You are on page 1of 24

‫المالمح البدائية في الرسم األوربي الحديث‬

‫فاطمة لطيف عبد هللا‬


‫كلية الفنون الجميلة‪-‬جامعة بابل‬
‫ملخص البحث‬
‫بعد أن قطع الفن مس افة طويلة في تاريخه الفلس في والجم الي واألس لوبي األدائي‪ ،‬وصل أخ يراً إلى حد‬
‫أص بح معه م رآة عاكسة تمام اً للواق ع‪ ،‬م ردداً ومحاكي اً له وهو ما ب دا واض حاً في الفن الكالس يكي‪ ،‬أو األك اديمي‬
‫غ ير أن ه ذا األمر لم يس تمر ط ويالً‪ ،‬إذ أخذ بم رور ال وقت – ب البحث عن الج ذور ثانيت اً ليق دم فن اً آخر في غاية‬
‫البس اطة واالخ تزال والتعب ير مع اً‪ .‬مرتك زاً في ذلك على طروح ات ش تى س واء ما ك ان منها علمية أم فلس فية أم‬
‫اجتماعي ة‪ ،‬وك انت المالمح والمف اهيم البدائية هي إح دى المح اور ال تي ارتكز عليها وجس دها الرسم األوربي‬
‫الح ديث وه ذا رجع له أس بابه دون ش ك‪ ،‬ل ذا فقد ع ني البحث الح الي بتقصي ه ذه المالمح‪ ،‬الكيفية ال تي تم بها‬
‫توظيفه ا‪ ،‬الفكر الفلس في والمف اهيمي وراء ظهوره ا‪ ،‬أو محاولة اللج وء له ا‪ ،‬وهو ما َش َّك َل مش كلة للبحث الح الي‬
‫تليها أهمية البحث والحاجة إليه‪ ،‬فيما هدف البحث إلى تعرف المالمح البدائية في الرسم األوربي الحديث‪ ،‬ومن ثَُّم‬
‫حدود البحث وتعريف مصطلحاته وهو ما شكل الفصل األول للدراسة الحالية‪.‬‬
‫تضمن الفصل الثاني اإلطار النظري للبحث والدراسات السابقة‪ ،‬احتوى اإلطار النظري على مبحثين‪،‬‬
‫تناول األول مفهوم البدائية مفاهيمي اً‪ ،‬اجتماعي اً‪ ،‬جمالي اً‪ .‬سواء في الفن أم الفلسفة أم علم االجتماع‪ ،‬أم علم النفس‪،‬‬
‫أما المبحث الثاني فقد اختص بدراسة المالمح البدائية التي شكلت بدايات أو ارهاصات للتوجه صوب البدائية في‬
‫الفن كمنطلق أو ركيزة أساس مدروسة ومخطط لها سواء على مستوى الشكل أم المضمون‪ .‬أما الفصل الثالث فقد‬
‫احت وى على إج راءات البحث متمثلة بمجتمعه الب الغ ‪ 10‬لوح ات‪ ،‬وعينته البالغة ‪ 5‬لوح ات وأس لوب البحث ال ذي‬
‫أُعتمد وهو أس لوب تحليل المحت وى نظ راً النس جامه مع موض وعة البحث الح الي‪ ،‬ثَُّم أداة البحث‪ ،‬ومن ثَُّم تحليل‬
‫العينات‪ ،‬والوسائل اإلحصائية للبحث‪.‬‬
‫في الفصل الرابع تم ع رض النت ائج ومناقش تها‪ ،‬وقد ت بين للباحثة ظه ور معظم المالمح الفنية للرسم‬
‫البدائي واضحة في الرسم األوربي الحديث‪ ،‬إذ وجدت هذه المالمح بشكل قصدي لدى األخير ألغراض جمالية‬
‫وتعبيرية داللية مدفوعة ب نزوع ش ديد ل دى فن اني عينة البحث إلى ممارسة أنم اط أدائية تش ابه إلى حد ما األنم اط‬
‫األدائية التي كان يجسد بها البدائي رسوماته وفكره المعرفي في آن‪ ،‬كما تضمن الفصل االستنتاجات والتوصيات‬
‫والمقترحات‪.‬‬
‫الفصل األول‬
‫أوالً ‪ :‬مشكلة البحث‬
‫يعد الفن من أكثر الميادين مسايرة لطبيعة التحوالت الحاصلة في البنى الذهنية المجتمعية‪ ،‬غير أن هذا‬
‫ال يعني بأي شكل من األشكال بأن عليه أن يكون مرآة عاكسة ينعكس فيها عالم خارجي متحول‪ ،‬أو عالم داخلي‬
‫متغير ومتبدل ؛ بل يجب ان يكون أنموذجاً مشكالً يضم كال العالمين معاً‪ ،‬وقد تبنى فن القرن العشرين هذا الهدف‬
‫وس عى لتحقيقه بع دما ب دأت ب وادره ب الظهور خالل الربع األخ ير من الق رن التاسع عش ر‪ ،‬إذ ب دءاً من ع ام (‬
‫‪ ) 1863‬فصاعداً عاد الفنان ليبحث عن عالم مفقود‪ ،‬عن بساطة الحياة وسذاجة الرؤية والتجسيد والحرية الفائقة‬
‫في التحقق واألداء‪.‬‬
‫منذ ذلك الحين ب دأت ب وادر االهتم ام والتفض يل لتلك الع والم والمظ اهر البدائية بالتزايد ش يئاً فش يئاً‪ ،‬وقد‬
‫كان لالنفتاح على المبدأ الذي نادى به ( روسو ) وهو بأن الفن يصبح أكثر أصالة كلما صقل في العامل الثقافي‪،‬‬

‫‪1018‬‬
‫دوراً هام اً في إب راز القيمة الحقيقية لتلك الفن ون ( البدائية ) إلى حد احتلت معه مكانة الفن ون المرموق ة‪ .‬وعلى‬
‫ضم بين جنباته العديد من المظاهر البدائية والعديد من‬
‫وفق ذلك نجد أن النتاج الفني للمدارس األوربية الحديثة قد َّ‬
‫المالمح الفنية لرس وم الب دائي‪ .‬كما ونجد بالمقابل َّ‬
‫إن العديد من الفن انين قد أب دو نزوع اً نحو البدائية س واء في‬
‫أمر له مسبباته وال ريب‪ .‬فإذا كانت البدائية واقع اً‬
‫األسلوب الفني‪ ،‬أم األنماط الحياتية من مثل ( غوغان )‪ .‬وهو ٌ‬
‫يعيشه البدائي له أسبابه التاريخية والموض وعية وفق سياقاتها التقليدية والتي ظهرت في فنه ذو المنحى ال وظيفي‬
‫والتطبيقي‪ ،‬فما هي أسباب نزوع عدد من الفنانين المعاصرين والمحدثين نحو البدائية‪ ،‬وما هي مالمح هذه البدائية‬
‫في نتاج اتهم الفنية وعلى نحو أص بحت معه ظ اهرة من ظ واهر الفن الح ديث‪ .‬وفي ه ذا التس اؤل تحدي داً تتمح ور‬
‫مشكلة البحث الحالي‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬أهمية البحث والحاجة إليه‬
‫‪ .1‬يفيد البحث الحالي كل الذين لديهم اهتمامات فنية ونقدية وتاريخية في مجال الفن البدائي‪.‬‬
‫‪ .2‬يفيد البحث الح الي كل مهتمي الفن ون البدائية والفن األوربي الح ديث‪ ،‬وذلك ع بر تناوله لقض ايا إنس انية‬
‫أساسية‪ ،‬وطروحات فلسفية وأساليب أدائية مهمة لدى كال الفنين معاً‪.‬‬
‫‪ .3‬يحاول البحث الحالي أن يرصد مصطلحاً شائكاً ويؤسس له‪ ،‬كما يرصد اشتغاالته العفوية والقصدية في‬
‫كال الفنين‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬هدف البحث‬
‫يهدف البحث الحالي إلى تعرف المالمح البدائية في الرسم األوربي الحديث‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬حدود البحث‬
‫يتح دد البحث الح الي بدراسة نتاج ات فنية تع ود لالتجاه ات الفنية اآلتي ة‪ ( :‬االنطباعي ة‪ ،‬التعبيري ة‪،‬‬
‫الوحوشية‪ ،‬التكعيبية‪ ،‬السريالية )‪.‬‬
‫خامساً ‪ :‬مصطلحات البحث‬
‫المالمح لغوياً ‪:‬‬
‫يعرفها ( الفراهيدي ) في كتابه ( العين ) ‪َّ " :‬‬
‫إن لَ َم َح ‪ :‬هي لمح البرق‪ ،‬ولَ َم َح ولَ َمحهُ ببص ره‪ ،‬واللمحة ‪:‬‬
‫النظرة – واللمحة " (‪ .)1‬والمالمح جمع لمحه أي ما بدا‪.‬‬
‫المالمح إجرائياً ‪:‬‬
‫تعرفها الباحثة بأنها ‪ " :‬كل الس مات والخص ائص الفنية في الرسم األوربي الح ديث وال تي ب دت‬
‫قريبة‪ ،‬أو مستوحاة‪ ،‬أو مشابهة لتلك السمات والخصائص الواردة أو المضمنة في فن الرسم البدائي والتي وجدت‬
‫في الفن الثاني تلقائياً وفي األول قصدياً "‪.‬‬
‫المبحث األول ‪:‬مفهوم البدائية‬
‫يعد مصطلح ( البدائية ) واحداً من أهم المصطلحات الشائكة والمربكة وذلك لتعددية استعماالت في أكثر‬
‫من مج ال عن مج االت الحي اة‪ ،‬ك الفن‪ ،‬واألدب‪ ،‬علم النفس‪ ،‬علم االجتم اع‪ ،‬والفلس فة‪ ،‬وما إلى ذل ك‪ ،‬ومما يزيد‬
‫األمر ص عوبة وإ رباك اً‪ُ ،‬ه َو إق ران ه ذا المص طلح بص فات ونع وت ال تمت له بص لة علمية من‬
‫جه ة‪ ،‬ومن جهة أخ رى ت رى أنه تم تعميمه على ظ واهر وأنم اط معينة في التفك ير أو على ش عب من الش عوب ال‬
‫يوجد بينها خط تم اس مح دد‪ ،‬وهو ما جعل ه ذا المص طلح ق رين للحكم الس لبي إالّ فيما ن در ؛ ل ذا س تقوم الباحثة‬

‫‪1‬‬
‫() الفراهيدي‪ ،‬أيب عبد الرمحن بن اخلليل أمحد ‪ :‬كتاب العني‪ ،‬ج‪ ،3‬دار الرشيد للنشر‪ ،‬بغداد‪ ،1981 ،‬ص‪.243‬‬

‫‪1019‬‬
‫بمناقشته حسب وروده في المجاالت أعاله‪ ،‬في محاولة إلعطائه خصوصية موضوعية وضمن فاعليته على قدر‬
‫اإلمكان‪.‬‬
‫فالبدائية لغوياً تعني ( نقطة في الزمان‪ ،‬مبكرة‪ ،‬أو أولى‪ ،‬وأحياناً تستعمل للداللة على ما ُه َو أصلي أو قديم‬
‫أو ما ُه َو من المنبع الص افي‪ ،‬أي إنها تتصل بب دايات األش ياء وبفجر المجتمع اإلنس اني ) والبدائية منس وبة إلى‬
‫الب داءة وتش ير إلى ما ك ان في الط ور األول من أط وار النش وء‪ ،‬وكلمة – ب دائي – تطلق على الص ورة األولى‬
‫اغو‪،1982 ،‬‬ ‫رة‪ ( .‬مونت‬ ‫أخرة‪ ،‬مقابل المتحض‬ ‫ات المت‬ ‫ياء وعلى المجتمع‬ ‫لألش‬
‫ص‪.) 31 – 21‬‬
‫اص طالحيا تش ير بوجه ع ام إلى الفجاج ة‪ ،‬وانع دام التط ور‪ ،‬والخش ونة وت دني النوعي ة‪ ،‬أو ع دم كفاية‬
‫الوسائل بالنسبة لألهداف سواء منها الصريحة أو المفهومة ضمناً‪.‬‬
‫فلسفياً تعني " ما تطور بعد غيره في الزمن‪ ،‬وهو لهذا السبب البد أن يكون أكثر تقدماً ورقي اً مما تطور‬
‫قبل ه‪ ،‬ل ذا فما ك ان أقل تط وراً‪ ،‬ول ذا ك ان األق دم أك ثر بدائي ة‪ ،‬واألح دث أك ثر تق دماً‪ ( .‬م ‪ :‬مونت اغو‪ ،1982 ،‬ص‬
‫‪.) 23-22‬‬
‫أما في علم االجتماع فتسمى البدائية بـ( األولية ) ( ‪ .) Primary‬وتدل على ما كان في الطور األول من‬
‫ائمين على المواجهة‬ ‫وثيقين الق‬ ‫اون وال‬ ‫ات تتصف بالترابط والتع‬ ‫وء‪ ،‬والى جماع‬ ‫وار النش‬ ‫أط‬
‫المباش رة‪ ( .‬م ‪ :‬مونت اغو‪ ،1982 ،‬ص ‪ .) 116‬وما يوضع مقابل كلمة ( أولية ) كلمة ( ثانوية معق دة )‪ .‬وال تي‬
‫تطلق على المجتمع ات المتحضرة واألكثر حداثة من سابقتها‪ ،‬وبذلك تصبح المجتمع ات البدائية أكثر تبس يطاً من‬
‫مجتمعاتنا المعاص رة‪ ،‬والباحثة ت رى أن حقيقة األمر تكمن في أن تلك المجتمع ات البدائية ‪ /‬األولية هي مجتمع ات‬
‫معق دة في ص ميمها‪ ،‬بل إنها بأنظمتها وأعرافها أشد تعقي داً من أنظمة الحي اة المعاص رة‪ ،‬إذ لها أنماط اً في الس لوك‬
‫وآلية في التفك ير تس تند إلى التأويل الغي بي ال ذي يص عب اس تيعابه في س هولة ويس ر‪ ،‬ومن وجهة النظر ه ذه‬
‫يس توجب األمر نعت المجتمع ات البدائية بالمجتمع ات الثانوية ‪ /‬المعق دة أيض اً‪ ،‬فض الً عن ذلك فقد ُحملت كلمة‬
‫( أولية ) بصفات تحمل في طياتها الكثير من األفكار الخاطئة‪ ،‬والتي ترى في اإلنسان القديم كائن محدود الذكاء‬
‫والق درة في حين أنه يمتلك من ال ذكاء ومن ق درة اإلنج از ما س عى اإلنس ان المعاصر ألن يمتلكه ولو بعد حين‪،‬‬
‫وكمث ال على ذلك ما أنج زه إنس ان العصر الحج ري الق ديم األعلى‪ ،‬من أعم ال فنية رفض مكتش فيها للم رة األولى‬
‫إس نادها إلي ه‪ ،‬وأس ندوها إلى فن ان ح ديث ج وال‪ ،‬دفعه حب االختالء إلى رسم تلك الرس ومات‪ ،‬إذ أنها تمتلك من‬
‫ير قل نظيرها في أي عصر من‬ ‫وة في التعب‬ ‫الحيوية وق‬
‫العصور‪ .‬إذن فمن الخطأ وصف المجتمعات البدائية باألولية تبعاً لباسطة تركيبها الظاهري‪.‬‬
‫لقد ص يغ مفه وم ( البدائية ) في علم االجتم اع بش كل ث اني‪ ،‬وذلك من خالل النظر إليه من مس توى مت دني‬
‫من التطور وتحديداً ( التكنولوجي منه )‪ ،‬إذ َّ‬
‫إن من الباحثين الغربيين (*)‪ ،‬من يحشرون كل شعوب العالم‪ ،‬ماض يها‬
‫وحاض رها تحت ل واء البدائي ة‪ ،‬فيما ع دى تلك ال تي تش كل ج زءاً من المدنية الغربية وأس الفها الق دماء‪ ( .‬م ‪:‬‬
‫مونت اغو‪ ،1982 ،‬ص ‪ .) 107‬وهي نظ رة ت ركن إلى التط ور التكنول وجي فحسب وتهمل الج وانب األخ رى‪- ،‬‬
‫ومنها الروحية – والتي تعد اإلنسانية في أمس الحاجة إليها‪ ،‬وبمعنى آخر‪َّ .‬‬
‫إن لكل شعب تاريخ اً طويالً قد يكون‬
‫انح داراً أص الً من مس توى أعلى من مس تويات التط ور لش عب آخر وقد يك ون في مج ال مح دد من الحي اة أوالً‪،‬‬
‫وكمثال على ذلك‪ ،‬اتصاف اإلنسان البدائي‪ ،‬والشرقي بصفات أخالقية ورثها عن أسالفه األولين‪ ،‬ال نجد لها مثيل‬

‫(*) لوس مدنك‪ ،‬باحثة أمريكية يف علم‪ 9‬االنثروبولوجيا‪.‬‬

‫‪1020‬‬
‫لدى الغربي عادة‪ ،‬والى درجة يصبح عندها فارق التطور معدوماً‪ .‬وثانياً‪ ،‬قد يكون ارتقى إلى مستواه الراهن أثر‬
‫صراع ضد المصاعب‪ ،‬كما ُه َو الحال في المجتمعات النامية أو دول العالم الثالث‪ ،‬إذ َّ‬
‫إن التطور التكنولوجي لهذه‬
‫ال دول لم يس تقر على ما ُه َو عليه إالّ بعد ص راع طويل مع الق وى االس تعمارية الغربية ذاته ا‪ ،‬وال تي جعلت من‬
‫التط ور التكنول وجي ع امالً خط راً ومه دداً لإلنس انية بالفن اء‪ .‬وربما ما يش جع الباحثة على المضي قُُ دماً في ه ذا‬
‫أس‪ ،‬وما وج دت نفس ها فيه من ص راع مرير بين ما ُه َو أخالقي وغ ير‬ ‫االتج اه‪ُ ،‬ه و ما تعانيه ال دول الغربية من م ٍ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫أخالقي‪ ،‬وما ُه َو م ادي ولد ل ديها إحساس اً‪ ،‬مؤلمة بس يادة الق وى المادية وس لطتها التامة على الس مات الروحية في‬
‫تلك المجتمعات‪ ،‬وهذا ما حدى بالفنان إلى البحث عن قيم بدائية من جديد‪ ،‬وهو ما يدل أيض اً على أن البدائية ذات‬
‫ج وهر روحي وأخالقي إيج ابي فري د‪ ،‬وعليه فمن الخطأ ص ياغة مفه وم للبدائية على أس اس بس اطة أنظمة الحي اة‬
‫ومقارنتها بتعقي داتها‪ ،‬أو على أس اس التق دم التكنول وجي أو انعدام ه‪ ،‬بل يجب أن تص اغ بطريقة أك ثر ش مولية‬
‫وإ حاطة‪ ،‬وضمن اإلطار الثقافي للمجتمع وبالتالي لهذه المفردة‪ ،‬إذ أثبتت الدراسات‪ ،‬أن اإلطار الثقافي الذي يعيش‬
‫فيه اإلنسان ُه َو العنصر المتحكم في هذا العقل والمحدد له‪ ،‬وأصبح هناك اتفاق اً عام اً في الوقت الحاضر على عدم‬
‫وج ود تم ايز في الق درة العقلية (ال ذكاء ) بين ب ني البشر س ببها االختالف ات العرقي ة‪ ،‬وذلك ي دفعنا إلى الق ول بع دم‬
‫وجود شيء اسمه اإلنسان أو العقل البدائي‪ ،‬بمقابل اإلنسان المتحضر‪ ،‬بل وجود بشر يعيشون في ثقافة أو مجتمع‬
‫بدائي‪ ،‬وبذا أصبح انعدام التطور يعزى إلى انعدام الفرص المناسبة‪ ،‬ال إلى العجز الطبيعي‪ ،‬فض الً عن االنعزال‬
‫ال ذي ي ؤدي إلى غي اب التوافق الفك ري ون درة االتص ال مع الشعوب األخ رى ( مونت اغو‪ ،1982‬ص‪ .) 35‬ومن‬
‫خالل تحديد اإلطار الثقافي للمجتمع يتحدد اإلطار العام لهذا المصطلح وربما تحت هذا الدافع قام ( تايلر ) بتحديد‬
‫ثالث مراحل للثقافة البدائية هي ‪:‬‬
‫‪ .1‬المرحلة الوحش ية ‪ :‬ال تي تتم يز ب العيش على النبات ات والحيوان ات البحرية واس تعمال آالت العصر الحج ري‬
‫القديم‪.‬‬
‫‪ .2‬المرحلة البربرية ‪ :‬التي تتميز بظهور الزراعة واآلالت المعدنية ونوع من الحياة الجماعية في القرى‪.‬‬
‫المرحلة المتمدنية ‪ :‬التي تبدأ عندما اكتشف اإلنسان فن الكتابة ( مونتاغو‪ ،1982‬ص‪.)54‬‬
‫وعليه ف إن دراسة وص ياغة مفه وم لمص طلح ( البدائية ) من خالل البنية الثقافية للجماع ات البش رية‪ ،‬ذات فائ دة‬
‫مزدوجة‪ ،‬األولى تتأتى من إمكانية ترتيب المعطيات الثقافية‪ ،‬وعلى أساس مقارن‪ ،‬والثاني ُه َو المنفعة‬
‫العملية من استخدام هذا المفهوم‪ .‬لذا فمتى ما استدعت الحاجة إلى استعمال هذا المصطلح يجب العودة‬
‫إلى اإلط ار الثق افي الع ام للمجتمع ال ذي انبثق من ه‪ ،‬قبل القي ام بتص ميمه‪ ،‬وعلى وفق نظ رة تمتد عمق اً‬
‫وتتجاوز النظرة السطحية السلبية لذلك المجتمع نفسه‪.‬‬
‫أما في ( علم النفس )‪ ،‬ف إن البدائية تُ درس وتص اغ من خالل اقترانها بتط ور المجتمع اإلنس اني ع بر‬
‫التاريخ‪ ،‬وهو ما يوازي تطور األفراد منذ عهد الطفولة إلى عهد النضج الجسمي واالجتماعي‪ .‬وبهذا فإن البدائية‬
‫تعني استمراراً لبعض الصفات‪ ،‬عبر حقب زمنية طويلة مع أقل ما يمكن من التغير‪ ،‬وهي بذلك تتصف بصفة ال‬
‫زمانية‪ ،‬وبحيث تبدو الشعوب التي توصف بها وكأنها خارج نطاق الزمن ( مونتاغو‪ ،1982‬ص‪ .) 24‬والباحثة‬
‫ترى‪ ،‬أن هذا الطرح ال يحمل في جوهره أوجه شبه حقيقية موضوعية بين كال الطرفين‪ .‬ألن الطفل لم يكن يوم اً‬
‫ص ياداً قانص اً‪ ،‬آكالً للح وم الحيوان ات‪ ،‬ليتح ول بع دها إلى منتج زراعي آكالً للنبات ات ومعتم داً عليها في غذائه‬
‫وغذاء الحيوانات على نفس درجة الضعف البدني في مرحلة الطفولة‪ ،‬فض الً عن ذلك ال يتساوى الطفل واإلنسان‬
‫الق ديم في درجة ال وعي واإلدراك‪ ،‬ذلك أنه – كما ُه َو مع روف – عملية اإلدراك تتوقف على ن وع المنبه ات ال تي‬
‫تثيرها البيئة‪ ،‬لذا فإن البيئة القاسية ذات القوانين الصارمة تختلف عن بيئة الطفل الذي يحاط عادة بوسائل تحميه‬

‫‪1021‬‬
‫من ابسط حاالت البيئة تقلب اً‪ ،‬وبالتالي فإن آليات االستجابة تختلف أيض اً تبع اً لطبيعة المثيرات‪ ،‬ورغم أن الباحثة‬
‫تُسلم بأن الطفل والبدائي يندمجان مع مجال الحياة اندماجاً مباشراً‪ ،‬ويتمتعان بنظرة ساذجة للوجود ويعبران عنه‬
‫بص يغ وأس اليب انفعالي ة‪ ،‬إالّ َّ‬
‫أن ه ذه االس تجابة ذات ط ابع تتح دد كث يراً ببنية البيئة ذاته ا‪ .‬وعليه ت رى الباحثة أن‬
‫المجتمعات البدائية هي مرحلة من مراحل التطور البشري التي تتصف بالتجانس واالكتمال واالكتفاء‪ ،‬وال تتشابه‬
‫بالض رورة مع مراحل التط ور الب ايلوجي للجنس البش ري‪ .‬ل ذا ف إن دراسة مفه وم ( البدائية ) وتطورها من خالل‬
‫دراسة مراحل تطور الفرد ال تؤدي إلى نتائج علمية صحيحة‪.‬‬
‫لقد دأب بعض العلم اء على دراسة اإلنس ان الب دائي من خالل دراسة األنم اط الس لوكية لتجمع ات بش رية‬
‫يعتبرون بدائيين أو هم أقرب إلى اإلنسان البدائي منه إلى المتحضر‪ ،‬وهؤالء هم القبليون أو المتوحشين أو شبه‬
‫متوحشين‪ ،‬والذي يرى فيهم أحفاد اإلنسان القديم‪ ،‬إذ َّ‬
‫أن لحياة هؤالء األقوام السيكولوجية أهمية خاصة‪ ،‬ذلك أنها‬
‫تمثل مرحلة قديمة من مراحل تطورنا البش ري‪ ،‬وقد احتفظت بش كل جيد بع دد من مظ اهر الحي اة البدائي ة‪.‬‬
‫( مونتاغور‪ ،1982 ،‬ص‪ ) 116-115‬ومع اعتراف الكثيرين بمصداقية هذا الطرح‪ ،‬إالّ أن مصداقيته هذه تبقى‬
‫أمراً نسبي مجرد تخمينات عرضة للصواب أو الخطأ وبنفس الدرجة‪ ،‬هذا من جانب ومن جانب آخر فإن دراسة‬
‫آث ار لجماع ات البش رية ( البدائية ) من ص ور‪ ،‬وتماثي ل‪ ،‬وس لع‪ ...‬الخ‪ .‬ال تتش ابه مع ما تنتجه ه ذه الجماع ات‬
‫( القبلية ) من أعمال من حيث المستوى والغاية‪ ،‬ويعزى هذا التفاوت إلى ما بين هاتين المجموعتين من اختالف‬
‫في ظ روف تتصل ب التطور الط بيعي والثق افي‪ ،‬وال تي دخلت بش كل أساسي في تش كل إنت اج كال الن وعين لم وادهم‬
‫أن مظاهر الحياة القبلية لم تنجو من تأثير ومؤثرات الحياة الحضارية المعاصرة‪ ،‬وإ َّن لم‬
‫المستعملة ؛ فض الً عن َّ‬
‫يكن تأثيراً تاماً‪ ( .‬مصطفى‪ ،1970 ،‬ص‪.) 80‬‬
‫درس علماء نفس آخرون مفهوم البدائية من خالل دراستهم السيكولوجية العصاب‪ ،‬متخذين منها وسيلة‬
‫يتم الكشف بها عن نقاط كثيرة بخصوص حياة البدائيين‪ ،‬غير أن خاصية الجنون في الواقع ما هي إالّ تحطيم لذلك‬
‫التوازن البشري عموم اً‪ ،‬والذي يعد األساس في الصحة أو العافية الروحية‪ ،‬وبالتالي السلوكيات المنعكسة عنها‪،‬‬
‫والتي تفصح بدورها عن ذلك االنسجام القائم بين نوازع اإلنسان الداخلية والخارجية‪ ،‬والذي ُه َو ركيزة أساسية‬
‫في حي اة الفكر عموم اً‪ ،‬وبمقابل ذل ك‪ ،‬تقيم الشخص ية الس يكولوجية انس جاماً مرض ياً ُه َو‬
‫( الهوس ) الذي يراودها ويلح عليها‪ ،‬ويحدد على وفق عالقتها باآلخرين‪ ،‬والذي يؤدي عادة إلى إهمال المجموع‬
‫والترك يز على ال ذات‪ ،‬وبالت الي زي ادة انفص ال ال ذات عن الواق ع‪ ،‬وربما ه ذا ُه َو الس بب ال ذي ما ي برر لنا أس باب‬
‫االنج ذاب المتزايد نحو فن المج انين‪ ،‬وبكل األح وال ف إن ص فات المجن ون والجن ون ه ذه ال تش ابه الحي اة النفس ية‬
‫المتزنة ال تي ك ان يعيش ها اإلنس ان الب دائي‪ ،‬وال تي خلفت لنا – كنتيجة لها – أنماط اً من الفن ون تعكس بش كل كب ير‬
‫واضح ذلك االنس جام ال ذي يعيشه اإلنس ان الق ديم مع مجتمعه وبيئته على ال رغم من تقلباتها القاس ية ( هوي غ‪،‬‬
‫‪ ،1978‬ص ‪.) 98 :‬‬
‫والباحثة ت رى أن ه ذا ال م برر لوج وده‪ ،‬إذ َّإنه ح تى في الفعالي ات ال تي يؤديها اإلنس ان الب دائي لخلق‬
‫ح االت س حرية‪ ،‬هي ليست ح االت أش به ب الجنون‪ ،‬بل أنها خ روج مقص ود عن نش اط ال ذات المتزن ة‪ ،‬له مبرراته‬
‫وغايات ه‪ ،‬وهو حالة مؤقتة ترتكز على الخي ال‪ ،‬ال ذي ينبثق أساس اً من أش ياء يك ون لها وج ود م ادي س واء ك ان‬
‫ملموساً أم غير ملموس‪ ،‬وبالتالي فهي – أي الطقوس السحرية – ال تشابه بأية حال حاالت الجنون كما هي شائعة‬
‫ومعروفة ؛ فض الً عن ذل ك‪ ،‬ف َّ‬
‫إن التفك ير والش عور الب دائيين يتص فان بالتجس يدية المطلق ة‪ ،‬ويرتبط ان باإلحس اس‬
‫دائم اً‪ ،‬إذ َّ‬
‫إن فكر اإلنس ان الب دائي ال يوجد مس تقالً منفص الً‪ ،‬بل ُه َو لص يق ب الظواهر المادي ة‪ ،‬وأقصى ما يس تطيع‬
‫فعله ُه َو أن يرفع تفكيره إلى مستوى التشبيه‪ ،‬ولكنه مع ذلك يبقى تفكير غيبي وجودي شخصاني من جهة‪ ،‬وشديد‬

‫‪1022‬‬
‫االتص ال بالطبيعة وبالوظ ائف الفس يولوجية للطبيعي ة‪ ،‬وه ذا ي ؤدي بطبيعة الح ال إلى تعميق الحس ب الواقع‪ ،‬ح تى‬
‫ليبدو متوهجاً وغير طبيعي‪ ،‬وهي تجربة شبيهة بتجربة المتصوف من جهة أخرى (مونتاغو‪ ،1982 ،‬ص‪-131‬‬
‫‪ ) 132‬وآلية التفك ير الب دائي ه ذه ت بين لنا م دى الف رق الشاسع بينه وبين أنم اط تفك ير المجن ون من جهة وأنم اط‬
‫تفك ير اإلنس ان المعاص ر‪ ،‬إذ – على تب اين مس توياته ومرجعياته الم ؤثرة فيه – على ال رغم من اتص اله بالع الم‬
‫الموضوعي‪ ،‬إالّ أنه يتعامل معه تعامل مادي‪ ،‬ويتضح حدوداً وفواصل وحواجز بينه وبين الموجودات‪ ،‬وبالتالي‬
‫فهو ال يبالي إالّ بمظهرها المحسوس‪ ،‬ولذا فهو يهمش اإلحساس بالواقع‪ ،‬ومن هنا نستنتج تلك الحالة الجميلة التي‬
‫كان يعيشها اإلنسان البدائي يتركها بشكل مؤقت ليعود إليها في فترة الحقة‪.‬‬
‫أما ( البدائية ) في الفن فهي " مفه وم أو م دلول ينطبق إلى ح ٍد كب ير على أن واع األعم ال الفنية ال تي‬
‫ينتجها اإلنس ان تحت ت أثير عوامل اجتماعية متش ابهة‪ ،‬بغض النظر عن العامل الزم ني ( مص طفى‪ ،1970 ،‬ص‬
‫اء لألس اليب العتيقة أو القديمة "‪ .‬وي رى ( م ونرو ) ‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫‪ .) 11‬وهي أيض اً أخيلة النك وص إلى البس اطة أحي ً‬
‫البدائية في الفن ون قد اتخذت ص وراً عديدة‪ ،‬إالّ َّأنها ظلت خياالت على المستوى السطحي للحي اة البدائي ة‪ .‬وقد َّ‬
‫تم‬
‫التعب ير عنها في الش عر والرسم والقص ة‪ ...‬الخ‪ .‬ولكن بأس لوب حض ري‪ ،‬أطلق عليه اسم ( محاك اة الق ديم )‬
‫(ماوزر‪ ،1981 ،‬ص‪ .) 314‬والذي يركز اهتمامه على الناحية األسلوبية عادة ( أي محاكاة األشكال )‪.‬‬
‫لم تقتصر البدائية في الفن على الناحية األس لوبية بل تعدته لتش تمل على تلك العملي ات النفس ية ال تي عبَّر‬
‫عنها ( جولد والتر ) بالحنين إلى الماضي‪ ،‬إذ يرى أن اإلنسان كلما اقترب أكثر من الماضي من الناحية التاريخية‬
‫أو الس يكولوجية أو الجمالي ة‪ ،‬كما أص بحت األش ياء أك ثر بس اطة وتش ويقاً وأهمية وقيم ة‪ .‬أما‬
‫( توسيني ) فيرى ‪َّ :‬‬
‫أن مذهب محاكاة القديم‪ ،‬هو محاولة للرجوع إلى تلك الحاالت األكثر سعادة والتي كلما باعد‬
‫ال زمن بيننا وبينه ا‪ ،‬اش تدت حس رتنا عليها في وقت الص عاب‪ ،‬وربما ازدادت معها مثاليتها في أعيننا‬
‫( هاوزر‪ ،1981 ،‬ص‪ .) 318 – 314‬إذن يوجد هناك نوعان من العودة إلى الماضي هما‪ ،‬ارتداد أسلوبي أو‬
‫كما يسمى ( ارتداد أغاللي )‪ .‬و( ارتداد نفسي ) أو ( اختياري )‪ .‬والباحثة ترى أن هذين النوعين هما ارتدادان‬
‫ان‬ ‫داد الفن‬ ‫ية‪ ،‬ارت‬ ‫رعان لما فيها من قيم جمالية ونفس‬ ‫ان‪ ،‬يش‬ ‫إيجابي‬
‫إليهم ا‪ ،‬تتمثل األولى – القيم الجمالية – بتلك الخط وط واألش كال واألل وان المختزلة ذات الت أثير والق وة ال تي تزيد‬
‫في اإلفص اح أك ثر مما تفص حه األش كال المحاكاتية نفس ها‪ ،‬والثانية – القيم النفس ية – في تلك الحالة الوجدانية‬
‫الجميلة التي سبق وأن أشرنا عند الحديث عن بنية التفكير والشعور البدائي‪.‬‬
‫أما ( سبنسر ) فيرى أن االرتداد إلى حالة تتسم بتناقض التغاير والتخصص في الفنون في حالة نكوص سلبي‪ ،‬أو‬
‫هو انتكاس من حيث الكيف‪ .‬وهو نتيجة النحالل مرضي‪َّ ،‬‬
‫وأن التحسن في رأيه هو تزايد التخصص والفصل بين‬
‫أنماط الفنون‪ ،‬لتشكل ُكالً منها نتاجاً بشكل مستقل عن اآلخر‪ ( ،‬مونرو‪ ،1971 ،‬ص ‪ .)153 :‬والباحثة تتفق مع‬
‫( هويغ ) في تعليقه على طرح ( سبنسر ) هذا‪ ،‬والذي مؤداه‪ ،‬أن التغاير بالفنون ال يعني بالضرورة استقالالً كالً‬
‫منها عن اآلخر‪ ،‬من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬ال يعني أن الفنون التي أصبحت مستقلة – حسب رأيه – أكثر أهمية‬
‫مون‬ ‫لوب والمض‬ ‫نى واألس‬ ‫من حيث المع‬
‫اإلنس اني‪ ،‬من الفن ون ال تي تت داخل مع نمط آخر من الفن ون‪ ،‬بل على العكس من ذل ك‪ .‬وربما ك انت ع ودة الفن ان‬
‫الح ديث لممارسة أس اليب في الرسم تح اكي أس اليب الرسم الب دائي خ ير دليل على َّ‬
‫أن تلك الفن ون لم تفقد ش يئاً من‬
‫مص داقيتها وخصوص يتها مع اً‪َّ .‬‬
‫وأن اتس مت ب االختزال والتبس يط‪ ،‬وال ذي على ما يب دو هو العامل ال ذي يع ترض‬
‫( سبنسر ) علي ه‪ ،‬إالّ َّ‬
‫أن ه ذا العامل ذاته يعد رك يزة هامة في التط ور نفسه ؛ فض الً عن ذل ك‪ ،‬ف إن الفن لم يتط ور‬
‫دفعة واحد بل على شكل تحوالت مرحلية‪ ،‬وأن هذا التطور ال يتم غالب اً إالّ على أساس فن يحمل طابع اً أبسط في‬

‫‪1023‬‬
‫شقيه األسلوبي والفلسفي‪ ( ،‬مونرو‪ ،1972 ،‬ص‪ .) 70‬والباحثة ترى َّ‬
‫أن هناك سبب آخر يكمن وراء أهمية هذا‬
‫العامل‪ ،‬هو َّ‬
‫أن الفنان يتلمس من خالله جهداً أقل في األداء‪ ،‬وقوة أكثر في التعبير‪.‬‬
‫من كل ذلك ن رى َّ‬
‫أن ( البدائية ) في الفن اق ترنت بكل ما هو أص يل ونقي وجمي ل‪ ،‬ومع بر‪ ،‬وكل ما من‬
‫ش أنه أن يحقق وح دة اإلنس ان الذاتية مع الك ون‪ ،‬ومع مظ اهر الحي اة ش تى‪ ،‬ل ذا يج وز للباحثة الق ول بأنه المي دان‬
‫الوحيد الذي كان منصفاً في النظر إلى هذا المفهوم وتقيمه واستخدامه‪.‬‬
‫الفصل الثاني ‪:‬المالمح البدائية في الرسم األوربي الحديث‬
‫عما سبقه‪ُ ،‬ه َو ذلك التطور الهائل المضطرد في مجاالت الحياة شتى والذي لم‬ ‫َّ‬
‫إن ما يميز القرن العشرين َّ‬
‫تش هد له البش رية س ابقاً من مثي ل‪ ،‬وفي مواجهة لمثل ه ذا التط ور – ال ذي جعل من الج انب الم ادي س مة مم يزة‬
‫ألغلب مجتمع ات الغ رب – وجد اإلنس ان نفسه أم ام ص راع داخلي محت دم فيما بين رغبته وإ رادت ه‪ ،‬وبين رغبة‬
‫وإ رادة المقولة الس ائدة لمجتمع ه‪ ،‬األمر ال ذي أدى إلى نش وب حالة رغبته اغ ترب فيها اإلنس ان عن ذات ه‪ ،‬واس تلب‬
‫منه وج وده اإلنس اني‪ ،‬وقد انعكس ه ذا الواقع على الفن‪ ،‬ال ذي ض يق عليه الخن اق من ج راء تقلب ات الواقع ش تى‬
‫يق‬ ‫اره الض‬ ‫راج الفن من مس‬ ‫ديث على عاتقه مهمة إخ‬ ‫ان الح‬ ‫ذا أخذ الفن‬ ‫غوطها‪ ،‬ل‬ ‫وض‬
‫ان من هاوية‬ ‫تطيع أن ينتشل اإلنس‬ ‫كل أولي يس‬ ‫ه‪ ،‬ش‬ ‫كل آخر ل‬ ‫البحث عن ش‬ ‫دأ ب‬ ‫ذا‪ ،‬وب‬ ‫ه‬
‫عميق ة‪ ،‬وأن يعيد له توازنه ويبع ده عن كل تعقيد ومغ االة‪ .‬يقتفي فيه إدراجه نحو طفولت ه‪ ،‬نحو بداياته األولى‪ ،‬إذ‬
‫كان كل شيء يميل وبسيط‪ ،‬وفي ذات الوقت يبدو مبتكراً أمام غليان الواقع وتبدالته‪.‬‬
‫وفي النصف الث اني من الق رن التاسع عش ر‪ ،‬تس نى للفن ان كي يطلع على مثل ه ذا الفن حينما عملت ع دة‬
‫ومنها اكتشاف القيمة الجمالية واإلبداعية الفنية في فن الشرق األدنى القديم والفن األفريقي القديم‬ ‫(*)‬
‫أسباب إلثباته‬
‫والفن الياباني‪ ،‬إذ كان ( ماتيس ) قد نبَّه ( بيكاسو ) إلى جمالية هذه الفنون فسرعان ما انجذب إليها ُه َو و( ديران‬
‫) و( فالمنك )‪ ،‬ليصل بفضل جهودها وجه ود اله واة الج امعين إلى االهتم ام بفن ون ثالثة هي الفن الب دائي وفن‬
‫الطف ل‪ ،‬الل ذان يمتلك ان رؤية بريئة للع الم‪ ،‬وفن المج انين الل ذين حرم وا من متعة الحي اة ال تي ع دت فاس دة ل ديهم‪،‬‬
‫( هويغ‪ ،1978 ،‬ص‪.) 317‬‬
‫وعلى هذا النحو وجد الفنان الحديث في هذه الفنون عالم اً آخر تفصله عن عالمه ُه َو‪ ،‬هوة واسعة أما ألنه‬
‫بعيد عنه ا‪ ،‬أو ألنه س ابق ل ه‪ ،‬فض الً عن ذل ك‪ ،‬فقد ك ان أن ش اع في الق رن الث امن عشر مب دأ‬
‫( السليقه ) إلى مبدأ ( األجنبية )‪ ،‬عالوة على االنفتاح على المبدأ الذي كان ( روسو ) قد نادى به سابقاً وهو أن‬
‫الفن يك ون أك ثر ص دقاً وأص الة كما تخلص من حسه الثق افي‪ ( ،‬هوي غ‪ ،1978 ،‬ص ‪ .) 316 :‬وعليه تهيأ الفن‬
‫ليدخل مرحلة جديدة تقيم وزناً لفن آخر ؛ بل ان هذا التقييم يصل إلى حد التفضيل أحياناً‪ ،‬وبذا أصبحت كفة الفنون‬
‫األولية أو فن ون الس ليقة على الفن ون المرموقة ال تي طالما ن الت إعج اب الفن انين والمت ذوقين‬
‫مع اً‪ ،‬وانتشر في األوس اط الفنية األوربية ُه َو من الفن الخ ام‪ ( .‬الفن الالش كلي )‪ .‬وتم التوجه نحو التبس يط‬
‫واالخ تزال وهما من خص ائص الفن الب دائي ال تي اس تلهم منها الفن ان الح ديث الش يء الكث ير‪ ،‬تعب يراً عن رفضه‬
‫للفنون األكاديمية ذات الحس المادي والتي شعر الفنان إزاءها بضيق األفق واالختناق والتقييد‪ ( ،‬يونان‪،1969 ،‬‬
‫ص‪ .) 145‬وحينها تط ور الفن الح ديث باتج اهين‪ ،‬األول فن ذاتي‪ ،‬متمثل في التعبيرية والرمزية والس ريالية‪ ،‬أما‬
‫الث اني فهو الفن الالتشخيصي ال ذي يبحث عن الش كل الخ الص والتج انس الل وني متمثالً في التجريدية والتكعيب ة‪.‬‬
‫( مبارك‪.) 51-50 ،1973 ،‬‬

‫(‬
‫*) للمزيد‪ ،‬راجع‪ ،‬حسن حممد‪ 9‬حسن‪ ،‬مذاهب الفن املعاصرة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ب ت‪ ،‬ص‪.28‬‬

‫‪1024‬‬
‫وعلى ه ذا النحو س تقوم الباحثة باس تعراض أهم المالمح البدائية في ه ذه االتجاه ات مبتدئة باالتج اه‬
‫االنطباعي الذي حاول اكتشاف الحقيقة الجوهرية للمظاهر الحسية وتجسيدها على وفق التطورات العلمية بفيزياء‬
‫اللون وعلم البصريات مؤكدة بذلك مسألتين أصبحتا من المسائل األساسية في طروحات الفن الحديث‪ ،‬األولى ‪:‬‬
‫تأكي دها اس تقاللية الل ون وذلك بتحويل العمل الف ني إلى تناغم ات لوني ة‪ ،‬أما الثانية فتأكي دها اس تقاللية التص وير‬
‫والعمل ألجل التصوير ذاته وذلك بحذفها للمواضيع األدبية والسرد القصصي من نتاجاتها الفنية‪ ،‬وعلى ه ذا النحو‬
‫تطلب األمر الع ودة إلى معطي ات التجربة ال تي يس تمد منها اإلنس ان خبرته وال تي ترجع في النهاية إلى اإلحس اس‪،‬‬
‫واالنطباعية كما ُه َو مع روف عنها قد اتبعت آلية جدي دة في التص وير قائمة على نمط جديد في الرؤية ص دقها‬
‫األساسي ُه َو تس جيل االنطب اع الحسي كما تبص ره العين مادي اً وآني اً‪ ،‬بعيداً عن النظم المكتس بة وال تي تم التع ارف‬
‫عليها حتى ذلك الحين‪ ( .‬أمهز‪ ،1981 ،‬ص ‪.) 15-9‬‬
‫وباإلمكان التماس نفس االهتمامات لإلنسان البدائي في مرحلة حيوية الطبيعة‪ ،‬إذ كانت صبغة الفنية ليست‬
‫ص يغ جام دة وثابت ة‪ ،‬وإ نما هي ش كل متح رك يع الج مش كلة التعب ير عن الواقع ب أكثر وس ائل التعب ير‬
‫تنوع اً‪ ،‬وي ؤدي مهمته ب درجات متفاوتة من اإلتق ان‪ ،‬وتعطينا انطباع اً بص رياً يبلغ من التلقائي ة‪ ،‬ومن نق اء الش كل‬
‫والتح رر من كل ت أنق أو قيد عقلي‪ ،‬ما ال نجد له أي نظ ير في ت اريخ الفن‪ ،‬إالّ عند حل ول النزعة االنطباعية‬
‫الحديث ة‪ ،‬إذ فيها نكتشف دراس ات للحركة ت ذكرنا بالص ورة الفوتوغرافية الحديث ة‪ ،‬وهي دراس ات ال نجد لها نظ ير‬
‫إالّ في ص ور فن ان مثل ( ديكا )‪ ،‬أو أن يك ون فيها ش يء غ ير معق ول أس يء رس مه‪ ،‬لقد ك ان الب دائي كش فها إالّ‬
‫بمس اعدة أدوات علمية معق دة‪ ،‬ولكن ه ذه المق درة ك انت قد اختفت عند حل ول العصر الحج ري الح ديث‪ ،‬عن دما‬
‫استعيض عنه إلى حد ما عن الطابع المباشر لإلحساسات بجمود النزعة التصويرية وثباتها‪ ( ،‬هاوزر‪ ،‬ص ‪-16‬‬
‫‪ ،) 20‬فضالً عن ذلك تأن البدائي كان يسجل انطباعاته أنياً‪ ،‬وكما تطبعه الحواس على ذاته‪.‬‬
‫أما التعبيرية ( ‪ .) Expressionism‬فتعد نزعة فنية باألمك ان التم اس ج ذورها في مختلف مراحل‬
‫التط ور ال تي ب دءاً بفن العصر الحج ري الق ديم‪ ،‬ص عوداً إلى الحركة التعبيرية في الخمس ينات من الق رن العش رين‬
‫( أمه ز‪ ،1981 ،‬ص‪َّ .) 79‬‬
‫إن ج ذور األس اليب التعبيرية نج دها قائمة في الفن ون البدائية والزنجي ة‪ ،‬أما الحركة‬
‫التعبيرية المعاصرة كاتجاه فني أوغل بإيالء االعتبار للعاطفة والوجدان واإلحساس الباطني‪ ،‬بهذا العمق والكثافة‬
‫والش يوع لم يكتب له ال ذيوع إالّ في أوائل الق رن العش رين في ألمانيا ع ام ( ‪ ،) 1910‬فض الً عن ذلك نجد أن‬
‫جذورها قد امتدت إلى فرنسا‪ ،‬إلى فن ( غوغان ) تحديداً‪ ،‬لما يحويه من قيم فنية تعبيرية شتى أثرت على الفنانين‬
‫التعبيريين بشكل واضح‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫‪ .1‬رمزيته الخالبة وألوانه االصطالحية الالواقعية‪.‬‬
‫‪ .2‬رغبته في العودة إلى القيم البدائية‪.‬‬
‫‪ .3‬استخدامه الخط والتشويه في األشكال كوسيلة للتعبير‪ ،‬وذلك ألجل خلق جمالية جديدة عن طريق تحطيم‬
‫األسس الجمالية التي كانت متبعة في الرسم األوربي سابقاً‪.‬‬
‫‪ .4‬استخدامه كتقنية فنية أعطت لأللوان األشكال قيماً جمالياً إضافية‪.‬‬
‫‪ .5‬أسلوبه ذو الطابع التعبيري ( أوهر‪ ،1989 ،‬ص‪.) 81‬‬
‫فضالً عن ذلك فقد كان لفن ( فان كوخ )‪ .‬أثر مماثل‪ ،‬إذ مثل النزعة العاتية للون والخط والتعبير مع اً‪ ،‬إذ‬
‫اتسم أسلوبه باحتدام كبير في استخدام األلوان‪ ،‬وبثورة وخروج جريء من األعراف الفنية السابقة‪( ،‬نيوماير‪ ،‬ب‪.‬‬
‫ت‪ ،‬ص‪.) 122‬‬

‫‪1025‬‬
‫لقد انطلقت التعبيرية من نقطة أساس ية مفاده ا‪ ،‬أن الفن ينبغي أن ال يتقيد بتس جيل االنطباع ات المرئي ة‪ ،‬بل‬
‫عليه أن يعبر عن التجارب العاطفية والقيم الروحية‪ ،‬فضالً عن ذلك‪ ،‬فقد تميزت أعمالهم بنزوع ذاتي في استثمار‬
‫اللون والشكل على أساس من العنفوان الداخلي‪ ،‬فضالً عن أنها أطلقت العنان لتلك المشاعر اإلنسانية الالهية التي‬
‫تقرر بنية الشكل أو النموذج المصور‪.‬‬
‫لقد كان االهتمام بالحاالت واألوضاع النفسية ُه و ُج ُّل ما َّ‬
‫ركز عليه التعبيريون‪ ،‬الذين أوغلوا في تصوير‬ ‫َ‬
‫ووصف عالم مبني على اإلدراك‪ ،‬وذلك باستخدام تقنيات ورموز جديدة وألوان متنافرة‪ ،‬وبأشكال يجري تحريفها‬
‫عن عمد ( األعسم‪ ،1997 ،‬ص‪.) 80‬‬
‫لقد وجد التعبيريون في الفن وسيلة إليضاح الحقيقة الجوهرية للذات البشرية وألسرار الوجود‪ ،‬مخضعة‬
‫ب ذلك األش كال اإلنس انية ومواض يع الطبيعة وباستش هاد القيم اللونية لنزعتها ه ذه‪ ،‬إذ أنهم س عوا جاه دين لنقل ما‬
‫تعانيه اإلنسانية من يؤسس وعناء إلى العمل الفني‪ ،‬األمر الذي دفعهم إلى تجزئة عناصر الحقيقة المرئية ليصعدوا‬
‫من ق وة تعب يرهم عن قصد ( ‪ ) Fleming, 1959, P. 588‬ولقد ع بر ( ف ان ك وخ ) عن وجهة نظر التعبيرية‬
‫هذه على أكمل وجه حينما ناشد الفنان بضرورة إضفاء طابعه الذاتي أزاء الواقع على العمل الفني ألنه كان يرى‬
‫أن دور الفنان ال يقتصر على تسجيل األشياء كما تبدو عليه أن يظهرها على وفق مشاعره أزاءها‪ ( .‬كولنجورد‪،‬‬
‫د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪ .) 70‬أما ( كوك ان ) فقد ك ان يجد في الل ون منف ذاً يعبِّر فيه عن ال ذات وعن مش اعرها الهائجة تعب يراً‬
‫يقترب من الذات البدائية‪ ،‬وكان يرى أنه من غير الصحيح أن نتعامل معه على وفق ما يظهر به في الواقع‪ ،‬وإ نما‬
‫يجب أن يؤخذ على وفق سحر الذاتي‪.)Clay , 1957, P.113( .‬‬
‫َّ‬
‫إن مب ادئ التعبيرية ه ذه تق ترب مما قدمه الب دائيون في رس وماتهم‪ ،‬إذ أنهم ع ادة ما يهتم ون بالج انب‬
‫التعب يري في رس وماتهم من خالل تجس يد إس قاطاتهم الذاتية حي ال المواض يع المرس ومة‪ ،‬بأش كال محرف ة‪،‬‬
‫مستخدمين بذلك أساليب المبالغة‪ ،‬والحذف واإلضافة‪ ،‬والتكرار‪ ...‬الخ‪ ،‬وفقاً النفعاالتهم الذاتية‪ ،‬فض الً عن أنهم ال‬
‫يجسدون مواضيعهم في الغالب على وفق رؤية تسجيلية‪ ،‬بل يحرفونها عن عمد متى ما استدعت الضرورة لذلك‪،‬‬
‫إذ يك ون اهتم امهم منص باً على إض فاء ط ابعهم ال ذاتي على الموض وعات نظ راً لما يتمتع ون به من حس تعب يري‬
‫ف ني ومش اعر هيابة جياشة ت دفعهم للمضي ق دماً في ه ذا االتج اه دون مب االة لما تجلبه لهم الح واس‪ ،‬غ ير أنهم ال‬
‫يستخدمون ألوانهم ذاتياً‪ ،‬كما التعبيريون‪ ،‬بل إنهم استخدموها استخداماً واقعي اً من جهة‪ ،‬وعلى وفق محدوديته من‬
‫جهة أخرى‪.‬‬
‫وخالصة القول‪َّ ،‬‬
‫إن التعبيرية في الرسم لدى الفنان المعاصر والطفل تلتقي في نقطتين أساسيتين ‪ :‬األولى‪،‬‬
‫هي سعي الطرفين لتحميل رسوماتهم مضامين باطنية من خالل استخدامهم لعناصر العمل الفني‪ ،‬الطرف األول‬
‫وبخالصه تجاربه الفنية وعص ارة إحساسه تج اه الوج ود‪ ،‬أما الط رف الث اني‪ ،‬ف إنهم اس تطاعوا بس ليقتهم وبمه ارة‬
‫قليلة أن ينقل وا لنا مع اني عدي دة متنوعة وكث يرة عن المواض يع ال تي ح ازت على اهتم امهم‪ ،‬بلغة فني ة‪ ،‬أما النقطة‬
‫الثانية فهي س عي الط رفين لتحريف الش كل الظ اهر للمش اهد الفنية تحريف اً ش كلياً وص والً لج وهر القض ية المع بر‬
‫عنها‪.‬‬
‫أما مع الوحش ية ( ‪ ،) Fauvism‬ف إن الرسم أص بح أك ثر ش بهاً بالموس يقى وأقل تم اثالً ب النحت‪ ،‬وهو ما‬
‫تحقق على يد مجموعة من الفنانين الشباب ( ماتيس‪ ،‬فالمنك‪ ،‬ديران‪ ،‬مارتيه‪ ....‬الخ )‪ ،‬إذ لم يعد اللون رقيق اً في‬
‫نتاجاتهم‪ ،‬بل على العكس كان عنيف اً أشبه بالهدير ( مولر‪ ،1988 ،‬ص‪ .) 65‬لقد كانت لوحشية مذهباً فني اً يمثل‬
‫ع ودة إلى الفط رة بتلقائية التعب ير‪ ،‬وبدائية األس لوب‪ ،‬وح رارة األل وان المع برة عن عنف وان الحم اس ووحش ية‬
‫عما يحتدم في أعماق الفنان من صراع‬
‫االنفعال‪ ،‬فقدمت فناً تقوم أسسه ومبادئه على الدوافع الغريزية التي تكشف ّ‬

‫‪1026‬‬
‫ق ائم بين الفك رة المتح ررة ال تي ته دف إلى البس اطة والنق اء وتش ويه األش كال وتحطيم الخط وط – ال تي ج رى‬
‫االش تغال عليها س ابقاً – وبين ما ين وء تحت ثقله من ض غوط اجتماعية ش تى‪ ،‬مقدمة ب أنموذج تش كيلي جدي د‪َّ .‬‬
‫إن‬
‫السمة البارزة للوحشية هي التعبير التلقائي المباشر‪ ،‬واالهتمام بالفكرة التي يجسدها الشكل المبسط ذو الخطوط‬
‫المرسومة بسرعة دون تفكير معمق أو تعقيد‪َّ ،‬‬
‫إن اللون الذي كان عفوي اً أخذ يدعم الشكل ويقوم مقام الخطوط في‬
‫تحديد هذا الشكل أو ذاك‪ ،‬وهو لون اصطالحي‪ ،‬مستقل عن الصورة الظاهرية التي أخذت صفة اإلشارة‪ ،‬ووظيفة‬
‫أكثر شمولية‪ ،‬لقد وضع اللون مباشرة دون تخطيط سبق للمساحة التي سيشغلها‪ ( .‬أمهز‪ ،1981 ،‬ص‪.) 87‬‬
‫ومما سبق ذكره نجد هناك نقاط التقاء فيما بين االتجاه الوحوشي والفن البدائي نوجزها باآلتي ‪:‬‬
‫‪ .1‬البناء المسطح للعمل الفني‪.‬‬
‫‪ .2‬تناسب وتألف المستويات دون استخدام الظل والضوء أو التدرجات اللونية‪.‬‬
‫‪ .3‬بساطة األسلوب األدائي‪.‬‬
‫‪ .4‬جدلية ثنائية ال ذاتي والموض وعي‪ ،‬إذ ارتبط العمل الف ني باألوض اع النفس ية للفن ان وبالع الم الموض وعي‬
‫المصور‪.‬‬
‫‪ .5‬أطلق الطرفين لذاتهم حرية التعبير في اإلبداع وطرق األداء‪.‬‬
‫‪ .6‬أغفل الطرفين قواعد المنظور‪ ،‬كما عفوا باألشكال‪ ،‬وأعادوا بناءها بكثير من المرونة والبساطة‪.‬‬
‫‪ .7‬غيب كال الطرفين سلطة العقل التامة أثناء الرسم‪ ،‬وركنوا إلى ذاتهم‪ ،‬وتمسكوا بحسهم الغنائي‪.‬‬
‫‪ .8‬أصبحت األشكال واأللوان حاملة لقيم تعبيرية وليس لصفات فيزيائية‪.‬‬
‫‪ .9‬رك َّز الط رفين على اس تخدام الخ ط‪ ،‬مع مالحظة الف ارق‪ ،‬في أن الخط ل دى الوحش يون ك ان يتح دد من‬
‫خالل تجاور األلوان مع بعضها البعض ( باونس‪ ،1990 ،‬ص‪.) 144-143‬‬
‫فضالً عن ذلك‪ ،‬فإن األسلوب المباشر في التعبير يلتقي في مواضع عدة مع الطريقة العفوية التي كان يتبعها الفنان‬
‫البدائي في الرسم‪ ،‬كما يلتقي كال الفنين في خضوعهما لسلطة الحس ال العقل‪ ،‬وبحثهما عن التعبير اآلني المباشر‬
‫ال عن التكامل والبناء ذو النزعة المحاكاتية‪ .‬وهو ما يكشف لنا ذلك الحنين الالمتناهي لتلك األوض اع البدائية ذات‬
‫صفاء وصدقاً‪.‬‬
‫ً‬ ‫السمة الطفولية‪ ،‬وعن شوق إلى تلك الحاالت األكثر‬
‫فيما مثلت ( التكعيبية ‪ ،) Cubism‬أكثر الحركات ثورية في مجال الرسم الشكالني‪ ،‬منذ القرن الخامس عشر‪ ،‬إذ‬
‫طغى تأثيرها على فنون العمارة والنحت إلى حد ما على الموسيقى‪ ،‬وكان أن تأثرت في بادئ األمر بالفن البدائي‬
‫والنحت الاليب يري‪ ،‬إذ َّ‬
‫إن ( بيكاسو ) ك ان قد رسم لوحته ( آنس ات أفين ون ) مت أثراً به ذين الف نين‪ ،‬فض الً عن‬
‫ت أثيرات ( س يزان ) في تخريط األش كال وهندس تها‪ ( .‬ري د‪ ،1989 ،‬ص‪ ،) 45‬لقد ب دت التكعيبية مت أثرة ب الفن‬
‫البدائي والنحت الاليبري لألسباب التالية ‪:‬‬
‫‪ .1‬وظيفتها االجتماعية‪ ،‬واستخدامها كتذكارات سحرية في االحتفاالت الطقوسية‪.‬‬
‫‪ .2‬جمالية أش كالها‪ ،‬إذ َّ‬
‫إن الفن ان ال ذي أنجرها لم يكن يع نى بتس جيل ظ اهرة مرئي ة‪ ،‬بل ب التعبير عن فك رة‬
‫بشأنها‪ ،‬أي حقيقتها الجوهرية‪.‬‬
‫‪ .3‬لها قوة سحرية إيمائية ذات مدلول إنساني‪.‬‬
‫‪ .4‬تحوي على قيم عالية من التبسيط واالختزال‪.‬‬
‫‪ .5‬وجد الفن ان فيها أس لوباً ورؤية جدي دة في التعامل مع الواقع دون اس تخدام عناصر مس تمدة من الرؤية‬
‫المباشرة‪ ( .‬أمهز‪ ،1881 ،‬ص‪.) 94-93‬‬
‫كما يمكن أن تعد األسباب أعاله قاسم مشترك بين الفنون البدائية والفن التكعيبي في ذات الوقت‪.‬‬

‫‪1027‬‬
‫لقد انطلقت التكعيبية في تخريط مظ اهر األش ياء في تخطيط ات هندس ية ومكعب ات وش رعت ب الرجوع إلى‬
‫التخطيط المبسط وااللتزام بقيمة الخط‪ ،‬فض الً عن تخليها عن القواعد األكاديمية في تجسيدها للواقع لتفضل السير‬
‫باالشتغال على األشكال ودقائقها ومن ثم تقديمها بشمولية وإ حاطة أكثر مما لو أحاطت هذه األشكال بالنظام الكلي‬
‫ل ه‪ ( .‬األعس م‪ ،1998 ،‬ص‪ .) 79‬وباإلمك ان إيج اد أو تلمس ذات الش يء في الرسم الب دائي‪ ،‬إذ اعتمد باألس اس‬
‫على التخطيط المبسط واالل تزام بقيمة الخط ولم تح وي – في الغ الب – مواض يعه المجس دة على أي اً من القواعد‬
‫األكاديمي ة‪ ،‬ومع ذلك نج دها قد ق دمت أش كال أك ثر إحاطة وش مولية‪ ،‬أك ثر مما لو ق دمت ه ذه األش كال على وفق‬
‫رؤية محاكاتية في كل مرة‪.‬‬
‫ومع أن التكعيبيين قد اهتموا بالجانب الشكلي ونوع اً ما العلمي في العمل الفني إالّ أنهم لم يتناسوا الجانب‬
‫اإلنس اني في ه‪ ،‬إذ أنهم وثق وا عقب ات الواقع وتعقيداته في أعم الهم الفني ة‪ ،‬وذلك من خالل وضع مظ اهر الش يء‬
‫المتعددة سوياً على سطح ٍ‬
‫مستو واحد‪ ،‬وبما ال يمكن للعين أن ترى هذه األشياء مجتمعة في حين يكون في مقدور‬
‫الذهن أن يوحدها من جديد‪ ،‬وعليه أصبحت المشاهد ينظر لها من أكثر من زاوية نظر واحدة‪( .‬مولر‪،1988 ،‬‬
‫ص‪ .) 79‬وكمثال على ذلك لوحة ( بيكاسو ) ( المرأة الباكية )‪ .‬وهي لوحة مؤسسة على قيم فنية قريبة مما قدمه‬
‫الب دائي في رس وماته‪ ،‬إذ رسم الوجه جامع اً ما بين الوضع األم امي والج انبي مع اً‪ ،‬مع مالحظة الف ارق‪ ،‬من أن‬
‫البدائي أراد من أسلوبه هذا أن يقدم لنا كل ما خبره من األشكال المصورة ؛ لذا جعلها منظورة من أكثر من زاوية‬
‫نظر واح دة‪ ،‬فض الً عن أنها تك ون أك ثر ق درة على توص يل المع اني المع بر عنها مما لو نظر إليها من زاوية نظر‬
‫واحدة‪.‬‬
‫لقد أوغل ( ب راك ) و( بيكاسو ) في تحليل مظ اهر األش ياء وتجزئتها إلى وح دات هندس ية معينة على‬
‫غ رار أس لوب ( س يزان )‪ ،‬ك انت ه ذه هي المرحلة التكعيبية التحليلية منذ ع ام ( ‪ ،) 1914 – 1912‬فيما بعد‬
‫مضى االثنان منذ عام ( ‪ ،) 1914‬نحو اإلقالل من تشطيرها موغلين في تحويها‪ ،‬من دون أن يتقيدوا باألساليب‬
‫التقليدية ؛ فضالً عن إدخال الحروف الكتابية وإ كسابها حس اً زخرفي اً‪ ،‬وأقحموا قرائنها الذهنية في الصورة عالمة‬
‫على أنهم ابتكروا التلصيق‪ .‬األمر الذي ساعدهم على اكتشاف قيم لونية جديدة وأعطاهم حرية أوسع للتحكم فيه‪.‬‬
‫ان مقارنة ذلك مع فن الرسم‬ ‫وباإلمك‬ ‫)‪،‬‬ ‫ص‪80‬‬ ‫ولر‪،1988 ،‬‬ ‫(م‬
‫الب دائي‪ ،‬وال ذي أوغل فنانه في تحليل مظ اهر األش ياء وتحويلها إلى م وجزات ش كلية ذات داللة مرتبطة ب ذات‬
‫الب دائي وح دة‪ ،‬إذ يتح ول الش كل اإلنس اني إلى أش كال وخط وط هندس ية مس تقيمة ومنحنية تعبيرية موحية بجسد‬
‫اإلنسان‪ ،‬تطور الرسم بعد ذلك ليتحول إلى تجانس أكثر فيما بين هذه الموجزات الشكلية وبين ما تدل عليه‪ ،‬وهو‬
‫ما تم على وفقه تطور فن الرسم البدائي‪.‬‬
‫ولك ون التكعيبية قد أعطت للفن ان فرصة للتالعب ببن اء الس طوح والعناصر ان دفع بعض هم إلى األس لوب‬
‫التلق ائي في البن اء‪ ،‬إذ كشف كل من ( كالس ) و( ه يزنكر )‪ .‬من رغبتهم في إلب دال البن اء الموض وعي للطبيعة‬
‫بالبن اء التلق ائي له ا‪ ،‬ويتحقق ذلك حينما ينمكن الفن ان من أن يث ير الحس اإلنس اني ال ذي يب دأ ب الفهم وينتهي‬
‫بالتص وير‪ ،‬إذ َّ‬
‫إن المش اهد ‪ /‬المتلقي قد يت أثر بص ورة يتم تكوينها بحرية وتلقائية أك ثر من ت أثره بلوحة يتم تكوينها‬
‫عن عمد‪ ( .‬ريد‪ ،1989 ،‬ص‪ .) 52-50‬وقد سبق الفن البدائي في هذا المجال الرسم الحديث‪ ،‬والتكعيبي منه‪،‬‬
‫وربما هذا ُه َو ما يفسر لنا ذلك السحر والجاذبية التي أمتلكها ويمتلكها الفن البدائي‪.‬‬
‫فض الً عن ذل ك‪ ،‬فقد عملت التكعيبية على تص وير األش ياء وكأنها منظ ورة من خلف قطعة زج اج‪ ،‬ووفق اً‬
‫لخاصية الشفافية‪ .‬وقد تم التحدث عن هذه الخاصية في الرسم البدائي سابقاً‪ ،‬وكذلك التحدث عن دالالتها وخالصة‬

‫‪1028‬‬
‫الق ول‪َّ ،‬‬
‫أن التكعيبية التقت مع الرسم الب دائي في الج انب الش كلي البن ائي للعمل الف ني‪ ،‬وفي اس تخدامها لخص ائص‬
‫التحريف وعدم استخدام قواعد المنظور والشفافية والحذف‪ ...‬الخ‪ .‬عند الرسم‪.‬‬
‫لقد ن ادت التعبيرية بض رورة التوغل إلى الطبيعة العض وية للحي اة‪ ،‬وتحدي داً للمن ابع ال تي يت دفق منها‬
‫اإلبداع‪ ،‬فيما تلتها السريالية لتذهب في األمر إلى أبعد من ذلك‪ ،‬إلى منبع الحياة الذهنية‪ ،‬السيما بعد أن ذاع صيت‬
‫نظرية ( فرويد ) في التحليل النفسي ال تي كش فت عن دور الالش عور في الس لوك اإلنس اني‪ ،‬إذ ن ادت الس ريالية‬
‫ص راحة بض رورة اللج وء إلى الص راعات الداخلية ال تي يعانيها اإلنس ان وال تي أص بحت س مة مم يزة لعص رنا‬
‫الح الي‪ ،‬فض الً عن التخلي عن كل ما ُه َو عقالني‪ ،‬وإ عط اء األولوية لألش كال الال تشخيص ية‪ ،‬ال تي تنقل هيج ان‬
‫الذات البشرية وخلجاتها‪ ( .‬هونغ‪ ،1978 ،‬ص ‪ .) 333‬إالّ أنها مع ذلك لم تكن سلبية في نزعتها هذه ألنها فعلت‬
‫ذلك بروح بناءة‪ ،‬إذ كان هدفها الكشف عن حياة العقل الباطن وتصعيده إلى مستوى العقل الواعي كوسيلة لخلق‬
‫اتزان نفسي جديد‪ ،‬األمر الذي جعلها ترتكز على اإليماءات النفسية أكثر من تركيزها على العمل الفني ذاته‪.‬‬
‫لقد أولع الس رياليون باالعتباطية وب األحالم‪ ،‬إذ ص ور ( ماس ون‪ ،‬ودالي‪ ،‬وط انغكي ) أحالم اً مرعبة في‬
‫حين صور بعضهم اآلخر أحالماً مفرحة‪ ،‬تحمل في طياتها شيئاً مما خبرناه أيام طفولتنا‪ ،‬كما فعل ( كلي وشاغال‬
‫وميرد )‪ ،‬إذ صور ( شاغال ) مشاهده بشكل يفلت من كل قيود الواقع مستعمالً أشكاالً وألوان اً بحرية أوسع‪ ،‬مع‬
‫سعيه إلرباك العناصر المستعارة ووضعه للزمان المغاير مع الفضاء المغاير‪ ( .‬مولر‪ ،1988 ،‬ص‪.) 113‬‬
‫أما ( كلي ) فقد ش اء أن يق دم تكوين اً ص ورياً خالص اً‪ ،‬ال يفقد رس وماته س ذاجتها ومظهرها اإلله امي‪ ،‬مع‬
‫اهتمامه الواضح بوسائل التعبير ذات السمة البسيطة التي أعطت لرسوماته تلك السمة الطفولية‪ ،‬إذ يصف (ريد )‬
‫فن ( كلي )‪ .‬بأنه ‪ " :‬فن غريزي ذو خيال واسع ال نلتمس فيه إالّ القليل من الموضوعية‪ ،‬فن شبيه بفنون البدائي‪،‬‬
‫واألطفال وتكويناتهم " ( ريد‪ ،1986 ،‬ص‪.) 250 -249‬‬
‫إن ما يم يز رس ومات الس رياليين ُه َو ذلك التالعب الص ريح بمختلف مكون ات األش ياء كتكبيرها أو‬ ‫َّ‬
‫تص غيرها أو المبالغة في اس تطالتها تبع اً النفع االت الفن ان أو مبتغ اه‪ ،‬فض الً عن تالعبهم بحقيقة تمثيل األزمنة‬
‫واألمكن ة‪ ،‬وه ذا ما نج ده واض حاً في رس وم الب دائي‪ ،‬فهو يك بر أو يص غر أو يتالعب بمختلف مكون ات‬
‫األشياء‪ ،‬فإنه يفعل ذلك تبع اً النفعاالته تجاه هذا الشكل أو هذه األشياء المرسومة‪ ،‬غير مكترث بمدى معقولية ما‬
‫يرسمه ؛ فض الً عن أنه يضمن مشاهده المرسومة عناصر مستعارة يضعها في زمان ومكان مغاير‪ .‬عالوة على‬
‫ذلك ما سبق ذكره فإن كال الطرفين يستغنون عن سلطة العقل في أثناء فعل الرسم‪ ،‬فينتجون أعمال فنية معتمدة‬
‫اتي‬ ‫وقت ال تطابقها على نحو محاك‬ ‫ودات‪ .‬وفي ذات ال‬ ‫ذاتي أزاء الموج‬ ‫على الحس ال‬
‫تماماً‪.‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫مجتمع البحث ‪ :‬ت ‪11‬ألف مجتمع البحث الح ‪11‬الي من ( ‪ ) 10‬لوح ‪11‬ات لخمس من اتجاه ‪11‬ات الرسم األوربي الح ‪11‬ديث‬
‫وهي ( االنطباعية‪ ،‬التعبيرية‪ ،‬التكعيبية‪ ،‬الوحوشية‪ ،‬السريالية )‪.‬‬
‫عينة البحث ‪ :‬تألفت عينة البحث الحالي من خمس لوحات تعود ألشهر فناني االتجاهات المذكورة أعاله‪.‬‬
‫في تحليل عينة‬ ‫(*)‬
‫منهج البحث ‪ :‬اعتم‪11 1‬دت الباحثة على أس‪11 1‬لوب تحليل المحت‪11 1‬وى إلى ج‪11 1‬انب بن‪11 1‬اء أداة خاصة‬
‫البحث الحالي‪.‬‬
‫عينة ( ‪) 1‬‬

‫(*) ينظر ‪ :‬ملحق ( ‪.) 1‬‬

‫‪1029‬‬
‫اسم العمل ‪ :‬المستحمات‪1905 ،‬‬
‫اسم الفنان ‪ :‬بول سيزان‬
‫بإمكان متلقي العمل الفني أن يلحظ تلك التحريفات الجزئية في بنية أجساد المستحمات‪ ،‬إذ رسمت ب اختزال‬
‫وبعي داً عن األس باب في التفاص يل‪ ،‬وهو ما أعطى للعمل الف ني إيم اءة جمالي ة‪ ،‬إذ لم تكن أش كال النس اء لتمثل أي‬
‫امرأة في الواقع ؛ بل كانت أنموذج لمجموعة خطوط وألوان معينة على سطح تصويري ذو بعدين‪ ،‬أي أنها كانت‬
‫أنم وذج الم رأة مثالية بالنس بة للفن ان‪ ،‬ولم يقتصر التحريف الج زئي على األش كال فقط ؛ بل تع داه ليش مل األل وان‬
‫أيض اً‪ ،‬إذ رس مت أجس اد النس اء بل ون ( األوكر ) فق ط‪ ،‬مع إض افة قليل من الل ون األبيض في مواضع مح ددة من‬
‫الجسم‪ ،‬وهو ما أكسب العمل الفني مسحة جمالية‪.‬‬
‫المتأمل للعمل الف ني ال يجد ص عوبة في تحديد مك ان أو زم ان المش هد المص ور‪ ،‬إذ ك ان كله ي دور ح ول‬
‫اس تحمام النس اء في بح يرة الم اء في وضح النه ار‪ ،‬غ ير أن ه ذا التحديد الزمك اني في ذات ال وقت ال يك اد يش ابه‬
‫التحديدات الزمكانية المادية الواقعية‪ ،‬لذا بدا المشهد وكأنه أشبه بالحلم‪ ،‬أو بحالة من التخيل – ومما أكسى العمل (‬
‫اللوحة ) طابع اً جمالي اً ُه َو تك رار ( س يزان ) ألش كاله تك راراً مرن اً بش تى أجناس ها‪ ،‬فب دت اللوحة وكأنها تنبض‬
‫بالحي اة والحركة أك ثر من كونها س اكنة‪ ،‬مح ددة ببع دين تص ويريين‪ ،‬عالوة على ذلك فقد ازدانت اللوحة ب ذلك‬
‫التن وع الهائل في توزيع األش كال واألل وان وانتش ارها‪ ،‬وهو ما ينم عن مق درة فائقة وعن تج ارب مستفيضة في‬
‫مج ال الل ون‪ ،‬لقد ب نيت اللوحة عل نحو متماث ل‪ ،‬إذ عمد ( س يزان ) إلى توزيع أش كاله بتماثل ت ام‪ ،‬إذ ك ان نصف‬
‫اللوحة األيمن يش ابه إلى حد كب ير نصف اللوحة األيس ر‪ ،‬وبحسب ذلك فقد وزعت األش كال النس ائية في مقدمة‬
‫اللوحة بحجم أكبر من النساء اللواتي يتوسطن منتصف اللوحة‪ ،‬ومع ذلك فقد جعل للموضوع أكثر من زاوية نظر‬
‫واح دة‪ ،‬بغية إحاطة المش هد بنظ رة أك ثر ش مولية وإ حاط ة‪ ،‬في حين وزعت األش كال توزيع اً مركزي اً ح ول بح يرة‬
‫الماء‪ ،‬إذ كانت كل الشخوص واألشجار تدور حوله‪.‬‬
‫لقدم استخدم ( سيزان ) المفردات المركبة كيما تكون أوضاع مثالية في لوحته‪ ،‬فض الً عن ذلك فقد أكثر (‬
‫سيزان ) من األشكال النسائية وبحسب ما يقتضيه موضوع اللوحة للتأكد على خاصية الغرضية في العمل الفني‬
‫هذا‪ ،‬فض الً عن ذلك ؛ فقد استخدم اللون استخداماً اصطالحياً أحيان اً‪ ،‬ورمزيا أحيان اً أخرى‪ ،‬كما استخدم خاصية‬
‫الشفافية في مجال اللون والشكل استخداماً جزئياً‪ ،‬وهو ما أكسب العمل الفني مسحة جمالية إضافية‪.‬‬
‫عينة ( ‪) 2‬‬
‫اسم العمل ‪ :‬ليلة نجومية‪1889 ،‬‬
‫اسم الفنان ‪ :‬فان كوخ‬
‫لقد اقتصرت تحريفات ( فان كوخ ) في هذا العمل على أجزاء من األشكال واأللوان السوداء كانت أشكال‬
‫األش جار أم ال بيوت أم الجب ال‪ ،‬إذ كلها ح رفت جزئي اً زي ادة في التعب ير واإلفص اح‪ ،‬على حين ح رف ش كل الس ماء‬
‫تحريف اً كلي اً سواء أكان في أشكال النجوم أم في ألوانها‪ ،‬ومع وجود هذه التحريفات إالّ أن الفنان استطاع اإلبقاء‬
‫على الصفة الزمكانية للعمل الفني‪ ،‬ولم يتالعب بالحقيقة الواقعية لهذين البعدين‪ ،‬على الرغم من أنه لم يكن يهدف‬
‫في تصويره إلى تحديد مكان اً أو زمان اً معين‪ .‬ومما أكسب العمل الفني تلك الحيوية والحركية والجمالية ُه َو تكرار‬
‫وحدات العمل وألوانها تكراراً مرناً وبشكل منوع فيه‪ ،‬وهو الصفة المميزة ألعمال ( فان كوخ )‪.‬‬
‫فض الً عن ذلك ؛ فإننا نالحظ بس هولة ذلك التماثل الش كلي والل وني الج زئي في ش كل الس ماء‪ ،‬إذ وزعت‬
‫النج وم فيها على نحو متماثل جزئي اً ومن وع‪ ،‬وهو ما ينم عن مخيلة ف ذة‪ ،‬إذ كما ُه َو مع روف عن‬
‫( فان كوخ ) لم يكن يصور ما يراه‪ ،‬بل ما يعرفه‪ ،‬وبالتالي بإمكان المشاهد أن يلحظ ذلك الخرق الواضح لقواعد‬

‫‪1030‬‬
‫المنظ ور في س ماء اللوح ة‪ ( ،‬فض اءها )‪ .‬على حين أنه قد طبق على ب اقي مكون ات اللوح ة‪ ،‬بمع نى آخر يمكن‬
‫القول بأن ( فان كوخ ) قد خرق قواعد المنظور وإ ن لم يكن خرق اً تام اً‪ ،‬ألجل زيادة التعبير وقوة التأثير‪ ،‬وقدرة‬
‫اإليصال ؛ فض الً عن ذلك‪ ،‬فقد كانت المشهد تنظر من أكثر من زاوية نظر واحدة‪ ،‬كما وزعت الوحدات توزيع اً‬
‫تناثري احتل كل مساحة اللوحة‪ ،‬وأكثر الفنان من عدد النجوم في السماء وبالغ في استطالة األشجار والتصغير‬
‫من حجم البيوت‪ ،‬كما إنه حذف بعض التفاصيل منها‪ ،‬واستخدم األلوان استخداماً رمزي اً في أكثر من موضع في‬
‫اللوحة‪ ،‬كما يمكننا أن نلحظ شفافية اللون األصفر الذي لونت به النجوم‪ ،‬إذ لم يخفي ما تحته من ألوان أخرى‪.‬‬
‫والعمل الفني بشكل عام يغلب عليه طابع الخشونة والمباشرة والحاجة في التنفيذ‪ ،‬ويصور مشهداً يكاد أن‬
‫يك ون مش هداً من تلك المش اهد الحلمية ال تي يش هدها أغلب الن اس‪ ،‬فض الً عن أنها تنم عن م زاج ب دائي في تخيل‬
‫وتص ور ق وة الس ماء والليل بال ذات‪ ،‬أو كأنها رس مت ب روح بدائية ص ورت مخاوفها من الس ماء‪ ،‬فض الً عن أن‬
‫العمل الفني قد حمل بعض من مكامن الالشعور الجمعي الذي يحمله معظم الناس‪.‬‬
‫عينة ( ‪) 3‬‬
‫اسم العمل ‪ :‬من أين أتينا‪ ،‬ومن نحن‪ ،‬والى أين ماضون‪1897 ،‬‬
‫اسم الفنان ‪ :‬بول غوغان‬
‫اللوحة ب دت وكأنها موزعة على ش ريط مس تطيل مص ورة بش كل حك ائي أو روائي‪ ،‬وبإمك ان المتلقي أن‬
‫يلتمس تلك التحريف ات الجزئية في بنية األش كال‪ ،‬وال تي منحتها تلك المالمح البدائي ة‪ ،‬ال تي ارتس مت بش كل واضح‬
‫على وجوه وأجساد وشخوص العمل الفني ؛ فض الً عن ذلك‪ ،‬التحريف الجزئي للمكان الذي جمع فيه (غوغان )‬
‫أكثر من مشهد واحد‪ ،‬على سطح تصويري واحد‪ ،‬إذ أراد الفنان في هذا أن يفصح عن حركية هذا العالم الواسع‬
‫وص راع إرادته ورغباته المتض اربة‪ ،‬وبالت الي الكشف والتعب ير عن ذلك القلق ال دفين والتس اؤل المتك رر ح ول‬
‫مص ير الف رد والمجم وع على الس واء‪ ،‬ومما يزيد في تأكيد ه ذه النقطة بال ذات ُه َو ذلك التحريف للزم ان‬
‫التصويري‪ ،‬إذ ال يمكن تحديد وقت زمني محدد لهذه اللوحة‪ ،‬فألوانها ال تفصح عن وقت محدد على الرغم من أن‬
‫المشهد يصور واقعة يفترض أنها وقعت في زمان ومكان محددين‪.‬‬
‫هن اك ح اجز يفصل األنا عن الطبيع ة‪ ،‬فاألجس ام عارية في الغ الب واألق دام محرفة واألجس ام تف ترش‬
‫األرض وتستر بالسماء‪ ،‬ومما زاد من جمالية هذا العمل ُه َو االستخدام الرم زي لألل وان‪ ،‬عالوة على أنه أراد أن‬
‫يكون اهتمام الناظر منصباً على الحدث بحد ذاته‪ ،‬وليس على مدى مطابقة أو مصداقية هذا الحدث مع ما يمت له‬
‫بصلة في الواقع‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن العمل الف ني بخصائصه الم ذكورة أعاله‪ ،‬يفصح عن تلك ال روح واألحاس يس البدائية ال تي تنبثق منها‬
‫مش اعر الفن ان ذات ه‪ ،‬ومما يؤكد طرحنا ه ذا ُه َو تض مينه لعمله الف ني ذلك التمث ال الب دائي وال ذي يش ير إلى أنه‬
‫(طوطم )‪ ،‬والذي يشابه إلى حد كبير تلك التماثيل والدمى التي خلقها لنا اإلنسان البدائي في عصوره الموغلة في‬
‫القدم‪ ،‬وهو ما شكل عنصر جذب في اللوحة وكسر للرتابة التي قد يؤديها تكرار األشكال اإلنسانية والحيوانية في‬
‫اللوحة‪ ،‬إن تصوير المشاهد على هذا النحو البدائي يفصح عن رغبة الفنان في تقديم حقيقة الذات البشرية كما هي‬
‫دون زيف أو تزويق‪ ،‬وهو بالتالي تقديم لحقيقة أخرى ُدفنت تحت غبار الثقافة والحياة الحفرية‪.‬‬
‫عينة ( ‪) 4‬‬
‫اسم العمل ‪ :‬آنسات أفينون‪1913 ،‬‬
‫اسم الفنان ‪ :‬بيكاسو‬

‫‪1031‬‬
‫َّ‬
‫إن ما يميز نساء هذه اللوحة ُه َو تلك التحريفات الجريئة الواضحة في بنية أشكالها‪ ،‬إذ حرفت جزئي اً عن‬
‫طريق تض خيم من اطق الج ذع وح ذف بعض من أص ابع األي دي واألق دام وص حب كل ذلك تحريف كلي‬
‫للون‪ ،‬وللزمان والمكان‪ ،‬وذلك التكرار المرن لألشكال واأللوان والخطوط‪ ،‬وهو ما أضفى تلك الجمالية الساحرة‬
‫على العمل الفني‪ ،‬فضالً عن ذلك فقد فرق ( بيكاسو ) قواعد المنظور الخطي واللوني بشكل تام‪ .‬فنظر للوحة من‬
‫أك ثر من زاوية نظر واح دة‪ ،‬ووزعت الوح دات فيها توزيع اً تناثري اً وللتعب ير عن الوضع المث الي ب الغ قليالً في‬
‫تركيبة الجسم األنثوي‪ ،‬كما نجد أن ( بيكاسو ) في هذا العمل عمد إلى اإلكثار من األشكال اإلنسانية والتفخيم فيها‬
‫وهو ما أبرز لنا خاصية الغرضية‪ ،‬ومما أكسب العمل الفني جمالية إضافية ُه َو إبراز خاصية الشفافية والتي تعد‬
‫إحدى الصفات المميزة لالتجاه التكعيبي و( بيكاسو ) بالذات‪.‬‬
‫بش كل ع ام العمل الف ني ينطبق بتلك المالمح البدائية بش كل جلي‪ ،‬إذ نلتمس تلك الم ؤثرات واض حة بنية‬
‫األجس اد وفي تع ويم الفض اء‪ ،‬وال تي أص بحت من الس مات ال تي م يزت فن ( بيكاسو )‪ ،‬إذ إنه نبذ نمطين ف نين من‬
‫األنم اط ال تي ج رى االش تغال عليها منذ عصر النهضة وهي نبذ النمط التقلي دي للجسم البش ري‪ ،‬وف رق اإلبه ام‬
‫البص ري عن طريق التالعب بالس طوح‪ ،‬وعلى نحو ما ج اء به الفن الب دائي والنحت الالي بري ال ذي َمثَّل أحد‬
‫المرجعيات األساسية للفن التكعيبي‪.‬‬
‫عينة ( ‪) 5‬‬
‫اسم العمل ‪ :‬شبح وجه على الشاطئ‪1938 ،‬‬
‫اسم الفنان ‪ :‬سلفادور دالي‬
‫في لوحة ( دالي ) ه ذه نجد أن أش كاله قد ت راوحت فيما بين أن تك ون محرفة كلي اً وجزئي اً‪ ،‬إذ نجد هياكل‬
‫عظمية يصعب االستدالل على جنسها بينما توجد أشكال إنسانية يمكن التعرف على حقيقتها أو األصل الذي ترجع‬
‫إلي ه‪ ،‬ك ذلك نجد أن الل ون قد ح رف كلي اً عن ارتباطاته في الواق ع‪ ،‬ولم يقتصر التحريف على األش كال واألل وان‪،‬‬
‫وإ نما امتد ليشمل حتى بعدي الزمان والمكان‪ ،‬إذ حرفا تحريف جزئي حيناً فيما حرفا كلياً في موضع آخر‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن ما يميز هذا العمل الفني ُه َو كثرة الوحدات التصويرية‪ ،‬سواء كانت شخوص اً أم هياكل أم آدمية‪ ،‬غير‬
‫أنها لم ت أتي أو تتجسد على وتيرة واحدة ؛ بل ك انت متك ررة تك راراً منوع اً أكسبها طابع اً جمالي اً إضافياً ؛ فض الً‬
‫عن ذلك‪ ،‬التكرار المنوع في اللون نفسه‪ ،‬فبدا المشهد كله وكأنه حلم يثير في النفوس رعب اً ودهشة في آن واحد‪،‬‬
‫وعلى ال رغم من تب اين المش هدين في أقصى يس ار ويمين اللوح ة‪ ،‬إالّ أننا نلحظ ذلك التماثل الج زئي في بني ة‪،‬‬
‫اللوحة‪ ،‬إذ توسط وجه الشبح منتصفها وهو ما أظهر ذلك التوزيع المتماثل لبقية المشاهد‪ ،‬فيما اختار ( دالي ) أن‬
‫ي وزع أش كاله توزيع اً مرك زي‪ ،‬وأن يجعل الش كل الم ركب والمف ردة المركبة وض عاً مثالي اً ألش كاله‪ ،‬فض الً عن‬
‫إكث اره من بعض الوح دات‪ ،‬واإلقالل من األخ رى‪ ،‬واس تطالة أو تقص ير‪ ...‬الخ‪ ،‬من األش كال في اللوحة لتأكد‬
‫غرضه التص ويري‪ ،‬فيما ب دا ش كل الوجه ( الش بح ) ش فاف وعلى نحو لم يحجب معه ض فة الس احل‪ ،‬العمل الف ني‬
‫بش كل ع ام يفصح عن تلك الن وازع والص راعات الالمتعينة وال تي جس دها الفن ان وكأنها حلم م رعب‪ ،‬وعلى نحو‬
‫تفصح من خالله عن مكنونات الالشعور الجمعي الذي تتنقله اإلنسانية بشكل متوارث‪ ،‬وهو فضالً عن ذلك الشكل‬
‫المخيف‪ ،‬فهو بالنسبة له عبارة عن أشياء وأرواح مخيفة تصيح بها الطبيعة‪ ،‬إذن فباإلمكان القول بأن هذه اللوحة‬
‫جاءت لتجسد بعض أو جانب من الرعب الذي سرى في الحياة البدائية‪ ،‬والذي يسري بالالشعور في روح اإلنسان‬
‫المعاصر‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪:‬النتائج ومناقشتها‬

‫‪1032‬‬
‫س تقوم الباحثة بع رض النت ائج ال تي توص لت إليها ومناقش تها مباش رةً وحسب تسلس لها في أداة البحث‬
‫وكاآلتي ‪:‬‬
‫‪ .1‬خاصية التحريف‬
‫أظه رت نت ائج التحليل عن ظه ور ه ذه الخاص ية في الرسم األوربي الح ديث‪ ،‬وتفسر الباحثة ذل ك‪ ،‬وفق اً‬
‫لطبيعة هذا األسلوب في الرسم والذي شكل الفن البدائي أحد مرجعياته األساسية والذي حوى في جانب واسع منه‬
‫على تحريف واخ تزال وتبسط لبنية الش كل وعناص ره األخ رى‪ ،‬فض الً عن ذلك ت رى الباحثة َّ‬
‫أن الفن على مس اره‬
‫الطويل ما ُه َو إالّ تحريف من الناحية الفلس فية‪ ،‬إذ َّ‬
‫إن حي اة اللوحة ش يء والحقيقة العيانية ش يء آخ ر‪ ،‬ح تى وإ ن‬
‫ك انت ص ورة محاكاتية تمام اً‪ ،‬وما الفن بالنس بة للفن ان إالَّ عملية تحري ف‪ ،‬وه ذا يتفق مع رأي (أفالط ون ) في أن‬
‫الفنان يبتعد عن الحقيقة بدرجتين‪ ،‬مرة بمحاكاة الواقع وأخرى بمحاكاة عالم آخر‪ ،‬وهذا ما أشارت إليه الباحثة في‬
‫اإلطار النظري‪.‬‬
‫ترى الباحثة أن الفنان المعاصر استمد هذه الخاصية نظراً لرغبته في إبدال القيم الجمالية القديمة بأخرى‬
‫جديد مبتك رة تتفق مع أزم ات العص ر‪ ،‬وذلك من خالل خلقه ألش كال وأل وان وخط وط محرفة عن أوض اعها‬
‫الطبيعية ومتج اوزة لبع ديها الزم اني والمك اني ؛ فض الً عن ذلك ت رى الباحثة أن التحريف يعطي للفن ان حرية‬
‫واس عة للتالعب بعناصر لوحته من دون حاجة إلى إعط اء مس وغات معين ة‪ ،‬وهو ما مثل قاسم مش ترك بينه وبين‬
‫الفن الب دائي‪ ،‬ومع ذلك فقد اقتصر التحريف ل دى الط رفين اقتصر على التالعب بالمكون ات البص رية للش كل‬
‫الظاهري فقط‪ ،‬دون مساس فكرتها الجوهرية‪ ،‬بل َّ‬
‫إن هذا األسلوب يأتي تصويراً وتقديماً للحقيقة الجوهرية‪ ،‬لذا‬
‫عده تحريف موضوعي أكثر منه تحريف بصري أو عياني‪ ،‬كما ويتفق هذا مع رأي (كانت) في أن ظواهر‬ ‫يمكن َّ‬
‫األشياء تخالف جوهرها‪ ،‬وأن الشكل السطحي ما ُه َو إالَّ قناع خادع يخفي وراءه حقيقة أو جوهر أو معنى‪ ،‬وكما‬
‫سبق للباحثة أن أشارت إليه في اإلطار النظري‪ .‬وألن الفنان األوربي الحديث‪ ،‬كان بحثه يدور حول هذا الجوهر‬
‫نج ده قد ج افى الش كل الظ اهر للموج ودات مقترب اً أك ثر وأك ثر نحو جوهرها بغية التوصل إلى الش كل المع بر عن‬
‫الجمال الحر والمطلق‪ ) H. Read, 1952, P. 114 ( .‬ومثال على ذلك لوحة سيزان (المستحمات) التي لم يكن‬
‫المقص ود من التك وين في إعط اء ص ورة مطابقة لجم ال الطبيع ة‪ ،‬وإ نما لغ رض إب راز ص ورة جوهرية لتلك‬
‫االنحرافات الخطية حتى تكون الفكرة الموضوعية واضحة‪ ،‬أي أن التحريف هنا ُه َو زيادة في التعبير عن فكرة‬
‫الموضوع‪ .‬وقد ظهرت هذه الخاصية من خالل ‪:‬‬
‫أ‪ .‬تحريف الشكل جزئياً‬
‫أظه رت نت ائج التحليل عن ظهور هذه الخاصية في الرسم األوربي المعاصر‪ ،‬وتفسر الباحثة ذلك‪ ،‬بأن‬
‫لو حرف الفنان لوحته كلي اً‪ ،‬أو استخدم الشكل المحرف كلي اً لتحولت لوحته إلى خطوط وألوان وأشكال تجريدية‬
‫بحتة‪ ،‬يصعب معها اإلفصاح عن تلك الجوانب التعبيرية‪ ،‬أو التماس الجوانب االنفعالية فيها األمر الذي قد يحرم‬
‫الفن ان من أن يوصل ما يري ده بش كل يح رك في المتلقي وت راً م ا‪ ،‬فـ(ف ان ك وخ) مثالً‪ ،‬ك ان يعمل على الحد من‬
‫واقعيته األش كال من خالل تش ويه معالمها الواقعي ة‪ ،‬ألنه ك ان م دركاً م دى ت أثير تلك االنحراف ات على نفس‬
‫المش اهد‪ ،‬كما ويؤكد (م وريس دي ني) على ذلك حينما أش ار إلى ض رورة الحد من واقعية األش كال وتحريفها‬
‫تحريف نس بي‪ ،‬من دون أن تفقد تفاص يلها الجوهري ة‪ ،‬وح تى تأخذ اللوحة طابع اً تعب يري ت وحي لل رائي بما يه دف‬
‫إليه الرسام‪ ،‬وهذا ما سبق للباحثة أن أشارت إليه في اإلطار النظري‪ ،‬فض الً عن ذلك ؛ فإن هذه الخاصية تكسب‬
‫العمل الف ني قيمة جمالية حينما توظف فيه ذلك أنها ال ت ؤدي هنا غرض اً إش ارياً بق در أداءها لغ رض تعب يري‬
‫جمالي‪ ،‬كما وترى الباحثة بأن هذا األسلوب في التعبير يساعد كثيراً من إيصال المعاني المعبر عنها‪ ،‬كما ويعد‬

‫‪1033‬‬
‫هذا التحريف مرحلة من مراحل تط ور الرسم األوربي الحديث نحو الشكالنية في الرس م‪ ،‬وطرح اً من طروح ات‬
‫الحداثة‪ ،‬إذ بدأت هذه التحريفات مع انطالقة الرسم االنطباعي صعوداً حتى االتجاهات الفنية المعاصرة‪.‬‬
‫ب‪ .‬تحريف الشكل كلياً‬
‫لم تظهر هذه الخاصية في الرسم األوربي الحديث وبحسب االتجاهات المدروسة في هذا البحث‪ ،‬إذ فيها‬
‫صرف الفنان في بنية الشكل جزئي اً ألجل خلق قيم جمالية وإ يصال معاني إنسانية‪ ،‬مع مالحظة عدم إلغاء ارتباط‬
‫هذه األشكال مع الواقع المادي‪ ،‬على عكس الفنانين األكثر تجريداً واللذين أوغلوا في قطع وشائج العمل الفني مع‬
‫الواق ع‪ ،‬وحرف وا في الش كل كلي اً‪ ،‬فأص بحت اللوحة عب ارة عن أل وان متجانسة أو متعارض ة‪ ،‬دون أن ت دل على‬
‫موض وع خ ارجي‪ ،‬ومن المالحظ أن الب دائي لم يجد أيض اً في تحريف الش كل كلي اً وس يلة للتعب ير‪ ،‬ول ذا نج ده قد‬
‫عما يجول بخاطره من هواجس‪.‬‬
‫استخدم التحريف الجزئي للشكل كيما يعبر من خالل َّ‬
‫ج‪ .‬تحريف اللون‬
‫أظه رت نت ائج التحليل عن ورود ه ذه الخاص ية في الرسم األوربي بش كلها الج زئي والكلي‪ ،‬وتفسر‬
‫الباحثة ذلك في أن الرس ام األوربي المعاصر ك ان يس تخدم ألوانه اس تخداماً ذاتي اً ص رفاً‪ ،‬نظ راً المتالكه حس اً فني اً‬
‫يجعله ي رى مواض يع الخ برة الحس ية المادي ة‪ ،‬لتأخذ ش كالً ولون اً آخ ر‪ ،‬وهو ما س بق للباحثة أن أش ارت إليه في‬
‫اإلطار النظري‪ ،‬عالوة على ذلك ترى الباحثة أن الرسم البدائي قد قدم للفنان المعاصر طريقة جديدة في التعامل‬
‫مع الواقع دون استخدام عناصر واقعية‪ ،‬لذا نجده قد حرف في اللون حين اً‪ ،‬في حين لم يحرف فيه في موضع آخر‬
‫؛ فض الً عن َّ‬
‫أن له تج ارب متع ددة في مج ال الل ون‪ ،‬األمر ال ذي يجعل من اس تخدامه لألل وان طبق اً لظهورها في‬
‫الواقع في كل م رة‪ ،‬أم راً مض حكاً‪ .‬غ ير َّ‬
‫أن ه ذه الخاص ية في الرسم الب دائي على جماليتها وردت تبع اً لمحدودية‬
‫األل وان ال تي ك انت بحوزته وال تي ج ادت بها الطبيعة عليه ؛ فض الً عن أنه لم يمتلك تج ارب متع ددة في مج ال‬
‫الل ون‪ ،‬ل ذا ج اءت األل وان محرفة كلي اً حين اً وجزئي اً حين اً آخر حينما أب دى مح اوالت إلكس اب األش كال ألوانها‬
‫الحقيقية‪.‬‬
‫د‪ .‬تحريف المكان والزمان كلياً‬
‫أظه رت نت ائج التحليل عن ظه ور ه ذه الخاص ية في الرسم األوربي الح ديث وتفسر الباحثة ذلك ب أن‬
‫الرس ام س عى إلظه ار رغبته في تحليل الواقع المع اش ليحيله إلى واقع جديد ومن ثَُّم مك ان جديد وفق اً لرؤيته‬
‫الخاصة‪ ،‬إذ فيه تلغى الحواجز ما بين األشياء لتتماس مباشرةً بعضها مع بعض ومع مكونات الواقع‪ ،‬إذ في الفن‬
‫يتحول الواقع بفضل الصورة الفنية إلى عالم مثالي يصلح بديالً عن عالم الوجود الواقعي‪ ،‬وهذا ما تم التطرق إليه‬
‫في اإلطار النظري‪ ،‬فضالً عن ذلك فإن الفنان كان يحرف في الزمان كلي اً رغبة منه في إلغاء الحاجز الزمني في‬
‫الحي اة وجعلها مفتوحة ال قيد فيها ؛ عالوة على ذلك ت رى الباحثة أن الرسام يحرف في الزم ان والمك ان رغبة في‬
‫منه في بن اء أو االنتق ال إلى ع الم آخر بعيد عن الض غوط السياس ية واالجتماعية والمادية وش تى إش كاليات الحي اة‪،‬‬
‫وهو ما شكل قاسم مشترك بين البدائي والرسام‪.‬‬
‫فض الً عن ذل ك‪ ،‬ت رى الباحثة أن ال زمن بمعن اه التص ويري يع ني اإلض اءة أو الت درج الل وني‪ ،‬وبما أن‬
‫اس تخدام ه ذا الت درج يق ود إلى التجس يم وهو ما ال ي رغب فيه ل ذا نج ده ع اد ليس تخدم أس لوباً يبتعد فيه عن ذل ك‪،‬‬
‫يحاكي في جانب واسع منه وخصوصاً تمثيله لألزمنة واألمكنة أسلوب الرسم البدائي‪.‬‬
‫لقد س عى الرسم األوربي المعاصر إليج اد لغة فنية جدي دة‪ ،‬وص يغ بنائية مس تحدثة تتج اوز أي عالقة‬
‫ارتباطيه اعتيادية بالمش اهد العياني ة‪ ،‬وبالت الي تتج اوز ص يغ الزم ان والمك ان وهو على وفق ذلك يب دي نزوع اً‬
‫ص ريحاً أو ض منياً في رفض طريقة البن اء أو التفك ير بالص يغة المنطقي ة‪ ،‬وقد ع بر عن رغبته ه ذه عن طريق‬

‫‪1034‬‬
‫تخ يره للعالق ات ما بين األش كال واألل وان‪ ،‬ورفضه ألي تش خيص من ش أنه أن يحقق أي ربط زمك اني على وفق‬
‫العالقات االرتباطية المنطقية وبالنتيجة فإنه يبني عالقات غير معقولة من شأنها أن تثير تساؤالت وانفعاالت أكبر‬
‫وأعم ق‪ ،‬وأن تحقق جمالية أك ثر‪ ،‬فض الً عن تعبيرها عن المفه وم المنطقي االفتراضي لما ُه َو ق ائم ( ‪Orgn,‬‬
‫‪.) 1961, P: 53‬‬
‫كما وت رى الباحثة وعلى وفق نظر (ش وبنهور) َّ‬
‫أن الفن ان يبتغي من ذلك هروب اً من مظ اهر الواقع إلى‬
‫حقيقة مثالي ة‪ ،‬تتخلص فيها ال ذات من إرادة الحي اة ذات المالمح القاس ية لتس موا من خالل عملها الف ني في أج واء‬
‫فنطازي ة‪ ،‬متح ررة من عالئقها الزمانية والمكاني ة‪ ،‬مؤلفة ب ذلك مف ردة جدي دة لج وهر الوج ود أي‬
‫(مثله ا)‪ .‬وب ذلك تحمل ه ذه الخصيصة أيض اً دالالت معرفية تمثلت في عملية الكشف عن حقيقة الوج ود‪ ،‬فض الً‬
‫ير‬ ‫ذلك يظهر لنا وعلى حد تعب‬ ‫ة‪ ،‬فإنه ب‬ ‫ة) في الطبيع‬ ‫ك‪ ،‬فإنه يكشف عن (المثل الكامن‬ ‫عن ذل‬
‫(شوبنهور) صورة للجميل‪ ،‬إذ يرى (شوبنهور) َّ‬
‫إن الجمال هو المثل الكامنة في األنموذج‪ ،‬فالشيء يكون جميالً‬
‫م تى ما أظهر وكشف عن المث ال الك امن في ه‪ ،‬أي بتجس يد (اإلرادة)‪ .‬وموضع تأمل الجميل هو باألس اس معرفة ال‬
‫تخضع لص ورتي الزم ان والمك ان المح ددين‪ ،‬وهو ما ش كل قاسم مش ترك بين الط رفين الفن ان الب دائي والرس ام‬
‫األوربي الحديث‪.‬‬
‫هـ‪ .‬تحريف المكان والزمان جزئياً‬
‫لقد ظه رت ه ذه الخاص ية في الرسم األوربي المعاصر بش كل أقل وض وحاً من التحريف الكلي‪ ،‬وك ذلك‬
‫الحال بالنسبة للرسم البدائي‪ ،‬وتفسر الباحثة ذلك بأن كال الطرفين لم ارتباط هذه األشكال بالواقع المادي‪ ،‬كما أراد‬
‫من خالله أن يق دما مفهوم ان لل زمن ولديمومته وحركيته من خالل تجس يده له ذه البع دين ؛ ل ذا حرفا في المك ان‬
‫والزمان جزئياً‪.‬‬
‫‪ .2‬خاصة التك‪11‬رار‪ :‬لقد وردت ه ذه الخاص ية في الرسم األوربي الح ديث وبح دود موض وع البحث الح الي بش كل‬
‫واض ح‪ ،‬وتفسر الباحثة ذل ك‪ ،‬ب أن له ذه الخاص ية لها م ردود جم الي على العمل الف ني من خالل التن وع فيه وجعله‬
‫بصيغ مولدة ال ناقلة‪ ،‬على حين وردت هذه الخاصية في الفن البدائي نظراً لطبيعة الموضوعات التي كانت تشغله‬
‫ومدى صلتها بحياته وألفته لها‪ ،‬وتمكنه من إجادتها في الرسم وهو ما عكس رغبة البدائي وحسه الفني‪ ،‬فضالً عن‬
‫ذلك فقد اش ترك كال الط رفين في ط رح ( اللو ) ح ول وظيفة التك رار‪ ،‬إذ ي رى أن جهة التك رار هنا هو تس جيل‬
‫الواقع بقصد العمل على اس تبقاءه واالحتف اظ بص ورته المثالي ة‪ ،‬وك ذلك مض اعفة فاعلية الحي اة من خالل إح داث‬
‫تغ يرات بس يطة فيه ا‪ ،‬بقصد تس جيلها وتوثيقه ا‪ ،‬ل ذا ف إن تك رار كال الط رفين ألش كالهم ومواض يعهم‪ ،‬يعد تس جيالً‬
‫وتوثيقاً لذلك الواقع المثالي‪ ،‬وألبعاد الحياة شتى وقد ظهرت هذه الخاصية‪ ،‬من خالل‪:‬‬
‫أ‪ .‬تكرار الخط والشكل تكراراً مرناً‬
‫لقد وردت هذه الخاصية في رسوم كال الطرفين‪ ،‬وتفسر الباحثة ذلك على وفق ما يمتلكه هذين الطرفين‬
‫من خي ال واسع يس تطيعون من خالل خلق أش كال متنوعة متج ددة األمر ال ذي يجعل تك رارهم لألش كال تك راراً‬
‫مرن اً‪ ،‬فض الً عن أن كال الط رفين يحمالن تكراراتهما جانب اً كب ير من حس هما االنفع الي‪ ،‬فال ت أتي تك راراتهم على‬
‫وت يرة واح دة‪ ،‬وس بق للباحثة أن أش ارت إلى ذلك في اإلط ار النظ ري‪ ،‬وأخ يراً ف إن كال الط رفين أرادا أن يكونا‬
‫ويش كال خطاب اً بص ري مش فر‪ ،‬على ق در الجهد المب ذول في قلة ش فراته‪ ،‬ت أتي المعرفة والل ذة المستحص لة ل دى‬
‫متلقيه‪ .‬مع مالحظة الفارق في أن شفرات الفن البدائي ال زالت تشكل مداراً للجدل‪.‬‬
‫ب‪ .‬تكرار اللون تكراراً مرناً‬

‫‪1035‬‬
‫أظهرت نتائج التحليل عن ورود هذه الخاصية في الرسم األوربي الحديث وتفسر الباحثة ذلك على وفق‬
‫ما فس رت به التك رار الم رن للش كل‪ ،‬مع مالحظة الف ارق في أن للفن ان تج ارب مستفيضة في مج ال الل ون‪ ،‬أما‬
‫اإلنسان البدائي فلم يكرر في اللون تكراراً مرناً في الغالب‪ ،‬وذلك تبع اً لمحدودية األلوان المتوفرة لديه‪ ،‬ولم يظهر‬
‫في الرسم األوربي الحديث تكرار اللون والخط والشكل تكراراً جامداً‪ ،‬وهذا شيء بديهي بالنسبة للفنان الذي يتمتع‬
‫مخيلة خص بة‪ ،‬وبإمكانية أدائية فائقة في حين وردت ه ذه الخاص ية في الرسم الب دائي بنس بة ض ئيلة‪ ،‬ذلك أراد أن‬
‫يس جل مواض يعه الحياتية المعت ادة‪ .‬مع أدنى تغ ير فيها في محاولة لزي ادة عمقها وح دتها‪ ،‬أما تك راره الجامد لل ون‬
‫فيعزى إلى محدودية ألوانه وعدم امتالكه القدرة في مزج األلوان‪ ،‬فض الً عن أن الرسم البدائي كان قد عول على‬
‫استخدام الخط والتخطيط أكثر من التلوين‪ ،‬ولذا كان تكراره للخطوط تكراراً مرناً‪.‬‬
‫‪ .3‬التماثل‬
‫أظه رت نت ائج التحليل عن وج ود ه ذه الخاص ية في الرسم األوربي الح ديث وذلك لس ببين األول هو‬
‫طبيعة بنية اللوحة ذاته ا‪ ،‬والث اني يع ود لحب الفن ان لل ترتيب واالنتظ ام‪ .‬وعلى ه ذا األس اس تفسر الباحثة كل‬
‫الخواص الفرعية لهذه الخصيصة الرئيسة مع مالحظة أن هذه الخصيصة وردت في الرسم البدائي مصادفة‪ ،‬أي‬
‫أن البدائي لم يكن يقصدها لذاتها‪.‬‬
‫‪ .4‬عدم استخدام قواعد المنظور‬
‫لقد أظه رت نت ائج التحليل عن ورود ه ذه الخاص ية في الرسم األوربي الح ديث‪ ،‬وتفسر الباحثة ذلك ب َّ‬
‫أن‬
‫الرس ام اس تمد ه ذه الخاص ية ليب دي من خاللها رفضه الكلي لألس اليب والقواعد األكاديمية ومنها قواعد المنظ ور‬
‫الخطي واللوني والتي تجعل منه تأمالً ال مبدعاً‪ ،‬فض الً عن أنه أبدى نزوع اً نحو تجريب أساليب أخرى يمكنه أن‬
‫يبدع فيها‪ ،‬وحينما تم له اكتشاف ما تحمله الفنون البدائية من فرق لهذه القواعد أوغل في هذا االتجاه‪ ،‬فكون عمالً‬
‫فني اً يتس اوى مع ض رورته الداخلي ة‪ ،‬وليس مع ما يمكن مش اهدته عيان اً‪ ،‬وهو هنا يق ترب مع ما يبتغيه الب دائي مع‬
‫مالحظة الف ارق في أن الب دائي لم يكن عارف اً باألصل به ذه القواع د‪ ،‬وإ نما ك ان انفعاله هو ال ذي يق وده أك ثر من‬
‫خبرته الحسية‪ ،‬فضالً عن أن كال الطرفين عمدا إلى هذه الخاصية ألجل اإلفصاح عن كل ما يعرفاه عن مش اهدهم‬
‫المصورة دون أن يقيما وزن اً لتساوي أحجامها وأبعادها األخرى‪ ،‬وهو ما سهل عملية توصيل المعنى أو المعاني‬
‫الكامنة في ه ذه األش كال وهو ما س بق للباحثة أن أش ارت إليه في اإلط ار النظ ري‪ ،‬وقد ظه رت ه ذه الخاص ية من‬
‫خالل ‪:‬‬
‫أ‪ .‬زاوية النظر للموضوع – أكثر من زاوية‬
‫لقد أظه رت نت ائج التحليل عن ظه ور ه ذه الخاص ية في الرسم األوربي الح ديث‪ ،‬وتفسر الباحثة‬
‫ذلك‪ ،‬بأن الفنان وجد أن هذا األسلوب يجعله أقدر على توصل المعاني المعبر عنها أكثر مما لو نظرت من زاوية‬
‫نظر واحدة‪ ،‬وكلما كانت المعاني المبلغة أكثر كلما كان العمل الفني ناجح اً أكثر‪ ،‬وهو ما سبق للباحثة أن أشارت‬
‫إليه في اإلطار النظري‪ ،‬فض الً عن أن الفنان أراد أن يقدم شيئاً من تعقيدات الواقع لذا فقد وضع ظواهر األشياء‬
‫المتعددة جنب اً إلى جنب على سطح مستو واحد‪ ..‬أما الفنان البدائي فقد أشترك مع الفنان األوربي الحديث في أن‬
‫هذه النظرة هي النظرة األكثر شمولية للموضوع‪ ،‬وهي التي تنقل وتفصح عن كل خبرته بها‪ ،‬لذا جعال الموضوع‬
‫ينظر إليه من أكثر من زاوية نظر واحدة‪.‬‬
‫‪ .‬الوضع المثالي ( مفردة مركبة )‬
‫لقد أظهرت نتائج التحليل عن وجود هذه الخاصية في الرسم األوربي الحديث‪ ،‬وتفسر الباحثة ذلك‪ ،‬بأن‬
‫ل دى الفن ان رغبة قوية في إع ادة بن اء األش كال الطبيعة أي اً ك انت هويتها وفق اً لرؤيت ه‪ ،‬إذ أنه يمتلك إمكانية تتع دى‬

‫‪1036‬‬
‫صراحة التركيبي‪ ،‬فض الً عن أنه يدرك بأنه جزء من هذا الوجود وحين يعيد بناءه من جديد فإنه يستخلص بذلك‬
‫نظام اً وموقف اً جديداً منه‪ ،‬موقف ال يبعده كثيراً عما يجري في وجوده هذا‪ ،‬إذ إنه ال يتجافي معه نهائي اً بل يتوحد‬
‫فيه ليعيد بنائه ومن ثم يقدمه وفق اً لنظ رة كلية جدي دة‪ ،‬متخ ذاً من تركيبة لمف ردة ما وض عاً مثالي اً ألش كاله‪ .‬وك ذلك‬
‫الحال بالنسبة للفنان البدائي‪.‬‬
‫هـ‪ .‬خاصية الغرضية ( النفعية )‬
‫لقد أظهرت نتائج التحليل عن ظهور هذه الخاصية في الرسم األوربي الحديث‪ ،‬وتفسر الباحثة ذلك بأن‬
‫لهذا الفنان أحاسيس وهواجس داخلية ال تساعده األشكال التقليدية التي استنفذت شاعريتها في اإلفصاح والتعبير‬
‫عنه ا‪ ،‬ل ذا فقد لجأ إلى تك ييف عناصر لوحته وفق اً إلرادته لت ؤدي غرض اً م ا‪ ،‬فض الً عن ذلك فإنه لو اس تخدم‬
‫مف ردات تقليدي ة‪ ،‬كأنه س يحرم من متعة التعب ير ال ذاتي وس يقلل ب ذلك عناصر اللوحة تنظيم اً ذاتي اً جمالي اً أك ثر من‬
‫توجهها ص وب تنظيم األش كال واألل وان واقعي اً ‪ .‬أما فيما يخص الفن ان الب دائي فقد لجأ إلى ه ذه الخاص ية تبع اً‬
‫النفعاالته الخاصة‪ ،‬فقد ظهرت هذه الخاصية من خالل ‪:‬‬
‫أ‪ .‬استخدام الشكل‬
‫أظه رت نت ائج التحليل عن ظه ور خاص ية اس تخدام الش كل اس تخداماً غرض ياً وتفسر الباحثة ذلك على‬
‫وفق تفس يرها للخاص ية كك ل‪ ،‬إذ اس تخدمت األش كال اس تخداماً مبالغ اً فيه عن طريق تكبيرها أو تص غيرها أو‬
‫اإلكث ار منها أو اإلقالل‪ ...‬الخ‪ ،‬مبتغى الفن ان من ذلك هو إب راز ص دق التعب ير‪ ،‬وك ذلك إب راز الش كل األهم ال ذي‬
‫يمثل بطريقة مميزة ال يتمثل بطريقة اعتيادية‪ ،‬فضالً عن أن هذا األسلوب يعد حداثة في الرسم‪ ،‬إذ تعد اإلضافات‬
‫والح ذف طروح ات جدي دة في الفن‪ ،‬لم يس بق للفن ان أن مارس ها من قب ل‪ ،‬وهو ما يطمح الى تقديمه ألنه ممثل‬
‫لمجتمعه ولطروحاته عالوة على سعيه لتحقيق هدفه الجمالي من وراء استخدام األشكال على هذا النحو‪.‬‬

‫‪ .6‬خاصة الشفافية‬
‫لقد أظهرت نتائج التحليل عن ظهور هذه الخاصية في الرسم األوربي المعاصر وتفسر الباحثة ذلك‪ ،‬بأن‬
‫الفن ان لجأ إليها بوص فها خاص ية جمالية مس تخدماً في ذلك ش فافية جزئية لل ون والش كل في الغ الب‪ ،‬على حين‬
‫وردت هذه الخاصية في الرسم البدائي‪ ،‬نظراً المتالك فنانه رؤية ساذجة جعلته يعمد إلى تصوير األشكال دون أن‬
‫يحجب بعضها بعضاً ؛ فضالً عن ذلك فإن إنسان ذلك العصر لم تكن بعض المشاهد ترضيه‪ ،‬لذا عمد إلى تصوير‬
‫مشاهد أخرى فوقها‪ ،‬وبذلك تراكبت هذه الصور الواحدة فوق األخرى دون أن يحجب بعضها بعض اً‪ ،‬فبدت شفافة‬
‫في شكلها ولونها‬
‫االستنتاجات‬
‫‪ .1‬لجأ الفن ان األوربي المعاصر الى استش فاف وتط بيق مالمح البدائية في فنه نظ راً لما تمتلكه من قيم‬
‫جمالية وتعبيرية في آن واح د‪ ،‬ولما لها من م دلول س حري إنس اني‪ ،‬ولما قدمته له عن ص يغ جدي دة في‬
‫التعامل مع الواقع‪ ،‬وبقدرتها عن التعبير عن فكرة األشياء دون تجسيدها على نحو محاكاتي تماماً‪.‬‬
‫‪ .2‬لجأ الفنان األوربي إلى هذا األسلوب في الرسم تخلصاً من قيود القواعد واألساليب األكاديمية التي تجعل‬
‫من رؤيته الفنية للواقع رؤية تس جيلية ليس غ ير‪ ،‬في حين أن ه ذا االتج اه في الرسم منحه فرصة إظه ار‬
‫إبداعاته الشخصية والتقدم فيها‪ ،‬فضالً عن إعطائه فرصة الكتشاف من أساليب أكثر حداثة من السابق‪.‬‬
‫‪َّ .3‬‬
‫إن الفنان األوربي الحديث دأب إلى ترجمة األشكال إلى صور معبرة‪ ،‬لكنه شعر بأن األشكال التقليدية‬
‫ذات الحس التعب يري المباشر قد اس تنفذت معناها وفق دت س حرها وجاذبيتها لك ثرة تناولها واس تخدامها‬

‫‪1037‬‬
‫المتك رر‪ .‬األمر ال ذي دفعه للبحث عن أش كال جدي دة ذات ق وة م ؤثرة وفعالة ومرادفة لما يريد الرس ام‬
‫التعب ير عن ه‪ ،‬وقد وجد الفن ان ض الته ه ذه حينما تس نت الفرصة له لإلطالع على الفن الب دائي ال ذي حى‬
‫على كل ما تشده‪.‬‬
‫‪ .4‬لقد وجد الفنان حرية كبيرة في خوض غمار هذا األسلوب في الرسم‪ ،‬فض الً عن الرضا الذي يشعر به‬
‫الفنان وهو يكشف ويجسد الحقيقة الراسخة في ذهنه بشكل معبر ومؤثر‪.‬‬
‫‪َّ .5‬‬
‫إن ممارسة الفنان لهذا األسلوب في الرسم ال يعني أن ذائقته تتجه نحو التسهيل واالختزال والى التقرب‬
‫أكثر فأكثر إلى الحياة المنفتحة على الطبيعة فحسب‪ ،‬وإ نما تعد هروب اً من شتى الضغوط المسلطة عليهم‬
‫من قبل المجتم ع‪ ،‬وال يمكن ب أي ش كل من األش كال أن البدائية مفه وم س لبي‪ ،‬بل هي محاولة ثورية‬
‫للتحرر من قيود الواقع‪.‬‬
‫إن التوغل في الذات البش رية يعطينا شيئاً سهالً وم ؤثراً‪ ،‬إذ َّ‬
‫إن اإلنسان كلما ع اد الى الماضي أصبحت‬ ‫‪َّ .6‬‬
‫األش ياء أك ثر بس اطة وتش ويقاً وأهمية وقيم ة‪ ،‬ل ذا ف إن ع ودة الرس ام لالستش فاف من الرسم الب دائي هو‬
‫محاولة منه للرجوع إلى الحاالت األكثر سعادة والتي تعطينا أشياء أكثر سهولة وتشويقاً وأهمية وقيمة‪.‬‬
‫التوصيات‬
‫‪ .1‬أن تقوم وزارة الثقافة واإلعالم بتأليف موسوعة خاصة بكل مخلفات اإلنسان البدائي‪ ،‬وآثاره‪ ،‬وفنونه‪،‬‬
‫وأدواته وب األلوان‪ .‬يتم االحتف اظ بها في بناية المتحف الع راقي إلف ادة الب احثين والمهتمين فيه على ق در‬
‫اإلمكان‪.‬‬
‫‪ .2‬اس تحداث أنظمة عمل جديدة في المتحف العراقي تسهل للباحثين مهمة الحصول على ما يحت اجون إليه‬
‫كاستخدام الكاميرات في التصوير‪ ،‬والحاسبات في التنضيد‪.‬‬
‫المقترحات‬
‫‪ .1‬إجراء دراسة أخرى تختص بدراسة الخصائص الفنية للرسم البدائي ودالالتها في مراحله الثالث‪.‬‬
‫‪ .2‬إجراء دراسة مقارنة بين فنون البدائي‪ ،‬وفنون األطفال‪ ،‬والفن الشعبي‪.‬‬
‫‪ .3‬إجراء دراسة أخرى تختص ببحث الخصائص الفنية في النحت البدائي ودالالتها‪.‬‬
‫المصادر‬
‫إبراهيم زكريا ‪ :‬مشكلة الفن‪ ،‬مشكالت فلسفية‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬دار مصر للطباعة‪.1976 ،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫األعس م‪ ،‬عاصم عبد األم ير ‪ :‬جمالي ات الش كل في الرسم الع راقي الح ديث‪ ،‬أطروحة دكت وراه‪ ،‬جامعة‬ ‫‪.2‬‬
‫بغداد‪ ،‬كلية الفنون الجميلة‪.1997 ،‬‬
‫أمهز‪ ،‬محمود ‪ :‬الفن التشكيلي المعاصر (‪ )1970–1870‬التصوير‪ ،‬دار المثلث‪ ،‬بيروت‪.1986 ،‬‬ ‫‪.3‬‬
‫أوهر‪،‬هورست‪:‬روائع التعبيرية األلمانية‪ ،‬ت‪:‬فخري خليل‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪.1985 ،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫باونيس‪ ،‬آالن ‪ :‬الفن األوربي الحديث‪ ،‬ت ‪ :‬لمعان البكري‪ ،‬دار المأمون‪ ،‬بغداد‪.1990 ،‬‬ ‫‪.5‬‬
‫بهنسي‪ ،‬عفيف ‪ :‬الفن عبر التاريخ‪ ،‬دار الحديث العالمي‪ ،‬دمشق‪.1982 ،‬‬ ‫‪.6‬‬
‫ال دباغ‪ ،‬تقي‪ ،‬وآخ رون ‪ :‬عص ور قبل الت اريخ‪ ،‬وزارة التعليم الع الي والبحث العلمي‪ ،‬جامعة بغ داد‪ ،‬كلية‬ ‫‪.7‬‬
‫اآلداب‪ ،‬مطبعة جامعة بغداد‪1983 ،‬‬
‫ريد‪ ،‬هربرت ‪ :‬حاضر الفن‪ ،‬ط‪ ،2‬ت ‪ :‬سمير علي‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪.1986 ،‬‬ ‫‪.8‬‬
‫السواح‪ ،‬فراس‪:‬دين اإلنسان‪ ،‬بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني‪،‬منشورات دار عالء الدين‪ ،‬ب‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪.9‬‬
‫‪ .10‬الشال‪ ،‬عبد الغني النبوي‪ :‬مصطلحات في الفن والتربية الفنية‪ ،‬جامعة الملك سعود‪ ،‬الرياض‪.1984 ،‬‬

‫‪1038‬‬
‫‪ .11‬عبد اهلل‪ ،‬عبد الكريم ‪ :‬فنون اإلنسان القديم‪ ،‬أساليبها ودوافعها‪ ،‬مطبعة المعارف‪ ،‬بغداد‪.1973 ،‬‬
‫‪ .12‬مبارك‪ ،‬عدنان ‪ :‬االتجاهات الرئيسة في الفن الحديث‪ ،‬دار الحرية للطباعة والنشر‪.1987 ،‬‬
‫‪ .13‬محمود‪ ،‬عاطف ‪ :‬الدوافع النفسية لنشوء الفن‪ ،‬دار القلم‪ ،‬مصر‪.1970 ،‬‬
‫‪ .14‬م ولر‪ ،‬فران ك‪ ،‬وآخ رون ‪ :‬مئة ع ام من الرسم الح ديث‪ ،‬ت ‪ :‬فخ ري خلي ل‪ ،‬دار الحرية للطباعة والنش ر‪،‬‬
‫بغداد‪.1988 ،‬‬
‫‪ .15‬مونتاغيو‪ ،‬اشلي‪:‬البدائية‪ ،‬ت‪ :‬محمد عصفور‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬الكويت‪.1982 ،‬‬
‫‪ .16‬مونرو‪ ،‬توماس ‪ :‬التطور في الفنون‪ ،‬ج‪ ،1‬مراجعة ‪ :‬أحمد نجيب‪ ،‬الهيأة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪.1971‬‬
‫‪ .17‬ـ ـ ـ ـ ‪ :‬التطور في الفنون‪ ،‬ج‪ ،2‬مراجعة ‪ :‬أحمد نجيب‪ ،‬الهيأة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪.1972 ،‬‬
‫‪ .18‬هاوزر‪ ،‬آرنولد ‪ :‬الفن والمجتمع عبر التاريخ‪ ،‬ج‪ ،1‬ت ‪ :‬فؤاد زكريا‪ ،‬المدرسة العلمية للدراسات والنشر‪،‬‬
‫بيروت‪.1981 ،‬‬
‫‪ .19‬هويغ‪،‬غينيه‪:‬الفن تأويله وسبيله‪ ،‬ج‪،1‬ت‪ :‬صالح برمدة‪،‬وزارة الثقافة واإلرشاد القومي‪ ،‬دمشق‪.1978 ،‬‬

‫‪1039‬‬
1040
1041

You might also like