‫فن المحاكاة عند أرسطو‬

‫تم قراءته في المحاضرة‪ :‬نشاط الطالبات‬

‫حياتو‬

‫ولد يف مدينة اسطاغَتا مقدونيا سنة ‪ 384‬ق‪.‬م‪ 55 ،‬كيلومًت شرقي مدينة سالونيك وكان‬
‫أمينتاس الثالث ادلقدوين جد االسكندر األكرب‪ ،‬وقد ترك‬ ‫والده نيكوماخوس طبيباً لدى ادللك‬
‫بأكادديية‬ ‫أرسطو مقدونيا إىل أثينا يف السابعة عشرة من عمره لينال تعليمو والتحق فيها‬
‫أفالطون‪ ،‬وقد استمر يف األكادديية ضلواً من عشرين سنة قبل أن يغادر أثينا يف ‪ 348‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫بعد وفاة أفالطون سنة ‪ 347‬ق‪.‬م‪ .‬ارحتل إىل آترنيوس إحدى ادلدن اليونانية يف آسيا الصغرى‪،‬‬
‫حيث تزوج شقيقة حاكمها ىرمياس‪ ،‬وما ىى إال ثالث سنوات وبعد إقامة قصَتة يف جزيرة‬
‫لسبوس‪ ،‬حىت تلقى دعوة من ادللك فيليبوس ادلقدوين ليكون معلم ابنو الذي أصبح فيما بعد‬
‫‪334‬‬ ‫االسكندر الكبَت‪ .‬وقد الزم أرسطو االسكندر صديقاً‪ ،‬ومعلماً‪ ،‬ومستشاراً حىت قام سنة‬
‫ق‪.‬م حبملتو احلربية اآلسيوية‪ ،‬وشلا يروى أن االسكندر كان يرسل من البلدان اليت دير فيها مناذج‬
‫من نباتاهتا وحيواناهتا إىل استاذه مسامهة منو يف زيادة اطالعو‪ ،‬وتسهيل احباثو ودراساتو ‪ ،‬ومن‬
‫ىنا استطاع أرسطو ان يؤسس مايعترب اول حديقة حيوان يف العامل‪.‬‬
‫يف أثينا سنة ‪ 332‬ق‪.‬م‪ ،‬افتتح أرسطو مدرسة لوقيون ‪ .‬وقد عرف اتباعو بادلشائُت الن أرسطو‬
‫كان من عادتو ان ديشي بُت تالمذتو وىو يلقي عليهم الدروس ‪ .‬وظل يدير مدرستو ‪ 13‬عاماً‬
‫على الرغم من عداوة االثينُت دلقدونيا اليت استعبدهتم ‪ .‬اجتذبت مدرسة أرسطو الكثَت من‬
‫التالمذة ‪ ،‬وامست مركزاً لالحباث البيولوجيو والتارخييو‪ ،‬والشئون احلكومية واالداريو‪ ،‬ومل يكن ذتة‬
‫موضوع يناقش يف أيام أرسطو مل يتطرق اليو يف مدرستو‪ ،‬او يف كتبو ‪ ،‬وجيلوه ويوضحو‪،‬ومن‬
‫أشهر مؤلفاتو " أورغانون‪،‬السياسة‪،‬فن الشعر‪ ،‬ادلنطق تاريخ احليوانات ‪ ،‬وعلم الفلك‪.‬‬
‫تويف االسكندر سنة ‪323‬ق‪.‬م‪،‬ووقعت حكومة اثينا بُت ايدي أعداء ادلقدونيُت " وأرسطو من‬
‫انصار ادلقدونيُت " فدبر لو اعداؤه هتمة اإلحلاد ‪ .‬فخشي االضطهاد وادلصَت الذي آل اليو‬
‫سقراط من قبلو فهرب إىل مدينة خلسيس حيث اصيب مبرض بعد ذلك بسنو فمات يف سن‬
‫الثالثة والستُت ‪ .‬سنة ‪ 322‬ق‪.‬م‪.‬‬
 ‫نشأتو‬

‫ولد أرسطو عام ‪ 384‬قبل ادليالد يف مدينة (ستاغَتا) يف مشال اليونان‪ ،‬وكان والده طبيبا مقربا‬
‫من البالط ادلقدوين‪ ،‬وقد حافظ أرسطو وتالميذه من بعده على ىذا التقارب‪ .‬وقد كان لوالده‬
‫ثأثَت كبَت عليو لدخولو رلال التشريح ودراسة الكائنات احلية اليت منحتو القدرة على دقة‬
‫ادلالحظة والتحليل‪ .‬ويف عام ‪ 367‬رحل أرسطو إىل اثينا لاللتحاق مبعهد افالطون‪ ،‬كطالب يف‬
‫البداية‪ ،‬وكمدرس فيما بعد‪ .‬وكان افالطون قد رتع حولو رلموعة من الرجال ادلتفوقُت يف سلتلف‬
‫اجملاالت العلمية من طب وبيولوجيا ورياضيات وفلك‪ .‬ومل يكن جيمع بينهم رابط عقائدي سوى‬
‫رغبتهم يف إثرا وتنظيم ادلعارف اإلنسانية‪ ،‬وإقامتها على قواعد نظرية راسخة‪ ،‬مث نشرىا يف سلتلف‬
‫االجتاىات‪ ،‬وكان ىذا ىو التوجو ادلعلن لتعاليم وأعمال أرسطو‪.‬‬

‫احملاكاة عند ارسطو‬

‫احملاكاة تلك الفكرة اليت نعرب عنها تعبَتا مبهما حُت نقول عن الشاعر أو األديب إنو مرآة عصره أو حُت‬
‫نقول عن األدب والفن كافة‪ :‬إنو يعكس واقع احلياة شلتزجا برغبات األنسان وآمالو ومعتقداتو ‪،‬فهذا يف‬
‫الواقع تعبَت أديب موجز عن معٌت احملاكاة عند أرسطو إذ ليست احملاكاة عنده رلرد تقليد للواقع اخلارجي بل‬
‫أنو يقر بصراحة ما كان أو يكون فحسب بل ىي أيضا ما يقدر كونو ‪ ،‬وما يعتقد أنو كان وإن مل يكن‬
‫يف احلقيقة‪.‬‬
‫حيث أن أرسطو ‪ 322-384‬ق م ‪ ،‬قد أخذ موقفا سلتلفا من مفهوم احملاكاة اليت اعتربىا غريزة طبيعية‬
‫لدى اإلنسان ‪ ،‬ورأى فيها أساسا لكل عمل فٍت (الشعر وغَته من الفنون ) إذ يقول ‪ ":‬إن شعر ادلالحم‬
‫وشعر الًتاجيديا و كذلك الكوميديا والشعر ادلدائحي (الديًتامب) ‪ ،‬وإىل حد كبَت النفخ بالناي واللعب‬
‫بالقيثارة كلها أنواع من احملاكاة "‬
‫وىو دييز كذلك ىذه الفنون عن بعضها البعض من خالل أسلوب احملاكاة ‪<:‬إما بإختالف ما حياكى بو‬
‫‪،‬أو بإختالف ما حياكي ‪،‬أو بإختالف طريقة احملاكاة >‬
‫فهو يرى أن احملاكاة تكون على شكلُت ‪ :‬زلاكاة الفعل بالفعل ‪،‬أو زلاكاة الفعل بالرواية عنو ‪ .‬ولذا فهو ال‬
‫يفرق بُت النص ادلسرحي والنص ادللحمي من خالل درجة احملاكاة وإمنا من خالل اختالف اسلوب‬
‫احملاكاة ‪.‬ويذىب أرسطو أبعد من ذلك إذ يعترب أن احملاكاة ىي سبب ادلتعة يف ادلسرح ‪ ،‬وأن وجود‬
‫اجلمهور ىو دليل على ادلتعة اليت يشعر هبا من يتابع احملاكاة ‪.‬‬
‫واحلقيقة أن مفهوم احملاكاة عند أرسطو يبقى مفهوما عاما ‪ .‬فهو مل يطرحن عملية التقليد ادلباشر للواقع من‬
‫خالل احملاكاة ‪ ،‬ومل يتكلم كذلك عن اإليهام بالواقع ‪،‬وإمنا تناول ماىية احملاكاة من خالل تفصيلو لبناء‬
‫الًتاجيديا ‪،‬ومن خالل حتليلو لتأثَتىا على ادلتفرج (دتثل خوف وشفقة تطهَت) ‪.‬‬
‫وزلاكاة الفعل عند أرسطو ليست رلرد تصوير لألحداث وإمنا إعادة ترتيبها يف اخلط الناظم للمسرحية وىو‬
‫الفعل الدرامي‬
‫‪ .‬شلا يؤدي أن احملاكاة عنده ليس كتقليد أو كتصوير وأمنا كخلق وإبداعأخذ أرسطو مبدأ احملاكاة عن‬
‫أفالطون ‪،‬فإنو جعل احملاكاة للشخصيات واالنفعاالت واألفعال ‪،‬وليست زلاكاة لألشياء احملسة ‪ .‬أي‬
‫لدنيا احلياة العقلية داخل اإلنسان ‪.‬‬
‫فالشعر ‪،‬فيما يرى أرسطو ‪،‬مثل ادلوسيقا والرسم يف زلاكاتو ألشياء طبيعية ‪ .‬وفنون احملاكاة ختتلف يف‬
‫وسائل احملاكاة ‪،‬ويف موضوعها ويف طريقتها ‪.‬أما فيما خيتص بالوسائل فإن الرسم حياكي األشياء اليت‬
‫يصورىا باأللوان والرسوم ‪ .‬وادلوسيقى حتاكي باألصوات إيقاعاً و انسجاما ‪.‬والفنون القولية من نثر وشعر‬
‫حتاكي األشياء بالكالم ‪ .‬ومنها ما يستعُت مع الكالم لوسائل الفنون األخرى من إيقاع وحلن ووزن‬
‫‪،‬كالًتاجيديا والكوميديا ‪.‬وختتلف ىذه الفنون كذلك يف موضوع زلاكاهتا أي مضمونو ‪ :‬فالرسم وادلوسيقى‬
‫حياكيان األشياء واألصوات ‪ .‬والشعر حياكي أفعال الناس ‪ .‬مبعٌت أن رتيع أنواع الشعر ادلأساوي وادللحمي‬
‫واذلزيل والديثوراميب تقوم على احملاكاة ‪ .‬وباستطاعة اإلنسان أن يعرض وجوىا سلتلفا من األوضاع احلقيقية‬
‫أو ادلتخيلة بواحدة مسن طرق عدة ‪ .‬وأنواع الشعر تتباين تبعا لألداة اليت تصطنعها ولوجوه احلياة احلقيقية‬
‫أو ادلتخيلة اليت دتثلها وبالطريقة اليت يتتحقق هبا ىذا التمثيل ‪.‬‬
‫والتفرقة بُت الًتاجيديا والكوميديا عند أرسطو تأيت من الزاوية اليت خيضع فيها أرسطو كل أنواع الشعر ذلذا‬
‫التفاوت يف زلاكاة الناس يف فعلهم ‪ .‬فمن األجناس البشرية ما حياكي األعمال الفاضلة‪ ،‬كادللحمة‬
‫والًتاجيديا وادلدائح ‪ .‬ومنها ما حياكي األعمال ادلرزولة كالكوميديا واذلجاء ‪ .‬إذن احملاكاة ليست رواية‬
 ‫األمور كما وقعت بل رواية ما ديكن أن يقع ‪"،‬ألن للشيء صورتُت ‪:‬روحانية ‪،‬وىي الصورة‬
‫احملاكيةلو‪،‬وجسمانية وىي صورة الشيء احملسوس نفسو الالصورةاحملاكية لو"‬
‫فاألدب التمثيلي اليوناين جيعل احملاكاة صورة طبق أصلها سلتلفا عن باقي الفنون بذلك إىل طبيعة األحكام‬
‫الكلية ‪،‬على حُت أن أقوال التاريخ جتئ عن أحداث جزئية فردية‬
‫فماذا حياكي الشعر ؟ حياكي الناس يف أفعاذلم وبذلك يتنوع الناس بُت ثالث إما يكون الفاعل سويا مع‬
‫الطبيعة البشرية أو فوقها أو حتتها ومن ىنا يظهر مبدأ التفريق عند أرسطو بُت الًتاجيديا والكوميديا‬
‫فالًتاجيديا تصوير جوانب سامية من البشر لكن بشرط أن يرتفع البطل عن ادلستوى ادلتوسط ‪ ،‬والكوميديا‬
‫تصوير للجوانب الدنية وىي دون ادلستوى ادلتوسط ‪،‬وواضح من تقسيمو للموضوعات اليت حياكيها الشعر‬
‫على أساس خلقي من خالل تصنيفو للناس بُت خَت وشر ووسط أنو قد تأثر بأفالطون بربطو بُت اجلمال‬
‫واخلَت ‪.‬‬
‫واحملاكاة يف صورهتا تأخذ صورتُت ‪ -‬إما زلاكاة بالرواية السردية ‪-‬زلاكاة يف التمثيل ادلسرحي‬
‫فادلسرحية دون ادللحمة حتاكي الفعل بالفعل نفسو وأما ادللحمة فتحاكي الفعل بالرواية عنو‬
‫ومن خالل حديث أرسطو يرد الشعر إىل غريزتُت فطريتُت‬
‫‪-‬غريزة أن حياكي اإلنسان سواه‬
‫‪-‬غريزة أن يسر للمحاكاة اليت يؤدوىا اآلخرون بغض النظر عن نوعها وغالبا ما تكون حزينة‪.‬‬
‫قسم أرسطو الفن إىل قسمُت‬
‫‪ -1‬يف إحدامها الفنون اجلميلة‪...‬‬
‫‪-2‬الصناعات النافعة والعلوم ‪...‬‬
‫وتتميز الفنون اجلميلة باشًتاكها بصفة احملاكاة فبعضها حياكي من خالل اللون والشكل ‪،‬وبعضها حياكي‬
‫من خالل الصوت (وىو قوام الشعر) ‪،‬وكما الفنون اجلميلة حتاكي باللون ‪.‬‬
‫واحملاكاة بالصوت إذا وسعنا نطاقها مشلت ادلوسيقى والرقص واجلانب ادلشًتك بُت ىذه الفروع الذي سوغ‬
‫ألرسطو أن يدرجها حتت لفظة <الشعر> األسس اليت أقام عليها قسمة الشعر إىل ىذه الفروع وىي ‪:‬‬
‫‪-‬وسيلة احملاكاة‬
‫‪-‬ادلوضوعات اخلارجية اليت حتاكى‬
 ‫‪-‬طريقة احملاكاة‬
‫وكما أن وسائل احملاكاة ثالثة يف الشعر ‪:‬‬
‫الوزن (اإليقاع) واللفظ والنغم‬
‫‪-‬إذا أنفرد اإليقاع وحده كان الرقص‬
‫‪-‬إذا أنفرد اللفظ وحده كان النثر‬
‫ومن ادلالحظ أن النغم ال ينفرد وحده‬
‫‪-‬إذا اجتمع الوزن واللفظ معا كان شعر ادلديح وادلالحم‬
‫‪-‬إذا اجتمع الوزن واللفظ والنغم كان الغناء والًتاجيديا والكوميديا‬
‫خادتة‪:‬‬
‫وصلدأناحملاكاةكانتومازالتمحالًللجدل‪،‬فبدايةكانأرسطووأفالطون‪،‬وحتىاآلمنازاالدلفكرونوالنقاديبحثونعنصيغةأسا‬
‫سيةيضعوناحملاكاةحتتعنواهنا‪.‬‬