Professional Documents
Culture Documents
مفهوم علم الجمال
مفهوم علم الجمال
2يعتبر علم الجمال أحد مجاالت نظرية القيمة (األكسيولوجيا) والتى بدورها فرع من فروع الفلسفة
الثالث :األكسيولوجيا ـ الميتافيزيقا و االبستمولوجيا "نظرية المعرفة".
3يبحث علم الجمال في المحسوسات والمدركات ،وهو يختلف عن المنطق " "logicالذي يبحث عن
العالقات والعقالنية .كما ال يبحث علم الجمال فقط فى األشياء الجميلة ،بل يتعدى ذلك إلى العوامل التى
تجعل شيئ ما جميل أو جليل أو ُمِنفر أو سخيف أو قبيح أو ممتع أو ممل ،أو مرح أو مأساوى.يهدف علم
الجمال إلى إيجاد مباديء عامة للفن والجمال.
4تعريف مفهوم"العلم":علم " "scientiaكانت تعني في اللغة الالتينية "معرفة" ،ويستخدم اللفظ حاليًا
بمعنى المعرفة ،لدراسة ظاهرة طبيعية باستخدام األسلوب العلمي؛ أي وجود مشكلة ويتم وضع فرض لها
ويتم اختبار هذا الفرض بالتجربة ،فإذا ثبتت صحة الفرض فإن الفرض يصبح نظرية ،و إال فيعدل
الفرض ويختبر علميًا وهكذا حتى نصل إلى قانون طبيعي.كان العلم عند اإلغريق مجرد فكر ،أما قدماء
المصريين فكان العلم عندهم تطبيقًا عمليًا ،وقد قام العرب بمزج الفكر النظري بالتطبيق العلمي واستمر
ذلك حتى عصر النهضة (مابين القرنين الـ 13و الـ.)16
5تعريف مفهوم "الفلسفة" -المعنى األصلي لكلمة فلسفة اليونانية هو "حب الحكمة" -.الفلسفة هي دراسة
المباديء األولى للوجود والفكر دراسة موضوعية تهدف إلى الوصول الى الحق وتهتدي بمنطق العقل،
لذلك ال تبدأ الفلسفة بمسلمات مهما يكن مصدرها -.على عكس الرياضيات والفيزياء ،فإذا كانت األولى
(أي الرياضيات) تبدأ من العدد والثانية (اي الفيزياء) تبدأ من المادة ،فإن الفلسفة تحلل هذه البدايات نفسها
الى مبادئها األولية.
6ظهور مصطلح االستطيقا يعتبر الفيلسوف األلمانى الكسندر جوتليب باومجارتن هو أول من صاغ
مصطلح "االستطيقا" و كان ذلك فى العام و قصد باومجارتن من وراء هذا المصطلح" :العلم الذى يدرس
كيفية معرفة األشياء عن طريق الحواس" .و بذلك يكون أول استخدام لكلمة استطيقا كان فى ألمانيا .أما
فى اللغة االنجليزية فبدأ استخدامه فى القرن التاسع عشر و ذلك على يد الفيلسوف ديفيد هيوم.
7عرفت الدراسات التى عنيت بموضوع الجمال قبل ظهور مصطلح "االستطيقا" بمسميات أخرى مثل:
"مقاييس الذوق" أو "األحكام الخاصة بالذوق".
8ما هو علم الجمـــال؟علم الجمال أو االستطيقا هو دراسة فلسفية للخصائص التى تبحث فى جماليات
األشياء أو عن طبيعة القيم الجمالية و األحكام المتعلقة بها .و تتضمن اإلستطيقا أيضٌا فلسفة الفن و التى
تهتم أساسًا بطبيعة وقيمة الفن و المبادئ التى من خاللها يتم تأويل العمل الفنى و تقييمه.
10الحكم الجمالى قد يكون موضوعيًا أو ذاتيًا ،و بالتحديد ال يوجد حكم جمالى موضوعى تماما أو ذاتى
تمامًا ..و بعض أحكامنا الجمالية تكون مبنية على أساس بيولوجى :فمثًال الوجه المتماثل و الجلد المتماسك
النظيف لإلنسان يعتبران شيئان جميالن لهما جاذبية ،أما الوجه الغير متماثل و الجلد المريض فيعتبرا غير
جذابين ،وبالتالى يتصفا بالقبح.
11قد يتولد عن رؤية منظر طبيعى يتسم بالجالل رد فعل يتمثل فى اإلحساس بالرهبة و الخشوع،
ويصاحب هذا اإلحساس تعبيرات فيزيقية مثل تعبيرات الدهشة فى الوجه أو اتساع حدقة العين أو خفقان
فى القلب أو النطق بطريقة تلقائية بكلمات تجسد هذا اإلحساس .وتكمن ردود الفعل تجاه الجمال فى
الالوعى وهو الذى يؤثر و لو جزئيا على أحكامنا الجمالية.
13أما أنصار االتجاه الذاتى فيروا أن الجمال شيئ يتعلق بالنفس ,أنه يتغير من شخص آلخر و أن
الجمال يوجد فى داخلنا حيث يتم تصوره من خالل فكر من يقدره وأن الحكم الجمالى ينبع من الفكر الحر
و قوة الخيال والتى تتقاوت من شخص إلى آخر .أى أن الجمال ظاهرة سيكولوجية ذاتية.
14و يعتبر إمانويل كانت “ ”Immanuel Kantأبرز المدافعين عن االتجاه الذاتى ،حيث يعتبر أن
الحكم على الجمال حكم ذاتى يتغير من شخص إلى آخر و أن مصدر الشعور بالجمال يقع فى داخلنا و أن
جمال الشيئ ال عالقة له بطبيعة الشيئ.
19قام فيثاغورث بتحليل بعض القطع الموسيقية وتوصل الى أسباب جمالياتها من خالل تفسير عددي
ألنغامها وفسر التوافق (الهارموني) الموسيقى بأنه يرجع إلى وجود وسط رياضي بين نوعين من
النغم.ركزت الفيثاغورية على األضداد (الخير والشر – المحدود والال محدود – الواحد والكثرة – الذكر
واألنثى – الظالم والنور .....الخ) وقالت بأنه في النهاية يحدث وحدة أو ائتالف أو انسجام (هارموني) و
الذى يرجع إلى وجود وسط رياضي بين كل نقيضين ،أي البحث عن الوحدة المفسرة للكثرة.
23الجمال عند سقراط هو جمال هادف ،أي أن الجميل هو ما يحقق النفع أو الفائدة أو الغاية األخالقية
العليا ،وله مقولة مشهورة في ذلك الصدد":ما هو نافع لغرض معين فإن استعماله جميل لهذا
الغرض”ويرى أن الصفة المشتركة لألشياء الجميلة تكمن في أن جميعها قد صنعت على النحو الذي تحقق
به الغرض من وجودها ...أي أنها حققت هدفها!!.
24يرى سقراط أن العين الجاحظة أجمل من العين العادية ،ألن الجحوظ يؤدي إلى وظيفة أفضل وهي
اتساع مجال الرؤية ،وأن األنف األفطس أجمل من األنف المستقيمة ،ألن األنف المستقيمة قد تعوق زاوية
الرؤية أما األنف األفطس فإنها ال تعوق زاوية الرؤية!!.نادى سقراط أن يركز الفنانون على إبراز التعبير
عن أحوال النفس البشرية من خالل التأكيد على تعبيرات العين والوجه في موضوعات الرسم والنحت
وذلك بهدف إظهار الفضيلة واالنفعاالت السامية لتأكيد الجمال الخلقي بجانب مراعاة جمال الصورة
ونسبها الفنية.
25نبذ سقراط مبدأ "اللذة" الجمالية التي فصلت بين الجمال و قيم الحق والخير ،فلم تكن اللذة عند سقراط
سوى نوعًا من أنواع التدهور الفني واالنحالل األخالقي.يرى سقراط أن أصحاب الحرف والصناعات
أفضل من الفنانين الذين ال يوجهون الناس من خلال فنهم الى قيم الخير والحكمة والفضيلة.يرى سقراط أن
الفن يجب أن يكرس لخدمة اإلنسان ،بينما يؤدي الجمال إلى الخير ال إلى اللذة الحسية.
27فيلسوف يوناني.تتلمذ أفالطون على يد سقراط.له نظرية تسمى بنظرية "الُم ُثل" وهي تؤكد على
استقالل المعقوالت عن المحسوسات.فلسفته السياسية تميل الى النزعة األرستقراطية.قدم تصورًا لما
يسمى بالمدينة الفاضلة (يوتوبيا).حارب الشعر وبقية الفنون الواقعية ،واعتبر الفنانين الواقعيين يعتمدوا
على إثارة جانب العاطفة واالنفعال الى حد يضيع معه سيطرة العقل على اإلنسان ويفقده توازنه وتمسكه
بالقوانين المقدسة.
28تشرب أفالطون النزعة العقلية من أستاذه سقراط ،وفضل منهج االستدالل العقلي وشغف بالرياضيات
والهندسة حتى أنه كتب على باب أكاديميته الخاصة" :ال يدخل أكاديميتي إال من ألم بعلم الهندسة".حارب
أفالطون الفنانين الذين يعملون على خداع الحواس في فني النحت والتصوير وطالب بالمحافظة على
النسب الصحيحة والمقاييس الهندسية المثالية.
29طالب أفالطون الفنانين بمعرفة الحق معرفة واقعية ،كما طالبهم بتوجيه أعمالهم إلى الخير ،كما آمن
أفالطون بأفضلية اإللهام والهوس " "Maniaوالحض على كل معرفة عقلية ،وعلى الرغم من أن اإللهام
والهوس والحب قوى ال عقالنية ،إال انه اعتبرها وسيلة من وسائل االتصال بالعلم اإللهي الذي –في نظر
أفالطون -المكان الحقيقي الذي توجد فيه الحقيقة.تمثل هذه األفكار عن الحب والهوس واإللهام اتجاهًا
صوفيًا عند أفالطون ،حيث يرى أفالطون أن الهوس هدية من عند اآللهة ،وبالتالي يجب أن يكون منبئا
عن الحقيقة.
30ارتبط االتجاه الصوفي لدى أفالطون بنزعة ال عقلية تنتهي إلى نظرية المعرفة الميتافيزيقية تلجأ إلى
الحدس أو الرؤية المباشرة والتي تختلف عن االستدالل العقلي أو اإلدراك الحسي.أكد أفالطون على دور
اإللهام والذي اعتبره يأتي من عند اآللهة ،ويقول في هذا الصدد":إن إتقان الفن عملية تحدث من خالل
إلهام مستمد من ربات الفنون ،أما المهارة العقلية فقط فهي غير كافية لتكوين الفنان؛ فالشعر الجيد مثًال
يأتي في صورة إلهام من ربات الشعر".
32الجمال عند أفالطون هو أحب األشياء إلى اإلنسان ،ومتى صادف الفيلسوف محاكاة لهذا الجمال أو
جسمًا حسن التكوين على األرض ،فإنه في تلك اللحظة تنتابه رجفة ويملؤه شعور غامض يدفعه و يوجه
بصره في اتجاه موضوع الجمال ،ويعطي أفالطون وصفًا للشعور بالجمال ويقول:
" 33عندما يرى اإلنسان الجمال فإنه يحدث له أثناء إبصاره تغير في جسده نتيجة للرجفة التي تنتابه
فيكسوه العرق والحرارة ،ألنه بمجرد أن يلتقي فيض الجمال عن طريق عينيه فإنه يدفأ ثم يؤثر الدفء في
نفسه فينشط نمو الريش وتلين منافذه ألن الحرارة تصهر ما كان صلبًا يمنع الريش من البزوغ والنمو،
ويحدث نتيجة لذلك أن تقوى األجنحة التي يمكن للنفس بواسطتها أن تحلق وتعود مرة أخرى إلى العالم
الذي كانت تعيش فيه قبل سقوطها إلى األرض ،ذلك العالم التي تصبوا إليه النفس إلى العودة إليه لتكون
في صحبة اآللهة الخالدة والذي تسعد فيه بالتأمل الدائم لمثل الحق والخير والجمال".
36األخذ بالمظهر والبعد عن عن تقصي الحقائق و االشتغال بالنقل الواقعي لما يبدو للحواس والتعبير
الصريح عن العواطف واالنفعاالت.االبتعاد عن االلتزام باألهداف األخالقية والميتافيزيقية.
37المحاكاة الجيدة عند أفالطون هي التي تتعمق في معرفة طبيعية الشيء وأن يكون لها قيمة (أي التي
تركز على الصفات الباقية األصلية والقيمة والجوهر لألشياء) كما يرى أفالطون أن الشعر الغنائي أصدق
تعبيرًا عن الحقيقة.
38ويعكس أفالطون موضوع المحاكاة على الحكام والملوك حيث ينادي بأنه عليهم محاكاة الصفات
والقيم التي نشئوا عليها منذ حداثتهم ،كالشجاعة والكرم واالعتدال والعفة و أطلق أفالطون على هذه
الصفات "الصفات الجوهرية للحكام".كما يرى أفالطون أن اإلنسان الصالح هو الذي ال يحاكي النساء وال
العبيد وال سلوك السفلة والرعاع وال المجانين من الناس ،ويضيف أفالطون قائمة طويلة من أصحاب
المهن الذين أعتبرهم أفالطون منحطين مثل الحدادين والصناع (الحرفيين) ومالحي السفن ،ورأى أن
محاكاة هؤالء الناس تعرض أصحابها إلى التلف والتقلب – يجب أن نالحظ أن أفالطون كان يعيش في
مجتمع قام على الفصل بين طبقات الناس أيضا أنه كان شخصيًا ذا نزعة أرستقراطية
40ويقول أفالطون" :البد للمحاكاة الصحيحة بأن تتعلق بحقيقة مثالية ال بصورة" (أي ليست محاكاة
الصفات العارضة للشيء وإنما الصفات األصلية الدائمة والجوهرية).
42ويتناول أفالطون موضوع التصوير ويرى أن التصوير " "Paintingالجيد هو الذي يحترم النسب
الهندسية لحقيقة الموضوع المراد تصويره (مثال لذلك :أسلوب تصوير األشخاص في الفن المصري
بالقديم ،حيث يصور كامًال باالستغناء عن المنظور ،حتى وإن نظرا إليه من جانب واحد).امتدح أفالطون
الفنون المصرية القديمة و أرجع سر جمالها إلى وجود قوانين صارمة صادرة عن الكهان بحيث ال يسمح
للفنان بأن يغير أو يعدل في تلك القوانين.
43وينتقل أفالطون مرة أخرى إلى المقارنة بين الفن الجيد والفن الرديء حيث يقول :الفن الجيد هو ذلك
الذي يعبر عن الحقيقة المثالية الخالدة أو األصل الثابت والواضح في العقل وللمظهر الحسي أهوائه
ورغباته الذاتية ويسمح لنفسه بالتالعب بالحقيقة حسب ما يحلو له.والجمال عند أفالطون يوجد في النظام
والتناسب وفي كل ما يخضع للعدد والقياس ووقف أفالطون ضد الفن الذي يقوم على مجرد اإلحساس
باللذة أو االنفعال الالشعوري.
45يعتبر أرسطو من أهم الفالسفة اإلغريق تتلمذ على يد أستاذه أفالطون واالسكندر األكبر يعتبر من
أشهر من تتلمذ على يد أرسطو.أسس أرسطو المدرسة اللوقية أو كما تسمى أيضا بالمدرسة المشائية ،وهي
أسلوب أكاديمي في تدريس الفلسفة ،حيث كان أرسطو يحاضر وهو ماشيًا.
47وموضوع العلم عند أرسطو هو العام ،الذي يمكن التوصل إليه عن طريق العقل
وموضوع العلم عند أرسطو هو العام ،الذي يمكن التوصل إليه عن طريق العقل .ومع ذلك فإن العام ال
يوجد إال في الجزئي الذي ُيدرك بطريقة حسية وال ُيعرف إال عن طريق الجزئي ،وشرط المعرفة بالعام
هو التعميم االستقرائي الذي يكون مستحيال بدون اإلدراك الحسي.يكتسب العالم "الوجود" عند أرسطو
مبدآن وهما :الصورة و المادة (الهيولي) فمثال صورة التمثال تنطبع على البرونز فتجعله تمثاال لشيء
بذاته فكذلك فإن قوام كل شيء هو صورة ومادة وبالتالي ال تكون هنا صورة بغير مادة إال صورة هللا.
48اإلنسان له مادة وهي النفس ،أما صورته فهي الجسم واتحاد الصورة من المادة هي سبب الحركة
والتغير ويرى أرسطو أن هللا هو المحرك للمادة "المحرك األول الذي ال يتحرك".ألرسطو تأثير بالغ
على الفلسفة اإلسالمية خاصة في العصر العباسي ( ) ولقب أرسطو لدى المسلمين بالمعلم األول وقد
عرف الغرب (أوروبا) أرسطو عن طريق الفالسفة المسلمين هم الذين ساعدوا على نقل الفكر اليوناني
إلى أوروبا.
50وأيضا يختلف أرسطو عن أفالطون في تحديده لمصطلح "المحاكاة" فإذا كانت المحاكاة عند أفالطون
مصطلحًا واسع مبهما يشتمل كل أنواع اإلبداع العقلي والفلسفي والفني ،فأتى أرسطو يقصر فكرة المحاكاة
فقط على الفنون ،بل خص الفنون الجميلة بالذات باسم "فنون المحاكاة" تمييزًا لها عن بقية الفنون
التطبيقية التي غايتها إنتاج ما يستعمل ليفيد اإلنسان.
51وهناك اختالف آخر بين فلسفتي أفالطون وأرسطو فيما يخص موضوع المحاكاة فبينما اشترط
أفالطون أن يكون الفن الجيد محاكاة فإن أرسطو يرى أن الفن محاكاة جميلة ألي موضوع حتى ولو كان
مؤلما أو رديئا بل يزيد أرسطو عن ذلك حين يقول :عندما يحاكي الفن الطبيعة فإن الفن يقف عند حد
للمحاكاة الحرفية بل أنه يكمل ما تستطيع الطبيعة أن تحققه فالفن يحاكي إبداعات الطبيعة.اللذة الجمالية:
عند أرسطو هي تصفية لالنفعاالت الضارة بالنفس وتنظيمًا للمشاعر المضطربة (الحظ أن أفالطون خلط
بين اللذة الجمالية وبين الوجدان الصوفي واللذة الحسية).
52وهناك اتفاق بين فالسفة أفالطون وأرسطو فيما يخص أهمية الفنون الجميلة ،فكالهما يرى أن للفنون
الجميلة دورا هاما في التربية واإلرشاد إلى الخير والفضيلة اإلنسانية.يرى أرسطو أن للفن دورًا في
تطهير النفس البشرية وقد أطلق على هذه النظرة مصطلح التطهير " "Catharsisوكان يعني أن النفس
البشرية تستطيع التخلص من االنفعاالت األليمة وذلك من خالل تذوق الفنون خاصة الشعر والتراجيديا
اطلق أرسطو على الفنونمصطلح "البوئيطيقا" " "Poeticaوهي كلمة يونانية مشتقة من فعل Poien
وهي كلمة يونانية وتعني ينتج.
53فرق أرسطو بين الفن والصناعة ،حيث حدد مصطلح الفن في انه يصور األشياء على أي نحو سواء
على نحو ما هي عليه في الواقع أو أحسن أو أسوء مما هي عليه في الواقع ،أما الصناعة فهي تصور
الواقع وذلك من خالل فرض صورة على مادة (هيولي) سابقة على الوجود.
55فيلسوف يوناني ولد بمصر فى عام 205ميالدية و استقر فيما بعد فى روما ،وحاول هناك إقامة
مدينته الفاضلة "أفالطونوبوليس" والتى اتخذت شكل دير.
56اشتهر أفلوطين بالنزعة الروحية والصوفية العميقة ومن أشهر مؤلفاته "التاسوعات" وفيها عرض
مذهبه المسمى "باألفالطونية الجديدة" واألفالطونية الجديدة هي آخر مذهب في الفلسفة اليونانية امتزجت
فيه فلسفة كل من أفالطون و أرسطو والمدرسة الرواقية (أسسها الفيلسوف زينون حوالي عام 200ق م
وترى أن اإلنسان جزء من الوحدة الجامعة بين هللا والطبيعة و أن الحقيقة مادية توجهها القوى اإللهية)
وتأثرت األفالطونية الجديدة بالعناصر الشرقية والمسيحية والصوفية وتؤمن هذه الفلسفة بوجود "الوحدة
الكاملة".
57يرى أفلوطين أن الخير األوحد (هللا) يحتل قمة الوجود وأن منزلة الوجود متوقفة على مدى تمسكه و
وحدة أجزائه .وعن طريق الفيض “( ”Emanationأي التدرج من أعلى إلى أسفل) تنبثق عنه جميع
الموجودات في سلسلة متدرجة حتى العالم المحسوس الذي اعتبره أفلوطين عالم الخداع والشر .ومن أهم
مبادئ "الفيض"كما تصوره أفلوطين أن هللا كامل و لهذا فهو ينتج بالضرورة كائنات كاملة تشبهه و إن لم
تساويه فى الكمال.يرى أفلوطين أن الهدف األسمى للنفس هو الوحدة من الخير اإللهي.
59وفي ذلك العصر أيضا ظهرت بعض النظريات الخاصة كالشعر والعمارة ،وكتب "فتروفيوس" عن
العمارة وشبيه العمل الفني – سواء كان قصيدة من الشعر أو مبنى معماريًا -والكائن العضوي ،وذلك قبل
ظهور العمارة العضوية في القرن العشرين على يد "فرانك لويد رايت".كما ظهرت مؤلفات عن طريق
التصوير خاصة كتاب التاريخ الطبيعي لمؤلفه "بلين األكبر" في عام – 50ق م -حيث شرح فيه أساليب
التصوير وتطورها كما كتب (لونجينوس) عن الروح وأهمية الباطن عن الشكل الخارجي ورأى أن
المضمون الخصب يؤثر في النفس أكثر مما يؤثر الشكل المنمق وتعتبر كتابات لونجينوس التمهيد األول
إلستطيقا افلوطين.
60كما تم في عصر أفلوطين إعادة النظر في موضوع المحاكاة والتي مثلت عماد نظرية الفن في
العصور السابقة لعصر أفلوطين وظهرت نظرية أخرى تعتمد على الخيال الخالق وذهب الفيلسوف (فيلو
استراتوس) إلى القول بأن المحاكاة تلتزم بما يقع تحت الحس في حين أن الخيال يتجاوز الحس.دلل على
قوله ذلك بأن المثاليين الشهيرين فيدياس وبراكستيلس لم يصعدا إلى السماء ليعاين اآللهة ويحاكيانها حتى
أن نقول أن الفن محاكاة إنما أمكن لهما أن يحقق أعمالهم بفضل ما تمتعوا به من خيال خالق وذلك ألن
الخيال يحلق إلى آفاق أرحب من الواقع.
61الجمال عند أفلوطين:عرف أفلوطين الجمال بأنه موضوع محبة النفس ألنه من طبيعتها وانه ينتمي
إلى عالم الحقائق العقلية فهو أقرب إلى النفس منه إلى طبيعة المادة وبقوله في ذلك( :عندما تصادف النفس
ما هو جميل تندفع نحوه ألنها تتعرف عليه إذا انه من طبيعة مشابهه لطبيعتها أما حينما تصادف القبيح
فهي تنصرف عنه وتنكمش على نفسها ألنه مغاير لطبيعته.
62ويرى أفلوطين أن كل ما تشكل بحسب فكرة معقولة صار أجمل فالجميل هو المصور المعقول والقبيح
هو ما يخلو من الصور المعقولة ويصور أفلوطين مثال لذلك حين يرى ان لو قارنا بين قطعتين من
الحجر ،أحداهما قد نحتت على صورة معينة –كأن تكون مثًال صورة آلهة أو إنسان -وتركت األخرى
بغير تشكيل أو صورة معقولة فإننا نالحظ أن األولى سوف تتفوق على األخرى في القيمة الجمالية.كما
يرى أفلوطين أن الجمال يصدر عن الصورة أو المثال الذي ينقل من المبدأ الخالق إلى مخلوقة كما ينتقل
جمال الفن من الفنان إلى عمله الفني وبناء على ذلك فإن أفلوطين ال يرجع الجمال إلى المادة بل إلى
الصورة.
63يوجد الجمال في الفنان أكثر مما يوجد في عمله الفني ذلك ألنه يكون في العلة أعظم مما هو في
المعلول وذلك أيضا كانت اآللهة أعظم واجل فنًا ألن العقل فيها أعظم مما هو فينا أي أن الجمال ال ينتقل
بأكمله بل بجزء منه فقط ألن األصل يتضاءل كلما هو هبط.على نحو ما مثل شعاع النور كلما بعد عن
مصدره ذلك ألن كل علة تكون في ذاتها أقوى من مدلولها (أي عن طريق الفيض).
64وتنتهي نظرية أفلوطين إلى نوع من "الطهارة الروحية" التى ترتفع بالنفس من العالم الحسي إلى عالم
الحقائق الروحية الذي يعلو إلى الحس والذي يلهم من يصل إلى تأمله للشوق الدائم إليه والعزوف عن
العالم الحسي فيوحد بين الجمال والخير األقصى أو الحقيقة القصوى.يقول أفلوطين " :إن الجمال هو الخير
و من الخير يستمد العقل جماله ,ومن العقل تستمد النفس جمالها ،أما أنواع الجمال األخرى مثل األعمال
والنوايا الحسنة فجمالها أيضًا مستمد من النفس ،إذ أن النفس إلهية ،ويلخص أفلوطين ذلك في عبارة تنبض
بالصوفية ويقول":تصير النفس جميلة بقدر ما تتشبه باهلل"
66من خالل تأثره بالديانات الشرقية التي كانت تسود اإلسكندرية في القرن الثالث الميالدي اصطبغت
فلسفته بالصوفية وأبدى كراهية للعالم المادي وشبه الجمال بالنور الباطني الذي تستضيء به النفس ثم
تضيء به كل شيء.
68وكذلك الصوفي المصري عمر بن حسين بن الفارض الملقب بإمام المحبين وسلطان العاشقين ( )
الذي تمتلكه عاطفة الحب اإللهى و انتهى حبه إلى رؤية الوجود –على ما فيه من كثرة -بعين الوحدة
الشعورية المستغرقة في المحبوب والحسن بن منصور الحالج ( م) الذي قال بحلول الروح اإللهية
"الالهوت" في الجسد البشري "الناسوت" ,كما حاول التوفيق بين الفلسفة اليونانية والفلسفة اإلسالمية،
وقد أمر بقتله وصلبه بعد محاكمته.
69ومحي الدين ابن عربي ( م) الذي يرى أن الوجود واحد وإنما تتعدد صوره وأن الحقيقة المحمدية
مجمع حقائق الموجودات ومنبع الفيوضات على األنبياء.كما دعا ابن عربي إلى االعتماد على الخيال
الخالق ألنه قوة ال حد لها تتجاوز العقل ونهى عن االكتفاء بالظاهر ودعا إلى الرجوع إلى الذوق والحدس
والغور في باطن األشياء.ويقول في إحدى قصائده”:اصرف الخاطر إلى ظاهرها وأطلب الباطن حتى
تعلما”.
70ويعد الشاعر الفارسى الصوفي جالل الدين الرومي ( م) من أقرب شعراء الفرس إلى روح الفلسفة
اليونانية األفالطونية ،وفي مؤلفه الشعري الكبير "المثنوي" أودع آراء تفسر لنا ما ذكره فالسفة اليونان
من نظريات في الجمال المطلق الذي تهفو إليه النفوس والذي هو علة الجمال في كل شيء موجود والذي
يهون بجانبه كل ما يبدعه اإلنسان من آثار فنية يقول ابن الرومي ":إنني مصور نقاش أصنع في لحظة
تمثاًال ولكني في حضرتك أصهر كل هذه التماثيل ،وأنني ألخلق مائة و أنت فيها الروح ،فإذا ما رأيت
تصويرك ألقيت بها جميعًا في النار".
74إن كتاب ( نقد ملكة الحكم ) إلمانويل كانت كان دعامة قوية في بناء علم الجمال وقد بدأ ،بأن قرر إن
ليس من الممكن وضع قاعدة بموجبها يستطيع المرء أن يتعرف جمال شيء ما ،ولهذا فإن الحكم على
الجمال حكم ذاتي وهو يتغير من شخص إلى آخر ولهذا فإنه يختلف عن الحكم المنطقي القائم على
التصورات العقلية.
75لهذا فهو ثابت ال يتغير ومن هنا فالحكم ا لمتعلق بالذوق ال يمكن أن يدعي الموضوعية وال الكلية
ورغم ذلك لما كانت الشروط الذاتية لملكة الحكم واحدة عند كل الناس فمن الممكن بعد ذلك أن تتصف
أحكام الذوق بصفة الكلية لهذا عرف كانت الجمال بـ (قانون بدون قانون ) وفي الفن يقول كانت ( إن الفن
ليس تمثيل لشيء جميل بقدر ما هو تمثيل جميل لشيء ما ) .هذا وال أعتقد أنه من المبالغ فيه جعل كانت
نقطة انعطاف نوعية في المنحني البياني لعلم الجمال.
76وقد جادل "كانت" قائال" :إن حكم الجمال أو الذوق ينبغي أن يكون شيئا عاما وصادقا بالضرورة
بالنسبة لكل البشر ،فإن األساس الخاص به البد أن يكون متطابقا لدى جميع البشر ،لكنه أشار أيضا إلى أن
المعرفة هي فقط القابلة للتوصيل ،ومن ثم فإن الشيء الوحيد أو الجانب الوحيد في الخبرة الذي يمكن أن
نفترض أنه مشترك أو عام بين جميع البشر ،هو الشكل ،وليس اإلحساسات بالتمثيالت العقلية.
77وقد اعتبر بعض الباحثين هذه الفكرة اإلرهاص األول للمذهب الشكلى أو الشكلي المعاصر في الفكر
النقدي والفني المعاصر .باإلضافة إلى ذلك ،نظر "كانت" إلى "الجميل" على أنه رمز للخير ،كما أنه
تصور النشاط الجمالي باعتباره نوعا من اللعب الحر للخيال .وتعد البهجة الخاصة بالجميل والجليل بهجة
خاصة بالملكات المعرفية الخاصة بالخيال والحكم ،وقد تحرروا من خضوعهما للعقل والفهم ،أي تحرروا
من قيود الخطاب المنطقي ،وقد أثرت هذه الفكرة الخاصة بحرية الملكات المعرفية تأثيرا كبيرا فيمن جاء
بعد "كانت" من الفالسفة األلمان وخاصة "شيلنج" و "هيجل".
78إن الحكم التأملي ال يستمد -كما أشار "كانت" -من الخارج ،ألنه حينئذ سيكون حكما محددا أو معينا
أو حتميا أو طبيعيا ،إنه ينتمي أكثر إلى مملكة الذات والوجدان والشعور ،والييهما ينتمي كذلك الحكم
الجمالي.
79وقد ميز "كانت" في "نقد الحكم" بين أربع لحظات أساسية أو حاالت أو خصائص أساسية لحكم الذوق
أو الحكم الجمالي نذكرهابإيجاز فيما يلي:
80اللحظة األولى:وهى تتناول حكم الذوق وفقا للكيف و الخالصة -بالنسبة لهذه اللحظة – هي أن الذوق
هو ملكة الحكم على موضوع ما أو أسلوب من أساليب التمثيل الداخلي لهذا الموضوع من خالل الشعور
الكلي المنزه عن الغرض والخاص باالرتياح أو عدم االرتياح .وموضوع مثل هذا االرتياح -أو اإلشباع -
هو ما يسمى بـ "الجميل".
81اللحظة الثانية :الحكم على الجميل وفقا للكم :ينتهي إلى أن :الجميل هو ما يمتع بشكل عام (مشترك)
دون حاجة إلى وجود مفهوم عقلي محدد خاص حوله.اللحظة الثالثة:أحكام الذوق في ضوء العالقة
الغرضية الخاصة التي توضع في االعتبار:حكم الذوق حكم غائي ،لكنه حكم غائي بال غاية ،أي حكم بال
غرض عملي محدد .والنتيجة هي أن :الجمال هو الشكل الخاص بغائية موضوع ما ،وأن هذه الغائية يتم
إدراكها دون أي تمثيل داخلي أو خارجي لغاية معينة.
82اللحظة الرابعة:الحكم على الجميل في ضوء الجهة الخاصة بالرضا أو اإلشباع الخاص بالموضوع:
(أي من حيث اإلمكان أو الضرورة) .إن هذا " الحس المشترك" والذي من خالله ال نفهم المعنى الخارجي
ولكن األثر الناتج عن اللعب بقوانا المعرفية ،هو الشرط المسبق الذي يمكن أن يقوم في ظله حكم الذوق
ويرتقي .وهذا األثر االنفعالي ،وليس التصور العقلي ،والعام وليس الفردي ،هو جوهر الحكم الجمالي عند
"كانت" .والخالصة هنا هي :الجميل هو ما يتم التعرف عليه دون أي مفهوم عقلي على أنه موضوع
لإلشباع أو االرتياح الضروري.
83والفن الجميل في رأي "كانت" هو فن العبقرية ،والعبقرية هي موهبة (أو هبة طبيعية) تمنح القاعدة
(أو القانون) للفن.والموهبة ملكة فطرية خاصة بالفنان وتنتمي بذاتها إلى الطبيعة .ومن ثم فإن العبقرية هي
استعداد عقلي فطري تقوم من خاللها الطبيعة بإعطاء القاعدة أو القانون للفن .ويقول "كانت" كذلك "إن
الجمال الطبيعي شيء جميل ،في حين أن الجمال الفني تصوير جميل لشيء ما" .والذوق في رأيه ليس
ملكة خلق أو إبداع ،بل هو ملكة حكم فقط ،وان ما يالئم الذوق ال يكون بالضرورة "عمال فنيا" ،وإنما قد
يكون مجرد أثر صناعي ،أو نتاج نفعي أو عمل آلي ميكانيكي صرف.
84ويخلص "كانت" إلى ضرورة اتحاد الذوق والعبقرية في العمل الفني ،مادام من الضروري أن يتوافر
كل من "الحكم والمخيلة" في الفن .فالفنان العبقري يحتاج إلى ملكات أربع هي :المخيلة والفهم والروح
والذوق.