You are on page 1of 8

‫ر‬ ‫ر‬

‫المحاضة الثالثة ‪ :‬يف تعريف الفن‬


‫الجدير ذكره أن هناك تصنيفات عدة للفنون تقوم كما يقول «تتار كيفتش» عىل ثالثة ر‬
‫افتاضات‬
‫أساسية ‪:‬‬

‫* أن هناك منظومة محددة للفنون جمعاء ‪.‬‬

‫* أن هناك تفرقة واجبة بي الفنون والحرف والعلوم ‪.‬‬


‫* أن الفنون تتمت بأنها تبحث عن الجمال وتحاول أن تصل إليه ‪.‬‬

‫وتشت «موسوعة الفلسفة» كذلك إىل أن الفن يشتمل عىل كل األنظمة أو المجاالت اإلبداعية‬
‫مثل ‪:‬الشعر والدراما والموسـيـقـى والـرقـص والـفـنـون الـبـصـريـة ‪ ، Arts Visual‬وتشتمل الفنون‬
‫البرصية عىل كل النشاطات اإلبـداعـيـة الـتـي تـسـعـى إلـى توصيل رسالتها أيا كانت ـ‪ ،‬من خالل‬
‫ه‪:‬‬
‫مخاطبة أشكال فنية أساسا ‪ ،‬و يمكن تقسيم الفنون البرصية إىل ثالث فئات رئيسية ي‬

‫التصوير والنحت و العمارة‪ ،‬وبالطبع يمكن تقسيم كل فئة من الفئات األخـيـرة إلـى أنـواع فرعية‬
‫ر‬
‫أكت تحديدا ‪.‬‬

‫شء ما‬
‫كان هناك رأي شائع يف الدراسات الفلسفية والنقدية يقول إن هدف الفنان هو إنتاج ي‬
‫«يتسم بالجمال»‪ ،‬بحيث شعر العديد من الكـتـاب و الفناني بأن مشكالت الفن يمكن حلها‬
‫عت تاري ــخ الفن يف اتجاه‬
‫بشكل جيد إذا حلل مفهوم الجمال بطريقة مقنعة‪ ،‬لكن األمور تطورت ر‬
‫نس إميل زوال روايات عدة يفوح العطن والفساد يف‬
‫معاكس لهذا الفهم‪ ،‬فقد كتب الكاتب الفر ي‬
‫كل جوانبها ومع ذلك احتلت مكانة «جمالية» فريدة يف تـاريـخ األدب‪ ،‬كذلك رسم موريللو *‬
‫فه أعمال فنية‬ ‫ر‬
‫الرومانتيك ومع ذلك ي‬
‫ي‬ ‫الت ال تتضمن أي جمال بالمـعـنـى‬
‫العديد من اللوحات ي‬
‫وجمالية ‪ ،‬وأكد الـفـيـلـسـوف كولنجوود أن الجمال دائما ما كان مختلطا بالقبح والعكس صحيح‬
‫وكتب روزنكـرانـز ‪ Rozenkranz.K‬العام ‪ ١٨٥٥‬كتابا سمـاه «جـمـالـيـات الـقـبـيـح ‪Aesthetics‬‬
‫‪ ، The ugly of‬ووصل األمر بالشاعر اإليطالـي المـسـتـقـبـلـي مـاريـنـيـتـي ‪ Marinetti‬إىل حدالقول‬
‫إن الجميل ليست له عالقة بالفن ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫رائعة‪ .‬موريللو‪" :‬أطفال‬
‫متسولون يأكلون العنب‬
‫"والبطيخ‬
‫إسبان ‪1618‬ـ ‪، 1682‬‬ ‫ّ‬
‫مصور‬
‫ُ ِ‬ ‫ي‬
‫وف‬‫‪ ،Seville‬وت ي‬ ‫ولد يف إشبيليا‬
‫ً‬
‫فيها‪ .‬عاش يتيما مذ كان يف‬
‫سم بمصور الفقراء‬ ‫ر‬
‫العاشة‪ .‬و ي‬

‫ووفقا لبعض النظريات فإن الفن يمكنه أن يقدم اإلشباعات الخاصة به من خالل خصائص‬
‫أخرى متمايزة عـن الجـمـيـل مـثـل إثـارة االهـتـمـام وإيقاظ المشاعر والبهجة‪ ،‬ولو من خالل أعمال‬
‫ر‬
‫الت ترتبط بالتناسق والوحدة والتوازن ‪ ،‬كما يحدث‬
‫غت جميلة بالمعت التقليدي لكلمة جمال ي‬
‫مثال ُ عندما نستمتع بفيلم مشوق يحتوي عىل أحداث غـامـضـة تحل يف النهاية من خالل‬
‫الرئيس عنها ‪.‬‬
‫ي‬ ‫اكتشاف المسؤول‬

‫ـف جمال موضوعه بل يف جمال‬


‫الفت ال يكمن كما أشار جومبـريـتـش‪ Gombrich‬ي‬
‫إن جمال العمل ي‬
‫ر‬
‫لت استثارت اهتمام بعض‬
‫يل بعض التعريفات للفن ا ي‬
‫أسلوب التعبت عن هذا الموضوع ‪ ،‬وفيما ي‬
‫علماء النفس حيث إنها طرحت يف شكل مصطـلـحـات قـريـبـة مـن المعـالجـات الـنـفـسـيـة والفلسفية‬
‫توح بأشكال معينة من الفـروض والصياغات القابلة للدراسة‪:‬‬
‫للفن ومن ثم يعتقد أنها قد ي‬

‫‪ ١‬ـ حاول عالم األلسنيات رومان جاكبسون ‪ Jacobson.R‬أن يكتشف وظيفة ما توجد بي‬
‫الوظائف العديدة الخاصة باللغة يمكـن أن تـسـمـى الـوظـيـفـة الشعرية أو باألحرى الوظيفة‬
‫الجمالية ‪ ،‬وقد حـدد يـاكـبـسـون دور هـذه الـوظـيـفـة الجمالية يف أنه يتمثل يف «قدرتها عـلـى‬
‫شء تقوم هذه‬
‫شء خارجها أو أي ي‬
‫اجـتـذاب االنـتـبـاه نـحـو الـرسـالـة الفنية نفسها وليس نحو أي ي‬

‫‪2‬‬
‫الفت باإلحالة إليه‪ ،‬فالرسالة الفنية تكون شعرية (أي جمالية) بالقدر الذي‬
‫ي‬ ‫الرسالة أو العمل‬
‫ر‬
‫تلف إىل أصواتها‬
‫يتمكن تكوينها الخاص من خالله أو عنده من اجتذاب االنتباه الخاص بالم ي‬
‫شء آخر يقع خارجها‪.‬‬ ‫وكلماتها أو تنظيـمـهـا الخـاص ولـيـس إلـى ي‬

‫‪ ٢‬ـ تعريف هربرت ريد للفن وقد قال إن الفن هو محاولة البتكار أشكال سارة وهذه األشكال‬
‫تقوم بإشباع إحساسنا بالجمال ‪ ،‬ويحدث هذا اإلشباع خاصة عندما نكون قادرين عىل تذوق‬
‫الوحدة والتآلف الخاص بالعالقات الشكـلـيـة فـيـمـا بي إدراكاتنا الحسية ‪.‬‬

‫شء صنعه اإلنسان يف‬


‫‪ ٣‬ـ هناك أيضا تعريفات تقول إن الفن يف معناه العام يشتمل عـلـى كـل ي‬
‫شء صنعته الطبيعة ‪ ،‬وبــهذا المعت فإن اللوحات والمنازل والمدن والسفن وصناديق‬
‫مقابل كل ي‬
‫ه أعمال فنية بينمـا األشجار والحيوانات والنجوم وموجات المحيط ليست أعـمـاال‬
‫القمامة ي‬
‫فـنـيـة‪ ،‬ومـن خالل هذا المعت جاءت مقولة الكاتب الفرنـسـي أنـدريـه جـيـد إن الـشـيء الوحيد غت‬
‫الفت‪.‬‬
‫الطبيع يف العالم هو العمل ي‬
‫ي‬

‫ينبع التعامل معه «جماليا» أو إستاطيقيا بوصفه موضوعا‬


‫ي‬ ‫إن الـعـمـل الـذي صـنـعـه اإلنـسـان‬
‫الوجدان والعقلـي (مـن خـالل تـأمـلـه واإلحـسـاس بـه) ولـيـس بوصفه‬
‫ي‬ ‫للختة الجمالية ولالستمتاع‬
‫ر‬
‫موضوعا للمنفعة أو وسيلة لهدف محدد يف الحياة ‪ ،‬كأن استخدم ٍ أحد التماثيل الخشبية‬
‫المجوفة كجسم طاف عىل سطح النهر وأنتقل به من هذه الضفة إىل تلك‪ ،‬إنه هنا سيتوقف‬
‫نفع‬
‫جماىل به بل يف حالة استخدام ي‬
‫ي‬ ‫ألنت هنا لن أكون يف حالة استمتاع‬
‫عن أن يكون عمال فنيا ي‬
‫له إننا نكون هنا ال نزال مخلص عىل نحو ما لتعريف كانط للجميل الذي هو غائية بال غاية‪،‬‬
‫وبــهذا المعت أيضا يكون الفن هو غاية يف ذاته غاية متهة عن والظيفة ‪ ،‬لـكـن مـا نـحـب أن‬
‫نضيفه إىل ما سـبـق هـو أنـه لـيـس هـنـاك مـا يمنـع مـن أن تـكـون عالقتنا بالموضوعات الجميلة‬
‫عموما والفنية خصوصا عالقة متهة عن الغرض فقط‪ ،‬ثم تستبعد حاالت أو أنواع العالقات‬
‫إنت عندما أتأمل أحد األعمال الفنية جماليا أكون يف حالة خاصة من االستمتاع‬
‫األخرى معها‪ ،‬ي‬
‫أنت‬
‫عىل كما ي‬
‫به وجدانيا ومعرفيا وتكون عـالقـتـي بـه هـنـا واآلن عـالقـة ّ جمالية إنه يفرض تأثتاته ي‬
‫ان المعرفية واالنفعالية المختلفة عليه إنه يكون عمال فنيا ألنه ‪:‬‬ ‫ر‬
‫أضف بدوري تفست ي‬‫ي‬

‫جماىل سار ‪ ،‬ثالثا‪ :‬يتم التفاعل‬


‫ي‬ ‫أوال‪ :‬من صنع اإلنسان و ثانيا‪ :‬أنتـج يف البداية من أجل إحداث أثر‬
‫النفع‪.‬‬
‫ي‬ ‫معه من خالل عالقة جمالية متهة عن الغرض‬

‫‪3‬‬
‫وليس هناك مانع عىل اإلطالق أن يستفاد بهذا العمل بعد ذلك مثال ف ر‬
‫التبية والتعلـيـم وهـو‬ ‫ي‬
‫الفت هنا عالقة جمالية إستاطيقية فقط (عىل الرغم‬
‫نفع ‪ ،‬ولن تكون العالقة مع العمل ي‬ ‫غرض ي‬
‫من أن هذه العالقـة تـكـون ضـروريـة تماما لـرفـع كـفـاءة عمليات ر‬
‫التبية والتعليم) ‪ ،‬فقد نستفيد‬
‫من الموسيقـى أو الـفـن الـتـشـكـيـلـي مثال يف تنشيط النصف األيمن من المخ الذي يقوم بالمهمة‬
‫األساسـيـة فـي نشاطات التفكت المهمة بدورها يف الخيال ومـن ثـم فـي اإلبـداع بـالـصـور ‪ ،‬وهنا‬
‫سأستخدم اللوحات الفنية واألفالم العلمية والتسجيـلـيـة والروائية وما شابه ذلك‪ ،‬وقد أستخدم‬
‫ر‬
‫الت‬ ‫ر‬
‫ه الحال مثال فيما يتعلق بالدراسات ي‬‫الموسيف مثال لرفع مستوى الذكاء لدى األطفال كما ي‬
‫تتم اآلن تحت عنوان أثر موتـسـارت ‪ Mozarts effect‬ر‬
‫والت يتم خاللها إسمـاع األطـفـال‬
‫ي‬
‫مجموعة من األعمال الموسيقية المناسبة ألعمارهم لما تتسم به أعـمـال موتسارت من تألق‬
‫ُ‬
‫اش بعد‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫الد‬ ‫وأداؤهم‬ ‫ذكاؤهم‬ ‫قاس‬ ‫ي‬ ‫ثم‬ ‫‪،‬‬ ‫شاملة‬ ‫ـة‬‫وبــهجة ورشاقة وحيوية ورسعة ومتعـة حـسـي‬
‫الختة ‪ ،‬وقد وجد أن من استمعوا إىل أعمال‬‫ذلك وتتم مقارنتهم بغتهم ممن لم يمروا بهذه ر‬
‫أكت من غتهم من‬ ‫موتسارت هذه قد ارتفع معدل ذكائهم فعال إىل حـوالـى ثـمـانـي أو تسع نقاط ر‬

‫األطفال ‪.‬‬

‫فالعالقة بيننا وبي األعمال الفنية إذن ليست عالقة واحدة فقط هـي العالقة الجمالية أو عالقة‬
‫ه يف جوهرها عالقة موقفية تعتمد عىل‬
‫االستمتاع والتأمل عىل مسافة معينة فقط‪ ،‬بل ي‬
‫الفت يف موقف معي‪ ،‬وهذه خاصية ال تعمل ضد الفن بل‬
‫«طبيعة التفاعل» بـيـنـنـا وبي العمل ي‬
‫الفت قادرا عىل النشاط والتأثت يف مواقف متعددة تعددت تفستاته‬
‫تعمـل معه‪ ،‬وكلما كان العمل ي‬
‫الفت الذي يستفاد به أو ينحرص‬ ‫ر‬
‫وتأويالته ومستوياته وكان هذا العمل أكت خصوبة وثراء ‪.‬فالعمل ي‬
‫الفت الذي‬
‫الداخىل للمتل فقط أقل قيمة من ذلك العمل ي‬
‫ي‬ ‫تأثيـره فـي عـمـلـيـات الـتـزيـي أو الديكور‬
‫وف تحقيق‬
‫واالنفعاىل) ي‬
‫ي‬ ‫يمكن أن يستفـاد بـه أو يـكـون أكـثـر تـأثـيـرا فـي االسـتـمـتـاع الجـمـالـي (الـتـأمـلـي‬
‫ر‬
‫واألخالف لإلنسان ‪ ،‬وبــهذا المعت‬ ‫والعلم والتعليمـي واالقتصادي‬ ‫واالجتماع‬ ‫ثقاف‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫االرتقاء ال ي‬
‫فإن أعمال موتسارت التـي يستفاد بها خالل الموقف الخاص بتأملها واالستمتاع بها جمـالـيـا فـي‬
‫رفـع ذكاء األطفال تساهم عىل نحو غـيـر مـبـاشـر فـي تـكـويـن جـيـل قـادر عـلـى التعلم واالكتشاف‬
‫واإلبداع ‪ ،‬و ريتتب عىل ذلك من عمليات تقدم اجتماعية وثقافية واقتصادية مهمة ‪.‬‬

‫يف ضوء هذا التصور ال نجد أنفسنا ميالي إىل قبول ذلك التصـنـيـف التقليدي للفنون إىل فنون‬
‫ر‬
‫الت يتم إبداعها من أجل رؤيتها أو سماعها أو قراءتها جماليا فـقـط وفـنـون‬
‫جميلة (كتلك األعمال ي‬

‫‪4‬‬
‫تـطـبـيـقـيـة أو نـفـعـيـة (كالخزف والفخار وتصميم اإلعالنات والحفر عىل المعـادن‪ ...‬إلـخ‪ ،‬فـكـل‬
‫عمل فت يتمثل فيه هذان الجانبان االستمتاع والفائدة ‪ ،‬وقد يتمثل جانب منهما ف عمل ر‬
‫أكت‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫وسيف أو اللوحات التشكيلية مثال‪ ،‬لكن الجانب اآلخر البد من‬ ‫الجماىل يف الم‬ ‫من اآلخر‪ ،‬الجانب‬
‫ي‬
‫أن يكون موجودا أيـضـا‪ ،‬ومـن المفيد إذن أن ننظر إىل الفنون المختلفة وندركها عىل أنهـا تـشـغـل‬
‫عت متصل كـمـي ‪ Continuum‬يمتد(كالمسطرة التـي تحـد مسافات وأرقام‬
‫مـواضيـع مختلفة ر‬
‫طرف هذا‬
‫ي‬ ‫معينة مثال) ‪ ،‬بداية من تلك األغراض الجمالية الخالـصـة تماما الموجودة عند أحد‬
‫المتصل ووصوال إىل الفنون واضـحـة النفعية تماما عند الطرف اآلخر مع إعادة التأكيد عىل قولنا‬
‫نفع‬
‫فت ي‬ ‫جماىل يشتمل أو يمكن أن يشتمل عىل أغراض نفعية كذلك أي عمل ي‬ ‫ي‬ ‫فت‬‫إن أي عمل ي‬
‫حت لو كان هذا العمل‬ ‫ر‬
‫استاطيف ر‬ ‫يمكن أو البد بـالـضـرورة أنـه يـشـتـمـل عـلـى جـانـب جـمـالـي أو‬
‫ي‬
‫شء من بقايا الحـيـاة ‪ ،‬كصناديق القمامة مثال أو أوراق الصحف وغت ذلك من‬
‫الفت هو مجرد ي‬
‫ي‬
‫ر‬
‫الت يستفاد بها من خالل طريقة الكوالج يف بعض اللوحات الفنية‪.‬‬
‫األشياء ي‬

‫وف عديد من اللغات األوروبية من الجذر‬


‫جاء الجذر اللغوي الخاص بكلمة فن ‪ Art‬يف اإلنجلتية ي‬
‫يعت المهارة ومازال هذا ‪ ،‬لكن المعت ـ األصل ـ موجودا ومالزما لمعت أو‬
‫الالتيت ‪ ars‬والذي ي‬
‫ي‬
‫حت اآلن ‪ ،‬لكن ما حدث بعد ذلك هو أنه قد أضيفت إليه دالالت أخرى عدة تؤكد‬‫جوهر الفن ر‬

‫قيمة المهارة وقيمة اإلبداع والتجديد ‪ ،‬باإلضافة أيضا فالفن إذن هو استخدام خاص للمهارة‬
‫والخيال ف إبداع وإنتاج موضوعات وبيئات وختات جمالية ر‬
‫يشتك فيها الفنان مع اآلخرين‬ ‫ر‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫ويشتكون هم بدورهم فيها مع بـعـضـهـم البعض‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وتختلف الفنون من حيث وظائفها وقد أشار «إيدمان» إىل وجود ثـالث وظائف أساسية للفن‬
‫للختة اإلنسانية ‪ ،‬وأشار فالسفة ونقاد ودارسون آخرون كذلك‬
‫ه التكثيف والتوضيح والتأويل ر‬
‫ي‬
‫إىل إمكان تصنيف المفـاهـيـم والتصورات العديدة للفن يف ثالث فئات يعكس كل منها نظرية‬
‫ه‪:‬‬‫خاصة حول الفن واإلبداع وهذه الفئات ي‬

‫‪ ١.‬الفن باعتباره محاكاة للطبيعة (أرسطو وفنانو عرص النهضة مثال)‪.‬‬

‫‪ ٢.‬ـ الفن باعتباره تعبتا عن انفعاالت الفنان (المدرسة الرومانتيكية يف الفن )‪.‬‬

‫‪ ٣.‬ـ الفن باعتباره إبداعا للجمال يف ذاته (مدرسة الفن للفن) ‪.‬‬

‫فت جميل أو‬


‫أن هذه التصورات السابقة ال يـسـتـبـعـد أحـدهـا اآلخـر ‪ ،‬فـهـي توجد معا يف كل عمل ي‬
‫األرسط فقط‬
‫ي‬ ‫فت والمحاكاة هنا ليست بالمعت‬
‫أصيل‪ ،‬فهناك قدر من المحاكاة يف كل عمل ي‬
‫التمثيىل لجانب من الطبيعة بكل ما قـد تـشـتـمـل عـلـيـه مـن بـشـر‬
‫ي‬ ‫محاكـاة األفـعـال بل بالمعت‬
‫وحيوانات ونباتات وجمادات وحركة وسكون وتـغـيـر‪...‬إلـخ‪ ،‬وكـذلـك كـل مـا يحاول الفنان أن‬
‫يجسده من خالل عملية «اإلحالة» إىل مرجعية اختـارهـا يف لحظة معينة من الطبيعة وحاول أن‬
‫«يمثلها» فنيا بعد أن مثلها أو يمثلها عقليا ‪.‬‬

‫والفن أيضا هو شكل من أشكال التعبت عن وجهة نظر الفنان المعرفية واالنفعالية واالجتماعية‬
‫والسياسية‪ ...‬إلخ حول الذات والعالم وعالقة هذه الذات بهذا العالم ‪.‬‬

‫فالفن إذن «تمثيل وتعبت وإبداع» يف الوقت نفسه‪ ،‬و يرى الفيلسوف المعارص إروين إيدمان أن‬
‫ختة جديدة حولها‪ ،‬وقد ذكر أن الفن هو االسم الذي‬ ‫ه تفست الحياة وتقديم ر‬ ‫طبيعة الفن ي‬
‫ر‬
‫والت من خـاللـهـا تـقـوم الحـيـاة الـتـي تـعـي رسوطها جيدا‬
‫يطلـق عـلـى العملية الكلية الخاصة بالذكاء ي‬
‫بتحويل هذه الشوط إىل تفست يثت االهتـمـام عـلـى نـحـو كبت ‪ ،‬مع ذلك وعىل الرغم من كل ما‬
‫قلناه فإن الفن ظاهرة يصعب تعريفها حقا ‪ ،‬فأحيانا ال تكون هناك حدود واضحة بما يمكن‬
‫نعتته اليوم فنـا قـد ال يـصـبـح كـذلـك فـي فـتـرة أخرى‬
‫اعتباره فنا وما ال يمكن اعتباره فنا وما قد ر‬
‫الت يعتمدها الناس ر‬
‫أكت يف حياتهم ‪.‬‬ ‫ر‬
‫وفقا لالهتمامات الشائعة واأليديولوجيا * وأساليب الحياة ي‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ر‬
‫الت تؤثر عىل نظرتنا لـ العالم ‪ ،‬و نستطيع أن نقول أنها مجموعة من‬ ‫ُ‬
‫ه مجموعة من المعتقدات و األفكار ي‬‫اإليديولوجية ي‬
‫ر‬
‫ه تشبه (الفلت) الذي نرى من خالله كل شء و كل شخص‪.‬‬ ‫ر‬
‫الت نتمسك بها بشكل كبت‪ ،‬و ي‬
‫القيم و المشاعر ي‬

‫‪6‬‬
‫ر‬
‫الت تصدرها دور النش يف السنوات األختة عن أن الحدود قد‬
‫وتكشف عناوين الكتب الجديدة ي‬
‫«فت» بالمعت الشائع يف التصنيفات الفلسفية أو النقدية أو األكاديمية بشكل‬
‫تداخلت بي ما هو ي‬
‫النفس‬
‫ي‬ ‫الطه وفنـون األزيـاء وفـنـون العالج‬
‫ي‬ ‫يعتت خارج مجال الفنون مثل‪ :‬فنون‬
‫عام‪ ،‬وبي ما كان ر‬
‫اإلبداع وفن الخداع وفن الكذب وفـن الحـب وفـن‬
‫ي‬ ‫وفن المساومة وفن المفاوضة وفن التفكت‬
‫الحـديـث مـع اآلخـريـن وفـن طـرح األسئلة وجماليات الصمت (عن إيـهـاب حـسـن مـثـال) إلـى غـيـر‬
‫فت وما هو‬ ‫ر‬
‫الت تكشف عىل نحو واضح عن تداخل الحدود بي ما هو ي‬
‫ذلـك مـن الموضوعات ي‬
‫غت فنـي(مهارة) ‪ ،‬وأيـضـا عـن الجـاذبـيـة الخـاصـة لـكـلـمـة فـن وكذلك كلمة «جمال» يف كثيــر مــن‬
‫النشاطــات اإلنسانيــة التـ ــي تحـ ــدث تأثي ـراتهــا االنفعال ـيــة والمعرفية مــن خــالل مهــارات و إبداعات‬
‫معينة ‪.‬‬

‫يعتت (أكاديميا) من الفنون‪ ،‬كما توجد‬


‫هناك جوانب غت فنية يف الفن وجوانب فنية فيما كان ال ر‬
‫الشكىل بصلة ‪ ،‬مثل أفالم الرعب‬‫ي‬ ‫جوانب جمالية فيما ال يمت للجمال بمعناه التقليدي أو‬
‫واإلثارة والعديد من اللوحات والتـمـاثـيـل الحداثية وما بعد الحداثية‪ ...‬كما توجد جوانب جمـالـيـة‬
‫يعتت خارج الجمال وخارج الفن‪ ،‬فـمـن المـمـكـن أن اسـتـمـتـع جـمـالـيـا مـثـال بمحارصة يف‬
‫فـيـمـا كـان ر‬
‫موضوع معي ألقاها صاحبها بشكل جذاب ‪ ،‬وهذه المحارصة قد تعتمد عىل البالغة والفصاحة‬
‫اهتمام هو ذلك التنظيم الخاص الذي عرضت‬
‫ي‬ ‫وهما من جماليات اللغة ‪ ،‬لكن قد يكون ما أثار‬
‫بداخىل مثل هذه‬
‫ي‬ ‫مـن خالله األفكار وقد يكون هذا التنظيم الخاص عنصـرا جـمـالـيـا ألنـه أثـار‬
‫نعتت هذه المحارصة نشاطا علميا أو ثقافيا يشتمل عىل جوانب جمالية‪.‬‬
‫المتعة‪ ،‬ومن ثم يمكن أن ر‬

‫الحس‬ ‫يرتبط الفن بالمكون الجماىل ‪ Aesthetic‬ر‬


‫أكت من ارتباطه بالجمال ‪ Beauty‬بالمعت‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الجماىل» هـو ذلـك الـشـعـور الخـاص الـذي ينبعث بداخلنا عندما نتعرض‬ ‫ي‬ ‫فقط‪ ،‬و«المكون‬
‫ر‬
‫والت غالبا ما‬
‫لألعمال الفنية خاصة والجمـالـيـة عـامـة أو نتلقاها ‪ ،‬فتحدث فينا تأثتاتها المتمتة ي‬
‫تكون سارة وإن كان هذا ال يستبعد وجود مشاعر وانفعاالت وحاالت معرفية جمالية أخرى غت‬
‫المتعة والبهجة ‪ ،‬مثل الشعور باالكتشاف والتأمل والفهم والتغيت المعـرفـي والدهشة واالهتـمـام‬

‫‪7‬‬
‫والـتـوقـع والـشـعـور بـالـغـمـوض وحـب االسـتـطـالع والتخيل والخوف الممزوج بالشعور باألمن يف‬
‫للختة الجمالية ‪.‬‬
‫الوقت نفسه وما شابه ذلك من االنفعاالت والحاالت المصاحبة ر‬

‫وف غته من الكائنات الحية وقد يكون من‬


‫وف اإلنسان ي‬
‫قد يكون الجمال موجودا يف الطبيعة ي‬
‫إبداع اإلنسان (خاصة يف مجال الفـنـون)‪ ،‬أمـا الـفـن فهو دائما من إبداع اإلنسان وقد يكون جميال‬
‫معتا عن موضوعات جميلة أو غت جميلة‪ ،‬لكنـه فـي‬ ‫أو ال يكون وفقا إلحساسنا الخاص به ر‬
‫ر‬
‫الت ذكرنا بعضها فقط من قبل‪.‬‬
‫ينبع أن تكون له هذه التأثتات الجمالية ي‬
‫ي‬ ‫جـوهـره‬

‫‪8‬‬

You might also like