Professional Documents
Culture Documents
السنة الثانية
يندرج النقد الجديد تحت مظلة النقد الشكلي الذي يركز على اعتبار النص األدبي وحدة
عضوية يتالحم فيها الشكل بالمضمون في مقابل استبعاد أية محاولة لربط األدب بالحياة أو الواقع
الخارجي أو الداخلي لألديب..إلخ وكل هذه التوجهات تمثل عماد النقد الجديد الذي ظهر في أعقاب
انتهاء الشكالنية الروسية في بداية الثالثينات ،متخذا من الجامعات األمريكية وخاصة الجنوب األمريكي
مرك از له .1
تشير الدراسات إلى أن بدايات هذا النزوع النقدي تعود إلى الشاعر األمريكي (إز ار باوند ) سنة
7091باإلضافة إلى األفكار التي حملتها كتابات الناقد األمريكي األصل واألنجليزي الجنسبة (توماس
ستيرنز إليوت ) عن النقد الموضوعي ،وكذا أعما ل الناقدان األنجليزيان روبرت جريفز ،وا.أ.
2
ريتشاردز).
وتعود عبارة " النقد الجديد" إلى كتاب أصدره الناقد األمريكي (جون كرورانسوم ) عام 7099يحمل
عنوان :النقد الجديد وفيه استعرض أعمال النقاد الذين يمثلون حركة الحداثة الجديدة كريتشاردز ،
واليوت ،وليفز وامبسون ..إلخ .3ثم ما لبثت أن أطلقت عبارة النقد الجديد على
ومن أبرز ممثلي النقد الجديد :رائدهم (جون كرورانسوم ) ،و(كلينيث بروكس )و(دونالد ديفيدسون
)و(ميريل مور )،و (روبرت بان وورين) و(آالن تيت) و (بالك كور) بإلضافة إلى( ويليام ويمزات
)و(رونيه ويليك) و(مونرو برادزلي ).
عرف كلينيث بروكس النقد الجديد بقوله .. :إنه النقد الذي يفصل النقد األدبي عن دراسة
ّ
المصادر و الخلفيات االجتماعية وتاريخ األفكار والسياسة واآلثار االجتماعية ،وهو الذي يسعى إلى
تنقية النقد الشعري من هذه االهتمامات الخارجية وتركيز االهتمام أساسا على الموضوع األدبي نفسه ،
وهو يستكشف بناء العمل ،وال شأن له بالمؤلف وال بردود أفعال القراء وغيرها مما يتخطى حدود األدب
ينظر صالح هويدي ،النقد األدبي الحديث قضاياه ومناهجه ،منشورات جامعة السابع من أبريل ،ليبيا ،ط7941 ،7ه ،ص799
1
ينظر آن جفرسون وديفيد روبي ،النطرية األدبية الحديثة تقديم مقارن ،ترجمة سمير سعيد،منشورات و ازرة الثقافة ،دمشق ،سوريا ،دط،
3
،7004ص.731
الشكلية .فقد أوجز هذا التعريف نظرة النقد الجديد االستئصالية التي تستأصل العمل األدبي من كل
السياقات الخارجية التي ال تفيد في الكشف عن حقيقته أو تتعارض مع ما يعرف عندهم بأنطلوجية
القصيدة .ومن خالل هذا التعريف الجامع نستطيع أن نستخلص المبادئ النقدية التي جاء بها النقد
الجديد وهي :
-7الحجرعلى العمل األدبي بقطع صلته بكل ماهو خارجي سواء أ كان الواقع الحياتي أم العالم الداخلي
لألديب أم ما يتعلق بالقارئ .وبذلك تم رفض " الدراسة التاريخية المتنسكة في أقسام الدراسات العليا ذات
االفتراضات الوضعية بأن النص األدبي يعبر عن مكانه وزمانه ،أو عن شخصية مؤلفه وال شيء غير
ذلك" ، 4كما رفضوا إقحام العلوم اإلنسانية في ميدان الفن ،وكذا البحث عن نوايا المؤلف وعن البواعث
النفسية التي تقف وراء عمله األدبي 5فأصبح هم الدراسة األدبية " الخصائص األدبية الصرف للنصوص
" .6فقد" مضى تحرير النص من المؤلف و القارئ يدا بيد وفك ارتباطاته بأي سياق اجتماعي أو
تاريخي " 7ليصبح "المنهج الوحيد المشروع عندهم هو النقد الجمالي الذي يتيح فرصة إضاءة العمل
8
األدبي من الداخل واضاءة حقيقية وذات قيمة ".
-4رفض ربط األدب بأي هدف أو قيمة مهما كانت فعند كلينيث بروكس وروبرت بن وارن " :إذا كان
الشعر جدي ار بأن يدرس أساسا فهو جدير بأن يدرس كشعر فقط " 9وليس كوسيلة لتحقيق هدف مهما
كان أخالقيا أو تاريخيا .فقد ألحوا "..على تحويل القصيدة إلى موضوع مكتف بذاته ،صلب ومادي مثل
آنية أو أيقونة ،فقد أصبحت القصيدة هيئة تأخذ حي از مكانيا وليست سيرورة زمانية".،.10
-3تتوقف قيمة القصيدة عند أصحاب النقد على مبناها وليس على معناها ،فمعنى العمل األدبي ال
يكمن في الموضوع الذي يعالجه أو األفكار التي يناقشها فالمعاني مطروحة في الطريق على حد تعبير
الجاحظ ،وانما" معناه يتمثل في كونه تجربة متخيلة أو واقعية توظف إمكانات اللغة من مجاز وتصوير
وايقاع وغموض وتكرار ...إلخ ومن ثمة كان تعميقهم لمبدأ أدبية األدب الذي يحرص على توضيح كيفية
آن جفرسون وديفيد روبي ،النطرية األدبية الحديثة تقديم مقارن ،ترجمة سمير سعيد،ص.731
4
آن جفرسون وديفيد روبي ،النطرية األدبية الحديثة تقديم مقارن ،ترجمة سمير سعيد،ص.731
6
7
تيري إنغلتون ،نظرية األدب ،ترجمة ،ثائر ديب ،منشورات وزارة الثقافة ،دمشق ،سوريا ،دط،دت ،ص09
صالح هويدي ،النقد األدبي الحديث قضاياه ومناهجه ،ص.791
8
9
المرجع نفسه ،ص.791
10
تيري إنغلتون ،نظرية األدب ،ترجمة ،ثائر ديب ،ص.09
القول وليس القول في ذاته ،ولذلك عد الشاعر عنده صانعا ،وليس موصال لرسالة ما ،كما عد الناقد
11
كاشفا لكيفية التجربة اإلبداعية وأسلوبها ".
-9رفض الفصل بين الشكل والمضمون ،ومن ثمة القول بالطبيعة العضوية المركبة للعمل األدبي الذي
هو وحدة متجانسة العناصر ،فال يمكن إدراك لغة النص بعيدا عن مضمونه أو العكس ،ولذلك يتساءل
آالن تيت " هل في اإلمكان التمييز القاطع بين اللغة وبين المضمون؟ أليس المضمون واللغة شيئا
واحدا 12؟" ولذلك فهو يحمل على بدعة تلخيص العمل األدبي التي تفترض أن للقصيدة فكرة يمكن
التقاطها بعيدا عن اللغة ،وفي ذلك يقول بروكس " إن الفكرة كلمة ال معنى لها ،فليس هناك شيء اسمه
الفكرة بدون القصيدة " 13وفي هذا إشارة إلى ما قاله :أرشيلد ماك ليش الذي يصرح قائال" :حسب القصيدة
أن توجد ،فليست وظيفتها أن يكون لها معنى" 14ومسوغ رفضهم لتلخيص القصيدة هو إيمانهم أن العمل
األدبي هو وحدة عضوية ،بل هو مزيج من المعاني المشوشة التي يصعب اختزالها في تأويل نهائي.15
-1االهتمام بتحليل القصيدة وعناصرها الجوهرية بعيدا عن االشتغال باالنطباعات واالستجابات التي
تخلفها القراءة أو االشتغال بالكاتب ومجاله الثقافي ،مما يؤدي إلى إصدار أحكام معيارية يعوزها الدليل
والبرهان ،أي االهتمام بالتحليل العلمي للنص طالما أن للقصيدة أنطولوجيتها الخاصة بها .فقد انتهى
عصر األحكام المعيارية المطلقة والمسبقة التي كانت القصيدة تحاكم بها.
* القراءة الفاحصة :وهي القراءة العلمية التي تسلط الضوء على العناصر الجوهرية للنص األدبي والذي
بها تتحقق أدبيته وهي اللغة ،أي المعجم اللغوي للنص ،تراكيبه اللغوية والبالغية ،رموزه واشاراته مما
يعني إقصاء البيئة الثقافية واالجتماعية للنص 16.واتباع طريقة موضوعية صارمة في تشريحه .ويقوم
النظر النقدي الجديد النمطي في قصيدة ما باستقصاء متشدد ل"توتراتها" ،و" مفارقاتها"،و
"تجاذباتها"المتنوعة مظه ار كيف تنحل وتتكامل في بنيتها المتينة"17ولكي تتحقق القراءة الموضوعية على
12
يوسف وغليسي :مناهج النقد األدبي ،منشورات جامعة قسنطينة،دط،4991-4999 ،ص31
صالح هويدي ،النقد األدبي الحديث قضاياه ومناهجه ،ص791
13
14
جورج واطسون :الفكر األدبي المعاصر ،ترجمة مصطفى بدري ،المؤسسة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة ،7019ص.11
15
ينظر ،تيري إنغلتون ،نظرية األدب ،ترجمة،ثائر ديب ،ص..01
ينظر صالح هويدي ،النقد األدبي الحديث قضاياه ومناهجه،ص791
16
17
تيري إنغلتون ،نظرية األدب ،ترجمة ،ثائر ديب ،ص.07-09
الناقد "أال يستسلم لالنطباعية النقدية أو الذاتية المفتقرة إلى الحيوية"18وهذا ما يعرف عندهم ب :المغالطة
القصدية ،والمغالطة الوجدانية .
ا -نعني باألولى أي المغالطة القصدية أو مغالطة النية رفض أية محاولة للربط بين نية المؤلف
وقصده وعمله األدبي ،ألنه ال قيمة لذلك في الكشف عن أدبية النص ،ألن البحث عن قصد الكاتب أو
19
وألن مقاصد المؤلف في الكتابة ،حتى لو أمكن ما تخلفه القراءة من انطباع مجرد وهم ال وجود له
استعادتها ،ليست ذات صلة بتأويل نصه و ال يمكن لالستجابات االنفعالية لدى قراء محددين أن تختلط
بمعنى القصيدة :فالقصيدة تعني ما تعنيه بصرف النظر عن نوايا الشاعر ،أو المشاعر الذاتية التي
يستمد ها القارئ منها ،فالمعنى عام وموضوعي .منقوش في لغة النص األدبي ذاتها ،وليس مسألة "
دافع" شبحي مزعوم في رأس مؤلف مات منذ زمن بعيد ،أو دالالت اعتباطية ينسبها القارئ إلى كلمات
هذا المؤلف ،يقول ويمزات وبرادزلي في مقال لهما بعنوان " :إن تصميم أو نية الكاتب الهي باألمر
الممكن التوصل إليه ،وال هي باألمر المستحسن كمعيار للحكم على نجاح عمل من أعمال فن األدب "
.20وألن ملكية الكاتب لعمله األدبي تسقط بمجرد االنتهاء من صياغته منه ،ذلك أن النص بدخوله
عالم اللغة يتحرر من سلطة المؤلف ورقابته على معانيه " ومن ثمة يغدو البحث عن قصد المؤلف
مغالطة توقع القارئ في الخطأ.وبالتالي فما " يستحق االعتبار من وجهة نظر النقد هو ما يجسده النص
21
فحسب"
ب -أما الثانية وهي المغالطة الوجدانية ،ونعني بها رفض ربط العمل األدبي وأي من آثاره النفسية ،
يقول الناقدان (ويمزات) و(مونرو برادزلي)" :إن المغالطة الوجدانية خلط بين القصيدة وآثارها ،فهي تبدأ
بمحاولة استمداد معيار للنقد من اآلثار النفسية للقصيدة ،وتنتهي باالنطباعية .22" ..وبذلك تم تنقية
الحقل النقدي من كل ما ال يمت له بصلة كاالنطباعات واالنفعاالت والنوايا وما يستتبع ذلك من أحكام
معيارية تضيع معها الحقيقة الجوهرية للعمل األدبي ،وللفعل النقدي .حتى تكون الدراسة األدبية دراسة
موضوعية البد أن تكون بؤرة االهتمام النقدي فيها هي البنية اللغوية للنص ال غير ،أي " كيفية ظهور
18
المرجع نفسه ،ص.04- 07
19
المرجع نفسه ،ص.09
صالح هويدي ،النقد األدبي الحديث قضاياه ومناهجه ،ص.791
20
آن جفرسون وديفيد روبي ،النطرية األدبية الحديثة تقديم مقارن ،ترجمة سمير سعيد،ص730
21
22
دمحم عزام :المنهج الموضوعي ،منشورات اتحاد الكتاب العرب ،الطبعة 7دمشق ، 7000 ،ص13
القصيدة إلى الوجود " . 23وبذلك أصبح القارئ-الناقد-شريكا في المشروع النقدي ،وأصبح النقد يحمل
مصباح إضاءة ال صولجان الحكم ".24
انتقل النقد الجديد إلى الوطن العربي في نهاية الخمسينيات وبداية الستينات ككل المناهج الغربية بفعل
المثاقفة واالحتكاك الثقافي ،وقد تبنى هذا النقد مجموعة من النقاد الذين كان تكوينهم حداثي ومن أبرزهم
الناقد المصري رشاد رشدي الذي يعد من أوائل الذين دعوا إلى استقاللية األدب عن الظروف التي تحيط
به ،وذلك في العديد من مؤلفاته منها " ماهو األدب " و" مقاالت في النقد واألدب " والنقد والنقد األدبي "
وعنده أن األدب ليس وظيفة يؤديها األديب خدمة لمجتمعه ،وال هو تسجيل للحالة النفسية التي يعاني
منها األديب وانما هوعالم موضوعي وكائن بذاته ،وأنه وحدة تخييلية ،وعليه فإن دراسته يجب أن تكون
قائمة على تحليله من ناحية بنيته مقر ار بذلك وحدة الشكل والمضمون .وقـد آزره فـي جهوده هذه بعض
طلبته الذين تولوا تقديم النظرية النقدية الجديدة عبر سلسلة من المؤلفات حيث نشر دمحم عناني "النقد
التحليلي" عام 7014م عن (كلينث بروكس ( ،) (Cleanth Brooksونشر سمير سرحان "النقد
الموضوعي ط" 4عام 7009عن (مايثو أرنولد) ،كما نشر عبد العزيز حمودة كتابه "علم الجمال" عن
(كروتشي) .25
ومن النقاد أيضا لطفي عبد البديع الذي أولى اهتماما واسعا باللغة األدبية في العديد من كتاباته مثل "
التركيب اللغوي لألدب " و" الشعر واللغة " و" فلسفة المجاز" معتب ار أن الظاهرة الشعرية لغوية في
جوهرها ،وال سبيل للتأتي إليها إال من جهة اللغة ".26
باإلضافة إلى محمود الربيعي الذي يعد من أكثر النقاد دفاعا عن استقاللية األدب الذي هو " نشاط
إبداعي يتشكل في شكل لغوي ،أو هو مجرد " كلمات راقدة في متون الصفحات ومن الطبيعي أن يكون
فقه هذه الكلمات هو السالح األول للدخول إلى عالم األدب ".وهذا في العديد من كتاباته منها " في نقد
الشعر"و "من أوراقي النقدية "
آن جفرسون وديفيد روبي ،النطرية األدبية الحديثة تقديم مقارن ،ترجمة سمير سعيد،ص730
23
24
محمود الربيعي :مداخل نقدية معاصرة إلى دراسة النص األدبي ،عالم الفكر المجلد 43العدد 4،7ديسمبر ، 7009ص34
25
ينظر يوسف وغليسي ،محاضرات في النقد المعاصر ،ص .30
26
لطفي عبد البديع ،التركيب اللغوي لألدب ،بحث في فلسفة اللغة و االستطيقا ،دار المريخ للنشر ،الرياض ،دط ،دت ،ص.1
كما يبرز أيضا الناقد أنس داود الذي عمل على تأصيل منهج لدراسة األدب أسماه " الرؤية الداخلية "
يقول عنه ":هو منهج الرؤية الداخلية للنص األدبي ،وهذه الرؤية ال تسقط على العمل الفني ،وال تنظر
إليه من خالل مسبقات فكرية ،وال تخضعه خضوع األسباب للمسببات ،وال تستنفد جهدها في رصد وقائع
التاريخ الشخصي واالجتماعي ،ألنها تشغل نفسها بالنص وحده وتتبع عالقاته الداخلية والنظرة إليه من
خالل معجمه وصوره وطريقة الشاعر المميزة في تشكيله " .كما يدخل مصطفى ناصف دائرة النقد الجديد
بأعماله الكثيرة " قراءة ثانية لشعرنا القديم " و"رمز الطفل في أدب المازني " ودراسات األدب العربي " إلى
غير ذلك من األسماء النقدية العربية التي دعت إلى تبني أفكار النقد الجديد.
ومما يؤخذ على النقد الجديد ماديته المفرطة التي جعلت النص "يبدو بمثابة شيء بأربع زوايا وواجهة من
البللور".27
ال يعرف أس ارره سوى النخبة من النقاد الذين وحدهم يملكون مفاتيح 28
هو أنه نقد أرستقراطي نخبوي
التحليل والتأويل وبذلك فهو كما يقولون يتنافى مع الديمقراطية األدبية التي تجرم جمهور القراء من
المشاركة في العملية النقدية .
تقطيعه أوصال العمل األدبي وذلك بالتركيز فقط على جانب واحد هو البناء واهماله للجوانب األخرى
التي ال يمكن إنكار تأثيرها في تشكل العملية اإلبداعية .
27
تيري إنغلتون ،نظرية األدب ،ص.07
عبد العزيز حمودة ،المرايا المحدبة ،ص.719
28
جاء ظهور المناهج النسقية كردة فعل على البؤس الذي آل إليه حال الدراسة األدبية في ظل
المناهج السياقية التي صرفت نظرها عن النص األدبي ومكامن الخصوصية فيه إلى تعقب الكاتب وسيرة
حياته وعصره .فكان هاجس استقاللية الدراسة األدبية عن العلوم األخرى ،والعودة بها إلى حضيرة
التحليل والتفسيرالموضوعي يسكن الكثير من النقاد والدارسين .وكان لتطور الدرس اللساني الذي قاده
ديسوسير األثر البالغ في تحقيق ذلك ،فظهرت العديد من المناهج النقدية التي خرجت من معطف
اللسانيات وكان شعارها النص لذاته.و من بين هذه المناهج :المنهج األسلوبي فما هو هذا المنهج؟ ،ومن
هم رواده؟ وما هي اتجاهاته ؟.
تعتبر األسلوبية " مرحلة متطورة من مراحل الدرس البالغي ،أوهي" الوريث المباشر للبالغة
30
-كما يصفها أحدهم -فهي من المناهج النقدية المعاصرة التي تركز اهتمامها ".29أو هي بالغة حديثة
على النص األدبي من ناحية لغته؛ ومعنى ذلك أن اللغة التي تمثل المكون الجوهري لألدب صارت في
األسلوبية هي حجر الزاوية في تحليل النصوص األدبية وتفسيرها .وقبل أن نتعرف على أبجديات النقد
األسلوبي وجب علينا أن نتعرف على معنى مصطلحي األسلوب واألسلوبية .
-1األسلوب :جاء في لسان العرب أنه؛ يقال :للسطر من النخيل ":أسلوب وكل طريق ممتد فهو
أسلوب .واألسلوب :الطريق والوجه والمذهب يقال :أنـتم فـي أسـلوب سـوء ويجمـع أسـاليب .واألسلوب:
ِ .
ويعرفه 31
الطريق تأخذ فيه ،واألسلوب الفن يقال :أخذ فالن في أسـاليب مـن القول أي أفانين منه"
أيضا "الزمخشري" في معجمه "أساس البالغة" في مادة (سلب) "..وسلكت أسلوب فالن طريقته ،وكالمه
على أساليب حسنة" .32فالمعنى اللغوي يفيد أن كلمة األسلوب تطلق على المذهب والفن و الطريقة ما
به يتفرد الشخص عن غيره .و قد دارت لفظة األسلوب في كالم العرب بدءا من الجاحظ وصوال إلى
عبد القاهر الجرجاني وابن خلدون خاصة.واألسلوب هو الضرب من القول،أو الطريقة ،أو المنوال،أو
القالب 33.ففي تعريفه لألسلوب يقول عبد القاهر الجرجاني " :واألسلوب :الضرب من النظم والطريقـة فيه
".34أما ابن خلدون فقد حاول أن يستخلص مفهوما جامعا لألسلوب كما دار في كتابات سابقيه في قوله":
29
أوزوالد ديكرو ،جان ماري سشايفر ،القاموس الموسوعي الجديد لعلوم اللسان ،ترجمة منذر عياشي ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء –
المغرب ،بيروت –لبنان ،ط ،4991 ،4ص.711
30
ص0 ينظر ،بيير جيرو ،األسلوبية ،ترجمة منذر عياشي،
31
ابن منظور :لسان العرب ،دار صادر ،بيروت ،ج ، ،1ص ،441مادة (سلب)
32
الزمخشري ,أساس البالغة ,دار بيروت للطباعة والنشر ,بيروت ,دط ,7019 ,ص .399
33
ينظر ،يوسف أبو العدوس،األسلوبية الرؤية والمنهج والتطبيق ،ص.43
34
عبد القاهر الجرجاني ،دالئل اإلعجاز ،شرح وتعليق دمحم التنجي ،دار الكتاب العربي،بيروت ،ط7000،3م،ص.331
ولنذكر هنا سلوك األسلوب عند أهل الصناعة ,وما يريدون بها في إطالقهم فأعلم إنها عبارة عندهم عن
المنوال الذي ينسج فيها التراكيب ,أو القالب الذي يفرغ فيه", 35ثم حدد مفهوم األسلوب في اإلبداع األدبي
فذكر إنه يرجع "إلى صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة كلية باعتبار انطباقها على تركيب خاص ,وتلك
الصورة ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب وأشخاصها ,ويصيرها في الخيال كالقالب أو المنوال ثم ينتقي
البناء في القالب ,أو
رصا كما يفعل ّ
التراكيب الصحيحة عند العرب باعتبار اإلعراب والبيان فيرصها فيه ّ
36
النساج في المنوال"
ّ
أما عند الغرب :ف"األسلوب -من كلمة stulisأي ،مثقب يستخدم في الكتابة -وهو طريقة
الكتابة،وهو استخدام الكاتب ألدوات تعبيرية من أجل غايات أدبية" . 37وتعني كلمة Stilusفي الالتينية
االزميل أو المنقاش "الخاص بالحفر و الكتابة " ،وقد كان الالتين يستعملونها مجا از للداللة على شكلية
الحفر ،أو شكلية الكتابة ،ثم مع الزمن اكتسبت داللتها االصطالحية و البالغية و األسلوبية ،وصارت
تدل على الطريقة الخاصة للكاتب في التعبير" .38وجاء في معجم األسلوبيات" :كان األسلوب أداة للكتابة،
أي نوعا من القلم ،وأصبح يعني طريقة الكتابة .ويحيل في معناه البسيط على الطريقة المميزة المدركة
للتعبير Expressionفي الكتابة أو الحديث ،تماما كما أن هناك طريقة للقيام باألشياء ،مثل لعب
السكواتش أو الرسم .قد نتكلم عن كتابة شخص ما " بأسلوب منمق أو الحديث " بأسلوب فكاهي"بالنسبة
39
وهكذا تطور استعمال كلمة أسلوب من أداة تستعمل في الكتابة ،و الطريقة والضرب لبعض الناس "..
في كل منحى من مناحي الحياة ،إلى السمة في التعبير والكتابة يتم من خاللها عرض األفكار.
40
. ومن ثم فكلمة األسلوب تعني اصطالحا" طريقة للتعبير عن الفكر بوساطة اللغة "
أو هو " االختيار الواعي ألدوات التعبير "41فالتعريف يحيل على اإلمكانات التعبيرية التي يمتلكها
الشخص.ولذلك قال بوفون -قولته الشهيرة ":-األسلوب هو اإلنسان نفسه" . 42ويعرفه بيير جيرو أيضا
بأنه " مظهر القول الناجم عن اختيار وسائل التعبير التي تحددها طبيعة الشخص المتكلم أو الكاتب
35
ابن خلدون ،مقدمة ابن خدون ،ص313
36
المصدر نفسه ،الصفحة نفسها.
37
بيير جيرو ،األسلوبية ،ترجمة منذر عياشي ،مركز النماء الحضاري ،ط 7009،4ص0
38
عدنان بن ذريل :النص و األسلوبية ،بين النظرية والتطبيق ،اتحاد الكتاب العرب ،دمشق، 4999 ،ص .93
39
كاتي وايلز ،معجم األسلوبيات ،ترجمة خالد األشهب ،المنظمة العربية للترجمة ،بيروت ،ط ،4979،7ص.133
40
بيير جيرو ،األسلوبية ،ترجمة منذر عياشي ،ص.79
41
المرجع السابق ،ص.77
42
صالح فضل :علم األسلوب ،مبادئه ،إجراءاته ،دار الشروق ،القاهرة ،ط، 7001، 7ص .01
ومقاصده" 43أو " مجموعة سمات خاصة أو مميزة للمؤلف:عاداته/ها اللغوية " 44وهذه السمات الخاصة
هي ما يسمى ب"واسمات األسلوب" 45وتكون عن طريق االختيار الواعي ألدوات التعبير بما يتوافق
ومقاصده ألن "األسلوب اختيار معلل" 46.أو يكون عن طريق االنزياح عن القاعدة كما يرى جون كوهن" :
األسلوب هو كل ما ليس شائعا ،وال عاديا ،وال مطابقا للمعيارالمألوف ...إنه انزياح بالنسبة إلى معيار ؛
أي أنه خطأ مقصود" 47وبذلك .و يتبين لنا من خالل هذه التعاريف أن األسلوب يرتبط باتجاهات ثالثة
هي:
فاألسلوب "هو الكاشف عن فكر صاحبه ونفسيته" 48؛أي أنه يكشف عن نمط تفكير صاحبه ،إذ
أنه الصورة المعنوية التي انتظمت في نفسه قبل أن تتجسد في لغته .وهذا الذي يمنح لكل كاتب أسلوبه
الذي يتفرد به عن غيره.ويشرح ذلك أحمد الشايب بقوله " :إن هذه الصورة اللفظية التي هـي أول ما نلقى
من الكالم ال يمكن أن تحيا مستقلة ؛ وانما يرجع الفضل في نظامها اللغوي الظاهر إلى نظام آخر معنوي
انتظم وتألف في نفس الكاتب أو المـتكلم فكان بذلك أسلوبا معنويا ثم يكون التأليف اللفظي على مثاله ،
وصار ثوبه الـذي لبسه أو جسمه إذ كان المعنى هو الروح ومعنى هذا أن األسلوب معان مرتبـة قبل أن
يكون ألفاظا منسقة ،وهو يتكون في العقل قبل أن ينطق بـه اللـسان أو يجري به القلم".49
-2ارتباط األسلوب بالمتلقي :ألنه يمثل وسيلة ضغط على المتلقي عن طريق إحداث التأثير الذي
يحقق اإلقناع واإلمتاع .50وألن القارئ هو المستهدف من العملية اإلبداعية ،وعليه وحده يقع إدراك
الخواص النوعية التي يتميز بها األسلوب وما يحدث فيه من انحراف برز مفهوم القارئ النموذجي عند
51
ولذلك عرف -ريفاتير -األسلوب من " ريفاتير الذي عده محور التعرف على هذه الخواص األسلوبية
حيث أثره في المتلقي" -أنـه إبـراز بعـض عناصر سلسلة الكالم وحمل القارئ على االنتباه إليها بحيث إذا
43
ععدنان بن ذريل ،النص واألسلوبية بين النظرية والتطبيق ،ص.44
44
كاتي وايلز ،معجم األسلوبيات ،ترجمة خالد األشهب ،ص 139
45
ينظر المرجع نفسه ،الصفحة نفسها.
46
المرجع نفسه ،ص.31
47
جون كوهين :بنية اللغة الشعرية ،ترجمة دمحم الوالي ودمحم العمري ،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء ،المغرب ،ط، 7011 ،7ص.71
48
عدنان بن ذريل :النص و األسلوبية ،بين النظرية والتطبيق ،ص.99
أحمد الشايب ،األسلوب دراسة بالغية تحليلية ألصول األساليب األدبية ،م مكتبة النهضة المصرية ط ،1سنة ١١١١هـ ١٩٩١ص.99
49
50
عدنان بن ذريل :النص و األسلوبية ،بين النظرية والتطبيق ،ص99
51
ينظر ،صالح فضل ،مناهج النقد المعاصر ،ص.774
غفل عنها شـوه النص واذا حللها وجد لها داللة تميزية خاصة مما يسمح بتقرير أن الكالم يعبر واألسلوب
52
يبرز"
-3ارتباط األسلوب بالنص ذاته :فالتركيز هنا على النص بغض النظر عن قائله ألنه "الطاقة التعبيرية
53
التي تتحقق باالنحراف كما أشار ماروز حين عرف األسلوب " بأنه الناجمة عن االختيارات اللغوية "
اختيار الكاتب لما من شأنه أن يخرج بالعبارة عن حيادها وينقلها من درجتها الصفر إلى خطاب يتميز
54
والى ذلك يومىء ريفاتير ،فيعرف األسلوب بكونه" :انزياحا عن النمط التعبيـري المتواضـع عليه بنفسه"
ويدقق مفهوم االنزياح بأنه يكون خرقا للقواعد حينا ولجوءا إلى مـا نـدر من الصيغ حينا آخر فأما في
حالته األولى فهو من مـشموالت علـم البالغـة فيقتضي إذن تقييما باالعتماد على أحكام معيارية وأمـا فـي
صـورته الثانيـة فالبحث فيه من مقتضيات اللسانيات عامة واألسلوبية خاصة".55
-4األسوبية :ارتبط ظهور مصطلح األسلوبية بتطور الدرس اللساني في مطلع القرن العشرين فقد
56
وكان لذلك أثره في اكتسابها صفة العلمية التي نأت بها "نشأت األسلوبية في حضن الدراسات اللغوية "
عن الذاتية و االنطباعية واألحكام المسبقة والمطلقة التي هي من صفات النقد التقليدي .و"األسلوبية
ببساطة هي دراسة األسلوب" 57وليس أي أسلوب وانما ...":دارسة الخصائص اللغوية التي بها يتحول
الخطاب عن سياقه اإلخباري إلى وظيفته التأثيرية والجمالية ،فوجهة األسلوبية هذه إنما تكمن في تساؤل
عملي ذي بعد تأسيسي يقوم مقام الفرضية الكلية :ما الذي يجعل الخطاب األدبي الفني مزدوج الوظيفة
والغاية :يؤدي ما يؤديه الكالم عادة وهو إبالغ الرسالة الداللية ويسلط مع ذلك على المتقبل تأثي ار
طا ،به ينفعل للرسالة المبلغة انفعاال ما" .58فموضوع األسلوبية هو الخواص النوعية والخصائص
ضاغ ً
الشكلية التي يتميز بها األسلوب والتي تكسبه وظيفة مزدوجة هي اإلبالغ والتأثير؛ أي اإلقناع واإلمتاع وال
يتحقق له ذلك إال عن طريق الخرق وتجاوز المعيار والقاعدة واالعتيادي؛ أي "دراسة المتغيرات اللسانية
59
وبذلك فاألسلوبية هي سعي حثيث للقبض على القيم الجمالية للنص األدبي إزاء المعيار القاعدي"
التي تمنحه فرادته.ومن ثمة فهي" مجموعة من اإلجراءات األداتية تمارس بها مجموعة من العمليات
52
عبد السالم المسدي ،األسلوبية واألسلوب ،دار الكتاب الجديد ،ط، 4991،1ص .11
53
المرجع نفسه،الصفحة نفسها.
54
عبد السالم المسدي ،األسلوبية واألسلوب ،ص .17
55
المرجع نفسه ،ص.14
56
أحمد درويش ،دراسة األسلوبية بين المعاصرة والتراثار غريب لطباعة والنشر ،القاهرة ،دط ،دت ،ص.70
57
كاتي وايلز ،معجم األسلوبيات ،ترجمة خالد األشهب ،ص113
58
عبد السالم المسدي ،األسلوبية واألسلوب ،ص.33
59
بيير جيرو ،األسلوبية ،ترجمة منذر عياشي ،ص .73
التحليلية التي ترمي إلى دراسة البنى اللسانية في النص الشعري وعالقات بعضها بالبعض اآلخر بغية
60
إدراك الطابع المتميز للغة النص الشعري ومعرفة القيمة الفنية والجمالية التي تستتر وراء تلك البنى "
وبذلك تتم اإلجابة عن سؤال -شكل هاجس كل المناهج النسقية وليس األسلوبية فقط -وهو كيف
"يشتغل "النص األدبي؟ أي الكشف عن الطاقات الجمالية الكامنة في مختلف طرائق القول وأنماط
61
ويعرفها التعبير .وانطالقا من ذلك فهي " تؤلف نظاما استشعاريا يتحسس البنى األسلوبية في النص ".
جاكوبسون بأنها":البحث عما يتميز به الكالم الفني عن بقية مستويات الخطاب أوال ،وعن سائر أصناف
صحيح أن األسلوبية تنطلق من أي البحث عم به تتحقق أدبية األدب. 62
الفنون اإلنسانية ثانيا "
دراسة اللغة كما هي اللسانيات لكنها ال تتوقف عند بنية اللغة ،وانما تتجاوزها إلى ما يخرج بهذه اللغة
عن دائرة االستعمال العادي ،أي استكناه الخصائص اللغوية المتميزة والبارزة في النص ،فإذا كانت اللغة
تدرس القول فإن األسلوبية تدرس كيفية القول؛ أي كيف قال النص ما قاله ومعنى ذلك البحث في
الظواهر اللغوية التي تشكل نتوءات بارزة تلعب دور المثير .ومن ثمة كانت القراءة األسلوبية قراءة ِ
مناورة
تبتعد عن القراءة الخطية التي كانت تمارسها المناهج التقليدية على النص األدبي حين تتجه رأسا إلى
المؤلف وملحقاته ( التاريخ و المجتمع . )..إذا فقد اتسعت رقعة النص للتحليل وتقليب النظر فيه على
اعتبار أن ما تنطوي عليه طبقاته تغني عن النظر إلى ما وراء حدوده اللغوية فكانت القراءة مغامرة للبحث
عن الخواص الفنية والنوعية المنزرعة في الخطاب األدبي وكان من اهتماماتها أيضا اإلمكانات
واالختيارات األسلوبية ومجال التصرف عن طريق االنحراف واالنزياح عن القاعدة المعيارية ما يحقق
الوظيفة االنفعالية والتأثيرية في عملية التواصل الفني.و لذلك يحددها ريفاتير " بأنها علم يهدف إلى
العناصر المميزة التي بها يستطيع المؤلف الباث مراقبة حرية اإلدراك لدى القارئ المتقبل،والتي بها
يستطيع أيضا أن يفرض على المتقبل وجهة نظره في الفهم واإلدراك فينتهي إلى اعتبار األسلوبية "
لسانيات تعنى بظاهرة حمل الذهن على فهم معين وادراك مخصوص " .63كما يقرر ميشال آريفي بأن "
األسلوبية وصف للنص األدبي بحسب طرائق مستقاة من اللسانيات" 64ويعرفها دوالس" بأنها منهج
لساني" 65فتلك هي الصلة العضوية بين األسلوبية والدراسة اللسانية.
60
حسن ناظم،البنى األسلوبية دراسة في أنشودة المطرللسياب،المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء -المغرب ،بيروت–لبنان ،ط،4994،7
ص.39
61
المرجع نفسه ،الصفحة نفسها .
62
عبد السالم المسدي ،األسلوبية واألسلوب ،ص.39
63
المرجع السابق،ص.94
64
المرجع نفسه ،ص.97
65
المرجع نفسه ،الصفحة نفسها.
أما بالنسبة لعالقة األسلوبية بالبالغة فقد تقرر منذ البدء أن األسلوبية هي " بالغة حديثة تحت
67
شكلها المزدوج :علم للتعبير ،ونقد لألساليب الفردية " 66و" أن األسلوبية وليدة البالغة ووريثها المباشر"
فهي امتداد للبالغة ونفي لها في الوقت نفسه 68إذ أنهما تتقاطعان في أن موضوعهما" فن الكتابة وفن
التركيب،وفن األدب " 69لكنهما تفترقان في أن " البالغة علم معياري يرسل األحكام التقييمية ويرمي إلى "
تعليم " مادته وموضوعه :بالغة البيان ،بينما تنفي األسلوبية عن نفسها كل معيارية وتعزف عن إرسال
األحكام التقييمية بالمدح أو التهجين وال تسعى إلى غاية تعليمية ،البتة ،فالبالغة تحكم بمقتضى أنماط
مسبقة وتصنيفات جاهزة بينما تتحدد األسلوبية بقيود منهج العلوم الوصفية ،والبالغة ترمي إلى خلق
اإلبداع بوصاياها التقييمية بينما تسعى األسلوبية إلى تعليل الظاهرة اإلبداعية بعد أن يتقرر وجودها.ومن
المفارقات بين الجدولين أن البالغة قد اعتمدت فصل الشكل عن المضمون في الخطاب اللساني فميزت
في وسائلها بين األغراض والصور بينما األسلوبية ترغب عن كل مقياس قبلي وترفض مبدأ الفصل بين
70
الدال والمدلول إذ ال وجود لكليهما إال متقاطعين ومكونين للداللة "..
اتجاهات األسلوبية :تشعبت مناهج الدراسة األسلوبية تبعا الختالف زوايا النظر التي يتم من خاللهـا
معاينة النصوص األدبية وقد اختلف الدارسون في عددها منها:
األسلوبية التعبيرية :يطلق مصطلح األسلوبية التعبيرية على النوع من الدراسة الذي يهتم بالكشف عن
السمات الخاصة التي يتفرد بها األسلوب الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بشخصية صاحبه .ويعد شارل بالي
)1497- 1865(Charles Ballyم)مؤسس األسلوبية التعبيرية فهو ينظر إلى اللغة على أنها وعاء للفكر
والعاطفة؛ أي أن وظيفتها نقل األفكار والعواطف وبذلك تتمثل مهمة الدراسة األسلوبية -عنده-في أنها
تدرس " وقائع التعبير اللغوي من ناحية محتواها العاطفي أي التعبير عن واقع الحساسية الشعورية من
خالل اللغة وواقع اللغة عبر هذه الحساسية " 71فاألسلوبية تتتبع أنماط التعبير التي تقدمها اللغة وهي ذات
محتوى عاطفي أو " جملة الصيغ اللسانية التي تثري النص وتكثفه وتكشف عن طبيعة المنشئ وطبيعة
66
بيير جيرو ،األسلوبية ،ترجمة منذر عياشي ،ص
67
أوزوالد ديكرو ،جان ماري سشايفر ،القاموس الموسوعي الجديد لعلوم اللسان ،ترجمة منذر عياشي ،ص711
68
ينظر ،عبد السالم المسدي ،األسلوبية واألسلوب ،ص99
69
المرجع نفسه ،ص.30
70
المرجع نفسه،ص99
71
صالح فضل ،علم األسلوب مبادؤه وإجراءاته ،وتطبيقاته ،ص .71
اللغة الشائعة لغة التواصل اليومي دون َّ
اللغة وبذلك فقد حصر بالي أسلوبيته في َّ 72
تأثيره على المتلقي "
األدبية.
تقوم أسلوبيته على دراسة 1887-1960 ( Léospitzerم) األسلوبية النفسية :رائدها هو ليو سبيتزر
السمات النفسية للكاتب التي تنعكس في لغته فتطبع كالمه وتعبيره بطابع شخصي أي" رصد عالقات
التعبير بالمؤلف لتدخل من هذه العالقة في األسباب التي يتوجه بموجبها األسلوب وجهة خاصة في ضوء
دراسة العالقات بين المؤلف ونصه .إن أسلوبية سبيتزر تبحث عن روح المؤلف في لغته ومن هنا اتسمت
أسلوبيته بالمزج بين ماهو نفسي ولساني" .73ومن خالل هذا فإن أسلوبية ليو سبيتزر تتلخص في المبادئ
"- اآلتية :
معالجة النص تكشف عن شخصية المؤلف.
-األسلوب انعطاف شخصي عن االستعمال المألوف للغة .
-فكر الكاتب لحمة في تماسك النص .
74
-التعاطف مع النص ضروري للدخول إلى عالمه الحميم ".
األسلوبية البنيوية :تنطلق هذه األسلوبية من منظور أن" النص بنية خاصة و جهاز لغوي يستمد
الخطاب قيمته األسلوبية منه " 75أي فحص النسق اللغوي للنص وما ينشأ بين عناصره من عالقات دون
هو رائد هذه ) 1481 1896(Roman Jakobsonم) االلتفات إلى صاحبه .ويعتبر رومان جاكبسون
))M. Reffatere األسلوبية فهو يرى أن األسلوب هو" البطل الوحيد في األدب" .76كذلك ميشال ريفاتير
الذي ركز على الجوانب الشعرية في النصوص األدبية أي أ ن األسلوب يكمن في اللغة ووظائفها .إذن
فمهمة األسلوبية البنيوية هي اكتشاف القوانين التي تنظم الظواهر األساسية في الخطاب األدبي وذلك من
خالل تحديد العالقات الموجودة بين مستويات األسلوب في النص األدبي.
األسلوبية اإلحصائية :من رواد هذا االتجاه كراهم هوف وبرلند شبلز و جون كوهن ..يهدف التحليل
اإلحصائي لألسلوب إلى تتبع السمات األسلوبية ومعدل تواترها وتكرارها في النص من أجل حصر
الخصائص الجمالية فيه .وينطلق أصحاب هذا االتجاه من أن األسلوب انحراف عن القاعدة ،وأنه
72
حسن ناظم ،البنى األسلوبية ،ص.34
73
المرجع نفسه ،ص .39
74
المرجع نفسه ،ص .31
دمحم بلوحي ،الخطاب النقدي المعاصر من السياق إ لى النسق ،دار الغرب للنشر والتوزيع ،الجزائر ،2222،ص.794،
75
76
رجاء عيد ،البحث األسلوبي ،دار المعارف ،مصر ط ،ص.91
عملية اختيارية بين بدائل عدة يلجأ إليها الكاتب بما يتوافق ومقاصده ،وألن األسلوب كذلك يقول بيير
جيرو ":فإن اإلحصاء هو العلم الذي يدرس االنزياحات ،والمنهج الذي يسمح بمالحظتها وقياسها
وتأويلها ،ولذا فإن اإلحصاء اليتوانى عن فرض نفسه أداة من األدوات األكثر فعالية في دراسة األسلوب "
77ويقول جون كوهين ":لكون األسلوبية هي علم االنزياحات اللغوية واإلحصاء علم االنزياحات عامة فمن
الجائز تطبيق اإلحصاء على األسلوبية ،لتصبح الواقعة الشعرية وقتها قابلة للقياس ،إذ تبرز كمتوسط
تردد االنزياحات التي تقدمها اللغة الشعرية بالنظر إلى النثر " .78وقد عمد ستيفن أولمان إلى إحصاء
الكلمات المفاتيح في النص والتي تشكل مدخل الدراسة والتحليل.79
تسللت األسلوبية ضمن موجة الحداثة النقدية إلى الساحة العربية في نهاية السبعينيات وبداية
الثمانينات من خالل رموز النقد األسلوبي العربي الذين راحوا يقدمون األسلوبية للقارئ العربي ويشرحون
ماهيتها واجراءاتها واتجاهاتها ويعرفون بروادها .
"وعموما قد مرت الممارسة النقدية األسلوبية في الخطاب النقدي العربي الحديث تنظي ار وتطبيقا بمرحلتين
80هما:
أوال :المرحلة التعريفية أو التأسيسية في نهاية السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي عندما
خاضت البحوث األسلوبية العربية في تعريف األسلوبية ومعطياتها وحقولها النسقية ومساراتها عند العرب،
ـ مسار وميزها اتجاهان وهما:
ـ مسار تعريفي حديث ورواده النقاد" :عبد السالم المسدي"" ،شكري عياد"" ،صالح فضل ".
توفيقي رسم حدود التواصل بين البالغة العربية القديمة ومسارات المنهج األسلوبي الحديث ،ومن رواده
ثانيا :المرحلة النقاد" :دمحم عبد المطلب"" ،دمحم الهادي الطرابلسي" وغيرهم.
اإلجرائية ،صنفت فيها الكشوف التطبيقية وروادها من المنظرين األوائل لعلم األسلوب وأبرزهم" :عبد
السالم المسدي" في كتبه التطبيقية ،و "صالح فضل" و "كمال أبو ديب "في كتابه (الشعرية)ولقد تنوعت
بحوث النقاد والباحثين العرب في مجال األسلوبية بين النظرية الصرفة التي ترصد وتفحص تصورات هذا
77
بيير جيرو ،األسلوبية ،ص .733
78
جون كوهين ،بنية اللغة الشعرية ،ص71
79
حسن نلظم ،البنى األسلوبية ،ص.71
80
بشرى موسى الحاج ,المنهج األسلوبي في النقد العربي الحديث ,مجلة عالمات ,الرياض ,السعودية, 4997,ج, 99مج, 49ص. 2407
العلم على الساحة النقدية ،وأخرى تطبيقية إلبراز إمكانيات التحليل األسلوبي في العملية النقدية ،وثالثة
حاولت التوفيق والجمع بين الجانبين ،فقد ُنشرت في العقدين الماضيين كتب عديدة ومقاالت لنقاد عرب
حول األسلوب واألسلوبية ،حاولوا فيها دراسة هذا الموضوع من جميع جوانبه.ومن هؤالء النقاد:
-عبد السالم المسدي :لقد كان سباقا إلى نقل وترويج مصطلح األسلوبية بين الباحثين في العربية ويترجم
"المسدي" مصطلح ( (stylistiqueباألسلوبية ويرد عنده (علم األسلوب) أحياناً ،فهو يرى أن المصطلح
حامل لثنائية أصولية فسواء انطلقنا من الدال الالتيني وما تولد عنه في مختلف اللغات الفرعية ،أو
انطلقنا من المصطلح الذي استقر ترجمة له بالعربية .81ويعد كتاب "المسدي"( األسلوب واألسلوبية) الذي
صدر سنة 7011م من أعمق المباحث العربية في تقديم المفهوم األسلوبي وأصفاها وضوحا وأثراها
-صالح فضل: 82
معرفة.
رائد من رواد البحث األسلوبي في المشرق العربي ،عكست إنتاجا ته اهتمامه الخاص بالبحث في مجال
هذا العلم ،وسعيه الدؤوب لوضع أسس علمية وجمالية ألسلوبية عربية قادرة على إثبات وجودها أمام المد
المتصاعد للتيارات النقدية الوافدة من الغرب ،والتي ال تتالءم بعضها مع طبيعة النص األدبي ،ومن أهم
آرائه في هذا المجال تفضيله الستخدام مصطلح (علم األسلوب) مقابال لـ ( (stylitiqueبدل األسلوبية
ألن علم األسلوب -حسب رأيه -جزء ال يتج أز من علم اللغة العام83وقد عمل "صالح فضل" من خالل
كتابه (علم األسلوب) الذي صدر سنة 7014م على نقل كل ما يتعلق باألسلوبية البنيوية في النقد الغربي
-سعد مصلوح :ويؤثر ھذا األخر إلى النقد العربي المعاصر.
ترجمة مصطلح ( (stylitiqueباألسلوبيات" بدال من المصطلحين الشائعين( ،األسلوبية) و(علم
األسلوب) ،ويعلل ھذا اإليثار بأنه أخصر وأطوع في التصريف كما أنه جاء في سنة السلف في صك
المصطلحات الشبيهة بالرياضيات والطبيعيات وألنه يتسق بهذا المبنى مع مصطلح اللسانيات
والصوتيات 84وفي كتابه (األسلوب دراسة لغوية إحصائية) الذي صدر سنة 7014م درس "مصلوح "
موضوعات مختلفة :ماھية األسلوب ،اإلحصاء ودراسة األسلوب ،معادلة "بوزيمان" لتشخيص األساليب،
85
-شكري األسلوب في المسرحية والرواية
عياد :كتب "عياد" عدداً من المقاالت والكتب حول موضوع األسلوب واألسلوبية منها (مدخل إلى علم
81
نور الدين السد ,األسلوبية وتحليل الخطاب ,ج, 7ص.79- 73
82
يوسف وغليسي ,مناهج النقد األدبي ,ص.11
83
نور الدين السد ،األسلوبية وتحليل الخطاب ،ج، 7ص79
84
-المرجع نفسه ،ص .79
85
سعد مصلوح ،األسلوب دراسة لغوية إحصائية ،ص91
األسلوب) و(اتجاهات البحث األسلوبي) و(اللغة واإلبداع) وفيها تحدث عن فكرة األسلوب عند األدباء
وعلم اللغة وعلم األسلوب وعالقته بالبالغة وميادين الدراسات األسلوبية وترجم بعض المقاالت حول
األسلوبية إلى غير ذلك من موضوعات .يعتبر "عياد" سلفي المذهب يبحث في األصول والتراث ،ويحاول
التجذير وفق منهج تحليلي يتخذ التلفيق بين الوصفية والتاريخية صفة لمسلكه في العمل ،86حيث يرى أن
-عدنان بن ذريل :يحدد الناقد " الكالم عن األسلوب قديم أما علم األسلوب فحديث جداً.87
عدنان بن ذريل" األسلوبية أو علم األسلوب بأنها علم لغوي حديث يبحث في الوسائل اللغوية التي تكسب
الخطاب العادي أو األدبي خصائصه التعبيرية والشعرية فتميزه من غيره إنها تتقرى الظاهرة األسلوبية
بالمنهجية العلمية اللغوية وتعتبراألسلوب ظاهرة في األساس لغوية تدرسها في نصوصها وسياقاتها".88
-منذر عياشي :يحدد "عياشي" األسلوبية بقوله «:األسلوبية علم يدرس اللغة ضمن نظام الخطاب ,ولكنها
ـ أيضا ـ علم يدرس الخطاب ،موزعا على مبدأ هوية األجنـاس .ولذا كان موضوع هذا العلم متعدد
المستويات ،مختلف المشارب واالهتمامات ,متنوع األهداف واالتجاهات" .89
ويرى الناقد أن موضوع علم األسلوبية ليس حك اًر على ميدان تعبيري دون آخر ،ما دام أن اللغة ليست
حك اًر على ميدان إيصالي دون آخر ،ولكن يبقى صحيحا أن األسلوبية علم يرقى بموضوعه ،أو هو يعلو
عليه لكي يحيله إلى درس علمي ،ولوال ذلك لما حازت األسلوبية على هذه الصفة،ولما تعددت مدارسها
-نور ومذاهبها.90
الدين السد :أبدى اهتماما كبي اًر لألسلوبية ومنهج تحليل الخطاب من خالل كتابه (األسلوبية وتحليل
الخطاب) سنة 7001م ،والذي كان بمثابة دراسة ببليوغرافية لمختلف الدراسات السابقة ،وخاصة العربية
منها إلى جانب بعض االختالفات الجوهرية فيها ،وحاول عرض هذه التجارب عرضا ملخصا أورد فيه
أهم إيحاءات هذه التحاليل وما أضافته للبحث األسلوبي ،مع الفروقات الجوهرية بينها .ويرى "السد" أن
91
إنها تبحث في الخصائص التعبيرية والشعرية التي يتوسلها األسلوبية هي الوجه الجمالي لأللسنية،
الخطاب األدبي ,وترتدي طابعا علميا تقريريا في وصفها للوقائع وتصنيفها بشكل موضوعي ومنهجي .
باإلضافة إلى هؤالء النقاد الذين ذكرناهم واسهاماتهم في النقد األسلوبي في الوطن العربي ،هناك نقاد
86
فرحان بدري الحربي ،األسلوبية في النقد العربي الحديث،ص.10
87
شكري دمحم عياد ،مدخل إلى علم األسلوب،ص91
88
نور الدين السد ،األسلوبية وتحليل الخطاب ،ج، 7ص .97
89
منذر عياشي ,األسلوبية وتحليل الخطاب ,مركز اإلنماء الحضاري ,حلب ,سوريا,دط 7940 ,هـ4990-م ،ص.41
90
المرجع نفسه ,ص. 41
91
نور الدين السد ,األسلوبية وتحليل الخطاب ,ج, 7ص.71
آخرون ساهموا في دائرة األسلوبية في النقد العربي المعاصر تنظي اًر وتطبيقا منهم "حمادي صمود" في
كتابه (الوجه والقفا) ،و "دمحم عبد المطلب" في كتبه (البالغة واألسلوبية) و( قراءات أسلوبية في الشعر
الحديث) وغيرھما،و "فتح هللا أحمد سليمان" في كتابه (األسلوبية مدخل نظري ودراسة تطبيقية) و"الهادي
الجطالوي" من خالل كتابه(مدخل إلى األسلوبية تنظي اًر وتطبيقاً) ،و"حميد لحميداني" في كتابه (أسلوبية
الرواية) ،و"مصطفى السعدني" في (البنيات األسلوبية في لغة الشعر العربي الحديث) و"لطفي عبد البديع"
في (التركيب اللغوي لألدب)...إلخ
هي رؤية ومنهجية نقدية تمارس القطيعة مع كل التقاليد األدبية والنقدية السائدة قبلها من
خالل حمل شعار العزل واإلقصاء ":فهي " تعتمد في مساراتها التحليلية للنص على إقصاء الخارجي
والتاريخي واإلنساني وكل ما هو مرجعي وواقعي في إنتاج النص ،وتركز فقط على ما هو لغوي وكل ما
من شأنه أن يستقرىء البنية الداخلية للنص دون االنفتاح على الظروف السياقية الخارجية التي قد تكون
قد أفرزت هذا النص من قريب أو من بعيد " 92فارتداد البنيوية إلى الداخل واالعتداد به فقط هو ضرورة
فكرية ومعرفية أملتها التحوالت المعرفية والمنهجية التي حققتها األلسنية الحديثة بجعل اللغة نظاما مستقال
يتم من خالله فقط إدراك األشياء والعالم فقد" أدى بحثه -فرديناند دي سوسير -اللغوي إلى فكرة أن
إدراكنا للواقع ومن ثم طرق استجابتنا له تمليها علينا –أو تشيدها -بنية اللغة التي نتكلمها ".93وبذلك تم
التحول من التاريخي إلى اللغوي.
ســادت البنيويــة فــي ســتينيات القــرن العش ـرين .ومــن أهــم أعالمهــا والــذين يتوزعــون فــي اختصاصــات
مختلفة :و كلود ليفي شتراوس األنثربولوجيا ،و ميشال فوكو االبسـتيمولوجيا ،و جـاك الكـان علـم الـنفس ،
وألتوسير الماركسية ،ورومان جاكبسون ،وروالن بارت ،وجيرار جنيت ،وتودوروف في مجال النقد األدبي
.
نشأة البنيوية :تشير الدراسات إلى أن البنيوية نمت في حضن الدرس اللساني الحديث الذي أسسه
العالم اللساني السويسري فرديناند دي سوسير على الرغم من أنه لم يستخدم في محاضراته مصطلح البنية
. 94
سنة 7040 ،وانما مصطلح النسق أو النظام .وأن أول من ابتكر مصطلح البنيوية هو رومان جاكبسون
وأن الفضــل فــي الخــروج بالبنيويــة مــن حقــل اللســانيات إلــى حقــول معرفيــة أخــرى يعــود إل ـي األنثروبولــوجي
الفرنسي ليفي شتراوس 95في دراسته" األنثروبولوجيا البنيوية".
كما سبق فإن اإلرهاصات األولى للمنهج البنيوي تعود إلى ما حملته محاضرات العالم السويسري
(فرديناند دي سوسير) من أفكار " كانت تمثل البداية المنهجية للفكر البنيوي في اللغة وذلك عبر
مجموعة من الثنائيات المتقابلة التي يمكن عن طريقها وصف األنظمة اللغوية ".96ومن هذه الثنائيات :
-7اللغة والكالم :فاللغة هي عمل جماعي أي أنها " نتاج المجتمع ،فهي نظام جماعي تمثل مرجعية
كل كالم " 97أما الكالم فهو عمل فردي ذاتي يتصل بالمتكلم ،من صفاته أنه " آني مختلف ،مشتت
يقع في الزمن متغير " .98
لطفي فكري دمحم الجودي ،نقد خطاب الحداثة في مرجعيات التنظير العربي للنقد الحديثمؤسسة المختار للنشر والتوزيع ،القاهرة ،ط،4977،7
92
ص .741
93
ديفيد بشبندر ،نظرية األدب المعاصر وقراءة الشعر،ترجمة عبد الكريم مقصود ،الهيئة المصرية العامة للكتاب،دط ، 4991 ،ص.13
94
المرجع نفسه ،ص.01
95
ينظر عبد العزيز حمودة ،المرايا المحدبة ،ص .701
صالح فضل ،مناهج النقد المعاصر،ميريت للنشر والمعلومات ،القاهرة ،ط ، 4994،7ص .11
96
-9الدال والمدلول :يمثل الدال الصورة السمعية للمدلول الذي هو الصورة الذهنية أو المفهوم الذي يحيل عليه
الدال.فالطريقة الوصفية التي تعامل بها دي سوسير مع اللغة من حيث نسق ترابطها الداخلي ال من حيث
تعاقبها وتطورها التاريخيين ..
أما المصدر الثاني الذي انبثقت منه البنيوية هو الشكالنية الروسية التي تبلورت في العشرينيات
من القرن 49حيث استبعدت النقد اإليديولوجي الذي نظر إلى األدب على أنه مجرد إيديولوجيا .فدعت
إلى حصر مجال الدراسة األدبية في النص األدبي ،واالهتمام بالعالقات الداخلية التي تنشأ بين عناصره،
100
معتبرة إياه "نظاما كليا من اإلشارات ،أو بنية من اإلشارات تخدم غرضا جماليا".
المصدر الثالث هو مدرسة النقد الجديد التي ظهرت في أربعينيات القرن 49بأمريكا والتي رأى أعالمها
أن مضمون الشعر هو الشعر ذاته ،أي الحقائق اللفظية وليس الحقائق الفكرية ،وأنه ال هدف للشعر سوى
الشعر ذاته .في تفرده وذاتيته بعيدا عن أية غاية .فكانت هذه المصادر التي تجعل النص األدبي نقطة
البدء والمنتهى في العملية النقدية هي الجذور الخفية للبنيوية " ..التي تؤكد أنها لم تنشأ من فراغ وأنها
امتداد للشكلية بقدر ماهي ثورة عليها ،وتطوير للنقد الجديد بقدر ما هي رفض له ،وفوق هذا وذاك
فإنها النتيجة المنطقية إلنجازات العقل والتفكير العلمي والفلسفي من ناحية وللتطورات التي حدثت في
مجال الدراسات اللغوية من ناحية أخرى " .101والجامع بين هذه المدارس الثالث هو إقصاء السياقات
الخارجية واحالل اللغة مكانها.
مفهوم البنيوية:
رينيه ويليك ،أوستين وارين ،نظرية األدب ،ترجمة محيي الدين صبحي ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،بيروت ،دط،دت ،ص .791
100
ولذلك فالمقصود ببنية النص هي " ذلك النسق المتكامل الذي يتألف من أصوات وكلمات ورموز وصور
103
أي عزل النص األدبي عن كل السياقات الخارجية التي كانت مادة النقد في المناهج وموسيقى " ..
الخارجية التي اعتبرت النص األدبي مجرد حدث تاريخي أو نفسي أو اجتماعي ،وكان لذلك انعكاسه
الخطير في تحول األدب إلى مجرد وسيلة ألداء غاية ما ،ومن ثم انزالق النقد عن مساره الحقيقي ،حيث
راح ينظر إليه -األدب -على أنه وثيقة تاريخية أو نفسية أو اجتماعية .فالبنيوية ال تعترف بأي وجود
للنص األدبي خارج حدود لغته ،وما يتشكل منه نظامها من العالقات التي تترابط وتتشابك بين عناصره "
104
؛أي ما تنتجه اللغة. فمعنى النص يستمد من نسقه اللغوي وليس العكس"
وتلخص البنيوية بأنها " ..منهجا وصفيا يرى في العمل األدبي نصا منغلقا على نفسه ،له نظامه
الداخلي الذي يكسبه وحدته ،وهو نظام ال يكمن في ترتيب عناصر النص كما هو شائع وانما في تلك
105
ومن ثمة فإن النقد البنيوي يتحرك على محورين أو ثنائيتين الشبكة من العالقات التي تنشأ بين كلماته"
كما يقول عبد العزيز حمودة ؛ ثنائية الداخل /والخارج ،وثنائية الذات /والموضوع:106
-7محور الداخل النصي وهو" رفض ربط األدب كنظام بأي أنظمة أخرى غريبة عليه" 107حيث ينكفئ
النص على ذاته مكتفيا بعناصره الجوهرية التي تمنحه خصوصيته و فرادته.
ويقابله الخارج النصي الذي ُيغيب هذه الخصوصية ،و يجعل من النص األدبي مجرد ذريعة للمعرفة
التاريخية أو النفسية أو االجتماعية .
102
دمحم بن عبدهللا بن صالح بلعفير ،البنيوية النشأة والمفهوم (عرض ونقد) ،مجلة األندلس ،للعلم اإلنسانية واالجتماعية ،العدد ) 71المجلد71
يوليو -سبتمبر4971م ،ص.494
المرجع نفسه،ص.493
103
صالح هويدي ،النقد األدبي الحديث قضاياه ومناهجه ،منشوراتجامعة السابع من أبريل ،ليبيا ،ط7941 ،7ه ،ص 779
105
ينظر ،عبد العزيز حمودة ،المرايا المحدبة ،ص 711وما بعدها .
106
تأسيسا على ما سبق فإن المبادئ التي يقوم عليها التحليل البنيوي تتمثل في :
-7العلمية :
وذلك برفض التاريخ واستنزافه للدراسة األدبية ردحا من الزمن ،فقد وقفت البنيوية في وجه
الفلسفات و اإليديولوجيات التي ترجع كل شيء إلى التاريخ ،وتنظر إلى األدب انطالقا من فرضيات
الماضي والمستقبل .وحجتها في ذلك هو أن األدب ال يكون أدبا إال بأدبيته ،109وذلك بوصفه نظاما
قائما بذاته له خصوصيته التي توجه الدراسة إلى تعقب العالقات الداخلية التي تنشأ بين عناصره ،وكيفية
ترابطها ،و من ثمة أدائها لوظيفتها الجمالية أي " أن يـدرس عـالقـات الوحدات والبنى الصغيرة بعضها
ببعض داخل النص في محاولة للوصـول إلى تحديد للنظام أو البناء الكلي الذي يجعل النص موضوع
الدراسة أدبا" .110وهو ما يعنيه مصطلح األدبية -الذي جاء به رومان جاكبسون -الذي يهدف إلى
الكشف عن الكيفية التي كتبت بها الرسالة؛ وذلك هو مضمون علم األدب عند الشكالنيين الروس .
-4النزوع إلى الشكلية :إذا كان قوام التحليل البنيوي هو الكيفية التي كتبت بها الرسالة فإن ذلك معناه أال
قيمة لمضمون أو معنى النص ،إذ االعتبار الوحيد هو للشكل الذي يتحدد من خالل اللغة ،التي هي
المادة األولية التي يستخدمها الكاتب .ذلك أن النصوص األدبية تكتب بالكلمات وليس باألفكار كما يقول
بارت ":األدب بأجمعه قائم في عملية الكتابة ،وليس عملية الفكر ،أو التصوير ،أو اإلخبار أو
الشعور" ،111وتبعا لذلك فإن هدف النقد األدبي هو كيف استخدم الكاتب هذه اللغة ؟" وهكذا تحول المنهج
المعرفي من محاولة معرفة " ماهية" الشيء إلى" كيفية " ترابط أجزائه وعملها مجتمعة " .112فالنص
األدبي ليس معان أو مضامين تحمل رسالة ما وتحقق مقصدية ما ،وانما هو وحدات وأجزاء وعناصر
108
ينظر ،دفيد بوشمندر ،نظرية األدب المعاصر وقراءة الشعر ،ترجمة عبد الكريم مقصود ،ص.19
ينظر ،صالح فضل ،مناهج النقد المعاصر ،ص.07
109
111
آن جيفرسون وديفيد روبي ،النظرية األدبية الحديثة ،تقديم مقارن ،ترجمة سمير سعيد ،ص.711
112
دليل الناقد األدبي ،ص.11
تلتحم داخل النسيج اللغوي وتنشأ بينها عالقات تجعل منها بنية قائمة بذاتها مكتفية بعناصرها ،تحكمها
قوانينها الداخلية.و تكون هذه العالقات هي محل المعاينة والتحليل وليس شيئا خارجا عنها .فقد أصبح
األدب مدونة دون رسالة بعدما كان ألمد طويل رسالة دون مدونة .113 codeوفي هذا الصدد يقول
المسدي ":أما البنيوية فليست علما أو فنا معرفيا بل فرضية منهجية قصارى ما تصادر عليه أن هوية
114
الظواهر تتحدد بعالقة المكونات وشبكة من الروابط أكثر مما تتحدد بماهيات األشياء ".
-3موت المؤلف :هذه الفكـرة فـي الحقيقـة ظهـرت قبـل البنيويـة ،مـع الفيلسـوف األلمـاني نيتشـه الـذي
أطلــق عبــارة "مــوت اإللــه " ،مــرو ار ب "مــوت اإلنســان " التــي نــادى بهــا ميشــال فوكــو ،وص ـوال إلــى" مــوت
المؤل ــف "م ــع روالن ب ــارت ال ــذي يؤك ــد عل ــى ..":أن الكتاب ــة قض ــاء عل ــى ك ــل ص ــوت ،وعل ــى ك ــل أص ــل،
الكتابة هي هذا الحياد،هذا التأليف واللف الـذي تتيـه فيـه ذاتيتنـا الفاعلـة ،إنـه السـواد -البيـاض الـذي تضـيع
فيه كل هوية ابتداء من هوية الجسد الذي يكتب" ،115إن منبع النص ومصدره –أي شخصية المؤلف التـي
كانــت هــوس النقــد عنــد بعــض االتجاهــات التقليديــة -تأخــذ فــي التحلــل والتالشــي بفعــل الكتابــة التــي تســمح
فقط للتجلي اللغو بالكينونة والهيمنة .ومن ثمة يكـون البحـث عـن مصـير الـنص هـو هـدف التحليـل الـذي
يقوم به قـارئ يتوقـف مـيالده علـى مـوت المؤلـف ،116هـذا األخيـر الـذي ينتهـي وجـوده بمجـرد انتهائـه مـن
الكتاب ـة .و ألنــه ال مزيــة لــه فــي ذلــك ســوى أنــه اســتخدم لغــة موروثــة وبطريق ـة متوارثــة ،اســتحق أن يكــون
مجرد ضيف ينزل على صفحة الغالف ال غير .وقتل المؤلف وبتر النص عن سـياقاته الخارجيـة كـل ذلـك
هــو فســح الطريــق أمــام القـراءة الموضــوعية المحايثــة ،التــي ال تتحقــق إال بإعــدام المؤلــف واسـقاط وصــايته
علــى الــنص نهائيــا "،فالعمــل األدبــي -عنــدها -ال يحيــل إلــى (موضــوع) ،وال هــو تعبيــر عــن ذات فرديــة ،والمهــم
عندها هو (نسق القواعد) أو (النظام) المستقل بحياتـه .ولهـذا فـإن البنيويـة تبـدو ال إنسـانية .وهـي تطالـب بقـارئ هـو
في الواقع ذات متعالية متحللة من كل المحددات االجتماعية المقيدة.117"...
وبذلك تصل البنيوية إلى " نزع مركزية الذات الفردية" .118ما جعل أحد خصومها وهو روجيه غـارودي
ينعتها بأنها :فلسفة موت اإلنسان ،يقول " :والبنيوية في هذا المفهوم في أيامنا هذه تحمل فلسفة تمثـل فـي
113
ينظر آن جيفرسون وديفيد روبي ،النظرية األدبية الحديثة ،تقديم مقارن ،ترجمة سمير سعيد ،ص.719
114
عبد السالم المسدي ،األسلوبية واألسلوب ،دار الكتاب الجديد ،بيروت –لبنان ،ط1 ،4991 ،1
115
روالن بارط ،درس السيميولوجيا ،ترجمة بنعبد العالي،دار توبقال للنشر ،المغرب،ط ،7003،3ص.17
116
ينظر المرجع نفسه ،ص .11-11
دمحم عزام ،تحليل الخطاب األدبي على ضوء المناهج النقدية المعاصرة ،ص .37
117
أمــا فــي الســاحة العربيــة فقــد تعــرف النقــد العربــي علــى البنيويــة فــي منتصــف الســتينات عــن طريــق
الترجمــة واالحتكــاك المباشــر بالثقافــة الغربيــة .ويعتبــر محمــود أمــين العــالم هــو أول ناقــد عربــي كتــب عــن
البنيويــة التــي ســماها الهيكليــة وذلــك فــي سلســلة مقــاالت بعنـوان الهيكليــة .120وتعــد أواخــر الســبعينيات هــي
االنطالقــة الفعليــة للمــنهج البنيــوي فــي النقــد العربــي عــن طريــق العديــد مــن األســماء النقديــة العربيــة الــذين
تهافتوا على التنظير له وتطبيقه واخضاع النصوص العربية القديمة والحديثـة آللياتـه سـواء مـن المشـرق أو
المغ ــرب العرب ــي .وم ــن هـ ـؤالء حس ــين الـ ـواد ف ــي "البني ــة القصص ــية ف ــي رس ــالة الغفـ ـران " ،7014و"البني ــة
اإليقاعيــة للشــعر العربــي " لكمــال أبــو ديــب ،7019و"البنيــة القصصــية ومــدلولها االجتمــاعي فــي حــديث
عيســى بــن هشــام " لرشــيد ثابــت 7011و مشــكلة البنيــة لزكريــا إب ـراهيم ،7011و نظريــة البنائيــة فــي النقــد
121
المعاص ــر ،لص ــالح فض ــل" ،7011ظ ــاهرة الش ــعر العرب ــي المعاص ــر ف ــي المغ ــرب" ل ــدمحم بن ــيس7010
و"حركية اإلبداع" لخالدة سعيد 7010و"األدب والغ اربـة " لعبـد الفتـاح كليطـو 7014و" معرفـة الـنص" ليمنـى
العيد 7013و"بناء الروايـة :د ارسـة مقارنـة لثالثيـة نجيـب محفـو " لسـي از قاسـم 7019و"الخطيئـة والتكفيـر :
م ــن البنيوي ــة إل ــى التشـ ـريحية ،قـ ـراءة نقدي ــة لنم ــوذج معاص ــر" لعب ــد هللا الغ ــذامي 7011و"بني ــة الخط ــاب
122
..إلى غير ذلك من األسـماء النقديـة التـي كـان لهـا إسـهامها فـي الشعري" لعبد المالك مرتاض 7011
ترسيخ المنهج البنيوي في انقد العربي.
-اإلفراط في عزل النص األدبي عن سياقاته الخارجية التي الشك أن لها تأثيرها في تلقي النص.
-إسرافهم في االعتماد على النموذج اللغوي الذي ال يعبأ بما هو خارج حدود اللغة ما أوقعهم فيما
ومن ثم إيغالهم في التجريد الشكلي . 123
يسميه فريدريك جيمسون "بسجن اللغة"
-تحميل النصوص فوق ما تحتمل وانطاقها بما ليس فيها .
ينظر ،روجيه غارودي ،البنيوية ف لسفة موت اإلنسان ،ترجمة جورج طرابيشي ،دار الطليعة للطباعة والنشر ،دمشق ،ط ،7011 ،3ص
119
.793
ينظر ،حفناوي بعلي ،استقبال النظريات النقدية في الخطاب العربي المعاصر :دراسة نقدية مقارنة ،دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع -األردن ،ط،1
120
، 2016ص+6 .8
121
ينظر يوسف وغليسي ،محاضرات في النقد المعاصر ،ص 90-91
122
ينظر ،لطفي فكري دمحم الجودي ،نقد خطاب الحداثة في مرجعيات التنظير العربي للنقد الحديث .739 ،
123
ينظر ،دفيد بوشمندر ،نظرية األدب المعاصر وقراءة الشعر ،ترجمة عبد الكريم مقصود ،ص .11
-تقطيع أوصال النص األدبي بتجزيئه إلى أصغر وحداته.
-تغييب الخصوصية النوعية للنصوص األدبية؛حيث يتساوى األدب الرفيع بغيره في نظر
المنهج البنيوي الذي يهتم فقط بالكشف عن البنية التي يفترض وجودها في كل النصوص مهما
كانت.
-البنيوية فلسفة ال إنسانية ومنهجية تقصي أية مرجعية للنصوص سواء أ كانت سماوية أم بشرية
وفي ذلك يكمن إلحادها .
المحاضرة السابعة:
Sémiotique السيميائية
يجمع الدارسون على أن السيميائية Sémiotiqueمن مخرجات النظرية اللسانية التي وضعها
العالم اللغوي السويسري فرديناند دي سوسير ،والذي يعني بها الدراسة العامة ألنساق السمات .124لكن
سرعان ما استقلت عنه مستوية علما قائما بذاته له مصطلحاته وجهازه المفاهيمي ومنهجيته وآلياته في
مقاربة النصوص .وذلك ببشرى زّفها دي سوسير بميالد علم مستقل هو السيميولوجيا حيث قال ":إن
اللغة نظام من الدالئل يعبر عما لإلنسان من أفكار وهي في هذا شبيهة بالكتابة و بألفائية الصم والبكم،
124
عبد المالك مرتاض ،نظرية النص األدبي ،دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ،الجزائر ط،4979 ،4ص .711
والطقوس الرمزية ،وصور آداب السلوك وباإلشارات الحربية وغيرها .إال أن اللغة أهم هذه األنظمة جميعها
إنها .واذن فإنه من الممكن أن نتصور علما يدرس حياة الدالئل في صلب الحياة االجتماعية ،وقد يكون
قسما من علم النفس االجتماعي ،وبالتالي قسما من علم النفس العام .ونقترح تسميته ب Sémiologie
أي علم الدالئل وهي كلمة مشتقة من اليونانية séméionبمعنى دليل .ولعله سيمكننا من أن نعرف مم
تتكون الدالئل والقوانين التي تسيرها.ولما كان هذا العلم غير موجود بعد فإنه ال يمكن أن نتنبأ بما
سيكون.ولكن يحق له أن يوجد ،ومكانه محدد سلفا .وليست األلسنية سوى قسم من هذا العلم العام
والقوانين التي سيكتشف عنها علم الدالئل سيكون تطبيقها على األلسنية ممكنا.وستجد األلسنية نفسها
ملحقة بميدان محدد المعالم مضبوط ضمن مجموع ظواهر البشرية 125 "..فهذا العلم يدرس بنية
اإلشارات ،و ذلك بتعقب األنظمة المتحكمة فيها.
كما يعزى الفضل في ظهور هذا العلم أيضا إلى معاصره الفيلسوف األمريكي شارل سندرس بيرس
.وقد توسع في موضوعه السيميوطيقاSémiotique أحد أكبر المؤسسين لعلم السمة وفلسفتها 126سماه
127
.يقول ":لم يكن ليصبح إطا ار مرجعيا يتضمن أي دراسة أخرى في أي مجال لغويا كان أو غير لغوي
بإمكاني على اإلطالق أن أدرس أي شيء – الرياضيات ،األخالق ،الميتافيزيقا ،الجاذبية ،الديناميكا
الح اررية ،البصر ،الكيمياء ،التشريح المقارن ،الفلك ،علم النفس ،الصوتيات ،االقتصاد،تاريخ العلوم(ضرب
من لعب الورق)الرجال والنساء،النبيذ،علم المقاييس والموازين-إال بوصفه دراسة سيميائية".128
شاع استخدام مصطلح( السيميولوجيا ) الذي استحدثه سوسير ،بين الدارسين من ذوي الثقافة
األوروبية ،بينما استخدم مصطلح بيرس (السيميوطيقا ) للمتحدثين باألنجلوساكسونية .أما النقاد العرب
كعادتهم فقد تفرقوا شيعا فمنهم من شايع األوروبيين ،ومنهم من شايع األنجلوساكسونيين ،فيما آثر فريق
ثالث البحث في الجذور العربية عله يجد ما يرفع عنه حرج اإلتباع فاستخدموا مصطلح السيمياء الذي
يحيل على المعارف السحرية والقيافة وأسرار الحروف التي عرفها العرب.129 ..على أنه تنبغي اإلشارة
125
فرديناند ديسوسير ،دروس في األلسنية العامة ،ترجمة صالح قرمادي -دمحم الشاوش-دمحم عجينة ،الدار العربية للكتاب-،طرابلس -ليبيا،
د ط ، 7011 ،ص.31
126
ينظر المرجع نفسه ،الصفحة نفسها .
127
ينظر ،أوزوالد ديكرو ،جان ماري سشايفر ،القاموس الموسوعي الجديد لعلوم اللسان ،ترجمة منذر عياشي ،ص .709
128
المرجع السابق ،الصفحة نفسها.
129
ينظر صالح فضل ،مناهج النقد المعاصر ومصطلحاته ،ميريت للنشر والمعلومات ،القاهرة –مصر ،ط ، 4994،7ص.747
إلى أن تداول المصطلحين السيميولوجيا و السيميوطيقا على سبيل الترادف كان وراء الفوضى
المصطلحية التي أثارت الجدل بين النقاد والدارسين الذين ارتأوا لزام ضبطهما وتوضيح ما بينهما من
فروق .وقبل ذلك وجب علينا العودة إلى الجذور التاريخية لمصطلح السيميائية .
ينحدر مصطلح السيميائية من "األصل اليوناني " "Sémeionالذي يعني العالمة و"logos
"الذي يعني الخطاب...وبامتداد أكبر كلمة logosتعني العلم .هكذا يصبح تعريف السيميولوجيا على
.وتعود بوادر السيميائية " إلى أفالطون الذي استخدم مصطلح 130
النحو اآلتي :علم العالمات "
سيميوطيقا Sémiotkéإلى جانب مصطلح Grammatikéالذي يعنى تعلم القراءة والكتابة ،ومندمج مع
الفلسفة أو فن التفكير .ويبدوأن السيميائية اليونانية لم يكن هدفها إال تصنيف العالمات وتوجيهها في
131
. منطق فلسفي شامل"
كما يذكر أمبرتو إيكو أن تاريخ السيميائيات ":يعود إلى ألفي سنة مضت وذلك مع الرواقيين الذين
هم أول من قال بأن للعالمة "" signeوجهين :دال ومدلول""Signifiant-Signifiteوكان ذلك مرتكز
132
.يضاف إليها أبحاث القديس سانت أغسطين ( ) 319-939ذات األصول السيميائيات المعاصرة
الفلسفية وذلك بتمييز بين العالمات الطبيعية ،والعالمات التواضعية ،وأيضا تمييزه بين وظيفة العالمات
عند الحيوانات والبش ر. 133ثم يختفي هذا المصطلح ليعاود الظهور مع الفيلسوف األنجليزي جون لوك
. 134
بداللة مشابهة لما استعمله له أفالطون
وقد عرفت البيئة العربية مصطلح السيميائية بدءا بالمادة اللغوية التي احتضنتها المعاجم العربية،
فقد جاء في لسان العرب في مادة (س ،و ،م) قوله ":السيمة والسيمياء العالمة ،وسم الفرس جعل عليه
السيمة ويقول الجوهري السومة بالضم العالمة التي تجعل على الشاة " 135ثم مرو ار بالعديد من آيات
َّدا َيْب َت ُغو َن َف ْض ًًل ِّم َن
اه ْم ُرَّك ًعا ُسجً
الذكر الحكيم التي وردت فيها لفظة السيمة من ذلك قوله تعالى َ ﴿ :تَر ُ
ود ۖ ﴾{ الفتح }40 /وقوله تعالىَ ﴿ :ت ْع ِّرُف ُهم وه ِّهم ِّم ْن أَ َث ِّر ُّ
الس ُج ِّ اهم ِّفي ُو ُج ِّ ِّ َّ ِّ
َّللا َو ِّر ْض َواًنا ۖ س َ
يم ُ ْ
اس ِّإْل َحا ًفا ﴾ { البقرة }372/وأخي ار وصوال إلى الكثير من علوم العربية كعلوم اه ْم ََل َي ْسأَُلو َن َّ ِّ ِّ
الن َ يم ُ
بس َ
130
برنار توسان ،ما هي السيميولوجيا ،ترجمة دمحم نظيف ،أفريقيا الشرق -المغرب ،ط ،4999،4ص.0
131
المرجع نفسه،ص.31
132
ينظر ،ميشال آريفييه وآخرون ،السيميائية،األصو ل والقواعد والتاريخ ،ترجمة رشيد بن مالك ،مراجعة وتقديم عزالدين مناصرة ،دار
مجدالويللنشر والتوزيع،عمان –األردن،ط، 4991،7ص.41
133
ينظر ،المرجع السابق ،ص.41
134
ينظر ،برنار توسان ،ما هي السيميولوجيا ،ترجمة دمحم نظيف ،ص.31
135
ابن منظور ،لسان العرب ،مادة( سوم)
اللغة والبالغة والفلسفة ..التي وردت فيها أفكار متناثرة تصب في ما يعرف اليوم بعلم السيميائيات فقد"
تبلور علم السيمياء على يد علماء األصول والتفسير والمنطق واللغة والبالغة،وكان الباحث الموجه للدرس
136
وبالرغم السيميائي هو القرآن الكريم،إذ منذ نزوله كان التأمل في العالمة بغية اكتشاف بنيتها الداللية"
من أن" دراسات النظام اإلشاري في التراث العربي قديمة قدم الدرس اللساني ،إال أن األفكاروالتأمالت
السيميائية التي وصلت ظلت في إطار التجربة الذاتية ،ولم تتجسد في إطار التجربة العلمية الموضوعية،
137
ومن ثم فالمنطلقات السيميائية للدراسة العربية تنقصها اإلجراءات التطبيقية الموسعة"
وعود على قضية المصطلح التي تشير إلى انقسام النقاد والدارسين الغربيين بين مصطلح
السميولوجيا أو السيميوطيقا فقد وجدنا من النقاد من يستخدم المصطلحين بداللة واحدة ومن هؤالء جوليا
كريستيفا وذلك في قولها ":تسعى السيميولوجيا أوالسميوتيكا..اليوم إلى أن تبنى على أساس أنها علم
المعان ي. 138كذلك تودوروف وديكرو في قاموسهما الموسوعي :فالسيميائية أو السيميولوجيا-بصيغة
فرق غريماس وبعض اللسانيين بين
في حين ّ
139
العطف والتخيير -هي علم العالمات .
المصطلحين،فالسيميولوجيا تعنى " بالعلم الذي يبحث في أنظمة العالمات لغوية كانت أو أيقونية أوحركية
فإن السيميولوجيا تبحث في العالمات غير اللغوية
،وبالتالي إذا كانت اللسانيات تدرس األنظمة اللغوية ّ
بينما تعنى السيميوطيقا بـ « الدراسة الشكالنية للمضمون إذ تمر عبر 140
التي تنشأ في حضن المجتمع"
141
أي الجانب العملي الذي يسعى إلى الشكل لمساءلة الدوال من أجل تحقيق معرفة دقيقة للمعنى".
الكشف عن الكيفية –الشكل -التي تمت بها صناعة المعنى وليس بالمعنى .ومن ثمة فالسيميولوجيا تمثل
الجانب النظري بينما تمثل السيميوطيقا جانبه التطبيقي.
ميز معجم Hachetteبين المصطلحات المتداولة في حقل السميائية وهي السيميولوجيا والسيميوطيقا
وقد ّ
حدد "السيميوطيقا" بأنها "النظرية العامة التي تدرس العالمات وأنساقها داخل
والسيميائيات ؛حيث ّ
السيميوطيقا بأنها النظرية العامة للعالمات واألنظمة الداللية اللسانية وغير " َّ،وحدد 142
المجتمع
136
بلقاسم دفة ،علم السيمياء في التراث العربي ،مجلة التراث العربي العدد،07رجب7949هأيلول (سبتمبر)4993السنة الثالثة والعشرون
،ص17
137
المرجع نفسه ،ص .10-11
138
ينظر عبد المالك مرتاض ،في نظرية النص األدبي ،ص.713
139
ينظر ،يوسف وغليسي ،محاضرات في النقد المعاصرمنشورات جامعة منتوري -،قسنطينة ، 4991-4999 ،ص .19
140
نور المرتجي :سيميائية النص األدبي ،إفريقيا الشرق ،بيروت ، 7011 ،ص41
141
براهيم صدقة :السيميائية ؛ مفاهيم ،اتجاهات ،أبعاد ،ضمن محاضرات الملتقى الوطني األول – السيمياء والنص األدبي ،منشورات جامعة
"دمحم خيضر بسكرة ، 4999 " ،ص .11
142
Hachette : Dictionnaire HACHETTE encyclopédique, Hac hette livre, Paris, 2002, p212
" ،ولتالفي هذا 144
Sémantiqueفتعني دراسة اللغة من زاوية الداللة اللسانية " ِِ ِّ 143أما السيميائيات
التجاذب بين المصطلحين فقد قررت لجنة دولية في فبراير 7010م تبني استخدام مصطلح السيميوطيقيا
وتأسيس الرابطة الدولية للدراسات السيموطيقية.145
في أبسط تعريف لها فإن السيميائية هي" دراسة اإلشارات "146أو هي " هي الدراسة المنظمة لألدلة
148 147
مهما كان نوعها إذ "، ويعرفها أمبرتو إيكو بقوله " :تعنى السميائية بكل ما يمكن اعتباره إشارة " "
تتضمن ليس فقط ما نسميه في الخطاب اليومي إشارات ،ولكن أيضا كل ما ينوب عن شيء آخر من
منظور سيميائي ،تأخذ اإلشارات شكل كلمات وصور وأصوات وايماءات وأشياء ،وال يدرس السيميائيون
المعاصرون اإلشارات مفردة،ولكن كجزء من منظومات إشارات ..يدرسون كيفية صناعة المعنى وتمثيل
149
فالسيميائية تدرس حياة وحركة العالمات المحسوسة التي تنوب عن أشياء غير محسوسة هي الواقع".
المقصودة ،والعالقة بينها .و تدرس كيفية إنتاجها للمعنى في أي حقل من الحقول المعرفية لغوية وغير
لغوية .فموضوع السيميائية هو البحث في "السيرورة المؤدية إلى إنتاج الداللة ،أي ما يطلق عليه في
االصطالح السيميائي التدالل، Sémiosisوالتدالل في التصور الداللي الغربي هو الفعل المؤدي إلى
إنتاج الدالالت وتداولها" .150بما أن اإلنسان مولع بتوليد المعاني-كما يقول دانيال تشالدنير -عن طريق:
" ابتكار اإلشارات وتفسيرها ..وأي شيء يمكن أن يصبح إشارة ،شرط أن يعتبر أحدنا أنه "يعني" أمرا،أي
يحيل على شيء أو ينوب عنه ،ونعتبر األشياء إشارات بطريقة ،هي إلى حد بعيد غير واعية وذلك
151
بربطها بمنظومات واصطالحات مألوفة هذا االستخدام الداللي لإلشارات هو موضوع السيميائية".
وبذلك فإن السيميائية تحليل جمالي مؤسس يبحث في العالقات الداللية غير المدركة عبر المدرك،
للقبض على المضمر والمخفي في النص وفي مختلف مناحي الحياة .وقد كان التساع السيميائية
وانفتاحها على مختلف مجاالت الحياة أثره في ظهور اتجاهات لها عديدة أو سيميائيات مّثلها أعالم
152
مثل : السيميائية
143
Ibid.p245.
144
.ibid .p255.
145
ينظر ،فيصل لحمر ،معجم السيميائيات ،ص..73
146
دانيا ل تشالدنر ،أسس السيميائية ،ترجمة طالل وهبة ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،ط ،4991،7ص 41
تيري أنغلتون ،نظرية األدب،ص711
147
148
.دانيا ل تشالدنر ،أسس السيميائية ،ترجمة طالل وهبة ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،ط ،4991،7ص .41
149
المرجع نفسه ،الصفحة نفسها .
150
سعيد بنكراد:السيميائيات والتأويل)مدخل إلى سيميائيات ش.س.بورس،المركز الثقافي العربي ،المغرب،ص.44
151
دانيا ل تشالدنر ،أسس السيميائية ،ترجمة طالل وهبة ،،ص.91
152
عبد الحميد هيمة ،النص الشعري بين النقد السياقي والنقد النسقي قراءة في إشكالية المنهج في النقد العربي المعاصر ،مجلة مقاليد العدد الثاني
ـ ديسمبر ، 4977ص.04
-7الشعر ( مولينو ،رومان ياكبسون ،جوليا كرستيفا ،ميكائيل ريفاتير ).
-4الرواية والقصة ( غريماس ،كلود بريمون ،روالن بارت ،تودوروف ،جيرار جينيت ،فيليب هامون).
153
A.J.Greimas et j.courtés ,DictionnaireRaisonné de la Sémiotique .op .cir .P350.
154
موالي علي بوخاتم ،مصطلحاتىالنقد العربي السيماءوي ،اإلشكالية واألصول واالمتداد .4999/4993منشورات اتحاد الكتاب العرب –
دمشق،دط ،4991،ص.719
155
نصر حامد أبو زيد وسيزا قاسم ،أنظمة العالمات في اللغة واألدب والثقافة ،مدخل إلى السيميوطيقا ،دار إلياس العصرية ،القاهرة –مصر
،دط ،7011،ص.70
وحداتها من عالقات ،والكشف عن القوانين المادية والنفسية التي تحكمها ،والتي بوساطتها يتم اكتشاف
مكامن الجمال واإلدهاش في النصوص األدبية .كان في ذلك ما يغني عن النظر فيما وراء السياج
اللغوي؛ أي بعيدا عن المعطى االجتماعي والتاريخي وغيرها من المعطيات الخارجية.
وانطالقا من ذلك فإن السيميائية تنظر للنص في ضوء شبكة من العالقات " كالتشاكل ،والتباين والتقابل
156
.كل ذلك كان وما إلى ذلك من العالقات المختلفة والمتولدة عن حركة داخلية تفاعلية في النص"
سببا في ضخ الكثير من المصطلحات الحداثية التي تصب في انغالقية النص األدبي كموت المؤلف عند
بارت ،واإلنتاجية والتناص عند جوليا كرسيتيفا..إلخ.
تتحرك سيميائية بيرس في فضاءات أرحب تخطت حدود اللغة التي حصر فيها سوسير سيميائيته،
حيث ضمت مختلف أوجه النشاط اإلنساني واحتضنت مختلف العلوم فكان من نتاج ذلك أن كانت
العالمة عنده ثالثية المبنى ،متجاو از بذلك ثنائية العالمة عند سوسير وهنا " ينكشف الفضاء الالمحدود
للسيميائية التي تنظر إلى العالمة بوصفها كيانا ثالثي المبنى يتكون من (المصورة
)REPRESENTEAMENوتقابل (الدال)عند سوسير و(المفسرة )INTERPRETANTوتقابل (المدلول)
عند سوسير والموضوع ( )OBJECTوال يوجد له مقابل عند سوسير .وقد ميز بين نوعين من الموضوعات
،أحدهما الموضوع الديناميكي ،وهو الشيء في عالم الموجودات ،وثانيهما هو الموضوع المباشر ،ويشكل
157
و من منطلق العالقة بين الصورة والموضوع جزءا من أجزاء العالمة وعنص ار من عناصرها المكونة "
158
هي : فإن العالمة عنده أنواع ثالثة
- 7األيقونة :حيث تشبه العالمة مرجعها؛أي أن العالقة بين الدال والمدلول تقوم على مبدأ التشابه مثل
الصورة الفوتوغرافية .
-4المؤشر :حيث ترتبط العالمة مع مرجعها برباط السببية كإحالة الدخان على النار.
-3الرمزي :حيث تغدو عالقة العالمة بمرجعها عالقة عرفية اعتباطية كرمز الحمامة للسالم.
وتأسيسا على ما سبق فإن السيميائية تتقدم كعلم ومنهجية تتسم بالشمولية واالتساع؛ إذ أنها
تستقطب إلى مجال اهتمامها كل أنظمة التواصل بما في ذلك النصوص األدبية عن طريق الكشف على
النظام المعنوي وكيفية اشتغاله.
156
بشير تاوريريت ،أبجديات في فهم النقد السيميائي ،محاضرا الملتقى الوطني الثاني ،السيمياء والنص األدبي ،جامعة ممد خيضر بسكرة
كلية اآلداب والعلوم االجتماعية ،قسم األدب العربي 71-71أفريل ،.4994ص.499
157
المرجع السابق ،ص .701
158
ينظر ،نصر حامد أبو زيد وسيزا قاسم ،أنظمة العالمات في اللغة واألدب والثقافة ،مدخل إلى السيميوطيقا،ص.39-37
السيميائية في الوطن العربي :
اجتاحت السيميائية الوطن العربي شرقه وغربه مع بداية الثمانينات ،كمنهج نقدي يتسم بالشمولية
و النجاعة التحليلية .مستصحبة معها الفوضى المصطلحية التي عانت منها في النقد الغربي .وقد تفاقم
األمر في النقد العربي بسبب اضطراب الترجمة التي وضعت النقاد والقراء العرب في أزمة خانقة فقد
لمصطلح السيميائية والسيميولوجيا من مثل 159
أحصى الباحثون ما يزيد عن ستة وثالثين اسما
السيمائية ،السيميوتية السيميوتيكا علم الرموز الداللية ،الدالئلية الدالئليات علم األدلة علم الداللة علم
السيميولوجيا ،العالمتية علم العالمات السيميوطيقا السيماطيقا نظرية اإلشارية ...إلخ أما مصطلح
السيميولوجيا فقد ترجم إلى سيميولوجيا،علم السيميولوجيا ،ساميولوجيا سيمياء السيمائية علم العالقات ،
علم الدالئل ،علم السيمانتيك األعراضية ...إلى آخره من هذا االنفالت المصطلحي الذي جعل أحد النقاد
يصفه باإلسهال المرضي .160ومن رموز النقد السيميائي في الوطن العربي الذين أرسوا دعائم السيميائية
ترجمة وتأليفا تنظي ار وتطبيقا :في بالد المغرب :رشيد بن مالك في مقدمة في السيميائيات السردية "و
ترجمته لكتاب " السيميائية األصول والقواعد والتاريخ " آلن إينو ،وميشال أريفيه وآخرون ".قاموس
مصطلحات التحليل السيميائي" .وعبد الملك مرتاض" تحليل الخطاب السردي معالجة تفكيكية سيميائية
مركبة لرواية زقاق المدق" ،وكتاب "أ-ي دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة أين ليالي لدمحم العيد آل خليفة"
الجزائرية" و" التحليل السيميائي للخطاب الشعري ،وعبد الحميد بورايو" منطق السرد دراسات في القصة
،وعبد القادر فيدوح ،والطاهر رواينية ،والسعيد بوطاجين" النموذج العاملي "الذي اشتغل فيه على رواية
"غدا يوم جديد" لعبد الحميد بن هدوقة ،وحنون مبارك" دروس في السيميائية" وحسين خمري" نظرية
النص في النقد المعاصر" ،دمحم مفتاح في سيمياء الشعر القديم ،وسعيد بنكراد "التأويل بين السيميائيات
والتفكيكية " ألمبرتو إيكو و" سيميولوجيا الشخصيات الروائية" لمؤلفه فليب هامون ،وعبد السالم المسدي
،دمحم ناصر العجيمي في كتابه" في الخطاب السردي نظرية غريماس" ،وفي بالد المشرق يبرز بسام
قطوس في " :سيمياء العنوان" ،وسي از قاسم في "القارئ والنص والعالمة والداللة" .،أنطوان أبي زيد "
السيمياء" لبيير غيرو .أنظمة العالمات .وغيرها من األسماء الكثيرة التي تهافت على السيميائية ترجمة
وتأليفا.
159
ينظر عبدهللا بوخالخال مصطلح السيميائية في البحث اللساني العربي الحديث ،ضمن " السيميائية والنص األدبي أعمال ملتقى معهد اللغة
العربية وآدابها ،منشورات جامعة عنابة ،7001ص.19و موالي علي بوخاتم ،مصطلحات النقد السيماءوياإلشكالية واألصول واالمتداد،ص
710-711ويوسف وغليسي ،محاضرات النقد المعاصر ،ص.11-11
160
ينظر ،يوسف وغليسي ،محاضرات النقد المعاصر ،ص.11-11