You are on page 1of 13

‫مفهوم الصورة‬

‫الصورة في اللغة من صَو ر ‪ ،‬والمصور ه و اس م من أس ماء هللا الحس نى ‪ ،‬وج اء‬


‫في لسان العرب " هو الذي صور جميع الموجودات ورتبها وأعطى كل شيء منها‬
‫ص ورة خاص ة وهيئ ة مف ردة يتم يز به ا على اختالفه ا وكثرته ا "‬
‫ووضح المنجد في اللغة " صور الشيء ‪ :‬قطعه وفصله ‪َ ،‬ص َو ره ‪ :‬جعل له صورة‬
‫وشكًال ورسمه ونقشه ‪ ،‬وُصور لي ‪ُ :‬خ ي ل لي ‪ ،‬وتص ور الش يء ‪ :‬ت وهم ص ورته‬
‫وتخيل ه ‪ ،‬وص ورة األم ر ‪ :‬ص فته ‪ ،‬ويق ال ص ورة العق ل ك ذا ‪ :‬أي هيئت ه‪.‬‬
‫والصورة اصطالحًا ‪ " :‬الكل المكتمل المركب الذي يشمل الجانب الحس ي والعقلي‬
‫والمعرفي واإلبداعي"‬

‫فالصورة تجس د المفه وم ‪ ،‬وتش خص المع نى ‪ ،‬وتجع ل المحس وس أك ثر حس ية ‪،‬‬


‫فالرؤيا تجربة من خالل الواقع واعتم اد الص ورة على معطي ات الموض وع وبن اء‬
‫الرؤي ا ‪ ،‬فالص ورة مك ون رم زي وتأوي ل م رئي للوق ائع واألفك ار‪.‬‬
‫والصورة في مفهومها الكلي ‪ ،‬ليست إال تعبيرًا بصريًا وإبداعيًا يسلك سبيل التخي ل‬
‫وترجم ة األفك ار بمع ان مس تمدة من البيئ ة الثقافي ة ال تي يتح رك فيه ا خط اب‬
‫الص ورة ‪ ،‬وذل ك من خالل مس تويين ‪ ،‬األول مس توى إخب اري ‪ :‬وه و مس توى‬
‫االتص ال بين المرس ل والمتلقي ‪ ،‬الث اني مس توى رم زي ‪ :‬وه و مس توى الدالل ة‬
‫والمع نى الواض ح أو المع نى اإليح ائي في الص ورة ‪،‬كم ا أن الص ورة تتك ون من‬
‫مجموعة من العناص ر ‪ ،‬وهي تق اطع لمجموع ة من العالق ات التعبيري ة ‪ ،‬وتعكس‬
‫من خالل عناصرها الذاتية والموضوعية وتكاملها تصور ف رد أو مجموع ة أف راد‬
‫في فترة معينة وتجسد تجارب متعددة لها امتدادها التاريخي وعمقها اإلنساني ‪ ،‬فقد‬
‫تطور مفهوم الصورة بتط ور أش كال العالق ات اإلنس انية ‪ ،‬واتس ع ليش مل مي ادين‬
‫متنوعة ‪ ،‬فالصورة تعبير كل معقد يشمل العنصر الفني التقني والفلس في والجم الي‬
‫واالجتماعي ‪ ،‬وليست الص ورة أم ر مس تجد في الت اريخ اإلنس اني ‪ ،‬وإنم ا األم ر‬
‫المستجد تحولها من الهامش إلى المركز ومن الحضور الج زئي إلى موق ع الهيمن ة‬
‫والسيادة على غيرها من العناصر واألدوات الثقافية ‪ ،‬لقد ُع رفت الص ورة قب ل أن‬
‫ُتعرف الكتابة ‪ ،‬فقد ترك اإلنسان الق ديم ص وره التخطيطي ة على ج دران الكه وف‬
‫لتحكي قص ة ب دء الحض ارة على مختل ف العص ور في األزم ان الس حيقة ‪ ،‬وبع د‬
‫تطور الحضارة اإلنسانية ‪ ،‬والتي وصلت لمستوى عال من التقدم والرقي في كاف ة‬
‫مجاالت الحياة ‪ ،‬أصبحت الصورة بكل أنواعها ج زء أساس ي في الحي اة اليومي ة ‪،‬‬
‫بها يتم توثيق كل شيء في حياة البشرية ‪ ،‬الك ون والحض ارة والت اريخ وال تراث ‪،‬‬
‫والمجاالت السياسية واالقتصادية واالجتماعي ة والعلمي ة والفني ة وغيره ا ‪ ،‬وله ذا‬
‫ة‪.‬‬ ‫بر عن حقيق‬ ‫ة تع‬ ‫ورة وثيق‬ ‫ل ‪ :‬الص‬ ‫قي‬

‫إن الصورة اليوم هي لغة عصرية باتت تشكل أحد أهم مكونات الثقافة المعاصرة ‪،‬‬
‫إن لم يكن أهمه ا ‪ ،‬فثقاف ة الص ورة المس تندة إلى التط ور التق ني وتكنولوجي ا‬
‫المعلومات ‪ ،‬هي ثقافة منتجة ‪ ،‬أخض عت المتلقي لالس تالب واالغ تراب فالثقاف ات‬
‫البشرية الي وم تواج ه تح وًال مليئ ًا بالتح ديات على األص عدة الثقافي ة واالجتماعي ة‬
‫ية‬ ‫ادية والسياس‬ ‫واالقتص‬
‫لقد احتلت الصورة مساحة واسعة في التواصل البشري ‪ ،‬أكثر من الكلمة في واق ع‬
‫اليوم ‪ ،‬فتقدم االتصال عن طريق الفضاء ساهم في إحداث هذا التواص ل ‪ ،‬ف احتلت‬
‫األقمار الصناعية المكانة األولى وتقدمت قب ل األوراق وبفض ل ه ذا التط ور ومن‬
‫خالل القنوات وشبكات االتصال أصبحت الصورة المفتاح السحري للنظام الثق افي‬
‫الجديد ففي الماضي كان المتلقي يذهب إلى الص ورة بحث ا عن المعرف ة ‪ ،‬أم ا اآلن‬
‫في العص ر الح الي ‪ ،‬فق د أص بحت الص ورة ت أتي إلي ه دون أن يس تطيع مقاوم ة‬
‫حضورها‪ ،‬فمن رؤى وتفسير بعض المختصين‬

‫إن هناك عالقة نفسية بين الصورة وموضوعها ‪ ،‬وه ذا يع ود إلى اآللي ات النفس ية‬
‫التي تؤدي إلى وظيفة األعين ‪ ،‬فهناك حال ة من الس لبية ل دى المتلقي س ببها ذه ول‬
‫العق ل بالص ور ‪ ،‬وقبول ه بم ا تحمل ه من مض امين وإمالءات وهن ا يكمن ارتف اع‬
‫مستوى نجاح تكنولوجيا االتص االت والمعلوم ات في أنه ا تت دخل بق وة في تك وين‬
‫وإنت اج وعي المتلقي من خالل ثقاف ة الص ورة ‪ ،‬خاص ة بنس ختها الرقمي ة دون أن‬
‫يطلب أو ي دري أن الص ورة تعت دي علي ه وعلى مجتمع ه ‪ ،‬فهي تقتحم اإلحس اس‬
‫الوجداني ‪ ،‬وتتدخل في التكوين العقلي ‪ ،‬والتوجهات الفكرية والثقافية ‪.‬‬

‫الفن التشكيلي هو عنصر اّتصال هام وج زء ال يتج زأ من البيئ ة ال تي نعيش فيه ا‪،‬‬
‫ويمكنن ا الق ول الي وم أن ق راءة الفن على ان ه عنص ر من عناص ر الله و والب ذخ‬
‫انعدمت تقريبا‪ ،‬بع د أن اّص ر رواده ب التوازي م ع نق اده على إكس ابه القيم ة‪ .‬وق د‬
‫اعت بره النق اد ج زء ال يتج زأ من ثقاف ة الن اس وممارس اتهم اليومي ة‪ .‬اَّن ه ترجم ة‬
‫لمجموعة العالقات العميقة التي ُتطرح في شكل إشكالّيات اس تيطيقية ترب ط ال ذات‬
‫بمجتمع وتختلف ترجمة هذه العالقة من فترة إلى أخرى واكتس بت ص بغًة متنوع ة‬
‫مع رواد الفن المعاصر‪.‬‬
‫الصورة والفن المعاصر‬

‫لق د تم يز الفن المعاص ر تحدي دا على م ا س بقه من الفن ون التش كيلية حيث اش تهر‬
‫بالبحث عن التجديد وتمّر د على المعت اد‪ ،‬ولتعري ف الفن المعاص ر الب د من تحدي د‬
‫الفترة الزمنية‪ ،‬فقد نشأ في بدايات القرن العشرين‪ ،‬وقد ك ان متماش يًا م ع نهج الفن‬
‫الحديث قبل بداية التمّر د على السائد‪ .‬وازدهر هذا الفن بإنش اء ع دد من الجمعي ات‬
‫الفنّية التي سعت لبيع المنجزات الفنية للمت احف والمع ارض العام ة والخاص ة‪ ،‬إال‬
‫أن رواد هذه الجمعيات وفنانيه ا ق د اتخ ذوا من فنهم منهج ًا خاص ًا‪ ،‬وكأنه ا ك انت‬
‫بداية لتاريخ الفن المعاصر الذي ال زال ُيصنع حتى اليوم[‪.]1‬‬

‫تأثر الفن المعاصر بالعولمة واستفاد رواده من كل م ا يمكن للتكنولوجي ا أن ُتقدم ه‬


‫في حقول الفن‪ ،‬وهذا َأكسب الفن المعاصر روح متجددة وأنماط ُتنتج بطرق متعددة‬
‫ومف اهيم مختلف ة يوم ًا بع د ي وم الزمت خاص ة ك ل من الش كل والل ون وفض اء‬
‫الع رض‪ ،‬ابت داًء من الفن التجري دي والتش كيلي والفن المف اهيمي‪ ،‬إلى فن تش كيل‬
‫األل وان واس تخدام الطابع ة والض وء والفي ديو والموس يقى‪ ،‬ك ل تل ك األدوات‬
‫اس تخدمها الفن انون المعاص رون إلنت اج أعم ال فني ة جدي دة تعّب ر عن روح الفن‬
‫المعاصر ومنهجه‪ .‬أصبح هذا الفن متنِفسا للفنان وسبيٍل لممارس ة جنون ه وميوالت ه‬
‫المتقلبة إضافة إلى كونه السبيل المتحرر للنقد بكل أنواعه‪.‬‬

‫ضرورة الفن‬

‫الفن بمختلف أس اليبه وتقنيات ه ه و ترجم ة دقيق ة لم ا ه و مخ زون داخ ل النف وس‬
‫البش رية من انفع االت وأحاس يس‪ ،‬وه و ذو رس الة موجه ة من قب ل الفن ان إلى‬
‫الجماهير عبر العصور واألزمن ة‪ .‬والفن ان َيعت بر رس الته اس تمراًرا لم ا س بق من‬
‫رس االت فيؤك دها أو يج ددها‪ .‬إن الممارس ة التش كيلية س بيل للتواص ل البص ري‬
‫بمرحلة أولى ثم الفكري‪ ،‬إنها حتما من الطرق الناجحة للنقد والتعبير‪.‬‬

‫إن كلمة “فــــن” مفهوم شامل وشاسع فلغويا تدل على الص نعة والمه ارة واإلتق ان‬
‫في إنتاج األشياء‪ ،‬وفي الممارسة فالفنان هو الصاِنع الم اهر والفّنُي ه و الص نائعي‬
‫الممَيز ويجمع بينهما المهارة‪ .‬إذا تختلف تسميات الفن ان بين ح رفي وفن ان وه اٍو‪،‬‬
‫غير ان ه ارتب ط للم رة األولى بمفه وم الص ناعة م ع ال رواد الفن المعاص ر وذل ك‬
‫الرتباط المنجزات الفنية الوثيق باآللة أو التكنولوجيا‪.‬‬

‫والزال الفن يسير بجدلية نحو التطور والتجديد‪ ،‬فبّد ل مواضيعه وجدد ُلغت ه حس ب‬
‫الظروف المختلفة م ا أّد ى إلى ص عوبة تحدي د ماهيت ه أك ثر ف أكثر‪ ،‬وخاص ة عن د‬
‫ولوج القرن العشرين الذي يمثل أكثر المراحل تعقي دًا بين الفن التقلي دي ومعاص ر‬
‫حيث ظه رت العدي د من اختراع ات تكنولوجي ة ال تي يوظفه ا الفن ان في أعمال ه‪.‬‬
‫ويمكن هنا ذكر رائد الحركة الوحشية ماتيس ال ذي أعطى األولوي ة لل ون واألث ر‪،‬‬
‫إضافة إلى تجربة بيكاسو وبراك اللذان استطاعا أن يحققا فنًا جدي دًا يس عى لكش ف‬
‫الواقع العميق بدل الواقع المرئي وحطما الشكل الظاهر نهائيًا‪ ،‬للوصول إلى فن فيه‬
‫جانب تعبيريًا دراميًا‪ ،‬فمثل ذلك البعد الثاني للفن في القرن العشرين ويقول بيكاس و‬
‫في هذا السياق‪ :‬إن األشكال تعيش حياتها الخاصة في العمل الفني أي أن الفن شيء‬
‫والواقع شيء آخر‪.‬‬

‫اختلفت إذا الوسائط الشكلّية والتقانّية التي وّظّفها الفن لتدخل نسق التشكيل لبع د م ا‬
‫بعد الحداثي وتُك ون مس تلهما تكتس ي بقيم ة مع اييره الجمالي ة‪ .‬وعن طري ق بحث‬
‫الفنان عن تقنية جديدة تتكّفل بإيصال وتواص ل الرس الة الفني ة ال تي تص لح لتك ون‬
‫حقال للتأمل والتفكير‪ .‬وجد الفن التركيبي في الصورة تقنية جدي دة تس اهم في كس ر‬
‫األنساق الفنية السائدة وفتح آفاق جمالية مغايرة لعمل يصلح أن يكون عمًال تش كيليًا‬
‫ينتمي بأسلوبه ومعاييره إلى دائ رة الفن المف اهيمي ُيق دم في ه الفك رة والمع نى على‬
‫الشكل الظاهر‪.‬‬

‫وهنا اشتغلت اآللي ات الش كلّية والتقني ة الجدي دة لتج د مج اال للت داول داخ ل الحق ل‬
‫التش كيلي‪ ،‬على ه ذا األس اس يق وم التفاع ل التواص لي ال ذي يعي د تش كيل ال رؤى‬
‫الفردية‪ ،‬واستخراج الرموز واالشارات الموجودة في األعمال‪ .‬وعليه يؤك د العم ل‬
‫على الممارس ة العقلي ة للتأم ل ال تي تس تند على كم من الت داخالت المعرفي ة‪،‬‬
‫والت داخالت الخارجي ة المنبعث ة من الواق ع لتش كل حكاي ا مغ ايرة تمت از بالفردي ة‬
‫والطرافة والجرأة وعدم االلتزام بمنطٍق محدٍد ‪.‬‬

‫ؤكد الفنون البصرية المعاصرة يومًا بعد يوم قوة حضور شكل فني جديد يتخذ من‬
‫تعدد الوسائط التقنية الجديدة حقًال له‪ ،‬وهو يتطلب درج ة عالي ة من ال وعي لتفني ده‬
‫خاصة أنه مازال يتفاعل ولم يصل فى عالمنا العربي لدرجة من االس تقرار والبع د‬
‫الزمني تساند محاولة تقيييمه واإلحاطة به مما يجعل تلك المحاولة محفوفة ب الحيرة‬
‫يؤدي كل سؤال فيها لسؤال جديدة‪ ،‬مما يدفعنا ألن ننظر للفن المعاصر تلك النظ رة‬
‫القلقة التي تجبرنا على متابع ة الش روط المتغ يرة للفن وتجدي د تحليالتن ا عن ه دون‬
‫انقطاع‪.‬‬

‫وأتذكر هنا موقف الفيلسوف األلم انى ج ادامر عن دما ق دم نظريت ه فى التأوي ل من‬
‫منطلق رفضه لعدم قابلية العمل الفنى لإلحاطة قائًال‪:‬‬

‫"كانت حقيقة أن العمل الفنى يمثل تحديًا موجهًا إلى فهمنا ألنه يفلت دون حدود من‬
‫كل تفسير‪ ،‬وألنه يعترض بمقاومته التي اليمكن أبدًا التغلب عليه ا‪ ،‬هي بالنس بة لي‬
‫نقطة انطالق نظريتي في التأويل" ‪ .‬حيث رفض جادامر فكرة تعاِلي العمل الفني ‪،‬‬
‫وأن الفنان فردًا اليحيط به الوصف‪ .‬وأن تجربة المش اهد بمثاب ة استس المًا منبه رًا‬
‫للعمل‪ ،‬مأخوذًا بتفرده الذي اليمكن التعبير عن ه‪ ،‬وح اول وض ع اتج اه فى التفس ير‬
‫يق وم على الفهم والح وار وينف ر من إص دار األحك ام أو التقري رات أو اإلجاب ات‬
‫النهائية‪ .‬في محاولة إلزالة حالة االغتراب بيننا وبين الفن المعاص ر‪ .‬من نفس ه ذه‬
‫الدائرة أقدم محاولة إلنارة بعض جوانب الفن المعاصر‪.‬‬

‫نعيش األن أيام الحرية الثقافية‪ ،‬التي مارست فيها ثقافة الصورة س طوتها وتأثيره ا‬
‫على طريقة الحياه اليومية وطرق الحص ول على المعلوم ات عن الواق ع السياس ي‬
‫واإلقتصادي واإلجتماعي‪ .‬وق د تنب أ الع اِلم األن ثربولوجى ليفي ش تراوس بالوض ع‬
‫الحالى للَع الم في كتابه اللقاء بين العلم واألسطورة في ستينات القرن الماض ي حين‬
‫ق ال "من المحتم ل أن يك ون م ا يه ددنا اآلن ه و ف رط اإلتص ال ‪over‬‬
‫‪ communication‬أو ال نزوع إلى معرف ة م ا يج ري‪ ،‬بدق ة‪ ،‬في ك ل األج زاء‬
‫المختلفة من العالم‪ ،‬ومن أى نقطة فيه‪.‬‬

‫من هنا كانت اتجاهات الفن المعاصر تشير إلى النموذج الذي قدمته ثقاف ة الص ورة‬
‫التي تبثها الفضائيات طوال الوقت والتي مارست حض ورها الفع ال وأص بحت من‬
‫مص ادر التجرب ة اإلبداعي ة للفن ان في اتجاه ه الف ني ومفردات ه وأش كاله وقض اياه‬
‫وموض وعاته‪ .‬وق اربت بين رؤى الفن انين على مس توى الع الم لدرج ة الت داخل‬
‫وغياب التفرد‪ .‬حتى أصبحنا نجد أنفسنا في كثير من المعارض وكأننا داخل غرف ة‬
‫عمليات قناة إخبارية تالحق األحداث وتلهث وراء كل ما هو جدي د ومث ير‪ ،‬فالفع ل‬
‫الجم الي كم ا يق ول إي ردل جنك نز ليس منع زًال عن البيئ ة ب ل يش كل جانب ًا من‬
‫اإلستجابة لعناصرها والتكيف معها‪.‬‬
‫وقد تحول الفن المعاصر إلى تقديم أشكال تعبر عن حضارتنا المعاصرة التي تفتقر‬
‫للطابع اإلنساني وتربط اإلنسان بس ياق آلي تحرك ه التكنولوجي ا ونظم المعلوم ات؛‬
‫مما جعل من أهداف الفن المعاصر‪ :‬الرغب ة في تحري ر الع الم عن طري ق تزوي ده‬
‫بأشياء جديدة ومثيرة التمثل صورة لما هو معروف من قبل‪ .‬ومن هنا أصبح الفنان‬
‫يطالب المتذوق بأن يكون واعيًا بأنه يتطل ع إلى عم ل ف ني يمث ل لون ًا من التح دي‬
‫الصارخ لحياته النمطية ولمعرفته السابقة عن الفن ومفاهيمه المستقرة عن الجمال‪.‬‬

‫ومن اله ام هن ا أن نش ير إلى أن الفن البص ري المعاص ر ق د توج ه بع د الح رب‬


‫العالمية الثانية نح و نمطين في التعب ير ترب ط بينهم ا منهجي ة واح دة‪ ،‬هم ا "البني ة‬
‫المبرمج ة" و"الص ورة المتبدل ة حركي ًا" وهات ان الوس يلتان تق ودان لألط راف‬
‫الحدودية للفن‪ ،‬أي إلى حدود ما لم يُعد فنًا‪ ،‬من هنا ح دث تح وًال فى الرؤي ة الفني ة‬
‫فأصبحنا نجد "الش يئ المنظ ور" ب دًال من (العم ل الف ني)‪ ،‬و"الُم برِم ج" (ب دًال من‬
‫الفنان) و"الُم شاِرك" (بدًال من المشاهد)‪.‬‬

‫وفي هذا اإلط ار ط رح الم ؤرخ والمنظـراأللماني المعاص ر(ي اوس) في س تينات‬
‫القرن العشرين‪ :‬فكرة "جمالية االستقبال" التي أعطت معي ارًا لتحدي د قيم ة العم ل‬
‫الفني من خالل وقع ه على المتلقين‪ ،‬س واء ك ان ملبي ًا لتوقع اتهم أو متج اوزًا له ا‪،‬‬
‫واعتبر أن المسافة بين "أفق التوقعات" وبين "األفق المغاير" الذي تقدمه األعم ال‬
‫الفنية الجديدة هي ال تي تح دد قيم ة العم ل‪ :‬فكلم ا تض اءلت تل ك المس افة بحيث ال‬
‫يكون وعي المتلقي مطالبًا بأي تغيير في تلقيه للعمل كلما فقد العمل قيمت ه واق ترب‬
‫من المجال االستهالكي‪ .‬من هنا بدأ العمل الفني يتخ ذ مظه ر الش يئ الغ ريب غ ير‬
‫المتوقع‪ ،‬الذي يحدث صدمة‪ ،‬ويتعمد التأثير على انفعاالت المتلقي وكسر توقعاته‪.‬‬
‫والحقيقة أن الرغبة العارمة لدى الفنان في إح داث الت اثير وإث ارة انفع ال المش اهد‬
‫ورجه بعنف‪ ،‬لها ما يبررها فى حياتنا المعاصرة حيث لم يعد هناك ما يجعلنا نتأثر‬
‫فق د اص بحنا اآلن ن رى األش الء واالنفج ارات واالنهي ارات واألطف ال الش هداء‬
‫والك وارث والحص ارات واإلب ادات الجماعي ة ونحن نتن اول العش اء ون ثرثر أم ام‬
‫التلفزيون‪ .‬وأصبح تقديم اعمال فنية تحمل أي من لمحات أمل يبدو فى رأي العدي د‬
‫من الفنانين وكأنه نوع من تغييب الوعي واالنفصال عن العالم‪ ،‬وتقديم أعمال تدعو‬
‫للتامل والحلم نوع من الرومانسية الخائبة‪ .‬فما أن ينتهى العالم من أزمة ح تى يق ع‬
‫فى أزمة أبشع منها‪ ،‬حتى أص بحنا إم ا أن نص اب بالتبل د وإم ا أن نص اب بالش قاء‬
‫الدائم ثمنًا الحتفاظنا بوعينا إنها معادلة مغلقة أربكت الفنان واقتربت ب ه إلى ح دود‬
‫ما لم يعد فنًا‪.‬‬

‫والفنان وس ط دوام ة الحي اة المعاص رة ال ب د و أن يخل ق فن ًا يالح ق ه ذا التم زق‬


‫والتشتت الذي اتسمت به تلك الحياة‪ ،‬وأن يح اول التغي ير ح تى يخ رج على الن اس‬
‫هو اآلخر كل يوم بشيء من نوع جديد‪ .‬لقد ق دم فن ه ذا العص ر المع ادل الط بيعي‬
‫له؛ فإنسان هذا العصر مطارد من الزمن‪ ،‬متعجل ال يجد فسحة من ال وقت للتأم ل‪،‬‬
‫وأصبح عليه أن يضحي هو اآلخر بكل م ا ورث ه من قيم‪ ،‬يض حي بالمتع ة العقلي ة‬
‫التي يص رفها في التأم ل‪ ،‬أو اإلنص ات إلى الموس يقى‪ ،‬أو ق راءة قص يدة ش عرية‪،‬‬
‫وتحت شعار الجرأة والرغبة في البحث عن الجديد فقدت الكثير من القيم‪.‬‬

‫كذلك فإن تيارات النقد في فـنون ما بعد الحداثـة تعت بر أن المتلقي ه و ال ذي يحـدد‬
‫"القص دية" بن اء على تص وره للش كل وتفاعل ه مع ه‪ ،‬وأص بح النق د ال يق وم على‬
‫دراسة بناء الشكل في العمل الفني‪ ،‬وإنما على ردود فعل المتلقي نحوه‪ .‬وربم ا أدى‬
‫هذا إلى زيادة رغبة الفنان في إحداث تأثيرات ص ادمة لتحري ك ردود فع ل المتلقي‬
‫وتص عيدها‪ ،‬م ع مراع اة طبيع ة المتلقي المعاص ر المتعج ل ال ذي ليس لدي ه وقت‬
‫للتأمل والوقوف أمام العمل الفني‪ ،‬فظهرت األعمال الضخمة ال تي تحت وي المتلقي‬
‫داخلها وتفرض تأثيرها عليه‪ ،‬وتتوسل باألصوات واألضواء لتأكيد هذا التأثير‪.‬‬

‫من هنا أصبحت الجرأة في العمل الفني تتم بشكل متعمد إلحداث هذه التأثيرات‪ ،‬إال‬
‫أن الجرأة في خدمة السطحية تجعلها واض حة‪ ،‬وتص ل بالعم ل الف ني إلى مس توى‬
‫العبث‪ ،‬وتضئ تلك الفراغات التي يخلقها انعدام القيم‪ .‬وبناء على ذلك يصبح الفنان‬
‫مجرد شخص مقدام جرئ على حساب أن ه لم يع د فنان ًا‪ .‬م ع العلم أن ه وكم ا يق ول‬
‫الكاتب االسباني إدواردو جونزاليز النوزا‪ :‬أن الفن ان المب دع األص يل يمتل ك تل ك‬
‫الجرأة الفطرية األصيلة والموجودة بالفعل‪ ،‬وهو يدهشنا بم ا يحقق ه من نت ائج دون‬
‫أن يقصد ذلك‪ ،‬ودون محاولة االلتجاء إلى خدعة الجرأة اإلضافية‪.‬‬

‫تلك الجرأة المفتعل ة ال تي جعلت بعض الفن انين يغ ريهم ال ترقب المث ير من ج انب‬
‫المتلقين لتقديم كل ما هو جديد‪ .‬مما جعل األعمال تفقد ك ل قيم ة له ا بع د المش اهدة‬
‫األولى التي عرف فيها المشاهد الفكرة الجديدة للعم ل‪ ،‬وينتهي ب ذلك ك ل ش يئ وال‬
‫يعد المشاهد يتذكر العمل الفني الذي أصبح مثل اللعبة الجديدة التي تفقد بريقها عن د‬
‫الطف ل بع د اكتش افه له ا‪ ،‬ويب دأ بع دها الض جر ومحاول ة البحث عن لعب ة أخ رى‬
‫جديدة‪ ،‬ويبدأ فى انتظ ار الجدي د الق ادم‪ .‬والش ك أن ج انب كب ير من المتلقين ال ذين‬
‫أرهقهم كثاف ة وتت ابع الص ورة ال تي يق دمها لهم اإلعالم يتخ ذ ه ذه الج رأة كح افز‬
‫لتحريك الخمول‪ ،‬وحالة الملل ال دائم ال ذي يجعلهم مه يئون لتقب ل األش ياء بس رعة‬
‫وتركها بنفس السرعة أيضًا بحيث ال تترك أي أثر‪.‬‬
‫وأصبحت ما أن تدلف إلى قاعات الع رض فى كث ير من المع ارض الك برى ح تى‬
‫تتخاطف انتباه ك األص وات والض واء والص ور المفكك ة المتباين ة ال تي اليقيمه ا‬
‫نسق‪ ،‬ميل إلى نفي النظام وإعالء قيم الفوضى‪ .‬رغبة عارمة فى استحضار ال ذات‬
‫وفرض وجودها لدرجة تصل أحيان ًا لح دود االس تعراض فى وس ط ع الم اليحف ل‬
‫بالصامتين‪ ،‬عالم يصعب فيه الحضور‪ ،‬وعن دما تت دافع األفك ار بالمن اكب الب د أن‬
‫يحدث الصخب‪.‬‬

‫وهن اك م ؤثر اخ ر على الفن التش كيلي الع ربي المعاص ر بش كل خ اص وه و‬


‫االستخدام غير الناضج للتقنية‪ ،‬وربما يكون مرد ذلك لألسف هو اإلحساس بتخلفن ا‬
‫التقني الذي ما لبث أن شجع النزعة إلى عبادة التقنية‪ ،‬و قد أدى ذلك إلى ترقب دائم‬
‫من جانبن ا إزاء الغ رب المتق دم تقني ًا‪ ،‬خاص ة فى ظ ل تن امي النزع ة التقني ة على‬
‫الصعيد العالمي‪ ،‬لكننا ننسى أن الغرب يجرب ويترك لينتقل لتجربة أخرى بينما ما‬
‫زلنا نحن نحتفي باتجاهات في الفن غادرها الغرب من ستينات القرن الماضى‪ .‬وما‬
‫زال الكثير من الفنانين يعتبر عمله الفني حقًال يستعرض فيه بشكل مجم ع ومكث ف‬
‫كل مايعرفه من إمكانيات للوسائط الجديدة دون أن يصل لمرحلة االنتق اء المناس ب‬
‫والتلخيص لصالح لغة التشكيل األساسية‪.‬‬

‫ك ذلك ف إن الفن التش كيلي الي وم يتقمص دورًا ليس دوره ‪ ،‬دورًا ل ه أبع ادًا سياس ية‬
‫متعددة‪ ،‬على الرغم أن الفن له دور أخر غير دور المظاهرة السياسية أو اإلحتجاج‬
‫االجتماعي‪ ،‬فنحن النريد فنًا يعيد علينا عرض م ا تبث ه الفض ائيات بال توق ف‪ .‬ب ل‬
‫نريد فنًا مازال يحمل البعد الجمالي الذي يحقق لن ا حال ة من اإلت زان تجعلن ا نض ع‬
‫مسافة بيننا وبين مشكالتنا حتى نستطيع أن نتأملها بدًال من مزي د من الغ رق فيه ا‪،‬‬
‫فنًا يتيح مسافة نفسية وعقلية لوعى وخيال المشاهد‪ ،‬ال فن ًا يس تدرجه وُيغرق ه م رة‬
‫أخرى فى مساحة أو مجال أو نشاط مقتطع من الواقع فيخرج من تجرب ة المش اهدة‬
‫بال شئ‪ ،‬ويشعر أن ه ُخ دع أو اس تهلك ج زء من وقت ه بال طائ ل‪ ،‬أو يش عر بالس أم‬
‫والفتور لنه يحس حينئذ أنه أنفق جزء من عمره بدًال من أن يس هم العم ل الف ني في‬
‫اإلضافة لعمره بما يمنحه إياه من أنواع جديدة من الوجود‪ .‬أو كما يق ول د‪ .‬ص الح‬
‫قنصوة ‪ ،‬يشعر أن وجوده قد انزلق إلى أشياء الع الم‪ ،‬وران علي ه التعب من ج راء‬
‫دورانه معها كجزء منها وأن ه أص بح فى حاج ة إلى ان تزاع وج وده الخ اص منه ا‬
‫ليغمره فى عمل فني يستطيع الول وج من خالل ه إلى ع الم جدي د يتنفس في ه أج واء‬
‫الحرية‪.‬‬

‫فمشكلة العديد من األعم ال المعاص رة إنه ا تق دم أش ياء مألوف ة في الحي اة اليومي ة‬


‫المعتادة دون تغيير يذكر‪ ،‬لقد تنافت أقل الشروط التى يجب توافره ا إلدراك أن م ا‬
‫نشاهده هو عمل فني‪ .‬أو كم ايقول الناق د م‪ .‬نايم ان‪ :‬إن ه فن يمكن أن تخطئ ه العين‬
‫وتظنه الحياة‪ .‬المفترض فى الفن أنه يحررنا من جمي ع أش كال العبودي ة فى الحي اة‬
‫اليومية‪ .‬حيث أن خبرة اإلبداع فى تذوق العمل الفنى تق وم على تك وين ص ورة من‬
‫خالل بن اء االنفع االت ال تى يق دمها العم ل الف نى على نح و يخرجه ا من دائ رة‬
‫االنفع االت فى الحي اة اليومي ة‪ ،‬وي دخلها فى دائ رة ال وعي والخي ال الخالق ال ذي‬
‫يصوغها بدوره فى صورة جديدة‪ .‬ويعضد الشاعر أدونيس هذا الرأي عن دما يق ول‬
‫"اليكون الفن أو اإلب داع عالي ًا إال بق در م ا يزل زل الواق ع فى حرك ة من التج اوز‬
‫الخالق نحو تكوين عالم أخر"‪.‬‬

‫إن معيار اإلب داع فى الفن ه و قدرت ه على االنفالت من أس ر لعب ة الحي اة اليومي ة‬
‫والتحلي ق في آف اق جدي دة‪ ،‬دائم ًا جميل ة‪ .‬من هن ا إزدادت اله وة ال تى تفص ل بين‬
‫المشاهد وبين معظم فنون ما بع د الحداث ة‪ .‬و في ال وقت ال ذي اق ترب في ه الفن من‬
‫الحياة اليومي ة واختل ط العم ل الف ني بتفاص يلها ابتع د عن المتلقي‪ ،‬فالم انع من أن‬
‫يس تخدم الفن ان مف ردات الواق ع المعاص ر ولكن في واق ع جم الي جدي د يفاجئن ا‬
‫بصياغاته التي تحمل القيم الجمالية التي لها الق درة على البق اء واالس تمرار‪ ،‬ح تى‬
‫نستطيع أن نقدم فنًا له داللت ه الكامن ة ال تي التفس ر فق ط لص الح عص ره لكن تبقى‬
‫لتحمل دالالتها لكل العصور‪ .‬وهذا الذي يف رق الفن عن الالفن فعن دما ت داخل الفن‬
‫في الواقع بدًال من تداخل ه في الخي ال خ اطر ب إطالق س ياق لن يس تطيع الس يطرة‬
‫عليه‪ .‬وعندما قلت إحالة العمل الفني إلى حقيقة أسمى إنسحق ب الواقع ولم يع د فن ًا‪.‬‬
‫وق د نتج عن ذل ك تفكي ك ذات الفن ان أيض ًا لت ذوب فى م دار إمالءات الحي اة‬
‫المعاص رة‪ .‬وأص بحت األعم ال الفني ة تض عنا م رة أخ رى فى أس ر لعب ة الحي اة‬
‫اليومية‪.‬‬

‫ونخلص فى النهاية إلى إشارة هامة هى أنه مهما كان الوسيط الذي يستخدمه الفنان‬
‫فالب د أن يحم ل العم ل الف نى قيمت ه الجمالي ة‪ ،‬ف التجريب واإلرتب اط بالتي ارات‬
‫المعاصرة ال يعني تق ديم فن ًا خالي ًا من القيم‪ .‬فك ل محاول ة تري د أن تج رد الفن من‬
‫بعده الجم الي مص يرها النس يان‪ .‬وإن ق وة الع راك الح ادث اآلن فى قلب التش كيل‬
‫الع ربي فى مح اوالت إحالل وتب ديل دائم س تؤدى حتم ًا بع د مروره ا بنض جها‬
‫الزمني الواجب إلى تصفية الزائف‪ ،‬لتبقى القيمة تحفظها ذاكرة الفن الواعية‪.‬‬

You might also like