Professional Documents
Culture Documents
بشكل إرادي أو ال إرادي نقوم باختيارات جمالية كل يوم عندما نقرر مثال ماذا نلبس عندما ننظف
البيت ونعيـد تـرتـيـب أثـاثـه عـنـدمـا نـخـتـار زهورا يك توضع عىل مائدة الطعام أو يف أماكن أخرى من
ى
موسيق معينة يف البيت أو السيارة البيت عندمـا نذهب إىل حفلة موسيقية أو ى
حت نستمع إىل
سينمائ أو مرسحية عندما نضع لـوحـة عىل حائط يف المنل أو نقرأ رواية
ي عندما نذهب إىل فيلم
أو قصيدة.
إن العديد من نـشـاطـاتـنـا اليومية ذو طبيعة جمالية دون شك ،وتعتمد هذه النشـاطـات فـي
ى
الت
الجماىل وإصدار األحكام الجمالية ي
ي وجـودهـا أيضا عىل العديد من عمليات التذوق والتفضيل
تحدث عنها فيليب رسل Russell.Fيف مقال له بعنوان «األذواق الموسيقية و المجتمع »حيث
عرفها عىل أنها «التفضيالت الثابتة طويلـة األمـد ألنمـاط مـعـيـنـة مـن المـوسـيـقـى والمؤلفي
الموسيقيي و المؤديي ّ ،وعىل الشاكلة نفسهايمكننا االمتداد بهذا التعـريـف فـنـعـرف األذواق
األدبية يف الشعر مثال عىل أنها «التفضيالت الثابتة طويلة األمد ألنماط معينة من الشعر
وف التصوير «التفضيالت الثابتة طويلة األمد ألنماط معينة من اللوحات
والشعراء » ي
وف السينما «التفضيالت الثابتـة طويلة األمد ألنماط معينة من األفالم والممثلي
والمصورين » ي
والمخرجي «وهكذا بالنسبة لبقية ميادين الجمال الفنية وغن الفنية أيضا ،وحيث ى
يفنض مثال
بالنسبة للجماليات البيئية وجود تفضيالت معينة طويلة األمد ألنماط معيـنـة مـن البيئة الريفية
الوع بأن الـكـثـيـر مـن مـكـونـات الـبـيـئـة أحيانا ما توضع ضمن طائفة الفنون
ي أو المدنية مثال ،مع
اقنح ماير وجود مكوني أساسيي فـي عـمـلـيـة الـتـذوق :أحـدهـمـا وتسمىكما هو معروف بالعمارة .ى
هـو «الذكاء الجماىل » Aesthetic Intelligenceوهو المرتبط ر
أكن بعمليات اإلدراك وقد ي
يم
الجماىل »أو الذكاء التـقـو ي
ي تصوره ذا جذور وراثية إىل حد كبن ،أما اآلخر فهو «الحكم
الخنة إىل حد كبن .
Evaluative Intelligenceوقد تصوره مكتسبا ومـتـعـلـمـا وراجعا إىل ر
ى
الت يضعها المتذوق يف مرتبة أعىل مما عداها يف عملية التذوق والتقييم هذه،
تتدخل القيم ي
فإذا كانت القيم العليا التـي يـنـظـر مـن خـاللـهـا إلـى العمل الفت ه القيم الفنية فإنه سنكز ر
أكن ي ي
ه القيم األخالقية ى
الت ينظر من خاللها إىل العمل ي
عىل خصائص الشكألما إذا كانت القيم العليا ي
ر
فإنه سنكز أكن عىل طبيعة المضمون .وإذا كانت ي
ه القيم السياسية فإنه قد يركز أيضا عىل نوع
معي من المضمون ،ومن هنا تفاوتت أنماط الذوق وأشكال النقد لألعمال الفنية أيضا ،وعليه
ى
االشناكية» أو «البنيوية» ظهرت اتجاهات مثل «الفن للفن» أو «النقد الجديد» أو «الواقعية
أو ما بعد الحداثة.
تبدأ عملية التذوق إذن باإلدراك وخالل اإلدراك تكون هـنـاك إحـاطـة بالمدركات برصية سمعية...
إلخ )ثم تكون هناك محاولة للتمين بي هذه المدركات أي تحليلها إىل مكوناتها األساسية ،ثم
كىل جديد.
إعادة تركيبـهـا فـي مـكـون ي
وتختلف طرائق اإلدارك فيما بينها باختالف الحواس ويختلف أسلوب اإلدراك البرصي عن
الكىل للمثن أو العمل المدرك ثم يتجه إىل
ي أسلـوب اإلدراك الـسـمـعـي فـاألول يـبـدأ مـن اإلدراك
2
األجزاء ثم يعود بعـد ذلك إىل الكل الذي يكون كال جديدا ،ليس هو الكـل الـذي بـدأت بـه هـذه
ى
وسيق مثال )فـيـبـدأ مـن الجزئيات ويقوم بشكل السمع سماعنا للغة أو الم العملية ،-أما اإلدراك
ي
عن المكونات وقد يتجه هنا من األمام إىل الخلف ومن مكون ى
أس ر
(عن الزمن) أو ر ي
أفق ر كيت يتر ر ي
إىل آخر فيما يشبه الوثبات اإلدراكية ،وعىل نحو مشابه لما أشارت إليه دراسة سويف عـن الـشـعـر
(وه ى
السمع يف أثناء عملية اإلدراك هذه ي
ي الفت
الكىل للمثن أو العمل ي
وهكذا حت يكتمل اإلدراك ي
الجماىل) .وتتداخل معه هنا كذلك مجموعة من العمليات المحددة
ي تقريبا اسم آخر للتذوق
Aesthetic لألداء منها عىل سبيل المثال ال الحـصـر :الحـسـاسـيـة الجـمـال ـيــةSensitivity
الجماىل والتفضيل Aesthetic Judgment
ي والحـكـم الجـمـالـي .Aesthetic Preference
الجماىل» ى
الت تبدأ هذا النشاط وتستمر معه .ويتوسط «الحكم
ي ه ي والحساسية عىل نحو خاص ي
الجماىل الذي
ي هذه العملية ثم يكون التفضيل هو االستجابـة السلوكية الدالة عىل طبيعة الحكم
جماىل وذلك من خالل قبوله أو رفضه له.
ي أصدره المرء عىل موضوع
األساس لإلدراك
ي وقد طرح «سويف» تصورا خاصا حول عملية التذوق الفـنـي يـتـفـق مـع القانون
والذي فحواه ـ هذا القانون ـ أن اإلدراك يبدأ إدراكا إجماليا ثم ينتقل إىل التفاصيل لـيـرتـد بـعـد ذلـك
إلـى إدراك الـكـل إدراكا واضحا ثريا .كما يتفق هذا الـتـصـور الـذي طـرحـه «سـويـف» حـول الجمال
ومفاهيمه مع التصور الذي كان قد سبق له أن طرحه حول عـمـلـيـة اإلبـداع ،فأشار إىل أن القصيدة
يم غامض قبل أن تتفتح عن أجزائها من
(أو اللوحة) تبدأ يف نفس الشاعر (أو الفنان) ككل سد ي
خالل جهود الفنان التعبنية .ويقرر سويف أنه توجد لحظات ال يمكن إغفالها من خالل ر
ترسي ــح
خنة التذوق الفت ،وربما كان أوضحها ف الذهن ى
فنة التهيؤ بكل ما فيهـا مـن جوانب وجدانية ي ي ر
3
الثقاف للمتذوق واالستعدادات الشائعة لديه إلصدار
ي ودينامية وعقليةثم هناك أيضا اإلطار
أحكام تقويمية عىل األعمال الفنـيـة .
الفت أو
ي تنته بـانـتـهـاء االطـالع عىل العمل
ي خنة التذوق يف ضوء هذا التصور ال
وكذلك فإن ر
فنة من الزمن بعد ذلك قد تطول وقد تقرص تبعا لعوامل متعددة مشاهدته بل تمتد ى
.وإضافة إىل العوامل السابقة يؤكد «سويف» أيضـا عـلـى أهـمـيـة وجـود حالة من التوجه العام
الت تشتمل عىل القيم اإليقاعية والصوتية وبعض الصورى
وه تلك الحالة ي الفت يي بتأثن المنبه
ى
تلق العمل
وكذلك وجود حالـة مـن الـشـعـور بالتوقع واالستباق لنتيجة معينة أو أثر معي خالل ي
الفت وهو أمر شبيه بما يسميه علماء الجشطلت «الميل إىل اإلغالق». ي
ويؤكد سويـف أيضا عىل أهمية عامل التفصيل أو القدرة عىل تحديد الـتـفـاصـيـل الـتـي تساهم يف
تنمية فكرة معينة واستمرار الربط بي هذه التفـاصـيـل وهـذه الفكرة األصلية وأخنا فإنه يشن إىل
ى
الت ينظر منها إىل
أهمية عامل المرونة التكـيـفـيـة أي قدرة الشخص عىل تغين الزاوية الذهنية ي
حل مشكلة معينة .
ه:
قدم «حنورة» نموذجا تحليليا بنائيا للتذوق يشتـمـل عـلـى أربـعـة أبعاد أو أوجه ي
الفت أو قبوله)
الثقاف والمعاين (القواعد العامة لرفض العمل ي
ي االجتماع
ي * والبعد
الفت
*وأخنا البعد الـوجـدانـي أو الـذي يـعـبـر عـن درجـة الرضا أو الميل إىل االنفعال بالعمل ي
4
ى
الت يتعـرض المـرء لهاواعتمادا أيضا
نـحـو األفضل أو نحو األسوأ اعتمادا عىل النماذج الجمالية ي
اجتماع
ي عىل األذواق السائدة يف المجتمعوعىل عمليات أخرى كثنة بعضها تربوي وبعضها
إعالم.
ي وبعضها
الخبة الجمالية :المتعة والتقمص والمسافة النفسية
ر
جماىل ال
ي لخنة الجمالية عىل أنها حالة معـيـنـة مـن االنـدمـاج مـع مثن أو موضوع
يمكن تعريف ا ر
لسبب إال مواصلة التفاعل معه نتيجة ما نشعر به من متعة واكتشاف وارتياح أو قلق بتأثن من
ه حالة معينة من االندماج أي درجة معينة منـه فـانـدمـاجـنـا أو اسـتـغـراقـنـا فـي
هذا التفاعل ،و ي
لفنة طويلة وقد عالقة ما مع موضوع جماىل أحيانا ما يكون شي ــع األمد وأحيانا ما يكون ممتدا ى
ي
نكتق بالتفاعل معه لمرة واحدة وقد نـعـاود هـذا ليبس التفاعل مرات ومرات.
ي
أما التقمص Empathyفهو ـ كما عرفه ثيودور ليبس ١٨٥١ـ ( ١٩٤١ــشعور لكنه عىل عـكـس
المـشـاعـر األخـرى يـشـعـر خالله المرء بأنه جزء من شخص أو موضوع آخر ،إن مشاعر أو انفـعـاالت
مثل األس والحني والفخر تتمن عادة بأنها تكون موجـودة داخـل الـفـرد لكن المشاعر نفسها
السء المدرك. ر
خالل التقمص تتم معايشتها عىل نحو تـلـقـائـي عـلـى أنها تتعلق بالشخص أو ي
ر
السء) ويتم الشعور به كما لو كان توجد ى
وينتب عىل ذلك أن تتم المعـايـشـة مع هذا الشخص (أو ي
لديه «نفس و روح» خاصة أيضا .
وف أثناء حفلة موسيقيةبدأ المؤلف المـوسـيـقـي المـعـروف هكتور برليوز يف البكاء
ذات أمسية ي
بصوت مرتفع وهو جالس يف مقعده فنظـر إلـيـه شخص كان جالسا يف المقعد المجاور له بتأثر
ى
ويسني ــح قليال خارج القاعة ،وهنا تغنت مالمح وجه برليوز واضح وقال له :إنه يمكنه أن يذهب
ونظر إليه مندهشا وقال له :ماذا? هل تعتقد أنـنـي قـد جـئـت إلـى هـنـا مـن أجـل المتعة !
ى
وسيق لكن البد أنه قد ذهب إىل هناك من أجل متعة ما متعة خاصة يبحث عنها كل الناس يف الم
والسء الغريب أن برليوز قد وجد تلك المتعة يف إحساسات الكآبة والحزن وف الفنون عموما ،ر
ي ي
ى
الت نصفها عادة يف حياتنا اليومـيـة بـأنـهـا غن سارة وغن ى
وه اإلحساسات يالمصاحبة للموسيق ي
مريحة .
يف النشاطات الخاصة بالحـواس واألداء واالسـتـدالل قـد نجـد مـتـعـة وكذلك الحال يف رؤية أعمال
فنية كاللوحات واألفالم والمرسحـيـات وفـي سماع مؤلفات موسيقية عظـيـمـة وفـي شـم بـعـض
5
الـعـطـور وتـذوق بـعـض األطعمة ولمس بعض األشياء يف كتابتنا لمقال جيد أو قـصـيـدة رائـعـة أو
ى
حت تركيبنا لجهاز ثم تفكيكه يف حلنا لمسألة حسابية أو قضية منطقية ،أو يف أثناء تبادل وجهات
النظر خالل مناقشة ما .
ى
وسيق قد نستمتع بالتكوينات الخاصة للحن والتآلـف واإليـقـاع وكذلك قد نستمتع بما يف الم
عائ ى
عائ الموجودة فيهاسواء كانت هذه الم ي يوجد يف الموسيق من انفعالية وقد نستمتع بالم ي
عن عنها من خالل األلحان أو الرموز الخاصة باألداء
مالزمة للصوت (متأصـلـة فـيـه) أو ي ر
والمشاركة.
الجسم واأللم
ي يف الفكرة الكالسيكية «القديمة» عن المتعة واأللم ترتبط المتعة بحدوث االتزان
ويعتن الجوع والحرمان من النوم والمرض ...إلخ عوامل تعمل عىل ظهور
ر باختالل هذا االتزان
اختالالت يف االتزان فتسبب األلم أما عكس هذه الحاالت فيحقق االتزان ومن ثم المتعةوهـذه
فـكـرة قريبة لما تردد لدى أرسطو وأفالطون يف حديثهما عن االعتدال وعـدم اإلفراط أو التفريط.
وحالة التوازن هذه نسبيةفـالـشـيء الـذي يمـكـن أن يكون سارا يف لحظة (الطعام يف حالة الجوع)
قد يكون مـؤلمـا فـي لحـظـة أخرى كتناول المزيد من الطعام يف حالة الشبع الشديد أو التخمة
مثال.
6