You are on page 1of 7

‫العدد الخامس‬ ‫والفلسفة‬ ‫محور السينما‬ ‫آفاق سينمائية‬

‫فن الديكور السينمائي ومنطق التجريب في فلسفة العمل التعبيري _‬


‫فيلم عيادة الدكتور كاليغاري أنموذجا_‬
‫جامعة _سيدي بلعباس_‬ ‫الطالب‪ :‬بدير محمد إشراف‪ :‬د‪.‬إلياس بوخموشة‬

‫‪Summary:‬‬

‫مقدمة‪:‬‬ ‫‪This study intending to reveal‬‬


‫‪aesthetic art decoration film according to‬‬
‫متثل منشأ السينما يف بداياهتا على اهنا نسق‬ ‫‪the logic of experimentation in expressive‬‬
‫‪work, as the film art does not exceed the‬‬
‫ظاهرايت‪ ،‬وهي تفكري يتمظهر نسقه عن طريق الصور‪،‬‬ ‫‪age hundred years of invention, but it still‬‬
‫‪means a comparison of the mind in terms‬‬
‫والصوت‪ ،‬واخليال (خميال الفنان) للتعبري عن املضامني‬ ‫‪of the similarity career of human cognition‬‬
‫الفكرية واألشكال اجلمالية‪ ،‬لتعترب السينما مصدرا من‬ ‫‪or dreams or subconscious , especially to‬‬
‫‪see the world from the cinematic‬‬
‫املصادر الباعثة على التفكري وممارسة الفكر الفلسفي‪.‬‬ ‫‪perspective been liberated by the human‬‬
‫‪creativity represented between the artist‬‬
‫وعليه‪ ،‬فان دينامية التفاعل بني الفنون اجملاورة _ الفن‬ ‫‪and the scientist, and the decor and the‬‬
‫التشكيلي_ والسينما تتأتى عن حاجة فلسفية صميمة‬ ‫‪environment anthropological engineer as a‬‬
‫‪basis for building the creative process in‬‬
‫مرتبطة بالفكر االنساين‪ ،‬فسؤال الفلسفة يف السينما يتحدد‬ ‫‪the formation of the art decoration film is‬‬
‫معطياته وحتققاته الفلسفية عرب منطق اإلبداع وآلية التجريب‬ ‫‪subject to the principles of systems and‬‬
‫‪expressionist school.‬‬
‫الذي يعترب مسعى مجايل خيضع للفن كنشاط يقوم به املبدع‬
‫‪Keywords: Art of decoration,‬‬
‫او مهندس الديكور بوصفه فنانا تشكيليا بضرورة وفقا‬ ‫‪Experimentation, Philosophy,Expressionist‬‬
‫للمدارس واالجتاهات الفنية املختلفة‪.‬‬ ‫‪cinema, Film The Cabinet of Dr. Caligari.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬فن الديكور‪ ،‬التجريب‪،‬‬


‫ومن خالل ما تقدم يتحدد نطاق هذه الدراسة وفقا‬
‫الفلسفة‪ ،‬السينما التعبريية‪ ،‬فيلم عيادة الدكتور كاليغاري‪.‬‬
‫لإلشكالية التالية ‪:‬‬

‫_ هل بإمكاننا اعتبار أن السينما مرتبطة بالفلسفة‬


‫إلنتاج مفاهيم معينة يستند اليها الفنان او مهندس الديكور‬
‫يف حتقيق التكامل الفين واجلمايل يف الفيلم السينمائي وفقا‬
‫ملبادئ املدرسة التعبريية ؟‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫العدد الخامس‬ ‫والفلسفة‬ ‫محور السينما‬ ‫آفاق سينمائية‬

‫واحلاالت‪ ،‬وذلك من طريق تكثيف األلوان وتشويه األشكال‬ ‫‪ _1‬الفلسفة والحقول المعرفية الجديدة‪:‬‬
‫واصطناع اخلطوط القوية وشدة التباين ‪ ،contrasts‬وجعل‬ ‫يرى األديب والفيلسوف الروسي ليف تولستوي يف‬
‫الفنان التعبريي يهتم مببدأ التصوير باعتباره وسيطا فنيا للعمل‬
‫كتابه (ما هو الفن؟)‪ ،‬ان الفن التعبريي هو نشاط انساين‬
‫التشكيلي يف احلركة التعبريية‪.‬‬
‫"ينقل بعض الناس من خالله احاسيسهم اىل البعض‬
‫اعتربت السينما اجتاها فلسفيا متكامال‪ ،‬فهي جمال‬ ‫االخر‪ ،‬وهو أي فن ليس خدمة للجمال او اظهار لألفكار‬
‫للتفكري الفلسفي من ناحية‪ ،‬ومن ناحية ثانية جتد الفلسفة‬ ‫وما شابه ذلك‪ ،‬فعلينا ان نقبل به حتما‪ .‬واذا كان حقا ان‬
‫يف السينما مبا هو إبداع استجابة ألطروحاهتا فالعالقة تبدو‬ ‫الفن هو نشاط يقوم بواسطته انسان عاىن من احاسيس‬
‫مزدوجة‪ ،‬حيث "قام دارسوا السينما على الدوام بوصف‬ ‫ينقلها بوعي اىل االخرين فعلينا االعرتاف من كل بد‪ ،‬بأنه‬
‫االفالم الطليعية على اعتبار اهنا فلسفية‪ .‬واحد االقوال‬ ‫يف كل ما يسمى بيننا باالنتاجات الفنية للطبقات الغنية‪"1‬‬
‫الشائعة اليت استخدموها لوصف هده االفالم اهنا شكل‬ ‫ومنه ينقل ليف تلستوي صورة للنشاط الفين املنتشر على‬
‫اصبح مضمونا‪ "3‬وهو األمر الذي يستوجب احلفر فيه ضمن‬ ‫نطاق عام بني الناس‪ ،‬ليستلهم الفنان جتربته من الواقع‬
‫الدراسات اجلمالية أي ضمن أحباث املنظرين يف جمال‬ ‫ويستخدم مهاراته يف الكالم والرسم واملوسيقى والنحت او‬
‫السينما‪ ،‬وهو ما ذهب اليه املنظر والفيلسوف الفرنسي جيل‬ ‫يف بناء احلركة لتجسيد عنصر االنفعال يف عمله فين‪ ،‬مما‬
‫دولوز يف البحث عن مكامن العالقة‪ ،‬هذا ما يوضحه يف‬ ‫يساعده يف نقل جتربته االنفعالية اىل اجلمهور‪.‬‬
‫قوله‪" :‬نقاد السينما‪ ،‬نقاد كبار على أية حال‪ ،‬اصبحوا‬
‫مل تقتصر احلركة التعبريية على االدب فحسب بل‬
‫فالسفة يف اللحظة اليت قرروا فيها صياغة مجاليات‬
‫القت حتوال كبريا ال سيما يف جمال الفنون باختالفها‬
‫للسينما‪.‬اهنم مل يكونوا مدربني كفالسفة‪ ،‬لكنهم اصبحوا‬
‫وتنوعاهتا ومنها الفنون التشكيلية وعالقتها بالفكر االنساين‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫كذلك " فالفن السينما ال بد من احتياجه اىل فكر جديد‬
‫ليعترب الفنان التشكيلي فنانا "خالقا اجيابيا من خالل ارادة‬
‫يتمثل يف الفلسفة ومبادئها‪ ،‬كل هذا يؤسس على ان السينما‬
‫الوعي‪ ،‬ومنتجا للصور البصرية اليت تعكس احلاالت الداخلية‬
‫هي فن من خالل ادراجها اىل العمل االبداعي املباشر‬
‫أكثر من الواقع السطحي‪ .‬وعلى العكس ألوان الباستيل‬
‫املتمثل يف العقل واخليال ومن مث تكون طرفا جماورا للحقول‬
‫الشاحبة يف التأثريية‪ ،‬فان التعبرييني فضلوا ضربات الفرشاة‬
‫الفنية االخرى على غرار الفن التشكيلي‪.‬‬
‫الصرحية‪ ،‬والظالل الونية الثرية والكثيفة‪ ،‬واليت يتم استخدامها‬
‫‪ _2‬منطق النزعة الكاليغارية وأثرها على ممارسات‬ ‫بدون النظر اىل املظهر الطبيعي للشيء الذي يتم تصويره‪"2‬‬
‫السينما التعبيرية‪:‬‬ ‫ورفضهم لنسخ االنطباع الفوتوغرايف للواقع الدي حيل حمله‬

‫يعترب فيلم عيادة الدكتور كاليغاري للمخرج روبرت‬ ‫رؤية الفنان الذاتية للعامل‪ ،‬والولوج اىل التعبري عن املشاعر أو‬

‫واين ‪ Robert Wiene‬سنة ‪ 1919‬من كالسيكيات‬ ‫العواطف واحلاالت الذهنية اليت تثريها األشياء أو األحداث‬

‫احلركة التعبريية األملانية‪ ،‬فهو يزخر بالكثري من املالمح اليت‬ ‫يف نفس الفنان ورفض مبدأ احملاكاة األرسطية‪ ،‬فتحذف صور‬

‫يعتربها املؤرخون يف حقل السينما مسة مميزة هلذا األسلوب‪،‬‬ ‫العامل احلقيقي حبيث تتالءم مع هذه املشاعر والعواطف‬

‫‪81‬‬
‫العدد الخامس‬ ‫والفلسفة‬ ‫محور السينما‬ ‫آفاق سينمائية‬

‫اخلام امللون والعدسات‪ ،‬او اغرتاب املتفرج عن اداء املتمثلني‬ ‫بينما يتخذ اسلوبا يتسم بطابع الغري مألوف باعتباره ميثل‬
‫املفرط يف أسلوبه‪ "6‬ليكون االختالف يف طبيعة السرد‬ ‫املالمح احلركة التعبريية‪ ،‬فيضفي تشويه االشكال جتسيدا‬
‫املوظف يف السينما التعبريية بأسلوب مناقض عن السرد‬ ‫ماديا ملموسا "لتشوهات ذهن احدى شخصياته وتشوهات‬
‫اهلوليودي األمريكي‪ ،‬وتصبح السينما التعبريية جتسد العامل‬ ‫احلضارة االملانية يف دلك العصر على حد سواء‪ ،‬وان كال‬
‫فقط من خالل وجهة النظر الذاتية للمخرج‪.‬‬ ‫املناظر الداخلية واخلارجية تفقدان تعامد مستطيالهتا‬

‫ومنه‪ ،‬يتنب لنا ان االصطالح الكاليغاري يف السينما‬ ‫املألوفة‪ ،‬ومتثل السقوف بزوايا حادة بشكل بارز‪ ،‬وألواح‬

‫التعبريية حيمل يف طياته بوادر التصويرية التعبريية ومدى‬ ‫النوافذ الزجاجية معقوفة‪ ،‬وتنحدر اجلدران بطريقة خطرة‪،‬‬

‫ارتباطها بالفنون التشكلية‪ ،‬باعتبار التصوير احد وظائف‬ ‫واألشجار على طول الطريق ملتوية جتريدية‪ "5‬فاملخرج هو‬

‫الرئيسية للفن وجتسيده يطبق على فن الرسم على اخلصوص‬ ‫الفنان اخلالق للعمل السينمائي‪ ،‬فيما خيضع الفيلم لرؤية‬

‫"فتقدم الفن يتوقف على حتسن املطرد يف اساليب التصوير‪،‬‬ ‫خاصة للعامل من ناحية املنظور‪ ،‬والتشكيل املعماري‬

‫والنزعة التصورية ‪ representationalism‬ال تفتقر اىل‬ ‫للديكور‪ ،‬واإلضاءة‪ ،‬واملمثل‪ ،‬ومستلزماته من أزياء‪،‬‬

‫انصار بني الفالسفة الفن‪ .‬وعلى حني ان افالطون يدم‬ ‫وماكياج‪ ،‬واالرتياد على اختاذ فن البانتوميم إلضفاء مجالية‬

‫الفن‪ ،‬النه ليس اكثر من اعادة انتاج ملظهر االشياء‪ ،‬فان‬ ‫للفيلم بفضل رؤية الفنان التشكلي التعبريي هلندسة الديكور‬

‫ارسطو جيعل من التصوير االشياء الطابع املميز ملا نسميه‬ ‫السينمائي‪.‬‬

‫فنا‪."7‬‬ ‫يف ضوء تطور احلركة التعبريية يف الفن احلداثي‪ ،‬هتدف‬

‫وعليه‪ ،‬تعترب النزعة التصويرية نظرية وصفية سعى اىل‬ ‫احلركة اىل حتقيق ما هو ذايت اكثر من ما هو موضوعي وما‬

‫حتقيقها املخرج روبرت واين يف تأسيس لالصطالح‬ ‫هو خيايل وخارق للطبيعة‪ ،‬واجلمع بني الفن وقضاياه يف‬

‫الكاليغارية يف السينما التعبريية‪ .‬ومنه‪ ،‬فالسينما ليست‬ ‫اعمال سينمائية ختاطب اجلمهور داخل سياق ثقافة السينما‬

‫انعكاسا حرفيا للواقع‪ ،‬باعتبار أن املخيلة االبداعية‬ ‫التجارية‪ ،‬هو الطرح الذي جاء به أحد منظري احلركة‬

‫السينمائية تعطي للمادة الفيلمية القدرة علي ختيل الواقع‬ ‫التعبريية كزميير إدشميد حني اعترب الذاتية يف السينما‬

‫"فالتشابه االكثر مباشرة والذي ميكن صنعه هو بني السينما‬ ‫التعبريية ال تتم وال تتحقق رؤيتها كمجرد تعبري فقط عند‬

‫وما يقوم به املخ بالفعل‪ ،‬والكثري من التنظري الذي يفرتض‬ ‫فنان‪ ،‬بل تكمن الذاتية عندما يصبح املتفرج راغبا يف‬

‫هذه الرابطة مستلهم من عروض السينما التجريبية‪ ،‬عادة‬ ‫الدخول اىل عامل مغاير عن عامل الواقع‪ ،‬فيكون طرفا يف‬

‫بواسطة هؤالء الذين يعملون ويكتبون بالفعل يف هذا النمط‬ ‫حتقيق املتعة البصرية اليت تتأتى من التصميم السينمائي‪،‬‬

‫السينمائي‪ "8‬وخلق عوامل فلسفية متعددة‪ ،‬وهي بذلك‬ ‫فالسينما التعبريية "تنحو اىل تأمل الذات‪ ،‬وحنو جعل املتفرج‬

‫ختلق مساحات جديدة للتأمل الفلسفي والفكري‪ ،‬مثلها‬ ‫واعيا باالصطناع الفين للصورة‪ ،‬ومكانه كذات تستهلك‬

‫مثل االدب والفنون اجملاورة على غرار ارتباط السينما بالفنون‬ ‫الصور‪ ،‬سواء من خالل االستخدام املباشر والصريح‬

‫التشكيلية من خالل اعتمادمها على الصورة‪ ،‬ومن مث جعل‬ ‫للديكورات املرسومة‪ ،‬او باالستخدام غري الطبيعي للفيلم‬

‫‪82‬‬
‫العدد الخامس‬ ‫والفلسفة‬ ‫محور السينما‬ ‫آفاق سينمائية‬

‫ونقيضه من مكونات العمل الفين‪ ،‬بينما يتجلى عمل الفنان‬ ‫السينما فنا تشكيليا بامتياز استنادا اىل حماوالت املؤرخ‬
‫يف إجياد وحدة مبنية على املفارقة كأساس لتوظيف مبدأ‬ ‫واملنظر يف جمال الفن الفرنسي إيلي فور ‪ Élie Faure‬وما‬
‫التناقض وعدم التوازن يف فيلم عيادة الدكتور كاليغاري‪،‬‬ ‫يسميه بـ سينيبالستيك (‪ ،)cinéplastique‬وهي حماوالت‬
‫وهي النظرة اليت يعرب عنها املخرج الفرنسي جون كوكتو يف‬ ‫تؤسس على دينامية التفاعل بني السينما والفنون اجملاورة‪.‬‬
‫هذا الفيلم بقوله‪" :‬إن كاليغاري اجلديد هو ضرورة‪ ،‬كل‬ ‫‪ _3‬النسق الفلسفي في الميزونسين التعبيري‬
‫التفاصيل االخراجية اليت اعطته وزنا وثقال‪ ،‬عدم التوازن بني‬
‫وجمالية الديكور السينمائي‪:‬‬
‫الديكور املصنع وواقعية الشخصيات‪ ،‬مرحه السم‬
‫تسعى التعبريية اىل تطوير مجيع مبادئ الفن السارية‬
‫والسطحي بعض الشيء‪ ،‬سيصبح روح العمل‪ "11‬فيسعى‬
‫يف فيلم عيادة الدكتور كاليغاري‪ ،‬واستطاعت بفضل طرح‬
‫الفنان لدى إنتاجه للوحة الفنية بعكس فكرة معينة عمليا‪،‬‬
‫مطالبها العنيفة ان تقد ثورة ثقافية يف عامل السينما‪،‬‬
‫وقد خيضع أو ال خيضع لقاعدة معينة من خالل ما يقوم‬
‫فحاولت ان حتاكي عملية اخللق الواقعي وتشكيل صورة‬
‫بتصوير‪ ،‬فيجعله يقع يف إشكالية تناقض وصعوبات تناول‬
‫العامل بطريقتها اخلاصة‪ ،‬واستخدام القدر الكبري من الوسائل‬
‫بني ما يعكسه يف الصورة املعرب عنها‪ ،‬واليت قد تشكل‬
‫التخيلية والرتكيز على املزاج النفسي اكثر من الشكل املادي‬
‫مستندا ووثيقة جتسد ذلك احلدث وبني وجهة نظره الفكرية‬
‫احملسوس‪ ،‬بينما يتأتى ذلك عن وجود االشكال القوطية‪،‬‬
‫واألسلوبية والتقنية ضمن فلسفة املخرج روبرت واين‪.‬‬
‫واملناظر العتمة‪ ،‬والظالل املركبة من عدة ألوان خمتلفة‪.‬‬
‫يعترب مهندس الديكور فنانا تشكيليا حيمل يف طياته‬
‫يتميز االخراج التعبريي عند روبرت واين بالشكل‬
‫بوادر التشكيل يف السينما التعبريية‪ ،‬فينساق اىل فلسفة‬
‫املبالغ فيه‪ ،‬وهي فلسفة تتجسد عن طريق "اعداد‬
‫مغايرة يكون أساسها التعبري عن مشاعره اخلاصة وانفعاالته‬
‫الديكورات والتمثيل واملاكياج واألزياء هاتني السمتني‪،‬‬
‫الذاتيه عن طريق "حتريف االشكال او التأكيد على اللون‪،‬‬
‫وأساس استخدامهما يف الفيلم هو يف جوهره صراع‬
‫وبذلك يكون الفنان قد امهل احلقيقة الواقعية اليت تراعا العني‬
‫األضداد‪ "9‬ليجسد هذا الصراع تناقضا مرئيا عن طريق‬
‫ملصلحة التعبري النفسي الداخلي فيعرب عما بداخله ومن مث‬
‫مظهر اخلاص باملمثلني‪ ،‬ويف كيفية توظيف املاكياج‪ ،‬والزي‬
‫يؤثر هبا غريه‪ ،‬فيفصح بذلك عن مشاعره لآلخرين بلغة‬
‫باعتبارمها احد عناصر املكملة للديكور السينمائي وبدورمها‬
‫الشكل واللون واحلجم والظل والنور خاصة عن طريق‬
‫حيمالن تناقضا كبريا يف كيفية جتسيده وفقا ملبادئ احلركة‬
‫املبالغات والتحويرات الكثرية يف اخلطوط واأللوان‪"12‬‬
‫التعبريية‪ ،‬فمبدأ التناقض يف فيلم عيادة الدكتور كاليغاري‬
‫فاملهندس الديكور أو الفنان التشكيلي مبقدوره حتويل‬
‫يشكل باملقابل العديد من الديكورات اليت تربز "بشدة‬
‫احلقيقة املطلقة إىل حقيقة جزئية والواقع املطلق إىل واقع‬
‫اخلطوط الراوية املذبذبة‪ ،‬وضعت مناظر منظمة حول مناذج‬
‫خمتزل بصورة واحدة‪ ،‬وهذا بإحداث احلركة واخلروج عن‬
‫دائرية‪ ،‬وحتمل غرفة جني مظهر االمان والطمأنينة بشكلها‬
‫سياق الواقع بإجياد واقع تقين جديد داخل الكامريا أو‬
‫الدائري على حنو ملحوظ‪ "10‬فيظهر التناقض من خالل‬
‫اللوحة برتكيبه لألفكار اليت حيملها واختزاهلا يف فكرة واحدة‪،‬‬
‫مجع الفنان لألضداد داخل العمل الفين حىت يصبح الشيء‬

‫‪83‬‬
‫العدد الخامس‬ ‫والفلسفة‬ ‫محور السينما‬ ‫آفاق سينمائية‬

‫باختيار وضع االضاءة لتوزيع الظالل خاصة يف فيلم عيادة‬ ‫وتنظيم مكوناهتما التقنية والفنية والتحكم فيها بغرض‬
‫الدكتور كاليغاري‪ ،‬حيث " طليت الظالل على الشق اليت‬ ‫الشكل العام الذي يراد التعبري عنه‪.‬‬
‫تشكل جدران البلدة‪ ،‬واملواقع الداخلية املتنوعة‪ ،‬بل وحىت‬ ‫وتتجلى العملية االبداعية اليت ينطلق منها مهندس‬
‫على االرضيات واألدراج‪ .‬وحىت مع استخدام شكل حقيقي‬ ‫الديكور عن طريق تشويه مظاهر الطبيعة عند قيام هبندسة‬
‫والصناعي مع ذلك لإلضاءة‪ ،‬كان هذا التأثري يقوي بظالل‬ ‫الديكور وصناعة الفيلم "وهو سبب االبداع ألنه ارقى من‬
‫‪15‬‬
‫مطلية‪ :‬شكل من التعبريية املفرطة " فتوظيف الضوء والظل‬ ‫حقيقة صادقة مفرتضة يف الطبيعة ولكنها بال فن‪ :‬هذه‬
‫يف فيلم روبرت واين يعترب الوظيفة الوصفية اليت ترسم احلدود‬ ‫احلقيقة املشوهة بذاهتا هي اليت تعطي هذه االفالم فنها‬
‫بني احللم‪ ،‬واليقظة‪ ،‬والوعي‪ ،‬والالوعي‪.‬‬ ‫البارز‪ "13‬ليكون على مهندس الديكور حترير أفكاره وإطالق‬
‫وعليه‪ ،‬يرى املنظر والفيلسوف الفرنسي جيل دولوز‬ ‫العناء خلياله بغية رسم لوحة تشكيلية بأسلوب تعبريي‬
‫أن صناع السينما التعبريية اكتسبوا احساسا قويا للتلوين يف‬ ‫خالص‪.‬‬
‫ابداعاهتم الفنية‪ ،‬واألخذ بعني االعتبار "ان التظليل كان‬ ‫‪ _4‬فلسفة الضوء والظالل في العمل التعبيري‪:‬‬
‫معروفا يف فرتة اليت شهدت عرض فيلم فاينه الذي مت تظليله‬
‫متثل االضاءة السينمائية احدى السمات املميزة لكثري‬
‫يف العرض‪ ،‬وكان املشاهدون املثقفون سينمائيا سيالقون‬
‫من مواقع التصوير يف السينما التعبريية‪ ،‬وكان استخدام‬
‫قليال من الصعوبة يف فهم احلاالت اليت تثريها الظالل اللونية‬
‫الطالء إلعطاء داللة للضوء والظل‪ ،‬بينما كان استخدام‬
‫‪16‬‬
‫األساسية‪ :‬االمحر للحب والغضب مثال " بينما تعمل‬
‫االضاءة الصناعية بدال من املصادر الضوء الطبيعي‪ ،‬ويرى‬
‫الظالل االصطناعية املرسومة يف فيلم عيادة الدكتور‬
‫املنظر األملاين رودولف ارنهايم أن االضاءة يف االفالم هي‬
‫كاليغاري على تعزيز وتنمية التحريف والتباين‪ ،‬لتدخل‬
‫"اكثر من جمرد كوهنا ذات نفع‪ ،‬االنوار ميكن ان توحي‬
‫ضمن العناصر االساسية املكونة للديكور واملتكاملة والفاعلة‬
‫بأفكار رمزية‪ ،‬اهنا تستطيع ان تربز خصائص الشيء‬
‫يف احلدث عن طريق "املنظورات احملرفة والتشويشات‬
‫اجلوهرية وهي تستطيع اظهار او اخفاء تفاصيل معينة‬
‫املفرطة‪ :‬شوارع متداعية‪ ،‬مباين وسقوط ملتوية ومعوجة‪،‬‬
‫وبإمكاهنا نقل اهتمام املشاهد من نقطة اىل اخرى على‬
‫جدران آيلة للسقوط حنو بعضها البعض‪ ،‬حىت النماذج او‬
‫الشاشة‪ "14‬وباتت اإلضاءة عنصرا هاما يف التصميم‬
‫االشكال التجريدية ختدم يف تأكيد املخاوف النفسية‬
‫البصري السينمائي وهي تلقى أمهية يف صناعة األفالم‪،‬‬
‫‪17‬‬
‫كالرهاب واهليولية الوشيكة " وهي اجلمالية اليت نستوفيها‬
‫فتمثل االستجابة العفوية للظالم والضوء عنصرا هاما يف علم‬
‫من توظيف عامل الضوء والظالل وعالقتهما بفن الديكور‬
‫النفس البشري الذي يستثمره خمرج الفيلم هبدف التأثري على‬
‫السينمائي وفقا لفكر فلسفي ورؤية اخراجية لدى روبرت‬
‫طرق استجابة املشاهد للتطور السردي يف الفيلم‪.‬‬
‫واين‪.‬‬
‫يسعى مهندس الديكور بوصفه فنانا تشكيليا يف‬
‫وعليه‪ ،‬تعطي فلسفة املنظر الفرنسي جيل دلوز حول‬
‫السينما التعبريية مبعاجلة نواحي عدة الستخالص مبختلف‬
‫طبيعة العالقة بني "الصورة_ احلركة" كيفية معاجلة التباين‬
‫النتائ تعوض النقص يف اللون ويف احلجم او العمق‪ ،‬هذا‬

‫‪84‬‬
‫العدد الخامس‬ ‫والفلسفة‬ ‫محور السينما‬ ‫آفاق سينمائية‬

‫الفنية وارتباطها بفن الديكور السينمائي تعترب الواقع معيارا‬ ‫واالختالف ‪ contraste‬يف ديكورات الفيلم التعبريي‪،‬‬
‫يف تكوين رؤيتهم للعامل ووعيهم به‪.‬‬ ‫لتعطي تأثريا الرمزيا للموضوع‪ ،‬فالضوء "كدرجة‘‬
‫االبيض’ وكصفر ‘االسود’يدخالن يف عالقات‬
‫حمسوسة من التضاد ‪ contraste‬او من االمتزاج‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫‪ mélanger‬تلك هي سائر السلسلة املتضادة من خطوط‬
‫‪ .1‬ليف تلستوي‪ ،‬ما هو الفن؟‪ ،‬تر‪ :‬حممد عبدو النجاري‪،‬‬
‫البيضاء واخلطوط السوداء‪ ،‬الشعة الضوء‪ ،‬واخلطوط الظالم‪:‬‬
‫ط‪ ،1‬دار احلصاد للنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪،1991 ،‬‬
‫عامل خمزز ‪ strié‬مضلع ‪ rayé‬ظهر لدى واين يف اللوحات‬
‫ص‪. 178-177‬‬
‫‪ .2‬باري كيث جرانت‪ ،‬موسوعة السينما (شريمر)‪ ،‬تر‪ :‬أمحد‬ ‫التصويرية لفيلم حجرة الدكتور كاليغاري‪ "18‬أي معاجلة‬
‫يوسف‪ ،‬ط‪ ،1‬ج‪ ،2‬املركز القومي للرتمجة‪ ،‬القاهرة‪،2015 ،‬‬ ‫اللون االبيض الناصع ضد الظالم القائم‪ ،‬فيوازن عنصر‬
‫ص‪.446‬‬ ‫الضوء بني اخلري والشر من اجل املسامهة يف بناء الدرامي‬
‫‪ .3‬بيزىل ليفينجستون وكارل بالتينيا‪ ،‬دليل روتليدج للسينما‬
‫للفيلم ومشاركته الفعالة يف توضيح مالمح الديكور‬
‫والفلسفة‪ ،‬تر‪ :‬أمحد يوسف‪ ،‬ط‪ ،1‬املركز القومي للرتمجة‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،2013 ،‬ص‪.878‬‬ ‫السينمائي ‪.‬‬
‫‪ .4‬دانييل فرامبتون‪ ،‬الفيلموسويف حنو فلسفة السينما‪ ،‬تر‪ :‬أمحد‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫يوسف‪ ،‬ط‪ ،1‬املركز القومي للرتمجة‪ ،‬القاهرة‪،2009 ،‬‬
‫ص‪.34‬‬ ‫نستخلص مما سبق ذكره‪ ،‬أن فلسفة العمل التعبريي‬
‫‪ .5‬آالن كاسبيار‪ ،‬التذوق السينمائي‪ ،‬تر‪ :‬وداد عبد اهلل‪،‬‬ ‫يف السينما التجريبية جاءت بلغة االفصاح عن األشكال‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬منشورات اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫واأللوان‪ ،‬واألحجام‪ ،‬واألضواء‪ ،‬والظالل كأساس لبناء‬
‫‪ ،1989‬ص‪.157‬‬
‫العمل الفين اإلبداعي‪ ،‬وعن قيمة فنية حيس هبا الفنان‬
‫‪ .6‬باري كيث جرانت‪ ،‬موسوعة السينما (شريمر)‪ ،‬تر‪ :‬أمحد‬
‫يوسف‪ ،‬ج‪ ،2‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪. 456‬‬ ‫التشكيلي او مهندس الديكور يف نقل مشاعره اىل اآلخرين‪،‬‬
‫‪ .7‬جوردون جراهام‪ ،‬فلسفة الفن‪ -‬مدخل اىل علم اجلمال‪،-‬‬ ‫هته االشكال الفنية التعبريية سامهت حبد كبري عند الفنان‬
‫تر‪ :‬حممد يونس‪ ،‬ط‪ ،1‬اهليئة العامة لقصور الثقافة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫اىل انتقال الشحنة الداخلية لديه اىل اخلارج كي يتأثر هبا‬
‫‪ ،2013‬ص ‪. 176‬‬
‫غريه‪ ،‬وأصبح املنه االسلويب املعتمد يف الفيلم عالمة فارقة‬
‫‪ .8‬دانييل فرامبتون‪ ،‬الفيلموسويف حنو فلسفة السينما‪ ،‬تر‪ :‬أمحد‬
‫يوسف‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.35‬‬ ‫مميزة يف امليزانسني التعبريي ونتاجا للعمل الفين االبداعي‬
‫‪ .9‬آالن كاسبيار‪ ،‬التذوق السينمائي‪ ،‬تر‪ :‬وداد عبد اهلل‪،‬‬ ‫الذي حيمل يف طياته بوادر التشكيل يف السينما التعبريية‪.‬‬
‫م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.158‬‬
‫وعليه‪ ،‬جاء فيلم عيادة الدكتور كاليغاري لعرض رؤية‬
‫‪ .11‬م‪،‬ن‪ ،‬ن‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪ .11‬جان كوكتو‪ ،‬فن السينما‪ ،‬تر‪ :‬متاضر فاتح‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫شخصية عرب امليزونسني التعبريي‪ ،‬جسد ديكورات مرسومة‬
‫منشورا وزارة الثقافة‪-‬املؤسسة العامة للسينما‪ ،‬دمشق‪،2012 ،‬‬ ‫بأبعاد بصرية خالصة ضمن نسق فلسفي معني‪ .‬وبالتايل‪،‬‬
‫ص ‪.114‬‬ ‫فإن اهم التشكيالت الفنية اليت تؤسس على تضافر املدارس‬
‫‪ .12‬أسامة حممد مصطفى الفقي‪ ،‬مدارس التصوير الزييت‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬مكتبة األجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،2016 ،‬ص ‪. 181‬‬

‫‪85‬‬
‫العدد الخامس‬ ‫والفلسفة‬ ‫محور السينما‬ ‫آفاق سينمائية‬

‫‪ .13‬مهدي عقيل يوسف‪ ،‬جاذبية الصورة السينمائية –‬


‫دراسة يف مجاليات السينما‪ ،-‬ط‪ ،1‬دار الكتاب اجلديد‬
‫املتحدة‪ ،‬بريوت‪ ،2001 ،‬ص‪. 74‬‬
‫‪ .14‬لوي دي جانييت‪ ،‬فهم السينما‪ ،‬تر‪ :‬جعفر علي‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫دار الرشيد للنشر‪ ،‬بغداد‪ .1981 ،‬ص ‪. 572‬‬
‫‪ .15‬إبان روبرتس‪ ،‬السينما التعبريية األملانية‪ ،‬تر‪ :‬يزن احلاج‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة‪ -‬املؤسسة العامة للسينما‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫‪ ،2013‬ص‪. 37‬‬
‫‪ .16‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪. 36‬‬
‫‪ .17‬أموس فوغل‪ ،‬السينما التدمريية‪ ،‬تر‪ :‬أمني صاحل‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫دار الكنوز األدبية‪ ،‬بريوت‪ ،1995 ،‬ص‪. 42‬‬
‫‪ .18‬جيل دلوز‪ ،‬الصورة‪-‬احلركة او فلسفة الصورة‪ ،‬تر‪ :‬حسن‬
‫عودة‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪،1997 ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪74‬‬
‫‪.‬‬

‫‪86‬‬

You might also like