You are on page 1of 16

‫مجمة جامعة تشرين لمبحوث والدراسات العممية _ سمسمة اآلداب والعموم اإلنسانية المجمد (‪ )43‬العدد (‪2102)6‬‬

‫‪Tishreen University Journal for Research and Scientific Studies - Arts and Humanities Series Vol. (34) No. (6) 2013‬‬

‫"تأثير القبالة في فمسفة سبينو از "‬

‫*‬
‫الدكتور منذر شباني‬

‫(تاريخ اإليداع ‪ .2102 / 01 / 7‬قبل لمنشر في ‪)2012 / 02 / 01‬‬

‫‪‬‬ ‫‪ ‬مم ّخص‬

‫مارست القبَّالة ‪ , Kabbalah‬التسمية التي أطمقت عمى التصوؼ الييودي منذ القرف الثاني قبؿ الميالد تقريباً‪,‬‬
‫دو اًر ميماً عمى التراث الييودي بشقيو الديني والفكري الفمسفي‪ ,‬دوف أف يعني ذلؾ أف ىناؾ فمسفة ييودية بعينيا‪ ,‬بؿ أف‬
‫ما نذىب إليو ىنا ىو البحث في تأثير القبَّالة عمى الفالسفة مف الييود‪ ,‬وىـ كثر‪ ,‬وسبينو از الفيمسوؼ الييودي‬
‫السيفاردي‪ ,‬كاف قد خضع ليذا التأثير بالوتيرة نفسيا التي أثر فييا بالقبَّالة‪ ,‬وىو زعـ ينشغؿ البحث في تقصي معالمو‬
‫األساسية ضمف ما أتيح مف مصادر ومراجع عف القبَّالة‪ ,‬في محاولة لمكشؼ عف انزياح القبَّالة مف تصوؼ حمولي‬
‫واحدي باتجاه ما عرؼ في تاريخ الفمسفة بمذىب وحدة الوجود (البانتيئية) وىو المذىب الذي أشارت إليو األدبيات‬
‫الفمسفية الغربية فيما ىي تتعقب النشاط الفمسفي العقالني لفالسفة القرف السابع عشر‪ ,‬والتي وقفت طويالً عند‬
‫السبينوزية التي أفصحت عف نفسيا بوصفيا مذىب وحدة الوجود بالمعنى العريض ليا‪.‬‬

‫الكممات المفتاحية ‪ :‬قبَّالة – تصوؼ – حمولي – وحدة الوجود ‪.‬‬

‫*‬
‫مدرس – قسم الفمسفة – كمية اآلداب والعموم اإلنسانية – جامعة تشرين – الالذقية – سورية ‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫شباني‬ " ‫"تأثير القبالة في فمسفة سبينو از‬

2102)6( ‫) العدد‬43( ‫مجمة جامعة تشرين لمبحوث والدراسات العممية _ سمسمة اآلداب والعموم اإلنسانية المجمد‬
Tishreen University Journal for Research and Scientific Studies - Arts and Humanities Series Vol. (34) No. (6) 2013

The Kabbalah Influence on Spinoza

Dr. Monzer Shbani*

(Received 7 / 10 / 2012. Accepted 19 / 12 / 2012)

 ABSTRACT 
Kabbalah, the term given to Jewish mysticism ever since the 2nd Century BC., has
had quite an impact on Jewish heritage, covering both religion and philosophical thought.
However, we do not mean to suggest the existence of a Jewish philosophy per se. Rather,
we intend to discuss the influence of Kabbalah on Jewish philosophers, and they are quite
many.
The claim that Spinoza, a Sephardim Jew, has influenced Kabbalah to the same
degree that he has been influenced by it needs to be researched within the available
literature we have on Kabbalah. This discussion will attempt to discover the Kabbalah shift
of focus from monotheistic mysticism to what has later become known in the history of
philosophy as pantheism, the attitude Western philosophical literature repeatedly referred
to while it pursued the rational philosophical activity of the 17th Century. For a long time,
this activity studied Spinozism which declared itself as the pantheism in its broadest sense.

Keywords: Kabbalah, mysticism, pantheism, monotheism.

*
Assistant Professor, Department of Philosophy, Faculty of Arts and Humanities, Tishreen University,
Lattakia, Syria.

72
‫مجمة جامعة تشريف ‪ ‬اآلداب والعموـ اإلنسانية المجمد (‪ )43‬العدد (‪Tishreen University Journal. Arts and Humanities Series 7107 )6‬‬

‫مقدمة ‪:‬‬
‫مف الجدير بالذكر أف مقدمة البحث أي بحث‪ ,‬إنما تكتب بعد إنجازه ‪ ,‬وبعد أف يكوف الباحث قد ت ْم ّم َس‬
‫الصعوبات والمشكالت البحثية التي واجيتو عمى المستوى المعرفي كما عمى المستوى المنيجي ‪ ,‬واذا كاف األمر كذلؾ‪,‬‬
‫فإف البحث الذي نحف بصدده اآلف واجو أوؿ ما واجو مشكمة كبرى تمثمت في تقصي مادة البحث وتعقب أثارىا ‪.‬‬
‫فالبحث يناقش موضوعاً نزعـ أنو يتمتع بالجدة ‪ ,‬ويتطمب التقصي والتعقب المذكوريف المذيف أفضيا إلى اكتشاؼ مسألة‬
‫تطرح نفسيا عمى بساط البحث أيضاً ‪ ,‬وىذه المسألة ىي ندرة األبحاث التي تتناوؿ موضوعاً كالذي بيف أيدينا وىوما‬
‫يتعمؽ بالقبَّالة ‪ kabbalah‬تحديداً‪.‬‬
‫تشير القبَّالة إلى التصوؼ الييودي ‪ ,‬وىو أمر سيأتي عميو البحث الحقاً ‪ ,‬ويفترض أنيا مارست دو اًر ميماً في‬
‫فمسفة سبينو از الييودي األصؿ‪ ,‬وىي فرضية تتمتع بدالالت تاريخية سوسيولوجية وابستمولوجية)معرفية ( وىذه الفرضية‬
‫ىي التي دفعت باتجاه البحث والتقصي ‪ ,‬بغية الكشؼ عف العناصر القبَّالية في فمسفة سبينو از ‪ ,‬عمى أف ذلؾ أمر‬
‫يصعب القطع بو ‪ ,‬ويتطمب إثباتو جيداً يمقي عمى كاىؿ ىذا البحث مزيداً مف المشقّة في إعماؿ النظر ‪.‬‬
‫واذا كنا قد أشرنا إلى ندرة األبحاث حوؿ القّبالة فإننا نجد أنفسنا ممزميف باإلشارة إلى أف صعوبة البحث في‬
‫القبَّالة تأتي مف القبَّالة نفسيا‪ ,‬فيي أصالً ليست موضوعاً قابالً لمنشر في األوساط الييودية باعتبارىا تعميماً شفاىياً‬
‫أو قبوالً شفيياً‪ ,‬كما سنرى‪ ,‬فكيؼ الحاؿ إذاً بالنسبة إلى أوساط األغيار(الغوييـ ) كما يطمؽ الييود عمى مف ىـ مف‬
‫غير الييود‪.‬‬
‫مف جية أخرى‪ ,‬وعمى خط مواز ‪ ,‬فإف الفيمسوؼ الييودي اليولندي سبينو از ‪ ,‬الذي يعد فيمسوفاً عقالنيًا بامتياز مف‬
‫مر القروف‬
‫اعتبر وألمد طويؿ ‪ ,‬وربما حتى يومنا ىذا‪ ,‬ممحدًا ومميـ المالحدة عمى ّ‬ ‫عقالنيي القرف السابع عشر‪ ,‬كاف قد ُ‬
‫ويعزز دوافعو ‪.‬‬
‫التي تمت حياتو وموتو‪ .‬وىذا ما يعقّد البحث في ارتباطو بالقبَّالة‪ ,‬بقدر مايمنح ىذا البحث إغراءاتو ّ‬
‫بيف ىذا وذاؾ ‪,‬بيف سبينو از والتصوؼ الييودي (القبَّالة) ‪ ,‬سرنا في ىذا البحث باتجاىيف أساسييف ‪ ,‬دوف أف‬
‫يعني ذلؾ أنيما منفصالف ‪ ,‬تمثّؿ االتجاه األوؿ في إيضاح معنى القبَّالة ‪ ,‬بقدر ما توافر لنا مف مادة بحثية وعممية‬
‫وتاريخية‪ ,‬أما االتجاه الثاني فقد أفصح عف نفسو في المحاولة الدائبة لمكشؼ عف العناصر القبَّالية في الفمسفة‬
‫السبينوزية‪.‬‬
‫والمالحظة التي تمتمؾ أىمية منيجية ىنا ‪ ,‬ىي أف االتجاه األوؿ برز بوصفو اتجاىاً معرفياً صرفاً‪ ,‬حاولنا مف‬
‫خاللو بسط األفكار والمعتقدات التي تقوـ عمييا القبَّالة ‪ ,‬في سعي واضح لتحديد القبَّالة اصطالحاً ومفيوماً‪.‬‬
‫أما األتجاه الثاني المتعمؽ ببحث أثر القبَّالة في فمسفة سبينو از ‪ ,‬فقد آثرنا أف نسمؾ في خصوصو طريقاً وع اًر‬
‫تشابؾ فيو المعرفي بالمنيجي ‪ ,‬سعياً اللتقاط المحظة الجدلية التي تكشؼ لنا‪ ,‬ليس فقط عف أثر القبَّالة في فمسفة‬
‫سبينو از‪ ,‬بؿ عف الكيفية التي تمقّؼ فييا سبينو از القبَّالة ‪ ,‬وأعاد صياغتو ليا ضمف سياقات معرفية ومنيجية اقتضاىا‬
‫موقع سبينو از نفسو داخؿ النسؽ العقالني في القرف السابع عشر‪.‬‬

‫أىمية البحث وأىدافو ‪:‬‬


‫الجدة كما نزعـ ‪ ,‬ذلؾ أنو ال يزاؿ يفتقد إلى التناوؿ‬
‫منحى اليخمو مف ّ‬ ‫تتأتّى أىمية البحث مف كونو يوغؿ في‬
‫ً‬
‫العممي الرصيف ضمف األوساط الثقافية واألكاديمية العربية ‪ .‬فالتصوؼ الييودي كاف قد تسرب إلى كؿ أشكاؿ المعرفة‬
‫والعمـ في الجامعات الغربية خالؿ القرف التاسع عشر عمى األقؿ‪ ,‬وىو ما كشؼ عنو كتاب )الفمسفة األلمانية والتصوؼ‬

‫‪72‬‬
‫شباني‬ ‫"تأثير القبالة في فمسفة سبينو از "‬

‫الييودي ( لممفكر األلماني يورغف ىابرماس ‪ ,‬وازاء ىذه الحقيقة فإنو البد لنا أف نشير إلى أف الكشؼ عف العناصر‬
‫القبَّالية في فمسفة سبينو از يسيـ في تعزيز ىذه النظرية كما يضيء جانب ًا غامضاً ومربك ًا في الوقت نفسو ‪ ,‬ونعني بو‬
‫كوف سبينو از ييودي ًا ومطروداً مف الييودية نفسيا ‪ ,‬ىا ىنا نضع يدنا عمى ىدؼ طالما شكؿ ىاجساً إلنجاز ىذا البحث‬
‫الذي يمكف أف نمخصو بالرأي الذي سرى بيف أوساط رىط مف المثقفيف الغربييف ‪ ,‬والييود منيـ عمى وجو الخصوص ‪,‬‬
‫ذلؾ الرأي الذي يقوؿ إف سبينو از استطاع بفمسفتو أف يساعد الييود عمى االندماج في المجتمعات األوروبية إذ تمكنت‬
‫السبينوزية مف تخميصيـ مف انغالقيـ ‪ ,‬وىيأّت ليـ ‪ ,‬تالياً ‪ ,‬ضرباً مف أمكانية االستقرار في المجتمعات المذكورة ‪.‬‬

‫منيجية البحث ‪:‬‬


‫نعوؿ عمى المنيج التاريخي في الكالـ عمى القبَّالة ‪ ,‬نشأة‪ ,‬و تطو اًر‪ ,‬وفي‬
‫في سعينا النجاز ىذا البحث رأينا أف ّ‬
‫اشتغاليا مف حيث ىي طريقة في‬ ‫الكشؼ عف جذورىا ومرتكزاتيا ‪ ,‬وعف منظومة العناصر المكونة ليا التي تمنحيا قوة َ‬
‫النظر والتأويؿ تخص الفكر الصوفي الييودي ورأينا ‪ ,‬مف جية أخرى ‪ ,‬أف نتوسؿ بمنيج التحميؿ المغوي النصي ‪,‬‬
‫لتعقب رواسب القبَّالة والكشؼ عف أثرىا وعف طريقة تحوليا في فكر سبينو از ‪.‬‬

‫النتائج والمناقشة ‪:‬‬


‫القبَّالة ‪ :‬الضبط اإلصطالحي والتاريخي والمعرفي‪:‬‬
‫لعؿ ضبط مصطمحات بحث ما ‪ ,‬بما ينطوي عميو مف تقميد أو عرؼ أكاديمي ‪ ,‬يبدو وكأنو أشبو بالقبض عمى‬
‫ماء براحة الكؼ ‪ .‬ذلؾ أف المصطمح دينياً كاف أـ فمسفياً أـ عممياً ال يتحدد مرة واحدة والى األبد ‪ ,‬بقدر ما نجده‬
‫خاضعاً لسياقاتو االجتماعية التاريخية والمعرفية ‪ ,‬بؿ وأكثر مف ذلؾ فإف مصطمحاً ما عمى ما لو مف وضوح وقوة‬
‫معنى ‪ ,‬لطالما وجدناه يتشظى داخؿ ىذا النسؽ المعرفي أو ذاؾ بحسب االنزياحات التاريخية التي يخضع ليا و بحسب‬
‫االتفاؽ االجتماعي السوسيوثقافي الذي يمنحو ىذا الشكؿ أو ذاؾ وىذا المعنى أو غيره مف المعاني ‪.‬‬
‫ومصطمح القبَّالة ‪ kabbalah‬واف بدا أكثر قابميةً لمتحديد مف غيره مف المصطمحات فإنو بدوره قد خضع‬
‫لمتحويرات والتغيرات خالؿ تطوره التاريخي ‪.‬‬
‫القبالة تنشأ مف جذر الكممة العبري ‪ , Qibel‬ومعناىا الحرفي "‬
‫تتفؽ معظـ المراجع التي بيف أيدينا عمى أف ّ‬
‫االستالـ بالتقميد الشفيي ‪ .‬وتشير الشفيية ىنا إلى باطنية سرية تتعمؽ بقوانيف الطبيعة ومعاني التوراة الخفية ‪ ,‬وىي‬
‫نظاـ رمزي يتعمؽ بإرجاع اإلنسانية إلى الىوت"‪ . 1‬وفي السياؽ ذاتو يرى المسيري في موسوعتو أف كممة " َّقبالة كممة‬
‫عبرية تفيد معنى القبوؿ أو التقبؿ ‪ ,‬أو ما يتمقاه المرء مف السمؼ‪ ,‬أي التقاليد والتراث ‪ .‬وىذا التراث عبارة عف مجموعة‬
‫‪2‬‬
‫ضخمة مف التفسيرات والتأويالت الباطنية لمنصوص الدينية التي تعرؼ باسـ الشريعة الشفوية‪".‬‬
‫السر الذي ينتقؿ مف‬
‫القبالة قبوؿ السر الباطني لمديانة الييودية‪ ,‬قبوالً شفوياً ‪ ,‬ىذا ّ‬
‫وانطالقاً مما تقدـ تكوف َّ‬
‫القبالة وىو أيضاً ما ُيجمع عميو الباحثوف‬
‫السر الباطني يفضي بنا إلى أف َّ‬ ‫المعمميف إلى التالميذ ‪ .‬واستخدامنا لتعبير ّ‬
‫بالقبالة في األوساط الدينية الييودية ويؤكد ذلؾ‬
‫‪ ,‬ييوداً كانوا أـ غير ييود تشير إلى التصوؼ الييودي ‪ ,‬الذي عرؼ َّ‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬معدي‪ ،‬الحسيني الحسيني ‪ ،‬القبالة وشفرة النوراة والعيد القديم ‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬دمشق‪ ، 2007 ،‬ص ‪. 48‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المسيري ‪ ،‬عبد الوىاب ‪ ،‬موسوعة الييود والييودية الصييوية ‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪(،5‬د‪.‬ت )‪ ،‬ص ‪. 46‬‬

‫‪01‬‬
‫مجمة جامعة تشريف ‪ ‬اآلداب والعموـ اإلنسانية المجمد (‪ )43‬العدد (‪Tishreen University Journal. Arts and Humanities Series 7107 )6‬‬

‫القبالة بمنزلة المنيج الغيبي في تفسير العيد القديـ ‪ ,‬وأف‬


‫ما يذكره شمعوف موياؿ مف أف التصوؼ الييودي يظير في َّ‬
‫المواضيع األساسية ليذا التصوؼ يمكف إجماليا في محاور ثالثة ىي ‪ :‬األلوىية ‪ ,‬والكوف ‪ ,‬ومصير الشعب الييودي‪.3‬‬
‫ويذىب باحثوف آخروف إلى أف " َّ‬
‫القبالة نوع مف الصوفية الحمولية بدأت مع العيد القديـ ( التوراة )* ‪ ,‬مرو اًر بالشريعة‬
‫الشفوية ‪ .‬وانيا جاءت بمثابتيا نتيجة لشيوع أفكار أساسية مثؿ الشعب المختار‪ ,‬أمة الروح ‪ ,‬األرض المقدسة "‪. 4‬‬
‫نظرياً ‪ ,‬ال يبدو أف ىناؾ فوارؽ جوىرية بيف كال الرأييف ‪ .‬و َّ‬
‫القبالة ‪ ,‬بحد ذاتيا ‪ ,‬مف حيث ىي تعبير عف‬
‫ستعبر عف موقؼ معرفي‬ ‫ّ‬ ‫التصوؼ الييودي لف تنشغؿ بالجانب الصوفي الزىدي ‪ -‬كما سنرى فيما بعد‪ -‬بقدر ما‬
‫غنوصي ييدؼ إلى تحقيؽ الخالص القائـ عمى المشاركة بيف اإلنساف واإللو معاً ‪ ,‬خصوصاً منذ المرحمة التي‬
‫خضعت فييا لتعديالت فمسفية عقالنية ‪ ,‬بضغط مف الفمسفة اليونانية ‪ ,‬وتحديداً ّإباف المرحمة الييمينية ‪.‬‬
‫القب الة والشريعة الشفوية فإننا نجد أنفسنا عمى تخوـ مسألة التحديد‬ ‫وبالعودة إلى العالقة المذكورة آنفاً بيف َّ‬
‫التاريخي الذي قد يفيد أكثر في عممية ضبط " َّ‬
‫القبالة " وتوضيح معناىا‪ .‬ذلؾ أف الشريعة الشفوية تمثمت عبر التاريخ‬
‫الييودي بما ُيعرؼ بالتممود* ‪ .‬وقد رأى بعضيـ أنو إذا كانت َّ‬
‫القبالة تتعمؽ بالتقميد والتراث الشفيي الييودي فإنيا ‪,‬‬
‫والحالة ىذه ال بد أف تكوف قد نشأت مع ت ّكوف التممود الذي يعد "الشريعة الشفيية " ‪ ,‬في مقابؿ أسفار العيد القديـ‬
‫‪5‬‬
‫( التوراة ) التي ىي الشريعة المكتوبة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وجداؿ ‪ .‬فمف الباحثيف‬ ‫يبدو أف مسألة التحديد التاريخي الدقيؽ لت ّكوف القبَّالة وانطالقيا ‪ ,‬ما تزاؿ موضع نقاش‬
‫القبالة نشأت في فترة الييكؿ الثاني‪ 6.‬وىذه الفترة بالذات تشير إلى الزمف الذي عانى فيو الشعب العبراني‬
‫مف يرى أف َّ‬
‫مف االحتالؿ والسبي ‪ ,‬مع أف المصادر التاريخية ال تقدـ تفصيالً دقيقاً ومنيجياً لمفوارؽ الزمنية بيف الييكؿ األوؿ "‬
‫ىيكؿ سميماف " والييكؿ الثاني المشار إليو ‪ .‬إال أف بعض كتب التاريخ تشير إلى أف تاريخ الييكؿ الثاني يرجع إلى‬
‫ني الييكؿ إباف‬
‫القرف الخامس قبؿ الميالد ‪ ,‬فإذا كاف الممؾ سميماف قد حكـ في نحو القرف التاسع قبؿ الميالد ‪ ,‬وُب َّ‬
‫نصر ثـ أُعيد بناؤه خالؿ فترة الحكـ الفارسي لمشعب‬
‫حكمو ‪ ,‬فإف ىذا الييكؿ قد تـ تدميره مف قبؿ القائد البابمي نبوخذ َّ‬
‫العبراني في القرف الخامس قبؿ الميالد‪.7‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -‬مويال ‪ ،‬شمعون يوسف ‪ ،‬التممود أصمو وتسمسمو وآدابو ‪ ،‬تحقيق د ‪ .‬رشاد عبد اهلل الشامي‪ ،‬د‪ .‬ليمى إبراىيم أبو المجد ‪ ،‬الدار‬
‫الثقافية لمنشر‪ ،‬القاىرة ‪ 2002 ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬معدي الحسيني الحسيني‪ ،‬القبالة وشفرة التوراة والعيد القديم ‪ ،‬مرجع مذكور ص ‪. 31‬‬
‫* لموقوف عمى معنى كممة ( توراة ) الكتاب المقدس عند الييود يذكر فاروق الدممخي في كتابو تاريخ األديان أن النبي موسى كان أول‬
‫قاض إسرائيمي وكانت األحكام التي يصدرىا تسمى " تورث " ثم أعقبو الكينة ‪ ،‬وكان كل منيم يحكم بما يتراءى لو ويصدر " تورا " باسم‬
‫الرب ‪ .‬باعتبار أنو ممثل لإللو ييوه وعمى ىذا كان التوراة عندىم إلييا في مصدره مقدساً في منشئو ثم جمعت ىذه األحكام فصارت‬
‫مجموعة كبيرة أطمق عمييا اسم " توراة " ولممزيد انظر ‪ :‬الدممخي ‪ ،‬فاروق ‪ ،‬تاريخ األديان ‪ ،‬األىمية لمنشر والتوزيع ‪ ،‬بيروت‪،2003 ،‬‬
‫ص‪ 42‬وما بعد ‪.‬‬
‫*التممود ‪ :‬كتاب مقدس لدى الييود ‪ ،‬وكممة ت ممود تعني تعميم ‪ ،‬وتطمق عمى كتاب االتممود الذي يقع في نسخة المطبوعة الحالية في‬
‫عشرين مجمدا أو أكثر من القطع الكبير وىو يضم تشريعات ( المشنا ) التي تعد متناً والشرح الذي قام بو معممو بني إسرائيل عمى ىذا‬
‫تكون التممود ‪.‬‬
‫المتن ويسمى " جما ار " ومنيما ّ‬
‫‪ -5‬مويال ‪ ،‬شمعون يوسف ‪ ،‬التممود أصمو ‪ ،‬سمسمة وآدابو ‪ ،‬مرجع مذكور ‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫‪6‬‬
‫‪-‬المكان نفسو‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -‬لومير ‪ ،‬أندريو ‪ ،‬تاريخ الشعب العبري ‪ ،‬ت ‪ :‬أنطوان الياشم ‪ ،‬عويدات لمطباعة والنشر ‪،‬بيروت ‪ ، 1999 ،‬ص‪.65‬‬

‫‪00‬‬
‫شباني‬ ‫"تأثير القبالة في فمسفة سبينو از "‬

‫وربما تكوف الق َّبالة قد نشأت منذ ذلؾ التاريخ ‪ ,‬وأف تكوف َّ‬
‫القبالة قد نشأت بالفعؿ في ذلؾ الوقت‪ ,‬أي في فترة‬
‫القبالة ‪ .‬و إذا‬
‫سيطرة الفرس عمى العبرانييف فإف ذلؾ قد يفسر لنا السرية والشفاىية ‪.‬ىاتيف الخاصيتيف المتيف تميزاف َّ‬
‫كانت القبَّالة قد انطمقت بوصفيا حركة تصوؼ ‪ ,‬منذ القرف الخامس قبؿ الميالد ‪ ,‬فإنيا تطورت خالؿ القرنيف الثاني‬
‫‪8‬‬
‫والثالث الميالدييف ‪ .‬ووصمت إلى ذروتيا خالؿ الفترة الممتدة مف القرف الثاني عشر حتى القرف الخامس عشر ‪.‬‬
‫القبالة كاف قد تأثر بالفمسفة اليمنستية إذ إف فترة الييكؿ الثاني المشار إلييا ‪ ,‬وكذلؾ مرحمة‬
‫تكوف َّ‬
‫والمالحظ أف ّ‬
‫القبالي ‪ ,‬ترافقت مع انتشار الفمسفة اليمنستية في العالـ الشرقي ‪ ,‬التي مارست عمى ما يبدو دو اًر مؤث اًر وقوياً‬
‫التطور َّ‬
‫‪9‬‬
‫في تشكؿ التصوؼ الييودي ‪.‬‬
‫وجدير بالذكر أف بعض الباحثيف لـ يقصروا تأثير اليمنتسية عمى التصوؼ الييودي فحسب ‪ ,‬بؿ ذىبوا إلى‬
‫‪10‬‬
‫‪ ,‬التي أخذت ‪ ,‬فيما بعد‬ ‫تأكيد مثؿ ىذا التأثير عمى الديف الييودي عموما‪ .‬وعمى اكتشاؼ التوحيد ‪ ,‬ومسألة الخمود‬
‫وعبرت عف نفسيا بمسألة الحب اإلليي ‪ ,‬المعروفة جيداً داخؿ َّ‬
‫القبالة مف‬ ‫طابعاً دينياً في تضاعيؼ التقميد الييودي ‪َّ ,‬‬
‫خالؿ اتحاد اإلنساف باإللو ‪ ,‬لتحقيؽ الخالص ‪ .‬وفيما بعد ‪ ,‬داخؿ فمسفة سيبنو از نفسو ‪.‬‬
‫لتكوف َّ‬
‫القبالة و نطالقيا ‪ ,‬يظؿ مثار جدؿ ومناقشة ‪ ,‬واف‬ ‫ّ‬ ‫ويبقى أف نؤكد مرة أخرى أف مسألة الضبط التاريخي‬
‫القبالة نيجاً و رؤيا وىذا‬
‫كاف ما أتينا عميو ‪ ,‬حتى اآلف ‪ ,‬قد يفيد في وضع اليد عمى العناصر المعرفية التي شكمت َّ‬
‫ما سنتوسع بو أكثر كما يفيد في تصويب بعض األخطاء التي نعثر عمييا ‪ ,‬ىنا وىناؾ لدى بعض الباحثيف ‪ ,‬الذيف‬
‫القبالة يعود إلى القرف الثاني عشر الميالدي ‪ ,11‬مشيريف بذلؾ إلى مرحمة االزدىار التي شيدتيا َّ‬
‫القبالة‬ ‫أروا أف نشوء َّ‬
‫في ذلؾ القرف ‪ .‬إال أف ىذا األمر يحتاج إلى تصويب تاريخي ‪ ,‬ألف التراث َّ‬
‫القبالي السابؽ عمى القرف الثاني عشر ىو‬
‫الذي ميّد لإلزدىار آنذاؾ ‪ .‬خصوصاً العناصر الفمسفية العقالنية التي تشربتيا َّ‬
‫القبالة مف الفمسفة اليونانية ‪ ,‬وبصورة‬
‫أكثر تحديدا تمؾ التأثيرات الغنوصية العرفانية التي تسربت إلى َّ‬
‫القبالة منذ المواجيات األولى التي حدثت بيف العقيدة‬
‫الييودية والفمسفة اليونانية أوالً ثـ ‪ ,‬فيما بعد ‪ ,‬المواجية التي حدثت بيف ىذه العقيدة والفمسفة والتصوؼ المسيحي‬
‫‪12‬‬
‫‪.‬‬ ‫واإلسالمي ثانياً‬
‫لمقبالة ‪:‬‬
‫‪ ‬المصادر الالىوتية والفمسفية َّ‬
‫شكؿ التممود بوصفو الشريعة الشفيية لمييود مصد اًر أساسياً مف مصادر التصوؼ الييودي القَّبالي ‪ ,‬وىي‬
‫مالحظة أتينا عمييا آنفاً ‪ ,‬إال أننا معنيوف ىنا بالكشؼ عف الشكؿ و الطريقة المتيف مارسيما التممود عمى التصوؼ‬
‫القبالي‪ ,‬وىو ما نعتقد أنو سيساعدنا‪ ,‬منذ اآلف‪ ,‬عمى تبياف تأثير َّ‬
‫القبالة في الفمسفة السبيوزية‪ .‬فالتممود بالدرجة‬ ‫الييودي َّ‬
‫األولى انطوى ‪ ,‬بشكؿ مف األشكاؿ ‪ ,‬عمى نوع مف الحمولية ‪ ,‬ىذه الحمولية التقطتيا القبَّالة وسارت بيا نحو نتائج‬
‫‪13‬‬
‫وتحد منيا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫منطقية متطرفة ‪ ,‬بحيث خمصتيا مف العناصر التوحيدية التي تحددىا‬

‫‪8‬‬
‫‪ -‬مويال ‪ ،‬شمعون يوسف ‪ ،‬التممود أصمو وتسمسمو وآدابو‪ ،‬مرجع مذكور ‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪9‬‬
‫‪ -‬مويال ‪ ،‬شمعون يوسف‪ ،‬التممود أصمو وتسمسمو وآدابو ‪ ،‬مرجع مذكور ص ‪. 29‬‬
‫‪10‬‬
‫‪ -‬أونامونو ‪ ،‬ميغل دي ‪ ،‬الشعور المأساوي بالحياة ‪ ،‬ت ‪ :‬عمي إبراىيم أشقر ‪ ،‬وزارة الثقافة ‪ ،‬دمشق ‪ ، 2005 ،‬ص‪.79‬‬
‫‪11‬‬
‫‪ -‬البازعي ‪ ،‬سعد ‪ ،‬المكون الييودي في الحضارة الغربية ‪ ،‬المركز الثقافي العربي ‪ ،‬الدار البيضاء ‪ ، 2007 ،‬ص‪.385‬‬
‫‪12‬‬
‫‪ -‬مويال ‪ ،‬شمعون يوسف‪ ،‬التممود أصمو وتسمسمو وآدابو ‪ ،‬مرجع مذكور ص ‪. 29‬‬
‫‪13‬‬
‫‪ -‬معدي ‪ ،‬الحسيني الحسيني‪ ،‬القبالة وشيفره التوراه ‪ ،‬مرجع مذكور ص ‪.42‬‬

‫‪07‬‬
‫مجمة جامعة تشريف ‪ ‬اآلداب والعموـ اإلنسانية المجمد (‪ )43‬العدد (‪Tishreen University Journal. Arts and Humanities Series 7107 )6‬‬

‫ومما يعزز أيضاً فرضية أف يكوف التصوؼ الييودي َّ‬


‫القبالي قد نما وترعرع في قمب التممود ‪ ,‬الشريعة الشفيية‪,‬‬
‫ت ‪ ,‬أوؿ ما اكتشفت ‪ ,‬التناقضات في الشريعة المكتوبة ‪,‬أي التوراة أو العيد القديـ ‪.‬‬
‫ىو أف ىذه الشريعة كانت قد اكت َشفَ ْ‬
‫فقد الحظ التمموديوف التناقض في نصوص التوراة الذي انطوى أحياناً كثيرة عمى نصيف متناقضيف ‪ ,‬بحيث يبقى ىذا‬
‫‪14‬‬
‫‪ .‬وقد جاء التممود نشاطاً تفسيري ًا لمتوراة ‪ ,‬في محاولة‬ ‫التناقض قائماً إلى أف يأتي نص ثالث يحسـ ىذا التناقض‬
‫لكشؼ ما ىو غامض فيو ‪ ,‬خصوصاً أف النص التو ارتي اتسـ بقدرة فائقة عمى السبؾ النصي بيف ما ىو أسطوري‬
‫‪15‬‬
‫‪ .‬وعمى ما يبدو فإف َّ‬
‫القبالة نفسيا كانت قد تأثرت بالنزعة األسطورية التو ارتية ‪,‬‬ ‫قصصي وبيف ما ىو ديني تشريعي‬
‫‪16‬‬
‫‪ ,‬وذلؾ قبؿ أف تتحوؿ إلى حركة‬ ‫فقد قامت في بداياتيا بتفسير العقيدة الييودية عمى أسس أسطورية وقصصية‬
‫عرفانية غنوصية بتأثير مف الفمسفات وأشكاؿ التصوؼ األخرى التي تقدمت اإلشارة إلييا ‪.‬‬
‫ض باتجاه مراجعة النصوص التو ارتية ‪ ,‬واف ظؿ ىذا التحريض في نطاؽ‬ ‫حر َ‬
‫بيذا الشكؿ يكوف التممود قد َّ‬
‫قدـ نقداً لنصوص العيد‬
‫النشاط التفسيري لمتممود ‪ ,‬ولـ يتوسع ليصؿ إلى حركة نقدية كما حدث لدى سبينو از الذي ّ‬
‫متضمف في كتاب لسبينو از‬
‫ّ‬ ‫القديـ ( التوراة ) وىو النقد الذي ُعرؼ بالنقد التاريخي لمنصوص المقدسة ‪ .‬وىذا النقد‬
‫بعنواف رسالة في الالىوت والسياسية‪ *,‬وكنا في دراسة سابقة قد تحدثنا عف مستويات النقد السبينوزي لنصوص‬
‫‪17‬‬
‫وجدير‬ ‫التو ارة‪ :‬النقد التاريخي والنقد المغوي الفيمولوجي ونقد بنية النص المخترقة تاريخياً كما أوضحيا سبينو از نفسو‪.‬‬
‫النبوة مسألة‬
‫النبوة و ينتيي إلى اعتبار ّ‬
‫بالذكر ىنا أف سبينو از في رسالتو المذكورة يعالج في الفصؿ األوؿ منيا مسألة ّ‬
‫فطرية وأف الوحي ليس سوى معرفة فطرية عقمية‪ 18‬متاحة لكؿ الناس‪ .‬ومسألة الوحي ىذه كانت مف المسائؿ التي‬
‫أُثيرت في تاريخ التصوؼ َّ‬
‫القبالي ‪ ,‬منذ القرف العاشر الميالدي ‪ ,‬عمى يدي الحاخام سعديا جاؤون الذي وضع كتاب"‬
‫‪19‬‬
‫‪ .‬وقد ال نستطيع الجزـ فيما إذا كاف‬ ‫األمانات والمعتقدات" وذىب فيو إلى القوؿ إنو ما مف تناقض بيف العقؿ والوحي‬
‫سعديا جاؤون قد انتصر لمعقؿ عمى حساب الوحي كما فعؿ سبينو از ‪ .‬ولكف األرجح أنو حاوؿ أف يوفؽ بيف الشريعة‬
‫والعقؿ‪ ,‬وىو أمر اىتـ فيو التراث القبَّالي قبؿ القرف العاشر بكثير ‪ ,‬أي منذ نشأة الفكر الفمسفي الصوفي الييودي‬
‫وتبموره خالؿ القرنيف الثاني واألوؿ قبؿ الميالد‪ ,‬إذ إف قضية التناقضات التي اكتشفت في قمب التو ارة ‪ ,‬وخصوصاً‬
‫قضية الصفات الحسية لإللو ‪ ,‬أو ما عرؼ بالتجسيـ عند الييود ‪ ,‬ىذا التجسيـ الذي تنضح بو التوراة ‪ ,‬وتحديداً في‬
‫سفر التكويف ثـ يعود لنسفو في أسفار أخرى ‪ ,‬كؿ ذلؾ قاد باتجاه البحث عف إجابات فمسفية ال تتناقض مع أسس‬
‫العقيدة الييودية ومنيا مسألة العقؿ والنقؿ ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪ -‬شازار ‪ ،‬زالمان ‪ ،‬تاريخ نقد العيد القديم ‪،‬ت‪ :‬أحمد محمد ىويدي ‪ ،‬المجمس األعمى لمثقافة والنشر ‪ ،‬الكويت ‪ ، 2000 ،‬ص ‪.46‬‬
‫‪15‬‬
‫‪ -‬مويال‪ ،‬شمعون يوسف‪،‬التممود صمة تسمسمية وأدلية مرجع مذكور ص ‪. 15‬‬
‫‪16‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسو ص ‪27‬‬
‫* يتضمن كتاب رسالة في الالىوت والسياسية نقداً تاريخياً لنصوص العيد القديم ‪ ،‬فالكتاب يتألف من عشرين فصالً انطوت الفصول الستة‬
‫عشر األولى عمى نقد لنصوص التوراة وأ سفاره حيث حاول سبينو از أن يق أر التوراة قراءة تاريخية فصل فيو بين األسطوري واالعتقادي كما‬
‫توصل إلى نتائج اعتبرت رائدة في مجال نقد النصوص ولالطالع يمكن العودة إلى سبينو از ‪ ،‬رسالة في الالىوت والسياسة ‪ ،‬ت ‪ :‬حسن‬
‫حنفي ‪ ،‬دار التنوير ‪ ،‬بيروت ‪ ، 2005 ،‬ط‪. 1‬‬
‫‪17‬‬
‫‪ -‬شباني ‪ ،‬منذر ‪ ،‬سبينو از والالىوت ‪ ،‬وزارة الثقافة ‪ ،‬دمشق ‪ ، 2009 ،‬ص ‪ 57‬وما بعد ‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫‪ -‬سبينوزا ‪ ،‬رسالة في الالىوت والسياسة ‪،‬ت ‪ :‬حسن حنفي‪ ،‬دار التقرير ‪ ،‬بيروت ‪ ،2005 ،‬ص ‪.120‬‬
‫‪19‬‬
‫‪ -‬مويال ‪ ،‬سمعون ‪ ،‬يوسف ‪ ،‬التممود أصمو و تسمسمو وآدابو ‪ ،‬ص ‪.30‬‬

‫‪00‬‬
‫شباني‬ ‫"تأثير القبالة في فمسفة سبينو از "‬

‫وميما يكف مف أمر ‪ ,‬فإف محاولة سعديا جاؤون الحاخاـ الييودي الذي كتب في إطار َّقبالي ‪ ,‬يمكف النظر‬
‫إلييا باعتبارىا إرىاصاً لمسبينوزية ‪ ,‬واف بعدت المسافة الزمنية بينو وبيف سبينو از ‪ ,‬مع حفظ الخصوصية التاريخية لكؿ‬
‫وحد بيف العقؿ والوحي‪,‬‬
‫منيما‪ ,‬ونعتقد أف الفارؽ بيف جاؤون وسبينو از ىو أكثر مف فارؽ زمني‪ ,‬ذلؾ أف سبينو از الذي ّ‬
‫كاف ييدؼ ليس فقط إلى عقمنة الوحي أو التوفيؽ بينو وبيف العقؿ ‪ ,‬بؿ كاف ييدؼ ‪ ,‬عالوة عمى ذلؾ ‪ ,‬إلى نسؼ‬
‫فكرة الوحي بحد ذاتيا ‪ ,‬فيو يعمّؽ عمى النبوة ‪ ,‬فيقوؿ‪" :‬ومع أن المعرفة الفطرية معرفة إليية بمعنى الكممة ‪ ،‬فإننا ال‬
‫يمكن أن نسمي من يقومون بنشرىا أنبياء ‪ ،‬إذ يستطيع كل فرد أن يدرك تعاليم المعرفة الفطرية ‪ ،‬ويفيميا بنفس‬
‫اليقين ‪ ،‬دون االعتماد عمى اإليمان وحده"‪.20‬‬
‫ربما يكوف التممود كما رأينا حتى اآلف‪ ,‬قد مارس أثره عمى َّ‬
‫القبالة فحرض نزعة تبرير النصوص التوراتية‬
‫ومحاولة عقمنتيا ‪ ,‬وقد يعد ىذا تفرداً امتاز بو التممود بعكس الجانب اآلخر مف تأثير التممود عمى َّ‬
‫القبالة ونعني بو‬
‫الحموؿ والحمولية ‪ ,‬فقد وجد مف يرفض أف يكوف التممود ىو المؤثر الوحيد ‪ ,‬بؿ لقد رأى بعض الباحثيف أف التوراة نفسو‬
‫كاف قد ميد لمنزعة الحمولية داخؿ العقيدة الييودية عموماً و َّ‬
‫القبالة خصوصاً ‪ .‬ومف الوارد ‪ ,‬طالما أف األمر كذلؾ ‪ ,‬أف‬
‫َّ‬
‫القبالة وجدت مبرر قياميا في التوراة نفسو ‪ ,‬التوراة الذي تمقاه موسى مف ربو والذي ُيفصح عف التوحد بيف اإللو‬
‫توحد – كما يروي التوراة ‪ -‬غالباً ما أخذ شكؿ العيد المتجدد بيف اإللو والشعب الييودي وغضبو‬
‫الييودي وشعبو ‪ .‬وىو ّ‬
‫منيـ وحبو ليـ وغزلو فييـ ومعيـ وليعّبر الحموؿ اإلليي وعشقو لبنت صييوف عف نفسو في النياية مف خالؿ العبادات‬
‫القربانية المركزية حيث تتـ لحظة الحموؿ وااللتحاـ بيف اإللو والشعب‪ .21‬ولعؿ فكرة الحموؿ ىذه ‪ ,‬واالتحاد بيف اإللو‬
‫كبير في تشكؿ َّ‬
‫القبالة مف حيث أنيا درب خالص تأسس عمى‬ ‫دور ٌ‬‫والشعب واألرض ‪ ,‬أفضى بدوره إلى فكرة كاف ليا ٌ‬
‫أسس غنوصية معرفية‪ ,‬فالخالص الييودي ليس خالصاً فردياً كما انو ليس خالص أخالقياً‪ ,‬بقدر ما ىو خالص‬
‫معرفي ‪ ,‬يتحقؽ مف خالؿ اتحاد اإلنساف باهلل ‪َّ .‬‬
‫فالقبالة بوجييا الغنوصي ‪ ,‬كما يعمؽ باحثوف‪" ,‬إنما تدؿ عمى المعرفة‬
‫‪22‬‬
‫وىنا أيضاً‬ ‫بالمشاركة أو المعرفة باالتحاد التي تقوـ عمى أساس اشتراؾ اإلنساف مع اهلل لتحقيؽ عممية الخالص‪".‬‬
‫ال يسعنا إال أف نمفت االنتباه إلى فكرة الخالص ودورىا في فمسفة سبينو از ‪ .‬فيذه الفكرة الغنوصية َّ‬
‫القبالية عبرت عف‬
‫نفسيا داخؿ النسؽ السبينوزي في كتابو األخالؽ‪ ,‬وتحديداً في الفصؿ األخير منو والمتعمؽ بالمعرفة العقمية هلل‬
‫والحب العقمي لو‪.23‬‬
‫وحري بنا أف ننوه ىنا بأىمية األثر الغنوصي (العرفاني) ‪ ,‬ليس فقط في التصوؼ الييودي بؿ في أشكاؿ‬
‫العبادات التوحيدية الثالث ‪ ,‬أي الييودية والمسيحية واإلسالمية ‪ .‬ويعود الفضؿ في ىذا التأثير إلى الفمسفة الييمينية‬
‫‪24‬‬
‫في األدياف الثالث المذكورة ‪ ,‬وأما ما يخص الديانة‬ ‫التي فرضت نفسيا وسيطرت عمى الالىوت النظري والصوفي‬
‫الييودية ‪ ,‬فإف التحوؿ الفمسفي الذي ترؾ أثره في العقيدة الييودية عمى وجو العموـ و َّ‬
‫القبالة عمى وجو الخصوص إنما‬

‫‪20‬‬
‫‪ -‬سبينوزا ‪ ،‬رسالة في الالىوت والسياسة ‪ ،‬مصدر مذكور ‪ ،‬ص‪.120‬‬
‫‪21‬‬
‫القبالة و شيفرة التوراة ‪ ،‬مرجع مذكور‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫‪ -‬معدي ‪ ،‬الحسيني الحسيني‪َّ ،‬‬
‫‪22‬‬
‫‪ -‬تيميش‪ ،‬بول ‪ ،‬تاريخ الفكر المسيحي من جذوره الييمينية والييودية إلى الوجودية ‪ ،‬ت‪ :‬وىبة طمعت أبو العال ‪ ،‬دار اليدى لمنشر‬
‫والتوزيع ‪ ،‬المنيا ‪ ،‬مصر‪ ،2005 ،‬ط‪ ،2‬ص‪.44‬‬
‫‪23‬‬
‫‪ -‬سبينوزا‪ ،‬األخالق‪ ،‬ت‪ :‬جالل الدين سعيد‪ ،‬دار الجنوب‪ ،‬تونس‪ ،1996 ،‬ص‪.353‬‬
‫‪24‬‬
‫‪ -‬أرنمديز‪ ،‬روجيو‪ ،‬رسل ثالث إللو واحد‪ ،‬ت‪ :‬وديع مبارك‪ ،‬عويدات لمنشر‪ ،‬بيروت ‪ ،1988‬ص‪.119‬‬

‫‪03‬‬
‫مجمة جامعة تشريف ‪ ‬اآلداب والعموـ اإلنسانية المجمد (‪ )43‬العدد (‪Tishreen University Journal. Arts and Humanities Series 7107 )6‬‬

‫حدث عمى يدي الفيمسوؼ الييودي فيموف السكندري ‪ ,‬الذي أدخؿ إلى الكتاب المقدس توفيقية فمسفية جمعت بيف‬
‫األفالطونية واألرسطاطاليسية والرواقية ‪ ,‬ورسمت مقدماً معالـ أفالطونية أفموطيف المحدثة‪.25‬‬
‫ومف بيف إسيامات فيموف السكندري الغنوصية في َّ‬
‫القبالة استخدامو لمفيوـ الموغوس ىذا المفيوـ اليوناني الذي‬
‫استخدمو فيموف السكندري بمعنى التجمي‪ ,‬أي تجمي اهلل لذاتو ولغيره وىو يأتي ىنا بمعنى الوسيط بيف اهلل واإلنساف‪.26‬‬
‫والتأويالت المجازية التي نجدىا عند فيموف السكندري ستجد تطو اًر الفتاً لدى فيمسوؼ ييودي آخر وىو موسى‬
‫بف ميموف القرطبي الذي عاش في القرف الحادي عشر والذي أكد في كتابو الشيير (داللة الحائرين) عمى أف اإللو ال‬
‫يدرؾ إال بالعقؿ وأف الصفات الحسية لإللو في النص الديني إنما ىي رمزية‪ .27‬ولعؿ ىذه المؤثرات الفمسفية بمجموعيا‬
‫قد أفضت إلى النظر إلى َّ‬
‫القبالة بوصفيا أقرب إلى الغنوصية واألفالطونية المحدثة منيا إلى الشكؿ العقائدي الديني ‪,‬‬
‫إال أف ىذه َّ‬
‫القب الة استمرت مف وجية نظر باحثيف معاصريف بوصفيا قراءة استرجاعية لمنص التوراتي مف حيث قدرتيا‬
‫عمى استعادة الدالالت األصمية لو‪ .28‬ومف الالفت بيذا الصدد أف ىذا الطابع االسترجاعي واالستعادي الداللي لمنص‬
‫نجاز توراتياً بحتاً ‪ ,‬فمنيـ مف أرى أف الغنوصية العرفانية‬ ‫التوراتي كاف قد دفع َّ‬
‫بالقبالييف إلى اعتبار الغنوصية نفسيا إ اً‬
‫‪29‬‬
‫األولى مف التوراة ‪ .‬وقد رفض ىؤالء التفسير المجازي لمتوراة الذي‬ ‫إنما ىي موجودة في األسفار الموسوية الخمسة‬
‫قدمو الفالسفة تماماً ‪ ,‬كما رفضوا التفسير الحرفي لو ‪ ,‬واتخذوا ألنفسيـ تفسي اًر غنوصياً أفالطونياً ‪ ,‬أفضى بيـ إلى‬
‫معرفة باطنية سواء لمشريعة المكتوبة أو الشفوية ‪.‬‬
‫القبالة بين التوحيد والواحدية (البانتيئيو)‪:‬‬
‫َّ‬
‫إذا كنا قد أشرنا آنفاً إلى نشوء حركة التصوؼ الييودي ّإباف فترة الييكؿ الثاني ‪ ,‬بينما كنا نحاوؿ تحديدىا‬
‫مت فييا الفوضى داخؿ المجتمع الييودي ‪.‬‬
‫القبالة قد نشأت في مرحمة ّع ْ‬
‫تاريخياً ‪ ,‬فإف ذلؾ قد يساعدنا عمى القوؿ إف َّ‬
‫ففي الفترة المذكورة خضع الديف الييودي لمؤثرات مختمفة ‪ ,‬منيا ما حدث بسب االحتكاؾ مع الديانات والمعتقدات‬
‫تعرض لو ىذا المجتمع ‪ ,‬كما حدث مع األشورييف والبابمييف‬
‫المجاورة ومنيا ما حدث بسبب االستعمار والغزو الذي َّ‬
‫الذيف دمروا الييكؿ واقتادوا الييود أسرى وىو ما عرؼ بالسبي البابمي‪ .30‬وفي ذلؾ ما يسمح بالقوؿ إ ّف التصوؼ‬
‫الييودي جاء بوصفو حركة واعية تمثمت األوضاع القائمة آنذاؾ ‪ ,‬السياسية واالجتماعية والثقافية ‪ ,‬وعمى الرغـ مف أف‬
‫تضمنتو تمؾ األشكاؿ كالخوارؽ والسحر‬
‫ّ‬ ‫تضمف مف المظاىر والعادات ما‬
‫ّ‬ ‫ىذا التصوؼ كغيره مف األشكاؿ الصوفية‬
‫ألـ بمجتمع بني‬
‫القبالة برزت باعتبارىا محاولة واعية لمقاومة الضياع والتشتت الذي ّ‬
‫والخياؿ الشاطح وغيرىا‪ ,‬إال أف ّ‬
‫إسرائيؿ ‪ ,‬بؿ إف َّ‬
‫القبالة ربما برزت كرد حاسـ وطريؽ خالص في وجو االنحطاط الذي ح ّؿ بالمجتمع اإلسرائيمي ‪ ,‬وتالياً‬
‫لوقؼ االنحدار الذي أخذ يعانيو اإللو الييودي نفسو ‪ ,‬اإللو ييوه ‪ ,‬وأفضؿ تعبير عف ىذه الحالة ‪ ,‬صاغو الفيمسوؼ‬
‫األلماني نيتشو الذي لـ يكف يتحدث عف َّ‬
‫القبالة إال أنو أرى أف الييود ‪ ,‬في الفترة المشار إلييا فترة الييكؿ الثاني ‪,‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ -‬ارنمدير‪ ،‬روجيو‪ ،‬رسل ثالث إللو واحد‪ ،‬مرجع مذكور ص‪.119‬‬
‫‪26‬‬
‫‪ -‬تيميش‪ ،‬بول ‪ ،‬تاريخ الفكر المسيحي من جذوره الييمينية والييودية إلى الوجودية ‪ ،‬مرجع مذكور‪ ،‬ص‪.52‬‬
‫‪27‬‬
‫‪ -‬ميمون‪ ،‬موسى بن‪ ،‬داللة الحائرين‪ ،‬ت‪ :‬حسين أثاي‪ ،‬مكتبة الثقافة المصرية‪ ،‬مصر‪ ،‬بال تاريخ‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪28‬‬
‫‪ -‬البازعي‪ ،‬سعد‪ ،‬المكون الييودي في الحضارة الغربية‪ ،‬مرجع مذكور‪ ،‬ص‪.387‬‬
‫‪29‬‬
‫القبالة و شيفرة التوراة‪ ،‬مرجع مذكور‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫‪ -‬معدي‪ ،‬الحسيني الحسيني‪َّ ،‬‬
‫‪30‬‬
‫‪ -‬ديو ارنت ‪ ،‬ول ‪ ،‬قصة الحضارة ‪ ،‬ت‪ :‬زكي نجيب محمود‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،1988 ،‬ص‪.329‬‬

‫‪03‬‬
‫شباني‬ ‫"تأثير القبالة في فمسفة سبينو از "‬

‫اتخذوا ق ار اًر الىوتياً وشعبي ًا بالبحث عف معنى جديد لمييودية‪ .31‬ومالحظة نيتشو ىذه تمتمؾ داللة ميمة داخؿ النسؽ‬
‫َّ‬
‫القبالي نفسو ‪ ,‬ىذا النسؽ الذي سعى إلى البحث عف حموليو مف دوف إلو‪.‬‬
‫فإذا كاف تاريخ التصوؼ يتحدث عف صوفية توحيدية وصوفية واحدية ‪ ,‬فإف َّ‬
‫القبالة تنتمي إلى النوع الثاني ‪,‬‬
‫القبالة الثنائيات المعروفة ‪ ,‬اهلل و العالـ ‪ ,‬السماء واألرض ‪ ,‬وغيرىا ‪ ,‬كما أف َّ‬
‫القبالة ال تحتاج إلى‬ ‫حيث تغيب في َّ‬
‫تدريبات صوفية بالقدر نفسو ‪ ,‬الذي تخمو فيو مف الزىد واألخالؽ‪ ,‬حيث إف َّ‬
‫القبالى ىو فوؽ الخير والشر‪ ,‬المذيف‬
‫يعرفيما البشر العاديوف والمتصوفة التوحيديوف‪ .32‬وعمى ىذا يكوف َّ‬
‫القباليوف حموليف ‪ ,‬حيث يحؿ اهلل في الطبيعة ‪,‬‬
‫واإلنساف ‪ ,‬والتاريخ ويصبح ال وجود لو خارجيا ‪ ,‬وبيذا المعنى فإف َّ‬
‫القبالة تقؼ عمى النقيض مف التصوؼ التوحيدي ‪,‬‬
‫الذي يحافظ عمى الثنائيات ويقر بوجود إلو متعاؿ‪ ,‬مفارؽ ‪ .‬ومثؿ ىذا التصوؼ يحتاج إلى تدريبات صوفية يكبح فييا‬
‫المتصوؼ ُجماح جسده تعبي اًر عف حبو لإللو والتقرب منو ‪ .‬كما ينظر ىذا النوع مف التصوؼ إلى الحموؿ ووحدة الوجود‬
‫عمى اعتبارىا قمة الكفر‪ . 33‬والخاصية الزىدية في التصوؼ الييودي ‪ ,‬واف تـ االىتماـ بيا وبدورىا في التصوؼ‬
‫‪34‬‬
‫باعتبارىا أم اًر موصى بو مف قبؿ الشريعة ‪ ,‬إال أف الزىد في التصوؼ الييودي يظؿ محفوظاً ضمف الحدود المعقولة‬
‫‪ ,‬ويمارس الزىد في َّ‬
‫القبالة دو اًر يختمؼ عف ذاؾ الذي يمارسو في التصوؼ التوحيدي ‪ .‬فالزىد ىنا ال ييدؼ إلى تطويع‬
‫الذات بقدر ما ييدؼ إلى الوصوؿ إلى اإللو وااللتصاؽ بو بحيث ال يغدو المتصوؼ عارفاً باألسرار اإلليية فحسب ‪,‬‬
‫بؿ وقد يغدو ىو نفسو إلياً‪ .‬فالتجربة الصوفية ذات الطابع التوحيدي تختمؼ عف تمؾ الحمولية الواحدية ‪ ,‬ففي حيف‬
‫تكوف األولى "تطويع لمذات وطاعة لمخالؽ واصالح لمدنيا ‪ ,‬تكوف األخيرة تحقيؽ لمذات وتطويع لمخالؽ وتح ّكـ في‬
‫الدنيا"‪ .35‬وىذا ما يبرر ارتباط َّ‬
‫القبالة بالسحر حيث يحاوؿ َّ‬
‫القبالي مف خالؿ األرقاـ والحسابات والنباتات التأثير في‬
‫العالـ والبشر‪ .36‬وتمؾ مسائؿ وجبت اإلشارة إلييا فقط ألف المساحة البحثية المتاحة ىنا ال تساعد عمى التفصيؿ فييا‬
‫كما أنيا ليست ىدفاً لبحثنا ىذا‪ .‬وما ييمنا ىنا فقط ىو الوقوؼ عمى طبيعة َّ‬
‫القبالة التي تنتمي كما رأينا حتى اآلف إلى‬
‫التصوؼ الحمولي ذي االتجاه الغنوصي والمعرفة اإلشراقية الكونية ‪ .‬وخصوصاً موقع اإللو في َّ‬
‫القبالة ‪ ,‬الذي يقترب‬
‫بشكؿ مف األشكاؿ مف اإللو السبينوزي ‪ .‬ىذا القاسـ المشترؾ بيف التصوؼ َّ‬
‫القبالي والفمسفة السبينوزية ىو الذي نسعى‬
‫اآلف لبحثو بعمؽ وبما يساعد في الكشؼ عف العالقة بيف سبينو از و َّ‬
‫القبالة‪.‬‬
‫القبالي واإللو السبينوزي‪:‬‬
‫اإللو َّ‬
‫لدى تناولنا لممصادر الالىوتية والفمسفية َّ‬
‫لمقبالة ‪ ,‬لـ يكف استبعاد الحاخاـ المتفمسؼ بن بكودا أو ابن فاقوده‬
‫استبعاداً تعسفياً عبثياً ‪ ,‬بؿ لقد تـ إرجاء الحديث عنو حتى تحيف المحظة وقد حانت ‪ .‬ذلؾ أف بن بكود ي َع ّد واحداً مف‬
‫عضدوا الجانب اإليماني الروحاني‪ 37‬في العقيدة الييودية ‪ ,‬محاوالً إبعاد الشريعة الييودية عف‬
‫الفالسفة الييود الذيف ّ‬
‫‪38‬‬
‫‪.‬‬ ‫المادية وىو قد َّ‬
‫حض في كتابو ىداية القموب عمى ضرورة إبعاد الظيور اإلليي عف التفسير المادي‬

‫‪31‬‬
‫‪ -‬نيتشو ‪ ،‬فريدريك ‪ ،‬عدو المسيح‪ ،‬ت‪ :‬جورج ميخائيل ديب‪ ،‬دار الحوار ‪ ،‬الالذقية ‪ ،2012‬ط‪ ،4‬ص‪.81‬‬
‫‪32‬‬
‫القبالة وشيفرة التوراة‪ ،‬مرجع مذكور‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪ -‬معدي‪ ،‬الحسيني الحسيني‪َّ ،‬‬
‫‪33‬‬
‫‪ -‬معدي‪ ،‬الحسيني الحسيني‪ ،‬القبَّالة وشيفرة التوراة‪ ،‬مرجع مذكور‪،‬ص‪.32‬‬
‫‪34‬‬
‫‪ -‬ارنمدير‪ ،‬روجيو‪ ،‬رسل ثالثة إللو واحد‪ ،‬مرجع مذكور ‪ ،‬ص‪.125‬‬
‫‪35‬‬
‫‪ -‬معدي‪ ،‬الحسيني الحسيني‪ ،‬القبَّالة وشيفرة التوراة‪ ،‬مرجع مذكور‪،‬ص‪32‬‬
‫‪36‬‬
‫‪ -‬موي ال ‪ ،‬شمعون يوسف‪ ،‬التممود أصمو وتسمسمو وآدابو ‪ ،‬مرجع مذكور‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫‪37‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 26‬‬
‫‪38‬‬
‫‪ -‬شازار ‪ ،‬زالمان‪ ،‬تاريخ نقد العيد القديم‪ ،‬مرجع مذكور ص ‪. 67‬‬

‫‪06‬‬
‫مجمة جامعة تشريف ‪ ‬اآلداب والعموـ اإلنسانية المجمد (‪ )43‬العدد (‪Tishreen University Journal. Arts and Humanities Series 7107 )6‬‬

‫ومنذ بن بكود سينشغؿ التصوؼ الييودي َّ‬


‫القبالي بالرمزية الروحانية فيما ىو يتعاطى مع نصوص الكتاب‬
‫‪39‬‬
‫المقدس ‪ ,‬كما أف ىذا التصوؼ لف ُيظير التقدير لمادية الشريعة الييودية إال بقدر ما تكوف ىذه الشريعة عالمة حب‬
‫ونعني بذلؾ حب اهلل لشعبو ‪ .‬فالعبادة والسيما الحب اإلليي أخذا بالتحوؿ مع التوحيد الييودي وانكشاؼ ييوه لشعبو مف‬
‫اإللو إلى اإلنساف عوضاً مف أف تكونا مف اإلنساف إلى اهلل ‪ .‬وىي مسألة أُخذت بعيف االعتبار في َّ‬
‫القبالة الرمزية ‪,‬‬
‫فاإللو في الييودية يبرز بوصفو مخمّصاً عف طريؽ الحب اإلليي ‪ ,‬حب اهلل لشعبو ‪ ,‬لبني إسرائيؿ ‪ ,‬فعف طريؽ الحب‬
‫‪40‬‬
‫واالتجاه مف اهلل إلى الطبيعة وعناصرىا بما فييا البشر ىو اتجاه نجده في كتاب األخالؽ‬ ‫اتخذ ييوه إسرائيؿ ابناً لو‪.‬‬
‫لسبينو از ‪ ,‬فالمبحث األوؿ مف الكتاب يحمؿ عنواف "في اهلل" وطريقة سبينو از والحالة ىذه ىي طريقة َّقبالية مف حيث‬
‫الشكؿ والمضموف ‪ ,‬مع اختالؼ سبينو از عف َّ‬
‫القبالة مف حيث اليدؼ وىذا أمر مبدئي و قد تكشؼ دراسات الحقة عف‬
‫وحدة اليدؼ بيف سبينو از والقبَّالة ‪.‬‬
‫وحوؿ موقع اإللو في القبَّالة مف الميـ أف نشير إلى أف بعض الباحثيف أرى فييا ‪ ,‬أي في َّ‬
‫القبالة ‪ ,‬نوعاً مف‬
‫‪41‬‬
‫أي معرفة اإللو مف خالؿ المعرفة اإلشراقية ( الغنوصية ) وىي ىنا معرفة رمزية تسمح بتدخؿ اإللو في‬ ‫الثيوصوفيا‬
‫الطبيعة ‪ .‬ولكننا نممح في ىذه الثيوصوفيا تصوفاً توحيدياً ال يتفؽ مع َّ‬
‫القبالة فعالً ‪ ,‬وىو أمر أشرنا إليو م ار اًر فاإللو‬
‫تبدى بطريقتيف ‪ ,‬األولى باعتباره‬ ‫القبالي َّ‬
‫القبالي ليس إلياً مفارقاً وىو ال يخضع لمتشبيو اإلنساني المادي ‪ ,‬بؿ إف اإللو َّ‬
‫َّ‬
‫اإللو الخفي والجوىر الذي ال يمكف إدراكو وىو في ىذه الحالة إلو ساكف في حالة انكماش قبؿ الخمؽ ‪ ,‬وىو إذاً تعبير‬
‫عف العدـ ‪ .‬أما الطريقة الثانية فيو يبرز بوصفو اإللو القريب الحي ‪ ,‬القريب بسبب وجوده الذاتي ‪ ,‬وتعدديتو أي أنو‬
‫‪42‬‬
‫بنية داخمية مركبة يؤثر في العالـ ويتأثر بو مف حيث إنو عمة ‪ ,‬أو عمى الطريقة َّ‬
‫القبالية مف حيث ىو لوغوس ‪.‬‬
‫عبرت َّ‬
‫القبالة عف ىذا الوجود بوصفو انكماشاً قبؿ الخمؽ ‪.‬‬ ‫القبالي إذف موجود ووجوده مف طبيعتو حتى واف ّ‬ ‫فاإللو َّ‬
‫وتصور اإللو بوصفو موجوداً يجد صداه في التعريؼ األوؿ الذي يورده سبينو از في كتاب األخالؽ عندما يقوؿ ‪ ":‬أعني‬
‫بعمة ذاتو ما تنطوي ماىيتو عمى وجوده وبعبارة أخرى ماال يمكن لطبيعتو أن تتصور إال موجودة"‪ .43‬وىذا التعريؼ‬
‫ُيدخمنا مباشرة في نظرية سبينو از في الجوىر أو اهلل بحسب القضية السابعة مف الجزء األوؿ مف كتاب األخالؽ التي‬
‫تقوؿ ‪" :‬من طبيعة الجوىر أن يكون موجوداً‪."44‬‬
‫أما بروز اإللو َّ‬
‫القبالي بحسب الطريقة الثانية فيو ما يقابمو لدى سبينو از ما تقولو القضية السادسة عشرة مف‬
‫الجزء األوؿ مف كتاب األخالؽ "ينتج حتماً عن وجوب الطبيعة اإلليية عدد ال محدود من األشياء بعدد ال محدود من‬
‫‪45‬‬
‫فيذه القضية تتطابؽ مع الوجود الذاتي المتعدد لإللو َّ‬
‫القبالي ومع‬ ‫األحوال أي كل ما يمكن أن يدركو عقل ال محدود‪".‬‬
‫تعبر عنو الالزمة األولى والثانية والثالثة‬ ‫كونو بنية داخمية مرّكبة ‪ ,‬أما التأكيد َّ‬
‫القبالي عمى اإللو القريب الجمي فذلؾ ما ّ‬
‫لمقضية نفسيا فاألولى تقوؿ "اهلل ىو العمة الفاعمة لجميع األشياء التي يمكن أن يدركيا عقل " ‪ ,‬فيما تشير الثانية إلى‬

‫‪39‬‬
‫‪ -‬ارنمديز ‪ ،‬رسل ثالثة إللو واحد ‪ ،‬مرجع مذكور ‪ ،‬ص ‪. 88‬‬
‫‪ - 40‬اونامونو ‪ ،‬ميغ يل دي ‪ ،‬الشعور المأساوي بالحياة ‪ ،‬مرجع مذكور ص ‪. 81‬‬
‫‪4-Gershom.G. sdolem" Mqjor ternds injewish mysticism shckem Book, NewYork, third printing‬‬
‫‪1967p.212‬‬
‫‪ - 42‬معدي ‪ ،‬الحسيني الحسيني‪ ،‬القبالة وشيفرة التوراة ‪ ،‬ص ‪. 40‬‬
‫‪43‬‬
‫‪ -‬سبينوزا‪ ،‬بندكت دي‪ ،‬األخالق‪ ،‬مصدر مذكور ‪ ،‬ص ‪. 29‬‬
‫‪44‬‬
‫‪-‬المصدر نفسو ‪ ،‬ص ‪. 35‬‬
‫‪45‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسو ‪ ،‬ص ‪. 51‬‬

‫‪02‬‬
‫شباني‬ ‫"تأثير القبالة في فمسفة سبينو از "‬

‫أف "اهلل عمة بذاتو ال عرضاً وأنو عمة أولى عمى وجو اإلطالق"‪ .46‬أما عف تأثير اهلل في العالـ وتأثره بو فيذا ما‬
‫تحسمو القضية الثامنة عشر مف الجزء األوؿ مف كتاب األخالؽ التي تقوؿ " اهلل عمة محايثة ال متعدية لجميع‬
‫‪47‬‬
‫‪ .‬فاهلل كعمة ال يتوقؼ تأثيره عمى الوجود بؿ وكذلؾ عمى الماىية ‪ ,‬فاهلل عمة وجود األشياء وعمة ماىيتيا ‪,‬‬ ‫األشياء"‬
‫القبالي وكذلؾ التعابير َّ‬
‫القبالية مف المصطمحات التي تفصؿ بينو وبيف‬ ‫ومفيد أف نالحظ ىنا أف سبينو از يخمّص اإللو َّ‬
‫العالـ ‪ ,‬فاهلل ىو العالـ طالما أنو عمة محايثة وىو واجب الوجود والقضية الحادية عشر مف الجزء األوؿ مف كتاب‬
‫األخالؽ توضح بشكؿ جيد مفيوـ اإللو عند سبينو از والتي تقوؿ‪" :‬اهلل ـ أعني جوى ارً يتألف من عدد ال محدود من‬
‫"‪48‬‬
‫‪ .‬مف المالحظ إف اإللو َّ‬
‫القبالي ال يختفي‬ ‫الصفات تعبر كل واحدة منيا عن ماىية أزلية ال متناىية ػ واجب الوجود‬
‫في ىذه القضية ‪ ,‬لكنو يصبح أكثر وضوحاً وىو في طريقو ليتحوؿ مف الروحانية َّ‬
‫القبالية إلى المادية السبينوزية ‪ .‬عمى‬
‫الرغـ مما تنطوي عميو القضية مف طابع روحاني يشير إلى بقايا َّقبالية لدى سبينو از نفسو ‪ ,‬خصوصاً عندما يقوؿ اهلل‬
‫أعني جوى اًر وىو جوىر ينطوي عمى كؿ أشكاؿ الوجود التي ستصدر عنو ‪ .‬واذا كانت َّ‬
‫القبالة بسبب مف تأثرىا‬
‫األفالطوني ستعتمد عمى الفيض لتفسير وجود األشياء والعالـ ‪ ,‬فإف لدى سبينو از طريقاً أخرى ‪ ,‬فوجود اهلل ىو وجود‬
‫واحد بحسب القضية الرابعة عشرة مف الجزء األوؿ مف كتاب األخالؽ التي تقوؿ ‪" :‬ال يمكن أن يوجد أي جوىر خارج‬
‫‪49‬‬
‫‪ .‬والالزمة األولى التي تترتب عمى ىذه القضية ىي أف اهلل أحد ال موجود يشاركو الوجود‪ ,‬وكؿ‬ ‫اهلل وال أن يتصور"‬
‫ما يوجد ال يوجد مع اهلل بؿ يوجد في اهلل ‪ ,‬وسبينو از يجاىر بيذا اإللو الذي فيو كؿ ما ىو موجود ‪ ,‬ففي القضية‬
‫الخامسة عشر مف الجزء األوؿ مف كتاب األخالؽ يقوؿ سبينو از ‪ ":‬كل ما يوجد إنما يوجد في اهلل وال يمكن ألي شيء‬
‫‪50‬‬
‫أن يوجد ويتصور بدون اهلل ‪".‬‬
‫وىذه القضية التي يجاىر فييا سبينو از ىي التي رسمت نظريتو في اهلل ‪ ,‬والتي ُعرفت بالعبارة التالية ‪ :‬اهلل في‬
‫الكل والكل في اهلل ‪ .‬وىذه العبارة أيضاً ىي ما نعثر عميو في أغاني الصموات َّ‬
‫القبالية أو الت ارتيؿ الدينية التي يرتميا‬
‫القبالية نوعاف مف الت ارتيؿ‪ ,‬ت ارتيؿ التوحيد ‪songs of unity‬‬‫القباليوف في المعابد ‪ ,‬فقد وجد في أغاني التصوؼ َّ‬ ‫َّ‬
‫وت ارتيؿ التمجيد ‪ songs of Glory‬ومف ت ارتيؿ التوحيد ‪:‬‬
‫‪1- Thou encompassed all and all, and since thou are the all, thou are in all.‬‬
‫‪2- Neither is anything separate from thee midsf :nor is the smallest place void to‬‬
‫‪thee.51‬‬
‫والترتيمة األولى تعني أنت تحتوي الكؿ وتمأل الكؿ‪ ..‬أنت الكؿ والكؿ أنت أما الثانية فتقوؿ ال ينفصؿ عنؾ‬
‫شيء وال يخمو منؾ شيء ‪.‬‬
‫ولكف اهلل في منظومة سبينو از يختمؼ عف اإللو َّ‬
‫القبالي ‪ ,‬فاهلل عند سبينو از ال يخضع لتأثيرات إف في وجوده أو‬
‫في فعمو ‪ ,‬وىذا ىو النقد األوؿ الذي يوجيو سبينو از ل َّ‬
‫مقبالة التي حاوؿ رجاليا أف يتحدوا باهلل لمتأثير فيو وفي العالـ كما‬
‫رأينا‪ ,‬إذ يمضي سبينو از في تحديد اهلل الذي يعنيو فيقوؿ‪" :‬إن اهلل يتصرف بقوانين طبيعتو وحدىا وال يخضع ألي‬

‫‪46‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسو ‪ ،‬ص ‪. 52‬‬
‫‪47‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسو ‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪48‬‬
‫‪ -‬سبينوزا‪ ،‬بندكت دي‪ ،‬األخالق‪ ،‬مصدر مذكور ‪ ،‬ص ‪. 40‬‬
‫‪49‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسو ‪ ،‬ص ‪. 45‬‬
‫‪50‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسو ‪ ،‬ص ‪. 46‬‬
‫‪51‬‬
‫‪-Encycopedia of Religion and Ethics, Robert Appleton, New youk, vol 7,p.624.‬‬

‫‪02‬‬
‫مجمة جامعة تشريف ‪ ‬اآلداب والعموـ اإلنسانية المجمد (‪ )43‬العدد (‪Tishreen University Journal. Arts and Humanities Series 7107 )6‬‬

‫‪52‬‬
‫الممعف في عقمنة القَّبالة وتحديداً نظريتيا في اهلل ‪ ,‬يشير في مكاف آخر إلى أنو‬
‫قسر" ‪ .‬وأكثر مف ذلؾ فإف سبينو از ُ‬
‫‪53‬‬
‫" لم يكن باإلمكان أن تنتج األشياء عن اهلل بطريقة أخرى وبنظام آخر غير الطريقة والنظام المذين نتجت بيما"‪.‬‬
‫انطالقاً مف ىذه المحظة ستبدأ السبينوزية باإلنفصاؿ عف َّ‬
‫القبالة وعف الغنوص و العرفاف باتجاه إقامة نسؽ‬
‫عقالني سيشؽ طريقو إلى كؿ الفمسفة األوروبية الحديثة ‪ .‬والعقالنية ىذه ىي االنقالب األساسي الذي قاـ بو سبينو از‬
‫القبالة ‪ ,‬ولكف يحؽ لنا أف نسأؿ اآلف أليس ىذا االنقالب السبينوزي عمى َّ‬
‫القبالة ىو نفسو الذي فتح ليا األبواب‬ ‫عمى َّ‬
‫لتتسرب إلى الفكر الفمسفي الغربي ؟‬
‫واذا كانت َّ‬
‫القب الة قد سعت بما ىي نظاـ رمزي إلى إرجاع اإلنسانية إلى الىوت ‪ ,‬وىو ما أتينا عميو في بداية‬
‫البحث ‪ ,‬فإف سيبنو از كما يالحظ بعضيـ ‪ ,‬كاف قد تناوؿ في كتابو األخالؽ ‪ ,‬كالً مف اإلليي واإلنساني كأدوات وجعؿ‬
‫منيا فئة واحدة مدوناً عمى واجيتيا أف اهلل ىو كؿ شيء ‪ ,‬وكؿ شيء ىو اهلل ‪ .54‬وىو ما يؤكد ما ذىبنا إليو مف أف‬
‫سبينو از في انقالبو عمى َّ‬
‫القبالة كاف قد أعطاىا بعداً فمسفياً عقالنياً تماماً كما أعطتو بدورىا بعداً شكوكياً وروحياً ‪ ,‬أدى‬
‫بو إلى متابعة نقد التناقضات في العيد القديـ ونقد الثغرات داخؿ َّ‬
‫القبالة الروحية نفسيا لينتزع مذىبو الجديد ‪.‬‬
‫القبالي ‪:‬‬
‫موقع سبينو از داخل النسق َّ‬
‫تثير نظرية سبينو از في اإللو ‪ -‬كما رأينا ‪ -‬اعتقاداً قويا ليس فقط بتأثر سبينو از بالقبَّالة ‪ ,‬بؿ و أكثر مف ذلؾ ‪,‬‬
‫فإنيا تثير زعماً يحتاج إلى كثير مف الجيد لجعمو حقيقة واقعة ‪ ,‬و أما ىذا الزعـ فيو أف سبينو از نفسو كاف قد أتى مف‬
‫صفوؼ القبَّالة ‪ ,‬و أنو لـ يكف مجرد شخص تأثر بالصوفية الييودية ‪ ,‬القبَّالة ‪ ,‬بقدر ما كاف شخصا منتمياً لمقبَّالة‬
‫نفسيا قبؿ أف يخرج عمييا و يتخذ لنفسو طريقا فمسفياً تخمّص فيو مف كثير مف الممارسات و النظريات َّ‬
‫القبالية ‪ .‬و أما‬
‫يدعي أنو سينجز ذلؾ عمى أكمؿ وجو‬ ‫محاولة التأكد مف ىذا الزعـ و إثبات انتماء سبينو از لمقبَّالة ‪ ,‬فإف ىذا البحث ال َّ‬
‫بقدر ما أنو يسعى مجرد سعي إلى إثبات ىذا االنتماء و تحديد موقع سبينو از الفكري داخؿ النسؽ القبَّالي ‪.‬‬
‫ربما اتخذت اإلشارة المأتي عمييا سابقاً إلى اعتبار النشاط الفمسفي السبينوزي امتداداً لمنشاط الفمسفي القبَّالي‬
‫لمحاخاـ سعديا جاؤوف ‪ ,‬داللة ميمة في عممية التواصؿ ‪ ,‬الذي حدث داخؿ القبَّالة بيف شخصيات منحتيا بنيتيا ‪ ,‬التي‬
‫استمرت مف خالليا ‪ ,‬و لكف األكثر أىمية يظير برأينا في األقطاب األساسييف لمقبَّالة ‪ ,‬الذيف أسسوا َّ‬
‫القبالة كمذىب‬
‫‪55‬‬
‫صوفي بالمعنى الدقيؽ لمكممة ‪ .‬إذ إف القبَّالة انقسمت إلى قسميف أساسيف ىما َّقبالة الزوىار و القبَّالة الموريانية ‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫الذي يعد أىـ كتب التراث‬ ‫و َّقبالة الزوىار ىي التي عرفت بالقبَّالة النبوية و قد اشتؽ اسميا مف كتاب الزوىار‬
‫القبالة العامة ‪ ,‬و أما القبَّالة الخاصة فيي تمؾ التي تشير إلى َّ‬
‫القبالة الموريانية نسبة إلى‬ ‫القبالي‪ ,‬و َّقبالة الزوىار ىي َّ‬
‫َّ‬
‫مؤسسيا اسحؽ لوريا (‪ ) 4351 -4343‬و الذي يبدو أنو أحدث نوعاً مف اإلنشقاؽ داخؿ َّ‬
‫القبالة النبوية (الزوىار)‬
‫‪57‬‬
‫"دوف أف يعني ذلؾ أف لوريا ىذا قد انفصؿ تماماً عف القبَّالة العامة ‪َّ ,‬قبالة الزوىار ‪ ,‬التي استمرت داخؿ‬ ‫نفسيا ‪".‬‬
‫الموريانية ولكف مع تعديالت جوىرية ‪ .‬كما أف النزعة الخالصية داخؿ الزوىار استمرت مع الموريانية ‪ .‬ولكف المالحظ‬

‫‪52‬‬
‫‪ -‬سبينوزا ‪ ،‬األخالق‪ ،‬ص ‪. 52‬‬
‫‪53‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسو ‪ ،‬ص ‪. 70‬‬
‫‪54‬‬
‫‪-‬ىازار ‪ ،‬بول ‪ ،‬أزمة الوعي األوروبي ‪ ،‬ت‪:‬د‪ .‬يوسف عاصي ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬بيروت ‪ ، 2009 ،‬ص‪.176‬‬
‫‪55‬‬
‫‪ -‬معدى ‪ ،‬الحسيني الحسيني ‪ ،‬القبَّالة وشفرة التوراة ‪ ،‬مرجع مذكور ‪ ،‬ص ‪.155‬‬
‫‪56‬‬
‫‪ -‬المكان نفسو ‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسو ‪ ،‬ص‪.161‬‬

‫‪02‬‬
‫شباني‬ ‫"تأثير القبالة في فمسفة سبينو از "‬

‫أف الموريانية لـ تيتـ بالبدايات كما فعمت الزوىار بؿ اىتمت بالبداية و النياية معاً ‪ ,‬وبيذا المعنى ربما تكوف الموريانية‬
‫ذات نزعة خالصية إليية بشرية معاً ‪ ,‬وعمى الرغـ مف أف لوريا ىذا لـ يكف مفك اًر منيجياً وأنو كاف متصوفاً أضاؼ إلى‬
‫الزوىار الكثير مف الصور والرموز ‪ ,58‬إال أننا نعتقد أف اإلضافة الميمة التي قدميا لوريا إلى القبَّالة ىي فكرتو حوؿ‬
‫‪59‬‬
‫كيفية تجمي اهلل والتي اعتمدت بشكؿ أساسي عمى فكرة النفي‪ ,‬نفي اهلل لذاتو أو نفيو لنفسو بنفسو داخؿ نفسو ‪.‬‬
‫وفكرة النفي ىذه ىي فكرة ربما اشتؽ منيا اسبينو از ليس فقط نظريتو المنطقية بؿ و كذلؾ نظريتو في الوجود‬
‫اإلليي ‪ ,‬فاإللو المورياني القبَّالي إذ ينفي نفسو بنفسو داخؿ نفسو إنما يقوـ بعممية انكماش تمييدا لعممية الخمؽ‪ ,60‬وال بد‬
‫ىنا مف األخذ بعيف االعتبار المفيوـ المورياني لمذات اإلليية ‪ ,‬التي ىي ذات النيائية و ال تقبؿ التجزئة ‪ ,‬وال يوجد‬
‫مكاف ال يممؤه الحضور اإلليي‪ ,‬وبحسب لوريا فإنو مف أجؿ أف تتـ عممية الخمؽ البد ليذه الذات مف أف تنكمش أي أف‬
‫‪61‬‬
‫تنفي نفسيا كذات النيائية لتحؿ في األشياء النيائية ‪.‬‬
‫وبعد ىذا اإليضاح لمذات اإلليية الموريانية لـ يعد أمامنا سوى القوؿ بأف عممية االنكماش أو النفي ىذه تنسحب‬
‫التعيف و النفي عند سبينو از فيما ىو يشرح مفيومو عف اهلل و األحواؿ و التعديالت التي تنجـ عف نفي اهلل‬
‫عمى مفيوـ ّ‬
‫الالمتناىي لتنتج عنو الموجودات و األحواؿ التي ىي وجود خاص ‪ ,‬ىذا الوجود الذي ليس إال سمباً جزئياً ألنو وجود‬
‫‪62‬‬
‫متناىي في حيف يكوف الوجود الالمتناىي ‪ ,‬وجود اهلل ‪ ,‬ىو إيجاب مطمؽ ‪.‬‬
‫التعيف فإننا بالقدر نفسو نستطيع أف نالحظ الطريقة التي تعامؿ‬
‫إذا كاف سبينو از قد أخذ عف لوريا مفيوـ النفي و ّ‬
‫فييا سبينو از مع ىذا المفيوـ بحيث يقدمو بصيغة عقمية منيجية خالصة تبتعد عف التمظيرات الصوفية لدى إسحاؽ‬
‫لوريا ‪ ,‬و تنيج نيجاً عقمياً خصوصاً عندما يستمر سبينو از في وصفو لمعالقات بيف األفكار و األشياء طالما أف الفكرة‬
‫ومادتيا ال ينفصالف ‪ ,‬فكؿ فكرة تؤدي إلى أخرى بحسب قدرتيا عمى الدخوؿ في عالقات استنباطية مع األفكار السابقة‬
‫عمييا و الالحقة ليا ‪ .‬وكذلؾ األشياء وىو ما عرؼ بالتفسير‬
‫اليوليسي ‪* Holistic‬عند سبينو از والذي أوضحو في رسالة َّ‬
‫رد فييا عمى استفسار صديقو اولدنبرغ حوؿ‬
‫عالقة اهلل باألشياء وعالقة األشياء ببعضيا داخؿ الطبيعة فأجاب " بشأف ترابط األجزاء ‪ ,‬فأنا فقط أعني أف قانوف‬
‫‪63‬‬
‫يكيؼ نفسو مع قانوف أو طبيعة األجزاء األخرى "‪.‬‬
‫وطبيعة جزء ما ّ‬
‫القبالي أو ما ُعرؼ بالظيورات اإلليية‬
‫وىذه اإلجابة توضح جيداً كيؼ تخمص سبينو از مف مفيوـ الفيض َّ‬
‫وتحويؿ العالـ الفكري كما العالـ المادي إلى نسؽ مف العالقات المترابطة بحيث يؤدي كؿ شيء إلى شيء آخر و يبقى‬
‫هلل كوجود النيائي ‪ ,‬الكؿ الذي يؤلؼ بينيا جميعا ‪ .‬حيث إف الخاص ال يمتمؾ خصوصيتو إال في ىذا الكؿ ‪ .‬ومف‬
‫القباَلي نجدىا اآلف لدى سبينو از قد تحولت إلى نقطة ارتكاز‬
‫ناحية أخرى فإف فكرة النفي التي أضافيا لوريا إلى التاريخ ّ‬

‫‪58‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسو ‪ ،‬ص‪.167‬‬
‫‪59‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسو ‪ ،‬ص‪.161‬‬
‫‪60‬‬
‫‪ -‬معدي ‪ ،‬الحسيني الحسيني ‪ ،‬القبَّالة وشفرة التوراة ‪ ،‬مرجع مذكور ‪ ،‬ص ‪.165‬‬
‫‪61‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسو ‪ ،‬ص‪.165‬‬
‫‪ -62‬سبينوزا ‪ ،‬عمم األخالق ‪ ،‬مصدر مذكور ‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫*اليوليسية ‪ :‬نظرية ترى أنو بالنسبة إلى كل الموجودات ‪ ،‬فإن ىذا الكل يشكل وجوداً يتجاوز المجموع المجرد ألجزائو ‪.‬‬
‫‪4-Spinoza .Bendict.de.corresbandence.LETTER XV (XXX11) FROM Spinoza to oldlinburg .Ttranslated by R.H‬‬
‫‪.M.E lwes Dove , publication ,INC det .p290‬‬

‫‪31‬‬
‫مجمة جامعة تشريف ‪ ‬اآلداب والعموـ اإلنسانية المجمد (‪ )43‬العدد (‪Tishreen University Journal. Arts and Humanities Series 7107 )6‬‬

‫في منيجو العقالني وىذا أيضاً انجاز سبينوزي تجاوز فيو سبينو از إسحاق لوريا الذي يبدو أنو أثَّر بشكؿ كبير في‬
‫تكوف فمسفة سبينو از وموقفو الفكري مف َّ‬
‫القبالة ومف الييود عموماً ‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وكؿ ما تقدـ ال يشير إلى أف سبينو از قد تأثر بالقبَّالة فحسب‪ ,‬بؿ ربما كاف سبينو از واحداً مف ا َّ‬
‫لقبالييف‪ ,‬خصوصاً‬
‫واف بعض الباحثيف يعتقد أف سبينو از ىو تمميذ إلسحاؽ لوريا الذي كاف بدوره تمميذاً آلخر قبَّاليي الزوىار موسى‬
‫‪64‬‬
‫القباَلة الموريانية القت استحساناً كبي اًر‬
‫كوردفيرو ‪ .‬و ربما تكوف ىذه الفرضية عمى قدر كبير مف الصحة إذا عرفنا أ ّف ّ‬
‫في األوساط الييودية اإلسبانية بعد طرد الييود مف إسبانيا ‪ .‬و مع ذلؾ ‪ ,‬أي مع كوف سبينو از تمميذاً إلسحاؽ لوريا فإننا‬
‫نالحظ انفصالو عنو منيجيا ولكنو بذات الوقت دفع بالنزعة الحمولية و النزعة الشكوكية إلى أقصى مدى ليما داخؿ‬
‫الثقافة الغربية و لكف بالمعنى العمماني ال الصوفي ‪.‬‬

‫الخاتمة ‪:‬‬
‫لع ّؿ أىـ ما توصؿ إليو البحث ىو ما كاف قد أكد منذ البداية عمى سعيو لموصوؿ إليو‪ ,‬ونعني بذلؾ الجذور‬
‫القبَّالية لمفمسفة السبينوزية‪ .‬و ثانياً تحديد موقع سبينو از داخؿ النسؽ َّ‬
‫القبالي‪ .‬وبانتظار أبحاث أخرى قادمة تُعزز ىذا‬
‫الرأي أو تنفيو ‪ ,‬يمكف القوؿ إ ّف سبينو از واف انتمى في مرحمة معينة مف حياتو إلى القبَّالة‪ ,‬فإنو آثر أف ينقمب عمييا‬
‫ويعيد صياغتيا ضمف نسقو العقالني ‪ ,‬الذي أنتج فيو فمسفتو خالؿ القرف السابع عشر‪ ,‬وربما أراد أف يخمص الييود مف‬
‫أف الديف الييودي عمى الرغـ مف أنو‬
‫عزلتيـ ‪ ,‬وتحديداً مف ييوديتيـ وأف يضـ الييود إلى التاريخ العالمي ‪ ,‬والسيما ّ‬
‫‪65‬‬
‫ديف توحيدي والمفترض أنو ديف لكؿ الناس‪ ,‬فإنو لـ يكف كذلؾ ‪ ,‬فالديف الييودي بطبيعتو ديف قبمي وشبو عرقي ‪,‬‬
‫أف سبينو از بمحاولتو الفمسفية‪ ,‬ربما لـ يخمّص الييود مف‬
‫كما يرى باحثوف‪ .‬ونحف نوافؽ عمى ىذا‪ ,‬ونوافؽ أكثر عمى ّ‬
‫نزعتيـ العرقية ولكنو استطاع أف يدمجيـ بالمجتمعات األوروبية الحديثة ‪ ,‬مميّداً ليـ الخروج مف ( الغيتوات ) * إف‬
‫أف سبينو از قد نبذ الييودية بؿ لقد ظ ّؿ مرتبطاً بيا‪ ,‬كما رأينا إلى درجة حدت بفيمسوؼ‬
‫أرادوا الخروج‪ ,‬دوف أف يعني ذلؾ ّ‬
‫إن الدين الييودي بشكمو الحديث ىو مزيج من الييودية الحاخامية‬ ‫وعالـ أنثروبولوجيا وىو شتراوس إلى القوؿ ‪ّ ":‬‬
‫‪66‬‬
‫وسبينو از "‪.‬‬
‫أف البحث في قضايا القبَّالة بوصفيا اخت ازالً لمديف الييودي وعالقتيا بالفمسفة‬
‫انطالقاً مما تقدـ يجب التأكيد عمى ّ‬
‫فإف ىذا البحث يحتاج‬‫السبينوزية‪ ,‬يحتاج إلى المزيد مف التأصيؿ النظري والمنيجي‪ .‬أما عمى الصعيد السوسيوثقافي ّ‬
‫أكثر إلى التكثيؼ عمقاً وسطحاً بما يسيـ في فيـ الطبيعة الثقافية لممناخ الييودي القبَّالي الذي أثرى الفمسفة السبينوزية‬
‫لتقوض الكثير مف تمؾ العناصر و تعقمف البعض اآلخر وتنسج منو قنوات لالتصاؿ‬ ‫بالعناصر األساسية التي عادت ّ‬
‫االجتماعي والثقافي بالعالـ الغربي المعاصر الذي يعد سبينو از واحداً ممف صاغوا مالمحو األساسية عمى صعيد المعرفة‬
‫والثقافة واألخالؽ والسياسة‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫‪ -‬معدي ‪ ،‬الحسيني الحسيني ‪ ،‬القبَّالة وشفرة التوراة ‪ ،‬ص‪.161‬‬
‫‪ -65‬بشير‪ ،‬نبيو ‪ ،‬عودة إلى التاريخ المقدس‪ ،‬قدمس لمنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ، 2005 ،‬ص ‪. 71‬‬
‫الحي أو المنطقة التي يعيش فييا الييود إما عن طريق اإلكراه أو االختيار‪.‬‬
‫ّ‬ ‫* ‪ :‬غيتوات ‪ :‬المفرد غيتو والمقصود بيا‬
‫‪ - 66‬البازعي ‪ ،‬سعيد ‪ ،‬المكون الييودي في الحضارة الغربية ‪ ،‬ص ‪. 163‬‬

‫‪30‬‬
‫شباني‬ ‫"تأثير القبالة في فمسفة سبينو از "‬

‫المراجع‪:‬‬
‫‪ -4‬أرنمديز‪ ,‬روجيو‪ ,‬رسؿ ثالث إللو واحد‪ ,‬ت‪ :‬وديع مبارؾ‪ ,‬عويدات لمنشر‪ ,‬بيروت ‪.4811‬‬
‫‪ -1‬أونامونو‪ ,‬ميغؿ دي‪,‬الشعور المأساوي بالحياة ‪ ,‬ت‪:‬عمي إبراىيـ أشقر‪ ,‬و ازرة الثقافة‪,‬دمشؽ‪.1003 ,‬‬
‫‪ -4‬البازعي‪ ,‬سعد‪ ,‬المكوف الييودي في الحضارة الغربية‪ ,‬المركز الثقافي العربي‪,‬الدار البيضاء‪.1005 ,‬‬
‫قدمس لمنشر والتوزيع‪ ,‬دمشؽ‪.1003 ,‬‬ ‫‪ -3‬بشير‪ ,‬نبيو ‪ ,‬عودة إلى التاريخ المقدس‪ُ ,‬‬
‫‪ -3‬تيميش‪ ,‬بوؿ ‪ ,‬تاريخ الفكر المسيحي مف جذوره الييمينية والييودية إلى الوجودية ‪ ,‬ت‪ :‬وىبة طمعت أبو العال ‪ ,‬دار‬
‫اليدى لمنشر والتوزيع ‪ ,‬المينا ‪ ,‬مصر‪ ,1003 ,‬ط‪.1‬‬
‫‪ -6‬الدممخي ‪ ,‬فاروؽ ‪ ,‬تاريخ األدياف ‪ ,‬األىمية لمنشر والتوزيع ‪ ,‬بيروت‪.1004 ,‬‬
‫‪ -5‬ديو ارنت ‪ ,‬وؿ ‪ ,‬قصة الحضارة ‪ ,‬ت‪ :‬زكي نجيب محمود‪ ,‬دار الجيؿ‪ ,‬بيروت‪.4811 ,‬‬
‫‪ -1‬سبينو از ‪ ,‬رسالة في الالىوت والسياسة ‪ ,‬ت ‪ :‬حسف حنفي‪ ,‬دار التنوير ‪ ,‬بيروت ‪.1003 ,‬‬
‫‪ -8‬سبينوزا‪ ,‬األخالؽ‪ ,‬ت‪ :‬جالؿ الديف سعيد‪ ,‬دار الجنوب‪ ,‬تونس‪.4886 ,‬‬
‫شازار‪ ,‬زالماف‪ ,‬تاريخ نقد العيد القديـ‪ ,‬ت‪ :‬أحمد محمد ىويدي‪ ,‬المجمس األعمى لمثقافة والنشر‪ ,‬الكويت‪,‬‬ ‫‪-40‬‬
‫‪.1000‬‬
‫‪ -44‬شباني ‪ ,‬منذر ‪ ,‬سبينو از والالىوت ‪ ,‬و ازرة الثقافة ‪ ,‬دمشؽ ‪. 1008 ,‬‬
‫‪ -41‬لومير ‪ ,‬أندريو ‪ ,‬تاريخ الشعب العبري ‪ ,‬ت ‪ :‬أنطواف الياشـ ‪ ,‬عويدات لمطباعة والنشر ‪ ,‬بيروت ‪.4888 ,‬‬
‫‪ -44‬المسيري ‪ ,‬عبد الوىاب ‪ ,‬موسوعة الييود والييودية الصييونية ‪ ,‬دار الشروؽ‪ ,‬بيروت ‪ ,‬ج‪( ,3‬د‪.‬ت) ‪.‬‬
‫‪ -43‬معدي‪ ,‬الحسيني الحسيني ‪َّ ,‬‬
‫القبالة وشفرة التوراة والعيد القديـ ‪ ,‬دار الكتاب العربي‪ ,‬دمشؽ‪.1005 ,‬‬
‫‪ -43‬موياؿ‪ ,‬شمعوف يوسؼ‪ ,‬التممود أصمو وتسمسمو وآدابو‪ ,‬تحقيؽ د‪ .‬رشاد عبد اهلل الشامي‪ ,‬د‪ .‬ليمى إبراىيـ‬
‫أبوالمجد‪ ,‬الدار الثقافية لمنشر‪ ,‬القاىرة ‪.1001 ,‬‬
‫‪ -46‬ميموف‪ ,‬موسى بف‪ ,‬داللة الحائريف‪ ,‬ت‪ :‬حسيف أثاي‪ ,‬مكتبة الثقافة المصرية‪ ,‬مصر‪( ,‬د‪.‬ت )‪.‬‬
‫‪ -45‬نيتشو ‪ ,‬فريدريؾ‪ ,‬عدو المسيح‪ ,‬ت‪ :‬جورج ميخائيؿ ديب‪ ,‬دار الحوار ‪ ,‬ط‪ ,3‬الالذقية ‪.1041‬‬
‫‪ -41‬ىازار‪ ,‬بوؿ‪ ,‬أزمة الوعي األوروبي ‪ ,‬ت‪:‬د‪ .‬يوسؼ عاصي ‪ ,‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪ ,‬بيروت ‪.1008 ,‬‬
‫‪18-Gershom.G.sdolem" Mqjor ternds injewish mysticism shckem Book,NewYork , third‬‬
‫‪printing 1967.‬‬
‫‪19 -Encyclopedia of Religion and Ethics, Robert Appleton, New youk, vol 7.‬‬
‫‪20-Spinoza .Bendict. de. corresbandence. LETTER XV (XXX11) FROM Spinoza to‬‬
‫‪oldlinburg . Ttranslated by R.H .M.E lwes Dove , publication ,INC det .‬‬

‫‪37‬‬

You might also like