You are on page 1of 107

‫صفحات خمتصرة‬

‫يف بناء اإلميان‬

‫تأليف‬
‫إمساعيل اجملذوب‬

‫‪0‬‬
1
2
‫الفهرس‬
‫املقدمة ‪9 ................. ................................‬‬
‫فصول هذا الكتاب ‪01 ........ ................................‬‬
‫الفصل األول ‪00 ............ ................................‬‬
‫علم العقيدة اإلسالمية ‪00 ....................................‬‬
‫خصائص العقيدة اإلسالمية ‪00 ................................‬‬
‫إضاءات علمية ‪01 .......... ................................‬‬
‫اإلضاءة األوىل‪ :‬اإلسالم دين املعرفة والربهان ‪01 .................‬‬
‫اإلضاءة الثانية‪ :‬اهتمام اإلسالم باجلانب العقلي ‪01 ...............‬‬
‫اإلضاءة الثالثة‪ :‬بيان وسائل العلم واملعرفة ‪01 ..................‬‬
‫وسائل العلم واملعرفة لإلنسان ‪01 ..............................‬‬
‫اإلضاءة الرابعة‪ :‬اإلهلام و الرؤيا الصاحلة ال ينتج عنهما علم ‪01 ....‬‬
‫اإلضاءة اخلامسة‪ :‬إمياننا بالغيب يعتمد على املنهج العلمي ‪01......‬‬
‫اإلضاءة السادسة‪ :‬ال مستند يف أمور الغيب إال الوحي ‪01 .............‬‬
‫الفصل األول اإلميان مُ ْج َمالً ومفصالً ‪01 ........................‬‬
‫اإلميان مُ ْجمَالً ‪01 .......... ................................‬‬
‫تفصيل أركان اإلميان ‪01 ....................................‬‬
‫الركن األول اإلميان باهلل تعاىل وحده ‪01 .......................‬‬
‫وفيه ثالث مسائل‪01 ...................................... :‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬اإلميان باهلل فطرة وبديهة ‪01 ...................‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬الربهان والدليل العقلي ركيزة اإلميان باهلل تعاىل ‪09‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬معرفة صفات اهلل تعاىل ‪10 ....................‬‬
‫طريق معرفة صفات اهلل تعاىل ‪10 .............................‬‬

‫‪3‬‬
‫معرفة صفات اهلل هلا طريقان‪10 ............................. :‬‬
‫أما الطريق األول ‪10 ........ ................................‬‬
‫وأما الطريق الثاني ‪11 ......................................‬‬
‫ُأسُسُ معرفةِ صفات اهلل تعاىل ‪11 ..............................‬‬
‫اإلميان مبا فصَّله الوحي من صفات اهلل تعاىل ‪11 .................‬‬
‫أ‪ -‬وحدانية اهلل تعاىل ‪11 ...................................‬‬
‫الشرك قولٌ باطل وتصورٌ غري صحيح ‪11 ........................‬‬
‫ُتخَذُ اختاذاً ‪11 .....................................‬‬‫اإلله ال ي َّ‬
‫اهلل تعاىل فعال ملا يريد وهو على كل شيء قدير ‪19 ................‬‬
‫اهلل خالق كل شيء وال خالق غريه ‪11............................‬‬
‫اهلل اخلالق وللعباد الكسب ‪11.................................‬‬
‫اختيارنا يف األمور التكليفية من البديهيات ‪11....................‬‬
‫اهلل العليم احلكيم ‪10 ......................................‬‬
‫اهلل عليم‪10 ............. ................................ :‬‬
‫اهلل هو الغين احلميد ‪11 ....................................‬‬
‫وهو الغين ‪11 ............. ................................‬‬
‫وهو احلميد ‪11 ............ ................................‬‬
‫اهلل هو احلي القيوم ‪11 .....................................‬‬
‫اهلل هو الغفور الرحيم ‪11 ....................................‬‬
‫اهلل مسيع بصري ‪11 ......... ................................‬‬
‫من صفات اهلل تعاىل الكالم ‪11 ...............................‬‬
‫اهلل تعاىل هو األول واآلخر ‪11 ................................‬‬
‫اهلل ليس كمثله شيء ‪11 ....................................‬‬
‫اإلميان بكل ما جاء يف القرآن والسنة من صفات اهلل تعاىل ‪11 ......‬‬
‫‪4‬‬
‫صالح القلوب واألعمال من اإلميان ‪11 ..........................‬‬
‫اإلميان بأن حممداً ‪ ‬رسول اهلل ‪11 ............................‬‬
‫من دالئل نبوة سيدنا حممد ‪11 .............................. ‬‬
‫من معجزات نبينا حممد ‪11 ................................. ‬‬
‫اإلسراء واملعراج ‪11 .......... ................................‬‬
‫معجزة القرآن الكريم ‪11 ....................................‬‬
‫وجوه من إعجاز القرآن ‪11 ...................................‬‬
‫الركن الثاني اإلميان باملالئكة ‪11 ..............................‬‬
‫الركن الثالث اإلميان بالرسل عليهم الصالة والسالم ‪11 ...........‬‬
‫ال يُقبل اإلميانُ باهلل تعاىل إال مع اإلميان جبميع الرسل ‪11 ........‬‬
‫دين األنبياء دينٌ واحد ‪19 ....................................‬‬
‫ال خيتلف يف أمور العقيدة‪ ،‬وال يف األوامر والنواهي األساسية ‪19 ....‬‬
‫حممًدٌ ‪ ‬خامت النبيني ال نيب بعده ‪11..........................‬‬
‫نبينا حممد ‪ ‬بَشَّرَ به األنبياء السابقون عليهم الصالة والسالم ‪10...‬‬
‫عموم رسالة النيب حممد ‪11 .............................. ‬‬
‫شريعته ‪ ‬ناسخة ملا خالفها من الشرائع السابقة ‪11 ..............‬‬
‫عصمة الرسل عليهم الصالة والسالم من املعاصي ‪11 ..............‬‬
‫ال عصمة لغري األنبياء عليهم الصالة والسالم ‪11..................‬‬
‫معجزات الرسل عليهم الصالة والسالم ‪11........................‬‬
‫الركن الرابع اإلميان جبميع الكتب السماوية ‪11 .................‬‬
‫القرآن الكريم حمفوظ قد تكفل اهلل تعاىل حبفظه ‪11 .............‬‬
‫الركن اخلامس اإلميان باليوم اآلخر ‪11 ........................‬‬
‫اليوم اآلخر من مظاهر حكمة اهلل تعاىل ‪11 .....................‬‬
‫وقت يوم القيامة ال يعلمه إال اهلل تعاىل ‪11 .....................‬‬
‫‪5‬‬
‫حياة الربزخ نعيماً أو عذاباً ‪19 ................................‬‬
‫فتنة القرب ( الربزخ ) ‪11 .....................................‬‬
‫حياة الشهداء ‪10 ........... ................................‬‬
‫يوم القيامة حييي اهلل املوتى ويبعث من يف القبور ‪11 .............‬‬
‫كروبُ وشدةُ أهوال يوم القيامة ‪11 .............................‬‬
‫الناجون من أهوال يوم القيامة ‪11 .............................‬‬
‫الشفاعة العظمى ‪11 ....... ................................‬‬
‫للنيب ‪ ‬شفاعات أخرى ‪11 ..................................‬‬
‫شفاعاتٌ يف اآلخرة لغري نبينا ‪11 ........................... ‬‬
‫احلساب وامليزان وأخذ العباد كتبهم ‪11 .........................‬‬
‫شهادات يف يوم القيامة ‪11 ...................................‬‬
‫حوض نبينا حممد ‪11 .................................... ‬‬
‫املرور على الصراط‪ ،‬وأولُ األمم مروراً ‪11 .......................‬‬
‫من يدخلون اجلنة بغري حساب ‪19 ..............................‬‬
‫نار جهنم ليست كنار الدنيا وعذاب أهلها متفاوت ‪11 ..............‬‬
‫عذاب الكافرين يف النار دائم ‪11 ..............................‬‬
‫أهل النار يُعادِي بعضهم بعضاً ويتربأ بعضهم من بعض ‪10 ...........‬‬
‫عصاة املؤمنني ال خيلدون يف النار ‪11 ...........................‬‬
‫أهل اجلنة فيها خالدون‪ ،‬ومنها ال خيرجون ‪11 ...................‬‬
‫أعظم نعم اجلنة رؤية اهلل تعاىل ورضاه ‪11 .....................‬‬
‫هل يرى اهللَ تعاىل أحدٌ يف الدنيا؟ ‪11 ..........................‬‬
‫من ادعى رؤية اهلل يف الدنيا فهو ضال وكاذب ‪11 ..................‬‬
‫الركن السادس اإلميان بالقدر ‪11 .............................‬‬
‫أنواع املقدرات بالنسبة الختيار العبد ‪11 ........................‬‬
‫‪6‬‬
‫اإلميان بالسمعيات اليت ثبتت بالوحي ‪11 ......................‬‬
‫ومما جاء به ‪ ‬مضاعفة احلسنات ‪11 ..........................‬‬
‫الذنوب صغائر وكبائر ‪19 ....................................‬‬
‫اهلل تعاىل ال يغفر أن يُشرَك به إال بالتوبة ‪11 ...................‬‬
‫ذنوب عصاة املؤمنني راجعٌ أمرها ملشيئة اهلل تعاىل ‪10 ..............‬‬
‫املسلم ال يكفر بارتكاب الكبائر ‪11 .............................‬‬
‫من مقتضيات اإلميان احرتام أهل البيت والصحابة وحمبتهم ‪11 ....‬‬
‫الفصل الثالث ميزان اإلميان ‪11 ..............................‬‬
‫الفصل الرابع ملحقات مهمة ال بد من معرفتها ‪11 .................‬‬
‫امللحق رقم ( ‪ ) 0‬األولياء وكراماتهم ‪11 .........................‬‬
‫‪ -0‬الكرامات موجودة ‪11 .....................................‬‬
‫‪ -1‬من هو الولي؟ ‪91 ........ ................................‬‬
‫‪ -1‬ال تالزم بني الوالية والكرامة (األمر اخلارق لقوانني الطبيعة ‪91 .‬‬
‫‪ -1‬ال جنزم بوالية إنسان إال عن طريق الوحي اإلهلي ‪90 ..............‬‬
‫‪ -1‬األولياء ال يتصرفون يف شيء من هذا الكون ‪91 ................‬‬
‫‪ -1‬ال يصح اعتبار اجملنون أو املعتوه من األولياء ‪91 ...............‬‬
‫‪ -1‬أعظم الكرامات االستقامة على هدي النيب ‪91 ............. ‬‬
‫امللحق رقم (‪ )1‬الغيب ال يعلمه إال اهلل تعاىل والتحذير من الكهانات‬
‫‪91 ...................... ................................‬‬
‫من أمراض عصرنا حماولة استطالع املستقبل ‪91 ..................‬‬
‫انتشار الكهانة باسم االستخارة ‪91 ............................‬‬
‫حقيقة االستخارة ‪99 ....... ................................‬‬
‫امللحق رقم (‪ )1‬يف التحذير من تكفري املسلم ألخيه ‪011 ...............‬‬
‫امللحق رقم (‪ ) 1‬وساوس الكفر ال يؤاخذ بها العبد ‪011 ...............‬‬
‫‪7‬‬
8
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫املقدمة‬
‫احلمد هلل أانر بصائر أحبابه مبعرفة احلق‪ ،‬وهداهم إىل‬
‫صراطه املستقيم‪ ،‬والصالة والسالم على سيدان حممد الذي‬
‫تَ َرَكنَا على احملجة البيضاء‪ ،‬ليلُها كنهارها ال يزيغ عنها إال‬
‫هالك‪.‬‬
‫أهم جوانب‬‫فإن معرفةَ العقيدة الصحيحة ُّ‬ ‫أما بعد‪َّ :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ظم األخطار‪ ،‬وأكرب‬ ‫ُ‬ ‫أع‬ ‫العقيدة‬ ‫يف‬ ‫اجلهل‬ ‫وخطر‬
‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫املعرفة‬
‫(‪.)2‬‬
‫اجلهاالت‬
‫وملا رأيت كثرياً من املسلمني أخذوا دينهم تقليداً دون‬
‫علم وال بصرية وأحببت أن يكون يل نصيب من خدمتهم‪،‬‬
‫فكتبت كتاب املنهج املفيد يف بناء اإلميان والعقيدة‪ ،‬وكان فيه‬
‫قات‬
‫لح ٌ‬ ‫وم َ‬
‫جانب من الطول‪ ،‬وكثري من التعليقات النافعة‪ُ ،‬‬

‫(‪ )1‬فبمعرفة العقيدة الصحيحة ينظر اإلنسان إىل نفسه وإىل‬


‫الكون واحلياة النظرة الصحيحة؛ ألنه ينظر ابملنظار الصحيح الذي‬
‫ميز هللا تعاىل به اإلنسان‪ ،‬وهو العقل املستضيء بضياء القرآن الكرمي‪.‬‬
‫(‪ )2‬إذ بسبب هذا اجلهل يكون اإلنسان جاهالً حبقيقة نفسه‬
‫وابحلكمة اليت ُوِج َد من أجلها‪ ،‬وجيهل معىن احلياة اإلنسانية‪ ،‬وخيسر‬
‫ِ‬
‫الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫مفيدة‪ ،‬رأيت أن من احلكمة أن آخذ أهم ما فيه؛ ألجعله‬
‫رسالة تعني على معرفة عقيدة أهل احلق ليكونوا على بصرية‬
‫يف دينهم‪ ،‬أسأل هللا تعاىل أن يتقبلها وينفع هبا‪ ،‬وستكون هذه‬
‫الرسالة إن شاء هللا تعاىل كما كان أصلها قريبةً ملنهج الصحابة‬
‫‪ ‬والتابعني واألئمة اجملتهدين‪ ،‬خاليةً من التعقيد‪.‬‬
‫كما أبتعد يف هذه الرسالة عن االنشغال أبمور كثر‬
‫اجلدل فيها مما ال يُسأل عنه العبد يوم القيامة‪ ،‬وعن علم‬
‫ِ‬
‫وفلسفة اليوانن‪ ،‬ومسيتها‪ :‬صفحات‬ ‫الكالم وعن ِ‬
‫منطق‬
‫خمتصرة يف بناء اإلميان‪.‬‬
‫فصول هذا الكتاب‬
‫أيت أن أجعل هذه الرسالة أربعة فصول‪:‬‬
‫وقد ر ُ‬
‫الفصل األول‪ :‬يف تعريف علم العقيدة‪ ،‬وبيان‬
‫خصائصها‪ ،‬مع إضاءات علمية ضرورية جتعل املسلم الدارس‬
‫هلا على بصرية يف دينه‪ ،‬وتبعده عن االحنرافات اخلطرية اليت‬
‫َزلِ َق إليها كثريٌ من املتدينني‪.‬‬
‫صالً‪.‬‬
‫وم َف َّ‬
‫الفصل الثاين‪ :‬يف بيان اإلميان ُُْم َمالً ُ‬
‫الفصل الثالث‪ :‬يف ذكر ميزان لإلميان يزن به املسلم‬
‫إميانه قوة وضعفاً‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬يف ُم ْل َحقات مهمة ال بد من معرفتها‬
‫(‪.)1‬‬
‫الفصل األول‬
‫علم العقيدة اإلسالمية‬
‫علم العقيدة‪ :‬هو العلم الذي تعرف به العقائد الدينية‬
‫اليت جاء هبا رسول هللا ‪ ‬ابألدلة اليقينية‪.‬‬
‫خصائص العقيدة اإلسالمية‬
‫‪ -1‬موافقتها للفطرة‪.‬‬
‫‪ - 2‬سهولتها ووضوحها وبُعدها عن التعقيد‪،‬‬
‫يفهمها أقل الناس علماً‪ ،‬ويدرك عظمتَها الراسخون يف‬
‫العلم‪.‬‬

‫)‪ (1‬وهي أربع ة‪ :‬األول‪ :‬يف بي ان أمور مهم ة تتعلق بكرام ات‬
‫األولياء‪ ،‬والثاين‪ :‬يف التحذير كهاانت منتش رة ابس م االس تخارة‪ ،‬من‬
‫تكفري املس لمني‪ ،‬والثالث‪ :‬يف التحذير من تكفري املس لمني‪ ،‬والرابع‪:‬‬
‫يف بيان أن الوساوس الكفرية ليست كفراً وال حياسب عليها العبد‪ ،‬ويف‬
‫ت ملحقات أخرى‪.‬‬ ‫األصل ِس ُّ‬
‫وقد جعلت هذه الرس الة مبقدار ربع أو ثلا األص ل ومن وجد‬
‫عما يف هذه الرس الة وجده لالباً يف أص ل‬ ‫حاجة إىل زايدةٍ يف ٍ‬
‫حبا ما َّ‬
‫هذه الرسالة وهو كتاب املنهج املفيد يف بناء اإلميان والعقيدة‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫‪ -3‬بناؤها على الدليل واإلقناع العقلي العلمي‪.‬‬
‫‪ -4‬جتعل املؤمن على عالقة ابهلل تعاىل‪ ،‬وترتك فيه‬
‫أمسى معاين الطمأنينة‪ ،‬والعزة والقوة‪ ،‬واإلحسان‪ ،‬والتواضع‪،‬‬
‫وحب اخلري للناس‪.‬‬
‫إضاءات علمية‬
‫اإلضاءة األوىل‪ :‬اإلسالم دين املعرفة والربهان‬
‫س‬
‫ُس ُ‬‫من خصائص ديننا أنه دين املعرفة والربهان‪ ،‬وأ ُ‬
‫مبين على أقوى األدلَّة وأوضح‬ ‫كل منها ٌّ‬ ‫هذا الدين ٌ‬
‫الرباهني اليت جتعل املؤمن يف دينه على بصرية‪ ،‬ويُ ْقنِ ُع به‬
‫صف‪ ،‬وهذه الصفة من َأه ِم صفات األتباع‬ ‫كل مْن ِ‬
‫َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلقيقيني لرسول هللا ‪ ،‬قال هللا تعاىل‪ ﴿ :‬قُ ْل َهذه َسبيلي‬
‫صريةٍ أ َََن وم ِن اتَّب ع ِن وسبحا َن ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هللا َوَما‬ ‫أَ ْدعُو إِ َىل هللا َعلَى بَ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي ﴾ [يوسف‪.]101/‬‬ ‫أ َََن م َن ال ُْم ْش ِرك َ‬
‫اإلضاءة الثانية‪ :‬اهتمام اإلسالم باجلانب العقلي‬
‫إن ِم ْن أعظم ما يركز عليه القرآن الكرمي يف الدعوة‬
‫َّ‬
‫هلذا الدين هو اخلاصية األوىل لإلنسان‪ ،‬وهي اجلانب‬
‫العقلي‪.‬‬
‫ومن مظاهر هذه العناية‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫التكليف الشرعي؛ فالعاقل‬ ‫َ‬ ‫ط ابلعقل‬
‫‪ – 1‬أنَّه َربَ َ‬
‫مكلف‪ ،‬ولري العاقل ليس مكلفاً‪.‬‬
‫قول‪ ،‬أو يعمل‬ ‫ي ٍ‬ ‫املسلم من أن يقول أ َّ‬
‫‪ – 2‬أنه َمنَ َع َ‬
‫َك بِ ِ ِ‬
‫سلَ‬ ‫ف َما ل َْي َ‬‫أي عمل إال بعلم‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وال تَ ْق ُ‬
‫َّ‬
‫س ُؤوال﴾‬ ‫اد ُك ُّل أُولَئِ َ‬ ‫ْم إِ َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫ك َكا َن َع ْن ُِ َم ْ‬ ‫ص َر َوالْ ُف َؤ َ‬
‫الس ْم َع َوالْبَ َ‬ ‫عل ٌ‬
‫[ اإلسراء ‪.] 33 /‬‬
‫‪ – 3‬أنَّه اعترب إمهال العقل نزوالً عن املْن ِزلة والكرامة‬
‫َّم َكثِريا ِم َن ا ِْلِ ِن‬ ‫ِ‬
‫اإلنسانية‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولََق ْد َذ َرأْ ََن ِلََهن َ‬
‫ص ُرو َن ِِبَا‬‫ي ال ي ْب ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوا ِإلنْ ِ‬
‫وب ال يَ ْف َق ُهو َن ِبَا َوََلُ ْم أَ ْع ُ ٌ ُ‬ ‫س ََلُ ْم قُلُ ٌ‬
‫ك‬‫ض ُّل أُولَئِ َ‬
‫ك َك ْاألَنْ َع ِام بَ ْل ُه ْم أَ َ‬ ‫َوََلُ ْم آذَا ٌن ال يَ ْس َمعُو َن ِِبَا أُولَئِ َ‬
‫ُه ُم الْغَافِلُو َن ﴾ [ األعراف ‪.]171 /‬‬
‫اإلضاءة الثالثة‪ :‬بيان وسائل العلم واملعرفة‬
‫لقد كثر من يتكلم يف أمور الدين والدنيا بغري املنهج‬
‫العلمي‪ ،‬وأدى ذلك إىل جهل مركب وتصورات لري‬
‫صحيحة يف أمور كثرية؛ فما هي وسائل العلم عند‬
‫اإلنسان؟‪.‬‬
‫ثالث هي‪:‬‬
‫وسائل العلم واملعرفة لإلنسان ٌ‬
‫‪ -1‬العقل السليم ‪ -2‬احلواس السليمة ‪ -3‬اخلرب‬
‫الصادق‪.‬‬
‫درُك به ما ال يُدرك ابآلخر‪.‬‬
‫وكلٌّ من هذه الوسائل يُ َ‬
‫‪13‬‬
‫فبالعقل ندرك املعقوالت اليت يقطع العقل بصحتها‪.‬‬
‫وابحلواس الس ليمة نعرف احملس وس ات‪ :‬املرئيات‪،‬‬
‫واملسموعات‪ ،‬واملطعومات ولريها‪.‬‬
‫وابخلرب الصادق نعرف بعض ما لاب عنا من‬
‫األمور‪.‬‬
‫اإلضاءة الرابعة‪ :‬اإلهلام و الرؤيا الصاحلة ال‬
‫ينتج عنهما علم‬
‫اعتمد بعض الناس يف بعض أمورهم على وسائل لري‬
‫ما تقدم من وسائل العلم‪ ،‬وكان ذلك من أسباب ضالهلم‪،‬‬
‫ومن ذلك ما يتومهه كثري َّ‬
‫أن إ ْهلام الصاحلني والرؤاي الصاحلة‬
‫ميكن االعتماد عليهما‪.‬‬
‫وهذا بع ٌد عن املنهج العلمي الذي جاءت به أدلة‬
‫القرآن الكرمي‪ ،‬و ِ‬
‫السنة الصحيحة‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وال تَ ْق ُ‬
‫ف َما‬
‫اد ُك ُّل أُولَئِ َ‬
‫ك َكا َن‬ ‫ص َر َوالْ ُف َؤ َ‬ ‫ْم إِ َّن َّ‬ ‫لَيس ل َ ِ ِ ِ‬
‫الس ْم َع َوالْبَ َ‬ ‫َك ب ِ عل ٌ‬ ‫ْ َ‬
‫(‪) 1‬‬
‫[ اإلسراء‪. ] 33/‬‬ ‫س ُؤوال ﴾‬
‫َع ْن ُِ َم ْ‬

‫(‪ )1‬وقد أدرك علماء املسلمني خطر االعتماد على اإلهلام والرؤاي‬
‫فحذروا من ذلك يف كتب العقيدة‪ ،‬والفقه‪ ،‬وأصول الفقه‪ ،‬قال النسفي يف‬
‫أول صفحة من كتاب العقائد النسفية‪ :‬واإلَلام ليس من أسباب املعرفة‬
‫بصحة الشيء عند أهل احلق اه ‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫اإلضاءة اخلامسة‪ :‬إمياننا بالغيب يعتمد على‬
‫املنهج العلمي‬
‫اعتقاد املسلم احلقيقي أبمور الغيب يعتمد على‬
‫املنهج العلمي؛ ألنه عندما نبين إمياننا ابهلل تعاىل وبرسوله‬
‫‪ ‬وابلقرآن الكرمي على األدلة والرباهني العلمية فإنه ينتج‬
‫ليب جاء به القرآن أو بَلَّغَهُ‬
‫عن ذلك أننا عندما نؤمن أبم ٍر ٍ‬
‫النب ‪َّ ‬‬
‫فإن هذا اإلميان الغيب يكون مبنياً على العلم‪.‬‬
‫فعندما سعى مشرك إىل أيب بكر ‪ ‬فقال‪ :‬هذا‬
‫صاحبك يزعم أنه قد أُسري به الليلة إىل بيت املقدس مث‬
‫رجع من ليلته‪.‬‬
‫قال أبو بكر ‪َ : ‬أو قال ذلك؟ قالوا نعم‪.‬‬

‫وقال السبكي يف مجع اِلوامع عن اإلهلام‪ :‬وليس حبجة لعدم ثقة‬


‫من ليس معصوما خبواطره‪ [ .‬البناين على مجع اِلوامع‪] 353/2‬‬
‫وقال السرخسي يف املبسوط ‪ 133 / 11‬والكاساين يف بدائع‬
‫الصنائع ‪ 212 / 1‬وابن جنيم املصري يف البحر الرائق ‪ : 23 / 7‬من كان‬
‫يعتمد على اإلَلام ال تقبل شهادت ِ‪ .‬وقال الشيخ زكراي األنصاري يف‬
‫ُب األصول‪ : 111 /‬ويقرب من اإلَلام رؤاي املنام فمن رأى النيب‬ ‫لِ‬
‫‪ ‬يف نوم ِ أيمره بشيء أو ينهاه عن ِ ال جيوز اعتماده مع أن من‬
‫رآه فقد رآه حقا‪ ،‬لعدم ضبط الرائي‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫فقال أبو بكر ‪ : ‬فإين أشهد إن كان قال ذلك لقد‬
‫صدق‪ ،‬فقالوا أتصدقه أبنه جاء الشام يف ليلة واحدة ورجع؟‬
‫قال أبو بكر ‪ :‬نَعم ِإين أُص ِدقُ ِ أببع َد من ذلك ِ‬
‫أصدقُ ِ ِخبََِرب‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫السماء بكرة وعشيا‪ ،‬فلذلك مسي أبو بكر ابلصديق [ احلاكم‬
‫‪ 35 / 3‬وصحح ِ وأقره الذهيب ]‪.‬‬
‫مبن على‬
‫صحيح ٌّ‬
‫ٌّ‬ ‫علمي‬
‫جانب ٌّ‬
‫وهذا التصديق الغييب ٌ‬
‫ما عُ ِر َ‬
‫ف من عصمة األنبياء عليهم الصالة والسالم‪.‬‬
‫اإلضاءة السادسة‪ :‬ال مستند يف أمور الغيب إال‬
‫الوحي‬
‫ومن اعتمد يف أمور الغيب على لري هذا الوحي‬
‫فقد خالف شرع هللا تعاىل‪ ،‬وابتعد عن مباد ِئ العل ِم؛ ألنه‬
‫وجل‪َ ﴿ :‬والَ تَ ْق ُ‬
‫ف َما‬ ‫عز َّ‬
‫ال يعلم الغيب إال هللا‪ ،‬قال هللا َّ‬
‫ك‬‫اد ُك ُّل أُول ئِ َ‬
‫ص َر َوالْ ُف َؤ َ‬ ‫ْم إِ َّن َّ‬ ‫لَيس ل َ ِ ِ ِ‬
‫الس ْم َع َوالْبَ َ‬ ‫َك ب ِ عل ٌ‬ ‫ْ َ‬
‫س ُؤوال ﴾ [اإلسراء‪.]33/‬‬ ‫َكا َن َع ْن ُِ َم ْ‬
‫السماو ِ‬
‫ات‬ ‫وقال سبحانه‪ ﴿ :‬قُل َّال يَ ْعلَ ُم َمن ِيف َّ َ َ‬
‫ن ﴾ [النمل‪/‬‬ ‫ب إَِّال َّ‬
‫اّللُ َوَما يَ ْشعُ ُرو َن أ ََّاي َن يُ ْب َعثُو َ‬ ‫ض الْغَْي َ‬‫َو ْاأل َْر ِ‬
‫‪. ]35‬‬

‫‪16‬‬
‫ال ومفصالً‬
‫الفصل األول اإلميان مُجْمَ ً‬
‫اإلميان مُجْمَالً‬
‫إن اإلميان الذي يَ ْقبَ لُهُ هللا تعاىل ويرضاه من العبد‬
‫اخللود يف اجلنة هو اإلميان مبضمون شهاديت [أن‬ ‫ويثيبه عليه َ‬
‫ال إل ِ إال هللا‪َّ ،‬‬
‫وأن حممدا رسول هللا ]‪.‬‬
‫اإلميان اليت بَيَّنَها رسول‬ ‫وي ب ىن على الشهادتني أركا ُن ِ‬
‫ُْ َ‬
‫هللا ‪ ‬عندما سئل عن اإلميان بقوله‪ (( :‬أَ ْن تُ ْؤِمن ِاب َّّللِ‬
‫َ‬
‫ومالَئِ َكتِ ِ ِ وُكتبِ ِ ِ ورسلِ ِ ِ والْي وِم ِ‬
‫اآلخ ِر وتُ ْؤِمن ِابلْ َق َد ِر َخ ِريهِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ َُ ُ َ َْ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬
‫َو َش ِره )) [مسلم ‪. ] 1 /‬‬
‫كما يُْب َىن عليهما اإلميا ُن بكل ما جاء به رسول هللا‬
‫‪ ‬من الوحي‪ ،‬ومن ذلك األمور الغيبية واألحكام الشرعية‬
‫اليت ذُكرت يف القرآن الكرمي‪ ،‬أو يف األحاديا الصحيحة‪.‬‬
‫فإذا نطق اإلنسان ابلشهادتي موافقاً قلبُه لسانَه‬
‫خاضعاً هلل تعاىل مصدقاً بكل ما جاء به رسول هللا ‪‬‬
‫ومات على ذلك كان من املؤمنني اخلالدين يف اجلنة‬
‫وجل‪.‬‬
‫ني مبرضاة هللا عز َّ‬ ‫ِ‬
‫الْ ُم َكَّرم ْ َ‬

‫‪17‬‬
‫تفصيل أركان اإلميان‬
‫نربط تفصيل جوانب اإلميان بتفصيل النب ‪ ‬وهي‬
‫اإلميان ابهلل تعاىل ومالئكت ِ وكتب ِ ورسل ِ واليوم اآلخر‬
‫وابلقدر خريه وشره‪.‬‬
‫الركن األول اإلميان باهلل تعاىل وحده‬
‫وفيه ثالث مسائل‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬اإلميان باهلل فطرة وبديهة‬
‫اإلميان بوجود هللا تعاىل ووحدانيته فطرةٌ وبديهةٌ‪.‬‬
‫ك‬‫فإن هللا تعاىل يقول‪﴿ :‬فَأَقِ ْم َو ْج َه َ‬ ‫أما كون ِ فِطْرة َّ‬
‫ت َِّ َّ‬ ‫لِ ِ‬
‫لدي ِن َحنِيفا فِط َْر َ‬
‫س َعلَ ْي َها﴾ [الروم‪]30/‬‬ ‫اّلل ال ِِت فَطََر النَّا َ‬
‫وقال ‪ (( : ‬ما ِمن مول ٍ‬
‫ُود إِال يُولَ ُد َعلَى ال ِْفط َْرةِ ))‪.‬‬ ‫َ ْ َْ‬
‫[ البخاري ‪ 1313 /‬ومسلم ‪] 2351 /‬‬
‫أن اإلنسان وإن كان مشركاً‬ ‫ومن مظاهر هذه الفطرة َّ‬
‫عندما يقع يف شدة أو كرب فإنه يلجأ إىل هللا تعاىل يرجو‬
‫ُّر فَِإلَْي ِ ِ َجتْأ َُرو َن‬ ‫منه النجاة كما قال تعاىل‪ُُ ﴿:‬ثَّ إِذَا َم َّ‬
‫س ُك ُم الض ُّ‬
‫ُّر َع ْن ُك ْم إِ َذا فَ ِري ٌق ِم ْن ُك ْم بَِرِبِِ ْم يُ ْ‬
‫ش ِرُكو َن ﴾‬ ‫ف الض َّ‬ ‫* ُُثَّ إِ َذا َك َ‬
‫ش َ‬
‫[ النحل‪.] 54-53 /‬‬
‫أي‬
‫وأما كون ِ بديهة فألن اإلنسان العاقل إذا رأى َّ‬
‫مصنوع مهما قل شأنه فإنه يعلم بداهة َّ‬
‫أن له صانعاً وال‬
‫‪18‬‬
‫يتساءل عن وجود صانع هلذا املصنوع‪ ،‬وإذا ما سأل أحد‬
‫عن وجود صان ٍع لِ َما رآه من هذه األمور ُّاُّتِ َم يف عقله وعُ ِر َ‬
‫ف‬
‫عدم التوازن يف تفكريه‪.‬‬‫ُ‬
‫املسألة الثانية‪ :‬الربهان والدليل العقلي ركيزة‬
‫اإلميان باهلل تعاىل‬
‫الفطرة قد تنحرف‪ ،‬واجلهالة واألهواء قد تغطي‬
‫البديهيات‪.‬‬
‫من أجل ذلك ال بد لإلنسان من أساس عقلي علمي‬
‫يكون سنداً هلذا اإلميان الفطري‪ ،‬وقد سلك القرآن طريق‬
‫إاثرة التفكري عند اإلنسان ليوصله إىل محاية فطرة اإلميان‬
‫ابهلل تعاىل وإىل تثبيت هذا اإلميان عن طريق الدليل والربهان‪.‬‬
‫فإذا قرأان آية‪ ﴿ :‬وإِ ََل ُكم إِلَ ٌِ و ِ‬
‫اح ٌد ال إِلَ َِ إَِّال ُه َو َّ‬
‫الر ْْحَ ُن‬ ‫َ ُ ْ َ‬
‫الرِحيم ﴾ [البقرة ‪ ] 133 /‬وقد ذُكر فيها وحدانيةُ هللا تعاىل‬ ‫َّ‬
‫وبعض صفاته‪ ،‬فإننا جند بعدها ما يرشد إىل التفكري والربهان‬ ‫ُ‬
‫الساطع الذي يوصله إىل اإلميان ابهلل تعاىل ومعرفة عظمته‬
‫بواسطة التفكري يف مصنوعاته‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬إِ َّن ِيف َخل ِْق‬
‫ْك الَِِّت‬‫َّها ِر والْ ُفل ِ‬ ‫ات و ْاألَر ِ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ض َوا ْختالف اللَّْي ِل َوالن َ َ‬ ‫الس َم َاو َ ْ‬
‫لس َم ِاء ِم ْن‬
‫اّللُ ِم َن ا َّ‬ ‫ِ‬
‫َجتْ ِري ِيف الْبَ ْح ِر ِبَا يَ ْن َف ُع الن َ‬
‫َّاس َوَما أَنْ َز َل َّ‬
‫ث فِي َها ِم ْن ُك ِل َدابٍَّة‬‫ض بَ ْع َد َم ْوِِتَا َوبَ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َحيَا بِ ِ ْاأل َْر َ‬ ‫َماء فَأ ْ‬
‫‪19‬‬
‫الس َم ِاء َو ْاألَ ْر ِ‬
‫ض‬ ‫ي َّ‬‫س َّخ ِر بَ َْ‬ ‫الرَاي ِح َو َّ ِ‬
‫الس َحاب ال ُْم َ‬ ‫يف ِ‬ ‫ص ِر ِ‬
‫َوتَ ْ‬
‫ايت لَِق ْوٍم يَ ْع ِقلُو َن ﴾ [ البقرة ‪.] 134 /‬‬
‫َآل ٍ‬
‫وهذا منهج عامٌّ يف القرآن الكرمي‪ ،‬وأمثلته كثرية‪ ،‬وإين‬
‫أدعو القارئ الكرمي إىل تالوة أوائل سورة النحل‪ ،‬مع التدبر‬
‫يف اجلانبني العقلي والقلب لنجد األنوار العظيمة اليت ترشد‬
‫ب ٍٍ إميانية‬ ‫العقول ومتأل القلوب بضياء حييي القلوب بِ ُش َع ٍ‬
‫ومعرفة عقلية جتعل املؤمن يدرك عظيم فضل هللا تعاىل عليه‪.‬‬
‫جيد يف أول السورة دعوَة الرسل عليهم الصالة‬
‫والسالم إىل اإلميان ابهلل وحده‪ ،‬مع الرباهني اليت تُ َع ِرفُه‬
‫صفات هللا العظيمة عندما يفكر يف مصنوعاته‪ ،‬فقد ذَ َكَر‬
‫وخ ْل َقهُ لإلنسان وما‬ ‫سبحانه َخ ْل َقهُ للسماوات واألرض‪َ ،‬‬
‫سخره له من األنعام‪ ،‬مث ذكر املطر والنبات والثمرات‬
‫وتسخري الليل والنهار والشمس والقمر‪ ،‬وبعد هذا ذكر‬
‫تثبيته لألرض ابجلبال وما ربطه ابجلبال من األهنار ومصاحل‬
‫(‪.)1‬‬
‫البشر مذكراً عباده بفضله ورمحته‬
‫(‪ )1‬آايت القرآن الكرمي مع كوهنا حترك عقول العباد ابلتفكري يف‬
‫خملوقات هللا تعاىل ليعرفوا وحدانيته وعظمته وعظمة صفاته تذكرهم أيضاً‬
‫بعظيم فضله‪ ،‬وكثرة نعمه‪ ،‬وأبهنم املفتقرون إليه يف كل ما حيتاجونه‪ ،‬وأهنم‬
‫إليه راجعون‪ ،‬وهذه جوانب إميانية ضرورية ترافق معرفة األدلة والرباهني‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬معرفة صفات اهلل تعاىل‬
‫إن معرفة اإلنسان لصفات هللا عز وجل ميكن أن‬
‫تكون معرفةً إمجالية؛ حبيا يعرف أنه تعاىل واحد ال شريك‬
‫له‪ ،‬وأنه متصف بصفات العظمة والكمال اليت تليق به‪ ،‬وأنه‬
‫ُمنَ َّزهٌ عن مجيع صفات النقص‪.‬‬
‫لكن مع هذه املعرفة اإلمجالية ال بد لنا أن نعرف من‬
‫صفات هللا تعاىل تفصيالت جاءت يف القرآن الكرمي‪ ،‬ويف‬
‫سنة النب ‪.‬‬
‫طريق معرفة صفات اهلل تعاىل‬
‫معرفة صفات اهلل هلا طريقان‪ :‬كلٌّ منهما مرتبط‬
‫ابآلخر‪.‬‬
‫وجل‪.‬‬ ‫األول‪ :‬النظر والتأمل يف خملوقات هللا َّ‬
‫عز َّ‬
‫والثاين‪ :‬الوحي الذي جاء به النب ‪ ‬من عند هللا‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫فإن الصنعة كما تدل على َّ‬
‫أن هلا‬ ‫أما الطريق األول َّ‬
‫صانعاً فإهنا تدل أيضاً على صفاته‪.‬‬
‫فإذا أتملت آلةً واطَّلَ ْع َ‬
‫ت على بعض أقسامها وما يرتبط‬
‫بكل قسم من الوظائف عرفت كثرياً من صفات صانعها‪،‬‬

‫‪21‬‬
‫وكذلك إذا فكران يف أنفسنا وفيما حولنا ويف كل شيء من‬
‫هذا الكون َدلَّنا ذلك على هللا تعاىل‪ ،‬وعلى عظيم صفاته‪،‬‬
‫ويف الوقت نفسه يدلنا على عظيم فضله‪ ،‬وعلى افتقاران وشدة‬
‫حاجتنا إليه (‪.)1‬‬
‫وأما الطريق الثاني فإنه يُ َق ِوي ويزيد معرفتنا بصفات‬
‫ب اإلميان‬ ‫ُّع‬
‫ش‬ ‫حيقق‬ ‫القلوب‬ ‫يف‬ ‫ٍ‬
‫إمياين‬ ‫هللا تعاىل‪ ،‬مع ٍ‬
‫ضياء‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫القلبية‪ ،‬وحيمي القلوب والعقول من الزيغ واالحنراف؛‬
‫فالطريقة املثلى أن نتعرف على هللا تعاىل بضياء القرآن‬
‫الكرمي‪ ،‬وهبدي رسوله ‪ ‬الذي ال ينطق عن اهلوى إن هو‬
‫إال وحي يوحى‪.‬‬
‫س معرف ِة صفات اهلل تعاىل‬
‫أُسُ ُ‬
‫من أجل أن يكون إمياننا أقرب إىل إميان السابقني‬
‫األولني ‪ ‬ال بد لنا من معرفة األسس اليت بَنَ ْوا عليها‬
‫معرفتهم‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫(‪ )1‬يليق أبهل عصران أن يكون هذا التفكري موافقاً ملا يناسب‬
‫هذا العصر الذي يَ َّسَر هللا فيه لإلنسان أن يغوص يف أعماق أسرار‬
‫أكرب بعظمة هللا تعاىل‪،‬‬
‫أعظم‪ ،‬ومعرفةً َ‬
‫نتائج إميانيةً َ‬
‫اخللق‪ ،‬فهذا يعطي َ‬
‫وعظمة صفاته؛ فالقرآن ُم َو َّجهٌ إىل مجيع الناس يف كل العصور‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ -1‬أ ْن نؤمن مبا جاء به الوحي من الكتاب والسنة‬
‫من صفاته سبحانه؛ فنثبت ما ثبت ابلوحي اإلهلي‪ ،‬وننفي‬
‫ما نفاه‪.‬‬
‫‪ -2‬أ ْن نعلم أننا عاجزون عن معرفة حقيقة صفاته‬
‫سبحانه كعجزان عن معرفة ذاته‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ما قَ َد ُروا َّ‬
‫اّللَ‬
‫ق قَ ْد ِرهِ ﴾‪ [ .‬احلج ‪] 74 /‬‬
‫َح َّ‬
‫‪ -3‬أ ْن نُنَ ِزهُ هللاَ تعاىل عن املشاهبة لصفات املخلوقات‬
‫س‬‫فهو سبحانه ال يشبهه شيء يف ذاته وال يف صفاته ﴿ ل َْي َ‬
‫صريُ ﴾ [ الشورى ‪.] 11 /‬‬‫الس ِميع الْب ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َكمثْل ِ َش ْيءٌ َو ُه َو َّ ُ َ‬
‫‪ – 4‬أن نعتمد على منهج القرآن الكرمي‪ ،‬ال على‬
‫طريقة الفالسفة وعلم الكالم‬
‫‪ -5‬أن نبتعد عن اجلدل والتأويل يف صفاته سبحانه(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬وه ذا هو العم ل مب ا اخت اره أئم ة اهل دى من س لف األم ة‬
‫ؤم ُن ِِبَا وال يَُت َوه ُم وال‬
‫أن ص ف ات هللا تع اىل يُ َ‬‫وخلفه ا‪ ،‬وذكر الرتم ذي َّ‬
‫ف‪ ،‬وأن كل ما وص ف هللا تعاىل من نفس ِ يف كتاب ِ فتفس ريه‬ ‫يُ َقال َك ْي َ‬
‫مالك بن أ ٍ‬
‫َنس و ُس فيا َن‬ ‫تالوت ِ والس كوت علي ِ وهذ مروي عن اإلمام ِ‬
‫وعب ِد هللا بن املب ار ِ رْحهم هللا تع اىل وأَيفُم قَ الُوا يف َه ِذ ِه‬ ‫بن عُيَينَ ةَ َ‬
‫ول أَه ِل ِ‬
‫العلم‬ ‫وهك َذا قَ ُ‬ ‫يف‪ ،‬ق ال الَم ذي‪َ :‬‬ ‫ث‪ :‬أَِم ُّرَوه ا بال َك َ‬ ‫األَح ادي ِ‬
‫اعة اه [سنن الَمذي ‪ /‬كتاب الزكاة ‪/‬ابب فضل الصدقة]‪.‬‬ ‫السن َِّة واِلَ َم َ‬ ‫ِمن أ ِ‬
‫َهل ُّ‬
‫كل أتويل‬ ‫ومع بعدان عن التأويل‪ ،‬وأتس ينا ابلس لف ال نعترب َّ‬
‫بدعةً وخمالفةً‪:‬‬
‫‪23‬‬
‫اإلميان مبا فصَّله الوحي من صفات اهلل تعاىل‬
‫بعد ما تقدم من املقدمات واألسس نقف مع ما جاء‬
‫به الوحي اإلهلي كتاب هللا تعاىل وسنة رسوله ‪ ‬نقتبس من‬

‫أما أتويل أهل األهواء املخالف ملا كان عليه النب ‪ ‬وأص حابه‬
‫الل‪ ،‬و َّأم ا الت أوي ل القري ب ال ذي ج اء مثل ه عن‬ ‫ض ٌ‬ ‫‪ ‬والت ابعون فهو َ‬
‫السلف الصاحل فال حرج فيه‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫ك إِال َو ْج َه ُِ‬ ‫‪ -1‬قول البخاري يف ص حيحه‪ُ ﴿ :‬ك ُّل َش ْي ٍء َهالِ ٌ‬
‫﴾ إال ُملْ َكه‪ ،‬ويقال‪ :‬إال ما أريد به وجه هللا تعاىل‪.‬‬
‫ط ﴾‪:‬‬ ‫‪ -2‬قول اإلمام الطربي يف تفسري ﴿ وهللاُ ِمن َّوَرائِ ِهم ُِّحم ْي ٌ‬
‫ص َهلَا‪ ،‬ال َخيْ َفى َعلَْي ِه ِمْن َها ش يءٌ‪ ،‬وهو ُمازيهم‬ ‫أبعماهلم‪ُْ ،‬حم ٍ‬
‫على مجيعها‪.‬‬
‫‪ -3‬قول ابن كثري يف تفسري ﴿ َما يَ ُكو ُن ِمن ََّّنْ َوى ثََالثٍَة إَِّال ُه َو‬
‫ك َوَال‬ ‫َرابِعُ ُه ْم َوَال ََخْ َس ٍة إَِّال ُه َو َس ِاد ُس ُه ْم َوَال أَ ْد َ ِمن َذلِ َ‬
‫أي ُمطَّلِ ٌع عليهم‪ ،‬يسمع‬ ‫ِ‬
‫أَ ْكثَ َر إَّال ُه َو َم َع ُه ْم أَيْ َن َما َكانُوا ﴾ ْ‬
‫اإلمجاع‬
‫َ‬ ‫كالمهم وس رهم وجنواهم‪ ،‬مث قال‪ :‬حكى لري واحد‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫على أن املراد هبذه املعية معيةُ علمه تعاىل‪.‬‬
‫‪ -4‬قول اإلمام أمحد بن حنبل رمحه هللا تعاىل يف تفسري ﴿ َو َج َ‬
‫اء‬
‫ك ﴾أي جاء ثوابه‪ [ .‬البداية والنهاية ‪. ] 327 / 10‬‬ ‫َربُّ َ‬
‫‪24‬‬
‫ضيائه معرفةً لصفات ربنا سبحانه‪ ،‬نضيء به قلوبنا‬
‫ابإلضافة للمعرفة املوجودة يف عقولنا (‪. )1‬‬
‫أبه ِم وأول ما كان يركز عليه األنبياء عليهم‬ ‫وأبدأ َ‬
‫الصالة والسالم‪ ،‬وهو دعوُّتم ألقوامهم إىل توحيد هللا‪ ،‬قال‬
‫ول إَِّال نُ ِ‬
‫ك ِمن َّر ُس ٍ‬‫وجل‪َ ﴿ :‬وَما أ َْر َسلْنَا ِمن قَ ْبلِ َ‬
‫وحي‬ ‫عز َّ‬
‫َّ‬
‫فَا ْعب ُد ِ‬
‫ون ﴾ [األنبياء‪.]25 /‬‬ ‫ُ‬ ‫إِل َْي ِ ِ أَنَّ ُِ َال إِل َِ إَِّال أ َََن‬
‫كل منهم‪َ ﴿ :‬اي قَ ْوِم ا ْعبُ ُدوا َّ‬
‫اّللَ َما لَ ُكم‬ ‫وكانت دعوة ٍ‬
‫ِم ْن إِلَ ٍ ِ غَْي ُرهُ ﴾ [األعراف‪ ]51 /‬ولذلك سيكون الكالم يف‬
‫عز وجل‪.‬‬
‫الوحدانية أوسع من الكالم يف لريها من صفاته َّ‬
‫أ‪ -‬وحدانية اهلل تعاىل‬
‫هللا تعاىل هو اإلل ِ وال إل ِ سواه‪ ،‬وهو املعبود ٍ‬
‫حبق وال‬
‫يعبد سواه‬
‫ونبحث يف هذه الصفة يف جانبي‪:‬‬

‫(‪ )1‬تدبر آايت القرآن الكرمي واألحاديا النبوية املرتبطة بصفات‬


‫هللا تعاىل وأمسائِه احلسىن حييي القلوب ويصلحها ويداويها من أمراضها‪،‬‬
‫ويدفع املؤمن إىل التحقق بشعب اإلميان يف ظاهره وابطنه‪ ،‬ويف أقواله‬
‫وأفعاله وأحواله‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫اخلالق‬
‫اِلانب األول‪ :‬أن هللا سبحانه هو وحده اإلله ُ‬
‫واملالك لكل شيء‪ ،‬وأنه وحده املستغين عن كل شيء‪ ،‬وكل‬
‫مفتقر إليه‪ ،‬وأنه بيده ملكوت كل شيء‪ ،‬وهو‬ ‫ٌ‬ ‫شيء‬
‫املتصرف بكل ما يف هذا الكون‪ ،‬ال راد حلكمه وال معقب‬
‫لقضائه‪.‬‬
‫اِلانب الثاين‪ :‬وهو الزم لألول‪ :‬أنه سبحانه هو وحده‬
‫املستحق للعبادة‪ ،‬وال يستحق العبادة أحد سواه‪ ،‬فهو وحده‬
‫املعبود ٍ‬
‫حبق‪.‬‬
‫وأنه بيده وحده التشريع‪ ،‬وهو وحده ُحي ُّل احلالل ُحي ِرم‬
‫احلرام‪ ،‬وله وحده الطاعة املطلقة‪ ،‬فال طاعة ملخلوق يف‬
‫معصيته‪ ،‬وكل من يف السموات واألرض عبيده الضعفاء؛‬
‫فال يتوكل وال يعتمد إال عليه‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬قُل أَفَ غَي ر َِّ‬
‫اّلل‬ ‫ْ َْ‬ ‫ُ ُ ُ‬
‫اهلُو َن ﴾ [ الزمر ‪.]34 /‬‬ ‫ََتْمر ِوين أَ ْعب ُد أَيُّها ا ِْل ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫ُُ‬
‫ون ا َِّ‬
‫ّلل‬ ‫وقال سبحانه‪ ﴿ :‬قُل أَفَ رأَي تُم ما تَ ْدعُو َن ِمن ُد ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ َْ ْ َ‬
‫ادِين بِر ْْحَةٍ‬ ‫ِ‬ ‫ض ٍر هل ه َّن َك ِ‬
‫ض ِره أ َْو أ ََر َ َ‬ ‫ات ُ‬ ‫اش َف ُ‬ ‫اّللُ بِ ُ َ ْ ُ‬ ‫ادِينَ َّ‬ ‫إِ ْن أ ََر َ‬
‫اّللُ عَلَْي ِ ِ يَتَ َوَّك ُل‬
‫يب َّ‬ ‫هل ه َّن ُمُْ ِس َك ُ ِ ِ‬
‫ات َر ْْحَت ِ قُ ْل َح ْسِ َ‬ ‫َْ ُ‬
‫ال ُْمتَ َوكِلُو َن ﴾ [الزمر‪.]31/‬‬
‫وقد علمنا القرآن هذين اجلانبني من التوحيد يف آايته‬
‫أمجَ َل ذلك يف السورة اليت نقرؤها يف كل ركعة‪،‬‬‫الكثرية‪ ،‬و ْ‬
‫وهي أعظم سورة من القرآن الكرمي‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫فهو سبحانه يذكران ابألمر األول يف اآلايت‪ْ ﴿ :‬‬
‫احلم ُد‬
‫ك ي وِم ِ‬ ‫ِِ‬ ‫الر ْْح ِن َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الدي ِن ﴾‬ ‫الرح ِيم * َمال َ ْ‬ ‫ب ال َْعال َِم َ‬
‫ي * َّ‬ ‫ّلل َر ِ‬
‫ويذكران ابألمر الثاين يف اآلايت‪ ﴿ :‬إِ َّاي َ نَ ْعبُ ُد وإِ َّاي َ‬
‫مت‬
‫َنع َ‬ ‫صرا َ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نَستَ ِعي * ِ‬
‫اهدنَ ا ِ‬
‫ين أ َ‬‫ط الذ َ‬ ‫يم * َ‬ ‫ط املُستَق َ‬ ‫الص َرا َ‬ ‫ْ ُ‬
‫ي﴾‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َعلَي ِه ْم غَري املَغ ُ‬
‫ِ‬
‫ضوب َعلَيه ْم َوالَ الضَّال َ‬
‫ونقف مع آايت أخرى من القرآن تضيء قلوبنا‬
‫وتوصلنا إىل اليقني املبين على الدليل والربهان‪.‬‬
‫وتالؤم س ِري هذا الكون الواسع مع كثرة أنواع‬ ‫َ‬ ‫انتظام‬
‫إن َ‬
‫اختالف أنظمتها لَيَ ُد ُّل أصحاب‬ ‫ِ‬ ‫املخلوقات واختالفها‪ ،‬و‬
‫أن هلذه املخلوقات إهلاً واحداً خلقها ويُ َسِريُها‬ ‫العقول على َّ‬
‫حبكمته كما يريد‪.‬‬
‫َد َوَما َكا َن َم َع ُِ ِم ْن‬
‫قال عز وجل‪ ﴿ :‬ما َّاَّتَ َذ هللا ِمن ول ٍ‬
‫ُ َْ‬ ‫َ‬
‫ ٍ‬‫ض ُه ْم َعلَى بَ ْع ٍ‬ ‫ب ُك ُّل إِل ٍَ ِ ِِبَا َخلَ َق َول ََعال بَ ْع ُ‬ ‫ٍ‬
‫إِلَ ِ إِذا لَ َذ َه َ‬
‫ص ُفو َن ﴾ [املؤمنون‪. ]11/‬‬ ‫سبحا َن َِّ‬
‫اّلل َع َّما ي ِ‬
‫َ‬ ‫ُْ َ‬
‫س َد ََ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ل َْو َكا َن في ِه َما آَلَةٌ إ َّال َّ‬
‫اّللُ لََف َ‬
‫ص ُفو َن ﴾ [األنبياء‪.]22/‬‬ ‫ش عَ َّما ي ِ‬ ‫ب ال َْع ْر ِ‬ ‫فَسبحا َن َِّ‬
‫اّلل َر ِ‬
‫َ‬ ‫ُْ َ‬
‫ِ‬
‫اّلل َعلَْي ُك ْم‬‫ت َّ‬ ‫ِ‬
‫َّاس اذْ ُك ُروا ن ْع َم َ‬
‫وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬اي أَيُّ َها الن ُ‬
‫ض ال إِلَ َِ إَِّال‬ ‫الس َم ِاء َو ْاأل َْر ِ‬
‫اّلل يَ ْرُزقُ ُك ْم ِم َن َّ‬
‫هل ِمن َخالِ ٍق غَي ر َِّ‬
‫ُْ‬ ‫َْ ْ‬
‫ُه َو فَأَ َّ تُ ْؤفَ ُكو َن ﴾ [فاطر‪.]3/‬‬

‫‪27‬‬
‫فاإلله احلق هو اخلالق لكل شيء‪ ،‬فأين معىن األلوهية‬
‫دت من قبل‬ ‫املعبودات اليت عُبِ ْ‬‫ُ‬ ‫يف سواه؟ وماذا َخلَ َقت تلك‬
‫َّ ِ‬ ‫ْق َِّ‬
‫اّلل فَأ َُر ِوين َما َذا َخلَ َق الذ َ‬
‫ين‬ ‫اجلاهلني؟ قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ه َذا َخل ُ‬
‫ي ﴾ [لقمان‪.]11/‬‬ ‫الل ُمبِ ٍ‬
‫ض ٍ‬ ‫ِم ْن ُدونِِ ِ بَ ِل الظَّالِ ُمو َن ِيف َ‬
‫وقال سبحانه‪ ﴿ :‬أَِم َّاَّتَ ُذوا ِمن ُدونِِ ِ ِ‬
‫آَلَة قُ ْل َهاتُوا‬
‫بُ ْرَهانَ ُك ْم ﴾ [األنبياء‪.]24/‬‬
‫الشرك قو ٌل باطل وتصورٌ غري صحيح‬
‫كل شيء مفتقر‬ ‫فاإلله هو املستغين عن كل شيء‪ ،‬و ُّ‬
‫إليه‪ ،‬وما ليس كذلك ليس إهلاً‪.‬‬
‫ط التالية اليت يعرفها أهل احلق‪:‬‬‫ويلزم من هذا النقا ُ‬
‫‪-1‬اإلله خالق كل شيء‪ -2 .‬اإلله ليس خملوقاً‪.‬‬
‫كل‬
‫‪ -3‬اإلله ال حيتاج إىل شيء‪ -4 .‬اإلله حيتاج ُّ‬
‫شيء إليه‪.‬‬
‫واملعبودات اليت عبدت يف اتريخ البشر القدمي‬
‫كل منها فقري حمتاج‬‫كل منها خملوق ال خالق‪ ،‬و ٌ‬ ‫واحلديا ٌ‬
‫فكيف يكون إهلاً؟‪.‬‬
‫ُتخَذُ اختاذاً‬
‫اإلله ال ي َّ‬
‫ميكن لإلنسان أن يتخذ صديقاً أو معلماً أو شريكاً‪،‬‬
‫ولكن ال ميكن أن ي ت ِ‬
‫َّخ َذ إهلاً؛ فالنقاط األربع السابقة اليت‬ ‫َ‬
‫‪28‬‬
‫تعطي اإلنسان التصور الصحيح ملعىن كلمة اإلل ِ ال ميكن أن‬
‫تكون يف لري هللا‪.‬‬
‫ون َِّ‬
‫اّلل ِ‬
‫آَلَة ل ََعلَّ ُه ْم‬ ‫وجل‪ ﴿ :‬و َّاَّتَ ُذوا ِمن ُد ِ‬
‫قال عَّز َّ َ‬
‫ص َرُه ْم َو ُه ْم ََلُ ْم ُجن ٌد ُّْحم َ‬
‫ض ُرو َن‬ ‫ِ‬
‫﴾[‬ ‫نص ُرو َن * َال يَ ْستَطيعُو َن نَ ْ‬
‫يُ َ‬
‫يس‪74 /‬و ‪] 75‬‬
‫اهلل تعاىل فعال ملا يريد وهو على كل شيء قدير‬
‫فاهلل تعاىل له اإلرادة املطلقة‪ ،‬وهو الفعال ملا يريد‪.‬‬
‫كل إرادة‪ ،‬وله القدرة املطلقة فهو‬‫فوق ِ‬
‫إرادتُه تعاىل َ‬
‫على كل شيء قدير‪ ،‬فما شاء هللا كان‪ ،‬وما مل يشأ فال ميكن‬
‫أن يكون‪.‬‬
‫ب‬ ‫ْق َو ْاأل َْم ُر تَبَ َار َ َّ‬
‫اّللُ َر ُّ‬ ‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬أَال لَ ُِ ْ‬
‫اخلَل ُ‬
‫ي ﴾ [األعراف‪ ] 54 /‬وقال سبحانه‪ ﴿ :‬إِ ََّّنَا أ َْم ُرهُ إِ َذا أ ََر َ‬
‫اد‬ ‫ال َْعال َِم َ‬
‫سْب َحا َن الَّ ِذي بِيَ ِدهِ َملَ ُك ُ‬
‫وت‬ ‫ول لَ ُِ ُك ْن فَيَ ُكو ُن * فَ ُ‬ ‫َشْي ئا أَ ْن يَ ُق َ‬
‫ن ﴾ [ يس‪] 13-12 /‬‬ ‫ُك ِل َش ْي ٍء َوإِلَْي ِ ِ تُ ْر َج ُعو َ‬
‫ض ٍر فَالَ َك ِ‬ ‫ك اّللُ بِ ُ‬ ‫ِ‬
‫ف‬
‫اش َ‬ ‫س ْس َ‬ ‫وقال عز وجل‪َ ﴿ :‬وإن ميَْ َ‬
‫يب بِ ِ ِ َمن يَ َ‬ ‫آد لَِف ْ ِ ِ‬
‫لَ ُِ إِالَّ ُه َو َوإِن يُ ِر ْد َ ِخبَ ٍْري فَالَ َر َّ‬
‫شاءُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ضل ِ يُ َ‬
‫يم ﴾ [يونس‪.]107 /‬‬ ‫ادهِ وهو الْغَ ُفور َّ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫م ْن عبَ َ ُ َ‬

‫‪29‬‬
‫اهلل خالق كل شيء وال خالق غريه‬
‫فاألرض وما فيها‪ ،‬والسماوات وما فيهن‪ ،‬ومجيع‬
‫الكائنات كل ذلك خملوق‪ ،‬وهللا تعاىل هو وحده اخلالق‪ ،‬قال‬
‫اّلل َعلَْي ُك ْم َه ْل ِم ْن َخالِ ٍق‬
‫ت َِّ‬‫َّاس اذْ ُك ُروا نِ ْع َم َ‬
‫تعاىل‪َ ﴿ :‬اي أَيُّ َها الن ُ‬
‫ض َال إِل ََ ِ إَِّال ُه َو فَأَ َّ‬ ‫الس َم ِاء َو ْاأل َْر ِ‬
‫اّلل يَ ْرُزقُ ُكم ِم َن َّ‬
‫غَي ر َِّ‬
‫ُْ‬
‫اّللُ َربُّ ُك ْم َخالِ ُق‬
‫تُ ْؤفَ ُكو َن ﴾ [فاطر‪ ،]3 /‬وقال سبحانه‪ ﴿ :‬ذَلِ ُك ُم َّ‬
‫ُك ِل َش ْي ٍء َّال إِلَ َِ إَِّال ُه َو فَأَ َّ تُ ْؤفَ ُكو َن ﴾ [غافر‪.]32 /‬‬
‫اهلل اخلالق وللعباد الكسب‬
‫هللا تعاىل هو اخلالق للعباد‪ ،‬وهو اخلالق أيضاً ألعمال‬
‫العباد‪.‬‬
‫لكن من حكمة هللا تعاىل أنه خلق اإلنسان وجعل له‬
‫إرادةً واختياراً يتمكن هبما ِم ْن كسب اإلميان والطاعات‪،‬‬
‫وهللا تعاىل يثيبه عليها‪َ ،‬وِم َن اكتساب الكفر والسيئات‬
‫ويستحق العقوبة عليها‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ب إىل العباد‬
‫ب إىل هللا خلقاً‪ ،‬وتُْن َس ُ‬
‫فأفعال العباد تُْن َس ُ‬
‫ُ‬
‫كسباً‪.‬‬
‫اختيارنا يف األمور التكليفية من البديهيات‬
‫اختيار اإلنسان من أوضح احلقائق‪ ،‬بل هو من‬
‫البديهيات يلمسه كل عاقل من نفسه‪ ،‬ويدرك أنه خمتار عندما‬
‫‪30‬‬
‫يتوضأ أو يسبِح هللا أو يدفع الزكاة‪ ،‬وكذلك عندما يسرق أو‬
‫يسب أو يغتاب (‪. )1‬‬
‫اهلل العليم احلكيم‬
‫اهلل عليم‪ :‬ال خيفى عليه شيء يف الدنيا وال يف اآلخرة‪،‬‬
‫ال يعزب عن علمه مثقال ذرة‪ ،‬يعلم السر وأخفى‪ ،‬يعلم ما‬
‫كان وما يكون‪.‬‬
‫وهو احلكيم يف خلق ِ‪ :‬خلق كل شيء فقدره تقديراً‬
‫وأحسن كل شيء َخلَ َقهُ‪.‬‬
‫وهو احلكيم يف أم ِره ويفيِ ِ‪ ،‬ويف تشريع ِ أََمَر َ‬
‫عباده‬
‫اه ْم رمحةً هلم وشرع هلم ما فيه صالحهم يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫ونَ َه ُ‬
‫أكمل التشريع وأح َك ُمهُ؛ فهو األعلم بطبائع‬ ‫وتشريعه ُ‬
‫العباد ومبا يناسبهم ومبا ينفعهم أو يضرهم‪.‬‬
‫اعةُ قُ ْل بَلَى َوَرِِّ‬ ‫ين َك َف ُروا ال ََتْتِينَا َّ‬
‫الس َ‬ ‫‪ ﴿ -‬وقَ َ َّ ِ‬
‫ال الذ َ‬ ‫َ‬
‫السماواتِ‬ ‫ٍ‬
‫ال َذ َّرة ِيف َّ َ َ‬
‫ِ‬
‫ب َع ْن ُِ مثْ َق ُ‬
‫ب َال يَ ْع ُز ُ‬ ‫لَتَأْتِيَ نَّ ُك ْم َع ِاِل الْغَْي ِ‬
‫ك َوَال أَ ْكبَ ر إَِّال ِيف كِتَ ٍ‬
‫اب‬ ‫ُ‬ ‫َصغَ ُر ِمن ذَلِ َ‬ ‫ض َوَال أ ْ‬ ‫َوَال ِيف ْاأل َْر ِ‬
‫ي ﴾ [سبأ ‪.]3 /‬‬ ‫ُّمبِ ٍ‬

‫)‪ (1‬وسيأيت تفصيل هذا يف حبا القدر إن شاء هللا تعاىل‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ات َوَما ِيف‬ ‫السماو ِ‬
‫اّللَ يَ ْعلَ ُم َما ِيف َّ َ َ‬ ‫َن َّ‬ ‫‪ ﴿ -‬أََِلْ تَ َر أ َّ‬
‫س ٍة‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ َّ‬
‫ض َما يَ ُكو ُن من َّْن َوى ثََالثَة إ َّال ُه َو َرابعُ ُه ْم َوَال ََخْ َ‬ ‫ْاأل َْر ِ‬
‫ك َوَال أَ ْكثَ َر إَِّال ُه َو َم َع ُه ْم‬ ‫اد ُس ُه ْم َوَال أَ ْد َ ِمن ذَلِ َ‬ ‫إَِّال ُهو س ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أَيْ َن َما َكانُوا ُُثَّ يُنَ بئُ ُهم ِبَا َعملُوا يَ ْوَم الْقيَ َامة إ َّن َّ‬
‫اّللَ ب ُك ِل‬
‫يم ﴾ [ اجملادلة‪.]7 /‬‬ ‫ٍ ِ‬
‫َش ْيء َعل ٌ‬
‫ب الَ يَ ْعلَ ُم َها إِالَّ ُه َو َويَ ْعلَ ُم‬ ‫‪َ ﴿ -‬و ِعن َدهُ َم َفاتِ ُح الْغَْي ِ‬
‫ط ِمن َوَرقَ ٍة إِالَّ يَ ْعلَ ُم َها َوالَ َحبَّ ٍة‬ ‫َما ِيف الْبَ ِر َوالْبَ ْح ِر َوَما تَ ْس ُق ُ‬
‫ي‬‫اب ُّمبِ ٍ‬ ‫س إِالَّ ِيف كِتَ ٍ‬ ‫ْب َوالَ َايبِ ٍ‬ ‫ض َوالَ َرط ٍ‬ ‫ات األ َْر ِ‬ ‫ِيف ظُلُم ِ‬
‫َ‬
‫﴾ [األنعام‪.] 51 /‬‬
‫َس ُّروا قَ ولَ ُكم أَ ِو اج َهروا بِ ِ ِ إِنَّ ُِ َعلِيم بِ َذ ِ‬
‫ات‬ ‫﴿ وأ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اخلَبريُ ﴾ [ امللك‪/‬‬
‫يف ْ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الص ُدوِر * أ ََال يَ ْعلَ ُم َم ْن َخلَ َق َو ُه َو اللط ُ‬
‫ُّ‬
‫‪.] 14-13‬‬
‫اهلل هو الغين احلميد‬
‫كل خملوق حمتاج مفتقر إىل هللا تعاىل‪َّ ،‬أما هللاُ تعاىل‬
‫فال حيتاج إىل شيء‪.‬‬
‫وهو الغين عن كل ما سواه؛ إذ كل ما سواه خملوق‬
‫ومفتقر إليه‪ ،‬وهو الغين عن طاعة عباده‪ ،‬ال تنفعه طاعتهم‬
‫وال تضره معاصيهم‪ ،‬وما كلفهم مبا أمرهم به ومبا هناهم عنه‬
‫إال ملصاحلهم‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫وهو احلميد الذي اتصف بكل كمال يليق به‪ ،‬وأسبغ‬
‫اجع‬
‫وفضل ر ٌ‬‫ٍ‬ ‫كل ٍ‬
‫كمال‬ ‫على ِعبَ ِادهِ نِ َع َمهُ ظاهرةً وابطنةً‪ ،‬و ُّ‬
‫إليه‪ ،‬ولذلك كان رسول هللا ‪ ‬يهلل بعد كل صالة‪ (( :‬ال‬
‫ض ُل َولَ ُِ الثَّنَاءُ‬ ‫إِلَ َِ إَِّال هللاُ َوَال نَ ْعبُ ُد إَِّال إِ َّايهُ لَ ُِ النِ ْع َمةُ َولَ ُِ الْ َف ْ‬
‫ن )) [ مسلم ‪.] 514 /‬‬ ‫سُ‬‫ا ْحلَ َ‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬اي أَيُّها النَّاس أَنتم الْ ُف َقراء إِ َىل ِ‬
‫هللا َوهللاُ ُه َو‬ ‫ُ ُُ َ‬ ‫َ َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شأْ يُ ْذه ْب ُك ْم َو َأيْت خبَل ٍْق َجديد * َوَما ذَل َ‬ ‫ِ‬ ‫ن ا ْحلَ ِمي ُد * إِن يَ َ‬ ‫الْغَِ ُّ‬
‫اّلل بِ َع ِزي ٍز ﴾ [فاطر‪.]17-15/‬‬ ‫علَى َِّ‬
‫َ‬
‫ومما يبني هذا املعىن احلديا القدسي التايل‪َ (( :‬اي‬
‫س ُك ْم َو ِجن ُك ْم َكانُوا َعلَى أَتْ َقى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫عبَادي ل َْو أَن أَولَ ُك ْم َوآخ َرُك ْم َوإنْ َ‬
‫ْكي َشيئا‪ ،‬اي ِعب ِ‬ ‫ك ِيف مل ِ‬ ‫اح ٍد ِم ْن ُكم ما َز َ ِ‬ ‫ْب رج ٍل و ِ‬
‫ادي‬ ‫ْ َ َ‬ ‫اد َذل َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫قَ ل ِ َ ُ َ‬
‫ْب‬‫آخرُك ْم َوإِنْ َس ُك ْم َو ِجن ُك ْم َكانُوا َعلَى أَفْ َج ِر قَ ل ِ‬ ‫ِ‬
‫ل َْو أَن أَولَ ُك ْم َو َ‬
‫ْكي َشيئا‪ ،‬اي ِعب ِ‬ ‫ك ِمن مل ِ‬ ‫اح ٍد ما نَ َق ِ‬ ‫ِ‬
‫ادي ل َْو أَن‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ص ذَل َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َر ُج ٍل َو َ‬
‫اح ٍد‬‫يد و ِ‬ ‫آخرُكم وإِنْس ُكم و ِجن ُكم قَاموا ِيف ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫صع َ‬ ‫َ‬ ‫أَولَ ُك ْم َو َ ْ َ َ ْ َ ْ ُ‬
‫ك ُِما ِع ْن ِدي‬ ‫ص ذَلِ َ‬ ‫ٍ‬
‫ت ُكل إِنْ َسان َم ْسأَلَتَ ُِ َما نَ َق َ‬ ‫سأَلُ ِوين فَأَ ْعطَْي ُ‬ ‫فَ َ‬
‫ِ‬ ‫ص ال ِْم ْخيَ ُ‬
‫ح َر ))‪ [.‬مسلم‪] 2577 /‬‬ ‫ط إِذَا أُ ْدخ َل الْبَ ْ‬ ‫إِال َك َما يَ ْن ُق ُ‬
‫اهلل هو احلي القيوم‬
‫ب احلياةَ جلميع األحياء‪.‬‬ ‫احلي الذي ال ميوت‪َ ،‬وَه َ‬ ‫هو ُّ‬

‫‪33‬‬
‫يتصرف يف كل شيء من الكون‪ ،‬يرزقه‬ ‫ُ‬ ‫وم‪،‬‬
‫وهو ال َقيُّ ُ‬
‫أمره‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬اّللُ الَ‬ ‫ِ‬
‫ويكلؤه وحيفظُه ويُ َدب ُر َ‬
‫ويدفع عنه ُ‬
‫إِلَ َِ إِالَّ ُه َو ا ْحلَ ُّي الْ َقيُّ ُ‬
‫وم ﴾ [البقرة‪.] 255 /‬‬
‫عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬كان النب ‪‬‬
‫ت قَيِ ُم‬ ‫إذا قام من الليل يتهجد قال‪ (( :‬اللَّ ُه َّم ل َ‬
‫َك ا ْحلَ ْم ُد أَنْ َ‬
‫[ البخاري ‪1031 /‬ومسلم ‪/‬‬ ‫))‬ ‫ض َوَم ْن فِي ِه َّن‪....‬‬ ‫السمو ِ‬
‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫َّ َ َ‬
‫‪ ] 731‬ال َقيُّوم وال َقيِم ِبعىن و ٍ‬
‫احد‪.‬‬ ‫ُ ُ‬
‫اهلل هو الغفور الرحيم‬
‫مجيع اخللق‪ ،‬يغفر ملن يشاء‬ ‫ِ‬
‫ت مغفرتُه َ‬
‫هو الغفور‪َ ،‬وس َع ْ‬
‫ويعذب من يشاء‪َ ،‬ويَ ْقبَ ُل توبة التائبني‪ ،‬من الكافرين ومن‬
‫ذنوهبم‪ ،‬ويف احلديا‬ ‫ع ِ‬
‫صاة املؤمنني‪ ،‬مهما عظمت ُ‬ ‫َُ‬
‫َك‬
‫تل َ‬ ‫آد َم إِنَّ َ‬
‫ك َما َد َع ْوتَِن َوَر َج ْوتَِن غَ َف ْر ُ‬ ‫القدسي‪َ (( :‬اي ابْ َن َ‬
‫ك‬‫ت ذُنُوبُ َ‬ ‫يك َوالَ أ َُابِِل‪َ ،‬اي ابْ َن َ‬
‫آد َم ل َْو بَلَغَ ْ‬ ‫َعلَى َما َكا َن فِ َ‬
‫ُابِِل )) [ الَمذي‪:‬‬ ‫استَ غْ َف ْرتَِن غَ َف ْر ُ‬ ‫عنا َن َّ ِ‬
‫َك َوالَ أ َ‬
‫تل َ‬ ‫الس َماء ُُثَّ ْ‬ ‫ََ‬
‫اد َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين‬
‫ي الذ َ‬ ‫‪ ، ] 1171‬ومن اآلايت يف ذلك‪ ﴿ :‬قُ ْل َاي عبَ َ‬
‫اّللَ يَغْ ِف ُر‬ ‫أَسرفُوا علَى أَن ُف ِس ِهم َال تَ ْقنطُوا ِمن َّر ْْح ِة َِّ‬
‫اّلل إِ َّن َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ﴾ [ الزمر ‪.] 53/‬‬ ‫الرح ُ‬
‫ور َّ‬ ‫وب َمجيعا إِنَّ ُِ ُه َو الْغَ ُف ُ‬ ‫ُّ‬
‫الذنُ َ‬
‫كل شيء‪ ،‬يرحم عباده‬ ‫وهو الرحيم‪ ،‬وسعت رْحتُ ِ َّ‬
‫أعظم‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وَر ْمحَِيت‬ ‫يف الدنيا‪ ،‬ورْحتُ ِ يف اآلخرة ُ‬

‫‪34‬‬
‫ين‬ ‫و ِسعت ُك َّل شي ٍء فَسأَ ْكت ب ها لِلَّ ِذين ي تَّ ُقو َن وي ؤتُو َن َّ َّ ِ‬
‫الزَك ا َة َوالذ َ‬ ‫َ َ َ ُْ‬ ‫َ ْ َ ُُ َ‬ ‫َ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُهم ِِب َايتنَا يُ ْؤمنُو َن ﴾ [ األعراف‪.] 157/‬‬
‫ين يُ ْؤِمنُو َن ِِب َايتِنَا فَ ُق ْل َسالَ ٌم‬ ‫َّ ِ‬
‫‪َ ﴿ -‬وإِذَا َجاء َ الذ َ‬
‫الر ْْحَةَ أَنَّ ُِ َمن َع ِم َل ِمن ُك ْم‬
‫ب َربُّ ُك ْم َعلَى نَ ْف ِس ِ ِ َّ‬ ‫َعلَْي ُك ْم َكتَ َ‬
‫يم ﴾‬ ‫سوءا ِِبهال ٍَة ُُثَّ ََب ِمن ب ع ِدهِ وأَصلَح فَأن ِ غَ ُف ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬‫َ َْ َ ْ َ ُ ٌ‬ ‫ُ ََ‬
‫[ األنعام ‪.] 54‬‬
‫اهلل مسيع بصري‬
‫كما َآمنَّا أن هللا بكل شيء عليم فإنَّنا نؤمن أن هللا‬
‫ب عن علمه مثقال ذرة‪،‬‬ ‫تعاىل مسيع بصري‪ ،‬وكما ال يَ ْعُز ُ‬
‫مثقال ذرة‪ ،‬قال تعاىل‪َّ ﴿ :‬ما‬
‫فكذلك ال يعزب عن مسعه وبصره ُ‬
‫اّلل َِمسيع ب ِ‬ ‫َخ ْل ُق ُكم وَال ب عثُ ُكم إَِّال َكن ْف ٍ ِ ٍ‬
‫صريٌ ﴾‪.‬‬ ‫س َواح َدة إِ َّن ََّ ٌ َ‬ ‫ْ َ َْ ْ َ‬
‫[ لقمان ‪.] 21‬‬
‫ط َعلَْي نَا أ َْو أَن يَطْغَى‬ ‫‪ ﴿ -‬قَ َاال َربَّنَا إِنَّنَا ََنَ ُ‬
‫اف أَن يَ ْف ُر َ‬
‫َمسَ ُع َوأ ََرى ﴾ [ ط ِ ‪.] 43- 45‬‬ ‫ال َال ََّتَافَا إِنَِّن َم َع ُك َما أ ْ‬
‫* قَ َ‬
‫من صفات اهلل تعاىل الكالم‬
‫ومن صفات الكمال اليت تليق بعظمة هللا تعاىل صفة‬
‫الكالم‪.‬‬
‫كلِيما ﴾ [النساء‪/‬‬ ‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وَكلَّ َم اّللُ ُم َ‬
‫وسى تَ ْ‬
‫‪.]134‬‬

‫‪35‬‬
‫عن عدي بن حامت ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪َ (( ‬ما‬
‫س بَ ْي نَ ُِ َوبَ ْي نَ ُِ تُ ْر ُمجَا ٌن‪،‬‬ ‫َح ٍد إِالَّ َسيُ َكلِ ُم ُِ َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫اّللُ‪ ،‬ل َْي َ‬ ‫م ْن ُك ْم م ْن أ َ‬
‫فَ يَ ْنظُُر أ َْميَ َن ِم ْن ُِ فَالَ يَ َرى إِالَّ َما قَ َّد َم‪َ ،‬ويَ ْنظُُر أَ ْشأ ََم ِم ْن ُِ فَالَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي يَ َديْ ِ فَالَ يَ َرى إِالَّ النَّا َر ت ْل َق َ‬
‫اء‬ ‫يَ َرى إِالَّ َما قَ َّد َم‪َ ،‬ويَ ْنظُُر بَ َْ‬
‫َّار َول َْو بِ ِش ِق َتََْرةٍ ))‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َو ْج ِه ِ؛ فَاتَّ ُقوا الن َ‬
‫[ البخاري ‪ /7074‬ومسلم ‪] 1013 /‬‬
‫اهلل تعاىل هو األول واآلخر‬
‫هو األول فليس قبله شيء‪ ،‬وهو اآلخر فليس بعده‬
‫شيء‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬هو ْاأل ََّو ُل و ْاآل ِخر والظَّ ِاهر والْب ِ‬
‫اط ُن َو ُه َو‬ ‫َ ُ َ ُ ََ‬ ‫َُ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ﴾ [ احلديد‪ ،]3/‬وكان رسول هللا ‪ ‬يناجي ربه‬ ‫ب ُك ِل َش ْيء َعل ٌ‬
‫ب‬‫السْب ِع َوَر َّ‬
‫ات َّ‬ ‫السمو ِ‬ ‫إذا أوى إىل فراشه فيقول‪(( :‬اللَّ ُه َّم َر َّ‬
‫ب َّ َ َ‬
‫ك‬‫س قَ ْب لَ َ‬ ‫ب ُك ِل َش ْى ٍء‪ ....‬أَنْ َ‬
‫ت األ ََّو ُل فَلَْي َ‬ ‫ي‪َ ،‬وَربَّنَا َوَر َّ‬ ‫ضَ‬ ‫األَر ِ‬
‫َ‬
‫شيءٌ )) [ مسند أْحد ‪533 / 2‬‬ ‫س بَ ْع َد َ َ‬ ‫ِ‬ ‫َشيءٌ َوأَنْ َ‬
‫ت اآلخ ُر فَلَْي َ‬
‫ومسلم‪.]2713 /‬‬
‫اهلل ليس كمثله شيء‬
‫هللا تعاىل متصف بصفات الكمال اليت تليق بعظمته‪،‬‬
‫لكن معرفتَنا لصفاته تعاىل ال تُ ْشبِه معرفتَنا ل ِ‬
‫صفات اخللق؛‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫فصفات العظمة اليت تليق به سبحانه فوق ما يتصور‬
‫املتصورون‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫ص ُّوِر عظمته‪ ،‬ومعر ِفة‬ ‫اخللق كلهم عاجزون عن تَ َ‬ ‫و ُ‬
‫ق قَ ْد ِرهِ ﴾ [‬ ‫حقيقة صفاته‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ما قَ َد ُروا َّ‬
‫اّللَ َح َّ‬
‫ي أَيْ ِدي ِه ْم َوَما َخلْ َف ُه ْم‬
‫احلج‪ ] 74 /‬وقال سبحانه‪ ﴿ :‬يَ ْعلَ ُم َما بَ َْ‬
‫َوال ُُِييطُو َن بِ ِ ِ ِعلْما‬
‫﴾ [ ط ِ‪.]110 /‬‬
‫فاهلل سبحان ِ ال يشب ِ شيئا وال يُ ْشبِ ُه ُِ شيء‪ ،‬وكذلك‬
‫صفاتُه تعاىل؛ فعلمه وقدرته ومسعه وبصره وكالمه ورمحته‬
‫وحكمته ورضاه ولضبه ولريُ ذلك من الصفات اليت جاءت‬
‫كل ذلك ال يُ ْشبِهُ شيئاً من‬
‫يف القرآن الكرمي ويف السنة ُّ‬
‫صفات املخلوقات‪ ،‬قال هللا تعاىل‪ ﴿ :‬لَي ِ ِ ِ‬
‫س َكمثْل ِ َش ْيءٌ‬
‫ْ َ‬
‫ِ‬ ‫و ُهو َّ ِ‬
‫يع الْبَصريُ‬
‫السم ُ‬
‫﴾ [ الشورى‪.]11 /‬‬ ‫َ َ‬
‫اإلميان بكل ما جاء يف القرآن والسنة من صفات‬
‫اهلل تعاىل‬
‫ٍ‬
‫تفصيل يف‬ ‫ونكتفي يف هذه الرسالة مبا تقدم ذكره من‬
‫صفات هللا تعاىل‪ ،‬وقد جاء يف القرآن والسنة وصف هللا‬ ‫ِ‬
‫تعاىل بصفات أخرى نؤمن هبا‪.‬‬
‫ونبين إمياننا هبا على األسس القومية اليت تقدمت معنا‬
‫وهي ‪:‬‬
‫‪ -1‬نثبت ما ثبت ابلوحي اإلهلي وننفي ما نفاه‪.‬‬
‫‪ -2‬نُنَ ِزهُ هللاَ تعاىل عن املشاهبة لصفات املخلوقات‪.‬‬
‫‪ – 3‬نؤمن أبننا عاجزون عن معرفة حقيقة صفاته‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫‪ – 4‬نعتمد على منهج القرآن‪ ،‬ال على طريقة‬
‫الفالسفة‪.‬‬
‫اخلوض يف تفسري أو أتويل صفات هللا تعاىل‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪ - 5‬نَْت ُرُك‬
‫صالح القلوب واألعمال من اإلميان‬
‫هذا الذي تقدم معنا من أحباث اإلميان ابهلل تعاىل‬
‫ُمتَ َعلِ ٌق ابجلانب العقلي‪ ،‬الذي هو أساس اإلميان‪.‬‬
‫ومع هذا اجلانب العظيم ال بد للمؤمن املوفق من‬
‫االهتمام ِبانبي عظيمي من ديننا‪:‬‬
‫كي‬
‫اِلانب السلو ُّ‬ ‫ُ‬ ‫القليب‪ ،‬والثاين‬‫ُّ‬ ‫اِلانب‬
‫ُ‬ ‫أوَلما‬
‫العملي‪.‬‬
‫ُّ‬
‫والثاين ال يصلح إال بصالح األول‪ ،‬قال ‪ (( : ‬أَالَ‬
‫اِلس ُد ُكلُّ ُِ‪َ ،‬وإِ َذا‬
‫صلَ َح َ‬ ‫ت َ‬ ‫صلَ َح ْ‬‫ضغَة إِ َذا َ‬ ‫اِلس ِد ُم ْ‬
‫َوإ َّن ِيف َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ْب )) [ البخاري ‪52/‬‬ ‫اِلس ُد ُكلُّ ُِ‪ ،‬أَالَ َوه َى الْ َقل ُ‬
‫س َد َ‬ ‫ت فَ َ‬‫س َد ْ‬
‫فَ َ‬
‫مسلم ‪.]1511 /‬‬
‫وينبغي أن نتذكر أنه يدخل يف اإلميان أمور قلبية‬
‫عترب ُش َعباً لإلميان‪ ،‬وأنه ال يكمل إمياننا إال‬ ‫وسلوكية كثرية تُ َ‬
‫ض ٌع َو ِستُّو َن‬
‫ض ٌع َو َسْب عُو َن أ َْو بِ ْ‬
‫هبا‪ ،‬قال النب ‪ (( : ‬ا ِإلميَا ُن بِ ْ‬
‫اّللُ‪َ ،‬وأَ ْد ََن َها إِ َماطَةُ األَ َذى َع ِن‬
‫ضلُ َها قَ ْو ُل الَ إِلَ َِ إِالَّ َّ‬
‫ُش ْعبَة‪ ،‬فَأَفْ َ‬
‫ان ))‪.‬‬‫الطَّ ِر ِيق‪ ،‬واحلياء ُش ْعبةٌ ِمن ا ِإلميَ ِ‬
‫َ َُ َ َ‬
‫[ البخاري ‪ 1 /‬ومسلم‪] 35 /‬‬

‫‪38‬‬
‫ومن هذه الشعب ما ذكره هللا تعاىل يف اآلايت التالية‪:‬‬
‫ت قُلُوبُ ُه ْم َوإِ َذا‬ ‫ين إِذَا ذُكِ َر َّ‬
‫اّللُ َو ِجلَ ْ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫﴿ إََِّّنَا ال ُْم ْؤمنُو َن الذ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ادتْ ُه ْم إِميَاَن َو َعلَى َرِب ْم يََت َوَّكلُو َن * الذ َ‬
‫ين‬ ‫ت َعلَْي ِه ْم آ ََايتُ ُِ َز َ‬‫تُلِيَ ْ‬
‫ك ُه ُم ال ُْم ْؤِمنُو َن‬ ‫ي ِقيمو َن َّ ِ‬
‫اه ْم يُ ْن ِف ُقو َن * أُولَئِ َ‬
‫الص َال َة َوُمَّا َرَزقْنَ ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات عْن َد َرِبِِ ْم َوَمغْف َرةٌ َوِرْز ٌق َ‬
‫ك ِرميٌ ﴾ [ األنفال‪.] 4-2/‬‬ ‫َلم َد َر َج ٌ‬ ‫َح ًّقا ْ‬
‫واملوفقون َم ْن يكرمهم هللا ابلتحقق هبذه الشعب؛ فمن‬
‫أهم ما حنرص عليه أن نسعى مستعينني به يف تنوير قلوبنا‬
‫ب اإلميان‪.‬‬ ‫بِ ُش َع ِ‬
‫ومما يعني على ذلك بَ ْع َد احلرص عليه واالستعانة ابهلل‬
‫تعاىل تَ َدبُُّر القرآن الكرمي وما فيه من أنوا ِر أمساء هللا تعاىل‬
‫وصفاته‪ ،‬والعَِِرب املأخوذة من قصصه‪ ،‬ومن آايته املتعلقة‬
‫بعوامل اآلخرة‪ ،‬مع سقاية القلوب ابألذكار واألدعية اليت‬
‫ت هبا قلوب السابقني األولني‪ ،‬مع النظر يف سرية رسول‬ ‫ِ‬
‫ُسقيَ ْ‬
‫هللا ‪ ‬وسرية أصحابه ‪ ‬والتابعني والعلماء العاملني‬
‫الرابنيني يف حياُّتم العامة‪ ،‬ويف أحواهلم املتعلقة بصالح‬
‫وح ْس ِن عبادُّتم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بَ َواطنهم ُ‬

‫‪39‬‬
‫اإلميان بأن حممداً ‪ ‬رسول اهلل‬
‫هذه هي العقيدةُ الثانيةُ اليت ال يصح الدخول يف‬
‫اإلسالم إال هبا‪ ،‬وكما بَنَ ْينا عقيد َة ( ال إل ِ إال هللا ) على‬
‫الدليل والربهان فكذلك العقيدةُ الثانية ( حممد رسول هللا )‪.‬‬
‫من دالئل نبوة سيدنا حممد ‪‬‬
‫دالئل نبوة سيدان حممد ‪ ‬أكثر من أن ُحتصر منها‪:‬‬
‫كمال العقيدة اليت‬
‫‪ -1‬سريتُه قبل النبوة ‪ُ -2‬مسُُّو و ُ‬
‫كمال التشريع الذي جاء به ‪-4‬‬ ‫جاء هبا ‪ُ -3‬مسُُّو و ُ‬
‫أهل عصره‪،‬‬
‫وشاهدها ُ‬
‫َ‬ ‫ات الكثرية اليت أيَّ َدهُ هللا هبا‬
‫املعجز ُ‬
‫وعَرفَها من جاء‬
‫فعرفوا هبا نبوته‪ ،‬وأيقنوا أنه رسول هللا ‪َ ،‬‬
‫بعد ذلك العصر مما ثبت يف الصحيحني ولريمها‪.‬‬
‫من معجزات نبينا حممد ‪‬‬
‫اإلسراء واملعراج ومن هذه املعجزات ما أكرمه هللا‬
‫ي به من املسجد احلرام يف مكة إىل‬ ‫ُس ِر َ‬
‫تعاىل به حيا أ ْ‬
‫ِج به ‪ ‬إىل السماوات العُلى مث إىل‬ ‫املسجد األقصى‪ ،‬مث عُر َ‬
‫سدرة املنتهى‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬سبحا َن الَّ ِذي أَسرى بِعب ِدهِ‬
‫ْ َ َْ‬ ‫ُْ َ‬
‫ْصى الَّ ِذي َاب َرْكنَا‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ل َْيال م َن ال َْم ْسجد ا ْحلََر ِام إِ َىل ال َْم ْسجد األَق َ‬
‫الس ِميع الب ِ‬ ‫حولَ ُِ لِنُ ِري ُِ ِمن ِ‬
‫صريُ ﴾ [اإلسراء ‪]1 :‬‬ ‫آايتنَا إِنَّ ُِ ُه َو َّ ُ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َْ‬
‫‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫ض َّل ص ِ‬
‫احبُ ُك ْم‬ ‫َّج ِم إِ َذا َه َوى * َما َ َ‬ ‫وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬والن ْ‬
‫ِ‬
‫وحى *‬ ‫َوَما غَ َوى * َوَما يَنط ُق َع ِن ا َْلََوى * إِ ْن ُه َو إَِّال َو ْح ٌي يُ َ‬
‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫استَ َوى * َو ُه َو ِاب ْألُفُ ِق ْاألَ ْعلَى‬ ‫َعلَّ َم ُِ َشدي ُد الْ ُق َوى* ذُو م َّرة فَ ْ‬
‫ي أ َْو أَ ْد َ * فَأ َْو َحى إِ َىل‬ ‫* ُُثَّ َد ََن فَتَ َد َّىل * فَ َكا َن قَ َ‬
‫اب قَ ْو َس ْ ِ‬
‫ارونَ ُِ َعلَى َما‬ ‫ِِ‬
‫اد َما َرأَى * أَفَتُ َم ُ‬ ‫ب الْ ُف َؤ ُ‬
‫َع ْبده َما أ َْو َحى * َما َك َذ َ‬
‫يَ َرى * َولََق ْد َرآهُ نَ ْزلَة أُ ْخ َرى * ِعن َد ِس ْد َرةِ ال ُْمْن تَ َهى * ِعن َد َها‬
‫ص ُر‬ ‫جنَّةُ الْمأْوى * إِ ْذ ي غْ َشى ِ‬
‫َ الْبَ َ‬‫شى * َما َزا َ‬ ‫الس ْد َرَة َما يَغْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫ك ْب َرى ﴾ [ النجم ‪.] 11-1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آايت َربِ ِ الْ ُ‬ ‫ِ‬
‫َوَما طَغَى * لََق ْد َرأَى م ْن َ‬
‫وقد ذَ َكَر النب ‪ ‬اإلسراء واملعراج يف أحاديا كثرية‬
‫ِ‬ ‫منها قوله ‪ُُ ....(( : ‬ثَّ عرج بِنا إِ َىل َّ ِ‬
‫استَ ْفتَ َح ج ِْرب ُ‬
‫يل‬ ‫الس َماء فَ ْ‬ ‫ََ َ َ‬
‫ال‪ُ :‬حمَ َّم ٌد‪،‬‬
‫ك؟ قَ َ‬ ‫يل‪َ :‬وَم ْن َم َع َ‬ ‫ال‪ِ :‬ج ِْرب ِ‬ ‫يل‪َ :‬م ْن أَنْ َ‬ ‫ِ‬
‫يل‪ ،‬ق َ‬ ‫ُ‬ ‫ت؟ قَ َ‬ ‫فَق َ‬
‫ث إِل َْي ِ ِ‪ ،‬فَ ُفتِ َح لَنَا فَِإذَا أ َََن‬ ‫ث إِل َْي ِ ِ؟ قَ َ‬
‫ال قَ ْد بُِع َ‬ ‫يل‪َ :‬وقَ ْد بُِع َ‬‫ق َ‬
‫ِ‬
‫ب ِِب َو َد َعا ِىل ِخبَ ٍْري‪ ......‬مث ذكر ‪ ‬بقية‬ ‫ِِب َد َم فَ َر َّح َ‬
‫وم ْن لَِقيَ ُهم ِم َن األنبياء عليهم الصالة والسالم‬ ‫السماوات َ‬
‫البيت املعمور وسدرةَ املنتهى‪ ،‬وذكر أن هللا فرض مخسني‬ ‫و َ‬
‫صالة يف كل يوم وليلة فسأل هللا تعاىل التخفيف فاستجاب‬
‫ات ُك َّل يَ ْوٍم َولَْي لَ ٍة‪ ،‬لِ ُك ِل‬
‫وقال له‪ :‬اي ُحمَ َّم ُد إِنَّ ُه َّن ََخْس صلَو ٍ‬
‫ُ ََ‬ ‫َ‬
‫[البخاري‪ 3035/‬ومسلم ‪/‬‬ ‫))‬ ‫صالَة‬
‫سو َن َ‬ ‫صالَةٍ َع ْش ٌر فَ َذلِ َ‬
‫ك ََخْ ُ‬ ‫َ‬
‫‪.] 134‬‬

‫‪41‬‬
‫معجزة القرآن الكريم‬
‫وأعظم معجزات ِ ‪ ‬القرآن الكرمي‪ ،‬الذي ال أيتيه‬
‫الباطل من بني يديه وال من خلفه‪ ،‬تْنزيل من حكيم محيد‪،‬‬
‫وهو املعجزة الدائمة املنتشرة‪ ،‬ال َحيُدُّها زمان وال مكان‪،‬‬
‫كل الناس على‬
‫تتضمن وجوهاً من اإلعجاز‪ ،‬تناسب َّ‬
‫اختالف خصوصياُّتم ومعارفهم‪.‬‬
‫وجوه من إعجاز القرآن‬
‫وجوه إعجاز القرآن الكرمي كثرية ومتنوعة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬أسلوبه الفريد املرتبط أبعلى درجات الفصاحة‬
‫والباللة‪.‬‬
‫‪ -2‬إخباره ابلْ ُمغَيَّبات املاضية مع تفصيلها وبياهنا‪.‬‬
‫‪ -3‬إخباره ابلْ ُمغَيَّبات املستقبلة‪ ،‬ومن هذه الغيبيات‬
‫عجز البشر عن اإلتيان بسورة من مثله‪.‬‬
‫‪ -4‬إعجازه العلمي‬
‫ووجه اإلعجاز العلمي يناسب هذا العصر وما بعده‬
‫أكثر من العصور املاضية؛ َّ‬
‫ألن هذا الوجه تتجدد فيه اآلايت‬
‫كلما زاد التطور يف التقدم العلمي‪ ،‬كما بني القرآن الكرمي‬
‫يف قوله عز وجل‪:‬‬

‫‪42‬‬
‫ِ‬ ‫﴿ سنُ ِري ِهم آايتِنَا ِيف ْاآلفَ ِ‬
‫اق َوِيف أَن ُفس ِه ْم َح َّّت يَتَ بَ َّ َ‬
‫ي ََلُ ْم‬ ‫َ ْ َ‬
‫ش ِهي ٌد ﴾ [فصلت‬ ‫ٍ‬ ‫ف بَِربِ َ‬
‫ك أَنَّ ُِ َعلَى ُك ِل َش ْيء َ‬ ‫أَنَّ ُِ ا ْحل ُّق أَوَِلْ ي ْك ِ‬
‫َ َ َ‬
‫‪.]53 :‬‬
‫ويظهر هذا اإلعجاز العلمي يف جانبي‪:‬‬
‫آ‪ -‬استحالة وجود آية قرآنية تتعارض مع أيَِّة حقيقة‬
‫علمية صحيحة (‪.)1‬‬
‫ب‪ -‬ظهور حقائق علمية مل يعرفها اإلنسان يف األزمنة‬
‫السابقة‪ ،‬وجدها اإلنسان ظاهرة يف آايت القرآن واضحة بتدبر‬

‫وم ْن وجد شيئاً يظنه معارضاً آلية قرآنية فهو إما جاهل ابآلية‪،‬‬ ‫(‪َ )1‬‬
‫وإما جاهل ابلقض ية العلمية‪ ،‬وهذه االس تحالة َمَرُّدها إىل أن ُمنَ ِزَل القرآن‬
‫الناس من آايته فيها ما يش اء‪ ،‬وهو األعلم مبا‬ ‫ِ‬
‫هو خالق هذه األكوان يُري َ‬
‫خلق‪ ،‬فال ميكن أن يُْن ِزَل آيةً قرآنية تتناقض مع علمه عز وجل‪.‬‬
‫ض فِ َراش ا‬ ‫ِ‬
‫ف ال ذي يفهم من قوله تعاىل‪ ﴿ :‬الَّذي َج َع َل لَ ُك ُم األ َْر َ‬
‫الس َماء بِنَاء ﴾ [البقرة‪ ]22 /‬ما ينايف كروية األرض فقد فهم اآلية‬ ‫َو َّ‬
‫على لري حقيقتها‪.‬‬
‫مس ال ت دور حول‬ ‫ُ‬ ‫وال ذي فهم من قول علم اء الفل ك‪ ( :‬الش‬
‫أن الش مس اثبتة ال تتحرك فقد فهم‬ ‫األرض‪ ،‬بل األرض تدور حوَلا ) َّ‬
‫القضية على لري حقيقتها ‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫القرآن؛ فمن أين أتى هبا النب ‪ ‬لو مل تكن من عند هللا‬
‫تعاىل؟ (‪.) 1‬‬
‫الركن الثاني اإلميان باملالئكة‬
‫ومما جاء به ‪ ‬أن نؤمن ابملالئكة‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬آ َم َن‬
‫ول ِِبَا أُن ِز َل إِلَي ِ ِ ِمن َّربِ ِ ِ والْم ْؤِمنو َن ُكلٌّ آمن ِاب ِ‬
‫ّلل‬ ‫الر ُس ُ‬
‫َّ‬
‫ََ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َح ٍد من ُّر ُسل ِ ِ َوقَالُواْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ي أَ‬‫َوَمآلئِ َكتِ ِ َوُكتُبِ ِ َوُر ُسل ِ الَ نُ َف ِر ُق بَ َْ‬
‫ك الْم ِ‬ ‫َِمس ْعنَا َوأَطَ ْعنَا غُ ْف َرانَ َ‬
‫صريُ ﴾ [ البقرة ‪.] 215 /‬‬ ‫ك َربَّنَا َوإِل َْي َ َ‬
‫واإلميان ابملالئكة أحد أركان اإلميان الْ ُمبَيَّنَِة بقوله ‪:‬‬
‫(( أَ ْن تُ ْؤِم َن ِابهلل‪َ ،‬وَمالَئِ َكتِ ِ ِ‪َ ،‬وُكتُبِ ِ ِ‪َ ،‬وُر ُسلِ ِ ِ‪َ ،‬والْيَ ْوِم‬
‫شرهِ )) [ مسلم ‪.] 1 /‬‬ ‫من ِابلْ َق َد ِر َخ ِْريهِ َو َ‬ ‫ِ‬
‫اآلخ ِر‪َ ،‬وتُ ْؤ َ‬
‫وهم خملوقات نورانية خلقهم هللا تعاىل من نور‪ ،‬كما‬
‫اجلن من انر‪ ،‬قال ‪(( : ‬‬‫خلق هللا اإلنسا َن من طني‪ ،‬و َّ‬

‫( ‪ )1‬من أمثلة هذا اجلانب اكتش اف كروية األرض املوافق لقوله‬


‫َّه َار َعلَى اللَّيْ ِل ﴾ [ الزمر‪/‬‬ ‫تعاىل‪ ﴿ :‬يُ َك ِوُر اللَّيْ َل َعلَى الن َ‬
‫َّها ِر َويُ َك ِوُر الن َ‬
‫أن اإلنس ان كلما ارتفع يف طبقات اجلو العليا ش عر بض يق الص در‬ ‫‪ ] 5‬و َّ‬
‫ض يِقا َح َرجا َكأَََّّنَا‬ ‫ِ‬
‫موافقاً لقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وَم ْن يُ ِر ْد أَ ْن يُض لَّ ُِ َْجي َع ْل َ‬
‫ص ْد َرهُ َ‬
‫الس َم ِاء ﴾ [ األنعام‪ ]125 /‬ومن أراد املزيد من هذه األمثلة‬ ‫ص عَّ ُد ِيف َّ‬
‫يَ َّ‬
‫فإنه جيدها يف كتب هارون ُيىي الَكي‪ ،‬وكتب زغلول النجار املصري‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫ِج ِم ْن ََن ٍر‪،‬‬
‫ت ال َْمالَئِ َكةُ ِم ْن نُوٍر‪َ ،‬و ُخلِ َق ا ِْلَان ِم ْن َمار ٍ‬
‫ُخلِ َق ِ‬
‫كم ))‪ [ .‬مسلم ‪] 2113 /‬‬ ‫ف لَ ُ‬‫صَ‬ ‫آدم ُِما و ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ُخل َق َ ُ ُ‬
‫وإمياننا ابملالئكة من جوانب اإلميان ابلغيب‪ ،‬الذي‬
‫نؤمن به إمجاالً يف اجململ‪ ،‬وتفصيالً يف املفصل‪.‬‬
‫ومن هؤالء املالئكة جربيل املكلف إبنزال الوحي‪ ،‬قال‬
‫ك لِتَ ُكو َن ِم َن‬‫ي * َعلَى قَ ْلبِ َ‬ ‫ِ‬
‫وح ْاألَم ُ‬ ‫تعاىل‪ ﴿ :‬نَ َز َل بِ ِ ِ ُّ‬
‫الر ُ‬
‫ِ‬
‫ين ﴾‪ [ .‬الشعراء‪]391- 391/‬‬ ‫ال ُْمنذ ِر َ‬
‫ومنهم املوكلون حبفظ اإلنسان‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬لَ ُِ‬
‫ي ي َدي ِ ِ وِمن َخل ِْف ِ ِ َُي َفظُونَ ِ ِمن أَم ِر ِ‬ ‫مع ِقب ٌ ِ‬
‫اّلل ﴾‬ ‫ْ ُ ْ ْ‬ ‫ات من بَ ْ ِ َ ْ َ ْ‬ ‫َُ َ‬
‫[ الرعد‪ ] 11 /‬أي حيفظونه أبمر من عند هللا‪.‬‬
‫ومنهم املالئكة املوكلون بقب ٍ األرواح عند حلول‬
‫ت تَ َوفَّ ْت ُِ‬
‫َح َد ُك ُم ال َْم ْو ُ‬ ‫اآلجال‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ح َّّت إِذَا َج َ‬
‫اء أ َ‬
‫[ األنعام‪. ] 31 /‬‬ ‫ُر ُسلُنَا َو ُه ْم ال يُ َف ِرطُو َن ﴾‬
‫ومنهم املالئكة املوكلون ِبراقبة وكتابة أعمال العباد‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ي*‬ ‫ي * ك َراما َكاتِبِ َ‬ ‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وإِ َّن َعلَْي ُك ْم َحلَافظ َ‬
‫ن ﴾ [ االنفطار‪.] 12 -10 /‬‬ ‫يَ ْعلَ ُمو َن َما تَ ْف َعلُو َ‬
‫ومنهم املوكلون يف َنر جهنم‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬اي أَيُّ َها‬
‫َّاس‬
‫ود َها الن ُ‬ ‫س ُك ْم َوأ َْهلِي ُك ْم ََنرا َوقُ ُ‬‫آمنُوا قُوا أَن ُف َ‬ ‫ين َ‬ ‫الذ َ‬
‫َّ ِ‬
‫صو َن َّ‬
‫اّللَ َما‬ ‫وا ْحلِجارةُ َعلَي ها م َالئِ َكةٌ ِغ َال ٌ ِ‬
‫ظ ش َدا ٌد ال يَ ْع ُ‬ ‫َ َ َ َْ َ‬
‫ن ﴾‪ [ .‬التحرمي ‪] 3‬‬ ‫أ ََم َرُه ْم َويَ ْف َعلُو َن َما يُ ْؤَم ُرو َ‬
‫‪45‬‬
‫ومنهم املوكلون حبضور جمالس اخلري قال ‪ (( :‬إِ َّن‬
‫ّلل مالَئِ َكة يطُوفُو َن ِِف الطُّر ِق ي لْتَ ِمسو َن أ َْهل ِ‬
‫الذ ْك ِر‪ ،‬فَِإذَا‬ ‫ِِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫ال‬‫اجتِ ُك ْم‪ ،‬قَ َ‬ ‫اد ْوا َهلُ ُّموا إِ َىل َح َ‬ ‫َو َج ُدوا قَ ْوما يَ ْذ ُك ُرو َن َّ‬
‫اّللَ تَنَ َ‬
‫ساءُ الَ‬ ‫الس َم ِاء ُّ‬
‫الدنْ يَا‪ُ ...‬ه ُم ا ِْلُلَ َ‬ ‫َجنِ َحتِ ِه ْم إِ َىل َّ‬
‫فَ يَ ُح ُّفونَ ُه ْم ِأب ْ‬
‫يس ُه ْم ))‪ [ .‬البخاري ‪ 3045/‬مسلم‪] 2311 /‬‬ ‫ِِ ِ‬
‫يَ ْش َقى ِب ْم َجل ُ‬
‫وللمالئكة صفات وأحوال كثرية مذكورة يف القرآن‬
‫الكرمي‪ ،‬ويف سنة النب ‪ ‬نؤمن هبا تفصيالً يف املفصل‪،‬‬
‫وإمجاالً يف اجململ‪.‬‬
‫ونؤمن بكل ما جاء به الوحي من أمور الغيب‬
‫اإلهلي‪ ،‬تفصيالً يف املفصل‪ ،‬وإمجاالً يف اجململ‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫وال ينبغي أن خنوض ابجتهادان وأوهامنا يف تفصيل‬
‫أمورهم‪ ،‬وال يف أمور الغيب األخرى كالروح وكيفية كتابة‬
‫املالئكة ألعمالنا وكيفية الوزن يوم القيامة؛ ألنه ليس عندان‬
‫أن الوحي اإلهلي جاء‬ ‫أسس نبين عليها اجتهادان فيها‪ ،‬ولوال َّ‬ ‫ٌ‬
‫َك‬
‫سل َ‬‫ف َما ل َْي َ‬‫هبذه املغيبات ما أثبتنا وما نَ َفْينا ﴿ َوالَ تَ ْق ُ‬
‫ْم ﴾ [ اإلسراء‪.] 33 /‬‬ ‫ِِ ِ‬
‫ب ِ عل ٌ‬
‫وتر اخلوض يف هذه األمور من العافية يف ديننا ومن‬
‫أسباب السالمة عند هللا تعاىل‪ ،‬وهو من املنهج العلمي الالئق‬
‫بكرامة اإلنسان‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫الركن الثالث اإلميان بالرسل عليهم الصالة‬
‫والسالم‬
‫ومما جاء به نبينا ‪ ‬أن نؤمن جبميع الرسل عليهم‬
‫الصالة والسالم؛ فقد أرسل رسالً إىل كل األمم السابقة‪،‬‬
‫ولكنه سبحانه مل يذكر لنا مجيع الرسل‪ ،‬فنؤمن هبم تفصيالً‬
‫يفصلهم (‪ )1‬قال‬ ‫فصلهم هللا علينا‪ ،‬وإمجاالً فيمن مل ِ‬ ‫فيمن َّ‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬إِ ََّن أ َْر َسلْنَا َ ِاب ْحلَ ِق بَ ِشريا َونَ ِذيرا َوإِن ِم ْن أ َُّم ٍة إَِّال َ‬
‫خال‬
‫ير ﴾ [فاطر‪.]24 /‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نَذ ٌ‬ ‫يها‬
‫فَ‬
‫ك ِم ْن ُهم‬
‫وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬ولََق ْد أ َْر َسلْنَا ُر ُسال ِمن قَ ْبلِ َ‬
‫َّمن قَصصنا علَي َ ِ‬
‫ك ﴾ [غافر‪/‬‬ ‫ص َعلَْي َ‬
‫ص ْ‬‫ك َوم ْن ُهم َّمن َِّلْ نَ ْق ُ‬ ‫َ َْ َ ْ‬
‫‪.]71‬‬
‫ال يُقبل اإلميانُ باهلل تعاىل إال مع اإلميان جبميع‬
‫الرسل‬
‫ال يقبل هللا تعاىل اإلميا َن به إال مع جوانب اإلميان‬
‫األخرى‪ ،‬ومنها اإلميان جبميع الرسل عليهم الصالة والسالم‪.‬‬
‫(‪ )1‬من املفيد أن منس ك عن اخلوض واجلدل يف إثبات نبوة أحد‬
‫الس نَّة أو يف نفيها‪ ،‬ألننا ال نس تطيع أن نثبت‬‫لري املذكورين يف القرآن و ُّ‬
‫النبوة ألحد وال أن ننفيها عن أحد إال بعلم ُم ْستَنِ ٍد إىل الوحي اإلهلي‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫ولذلك كان األنبياء عليهم الصالة والسالم يدعون‬
‫إىل اإلميان ابألنبياء السابقني‪ ،‬وأيخذون العهد على أتباعهم‬
‫أن يؤمنوا ابألنبياء الذين أيتون من بعدهم وأن ينصروهم‪.‬‬
‫ِ‬
‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ أَ َخ َذ اّللُ ميثَا َق النَّبِيِ َْ‬
‫ي لَ َما آتَ ْي تُ ُكم‬
‫ص ِد ٌق لِ َما َم َع ُك ْم لَتُ ْؤِمنُ َّن‬ ‫اب َو ِح ْك َم ٍة ُُثَّ َجاء ُك ْم َر ُس ٌ‬
‫ول ُّم َ‬ ‫ِمن كِتَ ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ِري قَالُواْ‬ ‫ال أَأَق َْر ْرُُْت َوأَ َخ ْذ ُُْت َعلَى ذَل ُك ْم إِ ْ‬ ‫بِ ِ َولَتَ ُ‬
‫نص ُرنَّ ُِ قَ َ‬
‫ين ﴾ [آل عمران‪/‬‬ ‫ال فَا ْشه ُدواْ وأ َََنْ مع ُكم ِمن َّ ِ ِ‬
‫الشاهد َ‬ ‫َ‬ ‫أَق َْر ْرََن قَ َ َ َ َ َ‬
‫‪.]11‬‬
‫فال بد ملن يريد اإلميان الذي يُ ْقبَ ُل عند هللا تعاىل من‬
‫وحممد ومن بينهما من الرسل عليهم الصالة‬ ‫ٍ‬ ‫ِبدم‬
‫اإلميان َ‬
‫والسالم‪.‬‬
‫أن إنساانً ادعى اإلميان جبميع جوانب اإلميان ومل‬ ‫ولو َّ‬
‫يؤمن بعيسى أو موسى أو سليمان أو حممد عليهم الصالة‬
‫والسالم فهو عند هللا تعاىل كافر ال يقبل هللا تعاىل منه فرضاً‬
‫وال نفالً؛ ألن اإلميان عند هللا تعاىل كلٌّ ال يتجزأ‪ ،‬إذا ذهب‬
‫جزؤه ذهب كله (‪. )1‬‬

‫(‪ )1‬أما اجلانب العملي فاألمر خمتلف فمن أفطر يوماً من رمضان‬
‫صيامه بقيةَ الشهر‪ ،‬وال تبطل صالته‪.‬‬
‫دون عذر فال يبطل ُ‬

‫‪48‬‬
‫قال هللا تعاىل‪ ﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذين ي ْك ُفرو َن ِاب ِ‬
‫ّلل َوُر ُسلِ ِ ِ َويُ ِري ُدو َن‬ ‫ََ ُ‬
‫ ٍ َونَ ْك ُف ُر بِبَ ْع ٍٍ‬ ‫اّلل َوُر ُسلِ ِ ِ َوي ُقولُو َن نُ ْؤِم ُن بِبَ ْع ٍ‬
‫أَن ي َف ِرقُواْ ب ي ِ‬
‫َ َْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ُه ُم الْ َكاف ُرو َن‬ ‫ك َسبيال * أُ ْولَئ َ‬ ‫ي ذَل َ‬ ‫َويُ ِري ُدو َن أَن يَتَّخ ُذواْ بَ َْ‬
‫ح ًّقا وأَ ْعت ْد ََن لِ ْل َكافِ ِرين ع َذااب ُّم ِهينا * والَّ ِذين آمنواْ ِاب ِ‬
‫ّلل َوُر ُسلِ ِ ِ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ك سو َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وَِل ي َف ِرقُواْ ب ي أ ٍ‬
‫ورُه ْم َوَكا َن‬‫ُج َ‬ ‫ف يُ ْؤتي ِه ْم أ ُ‬ ‫َحد مْن ُه ْم أ ُْولَئ َ َ ْ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َُْ‬
‫اّللُ غَ ُفورا َّرحيما ﴾ [ النساء ‪. ] 152-150‬‬ ‫ِ‬
‫دين األنبياء دي ٌن واحد‬
‫ال خيتلف يف أمور العقيدة‪ ،‬وال يف األوامر‬
‫والنواهي األساسية‬
‫وقد بني النب ‪ ‬ذلك بقوله‪ (( :‬أ َََن أ َْو َىل الن ِ‬
‫َّاس‬
‫س بَ ْي ِن َوبَ ْي نَ ُِ نَِ ٌّ‬
‫يب ))‪.‬‬ ‫ِابب ِن مرَميَ و ْاألَنْبِياء أَو ُ َّ ٍ‬
‫الد َعالت ل َْي َ‬ ‫ْ َْ َ َ ُ ْ‬
‫[ البخاري‪ 3251 /‬ومسلم‪] 2335 /‬‬
‫وأوالد العالت هم األخوة من جهة األب فقط‪ ،‬أبوهم‬
‫واحد من أمهات خمتلفة‪.‬‬
‫ائعهم واحدة متفقة من‬ ‫أن عقائد األنبياء وشر َ‬ ‫واملعىن‪َّ :‬‬
‫بعض‬
‫حيا األصول وإن اختلفت الشرائع من حيا ُ‬
‫الفروع‪.‬‬
‫فأمور العقيدة وأمور التشريع األساسية واحدةٌ ال‬
‫ختتلف‪ ،‬جاء هبا كل الرسل عليهم الصالة والسالم‪ ،‬قال‬
‫صى بِ ِ ِ نُوحا َوالَّ ِذي أ َْو َح ْي نَا‬ ‫ع لَ ُكم ِمن ِ‬
‫الدي ِن َما َو َّ‬ ‫تعاىل‪َ ﴿ :‬ش َر َ‬
‫َ‬
‫‪49‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك وما و َّ ِ ِ ِ ِ‬
‫ين‬
‫يموا الد َ‬ ‫يسى أَ ْن أَق ُ‬ ‫وسى َوع َ‬ ‫يم َوُم َ‬ ‫ص ْي نَا ب ِ إبْ َراه َ‬ ‫إِل َْي َ َ َ َ‬
‫ي ِ ﴾ [ الشورى‪.] 13 /‬‬ ‫وَال تَتَ َف َّرقُوا فِ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سان َوإيتَاء‬ ‫وقال سبحانه‪ ﴿ :‬إ َّن اّللَ َأي ُْم ُر ابل َْع ْدل َواإل ْح َ‬
‫شاء َوال ُْمن َك ِر َوالْبَ غْ ِي يَِعظُ ُك ْم‬ ‫ِذي الْ ُق ْرَِب َويَ ْن َهى َع ِن الْ َف ْح َ‬
‫ل ََعلَّ ُك ْم تَ َذ َّك ُرو َن ﴾ [ النحل‪.]10/‬‬
‫أما فروعُ الشرائع كتفصيل العبادات وبعض أحكام‬
‫املعامالت فقد ختتلف‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬لِ ُك ٍل َج َعلْنَا ِمن ُك ْم ِش ْر َعة‬
‫َوِم ْن َهاجا ﴾ [ املائدة‪.] 41 /‬‬
‫حممًدٌ ‪ ‬خامت النبيني ال نيب بعده‬
‫نب بعده‪ ،‬ومن َّادعى‬ ‫آخر األنبياء ال َّ‬ ‫نبيُّنا حممد ‪ُ ‬‬
‫مكذب للقرآن‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫النبوةَ بعده ‪ ‬أو آمن بِنَِ ٍب بعده فهو‬
‫كافر به‪.‬‬
‫مكذب للنب ‪ٌ ‬‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َحد من ِر َجال ُك ْم َولَكن‬‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ما َكا َن ُحمَ َّم ٌد أ ََاب أ َ‬
‫ي َوَكا َن هللاُ بِ ُك ِل َش ْي ٍء َعلِيما ﴾‬ ‫َّرس َ ِ‬
‫ول هللا َو َخ َاُتَ النَّبِيِ َ‬ ‫ُ‬
‫[ األحزاب‪.] 40 /‬‬
‫وس ُه ُم األَنْبِيَاءُ‪،‬‬ ‫ت ب نُو ْ ِ‬
‫س ُ‬‫يل تَ ُ‬
‫إس َرائ َ‬ ‫وقال ‪َ (( :‬كانَ ْ َ‬
‫خلَ َف ُِ نَِيب‪َ ،‬وإن ُِ الَ نَِيب بَ ْع ِدي )) [ البخاري‪/‬‬
‫ك نَِيب َ‬
‫ُكل َما َهلَ َ‬
‫‪ 3231‬ومسلم ‪.] 1142 /‬‬
‫وقد أخرب النب ‪ ‬أبن بعض الكذابني َسيَدَّعون‬
‫النبوة بعده‪ ،‬فقال‪ (( :‬وإنَّ ُِ سي ُكو ُن يف أ َُّمِت ثالثُو َن َّ‬
‫كذابو َن‬

‫‪50‬‬
‫يب بَعدي )) [ أبو داود‪/‬‬ ‫يب وأَن خاُتُ النَّبيِ َ‬
‫ي ال نَ َّ‬ ‫كلُّ ُهم يزعُ ُم أنَّ ُِ نَ ٌّ‬
‫‪ 4252‬الَمذي‪ 2211 /‬وصحح ِ ]‪.‬‬
‫َشرَ به األنبياء السابقون عليهم‬
‫نبينا حممد ‪ ‬ب َّ‬
‫الصالة والسالم‬
‫نبينا حممد ‪ ‬بَشََّر به األنبياء السابقون عليهم‬
‫الصالة والسالم‪ ،‬وآخر من بشر به عيسى ‪ ‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫﴿ َوَر ْْحَِِت َو ِس َع ْ‬
‫ين يَتَّ ُقو َن‬ ‫سأَ ْكتُ بُ َها للَّذ َ‬ ‫ت ُك َّل َش ْيء فَ َ‬
‫ين يَتَّبِعُو َن‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين ُهم ِِب َايتنَا يُ ْؤمنُو َن * الذ َ‬ ‫الزَك اةَ َوالذ َ‬ ‫َويُ ْؤتُو َن َّ‬
‫َّيب األ ُِم َّي الَّ ِذي َِجي ُدونَ ِ م ْكتواب ِعن َدهم ِيف التَّوراةِ‬ ‫ول النِ َّ‬
‫الر ُس َ‬ ‫َّ‬
‫َْ‬ ‫ُْ‬ ‫َُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوا ِإل َِّْن ِ‬
‫اه ْم َع ِن ال ُْمن َك ِر َو ُُي ُّل ََلُ ُم‬ ‫يل َأي ُْم ُرُهم ِابل َْم ْع ُروف َويَ ْن َه ُ‬
‫ص َرُه ْم‬ ‫ض ُع َع ْن ُه ْم إِ ْ‬ ‫ث َويَ َ‬ ‫ات َو ُُيَ ِرُم َعلَْي ِه ُم ا ْخلَبَآئِ َ‬ ‫الطَّيِب ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫آمنُواْ ب ِ َو َع َّزُروهُ‬ ‫ين َ‬ ‫ت َعلَْي ِه ْم فَالذ َ‬ ‫َواألَ ْغالَ َل ال ِِت َكانَ ْ‬
‫ك ُه ُم‬ ‫ي أُن ِز َل َم َع ُِ أ ُْولَ ئِ َ‬ ‫ونَصروهُ واتَّب عواْ الن َّ ِ‬
‫ُّور الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ َ َ ُ‬
‫حو َن ﴾ [ األعراف‪.] 157- 153 /‬‬ ‫ِ‬
‫ال ُْم ْفل ُ‬
‫يسى ابْ ُن َم ْرَميَ َاي بَِن‬ ‫وقال سبحانه‪ ﴿ :‬وإِ ْذ قَ َ ِ‬
‫ال ع َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول َِّ‬ ‫ِ ِ‬
‫ي م َن‬ ‫ي يَ َد َّ‬ ‫صدقا ل َما بَ َْ‬ ‫اّلل إِل َْي ُكم ُّم َ‬ ‫يل إِِين َر ُس ُ‬ ‫إ ْس َرائ َ‬
‫َْحَ ُد فَلَ َّما‬ ‫امسُ ُِ أ ْ‬‫ول َأيِِْت ِمن بَ ْع ِدي ْ‬ ‫التَّ ْوراةِ وُمبَ ِشرا بِر ُس ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ي ﴾ [الصف‪.]3 /‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اءهم ِابلْبَ يِنَات قَالُوا َه َذا س ْح ٌر ُّمب ٌ‬ ‫َج ُ‬

‫‪51‬‬
‫عموم رسالة النيب حممد ‪‬‬
‫أرسل هللا تعاىل نبينا حممداً ‪ ‬لكل الناس‪ ،‬وجلميع‬
‫الشعوب‪ ،‬يف عصره ‪ ‬وما بعده من العصور‪ ،‬ومن اآلايت‬
‫الدالة على ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وَما أ َْر َسلْنَا َ إَِّال َكافَّة لِلن ِ‬
‫َّاس‬
‫بَ ِشريا َونَ ِذيرا ﴾ [ سبأ ‪ ،] 21‬وقوله سبحانه‪ ﴿ :‬تَبَ َار َ الَّ ِذي نَ َّز َل‬
‫ي نَ ِذيرا ﴾ [ الفرقان‪.] 1 /‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫الْ ُف ْرقَا َن َعلَى َع ْبده ليَ ُكو َن لل َْعالَ ِم َ‬
‫شريعته ‪ ‬ناسخة ملا خالفها من الشرائع السابقة‬
‫ويلزم من عموم رسالته ‪ ‬أن شريعته ‪ ‬انسخةٌ لِ َما‬
‫خيالفها من األحكام الشرعية السابقة؛ ألنه يلزم من أنه خامت‬
‫أن رسالته عامة لكل الناس أن يتبع الناس‬ ‫النبيني ومن َّ‬
‫شريعته ‪ ‬ويرتكوا ما خيالفها مما كان قبلها‪ ،‬وكما ال يقبل‬
‫هللا من أحد إمياانً إال مع اإلميان به‪ ،‬كذلك ال يقبل من‬
‫أحد عمالً إال ما وافق شرعه ‪. ‬‬
‫عصمة الرسل عليهم الصالة والسالم من املعاصي‬
‫ومن صفات الرسل عليهم الصالة والسالم العصمة‬
‫من املعاصي‪ ،‬وذلك ألن هللا تعاىل أمران ابالقتداء هبم‪ ،‬قال‬
‫اه ُم اقْتَ ِد ْه ﴾‬
‫اّللُ فَبِ ُه َد ُ‬
‫ين َه َدى َّ‬ ‫هللا تعاىل‪ ﴿ :‬أُولَئِ َ َّ ِ‬
‫ك الذ َ‬
‫[ األنعام‪.] 10 /‬‬

‫‪52‬‬
‫ُس َوةٌ‬ ‫ول َِّ‬
‫وقال سبحانه‪ ﴿ :‬لََق ْد َكا َن لَ ُكم ِيف ر ُس ِ‬
‫اّلل أ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫َح َسنَةٌ ﴾ [ األحزاب‪ ]21 /‬فلو صدرت منهم املعاصي لكنا‬
‫مأمورين هبا وهللا تعاىل ينهى عن املعاصي وال أيمر هبا‪.‬‬
‫وما ورد من ذكر ذنب لبع ٍ األنبياء عليهم‬
‫الصالة والسالم ليس على ظاهره‪ ،‬كما جاء يف حديث‬
‫ِ‬
‫ث‬‫ت ثَالَ َ‬ ‫الشفاعة‪ (( :‬فَيَأْتُو َن إِبْ َراه َيم‪ ...‬إِِين قَ ْد ُكنْ ُ‬
‫ت َك َذبْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫))‬
‫َك َذ َابت نَ ْفسي نَ ْفسي‪ ،‬ا ْذ َهبُوا إ َىل َل ِْريي ا ْذ َهبُوا إ َىل ُم َ‬
‫وسى‬
‫[ البخاري ‪4435 /‬ومسلم ‪.] 327 /‬‬
‫فإطالق ِ الكذب على األمور الثالثة إذا ُح ِق َق ِل يكن‬
‫كذاب؛ ألن ِ من ابب املعاري ٍ ِ‬
‫احملتملة لأل ْم َريْ ِن؛ فليس‬
‫بكذب حم ٍ (‪ [ .)1‬انظر فتح الباري ‪] 321 /1‬‬
‫وقال بعض العلماء ما ورد من ذكر ذنب لبعض‬
‫األنبياء عليهم الصالة والسالم يُ َؤَّو ُل ذلك على ترك‬
‫األوىل‪ ،‬ومسيت ذنوابً لعظم مقدارهم كما قال بعضهم‪:‬‬
‫حسنات األبرار سيئات املقربني‪[ .‬انظر عمدة القاري شرح‬
‫ُ‬
‫البخاري ‪.] 110/7‬‬

‫بل فَ َعلَ ُِ َكبِريُُه ْم‬ ‫ِ‬


‫(‪ )1‬هي قوله‪ ﴿ :‬إِِين َسق ٌ‬
‫يم ﴾ وقوله‪ْ ﴿ :‬‬
‫َه َذا﴾ وقوله عندما سأله جبار من اجلبابرة عن زوجته سارة قال‪ :‬أخِت‬
‫[ البخاري ‪.] 3171 /‬‬
‫‪53‬‬
‫ال عصمة لغري األنبياء عليهم الصالة والسالم‬
‫وقد ضل بعض الناس فاعتقدوا العصمة يف لري‬
‫األنبياء من الصاحلني‪ ،‬أو من املتظاهرين ابلصالح‪ ،‬وقد‬
‫ضلوا هبذا عن صراط هللا املستقيم وأضلوا‪ ،‬وليس عندهم‬
‫دليل يصح أن يعتمد عليه‪.‬‬
‫الصحابة ‪ ‬خريُ هذه األمة مل يَد َِّع أح ٌد منهم لنفسه‬
‫عصمة‪ .‬ومل يدع أحد منهم لغريه عصمة‪ ،‬كانوا جيتهدون يف‬
‫استنباط األحكام‪ ،‬ويعملون هبذا الرأي أو ذاك‪ ،‬وال ينكر‬
‫أحد اخللفاء‬
‫أحد االجتهاد على أحد ولو خالف يف اجتهاده َ‬
‫الراشدين ‪ ، ‬وقد تواتر أن فقهاء الصحابة ‪ ‬اختلفت‬
‫‪.‬‬
‫اجتهاداُّتم يف كثري من املسائل‬
‫معجزات الرسل عليهم الصالة والسالم‬
‫وقد أيد هللا تعاىل الرسل عليهم الصالة والسالم‬
‫ابملعجزات‪.‬‬
‫خارق‬
‫ٌ‬ ‫واملعجزة أمر ُْجي ِر ِيه هللاُ على أيدي األنبياء‬
‫للقوانني العامة اليت أجراها هللا يف هذا الكون مما ال يكون يف‬
‫قدرة البشر(‪.)1‬‬

‫ملحق مهم عن األمور اليت تتعلق ابألولياء‬


‫ٌ‬ ‫(‪ )1‬يف آخر الكتاب‬
‫والكرامات‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫فقد أجرى هللا تعاىل يف طبع املاء الرقةَ‪ ،‬والسيال َن من‬
‫األعلى إىل األسفل‪ ،‬وعندما سار موسى ‪ ‬ومن معه وتبعهم‬
‫ب بعصاه البحر‬ ‫ضَر َ‬
‫فرعون جبنوده‪ ،‬أمر هللا تعاىل موسى ‪ ‬فَ َ‬
‫فانفلق املاء‪ ،‬حىت إذا خرج موسى ‪ ‬ومن معه إىل البَ ِر أعاد‬
‫هللا تعاىل املاء إىل طبيعته العامة السابقة‪ ،‬وألرق هللا تعاىل‬
‫ال‬ ‫فرعون وجنوده‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬فَ لَ َّما تَراءى ا ِْلمع ِ‬
‫ان قَ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬
‫ال َك َّال إِ َّن َم ِع َي َرِِّ َسيَ ْه ِدي ِن‬
‫وسى إِ ََّن ل َُم ْد َرُكو َن * قَ َ‬‫اب ُم َ‬ ‫َص َح ُ‬ ‫أْ‬
‫* فَأَوحْي نَا إِ َىل موسى أ ِ‬
‫صا َ الْبَ ْح َر فَان َفلَ َق فَ َكا َن‬ ‫ض ِرب بِ َع َ‬ ‫َن ا ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وسى‬‫ين * َوأََّنَْي نَا ُم َ‬ ‫ُك ُّل ف ْرق َكالط ْود ال َْعظيم * َوأَ ْزلَ ْفنَا َُثَّ ْاآل َخر َ‬
‫ين ﴾ [ الشعراء ‪. ] 33-31/‬‬ ‫ي * ُُثَّ أَ ْغ َرقْنَا ْاآل َخ ِر َ‬‫َمجَ ِع َ‬
‫َوَمن َّم َع ُِ أ ْ‬
‫وكذلك أيَّ َد هللا تعاىل رسوله إبراهيم ‪ ‬فَغَيَّ َر من طبع‬
‫النار اليت أَلْ َق ْوهُ فيها وجعلها عليه برداً وسالماً كما أخربان هللا‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫انص ُروا آَلَتَ ُك ْم إِن ُكنتُ ْم فَاعل َ‬
‫ي‬ ‫﴿ قَالُوا َح ِرقُوهُ َو ُ‬ ‫تعاىل‪:‬‬
‫ادوا بِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫* قُلْنَا َاي ََن ُر ُك ِوين بَ ْردا َو َس َالما َعلَى إبْ َراه َ‬
‫يم * َوأ ََر ُ‬
‫ين ﴾ [ األنبياء ‪.] 70 – 33 /‬‬ ‫س ِر َ‬
‫اه ُم ْاألَ ْخ َ‬
‫َك ْيدا فَ َج َعلْنَ ُ‬

‫‪55‬‬
‫الركن الرابع اإلميان جبميع الكتب السماوية‬
‫ونؤمن ابلكتب والصحف اليت أنزهلا هللا تعاىل على‬
‫هؤالء الرسل عليهم الصالة والسالم‪ ،‬قال سبحانه وتعاىل‪:‬‬
‫ول ِِبَا أُن ِز َل إِلَي ِ ِ ِمن َّربِ ِ ِ والْم ْؤِمنو َن ُكلٌّ آمن ِاب ِ‬
‫ّلل‬ ‫الر ُس ُ‬‫آم َن َّ‬
‫ََ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫﴿ َ‬
‫َح ٍد ِمن ُّر ُسلِ ِ ِ َوقَالُواْ‬
‫ي أَ‬
‫ِ ِ ِِ‬
‫َوَمآلئِ َكتِ ِ َوُكتُبِ ِ َوُر ُسل ِ الَ نُ َف ِر ُق بَ َْ‬
‫ك الْم ِ‬ ‫َِمس ْعنَا َوأَطَ ْعنَا غُ ْف َرانَ َ‬
‫صريُ ﴾ [ البقرة‪.] 215 /‬‬ ‫ك َربَّنَا َوإِل َْي َ َ‬
‫أساسي‪ ،‬وهو من األركان‬ ‫ٌّ‬ ‫جانب‬
‫وهذا اجلانب اإلمياين ٌ‬
‫أيضاً‪ ،‬فعندما ُسئل رسول هللا ‪ ‬عن اإلميان قال‪ (( :‬أَ ْن تُ ْؤِم َن‬
‫من ِابلْ َق َد ِر‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِِ ِِ‬
‫ِابهلل‪َ ،‬وَمالَئ َكت ِ‪َ ،‬وُكتُب ِ‪َ ،‬وُر ُسل ِ‪َ ،‬والْيَ ْوم اآلخ ِر‪َ ،‬وتُ ْؤ َ‬
‫ريهِ َو َشرهِ )) [ مسلم ‪. ] 1 /‬‬ ‫َخ ِْ‬
‫فنؤمن مبا أنزل من الصحف على إبراهيم وموسى‪﴿ ،‬إِ َّن‬
‫وسى ﴾ [ األعلى‪/‬‬ ‫ِِ ِ‬ ‫الصح ِ‬ ‫ِ‬
‫يم َوُم َ‬
‫ص ُحف إبْ َراه َ‬ ‫ُوىل * ُ‬ ‫ف ْاأل َ‬ ‫َه َذا لَفي ُّ ُ‬
‫‪.] 11 – 11‬‬
‫اإلجنيل على‬
‫ونؤمن أن هللا أنزل التورا َة على موسى و َ‬
‫بور على داود والقرآ َن على حممد عليه وعليهم‬ ‫عيسى والز َ‬
‫الصالة والسالم‪.‬‬
‫ص ِدقا لِ َما‬
‫اب ِاب ْحلَِق ُم َ‬
‫قال عز وجل‪ ﴿ :‬نَ َّز َل َعلَي َ ِ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫ْ‬
‫َنز َل‬ ‫يل * ِمن قَ ْب ُل ُهدى لِلن ِ‬
‫َّاس َوأ َ‬ ‫ِِ‬
‫َنز َل الت َّْوَرا َة َواإلَّن َ‬
‫ِ‬
‫ي يَ َديْ ِ َوأ َ‬
‫بَ َْ‬
‫الْ ُف ْرقَا َن ﴾ [آل عمران‪ ] 4-3 /‬وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬وآتَ ْي نَا َد ُاو َ‬
‫ود َزبُورا‬
‫﴾ [ اإلسراء ‪.] 55 /‬‬

‫‪56‬‬
‫القرآن الكريم حمفوظ قد تكفل اهلل تعاىل حبفظه‬
‫القرآن الكرمي آخر الكتب‪ ،‬وهو ُم ْر َس ٌل للناس مجيعاً‪،‬‬
‫إىل يوم القيامة‪ ،‬وقد تكفل هللا حبفظه‪ ،‬ليبقى مناراً للناس‬
‫إىل يوم القيامة‪.‬‬
‫ن﴾[‬ ‫الذ ْك َر َوإِ ََّن لَ ُِ َحلَافِظُو َ‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬إِ ََّن ََْنن نَ َّزلْنَا ِ‬
‫ُ‬
‫احلجر‪.] 1 /‬‬
‫َكتاب ع ِزيز * َال أيْتِ ِي ِ الْب ِ‬
‫اط ُل‬‫َ َ‬ ‫وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬وإِنَّ ُِ ل َِ ٌ َ ٌ‬
‫ي ي َديْ ِ ِ وَال ِمن َخل ِْف ِ ِ تَ ْن ِزيل ِمن ح ِك ٍيم َِ‬
‫ْح ٍ‬ ‫ِ‬
‫يد ﴾ [ فصلت‬ ‫ٌ ْ َ‬ ‫من بَ ْ ِ َ َ ْ‬
‫‪. ]42-41/‬‬
‫أن القرآن قد تغري‪ ،‬زاد أو نقص أو ُح ِرف‬ ‫ومن ادعى َّ‬
‫ب القرآ َن الكرمي ومن َك َّذب‬ ‫ِ‬
‫أو بُد َل منه شيءٌ فقد َك َّذ َ‬
‫القرآن فهو كافر‪.‬‬
‫الركن اخلامس اإلميان باليوم اآلخر‬
‫اإلميان ابليوم اآلخر أحد أركان اإلميان اليت ذكرها‬
‫النب ‪ ‬بقوله‪ :‬بقوله‪ (( :‬أَ ْن تُ ْؤِمن ِاب َِّ‬
‫ّلل َوَمالَئِ َكتِ ِ ِ َوُكتُبِ ِ ِ َوُر ُسلِ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫والْي وِم ِ‬
‫اآلخ ِر َوتُ ْؤِم َن ِابلْ َق َد ِر َخ ِْ‬
‫ريهِ َو َش ِرهِ )) [مسلم ‪. ] 1 /‬‬ ‫َ َْ‬
‫وهو اليوم الذي حييي هللا فيه املوتى ويبعثهم من قبورهم‬
‫وجي َازو َن حبسناُّتم وسيئاُّتم وإن‬ ‫وحيشرهم للحساب واجلزاء‪ُ ،‬‬
‫املظلوم َحقَّهُ ﴿ يَ ْوَم َِجت ُد ُك ُّل‬
‫ُ‬ ‫كانت مثقال ذرة‪ ،‬وأيخذ فيه‬
‫ت ِمن ُس َوٍء تَ َو ُّد ل َْو‬ ‫ت ِم ْن َخ ٍْري ُّْحم َ‬
‫ضرا َوَما َع ِملَ ْ‬ ‫س َّما َع ِملَ ْ‬
‫نَ ْف ٍ‬
‫‪57‬‬
‫وف‬
‫س ُِ َواّللُ َرُؤ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ َّ‬
‫َن بَ ْي نَ َها َوبَ ْي نَ ُِ أ ََمدا بَعيدا َوُُيَذ ُرُك ُم اّللُ نَ ْف َ‬
‫اد ﴾ [آل عمران‪.]30/‬‬ ‫ِابل ِْعب ِ‬
‫َ‬
‫اليوم اآلخر من مظاهر حكمة اهلل تعاىل‬
‫فعال ملا يريد‪ ،‬وهو على كل شيء‬ ‫من آمن َّ‬
‫أن هللا ٌ‬
‫قدير‪ ،‬ورأى أعمال املفسدين‪ ،‬وظُلم أهل الشر والفساد‪،‬‬
‫وضياع حقوق املظلومني‪ ،‬وكان لافالً عن اآلخرة فإنه ال‬
‫تظهر له حكمة هللا تعاىل‪ ،‬ويتوهم أن هذه احلياة كأهنا‬
‫عبا ال حكمة فيه‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫ولكن إذا ربط ذلك مبا سيكون يف اآلخرة من‬
‫احلساب واجلزاء‪ ،‬حبيا ال يضيع فيه مثقال ذرة من اخلري‬
‫ف جانباً عظيماً من حكمة هللا تعاىل‬ ‫وال من الشر َعَر َ‬
‫َّن اّللَ غَافِال‬ ‫َويَْب عُ ُد عنه تَ َوُّه ُم العبا‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬والَ َْحْ َ‬
‫س َ َّ‬
‫ار‬ ‫ٍ‬
‫َع َّما ي عمل الظَّالِمو َن إِ ََّّنَا ي َؤ ِخرهم لِي وم تَ ْش َخ ِ ِ‬
‫صُ‬ ‫ص في ِ األَبْ َ‬‫ُ‬ ‫ُ ُُ ْ َ ْ‬ ‫ََْ ُ ُ‬
‫ِ‬
‫﴾ [إبراهيم‪ ]42/‬وقال سبحانه وتعاىل‪ ﴿ :‬أَفَ َحسْب تُ ْم أَََّّنَا‬
‫ك‬‫اّللُ ال َْملِ ُ‬ ‫َخلَ ْقنَا ُك ْم َعبَثا َوأَنَّ ُك ْم إِلَْي نَا َال تُ ْر َجعُو َن * فَتَ َع َاىل َّ‬
‫ش الْ َك ِر ِمي ﴾‪.‬‬ ‫ا ْحلَ ُّق َال إِلَ َِ إَِّال ُه َو َر ُّ‬
‫ب ال َْع ْر ِ‬
‫[املؤمنون ‪115 /‬و ‪]113‬‬
‫وقت يوم القيامة ال يعلمه إال اهلل تعاىل‬
‫وقت يوم القيامة ال يعلمه إال هللا وحده‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫اع ِة ﴾ [لقمان‪ ]34/‬وقال سبحانه‪:‬‬ ‫﴿ إِ َّن َّ ِ ِ‬
‫الس َ‬
‫ْم َّ‬
‫اّللَ ع ْن َدهُ عل ُ‬
‫‪58‬‬
‫ْم َها ِعن َد َرِِّ‬ ‫ِ‬
‫اها قُ ْل إِ ََّّنَا عل ُ‬
‫الس َ ِ‬
‫اعة أ ََّاي َن ُم ْر َس َ‬ ‫ك َع ِن َّ‬ ‫﴿يَ ْسأَلُونَ َ‬
‫ض الَ‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫السماو ِ‬
‫ت ِيف َّ َ َ‬ ‫يها لَِوقْتِ َها إِالَّ ُه َو ثَ ُقلَ ْ‬ ‫ِ‬
‫الَ ُجيَل َ‬
‫ك َح ِف ٌّي َع ْن َها قُ ْل إِ ََّّنَا ِعل ُْم َها‬ ‫ك َكأَنَّ َ‬‫ََتْتِي ُك ْم إِالَّ بَغْتَة يَ ْسأَلُونَ َ‬
‫ن ﴾ [األعراف‪.]117 /‬‬ ‫َّاس الَ يَ ْعلَ ُمو َ‬ ‫ِعن َد ِ‬
‫اّلل َولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ‬
‫((‬ ‫وعن ابن عمر رضي هللا عنهما عن النب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫اعةُ إِالَّ َّ‬
‫اّللُ )) (‪ [ )1‬البخاري ‪.] 4420 /‬‬ ‫الس َ‬
‫َّ‬ ‫وم‬
‫َوالَ يَ ْعلَ ُم َم َّت تَ ُق ُ‬
‫حياة الربزخ نعيم ًا أو عذاب ًا‬
‫ُحييِي هللا اإلنسان بعد احلياة الدنيا وقَبل ِ‬
‫يوم‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬
‫القيامة‪.‬‬
‫وهذه حياة برزخية‪ ،‬يكون اإلنسان فيها منعماً أو‬
‫معذابً‪ ،‬وهذه احلياة من أمور الغيب اليت نؤمن هبا إمياانً ليبياً؛‬
‫لثبوُّتا ابلوحي اإلهلي وإن كنا جنهل حقيقتها قال تعاىل‪﴿ :‬‬
‫ات َما َم َكروا َو َحا َق ِِب ِل فِ ْر َع ْو َن ُسوءُ ال َْع َذ ِ‬
‫اب‬ ‫اّلل سيِئَ ِ‬
‫فَ َوقَاهُ َُّ َ‬
‫ُ‬

‫ضل يف عصران أانس‪ ،‬هلم َولَ ٌع بتحريف معاين القرآن‬


‫(‪ )1‬قد َّ‬
‫والسنة‪ ،‬وابلطعن يف األحاديا الصحيحة‪ ،‬يتبعون ما تشابه من القرآن‬
‫ابتغاء الفتنة وابتغاء أتويله مبتعدين عن املنهج العلمي‪ ،‬يزعمون أن هلم‬
‫طريقة لفهم القرآن ترتبط أبسرار وأرقام زعموها لكل حرف من حروفه‪،‬‬
‫ومما بَنَوهُ على ضاللتهم أهنم عرفوا العام الذي ينتهي فيه العامل‪ ،‬وهم‬
‫بذلك يُ َك ِذبون القرآن وأحاديا النب ‪‬‬
‫‪59‬‬
‫اعةُ‬
‫الس َ‬
‫وم َّ‬ ‫ِ‬
‫ضو َن َعلَْي َها غُ ُد ًّوا َو َعشيًّا َويَ ْوَم تَ ُق ُ‬ ‫َّار يُ ْع َر ُ‬
‫* الن ُ‬
‫اب ﴾ [ غافر‪.] 43-45 /‬‬ ‫أَ ْد ِخلُوا َ‬
‫آل فِ ْر َع ْو َن أَ َش َّد ال َْع َذ ِ‬
‫أحاديا كثريةٌ منها‪ :‬قوله ‪ (( :‬إِن‬ ‫ُ‬ ‫وجاء يف ذلك‬
‫ض َعلَْي ِ ِ َم ْق َع ُدهُ ِابلْغَ َداةِ َوال َْع ِشي‪ .‬إِ ْن َكا َن‬‫ات عُ ِر َ‬ ‫َح َد ُك ْم إِ َذا َم َ‬
‫أَ‬
‫ِم ْن أ َْه ِل ا ِْلَن ِة‪ ،‬فَ ِم ْن أ َْه ِل ا ِْلَن ِة‪َ .‬وإِ ْن َكا َن ِم ْن أ َْه ِل النا ِر‪ ،‬فَ ِم ْن‬
‫ام ِة))‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك اّللُ إِلَْي ِ يَ ْوَم الْقيَ َ‬
‫ّت يَْب َعثَ َ‬ ‫أ َْه ِل النا ِر‪ .‬يُ َق ُ‬
‫ال‪َ :‬ه َذا َم ْق َع ُد َ َح َ‬
‫[ البخاري‪1313 /‬مسلم‪.] 2111/‬‬
‫وعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬مر النب ‪‬‬
‫بقربين فقال‪ (( :‬إِنَّ ُه َما لَيُ َع َّذ َاب ِن‪َ ،‬وَما يُ َع َّذ َاب ِن ِيف َكبِ ٍري‪ ،‬أَ َّما‬
‫َح ُد ُُهَا فَ َكا َن الَ يَ ْستََُِ ِم َن الْبَ ْو ِل‪َ ،‬وأ ََّما اآل َخ ُر فَ َكا َن ميَْ ِشي‬
‫أَ‬
‫يم ِة ))‪ [ .‬البخاري‪ 215 /‬ومسلم‪] 212/‬‬ ‫ِ‬
‫ِابلنَّم َ‬
‫فتنة القرب ( الربزخ )‬
‫ومن أمور الغيب الثابتة ابلوحي فتنةٌ يف احلياة‬
‫الربزخية بعد املوت‪ ،‬تسمى فتنة القرب‪ ،‬يُسأل فيها العبد‬
‫سأل هللا تعاىل أن‬ ‫عن ربه تعاىل وعن دينه وعن نبيه ‪ ‬نَ ُ‬
‫يثبتنا وأن يلقنا حجتنا‪.‬‬
‫ففي الصحيحني َع ْن أَِيب ُهَريْ َرَة ‪ ‬قَ َال‪ :‬قَ َال َر ُس ُ‬
‫ول‬
‫ّلل ِم ْن أ َْربَ ٍع‪،‬‬ ‫اّللِ ‪ (( : ‬إِذَا تَ َ‬
‫شه َد أَح ُد ُكم فَ لْيست ِع ْذ ِاب ِ‬
‫َ ْ َ َْ‬
‫اب َج َهنم‪َ ،‬وِم ْن َع َذ ِ‬
‫اب‬ ‫ك ِم ْن َع َذ ِ‬
‫ول‪ :‬الل ُهم إِين أَعُوذُ بِ َ‬
‫يَ ُق ُ‬
‫َ‬

‫‪60‬‬
‫يح‬‫ات‪َ ،‬وِم ْن َشر فِ ْت نَ ِة ال َْم ِس ِ‬ ‫الْ َق ِْرب‪ ،‬وِمن فِ ْت نَ ِة الْم ْحيا والْمم ِ‬
‫َ َ َ ََ‬ ‫َ ْ‬
‫الدجال )) [ مسلم ‪.] 511 /‬‬
‫ت‬‫وعن الرباء ‪ ‬عن النب ‪ ‬يف قول هللا‪ ﴿ :‬يُثَبِ ُ‬
‫ِ‬
‫اآلخرةِ‬ ‫ت ِيف ا ْحلَيَاةِ ُّ‬ ‫اّلل الَّ ِذين آمنُواْ ِابلْ َقو ِل الثَّابِ ِ‬
‫الدنْ يَا َوِيف َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َوَم ْن‬‫ك َوَما دينُ َ‬ ‫﴾ قال‪ (( :‬يف الْ َق ْرب إذَا ق َ‬
‫يل لَ ُِ َم ْن َربُّ َ‬
‫ك ؟ ))‪ [ .‬الَمذي وصحح ِ ‪] 3120 /‬‬ ‫نَبِيُّ َ‬
‫حياة الشهداء‬
‫ومما يتعلق حبياة الربزخ ما أكرم هللا تعاىل به الذين‬
‫بذلوا أرواحهم يف سبيل هللا تعاىل فجعلهم عنده بعد موُّتم‬
‫وقبل يوم القيامة أحياءً منعمني مرزوقني‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬والَ‬
‫َحيَاء ِعن َد َرِبِِ ْم‬ ‫َّن الَّ ِذين قُتِلُواْ ِيف سبِ ِ ِ‬
‫يل اّلل أ َْم َواَ بَ ْل أ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س َ َّ‬
‫َْحْ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫آَهم اّلل ِمن فَ ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ضل ِ َويَ ْستَ ْبش ُرو َن ِابلذ َ‬
‫ين‬ ‫ي ِِبَا َ ُ ُ ُ‬ ‫يُ ْرَزقُو َن * فَ ِرح َ‬
‫ف َعلَْي ِه ْم َوالَ ُه ْم َُْي َزنُو َن *‬ ‫ْح ُقواْ ِبِِم ِم ْن َخل ِْف ِه ْم أَالَّ َخ ْو ٌ‬ ‫َِلْ يَل َ‬
‫َج َر‬ ‫ِ‬ ‫ض ٍل َوأ َّ‬ ‫يست ب ِشرو َن بِنِعم ٍة ِمن ِ‬
‫يع أ ْ‬ ‫َن اّللَ الَ يُض ُ‬ ‫اّلل َوفَ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ َْْ ُ‬
‫ِ‬
‫ي ﴾ [آل عمران‪]171 - 131 /‬‬ ‫ال ُْم ْؤمنِ َ‬
‫وت لَ ِ ِع ْن َد َِّ‬ ‫ِ‬
‫س ُّرهُ‬‫اّلل َخْي ٌر‪ ،‬يَ ُ‬ ‫وقال ‪َ (( : ‬ما م ْن َع ْب ٍد َميُ ُ ُ‬
‫الش ِهي َد؛ لِ َما‬‫الدنْ يَا َوَما فِ َيها‪ ،‬إِالَّ َّ‬ ‫َن لَ ُِ ُّ‬ ‫أَ ْن يَ ْرِج َع إِ َىل ُّ‬
‫الدنْيَا‪َ ،‬وأ َّ‬
‫س ُّرهُ أَ ْن يَ ْرِج َع إِ َىل ُّ‬
‫الدنْ يَا فَيُ ْقتَ َل‬ ‫الش َه َ ِ ِ‬
‫ادة‪ ،‬فَإنَّ ُِ يَ ُ‬ ‫ض ِل َّ‬ ‫يَ َرى ِم ْن فَ ْ‬
‫خ َرى ))‪ [ .‬البخاري ‪2342 /‬ومسلم ‪]1177 /‬‬ ‫َم َّرة أُ ْ‬

‫‪61‬‬
‫يوم القيامة حييي اهلل املوتى ويبعث من يف القبور‬
‫ويف يوم القيامة ُحييي هللا املوتى ويبعا من يف القبور‪،‬‬
‫وذلك عند النفخة الثانية يف الصور‪ ،‬أما النفخة األوىل فيموت‬
‫فيها أهل األرض وأهل السماء‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ونُِف َخ ِيف ُّ‬
‫الصوِر‬
‫ض إَِّال َمن َشاء َّ‬ ‫ات َوَمن ِيف ْاأل َْر ِ‬ ‫السماو ِ‬ ‫فَ ِ‬
‫اّللُ ُُثَّ‬ ‫صع َق َمن ِيف َّ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ن ﴾ [ الزمر‪.]31 /‬‬ ‫نُف َخ في ِ أُ ْخ َرى فَِإ َذا ُهم قيَ ٌ‬
‫ام يَنظُُرو َ‬
‫ين َك َف ُروا أَن لَّن يُ ْب َعثُوا قُ ْل بَلَى‬ ‫َّ ِ‬
‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ز َع َم الذ َ‬
‫ك علَى َِّ‬
‫اّلل يَ ِسريٌ ﴾‬ ‫ِ‬
‫َوَرِِّ لَتُ ْب َعثُ َّن ُُثَّ لَتُ نَ بَّ ُؤ َّن ِِبَا َع ِملْتُ ْم َو َذل َ َ‬
‫[التغابن‪.]7 /‬‬
‫كروبُ وشد ُة أهوال يوم القيامة‬
‫ومما يكون يف يوم القيامة وجود عذاب وكروب وأهوال‬
‫نسأل هللا تعاىل أن ينجينا‪ ،‬واآلايت واألحاديا يف ذلك‬
‫كثرية جداً‪.‬‬
‫اخةُ * يَ ْوَم يَِف ُّر‬
‫الص َّ‬ ‫منها قوله تعاىل‪ ﴿ :‬فَِإ َذا ج ِ‬
‫اءت َّ‬ ‫َ‬
‫َخ ِي ِ * وأ ُِم ِ ِ وأَبِ ِي ِ * وص ِ‬
‫احبَتِ ِ ِ َوبَنِ ِي ِ * لِ ُك ِل ْام ِر ٍئ‬ ‫الْمرء ِمن أ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َُْ ْ‬
‫ِم ْن ُه ْم يَ ْوَمئذ َشأْ ٌن يُغْني ِ ﴾ [عبس‪.] 37 -34 /‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َّاس اتَّ ُقوا َربَّ ُك ْم إِ َّن َزل َْزلَةَ‬
‫وقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬اي أَيُّ َها الن ُ‬
‫ض َع ٍة َع َّما‬ ‫اع ِة َشيء َع ِظيم * ي وم تَرونَ َها تَ ْذ َهل ُك ُّل مر ِ‬
‫ُ ُْ‬ ‫الس َ ْ ٌ ٌ َ ْ َ َ ْ‬ ‫َّ‬

‫‪62‬‬
‫ِ‬
‫ض ُع ُك ُّل َذات َْحْ ٍل َْحْلَ َها َوتَ َرى الن َ‬
‫َّاس ُس َك َارى‬ ‫ت َوتَ َ‬‫ض َع ْ‬
‫أ َْر َ‬
‫اّلل َش ِدي ٌد ﴾ [احلج‪.]2 -1 /‬‬ ‫َك َّن ع َذاب َِّ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س َك َارى َول َ َ‬ ‫َوَما ُهم ب ُ‬
‫((‬ ‫وعن عائشة رضي هللا عنها عن النب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫ول َِّ‬
‫اّلل‬ ‫ْت َاي َر ُس َ‬‫شةُ فَ ُقل ُ‬ ‫َت َعائِ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ش ُرو َن ُح َفاة عُ َراة غُ ْرال قَال ْ‬ ‫ُْحْ َ‬
‫ض ُه ْم إِ َىل بَ ْع ٍ‬ ‫الرج ُ ِ‬
‫ال‪ْ :‬األ َْم ُر أَ َش ُّد‬
‫ ٍ؟ فَ َق َ‬ ‫ساءُ يَ ْنظُُر بَ ْع ُ‬
‫ال َوالن َ‬ ‫َِ‬
‫ِم ْن أَ ْن يُِه َّم ُه ْم َذا ِ )) ويف رواية‪ْ (( :‬األ َْم ُر أَ َش ُّد ِم ْن أَ ْن يَ ْنظَُر‬
‫ ٍ ))‪ [.‬البخاري ‪ 1112 /‬ومسلم ‪]2152 /‬‬ ‫ض ُه ْم إِ َىل بَ ْع ٍ‬
‫بَ ْع ُ‬
‫الناجون من أهوال يوم القيامة‬
‫ويكرم هللا تعاىل عباده املرضيي ابألمن يوم القيامة‪،‬‬
‫ين يُلْ ِح ُدو َن‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ويظلهم يف ِ‬
‫ظل عرش ِ‪ ،‬قال سبحان ِ‪ ﴿ :‬إ َّن الذ َ‬
‫آايتِنَا َال َخيْ َف ْو َن َعلَْي نَا أَفَ َمن يُْل َقى ِيف النَّا ِر َخْي ٌر أَم َّمن َأيِْيت‬
‫ِيف َ‬
‫صريٌ ﴾ [ فصلت‪/‬‬ ‫ِآمناً ي وم الْ ِقيام ِة ْاعملُوا ما ِشْئ تُم إِنَّه ِمبَا تَعملُو َن ب ِ‬
‫َْ َ َ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ‬
‫‪]44‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ ‬عن النب ‪ ‬قال‪َ (( :‬س ْب َعةٌ يُ ِظلُّ ُه ُم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِِ‬
‫شأَ‬‫اب نَ َ‬ ‫ام َع ْد ٌل َو َش ٌّ‬ ‫اّللُ تَ َع َاىل ِيف ظل ِ يَ ْوَم َال ظ َّل إَِّال ظلُّ ُِ إِ َم ٌ‬ ‫َّ‬
‫اج ِد َوَر ُج َال ِن َْحَ َّااب ِيف‬
‫اّلل ورجل قَ لْب ُِ معلَّ ٌق ِيف الْمس ِ‬ ‫ِيف ِعب َ ِ ِ‬
‫ََ‬ ‫ادة َّ َ َ ُ ٌ ُ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫ات َم ْنص ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجتَ َم َعا َعلَْي ِ َوتَ َف َّرقَا َعلَْي ِ َوَر ُجلٌ َد َع ْت ُِ ْام َرأَةٌ َذ ُ‬ ‫َِّ‬
‫اّلل ْ‬

‫(‪ ( )1‬لُْرالً ) مجع ألرل وهو الذي مل خينت‪ ،‬واملعىن أهنم حيشرون‬
‫كما خلقوا مل يفقد منهم شيء‪ ،‬وليس معهم شيء‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫اّلل ورجل تَص َّد َق بِ ٍ‬ ‫ال إِِين أَ َخ ُ‬ ‫و َمجَ ٍ‬
‫اها‬
‫ص َدقَة فَأَ ْخ َف َ‬
‫َ‬ ‫اف ََّ َ َ ُ ٌ َ‬ ‫ال فَ َق َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َح َّّت َال تَ ْعلَ َم ِشَالُ ُِ َما تُنْف ُق َميينُ ُِ َوَر ُج ٌل ذَ َك َر اّللَ َخاليا‬
‫ت َع ْي نَاهُ )) [ البخاري ‪ 122 /‬ومسلم‪.] 1431 /‬‬ ‫ض ْ‬‫فَ َفا َ‬
‫ومن الناجني من أكرمهم هللا تعاىل خبشيته والتضرع‬
‫ض ُه ْم َعلَى بَ ْع ٍ‬
‫ ٍ‬ ‫إليه يف الدنيا‪ ،‬قال هللا تعاىل‪َ ﴿ :‬وأَقْبَ َل بَ ْع ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ي * فَ َم َّن َّ‬
‫اّللُ‬ ‫ساءلُو َن * قَالُوا إِ ََّن ُكنَّا قَ ْب ُل ِيف أ َْهلنَا ُم ْشفق َ‬ ‫يَتَ َ‬
‫وم * إِ ََّن ُكنَّا ِمن قَ ْب ُل نَ ْدعُوهُ إِنَّ ُِ ُه َو‬‫علَي نا ووقَاَن ع َذاب السم ِ‬
‫َ ْ َ َ َ َ َ َ َّ ُ‬
‫يم ﴾ [ الطور‪] 21-25 /‬‬ ‫الْب ُّر َّ ِ‬
‫الرح ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫َمجَ ُع َعلَى َعْبدي‬ ‫ِ‬
‫ويف احلديا القدسي‪َ (( :‬وع َّزِِت َال أ ْ‬
‫القي َام ِة وإِذا أَِمنَِن‬‫الدنْيا أ ََّمْن تُ ُِ ي وم ِ‬
‫َْ َ‬ ‫ي‪ ،‬إِذَا َخافَِن ِيف ُّ‬ ‫ي َوأ َْمَن ْ ِ‬‫َخ ْوفَ ْ ِ‬
‫ام ِة )) [ابن حبان بسند حسن ‪.] 144 /‬‬ ‫ِ‬ ‫يف ُّ‬
‫الدنْيا أَ َخ ْفتُ ُِ يَ ْوَم القيَ َ‬
‫الشفاعة العظمى‬
‫ويكرم هللا تعاىل نبينا حممداً ‪ ‬وأمته بشفاعته‬
‫العظمى يف إراحة أهل املوقف يوم القيامة‪ ،‬وهي املقام‬
‫احملمود‪ ،‬وذلك عندما أييت الناس آدم مث نوحاً مث إبراهيم مث‬
‫موسى مث عيسى عليهم الصالة والسالم فيعتذرون مث أيتون‬
‫اّللِ َو َخ ِامتُ ْاألَنْبِيَ ِاء‬
‫ول َّ‬‫ت َر ُس ُ‬‫حممداً ‪ ‬فَيَ ُقولُو َن َاي ُحمَ َّم ُد أَنْ َ‬
‫َخَر ا ْش َف ْع لَنَا إِ َىل‬ ‫َّم ِم ْن َذنْبِ َ‬
‫ك َوَما َأت َّ‬ ‫ك َما تَ َقد َ‬ ‫اّللُ لَ َ‬
‫َوقَ ْد َل َفَر َّ‬
‫ِِ‬ ‫َربِ َ‬
‫ت الْ َع ْر ِش َويَ ْفتَ ُح‬ ‫ك أََال تَ َرى إِ َىل َما َْحن ُن فيه‪ ،‬فيسجد َْحت َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫اّللُ َعلَيه م ْن َحمَامده َو ُح ْس ِن الثَّنَاء َعلَْيه َشْي ئًا َما َملْ يَ ْفتَ ْحهُ‬ ‫َّ‬
‫‪64‬‬
‫ال َاي‬ ‫َح ٍد قَ ْب لَه‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‪ُُ (( :‬ثَّ يُ َق ُ‬ ‫َعلَى أ َ‬
‫ش َّف ْع‪ ،‬فَأ َْرفَ ُع َرأْ ِسي‬ ‫ك َس ْل تُ ْعطَ ْ ِ َوا ْش َف ْع تُ َ‬ ‫ُحمَ َّم ُد ْارفَ ْع َرأْ َس َ‬
‫ال َاي ُحمَ َّم ُد‬ ‫ب‪ ،‬فَ يُ َق ُ‬‫ب أ َُّم ِِت َاي َر ِ‬‫ب أ َُّم ِِت َاي َر ِ‬‫ول أ َُّم ِِت َاي َر ِ‬‫فَأَقُ ُ‬
‫اب ْاأل َْميَ ِن ِم ْن‬‫اب َعلَْي ِه ْم ِم ْن الْبَ ِ‬ ‫س َ‬
‫ِ‬
‫ك َم ْن َال ح َ‬ ‫أَ ْد ِخ ْل ِم ْن أ َُّمتِ َ‬
‫ك ِم ْن‬ ‫يما ِس َوى ذَلِ َ‬ ‫اب ا ِْلن َِّة وهم ُشرَكاء الن ِ ِ‬
‫َّاس ف َ‬ ‫أَبْ َو ِ َ َ ُ ْ َ ُ‬
‫ِ ِِ‬ ‫اب‪ُُ ،‬ثَّ قَ َ ِ‬
‫ي‬‫اع ْ ِ‬
‫ص َر َ‬ ‫ي ال ِْم ْ‬ ‫ال َوالَّذي نَ ْفسي بِيَده إِ َّن َما بَ َْ‬ ‫ْاألَبْ َو ِ‬
‫ي َم َّكةَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي َم َّكةَ َوْحْيَ َر أ َْو َك َما بَ َْ‬ ‫صا ِري ِع ا ِْلَنَّة َك َما بَ َْ‬ ‫م ْن َم َ‬
‫ص َرى )) [ البخاري ‪ 4435 /‬ومسلم‪. ] 124 /‬‬ ‫َوبُ ْ‬
‫للنيب ‪ ‬شفاعات أخرى‬
‫منها إدخال أَنس إىل اِلنة وإخراج أَنس من النار‪،‬‬
‫وقد ذكر ذلك ضمن أحاديث الشفاعة العظمى‪ ،‬قال‬
‫ُخ ِر ُج ُه ْم ِم َن النَّا ِر‬
‫النيب ‪ُ (( :‬مثَّ أَ ْش َف ُع فَيَ ُح ُّد ِيل َح َّداً فَأ ْ‬
‫اجلَنَّةَ )) [ البخاري ‪ 1127 /‬ومسلم‪] 123 /‬‬ ‫َوأ ُْد ِخلُ ُه ُم‬
‫ت يف اآلخرة لغري نبينا ‪‬‬
‫شفاعا ٌ‬
‫فاعات لريُ الش فاعة العظمى‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وتكون يف اآلخرة ش‬
‫منها الش فاعة يف إِخراج عص اة ِ‬
‫املوحدين من النَار‪ ،‬وهذه‬
‫الش فاعة تُش اركه فيها املالئكة‪ ،‬والنبيُّون‪ ،‬والش هداء‪،‬‬
‫والص ِديقون‪ ،‬والص احلون‪ ،‬واملؤمنون الناجون‪ ،‬وقد وردت يف‬
‫ذلك أحاديا كثرية‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫منها ما رواه الشيخان عن أيب سعيد اخلدري ‪َّ ‬‬
‫أن‬
‫ص ال ُْم ْؤِمنُو َن ِم ْن النَّا ِر‬
‫رسول هللا ‪ ‬قال‪َ ........‬ح َّّت إِذَا َخلَ َ‬
‫ّلل ِيف‬‫فَ والَّ ِذي نَ ْف ِسي بِي ِدهِ ما ِم ْن ُكم ِمن أَح ٍد ِأبَ َش َّد منا َش َدة َِِّ‬
‫َُ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي ّلل يَ ْوَم الْقيَ َامة إل ْخ َوايف ْم الذ َ‬ ‫صاء ا ْحلَق م َن ال ُْم ْؤمن َ‬ ‫است ْق َ‬ ‫ْ‬
‫صلو َن َوَُيُ ُّجو َن‬ ‫ُّ‬ ‫ومو َن َم َعنَا َويُ َ‬ ‫صُ‬ ‫ِيف النَّار يَ ُقولُو َن َربَّنَا َكانُوا يَ ُ‬
‫ِ‬
‫ص َوُرُه ْم َعلَى النَّا ِر‪،‬‬ ‫ال ََلُ ْم أَ ْخ ِر ُجوا َم ْن َع َرفْ تُ ْم‪ ،‬فَ تُ َح َّرُم ُ‬ ‫فَ يُ َق ُ‬
‫ف َساقَ ْي ِ ِ َوإِ َىل‬ ‫صِ‬ ‫َّار إِ َىل نِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فَ يُ ْخ ِر ُجو َن َخلْقا َكثريا قَ ْد أَ َخ َذت الن ُ‬
‫رْكبَ تَ ْي ِ ِ )) [ البخاري‪ 7441 /‬ومسلم‪.] 113 /‬‬
‫ُ‬
‫اب ِيف‬ ‫غ‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬
‫ََ ُ َ ُ ْ َ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ َ َ‬‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ون‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫أ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫((‬ ‫البخاري‪:‬‬ ‫اية‬
‫و‬ ‫ر‬ ‫ويف‬
‫اف َساقَ ْي ِ ِ )) ‪.‬‬ ‫النَّا ِر إِ َىل قَ َد ِم ِ ِ وإِ َىل أَنْص ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫احلساب وامليزان وأخذ العباد كتبهم‬
‫ويكون يوم القيامة احلساب‪ ،‬والوزن‪ ،‬وأخذ العباد كتبهم‬
‫اليت كتب فيها حسناُّتم وسيئاُّتم‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬اي أَيُّ َها‬
‫ِِ‬ ‫ح إِ َىل َربِ َ‬ ‫اإلنسا ُن إِنَّ َ ِ‬
‫ك َك ْدحا فَ ُم َالقي ِ * فَأ ََّما َم ْن أُوِِتَ‬ ‫ك َكاد ٌ‬ ‫ِْ َ‬
‫ب إِ َىل أ َْهلِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف ُُياس ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬
‫ب ح َسااب يَسريا * َويَن َقل ُ‬ ‫س ْو َ َ َ ُ‬ ‫كتَابَ ُِ بيَمين ِ * فَ َ‬
‫ِ‬ ‫مسرورا * وأ ََّما من أ ِ ِ‬
‫ف يَ ْدعُو ثُبُورا‬ ‫س ْو َ‬ ‫ُوِتَ كتَابَ ُِ َوَراء ظَ ْه ِره * فَ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ ُْ‬
‫صلَى َسعريا ﴾ [ االنشقاق‪.] 12-1 /‬‬ ‫ِ‬ ‫* َويَ ْ‬
‫ِ‬
‫ط لَِي ْوم ال ِْقيَ َام ِة‬ ‫ين ال ِْق ْس َ‬‫ض ُع ال َْم َوا ِز َ‬
‫وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬ونَ َ‬
‫ال َحبَّ ٍة ِم ْن َخ ْر َد ٍل أَتَ ْي نَا ِِبَا‬ ‫س َشْيئا َوإِن َكا َن ِمثْ َق َ‬ ‫فََال تُظْلَ ُم نَ ْف ٌ‬
‫ِ‬
‫ي ﴾ [األنبياء ‪.] 47 /‬‬ ‫َوَك َفى بِنَا َحاسبِ َ‬
‫‪66‬‬
‫شهادات يف يوم القيامة‬
‫وتكون يف ذلك اليوم حبكمة هللا تعاىل شهادات‪،‬‬
‫فاألرض تشهد‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬يَ ْوَمئِ ٍذ ُْحَ ِد ُ‬
‫ث أَ ْخبَ َارَها* ِأب َّ‬
‫َن‬
‫ََلَا ﴾ [الزلزلة‪.]5-4 /‬‬ ‫ك أ َْو َحى‬
‫َربَّ َ‬
‫وجوارح اإلنسان تشهد‪ ،‬وقال سبحانه‪ ﴿ :‬يَ ْوَم تَ ْش َه ُد‬
‫ن ﴾ [النور ‪/‬‬ ‫َعلَْي ِه ْم أَلْ ِسنَ تُ ُه ْم َوأَيْ ِدي ِه ْم َوأ َْر ُجلُ ُهم ِِبَا َكانُوا يَ ْع َملُو َ‬
‫‪]24‬‬
‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ح َّّت إِ َذا َما َجا ُؤ َ‬
‫وها َش ِه َد َعلَْي ِه ْم َمسْعُ ُه ْم‬
‫ِ ِِ ِ‬
‫ود ُه ْم ِِبَا َكانُوا يَ ْع َملُو َن * َوقَالُوا ِلُلُوده ْم ِلَ‬ ‫ارُه ْم َو ُجلُ ُ‬ ‫صُ‬ ‫َوأَبْ َ‬
‫اّللُ الَّ ِذي أَنطَ َق ُك َّل َش ْي ٍء َو ُه َو‬‫دُت َعلَْي نَا قَالُوا أَنطََقنَا َّ‬ ‫َش ِه ُّْ‬
‫ن ﴾ [فصلت‪.]21 -12 /‬‬ ‫َخلَ َق ُك ْم أ ََّو َل َم َّرةٍ َوإِل َْي ِ ِ تُ ْر َج ُعو َ‬
‫وعن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪ :‬كنا عند رسول هللا‬
‫ك ))؟ قال قلنا‪:‬‬ ‫ض َح ُ‬ ‫‪ ‬فضحك فقال‪َ (( :‬ه ْل تَ ْد ُرو َن ِم َّم أَ ْ‬
‫هللا ورسوله أعلم‪ ،‬قال ‪ِ (( :‬م ْن ُخمَاطَبَ ِة ال َْع ْب ِد َربَّ ُِ يَ ُق ُ‬
‫ول َاي‬
‫ول فَِإِين َال‬ ‫ال فَ يَ ُق ُ‬ ‫ول بَلَى قَ َ‬ ‫ال يَ ُق ُ‬ ‫ب أََِلْ ُِجت ْرِين ِم ْن الظُّل ِْم قَ َ‬ ‫َر ِ‬
‫ك‬ ‫ول َك َفى بِنَ ْف ِس َ‬ ‫ال فَ يَ ُق ُ‬ ‫اهدا ِم ِن قَ َ‬ ‫أ ُِجيز َعلَى نَ ْف ِسي إَِّال َش ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال فَيُ ْختَ ُم‬ ‫ي ُش ُهودا قَ َ‬ ‫ك َش ِهيدا َوابلْك َرام الْ َكاتب َ‬ ‫الْيَ ْوَم َعلَْي َ‬
‫ال فَ تَ ْن ِط ُق ِأبَ ْع َمالِ ِ ِ قَ َ‬
‫ال ُُثَّ‬ ‫ال ِأل َْرَكانِِ ِ انْ ِط ِقي قَ َ‬
‫َعلَى فِ ِي ِ فَ يُ َق ُ‬
‫ول بُ ْعدا لَ ُك َّن َو ُس ْحقا فَ َع ْن ُك َّن‬ ‫ال فَ يَ ُق ُ‬‫ي الْ َك َالِم قَ َ‬
‫ُُيَلَّى بَ ْي نَ ُِ َوبَ َْ‬
‫ضل )) [ مسلم‪.] 2212 /‬‬ ‫ُك ْن ُ ِ‬
‫ت أ ََُن ُ‬
‫‪67‬‬
‫حوض نبينا حممد ‪‬‬
‫ويكرم هللا تعاىل نبينا حممد ‪ ‬وأمته ابحلوض‪ ،‬وعنده‬
‫يكون اللقاء الطيب بينه ‪ ‬وبني أحبابه الذين عاشوا بعد‬
‫عصره‪.‬‬
‫عن عبد هللا بن عمرو رضي هللا تعاىل عنهما أن رسول‬
‫ ٍ ِم َن اللَّ َ ِ‬
‫َّن‬ ‫ريةُ َش ْه ٍر َما ُؤهُ أَبْ يَ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫هللا ‪ ‬قال‪َ (( :‬ح ْوضي َمس َ‬
‫وم َّ ِ‬ ‫ك وكِيزان ِ َكنج ِ‬
‫وِرُيُ ُِ أَطْي ِ ِ ِ‬
‫الس َماء َم ْن َش ِر َ‬
‫ب‬ ‫ب م َن الْم ْس َ َ ُ ُ ُ ُ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬
‫ْمأُ أَبَدا ))‪ [.‬البخاري ‪1241 /‬ومسلم ‪] 2222 /‬‬ ‫ِ‬
‫م ْن َها فَ َال يَظ َ‬
‫عن أيب هريرة أن رسول هللا ‪ ‬أتى املقربة فقال‪:‬‬
‫اّللُ بِ ُك ْم َال ِح ُقو َن‬ ‫ٍ ِ‬
‫ي َوإِ ََّن إِ ْن َشا َء َّ‬ ‫الس َال ُم َعلَْي ُك ْم َد َار قَ ْوم ُم ْؤمنِ َ‬
‫(( َّ‬
‫ت أ َََّن قَ ْد َرأَيْنَا إِ ْخ َوانَنَا‪ ،‬قالوا أولسنا إخوانك اي رسول هللا‬ ‫َوِد ْد ُ‬
‫َّ ِ‬
‫ين َِلْ َأيْتُوا بَ ْع ُد‪ ،‬فقالوا كيف‬ ‫َص َح ِاِّ َوإِ ْخ َوانُنَا الذ َ‬ ‫ال أَنْتُ ْم أ ْ‬ ‫؟ قَ َ‬
‫ت‬ ‫ال‪ :‬أ ََرأَيْ َ‬
‫تعرف من مل أيت بعد من أمتك اي رسول هللا ؟ فَ َق َ‬
‫ي ظَ ْه َر ْي َخ ْي ٍل ُد ْه ٍم بُ ْه ٍم أََال‬ ‫َن َر ُجال لَ ُِ َخ ْي ٌل غٌُّر ُحمَ َّجلَةٌ بَ َْ‬ ‫ل َْو أ َّ‬
‫ال‪ :‬فَِإنَّ ُه ْم َأيْتُو َن غًُّرا‬ ‫ول َِّ‬
‫اّلل قَ َ‬ ‫ف َخْي لَ ُِ قَالُوا بَلَى َاي َر ُس َ‬ ‫يَ ْع ِر ُ‬
‫ض ))‪ [.‬مسلم‪]242 /‬‬ ‫وء َوأ َََن فَ َرطُ ُه ْم َعلَى ا ْحلَْو ِ‬ ‫ُحمَ َّجلِي ِمن الْوض ِ‬
‫َ َ ُ ُ‬
‫املرور على الصراط‪ ،‬وأو ُل األمم مروراً‬
‫َوميَُُّر الناس على الصراط فوق جهنم إىل اجلنة‪ ،‬وأول‬
‫األمم مروراً أمة سيدان حممد ‪ ، ‬ويف هذا أحاديا كثرية‪،‬‬
‫منها‪:‬‬
‫‪68‬‬
‫ول َِّ‬ ‫ضر ِ‬
‫اّلل‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫َّم قَ َ‬ ‫ب ج ْس ُر َج َهن َ‬ ‫قوله ‪َ ......(( :‬ويُ ْ َ ُ‬
‫س ِل يَ ْوَمئِ ٍذ اللَّ ُه َّم َسلِ ْم َسلِ ْم‪.‬‬ ‫‪ ‬فَأَ ُكو ُن أ ََّو َل َم ْن ُِجي ُيز َو ُد َعاءُ ُّ‬
‫الر ُ‬
‫ان قَالُوا‬ ‫الس ْع َد ِ‬
‫ان أ ََما َرأَيْتُ ْم َش ْو َ َّ‬ ‫يب ِمثْ ُل َش ْو ِ َّ‬
‫الس ْع َد ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫َوب ِ َك َالل ُ‬
‫ان غَْي َر أَنَّ َها َال‬‫الس ْع َد ِ‬‫ال فَِإنَّ َها ِمثْ ُل َش ْو ِ َّ‬ ‫ول َِّ‬
‫اّلل قَ َ‬ ‫بَلَى َاي َر ُس َ‬
‫َّاس ِأبَ ْع َماَلِِ ْم ِمْن ُه ْم ال ُْموبَ ُق‬
‫ف الن َ‬‫اّللُ فَتَ ْخطَ ُ‬ ‫يَ ْعلَ ُم قَ ْد َر ِعظَ ِم َها إَِّال َّ‬
‫ِِ ِ‬
‫جو)) [ البخاري ‪ 773 /‬ومسلم ‪.]12 /‬‬ ‫بِ َع َمل ِ َومْن ُه ْم ال ُْم َخ ْر َد ُل ُُثَّ يَ ْن ُ‬
‫وس ِيف‬ ‫وش َوَم ْك ُد ٌ‬ ‫سلَّ ٌم َوََن ٍج َخمْ ُد ٌ‬ ‫اج ُم َ‬ ‫ويف رواية‪ (( :‬فَ نَ ٍ‬
‫ِ‬
‫حبا ))‬ ‫ب َس ْ‬‫َّم َح َّّت َميَُّر آخ ُرُه ْم يُ ْس َح ُ‬ ‫ََن ِر َج َهن َ‬
‫[ البخاري‪7441/‬ومسلم‪. ]113/‬‬
‫من يدخلون اجلنة بغري حساب‬
‫ومما يكون يف يوم القيامة أنه يدخل اجلنة أانس بغري‬
‫حساب‪.‬‬
‫عن أيب حازم عن سهل بن سعد ‪ ‬أن رسول هللا‬
‫‪ ‬قال‪ (( :‬لَيَ ْد ُخلَ َّن ا ِْلَنَّةَ ِم ْن أ َُّم ِِت َس ْب عُو َن أَلْفا أ َْو َس ْب ُع‬
‫ال ‪ -‬متَم ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫اس ُكو َن‬ ‫مائَة أَلْف ‪َ -‬ال يَ ْد ِري أَبُو َحا ِزم أَيَّ ُه َما قَ َ ُ َ‬
‫ضهم ب عضا َال ي ْد ُخل أ ََّو َُلم ح َّّت ي ْد ُخل ِ‬
‫آخ ُرُه ْم‬ ‫ِ‬
‫َ ُ ُْ َ َ َ‬ ‫آخ ٌذ بَ ْع ُ ُ ْ َ ْ‬
‫ورةِ الْ َق َم ِر ل َْي لَةَ الْبَ ْد ِر )) [ مسلم ‪.]211 /‬‬
‫صَ‬ ‫وه ُه ْم َعلَى ُ‬ ‫ُو ُج ُ‬
‫وعن أيب أمامة ‪ ‬عن النب ‪ ‬قال‪َ (( :‬و َع َدِين َرِِّ‬
‫ي أَلْفا بِغَ ِْري ِحس ٍ‬
‫اب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع َّز َو َج َّل أَ ْن يُ ْدخ َل ا ِْلَنَّةَ م ْن أ َُّم ِِت َس ْب ِع َ‬
‫َ‬

‫‪69‬‬
‫ات ِم ْن‬
‫ث حثَي ٍ‬ ‫ٍ‬
‫اب‪َ ،‬م َع ُك ِل أَلْف َس ْب عُو َن أَلْفا‪َ ،‬وثَالَ َ َ َ‬ ‫َوالَ َع َذ ٍ‬
‫ل ))‪ [.‬اإلمام أمحد بسند حسن‪] 22357 /‬‬ ‫حثَي ِ‬
‫ات َرِِّ َع َّز َو َج َّ‬ ‫ََ‬
‫نار جهنم ليست كنار الدنيا وعذاب أهلها متفاوت‬
‫قال رسول هللا ‪ََ (( :‬ن ُرُك ْم َه ِذهِ الَِِّت يُوقِ ُد ابْ ُن َ‬
‫آد َم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّم )) [ البخاري‪3422 /‬ومسلم‪/‬‬ ‫ي ُج ْزءا م ْن َح ِر َج َهن َ‬ ‫ُج ْزءٌ م ْن َس ْب ِع َ‬
‫‪.] 2143‬‬
‫عذاب أهلها متفاوت‪ ،‬واملنافقون يف الدرك األسفل‪﴿ :‬‬
‫الدر ِ األَس َف ِل ِمن النَّا ِر ولَن َِجت َد ََلُم نَ ِ‬ ‫ِِ‬
‫إِ َّن ال ُْمنَافق َ‬
‫صريا ﴾‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي ِيف َّ ْ‬
‫[ النساء‪]145 /‬‬
‫ولري املنافقني على حسب أحواهلم وأعماهلم‪ ،‬عن مسرة‬
‫َّار إِ َىل‬ ‫ِ‬
‫بن جندب ‪ ‬أن النب ‪ ‬قال‪ (( :‬مْن ُه ْم َم ْن ََتْ ُخ ُذهُ الن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّار إِ َىل ُرْكبَ تَ ْي ِ ِ َومْن ُه ْم َم ْن ََتْ ُخ ُذهُ‬
‫َك ْعبَ ْي ِ َومْن ُه ْم َم ْن ََتْ ُخ ُذهُ الن ُ‬
‫َّار إِ َىل تَ ْرقُ َوتِِ ِ )) [ اإلمام‬ ‫ِِ ِ‬
‫َّار إِ َىل ُح ْج َزت ِ َومْن ُه ْم َم ْن ََتْ ُخ ُذهُ الن ُ‬
‫الن ُ‬
‫أمحد‪ 24115/‬ومسلم‪.] 3145 /‬‬
‫عذاب الكافرين يف النار دائم‬
‫والكافرون يف النار خملدون عذاهبم دائم ومنها ال‬
‫صلِي ِه ْم‬ ‫ين َك َف ُرواْ ِِب َايتِنَا َس ْو َ‬
‫ف نُ ْ‬
‫َّ ِ‬
‫خيرجون‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬إِ َّن الذ َ‬
‫اه ْم ُجلُودا غَْي َرَها لِيَ ُذوقُواْ‬
‫ود ُه ْم بَ َّدلْنَ ُ‬
‫ت ُجلُ ُ‬ ‫ض َج ْ‬ ‫ََنرا ُكلَّما نَ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حكيما ﴾ [النساء‪.]51 /‬‬ ‫اب إ َّن اّللَ َكا َن َع ِزيزا َ‬
‫ال َْع َذ َ‬

‫‪70‬‬
‫َّ ِ‬
‫َن ََلُم َّما ِيف‬ ‫وقال سبحانه‪ ﴿ :‬إِ َّن الذ َ‬
‫ين َك َف ُرواْ ل َْو أ َّ‬
‫اب يَ ْوِم ال ِْقيَ َام ِة‬‫مجيعا َوِمثْ لَ ُِ َم َع ُِ لِيَ ْفتَ ُدواْ بِ ِ ِ ِم ْن َع َذ ِ‬
‫ض َِ‬‫األ َْر ِ‬
‫يم * يُ ِري ُدو َن أَن َُيْ ُر ُجواْ ِم َن النَّا ِر‬ ‫ما تُ ُقبِل ِم ْن هم وََلم ع َذ ِ‬
‫اب أَل ٌ‬ ‫َ َ ُ ْ َ ُْ َ ٌ‬
‫يم ﴾ [املائدة‪.]37 -31/‬‬ ‫ِ‬ ‫وما هم ِخبَا ِرِج ِ‬
‫اب ُّمق ٌ‬‫ي م ْن َها َوََلُ ْم َع َذ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬
‫أهل النار يُعادِي بعضهم بعضاً ويتربأ بعضهم من‬
‫بعض‬
‫وتتحول مودة أهل الطغيان واملعاصي إىل عداوة‪ ،‬قال‬
‫ِ‬
‫ ٍ َع ُد ٌّو إَِّال ال ُْمتَّق َ‬
‫ي ﴾‪.‬‬ ‫هللا تعاىل‪ْ ﴿ :‬األ َِخ َّالء يَ ْوَمئِ ٍذ بَ ْع ُ‬
‫ض ُه ْم لَِب ْع ٍ‬
‫[ الزخرف‪]17 /‬‬
‫ين ظَلَ ُمواْ إِ ْذ يَ َرْو َن‬ ‫َّ ِ‬
‫وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬ول َْو يَ َرى الذ َ‬
‫اب * إِ ْذ تَبَ َّرأَ‬ ‫َن اّللَ َش ِدي ُد ال َْع َذ ِ‬ ‫مجيعا َوأ َّ‬ ‫َن الْ ُق َّوَة ِ ِ‬
‫ّلل َِ‬ ‫اب أ َّ‬
‫ال َْع َذ َ‬
‫ت ِبِِ ُم‬ ‫اب َوتَ َقطَّ َع ْ‬ ‫الَّ ِذ ِ ِ َّ ِ‬
‫ين اتَّبَ عُواْ َوَرأ َُواْ ال َْع َذ َ‬ ‫ين اتُّبعُواْ م َن الذ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ين اتَّبَ ُعواْ ل َْو أ َّ‬
‫َن لَنَا َك َّرة فَنَ تَ بَ َّرأَ مْن ُه ْم َك َما‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ال الذ َ‬ ‫اب * َوقَ َ‬ ‫َسبَ ُ‬ ‫األ ْ‬
‫ات َعلَْي ِه ْم َوَما ُهم‬ ‫ك ي ِري ِهم اّلل أَ ْعما ََلُم حسر ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫تَبَ َّرُؤواْ منَّا َك َذل َ ُ ُ ُ َ ْ َ َ َ‬
‫ي ِم َن النَّا ِر ﴾ [ البقرة‪.] 117 – 115 /‬‬ ‫ِخبَا ِرِج َ‬
‫ُّع َفاء‬ ‫ّلل َِ‬‫وقال تبارك وتعاىل‪ ﴿ :‬وب رُزوا ِ ِ‬
‫ال الض َ‬ ‫مجيعا فَ َق َ‬ ‫َََ‬
‫ِ‬
‫استَ ْكبَ ُروا إِ ََّن ُكنَّا لَ ُك ْم تَبَعا فَ َه ْل أَنتُم ُّمغْنُو َن َعنَّا م ْن‬ ‫ِِ‬
‫ين ْ‬ ‫للَّذ َ‬
‫اّلل ِمن َش ْي ٍء قَالُواْ ل َْو َه َد َاَن اّللُ ََلََديْ نَا ُك ْم َس َواء َعلَْي نَا‬ ‫اب ِ‬ ‫َع َذ ِ‬
‫يص ﴾ [ إبراهيم‪.] 21 /‬‬ ‫صبَ ْرََن َما لَنَا ِمن َِّحم ٍ‬ ‫َج ِز ْعنَا أ َْم َ‬
‫أَ‬

‫‪71‬‬
‫عصاة املؤمنني ال خيلدون يف النار‬
‫ومما جاء به ‪ ‬أنَّه ال خيلد يف النار أحد من عصاة‬
‫املؤمنني‪.‬‬
‫عن أيب ُهَريْ َرَة عن النب ‪ ‬قال‪َ .....(( :‬حّت إِذَا فَ َرََ‬
‫اد ِم ْن‬
‫اد أَ ْن ُُيْ ِر َج بَِر ْْحَتِ ِ ِ َم ْن أ ََر َ‬ ‫ض ِاء ب ي ال ِْعب ِ‬
‫اد‪َ ،‬وأ ََر َ‬
‫ِ‬
‫هللا م َن الْ َق َ َ َْ َ‬
‫أ َْه ِل النا ِر‪ ،‬أ ََم َر ال َْمالَئِ َكةَ أَ ْن ُُيْ ِر ُجوا ِم َن النا ِر َم ْن َكا َن الَ‬
‫ول‪ :‬الَ‬ ‫اد هللا تَ َع َاىل أَ ْن يَ ْر َْحَ ُِ‪ُِ ،‬م ْن يَ ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫يُ ْش ِر ُ ِابهلل َش ْيئا‪ُ ،‬م ْن أ ََر َ‬
‫إِلَ َِ إِال هللا‪ .‬فَ ي ْع ِرفُونَهم ِيف النا ِر‪ .‬ي ْع ِرفُونَهم ِأبَثَ ِر السج ِ‬
‫ود‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬
‫ود‪َ ،‬حرَم هللا َعلَى النارِ‬ ‫آدم إِال أَثَر السج ِ‬ ‫ََتْ ُكل الن ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ار م ِن ابْن َ َ‬
‫ِ‬ ‫ُ ُ‬
‫شوا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أَ ْن ََتْ ُك َل أَثَ َر الس ُجود‪ .‬فَيُ ْخ َر ُجو َن م َن النا ِر َوقَد ْامتَ َح ُ‬
‫ت ا ْحلِبةُ ِيف‬ ‫صب َعلَْي ِه ْم َماءُ ا ْحلَيَاةِ‪ .‬فَ يَ ْن بُ تُو َن ِم ْن ُِ َك َما تَ ْن بُ ُ‬‫فَ يُ َ‬
‫يل الس ْي ِل )) [ البخاري ‪773/‬ومسلم ‪. ]112 /‬‬ ‫ْح ِ‬ ‫َِ‬
‫أهل اجلنة فيها خالدون‪ ،‬ومنها ال خيرجون‬
‫ت‬‫ات َكانَ ْ‬ ‫احل ِ‬ ‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذين آمنُوا و َع ِملُوا َّ ِ‬
‫الص َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫س نُزال * َخالِ ِد ِ‬ ‫ََلم جن ُ ِ‬
‫يها َال يَ ْب غُو َن َع ْن َها ح َوال‬ ‫ين ف َ‬ ‫َ‬ ‫َّات الْف ْر َد ْو ِ ُ‬ ‫ُْ َ‬
‫[ الكهف‪] 101-107 /‬‬ ‫﴾‪.‬‬
‫احل ِ‬
‫ات‬ ‫وقال تعاىل‪﴿ :‬والَّ ِذين آمنُواْ و َع ِملُواْ َّ ِ‬
‫الص َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يها أَبَدا‬
‫ين ف َ‬ ‫َسنُ ْدخلُ ُه ْم َجنَّات َجتْ ِري من َْحْت َها األَنْ َه ُ‬
‫ار َخالد َ‬
‫اّلل قِيال ﴾ [النساء‪.]122 /‬‬‫اّلل حقا ومن أَص َد ُق ِمن ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َو ْع َد َ َ َ ْ ْ‬

‫‪72‬‬
‫أعظم نعم اجلنة رؤية اهلل تعاىل ورضاه‬
‫وأعظم ما يكرم هللا به املؤمنني يف اجلنة رؤيتُهم له‬
‫سبحانه وِرضاه عنهم‪ ،‬قال سبحانه‪ ﴿ :‬وجوهٌ ي ومئِ ٍذ ََّن ِ‬
‫ض َرةٌ * إِ َىل‬ ‫ُ ُ ََْ‬ ‫ُ‬
‫َرِِبَا ََن ِظ َرةٌ ﴾ [القيامة ‪. ] 23 /‬‬
‫عن أيب سعيد اخلدري ‪ ‬قال ‪ :‬قال رسول هللا ‪: ‬‬
‫ول ِأل َْه ِل ا ِْلَن َِّة‪َ :‬اي أ َْه َل ا ِْلَن َِّة‪ ،‬فََي ُقولُو َن‬ ‫(( إِ َّن َّ‬
‫اّللَ تَبَ َار َ َوتَ َع َاىل يَ ُق ُ‬
‫ضيتُ ْم‪ ،‬فَ َي ُقولُو َن‪َ :‬وَما لَنَا َال‬ ‫ول‪َ :‬هل ر ِ‬
‫ك‪ ،‬فَ َي ُق ُ ْ َ‬ ‫ك َربَّنَا َو َس ْع َديْ َ‬ ‫لَبَّ ْي َ‬
‫ول‪ :‬أ َََن‬‫ك‪ ،‬فَ َي ُق ُ‬ ‫َحدا ِم ْن َخل ِْق َ‬ ‫ِ‬
‫ضى َوقَ ْد أَ ْعطَْي َت نَا َما َِلْ تُ ْعط أ َ‬ ‫نَ ْر َ‬
‫ض ُل ِم ْن‬ ‫َي َش ْي ٍء أَفْ َ‬ ‫ب َوأ ُّ‬ ‫ك‪ ،‬قَالُوا َاي َر ِ‬ ‫ض َل ِم ْن ذَلِ َ‬ ‫أُ ْع ِطي ُك ْم أَفْ َ‬
‫ط َعلَْي ُك ْم بَ ْع َدهُ‬ ‫َس َخ ُ‬ ‫ض َو ِاين فََال أ ْ‬ ‫ول أ ُِح ُّل َعلَْي ُك ْم ِر ْ‬ ‫ك‪ ،‬فََي ُق ُ‬ ‫ذَلِ َ‬
‫أَبَدا )) [ البخاري‪ 1113 /‬ومسلم ‪. ] 2122 /‬‬
‫وعن صهيب ‪ ‬عن النب ‪ ‬قال‪ (( :‬إِذَا َد َخ َل أ َْه ُل‬
‫اّللُ تَبَ َار َ َوتَ َع َاىل‪ :‬تُ ِري ُدو َن َشْي ئا أَ ِزي ُد ُك ْم؟‬ ‫ول َّ‬ ‫ا ِْلَن َِّة ا ِْلَنَّ َة يَ ُق ُ‬
‫وهنَا؟ أََِلْ تُ ْد ِخلْنَا ا ِْلَنَّةَ َوتُنَ ِجنَا ِم َن النَّا ِر؟‬
‫ ٍ ُو ُج َ‬ ‫فََي ُقولُو َن‪ :‬أََِلْ تَُب يِ ْ‬
‫ب إِلَْي ِه ْم ِم َن النَّظَ ِر‬‫َح َّ‬‫اب فَ َما أُ ْعطُوا َشْي ئا أ َ‬
‫ال‪ :‬فَي ْك ِش ُ ِ‬
‫ف ا ْحل َج َ‬ ‫قَ َ َ‬
‫ل )) [ اإلمام أمحد‪11211 /‬ومسلم‪. ] 111 /‬‬ ‫إِ َىل َرِبِِ ْم َع َّز َو َج َّ‬
‫هلل تعاىل أح ٌد يف الدنيا؟‬ ‫هل يرى ا َ‬
‫نب هللا تعاىل موسى ‪ ‬طلب من هللا تعاىل أن يراه‪،‬‬
‫وسى لِ ِمي َقاتِنَا‬
‫ط طلبه‪ ،‬قال عز وجل‪َ ﴿ :‬ول ََّما َجاء ُم َ‬
‫فلم يُ ْع َ‬
‫ال لَن تَ َر ِاين َولَ ِك ِن انظُْر‬ ‫ب أَِرِين أَنظُْر إِل َْي َ‬
‫ك قَ َ‬ ‫َوَكلَّ َم ُِ َربُّ ُِ قَ َ‬
‫ال َر ِ‬
‫‪73‬‬
‫ف تَ َر ِاين فَ لَ َّما َجتَلَّى َربُّ ُِ‬ ‫ِ‬
‫س ْو َ‬ ‫إِ َىل ا ِْلَبَ ِل فَِإن ْ‬
‫استَ َق َّر َم َكانَ ُِ فَ َ‬
‫ص ِعقا فَ لَ َّما أَفَا َق قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ك‬‫ال ُس ْب َحانَ َ‬ ‫موسى َ‬ ‫ْجبَ ِل َج َعلَ ُِ َدكا َو َخ َّر َ‬ ‫لل َ‬
‫ِ‬
‫ي ﴾‪ [ .‬األعراف‪]143 /‬‬ ‫ك َوأ َََنْ أ ََّو ُل ال ُْم ْؤمنِ َ‬
‫ت إِل َْي َ‬
‫تُ ْب ُ‬
‫أما نبينا حممد ‪ ‬فقد اختُلف يف رؤيته لربه سبحانه‪،‬‬
‫النووي يف شرح مسلم‬
‫ُّ‬ ‫وليس يف ذلك شيء قطعي‪ ،‬ونقل‬
‫قول القاضي عياض‪ :‬ووقف بعض مشاخينا يف هذا‬ ‫‪َ 4 /3‬‬
‫رج َح القرطب يف‬‫وقال‪ :‬ليس عليه دليل واضح‪ ،‬اه وكذلك َّ‬
‫قول ِ‬
‫الوقف يف هذه املسألة وعزاه جلماعة من احملققني‪،‬‬ ‫املفهم َ‬
‫وقواه أبنه ليس يف الباب دليل قاطع‪ ،‬اه [ فتح الباري‪141/ 1‬‬
‫تفسري سورة النجم ]‬
‫سعُنا يف هذه القضااي أن نتوقف؛ ألننا ال نُسأل‬
‫ويَ َ‬
‫عنها يوم القيامة (‪.)1‬‬
‫من ادعى رؤية اهلل يف الدنيا فهو ضال وكاذب‬
‫من ادعى بعد زمن النب رؤية هللا يف الدنيا فهو ٌّ‬
‫ضال‬
‫وكاذب‪ ،‬والقاعدة أن رؤية املؤمنني لرهبم سبحانه ال تكون‬
‫إال يف اآلخرة بعد املوت؛ ألن رسول هللا ‪ ‬قال‪ (( :‬تَ َعلَّ ُموا‬
‫َح ٌد ِم ْن ُك ْم َربَّ ُِ َع َّز َو َج َّل َح َّّت َميُ َ‬
‫وت ))‪ ( .‬تَ َعلَّ ُموا )‬ ‫أَنَّ ُِ ل ْ‬
‫َن يَ َرى أ َ‬

‫(‪ )1‬من التوفيق السكوت عن كثري من مسائل اجلدل‬


‫واخلصومات الدينية مما ال نُسأل عنه يوم القيامة‪ ،‬أو مما جعل هللا فيه‬
‫سعة مما اختلف فيه أهل العلم‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫(اعلموا)‪ [ .‬اإلمام أمحد‪ 23722 /‬ومسلم يف صحيحه‪2231/‬‬
‫مبعىن‪ْ :‬‬
‫والرتمذي‪] 2235 /‬‬
‫الركن السادس اإلميان بالقدر‬
‫معىن القدر أن هللا تبارك وتعاىل قدَّر األشياء يف‬
‫وعلِ َم سبحانه أهنا ستقع يف أوقات معلومة عنده‬ ‫القدم‪َ ،‬‬
‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬وعلى صفات خمصوصة‪ ،‬فهي تقع على‬
‫حسب ما قدرها سبحانه وتعاىل (‪. )1‬‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ما أَصاب ِمن ُّم ِ‬
‫صيبَ ٍة ِيف ْاأل َْر ِ‬
‫ض َوَال ِيف‬ ‫َ َ َ‬
‫ك علَى َِّ‬ ‫ِ‬ ‫أَن ُف ِس ُكم إَِّال ِيف كِت ٍ ِ‬
‫اّلل‬ ‫اب من قَ ْب ِل أَن نَّ ْب َرأ ََها إِ َّن ذَل َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫آَ ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يَ ِسريٌ * ل َك ْي َال ََت َس ْوا َعلَى َما فَاتَ ُك ْم َوَال تَ ْف َر ُحوا ِبَا َ‬
‫ال فَ ُخوٍر ﴾ [ احلديد‪.] 23 – 22 /‬‬ ‫اّللُ َال ُُِي ُّ‬
‫ب ُك َّل ُخمْتَ ٍ‬ ‫َو َّ‬
‫واإلميان ابلقدر ركن من أركان اإلميان‪ ،‬قال ‪‬‬
‫عندما سئل عن اإلميان‪ (( :‬أَ ْن تُ ْؤِم َن ِابهلل‪َ ،‬وَمالَئِ َكتِ ِ ِ‪،‬‬
‫وُكتبِ ِ ِ‪ ،‬ورسلِ ِ ِ‪ ،‬والْي وِم ِ‬
‫اآلخ ِر‪ ،‬وتُ ْؤمن ِابلْ َق َد ِر َخ ِريهِ و َشرهِ‬
‫))‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ َُ ُ َ َْ‬
‫[ مسلم ‪.] 1 /‬‬
‫وقال النب ‪ (( :‬إن أو َل َما َخلَ َق هللا تَ َع َاىل الْ َقلَ َم‬
‫ب‬ ‫ب؟ قال‪ :‬اْ ْكتُ ْ‬ ‫ال‪َ :‬رب َوَماذَا أ ْكتُ ُ‬ ‫ب‪ ،‬ف َق َ‬
‫فقال لَ ِ‪ :‬اْ ْكتُ ْ‬
‫اعةُ)) [ أبو داود ‪.] 4311 /‬‬ ‫وم الس َ‬ ‫ِ‬
‫َم َقاد َير ُكل َش ْيء َحّت تَ ُق َ‬

‫(‪ )1‬كما ذكر النووي يف شرح مسلم‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫وعن ابن عباس رضي هللا عنهما عن النب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫ت َعلَى أَ ْن يَ ْن َفعُو َ‬ ‫َن األ َُّمةَ لَ ِو ْ‬
‫اجتَ َم َع ْ‬ ‫((‪َ ......‬وا ْعلَ ْم أ َّ‬
‫َك‪َ ،‬ولَ ِو ْ‬
‫اجتَ َمعُوا‬ ‫ش ْي ٍء قَ ْد َكتَ بَ ُِ َّ‬
‫اّللُ ل َ‬ ‫ش ْي ٍء َِلْ يَ ْن َفعُو َ إِالَّ بِ َ‬
‫بِ َ‬
‫ش ْي ٍء قَ ْد َكتَ بَ ُِ َّ‬
‫اّللُ‬ ‫ش ْي ٍء َِلْ يَ ُ‬
‫ض ُّرو َ إِالَّ بِ َ‬ ‫ض ُّرو َ بِ َ‬ ‫َعلَى أَ ْن يَ ُ‬
‫ف )) [ الَمذي وصحح ِ‬ ‫الص ُح ُ‬‫ت ُّ‬ ‫ت األَقْالَ ُم وج َّف ِ‬ ‫ك‪ ،‬رفِ َع ِ‬
‫ََ‬ ‫َعلَْي َ ُ‬
‫‪.]2513 /‬‬
‫أنواع املقدرات بالنسبة الختيار العبد‬
‫لكن‬
‫كل ما جيري يف هذا الكون بقدر هللا تعاىل‪َّ ،‬‬
‫األمور املرتبطة ابإلنسان نوعان‪:‬‬
‫األول‪ :‬ال خيار ل ِ في ِ‪ :‬وذلك كطول قامته‬
‫وقصرها‪ ،‬ولون بشرته وشعره وعينيه‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أمور ل ِ فيها اختيار‪ :‬كاإلميان والكفر‪،‬‬
‫والطاعة واملعصية‪ ،‬وما خيتاره يف أكله وشربه ونكاحه وحنو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫واإلنسان يف النوع األول ُم َسيَّ ٌر ُْجمبَ ٌر ال يدخل يف‬
‫التكليف؛ ألنه ال قدرة له على شيء فيه‪ ،‬وهللا تعاىل ال‬
‫يكلف نفساً إال وسعها‪.‬‬
‫ويف النوع الثاين خمريٌ غريُ جم ٍرب؛ ألن هللا أعطاه‬
‫االختيار‪ ،‬ولذلك َمحَّلَهُ هللاُ املسؤوليةَ عن كل عمل يدخل‬
‫يف هذا النوع‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫وهكذا فهم الصحابة ‪ ‬فعندما قرر عمر ‪‬‬
‫عدم الدخول إىل بلد الطاعون‪ ،‬وقد قال له أبو عبيدة‬ ‫َ‬
‫ال عُ َم ُر ‪ :‬ل َْو غَْي ُر َ قَا ََلَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ :‬أَف َرارا م ْن قَ َد ِر َّ‬
‫اّلل؟ فَ َق َ‬
‫ت ل َْو‬ ‫اّلل إِ َىل قَ َد ِر َِّ‬
‫اّلل‪ ،‬أ ََرأَيْ َ‬ ‫اي أَاب عب ي َدةَ‪ ،‬نَعم نَِف ُّر ِمن قَ َد ِر َِّ‬
‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َُ ْ‬
‫ِ‬
‫اُهَا َخصبَةٌ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َواداي لَ ُِ عُ ْد َوََن‪ ،‬إ ْح َد ُ‬ ‫ِ‬ ‫َك إب ٌل َهبَطَ ْ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َكا َن ل َ‬
‫ت اخلصبةَ رعي ت ها بَِق َد ِر َِّ‬
‫اّلل‪،‬‬ ‫س إِ ْن َر َع ْي َ ْ َ َ َ ْ َ َ‬ ‫َواألُ ْخ َرى َج ْدبَةٌ‪ ،‬أَل َْي َ‬
‫ت اِل ْدبةَ رعي ت ها بَِق َد ِر ِ‬
‫هللا؟‪.‬‬ ‫َوإِ ْن َر َع ْي َ َ َ َ َ ْ َ َ‬
‫ف َوَكا َن ُمتَ غَيِبا ِيف‬ ‫الر ْْح ِن بن عو ٍ‬
‫اء َع ْب ُد َّ َ ْ ُ َ ْ‬ ‫ال فَ َج َ‬ ‫قَ َ‬
‫ول‬
‫ت َر ُس َ‬ ‫ال‪ :‬إِ َّن ِع ْن ِدي ِيف َه َذا ِعلْما َِمس ْع ُ‬ ‫اجتِ ِ ِ‪ ،‬فَ َق َ‬
‫ ٍ َح َ‬ ‫بَ ْع ِ‬
‫ض فَالَ تَ ْق َد ُموا َعلَْي ِ ِ‪َ ،‬وإِذَا‬ ‫ول‪ :‬إِذَا َِمس ْعتُ ْم بِ ِ ِ ِأب َْر ٍ‬ ‫اّلل ‪ ‬يَ ُق ُ‬ ‫َِّ‬
‫ال‪ :‬فَ َح ِم َد َّ‬
‫اّللَ‬ ‫ض َوأَنْ تُ ْم ِِبَا فَالَ ََّتْ ُر ُجوا فِ َرارا ِم ْن ُِ‪ ،‬قَ َ‬ ‫َوقَ َع ِأب َْر ٍ‬
‫ف‪ [ )1( .‬البخاري ‪ 5317 /‬ومسلم ‪] 2211 /‬‬ ‫ص َر َ‬ ‫عُ َم ُر ُُثَّ انْ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلميان بالسمعيات اليت ثبتت بالوحي‬
‫بعد اإلميان مبا تقدم من جوانب اإلميان ال بد من‬
‫اإلميان ابلسمعيات‪.‬‬

‫(‪ )1‬ويف هذا احلديا ما عرفه أهل عصران من احلجر الصحي‬


‫الدقيق‪َ ،‬علَّ َمنا إايه النب ‪ ‬منذ أكثر من أربعة عشر قرانً‪.‬‬
‫املعلومات الغَْيبِيَّةُ اليت تعرف بطريق الوحي‬
‫ُ‬ ‫(‪ )2‬املراد ابلسمعيات‬
‫من القرآن أو السنة‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫وهي كل ما جاء به رسول هللا ‪ ‬سواء كان من‬
‫أمور الغيب‪ ،‬أو من التشريع‪ ،‬أو لري ذلك؛ فهو ‪ ‬ال‬
‫وحي يوحى‪.‬‬ ‫ينطق عن اهلوى إن هو إال ٌ‬
‫فمما جاء به ‪ ‬أنَّه ال ميوت إنسان إال أبجله‬
‫ِ‬
‫اعة‬
‫َجلُ ُه ْم ال يَ ْستَأْخ ُرو َن َس َ‬ ‫قال عز وجل‪ ﴿ :‬فَِإ َذا َج َ‬
‫اء أ َ‬
‫َوال يَ ْسَت ْق ِد ُمو َن ﴾ [األعراف‪ ] 34 /‬وقال سبحانه‪ ﴿ :‬قُ ْل ل َْو ُك ْن تُ ْم‬
‫اج ِع ِه ْم ﴾ [‬ ‫ضِ‬ ‫ب َعلَْي ِه ُم الْ َق ْت ُل إِ َىل َم َ‬ ‫ِيف ب يوتِ ُكم لَب رَز الَّ ِذ ِ‬
‫ين ُكت َ‬ ‫َ‬ ‫ُُ ْ َ َ‬
‫آل عمران ‪.] 154 /‬‬
‫َنف ُقوا ِمن َّما َرَزقْنَا ُكم ِمن قَ ْب ِل أَن‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬وأ ِ‬
‫َ‬
‫َج ٍل قَ ِر ٍ‬
‫يب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول َرب ل َْوَال أَخ َّْرتَِن إ َىل أ َ‬ ‫ت فَ يَ ُق َ‬ ‫َأيِِْتَ أ َ‬
‫َح َد ُك ُم ال َْم ْو ُ‬
‫اّللُ نَ ْفسا إِ َذا‬ ‫ي * َولَن يُ َؤ ِخ َر َّ‬ ‫َص َّد َق َوأَ ُكن ِم َن َّ‬
‫الصاحلِِ َ‬ ‫فَأ َّ‬
‫ن ﴾ [املنافقون‪.] 11 -10 /‬‬ ‫اّللُ َخبِريٌ ِِبَا تَ ْع َملُو َ‬
‫َجلُ َها َو َّ‬ ‫َجاء أ َ‬
‫ومما جاء به ‪ ‬مضاعفة احلسنات‬
‫ومما جاء به ‪ ‬أن هللا تعاىل يضاعف احلسنات‪،‬‬
‫احلسنة بعشر أمثاهلا‪ ،‬والسيئة مبثلها إال أن يتجاوز هللا‬
‫عنها إال أن احلسنات قد يضاعفها هللا أكثر من ذلك إىل‬
‫سبعمائة ضعف إىل أضعاف كثرية‪.‬‬
‫سنَ ِة فَ لَ ُِ َع ْش ُر أ َْمثَ ِاَلَا‬ ‫ِ‬
‫قال سبحانه‪َ ﴿ :‬م ْن َجاءَ اب ْحلَ َ‬
‫لسيِئَ ِة فَال ُْجي َزى إَِّال ِمثْ لَ َها َو ُه ْم ال يُظْلَ ُمو َن ﴾‬
‫َوَم ْن َجاءَ ِاب َّ‬
‫[ األنعام‪.] 130 /‬‬

‫‪78‬‬
‫ين يُ ْن ِف ُقو َن أ َْم َوا ََلُ ْم ِيف‬ ‫َّ ِ‬
‫وجل‪َ ﴿ :‬مثَ ُل الذ َ‬ ‫وقال عز َّ‬
‫ت َس ْب َع َسنَابِ َل ِيف ُك ِل ُس ْن بُ لَ ٍة ِمائَةُ‬ ‫يل َِّ‬
‫اّلل َك َمثَ ِل َحبَّ ٍة أَنْ بَ تَ ْ‬ ‫َسبِ ِ‬
‫يم ﴾ [ البقرة‪/‬‬ ‫شاء و َّ ِ ِ‬ ‫اع ُ ِ‬ ‫ضِ‬ ‫َحبَّ ٍة َو َّ‬
‫اّللُ َواس ٌع َعل ٌ‬ ‫ف ل َم ْن يَ َ ُ َ‬ ‫اّللُ يُ َ‬
‫‪.] 231‬‬
‫الذنوب صغائر وكبائر‬
‫أن الذنوب نوعان‪ :‬كبائر وصغائر‪،‬‬ ‫ومما جاء به ‪َّ ‬‬
‫والتوبة يغفر هللا هبا الكبائر والصغائر‪.‬‬
‫والصغرية يغفرها هللا تعاىل أيضاً برتك الكبائر‬
‫وابألعمال الصاحلة (‪ )1‬قال هللا تعاىل‪ ﴿ :‬إِن َجتْتَنِبُواْ َكبَائَِر َما‬
‫تُ ْن َه ْو َن َعْن ُِ نُ َك ِف ْر َعن ُك ْم َسيِئَاتِ ُك ْم َونُ ْد ِخ ْل ُكم ُّم ْد َخال َك ِرميا ﴾‬
‫[النساء‪.] 31 /‬‬
‫((‬ ‫ول اّللِ ‪َ ‬كا َن يَ ُق ُ‬
‫ول‬ ‫وع ْن أَِيب ُهَريْ َرَة أَن َر ُس َ‬
‫َ‬
‫س َوا ِْلُ ُم َعةُ إِ َىل ا ِْلُ ُم َع ِة َوَرَم َ‬
‫ضا ُن إِ َىل َرَم َ‬
‫ضا َن‬ ‫اخلَ ْم ُ‬
‫ات ْ‬‫الصلَ َو ُ‬
‫َّ‬
‫كبَائُِر )) [ اإلمام أْحد‪/2‬‬ ‫ت الْ َ‬ ‫اجتُنِب ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َما بَ ْي نَ ُه َّن َما ْ َ‬ ‫ُم َكف َر ٌ‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ 400‬ومسلم ‪.] 233 /‬‬

‫ضَّرَر بعض الناس مبعرفة ذلك فتساهلوا ابرتكاب كثري من‬ ‫(‪ )1‬تَ َ‬
‫ت يف قلوهبم اخلشية من هللا تعاىل‪ ،‬فكان‬‫الذنوب‪ ،‬أو ابإلصرار عليها‪ ،‬وقَلَّ ْ‬
‫يف هذا هالكهم‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينبغي أن يتذكر العبد أن االستهانة ابملعصية الصغرية واإلصرار‬
‫عليها جيعلها كبرية وأن الكبائر ليست حمصورة يف السبع املوبقات بل هي‬
‫‪79‬‬
‫اهلل تعاىل ال يغفر أن يُشرَك به إال بالتوبة‬
‫أن املشركني ال يَ ْغ ِف ُر هللا هلم‪ ،‬وال‬
‫ومما جاء به ‪َّ ‬‬
‫خيرجون من النار‪ ،‬واجلنَّةُ ُحمََّرَمةٌ عليهم‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ك‬‫اّللَ ال يَغْ ِف ُر أَ ْن يُ ْش َر َ بِ ِ ِ َويَغْ ِف ُر َما ُدو َن ذَلِ َ‬
‫﴿ إِ َّن َّ‬
‫ظيما ﴾ [النساء‬ ‫ّلل فَ َق ِد افْ ت رى إِ ْْثا ع ِ‬‫شاء ومن ي ْش ِر ْ ِاب َِّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ل َم ْن يَ َ ُ َ َ ْ ُ‬
‫‪.] 41 /‬‬
‫عز وجل‪ ﴿ :‬إِنَّ ِ من ي ْش ِر ْ ِاب َِّ‬
‫ّلل فَ َق ْد َح َّرَم َّ‬
‫اّللُ‬ ‫ُ َْ ُ‬ ‫وقال َّ َّ‬
‫نصا ٍر ﴾ [املائدة‪/‬‬ ‫علَي ِ ِ ا ِْلنَّةَ ومأْواه النَّار وما لِلظَّالِ ِم ِ‬
‫ي م ْن أَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ََ َ ُ ُ ََ‬
‫ِ‬
‫‪ ]72‬وقال سبحانه‪ ﴿ :‬يُ ِري ُدو َن أَ ْن َُيْ ُر ُجوا م َن النَّا ِر َوَما ُه ْم‬
‫يم ﴾ [النساء ‪ ] 41 /‬ولكنه يُ ْغ َف ُر‬ ‫ِخبَا ِرِجي ِم ْن ها وََلم َع َذ ِ‬
‫اب ُمق ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ َ َ ُْ‬
‫هلم إذا تركوا كفرهم وآمنوا ابهلل تبارك وتعاىل وبرسوله ‪،‬‬
‫ين َك َف ُرواْ إِن يَنتَ ُهواْ يُغََف ْر ََلُم َّما قَ ْد‬ ‫ِِ‬
‫قال سبحانه‪ ﴿ :‬قُل للَّذ َ‬
‫‪.]31‬‬ ‫﴾ [األنفال‪/‬‬ ‫ت ُسنَّةُ األ ََّولِ ِ‬
‫ي‬ ‫ض ْ‬ ‫ف َوإِ ْن يَعُ ُ‬
‫ودواْ فَ َق ْد َم َ‬ ‫َسلَ َ‬

‫كبائر ابطنة قد ختفى على كثري من الناس‪،‬‬ ‫ِ‬


‫كثرية‪ ،‬وأن يتذكر أن من الكبائر َ‬
‫ش َما ظَ َه َر ِمْن َها َوَما بَطَ َن ﴾ [ األنعام ‪/‬‬ ‫ِ‬
‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وال تَ ْق َربُوا الَْف َواح َ‬
‫‪ ] 151‬فقد يتصف اإلنسان ابلكرب الذي فسره ‪ ‬أبمرين‪ :‬األول‪ :‬بطر‬
‫ط الناس‪ ،‬أي احتقارهم‪ ،‬وقال عن‬ ‫احلق‪ ،‬أي‪ :‬رف ٍ احلق‪ ،‬والثاين‪َ :‬ل ْم ُ‬
‫هذه الفاحشة الباطنة اليت قد يتصف هبا اإلنسان وهو ال يشعر‪ (( :‬الَ‬
‫ال ذَ َّرٍة ِم ْن كِ ٍْرب )) [ مسلم ‪.] 11 /‬‬ ‫يَ ْد ُخ ُل ا ِْلَنَّةَ َم ْن َكا َن ِيف قَلْبِ ِ ِ ِمثْ َق ُ‬
‫‪80‬‬
‫وعن عمرو بن العاص ‪ ‬قال‪ (( :‬فَ لَ َّما َج َع َل َّ‬
‫اّللُ‬
‫ك‬ ‫ط َميِينَ َ‬ ‫سْ‬ ‫ْت‪ :‬ابْ ُ‬‫َّيب ‪ ‬فَ ُقل ُ‬ ‫ت النِ َّ‬ ‫ا ِإل ْسالَ َم ِيف قَ لِْيب أَتَ ْي ُ‬
‫َك‬‫ال‪َ :‬ما ل َ‬ ‫ت يَ ِدي‪ ،‬قَ َ‬ ‫ضُ‬ ‫ال‪ :‬فَ َقبَ ْ‬‫ط َميِينَ ُِ‪ ،‬قَ َ‬
‫سَ‬ ‫فَأل َُابيِ ْع َ‬
‫ك‪ ،‬فَ بَ َ‬
‫ط‬‫ال‪ :‬تَ ْش ََِ ُ‬ ‫ط‪ ،‬قَ َ‬ ‫ت أَ ْن أَ ْش ََِ َ‬ ‫ْت‪ :‬أ ََر ْد ُ‬
‫ال‪ :‬قُل ُ‬ ‫َاي َع ْم ُرو؟ قَ َ‬
‫َن ا ِإل ْسالَ َم‬
‫ت أ َّ‬ ‫ال‪ :‬أ ََما َعلِ ْم َ‬ ‫ْت‪ :‬أَ ْن يُغْ َف َر ِِل‪ ،‬قَ َ‬ ‫ِِبَاذَا؟ قُل ُ‬
‫ن قَ ْب لَ ُِ؟ )) [ مسلم ‪. ] 121 /‬‬ ‫يَ ْه ِد ُم َما َكا َ‬
‫ذنوب عصاة املؤمنني راجعٌ أمرها ملشيئة اهلل تعاىل‬
‫من عصى هللا تعاىل من املؤمنني ومل يتب يستحق‬
‫عذاب هللا تعاىل‪ ،‬ومن املمكن أن يغفر هللا تعاىل له قال‬
‫اّللَ ال يَغْ ِف ُر أَ ْن يُ ْش َر َ بِ ِ ِ َويَغْ ِف ُر َما ُدو َن ذَلِ َ‬
‫ك‬ ‫تعاىل‪ ﴿ :‬إِ َّن َّ‬
‫ظيما ﴾ [النساء‬ ‫ِاب َِّ‬
‫ّلل فَ َق ِد افْ ت رى إِ ْْثا ع ِ‬ ‫لِ َم ْن يَ َ‬
‫شاءُ َوَم ْن يُ ْش ِر ْ‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫‪.] 41 /‬‬
‫اّللِ ‪ ‬قَ َال‬ ‫ول َّ‬ ‫ت ‪ ‬أ َّ‬
‫َن َر ُس َ‬ ‫الص ِام ِ‬
‫َع ْن عُبَ َادةَ بْ ِن َّ‬
‫حابِِه‪َ (( :‬ابيِعُ ِوين َعلَى أَ ْن َال تُ ْش ِرُكوا‬
‫َص َ‬
‫ِ‬
‫صابَةٌ م ْن أ ْ‬
‫ِ‬
‫َو َح ْولَهُ ع َ‬
‫ّلل َشْي ئا‪َ ،‬وَال تَ ْس ِرقُوا‪َ ،‬وَال تَ ْزنُوا‪َ ،‬وَال تَ ْقتُ لُوا أ َْوَال َد ُك ْم‪َ ،‬وَال‬ ‫ِاب َِّ‬
‫ِ‬ ‫ان تَ ْفَت رونَ ُِ ب ِ‬
‫صوا ِيف‬ ‫ي أَيْدي ُك ْم َوأ َْر ُجل ُك ْم‪َ ،‬وَال تَ ْع ُ‬ ‫ََتْتُوا بِبُ ْهتَ ٍ ُ َ َْ‬
‫اب ِم ْن‬‫َص َ‬ ‫اّلل‪َ ،‬وَم ْن أ َ‬
‫وف‪ ،‬فَمن و َِف ِمْن ُكم فَأَجره علَى َِّ‬
‫ْ ْ ُُ َ‬ ‫َْ َ‬
‫معر ٍ‬
‫َ ُْ‬
‫ِ‬ ‫ب ِيف ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ذَلِ َ‬
‫اب م ْن‬ ‫َص َ‬ ‫الدنْيَا فَ ُه َو َك َّف َارةٌ لَ ُِ‪َ ،‬وَم ْن أ َ‬ ‫ك َشْي ئا فَعُوق َ‬
‫اء َع َفا َعْن ُِ‪َ ،‬وإِ ْن‬ ‫اّلل فَهو إِ َىل َِّ‬ ‫ذَلِ َ‬
‫اّلل‪ :‬إِ ْن َش َ‬ ‫ك َشْي ئا ُُثَّ َسَت َرهُ َُّ ُ َ‬
‫علَى َذلِك )) [البخاري‪11/‬مسلم ‪.]1701‬‬ ‫اء َعاقَبَ ُِ‪ ،‬فَبَايَ ْعنَاهُ َ‬
‫َش َ‬
‫‪81‬‬
‫املسلم ال يكفر بارتكاب الكبائر‬
‫أن املسلم ال يكفر ابرتكاب املعاصي‬ ‫ومما جاء به ‪َّ ‬‬
‫وإن كانت من الكبائر وهو داخل حتت مشيئة هللا يف املغفرة‪،‬‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬إِ َّن اّللَ الَ يَغْ ِف ُر أَن يُ ْش َر َ بِ ِ ِ َويَغْ ِف ُر َما ُدو َن‬
‫شاء ومن ي ْش ِر ْ ِاب ِ‬
‫ّلل فَ َق ِد افْ تَ َرى إِ ْْثا َع ِظيما ﴾‬ ‫َذلِ َ ِ‬
‫ك ل َمن يَ َ ُ َ َ ُ‬
‫[النساء‪. ]41 /‬‬
‫قال أهل العلم‪ :‬وما ورد من الوعيد على ارتكاب‬
‫اخللود يف‬
‫الكفر أو ُ‬ ‫املعاصي من األدلة اليت قد يُ ْف َه ُم منها ُ‬
‫النار فمعناه كفر النعمة‪ ،‬أو املشاهبة ألعمال الكفار‪ ،‬وذلك‬
‫سو ٌق‪َ ،‬وقِتَالُ ُِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ْف ٌر ))‬
‫اب ال ُْم ْسل ِم فُ ُ‬
‫كقول النب ‪ (( : ‬سبَ ُ‬
‫[ البخاري ‪ 41 /‬ومسلم ‪.] 34 /‬‬
‫وقد دل القرآن الكرمي على أن معصية العبد لربه بقتاله‬
‫ألخيه ال خترجه عن دائرة اإلميان‪ ،‬قال هللا تعاىل‪َ ﴿ :‬وإِ ْن‬
‫ان ِمن الْم ْؤِمنِي اقْت ت لُوا فَأ ِ‬
‫[احلجرات‪]1/‬‬ ‫حوا بَ ْي نَ ُه َما ﴾‬
‫َصل ُ‬
‫ْ‬ ‫طَائَِفتَ ِ َ ُ َ َ َ‬
‫(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬إذا أردت مزيداً من البحا يف هذه القضية وجدته يف امللحق‬


‫رقم ( ‪ ) 1‬يف آخر كتاب املنهج املفيد يف بناء اإلميان والعقيدة‪.‬‬
‫‪82‬‬
‫من مقتضيات اإلميان احرتام أهل البيت‬
‫والصحابة وحمبتهم‬
‫وأختم هذه األمور اإلميانية اليت جاء هبا الوحي بذكر‬
‫شيء من فضل أصحاب ِ وأهل بيت ِ ‪ ‬ليكون ذلك ُمعِْي نَاً‬
‫لَنَا على ما جيب علينا من احرتامهم وحمبتهم‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫َجرا إَِّال ال َْم َو َّد َة ِيف الْ ُق ْرَِب‬ ‫ِ‬
‫﴾ [الشورى‪/‬‬ ‫َسأَلُ ُك ْم َعلَْي ِ أ ْ‬
‫﴿قُ ْل ال أ ْ‬
‫‪.] 23‬‬
‫ُت َكأ ٍ ِ ِ‬ ‫ساء النِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ساء‬ ‫َحد م َن الن َ‬ ‫َس َُّ َ‬ ‫َّيب ل ْ‬ ‫وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬اي ن َ‬
‫ض‬‫ض ْع َن ِابلْ َق ْو ِل فَ يَط َْم َع الَّ ِذي ِيف قَ ْلبِ ِ ِ َم َر ٌ‬
‫ُت فَ َال ََّتْ َ‬‫إِ ِن اتَّ َق ْي َُّ‬
‫ْن قَ ْوال َّم ْع ُروفا * َوقَ ْر َن ِيف بُيُوتِ ُك َّن َوَال تَبَ َّر ْج َن تَبَ ُّر َج‬ ‫َوقُل َ‬
‫الزَكاةَ وأ ِ‬ ‫ُوىل َوأَقِ ْم َن َّ‬ ‫اهلِيَّ ِة ْاأل َ‬ ‫ا ِْل ِ‬
‫َط ْع َن َّ‬
‫اّللَ‬ ‫ي َّ َ‬ ‫الص َالةَ َوآتِ َ‬ ‫َ‬
‫الر ْجس أ َْهل الْب ْيتِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ب َعن ُك ُم ِ َ َ َ‬ ‫اّللُ ليُ ْذه َ‬‫َوَر ُسولَ ُِ إَّنَا يُ ِري ُد َّ‬
‫ك ْم تَطْ ِهريا ﴾ [ األحزاب‪.]33-32 /‬‬ ‫َويُطَ ِه َرُ‬
‫وفضل أهل البيت يعم مجيع املؤمنني من أقرابء النب‬
‫‪ ،‬لكن للسيدة فاطمة ولزوجها علي وابنيها احلسن‬
‫واحلسني ‪ ‬مزيةٌ على بقية أهل البيت ‪ ‬ومما يدل على‬
‫ذلك حديا عائشةَ رضي هللا عنها عن النب ‪ ‬قال‪َ (( :‬اي‬
‫ِ‬ ‫فَ ِ‬
‫ساء املُْؤمنِ َ‬
‫يي أ َْو َسي َدةَ‬ ‫ِ‬
‫ض ْي أَ ْن تَ ُك ِوين َسي َدةَ ن َ‬
‫اط َمةُ أ ََما تَ ْر َ‬
‫اء َه ِذهِ األُم ِة؟ )) [ البخاري‪ 3423/‬مسلم ‪. ] 2450 /‬‬ ‫نِس ِ‬
‫َ‬

‫‪83‬‬
‫وعن أيب بكرة ‪ ‬أن النب ‪ ‬قال وهو يشري إىل‬
‫اّلل أَ ْن ي ِ ِ‬
‫صل َح بِ ِ بَ َْ‬
‫ي‬ ‫احلسن ‪ (( :‬إِ َّن ابِْن َه َذا َسيِ ٌد َول ََع َّل ََّ ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ي ع ِظيمت ِ ِ‬
‫)) [ البخاري ‪.] 2757 /‬‬ ‫ي من ال ُْم ْسل ِم َ‬
‫ي‬ ‫فِئَ تَ ْ ِ َ َ َ ْ‬
‫النب ‪ (( : ‬احلَ َ‬
‫س ُن‬ ‫عن أيب سعيد اخلدري ‪ ‬عن ِ‬
‫اب أ َْه ِل ا ِْلن ِ‬
‫َّة )) [ اإلمام أْحد‪ 11012/‬والَمذي‬ ‫ي َسيِ َدا َشبَ ِ‬
‫َ‬ ‫س ُْ‬
‫َواحلُ َ‬
‫وصحح ِ ‪.] 1 3731 /‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬خرج النب ‪ ....‬فجلس‬
‫بفناء بيت فاطمة فجاء احلسن ‪ ‬يشتد حىت عانقه وقبله‬
‫ب من ُِ‬ ‫ِ‬
‫ُيبُّ ُِ )) [ البخاري ‪2013 /‬ومسلم‬ ‫َحبِْب ُِ َوأَح َّ َ ْ‬
‫وقال‪ (( :‬اللَّ ُه َّم أ ْ‬
‫‪.] 2421/‬‬
‫وعن سلمة بن األكوع ‪ ‬أن النب ‪ ‬قال ليلة‬
‫الرايَةَ ‪ -‬أ َْو لَيَأْ ُخ َذ َّن ِاب َّلرايَِة ‪ -‬غَدا‬
‫ي َّ‬‫فتح خيرب‪ (( :‬ألُ ْع ِط َ َّ‬
‫ح َّ‬
‫اّللُ‬ ‫ب َّ‬
‫اّللَ َوَر ُسولَ ُِ يَ ْفتَ ُ‬ ‫ال ُُِي ُّ‬ ‫َر ُج ٌل ُُِيبُّ ُِ َّ‬
‫اّللُ َوَر ُسولُ ُِ أ َْو قَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعلَْي ِ ِ‪ ،‬فَِإذَا ََْن ُن بِ َعل ٍي َوَما نَ ْر ُجوهُ فَ َقالُوا‪َ :‬ه َذا َعل ٌّي‪ ،‬فَأَ ْعطَاهُ‬
‫اّللُ َعلَْي ِ ِ ))‪.‬‬
‫الرايَةَ فَ َفتَ َح َّ‬
‫اّلل ‪َّ ‬‬ ‫ول َِّ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫[ البخاري ‪ 3411 /‬ومسلم ‪] 2407/‬‬
‫أما أصحابه ‪ ‬فهم خري هذه األمة‪ ،‬قال رسول هللا‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين يَلُونَ ُه ْم ))‪.‬‬ ‫‪َ (( : ‬خ ْي ُرُك ْم قَ ْرِين ُُثَّ الذ َ‬
‫ين يَلُونَ ُه ْم ُُثَّ الذ َ‬
‫[ البخاري ‪ 3317 /‬مسلم ‪] 2533 /‬‬

‫‪84‬‬
‫وال يبلغ أحد من هذه األمة درجتهم‪ ،‬قال ‪ (( : ‬ال‬
‫ُح ٍد ذَ َهبا َما بَلَ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫َص َح ِاِّ فَ لَ ْو أ َّ‬
‫َح َد ُك ْم أَنْ َف َق مثْ َل أ ُ‬
‫َن أ َ‬ ‫سبُّوا أ ْ‬
‫تَ ُ‬
‫صي َف ُِ )) [ البخاري‪ 3470 /‬ومسلم ‪.] 2540 /‬‬ ‫م َّد أَح ِد ِهم وَال نَ ِ‬
‫ُ َ َْ‬
‫﴿‬ ‫وأفضلهم السابقون األولون‪ ،‬قال هللا تعاىل‪:‬‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫و َّ ِ‬
‫وه ْم‬ ‫صا ِر َوالذ َ‬
‫ين اتَّبَ عُ ُ‬ ‫الساب ُقو َن ْاأل ََّولُو َن م َن ال ُْم َهاج ِر َ‬
‫ين َو ْاألَنْ َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫َع َّد ََلُ ْم َجنَّات َجتْ ِري‬
‫ضوا َع ْن ُِ َوأ َ‬ ‫ِ‬
‫سان َرض َي َّ‬
‫اّللُ َعْن ُه ْم َوَر ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ‬
‫إب ْح َ‬
‫يم ﴾ [‬ ‫ِ‬ ‫ين فِ َيها أَبَدا َذلِ َ‬ ‫ِِ‬
‫ك الْ َف ْوُز ال َْعظ ُ‬ ‫ار َخالد َ‬ ‫َْحْتَ َها ْاألَنْ َه ُ‬
‫التوبة‪.]100/‬‬
‫وخري السابقني اخللفاءُ الراشدون‪ ،‬أبو بكر وعمر‬
‫وعثمان وعلي ‪ ،‬وهم القدوة الثانية لألمة بعد نبيها ‪‬‬
‫نت واالخ ِ‬
‫تالف‬ ‫‪ ،‬وما كانوا عليه هو الضياء عند ظلمات الف ِ‬
‫سيَ َرى ا ْختِالَفا‬ ‫ِ‬ ‫قال ‪ (( : ‬فَِإن ِ من يعِ ِ‬
‫ش م ْن ُك ْم بَ ْعدي فَ َ‬
‫ُ َْ َ ْ‬
‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫سن ِِت َو ُسن ِة ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين املَْهدي َ‬
‫اخلُلَ َفاء الراشد َ‬ ‫َكثريا‪ ،‬فَ َعلَْي ُكم ب ُ‬
‫اج ِذ ))‪.‬‬‫َتََس ُكوا ِِبا‪ ،‬و َعضوا َعلَْي َها ِابلن و ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫[ الَمذي وصحح ِ ‪2113 /‬وأبو دواد‪] 4307 /‬‬
‫ومن السابقني األولني أهل بيعة الرضوان‪ ،‬قال هللا‬
‫ِ‬ ‫﴿ لََق ْد ر ِ‬
‫ت‬ ‫ك َْحْ َ‬ ‫اّللُ َع ِن ال ُْم ْؤمنِ َ‬
‫ي إِ ْذ يُبَايِعُونَ َ‬ ‫ض َي َّ‬ ‫َ‬ ‫تعاىل‪:‬‬
‫الش َج َرةِ فَ َعلِ َم َما ِيف قُلُوِبِِ ْم فَأَنْ َز َل َّ‬
‫الس ِكينَةَ َعلَْي ِه ْم َوأ َََبَ ُه ْم‬ ‫َّ‬
‫فَ ْتحا قَ ِريبا ﴾ [ الفتح‪.] 11 /‬‬

‫‪85‬‬
‫الفصل الثالث ميزان اإلميان‬
‫اّللِ ‪ (( :‬ال ُْم ْؤِم ُن الْ َق ِو ُّ‬
‫ي‬ ‫ول َّ‬ ‫َع ْن أَِيب ُهَريْ َرَة قَ َال قَ َال َر ُس ُ‬
‫َّع ِ‬ ‫املؤِم ِن الض ِ‬
‫اّلل ِم َن ْ‬ ‫ب إِ َىل َِّ‬
‫اح ِر ْ‬
‫ ْ‬ ‫يف َوِيف ُك ٍل َخ ْي ٌر ْ‬ ‫َح ُّ‬
‫َخ ْي ٌر َوأ َ‬
‫كو ِ ِ‬
‫ّلل وَال تَ ْع ِ‬
‫ج ْز )) [ اإلمام أْحد ‪1777 /‬‬ ‫استَع ْن ِاب َّ َ‬
‫َعلَى َما يَ ْن َفعُ َ َ ْ‬
‫ومسلم ‪.] 2334 /‬‬
‫وإذا كان حتصيل القوة مطلوابً من املسلم يف كل‬
‫أكثر يف جانب اإلميان‪،‬‬ ‫جانب يف حياته فإهنا مطلوبة َ‬
‫ويكو ُن ذلك ابحلرص والسعي مع االستعانة ابهلل تعاىل‪،‬‬
‫ويساعده على ذلك وجود موازين يزن هبا إميانه كما حيتاج‬
‫من كان عنده ضعف يف جسده بسبب زايدة السكر‪ ،‬أو‬
‫الشحوم‪ ،‬أو ارتفاع ضغط الدم إىل موازي ِن السكر والضغط‬
‫ولريها‪.‬‬
‫وهذا امليزان ل ِ جانبان‪:‬‬
‫اِلانب األول‪ :‬األحوال والصفات واألعمال اليت‬
‫أرشدان هللا إليها ومدح أهلها‪ ،‬وهي شعب اإلميان اليت ذكرها‬
‫اإلميَا ُن بِ ْ‬
‫ض ٌع َو َس ْب عُو َن ُش ْعبَة‪َ .‬وا ْحلَيَاءُ‬ ‫رسول هللا ‪ ‬بقوله‪ْ (( :‬‬
‫ْش ْعبَةٌ ِم َن ْ‬
‫اإلميَان‬
‫[ البخاري ‪ 1 /‬ومسلم‪.] 35 /‬‬ ‫))‬

‫واِلانب الثاين‪ :‬هو األحوال والصفات واألعمال اليت‬


‫حرمها هللا علينا‪ ،‬وذمها‪ ،‬أو ذم أهلها‪ ،‬وهي احملرمات‬
‫والفواحش‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫مثل بِ ِر الوالدين‬
‫خصال ظاهرةٌ ُ‬‫ٌ‬ ‫واجلانب األول فيه‬
‫وخصال خفيةٌ‪،‬‬‫ٌ‬ ‫البكاء من خشية هللا‪،‬‬‫وصلة الرحم‪ ،‬و ِ‬
‫كاحلياء من هللا تعاىل‪ ،‬ومراقبته‪ ،‬واخلوف من سوء احلساب‪.‬‬
‫خصال ظاهرةٌ كالزان وأكل‬
‫ٌ‬ ‫كذلك اجلانب الثاين فيه‬
‫أموال الناس ابلباطل‪.‬‬
‫من‬
‫وخصال خفيةٌ كالكرب والشحناء والرايء‪ ،‬واألمن ْ‬ ‫ٌ‬
‫عذاب اآلخرة‪.‬‬
‫ويفيدان يف هذا تدبر آايت القرآن الكرمي يف أمره‬
‫وهنيه‪ ،‬ومدحه وذمه‪ ،‬ويف قصصه وأخباره‪ ،‬ويف ذكره لعوامل‬
‫اآلخرة وأحواهلا‪ ،‬وكذلك يف سنة النب ‪ ‬وأخباره مع‬
‫السابقني األولني ‪ ‬وأن ننظر فيما ما كتبه أهل العلم يف‬
‫بيان شعب اإلميان ككتاب ُشعب اإلميان للبيهقي وحنوه‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫مع النظر إىل أحوال الصحابة ‪ ‬يف هذه الشعب‬
‫وقد ابت مجاعة من السلف يتلو الواحد منهم آية‬
‫واحدة ليلة كاملة أو معظم ليلة يتدبرها عند القراءة (‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ومن ذلك ما ذكره النووي يف التبيان ‪ 44 -43 /‬عن أيب‬


‫ذر ‪ ‬قال‪ :‬قام النب ‪ِ ‬بية يرددها حىت أصبح واآلية (( إِ ْن تُ َع ِذبْ ُه ْم‬
‫ِ‬
‫اد َ )) اآلية‪ [ .‬رواه النسائي وابن ماج ِ ]‪ .‬وعن متيم الداري‬ ‫فَِإنَّ ُه ْم عبَ ُ‬
‫‪87‬‬
‫وما ذُكر يف هذا الفصل ليس دراسة معلومات‪ ،‬بل هو‬
‫تذكرةٌ ينتفع هبا املوفقون احلريصون على النجاة‪ ،‬مع االستعانة‬
‫ابهلل تعاىل‪.‬‬

‫الفصل الرابع ملحقات مهمة ال بد من معرفتها‬


‫امللحق رقم ( ‪ ) 0‬األولياء وكراماتهم‬
‫اإلميان ابلرس ل املعجز ِ‬
‫ات‪ ،‬وتُ ْذ َك ُر‬ ‫ِ‬ ‫ذكرت يف حبا‬
‫امات األولياء مع املعجزات‪ ،‬وقد انتش رت‬
‫يف العادة كر ُ‬
‫ات لري صحيحة تتعلق ابألولياء‬‫ضالالت خطرية وتصور ٌ‬
‫ٌ‬
‫وكراماِتم فرأيت من الضروري أن أذكر جوانب من ضياء‬
‫العلم فيما يتعلق هبذه القضية‪ ،‬وذلك يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -0‬الكرامات موجودة مع علمي ابنتش ار أكاذيب‬
‫وحكاايت لري واقعة تنس ب لفالن أو فالن‪ ،‬ويوص ف‬
‫السيِئَ ِ‬
‫ات‬ ‫اجتَ َر ُحوا َّ‬ ‫‪ ‬أنه كرر هذه اآلية حىت أصبح (( أَم ح ِس َّ ِ‬
‫ين ْ‬
‫ب الذ َ‬‫ْ َ َ‬
‫أَ ْن ََّْنعلَهم َكالَّ ِذين ءامنُوا و َع ِملُوا َّ ِ‬
‫احل ِ‬
‫ات )) ‪.‬‬‫الص َ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َ ُْ‬
‫اّلل عنها وهي‬
‫وعن عبادة بن محزة قال دخلت على أمساء رضي َّ‬
‫ِ‬ ‫تقرأ (( فَ َم َّن َّ‬
‫فت عندها فجعلت‬ ‫الس ُموم )) فوق ُ‬
‫اب َّ‬
‫اّللُ َعلَْي نَا َوَوقَ َاَن َع َذ َ‬
‫فقضيت حاجيت مث‬
‫ُ‬ ‫فذهبت إىل السوق‬
‫ُ‬ ‫علي ذلك‬ ‫تعيدها وتدعو فطال َّ‬
‫رجعت وهي تعيدها وتدعو اه ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫‪88‬‬
‫كثري منهم جزاف اً أبهنم أولي اء ومن أحب اب هللا تعاىل‪ ،‬مع‬
‫علمي ب ذل ك أقول‪ :‬كرام ات األولي اء ُمكن ة وواقع ة وإن‬
‫لكن‬
‫كان كثري مما يتحدث به الناس منها لري ص حيح‪َّ ،‬‬
‫كثرياً من الكرامات اثبت يف األحاديا الص حيحة؛ فال‬
‫يصح إنكار وجود كرامات لألولياء‪.‬‬
‫ومن ذل ك م ا أكرم هللا تع اىل ب ه لالم قص ة‬
‫أص ح اب األخ دود ال ذي آمن ابهلل تع اىل عن طريق‬
‫الراهب ونَبَ َذ ضالالت الساحر‪ ،‬فقد أكرمه هللا عز وجل‬
‫أبنه كان يربئ األكمه واألبرص‪ ،‬ويداوي الناس من سائر‬
‫األدواء‪ ،‬وكان يقول للمريض‪ :‬إين ال أش في أحداً‪ ،‬إمنا‬
‫يش في هللاُ‪ ،‬فإ ْن أنت آمنت ابهلل دعوت هللا فش فاك‪،‬‬
‫وذلك يف قصة أصحاب األخدود الطويلة‪ ،‬وقد تضمنت‬
‫تلك القصة كر ٍ‬
‫امات كثريةً هلذا الغالم‪.‬‬
‫[ أخرجها اإلمام أْحد يف مسنده ‪ 23173 /‬ومسلم ‪] 3005/‬‬
‫وكذلك كرامة ُجَريْ ٍج الذي كان عابداً يف صومعته وقد‬
‫ت إليه امرأةٌ مجيلة لتفتنه فلم يلتفت إليها‪ ،‬فأتت راعياً‬ ‫ِ‬
‫أُرسلَ ْ‬
‫قُرب صومعته فأمكنته من نفسها فحملت منه وولدت‬

‫‪89‬‬
‫وقالت‪ :‬هو من جريج‪ ،‬فأنطق هللا تعاىل الصب برباءته‪،‬‬
‫وأخرب أن أابه فالن الراعي‪[.‬البخاري‪ 3253/‬ومسلم‪]2550/‬‬

‫‪ -1‬من هو الولي؟‬
‫اجلواب أنخ ذه من ص ريح القرآن الكرمي‪ ،‬ق ال‬
‫ف َعلَْي ِه ْم َوالَ ُه ْم َُْي َزنُو َن *‬ ‫تعاىل‪ { :‬أَال إِ َّن أَولِياء ِ‬
‫اّلل الَ َخ ْو ٌ‬ ‫َْ‬
‫} [ يونس ‪.] 33 – 32 /‬‬ ‫آمنُواْ َوَكانُوا يَتَّ ُقو َن‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬
‫ف الويل ل ه وص ف ان ال ب د منهم ا‪ ،‬ومه ا اإلمي ان‬
‫والتقوى‪ ،‬وكلما زاد اإلميان والتقوى كانت الوالية أكمل‪.‬‬
‫‪ -1‬ال تالزم بني الوالية والكرامة (األمر اخلارق‬
‫لقوانني الطبيعة‬
‫ال يلزم من وجود الوالية يف شخص أن تظهر على‬
‫يديه الكرامة واألمور اخلارقات‪.‬‬
‫التقي‪ ،‬وليس ت الكرامة جزءاً من‬
‫فالويل هو املؤمن ُّ‬
‫ُّ‬
‫اإلمي ان‪ ،‬وال جزءاً من التقوى؛ فمن البع د عن العلم م ا‬
‫ٍ‬
‫إنسان ابلوالية؛ ألن ِ ظهر على‬ ‫كثر يف عصرَن من وصف‬
‫يده أمر خارق للعادة‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫وال ينتب ه هؤالء املتكلمون أن األمور اخلارقة للعادة‬
‫قد تظهر على يد مس لم فاس ق‪ ،‬أو على يد بعض كفرة‬
‫اهلن د‪ ،‬بل س تظهر أمور خارقة للعادة على يد الدجال‬
‫كما ثبت يف األحاديا الصحيحة‪.‬‬
‫وق د كثر عن د بعض الن اس احل دي ا عن الكرام ات‪،‬‬
‫الغالب على كثري من أحاديثهم‪ ،‬مع بعدهم‬
‫َ‬ ‫حىت ص ارت‬
‫عن العلوم الش رعية‪ ،‬وكثريٌ مما يتحدثون عنه عند التحقيق‬
‫ال وجود ل ه‪ ،‬وق د ي ذكرون أموراً يتومهوهن ا خ ارق ة وليس ت‬
‫كذلك‪.‬‬
‫لكن الص احلني إذا جلس وا مع الناس حيدثوهنم أبمور‬‫َّ‬
‫دينهم ف الغ ال ب على أح اديثهم االهتم ام مب ا هم حمت اجون‬
‫إليه‪ِ ،‬هبدي القرآن الكرمي وهدي النب ‪ ‬وابلعلم الش رعي‬
‫ومل يكونوا يش غلون الن اس ابحلك اايت املرتبط ة خبوارق‬
‫العادات‪.‬‬
‫‪ -1‬ال جنزم بوالية إنسان إال عن طريق الوحي‬
‫اإلهلي‬
‫َعلَّ َمنَ ا اإلس الم أن ال نتكلم إال بعلم‪ ،‬ووالي ةُ‬
‫اإلنس ان هلل تعاىل مرتبطةٌ بظاهره وابطنه‪ ،‬وحنن نَطَّلِ ُع على‬

‫‪91‬‬
‫الظ اهر وحنكم ب ه‪ ،‬أم ا الب اطن فحكم ه عن د هللا تع اىل‬
‫وحده‪ ،‬نس تطيع أن نص ف إنساانً ابحملافظة على الصالة يف‬
‫املس جد وجنزم بذلك؛ ألننا نراه‪ ،‬وال نس تطيع أن نص ف‬
‫إنس اانً ابإلخالص هلل تعاىل مع اجلزم بذلك‪ ،‬ألننا ال نَطَّلِ ُع‬
‫على قلبه‪ ،‬وميكن أن نظن اإلخالص فيه ظنَّاً‪.‬‬
‫ويل هلل تعاىل‪ ،‬أو‬ ‫فمن اخلطأ أن جنزم يف إنس ان أنه ٌ‬
‫أن ه من أه ل اجلنة‪ ،‬أو أنه من أحباب هللا تعاىل إذا مل يرد‬
‫يف ذل ك وحي من هللا تع اىل‪ ،‬ويس عن ا أن نظن في ه أن ه‬
‫ويل‪ ،‬أو أنه من أهل اجلنة‪ ،‬ونرتك السرائر والعواقب لعالم‬
‫الغيوب سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫وهذا ما علمه النب ‪ ‬ألصحابه ‪ ‬فعندما وصف‬
‫ك َع ْن‬ ‫ول ِ‬
‫اّللَ َما لَ َ‬ ‫س عد ‪ ‬رجالً ابإلميان بقوله‪َ (( :‬اي َر ُس َ‬
‫اّلل ‪ : ‬أ َْو ُم ْس ِلما‬ ‫ول ِ‬‫ال َر ُس ُ‬‫فُالَ ٍن؟ فَ َوهللا إِين أل ََراهُ ُم ْؤِمنا‪ ،‬فَ َق َ‬
‫)) وتكرر ذل ك احلوار ثالث مرات‪ ،‬مث ق ال ‪ (( : ‬إِين‬
‫َحب إِ َِل ِمْن ُِ َخ ْش يَةَ أَ ْن يُ َكب ِيف النا ِر‬ ‫ِ‬
‫ألُ ْعطي الر ُج َل َوغَْي ُرهُ أ َ‬
‫َعلَى َو ْج ِه ِ )) [ البخاري‪27 /‬ومسلم‪.]150/‬‬
‫قال النووي رمحه هللا تعاىل يف ش رحه هلذا احلديا‪:‬‬
‫معناه النهي عن القطع ابإلميان‪ ،‬وأن لفظة اإلس الم أوىل ب ِ‪،‬‬

‫‪92‬‬
‫ف إن اإلس الم معلوم حبكم الظ اهر‪ ،‬وأم ا اإلمي ان فباطن ال‬
‫يعلم ِ إال هللا تعاىل اه ‪.‬‬
‫وك ذل ك عن دم ا م ات عثم ان بن مظعون ‪ ‬ق ال ت‬
‫ك أ ََاب‬ ‫أم العالء وهي من األنص ار املبايعات‪ (( :‬ر ْْحةُ َِّ‬
‫اّلل َعلَْي َ‬ ‫ََ‬
‫َّيب ‪َ ‬وَما‬ ‫ال النِ ُّ‬ ‫ك َّ‬
‫اّللُ‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ادِِت َعلَْي َ‬
‫ك لََق ْد أَ ْك َرَم َ‬ ‫ش َه َ‬ ‫الس ائِ ِ‬
‫ب فَ َ‬ ‫َّ‬
‫ول َِّ‬
‫اّلل فَ َم ْن‬ ‫ت َاي َر ُس َ‬ ‫ْت ِأبَِِّ أَنْ َ‬ ‫َن َّ‬
‫اّللَ قَ ْد أَ ْك َرَم ُِ؟ فَ ُقل ُ‬ ‫ي ْد ِر ِ‬
‫يك أ َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬‫ي َو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يُ ْكرُم ُِ َّ‬
‫اّلل إين َأل َْر ُجو لَ ُِ‬ ‫اءهُ الْيَق ُ‬
‫ال أ ََّم ا ُه َو فَ َق ْد َج َ‬‫اّللُ؟ فَ َق َ‬
‫ت فَو َِّ‬ ‫ول َِّ‬ ‫اّلل َم ا أَ ْد ِري َوأ َََن َر ُس ُ‬ ‫اخلَي ر‪ ،‬و َِّ‬
‫اّلل‬ ‫اّلل َما يُ ْف َع ُل ِِّ‪ ،‬قَالَ ْ َ‬ ‫َْْ َ‬
‫ِ‬
‫َحدا بَ ْع َدهُ أَبَدا )) [ البخاري ‪.] 1113 /‬‬ ‫َال أَُزكي أ َ‬
‫ال‪َ (( :‬م ْن َك ا َن‬ ‫وعن أَِيب بَكَْرَة ‪ ‬عن النب ‪ ‬قَ َ‬
‫اّللُ َح ِس يبُ ُِ‬‫ب فَُالَن َو َّ‬ ‫َخاهُ َال َحمَالَةَ فَلْي ُقل أ ِ‬ ‫ِم ْن ُكم م ِ‬
‫َحس ُ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ادحا أ َ‬ ‫َْ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َحس بُ ُِ َك َذا َوَك َذا إ ْن َكا َن يَ ْعلَ ُم ذَل َ‬ ‫ِ‬‫َوَال أُ َزكِي َعلَى َّ‬
‫َحدا أ ْ‬ ‫اّلل أ َ‬
‫ِم ْن ُِ ))‪[ .‬البخاري‪ 2513/‬ومسلم‪] 3000/‬‬
‫قال النووي ‪ :‬قوله‪( :‬وال أزكي على هللا أحدا) أي ال‬
‫أقطع على ع اقبة أحد وال ض م ِريه؛ ألن ذلك ُمغَيَّ ٌ‬
‫ب َعنَّا‪،‬‬
‫ولكن أحسب وأظن‪ ،‬لوجود الظاهر املقتضي لذلك اه ‪.‬‬
‫‪ -1‬األولياء ال يتصرفون يف شيء من هذا الكون‬
‫ما يتومهه بعض الناس أن هلل عباداً وص لوا إىل مرتبة‬
‫من الوالي ة‪ ،‬يعلمون ك ل ش يء‪ ،‬أويقولون للش يء كن‬

‫‪93‬‬
‫فيكون‪ ،‬عقي دةٌ ابطل ة خطرية من أقبح الباطل‪ ،‬تنايف عقيدةَ‬
‫(( وحدانية هللا تعاىل ))‪.‬‬
‫ويربط هؤالء ه ذا الض الل املبني الب اط ل ابألولي اء‬
‫وأبهل هللا‪ ،‬ورمبا انتس بوا إىل بعض أهل العلم والفض ل‬
‫والدعوة واإلص الح كالش يخ عبد القادر اجليالين رمحه هللا‬
‫تعاىل أولريه‪.‬‬
‫ومن اطلع على ترمجة هذا الش يخ الفاض ل يف كتب‬
‫الثقات رأى أش َّد التناقض بني س ريته وما كان يدعو إليه‬
‫يخ‬
‫من جه ة وبني ه ذا الب اط ل ال ذي يتربأ من ه ه ذا الش ُ‬
‫مجيع املؤمنني‪.‬‬
‫وأمثالُه‪ ،‬ويتربأ منه ُ‬
‫ولوال أين أرى انتش اراً ملثل هذا ِ‬
‫الغلو اخلطري ملا كان‬
‫من احلكم ة أن أش غ ل اإلخوة الق ارئني مبا ال حاجة إليه‪،‬‬
‫ولكن ه ذه األفك ار اخلطرية موجودة ومنتش رة‪ ،‬فمن‬
‫الضروري التحذير منها‪.‬‬
‫‪ -1‬ال يصح اعتبار اجملنون أو املعتوه من األولياء‬
‫ينظر بعض الن اس إىل بعض اجمل انني واملعتوهني‬
‫أبهنم أولي اء‪ ،‬ب ل يتخ ذوهنم مرش دين هلم‪ ،‬يطيعوهنم‬
‫وخيش ون من خمالفتهم‪ ،‬ويس تش ريوهنم يف األمور املهمة‬
‫املتعلق ة ابجل ان ب ال ديين وال دنيوي‪ ،‬وه ذا هنج لري‬
‫‪94‬‬
‫ص حيح‪ ،‬ف اجملنون واملعتوه ك لٌّ منهم ا لريُ مكلف‪ ،‬وال‬
‫يوصف بطاعة وال عصيان‪ ،‬فكيف يوصف ابلوالية‪.‬‬
‫من اخلري أن نرحم هؤالء وأن نكرمهم‪ ،‬ب ل ينبغي أن‬
‫يرى أحدان أهنم خري منه‪ ،‬ألهنم ال ذنوب هلم بس بب أهنم‬
‫لري مكلفني‪ ،‬فهو عن ده ذنوب وس يئ ات‪ ،‬وهم ط اهرون‬
‫منها‪.‬‬
‫روح املعاين بطال َن‬‫وقد أدرك األلوس ي يف تفس ريه ِ‬
‫هذه النظرة فقال حمذراً عند تفس ري قوله تعاىل‪{:‬إ ْن أوليا ُؤه إال‬
‫املتقون }‪ :‬وغ ال ب اِلهل ة اليوم على أن الوِل هو اجملنون‬
‫ويعربون عن ِ ابجمل ذوب‪ ،‬ص دقوا ولكن عن اَل دى‪ ،‬وكلم ا أطبق‬
‫جنون ِ وكثر هذاين ِ واس تقذرت النفوس الس ليمة أحوال ِ كانت‬
‫واليت ِ أكمل وتصرف ِ يف ملك هللا تعاىل أُت اه‪.‬‬
‫[ روح املعاين ج‪] 202 / 1 /‬‬
‫‪ -1‬أعظم الكرامات االستقامة على هدي النيب ‪‬‬
‫التحقق ابإلمي ان‬ ‫أعظم الكرام ات يف ه ذه احلي اةِ‬
‫ُ‬
‫والتقوى واالس تق ام ةُ على ه دي النب ‪ ‬مما حيقق للعبد‬
‫العبوديةَ ليعيش عبداً ص احلاً طيباً خيش ى هللا تعاىل ويرجو‬
‫أن يلحقه هللا تعاىل ابلصاحلني‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫ب ال ُقلُ ِ‬ ‫ِ‬
‫وب‬ ‫أكثر دعاء رسول اّلل ‪ (( : ‬اي ُم َقل َ‬ ‫وكان ُ‬
‫ينك )) [اإلمام أْحد‪23721/‬والَمذي‪.]3522 /‬‬ ‫ثَبِت قَلْيب على ِد َ‬
‫ب‬‫وكذلك س يدان يوس ف ‪ ‬يف آخر قص ته ‪َ { :‬ر ِ‬
‫ث فَ ِ‬ ‫ك و َعلَّمتَِن ِمن ََتْ ِوي ِل األَح ِادي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اط َر‬ ‫َ‬ ‫قَ ْد آتَْيتَِن م َن ال ُْم ْل َ ْ‬
‫الدنُيا و ِ‬
‫اآلخ َرةِ تَ َوفَِّن ُم ْس لِما‬ ‫ض أ َ ِِ‬ ‫الس ماو ِ‬
‫َنت َوليي ِيف ُّ َ َ‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫َّ َ َ‬
‫ي } [ يوسف‪.]101 /‬‬ ‫لصاحلِِ َ‬‫َوأَ ْحلِْقِن ِاب َّ‬
‫امللحق رقم ( ‪) 1‬‬
‫الغيب ال يعلمه إال اهلل تعاىل والتحذير من كهانات‬
‫منتشرة باسم االستخارة‬
‫من عقي دتن ا أن هللا َو ْح َده يعلم الغي ب وال يعلم‬
‫الس ماو ِ‬
‫ات‬ ‫الغيب س واه‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬قُ ْل َال يَ ْعلَ ُم َم ْن ِيف َّ َ َ‬
‫َاي َن يُْب َعثُو َن ﴾‬ ‫ب إَِّال َّ‬
‫اّللُ َوَم ا يَ ْش عُ ُرو َن أ َّ‬ ‫َو ْاأل َْر ِ‬
‫ض الْغَْي َ‬
‫[النمل‪.]35/‬‬
‫من أمراض عصرنا حماولة استطالع املستقبل‬
‫ومن أمراض عص ران أن كثرياً من أبناء ُمتمعاتنا حياولون‬
‫ليب املستقبل يف أمور منها‪:‬‬
‫أن يستطلعوا َ‬
‫حم اول ةُ معرف ة وجود توافق أو تن افر بني اخل اط ب‬
‫واملخطوب ة‪ ،‬ومعرف ة وجود التوفيق أو ع دم ه يف جت ارة أو‬
‫صناعة أو شركة‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫ليب لس وء العالقة بني‬ ‫ومنها‪ :‬حماولة معرفة س ٍ‬
‫بب ٍ‬
‫مشكلة‪ ،‬أو معر ِفة ٍَ مكان‬
‫ٍ‬ ‫سبب ليب ٍ‬
‫ملرض أو‬ ‫زوجني‪ ،‬أو ٍ‬
‫الض الَّة من متاع أو حيوان‪ ،‬أو مكان املس روق‪ ،‬أو معرفة‬
‫َم ِن الس ُ‬
‫ارق أو س بب ليب لتأخر زواج البنات الاليت أتخر‬
‫زواجهن وحنو ذلك‪ ،‬وكل ذلك عن طريق الكهانة أبش كال‬
‫خمتلفة‪.‬‬
‫انتشار الكهانة باسم االستخارة‬
‫أانس من الرج ال‬
‫وق د وج د يف بالد املس لمني ٌ‬
‫والنس اء‪ ،‬يزعمون أهنم يس تطلعون الغيب‪ ،‬أيتيهم النس اء‬
‫والرجال يطلبون منهم معرفة األمور الغيبية الس ابقة ولريها‬
‫فيجيبوهنم بكه اانُّتم املختلف ة‪ ،‬ويُ َس ُّمون الوس ائل اليت‬
‫يلبسون فيها على الناس استخارة‪.‬‬
‫ادعاؤهم معرفةَ الغيب عن طريق رؤاي‬
‫من وس ائلهم‪ُ :‬‬
‫من امي ٍة‪ ،‬وق د تق دم يف اإلض اءات أن م ا يتعلق برؤاي لري‬
‫ديين‬
‫علم‪ ،‬وال يُعتم د علي ه ال يف أمر ٍ‬
‫األنبي اء ال يبىن علي ه ٌ‬
‫وال دنيوي‪ ،‬وتقدم أن الغيب ال يعلمه إال هللا وحده؛ فكل‬
‫من أخرب أبنه س يكون كذا أو كذا من أمور ليبية‪ ،‬اعتماداً‬
‫على م ا تق دم‪ ،‬أو على حنوه من الكه اانت فكالم ه رجم‬
‫ابلغيب‪ ،‬واملتكلم كاهن‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫ومنه ا‪ :‬فتح املص حف عند قيامه ابلكهانة وزعمه‬
‫أنه بنظره فيه يعرف ما يرجوه السائل من أمور ليبية‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫اس تعمال ما يس مونه تبييت األثر‪ ،‬حيا أيخذ الكاهن ثوابً‬
‫أو حنوه من آاثر إنس ان فَيُبَيِتُ هُ عن ده‪ ،‬ويزعم يف الغ د أن ه‬
‫الغيب الذي يريدونه‪.‬‬ ‫عرف األمر َّ‬
‫ومن أييت هؤالء ليس تطلع الغي ب يف تلك األمور‬
‫وحنوها فإنه مرتكب ملعص ية كبرية‪ ،‬ومش ابه يف عمله هذا‬
‫سأَلَ ُِ َع ْن َش ْي ٍء‬
‫للكفار‪ ،‬قال رسول هللا ‪َ (( ‬م ْن أَتَى َع َّرفا فَ َ‬
‫ي ل َْي لَة )) [ مسلم ‪ ]2230 /‬وقال ‪:‬‬ ‫صالَةٌ أ َْربَ ِع َ‬
‫َِلْ تُ ْقبَ ْل لَ ُِ َ‬
‫ول فَ َق ْد َك َف َر ِِبَا‬
‫ص َّدقَ ُِ ِِبَا يَ ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫(( َم ْن أَتَى َك اهنا أ َْو َع َّرافا فَ َ‬
‫أُنْ ِز َل َعلَى ُحمَ َّم ٍد ‪ [ )) ‬اإلمام أْحد ‪.]1532 /‬‬
‫وق ال اخلط ايب‪ :‬والفرق بني العراف والك اهن أن‬
‫الك اهن إمن ا يتع اطى األخب ار عن الكوائن يف املس تقب ل‬
‫ويدعي معرفة األس رار‪ ،‬والعراف يتعاطى معرفة الش يء‬
‫املسروق ومكان الضالة وحنومها‪.‬‬
‫ق ال العلم اء‪ :‬إمن ا هنى عن إتي ان الكه ان ألهنم‬
‫يتكلمون يف مغيبات قد يصادف بعضها اإلصابة فيخاف‬
‫الفتنة على اإلنس ان بس بب ذلك ألهنم يلبس ون على‬
‫الن اس كثرياً من أمر الش رائع‪ ،‬وق د تظ اهرت األح ادي ا‬
‫الص حيحة ابلنهي عن إتيان الكهان وتص ديقهم فيما‬
‫‪98‬‬
‫يقولون‪ ،‬وحترمي م ا يعطون من احللوان وهو حرام مج اع‬
‫املسلمني‪ [ .‬انظر شرح النووي على مسلم ‪] 22 / 5‬‬
‫حقيقة االستخارة‬
‫االس تخارة أن يطلب العبد من هللا تعاىل أن خيتار‬
‫له األمر األحس ن ملص لحة العبد وأن ييس ره له؛ ألنه وحده‬
‫ال ذي يعلم الغي ب والق ادر عليه‪ ،‬وليس لالس تخارة معىن‬
‫آخر‪ ،‬وما عرف الص حابة ‪ ‬إال هذا املعىن‪ ،‬وقد تغريت‬
‫مفاهيم الناس عن املفهوم الص حيح لالس تخارة‪ ،‬وص ار‬
‫ب‬‫هدفهم يف الغالب أن يس تطلعوا الغيب وهذا ما َس بَّ َ‬
‫انتش ار الكهانة ابس م االس تخارة‪ ،‬وقد بني النب ‪ ‬حقيقة‬
‫ابألم ِر فَ لْيَ رَك ْع رْك َعتَ ْ ِ‬
‫ي‬ ‫االس تخارة بقوله‪ (( :‬إذَا َه َّم َ‬
‫أح ُد ُك ْم ْ‬
‫ْ َ‬
‫ك‪،‬‬ ‫أس تَ ِخريُ َ بِ ِعل ِْم َ‬ ‫هم ِإين ْ‬ ‫يض ِة‪ُُ ،‬ثَّ لِيَ ُق ِل‪ :‬اللَّ َّ‬ ‫ِم ْن غَ ِْري ال َف ِر َ‬
‫ُك ِم ْن فَ ْ‬ ‫ِ‬
‫ك‬‫الع ِظ ِيم‪ ،‬فإنَّ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ض لِ َ‬ ‫ك‪َ ،‬وأس أل َ‬ ‫وأس تَ ْق ِد ُر َ بِ ُق ْد َرت َ‬‫ْ‬
‫ِ‬
‫ت َعال ُم الغُيُوب‪،‬‬‫َّ‬ ‫ِ‬
‫تَ ْق د ُر وال أَقْ د ُر‪َ ،‬وتَ ْعلَ ُم َوال أ ْعلَ ُم‪ ،‬وأنْ َ‬ ‫ِ‬
‫أن ه َذا األمر َخي ر ِل ِيف ِدين ومع ِ‬ ‫اللَّ َّ‬
‫اشي‬ ‫ََ‬ ‫َْ ٌْ‬ ‫ت تَ ْعلَ ُم َّ َ‬ ‫هم إ ْن ُك ْن َ‬
‫وآجلِ ِ ِ‪ ،‬ف اقْ ُد ْرهُ ِِل‬‫وع اقِب ِة ْأم ِري‪ ،‬أو ق ال‪ :‬ع اج ِل ْأم ِري ِ‬
‫َ َ‬
‫أن َه َذا األ ْم َر‬ ‫ت تَ ْعلَ ُم َّ‬ ‫َويَ ِس ْرهُ ِل‪ُُ ،‬ث اب ِر ْ ِل في ِ‪َ ،‬وإ ْن ُك ْن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عاج ِل ْأم ِري‬ ‫معاشي وعاقِب ِة ْأم ِري‪ ،‬أو قال‪ِ :‬‬ ‫َش ٌّر ِل يف ِد ِين و ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِِ‬
‫ث‬‫ِل اخلَْي َر َح ْي ُ‬ ‫واص ِرفْ ِن ع ْن ُِ َواقْ ُد ْر ِ َ‬
‫فاص ِرفْ ُِ َع ِن‪ْ ،‬‬ ‫وآجل ِ‪ْ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫حاجتَ ُِ )) [ البخاري ‪.]1101 /‬‬ ‫كا َن ُُثَّ َرض ِن بِ ِ‪ ،‬قال‪ :‬ويُسمي َ‬
‫‪99‬‬
‫هم‬
‫الس نَّة‪ ،‬فإذا َّ‬
‫هذه هي االس تخارة اليت ص حت يف ُّ‬
‫املس لم أبمر وص لى ركعتني ودعا هبذا الدعاء فقد متت‬
‫االس تخارة‪ ،‬فليحذر املس لم ولتحذر املس لمة من اإلتيان‬
‫هلؤالء الكه ان ال ذين يزعمون معرف ة الغي ب ويُغَطُّون‬
‫كهانتهم هذه بتالوة آايت من القرآن‪.‬‬
‫امللحق رقم (‪ )1‬يف التحذير من تكفري املسلم ألخيه‬
‫َّد به بعض أبناء أمتنا‬ ‫إن من أقبح فنت عص ران ما َجد َ‬ ‫َّ‬
‫فتنةَ اخلوارج يف تكفريهم للمس لمني اعتماداً على ش ٍ‬
‫بهات‬
‫اطف للبت‬ ‫ٍ‬
‫ق ام ت يف أذه اهنم‪ ،‬وأهواء ملك ت قلوهبم‪ ،‬وعو َ‬
‫عقوهلم‪.‬‬
‫وأه ُل احلق ال يكفرون مس لم اً إال إذا ق ام ال دلي ل‬
‫القطعي على كفره‪ ،‬يس تنريون بعلم وفهم من س بقهم من‬
‫الراسخني يف العلم‪.‬‬
‫النب ‪ ‬أش َّد التح ذير يف‬ ‫وحي ذرون مم ا ح ذر من ه ُّ‬
‫أحاديا كثرية منها ‪:‬‬
‫ال ألَ ِخ ِي ِ‪َ :‬اي َكافِ ُر فَ َق ْد َاب َء ِِبَا‬
‫قوله ‪ (( : ‬أَُّميَا ْام ِر ٍئ قَ َ‬
‫[ البخاري‪5753/‬‬ ‫))‬ ‫ت َعلَْي ِ ِ‬
‫ال َوإِالَّ َر َج َع ْ‬
‫َح ُد ُُهَ ا‪ ،‬إِ ْن َكا َن َك َما قَ َ‬
‫أَ‬
‫ومسلم‪.] 14/‬‬
‫وقوله عليه الص الة والس الم‪َ ،........(( :‬وَم ْن َرَمى‬
‫ُم ْؤِمنا بِ ُك ْف ٍر فَ ْه َو َك َق ْتلِ ِ ِ )) [ البخاري ‪.] 5744 /‬‬

‫‪100‬‬
‫ومن القواعد اليت يعتمدها أهل احلق يف هذا األمر‪:‬‬
‫‪ -1‬ع دم تكفري املس لم ابرتك اب الكب ائر وإن‬
‫وص فت تلك الكبائر يف األحاديا أبهنا كفر كحديا‪:‬‬
‫س و ٌق ‪َ ،‬وقِتَالُ ُِ ُك ْف ٌر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫[ البخاري ‪41 /‬‬ ‫))‬
‫اب ال ُْم ْس ل ِم فُ ُ‬
‫(( س بَ ُ‬
‫الكفر يف هذه األحاديا على كفر‬ ‫ومس لم ‪ ،] 34 /‬و ُحي َمل ُ‬
‫النعم ة‪ ،‬أو على االتص اف بص ف ات الكفار‪ ،‬ألنه قد‬
‫ق ام ت األدل ة على ع دم كفره‪ ،‬منه ا قول ه تع اىل‪َ ﴿ :‬وإِن‬
‫َص لِ ُحوا بَ ْي نَ ُه َما فَِإن بَغَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫طَائَِفت ِ ِ‬
‫ت‬ ‫ان م َن ال ُْم ْؤمنِ َ‬
‫ي اقْتَ تَ لُوا فَأ ْ‬ ‫َ‬
‫يء إِ َىل أ َْم ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫إِ ْح َد ُ‬
‫اُهَا َعلَى ْاألُ ْخ َرى فَ َقاتلُوا ال ِِت تَ ْبغي َح َّّت تَف َ‬
‫ْس طُوا إِ َّن َّ‬ ‫اءت فَأَص لِحوا ب ي نَ هما ِابلْع ْد ِل وأَق ِ‬ ‫َِّ‬
‫اّللَ‬ ‫اّلل فَِإن فَ ْ ْ ُ َ ْ ُ َ َ َ‬
‫ي ﴾ [ احلجرات‪.]1 /‬‬ ‫ِِ‬ ‫ُُِي ُّ‬
‫ب ال ُْم ْقسط َ‬
‫‪ -2‬أن املس لم إذا عم ل عمال َُْيتَ ِم ُل الكفر‬
‫ْحل على عدم الكفر وقُبِ َل تفس ريُه‬ ‫وُيتَ ِم ل غري الكفر ُِ‬
‫َْ ُ َ‬
‫هو َلذا العمل‪ ،‬وللداف ِع الذي دفعه إليه‪ ،‬وال جتوز املبادرة‬
‫إىل احلكم عليه ابلكفر بعمله الذي حيتمل الكفر ولريه‪.‬‬
‫ففي األم‪ :‬قيل للش افعي‪ :‬أرأيت املس لم يكتب‬
‫إىل املش ركني من أه ل احلرب أبن املس لمني يري دون‬
‫لزوهم‪ ،‬أو ابلعورة من عوراُّتم‪ ،‬ه ل ُحي ل ذل ك دم ه‬
‫ويكون يف ذلك داللة على مماألة املشركني؟‬

‫‪101‬‬
‫قال الشافعي رمحه هللا تعاىل‪ :‬ال حيل دم من ثبتت له‬
‫حرمة اإلسالم إال أن يَ ْقتُ َل‪ ،‬أو يَ ْزِينَ بعد إحصان‪ ،‬أو يكفر‬
‫ت على الكفر‪ ،‬وليس ال دالل ةُ‬ ‫كفراً بيِن اً بع د إمي ان‪ ،‬مث يَثْ بُ َ‬
‫أتييد كافر‪ ......‬بكف ٍر بَِ ٍ‬
‫ني‪.‬‬ ‫على عورة مسلم وال ُ‬
‫مث ذكر الش افعي حديا حاطب بن أيب بلتعة ‪‬‬
‫الذي كتب إىل املشركني خيربهم خبروج رسول هللا ‪ ‬جبيشه‬
‫َّ ِ‬
‫آمنُوا َال‬ ‫لفتح مكة وأنزل هللا تعاىل يف شأنه ﴿ َاي أَيُّ َها الذ َ‬
‫ين َ‬
‫ْم َو َّدةِ‪﴾ ....‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تَتَّخ ُذوا َع ُد ِوي َو َع ُد َّوُك ْم أ َْوليَاء تُ ْل ُقو َن إِل َْي ِهم ِابل َ‬
‫[ املمتحنة‪ ] 1 /‬وذكر أن النب ‪ ‬صدقه يف أنَّه أراد أن يتخذ‬
‫عند قريش يداً حيمي هبا قرابته‪ ،‬وأنه ما فعل ذلك ش كاً يف‬
‫دينه‪ ،‬وال رضاً ابلكفر بعد اإلسالم (‪.)1‬‬

‫أعظم مما فعله‬


‫(‪ )1‬أان ال أعرف ذنباً يرتكبه مس لم يف هذا العص ر َ‬
‫ويفعله بعض املس لمني من مس اعدة أعداء األمة اإلس المية يف حرهبم ألمتنا‬
‫ولزوهم لبالد املس لمني‪ ،‬ومع هذا ال جيوز لنا أن نُ َك ِفَر هؤالء الذين خيونون‬
‫لكن‬
‫هللاَ ورس ولَه واألمةَ‪ ،‬وليس ذلك ش فقةً على هؤالء اجملرمني اخلائنني‪ ،‬و َّ‬
‫ذلك شفقةٌ على أنفسنا؛ ألننا إذا َكفَّْرانهم ِصْران ُمرمني مثلهم‪.‬‬
‫علي رضي هللا عنهما‬ ‫ونذكر يف هذا ما رواه احلسن بن علي عن ٍ‬
‫أكفار هم؟ قال‪ِ :‬م َن الكفر فَُّروا‪ ،‬قيل‪:‬‬
‫أنه سئل عن اخلوارج الذين حياربونه‪ٌ :‬‬
‫فمنافقون؟ قال‪ :‬إن املنافقني ال يذكرون هللا إال قليالً‪ ،‬وهؤالء يذكرون هللا‬
‫كثرياً‪ ،‬قيل‪ :‬فما هم؟ قال قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها [ مصنف عبد الرزاق‬
‫‪.]150 / 10‬‬
‫‪102‬‬
‫وقال الشافعي ِضمن ٍ‬
‫حبا قرر فيه أنه ال جيوز أن ُحيكم‬ ‫َْ‬
‫على إنسان إال مبا يُظهر‪ :‬ويف مجيع ما وصفت ٌ‬
‫دليل على أن‬
‫يقضي أبدا على أحد من عباد هللا إال أبحس ِن‬
‫حراما على حاكم أن َ‬
‫ما يظهر و َ ِ ِ‬
‫أخف ِ على احملكوم علي ِ وإن احتمل ما يُظْ ِه ُر أحسنَ ِ َ‬
‫غري‬ ‫ُ‬
‫أحسنِ ِ ‪.‬‬
‫مث قال‪ :‬فمن حكم على الناس خبالف ما ظهر عليهم ‪-‬‬
‫غري أحسن ِ بداللة منهم أو‬ ‫تمل َ‬
‫استدالال على أن ما أظهروا َُي ُ‬
‫غري داللة ِل يسلم عندي من خالف الت ْنزيل والسنة اه ‪.‬‬
‫[ انظر األم ‪ 250/ 7‬و‪ 251‬طبع دار املعرفة و‪ 311 /7‬و‪ 312‬طبع‬
‫دار الفكر ]‬

‫‪ – 3‬أنَّ ِ ال ُيكم يف األمور الِت قد تقتض ي الكفر‬


‫إذا ص درت من مس لم إال إذا وجدت الش روط وانتفت‬
‫املوانع‪ ،‬فالذي نطق بكلمة الكفر كراهٍ أو س ِبق لس ٍ‬
‫ان‬
‫مثالً ال ُحيكم بكفره‪ ،‬لوجود مانع وعدم حتقق الشروط‪.‬‬

‫ويف امللحق املوجود يف أصل الكتاب [ املنهج املفيد ] أدلةٌ أخرى‬


‫نقل لكالم كثري من العلماء يف هذه القضية اليت يصعب على لري الراسخني‬‫و ٌ‬
‫يف العلم أن يتكلموا فيها‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫امللحق رقم (‪ ) 1‬وساوس الكفر ال يؤاخذ بها العبد‬
‫كثريٌ من الطيبني يعيش ون يف حالة ص عبة من القلق‬
‫والرع ب مم ا جي دون ه أحي اانً يف نفوس هم من خواطر ُك ْف ِريَّ ٍة‬
‫قبيحة‪ ،‬ويرتك ذلك يف حياُّتم أحواالً س يئةً‪ ،‬يرافقها وس وس ة‬
‫ترتبط ابخلوف من اهلالك‪.‬‬
‫وهذه قض ية من أكرب أس باب احلزن واألس ى عند‬
‫خص الواق ِع فيها‪ ،‬ويراها من أص عب القض ااي‪ ، ،‬ولكنه‬ ‫الش ِ‬
‫إذا اس تض اء بض ياء العلم أدرك أن هذه القض ية ليس ت‬
‫معض لةً وال خطرية‪ ،‬وخطبُها يس ريٌ‪ ،‬إذا اس تض اء عقله وقلبه‬
‫بضياء األمور العلمية التالية‪:‬‬
‫أن كثرياً من اإلخوة ختلص وا من هذه املش كلة‬ ‫أوال‪َّ :‬‬
‫عندما عرفوا النقاط العلمية التالية‪ ،‬واستضاؤوا بضيائها‪.‬‬
‫أن ما جيده املس لم من هذه الوس اوس ليس‬ ‫َنيا‪َّ :‬‬
‫منه‪ ،‬وإمنا هو بضاعةُ الشيطان الذي أكرب ما يقدر عليه يف‬
‫اإلنسان هو الوسوسة‪.‬‬
‫أن هذه الوس وس ة ال حياس ب عليها املس لم‪،‬‬ ‫َلثا‪َّ :‬‬
‫ت أ َْو‬ ‫قال رسول هللا ‪ (( : ‬إِ َّن َّ‬
‫اّللَ َجتَ َاوَز أل َُّم ِّت َع َّما َو ْس َو َس ْ‬
‫س َها‬ ‫ح َّدثَ ْ ِ ِ‬
‫[ اإلمام أْحد ‪ 1017 /‬والبخاري ‪3217/‬‬ ‫))‬
‫ت ب ِ أَنْ ُف َ‬ ‫َ‬
‫ومسلم ‪.] 127/‬‬

‫‪104‬‬
‫أن هذه الوساوس ال حتصل إال مع أانس فيهم‬ ‫رابعا‪َّ :‬‬
‫خري وص الح‪ ،‬يريد الش يطان منها أن يعكر ص فو أهل‬
‫اخلري ويش غلهم عن اجلوانب املهمة اليت تنفعهم يف آخرُّتم‬
‫بش ْغلهم؛‬
‫الشر والفساد فإنه ال حاجة له َ‬ ‫ودنياهم‪ ،‬أما أهل ِ‬
‫ألهنم يس ريون يف حياُّتم مبا يرض اه منهم؛ فالس ارق احملرتف‬
‫للس رقة اخلبري بش ؤوهنا ال يدنو من بيوت الفقراء‪ ،‬بل يهتم‬
‫ابلسرقة من بيوت األلنياء‪.‬‬
‫عن أيب هريرة ‪ ‬قال جاء انس من أص حاب النب‬
‫‪ ‬فس ألوه‪ :‬إان جند يف أنفس نا ما يتعاظم أحدان أن يتكلم‬
‫به‪ ،‬قال‪َ (( :‬وقَ ْد َو َج ْدَتُُوهُ ))؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪َ (( :‬ذا َ َ‬
‫ص ِر ُ‬
‫يح‬
‫ا ِإلميَ ِ‬
‫ان ))‪ [ .‬اإلمام أْحد‪1312 /‬ومسلم‪]132 /‬‬
‫وعن عبد هللا بن مس عود ‪ ‬قال سئل النب ‪ ‬عن‬
‫ْك َْحم ٍ ا ِإلميَ ِ‬
‫ان )) [ مسلم‪.] 133 /‬‬ ‫الوسوسة‪ ،‬فقال‪ (( :‬تِل َ ُ‬
‫وقد نقل النووي يف ش رح مس لم عن القاض ي عياض‬
‫أن الش يطان إمنا يوس وس ملن أيس من‬ ‫رمحهما هللا تعاىل َّ‬
‫إلوائ ه فينك د علي ه ابلوس وس ة لعجزه عن إلوائه‪ ،‬وأما‬
‫الكافر فإنه أيتيه من حيا ش اء‪ ،‬وال يقتص ر يف حقه على‬
‫الوس وس ة‪ ،‬بل يتالعب به كيف أراد‪ ،‬ومعىن احلديا َّ‬
‫أن‬

‫‪105‬‬
‫س بب الوس وس ة حمض اإلميان‪ ،‬أو الوس وس ة عالمة حمض‬
‫اإلميان اه ‪ [ .‬انظر شرح مسلم للنووي ‪]154 /2‬‬
‫وحمض اإلميان وص رحيه هو اخلالص الذي ال يش وبه‬
‫شيء‪.‬‬
‫خامتة‪ :‬هذه الص فحات خالص ة تش مل أهم ما‬
‫جيب على املس لم معرفته من جوانب اإلميان‪ ،‬جتعل الدارس‬
‫هل ا على ج ان ب من البص رية يف ال دين‪ ،‬ومن الواجب أن‬
‫نس عى لتحص يل البص رية يف ديننا يف العبادات واملعامالت‬
‫اليت منارس ها لنكون من األتباع احلقيقيني لرس ول هللا ‪،‬‬
‫نس أل هللا تعاىل أن جيعلنا منهم‪ ،‬وأن حيش ران على حوض‬
‫رس ول هللا ‪ ،‬مث يف اجلنة‪ ،‬وص لى هللا تعاىل وس لم على‬
‫س يدان حممد وعلى آله وأص حابه‪ ،‬واحلمد كله هلل رب‬
‫العاملني ‪.‬‬

‫‪106‬‬

You might also like