You are on page 1of 33

‫الجمهورية الجزائرية الشعبية الديمقراطية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫جامعة اإلخوة منتوري قسنطينة ‪1‬‬

‫كلية اآلداب واللغات‬

‫قسم اآلداب اللغة العربية‬

‫محاضرات مقياس النقد المعاصر‬

‫السنة الثانية‬

‫المجموعة الثانية األفواج ‪)8،7،6،5( :‬‬

‫إعداد األستاذة‪ /‬سهام صياد‬


‫النقد الجديد‬ ‫المحاضرة الرابعة‬

‫يندرج النقد الجديد تحت مظلة النقد الشكلي الذي يركز على اعتبار النص األدبي وحدة‬
‫عضوية يتالحم فيها الشكل بالمضمون في مقابل استبعاد أية محاولة لربط األدب بالحياة أو الواقع‬
‫الخارجي أو الداخلي لألديب‪..‬إلخ وكل هذه التوجهات تمثل عماد النقد الجديد الذي ظهر في أعقاب‬
‫انتهاء الشكالنية الروسية في بداية الثالثينات ‪ ،‬متخذا من الجامعات األمريكية وخاصة الجنوب األمريكي‬
‫مرك از له ‪.1‬‬

‫تشير الدراسات إلى أن بدايات هذا النزوع النقدي تعود إلى الشاعر األمريكي (إز ار باوند ) سنة‬
‫‪ 7091‬باإلضافة إلى األفكار التي حملتها كتابات الناقد األمريكي األصل واألنجليزي الجنسبة (توماس‬
‫ستيرنز إليوت ) عن النقد الموضوعي ‪ ،‬وكذا أعما ل الناقدان األنجليزيان روبرت جريفز ‪ ،‬وا‪.‬أ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ريتشاردز)‪.‬‬

‫وتعود عبارة " النقد الجديد" إلى كتاب أصدره الناقد األمريكي (جون كرورانسوم ) عام ‪ 7099‬يحمل‬
‫عنوان ‪ :‬النقد الجديد وفيه استعرض أعمال النقاد الذين يمثلون حركة الحداثة الجديدة كريتشاردز ‪،‬‬
‫واليوت ‪ ،‬وليفز وامبسون ‪..‬إلخ ‪ .3‬ثم ما لبثت أن أطلقت عبارة النقد الجديد على‬

‫ومن أبرز ممثلي النقد الجديد ‪ :‬رائدهم (جون كرورانسوم )‪ ،‬و(كلينيث بروكس )و(دونالد ديفيدسون‬
‫)و(ميريل مور )‪،‬و (روبرت بان وورين) و(آالن تيت) و (بالك كور) بإلضافة إلى( ويليام ويمزات‬
‫)و(رونيه ويليك) و(مونرو برادزلي )‪.‬‬

‫تعريف النقد الجديد ‪:‬‬

‫عرف كلينيث بروكس النقد الجديد بقوله ‪.. :‬إنه النقد الذي يفصل النقد األدبي عن دراسة‬
‫ّ‬
‫المصادر و الخلفيات االجتماعية وتاريخ األفكار والسياسة واآلثار االجتماعية ‪ ،‬وهو الذي يسعى إلى‬
‫تنقية النقد الشعري من هذه االهتمامات الخارجية وتركيز االهتمام أساسا على الموضوع األدبي نفسه ‪،‬‬
‫وهو يستكشف بناء العمل ‪ ،‬وال شأن له بالمؤلف وال بردود أفعال القراء وغيرها مما يتخطى حدود األدب‬

‫ينظر صالح هويدي ‪ ،‬النقد األدبي الحديث قضاياه ومناهجه ‪،‬منشورات جامعة السابع من أبريل ‪ ،‬ليبيا ‪ ،‬ط‪7941 ،7‬ه‪ ،‬ص‪799‬‬
‫‪1‬‬

‫ينظر المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪ .‬وأيضا‬


‫‪2‬‬

‫ينظر آن جفرسون وديفيد روبي ‪ ،‬النطرية األدبية الحديثة تقديم مقارن‪ ،‬ترجمة سمير سعيد‪،‬منشورات و ازرة الثقافة ‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا ‪،‬دط‪،‬‬
‫‪3‬‬

‫‪،7004‬ص‪.731‬‬
‫الشكلية‪ .‬فقد أوجز هذا التعريف نظرة النقد الجديد االستئصالية التي تستأصل العمل األدبي من كل‬
‫السياقات الخارجية التي ال تفيد في الكشف عن حقيقته أو تتعارض مع ما يعرف عندهم بأنطلوجية‬
‫القصيدة ‪ .‬ومن خالل هذا التعريف الجامع نستطيع أن نستخلص المبادئ النقدية التي جاء بها النقد‬
‫الجديد وهي ‪:‬‬

‫‪ -7‬الحجرعلى العمل األدبي بقطع صلته بكل ماهو خارجي سواء أ كان الواقع الحياتي أم العالم الداخلي‬
‫لألديب أم ما يتعلق بالقارئ‪ .‬وبذلك تم رفض " الدراسة التاريخية المتنسكة في أقسام الدراسات العليا ذات‬
‫االفتراضات الوضعية بأن النص األدبي يعبر عن مكانه وزمانه‪ ،‬أو عن شخصية مؤلفه وال شيء غير‬
‫ذلك"‪ ، 4‬كما رفضوا إقحام العلوم اإلنسانية في ميدان الفن ‪ ،‬وكذا البحث عن نوايا المؤلف وعن البواعث‬
‫النفسية التي تقف وراء عمله األدبي ‪ 5‬فأصبح هم الدراسة األدبية " الخصائص األدبية الصرف للنصوص‬
‫"‪ .6‬فقد" مضى تحرير النص من المؤلف و القارئ يدا بيد وفك ارتباطاته بأي سياق اجتماعي أو‬
‫تاريخي " ‪7‬ليصبح "المنهج الوحيد المشروع عندهم هو النقد الجمالي الذي يتيح فرصة إضاءة العمل‬
‫‪8‬‬
‫األدبي من الداخل واضاءة حقيقية وذات قيمة "‪.‬‬

‫‪-4‬رفض ربط األدب بأي هدف أو قيمة مهما كانت فعند كلينيث بروكس وروبرت بن وارن ‪" :‬إذا كان‬
‫الشعر جدي ار بأن يدرس أساسا فهو جدير بأن يدرس كشعر فقط "‪ 9‬وليس كوسيلة لتحقيق هدف مهما‬
‫كان أخالقيا أو تاريخيا‪ .‬فقد ألحوا "‪..‬على تحويل القصيدة إلى موضوع مكتف بذاته‪ ،‬صلب ومادي مثل‬
‫آنية أو أيقونة ‪ ،‬فقد أصبحت القصيدة هيئة تأخذ حي از مكانيا وليست سيرورة زمانية"‪.،.10‬‬

‫‪ -3‬تتوقف قيمة القصيدة عند أصحاب النقد على مبناها وليس على معناها ‪ ،‬فمعنى العمل األدبي ال‬
‫يكمن في الموضوع الذي يعالجه أو األفكار التي يناقشها فالمعاني مطروحة في الطريق على حد تعبير‬
‫الجاحظ ‪ ،‬وانما" معناه يتمثل في كونه تجربة متخيلة أو واقعية توظف إمكانات اللغة من مجاز وتصوير‬
‫وايقاع وغموض وتكرار ‪...‬إلخ ومن ثمة كان تعميقهم لمبدأ أدبية األدب الذي يحرص على توضيح كيفية‬

‫آن جفرسون وديفيد روبي ‪ ،‬النطرية األدبية الحديثة تقديم مقارن‪ ،‬ترجمة سمير سعيد‪،‬ص‪.731‬‬
‫‪4‬‬

‫صالح هويدي ‪ ،‬النقد األدبي الحديث قضاياه ومناهجه‪ ،‬ص‪791‬‬


‫‪5‬‬

‫آن جفرسون وديفيد روبي ‪ ،‬النطرية األدبية الحديثة تقديم مقارن‪ ،‬ترجمة سمير سعيد‪،‬ص‪.731‬‬
‫‪6‬‬

‫‪7‬‬
‫تيري إنغلتون ‪ ،‬نظرية األدب‪ ،‬ترجمة‪ ،‬ثائر ديب ‪،‬منشورات وزارة الثقافة ‪،‬دمشق‪ ،‬سوريا ‪،‬دط‪،‬دت‪ ،‬ص‪09‬‬
‫صالح هويدي ‪،‬النقد األدبي الحديث قضاياه ومناهجه‪ ،‬ص‪.791‬‬
‫‪8‬‬

‫‪9‬‬
‫المرجع نفسه ‪،‬ص‪.791‬‬
‫‪10‬‬
‫تيري إنغلتون ‪ ،‬نظرية األدب‪ ،‬ترجمة‪ ،‬ثائر ديب ‪،‬ص‪.09‬‬
‫القول وليس القول في ذاته ‪ ،‬ولذلك عد الشاعر عنده صانعا ‪ ،‬وليس موصال لرسالة ما ‪ ،‬كما عد الناقد‬
‫‪11‬‬
‫كاشفا لكيفية التجربة اإلبداعية وأسلوبها "‪.‬‬

‫‪ -9‬رفض الفصل بين الشكل والمضمون ‪ ،‬ومن ثمة القول بالطبيعة العضوية المركبة للعمل األدبي الذي‬
‫هو وحدة متجانسة العناصر ‪ ،‬فال يمكن إدراك لغة النص بعيدا عن مضمونه أو العكس ‪ ،‬ولذلك يتساءل‬
‫آالن تيت " هل في اإلمكان التمييز القاطع بين اللغة وبين المضمون؟ أليس المضمون واللغة شيئا‬
‫واحدا ‪12‬؟" ولذلك فهو يحمل على بدعة تلخيص العمل األدبي التي تفترض أن للقصيدة فكرة يمكن‬
‫التقاطها بعيدا عن اللغة ‪ ،‬وفي ذلك يقول بروكس " إن الفكرة كلمة ال معنى لها ‪ ،‬فليس هناك شيء اسمه‬
‫الفكرة بدون القصيدة "‪ 13‬وفي هذا إشارة إلى ما قاله ‪ :‬أرشيلد ماك ليش الذي يصرح قائال‪" :‬حسب القصيدة‬
‫أن توجد‪ ،‬فليست وظيفتها أن يكون لها معنى" ‪ 14‬ومسوغ رفضهم لتلخيص القصيدة هو إيمانهم أن العمل‬
‫األدبي هو وحدة عضوية ‪،‬بل هو مزيج من المعاني المشوشة التي يصعب اختزالها في تأويل نهائي‪.15‬‬

‫‪ -1‬االهتمام بتحليل القصيدة وعناصرها الجوهرية بعيدا عن االشتغال باالنطباعات واالستجابات التي‬
‫تخلفها القراءة أو االشتغال بالكاتب ومجاله الثقافي ‪ ،‬مما يؤدي إلى إصدار أحكام معيارية يعوزها الدليل‬
‫والبرهان ‪ ،‬أي االهتمام بالتحليل العلمي للنص طالما أن للقصيدة أنطولوجيتها الخاصة بها‪ .‬فقد انتهى‬
‫عصر األحكام المعيارية المطلقة والمسبقة التي كانت القصيدة تحاكم بها‪.‬‬

‫ومن أهم المصطلحات التي أنضجها النقد الجديد ‪:‬‬

‫* القراءة الفاحصة‪ :‬وهي القراءة العلمية التي تسلط الضوء على العناصر الجوهرية للنص األدبي والذي‬
‫بها تتحقق أدبيته وهي اللغة‪ ،‬أي المعجم اللغوي للنص ‪ ،‬تراكيبه اللغوية والبالغية ‪ ،‬رموزه واشاراته مما‬
‫يعني إقصاء البيئة الثقافية واالجتماعية للنص‪ 16.‬واتباع طريقة موضوعية صارمة في تشريحه‪ .‬ويقوم‬
‫النظر النقدي الجديد النمطي في قصيدة ما باستقصاء متشدد ل"توتراتها"‪ ،‬و" مفارقاتها"‪،‬و‬
‫"تجاذباتها"المتنوعة مظه ار كيف تنحل وتتكامل في بنيتها المتينة"‪17‬ولكي تتحقق القراءة الموضوعية على‬

‫ينظر‪ ،‬صالح هويدي ‪،‬النقد األدبي الحديث قضاياه ومناهجه‪ ،‬ص‪791‬‬


‫‪11‬‬

‫‪12‬‬
‫يوسف وغليسي‪ :‬مناهج النقد األدبي‪ ،‬منشورات جامعة قسنطينة‪،‬دط‪،4991-4999 ،‬ص‪31‬‬
‫صالح هويدي ‪،‬النقد األدبي الحديث قضاياه ومناهجه‪ ،‬ص‪791‬‬
‫‪13‬‬

‫‪14‬‬
‫جورج واطسون‪ :‬الفكر األدبي المعاصر‪ ،‬ترجمة مصطفى بدري‪ ،‬المؤسسة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة ‪ ،7019‬ص‪.11‬‬
‫‪15‬‬
‫ينظر‪ ،‬تيري إنغلتون ‪ ،‬نظرية األدب‪ ،‬ترجمة‪،‬ثائر ديب‪ ،‬ص‪..01‬‬
‫ينظر صالح هويدي ‪،‬النقد األدبي الحديث قضاياه ومناهجه‪،‬ص‪791‬‬
‫‪16‬‬

‫‪17‬‬
‫تيري إنغلتون ‪ ،‬نظرية األدب‪ ،‬ترجمة‪ ،‬ثائر ديب‪ ،‬ص‪.07-09‬‬
‫الناقد "أال يستسلم لالنطباعية النقدية أو الذاتية المفتقرة إلى الحيوية"‪18‬وهذا ما يعرف عندهم ب‪ :‬المغالطة‬
‫القصدية‪ ،‬والمغالطة الوجدانية ‪.‬‬

‫* المغالطة القصدية ‪،‬و المغالطة الوجدانية ‪:‬‬

‫ا‪ -‬نعني باألولى أي المغالطة القصدية أو مغالطة النية رفض أية محاولة للربط بين نية المؤلف‬
‫وقصده وعمله األدبي‪ ،‬ألنه ال قيمة لذلك في الكشف عن أدبية النص‪ ،‬ألن البحث عن قصد الكاتب أو‬
‫‪19‬‬
‫وألن مقاصد المؤلف في الكتابة‪ ،‬حتى لو أمكن‬ ‫ما تخلفه القراءة من انطباع مجرد وهم ال وجود له‬
‫استعادتها‪ ،‬ليست ذات صلة بتأويل نصه و ال يمكن لالستجابات االنفعالية لدى قراء محددين أن تختلط‬
‫بمعنى القصيدة ‪ :‬فالقصيدة تعني ما تعنيه بصرف النظر عن نوايا الشاعر‪ ،‬أو المشاعر الذاتية التي‬
‫يستمد ها القارئ منها‪ ،‬فالمعنى عام وموضوعي‪ .‬منقوش في لغة النص األدبي ذاتها‪ ،‬وليس مسألة "‬
‫دافع" شبحي مزعوم في رأس مؤلف مات منذ زمن بعيد‪ ،‬أو دالالت اعتباطية ينسبها القارئ إلى كلمات‬
‫هذا المؤلف ‪ ،‬يقول ويمزات وبرادزلي في مقال لهما بعنوان ‪ " :‬إن تصميم أو نية الكاتب الهي باألمر‬
‫الممكن التوصل إليه ‪ ،‬وال هي باألمر المستحسن كمعيار للحكم على نجاح عمل من أعمال فن األدب "‬
‫‪ .20‬وألن ملكية الكاتب لعمله األدبي تسقط بمجرد االنتهاء من صياغته منه‪ ،‬ذلك أن النص بدخوله‬
‫عالم اللغة يتحرر من سلطة المؤلف ورقابته على معانيه " ومن ثمة يغدو البحث عن قصد المؤلف‬
‫مغالطة توقع القارئ في الخطأ‪.‬وبالتالي فما " يستحق االعتبار من وجهة نظر النقد هو ما يجسده النص‬
‫‪21‬‬
‫فحسب"‬

‫ب‪ -‬أما الثانية وهي المغالطة الوجدانية ‪ ،‬ونعني بها رفض ربط العمل األدبي وأي من آثاره النفسية ‪،‬‬
‫يقول الناقدان (ويمزات) و(مونرو برادزلي)‪" :‬إن المغالطة الوجدانية خلط بين القصيدة وآثارها ‪ ،‬فهي تبدأ‬
‫بمحاولة استمداد معيار للنقد من اآلثار النفسية للقصيدة ‪ ،‬وتنتهي باالنطباعية ‪ .22" ..‬وبذلك تم تنقية‬
‫الحقل النقدي من كل ما ال يمت له بصلة كاالنطباعات واالنفعاالت والنوايا وما يستتبع ذلك من أحكام‬
‫معيارية تضيع معها الحقيقة الجوهرية للعمل األدبي ‪ ،‬وللفعل النقدي ‪ .‬حتى تكون الدراسة األدبية دراسة‬
‫موضوعية البد أن تكون بؤرة االهتمام النقدي فيها هي البنية اللغوية للنص ال غير‪ ،‬أي " كيفية ظهور‬
‫‪18‬‬
‫المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.04- 07‬‬
‫‪19‬‬
‫المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.09‬‬
‫صالح هويدي ‪،‬النقد األدبي الحديث قضاياه ومناهجه‪ ،‬ص‪.791‬‬
‫‪20‬‬

‫آن جفرسون وديفيد روبي ‪ ،‬النطرية األدبية الحديثة تقديم مقارن‪ ،‬ترجمة سمير سعيد‪،‬ص‪730‬‬
‫‪21‬‬

‫‪22‬‬
‫دمحم عزام‪ :‬المنهج الموضوعي‪ ،‬منشورات اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬الطبعة‪ 7‬دمشق‪ ، 7000 ،‬ص‪13‬‬
‫القصيدة إلى الوجود "‪ . 23‬وبذلك أصبح القارئ‪-‬الناقد‪-‬شريكا في المشروع النقدي ‪ ،‬وأصبح النقد يحمل‬
‫مصباح إضاءة ال صولجان الحكم "‪.24‬‬

‫النقد الجديد في الوطن العربي‪:‬‬

‫انتقل النقد الجديد إلى الوطن العربي في نهاية الخمسينيات وبداية الستينات ككل المناهج الغربية بفعل‬
‫المثاقفة واالحتكاك الثقافي‪ ،‬وقد تبنى هذا النقد مجموعة من النقاد الذين كان تكوينهم حداثي ومن أبرزهم‬
‫الناقد المصري رشاد رشدي الذي يعد من أوائل الذين دعوا إلى استقاللية األدب عن الظروف التي تحيط‬
‫به‪ ،‬وذلك في العديد من مؤلفاته منها " ماهو األدب " و" مقاالت في النقد واألدب " والنقد والنقد األدبي "‬
‫وعنده أن األدب ليس وظيفة يؤديها األديب خدمة لمجتمعه‪ ،‬وال هو تسجيل للحالة النفسية التي يعاني‬
‫منها األديب وانما هوعالم موضوعي وكائن بذاته ‪ ،‬وأنه وحدة تخييلية‪ ،‬وعليه فإن دراسته يجب أن تكون‬
‫قائمة على تحليله من ناحية بنيته مقر ار بذلك وحدة الشكل والمضمون ‪ .‬وقـد آزره فـي جهوده هذه بعض‬
‫طلبته الذين تولوا تقديم النظرية النقدية الجديدة عبر سلسلة من المؤلفات حيث نشر دمحم عناني "النقد‬
‫التحليلي" عام ‪7014‬م عن (كلينث بروكس ‪( ،) (Cleanth Brooks‬ونشر سمير سرحان "النقد‬
‫الموضوعي ط" ‪ 4‬عام ‪ 7009‬عن (مايثو أرنولد)‪ ،‬كما نشر عبد العزيز حمودة كتابه "علم الجمال" عن‬
‫(كروتشي) ‪.25‬‬

‫ومن النقاد أيضا لطفي عبد البديع الذي أولى اهتماما واسعا باللغة األدبية في العديد من كتاباته مثل "‬
‫التركيب اللغوي لألدب " و" الشعر واللغة " و" فلسفة المجاز" معتب ار أن الظاهرة الشعرية لغوية في‬
‫جوهرها‪ ،‬وال سبيل للتأتي إليها إال من جهة اللغة "‪.26‬‬

‫باإلضافة إلى محمود الربيعي الذي يعد من أكثر النقاد دفاعا عن استقاللية األدب الذي هو " نشاط‬
‫إبداعي يتشكل في شكل لغوي‪ ،‬أو هو مجرد " كلمات راقدة في متون الصفحات ومن الطبيعي أن يكون‬
‫فقه هذه الكلمات هو السالح األول للدخول إلى عالم األدب "‪.‬وهذا في العديد من كتاباته منها " في نقد‬
‫الشعر"و "من أوراقي النقدية "‬

‫آن جفرسون وديفيد روبي ‪ ،‬النطرية األدبية الحديثة تقديم مقارن‪ ،‬ترجمة سمير سعيد‪،‬ص‪730‬‬
‫‪23‬‬

‫‪24‬‬
‫محمود الربيعي‪ :‬مداخل نقدية معاصرة إلى دراسة النص األدبي‪ ،‬عالم الفكر المجلد ‪ 43‬العدد ‪ 4،7‬ديسمبر ‪، 7009‬ص‪34‬‬
‫‪25‬‬
‫ينظر يوسف وغليسي ‪ ،‬محاضرات في النقد المعاصر ‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪26‬‬
‫لطفي عبد البديع ‪ ،‬التركيب اللغوي لألدب ‪ ،‬بحث في فلسفة اللغة و االستطيقا ‪ ،‬دار المريخ للنشر‪ ،‬الرياض‪ ،‬دط‪ ،‬دت ‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫كما يبرز أيضا الناقد أنس داود الذي عمل على تأصيل منهج لدراسة األدب أسماه " الرؤية الداخلية "‬
‫يقول عنه ‪ ":‬هو منهج الرؤية الداخلية للنص األدبي‪ ،‬وهذه الرؤية ال تسقط على العمل الفني‪ ،‬وال تنظر‬
‫إليه من خالل مسبقات فكرية‪ ،‬وال تخضعه خضوع األسباب للمسببات‪ ،‬وال تستنفد جهدها في رصد وقائع‬
‫التاريخ الشخصي واالجتماعي‪ ،‬ألنها تشغل نفسها بالنص وحده وتتبع عالقاته الداخلية والنظرة إليه من‬
‫خالل معجمه وصوره وطريقة الشاعر المميزة في تشكيله "‪ .‬كما يدخل مصطفى ناصف دائرة النقد الجديد‬
‫بأعماله الكثيرة " قراءة ثانية لشعرنا القديم " و"رمز الطفل في أدب المازني " ودراسات األدب العربي " إلى‬
‫غير ذلك من األسماء النقدية العربية التي دعت إلى تبني أفكار النقد الجديد‪.‬‬

‫ومما يؤخذ على النقد الجديد ماديته المفرطة التي جعلت النص "يبدو بمثابة شيء بأربع زوايا وواجهة من‬
‫البللور"‪.27‬‬

‫ال يعرف أس ارره سوى النخبة من النقاد الذين وحدهم يملكون مفاتيح‬ ‫‪28‬‬
‫هو أنه نقد أرستقراطي نخبوي‬
‫التحليل والتأويل وبذلك فهو كما يقولون يتنافى مع الديمقراطية األدبية التي تجرم جمهور القراء من‬
‫المشاركة في العملية النقدية ‪.‬‬

‫تقطيعه أوصال العمل األدبي وذلك بالتركيز فقط على جانب واحد هو البناء واهماله للجوانب األخرى‬
‫التي ال يمكن إنكار تأثيرها في تشكل العملية اإلبداعية ‪.‬‬

‫األسلوبية ‪Stylistique‬‬ ‫المحاضرة الخامسة ‪:‬‬

‫‪27‬‬
‫تيري إنغلتون ‪ ،‬نظرية األدب ‪ ،‬ص‪.07‬‬
‫عبد العزيز حمودة ‪ ،‬المرايا المحدبة ‪ ،‬ص‪.719‬‬
‫‪28‬‬
‫جاء ظهور المناهج النسقية كردة فعل على البؤس الذي آل إليه حال الدراسة األدبية في ظل‬
‫المناهج السياقية التي صرفت نظرها عن النص األدبي ومكامن الخصوصية فيه إلى تعقب الكاتب وسيرة‬
‫حياته وعصره ‪ .‬فكان هاجس استقاللية الدراسة األدبية عن العلوم األخرى‪ ،‬والعودة بها إلى حضيرة‬
‫التحليل والتفسيرالموضوعي يسكن الكثير من النقاد والدارسين‪ .‬وكان لتطور الدرس اللساني الذي قاده‬
‫ديسوسير األثر البالغ في تحقيق ذلك‪ ،‬فظهرت العديد من المناهج النقدية التي خرجت من معطف‬
‫اللسانيات وكان شعارها النص لذاته‪.‬و من بين هذه المناهج‪ :‬المنهج األسلوبي فما هو هذا المنهج؟ ‪ ،‬ومن‬
‫هم رواده؟ وما هي اتجاهاته ؟‪.‬‬

‫تعتبر األسلوبية " مرحلة متطورة من مراحل الدرس البالغي‪ ،‬أوهي" الوريث المباشر للبالغة‬
‫‪30‬‬
‫‪-‬كما يصفها أحدهم‪ -‬فهي من المناهج النقدية المعاصرة التي تركز اهتمامها‬ ‫"‪.29‬أو هي بالغة حديثة‬
‫على النص األدبي من ناحية لغته؛ ومعنى ذلك أن اللغة التي تمثل المكون الجوهري لألدب صارت في‬
‫األسلوبية هي حجر الزاوية في تحليل النصوص األدبية وتفسيرها ‪ .‬وقبل أن نتعرف على أبجديات النقد‬
‫األسلوبي وجب علينا أن نتعرف على معنى مصطلحي األسلوب واألسلوبية ‪.‬‬

‫‪ -1‬األسلوب ‪ :‬جاء في لسان العرب أنه؛ يقال ‪:‬للسطر من النخيل ‪ ":‬أسلوب وكل طريق ممتد فهو‬
‫أسلوب‪ .‬واألسلوب ‪:‬الطريق والوجه والمذهب يقال ‪ :‬أنـتم فـي أسـلوب سـوء ويجمـع أسـاليب ‪ .‬واألسلوب‪:‬‬
‫‪ِ .‬‬
‫ويعرفه‬ ‫‪31‬‬
‫الطريق تأخذ فيه‪ ،‬واألسلوب الفن يقال ‪ :‬أخذ فالن في أسـاليب مـن القول أي أفانين منه"‬
‫أيضا "الزمخشري" في معجمه "أساس البالغة" في مادة (سلب) "‪..‬وسلكت أسلوب فالن طريقته‪ ،‬وكالمه‬
‫على أساليب حسنة"‪ .32‬فالمعنى اللغوي يفيد أن كلمة األسلوب تطلق على المذهب والفن و الطريقة ما‬
‫به يتفرد الشخص عن غيره ‪ .‬و قد دارت لفظة األسلوب في كالم العرب بدءا من الجاحظ وصوال إلى‬
‫عبد القاهر الجرجاني وابن خلدون خاصة‪.‬واألسلوب هو الضرب من القول‪،‬أو الطريقة‪ ،‬أو المنوال‪،‬أو‬
‫القالب‪ 33.‬ففي تعريفه لألسلوب يقول عبد القاهر الجرجاني‪ " :‬واألسلوب‪ :‬الضرب من النظم والطريقـة فيه‬
‫"‪.34‬أما ابن خلدون فقد حاول أن يستخلص مفهوما جامعا لألسلوب كما دار في كتابات سابقيه في قوله‪":‬‬

‫‪29‬‬
‫أوزوالد ديكرو ‪،‬جان ماري سشايفر‪ ،‬القاموس الموسوعي الجديد لعلوم اللسان‪ ،‬ترجمة منذر عياشي ‪،‬المركز الثقافي العربي ‪،‬الدار البيضاء –‬
‫المغرب‪ ،‬بيروت –لبنان ‪ ،‬ط‪ ،4991 ،4‬ص‪.711‬‬
‫‪30‬‬
‫ص‪0‬‬ ‫ينظر‪ ،‬بيير جيرو‪ ،‬األسلوبية ‪ ،‬ترجمة منذر عياشي‪،‬‬
‫‪31‬‬
‫ابن منظور ‪ :‬لسان العرب ‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ج‪ ، ،1‬ص ‪ ،441‬مادة (سلب)‬
‫‪32‬‬
‫الزمخشري‪ ,‬أساس البالغة‪ ,‬دار بيروت للطباعة والنشر‪ ,‬بيروت‪ ,‬دط‪ ,7019 ,‬ص ‪.399‬‬
‫‪33‬‬
‫ينظر‪ ،‬يوسف أبو العدوس‪،‬األسلوبية الرؤية والمنهج والتطبيق‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫‪34‬‬
‫عبد القاهر الجرجاني ‪ ،‬دالئل اإلعجاز ‪ ،‬شرح وتعليق دمحم التنجي ‪ ،‬دار الكتاب العربي‪،‬بيروت ‪ ،‬ط‪7000،3‬م‪،‬ص‪.331‬‬
‫ولنذكر هنا سلوك األسلوب عند أهل الصناعة‪ ,‬وما يريدون بها في إطالقهم فأعلم إنها عبارة عندهم عن‬
‫المنوال الذي ينسج فيها التراكيب‪ ,‬أو القالب الذي يفرغ فيه"‪, 35‬ثم حدد مفهوم األسلوب في اإلبداع األدبي‬
‫فذكر إنه يرجع "إلى صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة كلية باعتبار انطباقها على تركيب خاص‪ ,‬وتلك‬
‫الصورة ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب وأشخاصها‪ ,‬ويصيرها في الخيال كالقالب أو المنوال ثم ينتقي‬
‫البناء في القالب‪ ,‬أو‬
‫رصا كما يفعل ّ‬
‫التراكيب الصحيحة عند العرب باعتبار اإلعراب والبيان فيرصها فيه ّ‬
‫‪36‬‬
‫النساج في المنوال"‬
‫ّ‬

‫أما عند الغرب‪ :‬ف"األسلوب ‪-‬من كلمة ‪ stulis‬أي‪ ،‬مثقب يستخدم في الكتابة‪ -‬وهو طريقة‬
‫الكتابة‪،‬وهو استخدام الكاتب ألدوات تعبيرية من أجل غايات أدبية"‪ . 37‬وتعني كلمة ‪ Stilus‬في الالتينية‬
‫االزميل أو المنقاش "الخاص بالحفر و الكتابة‪ " ،‬وقد كان الالتين يستعملونها مجا از للداللة على شكلية‬
‫الحفر‪ ،‬أو شكلية الكتابة ‪ ،‬ثم مع الزمن اكتسبت داللتها االصطالحية و البالغية و األسلوبية‪ ،‬وصارت‬
‫تدل على الطريقة الخاصة للكاتب في التعبير"‪ .38‬وجاء في معجم األسلوبيات‪" :‬كان األسلوب أداة للكتابة‪،‬‬
‫أي نوعا من القلم‪ ،‬وأصبح يعني طريقة الكتابة‪ .‬ويحيل في معناه البسيط على الطريقة المميزة المدركة‬
‫للتعبير ‪ Expression‬في الكتابة أو الحديث‪ ،‬تماما كما أن هناك طريقة للقيام باألشياء‪ ،‬مثل لعب‬
‫السكواتش أو الرسم‪ .‬قد نتكلم عن كتابة شخص ما " بأسلوب منمق أو الحديث " بأسلوب فكاهي"بالنسبة‬
‫‪39‬‬
‫وهكذا تطور استعمال كلمة أسلوب من أداة تستعمل في الكتابة‪ ،‬و الطريقة والضرب‬ ‫لبعض الناس ‪"..‬‬
‫في كل منحى من مناحي الحياة‪ ،‬إلى السمة في التعبير والكتابة يتم من خاللها عرض األفكار‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫‪.‬‬ ‫ومن ثم فكلمة األسلوب تعني اصطالحا" طريقة للتعبير عن الفكر بوساطة اللغة "‬

‫أو هو " االختيار الواعي ألدوات التعبير‪ "41‬فالتعريف يحيل على اإلمكانات التعبيرية التي يمتلكها‬
‫الشخص‪.‬ولذلك قال بوفون ‪-‬قولته الشهيرة‪ ":-‬األسلوب هو اإلنسان نفسه"‪ . 42‬ويعرفه بيير جيرو أيضا‬
‫بأنه " مظهر القول الناجم عن اختيار وسائل التعبير التي تحددها طبيعة الشخص المتكلم أو الكاتب‬

‫‪35‬‬
‫ابن خلدون ‪ ،‬مقدمة ابن خدون ‪،‬ص‪313‬‬
‫‪36‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫بيير جيرو ‪ ،‬األسلوبية ‪ ،‬ترجمة منذر عياشي ‪ ،‬مركز النماء الحضاري‪ ،‬ط‪ 7009،4‬ص‪0‬‬
‫‪38‬‬
‫عدنان بن ذريل ‪ :‬النص و األسلوبية‪ ،‬بين النظرية والتطبيق‪ ،‬اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪، 4999 ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪39‬‬
‫كاتي وايلز‪ ،‬معجم األسلوبيات ‪ ،‬ترجمة خالد األشهب‪ ،‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ ،4979،7‬ص‪.133‬‬
‫‪40‬‬
‫بيير جيرو ‪ ،‬األسلوبية ‪ ،‬ترجمة منذر عياشي ‪ ،‬ص‪.79‬‬
‫‪41‬‬
‫المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.77‬‬
‫‪42‬‬
‫صالح فضل ‪ :‬علم األسلوب‪ ،‬مبادئه‪ ،‬إجراءاته‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪، 7001، 7‬ص ‪.01‬‬
‫ومقاصده" ‪43‬أو " مجموعة سمات خاصة أو مميزة للمؤلف‪:‬عاداته‪/‬ها اللغوية "‪ 44‬وهذه السمات الخاصة‬
‫هي ما يسمى ب"واسمات األسلوب"‪ 45‬وتكون عن طريق االختيار الواعي ألدوات التعبير بما يتوافق‬
‫ومقاصده ألن "األسلوب اختيار معلل"‪ 46.‬أو يكون عن طريق االنزياح عن القاعدة كما يرى جون كوهن‪" :‬‬
‫األسلوب هو كل ما ليس شائعا‪ ،‬وال عاديا‪ ،‬وال مطابقا للمعيارالمألوف ‪...‬إنه انزياح بالنسبة إلى معيار ؛‬
‫أي أنه خطأ مقصود"‪ 47‬وبذلك ‪ .‬و يتبين لنا من خالل هذه التعاريف أن األسلوب يرتبط باتجاهات ثالثة‬
‫هي‪:‬‬

‫‪ -1‬ارتباط األسلوب بالكاتب‪:‬‬

‫فاألسلوب "هو الكاشف عن فكر صاحبه ونفسيته"‪ 48‬؛أي أنه يكشف عن نمط تفكير صاحبه‪ ،‬إذ‬
‫أنه الصورة المعنوية التي انتظمت في نفسه قبل أن تتجسد في لغته‪ .‬وهذا الذي يمنح لكل كاتب أسلوبه‬
‫الذي يتفرد به عن غيره‪.‬ويشرح ذلك أحمد الشايب بقوله ‪" :‬إن هذه الصورة اللفظية التي هـي أول ما نلقى‬
‫من الكالم ال يمكن أن تحيا مستقلة ؛ وانما يرجع الفضل في نظامها اللغوي الظاهر إلى نظام آخر معنوي‬
‫انتظم وتألف في نفس الكاتب أو المـتكلم فكان بذلك أسلوبا معنويا ثم يكون التأليف اللفظي على مثاله ‪،‬‬
‫وصار ثوبه الـذي لبسه أو جسمه إذ كان المعنى هو الروح ومعنى هذا أن األسلوب معان مرتبـة قبل أن‬
‫يكون ألفاظا منسقة ‪ ،‬وهو يتكون في العقل قبل أن ينطق بـه اللـسان أو يجري به القلم"‪.49‬‬

‫‪ -2‬ارتباط األسلوب بالمتلقي‪ :‬ألنه يمثل وسيلة ضغط على المتلقي عن طريق إحداث التأثير الذي‬
‫يحقق اإلقناع واإلمتاع‪ .50‬وألن القارئ هو المستهدف من العملية اإلبداعية‪ ،‬وعليه وحده يقع إدراك‬
‫الخواص النوعية التي يتميز بها األسلوب وما يحدث فيه من انحراف برز مفهوم القارئ النموذجي عند‬
‫‪51‬‬
‫ولذلك عرف ‪-‬ريفاتير‪ -‬األسلوب من "‬ ‫ريفاتير الذي عده محور التعرف على هذه الخواص األسلوبية‬
‫حيث أثره في المتلقي‪" -‬أنـه إبـراز بعـض عناصر سلسلة الكالم وحمل القارئ على االنتباه إليها بحيث إذا‬

‫‪43‬‬
‫ععدنان بن ذريل‪ ،‬النص واألسلوبية بين النظرية والتطبيق ‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪44‬‬
‫كاتي وايلز‪ ،‬معجم األسلوبيات ‪ ،‬ترجمة خالد األشهب‪ ،‬ص ‪139‬‬
‫‪45‬‬
‫ينظر المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪47‬‬
‫جون كوهين‪ :‬بنية اللغة الشعرية‪ ،‬ترجمة دمحم الوالي ودمحم العمري‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء ‪ ،‬المغرب ‪ ،‬ط‪، 7011 ،7‬ص‪.71‬‬
‫‪48‬‬
‫عدنان بن ذريل ‪ :‬النص و األسلوبية‪ ،‬بين النظرية والتطبيق‪ ،‬ص‪.99‬‬
‫أحمد الشايب‪ ،‬األسلوب دراسة بالغية تحليلية ألصول األساليب األدبية‪ ،‬م مكتبة النهضة المصرية ط‪ ،1‬سنة ‪١١١١‬هـ ‪ ١٩٩١‬ص‪.99‬‬
‫‪49‬‬

‫‪50‬‬
‫عدنان بن ذريل ‪ :‬النص و األسلوبية‪ ،‬بين النظرية والتطبيق‪ ،‬ص‪99‬‬
‫‪51‬‬
‫ينظر ‪ ،‬صالح فضل ‪ ،‬مناهج النقد المعاصر ‪ ،‬ص‪.774‬‬
‫غفل عنها شـوه النص واذا حللها وجد لها داللة تميزية خاصة مما يسمح بتقرير أن الكالم يعبر واألسلوب‬
‫‪52‬‬
‫يبرز"‬

‫‪ -3‬ارتباط األسلوب بالنص ذاته‪ :‬فالتركيز هنا على النص بغض النظر عن قائله ألنه "الطاقة التعبيرية‬
‫‪53‬‬
‫التي تتحقق باالنحراف كما أشار ماروز حين عرف األسلوب " بأنه‬ ‫الناجمة عن االختيارات اللغوية "‬
‫اختيار الكاتب لما من شأنه أن يخرج بالعبارة عن حيادها وينقلها من درجتها الصفر إلى خطاب يتميز‬
‫‪54‬‬
‫والى ذلك يومىء ريفاتير‪ ،‬فيعرف األسلوب بكونه‪" :‬انزياحا عن النمط التعبيـري المتواضـع عليه‬ ‫بنفسه"‬
‫ويدقق مفهوم االنزياح بأنه يكون خرقا للقواعد حينا ولجوءا إلى مـا نـدر من الصيغ حينا آخر فأما في‬
‫حالته األولى فهو من مـشموالت علـم البالغـة فيقتضي إذن تقييما باالعتماد على أحكام معيارية وأمـا فـي‬
‫صـورته الثانيـة فالبحث فيه من مقتضيات اللسانيات عامة واألسلوبية خاصة"‪.55‬‬

‫‪ -4‬األسوبية ‪ :‬ارتبط ظهور مصطلح األسلوبية بتطور الدرس اللساني في مطلع القرن العشرين فقد‬
‫‪56‬‬
‫وكان لذلك أثره في اكتسابها صفة العلمية التي نأت بها‬ ‫"نشأت األسلوبية في حضن الدراسات اللغوية "‬
‫عن الذاتية و االنطباعية واألحكام المسبقة والمطلقة التي هي من صفات النقد التقليدي‪ .‬و"األسلوبية‬
‫ببساطة هي دراسة األسلوب"‪ 57‬وليس أي أسلوب وانما ‪ ...":‬دارسة الخصائص اللغوية التي بها يتحول‬
‫الخطاب عن سياقه اإلخباري إلى وظيفته التأثيرية والجمالية‪ ،‬فوجهة األسلوبية هذه إنما تكمن في تساؤل‬
‫عملي ذي بعد تأسيسي يقوم مقام الفرضية الكلية‪ :‬ما الذي يجعل الخطاب األدبي الفني مزدوج الوظيفة‬
‫والغاية‪ :‬يؤدي ما يؤديه الكالم عادة وهو إبالغ الرسالة الداللية ويسلط مع ذلك على المتقبل تأثي ار‬
‫طا‪ ،‬به ينفعل للرسالة المبلغة انفعاال ما" ‪ .58‬فموضوع األسلوبية هو الخواص النوعية والخصائص‬
‫ضاغ ً‬
‫الشكلية التي يتميز بها األسلوب والتي تكسبه وظيفة مزدوجة هي اإلبالغ والتأثير؛ أي اإلقناع واإلمتاع وال‬
‫يتحقق له ذلك إال عن طريق الخرق وتجاوز المعيار والقاعدة واالعتيادي؛ أي "دراسة المتغيرات اللسانية‬
‫‪59‬‬
‫وبذلك فاألسلوبية هي سعي حثيث للقبض على القيم الجمالية للنص األدبي‬ ‫إزاء المعيار القاعدي"‬
‫التي تمنحه فرادته‪.‬ومن ثمة فهي" مجموعة من اإلجراءات األداتية تمارس بها مجموعة من العمليات‬

‫‪52‬‬
‫عبد السالم المسدي ‪ ،‬األسلوبية واألسلوب‪ ،‬دار الكتاب الجديد ‪،‬ط‪، 4991،1‬ص ‪.11‬‬
‫‪53‬‬
‫المرجع نفسه‪،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫عبد السالم المسدي ‪ ،‬األسلوبية واألسلوب ‪،‬ص ‪.17‬‬
‫‪55‬‬
‫المرجع نفسه ‪،‬ص‪.14‬‬
‫‪56‬‬
‫أحمد درويش‪ ،‬دراسة األسلوبية بين المعاصرة والتراثار غريب لطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دط ‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.70‬‬
‫‪57‬‬
‫كاتي وايلز‪ ،‬معجم األسلوبيات‪ ،‬ترجمة خالد األشهب‪ ،‬ص‪113‬‬
‫‪58‬‬
‫عبد السالم المسدي ‪ ،‬األسلوبية واألسلوب‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫‪59‬‬
‫بيير جيرو ‪ ،‬األسلوبية ‪ ،‬ترجمة منذر عياشي‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫التحليلية التي ترمي إلى دراسة البنى اللسانية في النص الشعري وعالقات بعضها بالبعض اآلخر بغية‬
‫‪60‬‬
‫إدراك الطابع المتميز للغة النص الشعري ومعرفة القيمة الفنية والجمالية التي تستتر وراء تلك البنى "‬
‫وبذلك تتم اإلجابة عن سؤال‪ -‬شكل هاجس كل المناهج النسقية وليس األسلوبية فقط ‪ -‬وهو كيف‬
‫"يشتغل "النص األدبي؟ أي الكشف عن الطاقات الجمالية الكامنة في مختلف طرائق القول وأنماط‬
‫‪61‬‬
‫ويعرفها‬ ‫التعبير‪ .‬وانطالقا من ذلك فهي " تؤلف نظاما استشعاريا يتحسس البنى األسلوبية في النص "‪.‬‬
‫جاكوبسون بأنها‪":‬البحث عما يتميز به الكالم الفني عن بقية مستويات الخطاب أوال‪ ،‬وعن سائر أصناف‬
‫صحيح أن األسلوبية تنطلق من‬ ‫أي البحث عم به تتحقق أدبية األدب‪.‬‬ ‫‪62‬‬
‫الفنون اإلنسانية ثانيا "‬
‫دراسة اللغة كما هي اللسانيات لكنها ال تتوقف عند بنية اللغة‪ ،‬وانما تتجاوزها إلى ما يخرج بهذه اللغة‬
‫عن دائرة االستعمال العادي‪ ،‬أي استكناه الخصائص اللغوية المتميزة والبارزة في النص‪ ،‬فإذا كانت اللغة‬
‫تدرس القول فإن األسلوبية تدرس كيفية القول؛ أي كيف قال النص ما قاله ومعنى ذلك البحث في‬
‫الظواهر اللغوية التي تشكل نتوءات بارزة تلعب دور المثير‪ .‬ومن ثمة كانت القراءة األسلوبية قراءة ِ‬
‫مناورة‬
‫تبتعد عن القراءة الخطية التي كانت تمارسها المناهج التقليدية على النص األدبي حين تتجه رأسا إلى‬
‫المؤلف وملحقاته ( التاريخ و المجتمع ‪. )..‬إذا فقد اتسعت رقعة النص للتحليل وتقليب النظر فيه على‬
‫اعتبار أن ما تنطوي عليه طبقاته تغني عن النظر إلى ما وراء حدوده اللغوية فكانت القراءة مغامرة للبحث‬
‫عن الخواص الفنية والنوعية المنزرعة في الخطاب األدبي وكان من اهتماماتها أيضا اإلمكانات‬
‫واالختيارات األسلوبية ومجال التصرف عن طريق االنحراف واالنزياح عن القاعدة المعيارية ما يحقق‬
‫الوظيفة االنفعالية والتأثيرية في عملية التواصل الفني‪.‬و لذلك يحددها ريفاتير " بأنها علم يهدف إلى‬
‫العناصر المميزة التي بها يستطيع المؤلف الباث مراقبة حرية اإلدراك لدى القارئ المتقبل‪،‬والتي بها‬
‫يستطيع أيضا أن يفرض على المتقبل وجهة نظره في الفهم واإلدراك فينتهي إلى اعتبار األسلوبية "‬
‫لسانيات تعنى بظاهرة حمل الذهن على فهم معين وادراك مخصوص "‪ .63‬كما يقرر ميشال آريفي بأن "‬
‫األسلوبية وصف للنص األدبي بحسب طرائق مستقاة من اللسانيات"‪ 64‬ويعرفها دوالس" بأنها منهج‬
‫لساني"‪ 65‬فتلك هي الصلة العضوية بين األسلوبية والدراسة اللسانية‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫حسن ناظم‪،‬البنى األسلوبية دراسة في أنشودة المطرللسياب‪،‬المركز الثقافي العربي‪،‬الدار البيضاء‪ -‬المغرب‪ ،‬بيروت–لبنان ‪،‬ط‪،4994،7‬‬
‫ص‪.39‬‬
‫‪61‬‬
‫المرجع نفسه ‪،‬الصفحة نفسها ‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫عبد السالم المسدي ‪ ،‬األسلوبية واألسلوب‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫‪63‬‬
‫المرجع السابق‪،‬ص‪.94‬‬
‫‪64‬‬
‫المرجع نفسه ‪،‬ص‪.97‬‬
‫‪65‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫أما بالنسبة لعالقة األسلوبية بالبالغة فقد تقرر منذ البدء أن األسلوبية هي " بالغة حديثة تحت‬
‫‪67‬‬
‫شكلها المزدوج ‪ :‬علم للتعبير‪ ،‬ونقد لألساليب الفردية "‪ 66‬و" أن األسلوبية وليدة البالغة ووريثها المباشر"‬
‫فهي امتداد للبالغة ونفي لها في الوقت نفسه‪ 68‬إذ أنهما تتقاطعان في أن موضوعهما" فن الكتابة وفن‬
‫التركيب‪،‬وفن األدب "‪ 69‬لكنهما تفترقان في أن " البالغة علم معياري يرسل األحكام التقييمية ويرمي إلى "‬
‫تعليم " مادته وموضوعه‪ :‬بالغة البيان‪ ،‬بينما تنفي األسلوبية عن نفسها كل معيارية وتعزف عن إرسال‬
‫األحكام التقييمية بالمدح أو التهجين وال تسعى إلى غاية تعليمية ‪ ،‬البتة‪ ،‬فالبالغة تحكم بمقتضى أنماط‬
‫مسبقة وتصنيفات جاهزة بينما تتحدد األسلوبية بقيود منهج العلوم الوصفية‪ ،‬والبالغة ترمي إلى خلق‬
‫اإلبداع بوصاياها التقييمية بينما تسعى األسلوبية إلى تعليل الظاهرة اإلبداعية بعد أن يتقرر وجودها‪.‬ومن‬
‫المفارقات بين الجدولين أن البالغة قد اعتمدت فصل الشكل عن المضمون في الخطاب اللساني فميزت‬
‫في وسائلها بين األغراض والصور بينما األسلوبية ترغب عن كل مقياس قبلي وترفض مبدأ الفصل بين‬
‫‪70‬‬
‫الدال والمدلول إذ ال وجود لكليهما إال متقاطعين ومكونين للداللة ‪"..‬‬

‫اتجاهات األسلوبية ‪ :‬تشعبت مناهج الدراسة األسلوبية تبعا الختالف زوايا النظر التي يتم من خاللهـا‬
‫معاينة النصوص األدبية وقد اختلف الدارسون في عددها منها‪:‬‬

‫األسلوبية التعبيرية ‪ :‬يطلق مصطلح األسلوبية التعبيرية على النوع من الدراسة الذي يهتم بالكشف عن‬
‫السمات الخاصة التي يتفرد بها األسلوب الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بشخصية صاحبه‪ .‬ويعد شارل بالي‬
‫)‪1497- 1865(Charles Bally‬م)مؤسس األسلوبية التعبيرية فهو ينظر إلى اللغة على أنها وعاء للفكر‬
‫والعاطفة؛ أي أن وظيفتها نقل األفكار والعواطف وبذلك تتمثل مهمة الدراسة األسلوبية ‪-‬عنده‪-‬في أنها‬
‫تدرس " وقائع التعبير اللغوي من ناحية محتواها العاطفي أي التعبير عن واقع الحساسية الشعورية من‬
‫خالل اللغة وواقع اللغة عبر هذه الحساسية "‪ 71‬فاألسلوبية تتتبع أنماط التعبير التي تقدمها اللغة وهي ذات‬
‫محتوى عاطفي أو " جملة الصيغ اللسانية التي تثري النص وتكثفه وتكشف عن طبيعة المنشئ وطبيعة‬

‫‪66‬‬
‫بيير جيرو ‪ ،‬األسلوبية ‪ ،‬ترجمة منذر عياشي‪ ،‬ص‬
‫‪67‬‬
‫أوزوالد ديكرو ‪،‬جان ماري سشايفر‪ ،‬القاموس الموسوعي الجديد لعلوم اللسان‪ ،‬ترجمة منذر عياشي ‪ ،‬ص‪711‬‬
‫‪68‬‬
‫ينظر‪ ،‬عبد السالم المسدي‪ ،‬األسلوبية واألسلوب‪ ،‬ص‪99‬‬
‫‪69‬‬
‫المرجع نفسه ‪،‬ص‪.30‬‬
‫‪70‬‬
‫المرجع نفسه‪،‬ص‪99‬‬
‫‪71‬‬
‫صالح فضل ‪ ،‬علم األسلوب مبادؤه وإجراءاته‪ ،‬وتطبيقاته‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫اللغة الشائعة لغة التواصل اليومي دون َّ‬
‫اللغة‬ ‫وبذلك فقد حصر بالي أسلوبيته في َّ‬ ‫‪72‬‬
‫تأثيره على المتلقي "‬
‫األدبية‪.‬‬

‫تقوم أسلوبيته على دراسة‬ ‫‪ 1887-1960 ( Léospitzer‬م)‬ ‫األسلوبية النفسية ‪ :‬رائدها هو ليو سبيتزر‬
‫السمات النفسية للكاتب التي تنعكس في لغته فتطبع كالمه وتعبيره بطابع شخصي أي" رصد عالقات‬
‫التعبير بالمؤلف لتدخل من هذه العالقة في األسباب التي يتوجه بموجبها األسلوب وجهة خاصة في ضوء‬
‫دراسة العالقات بين المؤلف ونصه ‪.‬إن أسلوبية سبيتزر تبحث عن روح المؤلف في لغته ومن هنا اتسمت‬
‫أسلوبيته بالمزج بين ماهو نفسي ولساني"‪ .73‬ومن خالل هذا فإن أسلوبية ليو سبيتزر تتلخص في المبادئ‬
‫‪"-‬‬ ‫اآلتية ‪:‬‬
‫معالجة النص تكشف عن شخصية المؤلف‪.‬‬
‫‪ -‬األسلوب انعطاف شخصي عن االستعمال المألوف للغة ‪.‬‬
‫‪-‬فكر الكاتب لحمة في تماسك النص ‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫‪-‬التعاطف مع النص ضروري للدخول إلى عالمه الحميم "‪.‬‬

‫األسلوبية البنيوية ‪ :‬تنطلق هذه األسلوبية من منظور أن" النص بنية خاصة و جهاز لغوي يستمد‬
‫الخطاب قيمته األسلوبية منه "‪ 75‬أي فحص النسق اللغوي للنص وما ينشأ بين عناصره من عالقات دون‬
‫هو رائد هذه‬ ‫) ‪ 1481 1896(Roman Jakobson‬م)‬ ‫االلتفات إلى صاحبه‪ .‬ويعتبر رومان جاكبسون‬
‫)‪)M. Reffatere‬‬ ‫األسلوبية فهو يرى أن األسلوب هو" البطل الوحيد في األدب"‪ .76‬كذلك ميشال ريفاتير‬
‫الذي ركز على الجوانب الشعرية في النصوص األدبية أي أ ن األسلوب يكمن في اللغة ووظائفها‪ .‬إذن‬
‫فمهمة األسلوبية البنيوية هي اكتشاف القوانين التي تنظم الظواهر األساسية في الخطاب األدبي وذلك من‬
‫خالل تحديد العالقات الموجودة بين مستويات األسلوب في النص األدبي‪.‬‬

‫األسلوبية اإلحصائية ‪ :‬من رواد هذا االتجاه كراهم هوف وبرلند شبلز و جون كوهن ‪ ..‬يهدف التحليل‬
‫اإلحصائي لألسلوب إلى تتبع السمات األسلوبية ومعدل تواترها وتكرارها في النص من أجل حصر‬
‫الخصائص الجمالية فيه ‪ .‬وينطلق أصحاب هذا االتجاه من أن األسلوب انحراف عن القاعدة ‪ ،‬وأنه‬

‫‪72‬‬
‫حسن ناظم ‪ ،‬البنى األسلوبية ‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫‪73‬‬
‫المرجع نفسه ‪،‬ص ‪.39‬‬
‫‪74‬‬
‫المرجع نفسه ‪،‬ص ‪.31‬‬
‫دمحم بلوحي ‪،‬الخطاب النقدي المعاصر من السياق إ لى النسق ‪ ،‬دار الغرب للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر ‪،2222،‬ص‪.794،‬‬
‫‪75‬‬
‫‪76‬‬
‫رجاء عيد ‪ ،‬البحث األسلوبي ‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مصر ط ‪،‬ص‪.91‬‬
‫عملية اختيارية بين بدائل عدة يلجأ إليها الكاتب بما يتوافق ومقاصده‪ ،‬وألن األسلوب كذلك يقول بيير‬
‫جيرو ‪":‬فإن اإلحصاء هو العلم الذي يدرس االنزياحات‪ ،‬والمنهج الذي يسمح بمالحظتها وقياسها‬
‫وتأويلها‪ ،‬ولذا فإن اإلحصاء اليتوانى عن فرض نفسه أداة من األدوات األكثر فعالية في دراسة األسلوب "‬
‫‪77‬ويقول جون كوهين ‪ ":‬لكون األسلوبية هي علم االنزياحات اللغوية واإلحصاء علم االنزياحات عامة فمن‬
‫الجائز تطبيق اإلحصاء على األسلوبية‪ ،‬لتصبح الواقعة الشعرية وقتها قابلة للقياس‪ ،‬إذ تبرز كمتوسط‬
‫تردد االنزياحات التي تقدمها اللغة الشعرية بالنظر إلى النثر "‪ .78‬وقد عمد ستيفن أولمان إلى إحصاء‬
‫الكلمات المفاتيح في النص والتي تشكل مدخل الدراسة والتحليل‪.79‬‬

‫األسلوبية في النقد العربي ‪:‬‬

‫تسللت األسلوبية ضمن موجة الحداثة النقدية إلى الساحة العربية في نهاية السبعينيات وبداية‬
‫الثمانينات من خالل رموز النقد األسلوبي العربي الذين راحوا يقدمون األسلوبية للقارئ العربي ويشرحون‬
‫ماهيتها واجراءاتها واتجاهاتها ويعرفون بروادها ‪.‬‬
‫"وعموما قد مرت الممارسة النقدية األسلوبية في الخطاب النقدي العربي الحديث تنظي ار وتطبيقا بمرحلتين‬
‫‪80‬هما‪:‬‬

‫أوال‪ :‬المرحلة التعريفية أو التأسيسية في نهاية السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي عندما‬
‫خاضت البحوث األسلوبية العربية في تعريف األسلوبية ومعطياتها وحقولها النسقية ومساراتها عند العرب‪،‬‬
‫ـ مسار‬ ‫وميزها اتجاهان وهما‪:‬‬
‫ـ مسار‬ ‫تعريفي حديث ورواده النقاد‪" :‬عبد السالم المسدي"‪" ،‬شكري عياد"‪" ،‬صالح فضل ‪".‬‬
‫توفيقي رسم حدود التواصل بين البالغة العربية القديمة ومسارات المنهج األسلوبي الحديث‪ ،‬ومن رواده‬
‫ثانيا‪ :‬المرحلة‬ ‫النقاد‪" :‬دمحم عبد المطلب"‪" ،‬دمحم الهادي الطرابلسي" وغيرهم‪.‬‬
‫اإلجرائية‪ ،‬صنفت فيها الكشوف التطبيقية وروادها من المنظرين األوائل لعلم األسلوب وأبرزهم‪" :‬عبد‬
‫السالم المسدي" في كتبه التطبيقية‪ ،‬و "صالح فضل" و "كمال أبو ديب "في كتابه (الشعرية)ولقد تنوعت‬
‫بحوث النقاد والباحثين العرب في مجال األسلوبية بين النظرية الصرفة التي ترصد وتفحص تصورات هذا‬

‫‪77‬‬
‫بيير جيرو ‪ ،‬األسلوبية ‪ ،‬ص ‪.733‬‬
‫‪78‬‬
‫جون كوهين ‪ ،‬بنية اللغة الشعرية ‪ ،‬ص‪71‬‬
‫‪79‬‬
‫حسن نلظم ‪ ،‬البنى األسلوبية ‪،‬ص‪.71‬‬
‫‪80‬‬
‫بشرى موسى الحاج‪ ,‬المنهج األسلوبي في النقد العربي الحديث‪ ,‬مجلة عالمات‪ ,‬الرياض‪ ,‬السعودية‪, 4997,‬ج‪, 99‬مج‪, 49‬ص‪. 2407‬‬
‫العلم على الساحة النقدية‪ ،‬وأخرى تطبيقية إلبراز إمكانيات التحليل األسلوبي في العملية النقدية‪ ،‬وثالثة‬
‫حاولت التوفيق والجمع بين الجانبين‪ ،‬فقد ُنشرت في العقدين الماضيين كتب عديدة ومقاالت لنقاد عرب‬
‫حول األسلوب واألسلوبية‪ ،‬حاولوا فيها دراسة هذا الموضوع من جميع جوانبه‪.‬ومن هؤالء النقاد‪:‬‬
‫‪-‬عبد السالم المسدي‪ :‬لقد كان سباقا إلى نقل وترويج مصطلح األسلوبية بين الباحثين في العربية ويترجم‬
‫"المسدي" مصطلح (‪ (stylistique‬باألسلوبية ويرد عنده (علم األسلوب) أحياناً‪ ،‬فهو يرى أن المصطلح‬
‫حامل لثنائية أصولية فسواء انطلقنا من الدال الالتيني وما تولد عنه في مختلف اللغات الفرعية‪ ،‬أو‬
‫انطلقنا من المصطلح الذي استقر ترجمة له بالعربية‪ .81‬ويعد كتاب "المسدي"( األسلوب واألسلوبية) الذي‬
‫صدر سنة ‪7011‬م من أعمق المباحث العربية في تقديم المفهوم األسلوبي وأصفاها وضوحا وأثراها‬
‫‪-‬صالح فضل‪:‬‬ ‫‪82‬‬
‫معرفة‪.‬‬
‫رائد من رواد البحث األسلوبي في المشرق العربي‪ ،‬عكست إنتاجا ته اهتمامه الخاص بالبحث في مجال‬
‫هذا العلم‪ ،‬وسعيه الدؤوب لوضع أسس علمية وجمالية ألسلوبية عربية قادرة على إثبات وجودها أمام المد‬
‫المتصاعد للتيارات النقدية الوافدة من الغرب‪ ،‬والتي ال تتالءم بعضها مع طبيعة النص األدبي‪ ،‬ومن أهم‬
‫آرائه في هذا المجال تفضيله الستخدام مصطلح (علم األسلوب) مقابال لـ ( ‪ (stylitique‬بدل األسلوبية‬
‫ألن علم األسلوب ‪-‬حسب رأيه‪ -‬جزء ال يتج أز من علم اللغة العام‪83‬وقد عمل "صالح فضل" من خالل‬
‫كتابه (علم األسلوب) الذي صدر سنة ‪7014‬م على نقل كل ما يتعلق باألسلوبية البنيوية في النقد الغربي‬
‫‪-‬سعد مصلوح‪ :‬ويؤثر ھذا األخر‬ ‫إلى النقد العربي المعاصر‪.‬‬
‫ترجمة مصطلح ( ‪ (stylitique‬باألسلوبيات" بدال من المصطلحين الشائعين‪( ،‬األسلوبية) و(علم‬
‫األسلوب)‪ ،‬ويعلل ھذا اإليثار بأنه أخصر وأطوع في التصريف كما أنه جاء في سنة السلف في صك‬
‫المصطلحات الشبيهة بالرياضيات والطبيعيات وألنه يتسق بهذا المبنى مع مصطلح اللسانيات‬
‫والصوتيات‪ 84‬وفي كتابه (األسلوب دراسة لغوية إحصائية) الذي صدر سنة ‪7014‬م درس "مصلوح "‬
‫موضوعات مختلفة‪ :‬ماھية األسلوب‪ ،‬اإلحصاء ودراسة األسلوب‪ ،‬معادلة "بوزيمان" لتشخيص األساليب‪،‬‬
‫‪85‬‬
‫‪ -‬شكري‬ ‫األسلوب في المسرحية والرواية‬
‫عياد‪ :‬كتب "عياد" عدداً من المقاالت والكتب حول موضوع األسلوب واألسلوبية منها (مدخل إلى علم‬

‫‪81‬‬
‫نور الدين السد‪ ,‬األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ,‬ج‪, 7‬ص‪.79- 73‬‬
‫‪82‬‬
‫يوسف وغليسي‪ ,‬مناهج النقد األدبي‪ ,‬ص‪.11‬‬
‫‪83‬‬
‫نور الدين السد‪ ،‬األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ،‬ج‪، 7‬ص‪79‬‬
‫‪84‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪85‬‬
‫سعد مصلوح‪ ،‬األسلوب دراسة لغوية إحصائية‪ ،‬ص‪91‬‬
‫األسلوب) و(اتجاهات البحث األسلوبي) و(اللغة واإلبداع) وفيها تحدث عن فكرة األسلوب عند األدباء‬
‫وعلم اللغة وعلم األسلوب وعالقته بالبالغة وميادين الدراسات األسلوبية وترجم بعض المقاالت حول‬
‫األسلوبية إلى غير ذلك من موضوعات ‪.‬يعتبر "عياد" سلفي المذهب يبحث في األصول والتراث‪ ،‬ويحاول‬
‫التجذير وفق منهج تحليلي يتخذ التلفيق بين الوصفية والتاريخية صفة لمسلكه في العمل‪ ،86‬حيث يرى أن‬
‫‪ -‬عدنان بن ذريل‪ :‬يحدد الناقد "‬ ‫الكالم عن األسلوب قديم أما علم األسلوب فحديث جداً‪.87‬‬
‫عدنان بن ذريل" األسلوبية أو علم األسلوب بأنها علم لغوي حديث يبحث في الوسائل اللغوية التي تكسب‬
‫الخطاب العادي أو األدبي خصائصه التعبيرية والشعرية فتميزه من غيره إنها تتقرى الظاهرة األسلوبية‬
‫بالمنهجية العلمية اللغوية وتعتبراألسلوب ظاهرة في األساس لغوية تدرسها في نصوصها وسياقاتها"‪.88‬‬
‫‪-‬منذر عياشي‪ :‬يحدد "عياشي" األسلوبية بقوله‪ «:‬األسلوبية علم يدرس اللغة ضمن نظام الخطاب‪ ,‬ولكنها‬
‫ـ أيضا ـ علم يدرس الخطاب‪ ،‬موزعا على مبدأ هوية األجنـاس‪ .‬ولذا كان موضوع هذا العلم متعدد‬
‫المستويات‪ ،‬مختلف المشارب واالهتمامات‪ ,‬متنوع األهداف واالتجاهات" ‪.89‬‬

‫ويرى الناقد أن موضوع علم األسلوبية ليس حك اًر على ميدان تعبيري دون آخر‪ ،‬ما دام أن اللغة ليست‬
‫حك اًر على ميدان إيصالي دون آخر‪ ،‬ولكن يبقى صحيحا أن األسلوبية علم يرقى بموضوعه‪ ،‬أو هو يعلو‬
‫عليه لكي يحيله إلى درس علمي ‪ ،‬ولوال ذلك لما حازت األسلوبية على هذه الصفة‪،‬ولما تعددت مدارسها‬
‫‪-‬نور‬ ‫ومذاهبها‪.90‬‬
‫الدين السد‪ :‬أبدى اهتماما كبي اًر لألسلوبية ومنهج تحليل الخطاب من خالل كتابه (األسلوبية وتحليل‬
‫الخطاب) سنة ‪7001‬م‪ ،‬والذي كان بمثابة دراسة ببليوغرافية لمختلف الدراسات السابقة‪ ،‬وخاصة العربية‬
‫منها إلى جانب بعض االختالفات الجوهرية فيها ‪ ،‬وحاول عرض هذه التجارب عرضا ملخصا أورد فيه‬
‫أهم إيحاءات هذه التحاليل وما أضافته للبحث األسلوبي‪ ،‬مع الفروقات الجوهرية بينها ‪.‬ويرى "السد" أن‬
‫‪91‬‬
‫إنها تبحث في الخصائص التعبيرية والشعرية التي يتوسلها‬ ‫األسلوبية هي الوجه الجمالي لأللسنية‪،‬‬
‫الخطاب األدبي‪ ,‬وترتدي طابعا علميا تقريريا في وصفها للوقائع وتصنيفها بشكل موضوعي ومنهجي ‪.‬‬
‫باإلضافة إلى هؤالء النقاد الذين ذكرناهم واسهاماتهم في النقد األسلوبي في الوطن العربي ‪ ،‬هناك نقاد‬

‫‪86‬‬
‫فرحان بدري الحربي‪ ،‬األسلوبية في النقد العربي الحديث‪،‬ص‪.10‬‬
‫‪87‬‬
‫شكري دمحم عياد‪ ،‬مدخل إلى علم األسلوب‪،‬ص‪91‬‬
‫‪88‬‬
‫نور الدين السد‪ ،‬األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ،‬ج‪، 7‬ص ‪.97‬‬
‫‪89‬‬
‫منذر عياشي ‪ ,‬األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ,‬مركز اإلنماء الحضاري‪ ,‬حلب‪ ,‬سوريا‪,‬دط‪ 7940 ,‬هـ‪4990-‬م‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫‪90‬‬
‫المرجع نفسه‪ ,‬ص‪. 41‬‬
‫‪91‬‬
‫نور الدين السد‪ ,‬األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ,‬ج‪, 7‬ص‪.71‬‬
‫آخرون ساهموا في دائرة األسلوبية في النقد العربي المعاصر تنظي اًر وتطبيقا منهم "حمادي صمود" في‬
‫كتابه (الوجه والقفا)‪ ،‬و "دمحم عبد المطلب" في كتبه (البالغة واألسلوبية) و( قراءات أسلوبية في الشعر‬
‫الحديث) وغيرھما‪،‬و "فتح هللا أحمد سليمان" في كتابه (األسلوبية مدخل نظري ودراسة تطبيقية) و"الهادي‬
‫الجطالوي" من خالل كتابه(مدخل إلى األسلوبية تنظي اًر وتطبيقاً) ‪ ،‬و"حميد لحميداني" في كتابه (أسلوبية‬
‫الرواية)‪ ،‬و"مصطفى السعدني" في (البنيات األسلوبية في لغة الشعر العربي الحديث) و"لطفي عبد البديع"‬
‫في (التركيب اللغوي لألدب)‪...‬إلخ‬

‫البنيوية ‪Structuralisme‬‬ ‫المحاضرة السادسة ‪:‬‬

‫هي رؤية ومنهجية نقدية تمارس القطيعة مع كل التقاليد األدبية والنقدية السائدة قبلها من‬
‫خالل حمل شعار العزل واإلقصاء ‪ ":‬فهي " تعتمد في مساراتها التحليلية للنص على إقصاء الخارجي‬
‫والتاريخي واإلنساني وكل ما هو مرجعي وواقعي في إنتاج النص ‪ ،‬وتركز فقط على ما هو لغوي وكل ما‬
‫من شأنه أن يستقرىء البنية الداخلية للنص دون االنفتاح على الظروف السياقية الخارجية التي قد تكون‬
‫قد أفرزت هذا النص من قريب أو من بعيد "‪ 92‬فارتداد البنيوية إلى الداخل واالعتداد به فقط هو ضرورة‬
‫فكرية ومعرفية أملتها التحوالت المعرفية والمنهجية التي حققتها األلسنية الحديثة بجعل اللغة نظاما مستقال‬
‫يتم من خالله فقط إدراك األشياء والعالم فقد" أدى بحثه‪ -‬فرديناند دي سوسير‪ -‬اللغوي إلى فكرة أن‬
‫إدراكنا للواقع ومن ثم طرق استجابتنا له تمليها علينا –أو تشيدها‪ -‬بنية اللغة التي نتكلمها "‪.93‬وبذلك تم‬
‫التحول من التاريخي إلى اللغوي‪.‬‬

‫ســادت البنيويــة فــي ســتينيات القــرن العش ـرين‪ .‬ومــن أهــم أعالمهــا والــذين يتوزعــون فــي اختصاصــات‬
‫مختلفة ‪ :‬و كلود ليفي شتراوس األنثربولوجيا‪ ،‬و ميشال فوكو االبسـتيمولوجيا‪ ،‬و جـاك الكـان علـم الـنفس ‪،‬‬
‫وألتوسير الماركسية ‪ ،‬ورومان جاكبسون‪ ،‬وروالن بارت‪ ،‬وجيرار جنيت‪ ،‬وتودوروف في مجال النقد األدبي‬
‫‪.‬‬

‫نشأة البنيوية ‪ :‬تشير الدراسات إلى أن البنيوية نمت في حضن الدرس اللساني الحديث الذي أسسه‬
‫العالم اللساني السويسري فرديناند دي سوسير على الرغم من أنه لم يستخدم في محاضراته مصطلح البنية‬
‫‪.‬‬ ‫‪94‬‬
‫سنة ‪7040‬‬ ‫‪ ،‬وانما مصطلح النسق أو النظام‪ .‬وأن أول من ابتكر مصطلح البنيوية هو رومان جاكبسون‬
‫وأن الفضــل فــي الخــروج بالبنيويــة مــن حقــل اللســانيات إلــى حقــول معرفيــة أخــرى يعــود إل ـي األنثروبولــوجي‬
‫الفرنسي ليفي شتراوس‪ 95‬في دراسته" األنثروبولوجيا البنيوية"‪.‬‬

‫كما سبق فإن اإلرهاصات األولى للمنهج البنيوي تعود إلى ما حملته محاضرات العالم السويسري‬
‫(فرديناند دي سوسير) من أفكار " كانت تمثل البداية المنهجية للفكر البنيوي في اللغة وذلك عبر‬
‫مجموعة من الثنائيات المتقابلة التي يمكن عن طريقها وصف األنظمة اللغوية "‪.96‬ومن هذه الثنائيات ‪:‬‬

‫‪ -7‬اللغة والكالم ‪ :‬فاللغة هي عمل جماعي أي أنها " نتاج المجتمع ‪ ،‬فهي نظام جماعي تمثل مرجعية‬
‫كل كالم " ‪97‬أما الكالم فهو عمل فردي ذاتي يتصل بالمتكلم ‪ ،‬من صفاته أنه " آني مختلف ‪ ،‬مشتت‬
‫يقع في الزمن متغير " ‪.98‬‬

‫لطفي فكري دمحم الجودي‪ ،‬نقد خطاب الحداثة في مرجعيات التنظير العربي للنقد الحديثمؤسسة المختار للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة ‪،‬ط‪،4977،7‬‬
‫‪92‬‬

‫ص ‪.741‬‬
‫‪93‬‬
‫ديفيد بشبندر‪ ،‬نظرية األدب المعاصر وقراءة الشعر‪،‬ترجمة عبد الكريم مقصود‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬دط ‪ ، 4991 ،‬ص‪.13‬‬
‫‪94‬‬
‫المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.01‬‬
‫‪95‬‬
‫ينظر عبد العزيز حمودة ‪ ،‬المرايا المحدبة ‪ ،‬ص ‪.701‬‬
‫صالح فضل ‪ ،‬مناهج النقد المعاصر‪،‬ميريت للنشر والمعلومات‪ ،‬القاهرة ‪،‬ط‪ ، 4994،7‬ص ‪.11‬‬
‫‪96‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.11‬‬


‫‪97‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ،‬الصفحة نفسها ‪.‬‬


‫‪98‬‬
‫‪ -4‬المحور التاريخي االتطوري ‪ ،‬والتزامني الوصفي ‪:‬التاريخي يرتكز على دراسة الظواهر في مسارها‬
‫وصيرورتها ‪ ،‬ورصد تحوالتها وتغيراتها في الزمن ‪.‬أما التزامني فيهتم بتحليل الظواهر في لحظة زمنية‬
‫معينة بغض النظر عن تاريخها السابق وتطورها الالحق ‪.99‬‬

‫‪-3‬علم اللغة الداخلي وعلم اللغة الخارجي ‪ :‬والمقصود‬

‫‪-9‬الدال والمدلول ‪:‬يمثل الدال الصورة السمعية للمدلول الذي هو الصورة الذهنية أو المفهوم الذي يحيل عليه‬

‫الدال‪.‬فالطريقة الوصفية التي تعامل بها دي سوسير مع اللغة من حيث نسق ترابطها الداخلي ال من حيث‬
‫تعاقبها وتطورها التاريخيين ‪..‬‬

‫أما المصدر الثاني الذي انبثقت منه البنيوية هو الشكالنية الروسية التي تبلورت في العشرينيات‬
‫من القرن‪ 49‬حيث استبعدت النقد اإليديولوجي الذي نظر إلى األدب على أنه مجرد إيديولوجيا ‪.‬فدعت‬
‫إلى حصر مجال الدراسة األدبية في النص األدبي ‪ ،‬واالهتمام بالعالقات الداخلية التي تنشأ بين عناصره‪،‬‬
‫‪100‬‬
‫معتبرة إياه "نظاما كليا من اإلشارات ‪،‬أو بنية من اإلشارات تخدم غرضا جماليا"‪.‬‬

‫المصدر الثالث هو مدرسة النقد الجديد التي ظهرت في أربعينيات القرن ‪ 49‬بأمريكا والتي رأى أعالمها‬
‫أن مضمون الشعر هو الشعر ذاته ‪،‬أي الحقائق اللفظية وليس الحقائق الفكرية‪ ،‬وأنه ال هدف للشعر سوى‬
‫الشعر ذاته ‪ .‬في تفرده وذاتيته بعيدا عن أية غاية‪ .‬فكانت هذه المصادر التي تجعل النص األدبي نقطة‬
‫البدء والمنتهى في العملية النقدية هي الجذور الخفية للبنيوية " ‪ ..‬التي تؤكد أنها لم تنشأ من فراغ وأنها‬
‫امتداد للشكلية بقدر ماهي ثورة عليها ‪ ،‬وتطوير للنقد الجديد بقدر ما هي رفض له ‪ ،‬وفوق هذا وذاك‬
‫فإنها النتيجة المنطقية إلنجازات العقل والتفكير العلمي والفلسفي من ناحية وللتطورات التي حدثت في‬
‫مجال الدراسات اللغوية من ناحية أخرى "‪ .101‬والجامع بين هذه المدارس الثالث هو إقصاء السياقات‬
‫الخارجية واحالل اللغة مكانها‪.‬‬

‫مفهوم البنيوية‪:‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ،‬الصفحة نفسها ‪.‬‬


‫‪99‬‬

‫رينيه ويليك ‪،‬أوستين وارين ‪ ،‬نظرية األدب‪ ،‬ترجمة محيي الدين صبحي‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪،‬بيروت‪ ،‬دط‪،‬دت ‪،‬ص ‪.791‬‬
‫‪100‬‬

‫عبد العزيز حمودة ‪ ،‬المرايا المحدبة‪ ،‬ص‪711‬‬


‫‪101‬‬
‫يتحدد مفهوم البنيوية بأنها " ‪ ..‬منهجية نقدية تحليلية تقوم فلسفتها على اعتبار البنية الذاتية للظواهر‬
‫بمعزل عن محيطها الخارجي والتأثيرات األخرى ‪ ،‬فهي تنظر إلى الظواهر من الداخل ‪ ،‬وتفترض أنها‬
‫‪102‬‬
‫ومعنى ذلك أن البنيوية يسقط من حسابها الخارج الذي ال اعتبار له في تحليل‬ ‫مغلقة على ذاتها "‬
‫الظاهرة األدبية‪ ،‬هذه األخيرة التي تستمد كينونتها وخصوصيتها من الداخل فقط‪ ،‬والذي وحده يكون‬
‫موضوع الوصف والتحليل ‪.‬‬

‫ولذلك فالمقصود ببنية النص هي " ذلك النسق المتكامل الذي يتألف من أصوات وكلمات ورموز وصور‬
‫‪103‬‬
‫أي عزل النص األدبي عن كل السياقات الخارجية التي كانت مادة النقد في المناهج‬ ‫وموسيقى ‪" ..‬‬
‫الخارجية التي اعتبرت النص األدبي مجرد حدث تاريخي أو نفسي أو اجتماعي‪ ،‬وكان لذلك انعكاسه‬
‫الخطير في تحول األدب إلى مجرد وسيلة ألداء غاية ما‪ ،‬ومن ثم انزالق النقد عن مساره الحقيقي ‪،‬حيث‬
‫راح ينظر إليه‪ -‬األدب‪ -‬على أنه وثيقة تاريخية أو نفسية أو اجتماعية ‪ .‬فالبنيوية ال تعترف بأي وجود‬
‫للنص األدبي خارج حدود لغته‪ ،‬وما يتشكل منه نظامها من العالقات التي تترابط وتتشابك بين عناصره "‬
‫‪104‬‬
‫؛أي ما تنتجه اللغة‪.‬‬ ‫فمعنى النص يستمد من نسقه اللغوي وليس العكس"‬

‫وتلخص البنيوية بأنها "‪ ..‬منهجا وصفيا يرى في العمل األدبي نصا منغلقا على نفسه ‪ ،‬له نظامه‬
‫الداخلي الذي يكسبه وحدته ‪ ،‬وهو نظام ال يكمن في ترتيب عناصر النص كما هو شائع وانما في تلك‬
‫‪105‬‬
‫ومن ثمة فإن النقد البنيوي يتحرك على محورين أو ثنائيتين‬ ‫الشبكة من العالقات التي تنشأ بين كلماته"‬
‫كما يقول عبد العزيز حمودة ؛ ثنائية الداخل‪ /‬والخارج ‪ ،‬وثنائية الذات ‪/‬والموضوع‪:106‬‬

‫‪ -7‬محور الداخل النصي وهو" رفض ربط األدب كنظام بأي أنظمة أخرى غريبة عليه" ‪107‬حيث ينكفئ‬
‫النص على ذاته مكتفيا بعناصره الجوهرية التي تمنحه خصوصيته و فرادته‪.‬‬

‫ويقابله الخارج النصي الذي ُيغيب هذه الخصوصية‪ ،‬و يجعل من النص األدبي مجرد ذريعة للمعرفة‬
‫التاريخية أو النفسية أو االجتماعية ‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫دمحم بن عبدهللا بن صالح بلعفير‪ ،‬البنيوية النشأة والمفهوم (عرض ونقد)‪ ،‬مجلة األندلس ‪ ،‬للعلم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬العدد ‪) 71‬المجلد‪71‬‬
‫يوليو ‪ -‬سبتمبر‪4971‬م‪ ،‬ص‪.494‬‬
‫المرجع نفسه‪،‬ص‪.493‬‬
‫‪103‬‬

‫لطفي فكري دمحم الجودي ‪ ،‬نقد خطاب الحداثة ‪ ،‬ص ‪.741‬‬


‫‪104‬‬

‫صالح هويدي ‪ ،‬النقد األدبي الحديث قضاياه ومناهجه ‪،‬منشوراتجامعة السابع من أبريل‪ ،‬ليبيا ‪،‬ط‪7941 ،7‬ه‪ ،‬ص ‪779‬‬
‫‪105‬‬

‫ينظر ‪ ،‬عبد العزيز حمودة ‪ ،‬المرايا المحدبة‪ ،‬ص‪ 711‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪106‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.719‬‬


‫‪107‬‬
‫أما المحو الثاني وهو محور الموضوع الذي تكون فيه الخصائص النوعية التي تصنع اختالف النص‬
‫األدبي هي موضوع النقد‪ ،‬وليس الذات المنتجة التي تحول وجودها عبئا ثقيال على الدراسة األدبية‪ ،‬أو أية‬
‫مرجعية أخرى سوى مرجعية النص الذاتية ‪.108‬‬

‫مبادئ البنيوية ‪:‬‬

‫تأسيسا على ما سبق فإن المبادئ التي يقوم عليها التحليل البنيوي تتمثل في ‪:‬‬

‫‪ -7‬العلمية ‪:‬‬

‫وذلك برفض التاريخ واستنزافه للدراسة األدبية ردحا من الزمن‪ ،‬فقد وقفت البنيوية في وجه‬
‫الفلسفات و اإليديولوجيات التي ترجع كل شيء إلى التاريخ‪ ،‬وتنظر إلى األدب انطالقا من فرضيات‬
‫الماضي والمستقبل ‪ .‬وحجتها في ذلك هو أن األدب ال يكون أدبا إال بأدبيته ‪ ،109‬وذلك بوصفه نظاما‬
‫قائما بذاته له خصوصيته التي توجه الدراسة إلى تعقب العالقات الداخلية التي تنشأ بين عناصره‪ ،‬وكيفية‬
‫ترابطها ‪ ،‬و من ثمة أدائها لوظيفتها الجمالية أي " أن يـدرس عـالقـات الوحدات والبنى الصغيرة بعضها‬
‫ببعض داخل النص في محاولة للوصـول إلى تحديد للنظام أو البناء الكلي الذي يجعل النص موضوع‬
‫الدراسة أدبا"‪ .110‬وهو ما يعنيه مصطلح األدبية ‪-‬الذي جاء به رومان جاكبسون‪ -‬الذي يهدف إلى‬
‫الكشف عن الكيفية التي كتبت بها الرسالة؛ وذلك هو مضمون علم األدب عند الشكالنيين الروس ‪.‬‬

‫‪-4‬النزوع إلى الشكلية ‪ :‬إذا كان قوام التحليل البنيوي هو الكيفية التي كتبت بها الرسالة فإن ذلك معناه أال‬
‫قيمة لمضمون أو معنى النص ‪ ،‬إذ االعتبار الوحيد هو للشكل الذي يتحدد من خالل اللغة‪ ،‬التي هي‬
‫المادة األولية التي يستخدمها الكاتب‪ .‬ذلك أن النصوص األدبية تكتب بالكلمات وليس باألفكار كما يقول‬
‫بارت ‪":‬األدب بأجمعه قائم في عملية الكتابة‪ ،‬وليس عملية الفكر‪ ،‬أو التصوير‪ ،‬أو اإلخبار أو‬
‫الشعور"‪ ،111‬وتبعا لذلك فإن هدف النقد األدبي هو كيف استخدم الكاتب هذه اللغة ؟" وهكذا تحول المنهج‬
‫المعرفي من محاولة معرفة " ماهية" الشيء إلى" كيفية " ترابط أجزائه وعملها مجتمعة "‪ .112‬فالنص‬
‫األدبي ليس معان أو مضامين تحمل رسالة ما وتحقق مقصدية ما ‪ ،‬وانما هو وحدات وأجزاء وعناصر‬

‫‪108‬‬
‫ينظر‪ ،‬دفيد بوشمندر‪ ،‬نظرية األدب المعاصر وقراءة الشعر‪ ،‬ترجمة عبد الكريم مقصود ‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫ينظر‪ ،‬صالح فضل ‪ ،‬مناهج النقد المعاصر ‪،‬ص‪.07‬‬
‫‪109‬‬

‫عبد العزيز حمودة ‪ ،‬المرايا المحدبة ‪ ،‬ص‪. 710‬‬


‫‪110‬‬

‫‪111‬‬
‫آن جيفرسون وديفيد روبي ‪ ،‬النظرية األدبية الحديثة ‪ ،‬تقديم مقارن ‪ ،‬ترجمة سمير سعيد ‪ ،‬ص‪.711‬‬
‫‪112‬‬
‫دليل الناقد األدبي ‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫تلتحم داخل النسيج اللغوي وتنشأ بينها عالقات تجعل منها بنية قائمة بذاتها مكتفية بعناصرها‪ ،‬تحكمها‬
‫قوانينها الداخلية‪.‬و تكون هذه العالقات هي محل المعاينة والتحليل وليس شيئا خارجا عنها‪ .‬فقد أصبح‬
‫األدب مدونة دون رسالة بعدما كان ألمد طويل رسالة دون مدونة‪ .113 code‬وفي هذا الصدد يقول‬
‫المسدي ‪ ":‬أما البنيوية فليست علما أو فنا معرفيا بل فرضية منهجية قصارى ما تصادر عليه أن هوية‬
‫‪114‬‬
‫الظواهر تتحدد بعالقة المكونات وشبكة من الروابط أكثر مما تتحدد بماهيات األشياء "‪.‬‬

‫‪-3‬موت المؤلف ‪ :‬هذه الفكـرة فـي الحقيقـة ظهـرت قبـل البنيويـة‪ ،‬مـع الفيلسـوف األلمـاني نيتشـه الـذي‬
‫أطلــق عبــارة "مــوت اإللــه "‪ ،‬مــرو ار ب "مــوت اإلنســان " التــي نــادى بهــا ميشــال فوكــو‪ ،‬وص ـوال إلــى" مــوت‬
‫المؤل ــف "م ــع روالن ب ــارت ال ــذي يؤك ــد عل ــى ‪ ..":‬أن الكتاب ــة قض ــاء عل ــى ك ــل ص ــوت‪ ،‬وعل ــى ك ــل أص ــل‪،‬‬
‫الكتابة هي هذا الحياد‪،‬هذا التأليف واللف الـذي تتيـه فيـه ذاتيتنـا الفاعلـة‪ ،‬إنـه السـواد‪ -‬البيـاض الـذي تضـيع‬
‫فيه كل هوية ابتداء من هوية الجسد الذي يكتب" ‪،115‬إن منبع النص ومصدره –أي شخصية المؤلف التـي‬
‫كانــت هــوس النقــد عنــد بعــض االتجاهــات التقليديــة ‪ -‬تأخــذ فــي التحلــل والتالشــي بفعــل الكتابــة التــي تســمح‬
‫فقط للتجلي اللغو بالكينونة والهيمنة‪ .‬ومن ثمة يكـون البحـث عـن مصـير الـنص هـو هـدف التحليـل الـذي‬
‫يقوم به قـارئ يتوقـف مـيالده علـى مـوت المؤلـف‪ ،116‬هـذا األخيـر الـذي ينتهـي وجـوده بمجـرد انتهائـه مـن‬
‫الكتاب ـة‪ .‬و ألنــه ال مزيــة لــه فــي ذلــك ســوى أنــه اســتخدم لغــة موروثــة وبطريق ـة متوارثــة‪ ،‬اســتحق أن يكــون‬
‫مجرد ضيف ينزل على صفحة الغالف ال غير‪ .‬وقتل المؤلف وبتر النص عن سـياقاته الخارجيـة كـل ذلـك‬
‫هــو فســح الطريــق أمــام القـراءة الموضــوعية المحايثــة‪ ،‬التــي ال تتحقــق إال بإعــدام المؤلــف واسـقاط وصــايته‬
‫علــى الــنص نهائيــا‪ "،‬فالعمــل األدبــي‪ -‬عنــدها‪ -‬ال يحيــل إلــى (موضــوع)‪ ،‬وال هــو تعبيــر عــن ذات فرديــة‪ ،‬والمهــم‬
‫عندها هو (نسق القواعد) أو (النظام) المستقل بحياتـه‪ .‬ولهـذا فـإن البنيويـة تبـدو ال إنسـانية‪ .‬وهـي تطالـب بقـارئ هـو‬
‫في الواقع ذات متعالية متحللة من كل المحددات االجتماعية المقيدة‪.117"...‬‬

‫وبذلك تصل البنيوية إلى " نزع مركزية الذات الفردية"‪ .118‬ما جعل أحد خصومها وهو روجيه غـارودي‬
‫ينعتها بأنها‪ :‬فلسفة موت اإلنسان ‪،‬يقول ‪" :‬والبنيوية في هذا المفهوم في أيامنا هذه تحمل فلسفة تمثـل فـي‬

‫‪113‬‬
‫ينظر آن جيفرسون وديفيد روبي ‪ ،‬النظرية األدبية الحديثة ‪ ،‬تقديم مقارن ‪ ،‬ترجمة سمير سعيد ‪ ،‬ص‪.719‬‬
‫‪114‬‬
‫عبد السالم المسدي ‪ ،‬األسلوبية واألسلوب ‪ ،‬دار الكتاب الجديد ‪ ،‬بيروت –لبنان ‪ ،‬ط‪1 ،4991 ،1‬‬
‫‪115‬‬
‫روالن بارط ‪ ،‬درس السيميولوجيا ‪ ،‬ترجمة بنعبد العالي‪،‬دار توبقال للنشر ‪ ،‬المغرب‪،‬ط‪ ،7003،3‬ص‪.17‬‬
‫‪116‬‬
‫ينظر المرجع نفسه ‪،‬ص ‪.11-11‬‬
‫دمحم عزام ‪ ،‬تحليل الخطاب األدبي على ضوء المناهج النقدية المعاصرة‪ ،‬ص ‪.37‬‬
‫‪117‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.40‬‬


‫‪118‬‬
‫طبعتهـا الدوغما تيـة نقطة الوصول لفلسفة موت اإلنسان‪ ،‬للفلسفة التي بال ذات"‪.119‬‬

‫النقد البنيوي في البيئة العربية‬

‫أمــا فــي الســاحة العربيــة فقــد تعــرف النقــد العربــي علــى البنيويــة فــي منتصــف الســتينات عــن طريــق‬
‫الترجمــة واالحتكــاك المباشــر بالثقافــة الغربيــة‪ .‬ويعتبــر محمــود أمــين العــالم هــو أول ناقــد عربــي كتــب عــن‬
‫البنيويــة التــي ســماها الهيكليــة وذلــك فــي سلســلة مقــاالت بعنـوان الهيكليــة ‪ .120‬وتعــد أواخــر الســبعينيات هــي‬
‫االنطالقــة الفعليــة للمــنهج البنيــوي فــي النقــد العربــي عــن طريــق العديــد مــن األســماء النقديــة العربيــة الــذين‬
‫تهافتوا على التنظير له وتطبيقه واخضاع النصوص العربية القديمة والحديثـة آللياتـه سـواء مـن المشـرق أو‬
‫المغ ــرب العرب ــي ‪ .‬وم ــن هـ ـؤالء حس ــين الـ ـواد ف ــي "البني ــة القصص ــية ف ــي رس ــالة الغفـ ـران "‪ ،7014‬و"البني ــة‬
‫اإليقاعيــة للشــعر العربــي " لكمــال أبــو ديــب ‪ ،7019‬و"البنيــة القصصــية ومــدلولها االجتمــاعي فــي حــديث‬
‫عيســى بــن هشــام " لرشــيد ثابــت‪ 7011‬و مشــكلة البنيــة لزكريــا إب ـراهيم ‪،7011‬و نظريــة البنائيــة فــي النقــد‬
‫‪121‬‬
‫المعاص ــر‪ ،‬لص ــالح فض ــل‪" ،7011‬ظ ــاهرة الش ــعر العرب ــي المعاص ــر ف ــي المغ ــرب" ل ــدمحم بن ــيس‪7010‬‬
‫و"حركية اإلبداع" لخالدة سعيد ‪7010‬و"األدب والغ اربـة " لعبـد الفتـاح كليطـو‪ 7014‬و" معرفـة الـنص" ليمنـى‬
‫العيد ‪7013‬و"بناء الروايـة ‪:‬د ارسـة مقارنـة لثالثيـة نجيـب محفـو " لسـي از قاسـم ‪7019‬و"الخطيئـة والتكفيـر ‪:‬‬
‫م ــن البنيوي ــة إل ــى التشـ ـريحية ‪ ،‬قـ ـراءة نقدي ــة لنم ــوذج معاص ــر" لعب ــد هللا الغ ــذامي ‪ 7011‬و"بني ــة الخط ــاب‬
‫‪122‬‬
‫‪..‬إلى غير ذلك من األسـماء النقديـة التـي كـان لهـا إسـهامها فـي‬ ‫الشعري" لعبد المالك مرتاض ‪7011‬‬
‫ترسيخ المنهج البنيوي في انقد العربي‪.‬‬

‫عيوب البنيوية ‪:‬‬

‫‪ -‬اإلفراط في عزل النص األدبي عن سياقاته الخارجية التي الشك أن لها تأثيرها في تلقي النص‪.‬‬

‫‪ -‬إسرافهم في االعتماد على النموذج اللغوي الذي ال يعبأ بما هو خارج حدود اللغة ما أوقعهم فيما‬
‫ومن ثم إيغالهم في التجريد الشكلي ‪.‬‬ ‫‪123‬‬
‫يسميه فريدريك جيمسون "بسجن اللغة"‬
‫‪ -‬تحميل النصوص فوق ما تحتمل وانطاقها بما ليس فيها ‪.‬‬

‫ينظر ‪ ،‬روجيه غارودي ‪ ،‬البنيوية ف لسفة موت اإلنسان ‪ ،‬ترجمة جورج طرابيشي ‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر ‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪ ،7011 ،3‬ص‬
‫‪119‬‬

‫‪.793‬‬
‫ينظر‪ ،‬حفناوي بعلي ‪ ،‬استقبال النظريات النقدية في الخطاب العربي المعاصر‪ :‬دراسة نقدية مقارنة ‪ ،‬دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع‪ -‬األردن‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪120‬‬

‫‪ ، 2016‬ص‪+6 .8‬‬
‫‪121‬‬
‫ينظر يوسف وغليسي ‪ ،‬محاضرات في النقد المعاصر ‪ ،‬ص ‪90-91‬‬
‫‪122‬‬
‫ينظر‪ ،‬لطفي فكري دمحم الجودي ‪ ،‬نقد خطاب الحداثة في مرجعيات التنظير العربي للنقد الحديث ‪.739 ،‬‬
‫‪123‬‬
‫ينظر‪ ،‬دفيد بوشمندر‪ ،‬نظرية األدب المعاصر وقراءة الشعر‪ ،‬ترجمة عبد الكريم مقصود‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ -‬تقطيع أوصال النص األدبي بتجزيئه إلى أصغر وحداته‪.‬‬
‫‪ -‬تغييب الخصوصية النوعية للنصوص األدبية؛حيث يتساوى األدب الرفيع بغيره في نظر‬
‫المنهج البنيوي الذي يهتم فقط بالكشف عن البنية التي يفترض وجودها في كل النصوص مهما‬
‫كانت‪.‬‬

‫‪ -‬البنيوية فلسفة ال إنسانية ومنهجية تقصي أية مرجعية للنصوص سواء أ كانت سماوية أم بشرية‬
‫وفي ذلك يكمن إلحادها ‪.‬‬

‫المحاضرة السابعة‪:‬‬

‫‪Sémiotique‬‬ ‫السيميائية‬

‫يجمع الدارسون على أن السيميائية ‪ Sémiotique‬من مخرجات النظرية اللسانية التي وضعها‬
‫العالم اللغوي السويسري فرديناند دي سوسير‪ ،‬والذي يعني بها الدراسة العامة ألنساق السمات‪ .124‬لكن‬
‫سرعان ما استقلت عنه مستوية علما قائما بذاته له مصطلحاته وجهازه المفاهيمي ومنهجيته وآلياته في‬
‫مقاربة النصوص‪ .‬وذلك ببشرى زّفها دي سوسير بميالد علم مستقل هو السيميولوجيا حيث قال ‪ ":‬إن‬
‫اللغة نظام من الدالئل يعبر عما لإلنسان من أفكار وهي في هذا شبيهة بالكتابة و بألفائية الصم والبكم‪،‬‬

‫‪124‬‬
‫عبد المالك مرتاض ‪ ،‬نظرية النص األدبي ‪،‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ‪ ،‬الجزائر ط‪،4979 ،4‬ص ‪.711‬‬
‫والطقوس الرمزية‪ ،‬وصور آداب السلوك وباإلشارات الحربية وغيرها‪ .‬إال أن اللغة أهم هذه األنظمة جميعها‬
‫إنها‪ .‬واذن فإنه من الممكن أن نتصور علما يدرس حياة الدالئل في صلب الحياة االجتماعية‪ ،‬وقد يكون‬
‫قسما من علم النفس االجتماعي‪ ،‬وبالتالي قسما من علم النفس العام‪ .‬ونقترح تسميته ب ‪Sémiologie‬‬
‫أي علم الدالئل وهي كلمة مشتقة من اليونانية ‪ séméion‬بمعنى دليل‪ .‬ولعله سيمكننا من أن نعرف مم‬
‫تتكون الدالئل والقوانين التي تسيرها‪.‬ولما كان هذا العلم غير موجود بعد فإنه ال يمكن أن نتنبأ بما‬
‫سيكون‪.‬ولكن يحق له أن يوجد‪ ،‬ومكانه محدد سلفا‪ .‬وليست األلسنية سوى قسم من هذا العلم العام‬
‫والقوانين التي سيكتشف عنها علم الدالئل سيكون تطبيقها على األلسنية ممكنا‪.‬وستجد األلسنية نفسها‬
‫ملحقة بميدان محدد المعالم مضبوط ضمن مجموع ظواهر البشرية ‪125 "..‬فهذا العلم يدرس بنية‬
‫اإلشارات‪ ،‬و ذلك بتعقب األنظمة المتحكمة فيها‪.‬‬

‫كما يعزى الفضل في ظهور هذا العلم أيضا إلى معاصره الفيلسوف األمريكي شارل سندرس بيرس‬
‫‪ .‬وقد توسع في موضوعه‬ ‫السيميوطيقا‪Sémiotique‬‬ ‫أحد أكبر المؤسسين لعلم السمة وفلسفتها ‪126‬سماه‬
‫‪127‬‬
‫‪ .‬يقول‪ ":‬لم يكن‬ ‫ليصبح إطا ار مرجعيا يتضمن أي دراسة أخرى في أي مجال لغويا كان أو غير لغوي‬
‫بإمكاني على اإلطالق أن أدرس أي شيء – الرياضيات‪ ،‬األخالق‪ ،‬الميتافيزيقا‪ ،‬الجاذبية‪ ،‬الديناميكا‬
‫الح اررية‪ ،‬البصر‪ ،‬الكيمياء‪ ،‬التشريح المقارن‪ ،‬الفلك‪ ،‬علم النفس‪ ،‬الصوتيات‪ ،‬االقتصاد‪،‬تاريخ العلوم(ضرب‬
‫من لعب الورق)الرجال والنساء‪،‬النبيذ‪،‬علم المقاييس والموازين‪-‬إال بوصفه دراسة سيميائية"‪.128‬‬

‫أصول السيميائية واشكالية ازدواجية المصطلح‪:‬‬

‫شاع استخدام مصطلح( السيميولوجيا ) الذي استحدثه سوسير‪ ،‬بين الدارسين من ذوي الثقافة‬
‫األوروبية‪ ،‬بينما استخدم مصطلح بيرس (السيميوطيقا ) للمتحدثين باألنجلوساكسونية‪ .‬أما النقاد العرب‬
‫كعادتهم فقد تفرقوا شيعا فمنهم من شايع األوروبيين‪ ،‬ومنهم من شايع األنجلوساكسونيين‪ ،‬فيما آثر فريق‬
‫ثالث البحث في الجذور العربية عله يجد ما يرفع عنه حرج اإلتباع فاستخدموا مصطلح السيمياء الذي‬
‫يحيل على المعارف السحرية والقيافة وأسرار الحروف التي عرفها العرب‪.129 ..‬على أنه تنبغي اإلشارة‬

‫‪125‬‬
‫فرديناند ديسوسير ‪ ،‬دروس في األلسنية العامة ‪ ،‬ترجمة صالح قرمادي‪ -‬دمحم الشاوش‪-‬دمحم عجينة ‪،‬الدار العربية للكتاب‪-،‬طرابلس‪ -‬ليبيا‪،‬‬
‫د ط‪ ، 7011 ،‬ص‪.31‬‬
‫‪126‬‬
‫ينظر المرجع نفسه ‪ ،‬الصفحة نفسها ‪.‬‬
‫‪127‬‬
‫ينظر‪ ،‬أوزوالد ديكرو ‪ ،‬جان ماري سشايفر ‪ ،‬القاموس الموسوعي الجديد لعلوم اللسان ‪ ،‬ترجمة منذر عياشي‪ ،‬ص ‪.709‬‬
‫‪128‬‬
‫المرجع السابق ‪،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫ينظر صالح فضل‪ ،‬مناهج النقد المعاصر ومصطلحاته‪ ،‬ميريت للنشر والمعلومات‪ ،‬القاهرة –مصر‪ ،‬ط‪ ، 4994،7‬ص‪.747‬‬
‫إلى أن تداول المصطلحين السيميولوجيا و السيميوطيقا على سبيل الترادف كان وراء الفوضى‬
‫المصطلحية التي أثارت الجدل بين النقاد والدارسين الذين ارتأوا لزام ضبطهما وتوضيح ما بينهما من‬
‫فروق‪ .‬وقبل ذلك وجب علينا العودة إلى الجذور التاريخية لمصطلح السيميائية ‪.‬‬

‫ينحدر مصطلح السيميائية من "األصل اليوناني ‪ " "Sémeion‬الذي يعني العالمة و"‪logos‬‬
‫"الذي يعني الخطاب‪...‬وبامتداد أكبر كلمة ‪ logos‬تعني العلم‪ .‬هكذا يصبح تعريف السيميولوجيا على‬
‫‪ .‬وتعود بوادر السيميائية " إلى أفالطون الذي استخدم مصطلح‬ ‫‪130‬‬
‫النحو اآلتي‪ :‬علم العالمات "‬
‫سيميوطيقا‪ Sémiotké‬إلى جانب مصطلح ‪Grammatiké‬الذي يعنى تعلم القراءة والكتابة‪ ،‬ومندمج مع‬
‫الفلسفة أو فن التفكير‪ .‬ويبدوأن السيميائية اليونانية لم يكن هدفها إال تصنيف العالمات وتوجيهها في‬
‫‪131‬‬
‫‪.‬‬ ‫منطق فلسفي شامل"‬

‫كما يذكر أمبرتو إيكو أن تاريخ السيميائيات‪ ":‬يعود إلى ألفي سنة مضت وذلك مع الرواقيين الذين‬
‫هم أول من قال بأن للعالمة "‪" signe‬وجهين‪ :‬دال ومدلول"‪"Signifiant-Signifite‬وكان ذلك مرتكز‬
‫‪132‬‬
‫‪ .‬يضاف إليها أبحاث القديس سانت أغسطين (‪ ) 319-939‬ذات األصول‬ ‫السيميائيات المعاصرة‬
‫الفلسفية وذلك بتمييز بين العالمات الطبيعية‪ ،‬والعالمات التواضعية‪ ،‬وأيضا تمييزه بين وظيفة العالمات‬
‫عند الحيوانات والبش ر‪. 133‬ثم يختفي هذا المصطلح ليعاود الظهور مع الفيلسوف األنجليزي جون لوك‬
‫‪.‬‬ ‫‪134‬‬
‫بداللة مشابهة لما استعمله له أفالطون‬

‫وقد عرفت البيئة العربية مصطلح السيميائية بدءا بالمادة اللغوية التي احتضنتها المعاجم العربية‪،‬‬
‫فقد جاء في لسان العرب في مادة (س‪ ،‬و‪ ،‬م) قوله ‪ ":‬السيمة والسيمياء العالمة‪ ،‬وسم الفرس جعل عليه‬
‫السيمة ويقول الجوهري السومة بالضم العالمة التي تجعل على الشاة " ‪ 135‬ثم مرو ار بالعديد من آيات‬
‫َّدا َيْب َت ُغو َن َف ْض ًًل ِّم َن‬
‫اه ْم ُرَّك ًعا ُسجً‬
‫الذكر الحكيم التي وردت فيها لفظة السيمة من ذلك قوله تعالى ‪َ ﴿ :‬تَر ُ‬
‫ود ۖ ﴾{ الفتح ‪ }40 /‬وقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ت ْع ِّرُف ُهم‬ ‫وه ِّهم ِّم ْن أَ َث ِّر ُّ‬
‫الس ُج ِّ‬ ‫اهم ِّفي ُو ُج ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ ِّ‬
‫َّللا َو ِّر ْض َواًنا ۖ س َ‬
‫يم ُ ْ‬
‫اس ِّإْل َحا ًفا ﴾ { البقرة ‪}372/‬وأخي ار وصوال إلى الكثير من علوم العربية كعلوم‬ ‫اه ْم ََل َي ْسأَُلو َن َّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫الن َ‬ ‫يم ُ‬
‫بس َ‬

‫‪130‬‬
‫برنار توسان‪ ،‬ما هي السيميولوجيا‪ ،‬ترجمة دمحم نظيف‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ -‬المغرب ‪ ،‬ط‪ ،4999،4‬ص‪.0‬‬
‫‪131‬‬
‫المرجع نفسه‪،‬ص‪.31‬‬
‫‪132‬‬
‫ينظر‪ ،‬ميشال آريفييه وآخرون‪ ،‬السيميائية‪،‬األصو ل والقواعد والتاريخ‪ ،‬ترجمة رشيد بن مالك‪ ،‬مراجعة وتقديم عزالدين مناصرة ‪،‬دار‬
‫مجدالويللنشر والتوزيع‪،‬عمان –األردن‪،‬ط‪، 4991،7‬ص‪.41‬‬
‫‪133‬‬
‫ينظر‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪.41‬‬
‫‪134‬‬
‫ينظر ‪ ،‬برنار توسان‪ ،‬ما هي السيميولوجيا‪ ،‬ترجمة دمحم نظيف‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪135‬‬
‫ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬مادة( سوم)‬
‫اللغة والبالغة والفلسفة ‪ ..‬التي وردت فيها أفكار متناثرة تصب في ما يعرف اليوم بعلم السيميائيات فقد"‬
‫تبلور علم السيمياء على يد علماء األصول والتفسير والمنطق واللغة والبالغة‪،‬وكان الباحث الموجه للدرس‬
‫‪136‬‬
‫وبالرغم‬ ‫السيميائي هو القرآن الكريم‪،‬إذ منذ نزوله كان التأمل في العالمة بغية اكتشاف بنيتها الداللية"‬
‫من أن" دراسات النظام اإلشاري في التراث العربي قديمة قدم الدرس اللساني‪ ،‬إال أن األفكاروالتأمالت‬
‫السيميائية التي وصلت ظلت في إطار التجربة الذاتية‪ ،‬ولم تتجسد في إطار التجربة العلمية الموضوعية‪،‬‬
‫‪137‬‬
‫ومن ثم فالمنطلقات السيميائية للدراسة العربية تنقصها اإلجراءات التطبيقية الموسعة"‬

‫وعود على قضية المصطلح التي تشير إلى انقسام النقاد والدارسين الغربيين بين مصطلح‬
‫السميولوجيا أو السيميوطيقا فقد وجدنا من النقاد من يستخدم المصطلحين بداللة واحدة ومن هؤالء جوليا‬
‫كريستيفا وذلك في قولها ‪":‬تسعى السيميولوجيا أوالسميوتيكا‪..‬اليوم إلى أن تبنى على أساس أنها علم‬
‫المعان ي‪. 138‬كذلك تودوروف وديكرو في قاموسهما الموسوعي‪ :‬فالسيميائية أو السيميولوجيا‪-‬بصيغة‬
‫فرق غريماس وبعض اللسانيين بين‬
‫في حين ّ‬
‫‪139‬‬
‫العطف والتخيير ‪ -‬هي علم العالمات ‪.‬‬
‫المصطلحين‪،‬فالسيميولوجيا تعنى " بالعلم الذي يبحث في أنظمة العالمات لغوية كانت أو أيقونية أوحركية‬
‫فإن السيميولوجيا تبحث في العالمات غير اللغوية‬
‫‪ ،‬وبالتالي إذا كانت اللسانيات تدرس األنظمة اللغوية ّ‬
‫بينما تعنى السيميوطيقا بـ « الدراسة الشكالنية للمضمون إذ تمر عبر‬ ‫‪140‬‬
‫التي تنشأ في حضن المجتمع"‬
‫‪141‬‬
‫أي الجانب العملي الذي يسعى إلى‬ ‫الشكل لمساءلة الدوال من أجل تحقيق معرفة دقيقة للمعنى"‪.‬‬
‫الكشف عن الكيفية –الشكل‪ -‬التي تمت بها صناعة المعنى وليس بالمعنى‪ .‬ومن ثمة فالسيميولوجيا تمثل‬
‫الجانب النظري بينما تمثل السيميوطيقا جانبه التطبيقي‪.‬‬

‫ميز معجم ‪ Hachette‬بين المصطلحات المتداولة في حقل السميائية وهي السيميولوجيا والسيميوطيقا‬
‫وقد ّ‬
‫حدد "السيميوطيقا" بأنها "النظرية العامة التي تدرس العالمات وأنساقها داخل‬
‫والسيميائيات ؛حيث ّ‬
‫السيميوطيقا بأنها النظرية العامة للعالمات واألنظمة الداللية اللسانية وغير‬ ‫"‪ َّ،‬وحدد‬ ‫‪142‬‬
‫المجتمع‬

‫‪136‬‬
‫بلقاسم دفة ‪ ،‬علم السيمياء في التراث العربي ‪ ،‬مجلة التراث العربي العدد‪،07‬رجب‪7949‬هأيلول (سبتمبر)‪4993‬السنة الثالثة والعشرون‬
‫‪،‬ص‪17‬‬
‫‪137‬‬
‫المرجع نفسه ‪،‬ص ‪.10-11‬‬
‫‪138‬‬
‫ينظر عبد المالك مرتاض‪ ،‬في نظرية النص األدبي‪ ،‬ص‪.713‬‬
‫‪139‬‬
‫ينظر‪ ،‬يوسف وغليسي‪ ،‬محاضرات في النقد المعاصرمنشورات جامعة منتوري ‪-،‬قسنطينة ‪، 4991-4999 ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪140‬‬
‫نور المرتجي ‪ :‬سيميائية النص األدبي ‪ ،‬إفريقيا الشرق ‪ ،‬بيروت ‪، 7011 ،‬ص‪41‬‬
‫‪141‬‬
‫براهيم صدقة ‪ :‬السيميائية ؛ مفاهيم ‪ ،‬اتجاهات ‪ ،‬أبعاد ‪ ،‬ضمن محاضرات الملتقى الوطني األول – السيمياء والنص األدبي ‪ ،‬منشورات جامعة‬
‫"دمحم خيضر بسكرة ‪ ، 4999 " ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪142‬‬
‫‪Hachette : Dictionnaire HACHETTE encyclopédique, Hac hette livre, Paris, 2002, p212‬‬
‫"‪ ،‬ولتالفي هذا‬ ‫‪144‬‬
‫‪ Sémantique‬فتعني دراسة اللغة من زاوية الداللة‬ ‫اللسانية " ِِ ِّ ‪143‬أما السيميائيات‬
‫التجاذب بين المصطلحين فقد قررت لجنة دولية في فبراير ‪7010‬م تبني استخدام مصطلح السيميوطيقيا‬
‫وتأسيس الرابطة الدولية للدراسات السيموطيقية‪.145‬‬

‫تعريف السيميائية ‪:‬‬

‫في أبسط تعريف لها فإن السيميائية هي" دراسة اإلشارات "‪146‬أو هي " هي الدراسة المنظمة لألدلة‬
‫‪148‬‬ ‫‪147‬‬
‫مهما كان نوعها إذ "‪،‬‬ ‫ويعرفها أمبرتو إيكو بقوله ‪" :‬تعنى السميائية بكل ما يمكن اعتباره إشارة "‬ ‫"‬
‫تتضمن ليس فقط ما نسميه في الخطاب اليومي إشارات‪ ،‬ولكن أيضا كل ما ينوب عن شيء آخر من‬
‫منظور سيميائي‪ ،‬تأخذ اإلشارات شكل كلمات وصور وأصوات وايماءات وأشياء‪ ،‬وال يدرس السيميائيون‬
‫المعاصرون اإلشارات مفردة‪،‬ولكن كجزء من منظومات إشارات ‪..‬يدرسون كيفية صناعة المعنى وتمثيل‬
‫‪149‬‬
‫فالسيميائية تدرس حياة وحركة العالمات المحسوسة التي تنوب عن أشياء غير محسوسة هي‬ ‫الواقع"‪.‬‬
‫المقصودة‪ ،‬والعالقة بينها‪ .‬و تدرس كيفية إنتاجها للمعنى في أي حقل من الحقول المعرفية لغوية وغير‬
‫لغوية‪ .‬فموضوع السيميائية هو البحث في "السيرورة المؤدية إلى إنتاج الداللة‪ ،‬أي ما يطلق عليه في‬
‫االصطالح السيميائي التدالل‪، Sémiosis‬والتدالل في التصور الداللي الغربي هو الفعل المؤدي إلى‬
‫إنتاج الدالالت وتداولها"‪ .150‬بما أن اإلنسان مولع بتوليد المعاني‪-‬كما يقول دانيال تشالدنير‪ -‬عن طريق‪:‬‬
‫" ابتكار اإلشارات وتفسيرها‪ ..‬وأي شيء يمكن أن يصبح إشارة‪ ،‬شرط أن يعتبر أحدنا أنه "يعني" أمرا‪،‬أي‬
‫يحيل على شيء أو ينوب عنه ‪،‬ونعتبر األشياء إشارات بطريقة‪ ،‬هي إلى حد بعيد غير واعية وذلك‬
‫‪151‬‬
‫بربطها بمنظومات واصطالحات مألوفة هذا االستخدام الداللي لإلشارات هو موضوع السيميائية"‪.‬‬
‫وبذلك فإن السيميائية تحليل جمالي مؤسس يبحث في العالقات الداللية غير المدركة عبر المدرك‪،‬‬
‫للقبض على المضمر والمخفي في النص وفي مختلف مناحي الحياة ‪ .‬وقد كان التساع السيميائية‬
‫وانفتاحها على مختلف مجاالت الحياة أثره في ظهور اتجاهات لها عديدة أو سيميائيات مّثلها أعالم‬
‫‪152‬‬
‫مثل ‪:‬‬ ‫السيميائية‬

‫‪143‬‬
‫‪Ibid.p245.‬‬
‫‪144‬‬
‫‪.ibid .p255.‬‬
‫‪145‬‬
‫ينظر‪ ،‬فيصل لحمر ‪ ،‬معجم السيميائيات ‪ ،‬ص‪..73‬‬
‫‪146‬‬
‫دانيا ل تشالدنر‪ ،‬أسس السيميائية‪ ،‬ترجمة طالل وهبة ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ ،4991،7‬ص ‪41‬‬
‫تيري أنغلتون‪ ،‬نظرية األدب‪،‬ص‪711‬‬
‫‪147‬‬

‫‪148‬‬
‫‪ .‬دانيا ل تشالدنر‪ ،‬أسس السيميائية‪ ،‬ترجمة طالل وهبة ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ ،4991،7‬ص ‪.41‬‬
‫‪149‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها ‪.‬‬
‫‪150‬‬
‫سعيد بنكراد‪:‬السيميائيات والتأويل)مدخل إلى سيميائيات ش‪.‬س‪.‬بورس‪،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬المغرب‪،‬ص‪.44‬‬
‫‪151‬‬
‫دانيا ل تشالدنر‪ ،‬أسس السيميائية‪ ،‬ترجمة طالل وهبة ‪ ،،‬ص‪.91‬‬
‫‪152‬‬
‫عبد الحميد هيمة ‪ ،‬النص الشعري بين النقد السياقي والنقد النسقي قراءة في إشكالية المنهج في النقد العربي المعاصر‪ ،‬مجلة مقاليد العدد الثاني‬
‫ـ ديسمبر ‪ ، 4977‬ص‪.04‬‬
‫‪-7‬الشعر ( مولينو‪ ،‬رومان ياكبسون‪ ،‬جوليا كرستيفا‪ ،‬ميكائيل ريفاتير )‪.‬‬

‫‪-4‬الرواية والقصة ( غريماس‪ ،‬كلود بريمون‪ ،‬روالن بارت‪ ،‬تودوروف‪ ،‬جيرار جينيت‪ ،‬فيليب هامون)‪.‬‬

‫‪ -3‬األسطورة والخرافة ( فالديمير بروب)‪.‬‬

‫‪-9‬السينما ( كريستيان ميتز‪ ،‬يوري لوتمان)‪.‬‬

‫‪ -1‬اإلشهار ( روالن بارت‪ ،‬جورج بنينو‪ ،‬جان دوران) ‪.‬‬

‫‪ - 1‬األزياء واألطعمة واألشربة‪ ،‬والموضة ( روالن بارت )‪.‬‬

‫‪ -1‬التواصل ( جورج مونان‪ ،‬برييطو )‪.‬‬

‫‪ -1‬الثقافة ( يوري لوتمان‪ ،‬توبوروف‪ ،‬إيفانوف‪ ،‬أمبرتو إيكو‪ ،‬روسي الندي)‪.‬‬

‫سيميولوجية دي سوسير ‪:‬‬


‫مر بنا أن دي سوسير هو أول من تنبأ بعلم يدرس حياة اإلشارات والعالمات‪ ،‬ويربطها مع النواحي‬
‫االجتماعية‪ ،‬سماّه السميولوجيا ‪ .‬والعالمة هي " شيء جيء به ليمثل شيئا آخر"‪ ،153‬ويحددها روالن بارت‬
‫‪154‬‬
‫هز الرأس عالمة‬
‫مثل ّ‬ ‫بأنها " حدث مدرك مباشرة يعلمنا بشيء ما عن حدث آخر غير مدرك مباشرة"‬
‫على الموافقة‪ ،‬وتقطيب الجبين عالمة على العبوس واالشمئزاز‪ ،‬وتورد الوجنتين عالمة على الخجل‪،‬‬
‫والحمى عالمة على المرض‪،‬و شقائق النعمان عالمة على الربيع ‪..‬إلخ ‪. ،‬فقد شكل قول سوسير بأن‬
‫للعالمة التي هي موضوع علم السيميولوجيا وجهين يشبهان "وجهي الورقة" هما ‪ :‬الدال والمدلول ‪،‬وأن‬
‫الدال هو سلسلة األصوات تلتقطها األذن فتحدث في الدماغ صورة صوتية‪.‬أما المدلول فهو الصورة‬
‫الذهنية التي تثيرها سلسلة األصوات – الدال‪ -‬في الذهن ‪.‬ومن ثم فالعالمة هي الداللة التي تنشأ بالربط‬
‫‪155‬‬
‫‪ .‬والقول باعتباطية العالقة بينهما –الدال والمدلول‪ -‬بمعنى تحرير الدال من‬ ‫بين الدال والمدلول‬
‫األحادية المعنوية‪ ،‬أي ال نهائية المدلوالت التي تفتح النص على مدارات النهائية‪ ،‬و تجعل القراءة أكثر‬
‫فاعلية وانتاجية‪ .‬وأن اللغة هي نظام من العالمات ‪ ..‬كل ذلك شكل منطلق المناهج الحداثية في التوجه‬
‫صوب النص األدبي الذي يستمد وجوده من اللغة وال شيء غيرها‪.‬وألن اللغة هي سلسلة من العالمات‬
‫التي يتشكل منها النسيج النصي وأن مهمة الناقد أو اللغوي هي وصف نظام العالمات وما ينشأ بين‬

‫‪153‬‬
‫‪A.J.Greimas et j.courtés ,DictionnaireRaisonné de la Sémiotique .op .cir .P350.‬‬
‫‪154‬‬
‫موالي علي بوخاتم ‪ ،‬مصطلحاتىالنقد العربي السيماءوي ‪ ،‬اإلشكالية واألصول واالمتداد ‪.4999/4993‬منشورات اتحاد الكتاب العرب –‬
‫دمشق‪،‬دط ‪ ،4991،‬ص‪.719‬‬
‫‪155‬‬
‫نصر حامد أبو زيد وسيزا قاسم ‪ ،‬أنظمة العالمات في اللغة واألدب والثقافة ‪ ،‬مدخل إلى السيميوطيقا ‪ ،‬دار إلياس العصرية ‪ ،‬القاهرة –مصر‬
‫‪،‬دط ‪،7011،‬ص‪.70‬‬
‫وحداتها من عالقات‪ ،‬والكشف عن القوانين المادية والنفسية التي تحكمها‪ ،‬والتي بوساطتها يتم اكتشاف‬
‫مكامن الجمال واإلدهاش في النصوص األدبية ‪ .‬كان في ذلك ما يغني عن النظر فيما وراء السياج‬
‫اللغوي؛ أي بعيدا عن المعطى االجتماعي والتاريخي وغيرها من المعطيات الخارجية‪.‬‬

‫وانطالقا من ذلك فإن السيميائية تنظر للنص في ضوء شبكة من العالقات " كالتشاكل‪ ،‬والتباين والتقابل‬
‫‪156‬‬
‫‪ .‬كل ذلك كان‬ ‫وما إلى ذلك من العالقات المختلفة والمتولدة عن حركة داخلية تفاعلية في النص"‬
‫سببا في ضخ الكثير من المصطلحات الحداثية التي تصب في انغالقية النص األدبي كموت المؤلف عند‬
‫بارت‪ ،‬واإلنتاجية والتناص عند جوليا كرسيتيفا‪..‬إلخ‪.‬‬

‫سيميوطيقا بيرس ‪:‬‬

‫تتحرك سيميائية بيرس في فضاءات أرحب تخطت حدود اللغة التي حصر فيها سوسير سيميائيته‪،‬‬
‫حيث ضمت مختلف أوجه النشاط اإلنساني واحتضنت مختلف العلوم فكان من نتاج ذلك أن كانت‬
‫العالمة عنده ثالثية المبنى‪ ،‬متجاو از بذلك ثنائية العالمة عند سوسير وهنا " ينكشف الفضاء الالمحدود‬
‫للسيميائية التي تنظر إلى العالمة بوصفها كيانا ثالثي المبنى يتكون من (المصورة‬
‫‪ )REPRESENTEAMEN‬وتقابل (الدال)عند سوسير و(المفسرة ‪ )INTERPRETANT‬وتقابل (المدلول)‬
‫عند سوسير والموضوع (‪ )OBJECT‬وال يوجد له مقابل عند سوسير‪ .‬وقد ميز بين نوعين من الموضوعات‬
‫‪،‬أحدهما الموضوع الديناميكي‪ ،‬وهو الشيء في عالم الموجودات‪ ،‬وثانيهما هو الموضوع المباشر‪ ،‬ويشكل‬
‫‪157‬‬
‫و من منطلق العالقة بين الصورة والموضوع‬ ‫جزءا من أجزاء العالمة وعنص ار من عناصرها المكونة "‬
‫‪158‬‬
‫هي ‪:‬‬ ‫فإن العالمة عنده أنواع ثالثة‬

‫‪ - 7‬األيقونة ‪:‬حيث تشبه العالمة مرجعها؛أي أن العالقة بين الدال والمدلول تقوم على مبدأ التشابه مثل‬
‫الصورة الفوتوغرافية ‪.‬‬

‫‪ -4‬المؤشر‪ :‬حيث ترتبط العالمة مع مرجعها برباط السببية كإحالة الدخان على النار‪.‬‬
‫‪ -3‬الرمزي‪ :‬حيث تغدو عالقة العالمة بمرجعها عالقة عرفية اعتباطية كرمز الحمامة للسالم‪.‬‬

‫وتأسيسا على ما سبق فإن السيميائية تتقدم كعلم ومنهجية تتسم بالشمولية واالتساع؛ إذ أنها‬
‫تستقطب إلى مجال اهتمامها كل أنظمة التواصل بما في ذلك النصوص األدبية عن طريق الكشف على‬
‫النظام المعنوي وكيفية اشتغاله‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫بشير تاوريريت ‪ ،‬أبجديات في فهم النقد السيميائي ‪ ،‬محاضرا الملتقى الوطني الثاني ‪ ،‬السيمياء والنص األدبي ‪ ،‬جامعة ممد خيضر بسكرة‬
‫كلية اآلداب والعلوم االجتماعية ‪،‬قسم األدب العربي ‪71-71‬أفريل ‪ ،.4994‬ص‪.499‬‬
‫‪157‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.701‬‬
‫‪158‬‬
‫ينظر‪ ،‬نصر حامد أبو زيد وسيزا قاسم ‪ ،‬أنظمة العالمات في اللغة واألدب والثقافة ‪ ،‬مدخل إلى السيميوطيقا‪،‬ص‪.39-37‬‬
‫السيميائية في الوطن العربي ‪:‬‬
‫اجتاحت السيميائية الوطن العربي شرقه وغربه مع بداية الثمانينات‪ ،‬كمنهج نقدي يتسم بالشمولية‬
‫و النجاعة التحليلية‪ .‬مستصحبة معها الفوضى المصطلحية التي عانت منها في النقد الغربي‪ .‬وقد تفاقم‬
‫األمر في النقد العربي بسبب اضطراب الترجمة التي وضعت النقاد والقراء العرب في أزمة خانقة فقد‬
‫لمصطلح السيميائية والسيميولوجيا من مثل‬ ‫‪159‬‬
‫أحصى الباحثون ما يزيد عن ستة وثالثين اسما‬
‫السيمائية‪ ،‬السيميوتية السيميوتيكا علم الرموز الداللية ‪ ،‬الدالئلية الدالئليات علم األدلة علم الداللة علم‬
‫السيميولوجيا ‪ ،‬العالمتية علم العالمات السيميوطيقا السيماطيقا نظرية اإلشارية ‪...‬إلخ أما مصطلح‬
‫السيميولوجيا فقد ترجم إلى سيميولوجيا‪،‬علم السيميولوجيا‪ ،‬ساميولوجيا سيمياء السيمائية علم العالقات ‪،‬‬
‫علم الدالئل‪ ،‬علم السيمانتيك األعراضية ‪...‬إلى آخره من هذا االنفالت المصطلحي الذي جعل أحد النقاد‬
‫يصفه باإلسهال المرضي‪ .160‬ومن رموز النقد السيميائي في الوطن العربي الذين أرسوا دعائم السيميائية‬
‫ترجمة وتأليفا تنظي ار وتطبيقا‪ :‬في بالد المغرب ‪ :‬رشيد بن مالك في مقدمة في السيميائيات السردية "و‬
‫ترجمته لكتاب " السيميائية األصول والقواعد والتاريخ " آلن إينو ‪ ،‬وميشال أريفيه وآخرون‪ ".‬قاموس‬
‫مصطلحات التحليل السيميائي"‪ .‬وعبد الملك مرتاض" تحليل الخطاب السردي معالجة تفكيكية سيميائية‬
‫مركبة لرواية زقاق المدق"‪ ،‬وكتاب "أ‪-‬ي دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة أين ليالي لدمحم العيد آل خليفة"‬
‫الجزائرية"‬ ‫و" التحليل السيميائي للخطاب الشعري ‪ ،‬وعبد الحميد بورايو" منطق السرد دراسات في القصة‬
‫‪،‬وعبد القادر فيدوح‪ ،‬والطاهر رواينية‪ ،‬والسعيد بوطاجين" النموذج العاملي "الذي اشتغل فيه على رواية‬
‫"غدا يوم جديد" لعبد الحميد بن هدوقة ‪ ،‬وحنون مبارك" دروس في السيميائية" وحسين خمري" نظرية‬
‫النص في النقد المعاصر"‪ ،‬دمحم مفتاح في سيمياء الشعر القديم ‪ ،‬وسعيد بنكراد "التأويل بين السيميائيات‬
‫والتفكيكية " ألمبرتو إيكو و" سيميولوجيا الشخصيات الروائية" لمؤلفه فليب هامون‪ ،‬وعبد السالم المسدي‬
‫‪ ،‬دمحم ناصر العجيمي في كتابه" في الخطاب السردي نظرية غريماس"‪ ،‬وفي بالد المشرق يبرز بسام‬
‫قطوس في ‪" :‬سيمياء العنوان"‪ ،‬وسي از قاسم في "القارئ والنص والعالمة والداللة"‪ .،‬أنطوان أبي زيد "‬
‫السيمياء" لبيير غيرو‪ .‬أنظمة العالمات‪ .‬وغيرها من األسماء الكثيرة التي تهافت على السيميائية ترجمة‬
‫وتأليفا‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫ينظر عبدهللا بوخالخال مصطلح السيميائية في البحث اللساني العربي الحديث ‪ ،‬ضمن " السيميائية والنص األدبي أعمال ملتقى معهد اللغة‬
‫العربية وآدابها ‪ ،‬منشورات جامعة عنابة ‪ ،7001‬ص‪.19‬و موالي علي بوخاتم‪ ،‬مصطلحات النقد السيماءوياإلشكالية واألصول واالمتداد‪،‬ص‬
‫‪710-711‬ويوسف وغليسي‪ ،‬محاضرات النقد المعاصر ‪،‬ص‪.11-11‬‬
‫‪160‬‬
‫ينظر ‪ ،‬يوسف وغليسي‪ ،‬محاضرات النقد المعاصر ‪،‬ص‪.11-11‬‬

You might also like