You are on page 1of 6

‫التذوق والتفضيل الجمال‬

‫بشكل إرادي أو ال إرادي نقوم باختيارات جمالية كل يوم عندما نقرر مثال ماذا نلبس عندما ننظف‬
‫البيت ونعيـد تـرتـيـب أثـاثـه عـنـدمـا نـخـتـار زهورا يك توضع عىل مائدة الطعام أو يف أماكن أخرى من‬
‫ى‬
‫موسيق معينة يف البيت أو السيارة‬ ‫البيت عندمـا نذهب إىل حفلة موسيقية أو ى‬
‫حت نستمع إىل‬
‫سينمائ أو مرسحية عندما نضع لـوحـة عىل حائط يف المنل أو نقرأ رواية‬
‫ي‬ ‫عندما نذهب إىل فيلم‬
‫أو قصيدة‪.‬‬

‫إن العديد من نـشـاطـاتـنـا اليومية ذو طبيعة جمالية دون شك‪ ،‬وتعتمد هذه النشـاطـات فـي‬
‫ى‬
‫الت‬
‫الجماىل وإصدار األحكام الجمالية ي‬
‫ي‬ ‫وجـودهـا أيضا عىل العديد من عمليات التذوق والتفضيل‬
‫تحدث عنها فيليب رسل ‪ Russell.F‬يف مقال له بعنوان «األذواق الموسيقية و المجتمع »حيث‬
‫عرفها عىل أنها «التفضيالت الثابتة طويلـة األمـد ألنمـاط مـعـيـنـة مـن المـوسـيـقـى والمؤلفي‬
‫الموسيقيي و المؤديي‪ ّ ،‬وعىل الشاكلة نفسهايمكننا االمتداد بهذا التعـريـف فـنـعـرف األذواق‬
‫األدبية يف الشعر مثال عىل أنها «التفضيالت الثابتة طويلة األمد ألنماط معينة من الشعر‬
‫وف التصوير «التفضيالت الثابتة طويلة األمد ألنماط معينة من اللوحات‬
‫والشعراء » ي‬
‫وف السينما «التفضيالت الثابتـة طويلة األمد ألنماط معينة من األفالم والممثلي‬
‫والمصورين » ي‬
‫والمخرجي «وهكذا بالنسبة لبقية ميادين الجمال الفنية وغن الفنية أيضا‪ ،‬وحيث ى‬
‫يفنض مثال‬
‫بالنسبة للجماليات البيئية وجود تفضيالت معينة طويلة األمد ألنماط معيـنـة مـن البيئة الريفية‬
‫الوع بأن الـكـثـيـر مـن مـكـونـات الـبـيـئـة أحيانا ما توضع ضمن طائفة الفنون‬
‫ي‬ ‫أو المدنية مثال‪ ،‬مع‬
‫اقنح ماير وجود مكوني أساسيي فـي عـمـلـيـة الـتـذوق‪ :‬أحـدهـمـا‬ ‫وتسمىكما هو معروف بالعمارة ‪ .‬ى‬
‫هـو «الذكاء الجماىل ‪» Aesthetic Intelligence‬وهو المرتبط ر‬
‫أكن بعمليات اإلدراك وقد‬ ‫ي‬
‫يم‬
‫الجماىل »أو الذكاء التـقـو ي‬
‫ي‬ ‫تصوره ذا جذور وراثية إىل حد كبن‪ ،‬أما اآلخر فهو «الحكم‬
‫الخنة إىل حد كبن ‪.‬‬
‫‪ Evaluative Intelligence‬وقد تصوره مكتسبا ومـتـعـلـمـا وراجعا إىل ر‬

‫عرس وذلك بعد أن‬ ‫ى‬


‫إنجلنا خالل الـقـرن الثامن ر‬ ‫ظهر مصطلح التـذوق ‪ Taste‬يف داللته الفنية يف‬
‫ذكر أديسون أن معظم اللغات تستخدم هذه االستعارة الخاصة من مجال األطعمة والم ررسوبات‬
‫ى‬
‫الت تقوم بتمين كل األخطاء الظاهرة‪،‬‬
‫الفت من أجل التعـبـيـر عن ملكة العقل ي‬
‫إىل مجال السلوك ي‬
‫وكل مظاهر االكتمال الدقيقة يف عمليات الـكـتـابـة‪ ،‬و قد عر ف «أديسون» هذه الملكـة عـلـى أنـهـا‬
‫ى‬
‫الت تتنبه إىل مظاهر الجمال لدى أحد المؤلفي وتستجيب لها بالشعور بالرسور‬
‫ملكة الروح ي‬
‫‪1‬‬
‫وتتنبه إىل عالمات النقص لديه وتستجيب لـهـا مـن خالل النفور»‪ .‬واعتقد أديسون أيضا أن‬
‫الـذوق عـلـى الرغم من أنه فطري يف جانب منه فإنه قابل أيضا للتثقيف والتهذيب من خالل‬
‫وه وجهة من النظر يجدها‬
‫اض والحاض‪ ،‬ي‬
‫القراءة والحوار واالطالع عىل كتابات أفضل نقاد الم ي‬
‫فراي ـ ونجدها معه ـ صحيحة حتـى يـومـنـا ‪ ،‬وقد جاء يف كشاف «اصـطـالحـات الـفـنـون» أن الـذوق‬
‫قـوة إدراكية لها اختصاص بإدراك لطائف الكالم ومحاسنه الخفـيـة‪ ،‬و ه وجهة من النظر ى‬
‫تقنب‬ ‫ي‬
‫أكن بعمليات اإلدارك وما يرتبط‬ ‫والت تربطه ر‬
‫ى‬
‫كثنا من الرؤية السيكولوجيـة المـعـاصـرة لـلـتـذوق ي‬
‫بها من اكتشاف للمحـاسـن واألضداد‪ .‬كذلك أشار العالم األلمائ فخن إىل أن ى‬
‫النبية والتعليم‬ ‫ي‬
‫يـ ــؤثران دون شك يف عمليات التذوق وتفضيل األفراد لألشياء الجميلة‪ ،‬وأن التذوق يقوم عىل‬
‫ى‬
‫الت‬
‫الرغم من ذلك عىل أساس اسـتـعـدادات بـيـولـوجـيـة مسبقة‪ ،‬كما أن الشعور بالمتعة الجمالية ي‬
‫الجماىل عىل أساسها ليس مجرد استجابة فسيولوجية بسيطة بل شعور خاص‬
‫ي‬ ‫يقوم التفضيل‬
‫يـتـأثـر أيضا بالذوق الشـخـصـي ‪ Taste Personal‬للفـرد‪ .‬وعـرف فخن التذوق بأنه قوة النفس‬
‫الت تجعلها تحب أو تكره ما يـواجـه المرء مـن أشـيـاء »ونـظـر فخن كذلك إىل التذوق عىل أنه‬ ‫ى‬
‫ي‬
‫استجابة ر‬
‫مباشة ال تشتمل عىل أي نوع من التأمل ‪،‬فالمرء يحب شيئا أو ال يحـبـه لـلـوهـلـة األولـى »‬
‫الخنة وتـعـديـل السلوك ‪.‬‬ ‫ى‬
‫و يتناقض هذا بالطبع مع قوله السابق بأهمية النبية والتعليم يف تراكم ر‬

‫ى‬
‫الت يضعها المتذوق يف مرتبة أعىل مما عداها يف عملية التذوق والتقييم هذه‪،‬‬
‫تتدخل القيم ي‬
‫فإذا كانت القيم العليا التـي يـنـظـر مـن خـاللـهـا إلـى العمل الفت ه القيم الفنية فإنه سنكز ر‬
‫أكن‬ ‫ي ي‬
‫ه القيم األخالقية‬ ‫ى‬
‫الت ينظر من خاللها إىل العمل ي‬
‫عىل خصائص الشكألما إذا كانت القيم العليا ي‬
‫ر‬
‫فإنه سنكز أكن عىل طبيعة المضمون‪ .‬وإذا كانت ي‬
‫ه القيم السياسية فإنه قد يركز أيضا عىل نوع‬
‫معي من المضمون‪ ،‬ومن هنا تفاوتت أنماط الذوق وأشكال النقد لألعمال الفنية أيضا‪ ،‬وعليه‬
‫ى‬
‫االشناكية» أو «البنيوية»‬ ‫ظهرت اتجاهات مثل «الفن للفن» أو «النقد الجديد» أو «الواقعية‬
‫أو ما بعد الحداثة‪.‬‬

‫تبدأ عملية التذوق إذن باإلدراك وخالل اإلدراك تكون هـنـاك إحـاطـة بالمدركات برصية سمعية‪...‬‬
‫إلخ )ثم تكون هناك محاولة للتمين بي هذه المدركات أي تحليلها إىل مكوناتها األساسية‪ ،‬ثم‬
‫كىل جديد‪.‬‬
‫إعادة تركيبـهـا فـي مـكـون ي‬

‫وتختلف طرائق اإلدارك فيما بينها باختالف الحواس ويختلف أسلوب اإلدراك البرصي عن‬
‫الكىل للمثن أو العمل المدرك ثم يتجه إىل‬
‫ي‬ ‫أسلـوب اإلدراك الـسـمـعـي فـاألول يـبـدأ مـن اإلدراك‬
‫‪2‬‬
‫األجزاء ثم يعود بعـد ذلك إىل الكل الذي يكون كال جديدا ‪ ،‬ليس هو الكـل الـذي بـدأت بـه هـذه‬
‫ى‬
‫وسيق مثال )فـيـبـدأ مـن الجزئيات ويقوم بشكل‬ ‫السمع سماعنا للغة أو الم‬ ‫العملية‪ ،-‬أما اإلدراك‬
‫ي‬
‫عن المكونات وقد يتجه هنا من األمام إىل الخلف ومن مكون‬ ‫ى‬
‫أس ر‬
‫(عن الزمن) أو ر ي‬
‫أفق ر‬ ‫كيت ي‬‫تر ر ي‬
‫إىل آخر فيما يشبه الوثبات اإلدراكية‪ ،‬وعىل نحو مشابه لما أشارت إليه دراسة سويف عـن الـشـعـر‬
‫(وه‬ ‫ى‬
‫السمع يف أثناء عملية اإلدراك هذه ي‬
‫ي‬ ‫الفت‬
‫الكىل للمثن أو العمل ي‬
‫وهكذا حت يكتمل اإلدراك ي‬
‫الجماىل)‪ .‬وتتداخل معه هنا كذلك مجموعة من العمليات المحددة‬
‫ي‬ ‫تقريبا اسم آخر للتذوق‬
‫‪Aesthetic‬‬ ‫لألداء منها عىل سبيل المثال ال الحـصـر‪ :‬الحـسـاسـيـة الجـمـال ـيــة‪Sensitivity‬‬
‫الجماىل والتفضيل ‪Aesthetic Judgment‬‬
‫ي‬ ‫والحـكـم الجـمـالـي ‪.Aesthetic Preference‬‬
‫الجماىل»‬ ‫ى‬
‫الت تبدأ هذا النشاط وتستمر معه ‪.‬ويتوسط «الحكم‬
‫ي‬ ‫ه ي‬ ‫والحساسية عىل نحو خاص ي‬
‫الجماىل الذي‬
‫ي‬ ‫هذه العملية ثم يكون التفضيل هو االستجابـة السلوكية الدالة عىل طبيعة الحكم‬
‫جماىل وذلك من خالل قبوله أو رفضه له‪.‬‬
‫ي‬ ‫أصدره المرء عىل موضوع‬

‫هذا رأينا عىل كل حـال وهـو رأي ى‬


‫يقنب إىل حد ما ـ خاصة فيما يـتـعـلـق بـالـتـفـضـيـل الجـمـالـي ـ لمـا‬
‫اقنحه فؤاد أبو حطب حي قال إن الحساسية الجمـالـيـة هـي اسـتـجـابـة الفرد للمثنات الجمالية‬ ‫ى‬

‫الجماىل فيتعلق بمدى اتفاق‬


‫ي‬ ‫استجابة تتفق عىل مستوى محدد من الجودة يف الفن‪ .‬أما الحكم‬
‫الخناء يف الفن حول عمل فنـي بـعـيـنـه »وأخـيـرا فـإن «الـتـفـضـيـل‬
‫الحكم الخاص بـالـفـرد مـع أحكام ر‬
‫الجماىل الذي يتمثل يف نزعة سلوكية عامة لدى المرء تجعله يحب أو‬
‫ي‬ ‫الجماىل» هو نوع االتجاه‬
‫ي‬
‫الجماىل يتعلق باألثر‬
‫ي‬ ‫يقبل عىل أو ينجذب نحو فئة معينة من أعمال الفن دون غنها‪ ،‬فالتفضيل‬
‫الذي تحدثه األعمال الفـنـيـة يف أبسط مظاهره أي يف صورة القبول أو الرفض الحب أو النفور ‪.‬‬

‫األساس لإلدراك‬
‫ي‬ ‫وقد طرح «سويف» تصورا خاصا حول عملية التذوق الفـنـي يـتـفـق مـع القانون‬
‫والذي فحواه ـ هذا القانون ـ أن اإلدراك يبدأ إدراكا إجماليا ثم ينتقل إىل التفاصيل لـيـرتـد بـعـد ذلـك‬
‫إلـى إدراك الـكـل إدراكا واضحا ثريا‪ .‬كما يتفق هذا الـتـصـور الـذي طـرحـه «سـويـف» حـول الجمال‬
‫ومفاهيمه مع التصور الذي كان قد سبق له أن طرحه حول عـمـلـيـة اإلبـداع‪ ،‬فأشار إىل أن القصيدة‬
‫يم غامض قبل أن تتفتح عن أجزائها من‬
‫(أو اللوحة) تبدأ يف نفس الشاعر (أو الفنان) ككل سد ي‬
‫خالل جهود الفنان التعبنية ‪.‬ويقرر سويف أنه توجد لحظات ال يمكن إغفالها من خالل ر‬
‫ترسي ــح‬
‫خنة التذوق الفت‪ ،‬وربما كان أوضحها ف الذهن ى‬
‫فنة التهيؤ بكل ما فيهـا مـن جوانب وجدانية‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ر‬

‫‪3‬‬
‫الثقاف للمتذوق واالستعدادات الشائعة لديه إلصدار‬
‫ي‬ ‫ودينامية وعقليةثم هناك أيضا اإلطار‬
‫أحكام تقويمية عىل األعمال الفنـيـة ‪.‬‬

‫الفت أو‬
‫ي‬ ‫تنته بـانـتـهـاء االطـالع عىل العمل‬
‫ي‬ ‫خنة التذوق يف ضوء هذا التصور ال‬
‫وكذلك فإن ر‬
‫فنة من الزمن بعد ذلك قد تطول وقد تقرص تبعا لعوامل متعددة‬ ‫مشاهدته بل تمتد ى‬

‫‪.‬وإضافة إىل العوامل السابقة يؤكد «سويف» أيضـا عـلـى أهـمـيـة وجـود حالة من التوجه العام‬
‫الت تشتمل عىل القيم اإليقاعية والصوتية وبعض الصور‬‫ى‬
‫وه تلك الحالة ي‬ ‫الفت ي‬‫ي‬ ‫بتأثن المنبه‬
‫ى‬
‫تلق العمل‬
‫وكذلك وجود حالـة مـن الـشـعـور بالتوقع واالستباق لنتيجة معينة أو أثر معي خالل ي‬
‫الفت وهو أمر شبيه بما يسميه علماء الجشطلت «الميل إىل اإلغالق»‪.‬‬ ‫ي‬

‫ويؤكد سويـف أيضا عىل أهمية عامل التفصيل أو القدرة عىل تحديد الـتـفـاصـيـل الـتـي تساهم يف‬
‫تنمية فكرة معينة واستمرار الربط بي هذه التفـاصـيـل وهـذه الفكرة األصلية وأخنا فإنه يشن إىل‬
‫ى‬
‫الت ينظر منها إىل‬
‫أهمية عامل المرونة التكـيـفـيـة أي قدرة الشخص عىل تغين الزاوية الذهنية ي‬
‫حل مشكلة معينة ‪.‬‬

‫ه‪:‬‬
‫قدم «حنورة» نموذجا تحليليا بنائيا للتذوق يشتـمـل عـلـى أربـعـة أبعاد أو أوجه ي‬

‫عرف ويشتمل عىل (عمليات االستدالل والفهم والمقارنة)‬


‫العقىل الم ي‬
‫ي‬ ‫*البعد‬

‫الجماىل ويشتمل عىل (عمليات التقويم والتفضيل واإليقاع والميول)‬


‫ي‬ ‫*والبعد‬

‫الفت أو قبوله)‬
‫الثقاف والمعاين (القواعد العامة لرفض العمل ي‬
‫ي‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫* والبعد‬

‫الفت‬
‫*وأخنا البعد الـوجـدانـي أو الـذي يـعـبـر عـن درجـة الرضا أو الميل إىل االنفعال بالعمل ي‬

‫وف المرسحيـة وهـو يـقـرر أيـضـا أن‬


‫وهذا التصور قريـب أيـضـا مـن تصور حنورة لإلبداع يف الرواية ي‬
‫النفس الفـعـال »ذلك الذي يحقق‬
‫ي‬ ‫مـا يجمع هذه الوجوه أو األبعاد معا هو ما سماه «باألساس‬
‫الفت لدى‬
‫التوازن والتكامل بي األبعاد السابقة‪ ،‬وقد أجـرى حـنـورة عدة دراسات حول التذوق ي‬
‫األطفال والكباروتحقق بدرجة معقولة من هذا التصور الخاص به حول التذوق‪ ،‬وأخنا فإننا‬
‫جماىل عملية‬
‫ي‬ ‫نشن إىل أن عملية التذوق وما يصاحبـهـا مـن حـسـاسـيـة وأحكام جمالية وتفضيل‬
‫تتغن متـأثـرة بـالخـبـرة سـواء عـلـى مستوى الفرد أو عىل مستوى الجماعةوأن هـذا الـتـغـيـر قـد يـكـون‬

‫‪4‬‬
‫ى‬
‫الت يتعـرض المـرء لهاواعتمادا أيضا‬
‫نـحـو األفضل أو نحو األسوأ اعتمادا عىل النماذج الجمالية ي‬
‫اجتماع‬
‫ي‬ ‫عىل األذواق السائدة يف المجتمعوعىل عمليات أخرى كثنة بعضها تربوي وبعضها‬
‫إعالم‪.‬‬
‫ي‬ ‫وبعضها‬
‫الخبة الجمالية‪ :‬المتعة والتقمص والمسافة النفسية‬
‫ر‬

‫جماىل ال‬
‫ي‬ ‫لخنة الجمالية عىل أنها حالة معـيـنـة مـن االنـدمـاج مـع مثن أو موضوع‬
‫يمكن تعريف ا ر‬
‫لسبب إال مواصلة التفاعل معه نتيجة ما نشعر به من متعة واكتشاف وارتياح أو قلق بتأثن من‬
‫ه حالة معينة من االندماج أي درجة معينة منـه فـانـدمـاجـنـا أو اسـتـغـراقـنـا فـي‬
‫هذا التفاعل ‪ ،‬و ي‬
‫لفنة طويلة وقد‬ ‫عالقة ما مع موضوع جماىل أحيانا ما يكون شي ــع األمد وأحيانا ما يكون ممتدا ى‬
‫ي‬
‫نكتق بالتفاعل معه لمرة واحدة وقد نـعـاود هـذا ليبس التفاعل مرات ومرات‪.‬‬
‫ي‬

‫أما التقمص ‪ Empathy‬فهو ـ كما عرفه ثيودور ليبس ‪ ١٨٥١‬ـ ‪( ١٩٤١‬ــشعور لكنه عىل عـكـس‬
‫المـشـاعـر األخـرى يـشـعـر خالله المرء بأنه جزء من شخص أو موضوع آخر‪ ،‬إن مشاعر أو انفـعـاالت‬
‫مثل األس والحني والفخر تتمن عادة بأنها تكون موجـودة داخـل الـفـرد لكن المشاعر نفسها‬
‫السء المدرك‪.‬‬ ‫ر‬
‫خالل التقمص تتم معايشتها عىل نحو تـلـقـائـي عـلـى أنها تتعلق بالشخص أو ي‬
‫ر‬
‫السء) ويتم الشعور به كما لو كان توجد‬ ‫ى‬
‫وينتب عىل ذلك أن تتم المعـايـشـة مع هذا الشخص (أو ي‬
‫لديه «نفس و روح» خاصة أيضا ‪.‬‬

‫وف أثناء حفلة موسيقيةبدأ المؤلف المـوسـيـقـي المـعـروف هكتور برليوز يف البكاء‬
‫ذات أمسية ي‬
‫بصوت مرتفع وهو جالس يف مقعده فنظـر إلـيـه شخص كان جالسا يف المقعد المجاور له بتأثر‬
‫ى‬
‫ويسني ــح قليال خارج القاعة‪ ،‬وهنا تغنت مالمح وجه برليوز‬ ‫واضح وقال له‪ :‬إنه يمكنه أن يذهب‬
‫ونظر إليه مندهشا وقال له‪ :‬ماذا? هل تعتقد أنـنـي قـد جـئـت إلـى هـنـا مـن أجـل المتعة !‬

‫ى‬
‫وسيق‬ ‫لكن البد أنه قد ذهب إىل هناك من أجل متعة ما متعة خاصة يبحث عنها كل الناس يف الم‬
‫والسء الغريب أن برليوز قد وجد تلك المتعة يف إحساسات الكآبة والحزن‬ ‫وف الفنون عموما ‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ى‬
‫الت نصفها عادة يف حياتنا اليومـيـة بـأنـهـا غن سارة وغن‬ ‫ى‬
‫وه اإلحساسات ي‬‫المصاحبة للموسيق ي‬
‫مريحة ‪.‬‬

‫يف النشاطات الخاصة بالحـواس واألداء واالسـتـدالل قـد نجـد مـتـعـة وكذلك الحال يف رؤية أعمال‬
‫فنية كاللوحات واألفالم والمرسحـيـات وفـي سماع مؤلفات موسيقية عظـيـمـة وفـي شـم بـعـض‬

‫‪5‬‬
‫الـعـطـور وتـذوق بـعـض األطعمة ولمس بعض األشياء يف كتابتنا لمقال جيد أو قـصـيـدة رائـعـة أو‬
‫ى‬
‫حت تركيبنا لجهاز ثم تفكيكه يف حلنا لمسألة حسابية أو قضية منطقية‪ ،‬أو يف أثناء تبادل وجهات‬
‫النظر خالل مناقشة ما ‪.‬‬
‫ى‬
‫وسيق قد نستمتع بالتكوينات الخاصة للحن والتآلـف واإليـقـاع وكذلك قد نستمتع بما‬ ‫يف الم‬
‫عائ‬ ‫ى‬
‫عائ الموجودة فيهاسواء كانت هذه الم ي‬ ‫يوجد يف الموسيق من انفعالية وقد نستمتع بالم ي‬
‫عن عنها من خالل األلحان أو الرموز الخاصة باألداء‬
‫مالزمة للصوت (متأصـلـة فـيـه) أو ي ر‬
‫والمشاركة‪.‬‬

‫فه متعة مركبة وليست بسيطة‬ ‫ى‬


‫ومن ثم فالمتعة يف الموسيق تشتمل عىل معان عدة ولذلك ي‬
‫‪ ،‬ويقابـل كـل نوع من المتعة نوع من األلم فهنـاك األلـم الجـسـدي مـقـابـل الراحة الجسدية والمرارة‬
‫مقابل الحالوةوالرائحة المنفرة يف مقابل الروائح الممتعة المحببة والقبح مقابل الجمال والحزن‬
‫والقلق يف مقـابـل الـبـهـجـة والسكينة ‪.‬‬

‫الجسم واأللم‬
‫ي‬ ‫يف الفكرة الكالسيكية «القديمة» عن المتعة واأللم ترتبط المتعة بحدوث االتزان‬
‫ويعتن الجوع والحرمان من النوم والمرض‪ ...‬إلخ عوامل تعمل عىل ظهور‬
‫ر‬ ‫باختالل هذا االتزان‬
‫اختالالت يف االتزان فتسبب األلم أما عكس هذه الحاالت فيحقق االتزان ومن ثم المتعةوهـذه‬
‫فـكـرة قريبة لما تردد لدى أرسطو وأفالطون يف حديثهما عن االعتدال وعـدم اإلفراط أو التفريط‪.‬‬

‫وحالة التوازن هذه نسبيةفـالـشـيء الـذي يمـكـن أن يكون سارا يف لحظة (الطعام يف حالة الجوع)‬
‫قد يكون مـؤلمـا فـي لحـظـة أخرى كتناول المزيد من الطعام يف حالة الشبع الشديد أو التخمة‬
‫مثال‪.‬‬

‫‪6‬‬

You might also like