Professional Documents
Culture Documents
1018
دوراً هام اً في إب راز القيمة الحقيقية لتلك الفن ون ( البدائية ) إلى حد احتلت معه مكانة الفن ون المرموق ة .وعلى
ضم بين جنباته العديد من المظاهر البدائية والعديد من
وفق ذلك نجد أن النتاج الفني للمدارس األوربية الحديثة قد َّ
المالمح الفنية لرس وم الب دائي .كما ونجد بالمقابل َّ
إن العديد من الفن انين قد أب دو نزوع اً نحو البدائية س واء في
أمر له مسبباته وال ريب .فإذا كانت البدائية واقع اً
األسلوب الفني ،أم األنماط الحياتية من مثل ( غوغان ) .وهو ٌ
يعيشه البدائي له أسبابه التاريخية والموض وعية وفق سياقاتها التقليدية والتي ظهرت في فنه ذو المنحى ال وظيفي
والتطبيقي ،فما هي أسباب نزوع عدد من الفنانين المعاصرين والمحدثين نحو البدائية ،وما هي مالمح هذه البدائية
في نتاج اتهم الفنية وعلى نحو أص بحت معه ظ اهرة من ظ واهر الفن الح ديث .وفي ه ذا التس اؤل تحدي داً تتمح ور
مشكلة البحث الحالي.
ثانياً :أهمية البحث والحاجة إليه
.1يفيد البحث الحالي كل الذين لديهم اهتمامات فنية ونقدية وتاريخية في مجال الفن البدائي.
.2يفيد البحث الح الي كل مهتمي الفن ون البدائية والفن األوربي الح ديث ،وذلك ع بر تناوله لقض ايا إنس انية
أساسية ،وطروحات فلسفية وأساليب أدائية مهمة لدى كال الفنين معاً.
.3يحاول البحث الحالي أن يرصد مصطلحاً شائكاً ويؤسس له ،كما يرصد اشتغاالته العفوية والقصدية في
كال الفنين.
ثالثاً :هدف البحث
يهدف البحث الحالي إلى تعرف المالمح البدائية في الرسم األوربي الحديث.
رابعاً :حدود البحث
يتح دد البحث الح الي بدراسة نتاج ات فنية تع ود لالتجاه ات الفنية اآلتي ة ( :االنطباعي ة ،التعبيري ة،
الوحوشية ،التكعيبية ،السريالية ).
خامساً :مصطلحات البحث
المالمح لغوياً :
يعرفها ( الفراهيدي ) في كتابه ( العين ) َّ " :
إن لَ َم َح :هي لمح البرق ،ولَ َم َح ولَ َمحهُ ببص ره ،واللمحة :
النظرة – واللمحة " ( .)1والمالمح جمع لمحه أي ما بدا.
المالمح إجرائياً :
تعرفها الباحثة بأنها " :كل الس مات والخص ائص الفنية في الرسم األوربي الح ديث وال تي ب دت
قريبة ،أو مستوحاة ،أو مشابهة لتلك السمات والخصائص الواردة أو المضمنة في فن الرسم البدائي والتي وجدت
في الفن الثاني تلقائياً وفي األول قصدياً ".
المبحث األول :مفهوم البدائية
يعد مصطلح ( البدائية ) واحداً من أهم المصطلحات الشائكة والمربكة وذلك لتعددية استعماالت في أكثر
من مج ال عن مج االت الحي اة ،ك الفن ،واألدب ،علم النفس ،علم االجتم اع ،والفلس فة ،وما إلى ذل ك ،ومما يزيد
األمر ص عوبة وإ رباك اًُ ،ه َو إق ران ه ذا المص طلح بص فات ونع وت ال تمت له بص لة علمية من
جه ة ،ومن جهة أخ رى ت رى أنه تم تعميمه على ظ واهر وأنم اط معينة في التفك ير أو على ش عب من الش عوب ال
يوجد بينها خط تم اس مح دد ،وهو ما جعل ه ذا المص طلح ق رين للحكم الس لبي إالّ فيما ن در ؛ ل ذا س تقوم الباحثة
1
() الفراهيدي ،أيب عبد الرمحن بن اخلليل أمحد :كتاب العني ،ج ،3دار الرشيد للنشر ،بغداد ،1981 ،ص.243
1019
بمناقشته حسب وروده في المجاالت أعاله ،في محاولة إلعطائه خصوصية موضوعية وضمن فاعليته على قدر
اإلمكان.
فالبدائية لغوياً تعني ( نقطة في الزمان ،مبكرة ،أو أولى ،وأحياناً تستعمل للداللة على ما ُه َو أصلي أو قديم
أو ما ُه َو من المنبع الص افي ،أي إنها تتصل بب دايات األش ياء وبفجر المجتمع اإلنس اني ) والبدائية منس وبة إلى
الب داءة وتش ير إلى ما ك ان في الط ور األول من أط وار النش وء ،وكلمة – ب دائي – تطلق على الص ورة األولى
اغو،1982 ، رة ( .مونت أخرة ،مقابل المتحض ات المت ياء وعلى المجتمع لألش
ص.) 31 – 21
اص طالحيا تش ير بوجه ع ام إلى الفجاج ة ،وانع دام التط ور ،والخش ونة وت دني النوعي ة ،أو ع دم كفاية
الوسائل بالنسبة لألهداف سواء منها الصريحة أو المفهومة ضمناً.
فلسفياً تعني " ما تطور بعد غيره في الزمن ،وهو لهذا السبب البد أن يكون أكثر تقدماً ورقي اً مما تطور
قبل ه ،ل ذا فما ك ان أقل تط وراً ،ول ذا ك ان األق دم أك ثر بدائي ة ،واألح دث أك ثر تق دماً ( .م :مونت اغو ،1982 ،ص
.) 23-22
أما في علم االجتماع فتسمى البدائية بـ( األولية ) ( .) Primaryوتدل على ما كان في الطور األول من
ائمين على المواجهة وثيقين الق اون وال ات تتصف بالترابط والتع وء ،والى جماع وار النش أط
المباش رة ( .م :مونت اغو ،1982 ،ص .) 116وما يوضع مقابل كلمة ( أولية ) كلمة ( ثانوية معق دة ) .وال تي
تطلق على المجتمع ات المتحضرة واألكثر حداثة من سابقتها ،وبذلك تصبح المجتمع ات البدائية أكثر تبس يطاً من
مجتمعاتنا المعاص رة ،والباحثة ت رى أن حقيقة األمر تكمن في أن تلك المجتمع ات البدائية /األولية هي مجتمع ات
معق دة في ص ميمها ،بل إنها بأنظمتها وأعرافها أشد تعقي داً من أنظمة الحي اة المعاص رة ،إذ لها أنماط اً في الس لوك
وآلية في التفك ير تس تند إلى التأويل الغي بي ال ذي يص عب اس تيعابه في س هولة ويس ر ،ومن وجهة النظر ه ذه
يس توجب األمر نعت المجتمع ات البدائية بالمجتمع ات الثانوية /المعق دة أيض اً ،فض الً عن ذلك فقد ُحملت كلمة
( أولية ) بصفات تحمل في طياتها الكثير من األفكار الخاطئة ،والتي ترى في اإلنسان القديم كائن محدود الذكاء
والق درة في حين أنه يمتلك من ال ذكاء ومن ق درة اإلنج از ما س عى اإلنس ان المعاصر ألن يمتلكه ولو بعد حين،
وكمث ال على ذلك ما أنج زه إنس ان العصر الحج ري الق ديم األعلى ،من أعم ال فنية رفض مكتش فيها للم رة األولى
إس نادها إلي ه ،وأس ندوها إلى فن ان ح ديث ج وال ،دفعه حب االختالء إلى رسم تلك الرس ومات ،إذ أنها تمتلك من
ير قل نظيرها في أي عصر من وة في التعب الحيوية وق
العصور .إذن فمن الخطأ وصف المجتمعات البدائية باألولية تبعاً لباسطة تركيبها الظاهري.
لقد ص يغ مفه وم ( البدائية ) في علم االجتم اع بش كل ث اني ،وذلك من خالل النظر إليه من مس توى مت دني
من التطور وتحديداً ( التكنولوجي منه ) ،إذ َّ
إن من الباحثين الغربيين (*) ،من يحشرون كل شعوب العالم ،ماض يها
وحاض رها تحت ل واء البدائي ة ،فيما ع دى تلك ال تي تش كل ج زءاً من المدنية الغربية وأس الفها الق دماء ( .م :
مونت اغو ،1982 ،ص .) 107وهي نظ رة ت ركن إلى التط ور التكنول وجي فحسب وتهمل الج وانب األخ رى- ،
ومنها الروحية – والتي تعد اإلنسانية في أمس الحاجة إليها ،وبمعنى آخرَّ .
إن لكل شعب تاريخ اً طويالً قد يكون
انح داراً أص الً من مس توى أعلى من مس تويات التط ور لش عب آخر وقد يك ون في مج ال مح دد من الحي اة أوالً،
وكمثال على ذلك ،اتصاف اإلنسان البدائي ،والشرقي بصفات أخالقية ورثها عن أسالفه األولين ،ال نجد لها مثيل
1020
لدى الغربي عادة ،والى درجة يصبح عندها فارق التطور معدوماً .وثانياً ،قد يكون ارتقى إلى مستواه الراهن أثر
صراع ضد المصاعب ،كما ُه َو الحال في المجتمعات النامية أو دول العالم الثالث ،إذ َّ
إن التطور التكنولوجي لهذه
ال دول لم يس تقر على ما ُه َو عليه إالّ بعد ص راع طويل مع الق وى االس تعمارية الغربية ذاته ا ،وال تي جعلت من
التط ور التكنول وجي ع امالً خط راً ومه دداً لإلنس انية بالفن اء .وربما ما يش جع الباحثة على المضي قُُ دماً في ه ذا
أس ،وما وج دت نفس ها فيه من ص راع مرير بين ما ُه َو أخالقي وغ ير االتج اهُ ،ه و ما تعانيه ال دول الغربية من م ٍ
َ
َّ
أخالقي ،وما ُه َو م ادي ولد ل ديها إحساس اً ،مؤلمة بس يادة الق وى المادية وس لطتها التامة على الس مات الروحية في
تلك المجتمعات ،وهذا ما حدى بالفنان إلى البحث عن قيم بدائية من جديد ،وهو ما يدل أيض اً على أن البدائية ذات
ج وهر روحي وأخالقي إيج ابي فري د ،وعليه فمن الخطأ ص ياغة مفه وم للبدائية على أس اس بس اطة أنظمة الحي اة
ومقارنتها بتعقي داتها ،أو على أس اس التق دم التكنول وجي أو انعدام ه ،بل يجب أن تص اغ بطريقة أك ثر ش مولية
وإ حاطة ،وضمن اإلطار الثقافي للمجتمع وبالتالي لهذه المفردة ،إذ أثبتت الدراسات ،أن اإلطار الثقافي الذي يعيش
فيه اإلنسان ُه َو العنصر المتحكم في هذا العقل والمحدد له ،وأصبح هناك اتفاق اً عام اً في الوقت الحاضر على عدم
وج ود تم ايز في الق درة العقلية (ال ذكاء ) بين ب ني البشر س ببها االختالف ات العرقي ة ،وذلك ي دفعنا إلى الق ول بع دم
وجود شيء اسمه اإلنسان أو العقل البدائي ،بمقابل اإلنسان المتحضر ،بل وجود بشر يعيشون في ثقافة أو مجتمع
بدائي ،وبذا أصبح انعدام التطور يعزى إلى انعدام الفرص المناسبة ،ال إلى العجز الطبيعي ،فض الً عن االنعزال
ال ذي ي ؤدي إلى غي اب التوافق الفك ري ون درة االتص ال مع الشعوب األخ رى ( مونت اغو ،1982ص .) 35ومن
خالل تحديد اإلطار الثقافي للمجتمع يتحدد اإلطار العام لهذا المصطلح وربما تحت هذا الدافع قام ( تايلر ) بتحديد
ثالث مراحل للثقافة البدائية هي :
.1المرحلة الوحش ية :ال تي تتم يز ب العيش على النبات ات والحيوان ات البحرية واس تعمال آالت العصر الحج ري
القديم.
.2المرحلة البربرية :التي تتميز بظهور الزراعة واآلالت المعدنية ونوع من الحياة الجماعية في القرى.
المرحلة المتمدنية :التي تبدأ عندما اكتشف اإلنسان فن الكتابة ( مونتاغو ،1982ص.)54
وعليه ف إن دراسة وص ياغة مفه وم لمص طلح ( البدائية ) من خالل البنية الثقافية للجماع ات البش رية ،ذات فائ دة
مزدوجة ،األولى تتأتى من إمكانية ترتيب المعطيات الثقافية ،وعلى أساس مقارن ،والثاني ُه َو المنفعة
العملية من استخدام هذا المفهوم .لذا فمتى ما استدعت الحاجة إلى استعمال هذا المصطلح يجب العودة
إلى اإلط ار الثق افي الع ام للمجتمع ال ذي انبثق من ه ،قبل القي ام بتص ميمه ،وعلى وفق نظ رة تمتد عمق اً
وتتجاوز النظرة السطحية السلبية لذلك المجتمع نفسه.
أما في ( علم النفس ) ،ف إن البدائية تُ درس وتص اغ من خالل اقترانها بتط ور المجتمع اإلنس اني ع بر
التاريخ ،وهو ما يوازي تطور األفراد منذ عهد الطفولة إلى عهد النضج الجسمي واالجتماعي .وبهذا فإن البدائية
تعني استمراراً لبعض الصفات ،عبر حقب زمنية طويلة مع أقل ما يمكن من التغير ،وهي بذلك تتصف بصفة ال
زمانية ،وبحيث تبدو الشعوب التي توصف بها وكأنها خارج نطاق الزمن ( مونتاغو ،1982ص .) 24والباحثة
ترى ،أن هذا الطرح ال يحمل في جوهره أوجه شبه حقيقية موضوعية بين كال الطرفين .ألن الطفل لم يكن يوم اً
ص ياداً قانص اً ،آكالً للح وم الحيوان ات ،ليتح ول بع دها إلى منتج زراعي آكالً للنبات ات ومعتم داً عليها في غذائه
وغذاء الحيوانات على نفس درجة الضعف البدني في مرحلة الطفولة ،فض الً عن ذلك ال يتساوى الطفل واإلنسان
الق ديم في درجة ال وعي واإلدراك ،ذلك أنه – كما ُه َو مع روف – عملية اإلدراك تتوقف على ن وع المنبه ات ال تي
تثيرها البيئة ،لذا فإن البيئة القاسية ذات القوانين الصارمة تختلف عن بيئة الطفل الذي يحاط عادة بوسائل تحميه
1021
من ابسط حاالت البيئة تقلب اً ،وبالتالي فإن آليات االستجابة تختلف أيض اً تبع اً لطبيعة المثيرات ،ورغم أن الباحثة
تُسلم بأن الطفل والبدائي يندمجان مع مجال الحياة اندماجاً مباشراً ،ويتمتعان بنظرة ساذجة للوجود ويعبران عنه
بص يغ وأس اليب انفعالي ة ،إالّ َّ
أن ه ذه االس تجابة ذات ط ابع تتح دد كث يراً ببنية البيئة ذاته ا .وعليه ت رى الباحثة أن
المجتمعات البدائية هي مرحلة من مراحل التطور البشري التي تتصف بالتجانس واالكتمال واالكتفاء ،وال تتشابه
بالض رورة مع مراحل التط ور الب ايلوجي للجنس البش ري .ل ذا ف إن دراسة مفه وم ( البدائية ) وتطورها من خالل
دراسة مراحل تطور الفرد ال تؤدي إلى نتائج علمية صحيحة.
لقد دأب بعض العلم اء على دراسة اإلنس ان الب دائي من خالل دراسة األنم اط الس لوكية لتجمع ات بش رية
يعتبرون بدائيين أو هم أقرب إلى اإلنسان البدائي منه إلى المتحضر ،وهؤالء هم القبليون أو المتوحشين أو شبه
متوحشين ،والذي يرى فيهم أحفاد اإلنسان القديم ،إذ َّ
أن لحياة هؤالء األقوام السيكولوجية أهمية خاصة ،ذلك أنها
تمثل مرحلة قديمة من مراحل تطورنا البش ري ،وقد احتفظت بش كل جيد بع دد من مظ اهر الحي اة البدائي ة.
( مونتاغور ،1982 ،ص ) 116-115ومع اعتراف الكثيرين بمصداقية هذا الطرح ،إالّ أن مصداقيته هذه تبقى
أمراً نسبي مجرد تخمينات عرضة للصواب أو الخطأ وبنفس الدرجة ،هذا من جانب ومن جانب آخر فإن دراسة
آث ار لجماع ات البش رية ( البدائية ) من ص ور ،وتماثي ل ،وس لع ...الخ .ال تتش ابه مع ما تنتجه ه ذه الجماع ات
( القبلية ) من أعمال من حيث المستوى والغاية ،ويعزى هذا التفاوت إلى ما بين هاتين المجموعتين من اختالف
في ظ روف تتصل ب التطور الط بيعي والثق افي ،وال تي دخلت بش كل أساسي في تش كل إنت اج كال الن وعين لم وادهم
أن مظاهر الحياة القبلية لم تنجو من تأثير ومؤثرات الحياة الحضارية المعاصرة ،وإ َّن لم
المستعملة ؛ فض الً عن َّ
يكن تأثيراً تاماً ( .مصطفى ،1970 ،ص.) 80
درس علماء نفس آخرون مفهوم البدائية من خالل دراستهم السيكولوجية العصاب ،متخذين منها وسيلة
يتم الكشف بها عن نقاط كثيرة بخصوص حياة البدائيين ،غير أن خاصية الجنون في الواقع ما هي إالّ تحطيم لذلك
التوازن البشري عموم اً ،والذي يعد األساس في الصحة أو العافية الروحية ،وبالتالي السلوكيات المنعكسة عنها،
والتي تفصح بدورها عن ذلك االنسجام القائم بين نوازع اإلنسان الداخلية والخارجية ،والذي ُه َو ركيزة أساسية
في حي اة الفكر عموم اً ،وبمقابل ذل ك ،تقيم الشخص ية الس يكولوجية انس جاماً مرض ياً ُه َو
( الهوس ) الذي يراودها ويلح عليها ،ويحدد على وفق عالقتها باآلخرين ،والذي يؤدي عادة إلى إهمال المجموع
والترك يز على ال ذات ،وبالت الي زي ادة انفص ال ال ذات عن الواق ع ،وربما ه ذا ُه َو الس بب ال ذي ما ي برر لنا أس باب
االنج ذاب المتزايد نحو فن المج انين ،وبكل األح وال ف إن ص فات المجن ون والجن ون ه ذه ال تش ابه الحي اة النفس ية
المتزنة ال تي ك ان يعيش ها اإلنس ان الب دائي ،وال تي خلفت لنا – كنتيجة لها – أنماط اً من الفن ون تعكس بش كل كب ير
واضح ذلك االنس جام ال ذي يعيشه اإلنس ان الق ديم مع مجتمعه وبيئته على ال رغم من تقلباتها القاس ية ( هوي غ،
،1978ص .) 98 :
والباحثة ت رى أن ه ذا ال م برر لوج وده ،إذ َّإنه ح تى في الفعالي ات ال تي يؤديها اإلنس ان الب دائي لخلق
ح االت س حرية ،هي ليست ح االت أش به ب الجنون ،بل أنها خ روج مقص ود عن نش اط ال ذات المتزن ة ،له مبرراته
وغايات ه ،وهو حالة مؤقتة ترتكز على الخي ال ،ال ذي ينبثق أساس اً من أش ياء يك ون لها وج ود م ادي س واء ك ان
ملموساً أم غير ملموس ،وبالتالي فهي – أي الطقوس السحرية – ال تشابه بأية حال حاالت الجنون كما هي شائعة
ومعروفة ؛ فض الً عن ذل ك ،ف َّ
إن التفك ير والش عور الب دائيين يتص فان بالتجس يدية المطلق ة ،ويرتبط ان باإلحس اس
دائم اً ،إذ َّ
إن فكر اإلنس ان الب دائي ال يوجد مس تقالً منفص الً ،بل ُه َو لص يق ب الظواهر المادي ة ،وأقصى ما يس تطيع
فعله ُه َو أن يرفع تفكيره إلى مستوى التشبيه ،ولكنه مع ذلك يبقى تفكير غيبي وجودي شخصاني من جهة ،وشديد
1022
االتص ال بالطبيعة وبالوظ ائف الفس يولوجية للطبيعي ة ،وه ذا ي ؤدي بطبيعة الح ال إلى تعميق الحس ب الواقع ،ح تى
ليبدو متوهجاً وغير طبيعي ،وهي تجربة شبيهة بتجربة المتصوف من جهة أخرى (مونتاغو ،1982 ،ص-131
) 132وآلية التفك ير الب دائي ه ذه ت بين لنا م دى الف رق الشاسع بينه وبين أنم اط تفك ير المجن ون من جهة وأنم اط
تفك ير اإلنس ان المعاص ر ،إذ – على تب اين مس توياته ومرجعياته الم ؤثرة فيه – على ال رغم من اتص اله بالع الم
الموضوعي ،إالّ أنه يتعامل معه تعامل مادي ،ويتضح حدوداً وفواصل وحواجز بينه وبين الموجودات ،وبالتالي
فهو ال يبالي إالّ بمظهرها المحسوس ،ولذا فهو يهمش اإلحساس بالواقع ،ومن هنا نستنتج تلك الحالة الجميلة التي
كان يعيشها اإلنسان البدائي يتركها بشكل مؤقت ليعود إليها في فترة الحقة.
أما ( البدائية ) في الفن فهي " مفه وم أو م دلول ينطبق إلى ح ٍد كب ير على أن واع األعم ال الفنية ال تي
ينتجها اإلنس ان تحت ت أثير عوامل اجتماعية متش ابهة ،بغض النظر عن العامل الزم ني ( مص طفى ،1970 ،ص
اء لألس اليب العتيقة أو القديمة " .وي رى ( م ونرو ) َّ :
أن .) 11وهي أيض اً أخيلة النك وص إلى البس اطة أحي ً
البدائية في الفن ون قد اتخذت ص وراً عديدة ،إالّ َّأنها ظلت خياالت على المستوى السطحي للحي اة البدائي ة .وقد َّ
تم
التعب ير عنها في الش عر والرسم والقص ة ...الخ .ولكن بأس لوب حض ري ،أطلق عليه اسم ( محاك اة الق ديم )
(ماوزر ،1981 ،ص .) 314والذي يركز اهتمامه على الناحية األسلوبية عادة ( أي محاكاة األشكال ).
لم تقتصر البدائية في الفن على الناحية األس لوبية بل تعدته لتش تمل على تلك العملي ات النفس ية ال تي عبَّر
عنها ( جولد والتر ) بالحنين إلى الماضي ،إذ يرى أن اإلنسان كلما اقترب أكثر من الماضي من الناحية التاريخية
أو الس يكولوجية أو الجمالي ة ،كما أص بحت األش ياء أك ثر بس اطة وتش ويقاً وأهمية وقيم ة .أما
( توسيني ) فيرى َّ :
أن مذهب محاكاة القديم ،هو محاولة للرجوع إلى تلك الحاالت األكثر سعادة والتي كلما باعد
ال زمن بيننا وبينه ا ،اش تدت حس رتنا عليها في وقت الص عاب ،وربما ازدادت معها مثاليتها في أعيننا
( هاوزر ،1981 ،ص .) 318 – 314إذن يوجد هناك نوعان من العودة إلى الماضي هما ،ارتداد أسلوبي أو
كما يسمى ( ارتداد أغاللي ) .و( ارتداد نفسي ) أو ( اختياري ) .والباحثة ترى أن هذين النوعين هما ارتدادان
ان داد الفن ية ،ارت رعان لما فيها من قيم جمالية ونفس ان ،يش إيجابي
إليهم ا ،تتمثل األولى – القيم الجمالية – بتلك الخط وط واألش كال واألل وان المختزلة ذات الت أثير والق وة ال تي تزيد
في اإلفص اح أك ثر مما تفص حه األش كال المحاكاتية نفس ها ،والثانية – القيم النفس ية – في تلك الحالة الوجدانية
الجميلة التي سبق وأن أشرنا عند الحديث عن بنية التفكير والشعور البدائي.
أما ( سبنسر ) فيرى أن االرتداد إلى حالة تتسم بتناقض التغاير والتخصص في الفنون في حالة نكوص سلبي ،أو
هو انتكاس من حيث الكيف .وهو نتيجة النحالل مرضيَّ ،
وأن التحسن في رأيه هو تزايد التخصص والفصل بين
أنماط الفنون ،لتشكل ُكالً منها نتاجاً بشكل مستقل عن اآلخر ( ،مونرو ،1971 ،ص .)153 :والباحثة تتفق مع
( هويغ ) في تعليقه على طرح ( سبنسر ) هذا ،والذي مؤداه ،أن التغاير بالفنون ال يعني بالضرورة استقالالً كالً
منها عن اآلخر ،من جهة ،ومن جهة أخرى ،ال يعني أن الفنون التي أصبحت مستقلة – حسب رأيه – أكثر أهمية
مون لوب والمض نى واألس من حيث المع
اإلنس اني ،من الفن ون ال تي تت داخل مع نمط آخر من الفن ون ،بل على العكس من ذل ك .وربما ك انت ع ودة الفن ان
الح ديث لممارسة أس اليب في الرسم تح اكي أس اليب الرسم الب دائي خ ير دليل على َّ
أن تلك الفن ون لم تفقد ش يئاً من
مص داقيتها وخصوص يتها مع اًَّ .
وأن اتس مت ب االختزال والتبس يط ،وال ذي على ما يب دو هو العامل ال ذي يع ترض
( سبنسر ) علي ه ،إالّ َّ
أن ه ذا العامل ذاته يعد رك يزة هامة في التط ور نفسه ؛ فض الً عن ذل ك ،ف إن الفن لم يتط ور
دفعة واحد بل على شكل تحوالت مرحلية ،وأن هذا التطور ال يتم غالب اً إالّ على أساس فن يحمل طابع اً أبسط في
1023
شقيه األسلوبي والفلسفي ( ،مونرو ،1972 ،ص .) 70والباحثة ترى َّ
أن هناك سبب آخر يكمن وراء أهمية هذا
العامل ،هو َّ
أن الفنان يتلمس من خالله جهداً أقل في األداء ،وقوة أكثر في التعبير.
من كل ذلك ن رى َّ
أن ( البدائية ) في الفن اق ترنت بكل ما هو أص يل ونقي وجمي ل ،ومع بر ،وكل ما من
ش أنه أن يحقق وح دة اإلنس ان الذاتية مع الك ون ،ومع مظ اهر الحي اة ش تى ،ل ذا يج وز للباحثة الق ول بأنه المي دان
الوحيد الذي كان منصفاً في النظر إلى هذا المفهوم وتقيمه واستخدامه.
الفصل الثاني :المالمح البدائية في الرسم األوربي الحديث
عما سبقهُ ،ه َو ذلك التطور الهائل المضطرد في مجاالت الحياة شتى والذي لم َّ
إن ما يميز القرن العشرين َّ
تش هد له البش رية س ابقاً من مثي ل ،وفي مواجهة لمثل ه ذا التط ور – ال ذي جعل من الج انب الم ادي س مة مم يزة
ألغلب مجتمع ات الغ رب – وجد اإلنس ان نفسه أم ام ص راع داخلي محت دم فيما بين رغبته وإ رادت ه ،وبين رغبة
وإ رادة المقولة الس ائدة لمجتمع ه ،األمر ال ذي أدى إلى نش وب حالة رغبته اغ ترب فيها اإلنس ان عن ذات ه ،واس تلب
منه وج وده اإلنس اني ،وقد انعكس ه ذا الواقع على الفن ،ال ذي ض يق عليه الخن اق من ج راء تقلب ات الواقع ش تى
يق اره الض راج الفن من مس ديث على عاتقه مهمة إخ ان الح ذا أخذ الفن غوطها ،ل وض
ان من هاوية تطيع أن ينتشل اإلنس كل أولي يس ه ،ش كل آخر ل البحث عن ش دأ ب ذا ،وب ه
عميق ة ،وأن يعيد له توازنه ويبع ده عن كل تعقيد ومغ االة .يقتفي فيه إدراجه نحو طفولت ه ،نحو بداياته األولى ،إذ
كان كل شيء يميل وبسيط ،وفي ذات الوقت يبدو مبتكراً أمام غليان الواقع وتبدالته.
وفي النصف الث اني من الق رن التاسع عش ر ،تس نى للفن ان كي يطلع على مثل ه ذا الفن حينما عملت ع دة
ومنها اكتشاف القيمة الجمالية واإلبداعية الفنية في فن الشرق األدنى القديم والفن األفريقي القديم (*)
أسباب إلثباته
والفن الياباني ،إذ كان ( ماتيس ) قد نبَّه ( بيكاسو ) إلى جمالية هذه الفنون فسرعان ما انجذب إليها ُه َو و( ديران
) و( فالمنك ) ،ليصل بفضل جهودها وجه ود اله واة الج امعين إلى االهتم ام بفن ون ثالثة هي الفن الب دائي وفن
الطف ل ،الل ذان يمتلك ان رؤية بريئة للع الم ،وفن المج انين الل ذين حرم وا من متعة الحي اة ال تي ع دت فاس دة ل ديهم،
( هويغ ،1978 ،ص.) 317
وعلى هذا النحو وجد الفنان الحديث في هذه الفنون عالم اً آخر تفصله عن عالمه ُه َو ،هوة واسعة أما ألنه
بعيد عنه ا ،أو ألنه س ابق ل ه ،فض الً عن ذل ك ،فقد ك ان أن ش اع في الق رن الث امن عشر مب دأ
( السليقه ) إلى مبدأ ( األجنبية ) ،عالوة على االنفتاح على المبدأ الذي كان ( روسو ) قد نادى به سابقاً وهو أن
الفن يك ون أك ثر ص دقاً وأص الة كما تخلص من حسه الثق افي ( ،هوي غ ،1978 ،ص .) 316 :وعليه تهيأ الفن
ليدخل مرحلة جديدة تقيم وزناً لفن آخر ؛ بل ان هذا التقييم يصل إلى حد التفضيل أحياناً ،وبذا أصبحت كفة الفنون
األولية أو فن ون الس ليقة على الفن ون المرموقة ال تي طالما ن الت إعج اب الفن انين والمت ذوقين
مع اً ،وانتشر في األوس اط الفنية األوربية ُه َو من الفن الخ ام ( .الفن الالش كلي ) .وتم التوجه نحو التبس يط
واالخ تزال وهما من خص ائص الفن الب دائي ال تي اس تلهم منها الفن ان الح ديث الش يء الكث ير ،تعب يراً عن رفضه
للفنون األكاديمية ذات الحس المادي والتي شعر الفنان إزاءها بضيق األفق واالختناق والتقييد ( ،يونان،1969 ،
ص .) 145وحينها تط ور الفن الح ديث باتج اهين ،األول فن ذاتي ،متمثل في التعبيرية والرمزية والس ريالية ،أما
الث اني فهو الفن الالتشخيصي ال ذي يبحث عن الش كل الخ الص والتج انس الل وني متمثالً في التجريدية والتكعيب ة.
( مبارك.) 51-50 ،1973 ،
(
*) للمزيد ،راجع ،حسن حممد 9حسن ،مذاهب الفن املعاصرة ،دار الفكر ،القاهرة ،ب ت ،ص.28
1024
وعلى ه ذا النحو س تقوم الباحثة باس تعراض أهم المالمح البدائية في ه ذه االتجاه ات مبتدئة باالتج اه
االنطباعي الذي حاول اكتشاف الحقيقة الجوهرية للمظاهر الحسية وتجسيدها على وفق التطورات العلمية بفيزياء
اللون وعلم البصريات مؤكدة بذلك مسألتين أصبحتا من المسائل األساسية في طروحات الفن الحديث ،األولى :
تأكي دها اس تقاللية الل ون وذلك بتحويل العمل الف ني إلى تناغم ات لوني ة ،أما الثانية فتأكي دها اس تقاللية التص وير
والعمل ألجل التصوير ذاته وذلك بحذفها للمواضيع األدبية والسرد القصصي من نتاجاتها الفنية ،وعلى ه ذا النحو
تطلب األمر الع ودة إلى معطي ات التجربة ال تي يس تمد منها اإلنس ان خبرته وال تي ترجع في النهاية إلى اإلحس اس،
واالنطباعية كما ُه َو مع روف عنها قد اتبعت آلية جدي دة في التص وير قائمة على نمط جديد في الرؤية ص دقها
األساسي ُه َو تس جيل االنطب اع الحسي كما تبص ره العين مادي اً وآني اً ،بعيداً عن النظم المكتس بة وال تي تم التع ارف
عليها حتى ذلك الحين ( .أمهز ،1981 ،ص .) 15-9
وباإلمكان التماس نفس االهتمامات لإلنسان البدائي في مرحلة حيوية الطبيعة ،إذ كانت صبغة الفنية ليست
ص يغ جام دة وثابت ة ،وإ نما هي ش كل متح رك يع الج مش كلة التعب ير عن الواقع ب أكثر وس ائل التعب ير
تنوع اً ،وي ؤدي مهمته ب درجات متفاوتة من اإلتق ان ،وتعطينا انطباع اً بص رياً يبلغ من التلقائي ة ،ومن نق اء الش كل
والتح رر من كل ت أنق أو قيد عقلي ،ما ال نجد له أي نظ ير في ت اريخ الفن ،إالّ عند حل ول النزعة االنطباعية
الحديث ة ،إذ فيها نكتشف دراس ات للحركة ت ذكرنا بالص ورة الفوتوغرافية الحديث ة ،وهي دراس ات ال نجد لها نظ ير
إالّ في ص ور فن ان مثل ( ديكا ) ،أو أن يك ون فيها ش يء غ ير معق ول أس يء رس مه ،لقد ك ان الب دائي كش فها إالّ
بمس اعدة أدوات علمية معق دة ،ولكن ه ذه المق درة ك انت قد اختفت عند حل ول العصر الحج ري الح ديث ،عن دما
استعيض عنه إلى حد ما عن الطابع المباشر لإلحساسات بجمود النزعة التصويرية وثباتها ( ،هاوزر ،ص -16
،) 20فضالً عن ذلك تأن البدائي كان يسجل انطباعاته أنياً ،وكما تطبعه الحواس على ذاته.
أما التعبيرية ( .) Expressionismفتعد نزعة فنية باألمك ان التم اس ج ذورها في مختلف مراحل
التط ور ال تي ب دءاً بفن العصر الحج ري الق ديم ،ص عوداً إلى الحركة التعبيرية في الخمس ينات من الق رن العش رين
( أمه ز ،1981 ،صَّ .) 79
إن ج ذور األس اليب التعبيرية نج دها قائمة في الفن ون البدائية والزنجي ة ،أما الحركة
التعبيرية المعاصرة كاتجاه فني أوغل بإيالء االعتبار للعاطفة والوجدان واإلحساس الباطني ،بهذا العمق والكثافة
والش يوع لم يكتب له ال ذيوع إالّ في أوائل الق رن العش رين في ألمانيا ع ام ( ،) 1910فض الً عن ذلك نجد أن
جذورها قد امتدت إلى فرنسا ،إلى فن ( غوغان ) تحديداً ،لما يحويه من قيم فنية تعبيرية شتى أثرت على الفنانين
التعبيريين بشكل واضح ،وهي :
.1رمزيته الخالبة وألوانه االصطالحية الالواقعية.
.2رغبته في العودة إلى القيم البدائية.
.3استخدامه الخط والتشويه في األشكال كوسيلة للتعبير ،وذلك ألجل خلق جمالية جديدة عن طريق تحطيم
األسس الجمالية التي كانت متبعة في الرسم األوربي سابقاً.
.4استخدامه كتقنية فنية أعطت لأللوان األشكال قيماً جمالياً إضافية.
.5أسلوبه ذو الطابع التعبيري ( أوهر ،1989 ،ص.) 81
فضالً عن ذلك فقد كان لفن ( فان كوخ ) .أثر مماثل ،إذ مثل النزعة العاتية للون والخط والتعبير مع اً ،إذ
اتسم أسلوبه باحتدام كبير في استخدام األلوان ،وبثورة وخروج جريء من األعراف الفنية السابقة( ،نيوماير ،ب.
ت ،ص.) 122
1025
لقد انطلقت التعبيرية من نقطة أساس ية مفاده ا ،أن الفن ينبغي أن ال يتقيد بتس جيل االنطباع ات المرئي ة ،بل
عليه أن يعبر عن التجارب العاطفية والقيم الروحية ،فضالً عن ذلك ،فقد تميزت أعمالهم بنزوع ذاتي في استثمار
اللون والشكل على أساس من العنفوان الداخلي ،فضالً عن أنها أطلقت العنان لتلك المشاعر اإلنسانية الالهية التي
تقرر بنية الشكل أو النموذج المصور.
لقد كان االهتمام بالحاالت واألوضاع النفسية ُه و ُج ُّل ما َّ
ركز عليه التعبيريون ،الذين أوغلوا في تصوير َ
ووصف عالم مبني على اإلدراك ،وذلك باستخدام تقنيات ورموز جديدة وألوان متنافرة ،وبأشكال يجري تحريفها
عن عمد ( األعسم ،1997 ،ص.) 80
لقد وجد التعبيريون في الفن وسيلة إليضاح الحقيقة الجوهرية للذات البشرية وألسرار الوجود ،مخضعة
ب ذلك األش كال اإلنس انية ومواض يع الطبيعة وباستش هاد القيم اللونية لنزعتها ه ذه ،إذ أنهم س عوا جاه دين لنقل ما
تعانيه اإلنسانية من يؤسس وعناء إلى العمل الفني ،األمر الذي دفعهم إلى تجزئة عناصر الحقيقة المرئية ليصعدوا
من ق وة تعب يرهم عن قصد ( ) Fleming, 1959, P. 588ولقد ع بر ( ف ان ك وخ ) عن وجهة نظر التعبيرية
هذه على أكمل وجه حينما ناشد الفنان بضرورة إضفاء طابعه الذاتي أزاء الواقع على العمل الفني ألنه كان يرى
أن دور الفنان ال يقتصر على تسجيل األشياء كما تبدو عليه أن يظهرها على وفق مشاعره أزاءها ( .كولنجورد،
د .ت ،ص .) 70أما ( كوك ان ) فقد ك ان يجد في الل ون منف ذاً يعبِّر فيه عن ال ذات وعن مش اعرها الهائجة تعب يراً
يقترب من الذات البدائية ،وكان يرى أنه من غير الصحيح أن نتعامل معه على وفق ما يظهر به في الواقع ،وإ نما
يجب أن يؤخذ على وفق سحر الذاتي.)Clay , 1957, P.113( .
َّ
إن مب ادئ التعبيرية ه ذه تق ترب مما قدمه الب دائيون في رس وماتهم ،إذ أنهم ع ادة ما يهتم ون بالج انب
التعب يري في رس وماتهم من خالل تجس يد إس قاطاتهم الذاتية حي ال المواض يع المرس ومة ،بأش كال محرف ة،
مستخدمين بذلك أساليب المبالغة ،والحذف واإلضافة ،والتكرار ...الخ ،وفقاً النفعاالتهم الذاتية ،فض الً عن أنهم ال
يجسدون مواضيعهم في الغالب على وفق رؤية تسجيلية ،بل يحرفونها عن عمد متى ما استدعت الضرورة لذلك،
إذ يك ون اهتم امهم منص باً على إض فاء ط ابعهم ال ذاتي على الموض وعات نظ راً لما يتمتع ون به من حس تعب يري
ف ني ومش اعر هيابة جياشة ت دفعهم للمضي ق دماً في ه ذا االتج اه دون مب االة لما تجلبه لهم الح واس ،غ ير أنهم ال
يستخدمون ألوانهم ذاتياً ،كما التعبيريون ،بل إنهم استخدموها استخداماً واقعي اً من جهة ،وعلى وفق محدوديته من
جهة أخرى.
وخالصة القولَّ ،
إن التعبيرية في الرسم لدى الفنان المعاصر والطفل تلتقي في نقطتين أساسيتين :األولى،
هي سعي الطرفين لتحميل رسوماتهم مضامين باطنية من خالل استخدامهم لعناصر العمل الفني ،الطرف األول
وبخالصه تجاربه الفنية وعص ارة إحساسه تج اه الوج ود ،أما الط رف الث اني ،ف إنهم اس تطاعوا بس ليقتهم وبمه ارة
قليلة أن ينقل وا لنا مع اني عدي دة متنوعة وكث يرة عن المواض يع ال تي ح ازت على اهتم امهم ،بلغة فني ة ،أما النقطة
الثانية فهي س عي الط رفين لتحريف الش كل الظ اهر للمش اهد الفنية تحريف اً ش كلياً وص والً لج وهر القض ية المع بر
عنها.
أما مع الوحش ية ( ،) Fauvismف إن الرسم أص بح أك ثر ش بهاً بالموس يقى وأقل تم اثالً ب النحت ،وهو ما
تحقق على يد مجموعة من الفنانين الشباب ( ماتيس ،فالمنك ،ديران ،مارتيه ....الخ ) ،إذ لم يعد اللون رقيق اً في
نتاجاتهم ،بل على العكس كان عنيف اً أشبه بالهدير ( مولر ،1988 ،ص .) 65لقد كانت لوحشية مذهباً فني اً يمثل
ع ودة إلى الفط رة بتلقائية التعب ير ،وبدائية األس لوب ،وح رارة األل وان المع برة عن عنف وان الحم اس ووحش ية
عما يحتدم في أعماق الفنان من صراع
االنفعال ،فقدمت فناً تقوم أسسه ومبادئه على الدوافع الغريزية التي تكشف ّ
1026
ق ائم بين الفك رة المتح ررة ال تي ته دف إلى البس اطة والنق اء وتش ويه األش كال وتحطيم الخط وط – ال تي ج رى
االش تغال عليها س ابقاً – وبين ما ين وء تحت ثقله من ض غوط اجتماعية ش تى ،مقدمة ب أنموذج تش كيلي جدي دَّ .
إن
السمة البارزة للوحشية هي التعبير التلقائي المباشر ،واالهتمام بالفكرة التي يجسدها الشكل المبسط ذو الخطوط
المرسومة بسرعة دون تفكير معمق أو تعقيدَّ ،
إن اللون الذي كان عفوي اً أخذ يدعم الشكل ويقوم مقام الخطوط في
تحديد هذا الشكل أو ذاك ،وهو لون اصطالحي ،مستقل عن الصورة الظاهرية التي أخذت صفة اإلشارة ،ووظيفة
أكثر شمولية ،لقد وضع اللون مباشرة دون تخطيط سبق للمساحة التي سيشغلها ( .أمهز ،1981 ،ص.) 87
ومما سبق ذكره نجد هناك نقاط التقاء فيما بين االتجاه الوحوشي والفن البدائي نوجزها باآلتي :
.1البناء المسطح للعمل الفني.
.2تناسب وتألف المستويات دون استخدام الظل والضوء أو التدرجات اللونية.
.3بساطة األسلوب األدائي.
.4جدلية ثنائية ال ذاتي والموض وعي ،إذ ارتبط العمل الف ني باألوض اع النفس ية للفن ان وبالع الم الموض وعي
المصور.
.5أطلق الطرفين لذاتهم حرية التعبير في اإلبداع وطرق األداء.
.6أغفل الطرفين قواعد المنظور ،كما عفوا باألشكال ،وأعادوا بناءها بكثير من المرونة والبساطة.
.7غيب كال الطرفين سلطة العقل التامة أثناء الرسم ،وركنوا إلى ذاتهم ،وتمسكوا بحسهم الغنائي.
.8أصبحت األشكال واأللوان حاملة لقيم تعبيرية وليس لصفات فيزيائية.
.9رك َّز الط رفين على اس تخدام الخ ط ،مع مالحظة الف ارق ،في أن الخط ل دى الوحش يون ك ان يتح دد من
خالل تجاور األلوان مع بعضها البعض ( باونس ،1990 ،ص.) 144-143
فضالً عن ذلك ،فإن األسلوب المباشر في التعبير يلتقي في مواضع عدة مع الطريقة العفوية التي كان يتبعها الفنان
البدائي في الرسم ،كما يلتقي كال الفنين في خضوعهما لسلطة الحس ال العقل ،وبحثهما عن التعبير اآلني المباشر
ال عن التكامل والبناء ذو النزعة المحاكاتية .وهو ما يكشف لنا ذلك الحنين الالمتناهي لتلك األوض اع البدائية ذات
صفاء وصدقاً.
ً السمة الطفولية ،وعن شوق إلى تلك الحاالت األكثر
فيما مثلت ( التكعيبية ،) Cubismأكثر الحركات ثورية في مجال الرسم الشكالني ،منذ القرن الخامس عشر ،إذ
طغى تأثيرها على فنون العمارة والنحت إلى حد ما على الموسيقى ،وكان أن تأثرت في بادئ األمر بالفن البدائي
والنحت الاليب يري ،إذ َّ
إن ( بيكاسو ) ك ان قد رسم لوحته ( آنس ات أفين ون ) مت أثراً به ذين الف نين ،فض الً عن
ت أثيرات ( س يزان ) في تخريط األش كال وهندس تها ( .ري د ،1989 ،ص ،) 45لقد ب دت التكعيبية مت أثرة ب الفن
البدائي والنحت الاليبري لألسباب التالية :
.1وظيفتها االجتماعية ،واستخدامها كتذكارات سحرية في االحتفاالت الطقوسية.
.2جمالية أش كالها ،إذ َّ
إن الفن ان ال ذي أنجرها لم يكن يع نى بتس جيل ظ اهرة مرئي ة ،بل ب التعبير عن فك رة
بشأنها ،أي حقيقتها الجوهرية.
.3لها قوة سحرية إيمائية ذات مدلول إنساني.
.4تحوي على قيم عالية من التبسيط واالختزال.
.5وجد الفن ان فيها أس لوباً ورؤية جدي دة في التعامل مع الواقع دون اس تخدام عناصر مس تمدة من الرؤية
المباشرة ( .أمهز ،1881 ،ص.) 94-93
كما يمكن أن تعد األسباب أعاله قاسم مشترك بين الفنون البدائية والفن التكعيبي في ذات الوقت.
1027
لقد انطلقت التكعيبية في تخريط مظ اهر األش ياء في تخطيط ات هندس ية ومكعب ات وش رعت ب الرجوع إلى
التخطيط المبسط وااللتزام بقيمة الخط ،فض الً عن تخليها عن القواعد األكاديمية في تجسيدها للواقع لتفضل السير
باالشتغال على األشكال ودقائقها ومن ثم تقديمها بشمولية وإ حاطة أكثر مما لو أحاطت هذه األشكال بالنظام الكلي
ل ه ( .األعس م ،1998 ،ص .) 79وباإلمك ان إيج اد أو تلمس ذات الش يء في الرسم الب دائي ،إذ اعتمد باألس اس
على التخطيط المبسط واالل تزام بقيمة الخط ولم تح وي – في الغ الب – مواض يعه المجس دة على أي اً من القواعد
األكاديمي ة ،ومع ذلك نج دها قد ق دمت أش كال أك ثر إحاطة وش مولية ،أك ثر مما لو ق دمت ه ذه األش كال على وفق
رؤية محاكاتية في كل مرة.
ومع أن التكعيبيين قد اهتموا بالجانب الشكلي ونوع اً ما العلمي في العمل الفني إالّ أنهم لم يتناسوا الجانب
اإلنس اني في ه ،إذ أنهم وثق وا عقب ات الواقع وتعقيداته في أعم الهم الفني ة ،وذلك من خالل وضع مظ اهر الش يء
المتعددة سوياً على سطح ٍ
مستو واحد ،وبما ال يمكن للعين أن ترى هذه األشياء مجتمعة في حين يكون في مقدور
الذهن أن يوحدها من جديد ،وعليه أصبحت المشاهد ينظر لها من أكثر من زاوية نظر واحدة( .مولر،1988 ،
ص .) 79وكمثال على ذلك لوحة ( بيكاسو ) ( المرأة الباكية ) .وهي لوحة مؤسسة على قيم فنية قريبة مما قدمه
الب دائي في رس وماته ،إذ رسم الوجه جامع اً ما بين الوضع األم امي والج انبي مع اً ،مع مالحظة الف ارق ،من أن
البدائي أراد من أسلوبه هذا أن يقدم لنا كل ما خبره من األشكال المصورة ؛ لذا جعلها منظورة من أكثر من زاوية
نظر واح دة ،فض الً عن أنها تك ون أك ثر ق درة على توص يل المع اني المع بر عنها مما لو نظر إليها من زاوية نظر
واحدة.
لقد أوغل ( ب راك ) و( بيكاسو ) في تحليل مظ اهر األش ياء وتجزئتها إلى وح دات هندس ية معينة على
غ رار أس لوب ( س يزان ) ،ك انت ه ذه هي المرحلة التكعيبية التحليلية منذ ع ام ( ،) 1914 – 1912فيما بعد
مضى االثنان منذ عام ( ،) 1914نحو اإلقالل من تشطيرها موغلين في تحويها ،من دون أن يتقيدوا باألساليب
التقليدية ؛ فضالً عن إدخال الحروف الكتابية وإ كسابها حس اً زخرفي اً ،وأقحموا قرائنها الذهنية في الصورة عالمة
على أنهم ابتكروا التلصيق .األمر الذي ساعدهم على اكتشاف قيم لونية جديدة وأعطاهم حرية أوسع للتحكم فيه.
ان مقارنة ذلك مع فن الرسم وباإلمك )، ص80 ولر،1988 ، (م
الب دائي ،وال ذي أوغل فنانه في تحليل مظ اهر األش ياء وتحويلها إلى م وجزات ش كلية ذات داللة مرتبطة ب ذات
الب دائي وح دة ،إذ يتح ول الش كل اإلنس اني إلى أش كال وخط وط هندس ية مس تقيمة ومنحنية تعبيرية موحية بجسد
اإلنسان ،تطور الرسم بعد ذلك ليتحول إلى تجانس أكثر فيما بين هذه الموجزات الشكلية وبين ما تدل عليه ،وهو
ما تم على وفقه تطور فن الرسم البدائي.
ولك ون التكعيبية قد أعطت للفن ان فرصة للتالعب ببن اء الس طوح والعناصر ان دفع بعض هم إلى األس لوب
التلق ائي في البن اء ،إذ كشف كل من ( كالس ) و( ه يزنكر ) .من رغبتهم في إلب دال البن اء الموض وعي للطبيعة
بالبن اء التلق ائي له ا ،ويتحقق ذلك حينما ينمكن الفن ان من أن يث ير الحس اإلنس اني ال ذي يب دأ ب الفهم وينتهي
بالتص وير ،إذ َّ
إن المش اهد /المتلقي قد يت أثر بص ورة يتم تكوينها بحرية وتلقائية أك ثر من ت أثره بلوحة يتم تكوينها
عن عمد ( .ريد ،1989 ،ص .) 52-50وقد سبق الفن البدائي في هذا المجال الرسم الحديث ،والتكعيبي منه،
وربما هذا ُه َو ما يفسر لنا ذلك السحر والجاذبية التي أمتلكها ويمتلكها الفن البدائي.
فض الً عن ذل ك ،فقد عملت التكعيبية على تص وير األش ياء وكأنها منظ ورة من خلف قطعة زج اج ،ووفق اً
لخاصية الشفافية .وقد تم التحدث عن هذه الخاصية في الرسم البدائي سابقاً ،وكذلك التحدث عن دالالتها وخالصة
1028
الق ولَّ ،
أن التكعيبية التقت مع الرسم الب دائي في الج انب الش كلي البن ائي للعمل الف ني ،وفي اس تخدامها لخص ائص
التحريف وعدم استخدام قواعد المنظور والشفافية والحذف ...الخ .عند الرسم.
لقد ن ادت التعبيرية بض رورة التوغل إلى الطبيعة العض وية للحي اة ،وتحدي داً للمن ابع ال تي يت دفق منها
اإلبداع ،فيما تلتها السريالية لتذهب في األمر إلى أبعد من ذلك ،إلى منبع الحياة الذهنية ،السيما بعد أن ذاع صيت
نظرية ( فرويد ) في التحليل النفسي ال تي كش فت عن دور الالش عور في الس لوك اإلنس اني ،إذ ن ادت الس ريالية
ص راحة بض رورة اللج وء إلى الص راعات الداخلية ال تي يعانيها اإلنس ان وال تي أص بحت س مة مم يزة لعص رنا
الح الي ،فض الً عن التخلي عن كل ما ُه َو عقالني ،وإ عط اء األولوية لألش كال الال تشخيص ية ،ال تي تنقل هيج ان
الذات البشرية وخلجاتها ( .هونغ ،1978 ،ص .) 333إالّ أنها مع ذلك لم تكن سلبية في نزعتها هذه ألنها فعلت
ذلك بروح بناءة ،إذ كان هدفها الكشف عن حياة العقل الباطن وتصعيده إلى مستوى العقل الواعي كوسيلة لخلق
اتزان نفسي جديد ،األمر الذي جعلها ترتكز على اإليماءات النفسية أكثر من تركيزها على العمل الفني ذاته.
لقد أولع الس رياليون باالعتباطية وب األحالم ،إذ ص ور ( ماس ون ،ودالي ،وط انغكي ) أحالم اً مرعبة في
حين صور بعضهم اآلخر أحالماً مفرحة ،تحمل في طياتها شيئاً مما خبرناه أيام طفولتنا ،كما فعل ( كلي وشاغال
وميرد ) ،إذ صور ( شاغال ) مشاهده بشكل يفلت من كل قيود الواقع مستعمالً أشكاالً وألوان اً بحرية أوسع ،مع
سعيه إلرباك العناصر المستعارة ووضعه للزمان المغاير مع الفضاء المغاير ( .مولر ،1988 ،ص.) 113
أما ( كلي ) فقد ش اء أن يق دم تكوين اً ص ورياً خالص اً ،ال يفقد رس وماته س ذاجتها ومظهرها اإلله امي ،مع
اهتمامه الواضح بوسائل التعبير ذات السمة البسيطة التي أعطت لرسوماته تلك السمة الطفولية ،إذ يصف (ريد )
فن ( كلي ) .بأنه " :فن غريزي ذو خيال واسع ال نلتمس فيه إالّ القليل من الموضوعية ،فن شبيه بفنون البدائي،
واألطفال وتكويناتهم " ( ريد ،1986 ،ص.) 250 -249
إن ما يم يز رس ومات الس رياليين ُه َو ذلك التالعب الص ريح بمختلف مكون ات األش ياء كتكبيرها أو َّ
تص غيرها أو المبالغة في اس تطالتها تبع اً النفع االت الفن ان أو مبتغ اه ،فض الً عن تالعبهم بحقيقة تمثيل األزمنة
واألمكن ة ،وه ذا ما نج ده واض حاً في رس وم الب دائي ،فهو يك بر أو يص غر أو يتالعب بمختلف مكون ات
األشياء ،فإنه يفعل ذلك تبع اً النفعاالته تجاه هذا الشكل أو هذه األشياء المرسومة ،غير مكترث بمدى معقولية ما
يرسمه ؛ فض الً عن أنه يضمن مشاهده المرسومة عناصر مستعارة يضعها في زمان ومكان مغاير .عالوة على
ذلك ما سبق ذكره فإن كال الطرفين يستغنون عن سلطة العقل في أثناء فعل الرسم ،فينتجون أعمال فنية معتمدة
اتي وقت ال تطابقها على نحو محاك ودات .وفي ذات ال ذاتي أزاء الموج على الحس ال
تماماً.
الفصل الثالث
مجتمع البحث :ت 11ألف مجتمع البحث الح 11الي من ( ) 10لوح 11ات لخمس من اتجاه 11ات الرسم األوربي الح 11ديث
وهي ( االنطباعية ،التعبيرية ،التكعيبية ،الوحوشية ،السريالية ).
عينة البحث :تألفت عينة البحث الحالي من خمس لوحات تعود ألشهر فناني االتجاهات المذكورة أعاله.
في تحليل عينة (*)
منهج البحث :اعتم11 1دت الباحثة على أس11 1لوب تحليل المحت11 1وى إلى ج11 1انب بن11 1اء أداة خاصة
البحث الحالي.
عينة ( ) 1
1029
اسم العمل :المستحمات1905 ،
اسم الفنان :بول سيزان
بإمكان متلقي العمل الفني أن يلحظ تلك التحريفات الجزئية في بنية أجساد المستحمات ،إذ رسمت ب اختزال
وبعي داً عن األس باب في التفاص يل ،وهو ما أعطى للعمل الف ني إيم اءة جمالي ة ،إذ لم تكن أش كال النس اء لتمثل أي
امرأة في الواقع ؛ بل كانت أنموذج لمجموعة خطوط وألوان معينة على سطح تصويري ذو بعدين ،أي أنها كانت
أنم وذج الم رأة مثالية بالنس بة للفن ان ،ولم يقتصر التحريف الج زئي على األش كال فقط ؛ بل تع داه ليش مل األل وان
أيض اً ،إذ رس مت أجس اد النس اء بل ون ( األوكر ) فق ط ،مع إض افة قليل من الل ون األبيض في مواضع مح ددة من
الجسم ،وهو ما أكسب العمل الفني مسحة جمالية.
المتأمل للعمل الف ني ال يجد ص عوبة في تحديد مك ان أو زم ان المش هد المص ور ،إذ ك ان كله ي دور ح ول
اس تحمام النس اء في بح يرة الم اء في وضح النه ار ،غ ير أن ه ذا التحديد الزمك اني في ذات ال وقت ال يك اد يش ابه
التحديدات الزمكانية المادية الواقعية ،لذا بدا المشهد وكأنه أشبه بالحلم ،أو بحالة من التخيل – ومما أكسى العمل (
اللوحة ) طابع اً جمالي اً ُه َو تك رار ( س يزان ) ألش كاله تك راراً مرن اً بش تى أجناس ها ،فب دت اللوحة وكأنها تنبض
بالحي اة والحركة أك ثر من كونها س اكنة ،مح ددة ببع دين تص ويريين ،عالوة على ذلك فقد ازدانت اللوحة ب ذلك
التن وع الهائل في توزيع األش كال واألل وان وانتش ارها ،وهو ما ينم عن مق درة فائقة وعن تج ارب مستفيضة في
مج ال الل ون ،لقد ب نيت اللوحة عل نحو متماث ل ،إذ عمد ( س يزان ) إلى توزيع أش كاله بتماثل ت ام ،إذ ك ان نصف
اللوحة األيمن يش ابه إلى حد كب ير نصف اللوحة األيس ر ،وبحسب ذلك فقد وزعت األش كال النس ائية في مقدمة
اللوحة بحجم أكبر من النساء اللواتي يتوسطن منتصف اللوحة ،ومع ذلك فقد جعل للموضوع أكثر من زاوية نظر
واح دة ،بغية إحاطة المش هد بنظ رة أك ثر ش مولية وإ حاط ة ،في حين وزعت األش كال توزيع اً مركزي اً ح ول بح يرة
الماء ،إذ كانت كل الشخوص واألشجار تدور حوله.
لقدم استخدم ( سيزان ) المفردات المركبة كيما تكون أوضاع مثالية في لوحته ،فض الً عن ذلك فقد أكثر (
سيزان ) من األشكال النسائية وبحسب ما يقتضيه موضوع اللوحة للتأكد على خاصية الغرضية في العمل الفني
هذا ،فض الً عن ذلك ؛ فقد استخدم اللون استخداماً اصطالحياً أحيان اً ،ورمزيا أحيان اً أخرى ،كما استخدم خاصية
الشفافية في مجال اللون والشكل استخداماً جزئياً ،وهو ما أكسب العمل الفني مسحة جمالية إضافية.
عينة ( ) 2
اسم العمل :ليلة نجومية1889 ،
اسم الفنان :فان كوخ
لقد اقتصرت تحريفات ( فان كوخ ) في هذا العمل على أجزاء من األشكال واأللوان السوداء كانت أشكال
األش جار أم ال بيوت أم الجب ال ،إذ كلها ح رفت جزئي اً زي ادة في التعب ير واإلفص اح ،على حين ح رف ش كل الس ماء
تحريف اً كلي اً سواء أكان في أشكال النجوم أم في ألوانها ،ومع وجود هذه التحريفات إالّ أن الفنان استطاع اإلبقاء
على الصفة الزمكانية للعمل الفني ،ولم يتالعب بالحقيقة الواقعية لهذين البعدين ،على الرغم من أنه لم يكن يهدف
في تصويره إلى تحديد مكان اً أو زمان اً معين .ومما أكسب العمل الفني تلك الحيوية والحركية والجمالية ُه َو تكرار
وحدات العمل وألوانها تكراراً مرناً وبشكل منوع فيه ،وهو الصفة المميزة ألعمال ( فان كوخ ).
فض الً عن ذلك ؛ فإننا نالحظ بس هولة ذلك التماثل الش كلي والل وني الج زئي في ش كل الس ماء ،إذ وزعت
النج وم فيها على نحو متماثل جزئي اً ومن وع ،وهو ما ينم عن مخيلة ف ذة ،إذ كما ُه َو مع روف عن
( فان كوخ ) لم يكن يصور ما يراه ،بل ما يعرفه ،وبالتالي بإمكان المشاهد أن يلحظ ذلك الخرق الواضح لقواعد
1030
المنظ ور في س ماء اللوح ة ( ،فض اءها ) .على حين أنه قد طبق على ب اقي مكون ات اللوح ة ،بمع نى آخر يمكن
القول بأن ( فان كوخ ) قد خرق قواعد المنظور وإ ن لم يكن خرق اً تام اً ،ألجل زيادة التعبير وقوة التأثير ،وقدرة
اإليصال ؛ فض الً عن ذلك ،فقد كانت المشهد تنظر من أكثر من زاوية نظر واحدة ،كما وزعت الوحدات توزيع اً
تناثري احتل كل مساحة اللوحة ،وأكثر الفنان من عدد النجوم في السماء وبالغ في استطالة األشجار والتصغير
من حجم البيوت ،كما إنه حذف بعض التفاصيل منها ،واستخدم األلوان استخداماً رمزي اً في أكثر من موضع في
اللوحة ،كما يمكننا أن نلحظ شفافية اللون األصفر الذي لونت به النجوم ،إذ لم يخفي ما تحته من ألوان أخرى.
والعمل الفني بشكل عام يغلب عليه طابع الخشونة والمباشرة والحاجة في التنفيذ ،ويصور مشهداً يكاد أن
يك ون مش هداً من تلك المش اهد الحلمية ال تي يش هدها أغلب الن اس ،فض الً عن أنها تنم عن م زاج ب دائي في تخيل
وتص ور ق وة الس ماء والليل بال ذات ،أو كأنها رس مت ب روح بدائية ص ورت مخاوفها من الس ماء ،فض الً عن أن
العمل الفني قد حمل بعض من مكامن الالشعور الجمعي الذي يحمله معظم الناس.
عينة ( ) 3
اسم العمل :من أين أتينا ،ومن نحن ،والى أين ماضون1897 ،
اسم الفنان :بول غوغان
اللوحة ب دت وكأنها موزعة على ش ريط مس تطيل مص ورة بش كل حك ائي أو روائي ،وبإمك ان المتلقي أن
يلتمس تلك التحريف ات الجزئية في بنية األش كال ،وال تي منحتها تلك المالمح البدائي ة ،ال تي ارتس مت بش كل واضح
على وجوه وأجساد وشخوص العمل الفني ؛ فض الً عن ذلك ،التحريف الجزئي للمكان الذي جمع فيه (غوغان )
أكثر من مشهد واحد ،على سطح تصويري واحد ،إذ أراد الفنان في هذا أن يفصح عن حركية هذا العالم الواسع
وص راع إرادته ورغباته المتض اربة ،وبالت الي الكشف والتعب ير عن ذلك القلق ال دفين والتس اؤل المتك رر ح ول
مص ير الف رد والمجم وع على الس واء ،ومما يزيد في تأكيد ه ذه النقطة بال ذات ُه َو ذلك التحريف للزم ان
التصويري ،إذ ال يمكن تحديد وقت زمني محدد لهذه اللوحة ،فألوانها ال تفصح عن وقت محدد على الرغم من أن
المشهد يصور واقعة يفترض أنها وقعت في زمان ومكان محددين.
هن اك ح اجز يفصل األنا عن الطبيع ة ،فاألجس ام عارية في الغ الب واألق دام محرفة واألجس ام تف ترش
األرض وتستر بالسماء ،ومما زاد من جمالية هذا العمل ُه َو االستخدام الرم زي لألل وان ،عالوة على أنه أراد أن
يكون اهتمام الناظر منصباً على الحدث بحد ذاته ،وليس على مدى مطابقة أو مصداقية هذا الحدث مع ما يمت له
بصلة في الواقع.
َّ
إن العمل الف ني بخصائصه الم ذكورة أعاله ،يفصح عن تلك ال روح واألحاس يس البدائية ال تي تنبثق منها
مش اعر الفن ان ذات ه ،ومما يؤكد طرحنا ه ذا ُه َو تض مينه لعمله الف ني ذلك التمث ال الب دائي وال ذي يش ير إلى أنه
(طوطم ) ،والذي يشابه إلى حد كبير تلك التماثيل والدمى التي خلقها لنا اإلنسان البدائي في عصوره الموغلة في
القدم ،وهو ما شكل عنصر جذب في اللوحة وكسر للرتابة التي قد يؤديها تكرار األشكال اإلنسانية والحيوانية في
اللوحة ،إن تصوير المشاهد على هذا النحو البدائي يفصح عن رغبة الفنان في تقديم حقيقة الذات البشرية كما هي
دون زيف أو تزويق ،وهو بالتالي تقديم لحقيقة أخرى ُدفنت تحت غبار الثقافة والحياة الحفرية.
عينة ( ) 4
اسم العمل :آنسات أفينون1913 ،
اسم الفنان :بيكاسو
1031
َّ
إن ما يميز نساء هذه اللوحة ُه َو تلك التحريفات الجريئة الواضحة في بنية أشكالها ،إذ حرفت جزئي اً عن
طريق تض خيم من اطق الج ذع وح ذف بعض من أص ابع األي دي واألق دام وص حب كل ذلك تحريف كلي
للون ،وللزمان والمكان ،وذلك التكرار المرن لألشكال واأللوان والخطوط ،وهو ما أضفى تلك الجمالية الساحرة
على العمل الفني ،فضالً عن ذلك فقد فرق ( بيكاسو ) قواعد المنظور الخطي واللوني بشكل تام .فنظر للوحة من
أك ثر من زاوية نظر واح دة ،ووزعت الوح دات فيها توزيع اً تناثري اً وللتعب ير عن الوضع المث الي ب الغ قليالً في
تركيبة الجسم األنثوي ،كما نجد أن ( بيكاسو ) في هذا العمل عمد إلى اإلكثار من األشكال اإلنسانية والتفخيم فيها
وهو ما أبرز لنا خاصية الغرضية ،ومما أكسب العمل الفني جمالية إضافية ُه َو إبراز خاصية الشفافية والتي تعد
إحدى الصفات المميزة لالتجاه التكعيبي و( بيكاسو ) بالذات.
بش كل ع ام العمل الف ني ينطبق بتلك المالمح البدائية بش كل جلي ،إذ نلتمس تلك الم ؤثرات واض حة بنية
األجس اد وفي تع ويم الفض اء ،وال تي أص بحت من الس مات ال تي م يزت فن ( بيكاسو ) ،إذ إنه نبذ نمطين ف نين من
األنم اط ال تي ج رى االش تغال عليها منذ عصر النهضة وهي نبذ النمط التقلي دي للجسم البش ري ،وف رق اإلبه ام
البص ري عن طريق التالعب بالس طوح ،وعلى نحو ما ج اء به الفن الب دائي والنحت الالي بري ال ذي َمثَّل أحد
المرجعيات األساسية للفن التكعيبي.
عينة ( ) 5
اسم العمل :شبح وجه على الشاطئ1938 ،
اسم الفنان :سلفادور دالي
في لوحة ( دالي ) ه ذه نجد أن أش كاله قد ت راوحت فيما بين أن تك ون محرفة كلي اً وجزئي اً ،إذ نجد هياكل
عظمية يصعب االستدالل على جنسها بينما توجد أشكال إنسانية يمكن التعرف على حقيقتها أو األصل الذي ترجع
إلي ه ،ك ذلك نجد أن الل ون قد ح رف كلي اً عن ارتباطاته في الواق ع ،ولم يقتصر التحريف على األش كال واألل وان،
وإ نما امتد ليشمل حتى بعدي الزمان والمكان ،إذ حرفا تحريف جزئي حيناً فيما حرفا كلياً في موضع آخر.
َّ
إن ما يميز هذا العمل الفني ُه َو كثرة الوحدات التصويرية ،سواء كانت شخوص اً أم هياكل أم آدمية ،غير
أنها لم ت أتي أو تتجسد على وتيرة واحدة ؛ بل ك انت متك ررة تك راراً منوع اً أكسبها طابع اً جمالي اً إضافياً ؛ فض الً
عن ذلك ،التكرار المنوع في اللون نفسه ،فبدا المشهد كله وكأنه حلم يثير في النفوس رعب اً ودهشة في آن واحد،
وعلى ال رغم من تب اين المش هدين في أقصى يس ار ويمين اللوح ة ،إالّ أننا نلحظ ذلك التماثل الج زئي في بني ة،
اللوحة ،إذ توسط وجه الشبح منتصفها وهو ما أظهر ذلك التوزيع المتماثل لبقية المشاهد ،فيما اختار ( دالي ) أن
ي وزع أش كاله توزيع اً مرك زي ،وأن يجعل الش كل الم ركب والمف ردة المركبة وض عاً مثالي اً ألش كاله ،فض الً عن
إكث اره من بعض الوح دات ،واإلقالل من األخ رى ،واس تطالة أو تقص ير ...الخ ،من األش كال في اللوحة لتأكد
غرضه التص ويري ،فيما ب دا ش كل الوجه ( الش بح ) ش فاف وعلى نحو لم يحجب معه ض فة الس احل ،العمل الف ني
بش كل ع ام يفصح عن تلك الن وازع والص راعات الالمتعينة وال تي جس دها الفن ان وكأنها حلم م رعب ،وعلى نحو
تفصح من خالله عن مكنونات الالشعور الجمعي الذي تتنقله اإلنسانية بشكل متوارث ،وهو فضالً عن ذلك الشكل
المخيف ،فهو بالنسبة له عبارة عن أشياء وأرواح مخيفة تصيح بها الطبيعة ،إذن فباإلمكان القول بأن هذه اللوحة
جاءت لتجسد بعض أو جانب من الرعب الذي سرى في الحياة البدائية ،والذي يسري بالالشعور في روح اإلنسان
المعاصر.
الفصل الرابع:النتائج ومناقشتها
1032
س تقوم الباحثة بع رض النت ائج ال تي توص لت إليها ومناقش تها مباش رةً وحسب تسلس لها في أداة البحث
وكاآلتي :
.1خاصية التحريف
أظه رت نت ائج التحليل عن ظه ور ه ذه الخاص ية في الرسم األوربي الح ديث ،وتفسر الباحثة ذل ك ،وفق اً
لطبيعة هذا األسلوب في الرسم والذي شكل الفن البدائي أحد مرجعياته األساسية والذي حوى في جانب واسع منه
على تحريف واخ تزال وتبسط لبنية الش كل وعناص ره األخ رى ،فض الً عن ذلك ت رى الباحثة َّ
أن الفن على مس اره
الطويل ما ُه َو إالّ تحريف من الناحية الفلس فية ،إذ َّ
إن حي اة اللوحة ش يء والحقيقة العيانية ش يء آخ ر ،ح تى وإ ن
ك انت ص ورة محاكاتية تمام اً ،وما الفن بالنس بة للفن ان إالَّ عملية تحري ف ،وه ذا يتفق مع رأي (أفالط ون ) في أن
الفنان يبتعد عن الحقيقة بدرجتين ،مرة بمحاكاة الواقع وأخرى بمحاكاة عالم آخر ،وهذا ما أشارت إليه الباحثة في
اإلطار النظري.
ترى الباحثة أن الفنان المعاصر استمد هذه الخاصية نظراً لرغبته في إبدال القيم الجمالية القديمة بأخرى
جديد مبتك رة تتفق مع أزم ات العص ر ،وذلك من خالل خلقه ألش كال وأل وان وخط وط محرفة عن أوض اعها
الطبيعية ومتج اوزة لبع ديها الزم اني والمك اني ؛ فض الً عن ذلك ت رى الباحثة أن التحريف يعطي للفن ان حرية
واس عة للتالعب بعناصر لوحته من دون حاجة إلى إعط اء مس وغات معين ة ،وهو ما مثل قاسم مش ترك بينه وبين
الفن الب دائي ،ومع ذلك فقد اقتصر التحريف ل دى الط رفين اقتصر على التالعب بالمكون ات البص رية للش كل
الظاهري فقط ،دون مساس فكرتها الجوهرية ،بل َّ
إن هذا األسلوب يأتي تصويراً وتقديماً للحقيقة الجوهرية ،لذا
عده تحريف موضوعي أكثر منه تحريف بصري أو عياني ،كما ويتفق هذا مع رأي (كانت) في أن ظواهر يمكن َّ
األشياء تخالف جوهرها ،وأن الشكل السطحي ما ُه َو إالَّ قناع خادع يخفي وراءه حقيقة أو جوهر أو معنى ،وكما
سبق للباحثة أن أشارت إليه في اإلطار النظري .وألن الفنان األوربي الحديث ،كان بحثه يدور حول هذا الجوهر
نج ده قد ج افى الش كل الظ اهر للموج ودات مقترب اً أك ثر وأك ثر نحو جوهرها بغية التوصل إلى الش كل المع بر عن
الجمال الحر والمطلق ) H. Read, 1952, P. 114 ( .ومثال على ذلك لوحة سيزان (المستحمات) التي لم يكن
المقص ود من التك وين في إعط اء ص ورة مطابقة لجم ال الطبيع ة ،وإ نما لغ رض إب راز ص ورة جوهرية لتلك
االنحرافات الخطية حتى تكون الفكرة الموضوعية واضحة ،أي أن التحريف هنا ُه َو زيادة في التعبير عن فكرة
الموضوع .وقد ظهرت هذه الخاصية من خالل :
أ .تحريف الشكل جزئياً
أظه رت نت ائج التحليل عن ظهور هذه الخاصية في الرسم األوربي المعاصر ،وتفسر الباحثة ذلك ،بأن
لو حرف الفنان لوحته كلي اً ،أو استخدم الشكل المحرف كلي اً لتحولت لوحته إلى خطوط وألوان وأشكال تجريدية
بحتة ،يصعب معها اإلفصاح عن تلك الجوانب التعبيرية ،أو التماس الجوانب االنفعالية فيها األمر الذي قد يحرم
الفن ان من أن يوصل ما يري ده بش كل يح رك في المتلقي وت راً م ا ،فـ(ف ان ك وخ) مثالً ،ك ان يعمل على الحد من
واقعيته األش كال من خالل تش ويه معالمها الواقعي ة ،ألنه ك ان م دركاً م دى ت أثير تلك االنحراف ات على نفس
المش اهد ،كما ويؤكد (م وريس دي ني) على ذلك حينما أش ار إلى ض رورة الحد من واقعية األش كال وتحريفها
تحريف نس بي ،من دون أن تفقد تفاص يلها الجوهري ة ،وح تى تأخذ اللوحة طابع اً تعب يري ت وحي لل رائي بما يه دف
إليه الرسام ،وهذا ما سبق للباحثة أن أشارت إليه في اإلطار النظري ،فض الً عن ذلك ؛ فإن هذه الخاصية تكسب
العمل الف ني قيمة جمالية حينما توظف فيه ذلك أنها ال ت ؤدي هنا غرض اً إش ارياً بق در أداءها لغ رض تعب يري
جمالي ،كما وترى الباحثة بأن هذا األسلوب في التعبير يساعد كثيراً من إيصال المعاني المعبر عنها ،كما ويعد
1033
هذا التحريف مرحلة من مراحل تط ور الرسم األوربي الحديث نحو الشكالنية في الرس م ،وطرح اً من طروح ات
الحداثة ،إذ بدأت هذه التحريفات مع انطالقة الرسم االنطباعي صعوداً حتى االتجاهات الفنية المعاصرة.
ب .تحريف الشكل كلياً
لم تظهر هذه الخاصية في الرسم األوربي الحديث وبحسب االتجاهات المدروسة في هذا البحث ،إذ فيها
صرف الفنان في بنية الشكل جزئي اً ألجل خلق قيم جمالية وإ يصال معاني إنسانية ،مع مالحظة عدم إلغاء ارتباط
هذه األشكال مع الواقع المادي ،على عكس الفنانين األكثر تجريداً واللذين أوغلوا في قطع وشائج العمل الفني مع
الواق ع ،وحرف وا في الش كل كلي اً ،فأص بحت اللوحة عب ارة عن أل وان متجانسة أو متعارض ة ،دون أن ت دل على
موض وع خ ارجي ،ومن المالحظ أن الب دائي لم يجد أيض اً في تحريف الش كل كلي اً وس يلة للتعب ير ،ول ذا نج ده قد
عما يجول بخاطره من هواجس.
استخدم التحريف الجزئي للشكل كيما يعبر من خالل َّ
ج .تحريف اللون
أظه رت نت ائج التحليل عن ورود ه ذه الخاص ية في الرسم األوربي بش كلها الج زئي والكلي ،وتفسر
الباحثة ذلك في أن الرس ام األوربي المعاصر ك ان يس تخدم ألوانه اس تخداماً ذاتي اً ص رفاً ،نظ راً المتالكه حس اً فني اً
يجعله ي رى مواض يع الخ برة الحس ية المادي ة ،لتأخذ ش كالً ولون اً آخ ر ،وهو ما س بق للباحثة أن أش ارت إليه في
اإلطار النظري ،عالوة على ذلك ترى الباحثة أن الرسم البدائي قد قدم للفنان المعاصر طريقة جديدة في التعامل
مع الواقع دون استخدام عناصر واقعية ،لذا نجده قد حرف في اللون حين اً ،في حين لم يحرف فيه في موضع آخر
؛ فض الً عن َّ
أن له تج ارب متع ددة في مج ال الل ون ،األمر ال ذي يجعل من اس تخدامه لألل وان طبق اً لظهورها في
الواقع في كل م رة ،أم راً مض حكاً .غ ير َّ
أن ه ذه الخاص ية في الرسم الب دائي على جماليتها وردت تبع اً لمحدودية
األل وان ال تي ك انت بحوزته وال تي ج ادت بها الطبيعة عليه ؛ فض الً عن أنه لم يمتلك تج ارب متع ددة في مج ال
الل ون ،ل ذا ج اءت األل وان محرفة كلي اً حين اً وجزئي اً حين اً آخر حينما أب دى مح اوالت إلكس اب األش كال ألوانها
الحقيقية.
د .تحريف المكان والزمان كلياً
أظه رت نت ائج التحليل عن ظه ور ه ذه الخاص ية في الرسم األوربي الح ديث وتفسر الباحثة ذلك ب أن
الرس ام س عى إلظه ار رغبته في تحليل الواقع المع اش ليحيله إلى واقع جديد ومن ثَُّم مك ان جديد وفق اً لرؤيته
الخاصة ،إذ فيه تلغى الحواجز ما بين األشياء لتتماس مباشرةً بعضها مع بعض ومع مكونات الواقع ،إذ في الفن
يتحول الواقع بفضل الصورة الفنية إلى عالم مثالي يصلح بديالً عن عالم الوجود الواقعي ،وهذا ما تم التطرق إليه
في اإلطار النظري ،فضالً عن ذلك فإن الفنان كان يحرف في الزمان كلي اً رغبة منه في إلغاء الحاجز الزمني في
الحي اة وجعلها مفتوحة ال قيد فيها ؛ عالوة على ذلك ت رى الباحثة أن الرسام يحرف في الزم ان والمك ان رغبة في
منه في بن اء أو االنتق ال إلى ع الم آخر بعيد عن الض غوط السياس ية واالجتماعية والمادية وش تى إش كاليات الحي اة،
وهو ما شكل قاسم مشترك بين البدائي والرسام.
فض الً عن ذل ك ،ت رى الباحثة أن ال زمن بمعن اه التص ويري يع ني اإلض اءة أو الت درج الل وني ،وبما أن
اس تخدام ه ذا الت درج يق ود إلى التجس يم وهو ما ال ي رغب فيه ل ذا نج ده ع اد ليس تخدم أس لوباً يبتعد فيه عن ذل ك،
يحاكي في جانب واسع منه وخصوصاً تمثيله لألزمنة واألمكنة أسلوب الرسم البدائي.
لقد س عى الرسم األوربي المعاصر إليج اد لغة فنية جدي دة ،وص يغ بنائية مس تحدثة تتج اوز أي عالقة
ارتباطيه اعتيادية بالمش اهد العياني ة ،وبالت الي تتج اوز ص يغ الزم ان والمك ان وهو على وفق ذلك يب دي نزوع اً
ص ريحاً أو ض منياً في رفض طريقة البن اء أو التفك ير بالص يغة المنطقي ة ،وقد ع بر عن رغبته ه ذه عن طريق
1034
تخ يره للعالق ات ما بين األش كال واألل وان ،ورفضه ألي تش خيص من ش أنه أن يحقق أي ربط زمك اني على وفق
العالقات االرتباطية المنطقية وبالنتيجة فإنه يبني عالقات غير معقولة من شأنها أن تثير تساؤالت وانفعاالت أكبر
وأعم ق ،وأن تحقق جمالية أك ثر ،فض الً عن تعبيرها عن المفه وم المنطقي االفتراضي لما ُه َو ق ائم ( Orgn,
.) 1961, P: 53
كما وت رى الباحثة وعلى وفق نظر (ش وبنهور) َّ
أن الفن ان يبتغي من ذلك هروب اً من مظ اهر الواقع إلى
حقيقة مثالي ة ،تتخلص فيها ال ذات من إرادة الحي اة ذات المالمح القاس ية لتس موا من خالل عملها الف ني في أج واء
فنطازي ة ،متح ررة من عالئقها الزمانية والمكاني ة ،مؤلفة ب ذلك مف ردة جدي دة لج وهر الوج ود أي
(مثله ا) .وب ذلك تحمل ه ذه الخصيصة أيض اً دالالت معرفية تمثلت في عملية الكشف عن حقيقة الوج ود ،فض الً
ير ذلك يظهر لنا وعلى حد تعب ة ،فإنه ب ة) في الطبيع ك ،فإنه يكشف عن (المثل الكامن عن ذل
(شوبنهور) صورة للجميل ،إذ يرى (شوبنهور) َّ
إن الجمال هو المثل الكامنة في األنموذج ،فالشيء يكون جميالً
م تى ما أظهر وكشف عن المث ال الك امن في ه ،أي بتجس يد (اإلرادة) .وموضع تأمل الجميل هو باألس اس معرفة ال
تخضع لص ورتي الزم ان والمك ان المح ددين ،وهو ما ش كل قاسم مش ترك بين الط رفين الفن ان الب دائي والرس ام
األوربي الحديث.
هـ .تحريف المكان والزمان جزئياً
لقد ظه رت ه ذه الخاص ية في الرسم األوربي المعاصر بش كل أقل وض وحاً من التحريف الكلي ،وك ذلك
الحال بالنسبة للرسم البدائي ،وتفسر الباحثة ذلك بأن كال الطرفين لم ارتباط هذه األشكال بالواقع المادي ،كما أراد
من خالله أن يق دما مفهوم ان لل زمن ولديمومته وحركيته من خالل تجس يده له ذه البع دين ؛ ل ذا حرفا في المك ان
والزمان جزئياً.
.2خاصة التك11رار :لقد وردت ه ذه الخاص ية في الرسم األوربي الح ديث وبح دود موض وع البحث الح الي بش كل
واض ح ،وتفسر الباحثة ذل ك ،ب أن له ذه الخاص ية لها م ردود جم الي على العمل الف ني من خالل التن وع فيه وجعله
بصيغ مولدة ال ناقلة ،على حين وردت هذه الخاصية في الفن البدائي نظراً لطبيعة الموضوعات التي كانت تشغله
ومدى صلتها بحياته وألفته لها ،وتمكنه من إجادتها في الرسم وهو ما عكس رغبة البدائي وحسه الفني ،فضالً عن
ذلك فقد اش ترك كال الط رفين في ط رح ( اللو ) ح ول وظيفة التك رار ،إذ ي رى أن جهة التك رار هنا هو تس جيل
الواقع بقصد العمل على اس تبقاءه واالحتف اظ بص ورته المثالي ة ،وك ذلك مض اعفة فاعلية الحي اة من خالل إح داث
تغ يرات بس يطة فيه ا ،بقصد تس جيلها وتوثيقه ا ،ل ذا ف إن تك رار كال الط رفين ألش كالهم ومواض يعهم ،يعد تس جيالً
وتوثيقاً لذلك الواقع المثالي ،وألبعاد الحياة شتى وقد ظهرت هذه الخاصية ،من خالل:
أ .تكرار الخط والشكل تكراراً مرناً
لقد وردت هذه الخاصية في رسوم كال الطرفين ،وتفسر الباحثة ذلك على وفق ما يمتلكه هذين الطرفين
من خي ال واسع يس تطيعون من خالل خلق أش كال متنوعة متج ددة األمر ال ذي يجعل تك رارهم لألش كال تك راراً
مرن اً ،فض الً عن أن كال الط رفين يحمالن تكراراتهما جانب اً كب ير من حس هما االنفع الي ،فال ت أتي تك راراتهم على
وت يرة واح دة ،وس بق للباحثة أن أش ارت إلى ذلك في اإلط ار النظ ري ،وأخ يراً ف إن كال الط رفين أرادا أن يكونا
ويش كال خطاب اً بص ري مش فر ،على ق در الجهد المب ذول في قلة ش فراته ،ت أتي المعرفة والل ذة المستحص لة ل دى
متلقيه .مع مالحظة الفارق في أن شفرات الفن البدائي ال زالت تشكل مداراً للجدل.
ب .تكرار اللون تكراراً مرناً
1035
أظهرت نتائج التحليل عن ورود هذه الخاصية في الرسم األوربي الحديث وتفسر الباحثة ذلك على وفق
ما فس رت به التك رار الم رن للش كل ،مع مالحظة الف ارق في أن للفن ان تج ارب مستفيضة في مج ال الل ون ،أما
اإلنسان البدائي فلم يكرر في اللون تكراراً مرناً في الغالب ،وذلك تبع اً لمحدودية األلوان المتوفرة لديه ،ولم يظهر
في الرسم األوربي الحديث تكرار اللون والخط والشكل تكراراً جامداً ،وهذا شيء بديهي بالنسبة للفنان الذي يتمتع
مخيلة خص بة ،وبإمكانية أدائية فائقة في حين وردت ه ذه الخاص ية في الرسم الب دائي بنس بة ض ئيلة ،ذلك أراد أن
يس جل مواض يعه الحياتية المعت ادة .مع أدنى تغ ير فيها في محاولة لزي ادة عمقها وح دتها ،أما تك راره الجامد لل ون
فيعزى إلى محدودية ألوانه وعدم امتالكه القدرة في مزج األلوان ،فض الً عن أن الرسم البدائي كان قد عول على
استخدام الخط والتخطيط أكثر من التلوين ،ولذا كان تكراره للخطوط تكراراً مرناً.
.3التماثل
أظه رت نت ائج التحليل عن وج ود ه ذه الخاص ية في الرسم األوربي الح ديث وذلك لس ببين األول هو
طبيعة بنية اللوحة ذاته ا ،والث اني يع ود لحب الفن ان لل ترتيب واالنتظ ام .وعلى ه ذا األس اس تفسر الباحثة كل
الخواص الفرعية لهذه الخصيصة الرئيسة مع مالحظة أن هذه الخصيصة وردت في الرسم البدائي مصادفة ،أي
أن البدائي لم يكن يقصدها لذاتها.
.4عدم استخدام قواعد المنظور
لقد أظه رت نت ائج التحليل عن ورود ه ذه الخاص ية في الرسم األوربي الح ديث ،وتفسر الباحثة ذلك ب َّ
أن
الرس ام اس تمد ه ذه الخاص ية ليب دي من خاللها رفضه الكلي لألس اليب والقواعد األكاديمية ومنها قواعد المنظ ور
الخطي واللوني والتي تجعل منه تأمالً ال مبدعاً ،فض الً عن أنه أبدى نزوع اً نحو تجريب أساليب أخرى يمكنه أن
يبدع فيها ،وحينما تم له اكتشاف ما تحمله الفنون البدائية من فرق لهذه القواعد أوغل في هذا االتجاه ،فكون عمالً
فني اً يتس اوى مع ض رورته الداخلي ة ،وليس مع ما يمكن مش اهدته عيان اً ،وهو هنا يق ترب مع ما يبتغيه الب دائي مع
مالحظة الف ارق في أن الب دائي لم يكن عارف اً باألصل به ذه القواع د ،وإ نما ك ان انفعاله هو ال ذي يق وده أك ثر من
خبرته الحسية ،فضالً عن أن كال الطرفين عمدا إلى هذه الخاصية ألجل اإلفصاح عن كل ما يعرفاه عن مش اهدهم
المصورة دون أن يقيما وزن اً لتساوي أحجامها وأبعادها األخرى ،وهو ما سهل عملية توصيل المعنى أو المعاني
الكامنة في ه ذه األش كال وهو ما س بق للباحثة أن أش ارت إليه في اإلط ار النظ ري ،وقد ظه رت ه ذه الخاص ية من
خالل :
أ .زاوية النظر للموضوع – أكثر من زاوية
لقد أظه رت نت ائج التحليل عن ظه ور ه ذه الخاص ية في الرسم األوربي الح ديث ،وتفسر الباحثة
ذلك ،بأن الفنان وجد أن هذا األسلوب يجعله أقدر على توصل المعاني المعبر عنها أكثر مما لو نظرت من زاوية
نظر واحدة ،وكلما كانت المعاني المبلغة أكثر كلما كان العمل الفني ناجح اً أكثر ،وهو ما سبق للباحثة أن أشارت
إليه في اإلطار النظري ،فض الً عن أن الفنان أراد أن يقدم شيئاً من تعقيدات الواقع لذا فقد وضع ظواهر األشياء
المتعددة جنب اً إلى جنب على سطح مستو واحد ..أما الفنان البدائي فقد أشترك مع الفنان األوربي الحديث في أن
هذه النظرة هي النظرة األكثر شمولية للموضوع ،وهي التي تنقل وتفصح عن كل خبرته بها ،لذا جعال الموضوع
ينظر إليه من أكثر من زاوية نظر واحدة.
.الوضع المثالي ( مفردة مركبة )
لقد أظهرت نتائج التحليل عن وجود هذه الخاصية في الرسم األوربي الحديث ،وتفسر الباحثة ذلك ،بأن
ل دى الفن ان رغبة قوية في إع ادة بن اء األش كال الطبيعة أي اً ك انت هويتها وفق اً لرؤيت ه ،إذ أنه يمتلك إمكانية تتع دى
1036
صراحة التركيبي ،فض الً عن أنه يدرك بأنه جزء من هذا الوجود وحين يعيد بناءه من جديد فإنه يستخلص بذلك
نظام اً وموقف اً جديداً منه ،موقف ال يبعده كثيراً عما يجري في وجوده هذا ،إذ إنه ال يتجافي معه نهائي اً بل يتوحد
فيه ليعيد بنائه ومن ثم يقدمه وفق اً لنظ رة كلية جدي دة ،متخ ذاً من تركيبة لمف ردة ما وض عاً مثالي اً ألش كاله .وك ذلك
الحال بالنسبة للفنان البدائي.
هـ .خاصية الغرضية ( النفعية )
لقد أظهرت نتائج التحليل عن ظهور هذه الخاصية في الرسم األوربي الحديث ،وتفسر الباحثة ذلك بأن
لهذا الفنان أحاسيس وهواجس داخلية ال تساعده األشكال التقليدية التي استنفذت شاعريتها في اإلفصاح والتعبير
عنه ا ،ل ذا فقد لجأ إلى تك ييف عناصر لوحته وفق اً إلرادته لت ؤدي غرض اً م ا ،فض الً عن ذلك فإنه لو اس تخدم
مف ردات تقليدي ة ،كأنه س يحرم من متعة التعب ير ال ذاتي وس يقلل ب ذلك عناصر اللوحة تنظيم اً ذاتي اً جمالي اً أك ثر من
توجهها ص وب تنظيم األش كال واألل وان واقعي اً .أما فيما يخص الفن ان الب دائي فقد لجأ إلى ه ذه الخاص ية تبع اً
النفعاالته الخاصة ،فقد ظهرت هذه الخاصية من خالل :
أ .استخدام الشكل
أظه رت نت ائج التحليل عن ظه ور خاص ية اس تخدام الش كل اس تخداماً غرض ياً وتفسر الباحثة ذلك على
وفق تفس يرها للخاص ية كك ل ،إذ اس تخدمت األش كال اس تخداماً مبالغ اً فيه عن طريق تكبيرها أو تص غيرها أو
اإلكث ار منها أو اإلقالل ...الخ ،مبتغى الفن ان من ذلك هو إب راز ص دق التعب ير ،وك ذلك إب راز الش كل األهم ال ذي
يمثل بطريقة مميزة ال يتمثل بطريقة اعتيادية ،فضالً عن أن هذا األسلوب يعد حداثة في الرسم ،إذ تعد اإلضافات
والح ذف طروح ات جدي دة في الفن ،لم يس بق للفن ان أن مارس ها من قب ل ،وهو ما يطمح الى تقديمه ألنه ممثل
لمجتمعه ولطروحاته عالوة على سعيه لتحقيق هدفه الجمالي من وراء استخدام األشكال على هذا النحو.
.6خاصة الشفافية
لقد أظهرت نتائج التحليل عن ظهور هذه الخاصية في الرسم األوربي المعاصر وتفسر الباحثة ذلك ،بأن
الفن ان لجأ إليها بوص فها خاص ية جمالية مس تخدماً في ذلك ش فافية جزئية لل ون والش كل في الغ الب ،على حين
وردت هذه الخاصية في الرسم البدائي ،نظراً المتالك فنانه رؤية ساذجة جعلته يعمد إلى تصوير األشكال دون أن
يحجب بعضها بعضاً ؛ فضالً عن ذلك فإن إنسان ذلك العصر لم تكن بعض المشاهد ترضيه ،لذا عمد إلى تصوير
مشاهد أخرى فوقها ،وبذلك تراكبت هذه الصور الواحدة فوق األخرى دون أن يحجب بعضها بعض اً ،فبدت شفافة
في شكلها ولونها
االستنتاجات
.1لجأ الفن ان األوربي المعاصر الى استش فاف وتط بيق مالمح البدائية في فنه نظ راً لما تمتلكه من قيم
جمالية وتعبيرية في آن واح د ،ولما لها من م دلول س حري إنس اني ،ولما قدمته له عن ص يغ جدي دة في
التعامل مع الواقع ،وبقدرتها عن التعبير عن فكرة األشياء دون تجسيدها على نحو محاكاتي تماماً.
.2لجأ الفنان األوربي إلى هذا األسلوب في الرسم تخلصاً من قيود القواعد واألساليب األكاديمية التي تجعل
من رؤيته الفنية للواقع رؤية تس جيلية ليس غ ير ،في حين أن ه ذا االتج اه في الرسم منحه فرصة إظه ار
إبداعاته الشخصية والتقدم فيها ،فضالً عن إعطائه فرصة الكتشاف من أساليب أكثر حداثة من السابق.
َّ .3
إن الفنان األوربي الحديث دأب إلى ترجمة األشكال إلى صور معبرة ،لكنه شعر بأن األشكال التقليدية
ذات الحس التعب يري المباشر قد اس تنفذت معناها وفق دت س حرها وجاذبيتها لك ثرة تناولها واس تخدامها
1037
المتك رر .األمر ال ذي دفعه للبحث عن أش كال جدي دة ذات ق وة م ؤثرة وفعالة ومرادفة لما يريد الرس ام
التعب ير عن ه ،وقد وجد الفن ان ض الته ه ذه حينما تس نت الفرصة له لإلطالع على الفن الب دائي ال ذي حى
على كل ما تشده.
.4لقد وجد الفنان حرية كبيرة في خوض غمار هذا األسلوب في الرسم ،فض الً عن الرضا الذي يشعر به
الفنان وهو يكشف ويجسد الحقيقة الراسخة في ذهنه بشكل معبر ومؤثر.
َّ .5
إن ممارسة الفنان لهذا األسلوب في الرسم ال يعني أن ذائقته تتجه نحو التسهيل واالختزال والى التقرب
أكثر فأكثر إلى الحياة المنفتحة على الطبيعة فحسب ،وإ نما تعد هروب اً من شتى الضغوط المسلطة عليهم
من قبل المجتم ع ،وال يمكن ب أي ش كل من األش كال أن البدائية مفه وم س لبي ،بل هي محاولة ثورية
للتحرر من قيود الواقع.
إن التوغل في الذات البش رية يعطينا شيئاً سهالً وم ؤثراً ،إذ َّ
إن اإلنسان كلما ع اد الى الماضي أصبحت َّ .6
األش ياء أك ثر بس اطة وتش ويقاً وأهمية وقيم ة ،ل ذا ف إن ع ودة الرس ام لالستش فاف من الرسم الب دائي هو
محاولة منه للرجوع إلى الحاالت األكثر سعادة والتي تعطينا أشياء أكثر سهولة وتشويقاً وأهمية وقيمة.
التوصيات
.1أن تقوم وزارة الثقافة واإلعالم بتأليف موسوعة خاصة بكل مخلفات اإلنسان البدائي ،وآثاره ،وفنونه،
وأدواته وب األلوان .يتم االحتف اظ بها في بناية المتحف الع راقي إلف ادة الب احثين والمهتمين فيه على ق در
اإلمكان.
.2اس تحداث أنظمة عمل جديدة في المتحف العراقي تسهل للباحثين مهمة الحصول على ما يحت اجون إليه
كاستخدام الكاميرات في التصوير ،والحاسبات في التنضيد.
المقترحات
.1إجراء دراسة أخرى تختص بدراسة الخصائص الفنية للرسم البدائي ودالالتها في مراحله الثالث.
.2إجراء دراسة مقارنة بين فنون البدائي ،وفنون األطفال ،والفن الشعبي.
.3إجراء دراسة أخرى تختص ببحث الخصائص الفنية في النحت البدائي ودالالتها.
المصادر
إبراهيم زكريا :مشكلة الفن ،مشكالت فلسفية ،مكتبة مصر ،دار مصر للطباعة.1976 ، .1
األعس م ،عاصم عبد األم ير :جمالي ات الش كل في الرسم الع راقي الح ديث ،أطروحة دكت وراه ،جامعة .2
بغداد ،كلية الفنون الجميلة.1997 ،
أمهز ،محمود :الفن التشكيلي المعاصر ( )1970–1870التصوير ،دار المثلث ،بيروت.1986 ، .3
أوهر،هورست:روائع التعبيرية األلمانية ،ت:فخري خليل ،دار الشؤون الثقافية العامة ،بغداد.1985 ، .4
باونيس ،آالن :الفن األوربي الحديث ،ت :لمعان البكري ،دار المأمون ،بغداد.1990 ، .5
بهنسي ،عفيف :الفن عبر التاريخ ،دار الحديث العالمي ،دمشق.1982 ، .6
ال دباغ ،تقي ،وآخ رون :عص ور قبل الت اريخ ،وزارة التعليم الع الي والبحث العلمي ،جامعة بغ داد ،كلية .7
اآلداب ،مطبعة جامعة بغداد1983 ،
ريد ،هربرت :حاضر الفن ،ط ،2ت :سمير علي ،دار الشؤون الثقافية العامة ،بغداد.1986 ، .8
السواح ،فراس:دين اإلنسان ،بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني،منشورات دار عالء الدين ،ب.ت. .9
.10الشال ،عبد الغني النبوي :مصطلحات في الفن والتربية الفنية ،جامعة الملك سعود ،الرياض.1984 ،
1038
.11عبد اهلل ،عبد الكريم :فنون اإلنسان القديم ،أساليبها ودوافعها ،مطبعة المعارف ،بغداد.1973 ،
.12مبارك ،عدنان :االتجاهات الرئيسة في الفن الحديث ،دار الحرية للطباعة والنشر.1987 ،
.13محمود ،عاطف :الدوافع النفسية لنشوء الفن ،دار القلم ،مصر.1970 ،
.14م ولر ،فران ك ،وآخ رون :مئة ع ام من الرسم الح ديث ،ت :فخ ري خلي ل ،دار الحرية للطباعة والنش ر،
بغداد.1988 ،
.15مونتاغيو ،اشلي:البدائية ،ت :محمد عصفور ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب،الكويت.1982 ،
.16مونرو ،توماس :التطور في الفنون ،ج ،1مراجعة :أحمد نجيب ،الهيأة المصرية العامة للكتاب ،مصر،
.1971
.17ـ ـ ـ ـ :التطور في الفنون ،ج ،2مراجعة :أحمد نجيب ،الهيأة المصرية العامة للكتاب ،مصر.1972 ،
.18هاوزر ،آرنولد :الفن والمجتمع عبر التاريخ ،ج ،1ت :فؤاد زكريا ،المدرسة العلمية للدراسات والنشر،
بيروت.1981 ،
.19هويغ،غينيه:الفن تأويله وسبيله ،ج،1ت :صالح برمدة،وزارة الثقافة واإلرشاد القومي ،دمشق.1978 ،
1039
1040
1041