَضُمُّ ثالثة فصوا‪ ،‬وقد خصَّصتُه للحديث عان تنظايم "الدولاة‬
‫اإلسالمية"؛ حيث أَ ْف َر ْدت الفصل اموا ملتابعة ميالد تنظيم "الدولاة اإلساالمية يف‬
‫العراق والشام" قبل أن ينشقَّ عن تنظيم القاعدة ويُ ْعِلن اخلالفة اإلسالمية‪ ،‬ويعاجل هاذا‬
‫شكُّ ِل التنظيم‪ ،‬وأسبا خالفه مع قيادة تنظايم القاعادة يف "باالد‬ ‫الفصل مراحلَ َت َ‬
‫خراسان"‪ ،‬ومواجهاته املسلحة مع"جبهة النصرة" قبل انفصاهلا تنظيميًّا عن القاعدة‪.‬‬
‫أما الفصل الثا فيتناوا ظروف وسياق وصوا تنظيم "الدولة اإلسالمية" إىل‬
‫منطقة املغر العرباي والصحراء الكربى‪ ،‬ويرصد فروع التنظيم يف ليبيا وتونس‬
‫واجلزائر وصحراء أزواد يف مشاا مايل‪.‬‬
‫صتُ الفصل الثالث للحديث عن مجاعة "أهال السُُّّانَّة للادعوة‬ ‫بينما خصَّ ْ‬
‫واجلهاد" املعروفة إعالميًّا باسم "بوكو حرام"‪ ،‬الايت بايعات تنظايم "الدولاة‬
‫اإلسالمية" سنة ‪ ،5151‬وتطرَّ ْقتُ يف هذا الفصل لتاريخ اجلماعة‪ ،‬والظروف الايت‬
‫اكتنفت ميالدها‪ ،‬والتطوُّرات اليت مرَّت هبا واالنشقاقات الايت عرفتاها خاالا‬
‫مسريهتا‪ ،‬حىت مرحلة بيعتها لتنظيم "الدولة اإلسالمية" وما تال تلك من خالفاات‬
‫داخلية بعد قرار قيادة تنظيم الدولة عَ ْزا أمري اجلماعة "أبو بكر الشكوي"‪ ،‬كماا‬
‫تطرَّقت يف هذا الفصل جلماعة "أنصار املسلمني يف بالد السودان" املعروفة باسام‬
‫"أنصار" املنشقة عن مجاعة "بوكو حرام"‪.‬‬
‫أما البا الثا فحمل عنوان "القاعدة ببالد املغر اإلساالمي‪ :‬اجلاذور‬
‫واحللفاء"‪ ،‬وقد خصَّصته للحديث عن تنظيم القاعدة ببالد املغار اإلساالمي‪،‬‬
‫واحلركات املتحالفة معه يف املنطقة‪ .‬ويَضُُمُّ ثالثة فصوا‪ ،‬يتناوا أوهلا ظروف نشأة‬
‫التنظيم يف اجلزائر‪ ،‬والتقلُّبات اليت عاشها‪ ،‬وأسبا تَ َوسُّعه‪ ،‬وانتشااره يف مشااا‬
‫مايل‪ ،‬واملراحل اليت مرَّ هبا‪ ،‬والصراعات اليت نشبت بني أمرائه وقادته يف املنطقاة‪،‬‬
‫ال عن عالقته مع تنظيم"القاعادة يف باالد‬ ‫واستراتيجيته التوسُّعية يف املنطقة‪ ،‬فض ً‬
‫خراسان"‪ ،‬وتاريخ تلك العالقة واملراحل اليت مرَّت هبا منذ اندالع العمل املسلح يف‬
‫اجلزائر سنة ‪ 5995‬حىت مبايعة اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا لتنظيم القاعدة سنة‬
‫‪.5113‬‬
‫‪00‬‬
‫بينما يرصد الفصل الثا البنية اهليكلية إلمارة الصحراء (فرع قاعدة املغر‬
‫اإلسالمي يف الساحل والصحراء) وتَ َوزُّ َعها إىل كتائب وسرايا‪ ،‬تنتشر يف املنطقاة‪،‬‬
‫ودور كل فصيل منها يف احلر اليت أفضت إىل سيطرة احلركات املسلحة علاى‬
‫إقليم أزواد سنة ‪ ،5155‬وعالقة تلك الكتائب والسرايا ببع امحاداث يف دوا‬
‫ال عن دورها احلايل يف مواجهة القوات الفرنسية والدولياة يف مشااا‬ ‫املنطقة‪ ،‬فض ً‬
‫مايل‪.‬‬
‫أما الفصل الثالث فخصَّصته للحديث عن احلركات اجلهادية املتحالفة ماع‬
‫تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي يف أزواد‪ ،‬وتناولت فياه بالتفصايل أرباع‬
‫حركات‪ ،‬هي‪ :‬مجاعة أنصار الدين‪ ،‬ومجاعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقياا‪،‬‬
‫ومجاعة أنصار الشريعة‪ ،‬وحركة أبناء الصحراء للعدالاة اإلساالمية‪ ،‬باعتبارهاا‬
‫حركات جهادية متحالفة مع تنظيم القاعدة ببالد املغار اإلساالمي؛ حياث‬
‫تطرقت لنشأة كل حركة على حدة‪ ،‬وأسبا تأسيسها‪ ،‬وعالقتها بباقي احلركات‬
‫امخرى‪ ،‬وأبرز قادهتا‪.‬‬
‫ويسعى كتا "التنافس بني القاعدة وتنظيم الدولة يف الساحل والصاحراء"‬
‫لسرد أهمِّ امحداث اليت كانت تلك اجلماعات وراءها أو طرفًا فيها‪ ،‬وتقدمي قراءة‬
‫يف امبعاد االستراتيجية للتنافس بني التنظيمني يف املنطقة‪ ،‬وتلك عرب حماولة رصاد‬
‫جانب من أنشطتهما التنافسية‪ ،‬وطرق تفكريمها وختطيطهما‪ ،‬وتشابك عالقاات‬
‫ال عن حضور أبعاد أخرى قََبلية وعِرقية وإقليمياة‬ ‫خمتلف التنظيمات اجلهادية‪ ،‬فض ً‬
‫يف تكوين بعضها‪.‬‬
‫نواكشوط‬
‫‪ 42‬نوفمرب‪/‬تشرين الثاين ‪4102‬‬
‫حممد حممود أبو املعايل‬

‫‪01‬‬
‫الباب األول‬

‫تنظيم "الدولة اإلسالمية"‬


‫و"فتح إفريقيا"‬

‫‪01‬‬
‫الفصل األول‬

‫من القاعدة إىل "الدولة اإلسالمية"‬

‫‪05‬‬
‫سأسعى يف هذا الفصل للخوض يف غمار التنافس القوي الذي تشهده منطقة‬
‫الصحراء الكربى عمومًا‪ ،‬ومشاا مايل خصوصًا‪ ،‬بني رأسي احلركة اجلهادية العاملية‬
‫حاليًًّّا‪ ،‬تنظيم "الدولة اإلسالمية"‪ ،‬وتنظيم القاعدة‪.‬‬
‫وقبل اخلوض يف تفاصيل هذا التنافس "اجلهادي" بني التنظيمني العامليني‪ ،‬البد‬
‫من املرور ولو باختصار على تعريف نظري للصراع أو النزاع؛ الذي يعين وضاعًا‬
‫تنافسيًّا تكون فيه امطراف واعية بتعارض املواقف؛ إت يريد فيه كل طرف احتالا‬
‫موقع يتعارض واملواقع اليت تريد أن حتتلَّها امطراف امخرى‪ .‬على العكاس مان‬
‫تلك‪ ،‬فإن التصور الذايت يعين إدراك الوضع املوضوعي إدراكًا خاطئًا؛ منه ينطلق‬
‫من الذاتية واخلصوصية(‪.)1‬‬
‫ومننا أمام حالة تنازع داخل احلركة اجلهادية العاملية‪ ،‬فإنه مان الضارورة‬
‫مبكان أن نقف على تعريف نظري للنزاع الداخلي؛ حيث يُ َعرِّفُه بع البااحثني‬
‫با "التنازع بني جمموعات خمتلفة (عِرقية‪ ،‬سياسية‪ ،‬دينية‪ )..‬من خالا خمالفاات‬
‫غري منطقية معراف احلياة اليومية للمجتمع‪ .‬بيد أن ممارساهتا غري املنطقية ال متناع‬
‫وجود أسبا وأهداف منطقية تقف وراءها‪ ،‬كما هو مُشاهَد يف مطالب العدياد‬
‫من امقليات الدينية والعِرقية والسياسية‪ .‬ويف التاريخ اإلسالمي أُِث َر عن الصحاباي‬
‫أباي تر الغفاري‪ ،‬رضي اهلل عنه‪ ،‬قوله‪" :‬عجبتُ ملن ال جيد قوت يومه‪ :‬كيف ال‬
‫حيمل سيفه وخيرج باحثًا عنه؟!"‪ ،‬وهو ما يُ َعبِّر بوضوح عن وجود أسبا منطقية‬
‫(‪)2‬‬
‫ملا تعيشه املنطقة العربية من نزاعات داخلية‪.‬‬
‫(‪ )1‬بركان‪ ،‬إكرام‪ ،‬حتليل النزاعات املعاصرة يف ضوء مكونات البُعد الثقايف يف العالقات‬
‫الدولية‪( ،‬رسالة ماجستري)‪ ،‬جامعة احلاج خلضر باتنة‪ ،5151-5119 ،‬ص ‪.55‬‬
‫(‪" )2‬أنواع الصراع ومفهومه"‪ ،‬اجلزيرة نت‪ 7 ،‬أكتاوبر‪/‬تشارين اموا ‪( ،5114‬تااريخ‬
‫الدخوا‪ 54 :‬فرباير‪/‬شباط ‪:)5152‬‬
‫‪http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/0AF41534-E226-4538-8F40-‬‬
‫‪0197CB1DBE93‬‬

‫‪07‬‬
‫وحتدَّث آخرون عن مفهوم النزاع من خالا حتديد الظاروف املوضاوعية‬
‫لربوزه‪ ،‬فيوجد النزاع عندما تالحظ جمموعتان أو جمموعات أن مصاحلها متناقضة‬
‫أو التعبري عن مواقفها أصبح يتم بعدائية أو حتاوا حتقيق أهدافها بأعماا تؤدي إىل‬
‫اإلضرار باجملموعات امخرى‪ .‬وقد تكون هذه اجملموعات أفارادًا أو جمموعاات‬
‫صغرية أو كبرية(‪.)1‬‬
‫وتتباين تعريفات الصراع تباين سياقاته وأبعاده؛ حيث يشري مفهوم الصاراع يف‬
‫بُ ْع ِد ِه السياسي إىل موقف تنافسي خاص‪ ،‬يكون طرفاه أو أطرافه‪ ،‬على دراياة بعادم‬
‫التوافق بينهم يف املواقف املستقبلية اطتملة‪ ،‬واليت يكون كل منهما أو منهم مضاطرًّا‬
‫فيها إىل تبنِّي أو اختات موقف ال يتوافق مع املصاحل اطتملة للطرف الثا أو امطاراف‬
‫امخرى‪ ،‬بينما يُ َعرِّف عامل االجتماع اممريكي‪ ،‬لاويس كاوزر (‪،)Lewis Coser‬‬
‫الصراع انطالقًا من بُ ْع ِد ِه االجتماعي؛ إت يُ َمثِّل "نضا ًال حوا قايم‪ ،‬أو مطالاب‪ ،‬أو‬
‫أوضاع معينة‪ ،‬أو قوة‪ ،‬أو حوا موارد حمدودة أو نادرة‪ ،‬ويكون اهلدف يف هذه احلالة‬
‫حِييدِ‪ ،‬أو إحلاق الضارر‪ ،‬أو‬ ‫ب القيم املرغوبة‪ ،‬بل أيضًا يف تَ ْ‬
‫س ِ‬
‫ال ليس فق يف كَ ْ‬ ‫مَُت ِمثِّ ً‬
‫إزالة املنافسني أو التخلُّص منهم‪ ،‬وهنا ميكن أن حيدث الصراع يف مثل هذه املواقاف‪،‬‬
‫بني امفراد‪ ،‬أو بني اجلماعات‪ ،‬أو بني امفراد واجلماعات‪ ،‬أو بني اجلماعات وبعضها‬
‫البع ‪ ،‬أو داخل اجلماعة أو اجلماعات تاهتا"‪ ،‬ويعزو كوزر تلك إىل أن "الصراع يف‬
‫حدِّ تاته أحد السمات امساسية جلوانب احلياة االجتماعية"(‪.)2‬‬
‫كما يعتقد كوزر أن الصراع يتبلور عادة يف ضوء القيم وامهداف اليت تُ َمثِّل‬
‫اإلطار املرجعي مطراف املوقف الصراعي‪ ،‬وعلى هذا امساس يرى أن الصاراع‬
‫يتحدَّد يف النضاا املرتب بالقيم واملطالبة بتحقيق الوضعيات الناادرة واملميازة‪،‬‬
‫والقوة واملوارد؛ حيث تكون أهداف الفرقاء هي حتييد أو إيذاء أو القضاء علاى‬
‫اخلصوم(‪.)3‬‬
‫(‪" )1‬أنواع الصراع ومفهومه"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )2‬بدوي‪ ،‬منري حممود‪ " ،‬مفهوم الصراع‪ :‬دراسة يف امصوا النظرية لألسبا وامنواع"‪،‬‬
‫دراسات مستقبلية‪( ،‬العدد الثالث‪ ،‬يوليو‪/‬متوز ‪ ،)5993‬ص ‪.72‬‬
‫(‪ )3‬رسالن‪ ،‬أمحد فؤاد‪ ،‬نظرية الصراع الدويل‪( ،‬اهليئة املصرية العامة للكتا ‪ ،‬القااهرة‪،‬‬
‫‪ ،)5921‬ص ‪.51‬‬
‫‪08‬‬
‫وهناك رؤى أخرى تسعى إىل توجيه االهتمام مبفهوم الصراع حناو امبعااد‬
‫النفسية املتعلقة بعالقات القبوا والرف بني أطراف املوقف الصراعي‪ ،‬ومن هناا‬
‫تتَّجه تلك الرؤى إىل تعريف الصراع باعتباره "العاداء املتباادَا باني امفاراد‬
‫واجلماعات أو الشعو أو الدوا فيما بينها على خمتلف املستويات"(‪.)1‬‬
‫مث إن مفهوم الصراع يُعدُّ أكثر مشو ًال من مفهوم احلر يف نطاقاه‪ ،‬وأكثار‬
‫تعقيدًا يف طبيعته وأبعاده؛ فاحلر مىت بدأت‪ ،‬تصبح خيارات أطرافهاا حمادودة‬
‫بالنصر أو اهلزمية‪ ،‬بينما يف ظروف الصراع‪ ،‬ويف املراحل السابقة علاى حادوث‬
‫احلر ‪ ،‬يكون مثة جماا أوسع إلدارة الصراع‪ ،‬والتَّ َكيُّف مع ضغوطه يف اجتااه أو‬
‫آخر‪ ،‬مع االحتفاظ باملقدرة النسبية على االختيار بني البدائل املتاحة أماام كال‬
‫طرف من أطرافه(‪.)2‬‬
‫أمَّا الصراع يف حدِّ تاته فيمكن التمييز بني ثالثة من مستوياته‪ ،‬وتلك انطالقًا‬
‫من تعريف امطراف املشكلة ملعادلة الصراع‪:‬‬
‫املستوى اموا‪ :‬ويتعلق بالصراعات الفردية‪ ،‬أي اليت يكون أطراف الصراع‬
‫فيها أفرادًا‪ ،‬ومن مث فإن دائرة مثل هذا الصراع وموضوعه يتَّجهان إىل أن يكوناا‬
‫حمدوديْن بطبيعتهما‪ ،‬أمَّا املستوى الثا فيكون الصراع بني مجاعات‪ ،‬وهنا تتعادَّد‬
‫أنواع هذا الصراع بتنوُّع أطرافه‪ ،‬كما أن دائرته وجماالته تكون عادة أكثر اتساعًا‬
‫وتنوُّ ًعا عن نظريهتا يف دائرة الصراع الفردي‪ ،‬أما املستوى الثالاث فإناه خياتص‬
‫بالصراع بني الدوا‪ ،‬والذي عادة ما يُعرف أيضًا بالصراع الدويل‪ ،‬وتكون دائارة‬
‫(أو دوائر) الصراع فيه أكثر تعقيدًا واتسااعًا عان املساتويني الساابقني مان‬
‫الصراعات(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ماهر خليفة‪ ،‬عبد املنعم املشاط‪ ،‬حتليل وحَلُّ الصراعات‪ :‬اإلطار النظرر ‪( ،‬املركاز‬
‫القومي لدراسات الشرق اموس ‪ ،‬القاهرة‪ ،)5991 ،‬ص ‪.4‬‬
‫(‪ )2‬مقلد‪ ،‬إمساعيل صربي‪ ،‬العالقات السياسية الدولية‪ :‬دراسة يف األصول والنظريرات‪،‬‬
‫(املكتبة امكادميية‪ ،‬القاهرة‪ ،)5995 ،‬ص ‪.554-557‬‬
‫(‪ )3‬بدوي‪" ،‬مفهوم الصراع‪ :‬دراسة يف امصوا النظرية لألسبا وامنواع"‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪09‬‬
‫رها ا ال راع بين القاىدأ و"الدولة اإلأالمية"‬
‫انطالقًا من هذه التعريفات‪ ،‬وعلى ضوء مقتضياهتا النظرية‪َ ،‬نِلجُ إىل حقيقاة‬
‫الصراع بني تنظيمي القاعدة و"الدولة اإلسالمية" باعتباره يندرج يف املستوى الثا‬
‫ضمن مستويات الصراع اليت حتدَّث عنها منري حممود بدوي‪ ،‬وهو املستوى املتعلق‬
‫بالصراع بني اجلماعات؛ إت ميكن القوا‪ :‬إنه منذ الظهور القوي لتنظيم "الدولاة‬
‫اإلسالمية" يف سوريا والعراق سنة ‪ ،5157‬وإعالنه االنشقاق عن القاعدة وإقاماة‬
‫"اخلالفة اإلسالمية"‪ ،‬بدأت مصاحله ‪-‬كتنظيم إقليمي يسري خبطوات سريعة حناو‬
‫العاملية‪ -‬تصطدم مبصاحل تنظيم القاعدة انطالقًا من اشتراكهما يف محل لواء "اجلهاد‬
‫العاملي" وتََنازُ ِع ِه َما شَ ْر ِعَي َة َت ْمِثيلِ هذا اللواء‪ ،‬ورؤيته الفكرية والعقدية‪ ،‬والسايطرة‬
‫على امماكن اليت يغيب عنها سلطان امنظمة احلاكمة‪.‬‬
‫وقد شكَّل ظهور "الدولة اإلسالمية" ومسارعتها إىل خطوة إعالن اخلالفاة‪،‬‬
‫اليت أمضت القاعدة سنوات عديدة يف التحضري هلا وال تزاا تعتقد أن سااعتها مل‬
‫ح ْن َب ْعدُ‪ ،‬فرصةً ملئات الشبا املسلمني من معتنقي الفكر السالفي اجلهاادي‬ ‫َت ِ‬
‫واحلاملني خبالفة إسالمية على منهاج النبوة‪ ،‬لإلعالن عن مبايعة التنظيم وخليفتاه‪،‬‬
‫أباي بكر البغدادي‪ ،‬ونف اليد من تنظيم القاعدة وبيعة أمريها أمين الظاواهري‬
‫أو مناصرته‪ ،‬وبسرعة قياسية امتدَّت موجة اإلعجا بتنظيم "الدولة اإلساالمية"‬
‫والوالء له‪ ،‬إىل بقاع شىت يف أحناء العامل‪ ،‬كانت احلركة اجلهادية مُ َمثََّلة يف تنظايم‬
‫القاعدة قد أوجدت موطئ قدم هلا فيها خالا العقدين املاضيني‪ ،‬لكنها بدأت اليوم‬
‫ختسر مواقع منها لصاحل التنظيم اجلديد‪.‬‬
‫ومن تنظيم القاعدة رفع عقريته منذ تأسيسه يف وجاه املنظوماة الدولياة‬
‫اليت يصفها با "الكفر والظلم"‪ ،‬داعيًا إىل العمل على إقامة اخلالفاة اإلساالمية‪،‬‬
‫بواسطة "اجلهاد املسلح"‪ ،‬والسعي إلقناع مجااهري املسالمني خبيااره العنياف‪،‬‬
‫ضا عن جلوء بع احلركات اإلسالمية للعبة الدميقراطية وسياساية النضااا‬ ‫مُ ْع ِر ً‬
‫السلمي‪ ،‬واصفًا هنجها با "العبثي"‪ ،‬ومُ ْعَت ِم ًدا يف تلك على اساتراتيجية تتاابع‬
‫ال إىل حتقيق اهلدف املنشود‪ ،‬وهو اخلالفة اإلساالمية علاى‬ ‫املراحل والتدرُّج سبي ً‬
‫منهاج النبوة‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫إال أن تنظيم "الدولة اإلسالمية" املنافس له اليوم يف "السااحة اجلهادياة" مل‬
‫يكتف مبشاطرة تنظيم القاعدة هذا النهج العنيف لفرض خياراته‪ ،‬بل جتاوزه قاافزًا‬
‫على مرحلة اإلعداد للخالفة‪ ،‬وسياسة التدرُّج اليت ينتهجها تنظيم القاعدة وفروعه‪،‬‬
‫ليصل فجأة إىل مرحلة التنفيذ وإعالن اخلالفة بشكل رمسي‪ ،‬معتاربًا أن الاتمكني‬
‫املُ َمهِّد إلعالن اخلالفة قد حصل وأن التأخر يف إعالهنا تثباي للاهمم وتضاييع‬
‫للفرصة‪.‬‬
‫وكان هذا اإلعالن سببًا كافًيا إلعاالن كاثريين مان معتنقاي الفكار‬
‫اجلهادي ومؤيديه‪ ،‬فسخ بيعة تنظيم القاعدة وإعالن الوالء لا "الدولة اإلسالمية"‪،‬‬
‫يف موجة ميكن تسميتها با "الربيع اجلهادي" الساعي لقلب اموضاع يف "الساحة‬
‫اجلهادية" وإهناء مرحلة اجليل القدمي مان قاادة العمال السالفي اجلهاادي يف‬
‫تنظيم القاعدة ومنظِّريه‪ ،‬من أمثاا‪" :‬أمين الظواهري"‪ ،‬و"أبو حمماد املقدساي"‪،‬‬
‫و"أبو قتادة الفلسطيين"‪ ،‬واستبداا قيادات جديدة ومنظِّرين آخرين مان أمثااا‬
‫"أبو بكر البغدادي"‪ ،‬و"أبو حممد العدنا " و"أبو أنس الشامي" وغريهم هبم‪ ،‬وهو‬
‫ما يرونه احنيازًا طبيعيًّا ملن جتاوزوا مرحلة االساتقطا التنظيماي والتنسايق أو‬
‫التنازع بني الفروع‪ ،‬إىل إعالن خالفة واحدة يُ ْر َغم اجلميع على االنصهار فيهاا‪،‬‬
‫ويُ ْعَتَبر املمتنع عن االلتحاق هبا شاقًّا للعصا خارجًا على الطاعة‪ ،‬أو فلو ًال وثاورة‬
‫مضادة ‪-‬بلغة أنصار الربيع العرباي‪ -‬ينبغي القضاء علايهم واستئصااهلم؛ من‬
‫امحداث جتاوزهتم وخلَّفهم التاريخ على قارعة طرياق "املثابِّطني والقاعادين‬
‫واملرجئني"‪.‬‬
‫ولو عدنا قليالً سنواتٍ إىل الوراء قبل ميالد تنظايم "الدولاة اإلساالمية"‪،‬‬
‫لوجدنا أن العالقة أصالً بني النواة اليت قام عليها تنظيم الدولة وتنظايم القاعادة‪،‬‬
‫اتََّّسمت باملد واجلزر؛ حيث كانت البداية عندما أسََّّس امرد أمحد فاضل نازاا‬
‫اخلاليلة املكنََّّى بأباي مصعب الزرقاوي القادم من أفغانستان‪ ،‬تنظيم "التوحياد‬
‫واجلهاد" يف العراق‪ ،‬عام ‪ ،5117‬بدعوى حترير العراق من االحاتالا اممريكاي‬
‫متََّّكئًًا على حصيلته القتالية ضد الروس يف أفغانستان أواخر الثمانينات ومساتفي ًدًا‬
‫من معسكرات تدريب املسلحني العائدين من أفغانستان اليت أنشأها يف التسعينات‪،‬‬
‫‪10‬‬
‫وكان تنظيمه عند التأسيس مستقالًّ عن تنظيم القاعدة يف أفغانستان‪ ،‬قبل أن يبايع‪،‬‬
‫يف أكتوبر‪/‬تشرين اموا سنة ‪ ،5114‬زعيم تنظيم القاعدة‪ ،‬أسامة بن الدن‪ ،‬ويعلن‬
‫تغيري اسم التنظيم ليصبح "تنظيم قاعدة اجلهاد يف بالد الرافدين"‪ ،‬وشهدت تلاك‬
‫الفترة مراسالت بني الزرقاوي وبع قيادات القاعدة‪ ،‬أوضحت مدى تَحََفُّظِ ِهِام‬
‫على بع تصرفات الزرقاوي؛ إت تنص رسالة بعث هباا أميان الظاواهري إىل‬
‫الزرقاوي‪ ،‬يف يوليو‪/‬متوز ‪ ،5111‬على أنه "من امشياء اليت لن يستسايغها شاعور‬
‫عوام املسلمني الذين حيبُُّّونكم ويؤيدونكم أيضًًا مشاهد تبح الرهائن‪ ،‬وال يَغُرََّّنََّّاك‬
‫ثناء بع الشبا املتحمِِّّس ووصفهم لكم بشيخ الذبََّّاحني وماا أشابه‪ ،‬فهام‬
‫اليُعََبِِّّرون عن الرأي العام املعجب واملؤيِِّّد للمقاومة يف العاراق عمومًًاا ولكام‬
‫صًا"(‪.)1‬‬
‫خصو ً‬
‫كما حتفََّّظ الظواهري يف نفس الرسالة على احلر اليت يشنها تنظيم القاعدة‬
‫يف بالد الرافدين على الشيعة هناك؛ حيث يرى الظواهري أن "الصدام بني أية دولة‬
‫تقوم على منهاج النبوة وبني الشيعة أمر واقع ال حمالة عاجالً أو آجالًً‪ ،‬فهذا هاو‬
‫حكم التاريخ‪ ،‬وهذه هي الثمرة املتوقعة من مذهب الشيعة الرافضة ورأيهم يف أهل‬
‫السنََّّة"‪ ،‬لكنه يرى أن تلك "ال يعيه عوام املسلمني‪ ،‬بال وقاد اليتصاوََّّرونه"‪،‬‬
‫ويضيف قائالًً‪ .." :‬ولذلك يتساءا كثري من اطبني لكم من عوام املسلمني عان‬
‫سبب مهامجتكم للشيعة‪ ،‬ويزداد هذا التساؤا حدََّّة إتا كان اهلجوم على مساجد‬
‫من مساجدهم‪ ،‬ويزداد أكثر إتا كان اهلجوم على مرقد اإلمام علي بان أبااي‬
‫طالب كرم اهلل وجهه‪ ،‬ورأيي أنك مهما حاولت أن توضح هذا اممر فلن يتقبلاه‬
‫العوام‪ ،‬وسيظل النفور منه قائمًًا‪ ،‬بل وستدور التساؤالت يف أوسااط اجملاهادين‬
‫وأهل الرأي فيهم عن صوا هذا الصدام مع الشيعة يف هذا الوقت‪ ،‬وهل كاان‬
‫البد منه أم كان ميكن تأجيله حىت يقوى عود احلركة اجملاهادة يف العاراق؟ وإتا‬
‫كانت بع العمليات‪ ،‬ضرورية للدفاع عن النفس فهل كل العملياات كانات‬

‫نوفمرب‪/‬تشرين‬ ‫‪51‬‬ ‫(‪" )1‬رسالة من أمين الظواهري إىل الزرقاوي"‪ ،‬شبكة فلسطني للحوار‪،‬‬
‫الثا ‪( ،5151‬تاريخ الدخوا‪ 54 :‬فرباير‪/‬شباط ‪:)5152‬‬
‫‪https://www.paldf.net/forum/showthread.php?t=696488‬‬

‫‪11‬‬
‫ضرورية أم أن بع العمليات كانت ال داعي هلا؟ وهل فتح جبهة أخارى انن‬
‫باإلضافة إىل جبهة اممريكان واحلكومة يُُعدُّ قرارًًا حكيمًًا؟ وأال يرفع هذا الصدام‬
‫مع الشيعة العبء عن اممريكان بإشغاا اجملاهدين مع الشيعة‪ ،‬ويبقى اممريكاان‬
‫يديرون اممور من بعد؟"(‪.)1‬‬
‫لكن هذه التَّحفُّظات لدى قيادة "القاعدة يف بالد خراسان" علاى بعا‬
‫تصرفات الزرقاوي‪ ،‬مل تصل إىل حدِّ القطيعة بني الطرفني‪ ،‬أو فسخ العالقة الايت‬
‫استمرت بينهما إىل أن قُِتل الزرقاوي سنة ‪ ،5112‬وقد ظلَّ أبو مصعب الزرقاوي‬
‫طيلة مكوثه يف العراق يعمل للدفع مبشروعه حنو اممام‪ ،‬ودخل يف مفاوضات ماع‬
‫عدد من الفصائل اإلسالمية املقاوِمة لالحتالا اممريكي يف العراق‪ ،‬انتهت بإعالن‬
‫تلك الفصائل‪ ،‬يف ‪ 51‬ديسمرب‪/‬كانون اموا ‪ ،5111‬قيام ما سَمَّوه باا "جملاس‬
‫شورى اجملاهدين يف العراق"‪ ،‬الذي ضمَّ عددًا من الفصائل اإلسالمية يف العراق من‬
‫بينها‪:‬‬
‫‪ -‬تنظيم القاعدة يف بالد الرافدين بقيادة أباي مصعب الزرقاوي‪.‬‬
‫‪ -‬مجاعة الطائفة املنصورة بقيادة أباي عمر البغدادي‪.‬‬
‫‪ -‬مجاعة جيش أهل السنة واجلماعة‪ ،‬كان من أبرز قادهتاا‪ :‬أباو بكار‬
‫البغدادي اخلليفة احلايل لتنظيم الدولة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -‬مجاعة سرايا الغرباء بقيادة الشيخ أباي عبد اهلل اجلبوري‪.‬‬
‫‪ -‬مجاعة كتائب امنبار بقيادة خطا النجدي‪.‬‬
‫‪ -‬مجاعة سرايا اجلهاد اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -‬مجاعة كتائب امهواا‪.‬‬
‫بينما رف عدد من الفصائل اإلسالمية امخرى الدخوا يف جملس شاورى‬
‫اجملاهدين‪ ،‬وكان من أبرزها مجاعات‪" :‬أنصار اإلساالم"‪ ،‬و"جناد الصاحابة"‪،‬‬
‫و"جيش الفاحتني"‪ ،‬و"كتائب أنصار التوحيد والسنة"‪ .‬كما انضامت للمجلاس‬
‫أعداد من منتسباي اجليش العراقي السابق وحز البعث‪ ،‬املنحدرين من عشاائر‬
‫سُُنِِّّية‪ ،‬وكان شرط االنضمام ‪-‬كما يقوا قادة اجمللس‪ -‬حفظ ثالثة أجازاء مان‬
‫(‪" )1‬رسالة من أمين الظواهري إىل الزرقاوي"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫القرآن واجتياز دورة شرعية للتأكد من تَبََرُُّّؤهم من معتقدات حز البعث القومية‬
‫ومعتقدات اجليش الوطنية(‪.)1‬‬
‫ومت تنصيب عبد اهلل بن رشيد البغدادي أمريًا للمجلس‪ ،‬الذي اقتصرت مُ ِهمَّتُه‬
‫على التنسيق املشترك بني الفصائل وإصدار البيانات‪ ،‬بينما احتفظ كال فصايل‬
‫برايته وامسه وشعاره‪ ،‬واستقالليته يف أنشطته غري املنسقة مع باقي الفصاائل‪ ،‬ويف‬
‫يونيو‪/‬حزيران عام ‪ ،5112‬قُِتل أبو مصعب الزرقاوي وخََل َفه يف قيادة تنظيم قاعدة‬
‫اجلهاد يف بالد الرافدين‪ ،‬املصري "عبد املنعم عز الدين علي البادوي" املعاروف‬
‫بكنيته "أبو محزة املهاجر" ويُكنَّى أيضًا "أبو أيو املصري"‪.‬‬
‫ويف وقت كانت فيه القوى اإلسالمية اجلهادية حتاوا لَمَْل َم َة صفوفها لتنسيق‬
‫عملها املقاوم ضد االحتالا واحلكومة العراقية املوالية له‪ ،‬كانت بعا القاوى‬
‫التقليدية مُ َمثََّلة يف جمموعة من شيوخ العشائر وعناصرها حياولون جتميع صفوفهم‪،‬‬
‫بدعم أمريكي‪ ،‬ملواجهة اجلهاديني‪ ،‬وحماولة طردهم من مناطق السُّنَّة يف العاراق‪،‬‬
‫وبالتزامن مع الذكرى الثانية محداث احلاادي عشار سابتمرب‪/‬أيلاوا ‪،5115‬‬
‫وبالتحديد يوم ‪ 55‬سبتمرب‪/‬أيلوا ‪ ،5117‬عُ ِق َد اجتماع يف حمافظة امنبار حتت شعار‬
‫"يوم الصحوة" صدرت عنه توصيات وتصرحيات تُ ِدين تنظيم القاعدة واجلماعات‬
‫صنِّفُها با "اإلرهابية"‪ ،‬وتََت َوعَّد بقتاهلا وهزميتها‪ ،‬وتؤكد علاى عازم‬ ‫اجلهادية‪ ،‬وتُ َ‬
‫العشائر السُّنِّية مواجهتها حىت إخراج آخر اجلهاديني من مناطقهم‪ ،‬ومل يكن تلك‬
‫االجتماع وما انبثق عنه من تشكيل لصحوات امنبار‪ ،‬وما تالها مان جتمعاات‬
‫جبِِا َر‬ ‫الصحوات امخرى يف باقي مناطق السُّنَّة يف العراق برعاية ودعم أمريكي‪ ،‬لِيُ ْ‬
‫قادة التنظيمات اجلهادية على اخلروج‪ ،‬بل حتوَّلت تلك التجمعات العشاائرية إىل‬
‫هدف للجهاديني‪ ،‬وتعرَّض العديد من قادهتا إىل عمليات اغتياا مُ َدبَّ َرة تبنَّاها تنظيم‬
‫القاعدة الحقًا‪ ،‬بل إن تلك امحداث دفعت "جملس شورى اجملاهدين" إىل السعي‬
‫لتوسيع نطاق حتالفاته‪ ،‬فدخل قادته يف مفاوضات مع باقي الفصائل اإلساالمية‪،‬‬

‫(‪ )1‬اهلامشي‪ ،‬خالد‪" ،‬سلسلة الدولة اإلسالمية من األلف إىل الياء"‪ ،‬بدون تاريخ‪( ،‬تاريخ‬
‫الدخوا‪ 51 :‬مارس‪/‬آتار ‪:)5152‬‬
‫‪https://justpaste.it/i9ai‬‬

‫‪14‬‬
‫انتهت بإعالن ما عُ ِرف حبلف املُ َطيِِّبني (تعاهدوا بعد أن غمسوا أيديهم يف الطِّيب‬
‫واملسك)‪ ،‬يف ‪ 55‬أكتوبر‪/‬تشرين اموا ‪ ،5112‬وقد ضَمَّ هذا احللف إىل جاناب‬
‫جملس شورى اجملاهدين‪ ،‬كالًّ من‪ :‬جيش الفاحتني وجند الصحابة وكتائب أنصاار‬
‫التوحيد والسُّنَّة وكتائب من كردستان‪ ،‬وعددًا من شيوخ ووجهاء العشائر السنِّية‪.‬‬
‫ومل مت سوى ثالثة أيام على ميالد "حلف املطيِِّّبني"‪ ،‬حىت أُعْلِنَ عن حلِِّّه وحلِّ‬
‫جملس شورى اجملاهدين‪ ،‬وإقامة ما سُُمِِّّي "دولة العراق اإلسالمية" بقيادة "أباو عمار‬
‫البغدادي"‪ ،‬الذي سارع إىل تشكيل الوزارات وجملس شورى دولة العراق اإلسالمية؛‬
‫حيث أَسْنََد مهمة وزارة احلر (الوزارة امهم) إىل أمري قاعادة اجلهااد يف باالد‬
‫الرافدين ساب ًقًا "أبو محرة املهاجر"‪ .‬وقد أظهرت عدة وثائق مت العثور عليها ونشارها‬
‫من طرف مركز مكافحة اإلرها يف امكادميية العسكرية اممريكية‪ ،‬الايت تُسََامََّّى‬
‫"وست بوينت" نسبة للمنطقة اليت توجد هبا‪ ،‬أن مسألة إعالن دولة أو إمارة إسالمية‪،‬‬
‫تكون جاهزة مللء الفراغ يف مرحلة ما بعد االنسحا اممريكي‪ ،‬كان مطروحًًا لدى‬
‫قيادة تنظيم القاعدة منذ فترة‪ ،‬وتلك ما تثبته رسالة عُثِرَ عليها‪ ،‬مُوََجَّهََة من نائب أماري‬
‫تنظيم القاعدة يف بالد خراسان‪ ،‬أمين الظواهري‪ ،‬إىل أمري تنظايم القاعادة يف باالد‬
‫الرافدين‪ ،‬أباي مصعب الزرقاوي‪ ،‬بتاريخ ‪ 52‬يوليو‪/‬متوز ‪ ،5111‬يقوا فيها‪" :‬جياب‬
‫أال يعترب اجملاهدون أن مهتهم قد انتهت بطرد اممريكان من العراق‪ ،‬ومن مث يُُلقاون‬
‫أسلحتهم ويسكتون محاسة القتاا؛ مننا سوف نعود وجنعال العلماانيني واخلوناة‬
‫يُُهيمنون علينا(‪ )...‬واممور قد تتطوََّّر بصورة أسرع مما نتخيل؛ فالفترة اليت أعقبات‬
‫سقوط القوة اممريكية يف فيتنام‪ ،‬وكيف ركضوا وتركوا عمالءهم هو أمار جادير‬
‫باملالحظة‪ .‬وبسبب تلك‪ ،‬يلزم أن نُعِِدَّ العُُدَّةَ من انن قبل أن تدامهنا امحداث‪ ،‬وقبال‬
‫أن نُُفاجأ مبؤامرات اممريكان واممم املتحدة وخططهم الرامية مللء الفراغ وراءهام‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يلزم أن نأخذ بزمام املبادرة ونفرض أمرًًا واقعًًا على أعدائنا"‪.‬‬

‫(نسخة‬ ‫‪" -5‬وثائق مركز مكافحة اإلرها اممريكي"‪ ،‬وست بوينت‪ ،‬سبتمرب‪/‬أيلوا‬
‫‪5154‬‬
‫حبوزة املؤلف)‪.‬‬
‫‪ -5‬عودة‪ ،‬جهاد‪ ،‬عديل‪ ،‬عبد املنعم‪" ،‬داعش وامزمة االستراتيجية يف إقليم الشارق امد""‪،‬‬
‫املكتب العربري للمعارف‪( ،‬تاريخ الدخوا‪ 55 :‬سبتمرب‪/‬أيلوا ‪.)5152‬‬
‫‪15‬‬
‫كما عُِث َر على رسالة أخرى أرسلها الظواهري يف نفس الفترة إىل الزرقااوي‬
‫يشرح فيها بالتفصيل رؤية القاعدة إلقامة كيان ميأل الفراغ ويكون نواة إلعاالن‬
‫اخلالفة اإلسالمية‪ ،‬ويقوا الظواهري يف رسالته‪ .." :‬ولذا؛ فإن علينا أن نُفكِّر مليًّا‬
‫يف خطواتنا املقبلة وفيما نريد أن نصل إليه‪ ،‬ويف رأيي القاصر إن اجلهاد يف العراق‬
‫مطلو منه انن عدة أهداف مرحلية‪:‬‬
‫املرحلة اموىل‪ :‬إخراج اممريكان من العراق‪.‬‬
‫املرحلة الثانية‪ :‬إقامة سلطة أو إمارة إسالمية‪ ،‬مث تطويرها وتدعيمها حىت تبلغ‬
‫مرتبة اخلالفة على أكرب جزء تستطيع أن تبس سلطاهنا عليه من العراق‪ ،‬وبالذات‬
‫يف مناطق أهل السُُّّنََّّة العر حىت متأل الفراغ الناشئ عن خروج اممريكان فاور‬
‫خروجهم‪ ،‬قبل أن حتاوا ملء هذا الفراغ قوى غري إسالمية سواء من سايتركهم‬
‫اممريكان خلفهم‪ ،‬أو من يسعى للقفز على السلطة من القوى غري اإلسالمية‪.‬‬
‫وال شك أن هذه اإلمارة ستدخل يف صراع عنيف ماع القاوى امجنبياة‬
‫الكافرة ومن تدعمهم من القوى اطلية‪ ،‬لتجعلها يف حالة انشغاا دائام بالادفاع‬
‫عن نفسها‪ ،‬ولتحوا بينها وبني إقامة الدولة املستقرة اليت تُعلن اخلالفاة‪ ،‬ولتبقاى‬
‫دائمًا يف مرحلة حر العصابات اجلهادية حىت جتد هذه القوى فرصاة للقضااء‬
‫عليها"‪.‬‬
‫‪https://books.google.com.qa/books?id=Sq2wDAAAQBAJ&pg=PP1&lpg=PP‬‬
‫‪1&dq=%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4+%D9%88%D8%A7%D9%8‬‬
‫‪4%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8‬‬
‫‪%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A‬‬
‫‪%D8%A9+%D9%81%D9%8A+%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9‬‬
‫‪%85+%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82+%D8%A7%D9%84‬‬
‫‪%D8%A3%D8%AF%D9%86%D9%89&source=bl&ots=XH68SLZSwt&sig‬‬
‫‪=QX6U0m4a37EuAxUj5OSZQxrpOX4&hl=ar&sa=X&redir_esc=y#v=onepa‬‬
‫‪ge&q=%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4%20%D9%88%D8%A7%D9‬‬
‫‪%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%A‬‬
‫‪7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D‬‬
‫‪9%8A%D8%A9%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A5%D9%82%D9%84%‬‬
‫‪D9%8A%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82%20‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D9%86%D9%89&f=false‬‬

‫‪16‬‬
‫ويُقدِّم نائب أمري القاعدة‪ ،‬أمين الظواهري‪ ،‬يف رسالة إىل الزرقاوي تصاوُّ ًرا‬
‫ورؤية استراتيجية للدولة اإلسالمية املنشودة يف العراق‪ ،‬والنهج السياساي الاذي‬
‫سلُ َكه‪ ،‬خصوصًا يف سعيها لكسب احلاضنة الشعبية‪ ،‬متحدثًا بالتفصايل‬ ‫ينبغي أن تَ ْ‬
‫عن مرحلة ما بعد خروج اممريكيني من العراق‪ ،‬ومُحََذِّ ًرًا من تكرار جتربة حركة‬
‫طالبان يف أفغانستان اليت انعزلت عن معظم فئات الشاعب امفغاا واحتكار‬
‫عناصرها احلكم هلم ولقومهم دون انخرين؛ حيث يقوا الظواهري يف رساالته‪:‬‬
‫"‪ ..‬فإن اممريكان خارجون قريبًا بإتن اهلل‪ ،‬وإقامة سلطة حاكمة‪ ،‬فور حترُّر البالد‬
‫من اممريكان‪ ،‬ال تعتمد على القوة وحدها‪ ،‬بل ال بد إىل جاناب القاوة مان‬
‫استرضاء املسلمني ومشاركتهم يف احلكم ويف الشورى ويف اممر باملعروف والنهي‬
‫عن املنكر‪ .‬ويف نظري‪ ،‬الذي ال زلت أُ َكرِّر على قصوره ورؤيته لألحداث مان‬
‫بُ ْعد‪ ،‬أن تلك البد أن يتحقق عرب هيئة من أهل الشورى واحللِّ والعقد الذين تتوفر‬
‫فيهم املؤهالت الشرعية‪ ،‬وينتخبهم أهل البالد لتمثيلهم ومتابعة أعماا املساؤولني‬
‫على هدي من أحكام الشريعة الغَرَّاء‪.‬‬
‫ال عن مجاعة قاعدة اجلهاد يف باالد الرافادين‬ ‫وال يُُتصور أن اجملاهدين فض ً‬
‫ال عن خمالفة تلك ملنهج الشورى‪ ،‬فإنه‬ ‫سيستأثرون باحلكم دون أهل العراق‪ ،‬ففض ً‬
‫يف نظري ليس ممكنًًا عمليًًّّا‪ ،‬ولعلك تسأا سؤا ًال هامًًّّا‪ :‬ما الذي يدفعين لفتح هذه‬
‫املسائل‪ ،‬وحنن يف معمعان احلر وغمرات القتل والقتاا؟ وجوابااي‪ :‬أو ًال‪ :‬أن‬
‫امحداث قد تتطور بأسرع مما نتصور‪ ،‬واملتتبع الهنيار القوة اممريكية يف فيتناام‪،‬‬
‫وكيف هربوا وتركوا عمالءهم‪ ،‬يرى عجبًًا‪ ،‬لذا علينا أن نكون مستعدين من انن‬
‫قبل أن تدمهنا امحداث‪ ،‬وقبل أن تدمهنا مؤامرات اممريكان واممام املتحادة‬
‫وخططهم مللء الفراغ من خلفهم‪ ،‬فعلينا أن نأخذ املبادرة يف أيدينا‪ ،‬ونفرض اممر‬
‫الواقع على امعداء‪ ،‬بد ًال من أن يفرض علينا امعداء اممر الواقع‪ ،‬ويكون نصيبنا‬
‫هو مقاومة خمططاهتم فق ‪.‬‬
‫وثانيًًا‪ ،‬وهو امهم‪ :‬أن هذه السلطة أو اإلمارة الشرعية املطلوباة تتطلاب‬
‫ال سياسايًًّّا يكاون‬ ‫ال ميدانيًًّّا من انن جنبًًا إىل جنب مع القتاا واحلر ‪ ،‬عم ً‬ ‫عم ً‬
‫اجملاهدون هم نواته اليت يتجمََّّع حوهلا القبائل ومشاخيها وامعيان والعلماء والتجار‬
‫‪17‬‬
‫وأهل الرأي وكل الشرفاء الذين مل يَتَلَوَّثُُوا مبداهنة االحتالا والذين دافعاوا عان‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫ال نريد أن نُُكرِِّّر خطأ طالبان الذين قصروا املشاركة يف احلكم على الطلباة‬
‫وخاصة أهل قندهار فق ‪ ،‬ومل يكن لديهم أي متثيل للشعب امفغاا يف نظاام‬
‫حكمهم‪ ،‬فكانت النتيجة أن الشعب امفغا انفصل عنهم‪ ،‬حىت الصااحلني فياه‬
‫اختذوا موقف املتفرج‪ ،‬وملا جاء الغزو واهنارت اإلمارة يف أيام؛ من الناس كاانوا‬
‫بني سلباي أو معاد‪ ،‬حىت الطلبة أنفسهم كان انتماؤهم مقوامهم ولقراهم أقوى‬
‫من انتمائهم لإلمارة اإلسالمية أو حلركة طالبان أو للمسؤولية املنوطة بكل واحد‬
‫منهم يف موقعه‪ ،‬فانسحب كل منهم لقريته ولقبيلته حيث انتماؤه امقوى!‬
‫واملقارِِن بني سقوط كابوا ومقاومة الفلوجة والرمادي والقاائم وأخواهتاا‬
‫الباسالت يرى فارقًًا واضحًًا بفضل اهلل ومِنَّتِِه‪ ،‬وهو اممر الذي جيب أن حنارص‬
‫عليه وندعمه ونقويه‪ .‬لذا أعود وأؤكد عليك وعلى مجيع إخوانك بضرورة ساري‬
‫العمل السياسي موازيًًا للعمل العسكري بالتحالف والتعاون واساتقطا كال‬
‫أصحا الرأي والتأثري يف الساحة العراقية‪ ،‬وال أستطيع أن أُحََدِِّّد لاك أسالو‬
‫عمل معني‪ ،‬فأنت أدرى بأحواا امليدان‪ ،‬ولكن البد أن حترص وإخوانك أن يكون‬
‫من حولكم حلقات من التأييد واملؤازرة والتعاون‪ ،‬ترتقون هبا حىت تصلوا هباا إىل‬
‫جتمع أو كيان أو تنظيم أو هيئة تُمََثِِّّل كل الشرفاء واملخلصني يف العراق‪ ،‬وأُكََارِِّّر‬
‫التحذير من االنفصاا عن اجلماهري أميا حتذير‪."..‬‬
‫وانطالقًا من هذا التصور مضى قادة تنظيم القاعدة يف بالد الرافدين على هنج‬
‫زعيمهم أباي مصعب الزرقاوي بعد مقتله‪ ،‬وأعلنوا تأسايس دولاة إساالمية‪،‬‬
‫أُ ْسِن َدت قيادتُها محد مقرَّباي الزرقاوي وهو "أبو عمر البغدادي"‪ ،‬وبعد مقتله يف‬
‫‪ 59‬إبريل‪/‬نيسان ‪ ،5151‬مع وزير حربه أباي محزة املهاجر‪ ،‬مت تنصيب "أبو بكر‬
‫البغدادي"‪ ،‬أمريًا لدولة العراق اإلسالمية‪.‬‬
‫وعشية اندالع الثورة السورية ضد نظام الرئيس بشار امسد‪ ،‬يف مارس‪/‬آتار‬
‫عام ‪ ،5155‬بدأ املقاتلون "اجلهاديون" يف التوافد إىل سوريا لينضاموا إىل أعاداد‬
‫كبرية من "اجلهاديني" السوريني ليُشََكِِّّلوا بذلك نواة حلراك سلفي جهادي مسلح‬
‫‪18‬‬
‫يف سوريا‪ ،‬تبلور يف شهر ديسمرب‪/‬كانون اموا عام ‪ ،5155‬عنادما أُُعلان عان‬
‫تأسيس تنظيم جهادي يف سوريا حتت مسمى "جبهة النصرة" بقيادة "أبو حمماد‬
‫اجلوال "‪ ،‬سرعان ما تسربت املعلومات عن عالقته بتنظيم القاعدة‪ .‬ويف التاساع‬
‫من شهر إبريل‪/‬نيسان عام ‪ ،5157‬أكَّد "أبو بكر البغدادي"‪ ،‬يف تسجيل صويت أن‬
‫"جبهة النصرة" هي امتداد لا "دولة العراق اإلسالمية"‪ ،‬وقرَّر إلغاء اسم "جبهاة‬
‫النصرة"‪ ،‬واسم "دولة العراق اإلسالمية"‪ ،‬ودجمهما حتت اسم واحد هو "الدولاة‬
‫اإلسالمية يف العراق والشام"‪ ،‬لكن زعيم جبهة النصرة "أبو حممد اجلاوال "‪ ،‬ردَّ‬
‫سريعًا يف تسجيل صويت رافضًا قرار "البغدادي"‪ ،‬وأعلن بيعته لزعيم القاعدة‪ ،‬أمين‬
‫الظواهري‪ ،‬كما ردَّ أمين الظواهري هو انخر يف تسجيل صويت أعلن خالله قبوا‬
‫بيعة "جبهة النصرة" لتنظيم القاعدة‪ ،‬وأَ َم َر "الدولة اإلسالمية" باالعودة للعاراق‬
‫والتزام اسم "دولة العراق اإلسالمية" وحدودها السابقة‪ ،‬وهو ما رفضه "البغدادي"‬
‫مؤكِّ ًدا تَ َمسُّ َكه مبوقفه‪ ،‬واندلعت حر البيانات والصراع باني الطارفني علاى‬
‫امحقية يف تبعية "جبهة النصرة"؛ حيث تَ َمسَّك الظواهري ببيعتاها للقاعادة‪ ،‬يف‬
‫حني أعلن البغدادي أن "أبو حممد اجلوال " جندي متمرد مان جناود الدولاة‬
‫اإلسالمية يف العراق والشام‪ ،‬وأن جبهة النصرة فرع للدولاة يف الشاام ال حاقَّ‬
‫للقاعدة فيها‪ ،‬وأردف تلك برف دعوة الظواهري للدولة اإلسالمية باالعودة إىل‬
‫ال‪ :‬إن جملس شورى الدولة اإلسالمية قارَّر أن‬ ‫العراق والتزام حدودها السابقة‪ ،‬قائ ً‬
‫الدولة لن تنكمش عن بقعة امتدت إليها‪ ،‬وأهنا باقية يف العراق والشام(‪ ،)1‬وتباع‬
‫تلك اندالع حر طاحنة بني الطرفني يف سوريا سق فيها عشرات القتلى‪.‬‬
‫ويف ‪ 59‬يونيو‪/‬حزيران ‪ ،5154‬أعلن "تنظيم الدولاة اإلساالمية يف العاراق‬
‫والشام" على لسان املتحدث بامسه‪ ،‬أباي حممد العادنا ‪ ،‬قياام ماا وصافها‬
‫با "اخلالفة اإلسالمية"‪ ،‬وتنصيب "أبو بكر البغدادي‪ ،‬إبراهيم بن عواد بن إبراهيم‬
‫بن علي بن حممد البدري القرشي اهلامشي احلسيين نسبًا‪ ،‬السامرائي مولدًا ومنشأ‪،‬‬
‫البغدادي طلبًا للعلم وسكنًا"‪ ،‬إمامًا وخليفة للمسلمني يف كل مكان‪ ،‬ودعاا ماا‬
‫مساها الفصائل اجلهادية يف خمتلف أحناء العامل ملبايعته‪ ،‬كما أعلن أن اسم "تنظايم‬
‫(‪ )1‬اهلامشي‪" ،‬سلسلة الدولة اإلسالمية من املف إىل الياء"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫الدولة اإلسالمية يف العراق والشام" يُُلغى ليقتصر على اسم "الدولة اإلساالمية"‪،‬‬
‫مشريً ا إىل أن هذا اإلعالن جاء بعد اختات قرار هبذا الشأن ممن وصفهم بأهل احلال‬
‫والعقد من امعيان والقادة(‪.)1‬‬

‫ىالن البالفة‬
‫جاءت كلمة العدنا اليت محلت عنوان "هذا وعد اهلل"(‪ )2‬طويلة‪ ،‬حاوا فيها‬
‫تفصيل موقف التنظيم وشرحه‪ ،‬والتطرق لكل التربيرات اليت اعتمدها "أهل احلال‬
‫والعقد" يف إعالن "اخلالفة" وتنصيب "خليفة" للمسلمني؛ حيث اساتهل كلمتاه‬
‫خبطا طاملا درجت القاعدة على رفعه يف وجوه خصومها‪ ،‬وهو التذرع بأن ماا‬
‫تقوم به من أعماا هو عني اجلهاد وحقيقة االمتثاا واالتباع هلل تباارك وتعااىل‪،‬‬
‫وسعيًًا إلقامة "اخلالفة الراشدة" املوعودة‪ ،‬مؤكدًًا أن قرار التنظيم باإعالن هاذه‬
‫اخلالفة يأيت امتثا ًال موامر اهلل سبحانه وتعاىل واتباعًًا لرسوله صلََّّى اهلل عليه وسلََّّم؛‬
‫حيث يقوا‪" :‬إميانًًا باهلل وابتعادًًا عن مداخل الشرك وألوانه‪ ،‬مع استسالم ممر اهلل‬
‫يف الكبرية والصغرية وطاعة؛ طاعة جتعل اهلوى والشهوة وامليل تبعًًا ملا جااء باه‬
‫النباي صلََّّى اهلل عليه وسلََّّم‪ ،‬وال يتحقق تلك الوعد إال هبذا الشرط؛ فبه تكاون‬
‫القدرة على العمارة واإلصالح‪ ،‬ورفع الظلم‪ ،‬وبس العادا‪ ،‬وحتقياق اممان‬
‫والطمأنينة به فق يكون اخلليفة الذي أخرب به اهلل عز وجل عنه املالئكة‪ ،‬وبدون‬
‫تلك الشرط‪ :‬يبقى السلطان جمرد ملك وغلبة وحكم‪ ،‬يصاحبه هدم وإفساد وظلم‬
‫وقهر وخوف‪ ،‬واحندار بالبشر واحنطاط إىل مساالك احلياوان‪ ،‬تلاك حقيقاة‬
‫االستخالف‪ ،‬الذي من أجله خلقنا اهلل‪ ،‬ليست جمرد امللك والقهر والغلبة واحلكم‪،‬‬
‫وإمنا هي تسخري تلك كله‪ ،‬واستخدامه يف محل الكافة على ما يقتضيه الشرع؛ يف‬
‫مصاحلهم امخروية والدنيوية‪ ،‬واليت ال تتحقق إال بتنفيذ أمر اهلل‪ ،‬وإقاماة ديناه‪،‬‬

‫(‪ )1‬اهلامشي‪" ،‬سلسلة الدولة اإلسالمية من املف إىل الياء"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪" )2‬هذا وعد اهلل للشيخ أباي حممد العدنا "‪ ،‬مؤسسة الفرقان‪( ،‬تاريخ الادخوا‪54 :‬‬
‫أغسطس‪/‬آ ‪:)5152‬‬
‫‪http://isis002.blogspot.com/2014/12/blog-post_82.html‬‬

‫‪11‬‬
‫والتحاكم لشرعه‪ ،‬وهذا االستخالف هبذه احلقيقة هو الغاية اليت مجلها أرسل اهلل‬
‫رسله‪ ،‬وأنزا كتبه‪ ،‬وسُلَّت سيوف اجلهاد"‪.‬‬
‫ويستنجد العدنا بوقائع التاريخ ونصوص القرآن الكرمي والسُُّّنََّّة النبوية لتربير‬
‫قرار "تنظيم الدولة اإلسالمية يف العراق والشام"‪ ،‬إعالن اخلالفة الراشدة‪ ،‬حمااوالً‬
‫إسقاط أحداث التاريخ اإلسالمي على واقع اممة اليوم‪ ،‬عرب مقارنة باني واقاع‬
‫العر أيام بعثة النباي حممد صلََّّى اهلل عليه وسلََّّم‪ ،‬والواقع حاليًًّّا أياام ظهاور‬
‫"الدولة اإلسالمية"‪ ،‬وكيف انتقلوا من فئة قليلة مقهورة مغلوبة علاى أمرهاا يف‬
‫ظرف زمين قياسي إىل قوة قاهرة حتطم احلادود وتناهي دوا الظلام واجلاور‬
‫والطاغوت‪ ،‬وكيف هن اإلسالم بالعر وحوهلم من قبائل متناحرة متخلفة‪ ،‬إىل‬
‫دولة إسالمية قاهرة معىت اإلمرباطوريات؛ حيث يقوا‪" :‬أمتنا الغالية‪ ،‬يا خري أمة؛‬
‫إن اهلل تبارك وتعاىل يفتح على هذه اممة يف سنة ما ال يفتحه على غريها يف سنني‪،‬‬
‫بل قرون‪ ،‬فقد استطاعوا يف مخس وعشرين سنة فق أن يقضاوا علاى أعظام‬
‫إمرباطوريتني عرفهما التاريخ‪ ،‬وأنفقوا كنوزمها يف سبيل اهلل؛ فأطفؤوا نار اجملاوس‬
‫لألبد‪ ،‬وأرغموا أنف الصليب بأحقر عدََّّة وأقل عدد‪ .‬روى ابن أبااي شايبة يف‬
‫مصنفه؛ عن حصني عن أباي وائل قاا‪ :‬جاء سعد بن أباي وقاص حىت نازا‬
‫القادسية ومعه الناس؛ قاا‪ :‬فما أدري لعلنا أال نزيد على سابعة آالف أو مثانياة‬
‫آالف بني تلك‪ ،‬واملشركون ستون ألفًًا أو حنو تلك؛ معهم اخليوا‪ ،‬فلما نزلاوا؛‬
‫قالوا لنا‪ :‬ارجعوا‪ ،‬فإنا ال نرى لكم عددًًا‪ ،‬وال نرى لكم قوة وال سالحًًا فارجعوا‪،‬‬
‫قاا‪ :‬قلنا‪ :‬ما حنن براجعني‪ ،‬قاا‪ :‬فجعلوا يضحكون بنبذنا‪ ،‬ويقولون‪ :‬دوك دوك‪،‬‬
‫يشبهوهنا باملغازا‪.‬‬
‫نعم أميت!؛ أولئك احلفاة العراة رعاء الشاء‪ ،‬الذين مل يكونوا يعرفون معروفًًا‬
‫من منكر‪ ،‬وال حقًًّّا من باطل؛ مألوا امرض عد ًال‪ ،‬بعدما ملئت ظلمًًاا وجاورًًا‪،‬‬
‫وملكوا الدنيا قرونًًا‪ ،‬ومل يكن تلك عن قوة منهم وال كثرة‪ ،‬وال رجاحة عقال‪،‬‬
‫كال‪ ،‬إمنا كان تلك بإمياهنم باهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬واتباعهم هدي رسوله صالََّّى اهلل‬
‫عليه وسلََّّم‪ .‬يا أمة حممد صلََّّى اهلل عليه وسلََّّم؛ ال زلتِ خري أمة‪ ،‬وال زالت لاك‬
‫العزة‪ ،‬ولتعودَنَّ لكِ السيادة‪ ،‬وإن إله هذه اممة باممس هو إهلها اليوم‪ ،‬وإن الذي‬
‫‪10‬‬
‫نصرها باممس ينصرها اليوم‪ ،‬وآن اموان!؛ آن مجياا غرقت يف حباار الاذا‪،‬‬
‫وارتضعت لََبان اهلوان‪ ،‬وتسلَّ عليها أراتا الناس بعدما طاا رقادهاا يف ظاالم‬
‫الغفلة‪ ،‬آن هلا أن تنتف ‪ ،‬آن ممة حممد صلََّّى اهلل عليه وسلََّّم أن هتب من رقادها؛‬
‫فتنزع عنها ثو العار‪ ،‬وتنف غبار الذا والشنار؛ فقاد ولََّّاى زماان اللطام‬
‫والعويل‪ ،‬وبزغ بإتن اهلل فجر العزِّ من جديد‪ ،‬وأشرقت مشس اجلهاد‪ ،‬وساطعت‬
‫تباشري اخلري‪ ،‬والح يف امفق الظفر‪ ،‬وبدت عالمات النصر"(‪.)1‬‬
‫ويُقََدِِّّم العدنا دولة اخلالفة اإلسالمية كواقع على امرض ال مراء يف قوهتاا‬
‫وسيطرهتا ومتكنها‪ ،‬بل ميضي أكثر من تلك يف حماولة لسحب بسااط الفتاوى‬
‫الشرعية بشأهنا من قيادة تنظيم القاعدة اليت سفََّّهت أحالمهم وأبطلات بيعااهتم‪،‬‬
‫ليقوا‪ :‬إن أسبا التمكني توفرت هلم وأن املوقف الشرعي احلايل بالنسبة هلم هو‬
‫وجو إعالن "اخلالفة الراشدة" بل يأمثون ‪-‬حسب قوله‪ -‬إن هم تاأخََّّروا عان‬
‫تلك‪ .‬وميضي "العدنا " أكثر من تلك ليقوا بانتهاء بيعة القاعدة هنائيًًّّا وغريها من‬
‫التنظيمات واجلماعات اجلهادية‪ ،‬حني يُقِِرُّ أنه بتنصيب "اخلليفة" تبطل شرعية مجيع‬
‫اإلمارات واجلماعات والواليات والتنظيمات‪ ،‬اليت يتمدد إليها سلطانه ويصالها‬
‫جنده‪.‬‬
‫ويضيف قائالًً‪" :‬وها هي راية الدولة اإلسالمية‪ ،‬راية التوحيد‪ ،‬عالية خفاقاة‬
‫مرفرفة‪ ،‬تضر بظالهلا من حلب إىل دياىل‪ ،‬وباتت حتتاها أساوار الطواغيات‬
‫مهدََّّمة‪ ،‬وراياهتم منكََّّسة‪ ،‬وحدودهم حمطََّّمة‪ ،‬وجنودهم ما بني مقتولة ومأساورة‬
‫ومهزومة مشرتمة‪ ،‬واملسلمون أعزَّة‪ ،‬والكفار أتلََّّة‪ ،‬وأهل السُُّّنََّّة سادة مكرََّّماون‪،‬‬
‫وأهل البدعة خاسئون خانسون‪ .‬تُُقام احلدود؛ حدود اهلل‪ ،‬كُُلَّ احلدود‪ ،‬وقد سُُدََّّت‬
‫الثغور‪ ،‬وكُُسرت الصلبان‪ ،‬وهُُدِِّّمت القبور‪ ،‬وفُُكََّّت امسارى حبدِّ السيف‪ ،‬والناس‬
‫يف ربوع الدولة منتشرون يف معاشهم وأسفارهم‪ ،‬آمنني على أنفسهم وأماواهلم‪،‬‬
‫وقد عُُيََّّنت الوالة‪ ،‬وكُُلفت القضاة‪ ،‬وضُُربت اجلزية‪ ،‬وجُُبيت أمواا الفيء واخلراج‬
‫والزكاة‪ ،‬وأُُقيمت اطاكم؛ لف اخلصومات ورفع املظامل‪ ،‬وأزيلات املنكارات‪،‬‬
‫وأقيمت يف املساجد الدروس واحللقات‪ ،‬وصار بفضل اهلل الدين كله هلل‪ ،‬ومل يبق‬
‫(‪" )1‬هذا وعد اهلل للشيخ أباي حممد العدنا "‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫إال أمر واحد؛ واجب كفائي‪ ،‬تأمث اممة بتركه‪ ،‬واجب منسي‪ ،‬ما تاقات امماة‬
‫طعم العزة منذ أن ضيع‪ ،‬حلم يعيش يف أعماق كل مسلم مؤمن‪ ،‬أمل يرفرف لاه‬
‫قلب كل جماهد موحد؛ أال وهو اخلالفة!‪ ،‬أال وهو اخلالفاة!‪ ،‬واجاب العصار‬
‫املضيََّّع؛ قاا اهلل تعاىل‪ :‬وَإِذْ قََالَ رََبُّكَ لِلْمَالَئِكََرةِ إِنييري َاعِِرل فِِري األْرِ ِ‬
‫خَلِِيفَةًً‪[ ...‬البقرة‪ ،]71 :‬قاا اإلمام القرطباي يف تفسريه‪ :‬هذه انياة أصال يف‬
‫نصب إمام وخليفة؛ يُُسمع له ويُُطاع؛ لتجتمع به الكلمة‪ ،‬وتُُنفذ به أحكام اخلليفة‪،‬‬
‫وال خالف يف وجو تلك بني اممة‪ ،‬وال بني امئمة‪ ،‬إال ما رُُوي عن امصام؛‬
‫حيث كان عن الشريعة أصمََّّ‪ ،‬انتهى كالمه رمحه اهلل‪.‬‬
‫وبناء عليه؛ اجتمع جملس شورى الدولة اإلسالمية‪ ،‬وتباحث هذا اممر‪ ،‬بعاد أن‬
‫باتت الدولة اإلسالمية بفضل اهلل متتلك كل مقومات اخلالفة‪ ،‬واليت ياأمث املسالمون‬
‫بعدم قيامهم هبا‪ ،‬وأنه ال يوجد مانع أو عذر شرعي لدى الدولة اإلسالمية؛ يرفع عنها‬
‫اإلمث يف حاا تأخرها أو عدم قيامها باخلالفة؛ فقررت الدولة اإلسالمية‪ ،‬ممثلاةً بأهال‬
‫احلل والعقد فيها؛ من امعيان والقادة واممراء وجملس الشورى "إعالن قيام اخلالفاة‬
‫اإلسالمية"‪ ،‬وتنصيب خليفة للمسلمني‪ ،‬ومبايعة الشيخ اجملاهد‪ ،‬العامل العامل العاباد‪،‬‬
‫اإلمام اهلمام اجملدِّد‪ ،‬سليل بيت النبوة‪ ،‬عبد اهلل‪ :‬إبراهيم بن عواد بن إبراهيم بن علاي‬
‫بن حممد‪ ،‬البدري القرشي اهلامشي احلسيين نسبًًا‪ ،‬السامرائي مولدًًا ومنشًأ‪ ،‬البغادادي‬
‫طلبًًا للعلم وسكنًًا‪ ،‬وقد قبل البيعة؛ فصار بذلك إمامًا وخليفاة للمسالمني يف كال‬
‫مكان‪ ،‬وعليه‪ ،‬يُلغى اسم "العراق والشام" من اسم الدولة يف التداوالت واملعاامالت‬
‫الرمسية‪ ،‬ويُقتصَر على اسم "الدولة اإلسالمية" ابتداء مِِن صدور هذا البيان‪.‬‬
‫ونَُنبِّه املسلمني‪ :‬أنه بإعالن اخلالفة؛ صار واجبًا على مجيع املسلمني مبايعاة‬
‫ونصرة اخلليفة إبراهيم‪ ،‬حفظه اهلل‪ ،‬وتبطل شرعية مجيع اإلماارات واجلماعاات‬
‫والواليات والتنظيمات‪ ،‬اليت يتمدد إليها سلطانه ويصلها جنده‪ ،‬قاا اإلمام أمحاد‬
‫رمحه اهلل‪ ،‬يف رواية عبدوس بن مالك العطار‪ :‬ومن غلب عليهم بالسايف؛ حاىت‬
‫صار خليفة‪ ،‬وسُمي أمري املؤمنني؛ فال حيل محد يؤمن باهلل أن يبيات وال ياراه‬
‫إمامًا‪ ،‬برًّا كان أو فاجرًا(‪.)1‬‬
‫(‪" )1‬هذا وعد اهلل للشيخ أباي حممد العدنا "‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫وردًًّّا على طعن قيادة تنظيم القاعدة يف املؤهالت الشرعية خلليفاة تنظايم‬
‫"الدولة اإلسالمية" "أبو بكر البغدادي" يقوا اجلوال ‪" :‬إن "البغدادي" تتوفر فياه‬
‫مجيع شروط اخلالفة اليت تكرها أهل العلم‪ ،‬وقد بويع يف العراق من قَِبل أهل احلل‬
‫والعقد يف الدولة اإلسالمية‪ ،‬خلفًا مباي عمر البغدادي رمحه اهلل‪ ،‬وقاد امتاد‬
‫سلطانه على مناطق شاسعة يف العراق والشام‪ ،‬وإن امرض اليوم ختضاع مماره‬
‫وسلطانه مِِن حلب إىل دياىل‪ ،‬كما يُُحذََر مغبة الوقوع يف املعصية بالنسابة ملان‬
‫يرف بيعة البغدادي واإلقرار بشرعية خالفته"‪.‬‬
‫وحذََّّر أبو حممد العدنا أنصار الدولة اإلسالمية وأتباعها من دعاية تنظايم‬
‫القاعدة ومطاعنها يف خالفة التنظيم‪ ،‬حماوالً تقدمي أجوبة استباقية لالستشاكاالت‬
‫املتوقع طرحها من قبل خصوم التنظيم قائالًً‪ .." :‬يا جنود الدولة اإلسالمية؛ بقاي‬
‫أمر أُُنبِِّّهكم إليه؛ فسيبحثون لكم عن مطاعن‪ ،‬وسيقولون لكم شبهًًا؛ فاإن قاالوا‬
‫لكم‪" :‬كيف تعلنون خالفة ومل تُُجمع عليكم اممة؛ فلم تقبال بكام الفصاائل‬
‫واجلماعات‪ ،‬والكتائب واملوياة والسارايا وامحازا ‪ ،‬والفارق والفياالق‬
‫والتجمعات‪ ،‬واجملالس واهليئات والتنسيقيات والرابطات واالئتالفات‪ ،‬واجلياو‬
‫واجلبهات واحلركات والتنظيمات"؟ فقولوا هلم‪ ... :‬وَالَ يَزََالُُونَ مُخِتَلِفِنيَ * إِِالَّ‬
‫مَنِ رَحِمَ رََبُّكََ‪[ ...‬هود‪ ،]559 ،551 :‬مل يُُجمعوا على أمر يومًًا‪ ،‬ولن جيمعاوا‬
‫على أمر أبدًًا إال من رحم اهلل‪ ،‬مث إن الدولة جتمع من أراد االجتماع‪.‬‬
‫وإن قالوا لكم‪" :‬لقد افتأَتَّم عليهم!؛ فهالَّ كنتم استشارمتوهم فأعاذرمتوهم‬
‫واستملتموهم؟"؛ فقولوا هلم‪ :‬إن اممر أعجل من تلك؛ ‪ ...‬وَعَجِلْتُ إِلَيِكَ رَبي‬
‫لِتَرِضََى‪[ ‬طه‪ ،]14 :‬وقولوا هلم‪ :‬من نشاور!‪ ،‬ومل يُقرُّوا أهنا دولة‪ ،‬وقاد أقارت‬
‫أمريكا وبريطانيا وفرنسا أهنا دولة؟!‪ ،‬من نشاور؟!؛ أنشاور من خذلنا؟‪ ،‬أم نشاور‬
‫مََن خاننا؟‪ ،‬أم نشاور مََن تربََّّأ منا وحرض علينا؟‪ ،‬أم نشاور من يعادينا؟‪ ،‬أم نشاور‬
‫مََن حياربنا؟‪ ،‬من نشاور؟‪ ،‬وعلى َمَن افتأتنا؟!‬
‫ااي‬ ‫انيَ أباا‬ ‫ايين وََباا‬ ‫اذي باا‬ ‫وََإنَّ الََّّاا‬
‫وََباانيَ بااين عمِِّّااي لََمختلِِااف جاادًّا‬

‫‪14‬‬
‫امُ‬
‫اورًًا‪ ،‬وََإنْ ُهُا‬
‫اري حضا‬
‫اوا إىل نصا‬
‫وََليسا‬
‫دعََااو إىل نصاارٍٍ‪ :‬أتيتااهمْ شاادًّا‬
‫وإن قالوا لكم‪" :‬ال نقبل بكم"؛ فقولوا هلم‪ :‬لقد قادرنا بفضال اهلل علاى‬
‫إقامتها‪ ،‬فوجب علينا تلك‪ ،‬فسارعنا امتثا ًال ممر اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬وَمََرا كََرانَ‬
‫لِمُؤِمِنٍ وَالَ مُؤِمِنَةٍ إِذََا قَضََى اللَّهُ وَرَسُُولُهُ أَمِرًًا أَنْ يَكُُرونَ لَُُُرمُ الْخِيََررَةُ مِِرنِ‬
‫أَمِرِهِمِِ‪[ ...‬امحزا ‪ ،]72 :‬وقولوا هلم‪ :‬لقد سكبنا مجلها أهنارًا مان دمائناا‪،‬‬
‫نسقي غرسها‪ ،‬وأسسنا قواعدها من مجامجنا‪ ،‬وبنينا صرحها على أشالئنا‪ ،‬وصربنا‬
‫سنني على القتل وامسر والكسر والبتر‪ ،‬وجترعنا املرار حنلم هبذا الياوم‪ ،‬أفنتاأخر‬
‫حلظة وقد بلغناها؟‪ ،‬وقولوا هلم‪:‬‬
‫أخااذناها حباادِّ السََّّاايفِ قهاا ًرًا‬
‫أعااادناها مغالباااةً وََغصااابا‬
‫أقمناهااا وََقاادْ رغمااتْ أنااوف‬
‫وََقدْ ضُُارِِبتْ رقاا ُ القاومِ ضاربا‬
‫بتفخااايخٍ وََتفجاااريٍ وََنسااافٍ‬
‫وَجُنْْاادٍ ال ياارونَ الصََّّااعبَ صااعبا‬
‫وَأُسْْااادٍ يف املعاااامعِ ظامئيناااا‬
‫ااءَ الكف ارِ شُ اربا‬
‫اربوا دما‬
‫وََق ادْ شا‬
‫لقاادْ عااادتْ خالفتُُنااا يقينًًااا‬
‫وََدولتُُنااا بصاارحٍ باااتَ صََاالْْبا‬
‫وََقاادْ شُُاافِِيتْ صاادورُ املؤمنينااا‬
‫اا‬
‫او ُ الكف ارِ رعبا‬‫وََق ادْ مُلِئَ اتْ قلا‬
‫وقد جلأ الطرفان‪ ،‬تنظيم القاعدة و"الدولة اإلسالمية"‪ ،‬يف حرهبما على أحقية‬
‫شرعية "املشروع اجلهادي العاملي"‪ ،‬إىل خمزوهنما من قاموس التهم اليت تتاردَّد يف‬
‫حميطهم سواء تلك اليت تُلصَق هبم‪ ،‬أو تلك اليت يردون هبا على خصومهم؛ حياث‬
‫‪15‬‬
‫اعتمد تنظيم القاعدة قائمة التهم اليت طاملا قوبل هبا يف العامل من غلاو وتطارف‬
‫وانتهاج لسبيل اخلوارج‪ ،‬ليعتمدها ميسمًا يصف به اليوم غرميه اجلدياد تنظايم‬
‫الدولة اإلسالمية وقادته(‪ ،)1‬بينما سارع تنظيم "الدولة اإلسالمية" إىل التقاط قائمة‬
‫التهم والنعوت اليت طاملا وجَّهها تنظيم القاعدة خلصومه‪ ،‬مان متيياع وإرجااء‬
‫وخذالن وخيانة للعهد‪ ،‬ليُسقطها على الظواهري ومُنظِّريه وأنصاره(‪.)2‬‬

‫(‪" )1‬تنظيم الدولة‪..‬النشأة وامفكار"‪ ،‬مركز صناعة الفكر للدراسات واألحباث‪ ،‬بادون‬
‫تاريخ‪( ،‬تاريخ الدخوا‪ 51 :‬يونيو‪/‬حزيران ‪:)5152‬‬
‫‪http://www.fikercenter.com/ar/p/political_analysis/view/a6zaxn3‬‬
‫(‪ )2‬مروان شحادة‪ ،‬أبو قتادة‪" :‬داعش كال أهل النار"‪ ،‬شبكة إرم اإلخبارية‪( ،‬تااريخ‬
‫الدخوا‪ 51 :‬يونيو‪/‬حزيران ‪:)5152‬‬
‫‪http://www.eremnews.com/news/arab-word/gcc/31164‬‬

‫‪16‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫"الدولة اإلسالمية" تتمدد غربا‪:‬‬


‫ليبيا وتونس واجلزائر والصحراء الكربى‬

‫‪17‬‬
‫يف منطقة املغر العرباي والصحراء الكربى‪ ،‬وصلت رياح "الربيع اجلهاادي"‬
‫اليت هبَّت من سوريا والعراق على التنظيمات اجلهادية‪ ،‬بشكل مبكِّر؛ حيث كانات‬
‫البداية من ليبيا اليت متور منذ سقوط نظام العقيد معمر القذايف‪ ،‬يف ‪ 51‬أكتوبر‪/‬تشارين‬
‫اموا ‪ ،5155‬دون أن تعرف استقرارًا للدولة املركزية أو سيطرة مطلقة هلا على كامل‬
‫الترا الليباي‪ .‬واستطاع تنظيم القاعدة أن جيد موطئ قدم له فيها بشكل مَُبكِّر عرب‬
‫تنظيم أنصار الشريعة‪ ،‬وبع التكتالت اجلهادية امخرى‪ ،‬لكنها حتولت بسارعة إىل‬
‫مسرح للدعوة العلنية لبيعة الدولة اإلسالمية ومناصرهتا‪ ،‬متهيدًا إلعالن وصوا موجاة‬
‫مبايعات متتالية للتنظيم إىل ليبيا ومنه إىل تونس وباقي دوا املنطقة؛ حيث ظهرت هذه‬
‫املبايعات بداية يف املناطق الشرقية اليت عُُرفت خالا سنوات حكم القذايف بأهنا معقال‬
‫للتيار اجلهادي ظل عصيًّا على االستئصاا رغم القبضة احلديدية للنظاام‪ ،‬وكاذلك‬
‫منطقة طرابلس يف الغر ‪ ،‬وإن بصورة أقل أََل ًقا وأكثر ختفيًا‪ .‬وقد أصبح تنظيم "الدولة‬
‫اإلسالمية" قوة فاعلة بعد إعالن تنظيم "جملس شورى شبا اإلسالم" يف درنة بيعتاه‬
‫للبغدادي‪ ،‬ليدخل يف صراع دموي مع جهاديني موالني لتنظيم القاعدة حتات اسام‬
‫"جملس شورى اجملاهدين يف درنة وضواحيها"‪.‬‬
‫واحلديث عن الصراع بني الفريقني يف الشرق الليبااي‪ ،‬يتطلََّّاب العاودة إىل‬
‫إرهاصات ظهور املسلحني اجلهاديني يف املنطقة بعد الثورة على نظام العقياد معمار‬
‫القذايف؛ فعشية اندالع الثورة يف فرباير‪/‬شباط ‪ ،5155‬جتمََّّع العشرات مان الشابا‬
‫احلاملني للفكر السلفي اجلهادي‪ ،‬والعائدين من مشاا مايل‪ ،‬ومن مناطق متفرقاة مان‬
‫العامل‪ ،‬يف مدينة درنة بالشرق الليباي‪ ،‬وشكََّّلوا تنظيمًًا مسلحًًا سرعان ما اخنارط يف‬
‫احلر ضد قوات القذايف‪ ،‬وأُطْلِِق عليه الحقًًا اسم "كتيبة شهداء بوساليم"‪ ،‬ختليادًًا‬
‫مزيد من ‪ 5511‬سجني إسالمي قُُتلوا يف مذحبة ارتكبها نظام القذايف يف سجن بوسليم‬
‫بالعاصمة الليبية طرابلس يف ‪ 59‬يونيو‪/‬حزيران ‪ ،5992‬بدعوى مترُُّّدهم داخل الساجن‪،‬‬
‫ويُنْسََب للجهادي الليباي "إبراهيم عزوز" الذي كان يُُقاتل يف مشاا مايل‪ ،‬وشاارك‬
‫‪19‬‬
‫يف تأسيس التنظيم‪ ،‬اقتراح تسمية "كتيبة شهداء بوسليم"‪ ،‬وقد تويف "عازوز" بعاد‬
‫وصوله إىل ليبيا بفترة وجيزة إثر إصابته يف حادث سري‪.‬‬
‫وقد لعبت كتيبة شهداء بوسليم دورًا كبريًا يف القتاا ضد كتائاب القاذايف‬
‫وهزميتها‪ ،‬وشهد هذا التنظيم أوا هزة داخلية عندما زار رئيس اجمللس االنتقاايل‬
‫الليباي حينها‪ ،‬مصطفى عبد اجلليل‪ ،‬مدينة درنة‪ ،‬فقام عناصر الكتيبة حبراساته‪،‬‬
‫خوفًا من اغتياله‪ ،‬وهو ما أغضب عددًا من عناصرها الذي انفصلوا عنها واعتربوا‬
‫حراسة عبد اجلليل تعاونًا مع "الطاغوت"‪ ،‬منافيًا لإلسالم‪ ،‬وظهرت فتاوى لادى‬
‫بع اجلهاديني تُ َكفِّر عناصر الكتيبة‪ ،‬كما ظهرت جمموعات صغرية تنتمي للتياار‬
‫اجلهادي مثل كتيبة الرباء‪ ،‬وجيش اإلسالم‪ ،‬وتنظيم طالئع اخلالفة وغريها‪ ،‬وتقوا‬
‫بكفر عناصر كتيبة شهداء بوسليم‪ .‬ونفَّذت هذه التنظيمات هجمات وعملياات‬
‫اغتياا استهدفت رجاا اممن واإلعالميني ورجاا القضاء والناشاطني املادنيني‪،‬‬
‫ومع تصاعد تلك امعماا أواخر عام ‪ ،5157‬سارع بع نشطاء التيار السالفي‬
‫اجلهادي إىل جتميع تلك اجملموعات الصغرية واإلعالن عن تأسيس جتمع موحََّّاد‬
‫حتت اسم "جملس شورى شبا اإلسالم"‪ ،‬واستُثنَِيت من هذا التشاكيل اجلدياد‬
‫"كتيبة شهداء بوسليم" حبجة املآخذ عليها واملتعلقة حبراستها ملصطفى عبد اجلليل‬
‫ومشاركتها يف اللجنة اممنية التابعة للمجلس االنتقايل‪ ،‬وبعد ظهور تنظيم الدولاة‬
‫اإلسالمية يف العراق وسوريا‪ ،‬وإعالن أباي بكر البغدادي اخلالفة‪ ،‬أعلان قاادة‬
‫جملس شورى شبا اإلسالم حلَّ التنظيم ومبايعة البغدادي‪ ،‬وحَ َم َل التنظيم اسام‬
‫"والية برقة التابعة لدولة اخلالفة اإلسالمية"‪.‬‬
‫وقد رف تنظيم أنصار الشريعة التابع للقاعدة‪ ،‬والذي يتمركز أساسًًاا يف‬
‫مدينة بنغازي‪ ،‬هذه البيعة وأعلن متسُّكه ببيعته لتنظيم القاعادة‪ ،‬وتبعيتاه لفارع‬
‫القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬والذي يتخذ من اجلزائر مقرًّا لقيادتاه العاماة‪،‬‬
‫وكذلك رف جملس شورى درنة االخنراط يف بيعة البغدادي‪ ،‬ومعهم كتيبة شهداء‬
‫صرَّ قادة تنظيم الدولة يف درنة على موقفهم مان كتيباة شاهداء‬ ‫بوسليم‪ ،‬كما أَ َ‬
‫بوسليم‪ ،‬وأصدر أحد قضاة التنظيم حكمًا بكفر عناصر الكتيبة‪ ،‬وعَلَّلََاه بتوقياع‬
‫الكتيبة عقدًا مع وزارة الداخلية التابعة حلكومة اجمللس االنتقايل‪ ،‬والقاضي بدخوا‬
‫‪41‬‬
‫الكتيبة يف اللجنة اممنية التابعة للوزارة‪ ،‬وقيام عناصرها حبراسة رئايس اجمللاس‬
‫االنتقايل الليباي السابق‪ ،‬مصطفى عبد اجلليل‪ ،‬خالا زيارته ملدينة درنة‪ ،‬واعتارب‬
‫قاضي تنظيم الدولة أن موافقة كتيبة شهداء بوسليم على عقدٍ َت ْقَبل مبوجبه العمال‬
‫وفقًا للضواب اليت تقرها وزارة داخلية اجمللس االنتقايل ودعم رجاا اممن الوطين‬
‫الليبيني‪ ،‬وتعهدها باحترام القانون‪ ،‬واعترافها باجمللس االنتقايل كسالطة شارعية‪،‬‬
‫شكِّل ناقضًا من نواق اإلسالم‪ ،‬ومرتكبه كافر ال عصمة لدمه أو مالاه‪ ،‬وقاد‬ ‫يُ َ‬
‫رف قادة كتيبة شهداء بوسليم احلكم واعتربوه غري شرعي‪ ،‬كما أصادر أحاد‬
‫شيوخ تنظيم الدولة يف ليبيا‪ ،‬ويُدعى رائد الليباي‪ ،‬مذكرة حتت عناوان "فاتح‬
‫العليم حبكم كتيبة بوسليم"‪ ،‬خلص فيها إىل تكفري الكتيبة‪ ،‬ورف القوا بتاأوهلم‬
‫ملا قاموا به من كفر صريح بواح‪ ،‬يزيل عصمة دمائهم ويوجب قتااهلم حساب‬
‫قوله(‪.)1‬‬
‫مث أصدر أحد شرعيِّي تنظيم أنصار الشريعة‪ ،‬ويدعى حممد الترهو ‪ ،‬فتاوى‬
‫بتكفري كتيبة شهداء بوسليم قياسًا على حكم قاضي تنظيم الدولة‪ ،‬وهو ما رفضه‬
‫باقي أعضاء قيادة أنصار الشريعة‪ ،‬وآا اممر بالترهو إىل مغادرة أنصار الشريعة‬
‫وااللتحاق بتنظيم الدولة‪ ،‬أمَّا قيادة تنظيم أنصار الشريعة فقد كتبات إىل قياادة‬
‫تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي اليت تتبع هلا‪ ،‬تستفتيها بشأن املوقاف مان‬
‫كتيبة شهداء بوسليم‪ ،‬وجاء الردُّ من أحد أعضاء اللجنة الشرعية لتنظيم القاعادة‬
‫ببالد املغر اإلسالمي‪" ،‬أبو أمحد عبد الكرمي اجلزائري"‪ ،‬والذي أصدر ماذكرة‬
‫من مخسة وعشرين صفحة‪ ،‬حتت عنوان‪" :‬اإلبانة عن غل من كَفَّر كتيبة شهداء‬
‫بوسليم"(‪ ،)2‬وقد ردَّ فيها على القائلني بكفر الكتيبة؛ حيث اعتارب أن امعمااا‬
‫املنسوبة هلا يف معظمها اجتهادات فقهية وليست مسائل عقدية‪ ،‬كما حظيت كتيبة‬
‫شهداء بوسليم بفتوى من الشيخ أباي حممد املقدسي‪ ،‬أبارز منظِِّّاري التياار‬
‫اجلهادي‪ ،‬اعترب فيها ما قامت به الكتيبة اجتهادًا وسياسة شرعية حكيمة تشهد له‬
‫‪53‬‬ ‫(‪ )1‬رائد الليباي‪" ،‬مدونة مقاالت كَُّتا اخلالفاة يف ليبياا"‪( ،‬تااريخ الادخوا‪:‬‬
‫سبتمرب‪/‬أيلوا ‪:)5152‬‬
‫‪http://a-libya.blogspot.com/2015/06/blog-post_7.html‬‬
‫(‪ )2‬نسخة من الوثيقة "اإلبانة عن غل من كفَّر كتيبة شهداء بوسليم" حبوزة املؤلف‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫عشرات امدلة يف سرية النباي حممد صلََّّى اهلل عليه وسلََّّم‪ ،‬أما كتيباة شاهداء‬
‫بوسليم فقد متسَّكت بصحة موقفها‪ ،‬وعزفت عن تصنيفها ضمن فروع أيٍّ مان‬
‫التنظيمات اجلهادية املعروفة‪.‬‬
‫وتوترت العالقة بني الطرفني‪ ،‬إىل أن وصلت حدَّ االحتكاك املباشر‪ ،‬الاذي‬
‫بلغ تروته باغتياا "ناصر العكر" أحد قاادة جملاس شاورى جماهادي درناة‬
‫وضواحيها‪ ،‬يوم التاسع من يونيو‪/‬حزيران عام ‪ ،5151‬بعد فشل حماولاة اغتيااا‬
‫سابقة مطلع شهر مارس‪/‬آتار من نفس العام‪ ،‬فجاء الرد سريعًا من عناصر "اجمللس"‬
‫على اغتياا "العكر" وشنُّوا هجومًا على مقرات تنظيم الدولة‪ ،‬واندلعت معاارك‬
‫عنيفة بني الطرفني انتهت بطرد التنظيم من املدينة وسيطرة مؤيدي تنظيم القاعادة‬
‫عليها‪ ،‬بينما بس تنظيم الدولة سيطرته على مدينة سرت وضواحيها كما أقاام‬
‫معسكرات يف بع املدن امخرى‪.‬‬
‫وقد اهتم تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي تنظايم الدولاة اإلساالمية‬
‫باالعتداء والتجاوز‪ ،‬وقاا التنظيم يف بيان أصدره يف يوليو‪/‬متوز ‪ ،5151‬تعقيبًا على‬
‫املعارك الدامية بني جملس شورى جماهدي درنة وضواحيها‪ ،‬ومقاتلي تنظيم الدولة‬
‫ال‬
‫اإلسالمية‪ ،‬إن السبب امبرز "يبقى هو التصرفات غري املنضبطة شارعًا وعقا ً‬
‫جلماعة "الدولة اإلسالمية" اليت ما فتئت منذ أن أعلنت "اخلالفة" من اإلفسااد يف‬
‫سائر الساحات‪ ،‬فأبطلت البيعات‪ ،‬وفرَّقت اجلماعات‪ ،‬وكفََّّارت املخاالف دون‬
‫بيِّنات‪ ،‬وسفكت الدم احلرام"(‪.)1‬‬
‫واعترب تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي يف بيانه أن تنظيم الدولة حاني‬
‫دخل مدينة درنة "أبدا أمنها خوفًا‪ ،‬وسلمها حربًا‪ ،‬فنشأ االقتتاا الاذي طاملاا‬
‫حذرنا منه"‪ ،‬وحَمَّ َل تنظيم القاعدة مجاعة الدولة اإلسالمية مسؤولية الدماء الايت‬
‫سالت‪ ،‬معتربًا أن ما قام به جملس شورى جماهدي درنة وضواحيها كان دفاعًا عن‬
‫النفس وممارسة حلق دفع املعتدي وهو حقٌّ مكفوا لآلدمي‪ ،‬بل أشاد التنظيم مباا‬
‫مساه تصدي جملس الشورى وأهايل املدينة العتداء الدولة اإلسالمية(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬نسخة من البيان حبوزة املؤلف‪.‬‬


‫(‪ )2‬املرجع السابق‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫جونس‪" :‬القاىدأ" جدافع ىن مكاأب ا‬
‫ظهر يف تونس أنصار تنظيم "الدولة اإلسالمية" بشكل مَُبكِّر مستغلني ارختاء‬
‫القبضة اممنية للدولة يف مرحلة ما بعد الثورة‪ ،‬خصوصًا خالا امزمة السياساية‬
‫اليت واكبت الفترة امخرية من حكم حتالف الترويكا‪ ،‬اليت تولت السلطة يف الفترة‬
‫املمتدة من ‪ 55‬نوفمرب‪/‬تشرين الثا ‪ 5155‬إىل غاية ‪ 59‬يناير‪/‬كانون الثاا ‪.5154‬‬
‫وكان أوا ظهور علين هلم يف ما عُرف با "النصرة القريوانية للدولة اإلساالمية"‬
‫اليت أطلقها فصيل انشق عن "أنصار الشريعة"‪ ،‬يوم ‪ 51‬مايو‪/‬أيار عاام ‪ ،5155‬يف‬
‫مدينة القريوان وس البالد‪ ،‬وبدأت أنشطتهم تطوا كبار السياسيني اليسااريني‬
‫ال عان‬ ‫والقوميني‪ ،‬تصفيةً واغتيا ًال‪ ،‬من أمثاا شكري بلعيد وحممد الربامهي‪ ،‬فض ً‬
‫مسؤوليتهم عن هجمات دموية أخرى‪ ،‬مثل‪ :‬اهلجوم على متحف باردو بالعاصمة‬
‫ال معظمهام سايَّاح‬ ‫تونس‪ ،‬يف مارس‪/‬آتار ‪ ،5151‬الذي خلَّف حوايل ‪ 55‬قتاي ً‬
‫غربيون‪ ،‬كما نفَّذ التنظيم هجومًا آخر استهدف فندق إمربياا مرحبا مبدينة سوسة‬
‫الساحلية‪ ،‬أسفر عن مقتل ‪ 73‬شخصًا أغلبهم سياح غربيون‪.‬‬
‫ورغم اهلجومني الكبريين وبع العمليات امخرى‪ ،‬فإن ظهاور "الدولاة‬
‫اإلسالمية" يف تونس ما زاا حىت انن جمرد امتداد ملا يوجد يف ليبيا‪ ،‬يف ظل غيا‬
‫وجود بنية هيكلية قوية للتنظيم متلك متسعًًا على امراضي التونساية‪ ،‬وإن كاان‬
‫التونسيني يعتربون من أكثر اجلنسيات املغاربية يف تنظيم الدولة اإلسالمية إضافة إىل‬
‫ليبيا‪.‬‬
‫كما يواجه احلضور املتنامي للتنظيم يف تونس منافسة قوية من تنظيم القاعدة‬
‫ببالد املغر اإلسالمي التابع لتنظيم القاعدة يف أفغانستان‪ ،‬الذي يسعى للحفااظ‬
‫على وجوده يف تونس منذ سنوات من خالا "كتيبة عقبة بن نافع" اليت تتخذ من‬
‫"جبل الشعانباي" على احلدود مع اجلزائر مركزًًا منشطتها‪ ،‬وتركز عملياهتا ضد‬
‫اجليش وقوات اممن‪ .‬وهنا البد من التذكري مبوضوع أوقع لُبْسًًا لدى الكثري مان‬
‫الباحثني واإلعالميني يف عالقة "كتيبة عقبة بن نافع" مع تنظيم "الدولة اإلسالمية"‬
‫وما تناولته بع املواقع اجلهادية سابقًًا من بيعتها للبغدادي‪ ،‬ومَرََدُّ تلاك إىل أن‬
‫"كتيبة عقبة بن نافع" أعلنت مع بداية احلر اليت شنََّّها التحالف الدويل بقياادة‬
‫‪41‬‬
‫الواليات املتحدة اممريكية على تنظيم "الدولة اإلسالمية"‪ ،‬تأييدها للتنظيم يف تلك‬
‫احلر ‪ ،‬داعية إىل مناصرته يف مواجهة التحالف الدويل‪ ،‬لكناها مل تبايعاه‪ ،‬بال‬
‫سارعت بعد تلك رفعًًا لِلَّبْسِ إىل إعالن متسُُّّكها ببيعة القاعدة والوالء ممريها أمين‬
‫الظواهري‪ ،‬واصفة بياهنا السابق بأنه جمرد تأييد للدولة اإلسالمية يف مواجهة "محلة‬
‫صليبية"‪ ،‬دون أن يكون بيعةً أو إعالن والء(‪.)1‬‬
‫ووصل التنافس تروته بني الفريقني يف اجلزائر اليت يتخذ منها تنظيم القاعدة ببالد‬
‫املغر اإلسالمي مقرًًّّا لقيادته املركزية‪ ،‬حني خسر تنظيم القاعدة إحادى مناطقاه‬
‫الثالثة (منطقة الوس ) لصاحل تنظيم الدولة اإلسالمية؛ حيث أعلن أمري هذه املنطقاة‪،‬‬
‫"قوري عبد امللك"‪ ،‬املكنََّّى "خالد أبو سليمان" وأعضاء جملس الشورى معاه‪ ،‬عان‬
‫بيعتهم لزعيم الدولة اإلسالمية‪ ،‬أباي بكر البغدادي‪ ،‬وغيََّّروا اسم تنظيمهم ليصابح‬
‫"جند اخلالفة يف اجلزائر"‪ ،‬بدالً من "املنطقة الوس يف تنظيم قاعدة اجلهااد بااملغر‬
‫اإلسالمي"(‪ ،)2‬واخنرطوا مباشرة يف أعماا تنافسية معه‪ ،‬كان من أبرزهاا اختطااف‬
‫الفرنسي‪" ،‬بيار غوديل"‪ ،‬وقتله يف شهر سبتمرب‪/‬أيلوا عام ‪ 5154‬بشرق اجلزائار‪ ،‬يف‬
‫حني مل يبقَ لتنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي سوى منطقاتني‪ ،‬مهاا‪ :‬املنطقاة‬
‫الشرقية يف اجلزائر‪ ،‬واليت حتتضن القيادة العامة للتنظيم بزعامة أماريه‪ ،‬عباد امللاك‬
‫دوركداا املكنََّّى "أبو مصعب عبد الودود"‪ ،‬ومنطقة الصحراء الكربى الايت تتركاز‬
‫أساسًًا يف مشاا مايل بقيادة "مجاا عكاشة" املكنََّّى "حيىي أبو اهلُُمام"‪ ،‬وتتعايش إماارة‬
‫منطقة الصحراء مع تنظيمات جهادية أخرى بعضها منقسم الوالء بني تنظيم القاعدة‪،‬‬
‫والدولة اإلسالمية‪ ،‬كما هي احلاا بالنسبة جلماعة "املرابطون" وبعضها عباارة عان‬
‫مجاعات جهادية حملية مثل "أنصار الدين"‪.‬‬

‫(‪ )1‬ي‪ .‬زيلني‪ ،‬هارون‪" ،‬تونس بني تنظيمي الدولة اإلسالمية والقاعدة"‪ ،‬معُد واشرنطن‪،‬‬
‫(تاريخ الدخوا‪ 53 :‬سبتمرب‪/‬أيلوا ‪:)5152‬‬
‫‪http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/between-the-‬‬
‫‪islamic-state-and-al-qaeda-in-tunisia‬‬
‫(‪ )2‬شيخي‪ ،‬المني‪" ،‬مجاعة تنشق عن القاعدة يف بالد املغر وتبايع زعيم تنظيم الدولاة‬
‫اإلسالمية"‪ ،‬رويترز‪ 54 ،‬سبتمرب‪/‬أيلوا ‪( ،5154‬تاريخ الدخوا‪ 55 :‬يونياو‪/‬حزياران‬
‫‪:)5151‬‬
‫‪http://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN0H90O920140914‬‬

‫‪44‬‬
‫الجحده يعيد ب مبجار‬
‫داخل املنطقة الصحراوية التابعة لتنظيم القاعدة بابالد املغار اإلساالمي‬
‫املتمركزة يف مشاا مايل‪ ،‬ظهرت دعوات تنادي بضرورة جتاوز مرحلة التنظيماات‬
‫واالخنراط يف بيعة البغدادي و"الدولة اإلسالمية"‪ ،‬وحتوَّلت معساكرات التنظايم‬
‫واملنتديات اجلهادية ومواقع التواصل االجتماعي‪ ،‬إىل مسرح لنقا سااخن باني‬
‫مؤيدي الدولة اإلسالمية ومعارضيها؛ اممر الذي دفع القيادات املوالياة لتنظايم‬
‫القاعدة يف الصحراء إىل التحرك لتدارك املوقف وحماولة إعادة لََمِّ الشمل ومواجهة‬
‫االختراقات اليومية لتنظيم الدولة اإلسالمية‪ ،‬ويف هذا السياق بدأ رئايس جملاس‬
‫شورى مجاعة "املرابطون" املختار بلمختار املكنَّى "خالد أبو العباس"‪ ،‬مفاوضاات‬
‫مع قيادة تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬اليت انشق عنها يف أكتوبر‪/‬تشرين‬
‫اموا عام ‪ ،5155‬وهتدف هذه املفاوضات إىل عودة بلمختار إىل أحضان تنظايم‬
‫القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬وإن كان تلك بصيغة جديدة‪ ،‬تضمن تفادي ماا‬
‫حصل من خالفات أدَّت إىل انشقاقه عن التنظيم قبل ثاالث سانوات تقريبًًاا‪،‬‬
‫وتضمن توفري نَ َفسٍ جديد للقاعدة يف املنطقة جيعلها قادرة علاى مواجهاة املاد‬
‫املتنامي لا "الدولة اإلسالمية"‪.‬‬
‫وميكن القوا إن هذه املفاوضات بني بلمختار وقيادة القاعدة يف اجلزائر‪ ،‬جتاري‬
‫على ضوء التطورات اليت عرفها تنظيم القاعدة يف بالد خراساان (القاعادة امم يف‬
‫أفغانستان وباكستان وإيران) وما عرفته أوساط التنظيم من بوادر مراجعات تَ َمثََّلت يف‬
‫أفكار كان أسامة بن الدن يطرحها منذ عام ‪ 5151‬قبل مقتله؛ حيث سبق البان الدن‬
‫قبل مقتله سنة ‪ 5155‬أن أبدى تأثرًا كبريًا بالثورات العربية‪ ،‬ودعا إىل القيام مبراجعات‬
‫من شأهنا تقريب التنظيم من مجاهري املسلمني واندماجه فيهم‪ ،‬مقترِ ًحا يف البداية تغايري‬
‫اسم التنظيم العتبارات عديدة منها أن االسم الرمسي له‪ ،‬وهو "قاعدة اجلهاد"‪ ،‬مل يعد‬
‫هو املتداوا إعالميًّا‪ ،‬وإمنا أصبحت كلمة "القاعدة" هي االسم الرمسي‪ ،‬دون أن حتمل‬
‫هذه التسمية أي مدلوا إسالمي أو جهادي‪.‬‬
‫وهنا البد من التطرق بتفصيل يسري حلقيقة تلك الدعوات؛ حيث كشافت‬
‫"وثائق أبوت آباد" اليت عُثر عليها مع أسامة بن الدن عند قتله يف مدينة أبوت آباد‬
‫‪45‬‬
‫الباكستانية‪ ،‬يوم ‪ 5‬مايو‪/‬أيار عام ‪ ،5155‬عن رغبته يف تغيري اسم تنظيم القاعادة‪،‬‬
‫وهنا أورد نص إحدى الرسائل (اليت يستشري فيها ابن الدن بع العناصر املقربني‬
‫إليه بشأن أفكاره اجلديدة‪ ،‬واملرقَّمة ضمن الوثائق اليت سرهبا اممريكيون كاانيت‪:‬‬
‫‪)SCOM-2012-00000009‬؛ حيث يقوا ابن الدن‪" :‬أود أن أشاوركم على أمر‬
‫ظهر يل أنه مهم جدًّا‪ ،‬وهو تغيري اسم (قاعدة اجلهاد)؛ حيث إن دواعاي تغايريه‬
‫كثرية وجديرة باالهتمام‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ .5‬أن هذا االسم‪ ،‬قاعدة اجلهاد‪ ،‬قد اختصره الناس فال يذكره إال قليال‬
‫منهم؛ فالذي غلب عليه هو "القاعدة" وهو ما يقلِّل شعور املسالمني‬
‫بانتمائنا هلم ويتيح لألعداء مغالطتاهم باأهنم ال حيااربون اإلساالم‬
‫واملسلمني‪ ،‬وإمنا حياربون تنظيم القاعدة‪ ،‬هذه الفئة اخلارجة حىت علاى‬
‫تعاليم اإلسالم‪ ،‬وهذا ما ازداد تكراره يف الفترة املاضية‪ ،‬ومن تلك قوا‬
‫أوباما بأن حربنا ليست على اإلسالم واملسلمني‪ ،‬وإمنا حربنا على تنظيم‬
‫القاعدة‪ ،‬فلو كانت كلمة القاعدة مشاتقة مان كلماة اإلساالم أو‬
‫املسلمني‪ ،‬أو شديدة الصلة هبما كأن لو كان امسنا احلز اإلساالمي‬
‫لتعذَّر عليه أن يقوا مثل هذا الكالم‪ ،‬ومن الواضح يف الفترة املاضاية‬
‫أيضًا أهنم استبدلوا لفظ احلر على اإلرها إىل حدٍّ كبري‪ ،‬وهو ماا‬
‫حتدثوا عنه يف سياق عدم استفزاز املسلمني‪ ،‬فقد شعروا أن لفظ احلر‬
‫على اإلرها قد اتضح ملعظم الناس أنه احلر على اإلسالم‪ ،‬خاصاة‬
‫بعد دماء املسلمني امبرياء اليت أراقوهاا بغاياة الظلام يف العاراق‬
‫وأفغانستان‪ ،‬ونسأا اهلل سبحانه وتعاىل أن يرحم إخوانناا املسالمني‪.‬‬
‫ومن اممثلة على تلك اسم إخواننا يف حركاة الشابا اجملاهادين؛‬
‫فالعربية غالبًا ما تعرِّفهم حبركة الشبا فق ‪ ،‬لتاتال اسام اجلهااد‬
‫واجملاهدين‪.‬‬
‫‪ .5‬أن اسم الكيانات حيمل رسالتها ويعبِّر عنها غالبًا‪ ،‬فاسم القاعدة يعبِّر عان‬
‫قاعدة عسكرية فيها بع املقاتلني دون اإلشارة إىل مهنا الواسع لتوحياد‬
‫اممة‪ ،‬وبناء على ما تقدَّم فحبَّذا أن تقترحوا وتتشاوروا يف اممساء املناسابة‬
‫‪46‬‬
‫على أن ال تكون قابلة لالختصار بكلمة ال تعيننا على أن يكاون االسام‬
‫وسيلة إليصاا رسالتنا إىل أبناء اممة‪ ،‬وهذه بع املقترحات‪:‬‬
‫طائفة التوحيد واجلهاد‪.‬‬
‫طائفة التوحيد والدفاع عن اإلسالم‪.‬‬
‫مجاعة إعادة اخلالفة الراشدة‪.‬‬
‫مجاعة نصرة اإلسالم وامقصى‪.‬‬
‫مجاعة وحدة املسلمني‪.‬‬
‫التنظيم اجلهادي لتوحيد اممة وإنقاتها‪.‬‬
‫حز توحيد اممة اإلسالمية‪.‬‬
‫مجاعة حترير امقصى‪.‬‬
‫مجاعة إنقات وهنضة اممة"(‪.)1‬‬
‫ولو راجعنا مسرية اجلماعات املرتبطة بالقاعدة يف شىت أحناء العاامل خاالا‬
‫السنوات القليلة املاضية‪ ،‬لوجدنا أهنا جتاوبت مع هاذه املقترحاات بادرجات‬
‫متفاوتة‪ ،‬وقد شرع أتباع التنظيم يف تنفيذ هذه التوصية على امقل مان خاالا‬
‫أمساء التنظيمات والفروع التابعة للقاعدة اليت تأسست بعد عاام ‪5155‬؛ حياث‬
‫ال حيمل أي منها اسم القاعدة‪ ،‬وإمنا حتمل أمساء أخرى‪ ،‬مثل‪" :‬جبهاة النصارة"‬
‫يف سوريا‪ ،‬و"أنصار الشريعة" يف ليبيا‪ ،‬ومجاعاة "املرابطاون" يف مشااا ماايل‪،‬‬
‫وغريها‪.‬‬
‫كما قدَّم ابن الدن قبل مقتله مجلة مقترحات أخرى قاا‪ :‬إهنا ستمكِّن قيادة‬
‫تنظيم القاعدة املركزية يف خراسان من فرض سيطرهتا بشكل أكثر فاعلياة علاى‬
‫فروع التنظيم يف شىت أحناء العامل‪ ،‬وكذلك اجلماعات التابعة له‪ ،‬ويف مقدمة تلاك‬
‫املقترحات حتديد مأمورية حمددة لقادة التنظيمات التابعة للقاعدة‪ ،‬أو ما يعرفون يف‬
‫أدبيات التنظيم بأمراء الفروع‪ ،‬واشتراط موافقة القيادة املركزية علاى تعييناهم؛‬
‫حيث اقترح أن تكون فترة كل أمري سنتني قابلة للتجديد‪ ،‬وتلك بالتشااور ماع‬

‫(‪ )1‬يوجد حبوزة املؤلِِّّف بع الوثائق املسرَّبة اليت ُعثِر عليها مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة‬
‫بن الدن عند مقتله‪ ،‬يوم ‪ 5‬مايو‪/‬أيار ‪ ،5151‬يف مدينة أبوت آباد بباكستان‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫القيادة املركزية للقاعدة‪ ،‬ويف حاا تعذر االتصاا والتشاور تكون املأمورية سانة‬
‫واحدة قابلة للتجديد(‪.)1‬‬
‫على ضوء هذه املقترحات‪ ،‬وبدافع مواجهاة املناافس اجلدياد‪ ،‬جارت‬
‫مفاوضات بني املختار بلمختار وقيادة القاعدة ببالد املغر اإلساالمي انتاهت‬
‫بإعالن امخري انضمام تنظيمه "املرابطون" إىل القاعدة ببالد املغار اإلساالمي‪،‬‬
‫واالحتفاظ بقيادة مجاعته يف الصحراء الكربى بشكل مستقل عان سالطة أماري‬
‫الصحراء "حيىي أبو اهلمام"‪.‬‬
‫"المرابطون"‪ :‬انقأام بين "الدولة اإلأالمية" و"القاىدأ"‬
‫ومن املفوضات بني املختار بلمختار وقيادة القاعدة ببالد املغر اإلساالمي‬
‫اليت بدأت عام ‪ ،5151‬تأيت ضمن حماوالت القاعدة قطع الطريق على تَ َوغُّل أنصار‬
‫"الدولة اإلسالمية" يف الصحراء الكربى‪ ،‬فقد جاء الرد سريعًا واستباقيًّا من أنصار‬
‫تنظيم "الدولة اإلسالمية"؛ حيث أعلن أمري مجاعة "املرابطون" "عدنان أبو الولياد‬
‫الصحراوي" بيعته للبغدادي باسم التنظيم‪ ،‬حماو ًال بذلك قطع الطرياق علاى أي‬
‫إعالن مرتقب من بلمختار (رئيس جملس شورى مجاعة "املرابطاون") يتضامن‬
‫انضمام "املرابطون" لتنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي؛ اممر الاذي أعااد‬
‫اممور يف التنظيم إىل ما قبل يوليو‪/‬متوز عاام ‪ ،5157‬تااريخ تأسايس تنظايم‬
‫"املرابطون" من حتالف بني مجاعة "امللثمون" بقيادة املختار بلمختاار و"مجاعاة‬
‫التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا" بقياادة "أمحاد التلمساي" و"أباو الولياد‬
‫الصحراوي"؛ حيث انقسم التنظيم بني داعمي قرار "الصحراوي" بيعةَ البغادادي‬
‫واالنضمام لا "الدولة اإلسالمية"‪ ،‬واملؤيدين لقرار املختار بلمختار التمسك ببيعة‬
‫تنظيم القاعدة وأمريه أمين الظواهري‪.‬‬
‫فأبو الوليد الصحراوي الذي خسر منصب رئيس جملاس شاورى مجاعاة‬
‫التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا بعد حلِّها وانصهارها يف مجاعة "املرابطون"‪ ،‬كان‬
‫خالفه التقليدي مع تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي مسيطرًا على تفكاريه‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪.‬‬


‫‪48‬‬
‫خالا مرحلة التنسيق مع بلمختار‪ ،‬كما أن ظروف التوتر القوي اليت قاادت إىل‬
‫انشقاق تنظيمه السابق "مجاعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقياا" عان تنظايم‬
‫القاعدة ببالد املغر اإلسالمي يف أكتوبر‪/‬تشرين اموا عام ‪ ،5155‬ظلَّت ماثلاة‬
‫أمامه‪ ،‬هذا مع كونه يسعى لركو موجة احلضور القوي لا "الدولة اإلسالمية"‬
‫يف املنطقة؛ حيث ميكنه االعتماد عليها يف الدعم املعنوي واللوجيسيت؛ إت يوجاد‬
‫تنظيم "مجاعة والية غر إفريقيا" املعروف سابقًا باسم "مجاعة أهل السُّنَّة للدعوة‬
‫واجلهاد (بوكو حرام) يف مشاا نيجرييا‪ ،‬ضمن مبايعي تنظيم "الدولة اإلساالمية"‬
‫على مقربة منه‪ ،‬وكذلك تنظيم جند اخلالفة يف أرض اجلزائر‪ ،‬وأنصاار الدولاة‬
‫اإلسالمية يف ليبيا‪ ،‬وهي فروع لا "الدولة اإلسالمية" يعتقد "الصاحراوي" أهناا‬
‫ال له عن عناصر مجاعة "امللثمون" وبع عناصار "التوحياد‬ ‫ستشكِّل دعمًا بدي ً‬
‫واجلهاد" من شركائه يف تنظيم "املرابطون"‪ ،‬الذين رفضوا قراره بيعة "البغدادي"‪،‬‬
‫إضافة إىل حالة ترحيب بقراره مبايعة "البغدادي" عرفتاها اموسااط الشابابية‬
‫اجلهادية يف املنطقة املؤيِّدة لا "الدولة اإلسالمية"‪ ،‬واليت يأخذ الكثريون منها على‬
‫قيادة القاعدة يف بالد املغر اإلسالمي رفضها تلك البيعة ومتسكها باالظواهري‬
‫وتنظيمه‪.‬‬
‫ال عن وجود بون شاسع يف الطَّ ْرح الفكري بني الرجلني (املختاار‬ ‫هذا فض ً‬
‫بلمختار‪ ،‬وأبو الوليد الصحراوي)؛ إت من املعاروف أن "عادنان أباو الولياد‬
‫الصحراوي" ومعظم قادة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا يعتنقون فكرًا وطرحًًاا‬
‫أيديولوجيًّا أقر إىل فكر تنظيم "الدولة اإلسالمية"‪ ،‬منه إىل فكر تنظيم القاعادة‪،‬‬
‫صنَّفُون بأهنم أكثر راديكالية‪ ،‬بينما يُعرف عن "بلمختار"‪ ،‬أيَّام كان عضاوًا يف‬
‫ويُ َ‬
‫القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬أنه مصنَّف ضمن "احلماائم" أو القاادة امقال‬
‫ال عن‬‫تشددًا‪ ،‬وقد شهدت السنوات امخرية مستوى من املراجعة يف تفكريه‪ ،‬فض ً‬
‫تشبثه برؤية وبيعة تنظيم "القاعدة يف بالد خراسان" بقيادة أمين الظواهري‪.‬‬
‫وهنا‪ ،‬البد من التذكري بأن اخلالف داخل تنظيم "مجاعة املرابطون" بني أمريه‬
‫اجلديد "أبو الوليد الصحراوي" املبايِع لتنظيم "الدولة اإلسالمية"‪ ،‬ورئيس جملاس‬
‫الشورى "املختار بلمختار" املبايِع للظواهري والقاعدة‪ ،‬مل يكن ولياد تطاورات‬
‫‪49‬‬
‫التنافس بني التنظيمني على الساحة يف الصحراء الكربى‪ ،‬بل إن بيعة "الصحراوي"‬
‫للبغدادي مل تكن إال تطورًا يف صراع قدمي بني الرجلني ومجاعتيهما‪ ،‬بدأت بوادره‬
‫تظهر منذ تأسيس تنظيم "مجاعة املرابطون"‪ ،‬منتصف عام ‪ ،5157‬عندما رف "أبو‬
‫الوليد الصحراوي" رئيس جملس شورى مجاعة التوحيد واجلهاد حيناها‪ ،‬ومعاه‬
‫"محادََه ولد حممد اخلري"‪ ،‬رئيس اللجنة الشرعية للتنظيم‪ ،‬بيعة "أبو بكر املصاري"‬
‫كأوا أمري لتنظيم "املرابطون" بعد تأسيسه‪ ،‬وهو املقرَّ من "بلمختار"‪ ،‬قبال أن‬
‫يتراجع "الصحراوي" عن موقفه ويقبل البيعة ويصبح عضوًا يف جملاس شاورى‬
‫التنظيم‪ ،‬يف حني غادر "محادََه ولد حممد اخلري" الصحراء إىل ليبيا لاللتحاق بتنظيم‬
‫"الدولة اإلسالمية" هناك‪.‬‬
‫وبعد مقتل "أبو بكر املصري"‪ ،‬يف إبريل‪/‬نيسان عام ‪ ،5154‬قَِبل "أبو الولياد‬
‫الصحراوي" بيعة التنظيم لرفيقه "أمحد التلمسي"‪ ،‬أمريًا جديدًا للمرابطني‪ ،‬وبعاد‬
‫مقتل هذا امخري على يد القوات الفرنسية‪ ،‬هناية عام ‪ ،5154‬أعلن "أباو الولياد‬
‫الصحراوي" نفسه أمريًا لتنظيم "املرابطون"‪ ،‬وبايعه بع أعضاء جملس الشاورى‬
‫املوجودين معه يف مشاا مايل (أغلبهم من عناصر مجاعة التوحيد واجلهاد سابقًا) يف‬
‫حني رف "املختار بلمختار" ومن معه من أعضاء جملس الشورى يف ليبيا ومشااا‬
‫مايل حينها تلك البيعة (أغلبهم من عناصر مجاعة "امللثمون" سابقًا)‪ ،‬واعتربوها غري‬
‫شرعية‪ ،‬ومضى "بلمختار" قدمًا يف مسار التفاوض مع قيادة القاعدة ببالد املغر‬
‫اإلسالمي من أجل دمج التنظيم يف القاعدة‪ ،‬وهو ما يواجه رفضًًاا قاطعًًاا مان‬
‫"الصحراوي" ومؤيديه‪ ،‬الذين حوَّلوا الصراع مع "بلمختار"‪ ،‬إىل حلقة من حلقات‬
‫الصراع بني تنظيم "الدولة اإلسالمية" وتنظيم القاعدة‪ ،‬فأعلن "الصحراوي" بيعتاه‬
‫لتنظيم "الدولة اإلسالمية" ليضيف امسه إىل قائمة تنظيمات ومجاعات يف املنطقاة‬
‫َفكَّت ارتباطها بتنظيم القاعدة وأعلنت البيعة والوالء لا "الدولة اإلسالمية"‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫مجاعة أهل السُّنَّة للدعوة واجلهاد (بوكو حرام) يف نيجرييا‪ ،‬واجليش اإلسالمي يف‬
‫ليبيا‪ ،‬وجند اخلالفة يف اجلزائر‪ ،‬أما "بلمختار" فقد سارع إىل إعالن رفا بيعاة‬
‫"الصحراوي" للبغدادي وطعن يف شرعيتها‪ ،‬وأكد متسك جملس شورى التنظايم‬
‫ببيعته للقاعدة وأمريها أمين الظواهري‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫"بوكو حرام"‪:‬‬
‫من اجلماعة إىل "الوالية"‬

‫‪50‬‬
‫قبل احلديث عن "مجاعة بوكو حرام" البد من التطرق ولو باختصار للوضع‬
‫النيجريي‪ ،‬والتركيبة السكانية واحلالة الدينية واالجتماعية اليت ولدت فيهاا هاذه‬
‫احلركة ونشأت وترعرعت‪.‬‬

‫الجركيبة الأكانية والحالة االججماىية والدينية‬


‫تعترب نيجرييا من أكرب الدوا اإلسالمية يف إفريقيا؛ حيث يبلغ عدد ساكاهنا‬
‫قرابة ‪ 511‬مليون نسمة‪ ،‬يُمََثِِّّل املسلمون حسب إحصائيات حكومية حوايل ‪%15‬‬
‫منهم‪ ،‬وهو رقم تُُشكِِّّك فيه املنظمات اإلسالمية يف نيجرييا اليت تقوا‪ :‬إن نسابة‬
‫املسلمني تناهز ‪ %21‬من السكان‪ ،‬بينما تبلغ نسابة املسايحيني حاوايل ‪،%41‬‬
‫والوثنيني حوايل ‪ ،%1‬وتتوزع نيجرييا إىل ‪ 72‬إقليمًًا ووالياة‪ ،‬وتعتماد نظامًًاا‬
‫فيدراليًًّّا‪ ،‬ويقوا نشطاء مسلمون‪ :‬إن احلضور السياسي للمسلمني يف صناعة القرار‬
‫متواضع قياسًًا لعددهم؛ حيث ميثلون أكثرية يف واليات وس الشماا‪ ،‬بينما هام‬
‫أساس سكان منطقيت الشماا الشرقي والشماا الغرباي؛ حيث تنتشار قبائال‬
‫اهلوسا والفالتا والبورنو‪ ،‬كما ميثلون أكثر من نصف السكان يف منطقة اجلناو‬
‫الغرباي‪ ،‬يف الوقت الذي تُُشكِِّّل فيه قبائل اليوروبا أغلبية‪ ،‬وهي قبائال خمتلطاة‬
‫الديانة بني اإلسالم واملسيحية‪ ،‬أما منطقتا اجلنو الشرقي وجنو الوس فيشكِِّّل‬
‫املسيحيون أغلبية حيث قبائل اميبو وبع القبائل امخرى‪.‬‬
‫وقوميًًّّا توجد يف نيجرييا قرابة ‪ 511‬قومية بلغات شىت‪ ،‬إال أن هناك قبائل تعتارب‬
‫امكرب نظرًًا لعددها الكبري‪ ،‬خصوصًًا قبائل اهلوسا والفالتا ومها قبيلتاان اختلطتاا يف‬
‫بع املناطق حبكم التزاوج واملساكنة‪ ،‬إىل درجة قاربت االنصهار يف بع املنااطق‪،‬‬
‫إضافة إىل قبائل اليوروبا وقبائل اميبو؛ حيث يعترب الدين اإلسالمي مبذهبه السُُّّنِِّّي هاو‬
‫السائد بني اهلوسا والفالتا‪ ،‬رغم دخوا املذهب الشيعي يف بداية تساعينات القارن‬
‫املاضي‪ ،‬لكن حضوره ما زاا ضعيفًًا حىت انن‪ ،‬وتنتشر قبيلاة اهلوساا يف والياات‬
‫‪51‬‬
‫الشماا حىت حدود النيجر وجنوبًًا حىت منطقة جوس بالتو وس البالد‪ ،‬ومن حبارية‬
‫تشاد شرقًًا إىل مدينة حدود مجهورية مايل غربًًا‪ ،‬وتُُصنََّّف قبيلة اهلوسا القومية امكارب‬
‫يف نيجرييا؛ حيث ميثِِّّلون أكثر من ‪ %52‬من السكان‪ .‬ومن كربيات املدن اليت أقامهاا‬
‫اهلوسا مدينة كانو وسيكوتو وكادونا وكاتسنا‪ ،‬وتنتشر يف أوساط اهلوساا اطافظاةُ‬
‫والتدينُ واللغة العربية بشكل كبري‪ ،‬كما تنتشر فيها الطرق الصوفية بشاكل واساع‪،‬‬
‫خصوصًًا الطريقة التيجانية‪ ،‬يف مدرستها اإلبراهيمية اليت أسََّّسها الشيخ إبراهيم أنيااس‬
‫الكوخلي السنغايل‪ ،‬وهلا تاريخ عنيف من الصراع مع قبائل اليوروبا‪ ،‬تأخذ يف غالباها‬
‫امعم صورة الصراع الديين بني املسلمني واملسيحيني‪ ،‬خصوصًًا يف مناطق االخاتالط‬
‫بني القبيلتني كمنطقة جوس يف والية بالتو‪.‬‬
‫وتشترك مع قبيليت اهلوسا والفالتا املُسْتَوْطِنَتَيْْن يف مشاا البالد‪ ،‬قبائل أخارى‬
‫تُُعرف باسم قبائل الكانوري‪ ،‬نسبة إىل لغة الكانوري اليت يتكلمون هباا‪ ،‬كماا‬
‫يسمون قبائل البورنو نسبة إىل موطنهم الرئيس يف مشاا نيجرييا‪ ،‬والياة بورناو‪،‬‬
‫حمليًّا باسم قبائل "البريي بريي"‪ ،‬وتعود أصوهلم حسب البااحثني إىل‬ ‫كما يُُعرفون ًّ‬
‫قبائل التبو املنتشرة يف ليبيا وتشاد والسودان وأجزاء من النيجر‪ .‬أما قبائل اليوروبا‪،‬‬
‫ضًا باسم قبائل "أودوا"‪ ،‬الذين يشكِِّّلون أكثر من ‪ %51‬من الساكان‪،‬‬ ‫ويُُعرفون أي ً‬
‫فتتراوح نسبة املسلمني بينهم من ‪ 11‬إىل ‪ ،%21‬وهم القبائل امكثار انتشاارًًا يف‬
‫اجلنو الغرباي‪ ،‬وثا أكرب جتمع قَبََلي يف نيجرييا بعد قبائل اهلوسا‪ ،‬ومركازهم‬
‫الكبري يف والية الغوس‪ ،‬وميكن توزيعهم إىل سبع جمموعات قبلية‪ ،‬هي‪ :‬اموياو‪،‬‬
‫وهم أصحا السلطة التقليدية والقيادة يف قبائل اليوروباا‪ ،‬إضاافة إىل امجباا‬
‫واإليكييت واإليفي وامجبو وامندو والكبة؛ حيث تتماايز هاذه اجملموعاات يف‬
‫مناطقها وجتمعاهتا السكانية ومدهنا الكربى‪ ،‬وقد تشكََّّلت يف أوساط قبائل اليوروبا‬
‫منظمة مسيحية متطرفة تسمى "ماؤمتر شاعب أودوا" تأسسات عاام ‪،5994‬‬
‫ويتزعمها‪ ،‬املتطرف "فريدرك فاسهون"‪ ،‬وتدعو هذه املنطماة إىل إقاماة دولاة‬
‫مسيحية يف جنو البالد تنفصل عن مجهورية نيجرييا الفيدرالية‪.‬‬
‫أما ثالث أكرب جتمع قبلي يف نيجرييا فهم قبائل اإليبو املسيحية والوثنية‪ ،‬والاذين‬
‫تُُقدََّّر نسبتهم بني سكان البالد با ‪ ،%51‬وإليهم ينتمي أوا رئايس للابالد بعاد‬
‫‪54‬‬
‫استقالهلا‪ ،‬بنيامني نامدي آزيكوي‪ ،‬وتلك يف أكتوبر‪/‬تشرين اموا ‪ .5927‬وإىل هاذه‬
‫القبيلة ينتمي عناصر تنظيم دولة بيافرا اليت تقاتل الستقالا منطقة اجلناو الشارقي‬
‫الغنية بالنف ؛ حيث خاضت هذه املنطمة حربًًا أهلية استمرت من يونياو‪/‬حزياران‬
‫‪ 5923‬حىت يناير‪/‬كانون الثا ‪ ،5931‬مات فيها أكثر من مليون شخص‪.‬‬
‫وهناك عدد من القبائل امخرى‪ ،‬اليت تعيش ماع اجملموعاات الكاربى يف‬
‫مناطقها‪ ،‬ومن أشهرها‪ :‬قبائل "بيلة إجيو" اليت تتحدث لغة اإلجياو وميثِِّّلون نسابة‬
‫تناهز ‪ ،%51‬وقبائل البورنو اليت تتحدث لغة الكانوري وميثِِّّلون نسبة تبلاغ ‪،%4‬‬
‫ومجيعهم مسلمون‪ ،‬وقبائل اإليبيبيو اليت تتحدث لغة اإليبيبيو‪ ،‬وميثِِّّلون حوايل ‪،%4‬‬
‫من جمموع السكان‪ ،‬وقبائل التيف وميثلون نسبة تبلغ حوايل ‪.%7‬‬
‫ويف عام ‪ ،5999‬صدر القانون الفيدرايل الذي مينح للواليات النيجريية حاق‬
‫إصدار قوانينها اخلاصة‪ ،‬فبدأت بع الواليات الشمالية املسلمة تسري حنو تطبياق‬
‫القوانني اإلسالمية‪ ،‬وكانت والية "زمفرة" أوا والية تعلن تطبيق أحكام الشريعة‬
‫اإلسالمية يف كافة مرافقها‪ ،‬وتلك أواخر يناير‪/‬كانون الثا ‪ ،5111‬مث تلت تلاك‬
‫حكومات ‪ 55‬والية مسلمة‪ ،‬أعلنت تطبيق الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫وقد عرفت نيجرييا منذ استقالهلا العديد من احلركات املسلحة اليت تعتماد‬
‫العنف وسيلة لتحقيق أهدافها‪ ،‬وهي حركات بعضها قومي وبعضها ديين‪ ،‬ومان‬
‫أشهرها‪ :‬حركة حترير دلتا النيجر‪ ،‬وهي حركاة ظهارت يف جناو الابالد‪،‬‬
‫وبالتحديد يف منطقة دلتا النيجر الغنية بالنف ‪ ،‬وترفع شعار الكفاح مان أجال‬
‫التوزيع العادا للثورة‪ ،‬وحركة أبناء قبيلة "إيغيسو"‪ ،‬واملؤمتر الوطين لقبائل إجيااو‪،‬‬
‫وحركة بقاء شعب آغو ‪ ،‬وحركة حترير اإلجياوا (‪ ،)MOSIEN‬إضافة إىل حركة‬
‫قبائل اإليبو االنفصالية يف منطقة اجلنو الشرقي‪ ،‬واليت قادت التمرد سنة ‪،5923‬‬
‫وأعلنت استقالا دولة بيافرا‪ ،‬وقادت احلر ضد احلكومة حاىت سانة ‪،5931‬‬
‫وحركة مؤمتر شعب أودوا اليت أسََّّستها قبائل اليوروبا عام ‪ 5994‬إلحياء حضاارة‬
‫وثقافة قبيلة اليوروبا وحتريرها وانفصاهلا عن نيجرييا‪.‬‬
‫أما املسلمون يف نيجرييا‪ ،‬فقد عاشوا فترة طويلة حتت هيمنة الطرق الصوفية‪،‬‬
‫حىت كانت مرحلة أواخر الستينات والسبعينات؛ حيث ظهرت الدعوة السلفية بني‬
‫‪55‬‬
‫مسلمي مشاا نيجرييا ومنطقة حبرية تشاد عمومًًا‪ ،‬بعد أن عاد العديد من املبتعََاثني‬
‫واحلجاج من قبائل اهلوسا والكوناري والفالتا الذين تهبوا إىل املشرق العربااي‬
‫للدراسة أو مداء مناسك احلج‪ ،‬حيملون معهم عقيدة سلفية‪ ،‬رافضة هليمنة الطرق‬
‫الصوفية على اجملتمعات املسلمة هناك‪ ،‬وبدأت دعوات سلفية إصالحية تنتشار يف‬
‫املنطقة وتصطدم مبا تُسََمِِّّيه البدعيات والشركيات لدى الطرق الصوفية‪ ،‬خصوصًًا‬
‫التيجانية تات االنتشار الواسع يف املنطقة‪ .‬وكان أوا جتمع إسالمي سلفي مناه‬
‫للصوفية هو "حركة إزالة البدع وإقامة السُُّّنََّّة" اليت عُُرفت اختصارًًا باسم حركاة‬
‫"إزالة"‪ ،‬واليت تأسََّّست عام ‪ ،5931‬على يد الشيخ إمساعيل إدرياس(‪ )1‬والشايخ‬
‫أباي بكر جومي(‪ ،)2‬وكان هلا أتباع كثريون من خمتلف القومياات املسالمة يف‬
‫املنطقة‪ ،‬واستطاعت أن تتمدََّّد حنو دوا اجلوار حبكم التداخل القبلي واالجتماعي‬
‫والديين‪ ،‬خصوصًًا يف النيجر وتشاد والكامريون‪.‬‬
‫وقد شهدت هذه احلركة خالفات مبكرة‪ ،‬رافقها ظهور حركاات أخارى‬
‫موازية‪ ،‬كان من أبرزها حركة ظهرت منتصف الثمانينات سََمََّّت نفسها "اإلخوان‬
‫املسلمني" (‪ ،)Yan Brothers‬أسََّّسها إبراهيم الزكزكي (ال توجد عالقة فكرية أو‬
‫تنظيمية بني مجاعة الزكزكي ومجاعة اإلخوان املسلمني املعروفة عامليًًّّا واليت نشأت‬
‫يف مصر وانتشرت منها‪ ،‬إمنا هو تشابه يف التسمية)‪ ،‬ومتيز خطا مجاعة الزكزكي‬
‫بالصخب واحلماسة واحلدََّّة وامليل إىل العنف وهتييج عواطف الناس ضد املخاالف‬
‫وتعنيفه‪ ،‬وضد الدولة ومؤسساهتا‪ ،‬وكان من بني الشبا املنتمني إىل تلك احلركة‪،‬‬
‫شا يُُدعى "حممد يوسف" ينحدر من قبائل "الكانوري"‪ ،‬وُُلد سنة ‪ 5923‬يف قرية‬
‫"غوشو" (‪ )Gashuwa‬بوالية "يوباي" (‪ )Yobe‬بشماا نيجرييا‪ ،‬ومل يتلقَّ تعليمًًا‬
‫نظاميًّا ‪ ،‬إمنا درس القرآن وبع الكتب الدينية‪ ،‬يف املدرسة القرآنية اليت كان والده‬
‫ًّ‬
‫(‪" )1‬أهم اجلماعات اإلسالمية يف نيجرييا"‪ ،‬موقع السكينة‪ 55 ،‬سبتمرب‪/‬أيلوا ‪( ،5155‬تاريخ‬
‫الدخوا‪ 55 :‬مارس‪/‬آتار ‪:)5152‬‬
‫‪http://www.assakina.com/center/parties/18183.html‬‬
‫‪55‬‬ ‫(‪" )2‬حياة الشيخ أبو بكر جومي"‪ ،‬موقع ملتقى أهل احلردي ‪( ،‬تااريخ الادخوا‪:‬‬
‫مارس‪/‬آتار ‪:)5152‬‬
‫‪http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=145663‬‬

‫‪56‬‬
‫يديرها‪ ،‬وظل ينش يف مجاعة "اإلخوان املسلمون" إىل عام ‪ 5994‬حني أعلن زعيم‬
‫مجاعة اإلخوان املسلمني اعتناقه املذهب الشيعي االثنا عشري يف مقابلة مع صحيفة‬
‫إيرانية(‪ ،)1‬فانقسمت مجاعته إىل عدة أقسام‪ ،‬كان أبرزها ثالث طوائف‪ :‬طائفاة‬
‫استمرت مع "الزكزكي" واعتنقت معه املذهب الشيعي‪ ،‬وطائفة أعلنت متساكها‬
‫بنهج اجلماعة التقليدي وتغيري امسها إىل "مجاعة التجدياد اإلساالمي"‪ ،‬وقطْْاع‬
‫الصلة مع "الزكزكي" وأتباعه‪ ،‬وطائفة ثالثة اقتربت من مجاعة "إزالاة" السالفية‬
‫ومنهجها‪.‬‬

‫جلور بوكو حرام وارها ا النةإأ‬


‫متكََّّن حممد يوسف كأحد القياديني الشبا يف مجاعة "اإلخوان املسالمني"‬
‫من انتهاز الفرصة‪ ،‬والتفرد بقيادة إحدى اجملموعات‪ ،‬وبدأ يتقر مان "مجاعاة‬
‫إزالة"‪ ،‬ويلقي حماضراته ودروسه يف والية يوباي‪ ،‬مث انتقل إىل والية "بورنو" اليت‬
‫يُُشكِِّّل "الكانوري" أغلبيتها‪ ،‬وتاع صيته وكثر أتباعه بني الشبا ‪ ،‬لكن "يوسف"‬
‫دخل يف خالفات مع شيوخ "مجاعة إزالة" الاذين رأوا يف منهجاه وخطاباتاه‬
‫وتصرفاته خروجًًا على هنج اجلماعة ونزوعًًا حنو العنف والتطرف‪ .‬وبدأ "يوسف"‬
‫يُؤََسِِّّس ملدرسة فكرية جديدة تقتر شيئًًا فشيئًًا من خطا املدرساة السالفية‬
‫اجلهادية‪ ،‬ومبتعدًًا عن منهج السلفية العلمية الذي تركن إليه أغلبية قيادات "حركة‬
‫إزالة"‪ ،‬وتطور اخلالف بينه وبينهم‪ ،‬إىل حدِّ اخلصومة والتنازع؛ حيث كان حمماد‬
‫يوسف يرى يف امفكار اليت يؤاخذه عليها قادة "مجاعة إزالة" أفكاارًًا جتديدياة‬
‫دعوية‪ ،‬ودخل يف تنازع مع اجلماعة على إدارة ثالثة مساجد كانوا يشاتركون يف‬

‫(‪" )1‬إبراهيم الزكزكي‪" ..‬آية اهلل" اإلفريقي"‪ ،‬اجلزيرة نت‪ 55 ،‬ديسامرب‪/‬كاانون اموا‪،‬‬
‫(تاريخ الدخوا‪ 55 :‬مارس‪/‬آتار ‪:)5152‬‬
‫‪http://www.aljazeera.net/encyclopedia/icons/2015/12/17/%D8%A5%D8%A8‬‬
‫‪%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8‬‬
‫‪%B2%D9%83%D8%B2%D9%83%D9%8A-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%‬‬
‫‪81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A‬‬

‫‪57‬‬
‫تسيريها‪ ،‬قبل أن يُُقرر حممد يوسف ومن معه االحنياز إىل مسجد ابان تيمياة يف‬
‫مايدوغري‪ ،‬وتركوا املسجدين انخرين جلماعة إزالة‪ ،‬وأصبح أتباعه يُُعرفون باسم‬
‫"اليوسفيون"‪ ،‬كما أطلقوا على أنفسهم اسم "طالبان نيجرييا"‪.‬‬
‫وقد شكََّّل االنفصاا الكلي بني حركة "إزالة" وحممد يوسف فرصاةً هلاذا‬
‫امخري للتحرير من أدبيات وهنج تلك اجلماعة اليت بات يصفها باملرجئة وعلمااء‬
‫السلطان‪ ،‬ورَسَمَ لنفسه وأتباعه طريقًًا خاصًًّّا هبم‪ ،‬ويف عام ‪ ،5115‬وقعت أحداث‬
‫احلادي عشر من سبتمرب‪/‬أيلوا يف الواليات املتحدة اممريكية‪ ،‬اليت هزت العاامل‪،‬‬
‫فشكََّّلت منعطفًًا جديدًًا يف مسرية "اليوسفيني"؛ حيث أعلن حممد يوساف امسًًاا‬
‫جديدًًا جلماعته هو "مجاعة أهل السُُّّنََّّة للدعوة واجلهاد" وبدأت خطبه يف املساجد‬
‫والتجمعات تنحو منحى تأييد تنظيم القاعدة واحلركاات السالفية اجلهادياة‪،‬‬
‫واالبتعاد عن اجملتمع‪ ،‬كما صََعَّدَ من محلته ضد التعليم النظامي‪ ،‬الذي يعتربه تعليمًًا‬
‫غربيًًّّا‪ ،‬وقد اختذ من اجملالس العلمية واملساجد ميدانًًا لنشر دعوته‪ ،‬فكانت والياة‬
‫"برنو" مركزًًا لنشاطاته ودعوته‪ ،‬وخصوصًًا مسجد "ابن تيمية" يف عاصمة الوالية‬
‫مايدوغري‪ ،‬الذي اختذ منه مرك ًزًا رئيسيًًّّا جلماعتاه‪ ،‬وكاذلك حاارة دُوْ ِكِاي‬
‫(‪ )Unguwar Doki‬ومسجد فيِزََان ومسجد مََافُوْنِِي(‪ ،)1‬وركََّّز يف بداية تأسيساه‬
‫للجماعة على الدعوة‪ ،‬وكانت الدروس واطاضرات شغله الشاغل؛ حيث يهاجم‬
‫فيها احلكومة واإلدارة والعلماء الذين يوالوهنا‪ ،‬وكذلك الصوفية‪ ،‬مث تطور اممر إىل‬
‫أن أسََّّس مع أتباعه مدارس هلم‪ ،‬من أمهها‪ :‬مدرسة مسجد ابن تيمية‪ ،‬ومدرساة‬
‫أباي هريرة‪ ،‬ومركز الطائفة املنصورة‪ ،‬وكانوا يف هذه املدارس يعتمدون منااهج‬
‫تعليمية إسالمية وفقًًا لرؤية اجلماعة وتفسريها للنصوص الدينية‪ ،‬خصوصًًا القارآن‬
‫ال عن الكتب الفقهية واللغاة العربياة‪،‬‬ ‫وفقه اجلهاد‪ ،‬وعقيدة الوالء والرباء‪ ،‬فض ً‬
‫وكانوا يفرضون فيها املظاهر الدينية‪ ،‬كلبس العمامة لألوالد‪ ،‬واحلجا للبناات‪،‬‬
‫وخالا هذه الدروس يتم تلقني الطال مبادئ احلركة ومعتقداهتا ومواقفها مان‬

‫(‪" )1‬مجاعة بوكو حرام‪ :‬نشأهتا ومبادئها وأعماهلاا يف نيجريياا"‪( ،‬تااريخ الادخوا‪:‬‬
‫‪54‬مارس‪/‬آتار ‪:)5152‬‬
‫‪http://forums.roro44.net/575789-2.html‬‬

‫‪58‬‬
‫احلكومات والتعليم النظامي والصوفية والعلماء املخالفني هلا‪ ،‬وضرورة االساتعداد‬
‫للجهاد‪ ،‬وكان حممد يوسف يعترب تلك املرحلة مرحلة إعداد للجهااد‪ ،‬وياروِِّّج‬
‫لدعوة حركته على أهنا تشكِِّّل امتدادًًا حلركة القائد عثمان دان فوديو الذي أنشاأ‬
‫خالفة يف سكوتو بشماا نيجرييا‪ ،‬وكانت دولته تعترب أكرب دولاة إساالمية يف‬
‫العشرية اموىل من القرن التاسع عشر امليالدي بشماا نيجرييا‪.‬‬
‫وينتمي أغلب عناصر اجلماعة إىل إثنية "الكانوري"(‪ ،)1‬وهي قبيلاة كابرية‬
‫تُُشكِِّّل أغلبية سكان والية بورنو بشماا نيجرييا وهلا حضور يف واليات أخارى‬
‫مثل والية "يوباي"‪ ،‬كما أن هلا امتدادات يف النيجر وتشاد والكامريون‪ ،‬ويعرفون‬
‫باسم "التبو" "والبورنو" كما يُُطلق عليهم جرياهنم من اهلوسا اسم قبائال "باريي‬
‫بريي"‪ ،‬ويُقََدََّّر عدد الكانوري مبليونني ونصف املليون نسمة‪ ،‬ويُُعرف عنها أهناا‬
‫قبائل مسلمة حمافظة يف أغلبها‪ ،‬يشتغل معظم أفرادها بالتعليم يف املدارس الدينياة‪،‬‬
‫وامعماا احلرة كالتجارة والرعي والزراعة‪.‬‬

‫من ج الجماىة‬
‫تعتمد بوكو حرام يف منهجها على املصادر التقليدية للتيار السلفي اجلهادي‪،‬‬
‫وكسائر اجلماعات فإن هلا أدبياهتا وأطروحاهتا اخلاصة هبا واليت تشكِِّّل إضاافات‬
‫حملية ملا هو مشاع من الفكر السلفي اجلهادي‪ ،‬ومن أبرز تلك الكتاب مؤلََّّاف‬
‫ملؤسِِّّس اجلماعة‪" ،‬حممد يوسف"‪ ،‬بعنوان "هذه عقيدتنا ومنهج دعوتناا"‪ ،‬وهاو‬
‫كتا استوحى كثريًًا من مضامينه من كتب شيوخ السلفية اجلهادياة يف العاامل‬
‫اإلسالمي‪ ،‬إضافة إىل كتا آخر بعنوان "جاء احلاق" لِمُؤََلِّفِِاه "عاالء الادين‬
‫الربناوي"‪ ،‬وهو اسم يُُعتقد أنه مستعار لشخص ينسب نفسه إىل والية بورنو‪ ،‬أو‬
‫ال عن عشرات امشرطة واخلطب لا "حممد يوسف"‪.‬‬ ‫قبيلة البورنو‪ ،‬فض ً‬
‫(‪ )1‬ولد اممري‪ ،‬سيدي أمحد‪" ،‬بوكو حرام والسياقات املتداخلة‪ :‬مبايعة البغدادي ومعارضة‬
‫االنتخابات"‪ ،‬مركز اجلزيرة للدراسات‪ 51 ،‬مارس‪/‬آتار ‪( ،5151‬تاريخ الادخوا‪54 :‬‬
‫مارس‪/‬آتار‪:)5152‬‬
‫‪http://studies.aljazeera.net/reports/2015/03/201532410310530116.htm‬‬

‫‪59‬‬
‫إال أن املرجع امبرز لفكر وعقيدة "بوكو حرام" هو كتا "هذه عقيادتنا‬
‫ومنهج دعوتنا"‪ ،‬الذي فصََّّل فيه حممد يوسف موقفه مان الدميقراطياة والتعلايم‬
‫النظامي واجلهاد واملعتقدات الدينياة والطارق الصاوفية والشايعة؛ فبالنسابة‬
‫ال من كتابه‪ ،‬ومسََّّاها‪" :‬الفتناة الزمنياة وصانم‬ ‫للدميقراطية‪ ،‬فقد خصص هلا فص ً‬
‫العصر"‪ ،‬حماو ًال أن يُؤََصِِّّل لذلك عرب اخلوض يف أصوا الدميقراطية؛ حيث يقاوا‪:‬‬
‫"وحنن ال نعتقد‪ ،‬وال نتعامل‪ ،‬وال نستخدم الدميقراطية؛ مهناا ماذهب الكفاار‪،‬‬
‫واتباعُُها أو التعامل معها‪ ،‬أو استخدام نظامها كفر‪ ،‬فال جيوز ملسالم أن يرشاح‬
‫نفسه‪ ،‬وال أن ينتخب غريه‪ ،‬حتت ظل النظاام الادميقراطي‪ .‬وأوا مان عَََّبَّار‬
‫بالدميقراطية هو أفالطون‪ ،‬وتعريفها‪ :‬حكم الشعب بالشعب‪ ،‬كماا أن الكلماة‬
‫رُُكِِّّبت من كلمتني يونانيتني‪ :‬أوالمها‪ :‬دموس‪ ،‬ومعناهاا الشاعب‪ ،‬وامخارى‪:‬‬
‫كراتوس‪ ،‬ومعناها احلكم أو السلطة‪ .‬قاا الشيخ حممد بن صاحل بن العثيمني وعبد‬
‫اهلل بن جربين رمحهما اهلل تعاىل‪ ... :‬وهذا يُُعد تَأْلِِيهًًا للشعب‪ ،‬فيصري الشعب هو‬
‫املشرِِّّع‪ ،‬وهو احلاكم من دون اهلل تعاىل‪ ،‬وهذه خمالفة عظمى لديننا احلنيف؛ قااا‬
‫تعاىل‪ ... :‬إِنِ الْحُكْمُ إِِالَّ لِِلَّهِ‪ ،...‬لكن الدميقراطياة تقاوا‪ :‬إِنِ احلُُكام إال‬
‫للشعب‪ ،‬فال مينعه من أن حيكمها كافر أو منافق أو فاسق حتات ظال النظاام‬
‫الدميقراطي‪ ،‬ويف هذا من اخلطر العظيم‪ ،‬والشر اجلسيم ما فيه؛ لذا فإنناا نؤكاد‬
‫وجنزم القوا بأن الدميقراطية طاغوت جيب الكفر هبا ورفضها وعدم التسليم هلا؛ إت‬
‫إنه ال يصدُقُ العبد يف إميانه إال بالكفر بالطاغوت أو ًال‪ ،‬مث باإلميان باهلل ثانيًًا‪.‬‬
‫قاا تعاىل‪ ... :‬فَمَنِ يَكْفُرِ بِِالطََّّاغُُوتِ وَيُؤِمِنِ بِِاللَّهِ فَقَدِ اسِتَمِسَكَ بِِالْعُرِوَةِ‬
‫الْوُثْقََى ‪ ،...‬والدميقراطية مذهب الكفار ودعوهتم‪ ،‬فال يصح لناا كمسالمني‬
‫ال عن العمل به وتروجيه يف أوساط املسلمني‪ ،‬فإن تصاحيح‬ ‫تصحيح مذهبهم‪ ،‬فض ً‬
‫مذهب الكفار ناق من نواق اإلسالم؛ فقد جاء أن من عقيدة أهال السانة‬
‫واجلماعة "من مل يكفِّرِ املشركني‪ ،‬أو شكَّ يف كفرهم أو صحََّّح مذهبهم كَفََارَ"‪.‬‬
‫ومما ال شك فيه أن التعامل باملنهج الدميقراطي يُُعدُّ تصاحيحًا ملاذهب الغار‬
‫النصرا ‪ ،‬وإن الغر النصرا ‪ ،‬إمنا ماا إىل هذه الوثنية اليونانية ملََّّا ضاق عليه دينه‬
‫اطرََّّف املبدََّّا‪ .‬فالفارق كبري بني اإلسالم والدميقراطية‪ ،‬أو العلمانية‪ ،‬يظهر تلك يف‬
‫‪61‬‬
‫املبدأ‪ ،‬واملنشأ‪ ،‬والطريق‪ ،‬والغاية‪ ،‬من احلريات املزعومة"(‪.)1‬‬
‫كما يَسُُوق حممد يوسف مجلة من احلريات يرى أن الدميقراطياة تُكََرِّسُُاها‬
‫وتعارض اإلسالم فيها‪ ،‬وهي‪ :‬حرية العقيدة‪ ،‬وحرية الارأي‪ ،‬وحرياة التملاك‪،‬‬
‫واحلرية الشخصية‪ ،‬وهنا يستشهد حممد يوسف ببع كالم مؤسِِّّس مجاعة الدعوة‬
‫واجلهاد يف العراق اليت حتوََّّلت الحقًًا إىل تنظيم "الدولة اإلسالمية" "أبو مصاعب‬
‫الزرقاوي"‪ ،‬والذي يقوا معلِّقًًا على الدميقراطية‪" :‬وجاءت الدميقراطية لتقوا لناا‪:‬‬
‫إن الشعب يف النظام الدميقراطي هو احلَكََم واملرجع‪ ،‬وله كلمة الفصل والبطش يف‬
‫كل القضايا‪ .‬فحقيقته يف هذا النظام الكافر الطاغويت تقوا‪ :‬ال رادَّ لقضاء الشعب‪،‬‬
‫وال مُعََقِِّّب حلكمه‪ ،‬وإليها يرجعون‪ ،‬إرادهتا مقدسة عند الدميقراطيني‪ ،‬واختيارهاا‬
‫ملزم‪ ،‬وآراؤها مقدََّّمة‪ ،‬وحكمها حكمة وعدا بزعم الكفار‪ ،‬من رفعه هذا النظام‬
‫رُُفع‪ ،‬ومن وضعه وُُضع‪ ،‬فما حرََّّمه الشعب هو احلرام‪ ،‬وما حلََّّله هو احلالا‪ ،‬وماا‬
‫رضيه قانونًًا ونظامًًا وشريعة فهو املعتَبََر‪ ،‬وما عداه فال حرمة له وال قيمة وال وزن‪،‬‬
‫وإن كان دينًًا قوميًًا‪ ،‬وشرعًًا حكيمًًا من عند ر العاملني‪ .‬وهذا الشاعار‪ ،‬أعاين‪:‬‬
‫حكم الشعب بالشعب‪ ،‬هو لُُبُّ النظام الدميقراطي‪ ،‬وجوهره وحماوره‪ ،‬وقطاب‬
‫رحاه‪ ،‬اليت تدور عليها كل قضاياه ومسائله‪ ،‬فال وجود للدميقراطياة إال باذلك‪،‬‬
‫فهذا هو دين الدميقراطية الذي يبجََّّل ويعظََّّم جهارًًا هنارًًا‪ ،‬وهذا ما يقرِِّّره منظِِّّروها‬
‫ومفكِِّّروها على رؤوس امشهاد"(‪.)2‬‬
‫مث يضيف مشدِّدًًا على موقفه الراف للدميقراطية باعتبارها مناقضة للتوحياد‬
‫ال‪" :‬إن الدميقراطية تقوم على مبدأ أن الشعب هاو مصادر‬ ‫والعقيدة السليمة‪ ،‬قائ ً‬
‫السلطات‪ ،‬مبا يف تلك السلطة التشريعية‪ ،‬ويتم تلك عن طريق انتخا ممثِِّّلني عن‬
‫الشعب‪ ،‬ينوبون عنه يف مهمة التشريع وسنِّ القوانني‪ ،‬وبعبارة أخرى؛ فإن املشرِِّّع‬
‫املطاع يف الدميقراطية هو اإلنسان وليس اهلل‪ .‬وهذا يعين أن املألوه املعبود املطااع‬

‫(‪ )1‬يوسف‪ ،‬حممد‪" ،‬هذه عقيدتنا ومنهج دعوتنا"‪ ،‬مؤسسة فرسان البالغ لإلعالم‪( ،‬تاريخ‬
‫الدخوا‪ 51 :‬فرباير‪/‬شباط ‪:)5152‬‬
‫‪http://justpaste.it/kw1z‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫من جهة التشريع‪ ،‬والتحليل‪ ،‬والتحرمي‪ ،‬هو الشعب واإلنسان واملخلوق‪ ،‬وليس اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬وهذا عني الشرك والكفر والضالا‪ ،‬ملناقضته أصاوا الادين والتوحياد‪،‬‬
‫ولتضمنه إشراك اإلنسان الضعيف اجلاهل الظامل مع اهلل سبحانه وتعاىل الاذي ال‬
‫شريك له يف ربوبيته املتضمنة خللقه‪ ،‬وتصرفه‪ ،‬وتدبريه‪ ،‬وال شريك لاه يف إهليتاه‬
‫املتضمنة لتحرميه‪ ،‬وحتليله‪ ،‬وتشريعه؛ أمرًًا وهنيًًا‪ ،‬وهو العبادة‪ .‬وال شاريك لاه يف‬
‫أمسائه وصفاته اليت تصف وتُُرشد إىل مُُلكه‪ ،‬وقدرته‪ ،‬وقهره‪ ،‬وحكمته‪ ،‬وسلطانه‪،‬‬
‫وحكمه على خلقه‪ .‬قاا تعاىل‪ ... :‬أَالَ لَهُ الْخَلْقُ وََاألْمِِررُ تَبََرارَ َ اللََّّرهُ رََبُّ‬
‫ني‪ ،‬هذا هو حقيقة التوحيد اخلالص الذي مجله خلق اهلل اخلالئق‪ ،‬وأرسل‬ ‫اْل َعَالَمِ َ‬
‫الرسل‪ ،‬وأنزا الكتب‪ ،‬وقسََّّم الناس إىل مؤمنني وكفار‪ ،‬وبه قام سوق اجلنة والنار‪،‬‬
‫لكن هؤالء املشركني جعلوا اإلنسان مع اهلل يف أخص خصائص اإلهلية‪ ،‬أال وهاو‬
‫احلكم والتشريع‪ ،‬قاا تعاىل‪ ... :‬إِنِ الْحُكْمُ إِِالَّ لِِلَّهِ أَمَرَ أََالَّ تَعِبُدُُوا إِِالَّ إِِيََّّاهُ ذَلِكَ‬
‫الدييينُ الْقَيمُ وَلَكِِنَّ أَكْثَرَ النََّّاسِ الَ يَعِلَمُُونَ‪.)1(‬‬
‫كما يؤكد رفضه ملبدأ حرية التدين املكفوا مبوجب النظاام الادميقراطي‪،‬‬
‫ال‪" :‬تقوم الدميقراطية على مبدأ حرية التدين؛ فللمرء يف ظل امنظمة الدميقراطية‬ ‫قائ ً‬
‫أن يعتقد ما شاء‪ ،‬ويتدين بالدِِّّين الذي يشاء‪ ،‬ويرتد إىل أي دين وقتما يشاء‪ ،‬وإن‬
‫كان هذا االرتداد مؤداه إىل اخلروج عن دين اهلل تعاىل إىل اإلحلاد وعبادة غاري اهلل‬
‫عز وجل‪ ،‬وهذا أمر ال شك يف بطالنه وفساده ومغايرته لكاثري مان النصاوص‬
‫الشرعية‪ ،‬اليت تؤكد على أن املسلم لو ارتد عن دينه وشريعته إىل الكفر فحكمه يف‬
‫اإلسالم القتل"(‪.)2‬‬
‫مث يضيف حممد يوسف موضحًًا موقفه من الربملانيني املنتخابني يف الانظم‬
‫الدميقراطية‪ ،‬وكذلك موقفه من بع الشكليات القانونية اليت حتكم التشاريع يف‬
‫نيجرييا‪ ،‬فيقوا‪" :‬تلك مهنم‪ ،‬أي الربملانيني‪ ،‬شرعوا من الدين ما مل يأتن باه اهلل‪،‬‬
‫فإن نظام التشريع يف حكم الدماء وامعراض واممواا من الدين‪ ،‬فالذين يتبعاون‬
‫النظام التشريعي‪ ،‬ويتحاكمون إىل الطواغيت؛ مشركون‪ ،‬فالربملاانيون والناوا‬
‫(‪ )1‬يوسف‪ ،‬حممد‪" ،‬هذه عقيدتنا ومنهج دعوتنا"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫مجعوا بني تأليه أنفسهم‪ ،‬والشرك باهلل‪ ،‬من هلم عصا (‪ )Mace‬يعبدوهنا بأنواع من‬
‫التعظيم‪ ،‬كاالحنناء واخلضوع والتذلل واطبة ويتأهلوهنا بالنظام؛ مهنم ال ينظماون‬
‫أي نظام‪ ،‬وال يقررون بأي قرار بدوهنا‪ ،‬وإتا حكموا أو نظموا بادوهنا ال تُُقبال‬
‫قراراهتم‪ ،‬وال حرمة حلكمهم بدون هذه العصا"‪ ،‬ويغاوص يف احلالاة النيجريياة‬
‫ليقوا‪ :‬إن النظام املعموا به يف نيجرييا "يفضِِّّل اطاكم القانونياة علاى اطااكم‬
‫الشرعية‪ ،‬ويضعوهنا يف املرتبة العليا من حيث درجات التقاضي"(‪.)1‬‬
‫وبناء على رؤيته ملا عليه احلكومات النظامية خصوصًًا يف بلده نيجرييا يرف‬
‫االعتراف هبا ويقوا‪" :‬ودعوتنا ترف العمل حتت احلكومة اليت حتكم بغري ما أنزا‬
‫اهلل‪ ،‬من القانون الفرنسي‪ ،‬أو القانون اممريكي‪ ،‬أو القاانون الربيطاا ‪ ،‬أو أي‬
‫دستور ونظام خيالف اإلسالم‪ ،‬ويناق الكتا والسُُّّنََّّة؛ من قبوا العمل حتت مثل‬
‫هذه احلكومة الكافرة من مجلة الطاعة املطلقة لنظامها‪ ،‬واالتفااق معهاا علاى‬
‫قواعدها الشركية"‪ ،‬كما يرف حممد يوسف رفضًًا قاطعًًا دعوات الكاثري مان‬
‫علماء املسلمني قدميًًا وحديثًًا ملنع اخلروج على احلاكم بالقوة حىت ولو كان غاري‬
‫مسلم‪ ،‬ويضيف‪" :‬وقد قاا بعضهم ما هو أكرب شناعة وسخفًًا من هذا يف بالدنا‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬ال جيوز اخلروج حىت ولو كان احلاكم كافرًًا‪ ،‬جتب طاعته وال شك أن هذا‬
‫من مجلة عقائد املرجئة‪ ،‬وكذلك املتصوفة والرافضة‪ ،‬الذين يفرحاون ويترمحاون‬
‫للحكام الكفرة الذين يقتلون أهل السُُّّنََّّة واجلماعة علنًًا جهارًًا هنا ًرًا"(‪.)2‬‬
‫ويسحب حممد يوسف موقفه من احلكومة علاى امجهازة التابعاة هلاا‬
‫خصوصًًا أجهزة اممن واجليش واإلدارة‪ ،‬ويََتَّكِِئ هنا على فتاوى لعاامل الادين‬
‫اليمين السلفي "مقبل بن هادي الوادعي"‪ ،‬يقوا فيها‪" :‬أنصح كل أخ أال يرتكب‬
‫حرامًًا بالدخوا يف الوظيفة‪ ،‬ففيه ما هو أعظم من حلق اللحية‪ ،‬فحلاق اللحياة‬
‫حمرََّّم وال جيوز‪ ،‬إنك ستخضع للقانون‪ ،‬وختضع للنظام‪ ،‬وهاذا خضاوع لغاري‬
‫اهلل"(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬يوسف‪ ،‬حممد‪" ،‬هذه عقيدتنا ومنهج دعوتنا"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬


‫(‪ )2‬املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫كما يعترب حممد يوسف يف كتابه‪ ،‬الذي يُمََثِِّّل دستور اجلماعة‪ ،‬أن مبدأ حرية‬
‫التجمعات وامحزا يناق الدين اإلسالمي؛ إت يقوا‪" :‬تقوم الدميقراطية علاى‬
‫مبدأ تشكيل التجمعات وامحزا السياسية وغريها‪ ،‬أيًًّّا كانت عقيادة وأفكاار‬
‫وآراء وأخالقية هذه امحزا ‪ .‬وهذا مبدأ باطل شرعًًا‪ ،‬وتلك من أوجه‪ ،‬منها‪ :‬أنه‬
‫يتضمن اإلقرار واالعتراف طوعًًا من غري اإلكراه بشرعية امحزا واجلماعاات‪،‬‬
‫بكل اجتاهاهتا الكفرية والشركية‪ ،‬وأن هلا احلق يف الوجاود‪ ،‬ويف نشار باطلاها‬
‫وكفرها وفسادها يف البالد وبني العباد‪ ،‬وهذا مناق لكثري من النصوص الشرعية‪،‬‬
‫اليت تثبت على العبد يف تعامله مع املنكر والكفر؛ إنكاره وتغيريه‪ ،‬وليس اإلقارار‬
‫واالعتراف بشرعيته"(‪.)1‬‬
‫وانطالقًًا من موقفه من الدميقراطية والقوانني الوضعية يسوق حممد يوساف‬
‫ال‪:‬‬
‫حكمه على الدولة اليت تعتمد النهج الدميقراطي‪ ،‬وعلى اجليش والشرطة‪ ،‬قاائ ً‬
‫"ودعوتنا ترف العمل حتت احلكومة اليت حتكم بغري ما أنزا اهلل‪ ،‬مان القاانون‬
‫الفرنسي‪ ،‬أو القانون اممريكي‪ ،‬أو القانون الربيطا ‪ ،‬أو أي دستور ونظام خيالف‬
‫اإلسالم‪ ،‬ويناق الكتا والسنة؛ من قبوا العمل حتت مثال هاذه احلكوماة‬
‫الكافرة من مجلة الطاعة املطلقة لنظامهاا‪ ،‬واالتفااق معهاا علاى قواعادها‬
‫الشركية"(‪.)2‬‬
‫ويستطرد بذكر مجلة من اممور يعتقد أهنا من الكفر البواح الاذي ترتكباه‬
‫الدولة‪ ،‬ويُُربِِّّر اخلروج عليها "ومن الكفر البواح؛ تعطيل احلادود‪ ،‬كحادِّ الزناا‬
‫وشر اخلمر والسرقة والقذف وحنو تلك‪ ،‬وإلغاء القصاص الاوارد يف الكتاا‬
‫والسُُّّنََّّة‪ ،‬واستبداا تلك بآراء بع املالحدة اجلاهلية‪ ،‬قبََّّحهم اهلل‪ .‬ومان الكفار‬
‫البواح أن يفشو وينتشر الزنا‪ ،‬والرِِّّبا‪ ،‬والقمار‪ ،‬والرشوة‪ ،‬وحنو تلك‪ .‬ومن الكفار‬
‫البواح اإلصرار على خل النساء مع الرجاا يف كل مكان ودائرة عمدًًا وقصادًًا‪،‬‬
‫على أنه هو اممثل وامحسن‪ .‬ومن الكفر البواح أيضًًا؛ التضييق على بع امفراد‬
‫يف حاا تأديتهم لبع العبادات‪ ،‬كالصلوات وحنوها‪ ،‬فهذا كله من الكفر البواح‪،‬‬

‫(‪ )1‬يوسف‪ ،‬حممد‪" ،‬هذه عقيدتنا ومنهج دعوتنا"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬


‫(‪ )2‬املرجع السابق‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫وقد قاا أبوبكر رضي اهلل تعاىل عنه يف هذا املقام‪ :‬أطيعو ما أطعت اهلل فايكم‪،‬‬
‫فإن عصيته فال طاعة يل عليكم‪ ،‬فهذا هو سيد اخللفاء واممراء ينص بالقوا علاى‬
‫ما فهمه من الكتا والسُُّّنََّّة ال كما يفهم اجلَهََلة يف هذه اميام‪ ،‬من قوهلم‪ :‬اخلروج‬
‫ال جيوز إال بالردة فق ‪ ،‬وتلك كالسجود للصنم‪ ،‬أو تقلد الصليب‪ ،‬فهذا القاوا‬
‫من هؤالء يف غاية السخف"(‪.)1‬‬

‫بوكو حرام والجع يم النظامي‬


‫فََصََّّل حممد يوسف يف كتابه "هذه عقيدتنا ومنهج دعوتنا" موقف اجلماعاة‬
‫من التعليم النظامي‪ ،‬الذي أخذت منه امسها اإلعالمي "بوكو حرام"‪ ،‬أي التعلايم‬
‫الغرباي حرام بلغة اهلوسا؛ حيث جيزم حممد يوسف حبرمة هذا التعليم وخمالفتاه‬
‫للدين اإلسالمي‪ ،‬ويُبََرِِّّر تلك بالقوا‪" :‬إن املسيحيني املنصِِّّرين واملستعمِِرين هام‬
‫الذي أسََّّسوا هذه املدارس منذ أيام االستعمار لتخدم غايتاهم يف تنصاري امماة‬
‫املسلمة ونشر املسيحية يف صفوف أفرادها‪ .‬إن كثريًًا من الناس أُُشربت يف قلوهبم‬
‫حب هذه املدارس الكفرية بسبب حب الدنيا‪ ،‬وحىت ال يرون ما فيها من خمالفات‬
‫الشرع‪ ،‬تارة يدََّّعون الضرورة‪ ،‬وتارة يفرِِّّقون بني املدارس التنصريية واحلكومياة‪،‬‬
‫وهذا يدا على جهلهم بالتاريخ االستعماري‪ ،‬واملدارس الكفرية؛ مهناا أوا ماا‬
‫بدأت ليس هلا معلمون إال املنصرون‪ ،‬وهم املنظِِّّماون لشاؤوهنا‪ .‬وملاا ارحتال‬
‫املستعمرون وتركوا املسلمني على الكفر الذي محلوهم علياه‪ ،‬قاام املواطناون‬
‫بتدريس هذه العلوم اليت جاء هبا املستعمرون بادون أي متيياز مان الزياادة أو‬
‫النقصان‪ ،‬إهنا التنصري بنفسها‪ ،‬لذلك قاا الشيخ "بكر بن عبد اهلل أباو زياد" يف‬
‫كتابه "املدارس العاملية امجنبية االستعمارية‪ :‬تارخيها وخماطرها"‪ :‬إن عاددًًا مجًًّّاا‬
‫غفريًًا من املصلحني الغيورين من العلماء وغريهم يف شىت أقطار العامل اإلسالمي يف‬
‫اململكة‪ ،‬ومصر‪ ،‬والسودان‪ ،‬والعراق‪ ،‬والشام بأقسامه امربعة‪ ،‬ويف تركيا‪ ،‬واهلند‪،‬‬
‫والباكستان‪ ،‬ويف الكويت‪ ،‬واإلماارات‪ ،‬ويف املغار بوالياتاه امرباع‪ ،‬ويف‬

‫(‪ )1‬يوسف‪ ،‬حممد‪" ،‬هذه عقيدتنا ومنهج دعوتنا"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪65‬‬
‫إندونيسيا‪ ،‬وماليزيا‪ ،‬وغريها؛ أعلنوا موقفهم اإلسالمي الصاريح مان املادارس‬
‫املقطوعة الصلة باإلسالم عقيدة‪ ،‬ومنهاجًًا‪ ،‬ولغة‪ ،‬وتارخيًًا (املدارس االساتعمارية‬
‫امجنبية)‪ ،‬اليت افتُُتحت يف بالد املسلمني لتكون حماضن مجياا املسلمة‪ ،‬حماذِِّّرين‬
‫منها‪ ،‬ومن إدخاا أوالد املسلمني فيها‪ ،‬مبيِِّّنني خماطرها على اممة اإلساالمية يف‬
‫حاضرها ومستقبلها‪ ،‬وأهنا معاقل للخيانة باملسلمني باساتعمار أجيااهلم عقاديًًّّا‬
‫وفكريًّا وثقافيًًّّا‪ ،‬وما يف تلك من تذويب للشخصية اإلسالمية وتشاكيل الفكار‬ ‫ًّ‬
‫والعقل ملا يرفضه اإلسالم‪ ،‬وأهنا حقًًّّا (البيت املظلم)‪ ،‬وأهنا حر جلية فكرية من‬
‫عُُبََّّاد الصليب‪ ،‬أعمق من حروهبم الصليبية املسلحة"(‪.)1‬‬
‫ويُُجمل حممد يوسف موقفه من التعليم الغرباي بالقوا‪" :‬إن نظام التعلايم‬
‫ال‪" :‬ومل خيرجوا مان‬ ‫الغرباي يتعارض مع تعاليم اإلسالم"‪ ،‬ويفصِِّّل يف تلك قائ ً‬
‫بالد املسلمني (يقصد املستعمرين) إال بعدما غيََّّروا الدِِّّين‪ ،‬وعطََّّلوا املناهج العلمياة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ودََسُُّّوا مناهجهم‪ ،‬فكان أوا وأكرب مسومهم الايت بثوهاا يف امماة‬
‫اإلسالمية؛ هي املدرسة‪ ،‬اليت هي أَشََرُّ ما غَزََوا به الفكر والثقافة‪ ،‬وبادََّّلوا معاامل‬
‫الدين‪ ،‬وربََّّوا أوالد املسلمني منذ نعومة أظفارهم‪ ،‬مان الروضاة إىل االبتدائياة‬
‫واملتوسطة والثانوية والكلية‪ ،‬على ترك دينهم‪ ،‬ال فرق يف تلك بني مدرسة التنصري‬
‫وغري التنصري‪ ،‬اليت حتمل لواءها احلكومات اليت أُسِِّّست من قِِبل املستعمرين يف بالد‬
‫املسلمني"(‪.)2‬‬
‫ويرى حممد يوسف أن املناهج التعليمية الغربية املطبََّّقة يف التعليم النظامي يف‬
‫بالده "تضمََّّنت خمالفات للشرع‪ ،‬مما حيرم ممارستها وإعانتها ودراستها وتدريسها"‪،‬‬
‫مضيفًًا‪" :‬سنذكر شيئًًا منها فيما يلى‪ :‬أو ًال‪ :‬نشر املذاهب اهلدامة كا "الفَرْْدوية"‪،‬‬
‫والداروينية‪ ،‬واملاركسية‪ ،‬والقوا بتطور اخللاق (ليفيربيال)‪ ،‬وبتطاور اجملتماع‬
‫(دوركامي)‪ ،‬والتركيز على الفكر الوجودي والعلما ‪ ،‬واحلرية املزعوماة‪ ،‬فهاذا‬
‫خيالف النصوص الشرعية اليت تركِِّّز على اتِِّّباع أفكار امنبياء والشريعة اطمدياة"‪،‬‬
‫ال‪ :‬إهناا تنااق‬
‫ويواصل سرد العديد من النظريات والفرضيات اليت تُُدرََّّس‪ ،‬قائ ً‬
‫(‪ )1‬يوسف‪ ،‬حممد‪" ،‬هذه عقيدتنا ومنهج دعوتنا"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫اإلسالم وتصطدم به وبنصوصه القرآنية والدينية اليت أورد العديد منها يف كتاباه‪،‬‬
‫مثل‪" :‬نشر الدهرية‪ .‬إهنم يقولون بقوا الدهريني‪ ...‬فهؤالء يؤمنون بأن امشاياء‬
‫منشأها الطبيعة"‪ ،‬وهذا ما يعتربه الكفر بعينه؛ منه "ال خالق وال مدبِِّّر وال حمياي‬
‫وال مميت إال اهلل سبحانه وحده‪ ،‬فهذه النظرية نظرية اإلشراك بااهلل تعااىل"‪ ،‬مث‬
‫يتطرق لبع االستنتاجات العلمية اليت يرى أن القوا هبا كفر وأهناا تُُادرََّّس يف‬
‫املناهج التعليمية‪ ،‬مثل‪" :‬اعتقادهم أن الشمس واقفة ال تتحرك وال جتاري‪ ،‬وإمناا‬
‫امرض هي اليت تدور فتطوف بالشمس"‪ ،‬مث يتطرق ملا يسمِِّّيه التشابه بااليهود‬
‫والنصارى يف الزي وامللبس والسلوك يف املدارس النظامية‪.‬‬
‫ويضيف حممد يوسف منكرات أخرى يعتربها مربِّرًًا ملوقفه مان املادارس‬
‫النظامية‪ ،‬ومنها‪" :‬االختالط بني الرجاا والنساء الذي هو حمرََّّم يف ديننا اإلسالمي‪،‬‬
‫والرياضات املشغِِلة عن الدِِّّين‪ ،‬ككرة القدم‪ ،‬وكرة اليد‪ ،‬ومسابقات اموملبياك‪،‬‬
‫وغريها‪ ،‬وسفر املرأة وحدها بدون حمرم وال زوج‪ ،‬وانتشار الفواحش والرتائال‬
‫كالزنا‪ ،‬والسحاق‪ ،‬واللواط‪ ،‬وغريها"‪ ،‬ويقرر يف النهاية أنه يَحْرُمُ على املسالمني‬
‫إرساا أوالدهم إىل تلك املدارس مناديًًا "بوجو إعالن إنكارها والرباءة مناها‪،‬‬
‫وحترمي اإلتن بفتحها"‪.‬‬

‫مو ف الجماىة من الةيعة الجعفرية‬


‫ينظر أتباع مجاعة بوكو حرام إىل الشيعة خصوصًًا أتباع املذهب اجلعفاري‬
‫االثين عشري‪ ،‬الذي انتشر يف عدد من مسالمي نيجريياا علاى ياد الشايخ‬
‫"الزكزكي"‪ ،‬باعتبارهم فئة ضالََّّة كافرة‪ ،‬جتب حماربتها‪ ،‬وخيوض حممد يوسف من‬
‫خالا كتابه "هذه عقيدتنا ومنهج دعوتنا" الذي تعتمده اجلماعة مرجعًًا هلاا‪ ،‬يف‬
‫معتقدات الشيعة باسطًًا القوا يف الرد عليها وانتقادها ومهامجتها‪ ،‬معتاربًًا تلاك‬
‫يدخل يف صميم دعوة اجلماعة‪ ،‬وأهدافها‪ ،‬حيث يقوا‪" :‬ومن منهج دعوتنا‪ ،‬أنناا‬
‫نرد على الرافضة‪ ،‬الشيعة االثين عشرية اجلعفرية (اجملوسية(؛ مننا نعتقد أن فضاح‬
‫عقيدة الشيعة وكشف أسرارهم والرباءة منهم من صميم عقيادة أهال السانة‬
‫واجلماعة؛ من الشيعة "االثين عشرية اجلعفرية" املعروفة باا (الرافضاة) كاانوا‬
‫‪67‬‬
‫يطلقون اسم الشيعة على أنفسهم يف الزمن احلاضر‪ ،‬ويقتصارون عليهاا‪ ،‬حاىت‬
‫خدعوا كثريًًا من املسلمني بتسميتهم أنفسهم با "شيعة علايٍّ"‪ ،‬واممار علاى‬
‫خالف تلك‪ ،‬إهنم الرواف عند أهل احلق‪ ،‬ومحيتهم جموسية‪ ،‬وأصلهم من اليهود‪،‬‬
‫وليس من اإلسالم البتََّّة‪ ،‬إهنم كفروا باهلل ورسوله"‪.‬‬
‫وخيوض حممد يوسف يف معتقدات الشيعة االثين عشرية‪ ،‬بشأن اهلل والرسوا‬
‫ال‪ :‬إهنم "يعتقدون أن القرآن‬ ‫صلََّّى اهلل عليه وسلََّّم‪ ،‬وعقيدهتم يف القرآن الكرمي‪ ،‬قائ ً‬
‫حمرََّّف ومبدََّّا دخل فيه نقص وزيادة‪ ،‬بل إن القرآن الذي بأيدينا ليس هو القارآن‬
‫املنزََّّا من عند اهلل تعاىل‪ ،‬هذه عقيدة االثنا عشرية اجلعفرية‪ ،‬وإن أنكاروه تقياة‬
‫وخداعًًا وكذبًًا‪ .‬وقد مجع حمدِِّّثهم النوري الطربسي" كتابًًا ضخم احلجام مسََّّااه‬
‫"فصل اخلطا يف إثبات حتريف كتا ر ِّ امربا " مجع فيه أكثر مان ألفاي‬
‫رواية تنص على التحريف والتبديل والنقص والزيادة‪.‬‬
‫ال‪" :‬إهنم يارون أن‬ ‫كما يتطرق لعقيدة الشيعة االثين عشرية يف اإلمامة‪ ،‬قائ ً‬
‫اإلمامة أعظم ركن من أركان اإلسالم‪ ،‬روى الكُلَيْْين بسنده عن أبااي جعفار‪،‬‬
‫قاا‪ :‬بُُين اإلسالم على مخس‪ :‬على الصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصوم‪ ،‬واحلج‪ ،‬والوالية"‪.‬‬
‫ال‪:‬‬
‫كما يتهم حممد يوسف الشيعة االثين عشرية بِسََبِّ الصحابة والتعري هبم‪ ،‬قائ ً‬
‫"إن هؤالء اجملوس كانوا يكفِِّّرون ويسبون أصحا الرسوا صلََّّى اهلل عليه وآلاه‬
‫وسلََّّم‪ ،‬حقدًًا وحسدًًا وكُُفرًًا بآيات اهلل‪ ،‬خصوصًًا أبا بكر‪ ،‬وعمار‪ ،‬وعثماان‪،‬‬
‫وعائشة‪ ،‬وحفصة‪ ،‬وأبا هريرة‪ ،‬ومعاوية‪ ،‬رضوان اهلل عليهم أمجعاني‪ ،‬وهاؤالء‬
‫اجملوس يرون أن الصحابة ارتدُُّّوا بعد النباي صلََّّى اهلل عليه وسلََّّم إال ثالثة! كماا‬
‫روى الكُلََيين عن أباي جعفر أنه قاا‪ :‬كان الناس أهل رِِدََّّة بعد النباي صلََّّى اهلل‬
‫عليه وسلََّّم إال ثالثة‪ ،‬فقلتُُ‪ :‬ومن الثالثة؟ قاا‪ :‬املقداد بان امساود‪ ،‬وأباو تر‬
‫الغفاري‪ ،‬وسلمان الفارسي‪ ،‬رمحة اهلل وبركاته عليهم"(‪.)1‬‬
‫ال‪" :‬إن الشيعة االثين‬ ‫كما يتهمهم مبعاداة أهل السُُّّنََّّة واجلماعة وتكفريهم‪ ،‬قائ ً‬
‫عشرية اجلعفرية؛ يرون أن العدو الوحيد عندهم هم أهل السُُّّنََّّة‪ ،‬ولذا وصافوهم‬
‫بأوصاف‪ ،‬ومسوهم بأمساء؛ كالعامة‪ ،‬والنواصب‪ ،‬ويرون أهل السُُّّنََّّة جناسة العاني‪،‬‬
‫(‪ )1‬يوسف‪ ،‬حممد‪" ،‬هذه عقيدتنا ومنهج دعوتنا"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫ولو اغتسل ألف مرة ملا طهر‪ ،‬وملا تهبت عنه جناسته‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن النواصب (أي‬
‫أهل السُُّّنََّّة) حالا الدم‪ ،‬فإن قدرت أن تقلب عليه حائطًًا‪ ،‬أو تغرقه يف ماء لكي ال‬
‫يشهد به عليك‪ ،‬فافعل"‪ .‬وخيلص إىل القوا‪ :‬إن "عقائدهم الفاسدة اجملوسية أكثار‬
‫من أن تعد وحتصى‪ ،‬فهم خالفوا الكتا ‪ ،‬واختلفوا يف الكتا ‪ ،‬عقيدهتم عقيادة‬
‫أجدادهم اجملوس‪ ،‬وآراؤهم آراء أئمتهم اليهود"(‪.)1‬‬
‫وانطالقًًا من هذا املوقف كانت جتمعات الشيعة يف مشااا نيجريياا هادفًًا‬
‫هلجمات مسلحي مجاعة بوكو حرام‪ ،‬واليت كان من أشهرها اهلجوم االنتحااري‬
‫الذي نفََّّذه املدعو أبو سليمان امنصاري يف شهر نوفمرب‪/‬تشرين الثا عام ‪،5151‬‬
‫واستهدف موكًبًا للشيعة يف مدينة كانو بشماا البالد وأسفر عن مقتل قراباة ‪55‬‬
‫شخصًًا‪.‬‬

‫بوكو حرام وال وفية‬


‫وبذات النظرة اليت ينظرون هبا إىل الشيعة ينظر أتباع مجاعة بوكو حارام إىل‬
‫الصوفية وأتباع الطرق الصوفية‪ ،‬الذين يُُصنِِّّفوهنم ضمن "الفرق الضََّّالََّّة"؛ حياث‬
‫ال من كتابه للصوفية حتت عنوان "التحذير مان‬ ‫ال كام ً‬
‫خصََّّص حممد يوسف فص ً‬
‫الصوفية"‪ ،‬متحدِّثًًا عمََّّا مساه‪ :‬استغاثتهم بشيوخهم وتقديسهم هلم‪ ،‬كما اهتمهام‬
‫باالعتقاد بوحدة الوجود‪ ،‬أي إنه ال خالق وال خملوق‪ ،‬وإمنا اجلميع خالق واجلميع‬
‫خملوق‪.‬‬
‫ويقوا‪" :‬ودعوتنا حتذِِّّر املسلمني من اعتقاد عقائد الصاوفية‪ ،‬وختاالفهم يف‬
‫املنهج والسلوك‪ ،‬وحنن نسلك مسلك السلف الصاحلني يف تربية النفس والارُُّّوح‪،‬‬
‫وامدعية وامتكار‪ ،‬والصوفية من الفرق الضالة"(‪.)2‬‬
‫ويُفََصِِّّل حممد يوسف يف الفرق الصوفية‪ ،‬قبل أن يُُجملها بوصف الضاالا‬
‫ال‪" :‬والصوفية فرق متعددة‪ ،‬كالتجانية‪ ،‬والقادرية‪ ،‬والنقشابندية‪ ،‬والشااتلية‪،‬‬ ‫قائ ً‬
‫والرفاعية‪ ،‬وغريها من الطرق اليت يدََّّعي كل منها أنه على حق وغريه على باطل‪،‬‬

‫(‪ )1‬يوسف‪ ،‬حممد‪" ،‬هذه عقيدتنا ومنهج دعوتنا"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬


‫(‪ )2‬املرجع السابق‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫واإلسالم ينهى عن التفرق؛ قاا اهلل تعاىل‪ :‬وَالَ تَكُُونُُوا كََالَّذِِينَ تَفََرَّقُُوا وََاخِتَلَفُُوا‬
‫مِنِ بَعِدِ مََا ََاءْهُمُ الْبَينََاتُ وَأُُولَئِكَ لَُُمِ عَذََابٌ عَظِِيمٌ * يَوِمَ تَبِيََضُّ وُ ُُوهٌ وَتَسِوََدُّ‬
‫وُ ُُوهٌ فَأََمََّّا الَّذِِينَ اسِوََدَّتِ وُ ُُوهُُُمِ أَكَفَرِتُمِ بَعِدَ إِميََانِكُمِ فَذُُوقُُوا الْعََرذََابَ بِمََرا‬
‫كُنِتُمِ تَكْفُرُُونَ * وَأََمََّّا الَّذِِينَ ابِيََضَّتِ وُ ُُوهُُُمِ فَفِِي رَحِمَةِ اللَّهِ هُمِ فِِيََُا خََالِدُُونَ‬
‫* تِلْكَ آيََاتُ اللَّهِ نَتِلُُوهََا عَلَيِكَ بِِالْحَقي وَمََا اللَّهُ يُرِِيردُ ُُلْمًًرا لِلْعََرالَمِنيَ‪[ ‬آا‬
‫عمران‪.]511-511 :‬‬
‫مث إن بع الصوفية ال يزورون شيوخ الطريقة‪ ،‬اليت ختالف طريقة شيخهم‪،‬‬
‫وال يأخذون أوراد شيوخ خالفوا أوراد شيخهم‪ ،‬وما إىل تلك من أنواع التفرق‪.‬‬
‫ويتوغل حممد يوسف منظِِّّر ومُؤََسِِّّس بوكو حرام يف معتقدات الصاوفية شاارحًًا‬
‫ال‪" :‬الصوفية تعتقد أن هنااك أبادا ًال‪،‬‬ ‫ومربِّرًًا حكمه عليهم بالكفر والضالا‪ ،‬قائ ً‬
‫وأقطابًًا‪ ،‬وأولياء؛ سلََّّم اهلل هلم تصريف اممور‪ ،‬وتدبريها حىت يارون أن هلاؤالء‬
‫الشيوخ تأثريًًا‪ ،‬حىت بعد مماهتم وهم جثة يف قبورهم‪ ،‬مع أن هذا حاق اهلل تعااىل‬
‫وحده‪ ...‬والصوفية يلجؤون إىل غري اهلل عند نزوا املصاائب؛ يهتفاون بأمسااء‬
‫شيوخهم واهلل تعاىل يقوا‪ :‬وَإِنْ يَمِسَسِكَ اللَّهُ بِضُُرٍّ فَالَ كََاشِفَ لَهُ إِِالَّ هُوَ وَإِنْ‬
‫يَمِسَسِكَ بِخَيِرٍ فَُُوَ عَلََى كُُلِّ شَيِءٍ قَدِِيرٌ‪[ ‬امنعام‪ .]53 :‬وقاا تعاىل‪ ... :‬ثُُرمَّ‬
‫إِذََا مََسَّكُمُ الضُُّّرُّ فَإِلَيِهِ تَجِأَرُُونَ‪[ ‬النحل‪ .]17 :‬وبع الصوفية يعتقدون بوحادة‬
‫الوجود؛ فليس عندهم خالق وخملوق‪ ،‬فالكل خلق والكل إله‪ ...‬والصوفية يراقبون‬
‫شيوخهم من دون اهلل؛ يُُطلب من املريديني أن يتصوروا شيوخهم عندما يذكرون‬
‫اهلل‪ ،‬حىت يف صالهتم‪ ،‬وحىت إهنم يضعون الصور أمامهم يف الصالة‪ ،‬ويساجدون‬
‫هلم‪ ،‬ومن الصوفية من يدََّّعي أن عبادته ال تكون خلوف النار وال لطمع يف اجلنة‪.‬‬
‫وكاان تاكاارًا هلل حبًًّّااا لذاتااه‬
‫بال خاوف ناريان وال قصاد جناة‬
‫سبحانك هذا هبتان عظيم! وهذا جهل حلقيقة دين اهلل‪ ،‬وعادم معرفاة اهلل‬
‫تعاىل؛ من اهلل سبحانه وتعاىل ميدح أنبياءه الذين يدعونه رغبًًا ورهبًًاا؛ فيقاوا‪:‬‬
‫‪ ...‬إِِنَُُّمِ كََانُُوا يُسََارِعُُونَ فِِي الْخَيِرََاتِ وَيَدِعُُونَنََا رَغَبًًا وَرَهَبًًرا وَكََرانُُوا لَنََرا‬
‫خََاشِعِنيَ‪[ ‬امنبياء‪ .]91 :‬وقاا تعاىل‪ :‬أََمَّنِ هُوَ قََانِتٌ آنََاءْ اللَّيِلِ سََا ِدًًا وَقََائِمًًرا‬
‫‪71‬‬
‫يَحِذَرُ اآلخِرَةَ وَيَرِ ُُو رَحِمَةَ رَبيهِ قُلْ هَلْ يَسِتَوِِي الََّّرذِِينَ يَعِلَمُُرونَ وََالََّّرذِِينَ الَ‬
‫يَعِلَمُُونَ إِِنَّمََا يَتَذََكَّرُ أُُولُُوا األْلْبََابِ‪[ ‬الزمر‪.]9 :‬‬
‫والصوفية ترى الرقص‪ ،‬والدُُّّفََّّ‪ ،‬والسماع‪ ،‬ورفع الصوت بالذكر قرباة إىل‬
‫اهلل تعاىل؛ وهذا جهل حم ‪ ،‬واهلل تعاىل يقوا‪ :‬وََاذْكُرِ رََبَّكَ فِِي نَفْسِكَ تَضََررُّ ًعًا‬
‫وَخِِيفَةً وَدُُونَ الْجَُِرِ مِنَ الْقَوِلِ بِِالْغَدُوي وََاآلصََرالِ وَالَ تَكُُرنِ مِِرنَ الْغََرافِلِنيَ‪‬‬
‫[امعراف‪ .]511 :‬ويقوا عليه الصالة والسالم‪" :‬يا أيها النااس أربعاوا علاى‬
‫أنفسكم فإنكم ال تدعون أصمَّ وال غائبًًا‪ ،‬إنكم تدعون مسيعًًا قريبًًا وهو معكام"‪،‬‬
‫والصوفية تدََّّعي علم الغيب والكشف لشيوخهم وأوليائهم املزعومة‪ ،‬وهذا خيالف‬
‫النصوص الشرعية‪ ...‬ومن معتقداهتم؛ أن اهلل خلق حممدًًا من نوره‪ ،‬وخلق من نوره‬
‫(أي من نور حممد) مجيع امشياء"(‪.)1‬‬
‫ومن الطريقة التيجانية هي أكثر الطرق الصوفية انتشارًًا باني املسالمني يف‬
‫نيجرييا ويف منطقة غر إفريقيا عمومًًا‪ ،‬خصََّّص هلا حممد يوساف جانبًًاا مان‬
‫ال‪" :‬وطريقة الصوفية اليت انتشرت يف بالدنا وصارت كالوباء يف اممة‪،‬‬ ‫هجومه قائ ً‬
‫واليت هي من أشد الفرق الصوفية كفرًًا وضال ًال هي الطريقة التجانية"‪ ،‬ويُُهااجِِم‬
‫مُؤََسِّسََها أمحد التجا ‪ ،‬مُُتَّهِمًًا إياه بالضالا‪ ،‬متحدثًًا عن ساريته‪ ،‬مُوََجِّهًًاا إلياه‬
‫ومتباعه العديد من التهم‪.‬‬

‫ال يك ة الجنظيمية لـ "بوكو حرام"‬


‫تعتمد مجاعة بوكو حرام يف هنجها الساعي إىل حتقيق مبادئها مجلة وساائل‬
‫ترى أهنا ستقود إىل إقامة الدولة اإلسالمية واجملتمع اإلسالمي املنشود من طرفهاا‪،‬‬
‫ال عن خطباها ومنشاوراهتا‬ ‫وما متت ترمجته من خطبها بالكانوري واهلوسا‪ ،‬فض ً‬
‫باللغة العربية‪ ،‬تقود كلها إىل احلث على ضرورة إنشاء مجاعة منظمة تكون ناواة‬
‫للدولة املنشودة‪ ،‬وضرورة تنصيب إمام هلذه اجلماعة يكون مطاعًًا طاعاة واجباة‬
‫ويأخذ البيعة من أتباعه‪ ،‬وهي بيعة مدى احلياة‪ ،‬ال تنقضي إال بااملوت أو إقادام‬
‫"اإلمام" على ارتكا خمالفات جوهرية تقود إىل تكفريه وفقًًا للرؤياة العقدياة‬

‫(‪ )1‬يوسف‪ ،‬حممد‪" ،‬هذه عقيدتنا ومنهج دعوتنا"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪70‬‬
‫للجماعة‪ ،‬ويكون هذا "اإلمام" هو رمز اجلماعة وحمور صريورهتا‪ ،‬عرب صاالحياته‬
‫الواسعة‪ .‬وكان مُؤََسِِّّس اجلماعة حممد يوسف أوا "إمام" تُبََايِعُُه اجلماعة‪ ،‬ولَقَّبُُاوه‬
‫بلقب " اإلمام أبو يوسف حممد بن يوسف بن حممد بن أمحد الاداغري البادوي‬
‫ال عن مُمََثِّلِِني له على مستوى الواليات واملنااطق‪،‬‬ ‫الربناوي"‪ ،‬ولإلمام نائبان‪ ،‬فض ً‬
‫وقادة عسكريني ميدانيني‪ ،‬وقادة حمليني على مستوى املناطق والواليات‪ ،‬وخالياا‬
‫قاعدية تقوم بتنفيذ مهام عسكرية واستخباراتية حمددة‪ ،‬كما تضم هيكلة احلركاة‬
‫جملسًًا للشورى يضم ‪ 51‬عضوًًا‪ ،‬بينما تقدرهم مصادر أخرى حبوايل ‪ 71‬عضاوًًا‪،‬‬
‫ال عن أماني عاام‬ ‫َوَّلون إعالن احلر ‪ ،‬هذا فض ً‬ ‫هم أهل احلل والعقد‪ ،‬وهم املخَ َّ‬
‫اجلماعة‪ ،‬أو الوزير التنفيذي‪.‬‬

‫المواج ا المأ حة‬


‫تعود بداية املواجهات املسلحة بني عناصر بوكو حرام واحلكومة النيجريياة‬
‫إىل أواخر عام ‪ ،5117‬عندما قامت طائفة من أتباع حممد يوسف تاأثََّّرت بفِكْْار‬
‫التكفري واهلجرة‪ ،‬بعزا نفسها عن اجملتمع‪ ،‬يف بلديت "كَنََمََّّا وغَيْدَمْ" على احلدود مع‬
‫النيجر‪ ،‬وجتاوزت تلك اجملموعة دعوات حممد يوسف تَطََرُّفًًا وراديكالية‪ ،‬واعتربت‬
‫ال يف منهجه‪ ،‬وكفََّّرته مبوجب معتقداهتا‪ ،‬فاشتبهت السلطات‬ ‫خمالطته للمجتمع خل ً‬
‫يف أمرهم؛ حيث دامهتم قوات الشرطة واجليش‪ ،‬واشتبكوا معهم‪ ،‬وهو ما خلََّّاف‬
‫سقوط عدد من القتلى‪ ،‬ورغم أن حممد يوسف كان ينظر بعني الريبة إىل املعتزلني‬
‫يف "كَنََمََّّا وغَيْدَمْ"‪ ،‬ويعتربهم أقر إىل الغالة واخلوارج وفِكْْر التكفري واهلجرة‪ ،‬إال‬
‫أن هجمات الشرطة واجليش‪ ،‬دفعت عددًًا من عناصر اجلماعة للتحرك ثأرًًا هلام‪،‬‬
‫فخرجت مجاعة بقيادة "الشيخ بََا َ" يف مسرية من "كَنََمََّّا" إىل مديناة "دامتارو"‬
‫عاصمة والية يوباي‪ ،‬وقتلوا مجيع من صادفهم من رجاا الشرطة واجليش‪ ،‬وقد‬
‫أََسََّّس تلك اخلروج ملوجة العنف اليت ستندلع بعد تلك بسنوات‪ ،‬وأصبح يُعْْارََف‬
‫يف أوساط احلركة ومؤيديها باسم "جهاد كَنََمََّّا"‪ ،‬وأطلق املعتزلون علاى مكاان‬
‫اعتزاهلم اسم أفغانستان نيجرييا‪ ،‬وكان حممد يوسف ساعتها موجودًًا يف اململكاة‬
‫العربية السعودية؛ حيث كان يؤدي فريضة احلج‪ ،‬حني بلغه نبأ خاروج "مجاعاة‬
‫‪71‬‬
‫َمَّا" واعتزاهلم للمجتمع‪ ،‬وقد سارعت احلكومة النيجريية ووسائل اإلعاالم إىل‬ ‫كَنَ َّ‬
‫الرب بينه وبني تلك اجملموعة وحتميله مسؤولية خروجهم‪.‬‬
‫ومنذ تلك امحداث توترت العالقة بشكل متصاعد بني اجلماعة وأنصارها مان‬
‫جهة‪ ،‬واحلكومة النيجريية وعلماء الدين الرافضني لنهج اجلماعة من جهة أخرى‪ ،‬لكن‬
‫حممد يوسف استمر يف دعوته وحتري أتباعه على اجلهاد‪ ،‬ومقاطعة التعليم النظاامي‪،‬‬
‫وشَنَّ محلة شعواء على كل ما ميتُّ ملفهوم احلداثة بصلة؛ حيث القت دعوتاه قباو ًال‬
‫لدى الكثري من الشبا املتحمس خصوصًًا يف الواليات الشمالية الشرقية لنيجريياا‪،‬‬
‫مثل واليات‪ :‬بور ويوباي وعومباي وأدماوا وبويت‪ ،‬كما كاان يتجاوََّّا باني‬
‫الواليات الشمالية املسلمة امخرى خصوصًًا يف املنطقة الغربية‪ ،‬ملقيًًاا للمحاضارات‬
‫والدروس ومُبََشِّرًًا بدعوته؛ حيث ساعدته قدراته اخلطابية ومحاسه علاى اساتقطا‬
‫العشرات‪ ،‬وأصبح له عدد من امتباع يف واليات كانو وجيغاوا وكتساينا وجيغااوا‬
‫وكباي وصكوتو‪ ،‬لكن أتباعه فيها كانوا قلايلني وهااجر معظمهام إىل مديناة‬
‫مايدوغري عاصمة والية بورنو؛ حيث مركز اجلماعة وقوهتا‪.‬‬
‫ويف هناية عام ‪ ،5114‬وقعت أعماا عنف اتُّهِمََت اجلماعة باالوقوف وراءهاا‬
‫واستهدفت مراكز للشرطة يف والية "برنو"‪ ،‬واستمر حممد يوسف يف التركيز خاالا‬
‫خطبه ودروسه على حثِّ الناس على مواجهة احلكومة ومقاومتها‪ ،‬ونبذ من يُسَمِِّّيهم‪:‬‬
‫علماء السلطان‪ ،‬وتكفري الطرق الصوفية وتضليلها‪ ،‬وحتوََّّلت "مايدوغري" إىل مركاز‬
‫جلذ عشرات الشبا القادمني من واليات نيجرييا الشمالية املسلمة‪ ،‬وبع قارى‬
‫النيجر وتشاد والكامريون اجملاورة‪ ،‬وامتدت دعوته إىل تلك الواليات ماع تبااين يف‬
‫حجم التجاو وعدد امتباع بني الواليات الشمالية الشرقية‪ ،‬والوالياات الشامالية‬
‫الغربية‪ ،‬وانضمت للجماعة أعداد من شبا قبائل اهلوسا والفالتا‪.‬‬

‫ىال ة بوكو حرام بالقاىدأ في ةمام مالي‬


‫خالا هذه الفترة بدأت اجلماعة تلقى اهتمامًًا إقليميًًّّا ودوليًًّّا مان طارف‬
‫اجلماعات اجلهادية‪ ،‬وأرسلت عددًًا من عناصرها سنة ‪ 5117‬إىل الصحراء الكربى‬
‫وخصوصًًا مشاا مايل‪ ،‬حيث التحقوا مبعسكرات تابعة للجماعة السلفية للادعوة‬
‫‪71‬‬
‫والقتاا (القاعدة ببالد املغر اإلسالمي حاليًًّّا)؛ للتدر علاى القتااا هنااك‪،‬‬
‫وانضموا إىل معسكرات أمري املنطقة اخلامسة يف اجلماعة السلفية عبد الرزاق البارا‪،‬‬
‫وقُتِلََت أعداد كبرية منهم يف اشتباكات مع قوات النيجر وتشاد أثنااء مرافقتاهم‬
‫لعبد الرزاق البارا يف رحلته إىل تشاد‪ ،‬قبل أن يتم اعتقاله من طارف املتماردين‬
‫التشاديني سنة ‪ ،5114‬ويتم تسليمه إىل اجلزائر‪ ،‬وبعد تلك تواصلت املراساالت‬
‫بني حممد يوسف وخليفة "البارا" يف الصحراء "عبد احلميد أبو زيد"‪ ،‬الذي كاان‬
‫يستقبل بشكل منتظم أفواجًًا وعناصر من اجلماعة للتدريب والتأهيال ويرسال‬
‫اممواا والسالح إىل معسكرات اجلماعة يف مشاا نيجرييا‪ ،‬وشارك عناصر بوكاو‬
‫حرام يف العديد من املعارك ضد جيو املنطقة‪ ،‬من أبرزها معركة "حاسي سيدي"‬
‫ضد اجليش املوريتا يف مشاا مايل سانة ‪ ،5151‬والايت مت إرسااا السايارات‬
‫وامسلحة اليت استوىل عليها عناصر القاعدة فيها إىل مشاا نيجرييا كدعم جلماعاة‬
‫بوكو حرام‪ ،‬لكن العالقة بدأت تتوتر منذ عام ‪ 5151‬حينما الحظت قيادة القاعدة‬
‫يف اجلزائر ومشاا مايل أن "أبو بكر شيكاو" بدأ ينحرف عن مناهجها ويباالغ يف‬
‫عمليات القتل والتفجري اليت تستهدف املسلمني املدنيني‪ ،‬فراسلت إمارة الصاحراء‬
‫التابعة للقاعدة "أبو بكر شيكاو" برسالة كتبها عبد اهلل الشنقيطي‪ ،‬مفيت القاعدة يف‬
‫مشاا مايل‪ ،‬يُذََكِِّّره فيها مبنهج القاعدة ويُحََذِِّّره مان مغبََّّاة خمالفاة التعليماات‬
‫واإلسراف يف عمليات القتل والتفجري‪ ،‬لكن شيكاو واصال هنجاه ومل يساتمع‬
‫لتوجيهات القاعدة‪ ،‬رغم أنه احتفظ بعالقاته مع "عبد احلميد أبو زيد" حىت عاام‬
‫‪.5151‬‬
‫وكان من بني من وصلوا إىل الصحراء قياديون يف اجلماعة‪ ،‬من أمثاا خالاد‬
‫الربناوي الذي انشق عن احلركة سنة ‪ 5155‬وأسََّّس تنظي ًمًا يُعرف باسم "مجاعاة‬
‫أنصار املسلمني يف بالد السودان"‪ ،‬وقد شارك عناصر بوكو حرام يف معارك ضاد‬
‫جيو كل من مايل واجلزائر وموريتانيا والنيجر‪.‬‬
‫بَيْدَ أن العالقة بني مجاعة بوكو حرام واجملموعات املنشقة عنها مان جهاة‪،‬‬
‫وبني تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي من جهة أخرى‪ ،‬تأثََّّرت باالتطورات‬
‫الداخلية على مستوى "إمارة الصحراء" التابعة لتنظيم القاعادة يف مشااا ماايل‬
‫‪74‬‬
‫واخلالفات بني قادهتا؛ حيث اعتمد املختار بلمختار عمليًًّّا على العناصر اليت تَعََرََّّف‬
‫عليها وتدربت يف معسكراته وأشرف على انفصاهلا عن بوكو حارام‪ ،‬لتُؤََسِِّّاس‬
‫حركة "أنصار املسلمني يف بالد السودان"‪ ،‬بقيادة خالد الربناوي املكنََّّى "أبو أسامة‬
‫امنصاري"‪ ،‬بينما كانت هناك عناصر أخرى وصلت إىل الصحراء سنة ‪ 5117‬أيام‬
‫كان ينش فيها قائد املنطقة اخلامسة عبد الرزاق البارا‪ ،‬بعد عودة بلمختاار إىل‬
‫اجلزائر‪ ،‬وتلقََّّى عناصر تلك اجملموعة تدريبات يف معسكرات تابعة لعباد الارزاق‬
‫البارا‪ ،‬وحني غادر إىل النيجر ومنها إىل تشاد سنة ‪ 5114‬كان برفقتاه عشارات‬
‫منهم‪ ،‬قُُتل معظمهم يف مواجهات مع اجليش التشادي‪ ،‬واملتمردين التشاديني الذين‬
‫اعتقلوا "البارا" ومن بقي معه على قيد احلياة‪ ،‬بينما استمرت العالقة باني قياادة‬
‫احلركة وخليفة "البارا" يف الصحراء‪ ،‬عبد احلميد أباي زيد‪ ،‬وكانت املراساالت‬
‫مستمرة بينه وبني حممد يوسف مؤسس وزعيم مجاعة بوكو حرام ومان بعاده‬
‫خليفته‪ ،‬أبو بكر شيكاو‪ ،‬واستمر وصوا توافد عناصار بوكاو حارام علاى‬
‫معسكرات كتيبة طارق بن زياد لتلقِِّّي التادريبات هنااك‪ ،‬واضاطروا أحياًنًاا‬
‫للمشاركة يف عمليات قتالية ضد بع جيو املنطقة‪ ،‬كما تاوىل "أباو زياد"‬
‫مسؤولية تزويد بوكو حرام بالسالح واملاا‪ ،‬وقد تعزََّّزت تلك العالقة بعد الرسالة‬
‫اليت وصلت من قيادة القاعدة يف أفغانستان بشأن قبوا انضمام اجلماعة السالفية‬
‫للدعوة والقتاا إليها‪ ،‬واليت محلها يونس املوريتا إىل الصاحراء الكاربى سانة‬
‫‪ ،5112‬وخُُصِِّّص بند منها للحثِّ على رب الصلة مع مجاعة أهل السنة للادعوة‬
‫واجلهاد (بوكو حرام) وتوفري التدريب والتأطري هلم (سنتحدث عناها الحقًًاا يف‬
‫الفقرة املخصصة لبيعة اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا لزعيم القاعدة أسامة بان‬
‫الدن)‪.‬‬
‫فكثفت قاعدة املغر اإلسالمي من اتصاالهتا باحلركة وتدريب عناصارها‬
‫وتزويدهم بالسالح‪ ،‬وتُعََزِِّّز هذه املعطيات تصرحيات أدىل هبا أمري تنظيم القاعادة‬
‫ببالد املغر اإلسالمي عبد امللك دوركداا قاا فيها إن مجاعته كانات علاى‬
‫اتصاا با "بوكو حرام" وتعتزم تزويدها بالسالح؛ للدفاع عن املسلمني بنيجرييا‬
‫والوقوف أمام ما مسََّّاه زحف امقلية الصليبية‪ ،‬مؤكدًًا أن القاعدة لديها مصااحل يف‬
‫‪75‬‬
‫منطقة جنو الصحراء الكربى؛ وتلك لعمقها االستراتيجي الذي من شاأنه أن‬
‫يُُعطي جما ًال أكثر للمناورات(‪.)1‬‬
‫ويف إطار التنافس احلاد بني قطباي الصحراء الكربى‪ ،‬بلمختار وأباي زيد‪،‬‬
‫ويف حماولة للرد على عملية االختطاف اليت نفذها خالد الربناوي ورجاله التابعون‬
‫لبلمختار‪ ،‬قام عبد احلميد أبو زيد بعملية مماثلة عرب عدد من النيجرييني التابعني له‬
‫بقيادة "أبو ياسر النيجريي"؛ حيث اختطفوا أملانيًًّّا كان يعمل يف شركة للبنااء يف‬
‫والية كانو‪ ،‬ويُُدعى إدجر فريتز روباخ يف يناير‪/‬كانون الثا عام ‪ ،5155‬وتبنََّّات‬
‫القاعدة ببالد املغر اإلسالمي حينها عملية االختطاف عارضةً اإلفراج عنه مقابل‬
‫امرأة مسلمة معتقلة يف أملانيا تُُدعى فيلايس لاوفيتس‪ ،‬وتكا "أم سايف اهلل‬
‫امنصارية"‪ ،‬لكن امملا ُقُتل يف يونيو‪/‬حزيران من نفس العام أثناء حماولة القاوات‬
‫النيجريية حتريره بالقوة‪.‬‬

‫المواج ا مع الحكومة‬
‫واستمر التوتر على أشدِِّّه بني اجلماعة والسلطات اطلية والفيدرالية يف نيجرييا‬
‫إىل أن كان عام ‪ ،5119‬حينما وقعت حادثة كان ميكن أن تكون عاابرة‪ ،‬لكناها‬
‫شكََّّلت منعطفًًا مفصليًًّّا يف تاريخ بوكو حرام وعالقتها بالسلطات اطلية والفيدرالية؛‬
‫حيث كانت مجاعة من أنصار بوكو حرام يف طاريقهم لادفن أحاد زمالئهام‪،‬‬
‫فاعترضتهم قوات اممن اخلاصة ووقع احتكاك سق فيه عدد من عناصر اجلماعاة‬
‫بني جريح وقتيل‪ ،‬فجاء الرد غاضبًًا من زعيم اجلماعة حممد يوسف الاذي ألقاى‬
‫خطابًًا مسَّاه "الرسالة املفتوحة إىل رجاا احلكومة الفيدرالية"(‪ ،)2‬هدََّّد فيه الدولة بشنِّ‬

‫(‪ )1‬أوهنوا‪ ،‬فريدوم‪" ،‬مجاعة أنصار املسلمني يف بالد السودان‪ :‬تطور اجلماعات اإلساالمية‬
‫بنيجرييا"‪ ،‬مركز اجلزيرة للدراسات‪ 51 ،‬مارس‪/‬آتار ‪( ،5157‬تااريخ الادخوا‪51 :‬‬
‫سبتمرب‪/‬أيلوا ‪:)5152‬‬
‫‪http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2013/03/201332172933299756.html‬‬
‫(‪ )2‬عبد الواحد النداوي‪ ،‬مهند‪" ،‬مشكلة االندماج الوطين يف نيجريياا‪ :‬بوكاو حارام‬
‫أمنوتجًًا"‪ ،‬مركز جيل للدراسات والبحوث‪ 53 ،‬إبريل‪/‬نيسان ‪( ،5151‬تاريخ الدخوا‪:‬‬
‫‪ 54‬مارس‪/‬آتار ‪:)5152‬‬
‫‪76‬‬
‫حر ال هوادة فيها‪ ،‬وحدََّّد مهلة أربعني يومًًا لتسوية ما خلََّّفته تلاك امحاداث‬
‫وإنصاف الضحايا وتويهم‪ ،‬وإالَّ فسيُُطلق محلة جهادية عنيفة تشمل كافاة أرجااء‬
‫البالد‪ ،‬وخالا تلك الفترة كان قادة اجلماعة يُعِِدُُّّون العُُدََّّة للمواجهة‪ ،‬كما صاادق‬
‫جملس شورى اجلماعة على إعالن احلر إتا رفضت احلكومة تساوية املوضاوع‪،‬‬
‫وعشية انتهاء املهلة وبالتحديد يوم ‪ 52‬يونيو‪/‬حزيران عام ‪ 5119‬هامجات قاوات‬
‫الشرطة يف والية "يوباي" جتمعًًا بأحد املساجد التابعة للحركة‪ ،‬فكان تلك بداياة‬
‫اندالع أعماا العنف اليت مل تتوقف حىت انن؛ حيث ردَّ عناصر اجلماعاة مبهامجاة‬
‫بع املبا احلكومية ومقرات الشرطة‪ ،‬وانتقلت أعماا العنف إىل والياة بورناو‬
‫واشتعلت املواجهات يف العاصمة مايدوغري ‪-‬حيث يوجاد مُؤََسِِّّاس اجلماعاة‪-‬‬
‫واستمرت مخسة أيام‪ ،‬انتهت باعتقاا حممد يوسف مث إعدامه‪ ،‬وارتكبت القاوات‬
‫ِرقيًّاا‬
‫اممنية خالا امحداث جمازر حبق طال املدارس الدينية أخاذت طابعًًاا عِ ًّ‬
‫استهدف شبا الكانوري من املتدينني‪ ،‬وأعلنت احلكومة الفيدرالية أهنا قضت على‬
‫احلركة هنائيًًّّا وأمخدت الفتنة يف مهدها‪ .‬وكان حلادثة تصفية حمماد يوساف بعاد‬
‫القب عليه‪ ،‬امثر الكبري على أتباعه‪ ،‬فانبعثت احلركة من حتت رماد تلك املذحباة‬
‫املروعة‪ ،‬بِنَفَسٍ أشدَّ تطرفًًا وأكثر حنقًًا على الدولة وخصومها‪ ،‬وأعلن مامان ناور‬
‫نفسه أمريًًا للجماعة‪ ،‬كما أعلن املسمى "ثا عمر" بعد حوايل مخسني يومًًاا مان‬
‫تلك امحداث أن مقتل حممد يوسف لن يغيِِّّر من مسار اجلماعة‪ ،‬بل سيحفزهم على‬
‫االستماتة وتنفيذ أهدافهم‪ ،‬معلنًًا انضمام اجلماعة لتنظيم القاعدة‪ ،‬مث صدر شاري‬
‫الحق أعلن فيه من مسََّّى نفسه "أبو القعقاع" أن اجلماعة ستشنُّ حربًًا ال هوادة فيها‪،‬‬
‫وأن اجلنو النيجريي سيكون هدفًًا لتفجرياهتا وأعماهلا املسالحة‪ ،‬كماا هاي يف‬
‫الشماا‪ ،‬قبل أن يظهر أبو بكر شيكاو الذي كان يشغل منصب نائب إمام اجلماعة‬
‫سابقًًا‪ ،‬منتصف عام ‪ ،5151‬ويعلن نفسه إمامًًا هلا‪ ،‬خلفًًا لإلماام املؤساس حمماد‬
‫‪http://jilrc-magazines.com/%D9%85%D8%B4%D9%83%D9%84%D8%A9-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AF%D9%85%D8%A7%D8%‬‬
‫‪AC-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A-%D9%81‬‬
‫‪%D9%8A-%D9%86%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%B1%D9%8A%‬‬
‫‪D8%A7-%D8%A8%D9%88%D9%83%D9%88/‬‬

‫‪77‬‬
‫يوسف(‪ ،)1‬وكان تلك أوا ظهور له بعد مذحبة ‪ 5119‬اليت قيل‪ :‬إنه قُتِِال فيهاا‪،‬‬
‫وحدََّّد شيكاو ثالث فئات هم أعداء احلركة‪ ،‬ويتعلق اممر بالشارطة واجلناود‪ ،‬مث‬
‫املسيحيني‪ ،‬مث من مسََّّاهم بالوشاة املتعاونني مع احلكومة ضد اجلماعة من املسالمني‪،‬‬
‫مؤكدًًا أهنم ال يستهدفون مجهور املسلمني‪.‬‬
‫ومع تويل شيكاو مقاليد اممور يف اجلماعة عرفت منعطفًًا متثََّّل يف تصعيد أعماا‬
‫العنف‪ ،‬وإعالن حر حقيقية على من تُصََنِّفُهُُم اجلماعة خصومًًا هلا‪ ،‬وبدأت عملياهتا‬
‫املسلحة بشكل متواصل وعنيف‪ ،‬وكان لوالية بورنو النصيب امكارب مان تلاك‬
‫اهلجمات‪ ،‬وبلغة امرقام‪ ،‬يبدو التصعيد واضحًًا‪ ،‬حيث كانت سنة ‪ 5119‬دموية حبكم‬
‫املواجهات؛ حيث قُُدِِّّر عدد الضحايا با ‪ 311‬شخص‪ ،‬بينما كانت سنة ‪ 5151‬أقال‬
‫دموية؛ من اجلماعة ما تزاا حتاوا ساعتها النهوض من حتت الرماد‪ ،‬فكانت احلصيلة‬
‫‪ 31‬ضحية‪ ،‬ويف سنة ‪ 5155‬بلغ عدد الضحايا ‪ 129‬شخصًًا‪ ،‬وارتفع العدد سنة ‪5155‬‬
‫ليصل إىل ‪ ،5242‬مث واصل العنف حصد مزيد من الضحايا ليبلغ الرقم سنة ‪ 5157‬ماا‬
‫جمموعه ‪ 5937‬ضحية‪ ،‬بينما كانت سنة ‪ 5154‬امكثر دموية يف تاريخ اجلماعة؛ حيث‬
‫وصل عدد الضحايا إىل ‪ 3355‬ضحية(‪.)2‬‬
‫كما شهدت سنة ‪ ،5154‬تطورًًا خطريًًا يف مسار اجلماعة عندما اختطفات‬
‫حوايل ‪ 711‬فتاة من إحدى املدارس يف مشاا نيجرييا‪ ،‬كما بدأت يف نفس العاام‬
‫استخدام الفتيات كانتحاريات‪ ،‬وكانت البداية يف يونيو‪/‬حزيران عام ‪ ،5154‬عندما‬
‫فجََّّرت أوا انتحارية من اجلماعة نفسها يف ثكنة للجيش النيجريي يف كومباي‪،‬‬
‫ويقوا اخلرباء‪ :‬إن عدد التفجريات اليت قامت هبا بوكو حرام واستخدمت فيهاا‬
‫فتيات‪ ،‬بلغت ‪ 52‬عملية انتحارية(‪.)3‬‬
‫‪51‬‬ ‫(‪" )1‬زعيم مجاعة بوكو حرام يف نيجرييا أباو بكار شايكاو"‪ ،‬موقرع السركينة‪،‬‬
‫يونيو‪/‬حزيران ‪( ،5157‬تاريخ الدخوا‪ 54 :‬مارس‪/‬آتار ‪:)5152‬‬
‫‪http://www.assakina.com/center/parties/25723.html#ixzz3z7jTmVl2‬‬
‫(‪ )2‬ولد اممري‪" ،‬بوكو حرام والسياقات املتداخلة‪ :‬مبايعة البغدادي ومعارضة االنتخابات"‪،‬‬
‫مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪" )3‬أوهنوا‪ ،‬فريدوم‪" ،‬بوكو حرام و"انتحاريات" نيجرييا‪ :‬انعكاسات توظيف النساء"‪ ،‬مركرز‬
‫اجلزيرة للدراسات‪ 5 ،‬مارس‪/‬آتار ‪( ،5151‬تاريخ الدخوا‪ 54 :‬مارس‪/‬آتار ‪:)5152‬‬
‫‪http://studies.aljazeera.net/reports/2015/03/2015318517555794.htm‬‬

‫‪78‬‬
‫وقد عزََّّزت هذا التوجه التصعيدي لدى اجلماعة العديدُ من امحداث الايت‬
‫تالحقت بعد مقتل حممد يوسف‪ ،‬ويف مقدمتها انتخا كودالك جونثان رئيسًًاا‬
‫للبالد وهو مسيحي‪ ،‬مث امحداث الطائفية اليت وقعت يف الغوس بني املسايحيني‬
‫واملسلمني‪ ،‬واتُّهِِم فيها املسيحيون بارتكا تصفيات عرقية ضد املسلمني‪ ،‬فكثََّّفت‬
‫احلركة من عملياهتا ضد املسيحيني حبجة مسؤوليتهم عما حصل يف الغوس‪ ،‬كما‬
‫دخلت بوكو حرام يف مواجهات عسكرية ماع دوا املنطقاة؛ حياث بادأت‬
‫إرهاصات املواجهة بني الطرفني‪ ،‬عندما قرََّّرت تشاد يف يناير‪/‬كانون الثاا ‪5151‬‬
‫إرساا جنود إىل الكامريون ونيجرييا لقتاا احلركة‪ ،‬ويف فربايار‪/‬شاباط شانََّّت‬
‫اجلماعة هجومًًا دمويًًّّا يف الضفة امخرى لبحرية تشااد‪ ،‬وبالتحدياد يف منطقاة‬
‫"نكبوا" استهدف معسكرًًا للجيش التشادي ومنزا سلطان املنطقاة‪ ،‬مث نفاذت‬
‫هجمات عنيفة وس العاصمة جنامينا مستهدفة بع املواقع اممنية احلساسة‪ ،‬كما‬
‫كان مشاا الكامريون مسرحًًا للعديد من اهلجماات وعملياات اخلطاف الايت‬
‫استهدفت الغربيني‪ ،‬وقد اعتمدت احلركة يف السنوات امخرية سياساة ختفياف‬
‫مركزية قراراهتا خصوصًًا ما يتعلق بالواليات ونشاطات فروعها‪ ،‬وهو أمر فرضته‬
‫الظروف اممنية للجماعة اليت باتت خصمًًا لكل القوى العاملية‪ ،‬ومُُالحََقاة مان‬
‫طرف دوا املنطقة؛ حيث مت منح الكثري من الصالحيات لقيادات اخلاليا القاعِدِِيََّّة‬
‫وإعطائهم حرية أكثر يف اختات القرارات والتخطي هلا مىت ما مسحت هلم الفرصاة‬
‫بتنفيذ أمر خيدم منهج اجلماعة واستراتيجيتها؛ وتلك لضمان انسايابية امعمااا‬
‫وتصاعدها‪.‬‬

‫الحاضنة الةعبية وم ادر الجمويم‬


‫ال ميكن احلديث عن رقم حمدد بشأن حجم اجلماعة وعدد أعضاائها‪ ،‬وإن‬
‫كانوا يُقََدََّّرون بانالف‪ ،‬وتتحدََّّث التقارير عن أرقام أقر إىل التخمني مناها إىل‬
‫الضب احلقيقي‪ ،‬وتتراوح بني ‪ 2‬آالف إىل ‪ 71‬ألف مقاتال‪ :‬فمراكاز البحاث‬
‫النيجريية تذكر ‪ 71‬ألفًًا‪ ،‬وباحثون من جنو إفريقيا يُقََدِِّّرون مسلحي بوكو حرام‬
‫با ‪ 51‬ألفًًا‪ ،‬ومراكز فرنسية تذكر ‪ 57‬ألفًًا‪ ،‬ويذهب املعهد امللكاي الربيطاا‬
‫‪79‬‬
‫للدراسات الدولية (تشاتام هاوس) إىل أهنم ‪ 1‬آالف‪ ،‬أما بع التقارير اممريكياة‬
‫فتقدرهم با ‪ 2‬آالف‪ .‬ويعتقد كثري من املتابعني أن احلركة متلاك خزََّّانًًاا مان‬
‫املناصرين املنخرطني يف خاليا نائمة‪ ،‬تستدعيهم كلما دخلت يف مواجهات؛ لذلك‬
‫فإن عدد مقاتليها غري ثابت‪ ،‬يزيد وينقص حبسب الظروف واملواجهات امليدانية‪.‬‬
‫ويتركز امتداد اجلماعة اجلغرايف تقريبًًا يف كل واليات الشاماا النايجريي‬
‫التسعة مع تفاوت بني هذه الواليات‪ ،‬كما توسع انتشارها إىل خارج الابالد يف‬
‫مناطق من النيجر مثل منطقيت "ديفا" و"زندر"؛ حيث أغلبية السكان مان قبائال‬
‫الكانوري والفالتا وكوندوما واهلوساا وبعا القبائال العربياة‪ ،‬ويف تشااد‬
‫والكامريون حيث تنتشر نفس القبائل‪ ،‬وتشكل بع القرى والتجمعات حاضانة‬
‫شعبية للحركة‪ ،‬ورافدًًا تكتتب منه اجلماعة‪ ،‬خصوصًًا أن تلك القبائل ينتشر بينها‬
‫الفقر والبؤس‪ ،‬ويندر التعليم النظامي يف مواجهة املدارس الدينية اليت يسيطر عليها‬
‫مؤيدون لفكر احلركة أو أفكار قريبة منها‪ ،‬كما تُشََكِِّّل جمموعات "املااجرييس"‬
‫(أطفاا يُُرسََلون إىل معلمي القرآن‪ ،‬يف ظروف صعبة يتخلاى عناهم تووهام‪،‬‬
‫فيعيشون على التسوا يف الشارع‪ ،‬وقد أُُحصي منهم أكثر من تسعة ماليني طفال‬
‫يف نيجرييا وحدها سنة ‪ ،5151‬أغلبهم يف الشماا)(‪ )1‬رافدًًا كبريًًا لتغذية احلركاة‬
‫باملقاتلني‪ ،‬و"املاجرييس" عادةً يف شعو غر إفريقيا وختتلف تسميتها من منطقة‬
‫مخرى؛ حيث تعرف يف السنغاا ومايل باسم "آملودا"‪ ،‬وجتعل الظروف الصاعبة‬
‫هلؤالء امطفاا الذين يتخذهم أحيانًًا بع معلميهم وسيلة كسب عان طرياق‬

‫(‪ )1‬بالطيب‪ ،‬حممد‪" ،‬بوكو حرام النيجريية‪ :‬سياقات التأسيس ومسارات املواجهة"‪ ،‬بواباة‬
‫إفريقيا اإلخبارية‪ 51 ،‬يناير‪/‬كانون الثا ‪( ،5154‬تااريخ الادخوا‪ 54 :‬ماارس‪/‬آتار‬
‫‪:)5152‬‬
‫‪http://www.afrigatenews.net/content/%D8%A8%D9%88%D9%83%D9%88-‬‬
‫‪%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9‬‬
‫‪%8A%D8%AC%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%A9%D8%B3%D9%8A‬‬
‫‪%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D‬‬
‫‪8%A3%D8%B3%D9%8A%D8%B3-%D9%88-%D9%85%D8%B3%D8%‬‬
‫‪A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%‬‬
‫‪D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9‬‬

‫‪81‬‬
‫التسوا‪ ،‬جتعلهم عرضة للضياع واالحنراف أو التجنيد من قِِبل اجلماعات املتشددة‪.‬‬
‫أما ما يتعلق بالتمويل فتذهب تقارير صادرة عن مراكز بنيجرييا إىل أن أَهََامَّ‬
‫متويل للحركة يأيت من سياسيني وجتار يف مايدوغري عاصمة والية بورنو؛ حياث‬
‫تأسََّّست احلركة‪ .‬كما أهنا حتظى بتعاطف الكثري من السياسيني النيجرييني والعديد‬
‫من عناصر الشرطة يف العاصمة أبوجا‪ ،‬ويف العديد من واليات الشاماا‪ ،‬ومناذ‬
‫مواجهات ‪ 5157‬بدأت احلركة تفرض ضرائب على املواطنني القاطنني باملنااطق‬
‫اليت تقع حتت سيطرهتا‪ ،‬وأوردت تقارير غربية عن أن بوكو حرام تلقََّّت أموا ًال من‬
‫زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن الدن‪ ،‬وأن وثائق عَثََر عليها اممريكياون يف‬
‫خمبئه تؤكد صلة احلركة بقيادة تنظيم القاعدة(‪.)1‬‬

‫بيعة "ةيكاو" ل دولة اإلأالمية وىكله‬


‫يف بداية عام ‪ ،5151‬وصلت إىل معاقل مجاعة بوكو حرام يف والية "بورنو"‬
‫بشماا نيجرييا جمموعةٌ من السودانيني املبايعني لتنظيم "الدولة اإلسالمية"‪ ،‬قادمني‬
‫من تشاد؛ حيث قابلوا إمام اجلماعة "أبو بكر شيكاو"‪ ،‬وعرضاوا علياه بيعاة‬
‫"اخلليفة" أبو بكر البغدادي؛ لعلمهم بانفكاك عالقته مع تنظيم القاعدة قبل ثالث‬
‫سنوات من تلك التاريخ‪ ،‬فرف االستجابة هلم بداية‪ ،‬لكنهم استطاعوا الضاغ‬
‫عليه عرب إقناع أغلبية عناصر جملس شورى اجلماعة وبع املقربني منه بشارعية‬
‫البيعة ووجوهبا‪ ،‬ووعدوه بتقدمي دعم سخي ومساندة إعالمية وعسكرية للجماعة‬
‫من تنظيم الدولة الذي كان ساعتها يف أوج قوته‪ .‬وافق شيكاو علاى عرضاهم‬
‫وأعلن بيعته لتنظيم "الدولة اإلسالمية" وخليفته "أبو بكر البغدادي" يف مارس‪/‬آتار‬
‫من نفس العام‪ ،‬لكن رسل تنظيم الدولة كانت هلم مهمة أخرى غري جمارد أخاذ‬
‫البيعة من اجلماعة‪ ،‬فقد كانوا يسعون لعزا "أبو بكر شيكاو" من زعامة اجلماعاة‬
‫وتعيني خَلََف له‪ ،‬يف خمط دُُبِِّّر سلفًًا قبل وصوهلم إىل معاقل اجلماعة‪ ،‬اممر الذي‬
‫اكتشفه "شيكاو" مبكرًًا عن طريق مقرََّّبني منه يف جملس شورى اجلماعة‪ ،‬فساارع‬

‫(‪ )1‬ولد اممري‪" ،‬بوكو حرام والسياقات املتداخلة‪ :‬مبايعة البغدادي ومعارضة االنتخابات"‪،‬‬
‫مرجع سابق‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫إىل اختات خطوات استباقية إلفشاا املخط قبل إكماا تنفيذه هنائيًًّّا؛ حيث ظهار‬
‫حينها يف تسجيل مصور أعلن فيه أنه هو "اممري الفعلي للجماعة"‪ ،‬دون أن يتطرق‬
‫ملا حياك ضده‪ ،‬أو يعلن تراجعه عن بيعته لتنظيم "الدولة اإلساالمية"‪ ،‬مث طلاب‬
‫السودانيني الذين جاؤوا مخذ البيعة منه مث عزله؛ بُُغية قتلهم والاتخلص مناهم‪،‬‬
‫لكنهم استطاعوا االختفاء وغادروا مشاا نيجرييا‪ ،‬أما الرجل الذي اقترحه رُسُُال‬
‫تنظيم "الدولة اإلسالمية" ليتوىل زعامة اجلماعة فلم يكن سوى أحد املقربني مان‬
‫"شيكاو" واملتحدث باسم اجلماعة‪ ،‬أبو مصعب الربناوي‪ ،‬وقد اختفى هو انخار‬
‫عن أعني "شيكاو"‪ ،‬وجلأ إىل جزء من الغابة ال تصل إليه ياد "شايكاو" ومعاه‬
‫جمموعة من املقاتلني بايعوه على السمع والطاعة‪ ،‬ونصََّّب نفسه "أم ًريًا" للجماعاة‬
‫مبوجب قرار "اخلليفة" أباي بكر البغدادي‪ ،‬لكن الظروف اطيطة به والقوة الايت‬
‫حيتفظ هبا غرميه "شيكاو" جعلته يُُحجم عن إعالن تلك للرأي العام؛ خوفًًاا مان‬
‫صولة امخري ومغبََّّة استفزازه‪ ،‬وقد تعاطت معه قيادة تنظيم الدولاة مناذ تلاك‬
‫التاريخ انطالقًًا من كونه ممثلها الشرعي يف املنطقة‪.‬‬
‫وقد سعى أبو بكر شيكاو إىل ثين "اخلليفة البغدادي" وقيادات تنظيم "الدولة‬
‫اإلسالمية" عن عزله وتنصيب الربناوي خلفًًا له‪ ،‬وتلك عرب مراساالت عديادة‬
‫حاوا فيها أن يؤثِِّّر على قناعة قيادة التنظيم‪ ،‬وتضمنت تلك املراسالت اهتاماات‬
‫مباي مصعب الربناوي باإلخالا مبنهج أهل السنََّّة اجلماعة‪ ،‬والتلابس بابع‬
‫الكفريات ونواق اإلسالم‪ ،‬كرفضه تكفري الكافر ‪-‬حسب قوله‪ -‬غري أن قياادة‬
‫تنظيم الدولة كانت متمسكة بقرارها اعتمادًًا على تقارير وصلتها تؤكد اساتحالة‬
‫استمرار "شيكاو" قائدًًا للجماعة؛ بسبب تصرفاته االستبدادية‪ ،‬وصعوبة انقيااده‪،‬‬
‫واعتزازه بنفسه وغروره‪ ،‬واعتربت أن رفضه االنصياع لقرار عزله‪ ،‬يُشََكِِّّل خمالفاة‬
‫تستحق التعزير والعقا ؛ لذلك قرر تنظيم الدولة املضي قادمًًا يف قارار عازا‬
‫"شيكاو" وتعيني "أبو مصعب" خلفًًا له‪ ،‬وجتاهلت مراسالت "شيكاو" هلا فترة من‬
‫الزمن قبل أن ترد عليها‪ ،‬بنشر مقابلة مع "أبو مصعب الربناوي" يف جملاة "النباأ"‬
‫التابعة للتنظيم‪ ،‬قدََّّمته خالهلا على أنه "أمري والية غر إفريقيا"‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫انةقا ا جديدأ‬
‫تؤكد التطورات اليت عرفتها مجاعة بوكو حارام أن هنااك انشاقاقات يف‬
‫صفوفها؛ حيث أعلن فصيل من بوكو حرام بزعامة "الشيخ أبو حممد عبد العزيز"‪،‬‬
‫يف ‪ 51‬يناير‪/‬كانون الثا ‪ ،5157‬عن وقف مشروط إلطالق النار لكاي جتارى‬
‫مفاوضات مع حكومة والية بورنو‪ ،‬مؤكدًًا أنه هو الرجال الثاا يف صافوف‬
‫احلركة‪ ،‬وقد اعترف يف خطا له بوجود فصيلني داخل بوكو حرام حني قااا‪:‬‬
‫"صحيح أنه يوجد فصيل آخر داخل حركتنا‪ ،‬ولكن الفصيل امكثر يف مجاعتناا‬
‫يدعم وقف إطالق النار‪ ،‬كما يدعمه كذلك عدد من قادتنا الرُُّّوحيني ومن بينهم‬
‫اإلمام أبو بكر شيكاو"‪ ،‬بينما تصر جمموعة أخرى من احلركة بزعامة حميي الادين‬
‫مروان على أن حتترم احلكومة شروطها قبل أيِّ مفاوضات‪ ،‬وبعد إعاالن "أباو‬
‫حممد" بفترة وجيزة وزعت جمموعة أخرى بع املنشورات زعمت فيها دعم "أبو‬
‫بكر شيكاو" هلا‪ ،‬ونفت أي مفاوضات مع حكومة بورنو لوقف إطاالق الناار‪،‬‬
‫لكن "أبو بكر شيكاو" أعلن بصورة مفاجئة ختليه عن وقاف إطاالق الناار يف‬
‫مارس‪/‬آتار ‪5157‬؛ ففي شري مصوََّّر غري مؤرََّّخ أوضح شايكاو أن مجاعتاه مل‬
‫تشارك يف أي مفاوضات سالم مع احلكومة‪ ،‬كما هدد بقتل "أباو حمماد عباد‬
‫العزيز" إلعالنه وقف إطالق النار(‪.)1‬‬
‫إضافة إىل تصرحيات "أبو حممد" اليت تشي بوجود خالفات داخل احلركة‪ ،‬فإنَّ‬
‫مصادر أخرى تتحدث عن انشقاق كبري وقع يف احلركة بعد مبايعتها لتنظيم "الدولة‬
‫اإلسالمية" يف مارس‪/‬آتار ‪ ،5151‬وتغيري امسها إىل "والية غر إفريقياا"‪ ،‬وتقاوا‬
‫املصادر ‪-‬وأغلبها خرباء حمليون وإقليميون‪ :-‬إن قياديًًّّا من احلركة يُسََامََّّى "حمماد‬
‫داود"‪ ،‬قاد انشقاقًًا على "أبو بكر شيكاو" بعد مبايعته لا "الدولة اإلسالمية"‪ ،‬وهي‬
‫املعلومات اليت صرح هبا الرئيس التشادي‪ ،‬إدريس ديباي‪ ،‬وكان حممد داود ‪-‬الذي‬
‫سبق أن عمل عسكريًًّّا‪ ،‬وينحدر من إحدى القبائل العربية يف مشاا نيجريياا‪ -‬قاد‬
‫اخنرط مبكرًًا يف مجاعة بوكو حرام إبََّّان تأسيسها‪ ،‬وعمل مسؤو ًال للجناة اممنياة‬
‫‪Uwerunonye, N. “Boko Haram: Can they be trusted?”, Tell, 11 February‬‬ ‫(‪) 1‬‬
‫‪2013, p.42‬‬

‫‪81‬‬
‫املكلفة مبحاربة حماوالت اختراق احلركة والتجسس عليها‪ ،‬والتخطي للاهجمات‬
‫االنتحارية‪ ،‬ويرف ‪-‬كما أكد أكثر من مصدر‪ -‬بيعة "أبو بكر شايكاو" لتنظايم‬
‫"الدولة اإلسالمية"‪ ،‬ومبعيته عدد من القادة والعناصر‪ ،‬معلنني متسكهم باسم احلركة‬
‫القدمي "مجاعة أهل السُُّّنََّّة للدعوة واجلهاد"‪ ،‬واعتربوا بيعة "أبو بكر شيكاو" لتنظايم‬
‫"الدولة اإلسالمية" احنرافًًا كبريًًا‪ ،‬وهذه املعلومات إِنْ صحََّّت‪ ،‬تعين أن بوكو حارام‬
‫قد انقسمت إىل قسمني‪ ،‬أحدمها بقيادة "أبو بكر شيكاو"‪ ،‬وهو الفصايل التاابع‬
‫لتنظيم "الدولة اإلسالمية"‪ ،‬وفصيل بقيادة حممد داود‪ ،‬وقد احتفظ باسام اجلماعاة‬
‫القدمي ووالئها للقاعدة‪ ،‬ومن غري املستبعد أن ينسق هذا امخري أو يتَّحِِد مع مجاعاة‬
‫أنصار املسلمني يف بالد السودان خالا الفترة القادمة‪.‬‬

‫جماىة عن ار المأ مين في بالد الأودان (عن ارو)‬


‫كان أكرب انشقاق واجهته مجاعة بوكو حرام حني أعلان قيااديون مناها‬
‫انشقاقهم وتأسيس "مجاعة أنصار املسلمني يف بالد السودان" (‪ )JAMBS‬يف عام‬
‫‪ ،5155‬بعد سلسلة خالفات بني مؤسسيها و"أبو بكر شيكاو" حاوا أسااليب‬
‫اجلماعة وأهدافها‪ ،‬والعمليات اليت تقوم بتنفيذها‪ ،‬وبعد أن خالف شيكاو الكاثري‬
‫من تعليمات قادة القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ .‬وبلغت امزمة باني الطارفني‬
‫تروهتا عقب هجوم نفذته مجاعة بوكو حرام يوم ‪ 51‬يناير‪/‬كانون الثا ‪ 5155‬يف‬
‫مدينة "كانو" بشماا نيجرييا راح ضحيته ما ال يقل عن ‪ 511‬شخصًًا معظمهم من‬
‫املسلمني‪ ،‬ورغم أن اجلماعة مل خترج إىل اإلعالم قبل يونيو‪/‬حزيران ‪ 5155‬عنادما‬
‫وزعت شريطًًا مصورًًا لزعيمها "أبو أسامة امنصاري"‪ ،‬والذي يعتقد أنه هو نفسه‬
‫"خالد الربناوي"‪ ،‬أعلن فيه رمسيًًّّا عن تأسيس اجلماعة وحادََّّد معتقاداهتا‪ ،‬إال أن‬
‫املعلومات املتوفرة تؤكد أن اجلماعة انشقت قبل تلك بسنة على امقل‪ ،‬بقيادة "أبو‬
‫بكر آدم قنرب" الذي قتل يف مارس‪/‬آتار ‪ ،5155‬ودشنت عملياهتا باختطاف مهندس‬
‫بريطا وآخر إيطايل يف مايو‪/‬أيار ‪ .)1(5155‬وتعترب مجاعة "أنصار املسلمني" امكثر‬

‫‪Abdulkadir, A. “Dead Hostages: Did AQIM kill McManus and Lamolinara?”,‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪Citizen Platform, 10 March 2012.‬‬

‫‪84‬‬
‫قربًًا من تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬خصوصًًاا القياادي "املختاار‬
‫بلمختار" الذي كان يتوىل بنفسه التفاوض نيابة عن اجلماعة بشأن الرهينتيْْن اللذيْْن‬
‫قتال أثناء عملية حتريرمها بالقوة‪.‬‬
‫وقد توىل املختار بلمختار بنفسه املفاوضات بشأن تقرير مصري الارهينتني‪،‬‬
‫وكان على وشك إهناء اتفاق يقضي بإطالق سراحهما‪ ،‬مقابل فدية مالية؛ حياث‬
‫متكن مفاوضو بلمختار من االتصاا بذوي الرهينة الربيطا يف مدينة مانشساتر‬
‫الربيطانية‪ ،‬وطلبوا منهم فدية مالية قدرها مخسة ماليني يورو وحترير بع السجناء‬
‫اطتجزين لدى حكومات املنطقة‪ ،‬قبل أن يدخل اإليطاليون على اخل للتفااوض‬
‫بشأن رهينتهم‪ .‬وبدأت املفاوضات بوساطة رجل امعماا املوريتا املصطفى ولد‬
‫اإلمام الشافعي الذي يعمل مستشارًًا سياسيًًّّا لرئيس بوركينا فاسو بليز كومباوري‪،‬‬
‫كما كلََّّف الربيطانيون وسيطًًا آخر يعرف باسم "ميستر بيغن" بالتفاوض بامسهم‪،‬‬
‫ويقوا مقربون من املختار بلمختار شاركوا يف بع مراحال املفاوضاات‪ :‬إن‬
‫الربيطانيني كانوا أكثر تشددًًا من اإليطاليني أثناء املفاوضات‪ ،‬وكاانوا يعرقلاون‬
‫مسارها بشكل دائم‪ ،‬وإن اخلاطفني الحظوا مماطلة من طرف الربيطاانيني عارب‬
‫ال‬
‫تكرارهم طلب متديد املهلة‪ .‬ويف مرحلة من املفاوضات طلب أهايل الرهينتني دلي ً‬
‫على وجودمها على قيد احلياة‪ ،‬قبل مواصلة املفاوضات بشأهنما‪ ،‬وتلك عرب الارد‬
‫على سؤالني أحدمها يتعلق بالربيطا "كريستوف ماكمانوس" الذي طلاب تووه‬
‫من اخلاطفني الرد على سؤاا "أين قضى شهر العسل مع زوجته؟"‪ ،‬أما الساؤاا‬
‫الثا فكان مُوََجَّهًًا إىل الرهينة اإليطايل "فرانكو المولينارا" وهو "أين تعرََّّف على‬
‫زوجته؟"‪ .‬وبعد فترة جاء الرد من الرهينتني عرب مفاوضي "بلمختار"؛ حيث قااا‬
‫الربيطا إنه قضى شهر العسل مع زوجته يف مدينة مانشستر الربيطانية حيث يقيم‬
‫مع تويه‪ ،‬بينما ردَّ اإليطايل أنه تعرف على زوجته يف روما‪ ،‬حينها تأكاد أهاايل‬
‫الرهينتني من وجودمها على قيد احلياة‪ ،‬عرب املعلاومتني الساابقتني‪ ،‬وتواصالت‬
‫املفاوضات على أمل حتريرمها‪ .‬ومع استمرار الوقت قدََّّم بلمختار تنازالت؛ بسبب‬
‫طوا فترة احتجاز الرهينتني‪ ،‬فقَبِِل بإشراك الرهينة اإليطايل يف الصفقة املالية وتنازا‬
‫عن املطالبة باإلفراج عن بع السجناء‪ ،‬لكن املفاوضات بقيت تدور حوا قيماة‬
‫‪85‬‬
‫الفدية املطلوبة‪ ،‬وكان الربيطانيون يصرون على رف املبالغ الايت يطالاب هباا‬
‫اخلاطفون‪ .‬وبعد مفاوضات شاقة وطويلة‪ ،‬مت التوصل إىل اتفاق يقضي بدفع فدية‬
‫ال تسلََّّم رجاا املختار بلمختار يف النيجر‬
‫مالية قدرها مليون ومائتا ألف يورو‪ ،‬وفع ً‬
‫دفعة من املبلغ املذكور‪ ،‬وكان من املفترض أن يتسلموا بقيته الحقًًاا‪ ،‬علاى أن‬
‫يسلِِّّموا هم الرهينتني للمفاوضني بعد تلك‪ ،‬لكن املخابرات الربيطانية والنيجرياة‬
‫استغلتا فرصة متديد مهلة املفاوضات أكثر من مرة لتتبع اخلاطفني وحماولة حتدياد‬
‫مكان احتجاز الرهينتني‪ ،‬وهو ما جنحتا فيه؛ حيث قامت وحادة مان القاوات‬
‫اخلاصة النيجرية مدعومة من املخابرات الربيطانية‪ ،‬ياوم ‪ 1‬ماارس‪/‬آتار ‪،5155‬‬
‫باقتحام املكان الذي يُُحتجز فيه الرهينتان يف حماولة لتخليصهما بالقوة‪ ،‬فجاء الرد‬
‫سريعًًا من اخلاطفني بتصفية الرهينتني وإعدامهما(‪ ،)1‬كما هاو الشاأن غالبًًاا يف‬
‫حماوالت حترير الرهائن بالقوة‪.‬‬
‫هذا جمرد مثاا استطردت إليه بالتفاصيل لتوضيح مادى ارتبااط مجاعاة‬
‫"أنصارو" بالقيادي يف تنظيم القاعدة املختار بلمختار‪.‬‬
‫وقد أعلنت احلركة يف بيان تأسيسها أهنا تسعى لألمر باملعروف والنهي عان‬
‫املنكر‪ ،‬وتعترب نفسها "طالئع نصرة ومحاية املسلمني خصوصًًا يف إفريقيا السوداء"‪،‬‬
‫وتتخذ من "اجلهاد يف سبيل اهلل عنوانًًا هلا"‪ ،‬كما أن زعيم احلركة أسامة امنصاري‬
‫أعلن يف شري الفيديو الذي ظهر فيه أهنم يعتربون كل من ينطاق بالشاهادتني‬
‫مسلمًًا إىل أن يقوم بعمل كُفْرِِي ينق إسالمه‪ ،‬وأضااف أن "مجاعاة أنصاار‬
‫املسلمني يف بالد السودان" ال تسعى إىل قتل رجاا اممن إال إتا اعتدوا علايهم‪،‬‬
‫وصار أعضاء اجلماعة يف حالة دفاع عن النفس‪ ،‬ويوضح امنصاري أن فهمهام‬
‫للجهاد يف اإلسالم خيتلف متامًًا عن فهم اجلماعات النيجريية امخرى له‪ ،‬يف إشارة‬
‫واضحة إىل بوكو حرام(‪.)2‬‬
‫(‪" )1‬الرهينة اإليطايل يف نيجرييا قتل برصاصة يف الرأس"‪ ،‬إيالف‪ 55 ،‬ماارس‪/‬آتار ‪،5155‬‬
‫(تاريخ الدخوا‪ 55 :‬سبتمرب‪/‬أيلوا ‪:)5152‬‬
‫‪http://elaph.com/Web/news/2012/3/722052.html‬‬
‫(‪ )2‬أوهنوا‪" ،‬مجاعة أنصار املسلمني يف بالد السودان‪ :‬تطور اجلماعات اإلسالمية بنيجرييا"‪،‬‬
‫مرجع سابق‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫كما نشرت اجلماعة وثيقة تضمن منهجها وعقيدهتا ورؤيتاها‪ ،‬مؤكادة أن‬
‫مقاصدها هي الدفاع عن املسلمني وكف بأس الكفار عنهم‪ ،‬وحتقياق مقاصاد‬
‫الشريعة اإلسالمية‪ ،‬كما تتقاطع اجلماعة مع بوكو حرام وسائر اجلماعات اجلهادية‬
‫يف رف الدميقراطية‪ ،‬أما اهليكلة التنظيمية للجماعة فهي على النحو التايل‪ :‬القيادة‬
‫العامة‪ :‬وتتكون من اممري‪ ،‬وأمراء املناطق‪ ،‬ورؤساء اللجان الذين يُُشكِِّّلون جملاس‬
‫شورى اجلماعة‪ ،‬وتصنف اجلماعة إمارة أمريهاا علاى أهناا إماارة اقتضاائية‬
‫(اضطرارية) واجبة‪ ،‬لكنها قابلة للتوسع حىت تشمل بع أحكام اإلمارة العاماة‪،‬‬
‫حسب الظروف واإلمكانيات واملصاحل املعتربة اليت حيددها جملس الشورى‪.‬‬
‫وحتدد اجلماعة ممريها مجلة من الواجبات والصالحيات‪ ،‬تتمثََّّل يف العدا بني‬
‫أفرادها والرفق هبم‪ ،‬وله احلق يف اختيار أمراء املناطق ورؤساء اللجان‪ .‬أما جملاس‬
‫الشورى‪ ،‬فيتكون من اممري وأمراء املناطق ورؤسااء اللجاان وآخارين مان‬
‫الشخصيات املرجعية يف اجلماعة‪ ،‬ومهمته مساعدة اممري يف إدارة شؤون اجلماعة‪،‬‬
‫وتنصيب اممري وعزله‪ ،‬وتعيني قاضٍ للجماعة واختيار امعضاء اجلدد امللاتحقني‬
‫مبجلس الشورى وعزا أحد أعضائه‪ ،‬وحني يبايع أعضاء جملس الشورى اممري فإنَّ‬
‫بيعتهم تكون مُلْزِمَة لباقي أعضاء اجلماعة(‪.)1‬‬
‫ورغم أن اجلماعة أعلنت رمسيًًّّا عن نفسها إال أن اخلرباء واطللني ما زالاوا‬
‫خمتلفني بشأن حقيقتها؛ حيث يعتربها الكثري منهم‪ ،‬مجاعة منشقة عن بوكو حرام‪،‬‬
‫ويعتقد رجاا اممن وبع اخلرباء أهنا تأسََّّست على يد قادة ساابقني يف نفاس‬
‫التنظيم مل يكونوا على وفاق مع أسلو قيادة "أبو بكر شيكاو"‪ ،‬أما الرأي الثا‬
‫من اخلرباء فريف فكرة انشقاق "مجاعة أنصار املسالمني يف باالد الساودان"‬

‫‪51‬‬ ‫(‪" )1‬ميثاق مجاعة أنصار املسلمني يف بالد السودان"‪ ،‬موقع إسالميون‪( ،‬تاريخ الدخوا‪:‬‬
‫يناير‪/‬كانون الثا ‪:)5152‬‬
‫‪http://islamion.com/news/%D9%85%D9%8A%D8%AB%D8%A7%D9%82-‬‬
‫‪%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A3%D9%86%‬‬
‫‪D8%B5%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9‬‬
‫‪%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A8%D9%84%‬‬
‫‪D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%‬‬
‫‪A7%D9%86/‬‬

‫‪87‬‬
‫ويعتربها نسخة جديدة لا "بوكو حرام"‪ ،‬بل هي ‪-‬حسب وجهة نظرهم‪ -‬ليست‬
‫سوى إعادة تسمية لا "بوكو حرام" أو صيغة جمددة هلذه احلركة‪ .‬وهاذا التياار‬
‫يرى أن اخنفاض شعبية بوكو حرام الذي جاء يف سياق النقد املتزايد هلاا عنادما‬
‫أقدمت على عمليات قتل بشعة تعرض هلا املسلمون واملسيحيون‪ ،‬تطلب إعاادة‬
‫ال يف‬‫النظر يف تنظيم بوكو حرام نفسه‪ ،‬وبالتايل البد من تغيري شعار احلركاة أما ً‬
‫جذ الدعم اطلي‪ ،‬وقطع الطريق أمام تعاون السكان اطليني مع أجهزة اممان‬
‫ضد أفراد هذا التنظيم‪ ،‬وهذا الرأي امخري يُُعتقد أنه امضعف وقد ال يكون واردًًا‪،‬‬
‫وهو الذي متضي إليه كل من مجاعة "مسلمون ضد اإلرها " و"اجلمعية املسيحية‬
‫ضد اإلرها "؛ حيث ترى مجاعة "مسلمون ضد اإلرها " على سبيل املثااا أن‬
‫"حماربة فكر بوكو حرام اإلرهاباي يتحقق بفضل محلة أمنية شعبية ضد أعمااهلم‬
‫املشينة‪ ،‬وهو ما أدى إىل إلقاء القب على العديد من قادهتم ومماوليهم"‪ ،‬وعلاى‬
‫نفس املنواا ترى "اجلمعية املسيحية يف نيجرييا" أن تغيري تسمية بوكو حارام إىل‬
‫ومتهِّاد‬
‫"مجاعة أنصار املسلمني يف بالد السودان" ما هو إال حيلة جتلب االنتبااه ِّ‬
‫للمفاوضات‪ ،‬ووصفت تطورها با "أصبع سليم يف يد مصابة باجلاذام"‪ ،‬وأهناا‬
‫تعتزم أسلمة نيجرييا وترهيب املسيحيني(‪.)1‬‬
‫وقد نفََّّذ عناصر مجاعة "أنصار املسلمني يف بالد السودان" سلسلة عملياات‬
‫عنف من أشهرها هجوم على سجن يف العاصمة أبوجا يف أواخر نوفمرب‪/‬تشارين‬
‫الثا عام ‪ ،5155‬حرروا خالله عددًًا من رفاقهم كانوا معتقلني داخله‪ ،‬مث تلات‬
‫تلك عملية اختطاف فرنسي كان يعمل حلساا الشاركة الفرنساية فرينيياه‬
‫(‪ )Vergnet‬بوالية كاتسينا يف ديسمرب‪/‬كانون اموا ‪ ،5155‬كما قامت اجلماعاة‬
‫باختطاف سبعة أجانب يف فرباير‪/‬شباط عام ‪ ،5157‬وكانت عملياة االختطااف‬
‫امكرب من نوعها منذ بدء أعماا العنف يف مشاا نيجرييا‪ ،‬وقد برََّّرت اجلماعة تلك‬
‫العملية بالقوا إهنا "جاءت ردًًّّا على امعماا الوحشية اليت يتعارض هلاا الادين‬
‫اإلسالمي من قِِبل الدوا الغربية يف العديد من امماكن كأفغانستان ومايل"‪.‬‬

‫(‪ )1‬أوهنوا‪" ،‬مجاعة أنصار املسلمني يف بالد السودان‪ :‬تطور اجلماعات اإلسالمية بنيجرييا"‪،‬‬
‫مرجع سابق‪.‬‬
‫‪88‬‬
‫وباختصار ميكن القوا‪ :‬إن مجاعة "أنصارو" اليت تركِِّّز نشاطها على اختطاف‬
‫امجانب‪ ،‬متثل فرعًًا أو ‪-‬على امقل‪ -‬حليفًًا قويًًّّا لتنظيم القاعدة‪ ،‬وهلا صلة مباشرة‬
‫بفرع القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬ومعظم قادهتا تلقوا تدريبات يف مشاا مايل‬
‫واجلزائر‪.‬‬
‫وميكن القوا أيضًًا‪ :‬إن مجاعة "أنصار املسلمني يف بالد السودان" تشاكََّّلت‬
‫من العناصر املتمسكني بوالئهم لتنظيم القاعدة ببالد املغر اإلساالمي‪ ،‬الاذين‬
‫يشاطرون قيادة التنظيم يف مشاا مايل واجلزائر موقفها من النزعة الدموية املتسالطة‬
‫لزعيم مجاعة بوكو حرام "أبو بكر شيكاو"‪ .‬وقد علمتُ من قياادات يف تنظايم‬
‫القاعدة ببالد املغر اإلسالمي أن زعيم احلركة خالد الربناوي هو أحد أتباع أمري‬
‫"مجاعة املرابطون" املختار بلمختار‪ ،‬إال أنه حرص على االحتفاظ بعالقات جيادة‬
‫مع باقي قيادات تنظيم القاعدة خصوصًًا يف مشاا مايل‪.‬‬

‫يادية‬ ‫ةب يا‬


‫‪ .0‬أبو بكر شيكاو‪ :‬هو أبرز شخصية قيادية يف مجاعة بوكاو حارام‪ ،‬وهاو‬
‫زعيمها احلايل‪ ،‬ولد يف قرية شيكاو اليت ينتسب إليها يف والية يوباي قر‬
‫احلدود مع النيجر‪ ،‬وال أحد يعرف تاريخ ميالده بالضب ‪ ،‬وإن كان بعا‬
‫الباحثني يعتقدون أنه ولد يف هناية الستينات أو بداية السبعينات من القارن‬
‫العشرين‪ ،‬وحيمل عدة ألقا من بينها اإلمام أبو بكر الشيخ‪ ،‬وأبو حممد بكر‬
‫بن حممد الشيكاوي‪ ،‬ينحدر من عرقية الكانوري‪ .‬وقد تعلََّّام يف املادارس‬
‫الدينية اطلية يف نيجرييا؛ حيث درس بع الكتب الدينية وتعلم اللغة العربية‪،‬‬
‫وهناك تعرف على مؤسس مجاعة بوكو حرام حممد يوسف يف مرحلة مبكرة‬
‫من دعوته‪ ،‬وكان مرافقًًا له ومساعدًًا مقربًًا منه‪ ،‬إىل أن أصبح نائبه اموا يف‬
‫قيادة احلركة‪ .‬وبعد مقتل حممد يوسف يف ‪ 5119‬ظهر شايكاو عاام ‪5151‬‬
‫ليعلن نفسه زعيمًًا للجماعة‪ ،‬وقد اتسم نشاطه بالسرية التامة‪ ،‬خالفًًا لسالفه‬
‫حممد يوسف الذي كان يعمل يف العلن وعلى مرأى ومسمع من السلطات‪.‬‬
‫وقد متكن شيكاو من نقل احلركة من مجاعة حملية ال متلك قدرات يعتدُّ هبا يف‬
‫‪89‬‬
‫العمل املسلح‪ ،‬إىل مجاعة ميلك عناصارها خاربة يف القتااا واساتخدام‬
‫التكنولوجيا احلديثة وترسانة أسلحة ضخمة‪ ،‬وتقوم بشكل متواصل بأعماا‬
‫عسكرية يف أربع دوا هي‪ :‬نيجرييا والنيجر والكامريون وتشاد‪.‬‬
‫‪ .4‬مامان نور‪ :‬قيادي يف بوكو حرام حيمل اجلنسية الكامريونية‪ ،‬ولديه شابكة‬
‫واسعة من العالقات مع اجلماعات اجلهادية يف املنطقة‪ ،‬أعلن نفسه زعيمًًاا‬
‫لا "بوكو حرام" بعد مقتل مُؤََسِِّّسها حممد يوسف واختفااء "أباو بكار‬
‫شيكاو" يف يوليو‪/‬متوز ‪ 5119‬قبل ظهوره مرة أخرى يف يوليو‪/‬متاوز ‪،5151‬‬
‫وهتديده بقتل أي شخص يعارضه‪ ،‬فغادر مامان نور نيجرييا‪ ،‬مُتَوََجِّهًًاا إىل‬
‫الصوماا حيث تدرَّ مع حركة الشبا اجملاهدين‪ ،‬كما ربا صاالت‬
‫بتنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬وخطَّ عند عودته إىل نيجريياا ‪-‬‬
‫كما تقوا احلكومة النيجريية‪ -‬لتفجري مقر اممام املتحادة بنيجريياا يف‬
‫أغسطس‪/‬آ ‪.)1(5155‬‬
‫‪ .3‬خالد الربناوي‪ :‬يعتقد أنه ولد يف بداية سبعينات القرن العشرين يف إحادى‬
‫مدن والية بورنو‪ ،‬حيمل عدة أمساء‪ ،‬من بينها‪ :‬خالد الربناوي‪ ،‬وعثمان عمر‬
‫أبو بكر‪ ،‬وأبو حفصة‪ ،‬وأسامة امنصاري‪ .‬كان قياديًّا يف بوكو حرام‪ ،‬وتلقََّّى‬
‫تدريبات عسكرية يف معسكرات اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا اجلزائرياة‬
‫أواس العشرية اموىل من القرن ‪ ،55‬قبل أن تتحوََّّا إىل تنظيم القاعدة ببالد‬
‫املغر اإلسالمي‪ ،‬وكان أحد املقربني من أمري الصحراء الساابق املختاار‬
‫بلمختار‪ ،‬وشارك معه يف عدة عمليات من بينها هجوم اساتهدف حامياة‬
‫للجيش املوريتا يف يونيو‪/‬حزيران ‪ ،5111‬وأسفر عن مقتل سابعة عشار‬
‫عسكريًّا‪ .‬انشق عن مجاعة بوكو حرام عام ‪ ،5155‬وأسََّّس مع آخرين تنظيم‬
‫مجاعة "أنصار املسلمني يف بالد السودان"‪ ،‬وهو أحد ثالثة قاادة مطلاوبني‬
‫لإلدارة اممريكية بتهمة زعامة بوكو حرام‪ ،‬إضافة إىل "أبو بكر شايكاو"‪،‬‬

‫(‪" )1‬مامان نور مدبر االعتداء على اممم املتحدة يف أبوجا"‪ ،‬إيالف"‪ 5 ،‬سابتمرب‪/‬أيلاوا‬
‫‪( ،5155‬تاريخ الدخوا‪ 51 :‬يناير‪/‬كانون الثا ‪:)5152‬‬
‫‪http://elaph.com/Web/news/2011/9/679985.html‬‬

‫‪91‬‬
‫و"آدم كمبار"(‪ .)1‬وقد أعلن متحدث باسم اجليش النيجريي عان اعتقااا‬
‫خالد الربناوي يف بداية شهر إبريل‪/‬نيسان عام ‪.5152‬‬
‫‪ .2‬آدم كمبار‪ :‬يوصف بأنه شخصية مثرية لالهتمام من قادة بوكو حرام‪ ،‬ليس‬
‫فق منه نقطة الوصل بني القاعدة يف املغر اإلسالمي وبوكو حرام‪ ،‬بال‬
‫يعدُّ أيضًًا املموِّا الذي دفع بوكو حرام للتدر مع قاعدة املغر اإلسالمي‬
‫يف مايل قبل العملية الفرنسية يف ‪" 5155‬عملية سرفاا"‪ .‬كما يعتقد أنه هاو‬
‫من سهََّّل تواصل مامان نور مع حركيت القاعادة يف املغار والشابا‬
‫الصومالية‪ ،‬وساعده يف العودة إىل نيجرييا(‪.)2‬‬

‫(‪" )1‬خالد الربناوي‪ ..‬قيمة تصل إىل ‪ 1‬ماليني دوالر"‪ ،‬برنامج املكافآت من أجل العدالاة‬
‫التابع لوزارة اخلارجية اممريكية‪( ،‬تاريخ الدخوا‪ 5 :‬فرباير‪/‬شباط ‪:)5152‬‬
‫‪https://www.rewardsforjustice.net/arabic/khalid_al_barnawi.html‬‬
‫(‪ )2‬وزارة اخلارجية اممريكية‪" ،‬بيان حقائق لوزارة اخلارجية عن املساعدة اممريكية املقدمة‬
‫إىل نيجرييا ملكافحة اإلرها "‪ ،‬مكتب برامج اإلعالم اخلارجي‪ 54 ،‬مايو‪/‬أياار ‪،5154‬‬
‫(تاريخ الدخوا ‪ 5‬فرباير‪/‬شباط ‪:)5152‬‬
‫‪http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2014/05/20140515299270.h‬‬
‫‪tml#ixzz3z7udtJc8‬‬

‫‪90‬‬
‫الباب الثاني‬

‫القاعدة ببالد املغرب اإلسالمي‪:‬‬


‫اجلذور واحللفاء‬

‫‪91‬‬
‫الفصل األول‬

‫"فتح" الصحراء‬

‫‪95‬‬
‫بعد أن تناولنا يف البا اموا تنظيم "الدولة اإلسالمية" وحجام وجاوده‬
‫يف منطقة الساحل والصحراء‪ ،‬وسعيه احلثيث الكتسا مزياد مان امنصاار‬
‫واملؤيدين منازعًًا يف تلك تنظيم القاعدة علاى أرضاية رسََّّاخ فيهاا أقداماه‬
‫خالا عقدين من الزمن‪ ،‬نتناوا يف البا الثا تنظيم القاعادة بابالد املغار‬
‫اإلسالمي يف املنطقة‪ ،‬كيف نشأ وترعرع؟ وكيف واجه تَمََادُُّّد تنظايم الدولاة‬
‫اإلسالمية؟‬
‫تعود أصوا تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي إىل ما عُُارِِف يف بداياة‬
‫تسعينات القرن املاضي باجلماعة اإلسالمية املسلحة يف اجلزائر‪ ،‬اليت ظهرت عقب‬
‫إعالن اجلنراالت يف اجلزائر إلغاء نتائج االنتخابات التشريعية يف هناية عاام ‪5995‬‬
‫اليت كانت اجلبهة اإلسالمية لإلنقات بقيادة عباسي مد وعلي بلحاج على وشك‬
‫ال عن إصدار السلطات اجلزائرية قرارًًا حبلِّ اجلبهة وحظر نشاطاهتا‪،‬‬ ‫الفوز هبا‪ ،‬فض ً‬
‫وقد أعقب إعالن إلغاء االنتخابات وحظر احلز موجة عنف كبرية راح ضحيتها‬
‫مئات انالف من اجلزائريني‪.‬‬
‫ورغم أن اإلعالميني وكثريًا من الباحثني يُرجعون السبب املباشر لظهور تلك‬
‫اجلماعات املسلحة إىل مرحلة ما بعد إلغاء تلك االنتخابات‪ ،‬فإنَّ املتتبعني للتااريخ‬
‫اجلزائري املعاصر يرون أن النواة اموىل لتلك اجلماعات املسلحة‪ ،‬كانت احلركاة‬
‫اليت أسََّّسها الشيخ مصطفى بويعلي بداية مثانينات القرن العشارين حتات اسام‬
‫"احلركة اإلسالمية املسلحة"‪ ،‬وكان من دواعي تأسيسها ومحلها الساالح ضاد‬
‫الدولة اجلزائرية ‪-‬كما يقوا مؤسسوها‪ -‬موقف احلكوماة اجلزائرياة يف بداياة‬
‫الثمانينات املؤيد لالحتاد السوفييت الذي كان ساعتها حيتل أفغانساتان وخياوض‬
‫احلر ضد "اجملاهدين" من امفغان والعر ‪ ،‬وهو موقف أملته ثنائياة القطابني‬
‫ساعتها؛ حيث كانت اجلزائر إحدى دوا القطب االشتراكي السوفييت‪ ،‬يف مقابل‬
‫القطب الغرباي الرأمسايل اممريكي‪ .‬وشكََّّلت أفغانستان ساعتها واحدة من أبرز‬
‫‪97‬‬
‫نقاط االحتكاك والصراع بني القطبني؛ لذلك كان استهداف املصاحل الساوفيتية‬
‫أحد الشعارات البارزة للحركة اإلسالمية املسلحة يف اجلزائر‪.‬‬
‫ونفََّّذت احلركة عدة عمليات مسلحة يف اجلزائر‪ ،‬قبل أن تاتمكن القاوات‬
‫اجلزائرية من إهناء نشاطاهتا بعد قتل زعيمها الشيخ مصطفى بويعلي وبع قادهتاا‬
‫سنة ‪ 5913‬أثناء تنفيذهم عملية لنقل كميات من امسلحة؛ حيث نصابت هلام‬
‫كمينًًا بالتنسيق مع سائقهم‪ ،‬الذي اهتمه عناصر احلركة بالعمل ماع املخاابرات‬
‫اجلزائرية؛ حيث يقولون إنه بدأ فجأة أثناء حترك اجملموعة يُُشعُّ امضواء بطريقة غري‬
‫عادية‪ ،‬وكانت تلك إشارات لقوات الدرك اليت تكمن يف املنطقة‪ ،‬وفجأة أُناريت‬
‫امضواء الكاشفة ودخلت اجملموعة يف مواجهة حقيقية مع قاوات الادرك الايت‬
‫متكنت من قتل الشيخ مصطفى بويعلي وإصابة مرافقيه(‪ ،)1‬وقد أسهم بع أتباع‬
‫مصطفى بويعلي يف تشكيل اجلناح العسكري للجبهة اإلسالمية لإلنقات‪ ،‬وما انبثق‬
‫عنها الحقًًا من حركات مسلحة‪.‬‬
‫لكن الظهور الفعلي لتلك اجلماعات املسلحة يف اجلزائر كان نتيجة لالنقال‬
‫الذي نفََّّذه اجلنراالت يف اجلزائر بإلغاء نتائج االنتخابات التشريعية اليت نُظِّمات يف‬
‫هناية عام ‪ 5995‬بعد أن فازت هبا اجلبهة اإلسالمية لإلنقات‪ ،‬وهي حز إساالمي‬
‫تو ميوا سلفية تأسََّّس يف اجلزائر بداية عام ‪ ،5919‬ومن أبرز قادته‪ :‬عباسي مد ‪،‬‬
‫وهو من املشاركني يف حر التحرير ضد االستعمار الفرنسي‪ ،‬وقد اعتُقل على يد‬
‫االحتالا الفرنسي وأمضى يف السجن سبع سنني‪ ،‬وحصال سانة ‪ 5931‬علاى‬
‫دكتوراه يف التربية املقارنة من لندن‪ ،‬كما اعتقل عدة مرات على ياد السالطات‬
‫اجلزائرية‪ ،‬إضافة إىل الشيخ علي بلحاج‪ ،‬الذي يُعْتَبََر والده أحد شاهداء الثاورة‬
‫اجلزائرية‪ ،‬وقد دخل السجن ما بني ‪ 5917‬و‪ 5913‬بتهمة املشااركة يف حركاة‬
‫مصطفى بويعلي اليت حتدثنا عنها سابقًًا‪ ،‬ومت اختياره نائبًًا لرئيس اجلبهة اإلساالمية‬
‫لإلنقات بعد تأسيسها‪ ،‬واعتقل عدة مرات‪ ،‬هذا إضافة إىل العدياد مان الادعاة‬
‫والنشطاء اإلسالميني انخرين‪ .‬ويلخِّص الصحفي‪ ،‬كماا الطويل‪ ،‬خارطة نشاأة‬

‫(‪ )1‬أبو زكريا‪ ،‬حيىي‪ ،‬احلركة اإلسرالمية املسرلحة يف اجلزائرر‪( ،‬مؤسساة العاارف‬
‫للمطبوعات‪ ،‬بريوت)‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪98‬‬
‫اجلبهة اإلسالمية لإلنقات بالقوا‪ :‬إهنا محلها من شرق اجلزائر سعيد قشاي‪ ،‬ومان‬
‫الوس علي بلحاج واهلامشي السحنو وعباسي ماد ‪ ،‬ومان الغار حمماد‬
‫كرار(‪.)1‬‬
‫وعشية أوا انتخابات تنظم بعد اإلعالن عن التعددية يف اجلزائر سانة ‪5991‬‬
‫متكَّنت اجلبهة اإلسالمية لإلنقات من اكتساح املشهد البلدي‪ ،‬بعد أن فاازت مباا‬
‫سًا بلديًّا من أصل ‪ ،5179‬و‪ 75‬جملس والية من أصل ‪ 41‬جملسًًا‪.‬‬ ‫جمموعه ‪ 917‬جمل ً‬
‫وقد أدت هذه النتائج إىل توتر يف العالقة بني احلز والنظاام احلااكم يف‬
‫اجلزائر‪ ،‬خصوصًًا اجلنراالت‪ ،‬الذين فاجاأهم االكتسااح الشعبااي للحاز‬
‫اإلسالمي الوليد‪ ،‬وشهدت اجلزائر صدامات عنيفة بني اممن واملتظاهرين‪ ،‬وباات‬
‫قادة احلز مستهدفني من قِبل السلطات اممنية‪ ،‬ومت اعتقاهلم عشاية اإلضارا‬
‫الذي نُفِّذ يف بداية يونيو‪/‬حزيران عام ‪ ،5995‬ويف ‪ 55‬نوفمرب‪/‬تشرين الثا من نفس‬
‫السنة‪ ،‬وقع التطور امسوأ يف العالقة بني الطرفني‪ ،‬حني تعرضت ثكنة عساكرية‬
‫هلجوم قُتل فيه عدد من العسكريني‪ ،‬وهنبت كميات من امسالحة‪ ،‬فساارعت‬
‫السلطات إىل اهتام ناشطني يف اجلبهة اإلسالمية لإلنقات باملسؤولية عن احلاادث‪،‬‬
‫ال‪ .‬ورغم أن تلك احلادثة وصفها الكثريون باملدبََّّرة‬
‫وهو ما نفته اجلبهة مجلة وتفصي ً‬
‫بُغية إبعاد الشارع اجلزائري عن اجلبهة اإلسالمية لإلنقات وتانفريه مناها‪ ،‬فاإنَّ‬
‫االنتخابات التشريعية اليت جرت بعد أقل من شهر مان تلاك احلادثاة يف ‪52‬‬
‫ديسمرب‪/‬كانون اموا أكدت تصاعد شعبية اجلبهة اإلسالمية لإلنقات‪ ،‬اليت حصدت‬
‫‪ 511‬مقعدًًا من أصل ‪ ،575‬أي ما ميثِِّّل نسبة ‪ ،%15‬حينها أدرك حكاام اجلزائار‬
‫وكبار القادة العسكريني واممنيني فيها أن اممور بدأت خترج عان سايطرهتم‪،‬‬
‫فأعلن الرئيس الشاتيل بن جديد استقالته يف ‪ 55‬يناير‪/‬كانون الثا ‪ ،5995‬ونشرت‬
‫وسائل اإلعالم حينها اهتامات للجنراالت بأهنم دفعوه إىل االستقالة‪ .‬ومت تشاكيل‬
‫جملس أعلى للدولة برئاسة وزير الدفاع اجلنراا خالد نزار‪ ،‬وأعلن اجمللاس يف ‪55‬‬

‫(‪ )1‬الطويل‪ ،‬كماا‪ ،‬احلركة اإلسالمية املسلحة يف اجلزائر "من اإلنقاذ إىل اجلماعة"‪( ،‬دار‬
‫النهار للنشر‪ ،‬بريوت‪ ،)5991 ،‬ط ‪ ،5‬ص ‪.51‬‬
‫‪99‬‬
‫يناير‪/‬كانون الثا إلغاء االنتخابات التشريعية اليت فازت هباا اجلبهاة اإلساالمية‬
‫لإلنقات‪ ،‬وفرض حالة الطوارئ‪ ،‬وحلَّ اجلبهة اإلسالمية لإلنقات‪ ،‬وشانََّّت أجهازة‬
‫اممن محلة اعتقاالت واسعة يف أوساط قادهتا ونشطائها‪ ،‬وحتدثت بع املصاادر‬
‫عن اعتقاا أزيد من ‪ 51‬ألف شخص خالا أيام معدودات‪ ،‬وامتألت املعاتقالت‬
‫يف الصحراء باملعتقلني؛ ونتيجة لذلك أعلن املئات من أنصار اجلبهاة اإلساالمية‬
‫لإلنقات اجلهاد ضد النظام وصعدوا إىل اجلباا‪.‬‬
‫وكانت مجاعات موالية للجبهة اإلسالمية لإلنقات قد بدأت مبكرًًا يف الدعوة‬
‫للعمل املسلح‪ ،‬منذ منتصف عام ‪ ،)1(5995‬وكان من أوائل الذين دعاوا للعمال‬
‫اجلهادي املسلح وبادروا إىل تنظيمه‪ ،‬عبد القادر الشبوطي الذي شكََّّل باالشاتراك‬
‫مع الناشطَْين اإلسالميني املعروفني السعيد خملويف وعز الدين باعة مجاعة مسالحة‬
‫حتت اسم "حركة الدولة اإلسالمية"‪ ،‬اليت ظهرت أواخر شهر ماارس‪/‬آتار عاام‬
‫‪ ،5995‬وضمََّّت عناصر مؤيدين جلبهة اإلنقات بدؤوا يف النشاط الساري عقاب‬
‫إعالن إلغاء نتائج االنتخابات التشريعية‪ ،‬أو الذين جلؤوا إىل السرية خالا ما عُرِِف‬
‫باضطرابات العصيان املد يف يونيو‪/‬حزيران عام ‪ ،5995‬وما رافقها من دعاوات‬
‫داخل اجلبهة إلعالن اجلهاد يف تلك الفترة‪.‬‬
‫ومع صعود آالف الشبا من مؤيدي اجلبهة اإلسالمية لإلنقات إىل اجلبااا‬
‫أُعْلِِن هناك عن تأسيس عدد من التنظيمات املسلحة‪ ،‬من أبرزها اجليش اإلسالمي‬
‫لإلنقات‪ ،‬الذي مََثََّّل اجلناح العسكري للجبهة اإلسالمية لإلنقات‪ ،‬وقد أُعْلِِن رمسيًًّّاا‬
‫عن تأسيسه سنة ‪ ،5997‬على جبهتني‪ ،‬إحدامها تُعرف باسم "اللجناة العساكرية‬
‫بالشرق"‪ ،‬والثانية عُرِفََت باسم "اللجنة العسكرية بالغر "‪ .‬ويف سانة ‪ ،5994‬مت‬
‫توحيد الفصيلني حتت قيادة مد مزراق‪ ،‬وكان هذا التنظيم يضمُّ يف صفوفه قرابة‬
‫سبعة آالف من الشبا ‪ ،‬وشهدت عالقته باالتنظيم املسالح الثاا (اجلماعاة‬
‫اإلسالمية املسلحة) الذي كان يشاطره اللجوء إىل اجلباا وحماربة النظام اجلزائري‪،‬‬
‫توترات وصلت حدَّ االقتتاا عام ‪.5991‬‬
‫(‪ )1‬الطويل‪ ،‬احلركة اإلسالمية املسرلحة يف اجلزائرر "مرن اإلنقراذ إىل اجلماعرة"‪،‬‬
‫ص ‪.517‬‬
‫‪011‬‬
‫ويف عام ‪ ،5993‬دخل قائد اجليش اإلساالمي ماد مازراق لإلنقاات يف‬
‫مفاوضات مع السلطات اجلزائرية انتهت بتخليه عن العمل املسلح‪ ،‬وتلك برفقاة‬
‫حوايل أربعة آالف من مقاتليه من اجلباا‪ ،‬وسلََّّموا أسلحتهم يف أكتاوبر‪/‬تشارين‬
‫اموا عام ‪ ،5993‬مستفيدين من عفو عام أصدره الرئيس اجلزائري عباد العزياز‬
‫بوتفليقة‪.‬‬
‫أما الفصيل الثا املسلح الذي كان يتقاسم مع اجليش اإلساالمي لإلنقاات‬
‫اجلباا ويشاطره حماربة اجليش اجلزائري فهو "اجلماعة اإلسالمية املسلحة"‪ ،‬والايت‬
‫ستشكِّل الحقًًا نواة للجماعة السلفية للدعوة والقتاا اليت حتوََّّلت بعاد تلاك إىل‬
‫تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬وقد تبنََّّت اجلماعة اإلسالمية املسلحة الكثري‬
‫من العمليات اليت أودت حبياة آالف اجلزائريني‪.‬‬
‫لكن مصادر عديدة حتدثت عن تورط أجهزة املخابرات اجلزائرياة وبعا‬
‫القيادات العسكرية يف بع العمليات املسلحة املنسوبة إىل املسلحني اإلسالميني؛‬
‫هبدف تشويه صورة اجلبهة اإلسالمية لإلنقات وتنفري الناس منها وتربير قرار حلِِّّهاا‬
‫ومنعها من الوصوا إىل السلطة‪ ،‬ومن أشهر العمليات اليت حامت حوهلا شابهات‬
‫عديدة وأُ ِسيل بشأهنا ِحْبر كثري‪ ،‬عملية تفجاري مطاار هاواري بومادين‪ ،‬يف‬
‫أغسطس‪/‬آ عام ‪ ،5995‬ويقوا الصحفي اجلزائري حيىي أبو زكريا‪ :‬إن من بني ما‬
‫أُثِِري بشأهنا وشكََّّك يف مصداقية اهتام السلطات للجبهة اإلسالمية لإلنقات باملسؤولية‬
‫عنها‪ ،‬احلرفية العالية اليت نُُفِِّّذت هبا‪ ،‬وكون العبوة الناسافة وضاعت يف حقيباة‬
‫دبلوماسية ببهو املطار‪ ،‬اممر الذي يثري تساؤالت عديدة حوا اختراق التحصينات‬
‫واإلجراءات اممنية يف املطار‪ ،‬كما مت تفجري العبوة عن طريق جهاز التحكم عان‬
‫بُعد‪ ،‬وهو ما ال ميلكه اإلسالميون ساعتها‪ ،‬ويف نفس الوقت الذي انفجرت فياه‬
‫قنبلة مطار هواري بومدين‪ ،‬عثر املواطنون على قنبلة يف مستشفى مد قر بلدة‬
‫احلرا ‪ ،‬ويضيف‪ :‬إن هناك مؤشرات تشي بأن العملية اليت أسفرت عن مقتل عدد‬
‫كبري من املواطنني وإصابة آخرين‪ ،‬تقف وراءها أجهزة املخابرات وأُرِِيد مناها أن‬
‫تُحْدِِث صدمة لدى املواطنني اجلزائريني‪ ،‬ودفعهم لاللتفاف حوا اجمللس امعلاى‬
‫للدولة الذي كان يُُعا من انعدام الشعبية حينها‪ ،‬كما استهدفت اغتياا رئايس‬
‫‪010‬‬
‫الوزراء بلعيد عبد السالم الذي كان ساعتها موجودًًا يف املطار‪ ،‬وتلك يف إطاار‬
‫حر امجهزة اجلزائرية الداخلية(‪.)1‬‬
‫غري أن القيادي يف تنظيم القاعدة‪ ،‬عطية اهلل الليباي‪ ،‬الذي أقام يف اجلزائار‬
‫فترة من الزمن بوصفه موفدًًا من زعيم القاعدة‪ ،‬أسامة بن الدن‪ ،‬لالطِّالع علاى‬
‫حقيقة اجلماعة اإلسالمية املسلحة ومنهجها‪ ،‬وأقام يف معسكرات اجلماعة‪ ،‬يقاوا‬
‫يف شهادته على "التجربة اجلزائرية"‪ :‬إن احلديث عن ارتكا اجلايش أو أجهازة‬
‫ال‪" :‬هناك من جيلس على اإلنترنت‬ ‫املخابرات لتلك املذابح غري دقيق‪ ،‬ويضيف قائ ً‬
‫ويتكلم ويقوا بأن الضباط من فعل تلك وفرنسا وغري تلك من امماور‪ ،‬وحنان‬
‫نتستر على أهل اإلسالم‪ ،‬هذه اجملازر مجيعها ارتُكبت يف آخر أيام الزيتو ويف أيام‬
‫عنتر زوابري‪ ،‬وكلها جمازر اجلماعة اإلسالمية املسلحة"(‪.)2‬‬
‫ويقوا الباحث املغرباي يف قضايا اجلماعات اإلساالمية املسالحة حمماد‬
‫ضريف‪ :‬إن "اجلماعة اإلسالمية املسلحة" اتبعت أربع خطوات متهيدًًا لتأسيساها؛‬
‫حيث متثََّّلت اخلطوة اموىل يف تأكيد احلضور من خالا اهلجوم املثري الذي قااده‬
‫(الطيب امفغا ) ضد ثكنة (غمار) سنة ‪ ،5995‬وجتسادت اخلطاوة الثانياة يف‬
‫اختراق التنظيمات املسلحة كجماعة التكفري واهلجرة؛ حياث كاان امفغاان‬
‫اجلزائريون يشرفون على تدريب أعضائها و(احلركة اإلسالمية املسلحة)؛ حياث‬
‫مورست عملية استقطا ممنهجة لعناصرها مما أفضى إىل إضاعافها‪ ،‬وارتبطات‬
‫اخلطوة الثالثة بتأسيس تنظيمات مسلحة صغرية تات قاعادة (أفغانياة)‪ ،‬مثال‪:‬‬
‫"كتائب القدس" و"مجاعة السنََّّة والشريعة"‪ ،‬بينما جتلت اخلطوة الرابعة يف الدعاية‬
‫لتيار امصولية امفغانية عرب توزيع املنشورات خاصة من ِقِبل "جعفار امفغاا "‬
‫(مراد سيد أمحد)؛ حيث كان يدعو سنة ‪ 5995‬إىل إعالن اجلهاد وقتل الطاغوت‬
‫املتجسد يف موظفي الدولة ورموز السلطة‪ ،‬وانتهى هذا املسار بتأسيس "اجلماعاة‬

‫‪.12‬‬‫(‪ )1‬أبو زكريا‪ ،‬احلركة اإلسالمية املسلحة يف اجلزائر‪ ،‬ص‬


‫(‪ )2‬عطية اهلل الليباي‪ ،‬كلمة صوتية مسجلة حتت عنوان "التجربة اجلزائرياة"‪( ،‬تااريخ‬
‫الدخوا‪ 51 :‬أكتوبر‪/‬تشرين اموا ‪:)5152‬‬
‫‪https://archive.org/details/Atia-Alj‬‬

‫‪011‬‬
‫اإلسالمية املسلحة" سنة ‪ 5995‬انطالقًًا من حتالف أربعة تنظيمات مسلحة هاي‪:‬‬
‫"املنشقون عن احلركة اإلسالمية املسلحة" و"كتائب القدس" و"الشريعة والسانة"‬
‫و"الباقون على العهد"‪ .‬ومت اختيار عبد احلق العيادة كأوا أمري للتنظيم اجلدياد‪،‬‬
‫وبعد اعتقاله يف املغر يف مايو‪/‬أيار عام ‪ 5997‬وتسليمه للجزائر حيث أُُعدم‪ ،‬عُُيِِّّن‬
‫عيسى بن عمار أمريًًا للجماعة‪ ،‬لكن إمارته مل تدم أكثر من شهر تقريبًًا؛ حياث‬
‫قُُتل يف أغسطس‪/‬آ عام ‪ 5997‬على يد القوات اجلزائرية‪ ،‬مث عُُيِِّّن سيد أمحد مراد‬
‫املك "جعفر امفغا " أمريًًا‪ ،‬إىل أن قتل يف مارس‪/‬آتار عام ‪ ،5994‬مث توىل مان‬
‫بعده شريف قومسي املك "أبو عبد اهلل أمحد"‪ ،‬وبعد مقتله توىل مجااا زيتاو‬
‫املك "أبو عبد الرمحن أمني" منصب أمري‪ .‬نفذت مجاعة يقودها مجااا زيتاو‬
‫انقالبًًا‪ ،‬كما يُُسمِِّّيه عطية اهلل الليباي؛ حيث كان يفترض أن يتوىل حمفوظ أباو‬
‫خليل القيادة مؤقتًًا حبكم استخالفه‪ ،‬إىل أن جيتمع جملاس الشاورى يف ظارف‬
‫أسبوعني‪ ،‬لكن جمموعة يقودها مجاا زيتو ‪ ،‬وتضم كالًّ من عنتر زوابري وأباو‬
‫رحيانة‪ ،‬وآخرين بينهم شخص يُُسمََّّى بوكابوس‪ ،‬وآخر يُُسمََّّى ماكادور واملسوؤا‬
‫اإلعالمي حينها للجماعة أبو مرمي‪ ،‬اجتمعوا وقرروا رف استخالف "أبو خليل"‬
‫حبجة أنه من تيار "اجلزأرة" وسيفسد مسار اجلماعة وحيرِِّّف منهجها‪ ،‬وأصادروا‬
‫بيانًًا باسم جملس الشورى الذي مل جيتمع‪ ،‬أعلنوا فياه مبايعاة "زيتاو " أما ًريًا‬
‫للجماعة‪ ،‬ووزعوه على الكتائب والسرايا وقيادات املناطق‪ ،‬فاحتج حمفاوظ أباو‬
‫خليل وعدد من قيادات اجلماعة على البيان املزور‪ ،‬وكاد الطرفاان أن يشاتبكا‬
‫ويقتتال لوال تدخل بع القيادات امخرى من بينهم مصطفى كرطاايل وحياىي‬
‫القرموح ويوسف الطيباي وآخرون‪ ،‬ويف النهاية قرر حمفوظ أبو خليل اعتازاا‬
‫سرًّا‬
‫اممر والتسليم لزيتو ‪ ،‬وغادر اجلبل إىل ضاحية العاصمة اجلزائر؛ حيث عا ًّ‬
‫هناك حىت مات‪.‬‬
‫ومع تويل مجاا زيتو مقاليد اممر بدأت اجلماعة تتجه تدرجييًًّّا حنو مزيد من‬
‫التطرف والدموية‪ ،‬وبلغت أَ ْو َج َها يف تلك خالا فترته امخرية‪ ،‬وقد توىل إمارهتاا‬
‫يف الفترة ما بني سبتمرب‪/‬أيلوا ‪ 5994‬إىل غاية مقتله يف شهر يوليو‪/‬متوز عام ‪،5992‬‬
‫مث توىل من بعده خلفه عنتر زوابري املك "أبو طلحة" قيادة التنظيم‪ ،‬فكان أشاد‬
‫‪011‬‬
‫بطشًًا ودموية‪ ،‬وأصدر يف ‪ 52‬سبتمرب‪/‬أيلوا عام ‪ 5993‬بيانه املشهور (صد اللئاام‬
‫عن حوزة اإلسالم)‪ ،‬والذي أعلن فيه كفر الشعب اجلزائري واساتباحة دمائاه‬
‫وأمواله‪ ،‬وتبنَّى املذابح الدموية اليت عرفتها اجلزائر يف تلك احلقبة‪.‬‬
‫وقد استمرت فترة قيادة الزوابري للجماعة من يوليو‪/‬متوز ‪ 5992‬إىل غاياة‬
‫شهر فرباير‪/‬شباط ‪ ،5115‬وهي الفترة اليت شهدت انشقاق عدد كبري مان قاادة‬
‫اجلماعة اإلسالمية املسلحة‪ ،‬وبدأت اجلماعة تتالشى يف عهاده إىل أن اختفات‬
‫هنائيًًّّا‪ ،‬كما ظهرت خالا تلك الفترة كتائب وتنظيمات مسلحة اقتتلت فيما بينها‪،‬‬
‫ومن أبرزها "مجاعة محاة الدعوة السلفية"‪ ،‬و"كتيبة امهواا"‪ ،‬و"رابطاة الادعوة‬
‫ال عن "اجلماعاة السالفية للادعوة‬ ‫واجلهاد"‪ ،‬و"مجاعة الباقون على العهد"‪ ،‬فض ً‬
‫والقتاا"‪ ،‬اليت أعلن عن تأسيسها سنة ‪ 5991‬والتحق هبا معظام عناصار تلاك‬
‫اجلماعات‪ ،‬وأصدر مؤسسوها بيانًًا عُرف باسم بيان "اجلماعة رمحة" وصفوا فياه‬
‫تويل عنتر زوابري لقيادة اجلماعة بأنه "استيالء"‪ ،‬واهتموه بإحداث فساد عظايم‬
‫باحنرافه عن منهج اجلماعة وهو املنهج "السلفي"‪ ،‬ووصفوا املوالني له من عناصار‬
‫اجلماعة اإلسالمية بالتكفرييني اخلوارج‪.‬‬
‫ومع ظهور اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا املنشقة عن اجلماعة اإلساالمية‬
‫املسلحة‪ ،‬ميكن القوا‪ :‬إن معظم قادة السرايا والكتائب يف اجلماعاة اإلساالمية‬
‫املسلحة وغريها من اجلماعات أعلنوا االنضمام للجماعة السلفية‪ ،‬فبدأ نفوت بااقي‬
‫تلك اجلماعات‪ ،‬مبا فيها مجاعة عنتر زوابري يتضاءا‪ ،‬وأتباعه يتناقصاون إىل أن‬
‫قُتل سنة ‪ ،5115‬واختفى تنظيمه بعد تلك‪.‬‬
‫وميكن القوا أيضًًا‪ :‬إن اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا‪ ،‬جاءت كمحاولاة‬
‫لتلمس موقف وس بني تيارين ظهرا يف اجلماعات اإلسالمية املسلحة يف اجلزائار‬
‫خالا النصف الثا من عقد التسعينات‪ ،‬أوهلما تيار "الزوابرية"‪ ،‬وهم املسيطرون‬
‫على "اجلماعة اإلسالمية املسلحة" ويرون تكفاري اجملتماع؛ مناه يشاارك يف‬
‫االنتخابات وال يقاتل احلكام املرتدين حسب تصنيفهم‪ ،‬وقد نفَّذ هؤالء عملياات‬
‫قتل ضد املدنيني وسكان القرى وامرياف وعلماء الدين‪ ،‬وكل من تصله أيديهم‪،‬‬
‫وأحرقوا بع املساجد‪ .‬أما التيار الثا فهو الداعي لالخنراط يف سياسة املصااحلة‬
‫‪014‬‬
‫الوطنية اليت دعا إليها الرئيس اجلزائري عبد العزيز بوتفليقة وتسليم السالح وإهناء‬
‫القتاا‪ ،‬ويُُمثِِّّل هذا التيار اجليش اإلسالمي لإلنقات بقيادة مد مزراق‪ ،‬فظهارت‬
‫"اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا" كتنظيم راف لوضع السالح والنزوا من اجلبل‬
‫ومتمسك بقتاا النظام اجلزائري‪ ،‬لكنه أيضًًا يرف تكفري عامة الشعب اجلزائري‪،‬‬
‫وال يقبل باستباحة دمائه‪ ،‬ويصف تصرفات "الزوابريني" باجلرائم الدموياة الايت‬
‫يرتكبها اخلوارج‪.‬‬
‫ولئن كانت اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا قد أعرضت عن تكفاري عاماة‬
‫الشعب اجلزائري واعتربته شعبًًا مسلمًًا كسائر الشعو اإلسالمية‪ ،‬فإهنا أصارت‬
‫على تكفري قيادة الدولة وحكامها باعتبارهم "حيكمون بغري ما أنزا اهلل"‪ ،‬شأهنم يف‬
‫تلك شأن "حكام معظم البلدان اإلسالمية" امخرى‪ ،‬كما متسكت بتكفري أفاراد‬
‫اجليش وقوات اممن ووصفتهم باليد الضاربة عسكريًًّّا وأمنيًًّّا للنظاام الكاافر ‪-‬‬
‫حسب تصورها‪ -‬وامتد تكفريها إىل الربملانيني باعتبارهم مشرعني مان دون اهلل‪،‬‬
‫وواصلت هذه اجلماعة حرهبا ضد احلكومة اجلزائرية‪ ،‬قبل أن تعلن مطلاع عاام‬
‫‪ 5113‬عن بيعتها لزعيم تنظيم القاعدة يف أفغانستان أسامة بن الدن‪ ،‬وتغيِّر امسهاا‬
‫لتصبح "تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي"‪.‬‬
‫وتعاقب على قيادة اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا منذ تأسيسها وحىت اليوم‬
‫أربعة قادة هم‪ :‬عبد اجمليد ديشو امللقَّب "أبو مصعب عبد اجمليد" خالا الفترة ماا‬
‫بني عامي ‪ 5991‬و‪ ،5999‬وبعد مقتله على يد القوات اجلزائرياة‪ ،‬عُُايِّن حسان‬
‫حطا أمريًًا هلا‪ ،‬وتوىل قيادهتا خالا الفترة ما بني عامي ‪5999‬و‪5115‬؛ حياث مت‬
‫عزله بعد أن أظهر توجهًًا إلهناء العمل املسلح واالستفادة من قانون الوئام املاد ‪،‬‬
‫وتوىل بعده إمارة التنظيم نبيل صحراوي املك "أبو إبراهيم مصطفى" خالا الفترة‬
‫ما بني عامي ‪ 5115‬و‪ ،5114‬وبعد مقتله على يد اجليش اجلزائري عُيِّن عبد امللك‬
‫دوركداا املك "أبو مصعب عبد الودود" أمريًًا للتنظيم‪ ،‬ويف عهده أصبح التنظيم‬
‫فرعًًا من تنظيم القاعدة‪ ،‬وغيَّر امسه ليصبح "القاعدة ببالد املغر اإلسالمي"‪ ،‬وما‬
‫يزاا "أبو مصعب عبد الودود" حىت انن هو اممري العام للتنظيم‪.‬‬

‫‪015‬‬
‫"فجح" ال حرات‬
‫كان املسلحون السلفيون يف اجلزائر قد تعرفوا على صحراء أزواد يف مشااا‬
‫مايل منذ عام ‪ 5994‬حني كانوا يعربوهنا باجتاه النيجر يف رحالت لشراء الساالح‬
‫والدواء‪ ،‬لكن أيًًّّا منهم مل يستقر به املقام يف أزواد‪ ،‬إىل أن كان مساء تات يوم من‬
‫هناية شهر يونيو‪/‬حزيران عام ‪ 5111‬حينما جلأ أمري املنطقة الصحراوية التاساعة يف‬
‫تنظيم اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا املختار بلمختار املك "خالد أبو العبااس"‬
‫واملعروف بلقبه "بلعور" برفقة ستة عشر من عناصره كلهم جزائريون‪ ،‬إىل صحراء‬
‫أزواد بعد يوم من مالحقة القوات اجلزائرية هلم‪ ،‬وقصفهم بالطائرات‪.‬‬
‫وكان من بني مرافقي املختار بلمختار عند وصوله إىل صحراء أزواد سانة‬
‫‪ 5111‬اثنان من أبرز قادة التنظيم‪ ،‬مها‪ :‬إبراهيم غريقاة املكا "أباو إساحاق‬
‫امفغا "‪ ،‬وهو جزائري ينحدر من مدينة غرداية اليت ينحدر منها بلمختار نفسه‪،‬‬
‫وصديق قدمي له‪ ،‬التحق معه باملقاتلني العر يف أفغانستان عام ‪5995‬؛ حيث تلقى‬
‫دورة تدريبية عسكرية ملدة مثانية أشهر يف معسكر "صدى" التابع لتنظيم القاعادة‬
‫هناك‪ ،‬خصوصًًا يف جماا صناعة املتفجرات‪ ،‬وأصبح أحد خرباء املتفجرات‪ .‬وماع‬
‫تصاعد أعماا العنف يف اجلزائر اليت أعقبت إلغاء نتائج االنتخابات الربملانية الايت‬
‫فاز هبا اإلسالميون بداية عام ‪ ،5995‬وإطالق اجلماعات السلفية العمل املسلح ضد‬
‫الدولة‪ ،‬عاد إبراهيم إىل اجلزائر سنة ‪ ،5997‬والتحق مبسلحي اجلماعة اإلساالمية‬
‫املسلحة يف منطقة "الشلف"‪ ،‬مث انتقل إىل املنطقة العسكرية الثالثة املعروفة باسام‬
‫"كتيبة تيارت"‪ ،‬ويقوا رفاقه‪ :‬إنه من أوائل الذين أدخلوا العمال الاتفجريي إىل‬
‫اجلزائر‪ ،‬بعد أن أتقنه خالا وجوده يف أفغانستان‪ ،‬وقد كََوََّّن عددًًا مان خارباء‬
‫املتفجرات من بني عناصر اجلماعة اإلسالمية املسلحة الذين شااركوا يف إعاداد‬
‫وتنفيذ تفجريات كبرية شهدهتا اجلزائر يف مرحلة ما عُرف با "العشرية السوداء"‪.‬‬
‫ويف سنة ‪ 5991‬التحق باملنطقة الصحراوية اجلنوبية يف اجلماعاة اإلساالمية‬
‫املسلحة‪ ،‬مُكََلَّفًًا مبهمة تكوين عدد من خرباء املتفجرات‪ ،‬ويف سانة ‪ 5992‬عيََّّناه‬
‫التنظيم مستشارًًا ممري املنطقة الصحراوية املختار بلمختار‪ ،‬وانشق برفقتاه عان‬
‫اجلماعة اإلسالمية املسلحة‪ ،‬ليلتحقا مع عناصرمها باجلماعة السلفية للدعوة والقتاا‬
‫‪016‬‬
‫عند تأسيسها سنة ‪ ،5991‬وظل يعمل حتت إمرته‪ ،‬وكان مبثابة سااعده امميان‬
‫ورجل الثقة لديه‪ ،‬إىل أن قُتل يف يونيو‪/‬حزيران سنة ‪ 5111‬يف هجوم نفَّذه مقااتلو‬
‫املنطقة الصحراوية على "ثكنة املغيطي" العسكرية يف مشاا موريتانيا‪ ،‬وقد أسندت‬
‫إليه يف تلك اهلجوم مهمة قيادة جمموعة االقتحام اليت كلفات باقتحاام الثكناة‬
‫العسكرية بعد قصفها من قِبل املهامجني‪.‬‬
‫أما ثالث أهم شخصية وصلت من التنظيم مبكارًًا إىل أزواد ماع املختاار‬
‫بلمختار وإبراهيم غريقة‪ ،‬فهو القيادي يف التنظيم ناصر مليك‪ ،‬املك "أيو أباو‬
‫عبيدة"‪ ،‬وهو من الذين التحقوا بالعمل املسلح يف اجلزائر مبكرًًا؛ حيث انضام إىل‬
‫اجلماعة اإلسالمية املسلحة سنة ‪ ،5995‬عشية انطالق عملياهتا املسلحة‪ ،‬مث انشاق‬
‫عنها والتحق سنة ‪ 5991‬باجلماعة السلفية للدعوة والقتاا بعد تأسيسها‪ ،‬وقد عاد‬
‫من صحراء أزواد إىل اجلزائر واستقر يف اجلباا ضمن صفوف املقاتلني اإلسالميني‬
‫إىل أن قُتل سنة ‪ 5111‬مبدينة بومرداس‪.‬‬
‫وقد وصل برفقة هؤالء الثالثة (خمتار بلمختار‪ ،‬إبراهيم غريقة‪ ،‬ناصر مليك)‬
‫إىل صحراء أزواد يف مشاا مايل أربعة عشر من املسلحني هم‪ :‬عبد الرمحن املهاجر‬
‫وهو مقاتل ينحدر من مدينة غرداية اجلزائرية‪ ،‬وقد عاد إىل اجلزائر وقُتل يف جباا‬
‫بوكحيل بوالية اجللفة خالا مواجهات مع القوات اجلزائرية‪ ،‬وعبد العزياز مان‬
‫مدينة ورقلة يف جنو اجلزائر‪ ،‬وقُتل يف قصف نفَّذه الطريان اجلزائاري ياوم ‪71‬‬
‫يونيو‪/‬حزيران ‪ 5111‬يف مشاا مايل قر احلدود مع اجلزائر‪ ،‬وآخر يدعى "باالا"‬
‫وينحدر من مدينة البويرة اجلزائرية‪ ،‬و"حسان" وينحادر مان مديناة اجللفاة‪،‬‬
‫و"منصور" الذي ينحدر من "عني طاية" وقد عاد هو انخر إىل اجلزائر وقُتال يف‬
‫جباا بوكحيل ‪ ،5115‬ومسعود البارا املنحدر من "باريكة" وقتال هاو انخار‬
‫بضواحي "بوسعادة" بوالية املسيلة سنة ‪ 5115‬بعد عودته إىل اجلزائر‪ ،‬وعبد الفتاح‬
‫الشاعر من "اجللفة" وقد قُتل مبنطقة "تادمايت" وس اجلزائر سنة ‪ ،5114‬ويُصنف‬
‫كأحد شيوخ اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا‪ ،‬و"إدريس" وينحدر من "مساعد"‬
‫باجللفة وقد قتل مع عبد الفتاح الشاعر يف وس اجلزائر سنة ‪ ،5114‬و"أبو بالا"‬
‫من مدينة ورقلة جنو اجلزائر وقد قتل هو انخر يف انفجار لغم بسيارته أثنااء‬
‫‪017‬‬
‫عودته إىل صحراء أزواد‪ ،‬وعمي عبد اهلل من مدينة "املنيعة" وقتل مع أبو باالا‪،‬‬
‫و"إبراهيم" من مدينة "جامعة" وقُتل يف جباا "بوكحيل" سنة ‪ 5114‬علاى ياد‬
‫القوات اجلزائرية‪ ،‬و"أبو رواحة" وينحدر من "امغواط" وقد قتل يف تشاد مع عدد‬
‫من رفاقه سنة ‪ 5114‬يف اشتباك مع اجليش التشادي حني كان ضامن جمموعاة‬
‫يقودها عمار الصايفي املك "عبد الرزاق البارا" قائد املنطقة اخلامسة يف اجلماعاة‬
‫السلفية للدعوة والقتاا‪ ،‬ومعهم مقاتل آخر يُدعى "عتبة"‪ ،‬أما املقاتل الرابع عشار‬
‫فلم أمتكن من معرفة امسه وهو من مدينة "أوالد جالا" التابعة لوالياة بساكرة‪،‬‬
‫وكان ضمن اجملموعة اليت اعتقلت مع عبد الرزاق الباارا علاى ياد املتماردين‬
‫التشاديني سنة ‪ ،5114‬وسُلِّم للسلطات اجلزائرية‪ .‬لكن بلمختار قرر مغادرة أزواد‬
‫والعودة إىل اجلزائر ثانية سنة ‪5115‬؛ حلضور اجتماعات جملس الشورى واهليئاات‬
‫القيادية للجماعة السلفية للدعوة والقتاا‪.‬‬

‫دور " مارأ ال حرات" في العال ة بالقاىدأ‬


‫كان أمري الصحراء‪ ،‬املختار بلمختار‪ ،‬من املتحمساني النضامام اجلماعاة‬
‫السلفية للدعوة والقتاا إىل تنظيم القاعدة يف بالد خراسان (أفغانستان وباكساتان‬
‫وإيران)‪ ،‬وقد استضاف يف صحراء مشاا مايل أوا مبعوث لتنظايم القاعادة إىل‬
‫اجلزائر "أبو حممد اليما " (نسبة إىل اليمن اليت ينحدر منها)‪ ،‬الذي جاء لالطالع‬
‫على حقيقة "اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا" ومعرفة مادى مطابقتاها ملناهج‬
‫ومعتقدات وأساليب وأفكار تنظيم القاعدة يف أفغانستان ويف شبه اجلزيرة العربياة‬
‫(السعودية واليمن)‪ .‬وقد دخل أبو حممد اليما إىل اجلزائر سنة ‪5115‬؛ حيث أقام‬
‫يف معسكرات اجلماعة مبنطقة "بوكحيل" يف والية اجللفة‪ ،‬مدة شاهر تقريبًًاا‪ ،‬مث‬
‫تنقل إىل والية باتنة يف الشرق؛ حيث كانت توجد معسكرات تابعة لقائد املنطقة‬
‫اخلامسة يف التنظيم‪ ،‬عمار الصايفي املك "أبو حيدرة اموراسي" ويُعرف بلقباه‬
‫"عبد الرزاق البارا"‪ ،‬ويف تلك الفترة وقعت أحداث احلادي عشر من سبتمرب‪/‬أيلوا‬
‫بالواليات املتحدة اممريكية؛ حيث نفذت القاعدة هجمات ضد برجي التجاارة‬
‫العامليني يف نيويورك‪ ،‬ومبا وزارة الدفاع اممريكية (البنتاغون) يف واشانطن‪ ،‬مث‬
‫‪018‬‬
‫تنقل "اليما " من والية باتنة اليت أقام فيها حاوايل شاهر إىل أقصاى الشارق‬
‫اجلزائري؛ حيث توجد معسكرات للجماعة يف "تبساتة" و"خنشالة" و"اجلبال‬
‫امبي "‪ ،‬وهناك أقام ثالثة أشهر قابل خالهلا عددًًا من القادة امليدانيني وشارك يف‬
‫بع امعماا العسكرية‪ ،‬مث تنقل مع جمموعة من املقاتلني إىل الصحراء يف جنو‬
‫اجلزائر؛ حيث نفذوا هجمات استهدفت خطف عدد من السيارات احلكومياة‪،‬‬
‫وشارك يف اشتباكات مع القوات اجلزائرية‪ ،‬مث دخل إىل منطقة أزواد بشماا مايل؛‬
‫حيث قابل أمري املنطقة الصحراوية يف اجلماعة السلفية املختار بلمختاار‪ ،‬وأقاام‬
‫حوايل تسعة أشهر معه يف تلك املنطقة‪ ،‬شاارك خالهلاا يف تادريب املقااتلني‬
‫وتأهيلهم‪ ،‬كما شارك يف اشتباك مع القوات املالية‪ ،‬وكان على اتصااا خاالا‬
‫إقامته يف اجلزائر ومشاا مايل ببع قادة القاعدة يف الايمن وأفغانساتان؛ لنقال‬
‫انطباعاته عن "اجلماعة السلفية" يف اجلزائر‪ ،‬وتركزت اتصاالته أساسًًا مع القيادي‬
‫يف تنظيم القاعدة باليمن "أبو عايل احلارثي" الذي قُتل بعد تلك يف قصف بطائرة‬
‫أمريكية أواخر عام ‪.5115‬‬
‫ويف طريق عودته مع بلمختار إىل اجلزائر قادمني من مايل خاالا النصاف‬
‫اموا من شهر سبتمرب‪/‬أيلوا‪ ،‬وبرفقتهما عدد من مقاتلي املنطقاة الصاحراوية‪،‬‬
‫قاصدين مقر قيادة التنظيم يف والية "جباية" شرق العاصمة اجلزائر‪ ،‬وقعوا يف كمني‬
‫للجيش اجلزائري أثناء عبورهم جباا "باتنة"؛ حيث حاصرهتم القوات اجلزائرياة‬
‫واشتبكت معهم‪ ،‬وخالا تلك املواجهات قُتل "أبو حممد اليما "‪ ،‬وعادد مان‬
‫عناصر التنظيم‪ ،‬بينما جنا بلمختار وآخرون‪ ،‬واستطاعوا اإلفالت مان احلصاار‬
‫املفروض عليهم‪.‬‬
‫وكان "أبو حممد اليما " أوا مبعوث من القاعدة إىل تنظيم اجلماعة السلفية‬
‫للدعوة والقتاا بعد انشقاقها عن اجلماعة اإلسالمية املسلحة؛ وتلك بُغية دراساة‬
‫حقيقتها ومدى إمكانية انضمامها إىل القاعدة أو التعاون معها على امقل‪.‬‬
‫وبعد مقتل "أبو حممد اليما " توقفت حماوالت رب الصلة باني اجلماعاة‬
‫السلفية للدعوة والقتاا اجلزائرية‪ ،‬وتنظيم القاعدة امم يف أفغانستان‪ ،‬فتارة مان‬
‫الزمن‪ ،‬قبل أن تبدأ اتصاالت جديدة بني قيادة التنظيم و"أبو مصعب الزرقاوي" يف‬
‫‪019‬‬
‫العراق‪ ،‬وكان الناش اجلهادي يف إسبانيا "أبو محزة امندلسي" وسيطًًا لرب الصلة‬
‫بني اجلماعة السلفية وتنظيم القاعدة يف بالد الرافدين‪ ،‬أسفرت عن مراسالت بني‬
‫الزرقاوي وقيادة القاعدة يف أفغانستان يدعوهم فيها لالعتراف باجلماعة السالفية‬
‫وقبوا انضمامها إىل تنظيم القاعدة كفرع له يف مشاا إفريقيا‪ ،‬لكن أمين الظواهري‬
‫وأسامة بن الدن كانا يتحفظان على تلك‪ ،‬ويسعيان ملزيد من االطالع على حقيقة‬
‫تلك اجلماعة قبل البتِّ يف أمرها‪ ،‬وهو ما تضمنته الفقرة السابعة من رسالة بعاث‬
‫هبا أمين الظواهري إىل أباي مصعب الزرقاوي بتاريخ ‪ 9‬يوليو‪/‬متوز ‪ 5111‬املوافق‬
‫‪ 5‬مجادى الثانية ‪ ،5452‬واليت جاء فيها ما نصه‪ ..." :‬موضوع اإلخوة اجلزائاريني‬
‫عندنا منه ختوُّف من التجار السابقة‪ ،‬فإتا أمكن أن تتواصال معهام وتفيادنا‬
‫بتفاصيل منهم فنكون لكم من الشاكرين"(‪.)1‬‬
‫كما أوفدت قيادة اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا يف اجلزائار سانة ‪5111‬‬
‫جزائريًًّّا يك "أبو املث " إىل العراق ملقابلة الزرقاوي وحثه على دعام اجلماعاة‬
‫السلفية يف مساعيها لالنضمام إىل القاعادة‪ ،‬واحلصاوا علاى تزكيتاه‪ ،‬إال أن‬
‫السلطات السورية اعتقلته أثناء حماولته العبور إىل العراق وسلَّمته إىل اجلزائر‪ ،‬كما‬
‫مت اعتقاا "أبو محزة امندلسي" يف إسبانيا؛ لتتوقف من جديد املسااعي العملياة‬
‫النضمام اجلماعة السلفية إىل القاعدة‪ ،‬قبل أن يقترح عبد الارمحن ولاد حمماد‬
‫احلسني‪ ،‬املك "يونس املوريتا "‪ ،‬استئناف تلك االتصاالت ويباشارها بادعم‬
‫ومؤازرة من املختار بلمختار سنة ‪.5111‬‬
‫وكان "يونس املوريتا " قد تعرف على تنظيم القاعدة يف أفغانساتان سانة‬
‫‪ 5115‬عندما التحق مبعسكراهتا يف باكستان وأفغانستان‪ ،‬قادمًًا من اململكة العربية‬
‫السعودية اليت ولد فيها سنة ‪ ،5915‬ونشأ وترعرع‪ ،‬لكنه ترك القاعدة مباشرة بعد‬
‫أحداث احلادي عشر من سبتمرب‪/‬أيلوا عام ‪ ،5115‬وعاد إىل السعودية ومناها إىل‬
‫موريتانيا‪ ،‬قبل أن يلتحق مبعسكرات اجلماعة السلفية للدعوة والقتااا اجلزائرياة‬

‫(‪ )1‬الرسالة املنسوبة لا "أمين الظواهري" إىل الزرقاوي‪( ،‬تاريخ الدخوا‪ 52 :‬أكتوبر‪/‬تشرين‬
‫اموا ‪:)5152‬‬
‫‪https://justpaste.it/archive001‬‬

‫‪001‬‬
‫مشاا مايل‪ ،‬بداية عام ‪5114‬؛ حيث شارك يف معارك ضاد القاوات النيجرياة‬
‫واجلزائرية واملوريتانية‪ ،‬ونش عدة أشهر يف معسكرات اجلماعة باجلزائر ومشااا‬
‫مايل‪ ،‬قبل أن يعلن هلم عن رغبته يف االلتحاق بالقاعدة يف أفغانستان مان جدياد‬
‫وحماولة رب الصلة بينها وبني اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا يف اجلزائر‪ ،‬وهاو‬
‫العرض الذي رفضه "عبد احلميد أبو زيد" بداية‪ ،‬لكن املختار بلمختار وافق علياه‬
‫ومسح ليونس مبغادرة املعسكرات بشماا مايل يف يونياو‪/‬حزياران عاام ‪5111‬‬
‫لاللتحاق بالقاعدة يف أفغانستان؛ حيث استطاع الوصوا إىل إيران هناية العام قادمًًا‬
‫من باماكو حبجة اعتناقه للمذهب الشيعي ورغبته يف الدراسة يف معهاد العلاوم‬
‫اإلسالمية العاملي مبدينة قم‪ ،‬وهناك اتصل بالشيخ عبد اهلل سعيد القيادي يف القاعدة‬
‫واملقيم يف طهران‪ ،‬وأخربه مبهمته املتعلقة برب الصلة بني اجلماعة السلفية للدعوة‬
‫والقتاا يف اجلزائر‪ ،‬وتنظيم القاعدة يف أفغانستان‪ ،‬فرتََّّب له لقاء مع منسق تنظايم‬
‫القاعدة يف إيران املسمى "زين العابدين"‪ ،‬وهو ساوري اجلنساية‪ ،‬فرافقاه إىل‬
‫باكستان؛ حيث قابل يف إقليم وزيرستان كالًّ من‪ :‬خالد حبيب (مصري) املسؤوا‬
‫العسكري وقتها ونائب القائد العام وأعضاء من جملس الشاورى‪ .‬وقاد كلفاوا‬
‫موريتانيًًّّا يدعى حممد ولد إسرائيل باالجتماع معه ومعرفة ما لديه من معلوماات‬
‫عن اجلماعة السلفية وحقيقة أفكارها ومعتقداهتا‪ ،‬فطلب منه هذا امخري تسجيل ما‬
‫يريد إبالغه لقيادة القاعدة‪ ،‬فقام "يونس املوريتا " بتسجيل عدة أشرطة صاوتية‪،‬‬
‫شرح فيها موقف اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا يف اجلزائر‪ ،‬ورؤيتاها الفكرياة‬
‫وعقيدهتا‪ ،‬اليت ال يرى فرقًًا بينها وبني رؤية وعقيدة تنظيم القاعدة يف أفغانساتان‪،‬‬
‫خصوصًًا أن اجلماعة السلفية تتخذ من كتابات الشيخ "أباو حمماد املقدساي"‬
‫مرجعية فكرية وعقدية هلا‪ ،‬كما شرح حقيقة عالقتها باجلماعة اإلسالمية املسلحة‬
‫يف اجلزائر‪ ،‬اليت انشقت عنها سابقًًا حبجة غلوِّها وانتهاجها منهج اهلجرة والتكفري‪،‬‬
‫واندثار هذه امخرية هنائيًًّّا بعد مقتل أمريها عنتر زوابري‪ ،‬كماا حااوا تبدياد‬
‫خماوف قيادة تنظيم القاعدة يف خراسان من غلوِّ اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا‪،‬‬
‫وإسرافها يف سفك الدماء‪ ،‬على غرار اجلماعة اإلسالمية املسالحة‪ ،‬وتضامنت‬
‫امشرطة مربرات انضمام اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا إىل تنظايم القاعادة‪،‬‬
‫‪000‬‬
‫وضرورة قبوا قيادة القاعدة يف خراسان ببيعة اجلماعة السلفية وانضامامها هلاا‪،‬‬
‫واستعداد هذه اجلماعة لتلبية ما يطلب منها بُغية التحاقها بالقاعدة‪.‬‬
‫ويف النهاية حصل يونس املوريتا على رسالة هبا مخس عشرة توصاية مان‬
‫قيادة القاعدة يف خراسان‪ ،‬تطالب اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا بتنفيذها قبال‬
‫اختات قرار بضمِّها‪ ،‬ومن أبرز تلك التوصيات‪ :‬االهتمام مبوضوع مجاعة أهل السنة‬
‫للدعوة واجلهاد (بوكو حرام) يف نيجرييا‪ ،‬واليت كانت القاعدة تنظر إليها باعتبارها‬
‫ال مهمًًّّا واستراتيجيًًّّا للحركة اجلهادية العاملية إىل القارة السامراء‪ ،‬وغاادر‬
‫مدخ ً‬
‫يونس وزيرستان إىل طهران على عجل؛ من إقامته يف إياران أوشاكت علاى‬
‫االنتهاء‪ ،‬والبد من العودة من حيث أتى‪.‬‬
‫مث عاد إىل مايل قادمًًا من طهران؛ حيث التحق مارة أخارى مبعساكرات‬
‫اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا يف صحراء أزواد وسالَّم الرساالة إىل املختاار‬
‫بلمختار‪ ،‬الذي أرسلها بدوره إىل أمري التنظيم يف اجلزائر عبد امللاك دوركاداا‬
‫وأعضاء جملس الشورى للبتِّ فيها‪ ،‬مث شرعت قيادة اجلماعة السلفية يف تنفيذ تلك‬
‫التوصيات‪ ،‬كأوا خطوة عملية على طريق االلتحاق بتنظيم القاعدة‪ ،‬الايت اختاذ‬
‫زعيمها أسامة بن الدن قرارًًا باعتماد مضمون التسجيالت اليت قادمها ياونس‬
‫املوريتا على اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا اجلزائرياة‪ ،‬وقباوا انضامامها‬
‫للقاعدة‪ ،‬كما أصدرت اجلماعة السلفية بيانًًا يف أواخر عام ‪ ،5112‬تعلن فيه بيعتها‬
‫لزعيم القاعدة أسامة بن الدن‪ ،‬وتوَّجََت تلك بإعالن تغايري امسهاا إىل "تنظايم‬
‫القاعدة ببالد املغر اإلسالمي" بداية عام ‪.5113‬‬
‫لكن قبل مرحلة مفاوضات االنضمام امخرية‪ ،‬وموافقة قيادة تنظيم القاعادة‬
‫يف بالد خراسان على طلب اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا بالبيعة واالنضامام‪،‬‬
‫البد من التطرق ولو بشيء من االختصار لتاريخ اهتمام القاعدة ومؤسسها أسامة‬
‫بن الدن باجلماعات اجلهادية املسلحة يف اجلزائر؛ حيث كان اجلزائريون ميثلاون‬
‫نسبة معتربة من املقاتلني العر الذين وصلوا إىل أفغانستان يف مثانيناات القارن‬
‫املاضي وبداية التسعينات‪ ،‬وبعد مغادرة القوات السوفيتية والقضاء على حكوماة‬
‫جنيب اهلل‪ ،‬وسيطرة فصائل اجملاهدين امفغان على العاصمة كابوا ومن ثَمَّ اندالع‬
‫‪001‬‬
‫القتاا بينهم‪ ،‬وتزامن تلك مع إلغاء اجلنراالت يف اجلزائار نتاائج االنتخاباات‬
‫التشريعية واستقالة الرئيس الشاتيل بن جديد‪ ،‬وبدأ االقتتاا بعد صاعود مئاات‬
‫الشبا إىل اجلباا‪ ،‬فقام أسامة بن الدن سنة ‪ 5995‬بتسليم اجلزائريني املوجاودين‬
‫يف أفغانستان معسكرًًا يسمى "معسكر الفاروق" يف منطقة خوست بأفغانساتان‬
‫للتدريب والتكوين استعدادًا للعودة إىل اجلزائر والقتاا فيها‪ ،‬وقد عااد عشارات‬
‫منهم إىل اجلزائر عرب املغر ‪ ،‬لكن بعد اعتقاا السلطات املغربية لعدد مناهم ويف‬
‫مقدمتهم أمري اجلماعة اإلسالمية املسلحة وتسليمهم للجزائر‪ .‬بدأ ابن الدن التفكري‬
‫يف متنفَّس آخر للجزائريني‪ ،‬فأرسل عد ًدًا من عناصره املناتمني لادوا منطقاة‬
‫الصحراء الكربى‪ ،‬يف رحلة استكشافية إىل منطقة الصحراء الكربى؛ ملعرفة إمكانية‬
‫اختاتها قاعدة خلفية هلم‪ ،‬لكنهم تعرضوا خالا توغلهم يف صاحراء النيجار إىل‬
‫هجوم من طرف جمموعة من قطاع الطرق واللصوص فسلبوهم ما حبوزهتم مان‬
‫أمواا وسيارات‪ ،‬واضطروا للرجوع إىل أفغانستان دون إكماا املهمة‪.‬‬
‫وخالا تلك الفترة كان السودان يعيش حتت حكم احلركة اإلسالمية بعاد‬
‫االنقال العسكري الذي قاده عمر البشري والزعيم اإلسالمي الساودا حسان‬
‫التراباي منتصف عام ‪ ،5919‬فغادر ابن الدن أفغانستان إىل الساودان‪ ،‬وهنااك‬
‫سعت قيادة اجلماعة اإلسالمية يف اجلزائر إىل رب الصلة به‪ ،‬فأوفادوا جمموعاة‬
‫بقيادة "أبو الليث املسيلي" إىل السودان للقاء أسامة بن الدن والتنسيق معه‪ ،‬فكان‬
‫أوا قرار دعم هلم هو إنشاء فرع إعالمي يف مكتب ابن الدن ختصص لنشر بيانات‬
‫ومنشورات اجلماعة اإلسالمية املسلحة يف اجلزائر‪.‬‬
‫مث جاءت حماولة أخرى لتعزيز الصلة وتطوير التعاون مع أساامة بان الدن‬
‫املقيم يف السودان‪ ،‬عن طريق "الشيخ حسن" وهو ناش يف اجلماعاة اإلساالمية‬
‫املسلحة كان يقيم يف النيجر وميارس نشاطاته حتت غطاء التجارة والعمل اخلريي؛‬
‫حيث زار هذا امخري السودان للقاء أسامة بن الدن وترتيب العمل يف الصاحراء‬
‫الكربى‪ ،‬لكنه غادر السودان قبل أن يتمكن من لقاء ابن الدن‪ ،‬وإن كاان قابال‬
‫عددًًا من املقربني منه‪ .‬ويف منتصف عام ‪ 5997‬أوفد ابن الدن اثنني من عناصره مها‬
‫ليباي وجزائري إىل النيجر يف رحلة استكشافية للصحراء ومعرفة إمكانية ربا‬
‫‪001‬‬
‫الصلة باجلماعات اجلهادية يف اجلزائر‪ ،‬لكنهما اعتقاال فور وصاوهلما إىل مطاار‬
‫العاصمة نيامي؛ حيث سجنا ملدة سنة مث عادا إىل السودان‪.‬‬
‫ومل يكتف ابن الدن بذلك بل شكََّّل جلنة خاصة يف مكتبه ملتابعة موضاوع‬
‫"اجلهاد يف اجلزائر"‪ ،‬والسعي لتزويد "اجملاهدين" باملاا والسالح‪ ،‬وقد لعب الشيخ‬
‫حسن دورًًا بارزًًا يف تلك‪ ،‬وظل حلقة وصل بني اجلزائريني وبني أعوان ابن الدن‪،‬‬
‫وكذلك مجاعة بوكو حرام‪ ،‬إىل أن قُتل على يد اجليش النيجري سنة ‪ 5114‬ماع‬
‫جمموعة من عناصر "بوكو حرام" كانوا يف طريقهم إىل الصحراء الكربى‪ ،‬غري أن‬
‫رسل ابن الدن إىل اجلزائر خالا تلك الفترة توقفوا لفترة مؤقتة؛ بسبب اشاتراط‬
‫قيادة اجلماعة اإلسالمية املسلحة مبايعة كل من يفد إليها وانضمامه إليها‪.‬‬
‫ويف منتصف عام ‪ 5994‬وصل إىل الصحراء الكربى جزائري مت إرساله مان‬
‫طرف القاعدة يف اليمن مرورًًا بالسودان‪ ،‬وكان على صلة بالشيخ حسن السالف‬
‫الذكر‪ ،‬وقد التقى موفد القاعدة يف صحراء النيجر بأمري الصحراء حينها املختاار‬
‫بلمختار‪ ،‬وأبلغهم بتكليفه من طرف ابن الدن برب الصلة ماع "اجملاهادين" يف‬
‫اجلزائر‪ ،‬وتنقل مع بلمختار إىل اجلزائر؛ حيث قابلوا أمري اجلماعة مجااا زيتاو‬
‫املك "أبو عبد الرمحن أمين"‪ ،‬لكن اممور مل تتقادم كماا أراد ابان الدن‪ .‬ويف‬
‫منتصف عام ‪ 5991‬أوفد ابن الدن الشخصية القيادية يف القاعدة‪ ،‬مجاا إباراهيم‬
‫املصرايت املعروف بلقب "عطية اهلل الليباي"‪ ،‬الذي وصل إىل معاقال اجلماعاة‬
‫اإلسالمية يف اجلزائر وأقام معهم ردحًًا من الزمن‪ ،‬وكان يرسل التقارير إىل ابان‬
‫الدن ويتواصل معهم عن طريق جمموعة تابعة البن الدن يف لندن‪ ،‬فقرََّّر ابان الدن‬
‫بعد أن وصلته تقارير "عطية اهلل الليباي" وقف أنشطته الداعمة للجماعاة‪ ،‬ويف‬
‫مقدمتها وقف طباعة جملة "امنصار" اليت كانت تصدر عن اجلماعاة‪ ،‬وكاذلك‬
‫بياناهتا ونشراهتا‪ ،‬مث تصادف اممر مع حادثة مقتل بلقاسام الونااس املعاروف‬
‫با "الشيخ حممد السعيد" على يد قيادة اجلماعة اإلسالمية ومعه بع الشايوخ‬
‫انخرين‪ ،‬فزاد تلك من اهلوَّة بني اجلماعة يف اجلزائر وباقي احلركات اجلهادياة يف‬
‫العامل‪ ،‬ويف مقدمتها تنظيم القاعدة‪ .‬وقد أبلغ ابن الدن موفد اجلماعة اإلساالمية‬
‫حينها بوقف التعامل معها‪ ،‬وانقطعت الصلة بينهما‪ ،‬إىل أن كانت بداية عام ‪5992‬‬

‫‪004‬‬
‫عندما وصل "عبد احلق اجلزائري" و"عبد الشكور الليباي" وآخرون إىل اجلزائار‬
‫قادمني من أفغانستان‪ ،‬لكنهم قتلوا بعد وصوهلم بفترة قليلة يف كماني للجايش‬
‫اجلزائري يف منطقة "تيارت" قبل أن يتواصلوا مع قيادة اجلماعة‪.‬‬
‫وقد دوََّّن عطية اهلل الليباي مالحظاته على اجلماعة اإلسالمية املسلحة‪ ،‬اليت‬
‫ال إنه خاالا‬ ‫وصف قيادهتا باجلهل والتنطع والتهور‪ ،‬وسخر منهم يف تعليقاته‪ ،‬قائ ً‬
‫إقامته يف معسكرات اجلماعة‪ ،‬الحظ أن "عندهم تنطعًا شديدًا يف موضوع السانة‬
‫والبدعة‪ ،‬ويف يوم كُنَّا يف مركز قريب من القيادة‪ ...‬يف النهار رأينا الناس تتصارع!‬
‫حوايل سبعة أو مثانية أشخاص من حراسة القيادة‪ ،‬كانوا يتصارعون يف النهار مث يف‬
‫العشية وقبل املغر وقبل النوم يتصارعون‪ ...‬ويف اليوم الثا جاء أحد الشابا ؛‬
‫فقاا‪ :‬ما بكم اليوم؟ خالفتم اليوم ومل تطبقوا السنَّة‪ ،‬قريبًًا تسقطون يف البدعاة‪!..‬‬
‫ففهمنا حنن اممر حينها‪ ..‬وعلمنا أن املصارعة لديهم سُنَّة والبد من تطبيقها كال‬
‫يوم‪ ،‬وإن مل يطبقوها يومًًا يسقطون يف البدعة ويصبحون مبتدعاة! ولاديهم أي‬
‫شخص يفعل البدعة ولو صغرية يصري مبتدعًًا ويُُحذَّر منه ويُُتربأ منه‪ ،‬ليست لديهم‬
‫بدعة صغرية وبدعة كبرية‪ ،‬وال بدعة كلية وال بدعة جزئية‪ ،‬ليس عندهم أي فقه‪،‬‬
‫ولديهم جمموعة من املفاهيم والتصورات الغريبة"(‪.)1‬‬
‫ويضيف عطية اهلل الليباي يف تقريره عن اجلماعة اإلساالمية املسالحة يف‬
‫ال‪ :‬إهنا "تعا من ضعف وخلخلة املنظومة الفكرية واملنهجية اجلهادية‪،‬‬ ‫اجلزائر‪ ،‬قائ ً‬
‫وهذا الضعف يظهر يف عدة صور‪ ،‬مثل‪ :‬الفوضى الفكرية والعلمياة‪ ،‬ونقاص يف‬
‫املرجعية أو القيادة العلمية‪ ،‬وقلة الكادر العلمي اجلهادي املؤهَّل‪ ،‬وتباين واختالف‬
‫شديد يف تصورات وفهم النافرين للجهاد‪ ،‬فقد مجع الصف اجلهادي أنواعًًا مان‬
‫املتشددين واملتنطعني‪ ،‬وبع الغالة أيضًًا يف التكفري وغريه‪ ،‬ماع املتسااهلني إىل‬
‫درجات مذمومة أحيانًًا‪ ،‬يف حني كانت الغالبية طبعًًا هم مان عاوام النااس…‬
‫وباجلملة كان هناك مسحة من التشدد‪ ،‬بل والتنطع والغلو يف الدين يف كثري مان‬
‫الكتائب واملناطق‪ ،‬ويتداخل تلك مع أزمة امخالق‪ ،‬فكانت تلك الطبقة املشاار‬
‫(‪ )1‬عطية اهلل الليباي‪ ،‬كلمة صوتية مسجلة حتت عنوان "التجرباة اجلزائرياة"‪ ،‬مرجاع‬
‫سابق‪.‬‬
‫‪005‬‬
‫ال‬
‫إليها‪ ،‬وهي الطبقة املؤثِّرة وصاحبة النفوت سيئة امخالق وال تُُمثِِّّل اإلسالم متثاي ً‬
‫حقيقيًًّّا مشرفًًا؛ إت تتسم بالعنف والشدة والغلظة يف التعامل مع الناس‪ ،‬واالفتقار يف‬
‫جوانب الرمحة والشفقة على اخللق والعفو عن الزالت‪ ،‬وقلة االحتارام لاذوي‬
‫الفضل‪ ،‬مع جمموعة من اممراض القلبية وامخالقية امخرى كالعُجب والغارور‬
‫والتعايل"(‪.)1‬‬
‫بل إن عطية اهلل الليباي يصبُّ جام غضبه على قيادة اجلماعاة اإلساالمية‬
‫ال‪ ..." :‬فقد كانت القيادة هي الشر‪ ،‬وهي الفاسدة املُفسدة‬ ‫املسلحة بالتحديد‪ ،‬قائ ً‬
‫بدا أن ترباي الناس على اخلري‪ ،‬علمتهم الشر وجعلتهم جُهَّا ًال ونشرت بيناهم‬
‫الضالالت‪ ،‬وأعين بالقيادة هنا القيادة يف عهد مجاا زيتو أباي عباد الارمحن‬
‫أمني‪ ،‬هذه القيادة اجلاهلة املتنطعة الضالة قرََّّبت كل من هو من جنسها من أهال‬
‫الغرور واجلهل والتنطع والكرب والقسوة والتكالب على الدنيا‪ ،‬وأبعدت الصااحلني‬
‫وطعنت فيهم ووضعت عليهم عالمات االستفهام ومهشتهم‪ ،‬حىت وصل احلاا يف‬
‫مرحلة متقدمة بعد تلك إىل قتل الكثريين من أهل اخلري بِتُهََم متعددة وسخيفة‪...‬‬
‫واخلالصة أن ما حيصل سببه عدة عوامل متضافرة وجمتمعة من اخللال املناهجي‬
‫الفكري الثقايف العلمي‪ ،‬إىل اخللل امخالقاي‪ ،‬إىل الضاعف يف عادة منااحي‬
‫واخلالفات والرواسب اليت وجدت هلا جما ًال لتكون حمور صراعات‪ ،‬إىل غري تلك‪،‬‬
‫وجيتمع تلك كله يف أزمة القيادة؛ فإن الفساد واالحناراف كاان مان القياادة‬
‫بامساس(‪.)2‬‬

‫حادثة مقجم ال يبيين‬


‫جاءت قضية مقتل الليبيني من أعضاء "اجلماعة الليبية املقاتلة" على يد قياادة‬
‫"اجلماعة اإلسالمية املسلحة" يف اجلزائر‪ ،‬واليت شكََّّلت منعطفًًا حامسًًاا يف عالقاة‬
‫اجلماعة اإلسالمية املسلحة بالقاعدة وباقي اجلماعات اجلهادية امخارى؛ حياث‬
‫سبق أن وََفد عدد من عناصر اجلماعة الليبية املقاتلة من السودان وأفغانساتان إىل‬

‫(‪ )1‬عطية اهلل اللييب‪ ،‬كلمة صوتية مسجلة حتت عنوان "التجربة اجلزائرية"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪.‬‬
‫‪006‬‬
‫اجلزائر‪ ،‬وبعد وصوهلم اشترط عليهم أمري اجلماعة اإلساالمية املسالحة‪ ،‬مجااا‬
‫زيتو ‪ ،‬مبايعته‪ ،‬مقابل السماح هلم بالتحرك واإلقامة‪ ،‬ويف سنة ‪ ،5992‬مسح هلام‬
‫زيتو بإنشاء معسكرات للتدريب وتعليم اجلزائريني فناون القتااا والاتفجري‬
‫وامعماا العسكرية‪ ،‬وقد حتدث "أبو مصعب السوري" عنهم يف كتابه "شاهاديت‬
‫على اجلهاد يف اجلزائر"‪ ،‬ومن أهم قيادات اجلماعة الليبية اليت قُتلات علاى ياد‬
‫اجلماعة اإلسالمية املسلحة يف اجلزائر‪:‬‬
‫‪" -‬صخر الليباي"‪ ،‬وهو قيادي يف اجلماعة الليبياة املقاتلاة‪ ،‬قاتال يف‬
‫أفغانستان‪ ،‬ودخل إىل اجلزائر هناية عام ‪ ،5994‬تنقل ما بني معسكرات‬
‫املنطقة اخلامسة والثانية يف اجلماعة اإلسالمية املسلحة‪ ،‬وملا علم بسعي‬
‫قيادة اجلماعة لتصفية بع العناصر الليبيني‪ ،‬وهرو بعضهم‪ ،‬مثال‪:‬‬
‫عطية اهلل الليباي‪ ،‬وعبد الرمحن‪ ،‬والشيخ عاصم سنة ‪ ،5992‬توجه إىل‬
‫مقر قيادة اجلماعة؛ حيث قابل أمريها‪ ،‬مجاا زيتاو ‪ ،‬واساتأتنه يف‬
‫املغادرة مع بع الليبيني انخرين لألراضي اجلزائرية والتوجه إىل ليبيا؛‬
‫حيث أتن له‪ ،‬وقَِبل مغادرهتم امراضي اجلزائرية‪ .‬قُتل أماري اجلماعاة‬
‫مجاا زيتو ‪ ،‬وتوىل القيادة بعده عنتر زوابري‪ ،‬فأمر باعتقااا صاخر‬
‫الليباي‪ ،‬الذي أوقفته "كتيبة الربواقية" التابعة للجماعاة يف منطقاة‬
‫"اجلبل امخضر" واقتيد إىل مقر قيادة اجلماعة يف املنطقة اموىل؛ حيث‬
‫مت إعدامه بتهمة إثارة الفتنة وشق صفوف اجلماعة‪.‬‬
‫‪ -‬أبو عبيدة فاروق الليباي‪ :‬وينتمي أيضًًا إىل اجلماعة الليبية املقاتلة‪ ،‬وقد‬
‫وصل إىل اجلزائر هناية عام ‪5994‬؛ حيث عمل مدربًًا يف املعساكرات‪،‬‬
‫وتنقل بني مناطق ومعسكرات اجلماعة قبال أن يصال إىل املنطقاة‬
‫الصحراوية التاسعة يف طريقه للخروج من اجلزائر إىل ليبياا؛ حياث‬
‫وصلته أنباء عن إعدام قيادة اجلماعة لرفيقه صخر الليباي‪ ،‬فقرََّّر العودة‬
‫إىل مقر قيادة اجلماعة يف بداية عام ‪ 5993‬لالستفسار عن أسبا قتال‬
‫زميله‪ ،‬وكان برفقته ليباي آخر يدعى "أبو احلسن عبد القهار"‪ ،‬وهو‬
‫من اجلماعة الليبية املقاتلة‪ ،‬كان يقيم يف السودان ودخل اجلزائر وتنقل‬
‫‪007‬‬
‫بني معسكرات اجلماعة‪ ،‬قبل أن يقرِّر مع زميله "أبو عبيادة فااروق"‬
‫مقابلة أمري اجلماعة عنتر زوابري لالستفسار عن مقتل صخر‪ ،‬وبعاد‬
‫وصوهلما إىل مقر قيادة اجلماعة‪ ،‬قام زوابري بإعدامهما بنفس التهماة‬
‫اليت قتل هبا زميلهما صخر الليباي‪.‬‬
‫وإضافة إىل هؤالء‪ ،‬قام عنتر زوابري بإعدام عناصر آخرين من اجلماعة الليبية‬
‫املقاتلة من بينهم‪" :‬غريب الليباي"‪ ،‬و"عبد ربه"‪ ،‬و"أبو هريرة الليباي"‪ ،‬و"طلحة‬
‫الليباي"‪ ،‬و"أبو حفص"؛ حيث كانوا يوجدون يف املنطقة التاسعة اليت يقودهاا‬
‫املختار بلمختار‪ ،‬وكان يف بداية خالفه مع زوابري ويستعد لالنشاقاق عناه؛ إت‬
‫أعلن رفضه تنفيذ بيان "قطع الرقا ملن خرج يوم االنتخا "‪ ،‬والذي أمار فياه‬
‫بقتل اجلماهري املشاركة يف االنتخابات حينها‪ ،‬وقد غادر بلمختار مقر قيادة املنطقة‬
‫التاسعة يف اجلزائر متوجهًًا إىل الصحراء‪ ،‬وترك عددًًا من مقاتليه وبرفقتهم الليبيون‬
‫اخلمسة‪ ،‬لكن زوابري علم بسعي بلمختار لالنشقاق عليه‪ ،‬فأرسل قارارًًا بعزلاه‬
‫وتثبيت الشخص الذي استخلفه أمريًًا للمنطقة التاسعة‪ ،‬وأمار بإعادام الليبايني‬
‫اخلمسة‪ ،‬ومت قتلهم يف منطقة "بوكحيل" يف النصف الثا من عام ‪ .)1(5993‬كما‬
‫أُعلن عن مقتل ليباي آخر يدعى "سلمان الليباي"‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إنه قُتال خطاأ‬
‫أواخر عام ‪ ،5992‬يف إطالق نار من أحد عناصر اجلماعة اإلسالمية املسلحة‪.‬‬

‫الدبوم الثاني لى عكواد‬


‫كانت أكرب حماولة ثانية لدخوا صحراء أزواد يف مشاا مايل يف النصف الثا‬
‫من عام ‪ 5117‬عندما قام عمار الصايفي املك "أبو حيدرة عبد الارزاق الباارا"‬
‫باختطاف أكثر من ثالثني سائحًًا أوروبيًًّّا من جنو اجلزائر وعرب هبام احلادود‬
‫(‪ )1‬هاشم‪ ،‬أبو أكرم‪" ،‬نثر اجلواهر بذكر من استشهد من أبناء ليبيا على أرض اجلزائار"‪،‬‬
‫(تاريخ الدخوا‪ 52 :‬أكتوبر‪/‬تشرين اموا ‪:)5152‬‬
‫‪https://www.google.com/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=1&ca‬‬
‫‪d=rja&uact=8&ved=0ahUKEwjyjc-ZwMHQAhXsAcAKHeugDN4QFggc‬‬
‫_‪MAA&url=http%3A%2F%2Fwww.ilmway.com%2Fsite%2Fmaqdis%2FMS‬‬
‫‪24936&usg=AFQjCNEJlXsrsirR4Xj3wDun1WtBIwHrxw&bvm=bv.1397825‬‬
‫‪43,d.bGg‬‬

‫‪008‬‬
‫باجتاه مشاا مايل‪ ،‬قبل أن تنتهي حمنتهم بدفع حكوماهتم فديات مالية ضخمة مقابل‬
‫اإلفراج عنهم‪ ،‬لكن "عبد الرزاق البارا" كان يسعى الكتشاف مزيد من املنااطق‬
‫انمنة؛ بُغية توفري أكرب مساحة للتحرك واملناورة‪ ،‬فأقام عدة أشهر يف منطقة أزواد‪،‬‬
‫تزوج خالهلا بإحدى بنات امسر العربية امزوادية (والدها هلميم ولد محاه‪ ،‬شقيق‬
‫القيادي اجلهادي عمر ولد محاه)‪ ،‬كما اعتمد سياسة اكتتاا أبنااء املنطقاة‬
‫خصوصًًا امزواديني وتدريبهم وضمهم إىل صفوف التنظيم‪ ،‬وهو ما كان يعازف‬
‫عنه قادة التنظيم يف تلك املنطقة سابقًًا‪.‬‬
‫مث قام بداية عام ‪ 5114‬باصطحا جمموعة من مقاتليه يف رحلة استكشافية؛‬
‫حيث قضى فترة يتجوا يف صحراء النيجر‪ ،‬واشتبك مع القاوات النيجرياة‪ ،‬مث‬
‫غادرها إىل تشاد حيث كان قاصدًًا جباا تيبسيت فيها‪ ،‬فاشتبك مع وحادة مان‬
‫القوات التشادية أرغمته على اللجوء إىل اجلباا؛ حيث يعسكر مسلحو "احلركاة‬
‫من أجل العدالة والدميقراطية" ومعظمهم من قبائل "التبو"‪ ،‬ويقاتلون ضاد نظاام‬
‫الرئيس التشادي‪ ،‬إدريس ديباي‪ ،‬فاعتقلوه ورفاقه وسلَّموهم للجزائر بوساطة من‬
‫ليبيا‪ ،‬ويقوا عناصر يف التنظيم‪ :‬إن "البارا" وصل إىل معسكرات املتماردين مان‬
‫"التبو" بعد اتفاق معهم ليبيعوا له كميات من امسلحة‪ ،‬لكنهم غدروا به واعتقلوه‬
‫ومن معه‪.‬‬
‫وكان البارا ساعتها مطلوبًًا لعدة بلدان غربية تتهمه باختطاف رعاياهاا‪ ،‬إال أن‬
‫اجلزائر احتفظت به يف سجوهنا ورفضت تسليمه مي بلد آخر‪ ،‬وكان الباارا عناد‬
‫مغادرته صحراء أزواد باجتاه تشاد قد ترك جمموعة مان مقاتلياه يف مشااا ماايل‬
‫واستخلف على قيادهتم "عبد احلميد أبو زيد"‪ ،‬كما عيَّن شقيقه إبراهيم بن الساساي‬
‫املك "أبو زهرة" نائبًًا له‪ ،‬وقد قُتل هذا امخري سنة ‪ 5111‬يف مواجهة ماع القاوات‬
‫اجلزائرية على احلدود مع مايل‪ ،‬وعُرفت هذه اجملموعة اليت بقيت يف مشاا مايل باسام‬
‫"الفاحتني" قبل أن يتم ضمها سنة ‪ 5113‬إىل إمارة الصحراء ويصابح امسهاا "كتيباة‬
‫طارق بن زياد" ضمن عملية إعادة هيكلة قامت هبا قيادة التنظيم إلمارة الصحراء‪.‬‬
‫ويف النصف امخري عام ‪ 5114‬قرََّّر أمري املنطقاة الصاحراوية يف اجلماعاة‬
‫السلفية للدعوة والقتاا املختار بلمختار العودة ثانية إىل صاحراء أزواد يف مشااا‬
‫‪009‬‬
‫مايل لكن هذه املرة جاء لإلقامة فيها؛ حيث اختذ منها مقرًّا له‪ ،‬وقاعادة خلفياة‬
‫للتنظيم الذي ينش يف اجلزائر بقيادة أمريه احلايل "أبو مصعب عباد الاودود"‪،‬‬
‫ويقوا احلسن ولد اخليل‪ ،‬املك "جليبيب" مسؤوا اإلعالم الساابق يف إماارة‬
‫الصحراء‪ :‬إن قدوم عناصر اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا إىل صحراء أزواد مشاا‬
‫مايل جاء بعد دراسة وتقييم ملا آا إليه احلاا يف اجلزائر‪ ،‬فحاوا اإلخوة ‪-‬حساب‬
‫قوله‪ -‬هبذه اخلطوة فك الطوق وإعطاء متنفَّس للمجاهدين يف اجلزائر عرب توساع‬
‫جديد وانتشار على رقعة أكرب وتوفري مالت آمن يستطيعون من خالله توفري قاعدة‬
‫للجهاد(‪.)1‬‬
‫ومتثََّّلت مهام قيادة إمارة الصحراء بأزواد يف توفري املاا والسالح‪ ،‬واكتتاا‬
‫املقاتلني من دوا الساحل والصحراء واملغر العرباي وتدريبهم وإرسااهلم إىل‬
‫ال عن اختطاف الرعايا الغاربيني‬ ‫جباا اجلزائر للقتاا ضد القوات اجلزائرية‪ ،‬فض ً‬
‫ومقايضتهم باملاا‪ ،‬أو بسجناء من التنظيم‪ ،‬وقد أطلقت اجلماعة السلفية للادعوة‬
‫والقتاا على صحراء أزواد اسم "صحراء اإلسالم"‪ ،‬و"أرض العازة"‪ .‬ورغام أن‬
‫جماا حتركهم كان واسعًًا يف تلك الصحراء فإهنم اختذوا مان سلسالة "جبااا‬
‫ال شبه ثابت هلم‪ ،‬خصوصًًا جبل "تغرغارت"‬ ‫اإلفوغاس" يف أقصى مشاا أزواد معق ً‬
‫الذي حتوا إىل نقطة متركز هلم وأطلقوا عليه اسم "تورا بورا املغر اإلساالمي"؛‬
‫تيمنًًا جبباا "تورا بورا" يف أفغانستان اليت جلأ إليها زعيم تنظيم القاعدة الساابق يف‬
‫أفغانستان أسامة بن الدن ومقاتلوه بعد اهلجوم اممريكي على أفغانساتان عقاب‬
‫أحداث احلادي عشر من سبتمرب‪/‬أيلوا عام ‪ ،5115‬هذا إضافة إىل جباا "تساليت"‬
‫و"تيمدغني" وغريها‪ .‬ويقيم عناصر التنظيم يف تلك الصحراء واجلباا على ظهاور‬
‫السيارات وحتت امشجار‪ ،‬وأحيانًًا يقومون بنصب خياام عساكرية ميلكوهناا‪،‬‬
‫ويستخدموهنا عادة يف امماكن الصحراوية املفتوحة‪ ،‬اليت ال توجد هبا أشاجار أو‬
‫جباا يأوون إليها‪ ،‬ويتعمدون التنقل بشكل دائم؛ إت ال يبيتون ناادرًًا يف موقاع‬
‫أمضوا فيه سحابة اليوم‪ ،‬باستثناء بع املواقع احلصينة يف جبل "تغرغارت"‪ ،‬فإهنم‬

‫(‪ )1‬احلسن ولد اخليل‪ ،‬مسؤوا اإلعالم السابق يف إمارة الصحراء‪ ،‬مقابلاة خاصاة ماع‬
‫املؤلف‪.‬‬
‫‪011‬‬
‫يتخذون منها مقرات شبه دائمة‪ ،‬وإن كانوا يتنقلون عنها يف أغلب اموقاات‪ ،‬مث‬
‫يعودون إليها‪ ،‬مع االحتفاظ حبراسات دائمة فيها‪ ،‬وماع إحسااس قاادة هاذه‬
‫ال‬
‫اجلماعات باملتابعة والرصد‪ ،‬عمدوا إىل استراتيجية تقاوم علاى التحارك لاي ً‬
‫بالسيارات والتوقف هنارًًا وإخفاء السيارات حتت امشجار ويف كهوف اجلبااا‪،‬‬
‫ويف جماا االتصاالت يستخدم عناصر التنظيم فيماا بيناهم أجهازة االتصااا‬
‫الالسلكي‪ ،‬كما يعتمدون على شبكات اهلاتف امرضية املالية‪ ،‬ويف حاالت نادرة‬
‫ال عن اهلواتف اليت تعمل عارب امقماار االصاطناعية‪،‬‬ ‫اجلزائرية والنيجرية‪ ،‬فض ً‬
‫خصوصًا هاتف شبكة "الثريا"‪.‬‬
‫وقد قام أمري الصحراء املختار بلمختار بعد وصوله إىل أزواد ‪-‬شأنه يف تلك‬
‫شأن قادة اجلماعات املسلحة يف اجلزائر‪ -‬بتوفري مالت آمن للمطاردين من عناصار‬
‫اجلماعة اإلسالمية املسلحة يف ليبيا‪ ،‬واجلماعة اإلسالمية املسلحة يف تونس‪ ،‬وبع‬
‫اجلماعات اجلهادية وامفراد من املغر وموريتانيا ونيجرييا‪ ،‬وقد حظي بعضاهم‬
‫بتلقي تعليم ديين يف موريتانيا وليبيا واملغر ‪ ،‬وشكََّّلوا طليعة ما عُرف مبجاهادي‬
‫املغر اإلسالمي‪.‬‬
‫وكانت القبضة احلديدية اليت واجهت هبا أنظمة قمعية يف املنطقة ‪-‬مثل نظام‬
‫العقيد الليباي معمر القذايف‪ ،‬وزين العابدين بن علي يف تونس‪ ،‬ومعاوياة ولاد‬
‫الطايع يف موريتانيا‪ -‬الشبا املتدينني يف بلداهنم‪ ،‬قد ساعدت تلك اجلماعات يف‬
‫الصحراء على استقطا عشرات من هؤالء الشابا الفاارين مان االعتقااا‬
‫والسجون؛ حيث التحق العديد من الشبا التونساي واملوريتاا والليبااي‬
‫واملغرباي مبعسكرات التنظيم؛ طلبًًا للحماية وليس قناعة بالفكرة أو سعيًًا للقتاا‬
‫يف بلداهنم‪ ،‬ليتحولوا الحقًًا إىل عناصر جهادية نشطة يف التنظيم‪.‬‬

‫الم اهرأ واالحجوات‬


‫عمد املختار بلمختار إىل رب عالقات اجتماعية وأواصار مصااهرة ماع‬
‫السكان اطليني يف أزواد؛ حيث تزوج هو نفسه من ابنة إحدى امسار العربياة‬
‫امزوادية‪ ،‬وهي أم ولده إبراهيم الذي ولد سنة ‪ ،5111‬والدها شاقيق القياادي‬
‫‪010‬‬
‫املعروف يف القاعدة "عمر ولد محاه"‪ ،‬الذي ينتماي إىل قبيلاة "أوالد إدرياس"‬
‫ال عن كون أمها هي الزوجة احلالية لعمر ولد محاه‪ ،‬وقاد تربات‬ ‫الرببوشية‪ ،‬فض ً‬
‫الفتاة يف أحضانه مع إخوهتا من امم‪ ،‬ويعترب عمر ولد محاه ‪-‬صهر بلمختار‪ -‬مان‬
‫أبرز قادة كتيبة "امللثمون" املعروفني‪ ،‬قبل أن يُُؤسِِّّس هناية عام ‪ 5155‬تنظيمًًا حيمل‬
‫اسم "أنصار الشريعة" يضم مقاتلني من قبائل الربابيش العربية‪ .‬كما عماد بااقي‬
‫عناصر تنظيم اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا يف أزواد إىل الزواج من بنات القبائل‬
‫العربية والطارقية هناك‪ ،‬وكذلك بع أسر قبائل الفوالن اإلفريقية‪ ،‬وحفر التنظيم‬
‫بع انبار يف تلك الصحراء‪ ،‬وسعى إىل توفري امدوياة للمرضاى يف امحيااء‬
‫البدوية‪ ،‬وتقدمي اهلدايا يف املناسبات الدينية وغريها لشايوخ القبائال ومساؤويل‬
‫امحياء‪ ،‬ومل تكن محلة بلمختار "الدبلوماسية" لتقتصر على السكان‪ ،‬فقد كانات‬
‫له عالقات مع بع املهربني‪ ،‬الذين سعى لتجنُّب املواجهة معهام‪ ،‬وإغارائهم‬
‫باالنضمام له‪ ،‬واستغالهلم يف مهام ختدم التنظيم‪ ،‬عرب إبرام صفقات معهم لتاوفري‬
‫السالح والغذاء والدواء‪ ،‬ورصد الرعايا الغربيني يف املنطقة‪ ،‬وتوفري أخبار امماكن‬
‫والبلدان اليت يدخلوهنا‪ .‬واستغل التنظيم غيا أي نشاط دعاوي أو خاريي أو‬
‫إنسا عن تلك املنطقة النائية‪ ،‬فاعتمد املساعدات وسيلة لكسب الناس‪ ،‬وبادأت‬
‫عناصره يف التبشري بدعوهتم السلفية وتقدميها للمجتمع امزوادي ونشرها باعتبارها‬
‫متثِِّّل اإلسالم احلقيقي‪ ،‬وقد ساعدهم على تلك انتشار اممية واجلهل بني النااس‪،‬‬
‫فلم تواجه اميديولوجية السلفية اجلهادية أي مقاومة فكرية أو علمية من طارف‬
‫السكان‪ ،‬باستثناء بع املرجعيات الصوفية القليلة‪ ،‬وكان لتلك الدعوة تأثريهاا‬
‫الكبري يف صفوف شبا قبائل أزواد من العر والطوارق‪ ،‬الذين كاان الكاثري‬
‫منهم يُُستغل كرجاا عصابات هتريب املخدرات واملليشيات القبلياة‪ ،‬فااحتفظوا‬
‫بسالحهم ونشاطهم وحتولوا من "مهاربني" يقاودهم زعمااء العصاابات‪ ،‬إىل‬
‫"جماهدين" يقودهم أمراء اجلماعة‪ ،‬كما حاوا قادة التنظيم أن يقوماوا بابع‬
‫الوساطات إلصالح اخلالفات اليت تعصف بالقبائل وامسر يف املنطقة‪ .‬وهنا الباد‬
‫من التذكري بأن منطقة أزواد كانت خالا العقود املاضية مسارحًًا للعدياد مان‬
‫الصراعات واحلرو الدامية بني العرقيات والقبائل اليت تقطن اإلقلايم؛ حياث‬
‫‪011‬‬
‫شهدت حروبًًا ضارية بني السود والبي ‪ ،‬وبني العر والطوارق‪ ،‬وحىت بني قبائل‬
‫اجملموعة العرقية الواحدة؛ فقد دارت حرو عنيفة بني قبائل "اإلفوغاس" وقبائال‬
‫"اإلميغاد" وكالمها من الطوارق‪ ،‬كما شهدت املنطقة حروبًًا شرسة باني قبائال‬
‫"كنتة" العربية‪ ،‬وجمموعات قبائل "عر تلمسي"‪ ،‬وكان زعماء هذه اجملموعاات‬
‫من عناصر اجليش املايل وضباطه يستغلون أسلحة ومعدات اجليش املايل يف حروهبم‬
‫الداخلية‪ ،‬بل إن القوات املالية اليت كانت توجد يف تلك املنطقة‪ ،‬مل تكن ساوى‬
‫أداة لتصفية تلك احلسابات‪ .‬فقد حدثين أحد الضباط العر يف اجليش املايل أهنام‬
‫خالا مواجهتهم للتمرد الذي قاده العقيد الطارقي "إبراهيم باهانغا" سانة ‪،5112‬‬
‫كان عناصر قبائل "اإلميغاد" يف اجليش املايل هم امكثار محاسًًاا للقتااا؛ من‬
‫املتمردين من خصومهم "اإلفوغاس"‪ ،‬وكلما وقع أسرى من متمردي "اإلفوغاس"‬
‫يف قبضة القوات املالية سارع عناصر "اإلميغاد" إىل التنكيل هبم وتصفيتهم جسديًًّّا‪،‬‬
‫اممر الذي دفع الضباط من العرقيات امخرى إىل حماولة تاوفري محاياة خاصاة‬
‫لألسرى ومنع اجلنود املنحدرين من "اإلميغاد" من الوصوا إلايهم‪ ،‬كماا كاان‬
‫امسرى من "اإلميغاد" لدى املتمردين اإلفوغاس عُ ْرضة للتصفية والتنكيال‪ .‬كماا‬
‫استخدم الضباط العر يف اجليش املايل من قبائل "كنتاة" و"عار تلمساي"‬
‫وحداهتم القتالية يف احلر بني القبيلتني سنة ‪.5114‬‬
‫وبالعودة إىل سياسة االحتواء اليت اعتمدها زعيم إمارة الصاحراء املختاار‬
‫بلمختار يف أزواد‪ ،‬وحرصه على اتباع استراتيجية التوغل االجتماعي الساتقطا‬
‫السكان‪ ،‬فقد أعطى توصيات لعناصره الذين يتزوجون من بنات امحياء البدوياة‬
‫يف تلك الصحراء حبسن املعاملة وعدم التسرع يف الطالق‪ ،‬حماو ًال باذلك تقادمي‬
‫رجاله كبدائل أفضل من رجاا اجملتمع امزوادي الذي ينتشر فيه الطالق بشاكل‬
‫كبري؛ إت ال تكاد توجد فتاة جتاوزت ‪ 51‬عامًًا إال وهي مطلقة أو متزوجة للمارة‬
‫الثانية‪ .‬وهنا‪ ،‬أستطرد قصة رواها يل أحد عناصر كتيبة "امللثمون"‪ ،‬قاا فيهاا‪ :‬إن‬
‫هذه التعليمات كلفتهم مثنًًا باهظًًا تات يوم‪ ،‬لكنها جلبت هلام ثقاة الساكان‬
‫ودفعتهم إىل القبوا هبم أزواجًًا لبناهتم‪ ،‬وبالتايل مسحت هلم بالتوغال يف اجملتماع‬
‫وكسب ثقته كحاضنة اجتماعية‪ .‬ففي خريف عام ‪ 5119‬غادر عدد من املقااتلني‬
‫‪011‬‬
‫معسكر كتيبة "امللثمون" جببل "تغرغارت" يف إجازة ملدة أسبوع‪ ،‬وكانوا يرغبون‬
‫يف الزواج من بنات بع امحياء البدوية‪ ،‬وتقدم أحدهم وهو شاا موريتاا‬
‫يك "الشريف" كمرشح أوا للزواج عند أوا حي ميرون به‪ ،‬لكن بع امسار‬
‫اليت زاروها رفضت تزوجيه من بناهتا‪ ،‬واختارت غريه من رفاقه يف تلك الرحلاة‪،‬‬
‫كما أن بع امسر كانت ترف تزويج بناهتا من العناصار غاري القيااديني يف‬
‫التنظيم‪ ،‬فقاا الشا يف حلظة غضب لرفاقه إنه سيتزوج أكثر من فتااة أزوادياة‬
‫وسيطلقهن مجي ًعًا؛ عقابًًا هلن على رفضه‪ ،‬وعلى الفور ردَّ أمري اجملموعاة ويادعى‬
‫"الطيب ولد سيدي عايل"‪ ،‬بأنه سيمنعه من الزواج يف تلك الرحلة إىل أن يعاود‬
‫لألمري بلمختار ليتخذ قرارًًا بشأن زواجه‪ .‬واعترب أمري اجملموعة أن تصريح زميلاه‬
‫"الشريف" عن عزمه الزواج بأكثر من واحدة وتطليقهن يتنا مع استراتيجية أمري‬
‫الصحراء وتوصياته اليت تقوم على تقدمي صورة جيدة عن مقاتلي التنظيم للمجتمع‬
‫امزوادي عرب االنضباط االجتماعي‪ ،‬غري أن "الشريف" الذي أحس جبرح عمياق‬
‫يف كرامته وكربيائه بعد رف عدة فتيات له‪ ،‬وقبوهلن بالزواج من زمالئه‪ ،‬وقرار‬
‫أمريه منعه من الزواج يف تلك الرحلة‪ ،‬أصرَّ على االنتقام من اجلميع‪ ،‬وقبل انتاهاء‬
‫اإلجازة بيوم واحد أخذ السيارة الوحيدة اليت كانت مع اجملموعة يف إجازهتا وابتعد‬
‫عن احلي الذي كانوا يوجدون به‪ ،‬وتوارى خلف بع امشاجار لالساتحمام‪،‬‬
‫لكنه انتهز الفرصة وهر بالسيارة‪ ،‬تاركًًا زمالءه عند احلي دون وسايلة نقال‪،‬‬
‫وبعد أربع وعشرين ساعة وصلتهم سيارة جندة من الكتيبة‪ ،‬وأثناء تعقبهم للفاىت‬
‫اهلار عثروا على السيارة اليت فرَّ هبا غري بعيد من احلدود املوريتانية املالية‪ ،‬قار‬
‫مدينة "غوندام" (‪ 91‬كلم مشاا غر مدينة متبكتو)‪ ،‬لكن "الشريف" اختفى وأخذ‬
‫معه جهاز حاسو كان يف السيارة هو عبارة عن الذاكرة اإلعالمية واالستراتيجية‬
‫للتنظيم يف الصحراء‪ ،‬ومبلغًًا ماليًّا يُقدَّر بآالف الدوالرات‪ ،‬فكان تلك مثنًًا باهظًًاا‬
‫تسبَّب يف إحراج كبري للكتيبة اليت بات قادهتا على يقني أن أسرارهم أصبحت يف‬
‫أيدي امعداء‪ ،‬والسبب ‪ -‬كما يقوا حمدِِّثي‪ -‬هو الصرامة يف تطبيق تلك السياسة‬
‫االجتماعية اليت تسعى الستقطا واستمالة السكان‪ ،‬وتقدمي صورة جيدة هلم عن‬
‫مقاتلي "إمارة الصحراء"‪.‬‬
‫‪014‬‬
‫االكججاأ والبيعة‬
‫تكتيكيًّا اعتمد التنظيم يف استراتيجيته التوسعية على شبكات اكتتا تابعة له‬
‫يف دوا املنطقة؛ حيث أوفد عناصر لإلقامة يف موريتانيا والنيجر ومايل والسنغاا‪،‬‬
‫وكلَّفهم باكتتا العناصر الراغبني يف االنضمام للتنظيم ومبايعته‪ ،‬وتأخذ البيعاة‬
‫ثالثة أشكاا‪:‬‬
‫‪ -‬أو ًال‪ :‬أن تتم بشكل مباشر بني الفرد واجلماعة‪ ،‬وهذه احلالة تتم غالبًًاا‬
‫من طرف امشخاص الذين يصلون إىل معساكرات التنظايم طلبًًاا‬
‫لاللتحاق به؛ حيث يقوم أمراء التنظيم بدعوهتم ملبايعتهم بشكل مباشر‪،‬‬
‫وهذا ما حصل مع أغلبية أعضاء التنظيم الذين يتم جتنيدهم من طارف‬
‫العناصر املقيمني يف بلداهنم‪ ،‬والذين يقومون بإرساهلم إىل املعساكرات‬
‫يف مشاا مايل؛ ليقدموا البيعة لألمراء بشكل مباشر‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيًًا‪ :‬أن تتم البيعة بواسطة شخص مأتون له من طرف أحاد أماراء‬
‫التنظيم‪ ،‬يأخذ البيعة لنفسه نيابة عن اممراء‪ ،‬من العناصر الاراغبني يف‬
‫االنتماء للتنظيم بعد أن يُطلِعهم على أنه مفوَّض مخذ البيعة من تلاك‬
‫اممري‪ ،‬وتكون تلك البيعة يف النهاية للتنظيم‪ ،‬لكنها بواسطة شاخص‬
‫مأتون له‪ ،‬وهذا ما حصل مع عناصر تنظيم "أنصار اهلل املرابطاون يف‬
‫بالد شنقي " يف موريتانيا‪ ،‬الذين أخذ منهم زعيم التنظيم "اخلدمي ولاد‬
‫السمان" املك "أبو بكر السباعي" البيعة له على أنه هو نفساه باايع‬
‫املختار بلمختار أمري الصحراء‪ ،‬وهذا امخري بايع قياادة التنظايم يف‬
‫اجلزائر‪ ،‬وبالتايل يكون هؤالء العناصر قد بايعوا قيادة التنظايم عارب‬
‫سلسلة من الوسطاء‪.‬‬
‫‪ -‬ثالثًًا‪ :‬أن يأخذ الشخص البيعة لنفسه من العناصر الراغبني يف مبايعتاه‪،‬‬
‫دون أن يكون خمو ًال أو موفدًًا من طرف أيٍّ من قادة التنظيم‪ ،‬مث يقاوم‬
‫هو مببايعة قادة التنظيم بعد تلك بامسه وباسم العناصر الاذين باايعوه‬
‫سابقًًا‪ ،‬وقد حصلت مثل هذه البيعة ‪-‬على سبيل املثاا ال احلصر‪ -‬مع‬
‫أمري "كتيبة صالح الدين" يف مجاعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقياا‬
‫‪015‬‬
‫سلطان ولد بادي املك "أبو علي" حني قرََّّر هناية عام ‪ 5155‬االنفصاا‬
‫عن تنظيمه‪ ،‬ومبايعة "مجاعة أنصار الدين"‪ ،‬فقام مببايعة زعايم مجاعاة‬
‫"أنصار الدين" إياد أغ أغايل بامسه ونيابة عن عناصر الكتيباة الاذين‬
‫بايعوه قبل تلك‪.‬‬
‫أما صيغ لفظ البيعة فهي متعددة‪ ،‬لكن أشهر صيغة متداولاة باني أعضااء‬
‫التنظيم واممراء للبيعة هي‪" :‬أبايعك على السمع والطاعة‪ ،‬يف املنش واملكره‪ ،‬ويف‬
‫العسر واليسر‪ ،‬وعلى أثرة عليَّ‪ ،‬وأن ال أنازع اممر أهله‪ ،‬إال أن أرى كفرًًا بواحًًا‬
‫عندي من اهلل فيه برهان"(‪.)1‬‬
‫كما أن هناك بيعة أخرى تتجدد بشكل دائم‪ ،‬ويتم أخذها علاى عناصار‬
‫التنظيم رغم مبايعتهم السابقة‪ ،‬وهي بيعة أمراء املهام؛ حيث يقوم أمري الكتيباة أو‬
‫السرية بتعيني أمري على أي جمموعة يرسلها يف مهمة‪ ،‬وغالبًًا ما تكون تلك املهمة‬
‫قتالية أو حمفوفة باملخاطر‪ ،‬وعند اقترا اللحظات احلامسة يف املهمة‪ ،‬يقاوم أماري‬
‫تلك اجملموعة بأخذ البيعة على املوت من عناصره الذين ينفذون معه املهمة؛ حيث‬
‫يلتزم أصحا بيعة املوت عادة ممريهم بأن يقاتلوا معه حىت يهلكوا أو ينتصروا‪،‬‬
‫وأن ال يفروا من أرض املعركة وال يستسلموا إال إتا نفدت تخريهتم وأحي هبم‪.‬‬
‫لكن هذه البيعة تنقضي بانتهاء املهمة اليت كلفت هبا اجملموعة‪ ،‬كما تنتهي معهاا‬
‫إمارة أمري اجملموعة مبجرد تنفيذ املهمة والعودة إىل معسكرات التنظيم‪.‬‬
‫ومع اشتداد اخلالف بني أمراء الصحراء أصبح أمري كال كتيباة أو سارية‬
‫يشترط على العناصر الراغبني يف االلتحاق بكتيبته أو ساريته أن يباايعوه هاو‬
‫شخصيًًّّا‪ ،‬وقد شهدت سنوات ما بعد ‪ 5113‬وحىت ‪ 5151‬حركيَّة يف التنقل باني‬
‫الكتائب والسرايا بعد عزا املختار بلمختار عن إمارة الصحراء واحتفاظه بقياادة‬
‫كتيبة "امللثمون" وحدها‪ .‬فقد غادر عدد كابري ‪-‬وبشاكل متفااوت‪ -‬كتيباة‬
‫"امللثمون"‪ ،‬وبايعوا أمراء السرايا والكتائب اليت شكََّّلها التنظيم (كتيبة طارق بان‬

‫(‪" )1‬كيف تكون البيعة‪ ،‬ما صيغتها؟"‪ ،‬صيد الفوائد‪( ،‬تاريخ الدخوا‪ 52 :‬أكتوبر‪/‬تشارين‬
‫اموا ‪:)5152‬‬
‫‪http://www.saaid.net/ahdath/51.htm‬‬

‫‪016‬‬
‫زياد‪ ،‬وسرية الفرقان‪ ،‬وسرية امنصار)‪ ،‬رغم أهنم سبق أن بايعوا املختار بلمختاار‬
‫كأمري للصحراء‪ ،‬وقد حرص أمري كل سرية أو كتيبة على أخذ البيعة لنفسه مان‬
‫أي عنصر يلتحق به قادمًًا من معسكرات كتيبة املختار بلمختار‪.‬‬

‫في مرمى نيران ب مبجار‬


‫بعد حوايل تسعة أشهر من استقرار املختاار بلمختاار يف صاحراء أزواد‪،‬‬
‫وبالتحديد يف منتصف عام ‪ 5111‬قرََّّر توسيع نشاطه العسكري ليشمل موريتانياا‪،‬‬
‫فنفَّذ يف الرابع من يونيو‪/‬حزيران عام ‪ 5111‬هجومًًا على حامية للجيش املوريتا يف‬
‫بلدة "املغيطي" بوالية تريس زمور مشاا البالد‪ ،‬وخالا اهلجوم قُُتال ‪ 53‬عساكريًًّّا‬
‫موريتانيًًّّا‪ ،‬بينهم قائد احلامية وهو ضاب برتبة نقيب‪ ،‬كما استوىل عناصر بلمختاار‬
‫على سيارات عسكرية وكميات من امسلحة والذخرية‪ .‬وقاد حارص املختاار‬
‫بلمختار خالا العملية اليت نفَّذها ضد القوات املوريتانية على اصاطحا مخساة‬
‫موريتانيني كانوا معه يف الكتيبة ساعتها ليشاركوا يف تنفيذ العملية‪ ،‬وكان من بينهم‬
‫احلاج ولد عبد القادر‪ ،‬املك "أبو يونس املوريتا "‪ ،‬وكان حينها يُعارف بلقاب‬
‫"يوسف امفغا "؛ نظرًًا لسابقة سفره إىل أفغانستان؛ حيث اعترف بلمختار خاالا‬
‫مقابلة أجريتها معه يف نوفمرب‪/‬تشرين الثا عام ‪ ،5155‬بأنه (أي يوسف امفغاا )‬
‫كان أوا قناة اتصاا بني اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا اجلزائرية وتنظيم القاعادة‬
‫بأفغانستان‪ ،‬وقد اعتقلته السلطات الباكستانية يف سبتمرب‪/‬أيلوا عام ‪ 5155‬وسالمته‬
‫لألمريكيني الذين نقلوه إىل قاعدة باغرام اجلوية يف أفغانستان‪ ،‬قبل تسليمه ملوريتانياا‬
‫بداية شهر يونيو‪/‬حزيران عام ‪ ،5157‬إضافة إىل احلسن ولد اخليل املك "جليبيب"‪،‬‬
‫الذي أصبح الحقًًا مسؤوا اإلعالم يف إمارة الصحراء بتنظيم القاعدة ببالد املغار‬
‫اإلسالمي‪ ،‬والشخصية الثانية يف كتيبة "امللثمون"‪ ،‬واخلدمي أمحدو مببا املكا "أباو‬
‫حممد املوريتا "‪ ،‬وهو مهندس خترَّج يف اجلامعات امردنية‪ ،‬وقد التقى خالا إقامتاه‬
‫يف امردن ببع شيوخ التيار السلفي اجلهادي هناك خصوصًًا "أبو حممد املقدسي"‬
‫الذي يتخذ منه تنظيم اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا مرجعًًا فكريًًّّا وأياديولوجيًًّّا‪،‬‬
‫وقد قُتل "أبو حممد املوريتا " يف عملية املغيطي‪.‬‬
‫‪017‬‬
‫كما قام بلمختار بعد العملية مباشرة جبمع اجلنود املوريتانيني الذين وقعوا يف‬
‫قبضته‪ ،‬وخطب فيهم حمذِّرًًا من االستمرار يف الدفاع عمَّا مساه نظاام الطااغوت‬
‫الكافر يف نواكشوط‪ ،‬قبل أن يتركهم يف موقع احلامية ويغادرها‪ ،‬وكانات هاذه‬
‫احلادثة نادرة يف مسرية تعاطي املسلحني السلفيني اجلزائريني ماع القاوات الايت‬
‫تقاتلهم‪ ،‬فقد جرت العادة أن يقوموا بقتل اجلنود الذين يقعون يف قبضتهم‪ ،‬وقاد‬
‫فَقَدَ بلمختار يف تلك العملية ستة من عناصره أبرزهم "إباراهيم أباو إساحاق‬
‫امفغا "‪.‬‬
‫ويعترب اهلجوم على حامية املغيطي العسكرية يف مشاا موريتانيا أوَّا خاروج‬
‫للتنظيم بنشاطاته احلربية املوجَّهة خارج اجلزائر؛ حيث أصبحت موريتانيا ثا بلد‬
‫يستهدفه التنظيم بعملياته العسكرية بعد اجلزائر‪ ،‬وإن كان يقيم يف مشاا ماايل إال‬
‫أنه ظلَّ يتجنب املواجهة مع قواهتا‪ ،‬وتوىل املختار بلمختار بنفساه قياادة تلاك‬
‫العملية‪.‬‬
‫وكانت فكرة نقل العمليات القتالية إىل موريتانيا قد نوقشت داخل التنظايم‬
‫سنة ‪ 5114‬بعد وصوا جمموعة من نشاطاء التياار السالفي يف موريتانياا إىل‬
‫معسكرات "الفاحتني" بقيادة "عبد احلميد أبو زيد" مشاا مايل‪ ،‬لكن عاددًًا مان‬
‫املوريتانيني الذين كانوا يتلقون تدريبًًا عسكريًًّّا يف معسكرات التنظيم رفضوا تلك‬
‫الفكرة واعتربوا أن موريتانيا ليست دار حر شرعية‪ ،‬غري أن املختار بلمختار قرََّّر‬
‫أن يكون السباق إىل تدشني العمل املسلح ضد موريتانيا‪ ،‬فنفََّّذ هجوم "املغيطاي"‬
‫اننف الذكر‪.‬‬
‫ويدافع املختار بلمختار عن توسيع عملياته العسكرية حنو موريتانيا باالقوا‬
‫إهنا جاءت يف ظروف خاصة وبسبب دوافع استثنائية‪ ،‬وقاد رفا يف مقابلاة‬
‫أجريتُُها معه أن يكون هجومه على ثكنة املغيطي العسكرية بداية إلعالن اجلماعة‬
‫السلفية للدعوة والقتاا احلر على موريتانيا‪ ،‬وقاا إهنم توصلوا حينها مبعلومات‬
‫تفيد بقيام القوات املوريتانية يف املنطقة الشمالية مبناورات عسكرية ماع قاوات‬
‫املارينز اممريكية‪ ،‬وأن اجلنود الذين وقعوا يف قبضتهم بعد هجومهم على احلامياة‬
‫العسكرية أكدوا هلم تردد قوات أمريكية على تلك الثكنة خالا اميام وامساابيع‬
‫‪018‬‬
‫اليت سبقت اهلجوم‪ ،‬كما سرد بلمختار من بني مربرات تلك اهلجوم وجود سفارة‬
‫إسرائيلية يف موريتانيا‪ ،‬واعتقاا عدد من امئمة والعلماء ضمن محلة كاان نظاام‬
‫الرئيس امسبق معاوية ولد سيدي أمحد الطايع يشنها على التياارات اإلساالمية‬
‫آنذاك‪.‬‬
‫لكن الواقع أن اهلجوم على احلامية العسكرية يف "املغيطي" منتصاف عاام‬
‫‪ 5111‬مل يكن إال بداية لسلسلة نشاطات مسلحة سيقوم هبا التنظيم بعد تلاك يف‬
‫موريتانيا‪ ،‬حىت وإن رف تسميتها بالعمل العسكري املوجََّّاه ضاد القاوات أو‬
‫احلكومة املوريتانية‪ .‬ففي هناية عام ‪ 5113‬قام ثالثة عناصر من التنظيم بقتل أربعاة‬
‫سياح فرنسيني قر مدينة أالك شرق العاصمة نواكشوط‪ ،‬وقد نفَّذ تلك العملية‬
‫كلٌّ من‪ :‬حممد ولد شبارنو املك "أبو مسلم"‪ ،‬وسيدي ولد سيدينا املك "أباو‬
‫جندا"‪ ،‬ومعروف ولد هيبة املك "أبو قتادة الشنقيطي"‪ ،‬وقد حااوا الشابان‬
‫الثالثة اختطاف الرعايا املستهدفني‪ ،‬لكن اطاولة حتوَّلت إىل جمزرة قتل فيها أربعاة‬
‫من السياح بالرصاص وأصيب خامسهم جبراح‪ ،‬بعد أن اشتبه اخلاطفون مبحاولاة‬
‫أحد السياح مقاومتهم فأطلقوا عليه النار وعلى باقي اجملموعاة‪ ،‬والتوا باالفرار‪.‬‬
‫وقد تبيََّّن الحقًًا أن العملية كانت مببادرة من منفذيها وال عالقة لتنظيم القاعادة‬
‫ببالد املغر اإلسالمي هبا‪ ،‬كما مل يكن لتنظيم "أنصار اهلل املرابطاون يف باالد‬
‫شنقي " املوجود يف نواكشوط حينها أي علم هبا‪ ،‬بل إن منفذيها الثالثة كانات‬
‫حتوم حوهلم شكوك بالنسبة لعناصر التنظيم تتعلق باحتماا وجود عالقات مشبوهة‬
‫بينهم وبني أجهزة اممن املوريتانية‪ ،‬فقرَّروا القيام بتلك العملية إلثباات والئهام‬
‫للتنظيم وتربئة ساحتهم من تلك الشَُّبه‪ ،‬كما أن التنظيم مل يُعلن عن تبنِّياه لتلاك‬
‫العملية ومل يصدر بيانًًا بشأهنا على اإلطالق‪.‬‬
‫وقد حاوا الشبان الثالثة الذين نفذوا العملية رب االتصاا بقادة التنظيم يف‬
‫الصحراء لتبنِّي العملية‪ ،‬وقاموا بعدة حماوالت لذلك الغرض؛ حيث قام حممد ولاد‬
‫شبارنو بعد جناحه مع زميليه يف العبور إىل السنغاا اجملاورة عقب احلادثة بياومني‬
‫باالتصاا بأمري الصحراء حينها حيىي جوادي املك "حيىي أبو عمار"‪ ،‬وأبلغه باأهنم‬
‫هم من قتلوا السياح الفرنسيني‪ ،‬وأن لديه مقتنيات الضحايا كدليل على تلاك‪،‬‬
‫‪019‬‬
‫ويريدون من التنظيم أن يُعلن اخلرب ويتب العملية‪ .‬وقد أرسل حيىي جوادي أحاد‬
‫عناصره ويدعى "أبو بكر"‪ ،‬كان موجو ًدًا يف السنغاا ليتسلم تلك املقتنيات مان‬
‫منفذي اهلجوم‪ ،‬وهي عبارة عن جواز سفر محاد الضاحايا وبعا الوثاائق‬
‫امخرى‪ ،‬وكامريا صغرية للتصوير كانت مع السياح املستهدفني‪ ،‬وقد متكَّن أحاد‬
‫منفذي اهلجوم وهو "معروف ولد هيبة" من االلتحاق مبعسكرات التنظيم بعاد أن‬
‫غادر السنغاا إىل باماكو‪ ،‬ومنها إىل مدينة متبكتو‪ ،‬مث حلق مبعسكرات التنظايم يف‬
‫صحراء أزواد‪ ،‬بناء على طلب من حيىي جوادي؛ من معروف ولد هيبة مل يكان‬
‫ساعتها معروفًًا لدى أجهزة اممن املوريتانية‪ ،‬أمَّا زمياله حممد ولد شبارنو وسيدي‬
‫ولد سيدينا املعروفان لدى اممن املوريتا نظرًًا العتقاهلما سابقًًا‪ ،‬فقاد غاادرا‬
‫السنغاا متوجهني إىل غامبيا؛ حيث أقاما يف العاصمة باجنوا ثالثة أيام مث توجََّّهاا‬
‫إىل غينيا بيساو يف طريقهما إىل غينيا كوناكري‪ ،‬اليت كانا ينويان مناها دخاوا‬
‫مايل‪ ،‬والتوجُّه حنو معسكرات التنظيم يف أزواد‪ ،‬لكنهما اعتُقال يف أحاد فناادق‬
‫العاصمة البيساوية ورحال إىل موريتانيا‪ .‬ورغم أن التنظيم حصل علاى الوثاائق‬
‫واملقتنيات اليت كانت مع السياح الفرنسيني الذين قُتلوا‪ ،‬فإنه أعرض يف النهاية عن‬
‫تبين العملية أو اإلعالن عنها‪.‬‬

‫عن ار اهلل المرابطون في بالد ةنقيط‬


‫يف إطار مساعيه للتوسُّع عمد املختار بلمختار كذلك إىل حماولة تشكيل نواة‬
‫للتنظيم يكون تاب ًعًا له يف موريتانيا حتت اسم "أنصاار اهلل املرابطاون يف باالد‬
‫شنقي "‪ ،‬واستدعى القيادي املوريتا يف التنظيم اخلَدِِمي ولد السََّّمََّّان من خمبئاه يف‬
‫العاصمة السنغالية دكار‪ ،‬بعد أن صدر عليه حكم بالسجن ملدة سنة بتهمة تزويار‬
‫وثائق سفر‪ ،‬وكلََّّفه بتشكيل تنظيم تابع له يف موريتانيا وعينه أمريًًا عليه‪ ،‬وطلاب‬
‫منه اكتتا عناصره وأخذ البيعة منهم لصاحله‪.‬‬
‫وقد أُسِّس هذا التنظيم من طرف اخلدمي ولد السمان املكا "أباو بكار‬
‫السباعي"‪ ،‬وهو من مواليد عام ‪ 5934‬يف مدينة سينت لاويس بالسانغاا‪ ،‬درس‬
‫االبتدائية واإلعدادية يف نواكشوط‪ ،‬مث انتقل إىل السنغاا؛ حيث درس يف معهاد‬
‫‪011‬‬
‫ال‪،‬‬
‫إسالمي تابع لألزهر الشريف مبصر‪ ،‬مث عاد إىل موريتانيا وهناك قضى فترة متنق ً‬
‫مث التحق بإحدى اطاظر (املدارس الدينية امهلية) وس موريتانيا‪ ،‬وبعد عودتاه‬
‫منها إىل نواكشوط مارس العمل الدعوي يف املساجد‪ .‬وعقب أحاداث احلاادي‬
‫عشر من سبتمرب‪/‬أيلوا عام ‪ ،5115‬اليت نفَّذهتا القاعدة ضد الوالياات املتحادة‪،‬‬
‫وغزو القوات اممريكية مفغانستان‪ ،‬بدأ اخلدمي يتحدث بنربة جهادية على مناابر‬
‫املساجد داعيًًا إىل اجلهاد ضد الواليات املتحدة اممريكية‪ ،‬مث انتقال إىل مديناة‬
‫نواتيبو‪ ،‬واعتقل فيها سنة ‪ 5117‬ضمن محلة استهدفت التياارات اإلساالمية يف‬
‫البلد‪ ،‬ونقل إىل نواكشوط؛ حيث قضى مخسة أشهر يف السجن‪ ،‬لكنه متكَّن مان‬
‫اهلرو ‪ ،‬والتحق مبعسكرات اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا يف مشاا مايل برفقاة‬
‫عدد من الشبا املوريتانيني‪ ،‬وكانت اجملموعة اليت يقودها عبد احلميد أبو زيد هي‬
‫اليت احتضنتهم؛ حيث تلقوا فيها تدريبات عسكرية‪ ،‬لكنه عاد مع ستة من رفاقاه‬
‫إىل نواكشوط يف بداية عام ‪ ،5111‬فتمَّ اعتقاله وزُُجَّ به ثانية إىل السجن‪ ،‬قبال أن‬
‫يتمكن من اهلرو منه منتصف عام ‪5112‬؛ حيث غادر إىل السنغاا اليت قضاى‬
‫فيها فترة من الزمن‪ ،‬ومنها عاد إىل معسكرات التنظيم سنة ‪5113‬؛ حيث قابل أمري‬
‫الصحراء املختار بلمختار الذي طلب منه العودة إىل نواكشوط؛ لتشكيل تنظايم‬
‫حملي تابع للجماعة السلفية للدعوة والقتاا(‪.)1‬‬
‫وقد شرع اخلدمي ولد السمان بعد عودته إىل نواكشوط قادمًًا من الصاحراء‬
‫يف تشكيل التنظيم اجلديد خالا النصف الثا من عام ‪ ،5113‬وأخذ البيعة مان‬
‫عشرات الشبا املوريتانيني‪ ،‬وهي بيعة يقوا عنها املقاتال الساابق يف كتيباة‬
‫"امللثمون" الطالب ولد امحدناه املك "أبو الرباء" يف مقابلة أجريتها معه يف شاهر‬
‫فرباير‪/‬شباط عام ‪ 5151‬إهنا كانت خطأ ارتكبه اخلدمي ولد السمان‪ ،‬وأن املختاار‬
‫بلمختار غضب حني علم هبا وأمر بتوقيفها فورًًا‪ ،‬وطلب من اخلدمي ولد السامان‬
‫االلتحاق به يف معسكرات التنظيم بشماا مايل‪ ،‬لكن هذا امخري ظلَّ مياطال يف‬

‫‪1‬‬ ‫(‪" )1‬القصة الكاملة منصار اهلل املرابطون"‪ ،‬موقع السراج اإلخباري‪( ،‬تاريخ الادخوا‪:‬‬
‫يوليو‪/‬متوز ‪:)5151‬‬
‫‪http://essirage.net/index.php/news-and-reports/447-2010-10-18-22-11-44.html‬‬

‫‪010‬‬
‫مغادرة نواكشوط إىل أن اعتُقل؛ وتلك خوفًًا من تعرضه للعقا من طرف قاادة‬
‫التنظيم(‪.)1‬‬
‫ويُُعزِِّّز هذه االهتامات ما حصل بعد االشتباك املسلح الذي وقع يف حي تفرغ‬
‫زينة بنواكشوط مساء السابع من إبريل‪/‬نيسان عام ‪ 5111‬بني عناصر من تنظايم‬
‫أنصار اهلل املرابطون يف بالد شنقي وقوات اممن املوريتانية‪ ،‬حينما أفلت عناصار‬
‫التنظيم من احلصار الذي فرض عليهم‪ ،‬ومتكن كلٌّ من عبد الرمحن النيجري املك‬
‫"أبو دجانة" والتقي ولد يوسف املك "التراد" وأمحد ولد العامر املكا "أمحاد‬
‫امزوادي" من اخلروج من العاصمة يف سيارة رباعية الدفع‪ ،‬وعلى الطريق الاراب‬
‫بني نواكشوط ومدينة أكجوجت يف الشماا‪ ،‬اتصلوا باخلدمي ولد السمان وطلبوا‬
‫منه االلتحاق هبم مع عناصره الذين متكنوا من اإلفالت من حصار الشرطة للمنزا‬
‫الذي كانوا يتحصَّنون فيه‪ ،‬لكن اخلدمي ولد السمان رف طلبهم وعلََّّال تلاك‬
‫بالقوا‪ :‬إن قوات اممن أغلقت منافذ العاصمة بعد االشتباك معهم‪ ،‬وأن أي حماولة‬
‫للخروج منها غري آمنة له ولرفاقه‪ ،‬فواصل عبد الرمحن النيجري ورفيقاه رحلتاهم‬
‫إىل معاقل التنظيم يف صحراء أزواد وبقي اخلدمي ولد السمان ومن معه من عناصر‬
‫تنظيمه يف نواكشوط‪ ،‬إىل أن اعتُقل بعد تلك بثالثة أساابيع يف حاي شعبااي‬
‫مبقاطعة عرفات جنو العاصمة نواكشوط‪ ،‬كما اعتقل معظم العناصار الاذين‬
‫بايعوه وصدرت حبقهم أحكام بالسجن لفترات متفاوتة‪.‬‬
‫وقد نفَّذ تنظيم "أنصار اهلل املرابطون يف بالد شنقي " التابع ممري الصاحراء‬
‫املختار بلمختار قبل تفكيكه واعتقاا قادته عمليتني‪ :‬اموىل منهما متثلت يف السطو‬
‫على سيارة كانت حتمل أموا ًال تابعة إلدارة ميناء نواكشوط البحري متجهاة إىل‬
‫اخلزينة العامة وس نواكشوط‪ ،‬وتلك يف أكتاوبر‪/‬تشارين اموا عاام ‪،5113‬‬
‫وخالا العملية اعترض اخلدمي ولد السمان وبرفقته اثنان من عناصر التنظيم‪ ،‬سيارةَ‬
‫اممواا واستولوا على مبالغ مالية تُقدَّر حبوايل ‪ 12‬مليون أوقية موريتانية (ما قيمته‬
‫آنذاك حوايل ‪ 711‬ألف دوالر)‪ ،‬أرسل منها مبلغ ‪ 511‬ألاف دوالر إىل املختاار‬

‫(‪" )1‬مقابلة مع أبو الرباء املوريتا "‪ ،‬أخبار نواكشوط‪ ،‬العدد ‪ 51 ،5254‬فربايار‪/‬شاباط‬
‫‪.5151‬‬
‫‪011‬‬
‫بلمختار يف املعسكرات‪ ،‬واحتفظ هو بالباقي‪ .‬أما العملية الثانية فكانت هجومًًاا‬
‫استهدف السفارة اإلسرائيلية يف نواكشوط مطلع شهر فرباير‪/‬شباط عاام ‪،5111‬‬
‫وتلك بتعليمات مباشرة من املختار بلمختار‪ ،‬وكان اهلدف من تلك اهلجوم هاو‬
‫استدراك ما خلَّفته عملية قتل السياح الفرنسيني امربعة هناية عاام ‪ 5113‬قار‬
‫مدينة أالك من استياء يف أوساط الشارع املوريتا ‪ .‬وقد خطَّ التنظيم للعملية يف‬
‫نواكشوط‪ ،‬ونفذهتا جمموعة من أعضائه بقيادة اخلدمي ولد السمان وبرفقته أمحاد‬
‫ولد الراظي املك "أبو معات" وموسى ولد حممد ولد انديه املك "أساامة أباو‬
‫ناصر" والطيب ولد سيدي عايل املك "عبد الرحيم"‪ ،‬وقد أسفر اهلجاوم عان‬
‫إصابة ثالثة أشخاص كانوا يف مطعم وملهى ليلي مقابل للسافارة اإلسارائيلية‪.‬‬
‫ويقوا السجني السلفي الطالب ولد امحدناه يف مقابلة أجريتها معاه‪ :‬إن املختاار‬
‫بلمختار طلب من اخلدمي ولد السمان القيام بعملية نوعية ضد السفارة اإلسرائيلية‬
‫تكون حامسة؛ وتلك لرد االعتبار للتنظيم بعد عملية مقتل السياح الفرنسيني الايت‬
‫أثارت استياء واسعًًا يف الشارع املوريتا ‪ ،‬لكن اخلدمي ولد السمان ‪-‬يضيف ولاد‬
‫ال وهي خالية من الدبلوماسيني واملوظفني‪ ،‬وانساحب‬ ‫امحدناه‪ -‬هاجم السفارة لي ً‬
‫بسرعة؛ مما جعل العملية تعترب فاشلة؛ مهنا مل ختلِّف اخلسائر اليت كانت مرجاوة‬
‫منها(‪.)1‬‬
‫ويف مقابلة أجريتها مع املختار بلمختار يف نوفمرب‪/‬تشرين الثا عاام ‪5155‬‬
‫اعترف مبسؤوليته عن تلك العملية‪ ،‬وكشف عن خمط سابق قاام باه تنظيماه‬
‫الغتياا السفري اإلسرائيلي بنواكشوط‪ ،‬لكنه مل يُفصح عن تاريخ تلك املخط وال‬
‫طبيعته‪ ،‬وال عن أسبا فشله(‪.)2‬‬
‫كما نفَّذ تنظيم "أنصار اهلل املرابطون يف بالد شنقي " عمليات سطو مسلحة‬
‫استهدفت بع السيارات احلكومية وامجنبية يف موريتانيا‪ ،‬مان بيناها سايارة‬
‫لدبلوماسي روسي استوىل عليها عناصر من التنظيم أثناء توقف ساائقها مبباا‬
‫السفارة الفرنسية بنواكشوط‪ ،‬وسيارة أخرى قام أيضًًا عناصر التنظيم بسلبها مان‬

‫(‪" )1‬مقابلة مع أبو الرباء املوريتا "‪ ،‬أخبار نواكشوط‪ ،‬العدد ‪ 51 ،5254‬فرباير‪/‬شباط ‪.5151‬‬
‫(‪" )2‬مقابلة مع املختار بلمختار"‪ ،‬أخبار نواكشوط‪ ،‬العدد ‪ 9 ،5111‬نوفمرب‪/‬تشرين الثا ‪.5155‬‬
‫‪011‬‬
‫السفري املوريتا يف واشنطن حتت هتديد السالح أثناء توقفه أمام منزا أحد أقاربه‬
‫يف غر العاصمة نواكشوط‪.‬‬
‫وقد قام املختار بلمختار بتمويل وتسليح تنظيم "أنصار اهلل املرابطاون يف باالد‬
‫شنقي "؛ حيث أرسل هلم دفعة أوىل مع عبد الرمحن النيجري هناية عام ‪ 5113‬تناهز ‪3‬‬
‫آالف دوالر‪ ،‬وكيسني من املواد اليت تستخدم يف صناعة املتفجرات يزن كل واحاد‬
‫منهما ‪ 11‬كلغ‪ ،‬وكمية من مادة "يت إن يت" (‪ )TNT‬الشديدة االنفجار‪ ،‬وعددًًا مان‬
‫الصواعق اليت تستخدم يف تفجري العبوات الناسفة عن بُعد‪ ،‬وأعطى تعليماتاه مماري‬
‫التنظيم اخلدمي ولد السمان بتكليف أمحد ولد الراظاي ‪-‬وهاو خابري يف صاناعة‬
‫املتفجرات تدر يف معاقل التنظيم بشماا مايل قبل أن يعود إىل نواكشوط‪ -‬بصناعة‬
‫عدد من العبوات وامحزمة الناسفة؛ الستخدامها الحقًًا يف عمليات التنظيم اليت سيأمر‬
‫هو هبا‪ .‬وقد متكن "أبو معات" من صناعة عدد من العبوات وامحزمة الناسافة‪ ،‬وقاام‬
‫ال بتجريب إحدى العبوات الناسفة خارج العاصمة‪ ،‬وقد كان مان املفتارض أن‬ ‫فع ً‬
‫تستخدم يف اهلجوم على السفارة اإلسرائيلية‪ ،‬لكن اخلدمي ولد السمان أعارض عان‬
‫استخدامها واكتفى بإطالق النار على مب السفارة وإلقاء ثالث قنابل يدوية باجتاهها‪،‬‬
‫ال تلك بالقوا إنه خيشى يف حاا استخدام تلك العبوات الناسفة من وقوع دماار‬ ‫معل ً‬
‫هائل يلحق أضرارًًا باملبا القريبة من السفارة‪ ،‬وقد وقعت تلك العباوات وامحزماة‬
‫الناسفة يف يد قوات اممن املوريتانية بعد تفكيك التنظيم‪.‬‬
‫ويف هناية شهر فرباير‪/‬شباط عام ‪ 5111‬طلب املختار بلمختار من أمري تنظيم‬
‫"أنصار اهلل املرابطون يف بالد شنقي "‪ ،‬اخلدمي ولد السمان‪ ،‬التخطي الختطااف‬
‫نائب السفري امملا يف نواكشوط‪ ،‬وإرساله إلياه يف صاحراء أزواد‪ ،‬ردًّا علاى‬
‫تصرحيات أدىل هبا وزير الداخلية امملا حينها فولغانغ شويبل دعاا فيهاا كال‬
‫الصحف اموروبية إىل نشر الرسوم الكاريكاتورية املسيئة للرسوا حممد صلََّّى اهلل‬
‫عليه وسلََّّم على غرار نشر الصحافة الدمناركية هلا‪ .‬وقد أرسل املختاار بلمختاار‬
‫ثالثة من عناصر كتيبة "امللثمون" إىل نواكشوط هلذا الغرض وهم‪ :‬عبد الارمحن‬
‫النيجري‪ ،‬الذي ينحدر من قبيلة "النواجي" العربية يف النيجر‪ ،‬وقد قُتل أثناء قيادته‬
‫لعملية اقتحام مصنع "عني أَ ِمناس" يف جنو اجلزائر خالا شهر يناير‪/‬كانون الثا‬
‫‪014‬‬
‫‪ ،5157‬ومعروف ولد هيبة املعتقل يف السجون املوريتانية من شهر إبريل‪/‬نيساان‬
‫عام ‪5111‬؛ حيث يواجه حكمني باإلعدام‪ ،‬وأمحد ولد العاامر املكا "أمحاد‬
‫امزوادي"‪ ،‬الذي انسحب من تنظيم القاعدة الحقًًا وشارك يف تأسيس "مجاعاة‬
‫التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا"‪ ،‬وغيَّر كنيته لتصبح "أمحد التلمسي"‪ ،‬وقد أبلغ‬
‫بلمختار املوفدين الثالثة أن عناصر تابعني للخدمي ولاد السامان يف نواكشاوط‬
‫سيختطفون نائب السفري امملا ويسلموهنم إياه‪ ،‬وأن دورهم ‪-‬أي الثالثة‪ -‬هاو‬
‫اخلروج به من موريتانيا وإيصاله إىل معسكرات التنظيم يف أزواد‪ ،‬لكان العملياة‬
‫فشلت بعد اختفاء اهلدف عن امشخاص املكلفني مبراقبته‪.‬‬
‫وبالتزامن مع تلك متكَّن السجني السلفي "سيدي ولاد سايدينا" املتاهم‬
‫باملشاركة يف قتل أربعة سياح فرنسيني قر أالك هناية عام ‪ 5113‬من الفرار مان‬
‫قصر العدالة بنواكشوط بعد مثوله أمام قاضي التحقيق‪ ،‬بداية شهر إبريل‪/‬نيساان‬
‫عام ‪ ،5111‬وأثناء مالحقة أجهزة اممن املوريتانية له بالتعاون مع الفرنسيني‪ ،‬تبيََّّن‬
‫أن عناصر "تنظيم أنصار اهلل املرابطون يف بالد شنقي " وفَّروا له املأوى‪ ،‬وحينها مل‬
‫يكن لدى السلطات املوريتانية أي علم بالتنظيم‪ ،‬ومساء السابع من إبريل‪/‬نيساان‬
‫كان ولد سيدينا برفقة اخلدمي ولد السمان وعناصر من التنظيم يف منزا حبي تفرغ‬
‫زينة غر نواكشوط‪ ،‬حينما مت رصد مكاملة هاتفية له‪ ،‬فحاصرت قوات اممان‬
‫املوريتانية املنزا الذي يتحصن فيه واشتبكت مع املسلحني داخله؛ حيث ساق‬
‫قتيالن من عناصر التنظيم مها‪ :‬موسى ولد حممد ولد انديه املك "يوساف أباو‬
‫ناصر"‪ ،‬وأمحد ولد الراظي‪ ،‬إضافة إىل ضاب من الشرطة املوريتانية‪ ،‬بينما متكان‬
‫باقي عناصر اجملموعة من اإلفالت من احلصار املفروض عليهم‪ .‬وقد شنَّت أجهزة‬
‫اممن محلة اعتقاالت واسعة‪ ،‬انتهت بتفكيك التنظيم واعتقااا معظام قادتاه‬
‫وعناصره وهرو آخرين باجتاه صحراء أزواد مشاا مايل‪ .‬وقد أُحيل إىل القضااء‬
‫يف نواكشوط ‪ 71‬شخصًًا متهمني باالنتماء للتنظيم‪ ،‬وصدرت أحكام باإلعدام يف‬
‫حق قادته‪ ،‬وبعد تفكيك تنظيم "أنصار اهلل املرابطون يف بالد شانقي "‪ ،‬تراجاع‬
‫املختار بلمختار عن فكرة تشكيل تنظيم حملي يف موريتانيا‪ ،‬مكتفيًًا بإرساا عناصر‬
‫إىل موريتانيا؛ لتنفيذ مهام حمددة ومن ثَمَّ العودة إىل صحراء أزواد مشاا مايل‪.‬‬
‫‪015‬‬
‫كما كانت لدى املختار بلمختار خيارات أخرى جيري تدارساها لتنفياذ‬
‫أجندته يف موريتانيا‪ ،‬وقد جرى نقاشها يف عدة اجتماعات داخل إمارة الصحراء؛‬
‫حيث مت تداوا العديد من االحتماالت ويف مقدمتها مهامجة الفناادق واملطااعم‬
‫واملطارات اليت تستقبل الرعايا الغربيني يف موريتانيا؛ وتلك الختطافهم أو قتلهم‪،‬‬
‫كما نوقشت أفكار أخرى تتعلق مبهامجة قيادة أركان اجليش املوريتاا ومقاار‬
‫الثكنات العسكرية وخمافر اممن‪ ،‬وتلك عرب انتحاريني يستقلون سيارات مفخخة‪.‬‬
‫واملتطوعون ملثل تلك العمليات االنتحارية يتم تسجيلهم يف لوائح على مساتوى‬
‫الكتائب والسرايا اليت تقوم بتحويلها إىل القيادة‪ ،‬وميكن أن يتم استدعاء املتطاوع‬
‫للعمليات االنتحارية يف أي حلظة وتكليفه باملهمة اليت تطوع من أجلها‪.‬‬
‫وحدثين أحد عناصر مجاعة "امللثمون" الذين ختلوا عن التنظايم أن املختاار‬
‫بلمختار قاا هلم تات مرة خالا اجتماع ببع مقاتلياه‪ ،‬إناه أرسال مخاس‬
‫جمموعات إىل موريتانيا لتنفيذ مهام حمددة‪ ،‬لكن هذه اجملموعات فشالت كلاها؛‬
‫لذلك فهو مهتم بالبحث عن وسائل وآليات جديدة تضامن جنااح مهاماه يف‬
‫موريتانيا‪ .‬ولدى بلمختار قراءة حتليلية مسبا فشل اجملموعات اليت يرسالها إىل‬
‫موريتانيا يف أداء مهامها على الوجه املطلو ‪ ،‬وتعتمد هذه القراءة علاى أبعااد‬
‫سوسيولوجية وجغرافية‪ ،‬ويف مقدمتها طبيعة اجملتمع املوريتاا ومنظوماة قيماه‬
‫وعاداته؛ إت يعترب جمتمعًًا منفتحًًا حبكم طبيعته البدوية‪ ،‬اجلار فيه يصر على معرفاة‬
‫ال عن كونه جمتمعًًا حمبًًّّا لالستطالع‬
‫جاره والتواصل معه‪ ،‬ومعرفة نسبه وحاله‪ ،‬فض ً‬
‫ومعرفة امخبار‪ ،‬اممر الذي يعرض املهام املنوطة بالسرية إىل الفشل بشكل دائام‬
‫ال‬
‫فيه‪ ،‬والسرية هي العامل امساسي للنجاح يف ميدان التنظيمات السرية‪ ،‬هذا فض ً‬
‫عن عدم وجود قاعدة شعبية يف موريتانيا داعمة للفكر السلفي اجلهادي؛ حياث‬
‫تنتشر يف اجملتمع املوريتا العقيدة امشعرية والطرق الصوفية‪ ،‬ويعتماد النااس يف‬
‫اجلانب الفقهي من حياهتم على كتب فروع املذهب املالكي‪ ،‬وينظرون بعني الريبة‬
‫إىل كل دعوة جديدة تات طابع ديين‪ ،‬هذا مع غيا وجود قاعدة ميدانية للتنظيم‬
‫داخل موريتانيا يلجأ إليها عناصره املطاردون أو املكلفون مبهام إتا نفذوا مهامهم‪.‬‬
‫ففي الغالب يلجأ عناصر التنظيم بعد انتهاء مهامهم أو فشلها إىل حماولة مغاادرة‬
‫‪016‬‬
‫البالد إىل إحدى دوا اجلوار أو إىل صحراء أزواد‪ ،‬وهو أمر حمفاوف باملخااطر‬
‫وجيعلهم عُ ْرضة لالعتقاا بشكل كبري‪ ،‬اممر الذي جعل بلمختار يفكر جبدياة يف‬
‫إجياد حلوا تُؤََمِِّّن أكرب فرصة ممكنة لنجاح مهام التنظيم يف موريتانيا‪ ،‬فكانت لديه‬
‫فكرة إنشاء قاعدة خلفية للتنظيم يف موريتانيا إليواء كل منفِّذ ملهمة يف موريتانيا‪،‬‬
‫ومتكني العناصر من وضع اللمسات امخرية على مهامهم داخل موريتانيا وقريبًًاا‬
‫من امهداف املنشودة قبل تنفيذها‪ .‬ويف أحد االجتماعات رف املختار بلمختار‬
‫مقتر ًحًا قدََّّمه القيادي يف التنظيم الطيب ولد سيدي عايل (موريتا اجلنسية) بإقامة‬
‫معسكرات للتنظيم تكون قاعدة خلفية له يف سلسلة اجلباا املمتدة باني واليايت‬
‫تكانت وأدرار مشاا موريتانيا‪ ،‬واعترب بلمختار أن تلك قد يُُشكِِّّل خطارًًا علاى‬
‫عناصر التنظيم‪ ،‬وأن جتربته يف اجلزائر أثبتت له أن اللجوء إىل اجلباا قد حيمي من‬
‫املطاردة بشكل مؤقت‪ ،‬لكنه يعرض اجملموعات املطاردة للحصار اطكم‪ ،‬وبالتايل‬
‫يعرضها لالستسالم أو املوت جوعًًا وعطشًًا‪ ،‬وحبث بلمختار مع بع عناصاره‬
‫املوريتانيني إمكانية اللجوء إىل غابات والييت "غورغل" و"غيدمياغا" جنو شرق‬
‫البالد على احلدود مع مايل والسنغاا؛ الختات قاعدة فيها تُمََكِِّّن مان جلاأ إليهاا‬
‫وضاق عليه اخلناق من مغادرهتا والعبور إىل السنغاا أو مايل بشكل أكثر أمانًًا‪.‬‬
‫كما كان لدى بلمختار هاجس أََرَّقََه كثريًًا وأخذ عليه تفكاريه‪ ،‬وهاو أن‬
‫يتمكن اممريكيون من إقامة قاعدة عسكرية هلم يف موريتانياا‪ ،‬ويعملاوا علاى‬
‫استمالة السكان البسطاء من املوريتانيني عرب حفر انبار وتقدمي املساعدات اخلريية‬
‫هلم‪ ،‬ووصل اممر إىل حد أصبح يدرس فيه امماكن اطتملاة الستضاافة تلاك‬
‫القاعدة املفترضة‪ ،‬يف مدينة النعمة بشرق البالد‪ ،‬أو مدينة أطار يف الشماا‪ ،‬وأرسل‬
‫عدة رسل لدراسة تلك املدن‪ ،‬ومراقبة حتركات العسكريني اممريكيني فيها‪ .‬وكان‬
‫يفكر جبدية يف القيام بعمل استباقي ‪-‬حسب قوله‪ -‬حيوا دون ترسايخ الوجاود‬
‫اممريكي يف املنطقة‪ ،‬أو يُؤََجِِّّله على امقل‪ ،‬إىل أن يكون التنظيم جاهزًًا ملواجهته‪،‬‬
‫ويف هذا اإلطار برََّّر قيامه باهلجوم على حامية املغيطي العسكرية يف مشاا موريتانيا‬
‫بالقوا إنه قام بذلك اهلجوم بعد أن وصلت إليه معلومات تفيد بزياارة خارباء‬
‫عسكريني أمريكيني للمنطقة؛ هبدف التحضري إلقامة تلك القاعدة العسكرية‪.‬‬
‫‪017‬‬
‫هجوم نواكةوط‬
‫كانت من آخر العمليات اليت خطَّ هلا املختاار بلمختاار حاىت انن يف‬
‫موريتانيا وأراد هلا أن تكون عملية نوعية‪ ،‬هي حماولة القيام هبجمات عن طرياق‬
‫سيارات مفخخة‪ ،‬وس العاصمة نواكشوط‪ ،‬وكانت تساتهدف وزارة الادفاع‬
‫وإدارة اممن العام قر القصر الرئاسي‪ ،‬والسفارة الفرنسية بنواكشاوط‪ .‬فبعاد‬
‫عمليات التوغل اليت قام هبا اجليش املوريتا يف مشاا مايل‪ ،‬وجناحه يف طرد عناصر‬
‫التنظيم من غابة "وقادو" مشاا مايل قر احلدود املوريتانية‪ ،‬فكََّّر املختار بلمختار‬
‫يف عملية نوعية ضد موريتانيا؛ حيث قام بإعداد خطة حمكمة تساتهدف ضار‬
‫مناطق حيوية يف العاصمة نواكشوط تكون مبثابة رسالة قوية للنظاام املوريتاا ؛‬
‫وهلذا الغرض أرسل سيارتني مفخختني ترافقهما سيارة دعم وإسناد لتنفيذ املهمة‪،‬‬
‫وقد انطلق املوكب من جبل "تغرغارت" يف أقصى مشاا شرق أزواد(‪ ،)1‬وكاان‬
‫على منت كل سيارة ثالثة مسلحني‪ ،‬موزعني على النحو التايل‪:‬‬
‫‪ -‬السيارة اموىل‪ :‬كلفت بالتوجه إىل مبا وزارة الدفاع وإدارة اممان‬
‫اجملاورة هلا قر القصر الرئاسي‪ ،‬وعلى متنها حممد املختار ولاد فااا‬
‫املك "أبو جندا"‪ ،‬املرشح لقيادة السيارة بوصفه انتحاريًًّّاا وكاان‬
‫يرتدي حزامًًا ناسفًًا‪ ،‬وهو من املوريتانيني اموائال الاذين انضاموا‬
‫للجماعة السلفية للدعوة والقتاا‪ ،‬وقد اعتقل مع عبد الرزاق البارا من‬
‫طرف املتمردين التشاديني وسُلِّم للجزائر سنة ‪ ،5114‬لكن السالطات‬
‫اجلزائرية أفرجت عنه‪ ،‬فعاد أدراجه إىل أزواد وانضم إىل إمارة الصحراء‬
‫من جديد‪ .‬وكان برفقة "أبو جندا" يف سيارته كلٌّ من حممد امماني‬
‫ولد امبالة‪ ،‬املك "معاوية"‪ ،‬وكان مكلفًًا بالتغطية أثناء تنفيذ العملياة‪،‬‬
‫ومعهما اجلزائري "سعد" وهو خبري متفجرات وكان يفترض أن يكون‬
‫أيضًًا من بني االنتحاريني‪ ،‬وتتمثََّّل مهمته يف جتهيز ووضع اللمساات‬
‫امخرية قبل تفجري السيارتني املفخختني‪.‬‬
‫(‪" )1‬اإلرهابيون ينتحرون على أسوار نواكشوط"‪ ،‬جملة أخبار اجليش‪ ،‬قيادة أركان اجليش‬
‫املوريتا ‪ ،‬العدد ‪ ،51‬مارس‪/‬آتار‪ -‬إبريل‪/‬نيسان ‪.5155‬‬
‫‪018‬‬
‫‪ -‬السيارة الثانية‪ :‬كانت موجَّهة إىل السفارة الفرنسية بنواكشوط‪ ،‬وحتمل‬
‫على متنها سيدي حممد ولد حممد امماني املكا "الازبري"‪ ،‬وهاو‬
‫االنتحاري الذي كان سيتوىل قيادهتا أثناء اقتحاام السافارة‪ ،‬ومعاه‬
‫السالك ولد الشيخ املك "أبو قسورة"‪ ،‬ويوسف غاليسو املك "أباو‬
‫جعفر الغيين" وكانا مكلفني بالتغطية أثناء العملية‪.‬‬
‫‪ -‬سيارة الدعم واإلسناد‪ :‬كان على متنها كلٌّ من‪ :‬الطيب ولد سايدي‬
‫عايل املك "عبد الرحيم" و"بيب ولد نافع" ومها موريتانيان‪ ،‬و"زكريا‬
‫املايل" وهو من الطوارق املاليني‪ ،‬وكانت مهمتهم تتمثال يف مواكباة‬
‫املنفذين وتصوير إحدى العمليتني أو كلتيهما‪ ،‬واالنساحا بعناصار‬
‫التغطية الذين مل يُُقتلوا أثناء العمليات‪ .‬ويف يوم ‪ 59‬فرباير‪/‬شباط عاام‬
‫‪ 5155‬عَبَرَ املوكب احلدود املوريتانية املالية عارب والياة غيادمياغا يف‬
‫جنو شرق البالد؛ حيث مت رصدهم من طرف اجلايش املوريتاا ‪،‬‬
‫وبدأت عمليات املالحقة‪ ،‬وبعد يومني عُثِرَ على السيارة الايت كانات‬
‫خمصصة القتحام السفارة الفرنسية وهي متعطلة قر مديناة اركياز‬
‫جنو غر البالد وعلى متنها ‪ 5,1‬طن من املتفجرات‪ ،‬واعتُقل اثنان‬
‫من طاقمها ومها‪" :‬أبو جعفر الغيين"‪ ،‬و"أبو قسورة املوريتا "‪ ،‬بينماا‬
‫قُتل االنتحاري "الزبري" خالا املواجهات مع اجليش املوريتاا أثنااء‬
‫حماولة اعتقاله يف غابة "هوالند" قر احلدود مع السنغاا‪ ،‬كما قُتال‬
‫عنصر من الدرك املوريتا على يد املسلحني أثناء تلك املطاردة‪.‬‬
‫أما السيارة اليت كانت خمصصة القتحام وتفجري وزارة الدفاع وإدارة اممن‪،‬‬
‫فقد ختلى عنها أحد عناصرها وهو "معاوية" بعد أن تأكد من حصوا السالطات‬
‫املوريتانية على معلومات بدخوا سيارات مفخخة إىل البلد‪ ،‬وعااد أدراجاه إىل‬
‫مايل‪ ،‬بينما حاوا االنتحاري "أبو جندا" وبرفقته "سعد اجلزائري" التقدم هبا حنو‬
‫العاصمة نواكشوط يف حماولة أخرية للوصوا هبا إىل اهلدف‪ ،‬لكان وحادة مان‬
‫اجليش املوريتا (كتيبة احلرس الرئاسي) نصبت هلم كمينًًا على مشارف العاصمة‬
‫اجلنوبية ومتكنت من تفجري السيارة وقتل االنتحاريني‪ ،‬بينما مت رصد مكاملة هاتفية‬
‫‪019‬‬
‫للمسلح الثالث "معاوية" بعد وصوله إىل امراضي املالية‪ ،‬واعتقاله مان طارف‬
‫السلطات املالية اليت سلَّمته للسلطات املوريتانية‪ .‬أما الثالثة الذين كانوا على مانت‬
‫سيارة الدعم واإلسناد فقد جنحوا يف العودة إىل معسكرات التنظيم‪ ،‬وقاد عماد‬
‫بلمختار إىل االستعانة بعناصر تابعني ممري سرية الفرقان "حيىي أبو اهلمام" يف تنفيذ‬
‫العملية‪ ،‬وإن كان احتفظ هو لنفسه بالتخطي والتحضري هلا وحتديد أهدافها‪.‬‬
‫كما أرسل املختار بلمختار عددًًا من عناصر "كتيبته" إىل كلٍّ مان النيجار‬
‫وموريتانيا؛ للبحث عن رعايا غربيني هبدف اختطافهم‪ ،‬وكانت تعليماته تقضاي‬
‫بالتركيز على رعايا الدوا اإلسكندينافية‪ ،‬وعدم متابعة أو مراقبة أو اختطاف رعايا‬
‫الواليات املتحدة اممريكية وفرنسا وبريطانيا؛ منَّ هذه الدوا ترف عادة دفاع‬
‫الفدية مقابل حترير رهائنها‪ ،‬يف حني يعترب اللجوء إىل إعدام الرهينة بعد رف تلبية‬
‫ال للتنظيم؛ من تلك يشكِّل إخفاقًًا يف حتقيق امهداف املنشودة مان‬ ‫املطالب فش ً‬
‫وراء عملية االختطاف؛ سواء كانت فدية مالية أو تباد ًال للرهائن مبعاتقلني مان‬
‫التنظيم أو مقربني منه‪.‬‬
‫وقد عمد بلمختار إىل تفادي قتل الرهائن اطتجزين لديه‪ ،‬ومل يقتل أيًّا مان‬
‫رهائنه سوى فرنسيني اختطفا من النيجر بداية شهر يناير‪/‬كانون الثا عام ‪5155‬‬
‫لقيا مصرعهما أثناء حماولة حتريرمها من طرف الدرك النيجري والقوات الفرنساية‬
‫اخلاصة‪ ،‬وقاا عناصر التنظيم‪ :‬إن أحد الرهينتني قُتل على يد القاوات الفرنساية‬
‫اخلاصة بعد أن قصفت السيارة اليت حيتجز فيها‪ ،‬وقتل املسلحون زميلاه بعاد أن‬
‫اعتقدوا أن القوات الفرنسية والنيجرية قد أحاطت هبم ومل يعُ ْد أماامهم سابيل‬
‫للنجاة‪ ،‬بينما قُتل ثالثة رهائن على امقل على يد "عبد احلميد أبو زيد" و"حيىي أبو‬
‫اهلمام"‪ ،‬وهم‪ :‬الربيطا "أدون داير" (‪ )5119‬والفرنسايان "ميشايل جرماانو"‬
‫(‪ )5151‬و"فيلب فاردون" (‪ )5157‬بعد فشل املفاوضات بشاأن الربيطاا ‪ ،‬أو‬
‫انتقامًًا ملقتل عناصر من التنظيم بالنسبة للفرنسييْن‪.‬‬
‫كما اهتم بلمختار مبوضوع القواعد الفرنسية يف السنغاا‪ ،‬وأرسال عادة‬
‫أشخاص ملراقبتها‪ ،‬من بينهم املوريتا حممد ولد شبارنو املك "أبو مسلم" الاذي‬
‫أقام يف العاصمة السنغالية دكار فترة من الزمن‪ ،‬وكلََّّفه برصد أماكن وجود تلاك‬
‫‪041‬‬
‫القواعد وحركة الضباط الفرنسيني فيها‪ ،‬كما كلََّّف سنغاليًًّّا يدعى "أبو بكر" يقيم‬
‫يف دكار مبتابعة تلك القواعد ورصد حتركات الفرنسيني فيها‪.‬‬
‫وبعد سنوات من استقرار قادة "إمارة الصحراء" يف أزواد‪ ،‬تزايد عدد أبنااء‬
‫أزواد املنتمني لكتائب وسرايا تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬وأصابحوا‬
‫يشكلون اجلنسية اموىل فيه‪ ،‬يليهم املوريتانيون مث اجلزائريون‪ ،‬مث املنحدرون مان‬
‫النيجر والصحراء الغربية وبلدان املغر العرباي امخرى‪ ،‬وشاهد عاماا ‪5119‬‬
‫و‪ 5151‬إقبا ًال كبريًًا من امزواديني على التنظيم‪ ،‬واعتربت فترة الذروة يف إقبااا‬
‫شبا قبائل أزواد من العر والطوارق على االلتحاق بكتائب وسرايا التنظايم‪،‬‬
‫وقد أطلق قادة التنظيم على تلك الفترة اسم "سنوات النفري"‪ ،‬يف إشارة إىل نفاري‬
‫سكان أزواد للجهاد‪ ،‬حسب تعبريهم‪.‬‬

‫ىكم ب مبجار ىن مارأ ال حرات‬


‫يف شهر مارس‪/‬آتار ‪ 5113‬ومع تصاعد اخلالفات بني الارجلني القاويني يف‬
‫الصحراء‪( ،‬املختار بلمختار‪ ،‬وعبد احلميد أبو زيد)‪ ،‬وهو اخلالف الذي يعترف به‬
‫بلمختار نفسه(‪ ،)1‬أرسلت قيادة التنظيم يف اجلزائر أمريًًا جديدًًا للصحراء يادعى‬
‫حيىي جوادي‪ ،‬وكنيته "حيىي أبو عََمََّّار"‪ ،‬كان يشغل سابقًًا منصب القائد العسكري‬
‫للجماعة السلفية للدعوة والقتاا‪ ،‬ونصبته أمريًًا علاى كال أتبااع التنظايم يف‬
‫الصحراء‪ ،‬مبن فيهم املختار بلمختار وعبد احلميد أبو زيد‪ ،‬وتلك بعد اختات قارار‬
‫بضم "أبو زيد" وعناصره إلمارة الصحراء‪ .‬ووصل حيىي جوادي إىل صحراء أزواد‬
‫برفقة عدد من أمراء التنظيم وقادته‪ ،‬وهو حيمل معه هيكلة جديدة إلمارة الصحراء‬
‫صادرة عن قيادة اجلماعة تقضي بإقصاء املختار بلمختار عن إمارة الصحراء‪ ،‬ماع‬
‫احتفاظه بقيادة كتيبة "امللثمون" اليت أسََّّسها‪ ،‬كما تضمنت اهليكلة اجلديدة إلمارة‬
‫الصحراء تشكيل كتيبة جديدة تسمى "كتيبة طارق بن زياد" وأساندت قيادهتاا‬
‫لغرمي بلمختار "عبد احلميد أبو زيد"‪ ،‬إضافة إىل تشكيل سريتني إضافيتني إحدامها‬

‫(‪" )1‬مقابلة مع املختار بلمختار"‪ ،‬أخبار نواكشوط‪ ،‬العدد ‪ 9 ،5111‬نوفمرب‪/‬تشرين الثاا‬


‫‪.5155‬‬
‫‪040‬‬
‫خصصت ملقاتلي الطوارق يف التنظيم وحتمل اسم "سرية امنصاار"‪ ،‬وأساندت‬
‫قيادهتا للمايل أمحد أغ امََّّامه املك "أبو عبد الكرمي الطارقي"‪ ،‬وهو أوا قائد مان‬
‫غري اجلزائريني يتوىل قيادة سرية يف التنظيم‪ ،‬أما السرية الثانية فأساندت قيادهتاا‬
‫للجزائري عكاشة مجاا املك "حيىي أبو اهلََمََّّام"‪ ،‬الذي سيترقى الحقًًاا ليصابح‬
‫اممري العام إلمارة الصحراء الكربى عام ‪.5155‬‬
‫ويف ديسمرب‪/‬كانون اموا عام ‪ 5113‬عاد حيىي جوادي إىل اجلزائر لالجتماع‬
‫بقادة التنظيم هناك وكان برفقته عبد احلميد أبو زياد‪ ،‬وعلاى غاري العاادة مل‬
‫يستخلف على قيادة إمارة الصحراء أيًًّّا من القادة امليدانيني لينو عناه يف ظال‬
‫غيابه‪ ،‬وبقي عالقًًا يف جباا اجلزائر بعد حماصرة القوات اجلزائرية له‪ ،‬ومل يساتطع‬
‫العودة إىل مشاا مايل‪ ،‬اممر الذي أوجد فراغًًا يف قمة هارم إماارة الصاحراء‪،‬‬
‫فاختارت قيادة التنظيم يف اجلزائر قياديًًّّا آخر خلفًًا له هو اجلزائري "موساى أباو‬
‫داود" وعينته أمريًًا للصحراء‪ ،‬لكن هذا امخري فشل أيضًًا يف االلتحاق بالصحراء؛‬
‫بسبب وجوده حماصرًًا يف جباا بوكحيل‪ ،‬وحاوا أن يدير اممور يف الصحراء عن‬
‫بُعد‪ .‬وسعيًًا لسد الفراغ يف قيادة إمارة الصحراء‪ ،‬أرسل التنظيم يف إبريل‪/‬نيساان‬
‫سنة ‪ 5151‬اجلزائري نبيل مَخْْلويف املك "نبيل أبو علقمة" ومتكن من الوصوا إىل‬
‫صحراء أزواد ليتوىل منصب أمري الصحراء بالوكالة‪ ،‬مع احتفاظه رمسيًًّّاا بلقاب‬
‫"نائب أمري الصحراء"‪ ،‬وكان نبيل خملويف قد وصل موفدًًا من قياادة التنظايم يف‬
‫اجلزائر يف مهمة لتقييم اموضاع يف الصحراء بعد تفاقم اخلالفات بني قادهتا‪ ،‬لكنه‬
‫عُيِّن الحقًًا نائبًًا ممري الصحراء‪ ،‬وكان على خالف مع أمري كتيباة "امللثماون"‪،‬‬
‫واحناز إىل خصومه من القادة انخرين‪ ،‬مثل عبد احلميد أبو زيد‪ ،‬وحيىي أبو اهلمام‪.‬‬
‫وقد شرع نبيل خملويف بعد تعيينه نائبًًا ممري الصحراء وقائمًًا بأعماله‪ ،‬علاى‬
‫الفور يف تنفيذ عمليات اختطاف دشَّن هبا مرحلة قيادته إلمارة الصحراء‪ ،‬كانات‬
‫أوالها يف ‪ 54‬نوفمرب‪/‬تشرين الثا عام ‪5155‬؛ حيث اختطف فرنسيني اثنني مان‬
‫مدينة "هومربي" بشماا مايل‪ ،‬ومها‪" :‬فيلب فاردون"‪ ،‬و"سريج الزيرفيك"‪ ،‬اللذان‬
‫اهتمهما التنظيم حينها بالعمل لصاحل أجهزة املخابرات الفرنسية‪ ،‬وقدَّمهما علاى‬
‫أهنما من أعضاء مجاعة املرتزق الفرنسي املعروف "بو دينار"‪ ،‬وبعد تلك بأربع‬
‫‪041‬‬
‫وعشرين ساعة قام عناصر التنظيم بقيادة خملويف باقتحام مدينة متبكتو واختطااف‬
‫ثالثة سياح غربيني هم‪" :‬ستيفن مالكولوم" (‪ 72‬عامًا) وهو بريطا مان أصال‬
‫جنو إفريقي‪ ،‬واهلولندي "جاك رجييك" (‪ 15‬عامًا)‪ ،‬والسويدي "جوهان فيكتور‬
‫غوستافسون" (‪ 52‬عامًا)‪ ،‬وقُتل يف العملية سائح أمريكي من أصل أملا حااوا‬
‫مقاومة اخلاطفني‪.‬‬
‫كما قاد نبيل خملويف هجومًًا على حامية عسكرية مبدينة "باسِِاكْنُُو" شارق‬
‫موريتانيا‪ ،‬يف اخلامس من يوليو‪/‬متوز ‪ 5155‬وهو اهلجوم الاذي أحبطاه اجلايش‬
‫املوريتا ‪ ،‬وقُتل فيه أربعة من عناصر التنظيم‪ ،‬حسب تصارحيات رمسياة لقاادة‬
‫التنظيم‪.‬‬
‫وبعد سيطرة احلركات اإلسالمية املسلحة على كربيات املدن يف مشاا مايل‪،‬‬
‫انتقل "نبيل أبو علقمة" من جباا "أدرار اإلفوغاس" يف أقصى مشاا مايل‪ ،‬إىل مدينة‬
‫متبكتو اليت اختذ منها مقرًّا إلقامته‪ ،‬بعد أن سيطر عليها حيىي أبو اهلمام وعبد احلميد‬
‫أبو زيد‪ ،‬وتزوج هناك يف مايو‪/‬أيار ‪ 5155‬من فتاة تنتمي لبطن "أركاكاده" مان‬
‫قبائل "كنتة" العربية‪ ،‬لكنه تويف بعد أربعة أشهر من زواجه يف حادث سري قار‬
‫مدينة "كوسي" بشماا مايل‪ ،‬ليتوىل حيىي أبو اهلمام إمارة الصحراء بشكل رمسي‪.‬‬

‫‪041‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫البنية اهليكلية إلمارة الصحراء‬

‫‪045‬‬
‫كما أسلفنا يف الفصل السابق‪ ،‬فإنَّ أمري التنظيم يف اجلزائر أبو مصعب عباد‬
‫الودود حني قرََّّر إرساا "حيىي أبو عمار" إىل صحراء أزواد لتويل منصاب أماري‬
‫الصحراء‪ ،‬بعد عزا املختار بلمختار عنها بداية عام ‪ ،5113‬محَّله بقارار يقضاي‬
‫بإنشاء هيكلة تنظيمية جديدة لإلمارة‪ ،‬عرفت الحقًًا إضافات عقب توسع التنظيم‬
‫وسيطرته على كربيات املدن يف إقليم أزواد مشاا مايل‪ ،‬فكانت تلك البنية اهليكلية‬
‫مؤلفة من عدد من السرايا والكتائب سنتعرض هلا بالتفصيل فيما يلي‪:‬‬

‫كجيبة "الم ثمون"‬


‫أخذت هذه الكتيبة امسها من التسمية التارخيية هلذا اجلازء مان الصاحراء‬
‫الكربى املعروفة باسم "بالد امللثمني"‪ ،‬وقد احتفظ املختار بلمختار بقيادهتا بعد أن‬
‫رف عناصرها إعطاء الوالء لغريه‪ ،‬وتضم يف عضويتها أغلب عناصر التنظيم الذين‬
‫وصلوا مبكرًًا إىل صحراء أزواد بداية العشرية اموىل من هذا القرن برفقة بلمختار‬
‫واحتفظوا له بالوالء‪ ،‬وهم يف أغلبهم جزائريون وماليون‪ ،‬إضافة إىل عدد قليل من‬
‫املوريتانيني والنيجريني‪ .‬ويتوىل قيادة هذه الكتيبة املختار بلمختار‪ ،‬وهو جزائاري‬
‫ينحدر من مدينة غَرْْداية جنو العاصمة اجلزائر‪ ،‬من مواليد ‪ ،5935‬ساافر سانة‬
‫‪ 5995‬وهو ابن تسعة عشر عامًًا إىل أفغانستان؛ حيث شارك يف احلر هناك ضد‬
‫االحتاد السوفييت‪ ،‬وتلقى تدريبات يف معسكرات القاعدة بأفغانستان‪ ،‬وهناك فَقََاد‬
‫عينه اليسرى إثر انفجار قنبلة يدوية‪ ،‬فأصبح يُعرف يف أوساط اإلعالم اجلزائاري‬
‫أصليًّا‬
‫بلقبه "امعور"‪ ،‬وهو اللقب الذي تطور مع االستخدام لتصبح الباء فيه جزءًا ًّ‬
‫من االسم‪ ،‬ويصبح اللقب "بلعور"‪ ،‬وهو تركيب معروف يف اممساء اجلزائرية ويف‬
‫بع دوا املغر العرباي‪ ،‬من قبيل "بلحاج وبلمختار‪ ،‬وبلعباس"‪ ...‬إخل‪ .‬وقد‬
‫كنَّى املختار بلمختار نفسه بكنية "خالد أبو العباس"‪ ،‬دون أن يكون له ابن حيمل‬
‫اسم العباس‪ ،‬خالفًًا ملا هو معهود يف الكنية‪ ،‬ويف عام ‪ 5111‬ولد له ابنه "إبراهيم"‪،‬‬
‫‪047‬‬
‫وأصبح بع رفاقه يكنونه "أبو إبراهيم"‪ ،‬لكن كنيته السابقة "خالد أبو العبااس"‬
‫بقيت امشهر له‪.‬‬
‫ويف عام ‪ 5995‬عاد إىل اجلزائر عن طريق املغر ‪ ،‬بعد اندالع املواجهات بني‬
‫اجليش اجلزائري واجلماعات املسلحة هناك‪ ،‬إثر إلغاء نتائج االنتخابات اليت فاز هبا‬
‫اإلسالميون‪ ،‬وتوىل قيادة املنطقة الصحراوية يف اجلماعة اإلساالمية املسالحة‪ ،‬مث‬
‫انشق عنها وانضم للجماعة السلفية للدعوة والقتاا اجلزائرية‪ ،‬اليت أصبحت الحقًًا‬
‫حتمل اسم تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪.‬‬
‫ويعترب املختار بلمختار تقريبًًا القيادي الوحيد املتبقي على قياد احليااة مان‬
‫اجملموعة املسؤولة عن اختطاف طائرة تابعة للخطوط اجلوية الفرنسية (‪)Air France‬‬
‫يف اجلزائر العاصمة يف ديسمرب‪/‬كانون اموا ‪ ،5994‬وهي العملية اليت انتهت مبقتال‬
‫اخلاطفني وثالثة من الركا إثر تدخُّل قوة خاصة من الادَّ َرك الفرنساي بعاد أن‬
‫حطَّت الطائرة يف مطار مرسيليا يوم ‪ 52‬ديسمرب‪/‬كانون اموا ‪ .5994‬كماا يعتارب‬
‫املختار بلمختار أحد العناصر القالئل الذين ميلكون أسرار عملية اختطااف وقتال‬
‫سبعة رهبان فرنسيني من كنيسة تيبحريين باجلزائر عام ‪5992‬؛ إت يعتقد أنه الوحياد‬
‫الباقي على قيد احلياة الذي ميلك أسرار احلادثتني الغامضتني‪ .‬ويف ‪ 55‬نوفمرب‪/‬تشرين‬
‫الثا عام ‪ 5117‬أدرج جملس اممن التابع لألمم املتحدة اسم املختاار بلمختاار يف‬
‫القائمة املوحدة لألشخاص واملنظمات املرتبطة بالقاعدة(‪.)1‬‬
‫ومن أبرز عناصر كتيبة "امللثمون"‪ ،‬املتحدث بامسها والنائب اموا ممريها‪،‬‬
‫احلسن ولد اخليل املك "جليبيب"‪ ،‬وهو شا موريتا من مواليد عاام ‪،5914‬‬
‫التحق بتنظيم اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا يف صحراء أزواد مشاا مايل يف شهر‬
‫مارس‪/‬آتار ‪ ،5111‬وأصبح أحد املقربني من زعيمها بلمختاار‪ ،‬قبال أن يتاوىل‬
‫مسؤولية اإلعالم يف الكتيبة‪ ،‬ويصبح النائب اموا ممريها‪ ،‬وقد توىل قيادة كتيباة‬
‫"امللثمون" ما بني شهر نوفمرب‪/‬تشرين الثا ‪ 5155‬وماارس‪/‬آتار ‪ 5155‬خاالا‬
‫(‪" )1‬موجزات سردية مسبا إدراج اممساء يف القائمة"‪ ،‬موقع األمم املتحردة‪( ،‬تااريخ‬
‫الدخوا‪ 2 :‬يوليو‪/‬متوز ‪:)5154‬‬
‫‪https://www.un.org/sc/suborg/ar/sanctions/1267/aq_sanctions_list/summaries/‬‬
‫‪individual/mokhtar-belmokhtar‬‬

‫‪048‬‬
‫املرحلة اموىل من املعارك مع اجليش املايل‪ ،‬حني كان زعيم الكتيبة املختار بلمختار‬
‫موجودًًا يف ليبيا‪ ،‬ويصف بع خصوم بلمختار داخل تنظيم القاعدة "جليبياب"‬
‫بأنه ظلُّه اللصيق‪ ،‬وهو متزوج وله بنت واحدة‪ ،‬وقد أعلن اجليش الفرنساي أناه‬
‫متكن من قتل "جليبيب" يف عملية خاصة نفاذها مشااا ماايل خاالا شاهر‬
‫نوفمرب‪/‬تشرين الثا ‪.5157‬‬
‫كما يعترب "عبد الرمحن النيجري املك "أبو دجانة"‪ ،‬أبرز القادة العسكريني‬
‫يف تلك الكتيبة‪ ،‬وهو من مواليد أواخر سبعينات القرن املاضي وينحدر من إحدى‬
‫القبائل العربية يف النيجر‪ ،‬وقد التحق هو انخر باالتنظيم يف ماارس‪/‬آتار ‪،5117‬‬
‫بالتزامن مع وصوا "جليبيب" إليها؛ حيث التقيا معًًا ‪-‬حسب ما حدثين جليبيب‪-‬‬
‫يف قرية اخلليل‪ ،‬وكان كل واحد منهما يبحث عن الكتيبة لاللتحاق هبا‪ .‬ويُُعارف‬
‫"النيجري" بكونه رجل املهمات الصعبة؛ حيث شاارك يف عملياات اختطااف‬
‫استهدفت رعايا غربيني يف مايل وموريتانيا والنيجر‪ ،‬وقاد اجملموعة الايت نفاذت‬
‫عملية اقتحام جممع "تيقنتورين" للغاز يف بلدة "عني أَمِِناس" جنو شرق اجلزائار‬
‫واحتجزت عشرات الرهائن الغربيني يف يناير‪/‬كانون الثا ‪ ،5157‬وهي العملياة‬
‫اليت انتهت مبقتل اخلاطفني ومعظم الرهائن بعد قصف اجليش اجلزائاري ملوقاع‬
‫احتجاز الرهائن واقتحامه‪ ،‬وقد قُتل النيجري يف تلك العملية‪ ،‬إضافة إىل القائاد‬
‫العسكري البارز يف الكتيبة "أبو الرباء اجلزائري"‪ ،‬وهو ضاب صف سابق يف قوات‬
‫كوماندوز املظليني اجلزائريني‪ ،‬تلقى تكوينًًا عسكريًًّّا عاليًا قبل انشقاقه عن اجليش‬
‫اجلزائري وانضمامه للجماعة السلفية للدعوة والقتاا‪.‬‬
‫كما يعترب الطيب ولد سيدي عايل املك "عبد الرحيم املوريتا " من أبارز‬
‫عناصر الكتيبة‪ ،‬وكان يعترب الرجل الثا فيها قبل وفاته‪ ،‬وهو موريتا اجلنساية‪،‬‬
‫وقد تويف يف حادث سري جبباا اإلفوغاس أثناء مرافقته مماري الكتيباة املختاار‬
‫بلمختار إىل ليبيا يف أكتوبر‪/‬تشرين اموا ‪ ،5155‬وقد ترك بعاد وفاتاه زوجاة‬
‫ال‪ ،‬وُُلد هلا طفل مسته باسم والده "الطيب"‪ ،‬وقد أطلق التنظيم امساه (عباد‬ ‫حام ً‬
‫الرحيم املوريتا ) على عملية اهلجوم اليت نفذهتا كتيبة "املوقعون بالادماء" علاى‬
‫جممع الغاز يف عني أمناس جنو اجلزائر يف يناير‪/‬كانون الثا ‪ ،5157‬وتويف معاه‬
‫‪049‬‬
‫يف نفس احلادث "إدومو ولد محاه" شقيق زوجة بلمختار ومرافقه اخلاص‪ ،‬وهاو‬
‫ابن القيادي البارز يف التنظيم عمر ولد محاه‪ ،‬إضافة إىل اجلزائري "فيصل"‪ ،‬و"أباو‬
‫عبد الرمحن فاروق املغرباي" و"عمر امنصاري" و"مقرن" وغريهم‪.‬‬
‫وقد نفذت كتيبة "امللثمون" عدة عمليات كان هدفها اختطاف عادد مان‬
‫امجانب بينهم املبعوث اخلاص لألمني العام لألمم املتحدة إىل النيجار الكنادي‬
‫"روبرت فاولر" ومساعده السفري السابق لكندا يف الغابون "لويس غواي"‪ ،‬اللذان‬
‫اختطفا من النيجر يف ديسمرب‪/‬كانون اموا عام ‪ ،5111‬ومت اإلفراج عنهما بعاد‬
‫أزيد من أربعة أشهر من االحتجاز‪ ،‬مقابل إطالق سراح عدد من عناصر التنظايم‬
‫كانوا يف السجون املالية ودفع فدية مالية للخاطفني‪.‬‬
‫كما قام عناصر من الكتيبة باختطاف فرنسيني اثنني يف العاصامة النيجرياة‬
‫نيامي مطلع عام ‪ 5155‬انتهت بقتلهما أثناء حماولة وحدة خاصاة مان القاوات‬
‫الفرنسية بدعم من الدرك النيجري حتريرمها‪ ،‬كما قاد املختار بلمختار عملياات‬
‫عسكرية عديدة من أبرزها هجوم على حامية للجيش املوريتا ببلدة "املغيطاي"‬
‫مشاا البالد‪ ،‬يف الرابع من يونيو‪/‬حزيران عام ‪ 5111‬أسفر عن مقتل سابعة عشار‬
‫عسكريًًّّا موريتانيًًّّا‪ ،‬وعملية أخرى ضد وحدة من اجلمارك اجلزائرية سانة ‪5113‬‬
‫أسفرت عن مقتل ‪ 55‬مجركيًًّّا جزائريًًّّا‪ ،‬كما نفذت كتيباة "امللثماون" عملياة‬
‫اختطاف استهدفت ثالثة عماا إغاثة إسبان داخل امراضي املوريتانية كانوا ضمن‬
‫قافلة إغاثة يف طريقها إىل السنغاا هناية نوفمرب‪/‬تشرين الثا ‪.5119‬‬
‫وقد متيزت عالقات قائد كتيبة "امللثمون" املختار بلمختار بالتوتر مع بااقي‬
‫قادة تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬ويقوا مقاتلون سابقون يف التنظايم‪:‬‬
‫إن بلمختار مل يكن أصالً راضيًًا عن تنصيب اممري احلايل لتنظيم القاعادة بابالد‬
‫املغر اإلسالمي عبد امللك دوركداا املك "أبو مصعب عبد الودود"‪ ،‬وكاان‬
‫يعترب نفسه أحق بإمارة التنظيم منه‪ ،‬باعتباره أقادم مناه "يف سااحة اجلهااد"‪،‬‬
‫وصاحب جتربة "جهادية" يف أفغانستان‪ ،‬لكنه قَبِِل ببيعته والدخوا حتت إمارتاه‪،‬‬
‫بعد أن بايعه مجيع قادة املناطق والسرايا‪ ،‬وأقر جملس أعيان اجلماعة السلفية للدعوة‬
‫والقتاا بتنصيبه‪ .‬كما تتهم بع قيادات التنظيم بلمختار بأنه كان يتعمد احتكار‬
‫‪051‬‬
‫شراء السالح من الصحراء وإرساا كميات قليلة منه إىل داخل اجلزائر خمافاة أن‬
‫تكون اجلماعة يف اجلزائر أقوى من مجاعته يف مشاا مايل‪ ،‬بينما كان "أباو زياد"‬
‫نشطًًا يف جماا هتريب امسلحة للجماعة داخل اجلزائر‪ ،‬واستطاع إدخاا كمياات‬
‫كبرية منه إىل اجلزائر عرب احلدود املالية والليبية والتونسية‪ ،‬مستعينًًا على تلك خبربته‬
‫الطويلة يف جماا التهريب عرب الصحراء‪ .‬كما تصف قيادة قاعدة املغر اإلسالمي‬
‫بلمختار بأنه مل يكن منضبطًًا‪ ،‬وكان يتوسع يف اجتهاداتاه ويف اخلاروج علاى‬
‫تعليمات قيادة التنظيم حبجة الظروف اطلية يف أزواد واليت كاان يارى أن هلاا‬
‫خصوصياهتا‪ ،‬خبالف غرميه "عبد احلميد أبو زيد" الذي كان يوصاف بااإلفراط‬
‫واحلرفية يف تنفيذ التعليمات وسد با املبادرة واالجتاهاد خاارج تعليماات‬
‫اجلماعة‪.‬‬
‫وقد تفاقمت اخلالفات بني بلمختار ودوركداا سنة ‪ 5113‬حينماا عازا‬
‫"دوركداا" "بلمختار" عن منصب أمري إمارة الصحراء وأبقى عليه أمريًًا لكتيباة‬
‫"امللثمون"‪ ،‬وأمََّّر عليه حيىي جوادي‪ ،‬ويف هناية عام ‪ 5155‬بلغت اخلالفات أَ ْو َجهََاا‬
‫بني الرجلني‪ ،‬فأصدر دوركداا قرارًًا بعزا املختار بلمختار عان إماارة كتيباة‬
‫"امللثمون"‪ ،‬وعرض التنظيم على نائبه احلسن ولد اخليل املك "جليبيب" أن يكون‬
‫أمريًًا على الكتيبة‪ ،‬لكن ولد اخليل ومعظم عناصر الكتيبة رفضاوا قارار عازا‬
‫بلمختار‪ ،‬وكان "جليبيب" أكثر رفضًًا للقرار من بلمختار نفسه‪ ،‬بل إناه حاني‬
‫سألتُُه عن املوضوع وحقيقة العرض الذي قُُدِِّّم له ليكون "أمريًًا" لكتيبة "امللثمون"‪،‬‬
‫ال‪" :‬إن هذا اممر من السخف‪ ،‬حبيث ال يستحق النقا وال احلديث فيه"‪،‬‬ ‫ردَّ قائ ً‬
‫ال‪ :‬إن أفضل رد عليه ما قام به بلمختار من فك‬ ‫ورف حىت جمرد اخلوض فيه‪ ،‬قائ ً‬
‫االرتباط مع قيادة القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬وكان "جليبيب" دائمًًا يلقاب‬
‫بلمختار خالا حديثه عنه بلقب "والدي" و"أباي"‪ ،‬يف إشارة إىل املكاناة الايت‬
‫حيتفظ له هبا‪.‬‬
‫وكانت القشة اليت قصمت ظهر البعري يف عالقة بلمختار مع القاعدة بابالد‬
‫املغر اإلسالمي‪ ،‬حني عقد اجتماع يف شهر يوليو‪/‬متوز ‪ 5155‬يف بلدة بورمي (‪91‬‬
‫كلم غر مدينة غاوا) بني قيادات خمتلفة من القاعدة وأنصار الادين ومجاعاة‬
‫‪050‬‬
‫التوحيد واجلهاد‪ ،‬وكان اهلدف منه تدارس اموضاع وترتيب آليات وسبل التنسيق‬
‫بني تلك احلركات‪ ،‬فخالا هذا االجتماع حدثين أحد احلاضرين أن بلمختار قدََّّم‬
‫مقترحًًا يقضي بفك كل التنظيمات اجلهادية يف أزواد ارتباطاهتا اخلارجية‪ ،‬مباا يف‬
‫تلك كتائب وسرايا تنظيم "إمارة الصحراء الكربى" التابعة لتنظيم القاعدة بابالد‬
‫املغر اإلسالمي والذوبان يف مجاعة أنصار الدين‪ ،‬وإعالن إمارة أزواد اإلسالمية‪،‬‬
‫وهو االقتراح الذي قوبل برف قاطع من نائب أمري الصحراء يومها "نبيال أباو‬
‫علقمة" والقيادات اليت كانت معه‪ ،‬كما حتفَّظ عليه بع قادة مجاعاة "أنصاار‬
‫الدين" باعتبار أن بع قيادات القاعدة مبن فيهم بلمختار نفسه‪ ،‬و"عبد احلمياد‬
‫أبو زيد" و"حيىي أبو اهلمام" و"نبيل أبو علقمة" باتوا مطلوبني دوليًًّّاا ومصانفني‬
‫كإرهابيني عامليني‪ ،‬بينما "مجاعة أنصار الدين" حديثة النشأة ومل تصنف بعدُ يومها‬
‫كجماعة إرهابية‪ ،‬وبإمكاهنا أن تتحمل تبعات التنسيق معهم‪ ،‬لكنها قد ال تتحمل‬
‫تبعات إعالن انضمامهم إليها بشكل رمسي‪ ،‬مث إن التعليمات اليت وصالت قاادة‬
‫القاعدة يف أزواد من قيادهتم يف اجلزائر تقضي باالخنراط عمليًًّّا ‪-‬ال تنظيميًًّّاا‪ -‬يف‬
‫مشروع مجاعة أنصار الدين‪ ،‬وما يقومون به من سيطرة على املدن وتسيري لشؤوهنا‬
‫اليومية يتم حتت راية "أنصار الدين" وبالتنسيق مع قيادهتا‪ ،‬أما إعالن إمارة إسالمية‬
‫ال حبر قاد تادمر‬ ‫يف أزواد فريون أنه سيكون حتريضًًا للعدو اخلارجي‪ ،‬وتعجي ً‬
‫املشروع أو تعيده إىل الوراء سنوات عديدة‪.‬‬
‫ويف هذا االجتماع يقوا قادة القاعدة ببالد املغر اإلساالمي‪ :‬إن امماور‬
‫وصلت مع بلمختار إىل طريق مسدود‪ ،‬وبات قرار عزلاه عان إماارة كتيباة‬
‫"امللثمون" جاهزًًا‪ ،‬ووصلت التعليمات بذلك من اجلزائر‪ ،‬لكن تنفيذها تأجل بعد‬
‫الوفاة املفاجئة لنائب أمري الصحراء "نبيل أبو علقمة" يف حادث سري قر مديناة‬
‫غوسي‪ ،‬وبعد تعيني حيىي أبو اهلمام أمريًًا للصحراء قام برفقة بع أمراء السارايا‬
‫والكتائب يف تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬بزيارة ملدينة غاوا اليت كاان‬
‫املختار بلمختار يقيم فيها مع عناصر كتيبته‪ ،‬يف شهر نوفمرب‪/‬تشرين الثاا عاام‬
‫‪ 5155‬وتلك لتنفيذ قرار عزا بلمختار عن إمارة كتيبة "امللثمون" وتنصيب خلف‬
‫له‪ ،‬واجتمعوا مع بع عناصر كتيبة امللثمون‪ ،‬لكنهم واجهوا رفضًًا مان معظام‬
‫‪051‬‬
‫عناصر الكتيبة‪ ،‬وتوترت اممور بينهم وبني عناصر الكتيبة‪ ،‬كما عقد "أبو اهلمام"‬
‫اجتماعات مع قيادات مجاعة التوحيد واجلهاد وبع الشخصايات امخارى يف‬
‫املدينة‪ ،‬وتلك يف أوا نشاط له بعد تنصيبه أمريًًا للصحراء‪ ،‬مث غادر مدينة غااوا‬
‫متوجهًًا إىل مدينة "كيداا" لالجتماع بأمري أنصار الدين "إياد أغ غايل"‪ ،‬ومن ثَمَّ‬
‫عاد إىل معقله يف مدينة "متبكتو"‪ ،‬واصطحب معه بع عناصر كتيبة "امللثماون"‬
‫الذين رفضوا البقاء مع بلمختار إثر قرار عزله‪ ،‬بينما احاتفظ أغلاب العناصار‬
‫خصوصًًا من القدماء بوالئهم لبلمختار‪ ،‬ومعهم عناصر "حركة أبنااء الصاحراء‬
‫للعدالة اإلسالمية"‪ ،‬اليت سنتحدث عنها الحقًًا‪.‬‬

‫ب مبجار يع ن انةقا ه ىن القاىدأ‬


‫بعد قرار عزله عن إمارة كتيبة "امللثمون"‪ ،‬وحماولة "حيىي أبو اهلمام" تنفياذ‬
‫القرار على أرض الواقع‪ ،‬جاء رد بلمختار حامسًًا‪ ،‬فقرََّّر فك االرتباط هنائيًًّّاا ماع‬
‫تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي واالنشقاق عنه‪ ،‬مع االحتفاظ بالوالء لتنظيم‬
‫القاعدة امم يف أفغانستان بقيادة أمين الظواهري‪ ،‬وقد ترافق انشقاق "امللثمون" عن‬
‫تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬مع إعالن قائدها بلمختار عان تأسايس‬
‫كتيبة جديدة تابعة له حتمل اسم "املوقعون بالدماء" وهي كتيبة من االنتحااريني‪،‬‬
‫أُُعلن عنها ضمن التحضري للحر اليت كانت فرنسا ومايل ودوا غر إفريقياا‬
‫حتضر هلا؛ لطرد احلركات املسلحة من أزواد وإعادته إىل سيادة الدولة املالية‪.‬‬
‫كما ارتب املختار بلمختار خالا وجوده يف صحراء أزواد بعالقاات ماع‬
‫بع الشخصيات النافذة يف دولة مايل‪ ،‬مبا يف تلك الرئيس املايل الساابق أماادو‬
‫توما توري‪ ،‬الذي كان يشترك معه يف مصاهرة قبائل الربابيش‪ ،‬ويقوا قيااديون‬
‫يف التنظيم‪ :‬إن بلمختار اتصل تات مرة هاتفيًًّّا على الرئيس أمادو توما تاوري‬
‫إبَّان التحضري لصفقة اإلفراج عن املبعوث اخلاص لألمني العام لألمم املتحادة إىل‬
‫النيجر الكندي روبرت فاولر‪ ،‬ومساعده لويس غواي اللذيْن اختطفا من النيجر يف‬
‫ديسمرب‪/‬كانون اموا عام ‪ ،5111‬وطلب بلمختار من توما توري اإلفراج عان‬
‫أحد عناصر التنظيم املعتقلني لدى السلطات املالية وهو إدريس ولد ير املكا‬
‫‪051‬‬
‫"أبو إسحاق الشنقيطي"‪ ،‬كبادرة حسن نية إلكماا املفاوضات‪ ،‬وقد اساتجا‬
‫الرئيس املايل لطلب بلمختار‪ ،‬وأمر بإطالق سراح إدريس ولد ير متهيدًًا لصفقة‬
‫اإلفراج عن الرهينتني الكنديني بعد تلك بعشرة أيام مقابل ثالثة عناصر آخرين من‬
‫التنظيم هم‪ :‬الطيب ولد سيدي عايل املك "عبد الرحيم املوريتا "‪ ،‬ومحاد ولاد‬
‫حممد اخلريي املك "القعقاع املوريتا "‪ ،‬وبلقاسم زاويدي املك "أباو أساامة‬
‫اجلزائري"‪.‬‬
‫ويف أكتوبر‪/‬تشرين اموا عام ‪ 5155‬غادر املختار بلمختار معاقال كتيباة‬
‫"امللثمون" متوجهًًا إىل ليبيا‪ ،‬يف رحلة استهدفت تشكيل وتعزيز اخلاليا اجلهادياة‬
‫النائمة هناك‪ ،‬وحماولة رب الصلة هبا‪ ،‬بل وتنصيب خاليا تابعة له يف تلك املنطقة‪،‬‬
‫وزار بع املناطق يف جنو وشرق ليبيا‪ ،‬وقد اصطحب معه جمموعة من قاادة‬
‫وعناصر كتيبته‪ ،‬إضافة إىل زعيم حركة أبناء الصحراء للعدالة اإلساالمية امماني‬
‫بشنب املك "الطاهر أبو عائشة" الذي قُتل يف عملية عني أمناس يف يناير‪/‬كاانون‬
‫الثا عام ‪ ،5157‬واستخلف بلمختار على قيادة كتيبته مسؤوا اإلعالم حينها يف‬
‫إمارة الصحراء التابعة لتنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬ورجل الثقة لدياه‬
‫احلسن ولد اخليل‪ ،‬وقد بدأت معارك احلركات املسلحة ضد اجليش املايل يف ظل‬
‫غيا بلمختار إىل ليبيا‪ ،‬وكان خليفته "جليبيب" يتوىل التنسيق مع مجاعة "أنصار‬
‫الدين" و"حركة التوحيد واجلهاد" اليت ساءت عالقتها بداية مع التنظايم بشاكل‬
‫كبري؛ بسبب انشقاقها عنه قبل أن تقودمها وحدة اهلدف ‪-‬وهو اهليمنة على أزواد‬
‫وإخضاعه للسيطرة السلفية اجلهادية‪ -‬على التوحد ونبذ اخلالفات‪.‬‬
‫ويف هناية شهر مارس‪/‬آتار عام ‪ 5155‬عاد املختار بلمختار إىل صحراء أزواد؛‬
‫ليشارك يف قيادة معارك السيطرة على إقليم أزواد خصوصًًا مدينة "غااوا" الايت‬
‫دخلتها كتيبته برفقة مجاعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا‪ ،‬كما رافق بلمختاار‬
‫زعيم مجاعة أنصار الدين إياد أغ أغايل خالا جولة قام هبا هذا امخاري يف مادن‬
‫كيداا ومتبكتو وغاوا ومعظم مناطق أزواد‪ ،‬بعد سيطرة احلركات السلفية املسلحة‬
‫عليه‪ ،‬قبل أن يستقر يف "غاوا" مع "مجاعة التوحيد واجلهاد" بغر إفريقيا‪ ،‬والايت‬
‫أسس معها قيادة مشتركة حتت اسم "جملس شورى اجملاهدين"‪ ،‬وانتشرت عناصر‬
‫‪054‬‬
‫كتيبته يف بع التجمعات السكانية القريبة من "غاوا"‪ ،‬وقد قابلتُ شخصايًّا يف‬
‫مايو‪/‬أيار عام ‪ 5155‬جمموعتني تابعتني له يف مدينة "بورمي" على بُعد ‪ 91‬كلم غر‬
‫مدينة غاوا‪ ،‬إحدامها يقودها "أبو الرباء اجلزائري" وكانت تعسكر يف مقر حااكم‬
‫املدينة‪ ،‬أما الثانية فيقودها "امنصاري" وهو من طوارق مايل‪ ،‬وكانت تعسكر يف‬
‫مقر قيادة الدرك املايل باملدينة‪.‬‬
‫ويف يونيو‪/‬حزيران عام ‪ 5155‬استغل املختار بلمختار إشكا ًال وقع بني بع‬
‫سكان مدينة "غاوا" من الزنوج السونغاي وبني عناصر احلركة الوطنياة لتحريار‬
‫أزواد؛ وتلك يف حماولة الستقطا السكان الزنوج‪ .‬وقد وقع اإلشكاا بعاد أن‬
‫اهتم بع سكان املدينة من السونغاي عناصر من احلركة الوطنية لتحريار أزواد‬
‫بقتل أحد مثقفي املدينة وهو مدير مدرسة مناه الستقالا إقليم أزواد عن مايل‪،‬‬
‫بعد نقا حاد معه‪ .‬وصبيحة يوم ‪ 52‬يونيو‪/‬حزيران ‪ 5155‬نظم العشارات مان‬
‫شبا قومية السونغاي مظاهرات احتجاجية وس املدينة‪ ،‬وتوجهوا إىل مقر وايل‬
‫املدينة الذي تتخذ منه احلركة الوطنية مقرًّا لرئاسة اجمللس االنتقايل امزوادي الذي‬
‫أعلنت عنه‪ ،‬فأطلق عليهم عناصر احلركة الوطنية النار؛ حيث سق قتلى وجرحى‬
‫يف صفوف املتظاهرين‪ ،‬ساعتها قرر بلمختار املتحالف مع "مجاعة التوحيد واجلهاد‬
‫بغر إفريقيا" اقتناص الفرصة يف حماولة خلطب وُدِّ السكان الزنوج على حساا‬
‫"احلركة الوطنية لتحرير أزواد"‪ ،‬فتدخل عناصره حلماية املدنيني املتظاهرين بعاد‬
‫مقتل اثنني منهم وإصابة آخرين برصاص مسلحي احلركة الوطنية‪ ،‬ووفَّر مقااتلو‬
‫"التوحيد واجلهاد" و"امللثمون" محاية للمتظاهرين وس املدينة من قناصة احلركاة‬
‫الوطنية‪ .‬ويف اليوم التايل طالب بلمختار وحلفاؤه من احلركة الوطنية تسليمهم من‬
‫أطلقوا النار على املدنيني الزنوج؛ طاكمتهم أمام "القاضي الشرعي" الذي يتباع‬
‫هلم(‪ ،)1‬وحتوَّا اممر إىل احتكاك باني عناصار احلركاة الوطنياة واملسالحني‬
‫اإلسالميني‪ ،‬تطور إىل مواجهات عنيفة يف شوارع مدينة "غاوا"‪ ،‬حيث استخدمت‬

‫(‪" )1‬بيان أصدره املختار بلمختار حوا أحداث غاوا"‪ ،‬وكالة نواكشوط لألنباء‪( ،‬تاريخ‬
‫الدخوا‪52 :‬سبتمرب‪/‬أيلوا ‪:)5151‬‬
‫‪http://ani.mr/?menuLink=9bf31c7ff062936a96d3c8bd1f8f2ff3&idNews=18759‬‬

‫‪055‬‬
‫فيها امسلحة الثقيلة واملتوسطة‪ ،‬استمرت عدة ساعات‪ ،‬وانتهت بطارد عناصار‬
‫احلركة الوطنية من املدينة بعد قتل وإصابة عدد منهم‪ ،‬بينهم اممني العام للحركاة‬
‫ورئيس اجمللس االنتقايل امزوادي "بالا أغ الشريف" الاذي أصايب يف تلاك‬
‫املواجهات ونقل إىل بوركينا فاسو لتلقي العالج‪ ،‬كما قُتل يف تلاك املواجهاات‬
‫القائد العسكري يف احلركة الوطنية العقيد "بون أغ الطيب"‪ .‬ويف الياوم التاايل‬
‫قصف مقاتلو كتيبة "امللثمون" و"مجاعة التوحيد واجلهاد" مطاار مديناة غااوا‬
‫وطردوا عناصر احلركة الوطنية منه‪ ،‬وقد سارع بلمختار بعد تلك االشاتباكات‬
‫مباشرة إىل إصدار بيان تضمَّن روايته لتلك امحداث‪ ،‬كما سعى من ورائه لنفاي‬
‫شائعة أطلقتها احلركة الوطنية عن مقتله خالا املواجهات‪.‬‬
‫وبعد سيطرة احلركات املسلحة على أزواد‪ ،‬تفاقمت اخلالفات بني املختاار‬
‫بلمختار وأمري الصحراء حينها بالوكالة نبيل خملويف‪ ،‬الذي كان يقايم يف مديناة‬
‫متبكتو مع اخلصمني اللدودين لبلمختار (حيىي أبو اهلمام‪ ،‬وعبد احلميد أبو زياد)‪،‬‬
‫وتطورت تلك اخلالفات إىل أن اختذ أمري تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلساالمي‬
‫عبد امللك دوركداا يف سبتمرب‪/‬أيلوا عام ‪ 5155‬قرارًًا بعزا بلمختار مان قياادة‬
‫كتيبة "امللثمون" هنائيًّا‪ ،‬إال أن الوفاة املفاجئة ممري الصحراء بالوكالة نبيل خملويف‪،‬‬
‫يف حادث سري بأزواد أجََّّل إعالن القرار إىل شهر أكتوبر‪/‬تشارين اموا؛ حياث‬
‫أبلغت قيادة القاعدة املختار بلمختار بقرار عزله هنائيًّا عن إمارة كتيبة "امللثمون"‪،‬‬
‫وهو القرار الذي رفضه بلمختار‪ ،‬وأدى إىل انشقاقه مع معظم عناصر كتيبته عان‬
‫تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪.‬‬
‫وقد سعى املختار بلمختار بعد انفصاله عن تنظيم القاعدة إىل تشكيل قياادة‬
‫موحدة للحركات السلفية املسلحة يف أزواد حتات مسامى "جملاس شاورى‬
‫اجملاهدين"‪ ،‬وأصدر أوا بيان باسم هذا اجمللس يف أكتوبر‪/‬تشرين اموا عام ‪5155‬‬
‫أعلن فيه عزم اجمللس القصاص جملموعة من عناصار مجاعاة الادعوة والتبلياغ‬
‫املوريتانيني قتلهم اجليش املايل يف بلدة "جبايل" وس البالد يف سبتمرب‪/‬أيلوا عاام‬
‫‪ ،5155‬ووقِّع البيان باسم التنظيمات اجلهادية يف أزواد (امللثمون‪ ،‬ومجاعة التوحيد‬
‫واجلهاد يف غر إفريقيا‪ ،‬ومجاعة أنصار الدين‪ ،‬والقاعدة ببالد املغر اإلسالمي)‪،‬‬
‫‪056‬‬
‫لكن مجاعة أنصار الدين نفت على لسان الناطق بامسها "سنده ولد بوعماماة" أي‬
‫عالقة هلا مبجلس شورى اجملاهدين‪ ،‬كما نفى أمري الصحراء يف تنظيم القاعدة "حيىي‬
‫أبو اهلمام" خالا مقابلة أجريتها معه بعد أيام من اإلعالن عان مايالد جملاس‬
‫"شورى اجملاهدين" أيَّ علم له هبذا اجمللس‪ ،‬لكن "امللثمون" و"التوحيد واجلهااد"‬
‫أعلنتا متسكهما باجمللس واستمرارمها يف العمل حتت رايته‪.‬‬
‫ورغم أن بلمختار يوصف بأنه واحد من أخطر قادة القاعادة واجلماعاات‬
‫املسلحة يف الساحل والصحراء‪ ،‬فإنه يُصنَّف كأحد قادة "احلماائم" يف التنظايم‪،‬‬
‫مقارنة مع غرمييه "عبد احلميد أبو زيد" و"حيىي أبو اهلماام" اللاذيْن يوصافان‬
‫"بالصقور"؛ لفرط راديكاليتهما‪.‬‬
‫وقد نفَّذت مجاعة "امللثمون" بعد انفصاهلا عن تنظيم القاعدة ببالد املغار‬
‫اإلسالمي ثالث عمليات وصفت بالنوعية‪ ،‬كانت أوالها يف بلدة "عني أمنااس"‬
‫جنو اجلزائر يف يناير‪/‬كانون الثا ‪ ،5157‬وهي العملية اليت احتجز فيها عناصار‬
‫التنظيم عشرات امجانب يف جممع "تيقنتورين" للغاز‪ ،‬وانتهت باقتحاام اجلايش‬
‫اجلزائري للمصنع وقتل مجيع املسلحني أو معظمهم مع رهائنهم‪.‬‬
‫وكان التحضري هلذه العملية قد بدأ مبكرًًا‪ ،‬حىت قبل بدء العملياة الفرنساية‬
‫اإلفريقية ضد اجلماعات اإلسالمية املسلحة‪ ،‬فقاد عماد املختاار بلمختاار يف‬
‫كلمة مصورة وزَّعها التنظيم بداية نوفمرب‪/‬تشرين الثا عام ‪ 5155‬إىل اهتام الرئيس‬
‫اجلزائري عبد العزيز بوتفليقة وكبار اجلنراالت يف البلاد بالتاآمر ماع فرنساا؛‬
‫لشنِّ حر على أزواد‪ ،‬مُذََكِّرًًا باحتضان امزوادياني للارئيس بوتفليقاة أياام‬
‫كان ينش يف الثورة اجلزائرية ضد االستعمار الفرنسي‪ ،‬وقد علمتُ بعد اهلجاوم‬
‫من نائب بلمختار حينها "جليبيب" أن الفقرة اليت خصصت للجزائار يف تلاك‬
‫الكلمة املصورة‪ ،‬كانت حتمل إشارات متهيدية للتحضاري للعملياة املاذكورة‪،‬‬
‫وبعد اندالع احلر الفرنسية ضد اجلماعات اإلسالمية املسلحة يف مشاا ماايل‪،‬‬
‫نشرت صحف فرنسية معلومات عن مساح اجلزائر للطائرات الفرنساية بعباور‬
‫أجوائها لقصف أهداف يف عمق أزواد‪ ،‬وهو ما برََّّر به بلمختار هجوماه علاى‬
‫عني أمناس‪.‬‬
‫‪057‬‬
‫وقد خط للعملية بشكل حمكم‪ ،‬وشارك فيها أكثر من ثالثني عنصرًًا ينتمون‬
‫لكتيبة "املوقعون بالدماء"‪ ،‬وينحدرون من اجلزائر ومايل وتونس ومصر وموريتانيا‬
‫وكندا ونيجرييا والنيجر‪ ،‬وقد متكنوا من التسلل إىل الصحراء اجلزائرية عرب النيجر‬
‫‪-‬حسبما علمتُ من جليبيب‪ -‬على منت ثالث سيارات رباعية الدفع‪ ،‬ووصلوا إىل‬
‫جممََّّع تيقنتورين الغازي يف بلدة عني أمناس‪ ،‬واقتحموا اجملمع الصناعي‪ ،‬وانقسموا‬
‫إىل جمموعتني إحدامها يقودها "أبو الرباء اجلزائري"‪ ،‬ومبعية زعيم حركاة أبنااء‬
‫الصحراء للعدالة اإلسالمية اممني بشنب املك "الطاهر أبو عائشة"‪ ،‬وتوجهت إىل‬
‫مقر إقامة العماا املعروف باسم "قاعدة احلياة"‪ ،‬بينما توجهت اجملموعة الثانية اليت‬
‫يقودها أمري اجملموعة النيجري عبد الرمحن املك "أبو دجانة" إىل املصنع‪.‬‬
‫وأعلن اخلاطفون عرب اتصاالت مع وسائل اإلعالم أهنم متكنوا من احتجاز ‪45‬‬
‫رهينة من امجانب العاملني يف املصنع‪ ،‬بينهم أمريكياون وفرنسايون وياباانيون‬
‫وبريطانيون ونروجييون وجنسيات أخرى‪ ،‬أغلبهم باغتهم اخلاطفون وهم يف مقار‬
‫إقامة العماا‪ ،‬بينما متكنت اجملموعة اليت توجهت إىل املصنع من احتجااز سابعة‬
‫أجانب كانوا بداخله‪ .‬وزواا اليوم اموا حاولت اجملموعة اليت يقودها "أبو الرباء"‬
‫نقل الرهائن اطتجزين لديها من مقر اإلقامة إىل املصنع بواسطة مخاس سايارات‬
‫رباعية الدفع تابعة للشركة‪ ،‬وأثناء حماولتهم اخلروج من "قاعدة احلياة" قصافتهم‬
‫املروحيات اجلزائرية فدمََّّرت أربعًًا من السيارات وقتلت ‪ 51‬من اخلاطفني‪ ،‬بيناهم‬
‫قائد اجملموعة "أبو الرباء اجلزائري" ومساعده اممني بشانب‪ ،‬ولقاي ‪ 74‬رهيناة‬
‫مصرعهم يف القصف‪ ،‬بينما جنت سيارة خامسة من القصف‪ ،‬ومتكن بع ركاهبا‬
‫من اهلرو ‪ ،‬يف حني سيطر اخلاطفون على بعضهم‪ ،‬وبرَّرت احلكومة اجلزائرياة‬
‫حينها قصفها للسيارات اليت تقلُّ اخلاطفني والرهائن بالقوا‪ :‬إن اخلاطفني كاانوا‬
‫ينوون املغادرة برهائنهم إىل داخل امراضي املالية‪ ،‬ويتخذون منهم دروعًًا بشرية‪.‬‬
‫أما اجملموعة اليت يقودها "عبد الرمحن النيجري" فتمكنت من االحتفاظ برهائناها‬
‫داخل املصنع‪ ،‬يف حني أطبق اجليش اجلزائري احلصار على املصنع رافضًًا االستجابة‬
‫ملطالب اخلاطفني‪ ،‬وأثناء عملية احتجاز الرهائن أصدر املختار بلمختار من خمبئه يف‬
‫مشاا مايل شريطًًا مصورًًا أعلن فيه استعداه ملبادلة الرهائن اطتجزين يف عني أمناس‬
‫‪058‬‬
‫بكلٍّ من الشيخ عمر عبد الرمحن والعاملة الباكستانية عافية صاديقي املعاتقلني يف‬
‫الواليات املتحدة اممريكية بتهم تتعلق باإلرها ‪ ،‬كماا طالاب بالشاروع يف‬
‫مفاوضات من أجل وقف احلر اليت بدأت ضد اجلماعات اإلسالمية املسلحة يف‬
‫مشاا مايل‪.‬‬
‫وقد انتهت العملية بعد أربعة أيام باقتحام القوات اخلاصة اجلزائرية للمصنع‪،‬‬
‫وأسفرت عن قتل معظم الرهائن و‪ 59‬من اخلاطفني‪ ،‬بينماا أعلنات احلكوماة‬
‫اجلزائرية أهنا اعتقلت ثالثة منهم‪ ،‬مل تكشف عن هوياهتم‪ .‬ومن أبرز املشاركني يف‬
‫العملية‪ ،‬قائدها عبد الرمحن النيجري املك "أبو دجانة"‪ ،‬وهو من عر النيجار‪،‬‬
‫ونائباه "أبو الرباء اجلزائري و"اممني بشنب" وهو زعيم حركة أبنااء الصاحراء‬
‫للعدالة اإلسالمية‪ ،‬واملوريتا عبد اهلل ولد امحيده املك "الزرقاوي"‪ ،‬والكنادي‬
‫"انكريستوس كاتسري"‪ ،‬و"علي مدجل"‪ ،‬واملصاريان "أباو هااجر" و"البتاار"‪،‬‬
‫والتونسيان "عزام" و"أنيس"‪.‬‬
‫وقد شكََّّل هجوم عني أمناس حمطة فاصالة يف الصاراع ماع اجلماعاات‬
‫اإلسالمية املسلحة؛ حيث متكن بلمختار بواسطته من توجيه رسالة قوية مفادها أنه‬
‫قادر على الضر بقوة‪ ،‬أينما أراد تلك‪ ،‬كما شكلت صفعة لالقتصاد اجلزائاري‬
‫الذي يعتمد أساسًًا على صناعة النف والغاز؛ حيث توقف املصنع عن اإلنتااج‪،‬‬
‫وتكبدت اخلزينة اجلزائرية خسائر تُقدَّر مباليني الدوالرات‪.‬‬
‫غري أن العارفني حبقيقة اجلماعات املسلحة يف مشاا مايل يرون أن بلمختاار‬
‫وإن كان جنح يف إرساا رسالة شديدة اللهجة للدوا املتحالفة مع فرنسا‪ ،‬فإنَّ هذه‬
‫الرسالة كلَّفته مثنًًا باهظًًا؛ حيث خسر عددًًا من خرية رجاله‪ ،‬فقاد كاان قاادة‬
‫الكوماندوز الذين نفذوا العملية من أبرز قادة كتيبة امللثمون‪ ،‬وعناصرها اطترفني‪،‬‬
‫الذين كان بلمختار يُعََوِِّّا عليهم يف املواجهة اليت بدأت مع الفرنسيني‪.‬‬
‫أما العملية الثانية اليت نفذهتا كتيبة "املوقعون بالدماء" بعاد انفصااا قائادها‬
‫بلمختار عن تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬فكانت يف شهر مايو‪/‬أيار عاام‬
‫‪ 5157‬باالشتراك مع "مجاعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا" واستهدفت جممَّ ًعًاا‬
‫صناعيًًّّا الستخراج اليورانيوم تابعًًا لشركة "آريفا" الفرنسية‪ ،‬يف مديناة "آرليات"‬
‫‪059‬‬
‫بشماا النيجر‪ ،‬وأكادميية عسكرية للجيش النيجري يف مدينة "آغاديز" الواقعة هاي‬
‫امخرى يف مشاا البالد‪ ،‬وهي العملية اليت نفذت بواسطة سيارتني مفخختني وعدد‬
‫من االنتحاريني من كتيبيت "املوقعون بالدماء" التابعة جلماعة "امللثماون"‪ ،‬وكتيباة‬
‫"االستشهاديون" التابعة جلماعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا‪ .‬وقاد أشارف‬
‫بلمختار بنفسه على التخطي لتلك العملية وواكب آخر مراحل تنفيذها‪ ،‬وأطلاق‬
‫عليها اسم "غزوة الشيخ عبد احلميد أبو زيد"‪ ،‬وهو قياادي يف القاعادة قُتال يف‬
‫فرباير‪/‬شباط عام ‪ 5157‬خالا مواجهات مع القوات التشادية والفرنسية مشاا مايل‪،‬‬
‫وشارك يف العملية عشرة مسلحني من تونس والسودان والصحراء الغربياة وماايل‬
‫واملغر ‪ ،‬وقتلوا مجيعًًا يف العملية‪ ،‬وهم‪ :‬حممد هاشم عبد احلميد املكين "أبو عبد اهلل‬
‫السودا "‪ ،‬وحممد اطظي املك "فاروق التونسي"‪ ،‬وأسامة عكار املكا "مهناد‬
‫التونسي"‪ ،‬وكماا عبد اهلل املك "أبو علي النيجري"‪ ،‬وأبو بكر ولد حممد احلسان‬
‫املك "جعفر الصحراوي"‪ ،‬و"سلمان الصحراوي"‪ ،‬و"خبيب امنصاري" و"جعفار‬
‫امنصاري"‪ ،‬و"حممد امنصاري" وهم من من طوارق مايل‪ ،‬و"منتصر" املغرباي‪.‬‬
‫وكانت العملية نوعية واستعراضية هي امخرى؛ حيث اساتهدفت مصااحل‬
‫ال‬
‫فرنسية عرب ضر مصنع استخراج اليورانيوم التابع لشركة آريفا الفرنسية‪ ،‬فض ً‬
‫عن امكادميية العسكرية النيجرية؛ عقابًًا للحكومة النيجرية علاى مشااركتها يف‬
‫احلر ضد اجلماعات اإلسالمية املسلحة يف مشاا مايل‪.‬‬
‫كما قامت مجاعة "امللثمون" يف اموا من يونيو‪/‬حزيران ‪ 5157‬بتنفيذ عملية‬
‫استهدفت السجن املركزي بالعاصمة النيجرية "نيامي"‪ ،‬وأسفرت عن هترياب ‪71‬‬
‫سجينًًا من عناصر اجلماعات اإلسالمية املسلحة‪ ،‬من جنسايات خمتلفاة بيناها‬
‫السودان‪ ،‬والنيجر‪ ،‬ونيجرييا‪ ،‬ومايل‪ ،‬ومن أبرز السجناء الذين مت هتريبهم يف تلك‬
‫العملية احلسن ولد حممد امللقب با "الشيبا " املتهم بقتل أربعة سياح ساعوديني‬
‫يف هجوم قر احلدود املالية النيجرية هناية ‪ ،5119‬وقد اعتقل بعد تلك يف مشااا‬
‫مايل وسُلِّم إىل النيجر‪.‬‬
‫وعشية اندالع احلر اليت قادهتا فرنسا وبع الدوا اإلفريقية بداياة عاام‬
‫‪ 5155‬لطرد احلركات اإلسالمية املسلحة من أزواد‪ ،‬وإعادة سيطرة احلكومة املالياة‬
‫‪061‬‬
‫عليه‪ ،‬سارعت اجلماعات اإلسالمية املسلحة إىل االنسحا من املدن‪ ،‬مربرة تلاك‬
‫بالقوا إنه انسحا تكتيكي لتفادي تكلفة حر املدن الباهظة‪ ،‬ولتجنيب املادنيني‬
‫ويالت املواجهات داخل مدهنم‪ ،‬وقصف الطريان الفرنسي الذي اساتهدف مادن‬
‫متبكتو وغاوا وكيداا وبع التجمعات السكنية امخارى خاالا امياام اموىل‬
‫للحر ‪ ،‬وتوجهت تلك احلركات بقواهتا مشا ًال إىل الصحراء واجلبااا‪ ،‬والغاباات‬
‫اطاتية لضفة هنر النيجر‪ .‬وكما كانت تلك احلركات تتوزع السيطرة سابقًًا علاى‬
‫اإلقليم‪ ،‬عمدت إىل توزيع نشاطاهتا العسكرية ضد الفرنسيني وحلفائهم وفقًًا لنفس‬
‫التوزيع اجلغرايف‪ ،‬وإن كانت كلها اختذت هلا مراكز خلفية يف جباا أدرار اإلفوغاس‬
‫يف أقصى الشماا‪ ،‬لكنها احتفظت بنشاطاهتا يف مناطق سيطرهتا السابقة‪.‬‬
‫ويف هذا السياق أسندت مهمة املواجهة يف مدينة غاوا واملناطق التابعة هلاا إىل‬
‫"حركة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا"‪ ،‬ومجاعة "امللثمون"‪ ،‬ومهاا اجلماعتاان‬
‫اللتان كانتا تسيطران على املدينة واملناطق التابعة هلا‪ ،‬وقد فقدت احلركتان عددًًا من‬
‫قادهتما وعناصرمها يف تلك املواجهات؛ حيث قتل الرجل الثا يف مجاعة امللثمون ‪-‬‬
‫كما أعلن الفرنسيون‪ -‬احلسن ولد اخليل املك "جليبيب املوريتاا " يف عملياة‬
‫خاصة للقوات الفرنسية مشاا مدينة تساليت‪ ،‬إضافة إىل عناصر آخارين قتلاوا يف‬
‫عمليات متفرقة من بينهم‪ :‬أمحد ولد املختار ولد أمني املوريتا ‪ ،‬والغوث الغاالوي‬
‫املك "يونس الشنقيطي"‪ ،‬وحممد حممود ولد السالك الرببوشي امزوادي املك "أبو‬
‫جماهد امنصاري"‪ ،‬وحممد سامل ولد عبد اهلل املك "عكرمة الصاحراوي"‪ ،‬وزيااد‬
‫الصفاقصي التونسي‪ ،‬وشريف حطا املك "أبو عبيدة املصري" ‪-‬وهو من باني‬
‫املعتقلني الذين خرجوا من السجون عشية الثورة املصرية‪ ،‬وشارك يف العدياد مان‬
‫االعتصامات‪ ،‬من بينها حادثة اقتحام مقر أمن الدولاة‪ ،‬واقتحاام مقار السافارة‬
‫اإلسرائيلية يف القاهرة‪ ،‬قبل أن ينتقل إىل مشاا مايل؛ حيث قتل يف مدينة "غااوا"‪-‬‬
‫وحممود الصعيدي املك "أبو بصري املصري"‪ ،‬وأبو عبيدة امنصاري مان عار‬
‫أزواد‪ ،‬وأبو تر الشنقيطي‪ ،‬واملختار امزوادي‪ ،‬والقعقااع امزوادي‪ ،‬وأباو عباد‬
‫الرمحن املصري‪ ،‬وأبو عبيدة امنصاري من عر أزواد‪ ،‬وعماد الدين حممود موسي‬
‫املك "الشيخ أبو حازم السودا "‪ ،‬وأمحد حسن عثمان الشهري بلقب "الربلوم" من‬
‫‪060‬‬
‫السودان‪ ،‬وإبراهيم السكري السودا ‪ ،‬وإبراهيم موسى حممد املك "أباو خدجياة‬
‫ال‬
‫السودا " ‪-‬وهو من قادة مجاعة "دعاة الشريعة" السودانية‪ ،‬اليت أصدرت تساجي ً‬
‫مشهورًًا حتت عنوان "الربهان على ردة حكومة السودان"‪ -‬وأمحد عباس السودا ‪،‬‬
‫وحممد الشبلي السودا ‪ ،‬وخبيب حسن سعدون السودا ‪.‬‬
‫ويف شهر أغسطس‪/‬آ عام ‪ 5157‬توصل بلمختار إىل اتفاق مع أمري مجاعة‬
‫التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا عبد الرمحن ولد العامر املك "أمحد التلمساي"‪،‬‬
‫يقضي بتطوير التعاون والتنسيق بني التنظيمني إىل اندماج كلي وهنائي‪ ،‬يتم مبوجبه‬
‫تنازا اممريين عن القيادة لصاحل أمري جديد‪ ،‬وقد وقع االختيار ساعتها على "أبو‬
‫بكر املهاجر"‪ ،‬وهو مصري كان والده من الذين شاركوا يف احلر امفغانية ضد‬
‫السوفيت‪ ،‬كما شارك هو يف احلر ضد اممريكيني يف أفغانستان بعاد الغازو‬
‫اممريكي هناية عام ‪ ،5115‬ووصل إىل منطقة مشاا مايل قبل سايطرة اجلماعاات‬
‫اجلهادية على كربيات املدن يف إقليم أزواد؛ حيث اخنارط يف صافوف مجاعاة‬
‫"امللثمون" بقيادة بلمختار‪ ،‬وظلَّ مرافقًًا له طيلة الفترة اليت سبقت تعييناه أما ًريًا‬
‫جلماعة "املرابطون"‪ ،‬وحددت اجلماعة يف بياهنا تأسيس جماا عملها بأنه من "النيل‬
‫إىل اطي "‪ ،‬وأكدت تبعيتها فكريًًّّا وتنظيميًًّّا واستراتيجيًًّّا لتنظيم القاعدة يف باالد‬
‫خراسان بزعامة أمين الظواهري‪.‬‬
‫وقد برَّر بلمختار الذي مت اختياره رئيسًًا جمللس شورى التنظيم اجلديد‪ ،‬تنازله يف‬
‫تلك الفترة عن "إمارة" التنظيم لصاحل أبو بكر املهاجر بالقوا‪" :‬إن الوقت قاد حاان‬
‫للتمكني جليل جديد من أجل قيادة العمل اجلهادي يف املنطقة"‪ ،‬مشريًًا إىل أن اختياار‬
‫اسم "املرابطون" للتنظيم جاء "تيامنًًا بدولة املرابطني اليت كان شعارها العلم واجلهاد"‪،‬‬
‫مضيفًا أن قرار الوحدة كان "مصرييًّا" وقد "اختذ بإمجاع جملس الشورى انسجامًًا ماع‬
‫رؤيتنا لواقع التنظيمات واجلماعات‪ ،‬وأهنا مل تكن إال وسيلة مرحلية للدفاع عن امماة‬
‫ومقدساهتا إىل أن تسترجع رمز وحدهتا وقوهتا اخلالفة الراشدة املفقودة"(‪.)1‬‬

‫(‪" )1‬مجاعتان جهاديتان يف الساحل والصحراء تعلنان اندماجهما"‪ ،‬شبكة أنا مسلم للحوار‬
‫اإلسالمي‪( ،‬تاريخ الدخوا‪ 51 :‬أكتوبر‪/‬تشرين اموا ‪:)5152‬‬
‫‪http://www.muslm.org/vb/archive/index.php/t-518393.html‬‬

‫‪061‬‬
‫وإن هي إال أشهر معدودات ويقتل أبو بكر املصري يف إبريل‪/‬نيسان ‪،5154‬‬
‫ليصبح منصب اممري شاغرًًا‪ ،‬فاختار جملس الشورى "أمحد ولد العامر" (التلمسي)‬
‫أمريًًا جديدًًا للتنظيم‪ ،‬ويقوا أنصار بلمختار‪ :‬إن بيعة التلمسي متت بعاد رفا‬
‫بلمختار عرضًًا من جملس الشورى مببايعته أم ًريًا للتنظيم‪ .‬ويف هناياة عاام ‪،5154‬‬
‫متكنت القوات الفرنسية من اغتياا التلمسي يف وس منطقة أزواد‪ ،‬ليبقى منصب‬
‫اممري شاغرًًا من جديد وللمرة الثانية يف ظرف مخسة عشر شهرًًا مان تأسايس‬
‫التنظيم‪.‬‬
‫وعشية مقتل أمحد التلمسي كان بلمختار موجودًًا خارج منطقة أزواد ماع‬
‫عناصر من جملس الشورى‪ ،‬فسارع "أبو الوليد الصحراوي" إىل أخذ البيعاة مان‬
‫أعضاء الشورى املوجودين معه يف مشاا مايل‪ ،‬وأعلن نفسه أمريًًا للتنظيم‪ ،‬وأتبعهاا‬
‫بقرار مبايعة تنظيم الدولة اإلسالمية يف شهر مايو‪/‬أيار ‪ ،5151‬فجاء الرد سريعًًا من‬
‫بلمختار الذي رف تلك البيعة باسم جملس الشورى‪ ،‬قبال أن يصادر جملاس‬
‫الشورى يف يوليو‪/‬متوز من نفس العام مبايعة بلمختار أمريًًا جلماعة "املرابطاون"؛‬
‫ليواصل جهوده يف احلوار مع قيادة القاعدة ببالد املغر اإلسالمي من أجل العودة‬
‫إليها‪ .‬وقد أفضت تلك املفاوضات إىل إعالن أمري تنظيم القاعدة بابالد املغار‬
‫اإلسالمي عبد امللك دوركداا يف ديسمرب‪/‬كانون اموا عام ‪ 5151‬انضمام مجاعة‬
‫"املرابطون" لتنظيمه ومبايعتها له‪ ،‬لكن بلمختار فضَّل هذه املرة أن يبقى بعيدًًا عن‬
‫التبعية إلمارة الصحراء‪ ،‬وأصبحت عالقته معها جمرد شراكة‪ ،‬يف حني بقاي هاو‬
‫يدين بالبيعة لألمري العام للتنظيم عبد امللك دوركداا‪.‬‬

‫كجيبة طارق بن كياد‬


‫عند تأسيسها بداية عام ‪ 5113‬توىل قيادهتا اجلزائري "عبد احلميد أبو زيد"‪،‬‬
‫وامسه احلقيقي "حممد بن مربوك بن الساسي بن غدير" من قبيلة الشعانبة يف جنو‬
‫اجلزائر‪ ،‬وكان من أكثر قادة التنظيم راديكالية وتشددًًا باني قاادة القاعادة يف‬
‫الساحل والصحراء‪ ،‬كما أنه من أكربهم سنًًّّا‪ ،‬فهو من مواليد عام ‪ 5913‬يف بلادة‬
‫الدبدا جنو شرق اجلزائر قر احلدود مع ليبيا؛ حيث ترىب يف وسا غاري‬
‫‪061‬‬
‫متعلم واشتغل يف بداية حياته بالتهريب ورعاية املواشاي‪ ،‬وانضام إىل اجلبهاة‬
‫اإلسالمية لإلنقات؛ حيث انتخب عضوًًا يف اجمللس البلدي لقرية الدبدا ‪ .‬وعشاية‬
‫اندالع أعماا العنف يف اجلزائر مطلع عام ‪ ،5995‬نش أبو زيد يف هتريب السالح‬
‫لصاحل املقاتلني السلفيني يف جباا اجلزائر‪ ،‬لكنه مل يلتحق باجلماعات املقاتلة قبال‬
‫عام ‪ 5993‬حني انضم مع عدد من أقاربه إىل معساكرات اجلماعاة اإلساالمية‬
‫املسلحة يف اجلبل امبي ‪ ،‬من بينهم شقيقه‪ ،‬إبراهيم بن مربوك بن الساسي املك‬
‫"عمي أبو زهرة"‪ ،‬الذي قتل سنة ‪ 5111‬خالا مواجهات مع اجليش اجلزائري يف‬
‫تنزواتني قر احلدود مع مايل‪ ،‬وعمه عمر بن الساسي امللقب با "عماي أباو‬
‫علي"‪ ،‬الذي قتل على يد اجليش اجلزائري سنة ‪ ،5991‬وعمه حممد بن الساساي‬
‫امللقب با "عمي حامد"‪ ،‬الذي قتل خالا اشتباك مع اجلايش اجلزائاري سانة‬
‫‪ ،5114‬قر جباا تبسيت‪.‬‬
‫كان من عناصر اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا الذين تعرفوا على مشااا ماايل‬
‫مبكرًًا‪ ،‬وشارك سنة ‪ 5115‬يف اشتباكات مع القوات املالية‪ ،‬مث عاد إىل الصاحراء يف‬
‫مشاا مايل يف أغسطس‪/‬آ عام ‪ 5117‬برفقة أمري املنطقة اخلامسة يف تنظيم اجلماعاة‬
‫السلفية للدعوة والقتاا اجلزائرية عمار الصايفي املك "عبد الرزاق الباارا" (ضااب‬
‫مظلي سابق يف القوات اخلاصة اجلزائرية) بعد أن اختطفا مع عدد من املقاتلني أكثار‬
‫من ثالثني سائحًًا غربيًًّّا من جنو اجلزائر‪ ،‬وجلؤوا هبم إىل صاحراء أزواد يف مشااا‬
‫مايل‪ ،‬قبل أن تنتهي تلك امزمة بدفع أمواا طائلة من طارف حكوماات الرهاائن‬
‫للخاطفني مقابل حتريرهم‪ .‬لكن عبد الرزاق البارا غادر مشاا مايل يف بداياة ‪ 5114‬يف‬
‫رحلة استكشافية؛ حبثًًا عن موطن أكثر أمنًًا وأسهل حياة يف الصحراء الكربى‪ ،‬يتخاذ‬
‫منه مقاتلو التنظيم قاعدة خلفية يركنون إليها يف حاا ضُيِّق عليهم اخلناق يف اجلزائار‬
‫ومشاا مايل؛ وسعًيًا كذلك وراء توسيع منطقة حترك تنظيمه‪ ،‬وبعد وصوله إىل صحراء‬
‫تشاد‪ ،‬وقع يف قبضة عناصر "احلركة من أجل العدالة والدميقراطية" املتمردة يف تشااد‪،‬‬
‫ومت تسليمه مع عدد من مقاتليه إىل اجلزائر الحقًًا بوساطة ليبية‪.‬‬
‫وكان البارا حني غادر مشاا مايل قد استخلف عبد احلميد أبو زياد علاى‬
‫إمارة اجملموعة املتبقية من مقاتليه يف صحراء أزواد؛ ليشكلوا بعد تلك ناواة ملاا‬
‫‪064‬‬
‫عُ ِرف الحقًًا باسم "كتيبة طارق بن زياد"‪ ،‬وأطلقوا على أنفسهم يف البداية اسام‬
‫"الفاحتون"؛ إت يعتربون هم من فتح صحراء أزواد مشاا مايل أمام عناصر تنظايم‬
‫"اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا"‪ ،‬بعد أن قرروا االستقرار هبا‪ .‬وقد أقام أبو زياد‬
‫يف صحراء أزواد قرابة عشر سنوات‪ ،‬أكثر من ثالث سنوات منها (ما بني النصف‬
‫الثا من ‪ 5117‬وبداية ‪ )5113‬قضاها تابعًًا إلمارة املنطقاة اخلامساة يف تنظايم‬
‫اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا‪ ،‬نش خالهلا يف هتريب السالح إىل داخل اجلزائر‪،‬‬
‫كما قاد معركة ضارية مع اجليش اجلزائري سنة ‪ ،5112‬عُرفت باسام معركاة‬
‫الشبانة‪ ،‬وقُتل فيها حممد اممني ولد لوالد املك "معاوية الصحراوي"‪ ،‬وهو أحد‬
‫رجاا التنظيم الذين نشطوا يف عمليات االكتتا داخل موريتانيا‪.‬‬
‫ويف عام ‪ 5113‬أعلنت اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا عن هيكلة جديادة‬
‫إلمارة الصحراء‪ ،‬اليت أسندت قيادهتا للقائد العسكري حيىي جوادي املك "حياىي‬
‫أبو عمار" بعد عزا املختار بلمختار عنها‪ ،‬ومبوجب هذه اهليكلة انضم أبو زياد‬
‫ومقاتلوه إىل إمارة الصحراء وأصبحوا يُعرفون باسم "كتيبة طارق بن زياد"‪ ،‬وقد‬
‫شكََّّل وجوده مع رجاله يف صحراء أزواد ‪-‬دون أن يكون تابعًًا إلمارهتا خاالا‬
‫السنوات اموىل‪ -‬عاملَ توترٍ وإزعاج ممريها املختار بلمختار؛ حيث كان أبو زيد‬
‫يتحرك يف تلك الصحراء كيف شاء دون أن يكون خاضعًًا لبلمختار‪ ،‬وكان هاذا‬
‫امخري يرى فيه غلظة وفظاظة قد تضر مبساعيه الحتواء ساكان أزواد وخطاب‬
‫وُدِّهم‪ ،‬ورب عالقات مع الفاعلني االجتماعيني واملهربني والتجار هناك‪.‬‬
‫وقد أدى تلك إىل توتر يف العالقة بينهما كادت أن تتطور أحيانًًا إىل احتكاك‬
‫بينهما‪ ،‬وقد فشلت حماوالت ترتيب لقاء مصاحلة بني الرجلني سانة ‪ ،5114‬وإن‬
‫كانا قد تقابال أكثر من مرة ‪-‬حسب ما علمتُ من بع عناصر التنظيم‪ ،‬وقاد‬
‫شاهدت جانبًًا من أحد اللقاءات بينهما يف فيلم مصور لدى مجاعاة امللثماون‪-‬‬
‫لكنها كانت لقاءات عابرة‪ ،‬عمَّقت اخلالف أكثر مما جربت الصدع؛ وهو ما دفع‬
‫بقيادة اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا إىل اإلسراع سانة ‪ 5113‬بإرسااا حياىي‬
‫جوادي‪ ،‬ليكون أمريًًا على اجلميع هناك مبن فيهم املختار بلمختار وعبد احلميد أبو‬
‫زيد‪ ،‬إال أن موقف حيىي جوادي كان ‪-‬على غرار موقاف قياادة اجلماعاة يف‬
‫‪065‬‬
‫اجلزائر‪ -‬أقر إىل "أبو زيد"‪ ،‬فكان وجوده يف الصاحراء تغذياة للصاراع ال‬
‫حالًّ له‪.‬‬
‫ويف هناية عام ‪ ،5113‬عاد عبد احلميد أبو زيد إىل اجلزائر برفقة أمري الصحراء‬
‫حيىي جوادي؛ للقيام ببع املهام هناك والتشاور مع قيادة التنظيم وإيصاا شاحنة‬
‫من السالح‪ ،‬لكنهم وقعوا يف كمني للجيش اجلزائري‪ ،‬وقُتل يف تلك املعركة عدد‬
‫من عناصر كتيبته بينهم عماد بكار اجلريدي املك "أبو سفيان اجلزائري"‪ ،‬ويعرف‬
‫أيضًًا بلقب "سلمان اجلزائري"‪ ،‬وينحدر من مدينة حاسي خليفة يف والية سوف‪،‬‬
‫وهو مرافق خاص لعبد احلميد أبو زيد يف رحالته ومهامه‪ ،‬وحيىي ولد حممد ساامل‬
‫املك "أبو أمين الشنقيطي"‪ ،‬وهو من الشبا املوريتانيني الذين انضموا للتنظايم‬
‫سنة ‪ ،5113‬وحممود املك "النعمان الصحراوي"‪ ،‬الاذي التحاق هاو انخار‬
‫مبعسكرات التنظيم يف مشاا مايل سنة ‪ 5113‬قادمًًاا مان خميماات الالجائني‬
‫الصحراويني قر مدينة تيندوف جنو اجلزائر‪ ،‬و"داد اهلل التونسي"‪ ،‬وهو شا‬
‫تونسي درس العلوم الشرعية يف موريتانيا والتحق بالتنظيم يف مشااا ماايل سانة‬
‫‪ ،5113‬بينما جنا عبد احلميد أبو زيد مع عدد من مقاتليه من تلاك املواجهاات‪،‬‬
‫فدخل إىل جنو تونس يف شهر فرباير‪/‬شباط؛ حيث صادف سائحني منسااويني‬
‫اختطفهما واستطاع هتريبهما إىل مشاا مايل‪.‬‬
‫وتُُنسب إليه عملية خطف وقتل الرهينة الربيطا "أدون داير"‪ ،‬مطلع شاهر‬
‫يونيو‪/‬حزيران عام ‪ ،5119‬بعد أن رفضت احلكومة الربيطانية تلبية مطلب اخلاطفني‬
‫املتمثل يف اإلفراج عن الناش السلفي الفلسطيين "أبو قتادة" املعتقال حيناها يف‬
‫السجون الربيطانية‪ ،‬وكان أبو زيد قد اختطف أدون داير مع سويساريني اثانني‬
‫ال سنويًًّّا للتراث املوسيقي الطارقي‪.‬‬
‫وأملا من النيجر أثناء حضورمها حف ً‬
‫كما قام أبو زيد مع عناصر من كتيبة طارق بن زيااد باختطااف رجال‬
‫املخابرات الفرنسية ‪-‬كما تصفه وسائل اإلعالم‪" -‬بري كامات" من مشااا ماايل‬
‫هناية عام ‪ ،5119‬وأفرج عنه يف شهر فرباير‪/‬شباط عام ‪ 5151‬بعد ثالثة أشهر مان‬
‫االحتجاز‪ ،‬مبوجب صفقة أُفرج فيها عن أربعة من عناصر التنظيم كانوا معتقلني يف‬
‫مايل بينهم نائب مسؤوا اإلعالم يف إمارة الصحراء بيبه ولاد ناافع‪ ،‬وكانات‬
‫‪066‬‬
‫املفاوضات بشأن بري كامات قد تعثرت‪ ،‬لكن املاليني أفرجوا عن العناصر املطلوبة‬
‫يف اليوم الذي انتهت فيه مهلة "أبو زيد" لقتل الرهينة‪ ،‬ومسح املاليون للمعاتقلني‬
‫لديهم باحلديث هاتفيًًّّا مع "أبو زيد"؛ للتأكيد على خرب اإلفراج عنهم وترحيلاهم‬
‫إىل الشماا لاللتحاق باملعسكرات‪.‬‬
‫كما يعترب عبد احلميد أبو زيد املسؤوا املباشر عن اختطاف سبعة رهاائن‬
‫فرنسيني من مصنع تابع لشركة "آريفا" الفرنسية يف أحد مناجم اليورانيوم بشماا‬
‫النيجر يف شهر سبتمرب‪/‬أيلوا عام ‪ .5151‬ويُعرف بأنه أكثار قاادة القاعادة يف‬
‫الصحراء نشاطًًا يف جماا اختطاف الرهائن الغربيني واحتجازهم‪.‬‬
‫وقاد أبو زيد إىل جانب زميليه عبد احلق أبو اخلبا ‪ ،‬وحيىي أباو اهلماام‪،‬‬
‫مواجهات مع مليشيات عربية يف أزواد‪ ،‬مرفوقة بوحدة من اجليش املايل‪ ،‬كانتاا‬
‫تالحقان عناصر التنظيم إثر قيامهم باغتياا الضاب العرباي يف اجليش املايل العقيد‬
‫"ملانة ولد ابو" يف منزله وس مدينة متبكتو يف يونيو‪/‬حزيران عام ‪( 5119‬سانعود‬
‫إىل تفاصيل حادثة مقتله الحقًًا عند احلديث عن سرية الفرقان)‪ .‬وقد ضمت تلك‬
‫املليشيات والقوات املالية عناصر من قبائل "الربابيش" اليت ينتمي إليها الضاب ملانة‬
‫ولد ابو‪ ،‬وقادها العقيد محه ولد حممد حيىي‪ ،‬وهو ضاب عرباي يف اجليش املايل‪،‬‬
‫وكان برفقته ابن عمه شامة ولد بده‪ ،‬وكالمها من أبناء عمومة الضاب املقتاوا‪،‬‬
‫إضافة إىل القائد العسكري السابق يف اجلبهة العربية امزوادية إبراهيم ولد حناده‬
‫الذي كان يقود املليشيات غري النظامية‪ ،‬وقد اشتبكوا مع عناصر القاعدة مارتني‪،‬‬
‫كانت أوالمها يوم ‪ 52‬يونيو‪/‬حزيران ‪ ،5119‬يف منطقة جبلية تسامى "تيندماة"‪،‬‬
‫وانتهت بانسحا مقاتلي القاعدة من أرض املعركة‪ ،‬لكن قادة املليشيات العربياة‬
‫أصروا على مواصلة القتاا ضد القاعدة‪ ،‬فكان االشتباك الثا الذي حصل يوم ‪53‬‬
‫يونيو‪/‬حزيران ‪ ،5119‬وتبعه اشتباك آخر كان امخاري‪ ،‬وقاد وقاع يف بداياة‬
‫يوليو‪/‬متوز‪ ،‬وعُرف باسم معركة "ازبار"؛ حيث متكن مقاتلو تنظيم القاعدة مان‬
‫مباغتة املليشيات والقوات املالية فجرًًا‪ ،‬وانتهت املواجهات مبقتل القائدين العقياد‬
‫محه ولد حممد حيىي‪ ،‬وشامة ولد بده‪ ،‬ومعهما عدد من عناصر املليشيات العربياة‬
‫والقوات املالية‪ ،‬وانسحب باقي عناصر املليشيات والقوات‪ .‬وقد علمت من أحاد‬
‫‪067‬‬
‫عناصر تلك املليشيات أن الفرنسيني كاانوا يسااعدون املليشايات العربياة يف‬
‫مواجهتها مع القاعدة بإعطائها نقاط متركز عناصر تنظيم القاعدة وحتركااهتم يف‬
‫الصحراء؛ حيث كانت املخابرات الفرنسية ترصد حتركات القاعدة عان طرياق‬
‫طائرات االستطالع‪ ،‬وصور امقمار االصطناعية‪ ،‬وتُطلِع السلطات املالية عليها‪ ،‬يف‬
‫حني يقوم املاليون بإبالغ العقيد محه ولد سيدي أمحد بتلك املعلومات‪.‬‬
‫وقد عرض تنظيم القاعدة بعد تلك بأشهر شريطًا مصورًًا تضمَّن بعضًًا مان‬
‫وقائع تلك املعركة والقتلى الذين سقطوا فيها؛ حيث فقد تنظيم القاعدة يف تلاك‬
‫املعركة أحد عناصره ويدعى حممد سامل ولد اميسة ولد الكيحل املك "النعمان"‪،‬‬
‫وامللقب باسم "حممد سامل الزعتر" نسبة إىل حي "تل الزعتر" يف شرق العاصامة‬
‫املوريتانية نواكشوط؛ حيث كان يقيم مع أسرته‪ ،‬ويعمل يف جماا البنااء‪ ،‬وقاد‬
‫حدثين أحد عناصر التنظيم الذين شاركوا يف املعركة أن ولد اميسة أصيب أثنااء‬
‫جتوله بني ضحايا املعركة من املليشيات‪ ،‬حني أطلق عليه جريح من القوات املالياة‬
‫النار فجأة فأصابه يف البطن بشكل مباشر‪ ،‬وكان برفقته إدريس ولد ير املكا‬
‫"أبو إسحاق الشنقيطي"‪ ،‬فردَّ بإطالق النار من سالحه الرشا على اجلريح املايل‬
‫حىت انشطر إىل نصفني‪.‬‬
‫وخالا املواجهات اموىل مع املليشيات‪ ،‬كان أحد الرهائن الغاربيني وهاو‬
‫سويسري اجلنسية‪ ،‬مع عناصر القاعدة حلظة مهامجة املليشيات العربية هلم‪ ،‬وماع‬
‫ا شتداد املواجهة خشي مقاتلو القاعدة من تفوق املليشيات العربية عليهم فكلفاوا‬
‫أحد عناصرهم بالبقاء إىل جانب الرهينة لتصفيته جسديًًّّا مىت أحس بأهنم أُحاي‬
‫هبم‪ ،‬ووضع فوهة بندقيته على رأس الرهينة استعدادًًا إلعدامه قبل أن يصل إلايهم‬
‫عناصر املليشيات‪ ،‬لكنهم متكنوا من سحبه من أرض املعركة‪ ،‬وقد عا الرهيناة‬
‫حلظات صعبة؛ حيث كانت القذائف والطلقات تتطاير عن ميينه ويساره والسالح‬
‫مصوَّ إىل رأسه‪ ،‬فأصيب حبالة جنون واضطرا نفسي‪ ،‬رافقته إىل أن أُفرج عنه‬
‫بعد تلك بكفالة مالية‪.‬‬
‫كما قاد عبد احلميد أبو زيد يف سبتمرب‪/‬أيلوا عام ‪ 5111‬عشرات من عناصر‬
‫التنظيم بينهم مقاتلون من كتيبته‪ ،‬وآخرون من سرية "الفرقان" اليت يقودها حياىي‬
‫‪068‬‬
‫أبو اهلمام‪ ،‬وتوغل هبم يف صحراء "تريس زمور" مشاا موريتانيا‪ ،‬قاصادًًا مانجم‬
‫"املهودات" للحديد؛ حبثًًا عن املتفجرات اليت تساتخدمها "الشاركة املوريتانياة‬
‫للصناعة واملناجم" (سنيم) يف تفجري مواقع احلفر يف اجلباا‪ ،‬وكذلك للبحث عان‬
‫بع الرعايا الغربيني العاملني هناك يف جماا التنقيب عن املعادن‪ ،‬إال أن القاوات‬
‫املوريتانية رصدت دخوهلم مراضيها فاعترضت طريقهم وحدة عسكرية‪ ،‬لكناهم‬
‫جنحوا يف نصب كمني هلا عند بلدة "تورين" قبل منتصاف الليال‪ ،‬فقتلاوا ‪55‬‬
‫عسكريًًّّا موريتانيًًّّا ومرشدًًا مدنيًًّّا كان معهم‪ ،‬وقد أمر أبو زيد عناصاره بقطاع‬
‫رؤوس اجلنود القتلى وتفخيخ جثثهم‪ ،‬واالنسحا إىل مشاا مايل‪ ،‬وفَ َقد التنظيم يف‬
‫تلك املعركة أحد رموزه ويدعى إخليهن ولد الشيخ املكا "أباو تر"‪ ،‬وهاو‬
‫موريتا اجلنسية‪ ،‬ومن الذين كان هلم دور كبري يف اكتتا عشرات من الشبا‬
‫املوريتانيني والتحاقهم مبعسكرات التنظيم يف صحراء أزواد‪.‬‬
‫كما اختطف عبد احلميد أبو زيد مهندسًًا فرنسيًًّّا متقاعدًًا من النيجر يادعى‬
‫"ميشيل جرمانو"‪ ،‬وقد أعدم الحقًًا يف يونيو‪/‬حزيران عام ‪ 5151‬على يد أمري سرية‬
‫"امنصار" "أبو عبد الكرمي الطارقي"‪ ،‬وبأمر من "أبو زيد" ردًًّّا على عملية نفاذهتا‬
‫القوات املوريتانية بالتعاون مع القوات الفرنسية لتحريره‪ ،‬وأسفرت عن مقتل سبعة‬
‫من عناصر التنظيم التابعني لسرية "الفرقان" مشاا مدينة متبكتو‪.‬‬
‫ويف عام ‪ 5155‬استغل عبد احلميد أبو زيد انشغاا التونسيني بإعداد وترتيب‬
‫مؤسسات الدولة بعد ثورهتم اليت أطاحت بالرئيس امسبق زين العابدين بن علي‪،‬‬
‫فتسلََّّل مع جمموعة من عناصر كتيبته إىل اجلنو التونسي‪ ،‬إال أن اجليش التونسي‬
‫متكن من رصدهم واالشتباك معهم‪ ،‬وقتل مثانية منهم أغلبهم من طاوارق ماايل‪،‬‬
‫بينما متكن أبو زيد من النجاة وعاد مع عدد من عناصره إىل مشاا مايل‪ .‬ويف تلك‬
‫املعركة قُتل بع من العناصر امساسيني يف كتيبة طارق بن زياد وهم‪ :‬سايدي‬
‫أمحد ولد با املك "أبو أنس الصحراوي"‪ ،‬وهو عنصار ساابق مان الادرك‬
‫الصحراوي التابع جلبهة البوليساريو يف خميمات الالجئني الصحراويني بتينادوف‬
‫جنو اجلزائر‪ ،‬كما أنه بطل سباقات املاراثون الطويلة‪ ،‬وقد تلقى تكوينًًا عسكريًًّّا‬
‫يف إسبانيا ضمن قوات النُّخبة قبل أن يلتحق مبعسكرات القاعدة يف مشاا مايل هناية‬
‫‪069‬‬
‫عام ‪ ،5151‬مع عشرة من الشبا الصحراويني‪ ،‬وقتل معه حممد ولد سلمة امللقب‬
‫با "عكرمة امنصاري"‪ ،‬وهو إمام سابق يف أحد املخيمات الصحراوية جناو‬
‫اجلزائر وقد درس العلوم الشرعية يف موريتانيا والتحق مبعسكرات التنظيم يف مشاا‬
‫مايل خالا السنة اليت قُتل فيها‪ ،‬وأمحيد أغ علي امللقب با "عثمان امنصااري"‬
‫من قبيلة اإلفوغاس الطارقية يف مشاا مايل وقد انضام إىل التنظايم سانة ‪،5151‬‬
‫و"عقبة امنصاري" وهو أيضًًا من قبيلة اإلفوغاس الطارقية‪ ،‬وكان ينش ساابقًًا‬
‫ضمن مقاتلي ما يُعرف با "حتالف ‪ 57‬مايو‪/‬أيار"‪ ،‬الذي قاده الازعيم الطاارقي‬
‫"إبراهيم باهانغا" عامي ‪ 5111‬و‪ 5112‬ضد احلكومة املركزية يف مايل‪ ،‬وقد انضام‬
‫لتنظيم القاعدة سنة ‪ ،5151‬و"عبد القهار الطارقي"‪ ،‬وهو مان مشااا ماايل يف‬
‫امربعينات مع عمره‪ ،‬وكان قد التحق هو انخر بالتنظيم سنة ‪ ،5151‬وأتوهان أغ‬
‫سيدي حممد أغ إينجارن امللقب با "معات امنصاري" من قبيلة إميغاد الطارقياة‪،‬‬
‫وهو شا يف العشرينات مع عمره التحق هو انخر بالتنظيم قبل فترة وجيزة من‬
‫مقتله‪ ،‬و"أبو بصري امنصاري" الطارقي‪ ،‬و"عبد امللك امنصاري" الطارقي‪.‬‬
‫ويف بداية شهر إبريل‪/‬نيسان عام ‪ ،5155‬وبعد أن دخل عبد احلميد أبو زياد‬
‫ومقاتلوه مدينة متبكتو برفقة أمري سرية الفرقان حيىي أبو اهلمام‪ ،‬وبعاد سايطرهتم‬
‫عليها‪ ،‬عيََّّنه أمري مجاعة أنصار الدين "إياد أغ أغايل" واليًًا له على والية متبكتاو‪،‬‬
‫ويف أكتوبر‪/‬تشرين اموا عام ‪ 5155‬عُيِّن من طرف قيادة تنظيم القاعدة يف اجلزائر‬
‫نائبًًا ممري الصحراء الكربى‪ .‬ويُعرف عن "عبد احلميد أبو زيد" بأنه مان القاادة‬
‫القالئل يف التنظيم الذين هلم خربة كبرية بتكتيكاات االنساحا بعاد تنفياذ‬
‫العمليات‪ ،‬تساعده على تلك درايته الواسعة مبجاهل الصحراء وودياهنا‪ ،‬وخربته يف‬
‫جماا التهريب واملطاردات‪ ،‬وصرامته املفرطة جتاه عناصره‪ ،‬فقاد أكاد يل أحاد‬
‫مقاتليه السابقني أن القادة الكبار يف التنظيم عادة ما يقدِّمونه للقيادة بعاد تنفياذ‬
‫العمليات وحماولة االنسحا ‪.‬‬
‫وهنا أتكر وصفًًا وصفه يل به عنصر آخر من عناصره الذين قااتلوا ضامن‬
‫صفوف سريته‪ ،‬وهو شا من عر أزواد يُدعى "مصعب"‪ ،‬قاا‪ :‬إن "أبو زياد"‬
‫شخص ال تعرف البشاشة طريقها إىل وجهه إال نادرًًا‪ ،‬وهو صاارم إىل أقصاى‬
‫‪071‬‬
‫احلدود مع أعدائه ومع جنوده‪ ،‬ويف أوقات االستراحة عادة ما ينزوي عن املقاتلني‬
‫وال يشاركهم يف النقاشات واملازاح‪ ،‬ومعظام حديثاه معهام تعليماات أو‬
‫استفسارات‪ ،‬وله ردود فعل كان دائمًًا يعرب هبا عن غضبه جتاه عناصار كتيبتاه؛‬
‫حيث يقوم بإنزاا العناصر الذين ال يرضى عنهم أو الذين خالفوه الارأي أثنااء‬
‫النقاشات من مقدمة السيارات ويأمرهم بالركو يف مؤخرهتا‪ ،‬كما كان ساريع‬
‫االهتام لكل من خيالفه الرأي بأنه تشوبه "لوثة ردة"‪ ،‬أو تبدو عليه أمارة التراجاع‬
‫واالرتكاس‪.‬‬
‫وكان من أبرز العناصر القيادية يف كتيبة طارق بن زياد اجلزائاري "عماي‬
‫سعيد"‪ ،‬املولود سنة ‪ 5922‬يف ضواحي منطقة "بوكحيل" يف الوس اجلزائاري؛‬
‫حيث ينحدر من قبيلة "أوالد نايل"‪ ،‬وكان مرشحًًا ملنصب عمدة بلدية يف منطقته‬
‫من طرف "اجلبهة اإلسالمية لإلنقات" سنة ‪ ،5995‬وفااز يف االنتخاباات‪ ،‬لكان‬
‫اجليش اجلزائري أعلن إلغاء نتائج االنتخابات يف مستهل اندالع امزمة وأعمااا‬
‫العنف يف اجلزائر‪ ،‬فكان عمي سعيد ضمن العناصر اليت التحقت مبكرًًا باجلبااا‬
‫ومحلت السالح ضد اجليش اجلزائري‪ ،‬لكنه سرعان ما اعتُقل وصدر حبقه حكام‬
‫باإلعدام‪ ،‬ونقل إىل سجن "المبيز" مبدينة تازولت يف والية باتنة انتظاا ًرًا لتنفياذ‬
‫احلكم‪ .‬ويف شهر مارس‪/‬آتار عام ‪ ،5994‬هاجم مقاتلو اجلماعة اإلسالمية املسلحة‬
‫السجن‪ ،‬ومتكنوا من حترير مئات السجناء كان من بينهم "عمي سعيد"‪ ،‬الذي فرَّ‬
‫من السجن قبل أن يُنََفََّّذ فيه حكم اإلعدام‪ ،‬والتحق باجلباا حياث بقاي هنااك‬
‫وانضم مبكرًًا إىل اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا بعد انشاقاقها عان اجلماعاة‬
‫اإلسالمية املسلحة‪ .‬ويف عام ‪ 5114‬أرسله التنظيم يف مهمة إىل مشاا مايل‪ ،‬وهناك‬
‫التحق بأمري الصحراء حينها املختار بلمختار واخنرط يف صفوف "كتيبة امللثماون"‬
‫التابعة له‪ ،‬وكان أحد نشطاء التنظيم يف صحراء أزواد‪ ،‬ومن املكلفني برب صالت‬
‫مع السكان اطليني‪ ،‬وشارك يف أوا عملية يقوم هبا مقاتلو التنظيم ضاد اجلايش‬
‫املوريتا يف بلدة "املغيطي" مشاا البالد يف يونيو‪/‬حزيران عام ‪ .5111‬وبعد عازا‬
‫بلمختار عن إمارة الصحراء وتشكيل كتائب جديدة سنة ‪ 5113‬التحاق عماي‬
‫سعيد بكتيبة "طارق بن زياد" وشارك معها يف بع العمليات القتالياة‪ ،‬مناها‬
‫‪070‬‬
‫هجوم استهدف اجليش املوريتا يف بلدة تورين مشاا البالد سانة ‪ ،5111‬كماا‬
‫شارك يف مواجهات مع اجليش املايل ومليشيات من قبائل الربابيش سانة ‪،5119‬‬
‫ويف نفس السنة‪ ،‬توفِّي عطشًًا يف صحراء أزواد أثناء أدائه إلحدى املهام اخلاصاة‬
‫بالتنظيم‪.‬‬

‫عبو كيد ي اجم ب دأ "جبالي"‬


‫بعد أن قررت احلركات اإلسالمية املسلحة إطالق احلر يف مايل‪ ،‬وتقدمت‬
‫جنوبًًا باجتاه الوس املايل يف بداية شهر يناير‪/‬كانون الثا عام ‪ ،5157‬قااد عباد‬
‫احلميد أبو زيد وحدات من عناصر كتيبة "طارق بن زياد" و"سارية الفرقاان"‪،‬‬
‫وهاجم بالتنسيق مع قوات "مجاعة أنصار الدين" بلدة "جبايل" املالية‪ ،‬وقاد جناا‬
‫ساعتها من قصف الطريان الفرنسي الذي قضى على عدد من عناصر القاعدة أثناء‬
‫حماولتهم االنسحا من البلدة باجتاه مدينة متبكتو‪ .‬ومن أبرز من قتلوا من القاادة‬
‫امليدانيني للقاعدة خالا املواجهات اليت قادها أبو زيد مع القوات الفرنسية واملالية‬
‫يف "جبايل"‪ :‬الليباي "حسني التيباوي"‪ ،‬واملوريتانيان حممد سعيد املكا "املاال‬
‫ناصر أبو عبد احلكيم الشنقيطي"‪ ،‬وحممد ولد الشمرة املك "أبو الرباء املوريتا "‪.‬‬
‫وقد تزوج عبد احلميد أبو زيد بعد وصوله إىل صحراء أزواد من سيدة مان‬
‫بنات إحدى القبائل العربية يف أزواد‪ .‬أمَّا مستواه العلمي فهو متواضاع حساب‬
‫العارفني به‪ ،‬ومل يسبق له أن اهتم بالتحصيل العلمي يف حياته‪ ،‬كما يتهمه خصومه‬
‫من أنصار املختار بلمختار بأنه كان أكثر شحًّا من غرميه بلمختار‪ ،‬وكان حياتفظ‬
‫باممواا اليت حيصل عليها من عمليات اختطاف الرهائن‪ ،‬ويقاوم بتوزيعهاا يف‬
‫بالونات عجالت السيارات‪ ،‬مث يدفنها يف الصحراء يف أمااكن جمهولاة‪ ،‬يقاوم‬
‫بتسجيل إحداثياهتا عرب جهاز اإلرشاد "جي باي إس"‪ ،‬وهذا تقليد لادى قاادة‬
‫التنظيمات املسلحة يف الصحراء‪ ،‬وكذلك املهربني؛ لتأمني اممواا وادخارها‪.‬‬
‫وقُتل عبد احلميد أبو زيد يف الثا والعشرين من فرباير‪/‬شباط عام ‪ 5157‬يف‬
‫مواجهات مع القوات التشادية املدعومة بالطريان الفرنسي خالا حماوالهتا التوغل‬
‫داخل معاقل التنظيم يف اجلبل من الناحية الشرقية‪ ،‬وقُتل معه يف تلاك املواجهاة‬
‫‪071‬‬
‫عناصر وقادة من كتيبته‪ ،‬ويف نفس املعركة قتال عشارات الضاباط واجلناود‬
‫التشاديني‪ ،‬ويف مقدمتهم قائد القوات التشادية اخلاصة الرائد عبد العزياز حسان‬
‫آدم‪ ،‬وأصيب عشرات آخرون جبراح من بينهم "حممد ديباي" جنل الرئيس إدريس‬
‫ديباي‪ .‬وبعد مقتل عبد احلميد أبو زيد يف مشاا مايل عيَّنت قيادة تنظيم القاعادة‬
‫ببالد املغر اإلسالمي اجلزائري "سعيد أبو مقاتل" أمريًًا على كتيبة "طارق بان‬
‫زياد"‪ ،‬وهو من اجلزائريني الذين وصلوا إىل صحراء أزواد ما باني سانيت ‪5117‬‬
‫و‪.5114‬‬

‫أرية الفر ان‬


‫أسست هذه السرية مبوجب قرار أصدرته قيادة تنظيم القاعدة ببالد املغار‬
‫اإلسالمي يف اجلزائر‪ ،‬يقضي بإعادة هيكلة إمارة الصحراء بعد توسعها‪ ،‬وتصااعد‬
‫اخلالفات بني القادة املوجودين فيها‪ ،‬وقد أُسندت قيادة "سرية الفرقاان" عناد‬
‫تأسيسها إىل اجلزائري مجاا عكاشة املك "حيىي أبو اهلمََّّام"‪ ،‬واستمر يف قيادهتاا‬
‫منذ تأسيسها بداية عام ‪ 5113‬إىل غاية تعيينه أمريًًا ملنطقة الصاحراء الكاربى يف‬
‫أكتوبر‪/‬تشرين اموا عام ‪.5155‬‬
‫ويعترب مجاا عكاشة من أبرز قادة ما يُعرف باجلناح الراديكاايل املتشادد‬
‫(الصقور) يف التنظيم إىل جانب عبد احلميد أبو زيد‪ ،‬وهو جزائري اجلنسية مان‬
‫مواليد عام ‪ ،5931‬مبنطقة "ارْغََايََة" قر العاصمة اجلزائرية‪ ،‬وقد اعتقل يف هناياة‬
‫تسعينات القرن املاضي من قِبل مصاحل اممن اجلزائرية‪ ،‬إال أنه خرج من الساجن‬
‫بعد مثانية عشر شهرًًا من االعتقاا بعد صدور حكم برباءته من تُهام اإلرهاا ‪،‬‬
‫ليلتحق مباشرة مبعسكرات اجلماعة اإلسالمية املسلحة؛ حيث عمال مستشاا ًرًا‬
‫عسكريًًّّا ممري منطقة الصحراء‪ ،‬مث انشق عنها وشارك يف تأسيس اجلماعة السلفية‬
‫للدعوة والقتاا‪ ،‬وظل يشغل منصب مستشار عسكري ممري منطقاة الصاحراء‬
‫املختار بلمختار وانتقل معه عام ‪ 5114‬إىل صحراء أزواد‪ ،‬قبل أن يُكََلََّّف بتأسيس‬
‫وقيادة "سرية الفرقان"‪ ،‬وتلك بعد أن أصبح على خالف مع قائده السابق املختار‬
‫بلمختار الذي تركه بعد عزله عن إمارة الصحراء‪ ،‬وأصبح أقر إىل خصمه "عبد‬
‫‪071‬‬
‫احلميد أبو زيد" قائد "كتيبة طارق بن زياد"‪ ،‬كما أن سريته تأسست على عناصر‬
‫انشقوا معه عن بلمختار‪.‬‬
‫شارك حيىي أبو اهلمََّّام يف شهر يوليو‪/‬متوز عام ‪ 5111‬يف اهلجوم الاذي شانه‬
‫مقاتلو إمارة الصحراء يف اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا على ثكناة "املغيطاي"‬
‫العسكرية مشاا موريتانيا حتت قيادة املختار بلمختار‪ ،‬وهو اهلجوم الذي قُتل فياه‬
‫‪ 53‬عسكريًًّّا موريتانيًًّّا‪ ،‬وستة من عناصر التنظيم‪ ،‬كما كان أحد قادة عملية نفذهتا‬
‫اجلماعة ضد عناصر الدرك اجلزائري يف صحراء متنراست عام ‪ ،5111‬إال أن أغلب‬
‫عمليات سرية "الفرقان" اليت يقودها كانت مركَّزة ضد موريتانيا‪ ،‬يف إطار توزياع‬
‫املهام جغرافيًًّّا بني كتائب وسرايا التنظيم يف الصحراء‪ .‬ففي هناية عام ‪ 5113‬قااد‬
‫بنفسه عملية داخل امراضي املوريتانية وتوغل يف صحراء "والياة أدرار" مشااا‬
‫البالد؛ حبثًًا عن سياح غربيني‪ ،‬أو بع موظفي شركات التنقيب عن النف مان‬
‫الفرنسيني العاملني يف املنطقة‪ ،‬لكنه صادف وحدة من اجليش املوريتا يف بلادة‬
‫"الغََالوِيََة" قر مدينة وادان التارخيية‪ ،‬فاستدرج إحدى سياراهتا يف عملية متوياه‬
‫وقتل ثالثة جنود كانوا على متنها‪ ،‬وعاد أدراجه إىل أزواد‪ .‬كما شارك مع عناصر‬
‫سريته يف عملية مشتركة مع كتيبة "طارق بن زياد" ضد القوات املوريتانية قادهاا‬
‫عبد احلميد أبو زيد؛ حيث نصبوا كمينًًا للقوات املوريتانية يف بلدة "تورين" بوالية‬
‫مادنيًّا‬
‫ًّ‬ ‫ال‬
‫تريس زمور يف سبتمرب‪/‬أيلوا عام ‪ ،5111‬وقتلوا أحد عشر عسكريًًّّا ودلي ً‬
‫كان معهم‪.‬‬
‫ويف يوليو‪/‬متوز عام ‪ 5119‬أرسل حيىي أبو اهلمام أحد عناصر سرية "الفرقان"‬
‫ويُدعى حممد عبد اهلل ولد امحدناه‪ ،‬املك "أنس أبو مصعب" الغتيااا أمريكاي‬
‫يدعى "كريستوف ليغت"‪ ،‬يقيم يف موريتانيا منذ سنوات طويلة ويشتبه يف نشاطه‬
‫التبشريي املسيحي‪ ،‬وقام ولد امحدناه بتنفيذ املهمة صبيحة يوم ‪ 57‬يونيو‪/‬حزياران‬
‫‪ 5119‬وس الشارع العام قر سوق "القصر" مشاا العاصمة نواكشوط بعاد أن‬
‫ال‪ ،‬ومتكنات الشارطة‬ ‫أطلق النار مباشرة عن قر على رأس الضحية فأرداه قتي ً‬
‫املوريتانية من اعتقاا ولد امحدناه مساء يوم ‪ 51‬يوليو‪/‬متوز من نفس العام‪ ،‬ويوجد‬
‫حاليًًّّا رهن االحتجاز يف السجون املوريتانية؛ حيث يواجه حكماني باإلعادام‪،‬‬
‫‪074‬‬
‫أحدمها على خلفيَّة قتله لألمريكي كريستوف ليغت‪ ،‬أما احلكم الثا فقد صادر‬
‫حبقه على خلفية اهتامه باملشاركة يف عملييت "الغالوية" و"تورين"‪ ،‬اللتني قُتل فيهما‬
‫عدد من اجلنود املوريتانيني‪.‬‬
‫كما أرسل أبو اهلمام أربعة عشر من مقاتلي سريته إىل مشااا موريتانياا يف‬
‫أكتوبر‪/‬تشرين اموا عام ‪ 5119‬الختطاف عدد من الفرنسيني العاملني يف شاركة‬
‫"توتاا" الفرنسية اليت تنقب عن النف يف بلدة "تواد " مشاا موريتانياا‪ ،‬وقاد‬
‫توغلت عناصر التنظيم يف الصحراء املوريتانية حىت وصلوا إىل بلدة "النخيلة" قر‬
‫مدينة "وادان" بوالية أدرار‪ ،‬لكنهم عادوا أدراجهم إىل أزواد بعاد أن فشالوا يف‬
‫العثور على أيٍّ من الرعايا الفرنسيني يف املنطقة‪.‬‬

‫ىريس آثر المو ى ى ىروأه‬


‫خطَّ حيىي أبو اهلمام هلجوم انتحاري استهدف مقر قيادة املنطقة العساكرية‬
‫اخلامسة يف مدينة "النعمة" شرق موريتانيا فجر يوم اخلاامس والعشارين مان‬
‫أغسطس‪/‬آ عام ‪ ،5151‬وهو اهلجوم الذي نفذه املوريتا إدريس ولاد يار‬
‫املك "أبو إسحاق الشنقيطي" بواسطة سيارة مفخخة كانت حتمل حوايل طان‬
‫ونصف من املتفجرات‪ ،‬وقد علمتُ من بع عناصر سارية "الفرقاان" خاالا‬
‫وجودي يف أزواد أن االنتحاري إدريس ولد ير كان يستعد للازواج يف تلاك‬
‫الليلة اليت نفَّذ فيها العملية‪ ،‬وبعد أن ارتدى مالبس جديدة اشتراها حلفل زفافاه‪،‬‬
‫فوجئ بأمري السرية حيىي أبو اهلمام يبلغه باختياره لتنفيذ عملية انتحارياة لصااحل‬
‫التنظيم‪ ،‬بعد أن كان قد سجَّل سابقًًا امسه على لوائح املتطوعني للقيام "بعملياات‬
‫استشهادية"‪ ،‬وقد نفََّّذ "ولد ير " العملية االنتحارية وهو يرتدي مالبس عُ ْرساه‬
‫الزرقاء‪ ،‬واختار أن ينفذ رغبة أمريه ويضع حدًًّّا حلياته‪ ،‬وهو على بُعد ساعات قليلة‬
‫من أن تزف إليه عروسه اليت اختارها من بني بنات سكان صحراء أزواد‪ ،‬تاركًًاا‬
‫تلك الفتاة وقد "ترمََّّلت" قبل أن تتزوج‪.‬‬
‫وكان إسحاق ولد ير املولود يف نواكشوط سنة ‪ ،5914‬قد اعتنق الفكار‬
‫السلفي يف مساجد نواكشوط مبكرًًا‪ ،‬والتحق مبعهد العلوم اإلسالمية بنواكشاوط‬
‫‪075‬‬
‫التابع جلامعة اإلمام حممد بن سعود يف اململكة العربية السعودية‪ ،‬وبعد أن أغلقات‬
‫السلطات املوريتانية املعهد سنة ‪ ،5117‬أثناء محلة استهدفت التيارات واملؤسسات‬
‫اإلسالمية يف البلد‪ ،‬التحق ولد ير مبعهد اإلمام مالك التابع جلمعية إحياء السانة‬
‫السلفية‪ ،‬ويف سبتمرب‪/‬أيلوا عام ‪ 5111‬متكن من مغادرة امراضي املوريتانية متوجهًًا‬
‫إىل معسكرات اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا يف مشاا مايل‪ ،‬ورافقاه يف تلاك‬
‫الرحلة إىل معسكرات التنظيم نشطاء آخرون من التيار السلفي يف موريتانيا‪ ،‬مان‬
‫بينهم‪ :‬أمحد ولد الراظي املك "أبو معات"‪ ،‬وقد قُتل يف مواجهات حباي "تفارغ‬
‫زينة" غر نواكشوط يف شهر إبريل‪/‬نيسان عام ‪ 5111‬بني عناصر مان تنظايم‬
‫"أنصار اهلل املرابطون يف بالد شنقي " وقوات اممن املوريتانياة‪ ،‬وسادينا ولاد‬
‫ختاري املك "عبد الرمحن أبو زينب" الذي أرسل من معساكرات التنظايم يف‬
‫صحراء أزواد إىل وس اجلزائر بناء على طلب من قيادة التنظيم هناك‪ ،‬بعد إعالنه‬
‫رغبته يف تنفيذ عملية انتحارية‪ ،‬وقد نفذ عملية انتحارية يف والية "البويرة" شارق‬
‫العاصمة اجلزائر عام ‪ ،5111‬داخل باص للركا قُتل فيه عدد من الركا ‪ ،‬إضافة‬
‫إىل حممد عبد اهلل ولد امحدناه املك "أنس أبو مصعب" املعتقل حاليًًّّا يف الساجن‬
‫املركزي بنواكشوط‪.‬‬
‫ويف منتصف عام ‪ 5113‬أرسله التنظيم إىل العاصمة املالية بامااكو لإلقاماة‬
‫هناك‪ ،‬حيث قضى مثانية أشهر داخل باماكو؛ للقيام ببع املهام املتعلقة مبصااحل‬
‫التنظيم تتمثل أساسًًا يف استقباا املتطوعني الراغبني يف االلتحاق بالتنظيم من دوا‬
‫اجلوار وإرساهلم إىل املعسكرات‪ ،‬وتوفري املواد الطبية والغذائية‪ ،‬واملعلومات املتعلقة‬
‫بنشاطات احلكومة املالية وحلفائها بشأن مستقبل صحراء أزواد‪ ،‬وعاد سنة ‪5111‬‬
‫إىل املعسكرات من جديد يف الصحراء‪ ،‬ليتم إرساله إىل مدينة متبكتاو يف مهماة‬
‫أخرى‪ ،‬وهناك اعتُقل على يد الضاب العرباي يف اجليش املايل املكلاف باأمن‬
‫الصحراء "ملانة ولد ابو"‪ ،‬لكن التنظيم كان ساعتها حيتجز مبعوث امماني العاام‬
‫لألمم املتحدة إىل النيجر روبرت فاولر‪ ،‬ومساعده لويس غواي‪ ،‬اللذيْن اختطفا من‬
‫النيجر يف ديسمرب‪/‬كانون اموا عام ‪ .5111‬وبعد أسبوع من اعتقاا ولاد يار‬
‫أفرج عنه بعد اتصاا هاتفي بني بلمختار والرئيس املايل أمدو توما توري طالب‬
‫‪076‬‬
‫فيه بلمختار بإخالء سبيل ولد ير ‪ ،‬فعاد إىل معسكرات التنظيم‪ .‬ومن املفارقات‬
‫أنه بعد اعتقاا الدبلوماسيني الكنديني يف النيجر‪ ،‬قام التنظيم بتسجيل شري فيديو‬
‫سُلِّم للوسطاء؛ إلثبات وجودمها على قيد احلياة‪ ،‬وكان إدريس ولد ير هو مان‬
‫يتحدث يف هذا الشري ‪ .‬وبعد عزا املختار بلمختار عن إمارة الصاحراء‪ ،‬بقاي‬
‫إدريس ولد ير معه لفترة‪ ،‬قبل أن يقرِّر االنتقاا إىل "سرية الفرقان" مع تصاعد‬
‫التوتر واخلالفات بني بلمختار وأمراء القاعدة يف الصحراء‪ ،‬فشارك يف مواجهاات‬
‫مع اجليش املايل‪ ،‬وأخرى مع مليشيات من قبائل الربابيش العربية‪ ،‬وظل ينش يف‬
‫صفوف سرية "الفرقان" إىل أن مت اختياره لتنفيذ عملية انتحارية ضد مقر قياادة‬
‫املنطقة العسكرية اخلامسة يف شرق موريتانيا‪ ،‬وتلك يف أغسطس‪/‬آ عام ‪.5151‬‬
‫كما نفذت سرية الفرقان يف العاشر من يونيو‪/‬حزيران عاام ‪ 5119‬عملياة‬
‫اغتياا استهدفت الضاب يف اجليش املايل العقيد "ملانة ولد ابو"‪ ،‬الاذي سابق أن‬
‫اعتقل عددًًا من عناصر التنظيم بينهم إسحاق ولد ير نفساه‪ ،‬وهاو ضااب‬
‫ال يف صفوف احلركة اإلسالمية العربياة‬ ‫عرباي شا يف عقده الرابع‪ ،‬كان مقات ً‬
‫لتحرير أزواد بداية تسعينات القرن املاضي‪ ،‬والتحق باجليش املايل بعد توقيع اتفاقية‬
‫السالم بني احلركات املتمردة واحلكومة املالية منتصف التسعينات‪ ،‬وترقَّى بسرعة‬
‫ليصبح عقيدًًا مكلفًًا بامللف اممين يف مشاا مايل‪ ،‬وكانت له مليشيات خاصة تتبع‬
‫له‪ ،‬تتألف من مقاتلني من القبائل العربية ناهز عددها املئاات مان الشابا ‪ ،‬مت‬
‫جتهيزها وتسليحها‪ ،‬وتتهمه القاعدة بأنه كان يُ ِعدُّ تلك املليشيات لتكون صحوات‬
‫تقاتل املسلحني السلفيني بدعم أمريكي وفرنسي‪.‬‬
‫وقد نُُفذت عملية االغتياا داخل منزا الضاب يف مدينة متبكتو‪ ،‬ويقوا أحد‬
‫عناصر اجملموعة اليت نفذت عملية االغتياا‪ ،‬ويبلغ عددهم سابعة مسالحني‪ :‬إن‬
‫التنظيم كلف "أبو طلحة الليباي" (وهو موريتا ولد ونشأ يف ليبيا يقود حاليًًّّاا‬
‫سرية الفرقان) بقيادة املهمة‪ ،‬وأرسل معه عناصر دخلوا مدينة متبكتو‪ ،‬وتوجهوا يف‬
‫سيارة رباعية الدفع إىل منزا "ملانة ولد ابو"؛ حيث صادفوا شابًًّّا عسكريًًّّا حيارس‬
‫املنزا‪ ،‬سيطروا عليه وقيدوه‪ ،‬مث دخلوا مباشرة إىل املنزا الذي يوجد به الضااب‬
‫وزوجته وأطفاله‪ ،‬واقتحموا صالونه؛ حيث كان "ملانة ولد ابو" مع اثانني مان‬
‫‪077‬‬
‫ضيوفه‪ ،‬فأطلقوا عليه ثالث رصاصات يف الرأس والصدر والعناق علاى مارأى‬
‫ومسمع من الضيوف وأهل بيته‪ ،‬وتركوه مضرجًًا بدمائه داخل صالون منزلاه‪ ،‬مث‬
‫انسحبوا دون أن يعترضهم أي أحد‪ ،‬رغم وجود قاعدة عسكرية للجيش املاايل‬
‫وس املدينة هبا مئات اجلنود والضباط‪ .‬ويقوا عناصر يف التنظيم‪ :‬إن عملية اغتياا‬
‫"ولد ابو" جاءت نتيجة تراكمات سيئة يف عالقته بالتنظيم؛ حيث سبق أن دخل يف‬
‫صفقة جتارية مع عبد الرزاق البارا بعد وصاوله إىل الصاحراء‪ ،‬مث قاام الحقًًاا‬
‫باعتراض عناصر التنظيم الذين كانوا حيملون أمواا التنظيم وصادرها منهم‪ ،‬وقاد‬
‫طلب التنظيم منه عدة مرات إعادة تلك اممواا‪ ،‬كما أنه قام باعتقاا العديد مان‬
‫عناصر التنظيم يف متبكتو ويف مدن مالية أخرى‪ ،‬كان آخرها اعتقاله للناشا يف‬
‫التنظيم "أبو إسحاق الشنقيطي"‪ ،‬وقد أبلغ قادة القاعدة بع أقار الضاب بأنه‬
‫سيُنتقم منه إن مل يُ ِع ْد تلك اممواا ويوقف استهداف عناصر التنظيم‪ ،‬وهاو ماا‬
‫رفضه "ملانة ولد ابو"‪ ،‬إىل أن متت تصفيته يف بيته على يد عناصر التنظيم بإشراف‬
‫مباشر من "حيىي أبو اهلمام"‪ .‬وقد أدت هذه العملية إىل حالة استنفار يف أوسااط‬
‫القبائل العربية مبدينة متبكتو‪ ،‬يف حماولة للثأر للضاب املقتوا‪ ،‬وخاضت املليشايات‬
‫اليت أسسها "ملانة ولد ابو" سابقًًا‪ ،‬ومبعية وحدة من اجليش املاايل‪ ،‬معاارك ماع‬
‫املسلحني اإلسالميني‪ ،‬تناولناها سابقًًا يف الفقرة املخصصة للحديث عان كتيباة‬
‫طارق بن زياد وقائدها عبد احلميد أبو زيد‪.‬‬

‫"الفر ان" في مواج ة الجيش الموريجاني‬


‫شكََّّلت سرية "الفرقان" رأس احلربة يف مواجهة تنظيم القاعدة ببالد املغار‬
‫اإلسالمي مع اجليش املوريتا أثناء توغله يف امراضي املالية؛ حيث فقدت السرية‬
‫سبعة من عناصرها يف هجوم نفَّذه اجليش املوريتا مبشاركة قوات فرنسية علاى‬
‫معسكر هلم يف يوليو‪/‬متوز عام ‪5151‬؛ هبدف حترير الرهينة الفرنسي ميشيل جرمانو‬
‫اطتجز لدى التنظيم بعد اختطافه من مشاا النيجر‪ .‬وكان من بني القتلى يف تلاك‬
‫اهلجوم القيادي يف التنظيم وأحد أبرز املدربني العسكريني فيه‪ ،‬اجلزائاري ساالم‬
‫عمريو املك "بالا أبو مسلم اجلزائري"‪ ،‬وهو من عناصر التنظيم الذين واكبوا‬
‫‪078‬‬
‫تأسيس إمارة الصحراء على يد أمريها السابق املختار بلمختار قبل أن ينتقال إىل‬
‫سرية الفرقان بعد تأسيسها‪ ،‬وكذلك املغرباي عبد العايل الشعريي املك "بشاري‬
‫املغرباي" املنحدر من مدينة طنجة يف مشاا املغر ‪ ،‬واملوريتا عبد القادر ولاد‬
‫امحدناه املك "إبراهيم أبو مرداس"‪ ،‬الذي ينحدر من مدينة أطار مشاا موريتانيا‪،‬‬
‫واملوريتا أبو بكر الصديق ولد عبدي املك "أبو اخلطار"‪ ،‬املنحدر مان مديناة‬
‫أالك شرق العاصمة نواكشوط‪ ،‬إضافة إىل ثالثة شبان ينحدرون من عار أزواد‬
‫وهم‪ :‬بو ولد محات املك "عبد الرؤوف"‪ ،‬وعلي ولد سيدي حممد املك "عبد‬
‫الرزاق"‪ ،‬ووناتو ولد احلسن املك "أبو حيىي"‪.‬‬
‫وقد خاضت "سرية الفرقان" معارك مع اجليش املوريتا خاالا توغلاه يف‬
‫الصحراء املالية سنيت ‪ 5151‬و‪ ،5155‬ودارت بينهما مواجهات عنيفة يف بلادات‬
‫"حاسي سيدي"‪ ،‬وغابة "وََقََّّادو" يف عمق مشاا مايل‪.‬‬
‫ومن أبرز القادة العسكريني يف سرية الفرقان امليمون ولد امينوه املك "خالد‬
‫أبو تاكر"‪ ،‬ويُعرف أيضًًا بكنية "خالد الشنقيطي"‪ ،‬كما أطلق عليه رفاقاه لقاب‬
‫"خالد اهلاون"؛ منه كان يتقن الرماية على سالح اهلاون أكثر من غريه من عناصر‬
‫التنظيم‪ ،‬وكان من مقاتلي السرية البارزين‪ ،‬وقد توىل قيادة عناصر تابعني هلا أثناء‬
‫مواجهاهتا مع اجليش املوريتا يف غابة "وقادو" قر احلدود مع موريتانياا سانة‬
‫‪ ،5155‬وقد قُتل يف شهر يناير‪/‬كانون الثا عام ‪ 5155‬خالا مشاركته يف هجوم‬
‫نفذته "مجاعة أنصار الدين" و"تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي" على حامياة‬
‫للجيش املايل يف مدينة "أجلهوك" مشاا أزواد‪ .‬وكان "ولد امينوه" (‪ 51‬سنة) رغم‬
‫حداثة سنِّه‪ ،‬من أسرع أقرانه تقدمًًا واحتال ًال ملراكز قيادياة يف التنظايم؛ حياث‬
‫أُسندت إليه قيادة جمموعات تضم مقاتلني انضموا قبله للتنظيم خبماس وسات‬
‫سنوات‪ ،‬وهو شا من مواليد منتصف الثمانينات يف بلدة الرشيد بوالية تكانت‬
‫مشاا شرق موريتانيا‪ ،‬حصل على شهادة البكالورياا (الثانوياة العاماة) شاعبة‬
‫الرياضيات عام ‪ ،5112‬والتحق جبامعة نواكشوط‪ ،‬لكنه مل يكمل سوى فصالني‬
‫دراسيني أو أقل من السنة اموىل من تعليمه اجلامعي‪ ،‬وسافر يف شهر ماارس‪/‬آتار‬
‫عام ‪ 5113‬إىل معسكرات تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي يف أزواد‪ ،‬وهناك‬
‫‪079‬‬
‫يف معسكرات سرية "الفرقان" ترقَّى بسرعة وأصبح مسؤو ًال عن خلية املعلوماتياة‬
‫واإلعالم يف السرية وقائدًًا عسكريًًّّا ميدانيًًّّا‪ ،‬وهو املسؤوا عن عملياة اختطااف‬
‫َد َركيٍّ موريتا يُدعى "اعلي ولد املختار" يف ديسمرب‪/‬كانون اموا عاام ‪،5155‬‬
‫بعد أن جنح يف اقتحام مقر لفرقة الدرك مبدينة "عدا بقرو" قر احلدود املوريتانية‬
‫املالية‪ ،‬واختطف "ولد املختار"‪ ،‬غري أن عناصر من التنظيم يؤكادون أن عملياة‬
‫االختطاف كانت مبادرة شخصية من ولد امينوه‪ ،‬ومل تكن بناء على تعليمات من‬
‫قيادة التنظيم‪.‬‬
‫لذلك سارع التنظيم إىل تقدمي شروط اعتربها ميسَّرة إلطالق سراح الدركي‬
‫املختطف؛ حيث طالب باإلفراج عن اثنني من عناصر التنظيم اطتجازين لادى‬
‫السلطات املوريتانية دون حتديد هويتيهما‪ ،‬كما اشترط أن تتعهد أسرة الادركي‬
‫املختطف أو قبيلته بعدم عودته إىل العمل العسكري مع النظام املوريتا ‪ ،‬وأعطاى‬
‫مهلة ‪ 51‬يومًًا لتلبية مطالبه‪ ،‬إال أن السلطات املوريتانية يف النهاية قبلات باإخالء‬
‫سبيل أحد سجناء التنظيم وهو "عبد الرمحن ولد مدو" املنحدر من إحدى قبائال‬
‫عر أزواد‪ ،‬الذي اعتقل يف كوبين بعد مشاركته يف التخطي الختطاف إيطاايل‬
‫وزوجته البوركينابية يف هناية عام ‪ 5119‬شرق موريتانيا‪ ،‬وصادر حبقاه حكام‬
‫بالسجن النافذ مخس سنوات مع امعماا الشاقة‪ ،‬وباملقابل أفرج التنظايم عان‬
‫الدركي اطتجز لديه‪ .‬كما تضم "السرية" قياديني آخرين من موريتانيا واملغار‬
‫وتونس‪ ،‬من بينهم عبد الرمحن املك "طلحة"‪ ،‬وحممد اممني ولد احلسن املكا‬
‫"عبد اهلل الشنقيطي"‪ ،‬وعبد امللك ولد سيدي املك "قتيبة" الذي يشاغل حاليًًّّاا‬
‫منصب قاضي إمارة الصحراء‪ ،‬وأمحدو ولد الشريف املختار املكا "خبياب"‪،‬‬
‫وعمر ولد غالم املك "آدم أبو عمري"‪ ،‬وبيب ولد نافع "املك " "أسامة"‪ ،‬وهاو‬
‫مسؤوا اإلعالم يف إمارة الصحراء‪ ،‬وقاضي إمارة الصحراء السابق‪ ،‬وإبراهيم ولد‬
‫حممد املك "أبو أنس الشنقيطي" املعتقل يف اجلزائر‪ ،‬وبالا اجلزائاري‪ ،‬وبشاري‬
‫املغرباي‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫ويف بداية عام ‪ 5155‬قام أبو اهلمام باعتقاا تاجرين موريتانيني كانا يعماالن‬
‫يف تلك املنطقة‪ ،‬وأعدمهما بتهمة التجسس لصاحل أجهزة املخابرات املوريتانياة‪،‬‬
‫‪081‬‬
‫ومها "إبراهيم ولد فاا"‪ ،‬و"الشيخ ولد اخطوره"‪ ،‬وقد حصلت من التنظيم علاى‬
‫شري فيديو يُظهِر اعترافًا منسوبًًا لولد فاا بالعمل لصاحل االستخبارات املوريتانية‪،‬‬
‫كما يظهر يف الشري حيىي أبو اهلمام وهو ينفذ حكم اإلعدام فيه باإطالق الناار‬
‫على رأسه من اخللف بعد أن قيَّد يديه وراء ظهره‪ ،‬فيما يهتف عناصر ملثمون معه‬
‫بالتكبري‪ ،‬كما قام بإعدام تاجر من مدينة متبكتو يدعى "علي ولد حممد" يف هناياة‬
‫مارس‪/‬آتار ‪ 5155‬بتهمة التجسس لصاحل املخابرات املوريتانية‪.‬‬

‫ا طياد الرهائن في موريجانيا والنيجر‬


‫خطَّ حيىي أبو اهلمام منذ توليه قيادة سرية "الفرقان" الستهداف الرعايا الغربيني‬
‫يف موريتانيا‪ ،‬وأرسل رجاله لالستطالع إىل مدن "أطار" و"جتكجة" و"أكجوجات"‬
‫و"النعمة"؛ لرصد حتركات السياح الغربيني وامجانب العاملني يف شركات التنقياب‬
‫ال عن املقرات العسكرية واممنياة والبناوك يف‬ ‫عن النف يف الصحراء املوريتانية‪ ،‬فض ً‬
‫تلك املدن‪ .‬كما خط لعملية يف نواكشوط أراد هلا أن تكون نوعية وحامسة‪ ،‬وأرسل‬
‫عناصر من سريته إىل نواكشوط للتحضري هلا وتنفيذها‪ ،‬وكانت تستهدف اقتحام مقر‬
‫املركز الثقايف الفرنسي اطاتي للسفارة الفرنسية بنواكشوط وقت الظهارية عنادما‬
‫جيتمع روَّاده والعاملون فيه من الفرنسيني على مائدة الغداء؛ وتلك هبدف احتجاازهم‬
‫ومقايضتهم بسجناء التنظيم يف موريتانيا‪ ،‬وقد متكَّن العنصر امهم يف تلاك اخلطاة‬
‫ويدعى حممد ولد عبدو املك "سلمان" من رصد وتصوير املكان‪ ،‬لكناه اعتُقال يف‬
‫نواكشوط بعد رصد مكاملة له كان يتحدث فيها مع أمرائه يف الصحراء‪ .‬وقد لعبات‬
‫الصدفة دورًًا كبريًًا يف عملية اعتقاله عندما دامهت قوات الشرطة احلي الذي رصادت‬
‫له فيه مكاملة‪ ،‬وحاولت اعتقاا شخص آخر وأشهروا يف وجهه السالح لالشاتباه يف‬
‫أنه املطلو لديهم‪ ،‬فتدخَّل ولد عبدو الذي كان موجودًًا غري بعيد ملنعهم من اعتقااا‬
‫املَ ْعِنيِّ‪ ،‬لكن أحد ضباط الشرطة تعرَّف عليه‪ ،‬فاعتقلوه واقتادوه إىل إدارة اممن؛ لياتم‬
‫وأد العملية يف مهدها وقبل الشروع يف تنفيذها‪ ،‬وقد كشف للشرطة أثنااء التحقياق‬
‫معه عن املخط املذكور‪ .‬ويوجد "سلمان" حاليًًّّا يف السجون املوريتانية؛ حيث صدر‬
‫حبقه حكم باإلعدام بعد إدانته باملشاركة يف هجمات قُتل فيها عادد مان اجلناود‬
‫‪080‬‬
‫املوريتانيني مشاا البالد سنيت ‪ 5113‬و‪.5111‬‬
‫وتأيت العمليات املتكررة اليت قام هبا أبو اهلمام يف موريتانيا كمحاولاة مناه‬
‫لتسجيل نقاط على حسا أمريه السابق وغرميه املختار بلمختار‪ ،‬والذي خطا‬
‫هو انخر إلنقات املعتقلني يف السجون املوريتانية‪ ،‬وتنفيذ العديد من العمليات فيها‪،‬‬
‫ومن بني ما قام به أبو اهلمام يف إطار منافساته لغرمياه بلمختاار مساارعته إىل‬
‫اختطاف مواطن إيطايل وزوجته البوركينابية يف التاسع عشر من ديسمرب‪/‬كاانون‬
‫اموا عام ‪ ،5119‬قر مدينة "كوبين" على احلدود املوريتانية املالية‪ ،‬وتلك بعاد‬
‫‪ 51‬يومًًا على جناح عناصر تابعني لبلمختار يف اختطاف ثالثة رعايا مان إسابانيا‬
‫على الطريق الراب بني مدينيت نواكشوط ونواتيبو مشاا غر موريتانيا‪.‬‬
‫ومنَّ النيجر كانت هي امخرى مسرحًًا لعمليات اختطاف ناجحاة نفََّّاذها‬
‫بلمختار‪ ،‬سعى حيىي أبو اهلمام إىل القيام بعمليات مماثلة فيها؛ حيث أوفد منتصاف‬
‫عام ‪ 5119‬كالًّ من إدريس ولد ير ‪ ،‬وأمحد ولد امبارك املك "أبو قساورة" إىل‬
‫النيجر يف مهمة لرصد الرعايا الغربيني هناك‪ ،‬خصوصًًا يف العاصمة نيامي ومادينيت‬
‫"تاوا" وآكاديز"‪ ،‬وهناك قام االثنان باقتناء دراجة نارية لتسهيل تنقالهتما وتوجها إىل‬
‫مدينة "تاوا" اليت قضيا فيها شهرًًا يتتبعان حتركات الرعايا الغربيني هناك‪ ،‬مث توجاه‬
‫إدريس ولد ير إىل مدينة "آكاديز" يف الشماا للبحث عن غربيني آخرين‪ ،‬وبعاد‬
‫فترة عاد إىل العاصمة نيامي ليلتحق بزميله "أبو قسورة"؛ حيث أمضيا أسبوعني فيها‪،‬‬
‫ومنها عادا إىل معسكرات الكتيبة يف مشاا مايل‪ ،‬ومعهما حصيلة ثالثة أشاهر مان‬
‫عمليات الرصد واملراقبة تضمنت رصد مطار يف مدينة "آكاديز" هتب فياه عاادة‬
‫طائرات تُ ِقلُّ خرباء وعما ًال فرنسيني وغربيني‪ ،‬إضافة إىل أماكن وجود ونشاط بع‬
‫الفرنسيني املوظفني يف شركة "آريفا" اليت تعمل يف جماا استخراج اليورانيوم بشماا‬
‫النيجر‪ ،‬ويعتقد أن عملية اختطاف سبعة من عماا شركة "آريفا" بيناهم مخساة‬
‫فرنسيني من مشاا النيجر يف شهر سبتمرب‪/‬أيلوا عام ‪ 5151‬كانت مبساعدة معلومات‬
‫مت توفريها يف عمليات الرصد اليت قام هبا املعنيَّان قبل تلك‪.‬‬
‫وبعد مغادرة القوات املالية ملدينة متبكتو مطلع شهر إبريل‪/‬نيسان عاام ‪5155‬‬
‫إثر االهنيار املفاجئ للجيش املايل بعد االنقال العسكري الاذي قااده النقياب‬
‫‪081‬‬
‫"أمادو سونغو" يف العاصمة باماكو ووضع حدًًّّا حلكم الارئيس "أماادو توماا‬
‫توري"‪ ،‬انتهز "حيىي أبو اهلمام" وقيادات القاعدة و"أنصار الدين" اتصاالت مان‬
‫بع رجاا القبائل العربية يف متبكتو‪ ،‬يدعوهنم فيها للتدخل؛ بدعوى أن قاوات‬
‫احلركة الوطنية لتحرير أزواد القريبة من املدينة‪ ،‬واليت تتشكل أساسًًا من الطوارق‪،‬‬
‫وهو ما ينذر بصدامات ومذابح قد تستهدف السكان العر والسونغاي‪ ،‬وكانوا‬
‫ساعتها يطاردون فلوا اجليش املايل اهلاربة من كيداا باجتاه احلدود مع النيجار‪،‬‬
‫فعادوا أدراجهم متوجهني إىل مدينة متبكتو؛ حيث كان مقاتلو احلركة الوطنية يف‬
‫حالة ارتباك على مشارف املدينة؛ بسبب حتذيرات أطلقها مقاتلون من مليشايات‬
‫عربية يف املدينة‪ ،‬حذروهم من حماولة دخوا املدينة عنوة‪ ،‬فكان "أبو اهلماام" أوا‬
‫الواصلني إىل مدينة متبكتو اليت اقتحمها قبل منتصف الليل بعشرات السيارات أثناء‬
‫انشغاا قادة احلركة الوطنية باملفاوضات مع أعياان املديناة للساماح لقاواهتم‬
‫بدخوهلا‪ ،‬وسيطروا على مقر قيادة املنطقة العسكرية بقاعدة "الشيخ سيدي أمحاد‬
‫البكاي" العسكرية‪ ،‬واملبا الرمسية يف املدينة‪ ،‬واستقروا هبا‪ ،‬وبعد حوايل شاهرين‬
‫على وفاة نائب أمري الصحراء التابع لتنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي "نبيال‬
‫أبو علقمة" يف حادث سري قر مدينة "غوسي" جبنو أزواد يف هناية يوليو‪/‬متاوز‬
‫املعين على إمارة الصحراء "موسى أبو داود" مان‬ ‫عام ‪ ،5155‬وتأكُّد فشل اممري َّ‬
‫مغادرة اجلزائر وااللتحاق بالصحراء الكربى‪ ،‬اختارت قيادة تنظيم القاعدة بابالد‬
‫املغر اإلسالمي‪ ،‬يف بداية شهر أكتوبر‪/‬تشرين اموا من نفس العام "حياىي أباو‬
‫اهلمََّّام" أمريًا للصحراء(‪.)1‬‬

‫‪4‬‬ ‫(‪" )1‬قاعدة املغر اإلسالمي تعيِّن أبو اهلمام أمريًا ملنطقة الصحراء"‪ ،‬صاحراء مياديا‪،‬‬
‫أكتوبر‪/‬تشرين اموا ‪( ،5155‬تاريخ الدخوا‪ 55 :‬ديسمرب‪/‬كانون اموا ‪:)5154‬‬
‫‪http://www.saharamedias.net/%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%‬‬
‫‪A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%A‬‬
‫‪7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A-%D8‬‬
‫‪%AA%D8%B9%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%‬‬
‫‪A7%D9%84%D9%87%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D9%85%D9‬‬
‫‪%8A%D8%B1%D8%A7-%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%‬‬
‫‪D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D8%‬‬
‫‪A1_a16653.html‬‬

‫‪081‬‬
‫وكانت قيادة القاعدة قد عرضت بداية على "حيىي أبو اهلمام" تويل منصاب‬
‫أمري الصحراء فرف ‪ ،‬مث أرسلت بعد تلك تطلب الرأي يف اقتراح بتعايني أحاد‬
‫اثنني على إمارة الصحراء مها‪ :‬عبد احلميد أبو زيد وأبو عبد الكرمي الطارقي‪ ،‬لكن‬
‫املشورة أفضت إىل عدم تعيني أيٍّ منهما وتسليم صالحيات أمري الصحراء لنائباه‬
‫"نبيل أبو علقمة"‪ ،‬وبعد وفاة هذا امخري‪ ،‬أصدر عبد امللك دروكداا قرارًًا بتعيني‬
‫"أبو اهلمام" أمريًًا للصحراء‪.‬‬
‫وعشية بدء القوات الفرنسية مدعومة بقوات إفريقية لعملياهتا العساكرية يف‬
‫مايل خالا شهر يناير‪/‬كانون الثا عام ‪ ،5157‬وتقدمها حنو مدينة متبكتو‪ ،‬كاان‬
‫"حيىي أبو اهلمام" يقود جمموعة من مسلحي التنظيم على منت ست سيارات رباعية‬
‫الدفع‪ ،‬هم آخر من بقي يف متبكتو من املسلحني‪ ،‬بعد انسحا قوات أنصار الدين‬
‫وتنظيم القاعدة منها‪ .‬وكان "أبو اهلمام" خالا تلك اميام القليلاة يادخل ماع‬
‫مسلحيه املدينة صباحًًا مث خيتفون‪ ،‬قبل أن يظهروا مساء‪ ،‬ويقومون بادوريات يف‬
‫الشوارع الرئيسة يف املدينة‪ ،‬وكانوا يسعون من وراء تلك ‪-‬حسب تصرحيات لعبد‬
‫اهلل الشنقيطي‪ -‬إىل منع وجود حالة فراغ أمين يف املدينة انتظارًًا من تصلها سلطة‬
‫جديدة؛ حىت ال تقع عمليات هنب وانتقام‪ .‬وقبل يوم من وصوا القوات الفرنسية‬
‫إىل مطار متبكتو‪ ،‬غادر "أبو اهلمام" ومسلحوه املدينة نخر مرة؛ ليدشنوا باذلك‬
‫مرحلة جديدة من احلر ضد القوات الفرنسية واإلفريقية تقوم على اساتراتيجية‬
‫حر العصابات‪ .‬ويف منتصف شهر فرباير‪/‬شباط ‪ 5157‬أعلنت الواليات املتحدة‬
‫اممريكية عن إدراج اسم "حيىي أبو اهلمام" يف قائمة املطلاوبني لاديها‪ ،‬ورصاد‬
‫مكافأة مالية قدرها ‪ 1‬ماليني دوالر ملن يقدِّم معلومات تساعد علاى تصافيته أو‬
‫اعتقاله(‪.)1‬‬
‫وبعد تعيني "حيىي أبو اهلمام" أمريًًا للصحراء‪ ،‬اختار تنظيم القاعدة الناشا‬
‫املوريتا حممد اممني ولد احلسن املك "عباد اهلل الشانقيطي" أماريًًا لسارية‬

‫(‪" )1‬أبو اهلمام على قائمة اإلرها اممريكية"‪ ،‬اجلزيرة نت‪ 51 ،‬فربايار‪/‬شاباط ‪،5157‬‬
‫(تاريخ الدخوا‪ 55 :‬ديسمرب‪/‬كانون اموا ‪:)5154‬‬
‫‪http://www.aljazeera.net/news/pages/ac4d5218-5d44-4759-905f-06f211c37ed6‬‬

‫‪084‬‬
‫"الفرقان"‪ ،‬وهو شا موريتا من مواليد عام ‪ 5915‬يف بلدة "الفريوة" جناو‬
‫العاصمة نواكشوط؛ حيث تلقى تعليمه الديين يف حمظرهتا العريقة‪ ،‬وتعرَّف هنااك‬
‫على ليباي يدعى "عبد الرمحن الزواي" كان سلفيًًّّا جهاديًًّّاا يادرس يف تلاك‬
‫اطظرة‪ ،‬تأثر به كثريًًا‪ ،‬وبدأ اهتمامه بالفكر السلفي اجلهادي‪ ،‬مث انتقل إىل العاصمة‬
‫نواكشوط؛ حيث التحق عام ‪ 5111‬مبعهد العلوم اإلسالمية والعربية التابع جلامعاة‬
‫اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية يف املديناة املناورة‪ ،‬ويف سانة ‪ 5117‬أغلقات‬
‫السلطات املوريتانية املعهد حبجة تدريسه ملناهج تُسهِم يف هتيئة الشبا العتنااق‬
‫أفكار سلفية جهادية‪ ،‬فالتحق باملعهد العايل للدراساات والبحاوث اإلساالمية‬
‫بنواكشوط إلكماا دراسته‪ ،‬قبل اعتقاله سنة ‪ 5111‬بتهمة االنتماء لتنظيم سالفي‬
‫جهادي يف موريتانيا يسمى "املرابطون"‪ ،‬وداخل السجن أكمل دراسته وحصال‬
‫على شهادة البكالوريوس يف العلوم الشرعية‪ ،‬قبل أن يتم اإلفراج عنه حبرية مؤقتاة‬
‫سنة ‪5112‬؛ حيث غادر موريتانيا متوجهًًا إىل معسكرات اجلماعة السلفية للدعوة‬
‫والقتاا اجلزائرية يف مشاا مايل‪ ،‬برفقة آخرين متهمني باالنتماء للتنظيم‪ ،‬وبقاي يف‬
‫معسكرات اجلماعة ثالث سنوات قبل أن ينضم إىل التنظيم رمسيًًّّا ويقرِّر مبايعاة‬
‫أمرائه سنة ‪.5119‬‬
‫يقوا رفاقه‪ :‬إنه بعد وصوله إىل معسكرات اجلماعة طلبوا منه أن يقترح كنية‬
‫لنفسه‪ ،‬فقاا‪ :‬مسو على آخر من قُتل منكم‪ ،‬فلقبوه "عبد اهلل" تأسًِّيا بآخر قتيال‬
‫منهم وهو جزائري يدعى "عبد اهلل أبو خولة"‪ ،‬وك هو نفساه باسام والاده‬
‫احلسن‪ ،‬فأصبح يعرف باسم "أبو احلسن عبد اهلل الشنقيطي"‪ ،‬وشارك يف العدياد‬
‫من املعارك وامنشطة قبل أن يبايع التنظيم‪.‬‬
‫ويقوا العارفون به‪ :‬إنه ضليع يف علوم الشريعة اإلسالمية واللغاة العربياة‪،‬‬
‫وعلى دراية كبرية باملتون الفقهية ومصنفات احلديث والتفسري‪ ،‬وكاان خطيبًًاا‬
‫ومرشدًًا يف معسكرات التنظيم‪ ،‬كما أشرف على العديد من اطاكمات اليت قاام‬
‫هبا التنظيم ضد متهمني بالتجسس لصاحل املخابرات املوريتانياة ودوا املنطقاة‪،‬‬
‫وأُسندت إليه مهمة مسؤوا اإلعالم يف إمارة الصحراء‪ ،‬كما عيِّن قاضيًًا إلماارة‬
‫الصحراء ورئيسًًا للجنتها الشرعية‪ ،‬خلفًًا لزميله إبراهيم ولد حممد ولد عبد الربكة‪،‬‬
‫‪085‬‬
‫املك "أبو أنس الشنقيطي" الذي عيِّن سنة ‪ 5111‬قاضيًًا إلمارة الصحراء وعض ًوًا‬
‫يف جملس شورى اإلمارة‪ ،‬إىل أن اعتُقل يف اجلزائر بداية عام ‪.5155‬‬
‫كما توىل أيام سيطرة اجلماعات املسلحة على مدن أزواد يف مشاا مايل‪ ،‬عادة‬
‫مسؤوليات‪ ،‬منها عضوية جملس القضاء يف مدينة متبكتو واملشرف العام على الدورات‬
‫التعليمية‪ ،‬وقام بالعديد من الرحالت الدعوية لصاحل تنظيم القاعادة يف أزواد‪ ،‬وماع‬
‫بداية العمليات الفرنسية ضد القاعدة يف مشاا مايل بداية عام ‪ ،5157‬كان "عباد اهلل‬
‫الشنقيطي" ضمن آخر جمموعة من مقاتلي التنظيم غادرت مدينة متبكتو برفقاة أماري‬
‫الصحراء "حيىي أبو اهلمام"‪ ،‬وقد أُصيب مبرض احلصباء وألزمه الفرا يف خمابئ جبااا‬
‫تغرغارت عدة أسابيع‪ ،‬قبل أن يعود إىل ساحات املواجهاة‪ .‬ويف منتصاف شاهر‬
‫مارس‪/‬آتار عام ‪ 5157‬قُتل "عبد اهلل الشنقيطي" يف قصف للطريان الفرنساي علاى‬
‫موقعهم يف جبل تغرغارت بأقصى مشاا أزواد أثناء اشتباك مع الطريان الفرنسي‪.‬‬
‫وبعد مقتله اختار التنظيم الناش املوريتا يف سرية الفرقان عباد الارمحن‬
‫املك "طلحة الليباي" نسبة إىل مسق رأسه ليبيا؛ حياث ولاد يف ليبياا م‬
‫موريتا ‪ ،‬ونشأ يف بداية طفولته هناك قبل أن يقيم يف موريتانيا‪ ،‬وكاان ضامن‬
‫جمموعة من الشبا املوريتانيني التحقوا بكتائب اجلماعة السلفية للدعوة والقتااا‬
‫يف مشاا مايل مطلع عام ‪ ،5112‬وعيِّن قائدًًا ميدانيًًّّا يف سرية "الفرقان"؛ حيث توىل‬
‫قيادة اجملموعة اليت كُلِّفت باغتياا الضاب العرباي يف اجليش املاايل يف مديناة‬
‫متبكتو بأزواد يف يونيو‪/‬حزيران عام ‪ ،5119‬وقد قابلته شخصيًًّّا أكثر من مارة يف‬
‫مدينة متبكتو أثناء زياريت هلا؛ حيث كان أحد القادة امليدانيني املكلفني حبفظ اممن‬
‫فيها‪ ،‬وتطبيق أوامر هيئة احلسبة‪ ،‬كمصادرة اخلمور وإقامة احلدود وفرض "الازي‬
‫اإلسالمي" على النساء يف الشارع‪.‬‬

‫أرية األن ار‬


‫أُُسِّست هذه السرية كباقي سرايا وكتائب إمارة الصحراء مبوجب قرار إعادة‬
‫هيكلة هذه اإلمارة الذي اختذته قيادة التنظيم يف اجلزائر‪ ،‬وجاء باه إىل الصاحراء‬
‫أمريها السابق "حيىي جوادي" بداية عام ‪ ،5113‬وتقرَّر أن تكون "سرية امنصاار"‬
‫‪086‬‬
‫خاصة باملقاتلني من قبائل الطوارق‪ ،‬واختار هلا التنظيم اسم "امنصار" على اعتبار‬
‫أن الطوارق التحقوا بالعمل املسلح يف موطنهم امصلي أزواد‪ ،‬فكانوا "أنصاارًًا"‬
‫للمسلحني القادمني (املهاجرين) الذين جاؤوا من اجلزائار وموريتانياا والنيجار‬
‫وتونس وليبيا وغريها من بلدان املنطقة‪.‬‬
‫وأُسندت قيادة هذه السرية محد أبناء قبائل الطوارق‪ ،‬يُدعى أمحد أغ امََّّاماه‬
‫املك "أبو عبد الكرمي الطارقي"‪ ،‬وينحدر من منطقة أدرار اإلفوغاس بأقصى مشااا‬
‫شرق مايل‪ ،‬وهو أوا قائد سرية يف تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي من غاري‬
‫اجلزائريني‪ ،‬وهو من مواليد بداية السبعينات من القرن املاضي‪ .‬درس العلوم الشرعية‬
‫يف املدارس امهلية مبوريتانيا‪ ،‬مث عاد إىل منطقة أزواد؛ حيث انضم إىل مجاعة الدعوة‬
‫والتبليغ‪ ،‬وفتح حمالًّ جتاريًًّّا يف قرية اخلليل على احلدود مع اجلزائر‪ ،‬وبدأت صالته مع‬
‫عناصر التنظيم على شكل تعامالت جتارية‪ ،‬قبل أن يلتحق هبم وينضم إىل اجملموعاة‬
‫اليت يقودها املختار بلمختار‪ ،‬وبقي معه إىل أن مت عزا بلمختار هناياة ‪ 5112‬عان‬
‫إمارة الصحراء‪ ،‬فتركه‪ ،‬وبات أقر إىل خصمه "عبد احلميد أبو زيد"‪ ،‬كما هاو‬
‫شأن قادة سرايا وكتائب الصحراء‪ ،‬الذين احنازوا ملوقف قيادة التنظايم يف اجلزائار‬
‫الداعم لعبد احلميد أبو زيد يف منافسته مع بلمختار يف الصحراء‪.‬‬
‫وقد أُسندت له قيادة سرية امنصار اليت استُحدثت حينها‪ ،‬وتأسست علاى‬
‫عناصر من الطوارق كانوا مقاتلني حتت إمرة بلمختار وتركوه‪ ،‬كما التحاق باه‬
‫عشرات املقاتلني الطوارق أغلبهم كانوا مقاتلني ضمن ما عُرف بتنظيم "حتاالف‬
‫مايو" املناوئ للحكومة املركزية يف مايل‪ ،‬والذي قاده "إبراهيم أغ باهانغا" سانيت‬
‫ال عن عدد حمدود من العر امزواديني واملوريتانيني‪ ،‬لكنهم‬ ‫‪ 5111‬و‪ ،5112‬فض ً‬
‫كانوا قلة‪ ،‬وظلت الغلبة يف تلك السرية للعناصر املنحدرين من قبائل الطاوارق‪.‬‬
‫وتوىل "أبو عبد الكرمي الطارقي" تنفيذ اإلعدام يف الرهينة الفرنسي ميشيل جرمانو‬
‫يف يوليو‪/‬متوز عام ‪ 5151‬بأمر من "عبد احلميد أبو زيد" بعد فشل حماولة حترياره‬
‫بالقوة يف عملية مشتركة بني اجليش املوريتا والقوات اخلاصة الفرنسية‪ ،‬قُتل فيها‬
‫سبعة من عناصر التنظيم قر احلدود املوريتانية املالية‪ ،‬وكانت "سرية امنصاار"‬
‫تتحرك يف اجلزء الشمايل والشمايل الشرقي من صحراء أزواد‪ ،‬خصوصًًا يف مناطق‬
‫‪087‬‬
‫كيداا وأجلهوك وتساليت وتيمدغني وتنزواتني وتغرغارت ووادي امنيدر ووادي‬
‫اميتيتاي وآنوملني وتكالوت‪ ،‬وهي مناطق جبلية وعرة يف غالبها امعم‪.‬‬

‫أرية يوأف بن جاةفين‬


‫وهي أحدث سرية يشكلها تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬وقد أعلن‬
‫عن ميالدها يف شهر نوفمرب‪/‬تشرين الثا عام ‪ 5155‬بعاد سايطرة احلركاات‬
‫اإلسالمية املسلحة على إقليم أزواد‪ ،‬وظهور بوادر انشقاق كتيبة "امللثمون" ماع‬
‫أمريها املختار بلمختار‪ ،‬وتلك مببادرة من أمري الصحراء اجلديد يف التنظيم "حياىي‬
‫أبو اهلمام" بعد موافقة قيادة القاعدة يف اجلزائر‪ .‬وقد أُسندت قيادة هاذه السارية‬
‫محد أبناء قبائل الطوارق املاليني‪ ،‬ويدعى "أبو عبد احلميد الكيادايل" نسابة إىل‬
‫مدينة كيداا يف أقصى مشاا شرق مايل‪ ،‬ويك "القريوا "(‪ ،)1‬وكان قائ ًدًا ميدانيًًّّا‬
‫يف سرية "امنصار" اليت حتدثنا عنها سابقًًا‪ ،‬وقد مت تشكيل الكتيبة اجلديادة بعاد‬
‫توسُّع الرقعة امرضية اليت يسيطر عليها التنظيم‪ ،‬وازدياد عدد امللتحقني به‪ ،‬بعاد‬
‫سيطرته على مدينة متبكتو وأجزاء كبرية من أزواد‪ ،‬ومشاركته يف السيطرة علاى‬
‫باقي املدن امزوادية امخرى؛ وتلك هبدف تسهيل انسيابية حتركاات التنظايم‬
‫وعملياته يف تلك الصحاري الشاسعة‪ ،‬كما تصاادف تأسيساها ماع حتضاري‬
‫اجلماعات املسلحة يف أزواد للحر اليت كانت تدق طبوهلا يف املنطقاة حيناها‪،‬‬
‫واندلعت بداية عام ‪ 5157‬بقيادة فرنسا والقوات اإلفريقية؛ هبادف طارد تلاك‬
‫اجلماعات من أزواد وإعادته إىل السيادة املالية‪.‬‬

‫‪51‬‬ ‫(‪" )1‬تنظيم القاعدة يعلن عن كتيبة سادسة بقيادة أحد الطوارق"‪ ،‬صرحراء ميرديا‪،‬‬
‫نوفمرب‪/‬تشرين الثا ‪( ،‬تاريخ الدخوا‪ 55 :‬ديسمرب‪/‬كانون اموا ‪:)5154‬‬
‫‪http://www.saharamedias.net/%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%‬‬
‫‪85-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-‬‬
‫‪%D9%8A%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%B9%D9%86-%D9%83%D8‬‬
‫‪%AA%D9%8A%D8%A8%D8%A9-%D8%B3%D8%A7%D8%AF%D8%‬‬
‫‪B3%D8%A9-%D8%A8%D9%82%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%‬‬
‫‪D8%A7%D8%AD%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%88%D8%‬‬
‫‪A7%D8%B1%D9%82_a17112.html‬‬

‫‪088‬‬
‫ويأيت ختصيص سرية جديدة للمقاتلني الطوارق يف تنظايم القاعادة بابالد‬
‫املغر اإلسالمي‪ ،‬بعد أن أسَّسوا سرية "امنصار" سابقًًا‪ ،‬يف إطار مساعي تنظايم‬
‫القاعدة الستدعاء البُعد القومي لدى الطوارق ودفع املزيد من شباهبم إىل االلتحاق‬
‫بالتنظيم عرب الكتائب والسرايا اخلاصة هبم‪ ،‬وهي خطوة هتدف إىل اساتغالا ماا‬
‫يُعرف لدى الطوارق بروح "التوماست" (القومية بلغة الطوارق)‪ ،‬وهاي عامال‬
‫أساسي يف حتريك عواطف الطوارق ومشاعرهم أكثر من أي عامل آخر‪ ،‬كما هو‬
‫الشأن يف كل الشعو الصحراوية البدوية‪ ،‬وقد شاركت "سرية يوساف بان‬
‫تاشفني" يف املعارك اليت خاضها التنظيم ضد القوات الفرنسية والتشاادية‪ ،‬وقُتال‬
‫عدد من عناصرها خالا تلك املواجهات‪.‬‬

‫االنجةار في عكواد‬
‫عمد تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي يف سنة ‪ 5113‬بعد تنفيذ خمطا‬
‫اهليكلة اجلديدة إلمارة الصحراء القاضي بتأسيس كتيبتني وساريتني إىل توزياع‬
‫الكتائب والسرايا على مناطق نفوت وحترك حسب خريطة صحراء أزواد؛ حياث‬
‫أُسندت مهمة السيطرة على جباا تغرغارت الوعرة يف أقصى الشاماا الشارقي‬
‫والتحكم يف مداخلها ومنافذها إىل سرية "امنصار"‪ .‬ويف هذه اجلبااا تقارر أن‬
‫يكون مقر قيادة إمارة الصحراء بعد تأسيسها‪ ،‬وقد قام التنظيم حبفر عدد من انبار‬
‫فيها‪ ،‬كما شيَّد بع البنايات الصغرية‪ ،‬وأقام فيها قواعد له‪ ،‬وأطلق عليها اسام‬
‫"تورا بورا املغر اإلسالمي"‪ .‬يف حني أُسندت إىل سرية "الفرقان" مهمة االنتشار‬
‫يف الصحراء املمتدة من مدينة "متبكتو" إىل بلدة "تواد " مباا يف تلاك منااطق‬
‫"حسيان أوالد غنام" و"العر " و"أروان"‪ ،‬و"تاود " و"إنفاارق" وصاو ًال إىل‬
‫مشارف قرية "اخلليل" قر مدينة "برج باجي خمتار" اجلزائرية‪ ،‬وأُسندت هلاذه‬
‫ضًا مهمة تنفيذ عمليات داخل امراضي املوريتانية‪ ،‬واملناطق الغربية مان‬
‫السرية أي ً‬
‫أزواد‪ ،‬ويتشكل معظم عناصرها من امزواديني واملوريتانيني وبع اجلزائاريني‪،‬‬
‫ويف مناطق نفوتها تنتشر امحياء البدوية العربية اليت تزوج فيها معظام عناصار‬
‫التنظيم‪ ،‬ويصفها أحد عناصر التنظيم بأهنا "املنطقة احلساسة" بالنسبة هلم؛ لاذلك‬
‫‪089‬‬
‫فقد كانوا يرون يف دخوا القوات املوريتانية هلاا سانيت ‪ 5151‬و‪ 5155‬جتااو ًزًا‬
‫للخطوط احلمراء؛ من اممر بالنسبة هلم مل يكن يتعلق بسعي القوات املوريتانياة‬
‫لطردهم من قواعدهم يف غابة "وقادو" غر أزواد‪ ،‬بقدر ما كان حماولاة مان‬
‫اجليش املوريتا وضع اليد على منطقة شرفهم وعرضهم‪ ،‬حسب قوا أحد قاادة‬
‫سرية الفرقان‪.‬‬
‫أمَّا "كتيبة طارق بن زياد" بقيادة "عبد احلميد أبو زيد" فقاد انتشارت يف‬
‫وس صحراء أزواد‪ ،‬ما باني "تااود " وجبااا "تغرغاارت" و"تسااليت"‬
‫و"تنزواتني"‪ ،‬وتتداخل منطقة انتشارها مع منطقة انتشار سرية "الفرقان"‪ ،‬كما هو‬
‫أيضًا احلاا بالنسبة لسرية "امنصار"‪ ،‬وقد شاركت تلك الكتائاب والسارايا يف‬
‫عمليات مشتركة يف موريتانيا والنيجر وداخل امراضي املالية‪ .‬أما كتيبة "امللثمون"‬
‫فقد بقيت متمركزة يف جباا "تغرغارت"‪ ،‬وتتحرك يف تلك املنطقة اجلبلية الوعرة‪،‬‬
‫وكانت مهمتها تتمثل أساسًًا يف تنفيذ عمليات خاارج أزواد عارب اختطااف‬
‫امجانب من دوا املنطقة ونقلهم إىل تلك الصحراء‪ ،‬أو التخطي لتنفيذ عمليات‬
‫نوعية يف بع دوا املنطقة‪ ،‬وقد شكَّلت اممواا اليت دُفعات للتنظايم مقابال‬
‫اإلفراج عن رهائنها مصدرًًا لتمويل أنشطة التنظيم‪.‬‬
‫هذا مع مالحظة أن هذا التقسيم اجلغرايف مل يكن صارمًًا؛ حيث إن عناصار‬
‫أي كتيبة أو سرية يدخلون مىت أرادوا إىل مناطق االنتشاار املفترضاة للسارايا‬
‫والكتائب امخرى‪ ،‬فاممر كله يتعلق "بصحراء اإلسالم"‪ ،‬و"اجملاهدون" يتحركون‬
‫فيها كيف شاؤوا وأينما أرادوا‪ ،‬حىت ولو كان اخلالف بني قادهتم على أشُدِّه‪.‬‬
‫ويف إطار التوزيع اجلغرايف خلارطة احلر تولت كتائب وسرايا تنظيم القاعدة‬
‫ببالد املغر اإلسالمي واليت كانت تسيطر على مدينة متبكتو ومعظام املنااطق‬
‫ال‬
‫التابعة لواليتها‪ ،‬مهمة التصدي للقوات الفرنسية واإلفريقية يف تلك املنطقة‪ ،‬فض ً‬
‫عن الدفاع عن املعاقل احلصينة للتنظيم يف جبل تغرغارت مشا ًال‪.‬‬
‫ونفَّذ عناصر تنظيم القاعدة هجمات داخل مدينة متبكتو ومطارها وبعا‬
‫املدن والقرى امخرى‪ ،‬كما اشتبكوا مع القوات الفرنسية واإلفريقياة يف منطقاة‬
‫جباا اإلفوغاس بأقصى الشماا‪ ،‬وفَقَدَ التنظيم عددًًا من قادتاه وعناصاره مان‬
‫‪091‬‬
‫جنسيات خمتلفة‪ ،‬من بينهم عدد من اجلزائريني‪ ،‬يف مقدمتهم نائب أمري الصاحراء‬
‫وقائد كتيبة طارق بن زياد عبد احلميد أبو زيد ‪-‬الذي سبق التعريف به يف فقارة‬
‫سابقة من هذا الكتا ‪ -‬والقيادي واملدر العسكري يف إمارة الصحراء بلقاسام‬
‫زاويدي املك "أبو أسامة اجلزائري امفغا "‪ ،‬وهو من مواليد عام ‪ 5935‬بوالياة‬
‫ملدية باجلزائر‪ ،‬اعتنق الفكر السلفي اجلهادي مبكرًًا‪ ،‬وسافر إىل أفغانساتان سانة‬
‫‪5995‬؛ حيث شارك يف القتاا ضد احلكومة الشيوعية بقيادة جنيب اهلل‪ ،‬مث توجاه‬
‫إىل اليمن ومنها انتقل إىل السودان؛ حيث كان زعيم تنظيم القاعدة أساامة بان‬
‫الدن يقيم هناك‪ ،‬مث تركها وأقام يف بريطانيا وهناك تعرَّف على "أبااي قتاادة‬
‫الفلسطيين"‪ ،‬وهو من كبار منظري التيار اجلهادي يف العاامل‪ ،‬مث عااد ثانياة إىل‬
‫أفغانستان سنة ‪ 5993‬أيام حكم طالبان؛ حيث عمل مدربًًا عسكريًًّّا يف معسكرات‬
‫املقاتلني العر ‪ ،‬قبل أن يقرر سنة ‪ 5111‬العودة إىل اجلزائر وااللتحاق باجلماعاة‬
‫السلفية للدعوة والقتاا اليت اشتهر فيها كمدر عسكري‪.‬‬
‫وقد وصل مبكرًًا إىل مشاا مايل؛ حيث كان عضوًًا يف جملس شورى إماارة‬
‫الصحراء هناك‪ ،‬واعتُقل هناية عام ‪ 5113‬على يد اممن املايل‪ ،‬وقضى سنة ونَيِّفًًاا‬
‫رهن االعتقاا يف سجون باماكو‪ ،‬قبل أن يفرج عنه بداية عام ‪ ،5119‬يف صافقة‬
‫أفرج مبوجبها تنظيم القاعدة عن مبعوث اممني العام لألمم املتحادة إىل النيجار‬
‫ونائبه اللذيْن كانا خمتطفني لدى التنظيم‪ ،‬وقد قتل "زاويدي" أثناء حماولة القاوات‬
‫الفرنسية حترير بع الرهائن الذين مت رصدهم برفقته مع عدد من عناصر التنظيم‬
‫أثناء تقدُّم القوات الفرنسية يف أزواد مشا ًال‪ ،‬وقتل معه حوايل مثانية عشر عنصا ًرًا‬
‫أغلبهم ليبيون‪ ،‬كما فَ َقد التنظيم يف أزواد خبري املتفجرات اجلزائري "عبد امللاك‬
‫غرباي"‪ ،‬املنحدر من بلدة حاسي خليفة يف والية سوف‪ ،‬ويبلغ من العمار ‪24‬‬
‫عامًًا‪ ،‬وهو كما يقوا عناصر التنظيم‪ :‬رجل أمي ال يكتب وال يقرأ‪ ،‬كاان قاد‬
‫انضم إىل مقاتلي اجلماعة اإلسالمية املسلحة سانة ‪ ،5994‬مث التحاق باجلماعاة‬
‫السلفية للدعوة والقتاا اليت أصبحت الح ًقًا تُعرف باسم تنظيم القاعادة بابالد‬
‫املغر اإلسالمي‪ ،‬ومترن على صناعة املتفجرات حىت أصبح خبريًًا هباا‪ ،‬والتحاق‬
‫بإمارة الصحراء يف مشاا مايل بداية عام ‪ ،5111‬وانضم إىل كتيبة طارق بن زيااد‪،‬‬
‫‪090‬‬
‫وكان برفقة عبد احلميد أبو زيد وعدد من مقاتليه حني دخلوا الصحراء جناو‬
‫تونس واختطفوا منها زوجني منساويني يف فرباير‪/‬شباط سنة ‪ ،5111‬كما شارك يف‬
‫اهلجوم الذي نفَّذه مقاتلو القاعدة على وحدة من اجليش املوريتا يف بلدة تاورين‬
‫مشاا البالد وقتل فيه ‪ 55‬عسكريًًّّا موريتانيًًّّا‪ .‬وقد لقي مصرعه يف انفجار قنبلة عن‬
‫طريق اخلطأ أثناء دورة تدريبية يف جباا اإلفوغاس بعد اندالع احلر الفرنساية‬
‫ضد اجلماعات املسلحة‪ ،‬كما قُتل يف املواجهات أيضًًا يف مشاا مايل إمساعيل بان‬
‫حممد بن الساسي املك "عبد الكرمي اجلزائري" وهو من عائلة عبد احلمياد أباو‬
‫زيد‪ ،‬وكان أبوه من بني مقاتلي اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا الاذين دخلاوا‬
‫صحراء أزواد مشاا مايل سنة ‪ 5117‬مع عبد الرزاق البارا‪ ،‬واشتهر بلقبه "عماي‬
‫حامد"‪ .‬ومن بني القتلى اجلزائريني املنخرطني يف صفوف تنظيم القاعادة بابالد‬
‫املغر اإلسالمي يف مشاا مايل خالا احلر مع الفرنسيني‪ ،‬املدعو "يزياد أباو‬
‫زكريا" وهو قائد ميدا من الصف الثا يف كتيبة طارق بن زياد‪.‬‬
‫كما قُتل عدد كبري من شبا قبائل الطوارق والعر امزواديني يف مشااا‬
‫مايل الذين اخنرطوا يف صفوف تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬ومن بينهم‪:‬‬
‫أبو بكر أغ احلسن امنصاري‪ ،‬املعروف بكنيته "رضوان أبو امشباا" وهاو مان‬
‫القادة الطوارق يف كتيبة طارق بن زياد‪ ،‬رغم أنه مل يلتحق بالتنظيم إال بداية عاام‬
‫‪ ،5155‬وكان من أبرز نشطاء التنظيم الذين يكتبون على املنتديات اجلهادية‪ ،‬ولد‬
‫ونشأ يف اجلزائر وتلقى تعليمه الديين يف موريتانيا‪ ،‬قبل أن ينتقل إىل مشااا ماايل‬
‫ليلتحق بتنظيم القاعدة هناك‪ ،‬إضافة إىل عبدو امنصاري امزوادي‪ ،‬ونبيل مم ولد‬
‫بله‪ ،‬وعيسى امنصاري امزوادي‪ ،‬ويزيد الطارقي امنصاري وهاو مان مديناة‬
‫متبكتو‪ ،‬كان مسؤو ًال سابقًًا عن مدرسة "الفالح" يف املدينة قبل أن يلتحق بتنظايم‬
‫القاعدة‪ ،‬واملقداد حممد بن عمر اإلفوغاساي‪ ،‬ودمحاان أغ الاوايف امنصااري‬
‫الطارقي‪ ،‬وجابر أمحد التلمسي وهو من عر أزواد‪.‬‬
‫ومن بني املوريتانيني املنخرطني يف صفوف تنظيم القاعدة قُتل عدد كبري من‬
‫ضمنهم‪ :‬أمري سرية "الفرقان" يف التنظيم حممد اممني ولد احلسان املكا "أباو‬
‫احلسن عبد اهلل الشنقيطي"‪ ،‬والذي ينحدر من بلدة "الفريوة" جنو نواكشوط‪،‬‬
‫‪091‬‬
‫وهو من فقهاء التنظيم ومنظريه‪ ،‬وحممد سعيد الفياليل املك "املال ناصر أبو عباد‬
‫احلكيم الشنقيطي"‪ ،‬وهو من مدرسي التنظيم أيضًًا‪ ،‬وقد تزوج قبل مقتله بأشاهر‬
‫من ناشطة جهادية موريتانية تُدعى ربيعة بنت حممد اممني وتك "أم اخلطاار"‪،‬‬
‫التحقت مع أخريات مبعسكرات تنظيم القاعدة يف مشاا مايل‪ ،‬وكاذلك حمماد‬
‫الفقيه ولد خطري املك "أبو داود الشنقيطي"‪ ،‬وكان من أمراء هيئة احلسابة يف‬
‫مدينة متبكتو خالا سيطرة املسلحني اإلسالميني عليها‪ ،‬كما عمل عضوًًا يف هيئاة‬
‫القضاء الشرعية باملدينة خالا نفس الفترة‪ ،‬وحممد ولد حممد الشمرة املك "أباو‬
‫الرباء الشنقيطي"‪ ،‬وعبد اجلليل ولد ويس‪.‬‬
‫كما قتل عدد من الليبيني الذين التحقوا بإمارة الصحراء الكاربى خاالا‬
‫املواجهات مع القوات الفرنسية واإلفريقية‪ ،‬وأغلبهم ينحدرون من شارق ليبياا‪،‬‬
‫خصوصًًا من درنة وبنغازي‪ ،‬ومن بني هؤالء القتلى‪ :‬أبو مالك قايس الشاريف‪،‬‬
‫وخملص حممد الوسيع‪ ،‬وعطية الفيتوري املك "أبو الرباء الليباي"‪ ،‬وعكاشة أمحد‬
‫امبارك‪ ،‬ومعاوية سامل الشيخي‪ ،‬والشيشا أمني الريا ‪ ،‬وعبد اهلاادي افريادغ‬
‫الشركسي املك "املث الليباي"‪ ،‬وأبو عمر رمضان اخلمسي‪ ،‬وأسيد الليبااي‬
‫الذي نفَّذ عملية انتحارية يف مدينة كيداا بأقصى مشاا أزواد‪.‬‬
‫وقتل خالا تلك احلر عدد من التونسيني املنخرطني يف صفوف كتائاب‬
‫إمارة الصحراء يف تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬من بينهم‪ :‬عباد اجملياد‬
‫التونسي الذي قُتل يف عملية اقتحام ملطار مدينة متبكتو‪ ،‬وأمحاد "أباو ساياف‬
‫التونسي"‪ ،‬وأبو العبد التونسي‪.‬‬
‫كما قُتل يف نفس احلر عدد من الشبا املنحدرين من إقلايم الصاحراء‬
‫الغربية‪ ،‬الذين قاتلوا يف صفوف تنظيم القاعدة بشماا مايل‪ ،‬ومن بينهم‪ :‬غايل ولد‬
‫البشري املوسوي املك "خالد أبو سليمان"‪ ،‬وكان قد توىل لفترة قياادة الشارطة‬
‫اإلسالمية يف مدينة متبكتو إبَّان سيطرة احلركات اإلسالمية املسلحة عليها‪ ،‬وعلاي‬
‫ولد عبد اهلل املك "أبو خيثمة الصحراوي"‪ ،‬ومحدي ولد هرماس املك "صهيب‬
‫الصحراوي"‪ ،‬وأبو جابر حممد الصحراوي‪ .‬كما سق بني القتلاى يف صافوف‬
‫تنظيم القاعدة بشماا مايل عدد من التشاديني‪ ،‬من بينهم‪ :‬عبد الرمحن بن علي بن‬
‫‪091‬‬
‫سدر القرعي املك "أبو بصري تشادي"‪ ،‬وعلي بن أبو بكر املك "أباو ثابات"‬
‫الذي نفَّذ عملية انتحارية يف مدينة كيداا‪ ،‬وأبو دجانة النيجري الاذي قُتال يف‬
‫انفجار قنبلة تدريب عن طريق اخلطأ يف جبل تغرغارت‪ ،‬واملصري أبو الربكاات‬
‫عبد احلليم املك "أبو عبد اهلل املصري" وهو أحد قضاة إمارة الصحراء‪ ،‬وعضاو‬
‫يف اللجنة الشرعية لتنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬إضافة إىل "أبو أمحاد‬
‫املغرباي"‪ ،‬و"أبو دجانة السودا "‪.‬‬
‫ويقوا نشطاء يف تنظيم القاعدة‪ :‬إن قتالهم خالا احلار ماع القاوات‬
‫الفرنسية واإلفريقية ينتمون مكثر من مثا عشرة جنسية‪ ،‬من بيناها‪ :‬اجلزائار‪،‬‬
‫ومايل‪ ،‬وموريتانيا‪ ،‬وتشاد‪ ،‬وليبيا‪ ،‬وتونس‪ ،‬والنيجر‪ ،‬ونيجرييا‪ ،‬وكوت ديفاوار‪،‬‬
‫وغامبيا‪ ،‬والسودان‪ ،‬ومصر‪ ،‬واملغر ‪.‬‬

‫‪094‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫حلفاء القاعدة يف أزواد‬

‫‪095‬‬
‫‪ 1‬جماىة عن ار الدين‬
‫حركة طارقية سلفية جهادية‪ ،‬تُعرِّف نفسها بأهنا "مجاعة حملية إسالمية مستقلة‬
‫تطالب بإقامة الشريعة اإلسالمية"‪ ،‬كما يقوا زعيمها إياد أغ أغايل الذي أكاد أن‬
‫"اهلدف من تكوين مجاعة أنصار الدين هو إقامة الشريعة اإلساالمية"‪ ،‬مضايفًًا أن‬
‫تلك اهلدف "ليس مسألة قابلة للنقا كما هو الشأن بالنسبة ملسألة الوحدة الترابية‬
‫عند احلكومة املالية"(‪ .)1‬وقد تتبعت شخصيًًّّا خالا لقاءات مجعتين بابع قاادة‬
‫ومؤسسي هذه احلركة‪ ،‬قصة نشأهتا سنة ‪5155‬؛ حيث كانت البداية حني اتصال‬
‫إياد أغ أغايل املك "أبو الفضل"‪ ،‬برفيقيه يف السالح "الشيخ أغ أوسا" املك "أباو‬
‫حممد" و"أمحد أغ بيباي" وبع القيادات التقليدية يف جبهات التمارد امزوادياة‬
‫سابقًًا ومعظمهم من قبائل "اإلفوغاس" الطارقية اليت ينتمي هلا إياد أغ أغايل‪ ،‬وطلب‬
‫منهم مساعدته يف تأسيس كيان تكون مهمته امساسية تطبيق الشريعة اإلسالمية يف‬
‫أزواد‪ ،‬ومواجهة مشروع احلركة الوطنية لتحرير أزواد الساعي إلقامة دولة مدنياة‬
‫مستقلة يف أزواد‪ ،‬واتفقوا على تلك واتصلوا بالنائب يف الربملان املايل عان مديناة‬
‫كيداا‪ ،‬العباس أغ انتاال‪ ،‬وهو جنل شيخ مشايخ قبائل اإلفوغاس "انتاال أغ الطاهر"‪،‬‬
‫وعرضوا عليه االنضمام إليهم يف جهودهم‪ ،‬فأبدى ترحيبًًا وموافقة مبدئياة علاى‬

‫‪9‬‬ ‫(‪" )1‬مقابلة مع إياد أغ أغايل زعيم أنصار الدين"‪ ،‬صحراء ميديا‪( ،‬تااريخ الادخوا‪:‬‬
‫أغسطس‪/‬آ ‪:)5154‬‬
‫‪http://www.saharamedias.net/%D8%B2%D8%B9%D9%8A%D9%85-%D8%‬‬
‫‪A3%D9%86%D8%B5%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%‬‬
‫‪D9%8A%D9%86-%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D8%‬‬
‫‪A1-%D9%85%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A7-%D9%86%D9%8A%‬‬
‫‪D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%‬‬
‫‪A8-%D9%81%D9%8A-%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D9%85%‬‬
‫‪D8%A7%D9%84%D9%8A-%D8%B3%D8%AA%D8%B7%D8%A7%D9%‬‬
‫‪84-%D9%83%D9%84_a16949.html‬‬

‫‪097‬‬
‫الفكرة‪ ،‬لكنه حتفظ يف البداية على االنضمام إليهم؛ من امزواديني يتطلعون إىل ماا‬
‫ستقوم به احلركة الوطنية لتحرير أزواد اليت ولدت قبل تلك بأقل من سنة‪ ،‬وكاان‬
‫شقيقه حممد أغ انتاال ضمن قادهتا‪ ،‬وقد بدأت "احلركة الوطنية" ساعتها يف حشاد‬
‫قواهتا قر مدينة "منيكا" امزوادية على احلدود مع النيجر‪ ،‬واالساتعداد إلطاالق‬
‫احلر من هناك ضد اجليش املايل يف أزواد‪.‬‬
‫وتوجه مؤسسو "مجاعة أنصار الدين" إىل "احلركة الوطنياة لتحريار أزواد"‬
‫ودخلوا معهم يف مفاوضات لتوحيد مشروعهم‪ ،‬وأبلغوهم باستعدادهم لالنضمام‬
‫هلم والقتاا حتت رايتها إتا وافقوا على مشروعهم اإلسالمي‪ ،‬لكان املفاوضاات‬
‫فشلت بعد إصرار قادة احلركة الوطنية على مشروع االستقالا وإقاماة الدولاة‬
‫امزوادية املدنية يف املنطقة‪ ،‬وعاد "إياد" ورفاقه إىل منطقة مشاا كيداا وشرعوا يف‬
‫بناء تنظيم جديد خاص هبم‪ ،‬كانت بدايته بسبع سيارات عابرة للصحاري تُقِِالُّ‬
‫عددًًا من املسلحني الشبا من "اإلفوغاس"‪ ،‬وملا فشلت اطادثات ماع احلركاة‬
‫الوطنية لتحرير أزواد‪ ،‬وجَّه إياد غايل أنظاره صو تنظيم القاعدة ببالد املغار‬
‫اإلسالمي الذي ينش يف املنطقة‪ ،‬وطلب من نائبه الشيخ أغ أوسا مقابلة أمحد أغ‬
‫امََّّامه املك "أبو عبد الكرمي الطارقي" أمري "سرية امنصار" املخصصة للمقااتلني‬
‫الطوارق يف تنظيم القاعدة‪ ،‬وهو من قاادة القاعادة املنحادرين مان قبائال‬
‫"اإلفوغاس"؛ إلقناعه بدعم "مجاعة أنصار الدين" مبقاتلني من الطوارق‪.‬‬
‫وقد طلب الشيخ أغ أوسا من "أبو عبد الكرمي الطارقي"‪ ،‬دعمهم باملقااتلني‬
‫الشبا من الطوارق املنخرطني يف صفوف سريته دون غريهم من املقاتلني غاري‬
‫امزواديني؛ وتلك لتحقيق هدفهم املنشود وهو إقامة الدين وتطبيق الشاريعة يف‬
‫أزواد‪ ،‬لكن النقا بني الرجلني تطور إىل مشادَّة بعد أن اهتم "أبو عباد الكارمي‬
‫الطارقي" الشيخ أغ أوسا بأنه جاء لتجريده من عناصره وسحب البساط منه‪ ،‬فردَّ‬
‫الشيخ أغ أوسا بأن معظم مقاتلي "سرية امنصار" يف القاعدة هم أبنااء قبائال‬
‫اإلفوغاس الذين كانوا يقاتلون معه أيام التمرد الذي قاده إبراهيم أغ باهانغا سنيت‬
‫‪ 5111‬و‪ ،5112‬وأهنم قادرون على سحبهم من القاعدة واستردادهم ماىت أرادوا‬
‫تلك‪ ،‬وانتهى االجتماع بني الرجلني دون أي نتيجة‪ ،‬وعاد الشيخ أغ أوسا أدراجه‬
‫‪098‬‬
‫إىل إياد أغ أغايل ورفاقه ليواصلوا حتركاهتم؛ لتأسيس التنظيم اجلدياد واكتتاا‬
‫مزيد من املقاتلني(‪.)1‬‬
‫لكن البعد القبلي ملؤسسي احلركة اجلديدة وماضيهم يف الثورات ضد ماايل‪،‬‬
‫جلب هلم مزيدًًا من التأييد يف صفوف قبائل اإلفوغاس؛ حيث التحقت هبم تساع‬
‫سيارات حمملة بالرجاا والعتاد بعد أن انشقت عن احلركة الوطنية لتحرير أزواد‪،‬‬
‫وعلى متنها عشرات املسلحني‪ ،‬مث التحقت هبم بعد تلك أربع سيارات قادمة مان‬
‫معسكرات "سرية امنصار" التابعة لتنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬وعلاى‬
‫متنها عدد من شبا الطوارق؛ ليتبني الحقًًا أهنم مل يكونوا منشقني عان تنظايم‬
‫القاعدة وإمنا كانوا يف مهمة حمددة‪ ،‬وهي االخنراط يف صفوف احلركاة اجلديادة‬
‫"أنصار الدين"؛ لتوفري حضور للقاعدة يف وسطها ومعرفة حقيقة دعوهتا لتطبياق‬
‫الشريعة اإلسالمية ورصد حتركاهتا لصاحل قادة إمارة الصحراء‪ ،‬مث التحقت هبم بعد‬
‫تلك أربع سيارات أخرى وعلى متنها مسلحون من قبيلة "إفرغميسن"‪ ،‬اليت تنتمي‬
‫لقبائل "اإلفوغاس"‪ ،‬ليصبح العدد أربعًا وعشرين سيارة وعشرات املسلحني‪.‬‬
‫حينها قرَّر إياد أغ أغايل أنه بات لديه من الرجاا والعتاد ما ميكنه من إطالق‬
‫شرارة احلر ضد احلكومة املالية‪ ،‬فأصدر أوا بيان أعلن فيه عن مايالد تنظايم‬
‫حتت اسم "مجاعة أنصار الدين"‪ ،‬وتضمَّن البيان يف أوىل فقراته تقدميًًا للهدف مان‬
‫وراء تأسيس احلركة اجلديدة حيث يقوا‪" :‬إننا يف مجاعة أنصار الدين نساعى إىل‬
‫تطبيق الشريعة اإلسالمية يف أرضنا‪ ،‬وحتكيم اإلسالم يف كل أمورنا؛ امتثا ًال لقولاه‬
‫تعاىل‪ :‬فَالَ وَرَبيكَ الَ يُؤِمِنُُونَ حََتََّّى يُحََكِّمُُو َ فِِيمََا شَجَرَ بَيِنَُُمِ ثُُمَّ الَ يَجِدُُوا فِي‬
‫أَنِفُسُِِمِ حَرَ ًًا مِِمََّّا قَضَيِتَ وَيُسََلِّمُُوا تَسِلِِيمًًا‪[ ‬النساء‪]21 :‬؛ ولذلك فإن قتالنا هو‬
‫إلعالء كلمة اهلل‪ ،‬فهو جهاد يف سبيل اهلل"(‪.)2‬‬
‫أمَّا الرسالة الثانية اليت تضمنها البيان فكانت هتدف إىل طمأنة مجياع أبنااء‬
‫أزواد خصوصًًا من غري الطوارق‪ ،‬فخاطب البيان كافة سكان أزواد مستغالًّ وحدة‬

‫(‪" )1‬مقابلة مع القيادي السابق يف مجاعة أنصار الدين الشيخ أغ أوساا يف نواكشاوط"‪،‬‬
‫(مايو‪/‬أيار ‪.)5154‬‬
‫(‪ )2‬نسخة من البيان حبوزة املؤلف‪.‬‬
‫‪099‬‬
‫دينهم‪ ،‬حيث ورد يف الفقرة الثانية منه "إننا نعتقد أن مجيع املسلمني هم إخوانناا‪،‬‬
‫سواء كانوا عربًا أو عجمًا‪ ،‬بيضًا أو سو ًدا"‪.‬‬
‫أما الفقرة الثالثة من البيان فقد عمدت إىل ملس وتر حسَّاس يف أزواد وهاو‬
‫وتر الظلم؛ حيث يعا الناس هناك من مظامل كثرية‪ ،‬يف مقدمتها ظلم العصاابات‬
‫واملليشيات وصولة القبائل بعضها على بع ‪ ،‬فكثريًًا ما نُهبت املمتلكات وأزهقت‬
‫ال عن ظلم السلطات املالية اليت يقوا السكان إهنا تعاملهم مبنطق‬ ‫امرواح‪ ،‬هذا فض ً‬
‫االحتقار‪ ،‬فكرَّس البيان فقرة منه لطمأنة السكان هبذا اخلصاوص "وإنناا نعلان‬
‫للجميع عن رفضنا للظلم والبغي‪ ،‬ونعوت باهلل أن نَظلم أو نُظلم"‪ ،‬ويضيف البيان‪:‬‬
‫"وحيث وقع منا خطأ أو ظلم فإننا مستعدون للتحاكم للشريعة مع أيِّ أحد كائنًًا‬
‫من كان‪ ،‬وملتزمون ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬برد املظامل إىل أهلها"(‪.)1‬‬
‫أما الفقرة الرابعة فكانت دعوة لعلماء البلد ووجهائه‪ ،‬مع الغماز يف قنااة‬
‫احلركة الوطنية لتحرير أزواد باعتبارها حركة قومية علمانية‪ ،‬وحتذير الناس مناها‪،‬‬
‫وإن كان تلك مت دون تصريح باسم احلركة‪ ،‬حيث دعا البياان "شايوخ العلام‬
‫ووجهاء القبائل وعُرفاء الناس أن حيذِّروا اممة وينبهوها إىل خطاورة احلارو‬
‫امهلية والدعوات اجلاهلية اليت تسعى إىل إيقاع املسلمني بعضهم ببع وجارِّهم‬
‫إىل الفنت‪."...‬‬
‫وبعد أن أصدر إياد أغ أغايل بيانه اموا‪ ،‬وبات حبوزته أربع وعشرون سيارة‬
‫عابرة للصحاري وعشرات املسلحني‪ ،‬قرَّر بدء مغامرة احلر من جديد‪ ،‬لكن هذه‬
‫املرة مل يكن قتاله من أجل استقالا إقليم أزواد عن مايل‪ ،‬أو حصوله علاى حكام‬
‫تايت‪ ،‬وإمنا قاتل حتت شعار "التمكني لإلسالم يف أرض أزواد"‪ ،‬وقبل شروع "أنصار‬
‫الدين" يف عملياهتا العسكرية‪ ،‬اتصل هبم وفد من وجهاء أزواد كانوا يستفسرون عن‬
‫آليات "مجاعة أنصار الدين" واستراتيجيتهم لتحقيق هدفهم بإقامة الشريعة اإلسالمية‬
‫يف أزواد ما داموا ال يسعون لالنفصاا عن مايل‪ .‬وقد عرض الوجهاء على إيااد أغ‬
‫أغايل رسالة من احلكومة املالية تقوم على أساس تعيني قضاة شرعيني مان علمااء‬
‫الدين يف كيداا واملناطق الشمالية الشرقية من أزواد؛ ليحكموا بني الناس يف أحواهلم‬
‫(‪ )1‬نسخة من البيان حبوزة املؤلف‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫الشخصية وخصوماهتم اطلية بالشريعة اإلسالمية‪ ،‬لكن إياد أغ أغايل كان له هدف‬
‫أكرب من جمرد تعيني قضاة شرعيني يف املنطقة‪ ،‬وفشلت املفاوضاات بيناهم وباني‬
‫الوجهاء‪ ،‬فشرعوا يف التخطي لبدء احلر ‪ ،‬وكانت عيوهنم تراقب احلركة الوطنياة‬
‫لتحرير أزواد اليت هتاجم قواهتا مدينة "منيكا" قر احلدود مع النيجر‪ ،‬ومدينة "لرية"‬
‫قر احلدود مع موريتانيا؛ وتلك يف حماولة ملنافسة احلركة يف تسجيل النقاط علاى‬
‫امرض‪ .‬وحترك مقاتلو "أنصار الدين" صو مدينة "أجلهوك" اجلبلية‪ ،‬اليت توجد هبا‬
‫قاعدة للجيش املايل‪ ،‬وهامجوها يف شهر يناير‪/‬كانون الثا ‪ ،5155‬بقوات مشاتركة‬
‫بني أنصار الدين وتنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬لكن اهلجوم فشل بعد أن‬
‫اكتشف مقاتلو "مجاعة أنصار الدين" وجود دبابات كانت تراب يف وضاع قتاايل‬
‫خارج القاعدة العسكرية‪ ،‬مل تتمكن عيوهنم مان رصادهم ساابقًًا‪ ،‬فاضاطروا‬
‫لالنسحا حتت وطأة قصف الدبابات‪ ،‬بعد مقتل ‪ 55‬عنصرًًا منهم‪ ،‬وكانت تلاك‬
‫بداية خميبة لآلماا‪ ،‬أحبطت معنوياهتم ودفعتهم إىل إعادة التفكري يف توقيت احلر ‪،‬‬
‫ونصبوا كمائن على الطرق املؤدية إىل املدينة؛ ملنع وصوا أي إمدادات هلا‪ ،‬وأثنااء‬
‫تشاورهم لوضع خطة جديدة للهجوم‪ ،‬فوجئوا برتل من القاوات املالياة يتقدماه‬
‫الكولونيل حممد ولد ميدو‪ ،‬وهو يتجه إىل مدينة "أجلهوك"‪ ،‬قادمًًا من مدينة "غاوا"‬
‫لتعزيز القوات املوجودة باملدينة؛ حيث كانت قوات القاعدة قد نصبت كمائن على‬
‫الطرق املؤدية إىل املدينة حتسبًًا لوصوا اإلمدادات؛ حيث كانت تراب عدة سيارات‬
‫يقودها القائم بأعماا أمري منطقة الصحراء يف تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪،‬‬
‫"نبيل أبو علقمة"‪ ،‬فنصبوا كمينًًا للقوات القادمة‪ ،‬واشتبكوا معها‪ ،‬فكاان عنصار‬
‫املباغتة لصاحل مقاتلي "أنصار الدين والقاعدة"؛ حيث قُتل عدد من عناصار الرتال‬
‫العسكري‪ ،‬واعتقل العشرات‪ ،‬وغنموا سيارات وكميات كابرية مان امسالحة‬
‫والذخرية‪ ،‬وانسحب "ولد ميدو" وبقايا قواته‪ ،‬بعد إصابته جبروح خفيفة‪ ،‬فأعاد هلم‬
‫تلك االنتصار معنوياهتم‪ ،‬وانسحبوا إىل مسافة تبعاد حاوايل ‪ 51‬كلام خاارج‬
‫"أجلهوك" للتخطي هلجوم جديد‪.‬‬
‫ويف حماولة لتجنب املواجهة من جديد يف "أجلهوك"‪ ،‬اتصلت قيادة "مجاعاة‬
‫أنصار الدين" بأحد وجهاء املدينة‪ ،‬وسلمته شري فيديو وجهاز اتصاا عن بُعاد‪،‬‬
‫‪110‬‬
‫وطلبوا منه أن يسلمهما لقائد احلامية العسكرية املالية يف املدينة‪ ،‬وتضمَّن الشري‬
‫عرضًًا من "أنصار الدين" بالسماح للقوات املالية باالنسحا مان املديناة ماع‬
‫سياراهتم دون التعرض هلم‪ ،‬أو مواجهة هجوم كاسح ال يُبقي وال يذر‪ ،‬علاى أن‬
‫يتم التواصل بينهم وبينه عرب اجلهاز الالسلكي الذي زودوه به‪ .‬وقاد ردَّ قاادة‬
‫اجليش املايل يف املدينة بإهانة الوجيه الطارقي الذي أُرسل إليهم واعتقاله وحتطايم‬
‫شري الفيديو الذي جاء به‪ ،‬ساعتها بدأ مقاتلو "أنصار الدين" بااهلجوم علاى‬
‫القاعدة العسكرية‪ ،‬ومع اندالع املعارك تدخل رتل من قوات القاعدة ببالد املغر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وشارك يف تلك املواجهات بعنف إىل جانب مقاتلي القاعدة‪ ،‬وخاالا‬
‫هذه املعركة قُتل أوا شا من أبناء أزواد التحق باجلماعات اجلهادياة عشاية‬
‫وصوهلا إىل املنطقة بداية العقد املاضي‪ ،‬ويدعى "الزبري التماشقي"‪ ،‬وقد قتل أثنااء‬
‫مشاركته يف الكمني الذي نُصب للقوات اليت يقودها "ولد ميدو"‪ ،‬إضافة إىل "أبو‬
‫شريح امزوادي"‪ ،‬املنحدر من إحدى القبائل العربية امزوادياة‪ ،‬و"أباو عبيادة‬
‫التشادي"‪ ،‬كما لقي القيادي البارز يف سرية "الفرقان" بتنظيم القاعدة امليمون ولد‬
‫امينوه املك "خالد الشنقيطي" مصرعه خالا اهلجوم اموا‪ ،‬عندما حااوا ماع‬
‫جمموعة من املقاتلني اقتحام برج الثكنة العسكرية‪ .‬وقد حدثين أمحدو ولد الشريف‬
‫املختار املك "خبيب" ‪-‬وهو قيادي من سرية الفرقان‪ ،‬ينحدر من مدينة بوتلميت‬
‫يف غر موريتانيا‪ -‬خالا لقائي به يف مدينة متبكتو عان معركاة "أجلاهوك"‬
‫وحلظات مقتل صديقه وقائده الذي يعتز به‪ ،‬امليمون ولد امينوه (خالد الشنقيطي)؛‬
‫حيث قاا إهنما (أي خبيب وخالد) كانا يقاتالن معًا خالا بداية املعركاة اموىل‬
‫من خلف ساتر واحد على اجلانب الغرباي من السور اطي بالقاعدة العسكرية‬
‫يف املدينة‪ ،‬وأثناء املعركة ومع اشتداد وطأة القتاا طلب بعا املقااتلني مان‬
‫"خبيب" الذي كان حيمل سالح "انر باي جي‪ "3‬التوجُُّّاه إىل أحاد املواقاع‬
‫لضرهبا‪ ،‬بينما كان "خالد" يستعد مع آخرين لالقتحام‪ ،‬وبعد حوايل دقيقتني مان‬
‫مغادرته مكان حتصن زميله "خالد" وس إطالق نار كثيف‪ ،‬فوجئ بأحد املقاتلني‬
‫وهو يصيح به‪" :‬قُتل خالد"! فسارع إىل مكانه حيث وجده مرميًّا علاى امرض‬
‫وقد استقرت رصاصة يف جبهته‪ ،‬كما قُتل يف نفس املعركة الناشا املوريتاا‬
‫‪111‬‬
‫السامل ولد امبارك املك "محزة"(‪ ،)1‬وهو خبري متفجرات‪ ،‬ينحادر مان مديناة‬
‫جتكجة يف الشماا املوريتا ‪ ،‬وتلك أثناء حماولته مع عشرة من مقااتلي مجاعاة‬
‫أنصار الدين زرع عبوة ناسفة عند أحد اجلدران اطيطاة بالقاعادة العساكرية‬
‫إلحداث ثغرة فيه‪ ،‬ويقوا املقاتلون‪ :‬إن خطأ وقع أثنااء حماولتاهم زرع العباوة‬
‫الناسفة فانفجرت؛ حيث قضوا مجيعًًا يف االنفجار‪ ،‬وقد أعلنت مجاعة أنصار الدين‬
‫وتنظيم القاعدة ساعتها أهنم فقدوا ‪ 51‬عنصرًا يف تلك املعركة‪.‬‬
‫وقد خاض مسلحو القاعدة وأنصار الدين ثالث معاارك للسايطرة علاى‬
‫القاعدة العسكرية مبدينة أجلهوك؛ حيث فشلت املعركة اموىل كما أسلفنا؛ بسبب‬
‫وجود مدرعات تابعة للجيش املايل خارج الثكنة‪ ،‬متكنت من تدمري عادد مان‬
‫السيارات املهامجة‪ ،‬أما املعركة الثانية فكانت ضد قوات اإلمداد اليت يقودها حممد‬
‫ولد ميدو‪ ،‬وانتهت هبزمية تلك القوات وأسر عدد من عناصرها‪ ،‬ومصادرة كميات‬
‫من امسلحة واملركبات اليت كانت حبوزهتا‪ ،‬بينما سيطر املهامجون خالا املعركاة‬
‫الثالثة على القاعدة العسكرية؛ حيث متكن عدد من عناصر القاعدة بينهم "خالاد‬
‫الصحراوي" و"خالد املوريتا "‪ ،‬و"عبد الكرمي اجلزائري"‪ ،‬و"أبو حممد تشاادي"‪،‬‬
‫وعناصر ينحدرون من أزواد‪ ،‬من اقتحام الربج والسيطرة عليه‪ ،‬والقفاز داخال‬
‫الثكنة؛ حيث يتحصن اجلنود املاليون‪ .‬وقد قام عناصر القاعدة وأنصار الدين بقتل‬
‫اجلنود الذين وقعوا يف امسر بعد املعركة امخرية ملا رفضوا االساتجابة إلناذار‬
‫وجهوه هلم قبل بدء املعركة‪ ،‬طالبوهم فيه بتسليم أنفسهم‪ ،‬بينماا أبقاوا علاى‬
‫امسرى الذي وقعوا يف قبضتهم سابقًًا على قيد احلياة‪.‬‬
‫وبعد معركة "أجلهوك" تعزز التنسيق بني اجلماعتني على أعلى املساتويات‪،‬‬
‫مبا يف تلك اجلانب الدعوي والفكري؛ حيث قام القائد البارز يف مجاعاة أنصاار‬
‫الدين "إبراهيم بنا" يف رفقة القيادي يف تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي "عبد‬
‫اهلل الشنقيطي"‪ ،‬بقيادة جمموعة من عناصر احلركتني باجتاه منطقة "أبيربا" على بُعد‬

‫(‪" )1‬مقتل القيادي يف القاعدة امليمون ولد امينوه"‪ ،‬وكالة نواكشوط لألنبراء‪( ،‬تااريخ‬
‫الدخوا‪ 9 :‬أغسطس‪/‬آ ‪:)5154‬‬
‫‪http://www.ani.mr/?menuLink=9bf31c7ff062936a96d3c8bd1f8f2ff3‬‬

‫‪111‬‬
‫أقل من مائة كلم مشاا مدينة كيداا‪ ،‬وهي مضار قبيلة "إيريكان" اليت ينحادر‬
‫منها زعيم أنصار الدين إياد أغ أغايل‪ ،‬وهناك نظموا دروسًًاا ودورات علمياة‪،‬‬
‫ونقاشات مع السكان وامعيان يف املنطقة حوا "استراتيجية اجملاهدين" وساعيهم‬
‫لتطبيق الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ويقوا ناشطون يف التنظيمني‪ :‬إنه بعد سقوط مديناة‬
‫تساليت وقاعدهتا العسكرية بأيدي أنصار الدين والقاعدة‪ ،‬تقرَّر أن ياتم تنظايم‬
‫رحالت دعوية لشرح أهداف "اجملاهدين"‪ ،‬وحماولة إقناع الناس هبا‪ ،‬مع توقياف‬
‫مؤقت للعمليات العسكرية‪ ،‬لكن االنقال العسكري الذي وقع يف باماكو بقيادة‬
‫النقيب أمادو سونغو غيََّّر من تفكري قادة احلركتني‪ ،‬ودفعهما ملهامجة مدينة كيداا‬
‫والسعي للسيطرة عليها‪ ،‬قبل أن تتساق باقي مدن أزواد تباعًا‪.‬‬

‫ياد عرالي‪ :‬من "الكفاح" لى "الج اد"‬


‫مؤسس "مجاعة أنصار الدين" وقائدها هو الدبلوماسي املايل الساابق يف جادة‪،‬‬
‫إياد أغ أغايل‪ ،‬وهو من أعيان قبيلة "إيريكان" اليت تنتمي لقبائل"اإلفوغاس" الطارقياة‪،‬‬
‫وزعيم سابق للمتمردين الطوارق‪ ،‬قاد مواجهاهتم مع اجليش املاايل خاالا بداياة‬
‫تسعينات القرن املاضي‪ .‬وقد اعتمدت "مجاعة أنصار الدين" عند تأسيسها يف شاهر‬
‫نوفمرب‪/‬تشرين الثا عام ‪ 5155‬على مقاتلني من متمردي تنظيم "حتالف مايو" الاذي‬
‫أسسه الزعيم الطارقي الراحل "إبراهيم أغ باهانغا" سنة ‪ 5111‬قبل وفاته يف حاادث‬
‫سري مبنطقة أدرار اإلفوغاس مشاا أزواد‪ ،‬يف أواخر أغسطس‪/‬آ عام ‪ ،5155‬عشاية‬
‫عودته من ليبيا عقب اهنيار نظام العقيد القذايف‪ ،‬وقد تويف "باهانغا" أثنااء اساتعداده‬
‫إلطالق ثورة مسلحة جديدة يف أزواد‪ .‬وينتمي معظم عناصر "مجاعة أنصار الادين"‬
‫إىل قبائل "اإلفوغاس"‪ ،‬وهي قبائل الشوكة والسالح والقيادة يف اجملتمع الطارقي‪ ،‬وقد‬
‫انضم إليهم بع املقاتلني من القبائل الطارقية امخرى‪ ،‬لكنهم كانوا قلة باملقارنة ماع‬
‫حجم وجود أبناء اإلفوغاس يف احلركة‪ ،‬كما استفاد إيااد أغ أغاايل مان حركاة‬
‫انضمامات واسعة لعناصر "احلركة الوطنية لتحرير أزواد" اليت تقاتل من أجل استقالا‬
‫الدولة امزوادية بعد هزمية هذه امخرية أمام مقاتلي "حركة التوحيد واجلهاد يف غر‬
‫إفريقيا" وكتيبة "امللثمون" يف مدينة "غاوا" منتصف شهر يونيو‪/‬حزيران عام ‪.5155‬‬
‫‪114‬‬
‫ويُعرف قائد مجاعة أنصار الدين إياد أغ أغايل" (أغايل حترياف السام علاي‬
‫بالتماشقية الطارقية؛ منَّ العني ليست من امحرف املنطوقة يف لغة التماشق‪ ،‬كما أهناا‬
‫تسبق عادة باهلمزة عند النطق هبا) املك "أبو الفضل" بأنه كان تا توجُّه ليربايل قومي‬
‫يف بداية مشواره النضايل‪ ،‬وكان من أوائل شبا الطوارق الذين التحقوا بليبيا‪ ،‬وقاتل‬
‫يف جنو لبنان مع املئات من أبناء الطوارق والعر امزواديني الذين أرسلهم معمار‬
‫القذايف يف الفترة ما بني ‪ 5915‬و‪ 5914‬للقتاا ضد القوات اإلسرائيلية ودعم الفادائيني‬
‫الفلسطينيني‪ ،‬كما شارك مع اجليش الليباي يف احلر اليت خاضتها ليبيا ضد تشااد؛‬
‫بسبب نزاع البلدين على إقليم "أوزو" احلدودي بينهما خالا الفترة ماا باني ‪5911‬‬
‫و‪ .5919‬ويقوا نشطاء من الطوارق عاصروا تلك احلقبة‪ :‬إن العشرات مان شابا‬
‫الطوارق والعر امزواديني قاتلوا مع القوات الليبية خالا حرهبا مع تشاد‪ ،‬بناء علاى‬
‫وعد من معمر القذايف بدعمهم يف نضاهلم من أجل حترير أزواد‪ ،‬لكنه تراجاع عان‬
‫الوعد بعد انتهاء القتاا مع تشاد‪ ،‬وحاوا استيعاهبم يف كتائب عسكرية تابعاة لاه‪،‬‬
‫وعمالة الشركات النفطية‪ ،‬ويف هناية عقد الثمانينات عاد إياد أغ أغايل ومئاات مان‬
‫شبا الطوارق والعر إىل أزواد قادمني من ليبيا واجلزائر ليؤسس مع بع القاادة‬
‫امزواديني حركة انفصالية تطالب باستقالا إقليم أزواد عن دولة مايل‪ ،‬وتعتمد هناج‬
‫"الكفاح املسلح" وقد توىل هو قيادهتا العسكرية‪ ،‬وتوىل "أمحد ولد سايدي حمماد"‬
‫املنحدر من قبيلة "أوالد إعيش" الرببوشية قيادهتا السياسية(‪.)1‬‬
‫لكن إياد أغ أغايل انفصل عن احلركة وأسس حركة خاصة بالطوارق عُرفت‬
‫باسم "احلركة الشعبية لتحرير أزواد"‪ ،‬بينما أسس العر حركة خاصة هبم تسمى‬
‫"احلركة العربية اإلسالمية لتحرير أزواد"‪ ،‬وقد بدأت "احلركة الشعبية" نشااطاهتا‬
‫املسلحة سنة ‪ ،5991‬وكانت أوا عملية تقوم هبا‪ ،‬هي االشتباك مع القوات املالية‬
‫يف بلدة "تيمدغني" بأقصى مشاا أزواد‪ ،‬مث تلتها عمليات أخرى كان من أشاهرها‬
‫اهلجوم على مدينة "منيكا" اليت توجد يف ضاحيتها قاعدة "أمشش" العساكرية‪ ،‬مث‬

‫‪9‬‬ ‫(‪ )1‬السامل‪ ،‬محاه اهلل‪" ،‬أزواد اممازيغية‪ :‬احلوض املايل"‪ ،‬موقع احلرة‪( ،‬تاريخ الادخوا‪:‬‬
‫أغسطس‪/‬آ ‪:(5154‬‬
‫‪http://www.elhora.info/online/index.php?option=com_content‬‬

‫‪115‬‬
‫اهلجوم الحقًًا على بلدة "أبيربا"‪ ،‬وكان احلظ حليفًًا للمتمردين الطوارق يف تلاك‬
‫العمليات‪ ،‬اممر الذي زاد من محاسهم للقتاا واستمرار التمرد‪ ،‬ومتكن إيااد أغ‬
‫أغايل من إقامة قاعدة ثابتة ملقاتليه على أراضي أزواد موا مرة يف بلدة "جتريرت"‬
‫التابعة ملنطقة "منيكا"؛ حيث اختذ منها منطقة لقيادة العمليات وترتياب شاؤون‬
‫مقاتليه‪ ،‬لكنه سرعان ما أنشأ موقعًًا ثانيًًا يف جبل "تغرغارت" يف أقصى مشاا شرق‬
‫أزواد‪ ،‬ونقل إليه مركز القيادة‪.‬‬
‫ال‪ ،‬فقد فتكت هبا‬ ‫غري أن متاسك "احلركة الشعبية لتحرير أزواد" مل يعمر طوي ً‬
‫العصبية اإلثنية واحلمية القبليَّة وعانت انشقاقات كبرية‪ ،‬خصوصًًاا بعاد قباوا‬
‫زعيمها إياد أغ أغايل باتفاق متنراست الذي وُقِّع باجلزائر يف يناير‪/‬كانون الثا عام‬
‫‪ ،5995‬بعد حوايل ستة أشهر من املواجهات واملعارك مع اجلايش املاايل‪ ،‬وقاد‬
‫تأسست تلك االنشقاقات داخل احلركة على أساس قبلي؛ حيث انشقت عناها‬
‫"اجلبهة الشعبية لتحرير أزواد" وكان من أبرز قادهتا عيسى أغ سيد حممد املعروف‬
‫باسم "عيسى فوقا"‪ ،‬والضاب "الصالة أغ خباي" املوجود حاليًًّّاا يف صافوف‬
‫احلركة الوطنية لتحرير أزواد‪ ،‬وهي أساسًًا مؤلفة من مقاتلي قبائال "مشناامس"‬
‫الطارقية‪ .‬كما انشقت عنها أيضًًا حركة أخرى حتمل اسم "اجليش الثوري لتحرير‬
‫أزواد" بقيادة "عبد الرمحن كال" القنصل املايل حاليًًّّا يف متنراست باجلزائر‪ ،‬و"اهلجي‬
‫أغ غامو" القائد احلايل للمنطقة العسكرية لشماا مايل‪ ،‬وهي حركة مؤلفة أساسًًا‬
‫من قبائل "اإلميغاد" الطارقية‪ ،‬بينما احتفظ إياد أغ أغاايل ورفاقاه مان قبائال‬
‫اإلفوغاس واإليدان وبع القبائل امخرى باسم "احلركة الشعبية لتحرير أزواد"‪.‬‬
‫وبعد أن وقَّع "إياد أغ أغايل" اتفاق متنراست برعاية جزائرية مع احلكوماة‬
‫املالية‪ ،‬شارك مع القوات املالية يف إخضاع احلركات امخرى الرافضة لالتفاقياة‬
‫بالقوة‪ ،‬كاجليش الثوري لتحرير أزواد‪ ،‬واجلبهة الشعبية لتحرير أزواد‪ ،‬واحلركاة‬
‫العربية اإلسالمية لتحرير أزواد‪ ،‬اممر الذي أثار صراعات قوياة باني القبائال‬
‫والعرقيات يف اإلقليم؛ بسبب توزيع اجلبهات واحلركات على أساس قبلي‪ .‬كماا‬
‫سبَّب قتاا إياد أغ أغايل وعناصره ضد باقي احلركات املتمردة يف خلق عاداوات‬
‫له داخل احلركات امخرى غذَّاها تاريخ من الصراع بني قبائل اإلفوغاس والقبائل‬
‫‪116‬‬
‫امخرى‪ ،‬وقد تعرض طاوالت اغتياا عديدة جنا منها‪ .‬وباملقابال قاام املااليون‬
‫مبوجب االتفاق‪ ،‬بإدماج املقاتلني التابعني حلركته وغريها من احلركات اليت وقَّعت‬
‫بعد تلك على اتفاقية السالم‪ ،‬يف اجليش املايل‪ ،‬حساب رتباهم العساكرية يف‬
‫التنظيمات‪ ،‬وعرض املاليون على إياد أغ أغايل ‪-‬حسب ما نقل يل أحاد قاادة‬
‫التمرد السابقني‪ -‬رتبة جنراا يف اجليش املايل‪ ،‬وحاكمًًا ملنطقة كيداا‪ ،‬مث عُيِّن بعد‬
‫تلك نائبًًا لقنصل مجهورية مايل يف جدة باململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫ويف هناية تسعينات القرن املاضي انضم إياد أغ أغاايل إىل مجاعاة الادعوة‬
‫والتبليغ؛ حيث كان ميارس نشاطاته الدعوية يف بع مساجد مايل وموريتانياا‪،‬‬
‫وزار مراكز مجاعة الدعوة والتبليغ يف باكستان‪ ،‬كماا لعاب دور الوساي يف‬
‫عمليات حترير بع الرهائن الغربيني لدى تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلساالمي‬
‫يف مشاا مايل‪ ،‬وقد أبعدته سلطات اململكة العربية السعودية عن أراضايها سانة‬
‫‪ 5111‬بعد أن أصبحت حتوم حوله الشبهات؛ بسبب عالقاته املفترضة مع شبكات‬
‫جهادية‪ .‬ومع سقوط نظام العقيد معمر القذايف يف ليبيا وعودة آالف املقاتلني مان‬
‫الطوارق إىل أزواد إثر هزمية قوات كتائب القذايف اليت كانوا يقاتلون فيها‪ ،‬ظهار‬
‫إياد أغ أغايل يف أزواد‪ ،‬واتصل ببع رفاق دربه يف السالح من أمثاا "الشيخ أغ‬
‫أوسا" و"أمحد أغ بيباي" ومتركز يف جباا اإلفوغاس باجلزء الشمايل مان أزواد‬
‫املعروف باسم "أدرار اإلفوغاس" بأقصى مشاا شرق مايل؛ حيث يسيطر مقااتلو‬
‫تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي على تلك السلسلة اجلبلية‪ ،‬ومتكَّن من مجاع‬
‫عشرات املقاتلني من قبائل اإلفوغاس اليت ينتمي إليها‪ ،‬ويف نوفمرب‪/‬تشرين الثا عام‬
‫‪ 5155‬أعلن عن ميالد "مجاعة أنصار الدين" كحركة جهادية شعبية‪.‬‬

‫الةراكة اإلىالمية مع القاىدأ‬


‫كان مسؤوا اإلعالم يف كتيبة "امللثمون" التابعة حينها لتنظايم القاعادة‪،‬‬
‫احلسن ولد اخليل املك "جليبيب"‪ ،‬هو القناة اإلعالمية جلماعة "أنصار الادين"‬
‫واحلركات املتحالفة معها خالا امسابيع اموىل للمعارك مع اجليش املايل‪ ،‬قبال‬
‫السيطرة على املدن الكربى يف أزواد‪ ،‬اليت ظهر بعدها يف مدينة متبكتو املتحادث‬
‫‪117‬‬
‫اإلعالمي باسم احلركة سندة ولد بوعمامة املك "أبو عمر"‪.‬‬
‫فقد كان أوا ظهور السم "مجاعة أنصار الادين" يف اإلعاالم هناياة شاهر‬
‫ديسمرب‪/‬كانون اموا ‪ ،5155‬عندما اتصل باي "جليبيب" ‪-‬باعتباري صحفيًًّّا مهتمًّا‬
‫باملنطقة واحلركات املسلحة فيها‪ -‬ليسألين إن كنت مسعت مبيالد حركاة جهادياة‬
‫طارقية جديدة يقودها القنصل املايل يف جدة سابقًًا إياد أغ أغايل‪ ،‬مث بدأ يساتطرد يف‬
‫ال‪ :‬إن إياد أغ أغايل ظهر يف جباا أدرار اإلفوغاس‪ ،‬والتف حولاه عادد‬ ‫احلديث قائ ً‬
‫كبري من املقاتلني من قبائل اإلفوغاس بينهم ضباط سابقون يف اجليش املايل وآخارون‬
‫عائدون من ليبيا ومتمردون سابقون‪ ،‬وأعلن عن تأسيس حركة شعبية جهادية "تسعى‬
‫لتطبيق الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وإعادة االعتبار لعلمااء الادين يف املنطقاة"‪ ،‬وواصال‬
‫"جليبيب" اتصاالته باي بعد تلك خالا امسابيع التالية‪ ،‬مروِّجًًا خلطاا "مجاعاة‬
‫أنصار الدين" ومتحدثًًا عن أخبارهم وأنباء معاركهم‪ ،‬وملا طلبت منه تزويدي بعناوان‬
‫املسؤوا اإلعالمي جلماعة "أنصار الدين" بُغية االتصاا به‪ ،‬أبلغين بأنه حاليًًّّا هو مان‬
‫يتوىل مسؤولية اإلعالم لتلك اجلماعة‪ ،‬بتعليمات من قائدها إياد أغ أغاايل‪ ،‬وتعهََّّاد‬
‫مبوافايت بكل جديد يتعلق باحلركة ونشاطاهتا ومعاركها‪.‬‬
‫وكان أوا عمل عسكري تقوم به "مجاعة أنصار الدين" يف يناير‪/‬كانون الثاا‬
‫عام ‪ ،5155‬حني هاجم مقاتلوها مبعية عناصر القاعدة مدينة "أجلهوك" بشماا أزواد؛‬
‫حيث توجد قاعدة عسكرية للجيش املايل‪ ،‬وأتذكر أنه عند بدء املعركة وصلتين رسالة‬
‫نصية عرب اهلاتف فجرًًا من "جليبيب"‪ ،‬جاء فيها‪" :‬مدينة أجلهوك حتت النار"‪ ،‬وبعاد‬
‫االتصاا به أخرب أن مقاتلي "مجاعة أنصار الدين" هامجوا املدينة‪ ،‬وأنه هو شخصايًًّّا‬
‫يوجد على بُعد حوايل ‪ 55‬كلم من املدينة ويتابع املعركة عان قار ‪ ،‬مضايفًًا أن‬
‫هجومهم بدأ يف حدود الساعة اخلامسة ومخس وأربعني دقيقة فجارًًا‪ ،‬وأن املعركاة‬
‫استخدمت فيها امسلحة الثقيلة واملتوسطة ورامجات الصواريخ‪.‬‬
‫وبعد سيطرة "أنصار الدين" على "أجلهوك"(‪ ،)1‬أعلنت "احلركاة الوطنياة‬

‫(‪" )1‬تفاصيل جديدة عن هجوم أنصار الدين على أجلهوك"‪ ،‬وكالة نواكشوط لألنبراء‪،‬‬
‫(تاريخ الدخوا‪ 9 :‬أغسطس‪/‬آ ‪:)5154‬‬
‫‪http://ani.mr/?menuLink=9bf31c7ff062936a96d3c8bd1f8f2ff3‬‬

‫‪118‬‬
‫لتحرير أزواد" يف تصريح للناطق اإلعالمي بامسها‪ ،‬أهنا هي اليت سايطرت عليهاا‬
‫إضافة إىل مدينة "منيكا"‪ ،‬فجاء رد "أنصار الدين" على لسان "جليبيب" نفساه‪،‬‬
‫الذي أكد أن مجاعة "أنصار الدين" هي اليت سيطرت على مدينة "أجلهوك"‪ ،‬نافيًًا‬
‫أن تكون احلركة الوطنية شاركت يف اهلجوم عليها‪ ،‬وأعطى تفاصيل أكثار عان‬
‫معركة "أجلهوك"؛ حيث أكد أن مقاتلي "مجاعة أنصار الدين" واجهوا صعوبة يف‬
‫اقتحام املدينة يف البداية؛ بسبب التحصينات الكبرية والقوية لقاعدهتا العساكرية‪،‬‬
‫واملقاومة اليت أبداها العسكريون املاليون املتحصنون فيها‪ ،‬لكنهم قرروا حماصارهتا‬
‫وقطع اإلمدادات عنها‪ ،‬وتلك عرب نصب كمائن على الطرق الثالثة اليت تؤدي إىل‬
‫املدينة‪ ،‬وهي الطريق الراب بينها وبني مدينة كيداا‪ ،‬والطريق الذي يرب بيناها‬
‫وبني مدينة تساليت‪ ،‬والطريق الثالث الراب بينها وبني مدينة غاوا‪ .‬وخالا الياوم‬
‫الثا على حماصرة املدينة وأثناء دراسة قادة "أنصار الدين" خلطة اقتحامهاا بعاد‬
‫فشل حماولتهم السابقة‪ ،‬اقتر منها رتل عسكري من اجليش املايل بقيادة الضاب‬
‫"حممد ولد ميدو" الذي ينتمي لقبيلة "ترمز" العربية يف أزواد‪ ،‬قادمًًا مان مديناة‬
‫غاوا‪ ،‬ومبعيته ‪ 71‬سيارة عابرة للصحاري‪ ،‬و‪ 7‬شاحنات‪ ،‬ومادرعتان وصاهريج‬
‫وقود‪ ،‬وحني وصل "ولد ميدو" إىل مشارف املدينة اشتبك مع كماني ملقااتلي‬
‫ال‪ ،‬ويف اليوم التايل اشاتدت املواجهاة‪،‬‬ ‫"مجاعة أنصار الدين"‪ ،‬واستمر القتاا لي ً‬
‫ومتكن مقاتلو "أنصار الدين" من تدمري إحدى املدرعتني وإصاابة بارج الثانياة‬
‫واالستيالء على شاحنات نُصب عليها سالح من نوعيََّّة ‪ ،54,1‬وقد أصيب "ولاد‬
‫ميدو" يف تلك املواجهة جبروح طفيفة‪ ،‬ومتكَّن من االنسحا يف املدرعاة الايت‬
‫أصيب برجها‪ ،‬وقُتل عدد من جنوده ووقع آخرون يف امسر‪.‬‬
‫وباعتباره ناطقًًا باسم املقاتلني اإلساالميني يف أزواد قادَّم "جليبياب" يف‬
‫ال إهنم متكناوا‬ ‫تصرحياته حصيلة املعركة النهائية للسيطرة على مدينة أجلهوك‪ ،‬قائ ً‬
‫من وضع اليد على خمزون ضخم جدًًّّا من امسلحة والذخرية يف قاعدهتا العسكرية‪،‬‬
‫عساكريًّا‬
‫ًّ‬ ‫وخمزون كبري من املواد الغذائية‪ ،‬وأن احلصيلة النهائية متثلت يف قتل ‪19‬‬
‫ماليًّا‪ ،‬وأسر ‪ 9‬منهم‪ ،‬بينما قتل ‪ 53‬من عناصر "مجاعة أنصاار الادين" وتنظايم‬
‫القاعدة املتحالف معها‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫وقد حسمت احلكومة املالية اجلدا اإلعالمي ساعتها حوا هوية اجلهة الايت‬
‫سيطرت على مدينة "أجلهوك"‪ ،‬وأكدت أن مقاتلي مجاعاة "أنصاار الادين"‬
‫مدعومني مبقاتلي تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي هم من سيطروا عليهاا‪،‬‬
‫واهتمتهم بارتكا مذحبة ضد اجلنود املاليني الذين سلموا أنفسهم بعاد مهامجاة‬
‫القاعدة العسكرية باملدينة‪.‬‬
‫كان استطرادي يف هذا السرد لتفاصيل معركاة السايطرة علاى مديناة‬
‫"أجلهوك" وقاعدهتا العسكرية‪ ،‬لتوضيح مدى التحالف املبكر الذي حصل باني‬
‫"مجاعة أنصار الدين" وتنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬ويف وقت الحاق‬
‫"مجاعة التوحيد واجلهاد بغر إفريقيا"‪ ،‬وهو حتالف مل يكن قادة مجاعة "أنصاار‬
‫الدين" لينفوه‪ ،‬بل إن زعيمهم إياد أغ أغايل قاا يف أوا خطا له عرب إتاعة حملية‬
‫يف مدينة متبكتو بعد سيطرهتم عليها‪ :‬إن طرد القوات املالية من أزواد مت بالتعااون‬
‫بني حركته ومن مسَّاهم اجملاهدين‪ ،‬يف إشارة إىل مقاتلي تنظيم القاعدة ببالد املغر‬
‫اإلسالمي ومجاعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا‪ .‬ويف نفس اخلطا كشاف‬
‫ال‪ :‬إن "من أهم وسائل‬ ‫إياد أغ أغايل عن حقيقة اميديولوجية اجلهادية جلماعته قائ ً‬
‫مجاعة أنصار الدين لتحقيق أهدافها املتمثلة يف إقامة الدين‪ ،‬هو جهاد املمتنعني عن‬
‫الشريعة وقتاهلم؛ حىت ال تكون فتنة ويكون الدين كله هلل"(‪.)1‬‬
‫كما أعلنت "مجاعة أنصار الدين" يف بيان أصدرته بعد سيطرة مقاتليها ماع‬
‫حلفائها على كربيات املدن يف أزواد‪ ،‬أن هدفها ليس انفصاا إقليم أزواد عن دولة‬
‫مايل‪ ،‬وإمنا تطبيق الشريعة اإلسالمية فيه ويف كافة أراضي مجهورية مايل‪ ،‬وإهنااء‬
‫الصبغة العلمانية للدولة املالية‪.‬‬
‫لكن الشيخ أغ أوسا نائب أمري مجاعة "أنصار الدين" السابق نفاى خاالا‬
‫حديث دار بيين وبينه أن يكون تلك التحالف نامجًًاا عان اتفااق فكاري أو‬
‫أيديولوجي بني "أنصار الدين" وتنظيم "القاعدة ببالد املغر اإلسالمي"‪ ،‬بل جاء‬

‫(‪" )1‬إياد أغايل‪ :‬اجملاهدون وأنصار الدين تعاهدوا على نصرة الشريعة وقتاا الرافضني هلا"‪،‬‬
‫وكالة نواكشوط لألنباء‪( ،‬تاريخ الدخوا‪ 51 :‬أغسطس‪/‬آ ‪:)5154‬‬
‫‪http://ani.mr/?menuLink=9bf31c7ff062936a96d3c8bd1f8f2ff3‬‬

‫‪101‬‬
‫بناء على طلب وإحلاح من قادة تنظيم القاعدة‪ ،‬واعتمادًًا على استراتيجية وضاعها‬
‫قادة "أنصار الدين" تقوم على توجيه سالح القاعدة الذي أوجدته احلكومة املالياة‬
‫ضدها؛ حيث يقوا الشيخ أغ أوسا‪ :‬إن الرئيس املايل الساابق "أماادو توماا‬
‫توري" هو من جلب القاعدة إىل أزواد ومكََّّن هلا فيه وتعامل معها‪ ،‬وغايتاه مان‬
‫تلك ضر احلركات التحررية يف أزواد والتشويش عليها وتلطيخ مسعتها عامليًًّّاا‬
‫وربطها باإلرها ‪ ،‬أمَّا ما قامت به "مجاعة أنصار الدين" فهاو توجياه ساالح‬
‫القاعدة الذي جاء به الرئيس املايل إىل صدور املاليني أنفسهم‪ ،‬واستخدامه يف طرد‬
‫قواهتم من أزواد‪ ،‬وهو ما جنحت فيه مجاعة أنصار الدين‪ ،‬حسب قوله‪.‬‬

‫جحالف حلر مع "الحركة الوطنية"‬


‫خالا احلر مع القوات املالية حتالفت "مجاعة أنصار الدين" اجلهادية أيضًًاا‬
‫مع احلركة الوطنية لتحرير أزواد العلمانية القومية‪ ،‬وخاض مقاتلو احلركتني معارك‬
‫مشتركة ضد القوات املالية خصوصًًا يف منطقة تساليت‪ ،‬لكنه حتالف ظل حاذ ًرًا‬
‫للغاية‪ ،‬وتعامل فيه الطرفان مع بعضهما مبنطق احلذر واالحتراز‪ .‬وهنا سأساتطرد‬
‫بع التفاصيل؛ لتوضيح حقيقة تلك التحالف وما شابه من توتر وانعدام ثقاة يف‬
‫العالقة بني الطرفني‪.‬‬
‫ففي السابع عشر من فرباير‪/‬شباط عام ‪ ،5155‬وأثناء حماصرة قاوات مان‬
‫احلركة الوطنية لتحرير أزواد لقاعدة "أمشش" العسكرية على مشاارف مديناة‬
‫"تساليت"‪ ،‬وهي قاعدة حصينة أقامها الفرنسيون قبل استقالا مايل‪ ،‬وتوصف بأهنا‬
‫امكثر حتصينًًا يف املنطقة‪ ،‬حاولت قوات من اجليش املايل التدخل لفاك احلصاار‬
‫عنها‪ ،‬غري أن مقاتلني من "مجاعة أنصار الدين" وتنظيم القاعدة بابالد املغار‬
‫اإلسالمي تصدوا لقافلة اإلمداد املالية واشتبكوا معها يف وادي "امنيادر" غار‬
‫"أمشش"‪ .‬ويف الثا من مارس‪/‬آتار تصدت قوات من "مجاعة أنصاار الادين"‬
‫والقاعدة أيضًًا لفيلقني عسكريني ماليني أحدمها بقيادة الكولونيل "اهلجي أغ آمو"‪،‬‬
‫والثا بقيادة الكولونيل "حممد ولد ميدو" ومنعومها من الوصاوا إىل القاعادة‬
‫العسكرية‪ ،‬وقد متكنت قوات أنصار الدين وتنظيم القاعدة من السايطرة علاى‬
‫‪100‬‬
‫اطاور الشمالية والشمالية الغربية القريبة من القاعدة العسكرية‪ ،‬بينماا سايطرت‬
‫قوات احلركة الوطنية لتحرير أزواد على اطاور اجلنوبية واجلنوبية الشرقية واجلنوبية‬
‫الغربية للقاعدة‪ .‬وكانت قوات احلركة الوطنية سبَّاقة طاصرة القاعدة العساكرية‬
‫وهي امقر خلطوط اهلجوم اممامية‪ ،‬وقد استغلت قوات "أنصار الدين" عملياة‬
‫قام هبا مقاتلو احلركة الوطنية هناية شهر فرباير‪/‬شباط ملالحقة قوات مالية كانات‬
‫حتاوا فك احلصار عن القاعدة العسكرية‪ ،‬فسارع مقاتلو مجاعة "أنصار الدين" إىل‬
‫احتالا املواقع املتقدمة اليت كانت قوات احلركة الوطنية تسيطر عليهاا وتركتاها‬
‫أثناء عملية مطاردة فلوا قوات اإلمداد املالية‪ ،‬وهو ما رفضته احلركاة الوطنياة‬
‫واعتربته خديعة من مقاتلي "أنصار الدين"‪ ،‬الذين احتلوا مواقع كانت يف قبضاتها‬
‫منذ أسابيع‪ ،‬وكاد اممر يتطور إىل إشكاا بني احلركتني‪ ،‬لكن اجتماعًًا عُقد باني‬
‫الطرفني حضره عن احلركة الوطنية لتحرير أزواد أمينها العام باالا أغ شاريف‪،‬‬
‫والقائدان امليدانيان امبارك أغ أكلي‪ ،‬والصالة أغ خباي‪ ،‬بينما حضره عن مجاعة‬
‫أنصار الدين قائدها إياد أغ أغايل‪ ،‬ونائبه الشيخ أغ أوسا‪ ،‬ووقَّع اجلانبان اتفاقًًاا‬
‫مكتوبًًا يقضي بأن تسحب مجاعة "أنصار الدين" وحلفاؤها مقاتليهم من املواقاع‬
‫املتقدمة القريبة من قاعدة "أمشش" العسكرية‪ ،‬ومتهل احلركة الوطنية لتحرير أزواد‬
‫ثالثة أيام القتحام القاعدة العسكرية والسيطرة عليها‪ ،‬وإن مل تتمكن مان تلاك‬
‫خالا اميام الثالثة تغادر مواقعها القتالية وتترك مهمة مهامجة القاعدة العساكرية‬
‫والسيطرة عليها ملقاتلي "مجاعة أنصار الدين"‪.‬‬
‫وقد ركَّزت قوات احلركة الوطنية لتحرير أزواد هجماهتاا علاى القاعادة‬
‫العسكرية خالا تلك اميام الثالثة على أمل أن تسيطر عليها‪ ،‬وفجر يوم السابت‬
‫‪ 51‬مارس‪/‬آتار ‪ 5155‬انتهت املهلة اليت اتفقت عليها احلركة مع مجاعاة "أنصاار‬
‫الدين"‪ ،‬ومل يتمكن مقاتلوها من اقتحام القاعدة العسكرية‪ ،‬فانسحبوا من حميطهاا‬
‫تنفيذًًا لالتفاق‪ ،‬وتلك بعد أن أهنكوا القوات املالية املتحصنة داخلها‪ ،‬واليت فرضوا‬
‫عليها حصارًًا حمكمًًا لعدة أسابيع‪ ،‬وتقدم مقاتلو مجاعة "أنصار الدين" مادعومني‬
‫بكتائب من تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬وبدؤوا اهلجوم خالا ساعات‬
‫الصباح اموىل‪ .‬وبعد يوم من املعارك متكنوا من اقتحام القاعدة العسكرية مسااء‬
‫‪101‬‬
‫والسيطرة عليها‪ ،‬واعتقلوا عشرات اجلنود الذين كاانوا يتحصََّّانون داخلاها‪،‬‬
‫وتقامست أنصار الدين واحلركة الوطنية الغنائم خصوصًًا امسلحة والذخرية الايت‬
‫كانت داخل القاعدة العسكرية‪ ،‬وتبادلتا االدعاءات بشأن حقيقة السيطرة علاى‬
‫املدينة؛ حيث ادَّعت كلٌّ منهما سيطرهتا عليها‪ ،‬وهو ما دفع "مجاعة أنصار الدين"‬
‫إىل تعيني جملس حملي لتسيري املدينة بامسها‪ ،‬أسندت رئاسته إىل القيادي يف اجلماعة‬
‫"إبراهيم أغ بنه" وهو ضاب سابق يف اجليش املايل من الطوارق انشق عن القوات‬
‫املالية‪ ،‬وانضم جلماعة "أنصار الدين"‪.‬‬
‫كما أن اخلربة العسكرية والتجربة الطويلة يف التمرد لزعيم مجاعة "أنصار الدين"‬
‫إياد أغ أغايل‪ ،‬واملتحالفني معه من عناصر تنظيم القاعدة بابالد املغار اإلساالمي‬
‫ومجاعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا‪ ،‬مكَّنتهم نسبيًًّّا من حشر احلركاة الوطنياة‬
‫لتحرير أزواد يف الزاوية وحماولة حرماهنا من حتقيق مكاسب استراتيجية علاى امرض‬
‫عرب ترك قوات احلركة هتاجم املدن والتجمعات السكانية لالصطدام بالسكان‪ ،‬والدفع‬
‫بقوات مجاعة "أنصار الدين" واحلركات املتحالفة معهاا حناو القواعاد العساكرية‬
‫والثكنات للسيطرة عليها‪ ،‬ووضع اليد على حمتوياهتا من خمازن امسالحة والاذخرية‪،‬‬
‫ومن ثَمَّ التحرك حنو بع امحياء الشعبية والتجمعات السكانية اليت ارتكاب فيهاا‬
‫مقاتلون حمسوبون على احلركة الوطنية أعماا انتقام‪ ،‬أو سلب وهنب؛ وتلك لتقادمي‬
‫"اجلهاديني" باعتبارهم خملِّصني ومنقذين من بطش اجليش املايل وانتقام احلركة الوطنية‪،‬‬
‫ورغم تلك استطاعت احلركة الوطنية بس سيطرهتا على أجزاء كابرية مان أزواد‪،‬‬
‫وكسبت مئات املقاتلني من خمتلف قبائل املنطقة‪.‬‬

‫الجيش المالي‪ :‬بداية االن يار في الةمام‬


‫شكَّل سقوط قاعدة "أمشش" العسكرية قر مدينة "تساليت" يف العاشر من‬
‫مارس‪/‬آتار عام ‪ 5155‬بيد "مجاعة أنصار الدين" بداية اهنيار اجليش املايل يف أزواد‪،‬‬
‫مث جاء االنقال العسكري الذي قاده النقيب "أمادو سونغو" يف بامااكو ضاد‬
‫الرئيس "أمادو توما توري" يف ‪ 55‬مارس‪/‬آتار ‪ ،5155‬ليوجِّه الضاربة القاضاية‬
‫ال‪ .‬وبعد وقوع االنقال واضطرا اموضاع يف‬ ‫ملعنويات اجليش املايل املنهارة أص ً‬
‫‪101‬‬
‫العاصمة باماكو وظهور بوادر اهلزمية املعنوية على القوات املالياة يف أزواد‪ ،‬الايت‬
‫اعتقل صغار الضباط فيها قادهتم‪ ،‬شكَّلت "مجاعة أنصار الدين" غرفاة عملياات‬
‫مشتركة مع تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي وحركة التوحيد واجلهاد بغر‬
‫إفريقيا‪ ،‬ووضعت احلركات الثالث خطة سريعة للسيطرة على املدن الكاربى يف‬
‫إقليم أزواد‪ ،‬مستغلني حالة االرتباك احلاصلة يف باماكو؛ حيث هامجت قوات من‬
‫"مجاعة أنصار الدين" مدعومة بعناصر من تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلساالمي‬
‫مدينة كيداا يف أقصى الشماا‪ ،‬واستغلَّ إياد أغ أغايل زعيم "أنصار الدين" البُعد‬
‫القبلي للمدينة اليت تقطنها أغلبية من قبائل اإلفوغاس اليت ينتمي إليها هو ومعظام‬
‫مقاتلي حركته؛ مما سهَّل مهمة سيطرهتم عليها‪ ،‬وإن كان واجه مقاومة شرسة من‬
‫الضاب "اهلجي أغ آمو" الطارقي املوايل لباماكو واملتحصن مع قواته داخل املدينة‪.‬‬
‫وقد كان للتاريخ املتوتر بني القبائل الطارقية امثر احلاسم يف تلك املعركة‪ ،‬فالعقيد‬
‫املايل "اهلجي أغ آمو" ينتمي لقبائل "اإلميغاد" الطارقية تات العداء التاارخيي ماع‬
‫قبائل "اإلفوغاس" اليت ينتمي إليها إياد أغ أغايل‪ ،‬كما أن "إياد" أسهم سنة ‪5995‬‬
‫يف إخضاع "اجليش الثوري لتحرير أزواد" بالقوة لصاحل مايل‪ ،‬حني كان "اهلجاي‬
‫أغ آمو" ومعظم رجاا اإلميغاد من بني قادة املتمردين؛ لذلك أساهمت احلمياة‬
‫القبلية وتبعات التاريخ يف حسم تلك املعركة لصاحل القائد "اإلفوغاسي" إيااد أغ‬
‫أغايل وقواته‪ ،‬على حسا القائد "اإلميغادي" اهلجي أغ آماو املتحاالف ماع‬
‫"البمبارة" و"السونغاي" يف اجلنو كما يصفه خصومه‪ ،‬وإن كان هاذا امخاري‬
‫قاوم بشراسة رغم اهنيار معنويات جنوده الذين كان وَ ْقع االنقاال العساكري‬
‫والفوضى يف جنو البالد قد ناا منهم‪.‬‬
‫وقبل حماولة مقاتلي "أنصار الدين" وحلفاائهم اقتحاام املديناة دخلاوا يف‬
‫مفاوضات مع "اهلجي أغ آمو"‪ ،‬ووضعوه أمام خيارين‪ ،‬أوَّهلما أن ينساحب مان‬
‫املدينة دون قتاا‪ ،‬والثا أن ينضم هو ومقاتلوه إىل "مجاعة أنصار الدين" مع التازام‬
‫بالعفو عن جنوده من غري امزواديني‪ ،‬أو الذين ال يرغبون يف االنضامام جلماعاة‬
‫"أنصار الدين"‪ .‬لكن املفاوضات فشلت‪ ،‬وبدأت قوات "أنصار الدين" التقدم حناو‬
‫مداخل املدينة‪ ،‬واشتبكت مع مقاتلي "اهلجي أغ آمو" وهم خلي من القوات املالية‬
‫‪104‬‬
‫ومليشيات من قبائل اإلميغاد‪ .‬وصباح يوم اجلمعة ‪ 71‬ماارس‪/‬آتار ‪ 5155‬متكنات‬
‫قوات "أنصار الدين" والقاعدة من اقتحام املدينة والسيطرة على أجزاء كبرية مناها‪،‬‬
‫بينما وصلت قوات من احلركة الوطنية لتحرير أزواد إىل بوَّابة املديناة املؤدياة إىل‬
‫مدينة "منيكا"‪ ،‬وسيطرت عليها والتزمت حبمايتها ومنع أي تسلل منها ضمن اتفاق‬
‫بينها وبني مجاعة أنصار الدين‪ .‬وقد حاوا قادة "مجاعة أنصار الدين" إلقاء القاب‬
‫على الكولونيل "اهلجي أغ آمو" باعتباره صيدًًا مثينًًا‪ ،‬لكن هذا امخري متكََّّان مان‬
‫مغالطة قوات احلركة الوطنية لتحرير أزواد بعد توغُّل مقاتلي "أنصار الدين" وتنظيم‬
‫القاعدة يف أحياء كيداا‪ .‬وصباح يوم السبت‪ ،‬أعلنت احلركة الوطنية لتحريار أزواد‬
‫أن "اهلجي أغ آمو" انضم إليها وأصبح عضوًًا فيها‪ ،‬ومسحت له مبغادرة املدينة ماع‬
‫جنوده عن طريق البوابة اليت تقع حتت سيطرة مقاتليها‪ ،‬ونشرت احلركاة الوطنياة‬
‫لتحرير أزواد على موقعها اإللكترو بيانًًا منسوبًًا للهجي أغ آمو يعلن فيه انضمامه‬
‫هلا‪ .‬وقد اعتربت قيادة احلركة انضمام الزعيم "اإلميغادي" إليهاا فتحًًاا عظيمًًاا‪،‬‬
‫ال عان‬ ‫خصوصًًا أن الرجل عُرف بشراسته يف القتاا وقوته وحنكته العسكرية‪ ،‬فض ً‬
‫جتربته كأحد قادة التمرد السابقني يف مطلع تسعينات القرن املاضي؛ حياث كاان‬
‫قائدًًا عسكريًًّّا فيما عُرف باجليش الثوري لتحرير أزواد‪ ،‬كما أنه يقود جمموعة كبرية‬
‫من قبائل اإلميغاد الطارقية تات العدد الكبري يف أزواد‪ ،‬واليت رفضات االخناراط يف‬
‫التمرد سنة ‪ ،5155‬وقد غادر "اهلجي أغ آمو" مدينة كيداا باجتاه حدود النيجار؛‬
‫حبُجَّة أنه سيوصل العسكريني املاليني من غري امزواديني الذين كانوا حتت إمرته إىل‬
‫مكان آمن‪ ،‬وعند وصوله إىل حدود النيجر ومبعيَّته مئات املقاتلني أعلان متساكه‬
‫بالوالء ملايل‪ ،‬ورفضه االنضمام للمتمردين‪.‬‬
‫وخالا معركة السيطرة على مدينة"كيداا" فَ َقدت مجاعاة أنصاار الادين‬
‫وتنظيم القاعدة وحركة التوحيد واجلهاد عددًًا من مقاتليهم من أبرزهم‪ :‬عثماان‬
‫خراشي صاا املك "حسان"‪ ،‬وهو موريتا انضم إىل كتيبة "امللثمون" التابعاة‬
‫إلمارة الصحراء يف اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا اجلزائرية‪ ،‬قبل أن ينتقل مناها‬
‫إىل "سرية الفرقان" بعد حتوُّا اجلماعة إىل تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلساالمي‪،‬‬
‫وظل يقاتل يف صفوفها إىل أن قُتل على مشارف مدينة كيداا‪.‬‬
‫‪105‬‬
‫الأيطرأ ى ى "راوا"‬
‫بعد السيطرة على مدينة كيداا من قِِبل قاوات مجاعاة "أنصاار الادين"‬
‫مدعومني بعناصر القاعدة‪ ،‬قام مقاتلو حركة التوحيد واجلهاد يف غار إفريقياا‬
‫وعناصر من كتيبة "امللثمون" فجر يوم السبت ‪ 75‬مارس‪/‬آتار باهلجوم على مدينة‬
‫"غاوا" عاصمة إقليم أزواد‪ ،‬واستغلَّ قادة حركة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا‬
‫حاضنتهم االجتماعية يف املدينة لبس السيطرة عليها؛ حيث ينحدر معظم قاادة‬
‫احلركة من قبائل "عر تلمسي"‪ ،‬اليت يقطن معظمها يف مدينة "غاوا" وضواحيها‪،‬‬
‫وسيطروا على القاعدة العسكرية يف املدينة‪ ،‬بعد مناوشات خفيفة مع فلوا القوات‬
‫املالية اليت كانت تنسحب من املدينة‪ ،‬وقُُتل يف تلك املناوشاات بعا عناصار‬
‫احلركتني من أبرزهم‪ :‬حممود ولد حممد سيدي أمحد الذي ينتمي لقبائال عار‬
‫تلمسي‪ ،‬وحممد امنصاري الطارقي الذي ينتمي لقبيلة كلنصار‪ ،‬بينما سيطر عناصر‬
‫احلركة الوطنية لتحرير أزواد على بع أحياء املدينة خصوصًًا "احلي الرابع" الذي‬
‫توجد به املبا اإلدارية‪ ،‬فضالً عن املطار‪.‬‬
‫لكن قوات حركة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا وكتيبة "امللثمون"‪ ،‬ظلت‬
‫تتحرك يف املدينة حبرية‪ ،‬إىل أن رصد عناصر منها يوم اخلميس ‪ 1‬إبريال‪/‬نيساان‬
‫‪ 5157‬حتركات داخل مبا القنصلية اجلزائرية يف املدينة‪ ،‬واليت كانت تقع حتات‬
‫سيطرة احلركة الوطنية لتحرير أزواد‪ ،‬فقاموا مبهامجة مبا القنصلية وإرغام مقاتلي‬
‫احلركة الوطنية لتحرير أزواد املكلفني حبراسته على مغادرة املكاان‪ ،‬مث اختطفاوا‬
‫القنصل اجلزائري وستة دبلوماسيني آخرين كانوا معه‪ ،‬ورفعوا علم مجاعة التوحيد‬
‫واجلهاد على سارية مب القنصلية‪ ،‬بعد أن أنزلوا العلم اجلزائري‪.‬‬

‫الوأاطة المرفوضة‬
‫كادت عملية اختطاف الدبلوماسيني اجلزائريني يف "غاوا" تعصف بالتحالف‬
‫بني "مجاعة أنصار الدين" و"حركة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا"‪ ،‬خصوصًًاا‬
‫بعد رف امخرية لوساطة قام هبا قادة أنصار الدين لتحرير الرهائن اجلزائاريني؛‬
‫حيث أوفد إياد أغ أغايل نائبه الشيخ أغ أوسا إىل مدينة "غاوا" يف مهمة وسااطة‬
‫‪106‬‬
‫لإلفراج عن الدبلوماسيني اجلزائريني‪ ،‬وقابل هذا امخري املختار بلمختاار أماري‬
‫"كتيبة امللثمون"‪ ،‬وطلب منه التوس لدى قادة "التوحيد واجلهاد" إلخالء سابيل‬
‫الدبلوماسيني اجلزائريني‪ ،‬لكن بلمختار ردَّ عليه أن عناصار كتيبتاه مل خيتطفاوا‬
‫الرهائن وال عالقة هلم بالعملية‪ ،‬وأن قناعته وضمريه ال يطاوعانه للتوس لإلفراج‬
‫عمَّن يعتربهم عمالء للحكومة اجلزائرية‪ ،‬وطلب من الشيخ أغ أوسا أن يتحادث‬
‫مباشرة إىل قادة "مجاعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا"؛ حيث التقى باملسؤوا‬
‫الشرعي للجماعة "محاد ولد حممد اخلريي"‪ ،‬الذي دعا قادة مجاعته لالجتماع مع‬
‫الشيخ أغ أوسا واالستماع إليه‪ .‬وخالا االجتماع قاا الشيخ أغ أوساا لقاادة‬
‫مجاعة التوحيد واجلهاد ‪-‬حسب ما روى يل‪ :-‬إن "أنصار الدين" تعتارب عملياة‬
‫اختطاف الدبلوماسيني اجلزائريني يف غاوا بعد سيطرة احلركات اجلهادياة عليهاا‬
‫خطأ كبريًًا وأمرًًا بالغ اخلطورة‪ ،‬ويسيء إىل مسعتهم ويضر مبصاحل امزواديني‪ ،‬وأن‬
‫عملية االختطاف لو حصلت يف مكان خارج أزواد ملا تدخلت "مجاعاة أنصاار‬
‫الدين" يف املوضوع‪ ،‬وطلب منهم اإلفراج عن الدبلوماسيني اجلزائريني اطتجازين‬
‫لديهم‪ .‬لكن أمري مجاعة التوحيد واجلهاد أمحد ولد عامر املك "أمحد التلمساي"‬
‫ردَّ برف طلب الشيخ أغ أوسا‪ ،‬مربرًًا تلك بالقوا‪ :‬إن اجلزائر حتار من مساهم‬
‫اجملاهدين وتعتقل عشرات من "اإلخوة"‪ ،‬وهذه فرصة ملقايضتهم وحتريرهم‪ ،‬وجيب‬
‫أن ال يتم التفري فيها‪ .‬وغادر الشيخ أغ أوسا مدينة "غااوا" غاضابًًا بعاد أن‬
‫رفضت حركة التوحيد واجلهاد وساطته لإلفراج عن الدبلوماسيني اجلزائريني‪.‬‬

‫الأيطرأ ى ى جمبكجو‬
‫أما مدينة متبكتو فقد توجهت إليها قوات من احلركة الوطنية لتحريار أزواد‬
‫كانت تراب يف مدينة "لرية" قر احلدود مع موريتانيا بُغية السيطرة عليها‪ ،‬لكنها‬
‫تلقت حتذيرات من املليشيات العربية (مليشيات من قبائل الربابيش) اليت انتشارت‬
‫يف املدينة صبيحة هرو القوات املالية منها‪ ،‬وهددت تلك املليشيات بالتصادي‬
‫لقوات احلركة الوطنية إتا حاولت الدخوا عنوة إىل املدينة‪ ،‬وبقي مقاتلو احلركاة‬
‫على بُعد حوايل سبعة كيلومترات من املدينة انتظارًًا ملا ستسفر عنه املفاوضات بني‬
‫‪107‬‬
‫قادة املليشيات العربية وقيادة احلركة الوطنية‪ ،‬وبعد مغادرة القوات املالية هلا علاى‬
‫عجل‪ ،‬باشرت عناصر من تلك املليشيات العربية عمليات هنب وسلب استهدفت‬
‫مقار القيادة العسكرية والبنوك وبع املؤسسات العمومية‪ ،‬وعاشت املدينة يومًًاا‬
‫مرعبًًا من السلب والنهب‪ .‬وفجأة ويف وقت متأخر من مساء الثا مان شاهر‬
‫إبريل‪/‬نيسان‪ ،‬فوجئ سكان املدينة بضجيج السيارات وقعقعة السالح‪ ،‬وعشارات‬
‫الرجاا املسلحني وهم يدخلون املدينة؛ ليتبني أن اممر يتعلق بكتائب من تنظايم‬
‫القاعدة ببالد املغر اإلسالمي يقودها أمري سرية "الفرقان" "حيىي أباو اهلماام"‪،‬‬
‫وأمري كتيبة طارق بن زياد "عبد احلميد أبو زيد"‪ ،‬وقد سيطروا على املديناة دون‬
‫قتاا‪ ،‬وانقسمت املليشيات العربية داخلها إىل قسمني؛ حيث أعلنت جمموعة منهم‬
‫بقيادة العقيد حسني غالم انضمامها للحركة الوطنية لتحرير أزواد اليت ساارعت‬
‫لبس سيطرهتا على املطار وامحياء اجملاورة له‪ ،‬بينما رفضت جمموعة أخرى تلك‬
‫واحتفظت بوالئها للدولة املالية وانسحب عناصرها إىل غار املديناة‪ ،‬لكان‬
‫ت عن قرارهاا‪ ،‬وشاكَّلت‬ ‫اجملموعة اليت ساندت احلركة الوطنية سرعان ما عَ َدَل ْ‬
‫مليشيات عُرفت باسم "اجلبهة الوطنية لتحرير أزواد" (‪ ،)FNLA‬وأسندت قيادهتا‬
‫العسكرية لكل من املقدم حسني غالم‪ ،‬وإبراهيم ولد حنده‪ ،‬بينما تاوىل حمماد‬
‫اممني ولد سيدايت منصب أمينها العام‪.‬‬
‫وبعد سيطرة تنظيم القاعدة على مدينة متبكتو د َّ الذعر يف صفوف الساكان‪،‬‬
‫خصوصًًا بعد أن راجت شائعات عن عزم عناصر القاعدة االنتقام من بعا قبائال‬
‫"الربابيش" الذين شاركوا يف احلر ضدهم خالا السنوات السابقة‪ ،‬لكان إيااد أغ‬
‫أغايل زعيم مجاعة "أنصار الدين" املتحالفة مع تنظيم القاعدة‪ ،‬وصل إىل املدينة وأعلان‬
‫أن السيطرة وإن كانت ميدانيًًّّا لعناصر تنظيم القاعدة فإهنا متت باسم "مجاعة أنصاار‬
‫الدين"‪ ،‬وأن "اجملاهدين" مل يأتوا لتصفية احلسابات‪ ،‬مث انتد القيادي يف مجاعة أنصار‬
‫الدين "سندة ولد بوعمامة"‪ ،‬املنحدر من قبيلة "أوالد إعيش" كواجهة إعالمية حلكاام‬
‫املدينة اجلدد‪ .‬كما سعى قادة القاعدة من خالا كلمات ألقوها يف املساجد وامسواق‬
‫والتجمعات وزيارات قاموا هبا لبع الشيوخ‪ ،‬إىل طمأنة السكان‪ ،‬وأهنام جااؤوا‬
‫إلقامة الدين وتطبيق الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ومل يأتوا لتصفية احلسابات مع أي كان‪.‬‬
‫‪108‬‬
‫وتأكيدًًا على أن توزيع احلركات للسايطرة علاى والياات إقلايم أزواد‬
‫ال منسقًًا ومنظمًًا‪ ،‬وضمن حتالف تقوده مجاعة "أنصاار الادين"‬
‫الثالث كان عم ً‬
‫حرص إياد أغ أغايل على زيارة مدينيت غاوا ومتبكتو فاور سايطرة املسالحني‬
‫اإلسالميني عليهما‪ ،‬قبل أن يستقر يف كيداا‪ ،‬وتلك يف رسالة واضحة للساكان‬
‫والرأي العام أنه هو سيِّد تلك احلر وقائدها‪ ،‬وأن اجلماعاات اجلهادياة إمناا‬
‫تسيطر على تلك املدن باسم مجاعته‪ ،‬أو على امقل بالتحالف معها‪ ،‬كما عماد‬
‫إىل تعيني بع عناصره حكامًًا على تلك املدن وإن كان أغلباهم ظالَّ يتاوىل‬
‫منصبه بصورة رمزية يف ظل سيطرة احلركات امخرى على زمام اممور بشاكل‬
‫عملي‪.‬‬
‫وقد عمدت "مجاعة أنصار الدين" واحلركات اجلهادية امخارى املتحالفاة‬
‫معها إىل انتهاج سياسة اطاصصة مع احلركة الوطنياة لتحريار أزواد يف توزياع‬
‫السيطرة على اإلقليم؛ حيث سيطرت احلركاة الوطنياة علاى مطاار متبكتاو‬
‫واحلي اجملاور له‪ ،‬كما سيطرت على مطار مدينة غاوا وبعا أحيااء املديناة‪،‬‬
‫وكان هلا حضور متواضع يف بع أحياء مدينة كيداا‪ ،‬كما بساطت سايطرهتا‬
‫بشكل كامل على مدن أخرى مثل منيكا وأنفيف ولرية‪ ،‬قبل أن تتركهاا بعاد‬
‫املواجهات اليت دارت بني مقاتليها وعناصر اجلماعات اإلسالمية املسلحة منتصف‬
‫عام ‪.5155‬‬

‫"اجفاق اندماج" ولد ميجا‬


‫وقَّعت مجاعة "أنصار الدين" يف أواخر مايو‪/‬أيار عام ‪ 5155‬اتفاقًًا مع احلركة‬
‫الوطنية لتحرير أزواد‪ ،‬يقضي باندماجهما يف حركة واحادة‪ ،‬وتأسايس دولاة‬
‫إسالمية يف أزواد تُطبق فيها الشريعة اإلسالمية(‪ ،)1‬ونص االتفاق علاى تشاكيل‬
‫جملس شورى لتسيري فترة انتقالية حمددة‪ ،‬على أن يكون ثلثا أعضاء اجمللاس مان‬
‫احلركات السلفية اجلهادية يف أزواد (أنصار الدين واحلركات املتحالفاة معهاا)‪،‬‬

‫(‪" )1‬إياد أغايل‪ :‬اجملاهدون وأنصار الدين تعاهدوا على نصرة الشريعة وقتاا الرافضني هلا"‪،‬‬
‫املرجع السابق‪.‬‬
‫‪109‬‬
‫بينما مينح الثلث انخر للحركة الوطنية لتحرير أزواد‪ .‬ويقضاي االتفااق أيضًًاا‬
‫بتحكيم الشريعة اإلسالمية يف كل مناحي احلياة االقتصادية والسياسية واالجتماعية‬
‫والثقافية والعسكرية‪ ،‬كما مت االتفاق على استبعاد أي نقا ملوضوع االنضمام إىل‬
‫اممم املتحدة أو التنسيق معها؛ بسبب رف احلركات اجلهادية لاذلك مبادئيًّا؛‬
‫حيث ال تعترف تلك احلركات بالشرعية الدولية وتعترب اهليئات املمثلة هلا منظمات‬
‫كفرية ال جيوز االرتباط هبا‪ .‬كما اتفقت احلركتان على عدم التطرق ملوضوع ماا‬
‫تسميه احلركة الوطنية لتحرير أزواد باملسالحني امجاناب يف أزواد‪ ،‬ويساميه‬
‫اجلهاديون يف أزواد باملهاجرين‪ ،‬يف إشارة إىل عناصر القاعادة بابالد املغار‬
‫اإلسالمي واحلركات اجلهادية امخرى من غري أبناء أزواد‪.‬‬
‫لكن القادة السياسيني للحركة الوطنية لتحرير أزواد‪ ،‬خصوصًًا املوجاودين‬
‫خارج أزواد‪ ،‬سارعوا إىل رف االتفاق وعدم االعتراف به‪ ،‬باعتبااره مناقضًًاا‬
‫ملبادئ احلركة الوطنية تات امهداف العلمانية واليت تسعى الستقالا أزواد وإقامة‬
‫دولة مدنيَّة فيه‪ ،‬وقد تعثر االتفاق بعد أربع وعشرين ساعة من توقيعاه؛ بسابب‬
‫خالف بني الطرفني على صيغة البيان الصحفي الذي سيعلن فيه عن االتفاق رمسيًًّّا‪،‬‬
‫مث أعلنت احلركة الوطنية بعد تلك بيومني عزمها تشكيل جملس انتقاايل مؤقات‬
‫لتسيري أزواد دون الرجوع إىل "أنصار الدين"‪ ،‬وهو ما اعتربته مجاعاة "أنصاار‬
‫الدين" انسالخًًا واضحًًا من االتفاق‪ ،‬ومات االتفاق بعد توقيعه مباشرة‪ ،‬وقبل أن‬
‫يعلن عنه رمسيًّا‪ ،‬وعادت نُذُر التوتر بني الطرفني إىل أشدها‪.‬‬
‫وقد عرفت العالقة بني "أنصار الدين" واحلركات اجلهادية املسلحة املتحالفة‬
‫معها‪ ،‬بع الشد واجلذ وبع اإلحراجات؛ حيث حرصت "مجاعاة أنصاار‬
‫الدين" على التوضيح أكثر من مرة أهنا حركة أزوادية حملية‪ ،‬يف خطا يبدو خمالفًًا‬
‫ملنهج تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬الذي يرف مبدأ االعتراف باحلدود‬
‫املوروثة عن االستعمار‪ ،‬ويرى أن "النشاطات اجلهادية ال تقيادها احلادود وال‬
‫احلواجز"‪ ،‬وهو اخلالف الذي اعترف به أمري الصحراء يف تنظيم القاعادة بابالد‬
‫املغر اإلسالمي "حيىي أبو اهلمام" يف مقابلة صحفية أجريتُُهاا معاه يف شاهر‬
‫أكتوبر‪/‬تشرين اموا عام ‪ 5155‬حيث قاا‪" :‬رغم اختالفنا مع مجاعة أنصار الدين‬
‫‪111‬‬
‫يف نظرهتا املقتصرة على البُعد اطلي‪ ،‬إال أننا يف هناية املطاف نتقاطع معها يف أمور‬
‫كثرية"(‪.)1‬‬

‫"عن ار الدين" جدىو لو ف االبجطاف‬


‫دعت أنصار الدين إىل وقف عمليات االختطاف اليت تقوم هباا اجلماعاات‬
‫املسلحة يف أزواد(‪ ،)2‬واستطاعت أن تنتزع التزامات من قيادة القاعدة بالتخلي عن‬
‫بع أنشطتها يف أزواد مقابل التحالف معها‪ ،‬فبعد سقوط مدن كيداا ومتبكتاو‬
‫وغاوا بأيدي مجاعة "أنصار الدين" واحلركات اإلسالمية املتحالفة معها‪ ،‬اجتماع‬
‫قادة أنصار الدين بقادة تلك احلركات؛ حيث أبلغهم إياد أغ أغاايل أن أنصاار‬
‫الدين تتحفظ على بع اممور اليت تقوم هبا القاعدة ومجاعة التوحيد واجلهااد يف‬
‫غر إفريقيا‪ ،‬وجيب وضع النقاط على احلروف؛ حىت ال يقع إشكاا يف املستقبل‬
‫أو تتطور اممور إىل امسوأ‪ .‬وطلب الزعيم إياد من قادة تلك احلركات الكف عن‬
‫اختطاف الغربيني وامجانب يف أزواد‪ ،‬وعدم جلبهم إليها يف حاا اختطافهم مان‬
‫دوا املنطقة‪ ،‬كما طلب منهم التوقف عن جتهيز السيارات املفخخاة يف أزواد أو‬
‫اجملموعات املسلحة وإرساهلا لتنفيذ عمليات يف دوا اجلوار‪ ،‬وخصَّ إياد أغ أغايل‬
‫بالذكر موريتانيا داعيًًا عناصر القاعدة ببالد املغر اإلسالمي يف أزواد إىل الكف‬

‫(‪" )1‬أمري الصحراء حيىي أبو اهلمام يف مقابلة خاصة مع "ونا"‪ :‬موريتانيا تعرف كيف تتجنب‬
‫مواجهتنا‪ ..‬وحر هوالند توقيع على إعدام الرهائن"‪ ،‬موقع أنا املسلم نقالً عن وكالة‬
‫نواكشوط لألنباء‪( ،‬تاريخ الدخوا‪ 55 :‬أغسطس‪/‬آ ‪:)5152‬‬
‫‪http://www.muslm.org/vb/showthread.php?496036-%D9%8A%D8%AD%‬‬
‫‪D9%8A%D9%89-%D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%‬‬
‫‪87%D9%85%D8%A7%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%82%‬‬
‫‪D8%A7%D8%A8%D9%84%D8%A9-%D8%AE%D8%A7%D8%B5%D8%‬‬
‫‪A9-%D9%85%D8%B9-%D9%88%D9%83%D8%A7%D9%84%D8%A9-%‬‬
‫‪D9%86%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B4%D9%88%D8%B7-%D9%‬‬
‫‪84%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%A8%D8%A7%D8%A1‬‬
‫(‪" )2‬أنصار الدين يف مايل‪ :‬من اجلهاد إىل احلوار السياسي"‪ ،‬بري بري سري‪( ،‬تااريخ‬
‫الدخوا‪ 51 :‬أغسطس‪/‬آ ‪:)5154‬‬
‫‪http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2013/01/130124_ansar_eddine.shtml‬‬

‫‪110‬‬
‫ال تلك باحتضان موريتانيا لعشارات آالف‬ ‫عن استهدافها من داخل أزواد؛ معل ً‬
‫الالجئني امزواديني وعدم قيامها بأي عمل عدائي ضاد احلركاات التحررياة‬
‫امزوادية‪ .‬وقد طلبت تلك احلركات مهلة للتشاور والرد على طلباات إيااد أغ‬
‫أغايل‪ .‬وبعد أيام عُقد اجتماع آخر أعلن خالله قادة تنظيم القاعدة ببالد املغار‬
‫اإلسالمي موافقتهم على تلك الطلبات والتزامهم هبا‪ ،‬لكنهم اشترطوا االحتفااظ‬
‫بالرهائن الذين اختطفوهم قبل بدء العمليات العسكرية املشاتركة ماع "أنصاار‬
‫الدين" يف أزواد‪ ،‬بينما كان رد مجاعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقياا يتسام‬
‫بالغموض‪ ،‬دون أن يكون رفضًًا واضحًًا لعرض إياد أغ أغايل أو قبو ًال صرحيًًا به‪.‬‬
‫ونتيجة لتلك االلتزامات قام عناصر تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلساالمي‬
‫بتسليم مواطنة سويسرية عثر عليها مبدينة متبكتو يف شهر إبريل‪/‬نيسان عاام ‪5155‬‬
‫بعد سيطرهتم عليها‪ ،‬حيث قام الناطق باسم مجاعة أنصار الدين يف متبكتو "ساندة‬
‫ولد بوعمامة" بتسليمها لضاب من اجليش البوركيناباي جاء على منت مروحياة‬
‫خاصة إىل مطار متبكتو هلذا الغرض‪ ،‬وأتذكرُ أنين كنت ساعتها يف مدينة متبكتاو‪،‬‬
‫وأن الرهينة السويسرية كانت يف قبضة عناصر القاعدة‪ ،‬وحاني أحضاروها إىل‬
‫املطار كانت على منت سيارة تُ ِقلُّ مسلحني من سرية "الفرقان"‪ ،‬يتقدمهم مسؤوا‬
‫اممن يف املدينة أمحدو ولد الشريف املختار املك "خبيب"‪ ،‬الذي كاان يتاوىل‬
‫بنفسه قيادة السيارة اليت نقلت الرهينة من مكان احتجازهاا إىل املروحياة الايت‬
‫غادرت هبا مطار مدينة متبكتو‪.‬‬
‫كما أعلنت مجاعة أنصار الدين عن استعدادها للحوار مع دوا اجلوار وحىت‬
‫مع احلكومة املالية‪ ،‬فنصت يف آخر بيان هلا قبل اندالع احلر بداية عاام ‪5157‬‬
‫على "متسكها خبيار احلل السلمي واستعدادها للتفاوض عارب وسااطة اجلزائار‬
‫وبوركينا فاسو"‪ .‬وقد مكَّنها هذا املوقف الذي انتهجته منذ بداية امحداث مان‬
‫لعب دور مزدوج قبل اندالع احلر ؛ حيث احتفظت بتحالفها مع تنظيم القاعدة‬
‫ببالد املغر اإلسالمي ومجاعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا‪ ،‬ويف نفس الوقت‬
‫بقيت على صلة ببع حكومات املنطقة‪ ،‬خصوصًًا اجلزائر وبوركينا فاسو اللاتني‬
‫استقبلتا بع قادة احلركة خالا جوالت املفاوضات‪ ،‬كماا شاكَّلت "أنصاار‬
‫‪111‬‬
‫الدين" الواجهة املقبولة دوليًّا نسبيًًّّا باملقارنة مع احلركات السلفية املسلحة امخرى‬
‫يف املنطقة‪ ،‬فحملت معها مطالب هذه احلركات ونسقت معها يف احلوار‪ ،‬وهو ما‬
‫وفَّر خمرجًًا لدوا اجلوار الرافضة للحوار بشكل مباشر مع احلركات امخرى الايت‬
‫توصف باإلرهابية‪.‬‬
‫وكان آخر طلب سلَّمه مفاوضو "أنصار الدين" للوسي اإلفريقي‪ ،‬الارئيس‬
‫البوركيناباي بليز كومباوري "هو منح أزواد حك ًمًا تاتيًّا موسعًًا تا طابع إسالمي‬
‫يسمح بتطبيق الشريعة اإلسالمية فيه"‪ ،‬وتلك ضمن وثيقة موسعة أعدُّوها ومسوها‬
‫"الربنامج السياسي جلماعة أنصار الدين"‪.‬‬
‫ويف الوقت الذي كانت فيه املفاوضات بني احلكومة املالية وممثلي مجاعة أنصار‬
‫الدين واحلركة الوطنية لتحرير أزواد تتعثر يف واغادوغو‪ ،‬ويسعى الوسطاء لتفعيلها‪،‬‬
‫قرَّر إياد أغ أغايل بالتنسيق مع قادة تنظيم القاعدة شنَّ عمليات عساكرية باجتااه‬
‫اجلنو للسيطرة على بع املناطق يف والية موبيت‪ ،‬فتقدمت قوات تابعة منصاار‬
‫الدين يقودها إياد بنفسه يوم ‪ 51‬يناير‪/‬كانون الثا ‪ ،5157‬حناو مديناة "كوناا"‬
‫الصغرية بوالية موبيت واليت تقطنها أغلبية من الفوالن ومتكنوا من دخوهلا والسايطرة‬
‫عليها‪ ،‬بينما تقدمت قوات من تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي بقياادة عباد‬
‫احلميد أبو زيد إىل منطقة "جبايل"‪ ،‬ومتكنوا من دخوهلا‪ ،‬اممر الذي دفع احلكوماة‬
‫الفرنسية إىل اختات قرار سريع بإرساا قوات إىل مايل يف حماولة لوقف تقدُّم املقااتلني‬
‫اإلسالميني ومحاية العاصمة باماكو من السقوط‪ ،‬وقد برَّرت "مجاعة أنصار الادين"‬
‫حينها قرارها بالتقدم جنوبًا يف بيان أصدرته‪ ،‬قالت فيه‪ :‬إهنا تدرك جيدًًا صعوبة اختات‬
‫قرار خبوض احلر يف ظل انعدام التكافؤ يف العدد والعتاد‪ ،‬لكنها مل جتد بدًًّّا من شن‬
‫عمليات عسكرية جنوبًًا‪ ،‬وساقت لذلك مربرات عديدة منها‪:‬‬
‫‪" .5‬االعتداءات املتكررة على امبرياء والعزا من أهلنا‪ ،‬يف عدة مناسبات‬
‫جنو البالد وغرهبا‪ ،‬إت ارتكبت حبقهم أبشع اجملازر على أيدي زبانية‬
‫النظام العنصري احلاقد‪ ،‬بتواطؤ من القوى االستعمارية‪ ،‬وصمت مطبق‬
‫من املنظمات احلقوقية‪ ،‬اليت اعتادت النياحة على اجلالدين‪ ،‬واملتااجرة‬
‫بآالم الضحايا املستضعفني‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫‪ .5‬فشل مجيع املبادرات التفاوضية اليت قدَّمها املفاوضون‪ ،‬وعلى رأساهم‬
‫وفد أنصار الدين‪ ،‬واليت حاولنا من خالهلا إجياد حل سالمي لألزماة‬
‫السياسية واإلنسانية اليت تعيشها املنطقة‪ ،‬واليت قوبلت باستخفاف تاام‬
‫من طرف قادة النظام يف باماكو‪ ،‬بضغ من سادهتم يف باريس‪ ،‬هاذا‬
‫برغم انفتاحنا على مجيع االقتراحات‪ ،‬اليت طرحها الوساطاء املعنياون‬
‫بامللف‪ ،‬ما دامت ال تعارض الثوابت امساسية اليت قام عليها كفاحناا‬
‫ونضالنا‪ ،‬وعلى رأسها مطلب تطبيق الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .7‬االستعدادات اجلارية على قدم وساق من طرف فرنساا االساتعمارية‬
‫وأحالفها يف املنطقة؛ للتدخل العسكري من أجل القضاء على اإلرها‬
‫املزعوم‪ ،‬كما يصرح قادهتا يف خرجاهتم اإلعالمية‪ ،‬متناساني التااريخ‬
‫اإلرهاباي املخزي هلاذه الدولاة‪ ،‬والايت ال تتاوا" عان دعام‬
‫الديكتاتوريات اإلرهابية اليت تثبِّت أركان حكمها بإبادة شعوهبا‪ ،‬مباا‬
‫فيها النظام العنصري يف باماكو‪.‬‬
‫‪ .4‬املعلومات املؤكدة عن قر بدء اجليش املايل هجومًًا عسكريًًّّا على مدينة‬
‫"دوينزا"‪ ،‬مستغالًّ انشغاا مجاعة أنصار الدين بالعملية التفاوضاية مان‬
‫جهة‪ ،‬وتوزع وحداهتا القتالية يف مناطق شاسعة؛ إلدارة الشؤون الداخلية‬
‫ملناطق سيطرهتا‪ ،‬تلك اهلجمة اليت اتضح الحقًًا بعد معركة "كونا" أهناا‬
‫كانت بتخطي وإشراف ضباط فرنسيني‪ ،‬منلك امدلة القاطعاة علاى‬
‫وجودهم يف منطقة "كونا" مع بدء عملياتنا العسكرية‪ ،‬وبتأكاد تلاك‬
‫املعلومات‪ ،‬اعتربت مجاعة أنصار الدين االتفاق غري املعلن لوقف إطاالق‬
‫النار بينها وبني اجليش املايل الغيًا‪ ،‬ومل يعُ ْد ساري املفعوا"(‪.)1‬‬

‫(‪" )1‬أنصار الدين‪ :‬قتلنا أكثر من مخسني من اجليش املايل"‪ ،‬صحراء ميديا‪( ،‬تاريخ الدخوا‪:‬‬
‫‪ 5‬أكتوبر‪/‬تشرين اموا ‪:)5152‬‬
‫‪http://www.saharamedias.net/%D8%A3%D9%86%D8%B5%D8%A7%D8%‬‬
‫‪B1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D9%82%D8%AA%‬‬
‫‪D9%84%D9%86%D8%A7-%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D9%‬‬
‫‪85%D9%86-50-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%‬‬

‫‪114‬‬
‫وإضافة إىل ما قدَّمه بيان مجاعة أنصار الدين من مربرات لتحركها عساكريًًّّا‬
‫بالتنسيق مع تنظيم القاعدة حنو اجلنو باجتاه وس مايل‪ ،‬ميكن القوا إهنا ساعت‬
‫من وراء هذا التقدم إىل استدراج الفرنسيني والقوات اإلفريقية إىل حر مل يكتمل‬
‫اإلعداد هلا‪ ،‬ودفع الفرنسيني خصوصًًا إىل النزوا بقاواهتم إىل أرض املعركاة يف‬
‫وقت كان فيه الرئيس الفرنسي فرانسوا هوالند قد أعلن أكثر من مرة أن الادور‬
‫الفرنسي يف احلر اليت كان جيري التحضري هلا سيقتصر علاى تقادمي الادعم‬
‫اللوجسيت واالستخبارايت‪ ،‬وبالتايل يعتقد املسلحون اإلسالميون أهنام بتقادمهم‬
‫جنوبًا جيرُّون عدوهم الفرنسي إىل أرض معركةٍ‪ ،‬هم مَن حدَّدها وحادد موعاد‬
‫انطالقتها‪.‬‬
‫لكن ميكن القوا‪ :‬إن "أنصار الدين" بتقادمها جنوبًًاا أغلقات أباوا‬
‫املفاوضات يف وقت ما يزاا الوسطاء حيدوهم اممل يف جتنب احلر ‪ ،‬وإجياد حل‬
‫سلمي‪ ،‬وهو حل كان حيظى بتأييد من بع دوا اجلوار ويف مقدمتاها اجلزائار‬
‫ال عن الوسي اإلفريقي بوركينا فاسو‪ ،‬ورمبا يضمن للحركة تلبية‬ ‫وموريتانيا‪ ،‬فض ً‬
‫بع مطالبها‪ ،‬فقد كانت حكومات تلك البلدان تستقبل بشكل رمساي وفاود‬
‫أنصار الدين كشركاء يف املفاوضات‪ ،‬وبعد هجومها جنوبًا باتات حكوماات‬
‫ال عدوانيًّا مرفوضًا ينبغي الوقوف يف وجهاه‬ ‫املنطقة تنظر إىل تصرفها باعتباره عم ً‬
‫ال عن إدراجها ضمن خانة احلركات املصنفة إرهابيًّا واملطااردة‬ ‫حبزم وصرامة‪ ،‬فض ً‬
‫دوليًّا‪.‬‬
‫وعشية تقدُّم قوات "أنصار الدين" وحلفائها من القاعدة جنوبًا حنو وسا‬
‫مايل‪ ،‬عرفت احلركة أوا انشقاق كبري فيها‪ ،‬حينما أعلن نائب أمريها الشيخ "أغ‬
‫أوسا"‪ ،‬ومفاوضها الرئيسي "العباس أغ انتاال"‪ ،‬وهو جنل زعيم قبائل اإلفوغااس‬
‫"انتاال أغ الطاهر"‪ ،‬والقائد البارز فيها "أمحد أغ بيباي" انشقاقهم عن احلركة مع‬
‫عشرات املسلحني من اإلفوغاس‪ ،‬ورفضهم التنسيق مع احلركات املصنفة عامليًًّّاا‬
‫‪8A%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A-‬‬
‫‪%D9%88%D8%A3%D8%B3%D9%82%D8%B7%D9%86%D8%A7-%D9%‬‬
‫‪85%D8%B1%D9%88%D8%AD%D9%8A%D8%AA%D9%8A%D9%86_a1‬‬
‫‪7690.html‬‬

‫‪115‬‬
‫كحركات إرهابية‪ ،‬يف إشارة إىل تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي ومجاعاة‬
‫التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا‪ ،‬وشكلوا تنظيمًًا جديدًًا حيمل اسام "احلركاة‬
‫اإلسالمية امزوادية"‪ .‬ويقوا منشقون عن مجاعة أنصار الدين‪ :‬إن من أهم أسبا‬
‫عملية االنشقاق اليت تزامنت مع اندالع احلر الفرنسية‪ ،‬هو اعتراض املنشاقني‬
‫ومن معهم على إرساا احلركة قوات بالتنسيق مع مقاتلي تنظيم القاعادة بابالد‬
‫املغر اإلسالمي حنو اجلنو للسيطرة على بلدات "كونا" و"سيفاري" و"جبايل"‬
‫يف وس مايل‪ ،‬وهو التحرك الذي أوقف املفاوضات‪ ،‬ودفع بفرنساا إىل إرسااا‬
‫قواهتا على عجل‪ ،‬وشن حر مدعومة بقوات إفريقية للسيطرة على مادن أزواد‬
‫وطرد اجلماعات اإلسالمية املسلحة منها‪ .‬ولنا عودة إىل تفاصيل تلك االنشاقاق‬
‫خالا احلديث عن "احلركة اإلسالمية امزوادية" يف فقرة الحقة من هذا الكتا ‪.‬‬
‫ويف شهر فرباير‪/‬شباط عام ‪ 5157‬أعلنت وزارة اخلارجية اممريكية عن وضع‬
‫اسم إياد أغ أغايل زعيم مجاعة "أنصار الدين" ضمن قائمة اإلرهابيني املطلاوبني‬
‫للواليات املتحدة اممريكية‪ .‬وقد انسحبت مجاعة أنصار الدين عشاية انادالع‬
‫احلر من مدينة كيداا ومتركزت يف جباا اإلفوغاس‪ ،‬وفَ َقدت بسبب االنشقاق‬
‫عددًًا من قادهتا ومئات من عناصرها‪ ،‬كما قُتل عدد من مقاتليها خالا احلر من‬
‫بينهم القائد "عبد الكرمي اإلفوغاسي" امللقب "كوجاك" الطارقي‪ ،‬وهو من قاادة‬
‫حركة التمرد اليت تزعمها إبراهيم باهانغا سنيت ‪ 5111‬و‪ ،5112‬إضافة إىل "عباد‬
‫الرمحن أغ سيدي ام"‪ ،‬و"علي امنصاري" الطارقي‪ ،‬واحلسن أغ هنيان املك "عبد‬
‫احلكيم اإلفوغاسي"‪ ،‬واملختار ولد أمحد دولاة الرببوشاي‪ ،‬ويزياد امنصااري‬
‫الطارقي‪.‬‬
‫ومع بداية عام ‪ 5151‬أُعلن عن ميالد تنظيم جديد‪ ،‬روََّّج له اإلعالم حيناها‬
‫باسم "حركة حترير ماسينا"‪ ،‬اليت تتشكل أساسًًا من جهاديني ينتماون لقومياة‬
‫الفوالن اليت تشكِّل أقلية تنتشر يف وس مايل بني إقليم أزواد واملناطق اجلنوبياة‪،‬‬
‫غري أنه تبني الحقًًا أن اممر يتعلق بكتائب من الفوالن تابعة جلماعة أنصار الدين‪،‬‬
‫يقودها الداعية حممدو كوفا‪ ،‬وهو من رجاا الدين املعروفني يف منطقة موبيت وس‬
‫البالد‪ ،‬وكان قد التحق قبل فترة طويلة جبماعة الدعوة والتبليغ‪ .‬وتضم هذه احلركة‬
‫‪116‬‬
‫عددًًا من الكتائب من أبرزها "كتيبة خالد بن الوليد" اليت تشكِّل القوة الضااربة‬
‫للحركة‪ ،‬وتركز نشاطاهتا ضد اجليش املايل يف وس البالد‪ ،‬وقد شكَّل ظهور هذه‬
‫احلركة اجلهادية القومية عامل قلق لدى الكثريين‪ ،‬خصوصًًا أن قومياة الفاوالن‬
‫تنتشر يف منطقة غر إفريقيا عمومًًا‪ ،‬ويُقدَّر تعداد أفرادهاا حباوايل ‪ 51‬ملياون‬
‫نسمة‪ ،‬وتشكِّل نسبتهم يف مايل أقل من عشرة يف املائة مان الساكان‪ ،‬ويتمياز‬
‫الفوالن بأهنم من القوميات املنغلقة اليت تسود فيها روح القومية‪ ،‬ويقوا مقرباون‬
‫من زعيم مجاعة أنصار الدين إياد أغ أغايل‪ :‬إن سبب تقدُّماه بقاوات حركتاه‬
‫جنوبًًا حنو والية موبيت‪ ،‬خارج حدود أزواد مطلع عاام ‪ ،5157‬كاان هبادف‬
‫السيطرة على قرى الفوالن هناك بعد أن بايعه شيوخها ووجهاؤها‪ ،‬لكن التادخل‬
‫الفرنسي أوقف التقدم جنوبًًا‪ ،‬وأدى إىل مغادرة مسلحي أنصار الدين وحلفاائهم‬
‫من اجلهاديني لكربيات املدن يف أزواد‪.‬‬
‫وحياوا قادة الفوالن من اجلهاديني استعادة تكريات أجماد إمرباطورياة ماساينا‬
‫الفوالنية اإلسالمية‪ ،‬اليت ازدهرت يف القرن التاسع عشر وسيطرت على كامل منطقاة‬
‫ماسينا‪ ،‬بقيادة الشيخ أمحدو لوبو الفوال ‪ ،‬بل إهنم يسعون إىل إعادة استنساخ تلاك‬
‫التجربة‪ ،‬واليت كانت خالهلا قادة إمرباطورية ماسينا حياربون قبائل البمباارة الوثنياة‬
‫حينها‪ ،‬بينما حيار قادة ماسينا اليوم نفس القبائل‪ ،‬لكن هذه املارة حبجاة وثنياة‬
‫طاغوت احلكم العلما يف مايل‪ .‬وقد نفَّذت كتائب ماسينا العديد من العمليات ضد‬
‫القوات املالية يف وس وغر البالد‪ ،‬أسفرت عن قتل عشرات اجلنود‪ ،‬واختطااف‬
‫آخرين‪ .‬وتتهم قبائل الفوالن قبائل البمبارة احلاكمة يف جناو الابالد بتهميشاهم‬
‫واضطهادهم‪ ،‬وهو ما يدفع العارفني باملنطقة وتفاصيلها إىل التخوُّف من توسع دائارة‬
‫القتاا واالضطرابات؛ بسبب تداخل بُعدها العرقي مع البعد اجلهادي‪.‬‬

‫‪ -2‬حركة الجوحيد والج اد في ررأ فريقيا‬


‫وهي حركة سلفية جهادية‪ ،‬أسسها عناصر من قبائل "عار تلمساي" يف‬
‫أزواد يف النصف الثا من عام ‪ ،5155‬بعد انشقاقهم عن تنظيم القاعادة بابالد‬
‫املغر اإلسالمي؛ حيث كان بعضهم يعمل يف جماا التهريب قبل أن ينخرطوا يف‬
‫‪117‬‬
‫صفوف تنظيم القاعدة خالا العشرية اموىل من هذا القرن‪ ،‬وقاتلوا مع القاعادة‬
‫عدة سنوات‪ ،‬مث انسحبوا منها‪ ،‬وينحدر معظم املؤسسني من قبيلة "اممهار"‪ ،‬اليت‬
‫تقطن مدينة غاوا وريفها وحميطها‪ ،‬وعند إنشائها شكلت احلركة قيادة مؤلَّفة مان‬
‫جملس للشورى يرأسه "عدنان أبو الوليد الصحراوي"‪ ،‬املنحدر من إقليم الصحراء‬
‫الغربية؛ حيث وُلد وترىب يف خميمات الالجئني الصحراويني قر تيندوف جبنو‬
‫اجلزائر‪ ،‬قبل أن يلتحق باجلامعات اجلزائرية وهناك اعتنق الفكر السلفي اجلهادي‪،‬‬
‫وانتقل إىل مشاا مايل حيث التحق بكتيبة طارق بن زياد اليت يقودها "عبد احلميد‬
‫أبو زيد"‪ ،‬لكنه أمضى فيها أشهرًًا قليلة‪ ،‬قبل أن يشارك يف تأسيس حركة التوحيد‬
‫واجلهاد يف غر إفريقيا‪.‬‬
‫وعسكريًًّّا تأسست احلركة اعتمادًًا على شخصني أساسيني فيها مها‪ :‬سلطان‬
‫ولد بادي املك "أبو علي"‪ ،‬وأمحد ولد عامر املك "أمحد التلمساي"‪ ،‬ويُعارف‬
‫أيضًًا باسم "عبد الرمحن"‪ ،‬ومها املؤسسان الفعليَّان للحركاة‪ ،‬وينتمياان لقبيلاة‬
‫"اممهار" العربية يف أزواد‪ ،‬وكانا سابقًًا ينشطان يف التجارة والتهريب‪ ،‬قبال أن‬
‫يلتحقا يف النصف الثا من العقد املاضي بكتائب تنظيم القاعدة بابالد املغار‬
‫اإلسالمي يف الصحراء الكربى‪ ،‬حيث انضم أمحد ولد عامر إىل التنظيم هناية عاام‬
‫‪ 5113‬رمسيًًّّا‪ ،‬وبايع املختار بلمختار بعد أن ظل يتعاون معه سابقًًا بوصفه مهربًًاا‬
‫وتاجرًا يف املنطقة‪ ،‬يقوم ببع املهام لصاحل "التنظيم" مقابل تعوي مايل‪ ،‬وكاان‬
‫يلقب حينها باسم "أمحد امزوادي"‪ ،‬وشارك يف تنفيذ عمليات عسكرية وعمليات‬
‫اختطاف يف موريتانيا ومايل والنيجر‪ ،‬قبل أن يغيِّر لقبه احلركي ليصابح "أمحاد‬
‫التلمسي"‪ ،‬نسبة إىل قبائل "عر تلمسي" اليت تقطن يف أزواد وينتمي إليها‪ .‬أماا‬
‫زميله "سلطان ولد بادي" فكان مهربًًا معروفًًا يف املنطقة وصاحب مكانة وثاروة‪،‬‬
‫قبل أن يلتحق هو انخر بتنظيم القاعدة ببالد املغار اإلساالمي سانة ‪،5119‬‬
‫واخنرط يف صفوف "كتيبة طارق بن زياد" اليت يقودها اجلزائري عبد احلميد أباو‬
‫زيد‪.‬‬
‫ويف أكتوبر‪/‬تشرين اموا عام ‪ 5155‬طالب "أبو علي" و"أمحد التلمسي" من‬
‫قيادة تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي السماح هلما بتأسيس كتيبة أو سارية‬
‫‪118‬‬
‫خاصة باملقاتلني من أبناء القبائل العربية يف أزواد املنخرطني يف التنظايم ‪-‬أساوةً‬
‫بزمالئهم الطوارق الذين أسَّس هلم التنظيم سرية خاصاة هبام تسامى "سارية‬
‫امنصار"‪ -‬على أن تبقى هذه السرية حمتفظة بوالئها إلمارة الصاحراء يف تنظايم‬
‫القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬غري أن قيادة تنظايم القاعادة بابالد املغار‬
‫اإلسالمي رفضت طلبهما واعتربت أن توزيع الكتائب والسرايا على أساس عرقي‬
‫وقبلي قد يشكِّل خطرًًا حقيقيًًّّا على والء أفرادها للتنظيم وعقيدته وفكره‪ ،‬ويقوِّي‬
‫من التبعية العصبية على حسا التبعية التنظيمية واميديولوجية‪.‬‬
‫وبعد أن تأكد الرجالن (أبو علي‪ ،‬وأمحد التلمسي) من رف قيادة تنظايم‬
‫القاعدة لطلبهما‪ ،‬قررا االنشقاق والشروع يف تأسيس كيان جديد خااص هبماا‬
‫بعيدًًا عن التبعية التنظيمية ممراء القاعدة ببالد املغر اإلسالمي املسيطرين علاى‬
‫أجزاء كبرية من صحراء أزواد‪ ،‬واعتربا أن رف قادة تنظيم القاعدة ببالد املغر‬
‫اإلسالمي من اجلزائريني لطلب خاص بأبناء القبائل العربية يف أزواد املنخرطني يف‬
‫التنظيم‪ ،‬غري مقبوا‪ ،‬يف حني متت االستجابة سابقًًا لعناصر الطوارق يف التنظايم‬
‫ومنحوا حق تشكيل سرية خاصة هبم‪ ،‬وهو ما رأيا فياه "اساتخفافًًا باالوجود‬
‫العرباي امزوادي يف ميدان اجلهاد"؛ فقررا أن يوجها رسالة قوية للجزائريني من‬
‫قادة التنظيم مفادها أهنم أهل امرض والقادرون على التعبئة فيها وحشد املقاتلني‪،‬‬
‫وعلى الفور شرعا يف االتصاا بالشبا من أبناء قبيلتهما (اممهار) املنخارطني يف‬
‫صفوف تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي والقبائل العربية امخارى املقرباة‬
‫منهما اجتماعيًًّّا‪ ،‬وقاما بعزهلم عن باقي مقاتلي التنظيم‪ ،‬كما انضم إليهما عشرات‬
‫من شبا تلك القبائل الذين مل تكن هلم ساابقة انتمااء إىل تنظايم القاعادة‪،‬‬
‫وساعدمها على تلك وجود بقايا مليشيات من قبائل "عر تلمسي" مت تأسيساها‬
‫سنة ‪ 5114‬إبَّان احلر اليت دارت بني تلك القبائل وبني "قبائل كنتاة" يف أزواد‪،‬‬
‫فأسسا تنظيمًًا جديدًًا خاصًًّّا هبما‪.‬‬
‫ويقوا العارفون خببايا التنظيمات املسلحة يف أزواد‪ :‬إن "سلطان ولد بادي"‬
‫كان يقود جمموعات مسلحة للتهريب قبل التحاقه بتنظيم القاعدة‪ ،‬وحني انضم إىل‬
‫القاعدة كان معه أفراد جمموعته من أبناء عمومته وأقاربه‪ ،‬وعندما انشق مع أمحاد‬
‫‪119‬‬
‫ولد عامر عن التنظيم مل يكن من العسري عليهما سحب عناصرمها مان التنظايم؛‬
‫ليشكال هبم نواة لتنظيم جديد هو "مجاعة التوحيد واجلهاد يف غار إفريقياا"‪.‬‬
‫ويبدو جليًًّّا من اسم التنظيم اجلديد‪ ،‬البُعد التكاملي ظاهرًًا والتنافسي باطنًًاا ماع‬
‫تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي؛ حيث اختذ التنظيم اجلديد من غر إفريقيا‬
‫خلفية جغرافية المسه‪ ،‬بعد أن اختذت القاعدة من املغر العرباي (اإلساالمي)‬
‫خلفية جغرافية هلا‪ ،‬وهنا تتضح التنافسية اإلقليمية بني التنظيمني؛ حيث يرتبطاان‬
‫حسب امسيهما مبنطقتني متداخلتني جغرافيًّا ودميوغرافيًّا‪ ،‬يف حني يصر قادهتما على‬
‫أن اممر وإنْ أخذ بداية شكل تنافس وتنافر بني التنظيمني‪ ،‬إال أنه حتوَّا إىل تكامل‬
‫وتفاهم‪ ،‬ومع تلك ال خيفى على املراقب لألوضاع يف أزواد حجم شقة اخلاالف‬
‫الواسعة بني التنظيمني‪.‬‬
‫وجاء قرار "أبو علي" و"أمحد التلمسي" باالنفصاا عن تنظيم القاعدة بابالد‬
‫املغر اإلسالمي وتأسيس تنظيم جديد بالتزامن مع انفصاا قيادي موريتا عان‬
‫تنظيم القاعدة هو حََمََّّاد ولد حممد اخلريي املك "أبو القعقاع"‪ ،‬وهو من منظِّري‬
‫التنظيم الشرعيني وفقهائه‪ ،‬إضافة إىل كونه شاعرًًا هلجيًًّّا معروفًًا‪ ،‬فانضم إليهما يف‬
‫مشوار تأسيس التنظيم اجلديد‪ ،‬ويقوا مقاتلون من تنظيم القاعدة‪ :‬إن "ولد حممد‬
‫اخلريي" املدرج على قائمة جملس اممن الدويل لألشاخاص املارتبطني بتنظايم‬
‫القاعدة(‪ )1‬كان قد انفصل عن تنظيم القاعدة رمسيًًّّا قبل أشهر عديدة من تأسايس‬
‫"مجاعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا"‪ ،‬لكنه بقي يف معاقل التنظيم؛ بسابب‬
‫مالحقته أمنيًًّّا يف موريتانيا واعتقاله سابقًًا يف مايل‪ ،‬وكان يقيم مع أفاراد سارية‬
‫"الفرقان" وشارك معهم يف مواجهات مع اجليش املوريتا ‪ ،‬كما كانت له أشاعار‬
‫متداولة يف أوساط التنظيم حتث على االخنراط يف "العمل اجلهادي"‪ ،‬ومتجِّد ما قام‬
‫به التنظيم يف معاركه مع اجليشني املوريتا واجلزائري‪ ،‬وملا بدأ مشروع تأسايس‬
‫التنظيم اجلديد (مجاعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا)‪ ،‬التحق به وأصبح رئيس‬
‫اللجنة الشرعية يف التنظيم‪.‬‬

‫(‪" )1‬موجزات سردية مسبا إدراج اممساء يف القائمة"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪111‬‬
‫واستغل ولد حممد اخلريي البُعد املعريف املتواضع ملؤسسي مجاعاة التوحياد‬
‫واجلهاد يف غر إفريقيا ومن معهم من املقاتلني‪ ،‬مقابل ثقافة معرفية يتمتع هو هبا‪،‬‬
‫خصوصًًا يف علوم القرآن والشريعة اإلسالمية‪ ،‬ليكون واجهة شارعية وعلمياة‬
‫للتنظيم‪ ،‬فتوىل مهمة املسؤوا الشرعي للجماعة وقاضيها‪ .‬وينحدر محاد ولد حممد‬
‫اخلريي من مقاطعة واد الناقة (‪ 11‬كلم شرق العاصمة نواكشوط)‪ ،‬وقاد تلقاى‬
‫تعليمًًا دينيًًّّا يف العديد من اطاظر املوريتانية (املدارس امهلية الدينية)‪ ،‬وساافر إىل‬
‫معسكرات اجلماعة السلفية للدعوة والقتاا اجلزائرية يف مشاا مايل سانة ‪5114‬؛‬
‫حيث قضى عدة أشهر مع جمموعة "عبد احلميد أبو زيد"‪ ،‬لكنه اعتُقل بعد عودته‬
‫إىل نواكشوط يف إبريل‪/‬نيسان سنة ‪ 5111‬مع ستة آخرين من نشطاء التيار السلفي‬
‫املوريتا كانوا برفقته يف معسكرات الكتيبة مشاا مايل‪ .‬ويف إبريل‪/‬نيساان سانة‬
‫‪ 5112‬متكن ولد حممد اخلريي من اهلرو من السجن املركزي وس العاصامة‬
‫نواكشوط برفقة زميليه "اخلدمي ولد السمان" و"سيدي ولد حبت"‪ ،‬ومتت حماكمته‬
‫يف نواكشوط غيابيًّا يف شهر يونيو‪/‬حزيران ‪5113‬؛ حيث صدر حكم برباءته مان‬
‫هتمة اإلرها ‪ ،‬وسافر بعد تلك إىل اخلليج‪ ،‬وبالتحديد إىل دولة اإلمارات العربية‬
‫املتحدة‪ ،‬مث عاد ثانية إىل صحراء أزواد‪ ،‬والتحق من جديد مبعسكرات التنظايم‪،‬‬
‫لكنه اعتُقل يف مدينة متبكتو املالية سنة ‪ ،5111‬من طرف السلطات املالية‪ ،‬قبل أن‬
‫تتمكَّن القاعدة سنة ‪ 5119‬من حتريره مع زميليه الطيب ولد سيدي عايل املكا‬
‫"عبد الرحيم املوريتا "‪ ،‬وبلقاسم زاويدي املك "أبو أسامة اجلزائاري"‪ ،‬بعاد‬
‫مقايضتهم باملبعوث اخلاص لألمني العام لألمم املتحدة إىل النيجر الكندي روبرت‬
‫فاولر‪ ،‬ومساعده لويس غواي السفري السابق لكندا يف الغابون‪ ،‬واللذيْن اختطفا من‬
‫النيجر يف ديسمرب‪/‬كانون اموا عام ‪ ،5111‬وبقي محاد يف معساكرات التنظايم‬
‫جنديًّا وشاعرًًا وخطيًبًا‪ ،‬حيث ظهر يف عدة أشرطة وندوات وهو حيرِّض املقااتلني‬
‫بشعره الشعباي ونكته‪.‬‬
‫وقد أحاط مؤسسو "مجاعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا" حتركاهتم بسارية‬
‫تامة يف البداية‪ ،‬وشرعوا يف البحث عن خرجة إعالمية تكون مناسبة إلعاالن مايالد‬
‫التنظيم اجلديد‪ ،‬فوقع االختيار على منطقة "تيندوف" جنو اجلزائر؛ حياث توجاد‬
‫‪110‬‬
‫خميمات الالجئني الصحراويني‪ ،‬اليت تستقبل عادة عشرات املتضامنني الغربيني‪ ،‬فقرروا‬
‫تنفيذ عملية نوعية هناك وقاموا باختطاف ثالثة رعايا غربيني يف أكتوبر‪/‬تشارين اموا‬
‫عام ‪ ،5155‬بالتعاون مع صحراويني موالني هلم؛ ليكون إعالن تبين عملية االختطااف‬
‫مناسبة للكشف عن التنظيم اجلديد‪ ،‬حيث أصدروا بيانًًا قالوا فيه‪ :‬إن االختطااف مت‬
‫من طرف "مجاعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا"‪ ،‬وهي أوا مرة يُعلن فيهاا عان‬
‫اسم التنظيم اجلديد‪ ،‬متعهدين باإلعالن عن مطالبهم الحقًًا‪.‬‬
‫وفور اإلعالن عن ميالد "مجاعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقياا" انضام‬
‫إليها عشرات املقاتلني من أبناء القبائل العربية يف أزواد‪ ،‬ومن الناقمني على قاادة‬
‫تنظيم القاعدة اجلزائريني الذين يرون يف احتكارهم للقيادة نوعًًا من الدكتاتورياة‬
‫وهتميش أصحا امرض‪ ،‬وقد ساعدهم على تلك انتماؤهم اطلاي للمنطقاة‪،‬‬
‫وشبكة عالقات نسجوها أيام نشاطهم يف التهريب‪ .‬وبدأ التنظيم اجلديد ممارساة‬
‫نشاطه بكتيبتني تضم كل منهما عشرات املقاتلني‪ ،‬ومها‪" :‬كتيبة أسامة بان الدن"‬
‫بقيادة أمحد ولد عامر (أمحد التلمسي)‪ ،‬وكتيبة "صالح الدين" بقيادة سلطان ولد‬
‫بادي (أبو علي)‪ ،‬وأُعلن عن تشكيل جملس شورى باعتباره القيادة املرجعية للتنظيم‬
‫وأُسندت رئاسته إىل الصحراوي "عدنان أبو الوليد"‪ ،‬والحقًًا مت تعايني "أمحاد‬
‫التلمسي" أمريًًا عامًّا للتنظيم دون أن يعلن تلك بشكل رمسي‪.‬‬
‫وواصل تنظيم "مجاعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا" بعد إعالن مايالده‬
‫تنفيذ عملياته العسكرية‪ ،‬مركزًًا على اجلزائر؛ حيث نفََّّاذ هجاومني انتحااريني‬
‫أحدمها ضد قوات الدرك اجلزائرية يف مدينة متنراست‪ ،‬والثا يف مديناة ورقلاة‬
‫جنو البالد‪ ،‬كما عمد مقاتلوه بعد سيطرهتم على مدينة "غاوا" إىل اختطااف‬
‫سبعة دبلوماسيني جزائريني كانوا يف املديناة‪ .‬واساتقطب التنظايم عشارات‬
‫الصحراويني واملوريتانيني والنيجريني واملاليني‪ ،‬كما اكتتب مقاتلني زنوجًًاا مان‬
‫قبائل السونغاي والفوالن و"اهلوسا" من مايل والنيجر ونيجرييا‪ ،‬وأعلنوا عن توسيع‬
‫قاعدة تنظيمهم وتشكيل كتائب جديدة‪.‬‬
‫وقد اتسمت عالقة حركة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا مع تنظيم القاعادة‬
‫ببالد املغر اإلسالمي بالتوتر يف البداية‪ ،‬على خلفية انشقاق مؤسسي التنظيم اجلديد‬
‫‪111‬‬
‫عنه‪ ،‬وقد واجهتُ شخصيًًّّا يف البداية صعوبة كبرية يف احلصوا على معلومات عناهم‬
‫من مسؤوا اإلعالم يف إمارة الصحراء السابق بتنظيم القاعدة سابقًا‪" ،‬جليبيب"‪ ،‬فقاد‬
‫كان له موقف متشدد جتاه مؤسسي مجاعة التوحيد واجلهاد ‪-‬كما هو شأن عناصار‬
‫القاعدة‪ -‬ورف تزويدي بعنوان أيٍّ من مسؤويل التنظيم اجلديد‪ ،‬حني طلبات مناه‬
‫تلك؛ حبُجَّة أنه ال صلة له هبم‪ ،‬ولن يقوم بأي عمل خيدمهم‪ ،‬فهام منشاقون عان‬
‫اجلماعة ووضعهم خطري للغاية‪ ،‬حسب قوله‪ .‬لكن اخلالف تراجع بشكل ملحاوظ‪،‬‬
‫خصوصًًا بني التوحيد واجلهاد وكتيبة "امللثمون" بعد تنسيقهما يف السيطرة على مدينة‬
‫"غاوا" وتسيري شؤوهنا ملدة تسعة أشهر تقريبًًا‪.‬‬
‫كما أن خالفهم مع باقي تشكيالت القاعدة يف الصحراء تراجع‪ ،‬وإن كاان‬
‫بقي قائ ًمًا‪ ،‬على حد تعبري أمري منطقة الصحراء‪ ،‬يف تنظيم القاعدة ببالد املغار‬
‫اإلسالمي اجلزائري "حيىي أبو اهلمام"‪ ،‬الذي أكد خالا مقابلة أجريتُها معه متسك‬
‫تنظيمه بضرورة تراجع مؤسسي مجاعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا عن قرار‬
‫االنفصاا عن تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬وضرورة عودهتم إىل تنظيمه‪،‬‬
‫مضي ًفًا أهنم رغم اخلالفات معهم فإنَّ االتصاا قائم بينهم والتنسيق مستمر؛ لتحقيق‬
‫امهداف املشتركة بني التنظيمني(‪.)1‬‬
‫كما أن متغريات الوضع امليدا ‪ ،‬وظهور حركة علمانية قوية يف املنطقة‪ ،‬هي‬
‫احلركة الوطنية لتحرير أزواد اليت تقاتل من أجل استقالا إقليم أزواد عان ماايل‬
‫ال عن اندالع احلر مع اجليش املايل‪ ،‬كلاها أماور‬ ‫وإقامة دولة مدنية فيه‪ ،‬فض ً‬
‫أرغمت التنظيمني (القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬ومجاعة التوحيد واجلهااد يف‬
‫غر إفريقيا) على جتاوز خالفاهتما ولو مؤقتًًا‪ ،‬والدخوا يف حتالف ماع مجاعاة‬
‫"أنصار الدين" حتت مسمى "اجملاهدين"‪ ،‬وحني بدأت احلر ضد اجليش املاايل‬
‫واهنار هذا امخري أُسندت إىل مجاعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا‪ -‬يف إطاار‬
‫حتالفها مع أنصار الدين والقاعدة‪ -‬مهمة السيطرة على مدينة غاوا‪ ،‬عاصمة إقلايم‬
‫أزواد‪ ،‬بالتنسيق مع كتيبة "امللثمون"‪.‬‬

‫(‪" )1‬أمري الصحراء حيىي أبو اهلمام يف مقابلة خاصة مع "ونا"‪ :‬موريتانيا تعرف كيف تتجنب‬
‫مواجهتنا‪ ،"...‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫وقد تقاسم التنظيمان السيطرة على املدينة مع احلركة الوطنية لتحريار أزواد‬
‫االنفصالية‪ ،‬إال أن مجاعة التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا مبعيَّة عناصر القاعادة‬
‫آثروا الغنب يف شراكتهم مع احلركة الوطنية‪ ،‬فسيطر مقااتلوهم علاى القاعادة‬
‫العسكرية يف املدينة واملواقع االستراتيجية‪ ،‬تاركني للحركة الوطنية لتحريار أزواد‬
‫بع امحياء الشعبية واملبا اإلدارية ومطار املدينة؛ وهو ما سهَّل مهمتهم الحقًًا‬
‫حني قرروا طرد احلركة الوطنية من املدينة بعد تصاعد اخلالفات معها‪.‬‬
‫وبعد السيطرة على مدينة "غاوا" واملناطق القريبة مناها‪ ،‬عرفات "مجاعاة‬
‫التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا" توسعًًا إثر انضمام عشرات مان الصاحراويني‬
‫واملاليني واملوريتانيني واجلزائريني وجنسيات أخرى إليها‪ ،‬وأصبحت ترف وصفها‬
‫بأهنا حركة تقوم على مقاتلني من قبائل "عر تلمسي" أو أزواد فق ‪ .‬وقد عينت‬
‫حركة التوحيد واجلهاد أحد قادهتا ويدعى "عبد احلكيم الصحراوي" من الصحراء‬
‫الغربية واليًًا على غاوا‪ ،‬وعينت علي توري املك "أبو حممد" ‪-‬وهو من ساكان‬
‫غاوا‪ -‬قائدًًا للشرطة اإلسالمية يف املدينة‪.‬‬

‫بالفا المؤأأين‬
‫خالا امسابيع اموىل لسيطرة "مجاعة التوحيد واجلهاد يف غار إفريقياا"‬
‫على مدينة "غاوا" بدأت بوادر خالف داخلها بني الرجلني املؤسسني هلا‪ ،‬ومهاا‬
‫"سلطان ولد بادي" و"أمحد ولد عامر"‪ ،‬وهو صراع كان مردُّه إىل أن "ولد بادي"‬
‫اعترب أن شريكه وابن عمه "ولد عامر" استأثر باحلركة‪ ،‬واحنرف هبا عن مساارها‬
‫اطدد سلفًًا‪ ،‬وحتولت من حركة إسالمية حملية إىل حركة موغلة يف التشدد تناصب‬
‫العداء لدوا املنطقة وللعامل بأسره‪ ،‬يف حني كان "ولد بادي" يرغب يف أن تكاون‬
‫تلك احلركة واجهة سلفية للقبائل العربية يف أزواد‪ ،‬على غرار مجاعة أنصار الدين‬
‫اليت متثل واجهة سلفية للطوارق يف أزواد‪.‬‬
‫كما اعترب "ولد بادي" ‪-‬حسب مقربني منه‪ -‬أن بع عمليات احلركاة ضاد‬
‫ال عن إعدامها لنائب القنصل اجلزائاري يف‬
‫اجلزائر مل تكن مربرة على اإلطالق‪ ،‬فض ً‬
‫مايل "الطاهر توايت" الذي كان حمتجزًًا لديها‪ ،‬وأهنا كان ينبغي أن تكون حركة متيال‬
‫‪114‬‬
‫ال لساكان أزواد‬ ‫إىل االعتداا والتفاهم مع دوا املنطقة؛ حىت يتس هلا أن تكون ممث ً‬
‫من العر ‪ .‬غري أن "أمحد ولد عامر" والقيادات الصحراوية واملوريتانية معه‪ ،‬أخاذوا‬
‫احلركة إىل مزيد من الراديكالية‪ ،‬وأعلنوا "اجلهاد" ضد ما مسوها امنظماة املرتادة يف‬
‫املنطقة‪ .‬ومع تفاقم اخلالفات بني الرجلني‪ ،‬أعلن "سلطان ولد بادي" انشاقاقه عان‬
‫احلركة مع عناصر كتيبة "صالح الدين" اليت يقودها‪ ،‬وانضمامه إىل "مجاعاة أنصاار‬
‫الدين" باعتبارها احلركة امكثر اعتدا ًال بني احلركات اإلسالمية املسلحة يف املنطقاة‪،‬‬
‫ال عن كوهنا حركة حملية أزوادية‪ ،‬وتوجه "سلطان ولد بادي" إىل مديناة متبكتاو‬ ‫فض ً‬
‫مطلع عام ‪ 5157‬اليت كان يوجد هبا زعيم مجاعة أنصار الدين إياد أغ أغايل للتحضاري‬
‫للهجوم الذي ستقوم به حركته بالتنسيق مع تنظيم القاعدة ببالد املغار اإلساالمي‬
‫جنوبًا حنو مدينة "سيفاري" وبلدات "كونا" و"جبايل"‪ ،‬ويف متبكتو بايع "سلطان ولاد‬
‫بادي" باسم عناصر كتيبته‪ ،‬أمري مجاعة أنصار الدين على السمع والطاعاة‪ ،‬وأصابح‬
‫عضوًًا يف مجاعة أنصار الدين‪ ،‬ويقوا عارفون بالرجل‪ :‬إن طبيعته متيال إىل العقالنياة‬
‫واالعتداا أكثر من شريكه "أمحد ولد عامر" الذي مييل إىل التشدد وروح املغامرة‪.‬‬
‫وقد اهتمت مجاعة التوحيد واجلهاد يف بيان أصدرته‪ ،‬احلكوماة اجلزائرياة‬
‫بالوقوف وراء انشقاق "كتيبة صالح الدين" بقيادة سلطان ولد بادي‪ ،‬وأصدرت‬
‫اجلماعة بيانًًا حينها قالت فيه‪ :‬إن انسحا "سلطان ولد بادي" جاء بعد رفا‬
‫اجلماعة االستجابة ملطالبه بوقف استهداف بعا دوا اجلاوار‪ ،‬يف إشاارة إىل‬
‫اجلزائر‪ ،‬والدخوا يف مفاوضات مع احلكومة املالية‪ ،‬وهو ماا يتناا ‪-‬حساب‬
‫البيان‪ -‬مع "استراتيجية اجلماعة يف مواجهة احلكومات املرتدة"‪ ،‬وتعهدت احلركة‬
‫بشن هجمات داخل أراضي كل الدوا اليت تشارك حينها يف التحضري للحار‬
‫ضد اجلماعات اجلهادية بقيادة فرنسا(‪.)1‬‬
‫وقبل اندالع احلر امخرية يف مايل بقيادة فرنسا‪ ،‬لوَّحت مجاعة التوحياد‬
‫واجلهاد يف غر إفريقيا أكثر من مرة بتوسيع نشاطاهتا املسلحة لتشامل كافاة‬

‫(‪" )1‬أمري كتيبة ابن الدن لا "امخبار"‪ :‬التهديد الدويل قدر كو سنواجهه بالقتاا"‪ ،‬موقع‬
‫األخبار إنفو‪( ،‬تاريخ الدخوا‪ 9 :‬أغسطس‪/‬آ ‪:)5154‬‬
‫‪http://arc.alakhbar.info/27520-0-ACCBBF-FFAB--FC-F0FC0C50-B-F-F.html‬‬

‫‪115‬‬
‫امراضي املالية‪ ،‬مؤكدة يف أكثر من بيان هلا أهنا قادرة على دخوا العاصمة املالية‬
‫باماكو والسيطرة عليها يف غضون ‪ 54‬ساعة‪ ،‬مىت ما أرادت تلك‪ ،‬وقااا قاادة‬
‫احلركة‪ :‬إهنم ميتلكون ترسانة عسكرية ضخمة ومئات املقاتلني املدربني القاادرين‬
‫على دحر اجليش املايل والقوات اإلفريقية اليت تشارك يف احلر ضادهم‪ ،‬كماا‬
‫هدَّدت احلركة أيضًًا بضر دوا اجلوار وفرنسا‪ ،‬ووصف أمري احلركة وقائادها‬
‫العسكري "أمحد ولد عامر" دوا جوار مايل بأهنا "دوا جور وظلام وكفار"‪،‬‬
‫مضيفًًا أهنم كحركة إسالمية جهادية "مطالبون شرعًًا بقتاا تلك الدوا؛ لرفضاها‬
‫وامتناعها عن تطبيق شرع اهلل"(‪.)1‬‬
‫ومع توسع احلركة وسيطرهتا على أجزاء واسعة من أزواد انطالقًًا من غااوا‬
‫ومنيكا وأنفيف ودوينزا وغريها‪ ،‬والتحاق مئات املقاتلني هبا من خاارج ماايل‪،‬‬
‫بعضهم صحراويون وماليون وموريتانيون ومغارباة وتونسايون وغريهام مان‬
‫جنسيات خمتلفة‪ ،‬أعلنت عن تأسيس أربع سرايا مقاتلة أخرى‪ ،‬هي‪ :‬سرية "عباد‬
‫اهلل عزام"‪ ،‬وسرية "أبو مصعب الزرقاوي"‪ ،‬وسرية "أبو الليث الليباي"‪ ،‬وسارية‬
‫"االستشهاديني"‪ .‬وقد عمدت مجاعة التوحيد واجلهاد يف غار إفريقياا بعاد‬
‫سيطرهتا على مدينة غاوا إىل تأسيس حماكم شرعية بالتعاون مع كتيبة "امللثماون"‬
‫وهيئات للحسبة‪ ،‬ونفَّذت عدة عمليات جلد وقطع لليد ورجم يف حق متاهمني‬
‫بالسرقة والزنا وشر اخلمر(‪.)2‬‬

‫‪ -3‬عن ار الةريعة‬
‫وهي تشكيل تأسس هناية عام ‪ 5155‬من عناصر ينحادرون مان قبائال‬
‫"الربابيش" العربية يف مدينة متبكتو‪ ،‬ويقوا مؤسسو احلركة إهنا تسعى من تكاون‬
‫امتدادًًا عربيًًّّا جلماعة "أنصار الدين" الطارقية‪ ،‬وتلك بعاد أن فشالت "مجاعاة‬
‫التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا" يف متثيل العر امزواديني؛ بسبب راديكاليتاها‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪.‬‬


‫‪9‬‬ ‫(‪" )2‬مقابلة مع محاد ولد حممد اخلريي"‪ ،‬موقع األخبرار إنفرو‪( ،‬تااريخ الادخوا‪:‬‬
‫أغسطس‪/‬آ ‪:)5154‬‬
‫‪http://arc.alakhbar.info/27595-0-0F-FCCFFAB--C---40--CC0.html‬‬

‫‪116‬‬
‫وقيامها بعمليات خطف وقتل وتفجري‪ .‬وقد بدأ مؤسسو مجاعة أنصار الشاريعة‬
‫حتركاهتم يف نوفمرب‪/‬تشرين الثا عام ‪ ،5155‬وزاروا مدينة "غاوا" حبثًًا عن اتفااق‬
‫مع العر هناك‪ ،‬والتقوا خالا وجودهم فيها بقادة "امللثمون" و"مجاعة التوحياد‬
‫واجلهاد"‪ ،‬وقد زوَّدهم قائد كتيبة "امللثمون" بلمختار بسيارات وعدد من املقاتلني‬
‫العر كانوا معه‪ ،‬ويف مقدمتهم صهره "عمر ولد محاه"‪ ،‬قبل أن يعودوا إىل مدينة‬
‫متبكتو‪ ،‬اليت أجروا فيها حوارات مع قادة أنصار الدين والقاعدة‪ ،‬انتهت مببايعتهم‬
‫ممري أنصار الدين إياد أغ أغايل‪ ،‬الذي أمر بتوفري سايارات ورجااا هلام‪ ،‬ومت‬
‫ختصيص معسكر تدريب يف املقارِّ خاص هبم‪.‬‬
‫ويقود احلركة عسكريًًّّا القيادي السابق يف تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‬
‫"عمر ولد محََّّاه" املعروف إعالميًًّّا بصاحب اللحية احلمراء‪ ،‬وهو عم زوجاة زعايم‬
‫كتيبة "امللثمون" املختار بلمختار‪ ،‬وينحدر من قبيلة أوالد إدريس "الرببوشية"‪ ،‬بينماا‬
‫يقودها سياسيًًّّا عدد من شخصيات عر أزواد الذين كاانوا ينشاطون يف مجاعاة‬
‫الدعوة والتبليغ يف املنطقة‪ ،‬ويتبع هلا عشرات املسلحني الذين متركزوا بداية يف مديناة‬
‫متبكتو قبل أن ينتقلوا إىل أقصى الشماا عند بدء احلر يف مايل‪ .‬ويقوا "عمر ولاد‬
‫محََّّاه"‪ :‬إن تنظيمه يشكل امتدادًا جلماعة "أنصار الدين" اليت يقودها الزعيم الطاارقي‬
‫إياد أغ أغايل‪ ،‬وأن تأسيس التنظيم جاء بعد أن لوحظ غيا قبائال الاربابيش عان‬
‫"العمل اجلهادي" خبالف قبائل الطوارق وعر تلمسي الذين اخنرطاوا يف مجااعيت‬
‫أنصار الدين والتوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا؛ لذلك مت تأسيس تنظيم خاص بأبنااء‬
‫قبائل الربابيش لتحريضهم على االلتحاق بالعمل املسلح(‪.)1‬‬

‫(‪" )1‬كتيبة أنصار الشريعة‪ :‬مشروع جهادي جديد يقوده صاحب اللحية احلمراء"‪ ،‬صحراء‬
‫ميديا‪( ،‬تاريخ الدخوا‪ 9 :‬أغسطس‪/‬آ ‪:)5154‬‬
‫‪http://www.saharamedias.net/%D9%83%D8%AA%D9%8A%D8%A8%D8%‬‬
‫‪A9-%D8%A3%D9%86%D8%B5%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%‬‬
‫‪84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9-%D9%85%D8%B4%‬‬
‫‪D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF%D9%‬‬
‫‪8A-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D9%8A%D9%82%D9%‬‬
‫‪88%D8%AF%D9%87-%D8%B5%D8%A7%D8%AD%D8%A8-%D8%A7%‬‬
‫‪D9%84%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%‬‬
‫‪AD%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%A1_a17562.html‬‬

‫‪117‬‬
‫ويُعرف عن "عمر ولد محاه" أنه كان من أبرز نشطاء مجاعة الدعوة والتبليغ‬
‫يف أزواد‪ ،‬قبل أن يلتحق باجلماعة السلفية للدعوة والقتاا‪ ،‬ويزوِّج ابنتاه مماري‬
‫الصحراء السابق املختار بلمختار‪ ،‬وقد ظهر بعد سايطرة اجلماعاات السالفية‬
‫املسلحة على أزواد بوصفه قائدًا عسكريًّا ومتحدثًا باسم تلك اجلماعات؛ حياث‬
‫حتدث أحيانًًا باسم تنظيم القاعدة ببالد املغر اإلسالمي‪ ،‬وأحيانًًا باسم مجاعاة‬
‫التوحيد واجلهاد يف غر إفريقيا‪ ،‬وأحيانًًا باسم مجاعة أنصار الدين‪ ،‬إال أن هاذه‬
‫امخرية تربأت من تصرحياته على لسان الناطق بامسها "سندة ولد بوعمامة"‪ ،‬كماا‬
‫تربأ أمري الصحراء يف تنظيم القاعدة "حيىي أبو اهلمام" أيضًًا من تصارحيات "ولاد‬
‫ال إهنا ال متثل رأي تنظيمه‪ ،‬لكن احلقيقة هي أن "عمر ولد محاه" ظال‬ ‫محاه"‪ ،‬قائ ً‬
‫يدين بالوالء ممري كتيبة "امللثمون" بلمختار ويتبع له‪ ،‬إالَّ أنه انفصل عنه يف خطوة‬
‫تكتيكية لتأسيس مجاعة أنصار الشريعة هناية عام ‪5155‬؛ حيث يقوا مقربون مان‬
‫بلمختار‪ :‬إن التحاق "ولد محاه" جبماعة "أنصار الشريعة" مت مبباركة من املختاار‬
‫بلمختار نفسه‪ ،‬وتنسيق معه‪.‬‬
‫وبعد اندالع احلر الفرنسية اإلفريقية على اجلماعات املسالحة يف أزواد‪،‬‬
‫اختفى "عمر ولد محاه" بعد أن أصبح امسه من بني القادة املطلوبني للدوائر اممنية‬
‫الغربية‪ ،‬قبل أن يظهر يف شري فيديو أصدرته مجاعة "امللثمون"‪ ،‬وكتب عليه أناه‬
‫سُُجل يف يوليو‪/‬متوز ‪5157‬؛ حيث كان "ولد محاه" يتحدث فيه باللغة الفرنسية يف‬
‫مكان ما من الصحراء وحوله مقاتلون ملثمون‪ ،‬ويتوعد الفرنسايني باساتهداف‬
‫مصاحلهم االستراتيجية واالقتصادية والسياسية والعسكرية أينما كانات‪ .‬وقاد‬
‫تبخَّرت حركة أنصار الشريعة؛ إت اخنرط معظم مقاتليهاا يف احلركاة العربياة‬
‫امزوادية‪ ،‬املتحالفة مع احلركة الوطنية لتحرير أزواد‪.‬‬

‫‪ -4‬حركة عبنات ال حرات ل عدالة اإلأالمية‬


‫أسََّّسها جمموعة من أبناء الواليات الصحراوية اجلنوبية يف اجلزائر سنة ‪،5112‬‬
‫ومحلت بداية اسم "حركة أبناء الصحراء للعدالاة"‪ ،‬وقاد نفََّّاذت أوا عملياة‬
‫عسكرية هلا يف شهر أكتوبر‪/‬تشرين اموا من نفس العام‪ ،‬عندما هامجت شاركة‬
‫‪118‬‬
‫نفطية يف اجلنو اجلزائري مبنطقة "عني أمناس"‪ ،‬غري أن أشهر عملية قامات هباا‬
‫تلك اجلماعة وأخذت منها زمخها اإلعالمي‪ ،‬هي اهلجوم على مطاار "جانات"‬
‫الدويل يف جنو اجلزائر فجر يوم ‪ 1‬نوفمرب‪/‬تشارين الثاا ‪ ،5113‬ومت خالهلاا‬
‫استهداف طائرة شحن من نوع "لوشن" كانت جامثاة يف املطاار‪ ،‬إضاافة إىل‬
‫مروحيتني عسكريتني‪.‬‬
‫واقتصرت مطالب احلركة يف البداية على ضرورة إشراك الواليات اجلنوبياة‬
‫اجلزائرية يف مشاريع التنمية‪ ،‬واستفادهتا من ريع الثروات النفطية والغازياة الايت‬
‫توجد هبا‪ ،‬وقد استطاعت احلكومة اجلزائرية استيعا احلركة عن طريق وساطاء‬
‫من أعيان قبائل املنطقة‪ ،‬بعد أن فتحت معها حوارًًا‪ ،‬ومت تنسيق لقاءات عديدة بني‬
‫عناصر من احلركة والوسطاء‪ ،‬وممثلني عن السلطات اجلزائرية‪ ،‬أسفرت عن قباوا‬
‫احلركة بالدخوا يف السلم ووضع السالح‪ ،‬على أن تلتزم السالطات اجلزائرياة‬
‫بتطبيق مطالب كانت احلركة قد رفعتها‪ ،‬وتدور يف جمملها حوا تنمية الوالياات‬
‫الصحراوية يف جنو اجلزائر وبع اإلصالحات وضاب بعا التجااوزات‬
‫باجلنو ‪ .‬وكان يقود احلركة خالا املرحلة اموىل من تأسيسها "عباد الساالم‬
‫طرمون"‪ ،‬ونائبه "يوسف بشنب"‪ ،‬وقد ختلت عن العمل املسلح بعد أشهر علاى‬
‫انطالق نشاطاهتا‪ ،‬واستمرت هدنتها مع السلطات اجلزائرية حوايل أربع سانوات‪.‬‬
‫ويف سبتمرب‪/‬أيلوا ‪ 5155‬أعلنت احلركة استئناف نشاطاهتا املسلحة‪ ،‬بعد أن وصل‬
‫عدد من عناصرها بقيادة حممد اممني بشنب املك "الطاهر أبو عائشة" إىل مشااا‬
‫مايل؛ حيث استضافهم املختار بلمختار يف معسكرات كتيبته "امللثماون"‪ ،‬وقاد‬
‫أصدرت احلركة حينها شريطًًا مصورًًا أعلنت فيه تغيري امسها من "حركاة أبنااء‬
‫الصحراء للعدالة" ليصبح "حركة أبناء الصحراء للعدالة اإلسالمية"‪ ،‬كما أعلنت أن‬
‫أهدافها مل تعُ ْد ِج َهويَّة‪ ،‬وإمنا أصبحت تطالب بتطبيق "العدالة اإلسالمية" على كافة‬
‫امراضي اجلزائرية(‪.)1‬‬

‫(‪" )1‬حركة أبناء الصحراء للعدالة" تعود للعمل املسلح ضد اجلزائر انطالقًًا من مشاا مايل"‪،‬‬
‫وكالة نواكشوط لألنباء‪( ،‬تاريخ الدخوا‪ 9 :‬أغسطس‪/‬آ ‪:)5154‬‬
‫‪http://ani.mr/?menuLink=9bf31c7ff062936a96d3c8bd1f8f2ff3‬‬

‫‪119‬‬
‫يف امسبوع امخري من شهر إبريل‪/‬نيساان وامسابوع اموا مان شاهر‬
‫مايو‪/‬أيار‪ ،‬كنتُ يف أزواد وقابلت زعيم احلركة حينها "حمماد امماني بشانب"‬
‫(الطاهر أبو عائشة)‪ ،‬وأجريت معه حوارات عديدة وجلسات مطولة‪ ،‬تناوا فيها‬
‫بالتفصيل أسبا تأسيس احلركة وأهدافها والعمليات اليت نفَّذهتا حىت انن‪ .‬وقاد‬
‫اعترب "بشنب" يف أحد حواراته معي أن حركته "جاءت كتطوُّر طبيعي" للحاراك‬
‫الشعباي الذي عرفته الواليات اجلنوبية يف اجلزائر سنوات ‪ 5114‬و‪ 5111‬و‪5112‬؛‬
‫للمطالبة بالعدالة االجتماعية‪ ،‬وتوفري فرص الشغل للشبا العاطلني‪ ،‬ومنح تلاك‬
‫الواليات امولوية يف مشاريع التنمية‪ ،‬واستفادهتا من ثرواهتا الطبيعية اليت يعتربوهناا‬
‫شريان االقتصاد اجلزائري‪ .‬وقاا‪ :‬إن حركتاه تأسسات بالتحدياد يف شاهر‬
‫مارس‪/‬آتار ‪ ،5112‬وكانت مطالبها هي نفسها مطالب املتظاهرين يف احلراك الذي‬
‫شهدته السنوات السابقة‪ ،‬وكان مردُّ تأسيسها ‪-‬حسب قوله‪ -‬أنه بدا واضحًًا هلم‬
‫أن النظام اجلزائري لن يستجيب للمطالب اليت رفعوها خالا مظاهراهتم السلمية‪،‬‬
‫فانصب تفكريهم ‪-‬رغم قلة عدد املقتنعني بالعمل املسلح‪ -‬على التخطي لعمال‬
‫عسكري يكون مبثابة رسالة للنظام‪ ،‬وحني سألته عن حقيقاة ساعي احلركاة‬
‫النفصاا الواليات اجلنوبية عن اجلزائر‪ ،‬أو اإلطاحة بالنظام هناك‪ ،‬نفاى "امماني‬
‫بشنب" أن يكون قادة احلركة قد فكروا ولو للحظة واحدة يف أيٍّ من اهلادفني‪،‬‬
‫وبرَّر العمليات العسكرية اليت نفذوها بالقوا‪ :‬إن هدفها كان توجيه رسائل لعال‬
‫النظام يفهمها ويستوعبها ويستجيب ملطالب احلراك الشعباي يف اجلنو ‪ ،‬فكان‬
‫أن خرج املؤسسون السبعة للحركة إىل أزواد يف مشاا مايل‪ ،‬وكلهم مان أبنااء‬
‫الواليات اجلنوبية (جانت‪ ،‬وورقلة‪ ،‬وإليزي‪ ،‬واملنيعة)‪ ،‬ومن هناك بدؤوا التخطي‬
‫لتوفري السالح وتنفيذ عملية عسكرية‪ ،‬وكان لبعضهم ‪-‬ويف مقدمتاهم "امماني‬
‫بشنب"‪ -‬خربة يف الصحراء؛ بسبب عملهم سابقًًا يف جماا التهريب‪ .‬ومن مشااا‬
‫أزواد توجهوا بعد أن حصلوا على السالح عرب اجلباا إىل قر مدينة "جانات"؛‬
‫حيث قضوا عدة أيام‪ ،‬ووقع اختيارهم على منطقة "عني أمناس" القريبة من احلدود‬
‫الليبية‪ ،‬حيث قررنا‪ -‬يقوا بشنب‪ -‬توجيه رسالة للنظام عرب تنفيذ عملية عسكرية‬
‫ضد موقع لضخ النف هناك‪ ،‬وكنا سبعة رجاا فق ‪ ،‬وكانت العملياة بسايطة‬
‫‪141‬‬
‫متثلت يف استهداف املوقع املذكور يوم ‪ 53‬أكتوبر‪/‬تشارين اموا‪ 5113‬بقاذائف‬
‫اهلاوون وسالح الدوشكا‪ ،‬مث انسحب املهامجون إىل جباا الطاسيلي‪ ،‬لكن النظام‬
‫اجلزائري‪ -‬يضيف بشنب‪ -‬استطاع أن يُغيِّب هذا العمل عن وسائل اإلعالم‪ ،‬فمرَّ‬
‫احلدث دون أن يكون له أي صدى‪ ،‬فلم تأخذ العملية بُعدها اإلعالمي الذي كان‬
‫منفذوها يرجونه من ورائها؛ ففكر عناصر احلركة يف إعادة الكَرَّة‪ ،‬لكن هذه املرة‬
‫قرروا استهداف مطار "جانت" العسكري املعروف يف جنو الابالد‪ ،‬وكاان‬
‫عددهم قد تضاعف وأصبحوا أربعة عشر شخصًًا‪ ،‬وأثنااء التخطاي للعملياة‪،‬‬
‫وصلتهم معلومات تفيد أن الرئيس امملا سيزور مدينة "جانت" برفقة الارئيس‬
‫اجلزائري عبد العزيز بوتفليقة‪ ،‬وكانت الزيارة يوم السبت‪ ،‬يف حني كانت هنااك‬
‫طائرة شحن عسكرية من نوع "لوشن" تصل عادة إىل املطار مساء كال أربعااء‬
‫حممَّلة باملؤونة للعسكريني‪ ،‬فقرروا استهدافها‪ .‬وهنا يروي "اممني بشنب" تفاصيل‬
‫ال إهنم وضعوا خطة اهلجوم واالنسحا ‪،‬‬ ‫تلك العملية اليت كان مشار ًكًا فيها‪ ،‬قائ ً‬
‫وكان مقررًا بداية أن يكون االنسحا بعد تنفيذ العملية باجتاه احلدود مع النيجر‪،‬‬
‫ووصلوا إىل املطار املستهدف الساعة العاشرة مساء‪ ،‬لكنهم فوجئوا بوصوا طائرة‬
‫مدنية حتمل عددًًا من املسافرين‪ ،‬فكانوا جمربين على تغيري اخلطة وتأجيال موعاد‬
‫التنفيذ‪ ،‬وانتظروا قر املطار ساعات عديدة حىت الساعة الثالثة فجرًًا حني غادرت‬
‫الطائرة املدينة بعد أن أنزلت ركاهبا القادمني ونقلت املغادرين‪ ،‬كما غادر العاملون‬
‫يف املطار‪ ،‬فنفذت اجملموعة خطتها مبهامجة الطائرة العسكرية اجلامثة على أرضاية‬
‫املطار ودمروها‪ ،‬إضافة إىل مروحيتني عسكريتني‪ .‬ويف حدود الساعة الرابعة فج ًرًا‬
‫انسحبوا إىل اجلباا‪ ،‬بعد أن قرروا تغيري خطة االنسحا ‪ ،‬واختاروا التوجُُّّاه إىل‬
‫احلدود الليبية بد ًال من النيجر‪ ،‬وقطعوا مسافة تزيد على ‪ 21‬كلم‪ .‬وبعد وصاوهلم‬
‫إىل اجلبل أجرى أحد عناصر اجملموعة اتصا ًال هاتفيًًّّا‪ ،‬فتمكنت القوات اجلزائرية من‬
‫رصد مكاملته وحتديد موقعهم‪ ،‬وقامت املروحيات بقصاف املكاان‪ ،‬فاضاطر‬
‫املسلحون إىل ترك سياراهتم واالنسحا على أقدامهم بسبب القصاف‪ ،‬وقاد‬
‫أمضوا شهرين وهم يتنقلون يف اجلباا سريًًا على امقدام باجتاه احلادود الليبياة‪،‬‬
‫ال وخيتبئون هنارًًا‪ ،‬كما كانوا يضطرون أحيانًًا للمكاوث يف‬ ‫وكانوا يتحركون لي ً‬
‫‪140‬‬
‫‪41‬‬ ‫مكان واحد عدة أيام قبل مواصلة السري‪ ،‬إىل أن وصلوا إىل مكان يبعد حوايل‬
‫كلم من احلدود الليبية‪ ،‬فقرر بع عناصر اجملموعة البقاء يف اجلباا داخل احلدود‬
‫اجلزائرية‪ ،‬وواصلت جمموعة أخرى يقودها "اممني بشنب" السري إىل أن دخلاوا‬
‫امراضي الليبية اليت قضوا فيها شهرين‪ ،‬وهناك ‪-‬يقوا اممني بشنب‪ -‬قابلت أناسًًا‬
‫أعرفهم من سكان احلدود‪ ،‬فسهَّلوا يل مهمة التنقل إىل أزواد مشاا مايل‪.‬‬
‫وعند وصوله إىل أزواد كان "بشنب" منقطعًًا متامًًا عن العامل‪ ،‬فخالا امشهر‬
‫املاضية مل يستخدم اهلاتف؛ خوفًًا من رصده وحتديد موقعه‪ .‬ويف مايل بدأ ياتلمس‬
‫أخبار زمالئه الذين تركهم قر احلدود مع ليبيا‪ ،‬ومن ثَمَّ التفكري يف القيام بعمل‬
‫إلنقاتهم‪ .‬وبعد شهرين عَِلم بأن عناصر احلركة دخلوا يف حوار ماع السالطات‬
‫اجلزائرية عرب وسطاء من أعيان القبائل يف املناطق اجلنوبية‪ ،‬وأن مستشار الارئيس‬
‫وصل إىل "جانت" لإلشراف على املفاوضاات‪ ،‬ومت التوصال إىل اتفااق عارب‬
‫املخابرات اجلزائرية وبضمانة من الوسطاء‪ ،‬وكان قائد احلركة حينها "عبد السالم‬
‫طرمون"‪ ،‬ونائبه "يوسف بشنب" مها من وقَّع على االتفاق الذي تضمَّن وعاو ًدًا‬
‫بأن السلطات ستنفذ مطالبهم‪ ،‬كما تعهدوا هلم بعدم املتابعة اممنية والقضاائية‪،‬‬
‫فنزلوا من اجلباا وسلموا أسلحتهم‪ ،‬واتصل عناصر احلركاة بارفيقهم "امماني‬
‫بشنب" يف أزواد‪ ،‬وطلبوا منه العودة إىل اجلزائر؛ من اإلشكاا ماع السالطات‬
‫ال استجا "اممني‬ ‫اجلزائرية مت حله‪ ،‬وليست هناك أي متابعة أمنية أو قضائية‪ ،‬وفع ً‬
‫بشنب" لدعوة زمالئه‪ ،‬وعاد إىل اجلزائر عرب احلدود‪.‬‬
‫وبعد أربعة أشهر من توقيع االتفاق بني احلركة والسلطات اجلزائرية‪ ،‬وقاع‬
‫نقا داخل احلركة؛ بسبب ما وصفوه بعدم شروع السلطات اجلزائرية يف تنفياذ‬
‫مطالبهم‪ ،‬فقرَّر "اممني بشنب" مغادرة اجلزائر ثانية والعودة إىل مشاا مايل؛ متهي ًدًا‬
‫الستئناف العمل املسلح‪ ،‬لكنه قضى شهرين فق يف أزواد‪ ،‬وعاد ثانية إىل اجلزائر‬
‫بناء على رغبة عناصر احلركة يف الداخل الذين طلبوا منه منح احلكومة مزيدًًا مان‬
‫الوقت‪ ،‬وبعد عودته مكث يف اجلزائر سنتني‪ ،‬مث بدأ مع عناصر من احلركة بيناهم‬
‫نائب رئيسها "يوسف بشنب" التحرك من جديد‪ ،‬وغادروا اجلزائر سرًًّّا متوجهني‬
‫إىل مشاا مايل‪ ،‬ويف أزواد قابل "اممني بشنب" ورفاقه القيادي يف تنظيم القاعادة‬
‫‪141‬‬
‫ببالد املغر اإلسالمي املختار بلمختار‪ ،‬واخنرطوا يف تنسايق معاه‪ ،‬وتغيََّّارت‬
‫امجندة‪ ،‬ومل تَعُد احلركة تطالب بإنصاف واليات اجلنو فق ‪ ،‬وإمناا محلات‬
‫مطالب جديدة يف مقدمتها توفري "العدالة اإلسالمية" لكافة اجلزائريني‪.‬‬

‫العال ة مع ب مبجار‬
‫حتدث "اممني بشنب" خالا لقائي معه بإسها عان عالقتاه بالقياادي‬
‫السابق يف تنظيم القاعدة املختار بلمختار‪ ،‬مؤكدًًا أنه يف خرجاته اموىل إىل أزواد‬
‫مل يتصل به‪ ،‬ومل تكن بينهما أي عالقة أو معرفة‪ ،‬بل مل يكن رآه من قبل‪ ،‬خبالف‬
‫"عبد احلميد أبو زيد" الذي كان يعرفه سابقًًا أيام نشااطهما يف التاهريب عارب‬
‫الصحراء‪ ،‬قبل التحاقهما ‪-‬منفصلني‪ -‬باجلماعات اإلسالمية املسلحة‪ ،‬أمََّّاا بعاد‬
‫خروجه الثالث إىل أزواد فقد بدأ "بشنب" يف البحث عن بلمختاار وقابلاه يف‬
‫معسكرات كتيبة "امللثمون" يف جبل تغرغارت‪ ،‬وعرض علياه أن يتعاوناا؛ منَّ‬
‫أهدافهما أصبحت واحدة‪ ،‬كما يقوا‪ .‬ويف سنة ‪ 5155‬بدأ النشاط املشترك باني‬
‫حركته وكتيبة "امللثمون"‪ ،‬اليت كانت ساعتها كتيبة تابعة لتنظيم القاعادة بابالد‬
‫املغر اإلسالمي‪.‬‬
‫واعترف "اممني بشنب" يف حديثه أن تعاونه مع املختار بلمختار كان سببًًا‬
‫يف مأساة ابنه "عبد الكرمي"‪ ،‬وشقيقه "عبد القادر"؛ منه ورَّطهما دون أن يكوناا‬
‫على علم حبقيقة ما يقومان به‪ ،‬وتلك حني طلب منه بلمختار مساعدته يف إخراج‬
‫عناصر من اجلزائر يريدون االلتحاق به يف أزواد‪ ،‬فطلب هو من شاقيقه "عباد‬
‫القادر" مساعدهتم يف تلك‪ ،‬دون أن يكشف له عن هوياهتم‪ ،‬وإمنا قدَّمهم له على‬
‫أهنم عناصر عاديون يريدون هتريب بضاعة حنو أزواد‪ ،‬ويرغبون يف احلصوا علاى‬
‫مساعدة منه باعتباره على دراية كبرية بطرق ومسالك تلك الصحراء‪ ،‬كما اشترك‬
‫ابنه "عبد الكرمي" مع شقيقه يف حماولة هتريب العناصر املذكورين‪ ،‬لكان قاوات‬
‫اممن اجلزائرية نصبت هلم كمينًًا واشتبكت مع املسلحني‪ ،‬كما قامت باعتقاا ابنه‬
‫وشقيقه‪ ،‬وصدر حبق اموا (عبد الكرمي بشنب) حكم بالساجن النافاذ مخاس‬
‫سنوات‪ ،‬ويف حق الثا (عبد القادر بشنب) السجن النافذ عشرين سانة‪ ،‬بينماا‬
‫‪141‬‬
‫صدرت أحكام باإلعدام غيابيًّا يف نفس القضية يف حق "اممني بشانب" وقريباه‬
‫ومساعده اموا "يوسف بشنب" املك "أمين" واملختار بلمختار‪.‬‬
‫وقد قُُتل "اممني بشنب" خالا مشاركته يف عملية احتجاز عشرات الرهائن‬
‫الغربيني يف جممع "تيقنتورين" الغازي ببلدة عني أمناس جنو اجلزائار يف شاهر‬
‫يناير‪/‬كانون الثا عام ‪ ،)1(5157‬وهي العملية اليت نفَّذهتا كتيبة "املوقعون بالدماء"‪،‬‬
‫وبعد مقتله توىل نائبه وابن عمه "يوسف بشنب" قيادة احلركة‪ ،‬فيماا كشافت‬
‫تقارير إعالمية عن التحاق زعيم احلركة السابق "عبد السالم طرمون" بصافوفها‬
‫جمددًًا‪.‬‬

‫(‪" )1‬مقتل ‪ 51‬إرهابيًًّّا وحترير ‪ 211‬رهينة بينهم ‪ 511‬أجنباي"‪ ،‬الشروق اجلزائرية‪( ،‬تاريخ‬
‫الدخوا‪ 9 :‬أغسطس‪/‬آ ‪:(5154‬‬
‫‪http://www.echoroukonline.com/ara/mobile/articles/154400.html‬‬

‫‪144‬‬
‫باجمة‬

‫يتضح من خالا فصوا الكتا أن تنظيم "الدولة اإلسالمية" والقاعدة نقال‬


‫صراعهما إىل منطقة الساحل والصحراء مُبََكِّرًًا‪ ،‬وإن كان تلك مت بصاورة أقال‬
‫شراسة وعدوانية‪ ،‬من حالة الصراع بينهما يف املشرق العربااي‪ ،‬خصوصًًاا يف‬
‫سوريا والعراق؛ حيث مرت عالقة التنظيم يف منطقة الساحل والصحراء مبراحل‪،‬‬
‫بدأت باملساندة عشية انتصارات تنظيم الدولة يف العراق وسيطرته على املوصل‪ ،‬مث‬
‫املهادنة واحلياد يف املرحلة اموىل من صراعه مع "جبهاة النصارة"‪ ،‬مث املواجهاة‬
‫الفكرية واإلعالمية بعد تلك‪ ،‬ووصلت حالة العالقة يف ليبيا باني التنظايمني إىل‬
‫درجة االقتتاا‪ ،‬كما حصل يف مدينة "درنة" بالشرق الليباي‪.‬‬
‫وتعود خلفيات هذا الصراع إىل تصادم املصاحل بني التنظايمني يف املنطقاة‬
‫وتنافسهما على السيطرة والنفوت؛ حيث يسعى تنظيم القاعادة للحفااظ علاى‬
‫مكاسب حققها يف املنطقة عرب سنوات طويلة من العمل فيها كواجهاة وحيادة‬
‫للتيار اجلهادي‪ ،‬رسَّخ خالهلا أقدامه يف منطقة الساحل والصحراء‪ ،‬وأسََّّس فروعًًاا‬
‫يف شىت أحناء املنطقة‪ ،‬من نيجرييا إىل تونس مارورًًا مباايل والنيجار واجلزائار‬
‫وموريتانيا‪ ،‬وخاض جتربة حكم املدن والسيطرة عليها وتسيريها فترة من الازمن‬
‫كما حصل يف منطقة أزواد بشماا مايل سنة ‪ ،5155‬قبل أن يبدأ تنظايم الدولاة‬
‫اإلسالمية يف مََدِّ أترعه حنو املنطقة‪ ،‬وإرساا أعداد من جنوده املنحدرين من دوا‬
‫الساحل والصحراء إليها للتجنيد واالكتتا ‪ ،‬مث يعلن قاراره بإقاماة "اخلالفاة‬
‫الراشدة" الذي كان زلزا ًال ضر كل التنظيمات اجلهادية يف العامل مبا يف تلاك‬
‫املنطقة اليت يتناوهلا هذا الكتا ‪ ،‬فأصبحت معركة القاعدة هنا معركتني‪ ،‬أوالمهاا‬
‫معركته التقليدية ضد أنظمة وجيو املنطقة وحلفائها من الفرنسيني واممريكيني‪،‬‬
‫‪145‬‬
‫والثانية معركة احلفاظ على الوجود يف ضوء موجة اهلجرة اليت عرفتاها أوسااط‬
‫تنظيمات القاعدة يف العامل حنو تنظيم "الدولة اإلسالمية"‪.‬‬
‫وعلى ضوء امحداث اليت تعرفها العراق وسوريا‪ ،‬وفقدان تنظايم "الدولاة‬
‫اإلسالمية" سيطرته على كثري من املدن وامراضي اليت كان يبس نفوته عليهاا‪،‬‬
‫ميكن القوا‪ :‬إن شرر تلك احلر سيصل ال حمالة إىل منطقة الساحل والصحراء‪،‬‬
‫عرب مساعي تنظيم الدولة إلعادة التموقع واعتماد حر العصابات‪ ،‬خصوصًًاا أن‬
‫أوضاع بع البلدان يف املنطقة‪ ،‬مثل‪ :‬ليبيا ومشاا مايل ومشاا نيجرييا‪ ،‬تعا عدم‬
‫استقرار بات مزمنًًا وغياًبًا شبه كامل لسيطرة الدولة املركزية‪ ،‬وهو ماا يسامح‬
‫بانتقاا أعداد من املقاتلني والقادة إليها؛ اممر الذي يعين مزيادًًا مان الصاراع‬
‫ال عن تصاعد حالة عدم االساتقرار اهلشاة‬ ‫والتنافس مع تنظيم القاعدة فيها‪ ،‬فض ً‬
‫ال يف املنطقة‪ ،‬واملهددة كل حني باالهنيار‪.‬‬
‫أص ً‬

‫‪146‬‬
‫قائمة املراجع‬

‫‪147‬‬
‫‪ -1‬مراجع ىربية‬

‫كجأ‬
‫أبو زكريا‪ ،‬حيىي‪ ،‬احلركة اإلسالمية املسلحة يف اجلزائر‪( ،‬مؤسسة العارف للمطبوعات‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫بريوت)‪.‬‬
‫خليفة‪ ،‬ماهر‪ ،‬املشاط‪ ،‬عبد املنعم‪ ،‬حتليل وحل الصراعات‪ :‬اإلطار النظاري‪( ،‬املركاز‬ ‫‪-‬‬
‫القومي لدراسات الشرق اموس ‪ ،‬القاهرة‪.)5991 ،‬‬
‫رسالن‪ ،‬أمحد فؤاد‪ ،‬نظرية الصراع الدويل‪( ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاا ‪ ،‬القااهرة‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪.)5921‬‬
‫الطويل‪ ،‬كماا‪ ،‬احلركة اإلسالمية املسلحة يف اجلزائر من اإلنقاات إىل اجلماعاة‪( ،‬دار‬ ‫‪-‬‬
‫النهار‪ ،‬بريوت‪.)5991 ،‬‬
‫مقلد‪ ،‬إمساعيل صربي‪ ،‬العالقات السياسية الدولية‪ :‬دراسة يف امصاوا والنظرياات‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫(املكتبة امكادميية‪ ،‬القاهرة‪.)5995 ،‬‬
‫وثائق‬
‫"اإلبانة عن غل من كفر كتيبة شهداء أبو سليم"‪ ،‬وثيقة حبوزة املؤلف‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫توجد حبوزة املؤلف بع الوثائق املسربة اليت عُثِِر عليها مع زعايم تنظايم القاعادة‬ ‫‪-‬‬
‫أسامة بن الدن عند مقتله يوم ‪ 5‬مايو‪/‬أيار ‪ 5151‬يف مدينة أبوت آباد بباكستان‪.‬‬
‫"وثائق مركز مكافحة اإلرها اممريكي"‪ ،‬ويست بوينت‪( ،‬نسخة حبوزة املؤلف)‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫رأائم جامعية‬
‫بركان‪ ،‬إكرام‪ ،‬حتليل النزاعات املعاصرة يف ضوء مكونات البعد الثقايف يف العالقاات‬ ‫‪-‬‬
‫الدولية‪( ،‬رسالة ماجستري)‪ ،‬جامعة احلاج خلضر باتنة‪.5151-5119 ،‬‬
‫الدوريا وال حف‬
‫"اإلرهابيون ينتحرون على أسوار نواكشوط"‪ ،‬جملاة أخباار اجلايش‪ ،‬العادد ‪،51‬‬ ‫‪-‬‬
‫مارس‪/‬آتار ‪ -‬إبريل‪/‬نيسان‪.5155 ،‬‬
‫‪149‬‬
‫بدوي‪ ،‬منري حممود‪ ،‬مفهوم الصراع‪ :‬دراسة يف امصوا النظرية لألسبا وامناواع‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫دراسات مستقبلية‪( ،‬العدد الثالث‪ ،‬يوليو‪/‬متوز‪.)5993 ،‬‬
‫المقابال‬
‫مقابلة مع أبو الرباء املوريتا ‪ ،‬أخبار نواكشوط‪ ،‬العادد ‪ 51 ،5254‬فربايار‪/‬شاباط‬ ‫‪-‬‬
‫‪.5151‬‬
‫مقابلة مع املختار بلمختار‪ ،‬أخبار نواكشوط‪ ،‬العدد ‪ 9 ،5111‬نوفمرب‪/‬تشارين الثاا‬ ‫‪-‬‬
‫‪.5155‬‬
‫مقابلة مع احلسن ولد اخليل‪ ،‬مسؤوا اإلعالم السابق يف إمارة الصحراء‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مقابلة مع القيادي السابق يف مجاعة أنصار الدين الشايخ أغ أوساا يف نواكشاوط‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫(مايو‪/‬أيار ‪.)5154‬‬
‫موا ع و فحا اإلنجرن‬
‫"أبو اهلمام على قائمة اإلرها اممريكية"‪ ،‬اجلزيرة نت‪ 51 ،‬فرباير‪/‬شباط ‪.5157‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪http://www.aljazeera.net/news/pages/ac4d5218-5d44-4759-905f-06f211c37ed6‬‬
‫"أمري كتيبة ابن الدن لا"امخبار"‪ :‬التهديد الدويل قدر كو سانواجهه بالقتااا"‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫امخبار إنفو‪.‬‬
‫‪http://arc.alakhbar.info/27520-0-ACCBBF-FFAB--FC-F0FC0C50-B-F-F.html‬‬
‫"أنصار الدين يف مايل‪ :‬من اجلهاد إىل احلوار السياسي"‪ ،‬باي باي سي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2013/01/130124_ansar_eddine.shtml‬‬
‫"أنصار الدين‪ :‬قتلنا أكثر من مخسني من اجليش املايل"‪ ،‬صحراء ميديا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪http://www.saharamedias.net/%D8%A3%D9%86%D8%B5%D8%A7%D8%B1-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D9%82%D8%AA%D9%84%‬‬
‫‪D9%86%D8%A7-%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D9%85%D9%86-50-‬‬
‫‪%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D8%B4-%D8%‬‬
‫‪A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D9%88%D8%A3%D8%‬‬
‫‪B3%D9%82%D8%B7%D9%86%D8%A7-%D9%85%D8%B1%D9%88%D8%‬‬
‫‪AD%D9%8A%D8%AA%D9%8A%D9%86_a17690.html‬‬
‫"أنواع الصراع ومفهومه"‪ ،‬اجلزيرة نت‪ 7 ،‬أكتوبر‪/‬تشرين اموا ‪.5114‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/0AF41534-E226-4538-8F40-‬‬
‫‪0197CB1DBE93‬‬
‫"أهم اجلماعات اإلسالمية يف نيجرييا"‪ ،‬موقع السكينة‪ 55 ،‬سبتمرب‪/‬أيلوا ‪.5155‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪http://www.assakina.com/center/parties/18183.html‬‬
‫أوهنوا‪ ،‬فريدوم‪" ،‬مجاعة أنصار املسلمني يف بالد السودان‪ :‬تطور اجلماعات اإلساالمية‬ ‫‪-‬‬
‫بنيجرييا"‪ ،‬مركز اجلزيرة للدراسات‪ 51 ،‬مارس‪/‬آتار ‪.5157‬‬
‫‪http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2013/03/201332172933299756html‬‬

‫‪151‬‬
‫أوهنوا‪ ،‬فريدوم‪" ،‬بوكو حرام وانتحاريات نيجرييا‪ :‬انعكاسات توظيف النساء"‪ ،‬مركز‬ ‫‪-‬‬
‫اجلزيرة للدراسات‪ 5 ،‬مارس‪/‬آتار ‪.5151‬‬
‫‪http://studies.aljazeera.net/reports/2015/03/2015318517555794.htm‬‬
‫"إبراهيم الزكزكي‪" :‬آية اهلل" اإلفريقي"‪ ،‬اجلزيرة نات‪ 55 ،‬ديسامرب‪/‬كاانون اموا‬ ‫‪-‬‬
‫‪.5151‬‬
‫‪http://www.aljazeera.net/encyclopedia/icons/2015/12/17/%D8%A5%D8%A8%D8‬‬
‫‪%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%‬‬
‫‪83%D8%B2%D9%83%D9%8A-%D8%A2%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%‬‬
‫‪84%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%‬‬
‫‪8A%D9%82%D9%8A‬‬
‫"بيان حقائق لوزارة اخلارجية عن املساعدة اممريكية املقدماة إىل نيجريياا ملكافحاة‬ ‫‪-‬‬
‫اإلرها "‪ ،‬مكتب برامج اإلعالم اخلارجي‪ 54 ،‬مايو‪/‬أيار ‪.5154‬‬
‫‪http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2014/05/20140515299270.html#i‬‬
‫‪xzz3z7udtJc8‬‬
‫بالطيب‪ ،‬حممد‪" ،‬بوكو حرام النيجريية‪ :‬سياقات التأسيس ومسارات املواجهة"‪ ،‬بواباة‬ ‫‪-‬‬
‫إفريقيا‪ 51 ،‬يناير‪/‬كانون الثا ‪.5154‬‬
‫‪http://www.afrigatenews.net/content/%D8%A8%D9%88%D9%83%D9%88-%‬‬
‫‪D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8A%‬‬
‫‪D8%AC%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%A9%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D‬‬
‫‪9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D8%B3%‬‬
‫‪D9%8A%D8%B3-%D9%88-%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%A7%‬‬
‫‪D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%‬‬
‫‪D8%A9‬‬
‫"بيان أصدره املختار بلمختار حوا أحداث غاوا"‪ ،‬وكالة نواكشوط لألنباء‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪http://ani.mr/?menuLink=9bf31c7ff062936a96d3c8bd1f8f2ff3&idNews=18759‬‬
‫"تفاصيل جديدة عن هجوم أنصار الدين على أجلهوك"‪ ،‬وكالة نواكشوط لألنباء‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪http://ani.mr/?menuLink=9bf31c7ff062936a96d3c8bd1f8f2ff3‬‬
‫"تنظيم الدولة‪ :‬النشأة وامفكار"‪ ،‬مركز صناعة الفكر للدراسات وامحبااث‪ ،‬بادون‬ ‫‪-‬‬
‫تاريخ‪.‬‬
‫‪http://www.fikercenter.com/ar/p/political_analysis/view/a6zaxn3‬‬
‫"تنظيم القاعدة يعلن عن كتيبة سادسة بقيادة أحد الطوارق"‪ ،‬صحراء ميديا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪http://www.saharamedias.net/%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D9%8A%‬‬
‫‪D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%B9%D9%86-%D9%83%D8%AA%D9%8A%‬‬
‫‪D8%A8%D8%A9-%D8%B3%D8%A7%D8%AF%D8%B3%D8%A9-%D8%A8%‬‬
‫‪D9%82%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D8%AD%D8%AF-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%B1%D9%82_a17112.html‬‬

‫‪150‬‬
‫"مجاعتان جهاديتان يف الساحل والصحراء تعلنان اندماجهما"‪ ،‬شبكة أنا مسلم للحوار‬ ‫‪-‬‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫‪http://www.muslm.org/vb/archive/index.php/t-518393.html‬‬
‫"مجاعة بوكو حرام‪ :‬نشأهتا ومبادئها وأعماهلا يف نيجرييا"‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪http://forums.roro44.net/575789-2.html‬‬
‫"حياة الشيخ أبو بكر جومي"‪ ،‬موقع ملتقى أهل احلديث‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=145663‬‬
‫"خالد الربناوي‪ ..‬قيمة تصل إىل ‪ 1‬ماليني دوالر"‪ ،‬برنامج املكافآت من أجل العدالاة‬ ‫‪-‬‬
‫التابع لوزارة اخلارجية اممريكية‪.‬‬
‫‪https://www.rewardsforjustice.net/arabic/khalid_al_barnawi.html‬‬
‫رائد الليباي‪ ،‬مدونة مقاالت كتا اخلالفة يف ليبيا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪http://a-libya.blogspot.com/2015/06/blog-post_7.html‬‬
‫"رسالة من أمين الظواهري إىل الزرقاوي"‪ ،‬شبكة فلسطني للحوار‪ 51 ،‬نوفمرب‪/‬تشارين‬ ‫‪-‬‬
‫الثا ‪( ،5151‬تاريخ الدخوا‪ 54 :‬فرباير‪/‬شباط ‪:)5152‬‬
‫‪https://www.paldf.net/forum/showthread.php?t=696488‬‬
‫"الرهينة اإليطايل يف نيجرييا قتل برصاصة يف الرأس"‪ ،‬إيالف‪ 55 ،‬مارس‪/‬آتار ‪.5155‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪http://elaph.com/Web/news/2012/3/722052.html‬‬
‫زعيم مجاعة بوكو حرام يف نيجرييا "أبو بكر شيكاو"‪ ،‬موقع السكينة‪ 51 ،‬يونيو‪/‬حزيران‬ ‫‪-‬‬
‫‪.5157‬‬
‫‪http://www.assakina.com/center/parties/25723.html#ixzz3z7jTmVl2‬‬
‫السامل‪ ،‬محاه اهلل‪" ،‬أزواد اممازيغية‪ :‬احلوض املايل"‪ ،‬موقع احلرة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪http://www.elhora.info/online/index.php?option=com_content‬‬
‫شحادة‪ ،‬مروان‪ ،‬أبو قتادة‪" ،‬داعش كال أهل النار"‪ ،‬شبكة إرم اإلخبارية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪http://www.eremnews.com/news/arab-word/gcc/31164‬‬
‫شيخي‪ ،‬المني‪" ،‬مجاعة تنشق عن القاعدة يف بالد املغر وتبايع زعيم تنظيم الدولاة‬ ‫‪-‬‬
‫اإلسالمية"‪ ،‬وكالة رويترز‪ 54 ،‬سبتمرب‪/‬أيلوا ‪.5154‬‬
‫‪http://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN0H90O920140914‬‬
‫عبد الواحد النداوي‪ ،‬مهند‪" ،‬مشكلة االندماج الوطين يف نيجريياا‪ :‬بوكاو حارام‬ ‫‪-‬‬
‫أمنوتجًًا"‪ ،‬مركز جيل للدراسات والبحوث‪ 53 ،‬إبريل‪/‬نيسان ‪.5151‬‬
‫‪http://jilrc-magazines.com/%D9%85%D8%B4%D9%83%D9%84%D8%A9-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AF%D9%85%D8%A7%D8%AC-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A-%D9%81%D9%8A-‬‬
‫‪%D9%86%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%A7-‬‬
‫‪%D8%A8%D9%88%D9%83%D9%88/‬‬
‫عطية اهلل الليباي‪" ،‬كلمة صوتية مسجلة حتت عنوان "التجربة اجلزائرية"‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪https://archive.org/details/Atia-Alj‬‬

‫‪151‬‬
،""‫ "داعش وامزمة االستراتيجية يف إقليم الشرق امد‬،‫ عبد املنعم‬،‫ عديل‬،‫ جهاد‬،‫عودة‬ -
.)‫(املكتب العرباي للمعارف‬
.‫ صحراء ميديا‬،"‫"قاعدة املغر اإلسالمي تعني أبو اهلمام أمريًًا ملنطقة الصحراء‬ -
http://www.saharamedias.net/%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-
%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%
84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A-%D8%AA%D8%
B9%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%
87%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D8%
A7-%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%
84%D8%B5%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D8%A1_a16653.html
.‫ السراج اإلخباري‬،"‫"القصة الكاملة منصار اهلل املرابطون‬ -
http://essirage.net/index.php/news-and-reports/447-2010-10-18-22-11-44.html
‫ صحراء‬،"‫ مشروع جهادي جديد يقوده صاحب اللحية احلمراء‬:‫"كتيبة أنصار الشريعة‬ -
.‫ميديا‬
http://www.saharamedias.net/%D9%83%D8%AA%D9%8A%D8%A8%D8%A9-
%D8%A3%D9%86%D8%B5%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%
D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%
D8%B9-%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%AC%D8%
AF%D9%8A%D8%AF-%D9%8A%D9%82%D9%88%D8%AF%D9%87-%D8%
B5%D8%A7%D8%AD%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%AD%D9
%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D8%B1%D8%A7%
D8%A1_a17562.html
."‫ ما صيغتها؟‬،‫"كيف تكون البيعة‬ -
http://www.saaid.net/ahdath/51.htm
‫أيلاوا‬/‫ سبتمرب‬،‫ موقع إيالف‬،"‫" مامان نور مدبر االعتداء على اممم املتحدة يف أبوجا‬ -
.5155
http://elaph.com/Web/news/2011/9/679985.html
.‫ وكالة نواكشوط لألنباء‬،"‫"مقابلة مع حيىي أبو اهلمام‬ -
http://www.muslm.org/vb/showthread.php?496036-%D9%8A%D8%AD%D9%8A
%D9%89-%D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%85%
D8%A7%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%A8%
D9%84%D8%A9-%D8%AE%D8%A7%D8%B5%D8%A9-%D9%85%D8%B9-
%D9%88%D9%83%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D9%86%D9%88%D8%A7%
D9%82%D8%B4%D9%88%D8%B7-%D9%84%D9%84%D8%A3%D9%86%
D8%A8%D8%A7%D8%A1
.‫ وكالة نواكشوط لألنباء‬،"‫"مقتل القيادي يف القاعدة امليمون ولد امينوه‬ -
http://www.ani.mr/?menuLink=9bf31c7ff062936a96d3c8bd1f8f2ff3

151
.‫ صحيفة الشروق اجلزائرية‬،"‫ أجنباي‬511 ‫ رهينة بينهم‬211 ‫ إرهابيًًّّا وحترير‬51 ‫"مقتل‬ -
http://www.echoroukonline.com/ara/mobile/articles/154400.html
.‫ موقع اممم املتحدة‬،"‫"موجزات سردية مسبا إدراج اممساء يف القائمة‬ -
https://www.un.org/sc/suborg/ar/sanctions/1267/aq_sanctions_list/summaries/indivi
dual/mokhtar-belmokhtar
.‫ موقع إسالميون‬،"‫"ميثاق مجاعة أنصار املسلمني يف بالد السودان‬ -
http://islamion.com/news/%D9%85%D9%8A%D8%AB%D8%A7%D9%82-%
D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A3%D9%86%D8%B5%
D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%
D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%AF-
%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86/
."‫ "نثر اجلواهر بذكر من استشهد من أبناء ليبيا على أرض اجلزائر‬،‫ أبو أكرم‬،‫هاشم‬ -
https://www.google.com/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=1&cad=rja
&uact=8&ved=0ahUKEwjyjc-ZwMHQAhXsAcAKHeugDN4QFggcMAA&url=
http%3A%2F%2Fwww.ilmway.com%2Fsite%2Fmaqdis%2FMS_24936&usg=AF
QjCNEJlXsrsirR4Xj3wDun1WtBIwHrxw&bvm=bv.139782543,d.bGg
‫ (تااريخ‬،‫ بدون تاريخ‬،"‫ " سلسلة الدولة اإلسالمية من املف إىل الياء‬،‫ خالد‬،‫اهلامشي‬ -
:)5152 ‫آتار‬/‫ مارس‬51 :‫الدخوا‬
https://justpaste.it/i9ai
54 :‫(تااريخ الادخوا‬ ،‫ مؤسسة الفرقاان‬،" ‫"هذا وعد اهلل للشيخ أبو حممد العدنا‬ –
:)5152 ‫آ‬/‫أغسطس‬
http://isis002.blogspot.com/2014/12/blog-post_82.html
‫ مبايعة البغدادي ومعارضة‬:‫ "بوكو حرام والسياقات املتداخلة‬،‫ سيدي أمحد‬،‫ولد اممري‬ -
.5151 ‫آتار‬/‫ مارس‬51 ، ‫ مركز اجلزيرة للدراسات‬،"‫االنتخابات‬
http://studies.aljazeera.net/reports/2015/03/201532410310530116.htm
55 ،‫ معهد واشنطن‬،"‫ "تونس بني تنظيمي الدولة اإلسالمية والقاعدة‬،‫ هارون‬،‫ زيلني‬.‫ي‬ -
.5151 ‫أيار‬/‫مايو‬
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/between-the-islamic-
state-and-al-qaeda-in-tunisia
.‫ مؤسسة فرسان البالغ لإلعالم‬،"‫ "هذه عقيدتنا ومنهج دعوتنا‬،‫ حممد‬،‫يوسف‬ -
http://justpaste.it/kw1z

‫ مراجع عجنبية‬-2
- Abdulkadir, A. “Dead Hostages: Did AQIM kill McManus and Lamolinara?”,
Citizen Platform, 10 March 2012.
- Uwerunonye, N. “Boko Haram: Can they be trusted?”, Tell, 11 February
2013.

154

You might also like