You are on page 1of 7

‫المقدمة‪:‬‬

‫يعتبر الفن منذ سالف العصور وسيلة للتفاعل والتعب ير عم ا يح دث في الواق ع‪ ،‬فلق د‬
‫اختلفت وتعددت الطرق التعبيرية وتنوعت صور الكتابة التشكيلية من فنان إلى آخ ر‬
‫وخاصة إذا ما تعلق األمر بالجسد اإلنساني‪.‬‬

‫لق د ب رزت على الس احة الفني ة تمظه رات ع دة في فن التص وير وفن النحت وفن‬
‫األداء والتنصيبة وغيره ا‪ ،‬حيث تمنح جمل ة ه ذه الفن ون الفن ان وس يلة للتعب ير عن‬
‫أفكاره ومواقفه تجاه م ا يعيش ه مثال أو تص ويرا ل رأي‪ ،‬أو فك ر‪ ،‬أو تطل ع شخص ي‬
‫ذاتي‪.‬‬

‫لقد مّثل موضوع الحرب هاجسا لدى اإلنسان منذ القدم فكان من المواضيع المتداول ة‬
‫بما يشتمل عليه من نقل لصورة حية وأحداث وقعت في مجتمعاتهم أو حتى معان اتهم‬
‫اإلنسانية والتي تتجس د في مش اهد فظيع ة كله ا ج روح ال تن دمل وآالم عص ية على‬
‫النسيان ال يمكن فسخها من ذاكرته أو التخلص منها‪ .‬هن ا انطل ق العدي د من الفن انين‬
‫في إنجاز أعمال فنية تتماشى مع هذه المشاهد المحفورة في أذه انهم‪ .‬لق د اس تطاعت‬
‫الحرب أن تستفز روح الفن ان لم ا يش اهده من عن ف ووحش ية ض د اإلنس انية‪ ،‬فنتج‬
‫عنها أعمال خّلدها التاريخ وظهرت بذلك مدارس فنية تعبر عن الواقع المري ر ال ذي‬
‫خٌلفته الحرب وتدعم الفعل الثوري الرافض لكل األساليب القديمة القائمة على تقديس‬
‫الجمال‪.‬‬

‫يراودني شعور باأللم تجاه ما يحدث اليوم في العالم‪ ،‬فالحرب بحوش يتها دم رت ك ل‬
‫ما هو جميل وتسببت في الكثير من الضحايا والمصابين األبرياء‪ ،‬وهذا م ا تنقل ه لن ا‬
‫الصور من مشاهد بشعة ومشوهة قد تصل حدود انفصال بعض األط راف عن كلي ة‬
‫الجس د وان دثارها تمام ا أو أن يغيب ال رأس أو يت دلى ناحي ة الج ذع‪ ،‬فتطمس مع الم‬
‫الوجه حاملة معها وبكّل قسوة هّو ية صاحبها والعالمة الممّيزة لذاته‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫يعتبر الوجه العالمة الممّيزة للذات اإلنسانية‪ ،‬فهو وحده كفي ل ب إبراز ج انب الف رادة‬
‫والفردانية‪ ،‬فلكل وجه قصة ولك ل عي نين حكاي ة‪ .‬من هن ا بال ذات ك ان انطالقن ا في‬
‫مشروع البحث وهو نفسه ما دفعني للعمل على الجذع البشري غاية تجس يد مختل ف‬
‫ه ذه الع ذابات المرتس مة على اإلنس ان والبحث في األبع اد التعبيري ة‪ ،‬الحياكي ة‬
‫واللمسية القادرة على ابرازها ضمن ورشة النحت بموادها وأدواتها وبم ا تس مح ب ه‬
‫من تعالقات مع مختلف االختصاصات األخرى‪.‬‬

‫إّن الوجه هو آلية للتواصل مع األخر وأساس لكل عالق ة فه و أك ثر أعض اء الجس د‬
‫الذي قد يتبلور مع ه الش عور بالهوي ة‪ ،‬ل ذلك سنس عى من خالل الورش ة إلى تجس يد‬
‫جملة أعمال نحتية تجيب على بعض األسئلة والتساؤالت والتي منها‪:‬‬

‫كيف لنا أن نعّبر عن مدى قدرة النحت بمواده وتقنياته على تجسيد جملة هذه األبعاد‬
‫التعبيرية؟ وماهي األفعال التقنية القادرة على إبراز أبع اد التش ويه ؟ ثم كي ف لن ا أن‬
‫نتموقع ضمن كلية مابرز على الس احة النحتي ة من تمظه رات تعبيري ة ك ان الجس د‬
‫محورها األساسي؟‬

‫بناء على ما س بق ذك ره ارت أيت أن ينفتح إش كال ه ذا البحث على عنون ة‪" :‬ش ظايا‬
‫الذات‪ :‬أبنية وبقايا"‬

‫‪2‬‬
‫‪.1‬الجانب النظري للبحث‬

‫يحتاج كل عمل فني إلى جملة من المراحل التي تدعم المسار اإلنشائي للبحث‪ ،‬ل ذلك‬
‫كان البّد من اللجوء إلى تسلس ل منهجي للعناص ر خالل بحثن ا ه ذا‪ .‬إلث راء وت أثيث‬
‫البحث والتعمق في اإلش كالية ك ان الب ّد من الوق وف عن د أهم ال دوافع الموض وعية‬
‫المحّفزة لطرح إشكال البحث والتي على إثرها سيتم الخ وض في جمل ة من المف اهيم‬
‫الرئيسية التي تم توظيفها والمصطلحات الوليدة عنه ا‪ .‬ك ان الب ّد أيض ا من التط رق‬
‫إلى عض المراجع البصرية التي تدعم البحث وتقّد م عّينة من مختلف التجارب الفنية‬
‫والنحتية بصفة خاصة‪.‬‬

‫دواعي اختيار الموضوع‪:‬‬

‫يتمثل الّد افع األساسي في اختياري للموضوع وه و م ا يطرح ه عص رنا من قض ايا‬


‫اجتماعية وسياسية وما نشهده اليوم من أحداث‪ ،‬صراعات وحروب عّم ق رغبتي في‬
‫تحديد أساسيات هذا البحث فتخصصي في مجال النحت والذي يعتبر من أكثر الفنون‬
‫تعبيرا لتجسيد األلم والمعاناة‪ ،‬ومن واجبنا كفنانين نحمل إرثا فنيا يجمع بين الماض ي‬
‫والحاضر والمستقبل أن ننق ل م ا تعلمن اه وم ا ش هدناه في عص ورنا بط رق مختلف ة‬
‫وأك ثر تعب يرا‪ .‬من خالل بح ثي األولي ق د يتطلب ه ذا الموض وع توظي ف تقني ات‬
‫وأساليب فنية عديدة ومختلفة فمن خاللها يمكن الوصول إلى أبعاد فنية وفلسفية تق وم‬
‫باألساس على إقحام المتلقي في العمل الفني وجعلها متفاعال وهذا م ا أه دف إلي ه أال‬
‫وه و الوص ول لق در من اإلب داع الف ني‪ .‬إن ه ذه المواض يع المتعلق ة بالص راعات‬
‫والح روب وم ا تخلف ه من ش ظايا وآث ار على جس د اإلنس ان ق د ي دفعني إلى ابتك ار‬
‫تقنيات وأساليب فنية تمكنني من توظيف مواد مختلفة وباختالفها تختلف التقنيات مما‬
‫سيولد ديناميكية تعزز من إنتاج أعمال فنّية ذو قوة تعبيرية‪.‬‬

‫المفاهيم ذات العالقة بالبحث‪1 :‬‬

‫‪3‬‬
‫تتعدد المفاهيم وتختلف داخل الحقل التشكيلي فمنها م ا يك ون منطلق ا للعملي ة الفني ة‪،‬‬
‫ومنه ا م ا يك ون ولي د المس ار االنش ائي‪ ،‬لكن رغم االختالف إال أنه ا تب دو متوافق ة‬
‫ومتآلفة تثري العمل الفني داخل ثناياه لفك شفراته‪ .‬كما هو الشأن في هذا المجسم فقد‬
‫حاولنا حصر بعض المفاهيم تشكيليا حيث كان المنطلق في هذا العم ل ه و الص ورة‬
‫الّذ اتية وهو كما عّر فه إيتيان سوريو في معناه العام بأنه وقبل كل ش يء ه و "تمثي ل‬
‫لشخص‪ ،‬لكن تعريف الصورة كمفهوم جمالي يتطلب بعض التوض يح حيث أن ه في‬
‫الفن ون التش كيلية ال نس تخدم مص طلح بورتري ه للنحت‪ ،‬وم ع ذل ك ف إن الش يء‬
‫‪1‬‬
‫موجود‪ ،‬ولكن نقول رأس أو تمثال نصفي أو تمثال "‬
‫فقد كان السعي في هذا العمل هو تجس يد جمل ة من األبع اد التعبيري ة باالعتم اد على‬
‫المراجع الفنية ‪.‬‬
‫سنقف أوال على مفه وم اله دم باعتب اره المح رك األساس ي للبحث ‪ ،‬إذ يع د مفهوم ا‬
‫رئيسيا كما جاء على لسان العرب البن منظ ور اله دم ه و " نقيض البن اء ‪،‬اله دم‬
‫بالتحريك أو بالكسر أو تضربه فتكسره "‪.2‬‬
‫إذ يشير مفهوم الهدم في الى عملية تدمير أو تفكي ك عم ل ف ني نح تي ق ائم وموج ود‬
‫بالفعل والغاية منه خلق عمل نحتي مغ اير ‪.‬ك ذلك يمكن تحطيم العم ل النح تي قص د‬
‫إعادة التدوير أو استخدام الحطام إلنشاء عمل تشكيلي جديد‘ وعرف ه آالن بيانش يري‬
‫في الفنون التشكيلية بأنه" فعل اله دم ه و فع ل مح و وش طب لم ا س بق ‪،‬يق وم على‬
‫وض ع ك ل الفع ل الّتش كيلي موض ع س ؤال ‪،‬ويتطّلب إع ادة النظ ر في الحاض ر‬
‫ومراجعت ه ‪.‬وق د أض فى ه ذا المفه وم على ص ورة العم ل الّف ني وعلى العملي ة‬
‫اإلنش ائية مع نى جدي دا مغ ايرا‪ ،‬حيث لم يع د ه ذا األخ ير ملزم ا بالّر س م والّتل وين‬

‫‪1‬‬
‫‪Etienne Souriau, Vocabulaire d`esthetique Ed .quadrige,1990, p‬‬
‫‪" Au sens général,représentation d’une personne ;mais la définition du portrait‬‬
‫‪comme concept d’esthétique appelle quelques précisions .Dans les arts plastiques,on‬‬
‫‪n’emploie pas le terme de portrait pour la sculpture ,et pourtant la chose y‬‬
‫‪existe,mais on dit tete,buste ou statue ;portrait se dit pour une œuvre en deux‬‬
‫"‪dimensions ,peinture ou dessin .‬‬

‫‪2‬‬
‫لسان العرب المجلد‪،15‬دار صادر بيروت ‪،‬صفحة ‪.39‬‬

‫‪4‬‬
‫وحذق التقنية فحسب ب ل أص بح مطالب ا بإلغ اء المتع ارف علي ه من قواع د ك انت‬
‫قديما تبدي مهارته‪ "3.‬كذلك‬

‫"تعتبر الّتكعيبية من أّو ل التّيارات الفّنية اّلتي اشغلت بمسألة هدم صوة العمل الفّني‬
‫‪4‬‬
‫‪،‬فجّز أت األجسام إلى أحجام ومكّعبات ‪".‬‬

‫اليقتصربحثنا على مفه وم اله دم ب ل يش مل ك ذلك مفه وم البن اء ال ذي اليق ل أهمي ة‬


‫عنه ‪،‬إذ يعتبر البناء في الفن هو عملية تص ميم وإنش اء أعم ال فني ة بطريق ة منظم ة‬
‫‘حيث يتم تنظيم العناصر والمكونات المختلفة للعمل الفني بطريقة تساهم في تحقي ق‬
‫الهدف الفني المرغ وب للتعب ير عن فك ر أو رأي ‪.‬ك ذلك يه دف البن اء في الفن إلى‬
‫خلق عمل فني يكتسي طابع جمالي متناغم ‪،‬حيث يتم توظيف العناصر الفنية بشكل‬
‫منظم لتحقيق هذه األهداف الفنية بطريقة تساعد على ج ذب الجمه ور ‪.‬كم ا ج اء في‬
‫لسان العرب ألبن منظور "جمعه أبنية ‪،‬وأصل البناء فيما ال ينمو كالحجر والطين‬
‫‪5‬‬
‫ونحوه ‪".‬‬

‫إلنش اء عم ل ف ني مت اجنس الب د من الّتط رق إلى مفه وم الّتش ويه ال ذي س اهم في‬
‫استكمال المسار اإلنشائي للبحث والدي هو كما ورد في لس ان الع رب البن منظ ور‬
‫يعود أصله إلى " شاه وجهه يش وه ‪،‬وق د ش وهه هللا ع ز وج ل فه و مش وه ‪،‬وقيل‬
‫تشوه له أي تنكر ل ه وتغ ول ‪.‬والش وه ‪:‬مص در االش وه والش وهاء ‪،‬وهم ا القبيح ا‬
‫الوجه والخلقة وكل شيء من الخلق اليوافق بعض ه بعض ا أش وه ومش وه‪ 6.‬يعت بر‬
‫الّتشوه بأنه تغيير يقوم ب ه الفن ان في الحجم ‪،‬أو الش كل‪ ،‬أو الط ابع البص ري للش كل‬
‫تحت تأثير يؤدي إلى عدم االنتظام‪ ،‬فهو تغيير في الشكل األص لي ‪.‬ويعت بر الّتش ويه‬
‫في الفن مؤش را لع دم االهتم ام بالنس ب والتن اغم المنظم ال ذي يقدم ه الع الم‬
‫الط بيعي ‪،‬مم ا يول د تغي يرا وتب ديال في ش كل وخص ائص الش يء كالهيئ ة أو‬
‫‪3‬‬
‫‪Alain BIANCHERI,les arts plastiques au XX éme siécle ,questions Essentielles ,Ed .De la Grave,2002,p .43‬‬
‫‪"Détruire ce qui précède "consiste à remettre en question le sens même de l’acte pictural, sa finalité et les démarches qui‬‬
‫‪permttent d’ engendrer le processus de création .Des substitues se mettent en place progressivement.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪www.FILE://C:m20%documents-glossaire20%arts 20% plastique‬‬
‫"‪"Détruire ou déconstruir: résultat d’une déconstruction ,c’est-àd-dire de la décompsition organisée d’un système élaboré .‬‬
‫‪ 5‬لسان العرب المجلد ‪ ،1‬إبن منظور‪ ،‬دار صادر بيروت ‪،‬صفحة ‪.160‬‬

‫‪ 6‬لسان العرب المجلد ‪ 8‬ابن منظور‪ ،‬دار صادر بيروت‪ ،‬صفحة ‪166‬‬

‫‪5‬‬
‫الصورة ‪،‬أو العناصر مما يخرجه عن معناه وهدفه وتحريفه عن موض عه األص لي‪،‬‬
‫ينتج عن ذلك ص ورة خارج ة عن الم ألوف وغ ير متناس قة ‪.‬وأش ار ايتي ان س وريو‬
‫"الّتشوه هو بإزاحة نقاط التكوين حسب حركة دورانية أو خطوط منحني ة ‪.‬وبش كل‬
‫أكثر تحديدا في مجال البص ريات يح دث االنح راف بس بب م رآة منحني ة ‪ ".‬كذلك‬
‫"غالبا ما نستخدم تأثيرات الّتشويه في الفنون البصرية لتغيير مظهر األشياء ‪".‬‬
‫‪7‬‬

‫المراجع البصرية‪:‬‬

‫إّن من اساس يات البحث األك اديمي الع ودة إلى التج ارب الفني ة الس ابقة وتحليله ا‬
‫للوقوف على تقنياته ا ومفاهيمه ا األساس ية ‪،‬فهي خط وة مهم ة للتعم ق والتق دم في‬
‫البحث ‪.‬فقد تعددت تجارب الفّنانين وما نالحظه تداول التقنيات الّتشكيلية ‪ ،‬والخامات‬
‫الموظفة في عديد أعمالهم ويمكن اعتباران اشراك الجمه ور وه و المتقب ل كعنص ر‬
‫من عناص ر االث راء في األعم ال الفني ة ‪.‬تش اركت ه ذه التج ارب في عملي ة اله دم‬
‫والبناء ‪،‬إذ وجد الفنان بسام كيرلس‪ 8‬عملية الهدم وسيلة لبلورة أفكاره فقد تمكن من‬
‫خالل تجربته النحتية والفنية في العموم من خوض تصورات وابتكارات حاول من‬
‫خاللها أن يجسد أفكاره خاصة وأنه لم يكن بمع زل عن ذل ك ال دمار ال ذي رّس خ في‬
‫ذهنه تلك الصور من خالل الحرب األهلية اللبناني ة والص راعات في المنطق ة‪ .‬حيث‬
‫كانت للحرب آثار مادية ومعنوية مختلفة التأثير على الفرد ‪،‬فقد صدمه العن ف ال ذي‬
‫واجهه وطنه من حرب أهلية وطائفية وصدام فاستقرت في ذاكرته الصورة الدموية‬
‫والتفرقة والهدم‬

‫(أنظر الصورة رقم ‪1‬و‪)2‬‬


‫‪7‬‬
‫‪Etienne Souriau, Vocabulaire d`esthetique ,Ed. Quadrige,1990, p598‬‬
‫‪« Au sens propre ,deformation par deplacement des points، d`une configuration selon son mouvement tournant ou des‬‬
‫‪lignes courbes . » « les effets de distorsion ont été souvent utilises dans les arts plastiques pour transformer l`apparence des‬‬
‫» ‪choses.‬‬
‫‪ 8‬فنان تشكيلي ونحات لبناني ‪،‬من مواليد ‪ 27.10.1971‬في بنتاعل بالجبيل وهو منتسب إلى متحف سرسق منذ عام‬
‫‪،1995‬ويعمل أستاذ في الجامعة اللبنانية في كلية التربية‪.‬في=ذ‬

‫‪6‬‬
‫داتا باز‪،2018،‬ألمنيوم وصدأ النحاس‬

‫‪7‬‬

You might also like