You are on page 1of 5

‫الخطاب بوصفه نظامًا غير منجز إال في مستواه الملفوظ‪ ،‬أي في التمظهر الخطي الذي قوامه الدوال‪ ،‬لتعني

بذلك أن الخطاب ُينتج‬

‫باستمرار وال يتوقف بموت كاتبه‪ .‬ولهذا دعت التفكيكية إلى الكتابة بدل الكالم‪ ،‬النطواء األولى على صيرورة البقاء بغياب المنتج‬

‫األول‪ ،‬في حين يتعذر ذلك بالنسبة للكالم‪ ،‬إال في نطاق محدود جدًا‪ .‬لقد خلص ديريدا بعد دراسته التفكيكية لمحاورة أفالطون في "‬

‫فيدروس" إلى أنه إذا كان الكالم إطارًا للحضور والهوية والوحدة والبداهة‪ ،‬فإن الكتابة إطار للغياب واالختالف والتعدد والتباين‬

‫التفكيكية ‪ :‬خلفية فلسفية‪:‬‬

‫لق د تأسس ت اس تراتيجية التفكيك على رفض الميتافيزيقيا الغربية‪ ،‬ال تي هي في نظ ر ديريدا أيديولوجيا المجموعة العرقية الغربية‪،‬‬

‫قصد تقويض التصّو ر الذهني الذي أرسته الفلسفة الغربية‪ ،‬والقائم على تكريس المقابالت الثنائية‪ ،‬مثل‪( :‬الكالم الكتابة‪ ،‬والحضور ‪/‬‬

‫الغياب والواقع ‪ /‬الحلم والخير ‪ /‬الشر‪ ،‬وغيرها)‪ ،‬ومن لم اجتراح مفاهيم ثورية جديدة مثل‪( :‬االختالف) ‪ ،Difference‬الذي يعني‬

‫المغايرة والتأجيل‪ ،‬ونقض (التمركز حول المثل) ‪Logocentrism‬‬

‫إن تفكيك العق ل ل دى ديريدا ال يع ني " الالعق ل " أو " الالعقالنية "‪ ،‬وإ نم ا يع ني إقام ة فك ر متط ور يق وم على محاول ة رفض‬

‫الميتافيزيقيا الغربية (ميتافيزيقيا الحضور التي رسمت الفكر الغربي طويًال‪ ،‬والتي يشكل التعبير األكثر صرامة عنها النظام الفلس في‬

‫وال سيما نظام هيجل في ميله إلى منهج األولوية للمضمون المحدد بص ورة كلية على أنه مجم وع ‪،‬المدلوالت ونظام دي سوسير‬

‫اللغوي القائم على تكريس الثنائيات مثل الكالم ‪ /‬الكتابة الحضور ‪ /‬الغياب‪ ،‬الصوت ‪ /‬الصمت الواقع ‪ /‬الحلم‪ ...‬إلخ‪ .‬ومن هنا نفهم‬

‫أن منهج التفكيك انفتح على األسئلة الملقاة على العقل لكشف تناقض الميتافيزيقيا الغربية وهدمها هدمًا ممنهجًا قصد تفكيك‬
‫وق د اس تخدم ديريدا بعض االس تراتيجيات الهيغلية ليه دم بيش كل أفض ل نظ ام الفيلس وف األلم اني‬

‫الماورائي‪ ،‬وتقويض التصور الذهني الذي أرسته الفلسفة الغربية‪ ،‬والتي ظل الغرب خاضعًا لها ردح ًا‬

‫من الزمن على أنها حقيقة مطلقة بدءًا من أرسطو ومرورًا بديكارت وكانط وهيجل وانتهاء بماركس‬

‫ونيتشة وفرويد‪ .‬ولقد كان‬

‫موقف ديريدا حيال مفكرين مهمين مثل جورج ويلهلم وفريدريش هيجل (‪1831 -1770‬م) أو مارتن‬

‫هايدغر (‪1976 -1889‬م) موقفا جامعًا للنقيضين للغاية‪ ،‬بمقدار ما يرتبط الفيلسوف الفرنسي مجددًا ‪.‬‬

‫مع بعض إيضاحات هذين المؤلفين بهدف هدم أسس نظاميهما‪ .‬إنه تطوير لما يسميه استراتيجية عامة‬

‫نظرية ومنهجية‪ ،‬للتفكيكية الفلس فية " ع بر اس تخدام بعض المف اهيم والحجج المثالية من أج ل كش ف‬

‫طابعها المتناقض‪ ،‬الشكاك "‪)2( .‬‬

‫ولع ل الس ؤال األك ثر حض ورا في فلس فة علم الجم ال أو في مفهم ة علم الجم ال ه و ‪ :‬ه ل للفن مع ادل‬

‫مفهومي‪ ،‬أي هل يمكن تفسير الفن بواسطة مفاهيم ؟ يؤكد كانط على استقالل الفن ويرفض كل محاولة‬

‫إلخض اعه ألهداف تابعة (أي خارج القوانين التي تسيرها) تعليمية‪ ،‬أو دينية‪ ،‬أو سياسية‪ ،‬أو تجارية‪.‬‬

‫وتتلخص األطروحة الكانطية إذن في أن الجمال الطبيعي والفن يثيران اإلعجاب من دون مفهوم‪ .‬وإ ذن‬

‫فك ل خل ق جم الي يتج اوز التص ور المفه ومي‪ ،‬لكون ه ال يش ير إلى ش يء مح دد‪ ،‬ولك ون عالقات ه ب الفكر‬

‫المفهومي يتحدد موقعها على مستوى االستذكار‪ ،‬أو كما يقول السيميائيون على مستوى الداللة اإليحائية‬

‫‪ -1-‬انظ ر بيير ف زيم ا التفكيكية دراس ة نقدية تع ريب أس امة الح اج‪ ،‬المؤسس ة الجامعية للدراس ات‬

‫والنشر والتوزيع‪1996 ،‬م‪ ،‬ص‪9.‬‬


‫خطاب العلوم اإلنسانية "‪ ،‬ثم ضمنها بعد ذلك كتابه الكتابة واالختالف‬

‫ويبدو من األسماء المشاركة في الندوة أنها أوروبية‪ ،‬بل تكاد تكون فرنسية‪ ،‬ومن ثم بدت التفكيكية‪ ،‬في‬

‫أول أمرها صدمة أولى في الواليات المتحدة األمريكية لدى الكثيرين باستثناء الناقدين األمريكيين بول‬

‫دي مان ‪ de ... Man‬الذي أسهم في االتجاهين البنيوي‪ ،‬وما بعد البنيوي (التفكيكي)‪ ،‬وج هيليس ميلر‬

‫‪ Hillis Miller‬الذي قرأ نصوصا لكثير من الشعراء والروائيين وفق منهج نقدي توخى فيه الكشف في‬

‫مركز كل نص عن " تناقض نهائي "‪ .‬ورأى ميلر أن النقد التفكيكي يسعى إلى إيجاد ذلك العنصر في‬

‫النظام المدروس الذي هو جوهر التناقض‪ ،‬أي ذلك الخيط في النص الذي يساعد على حله كله‪ ،‬أو ذلك‬

‫الحجر غير الثابت الذي سيحطم البناء كله‪ )1( .‬وفي بداية السبعينات بدأت التفكيكية تتغلغل في البيئات‬

‫النقدية األدبية‪ ،‬بع د أن ط ار اس م ديريدا في ج امعتي بيل ‪ Yale‬وج ون هوبك نز ‪،John Hopkins‬‬

‫وبنشره كتابيه الكتابة‬

‫وت رجم إلى اإلنجليزية بعن وان ‪ Writing and Difference‬و" علم الكتاب ة "‪ ،‬أو " عن علم الكتاب ة‬

‫‪ Grammatologie‬وترجم إلى اإلنجليزية بعنوان‪ of Grammaiolog‬بدأ يبرز كمنظر حقيقي للتفكيك‪.‬‬

‫وربما لم يحظ النقد التفكيكي في أوروبا بنفس الحظوة التي لقيها عند جماعة ييل وإ ن يكن روالن بارت‬

‫من أكثر النقاد استيعابًا للفرضيات التفكيكية‪)2( .‬‬

‫ومن النق اد األوروب يين الالمعين ال ذين أس هموا في اس تيراتيجية التفكيك الناق د الفرنس ي روالن ب ارت‬

‫‪ .R.Barthes‬وال يمكن تحديد روالن ب ارت في إط ار واح د ؛ فع دا عن كون ه المح امي الص لب عن‬

‫البنيوية السميولوجية‪ ،‬وعن علم الرواية‪ ،‬وعن‬


‫‪ -1-‬مهـ برامز المدارس النقدية الحديثة في معجم المصطلحات األدبية‪ ،‬ترجمة عبد ا اهلل الدباغ‪ ،‬بغداد‬

‫‪ ،‬الثقافة األجنبية‪ ،‬العدد الثالث ‪1987 ،‬م‪ ،‬ص ‪=46‬‬

‫التفكيكية أهم المصادر والمراجع‬

‫‪ 1‬بسام قطوس‪ ،‬استراتيجيات القراءة التأصيل واإلجراء النقدي إربد‪ ،‬دار‬

‫الكندي‪1998 ،‬م‬

‫‪2-‬بيير‪ .‬زيما التفكيكية‪ :‬دراسة نقدية تعريب أسامة الحاج‪ ،‬بيروت‪،‬‬

‫‪4‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬ط ‪1996 ، 1‬م‪.‬‬

‫‪ -3-‬ج اك ديريدا ‪ ،‬االس تنطاق والتفكيك‪ ،‬مجل ة الكرم ل‪ ،‬ع‪1985 ،17‬م‪ 4 .‬ج اك ديريدا الكتاب ة‬

‫واالختالف‪ ،‬ترجمة كاظم جهاد ‪ ،‬تقديم محمد عالل سيناصر‪ ،‬دار توبقال للنشر‪1988 ،‬م‪.‬‬

‫‪ 5‬خوسيه ماريا بوثويلو إيفانكوس نظرية اللغة األدبية‪ ،‬ترجمة حامد أبو أحمد‪ ،‬مكتبة غريب‪1992 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -6‬س ارة كوفم ان وروجي الب ورت م دخل إلى فلس فة ج اك ديريدا‪ ،‬ترجم ة إدريس كث ير وع ز ال دين‬

‫الخطابي الدار البيضاء‪1991 ،‬م‪.‬‬

‫‪7-‬اهلل عبد إبراهيم ‪،‬وآخرون معرفة اآلخر مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة‪ ،‬بيروت‪ ،‬المركز الثقافي‬

‫العربي‪1990 ،‬م‪.‬‬

‫‪8-‬عبد اهلل الغذامي‪ ،‬الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية قراءة نقدية لنموذج إنساني معاصر‪،‬‬

‫جدة‪ ،‬النادي األدبي‪1985 ،‬م‪.‬‬


‫‪ -9‬عبد العزيز حمودة المرايا المحدبة ‪ :‬من البنيوية إلى التفكيك‪ ،‬الكويت‪ ،‬عالم المعرفة‪1998 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -10‬عبد الملك مرتاض أ ي دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة أين ليالي"‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ديوان المطبوعات‬

‫الجامعية‪.1992 ،‬‬

‫‪ -11‬كريستوفر بطلر التفسير والتفكيك واآليديولوجية‪ ،‬ترجمة نهاد‬

You might also like