Professional Documents
Culture Documents
الحمد هلل رب العالمين .اللهم لك الحمد على نعمة اإلسالم وااليمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصالة والسالم .وأشهد
أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ت َرهِي َن ٌة) (المدثر38: س ِب َما َك َس َب ْ ٍ ْ
ف َ
ن لُّ كُ ( : القائلين أصدق وهو آياته محكم )يقول هللا تعالى في
ين َح َّتى َنب َْعثَ ِّ َّ ُ ْ ُأ ْ ٌ َ َّ ْ َّ
از َرة ِوز َر خ َرى َو َما كنا م َُعذ ِب َ ض َّل َفِإن َما يَضِ ُّل َعل ْي َها َوال َت ِز ُر َو ِ وقال تعالى َ ( :م ِن اهْ َتدَ ى َفِإن َما َي ْه َتدِي لِ َنفسِ ِه َو َمنْ َ
َ ).رسُوالً) (اإلسراء15:
ُأ
از َرةٌ ِو ْز َر ْخ َرى) (األنعام :من اآلية164 س ِإاَّل َع َل ْي َها َوال َت ِز ُر َو ِ (وال َت ْكسِ بُ ُك ُّل َن ْف ٍ ).وقال سبحانه َ :
ِيع َف َقا َل « َيا َمعْ َش َر َمنْ ق ْدَ ص ْو ٍ َ َ ْ ْ
صعِدَ َرسُو ُل ِ -صلى هللا عليه وسلم -ال ِمن َب َر فنادَ ى ِب َ هَّللا َ
ْن ُع َم َر قا َل َ
ت َرف ٍ (ع ِن اب ِ وروى الترمذي وغيره َ
ُ هَّللا َّع
َ ب ت َ َ
ت ِم ل ُسْ
م ْ
ال ه
ِ ِي خ َأ َ
ة رَ و ْ ع
َ َّع
َ ب َ
ت َ
ت نْ م
َ هُ نَّ َ
ف
ِ ْ ِإ مِهت ار َ و ْ ع
َ ُوا عبِ َّ
ت َ
ت َ ال وَ مْ ه ُ ُو
ر ِّ
ي ع
َ ُ
ت َ ال وَ ِين َ م ِ ل ُسْ م ْ
ال واذُ ْؤتُ َ ال ه
ِ ب
ِ ْ
ل َ
ق ى َ
ل انُ
ض اِإلي ِإ
م
َ َأسْ َل َم ِبل َِسا ِن ِه َو َل ْم ُي ْف ِ
ِ
ضحْ ُه َو َل ْو فِي َج ْوفِ َرحْ لِ ِه هَّللا
» َع ْو َر َت ُه َو َمنْ َت َتب ََّع ُ َع ْو َر َت ُه َي ْف َ
وروى البخاري في األدب المفرد مرفوعا وموقوفا وصححه األلباني (عن يزيد بن األصم قال سمعت أبا هريرة يقول :يبصر أحدكم ً ً
)القذاة في عين أخيه وينسى الجذل أو الجذع في عين نفسه
إخوة اإلسالم
،لو أبصر المرء عيوب نفسه النشغل بها عن عيوب الناس ؛ ألن المرء مطالب بإصالح نفسه أوال ،وسيسأل عنها قبل غيرها
وإذا كان العبد بهذه الصفة ـ مشغوال بنفسه عن غيره ـ ارتاحت له النفوس ،وكان محبوبا من الناس ،وجزاه هللا تعالى بجنس عمله ،
،فيستره ويكف ألسنة الناس عنه
أما من كان متتبعا عيوب الناس ،متحدثا بها ،مشنعا عليهم ،فإنه لن يسلم من بغضهم وأذاهم ،ويكون جزاؤه من جنس عمله أيضا ؛
.فإن من تتبع عورات الناس تتبع هللا عورته ،ومن تتبع هللا عورته يفضحه ولو في بيته
فمن أخطر األمراض القلبية التي يُصاب بها العب ُد أن يرضى عن نفسه ،ويرى كماالت نفسه ،ويغفل عن عيوبه ،مع أنه ال يخلو
.إنسان من نقص وعيب وذنب وخطيئة
ً ً
.وإذا أراد هللا بعبده خيراً صرفه إلى االعتناء بعيوب نفسه ،ومحاولة إصالحها ،فتجده دائما منشغال بنفسه ،حريصا على تزكيتها
ً
!!وكم هو قبيح أن ينسى اإلنسان عيوب نفسه ،وينظر في عيوب إخوانه بمنظار مُـكـبِّـر
وعن يزيد بن األصم قال سمعت أبا هريرة يقول :يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذل أو الجذع في عين نفسه) روى(
البخاري في األدب المفرد مرفوعا ً وموقوفا ً ،وصححه األلباني
.والقذاة ما يقع في العين من غبار وغيره فيؤذيها .والجـذل الخشبـة العالية الكبيرة
هَّللا
فعنْ ِبى ه َُري َْر َة نَّ َرسُو َل ِ -صلى هللا عليه َأ َأ ومن المعلوم أن االنشغال بعيوب اآلخرين والغفلة عن عيوب النفس سبب لالنتكاس؛ َ
».وسلمَ -قا َل « ِإ َذا َقا َل الرَّ ُج ُل َه َل َك ال َّناسُ َ .فه َُو َأهْ َل ُك ُه ْم
ب َأ ْو َأهْ َل ُك ُه ْم ِبالرَّ ْف ِع .رواه مسلم اق الَ َأ ْد ِرى َأهْ َل َك ُه ْم ِبال َّنصْ ِ َ .قا َل َأبُو ِإسْ َح َ
وعيب اآلخرين كثيراً ما يكون نابعا ً عن الرضى عن النفس واإلعجاب بها ،بل والكبر والعياذ باهلل ،فإن ” الكبر بطر الحق وغمط
ان فِي َق ْل ِب ِه م ِْث َقا ُل َذرَّ ٍة مِنْ ِكب ٍْر ْن َمسْ عُو ٍد َع ِن ال َّن ِبيِّ -صلى هللا عليه وسلمَ -قا َل « الَ َي ْد ُخ ُل ْال َج َّن َة َمنْ َك َ فعنْ َع ْب ِد هَّللا ِ ب ِ ».الناس ” َ
ون َث ْو ُب ُه َح َس ًنا َو َنعْ لُ ُه َح َس َن ًة َ .قا َل َر ُج ٌل ِإنَّ الرَّ ُج َل ُيحِبُّ َأنْ َي ُك َ
اس ».رواه مسلم مْط ال َّن ِ َقا َل « ِإنَّ هَّللا َ َجمِي ٌل ُيحِبُّ ْال َج َما َل ْال ِك ْب ُر َب َط ُر ْال َح ِّق َو َغ ُ
».وقال صلى هللا عليه وسلم ” ْالمُسْ لِ ُم َأ ُخو ْالمُسْ ل ِِم الَ َي ْظلِ ُم ُه َوالَ َي ْخ ُذلُ ُه َوالَ َيحْ ِق ُرهُ .ال َّت ْق َوى َها ُه َنا
امْرٍئ م َِن ال َّشرِّ َأنْ َيحْ ق َِر َأ َخاهُ ْالمُسْ لِ َم ُك ُّل ْالمُسْ ل ِِم َع َلى ْالمُسْ ل ِِم َح َرا ٌم دَ ُم ُه َو َمالُ ُه َوعِ رْ ُ
ض ُه » ب ِ ت « ِب َحسْ ِ ص ْد ِر ِه َثالَ َ
ث َمرَّ ا ٍ َويُشِ ي ُر ِإ َلى َ
.رواه مسلم
،وقد لقي زاهد زاهداً فقال له :يا أخي! إني ألحبك في هللا
ُ
علمت منك ما تعلم من نفسك لكان لي فيما أعلم علمت مني ما أعلم من نفسي ألبغضتني في هللا ،فقال له األول :لو َ فقال اآلخر :لو
.من نفسي شغل عن بغضك
فيا أيها الحبيب لك في نفسك شغل عن عيوب غيرك ؛ ففيك أضعاف أضعاف ما تراه في اآلخرين ،فال تفتح على نفسك باب الغيبة
:وسوء الظن وهتك أستار الناس باالنشغال بعيوبهم ،وال تفتح على نفسك باب شر ال يسد بالكالم عن الناس فيتكلموا عنك
متى تلتمس للناس عيبا تجد لهم عيوبا ولكن الذي فيك أكثر
فسالمهم بالكف عنهم فإنهم بعيبكبعيبك من عينيك أهدى وأبصر
ت َرهِي َن ٌة )الخطبة الثانية (ال تنظر إلى عيوب الناس ،وانظر إلى عيوبك)( ُك ُّل َن ْف ٍ
س ِب َما َك َس َب ْ
الحمد هلل رب العالمين .اللهم لك الحمد على نعمة اإلسالم وااليمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصالة والسالم .وأشهد
أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولقد تعلّقت قلوب الجيل الرَّ باني من الصَّحابة وال ّتابعين باهلل دائمًا ،وانشغلوا بأنفسهم التي هي أعدى أعدائهم؛ من أجل هللا سبحانه
وتعالى ،فانشغلوا عن ك ّل الشواغل بال َّنفس التي بين جنبيهم ،يهذبونها ويربونها؛ أل َّنهم فهموا أنَّ تربية الفرد لنفسه وتعاهدها أوالً بأول
،أمر ال ب َّد منه لمن يريد دوام االستقامة على أمر هللا ،وأل َّنهم أدركوا حقيقة هذه ال َّنفس وطبيعتها
يقول اآلجري عن النفس ” :إذا أطمعتها طمعت ،وإذا آيستها أيست ،وإذا أقنعتها قنعت ،وإذا أرخيت لها طغت ،وإذا فوضت لها
”.أساءت ،وإذا حملتها على أمر هللا صلحت
فالسلف الصالح رضي هللا عنهم كانوا مشغولين بعيوب أنفسهم عن عيوب غيرهم ،بل ينظرون إلى أنفسهم نظرة كلها تواضع مع
رفعتهم وعلو شأنهم رضي هللا عنهم ،بل كانوا يخافون إن تكلموا في الناس بما فيهم أن يبتلوا بما ابتلي به الناس من هذه العيوب،
فكان عمر رضي هللا عنه يُربي األمة كلها من فوق المنبر فيقول ” :رحم هللا امرًأ أهدى إليَّ عيوبي ” فعرف أولئك األخيار األطهار
.أن الذي يضرك هو عيبك أنت ،وأن الذي يسيء إليك هو ذنبك أنت ال ذنوب الناس وعيوبهم
لست عن حالي راضيا ً حتى أتفرغ لذم الناس ُ .وقيل للربيع بن خثيم :ما نراك تغتاب أحداً ،فقال:
”.وعن عون بن عبد هللا قال“ :ال أحسب الرجل ينظر في عيوب الناس إال من غفلة غفلها عن نفسه
أكثر الناس خطايا أفر ُغهم لذكر خطايا الناس ”.وعن ابن سيرين قال“ :كنا نحدَّث أن َ
”.وقال الفضيل“ :ما من أحد أحب الرياسة إال حسد وبغى ،وتتبع عيوب الناس ،وكره أن يُذ َكر أح ٌد بخير
ويقع في الصالحين َ يكون صالحا َ ”.وقال مالك بن دينار“ :كفى بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة ،وكفى المرء شراً أال
.ويشتد األمر خطورة إذا كانت الوقيعة والعيب في العلماء والدعاة والصالحين
”.قال ابن المبارك“ :من استخف بالعلماء ذهبت آخر ُته ،ومن استخف باألمراء ذهبت دنياه ،ومن استخف باإلخوان ذهبت مروءته
.وقال بعضهم :أدركنا السلف وهم ال يرون العبادة في الصوم وال في الصالة ولكن في الكف عن أعراض الناس
.وقال ابن عباس رضي هللا عنهما :إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوبك
.وقال عمر رضي هللا عنه :عليكم بذكر هللا تعالى فإنه شفاء وإياكم وذكر الناس فإنه داء
أيها المسلمون
واعلموا أن الجزاء من جنس العمل فعن أبي بردة عن النبي صلى هللا عليه وآله وسلم أنه قالَ « :يا َمعْ َش َر َمنْ َق ْد َأسْ َل َم ِبل َِسا ِن ِه َو َل ْم
ِين َوالَ ُت َع ِّيرُو ُه ْم َوالَ َت َّت ِبعُوا َع ْو َرات ِِه ْم َفِإ َّن ُه َمنْ َت َتب ََّع َع ْو َر َة َأخِي ِه ْالمُسْ ل ِِم َت َتب ََّع هَّللا ُ َع ْو َر َت ُه َو َمنْ َت َتب ََّع
ض اِإلي َمانُ ِإ َلى َق ْل ِب ِه الَ ُتْؤ ُذوا ْالمُسْ لِم َ ُي ْف ِ
ضحْ ُه َول ْو فِي َج ْوفِ َرحْ لِ ِه » رواه أحمد وأبو داود َ هَّللا ُ َع ْو َرت ُه َيف َ
ْ َ
وعن ابن عمر رضي هللا عنهما أنه قال ” :كان بالمدينة أقوام لهم عيوب ،فسكتوا عن عيوب الناس ،فأسكت هللا الناس عنهم عيوبهم،
،فماتوا وال عيوب لهم
وكان بالمدينة أقوام ال عيوب لهم ،فتكلموا في عيوب الناس ،فأظهر هللا عيوبا َ لهم ،فلم يزالوا يعرفون بها إلى أن ماتوا ” رواه الديلمي
في مسند الفردوس
ب في نفسه ظاهر ،ولو فاإلنسان – لنقصه وحب نفسه – يتوفر على تدقيق النظر في عيب أخيه ،فيدركه مع خفائه ،فيعمى به عن عي ٍ
.أنه انشغل بعيب نفسه عن التفرغ لتتبع عيوب الناس ،لكف عن أعراض الناس وسد الباب على الغيبة
أيها المسلمون
إن انشغال المرء بعيوب نفسه والسعي إلصالحها هذا من أنفع الطرق لسد باب الغِيبة ،فلو انشغل اإلنسان بعيب نفسه عن التفرُّ غ
لتتبع عيوب الناس ،لكف عن أعراض الناس ،والوقوع في الغِيبة ،واألمر كما قيل“ :من سعادة المرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن
”.عيوب غيره
يقول الحسن البصري رحمه هللا“ :يا بن آدم ،إنك لن تصيب حقيقة اإليمان حتى ال تعيب الناس بعيب هو فيك ،وحتى تبدأ بصالح
: ).ذلك العيب فتصلحه من نفسك ،فإذا فعلت ذلك كان ُ
ش ْغ َلك في خاصة نفسك ،وأحبُّ العباد إلى هللا َمن كان هكذا”؛ (اإلحياء
وكان عيسى ابن مريم عليه السالم يقول“ :ال تنظروا إلى عيوب الناس كاألرباب ،وانظروا إلى عيوبكم كالعبيد ،إن الرجل يبصر
”.القذاة في عين أخيه ،وال يبصر الجذع في عينيه ،وإنما الناس رجالن :معا ًفى ومبتلًى ،فاحمدوا هللا على العافية ،وارحموا المبتلى
وأخرج البيهقي في “شعب اإليمان” عن مجاهد قال“ :ذكروا رجالً عند ابن عباس ،فقال :إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك ،فاذكر
).عيوبك”؛ (رواه البخاري في األدب المفرد
الدعاء