You are on page 1of 30

‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬


‫د‪ .‬نجوى عمي عبود‪.‬‬
‫د ‪ .‬عبد المولى عمى البهميل ‪.‬‬
‫أ‪ .‬إيناس سالم الناطوح ‪.‬‬
‫جامعة طرابمس‪-‬كمية الفنون واإلعالم‬

‫ممخص البحث ‪:‬‬


‫الدراسة الحالية بعنواف البحث ‪" :‬مبلمح الفف التجريدي في الفف اإلسبلمي"‪.‬‬
‫اتصؼ الفف اإلسبلمي بسمة التحوير والتجريد نتيجة الحراؾ الفكري وبما يتفؽ مع‬
‫قيـ الحضارة اإلسبلمية متمثمة بالحروؼ العربية واألشكاؿ النباتية واليندسية‪.‬‬
‫وتضمنت ىيكمية البحث توضيحاً لمشكمة البحث المتمثمة في إمكانية الفناف المسمـ‬
‫الجمع مابيف إبداعو وايمانو في محاولة والتوفيؽ بيف ما ىو مادي مشخص وما ىو‬
‫روحي مجرد؛ إلنتاج فف ٍ‬
‫عاؿ في قيمتو الفنية‪.‬‬
‫واليدؼ مف الدراسة ىو‪ :‬إلقاء الضوء عمى فف التجريد واظيار فكرة النزوع نحو‬
‫التجريد كنتيجة حتمية لبلبتعاد عف التشخيص‪ ,‬وكذلؾ والدة أسموب جديد ومميز في‬
‫الزخرفة التجريدية مف إيحاء الخط العربي والنباتات والحيوانات واألشكاؿ اليندسية‬
‫ومحاولة إظيار التوازف ما بيف دراسة التشخيص والتجريد‪.‬‬
‫وتأسست الدراسة عمى تكويف الحضارة اإلسبلمية واألسموب الذي رافؽ الفكر‬
‫ومدى عبلقة الفف اإلسبلمي بالفمسفة‪ ,‬ومف ثـ تسميط الضوء عف الذات وروعة‬
‫االمتثاؿ لمعقيدة اإلسبلمية ومدى استخداـ الفف اإلسبلمي لمغة الرمزية التجريدية‬
‫ودراسة المفردات في الفف التجريدي وانعكاسيا عمى إنتاجيات الفف اإلسبلمي‬
‫جميعا‪ ,‬ثـ تحوير األشكاؿ الواقعية وكأنيا مجرد رسوـ تجريدية ذات ىيئة جمالية‬
‫جذابة ال تقترب مف الخواص الواقعية‪ ,‬كما أظيرت الدراسة الزخارؼ اإلسبلمية‬

‫‪512‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫اليندسية والنزوع نحو التجريد مستخدمة الخط العربي كصيغة فنية مجردة مع‬
‫إظيار جمالية المادة التي تأتي أىميتيا مع عناصر أخري مثؿ الخزؼ اإلسبلمي‪,‬‬
‫في كشؼ الفناف المسمـ عف قدرتو في نقؿ مفردات التجريد لتثبيت التصورات‬
‫والمفاىيـ الفنية‪.‬‬
‫المقدمة‪-:‬‬
‫إف الكشؼ عف السياقات والمعالـ الشخصية لمفنوف اإلسبلمية وأنواعيا وأسباب‬
‫التنوع ضمف المكاف والزماف‪ ,‬يفترض العودة إلي الفكر اإلسبلمي مف جية والي‬
‫طبيعة التكويف و البناء الحضاري ليذه الفنوف مف جية أخرى‪ ,‬ويبدو واضحا وجميا‬
‫أف الفف اإلسبلمي بشتى أنماطو ومجاالتو كافو كاف تطبيقا لخطاب الفكر التجريدي‬
‫فثمة تداخؿ بيف الفكر وصيغ الفف تجعمنا "نري أف القواعد الجمالية التي قاـ عمييا‬
‫الفف التجريدي‪ ,‬ىي ذاتيا قواعد الفكر الديني‪ ,‬الذي استقراءىا عمماء وفبلسفة‬
‫اإلسبلـ‪ ,‬كالكندي والفارابي والجاحظ وأبي حياف التوحيدي"(‪.)1‬‬
‫لذا نجد مف خبلؿ تتبعنا لمفف اإلسبلمي خبلؿ مسيرتو الطويمة أنو اتصؼ حشو‬
‫بالتحوير واالنزياح والتحوؿ نتيجة الحراؾ الفكري واألسموبي باإلضافة إلى ابتعاد‬
‫الفناف عف محاكاة الطبيعة ونقميا حرفيا متجيا إلي الزخارؼ النباتية واليندسية‬
‫والمخموقات المركبة والخرافية التي القت ترحيبا كونيا تتفؽ في تركيبيا مع البعد‬
‫عف الحقيقة والواقع وتتفؽ مع التجريد الذي عرفت بو الفنوف اإلسبلمية‪ ,‬لتكوف‬
‫موضوعا متداوال ومستنبطا مف المفردات الطبيعية‪ ,‬إذ تتداخؿ أشكاليا مع العناصر‬
‫الزخرفية بعد تكييفيا و تحويرىا لتكوف وحدة تشكيميو تجريدية ذات ظواىر عضوية‬
‫يعكسيا المحرؾ االجتماعي و الثقافي كسمات شكمية لمنجزات تفرزىا طبيعة الحياة‬
‫اليومية و السياؽ المحمي‪.‬‬
‫وبما أف الفف ىو لغة إنسانية تحقؽ البشرية عف طريقيا ضروبا مف التواصؿ ‪ ,‬لذا‬
‫جاءت الوحدات البصرية التي تواصمت أشكاليا بتأويؿ خطابيا الواقعي و التجريدي‬
‫‪512‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫المرمز لتعكسيا منجزات العصر اإلسبلمي متمثمة بالمشاىد الكتابية (الخط العربي)‬
‫و النباتية و اليندسية و اآلدمية‪.‬‬
‫مشكمة البحث‪:‬‬
‫ىؿ استطاع الفناف المسمـ الجمع بيف إبداعو و إيمانو في محاولة التوفيؽ بيف ما‬
‫ىو مادي مشخص و ماىو روحي مجرد إلنتاج فف عاؿ في قيمتو الفنية ؟‬
‫أهداف البحت‪:‬‬
‫‪ -1‬إلقاء الضوء عمى فف التجريد الذي يمثؿ أعمؽ إبداعات الفف اإلسبلمي وأكثر‬
‫مظاىره انتشارا‪.‬‬
‫‪ -2‬إظيار فكرة النزوع نحو التجريد كنتيجة حتمية لبلبتعاد عف تصوير المخموقات‬
‫الحية عند المسمميف؛ ألنو فف زخرفي مجرد‪.‬‬
‫‪ -3‬والدة أسموب جديد ومميز في الزخرفة التجريدية مف إيحاء الخط العربي‬
‫والنباتات والحيوانات عند المسمميف‪ ,‬ألنو زخرفي مجرد‪.‬‬
‫‪ -4‬والدة أسموب جديد ومميز في الزخرفة التجريدية مف إيحاء الخط العربي والنبات‬
‫والحيوانات واألشكاؿ اليندسية‪.‬‬
‫‪ -5‬إظيار التوازف ما بيف دراسة التشخيص والتجريد‪ ,‬حتى ال ننقص مف قيمة الفف‬
‫اإلسبلمي‪.‬‬
‫الحضارة اإلسالمية‪:‬‬
‫تكونت الحضارة اإلسبلمية مف مجموع القيـ اإلنسانية الثقافية والتقنية‬
‫واألسموبية التي رافقت ىذا الفكر باعتباره نقطة إشعاع جديدة استطاعت أف تحرر‬
‫الوجود اإلنساني العربي مف رؽ الوجود البشري إلي أفؽ رحب ىو األفؽ الكوني‬
‫لموجود‪ ,‬فكاف مف نتائج الفكر الجديد أنو وضع الناس أماـ وعي جمالي ظيرت‬
‫تجمياتو في الفكر والمغة والسموؾ واالجتماع والسياسة والفف(‪ ,)2‬وبيذا ولد الفف‬
‫اإلسبلمي عمى أرض دانت باإلسبلـ وأخذ قوامو الروحي مف شبو الجزيرة العربية‪,‬‬
‫‪512‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫أما قوامو المادي فقد تـ صوغو في أماكف أخري كانت لو فييا قوة وحياة فاحتفظ‬
‫المسمموف األوائؿ بمورثاتيـ المغوية واألخبلقية‪ ,‬كذلؾ احتفظوا بتقاليدىـ اإلبداعية‬
‫التي كانت أساسا في صناعة الفف اإلسبلمي الجديد‪ ,‬عمارة وزخرفة وخطا فنيا(‪.)3‬‬
‫تطور الفف اإلسبلمي في ظؿ (فكر التوحيد) قيـ الحضارة اإلسبلمية ويضمنيا‬
‫أعماؿ الفف اإلسبلمي المتأثرة بمعاني اإلسبلـ و قيمو في الجماؿ‪ ,‬إذ يشمؿ األثر‬
‫الفني نشاطا بار از وحيوية ونظرة عميقة ال يمكف إنكارىا في حياة المسمميف‬
‫وحضارتيـ كونو خاضعا شأنو شأف كافة جوانب الحياة إلي البنية الفكرية والسياقات‬
‫الثقافية المستفادة مف رحـ المجتمع والعصر الذي ولد فيو‪ ,‬ومف تـ تبمورت‬
‫االتجاىات المعرفية والفنية وفؽ المتغيرات االجتماعية والسياسية التي أعقبت انتشار‬
‫الدعوة وتوسيع سمطات اإلسبلـ خارج حدود الجزيرة العربية لتتجسد سياقات الفف‬
‫بشكؿ واضح في عصر الدولة األموية في الشاـ التي حرص رجاليا عمي أالا يكوف‬
‫مظيرىـ أقؿ مف مظير األعاجـ " فأقبموا عمي التشييد والتعمير والتصنيع‪ ,‬وقد‬
‫استعانوا بالصناع والفنانيف في الببلد التي دانت ليـ‪ ,‬ومف ىنا تجمت في الفف‬
‫اإلسبلمي األوؿ الروح البيزنطية‪ ,‬والروح الساسانية"(‪ ,)4‬وفنوف اليند و الصيف وأسيا‬
‫أف الفف اإلسبلمي لـ يأخذ كؿ ما صدفو في فنوف تمؾ الحضارات‬
‫الصغرى‪ ,‬عمي ا‬
‫مف موضوعات وعناصر‪ ,‬بؿ وقؼ منيا موقؼ الفاحص الناقد‪ ,‬وأمضى الفنانوف‬
‫فترة طويمة لعمؿ استجماع و اختيار ومزج‪.‬‬
‫عالقة الفن اإلسالمي بالفمسفة‪:‬‬
‫اتصؿ اإلسبلـ باألمـ السابقة واتصمت بو‪,‬أعطاىا وأخد منيا ما ال يتعارض مع‬
‫أحكاـ الديف‪ ,‬وذىب بعيدا عف التشبيو متحاشيا المساس بالعقيدة اإلسبلمية ألجؿ أف‬
‫اليكوف محط الك ارىية أوالحرمة‪ ,‬ثـ مزج ما يبلئـ ذوقو العربي‪ ,‬فنتج عف االختبلؼ‬
‫بتمؾ األقواـ مزيج فكري واجتماعي واقتصادي وروحي‪ ,‬مما ميز الفف اإلسبلمي‬
‫وأعطاه سياقو الخاص والمستقؿ عف فنوف الحضارات األخرى‪.‬‬
‫‪512‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫ولـ تكف ىذه الفنوف التي تعد ميراث أمـ وشعوب متعددة لتظير داخؿ بوتقة‬
‫الفف اإلسبلمي إال بعد أف تشذبت أشكاليا وبرزت شخصيتيا الجمالية بما يتفؽ مع‬
‫سياقات الديف وتعاليمو السمحة‪ ,‬وما فكاف لمفتوحات اإلسبلمية أثر كبير في ىذا‬
‫البناء الفكري الجديد‪ ,‬كما كاف لمتقارب العربي اإلغريقي نتيجة السفر والتجارة األثر‬
‫الكبير في بناء الفكر الفمسفي الذي أنتجو العرب المسمموف‪ ,‬فانتقمت الفمسفة‬
‫اليونانية إلى الفبلسفة العرب والمسمموف وتبمورت في أذىانيـ‪ ,‬وامتزجت بأفكارىـ‬
‫فأثرت بيـ تأثي ار كبي ار إال أنيـ صاغوا فمسفتيـ بعقمية عربية اإلسبلمية‪ ,‬أي بمعني‬
‫كانت الفمسفة اإلسبلمية تمتقي "مع الديف ألف أىدافيا مشتركة وغاياتيما واحدة ليذا‬
‫نجد أىـ ما يميز الفمسفة اإلسبلمية أنيا فمسفة توفيقية بيف الديف والفمسفة "(‪.)5‬‬
‫ومع احتكاؾ الديف بالفمسفة والعموـ وثقافات الشعوب ظيرت تنوعات في ىذا الوعي‬
‫الجمالي لكنو لـ يتخمى في جميع أطروحاتو الجمالية عف منطمقيف أساسييف ىما‪:‬‬
‫التوحيد وىو غاية الفكر اإلسبلمي والوحدة في نظاـ العالـ الذري واالجتماعي‬
‫والكوني‪ ,‬وىي وحدة قائمة عمى التوازف والتجاذب والتناسب واالنسجاـ‪.‬‬
‫الفن اإلسالمي والبحث عن الذات ‪:‬‬
‫كشؼ عف الفناف في أنحاء العالـ اإلسبلمي عف روعة االمتثاؿ لمعقيدة مع‬
‫الحرية في اكتشاؼ منافذ جديدة لمتعبير عف الذات‪ ,‬والتي تعرضيا تمؾ الذىنية‬
‫الخصبة والمذىمة في ابتداع األشكاؿ والصور بكؿ ما فييا مف دقة وضبط وتعقيد‬
‫وتركيب وتوليد متصؿ‪ ,‬يسفر عنو تعامؿ مرف مع األشكاؿ المجردة ضمف منيج‬
‫فني فمسفي يبتعد عف الواقع شكبل ليرتبط بو مضمونا روحيا مخترؽ الظاىر المادي‬
‫والكشؼ عما أحس أنو الطريقة لبموغ المطمؽ بمقاييس الصورة الفنية المجردة‪.‬‬
‫وىذا يعني أف المنيج الفكري لمعقيدة اإلسبلمية كاف لو بصماتو الواضحة عمى‬
‫فمسفة الفف اإلسبلمي وأشكالو التجريدية ومضامينو‪ ,‬فالفف التجريدي والديف كبلىما‬
‫عميؽ الغور في النفس والحس‪ ,‬والشؾ أ اف صفاء النفس مدعاة طبيعية لحسف التمقي‬
‫‪512‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫لمجالي الديف والفف التجريدي لكوف فنوف كؿ عصر ىي صورة ترتبط بعضيا‬
‫بالبعض األخر ناتجة عف الصالوف التي تجمع الفنانيف مف نفس العصر مف الناحية‬
‫الفكرية والبيئية‪.‬‬
‫فجاء التنوع الفني التجريدي عمى أيدى فنانيف مختمفيف كأمر إيجابي ويعود إلى‬
‫امتبلؾ كؿ شعب مف الشعوب اإلسبلمية تراث فني عريؽ خاص بو‪ ,‬وعند مجي‬
‫اإلسبلـ لـ يمغو وانما أصمو بأف خمع عنو الرؤية الكونية الشاممة‪ ,‬فكاف ثورة تجديدية‬
‫لمبحث عف الذات في أعماؿ تجريدية‪.‬‬
‫وذلؾ ألف خصوصية الفكر الجمالي المجرد عند العرب اكتسب حيويتو وقوتو‬
‫باقتراب التفكير بالذات الرتباط مظاىر الفف التجريدي باتجاه روحية اإلسبلـ حيثما‬
‫حؿ فضبل عف كوف الفناف المبدع في حوار دائـ بينو وبيف باطنو‪ ,‬والباطف ىو‬
‫مشاعر وأحاسيس وأحداث ووقائع مر بيا‪.‬‬
‫فالفناف مف خبلؿ تجربتو التجريدية يعكس الفكر التوحيدي بكؿ معطياتو‪,‬‬
‫وكقضية شخصية لمبحث عف الذات أما عف طريؽ تأممو لؤلشياء وتصويرىا‬
‫وتمثيميا أو عف طريؽ تجريده لؤلشياء مف جسيماتيا وتصويرىا خطوطا ومسارات‬
‫وكؿ النوعيف مف رؤية تجريدية يتبعيا الفناف لموصوؿ إلي الذات‪.‬‬
‫الفن اإلسالمي لغة رمزية تجريدية ‪:‬‬
‫جاءت سياقات الفنوف اإلسبلمية وعمى رأسيا الفنوف التجريدية معبرة عف الجماؿ‬
‫المطمؽ مسعى الفناف المسمـ "فيي في تواصؿ مستمر بيف عالـ التجسيد والحس‬
‫نحو عالـ البلتجسيد (الخياؿ) في كشؼ متواصؿ عف البلمحدود (المطمؽ )"(‪.)6‬‬
‫ونجد تطبيؽ الفف الرمزي في فف الرقش فيتـ إلغاء الجوانب الحسية والمادية في‬
‫الطبيعة‪ ,‬وذلؾ إلدراؾ الجوىر‪ ,‬وفي بعض الرسـ التشبيو الحور لمحاولة لتجاوز‬
‫عالـ التجسيد‪ ,‬وعميو لـ تكف العممية الفنية لدى الفناف إضافة جديدة أو تجديد لمواقع‬
‫بؿ تمثيمو أو تداولو بنسؽ آخر محافظا عمي المفردة المجردة كطاقة لتوصيؿ‬
‫‪552‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫المعاني واألفكار لمعطيات ثابتة ليا لتتيح لممتمقي الوصوؿ إلى التفسير الذىني‬
‫لمشكؿ بكؿ تمؾ الخطوط الدالة والموحية لمخصوصية الجوىرية ضمف رؤية تقرب‬
‫الواقع مف الخياؿ ومف ذلؾ لـ تكف وظيفة الفف اإلسبلمي نقؿ األشكاؿ المرئية‬
‫ومحاكاتيا كما ذكرنا ‪,‬بؿ كاف مف واجبات الفناف المسمـ إظيار البلمرئي في ضوء‬
‫اإلحساس بالنظـ والقوانيف التي تحكـ الوجود‪.‬‬
‫أي أ ف "الفف يرسـ صورة الوجود مف زاوية التصوير اإلسبلمي ليذا الوجود‬
‫(‪,")7‬وىنا تحولت لغة العمؿ الفني إلى لغة رمزية تتخذ شكبل مرئيا (ظاىريا) مرتفعا‬
‫عف اإلببلغ بشي ما‪ ,‬فالتواصؿ في العمؿ الفني ىو نقؿ فعاؿ لممعني وينبغي أف‬
‫يجمع طرفي التواصؿ مجاؿ خطابي واحد يساعد عمى ميمة فيمو واستيعابو ومف‬
‫ثـ تداولو‪.‬‬
‫وعميو سعى الفناف إلى المعاني الكامنة أو المضمرة وراء األشياء‪ ,‬وخاصة منيا‬
‫المعنى التجسيدي‪ ,‬ولذلؾ فإف ىدؼ الفناف مف الفف الرمزي ليس التعويض عف‬
‫حاجة مادية وانما الكشؼ عف أعماؽ الحياة‪ .‬وممارسة الكشؼ ىي اإلبداع والخمؽ‬
‫بشكؿ يسفر عف تصور ذىني يقترح بديبل بصريا يسمح باإليحاء أكثر مف الداللة‬
‫إال مف تمؾ التي تبعت مف ارتباطيا بالعقيدة اإلسبلمية والتي أسفرت عف كؿ تمؾ‬
‫الشمولية والوحدة الرائعة لمفنوف العربية اإلسبلمية المتأنية في تطابؽ المنيج‬
‫الجمالي العقائدي ‪,‬وقد سار الفف اإلسبلمي متحوال في طريقة البث الرمزي‬
‫والتجريدي والواقعي عبر ثبلثة أطوار ‪:‬‬
‫‪ 1‬ػ الطػػور األوؿ كػػاف فػي االقتبػػاس و التقميػػد و يشػمؿ الحقبػػة التػػي حكػػـ فييػػا بنػػو‬
‫أمية‪.‬‬
‫‪- 2‬الطور الثاني تمثؿ في الممارسة و االبتكار و يشمؿ الحقبة التي حكـ فييػا بنػي‬
‫العباسي و الطولونييف‪.‬‬

‫‪551‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫ػ طػػور اإلبػػداع ‪ :‬و يشػػتمؿ عم ػى عيػػد الفػػاطمييف ووصػػؿ قمتػػو اإلبداعيػػة فػػي‬ ‫‪3‬‬
‫األندلس ‪.‬‬
‫و أخي ار طور التدىور في القرف العاشر اليجري ‪ ,‬و بعده كانت السػاحة خاويػة لتبػدأ‬
‫النيضػ ػػة الفنيػ ػػة مػ ػػف جديػ ػػد و ذلػ ػػؾ بازديػ ػػاد الػ ػػوعي اإلسػ ػػبلمي الػ ػػذي الزـ الصػ ػػحوة‬
‫اإلسبلمية الحديثة‪ ,‬كما في الشكؿ (‪.)3,2,1‬‬
‫شكل ‪3‬‬ ‫شكل‪2‬‬ ‫شكل ‪1‬‬

‫وعمي الرغـ مف اطبلع العرب عمى فنوف الشعوب المجاورة و تأثرىـ بيا كالفف‬
‫الساساني والبيزنطي والقبطي‪ ,‬إال أنيـ ابتعدوا عف تصوير األحياء حتى قبؿ‬
‫اإلسبلـ و ذلؾ مرده إلى طبيعة حياتيـ التي تدفعيـ إلي التأمؿ الدائـ و التفكير‬
‫بمظاىر الكوف وأس ارره‪ ,‬مما جعميـ يعتقدوف بوجود إاله يرتقي فوؽ مستوى البشر(‪.)8‬‬
‫وىذا ما نبلحظو في األعماؿ الفنية لمحضارات السابقة لئلسبلـ بنزوعيا نحو‬
‫التجريد وخاصة في تصوير اآللية التي كاف ينظر إلييا في العقائد الرافدية‬
‫والمصرية بأنيا فوؽ األشياء والطبيعة واإلنساف‪ ,‬فكاف التصوير في الفف الرافدي‬
‫ويبتعد عف المحاكاة ويقترب منيا طبقاً لمظروؼ السائدة‪ ,‬لكنو عمى العموـ لـ‬
‫يستيدؼ المحاكاة الحرفية ساعيا إلى إلغاء الجوانب الزائمة‪ ,‬فوجد ي التجريد‬
‫الصيغة األمثؿ لمتعبير عف الروح الساعية لممطمؽ بؿ وتتجمي في الفيـ الروحي‬
‫العميؽ لقوانيف المادة‪ ,‬عبر الحضارة متواصمة المراحؿ امتدت جذورىا حتى فجر‬
‫‪555‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫اإلنسانية في حيف ما برحت ذراىا تتبرعـ عبر التحوالت وتتضمف عف أي اندفاعات‬


‫معاصرة (‪.)9‬‬
‫لػذا حػرص الفنػاف المسػػمـ فػي صػياغة وانجػاز أعمالػػو الفنيػة وفػؽ أسػموب يعتمػػد‬
‫مفاىيـ وطروحات الفكر اإلسبلمي‪ ,‬فقدـ حموال تتوافػؽ مػع تمػؾ المفػاىيـ والطروحػات‬
‫كنوع مف التأويؿ و بتحوير الواقع و تجريػده ليصػبح مػف أىػـ صػفات األعمػاؿ الفنيػة‬
‫اإلسػػبلمية الناشػػئة فػػي ظػػؿ فك ػرة التوحيػػد‪ ,‬وىػػذا مػػا ن ػراه فػػي فػػف الزخرفػػة اإلسػػبلمية‬
‫وأنماطي ػػا البلنيائيػػػة المتواص ػػمة المعب ػ ػرة ع ػػف فك ػ ػرة التوحي ػػد وى ػػو اإليم ػػاف بػ ػػالمطمؽ‬
‫األزلي‪.‬‬
‫المفردات التجريدية في الفن اإلسالمي ‪:‬‬
‫أبدع الفناف المسمـ في فف (األرابيسؾ) ذلكاألسموب الذي ظير ونحف في القػرف‬
‫الثالث اليجري في مدينػة سػامراء‪ ,‬وغػدى فػف اإلسػبلـ األصػيؿ مسػتميمو الفنػاف‪ ,‬فيػو‬
‫أحاسيسو مف خبلؿ الخطوط اليندسية و النباتية الممتدة بشطحاتيا واشتباكيا إلى ما‬
‫النيايػػة‪ ,‬مشػػيره إلػػي رؤيتػػو الميتافيزيقيػػة‪ ,‬متجػػاو از عالمػػو الػػذاتي نحػػو األفػػؽ الكػػوني‬
‫شكؿ (‪)4‬‬ ‫وصوالً إلى عناصر‬
‫ليست ليا أشباه يحددىا نوع التكػويف كمػا فػي شػكؿ(‪)4‬‬
‫لػ ػ ػػذلؾ يعػ ػ ػػد النسػ ػ ػػؽ الزخرفػ ػ ػػي مػ ػ ػػف األنسػ ػ ػػاؽ الشػ ػ ػػكمية‬
‫األساسية في التواصؿ باختراؽ ظاىر لؤلشكاؿ الزخرفة‬
‫المشتقة مف األشجاروالنباتات والشكاؿ اليندسػية لمولػوج‬
‫إل ػى الحقػػائؽ الباطنيػػة أو الكاممػػة خمػػؼ تمػػؾ األشػػكاؿ‪,‬‬
‫فجاءت فكرة" األرابيؿ" لتوصؿ المعنػى القػابع فػي ذىػف الفنػاف المسػمـ بعفويػو وادراؾ‪,‬‬
‫جعمتو يبتكر وبمفارقة عجيبة عنصري التجريد والحركة فنا حركيا ويدرؾ قيمة الوعي‬
‫الرياضي لينعكس بعدىا عمى كؿ منتجات الفف اإلسبلمي‪.‬‬

‫‪552‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫ولعؿ فف العمارة اإلسبلمية كاف مف أبرز ما جسده الفف اإلسبلمي كرد فعؿ‬
‫لمتطورات والمتراكمات الفكرية التي انعكست كسمات حقيقية ذات ىوية تميزت بيا‬
‫عماره القصور والمساجد بشكؿ عاـ‪ ,‬فعكست مف خبلؿ سياقيا الشكمي الطابع‬
‫التجريدي‪.‬‬
‫واتخذت فنوف العمارة اإلسبلمية مف قبب الجوامع الزرقاء رمػ از لمسػماء يتعبػد‬
‫تحتيػػا‪ ,‬فالقبػػاب والمػػنذف واألقػواس المطمقػػة المتداخمػػة البلمتناىيػػة و األعمػػدة الرشػػيقة‬
‫المتتاليػػة(‪ ,)10‬ىػػي بحػػد ذاتيػػا رمػػوز تحمػػؿ ىويػػة إس ػبلمية ‪ ,‬اىػػتـ المسػػمموف ببنائيػػا‬
‫واختمفوا في أسػاليب تنفيػذىا و ط ارئػؽ تشػييدىا السػتكماؿ عمميػة التواصػؿ واالتصػاؿ‬
‫شكل ( ‪) 5‬‬ ‫مف خبلؿ ما تحممو ىذه المفردات مف معف‬
‫ومضػ ػ ػػموف‪ ,‬فالتجريػ ػ ػػد التػ ػ ػػاـ كمػ ػ ػػا وجػ ػ ػػدناه فػ ػ ػػي‬
‫عناصػ ػ ػػر العمػ ػ ػػارة المتمثمػ ػ ػػة بالقبػ ػ ػػة أو المنػ ػ ػػارة أو‬
‫تتمرحػػؿ‬ ‫الػػرواؽ و المحػراب كمػػا فػػي شػػكؿ)‪)5‬‬
‫خبللػ ػػو األشػ ػػكاؿ المضػ ػػمعة نحػ ػػو الشػ ػػكؿ الػ ػػدائري‬
‫لبللتقػػاء معػػا فػػي نقطػػو مركزي ػة‪ ,‬فالقبػػة مػػاىي إال‬
‫تعبيػػر عػػف فك ػرة البلمتنػػاىي عم ػى رأي ابػػف عربػػي‬
‫وىػػي فػػي العمػػارة اإلسػػبلمية رمػػز لمسػػماء وخاصػػة‬
‫في عمارة المساجد و األضرحة‪.‬‬
‫باإلضافة إلي ذلؾ كاف العمارة ممتقى لكؿ الفنػوف التشػكيمية التجريديػة وقيميػا‬
‫الجماليػػة وضػػمنت العديػػد مػػف الفنػػوف األخػػرى كالكتابػػة و الخػػط و الزخرفػػة وأشػػغاؿ‬
‫المع ػػادف وأعم ػػاؿ الحف ػػر عمػ ػى الرخ ػػاـ و الحجرواألج ػػر والخش ػػب والزج ػػاج والػ ػرقش‪,‬‬
‫فكانت التطورات التقنية رد فعؿ لمتطورات أو المتراكمات الفكريػة‪ ,‬فيػي بمثابػة رسػالة‬
‫يمكػػف تمقييػػا مػػع ممكنػػات التأويػػؿ والق ػراءة‪ ,‬فضػػبل عػػف ذلػػؾ الفنػػاف المسػػمـ اس ػتخدـ‬
‫الموف وعبلقتػو بػالخط والشػكؿ فػي الزخرفػة والعمػارة فػي التعبيػر عػف مدلوالتػو الفكريػة‬
‫‪552‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫واالنفعالية ‪,‬مف خبلؿ الترابط الداللي بيف الموف الذىبي والفيروزي عمي سبيؿ المثػاؿ‬
‫والخطػػوط الخارجيػػة لمقبػػة أو المئذنػػة ‪,‬فػػالموف الفيػػروزي ىػػو نػػداء موج ػو مػػف مػػؤمف‬
‫متػػذوؽ وىػػو محاولػػة إليقػػاظ الػػنفس مػػف ركودىػػا كػػي تقصػػد عػػالـ السػػرمدية‪ ,‬وخطػػوط‬
‫القبػػة والمئذنػػة تػػوحي أيضػػا بالسػػمو واالرتفػػاع (مػػف خػػبلؿ الحركػػة واالتجػػاه) وكأنيػػا‬
‫تج ػػدب المتمق ػػي إلػ ػى تأم ػػؿ تم ػػؾ المغ ػػات واإلش ػػارات والم ػػوف الفي ػػروزي المؤتم ػػؼ م ػػع‬
‫خطوطيما كما في الشكؿ (‪.)6‬‬
‫وبعػػد كػػؿ ىػػذا لػػيس ببعيػػد عنػػدما يكتسػػب الفػػف اإلسػػبلمي كمبنػػي ذلػػؾ البيػػاء القدسػػي‬
‫الذي يحيط بو ‪,‬الف كؿ ما تـ تداولػو فػي عمػارة المسػاجد والمػدارس ودور العمػـ كػاف‬
‫ذو مقصػ ػػد دالل ػ ػػي واس ػ ػػتعارات ليػ ػػا عبلق ػ ػػة وثيق ػ ػػة بنيػ ػػات ال ػ ػػذكر الحك ػ ػػيـ أو ب ػ ػػأقواؿ‬
‫المص ػػطفى (عمي ػػو الص ػػبلة والس ػػبلـ ) أو بم ػػأثور الق ػػوؿ وكثيػ ػ ار م ػػا أل ػػح الفن ػػاف عمػ ػى‬
‫تصوير الجنة‪ ,‬فتصوير رموز الجنة ليس مطمبا‬
‫شكؿ (‪)6‬‬
‫ماديا عمى الرغـ مف أنو يحث عمى الثواب‬
‫إال إف الفناف قدميا بأسموب مجازي كرمز لثمرة‬
‫التقوى والتقرب مف اهلل‪ ,‬وتتمثؿ االستعارات‬
‫القرف الكريـ كعبلمات‬
‫بالنباتات التي ذكرت في آ‬
‫لمجنة كالنخيؿ والرماف والتيف واألعناب والسنابؿ‬
‫والزىور‪.‬‬
‫فالفناف ال يصور ىذه األشياء بشكؿ واقعي دائما وانما يأتي بيا متشابية ليؤكد‬
‫الطابع األخبلقي لؤلشياء وليس الطابع النسبي‪ ,‬فيو يصور الجنة وعناصرىا وال‬
‫يمثؿ الفاكية بعينيا (‪ ,)11‬ألف الفناف المسمـ لـ يبتكرىا ولكنو ابتكر أسموبا وطريقة‬
‫جديدة في رسميا وترتيبيا ترتيبا غير مسبوؽ‪ ,‬وتنسيؽ أجزائيا تنسيقا جعميا تبدو‬

‫‪552‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫وكأنيا شيئاً جديداً بعد أف حورىا تحوي ار كادت أف تبتعد فيو عف الواقع‪ ,‬ألف التجريد‬
‫ىو أنسب األساليب لمتعبير عف القيـ الروحية‪ ,‬وعمى ىذا النحو جاءت القراءة‬
‫الشكمية لؤلعماؿ الفنية اإلسبلمية خبلصة الفكر الجمالي المجرد الذي الفتو الفنوف‬
‫العربية القديمة مستمدة أصولو األولى مف فنوف (اليندسة) والصيغ التكوينية‬
‫الخاصة بالفف الرافديني سواء عمى الفخاريات أو الرسوـ الجدارية أو المنحوتات ولـ‬
‫يتناقص مع استمرار ظيورىا في الفنوف العربية اإلسبلمية عموما أو في فف الخزؼ‬
‫بشكؿ خاص‪ ,‬وفي ىذا إشارة إلى إنتاجات شكمية أساسيا التواصؿ الحضاري‬
‫الثقافي والفني مع المرجعيات الرافدية ‪,‬كما توضحيا المقارنة الشكمية في‬
‫شكؿ(‪ )8,7‬لتجسد بدورىا بنية نظامية ىندسية ذات وجود إبداعي بكؿ توصيفاتو‬
‫االيجابية ‪.‬‬

‫شكؿ (‪)8‬‬ ‫شكؿ (‪)7‬‬

‫كما يمكف تحديد مرجعيات العديد مف العناصر النباتية التي ظيرت وتناولت‬
‫أعماؿ الفف اإلسبلمي وترديداتيا الشكمية التي ظيرت في الفف العربي القديـ وقد‬
‫ظؿ أسموب الزخارؼ النباتية نتاجا لتبلقح الحضارات السابقة يتداوؿ في مختمؼ‬

‫‪552‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫التحؼ اإلبداعية سواء أكانت مف الخشب أـ مف أوالمعدف أو الزجاج أوالخزؼ‪ ,‬كما‬


‫استعممت في زخارؼ العمائر والصفحات المذىبة مف الكتب‪ ,‬إذ ال يمكف عد‬
‫النباتات واألشجار مثؿ عناقيد العنب وأوراقو واوراؽ أالكانش وأنواع مختمفة مف‬
‫الشجيرات والمراوح النخيمية التي تعد تطو ار عف أصؿ القمة الورقية لمنخمة ‪,‬وأقدـ‬
‫ظيور ليا يرقى إلى الفف األشوري إذ تطور ىذا الضرب مف الزخارؼ وتحوؿ‬
‫شكميا‪ ,‬متخذاً صياغات مختمفة مثمت تنوعا رائعا ضمف الوحدة الكمية لمعمؿ الفني‬
‫كما في األشكاؿ ( ‪.)00 ,01 , 9‬‬

‫شكل (‪)11‬‬ ‫شكل (‪)11‬‬ ‫شكل (‪)9‬‬

‫تحوير األشكال الواقعية ‪:‬‬


‫ينتقػؿ الفنػػاف بالشػكؿ الطبيعػػي الػواقعي إلػى الشػكؿ األيقػػوني ومػف ثػػـ ينتقػؿ إلػى‬
‫الشػػكؿ الرمػػزي وفػػي أكثػػر األحيػػاف مجػػردة كػػؿ التجريػػد فػػبل تكػػاد تتبػػيف مػػف الفػػروع‬
‫واألوراؽ والخطػوط منحنيػػة أو ممتفػػة تتصػؿ بعضػػيا بػػبعض ‪,‬فتكػوف أشػػكاال ال حػػدود‬
‫ليػا منحنيػة ‪,‬وقػػد يظيػر بينيػا زىػػور ووريقػات ليػا فػػص أو فصػاف أو ثبلثػة أو أكػػث‪,‬‬
‫وقد تخرج تمؾ الغصوف مف جدع شجرة أو ساؽ أو إناء أو مف أغصاف أخرى‪,‬وتمتد‬
‫عمي ىيئة أقواس أو وثنيات أو التواءات أو حمزونات‬

‫‪552‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫الشكل (‪)13‬‬

‫شكل (‪)12‬‬

‫في اطراد أو تتابع أو تشابؾ أو تقاطع ‪,‬وقد يجمع فييا أكثر مف حركة (‪,)12‬فإف‬
‫تكف خالصة مف أي تأثير فيي بيف القرب والبعد كما في الشكؿ (‪ ,)12‬والجانب‬
‫التحويري ال يعد سوي نتيجة منطقية لتجنب رسـ الكائنات الحية‪,‬ثـ يشتت أشكاليا‬
‫والجانب التحويري ويضيؼ عمييا مف ألوانو المشرقة لتكوف أقرب لمحمية المزخرفة‬
‫منيا إلى أشكاليا األصمية كما في شكؿ (‪,)13‬وىذا بالضبط السياؽ الفكري لمفناف‬
‫المسمـ في تجسيد الطبيعة وفمسفتو إزاءىا‪ .‬فمضاميف األشكاؿ واحدة سواء ترحمت‬
‫عف رمز أشاري أو حكاية أو صيغة شكمية فيي تمثؿ متغي ار شكميا متداوال مع مرور‬
‫الوقت عمى وفؽ الحاجة الوظيفية وبيذا تكوف األشكاؿ قابمة لمتحوير واالنزياح‬
‫والتشكؿ بنظاـ أشاري آخر معبرة عف معانييا المضمرة وفؽ سياقات المرحمة وبنيتيا‬
‫الفكرية‪.‬‬
‫وتظير نتيجة التحوؿ واالنزياح عف األشكاؿ الواقعية تبعا لوجية النظر المطروحة‬
‫والتي تمثؿ مفيوميا داخؿ دائرة اشتغاليا وحيز انجازىا وتركيبيا‪ ,‬إذ يكتنز الشكؿ‬
‫في داخمو محتوى جماليا وتعبيريا مضم ار قد ال يظيره سطحو الخارجي‪.‬‬
‫وىذا ما نجده في العديد مف الوحدات البصرية التي ضمنيا فنوف الشرؽ‬
‫بسماتيا الشكمية لتحقيؽ مضاميف خاصة بتمؾ الفترة وبنييا الفكرية قد تواصمت‬
‫‪552‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫بسياؽ أشكاليا في الخزؼ اإلسبلمي تحت غطاء تزييني لتسجيؿ فكرة متوارثة‬
‫التداوؿ منيا الصحوف شكؿ (‪ )13‬والطيور*‪,‬وقد جاءت بتحويرات يصعب معيا‬
‫تحديد نوع الطير كما في الشكؿ (‪)01 , 01‬‬

‫‪.‬‬
‫الشكل (‪)15‬‬ ‫شكل (‪)14‬‬

‫فضبل عف ذلؾ فإف معظـ الحيوانات التي صورىا الفناف المسمـ كانت مف‬
‫الحيوانات التي تصطاد مثؿ الغزاؿ واألرنب وما إلى ذلؾ‪ ,‬وقد اتحد أسموب التماثؿ‬
‫والتوازف والتقابؿ في رسميا وأشكاليا‪ ,‬فإما أف تكوف متقابمة كما في شكؿ (‪ )16‬أو‬
‫متدابرة أو بينيا شجرة‪ ,‬وكثي ار ما رسمت مع فرع نباتي يتدلى مف منقارىا‪ ,‬إمعانا في‬
‫تحوير وانزياح شكميا الطبيعي أو األيقوني باالعتماد عمى خياؿ وتصور الفناف‪,‬‬
‫شكل (‪)16‬‬ ‫ففي بعض النماذج عمؿ الفناف لتحقيؽ‬

‫‪552‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫كاالستطالة في األعضاء أو مداجنة مبدأ التجريد إلي التصرؼ بأعضاء الحيوانات‬


‫فػي الشػكؿ(‪ .)07‬كمػا ‪.‬الطيور بوضعيات محاكيا فييا أشكاؿ المراوح النخيؿ كمػا‬
‫عػػرؼ المسػػمموف رسػػـ أنػ ػواع مختمفػػة مػػف الحيوان ػػات‬
‫كالفي ػ ػ ػػؿ واألس ػ ػ ػػد والفي ػ ػ ػػد والجم ػ ػ ػػؿ واألس ػ ػ ػػماؾ الت ػ ػ ػػي‬
‫اس ػ ػ ػػتخدمت كعنص ػ ػ ػػر رئيس ػ ػ ػػي أو مكم ػ ػ ػػؿ لمعناص ػ ػ ػػر‬
‫الزخرفيػػة التصػػويرية‪ ,‬وكانػػت تنتيػػي أطرافيػػا بأشػػكاؿ‬
‫ىندس ػ ػػية أو نباتيػ ػ ػة وتزخ ػ ػػرؼ أجس ػ ػػاميا بمث ػ ػػؿ ى ػ ػػذه‬
‫الزخارؼ أو الكتابات‪ .‬وفي ضوء ماتقدـ فػاف السػياؽ‬
‫واالىتداء الي سنف المرجع وىو الذي يػتحكـ مػف ىو الذي يفرض نفسو في التفكيؾ‬
‫جية ثانيو في برمجة عبلئؽ العمؿ الفني الداخمية وربطيا بدرجات التمظيػر الشػكمي‬
‫)‪(13‬‬
‫فشػػاع اسػػتخداـ الحي ػواف المركػػب ألغ ػراض جمالي ػة ‪ ,‬ويشػػير ابتكػػار الحيػ ػواف‪,‬‬
‫الخ ارف ػػي تحدي ػػدا ف ػػي الفك ػػر اإلس ػػبلمي قض ػػية (االس ػػتغراب) كحال ػػو جدي ػػدة ومبتكػ ػره‬
‫ويعطي تصرفا آخر في الوظيفة والسياؽ المتداوؿ وىو حب اإلثارة والترويج لمػا ىػو‬
‫شكل (‪)11‬‬

‫غريب تماما فبدت وكأنيا مجرد رسوـ ال ضرار فييػا‬


‫وذات ىيئػة جماليػة جذابػػة‪ ,‬أنجػػزت بميػارة عمػػي إنػػاء‬
‫مػ ػ ػ ػ ػف الفخ ػ ػ ػ ػػار أو عمػ ػ ػ ػ ػى حميػ ػ ػ ػ ػة معدني ػ ػ ػ ػػة وضػ ػ ػ ػ ػمف‬
‫المخطوطات كما في األشكاؿ (‪ )09,21 ,08‬وليس‬
‫ىناؾ ما يمنػع مػف وجػود فػف لمػذات أو فػف لممجتمػع‪,‬‬

‫‪522‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫فالفناف إما أف يعبػر عػف ذاتػو أو عػف مجتمعػو عبػر مسػتميماً مػف التقاليػد والمػأثورات‬
‫الشعبية صو ار عف بعض الكائنات المركبة‬

‫شككل (‪)21‬‬ ‫شكل (‪)19‬‬ ‫شكل (‪)11‬‬

‫الت ػ ػػي ل ػ ػػـ يش ػ ػػاىدىا أص ػ ػػبل‪,‬‬


‫فالسياؽ الموقؼ والسياؽ االجتماعي ىنا يعتمد طابع التخيؿ‪ ,‬والرمػز صػورة مطمقػو‬
‫إلظيػػار صػػورة كػػائف بػػأقرب وسػػيمة‪ ,‬وعم ػى الػػرغـ مػػف ذلػػؾ يكػػوف تصػػور أي كػػائف‬
‫اعتباطػػا مػػا لػػـ يبػػيف عم ػى أثػػر الكػػائف ووظيفتػػو وشػػكمو وغالبػػا مػػا تػػتـ بسػػمة جمالي ػة‬
‫تجريديػة ال تقتػرب مػف الخػواص الواقعيػة‪ ,‬وىنػا اسػتفاد الفنػاف مػف اإلعجػاز اإلليػي‬
‫واألساطير (الخ ارفػات) فضػبل عػف دلػؾ الحكايػات الشػعبية ومػداىا البلشػعوري تمتمػؾ‬
‫أبعادا اعتقادية تمت بصمة إلػى حيػاة المجتمػع الحضػاري وطقوسػو وجميػع ممارسػاتو‬
‫البلاجتماعيػػة‪ ,‬وال يشػػمؿ ذالػػؾ توظيػػؼ األشػػكاؿ الحيوانيػػة التػػي تكمػػؿ دالالت رمزيػة‬
‫في أعماؿ الفناف المسمـ‪ ,‬وانما يتعداه نحوه التكويف الفني‬

‫بشػػكمو الع ػػاـ وم ػػا يحتوي ػػو م ػػف عناص ػػر مجتمع ػػو بحي ػػث يك ػػوف ى ػػو المغ ػػة البصػػرية‬
‫الجمالية التي تحمؿ رم از شعورية والشعورية‪ ,‬المحيط الػذي يعػيش فيػو زمانػا ومكانػا‪,‬‬
‫وقد تمثؿ أكثر مف عمؿ خزفي أو فخاري أشكاؿ أدميو فػي حػاالت السػكوف والحركػة‬

‫‪521‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫كجػػزء مػػف مشػػاىد الممارسػػات االجتماعيػػة وىػػي ذات تخطػػيط بسػػيط ومختػػزؿ‪ ,‬ومػػف‬
‫المشاىد التي ظير فييػا تػداوال كثيػ ار عمػى التحػؼ اإلسػبلمية أيضػا مواضػيع جمسػات‬
‫(‪)14‬‬
‫كمػا فػي‬ ‫الطرب والحػرب والصػيؼ التػي كانػت تعقػد فػي قصػور الخمفػاء واألمػراء‬
‫األشكاؿ (‪)23,22,21‬‬

‫شككل (‪)23‬‬ ‫شككل(‪)22‬‬ ‫شككل(‪)21‬‬

‫والتي تـ تجسيدىا بصيغة رمزية كاف يكيفيا الفناف ويحورىا بحيث تحزـ أغراضو‬
‫الجمالية وتحاكي الواقع االجتماعي والسياؽ الحالي المرتبط بقصدية األخبار وتوثيؽ‬
‫الحدث‪.‬‬
‫الزخارف الهندسية والنزوع نحو التجريد‪:‬‬
‫إف نشػأت الزخػارؼ اليندسػية لػـ تكػف مجػػرد مسػألة إراديػة تحمػؿ بنيػة تصػػميمية‬
‫وبنائي ػ ػة وشػ ػػكمية وتظيػ ػػر معػ ػػاني ال إرادي ػ ػة وفمسػ ػػفية وفكري ػ ػة وجمالي ػ ػة‪ ,‬فػ ػػالخطوط‬
‫المتداخمة واألشعة المتجابدة المتنابدة تبدو ال نيائيػة‪ ,‬تمنحػؾ سػعادة التفكيػر وتقػودؾ‬
‫بقػػوة المطمػػؽ‪ ,‬وعميػػو أخػػدت الزخػػارؼ اليندسػػية فػػي ظػػؿ المفػػاىيـ اإلسػػبلمية أىمي ػة‬
‫خاصة فريدة ال نظير ليا في أي حضارة مػف الحضػارات والشػؾ أف اىتمػاـ اإلنسػاف‬
‫بالزخارؼ اليندسية يرجع إلى نزوعو نحو التجريد‪ ,‬وبسبب ما تفرضػو الخامػة واألداة‬
‫في أثناء عممية اإلبداع‪.‬‬

‫‪525‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫فأصبحت في كثير مف األحياف العنصر الرئيسي الذي يغطي مساحات كبيرة‪,‬‬


‫فأفادت مف عمـ اليندسة‪ ,‬وترجمت النظريات اليندسية والرياضية عموما إلى فف‬
‫ار ٍ‬
‫ؽ أصبح بدوره شاىدا عمى ارتقاء اليندسة العممية‪ ,‬فأتقف الفناف مسمـ ىذا النوع‬
‫مف الزخارؼ مبتك ار فيو أشكاال جديدة كاف مف بينيا تقسيـ المحيط إلى أجزاء‬
‫متساوية‪ ,‬تـ توصيؿ نقط بعضيا ببعض الحصوؿ عمى أشكاؿ ىندسية مختمفة‪,‬‬
‫وىذا يدؿ عمى عناية المسمميف بعمـ اليندسة مف الناحيتيف النظرية والتطبيقية‪,‬‬
‫فوحدة المساحة وتوزيع األشكاؿ وعبلقة األجزاء والمعتمد عمى نسؽ ىندسي تحكمو‬
‫األقواس والدوائر المختمفة والمنحنيات المتداخمة ‪ ,‬فضبل عف المربعات والمثمثات‬
‫والخطوط المستقيمة ما ىي إال وحدات رياضية تسعى إلى وصوؿ حقيقتو ال تتعمؽ‬
‫بمكاف أو زماف معينيف‪ ,‬فيي بمثابة حقيقة عقمية تسعى في تجردىا وانطبلقتيا‬
‫كأنساؽ عبلمية لتحقيؽ غايات ودالالت مقصودة‪ ,‬أذ تحولت مف التسطيح والسذاجة‬
‫في الشكؿ إلى تعقيد وعمؽ في المعنى المضمر‪ ,‬فكاف الخط اليندسي شكبل ميما‬
‫مف أشكاؿ الفكر الجمالي‪ ,‬كما أنو محاولة لرفع الفف إلى مستوى المناخات الروحية‬
‫دوف أف تنتزع منو النكية الحسية الحية لمتأمؿ والتخيؿ‪.‬‬
‫فالصفة الغالبة التي تحكـ النسؽ الزخرفي اليندسي ىي الحركة حوؿ محور‬
‫واحد‪ ,‬وتظير فكرة المحور ىذه في العقيدة اإلسبلمية‪ ,‬إذ إف مركزية اهلل في العالـ‬
‫الروحي تتطابؽ مع مركزية الكعبة الشريفة عمى األرض‪ .‬وفي ىذا اشاره إلي‬
‫مرجعيات الفكرية انبثؽ منيا الفف اإلسبلمي الذي نص عمي التوحيد والمركزية(‪,)15‬‬
‫كما في الشكؿ(‪ ,)24‬لتحقيؽ مزيد مف الجماؿ الرصيف الذي يسبغو عمى التحؼ‬

‫‪522‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫شكل (‪)24‬‬

‫التي ينتجيا‪ ,‬ذلؾ الجماؿ الغير متناىي‬


‫المطمؽ متميز بصفة الديمومة واإلثارة‬
‫وقابمية االمتداد والمرونة في التشكيؿ وكاف‬
‫مف أبرز أنواع الزخارؼ اليندسية التي‬
‫امتازت بيا الفنوف اإلسبلمية األشكاؿ‬
‫النجمية متعددة األضبلع التي تشكؿ ما‬
‫) ‪25‬يسمى (األطباؽ النجمية) شكؿ (‬
‫فالنجمة السداسية ناجمة مف تداخؿ مثمثيف تمثؿ الكوف المؤلؼ مف األرض‬
‫والسماء‪ ,‬األرض مثمت قاعدتو في األسفؿ والسماء مثمت قاعدتو في األعمى‪,‬‬
‫والنجمة الثمانية المؤلؼ مف تداخؿ مربعيف يرمز األوؿ لمجيات األربعة‬
‫العناصر‬ ‫الي‬ ‫الثاني‬ ‫ويرمز‬ ‫(الشرؽ‪,‬الغرب‪,‬الشماؿ‪,‬الجنوب)‬
‫شكل (‪)25‬‬

‫‪522‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫(‪)16‬‬
‫‪,‬كما في شكؿ (‪. )26‬كذلؾ تستمد‬ ‫األربعة (الماء واليواء والتراب )‬
‫داللتيا الرمزية مف أبواب الجنة الثمانية‪ ,‬وحممو عرش اهلل الثانية في قولو تعالي في‬
‫سورة الحاقة (ويحمؿ عرش ربؾ فوقيـ يومئذ ثمانية)‪ ,‬ويشكؿ المربع أيضا عبلقة‬
‫صحيحة ومتوازنة ومتكاممة وىو الشكؿ المثالي لممحكوـ بتوازنو وفؽ إرادة النقطة‬
‫ويكمف في ىذا توازف النقيضيف الحياة والموت ‪,‬كما ىو في مسقط الكعبة الشريفة‬

‫شكل (‪)26‬‬

‫شكل (‪)27‬‬

‫‪522‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫ومنو أخد الخط العربي المنطمؽ لشكمو وىو النواة التي تتولد منيا الدائرة‬
‫والمثمث وجميع المضمعات كما في شكؿ (‪.)27‬‬
‫وفي سياؽ الحديث عف العناصر اليندسية اتخذت الدائرة الزخرفية مكانة‬
‫ميمة في الفكر اإلسبلمي‪ ,‬ومف تـ في الفف اإلسبلمي‪ ,‬فيي عالـ مشحوف بالرموز‬
‫الصوفية‪ ,‬فالدائرة نفسيا تمثؿ مسقط الكرة الكونية عمى الواقع المادي المحسوس‪,‬‬
‫وكذلؾ تمثؿ الفمؾ ومسار الكواكب ودورات الميؿ والنيار ومرور الشيور والسنيف‪,‬‬
‫فالتاريخ ال يعيد نفسو والعودة إلى نقطة البداية ال تعني نياية العالـ بؿ تعني‬
‫الديمومة فالدائرة لغة تواصؿ تتجاوز حدود الزماف والمكاف ألنيا ترتبط باإلنساف‬
‫واتصالو باإليقاع الكوني العاـ‪ ,‬لذلؾ اتخذ الفناف المسمـ يشغؿ حيز الفضاء ‪,‬متخذا‬
‫مف الدائرة التي ليس ليا بداية وال نياية منطمؽ لتحقيؽ فكرة الشمولية فيي رمز‬
‫البلنيائي وىكذا تتوالد في الشكؿ الزخرفي الدائري حركة ال تنتيي مف الصيرورة‬
‫واالستم اررية واالمتداد مما يستحيؿ عمى الناظر أف يصؿ إلى نياية البعد الذي‬
‫تسعى إليو الحركة‪ ,‬فمثؿ ىذا التشابؾ والتداخؿ إنما ىو مجاىدة روحية لمسمو‬
‫واالقتراب مف المطمؽ المييمنيف عمى عالـ الطبيعة لما تتضمنو ىذه األشكاؿ مف‬
‫معاني جوىرية كانت موجية في تفسيراتيا وتطبيقاتيا لغايات روحية‪ ,‬إذا تـ ربطيا‬
‫بالعديد مف الحقائؽ الكونية والدينية‪ ,‬تحمؿ المتمقي إلى التفكير بعظمة الواحد األحد‬
‫(‪)16‬‬
‫‪.‬‬ ‫وما بتو سبحانة مف جماؿ محط ودائـ في أرجاء ىذا الكوف‬
‫فالوحدة الجمالية نجدىا في الفنوف التشكيمية اإلسبلمية عمي وجو الخصوص ال‬
‫تتحقؽ إال في حالة وجود تبلؤـ بيف أجزاء تكويف الصورة في نسؽ يمكف تبنيو وقد‬
‫يكوف ىذا النسؽ بسيط أو معقد بحسب نوع التكويف واألسموب الفني المتبع عمي‬
‫أساس التراكـ المعرفي لدي الفناف ومف أبسط الطرؽ إلنتاج الوحدة‪ ,‬استعماؿ‬
‫العناصر المماثمة أو المتطابقة بالتكرار‪ ,‬وىذا ما اتسمت بو الزخرفة اإلسبلمية لكونو‬
‫شرط ضروري في أي عمميو تواصمية عمي صعيد الفنوف المختمفة ‪.‬‬
‫‪522‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫الخط العربي كصيغو فنيو مجردة ‪:‬‬


‫القرف الكريـ‬
‫يختص الخط العربي بجمالية موازية لقدسية الحرؼ فمنو تتألؼ كممات آ‬
‫وىو في أىميتو معادؿ لمتجويد‪ ,‬فنجد الخط العربي متنوعا وذلؾ يعود إلي أغراض‬
‫جمالية أو لتقاليد ثقافية معينة مرتبطة بعصر مف العصور‪ ,‬ففي ظؿ اإلسبلـ أخذ‬
‫أىمية خاصة‪ ,‬لكونو يحمؿ أشرؼ رسالة مف اهلل تعالى إلى نبيو الكريـ فأصبحت‬
‫القرف وكتابة آياتو مف أعظـ الوسائؿ التي يتقرب بيا اإلنساف إؿ ربو‪ ,‬مما‬
‫تبلوة آ‬
‫فتح لمفناف المسمـ آفاقاً جديدة أماـ الكممة كوسيمة لمتعبير الفني والخطاط يعمؿ عمي‬
‫شكل (‪)21‬‬

‫تجسيده في صورة الكممة و العبارة وما فييا مف معنى‬


‫وخياؿ مرئي مف خبلؿ انتقاء نوع الخط والتصرؼ في‬
‫امتداد الحروؼ كما في شكؿ (‪.)28‬‬
‫وتميػػزت الزخرفػػة الكتابيػػة باسػػتخداـ (نػػوعيف رئيسػػييف مػػف‬
‫الكتاب ػ ػ ػ ػ ػ ػػة‪ ,‬الخ ػ ػ ػ ػ ػ ػػط الك ػ ػ ػ ػ ػ ػػوفي‪ ,‬الخ ػ ػ ػ ػ ػ ػػط النس ػ ػ ػ ػ ػ ػػخي)(‪.)17‬‬
‫فقد أدرؾ الفناف المسمـ والخػزاؼ خاصػة أف الخػط العربػي يتصػؼ بالخصػائص التػي‬
‫تجع ػػؿ من ػػو عنصػ ػ ار زخرفيػ ػاً طبيعيػ ػاً‪ ,‬يحق ػػؽ األى ػػداؼ الفني ػػة‪ ,‬ف ػػالكثير م ػػف النق ػػوش‬
‫الخطيػػة ليسػػت بكتابػػات ذات معن ػى حقيق ػػي‪ ,‬فيػػي نقػػوش بييئػػة حػػروؼ عربيػ ػة‪ ,‬أو‬
‫تكرار لكممات مألوفة تعبر عف التمنيات كما في شكؿ (‪.)29‬‬
‫شكل (‪)29‬‬

‫كما يمكف أف يكوف لمكتابة معنى رمزياً فضبل عف‬


‫الوظيفة البنائية ‪,‬فأصبح لو شأف عظيـ في الفف‬
‫اإلسبلمي وفي الخزؼ تحديدا كصيغة فنيو مجردة‬
‫واشارات تنقؿ صورة عف العالـ القدسي‪ ,‬وىنا تقرب‬

‫‪522‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫الخط ليشغؿ في شكمو ومضمونو مساحة ميمة في الزخرفة والعمارة وخاصة‬


‫الكتابات القرانية والتذكارية المستخدمة في تزييف جدراف االبنية اإلسبلمية كما في‬
‫الشكؿ(‪.)30‬‬
‫شكل (‪)31‬‬
‫وعمى التحؼ واألواني الفخارية والمصوغات‬
‫اإلسبلمية بشتي أنواعيا كوسائؿ لمتبرؾ‬
‫باآليات القرآنية أو األدعية‪ ,‬أو مف أجؿ‬
‫تخميد ذكرى األشخاص أو لتحديد التاريخ‬
‫فضبل عمى استخداميا كعنصر زخرفي ابتكره‬
‫الفناف المسمـ ليصبح أحد مميزات الفف العربي اإلسبلمي ‪.‬‬
‫"إذ باختبلؼ الخطوط يصبح لمنص متعة جديدة ويمنح القارئ جمالية متجددة‬
‫(‪)18‬‬
‫قرنية أو حديثا نبويا‬
‫وينتقي الفناف النص الكتابي بعناية فائقة‪ ,‬سواء كاف آية آ‬ ‫"‬
‫أو بيتا مف الشعر أو كممة‪ ,‬ىذا االنتقاء يقوـ عمي نظره فاحصة لممعنى والمبني‪,‬‬
‫أي الحروؼ وتشكيؿ الكممة والعبارة بما يحقؽ الجماليات اإلسبلمية مف تكرار‬
‫وتناسؽ وانسجاـ وتناظر وتوازف ألف في تحقيقيا استكماال إليحاءات المعنى‪.‬‬
‫وليذا ال يوجد خط أو فف لمزخرفة مف الخط العربي في استقامة حروفو‬
‫وتقوسيا وانبساطيا‪ ,‬العتقاد الفناف المسمـ بأف التعبير عف الحركة التسبيحية‬
‫التوحيدية هلل سبحانو وتعالى ال يمكف اإلشاره إلييا باألشكاؿ الواقعية المحدودة‪ ,‬وقد‬
‫ساعده في ذلؾ ليونة الحرؼ العربي وسيولة تشكيمو وتركيبو عمى ىيئة زخرفية‬
‫متسمة بالتنوع واالتزاف‪.‬‬
‫"فجسد بذلؾ المغة المقدمة بحرية ظمت دائما في حالة إعاده تشكؿ وتطور‬
‫(‪)19‬‬
‫‪.‬‬ ‫حتى تصبح ىذه األشكاؿ موازية في رفقيا لمغة المعبرة عنيا "‬

‫‪522‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫إذ ثمة كتابات دينية أو وجدانية توضع ضمف حيز معيف بحيث تأخد في‬
‫النياية شكؿ كأس أو برعـ أو زىرة أو سيؼ وليس ىذا إغراؽ في الشكؿ بقدر ما‬
‫ىو اىتماـ مف الكتاب كي تأخذ كتابتو شكبل خارجيا عف التداوؿ المألوؼ‪ ,‬فالزخرفة‬
‫اإلسبلمية ترحاؿ متواصؿ مف عالـ التجسد والحس نحو عالـ البلتجسد (الخياؿ)‬
‫تحمؿ في بنيتيا العميقة الكشؼ المتواصؿ (المطمؽ)‪.‬‬
‫الخزف اإلسالمي ‪:‬‬
‫إف واقع االزدىار الحضاري وما رافقو مف زيادة طبقة األثرياء المحببيف القتناء‬
‫النفيس باالضافو إلي التشجيع مف قبؿ السمطة الحاكمة ممثمة بالخمفاء واألفراد وىذه‬
‫الفئة ليا تأثير كبير في تكويف الرأي العاـ وفي خمؽ سياؽ العمؿ اإلبداعي وفي‬
‫إسراع تقبؿ المجتمع لممبدعيف‪ ,‬والخزؼ مف الفنوف التي عادة ما يكوف غالي الثمف‬
‫ويصنع لطبقة األغنياء‪.‬‬
‫ومف ىنا فإف اإلنتاجات الفنية ترتقي بالحدس صعودا‪ ,‬لتمعب القوه التخيمية‬
‫دو ار ميما مف ناحية تكويف البيئة التصويري ىذا و أبدع الفنانوف في الوصوؿ إلى‬
‫المغة خاصة ليا جمالياتيا خمؽ عمييا قداسة ومجوداتيـ ومواقفيـ وحالتيـ‪ ,‬وليا‬
‫سياقيا التداولي الخاص بيا‪ ,‬وال غرابة في أف يجد فف الخزؼ في اإلسبلـ منبتا‬
‫جديدا بتكتيؼ ليشكؿ نتيجة لما أوحت بو العقيدة وما ذىب إليو الفكر الديني‬
‫والفمسفي اإلسبلمي‪" ,‬محققا فكرة الحضارة اإلسبلمية في جوانب متعددة منيا روح‬
‫اإلسبلـ السمحة االشتراكية التي ال تتمشى والترؼ واستعماؿ الخامات الغالية‬
‫كالذىب والفضة" (‪.)20‬‬
‫ولذلؾ أقبؿ الفناف المسمـ في إنتاج خزفا عمى مستوي عالي في قيمتو الفنية‪,‬‬
‫يصمح مف حيت الفخامة والجماؿ ألف يكوف بديبل ألواني الذىب والفضة باستعماؿ‬
‫تقنية البريؽ المعدني التي تعد صفة خاصة انفرد بيا الخزؼ اإلسبلمي‪ ,‬فاستطاع‬
‫الخزاؼ وفؽ ىذا المفيوـ بيف الخامة وتحويبلتيا والسياؽ المؤثر لخمؽ منجز فني‬
‫‪522‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫يوازي بقيمتو أنفس الخامات دوف معصية‪ ,‬وذلؾ يجعؿ الآلنية الطينية والخزفية تشع‬
‫ببريؽ الذىب‪ ,‬نتيجة انعكاس الضوء الساقط عمي حبيبات سطحو المزجج بأكاسيد‬
‫معدنية تدخؿ عناصر النحاس‪ ,‬الفضة والكروـ في تركيبيا وتعددت أنواع الخزؼ‬
‫اإلسبلمي‪ ,‬تبعا الختبلؼ أسموب صناعتو‪ ,‬أو تبعا لممواد الخاـ المستعممة فيو أو‬
‫تبعا لؤلسموب الزخرفي الذي رسـ عميو ومادة الطبلء التي طميت بو القطع الخزفية‪,‬‬
‫ومف ىنا أسفرت التقنيات والمعالجات السطحية لمخزؼ بالرسـ فوؽ الزجاج وسميت‬
‫بالخزفيات بالتقنية التي استدمت في تنفيذىا وىي(األزرؽ واألبيض والمبقع‬
‫والمخطط) والتي تحاكي بيا الخزاؼ المسمـ الخزاؼ األجنبي الذي كاف يعد مف‬
‫النفائس آنذاؾ محققا مبدأ تداولي وابداعي في إظيار األلواف المرسومة عمى الطبقة‬
‫البيضاء‪ ,‬و لـ تكف لجمالية المادة (الخامة) الخاصية أف تتأتى أىميتيا إال في ضوء‬
‫عبلقتيا التبادلية مع العناصر األخرة أخذه استحقاقيا الفعمي بيف يدي الخزاؼ إلى‬
‫حد الذي سادت فيو عمي مضموف العمؿ نفسو بكؿ معرضتو مف ميارة تقنية وقيمة‬
‫جمالية‪ ,‬وىذا يعني أف النص الخزفي يحقؽ دوره التجريدي مع الممتقي بكؿ الوسائؿ‬
‫وعمى مدى زمف و مراحؿ الرسالة البصرية‪ ,‬ألجؿ اكتماؿ الصورة النيائية لمنص في‬
‫ذىف المتمقي‪ ,‬والشؾ أف إيقاع عناصر التجريد تختمؼ بيف أنواع اإلعماؿ الخزفية‬
‫أضافيا المتعددة‪,‬و تزداد القيمة النفعية كمما ازداد تحقؽ القيمة االتصالية بالمتمقي‬
‫وفقا لممعايير ذوقية ذات مرجعيات اجتماعيو وثقافية وىذه المعيارية تتشكؿ في كؿ‬
‫عنصر بشكؿ مختمؼ‪.‬‬
‫وبذلؾ كشؼ الخزاؼ المسمـ عف قدرة وبراعة في االبتكار والتأثر معتطوير‬
‫وتوظيؼ وسائمو وأدواتو التجريدية بما يبلئـ خصوصية المنجز الفني والغاية النفعية‬
‫والجمالية منو‪.‬‬
‫أخدا في ظؿ اإلسبلـ منعطفا تاريخيا ضمف السياؽ الحضاري في جعؿ العمؿ‬
‫الخزفي وسيطا لنقؿ مفردات التجريد لتثبيت التصورات و المفاىيـ اإلسبلمية‪.‬‬
‫‪522‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫الخاتمة‪:‬‬
‫استفاد الفف اإلسبلمي مف كؿ فنوف الحضارات السابقة والتي تجمعيا سمات‬
‫مشتركة وتكمف في تمثميا؛ بؿ و استعار كؿ الحموؿ التشكيمية والتجريدية التي‬
‫تتوافؽ معو مف الفنوف السابقة عميو (السومرية‪ ,‬اكدية‪ ,‬البابمية‪ ,‬الفارسية‪ ,‬اإلغريقية‬
‫وغيرىا) وسخرىا في أدائو المتميز وقوالبو الواضحة‪ ,‬واعطائو وجيا جديدا ال يمكف‬
‫التعرؼ بيا عمي أصوليا مقدما إياىا كقيمة شكمية بتواصؿ حضاري في إنتجاتو‬
‫بما يخدـ متطمباتو الدينية و الروحية‪.‬‬
‫وبما أف اإلسبلـ ينظر إلى قضايا اإلنساف بوصفيا شبكة مترابطة‪ ,‬ومف ذلؾ‬
‫عبلقة اإلنساف بربو‪ ,‬وبكؿ أشكاؿ الحياة األخري‪ ,‬فقد استوعب الفناف ىذه القضايا‬
‫والعبلقات وبرز أثرىا في نتاجاتو‪ ,‬ولـ يكف ليذا الفف أف يبقى كمظير مف مظاىر‬
‫الترؼ الذي ينعزؿ فيو عف الحياة اليومية لئلنساف‪ ,‬وانما تصدر كؿ مقتنياتو اليومية‬
‫واستعماالتو التي بدت كاستعا ارت تشكيمية لواقع الحياة العامة وسمة مميزه ليا‬
‫محمولة عمي االستعارة الرمزية وما ط أر عمى واقع المعرفة العممية مف تطور وتعمؽ‬
‫ودراسة وىكذا وقع عمي عاتؽ الفناف إيجاد أساليب جديدة لفنو تحث فيو تحوال‬
‫جذريا ونوعيا يتبلءـ مع القيـ الجمالية الجديدة‪ ,‬مف خبلؿ مفيوـ التجريد والرمزية‪,‬‬
‫التي تنقؿ مباشرة عف اإلسبلـ والعقيدة ما يعبر عف حقائؽ جوىرية في الوجود‬
‫وتفاعؿ معيا وأحسيا مف منطمؽ إسبلمي بروحانية راسخة دفعتو لمبحت عف‬
‫البلنيائي فكانت مؤثرة بطريقة حاسمة في أشكاؿ الفف التي سادت العالـ اإلسبلمي‪.‬‬
‫ومف ىنا لـ يكف غريبا أف يعبر الفناف المسمـ عف الفف اإلسبلمي بمفردات تجريدية‬
‫مف خبلؿ األرابيسؾ أو الخط العربي أو العناصر الزخرفية النباتية والحيوانية‪ .‬الف‬
‫اليندسة التجريدية مثمت عف مضموف اإلسبلـ الروحي فيي تكاد تكوف واحدة في‬
‫جميع الفنوف التي عرفتيا اإلنسانية‪ ,‬ولكف األسموب الفني والتطبيقي الذي عولج بو‬
‫كؿ عنصر مف تمؾ العناصر قد اختمؼ مف عصر إلي آخر‪ ,‬بمعنى أف األعماؿ‬
‫‪521‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫الفنية اإلسبلمية بأنواعيا وعناصرىا الفنية كانت تستند إلى مقومات فكرية ترتبط‬
‫بكؿ ماىو كمي ومطمؽ عبر إطبلقيا لمزماف مف خبلؿ تشكيبلتيا المتنوعة في‬
‫مختمؼ النتاج الفنية التي أخذت سياقاتيا الشكمية والتقنية في تحوؿ وتميز مستمر‬
‫تبعا لفمسفة وسياقات العصر الذي ينتيي إليو الفناف‪ .‬وفي ضوء ما تقدـ يمكف القوؿ‬
‫أف لتنوع األساليب الفنية وتعدد انساؽ الفنوف التجريدية وانتشار بعضيا في قطر‬
‫إسبلمي أكثر مف اآلخر وسيادة المدارس الفنية ال يغير مف جوىرة األمر شيئا‪ ,‬وىو‬
‫أف مبلمح الفف التجريدي وحدة فنية وثقافية تؤلؼ بيف ىذه األساليب والفنوف‬
‫والمدارس ناجمة عف وحدة الفكر التوحيدي لمعقيدة اإلسبلمية‪ ,‬فالتناسؽ العاـ‬
‫والتوازف بيف األجزاء أو بيف العمؿ الفني ودالالتيا يضفي كماال في التكويف الفني‬
‫كمو‪ ,‬ويجعؿ ىذه الفنوف تتسـ بمبلمح الفف التجريدي ميما اختمفت أساليبيا وأنواعيا‬
‫الرتباطيا بموروث حضاري اتصؼ بالشمولية في النظرة إلي الوجود المادي و‬
‫الغيبي ‪.‬‬

‫‪525‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫الهوامش‪:‬‬
‫‪1‬ػ ػ ػ عفيفػ ػػي بينسػ ػػي‪,‬الجمالية اإلسػ ػػبلمية ف ػ ػػي الفػ ػػف الح ػ ػديث‪ ,‬دار الكتػ ػػاب العرب ػ ػػي‪,‬‬
‫القاىرة‪.1997 ,‬‬
‫‪ 2‬ػ ػ ػ ػ مػ ػ ػ ػراد برك ػ ػ ػػات محم ػ ػ ػػد‪ ,‬اإلس ػ ػ ػػبلـ والفن ػ ػ ػػوف‪ ,‬و ازرة الثقاف ػ ػ ػػة واإلع ػ ػ ػػبلـ‪ ,‬متحػػ ػ ػػؼ‬
‫الشارقة‪,‬ابوظبي‪.2007,‬‬
‫‪3‬ػ عبد الرزاؽ‪ ,‬جناف عبد الوىاب‪ ,‬جدلية التواصؿ في العمارة العراقيػة‪ ,‬دار الشػؤوف‬
‫والتفافية العامة‪ ,‬العراؽ‪ ,‬بغداد‪. 2003 ,‬‬
‫‪4‬ػ فداء حسيف أبو دبسة وآخروف ‪,‬فمسفة عمػـ الجمػاؿ عبػر العصػور ‪,‬دار اإلعصػار‬
‫العممي لمنشر والتوزيع‪,‬عماف ‪,‬االردف‪. 2010,‬‬
‫‪5‬ػ ادونيس‪ ,‬الصوفية السريالية‪ ,‬المختمؼ والمؤتمؼ‪ ,‬دار الساقي ‪,‬بيروت‪.1992,,‬‬
‫‪6‬ػ محمد قطب‪,‬منيج الفف اإلسبلمي‪ ,‬دار الشرؽ‪,‬بيروت‪.1983,‬‬
‫‪7‬ػ عفيفي بينسي‪ ,‬الفف العربي الحديث بيف اليوية و التبعية‪ ,‬و دار الكتاب العربي‪,‬‬
‫دمشؽ‪.1997,‬‬
‫‪8‬ػ شاكر حسف آؿ سعيد‪ ,‬األصوؿ الحضارية والجمالية لمخط العربي‪,‬‬
‫‪9‬ػ نزار سميـ‪ ,‬فف العراقي المعاصر ػ لوزاف النشر المشترؾ‪ ,‬ايطاليا ‪.1977,‬‬
‫‪ 10‬ػ ػ ػ ػ ػ أب ػ ػ ػ ػػو ص ػ ػ ػ ػػالح األلف ػ ػ ػ ػػي‪ ,‬الف ػ ػ ػ ػػف اإلسبلمي ػ ػ ػ ػ ػ أص ػ ػ ػ ػػولو فمس ػ ػ ػ ػػفتو مدارسي ػ ػ ػ ػ ػ‪ ,‬دار‬
‫المعارؼ‪,‬القاىرة‪.1967,‬‬
‫‪11‬ػ ػ توزيػػع ميػػدي المػػالكي‪ ,‬الخػػزؼ الع ارقػػي دو البريػػؽ المعػػدني حتػػى نيايػػة القػػرف‬
‫الرابع اليجري‪ ,‬الييئة العامة لآلثار والتراث‪ ,‬بغداد‪. 2008 ,‬‬
‫‪ 12‬ػ إيػبلؼ سػعد البصػري‪ ,‬وظيفػة اإلبػبلغ فػي الرسػوـ الجداريػة العراقيػة و المصػرية‬
‫القديمة‪ ,‬بغداد‪.2005 ,‬‬
‫‪ 13‬ػ ػ عب ػػد الس ػػادة عب ػػد الص ػػاحب‪ ,‬الرس ػػـ التجري ػػدي ب ػػيف النظػ ػرة اإلس ػػبلمية والرؤي ػػة‬
‫المعاصرة‪ ,‬كمية الفنوف الجميمة‪ ,‬جامعة بغداد‪.1997 ,‬‬
‫‪522‬‬
‫مالمح الفن التجريدي في الفن اإلسالمي‬ ‫مجمة كمية الفنون واإلعالم – العدد الثالث‬

‫‪ 14‬ػ ػ ص ػػبلح حس ػػيف العبي ػػدي‪ ,‬الفن ػػوف الزخرفي ػػة العربي ػػة اإلس ػػبلمية‪ ,‬مطبع ػػة التعم ػػيـ‬
‫العالي‪ ,‬جامعة بغداد‪.1997,‬‬
‫‪15‬ػ حسف خمري‪ ,‬نظرية النص‪ ,‬الدار العربية‪ ,‬بيروت‪. 2007,‬‬
‫‪ 16‬ػ فوزيػة ميػدي المػالكي‪,‬الخزؼ الع ارقػي ذو إبريػؽ المعػدني‪ ,‬الييئػة العمػة لآلثػار‬
‫والثرات‪ ,‬بغداد‪.2008,‬‬

‫‪522‬‬

You might also like