You are on page 1of 4

‫ت َرهِي َن ٌة‬ ‫س ِب َما َك َس َب ْ‬ ‫)الخطبة األولى (ال تنظر إلى عيوب الناس‪ ،‬وانظر إلى عيوبك)( ُك ُّل َن ْف ٍ‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ .‬اللهم لك الحمد على نعمة اإلسالم وااليمان ‪.‬ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصالة والسالم‪ .‬وأشهد‬
‫أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له ‪ .‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ .‬اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‬
‫أما بعد أيها المسلمون‬
‫ت َرهِي َن ٌة) (المدثر‪38:‬‬ ‫س ِب َما َك َس َب ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬
‫ف‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ل‬‫ُّ‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫القائلين‬ ‫أصدق‬ ‫وهو‬ ‫آياته‬ ‫محكم‬ ‫)يقول هللا تعالى في‬
‫ين َح َّتى َنب َْعثَ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُأ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫از َرة ِوز َر خ َرى َو َما كنا م َُعذ ِب َ‬ ‫ض َّل َفِإن َما يَضِ ُّل َعل ْي َها َوال َت ِز ُر َو ِ‬ ‫وقال تعالى ‪َ ( :‬م ِن اهْ َتدَ ى َفِإن َما َي ْه َتدِي لِ َنفسِ ِه َو َمنْ َ‬
‫‪َ ).‬رسُوالً) (اإلسراء‪15:‬‬
‫ُأ‬
‫از َرةٌ ِو ْز َر ْخ َرى) (األنعام‪ :‬من اآلية‪164‬‬ ‫س ِإاَّل َع َل ْي َها َوال َت ِز ُر َو ِ‬ ‫(وال َت ْكسِ بُ ُك ُّل َن ْف ٍ‬ ‫‪).‬وقال سبحانه ‪َ :‬‬
‫ِيع َف َقا َل « َيا َمعْ َش َر َمنْ ق ْدَ‬ ‫ص ْو ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫صعِدَ َرسُو ُل ِ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ال ِمن َب َر فنادَ ى ِب َ‬ ‫هَّللا‬ ‫َ‬
‫ْن ُع َم َر قا َل َ‬
‫ت َرف ٍ‬ ‫(ع ِن اب ِ‬ ‫وروى الترمذي وغيره َ‬
‫ُ‬ ‫هَّللا‬ ‫َّع‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ِم‬ ‫ل‬ ‫ُسْ‬
‫م‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِي‬ ‫خ‬ ‫َأ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫َّع‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫نْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ن‬‫َّ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫ِ ْ ِإ‬ ‫م‬‫ِه‬‫ت‬ ‫ا‬‫ر‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ُوا‬ ‫ع‬‫ب‬‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫و‬‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ُو‬
‫ر‬ ‫ِّ‬
‫ي‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ِين‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ُسْ‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫وا‬‫ذ‬‫ُ‬ ‫ْؤ‬‫ت‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ى‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫انُ‬
‫ض اِإلي ِإ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫َأسْ َل َم ِبل َِسا ِن ِه َو َل ْم ُي ْف ِ‬
‫ِ‬
‫ضحْ ُه َو َل ْو فِي َج ْوفِ َرحْ لِ ِه‬ ‫هَّللا‬
‫» َع ْو َر َت ُه َو َمنْ َت َتب ََّع ُ َع ْو َر َت ُه َي ْف َ‬
‫وروى البخاري في األدب المفرد مرفوعا وموقوفا وصححه األلباني (عن يزيد بن األصم قال سمعت أبا هريرة يقول ‪ :‬يبصر أحدكم‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫)القذاة في عين أخيه وينسى الجذل أو الجذع في عين نفسه‬
‫إخوة اإلسالم‬
‫‪،‬لو أبصر المرء عيوب نفسه النشغل بها عن عيوب الناس ؛ ألن المرء مطالب بإصالح نفسه أوال‪ ،‬وسيسأل عنها قبل غيرها‬
‫وإذا كان العبد بهذه الصفة ـ مشغوال بنفسه عن غيره ـ ارتاحت له النفوس ‪ ،‬وكان محبوبا من الناس ‪ ،‬وجزاه هللا تعالى بجنس عمله ‪،‬‬
‫‪ ،‬فيستره ويكف ألسنة الناس عنه‬
‫أما من كان متتبعا عيوب الناس‪ ،‬متحدثا بها ‪ ،‬مشنعا عليهم ‪،‬فإنه لن يسلم من بغضهم وأذاهم ‪ ،‬ويكون جزاؤه من جنس عمله أيضا ؛‬
‫‪.‬فإن من تتبع عورات الناس تتبع هللا عورته ‪ ،‬ومن تتبع هللا عورته يفضحه ولو في بيته‬
‫فمن أخطر األمراض القلبية التي يُصاب بها العب ُد أن يرضى عن نفسه‪ ،‬ويرى كماالت نفسه‪ ،‬ويغفل عن عيوبه‪ ،‬مع أنه ال يخلو‬
‫‪.‬إنسان من نقص وعيب وذنب وخطيئة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪.‬وإذا أراد هللا بعبده خيراً صرفه إلى االعتناء بعيوب نفسه‪ ،‬ومحاولة إصالحها‪ ،‬فتجده دائما منشغال بنفسه‪ ،‬حريصا على تزكيتها‬
‫ً‬
‫!!وكم هو قبيح أن ينسى اإلنسان عيوب نفسه‪ ،‬وينظر في عيوب إخوانه بمنظار مُـكـبِّـر‬
‫وعن يزيد بن األصم قال سمعت أبا هريرة يقول ‪ :‬يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذل أو الجذع في عين نفسه) روى(‬
‫البخاري في األدب المفرد مرفوعا ً وموقوفا ً ‪ ،‬وصححه األلباني‬
‫‪.‬والقذاة ما يقع في العين من غبار وغيره فيؤذيها ‪ .‬والجـذل الخشبـة العالية الكبيرة‬
‫هَّللا‬
‫فعنْ ِبى ه َُري َْر َة نَّ َرسُو َل ِ ‪-‬صلى هللا عليه‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬ ‫ومن المعلوم أن االنشغال بعيوب اآلخرين والغفلة عن عيوب النفس سبب لالنتكاس؛ َ‬
‫‪ ».‬وسلم‪َ -‬قا َل « ِإ َذا َقا َل الرَّ ُج ُل َه َل َك ال َّناسُ ‪َ .‬فه َُو َأهْ َل ُك ُه ْم‬
‫ب َأ ْو َأهْ َل ُك ُه ْم ِبالرَّ ْف ِع‪ .‬رواه مسلم‬ ‫اق الَ َأ ْد ِرى َأهْ َل َك ُه ْم ِبال َّنصْ ِ‬ ‫‪َ .‬قا َل َأبُو ِإسْ َح َ‬
‫وعيب اآلخرين كثيراً ما يكون نابعا ً عن الرضى عن النفس واإلعجاب بها‪ ،‬بل والكبر والعياذ باهلل‪ ،‬فإن ” الكبر بطر الحق وغمط‬
‫ان فِي َق ْل ِب ِه م ِْث َقا ُل َذرَّ ٍة مِنْ ِكب ٍْر‬ ‫ْن َمسْ عُو ٍد َع ِن ال َّن ِبيِّ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪َ -‬قا َل « الَ َي ْد ُخ ُل ْال َج َّن َة َمنْ َك َ‬ ‫فعنْ َع ْب ِد هَّللا ِ ب ِ‬ ‫‪ ».‬الناس ” َ‬
‫ون َث ْو ُب ُه َح َس ًنا َو َنعْ لُ ُه َح َس َن ًة‬ ‫‪َ .‬قا َل َر ُج ٌل ِإنَّ الرَّ ُج َل ُيحِبُّ َأنْ َي ُك َ‬
‫اس »‪.‬رواه مسلم‬ ‫مْط ال َّن ِ‬ ‫َقا َل « ِإنَّ هَّللا َ َجمِي ٌل ُيحِبُّ ْال َج َما َل ْال ِك ْب ُر َب َط ُر ْال َح ِّق َو َغ ُ‬

‫‪ ».‬وقال صلى هللا عليه وسلم ” ْالمُسْ لِ ُم َأ ُخو ْالمُسْ ل ِِم الَ َي ْظلِ ُم ُه َوالَ َي ْخ ُذلُ ُه َوالَ َيحْ ِق ُرهُ‪ .‬ال َّت ْق َوى َها ُه َنا‬
‫امْرٍئ م َِن ال َّشرِّ َأنْ َيحْ ق َِر َأ َخاهُ ْالمُسْ لِ َم ُك ُّل ْالمُسْ ل ِِم َع َلى ْالمُسْ ل ِِم َح َرا ٌم دَ ُم ُه َو َمالُ ُه َوعِ رْ ُ‬
‫ض ُه »‬ ‫ب ِ‬ ‫ت « ِب َحسْ ِ‬ ‫ص ْد ِر ِه َثالَ َ‬
‫ث َمرَّ ا ٍ‬ ‫َويُشِ ي ُر ِإ َلى َ‬
‫‪.‬رواه مسلم‬

‫‪:‬فما أكثر ما ننشغل بعيوب الناس‪ ،‬ناسين أو متناسين أموراً مهمة‬


‫‪.‬أولها‪ :‬أنهم بشر مثلنا‪ ،‬وأنهم يصيبون ويخطئون‬
‫‪.‬الثاني‪ :‬أننا مُـلئنا عيوبا ً لو انشغلنا بها وبإصالحها النشغلنا عن عيوب الناس‬
‫صعِدَ َرسُو ُل هَّللا ِ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬ ‫ْن ُع َم َر َقا َل َ‬ ‫الثالث‪ :‬أن من تتبّع عورات الناس تتبّع هللا عورته‪ .‬ففي سنن الترمذي َع ِن اب ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِين َوال ت َع ِّيرُو ُه ْم َوال َتت ِبعُوا‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ض اِإلي َمانُ ِإلى َقل ِب ِه ال تْؤ ذوا المُسْ لِم َ‬ ‫ِيع َف َقا َل « َيا َمعْ َش َر َمنْ َق ْد َأسْ َل َم ِبل َِسا ِن ِه َو َل ْم ُي ْف ِ‬ ‫ت َرف ٍ‬ ‫ص ْو ٍ‬‫ْال ِم ْن َب َر َف َنادَ ى ِب َ‬
‫ضحْ ُه َو َل ْو فِي َج ْوفِ َرحْ لِ ِه‬ ‫» َع ْو َرات ِِه ْم َفِإ َّن ُه َمنْ َت َتب ََّع َع ْو َر َة َأخِي ِه ْالمُسْ ل ِِم َت َتب ََّع هَّللا ُ َع ْو َر َت ُه َو َمنْ َت َتب ََّع هَّللا ُ َع ْو َر َت ُه َي ْف َ‬
‫‪:‬ويقول الشافعي رحمه هللا‬
‫إذا شئت أن تحيا سليما ً من األذى ‪ ..‬ودينك موفور وعرضك صيّن‬
‫لسانك ال تذكر به عورة امرئ ‪ ..‬فكلّـك عورات وللناس ألسـن‬
‫وعينك إن أبدت إليك معايبا ً ‪ ..‬فدعها وقل‪ :‬يا عين للناس أعينُ‬
‫وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى ‪ ..‬وفارق ولكن بالتي هي أحسنُ‬
‫أيها المسلمون‬
‫ولماذا ال نرى إال األخطاء ؟ فكثيرا ما ننتبه لألعمال السيئة ‪،‬وتعمى عيوننا عن األعمال الحسنة ‪ ،‬والتي قد تكون أكثر بكثير من‬
‫!السيئة ‪ ،‬وما انتبهنا‬
‫ً‬
‫فالناس يكرهون اإلنسان الذي ينظر إلى عيوبهم ويترك الحسنات‪ ،‬بل وأحيانا ينساها‪ ،.‬يقول سعيد بن المسيب‪ :‬ليس من شريف وال‬
‫عالم وال ذي فضل إال فيه عيب‪ ،‬ولكن من الناس من ال ينبغي أن تذكر عيوبه‪ ،‬فمن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله‪،‬‬
‫‪.‬وال تذكر عيوب أهل الفضل تقديراً لهم‬
‫ويقول اإلمام أبو حاتم بن حبان‪ ” :‬الواجبُ على العاقل لزو ُم السالمة بترك التجسس عن عيوب الناس‪ ،‬ومع االشتغال بإصالح عيوب‬
‫نفسه‪ ،‬فإن من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره‪ ،‬أراح بدنه ولم يتعب قلبه‪ ،‬فكلما اطلع على عيب لنفسه هان عليه ما يرى مثله من‬
‫أخيه‪ .‬وإن اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه وتعب بدنه‪ ،‬وتعذر عليه ترك عيوب نفسه‪ ،‬وإن من أعجز الناس من عاب‬
‫‪”.‬الناس بما فيهم‪ ،‬وأعجز منه من عابهم بما فيه‪ ،‬ومن عاب الناس عابوه‬
‫فلو أبصر المرء عيوب نفسه النشغل بها عن عيوب الناس؛ ألن المرء مطالب بإصالح نفسه أوال وسيسأل عنها قبل غيرها‪ ،‬وقد قال‬
‫ت َرهِي َن ٌة ” (المدثر‪ .)38:‬وقد يكون انشغاله بعيوب الناس والتحدث بها بمثابة ورقة التوت التي يحاول‬ ‫س ِب َما َك َس َب ْ‬ ‫هللا تعالى‪ُ ” :‬ك ُّل َن ْف ٍ‬
‫‪،‬أن يغطي بها عيوبه وسوءاته‬
‫وقد سمع أعرابي رجال يقع في الناس‪ ،‬فقال‪ ” :‬قد استدللت على عيوبك بكثرة ذكرك لعيوب الناس؛ ألن الطالب لها يطلبها بقدر ما‬
‫‪”.‬فيه منها‬
‫‪:‬وفي هذا يقول الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم حفظه هللا تعالى‬
‫والشخص الذي يرى صورة نفسه صغيرة جداً تجده دائما ً يضخم عيوب اآلخرين‪ ،‬ولذا تبرز شخصية اإلنسان من خالل نصيبه من ”‬
‫هذه القضية‪ ،‬فإذا عُرف بأنه مشغول بتضخيم عيوب اآلخرين والطعن في الناس‪ ،‬فهذه مرآة تعكس أنه يشعر بضآلة نفسه وبحقارتها‬
‫وأن حجم نفسه صغير؛ ألنه يعتقد أنه لن ينفتح إال على أنقاض اآلخرين‪ ،‬فدائما ً يحاول أن يحطم اآلخرين‪ ،‬ولذا يكثر نقد الناس وذكر‬
‫عيوبهم‪ ،‬وهذه مرآة تعكس أن إحساسه وثقته بنفسه ضعيفة‪ ،‬وأنه في داخل نفسه يحس أنه صغير وحقير‪ ،‬فلذلك يشتغل بعيوب‬
‫‪”.‬اآلخرين‬
‫كما أن االنشغال بعيوب الناس يؤدي إلى شيوع العداوة والبغضاء بين أبناء المجتمع‪ ،‬فحين يتكلم المرء في الناس فإنهم سيتكلمون‬
‫‪،‬فيه‪ ،‬وربما تكلموا فيه بالباطل‬
‫فالذين يتتبعون المثالب والعورات‪ ،‬ويحبون تتبع عيوب اآلخرين؛ يجب أن يعلموا أنهم واقعون في هذا الخطر العظيم‪ ،‬وسيلقون هللا‬
‫صلَّى هللاُ َع َل ْي ِه َو َسلَّ َم‬
‫‪ُ :‬سب َْحا َن ُه َو َت َعا َلى‪ ،‬فنخشى أن يلقوا هللا مثل “الرجل المفلس” الذي أخبر عنه النبي َ‬
‫ُون َما ْال ُم ْفلِسُ »‪َ .‬قالُوا ْال ُم ْفلِسُ فِي َنا َمنْ الَ دِرْ َه َم ل ُهَ‬ ‫(عنْ َأ ِبى ه َُري َْر َة َأنَّ َرسُو َل هَّللا ِ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪َ -‬قا َل « َأ َت ْدر َ‬ ‫ففي صحيح مسلم َ‬
‫َوالَ َم َت َ‬
‫اع‪َ .‬ف َقا َل‬
‫َ‬
‫ب َهذا «‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف َهذا َو َك َل َما َل َهذا َو َس َف َك دَ َم َهذا َو َ‬
‫ض َر َ‬ ‫َأ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْأ‬
‫صالَ ٍة َوصِ َي ٍام َو َز َكا ٍة َو َي تِي َق ْد َش َت َم َهذا َو َقذ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْأ‬ ‫ُأ‬
‫ِس مِنْ َّمتِى َي تِي َي ْو َم ال ِق َيا َم ِة ِب َ‬ ‫ِإنَّ ْال ُم ْفل َ‬
‫ُ ُ‬ ‫ضى َما َع َل ْي ِه ُأخ َِذ مِنْ َخ َطا َيا ُه ْم َف ُ‬ ‫ت َح َس َنا ُت ُه َق ْب َل َأنْ ُي ْق َ‬
‫َفيُعْ َطى َه َذا مِنْ َح َس َنا ِت ِه َو َه َذا مِنْ َح َس َنا ِت ِه َفِإنْ َف ِن َي ْ‬
‫ت َع َل ْي ِه ث َّم ط ِر َح فِي ال َّن ِ‬
‫ار‬ ‫ط ِر َح ْ‬
‫‪».‬‬
‫‪:‬يقول الشاعر‬
‫ال تكشفن مساوي الناس ما ستروا فيهتك هللا ستراً عن مساويكا‬
‫واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا وال تعب أحداً منهم بما فيكا‬
‫و يقول عون بن عبد هللا رحمه هللا‪ :‬ال أحسب الرجل ينظر في عيوب الناس إال من غفلة قد غفلها عن نفسه‪ .‬وعن محمد بن سيرين‬
‫‪.‬رحمه هللا تعالى قال‪ :‬كنا نحدث أن أكثر الناس خطايا أفرغهم لذكر خطايا الناس‬
‫‪.‬وكان مالك بن دينار رحمه هللا تعالى يقول‪ :‬كفى بالمرء إثما ً أال يكون صالحاً‪ ،‬ثم يجلس في المجالس ويقع في عرض الصالحين‬
‫‪ .‬وقال ابو عاصم النبيل‪ :‬ال يذكر الناس فيما يكرهون إال سفلة ال دين لهم‬
‫‪”.‬وقال بكر بن عبد هللا‪ ” :‬إذا رأيتم الرجل مو ّكال بعيوب الناس‪ ،‬ناسيا لعيوبه ـ فاعلموا أنه قد ُمك َِر به‬
‫‪.‬واإلنسان ـ لنقصه ـ يتوصل إلى عيب أخيه مع خفائه‪ ،‬وينسى عيب نفسه مع ظهوره ظهورا مستحكما ال خفاء به‬
‫قبيح من اإلنسان أن ينسى عيوبه ويذكر عيبا في أخيه قد اختفى‬
‫ولو كان ذا عقل لما عاب غيره وفيه عيوب لو رآها قد اكتفى‬
‫أيها المسلمون‬
‫‪.‬وإن االنشغال بعيوب الناس يجر العبد إلى الغيبة والبد‪ ،‬وقد عرفنا ما في الغيبة من إثم ومساوئ يتنزه عنها المسلم الصادق النبيل‬
‫كما أن االنشغال بعيوب الناس يؤدي إلى شيوع العداوة والبغضاء بين أبناء المجتمع ‪ ،‬فحين يتكلم المرء في الناس فإنهم سيتكلمون‬
‫فيه ‪ ،‬وربما تكلموا فيه بالباطل‬
‫إذا أنت عبت الناس عابوا وأكثروا عليك‪ ،‬وأبدوا منك ما كان يُست ُر‬
‫وإذا رجعت إلى السلف الصالح رضي هللا عنهم لوجدت منهم في هذا الباب عجبا؛ إذ كانوا مشغولين بعيوب أنفسهم عن عيوب‬
‫غيرهم ‪ ،‬بل ينظرون إلى أنفسهم نظرة كلها تواضع مع رفعتهم وعلو شأنهم رضي هللا عنهم ‪ ،‬بل كانوا يخافون إن تكلموا في الناس‬
‫بما فيهم أن يبتلوا بما ابتلي به الناس من هذه العيوب‬
‫ُأ‬ ‫ّ‬
‫‪”.‬قال األعمش‪ :‬سمعت إبراهيم يقول‪ ” :‬إني ألرى الشيء أكرهه‪ ،‬فما يمنعني أن أتكلم فيه إال مخافة أن بتلى بمثله‬
‫فعنْ َأ ِبى ه َُري َْر َة َقا َل ‪َ ،‬قا َل َرسُو ُل هَّللا ِ ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫وباإلضافة إلى هذا كانوا يوقنون ويعملون بحديث النبي صلى هللا عليه وسلم ( َ‬
‫‪.‬وسلم‪ « -‬مِنْ حُسْ ِن ِإسْ الَ ِم ْال َمرْ ِء َترْ ُك ُه َما الَ َيعْ نِي ِه » رواه ابو داود‬

‫‪،‬وقد لقي زاهد زاهداً فقال له‪ :‬يا أخي! إني ألحبك في هللا‬
‫ُ‬
‫علمت منك ما تعلم من نفسك لكان لي فيما أعلم‬ ‫علمت مني ما أعلم من نفسي ألبغضتني في هللا‪ ،‬فقال له األول‪ :‬لو‬ ‫َ‬ ‫فقال اآلخر‪ :‬لو‬
‫‪.‬من نفسي شغل عن بغضك‬
‫فيا أيها الحبيب لك في نفسك شغل عن عيوب غيرك ؛ ففيك أضعاف أضعاف ما تراه في اآلخرين ‪ ،‬فال تفتح على نفسك باب الغيبة‬
‫‪:‬وسوء الظن وهتك أستار الناس باالنشغال بعيوبهم ‪ ،‬وال تفتح على نفسك باب شر ال يسد بالكالم عن الناس فيتكلموا عنك‬
‫متى تلتمس للناس عيبا تجد لهم عيوبا ولكن الذي فيك أكثر‬
‫فسالمهم بالكف عنهم فإنهم بعيبكبعيبك من عينيك أهدى وأبصر‬

‫أقول قولي وأستغفر هللا لي ولكم‬

‫ت َرهِي َن ٌة‬ ‫)الخطبة الثانية (ال تنظر إلى عيوب الناس‪ ،‬وانظر إلى عيوبك)( ُك ُّل َن ْف ٍ‬
‫س ِب َما َك َس َب ْ‬
‫الحمد هلل رب العالمين ‪ .‬اللهم لك الحمد على نعمة اإلسالم وااليمان ‪.‬ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصالة والسالم‪ .‬وأشهد‬
‫أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له ‪ .‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ .‬اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‬
‫أما بعد أيها المسلمون‬
‫ولقد تعلّقت قلوب الجيل الرَّ باني من الصَّحابة وال ّتابعين باهلل دائمًا‪ ،‬وانشغلوا بأنفسهم التي هي أعدى أعدائهم؛ من أجل هللا سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬فانشغلوا عن ك ّل الشواغل بال َّنفس التي بين جنبيهم‪ ،‬يهذبونها ويربونها؛ أل َّنهم فهموا أنَّ تربية الفرد لنفسه وتعاهدها أوالً بأول‬
‫‪،‬أمر ال ب َّد منه لمن يريد دوام االستقامة على أمر هللا‪ ،‬وأل َّنهم أدركوا حقيقة هذه ال َّنفس وطبيعتها‬
‫يقول اآلجري عن النفس ‪ ” :‬إذا أطمعتها طمعت‪ ،‬وإذا آيستها أيست‪ ،‬وإذا أقنعتها قنعت‪ ،‬وإذا أرخيت لها طغت‪ ،‬وإذا فوضت لها‬
‫‪”.‬أساءت‪ ،‬وإذا حملتها على أمر هللا صلحت‬

‫فالسلف الصالح رضي هللا عنهم كانوا مشغولين بعيوب أنفسهم عن عيوب غيرهم‪ ،‬بل ينظرون إلى أنفسهم نظرة كلها تواضع مع‬
‫رفعتهم وعلو شأنهم رضي هللا عنهم‪ ،‬بل كانوا يخافون إن تكلموا في الناس بما فيهم أن يبتلوا بما ابتلي به الناس من هذه العيوب‪،‬‬
‫فكان عمر رضي هللا عنه يُربي األمة كلها من فوق المنبر فيقول‪ ” :‬رحم هللا امرًأ أهدى إليَّ عيوبي ” فعرف أولئك األخيار األطهار‬
‫‪.‬أن الذي يضرك هو عيبك أنت‪ ،‬وأن الذي يسيء إليك هو ذنبك أنت ال ذنوب الناس وعيوبهم‬
‫لست عن حالي راضيا ً حتى أتفرغ لذم الناس‬ ‫ُ‬ ‫‪.‬وقيل للربيع بن خثيم‪ :‬ما نراك تغتاب أحداً‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫‪”.‬وعن عون بن عبد هللا قال‪“ :‬ال أحسب الرجل ينظر في عيوب الناس إال من غفلة غفلها عن نفسه‬
‫أكثر الناس خطايا أفر ُغهم لذكر خطايا الناس‬ ‫‪”.‬وعن ابن سيرين قال‪“ :‬كنا نحدَّث أن َ‬
‫‪”.‬وقال الفضيل‪“ :‬ما من أحد أحب الرياسة إال حسد وبغى‪ ،‬وتتبع عيوب الناس‪ ،‬وكره أن يُذ َكر أح ٌد بخير‬
‫ويقع في الصالحين‬ ‫َ‬ ‫يكون صالحا‬ ‫َ‬ ‫‪”.‬وقال مالك بن دينار‪“ :‬كفى بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة‪ ،‬وكفى المرء شراً أال‬
‫‪.‬ويشتد األمر خطورة إذا كانت الوقيعة والعيب في العلماء والدعاة والصالحين‬
‫‪”.‬قال ابن المبارك‪“ :‬من استخف بالعلماء ذهبت آخر ُته‪ ،‬ومن استخف باألمراء ذهبت دنياه‪ ،‬ومن استخف باإلخوان ذهبت مروءته‬
‫‪.‬وقال بعضهم‪ :‬أدركنا السلف وهم ال يرون العبادة في الصوم وال في الصالة ولكن في الكف عن أعراض الناس‬
‫‪.‬وقال ابن عباس رضي هللا عنهما‪ :‬إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوبك‬
‫‪.‬وقال عمر رضي هللا عنه‪ :‬عليكم بذكر هللا تعالى فإنه شفاء وإياكم وذكر الناس فإنه داء‬
‫أيها المسلمون‬
‫واعلموا أن الجزاء من جنس العمل فعن أبي بردة عن النبي صلى هللا عليه وآله وسلم أنه قال‪َ « :‬يا َمعْ َش َر َمنْ َق ْد َأسْ َل َم ِبل َِسا ِن ِه َو َل ْم‬
‫ِين َوالَ ُت َع ِّيرُو ُه ْم َوالَ َت َّت ِبعُوا َع ْو َرات ِِه ْم َفِإ َّن ُه َمنْ َت َتب ََّع َع ْو َر َة َأخِي ِه ْالمُسْ ل ِِم َت َتب ََّع هَّللا ُ َع ْو َر َت ُه َو َمنْ َت َتب ََّع‬
‫ض اِإلي َمانُ ِإ َلى َق ْل ِب ِه الَ ُتْؤ ُذوا ْالمُسْ لِم َ‬ ‫ُي ْف ِ‬
‫ضحْ ُه َول ْو فِي َج ْوفِ َرحْ لِ ِه » رواه أحمد وأبو داود‬ ‫َ‬ ‫هَّللا ُ َع ْو َرت ُه َيف َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫وعن ابن عمر رضي هللا عنهما أنه قال‪ ” :‬كان بالمدينة أقوام لهم عيوب‪ ،‬فسكتوا عن عيوب الناس‪ ،‬فأسكت هللا الناس عنهم عيوبهم‪،‬‬
‫‪،‬فماتوا وال عيوب لهم‬
‫وكان بالمدينة أقوام ال عيوب لهم‪ ،‬فتكلموا في عيوب الناس‪ ،‬فأظهر هللا عيوبا َ لهم‪ ،‬فلم يزالوا يعرفون بها إلى أن ماتوا ” رواه الديلمي‬
‫في مسند الفردوس‬
‫ب في نفسه ظاهر‪ ،‬ولو‬ ‫فاإلنسان – لنقصه وحب نفسه – يتوفر على تدقيق النظر في عيب أخيه‪ ،‬فيدركه مع خفائه‪ ،‬فيعمى به عن عي ٍ‬
‫‪.‬أنه انشغل بعيب نفسه عن التفرغ لتتبع عيوب الناس‪ ،‬لكف عن أعراض الناس وسد الباب على الغيبة‬
‫أيها المسلمون‬
‫إن انشغال المرء بعيوب نفسه والسعي إلصالحها هذا من أنفع الطرق لسد باب الغِيبة‪ ،‬فلو انشغل اإلنسان بعيب نفسه عن التفرُّ غ‬
‫لتتبع عيوب الناس‪ ،‬لكف عن أعراض الناس‪ ،‬والوقوع في الغِيبة‪ ،‬واألمر كما قيل‪“ :‬من سعادة المرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن‬
‫‪”.‬عيوب غيره‬
‫يقول الحسن البصري رحمه هللا‪“ :‬يا بن آدم‪ ،‬إنك لن تصيب حقيقة اإليمان حتى ال تعيب الناس بعيب هو فيك‪ ،‬وحتى تبدأ بصالح‬
‫‪: ).‬ذلك العيب فتصلحه من نفسك‪ ،‬فإذا فعلت ذلك كان ُ‬
‫ش ْغ َلك في خاصة نفسك‪ ،‬وأحبُّ العباد إلى هللا َمن كان هكذا”؛ (اإلحياء‬
‫وكان عيسى ابن مريم عليه السالم يقول‪“ :‬ال تنظروا إلى عيوب الناس كاألرباب‪ ،‬وانظروا إلى عيوبكم كالعبيد‪ ،‬إن الرجل يبصر‬
‫‪”.‬القذاة في عين أخيه‪ ،‬وال يبصر الجذع في عينيه‪ ،‬وإنما الناس رجالن‪ :‬معا ًفى ومبتلًى‪ ،‬فاحمدوا هللا على العافية‪ ،‬وارحموا المبتلى‬
‫وأخرج البيهقي في “شعب اإليمان” عن مجاهد قال‪“ :‬ذكروا رجالً عند ابن عباس‪ ،‬فقال‪ :‬إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك‪ ،‬فاذكر‬
‫‪).‬عيوبك”؛ (رواه البخاري في األدب المفرد‬
‫الدعاء‬

You might also like