You are on page 1of 108

‫جميل حمداوي‬

‫المدارس المسرحية الغربية‬

‫‪1‬‬
‫المؤلف‪ :‬جميل حمداوي‬
‫الكتاب‪:‬المدارس المسرحية الغربية‬
‫الطبعة األولى ‪2020‬‬
‫دار الريف للطبع والنشر اإللكتروني‬
‫الناظور‪ -‬تطوان‪/‬المملكة المغربية‬
‫الهاتف‪0536333488/0672354338:‬‬

‫‪2‬‬
‫اإلهـــــــداء‬

‫أهدي هذا الكتاب إلى الناقدة المصرية الخبيرة‬


‫األستاذة الدكتورة نهاد صليحة التي قدمت دراسات‬
‫متميزة في مجال المسرح‪ ،‬ولقد استفدنا من كتابها‬
‫القيم (المدارس المسرحية)‪ ،‬داعيا هللا أن يسكنها‬
‫فسيح الجنان مع الشهداء واألنبياء والرسل‬
‫واألولياء الصالحين‪ .‬آمين يارب !‬

‫‪3‬‬
‫الفهـــرس‬
‫اإلهــــداء‬
‫الفهرس‪4......................................................................‬‬
‫مقدمة‪5.........................................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬ماقبل نشأة المدارس المسرحية‪8.........................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المدارس المسرحية قبل القرن العشرين‪27............‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬المدارس المسرحية في القرن العشرين‪51............‬‬
‫خاتمة‪97.......................................................................‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‪99.................................................‬‬

‫‪4‬‬
‫مقدمـــــــــة‬
‫تهدف هذه الدراسة األدبية والنقدية إلى استجالء الجوانب الفكرية‬
‫والذهنية و الفنية والجمالية واإليديولوجية لمختلف المدارس‬
‫والحركات والتيارات واالتجاهات المسرحية والدرامية في العالم‬
‫الغربي بصفة خاصة‪ .‬والغرض من ذلك هو التأريخ للفن المسرحي‬
‫من خالل مدارسه الدرامية بغية التعرف إلى مختلف التوجهات‬
‫الفكرية واإليديولوجية التي كانت ترتكز عليها هذه المدارس‪،‬‬
‫ورصد مختلف الخصائص والسمات الفنية والجمالية التي كان يمتاز‬
‫بها فعل التمسرح في هذه التجارب المسرحية إن نظرية‪ ،‬وإن‬
‫ممارسة‪،‬وإن إخراجا‪ ،‬وإن رؤية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬ينطلق بحثنا من فرضية‬
‫رئيسة أال وهي‪:‬‬
‫لقد عرف المسرح الغربي مجموعة من المدارس والتيارات‬
‫والحركات واالتجاهات كان لها دور مهم في تطوير فن المسرح إن‬
‫رؤية‪ ،‬وإن تمسرحا‪ ،‬وإن تصورا‪ ،‬وإن تجربة ‪.‬بمعنى أن المسرح‬
‫الغربي قد عرف طفرات جمالية بارزة‪ ،‬وقفزات فنية الفتة للنظر؛‬
‫بفضل ما راكمه من ممارسات ركحية متميزة من جهة‪ ،‬وما قدمه‬
‫من تصورات نظرية رائدة ومهمة من جهة أخرى‪.‬‬
‫أما من حيث المدارس المسرحية الفنية والجمالية ‪ ،‬فيمكن الحديث‬
‫عن مدارس مسرحية عديدة كالمدرسة المسرحية الكالسيكية‪،‬‬
‫والمدرسة المسرحية الشعبية المرتجلة‪ ،‬والمدرسة الكروتيسكية‪،‬‬
‫والمدرسة المسرحية الرومانسية‪ ،‬والمدرسة المسرحية الواقعية‪،‬‬
‫والمدرسة المسرحية الطبيعية‪ ،‬والمدرسة المسرحية الدادائية‪،‬‬
‫والمدرسة المسرحية المستقبلية‪ ،‬والمدرسة المسرحية الرمزية‪،‬‬
‫والمدرسة المسرحية السريالية‪ ،‬والمدرسة المسرحية الوجودية‪،‬‬

‫‪5‬‬
‫والمدرسة المسرحية التسجيلية‪ ،‬والمدرسة المسرحية العبثية‪،‬‬
‫والمدرسة الكوميدية السوداء‪ ،‬ومدارس الفن المسرحي‬
‫‪1‬‬
‫المعاصر‪...‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فلقد استعنا بالمنهج التاريخي لرصد مختلف التطورات‬
‫التي عرفها المسرح الغربي إن شكال‪ ،‬وإن مضمونا‪ .‬كما اعتمدنا‬
‫على المنهج الفني والجمالي الستكشاف مجمل الفنيات والجوانب‬
‫الدرامية التي تمتاز بها هذه المدارس في تطورها التاريخي‪ .‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬نطرح اإلشكاالت الرئيسة التالية‪:‬‬
‫كيف تطور المسرح العالمي في أوروبا الغربية ؟ وما أهم المدارس‬
‫التي تفرع عنها هذا المسرح؟ وما أهم المكونات والسمات الفكرية‬
‫واإليديولوجية والفنية والجمالية التي تمتاز بها هذه المدارس‬
‫المسرحية والدرامية؟‬
‫هذا ما سوف نتوقف عنده في كتابنا هذا بطريقة بانورامية كلية‬
‫وشاملة‪ ،‬بطريقة تجمع بين التأريخ من جهة‪ ،‬والتقويم الفكري والفني‬
‫والجمالي من جهة أخرى‪.‬‬
‫ونرجو من هللا عز وجل أن تنال هذه الدراسة إعجاب القراء‬
‫األفاضل‪ ،‬وتنال كذلك رضا الباحثين والعلماء المتخصصين‪.‬‬
‫ونعتذر عن كل األخطاء التي نكون قد ارتكبناها في هذه الدراسة؛‬
‫ألن اإلنسان ضعيف بطبعه‪ ،‬يعرف بالسهو‪ ،‬والعجز‪ ،‬والنسيان‪،‬‬
‫والتقصير‪ .‬وهللا نسأل أن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم‪ ،‬وهو‬

‫‪ -1‬انظر‪ :‬نهاد صليحة‪ :‬المدارس المسرحية المعاصرة‪ ،‬مطابع الهيئة المصرية‬


‫العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫حسبنا‪ ،‬ونعم الوكيل‪ .‬وقد صدق هللا العظيم‪ " :‬وما أوتيتم من العلم‬
‫إال قليال‪"2.‬‬

‫الفصل األول‪:‬‬
‫ما قبل نشأة المدارس المسرحية‬

‫‪ - 2‬اآلية‪ ،85 :‬سورة اإلسراء‪ ،‬القرآن الكريم برواية ورش عن نافع عن األزرق‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫عرف المسرح الغربي مجموعة من التصورات المسرحية النظرية‬
‫والممارسات الركحية والدرامية‪ ،‬قبل أن يتفرع هذا المسرح إلى‬
‫مجموعة من المدارس والتيارات واالتجاهات والحركات‬
‫واألشكال‪.‬وهنا‪ ،‬يمكن التوقف عند التجارب المسرحية اليونانية‪،‬‬
‫والرومانية‪ ،‬واألمازيغية‪ .‬فضال عن تجارب المسرح في عصر‬
‫النهضة في شكل مسرح ديني والهوتي من جهة‪ ،‬أو مسرح‬
‫شكسبيري من جهة أخرى‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أرسطو وفن المسرح‬
‫يعد الفيلسوف اليوناني أرسطو أول منظر عالمي لفن المسرح في‬
‫كتابه (فن الشعر)؛ حيث وضع‪ ،‬ألول مرة‪ ،‬أسس شعرية المسرح‬
‫التراجيدي والكوميدي‪ ،‬وسن قواعدهما الكالسيكية‪ .‬وقد عرف‬
‫أرسطو التراجيديا‪ ،‬أو فن المأساة‪،‬بقوله‪ ":‬إن المأساة محاكاة فعل‬
‫تام له مدى معلوم؛ ألن الشيء يمكن أن يكون تاما دون أن يكون له‬
‫مدى‪ .‬والتام هو ما له بداية ووسط ونهاية‪....‬ولوضع قاعدة عامة في‬
‫هذا نقول‪ :‬إن الطول الكافي هو الذي يسمح لسلسلة من األحداث التي‬
‫تتوالى وفقا لالحتمال والضرورة‪ ،‬وأن تنتقل بالبطل من الشقاوة إلى‬
‫النعيم‪ ،‬أو من النعيم إلى الشقاوة‪.‬‬
‫أما الشخصيات‪ ،‬فأمرها يتناول أربع مسائل‪ :‬األولى أن تكون‬
‫فاضلة(‪ )...‬والمسألة الثانية هي التوافق‪ ....‬وثالثتها التشابه‪...‬‬
‫ورابعتها الثبات‪...‬‬

‫‪8‬‬
‫في كل مأساة جزء يسمى العقدة‪ ،‬وجزء آخر هو الحل‪ ،‬والوقائع‬
‫الخارجية عن المأساة وكذلك بعض األحداث الداخلية فيها تكون‬
‫غالبا العقدة‪ ،‬أما الحل فيشمل ماعدا ذلك‪ .‬وأعني بالعقدة ذلك القسم‬
‫من المأساة الذي يبدأ ببدايتها ويستمر حتى الجزء األخير الذي‬
‫يصدر التحول إما إلى السعادة وإما إلى الشقاوة‪ ،‬وأعني بالحل ذلك‬
‫‪3‬‬
‫القسم من المأساة المبتدئ ببداية هذا التحول حتى النهاية"‪.‬‬
‫أما كتاب الكوميديا ألرسطو فلقد ضاع‪ ،‬ولم يصل إلينا حسب‬
‫الباحثين المتتبعين إلنتاج أرسطو‪.4‬‬
‫ومن أهم أسس التنظير األرسطي لفن المسرح تقسيم المسرحية إلى‬
‫أجزاء أساسية ‪ :‬البداية‪ ،‬والوسط‪ ،‬والحل‪ ،‬وتقديم صورة تركيبية‬
‫للمسرح‪ ،‬و تقسيمها إلى مشاهد وفصول ‪ .‬كما أثبت أرسطو أن أي‬
‫عمل مسرحي البد أن يرتكز على ثالثة مبادئ كبرى هي‪ :‬وحدة‬
‫الحدث‪ ،‬ووحدة الزمان‪ ،‬ووحدة المكان‪ .‬كما قدم نظرية لألنواع‬
‫التراجيديا‬ ‫المسرحية وأنماطها الصغرى‪ ،‬حينما ميز بين‬
‫والكوميديا‪ ،‬وفصل بين الهزل والجد‪.‬‬

‫‪ -3‬انظر أرسطوطاليس‪ :‬فن الشعر‪،‬ترجمة عبد الرحمن بدوي‪ ،‬دار الثقافة بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ - 4‬حاول الباحث المغربي محمد قيسامي‪ ،‬في كتابه( حوار مع الكوميديا)‪ ،‬بناء‬
‫ماضاع من كوميديا أرسطو؛ حيث ينظر للكوميديا موضوعا‪ ،‬وبنية‪ ،‬وشكال‪ ،‬ولغة‪،‬‬
‫بعد أن ضاع كتاب الكوميديا ألرسطو‪ ،‬ولم يبق منه سوى شذرات متفرقة في‬
‫مجموعة من الكتب‪ ،‬وبعض اإلشارات إليه في كتاب(فن الشعر)‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يستحضر‬
‫الباحث النص األرسطي الغائب‪ ،‬ويبني هذا النص المفقود بواسطة التوثيق من جهة‪،‬‬
‫والتخييل من جهة أخرى‪ .‬ولقد اعتمد الباحث في ذلك على كتابة شذرية من ناحية‪،‬‬
‫وكتابة مسرحية في شكل مقامة من ناحية أخرى ‪ .‬ويعني هذا أن الباحث قد توسل‬
‫بلغة إبداعية فلسفية حوارية‪ ،‬تعتمد على الحلقات والمجالس الليلية مثل‪ :‬ليالي ألف‬
‫ليلة وليلة‪ ،‬بتشغيل كتابة مسرحية درامية لكتابة نص أرسطو الكوميدي على غرار‬
‫الكتابات الفلسفية لدى سقراط‪ ،‬وأفالطون‪ ،‬ونيتشه… انظر‪ :‬محمد قيسامي‪ :‬حوار مع‬
‫الكوميديا‪ ،‬مطبعة تريفة‪،‬بركان‪ ،‬المغرب‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫و من أهم نظرياته المسرحية أيضا ما يسمى بنظرية التطهير‬
‫النفسي ‪ ،‬ومفاد هذه النظرية أن التراجيديا تقوم على تطهير النفس‬
‫البشرية‪ ،‬بإثارة الخوف والشفقة في نفوس الجمهور‪. 5‬ويعني هذا أن‬
‫المأساة تسهم في مداواة نفوس المشاهدين شعوريا والشعوريا‪،‬‬
‫وتطهيرهم من النوازع الشريرة المكبوتة كلها‪ ،‬بزرع الخوف‬
‫والشفقة‪.‬أي‪ :‬تهدف المسرحية إلى تنقية الجمهور من بذور الشر‬
‫والدناءة قصد الرقي به إلى مصاف األخيار‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تعد‬
‫التراجيديا وسيلة لعالج اإلنسان نفسيا ووجدانيا وأخالقيا من‬
‫االنفعاالت العدائية والغرائز المكبوتة كلها‪ ،‬وتحرير النفوس اآلدمية‬
‫من الشر والتناتو س‪ ،‬وتوجيهها نحو الفضيلة والسعادة والخير‪،‬‬
‫وخدمة الصالح العام‪.‬‬
‫ويعني هذا أن المسرحية‪ ،‬منذ أن نظر لها أرسطو في كتابه( فن‬
‫الشعر)‪ ، 6‬إما مسرحية تراجيدية‪ ،‬وإما مسرحية كوميدية‪ ،‬وإما‬
‫مسرحية تراجيكوميدية تجـمع بـين االثنـين‪ .‬فالتراجيديا عند أرسطو‬
‫هي" محاكاة لفعل جاد‪ ،‬تام في ذاته‪ ،‬له طول معين‪ ،‬في لغة ممتعة‬
‫ألنها مشفوعة بكل نوع من أنواع التزيين الفني ‪ ،‬كل نوع منها‬
‫يمكن أن يرد على انفراد في أجزاء المسرحية؛ وتتم هذه المحاكاة‬
‫في شكل درامي‪ ،‬ال في شكل سردي‪ ،‬وبأحداث تثير الشفقة‬
‫والخوف‪ ،‬وبذلك يحدث التطهير من مثل هذين االنفعالين "‪ ،‬وأعني‬
‫هنا بـاللغة الممتعة اللغة التي بها وزن‪ ،‬وإيقاع‪ ،‬وأقصد بقولي‪":‬‬
‫يمكن أن يرد على انفراد في أجزاء المسرحية"‪ :‬أن بعض األجزاء‬
‫يعالج باستخدام الشعر وحده‪ ،‬وبعضها اآلخر باستخدام الغناء"‪.7‬‬

‫‪ -5‬محمد مندور ‪:‬األدب ومذاهبه‪،‬دار نهضة مصر للطبع والنشر‪ ،‬الفجالة‬


‫القاهرة‪1979،‬م‪ ،‬ص‪.186 :‬‬
‫‪ -6‬أرسطو‪ :‬فن الشعر‪ ،‬المرجع سبق ذكره‪.‬‬
‫‪ -7‬أرسطو‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.103:‬‬
‫‪10‬‬
‫ومن ثم‪،‬فالتراجيديا مسرحية مأساوية تثير الخوف والفزع والشفقة‪،‬‬
‫وتهدف إلى تطهير الناس من الشرور واآلثام والذنوب‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما‬
‫تبتدئ التراجيديا أو تتخللها أو تنتهي بإيقاع الخوف والرعب‬
‫والموت‪.‬‬
‫في حين‪،‬تعد الكوميديا " محاكاة ألشخاص أردياء‪ ،‬أي أقل منزلة‬
‫من المستوى العام ‪ ،‬وال تعني الرداءة هنا كل نوع من السوء‬
‫والرذالة‪ ،‬وإنما تعني نوعا خاصا فقط‪ ،‬هو الشيء المثير الضحك‪،‬‬
‫والذي يعد نوعا من أنواع القبح ‪ ،‬ويمكن تعريف الشيء المثير‬
‫للضحك بأنه الشيء الخطأ‪ ،‬أو الناقص‪ ،‬الذي ال يسبب لآلخرين ألما‬
‫أو أذى‪ ،‬ولنأخذ القناع الكوميدي المثير للضحك مثاال يوضح ذلك‪،‬‬
‫ففيه قبح وتشويه‪ ،‬ولكنه ال يسبب ألما عندما نرى‪.8".‬‬
‫ويعني هذا أن المسرحية الكوميدية هي مسرحية هزلية تثير‬
‫الضحك‪ ،‬وتنتقد المجتمع واألشخاص بطريقة ساخرة التضر‬
‫اآلخرين‪ ،‬وال تسبب لهم ألما أو ضررا‪.‬‬
‫وبهذا‪ ،‬يكون أرسطو قد وضع أسس المسرح الغربي الكالسيكي‬
‫على مبدأ المحاكاة إن تنظيرا‪ ،‬وإن تجنيسا‪ ،‬وإن تفريعا‪ ،‬وإن تحليال‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المسرح الروماني‬
‫لم يتطور المسرح الروماني إال في القرن الثالث قبل الميالد‪ .‬وقد‬
‫ارتبط هذا المسرح بالحفالت الدينية الكثيرة‪ .‬كما كان للمسرح‬
‫وظيفة الترفيه والتسلية في أثناء انعقاد مختلف الحفالت الدنيوية‪.‬‬
‫وتعد الكوميديا الشكل الشعبي المعروف في الرومان القديمة منذ‬
‫القرن الثاني قبل الميالد‪ ،‬وقد ازدهرت مع بلوتوس وتيرينيوسآفر‬
‫المتأثرين بالكوميديا اإلغريقية الجديدة‪.‬‬

‫‪ -8‬أرسطو‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.103:‬‬


‫‪11‬‬
‫ومن التراجيديات المعروفة في الرومان مسرحيات سينيك إبان‬
‫القرن األول قبل الميالد‪ ،‬وتراجيديات سالون التي سارت على‬
‫غرار التراجيديات اإلغريقية‪ .‬بيد أن المسرح الروماني لم يستمر‬
‫كثيرا في تواجده‪ ،‬بل انقرض‪ ،‬بشكل تدريجي‪ ،‬بظهور الكنيسة‬
‫المسيحية‪ ،‬وسقوط اإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬فاختفى بذلك المسرح‬
‫الكالسيكي اليوناني والروماني من الثقافة الغربية لمدة خمسة قرون‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬المسرح األمازيغي‬
‫تشكل المسرح األمازيغي في منطقة تامازغا بشمال أفريقية إبان‬
‫المرحلة الرومانية والالتينية مع أربعة أعالم رائدة هي‪:‬‬
‫ترينيوسآفر‪ ،‬وأفوالي ‪ ،‬وأوغستان‪ ،‬ويوبا الثاني‪.‬‬
‫ومن هنا‪،‬يعد القديس أوغسطين‪ 9‬المنظر العالمي الثاني للمسرح‪،‬‬
‫بعد الفيلسوف اليوناني أرسطو في كتابه(فن الشعر)‪ ،‬بل ينطلق‬

‫‪ -9‬ولد القديسوالكاتب األمازيغي الكبير أوريليوس أغسطينوس‪،‬أو أغسطين ‪ ،‬أو‬


‫أوغستان )‪ ، (Saint.Augustin‬في ‪13‬نوفمبرمن سنة ‪354‬م من أمبربرية مسيحية‬
‫اسمها مونيكا‪ ،‬وأب وثني روماني عبارة عن موثق بسيط‪ ،‬كان يسمىپاتريسيوس في‬
‫مدينة تاغيسته (سوق الهراس) بالجزائر (نوميديا)‪ .‬وقد دافعأوغسطين كثيرا عن‬
‫هويته األمازيغية وكنعانيته السامية في رسالة له إلى أهلروما‪ ،‬وكان يقول‪ ":‬إذا سألتم‬
‫سكان البوادي عندنا في نوميديا‪ ،‬قالوا‪ :‬نحنكنعانيون"‪ ،‬ويعني هذا أن لغة أوغسطين‬
‫هي النوميدية المتأثرة باللغةالفينيقية الكنعانية أو هي األمازيغية النوبية ذات الجذور‬
‫الكنعانية‪ .‬بيدأن ثقافته التينية ‪،‬واليتقن من اإلغريقية إال النزر القليل‪".9‬‬
‫وقد تلقىأوغسطين تعليمه في تاغيسته و مودوروس منذ السادسة عشرة من عمره‪،‬‬
‫وسافر إلىقرطاج ليستكمل دراساته ‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬انتقل إلى إيطاليا في مرحلة‬
‫الغزوالالتيني لشمال أفريقياللتعلم والدراسة في روما وميالنو‪ .‬وقبل سفره كانمتأثرا‬
‫باألفالطونية المحدثة ‪.‬‬
‫وقد مارس أوغسطين مهنة التعليم‪ ،‬و كانيعطي دروسا في البالغة في مدينة قرطاج‬
‫و مدن إيطاليا‪ ،‬وانتقل حيال مدينةعنابة سنة ‪388‬م ؛ حيث أقام فيها ديرا للتعبد‬
‫‪12‬‬
‫أوغسطين‪ ،‬في أثناء حديثه عن وظيفة المسرح في‬
‫كتابه(اعترافاتي)‪ ،‬من نظرية أرسطو نفسها‪ ،‬أال وهي نظرية‬
‫التطهير‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول أرسطو‪ ":‬والتراجيديا هي محاكاة‬
‫لفعل جاد‪ ،‬تام في ذاته‪ ،‬له طول معين‪ ،‬في لغة ممتعة ألنها مشفوعة‬
‫بكل نوع من أنواع التزيين الفني‪ .‬كل نوع مهما يكون أن يرد على‬
‫انفراد في أجزاء المسرحية؛ وتتم هذه المحاكاة في شكل درامي‪ ،‬ال‬
‫في شكل سردي‪ ،‬وبأحداث تثير الشفقة والخوف‪ ،‬وبذلك يحدث‬
‫التطهير من مثل هذين االنفعالين‪.‬وأعني هنا باللغة الممتعة اللغة‬
‫التي بها وزن‪ ،‬وإيقاع‪ ،‬وغناء‪ .‬وأقصد بقولي يمكن أن يرد على‬
‫انفراد في أجزاء المسرحية‪ :‬أن بعض األجزاء يعالج باستخدام‬
‫‪10‬‬
‫الشعر وحده‪ :‬وبعضها اآلخر باستخدام الغناء‪".‬‬
‫ويعني هذا أن وظيفة المسرح عند أرسطو‪ ،‬وخاصة في التراجيديا‪،‬‬
‫هي التطهير‪ ،‬بإثارة الخوف والشفقة في نفوس الجمهور‪.‬بمعنى أن‬
‫تكون المسرحية ذات وظيفة سيكولوجية وأخالقية تعنى بتحرير‬
‫النفس اإلنسانية من الغرائز العدوانية‪ ،‬وتحريرها من كل ظلم وشر‬
‫وحقد‪.‬‬
‫ويقدم المنظر األمازيغي أوغستان للمسرح الوظيفة األرسطية‬
‫نفسها‪ ،‬وخاصة حينما كان شابا مزهوا بنفسه وشبابه‪ ،‬مغرما‬
‫بالعروض المسرحية التي كانت تعرض على خشبات مسرح‬
‫واالعتكاف الديني‪ ،‬ليتقلد فيما بعد عدةمناصب دينية إلى أن عين في منصب أسقف‬
‫مدينة عنابة سنة ‪ 395‬م ‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬صار أبا للكنيسة الالتينية‪ .‬وقد توفي أوغستان‬
‫في‪ 430 /08/29‬م بمدينة عنابة(‪.)Hippone‬‬
‫وقد تشبع أوغسطين بالمعتقد المسيحي تأثرا بأمه القديسة مونيكا‪ ،‬وتأثر كذلك بأسقف‬
‫ميالنو القديس أومبرواز(‪ ) Ambroise‬في سنة‪386‬م‪.‬‬
‫‪ -10‬أرسطو‪ :‬فن الشعر‪ ،‬مكتبة المسرح رقم‪ ،3‬ترجمة وتعليق‪ :‬إبراهيم حمادة‪ ،‬مركز‬
‫الشارقة لإلبداع الفكري‪،‬الشارقة‪ ،‬ص‪.111:‬‬
‫‪13‬‬
‫قرطاج بتونس إبان المرحلة الرومانية‪ ،‬قبل التوبة والغفران‬
‫واالعتراف بذنوبه‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يشير أوغسطين إلى أن العروض المسرحية التي تقدم فوق‬
‫ركح قرطاج عبارة عن تراجيديات ممتعة ومثيرة‪ ،‬تختلط فيها‬
‫المأساة مع الرومانسية‪ ،‬وتتقاطع فيها اآلالم مع الحب؛ مما كان يثير‬
‫فضول الجمهور بحال من األحوال‪ .‬ويعني هذا أن المسرح ‪ -‬حسب‬
‫أوغسطين ‪ -‬كان يعتمد على المعايشة النفسية الصادقة ‪ -‬كما سيقول‬
‫بذلك المنظر المسرحي الروسي ستانسالفسكي فيما بعد‪ .-‬ويضاف‬
‫إلى ذلك أن الناس يقبلون على المسرح لمشاهدة المآسي‬
‫والتراجيديات الحزينة ؛ ألنهم يجدون في ذلك متعة وسعادة وراحة‬
‫نفسية‪ .‬ويرى أوغسطين أن المسرحيات المعروضة على خشبة‬
‫مسرح قرط اج تستنبط أحداثها من الواقع‪ ،‬أو تكون ممزوجة‬
‫بالخيال‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬تصاغ هذه العروض بأسلوب فني جميل‪،‬‬
‫وتتسم أيضا بروعة اإلخراج والتشخيص والسينوغرافيا‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬فالمسرح ‪ -‬حسب أوغسطين ‪ -‬له وظيفة أخالقية‬
‫ونفسية وعضوية‪ ،‬تقوم على التطهير بإثارة الخوف والشفقة‪ ،‬كما‬
‫سبق ألرسطو إثبات ذلك في كتابه(فن الشعر)‪ .‬ويضيف أوغسطين‬
‫أن الناس اليحبون أن يعيشوا األلم في واقعهم الحياتي‪ ،‬ولكن يحبون‬
‫معايشته دراميا‪ ،‬وفنيا‪ ،‬وجماليا‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يرتاح المشاهدون كثيرا‬
‫للتراجيديات‪ ،‬وكلما ضعفت صنعتها اإلخراجية‪ ،‬ثار الجمهور‬
‫غاضبا‪ ،‬وخرج من المسرح ثائرا ‪ .‬وبالتالي‪ ،‬الينتبهالراصدون‬
‫إلىالعروض المسرحية اندماجا وتركيزا إال حينما تكون العروض‬
‫تراجيديات مأساوية ‪ ،‬تثير الشفقة والخوف والرحمة‪ .‬ويزداد‬
‫التطهير مأساة وتعقيدا ودرامية ‪ ،‬حينما تقدم مشاهد الحب والغرام‪،‬‬
‫وخاصة مشاهد الفراق والعذاب التي تثير المتفرجين بشكل الفت‬

‫‪14‬‬
‫لالنتباه‪ ،‬فيسعدهم ذلك كثيرا بسبب ما يبثه العرض من أحزان وآالم‬
‫سيكولوجية وعضوية‪.‬‬
‫بيد أن مايهمأوغسطين في المسرح هو اإلشباع أو االرتواء‪ ،‬فبعد‬
‫اندماج المتفرج في المسرحية‪ ،‬بمعايشة مآسيها‪ ،‬واالنسياق وراء‬
‫أجوائها الغرامية والرومانسية‪ ،‬والتلذذ بأحزانها وآالمها المقرفة‪،‬‬
‫يتحقق لدى المتفرج نوع من اإلشباع الغريزي‪ ،‬أو نوع من الراحة‬
‫النفسية‪ ،‬سرعان ما تتحول إلى نزيف تراجيدي مؤلم‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫فالمسرح الحقيقي هو الذي يحقق للمتفرج نوعا من اإلشباع‬
‫واالرتواء النفسي واألخالقي والبيولوجي‪ ،‬مثل‪ :‬تلك النشوة الجنسية‬
‫التي يستمتع بها المحبان العاشقان‪ .‬وبتعبير آخر‪ ،‬الينبغي أن يقدم‬
‫المسرح للجمهور عرضا دراميا ناقصا في مكوناته الفنية والجمالية‬
‫والتأثيرية‪ ،‬فالبد أن يتحقق اإلشباع لدى الراصد المتفرج‪ .‬وفي هذا‬
‫السياق‪ ،‬يقول أوغسطين ‪ ":‬ذلك هو الحب الذي كنت أكنه لهذه‬
‫اآلالم‪ ،‬والذ ي لم أكن أتوقع أن يمر (الحب) على قلبي وروحي؛‬
‫ألنني لم أرد قط رؤية األحزان في األشياء التي أفضل رؤيتها فوق‬
‫خشبة المسرح ‪ ،‬ولكنني كنت مرتاحا جدا؛ ألن موضوع المسرحية‬
‫التي كانت تعرض أمامي تشعرني باإلشباع‪ ،‬كما لو أنني أصبت‬
‫بحكة جلدية‪ ،‬فحككت جلدي‪ ،‬وحققت ذلك اإلشباع‪ ،‬لكن سرعان ما‬
‫يتحول الحك المتكرر إلى جرح ينزف‪ ،‬فيختلط الدم بالوحل‪ .‬هذه هي‬
‫‪11‬‬
‫حياتي‪ ،‬ولكن هل نستطيع أن نسميها حياة؟ يا إلهي!"‬

‫‪11‬‬
‫‪- Saint Augustin, Confessions, III, 3, trad. D’Arnauld‬‬
‫‪d'Andilly (1649), établie par O. Barenne, éd. Ph. Sellier,‬‬
‫‪Gallimard, " Folio ", 1993, p. 89-92.‬‬
‫‪15‬‬
‫وإذا كان أرسطو صاحب نظرية التطهير القائمة على الخوف‬
‫والشفقة‪ ،‬فإن المنظر المسرحي األمازيغي أوغسطين رائد نظرية‬
‫اإلشباع المسرحي القائمة على االرتواء الفني والجمالي‪.12‬‬
‫ولم يقتصرالمسرح األمازيغي على أبوليوس وترنيوس آفر‬
‫وأوغستان فحسب‪،‬بل تعدى ذلك إلى يوبا الثاني الذي اعتنى بهذاالفن‬
‫عناية فائقة‪ ،‬فلقدألف كتابه الرائع( تاريخ المسرح) الذي جمع فيه‬
‫دراسات شاملة حول الموسيقا والرقص‪،‬وقد كتب منه ثمانية عشر‬
‫(‪ )18‬مجلدا‪.‬‬
‫ويثمن الكثيرمن الباحثين اإلنجازات القيمة التي حققها الملك المثقف‬
‫يوباالثاني في مجال الدراما والتمثيل والتكوين المسرحي‪.‬فقد قال‬
‫بوزياني الدراجي‪":‬أما التمثيل‪ ،‬فقد أسس يوبا أيضا معهدا لتدريسه‬
‫في شرشال كذلك‪.13"...‬‬
‫وقد عني يوبا الثاني أيما عناية بالكوريغرافيا المسرحية الهادفة‬
‫والممتعة‪ ،‬بالجمع بين الرقص والموسيقا والتمثيل ‪ ،‬والدليل على‬
‫ذلك أن فقرات كتاب( تاريخ المسرح ) تشير إلى " آالت موسيقية‬
‫وقع اختراعها في بلدان مختلفة‪ ،‬وبرقصات إغريقية وأجنبية‪،‬‬
‫‪14‬‬
‫وبالطريقة التي يحسن أن توزع بها األدوار على الممثلين‪".‬‬
‫فضال عن ذلك‪ ،‬فقد بنى يوبا الثاني مجموعة من المسارح في‬
‫شرشال‪ ،‬ووليلي‪ ،‬وليكسوس‪ ،‬كالمسرح العتيق الذي يوجد في‬

‫‪ -12‬للمزيد انظر‪ :‬جميل حمداوي‪:‬المسرح األمازيغي المغربي بين النشاة والتطور‪،‬‬


‫منشورات المعارف‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2014‬م‪ ،‬ص‪.114:‬‬
‫‪ -13‬بوزيانالدراجي‪ :‬القبائل األمازيغية‪ ،‬الجزء األول‪،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪2003‬م‪.‬ص‪.55:‬‬
‫‪ -14‬اصطيفاناكصيل‪ :‬تاريخ شمال أفريقيا‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد التازي سعود‪ ،‬مطبوعات‬
‫أكاديمية المملكة المغربية‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2007‬م‪ ،‬ص‪.235:‬‬

‫‪16‬‬
‫شرشال ‪ ،‬وأمامه تمثال كبير من المرمر يمثل شخصا إمبراطوريا‬
‫‪15‬‬
‫يخطب على جيوشه‪.‬‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬يقول اصطيفان أگصيل‪ ":‬ومن المؤكد أن قيصرية‬
‫كان بها مسرح على عهد يوبا الذي كان يحب الفرجات‪ ،‬والذي كتب‬
‫بحثا مسهبا عن الفن الدرامي‪.‬والشك أن هذا المسرح هو الذي لم‬
‫تندثر خرائبه حتى اآلن‪ .‬بالرغم من أنها كثيرا ما استعملت‬
‫كمحجرة‪.‬وكانت الزخارف الفاخرة على جدران خشبة المسرح من‬
‫الرخام األبيض‪ ،‬وهو عبارة عن دثار وعن ثالث مجموعات‬
‫متراكبة من األعمدة الكورنثية التي تحمل عمرة غنية‪ ،‬إلخ‪...‬ثم إن‬
‫هذه البقايا من طراز يجعلها متينة القرابة بالقطع المعمارية التي‬
‫‪16‬‬
‫عثر عليها بالساحة‪ .‬فالعهد واحد إذن‪".‬‬
‫ويعني هذا أن يوبا الثاني كان يحب المسرح كثيرا‪ ،‬وقد بنى عدة‬
‫مسارح لعرض المآسي والمالهي على حد سواء‪ ،‬وكان يحضر‬
‫عروضها الفرجوية‪ ،‬وكانت المسارح المبنية دائرية أو نصف‬
‫دائرية ‪ ،‬منفتحة على الهواء الطلق‪ ،‬وكانت تبنى في شكل أعمدة‬
‫ومدرجات على غرار المسرحين اليوناني والروماني‪.‬‬
‫ومن مظاهر اهتمام يوبا الثاني بالفن الدرامي تأليفه لكتاب‬
‫بعنوان(تاريخ المسرح)‪ ،‬لكنه ‪ ،‬ويا لألسف! ضاع مع مرور‬
‫الزمان‪ ،‬ولم يصلنا شيء من أوراقه وآثاره‪ .‬وليس لدينا من ذلك‬
‫سوى الشهادة التقريضية التي أدلى بها المؤرخ الفرنسي الكروا‬
‫الذي قال في حق يوبا الثاني‪ ":‬اشتهر يوبا على الخصوص بعلمه‬
‫الواسع‪ ،‬فقد ألف كثيرا من الكتب التي ردد ذكرها القدماء‪ ،‬وبقي‬
‫منها قطع مبثوثة هنا وهناك‪...‬‬

‫‪ -15‬اصطيفانأكصيل‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.195:‬‬


‫‪ -16‬اصطيفانأكصيل‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.213-212:‬‬
‫‪17‬‬
‫أوال‪ :‬تاريخ بالد العرب الذي وضعه لتعليم يوليوس قيصر‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تاريخ آشور ‪ ،‬وقيل أنه كتبه بعد أن شاهد هذه البالد‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬آثار الرومان القديمة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬تاريخ المسرح‪ ،‬تحدث فيه عن الرقص وآالته والموسيقى‬
‫ومخترعي هذه الفنون‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬تاريخ الرسم والرسامين‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫سادسا‪ :‬كتاب منابع النيل‪ ،‬زيادة على كتاب النحو والنبات‪.".‬‬
‫وهناك أيضا المسرحي األمازيغي الليبي ترنيوسآفر‪ ،‬وهومن كبار‬
‫مبدعي المسرح في المرحلة الالتينية ‪ ،‬له ست مسرحيات مشهورة‬
‫تجمع بين التراجيدي والكوميدي‪ ،‬وهذه المسرحيات هي ‪( :‬فتاة‬
‫أندروس)‪ ،‬و(الحماة)‪ ،‬و(المعذب نفسه)‪ ،‬و(الخصي)‪ ،‬و(فورميو)‪،‬‬
‫و(األخوان)‪.‬‬
‫وهناك أيضا شخصية أمازيغية أخرى مهووسة بفن المسرح‪ ،‬وهي‬
‫شخصية الفنان و الروائي النوميدي أفوالي (أبوليوس عند الغرب)‬
‫صاحب أول نص روائي عالمي يعرف باسم( الحمار الذهبي)‪ .‬وقد‬
‫مارس أفوالي الفن المسرحي تشخيصا‪ ،‬وإبداعا‪ ،‬وكتابة ‪ ،‬وإخراجا‪.‬‬
‫فلقد ورد أنه زار قرطاجنة للتعلم‪ ،‬فاندهش بها أيما اندهاش‪ .‬كما‬

‫‪ - 17‬نقال عن الكروا‪ :‬نوميديا وموريطانيا‪ ،‬أورده إبراهيم حركات وآخرون‪ ،‬دار‬


‫الكتب‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص‪.143:‬‬

‫‪L'Univers. Afrique : Esquisse Générale De L'Afrique Et Afrique‬‬


‫‪Ancienne. Carthage. Numidie Et Mauritanie. T. Iii‬‬
‫‪Par M. D'Avezac - Par M. Dureau De La Malle, Et Par M. J.‬‬
‫‪Yanoski - Par M. Louis Lacroix, [Edition De 1844] .‬‬

‫‪18‬‬
‫اندهش منه القرطاجنيون لما له من معرفة موسوعية في جميع‬
‫الفنون والمعارف واآلداب ‪ ،‬فقد كان القرطاجنيون يهتفون به كلما‬
‫صعد إلى المسرح ‪ ،‬وهو بدوره يهتف بهم قائال‪":‬إني ال أرى في‬
‫مدينتكم إال رجاال كرعوا من مناهل الثقافة‪ ،‬وتبحروا في جميع‬
‫العلوم‪ :‬أخذوا العلم صغارا‪ ،‬وتحلوا به شبانا‪ ،‬ودرسوه شيوخا‪ .‬إن‬
‫قرطاج لهي المدرسة المقدسة في مقاطعتينا‪ ،‬وهي عروس الشعر‬
‫في أفريقيا‪ ،‬وهي أخيرا ملهمة الطبقة التي تلبس الحلة"‪.18‬‬
‫ويمكن القول‪ :‬إن أفوالي كان شاعرا متنوع األغراض ‪ ،‬يبدع‬
‫الشعر الملحمي والشعر الغنائي الوجداني ‪ .‬كما كان كاتبا مسرحيا‬
‫غزير اإلنتاج؛ إذ ألف مجموعة من التراجيديات والكوميديات‪،‬‬
‫مستعمال في ذلك الشعر على غرار المسرحيين اليونانيين‬
‫والرومانيين‪ .‬ويقول أفوالي في إحدى اعترافاته الصريحة‪":‬أعترف‬
‫بأني أوثر من بين اآلالت شق القصب البسيط أنظم به القصائد في‬
‫جميع األغراض المالئمة لروح الملحمة أو فيض الوجدان‪ ،‬لمرح‬
‫الملهاة أو جالل المأساة‪ .‬وكذلك ال أقصر ال في الهجاء وال في‬
‫األحاجي وال أعجز عن مختلف الروايات‪ ،‬والخطب يثني عليها‬
‫البلغاء‪ ،‬والحوارات يتذوقها الفالسفة‪ ،‬ثم ماذا بعد هذا كله؟ إني‬
‫أنشئ في كل شيء سواء باليونانية أم بالالتينية بنفس األمل‬
‫‪19‬‬
‫ونفس الحماس ونفس األسلوب"‬
‫ونفهم من هذا أن قرطاجة كانت عاصمة تامازغا في مجال المسرح‬
‫والشعر والثقافة والسياسة إبان المرحلة الالتينية‪ ،‬وكان البرابرة لهم‬
‫باع كبير في مجال الثقافة والفنون المسرحية‪ ،‬وكان الرومان‬
‫والمؤرخون األجانب القدامى والمحدثون والمعاصرون‪ ،‬باإلضافة‬
‫‪ - 18‬شارل أندري جوليـان‪ :‬تاريخ إفريقيا الشمالية‪ ،‬تعريب‪ :‬محمد مزالي البشير بن‬
‫سالمة‪ ،‬الدار التونسية للنشر ‪1969‬م‪،‬ص‪.249:‬‬
‫‪ -19‬شارل أندري جوليان‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.252 :‬‬
‫‪19‬‬
‫إلى المستمزغين‪ ،‬يعترفون لهم بذلك أيما اعتراف‪ .‬وأقصد المثقفين‬
‫الذين تعلموا اللغة الالتينية باعتبارها لغة رسمية وأداة للتعليم‬
‫والتعلم‪ ،‬ووسيلة للترقية المادية والمعنوية‪ ،‬وتولي المناصب‬
‫اإلدارية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬والمدنية‪ ،‬والدينية‪.‬‬
‫ومن الطبيعي أن يكون جل المتعلمين ينحدرون من طبقة‬
‫أرستقراطية مقربة من السلطات الرومانية‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يقول‬
‫شارل أندري جوليان‪ ":‬وكان الطلبة ينحدرون بصفة عامة من‬
‫الطبقة األرستقراطية القاطنة في البلديات‪ .‬وكان بعض األغنياء‬
‫يشمل أحيانا برعايته أحد الشبان البربر النجباء‪ ،‬فيمكنه من تنمية‬
‫ملكاته في قرطاج‪ .‬ولم يكن هؤالء الشبان جميعهم‪ ،‬مثال يحتذى في‬
‫المواظبة والفضيلة‪ .‬فكانوا يرتادون المسارح والمالهي‬
‫وينغمسون فيما سماه القديس أغسطنيوس متندما" مرجل األهواء‬
‫التي يندى لها الجبين"‪ .‬وكان عدد منهم مثل أغسطنيوس ال يقل‬
‫ولوعهم بحبيباتهم عن ولوعهم بالدرس‪ .‬وكان آخرون يؤلفون‬
‫عصابات من المشاغبين‪ ،‬فيهجمون على قاعات الدرس‪،‬‬
‫ويشاكسون األستاذ‪ ،‬ويشيعون الطلبة الوديعين لكما وضربا‪.‬‬
‫وكان التعليم الذي يقوم به النحاة يزود أفريقية باإلداريين‬
‫والمحامين البارعين وبعض الحكام األعالم‪ ،‬وأشهرهم‬
‫سالفيوسجوليانوس أصيل حضر موت (سوسة) وصاحب القانون‬
‫األبدي‪ ،‬ويزودها أيضا برجال كانت ثقافتهم إلى السطحية أقرب‬
‫‪20‬‬
‫منها إلى العمق"‬
‫وعلى العموم‪ ،‬فلقد تأثر المسرح األمازيغي بالمسرح المصري‬
‫الفرعوني ذي البعد الكهنوتي والطقوسي والجنائزي‪ .‬كما تأثر‬
‫بالمسرح اليوناني والروماني على مستوى المعمار الهندسي‬
‫‪ -20‬شارل أندري جوليان‪ :‬نفسه‪،‬ص‪.250-549 :‬‬
‫‪20‬‬
‫والجمالي من جهة‪ ،‬وعلى صعيد السينوغرافيا وكتابة المسرحيات‬
‫التراجيدية والكوميدية من جهة أخرى‪ ،‬سواء أكان ذلك قد تحقق ‪-‬‬
‫فعال‪ -‬باللغة اليونانية أم باللغة الالتينية أم باللغة األمازيغية األفريقية‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬مسرح العصور الوسطى‬


‫لم يظهر المسرح في العصور الوسطى إال في أحضان الطقوس‬
‫الدينية‪ ،‬ضمن فضاء الكنيسة المسيحية الكاثوليكية‪ .‬وكانت‬
‫النصوص الدرامية تقام بالمناسبات الدينية والفلكلورية والوثنية‬
‫كأحد الشعانين (‪. ) Dimanche des Rameaux‬‬
‫واستثمرت ‪ ،‬في هذه الفترة‪ ،‬القصص اإلنجيلية وأحداثها الطقوسية‬
‫والقداسية في توليد العروض المسرحية التي تجسد الصراع بين ما‬
‫هو دنيوي وأخروي‪ ،‬وصراع مريم والمسيح ضد األهواء‬
‫والشياطين‪ .‬واستعان الممثلون بفنون حركية ومالبس درامية‬
‫خاصة‪ ،‬وكان هذا بداية جنينية لإلخراج المسرحي‪.‬‬
‫وإذا كان المسرح الروماني قد ارتبط بالفضاء المعماري‬
‫لإلمبراطورية اليونانية‪ ،‬فإن المسرح‪ ،‬في العصور الوسطى‪ ،‬قد‬
‫ارتبط بفضاء درامي ديني طقوسي ال يخرج عن فضاء الكنيسة‪ ،‬أو‬
‫الكاتدرائية اإلنجيلية‪ ،‬أو الفضاءات الدينية ذات الديكور الديني‬
‫اإلنجيلي المعروف التي تجسد ثنائية الجنة والجحيم‪ ،‬وخطاب‬
‫األهواء في مقابل خطاب المعجزات والمقدسات الدينية‪.‬‬
‫ومن النصوص التي تعود إلى تلك الفترة نص أنجلو نورماندي‬
‫مجهول بعنوان( لعبة آدم)‪ ،‬يتضمن( ‪ ) 942‬بيت شعري‪،‬‬
‫وإرشادات مسرحية غنية وواضحة مكتوبة بالالتينية‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫وفي هذه الفترة بالذات‪ ،‬يمكن الحديث عن أنواع ثالثة من المسرح‬
‫الوسيطي‪ :‬المسرح المقدس( الديني)‪ ،‬والمسرح المدنس( مسرح‬
‫دنيوي هازل)‪،‬والمسرح األخالقي الذي تشرب تعاليم اإلنجيل وقيمه‬
‫التهذيبية‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬المسرح في عصر النهضة‬


‫في عصر النهضة‪ ،‬أثرت ثورة اإلصالح الديني البروتستانتي‪،‬‬
‫بقيادة رجل الدين األلماني مارتن لوثر‪ ،‬في المسرح الغربي تأثيرا‬
‫جليا؛ إذ أخرجته من طابعه المقدس إلى طابع هزلي دنيوي مدنس‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬انطلق المسرح الكالسيكي‪ ،‬في عصر النهضة‪ ،‬من شعرية‬
‫المسرح اإلغريقي والمسرح الروماني ‪ ،‬ببعثه وإحيائه من جديد‬
‫قصد تطويره بنية‪ ،‬وقالبا‪ ،‬وداللة؛ والسير به نحو آفاق جديدة‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬المسرح اإليطالي‬
‫ظهر شكل مسرحي كالسيكي جديد بإيطاليا في القرن الخامس عشر‬
‫الميالدي‪ ،‬وقد سار على منوال المسرح الروماني‪ ،‬مستفيدا من‬
‫نظريات أرسطو في( فن الشعر)‪ ،‬باستبعاد كل ما كان قبل ذلك من‬
‫مسرحيات دينية‪ ،‬وفلكلورية‪ ،‬ودرامية‪.‬‬
‫وأصبح البحث الدرامي في إيطاليا‪ ،‬إبان عصر النهضة‪ ،‬بحثا‬
‫جماليا وبالغيا خالصا‪ .‬وال تقام المسرحيات إال في إطار حفالت‬
‫المجالس والجمعيات المسرحية‪ .‬ومن أهم النصوص في تلك الفترة‬
‫مسرحية مكيافلي( ‪ ) Machiavelli‬بعنوان( ماندراغور‬
‫‪ ،)Mandragore‬وهي مسرحية هزلية وقحة فظة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫وتتمثل أهم مبادئ مسرح عصر النهضة الكالسيكي في احترام مبدأ‬
‫المحاكاة الحرفية للواقع ‪ ،‬ورفض الوهم و الالواقع‪ ،‬والتركيز على‬
‫المثال األخالقي والصرامة الجمالية‪ ،‬والفصل الدقيق بين األجناس‬
‫الدرامية الكبرى(التراجيديا‪ /‬الكوميديا)‪ ،‬وإظهار الشخصيات‬
‫باعتبارها نماذج إنسانية ال على أساس أنهم أفراد أحياء‬
‫واقعيون‪.‬فضال عن االلتزام بالوحدات األرسطية الثالث‪ ،‬كوحدة‬
‫الحدث ( حدث درامي واحد)‪ ،‬ووحدة الزمن( حدث يقع في ‪24‬‬
‫ساعة)‪ ،‬ووحدة المكان(تجري األحداث المعالجة في مكان درامي‬
‫واحد)‪.‬‬
‫ويتنافى عدم االلتزام بهذه القواعد الثالث مع المبدأ الذي‬
‫أرساهأرسطو ( المحاكاة)‪ .‬عالوة على ذلك ‪ ،‬البد من االستسالم‬
‫لتجليات العقل وثوابت المنطق والحقيقة الذهنية القريبة‪ ،‬والتأثير في‬
‫الجمهور تطهيرا وتهذيبا‪ ،‬باستجالب مواقفه وردوده االنفعالية‪.‬‬
‫ومن مظاهر التجديد التي عرفها المسرح اإليطالي أن العروض‬
‫كانت تقدم في فضاءات ركحية موجودة في القاعات‪ ،‬أو ساحات‬
‫القصور‪ ،‬أو تتخذ شكال مستطيال معلبا (العلبة اإليطالية)‪ ،‬يستفيد من‬
‫جماليات وفنون معمارية الهندسة المسرحية الرومانية‪.‬‬
‫ومع اكتشاف المنظور التشكيلي‪ ،‬مال المسرحيون نحو اإليهام‬
‫بالواقعية الدرامية على مستوى التصوير السينوغرافي‪ ،‬و تنويع‬
‫الديكور‪ ،‬وإثراء الفصول الدرامية الخمسة بمشاهد وعروض‬
‫مجازية استعارية دخيلة‪ ،‬تتخلل بين هذه الفصول الدرامية‪ ،‬وقد‬
‫وضع فاصل معماري (غطاء أو ستار) لفصل قاعة الجمهور عن‬
‫خشبة التمويه الفني‪ ،‬ويسمى بالجدار الرابع‪.‬‬
‫وإلى جانب هذا المسرح الركحي الخشبي‪ ،‬ظهر فن جديد يعتمد على‬
‫الغناء والترنيم والصوت المرتفع الحاد‪ ،‬وهو فن األوبرا الذي‬
‫‪23‬‬
‫خصصت له مبان فاخرة وفخمة‪ ،‬تردادها الطبقة األرستقراطية التي‬
‫لم تكن تأتي لسماع العروض الغنائية‪ ،‬بل لكي تجذب أنظار‬
‫اآلخرين ‪ ،‬وتتباهى بمكانتها الطبقية واالجتماعية بين السادة‬
‫الحاضرين‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬صارت األوبرا فنا شعبيا منتشرا في إيطاليا منذ‬
‫‪1600‬م‪،‬وظهرت أيضا الكوميديا الشعبية المرتجلة( كوميديا دي‬
‫الرتي‪ ،)dell’arte‬وكان لها جمهور شعبي واسع فيما بعد‪ ،‬وقد‬
‫بلغت أوجها الفني ونضجها الدرامي بين ‪1550‬و‪1650‬م‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬المسرح اإلنجليزي‬
‫لقد تطور المسرح اإلنجليزي في عهد إليزابيت األولى‪ ،‬في أواخر‬
‫القرن السادس عشر؛ إذ أبقى تقاليد المسرح الشعبي في العصور‬
‫الوسطى‪ .‬ومع التطور السياسي واالقتصادي‪ ،‬وتطور اللغة‬
‫اإلنجليزية‪ ،‬ساهم الهواة الدراميون‪ ،‬أمثال‪ :‬توماس كايد(‬
‫‪ )THOMAS KYD‬وكريستوفر مارلو( ‪Christopher‬‬
‫‪)Marlowe‬في نهضة المسرح الملحمي الذي بلغ نضجه وازدهاره‬
‫مع وليام شكسبير‪.‬‬
‫وقد اعتمد شكسبير‪ ،‬في بناء مسرحياته ‪ ،‬على سنيك وبلوتوس‪،‬‬
‫واستيحاء الكوميديا المرتجلة‪ ،‬والمزج بين التراجيديا والكوميديا‪.‬‬
‫كما مزج بين المشهد والرقص والغناء‪ .‬وكانت عقده الدرامية ممتدة‬
‫في الفضاء الزمكاني‪ ،‬وكان يستقري‪ ،‬في معظم مسرحياته‪ ،‬التاريخ‬
‫بدل األسطورة‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬كانت الكوميديات اإلنجليزية‬
‫تمتاز بالخاصية الرعوية بامتياز‪ ،‬وتستعمل عناصر سحرية وغير‬
‫عقلية‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫وقد ظهر رواد دراميون يؤلفون في مجال المسرح بعد وليام‬
‫شكسبير(‪ ،)William Shakespeare‬والسيما الكاتب اإلنجليزي‬
‫بن جنسون( ‪.) Ben Jonson‬‬
‫وبعد وفاة الملكة إليزابيت األولى‪ ،‬اتخذ المسرح شكال مظلما‬
‫وقحا‪ ،‬ويجسد ذلك بوضوح ماكتبه بن جونسون من مسرحيات‬
‫درامية‪.‬‬
‫وفي ‪1642‬م‪ ،‬أغلقت المسارح ودمرت وخربت بسبب الحروب‬
‫األهلية‪ ،‬بتنفيذ قرار البرلمان الذي انساق وراء ضرورة الغلق تحت‬
‫ضغط المتزمتين الصارمين‪ .‬واستمر هذا الوضع الفني المتردي‬
‫غير المحتمل حتى ‪1660‬م‪.‬‬
‫وبعد عودة االستقرار إلى مدن إنجلترا‪ ،‬أصبح المسرح موجها إلى‬
‫نخبة محدودة‪ ،‬فارتكن الفن الدرامي إلى محاكاة النصوص الفرنسية‬
‫واإليطالية‪ .‬وأعطيت للمرأة ‪ ،‬ألول مرة في تاريخها‪ ،‬أدوار‬
‫تشخيصية مناسبة منذ العصر الوسيط‪ .‬ومن أهم كتاب هذه المرحلة‬
‫وليام كونجريف(‪.) William Congreve‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬المسرح اإلسباني‬
‫عرف المسرح اإلسباني‪ ،‬في عصر النهضة‪ ،‬التطور نفسه الذي‬
‫شهده المسرح اإلنجليزي في عهد إليزابيت األولى ‪ ،‬وبالخصوص‬
‫في منتصف القرن‪17‬م‪ ،‬مع لوبي دي فيكا( ‪، ) Lope de Vega‬‬
‫وبيدروكالديرون(‪.) Pedro Calderon‬‬
‫و قد اقترن هذا المسرح بالتقاليد اإلسبانية القائمة على األفكار‬
‫المثالية المرتبطة بالشرف والحق اإللهي المقدس‪ .‬وكان الجمهور‬
‫المثقف هو الذي يفضل هذا النوع من المسرح‪ .‬لكن هذا المسرح لن‬
‫يعرف التطور الذي عرفه المسرح في فرنسا وانجلترا‪ ،‬بل سرعان‬
‫‪25‬‬
‫ما انطفأت شعلته بسبب هزيمة إسبانيا في معركة أرمادا‪ ،‬وقيام‬
‫محاكم التفتيش ذات التوجه الديني الصارم‪ ،‬بالوقوف في وجه‬
‫المسرح موقفا سلبيا شائنا‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬المسرح في القرن‪18‬م‬
‫كان هن اك القليل من الكتاب الدراميين في فرنسا ‪ ،‬في بداية القرن‬
‫الثامن عشر الميالدي‪ ،‬من يستحق التقدير والتبجيل واالحترام ‪،‬‬
‫باستثناء الكاتبين المسرحيين‪ :‬جان فرنسوا رينيارد( – ‪Jean‬‬
‫‪ ،)François Regnard‬وأالن روني لوساج( ‪Alain René‬‬
‫‪. )Lesage‬‬
‫وقد أعطى مسرح الشارع وساحات األعياد شكال مسرحيا جديدا‬
‫يسمى بالمسرح الشعبي‪ .‬ويبدو أن النصوص المسرحية كانت‬
‫تكتب‪ ،‬في هذا القرن‪ ،‬لممثلين معينين؛ إذ تفصل النصوص‬
‫الدرامية‪ ،‬وتقاس على مقاسهم وأذواقهم ورغباتهم‪ ،‬باحترام القواعد‬
‫الكالسيكية‪ ،‬ومراعاة شعرية المحاكاة األرسطية‪ .‬واشتهرت‬
‫نصوص رائعة في هذه الفترة‪ ،‬مثل‪ :‬روميو وجولييت‪ ،‬والملك لير‪.‬‬
‫ولقد ساهم بعض النقاد ‪ -‬فعال‪ -‬مع بداية عصر األنوار في تطوير‬
‫المسرح‪ ،‬كفولتير(‪ ،)Voltaire‬وديدرو(‪ ،)Diderot‬واآلنسة‬
‫كليرون‪ ) Mlle Clairon‬في فرنسا(‪ ،‬وليسينج( ‪ ) Lessing‬في‬
‫ألمانيا‪ ،‬وقد كانت مالحظاتهم النقدية ودعواتهم اإلصالحية عالمات‬
‫مضيئة لفن اإلخراج المسرحي‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬تعد البدايات المسرحية والدرامية األولى بمثابة‬
‫إرهاصات جنينية مهمة‪ ،‬قد ساهمت‪ ،‬بشكل من األشكال‪ ،‬في‬
‫انطالق المسرح الغربيفي أداء رسالته التنويرية والتثقيفية والعلمية‬
‫والمعرفية والفنية‪ ،‬والسعي الجاد إلى تطويره ذهنيا‪ ،‬وفكريا‪،‬‬
‫‪26‬‬
‫وإيديولوجيا‪ ،‬وفنيا‪ ،‬وجماليا ‪،‬ضمن مساره الفني والجمالي‬
‫والدرامي‪ ،‬وتحوله‪ ،‬بشكل تدريجي‪ ،‬إلى مدارس وحركات وتيارات‬
‫واتجاهات مسرحية لها أطاريح نظرية وفكرية وإيديولوجية من‬
‫جهة‪ ،‬ولها أيضا جوانب فنية وجمالية من جهة أخرى‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫المدارس المسرحية ما قبل القرن العشرين‬

‫‪27‬‬
‫لقد عرف المسرح الغربي‪ ،‬منذ عصر النهضة إلى غاية نهاية القرن‬
‫التاسع عشر الميالدي‪ ،‬مجموعة من األشكال والتجارب والحركات‬
‫والتيارات واالتجاهات المسرحية والدرامية المختلفة‪ ،‬يمكن التعبير‬
‫عنها في صيغة مدارس فنية وجمالية لها مقومات فكرية وذهنية‬
‫خاصة بها‪ ،‬ولها سياقات مرجعية وإيديولوجية تؤطرها على‬
‫المستوى الخارجي‪ ،‬مع التوفر على مجموعة من الجوانب الدرامية‬
‫المميزة لكل مدرسة على حدة على النحو التالي‪:‬‬
‫المطلباألول‪ :‬المدرسة المسرحية الكالسيكية‬
‫تعني الكالسيكية (‪ ،21 )Le Classicisme‬في الفن المسرحي‪ ،‬تلك‬
‫الحركة التي ظهرت في فرنسا في القرن السابع عشر الميالدي‪،‬‬
‫وامتدت حتى القرن الثامن عشر(‪1660-1715‬م) ‪ .‬بمعنى أن‬
‫الكالسيكية هي مجمل األعمال الفنية واألدبية الكبرى التي أنتجت‬
‫في القرن السابع عشر والثامن عشر الميالديين‪ .‬كما تعني أيضا‬
‫العودة إلى التراثين‪ :‬اإلغريقي والروماني باعتبارهما قاعدة أساسية‬
‫للتربية والحضارة‪ .‬وقد تميزت بالدفاع عن اإلنسان الفارس النبيل‪،‬‬
‫واستعمال األسلوب األنيق المهذب‪ ،‬واالحتكام إلى العقل والمنطق‪،‬‬

‫‪21‬‬
‫‪-Roger Zuber et Micheline Cuénin : Le Classicisme, Paris,‬‬
‫‪Flammarion, « GF », 1998.‬‬
‫‪28‬‬
‫ومحاكاة الواقع بصدق‪ .‬ويعني هذا أنها ركزت كثيرا على مبدأ‬
‫المحاكاة باعتباره عنصرا فنيا وجماليا مهما قامت عليه فلسفة‬
‫أفالطون وأرسطو بصفة خاصة‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬تشمل الكالسيكية " األعمال األدبية والفنية الكبرى لكل من‬
‫الحضارتين‪ :‬اليونانية‪ ،‬والالتينية‪ ،‬فضال عن أعمال القرن السابع‬
‫عشر‪ ،‬المقررة في المدارس الفرنسية إبان القرنين السادس والسابع‬
‫عشر ؛ ألنها أعمال " الطبقة األولى " من الكتاب الذين ينطلقون من‬
‫الشعرية األرسطية‪ ،‬واألدبين اإلغريقي والالتيني‪ ،‬ومبادئ العقالنية‬
‫الديكارتية‪ ،‬أي الذوق العام‪ ،‬واحترام األصول والقواعد الشعرية‬
‫والنحوية‪ .‬وفلسفة الجمال القائمة على العقل‪ ،‬والمحاكاة‪ ،‬وهذه‬
‫جميعها تجسدت باألس اس في الشعر المسرحي الذي له مكانة كبيرة‬
‫في الشعرية ألرسطو"‪.22‬‬
‫وتتميز الكالسيكية بمجموعة من الخصائص على مستوى األفكار‬
‫واألسلوب كالعقالنية القائمة على الوضوح الفكري‪ ،‬والموضوعية‪،‬‬
‫وااللتزام بالقواعد التي تحقق التوازن بين العاطفة والفكر‪ ،‬بين‬
‫المبدع والجمهور‪ ،‬بين المضمون والشكل؛ وهذا التوازن هو سر‬
‫الجمال الفني‪ .‬فضال عن مشابهة الحقيقة‪ ،‬بمحاكاة الواقع الخارجي‪،‬‬
‫وتمثل القيم واألخالق السائدة والموروثة‪.‬‬
‫وفيما يخص الشكل‪ ،‬فالبد أن يكون مهذبا ومتأنقا‪ ،‬أساسه االختيار‪،‬‬
‫‪23‬‬
‫والنظام‪ ،‬والبساطة‪ ،‬والوضوح‪ ،‬والقصد إلى العادي‪.‬‬

‫‪ - 22‬محمد بنيس ‪:‬التقليدية‪ ،‬دار توبقال ‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫سنة‪1989‬م ‪ ،‬ص‪.76 :‬‬
‫‪ -23‬شكري محمد عياد‪ :‬المذاهب األدبية والنقدية عند العرب والغربيين ‪ ،‬عالم‬
‫المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،177‬الطبعة األولى سنة ‪1993‬م‪ ،‬صص‪.164-161 :‬‬
‫‪29‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يقصد بالمدرسة المسرحية الكالسيكية تلك المدرسة‬
‫األكاديمية التي تحترم القواعد الفنية والجمالية التي وضعها أرسطو‬
‫في كتابه (فن الشعر)‪ ،‬وتحافظ عليها بكل صرامة وإتقان‪ ،‬وتنبني‬
‫على الواقعية من جهة‪ ،‬والتشخيص الدرامي التقليدي من جهة‬
‫أخرى‪ .‬ويعني هذا أن المدرسة الكالسيكية في المسرح هي التي‬
‫تسعى إلى تمثيل األشياء بطريقة مباشرة مشخصة موضوعية‬
‫وتقليدية‪.‬أي‪ :‬تهتم بمحاكاة الطبيعة واألشياء‪ .‬وبالتالي‪ ،‬تتنافى هذه‬
‫الحركة مع الحركة الباروكية (‪ )Baroque‬التي كانت تعنى بالتأنق‬
‫التزيينيوالديكوري الزائد‪ ،‬والمبالغة في الزخرفة البديعية‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يقوم الفن المسرحي الكالسيكي على محاكاة التراجيديات‬
‫والكوميديات اليونانية الكالسيكية العظيمة والمتميزة فنيا وجماليا‪،‬‬
‫كما يبدو ذلك جليا عند سوفكلوس‪ ،‬وأسخيلوس‪ ،‬ويوربيديس‪،‬‬
‫وأرستوفان‪ ،‬باعتبارها مراجع وأعمال فنية وجمالية في مجال‬
‫المسرح اإلغريقي الكالسيكي‪ .‬وتعد المسرحياتاليونانية روعة في‬
‫اإلتقان والجمال‪ .‬وقد اشتغل المسرح الكالسيكي الغربي‪ ،‬منذ عصر‬
‫النهضة‪ ،‬على محاكاة قيمة الفضيلة ضمن فن التراجيديا من جهة‪،‬‬
‫ومحاكاة قيمة الرذيلة ضمن فن الكوميديا من جهة أخرى‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬فلقد كان الفن المسرحي الكالسيكي‪ 24‬يهتم بالعقل في‬
‫مقابل العواطف واألهواء الذاتية واالنفعالية‪ .‬ويعتني برسم القيم‬
‫وأخالق النبالة‪ ،‬والتغني بالجمال واإلتقان‪ ،‬واحترام القواعد الفنية‬
‫والجمالية الكالسيكية‪...‬‬
‫وعليه‪ ،‬فلقد انطلقت النصوص المسرحية الفرنسية الكالسيكية ‪ ،‬في‬
‫بدايتها‪ ،‬من عدة مبادئ أرسطية‪ ،‬تتمثل في تقليد الطبيعة ومحاكاتها‪،‬‬

‫‪- A. Génétiot, Le Classicisme, collection Quadrige chez PUF,‬‬


‫‪24‬‬

‫‪2005.‬‬
‫‪30‬‬
‫أو تقديم صور فنية منظمة وجيدة عنها‪ ،‬واحترام العقل وقوانين‬
‫الحقيقة المنطقية‪ ،‬واالبتعاد ‪ -‬قدر اإلمكان‪ -‬عن الوهم والخيال‪،‬‬
‫واالستهداء بالوظيفة األخالقية المبنية على اإلرشاد والتوجيه‬
‫والتنوير‪ ،‬وتعليم الناس القيم األخالقية‪ ،‬وتغيير المجتمع بنشر‬
‫الفضيلة‪ ،‬ودرء الرذيلة‪ ،‬و احترام مبدأ المحاكاة‪ ،‬ومراقبة اللياقة‬
‫واألدب‪ ،‬وااللتزام بالوحدات الثالث على مستوى البناء الفني‪،‬‬
‫وتشكيل العرض المسرحي‪.‬‬
‫ولم يظهر المسرح الكالسيكي في فرنسا إال في‪1630‬م‪،‬بظهور‬
‫تراجيديات راسين(‪ ) Racine‬وكورناي(‪.) Corneille‬وكانت‬
‫مبادئ المسرح اليوناني تحترم بشدة‪ ،‬وعندما حاول كورناي‪ ،‬مثال ‪،‬‬
‫في مسرحيته (‪ Le Cid‬السيد)‪ ،‬انتهاك قاعدة المحاكاة ‪ ،‬لم تجزها‬
‫األكاديمية الفرنسية مؤسساتيا وفنيا وجماليا‪ ،‬على الرغم من نجاحها‬
‫الباهر‪ .‬كما كانت المسرحيات الكالسيكية الفرنسية تعتمد على‬
‫عرض األساطير‪ ،‬والحفاظ على البنية الدرامية الموروثة‪،‬‬
‫واستعمال اإليقاع الكالسيكي الجديد‪.‬‬
‫ولقد أنتج موليير( ‪ ) Molière‬هزليات وكوميديات مضحكة‬
‫وساخرة ومفارقة‪ ،‬متأثرا في ذلك بالكوميديا الشعبية اإليطالية‬
‫وكوميديات القيم‪ .‬ويعرف موليير بكونه أكبر ممثل كوميدي في‬
‫عصره‪ ،‬وكان يدير شركة مسرحية تحولت‪ ،‬بعد موته‪ ،‬بقرار لويس‬
‫الرابع عشر‪ ،‬إلى الكوميديا الفرنسية التي تعد اليوم أقدم مسرح‬
‫وطني في العالم‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يبقى االتجاه الكالسيكي اتجاها مسرحيا ثابتا‪ ،‬يخضع لقواعد‬
‫مدرسية وأكاديمية معينة‪ ،‬يعبر عن نظام مؤسساتي سياسي‬
‫واجتماعي قار وثابت وفق معايير محددة‪.‬ولكن اليستطيع هذا‬
‫االتجاه التقدم والتطور والسير نحو األمام إال بتكسير تلك القواعد‬
‫‪31‬‬
‫المدرسية من أجل تحقيق الحداثة والتجديد واإلبداع واالبتكار؛ ألن‬
‫القواعد تسيج الفن وتطوقه وتقتله بشكل تدريجي ‪ ،‬وتجعله حبيس‬
‫القيود الجاهزة ‪.‬‬

‫المسرح الكالسيكي‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مدرسة كوميديا دي الرتي‬
‫تعد كوميديا دي الرتي (‪ )La commedia dell'arte‬من المدارس‬
‫المسرحية الشعبية التي عرفت إبان القرن السادس عشر الميالدي‬
‫بإيطاليا‪ .‬ويتقابل هذا المسرح مع المسرح النبيل المعروف بمسرح‬

‫‪32‬‬
‫العلبة الذي كانت تحضره الطبقة األرستقراطية من المجتمع‬
‫اإليطالي في تلك الفترة الزمنية‪.25‬‬
‫ولقد ارتبط هذه المسرح بمجموعة من الممثلين المرتجلين‬
‫المحترفين الذين كانوا يلبسون أقنعة هزلية ومضحكة منذ ‪1528‬م‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬تتسم مواقف هؤالء المرتجلين بالعفوية‪ ،‬والفطرية‪،‬‬
‫والسذاجة‪ ،‬والكياسة‪ ،‬والذكاء‪ ،‬والتمكن من الفن الدرامي الساخر‪.‬‬
‫ويعني هذا أن الكومديا دي الرتي بداية فعلية وحقيقية النطالق‬
‫الكوميديا السوداء في العصر الحاضر‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تعد الكوميديا دي الرتي من المرتجالت المسرحية التي‬
‫تقوم على الميتامسرح‪ ،‬أو توظيف المسرح داخل المسرح‪ ،‬أو ما‬
‫يسمى أيضا بالتقعير الذي يجعل من الهم المسرحي موضوعا له‪،‬‬
‫بتحويل قضايا المسرح وشؤونه إلى مادة لالرتجال والحوار العفوي‬
‫التلقائي‪ .‬ويعني هذا أن المرتجالت تعالج فن المسرح عن طريق‬

‫‪ - 25‬كانت عروض المسرح اإليطالي تقدم في فضاءات ركحية موجودة في القاعات‪،‬‬


‫أو ساحات القصور‪ ،‬أو تتخذ شكال مستطيال معلبا (العلبة اإليطالية)‪ ،‬يستفيد من‬
‫جماليات معمارية الهندسة المسرحية الرومانية وفنونها‪.‬‬
‫ومع اكتشاف المنظور التشكيلي‪ ،‬مال المسرحيون نحو اإليهام بالواقعية الدرامية على‬
‫مستوى التصوير السينوغرافي‪ ،‬و تنويع الديكور‪ ،‬وإثراء الفصول الدرامية الخمسة‬
‫بمشاهد وعروض مجازية استعارية دخيلة‪ ،‬تتخلل بين هذه الفصول الدرامية‪ ،‬وقد‬
‫وضع فاصل معماري (غطاء أو ستار) لفصل قاعة الجمهور عن خشبة التمويه‬
‫الفني‪ ،‬ويسمى بالجدار الرابع‪.‬‬
‫وإلى جانب هذا المسرح الركحي الخشبي‪ ،‬ظهر فن جديد يعتمد على الغناء والترنيم‬
‫والصوت المرتفع الحاد‪ ،‬وهو فن األوبرا الذي خصصت له مبان فاخرة وفخمة‪،‬‬
‫تردادها الطبقة األرستقراطية التي لم تكن تأتي لسماع العروض الغنائية‪ ،‬بل لكي‬
‫تجذب أنظار اآلخرين ‪ ،‬وتتباهى بمكانتها الطبقية واالجتماعية بين السادة‬
‫الحاضرين‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫التمسرح والممارسة المسرحية نصا وعرضا‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يتناول هذا‬
‫الفن هموم المؤلفين المسرحيين‪ ،‬ومشاكل المخرجين‪ ،‬ومعاناة‬
‫الممثلين‪ ،‬وغطرسة النقاد‪ ،‬وردود الجمهور‪ .‬أي‪ :‬إن المرتجالت "‬
‫نوع من المسرح الذي يتخذ من مادة المسرح موضوعا له‪ .‬أي‪ :‬إنه‬
‫‪26‬‬
‫يعالج بعض قضايا المسرح بواسطة فن المسرح نفسه‪".‬‬
‫ويعني هذا أن نظرية المرتجالت نظرية تنصب على آلية االرتجال‬
‫في التعامل مع قضايا الفن بصفة عامة‪ ،‬وقضايا المسرح بصفة‬
‫خاصة‪ ،‬أو يقصد بها تلك النظرية التي تفضح أسرار الفن‬
‫المسرحي‪ ،‬وتمارس النقد الذاتي تقعيرا وإرصادا‪.‬‬
‫ولقد انتشرت المرتجالت المسرحية بكثرة في المسرح الغربي‪ ،‬بعد‬
‫تأثرها المباشر بالكوميديا دي الرتي اإليطالية ‪ ،‬وخاصة عند موليير‬
‫في ( مرتجلة فرساي)(‪1663‬م) ‪ ،‬ومرتجلة (نقد مدرسة النساء)‪،‬‬
‫و( مرتجلة كوندي)؛ وجان جيرودو في (مرتجلة باريس)‬
‫(‪1937‬م) ؛وبيراندليلو في مرتجلته( سنرتجل هذا‬
‫المساء)(‪1930‬م) ؛ ويونيسكو في ( مرتجلة ألما‪) Alma‬‬
‫(‪1956‬م) ؛وكوكتو في (مرتجلة القصر الملكي) (‪1962‬م) ؛‬
‫وغيرهم‪...‬‬
‫دون أن ننسى مختلف التداريب االرتجالية لدى كروتوفسكي‬
‫وستانسالفسكي وأنطونان أرطو‪ ،‬وارتجاليات المسرح الحي ‪،‬‬
‫واالشتغال على الشخصيات من لدن مسرح الشمس(مينوشكين)‪...‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬فلقد ظهرت الكوميديا الشعبية المرتجلة( كوميديا دي‬
‫الرتي‪ )dell’arte‬في إيطاليا‪ ،‬إبان عصر النهضة‪ ،‬في شكل‬
‫مرتجالت مسرحية شعبية هجائية وانتقادية بغية التعبير عن هموم‬
‫‪ - 26‬مصطفى رمضاني‪ ( :‬تقديم مسرحية الورشة)‪ ،‬مسرحية الورشة‪ ،‬لعبد الحفيظ‬
‫مديوني‪ ،‬مطبعة تريفة بركان‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2007‬م‪ ،‬ص‪.7:‬‬
‫‪34‬‬
‫الشعب وطموحاته وآالمه بطريقة كوميدية ساخرة‪ ،‬تستهزئ من قيم‬
‫طبقة النبالء ومواضعاتهم المهترئة ‪ ،‬وتفضح استغاللهم البشع‬
‫لمختلف الطبقات الشعبية المسحوقة‪ .‬ويعني هذا أن للنبالء مسرحهم‬
‫الفخم والراقي ضمن علبة داخلية مغلقة‪ .‬وفي المقابل‪ ،‬كان للشعب‬
‫المقهور مسرحهم االرتجالي الذي يدافع عنه‪ ،‬ويعبر عن رغباته‬
‫وتطلعاته الواقعية والمستقبلية‪ .‬ولقد بلغت هذه الكوميديا الشعبية‬
‫االرتجالية أوجها الفني ونضجها الدرامي ما بين ‪1550‬و‪1650‬م‪.‬‬
‫بي د أن الكوميديا دي الرتي تبقي مجرد حركة مسرحية شعبية‬
‫وفطرية ‪ ،‬تقوم على االرتجال‪ ،‬وتغيير األقنعة‪ ،‬وتنقصها الخبرة‬
‫األكاديمية والمدرسية‪ ،‬بتوجيه المسرح وفق قواعد معينة‪ .‬بمعنى‬
‫أنها حركة فنية وجمالية في حاجة ماسة إلى تأطير نظري وتطبيقي‬
‫لتنويع الفرجة الدرامية‪ ،‬وتطويرها وفق أسس علمية وأكاديمية‬
‫ومدرسية ناضجة ومصقولة‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫لوحة تشكيلية تمثل كوميديا دي الرتي‬

‫المطلب الثالث‪:‬المدرسة المسرحية الكروتيسكية‬


‫لقد ظهر الكروتيسك (‪ 27)Le grotesque‬إبان عصر النهضة‪.‬‬
‫وكان المصطلح يعني‪ ،‬في نهاية القرن الثامن عشر الميالدي‪،‬‬
‫الغرابة‪ ،‬واإلثارة‪ ،‬والقبح‪ ،‬والفنتازيا‪ ،‬والبشاعة‪ ،‬والقبح‪ ،‬والتشويه‪،‬‬
‫وكل ماهو غير طبيعي‪...‬‬
‫و يعتمد الكروتيسك على مجموعة من المقومات الفكرية واألسس‬
‫الذهنية واألطاريح النظرية التي تسهم في خلق لوحة كروتيسكية‬
‫هادفة‪ .‬ومن بين هذه المقومات السخرية‪ ،‬والغرابة‪ ،‬والمفارقة‪،‬‬
‫والتقبيح‪ ،‬والكوميديا‪ ،‬والتعيير الكاريكاتوري‪ ،‬والهجاء الساتيري‬
‫الالذع‪ ،‬والمسخ التشويهي‪ ،‬والكرنفالية‪ ،‬والبدائية‪ ،‬والوحشية‪،‬‬
‫والفوضوية‪ ،‬والفانطاستيك‪ ،‬واالحتفالية الشعبية‪ ،‬والسحر ‪،‬‬
‫والشعوذة‪ ،‬وإثارة الرعب والخوف والتقزز واالشمئزاز النفسي‪،‬‬
‫واستخدام األقنعة ‪ ،‬واالستعانة بعوالم السيرك‪ ،‬وتشغيل األسطورة‪،‬‬
‫والتأرجح بين الجميل والقبيح‪ ،‬وتوظيف الرقصات البدائية ‪،‬‬
‫واستثمار الشعائر والطقوس األنتروبولوجية‪ ،‬والتركيز على الدمامة‬
‫الجسدية‪ ،‬والتعبير عن االمتساخ األخالقي‪ ،‬والجمع بين العناصر‬
‫المتنافرة‪ ،‬واالنطالق من التهجين الدرامي والبوليفونية‬
‫الساخرة…ومن ثم‪ ،‬فلقد وظف الكروتيسك في مجاالت فنية وجمالية‬

‫‪27‬‬
‫‪- Iehl D, Le Grotesque, Paris, P.U.F., coll. Que sais-je ?, 1993.‬‬
‫‪36‬‬
‫عدة كاألدب‪ ،28‬والتشكيل‪ ،‬والعمارة‪ ،‬والسينما‪ ،‬والنحت‪،‬والمسرح‪،‬‬
‫‪29‬‬
‫والشعر‪...‬‬
‫ولقد وظف الكروتيسك‪،‬باعتباره أسلوبا للتزيين‪ ،‬في مجال التشكيل‬
‫أوال‪.‬ثم‪ ،‬انتقل ‪ -‬بعد ذلك‪ -‬إلى مجال األدب والفن مع مونتاني‬
‫(‪ )Montaigne‬في مقاالته (‪ .)Essais‬وقد أصبح هذا المصطلح‬
‫شائعا في النقد األدبي والفني‪ .‬وكانت المسرحيات الكوميدية‪ ،‬بصفة‬
‫خاصة‪ ،‬توظف الكروتيسك بسبب قوته الفنية والجمالية والتعبيرية‬
‫إلثارة المفارقة والسخرية‪ .‬وكان فرانسوا رابلي (‪)Rabelais‬‬
‫معروفا بالكتابة الكروتيسكية الساخرة‪ .‬ولقد استمر فن الكروتيسك‬
‫الكوميكي من عصر النهضة حتى القرن العشرين‪ ،‬وقد استخدمه‬
‫كافكابكثرة إلثارة الخوف والرعب لدى المتلقي‪ .‬بمعنى أن‬
‫الكروتيسك أصبح وسيلة فنية وجمالية مهمة لبناء العوالم التخييلية‬
‫الساخرة والمفارقة‪.30‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يمكن الحديث عن حركة مسرحية كروتيسكية‬
‫بإيطاليا ما بين ‪1916‬و‪1930‬م مع المسرحي اإليطالي‬
‫بيراندللو(‪ )Pirandello‬المعروف بمرتجالته التي وظفت المسرح‬
‫داخل المسرح‪.‬وبهذا‪ ،‬يكون الكروتيسك سمة فنية وجمالية تتخلل‬
‫جميع الفنون واألجناس األدبية منذ القديم إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫وبتعبير آخر‪ ،‬اليعني هذا أن المسرح الكروتيسكي مرتبط بمرحلة‬
‫زمنية معينة‪ ،‬بل يلتصق بجميع المراحل الزمنية‪ ،‬فهو سمة فنية‬
‫‪28‬‬
‫‪-Astruc R., Vertiges grotesques, esthétiques du choc‬‬
‫‪comique (roman - théâtre - cinéma), Paris, Honoré Champion,‬‬
‫‪2012.‬‬
‫‪29‬‬
‫‪-Astruc R., Le Renouveau du grotesque dans le roman du‬‬
‫‪XXe siècle, essai d'anthropologie littéraire, Paris, Classiques‬‬
‫‪Garnier, 2010.‬‬
‫‪30‬‬
‫‪- Iehl D, Le Grotesque, Paris, P.U.F., coll. Que sais-je ?, 1993.‬‬
‫‪37‬‬
‫وجمالية قد تحضر في مجموعة من األعمال الفنية الدرامية في‬
‫عصر من العصور‪.‬وربما سيحتاج الفنان المستقبلي إلى هذا الفن‬
‫بشكل كبير للتعبير عن عوالمه الذاتية والواقعية والممكنة‪.‬‬

‫المسرح الكروتيسكي‬
‫المطلب الرابع‪:‬المدرسة المسرحية الرومانسية‬
‫ظهرت المدرسة المسرحية الرومانسية‪ ،‬في بداية األمر‪ ،‬في ألمانيا‬
‫للتغني بالذات والطبيعة والوجدان‪ ،‬والدفاع عن الحرية الفردية‬
‫واستقالل الشخصية‪ ،‬والتركيز على الحب والعواطف‪ ،‬واسترجاع‬
‫ذكريات الماضي‪ ،‬والتوق إلى عالم الغاب‪ ،‬والهروب من فظاظة‬
‫الواقع‪ ،‬ونشدان السعادة والفضيلة‪ ،‬والسعي الجاد إلى بناء العوالم‬
‫المثالية الممكنة‪ .‬لذا‪ ،‬فقد مال الرومانسيون إلى الرواية‪ ،‬والشعر‪،‬‬
‫والمسرح‪ ،‬والموسيقا‪ ،‬والتشكيل االنطباعي‪ .‬وكان الغرض من ذلك‬
‫هو التعبير عن التجارب الذاتية الناجحة أو الفاشلة في الحب والغرام‬
‫والعشق‪ ،‬ضمن تراجيديات رومانسية تتناغم مع عوالم الموسيقا‬
‫‪38‬‬
‫والفن التشكيلي االنطباعي‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬انتقلت الرومانسية إلى فرنسا‬
‫وباقي دول أوروبا الغربية‪.‬‬
‫ولقد تبلورت المدرسة الرومانسية في القرن التاسع عشر الميالدي‬
‫مع مجموعة من الرواد الكبار‪ ،‬أمثال‪ :‬فيكتور هيجو(‪، )V . Hugo‬‬
‫وألسكندر دوما (‪ ، )Alexandre Dumas‬وألفرد دو موسيه‬
‫(‪ ، )Alfred de Musset‬وألفرد دوفينيه (‪،)Alfred de Vigny‬‬
‫وجوته ( ‪ ،)Goethe‬وشيلر(‪...)Schiller‬‬
‫وترتكز المدرسة الرومانسية‪ ،‬في المجال المسرحي والدرامي‪ ،‬على‬
‫حرية اإلبداع‪ ،‬وتكسير الوحدات الثالث‪ ،‬و الخلط بين األجناس‬
‫األدبية وتوحيدها في بوتقة واحدة‪ ،‬كالمزج بين التراجيدي‬
‫والكوميدي‪ ،‬والجمع بين الشخصيات النبيلة والدنيئة‪ ،‬و التوليف بين‬
‫الضحك والبكاء‪ ،‬والخلط بين الرفيع والوضيع‪ .‬فضال عن محاكاة‬
‫الذات والطبيعة على حد سواء‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تعد مقدمة كرومويل(‪1829() Cromwell‬م)‬
‫البداية الفعلية لتأسيس المسرح الرومانسي الثائر على المسرح‬
‫الكالسيكي المرتبط بقواعد أرسطو وتعاليم المسرح الروماني؛ حيث‬
‫كسر المسرح الرومانسي الوحدات الثالث‪ :‬وحدة الحدث‪ ،‬ووحدة‬
‫الزمان‪ ،‬ووحدة المكان‪ ،‬ضمن رؤية تجديدية وتجريبية على مستوى‬
‫التـأليف‪ ،‬واإلخراج‪ ،‬والسينوغرافيا المشهدية‪.31‬‬
‫وينطلق هذا المذهب الرومانسي من فلسفة جان جاك روسو الداعية‬
‫إلى العودة إلى الطبيعة‪ ،‬والثورة على مجتمع المدنية والفساد‪ .‬كما‬
‫يدافع هذا المذهب كثيرا على فن الفرد والشخصية وتشخيص‬
‫الذات‪ ،‬واألخذ بالعاطفة والقلب بدل االسترشاد بالعقل والمنطق‪ .‬لذا‪،‬‬
‫‪ - 31‬نعني بالسينوغرافيا تأثيث الخشبة بالديكور‪ ،‬واألثاث‪ ،‬والكتل‪ ،‬واألحجام‪،‬‬
‫والرسوم‪ ،‬واألضواء‪ ،‬والموسيقا ‪...‬‬
‫‪39‬‬
‫تحضر لديهم صور روحانية مجردة تسمو باإلنسان‪ .‬كما استوحى‬
‫هذا المذهب آراء شكسبير الدرامية في الثورة على الوحدات الثالث‬
‫المعروفة‪ ،‬وتنويع النغمات الدرامية والشعرية‪ ،‬والخلط بين‬
‫األجناس‪.‬‬
‫ولقد انطلقت الرومانسية من ألمانيا مع جوته صاحب مسرحية‬
‫(فاوست ) التي تتمحور حول عقد واهم أبرمه فاوست مع الشيطان‬
‫الذي اشترى منه روحه مقابل سيطرته على العالم‪ ،‬بهدف تملك‬
‫الغنى والقوة والمعرفة‪.‬‬
‫وتعد مسرحية ( هرناني‪1830( ) Hernani‬م) لفكتور هيجو‬
‫نموذجا رومانسيا تجريبيا بامتياز‪ ،‬يوضح لنا رؤية هوجو تجاه‬
‫المذهب الكالسيكي؛ حيث نجد في هذه المسرحية عقدتين‪ :‬سياسية‬
‫وعاطفية‪ .‬وتجري أحداث المسرحية في عدة مواقع وأمكنة‪ :‬تارة في‬
‫ساراغوس‪ ،‬وتارة في جبال أراغون‪ ،‬وتارة أخرى في إيكس ال‬
‫شابيل( ‪ . ) Aix- la Chapelle‬أي‪ :‬بين فضائي إسبانيا وفرنسا‪.‬‬
‫وتمتد قصة المسرحية أيضا عبر شهور عدة‪ .‬كما أن المحاكاة في‬
‫هذا العمل الدرامي مهملة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬نسجل أن هذه المسرحية كانت‬
‫بداية فعلية للمسرح الرومانسي‪.‬‬
‫وينطبق هذا االنزياح التجريبي كذلك على مسرحيته ( روي‬
‫بالس‪1838 ( )Ruy Blas‬م)‪ .‬بيد أن مسرحيته ( بورجراف ‪Les‬‬
‫‪1843( )Burgraves‬م) قد شكلت‪ ،‬في حقيقة األمر ‪ ،‬نهاية حادة‬
‫للمرحلة الرومانسية‪.‬‬
‫وما يالحظ على المدرسة الرومانسية أنها بالغت في تمجيد شخصية‬
‫الفرد‪ ،‬واالنطالق من عواطفه الذاتية‪ .‬كما تخلص مبدعوها وفنانوها‬
‫من الواقع المر هاربين حيال عالم الغاب والطبيعة‪.‬لذا‪ ،‬تؤمن‬

‫‪40‬‬
‫الرومانسية بالخيال المجرد والمجنح وعالم المثل األفالطونية‪،‬‬
‫وااللتصاق باألبراج العاجية أكثر مما تعتني هذه الحركة األدبية‬
‫والفنية بالواقع الموضوعي‪ ،‬أو تهتم بمشاكل اإلنسان في صراعه‬
‫مع الذات من جهة‪ ،‬وصراعه مع الواقع الموضوعي من جهة‬
‫أخرى‪ .‬بمعنى أن الحركة الرومانسية هي حركة خيالية وحالمة‬
‫بامتياز‪ ،‬تعيش على بصمات االنطباعيين الوهمية والمتخيلة‬
‫شعوريا والشعوريا‪.‬‬

‫المسرح الرومانسي‬

‫المطلب الخامس‪ :‬المدرسة المسرحية الواقعية‬

‫‪41‬‬
‫ظهرت المدرسة الواقعية رد فعل على المدرسة الرومانسية سنة‬
‫‪1850‬م‪ .‬بمعنى أنها حركة فنية وجمالية تعطي األولوية للواقع على‬
‫حساب الفكر والمثال‪.‬أي‪ :‬ابتعدت الواقعية عن األبراج الرومانسية‬
‫العاجية‪ ،‬ونأت عن التصورات الذاتية والعاطفية‪ ،‬واعتنت بتصوير‬
‫الواقع الشعبي‪ ،‬والتعبير عنه فنيا وجماليا‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فلقد قد كان هدف المدرسة الواقعية التعبير عن الواقعية‬
‫الموضوعية السياسية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬ضمن رؤية‬
‫فلسفية اشتراكية وجدلية‪ ،‬كما يبدو ذلك واضحا عند مجموعة من‬
‫المفكرين كبليخانوف‪ ،‬وهيجل‪ ،‬وماركس‪ ،‬وأنجلز‪ ،‬وجورج لوكاش‪،‬‬
‫وغيرهم‪...‬‬
‫ولقد انصبت المدرسة الواقعية على تصوير الطبقات االجتماعية‬
‫الصغرى والمتوسطة في صراعها مع الطبقة البورجوازية‪.‬لذا‪ ،‬كان‬
‫األدب بصفة عامة‪ ،‬والمسرح بصفة خاصة‪ ،‬سالحا لتغيير الواقع‬
‫السائد‪ ،‬باستبداله بواقع اشتراكي أفضل؛ حيث تنتصر فيه الطبقات‬
‫العمالية المستغَلة‪ .‬ولقد عاصرت هذه المدرسة الثورة الصناعية‬
‫ونتائجها التي ساهمت فيها كاألزمة االقتصادية والمالية التي أدت‬
‫إلى بروز الحركات االستعمارية‪ ،‬واندالع الحرب العالمية األولى‬
‫بعد تكتل األحالف العسكرية وتنافسها على األسواق الحيوية لترويج‬
‫اقتصادها‪.32‬‬
‫وعليه‪ ،‬يعد المخرج األلماني ساكس ميننجن أول مخرج في تاريخ‬
‫المسرح الغربي‪ ،‬ولقد ساهم في إنتاج الصورة المسرحية التشكيلية‬
‫ذات البعد الجمالي التي تشمل كل عمليات العرض المسرحي‪ .‬وقد‬

‫‪32‬‬
‫‪-Georges Legros, Michèle Monballin et Isabelle Streel,‬‬
‫‪Grands courants de la littérature française, Editions‬‬
‫‪AltioraAverbode, 2007, 64 p., p. 36-38.‬‬
‫‪42‬‬
‫ثار ميننجن على مقومات المسرح التقليدي والنظم البالية وفكرة‬
‫النجومية‪ ،‬واستبدلها باألسلوب الجماعي في العمل‪ ،‬وتنويع‬
‫المستويات فوق الخشبة تفاديا للرتابة التي تطرحها الخشبة ذات‬
‫المستوى الواحد‪.‬‬
‫ولقد طبق كذلك نظام الصرامة واالنضباط في تدريب الممثلين‪،‬‬
‫وتوجيه أعضاء فرقته المسرحية‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فلقد أوجد نظام الممثل‬
‫البديل وحركة المجموعات التي تقوم على ممثل بارز يقوم بتأطير‬
‫مجموعة من أتباعه‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فلقد كان لساكس ميننجن تأثير كبير‬
‫على الكثير من المخرجين الغربيين‪ ،‬والسيما الروسي‬
‫ستانسالفسكي‪ ،‬واأللماني راينهاردت‪ ،‬والبريطاني إرفنج‪.‬‬
‫ويمتاز ماكس ميننجن بالدقة التاريخية واألصالة الواقعية في التعبير‬
‫المسرحي‪ ،‬والسيما في مسرحيته التاريخية(يوليوس قيصر) التي‬
‫حاكى فيها القالب التاريخي الروماني على مستوى السينوغرافيا‬
‫والديكور واإلكسسوارات‪.‬‬
‫وتتميز الحركة المسرحية الواقعية‪ ،‬على مستوى الـتأليف‬
‫المسرحي‪ ،‬منذ منتصف القرن التاسع عشر الميالدي‪ ،‬باإلسراف في‬
‫استخدام اإلرشادات المسرحية‪ ،‬فقد بدأنا نرى اإلرشادات منفصلة‬
‫ومستقلة عن الحوار‪ ،‬إما في الصدارة‪ ،‬وإما بعد أفعال القول‪ ،‬وإما‬
‫بعد أطراف التواصل مباشرة‪ ،‬وإما داخل الحوار‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالمسرح الواقعي هو الذي يعكس الواقع بمختلف تناقضاته‬
‫الجدلية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يبعد العواطف واألهواء واالنفعاالت الذاتية‪،‬‬
‫ويستبدلها بالحقيقة الواقعية بمختلف أنواعها‪ ،‬ضمن رؤية تحليلية‬
‫تقويمية تنحاز دائما للمعطى الموضوعي الخارجي‪.‬‬
‫بيد أن الرؤية الواقعية ليست هي الرؤية الوحيدة التي تستطيع أن‬
‫تعالج مشاكل اإلنسان والحياة‪ ،‬فهناك رؤى متعددة تختلف من‬
‫‪43‬‬
‫شخص إلى آخر حسب رؤيته اإليديولوجية واقتناعاته الشخصية‪.‬‬
‫بمعنى أن تكون هناك رؤية شاملة ومتكاملة حول الموضوع‪.‬أي‪ :‬إذا‬
‫كانت للرؤية الرومانسية سلبيات كالتحيز للذات والمثال والطبيعة‪،‬‬
‫فإن للواقعية سلبياتها أيضا كالتحيز للواقع والمادية والموضوعية‬
‫المرجعية‪ .‬وأكثر من هذا فلقد ركز االتجاه الواقعي كثيرا على‬
‫الرواية والقصة القصيرة لالقتراب أكثر من الواقع المتناقض‪.‬في‬
‫حين‪ ،‬كانت الرومانسية تقترب من الشعر والموسيقا والمسرح‬
‫للتعبير عن هموم المبدعين ولواعجهم وأحاسيسهم ومشاعرهم‬
‫المتقدة‪.‬‬

‫المسرح الواقعي‬

‫المطلب السادس‪ :‬المدرسة الطبيعية‬

‫‪44‬‬
‫تهدف المدرسة المسرحية الطبيعية التي ظهرت في القرن التاسع‬
‫عشر الميالدي إلى تقديم الفرجة كما هي في الطبيعة‪ ،‬دون‬
‫إخضاعها لماهو فني وجمالي كما في المدرسة المسرحية الواقعية‪.‬‬
‫بمعنى إذا كانت المسرحية تتحدث عن جزار‪ ،‬فقد تقدمه كما هو في‬
‫الطبيعة‪ ،‬وهو يبيع لحما حقيقيا وطبيعيا‪ .‬وإذا كان هناك مشهد المرأة‬
‫عارية‪ ،‬فستقدم تلك المرأة عارية كما هي في الطبيعة‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تستند المدرسة الطبيعية ‪ -‬التي ظهرت مع إميل زوال‬
‫(‪ )Emile Zola‬سنة‪1880‬م‪ -‬إلى العلوم البيولوجية ‪ ،‬والفلسفة‬
‫وكلود‬ ‫داروين)‪،(Darwin‬‬ ‫وأعمال‬ ‫التجريبية‪،‬‬
‫برنار)‪،(C.Bernard‬وتين)‪...(Taine‬‬
‫ويقرن زوال األدب والفن بالمالحظة والتجريب‪ ،‬بدراسة الشخصية‬
‫في إطارها الزماني والمكاني‪ ،‬واستعمال التجربة وتكرارها قصد‬
‫مالحظة السلوك اإلنساني الذي يخضع لما هو فردي واجتماعي‬
‫بغية الوصول إلى الحقيقة والمعرفة الصادقة في فهم الشخصية‬
‫وتفسيرها‪ .‬أي‪ :‬إن الفن الطبيعي هو الذي ينقل لنا األحداث كما تقع‬
‫في الطبيعة‪ .‬لذا‪ ،‬ينبغي دراسة آلياتها قصد فهمها وتفسيرها‪ ،‬بالتحكم‬
‫فيها بتغيير العوامل المكانية والظرفية دون إبعاد قوانين الطبيعة‪.‬‬
‫وهذا كله من أجل معرفة اإلنسان معرفة علمية بسلوكه الفردي‬
‫واالجتماعي‪ ،‬ودراسة أهوائه ونوازعه‪.‬‬
‫وقد بنيت الدراما الطبيعية على االستقراء السيكولوجي والمالحظة‬
‫الموضوعية من أجل إيجاد حلول عالجية لشخصيات مرضية‪ ،‬كأن‬
‫المسرح عالج وشفاء تطهيري لألفراد والجماعات‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فلقد‬
‫تحول المسرح إلى أداة عالجية لكل األدواء والجروح االجتماعية‪.‬‬
‫وتقدم مسرحيات هذا المذهب الحياة في ثوبها الطبيعيدون تزييف‪،‬‬
‫أو توهيم‪ ،‬أو تزيين مبالغ فيه‪ ،‬ولكن بطريقة فنية مقبولة وهادفة‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫وتسعى العناصر الدرامية كلها في المسرح الطبيعي إلى تطوير‬
‫الفعالية في رسم القيم واألخالق‪ ،‬كما نجد ذلك في نصوص هنري‬
‫بيك(‪.) Henry Becque‬‬
‫ويعلم الجميع أن المخرج‪ ،‬بالمفهوم المعاصر‪ ،‬قد ظهر مع المدرسة‬
‫الطبيعية‪ .‬أما قبل ذلك‪ ،‬فكانت العملية اإلخراجية يتكلف بها الكاتب‬
‫أو الممثل الرئيس‪ .‬وهكذا‪ ،‬نجد المخرج يقرأ النص‪ ،‬فيقدم للممثلين‬
‫أو ل عامل الديكور مجموعة من المالحظات والتوجيهات‪ ،‬ثم يخطط‬
‫لمجموعة العرض أسلوبا إخراجيا لتمثله سينوغرافيا ودراماتورجيا‪،‬‬
‫واالسترشاد به فوق خشبة الركح‪.‬‬
‫وعلى أي حال‪ ،‬فلقد فرض تعدد االختصاصات‪ ،‬والبحث عن‬
‫الواقعية الحقيقية‪ ،‬وتطفل الكتاب على المسرح‪ ،‬إيجاد مخرج‬
‫متخصص في المسرح‪ .‬ويعد األلماني الدوق جورج الثاني( ‪Duc‬‬
‫‪ -) George‬الذي كان يسير مسرحه بمينشن‪ -‬أول مخرج حقيقي‬
‫في تاريخ المسرح العالمي؛ إذ كان يتبنى‪ ،‬في عمله وإخراجه الفني‪،‬‬
‫أسلوبا سلطويا‪ ،‬وكان له تأثير كبير في عدة أجيال من المخرجين‬
‫الغربيين والعرب على حد سواء‪.‬‬
‫ويعد أندري أنطوان(‪ ) André Antoine‬في فرنسا أول مخرج‬
‫مسرحي ‪ ،‬فلقد أخرج عدة مسرحيات طبيعية للمسرح الحر ‪ ،‬وكان‬
‫يوجه ممثليه إلى تدقيق التفاصيل‪ ،‬والسير بهم نحو تقليد وفي وأمين‬
‫للحياة الطبيعية‪ ،‬كما هي في واقعها الحرفي‪.‬‬
‫ولقد ساهمت الواقعية السيكولوجية في تطوير المسرح‪ ،‬ودراسة‬
‫الشخصية دراسة سيكو‪ -‬اجتماعية‪ ،‬والسيما الشخصيات المعقدة‬
‫والمركبة مع النرويجي هنريك إبسن(‪ ) Henrik Ibsen‬والسويدي‬
‫)اللذين يعدان‬ ‫أوغوستشتريندبرغ(‪August Strindberg‬‬
‫المؤسسين الحقيقيين للمسرح المعاصر‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬فلقد ازدهر المسرح الواقعي في روسيا إبان القرن‬
‫‪18‬م مع أوسطروفسكي(‪ ) Ostrovski‬وجوجول( ‪،) Gogol‬‬
‫وازداد هيمنة مع نهاية القرن التاسع عشر الميالدي ؛ إذ وجدنا‬
‫مجموعة من الطبيعيين أمثال‪:‬ليوتولوستوي‪ ،‬وماكسيم كوركي ‪،‬‬
‫وأنطوان تشيكوف‪ .‬عالوة على قسطنطين ستانيسالفسكي الذي أنشأ‬
‫مسرح الفن بموسكو‪ ،‬وطور هذا المخرج طريقة في التمثيل‪ ،‬تعتمد‬
‫على االقتصاد في اإلكسسوارات‪ ،‬والتمسك بالواقعية الحقيقية في‬
‫إظهار العواطف الحقيقية لدى الممثلين‪ .‬كما قدم مسرحيات طبيعية‬
‫عديدة من الصعب حصرها‪ ،‬دون أن ننسى تشيكوف الذي حقق‬
‫نجاحا كبيرا‪.‬‬
‫ويالحظ على المذهب المسرحي الطبيعي أنه يبعد الجماليات الفنية‬
‫في أثناء تقديم العروض المسرحية والدرامية‪ ،‬مادام يقدم كل شيء‬
‫بشكل واقعي طبيعي‪ .‬بمعنى أن هذا المسرح اليحترم خصائص‬
‫التخييل واإليهام‪ ،‬بل يقدم كل شيء كما هو بطريقة طبيعية وعادية‬
‫وعفوية‪ .‬وال يشبه المدرسة الواقعية التي تغلف الواقع بماهو فني‬
‫وجمالي ورمزي‪ .‬أضف إلى ذلك أن هذه المدرسة المسرحية تبالغ‬
‫في تقديم المشاهد اإلباحية الطبيعية كما هي في الواقع الحقيقي‪،‬‬
‫ويتنافى هذا مع القيم الدينية واألخالق المجتمعية‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫المسرح الطبيعي‬
‫الفرع السابع‪ :‬المدرسة الرمزية‬
‫لقد ظهرت المدرسة الرمزية في أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬بعد‬
‫هزيمة حرب‪1870‬م‪ ،‬وبالضبط في فترة الثورة على القيم‬
‫البورجوازية المادية‪ ،‬متأثرة في ذلك برؤية الموسيقي األلماني‬
‫ريشاردفاجنر(‪ .)Richard Wagner‬وقد ظهرت هذه الحركة رد‬
‫فعل على المدرستين الواقعية واالنطباعية‪ ،‬وكان هدفها هو التعبير‬
‫عن الوجود باستعمال الرمز‪ .‬ولقد نشطت هذه الحركة الرمزية‬
‫بفرنسا‪ ،‬وبلجيكا‪ ،‬وروسيا‪ ،‬ولقد امتدت إلى األدب‪ ،‬والموسيقا‪،‬‬
‫والتشكيل‪ ،‬والرواية‪ ،‬والمسرح‪ ،‬والسينما‪ ...‬ولقد استعمل مصطلح‬
‫الرمزية من قبل جان مورياس( ‪.)Jean Moréas‬‬
‫و يرىفاجنر أن الكاتب الموسيقي الدرامي الحقيقي هو الذي يرسم‬
‫عالما مثاليا‪ ،‬وعليه أن يخلق األساطير على غرار المسرح القديم‪،‬‬
‫‪48‬‬
‫ويثير العالم الروحي الداخلي للشخصيات المرصودة‪ ،‬دون التركيز‬
‫فقط على المظهر الخارجي‪.‬‬
‫وكانت لهذه اآلراء أثر كبير في األوساط المثقفة في فرنسا سنة‬
‫‪1880‬م؛ مما ساهم في إفراز تيار أدبي رمزي يدعو إلى الالمسرح‬
‫الذي يعتمد على الروحانيات وتداعي الالشعور ‪ ،‬واستعمال الصور‬
‫الرمزية واإليحاءات الحدسية االنزياحية ‪ ،‬بتوظيف إيقاع بطيء‪،‬‬
‫واستقراء ما هو مضمر في النفس اإلنسانية‪ ،‬والتمرد عن الواقع‬
‫الحسي‪ ،‬والجنوح نحو الالعقالنية‪.‬‬
‫ونستحضر في هذا السياق التاريخي نصوص موريس ماتيرلنك(‬
‫‪ ،) Maurice Maeterlinck‬و مسرحيات بول كلوديل( ‪Paul‬‬
‫‪ ،)Claudel‬ونصوص تشيكوف‪ ،‬وإبسن‪،‬و ستريندبرغ‪...‬‬
‫ولقد ساهمت أفكار الرمزيين ‪ -‬فعال ‪ -‬في بلورة نظريات المخرج‬
‫السويسري أدولف آبيا(‪ ) Adolph Appia‬والمخرج البريطاني‬
‫إدوارد غوردون كرايج( ‪ ) Edward Gordon Craig‬اللذين ثارا‬
‫على واقعية الديكورات الملونة‪ ،‬مقترحين عناصر موحية ومجردة ‪،‬‬
‫باستعمال لعبة اإلضاءة لخلق االنطباعات بدل اإليهام بالواقع‪.‬‬
‫وفي ‪1896‬م‪ ،‬قام المخرج الرمزي لونيي بو بتركيب مسرحية‬
‫ألفريد جاري( ‪()Alfred Jarry‬أبو ملكا‪ ) Ubu Roi‬بطريقة‬
‫رمزية مجردة موحية ‪ ،‬مع العلم أن هذه المسرحية الطليعية‬
‫التجريبية مهيجة وشاذة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تتميز الرمزية بالتعبير عن األفكار المجردة‪ ،33‬واالنفصال‬
‫عن الواقع‪ ،‬واستخدام الرموز للتعبير عن األشياء واألفكار‬

‫‪- Paul Gorceix (1930-2007),Fin de siècle et Symbolisme en‬‬


‫‪33‬‬

‫‪Belgique, 1998.‬‬
‫‪49‬‬
‫والمشاعر واألحاسيس‪ ،‬والتعبير عن الفن بلغة شاعرية‪ ،‬باستعمال‬
‫البالغة البصرية والمرئية الموحية‪ .‬وكانت الرمزية تؤمن بالفن من‬
‫أجل الفن‪ ،‬واالستهداء بالموسيقا‪ ،‬واالنسياق وراء األحالم الداخلية‪،‬‬
‫والميل نحو التضمين واإليحاء والتل ميح‪ ،‬وتوظيف األشياء واألشكال‬
‫واأللوان التي تحمل دالالت سيميائيةورمزية ‪.‬‬
‫ويالحظ أن المسرح الرمزي يبالغ كثيرا في توظيف الرموز‬
‫التجريدية بعيدا عن الرؤية الواقعية الواضحة‪.‬بمعنى أن المسرحية‬
‫تتحول إلى لوحة رمزية معقدة ومركبة وسيميائية بشكل كبير‪،‬‬
‫تحتاج إلى راصد فقيه وعالم ومتمكن له درايات مهارية واحترافية‬
‫وقدرات كفائية من أجل تأويل هذه الرموز وتفكيك دوالها اللغوية‬
‫والبصرية‪.‬أي‪ :‬تثور الرمزية على فن المحاكاة‪ ،‬وتدعو إلى الفن من‬
‫أجل الفن‪ ،‬وهذا غير كاف لبناء فن حقيقي‪ ،‬فالبد من االنفتاح على‬
‫الواقع كذلك‪.‬‬

‫المسرح الرمزي‬
‫‪50‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬لقد شهد العالم الغربي من عصر النهضة األوروبية‬
‫إلى غاية نهاية القرن التاسع عشر الميالدي مجموعة من المدارس‬
‫المسرحية التي كانت بمثابة إفراز حقيقي وطبيعي لواقعها السياسي‪،‬‬
‫واالقتصادي‪ ،‬والمجتمعي‪ ،‬والديني‪ ،‬والثقافي‪ ،‬والحضاري‪ .‬بمعنى‬
‫أن المدارس المسرحية كانت تتطور في أوروبا الغربية بتطور‬
‫المجتمع على جميع األصعدة والمستويات‪ ،‬وكانت تتنامى أيضا‬
‫بشكل تدريجي وطبيعي بظهور األنساق الفلسفية الكبرى التي كانت‬
‫تحرك الواقع بمختلف تجلياته ومظاهره إن نظرية‪ ،‬وإن ممارسة‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫المدارس المسرحية في القرن العشرين‬

‫‪52‬‬
‫لقد عرف القرن العشرون مجموعة من األزمات السياسية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والفكرية والحضارية التي أدت‬
‫إلى ظهور مجموعة من التحالفات العسكرية التي ساهمت في نشوب‬
‫حربين عالميتين دمويتين وخطيرتين‪ ،‬كانت لهما نتائج فظيعة‬
‫ووخيمة على أوروبا بصفة خاصة‪ ،‬واإلنسانية بصفة عامة‪ ،‬على‬
‫جميع األصعدة والمستويات‪ .‬وقد أفرزت هذه الظروف جميعها‬
‫العديد من الحركات المسرحيات المعاصرة في القرن العشرين‪،‬‬
‫ويمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬المدرسة المسقبلية‬
‫لقد تشكلت الحركة المستقبلية (‪ )Futurisme‬في الفن واألدب مع‬
‫فيليبو طوماسومارينيتي (‪ )Filippo Tommaso Marinetti‬سنة‬
‫‪1909‬م‪ ،‬عندما نشر وثيقته بعنوان (إشهار تكوين مبادئ الحركة‬
‫المستقبلية وإعالنها)‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فلقد ارتبطت الحركة المستقبلية‬
‫بالخصوص بالفن التشكيلي أكثر من ارتباطها بالفن المسرحي‪ .‬ومن‬
‫أهم فنانيها في مجال الرسم والتشكيل جياكوموباال ( ‪Giacomo‬‬
‫‪ ، )Balla‬وأمبرطوبوتشيني(‪ ،)Umberto Boccioni‬وكارلو‬
‫كارا (‪ ،)Carlo Carrà‬وجينوسيفيريني (‪،)Gino Severini‬‬
‫ولويجيروسولو(‪...)Luigi Russolo‬‬
‫إذا‪ ،‬فالحركة المستقبلية أو المستقبليين‪ ،‬في مجال التشكيل والدراما‪،‬‬
‫عبارة عن مدرسة فنية وجمالية وأدبية إيطالية‪ ،‬انطلقت في باريس‬
‫في بداية القرن العشرين ‪ ،‬وبالضبط في سنة ‪1909‬م‪ ،‬على يد فيليبو‬
‫توماس مارينيطي( ‪ ) Marinetti‬الذي كان يمجد الحركة‪،‬‬
‫والمستقبل‪ ،‬والتقنية‪ ،‬والحداثة‪ .‬ويعني هذا أن الحركة قد ثارت على‬
‫التقليد الجمالي‪ ،‬وانفتحت على العالم المعاصر‪ ،‬فمجدت الحداثة‪،‬‬

‫‪53‬‬
‫ودافعت عن الحضارة اآللية‪ ،‬وانساقت وراء التطور العمراني‪،‬‬
‫وآمنت بعامل السرعة‪...‬‬
‫ولقد تأثرت المستقبلية بالتشكيل التكعيبي‪ ،‬وتقنية التقسيم‪ ،‬وتهجين‬
‫اللوحة باألشكال واإليقاعات واأللوان واألضواء من أجل التعبير‬
‫عن إحساس ديناميكي مليء بالطاقة والحيوية‪ ،‬ومن أجل التعبير‬
‫أيضا عن تماثل بين حاالت الروح والبنيات المتعددة للعالم‬
‫المرئي‪.34‬‬
‫وعليه‪ ،‬فلقد اهتمت المستقبلية بتيمة رئيسة هي المناخ‬
‫الحضري‪.‬ومن ثم‪ ،‬فلقد كان انشغالها بالفضاء الدينامي والصناعي‬
‫الذي تربع فوق سطح الرقعة التشكيلية‪ .‬وكان من حق الفنان أن‬
‫يحطم القوانين الفيزيائية‪ ،‬ويتجاوز الواقع‪.‬‬
‫ولقد استفادت الفنون الجميلة بهذه الحركة ‪ ،‬والسيما المسرح‬
‫والتشكيل الذي برع فيه كل من باال(‪ ،) Balla‬وبوكشيوني(‬
‫‪ ،)Boccioni‬وسيفيريني( ‪.) Severini‬أما في روسيا‪ ،‬فهي حركة‬
‫أدبية ظهرت ما قبل الحرب العالمية األولى مع موياكوفسكي(‬
‫‪.)MAIAKOVSKI‬‬
‫وما يالحظ على الحركة المسرحية المستقبلية أنها حركة درامية‬
‫تجريبية قد ثارت على مختلف األشكال المسرحية التقليدية‪ ،‬ونددت‬
‫بمبدأ المحاكاة الذي سيج العمل المسرحي في إطار واقعي أو‬
‫طبيعي‪ ،‬دون أن تفتح أمامه أبوابا مشرعة على المستقبل الفني‬
‫والجمالي‪ .‬ولقد ساهمت الحركة المستقبلية في ظهور مدارس‬
‫مسرحية تتجاوز ماهو واقعي وموضوعي إلى ماهودادائي‪،‬‬
‫‪34‬‬
‫‪-Karine Cardini et Silvia Contarini (coord.),Le Futurisme et‬‬
‫‪les avant-gardes littéraires et artistiques au début du‬‬
‫‪XXe siècle, CRINI, Nantes, 2002, 376 p.‬‬
‫‪54‬‬
‫وسريالي‪ ،‬وعبثي‪ ،‬ووجودي‪ ،‬وبنائي روسي‪ .‬ولقد تأثر بيراندللو‬
‫وثورنتون وليلدر (‪)ThorntonNivenWilder‬بمبادئ الحركة‬
‫المستقبلية‪ .35‬ولقد انتشرت المسرحيات المستقبلية في العشرينيات‬
‫من القرن الماضي بتسليط الضوء على النفسية البشرية‪ ،‬والتركيز‬
‫على وجدان اإلنسان الجواني والروحاني‪ ،‬واستكناه دواخله النفسية‬
‫الشعورية والالشعورية بطريقة رمزية وشاعرية وفلسفية‬
‫وميتافيزيقية مجردة‪.‬فضال عن تصوير حاالت الجنون والهذيان‬
‫والهستيريا ‪ ،‬والتركيز على المشاهد الدرامية الصادمة ‪ ،‬كما يبدو‬
‫ذلك واضحا في مسرحية (مجانين متجولون)‪.‬بمعنى أن هذه‬
‫المدرسة المسرحية قد انصبت على تصوير الحاالت النفسية‬
‫المضطربة عند اإلنسان‪ ،‬باستخدام االستعارات‪ ،‬والتشخيص‪،‬‬
‫والرموز‪ ،‬والشاعرية المتدفقة‪ .‬وبهذا‪ ،‬يكون من الصعب وضع‬
‫المسرحيات المستقبلية في بيئات معينة واقعية أو متخيلة‪ ،‬كما يظهر‬
‫ذلك جليا في مسرحية (الملل) ألنجلو رونيوني‪.‬‬
‫وقد تميزت هذه الحركة المسرحية أيضا بالثورة على العقل‬
‫والمنطق‪ ،‬وتحدي الجمهور واستفزاه بطريقة مباشرة وغير مباشرة‪،‬‬
‫والميل نحو العدمية بإنكار األخالق والقيم والوجود‪ ،‬ضمن رؤية‬
‫فلسفية عابثة‪ ،‬ويبدو ذلك واضحا في مسرحيتي (انفجار) و(ليس‬
‫هناك كلب) لفرانسيسكو كوانجللو ‪ ،‬ومسرحية (عمل سلبي) لبرونو‬
‫كورا وإيميليوستيللي ‪ ،‬ومسرحية (تركيب التركيب)‬
‫(ألوان)‬ ‫ومسرحية‬ ‫لجوجليلموجانلليولوسيانونيكاسترو‪،‬‬

‫‪ - 35‬نهاد صليحة‪ :‬المدارس المسرحية‪،‬المدارس المسرحية المعاصرة‪ ،‬مطابع الهيئة‬


‫المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1986‬م‪ ،‬ص‪.33-32:‬‬
‫‪55‬‬
‫لفورتيوناتوديبرو‪ ،‬ومسرحية (الشهوانية اآللية) لفيليا‪ ،‬ومسرحية‬
‫‪36‬‬
‫(األيدي) لبرونو كوروا وفيليبو توماسوماينيتي‪...‬‬
‫وعليه‪ ،‬تتميز الحركة المسرحية المستقبلية بأنها حركة فنية وجمالية‬
‫متطلعة إلى المستقبل أكثر مما ترتبط بالماضي والحاضر‪ ،‬هدفها‬
‫الرئيس هو الثورة على العقل والمنطق والواقع الموضوعي‪،‬‬
‫وتجاوز األشكال المسرحية والدرامية المتوارثة المعروفة‪ ،‬بالتركيز‬
‫على التجارب الوجدانية اإلنسانية الداخلية‪.‬بيد أن هذه الحركة ترتبط‬
‫كثيرا بالتشكيل أكثر مما ترتبط بالفن المسرحي‪.‬‬

‫المسرح المستقبلي‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المدرسة الدادائية‬
‫لقد ظهرت الدادائية (‪ )Le mouvement dada‬باعتبارها حركة‬
‫ثقافية وفنية وأدبية في بداية القرن العشرين ‪ ،‬وكان ذلك رد فعل‬
‫‪ - 36‬نهاد صليحة‪ :‬المدارس المسرحية‪ ،‬ص‪.36-32:‬‬
‫‪56‬‬
‫على ويالت الحرب العالمية األولى التي دمرت اإلنسان األوروبي‪.‬‬
‫ولقد ثارت على العقل الغربي وتقدمه اآللي الذي استلب اإلنسان‬
‫الغربي‪ ،‬وجعلته مشلوال دون رغبة‪ ،‬أو إرادة‪ ،‬أو حرية‪ .‬وبالتالي‪،‬‬
‫لم يجد له حلوال شفائية لمشاكله الروحية‪ .‬لذا‪ ،‬التجأت هذه المدرسة‬
‫إلى التغني بالالعقالنية‪ ،‬والثورة على الواقع الموبوء بالحروب‬
‫والدمار والخراب‪ .‬ولقد ارتبطت هذه الحركة بالرسم والمسرح‬
‫والسينما والفوتوغرافيا والنحت على حد سواء‪ ،‬بعيدا عن المجال‬
‫السياسي‪.‬‬
‫ويعد الشاعر األلماني تريستان تزارا(‪ )Tristan Tzara‬أحد‬
‫المبلورين لهذا المذهب في فبراير من سنة ‪1916‬م إلى جانب‬
‫الرسام األلماني هانز آرب(‪ ،)Jean (ou Hans) Arp‬والشاعر‬
‫المجري ريتشارد هولسنبك(‪ ،)Richard Huelsenbeck‬وهوجو‬
‫بال (‪ ،)Hugo Ball‬ومارسيل يانكو (‪، )Marcel Janco‬‬
‫وصوفيا آرب(‪ ،)Sophie Taeuber-Arp‬بعد أن اجتمعوا‬
‫بزيوريخ بسويسرا‪ ،‬ناقمين على العقل الواعي والحروب الطائشة‬
‫التي أرجعت العالم إلى عهد الطفولة‪ ،‬بهدف إظهار موقفهم بكل‬
‫صراحة من هذه الحرب الطاحنة‪ ،‬وشكل هؤالء المنعزلون عن‬
‫الحرب الغاشمة ما يسمى بالحركة الدادية أو الدادائية‪.37‬‬
‫ولقد وجد هؤالء صعوبة في البحث عن اسم لحركتهم الفنية‬
‫والجمالية والتشكيلية والمسرحية‪ ،‬فقرروا العودة إلى دائرة‬
‫المعارف‪ ،‬فاستعملوا أول كلمتهم تصادفهم هي( الدادائية) التي تعني‬
‫بالفرنسية الحصان الخشبي‪ ،‬أو تحيل على (نعم‪...‬نعم) باللغة‬
‫الروسية‪.‬‬

‫‪ -37‬كلمة دادا كلمة طفولية تقولها األمهات لألطفال عند تعليمهن المشي لهم‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تهدف الدادائية إلى تحطيم القواعد المألوفة في الفن والعقل‬
‫والتفكير‪ ،‬والميل نحو الشذوذ والغرابة والهدم واالنزياح‪ ،‬واالنسياق‬
‫وراء العدمية والسب والشتم وإنكار القيم‪ ،‬والتمرد عن جميع‬
‫األشكال واألنظمة والمفاهيم الفنية والتشكيلية الموروثة‪.‬إنها حركة‬
‫الهدم والتفكيك والتخريب‪ ،‬وليست حركة بناء البدائل الفنية الجديدة‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬ترفض هذه الحركة مبادئ المنطق ‪ ،‬وتلغي الذاكرة وفكرة‬
‫المستقبل‪ ،‬وقد شارك فنانو الدادائية في إقامة معرض‬
‫للكوالجالتشكيلي والمسرحي أشرف عليه ماكس إرنست( ‪Max‬‬
‫‪ )Ernst‬في إحدى الحوانيت‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما كانت اللوحات التشكيلية‬
‫التي يرسمها الفنانون الدادائيون تعلوها جمل وعبارات فاضحة‬
‫وإيروسية تعبر عن فلسفة الجنون والسخط على الواقع المأساوي‬
‫للحرب‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تعبر الدادائية عن فلسفة الحزن المرير والغضب‬
‫الجامح ‪.‬وقد كسر الفنانون التشكيليون الدادائيون مقاييس الفن‬
‫الكالسيكي ‪ ،‬وثاروا على قواعده الفنية والجمالية ومن هنا‪ ،‬فلقد‬
‫رسم مارسيل دوشامب (‪ )Marcel Duchamp‬لوحة الموناليزا‪،‬‬
‫وأضاف لها شاربا‪ .‬في حين‪ ،‬انشغل كورت شفايتيرز ( ‪Kurt‬‬
‫‪ ) Schwitters‬بجمع القمامة بهدف استعمالها في الرسم والنحت‪.‬‬
‫أما هاينزريشتر (‪ ،)Hans Richter‬فكانت عادته الرسم في الليل‬
‫لكي ال يميز بين األلوان التي كان يستخدمها في مرسمه‪.‬‬
‫بيد أن هذه الحركة التشكيلية الطليعية قد توقفت مباشرة بعد الحرب‬
‫العالمية األولى مابين‪1922‬و‪1923‬م‪ ،‬بسبب الشعور الملل‪،‬‬
‫واإلحساس باالشمئزاز والعقم من تلك المحاوالت الفنية والجمالية‬
‫المتكررة العديمة الجدوى والفائدة‪.38‬‬

‫‪38‬‬
‫‪- Gérard Durozoi, Dada et les arts rebelles, Paris, Hazan, coll.‬‬
‫‪« Guide des arts », 2005, 384 p.‬‬
‫‪58‬‬
‫ويعد األديب الروماني تسارا هو المؤسس الحقيقي لهذا المذهب سنة‬
‫‪1917‬م ‪ ،‬بعد أن اجتمع بمجموعة من الفنانين واألدباء بزيوريخ‬
‫بسويسرا‪ ،‬ناقمين على العقل الواعي والحروب الطائشة التي‬
‫أرجعت العالم إلى عهد الطفولة‪ ،‬بهدف إظهار موقفهم بكل صراحة‬
‫من هذه الحرب الطاحنة‪ ،‬وشكل هؤالء المنعزلون عن الحرب‬
‫الغاشمة حركة الدادائية‪.39‬‬
‫وعليه‪ ،‬فلقد شهدت مدينة زيوريخ بسويسرا أول عرض مسرحي‬
‫دادائي وعبثي؛ حيث" وقف الفنانون الثالثة على المسرح[تريستان‬
‫تزارا(‪،)Tristan Tzara‬و الرسام األلماني هانز آرب( ‪Jean (ou‬‬
‫‪ ،)Hans) Arp‬والشاعر المجري ريتشارد هولسنبك( ‪Richard‬‬
‫‪ ،])Huelsenbeck‬وأخذوا يحدثون ضجيجا مفزعا مستخدمين‬
‫مفاتيح معدنية وصناديق خشبية‪.‬واستمروا في ذلك حتى ثارت ثائرة‬
‫المتفرجين‪.‬بعد ذلك شرع صوت في إلقاء بعض قصائد آرب‪ ،‬وكان‬
‫الصوت يأتي من تحت قبعة بالغة الضخامة على شكل قمح سكر‪.‬‬
‫بينما أخذ هولسبنك ينشد قصائده في صوت أقرب إلى الصراخ ما‬
‫يفتأ يعلو ويغلو ‪ ،‬تصاحبه في إيقاع منتظم دقات تزارا على طبلة‬
‫كبيرة‪ .‬تال ذلك رقصة قام بها هولسبنك وتزارا قلدوا فيها حركات‬
‫وأصوات صغار الدببة‪ ،‬ثم ارتديا جوالين وقبعتين طويلتين ومشيا‬
‫‪40‬‬
‫يتبختران بين المتفرجين‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالحركة الدادائية في المسرح هي حركة عدمية تنكر القيم‬
‫والوجود والعقل والمنطق‪.‬بمعنى أنها حركة تفكيكية‬
‫وتقويضيةوتشكيكية‪ ،‬تثور على األشكال المسرحية المتعارف عليها‬
‫في أوروبا الغربية‪ ،‬باسم التجديد والتجريب والتحديث‪.‬كما تحمل‬

‫‪ -39‬كلمة دادا كلمة طفولية تقولها األمهات لألطفال عند تعليمهن المشي لهم‪.‬‬
‫‪ - 40‬انظر ‪ :‬جورج هوجنيه‪ :‬روح الدادائية في الرسم‪ ،‬طبعة ‪.1934‬‬
‫‪59‬‬
‫رؤية فلسفية ميتافيزيقية عبثية‪ ،‬بالثورة على الواقع المتردي‬
‫والموبوء والمنحط الذي تضاءلت فيه القيم اإلنسانية األصيلة التي‬
‫استبدلت بالقيم المادية والكمية التبادلية واالستعمالية‪.41‬‬
‫ويالحظ على المسرح الدادائي أنه مسرح عدمي وميتافيزيقي‬
‫وعبثي‪ ،‬اليبني اإلنسان كما ينبغي‪ ،‬بل يقوضه تشظية وعدما‪،‬‬
‫ويشكك في قيمهووجوده ‪.‬بمعنى أن الدادائية ليست حركة إصالحية‬
‫وأخالقية بنائية ‪ ،‬بل هي حركة مسرحية تقويضية بامتياز‪.42‬‬

‫المسرح الدادائي‬
‫‪41‬‬
‫‪- Michel Sanouillet, Dada à Paris, CNRS Éditions, 1965-‬‬
‫‪2005 ;Laurent Le Bon, Dada, Éditions du Centre Pompidou,‬‬
‫‪Paris, 2005.‬‬
‫‪42‬‬
‫‪- Henri Béhar et Michel Carassou, Dada, histoire d’une‬‬
‫‪subversion, Fayard, Paris 1990-2005.‬‬
‫‪60‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬المدرسة السريالية‬
‫لقد ظهرت المدرسة السريالية في القرن العشرين رد فعل على‬
‫فلسفة الوعي والعقل والمنطق‪ ،‬وجاءت أيضا ضد التيار الواقعي‬
‫والطبيعي‪ .‬وامتحت تصورها من سيكولوجية فرويد ‪ ،‬واعتمدت‬
‫على الالشعور و العقل الباطن ‪ ،‬باستلهام الذاكرة واألحالم‪ ،‬والثورة‬
‫على القيم السائدة والموروثة‪ .‬وقد ظهرت هذه الحركة سنة ‪1919‬م‪،‬‬
‫ونضجت في العشرينيات من القرن الماضي‪ .‬وقد أعلن أندري‬
‫بريتون مبادئ الحركة في بيانه سنة ‪1924‬م‪ ،‬باعتبارها حركة أدبية‬
‫ومسرحية وفنية وجمالية تتخلص من رقابة الوعي والعقل‪ ،‬وتتحرر‬
‫من قيودهما‪ ،‬وتتمرد عن القواعد الفنية واألخالقية السائدة في‬
‫المجتمع‪.43‬‬
‫ومن مبادئها التسلح بالالوعي والالعقالنية‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فالحقيقة هي‬
‫التي يعبر عنها العقل الباطن واألحالم‪ ،‬بالتحرر من سيطرة العقل‬
‫والوعي والمنطق‪ .‬ولقد أعطت هذه المدرسة األهمية الكبرى للنفس‬
‫اإلنسانية واستنطاق الالوعي‪ .‬لذا‪ ،‬تعتبر الفن نابعا من الفوضى‬
‫والهذيان على غرار التحليل السيكولوجي القائم على تداعي المعاني‬
‫تداعيا حرا‪ ،‬بدون رقابة أو محاسبة عقلية واعية من قبل األنا‬
‫األعلى‪.‬‬
‫ومن أهم المنظرين لهذا المذهب األدبي أندريه بريتون( ‪André‬‬
‫‪ )Breton‬الكاتب الفرنسي الكبير‪ ،‬و لويس أراغون( ‪Louis‬‬
‫‪ ،)Aragon‬وفيليب صوبولت(‪... ) Philippe Soupault‬‬
‫ومن ممثلي السريالية في مجال المسرح والدراما غيوم أبولينير‬
‫(‪ )G.Appolinaire‬في مسرحيته ( أثداء تيريزيا)‪ ،‬وروجر‬
‫‪- André Breton, Le Surréalisme et la Peinture, Paris,‬‬
‫‪43‬‬

‫‪Gallimard, 1928-1965.‬‬
‫‪61‬‬
‫فيطراك(‪ )Roger Vitrac‬صاحب مسرحية(ڤيكتور أو أوالد‬
‫السلطة)‪ ،‬وجان كوكتو (‪ )Jean Cocteau‬الذي عرف بمسرحية‬
‫عنوانها ( اآلباء المفزعون)‪ ،‬وتسير في االتجاه السريالي الثائر‬
‫على الواقع الموجود‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تبحث السريالية عن الحقيقة في عالم الالوعي واألحالم‬
‫والكوابيس‪ ،‬مستعينة بنظريات علم النفس بصفة عامة‪،‬ونظريات‬
‫سيغموند فرويد بصفة خاصة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يتخذ الفنان المسرحي‬
‫السريالي قالب الحلم والفانتازيا وسيلة للتعبير عن معاناته الذاتية‬
‫والالشعورية‪.‬‬
‫ويتحول العمل المسرحي‪ ،‬في العروض الدرامية السريالية‪ ،‬إلى‬
‫إبداع سريالي عبثي قاتم‪ ،‬قوامه الفانتازيا‪ ،‬واألحالم‪ ،‬والهذيان‪،‬‬
‫والهيستيريا‪ ،‬والتأرجح بين الوعي والالوعي‪ ،‬والشعور والالشعور‪،‬‬
‫والواقع والالواقع‪...‬‬
‫ويالحظ على السريالية أنها حركة مسرحية بعيدة عن الواقع المادي‬
‫الحسي؛ ألنها تتأرجح بين الوعي والالوعي‪ ،‬بين الشعور‬
‫والالشعور‪ .‬بمعنى أنها حركة مسرحية تعنى باألحالم‪ ،‬والهذيان‪،‬‬
‫والجنون‪ ،‬والهيستيريا‪ ،‬والذاكرة‪ ،‬والجنس‪ ،‬والليبيدو ‪ ،‬والغرائز‬
‫الشبقية ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫مسرحية سريالية‬
‫المطلب الرابع‪:‬المدرسة التعبيرية‬
‫ظهرت الحركة التعبيرية (‪ )L’expressionnisme‬بألمانيا في‬
‫بداية القرن العشرين‪ ،‬ولقد ازدهرت ما بين ‪1910‬و‪1925‬م‪ ،‬وقد‬
‫عايشت مرحلة الحرب العالمية األولى من جهة‪ ،‬والمرحلة النازية‬
‫من جهة أخرى‪ .‬وهي حركة فنية وجمالية وتشكيلية تشخيصية‬
‫(‪ .) figuratif‬وقد مست التعبيرية جميع المجاالت‪ :‬األدب‪ ،‬والفن‪،‬‬
‫والمسرح‪ ،‬والسينما‪ ،‬والتشكيل‪ ،‬والموسيقا‪ ،‬والمعمار‪ ،‬والرقص‪،‬‬
‫والفوتوغرافيا‪...‬ولقد وقف الحزب النازي موقفا سلبيا من التعبيرية‪،‬‬
‫على أساس أنها حركة فنية مناهضة للظلم واالستبداد والطبقية‬
‫المجتمعية‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬ترفض التعبيرية "مبدأ المحاكاة األرسطية‪ ،‬وتعنى‬
‫بالتعبير عن المشاعر الذاتية في مختلف تناقضاتها وصراعاتها‬

‫‪63‬‬
‫‪،‬ويتخذ من هذه الرؤى الذاتية والحاالت النفسية موضوعا مشروعا‬
‫لإلبداع الفني‪"44.‬‬
‫ويعني هذا أن التعبيرية تمتاز " بالذاتية المفرطة‪ ،‬وتشويه الواقع‬
‫عن طريق التبسيط والمبالغة والتفتيت وخلط الواقع دائما بالحلم‬
‫والرمز واستخدام نبرة انفعالية عالية‪ ،‬بحيث تتحول أي رؤية‬
‫موضوعية إلى رؤية بالغة الذاتية‪ ،‬بالغة الغرابة‪ ،‬وفي أحيان كثيرة‬
‫بالغة القبح‪"45.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فلقد تأثرت التعبيرية بالحركة الرومانسية األلمانية التي‬
‫كانت تمجد الفرد‪ ،‬وتؤمن بالحرية‪ ،‬وتعتني بالذات أو الروح‬
‫باعتبارها مصدر الحقائق‪ ،‬وتنحل من الواقع المادي نحو الغاب‬
‫المثالي‪ ،‬وترجح كفة الخيال على العقل والمنطق‪ ،‬وتهتم بالعواطف‬
‫والمشاعر الفردية واإلنسانية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬قامت التعبيرية على أكتاف‬
‫الرومانسية‪ ،‬لكنها تختلف معها في رفضها للنظرة المثالية لإلنسان‪،‬‬
‫واالختالف حول مفهوم فلسفة الجمال‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فلقد اقترنت أعمال‬
‫التعبيريين بالقبح‪ ،‬والكروتيسك‪ ،‬والكاريكاتور‪ ،‬كما يبدو ذلك‬
‫واضحا عند الرسام الهولندي فان جوخ (‪)Vincent van Gogh‬‬
‫الذي كان يرسم لوحات تشكيلية كاريكاتورية جادة إلى حد كبير؛ إذ‬
‫يبالغ الفنان التشكيلي في تشويه الواقع وتبسيطه وتفتيته وتحويله إلى‬
‫عالم مشوه كاريكاتوري أشبه الضحك والفكاهة الناتجة عن الرؤية‬
‫الحزينة أو المرعبة‪.‬‬
‫ونجد هذا التعبير الكاريكاتوري أيضا عند الفنان التشكيلي‬
‫النرويجي إدفارد مانش(‪ )Edvard Munch‬الذي رسم عدة لوحات‬
‫تعبيرية كاريكاتيرية لتشويه اإلنسان وتقزيمه‪ .‬ففي عمله ( الصراخ)‬

‫‪ - 44‬نهاد صليحة‪ :‬المدارس المسرحية المعاصرة‪،‬ص‪.73:‬‬


‫‪ - 45‬نهاد صليحة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.73:‬‬
‫‪64‬‬
‫الذي قدم للناس سنة ‪1895‬م‪ ":‬نجده يحاول أن يجعل الصرخة‬
‫المحور األساسي الذي تلتقي عنده كل الخطوط دون أي اعتبار‬
‫للواقعية‪ ،‬وكأنه يقول إن لحظة االنفعال يمكن أن تزلزل رؤيتنا‬
‫للواقع من حولنا تماما‪ .‬أما وجه اإلنسان الذي يصرخ في اللوحة ‪،‬‬
‫فقد صوره مانش في خطوط بسيطة وحادة يغلب عليها طابع‬
‫المبالغة الشديدة ‪ ،‬بحيث أصبح تصويرا كاريكاتوريا لوجه ميت أو‬
‫هيكل عظمي بعينيه الجاحظتين وخدوده الغائرة‪ .‬كما تعمد مانش أن‬
‫يترك سبب الصرخة مجهوال ؛ مما يزيد من توتر التعبير وأثره في‬
‫المشاهد ؛ ألن الصرخة أصبحت مطلقا مرعبا ليست له حلول أو‬
‫أسباب يمكن تفاديها‪ .‬ونتج عن اعتناق الفنان التعبيري ألساليب‬
‫الكاريكاتير في تصوير رؤياه الخاصة ابتعاده عن الجمال بمفهومه‬
‫التقليدي‪ .‬وعندما هاجم النقاد مانش لقبح لوحته‪ ،‬قال‪ ":‬إن صرخة‬
‫الرعب ال يمكن أن تكون جميلة‪ .‬ولو وجدتموه جميلة في لوحة لي‬
‫‪46‬‬
‫أكون قد كذبت وزينت جوهر األلم"‪.‬‬
‫ولقد آمن التعبيريون أن الجمال هو صدق التعبير‪ ،‬ولو كان هذا‬
‫التعبير قبيحا وكاريكاتوريا وكروتيسكيا‪ ،‬ولقد رفضوا الجمال‬
‫بمفهومه التقليدي والكالسيكي والرومانسي والمثالي والباروكي‪ ،‬فهم‬
‫ال يتقيدون برسم األشياء كما هي في واقعها المادي الحسي‪ ،‬أو في‬
‫اكتمالها المثالي‪ ،‬بل يتصرفون في الواقع بتشويهه والمبالغة في‬
‫تقبيحه وتفتيته بحسب المشاعر الذاتية التي يشعرون بها‪.‬‬
‫ومن أهم األعمال التي تحمل التصور الفلسفي للجمال التعبيري‬
‫تمثال (الشفقة)إلرنستبارالخ(‪1870-( )Ernst Barlach‬‬
‫‪1938‬م)‪ ،‬ولوحة ( أطفال يلعبون) ألوسكار كوكوشيكا ( ‪Oskar‬‬
‫‪. )Kokoschka‬‬

‫‪ -46‬نهاد صليحة‪ :‬نفسه‪،‬ص‪.79-78:‬‬


‫‪65‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فلقد" حاول الفنانون التعبيريون عن طريق المبالغة‬
‫والتشويه الذي يقرب من الكاريكاتير واختيار موضوعاتهم من‬
‫جانب الحياة المظلم الشائه أن يسجلوا احتجاجا غاضبا على القسوة‬
‫والظلم في عالمهم وعلى كم العذاب اإلنساني الهائل الذي ساد‬
‫‪47‬‬
‫مجتمعاتهم في ذلك الوقت‪".‬‬
‫وعلى الرغم من ذاتيتهم المفرطة‪ ،‬فلقد كانوا ثوريين‪ ،‬فلقد رسموا‬
‫في لوحاتهم التشكيلية اإلنسان المقهور والمطحون في المجتمع‪ ،‬أو‬
‫ما يسمى بالرجل الضعيف‪ ،‬أو الرجل الصغير‪ ،‬ولقد هيجت هذه‬
‫الحركة التعبيرية سخط الطبقة العمالية للثورة على األنظمة الفاشية‬
‫والنازية ؛ مما جعل حزب االشتراكيين القوميين يضطهدها بمجرد‬
‫وصوله إلى الحكم‪ ،‬بل ويفرض القيود على مذاهب الفن الشكالني‬
‫الحديث‪ ،‬و" كان مصير زعماء التعبيرية إما النفي‪ ،‬وإما منع‬
‫أعمالهم من الظهور إلى النور‪.‬وكان هذا مصير الفنان المبدع‬
‫‪48‬‬
‫إرنستبارالخ‪".‬‬
‫إذا‪ ،‬تتميز التعبيرية باالنزياح‪ ،‬والشذوذ‪ ،‬والمبالغة في األشكال‪،‬‬
‫واستعمال الظالل واألضواء بشكل إيحائي‪ .‬ومن النماذج التمثيلية‬
‫‪)Georg Kaiser‬‬ ‫لهذه التعبيرية نجد جورج قيصر(‬
‫وإرنستطولر(‪ .) Ernst Toller‬وقد طبق أوجين أونيل( ‪Eugene‬‬
‫‪ ) O’Neill‬هذه الطريقة ‪ ،‬منذ سنة ‪ 1930‬م‪ ،‬في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬والسيما في مسرحيتيه ( اإلمبراطور جون) و( الغريب‬
‫الفاضل) قصد توظيف سيكولوجية الشخصيات بشكل أفضل‪.49‬‬

‫‪ - 47‬نهاد صليحة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.79:‬‬


‫‪ - 48‬نهاد صليحة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.80:‬‬
‫‪49‬‬
‫‪- Maurice Godé, L'Expressionnisme, Paris, PUF, coll.‬‬
‫‪« Perspectives germaniques », 1999, 368 p.‬‬
‫‪66‬‬
‫المسرحية التعبيرية‬
‫المطلب الخامس‪ :‬المدرسة التسجيلية أو الوثائقية‬
‫ظهر المدرسة التسجيلية مع المنظر األلماني برتولدبريشت(‬
‫‪ ) BRECHT‬رد فعل على المسرح الواقعي‪ .‬ويرى بريشت أن‬
‫الفن الدرامي وسيلة لتغيير المجتمع تغييرا جذريا أو تدريجيا‪،‬‬
‫ووسيلة سياسية قادرة على تحريك الجمهور ‪ ،‬والسير به في السياق‬
‫االجتماعي الثوري‪.‬‬
‫وبهذا المنطق‪ ،‬كتب بريشت نصوصا ملحمية متميزة‪ ،‬تستدعي‬
‫مشاركة الجمهور المتفرج من أجل تقديم أحكامه العقلية على‬
‫العروض المسرحية التي تعرض أمامه باستثمار آليات التغريب‬
‫الدرامي‪.‬‬
‫و يعتمد بريشت‪ ،‬صاحب المسرح الملحمي السياسي‪ ،‬على المسرح‬
‫الفقير الذي يخلو من الديكورات المترفة‪ ،‬ويستند تقنيا وسينوغرافيا‬
‫‪67‬‬
‫إلى استخدام السينما واألجهزة العارضة والالفتات اإلشهارية‪،‬‬
‫والتقريب بين المشاهد القصيرة‪ ،‬ومزجها بتدخالت خارجية‪.‬‬
‫(أوبرا‬ ‫المسرحية‬ ‫بريشت‬ ‫أعمال‬ ‫أهم‬ ‫ومن‬
‫كاتسو‪ )QUAT’SOUS‬المعروضة سنة ‪1928‬م‪ ،‬و (األم‬
‫الشجاعة وأطفالها ) التي كتبت سنة ‪1941‬م‪.‬‬
‫وتعد مسرحية (دائرة الطباشير القوقازية) من أهم أعمال بريشت‬
‫الدرامية؛ حيث يستعمل المخرج تقنية الميتامسرح‪ ،‬ويبرز مجموعة‬
‫من اآلليات الدرامية التي تستعمل في بناء المسرحية وتركيبها‪ .‬كما‬
‫يوظف بريشت تقنية التغريب‪ ،‬وتكسير الجدار الرابع‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن المسرح البريشتي يهدف إلى الثورة على المسرح‬
‫األرسطي‪ ،‬وتحويل ركح المسرح إلى خشبة نزال‪ ،‬وصراع جدلي‪،‬‬
‫وسجال بين األنا واآلخر من أجل إشراك الجمهور الستصدار‬
‫مواقفه في مجموعة من القضايا السياسية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬واإلنسانية‪.‬‬
‫وقد تحول الممثل‪ ،‬في هذا المسرح الجماهيري الشعبي‪ ،‬إلى محام‪،‬‬
‫يستعمل الحوار المنطقي الجدلي‪ ،‬بالتسلح بالحجج واألدلة قصد دفع‬
‫الجمهور الحاضر لإلدالء برأيه بكل صراحة وموضوعية‪.‬‬
‫ولقد رفض بريشت مفهوم التطهير والتقمص الشخصي‪ ،‬واستبدلهما‬
‫بمفهوم التغيير الجدلي‪ ،‬والمسرح الملحمي‪ .‬أي‪ :‬إن للمسرح وظيفة‬
‫التثوير‪ ،‬وتنوير المجتمع‪ ،‬وتحريض جماهيره الفاعلة لتغيير أوضاع‬
‫المجتمع‪ .‬كما على الممثل االبتعاد عن االندماج في دوره‪ ،‬و عليه أن‬
‫يكشف للجمهور أنه يمثل فقط‪ .‬ويسمى تباعد الممثل عن دوره في‬
‫النسق الدرامي البريشتي بالتغريب أوبالالندماج‪.‬‬
‫ويتسم مسرح بريشتأيضا بكونه مسرح سياسية وتسييس وتسجيل‪،‬‬
‫وينطلق فيه من أبعاد إيديولوجية ذات توجهات يسارية وشيوعية‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫وقد هرب بريشت من الغطرسة النازية سنة ‪ 1933‬م‪ ،‬فالتجأ إلى‬
‫الواليات المتحدة األمريكية ليتخذها مالذا له‪ ،‬وفضاء للتجريب‬
‫المسرحي‪ ،‬وكتابة مجموعة من النصوص الدرامية التي أخرجها‬
‫بعد عودته إلى بلده األصلي‪.‬‬
‫ولقد كتب بريشت‪ -‬فعال‪ -‬في المنفى مجموعة من المسرحيات ضد‬
‫النازية‪ .‬وعندما انتهت الحرب عاد ليستقر بألمانيا الشرقية‪ .‬وبعد‬
‫ذلك‪ ،‬أسس مسرحه الملحمي في برلين‪.‬‬
‫ومن التقنيات التي كان يستخدمها‪ ،‬على مستوى اإلخراج‪ ،‬تكسير‬
‫الجدار الرابع ‪ ،‬وتعليق الالفتات والشعارات السياسية والثورية‪،‬‬
‫واستعمال الشاشة السينمائية على غرار أستاذه يبسكاتور لنقل‬
‫مشاهد واقعية وطبيعية حية من المجتمع‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يعد بريشت من‬
‫أهم رواد المسرح التسجيلي‪ ،‬أو المسرح الوثائقي‪ ،‬إلى جانب‬
‫پيترڤايسوپيسكاتور‪ ،‬ويتجلى هذا واضحا في مسرحيته( عظمة‬
‫الرايخ الثالث وبؤسه)‪.‬‬
‫ومن المسرحيات التي تؤخذ دليال على تمرد بريخت عن الدراما‬
‫التقليدية األرسطية مسرحية( دائرة الطباشير القوقازية) التي تضم‬
‫موضوعين ‪ :‬الصراع حول األرض‪ ،‬ومن هو أحق بملكيتها ؟ هل‬
‫هو مالكها الحقيقي بالوراثة الذي ترك األرض بوارا جدباء‪ ،‬أم‬
‫الفالح الذي زرعها وشقي في فلحها وزرعها وتخصيبها‬
‫وحصدها؟! وبقي الموضوع األول دون حل ليجيب عنه الجزء‬
‫الثاني‪ .‬أما الموضوع الثاني‪ ،‬فيتمثل في صراع األم الحقيقية‬
‫والمرضعة حول من له الصالحية في التكفل باالبن وتربيته‪.‬ألن األم‬
‫الحقيقية قد أهملت ابنها بسبب اهتمامها بنفسها وزينتها‪ .‬ناهيك عن‬
‫تهربها من تحمل المسؤوليات الجسيمة التي تستوجبها تربية األبناء‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫أما الحاضنة‪ ،‬فقد أرضعت الطفل وغذته وتحملت مسؤوليته حتى‬
‫كبر ‪ ،‬وأصبح وسيما جذابا‪.‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬أرادت األم استرداده‪ .‬بيد أن الحاضنة قد رفضت ذلك‪،‬‬
‫وادعت أنها هي األم الحقيقية لالبن‪ .‬ورفعت القضية إلى القاضي‬
‫الذي طالب برسم دائرة بالطباشير‪ ،‬ووضع الطفل في وسط هذه‬
‫الدائرة‪ ،‬وأمر األم والحاضنة بجذب الولد بشدة‪ ،‬فمن جذبته بسرعة‬
‫كان الولد لها‪ .‬فجذبته األم بسرعة خاطفة أوشكت أن تقطع يديه‪،‬‬
‫بينما الحاضنة أبت ذلك عطفا على الولد‪ ،‬وإشفاقا عليه‪ ،‬لكي ال‬
‫تسيء إليه‪ ،‬فحكم القاضي للحاضنة ‪ ،‬وحرم األم الحقيقية منه؛ ألنها‬
‫ليست أهال بتربية الولد ورعايته والتكفل به‪.‬‬
‫ويتمثل التجديد المسرحي لدى بريشت أنه الدراماتورجي الوحيد‬
‫الذي ثار جذريا على المسرح الغربي األرسطي‪ ،‬فأسس مسرحا‬
‫يسمى بالمسرح الالأرسطي القائم على التغريب‪ ،‬وتكسير الجدار‬
‫الرابع‪ ،‬واستعمال السينما في المسرح‪ ،‬واالستعانة بالمسرح الوثائقي‬
‫التسجيلي‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫المسرح البرشتي التسجيلي‬
‫المسرح‬ ‫أو‬ ‫األوتشرك‬ ‫مدرسة‬ ‫المطلب السادس‪:‬‬
‫الريبورتاجي‬

‫ظهر في االتحاد السوڤياتي مسرح جديد ينزاح عن المسرح‬


‫األرسطي‪ ،‬وهو مسرح األوتشرك‪ .‬ويعني هذا المصطلح مسرح‬
‫التحقيق‪،‬أومسرح االستطالع‪ ،‬أو مسرح الريبورتاج‪ .‬أي‪ :‬إن مسرح‬
‫األوتشرك عبارة عن مسرحة الظواهر االجتماعية والسياسية‬
‫الكبرى‪ ،‬بالبحث عن أسبابها‪ ،‬ورصد مظاهرها‪ ،‬واستجالء نتائجها‪.‬‬
‫وتتخلص صور األوتشرك الدرامية من الوحدات األرسطية الثالث‪،‬‬
‫وتقدم الموضوع بطريقة صحفية واقعية في شكل استطالع وتقرير‬
‫تسجيلي‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يتحول المسرح إلى جريدة حية ناطقة تعتمد على‬
‫التحليل واالستقراء‪.‬‬
‫ومن أهم رواد هذا المسرح تشيكوف وماكسيم كوركي اللذان تأثرا‬
‫كثيرا بالفلسفة االشتراكية ‪ ،‬والتوجه الماركسي الشيوعي‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫ومن النماذج المسرحية العربية التي تجسد هذا النوع من المسرح ما‬
‫كتبه المسرحي المصري نعمان عاشور بعنوان( الناس اللي فوق)؛‬
‫حيث يصور أثر الثورة المصرية االشتراكية في المجتمع المصري‪،‬‬
‫ومدى تغييرها للعقلية األرستقراطية‪.‬‬
‫تبين لنا هذه المسرحية‪ ،‬منذ البداية‪ ،‬أسرة أرستقراطية‬
‫مصرية‪ ،‬تتكون من زوج سرعان ما يغير عقليته اإليديولوجية‬
‫الفوقية‪ ،‬بينما زوجته مازالت تتعلق بالنبالة‪ ،‬وتتغنى بالغنى والثراء‪،‬‬
‫وتريد أن تستمر في متابعة حياتها االرستقراطية‪ ،‬بالركوب في‬
‫السيارة الكبيرة الفخمة‪ ،‬والذهاب إلى النادي‪ .‬ببيد أن الزوج يرفض‬
‫ذلك ‪،‬ويمنع زوجته من هذا اإلسراف المادي الذي اليواكب‬
‫التغييرات االجتماعية الجديدة‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬استطاعت الخادمة الفقيرة التي كانت تشتغل عند‬
‫هذه األسرة أن تعلم ابنها إلى أن استكمل دراساته العليا‪ .‬وفي‬
‫األخير‪ ،‬قرر االبن أن يتزوج من هذه العائلة‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪،‬‬
‫فمازال االبن يحس باالنكماش والخجل بسبب مركب النقص‬
‫واإلحساس بالذل الناتجين عن التفاوت االجتماعي والطبقي بين‬
‫األسرتين‪ .‬ويعني هذا أن الثورة لم تغير أوضاع المجتمع بشكل‬
‫جذري‪.‬‬
‫" وبذلك يتم للمؤلف تحقيقه أو استطالعه أو ريبورتاجه الدرامي‬
‫الذي ظهر في شكل مسرحية‪ ،‬ولكنه لم يخضع لألصول التقليدية‬
‫لهذا الفن‪ ،‬بل يعتبر ثورة على تلك األصول نابعة عن الهدف الجديد‬
‫الذي أصبح المسرح‪...‬مسرح األوتشرك يستهدفه‪ ،‬حيث يرمي‬
‫األوتشرك إلى دراسة ظاهرة من الظواهر وتجسيدها في صورة‬
‫درامية‪ ،‬وإن لم نستطع أن نقول‪ :‬إنها صورة درامية بالمعنى الفني‬
‫‪50‬‬
‫التقليدي للدراما‪".‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فمسرح األوتشرك هو مسرح طليعي‪ ،‬يهدف إلى توثيق‬
‫الظواهر االجتماعية والسياسية‪ ،‬وتحويلها إلى مواد واقعية طبيعية‬
‫لمسرح تقريري ريبورتاجي صحفي‪ ،‬يعتمد على الصدق‬
‫‪ -50‬محمد مندور ‪:‬األدب ومذاهبه‪،‬دار نهضة مصر للطبع والنشر‪ ،‬الفجالة‬
‫القاهرة‪ ،1979،‬ص‪.167:‬‬
‫‪72‬‬
‫الموضوعي‪ ،‬واكتشاف الحقيقة‪ ،‬واستقراء األسباب والتجليات‬
‫والنتائج بطريقة درامية فعالة‪.‬‬

‫مسرح الريبورتاج‬
‫المطلب السابع‪ :‬المدارس المسرحية مابعد الحرب‬
‫أحس الفنانون‪ ،‬بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬بضرورة إقامة مسرح‬
‫مدني وشعبي وملتزم ومندمج بكل طاقاته القصوى في أحضان‬
‫الحياة والمدنية‪ .‬ويمكن أن نعتبر مابين ‪ 1947‬و‪ 1967‬م سنوات‬
‫خصبة في تاريخ مسرح القرن العشرين؛ إذ انتعش المسرح‬
‫الشعبي‪ ،‬والمسرح الملتزم ‪ ،‬ومسرح الالمعقول‪.‬‬
‫في سنة ‪1947‬م‪ ،‬أنشئ مهرجان أڤينيون( ‪ ) Avignon‬بفرنسا‪،‬‬
‫يديره جان فيالر(‪ ،) Jean Vilar‬محاطا بمجموعة من كبار‬
‫الممثلين ‪ ،‬أمثال‪ :‬آالن كوني( ‪ ،) Alain Cuny‬وجيرار فليب(‬
‫‪Silvia‬‬ ‫‪ ، )Gérard Philipe‬وسيلڤيامونفور(‬

‫‪73‬‬
‫‪،)Monfort‬وماريا كاساريس( ‪ ،)Maria Casarès‬وفيليب‬
‫نواري( )‪ ، Philipe Noiret‬وجان مورو( ‪Moreau Jeanne‬‬
‫‪ ،) Moreau‬وآخرين‪ ،‬وقد انصهر هؤالء كلهم في بوتقة حركة‬
‫إصالح الفن الدرامي نحو ال تركيز مسرحي‪.‬‬
‫وإذا كان جان فيالر يسعى إلى تأسيس مسرح احتفالي شعبي‪ ،‬فإن‬
‫هناك من كان يخوض في قضايا االلتزام ‪ ،‬وخاصة المذهب‬
‫الوجودي ‪ ،‬كما يظهر ذلك جليا عند ألبير كامو( ‪Albert‬‬
‫‪ ، )Camus‬وجان بول سارتر( ‪ ،) Jean – Paul Sartre‬وإيمي‬
‫سيزار(‪ ، ) Aimé Césaire‬وجورج برنانوس( ‪George‬‬
‫‪ ، )Bernanos‬وجان جنيه( ‪.) Jean Genet‬‬
‫وفي سنة ‪1956‬م‪ ،‬عرضت في بريطانيا مسرحية ( سالم األحد)‬
‫لجون أسبورن( ‪ )John Osborne‬التي اتخذت رمزا للشباب‬
‫الغاضب لسنوات الخمسينيات‪.‬‬
‫أما في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬فقد اشتهر مسرح الحياة الذي‬
‫أنشأه كل من جوديث مالينا( ‪ ) Judith Malina‬وجوليان بيك(‬
‫‪ . Julian Beck‬ويقوم هذا المسرح على قواعد فنية درامية جديدة‬
‫قصد تأسيس قطب المعارضة و صالة لالثقافة‪.‬‬
‫وإذا انتقلنا إلى ألمانيا ‪ ،‬فقد كتب مجموعة من الكتاب عروضا‬
‫درامية وثائقية متأثرين في ذلك بــــبريشت( ‪ ،) Brecht‬مركزين‬
‫على قضايا سياسية وأخالقية واجتماعية تتعلق بالفرد‪ .‬وفي هذه‬
‫الحالة‪ ،‬نستحضر مسرحية ( حالة القسيس) التي عرضت سنة‬
‫‪1963‬م لــــرولفهوخوث( ‪) Rolf Hochhut‬الذي يحاكم فيها‬
‫الكاتب الصمت المسؤول للبابا پي الثاني عشر( ‪ ) Pie‬إبان‬
‫الحرب العالمية الثانية‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫مسرح أفينيون(‪)festival D’avignon‬‬
‫المطلب الثامن‪ :‬المدرسة الوجودية‬
‫ظهرت المدرسة الوجودية إبان الحرب العالمية الثانية للتشكيك في‬
‫القيم الموروثة‪ ،‬والطعن في األخالق الموجودة‪ ،‬واالستهانة بالتقاليد‬
‫واألعراف التي نشأ عليها اإلنسان األوروبي‪ ،‬بعد أن كشفت الحرب‬
‫زيف هذه المبادئ ‪ ،‬وتدني المثل العليا والقيم األصيلة‪.‬‬
‫وإذا كانت الفلسفة الكالسيكية تقر منذ أفالطون أن لإلنسان ماهية‬
‫تخالف الوجود‪ ،‬وهذه الماهية هي صفات بشرية عامة مطلقة سبقت‬
‫وجوده‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تحضر هذه الماهية باعتبارها صورا مثالية مجردة‬
‫سبقت وجود اإلنسان‪ .‬فالفلسفة الوجودية مع جان پول سارتر(‬
‫‪75‬‬
‫‪ ) Sartre‬ترى‪ ،‬في المقابل‪ ،‬أن الوجود هو األصل‪ ،‬وليس الماهية‪.‬‬
‫وبذلك‪ ،‬أنكر سارتر وجود الماهية‪ ،‬واعتبر الوجود هو مرتكز‬
‫الفلسفة الوجودية‪ .‬ويعني هذا أن اإلنسان عندما يوجد‪ ،‬يختار حسب‬
‫سارتر الماهية التي سيكون عليها‪ :‬هل سيكون شريرا أم سيكون‬
‫طيبا خيرا ؟ وهل سيكون شريفا أم نذال؟ ويمكن له ‪ -‬مادام أنه حر‪،‬‬
‫وولد حرا‪ -‬أن يختار الماهية التي يريدها‪ ،‬وله الحرية التامة في‬
‫تغييرها كيفما يشاء‪ .‬وأساس التفكير عند سارتر هو الوجود مصداقا‬
‫لقول ديكارت‪ :‬أنا أفكر‪ ،‬إذا‪ ،‬أنا موجود‪ .‬ومن ثم‪ ،‬أنكر سارتر كل‬
‫القيم واألخالق المتوارثة‪ ،‬وأنكر وجود هللا ‪.‬‬
‫وإذا كان فالسفة القرن الثامن عشر قد أنكروا وجود هللا كڤولتير(‬
‫‪ )Voltaire‬الذي اعتبر فكرة هللا خرافة نافعة ؛ إذ قال ڤولتير‪ ":‬لو‬
‫لم يكن هللا الخترعه البشر"‪ ،‬باعتبار أن وجود اإلنسان مقترن‬
‫ميتافيزيقيا بوجود هللا الذي يعد مصدرا للراحة والسعادة لبني‬
‫البشر‪.51‬‬
‫أما سارتر فقد أثبت أن هللا فكرة ضارة‪ ،‬ينبغي التخلص منها؛ ألنها‬
‫تعوق تطور اإلنسان‪ ،‬وتعرقل مسيرة نموه ‪ ،‬وتحول دون تحرره ‪.‬‬
‫وقد ارتأى أن بعد الحياة اليوجد سوى الموت والعدم‪ ،‬وأن اإلنسان‪،‬‬
‫في هذه الحياة‪ ،‬كممثل مسرحي يؤدي دوره األنطولوجي (‬
‫الوجودي)‪ ،‬وبعد االنتهاء من ذلك الدور يصيبه العدم الالنهائي‪.‬‬
‫و تنبني الفلسفة الوجودية على ثالثة مرتكزات أساسية هي‪ :‬الحرية‪،‬‬
‫والمسؤولية‪ ،‬وااللتزام‪ .‬ويعني هذا أن الوجودية فلسفة إنسانية‬
‫ملتزمة بامتياز‪ ،‬تدعو إلى الحرية وممارسة حرية القول والفعل من‬
‫خالل حرية الحدث‪ ،‬وحرية الزمان‪ ،‬وحرية المكان‪ .‬ويتمثل شعار‬

‫‪ -51‬محمد مندور ‪:‬األدب ومذاهبه‪ ،‬ص‪.152:‬‬


‫‪76‬‬
‫الوجودية في هذه العبارة الفلسفية التالية‪" :‬افعل ما تشاء ‪ ،‬ومتى‬
‫تشاء‪ ،‬وحيث تشاء"‪.‬‬
‫ولقد ساهمت هذه الفلسفة في انتشار اإلباحية والتخلص من كل‬
‫المكبوتات والتقاليد الموروثة‪ .‬كما يتجلى ذلك في مقاهي‬
‫وكهوف سان جيرمان بباريس‪ .‬وساعدت هذه الفلسفة كذلك على‬
‫انتشار اإللحاد بين الشباب‪ ،‬فدخلت الوجودية في صراع مرير مع‬
‫الكنيسة واليسوعيين‪.‬‬
‫بيد أن هذه الحرية التي يتغنى بها سارتر ليست فوضى مجانية‬
‫مطلقة‪ ،‬بل هي مسؤولية اجتماعية وسياسية قصد التحرر الحقيقي‬
‫من كل القيود البالية‪ ،‬والتخلص من كل أنواع االستعمار واألنظمة‬
‫التي تحارب اإلنسان‪ ،‬وتقف دون تحركه‪ .‬كما أن هذه الحرية عبارة‬
‫عن التزام ذاتي قبل كل شيء‪ ،‬واختيار وجود مصيري معين‪،‬‬
‫والتزام بموقف أخالقي واجتماعي محدد‪ .‬لذلك‪ ،‬يتم الحديث عن‬
‫أنواع ثالثة من االلتزام‪ :‬االلتزام الوجودي‪ ،‬وااللتزام الماركسي‪،‬‬
‫وااللتزام اإلسالمي‪.‬‬
‫كما تسهم هذه المرتكزات الثالثة في توليد ثالثة مشاعر إنسانية‬
‫تؤرق اإلنسان وتحيره هي‪ :‬القلق‪ ،‬والهجران‪ ،‬واليأس‪.‬‬
‫ومن أهم النصوص المسرحية التي شخص فيها سارتر مذهبه‬
‫الوجودي ونظريته الفلسفية مسرحية( الذباب) التي يثور فيها سارتر‬
‫على اآللهة‪ ،‬ويعتبرها متناقضة في قراراتها وأحكامها‪ ،‬ويعني هذا‬
‫أن المسرحية" تعتبر ثورة ضد قضاء اآللهة وما فيه من تناقض‪ ،‬إذ‬
‫نلمح من خاللها أن الجريمة كانت قضاء محتوما متوارثا في‬
‫األسرة‪ ،‬ومع ذلك تأبى اآللهة إال أن تنزل بالمجرم الذي قتل أمه أشد‬
‫العقاب‪ ،‬فتسلط عليه أسراب الذباب أو اإليرينيات( الغوالت)‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫ولكن الوجودية التريد أن تسلم لآللهة بهذا التحكم الظالم‪ .‬ولذلك‪،‬‬
‫نرى أورست الذي يكاد يمثل سارتر نفسه يثور ضد هذا التحكم‪،‬‬
‫ويأبى إال أن يخلص اإلنسانية منه حتى ولو ضحى بنفسه في سبيل‬
‫هذا الخالص‪ ،‬فهجر وطنه مصطحبا معه اإليرينيات ‪ ،‬وكان سارتر‬
‫‪52‬‬
‫يؤسس دينا جديدا‪ ،‬وينهض بعبء الفداء"‪.‬‬
‫ويتمثل التجديد المسرحي في المذهب الوجودي في الثورة على‬
‫مواضعات العقل‪ ،‬واالنزياح عن نواميس المنطق‪ ،‬والتغني بالحرية‬
‫الوجودية التي تتمثل في حرية الفعل‪ ،‬وحرية المكان‪ ،‬وحرية‬
‫الزمان‪ .‬ويعد سارتر أول من أدخل القبلة في المسرح الغربي‪ ،‬وثار‬
‫على األخالق والتقاليد ‪ ،‬وزاوج بين أسلوب التهكم القدحي والسجل‬
‫اإلباحي بكثرة في مسرحياته‪ .‬بيد أن مسرحه عدمي وغير أخالقي‬
‫بشكل مميز‪.‬‬

‫المسرح الوجودي‬

‫‪ -52‬محمد مندور‪ :‬نفسه‪ ،‬صص‪.154-146:‬‬


‫‪78‬‬
‫المطلب التاسع‪ :‬مسرح الالمــــــــعقول‬
‫يعد مسرح الالمعقول من أهم الحركات المسرحية الطليعية في‬
‫القرن العشرين‪ .‬وقد تأثرت الحركة بالفلسفة الالعقالنية ‪ ،‬وأدب‬
‫الغرابة‪ ،‬والفن السريالي‪ ،‬والحركة الدادية‪ ،‬ووجودية سارتر‪ .‬ومن‬
‫رواد هذا االتجاه المسرحي صمويل بيكيت( ‪،)Beckett‬‬
‫ويونيسكو(‪ ،)Ionesco‬وأرابال( ‪ ،) Arrabal‬وأداموف(‬
‫‪.)Adamov‬‬
‫وقد عرف مسرح الالمعقول أوجه مع سنوات الخمسين من القرن‬
‫العشرين ‪ ،‬وبقي تأثيره حتى سنوات السبعين من القرن الماضي‪.‬‬
‫وينبني هذا المسرح على الغرابة والشذوذ والالمنطق‪ ،‬وانعدام‬
‫الترابط السببي ‪ ،‬واستعمال لغة الحركة واإليماءة واألصوات‬
‫المبهمة‪ ،‬وتشغيل خطاب الصمت والالتواصل والحركات السيميائية‬
‫الموحية‪.‬‬
‫ويبدو أن هذا المسرح يعبر عن ال معقولية هذه الحياة‪ ،‬ويفتقد إلى‬
‫العقد التقليدية ‪ ،‬وتنعدم فيه الحلول ‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة لمسرحية‬
‫(انتظار غودو) لصمويل بيكيت‪ .‬ناهيك عن غموض أفكار هذا‬
‫المسرح ‪ ،‬وإيغاله في التجريد الرمزي‪ ،‬وتكسير الوحدات‬
‫األرسطية‪ ،‬والعبث بها كما نجد ذلك في مسرحية ( الحبل‬
‫المتهدل)ألرابال‪ ،‬و مسرحية (الكراسي) ليونسكو‪.‬‬
‫وقد ينعدم الحوار في هذه العروض الدرامية الالمعقولة؛ حيث ال‬
‫تتكلم الش خصيات إال بحوار غامض أو متقطع‪ ،‬أو بكلمة‪ ،‬أو‬
‫بكلمتين‪ ،‬وقد يكون كالما مبهما‪ ،‬بل نجد شخصيات صماء وخرساء‬
‫مثل مسرحية (النادل األخرس)‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫ومن الذين تأثروا بهؤالء الدراميين إدوارد ألبي( ‪Edward‬‬
‫‪ ) Albee‬األمريكي الذي قدم عروضا ال منطقية وغير مفهومة‬
‫على غرار كتاب مسرح الالمعقول األوربي‪ ،‬كما يشبهه في ذلك‬
‫هارولد بينتر( ‪ ) Harold Pinter‬في مسرحية (العودة) سنة‬
‫‪1964‬م‪.‬‬
‫ويالحظ أن مسرح الالمعقول مسرح عدمي وفوضوي وتقويضي‬
‫يشكك في كل شيء‪ ،‬يشك في اإلنسان‪ ،‬والوجود‪ ،‬والقيم‪،‬‬
‫والعقل‪.‬بمعنى أنه مسرح سلبي وعبثي بامتياز‪.‬‬

‫مسرح الالمعقول‬

‫‪80‬‬
‫المطلب العاشر‪ :‬المدرسة الكوميدية الســـــوداء‬
‫ظهرت الكوميديا السوداء في المسرح العالمي في القرن العشرين‪،‬‬
‫بانتشار الفلسفات والفنون الالعقالنية في الغرب ‪ ،‬كالسريالية‪،‬‬
‫والدادائية‪ ،‬والوجودية‪ ،‬والعبثية‪ ،‬والعدمية‪ ،‬والتجريدية‪ ،‬والتكعيبية‪،‬‬
‫وانتشار مسرح الالمعقول مع يوجين يونيسكو‪ ،‬وأداموف‪ ،‬وصمويل‬
‫بيكيت‪ ،‬وأرابال‪....‬‬
‫وثمة فرق واضح بين الكوميديا السوداء والكوميديا الساخرة‪ .‬وإذا‬
‫كانت الكوميديا السوداء مبنية على الكوميك الصادم ‪ ،‬وقائمة أيضا‬
‫على فلسفة العبث والجنون والهذيان‪ ،‬وإدانة واقع القهر والتعسف‬
‫والجور‪ ،‬فإن الكوميديا الساخرة نوعان‪:‬‬
‫أوال‪ ،‬كوميديا ساذجة تعتمد على الهجاء البذيء‪ ،‬والضحك المتتابع‪،‬‬
‫والفكاهة المثيرة‪ ،‬كما يتجلى ذلك واضحا في مسرح وان مان شاو‪،‬‬
‫أوفي السكيتشات الهزلية‪...‬؛‬
‫وثانيا‪ ،‬كوميديا راقية تعتمد على الصراع الدرامي بين المواقف‬
‫والشخصيات والقيم ‪ ،‬كما نجد ذلك في كوميديات موليير المسرحية‬
‫واألدبية‪ ،‬أو نجدها أيضا في الكوميديا المرتجلة‪...‬‬
‫ولقد وجدت الكوميديا الساخرة منذ الفترة اليونانية مع أريستوفان‬
‫الذي كان يستعمل لغة ساخرة في نقده اللذيع‪ ،‬وهجائه لآلخرين‪.‬‬
‫واستمرت هذه الكوميديا الهجائية أو الساخرة في أداء أدوارها‬
‫االنتقادية عبر مختلف العصور التاريخية ‪ ،‬إما في الغرب‪ ،‬وإما في‬
‫الشرق ‪ ،‬بنقد أوضاع المجتمع ‪ ،‬و محاكاة أراذل الناس‪ ،‬وتبيان‬
‫نواقصهم‪ ،‬وتشخيص عيوبهم‪ ،‬ورصد عوراتهم‪ ،‬وتتبع أخطائهم‬
‫وزالتهم‪ .‬بيد أن هذه الكوميديا الساذجة كان الغرض منها التنكيت‪،‬‬
‫واإلمتاع‪ ،‬وإثارة الضحك‪ ،‬وتغليب جانب التسلية والترفيه على‬
‫حساب اإلقناع والفائدة‪ .‬بل كانت هذه الكوميديا تكرس الوعي‬
‫الطبقي السائد في المجتمع‪ ،‬وتخدم إيديولوجية السلطة أو الفئة أو‬
‫الطبقة الحاكمة‪ ،‬بشكل من األشكال‪ ،‬مادامت أداة فنية وجمالية‬
‫‪81‬‬
‫تدغدغ عواطف المتفرجين بشكل سلبي ومستلب‪ ،‬وال تدفعهم إلى‬
‫التفكير السليم‪ ،‬واستخدام العقل لتغيير الواقع‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬تقول‬
‫نهاد صليحة في كتابها( التيارات المسرحية المعاصرة)‪ ":‬بين مبدأ‬
‫إثارة الضحك إلراحة الذهن من التفكير‪ ،‬أو لصرفه عن التفكير‪،‬‬
‫ومبدأ إثارة الضحك إلثارة الفكر أو للدعوة إلى التفكير‪ ،‬تأرجحت‬
‫الكوميديا على طول تاريخها الطويل‪.‬‬
‫فالمبدأ األول تندرج تحته كل العروض الهزلية (الفارس)‪ ،‬سواء‬
‫أكانت مسرحيات كاملة أم اسكتشات‪ ،‬والتي تستهدف أوال وقبل كل‬
‫شيء دغدغة المتفرج‪ ،‬وإثارة أكبر قدر من الضحك‪ ،‬حتى تنهكه‪-‬‬
‫عضليا‪ -‬إنهاكا كامال‪ ،‬بحيث ال يصبح قادرا على التفكير في أي‬
‫شيء‪.‬أي‪ :‬إنها – إذا كانت جيدة‪ -‬تنهك جسده لتريح عقله‪ ،‬أو هي –‬
‫إذا كانت سيئة‪ -‬تنهك جسده‪ ،‬وتنتهك عقله في الوقت نفسه‪.‬‬
‫وتحت المبدأ الثاني‪ ،‬يندرج كل ما نسميه بالكوميديات الراقية التي‬
‫ترتفع إلى مستوى األدب المسرحي‪ ،‬إذ هي ال تعتمد على المفارقات‬
‫الصارخة‪ ،‬سواء في الحركات الجسدية أو المواقف السطحية‪ ،‬كما‬
‫تفعل المسرحيات الهزلية‪ ،‬بل تحاول إثارة الضحك عن طريق تنبيه‬
‫المتفرج إلى مواطن الشذوذ في واقعه االجتماعي واإلنساني‪ ،‬بحيث‬
‫يصبح الضحك انتقادا للواقع‪ ،‬وتعليقا عليه أمال في إصالحه‪"53.‬‬
‫في حين‪ ،‬تعد الكوميديا السوداء‪ ،‬أو الكوميديا الجديدة‪ ،‬فلسفة إنسانية‬
‫مأساوية‪ ،‬تعبر عن عبثية الواقع‪ ،‬واندحار اإلنسان تراجيديا‪،‬‬
‫وسقوطه قيميا وأخالقيا ووجوديا‪ .‬وتعبر أيضا عن فلسفة عدمية‬
‫مقيتة‪ ،‬يتقاطع فيها الحلم والجنون‪ ،‬والوعي والهذيان‪ ،‬والشعور‬
‫والالشعور‪ ،‬والضحك والبكاء‪ ،‬والموت والحياة‪ " ،...‬وإذا كانت‬
‫الكوميديا على طول تاريخها احتفاال بالحياة‪ ،‬ومحاولة لترسيخ‬
‫قيمتها واستمراريتها‪ ،‬وفق مبادئ معروفة‪ ،‬وفي أطر قيم ثابتة متفق‬
‫عليها في المجتمع بصورة عامة‪ ،‬فإن الكوميديا السوداء ترتكز‬
‫أساسا على إحساس عميق بالال جدوى أو العدمية‪ ،‬وهو إحساس‬
‫‪ -53‬نهاد صليحة‪ :‬التيارات المسرحية المعاصرة‪ ،‬ص‪.135:‬‬
‫‪82‬‬
‫يتخطى مرحلة اإلحساس بالمأساة أو الفجيعة‪ ،‬وال يمكن التعبير عنه‬
‫إال بالضحك المتشنج الهستيري‪.‬‬
‫والضحك في هذا النوع من الكوميديا يفتقد تماما السخرية اإليجابية‬
‫التي تميز كوميديا النقد االجتماعي‪ ،‬كما يخلو من اإلحساس بالسعادة‬
‫لزوال غمة عابرة‪ ،‬وهو الذي يميز الضحك الذي تبعثه الكوميديات‬
‫الرومانسية‪ ،‬وهو ال يتضمن حتى ذلك الشعور بالتفوق والتميز الذي‬
‫يحسه المتفرج‪ ،‬وهو يضحك من المآزق التي يتعرض لها أبطال‬
‫الهزليات‪.‬فالضحك في الكوميديا السوداء تنفيس عضلي عن توتر‬
‫عميق مدمر ‪ ،‬ينتج من إدراك المتفرج لموقف بالغ القتامة‪ ،‬ال أمل‬
‫في عالجه‪ ،‬وال مهرب منه إال بالضحك أو الموت‪ ،‬أو الجنون‪"54.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬فلقد ظهرت الكوميديا السوداء ‪ -‬أوال‪ -‬في السينما‬
‫على يد المخرج األمريكي جاك سميث في فيلمه( المخلوقات‬
‫الملتهبة والحب الطبيعي)‪ ،...‬ونجدها أيضا عند ألفريد هتشكوك‪،‬‬
‫وتيم برتون‪ ،‬وجون واترس‪ ،‬وجيرار أوري‪ ...‬ثم‪ ،‬انتقلت إلى‬
‫المسرح على أيدي مجموعة من المبدعين والكتاب والفنانين‬
‫المسرحيين‪ ،‬كان أهمهم‪ :‬كينيث برنارد‪ ،‬وتشارلز الدالم‪ ،‬ورونالد‬
‫تافيل‪ ،‬والمخرج المسرحي جون فاكرو الذي أخرج مسرحيات‬
‫هؤالء المبدعين والكتاب‪ ،‬مثل مسرحية( حياة ليدي جودايفا) التي‬
‫قدمت سنة ‪1966‬م بشعار مسرح( االستهزاء والتتفيه) ‪ .‬وأسس‬
‫تشارلز الدالم فرقة مسرحية سنة ‪ 1968‬م‪ ،‬تعنى بتقديم عروض في‬
‫إطار الكوميديا السوداء‪ ،‬تسمى بفرقة مسرح االستهزاء‪ .‬ولكن‬
‫يالحظ أن مؤسس هذه الفرقة المسرحية لم ينظر لهذا االتجاه‬
‫المسرحي‪ ،‬كما فعل كثير من المخرجين والمبدعين المسرحيين‬
‫مثل‪ :‬ستانسالفسكي‪ ،‬أو بريشت‪ ،‬أو كروتوفسكي‪ ،‬وأنطونانأرطو‪،‬‬
‫وغيرهم كثير‪ ،‬بل نجد عروضه المسرحية هي التي تحمل‪ ،‬في‬
‫طياتها‪ ،‬مالمح هذا االتجاه المسرحي الجديد فكرة‪ ،‬وتأثيثا‪،‬‬
‫وتشخيصا‪ ،‬وإخراجا‪.‬‬

‫‪ -54‬نهاد صليحة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.136:‬‬


‫‪83‬‬
‫ومن أكثر كتاب إنجلترا تأثرا بالكوميديا السوداء توم ستوبارد الذي‬
‫يعد " أكثر الكتاب اإلنجليز سخرية من الفلسفات والسفسطة اللغوية‪،‬‬
‫وأ كثرهم استخداما لعنصر الهزل في مسرحه‪ .‬لكن توم ستوبارد لم‬
‫يحاول أن يتخطى الحد الفاصل بين الواقع والوهم المسرحي‪ ،‬كذلك‬
‫فهو يكن احتراما بالغا للفن المسرحي‪ ،‬واقتناعا عميقا بقيمته في ذاته‬
‫وبصورة مطلقة ‪ ،‬وربما كان هذا ما يميزه أساسا عن كتاب تيار‬
‫مسرح االستهزاء‪"55.‬‬
‫ولم ينتقل مسرح الكوميديا السوداء إلى العالم العربي إال في سنوات‬
‫السبعين من القرن الماضي‪ ،‬بعد انحساره في أوروبا وأمريكا ‪،‬‬
‫وانتشر ‪ ،‬بشكل الفت لالنتباه‪ ،‬في المسرح المغربي بصفة عامة‪،‬‬
‫ومسرح المنطقة الشرقية بصفة خاصة(لحسن قناني‪ -‬مصطفى‬
‫رمضاني‪ -‬لخضر مجدوبي‪ -‬حفيظ مساوي‪ -‬محمد الشركي‪-‬محمد‬
‫بوقرات‪.)...‬ويعني هذا أن دخول مسرح الكوميديا السوداء إلى العالم‬
‫العربي متأخر جدا‪ ،‬ومرتبط بأفوله في الغرب‪ .‬وفي هذا السياق‪،‬‬
‫تقول نهاد صليحة‪ ":‬ومع انحسار موجة التجريب في المسرح في‬
‫أوروبا وأمريكا مع بداية الثمانينيات‪ ،‬ومع ازدياد التركيز على‬
‫المسارح اإلقليمية ومسارح المجتمعات المحلية الصغيرة‪ ،‬ومع‬
‫ظهور بشائر محاوالت للبحث عن منابع للقيمة في حياة اإلنسان‪،‬‬
‫عما أسماه توم ستوبارد في آخر مسرحياته( بالشيء‬
‫الحقيقي)(‪1983‬م)‪ ،‬وهو عنوان المسرحية‪ ،‬يمكننا التنبؤ بأن تيار‬
‫المسرح االستهزائي سيبدأ في االنحسار‪.‬فهو تيار قد حمل التجريب‬
‫في المسرح إلى ذروته‪،‬واليأس إلى درجة الملل من اليأس‪ ،‬ولننتظر‬
‫ما تجيء به األيام‪"56.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فلقد أصبحت الكوميديا السوداء ميسما رئيسا في جل‬
‫المسرحيات العربية ‪ ،‬ولم يكن دائما جنسا دراميا مستقال بنفسه‪ ،‬بل‬
‫أصبح كذلك آلية أو تقنية درامية توظف في أنواع من العروض‬

‫‪ -55‬نهاد صليحة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.141:‬‬


‫‪ -56‬نهاد صليحة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.141:‬‬
‫‪84‬‬
‫المسرحية‪ ،‬مثل ‪ :‬المسرح الفردي‪ ،‬أو مسرح الالمعقول‪ ،‬أو‬
‫المسرح التجريبي‪ ،‬أو المسرح التجريدي‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫المسارح‪...‬‬
‫ويمكن الحديث عن مجموعة من العوامل التي ساهمت في إفراز‬
‫هذه الكوميديا الجديدة التي تجمع بين آليات المفارقة والتناقض‬
‫والسخرية‪ .‬ونحصر هذه العوامل فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬ماعرفه الغرب من حروب وأزمات وويالت زعزعت اإلنسان‬
‫ماديا ومعنويا ‪ ،‬فخلخلت منظومته األخالقية واالعتقادية ‪ ،‬ودفعته‬
‫إلى التشاؤم والتبرم من الحياة تشكيكا‪ ،‬وإلحادا ‪ ،‬وثورة‪.‬‬
‫‪ ‬ظهور الفلسفات الالعقالنية أو العبثية التي تشكك في العقل وفي‬
‫القيم والمعايير الغربية الموروثة ‪ ،‬كالفلسفة العبثية عند نيتشه‬
‫وشوبنهاور‪ ،‬والفلسفة الوجودية عند سارتر‪ ،‬والفلسفة العدمية‪...‬‬
‫‪‬ظهور مدارس فنية في المسرح غارقة في العبث والجنون‬
‫والهذيان والصراخ والضحك الهستيري‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا في‬
‫المسرح السريالي‪ ،‬ومسرح الالمعقول‪ ،‬ومسرح العبث‪...‬‬
‫‪ ‬انتقال اإلنسان من مرحلة االحتفال بسعادة الحياة إلى مرحلة‬
‫االحتفال بالعدمية‪ ،‬والفشل‪ ،‬واإلخفاق‪ ،‬والعبث‪ ،‬والسقوط‬
‫التراجيدي‪.‬‬
‫‪‬انتشار الفلسفة العبثية‪ ،‬بشكل الفت لالنتباه‪ ،‬في المجتمعات‬
‫الليبرالية المفلسة؛ مما جعل اإلنسان عرضة لألزمات المادية‬
‫والنفسية واألخالقية؛ فأصبح هذا اإلنسان كائنا مشيأ ضائعا ومستلبا‪،‬‬
‫ال قيمة له في هذا الكون التراجيدي العابث‪ ،‬فلقد" كانت اإلجابة في‬
‫الغرب هي العبثية ثم ما بعد العبثية‪ ،‬أو‪ -‬في قول آخر‪ -‬كانت أوال‬
‫هي الضحك المتألم الفلسفي من انحسار اإليمان وفوضى القيم ‪،‬‬
‫وفساد اللغة‪ ،‬في استسالم ويأس‪ ،‬وهذا ما فعله مسرح العبث على‬
‫أيدي يوجين يونيسكو وصمويل بيكيت وغيرهم‪ ،‬ثم في مرحلة‬

‫‪85‬‬
‫الحقة عانق اإلنسان قدره اليائس في تحد‪ ،‬وجاء االحتفال بالعدمية‬
‫بعد أن تعذر االحتفال بالحياة‪.‬وكانت هذه مرحلة ما بعد العبث في‬
‫أمريكا التي تبلورت بصورة صارخة في مسرح" االستهزاء‬
‫والتتفيه"‪."57‬‬
‫هذه هي أهم العوامل واألسباب التي كانت وراء ظهور الكوميديا‬
‫الصادمة‪ .‬ناهيك عن انعدام حريات اإلنسان وحقوقه الخاصة‬
‫والعامة‪ ،‬وإحساس اإلنسان المعاصر بالقهر‪ ،‬والخيبة‪ ،‬واإلخفاق‪،‬‬
‫فنتج عن هذا كله وجود ثنائية قاهر ومقهور داخل مجتمع القهر‬
‫والجور واإلحباط‪.‬‬

‫الكوميديا السوداء‬

‫‪ -57‬نهاد صليحة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.137:‬‬


‫‪86‬‬
‫المطلب الحادي عشر‪ :‬مسرح القسوة‬
‫ساهم الكاتب الفرنسي والدرامي أنطونين آرطو( ‪Antonin‬‬
‫‪ ، )Artaud‬في كتابه (المسرح ومضاعفه ‪Le Théâtre et son‬‬
‫‪ ،) double‬في تجديد المسرح الغربي بنية‪ ،‬وداللة‪ ،‬ورؤية؛‬
‫وتثويره لغة‪ ،‬وقالبا‪ ،‬وتصورا؛ وتطويره فنيا‪ ،‬وجماليا‪،‬وإخراجيا‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يعد المجتمع الغربي ‪ -‬حسب أرطو‪ -‬مجتمعا مريض‪،‬‬
‫ويستلزم الشفاء العاجل‪ ،‬ولكن ليس بواسطة السيكولوجيا‪ ،‬بل‬
‫بواسطة مسرح جواني وروحاني‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالمسرح الصافي عنده‬
‫هو ذلك المسرح الذي يهدم األشكال القديمة‪ ،‬وتنبعث على أنقاضها‬
‫حياة جديدة‪ .‬كما استفاد آرطو من المسرح الشرقي‪ ،‬وكذا من‬
‫الموروثات البدائية‪ ،‬بتجديد اللسان المسرحي لينتقل مما هو لفظي‬
‫إلى ماهو حركي وطقوسي وصوتي‪ .‬وبذلك‪ ،‬استطاع أرطو أن‬
‫يدشن مسرح القسوة(‪ ) Théâtre de cruauté‬الذي يسعى إلى‬
‫زعزعة المتفرجين‪ ،‬وتطهيرهم من غرائزهم االنفعالية‪ ،‬وتخليصهم‬
‫من شرورهم الالشعورية المترسبة في الالوعي‪.‬‬
‫ويتبين لنا ‪ ،‬مما سلف ذكره‪ ،‬أن آرطو يدعو إلى مسرح عالمي‬
‫متعدد األشكال الثقافية‪ .‬ولكن ما يالحظ على اجتهادات هذا المنظر‬
‫سمة الغموض الفكري والنظري والتطبيقي؛ ألن ليس هناك نموذج‬
‫درامي يشخص أفكاره الهامة سوى تجربته السيئة الحظ ( ‪Les‬‬
‫‪ /Cenci‬لي سينسي) سنة ‪1935‬م‪ ،‬وقد أثارت نقاشات عدة‬
‫وردودا نقدية متنوعة‪ .‬غالبا‪ ،‬ما كانت متناقضة فيما بينها‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫مشهد من مسرحية لي سينسي ألنطونين أرطو‬
‫المطلب الثاني عشر‪ :‬مدرسة المــــسرح الجديد‬
‫ساهمت أفكار أنطونين أرطو حول مسرح القسوة في ظهور‬
‫المسرح الجديد في سنوات العقد السادس من القرن العشرين الذي‬
‫جسده كل من مسرح مختبر ڤروكالو للبولوني جيرزي‬
‫غروتوڤسكي‪ ،‬وورشة مسرح القسوة لــپيتر بروك( ‪Peter‬‬
‫‪Ariane‬‬ ‫‪ ،)Brook‬و مسرح الشمس آلريان منوشكين(‬
‫‪ ،) Mnouchkine‬والمسرح المفتوح لجوزيف شايكان( ‪Joseph‬‬
‫‪.)Chaikin‬‬
‫ويرتكز هذا المسرح الجديد على العمل اإلبداعي الجماعي للممثلين‬
‫بدل االرتكاز على النص‪ ،‬وتحضر المشاهد الدرامية بعد أشهر عدة‬
‫‪88‬‬
‫من العمل‪ ،‬بالتركيز على الحركات واإلشارات واألصوات واللغة‬
‫غير الخاضعة للقواعد‪ ،‬وعلى فضاء غير مألوف وال طبيعي‪.‬‬
‫ومن النماذج التمثيلية لهذا النوع من المسرح مارات ساد( ‪Marat‬‬
‫‪ )Sade‬لپيترڤايس( ‪.)Peter Weiss‬‬

‫مسرحية مارا‪/‬ساد لبيتر فايس‬

‫‪89‬‬
‫مسرح أريان مينوشكين‬

‫‪90‬‬
‫مسرح بيتر بروك‬

‫المسرح المفتوج لجوزيف شايكان‬


‫‪91‬‬
‫مسرح كروتوفسكي‬
‫المطلب الثالث عشر‪ :‬مدارس المسرح المعاصر‬
‫إذا كانت الطبيعية متجاوزة بعد الحرب العالمية األولى من قبل‬
‫مذاهب فنية وجمالية طليعية‪ ،‬فلقد استمر الشكل الواقعي في هيمنته‬
‫على المسرح المؤسساتي‪ .‬لكن هذه الواقعية ليست سيكولوجية‪ ،‬بل‬
‫تهدف إلى إعادة بناء واقعية للحقيقة االجتماعية‪.‬‬
‫ومن النماذج الممثلة لها في الواليات المتحدة األمريكية أرثورميللر(‬
‫‪ ،) Arthur Miller‬وتينيسي وليامز( ‪Tennessee Williams‬‬
‫)‪ ،‬وأوجين أونيل( ‪.)Eugene O’Neill‬‬
‫وقد تطور المسرح األمريكي ‪ ،‬في سنوات الخمسين‪ ،‬بفضل‬
‫أستوديو الممثلين الذي أنشأه كل من إيليا كازان( ‪،)Elia Kazan‬‬
‫ولي شتراسبيرغ( ‪.)Lee Strasberg‬وقد كون هذا األستوديو‬

‫‪92‬‬
‫مجموعة من الممثلين األمريكيين المشهورين ‪ ،‬أمثال ‪ :‬جيمس‬
‫داين(‪ ،) James Dean‬ومارلون براندو(‪،) Marlon Brando‬‬
‫وپول نيومان( ‪،) Paul Newman‬ومالرين مونرو( ‪Marilyn‬‬
‫‪ ،) Monroe‬وإليزابيث تايلور(‪.) Elizabeth Taylor‬‬
‫ول قد اعتمد ستراسبرغ ‪ ،‬في منهجيته الدرامية‪ ،‬على نظريات‬
‫ستالنيسالفسكي( ‪ ،)Stanislavski‬وأعطى األولوية لإلحساس‪،‬‬
‫والبحث عن لعبة حية عصبية وطبيعية‪ .‬وسمحت هذه التقنية في‬
‫العمل للممثل كي يتحرر من سيطرة النص والمخرج‪ ،‬و يرتجل‬
‫كالمه‪ ،‬وأصبح هذا االرتجال ‪ -‬إلى يومنا هذا‪ -‬مرحلة مهمة في‬
‫العمل المسرحي‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬فلقد ظهرت مسارح جانبية في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية كمسرح الشارع‪ ،‬وورشات المسرح الطليعي الذي مثله‬
‫فنانون مهمشون اكتفوا بالمسرح الفقير‪ ،‬وقدموا عروضهم في‬
‫المقاهي والكنائس والمالعب‪.‬‬
‫ولقد بدأ االهتمام في أوروبا وأمريكا باإلخراج المسرحي‪ -‬فعليا ‪-‬‬
‫في سنوات السبعين من القرن العشرين‪ ،‬بتطوير السينوغرافيا‬
‫المشهدية‪ ،‬وإعادة قراءة النصوص الكالسيكية في ضوء قراءات‬
‫درامية جديدة أدبية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬واجتماعية‪،‬ودراماتورجية‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫مسرح أوجين أونيل‬

‫مسرح أرثورميللر‬

‫‪94‬‬
‫مسرحية تينيسي ويليامز‬

‫مسرح الشارع‬
‫‪95‬‬
‫المسرح الفقير‬

‫وخالصة القول‪ ،‬لقد شهد القرن العشرون مجموعة من الحركات‬


‫والمدارس المسرحية الطليعية والتجريبية‪ ،‬ويمكن حصرها في‬
‫المسرحية المستقبلية‪ ،‬والمسرحية الدادائية‪ ،‬والمسرحية التعبيرية‪،‬‬
‫والمسرحية السريالية‪ ،‬والمسرحية الوجودية‪ ،‬والمسرحية التسجيلية‪،‬‬
‫ومسرح الكوميديا السوداء‪ ،‬ومسرح األوتشرك‪ ،‬ومسرح الالمعقول‪،‬‬
‫ومسرح مابعد الحرب‪ ،‬والمسرح الجديد‪ ،‬ومسرح الفن المعاصر‪...‬‬
‫ومازال المسرح المعاصر يتطور ويتقدم ويزدهر بشكل حثيث وفق‬
‫المستجدات الوسائطية واإلعالمية والبصرية‪.‬ويمكن الحديث‪ ،‬في‬
‫المستقبل القريب أو البعيد‪ ،‬عن مجموعة من المدارس المسرحية‬
‫الجديدة والطليعية األخرى التي تتماثل مع واقعها المعاصر إن‬
‫رؤية‪ ،‬وإن تنظيرا‪ ،‬وإن ممارسة ‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫خاتمة‬
‫وخالصة القول‪ ،‬يتبين لنا‪ ،‬مما سبق ذكره‪ ،‬أنه من الصعب بمكان‬
‫معرفة فن المسرح‪ ،‬أو ممارسة طقوسه وعروضه التمثيلية‪ ،‬أو‬
‫كتابة النصوص الدرامية‪،‬وإبداع النظريات المسرحية‪ ،‬إذا لم‬
‫يستوعب اإلنسان الفعل المسرحي بشكل جيد تصورا وممارسة‪،‬‬
‫ويتشرب تاريخه الطويل‪ ،‬ويتطلع إلى مجمل حركاتهاألدبية والفنية‬
‫ومدارسه عبر تسلسله الزمني قصد معرفة الثوابت والمتغيرات‪،‬‬
‫بتفهم السياق اإليديولوجي واالجتماعي والظروف التي أفرزت تلك‬
‫المدارس‪ ،‬وساهمت في خلق مبادئها ومرتكزاتها الذهنية‪ ،‬والفكرية‪،‬‬
‫والفنية‪ ،‬والجمالية ‪ ،‬والركحية‪ ،‬واإليديولوجية‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فلقد عرف العالم الغربي مجموعة من الحركات والتيارات‬
‫واالتجاهات والمدارس المسرحية التي يمكن حصرها في المدرسة‬
‫الكالسيكية‪ ،‬والمدرسة الكروتيسكية‪ ،‬والمدرسة الرومانسية‪،‬‬
‫والمدرسة الواقعية‪ ،‬والمدرسة الطبيعية‪ ،‬والمدرسة الرمزية‪،‬‬
‫والمدرسة التعبيرية‪ ،‬والمدرسة الدادائية‪ ،‬والمدرسة السريالية‪،‬‬
‫والمدرسة الوجودية‪ ،‬والمدرسة التسجيلية‪ ،‬والمدرسة الريبورتاجية‪،‬‬
‫والمدرسة العبثية‪ ،‬ومدارس الفن المعاصر‪...‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فلقد كانت هذه المدارس المسرحية تعبيرا حقيقيا عن‬
‫واقعها الموضوعي‪ ،‬على جميع األصعدة والمستويات‪ .‬بمعنى أن‬
‫هذه المدارس المسرحية كانت إفرازا طبيعيا لمختلف التناقضات‬
‫السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬والمجتمعية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬والدينية‪،‬‬
‫والحضارية‪ ،‬والفكرية‪ ،‬واإليديولوجية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فلقد تحققت طفرات‬
‫وقفزات وانزياحات فنية وجمالية على مستوى التصور والتنظير‬

‫‪97‬‬
‫الدرامي من جهة‪ ،‬وعلى مستوى الممارسات والتطبيقات الدرامية‬
‫الركحية من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‬
‫القرآن الكريم برواية ورش عن نافع عن األزرق‪.‬‬

‫المصادر العامة‪:‬‬
‫‪ -1‬أرسطوطاليس‪ :‬فن الشعر‪،‬ترجمة عبد الرحمن بدوي‪ ،‬دار الثقافة‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -2‬أرسطو‪ :‬فن الشعر‪ ،‬مكتبة المسرح رقم‪ ،3‬ترجمة وتعليق‪:‬‬
‫إبراهيم حمادة‪ ،‬مركز الشارقة لإلبداع الفكري‪،‬الشارقة‪ ،‬اإلمارات‬
‫العربية المتحدة‪.‬‬

‫المراجع المكتوبة باللغة العربية‪:‬‬


‫‪ -3‬اصطيفاناكصيل‪ :‬تاريخ شمال أفريقيا‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد التازي‬
‫سعود‪ ،‬مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪2007‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬بوزيانالدراجي‪ :‬القبائل األمازيغية‪ ،‬الجزء األول‪،‬دار الكتاب‬
‫العربي‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬جميل حمداوي‪:‬المسرح األمازيغي المغربي بين النشاة‬
‫والتطور‪ ،‬منشورات المعارف‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫سنة ‪2014‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬جورج هوجنيه‪ :‬روح الدادائية في الرسم‪ ،‬طبعة ‪.1934‬‬
‫‪ -7‬شارل أندري جوليـان‪ :‬تاريخ إفريقيا الشمالية‪ ،‬تعريب‪ :‬محمد‬
‫مزالي البشير بن سالمة‪ ،‬الدار التونسية للنشر ‪1969‬م‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫ المذاهب األدبية والنقدية عند العرب‬:‫ شكري محمد عياد‬-8
‫ الطبعة األولى سنة‬،177 ‫ العدد‬،‫ الكويت‬،‫ عالم المعرفة‬، ‫والغربيين‬
.‫م‬1993
،‫ المغرب‬،‫ الدار البيضاء‬، ‫ دار توبقال‬،‫ التقليدية‬: ‫ محمد بنيس‬-9
.‫م‬1989‫الطبعة األولى سنة‬
،‫بركان‬،‫ مطبعة تريفة‬،‫ حوار مع الكوميديا‬:‫ محمد قيسامي‬-10
.‫م‬1988 ،‫المغرب‬
‫ مطابع الهيئة‬،‫ المدارس المسرحية المعاصرة‬:‫ نهاد صليحة‬-11
‫ الطبعة األولى سنة‬،‫ مصر‬،‫ القاهرة‬،‫المصرية العامة للكتاب‬
.‫م‬1986

:‫المراجع األجنبية‬
12- A. Génétiot, Le Classicisme, collection
Quadrige chez PUF, 2005.
13- André Breton, Le Surréalisme et la Peinture,
Paris, Gallimard, 1928-1965.
14- Astruc R., Le Renouveau du grotesque dans
le roman du XXe siècle, essai d'anthropologie
littéraire, Paris, Classiques Garnier, 2010.
15- Astruc R., Vertiges grotesques, esthétiques
du choc comique (roman - théâtre - cinéma),
Paris, Honoré Champion, 2012.
16- Georges Legros, Michèle Monballin et Isabelle
Streel, Grands courants de la littérature française,
Editions AltioraAverbode, 2007.
17- Gérard Durozoi, Dada et les arts rebelles,
Paris, Hazan, coll. « Guide des arts », 2005.
100
18- Henri Béhar et Michel Carassou, Dada,
histoire d’une subversion, Fayard, Paris 1990-
2005.
19- Iehl D, Le Grotesque, Paris, P.U.F., coll. Que
sais-je ?, 1993.
20-Karine Cardini et Silvia Contarini (coord.), Le
Futurisme et les avant-gardes littéraires et
artistiques au début du XXe siècle, CRINI, Nantes,
2002.
21- L'Univers. Afrique : Esquisse Générale
De L'Afrique Et Afrique Ancienne. Carthage.
Numidie Et Mauritanie. T. Iii Par M. D'Avezac -
Par M. Dureau De La Malle, Et Par M. J. Yanoski -
Par M. Louis Lacroix, [Edition De 1844] .
22-Maurice Godé, L'Expressionnisme, Paris, PUF,
coll. « Perspectives germaniques », 1999.
23-Michel Sanouillet, Dada à Paris, CNRS
Éditions, 1965-2005 ;Laurent Le Bon, Dada,
Éditions du Centre Pompidou, Paris, 2005.
24-Paul Gorceix (1930-2007), Fin de siècle et
Symbolisme en Belgique, 1998.
25-Roger Zuber et Micheline Cuénin : Le
Classicisme, Paris, Flammarion, « GF », 1998.
26-Saint Augustin, Confessions, III, 3, trad.
D’Arnauld d'Andilly (1649), établie par O.
Barenne, éd. Ph. Sellier, Gallimard, " Folio ", 1993.

:‫المقاالت‬

101
‫‪ -27‬مصطفى رمضاني‪ ( :‬تقديم مسرحية الورشة)‪ ،‬مسرحية‬
‫الورشة‪ ،‬لعبد الحفيظ مديوني‪ ،‬مطبعة تريفة بركان‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫سنة ‪2007‬م‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫السيـــرة العلـــمية‪:‬‬

‫‪ -‬جميل حمداوي من مواليد مدينة الناظور‪.‬‬


‫‪ -‬حاصل على دبلوم الدراسات العليا سنة ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حاصل على دكتوراه الدولة سنة ‪2001‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حاصل على إجازتين‪:‬األولى في األدب العربي‪ ،‬والثانية في‬
‫الشريعة والقانون‪.‬‬
‫‪ -‬تابع دراساته الجامعية في الفلسفة وعلم االجتماع‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين‬
‫بالناظور‪ ،‬تخصص الديدكتيك والبيداغوجيا‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ األدب الرقمي بماستر الكتابة النسائية بكلية اآلداب تطوان ‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ الرواية ومناهج مابعد الحداثة وأصول البحث العلمي‬
‫بماستر النثر العربي القديم‪.‬‬
‫‪ -‬باحث في السوسيولوجيا‪ ،‬والسيكولوجيا‪ ،‬والبيداغوجيا‪،‬‬
‫واألنتروبولوجيا‪ ،‬والعلوم القانونية والسياسية‪ ،‬والفن‪ ،‬والفلسفة‬
‫والفكر اإلسالمي‪ ،‬والقانون والشريعة‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫‪ -‬أستاذ األدب العربي‪ ،‬ومناهج البحث التربوي‪ ،‬وعلم النفس‬
‫التربوي‪ ،‬واإلحصاء التربوي‪ ،‬وعلوم التربية‪ ،‬والتربية الفنية‪،‬‬
‫والحضارة األمازيغية‪ ،‬وديدكتيك التعليم األولي‪ ،‬والحياة المدرسية‬
‫والتشريع التربوي‪ ،‬واإلدارة التربوية‪ ،‬والكتابة النسائية‪...‬‬
‫‪ -‬أديب ومبدع وناقد وباحث‪ ،‬يشتغل ضمن رؤية أكاديمية‬
‫موسوعية‪.‬‬
‫‪ -‬شاعر وقصاص وكاتب مسرحي‪ ،‬يكتب للصغار والكبار‪.‬‬
‫‪ -‬مثل دورا سينمائيا في الفيلم األمازيغي (عسل المرارة) لمنتجه‬
‫عبد هللا فركوس‪ ،‬وإخراج علي الطاهري‬
‫‪ -‬حصل مقاله (نظرية ما بعد االستعمار) على جائزة الموقع‬
‫السعودي (األلوكة )‪.‬‬
‫‪ -‬حصل على جائزة مؤسسة المثقف العربي (سيدني‪/‬أستراليا) لعام‬
‫‪2011‬م في النقد والدراسات األدبية‪.‬‬
‫‪ -‬حصل على جائزة ناجي النعمان األدبية سنة‪2014‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عضو االتحاد العالمي للجامعات والكليات بهولندا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس الرابطة العربية للقصة القصيرة جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس المهرجان العربي للقصة القصيرة جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس الهيئة العربية لنقاد القصة القصيرة جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس الهيئة العربية لنقاد الكتابة الشذرية ومبدعيها‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس جمعية الجسور للبحث في الثقافة والفنون‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس مختبر المسرح األمازيغي‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫‪ -‬عضو الجمعية العربية لنقاد المسرح‪.‬‬
‫‪-‬عضو رابطة األدب اإلسالمي العالمية‪.‬‬
‫‪ -‬عضو اتحاد كتاب العرب‪.‬‬
‫‪-‬عضو اتحاد كتاب اإلنترنت العرب‪.‬‬
‫‪-‬عضو اتحاد كتاب المغرب‪.‬‬
‫‪ -‬له إسهامات نظرية في التربية‪ ،‬وفن القصة القصيرة جدا ‪ ،‬وفن‬
‫الكتابة الشذرية‪ ،‬واألدب الرقمي‪ ،‬والمسرح‪ ،‬ومناهج النقد األدبي‪،‬‬
‫والكتابة النسوية‪ ،‬والبالغة الرحبة‪...‬‬
‫‪ -‬باحث في الثقافة األمازيغية المغربية‪ ،‬والسيما الريفية منها‪.‬‬
‫‪ -‬خبير في البيداغوجيا والثقافة األمازيغية واألدب الرقمي‪.‬‬
‫‪ -‬ترجمت مقاالته إلى اللغة الفرنسية و اللغة الكردية‪.‬‬
‫‪ -‬نشرت كتبه بالمغرب‪ ،‬والجزائر‪ ،‬وتونس‪ ،‬وليبيا‪ ،‬واألردن‪،‬‬
‫ولبنان‪ ،‬والمملكة العربية السعودية‪ ،‬واإلمارات العربية المتحدة‪،‬‬
‫والعراق‪.‬‬
‫‪ -‬شارك في مهرجانات عربية عدة في كل من‪ :‬الجزائر‪ ،‬وتونس‪،‬‬
‫وليبيا‪ ،‬ومصر‪ ،‬واألردن‪ ،‬ولبنان‪ ،‬والسعودية‪ ،‬والبحرين‪،‬‬
‫واإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬وسلطنة عمان‪ ،‬وكردستان‪ ،‬وتركيا‪...‬‬
‫‪ -‬مستشار في مجموعة من الصحف والمجالت والجرائد‬
‫والدوريات الوطنية والعربية‪.‬‬
‫‪ -‬نشر أكثر من ألف ومائتي مقال علمي محكم وغير محكم‪ ،‬وعددا‬
‫كثيرا من المقاالت اإللكترونية‪ .‬وله (‪ )176‬كتاب ورقي‪ ،‬وأكثر من‬

‫‪105‬‬
‫(‪ )300‬كتاب إلكتروني منشور في مواقع عدة‪ ،‬كموقع (جميل‬
‫حمداوي)‪ ،‬وموقع (المثقف)‪ ،‬وموقع (األلوكة)‪ ،‬وموقع (أدب فن)‪...‬‬
‫‪ -‬ومن أهم كتبه‪ :‬محاضرات في لسانيات النص‪ ،‬وسوسيولوجيا‬
‫الثقافة‪ ،‬وميادين علم االجتماع‪ ،‬وأسس علم االجتماع‪ ،‬والعوالم‬
‫الممكنة بين النظرية والتطبيق‪ ،‬واألدب الرقمي بين النظرية‬
‫والتطبيق‪ ،‬وفقه النوازل‪ ،‬ومفهوم الحقيقة في الفكر اإلسالمي‪،‬‬
‫ومحطات العمل الديدك تيكي‪ ،‬وتدبير الحياة المدرسية‪ ،‬وبيداغوجيا‬
‫األخطاء‪ ،‬ونحو تقويم تربوي جديد‪ ،‬والشذرات بين النظرية‬
‫والتطبيق‪ ،‬والقصة القصيرة جدا بين التنظير والتطبيق‪ ،‬والرواية‬
‫التاريخية‪ ،‬تصورات تربوية جديدة‪ ،‬واإلسالم بين الحداثة وما بعد‬
‫الحداثة‪ ،‬ومجزءات التكوين‪ ،‬ومن سيميوطيقا الذات إلى سيميوطيقا‬
‫التوتر‪ ،‬والتربية الفنية‪ ،‬ومدخل إلى األدب السعودي‪ ،‬واإلحصاء‬
‫التربوي‪ ،‬و نظريات النقد األدبي في مرحلة مابعد الحداثة‪ ،‬ومقومات‬
‫القصة القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري‪ ،‬وأنواع الممثل في‬
‫التيارات المسرحية الغربية والعربية‪ ،‬وفي نظرية الرواية‪ :‬مقاربات‬
‫جديدة‪ ،‬وأنطولوجيا القصة القصيرة جدا بالمغرب‪ ،‬والقصيدة‬
‫الكونكريتية‪ ،‬ومن أجل تقنية جديدة لنقد القصة القصيرة جدا ‪،‬‬
‫والسيميولوجيا بين النظرية والتطبيق‪ ،‬واإلخراج المسرحي‪ ،‬ومدخل‬
‫إلى السينوغرافيا المسرحية‪ ،‬والمسرح األمازيغي‪ ،‬ومسرح الشباب‬
‫بالمغرب‪ ،‬والمدخل إلى اإلخراج المسرحي‪ ،‬ومسرح الطفل بين‬
‫التأليف واإلخراج‪ ،‬ومسرح األطفال بالمغرب‪ ،‬ونصوص مسرحية‪،‬‬
‫ومدخل إلى السينما المغربية‪ ،‬ومناهج النقد العربي‪ ،‬والجديد في‬
‫التربية والتعليم‪ ،‬وببليوغرافيا أدب األطفال بالمغرب‪ ،‬ومدخل إلى‬
‫الشعر اإلسالمي‪ ،‬والمدارس العتيقة بالمغرب‪ ،‬وأدب األطفال‬
‫بالمغرب‪ ،‬والقصة القصيرة جدا بالمغرب‪،‬والقصة القصيرة جدا عند‬
‫السعودي علي حسن البطران‪ ،‬وأعالم الثقافة األمازيغية‪...‬‬
‫‪106‬‬
‫‪ -‬عنوان الباحث‪ :‬جميل حمداوي‪ ،‬صندوق البريد‪،1799‬‬
‫الناظور‪ ،62000‬المغرب‪.‬‬
‫‪ -‬جميل حمداوي‪ ،‬صندوق البريد‪ ،10372‬البريد المركزي‪ ،‬تطوان‬
‫‪ ،93000‬المغرب‪.‬‬
‫‪ -‬الهاتف النقال‪0672354338:‬‬
‫‪ -‬الهاتف المنزلي‪0536333488:‬‬
‫‪ -‬اإليميل‪Hamdaouidocteur@gmail.com:‬‬
‫‪Jamilhamdaoui@yahoo.‬‬

‫‪107‬‬
‫الغالف الخارجي‪:‬‬
‫تهدف هذه الدراسة إلى استجالء الجوانب الفكرية والذهنية والفنية‬
‫والجمالية واإليديولوجية لمختلف المدارس والحركات والتيارات‬
‫واالتجاهات المسرحية والدرامية في العالم الغربي بصفة خاصة‪.‬‬
‫والغرض من ذلك هو التأريخ للفن المسرحي من خالل مدارسه‬
‫الدرامية بغية التعرف إلى مختلف التوجهات الفكرية واإليديولوجية‬
‫التي كانت ترتكز عليها هذه المدارس‪ ،‬ورصد مختلف الخصائص‬
‫والسمات الفنية والجمالية التي كان يمتاز بها فعل التمسرح في هذه‬
‫التجارب المسرحية إن نظرية‪ ،‬وإن ممارسة‪ ،‬وإن إخراجا‪ ،‬وإن‬
‫رؤية‪.‬‬

‫الثمن‪30:‬درهما‬

‫‪108‬‬

You might also like