Professional Documents
Culture Documents
مفهوم الصورة
مفهوم الصورة
إن الصورة اليوم هي لغة عصرية باتت تشكل أحد أهم مكونات الثقافة المعاصرة ،
إن لم يكن أهمه ا ،فثقاف ة الص ورة المس تندة إلى التط ور التق ني وتكنولوجي ا
المعلومات ،هي ثقافة منتجة ،أخض عت المتلقي لالس تالب واالغ تراب فالثقاف ات
البشرية الي وم تواج ه تح وًال مليئ ًا بالتح ديات على األص عدة الثقافي ة واالجتماعي ة
ية ادية والسياس واالقتص
لقد احتلت الصورة مساحة واسعة في التواصل البشري ،أكثر من الكلمة في واق ع
اليوم ،فتقدم االتصال عن طريق الفضاء ساهم في إحداث هذا التواص ل ،ف احتلت
األقمار الصناعية المكانة األولى وتقدمت قب ل األوراق وبفض ل ه ذا التط ور ومن
خالل القنوات وشبكات االتصال أصبحت الصورة المفتاح السحري للنظام الثق افي
الجديد ففي الماضي كان المتلقي يذهب إلى الص ورة بحث ا عن المعرف ة ،أم ا اآلن
في العص ر الح الي ،فق د أص بحت الص ورة ت أتي إلي ه دون أن يس تطيع مقاوم ة
حضورها ،فمن رؤى وتفسير بعض المختصين
إن هناك عالقة نفسية بين الصورة وموضوعها ،وه ذا يع ود إلى اآللي ات النفس ية
التي تؤدي إلى وظيفة األعين ،فهناك حال ة من الس لبية ل دى المتلقي س ببها ذه ول
العق ل بالص ور ،وقبول ه بم ا تحمل ه من مض امين وإمالءات وهن ا يكمن ارتف اع
مستوى نجاح تكنولوجيا االتص االت والمعلوم ات في أنه ا تت دخل بق وة في تك وين
وإنت اج وعي المتلقي من خالل ثقاف ة الص ورة ،خاص ة بنس ختها الرقمي ة دون أن
يطلب أو ي دري أن الص ورة تعت دي علي ه وعلى مجتمع ه ،فهي تقتحم اإلحس اس
الوجداني ،وتتدخل في التكوين العقلي ،والتوجهات الفكرية والثقافية .
الفن التشكيلي هو عنصر اّتصال هام وج زء ال يتج زأ من البيئ ة ال تي نعيش فيه ا،
ويمكنن ا الق ول الي وم أن ق راءة الفن على ان ه عنص ر من عناص ر الله و والب ذخ
انعدمت تقريبا ،بع د أن اّص ر رواده ب التوازي م ع نق اده على إكس ابه القيم ة .وق د
اعت بره النق اد ج زء ال يتج زأ من ثقاف ة الن اس وممارس اتهم اليومي ة .اَّن ه ترجم ة
لمجموعة العالقات العميقة التي ُتطرح في شكل إشكالّيات اس تيطيقية ترب ط ال ذات
بمجتمع وتختلف ترجمة هذه العالقة من فترة إلى أخرى واكتس بت ص بغًة متنوع ة
مع رواد الفن المعاصر.
الصورة والفن المعاصر
لق د تم يز الفن المعاص ر تحدي دا على م ا س بقه من الفن ون التش كيلية حيث اش تهر
بالبحث عن التجديد وتمّر د على المعت اد ،ولتعري ف الفن المعاص ر الب د من تحدي د
الفترة الزمنية ،فقد نشأ في بدايات القرن العشرين ،وقد ك ان متماش يًا م ع نهج الفن
الحديث قبل بداية التمّر د على السائد .وازدهر هذا الفن بإنش اء ع دد من الجمعي ات
الفنّية التي سعت لبيع المنجزات الفنية للمت احف والمع ارض العام ة والخاص ة ،إال
أن رواد هذه الجمعيات وفنانيه ا ق د اتخ ذوا من فنهم منهج ًا خاص ًا ،وكأنه ا ك انت
بداية لتاريخ الفن المعاصر الذي ال زال ُيصنع حتى اليوم[.]1
ضرورة الفن
الفن بمختلف أس اليبه وتقنيات ه ه و ترجم ة دقيق ة لم ا ه و مخ زون داخ ل النف وس
البش رية من انفع االت وأحاس يس ،وه و ذو رس الة موجه ة من قب ل الفن ان إلى
الجماهير عبر العصور واألزمن ة .والفن ان َيعت بر رس الته اس تمراًرا لم ا س بق من
رس االت فيؤك دها أو يج ددها .إن الممارس ة التش كيلية س بيل للتواص ل البص ري
بمرحلة أولى ثم الفكري ،إنها حتما من الطرق الناجحة للنقد والتعبير.
إن كلمة “فــــن” مفهوم شامل وشاسع فلغويا تدل على الص نعة والمه ارة واإلتق ان
في إنتاج األشياء ،وفي الممارسة فالفنان هو الصاِنع الم اهر والفّنُي ه و الص نائعي
الممَيز ويجمع بينهما المهارة .إذا تختلف تسميات الفن ان بين ح رفي وفن ان وه اٍو،
غير ان ه ارتب ط للم رة األولى بمفه وم الص ناعة م ع ال رواد الفن المعاص ر وذل ك
الرتباط المنجزات الفنية الوثيق باآللة أو التكنولوجيا.
والزال الفن يسير بجدلية نحو التطور والتجديد ،فبّد ل مواضيعه وجدد ُلغت ه حس ب
الظروف المختلفة م ا أّد ى إلى ص عوبة تحدي د ماهيت ه أك ثر ف أكثر ،وخاص ة عن د
ولوج القرن العشرين الذي يمثل أكثر المراحل تعقي دًا بين الفن التقلي دي ومعاص ر
حيث ظه رت العدي د من اختراع ات تكنولوجي ة ال تي يوظفه ا الفن ان في أعمال ه.
ويمكن هنا ذكر رائد الحركة الوحشية ماتيس ال ذي أعطى األولوي ة لل ون واألث ر،
إضافة إلى تجربة بيكاسو وبراك اللذان استطاعا أن يحققا فنًا جدي دًا يس عى لكش ف
الواقع العميق بدل الواقع المرئي وحطما الشكل الظاهر نهائيًا ،للوصول إلى فن فيه
جانب تعبيريًا دراميًا ،فمثل ذلك البعد الثاني للفن في القرن العشرين ويقول بيكاس و
في هذا السياق :إن األشكال تعيش حياتها الخاصة في العمل الفني أي أن الفن شيء
والواقع شيء آخر.
اختلفت إذا الوسائط الشكلّية والتقانّية التي وّظّفها الفن لتدخل نسق التشكيل لبع د م ا
بعد الحداثي وتُك ون مس تلهما تكتس ي بقيم ة مع اييره الجمالي ة .وعن طري ق بحث
الفنان عن تقنية جديدة تتكّفل بإيصال وتواص ل الرس الة الفني ة ال تي تص لح لتك ون
حقال للتأمل والتفكير .وجد الفن التركيبي في الصورة تقنية جدي دة تس اهم في كس ر
األنساق الفنية السائدة وفتح آفاق جمالية مغايرة لعمل يصلح أن يكون عمًال تش كيليًا
ينتمي بأسلوبه ومعاييره إلى دائ رة الفن المف اهيمي ُيق دم في ه الفك رة والمع نى على
الشكل الظاهر.
وهنا اشتغلت اآللي ات الش كلّية والتقني ة الجدي دة لتج د مج اال للت داول داخ ل الحق ل
التش كيلي ،على ه ذا األس اس يق وم التفاع ل التواص لي ال ذي يعي د تش كيل ال رؤى
الفردية ،واستخراج الرموز واالشارات الموجودة في األعمال .وعليه يؤك د العم ل
على الممارس ة العقلي ة للتأم ل ال تي تس تند على كم من الت داخالت المعرفي ة،
والت داخالت الخارجي ة المنبعث ة من الواق ع لتش كل حكاي ا مغ ايرة تمت از بالفردي ة
والطرافة والجرأة وعدم االلتزام بمنطٍق محدٍد .
ؤكد الفنون البصرية المعاصرة يومًا بعد يوم قوة حضور شكل فني جديد يتخذ من
تعدد الوسائط التقنية الجديدة حقًال له ،وهو يتطلب درج ة عالي ة من ال وعي لتفني ده
خاصة أنه مازال يتفاعل ولم يصل فى عالمنا العربي لدرجة من االس تقرار والبع د
الزمني تساند محاولة تقيييمه واإلحاطة به مما يجعل تلك المحاولة محفوفة ب الحيرة
يؤدي كل سؤال فيها لسؤال جديدة ،مما يدفعنا ألن ننظر للفن المعاصر تلك النظ رة
القلقة التي تجبرنا على متابع ة الش روط المتغ يرة للفن وتجدي د تحليالتن ا عن ه دون
انقطاع.
وأتذكر هنا موقف الفيلسوف األلم انى ج ادامر عن دما ق دم نظريت ه فى التأوي ل من
منطلق رفضه لعدم قابلية العمل الفنى لإلحاطة قائًال:
"كانت حقيقة أن العمل الفنى يمثل تحديًا موجهًا إلى فهمنا ألنه يفلت دون حدود من
كل تفسير ،وألنه يعترض بمقاومته التي اليمكن أبدًا التغلب عليه ا ،هي بالنس بة لي
نقطة انطالق نظريتي في التأويل" .حيث رفض جادامر فكرة تعاِلي العمل الفني ،
وأن الفنان فردًا اليحيط به الوصف .وأن تجربة المش اهد بمثاب ة استس المًا منبه رًا
للعمل ،مأخوذًا بتفرده الذي اليمكن التعبير عن ه ،وح اول وض ع اتج اه فى التفس ير
يق وم على الفهم والح وار وينف ر من إص دار األحك ام أو التقري رات أو اإلجاب ات
النهائية .في محاولة إلزالة حالة االغتراب بيننا وبين الفن المعاص ر .من نفس ه ذه
الدائرة أقدم محاولة إلنارة بعض جوانب الفن المعاصر.
نعيش األن أيام الحرية الثقافية ،التي مارست فيها ثقافة الصورة س طوتها وتأثيره ا
على طريقة الحياه اليومية وطرق الحص ول على المعلوم ات عن الواق ع السياس ي
واإلقتصادي واإلجتماعي .وق د تنب أ الع اِلم األن ثربولوجى ليفي ش تراوس بالوض ع
الحالى للَع الم في كتابه اللقاء بين العلم واألسطورة في ستينات القرن الماض ي حين
ق ال "من المحتم ل أن يك ون م ا يه ددنا اآلن ه و ف رط اإلتص ال over
communicationأو ال نزوع إلى معرف ة م ا يج ري ،بدق ة ،في ك ل األج زاء
المختلفة من العالم ،ومن أى نقطة فيه.
من هنا كانت اتجاهات الفن المعاصر تشير إلى النموذج الذي قدمته ثقاف ة الص ورة
التي تبثها الفضائيات طوال الوقت والتي مارست حض ورها الفع ال وأص بحت من
مص ادر التجرب ة اإلبداعي ة للفن ان في اتجاه ه الف ني ومفردات ه وأش كاله وقض اياه
وموض وعاته .وق اربت بين رؤى الفن انين على مس توى الع الم لدرج ة الت داخل
وغياب التفرد .حتى أصبحنا نجد أنفسنا في كثير من المعارض وكأننا داخل غرف ة
عمليات قناة إخبارية تالحق األحداث وتلهث وراء كل ما هو جدي د ومث ير ،فالفع ل
الجم الي كم ا يق ول إي ردل جنك نز ليس منع زًال عن البيئ ة ب ل يش كل جانب ًا من
اإلستجابة لعناصرها والتكيف معها.
وقد تحول الفن المعاصر إلى تقديم أشكال تعبر عن حضارتنا المعاصرة التي تفتقر
للطابع اإلنساني وتربط اإلنسان بس ياق آلي تحرك ه التكنولوجي ا ونظم المعلوم ات؛
مما جعل من أهداف الفن المعاصر :الرغب ة في تحري ر الع الم عن طري ق تزوي ده
بأشياء جديدة ومثيرة التمثل صورة لما هو معروف من قبل .ومن هنا أصبح الفنان
يطالب المتذوق بأن يكون واعيًا بأنه يتطل ع إلى عم ل ف ني يمث ل لون ًا من التح دي
الصارخ لحياته النمطية ولمعرفته السابقة عن الفن ومفاهيمه المستقرة عن الجمال.
وفي هذا اإلط ار ط رح الم ؤرخ والمنظـراأللماني المعاص ر(ي اوس) في س تينات
القرن العشرين :فكرة "جمالية االستقبال" التي أعطت معي ارًا لتحدي د قيم ة العم ل
الفني من خالل وقع ه على المتلقين ،س واء ك ان ملبي ًا لتوقع اتهم أو متج اوزًا له ا،
واعتبر أن المسافة بين "أفق التوقعات" وبين "األفق المغاير" الذي تقدمه األعم ال
الفنية الجديدة هي ال تي تح دد قيم ة العم ل :فكلم ا تض اءلت تل ك المس افة بحيث ال
يكون وعي المتلقي مطالبًا بأي تغيير في تلقيه للعمل كلما فقد العمل قيمت ه واق ترب
من المجال االستهالكي .من هنا بدأ العمل الفني يتخ ذ مظه ر الش يئ الغ ريب غ ير
المتوقع ،الذي يحدث صدمة ،ويتعمد التأثير على انفعاالت المتلقي وكسر توقعاته.
والحقيقة أن الرغبة العارمة لدى الفنان في إح داث الت اثير وإث ارة انفع ال المش اهد
ورجه بعنف ،لها ما يبررها فى حياتنا المعاصرة حيث لم يعد هناك ما يجعلنا نتأثر
فق د اص بحنا اآلن ن رى األش الء واالنفج ارات واالنهي ارات واألطف ال الش هداء
والك وارث والحص ارات واإلب ادات الجماعي ة ونحن نتن اول العش اء ون ثرثر أم ام
التلفزيون .وأصبح تقديم اعمال فنية تحمل أي من لمحات أمل يبدو فى رأي العدي د
من الفنانين وكأنه نوع من تغييب الوعي واالنفصال عن العالم ،وتقديم أعمال تدعو
للتامل والحلم نوع من الرومانسية الخائبة .فما أن ينتهى العالم من أزمة ح تى يق ع
فى أزمة أبشع منها ،حتى أص بحنا إم ا أن نص اب بالتبل د وإم ا أن نص اب بالش قاء
الدائم ثمنًا الحتفاظنا بوعينا إنها معادلة مغلقة أربكت الفنان واقتربت ب ه إلى ح دود
ما لم يعد فنًا.
كذلك فإن تيارات النقد في فـنون ما بعد الحداثـة تعت بر أن المتلقي ه و ال ذي يحـدد
"القص دية" بن اء على تص وره للش كل وتفاعل ه مع ه ،وأص بح النق د ال يق وم على
دراسة بناء الشكل في العمل الفني ،وإنما على ردود فعل المتلقي نحوه .وربم ا أدى
هذا إلى زيادة رغبة الفنان في إحداث تأثيرات ص ادمة لتحري ك ردود فع ل المتلقي
وتص عيدها ،م ع مراع اة طبيع ة المتلقي المعاص ر المتعج ل ال ذي ليس لدي ه وقت
للتأمل والوقوف أمام العمل الفني ،فظهرت األعمال الضخمة ال تي تحت وي المتلقي
داخلها وتفرض تأثيرها عليه ،وتتوسل باألصوات واألضواء لتأكيد هذا التأثير.
من هنا أصبحت الجرأة في العمل الفني تتم بشكل متعمد إلحداث هذه التأثيرات ،إال
أن الجرأة في خدمة السطحية تجعلها واض حة ،وتص ل بالعم ل الف ني إلى مس توى
العبث ،وتضئ تلك الفراغات التي يخلقها انعدام القيم .وبناء على ذلك يصبح الفنان
مجرد شخص مقدام جرئ على حساب أن ه لم يع د فنان ًا .م ع العلم أن ه وكم ا يق ول
الكاتب االسباني إدواردو جونزاليز النوزا :أن الفن ان المب دع األص يل يمتل ك تل ك
الجرأة الفطرية األصيلة والموجودة بالفعل ،وهو يدهشنا بم ا يحقق ه من نت ائج دون
أن يقصد ذلك ،ودون محاولة االلتجاء إلى خدعة الجرأة اإلضافية.
تلك الجرأة المفتعل ة ال تي جعلت بعض الفن انين يغ ريهم ال ترقب المث ير من ج انب
المتلقين لتقديم كل ما هو جديد .مما جعل األعمال تفقد ك ل قيم ة له ا بع د المش اهدة
األولى التي عرف فيها المشاهد الفكرة الجديدة للعم ل ،وينتهي ب ذلك ك ل ش يئ وال
يعد المشاهد يتذكر العمل الفني الذي أصبح مثل اللعبة الجديدة التي تفقد بريقها عن د
الطف ل بع د اكتش افه له ا ،ويب دأ بع دها الض جر ومحاول ة البحث عن لعب ة أخ رى
جديدة ،ويبدأ فى انتظ ار الجدي د الق ادم .والش ك أن ج انب كب ير من المتلقين ال ذين
أرهقهم كثاف ة وتت ابع الص ورة ال تي يق دمها لهم اإلعالم يتخ ذ ه ذه الج رأة كح افز
لتحريك الخمول ،وحالة الملل ال دائم ال ذي يجعلهم مه يئون لتقب ل األش ياء بس رعة
وتركها بنفس السرعة أيضًا بحيث ال تترك أي أثر.
وأصبحت ما أن تدلف إلى قاعات الع رض فى كث ير من المع ارض الك برى ح تى
تتخاطف انتباه ك األص وات والض واء والص ور المفكك ة المتباين ة ال تي اليقيمه ا
نسق ،ميل إلى نفي النظام وإعالء قيم الفوضى .رغبة عارمة فى استحضار ال ذات
وفرض وجودها لدرجة تصل أحيان ًا لح دود االس تعراض فى وس ط ع الم اليحف ل
بالصامتين ،عالم يصعب فيه الحضور ،وعن دما تت دافع األفك ار بالمن اكب الب د أن
يحدث الصخب.
ك ذلك ف إن الفن التش كيلي الي وم يتقمص دورًا ليس دوره ،دورًا ل ه أبع ادًا سياس ية
متعددة ،على الرغم أن الفن له دور أخر غير دور المظاهرة السياسية أو اإلحتجاج
االجتماعي ،فنحن النريد فنًا يعيد علينا عرض م ا تبث ه الفض ائيات بال توق ف .ب ل
نريد فنًا مازال يحمل البعد الجمالي الذي يحقق لن ا حال ة من اإلت زان تجعلن ا نض ع
مسافة بيننا وبين مشكالتنا حتى نستطيع أن نتأملها بدًال من مزي د من الغ رق فيه ا،
فنًا يتيح مسافة نفسية وعقلية لوعى وخيال المشاهد ،ال فن ًا يس تدرجه وُيغرق ه م رة
أخرى فى مساحة أو مجال أو نشاط مقتطع من الواقع فيخرج من تجرب ة المش اهدة
بال شئ ،ويشعر أن ه ُخ دع أو اس تهلك ج زء من وقت ه بال طائ ل ،أو يش عر بالس أم
والفتور لنه يحس حينئذ أنه أنفق جزء من عمره بدًال من أن يس هم العم ل الف ني في
اإلضافة لعمره بما يمنحه إياه من أنواع جديدة من الوجود .أو كما يق ول د .ص الح
قنصوة ،يشعر أن وجوده قد انزلق إلى أشياء الع الم ،وران علي ه التعب من ج راء
دورانه معها كجزء منها وأن ه أص بح فى حاج ة إلى ان تزاع وج وده الخ اص منه ا
ليغمره فى عمل فني يستطيع الول وج من خالل ه إلى ع الم جدي د يتنفس في ه أج واء
الحرية.
إن معيار اإلب داع فى الفن ه و قدرت ه على االنفالت من أس ر لعب ة الحي اة اليومي ة
والتحلي ق في آف اق جدي دة ،دائم ًا جميل ة .من هن ا إزدادت اله وة ال تى تفص ل بين
المشاهد وبين معظم فنون ما بع د الحداث ة .و في ال وقت ال ذي اق ترب في ه الفن من
الحياة اليومي ة واختل ط العم ل الف ني بتفاص يلها ابتع د عن المتلقي ،فالم انع من أن
يس تخدم الفن ان مف ردات الواق ع المعاص ر ولكن في واق ع جم الي جدي د يفاجئن ا
بصياغاته التي تحمل القيم الجمالية التي لها الق درة على البق اء واالس تمرار ،ح تى
نستطيع أن نقدم فنًا له داللت ه الكامن ة ال تي التفس ر فق ط لص الح عص ره لكن تبقى
لتحمل دالالتها لكل العصور .وهذا الذي يف رق الفن عن الالفن فعن دما ت داخل الفن
في الواقع بدًال من تداخل ه في الخي ال خ اطر ب إطالق س ياق لن يس تطيع الس يطرة
عليه .وعندما قلت إحالة العمل الفني إلى حقيقة أسمى إنسحق ب الواقع ولم يع د فن ًا.
وق د نتج عن ذل ك تفكي ك ذات الفن ان أيض ًا لت ذوب فى م دار إمالءات الحي اة
المعاص رة .وأص بحت األعم ال الفني ة تض عنا م رة أخ رى فى أس ر لعب ة الحي اة
اليومية.
ونخلص فى النهاية إلى إشارة هامة هى أنه مهما كان الوسيط الذي يستخدمه الفنان
فالب د أن يحم ل العم ل الف نى قيمت ه الجمالي ة ،ف التجريب واإلرتب اط بالتي ارات
المعاصرة ال يعني تق ديم فن ًا خالي ًا من القيم .فك ل محاول ة تري د أن تج رد الفن من
بعده الجم الي مص يرها النس يان .وإن ق وة الع راك الح ادث اآلن فى قلب التش كيل
الع ربي فى مح اوالت إحالل وتب ديل دائم س تؤدى حتم ًا بع د مروره ا بنض جها
الزمني الواجب إلى تصفية الزائف ،لتبقى القيمة تحفظها ذاكرة الفن الواعية.