You are on page 1of 9

‫محاضرة‬

‫مفهوم الفن والعمل الفنً‬


‫مفهوم الفن‬
‫لو رجعنا إلى األصل فً اشتقاق كلمة ( الفن ) بالٌونانٌة لوجدنا أن هذه الكلمة تعنً (‬
‫النشاط الصناعً النافع بصفة عامة ) ولم ٌكن لفظ الفن عندهم مقتصراً على فن الشعر والنحت‬
‫والموسٌقى والؽناء بل كل ما ٌشمل الصناعات المهنٌة كالنجارة والحدادة والبناء ‪ ،‬ولعل ما‬
‫ٌشٌره الفن عند الٌونانٌٌن هو حصٌلة القدرة البشرٌة ما دام اإلنسان هو الصانع فهو ٌستحدث‬
‫الموضوعات واألدوات وٌتٌح أشٌاء جدٌدة األمر الذي جعل الفالسفة أن ٌضعوا الفن مقابل‬
‫الطبٌعة ‪.‬‬
‫فقد فهم افالطون بأن الفن هبة مقدسة جاءت إلى اإلنسان من العالم الحسً ‪ ،‬وفهم مهمة‬
‫الفنان على أنها أخطر وأعظم من مجرد التعبٌر عن الصورة الجمٌلة ‪ .‬ولم ٌكن أفالطون هو‬
‫أول من عبّر بفلسفته عن االتجاه الدٌنً العلمً فً الفن ‪ ،‬بل أنَّ الفلسفة السابقة علٌه منهم من‬
‫استطاع أن ٌضع النواة األولى لهذا االتجاه ( ‪ ، 6‬ص‪ . ) 34-33‬لقد عبّر أفالطون عن الفن‬
‫بأنه محاكاة ‪ ،‬فقد كان ٌعتقد بأن لألشٌاء مراتب ثالث أدناها الفن وأوسطها عالم الحس وأعالها‬
‫عالم المثل وفً رأٌه أن األول لٌس إالَّ محاكاة للعالم الحسً ‪ ،‬لذا فإن الفن بعٌد عن الحقٌقة‬
‫بمقدار درجتٌن ‪ ،‬وقبال هذه التقسٌمات الثالث ٌقسم أرسطو المعارؾ البشرٌة إلى ثالثة أنواع "‬
‫معارؾ نظرٌة ومعارؾ عملٌة ومعارؾ فنٌة فلم ٌكن ٌخلط بٌن الفن والمعرفة العملٌة بل ٌقول‬
‫أن ؼاٌة الفن تتمثل بالضرورة فً شًء ٌوجد خارج الفاعل ولٌس على الفاعل سوى أن ٌحقق‬
‫إرادته فٌه " ‪ ، 3 ( ،‬ص‪. ) 8‬‬
‫فالفن عند أرسطو وسٌلة وصنعة ولٌس هو الؽاٌة فما ٌضٌفه اإلنسان ما هو إالَّ أثر أو‬
‫حصٌلة الفن فً حد ذاته لذا فهو ٌشٌر إلى " أن الفنان ال ٌنبؽً له أن ٌتقٌد بالنقل الحرفً للواقع‬
‫وإنما علٌه أن ٌحاكً األشٌاء على النحو الذي ٌجب أن تكون علٌه "‬
‫( ‪ ، 7‬ص‪. ) 45‬‬
‫لذا فإن المحاكاة فً نظر أرسطو لٌست تطابق األثر الفنً مع صورة الطبٌعة بل إنها‬
‫تعنً أن الصورة الطبٌعٌة نقطة بداٌة فً عملٌة الخلق الفنً مؤكداً " أن الفن الجمٌل هو أن ال‬
‫ٌكون تردٌداً حرفٌا ً للمجرى المألوؾ للتجربة " ( ‪ ، 8‬ص‪ . ) 170‬وكذلك ٌرى أرسطو " إنَّ‬
‫من شأن الفن أن ٌصنع ما عجزت الطبٌعة عن تحقٌقه فعمل الفنان ال ٌنحصر فً إمدادنا‬
‫بصورة مكررة لما ٌحدث فً الطبٌعة وإنما فً العمل على التؽٌٌر من طبٌعة الطبٌعة " ‪، 9 ( ،‬‬
‫ص‪. ) 46‬‬
‫والظاهر أن العرب قد فهموا الفن بالمعنى الذي فهمه أرسطو ‪ ،‬إذ ٌقول أبو حٌان‬
‫التوحٌدي " إنَّ الطبٌعة مرتبتها دون مرتبة النفس تقبل آثارها ‪ ،‬وتمتثل بأمرها وتكمل بكمالها ‪،‬‬
‫وتعمل على استعمالها وتكتب بامالئها ‪ ،‬وترسم بإلؽائها ‪ ، 3 ( ، " ...‬ص‪. ) 9‬‬
‫فقد ٌدل هذا النص على أن التوحٌدي فهم بأن الفن هو اإلنسان مضافا ً إلى الطبٌعة وإنما‬
‫الطبٌعة تخضع إلمالء العقل البشري وهو ما ٌشٌر إلٌه بأن الطبٌعة دون النفس اإلنسانٌة ‪.‬‬
‫ولعل هناك نظرة متعالٌة فً الفكر اإلسالمً حول موضوع الفن والمتمثلة برأي‬
‫الؽزالً الذي ٌمٌز بٌن طائفتٌن من الظواهر الجمالٌة فً الفن ( طائفة تدرك بالحواس وهذه‬
‫تعلق بتناسق الصورة الخارجٌة وانسجامها سواء كانت بصرٌة أم سمعٌة أم ؼٌر ذلك أما‬
‫الطائفة الثانٌة فهً ظواهر الجمال المعنوي التً تتصل بالصفات الباطنٌة ‪ ،‬وأداة إدراكها القلب‬
‫فالقلب إذن ( الوجدان ) هو قوة إدراك الجمال فً المعنوٌات ) ‪،‬‬
‫( ‪ 10‬ص‪. ) 20‬‬

‫‪1‬‬ ‫د‪ .‬حيدر عبد أالمير‬


‫وٌرى فروٌد ( ‪ ) 1939 – 1856‬إن اإلنسان طاقة ؼرٌزٌة وأن ثقافته تتسامى بهذه‬
‫الطاقة وأنه أي إنسان ٌسٌر بعقده النفسٌة وعوامل الكتب فً الطفولة وأنه ٌهرب إلى أحالم‬
‫الٌقظة والشطح الخٌالً وٌلجأ إلى اللعب فٌرتب على ذلك أن الفن تعبٌر جبري عن الطفولة‬
‫المكبوتة والهرب إلى الخٌال واللعب ‪ ،‬فالفن نتٌجة الؽرٌزة ال العقل ‪ ..‬وهو محكوم بالحتمٌة ال‬
‫الحرٌة وابتعاد عن تؽٌر المواقع ولهذا فإن اإلنسان والفنان ال ٌتحكم فً نتاجه بل أن نتاجه هو‬
‫الذي ٌسٌره ‪ ، 11 ( ،‬ص‪. ) 47‬‬
‫ٌرى الباحث إن فكرة اللعب التً جاء بها فروٌد لم تكن ولٌدة اللحظة وإنما اتفق بها مع‬
‫ما جاء به شٌلر ( ‪ ) 1805 - 1759‬ولكن فروٌد أوعز الفن كونه لعب بعٌداً عن العقل فٌما أكد‬
‫شٌلر بأن " اللعب ٌتوسط فعل الحواس وفعل العقل " ‪ ،‬فاإلنسان عندما ٌلعب ٌتأمل الطبٌعة تأمالً‬
‫استطٌقٌا ً فٌنتج فنا ً ‪ ،‬وهكذا تبدو لنا الروح وكأنها على وفاق مع الطبٌعة وكذلك الصورة مع‬
‫المادة ‪ ،‬بمعنى أن الصورة هً التً تمنح الحٌاة لموضوع الفن ‪ ، 12 ( .‬ص‪. ) 40-39‬‬
‫وفً الوقت الذي ٌرى فٌه فروٌد أن الفن طاقة ؼرٌزٌة نابعة من التسامً فإن ٌونك (‬
‫‪ ) 1961 – 1875‬ال ٌختلؾ فً كون الؽرٌزة هً المنطلق األساس للفن ‪ ،‬إذ ٌقول " إنَّ‬
‫الؽرٌزة هً المحرك األول للفن " ‪ ، 11 ( .‬ص‪ ، ) 66‬ولكن على أساس مبدأ الالشعور فهو‬
‫ٌعد الالشعور مبدأ من المبادئ الفطرٌة فهو ٌرى " الفن نوع من الواقع الفطري والذي ٌستولً‬
‫على اإلنسان وٌجعله أداته ‪ ،‬والفنان لٌس شخصا ً مزوداً بحرٌة اإلرادة ٌبحث عن فؽاٌاته لكنه‬
‫شخص ٌسمح للفن أن ٌحقق أؼراضه من خالله وهو كفنان إنسان جمعً للبشرٌة " ‪، 11 ( ،‬‬
‫ص‪. ) 67‬‬
‫ولـ( كانت ) األلمانً ( ‪ ) 1804 – 1724‬منهجه الترنسندنتالً الذي ٌنطوي على‬
‫القول بأن المعرفة تتألؾ من عنصرٌن ( مادة وصورة ) بمعنى أنه لٌس ثمة مادة فً الفكر‬
‫بدون صورة ولٌس للصورة أي معنى فً ذاتها ألن وظٌفتها االتحاد بالمادة والمادة موضوع‬
‫الحدس الحسً القبلً ولٌس لنا من حدس سواه وهذا الحدس ٌتمثل فً الزمان والمكان اللذان‬
‫ٌجعالن من المدركات الحسٌة ما ٌسمٌه ( الظواهر ) وهً عبارة عن األشٌاء وكما تبدو لنا‬
‫وكما هً فً ذاتها ‪ ، 12 ( ،‬ص‪. ) 32‬‬
‫والفن فً نظر كانت هو إنتاج حر ولما كان الجمال ٌنفذ منه إلى الكل فإن الجمال لٌس‬
‫ملتصقا ً بالحسً بل هو ٌتجاوزه ‪ ،‬والجمٌل هو الذي ٌدفع إلى السرور فً حد ذاته ال فً المجال‬
‫الحسً فقط أو المجال التصوٌري فقط ‪ ،‬فالفن ال ٌمكن أن نسمٌه فنا ً جمٌالً إالَّ إذا كنا واعٌن به‬
‫كفن وإن كان ٌبدو ممثالً للطبٌعة وٌجب أن ٌكون محرراً من أٌة قواعد متعسفة والطبٌعة ٌمكن‬
‫أن تكون جمٌلة ألنها تبدو مقل الفن ‪ ، 13 ( ،‬ص‪. ) 47 – 46‬‬
‫ً‬
‫أما لٌون تولستري ( ‪ ) 1900 – 1828‬فقد عرّ ؾ الفن بعٌدا عن التصورات التً تدور‬
‫حول فكرة الجمال ‪ ،‬وإنما ٌعرؾ الفن بأنه نشاط انفعالً أو هو بمعنى أدق لؽة وتوصٌل‬
‫لالنفعاالت ‪ ،‬فهو ٌرى أن الفن لٌس مجرد تعبٌر وإنما هو توصٌل لالنفعاالت ‪ ،‬كما هو الحال‬
‫فً اللؽة ‪ ،‬وفً الوقت الذي تقدم فٌه اللؽة األفكار ٌقدم الفن االنفعاالت والعواطؾ بٌن أفراد‬
‫المجتمع بواسطة األلوان ‪ ،‬فهو إذن نوع من اللؽة األمر الذي أخذت به سوزان النجر فهً‬
‫تعرؾ الفن بأنه لؽة الشعور السابقة فً اإلنسان على لؽة المنطق ‪ ، 6 ( ،‬ص‪. ) 20‬‬
‫وٌنفً جورج لوكاتش ( ‪ ، ) 1971 – 1885‬أن ٌكون الفن تسجٌالً للواقع أو لجزئٌات‬
‫الواقع ألنه نفاذ لما وراء الواقع ‪ ،‬إنه ٌنفذ من السطحً إلى الجوهري ومن المظهر إلى الحقٌقة‬
‫ومن الجزئً إلى الكلً أو الشمولً ولهذا فإن الفن هو خلق للحٌاة الشاملة وإبداع للذات الجمالٌة‬
‫األوسع نطاقا ً من الذات الطبٌعٌة أو الذات األخالقٌة ‪ ،‬والشمولٌة عند لوكاتش هً جوهر الفن ‪،‬‬
‫إنها ارض الجدل ‪ ،‬إنها محاولة لالرتفاع إلى مستوى اإلنسانٌة وهذا ٌتم عندما ٌلتقً الخاص‬
‫بالعام فً لحظة االستنارة والجزئٌة التً نلتحم فً شمولٌة الحٌاة ال ٌهم ما إذا كان الفنان قد‬

‫‪2‬‬ ‫د‪ .‬حيدر عبد أالمير‬


‫شاهدها فً الحٌاة أو خلقها بالخٌال من خالل تجربة مباشرة أو ؼٌر مباشرة ‪ ، 11 ( ،‬ص‪-76‬‬
‫‪ . ) 77‬ولوكاتش ٌرتد فً هذا الصدد إلى الفٌلسوؾ األلمانً هٌكل ( ‪ ) 1831 – 1770‬الذي‬
‫افترض أن الروح المطلق هو محوره فً الفلسفة ‪ ،‬ذلك أن كل ما فً الوجود من ظواهر طبٌعٌة‬
‫أو مادٌة أو نظم إنسانٌة أو فكرٌة هً فً النهاٌة مظهر من مظاهر تشكالت الروح وفنانون هذه‬
‫التشكالت هو ما ٌسمٌه هٌكل بالجمال ‪ ،‬وقوام الجدل حركة أو صٌرورة مستمرة ‪ ،‬وؼاٌة الروح‬
‫هً أن تعً ذاتها ووسٌلتها فً بلوغ الفن أو الدٌن أو الفلسفة ‪ ،‬والفن حٌن ٌعبر عن المطلق ال‬
‫ٌتعامل بالتصورات المجردة بل هو ٌجمع إلٌها العٌانات الحسٌة ومن هنا ٌعرؾ الفن بأن التجلً‬
‫المحسوس للفكرة ‪ ،‬والفكرة عنده حقٌقة ثمٌنة متطورة ‪ ،‬وقد تكون ؼامضة وقد تكون واضحة‬
‫فإذا تكاملت بحٌث طابقت التصور الخاص بها كانت حقٌقٌة لذلك ٌقول هٌكل إن المثال أو المثل‬
‫األعلى للجمال ال ٌتحقق بمجرد مطابقة المضمون للشكل ولكن ٌنبؽً أن ٌكون المضمون نفسه‬
‫على مستوى عال من السمو والكمال ‪. ) 116 – 113 ، 2 ( ،‬‬
‫وٌنظر كاسٌرر ( ‪ ) 1945 - 1874‬إلى الفن نظرة أرسطٌة ‪ ،‬فهو ٌعبر عنه بأنه‬
‫محاولة للهروب من العالم الضٌق القائم على بعض المواصفات ولكنه هروب ٌحتوي الفهم‬
‫لألشٌاء فالفن ٌساعدنا على رؤٌة أشكال األشٌاء وهو لٌس مجرد نسخ لحقٌقة جاهزة معدة من‬
‫ذي قبل بل هو سبٌل من السبل التً تهدؾ إلى تكوٌن نظرة موضوعٌة إلى األشٌاء وهو فً‬
‫النهاٌة ٌهدؾ إلى تقوٌة الواقع وزٌادة شدته ‪ ،‬وٌربط كاسٌرر الفن بالحرٌة والتنظٌر العقلً فهو‬
‫أي الفن ٌحول كل اآلالم والهٌاجات وكل ضروب الجور إلى وسٌلة لتحرٌر الذات وبذلك ٌعطٌنا‬
‫حرٌة داخلٌة ال نبلؽها بطرق أخرى ‪ .‬وال ٌرى أن فً الفن لعب وأن هناك تشابها بٌنه وبٌن‬
‫اللعب ‪ ،‬كون اللعب ٌضع بٌن أٌدٌنا مجموعة من الصور الوهمٌة فً حٌن أن الفن ٌزودنا بنوع‬
‫جدٌد من الحقٌقة ‪ ، 11 ( ،‬ص‪. ) 59-57‬‬
‫ٌرى الباحث أن اختالؾ كاسٌرر عن كل من فروٌد وشٌلر متأتً من طبٌعة البناء‬
‫الفكري للخٌال ففً الوقت الذي ال ٌرى فٌه فروٌد مردود واقعً للعقل فً فكرة اللعب ٌرى‬
‫شٌلر أن اللعب ٌوسط بٌن العقل والحواس فً حٌن ٌؤكد كاسٌرر أن الخٌال الفنً هو إعادة‬
‫لترتٌب المواد وتوزٌعها فهو ٌعمل بالعقل والحواس لكون الفن عملٌة بنائٌة تحتاج إلى هذٌن‬
‫العاملٌن ‪.‬‬
‫وٌلخص كروتشٌه فلسفته الحدسٌة بأن الفن " عٌان " أو " حدس " وٌلزم فً ذلك ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬أال ٌكون الفن ظاهرة فٌزٌائٌة أو واقعٌة ‪ ،‬ومعنى هذا أن الفن ال ٌمكن أن ٌوضع مع‬
‫الظواهر الطبٌعٌة كالضوء أو الصوت أو الكهرباء أو الحرارة كما ال ٌمكن رده إلى‬
‫مجموعة من الظواهر أو األشكال الرٌاضٌة ‪ ،‬كالمربع ‪ ،‬المثلث ‪ ...‬فالفن لٌس واقعة تقبل‬
‫القٌاس ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ثانيا ً ‪ٌ :‬نكر أن ٌكون الفن فعال نفعٌا من ورائه اإلنسان تحصٌله لذة أو اجتناب ألم ‪ ،‬فقد اخلع‬
‫على الفن طابعا ً نظرٌا ً بوصفه تأمالً رافضا ً التوحٌد بٌن الفن واللذة ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ٌ :‬نكر كروتشة النظرٌة القائلة بأن الفن فعل أخالقً فهو ٌستبعد الفن من دائرة العمل‬
‫واإلرادة لهذا ٌقرر كروتشه أنه إذا كانت اإلرادة الخٌرة هً قوام اإلنسان الفاضل فإنها‬
‫لٌست قوام اإلنسان الفنان ألن مقولة األخالقً ال تنطبق على العمل الفنً – من حٌث هً‬
‫مجرد صورة – بأنها مقبولة أو مرذولة أخالقٌا ً إالَّ إذا كان باستطاعتنا الحكم على المربع‬
‫‪، 14‬‬ ‫بأنه أخالقً وعلى المثلث بأنه ال أخالقً فالفن خارج عن نطاق األخالق ‪( .‬‬
‫ص‪. ) 46‬‬
‫رابعا ً ‪ٌ :‬رفض كروتشه أن ٌكون الفن مجرد معرفة تصوٌرٌة ‪ ،‬فهو ٌضع الفن مقابل العلم على‬
‫اعتبار أن األول حدس ٌقدم الظاهرة والثانً تصور عقلً ٌكشؾ لنا الحقٌقة المعقولة ‪ ،‬فً‬
‫حٌن أننا ال ٌمكن أن نضع تركٌب منطقً أو معرفً لمسٌرة العمل الفنً فلٌس من حقنا أن‬

‫‪3‬‬ ‫د‪ .‬حيدر عبد أالمير‬


‫نتساءل عما إذا كان الشًء الذي أراده الفنان صادقا ً أو كاذبا ً من الناحٌة المٌتافٌزٌقٌة أو‬
‫التارٌخٌة ألن هذا التساؤل عقٌما ً ألن العمل الفنً موضوع خالص ال ٌخضع لهذا الحكم (‬
‫‪ ، 7‬ص‪. ) 61‬‬
‫لقد أقام سانتٌانا تفرقة بٌن معنٌٌن مختلفٌن فً الفن ‪ :‬معنى عام ٌجعل الفن مجموع‬
‫العملٌات الشعورٌة الفعّالة التً ٌؤثر اإلنسان عن طرٌقها على بٌئته الطبٌعٌة لكً ٌشكلها‬
‫وٌصوؼها وٌكٌفها ‪ ،‬ومعنى خاص ٌجعل من الفن مجرد استجابة للحاجة إلى المتعة أو اللذة لذة‬
‫الحواس ومتعة الخٌال دون أن ٌكون للحقٌقة أي مدخل فً هذه العملٌة ‪ ،‬وٌقرر سانتٌانا أن الفن‬
‫متعة استطٌقٌة أو لذة جمالٌة ‪ ، 3 ( ،‬ص‪. ) 11‬‬
‫وٌذهب سارتر ( ‪ ) 1980 1905‬فً فلسفته الوجودٌة إلى القول بأن اإلنسان مؤول‬
‫عمّا ٌصنعه من نفسه وأنه لٌس مسؤوالً عن نفسه فقط ‪ ،‬وإنما عن الناس جمٌعا ً أٌضا ً ‪ ،‬فهو حً‬
‫ٌختار صورة نفسه وٌختار صورة اإلنسان الذي ٌرٌده ‪ ،‬إنها الحرٌة التً تقود الفن إلى أن ٌنتج‬
‫جماالً ذو قٌمة وجودٌة وزمان وجودي ( ‪ ، 15‬ص‪ . ) 58‬وٌرى سارتر أن هذه التجربة‬
‫الجوهرٌة القصد إزاء العالم الجوهري تؤلؾ فً النهاٌة الؽاٌة من الفن العناٌة النهائٌة للفن من‬
‫خالل إصالح العالم بتقدٌمه على ما هو علٌه ‪ ،‬ولكن كما ٌوضح من حرٌة اإلنسان ‪، 16 ( ،‬‬
‫ص‪ . ) 23‬ونستخلص من ذلك ‪ :‬إنَّ العمل الفنً عند سارتر ال ٌكون له وجود واقعً خارج‬
‫الوعً ‪ ،‬إالَّ بوصفه بنٌة فٌزٌقٌة ‪ ،‬أما باعتباره موضوعا ً جمالٌا ً فإنه ال ٌكون له وجود واقعً‬
‫خارج الوعً ألنه فً هذه الحالة مقصوداً بوصفه صورة متخٌلة ‪ ، 17 ( ،‬ص‪. ) 172‬‬
‫وٌرى جون دٌوبً ( ‪ ) 1952 – 1859‬أحد رواد االتجاه البرجماتً إن الفن خبرة فهو‬
‫ٌربط بٌن الفن والتجربة ( الخبرات ) فٌخلع علٌه صفة نفعٌة وٌصبػ على الخبرات اإلنسانٌة‬
‫بصفة عامة طابعا ً جمالٌا ً ‪ ،‬فلٌس هناك فاصالً فً نظره بٌن الخبرة الجمالٌة وخبراتنا الٌومٌة‬
‫فلكل فرد تجربته الجمالٌة ذات اللون الخاص بشرط أن تجًء متناسقة متسقة ومشبعة وباعثة‬
‫على الرضا أو اللذة لما ٌصاحبها من تفاعل حٌوي ‪ ،‬فهو ٌقول " إنَّ اإلدراك الحسً المتسامً‬
‫إلى درجة النشوة أو إن شئت فقل التقدٌر الجمالً لهو فً طبٌعته كأي تلذذ آخر نتذوق بمقتضاه‬
‫أي موضوع عادي من موضوعات الحٌاة الٌومٌة " ( ‪ ، 10‬ص‪. ) 181 – 180‬‬
‫ومن خالل ما تقدم من تعرٌفات للفن وفقا ً لالتجاهات الفلسفٌة المختلفة البد من أن‬
‫تضعنا فً النهاٌة أمام حقٌقة مرتبطة بتلك التعارٌؾ وهً ( العمل الفنً ) بوصفه موضوعا ً‬
‫استطٌقٌا ً الذي تدركه أوالً وقبل كل شًء عن طرٌق الحس ‪ ،‬فال بد لنا إذن من معرفة ودراسة‬
‫العمل الفنً بصفة عامة ‪.‬‬

‫‪4‬‬ ‫د‪ .‬حيدر عبد أالمير‬


‫مفهوم العمل الفنً‬
‫ٌضعنا العمل الفنً سواء على مستوى اللوحة أو التمثال أو القطعة الموسٌقٌة أمام وحدة‬
‫متماسكة وحٌوٌة ‪ ،‬هذا التماسك نتٌجة لعناصر البناء التً تترابط بصورة وبأخرى لتصؾ لنا‬
‫حقٌقة هذه الرؤٌة ‪ ،‬أما الحٌوٌة فلكون العمل نابع من شعور كائن بشري ‪ ،‬هذا األمر عبر عنه‬
‫هٌكل ( صراع األضداد ) ‪ ،‬الجدل الذي ٌوحً باستمرارٌة وحركة العمل مما ٌعطً له طاقة‬
‫للتشكل والهٌمنة على أساس الرؤٌة االستطٌقٌة وهنا ال ٌلبث العمل الفنً أن ٌبدو لنا بوصفه‬
‫موضوعا ً جمالٌا ً ‪ ،‬وعلى ضوء ذلك وما دام العمل الفتً ٌشٌر لكل ما فٌه من حٌوٌة وعناصر‬
‫بناء إلى إدراك جمالً فال بد من احتوائه على " بنٌة مكانٌة تعد بمثابة المظهر الحسً الذي‬
‫ٌتجلى على نحوه الموضوع الجمالً ‪ ،‬كما البد من بنٌة تعبر عن حركته الباطنٌة ومدلوله‬
‫الروحً بوصفه عمالً إنسانٌا ً حٌا ً " ‪ ، 3 ( ،‬ص‪. ) 25‬‬
‫فلٌس ثمة ابتعاد من الفكر الفلسفً عملٌة الخلق الفنً ‪ ،‬كذلك الفنان فإنه تأثر بروحٌة‬
‫الفلسفة فً كل عصر فنراه تارة ٌتأثر بالموضوع وأخرى بالشكل ‪ ،‬فلو نظرنا إلى الفلسفة‬
‫الكالسٌكٌة مثالً ترى سٌادة الموضوع بشكل تام ‪ ،‬لذلك كان الفنان ٌعرؾ باسم لوحته ال باسم‬
‫الحركة المنتمً إلٌها ‪ ،‬فلٌس ثم من ٌقول رجرنت الباروكً وإنما ٌعرؾ بصاحب لوحة (‬
‫الطبال ) مثالً قبال ذلك ٌقال بٌكاسو التكعٌبً ال صاحب‬
‫( الجورنٌكا ) ‪ ،‬إذ اقترن اسمه بالحركة تبعا ً لفلسفة عصره ‪ ،‬إذ أن الفن الحدٌث اتسمت ماهٌته‬
‫بالبحث البحت وما اختالؾ تلك البحوث إالَّ وٌكون العمل الفنً مصاحبا ً لتلك اآلراء الجدٌدة ‪،‬‬
‫وما دام العمل الفنً هو محور العملٌة الفنٌة واإلبداع الفنً فإنه محور الصراع الفكري الفلسفً‬
‫للفن ‪ ،‬لذا قسم علماء الجمال ماهٌة العمل الفنً بعدم خروجه عن نطاق ( المادة ‪ ،‬الموضوع‬
‫والتعبٌر ) ‪ ، 3 ( ،‬ص‪. ) 36‬‬

‫أوالً ‪ :‬المادة‬
‫إنَّ لكل فن مادته فهً إما لفظ أو صوت أو حركة أو حجارة ‪ ، ...‬هذه المادة على ضوء‬
‫وجودها هً عمل فنً بالقوة ال بالفعل ‪ ،‬إذ ال تصبح عالً فنٌا ً إالَّ بعد تدخل ٌد اإلنسان وجعلها‬
‫عمالً فنٌا ً " إنَّ الفن الذي ٌستشعر فٌه الفنان مقاومة المادة أكثر مما ٌستشعرها فً أي فن آخر‬
‫إنما هو فن العمارة " ( ‪ ، 3‬ص‪. ) 27‬‬
‫من هذه المقولة نعرؾ مدى الصلة بٌن المادة وعملٌة خلق العمل الفنً وعلى ضوء هذه‬
‫العالقة جعل ( هٌكل ) فن العمارة فً آخر سلّم تقسٌمه للفنون ‪ ،‬مما تحمله من صالبة وعدم‬
‫طواعٌة لكون ( هٌكل ) ٌؤمن بضرورة تطوٌع المادة وتحوٌلها من المادٌة إلى الروحٌة ( ‪، 2‬‬
‫ص‪. ) 116‬‬
‫ومن هنا ٌتضح أن المادة البد أن تبدي كل ثراءها الحس على ٌد الفنان ‪ ،‬إذ إنَّ المادة‬
‫لٌست شًء صنع منها العمل الفنً فحسب ‪ ،‬بل هً تعٌن الفنان على الوصول إلى ؼاٌته ( إنَّ‬
‫المادة هً ؼاٌة فً ذاتها بوصفها ذات كٌفٌات حسٌة خاصة من شأنها أن تعٌن على تكوٌن‬
‫الموضوع الجمالً ) ( ‪ ، 3‬ص‪. ) 27‬‬

‫‪5‬‬ ‫د‪ .‬حيدر عبد أالمير‬


‫ولهذا فإن جمال العمل الفنً ال ٌنحصر بالضرورة فً جمال‬
‫الموضوع الذي ٌمثله ‪ ،‬بل هو ٌتجلى أوالً بالذات فً صمٌم‬
‫مظهره الحسً ‪ ،‬ولهذا فإن رجال النحت المجرد ٌحاولون‬
‫الٌوم أن ٌروضوا عٌوننا على التمتع بالمظاهر الحسٌة وحدها‬
‫‪ ،‬فنراهم ٌؽفلون أهمٌة الموضوع وٌضعون أمام أنظارنا‬
‫بعض المظاهر التً ٌقدمها لنا الخشب أو الحجارة بدعوى أن‬
‫المهم فً الفن لٌس هو إالَّ قهر المادة على محاكاة بعض‬
‫الموضوعات ‪ ، 3 ( .‬ص‪) 28‬‬
‫فالمادة إذن تعطً لنا شكالً فنٌا ً وهاتان الثنائٌتان تتبادالن العالقة الجدلٌة فٌما بٌنهما‬
‫وهما عنصران ال ٌنفصالن " وٌكمالن أحدهما األخرى ‪ ،‬وال ٌمكن أن تعٌش أحدهما فً عزلة‬
‫عن األخرى فال مادة بدون صورة وال صورة بال مادة " ( ‪ ، 4‬ص ‪. ) 174‬‬
‫ٌقول أرسطو أن " المادة والصورة شٌئنا ال ٌنفصالن فحسب ‪ ،‬بل كل منهما ٌعتمد على‬
‫اآلخر ‪ ،‬فالعالقة بٌنهما كالعالقة بٌن الروح والجسد فلن تؽدو مادة ما على شكل ما دون صورة‬
‫‪ ،‬ولن تؽدو صورة ما لم ٌكن هناك مادة بشكل ما " (‪ ،9‬ص‪. )80‬‬
‫نحن ننظر إلى المادة على أنها عدٌمة الصورة والصورة على أنها عدٌمة المادة فالعالقة‬
‫بٌنهما خارجٌة ‪ ،‬أي إنهما منفصالن ولٌس األمر كذلك فً مقولة الشك والمضمون ألن كل‬
‫منهما ٌعٌن اآلخر ‪ ،‬فال ٌوجد شًء اسمه المادة عدٌمة الشكل ‪ ،‬فالمادة المجردة العارٌة تتضمن‬
‫شكالً فً ذاتها ‪ ،‬كانت المادة والصورة منفصلتٌن لكن المضمون اتحد مع الشكل فً مقولة‬
‫المضمون والشكل واندمج كل منهما فً اآلخر ( ‪ ،9‬ص‪. ) 81-80‬‬
‫إذن فهناك تطابق بٌن الفكرة التً تتحرك فً عالم ؼٌر المحسوسات وبٌن تلك التً فً‬
‫الطبٌعة فتنشأ الفكرة فً مخٌلة الفنان وتتخذ صوراً حال تماسها وتالصقها بالمادة ‪ ،‬فالوقت الذي‬
‫كانت هً فً الذهن لٌست عمالً فنٌا ً وإنما تكون كذلك حٌن حاورتها للمادة على حد تعبٌر‬
‫سوزان النجر ‪ ،‬وبذلك تكون الفكرة الفنٌة ذات وجود وحدود وتقبل المادة وما فٌها من مزاٌا ‪،‬‬
‫وهنا البد للعمل الفنً أن ٌكون ثمرة لعملٌة منهجٌة خاصة ‪ ،‬وهً تنظٌم العناصر التً تتألؾ‬
‫منها حركته وتركٌبته ‪ ،‬ولعل مفهوم الحركة هو الذي ٌعطً للعمل الفنً طابعا ً زمانٌا ً " ٌتحقق‬
‫مفهوم الزمانً ابتدا ًء من المكانً حٌث ٌستعٌن الفنان بأسالٌب اإلٌقاع والتنظٌم والتناسق من‬
‫أجل فرض الوحدة على ما فً الموضوع من تعدد فً األشكال أو الحركات أو الصور " ( ‪، 3‬‬
‫ص‪. ) 31‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬الموضوع‬
‫ٌتمثل موضوع العمل الفنً باللوحة أو القصٌدة أو القطعة الموسٌقٌة أو الرؤٌة ‪ ...‬وهو‬
‫ما ٌشٌر إلى حقٌقة أو ظاهرة أو واقعة أو أي موضوع من الموضوعات ‪ ،‬فعند الخوض فً‬
‫مضمار موضوع اللوحة البد من التوقؾ عند واحد من الحٌثٌات التً تدخل ضمن هذا المحور‬
‫( ماهٌة العمل الفنً ) هو مسألة الطابع التمثٌلً ‪ ،‬هذا األمر الذي طالما أخذ مأخذاً فً الفنون‬
‫الكالسٌكٌة التً تمثلت بضرورة التصوٌر التمثٌلً إذ أوقعت تلك الفنون جل اهتمامها على‬
‫طبٌعة التمثٌل الحقٌقً للموضوع ‪.‬‬
‫أما فً العصر الحدٌث فإن مسألة الموضوع لم تقتصر على ذلك المنحى بل عوّ لت على‬
‫التالعب بالصورة المجردة واألشكال الهندسٌة ‪ ،‬فموندرٌان مثالً " ٌحاول أن ٌجعل من فن‬
‫التصوٌر مجرد تنظٌم صوري ٌقوم على تجرٌد ضروب االنسجام الجوهري الكامنة فً الكون‬
‫الطبٌعً " ( ‪ ، 3‬ص‪. ) 31‬‬

‫‪6‬‬ ‫د‪ .‬حيدر عبد أالمير‬


‫إنَّ هذا النظام الهندسً الذي عمله موندرٌان نابع من نظرٌة المثالٌة للحقائق فهو ال‬
‫ٌرى بعٌن الحس الباصرة وإنما ٌنظر إلى حقائق علوٌة ‪ ،‬فهو ٌدعونا بالنظر إلى األشٌاء بعٌنه‬
‫ال بأعٌننا لنرى أشكاالً جدٌدة ال مواضع جدٌدة ‪.‬‬
‫وعندما ترى إحدى لوحات مالٌفتش واضعا ً فٌها مربعا ً أسود محاط بلون أبٌض وقد قال‬
‫عنها ‪ " :‬آه إنه اللٌل بداخلً " نفهم أن ال صلة بٌن الشكل والمحتوى ‪ ،‬وإنما أراد مالٌفتش‬
‫الخروج عن تسلط اإلرادة نحو التمثٌل الموضوعً لذلك ٌعجب شوبنهاور باعمار تٌرنر‬
‫االنكلٌزي ألنه ٌرسم بواقعٌة ؼٌر واقعٌتنا المعروفة فال شًء ٌشبه الواقع فالرٌاح لٌست هً‬
‫المعهودة عندنا وؼٌومه لٌست تلك الؽٌوم التً نراها فال شًء ٌشبه شًء من الحقٌقة فهو ٌبتعد‬
‫عن المحاكاة الواقعٌة إذا لم ٌكن أسٌر إرادته مبتعداً عن حاسٌة الحواس التً اعتبرها كاذبة‬
‫ومخادعة مما جعل العالقة بٌن الذات والموضوع عالقة خارجٌة ‪ " ،‬واذا تاملنا تمثال ( اللٌل )‬
‫لماٌكل أنجلو أدركنا أن المضمون ال ٌتعلق بموضوع اللٌل وإنما الصراع النفسً الباطنً للفنان‬
‫وللعصر الذي عاش فٌه "‬
‫( ‪ ، 1‬ص‪. ) 160‬‬
‫ومن خالل ذلك نرى أن هناك انفصاالً بٌن الموضوع والمضمون على مرور الحقبات‬
‫الفنٌة إذ أخذ الفنان مأخذه الجدي فً خلق أعمال أو عالم متسق من الصورة الحسٌة الحٌة ‪،‬‬
‫ولكن رؼم ذلك ٌبقى الفنان هو المترجم للموضوع أكثر منه ناقالً له ومعبراً عنه باللؽة التً‬
‫ٌجدها مناسبة إلرادته ‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬التعبير‬
‫" هو العنصر الدائم فً البشرٌة ٌتجاوب مع عنصر الشكل فً الفن وهو حساسٌة‬
‫اإلنسان الجمالٌة إ ّنها الحساسٌة الثانٌة ‪ ،‬أما الشًء المتؽٌر فهو الفهم الذي ٌقٌمه اإلنسان عن‬
‫طرٌق تجرٌده النطباعاته الحسٌة ولحٌاته العقلٌة " ( ‪ ، 5‬ص‪. ) 42‬‬
‫إنَّ مسألة التعبٌر التً توحً بالردود االنفعالٌة الوجدانٌة إزاء العمل الفنً تأتً من‬
‫العالقة الثنائٌة بٌن الفنان وما ٌتمخض عنه العمل الفنً من تعبٌر ومعنى الذي سوؾ ٌستوحٌه‬
‫المتلقً‪ ،‬فقد عبّر هربرت رٌد عن ذلك بقوله أن هناك عالقة متأصلة بٌن الشكل واألساس‬
‫الؽرٌزي للنفس كونها هً التً خلقته‪ ،‬إنَّ حقٌقة العمل الفنً ال تكمن فٌما ٌروى لنا من وقائع‬
‫وإنما تكمن فً الطرٌقة التً تروى لنا بها تلك الوقائع من خالل شعور الفنان بأن ال ٌمكن أن‬
‫ٌكون للواقع معنى ما لم ٌنظم فً نطاق ما‪ .‬إذ ٌقع على الفنان مهمة اكتشاؾ ذلك العالم من‬
‫خالل وسائل استطٌقٌة وفً مقدمتها وسٌلة التعبٌر ‪ " .‬إنَّ التعبٌر الذي ٌنطوي علٌه العمل الفنً‬
‫قد ٌكون أعسر عناصره قابلٌته للتحلٌل ‪ ،‬فإن ما ٌبوح به العمل الفنً لٌس بالمعنى العقلً الذي‬
‫ٌمكن فهمه وتأوٌله ‪ ،‬وإنما هو داللة وجدانٌة تدرك بطرٌقة حدسٌة مباشرة فهذه اللوحة ال تحمل‬
‫عنوانا ً وتلك قطعة موسٌقٌة ال تحمل موضوع ‪ ،‬ولكنها تعبر عما فً الوجود من طابع " ( ‪، 3‬‬
‫ص‪. ) 38‬‬
‫وٌقول زكرٌا إبراهٌم إنَّ العمل الفنً إنما هو ثمرة المتزاج الصورة بالمادة واتحاد‬
‫المبنى بالمعنى وتكافؤ الشكل بالموضوع بشرط توفر وحدة فنٌة تجعل منه موضوعا ً جمالٌا ‪.‬‬
‫ً‬

‫‪7‬‬ ‫د‪ .‬حيدر عبد أالمير‬


‫إنَّ العمل الفنً وما ٌعبر عنه أصبح محور الجدل الفلسفً عند كانت وهٌكل وآخرون‬
‫فكانت مثالً ٌنظر إلى العمل الفنً بعٌداً عن الؽائٌة معتمداً على األساس الشكلً للعمل فهو ٌرى‬
‫الجمال الخالص فً الشكل الخالص بٌنما ٌرى هٌكل أن المتؽٌر الجمالً فً العمل الفنً هو‬
‫المضمون دون الشكل ‪.‬‬
‫وهكذا ٌختلؾ المضمون باختالؾ مضامٌن الفكر وتوجهات الفنان ورؤٌته التً تعمل‬
‫على إٌجاد تحاور بٌن األسس التً تعمل على إبراز ماهٌة العمل الفنً فال موضوع دون شكل‬
‫وال شكل دون خطوط وألوان وال فهم دون تعبٌر ‪ ،‬وإنما ٌتأتى ذلك خالل المخٌلة ومدى إدراك‬
‫الذات لمفهوم الموضوع التً تبناه وتعبر عنه ‪ ،‬ومن هنا تصبح العالقة بٌن هذه األفراد عالقة‬
‫جدلٌة نابعة من التنوع فً المفاهٌم والعالقات وصوالً إلى وحدة متأصلة ذات دالالت تعبٌرٌة‬
‫هً ما ٌسمى بالعمل الفنً ‪.‬‬

‫‪8‬‬ ‫د‪ .‬حيدر عبد أالمير‬


‫المصادر‬
‫إبراهٌم ‪ ،‬زكرٌا ‪ ،‬فلسفة الفن فً الفكر المعاصر ‪ ،‬دار مصر للطباعة ‪ ،‬ب ت ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫ــــــــ ‪ ،‬مشكلة الفن ‪ ،‬دار مصر للطباعة ‪ ،‬القاهرة ‪. 1977 :‬‬ ‫‪.2‬‬
‫أبو رٌان ‪ ،‬محمد علً ‪ ،‬فلسفة الجمال ونشأة الفنون الجمٌلة ‪ ،‬ط‪ ، 5‬دار الجامعات‬ ‫‪.3‬‬
‫العربٌة ‪ ،‬اإلسكندرٌة ‪. 1977 ،‬‬
‫برتلٌمً ‪ ،‬جان ‪ ،‬بحث فً علم الجمال ‪ ،‬مطبعة نهضة مصر ‪ ،‬القاهرة ‪. 1970 :‬‬ ‫‪.4‬‬
‫توفٌق ‪ ،‬سعٌد ‪ ،‬الخبرة الجمالٌة ‪ :‬دراسة فً فلسفة الجمال الظاهراتٌة ‪ ،‬ط‪ ، 1‬المؤسسة‬ ‫‪.5‬‬
‫العربٌة للدراسات والتوزٌع والنشر‪ ،‬بٌروت‪. 1992 ،‬‬
‫جٌروم ‪ ،‬النقد الفنً دراسة جمالٌة وفلسفٌة ‪ ،‬ب ت ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫راي ‪ ،‬ولٌم ‪ ،‬المعنى األدبً من الظاهراتٌة إلى التفكٌكٌة ‪ ،‬دار المأمون ‪. 1987 ،‬‬ ‫‪.7‬‬
‫رٌد ‪ ،‬هربرت ‪ ،‬معنى الفن‪ ،‬ت سامً خشبة ‪ ،‬دار الشؤون الثقافٌة ‪ ،‬بؽداد ‪. 1986 ،‬‬ ‫‪.8‬‬
‫شٌخ األرض ‪ ،‬تسٌر ‪ ،‬الوقائع واألفكار ‪ ،‬منشورات اتحاد الكتاب العرب ‪ ،‬دمشق ‪،‬‬ ‫‪.9‬‬
‫‪. 1997‬‬
‫عز الٌدن ‪ ،‬اسماعٌل ‪ ،‬األسس الجمالٌة فً النقد العربً‪ ،‬دار الفكر العربً ‪.1974 ،‬‬ ‫‪.10‬‬
‫مجاهد ‪ ،‬مجاهد عبد المنعم ‪ ،‬أبعاد االؼتراب ‪ :‬فلسفة الفن الجمٌل ‪ ،‬دار الثقافة للنشر‬ ‫‪.11‬‬
‫والتوزٌع ‪ ،‬القاهرة ‪. 1997 ،‬‬
‫ـــــــــــــ ‪ ،‬جدل الجمال واالؼتراب ‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزٌع ‪ ،‬القاهرة ‪. 1997 ،‬‬ ‫‪.12‬‬
‫مطر ‪ ،‬أمٌرة حلمً ‪ ،‬فً فلسفة الجمال من أفالطون إلى سارتر ‪ ،‬دار الثقافة ‪ ،‬القاهرة‬ ‫‪.13‬‬
‫‪. 1974 :‬‬
‫ــــــــــ ‪ ،‬فلسفة الجمال ونشأتها وتطورها ‪ ،‬دار الثقافة للنشر ‪ :‬القاهرة ‪ ،‬ب ت ‪.‬‬ ‫‪.14‬‬
‫وهبة ‪ ،‬مراد ‪ ،‬قصة علم الجمال ‪ ،‬دار الثقافة الجدٌدة ‪ ،‬القاهرة ‪. 1996 ،‬‬ ‫‪.15‬‬
‫ٌوسؾ ‪ ،‬عقٌل مهدي ‪ ،‬الجمالٌة بٌن الذوق والفكر ‪ ،‬مطبعة سلمى ‪ ،‬بؽداد ‪. 1988 ،‬‬ ‫‪.16‬‬
‫ٌونان ‪ ،‬رمسٌس ‪ ،‬دراسات فً الفن ‪ ،‬دار الكتاب العربً للطباعة والنشر ‪ :‬القاهرة ‪،‬‬ ‫‪.17‬‬
‫‪. 1969‬‬

‫‪9‬‬ ‫د‪ .‬حيدر عبد أالمير‬

You might also like