Professional Documents
Culture Documents
عملية اإلبداع تبدأ باكتشاف نسق في الطبيعة بطريقة تلقائية أثناء الممارسة وتجئ بعدها مرحلة اإلبداع
اإلنساني ،متضمنة ما يحدث أثناء العمل من تعديالت في النسب واألوضاع والحذف واإلضافة والتصغير
والتكبير …الخ فالعمل الفني هو ذلك التنظيم الخاص الفريد لعناصر معينة في شكل متميز وفريد
" اإليقاع في العمل الفني هو مصدر لحيوية التصميم وجمالياته بما يثيره من أنماط متغيرة للحركة ،
ومظهر من مظاهر القيمة الطاقية في الوجود وسببا أساسيا من أسباب فاعليات التأثير االدراكي في المشاهد
إلدراك الوحدة بين األجزاء وإدراك التوازن بين الطاقات الكامنة في العناصر المنشئة للتصميم
فاإلدراك في أي مجال هو تعبير يدل على أن هناك عملية عقلية تجري بناء على استثارة لألعضاء
الحسية ،فاإلدراك البصري الذي يستثيره منبه خارجى عن طريق الجهاز البصري "وهو العين " ثم يستجيب
العقل لهذه االستثارة فيدرك المرئيات من حوله .
يلعب اإليقاع في الحياة دو ار كبي ار وخصوصا في الحركات المختلفة والمستمرة ألجهزة أي كائن حي
والتي يربطها إيقاع معين يعطيها الشكل المميز لها والتي قد تعيد نفسها في فترات مختلفة قصيرة أو طويلة
كحركات الحيوان ذات الخلية الواحدة وقد تكون الحركة وإعادتها باإلرادة كاالنتقال من اليقظة إلي النوم ،أو
تكون خارجة عن اإلرادة كاالنتقال من النوم إلي اليقظة ،أو عند حدوث اإلتباعات الناتجة عن التغيرات
الفسيولوجية لنمو األجهزة الداخلية ألجسام الكائنات الحية .
واإليقاع ظاهرة رئيسية تحمل في ثناياها معني الكون بأسرة ،وتمثل إيقاع الحياة بكل ما تنطوي علية
من مؤشرات لتدفق وسريان دورات الحياة المتعاقبة والمتالحقة ،بدءا بالحركة في عالم الحشرات والحركة في
عالم الكائنات السابحة تحت الماء والطائرة في الفضاء ،إلي حركة نمو النباتات وتفاعل الذرات ،ووصوال إلي
مظاهر حركة اإلنسان الممتدة بينة وبين عالقاته بالعالم المادي من حوله ،بل يمكننا القول أن " كل موجود
طبيعي فهو متحرك إما بالنقل من مكان إلي مكان أخر أو من حال إلي غيرها أو من مقدار إلي أكثر منه ،
وبالعكس فالحركة اإليقاعية ظاهرية عامة في الطبيعة
ويقول جون ديوي " أنه لمن الحقائق المعروفة أن في الطبيعة نماذج من اإليقاع الجمالي ال حصر لها
..عن المد والجذر ،ودورة التغيرات القمرية ..ونبضات سريان الدم والبناء والهدم والفصول األربعة ،والعمليات
الجوية ،قد يفطن إليه الناس في العادة في كل ما في الطبيعة من اطراد وانتظام في التغيرات أن هو إال إيقاع
،ويحدث في النفس وقعا جميال ،ولهذا فإن الطبيعة بإيقاعاتها المختلفة تعطي الكون هذه الديمومة والشكل
المميز لها الناتج عن " تنسيق النسب بشكل منتظم في كل من المساحة والزمن واألمثلة علي ذلك كثيرة كإيقاع
الليل والنهار والشمس والقمر وإيقاع الفصول األربعة ،وحركات األجرام السماوية والتي تحدث بإيقاع منتظم
وموزون ال دخل لإلنسان في حدوثها ،أو نظامه فهي ناتجة عن قدرة الخالق جلت قدرته .ويقول هللا عز وجل
في كتابة الكريم بسم هللا الرحمن الرحيم ( تولج الليل في النهار ،وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت
وتخرج الميت من الحي ) صدق هللا العظيم ،وفي أية أخري .بسـ ــم هللا الرحمن الرحيم ( ال الشمس ينبغي لها
أن تدرك القمر وال الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحــون ) صدق هللا العظيم .
ويمكن إحساس إيقاع األشجار في الطبيعة عندما تتمايل لمداعبة الهواء لها ،وكذلك أمواج البحر وهي
تتالطم علي الشاطئ ،كما يالزم اإليقاع حياة اإلنسان اليومية وكذلك الحيوانات والحشرات في الطبيعية
كانتقالهم من حالة إلي حالة أخري وذلك بصورة موزونة ،ومستمرة والتي تشكل عند المخلوقات جميعا إيقاعا
منظم لحياتهم واإليقاع ال يقتصر في الحياة علي الشكل الخارجي من حيث العالقة المتبادلة بين العمل والراحة
" الشد واالسترخاء " ،بل يتعدى ذلك إلي اإليقاعات الالإرادية في عمل األجهزة الداخلية للجسم اإلنساني والذي
يظهر من خالل عمل القلب ،والدورة الدموية ،والكليتين كل ذلك يحدث إيقاع حركي منظم .
وقد نلمس اإليقاع بالسمع كإدراكنا للموسيقى ،واألغاني ،والشعر من خالل النبضات اإليقاعية المستمرة
التي نحسها فى انسياب الموسيقى وبدون هذه النبضة ال نستطيع تذوقها أو أن نحسها ،والمتكونة من خالل "
تقسيم الوحدة لصوت ،أو أكثر بمقادير متساوية ،أو مختلفة النسب في الطول أو القصر ،وذلك بتنسيقها
بشكل منتظم هذا التنسيق المنتظم يعطيها شكلها اللحني النهائي من االنسجام والتوفيق في ترديد وحمل الجملة
الموسيقية .
إن االنتظام المتكرر لظواه ر الطبيعة ،أو خالل العمليات البيولوجية المرتبطة باإلنسان ال تسير وفق
نظام ثابت ،وعلي وتيرة واحدة ،بل أن هذا االنتظام المتعاقب رغم انتظامه يحمل معني التغير الدائم من حالة
إلي أخري ،كتعاقب الليل ،والنهار ،والصيف والشتاء .فذلك التغير المرتبط بعوامل االنتظام الثابتة ال بد
وأن يكون لها داللة أيضا في الحس البشري ،هذه الداللة الهامة التي تجعل إدراك اإلنسان للطبيعة يتحقق
خالل التواصل للمتغيرات ليصبح هذا االنتظام المتغاير من أهم العوامل التي تحقق الترابط بين نظم الطبيعة
المختلفة .
وقد فسر الكثير من الفالسفة وعلماء النفس ظاهرة اإليقاع " " "Rhythmفتحدث (أفالطون ) عن اإليقاع
بما يوحي بأنه يعتمد أساسا علي الحركة فقال " أنك تستطيع أن تميز اإليقاع في تحليق الطيور ،وفي نبض
العروق ،وخطوات الرقص ،ومقاطع الكالم وفي أوائل العصور الوسطي تحدث القديس ( أوغسطين ) فوصفة
بأنه فن الحركات الجيدة بحيث ال تثير في النفس إال حب الخير األسمي ،وفي العصر الحديث أرجع كثير
من علماء النفس اإليقاع إلي مصدر حركي فعالم النفس األلماني ( فونت ) يرجع اإليقاع إلي المشي ،و(ريمان)
يرده إلي نبض القلب ،و(بوشر) يرجعه إلي الحركات الجسمية ،ويجمع كثيرون غيرهم علي أن اإليقاع هو
قانون الحركة الطبيعية ،كما يربط المفكرون في مختلف العصور بين اإليقاع والحركة ،وأنه ال إيقاع بدون
حركة وال حركة بدون إيقاع ،ويعتبر اإليقاع أساس النمو العضوي في جميع الكائنات الحية بصورة تكرار
منتظم لإليقاع فتحدث االستم اررية التي ال تتوقف والتي تربط الوجود ككل بكل مظاهر اإلبداع والسمو والجالل
.
يتم إدراك اإليقاع من خالل النظام ومعناه وسوف نتناول اآلن مفهوم النظام ،فقد أشار " ارنست فيشر
" إلى أن " النظام تعدد مرتب داخل كيان موحد أي أن هناك مفردات شكلية في شكل تكرار بسيط منظم
فالتكرار أبسط أشكال النظام ولكن ليس كل نظام تكرار .
وقد أتفق كال من " جونسون كاست " ،وإسماعيل صبري مقلد ،على "أن النظام كيان عام تترابط
عناصره ومكوناته على نحو يجعله يتفاعل ويتبلور في شكل مميز ووحدة متكاملة وهذا المفهوم يوضح أن
النظام عبارة عن مستويات متعددة من النظم ،وليس التكرار المنتظم فقط هو النظام .بينما يعرض "بفلين
"Bevlinمفهوما أخر للنظام حيث يشير إلى أن " الفوضى ما هي إال نظام لم يدرك بعد ،أي أن النظام ليس
كل ما هو مرتب ومنسق فقط ،فأحيانا االتجاه الواحد لحركة مجموعة من األشكال الغير منتظمة الشكل ينتج
عنها نظام مثل حركة أمواج البحر وحركة السحب في السماء
فقد أوضح في صورة أخرى معنى النظام " فالنظام هو الكيان المتكامل الذي أما " على السلمي "
يتكون من أجزاء وعناصر متداخلة تقوم بينهما عالقات تبادلية من أجل أداء وظائف وأنشطة تكون محصلتها
النهائية بمثابة الناتج الذي يحققه النظام كله وهذا التعريف يتفق مع مضمون الدراسة التي نحن بصددها ،
إلمكان تطبيقه على كل ما أنتجه الفنان التشكيلي من تكوينات ومن عالقات شكلية متبادلة ذات وحدات متناسقة
يتحقق من خاللها اإلحساس باإليقاع .
ومن هنا نجد أن اإليقاع يكمن وراء كثير من النظم وهو ينشأ نتيجة مفردات تشكيلية هذه المفردات
توجد بينها عالقات مثل التماس والتراكب ،والتضافر والتباين والتكرار ،كل هذه العالقات تتم خالل إيقاعات
ترددية منتظمة ،فإذا ما تناولنا التكرار مثال كأبسط أشكال النظام ،سوف نجد أنه يعكس أبسط أنواع اإليقاع
أيضا ،إذا أن هناك عالقة بين النظام ونوع اإليقاع المنعكس منه .
أن النظم اإليقاعية " هي عالقة تبادلية بين المفردات التشكيلية في التصميمات الزخرفية ،ينتج عن
هذه العالقة حركة تقديرية للعين ما يحقق نظما إيقاعية تتنوع بتنوع تلك المفردات ذلك ألن المفردات الشكلية
في حقيقتها مادة ثابتة على مسطح العمل الفنى ولكن نتيجة النظام الذي يحكم عالقتها فأنها تخدع العين
وتوحى بحركة مرئية ،يقال أنها ليست بحركة فعلية ولكنها حركة تقديرية و"طالما أن هناك حركة أذن هناك
امتداد في الزمان " وانتقال من مكان إلى مكان ،والمكان في اللوحة الزخرفية معناه أن العين تنتقل من شكل
إلى شكل وهنا يكون اإليقاع نتيجة لكل من النظام وما يحدثه من حركة إيقاعية في اللوحة الزخرفية
عرفت كلمة اإليقاع أول ما عرفت في مجال الموسيقى ،ثم استعيرت هذه الكلمة لتصبح متداولة في مجال
الفنون التشكيلية ،واإليقاع بصورة المتعددة يعنى ترديد الحركة وقد تناول الكثير من العلماء مفهوم اإليقاع
كالتالي :
-فكلمة إيقاع ( )Rhythmمأخوذة من الكلمة اليونانية ( )Rheinومعناها ينساب ( )To flowليكون اإليقاع معناه
االستمرار الناتج عن تكرار عناصر أجزاء متشابهة وأن أهمية اإليقاع مبنية على قيمة التبادل بين التوتر
واالسترخاء مثل العمل والراحة والمشى والنوم ……الخ
-وفي اللغة العربية يشتق لفظ اإليقاع من " التوقيع " وهو نوع من المشية السريعة وهى تعنى الحركة بوجه
عام وذلك ما فسرته الموسوعة العربية الميسرة من أن " اإليقاع هو ما أنتظم من حركات متساوية في أزمنة
متساوية "
-واإليقاع ظاهرة تمثل تدفق الحياة في أنصع صورها وهو عكس السكون وال يحدث التكرار إال إذا تكرر
العنصر وأنتشر ومن تك ارره ،وانتشاره تتكون عالقات جديدة ألشكال جديدة فتحدث إيقاعا من خالل تالقيها
وتقابلها وتشكلها .فاإليقاع هو" تنظيم للفواصل الموجودة بين وحدات العمل الفنى قد يكون هذا التنظيم
لفواصل بين الحجوم أو األلوان أو لترتيب درجاتها أو تنظيم التجاه عناصر العمل الفنى
إن اإليقاع عنصر أساسى من عناصر التأليف في العمل الفنى وهو يوحى بالحركة الحيوية فله سمة -
زمنية ،أى ال يدرك إال في الزمان وعبرة واإليقاع من شأنه أن يشيع في أعمال الفن حيوية " ألنه عبارة
عن نمط يتكرر في العمل في مواضيع متعددة مع التأكيد على عنصر من العناصر النمط ثم يعقب ذلك
لحظة سكون أو لحظة االفتقار إلى عامل التأكيد ،وعن طريق التكرار والتأكيد على خطوط وألوان معينة
في العمل الفنى يصبح هذا العمل ديناميا " .
ويرى " هربرت ريد أن " اسم اإليقاع يطلق أحيانا على الخصائص المميزة للعمل الفنى ،فقد ينتج اإليقاع -
في عمل ما ،ال بواسطة الخط فحسب ،وإنما عن طريق تكرار الكتل ،ومن المعتاد أن يتم هذا التكرار في
متتاليات مصغرة أو مختزلة ويعرف اإليقاع أيضا " بأنه البعد أو الزمن بين ظهور عنصرين متشابهين
ومتتاليين في أى تكرار فبظهور التكرار يظهر اإليقاع فيترجم التكرار المنتظم شكل اإليقاع في أبسط صورة
كما يصحب التكرار المتدرج إيقاعا متدرجا أيضا
-ويرى " أتو شيمدث " أن مفهوم اإليقاع " يعنى في جوهرة حالة من حاالت التغير وهو في ذلك يرتبط
ارتباطا وثيقا بمعنى الحركة ،ووجود التغير والحركة تعنى أحداثا وأفعاال يمكن إدراكها وتعنى بالضرورة
وجود القوى الفاعلة والمسببة للحركة أو التغير أو الفعل ولذا نجد أن هذا ما أتفق علية كال من " هيلن
وجون على أن " اإليقاع تعبير عن تواصل حركى ناتج عن نظم توزيع مفردات تشكيلية ،كالشكل والخط
واللون والملمس …… الخ ويستغرق أدراك هذه المفردات جزاءا من الزمن كما أن صفة اإليقاع هى االستم اررية
.
-وفي تعريف أخر نجد أن اإليقاع هو " شكل من أشكال الطاقة ،أو هو التجدد الدورى لمجموعات داخل
سلسلة فالمجموعات األصغر– تشكل صيغا أو كليات فكل منها فاصال زمنيا معينا ،بحيث أن إيقاعا
ندركه ربما يتمايز أيضا كتكرار للفواصل ويشير " مصطفى الرزاز " إلى " أن اإليقاع يتواجد حينما
يحاول الفنان أن يحقق الوحدة واالتزان والتعادل في تصميماته ،ويعبر اإليقاع عن الحركة ويتحقق عن
طريق التكرار بغير آلية باستخدام العناصر الفنية .
-كما عرف البعض اإليقاع بأنه عبارة عن تنظيم العالقة بين األشكال والفراغات في نسق يؤدى إلى إظهار
نمط الحركة في التصميم
وبعد عرض تلك المفاهيم نجد أن اإليقاع وثيق الصلة بالحركة ويتأثر بكافة العوامل التي تؤدى إلى إدراك
الحركة في العناصر مثل خصائص األشكال والنسب المختلفة لألشكال وأماكنها وأوضاعها في التصميم ،وأن
التكوينات اإليقاعية اما تك اررية أو تبادلية أو نامية أو انسيابية ،و أن اإليقاع عملية ال تأتى عشوائية بل هى
مصممة مسبقا ومحسوبة بدقة في أزمنة متساوية أو غير متساوية .
اإليقاع في الفنون المرئية هو أحد أساليب التنظيم الشكلى كما أنه يعتبر مجال لتحقيق الحركة ،
فاإليقاع مما سبق يتضح لنا أنه " يعنى ترديد الحركة بصورة منتظمة تجمع بين الوحدة والتغير ومن هنا نجد
أن اإليقاع يخضع لعاملين رئيسيين وهما الحركة والتغير اللذان يمثالن السمة األساسية التي تحكم انتظام
،واطراد العالقات واألشكال ،سواء كانت على أسطح العناصر الطبيعية أو في مجال الفن ،وهذا يتفق مع
المفهوم العلمي للحركة حيث تعرف بأنها " تغيرات الوضع الخاصة باألجسام كما تحدثها القوى المؤثرة فيها وإن
علم الحركة هو ذلك العلم الذي يتضمن التعامل مع متغيرى المسافة والزمن ،حيث نتعامل مع قياس المسافة
من خالل الوقت الذي يستغرقه جسم ما في انتقاله من منطقة ألخرى داخل الحيز المكانى .
ومن هذا المفهوم نجد أن اإليقاع في العمل الفنى يقوم على تكرار الكتل أو المساحات مكونة " وحدات
" قد تكون متماثلة تماما أو مختلفة ،متقاربة أو متباعدة ويقع بين كل وحدة وأخرى مسافات تعرف " بالفترات
" ويرى " عبد الفتاح رياض " "أن لإليقاع عنصرين أساسين يتبادالن أحدهما بعد األخر على دفعات تتكرر
كثي ار أو قليال وهذان العنصران هما الوحدات وهى العنصر اإليجابى ،والفترات وهى العنصر السلبى وبدون
هذان العنصران ال يمكن أن نتخيل اإليقاع في العمل الفنى .
ويشير " فاسيلى كاندنسكى " إلى أن اللونين األبيض واألسود يعبران عن اإليقاع النابع من روح
الموسيقى فاللون األبيض يعبر عن إيقاع الصمت وهو إيقاع يؤثر فينا بالسالب شأنه في ذلك شأن كثير من "
الوقفات " في الموسيقى وهى مساحات مشحونة بالترقب ،والتهيؤ ،أما اللون األسود فهو شيئ قد أخترق مجالنا
البصرى وهو إيقاع يؤثر فينا بالموجب ويعبر عنها في الفن التشكيلي بالوحدات".
وإذا كان اإليقاع في الموسيقى تنظمها حركة تتم خالل الزمان فإن اإليقاع في الفنون المرئية تتخذ
طابعا ساكنا متجمدا ثابتا في الزمان ،باعتباره فنا مكانيا ،ورغم ذلك يمكن اإلحساس بوجود عنصر زماني في
اللوحة الفنية إذ أن النسب المكانية تكسب قيمة زمنية حين تعمل بعض المساحات على اجتذاب العين مدة
أطول من بعضها األخر ،وبذلك يكون في اللوحة الفنية نوع من الحركة التقديرية والتي ال يمكن أن تحدث إال
عندما توجد فترات راحة أو سكون تتخلل هذه الحركة محققة بذلك اإليقاع في العمل الفنى .
إن اإليقاع في الفنون المرئية هو توازن للمساحات يتحقق عن طريق النقالت والوقفات ،كما أنه
يتضمن عدة انتقاالت تؤدى إلى حركة ،وإذا كان اإليقاع يعرف بأنه حركة ،أال أنه ليس لكل حركة طابع
اإليقاع فأحيانا قد تبعث الحركة على التشتت .واإليقاع في الفن نعنى به طريقا سهال متصل الحلقات تستطيع
العين أن تدركه من خالل انتقالها عبر أى تنظيم من الخطوط واألشكال واأللوان والمالمس وعندها تحدث
الحركة .
أن جمال اإليقاع يتضح في تنظيم الفواصل الموجودة بين وحدات العمل الفنى ،كما أن اإليقاع يقوم
على تحديد العالقات بين توزيع األضواء والظالل واأللوان والخطوط والمالمس وتغير المساحات فالعمل الفنى
يبنى على الصراع بين السالب والموجب وبين القاتم والفاتح وبين األلوان والمالمس التي تكون وحدة إيقاع العمل
الفنى .ال فرق بين فراغ سلبي وأشكال إيجابية الكل يكمل األخر ،فالكل يؤكد األخر على إيجاد إيجابية شاملة
للعمل الفنى ترصدها أعيننا التي تتحرك على سطح العمل الفنى بحرية تامة من نقطة إلى نقطة أخرى ويتحرك
بصريا عبر المساحة جيئة وذهابا ،حاص ار الصورة ومحددا جماليتها اإليقاعية المعقدة أو البسيطة
وعندما يحاول الفنان تحقيق اإليقاع ليضفى الحيوية والديناميكية على عمله الفنى يلجأ إلى تنظيم
العالقات والعناصر على أساس من الوحدة والتنوع وجماليات النسبة القائمة على التوازن داخل نظام التصميم
بما قد يحوى من قيم ملمسيه متنوعة تتصف باالنتظام أو شبة االنتظام والتي يمكن لهذه القيم الملمسية من
خالل الدراسة الحالية أن تمثل أحد صور اإليقاع في العمل الفنى والتي تتحقق من خالل تنظيم وتنغيم مركب
إلى حد ما بين كال من التوالى والتبادل بين وحدات وفترات العمل الفنى .
فالتبادل بين وحدتين أو أكثر يكون ناجحا من تكرار الوحدة الواحدة والتوالى في المساحات والخطوط
واأللوان والمالمس والفواصل يحققان معا تنغيما في الزخرفة سواء كان بالتشعب الموجود في الوحدة الزخرفية
فقد يكون الفراغ شكال أو الشكل فراغا وهذه المنظومة هى للفن اإلسالمي أو بالتبادل بين الشكل واألرضية
التي توضح القانون العام الذي يستخدمه الفنان في الربط بين وحدات العمل الفنى وتنظيمها إما بطريقة تك اررية
أو شبة تك اررية بحيث يظهر العمل الفنى مترابط األجزاء من خالل تنسيق لجزئيات ووحدات المفردات الشكلية
داخل إطار اللوحة الفنية
مما سبق يتضح أن لإليقاع عنصرين أساسيين يتبادالن أحدهما بعد األخر على دفعات تتكرر وهما :
وهو ذلك الذي تتشابه فيه كل من " الوحدات " و"الفترات" تشابها تاما في جميع األوجه
أ باستثناء اللون إذ تختلف فيه األلوان ،فقد تكون الوحدات – كالشكل والحجم والموقع
سواء مثال الفترات بيضاء أو رمادية .
وهو ذلك الذي تتشابه فيه جميع " الوحدات " مع بعضها ،كما تتشابه فيه جميع
" " الفترات " مع بعضها أيضا ،ولكن تختلف فيه " الوحدات " عن "الفترات " شكال
ب
أو حجما أو لونا .
هو الذي فيه يختلف شكل " الوحدات " عن بعضها اختالفا تاما ،كما تختلف فيه " الفترات " عن
بعضها اختالفا تاما أيضا وقد يقع هذا اإليقاع في أى من المرتبتين التاليتين :
وتكون كال من " الوحدات " و"الفترات " مرتبة بشكل مقبول ،وفي هذه الفصيلة تقع
الكثير من األعمال الفنية التي ينتجها ذو الثقافة الفنية العالية
إذا تناقص حجم " الوحدات " تناقصا تدريجيا مع ثبات حجم "الفترات" أو
تناقص حجم " الفترات " تناقصا تدريجيا مع ثبات حجم " الوحدات " ،أو تناقص
حجم كال من " الفترات" و"الوحدات " تناقضا تدريجيا معا فعندئذ يعبر عن هذا
اإليقاع بأنه " متناقص.
إذا تزايد حجم " الوحدات " تزايدا تدريجيا مع ثبات حجم " الفترات " ،أو
تزايد حجم " الفترات " تزايدا تدريجيا مع ثبات حجم الوحدات ،أو تزايد حجم كل
منهما تدريجيا معا ،فعندئذ يعبر عن هذا اإليقاع بأنه " متزايد " .
وإذا نظرنا قليال إلى تعريف كل من نوعى اإليقاع السابقين وهما " المتناقص و"المتزايد "لوجدنا أن أيا
منهما قد يكون مرة إيقاعا متزايد وأخرى إيقاعا متناقض ويتوقف هذا األمر أو ذاك على الجانب الذي ينظر
منه الرائى ،فلو أنه نظر إلى الجانب الذي تبدأ منه " الوحدات " الصغيرة فسوف نسمية إيقاعا متزايدا ،ولو
نظر من الجانب األخر الذي تبدأ منه " الوحدات " الكبيرة فسوف نعتبره إيقاعا " متناقصا " .
وعلى هذا فإن العمل الفنى الجيد هو الذي يشتمل على إيقاعات متعددة ولن
يضر اجتماعها بجوار بعضها البعض بشكل أو بأخر ،فهو أمر من شأنه أن يكسب
الصورة تنوعا وتجديدا في الشكل ويحد من الضجر الذي قد يحس به البعض كنتيجة
للرتابة المتناهية لو ذاد اإليقاع كثي ار " كما أنه في اجتماع مرتبتين أو أكثر من مراتب
اإليقاع معا بجوار بعضها ما يقوى من شأنهما معا ،يعمل على تأكيد وحدة العمل الفنى
وذلك بشرط أن يكون ألحد اإليقاعات سيادة على ما يجاوره.
ومن هنا نجد أنه من النادر في العمل الفنى أن نجد إيقاعا من نوع واحد بل االحتمال األكثر أن يشمل
على إيقاعات متعددة.
القيم الفرعية لإليقاع
اإليقاع في الفن " يتصف بمميزات هى االستم اررية والتكرار ،فكل مظهر حركى منعزل في الزمان
يعرض علينا ناحية انفعالية استثنائية ووقتية تصنع في نفس اللحظة التي تتكرر فيها لكي تكون جزء في كل
متواصل ينشأ عل الفور في الزمان والمكان وذلك أن عنصرى اإليقاع األساسين وهما المكان والزمان ،شيئان
ال سبيل إلى تفريقهما " ،وهذا ما تبرزه القيم الفرعية لإليقاع والتي هى بمثابة التنظيمات والصور التي تحقق
عنصرى اإليقاع المتصالن دائما وهما االمتداد والزمان وهذه القيم الفرعية هى -:
يؤكد التكرار على اتجاه العناصر وإدراك حركتها وعادة يلجأ الفنان والمصمم إلى التعامل مع
مجموعات من العناصر قد تكون خطوطا أو أقواسا ،أو مثلثات ،أو مربعات ،أو مجموعات ملمسيه ،أو لونية
الخ ،وفي أى من هذه الحاالت يلجأ المصمم إلى التكرار الذي هو استثمار ألكثر من … متباينة أو متدرجة
شكل في بناء صيغ مجردة أو تمثيلية قائمة على توظيف ذلك الشكل أو تلك األشكال األخرى خالل ترديدات
دون خروج ظاهر عن األصل ،بمعنى أال يفقد الشكل خصائصه البنائية والتكرار بهذا المعني يشير إلي
مظاهر االمتداد واالستم اررية المرتبطة بتحقيق الحركـ ـة علي مسطح التصمي ـم ذي البعدين ويربط مفهوم التكرار
هذا بمعني الجاذبية ،والتشابه ،وقيمة االنتباه في العمل الفني ،وهي خصائص يمكن أن تتأكد من خالل
تكرار التأثيرات الملمسيه بما تتسم به من وحدة وتشابه وتنوع يجذب النظر إليها باعتبارهما تنغيمات بصرية
قوية قد ينتج عن تكرارها بكيفيات متنوعة تفاعالت العناصر وعالقاتها باألرضية أو الفراغ الناتج عن حركتها
وقد تعددت أساليب التكرار في األعمال واالتجاهات الفنية فعلي سبيل المثال حقق تكرار الخطوط والمالمس
بمختلف أنواعها في التجريدية الهندسية أنواع من اإليقاع القائم علي التنوع ،وكان التكرار لدي المستقبلية تك ار ار
بتركبات خطية تعكس قيم ملمسيه متنوعة البتكار وبناء
حركيا قائم علي ترديد الشكل وتفتيت المساحات ا
التكوين في العمل الفني.
اإليقاع من خالل التدرج :
يقوم اإليقاع علي تنظيم الفواصل من خالل عنصران هامان ،هما "الفترات" و "الوحدات أو األشكال
" وتتدرج هذه الفترات في اتساعها مما يؤدي إلي سرعة أو بطئ اإليقاع " ،فحينما تتدرج الفترات واألشكال
بمسافات صغيرة ،يحدث إيقاع سريع والعكس عند تكرار األشكال و الفترات بمسافات كبيرة يحدث إيقاع بطئ
،أي تقترن اإليقاعات السريعة بقصر الفترات بين األشكال وتقترن اإليقاعات البطيئة بطول المسافات بين
األشكال ،ويتوقف ذلك علي حركة العين بين العناصر علي مسطح التصميم ذي البعدين
فالتدرج السريع الواسع المدى يبعث اإلحساس بالراحة والهدوء ،وذلك يعكس التباين أو التدرج السريع
الذي ينقل العين سريعا من حالة إلي حالة أخرى مضادة لها فيرتبط سيكولوجيا بالصراع والقوة ويكون مناسبا
للصورة التي تعبر عن هذه المعاني .
والتدرج بين األشكال ،والمساحات ،والخطوط التي ينتج عن انتظامها قيم ملمسيه متنوعة تسهم بشكل
كبير في إدراك كثافات هذه القيم الملمسية التي تحقق اإليقاع فمع تضاؤل أو ازدياد التغير المتدرج بين األشكال
والمفردات نستشعر الهدوء أو السرعة في اإليقاع .
وقد استثمرت المستقبلية وفن الخداع البصري علي سبيل المثال أسلوب التدرج بشكل فعال في أعمالهم
اعتمادا علي أنواع التدرج في اإليقاع المتناقص والمتزايد حيث يتحقق اإليقاع المتناقص " إذا تناقص حجم
الوحدات تناقصا تدريجيا مع ثبات حجم الفترات أو تناقص حجم الفترات تناقصا تدريجيا مع ثبات حجم الوحدات
أو تناقص حجم كل من الفترات والوحدات تناقصا تدريجيا معا ،فعندئذ يعبر عن هذا اإليقاع بأنه متناقص ،
ويتحقق اإليقاع المتزايد إذا تزايد حجم الوحدات تزايدا تدريجيا مع ثبات حجم الفترات أو تزايد حجم الفترات تزايدا
تدريجيا مع ثبات حجم الوحدات أو تزايد كل منهما تدريجيا معا فعندئذ يعبر عن هذا اإليقاع بأنه متزايد .وقد
يستخدم أسلوب اإليقاع المتناقص أو المتزايد إلحكام تدرج القيم الملمسية علي مسطح العمل المصمم حيث
يحدث نوع من الخداع البصري نتيجة ألسلوب التنظيم القائم عل التبادل التدريجي شكال ولونا لإليهام بأنواع من
النظم الملمسية التي تحقق اإليقاع بمعدالت متباينة .
اإليقاع من خالل التنوع :
التنوع مبدأ تشكيلي أساسي له أهمية بالغة في العمل الفني فالبد أن يعتمد كل عمل فني علي تحقيق
التغير والتنغيم اإليقاعي بحيث ال يفقد العمل وحدته أي يقوم هذا التنوع علي نوع من التنظيم للحفاظ علي
الوحدة فكلما جاء التنوع بين عناصر العمل الفني بشرط توفير نظم واضحة لوحدتها كلما عبر هذا العمل عن
الديناميكية والفاعلية فالتكرار والتنوع صفتان متالزمتان في بناء العمل الفني المعبر والمهم في العمل الفني أال
تطغي وحدته علي تنوعه وأال تطغي تنوعه علي وحدته بل يقهر تنوعه وحدته علي االعتراف بأنها وحدة تنوع
وتقدم الطبيعة العديد من القيم الملمسية السطحية القائمة علي تنوع حركة المفردة إلي جانب تنوعها شكال
وحجما واتجاها ،ويتحقق هذا التنوع مع الحفاظ علي النظام السائد لتتابع المفردة المكونة لقيم السطح ،وقد
جمع الفن الحديث بين المعالجات المختلفة للشكل والخامة واللون…إلخ ،ليحقق القيم الملمسية المتنوعة التي قد
تشكل الطابع العام للعمل الفني كما في أعمال " مارك توني" "،جاكسون بلوك " ،أو تتضافر مع باقي عناصر
العمل الفني كما في أعمال " كاندنسكي " و" جوان ميرو " ،وغيرهم وبصفة عامة تتحقق التأثيرات الملمسية
من خالل الطابع االيقاعي العام الذي يثير القوي الدينامية المتنوعة التي تبرز الفكرة وتؤكدها .
اإليقاع من خالل االستمرارية :
التواصل أو االستم اررية صفة أساسية تميز اإليقاع وتحقق الترابط القائم علي تكرار األشكال داخل
التصميم ،وتعد صفة االستم اررية قاسم مشترك يكسب الوحدة تنوعها ويكسب التدرج انتظامه ويعطي ،للعمل
ككل صفة الترابط بين أجزائه فيمكن أن يحقق الفنان التوحد في صورته المعقدة ،التي تتضمن عناصر تشغل
درجات متفاوتة في نمو األشكال وتنتج عناصر ذات قيم متنوعة وفراغات ذات قوي مختلفة عن طريق ما
يتكشفه فيما بي نهما من أنواع من االستم اررية وتتضح أهمية صفة االستم اررية في الربط بين إيقاعات القيم
الملمسية المتنوعة وتحقيق النظام السائد للمفردات والوحدات ذات التك اررات المتنوعة وهذه االستم اررية تدعو
البتكار معني التحول من توالد تناسخ وتطور إلي أشكال سهلة اإلدراك مقبولة التوقع ويعتمد فن الخداع البصري
علي سبيل المثال علي إحداث نوع من التعاقب أو التواصل المستمر في رؤية األشكال واأللوان علي شبكيات
تختلق نظم إيقاعيه متنوعة تعتمد علي تبادل ظهور األشكال واألرضيات بنوع من التوهج واالنطفاء أو التذبذب
وعدم االستقرار الناتج عن استمرار التواصل بين العناصر وانقطاعها ،وقد يحقق استمرار تتابع القيم الملمسية
أو تدرجها وتباعدها علي مسطح العمل الفني إلي إكساب المالمس طبيعة خاصة تختلف باختالف اتجاهات
مسارات المفردات المكونة لهذه المالمس فصفة االستم اررية لضربات ولمسات الفرشاة عند التأثيرين هي التي
تعطي للعمل الطابع المميز الذي يوجهنا إلي اإلحساس باالستم اررية في الرؤية من المركز إلي األطراف ،
وبالعكس ،كما نستطيع من خالل هذا الطابع أن نفرق بين ضربات فرشاة "فان جوخ "ولمسات "سوار" علي
سبيل المثال .
إن عملية اإلدراك تنطوي علي أعمال قدرات فسيولوجية تتعلق بوظائف األعضاء ،وتتحكم في آليات
اإلدراك البصري ،كما تتعلق بالقدرات العقلية والنفسية التي تتضافر مع القدرات الفسيولوجية وتتشكل من
منظور الفروق الفردية التي تعكس العوامل الثقافية والبيئية داخل العمل الفني .
وقد "أشارت األبحاث إلي أن معظم معلوماتنا عن العالم الخارجي تأتينا عن طريق حاسة اإلبصار
وتمثل العين وروابطها العصبية أعظم الوسائل التي يحصل بها اإلنسان ذو قدرة اإلبصار العادية علي معلوماته
تقوم بما يسمي بعملية اإلدراك البصري – عن العالم الخارجي المحيط به وعليها فإن العين
ويشير "رودلف أرنهايم " أن من دون ازدهار التعبير البصرى ال تستطيع أي ثقافة أن تنشط على نحو
إبداعى وعلى هذا النحو يتعامل الفنان المصمم مع العمليات والظواهر والعوامل التي تتحكم في المجال االدراكى
باعتبارها مدخال أساسيا للوعى بطبيعة الرسالة الجمالية ومدى فعالياتها في التأثير في المشاهد ،وبقدر وعى
الفنان المصمم بتلك القدرات اإلدراكية يكون نجاحه في استخدام أسس وعناصر التصميم ،وفي التحكم في
إمكانية ربط العناصر البصرية وتحقيق أكبر قدر من االتساق بين الهيئات واألشكال في أعمال التصميمات
المسطحة ذات البعدين .
اإلدراك هو الوسيلة التي يتصل بها اإلنسان مع بيئته المحيطة ،فهو عملية عقلية تتم بها معرفة
اإلنسان للعالم الخارجى عن طريق التنبيهات الحسية أى تتم من خالل اتحاد كل من الجانب العقلى ،والجانب
الحسى ،حيث أنهما ال ينفصالن في رؤية وإدراك مختلف مشاهد الحياة بصورة عامة وال سيما األعمال الفنية
بكل ما فيها من عالقات شكلية ،كما أن " اإلدراك الحسى ال يقتصر على الخصائص الحسية للشئ المدرك
فقط ،بل يشمل معرفة واسعة تخدم هذا الشئ المدرك
فاإلدراك هو " عملية لتفسير المثيرات الواردة للعقل حيث تكون المفاهيم وما يرتبط بها من تصورات
عن العالم المحيط لإلنسان ،ويتوقف ذلك على البيئة السيكولوجية وبخاصة االستعداد العام والخبرة السابقة
،ويترتب على ذلك عدم إخضاع عملية اإلدراك لمعايير موضوعية بحتة ،ولكن يخضع اإلدراك لطبيعة التنظيم
الفكرى المتغير .
وقد أشار " رودلف أرنهايم " إلى دور العقل في رؤية األشكال فقال أن " الشكل هيئة بصرية لمحتوى
يدرك بالعين ،وله ترتيب ذو نظام يعيه العقل ويمكن أن يكون الشكل منفصال عن المساحة التي يتوزع عليها
،ولكن في أى حال يكون اإلدراك الكلى في وحدة تتمثل في شئ ما ،وهى تفهم كتصور ناتج من التآلف العقلى
لإلنسان وهذا التآلف يستند إلى الخبرة السابقة ودورها إعمال عملية اإلدراك ،حيث أن خبرة الفرد السابقة ،وما
يختزنه من معلومات وتصورات في ذاكرته عن ماهيات األشياء تعطى له الفرصة لتفسير وتصنيف المرئيات
والخبرات الجديدة التي يمر بها .
" أن اإلدراك الحسى " هو فعل من أفعال الوعى يتميز بأنه يقصد موضوعات حاضرة بذاتها أو "
بجسميتها " أمام الوعى ،وهى تظهر له على التتابع من خالل منظورات جانبية ،أما التخيل فهو وعى يقصد
موضوعة بوصفة غائبا ،وغاية اإلدراك الجمالى هو رؤية القصد أو الداللة التي يطرحها العمل الفنى ذاته وهو
بذلك يشير إلى أن اإلدراك يمس جانبا من الحياة العقلية المعقدة التركيب ،لذا يعد من الظواهر المثيرة التي
كانت ملتقى العديد من البحوث والدراسات التي اهتمت باإلدراك في مستواه العلمي حيث تبنى كل من علم
النفس الفلسفي والدراسات السيكولوجية وضع تفسير لإلدراك حيث نجد أن كال من اإلرتباطيين وأنصار مدرسة
الجشطالت قاموا بوضع تفسير لعملية اإلدراك فقد رأى االرتباطيون " أن التجربة الحسية هى األصل الوحيد
للمعرفة ،بمعنى أن إدراكنا لصورة ما يرجع إلى إحساسات أولية " معانى بسيطة أدركت بالحس ثم يتم وبطريقة
آلية وم يكانيكية طبقا لقوانين التداعى مطابقة الصورة التي تراها العين بصورة مماثلة لها في الدماغ يستدعيها
من خبرته السابقة ثم يضفى عليها المعانى المرتبطة بهذه الصور فيتم إدراكها
وردت مدرسة الجشطالت على " التفسير اإلرتباطى اآللي لعمليات اإلدراك مؤكدة على ضرورة دراسة
كل واحدة من الخبرات ككل ،و أن الكلية ليست مجرد صهر الخبرات الحسية والتركيب بينها ،بل لها طبيعة
من التنظيم الدينامى السائد طبق قوانين معينة وهنا يتبين تفسير نظرية الجشطالت التي كانت ترى أن اإلدراك
يتعلق باألشياء في جملتها وصورتها الكلية منذ الوهلة األولى فهم يؤكدون على أهمية الكل وأن الفرد يدرك
الموقف ككل ،فللكل مميزاته وخواصه التي ليست لألجزاء وال نستطيع أن ندرس خواص الكل من الجزء وبهذا
التفسير نجد أن العمل الفنى في ضوء نظرية الجشطالت عبارة عن تنظيم خاص وفريد لعناصر معينة
ولمكونات معينة في شكل كلى متميز وفريد
ولهذا فقد كان للبحوث التي قدمتها نظرية الجشطالت عن حقيقة اإلدراك وكيفية حدوث االستبصار ،
مفهوم السلوك البصرى ،اهتمام كبير من قبل الفنانين والمهتمين بالفنون وعن هذا يقول " رودلف أرنهيم " " أن
العقل دائما ككل ،و كل إدراك هو تفكير وكل استدالل هو أيضا استبصار ،وكل مالحظة هى أيضا ابتكار
ومناسبة هذه اآلراء لنظرية وممارسته الفن ،مصممة أمر واضح تماما وعلى هذا فأن ممارسة الفن بعد نظرية
الجشطالت ،لم تعد مجرد عملية محاكاة وتسجيل للعناصر الحسية فحسب ،بل أصبحت عملية إبداعية تجذب
الفنان إلى اكتشاف الواقع وفهم أس ارره من خالل عمليات المالحظة واالستبصار ،واالبتكار وعملية التذوق
والتنظيم ،وإعادة التنظيم وغيرها من العمليات التي تفسر سيكولوجية النشاط الفنى اإلنساني .
اإلدراك البصري :
يتم اإلدراك البصري عن طريق العين خالل الضوء المنعكس ،من المرئيات والذى تستقبله العين
بواسطة عدسة الشبكية فتتكون لديه صورة نمطية على الشبكية لدرجات شدة المداخل المتفاوتة من األسطح
المتعددة واألشياء الموضوعة أو المكونة لتلك األسطح ثم تقوم األعصاب بنقل اإلشارات إلى المخ فيتم به
بعض التغيرات الفسيولوجية والكيميائية في العضالت واألعصاب وخاليا المخ ،التي تسبب الوعى باألشياء
واإلحساس ،وتنمية قدرات التفكير والرغبات واالستجابات.
– اإلدراك البصري في مفهومة العام هو " عملية عقلية ،تجرى بناءا على استقبال المثيرات البصرية
للتعرف على المرئيات الموجودة في المجال البصرى ،واكتشاف النظم التي تتضمنها هذه – عن طريق العين
المرئيات وعملية اإلدراك البصري في مفهومها تتوقف على الفاعلية بين اإلنسان المدرك والشيء المدرك وفقا
لنوعية المثيرات الموجودة في العالم الخارجى للذات المدركة حيث يحدث نوع من التفاعل الذهني يطلق علية
عملية اإلدراك لذا فعملية اإلدراك البصري مثلها كمثل عمليات اإلدراك األخرى ،حيث تعتمد على العقل في
تفسير المدركات ،أو المرئيات البصرية ،وال يقتصر اإلدراك البصري على مجرد اإلحساسات البصرية التي
تصل إلى جهاز العين وإنما البد أن تمتد إلى أكبر من ذلك وهو قدرة العقل على تفسير وترجمة وتأويل هذه
اإلحساسات البصرية ،بناءا على الخبرات الحسية السابقة .
وقد وضعت نظرية الجشطالت القوانين والمفاهيم األساسية المرتبطة بإدراك ماهيات األشكال ،وحددت
األطوار التي يتم من خاللها عملية اإلدراك البصرى حيث وصفها يوسف مراد" على التتابع التالى - :
تحليل الموقف وإدراك العالقات القائمة بين أجزاء Anadylical Perception -
إعادة تأليف هذه األجزاء والعودة إلى النظرة اإلجمالية مرة أخرى Syadylical Perception. -
ومن خالل هذا التتابع يتضح أن اإلدراك البصري بالنسبة ألغلب الناس يبدأ بالنظرة اإلجمالية ،ثم
بعملية تحليل وإدراك العالقات القائمة بين األجزاء ثم إعادة تأليف األجزاء في هيئة كلية مرة أخرى ،أى أن
عملية اإلدراك البصري مستمرة تبدأ في األغلب بالكليات وتتحول إلى الجزئيات بهدف التحليل والتأمل تمهيدا
إلعادة التحول إلى الكليات في صورة مفهوم إدراكى 0
أن اإلدراك بكونه تفاعال بين اإلنسان المدرك والشيء المدرك فإن عملية اإلدراك تتأثر بعوامل ذاتية
تخص اإلنسان المدرك ،وعوامل موضوعية المرئيات المدركة وهو يرى هنا أن عملية اإلدراك البصرى
ترتبط ببعض العوامل التي تؤدى إلى حدوث اإلدراك وهى عوامل مرتبطة بالفرد المدرك وهى العوامل الذاتية
وعوامل مرتبطة بالمجال المرئى وهى العوامل الموضوعية .