You are on page 1of 56

‫االكاديمية الجهوية للتربية والتكوين‬

‫لجهة سوس ماسة_ المديرية اإلق ليمية أكادير إداوتنان‬

‫ثانوية ابن ماجة التأهيلية ‪ -‬أكادير‬

‫مفاهيم الفلسفة للثانية بكالوريا‬

‫األستاذ‪ :‬رشيد ركني‬


‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫مجـــــــزوءة الوضـــــع البـــــشــــري‬


‫تأطير‪:‬‬
‫إن الحديث عن الوضع البشري هو حديث "وضع" اإلنسان في الوجود‪ ،‬وعن تقاطع مجموعة من الشروط واألسباب واألبعاد‪ ،‬منها ما هو متعلق باإلنسان كشخص‬
‫أي العالقة بالذات‪ ،‬ومنها ما يتعلق بالغير‪ ،‬أي من خالل عالقته باآلخر‪ ،‬فالكائن البشري هو أساسا فرد‪ ،‬لكن هذا الفرد الذي يُكتسب بالتدريج عبر نضجه واكتسابه للغة‬
‫واحتكاكه بالعالم الخارجي‪ ،‬شخصية ذات معالم نفسية ووجدانية وذهنية خاصة‪ ،‬تجعل منه شخصا محددا يتمتع بقسط من حرية اإلرادة‪ ،‬لكنه في نفس الوقت‪ ،‬مشروط‬
‫بمحددات بيو لوجية واجتماعية قد ال يعيها‪ .‬إال أن سيرورة تطور الشخص ال تتم في معزل عن اآلخرين‪ ،‬بل تتحقق في ارتباط باألسرة واألقارب واألقران‪ ...‬فالطفل ال‬
‫يكتسب شخصيته منذ اللحظة األولى‪ ،‬بل ينخرط في سيرورة نفسية طويلة الكتسابها‪ ،‬وهو يدخل منذ طفولته األولى في عالقة مع اآلخرين‪ ،‬تتراوح بين المحبة والصداقة‬
‫والتنافس بل والعداء أحيانا‪ ،‬وتتخللها عمليات تماه وإسقاط‪ ،‬فوجود الغير والعالقة معه شرط وجودي ضروري للذات لدرجة جعلت بعض الفالسفة يعتبرون أن الوجود‬
‫اإلنساني هو باألساس وجود مع الغير‪ .‬إذن ما الشخص وكيف تتحدد هويته؟ هل وجود الغي ر ضروري بالنسبة لألنا أم افتراضي؟ إلى أي حد يساهم الشخص في ضمان‬
‫تقدم التاريخ؟‬

‫مفهوم الشخـــــــص‬

‫مفهوم الغيــــــر‬

‫مفهوم التاريخ‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫مفهوم الشخص‬
‫يشير مفهوم الشخص في اللسان العربي على معاني البروز والظهور والعظمة‪ ،‬أما في الحقل الفرنسي فإن كلمة ‪ Personne‬مشتقة من الكلمة الالتينية‬
‫‪ Persona‬التي تعني القناع الذي يضعه الممثل على وجهه حتى يتقمص الدور المسند إليه‪ .‬ويحيل أيضا على اإلنسان بما هو ذات واعية عاقلة قادرة على التمييز‬
‫بين الخير والشر وبين الصدق والكذب وتتحمل مسؤولية أفعالها واختياراتها‪ ،‬ويحيل على وحدة وهوية مطابقة مع الذات تستمر رغم تعدد الحاالت التي يمر منه‬
‫الشخص واختالفها‪ .‬غير أن هذه الوحدة التي تبدو بديهية تطرح مع ذلك عدة أسئلة يمكن صياغتها كالتالي‪:‬‬

‫إن كل شخص يدرك نفسه بوصفه "أنا"‪ ،‬لكن كيف تتحدد هذه "األنا"؟ فالشخص جسد أوال‪ ،‬لكن الجسد يخضع لتغيرات ال تضمن استمرار الشعور بالهوية‪،‬‬
‫ويتحدد الشخص ثانيا بمجموعة من السمات السيكولوجية المتغيرة دون تغير الوعي بالهوية‪ ،‬إذن أال يمكن تحديد الشخص بوصفه ذلك المبدأ الذي يضمن تماسك‬
‫وانسجام الذات دون اختزاله إلى جوهر ثابت؟ هل تكفي الذاكرة لضمان استمرارية الوعي بالمطابقة مع الذات أم أن الغير يلعب دورا رئيسيا في هذا الشعور بالهوية‬
‫واإلستمرار؟ ما الذي يؤسس البعد القيمي األخالقي للشخص؟ وما عالقة ذلك بمسئوليته والتزامه كذات عاقلة وحرة تنسب إليها أفعالها؟‬

‫المحور االول‬

‫الشخص والهوية‬
‫المحور الثاني‪:‬‬

‫الشخص بوصفه قيمة‬


‫المحور الثالث‪:‬‬

‫الشخص بين الضرورة والحرية‬


‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور األول‪ :‬الشخص والهوية‬
‫ما الهوية؟ وعلى ماذا تتأسس؟ هل على العقل أم الذاكرة أم على محددات أخرى؟ وهل هي ثابتة أم متغيرة؟‬

‫جون لوك‬ ‫روني ديكارت‬ ‫جول الشوليي‬


‫• يعتبر الشخص ذلك الكائن المفكر‬ ‫• يرى ديكارت بأن المحدد الوحيد‬ ‫• ينتقد جول الشوليي التصور القائل بأن‬
‫العاقل القادر على التعقل والتأمل وأن‬ ‫واألوحد لهوية الشخص هو الفكر‪،‬‬ ‫الهوية قبلية لدى الشخص‪ ،‬موضحا‬
‫ذاته مطابقة لنفسها في الزمان و‬ ‫خصوصا وأنه الحواس في نظره وأن‬ ‫في هذا اإلطار بأن ما يجعل الشخص‬
‫المكان‪ ،‬وأنه واع بما يقوم به‪ .‬لكنه‬ ‫العقل ملكة فطرية تميز االنسان عن‬ ‫متوحدا مع ذاته يجب أن يكون ثابتا‪،‬‬
‫يؤكد على أن الفكر ال ينفصل‬ ‫باقي الموجودات األخرى‪ ،‬وبموجبه‬ ‫إال أن الحاالت التي يمر منها الشخص‬
‫عن الشعور وهذا الترابط هو الذي‬ ‫استطاع أن يصل إلى حقيقة كل شيء‪،‬‬ ‫تجعله يفقد الصلة بين وعيه وواقعه‬
‫يشكل هوية الشخص‪ .‬ليختلف مع‬ ‫وذلك عبر عملية الشك التي شك فيها‬ ‫وبين وعيه وتاريخه‪ ،‬مؤكدا بأن ما‬
‫ديكارت عندما يقول أن اإلنسان يولد‬ ‫في كل شيء حتى التي ال يمكن الشك‬ ‫تتأسس عليه الهوية هو دوام نفس‬
‫وعقله صفحة بيضاء ال وجود فيها‬ ‫إال األداة التي تشك وهي الفكر‪ ،‬ليكون‬ ‫المزاج والطبع وترابط الذكريات‪،‬‬
‫ألفكار ومبادئ فطرية‪ ،‬فكل ما ينقش‬ ‫بذلك العقل هو الوحيد الذي سلم من‬ ‫الشيء الذي يجعل هذه الهوية متغيرة‬
‫عليه مصدره الشعور واإلنطباعات‬ ‫الشك‪ ،‬ليقول في هذا االطار أنا أفكر‬ ‫باستمرار‪ ،‬وقد قدم مجموعة من‬
‫الحسية التي تأتي بها الحواس من‬ ‫إذن أنا موجود‪ ،‬ومتى انقطعت عن‬ ‫األمثلة التي توضح هذه الفكرة من‬
‫العالم الخارجي‪ ،‬فهوية الشخص حسب‬ ‫التفكير انقطعت عن الوجود‪ ،‬موضحا‬ ‫قبيل النوم وفقدان الذاكرة وانفصام‬
‫لوك هي قبل كل شيء شعور‬ ‫ذلك عبر مثال النوم‪.‬‬ ‫الشخصية‪.‬‬
‫وانطباعات حسية قبل أن تكون تفكيرا‬
‫أو وعيا‪ ،‬أما التغيرات التي تحصل‬
‫للشخص فهي دليل على تطور‬
‫شخصيته‪ ،‬أي على أناه‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور الثاني‪ :‬الشخص بوصفه قيمة‬
‫إذا كانت القيمة هي الميزة الخاصة بالشيء والسلوك اإلنساني المرغوب فيه‪ ،‬وإذا كان كل شخص يدرك نفسه بوصفه أنا‪ ،‬فمن أين تستمد هذه األنا قيمتها؟ هل من خالل تفرده أم من خالل‬
‫العقل األخالقي العملي؟‬

‫غوسدورف‬ ‫كانط‬ ‫مونيي‬


‫التصورات‬ ‫غوسدورف‬ ‫• ينتقد‬ ‫يؤكد كانط بأن الشخص هو‬ ‫• يؤكد مونيي أن قيمة الشخص‬
‫(الرأسمالية والليبرالية) القائلة بأن‬ ‫الكائن الوحيد الذي يستحق أن‬ ‫تتجاوز بكثير المظاهر الخارجية‪،‬‬
‫قيمة الشخص تتحدد في االستقالل‬ ‫يعامل كغاية في ذاته وليس مجرد‬ ‫إذ ال يمكن اختزاله إلى مالك إلسم‬
‫عن االشخاص اآلخرين‪ ،‬وقضاء‬ ‫وسيلة لقضاء غايات أخرى‪ ،‬ألنه‬ ‫أو صفات معينة دخل المجتمع‪،‬‬
‫الحاجات واالغراض الخاصة بعيدا‬ ‫الكائن الوحيد المتميز بالعقل‪،‬‬ ‫بينما يعتبر واقعا كليا شموليا غير‬
‫عنهم كتكريس لمنطق يقضي بكون‬ ‫فالعقل األخالقي العملي بالنسبة له‬ ‫قابل للتعريف الدقيق كما تعرف‬
‫الشخص قادرا أن يوفر لنفسه ما‬
‫يريد‪ ،‬مبينا على العكس من ذلك أنها‬
‫يفترض أن يعامل كل شخص‬ ‫سائر األشياء والموضوعات‪ ،‬ألن‬
‫تكمن في التحرر من قبضة الوهم‬ ‫غيره على أنه غاية في ذاته‪،‬‬ ‫الشخصية هي حركة شخصنة‬
‫الفردي واالتجاه نحو االندماج‬ ‫الشيء الذي يجعل هذه القيمة‬ ‫دائمة التحقق واإلبداع‪ .‬وفي ذلك‬
‫والتعايش مع اآلخرين من أجل بناء‬ ‫مطلقة وغير مشروطة قائال في‬ ‫يقول ‪" :‬إن األلف صورة‬
‫مجتمع يسوده التضامن والتكافل‪.‬‬ ‫هذا اإلطار‪" :‬وبالفعل ال يمكن أن‬ ‫فوتوغرافية معدة بإحكام ‪ ،‬ال‬
‫نقدره – بوصفه شيئا في ذاته –‬ ‫ويفكر‬ ‫تصنع إنسانا يمشي‬
‫لتحقيق غايات‬ ‫فقط كوسيلة‬ ‫يتحدد‬ ‫ويـريد"‪ ،‬فالشخـص‬
‫لتحقيق‬ ‫اآلخرين أو وسيلة‬ ‫بشخصيته التي هي بدورها حقيقة‬
‫غاياته الخاصة بل يمكن تقديره‬ ‫نستطيع أن نعرفها من الخارج‬
‫في ذاته وهذا يعني أنه يملك‬ ‫ونعيشها في الوقت نفسه مـن‬
‫كرامة"‪.‬‬ ‫الداخل وبالتالي فقيمة الشخص هي‬
‫فوق كـل القيم‪ ،‬ويجب مراعاتها‬
‫و الحفاظ‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور الثالث‪ :‬الشخص بين الضرورة والحرية‬
‫ما معنى أن يكون الشخص حرا؟ هل معناه التصرف بمحض هواه وإرادته أم التصرف وفق ما تمليه القوانين والقيم اإلجتماعية؟‬

‫سارتر‬ ‫محمد عزيز الحبابي‬ ‫العلوم االنسانية‬ ‫سبينوزا‬


‫• يعتبر سارتر بأن الحرية‬ ‫• يرى بأن الفرد ال يولد‬ ‫• تتعدد الحتميات التي تمارس‬ ‫تشكل أطروحة سبينوزا‬
‫مقوما رئيسيا بدونه يستحيل‬ ‫شخصا وإنما يصير كذلك مع‬ ‫على الشخص ارتباطا‬ ‫امتدادا ألطروحات فلسفية قديمة‬
‫تحقيق الوجود اإلنساني‪،‬‬ ‫الزمن بعد استدماجه‬ ‫االجتماعية‬ ‫بخصوصيته‬ ‫وتجاوزا للتصور الميتافيزيقي‬
‫وذلك راجع إلى اعتبار‬ ‫لمجموعة من الشروط‬ ‫والثقافية والنفسية‪.‬‬ ‫الحديث الذي يعتبر اإلنسان‬
‫الشخص مشروعا ألقي به‬ ‫والمحددات‪ ،‬ففي بدايته ال‬ ‫حرا في اختياراته‪ ،‬فاعال وفق‬
‫• علم النفس‪ :‬يرى سيغموند‬ ‫مشيئته‪ ،‬مؤكد أن الشخص ليس‬
‫في هذا العالم قصد بناء ذاته‬ ‫يعدو أن يكون كائنا مشابها‬ ‫فرويد بأن البنية النفسية‬ ‫حرا إطالقا‪ ،‬لكونه مجرد حال‬
‫وتحقيقها في المستقبل‪،‬‬ ‫لباقي الكائنات واالشياء‬ ‫بصراع مكونين‬ ‫ترتبط‬ ‫من أحوال العلة األسمى التي‬
‫فوجود الشخص في نظره‬ ‫األخرى‪ ،‬لكن استكماله‬ ‫أساسين هما الهو واالنا‬ ‫هي هللا‪ ،‬فلو كان حرا لكان‬
‫يسبق ماهيته‪ ،‬وبالتالي ال‬ ‫لنضجه العقلي والفكري‬ ‫األعلى‪ ،‬فاألول تحركه دوافع‬ ‫بامكانه توجيه أفعاله وتفسيرها‬
‫يمكن اعتباره نتاج قوالب‬ ‫يمكنه من بناء ذاته وتحقيق‬ ‫اللذة‬ ‫هدفها‬ ‫غريزية‬ ‫وفق ارادته‪ ،‬ما يجعله مجرد‬
‫جاهزة أو معطى قبلي‪ ،‬وإنما‬ ‫وجوده عبر رسمه لغايات‬ ‫واالشباع‪ ،‬بينما الثاني‬ ‫منفذ ألوامر العلة األكبر‪،‬‬
‫هو ذاك الذي يصنع نفسه‪،‬‬ ‫ومقاصد معقولة في‬ ‫محركه اجتماعي قائم على‬ ‫وبالتالي يمكن القول بأنه ال‬
‫من خالل انخراطه في الحياة‬ ‫المستقبل‪ .‬إال أن هذا االمر‬ ‫المثل والقيم ويسعى نحو‬ ‫وجود لحرية انسانية تجعل من‬
‫اليومية من اجل تحقيق ذاته‪.‬‬ ‫يستدعي أن يعي مجموعة‬ ‫المثالية‪ ،‬األمر الذي يجعل‬ ‫الشخص كائنا أسما من‬
‫غير أن هذه الحرية ال تعني‬ ‫من الشروط التي يتحرك‬ ‫الطبيعة‪ ،‬وما شعورنا بالحرية‬
‫االنا تحت ضغط الهو‬ ‫إال وهم ناشئ عن تخيلنا بأننا‬
‫فقط أنه مسؤول عن نفسه‪،‬‬ ‫على وفقها‪ ،‬إذ أنه ليس مجرد‬ ‫ومتطلبات االأنا األعلى‪.‬‬
‫وإنما هو مسؤول أيضا عن‬ ‫كائن بسيط يتحكم في‬ ‫أحرار‪ ،‬وعن جهلنا باألسباب‬
‫• علم االجتماع‪ :‬يعتبر الفرد‬ ‫الحقيقة التي تسيرنا‪.‬‬
‫اآلخرين‪ .‬ما يجعل حرية‬ ‫غريزته وشهوته‪ ،‬بقدرما‬ ‫نتاج المجتمع الذي ينتمي إليه‬
‫مقننة‬ ‫حرية‬ ‫الشخص‬ ‫هنالك جوانب مرتبطة بما‬ ‫وبذلك يمارس عليه سلطة‬
‫ومسؤولة‪.‬‬ ‫هو اجتماعي وتاريخي‬ ‫وقهرا من خالل ظواهره‬
‫وقيمي تؤثر فيه‪.‬‬
‫وعاداته وتقاليده‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫مفهوم الغير‬
‫تعد إ شكالية مفهوم الغير‪ ،‬إشكالية فلسفية حديثة‪ ،‬تقع بدايتها في فلسفة هيجل رغم أن جذورها الفلسفية ترجع إلى الفلسفة اليونانية التي استعملت فيها بصيغ مغايرة متمثلة في (اآلخر‪،‬‬
‫الهو هو) إنه مبدأ التطابق والهوية المطلقة‪ ،‬فالفلسفة اليونانية اهتمت أكثـر بتقابل اإلنسان مع الطبيعة‪ ،‬إال أ نها لم تتدارس إشكالية الغير بوصفه أنا آخر ألن التقابل األساسي في هذه الفلسفة‬
‫كان بين اإلنسان والعالم من جهة وبين اليونان والشعوب األخرى‪ ،‬اآلخر األجنبي والغريب عنها من جهة أخرى‪ .‬لذلك لم يتبلور وعي الذات بذاتها وبفرضيتها وخصوصيتها في مقابل الغير‬
‫بشكل منظم ومتكامل‪ ،‬ليتبلور فيما بعد مع ديكارت الذي أسس الفلسفة الذاتية في صيغتها العقالنية األولى والقائمة على الشك والكوجيطو المنتهية إلى وحدانية الذات واألنا ( أنا وحدي‬
‫موجود)‪ .‬وفي الداللة المعجمية يعتبر الغير في العربية مفرد أغيار ويعني المغاير والم تغير ومرادف لآلخر‪ .‬أما في الداللة المعجمية الفرنسية فالغير ‪ autrui‬يعني اآلخرون من الناس بوجه‬
‫عام‪ ،‬أم اآلخر ‪ autre‬فيشير إلى من ليس نفس الشخص‪ ،‬وما ليس نفس الشيء أي إلى المختلف والمتميز‪ ،‬وبالتالي فالغير هو تضييق لمعنى اآلخر‪ .‬في حيث يتحدد الغير في المعجم الفلسفي‬
‫الالند باعتباره " األنا الذي ليس أنا" المخالف والمطابق إنه بعبارة أخرى‪ alter ego‬أنا آخر مثلي‪ .‬لكن إذا كان الغير األنا الذي ليس أنا المشابه والمخالف لي في الوقت نفسه‪ ،‬فهل وجوده‬
‫ضروري بالنسبة لألنا أي معرفة الذات لذاتها؟ وكيف يمكن أن تحقق معرفتها به؟ وم ا طبيعة العالقة التي تنشأ عن عالقة األنا بالغير هل هي قائمة على اإلقصاء والتهميش أم على التسامح‬
‫واإلحترام المتبادل؟‬

‫المحور االول‬

‫وجود الغير‬
‫المحور الثاني‪:‬‬

‫معرفة الغير‬
‫المحور الثالث‪:‬‬

‫العالقة مع الغير‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫وجود الغير‬ ‫المحور األول ‪:‬‬


‫إذا كان الغير هو األنا الذي ليس هو أنا المشابه والمخالف لي في الوقت نفسه‪ ،‬فهل وجوده يشكل ضرورة بالنسبة لألنا ومكونا أساسيا لوجودها أو أن هذا الوجود‬
‫افتراضي محتمل وقابل للشك؟‬

‫روني ديكارت‬ ‫سارتر‬ ‫هيجل‬

‫• ينطلق ديكارت من مبدأ وحدانية‬ ‫• يؤكـد سارتر على أن عالقة األنا‬ ‫• يؤكد هيجل أن الغير ضروري‬
‫الذات ‪ solipsisme‬أي موجود‬ ‫بالغير تنبني في جوهرها على‬ ‫لوعي االنا بذاتها والذي ال يعطى‬
‫لوحده‪ ،‬ليقول‪" :‬فكيف أجـد في ذاتي‬ ‫إدراك كل واحد منهما لآلخر‬ ‫بشكل سلمي‪ ،‬ولكن عبر صراع‬
‫أنا الحجج واألدلة على وجود‬ ‫كموضوع‪ ،‬أي موضوع ألحكامه‬ ‫تخاطر فيه كل ذات من اجل انتزاع‬
‫الغير‪ ،‬والحال أن إدراك وعي‬ ‫القيمية ما يدفعني إلى التعالي عليه‬ ‫االعتراف بوجودها‪ ,‬ذلك أن‬
‫آخـر مـن طرف وعيي أنا ينافى‬ ‫باعتباره شرطا للحفاظ على حريتي‬ ‫انغالقها على ذاتها يجعلها ذات‬
‫معنى الوعي بوصفه حضورا للذات‬ ‫لتجاوز هذا الوضع‪ ،‬مؤكدا بذلك‬ ‫وعي ساذج ال يفوق وعي االشياء‬
‫إزاء نفسها؟" بمعنى اإلستغناء عن‬ ‫ضرورة الغير لوجود الذات‪ ،‬حيث‬ ‫بذاتها‪ .‬هذا الصراع الذي يجب ان‬
‫اآلخر أثناء عملية تأكيد وجود األنا‪،‬‬ ‫يقول في كتابه " الوجود والعدم"‪" :‬‬ ‫يراعي اختالف القدرات وال ينبغي‬
‫فوجودها يتأكد في نظره من خالل‬ ‫الغير هو الوسيط الذي ال غنى عنه‬ ‫أن ينتهي بموت أحدهما بقدرما‬
‫العقل‪ ،‬أي أن الذات قادرة على‬ ‫بيني وبين نفسي"‪ .‬وبالتالي اعتبار‬ ‫ينتهي بمنتصر انتزع االعتراف‬
‫معرفة نفسها وتأكيد وجودها‬ ‫الغير هو األنا الذي ليس أنا‪.‬‬ ‫بوجوده من المنهزم ليصبح سيدا‪،‬‬
‫بصورة مباشرة وبدون وساطة أو‬ ‫ومنهزم فشل في انتزاع االعتراف‬
‫مساعدة الغير‪ .‬من هنا فكل شيء‬ ‫بوجوده ليصبح عبدا‪ ،‬لذلك يجب أن‬
‫في نطره قابل للشك فيه إال األداة‬ ‫يدخل في صراع أخر لنفي وعي‬
‫التي تشك وهي الفكر‪ ،‬فبه نصل إلى‬ ‫أخر‪ ,‬وهذا ما سماه هيجل جدلية‬
‫حقيقة وجودنا كذوات مفكرة‪،‬‬ ‫العبد والسيد‪.‬‬
‫وحقيقة وجود هللا والعالم‪ ،‬فديكارت‬
‫ال ينفي وجود الغير‪ ،‬إال أنه ال‬
‫يشكل بالنسبة إليه ضرورة‪ ،‬وإنما‬
‫وجوده جائز وإفتراضي‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫المحور الثاني‪ :‬معرفة الغير‬


‫من األكيد أن اإلنسان من حيث هو شخص ال يمكن اعتبار ه مجرد فرد معزول‪ ،‬بل يعيش إلى جانب ذوات أخرى‪ ،‬الشيء الذي يستدعي طرح إشكاالت هذا التعايش‬
‫وحدوده‪ ،‬نذكر منها‪ :‬هل تعتبر معرفة الغير ممكنة؟ أال يمكن لهذه المعرفة ان تحول الغير إلى موضوع؟ وما هي األسس التي يمكن أن تتأسس عليها معرفتنا للغير؟‬
‫موريس ميرلوبونتي‬ ‫نيكوال مالبرانش‬ ‫غاستون برجي‬
‫• يؤكد في كتابه "فينومولوجيا‬ ‫• يمكن اعتبار موقف مالبرانش حول‬ ‫• يؤكد الفيلسوف الفرنسي غاستون‬
‫اإلدراك" أن نظرة الغير ال تحولني‬ ‫معرفة الغير امتدادا لموقف ديكارت‬ ‫برجي في مؤلفه " من القريب إلى‬
‫إلى موضوع‪ ،‬كما ال تحوله نظرتي‬ ‫الذي يعتبر أن معرفة الذات لذاتها‬ ‫الشبيه‪ ،‬حضور الغير" على استحالة‬
‫إلى موضوع‪ ،‬إال إذا عامل بعضنا‬ ‫تتحدد بوجود الفكر والوعي وليس‬ ‫أو على األقل صعوبة معرفة الغير‬
‫اآلخر معاملة ال إنسانية أو كحشرة‬ ‫بوجود الغير‪ ،‬حيث يؤكد على أن‬ ‫بسبب عزلة كل ذات داخل عالمها‬
‫من الحشرات‪ .‬فمعرفة الغير تقتضي‬ ‫معرفة الغير ليست معرفة يقينية‬ ‫الخاص‪ ،‬والذي ينغلق فيه دون أن‬
‫مني التعاطف معه ألن الغير وعي‬ ‫ومعرضة للخطأ‪ ،‬ألنها ال تعدو أن‬ ‫يتيح ألي كان إمكانية اختراقه‪ ،‬حتى‬
‫ال أستطيع معرفته إال اذا اعتبرته‬ ‫تكون معرفة خارجية مرتبطة‬ ‫ولو أرادا ذلك بصدق‪ ،‬ليقول‪ " :‬ان‬
‫كذاتي يفكر ويحس يتصرف تماما‬ ‫بالمظهر الخارجي‪ .‬كما أنها تقوم‬ ‫أبواب عالم اآلخرين موصدة في‬
‫كما أتصرف أنا في ظروف مماثلة‪،‬‬ ‫على معرفة الذات لنفسها‪ ،‬ثم إسقاط‬ ‫وجهي وعالمهم منغلق في وجهي‪،‬‬
‫إذن فمعرفة الغير في نظره هي‬ ‫هذه المعرفة على الغير‪ ،‬وبالتالي‬ ‫وعالمهم منغلق بقدر انغالق عالمي‬
‫معرفة للذات من حيث هي ذات‬ ‫تكون هذه المعرفة افتراضية فقط‬ ‫أمامهم‪ ،‬إن ألم الغير‪ ،‬يكشف لي‬
‫إنسانية مشروطة بحضور الغير‬ ‫نظرا لكون أحاسيس ومشاعر األنا‬ ‫بمرارة انفصالنا الجدري عن بعضنا‬
‫كأفق انساني لحضور األنا الذي ال‬ ‫تخالف أحاسيس ومشاعر الغير‪.‬‬ ‫البعض‪ ،‬انفصاال ال يقبل بتاتا‬
‫ينفصل عن العالم عبر الجسد الذي‬ ‫اإلختزال‪ .".‬وبذلك تكون التجربة‬
‫هو‪" :‬النسيج المشترك لكل‬ ‫أمرا خاصا ال يمكن لآلخرين‬
‫الموضوعات" أي األنا _ الغير _‬ ‫اإلحساس بها‪ ،‬فبالرغم من أن الحياة‬
‫األشياء‪ ،‬فالتواصل مع الغير يشترط‬ ‫الواقعية تشهد بأن البشر يعيشون في‬
‫معرفته على الرغم من كون هذه‬ ‫مجتمعات إال أن عمق الوجود‬
‫المعرفة تبقى نسبية وغير مكتملة‬ ‫اإلنساني ال يكمن إال في العزلة‬
‫نظرا لما يميز األنا عن الغير من‬ ‫والوحدة‪.‬‬
‫خصائص سيكولوجية‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫المحور الثالث‪ :‬العالقة مع الغير‬


‫تشكل إشكالية العالقة مع الغير صلب إشكالية مفهوم الغير باعتباره ذاتا واعية وقابل ذاتي‪ ،‬فوجوده يمكن من إثبات وجودي‪ ،‬كما يمكنني من التعرف عليه وذلك‬
‫من خالل ربط عالقة تواصلية معه‪ ،‬إذن كيف تتحدد عالقتي به؟ هل هي قائمة على التواصل وتبادل االحترام أم أنها قائمة على التهميش واإلقصاء؟‬

‫جون بول سارتر‬ ‫فريديريك هيجل‬ ‫جوليا كرستيفا‬ ‫أرسطو‬


‫• يؤكـد سارتر على أن عالقة‬ ‫• يؤكد هيجل أن الغير‬ ‫• نبهت الباحثة البلغارية‬ ‫• يعتبر أرسطو الصداقة‬
‫األنا بالغير تنبني في‬ ‫ضروري لوعي االنا بذاتها‬ ‫جوليا كرستيفا إلى قيمة هذا‬ ‫أسمى الفضائل التي يجب‬
‫جوهرها على إدراك كل‬ ‫والذي ال يعطى بشكل‬ ‫من‬ ‫وحذرت‬ ‫الغريب‬ ‫أن تقوم عليها بين األنا‬
‫لآلخر‬ ‫منهما‬ ‫واحد‬ ‫سلمي‪ ،‬ولكن عبر صراع‬ ‫تهميشه ونبده ألنه ال يعدو‬ ‫والغير‪ ،‬فال غنى لإلنسان‬
‫كموضوع‪ ،‬أي موضوع‬ ‫تخاطر فيه كل ذات من‬ ‫أن يكون سوى األنا الذي‬ ‫في حياته عنها إذا كان ينشد‬
‫ألحكامه القيمية ما يدفعني‬ ‫اجل انتزاع االعتراف‬ ‫نشعر‬ ‫يسكننا دون أن‬ ‫الحياة السعيدة‪ ،‬كيفما كان‬
‫إلى التعالي عليه باعتباره‬ ‫بوجودها‪ ,‬ذلك أن انغالقها‬ ‫بوجوده‪ ،‬فالغريب ليس ذلك‬ ‫سنه ومرتبته االجتماعية‪،‬‬
‫شرطا للحفاظ على حريتي‬ ‫على ذاتها يجعلها ذات‬ ‫القادم من الخارج أو‬ ‫ذلك أن الجاه والمال‬
‫لتجاوز هذا الوضع‪ ،‬مؤكدا‬ ‫وعي ساذج ال يفوق وعي‬ ‫الخارج عن الجماعة‪ ،‬الذي‬ ‫والسلطة وقوة البدن ال تغني‬
‫بذلك ضرورة الغير لوجود‬ ‫االشياء بذاتها‪ .‬هذا الصراع‬ ‫يهدد تماسكها وانسجامها‪،‬‬ ‫االنسان عنها‪ ،‬مادام أن ما‬
‫الذات‪ ،‬حيث يقول في كتابه‬ ‫الذي يجب ان يراعي‬ ‫وانما ذاك الذي يسكننا على‬ ‫يسديه األصدقاء لبعضهم‬
‫" الوجود والعدم"‪ " :‬الغير‬ ‫اختالف القدرات وال ينبغي‬ ‫نحو غريب‪ ،‬ذلك أن وحدة‬ ‫البعض ال يمكن أن يتم‬
‫هو الوسيط الذي ال غنى‬ ‫أن ينتهي بموت أحدهما‬ ‫الجماعة ليست في الواقع‬ ‫دونها‪ ،‬وقد ميز فيها بين‬
‫عنه بيني وبين نفسي"‪.‬‬ ‫بقدرما ينتهي بمنتصر‬ ‫سوى مظهر عام عندما‬ ‫صداقة المنفعة (غايتها‬
‫وبالتالي اعتبار الغير هو‬ ‫انتزع االعتراف بوجوده‬ ‫ندقق فيها‪ ،‬وينكشف لنا أن‬ ‫المصلحة) وصداقة المتعة‬
‫األنا الذي ليس أنا‪.‬‬ ‫من المنهزم ليصبح سيدا‪،‬‬ ‫الجماعة تحمل في ذاتها‬ ‫(غايتها اللذة) وصداقة‬
‫ومنهزم فشل في انتزاع‬ ‫بحكم اختالفاتها وتناقضاتها‬ ‫الفضيلة (غايتها األخالق‬
‫االعتراف بوجوده ليصبح‬ ‫الداخلية‪ ،‬غريب قبل ان ينفذ‬ ‫والصدق)‪ ،‬كما أن تتمين‬
‫عبدا‪ ،‬لذلك يجب أن يدخل‬ ‫إليها غريب أجنبي‪.‬‬ ‫العالقات بينهم على أساس‬
‫في صراع أخر لنفي وعي‬ ‫المحبة يغنيهم من العدالة‪.‬‬
‫أخر‪ ,‬وهذا ما سماه هيجل‬
‫جدلية العبد والسيد‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫مفهوم التاريخ‬
‫يعتبر اإلنسان بمثابة الكائن الوحيد الذي لديه القدرة على الفاعلية واإلبداع‪ ،‬حيث أن حياته تتطور وتتقدم ال حسب قوانين الطبيعة فقط بل أيضا وفق نمط فكري ثقافي يؤدي به إلى بلوغ‬
‫حقيقة البشرية وصنع تاريخه الخاص‪ ،‬عبر ما يمر به من أحداث ووقائع خالل حياته‪ ،‬وهذا ما تهيأ له عندما اكتشف الكتابة التي دشن بها تاريخه الخاص والحقيقي‪ ،‬فبفضلها انتصر اإلنسان‬
‫على الموت والنسيان والزمان‪ ،‬وأصبح بمقدوره ان يدون خبراته وأن ينقلها من جيل إلى آخر ومن زمان آلخر‪ .‬وإذا ما ننحن أردنا أن نقف على داللة هذا المفهوم اللغوية فهو اسم لفعل أرخ‬
‫يؤرخ الكتاب أي بين وقت كتابته‪ ،‬فالتاريخ إذن هو التعريف بالوقت الذي تضبط به األحوال والحوادث والوقائع المرتبطة باإلنسان‪ ،‬إنه بحث وتقصي لألحداث والوقائع‪ .‬وهو نفس المعنى الذي‬
‫سارت عليه الفرنسية ‪ Histoire‬التي اشتقت من الكلمة الالتينية ‪ Historia‬التي تعني ‪ recherche‬و ‪ enquête‬والمؤرخ هو الذي يرى ويعرف‪ ،‬فالتاريخ بهذا المعنى الالتيني هو معرفة‬
‫بأحداث ووقائع مرتبطة بعصر أو أمة أو فرع من فروع الفكر اإلنساني‪ ،‬ويعرفه عبد الرحمان ابن خلدون في كتابه " المقدمة " بقوله‪ " :‬التاريخ هو جزء من االجتماع اإلنساني الذي هو‬
‫عمران العالم وما يعرض ب طبيعة ذلك العمران من األحوال مثل التوحش والتآنس والعصبيات وأصناف التقلبات للبشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع‪ ،‬وسائر ما‬
‫يحدث في ذلك العمران بطبيعته من األحوال"‪ .‬لنستنتج مما سبق أن التاريخ هو بمثابة ذاكرة اإلنسان بمختلف أنشطتها المادية والفكرية‪.‬‬

‫فكيف تكون معرفتنا به ممكنة؟ وهل سرد الوقائع واألحداث الماضية كافية لتحقيق هذه المعرفة وجعلها ممكنة ام ان األمر يستدعي تتبع من هج علمي دقيق كما هو الشأن بالنسبة للعلوم‬
‫الطبيعية؟ ما هو منطق اشتغال هذه المعرفة التاريخية؟ هل تخضع لموقف محدد في سيرور تها أم تقوم على العرضية واإلعتباط؟ ما هو دور اإلنسان في التاريخ؟ هل هو فاعل حقيقي فيه وصانع‬
‫له ام أنه يد مسخرة؟‬

‫المحور االول‬
‫المعرفة التاريخية‬
‫المحور الثاني‪:‬‬
‫التاريخ وفكرة التقدم‬
‫المحور الثالث‪:‬‬

‫دور االنسان في التاريخ‬


‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور األول‪ :‬المعرفة التاريخية‬
‫إذا كان التاريخ بمثابة ذاكرة اإلنسان بمختلف أبعادها وأنشطتها المادية والفكرية‪ ،‬وكانت المعرفة تتحدث باعتبارها النشاط الذي من خالله تدرك الذات موضوعا‬
‫ما‪ .‬فكيف تكون معرفتنا به ممكنة؟ وهل سرد الوقائع واألحداث الماضية كافية لتحقيق هذه المعرفة وجعلها ممكنة ام ان األمر يستدعي تتبع منهج علمي دقيق كما هو‬
‫الشأن بالنسبة للعلوم الطبيعية؟‬

‫ريمون آرون‬ ‫بول ريكور‬ ‫هنري مارو‬


‫آرون‬ ‫ريمون‬ ‫• يؤكد‬ ‫• يؤكد بول ريكور (‪)2005_1913‬‬ ‫• يؤكد هنري مارو على أن‬
‫(‪ )1983_1905‬على نسبية‬ ‫على اعتبار الواقعة التاريخية هي‬ ‫التاريخ ليس مجرد سرد‬
‫المعرفة التاريخية ألنها معرفة مبنية‬ ‫من نفس طينة الواقعة الطبيعية‪،‬‬ ‫للماضي‪ ،‬إنما هو معرفة‬
‫على تنقيب وبحث وتحقيق كذلك‪،‬‬ ‫ففي كتابه " التاريخ والحقيقة "‬
‫فهي معرفة بعدية وجزئية ومؤقتة‪،‬‬ ‫ذهب إلى أن الظاهرة التاريخية‬ ‫علمية ينشئها المؤرخ عن‬
‫فكل المحاوالت التي قد يبدلها‬ ‫ورغم ما يطبعها من خصوصية‬ ‫الماضي اإلنساني تتعارض‬
‫المؤرخ لمعرفة الماضي‪ ،‬فإنه يضل‬ ‫بحكم ارتباطها باإلنسان يمكن‬ ‫مع الطوباوية والخيال‬
‫دائما يقدم لنا صورة ذهنية عن ذلك‬ ‫دراستها بشكل موضوعي وبمنهجية‬ ‫واألسطورة والحكايات‬
‫الذي جرى فعال‪ .‬وإذا كان يستطيع‬ ‫علمية‪ ،‬فإذا كان التاريخ عبارة عن‬ ‫الشعبية‪ ،‬حيث تقوم على‬
‫اإلقتراب من الماضي فهو ال يدركه‬ ‫أحداث مضت وال يمكن أن تتكرر‬ ‫األدوات والمناهج العلمية‬
‫بصفة نهائية‪ ،‬قائال‪" :‬إن المعرفة‬ ‫كالظاهرة الطبيعية فهذا ال يمنع من‬ ‫الدقيقة‪ ،‬وهذا ما يعبر عنه‬
‫التاريخية تنجم عن عملية إعادة‬ ‫إخضاع الواقعة التاريخية للمنهج‬
‫البناء هذه تنفصل عن تجربتنا‬ ‫العلمي الدقيق وإعادة بنائها انطالقا‬ ‫بقوله " فالمعرفة التاريخية‬
‫الخاصة بالحاضر"‪ .‬فكل محاولة‬ ‫من إخضاع الوثائق التاريخية‬ ‫هي معرفة مبنية تتشكل تبعا‬
‫إلعادة بناء الواقعة أو الحادثة‬ ‫للفحص العلمي الدقيق‪ ،‬وهكذا وكما‬ ‫لمنهج منظم وصارم يمثل‬
‫التاريخية ال يمكن أن تتم إال بطريقة‬ ‫يقول بول ريكور‪ " :‬يتمكن المؤرخ‬ ‫العامل األنجح لبلوغ الحقيقة"‪.‬‬
‫غير مباشرة ألن الحدث التاريخي‬ ‫معتمدا على الوثائق ومنطلقا من‬
‫يدرس من خالل مخلفات الماضي‬ ‫المالحظة المنهجية من بناء الوقائع‬
‫(اآلثار والمستندات والوثائق‪)...‬‬ ‫التاريخية"‪.‬‬
‫التي تعد جزء من الماضي الذي‬
‫نريد إحياءه ككل‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫التاريخ وفكرة التقدم‬ ‫المحور الثاني‪:‬‬
‫عادة ما يكفي أن نلفظ بلفظة التاريخ‪ ،‬ليتبادر إلى أذهاننا‪ ،‬أنه سلسلة من الحلقات المترابطة بشكل خطي لها بداية معين‪ ،‬وأنه يسير في اتجاه نهائي‪ ،‬وسبب هـذا التصور ما نكونه من أفكار‬
‫بسيطة عـن حياتنا الخاصة إذ نرى أن طفولتنا تقودنا إلى الشباب ومنه إلى الكهولة‪ ،‬ثم الشيخوخة فالموت‪ .‬وإن ما نكونه الحقا وما ننجزه كثيرا ما يكون نتيجة لما تعلمناه أو اختبرناه سابقا‪،‬‬
‫هكذا نكون تصورا عليا ألحداث التاريخ‪ .‬إال أن هذا التصور البسيط كثيرا ما نجده أيضا في كتابة المؤرخين‪ .‬لكن بعض األحداث والوقائع تنفلت من هذا التصور فتربكه‪ ،‬إذن فكيف يحقق التاريخ‬
‫تقدمه؟ وما هو منطق اشتغاله؟ هل يخضع لمنطق محدد وحتمي وفي اتجاه واحد أم أنه يخضع للعرضية واإلعتباط؟‬

‫كارل ماركس‬ ‫موريس ميرلوبونتي‬ ‫كلود ليفي ستروس‬


‫• يهيمن على مسار التاريخ البشري‬ ‫• يؤكد على أهمية العرضية والصدفة‬ ‫إن سيرورة التقدم التي يشهدها‬
‫منطق جدلي‪ ،‬فهو يسير في خط‬ ‫في حركية التاريخ‪ ،‬وهذا ما عبر عنه‬ ‫التاريخ البشري ال تتم بشكل خطي‬
‫محتوم ال محيد عنه‪ ،‬هذا الخط يرسمه‬ ‫بقوله‪" :‬أما عرضية التاريخ فتعني أنه‬ ‫تصاعدي وإنما كبنية لها منطقها‬
‫الواقع اإلقتصادي واإلجتماعي للناس‪،‬‬ ‫رغم كون مختلف مستويات األحداث‬ ‫الخاص الذي ينظم العالقات بين‬
‫الذي يسميه ماركس بالبنية التحتية التي‬ ‫تشكل نصا واحدا معقوال‪ ،‬فهي ليست‬ ‫عناصرها‪ ،‬والتي تتمظهر على شكل‬
‫تتألف حسب وجهة نظره من قوى‬ ‫مع ذلك وثيقة الصلة فيما بينها‪ ،‬وأن‬ ‫قفزات ووثبات‪ ،‬مقدما على ذلك أمثلة‬
‫اإلنتاج التي هي مجموع األدوات‬ ‫النسق ليس مغلقا بصفة نهائية‪ ،‬إذ‬ ‫مستوحاة من التاريخ اإلنساني‪ .‬لقد‬
‫والوسائل التي تنتج بها ما تحتاج إليه‬ ‫يبقي فراغ ما‪ "...‬ولتوضيح أطروحته‬ ‫اعتمد كلود ليفي ستراوس في موقفه‬
‫باإلضافة إلى العمال‪ ،‬ثم عالقات‬ ‫واقناعنا بها يضيف قائال‪ " :‬فيمكن‬ ‫هذا على الدراسات األنثروبولوجية‬
‫اإلنتاج وهي طريقة التنظيم التي‬ ‫للنمو االقتصادي مثال أن يكون متقدما‬ ‫التي قام بها لمجتمعات وثقافات مختلفة‬
‫يخضع لها مجتمع ما مثل الملكية‬ ‫على النمو اإليديولوجي أو يمكن‬ ‫حيث أن كل مجتمع أو ثقافة معينة لها‬
‫الخاصة لوسائل اإلنتاج‪ ،‬والدمج بين‬ ‫للنضج اإليديولوجي أن يحدث فجأة‬ ‫خصوصيتها الثقافية واإلجتماعية‬
‫قوى اإلنتاج وعالقات اإلنتاج يعطي ما‬ ‫دون أن تتهيأ الشروط الموضوعية أو‬ ‫واإلقتصادية التي تميزها عن غيرها‪،‬‬
‫يسمى نمط اإلنتاج ( الرأسمالي‬ ‫عندما ال تكون الشروط مساعدة على‬ ‫وبالتالي فالقول بفكرة التقدم في اتجاه‬
‫اإلقطاعي)‪ .‬ويرى ماركس أن ما‬ ‫الثورة"‪.‬‬ ‫خطي ومعلوم ومنظم يرجع حسب‬
‫يحدث من تغير في قوى اإلنتاج‬ ‫ستراوس إلى قبول سلم تصنيف‬
‫يصطدم بعالقات اإلنتاج التي ال تميل‬ ‫وترتيب يسلم بهيمنة النموذج الغربي‬
‫أول األمر إلى اإلستجابة لما وقع من‬ ‫وكينونته وهذا ما تكذبه الدراسات‬
‫تغير في قوى اإلنتاج‪ ،‬وهذا التناقض‬ ‫األنثربولوجية‪،‬‬
‫يؤدي إلى وقوع صراع اجتماعي‪ ،‬هو‬
‫ما اصطلح عليه ( الصراع الطبقي)‬
‫الذي يرى فيه ماركس المحرك‬
‫األساسي للتاريخ‪،‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور الثالث‪ :‬دور اإلنسان في التاريخ‬
‫إذا كان مفهوم اإلنسان يتحدد بكونه كائنا عاقال يمتاز بالعقل والفكر واإلرادة والقدرة على الوعي والفاعلية واإلبداع‪ .‬وكان التاريخ معرفة بأحداث ووقائع مرتبطة‬
‫باإلنسان‪ ،‬أي باعتباره ذاكرة لإلنسان بمختلف أنشطتها المادية والفكرية‪ .‬إذن فما هو دور اإلنسان في التاريخ وصنع ماضيه؟ وهل هذه األحداث تسير وفق إرادته ووعيه‬
‫أم أنه مجرد أداة ووسيلة مسخرة في خدمة التاريخ؟ أم أن احداث التاريخ تخضع في جانب منها إرادة اإلنسان وفي جانب آخر إلرادة القدر؟‬

‫فريديريك هيجل‬ ‫جون بول سارتر‬ ‫لوسيان غولدمان‬


‫• نفى عن اإلنسان كل قدرة على‬ ‫• إن التاريخ حسب سارتر هو من‬ ‫يبين لوسيان غولدمان أن البنيات‬
‫صناعة تاريخه‪ ،‬فلقد أكد في كتابه "‬ ‫صنع اإلنسان‪ ،‬سواء كان هذا اإلنسان‬ ‫التي اعتبرها ألتوسير المحرك‬
‫العقل في التاريخ" على أن شروط‬ ‫أنا أو غيري وليس من طرف قدر‬ ‫الحقيقي لحياة اإلنسان‪ ،‬ليست سوى‬
‫التاريخ محكومة بالروح والمطلق‬ ‫مادي أو عوامل إقتصادية أو الروح‬ ‫مظاهر مختلفة ومتنوعة لسلوك‬
‫الذي ينمو ويتجلى في مختلف أشكال‬ ‫المطلق أو القدر‪ ،‬ولتوضيح موقفه‬ ‫وفكر وحياة الناس ولكل عالقاتهم‪.‬‬
‫الوعي حتى يحقق غاياته النهائية‬ ‫هذا ينطلق سارتر من عبارة إلنجلز‬ ‫مبينا أن هذه البنيات وإن كانت‬
‫والتطابق مع مفهومه األكمل‪ ،‬أما‬ ‫صديق ماركس يقول فيها‪ " :‬الناس‬ ‫معطى علميا يعتمد عليه في تفسير‬
‫اإلنسان في نظر هيجل فدوره في‬ ‫هم الذين يصنعون تاريخهم بناء على‬ ‫الظواهر اإلنسانية ‪ ،‬إال أنها تضل‬
‫التاريخ يتجلى من خالل ما ينجزه‬ ‫شروط واقعية سابقة" حيث يرد عليه‬ ‫دالة على الفعل اإلنساني وال تغيبه‪.‬‬
‫العظماء الذين يجعل منهم مجرد‬ ‫بقوله‪ " :‬لكن الناس هم الذين‬ ‫وهذا يعني أن التاريخ هو نتاج‬
‫وسائل تحقق غايات الروح المطلق‪،‬‬ ‫يصنعون التاريخ وليس شروطهم‬ ‫إنساني يتحقق وفق اختياراته وحريته‬
‫وهذا ما نقف عنده في قوله‪ " :‬إن‬ ‫السابقة‪ ،‬وإال سيصبحون مجرد‬ ‫داخل مجموعة من األوضاع التي‬
‫عظماء التاريخ هم الذين يدركون ما‬ ‫محركين من قبل قوى ال إنسانية‬‫َّ‬ ‫يصنعها‪.‬‬
‫هو كوني ويجعلون غايتهم التي‬ ‫ستقوم بالتحكم من خاللهم في العالم‬
‫يحققونها طبقا للمفهوم األرقى للروح‬ ‫اإلجتماعي‪ ،‬صحيح أن هذه الشروط‬
‫المطلق‪ ،‬ولهذا علينا أن نسميهم‬ ‫موجودة‪ ،‬وهي وحدها التي يمكن أن‬
‫األبطال فهم ال يبحثون عن غاياتهم‬ ‫توفر التوجيه والواقع المادي‬
‫وال عن مواهبهم في النظام القائم‬ ‫للتغيرات الموجودة في حالة استعداد‪،‬‬
‫والهادف‪ ،‬بل أتوا بها من مصدر آخر‬ ‫لكن حركية الممارسة تتجاوزها‬
‫من الروح المطلق"‪.‬‬ ‫وتحتفظ بها في الوقت نفسه"‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المفاهيم الخاصة بمجزوءة الوضع البشري‬

‫• اسم مشتق في اللسان العربي من الصدق الذي يعني الحقيقة والقوة والكمال‪ ،‬ويعني‬
‫• ذات عاقلة واعية قادرة على التمييز بين الخير والشر وبين الصدق والكذب‬
‫أيضا عالقة ود وحب خالصين‪،‬‬ ‫الصداقة‬ ‫وتتحمل مسؤولية أفعالها واختياراتها‬ ‫الشخص‬

‫• الوعي بالمطابقة مع الذات‪ ،‬أو ما يجعل الشخص يدرك بأنه هو هو طيلة فترات‬
‫• قيمة أخالقية ومدنية‪ ،‬تنبني على محبة الخير والجمال للذات أوال ثم لألصدقاء ثانيا‬ ‫الفضيلة‬ ‫عمره‪.‬‬ ‫الهوية‬

‫• ذاكرة اإلنسان بمختلف أنشطتها المادية والفكرية‪.‬‬ ‫• جانب عميق وخفي في الجهاز النفسي يحتوي على رغبات ودوافع جنسية‬
‫التاريخ‬ ‫دفينة ومكبوتة‬ ‫الالوعي‬

‫• كل معرفة مؤسسة على الخيال واألسطورة وهي ال تقوم على أي أساس علمي‬
‫الطوباوية يستمد أسسه من الواقع‪.‬‬ ‫• الميزة الخاصة بالشيء أو السلوك االنساني المرغوب فيه‪.‬‬
‫القيمة‬

‫• كل تطور كمي أو كيفي سواء كان إيجابيا أو سلبيا‪ ،‬كما يدل على النمو والتحسن‬ ‫• القدرة على الفعل أو عدم الفعل إراديا دون تدخل شيء آخر غير اإلرادة‪،‬‬
‫والمرور من حالة إلى أخرى‬ ‫وتعني أيضا امكانية اإلختيار الفعلي بين عدد كبير من األفعال‪.‬‬
‫التقدم‬ ‫الحرية‬

‫• مبدأ علمي مفاده ان الظواهر الطبيعية مشروطة بأسباب ضرورية وثابتة‪،‬‬


‫• هي العملية التي بموجبها يكتسب الشخص صفاته المميزة‪.‬‬ ‫ومن ثمة امكان التنبؤ عند معرفة القوانين المتحكمة فيها‪،‬‬
‫الشخصنة‬ ‫الحتمية‬

‫•في مقابل العدم ما به كينونة األشياء‪ .‬بحسب فلسفة سارتر أن الوجود‬ ‫•" األنا الذي ليس أنا" المخالف والمطابق في نفس الوقت‬
‫مشروع من اجل الماهية والجوهر‬ ‫الوجود‬ ‫الغير‬

‫• هي العملية التي بواسطتها يدرك العقل موضوعا ما بهدف تفسيره‬ ‫•حقيقة اإلنسان الثابية والحاملة لكل الحاالت النفسية والفكرية‪ ،‬كما يدل اللفظ‬
‫وفهمه‬ ‫المعرفة‬ ‫على الجانب الواعي في اإلنسان‬ ‫األنا‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫مجزوءة المعرفة‬

‫تنفتح مجزوءة المعرفة على اإلنسان ككائن عاقل منفتح على محيطه الطبيعي واالجتماعي‪ ،‬يسعى إلى فمه وتحليله والكشف عن القوانين التي تتحكم فيه‪ ،‬غير‬
‫أن هذه المعرفة ال يمكن أن تستقيم وتكتسب مشروعيتها وتسخر نتائجها لصالح اإلنسان إال إذا تأسست على نظريات علمية قادرة على المالحظة والتجربة واالختيار‬
‫والمقارنة والقياس التي تصبح عبرها الف رضيات العلمية قواعد وقوانين تستخلص العالقات الثابتة والمنتظمة بين الظواهر‪ ،‬بعيدا عن اإلدراك الحسي المباشر كما يعيشه‬
‫اإلنسان العامي‪ .‬إال أن الحديث عن النظرية العلمية يطرح بدوره إشكاال على مستوى العلوم الدقيقة (قياس معيار علمية النظرية)‪ ،‬ويزداد هذا اإلشكال تعقيدا حينما يتعلق‬
‫األمر بالعلوم اإلنسانية (الحياد والموضوعية والذاتية)‪.‬‬
‫إن كل العراقيل والصعوبات التي تعترض اإلنسان في بحثه العلمي المتواصل سواء في ذاته كإنسان أو في محيطه الخارجي‪ ،‬ليس لها تفسير سوى رغبته في‬
‫امتالك الحقيقة التي أصبحت تطرح أمام اإلنسان إشكا الت كثيرة يمكن التعبير عنها بطرح التساؤالت التالية‪ :‬هل يستطيع اإلنسان أن يدعي العثور على الحقيقة وامتالكها؟‬
‫وإذا كان ذلك ممكننا فما هي األدوات التي بإمكانها أن تقودنا إلى اكتشاف الحقيقة؟ وما الغاية من امتالكها؟ هل لرغبة في ذاتها أم أن هناك أغراضا علمية يروم اإلنسان‬
‫تحقيقها من وراء امتالكه لها؟ بأي معنى يمكن القول بأن المعرفة التي تبلغها العلوم اإلنسانية معرفة علمية؟‬

‫مفهوم النظرية والتجربة‬

‫مفهوم الحقيقة‬

‫مفهوم العلوم االنسانية‬


‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫النظرية والتجربة‬
‫إن التدقيق في عبارة النظرية والتجربة يحيلنا على وجود نوع من الصراع بين هذين المفهومين‪ .‬فالنظرية تحيل إلى العقل بينما التجربة تحيل على الواقع‪ .‬والنظرية‬
‫عند عامة الناس هي الرأي الشخصي‪ ،‬وحين يرتبط هذا األخير بالعمل يكون إيجابيا‪ ،‬وفي حالة العكس‪ ،‬يكون سلبيا‪ .‬وفي اللسان العربي فهي مشتقة من فعل الرؤية‬
‫والمالحظة بالعين أما في اللسان الفرنسي فالنظرية ‪ théorie‬مشتقة من الكلمة اإلغريقية ‪ Théoria‬والتي تعني تأمل وتف ّكر والحظ‪ .‬أما في داللتها االصطالحية فتدل‬
‫في معجم (لسان العرب البن منظور)‪" :‬ترتيب أمور معلومة على وجه يؤدي إلى استعالم ما ليس بمعلوم‪ .‬وقيل طلب علم عن علم‪ ..‬والبحث"‪ .‬أما معجم روبير‪ ،‬فيعرف‬
‫النظرية في معنى أول على أنها‪ " :‬مجموعة من األفكار والمفاهيم المجردة المنظمة قليال أو كثيرا‪ ،‬والمطبقة على ميدان مخصوص "‪ ،‬وفي معنى آخر "بناء عقلي منظم‬
‫ذا طابع فرضي‪ ..‬تركيبي"‪ .‬يتضح من الداللة اللغوية‪ ،‬اال شتقاقية منها والمعجمية‪ ،‬أن لفظ النظرية إن كان معناه على هذا المستوى يرتبط بالرؤية بالعين‪ ،‬فإن األمر ال‬
‫يعدو أن يكون مجرد استعارة لمعنى التأمل والنظر العقلي المجرد الذي يتجاوز الرؤية الحسية‪ ،‬لتبدو هذه النظرة العقلية واضحة على المستوى الفلسفي‪ ،‬حيث حدد الالند‬
‫النظرية في معجمه الفلسفي بقوله‪ " :‬انشاء تأملي للفكر يربط نتائج بمبادئ"‪ ،‬وهو المعنى الذي يمكن أن نلمس حضوره أيضا في المجال العلمي‪ ،‬حيث تعرف النظرية‬
‫بكونها‪ " :‬نسق من المبادئ والقوانين ينظم معرفتنا بمجاالت خاصة‪ ،‬ويضمن هذا ا لنسق بناء منطقيا‪ ،‬له مكوناته ويخضع لنظام فرضي استنباطي‪ ،‬يسمح للعالم باالنتقال‬
‫من عنصر إلى عنصر آخر وفق تراتب صارم"‪ .‬أما التجربة ‪ l’expérience‬فتدل في داللتها العامة عـلى الخبرات والمعارف التي كونها اإلنسان وهو يعيش حياته‬
‫بشكل واقعي وملموس وقد تعني قدرته على إتقـان مهارة أو مهنة أو عمل ما‪ ،‬كما تدل علميا على معنى التجريب ‪ l’expérimentation‬الذي يعني إحداث ظاهرة معينة‬
‫ضمن ظروف وشروط خاصة تتيح له رؤية أوضح وتمكنه من وضع افتراض مناسب‪ .‬لتشكل بذلك التجربة " الوسيلة األساسية التي يلجأ إليها العالم التجريبي لمعرفة‬
‫القوانين المتحكمة في الظواهر"‪ .‬من أين تستمد النظرية وجودها؟ هل من معطيات التجربة أم أن النظرية العلمية هي إنشاء عقلي حر يجد أسسه في مبادئ العقل وقواعده‬
‫المنطقية؟ أية عالقة تربط النظرية بالتجربة أهما منفصلتان أم متداخلتان؟ أال يقوم العقل بتحويل التجربة إلى نظرية علمية وموضوعية؟ ما قيمة النظرية العلمية وأية‬
‫معايير تقوم عليها؟‬

‫المحور االول‬

‫المعرفة العلمية بين العقل والتجربة‬

‫المحور الثاني‪:‬‬

‫معايير علمية النظريات العلمية‬


‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور األول‪ :‬المعرفة العلمية بين العقل والتجربة‬
‫هل تكفي التجربة وحدها في دراسة الواقع‪ ،‬أم أنه من الالزم االستعانة بوسائط أخرى كالعقل والخيال؟ وهل الواقع معطى جاهز وثابت‪ ،‬أم أنه يبنى يعدل باستمرار؟‬

‫غاستون باشالر‬ ‫ألبرت إنشتاين‬ ‫كلود برنار‬ ‫روني طوم‬

‫• ينفي أمكانية قيام معرفة علمية‬ ‫• يؤكد أن التجربة العلمية لم تعد‬ ‫• يقترح أساسا علميا للنظرية‪ ،‬يقوم‬ ‫‪.1‬ينتقد روني توم التصور القائل‬
‫على أحد شرطي البحث‬ ‫كما صورتها النزعة اإلختبارية‬ ‫على مجموعة من الخطوات‬ ‫بأن التجريب العلمي هو المنهج‬
‫الفيزيائي منفصال عن اآلخر‬ ‫المصدر الوحيد للمعرفة في‬ ‫المنهجية الدقيقة‪ ،‬تبتدئ بمالحظة‬ ‫الوحيد للتأكد من صحة أو بطالن‬
‫قائال‪" :‬ال توجد عقالنية فارغة‬ ‫مجال الفيزياء المعاصرة بل إن‬ ‫العالم التجريبي للحادثة أوال‪ ،‬ثم‬ ‫فرضية ما‪ ،‬لكن ال يمكن الجزم‬
‫كما ال توجد مادية عمياء"‪،‬‬ ‫التفكير النظري هو الذي يتحكم‬ ‫يقترح فرضية يحاول أن يشرح‬ ‫بإمكانية شموليته لجميع الظواهر‬
‫متجاوزا بذلك الصراع التقليدي‬ ‫في مسألة بناء هذه المعرفة‪،‬‬ ‫بها الحادثة لكي يتأكد من قيمة‬ ‫الطبيعية‪ .‬مبينا بأن كل اعتقاد من‬
‫العقالنية‬ ‫المدرستين‬ ‫بين‬ ‫فرغم أن النسق النظري للعلم‬ ‫هذه الفكرة ويتحقق من صوابها‪،‬‬ ‫هذا القبيل يضل مجرد وهم‪.‬‬
‫والتجريبية ومؤسسا لتصور‬ ‫يقوم على العالقة المتبادلة بين‬ ‫فإذا أثبتت التجربة صدق دعواه‬ ‫مؤكدا بأنه ال وجود لفرضيات‬
‫إبيستيمولوجي معاصر ال يقبل‬ ‫العقل ومعطيات التجربة إال أن‬ ‫أصبحت الفرضية قانونا‪ ،‬وإذا‬ ‫بدون إنشاءات عقلية‪ ،‬وبالتالي‬
‫العقالنية إال مطبقة وال المادية إال‬ ‫هذه األخيرة ينبغي أن تطابق‬ ‫كذبت دعواه استبدل الفرضية‬ ‫التأكيد على دور الخيال اإلبداعي‬
‫مبنية‪ ،‬أي إخضاع العقل للتجربة‬ ‫القضايا الناتجة عن النظرية‪.‬‬ ‫بأخرى حتى يصل إلى الفرضية‬ ‫في بلوغ المعرفة العلمية‪ .‬خاصة‬
‫والتجربة للعقل‪ ،‬فإذا كان أنصار‬ ‫ومن هنا أضحى دور التجربة‬ ‫األكثر مالءمة‪ ،‬معنى هذا أن‬ ‫أن هذه العملية تقوم على منهج‬
‫اإلتجاه التجريبي يعولون على‬ ‫منحصرا في الفيزياء المعاصرة‬ ‫الفرض العقلي يبقى ذا قيمة‬ ‫مضبوط الخطوات‪ ،‬يجعلها قابلة‬
‫التجربة وحدها لتحقيق معرفة‬ ‫على تأكيد ما توصل إليه النسق‬ ‫ثانوية بالمقارنة مع التجريب‬ ‫لإلعادة‪ .‬منها عزل الظاهرة‬
‫علمية‪ ،‬فإن باشالر يضيف شرط‬ ‫العقلي من نتائج تعتمد على‬ ‫الذي يحتل المرتبة األولى في‬ ‫المدروسة ‪ -‬ملء المختبر‬
‫التحقق التجريبي إلى شرط اليقين‬ ‫المعادالت والقوانين الرياضية‪،‬‬ ‫تأسيس النظرية العلمية‪ .‬ليؤكد‬ ‫باالدوات الضرورية ‪ -‬احداث‬
‫العقلي‪.‬‬ ‫"ألن المبدأ الخالق في العلم ال‬ ‫في هذا الصدد أن العالم مطالب‬ ‫خلل في النسق ‪ -‬تسجيل النتائج‪.‬‬
‫يوجد في التجربة‪ ،‬بل في العقل‬ ‫بان ينصت إلى الطبيعة‪ ،‬وأن‬ ‫وال تكون الواقعة علمية إال إذا‬
‫الرياضي ‪ "...‬إنه المنهج‬ ‫يتوخى الحذر وأن يكون‬ ‫استوفت شرطين هما‪ :‬قابليتها‬
‫األكسيومي الذي يقر بدور العقل‬ ‫موضوعيا في عمله‪ ،‬وأن يركز‬ ‫إلعادة االنشاء وإثارة االهتمام‬
‫النظري في بناء معرفة علمية‬ ‫على الظواهر الماثلة أمامه حتى‬ ‫النظري أو التطبيقي‪.‬‬
‫انطالقا من االتساق واالنسجام‬ ‫ال يقع في األخطاء‪.‬‬
‫واالستنباط المنطقي‪...‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور الثالث‪ :‬معايير علمية النظرية العلمية‬
‫كيف تنشأ الحقيقة العلمية‪ ،‬هل عن طريق التراكم واالستمرارية أم عن طريق القطيعة واالنفصال؟ ما هي معايير صالحية النظرية العلمية‪ ،‬هل هو مطابقتها‬
‫للتجربة أم إلنشاءات العقل الحرة؟ وأين تكمن قوة النظرية‪ ،‬هل في صدقها ويقينها أم في قابليتها للتكذيب والتفنيد؟‬

‫ألبرت إنشتاين‬ ‫بيير دوهيم‬ ‫الحسن بن الهيثم‬ ‫كارل بوبر‬

‫• يؤكد أن التجربة العلمية لم تعد‬ ‫• موقف بيير دوهيم يحدد معيار‬ ‫• يبين الحسن بن الهيثم أن‬ ‫يؤكد كارل بوبر أن‬
‫كما صورتها النزعة اإلختبارية‬ ‫التحقق من صدق النظرية العلمية‬ ‫المعيار االساسي للتحقق من‬ ‫النظريات العلمية تخضع‬
‫المصدر الوحيد للمعرفة في‬ ‫في قابليتها لإلختبار التجريبي ما‬ ‫صحة كل معرفة هو النقد‪ ،‬ذلك‬
‫مجال الفيزياء المعاصرة بل إن‬ ‫دامت النظرية أصال هي صورة‬ ‫أنه ال وجود لحقيقة مطلقة ال‬ ‫ضرورة لعملية اختبار‪،‬‬
‫التفكير النظري هو الذي يتحكم‬ ‫ناسخة لموضوعات الواقع‬ ‫يمكن إبطالها‪ ،‬فعلى الباحث‬ ‫للتيقن من مدى صدقها‬
‫في مسألة بناء هذه المعرفة‪،‬‬ ‫التجريبي حيث التجربة هي منبع‬ ‫والدارس إن كان يصبو بلوغ‬ ‫ونجاعتها‪ ،‬وذلك بواسطة‬
‫فرغم أن النسق النظري للعلم‬ ‫النظرية ومحكها ووسيلة صدقها‬ ‫الحقيقة العلمية أن يكون خصما‬ ‫التكذيب أو التزييف‪ .‬لهذا‬
‫يقوم على العالقة المتبادلة بين‬ ‫من تكذيبها‪ ،‬وكل خروج أو‬ ‫لكل معرفة وأن ال يتساهل مع‬ ‫فالنظرية في نظره ال‬
‫العقل ومعطيات التجربة إال أن‬ ‫تجاوز لهذا الشرط فهو خروج‬ ‫أي خطأ قد يجده فيها إما‬ ‫تستحق صفة العلمية بمجرد‬
‫هذه األخيرة ينبغي أن تطابق‬ ‫من العلم وارتماء في أحضان‬ ‫بتصحيحه إن توفرت له الشروط‬
‫القضايا الناتجة عن النظرية‪.‬‬ ‫األسطورة والمعرفة الخيالية‪،‬‬ ‫أو على األقل إظهار الخلل لمن‬ ‫خضوعها للتجربة‪ ،‬فعلى‬
‫ومن هنا أضحى دور التجربة‬ ‫وهذا ما عبر عنه في كتابه "‬ ‫سيأتي بعده‪ ،‬تجنبا لشيوع‬ ‫العالم البحث عما يفند‬
‫منحصرا في الفيزياء المعاصرة‬ ‫النظرية الفيزيائية موضوعها‬ ‫االخطاء التي يتم فيها النظر إلى‬ ‫نظريته ويجعلها مزيفة‪،‬‬
‫على تأكيد ما توصل إليه النسق‬ ‫وبنيتها" بقوله‪" :‬إن اإلتفاق مع‬ ‫العالم دون العلم‪.‬‬ ‫ويمكن إيعاز ذلك إلى أنه‬
‫العقلي من نتائج تعتمد على‬ ‫التجربة هو الذي يشكل بالنسبة‬ ‫مهما بلغت قوة ومثانة‬
‫المعادالت والقوانين الرياضية‪،‬‬ ‫للنظرية الفيزيائية المعيار الوحيد‬ ‫نظرية ما‪ ،‬فإن زيفها‬
‫"ألن المبدأ الخالق في العلم ال‬ ‫للحقيقة"‪.‬‬
‫يوجد في التجربة‪ ،‬بل في العقل‬
‫سينكشف ذات يوم‪ ،‬ألن قدر‬
‫المنهج‬ ‫إنه‬ ‫الرياضي‪"...‬‬ ‫العلم هو التقدم والتجاوز‪.‬‬
‫األكسيومي الذي يقر بدور العقل‬
‫النظري في بناء معرفة علمية‬
‫انطالقا من االتساق واالنسجام‬
‫واالستنباط المنطقي‪...‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫مفهوم الحقيقة‬
‫يعد البحث عن الحقيقة الهدف األسمى للفلسفة منذ نشأتها مع اليونان‪ ،‬حيث اتخذ هذا المفهوم معاني ودالالت متعددة ومختلفة عبر تاريخ الفلسفة‪ ،‬ففي الفلسفة‬
‫اإلسالمية تم التعبير عنه بكونه مطابقة ما في األعيان لما في األذهان ‪ ،‬وقد ميز الفالسفة بين صنفين من الحقيقة‪ ،‬الحقيقة العقلية أو الصورية القائمة على عدم تناقض‬
‫األقوال والقضايا‪ ،‬بحيث ال يتطلب التحقق من صدقيتها إال مراعاة التناسق الداخلي في القضية أو الحكم‪ ،‬والحقيقة التجريبية التي يتطلب التحقق من صدقها مراعاة الواقع‬
‫الخارجي والتأكد من مدى مطابقة القضايا للواقع‪.‬‬
‫لقد سبق لنيتشه أن أعلن عن كون اإلنسان ينتج حقائق ويعبدها كاألصنام‪ ،‬ليتأكد فيما بعد على أنها مجرد أوهام‪ .‬وما يثير االنتباه هنا هو أن اإلنسان يعتبر الحقيقة‬
‫مرادفة للواقع‪ ،‬فما هو واقعي حقيقي‪ ،‬لكن باعتبار الكائنات الرياضية حقيقية دون أن تكون واقعية‪ ،‬وباعتبار الكائنات الميكروسكوبية خارج الرؤية العادية حقيقية دون‬
‫أن تكون واقعية‪ ،‬يتخلخل نظام الحقيقة والواقع‪ .‬هنا يسقط الواقع كمؤشر على صدق الحقيقة ووجودها‪ .‬ومن جهة أخرى إن ما ينتجه اإلنسان مـن شخصيات ووقائع خيالية‬
‫أو أسطورية وأوهام‪ ،‬سواء في الفنون أو الممارسة اليومية‪ ،‬ويتعايش معها كأنها حقائق‪ ،‬يجعل من هذه األشياء واقعيـة وليست حقيقية‪.‬‬
‫يتضح إذن أن مفهوم الحقيقة مفهوم متعدد األبعاد بتعدد أنواع الحقيقة‪ .‬فهي تارة حسية مرتبطة بالواقع وتارة أخرى عقلية‪ ،‬كما أنها مطلقة ونسبية‪ ،‬فطرية ومكتسبة‪،‬‬
‫الشيء الذي يقودنا إلى التساؤل عن الطريق التي ستؤدي بنا إلى بلوغ الحقيقة‪ ،‬وهل يمكن للرأي أن يكون دعامة لها أم أنها تتعارض معه؟ ما هي معايير بلوغ الحقيقة؟‬
‫ومن أين تستمد الحقيقة قيمتها؟ هل من ذاتها أم مما تحققه من أغراض نفعية عملية لإلنسان؟‬

‫المحور االول‬

‫الرأي والحقيقة‬
‫المحور الثاني‪:‬‬

‫معايير الحقيقة‬
‫المحور الثالث‪:‬‬

‫الحقيقة بوصفها قيمة‬


‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫المحور األول‪ :‬الرأي والحقيقة‬


‫لقد قاد اهتمام اإلنسان بعناصر الكون وبوجوده باعتباره كائنا ينتمي إليه إلى السعي المتواصل لمعرفة حقائق هذه األشياء دون أن يستثني من ذلك ذاته‪ .‬فإذا كان‬
‫الرأي هو اعتقاد أو تصديق بواقع أو بأفكار لم تخضع للفحص النقدي‪ ،‬يتقبله العقل دون أ ن ينشغل بشكل جدي فيما إذا كانت منطلقاته صحيحة أو خاطئة‪ ،‬وحسب الالند‪":‬‬
‫حالة ذهنية تتمثل في االعتقاد بصحة قول معين‪ ،‬مع القبول بإمكان الخطأ أثناء حكمنا هذا‪ "...‬فهل يستطيع اإلنسان الوصول إلى ما يبحث عنه وذلك باكتشافه حقيقة‬
‫األشياء وحقيقة نفسه أم أن المعرفة ال عامية والشائعة التي تشكل أساس الرأي تحول دون ذلك؟ وهل تتعارض الحقيقة دائما مع الرأي؟‬

‫ليبنز‬ ‫غاستون باشالر‬ ‫روني ديكارت‬

‫• يري بأن الرأي القائم على‬ ‫• يعتبر الرأي انطباعا شخصيا‬ ‫يـؤكد روني ديكارت أن‬
‫االحتمال قد يستحق اسم المعرفة‬ ‫يكونه الفرد بناء على إدراكه‬ ‫معرفة الحقيقة تقتضي مـن‬
‫أو الحقيقة‪ ،‬وإال سوف يتم إسقاط‬ ‫الحسي المباشر‪ ،‬ومن تم يعكس‬ ‫اإلنسان أن يتخلص من اآلراء‬
‫كل معرفة تاريخية‪ ،‬وغيرها من‬ ‫التجربة العامية والمشتركة بين‬ ‫واألفكار التي كونها وتلقـاها طيلة‬
‫المعارف‪ ،‬فالنقص الذي تشكو منه‬ ‫الناس‪ ،‬ولذلك فهو ليس ناتجا عن‬ ‫حياته‪ ،‬معتبرا على إياها آراء‬
‫علوم المنطق راجع إلى افتقارها‬ ‫تفكير أو تأمل عقلي‪ ،‬مما يجعله‬ ‫حقيقية‪ ،‬في حين هي مؤسسة على‬
‫للبحث في درجة االحتمال‪ ،‬كما‬ ‫عائقا يحول دون تكوين معرفة‬ ‫مبادئ غير مؤكدة من أفكار‬
‫أن الرأي الخاص بأولئك الذين‬ ‫حقيقة‪ .‬ليقول في هذا الصدد‪" :‬‬ ‫وآراء جاهزة تلقاها الفرد من‬
‫لهم وزن وسلطة‪ ،‬هو رأي يقوم‬ ‫والرأي تفكير سيء‪ ،‬بل إن الرأي‬ ‫محيطه الخارجي‪ ،‬والتي لم‬
‫على االحتمال‪ .‬ليقول‪ " :‬لقد كان‬ ‫ال يفكر البتة‪ ،‬فهو يترجم الحاجات‬ ‫يتوصل إليها بنفسه وال عقله‪ .‬لذا‬
‫كوبرنك وحيدا في رأيه‪ ،‬وكان‬ ‫إلى معارف من خالل تعيينه‬ ‫وجب التسلح بالشك الذي يمكن‬
‫ذلك الرأي أكثر احتماال بشكل ال‬ ‫لألشياء حسب فائدتها‪ ،‬يمتنع عن‬ ‫من تمحيص ما هو سائد وإعادة‬
‫يقبل المقارنة مع رأي باقي النوع‬ ‫معرفتها‪ ،‬ال يمكن تأسيس أي‬ ‫النظر في كل ما يحتاج منه إلى‬
‫البشري‪."...‬‬ ‫شيء على الرأي‪ ،‬بل ينبغي‬ ‫ذلك‪ .‬إنه بتعبير أدق شك منهجي‪،‬‬
‫هدمه"‪.‬‬ ‫شك في جميع المعارف حتى التي‬
‫ال يمكن الشك فيها‪ ،‬أما الحقيقة‬
‫الوحيدة التي ال يمكن الشك فيها‬
‫فهي كوني أشك‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫معايير الحقيقة‬ ‫المحور الثاني‪:‬‬


‫يتحدد المعيار بكونه كل ما يقاس به غيره ويسوى‪ ،‬إنه المرجع الذي نميز ونصنف به األشياء‪ ،‬وبه نحكم صحة القضايا والمفاهيم‪ ،‬في حين تدل الحقيقة على ما‬
‫نبنيه من حكم على الواقع أو ظاهرة ما‪ ،‬وهي بذلك إعادة تأسيس للواقع والحكم عليه‪ .‬إذن كيف تتأسس الحقيقة؟ وما هو المعيار المتبع في ذلك‪ ،‬هل هو مطابقتها للعقل أم‬
‫للتجربة أم لذاتها؟‬

‫دافيد هيوم‬ ‫باراخ سبينوزا‬ ‫روني ديكارت‬


‫• يؤكد دافيد هيوم أن هناك اختالفا بين‬ ‫• يؤكد أن اإلنسان يملك من المؤهالت‬ ‫يؤكد أن الحكم على معرفة ما‬
‫معايير صدق كذب المعرفتين العقلية‬ ‫ما يكفيه للفصل بين المعارف‬ ‫بأنها حقيقية يتطلب اعتماد طريقتين‪،‬‬
‫والتجريبية‪ ،‬فالعقل يضم موضوعات‬ ‫الحقيقية والخاطئة‪ ،‬من خالل مطابقة‬ ‫هما الحدس واالستنباط‪ ،‬فاألول‬
‫يتم التحقق من صدقها بعمليات فكرية‬ ‫الحقيقة لموضوعها‪ ،‬ما يجعل معيار‬ ‫يوظف إذا تعلق األمر بمعارف يقوم‬
‫فقط‪ ،‬وموضوعات أخرى تحتاج إلى‬ ‫صدقها مرتبطا بها وليس بمعيار‬ ‫صدقها على وضوحها وتميزها‬
‫مطابقة الواقع للتأكد منها‪ ،‬ويمكن‬ ‫خارجي‪ ،‬ألن الحكم على معرفة ما‬ ‫(معارف بسيطة مباشرة بديهية)‪ ،‬أما‬
‫إرجاع هذا التمايز إلى اعتبار‬ ‫بالصحة أو الخطأ‪ ،‬يتوقف على‬ ‫الثاني فيوظف إذا تعلق األمر بمعرفة‬
‫المعارف العقلية خاضعة فقط‬ ‫وضوحها ويقينها أما العقل‪ ،‬حيث‬ ‫مركبة واستداللية‪ ،‬ما يستدعي‬
‫لالنسجام بين شكلها والتصور الذي‬ ‫تفصح األحكام المرتبطة بها عن‬ ‫توظيف منهج صارم متمثل في ثالث‬
‫يملكه عنها‪ ،‬بينما تفترض المعرفة‬ ‫جوانب الصحة والبطالن فيها‪،‬‬ ‫خطوات‪ :‬التحليل‪ :‬قصد تفكيكها من‬
‫التجريبية البحث عما يوافقها في‬ ‫وبالتالي تصبح حقيقة في حالة تطابق‬ ‫أجل إدراك كل جزء على حدة‪.‬‬
‫الواقع قصد التأكد من صدقها أو‬ ‫األحكام مع الموضوعات التي تمثلها‪،‬‬ ‫التركيب‪ :‬أي تجميع هذه األجزاء‬
‫كذبها‪.‬‬ ‫في حين تصبح مزيفة وخاطئة في‬ ‫والبحث عن العناصر التي بموجبها‬
‫حالة التعارض بينهما‪.‬‬ ‫تم لمها في نسق واحد بداية بأبسط‬
‫معرفة نحو األكثر تعقيدا‪ .‬المراجعة‪:‬‬
‫ينبغي مراجعة الخطوات السابقة‬
‫للتأكد من سالمة النسق‪ .‬وبالتالي‬
‫يكمن معيار صدقها في بداهة‬
‫ووضوح األولى وانسجام مراحل‬
‫الثانية‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫المحور الثالث‪ :‬الحقيقة كقيمة‬


‫لقد ضلت الحقيقة عبر تاريخ الفلسفة موضع بحث وتساؤل‪ ،‬واتخذت دالالت متعددة‪ ،‬باختالف التصورات الفلسفية‪ ،‬في حين يعتبر مفهوم القيمة الميزة الخاصة‬
‫بالشيء أو السلوك اإلنساني المرغوب فيه‪ .‬فإذا كانت الحقيقة شيء نبحث عنه والقيمة شيء مرغوب فيه‪ ،‬فما الذي يجعل هذا الشيء ذا قيمة؟ بمعنى آخر‪ ،‬من أين يستمد‬
‫قيمته هل من ذاته أم مما يحققه من منفعة أم من الجهة التي يصدر عنها؟‬

‫فريديريك نيتشه‬ ‫وليام جيمس‬ ‫ايمانويل كانط‬

‫• لقد شكك في الحقيقة‪ ،‬ذلك أن‬ ‫• أكد على أن الحقيقة ليست غاية‬ ‫يعترض كانط (‪)1804_1724‬‬
‫األفكار والكلمات المتداولة‪ ،‬هي‬ ‫في ذاتها‪ ،‬وإنما وسيلة يتم‬ ‫على دعوى بنيامين كونسطان‬
‫في األصل أضداد لها‪ ،‬ويرجع‬ ‫تسخيرها لخدمة حاجات ومنافع‬ ‫(‪ )1830_1776‬القائل بأن قول‬
‫ذلك إلى أن قيمتها ال تكمن في‬ ‫مادية‪ ،‬أي أن الشيء ال تكتسي‬ ‫الحقيقة أمر نسبي‪ ،‬حيث يجوز‬
‫كونها تنسجم مع العقل والصواب‪،‬‬ ‫قيمة إال إذا حققت منفعة سواء‬ ‫للفرد الكذب على اآلخرين‪ ،‬إذا ما‬
‫وإنما في كونها ما يتيح للمهيمنين‬ ‫على المستوى الفكري أو العملي‬ ‫أحس أن قول الحقيقة يعرض‬
‫حفظ بقائهم واالستمرار في بسط‬ ‫أي طابقت الواقع‪ ،‬ذلك أن امتالك‬ ‫حياته للخطر‪ ،‬وعلى العطس من‬
‫نفوذهم وسيطرتهم‪ ،‬أي أنها‬ ‫اإلنسان ألفكار صحيحة‪ ،‬يعني‬ ‫ذلك يعتبر كانط قول الحقيقة واجبا‬
‫تجسيد إلرادة قوة حقيقية‪ ،‬فالفكرة‬ ‫امتالكه ألدوات ثمينة تسمح له‬ ‫أخالقيا يتعين على كل واحد‬
‫تسود عادة ليس ألنها صحيحة‪،‬‬ ‫بالقيام بأعمال ذات مردودية‬ ‫االلتزام به مهما كانت الظروف‬
‫وإنما لكونها تخدم مصالح فئة‬ ‫ومنفعة‪ ،‬مما يعني أن االنسجام‬ ‫والنتائج التي يمكن أن تنجم عنه‪،‬‬
‫معينة‪ ،‬وبذلك لم تعد هناك حدود‬ ‫الداخلي ليس كافيا لكي يكون‬ ‫والمرد ذلك هو كون الكذب على‬
‫فاصلة بين الوهم والحقيقة من‬ ‫الشيء حقيقا‪ ،‬إذ إلى جانب ذلك‬ ‫شخص واحد يعني الكذب على‬
‫جهة‪ ،‬وبين الخطأ والحقيقة‪،‬‬ ‫يجل أن يحقق منفعة مادية‪.‬‬ ‫اإلنسانية جمعاء‪ ،‬أي أن نتائجه‬
‫فالحقيقة وهم وخطأ تم تحريفهما‬ ‫تضر الجميع (تعبير عن عدم‬
‫لخدمة أغراض فئة ما‪.‬‬ ‫رغبة الشخص في القضاء على‬
‫الجريمة والمجرمين)‪ ،‬كما أن‬
‫الكذب يعرض القانون األخالقي‬
‫لإلبتذال وفاقدا للمصداقية‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫مسألة العلمية في العلوم اإلنسانية‬

‫لقد ضل اإلنسان لمدة من الزمن ذات للمعرفة العلمية ال موضوعا لها‪ ،‬حيث أنه أحكم سيطرته على الظواهر الطبيعية وذلك بإخضاعها للدراسة والتفسير العلميين‪،‬‬
‫هذه النقلة النوعية التي حدثت في النماذج التجريبية في العلوم الدقيقة‪ ،‬أغرت اإلنسان ودفعت به إلى تطبيق هذه النما ذج على الظاهرة اإلنسانية‪ .‬ويمكن إرجاع ذلك إلى‬
‫طهور الوضعية في القرن التاسع عشر وسعي العلماء نحو تأسيس أنساق معرفية جديدة تختص كل منها في دراسة وتحليل مختلف جوانب الظاهرة اإلنسانية‪ ،‬إال أن‬
‫محاوالتهم إلسقاط النموذج التجريبي على الظاهرة اإلنسانية قد ووجه بعوا ئق عديدة متمثلة باألساس في اختالف موضوعيهما‪ ،‬الشيء الذي استدعى ايجاد منهج خاص‬
‫بالعلوم اإلنسانية ينسجم مع خصوصيتها ومبحثها (علم اإلجتماع‪ ،‬علو النفس‪ ،‬األنثروبولوجيا‪ .)..‬ولعل أبرز صعوبة قد تعترض الباحث في العلوم اإلنسانية هو تدخل‬
‫ذاتية الباحث في الظاهرة لكونه ال يتجزأ منها‪ .‬إال أن موضعة هذه الظاهرة تجعلها متعددة العوائق واإلشكاالت‪ :‬إذن‪ ،‬ما طبيعة وخصائص الظاهرة اإلنسانية؟ وهل يمكن‬
‫موضعة الظاهرة اإلنسانية وتفسيرها تفسيرا نسبيا كما هو الشأن بالنسبة للعلوم الدقيقة؟‬

‫المحور االول‬

‫الموضوعية في العلوم االنسانية‬


‫المحور الثاني‪:‬‬

‫الفهم والتفسير‬
‫المحور الثالث‪:‬‬

‫علمية العلوم االنسانية‬


‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫الموضوعية في العلوم اإلنسانية‬ ‫المحور األول‪:‬‬


‫إذا كان مفهوم الموضوعية أو الموضعة يحيل على مختلف اإلجراءات المنهجية الدقيقة‪ ،‬التي تستهدف تعيين ظاهرة ما كموضوع علمي مستقل ومتمايز عن ذاتية المالحظ أو المفكر أو‬
‫الباحث‪ ،‬وكانت الظاهرة اإلنسانية مختلف الظواهر التي تنتج عن اإلنسان وترتبط بالوعي والقصدية‪ .‬إذن‪ ،‬هل يقتضي هذا األمر فصل الذات المالحظة عن موضوع المالحظة؟ ألن يطرح معه‬
‫صعوبات نظرا للتداخل الحاصل بين الذات الدارسة وموضوع الدراسية؟‬

‫إميل دوركهايم‬ ‫جون بياجي‬ ‫رونيه بوفريس‬ ‫لوسيان غولدمان‬

‫• يؤكد بإمكانية موضعة الظاهرة‬ ‫• يعتبر أن العالقة بين الذات‬ ‫• ترى بأنه رغم كل المجهودات‬ ‫• يؤكد غولدمان بأن تحقق‬
‫اإلنسانية ودراستها دراسة‬ ‫والموضوع في العلوم اإلنسانية‪،‬‬ ‫التي بدلها الوضعيون ( على‬ ‫الموضوعية في العلوم اإلنسانية‬
‫علمية‪ ،‬وذلك باعتبارها شيئا‬ ‫أمام بلوغ‬ ‫تشكل عائقا‬ ‫رأسهم أوكست كونت) من أجل‬ ‫يظل أمرا صعبا إن لم نقل‬
‫كباقي األشياء‪ ،‬والشيء يعني‬ ‫الموضوعية‪ ،‬ذلك أن الحدود‬ ‫تحرير العلوم اإلنسانية من‬ ‫مستحيال‪ ،‬والسبب في ذلك راجع‬
‫الشيء الخارجي والموجه‬ ‫بينها ليست واضحة‪ ،‬هذا التداخل‬ ‫سيطرة الفلسفة‪ ،‬وتقريبها ما‬ ‫إلى االختالف بين العلوم‬
‫للمالحظة‪ ،‬ولذلك يشترط معاملة‬ ‫راجع لسببين يكمن األول في‬ ‫العلوم‬ ‫وموضوعية‬ ‫علمية‬ ‫الطبيعية والعلوم اإلنسانية من‬
‫الظاهرة اإلجتماعية باعتبارها‬ ‫تمركز الباحث حول ذاته ورؤية‬ ‫الدقيقة‪ ،‬فإنها تبقى عاجزة عن‬ ‫حيث الموضوع والمنهج‪ ،‬فإذا‬
‫أشياء‪ ،‬لكونها تتميز بالخارجية‬ ‫موضوعه من خالل ذاته‪،‬‬ ‫ذلك نظرا لصعوبة الفصل بين‬ ‫كانت نتائج األولى قابلة للتعميم‬
‫والوجود المستق عن وعي‬ ‫والثاني يكمن في المعرفة‬ ‫الذات (الباحث) والموضوع‬ ‫نظرا لإلجماع الحاصل عليها‪،‬‬
‫األفراد الذين يمتثلون لها‬ ‫الحدسية المسبقة بالواقع‪ ،‬مما‬ ‫(موضوع الدراسة)‪ ،‬أي أن‬ ‫فإن نتائج الثانية ال تحظى بذلك‬
‫لقصرها‬ ‫لها‬ ‫ويخضعون‬ ‫يجعله أقل إحساسا بضرورة‬ ‫الباحث ال يستطيع أن يقيم‬ ‫نظرا لصعوبة تخلص الباحث في‬
‫وهيمنتها‪ ،‬وبذلك تتحقق مسافة‬ ‫التقنيات الموضوعية‪ .‬أي أن‬ ‫حدودا بين الموضوعات التي‬ ‫العلوم اإلنسانية من القيم واآلراء‬
‫وانفصال منهجي بين الذات‬ ‫الباحث ال يستطيع اإلستقالل عن‬ ‫يتولى دراستها ألنه يشكل جزءا‬ ‫واألحكام والمسبقة عنها‪ ،‬مما‬
‫(العالم والمالحظ) والموضوع‬ ‫الظاهرة المدروسة‪ ،‬إذ يقوم‬ ‫ال يتجزأ منها‪.‬‬ ‫يجعله عرضة إلسقاط خلفياته‬
‫وهوالظاهرة أو المال َحظ‪ .‬وتتحدد‬ ‫بوعي أو بدون وعي بإسقاط‬ ‫ورغباته عليها‪ ،‬ومهما كانت‬
‫الطاهرة اإلجتماعية عنده بكونها‬ ‫معارفه وأفكاره الذاتية عليها‪،‬‬ ‫الحياد‬ ‫تحقيق‬ ‫محاوالته‬
‫والسلوك‬ ‫التفكير‬ ‫ضروب‬ ‫وبالتالي يكزن الباحث في العلوم‬ ‫والموضوعية‪ ،‬فذلك أمر صعب‬
‫والشعور اإلجتماعي التي توجد‬ ‫اإلنسانية وفق هذا المبدأ وجهان‬ ‫المنال‪.‬‬
‫خارج وعي األفراد والتي تفوض‬ ‫لحقيقة واحدة‪ ،‬أي أن الذات هي‬
‫نفسها عليهم‪ ،‬وهذا ما يسميه‬ ‫الموضوع وكذلك العكس‪.‬‬
‫دوركهايم بالقهرية وكمثال لذلك‬
‫ذاهرة الزواج واإلنتحار والفقر‬
‫والدعارة‪...‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫المحور الثاني‪ :‬الفهم والتفسير‬


‫يعتبر التفسير إلى جانب التنبؤ الركيزة األساسية للعلوم الطبيعية التي بدونها ال يمكن أن نتصور علوما طبيعية قائمة الذات‪ ،‬لكن هل هذا يعني أن العلوم اإلنسانية يمكن‬
‫أن تعتمد التفسير كمنهج لها؟ أم أن خصوصية الظاهرة اإلنسانية تتطلب الفهم والتأويل قصد دراستها وا إلحاطة بها؟ أال يمكن الجمع بينهما لإلحاطة الصحيحة بالظاهرة‬
‫اإلنسانية؟‬

‫اإلتجاه الوضعي ‪/‬علم النفس‬ ‫جول مونرو‬ ‫غرانجي‬


‫• لقد حاول االتجاه الوضعي وعلم النفس‬ ‫• ينتقد مونرو التصور الوضعي الذي يدعي‬ ‫يؤكد غرانجي أن دراسة الظواهر‬
‫التجريبي تطبيق المنهج التجريبي في العلوم‬ ‫امكانية التعامل مع الظاهرة اإلنسانية بنفس‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬يتطلب بدل الرغبة في‬
‫اإلنسانية خصوصا بعد النجاحات الكبرى‬ ‫المنهج المتبع في العلوم الطبيعية‪ ،‬وذلك عن‬ ‫تفسيرها التوجه نحو فهمها‪ ،‬وذلك عبر‬
‫للفيزياء في القرن ‪ ،19‬حيث سعى أوكست‬ ‫طريق البحث في العالقات الموجودة بين‬ ‫تأويلها في ارتباط بالدالالت والمعاني‬
‫كونت إلى تطبيق المنهج التجريبي المتبع‬ ‫االسباب والنتائج‪ ،‬مؤكدا على أن كل ما‬ ‫التي تفصح عنها‪ ،‬إال أن ذلك ليس ال‬
‫في العلوم الطبيعية على الظاهرة‬ ‫تتيحه الظواهر اإلنسانية هو فهمها بواسطة‬ ‫يعني بلوغ النتائج المرجوة‪ ،‬والسبب في‬
‫االجتماعية مطلقا عليها اسم الفيزياء‬ ‫البداهة‪ ،‬حيث أن هناك ترابطا وثيقا بين‬
‫االجتماعية واستبدل هذا االسم فيما بعد‬ ‫الحادث ورد الفعل الناتج عنه‪( ،‬العالقة بين‬ ‫ذلك راجع إلى التعامل مع الظاهرة وفق‬
‫بالسوسيولوجيا أو علم االجتماع‪ ،‬وذلك‬ ‫الغضب وتسديد الضربات)‪ ،‬والذي بمجرد‬ ‫أبنية ثابتة وراسخة‪ ،‬دون مراعاة‬
‫بهدف دراسة الظاهرة االجتماعية بنفس‬ ‫حصوله يتم ارجاعه بالضرورة إلى وضعية‬ ‫المعطيات الطارئة التي يمكن أن تظهر‬
‫الطريقة العلمية قصد الرقي بعلم االجتماع‬ ‫معروفة ومشتركة لدى الجميع‪ .‬وإنه من‬ ‫فيها‪ .‬وأمام صعوبة تفسير هذه الظاهرة‬
‫لمصاف العلوم الحقة وبعيدا عن التأويل‪.‬‬ ‫الصعب ادعاء امكانية تفسير الحوادث‬ ‫والنظر إليها باعتبارها ثابتة‪ ،‬فقد اتجه‬
‫أما علم النفس وعلى سبيل المثال المدرسة‬ ‫والدوافع االجتماعية‪ ،‬ألن السبب الواحد ال‬ ‫علماء اإلنسان نحو حصرها والبحث في‬
‫السلوكية التي تهتم بدراسة السلوك اإلنساني‬ ‫يمكن أن يؤدي بالضرورة إلى نفس النتيجة‪،‬‬ ‫العالقات المتعددة التي تربطها بمختلف‬
‫القابل للمالحظة منظورا إليه كاستجابات‬ ‫كما أن ردود الفعل ال يمكن أن تعود إلى‬ ‫مناحي السياق الذي تنتج عنه قصد تقديم‬
‫آلية أو ردود فعل نابعة من مثيرات قابلة‬ ‫سبب مألوف‪ .‬لذا يجب التعامل مع هذه‬ ‫فهم مناسب لها غير أن هذا المنهج قد‬
‫للمالحظة بدورها ما يقاضي كشف تلك‬ ‫الظواهر كمعطى بديهي من خالل تشكيل‬ ‫يكون قاصرا بدوره إذا تم اإلقتصار‬
‫القوانين المتحكمة في عالقة المثيرات‬ ‫فهم موضوعي استنادا إلى عالقة الفعل‬ ‫على معطيات خاصة‪ ،‬متجاهال بذلك‬
‫باالستجابة (سلوك = مثير ‪+‬استجابة)‪،‬‬ ‫بالتجربة المعيشة‪.‬‬ ‫خصوصية الظاهرة‪.‬‬
‫الشيء الذي يمكن من ظهور قوانين نفسية‬
‫تتيح إمكانية تحليل السلوك البشري وتعديله‬
‫والتنبؤ به خصوصا في مجال التعلم‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫معايير علمية العلوم اإلنسانية‬ ‫المحور الثالث‪:‬‬
‫إن تعدد وجهات النظر فيما يتعلق بدراسة الظواهر اإلنسانية‪ ،‬ال يدل إال على فشل العلوم إلنسانية في تبرير علميتها‪ ،‬فبدل توحيد الرؤى والتصورات‪ ،‬نجد تعميقا‬
‫للهوة والخالفات بين المناهج‪ .‬إذن ما هو الشرط الضروري لعلمية العلوم اإلنسانية؟ وعل يمكن اخضاعها لنفس المعايير المعتمدة في العلوم الطبيعية أم أن موضوعها‬
‫يفترض البحث عن معايير مالئمة؟‬

‫إدغار موران‬ ‫جان الدريير‬


‫• يقدم إدغار موران نموذجين مختلفين للعلمية في العلوم‬ ‫• عمل الدريير من خالل تصوره هذا على اتخاذ موقف‬
‫اإلنسانية‪ ،‬يتمثل األول في تقليد النماذج المطبقة في العلوم‬ ‫حاول الجمع فيه بين التصورين السابقين ( الفهم والتفسير)‪،‬‬
‫الطبيعية‪ ،‬بينما يسعى النموذج الثاني نحو تكوين نموذج‬ ‫محاوال ايجاد حل لوضعية المنهج في العلوم اإلنسانية‬
‫يستمد قوته مما يميز الموضوعات المدروسة‪ ،‬ويفسح على‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬بحيث نفى امكانية دراسة الفعل البشري‬
‫خالف األول إمكانية واسعة لتدخل الذات في تحليل األفعال‬ ‫بالطريقة نفسها التي ندرس بها خصائص موضوع فزيائي ‪،‬‬
‫والحوادث المرتبطة أو المستقلة عنها (يعتبر موران من‬ ‫كما استبعد إمكانية ابتكار أداة أصيلة للتحليل مالئمة لطبيعة‬
‫أنصار المنهج التركيبي أو التكاملي في تفسير ودراسة‬ ‫الموضوع المدروس‪ ،‬أي المالئمة لما يخص اإلطار العام‬
‫المشكالت اإلنسانية)‪.‬‬ ‫للفعل اإلنساني‪ .‬فالطريقة األولى تغيب نظام الدالالت‬
‫والنوايا والغايات والقيم‪ ،‬في حين يكمن عيب الطريقة الثانية‬
‫في كون الفعل اإلنساني أشمل وأعمق من اإلحاطة به عن‬
‫طريق محاولة الفهم والتأويل والتصور ضمن قالب محدد‪،‬‬
‫وبالتالي يجب على العلوم اإلنسانية أن تحقق ثورتها الخاصة‬
‫ضمن إطار مخالف للعلوم الطبيعية يراعي خصوصيتها‬
‫وميزتها دون التشبث بمنهج محدد ال محيد عنه‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المفاهيم الخاصة بمجزوءة المعرفة‬
‫• الحقيقة التي تفرض على العقل بشكل مباشر‪ ،‬دون أن تكون هناك ضرورة‬ ‫• انشاء تأملي للفكر يربط نتائج بمبادئ‬
‫للبرهنة عليه‪.‬‬ ‫البداهة‬ ‫النظرية‬

‫• كل ما يرغب فيه اإلنسان ويفضله‪ ،‬ويتخذه مثال أعلى يسعى نحوه عن‬
‫قصد أو بغير قصد‪ ،‬سواء على مستوى التفكير النظري أو الممارسة‬ ‫• تشير حسيا إلى الواقعة التي تحدث في الطبيعة دون تدخل الباحث‬
‫العملية أو أخالقيا‬ ‫القيمة‬ ‫التجربة‬

‫• على مختلف اإلجراءات المنهجية الدقيقة‪ ،‬التي تستهدف تعيين ظاهرة ما‬
‫الموضوعية كموضوع علمي مستقل ومتمايز عن ذاتية المالحظ أو المفكر أو الباحث‬ ‫• الوسيلة األساسية التي يلجأ إليها العالم التجريبي لمعرفة القوانين‬
‫المتحكمة في الظواهر‬
‫التجريب‬
‫• مختلف الظواهر التي تنتج عن اإلنسان وترتبط بالوعي‬
‫والقصدية‪.‬‬ ‫الظاهرة‬ ‫• العقل كما تصوره االتجاه العقالني باعتباره السبيل الوحيد للوصول‬
‫االنسانية‬ ‫إلى فهم وتفسير الظواهر وحقيقتها وهو مصدر للمعرفة‪.‬‬ ‫العقالنية‬
‫المطلقة‬
‫• األطر العقلية القبلية التي تضم مقولتي الزمان والمكان وهي سابقة‬
‫عن كل تجربة‬ ‫المقوالت‬ ‫• األطر العقلية القبلية التي تضم مقولتي الزمان والمكان وهي‬
‫المقوالت سابقة عن كل تجربة‬
‫• كل ما يقاس به غيره ويسوى‪ ،‬إنه المرجع الذي نميز ونصنف به األشياء‪ ،‬وبه‬
‫نحكم صحة القضايا والمفاهيم‬ ‫المعيار‬
‫•امتالك المعرفة بدون وساطة المنهج‪.‬‬
‫الحدس‬
‫• نشاط عقلي يدرك بموجبه االنسان الظواهر ويربط بين‬
‫الفعل والنتائج‪.‬‬ ‫الفهم‬
‫• حالة ذهنية تتمثل في االعتقاد بصحة قول معين‪ ،‬مع القبول بإمكان الخطأ‬
‫أثناء حكمنا هذا‬
‫الرأي‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫مجزوءة السياسة‬

‫تعبر مجزوءة السياسة عن مستوى آخر من الوجود اإلنساني‪ ،‬إنها الممارسة السياسية التي تشكل أهم الممارسات البشرية الجماعية‪ ،‬والتي تجعل من الوجود‬
‫اإلجتماعي لإلنسان‪ ،‬وجودا منظما خاضعا لمبادئ ولقوانين عقلية وأخالقية‪ ،‬فاألفراد يعيشون في إطار مجتمعات‪ ،‬وهو ما يطرح مسألة تنظيم وجودهم في مجال خاص‬
‫يوفق بين أفعالهم وتصرفاتهم بحيث تبدو كأنها صادرة عن الجماعة‪ ،‬مما يستدعي الحفاظ على األمن داخل المجتمع‪ ،‬وذلك عن طريق خلق تنظيمات ومؤسسات تعمل‬
‫على توزيع السلطة وتؤسس فيه مشروعيتها كذلك‪ ،‬إنها الدولة والتي تعتبر اإلطار المنظم لهذه الممارسات لما تملكه من سلطة تسمح لها باللجوء أحيانا للعنف إلعادة‬
‫التوازن للعالقة البشرية الجماعية‪ ،‬وهذا العنف قد ينظر إليه كحق مشروع للدولة‪ ،‬ألنه بدونه ال يمكن للدولة أن تؤدي وظائفها على الشكل المطلوب وهذا األمر يطرح‬
‫أكثر من سؤال‪:‬‬
‫ما الدولة وما مصدر مشروعيتها؟ وما الغاية من وجودها؟ هل العنف الذي تتخذه الدولة كوسيلة لتنظيم العالقات بين أفراد مجتمع وضمان الحقوق أم هو شطط‬
‫في السلطة؟ هل هو عنف مشروع أم ال؟ وإذا كان كذلك‪ ،‬فمن أين يستمد مشروعيته؟ أال يمكن أن يشكل هذا العنف مساسا بحقوق اإلنسان وبالعدالة المنشودة داخل أي‬
‫تنظيم سياسي أو اجتماعي أو قانوني؟‬

‫مفهوم الــدولــــــــــــــة‬

‫مفهوم العنف‬

‫مفهوم الحق والعدالة‬


‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫مفهوم الدولة‬

‫يصعب على اإلنسان أن يعيش في عزلة عن باقي النوع البشري‪ ،‬مما يستدعي منه التكتل في إطار جماعات بشرية‪ ،‬غير أن هذا األمر يطرح معه مشكل تنظيم‬
‫العالقات بين األفراد سواء داخل الجماعة الواحدة أو بين الجماعات‪ ،‬لما يطبع الذات اإلنسانية من نزوع نحو السيطرة والتملك وحب الذات‪ ،‬وهذا ما يعني ضرورة وجود‬
‫نظام سياسي قائم الذات‪ ،‬له من المؤسسات والتشريعات سواء القانونية والعسكرية واإلدارية واإلقتصادية ما يضمن له تنظيم حياة الفرد والمجتمع داخل مجال ترابي‬
‫محدد وفي وزمان معين‪ .‬إنه الد ولة‪ :‬التي تعرف بكونها ‪ :‬مجموعة من المؤسسات القانونية واإلدارية والعسكرية التي يتم انشاؤها من لدن جماعة من الناس بموجب عقد‬
‫مشترك لغرض تنظيم حياتهم في كافة الميادين والمجاالت‪ .‬والتساؤل هنا هو تساؤل نابع من تجربة المعاناة من سلطتها‪ ،‬وكذا االستفادة من هوامش الحرية ومن فضاءات‬
‫الكالم والحوار التي تسح بها‪ ،‬كل تساؤل عنها يكون نابعا من تصور مركب‪ ،‬فنحن نعاني من قسوتها وشططها من إلزامها وعنفها في الوقت الذي نترجاها ونتمنى‬
‫ممارستها‪ .‬إذن من أين تستمد الدولة مشروعيتها؟ هل مما هو مقدس أم من القوة والغلبة أم من القوانين الوضعية؟ هل بهدف ممارسة العنف على المحكومين أم لحمايتهم‬
‫وضمان حرياتهم؟ وما طبيعة السلطة السياسية؟‬

‫المحور االول‬

‫مشروعية الدولة وغاياتها‬


‫المحور الثاني‪:‬‬

‫طبيعة السلطة السياسية‬


‫المحور الثالث‪:‬‬

‫الدولة بين الحق والعنف‬


‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور األول‪ :‬مشروعية الدولة وغاياتها‬
‫من أين تستمد الدولة مشروعيتها؟ هل من الحق أم من القوة أم هما معا؟ وما هي الشروط الضرورية لقيامها؟ وألي غاية وجدت؟‬

‫جون لوك‬ ‫طوماس هوبس‬ ‫ماكس فيبر‬ ‫سبينوزا‬

‫• بين ان التعاقد يجب أن يتم بين أفراد‬ ‫• قد انطلق من افتراض وجود حالة‬ ‫• يرى بأن غاية الدولة هي تدبير‬ ‫• يؤكد سبينوزا على ان الغاية من‬
‫المجتمع من جهة والملك من جهة‬ ‫الطبيعة‪ ،‬التي كان فيها اإلنسان ذئبا‬ ‫الشؤون العامة لألفراد‪ ،‬إال أن نجاح‬ ‫وجود الدولة‪ ،‬ليست الهيمنة‬
‫أخرى‪ ،‬حيث يتفق أفراد المجتمع‬ ‫ألخيه اإلنسان‪ ،‬الشيء الذي تسبب‬ ‫هذا التنظيم متوقف على وضع‬ ‫والتسلط‪ ،‬وإنما بهدف تحقيق الحرية‬
‫على التنازل للملك عن بعض‬ ‫في حروب دائمة وصراعات حول‬ ‫أشكال محددة من الهيمنة والسلطة‬ ‫وتمكين كل مواطن من الحفاظ على‬
‫حقوقهم بالمقدار الذي يسمح بقيام‬ ‫السلطة والهيمنة ( حرب الكل ضد‬ ‫ترغم األفراد على الخضوع لكل ما‬ ‫حقه الطبيعي في الوجود باعتباره‬
‫سلطة عامة‪ ،‬أما باقي الحقوق فقد‬ ‫الكل)‪ ،‬والتي تعود عادة لألقوياء‪،‬‬ ‫تأمرهم به‪ ،‬وقد حددها في ثالث‬ ‫وجودا آخر دون إلحاق الضرر‬
‫احتفظ بها األفراد ألنفسهم وال يحق‬ ‫خصوصا وأن اإلنسان تحكمه دوافع‬ ‫سلط عرفها التاريخ اإلنساني‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫بالغير‪ .‬مادام األفراد قد تنازلوا عن‬
‫للملك المساس بها‪ .‬وإذا لم يحافظ‬ ‫غريزية نحو التملك والسلطة‬ ‫السلطة التقليدية‪ :‬تكون قائمة على‬ ‫حقهم في السلطة لصالح هيئة تتولى‬
‫الملك عنها يفسخ العقد الذي بينه‬ ‫واألنانية المفرطة‪ .‬ولوضع حد‬ ‫سلطة القبيلة والعادات والتقاليد‬ ‫تسيير شؤونهم بواسطة قوانين متفق‬
‫وبينهم‪ ،‬وكل من حاول تجاوز‬ ‫للعدوان والعنف الدائر بين األفراد‬ ‫(سلطة الشيخ)‪ .‬السلطة الكاريزمية‪:‬‬ ‫عليها‪ ،‬وبالتالي على الدولة وفق هذا‬
‫القانون سيكون مصيره العقاب‪ ،‬ألن‬ ‫ورغبة في الحفاظ على الوجود‬ ‫تستمد قوتها من الصفات الخارقة‬ ‫المبدأ حماية األفراد وضمان حقوقهم‬
‫القوانين المنظمة لألفراد تتمتع‬ ‫اإلنساني‪ ،‬وقد كانت الدولة الحل‬ ‫التي يتمتع بها الشخص أو بعض‬ ‫في أجواء يعمها السلم واألمان‪.‬‬
‫باالستقاللية التامة عن رغبا كل‬ ‫األنسب لتبديد هذا الوضع‪ ،‬حيث‬ ‫البطوالت‪ ،‬التي تجعله في مرتبة‬ ‫ليكون بذلك األفراد قد تجاوزوا حالة‬
‫فرد‪ ،‬لكونها مؤسسة بموجب ميثاق‬ ‫يتنازل جميع األفراد عن حقوقهم‬ ‫أعلى من الجميع ( سلطة األولياء)‪.‬‬ ‫الطبيعة المتميزة بسيطرة الغريزة‬
‫جماعي‪ ،‬وهي نفس الفكرة التي‬ ‫لشخص واحد هو الملك مقابل‬ ‫السلطة العقالنية‪ :‬مؤسسة على‬ ‫واألهواء واألنانية إلى حالة المدنية‬
‫نجدها لدى روسو (الملكية المقيدة)‪.‬‬ ‫الحفاظ على أمن حياتهم وإقرار‬ ‫سلطة المكتب والعقل‪ ،‬اللذين‬ ‫المحكومة بالعقل والمؤسسة على‬
‫السلم‪ ،‬في مقابل تمتعه بسلطة مطلقة‬ ‫يؤسسان لقواعد حكم عقالنية يمتثل‬ ‫العيش المشترك والقوانين التي‬
‫ألنه لم يشارك في العقد ولم يلتزم‬ ‫لها الجميع لكونها نتاج إرادة عامة‪.‬‬ ‫شارك الجميع في سنها‪.‬‬
‫بشيء‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫طبيعة السلطة السياسية‬ ‫المحور الثاني‪:‬‬


‫يم كن القول أن نجاح الدولة كان متوقفا على كيفية تشغيل السلطة وتسخيرها لخدمة األغراض التي وجدت لها‪ ،‬إذن فما هي طبيعة هذه السلطة السياسية؟ هل هي‬
‫سلطة مادية أم رمزية‪ ،‬فردية أم جماعية‪ ،‬ديمقراطية أم استبدادية؟‬

‫لويس ألتوسير‬ ‫نيكوالمكيافيلي‬ ‫مونتسكيو‬

‫• ال ينكر األهمية القصوى التي يحضى‬ ‫• لكي تؤدي ممارسة السلطة من طرف‬ ‫• يبين مونتسكيو أن ضمان حرية‬
‫بها الجهاز القمعي في الدولة الحديثة‪،‬‬ ‫الحاكم وظيفتها على أحسن وجه‪ ،‬ينبغي‬ ‫األفراد ال يكون بالعنف واإلكراه‬
‫إال أن يؤكد بأن السلطة لم تعد تمارس‬ ‫المزاوجة فيها بين القوة والمكر‬ ‫وإنما اعتمادا على مبدأ فصل‬
‫اعتماد على الجيش فقط‪ ،‬بل أصبحت‬ ‫والخداع‪ ،‬ألن مجال السياسة هو مجال‬
‫حاضرة في جميع مناحي الحياة‪ ،‬ذلك‬ ‫صراع بين األفراد والجماعات‪ ،‬لذلك‬ ‫التشريعية‬ ‫السلطة‬ ‫السلط‪،‬‬
‫أن الدولة تستغل كل ما هو متاح لها‬ ‫على الحاكم او األمير أن يستخدم كل‬ ‫والسلطة التنفيذية والسلطة‬
‫من أجل تمرير خطابها‪ ،‬نظرا لوعيها‬ ‫الوسائل المتاحة لديه‪ ،‬الشرعية منها‬ ‫القضائية‪ ،‬ألن تمركز السلط في‬
‫بأن العنف لم يعد وسيلة ناجعة‪ ،‬لذلك تم‬ ‫وغير الشرعية‪ ،‬للتغلب على خصومه‬ ‫يد شخص واحد من شأنه أن‬
‫اعتماد العنف الرمزي في مجموعة من‬ ‫وبلوغ غايته‪ ،‬منطلقا من مبدأ الغاية‬ ‫يؤدي إلى إهدار حقوق‬
‫المؤسسات خدمة لمصالح الدولة‬ ‫تبرر الوسيلة‪ ،‬ولكي يصل األمير إلى‬ ‫المواطنين وسلب حرياتهم‪ ،‬إال‬
‫كالمدرسة واإلعالم والفكر والدين‪.‬‬ ‫مستوى العظماء‪ ،‬يقترح عليه مكيافيلي‬ ‫أنه ليس فصال مطلقا إذ أن كل‬
‫طريقتين لمواجهة المحكومين‪" :‬القانون‬
‫والقوة"‪ ،‬فاألولى لها ارتباط باإلنسان‬ ‫سلطة تكمل وظيفة األخرى‪،‬‬
‫والثانية خاصة بالحيوان‪ ،‬ومن‬ ‫قصد ضمان أمن المجتمع‬
‫الضروري لمن في السلطة أن يعرف‬ ‫وسعادة أفراده‪.‬‬
‫استخدام الطريقتين معا‪ ،‬وفي هذه‬
‫الحالة يكون أشبه باألسد في قوته‬
‫وبالثعلب في مكره ودهائه‪ .‬وبالتالي‬
‫يكون استعمال القوة حسبه نافعا في‬
‫الكثير من األحيان‪ ،‬لكن استعمالها في‬
‫غير رؤية وتبصر للنتائج قد يفضي إلى‬
‫تدمير الذات وهالكها‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور الثالث‪ :‬الدولة بين الحق والعنف‬
‫على أي أساس تمارس الدولة سلطتها؟ هل على الحق أم على العنف أم هما معا؟‬

‫جاكلين روس‬ ‫ماكس فيبر‬ ‫إنجلز‬

‫• تنفي أن ترتبط مهمة الدولة في ممارسة‬ ‫• يعرف الدولة باعتبارها تجمعا سياسيا‬ ‫• ينفي إنجلز أن تكون سلطة الدولة‬
‫العنف واإلضطهاد‪ ،‬بقدر ما ترتبط‬ ‫اداريا وقانونيا تقوم على احتكار العنف‬ ‫مفروضة من الخارج‪ ،‬كانتقاد‬
‫بإحقاق الحق وضمان الحرية والكرامة‬ ‫وتلجأ إليه باعتباره وسيلتها الخاصة‪،‬‬ ‫لألطروحتين الالهوتية والهيجيلية‪ ،‬بل‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وهذه هي السمات المميزة‬ ‫غير أن هذا العنف هو عنف مشروع‬ ‫بعوامل‬ ‫أكد على أنها مرتبطة‬
‫للدولة المعاصرة والتي تجعل من‬ ‫وحق من حقوق الدولة ألنه يضمن لها‬ ‫موضوعية إبان تطور المجتمع‪،‬‬
‫ماهيتها ووجودها الدفاع عن حقوق‬ ‫ممارسة السيادة‪ ،‬وكذلك األمن‬ ‫وتحديدا مع ظهور وسائل اإلنتاج‪ ،‬التي‬
‫اإلنسان‪ ،‬إنها دولة الحق والقانون‪ ،‬هذه‬ ‫واإلستقرار‪ ،‬مؤكدا بأن العالقة بين‬ ‫احتدم الصراع نحو امتالكها‪ ،‬الشيء‬
‫األخيرة يجب أن تقوم على ثالثة أسس‬ ‫الدولة المعاصرة والعنف بأنها عالقة‬ ‫الذي ترتب عنه بصراع الطبقات‪ ،‬حيث‬
‫تتمثل في القانون والحق ومبدأ فصل‬ ‫حميمية‪ ،‬ذلك أن عمل الدولة رهين‬ ‫حولتها الطبقة المهيمنة اقتصادية إلى‬
‫السلط‪ ،‬ألنها هي الكفيلة بضمان احترام‬ ‫بتقوية وسائل ممارسة العنف‪ ،‬فأن‬ ‫آلية للهيمنة والسلطة السياسية‪ ،‬خوفا‬
‫الشخص وتأسيس هذا اإلحترام‪ ،‬فإذا ما‬ ‫تسوس الدولة مجاال ترابيا محدد وتنظم‬ ‫من استمرا الصراع بين الناس وإحالال‬
‫طبقت هذه المبادئ داخل مؤسسات‬ ‫أفراده‪ ،‬البد من العنف لتحقيق ما‬ ‫للسلم واألمان في المجتمع‪ ،‬لتظهر بذلك‬
‫وتنظيمات الدولة ستؤدي إلى نشوء‬ ‫عجزت القوانين عن تحقيقه‪ ،‬خصوصا‬ ‫الدولة‪ ،‬الشيء الذي جعلها ذات وظيفة‬
‫اعتقاد لدى جميع األفراد لكونهم‬ ‫وأنه ليس شيئا زائدا يمكنها أن تلجأ إليه‬ ‫قمعية في يد الطبقة المهيمنة خدمة‬
‫يحضون باإلحترام والحماية والضامن‬ ‫أو تكف عنه‪ ،‬وإنما هو آلية ضرورية‬ ‫لمصالحهم واضطهادا للطبقة العمالية‪.‬‬
‫إلستمرارية هذه الحقوق هو العمل بمبدأ‬ ‫تكفل لها اإلستمرار وتضمن لألقوياء‬
‫فصل السلط وتفعيله بشكل دائم في‬ ‫فرض هيمنتهم وسلطتهم المطلقة على‬
‫إطار القانون الوضعي المتعارف عليه‪.‬‬ ‫من هم دونهم قوة وسلطة‪ ،‬الشيء الذي‬
‫يجعل من العنف سلوكا مشروعا‬
‫اقتضته ضرورات الحياة اإلجتماعية‪،‬‬
‫احتكرته الدولة لصالحها وال يحق ألحد‬
‫ممارسته بدون إذن منها‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫مفهوم العنف‬

‫تحدد العنف لمدة زمنية طويلة باعتباه سلوكا ماديا محضا يقوم به فرد أو جماعة تجاه الغير‪ ،‬ملحقا به ضررا جسميا بالدرجة األولى‪ ،‬إال أنه في‬
‫السنين األخيرة وبفضل التغيرات التي لحقت المجتمع في شتى الميادين‪ ،‬أصبع العنف يعرف على أنه‪ ":‬كل سلوك أو فعل مادي أو لفظي يصدر عن‬
‫ذات ضد أخرى‪ ،‬مسببا لهذه األخير ضررا بدنيا أو نفسيا‪ .".‬هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن اإلنسان أصبح يعي خطورة وقسوة العنف‬
‫النفسي‪ ،‬إلى حدود تفضيل بعضهم الضرب والعنف المادي على بعض األلفاظ أو التعابير التي يكون تأثير مستمرا‪ ،‬وال يزول إال بموت صاحبه‪،‬‬
‫على العكس من العنف الجسدي‪ .‬لكن رغم وعي اإلنسان بخطورة العنف إال أنه اليزال ساري المفعول‪ ،‬خصوصا وأن أبحاثه مسخرة لخدمة الحرب‬
‫والقمع أكثر من األبحاث اال قتصادية‪ .‬إذا ما هو السلوك العنيف؟ وما هي أشكال ومظاهر العنف التي تمارس في الواقع؟ وكيف يبزغ العنف في‬
‫التاريخ؟ وهل هناك غاية أو طموح تبرر ممارسته؟‬

‫المحور االول‬

‫أشكال العنف‬
‫المحور الثاني‪:‬‬

‫العنف في التاريخ‬
‫المحور الثالث‪:‬‬

‫العنف والمشروعية‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور األول‪ :‬أشكال العنف‬
‫هل يعتبر العنف سلوكا فطريا متأصال في اإلنسان أم أنه سلوك مكتسب ناتج عن ظروف وإكراهات خارجية؟‬

‫إريك فروم‬ ‫بيير بورديو‬ ‫كارل فون كلوزوفيتش‬ ‫إيف ميشو‬

‫• إريك فروم ‪1980_ 1900‬‬ ‫• ‪ :2002_1930‬يري بأن‬ ‫• كارل فون كلوزوفيتش‬ ‫• يؤكد ميشو بأن للعنف أشكاال‬
‫الذي يرجع العنف إلى‬ ‫العنف الرمزي يعتبر أشد‬ ‫‪( :1831_ 1780‬جنرال‬ ‫متعددة في الواقع‪ ،‬وال يخلو أي‬
‫وأخطر أشكال العنف السائدة في‬ ‫منها من نية إيذاء الغير‬
‫عوامل خارجية‪ ،‬ذلك أن‬ ‫الحياة السياسية واإلجتماعية‪،‬‬ ‫ومؤرخ حربي) يؤكد ما‬ ‫واإلضرار به ماديا ونفسيا‪،‬‬
‫اإلنسان ال يلجأ إلى العنف‬ ‫والسبب في ذلك هو استعمال‬ ‫ذهب إليه ميشو‪ ،‬قائال بأن‬ ‫والدليل على ذلك هو تطوير‬
‫لغرض التدمير‪ ،‬والدليل‬ ‫مجموعة من القنوات من طرف‬ ‫الحرب سلوك عنيف يبيح‬ ‫أدوات ممارسته على مر‬
‫على ذلك هو الدم الذي‬ ‫مجموعة من الفاعلين دون‬ ‫لإلنسان استخدام القوة‬ ‫التاريخ‪ ،‬مسخرا في ذلك جميع‬
‫يعتبر مظهرا أساسيا للعنف‪،‬‬ ‫الوعي بذلك‪ ،‬خصوصا وأنه ال‬ ‫التي‬ ‫الوسائل‬ ‫وجميع‬ ‫الوسائل المتاحة قصد اإلضرار‬
‫إال أنه يعتبر في الحضارات‬ ‫يحتاج إلى السلطة أو القوة بقدر‬ ‫ابتدعها العلم والمعرفة‬ ‫بالغير‪ ،‬ولعل أبرز مثال يوضح‬
‫ما يحتاج إلى إقحام الهيمنة في‬ ‫ذلك هو الحروب‪ ،‬المادية منها‬
‫القديمة والشعائر الدينية‬ ‫الخطابات وجميع األشكال‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬والتي يكون‬ ‫والباردة‪ ،‬موظفا وسائل اإلعالم‬
‫استجابة للطقوس والشعائر‬ ‫الثقافية والدينية السائدة في‬ ‫هدفها الرئيسي القضاء على‬ ‫الجماهيرية إرهاب وتخويف‬
‫التي تدعو إلى التقرب بالدم‬ ‫الواقع‪ ،‬ولعل أبرز مثال يوضح‬ ‫العدو أو ارغامه على‬ ‫العدو‪ ،‬الشيء الذي أدى في كثير‬
‫الوالء‬ ‫على‬ ‫كدليل‬ ‫ذلك هو إضفاء الحاكم على نفسه‬ ‫اإلستسالم‪ ،‬مستبعدين بدلك‬ ‫من األحيان إلى إخماد فتيل‬
‫واإلخالص‪ .‬إضافة إلى‬ ‫صفات " الولي"‪ ،‬الذي يستطيع‬ ‫أي أساس للتحاور أو سن‬ ‫الحرب قبل اشتعالها‪ .‬وقد أبرز‬
‫كون أغلب الحروب التي‬ ‫تحقيق بعض الخوارق لآلخرين‪،‬‬ ‫قوانين تقنن الحرب‪ ،‬وتعتبر‬ ‫ميشو في هذا اإلطار بأن جميع‬
‫وهو ما ال يقدر عليه أي فرد‬ ‫الدول‪ ،‬وفي سعيها لضمان‬
‫عاشتها البشرية كانت تحت‬ ‫آخر‪ .‬إن هذا العنف إذا يحظى‬ ‫الهدنة أكبر مثال يوضح‬ ‫اإلستمرارية‪ ،‬قد سخرت العلم‬
‫تأثير ظروف خارجية‪،‬‬ ‫بالرضا والقبول ن طرف‬ ‫ذلك‪ ،‬وبالتالي يضل الهدف‬ ‫والفكر‪ ،‬اللذين كانا من األجدر‬
‫اقتضت األفراد واإلنسانية‬ ‫الفاعلين‪ ،‬إلى درجة ال يعترفون‬ ‫الرئيسي لكل طرف هو‬ ‫توظيفهما في سبيل اإلنسانية‪،‬‬
‫جمعاء إلى العنف تحقيقا‬ ‫فيها به كعنف‪ ،‬ألنه يستدمجونه‬ ‫إخضاع الطرف اآلخر بأي‬ ‫لخدمة أغراضها ومصالحها‬
‫أهداف خاصة‪.‬‬ ‫كبديهيات أو مسلمات من خالل‬ ‫وسيلة كانت‪.‬‬ ‫الخاصة‪.‬‬
‫والتنشئة‬ ‫التربية‬ ‫وسائل‬
‫االجتماعية وأشكال التواصل‬
‫داخل المجتمع‪ ،‬الشيء الذي‬
‫يسهل مأمورية السلطة السياسية‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور الثاني‪ :‬العنف في التاريخ‬
‫تعددت ظاهر العنف واختلفت عبر مسار التاريخ اإلنساني‪ ،‬فقد لعب دورا أساسيا في بعض األحيان‪ ،‬مغيرا تاريخ اإلنسانية ومسببا سقوط أنظمة ديكتاتورية أمام قيم العدالة والحرية كما هو‬
‫الشأن بالنسبة للثورات (الثورة الفرنسية_الربيع العربي)‪ .‬فما هو دور العنف في التار يخ؟ وما هي بعض تجلياته؟ وإلى أي حد يمن اعتباره محركا أساسيا للتاريخ ومحددا لطريقة اشتغال المؤسسات‬
‫في المجتمع؟‬

‫سيغموند فرويد‬ ‫روني جيرار‬ ‫كارل ماركس‬

‫• يؤيد المحلل النفساني النمساوي فرويد بأن‬ ‫• يؤكد بأن السبب الوحيد الذي أدى إلى‬ ‫• إن العنف ظهر كنتيجة لإلنقسام الطبقي الذي‬
‫العنف يقود إلى نشأة الحق‪ ،‬فهما ال‬ ‫انتشار العنف في جميع مناحي الحياة هو‬ ‫أعقب المشاعة البدائية‪ ،‬مما يعني أن‬
‫يتناقضان مادام الحق هو قوة الجماعة‪ ،‬كما‬ ‫التنافس‪ ،‬فاإلنسان ميال بطبعه إلى الرغبة‬ ‫الصراع هو المولد لظاهرة العنف في‬
‫يكشف عن ذلك تاريخ البشرية‪ ،‬ولتوضيح‬ ‫فيما يريده اآلخر ويشتهيه‪ ،‬ذلك أن موضوع‬ ‫التاريخ والمحرك لعجلته وسيرورته‪ ،‬ورغم‬
‫هذه العالقة المعقدة بينهما‪ ،‬يرى فرويد بأن‬ ‫الرغبة ال يتخذ قيمة بالنسبة له‪ ،‬إال حينما‬ ‫تغير أطراف الصراع فإن الصراع يضل‬
‫تسوية الصراعات كانت تتم دائما باستخدام‬ ‫يرى تعلق اآلخر به‪ ،‬ومادام كبرياء اإلنسان‬ ‫قائما‪ ،‬وأبرز مثال على ذلك هو كون‬
‫العنف‪ ،‬في شكل قوة عضلية أو قوة مدعومة‬ ‫ال يدعوه إلى اإلستسالم بسهولة‪ ،‬وبالتالي‬ ‫المجتمع الروماني القديم مكونا من طبقتين‬
‫بالتفوق العقلي‪ ،‬والتي تنتهي بسيطرة من‬ ‫فإن السعي إلى نفس الرغبة يخلق نوعا من‬ ‫متمايزتين السادة والفرسان في مقابل العبيد‪،‬‬
‫يملك القوة أكبر‪ ،‬وهكذا فإن المرور إلى‬ ‫الصراع بين الطرفين المتنافسين‪ ،‬ما‬ ‫ما نجد في القرون الوسطى السادة والشرفاء‬
‫الحق تم عبر اتحاد قوى ضعيفة متعددة في‬ ‫يجعلهما يدخالن في حرب مفتوحة ما لم‬ ‫في مقابل األقنان والحرفيين العاديين‪ ،‬أما في‬
‫مواجهة عنف الفرد الواحد‪ ،‬ففرضت إرادتها‬ ‫تنتهي بفوز أحدهما‪ .‬وبالرغم من أن‬ ‫العصر الحديث فنجد البورجوازية‬
‫وأضفت على هذه اإلرادة صفة الحق‬ ‫المجتمعات قد سنت قوانين منظمة وضابطة‬ ‫والبروليتاريا‪ ،‬ولن يتسنى إبعادهذا الصراع‬
‫والقانون‪.‬‬ ‫للعنف والحرب بين األفراد‪ ،‬إال أن واقع‬ ‫العنيف إال بإلغاء أسبابه ودواعيه‪ ،‬وهي‬
‫الحياة السياسية واإلجتماعية ال تزال مشبعة‬ ‫الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج‪ ،‬عندها‬
‫بالعنف‪ ،‬ما يعني بأن الوسائل الموظفة‬ ‫سيحل استغالل اإلنسان للطبيعة محل‬
‫للقضاء عليه أو التقليل منه لم تكن مجدية‪.‬‬ ‫استغالل اإلنسان ألخيه اإلنسان‪ .‬كما أن‬
‫لكن الطريقة التي تمكن من ذلك تكمن في‬ ‫التغير في التاريخ هو الصراع‪ ،‬مما دفعه‬
‫تحديد ميكانيزمات توقف الرغبة في القتال‬ ‫إلى شرعنة العنف الثوري‪ ،‬أي تلك األشكال‬
‫بين األفراد (التنافس الجنسي عند الحيوان‬ ‫من العنف التي تستهدف تقويض النظام وبث‬
‫واخضاعه للقوة والتراتبية)‪.‬‬ ‫الفوضى في أوصاله‪ ،‬وتخريب بنيته التحتية‬
‫ومنشآته للتعجيل بزواله‪ ،‬عندما تعجز‬
‫اآلليات الديموقراطية عن تحقيق اإلنتقال‬
‫المنشود‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫المحور الثالث‪ :‬العنف والمشروعية‬


‫هل هناك عنف مشروع وعنف غير مشروع؟ وما طبيعة الحدود الفاصلة بينهما؟ وكيف يمكن تبرير العنف وشرعيته؟‬

‫غاندي‬ ‫إيمانويل كانط‬ ‫ماكس فيبر‬

‫• يقيم فصال حادا بين العنف والالعنف‪،‬‬ ‫• يرفض أي مواجهة للعنف الشرعي‬ ‫• يؤكد فيبر بأن العالقة بين الدولة‬
‫مؤكدا بأن األول من بين مميزات‬ ‫للسلطة بعنف مضاد غير مشروع‪ ،‬ألن‬ ‫المعاصرة والعنف بأنها عالقة حميمية‪،‬‬
‫الحيوانات بصفة عامة ومعها اإلنسان‬ ‫ذلك بدون معنى ونتائجه وخيمة‪،‬‬ ‫ذلك أن عمل الدولة رهين بتقوية وسائل‬
‫كذلك‪ ،‬في حين يعد الثاني المطلب‬ ‫معتبرا في هذا االطار بأن الدولة هي‬ ‫ممارسة العنف‪ ،‬فأن تسوس الدولة‬
‫الطموح الذي ينبغي على اإلنسانية أن‬ ‫الوحيدة التي من حقها ممارسة العنف‬ ‫مجاال ترابيا محدد وتنظم أفراده‪ ،‬البد‬
‫تسعى إليه‪ ،‬خصوصا وأن التاريخ‬ ‫المشروع أمام الشعب‪ ،‬وال يحق له‬ ‫من العنف لتحقيق ما عجزت القوانين‬
‫اإلنساني المتميز بتعنيف البشر لبعضهم‬ ‫المقاومة اإلعتراض على ما تقوم به‬ ‫عن تحقيقه‪ ،‬خصوصا وأنه ليس شيئا‬
‫البعض‪ ،‬لم يمنع من استمرار الحياة‬ ‫سلطة الدولة حتى ولو خرقت الدستور‬ ‫زائدا يمكنها أن تلجأ إليه أو تكف عنه‪،‬‬
‫وبقاء اإلنسان على األرض‪ (،‬وأبرز‬ ‫أو ما يسميه بالميثاق األصلي‪ ،‬أي‬ ‫وإنما هو آلية ضرورية تكفل لها‬
‫مثال على ذلك هو الحركات‬ ‫التعاقد الرابط بين الحاكم والشعب‪،‬‬ ‫اإلستمرار وتضمن لألقوياء فرض‬
‫اإلستعمارية التي اتخذت من العنف‬ ‫ويدافع كانط عن تصوره هذا بقوله بأن‬ ‫هيمنتهم وسلطتهم المطلقة على من هم‬
‫أساسا إلخضاع الشعوب)‪ ،‬على أساس‬ ‫الشعب في إطار دستور مدني قائم سلفا‬ ‫دونهم قوة وسلطة‪ ،‬الشيء الذي يجعل‬
‫أنه ال ينبغي مواجهة العنف القائم بعنف‬ ‫ليس من حقه أن يشرع دائما لطريقة‬ ‫من العنف سلوكا مشروعا اقتضته‬
‫أخر مضاد له‪ ،‬بقدر ما يجب استعمال‬ ‫تطبيق الدستور‪ ،‬ألن ذلك سيؤدي إلى‬ ‫ضرورات الحياة اإلجتماعية‪ ،‬احتكرته‬
‫أسلحة من نوع آخر لمقاومته من قبيل‬ ‫صراع بين الشعب والحاكم‪ ،‬وهم‬ ‫الدولة لصالحها وال يحق ألحد ممارسته‬
‫ما هو روحي‪ .‬علما بأن انتشار العنف‬ ‫صراع ال يمكن حسمه إال بوجود سلطة‬ ‫بدون إذن منها‪.‬‬
‫في الحياة اإلجتماعية‪ ،‬قد ساهم في‬ ‫أعلى من الرئيس‪ ،‬وهو أمر متناقض‬
‫تنامي مظاهر الحقد والكراهية بين‬ ‫نظرا لعدم وجود سلطة أعلى من‬
‫الناس‪ ،‬هذا إن سلمنا بأن هناك ما‬ ‫الرئيس‪ ،‬وبناء عليه فإن من يحسم‬
‫يستحق بأن يقتل في سبيله شخص ما‬ ‫األمر هو من يمتلك اإلرادة العليا‬
‫شخصا أخر‪ ،‬وهو ما دفع إلى ضرورة‬ ‫للعدالة أي رئيس الدولة‪ ،‬وال أحد في‬
‫التفكير في سبل أخرى لرفع العنف من‬ ‫الجمهورية يملك حق اإلعتراض على‬
‫الحياة العامة وتعويضه بمبدأ أخالقي‬ ‫ملكيته لهذا الحق‪.‬‬
‫مغاير هو الالعنف‪ ،‬يكون هدفه ضمان‬
‫األمن وتعميم السلم والصداقة والمحبة‬
‫بين الناس‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫مفهوم الحق والعدالة‬


‫تمهيد‬
‫تعد لفظة الحق لفظة معقدة من الناحية اللغوية وتحمل مجموعة من الدالالت‪ ،‬ففي اللسان الفرنسي يرجع لفظ ‪ droit‬إلى األصل الالتيني ‪ directum‬وتعني ما هو‬
‫مستقيم وال اعوجاج فيه‪ ،‬أما في اللسان العربي فتفيد معاني اليقين والثبات والصدق‪ ،‬أما في الحقل الفلسفي فنجدها تحمل عدة دالالت‪ ،‬ويمكن ردها إلى داللتين منطقية‬
‫وأخالقية‪ ،‬فمنطقيا تعني االستدالل الصحيح والسليم‪ ،‬أما الداللية األخالقية فتعني ما هو مشروع وقانوني‪ .‬هكذا يكتسي الحق قيمة عليا في الفلسفة‪ ،‬وأصبح من بين‬
‫اشتغاالتها األساسية‪ ،‬فارتبط بالحقائق المطلقة والقيم المطلقة ويدل على المثل والفضائل‪ ،‬بحيث أصبح يمثل الدرع الذي يلجأ إليه األفراد داخل المجتمع إلضفاء المشروعية‬
‫على مواقفهم ومطالبهم‪ ،‬إنه تلك القيمة المطلقة التي يجب االلتزام بها ألنه يحمل كل معاني القوة والحقيقة ومعنى العقل في االستدالل السليم والعدل والمشروعية والفضائل‬
‫المثلى في األخالق‪ ،‬فهو يمثل القدرة على فعل ما (الكالم‪ ،‬التصويت‪ ،‬التنقل‪ )...‬أو االستمتاع بالشيء واالستفادة منه ( السكن‪ ،‬الحياة‪ ،‬الملكية‪ )...‬أو إلزام الغيرية (‬
‫القانون‪ ،‬الضريبة‪ ،‬الواجب‪.)...‬‬
‫أما العدالة فهي عبارة عن قواعد قانونية ومعايير أخالقية يضمن بها المجتمع حقوق أفراده‪ ،‬بمعنى أنها تتأسس على القوانين كمؤسسات خارجية تجبر الفرد على‬
‫احترام الحقوق‪ ،‬وكذلك تتأسس على قوى داخلية ونقصد بذلك القاعدة األخالقية التي تفرض بدورها على األفراد احترام الحقوق‪ ،‬وهكذا تصبح العدالة عبارة عن قوانين‬
‫وقواعد أخالقية تحمي حقوق األفراد‪ ،‬فتطبيق مبدأ العدالة هو الكفيل بإحقاق الحق والقادر على ضمان حقوق الفرد الذاتية في ضل القيام بالواجبات‪ ،‬لكن إذا كان الحق‬
‫يكتسي هذه األه مية‪ ،‬فعلى ماذا يتأسس؟ هل على ما هو طبيعي‪ ،‬وبالتالي تشترك فيه كل الكائنات األخرى أم أنه معطى ثقافي‪ ،‬ما يجعله يرتبط باإلنسان كوحدة؟ وهل‬
‫يمكن تصور الحق في غياب العدالة؟ وهل يمكنها تحقيق المساواة واإلنصاف لجميع أفراد المجتمع؟‬

‫المحور االول‬

‫الحق بين الطبيعي والوضعي‬


‫المحور الثاني‪:‬‬

‫العدالة أساس الحق‬


‫المحور الثالث‪:‬‬

‫العدالة بين االنصاف والمساواة‬


‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫الحق بين الطبيعي والوضعي‬ ‫المحور األول‪:‬‬


‫يشير مفهوم الحق إلى المعيار أو القاعدة األخالقية والقانونية التي تؤسس لعالقات األفراد فيما بينهم داخل مجتمع سياسي منظم‪ .‬لكن ما هو أصل هذا الحق وعلى‬
‫ماذا يتأسس؟ هل هو فطري أم مكتسب؟‬

‫باروخ سبينوزا‬ ‫جان جاك روسو‬ ‫طوماس هوبس‬

‫• يقر بأن الحق الطبيعي لكل انسان يتحدد‬ ‫• يؤكد على أن القوة ال تخلق الحق ومن‬
‫• يعرف هوبس الحق الطبيعي بكونه‬
‫حسب الرغبة والقدرة ال حسب العقل‬ ‫تم فإن القوانين ال يمكن أن تتأسس على‬
‫الحرية التي يمتلكها كل إنسان في‬
‫السليم ألن اإلنسان بدوره يمتلك طبيعة‪،‬‬ ‫الحق الطبيعي مادام يقوم على حق‬
‫التصرف كما يشاء للمحافظة على‬
‫والتي هي عبارة عن حواجز وأهواء‬ ‫القوة‪ ،‬وعلى اإلنسان تبعا لذلك أن يسلك‬
‫طبيعته وحياته الخاصة‪ ،‬ما يترتب عنه‬
‫تدفعه إلى الكراهية والظلم والخوف‪،‬‬ ‫وفق مبادئ العقل عوض اإلنقياد وراء‬
‫دفاع الكل في حالة أهبة واستعداد‬
‫وبالتالي ينعدم الشعور باألمن‬ ‫ميوالته الغريزية حينها سيبرهن على‬
‫لفرض السيطرة واستخدام كل‬
‫واالستقرار‪ ،‬وحسب سبينوزا إذا ما‬ ‫أنه سيد نفسه بالفعل وليس عبدا‬
‫اإلمكانيات للدفاع عن وجوده وأمنه‪،‬‬
‫أراد اإلنسان أن يتجاوز حالة الطبيعة‬ ‫ألنانيته‪ ،‬إذ أن في طاعة القوة والغريزة‬
‫مما يؤدي إلى هيمنة حرب الكل ضد‬
‫أي حالة الخوف‪ ..‬والتي تكون نتيجة‬ ‫والحرية المطلقة عبودية وفي االمتثال‬
‫الكل وسيادة قانون الغاب‪ ،‬ما حتم على‬
‫سيادة الحق الطبيعي إلى وضعية‬ ‫للواجب والعقل حرية‪ ،‬فمن خالل العقد‬
‫البشرية االحتكام إلى العقل والتفكير في‬
‫يسودها التعاون والمن والمنفعة العامة‪،‬‬ ‫اإلجتماعي ينتقل الناس من الحق‬
‫السلم والتنازل عن حرياتهم لسلطة‬
‫فعليه أن يستمع إلى ما يمليه عليه العقل‬ ‫الطبيعي إلى الحق المدني والوضعي‪،‬‬
‫مطلقة ومشيدة تفرض السلم‪ ،‬وبذلك‬
‫ويتجرد من أهوائه‪ ،‬حيث يقول في هذا‬ ‫من حق القوة إلى قوة الحق‪ ،‬ومن‬
‫يضمن تأسيس القانون الطبيعي الذي‬
‫الصدد‪ " :‬من النفع كثيرا للناس أن‬ ‫الخضوع للطاعة إلى القيام بالواجب‪،‬‬
‫يحول الحرية الطبيعية إلى حرية مدنية‬
‫يعيشوا طبقا لقوانين عقولهم‪ ...‬وفضال‬ ‫استنادا إلى القوى المشروعة أي‬
‫تلزم االفراد بالفعل أو عدمه‪ ،‬ما يضمن‬
‫عن ذلك فإن كل انسان يود العيش في‬ ‫القانون والمؤسسات‪.‬‬
‫ألي كان حق العيش والبقاء بقض‬
‫أمان من كل خوف بقدر االمكان‪ ،‬ولكن‬ ‫النظر عن إمكاناته ومؤهالته‪..‬‬
‫ذلك مستحيل مادام كل فرد يستطيع أن‬
‫يفعل ما يشاء ومادام العق ال يعطي‬
‫حقوقا على حقوق الكراهية والغضب"‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫المحور الثاني‪ :‬العدالة كأساس للحق‬


‫إذا كان القانون يعبر عن المشروعية ويهدف إلى إحالل العدل في المجتمع فإنه يقول بما هو شرعي ويقضي بما هو عادل فسيكون الحق حسب هذا التصور هو‬
‫ما يوجد في القوانين الدستورية والمؤسسات القانونية المتواجدة في المجتمع وبالتالي فالقانون هو الحافظ للحق وحاميه فتقوم العدالة وتتحقق‪ .‬فكيف يمكن أن يكون القانون‬
‫أساسا للحق والعدالة؟‬

‫شيشرون‬ ‫أالن‬ ‫أرسطو‬

‫• يؤكد على أن القانون ال يكفي إلقرار‬ ‫• إن الحق حسب آالن يستمد عدالته من‬
‫االعتراف والتصريح به قانونيا‪ ،‬فالحق‬ ‫• يبين أن العدالة هي كل سلوك‬
‫العدل في المجتمع‪ ،‬إذ ليس كل ما هو‬
‫قانوني حقا وليس كل حق تكفله القوانين‬ ‫ال يمكنه أن يجسد المساواة والعدل‬ ‫مطابق للقوانين والتشريعات‪ ،‬على‬
‫الوضعية‪ ،‬إذ توجد تشريعات قانونية‬ ‫ويضمن استمراريته إال عندما يقترن‬ ‫خالف الظلم الذي يعتبر كل سلوك‬
‫ظالمة كقانون الطغاة واإلستعمار‪ ،‬ثم‬ ‫بالعدالة التي يتحقق عبرها‪ ،‬فالمساواة‬ ‫مناف لها‪ ،‬أي أن ما يفصل بين‬
‫إن الحق األمثل الذي تنشده اإلرادة‬ ‫هي ما يفرض علينا أن نتعامل بشكل‬ ‫العدالة والظلم هو القانون‪ ،‬الذي‬
‫البشرية لم يستطع القانون الوضعي أن‬ ‫مساو في جميع ما في الحياة‪ ،‬فالحق‬ ‫يعتبر القاعدة التي على ضوئها يتم‬
‫يضمنه مما يفضح قزمية القانون‬ ‫إذن والعدالة هي القوانين التي يتساوى‬ ‫تقسيم المكتسبات بين الناس‬
‫الوضعي مقارنة مع هيبة الحق‪ ،‬لهذا‬ ‫أمامها الجميع‪ .‬وقد أكد آالن أيضا على‬
‫ضرورة االعتراف بالحق‪ ،‬وذلك‬ ‫بالتساوي والعدل‪ .‬وعلى هذا‬
‫يرى شيشرون أن الحق مرتبط بعالم‬
‫الفضيلة ومتعال عن عالم المواضعة‬ ‫انطالقا من القوانين التي تضعها الدولة‪،‬‬ ‫األساس يكون اإلنسان عدال‪ ،‬إذا‬
‫واإللزام‪ ،‬لذلك فالعدالة الحقيقية تضمنها‬ ‫فال وجود لحق ما لم يتم االعتراف به‬ ‫التزم بما تأمره به القوانين‪ ،‬ويكون‬
‫عدالة الطبيعة‪ ،‬ألن معايير هذه األخيرة‬ ‫قانونيا‪ ،‬وال وجود لحقوق خارج عدالة‬ ‫ظالما إذا لم يلتزم بها وعمل وفق‬
‫نستطيع أن نقيس بها ما يمنع وما يجب‬ ‫قوانين الدولة‪ ،‬فالمساواة هي األساس‬ ‫ارادته‪.‬‬
‫أن يكون وما هو حسن وقبيح‪ ،‬طبقا‬ ‫المشترك بين الحق والعدالة‪.‬‬
‫لمقتضيات طبيعة اإلنسان‪ ،‬وما تمليه‬
‫الفضيلة التي هي أساس الحق‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور الثالث‪ :‬العدالة بين المساواة واإلنصاف‬
‫لكي تصبح العدالة أمرا ممكنا في المجتمع البد من أن تتأسس على مبدأين أساسين‪ ،‬مبدأ المساواة أي إخضاع المواطنين جميعا للقانون بشكل متساوي‪ ،‬ومبدأ‬
‫اإلنصاف أي أن تمنح لكل فرد حقوقه تامة دون نقصان‪ .‬إذن فما هي طبيعة هذه العالقة بين العدالة واإلنصاف؟‬

‫جان راولز‬ ‫ماكس شيلر‬ ‫أفالطون‬


‫• يرى بأن العدالة يجب أن تتأسس على‬ ‫• يؤكد أن تحقيق العدالة في‬ ‫• يبين أفالطون أن العدالة فضيلة أخالقية‬
‫قاعدة اإلنصاف‪ ،‬والتي تعطي الحق‬ ‫المجتمع‪ ،‬ال ينبغي أن يكون‬ ‫تتحقق حالما يحصل انسجام وتوازن‬
‫لكل فرد في اإلستفادة من الحقوق‬ ‫مرفوقا بالرغبة في القضاء على‬ ‫بين عمل الفرد وبين ميوالته‬
‫األساسية بشكل متساو‪ ،‬وكذلك تتأسس‬ ‫جميع أشكال التفاوت والتمايز‬ ‫واستعداداته الطبيعية‪ ،‬وهو ما يحقق‬
‫من جهة ثانية على عدم وضع عوائق‬ ‫العدالة الحقة المتمثلة في انسجام‬
‫أمام أولئك الذين بحكم مواهبهم‬ ‫القائمة بين األفراد‪ ،‬ألن ذلك‬
‫سيكون مجرد وهم وأمرا يستحيل‬ ‫الفضائل الثالث ( فضيلة الحكمة‬
‫الطبيعية أو ظروفهم يوجدون في وضع‬ ‫وفضيلة الشجاعة وفضيلة العفة)‪ ،‬مع‬
‫أحسن‪ ،‬وأكد راولز أن هدف نظرية‬ ‫تحقيقه‪ ،‬لذا سيكون من غير‬ ‫األشكال الثالثة للنفس ( العاقلة أي‬
‫العدالة يتجسد في العمل على تحقيق‬ ‫العادل السعي إلى جعل الناس‬ ‫طبقة الفالسفة أو الحكام والغاضبة أي‬
‫توافق سياسي واع وطوعي بين‬ ‫سواسية بذريعة تحقيق عدالة‬ ‫طبقة الجنود والشهوانية أي الصناع‬
‫األشخاص‪ ،‬وهو توافق سيضمن بكل‬ ‫اجتماعية وأخالقية‪ ،‬فالناس‬ ‫والحرفيون) وقيام كل واحد بالوظيفة‬
‫شك الخير لكل األفراد الذين ينتمون‬ ‫متساوون رغم وجود تفاوتات‬ ‫المسندة إليه‪ ،‬حسب طبيعته وانتمائه‬
‫لنظام ديموقراطي عادل وقادر على‬ ‫الطبقي‪ ،‬وكل من حاول أن يتعدى‬
‫توفير الشروط الضرورية‪ ،‬بتكافؤ‬ ‫بيتهم‪ ،‬ذلك أن الرغبة في تحقيق‬
‫ذلك من شأنه أن يحكم على‬ ‫طبيعته هذه‪ ،‬فقد انتهك حقوق اآلخرين‪،‬‬
‫الفرص وخدمة الفئة المستضعفة‬ ‫وارتكب ظلما‪.‬‬
‫وبالتالي تفرض العدالة كإنصاف مبدأين‬ ‫المجتمع بالموت والفناء‪.‬‬
‫حيث يقول‪ " :‬يفرض المبدأ األول‬
‫المساواة في الحقوق والواجبات‬
‫األساسية‪ ،‬بينما يفرض المبدأ الثاني‬
‫الالمساواة اإلجتماعية واإلقتصادية"‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المفاهيم الخاصة بمجزوءة السياسة‬
‫• مجموع القرارات والقواعدالتي تسنها سلطة عليا في الدولة‪،‬‬ ‫• مجموعة من المؤسسات القانونية واإلدارية والعسكرية التي يتم انشاؤها من لدن‬
‫ويلزم الجميع بتطبيقها‪ ،‬وبواسطتها تتحدد الحقوق والواجبات‬ ‫جماعة من الناس بموجب عقد مشترك لغرض تنظيم حياتهم في كافة الميادين‬
‫القانون‬ ‫والمجاالت‪.‬‬ ‫الدولة‬

‫• مجموع األسباب واإلعتقادات التي تجعل مجموعة بشرية تصادق وتقبل السلطة‬
‫• مجموع القواعد التي يضعها المجتمع لتنظيم العالقات بين‬ ‫الممارسة عليها من طرف جهاز الدولة والتي تستمد منها هذه األخيرة أحقيتها في‬
‫األفراد‪ ،‬وتحديد ما يسمح لألفراد القيام به‪.‬‬ ‫الحق الوضعي‬ ‫ممارسة السلطة‬ ‫المشروعية‬

‫• مبدأ أخالقي يفرض على الشخص احترام قواعد القانون والحق‬ ‫• ممارسة الحكم وفق القوانين السائدة‪.‬‬
‫الشرعية‬
‫واالنصاف‪.‬‬
‫العدالة‬
‫• مجموع الحقوق ذات األساس المطابق لطبيعة اإلنسان من حيث‬
‫هو انسان‪ ،‬كالحق في الحرية والمساواة‪.‬‬ ‫الحق الطبيعي‬
‫• القاعدة التي يعامل بموجبها االفراد بشكل مماثل وبدون تمييز‪.‬‬
‫المساواة‬
‫• اإلمكانية أو القدرة التي يتوفر عليها فرد او جماعة لتمارس‬
‫تأثيرها على اآلخرين وتوجه سلوكاتهم وتصرفاتهم‪.‬‬ ‫السلطة‬
‫• إعطاء كل ذي حق حقه‪ ،‬أو العدالة في الحكم اعتمادا على‬
‫روح القانون‪.‬‬
‫االنصاف‬ ‫• كل سلوك أو فعل مادي أو لفظي يصدر عن ذات ضد أخرى‪،‬‬
‫مسببا لهذه األخير ضررا بدنيا أو نفسيا‪.‬‬ ‫العنف‬
‫• كيفية ممارسة السلطة داخل الدولة‬
‫السياسة‬ ‫• منطقيا يعني اإلستدالل الصحيح‪ ،‬وأخالقيا يحيل على كل ما هو‬
‫مشروع وقانوني‬ ‫الحق‬
‫• مجموعة من االفراد الذين تجمع بينهم عالقت منظمة ومصالح‬
‫متبادلة‪.‬‬
‫المجتمع‬ ‫• ما ألجله أقدم الفاعل على الفعل‪ ،‬ارتباطا بالقصدية واإلختيار‪.‬‬
‫الغاية‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫مجزوءة األخالق‬
‫تأطير عام‪:‬‬
‫شكلت األخالق‪ ،‬إحدى المباحث اإلنسانية التي اهتمت بها الفلسفة‪ .‬وظيفته تحديد القيم العليا الموجهة للفعل اإلنساني وهدفه رسم غايات هذا الفعل‪ .‬فلكي يتحرر‬
‫اإلنسان من دوافعه الغريزية الطبيعية‪ ،‬كان عليه الدخول إلى عالم القيم األخالقية ليغدو كائنا أخالقيا‪ ،‬إضافة إلى كونه كائنا طبيعيا‪ .‬وتعتبر مجزوءة األخالق تتويجا‬
‫للمجزوءات السابقة‪ ،‬إذ تكشف عن حقيقة الوجود اإل نساني كفرد وجماعة‪ ،‬فباعتبارها مجموعة من القواعد التي تمكن من التمييز بين الخير والشر‪ ،‬تسمح لإلنسان بالتعالي‬
‫عن كل سلوك بيولوجي غريزي‪ ،‬يهدف فقط إلى إرضاء متطلبات الذات البيولوجية‪ ،‬فارتقاء اإلنسان إلى مستوى الشخص‪ ،‬ال يمكن أن يتم –وكما عبر عن ذلك الفيلسوف‬
‫األلماني كانط‪ -‬إال إذا كان اإلنسان ذا عقل أخالقي عملي‪ ،‬يعامل اآلخرين كغايات في ذاتها ال كوسائل‪ ،‬فاألخالق هي التي تكمن اإلنسان من التجرد من األنانية وحب‬
‫الذات‪ ،‬وتسهل االنفتاح على الغير‪ ،‬كيفما كانت طبيعة هذا الغير‪ ،‬وهذا األمر يستدعي‪ ،‬ليس فقط الوعي بما لدى الشخص من الحقوق‪ ،‬وإنما أيضا بما له من واجبات تجاه‬
‫نفسه وتجاه اآلخرين‪ ،‬والواجب "هذه الكلمة السامية العظيمة"‪ ،‬كما قال بذلك كانط‪ ،‬هو عصب األخالق كلها‪ ،‬ألنه الشعور بااللتزام تجاه القيم‪ ،‬وتجسيد السلوك المؤدي‬
‫إلى تحقيق الغايات األخالقية‪ ،‬والدافع الباطني إلى تنفيذ ما تقضي به األخالق من تنظيم للمجتمع والحفاظ على حريات وإرادات األفراد‪ ،‬الشيء الذي يجعل األشخاص‬
‫ينتقلون من األشياء المبتذلة إلى تحقيق السعادة‪ ،‬بما هي غاية إنسانية‪ ،‬لكن هل الواجب قيد أم تحرير؟ أال ينقلب التفكير في الحرية‪ ،‬إلى الرغبة في التحرر من سائر‬
‫اإلكراهات؟ وهل السعادة ممكنة في هذا العالم‪ ،‬أم أنها تظل مجرد حلم وأمل؟‬

‫مفهوم الواجــــــب‬

‫مفهوم الحرية‬

‫مفهوم السعادة‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫مفهوم الواجب‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫لقد سعت القيم األخالقية‪ ،‬باعتبارها قواعد معيارية للتصرف‪ ،‬إلى حماية اإلنسان من هيمنة أهوائه‪ ،‬وما قد يصدر عنه من عنف‪ ،‬لذا عمد اإلنسان إلى تأسيس‬
‫المجتمع القائم على القيم والسعي وراء ترسيخها‪ ،‬وتحديد الواجبات التي على كل فرد القيام بها‪ ،‬سواء نحو ذاته أو نحو غيره أو نحو مجتمعه وهي واجبات قد يخضع لها‬
‫تلقائيا إلى درجة تصبح فيه جاثمة على أفعاله مثل العادات‪ ،‬كما يشعر تجاهها بضغطها وإكراهاتها‪ ،‬فيتجه نحو بناء واجبات يطبعها الطابع الذاتي والعقلي‪ ،‬فيلتزم بها‬
‫بشكل واع وتلقائي‪ .‬ويتحدد الواجب ‪ le devoir‬في المجال األخالقي‪ ،‬بما يتوجب على الشخص القيام به‪ ،‬إما بشكل إلزامي إكراهي‪ ،‬نظرا لقهرية العديد من الواجبات‪،‬‬
‫بحيث تبدو ضرورة تحتم الخضوع لها‪ ،‬وإما على شكل إلتزام حر وواع‪ ،‬نظرا النسجام بعض الواجبات مع متطلبات العقل اإلنساني وحريته وإرادته‪ .‬إذن هل الواجب‬
‫إلزام أم التزام؟ وما هو مصدر الوعي األخالقي‪ ،‬هل هي الفطرة والغريزة أم الثقافة والمجتمع؟ وهل الوعي األخالقي وعي جامد أم متغير ومنفتح؟ وهل ينطوي الواجب‬
‫على أبعاد كونية ومطلقة أم على أبعاد خصوصية ونسبية؟‬

‫المحور االول‬

‫الواجب واالكراه‬
‫المحور الثاني‪:‬‬

‫الوعي االخالقي‬
‫المحور الثالث‪:‬‬

‫الواجب والمجتمع‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور األول‪ :‬الواجب واإلكراه‬
‫هل الواجب إلزام أم التزام؟ بمعنى‪ ،‬من أين يستمد الواجب قوته‪ ،‬هل من االكراهات والضوابط االجتماعية أم من نداء العقل والضمير األخالقي؟‬

‫فريديريك نيتشه‬ ‫إميل دوركهايم‬ ‫إيمانويل كانط‬

‫• أكد أن الفعل األخالقي يتأسس‬ ‫• ينتقد التحديد الكانطي للواجب‪ ،‬باعتباره‬ ‫• يبين كانط أن الواجب هو ضرورة‬
‫على "إرادة القوة"‪ ،‬حيث يوصي‬ ‫إلزاما أخالقيا محضا وغير مشروط‪،‬‬ ‫أخالقية للقيام بما يجب تحقيقه احتراما‬
‫بضرورة طلب كل ما يزيدنا قوة‪،‬‬ ‫مؤكدا في مقابل ذلك‪ ،‬أن الواجب غير‬ ‫للقانون األخالقي الذي يسكن الذات‪،‬‬
‫مستقل بتاتا عن الحاجات والميوالت‪،‬‬ ‫والذي يمثله العقل والضمير واإلرادة‬
‫ومن بين ذلك التعرض للمخاطر‬ ‫ذلك أن اإللزام دائما ما يكون مشروطا‬ ‫الحرة الطيبة‪ ،‬وإذا كان الواجب‬
‫واآلالم‪ ،‬فليس األلم شرا‪ ،‬بل هو‬ ‫من قبل األفراد بمدى استجابته أو عدم‬ ‫األخالقي متوقف على ضرورة اإللزام‪،‬‬
‫خير من حيث كونه يصفّي ما في‬ ‫استجابته لميالتهم ورغباتهم الذاتية‪.‬‬ ‫فإن هذا ال ينفي حضور الحرية للقيام‬
‫من ضعف‪ ،‬فإذا خرجت منه‬ ‫وبالتالي يؤكد بأنه رغم هذا الطابع‬ ‫بالواجب وتحمل المسؤولية‪ ،‬الشيء‬
‫سالما كنت منتصرا‪ ،‬أما إذا قتلني‬ ‫اإللزامي للواجب األخالقي فإنه ال ينفي‬ ‫الذي يجعل من الواجب إلزاما قطعيا‪،‬‬
‫كان ذلك دليال على أنه ال خير‬ ‫دور الرغبة في تأسيس الفعل‬ ‫ال ينبغي على األفراد التعامل معه ممن‬
‫لي في البقاء‪ ،‬ومن تم ال مجال‬ ‫اإلخالقي‪ ،‬فكل واجب أخالقي هو إلزام‬ ‫منطلق ما يحققه لهم من منافع وغايات‬
‫لكنه في الوقت نفسه استجابة لما هو‬ ‫آنية ومباشرة‪ ،‬بل من منطلق كزنه‬
‫للضعفاء في البقاء‪.‬‬ ‫مرغوب فيه‪ .‬وهي ما يوضح حينما‬ ‫شرطا أساسيا إلشاعة القيم والفضائل‪،‬‬
‫يقول‪ " :‬ليس اإلنسان كائنا أخالقيا إال‬ ‫التي من شأنها القضاء على كل‬
‫ألنه يعيش في صلب مجتمعات قائمة‪،‬‬ ‫مظاهر األنانية واالستقاللية‪.‬‬
‫وليس ثمة أخالق بدون انضباط وال‬
‫نفوذ‪ ،‬والنفوذ العقلي الوحيد هو‬
‫السلطة التي للمجتمع في عالقته‬
‫بأعضائه‪ ،‬إن األخالق ال تبدو لنا الزاما‬
‫أي أنها ال تبدو لنا أخالقا‪ ،‬وبالتالي ال‬
‫يمكن اإلحساس بالواجب‪ ،‬إال إذا‬
‫وجدت حولنا وفوقنا سلطة تقوم‬
‫بالجزاء‪ ،‬وهذه السلطة هي المجتمع"‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور الثاني‪ :‬الوعي األخالقي‬
‫إذا كان هدف األخالق هو تنظيم المعامالت اإلنسانية‪ ،‬ومحاولة إظهار الجانب الخير فيه‪ ،‬فإنه رغم ذلك قد فشلت في تقويم السلوك اإلنساني وفرض القيم والضوابط‪ ،‬خصوصا مع تنامي‬
‫الشر والعدوانية‪ ،‬ما يعني أنه لم تعد هناك قيمة لألخالق السائدة والمتداولة‪ ،‬إذن كيف يتشكل الوعي األخالقي بالواجب؟ وما هو مصدره‪ ،‬هل هو الفطرة والطبيعة‪ ،‬أم الثقافة والمجتمع؟ وهل هو‬
‫وعي جامد وثابت أم أنه وعي متطور ومنفتح؟‬

‫آدم سميث‬ ‫جان جاك روسو‬ ‫هاينز كينتشتاينر‬ ‫سيغموند فرويد‬


‫• أكد أن التعاطف هو العنصر‬ ‫• يقول بأن الوعي األخالقي هو ملكة‬ ‫• يربط الوعي األخالقي بالتطور‬ ‫• يبين فرويد أن الحديث عن الضمير‬
‫النهائي الذي يمكن أن تحلل‬ ‫فطرية في اإلنسان معصومة من‬ ‫السوسيوتاريخي‪ ،‬والذي يرتبط‬ ‫األخالقي يقتضي فهم األنا األعلى‬
‫الزلل‪ ،‬وأنه غريزة إلهية خالدة‪،‬‬ ‫بالوعي الجماعي من جهة‪ ،‬وبتطور‬ ‫دوره في حياة الفرد‪ ،‬معتبرا إياه‬
‫إليه العواطف األخالقية‪ ،‬مقرا‬ ‫وحاكم ال يخطئ‪ .‬فكل واحد منا‬ ‫التربية األخالقية من جهة أخرى‪،‬‬ ‫وظيفة أساسية من وظائف األنا‬
‫بأن الطبيعة قد رتبت عواطف‬ ‫يحس في أعماق نفسه البشرية‪ ،‬أن‬ ‫فتاريخه الحديث مرتبط باإلصالح‬ ‫األعلى‪ ،‬وتتمثل هذه الوظيفة في‬
‫االستحسان عندنا بحيث جعلتها‬ ‫هناك مبدأ فطريا للعدالة والفضيلة‪،‬‬ ‫الديني وبموضوع الغضب اإللهي‬ ‫مراقبة أفعال ومقاصد األنا والحكم‬
‫تشمل الفرد والجماعة معا‪،‬‬ ‫يتمثل في مجمل األحاسيس التي‬ ‫في ق‪ 15‬و ‪ ،16‬وفي ‪ 18‬تطورت‬ ‫عليها‪ .‬مؤكدا بأن البنية للفرد مكونة‬
‫وهذا االستحسان أو االستهجان‬ ‫تشكل الوجود اإلنساني‪ ،‬وهذه‬ ‫نظرية حول الكون مفادها أن الخالق‬ ‫من ثالثة عناصر أساسية هي‪ :‬الهو‬
‫يصير أخالقيا إذا جعلنا‬ ‫األحاسيس هي التي تمكن اإلنسان‬ ‫الذي خلق القوانين التي يخضع لها‬ ‫واألنا واألنا األعلى‪ ،‬موضحا بأن‬
‫كذات من الحكم على أفعاله وأفعال‬ ‫العالم فهو يلتزم ويلزم بها‪ ،‬وبالتالي‬ ‫هناك تعارض بين مطالب الهو‬
‫التعاطف محايدا نزيها بالنسبة‬ ‫بالخيرية‬ ‫ووصفها‬ ‫اآلخرين‪،‬‬ ‫فإن المواطن الصالح ال يخشى‬ ‫ومطالب األنا األعلى‪ ،‬ليقوم هذا‬
‫إلى أفعال اآلخرين وأفعالنا‬ ‫والشريرة‪ ،‬الشيء الذي يجعل‬ ‫غضبه‪ ،‬ما مهد الطريق للتصور‬ ‫األخير بمراقبة الذات‪ ،‬بعد استيعاب‬
‫نحن‪ ،‬بحيث نحس بمشاعر‬ ‫اإلنسان متميزا عن الكائنات‬ ‫األخالقي الذي يعتبر الواجب أمر‬ ‫المحرمات االجتماعية والمثل‬
‫اآلخرين بتخيلنا ألنفسنا في‬ ‫األخرى‪ ،‬وتجعله اجتماعيا بطبعه‪،‬‬ ‫أخالقي قطعي وإلزامي‪ ،‬ما يعني‬ ‫األخالقية لينتهي إلى أن اإلحساس‬
‫نفس مواقفهم‪.‬‬ ‫لكن هذا ال يتم إدراكه إال بالعقل‪،‬‬ ‫التسليم بالحرية ووجود هللا وخلود‬ ‫بالذنب وقسوة األنا األعلى والضمير‬
‫وهي الفكرة التي مهدت لنظريته في‬ ‫النفس‪ ،‬لنكون بذلك أما مرحلة جديدة‬ ‫األخالقي ليست سوى شيء واحد‪،‬‬
‫العقد االجتماعي‪ ،‬الذي تغيب فيه‬ ‫تعتبر الشخص ذاتا عاقلة وواعية‬ ‫ناتج باألساس عن شعور األنا بأنه‬
‫جميع أشكال الظلم ألن اإلنسان خير‬ ‫ومسؤولة قانونيا وأخالقيا‪ ،‬ما يجعل‬ ‫مراقب من طرف األنا األعلى وهذا‬
‫بطبعه‪ ،‬منتقدا بذلك فكرة هوبز الذي‬ ‫الواجب غير ناتج عن شيء آخر‬ ‫ما يولد القلق النفسي ثم الشعور‬
‫يرى أن اإلنسان شرير بطبع‪ ،‬بل‬ ‫وليس مسؤوال عن تبرير أفعال‬ ‫الحاجة إلى العقاب‪ ،‬ليصبح بذلك‬
‫هو ذئب ألخيه اإلنسان‪.‬‬ ‫الفرد أمام هللا‪ ،‬وفي سياق هذه‬ ‫األنا مازوشيا واألنا األعلى ساديا‪.‬‬
‫التحوالت أصبح للمجتمع المدني‬
‫دور الرقابة‪ ،‬غير أن سيغموند‬
‫فرويد قد نحى منحى آخر في مطلع‬
‫القرن ‪ ،20‬محددا الوعي األخالقي‬
‫بمحددات نفسية واجتماعية‪ ،‬ومنه‬
‫يكون للوعي األخالقي تاريخ وهو‬
‫جزء من بنية الوعي التاريخي‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور الثالث‪ :‬الواجب والمجتمع‬
‫يعتبر المجتمع إطارا جامعا لوعي األفراد‪ ،‬عارا بما يصلح وما ال يصلح‪ ،‬بما هو مرغوب فيه وما هو عكس ذلك‪ ،‬إذن فما دور الواجب في ترس يخ قيم المجتمع؟ وهل ينطوي الواجب على‬
‫أبعاد كونية ومطلقة‪ ،‬أم على أبعاد خصوصية ونسبية؟ وهل الواجب تقييد للحرية أم تأمين لها؟‬

‫ماكس فيبر‬ ‫هنري برجسون‬ ‫إميل دوركهايم‬ ‫جون راولز‬

‫• ميز بين مرحلتين في تطور‬ ‫• يؤكد على أهمية المجتمع في تشكيل‬ ‫• يؤكد على أولوية المجتمع على‬ ‫• يؤكد جون راولس أنه من‬
‫األخالق‪ ،‬مرحلة أخالق‬ ‫الواجب األخالقي‪ ،‬حيث يقول في‬ ‫األفراد‪ ،‬باعتبار المجتمع كيانا‬ ‫واجب األجيال أن تتضامن مع‬
‫هذا الصدد‪ ،‬نتلقى ونحن صغار من‬ ‫منظما معنويا وبنية عضوية تنصهر‬ ‫بعضها البعض‪ ،‬ويجب أن يتم‬
‫االعتقاد وقد تجسد في مظاهر‬ ‫آبائنا ومعلمينا مجموعة من األوامر‬ ‫فيها ذوات األفراد‪ ،‬حيث يخضعون‬
‫دينية وإيديولوجية وعقدية‬ ‫والنواهي ونعتقد أنها واجبات تنبع‬ ‫ولإلكراهات‬ ‫المجتمع‬ ‫لتأطير‬ ‫ذلك في إطـار مجتمع عادل‬
‫بشكل عام‪ ،‬وفيها يلقي الفرد‬ ‫من هؤالء المربين‪ ،‬لكن سيتبين لنا‬ ‫اإلجتماعية‪ ،‬وفي هذا يقول‪ " :‬إن‬ ‫يكون قـد أرسى قواعد‬
‫المسؤولية على مشيئة هللا أو‬ ‫فيما بعد‪ ،‬أنها واجبات صادرة من‬ ‫الفرد ال يكتمل وجوده وال تتحقق‬ ‫وأقر‬ ‫عادلة‪،‬‬ ‫مؤسسات‬
‫اإليديولوجيا المهيمنة أو غير‬ ‫المجتمع‪ ،‬فهو ال ينكر ما للمجتمع‬ ‫طبيعته تماما إال إذا تعلق بالمجتمع‪،‬‬ ‫الحريات األساسية بشكل فعلي‪،‬‬
‫ذلك؛ ثم هناك مرحلة أخالق‬ ‫من قدرة تعسفية تمارس تأثيرها‬ ‫فمن المجتمع يأتينا خير ما فينا‪،‬‬ ‫وألن مصائر األجيال تعتبر‬
‫على األفراد فيما يخص تصرفاتهم‬ ‫العليا‬ ‫األشكال‬ ‫تنبع‬ ‫ومنه‬ ‫غير عادلة مادمت األجيال‬
‫المسؤولية‪ ،‬وفيها يدرك الفرد‬ ‫األخالقية‪ ،‬فإنه يدعو بالمقابل إلى‬ ‫لنشاطنا‪ ،"...‬معنى هذا أن البيئة‬
‫واجباته ومسؤوليته ويتحمل‬ ‫ضرورة اإلنعتاق من هذه السلطة‬ ‫اإلجتماعية هي الشرط الضروري‬ ‫الالحقة تستفيد أقل من‬
‫أعباءها في إطار مؤسساتي‪.‬‬ ‫األخالقية المتعالية‪ ،‬وطلب ما سماه‬ ‫للحياة اإلجتماعية في جميع اشكالها‪،‬‬ ‫سابقاتها‪.‬‬
‫هنا إذن يتم التفريق بين‬ ‫بالواجب األخالقي الكوني‪ ،‬الذي‬ ‫والعقلية‬ ‫والمادية‬ ‫البيولوجية‬
‫أخـالق التقليد المجسدة فـي‬ ‫يتعدى ويتجاوز األخالق المنغلقة‬ ‫واألخالقية‪ ،‬ذلك أن الكائن المعزول‬
‫الضمير الفردي‪ ،‬وبين أخالق‬ ‫التي يكرسها المجتمع‪ ،‬ألن هذا‬ ‫عن وسطه اإلجتماعي البد أن يلحقه‬
‫األخير يكرس أخالقا تتماشى‬ ‫الفناء‪ ،‬لذا ال يمكن أن يعيش بدون‬
‫الحداثة التي تؤطر الوعي‬ ‫واألفراد المكونين للمجتمع الواحد‪،‬‬ ‫اإلستعانة بعدد من الدوات التي‬
‫األخالقي الفردي ومحاسبته‬ ‫واألخالق الكونية تنفتح على‬ ‫صنعها واستخدمها المجتمع‪ ،‬ونفس‬
‫مجتمع‬ ‫داخل‬ ‫قانونيا‪،‬‬ ‫الشمولي وعلى اإلنسان ككل‬ ‫الشيء ينطبق على الحياة األخالقية‪،‬‬
‫مؤسساتي‬ ‫بصرف النظر عن انتمائه‬ ‫فالمجتمع هو ينبوع كل الواجبات‬
‫المجتمعي‪.‬‬ ‫األخالقية‪ ،‬فهو الذي يحدد لألفراد‬
‫الخير والشر ويلزمهم بأداء بعض‬
‫اإلعمال واإلمتناع عن غيرها‪ ،‬إنه‬
‫سلطة معنوية تتحكم في وجدان‬
‫الفرد‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫مفهوم الحرية‬
‫تقديم‬
‫يشير مفهوم الحرية بشكل عام إلى قدرة اإلنسان على الفعل أو اإلمتناع عنه‪ ،‬بعيدا عن كل إكراه كيفما كان مصدره‪ .‬وبالتالي يمكن القول بأن الحرية حق من‬
‫الحقوق الطبيعية لإلنسان‪ ،‬أي حريته‪ .‬وتبدو له الحرية بهذا المعنى فعال ال حدود لها‪ ،‬ورغبات ال بد أن تشبع‪ .‬وأن كل منع ألفعاله‪ ،‬فهو بمثابة أغالل أو جدار سجن كبير‬
‫يحدان من حريته‪ .‬لكن ما يطبع الحرية اإلنسانية هو أنها حرية محدودة‪ ،‬فاإلنسان هو الكائن الوحيد الذي ال يسير وفق نظام الطبيعة فقط‪ ،‬بل يخضع لحتميات وضرورات‬
‫وإكراهات نفسية واجتماعية وسيا سية‪...‬فالتصرف وفق الحقوق الطبيعية "الحرية المطلقة مثال" يعني تحول الحق إلى الفوضى إذا وضعنا في الحسبان أن كل واحد له‬
‫الحق مثلنا‪ .‬ثم إن القيم األخالقية تجعلنا نمتنع من تلقاء دواتنا عن ممارسة بعض الحريات حين ال تنسجم مع القوانين والقواعد واآلداب‪ ،‬ثم إن المجتمع الذي يؤسس‬
‫للحرية‪ ،‬قانونيا وإداريا يضع أيضا القوانين التي تحد من هذه الحريات ‪...‬وإذا علمنا بأن ظروفا تحيط باإلنسان وتحد من حريته المطلقة علمنا بأن الحرية ليست شيئا‬
‫مطلقا بل تصطدم بمفاهيم مناقضة لها‪ ،‬وهذا ما يجعلنا نتساءل عن شروط إمكان الحرية‪...‬فما معنى الحرية في ظل الضرورات والحتميات واإلكراهات والقوانين‬
‫واألخالق؟ هل تعني الحرية أن نفعل ما نريد؟ ما هي حدود حرية اإلنسان؟ وإلى أي حد يعتبر حرا؟ وما عالقة الحرية بالقانون؟ هل يعتبر القانون نفي لحرية اإلنسان؟‬

‫المحور االول‬

‫الحرية والحتمية‬
‫المحور الثاني‪:‬‬

‫الحرية واالرادة‬
‫المحور الثالث‪:‬‬

‫الحرية والقانون‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور األول‪ :‬الحرية والحتمية‪.‬‬
‫إذا كان مفهوم الحرية يشير إلى قدرة اإلنسان على الفعل أو عدمه‪ ،‬بعيدا عن كل إكراه كيفما كان مصدره‪ ،‬فإن الحتمية تشكل الطرف النقيض لها‪ ،‬وتحيل فلسفيا إلى المبدأ الذي بمقتضاه تكون‬
‫جميع الظواهر ومن ضمنها الظواهر اإلنسانية‪ ،‬مرتبطة بما سبقها‪ ،‬بعالقة سببية ضرورية‪ ،‬أما علميا فتحيل إلى المبدأ الذي بمقتضاه تسمح معرفة الشروط السابقة بالتنبؤ بما ينتج عنها بصورة‬
‫يقينية‪ ،‬أما اإلرادة فهي القدرة على اإلختيار والتصرف‪ ،‬أي أننا نعرف مسبقا ما نريد‪ ،‬ونهيء الوسائل المالئمة لتحقيق ما نريد‪ .‬هل تمكن اإلرادة اإلنسان من اختيار أفعاله وتصرفاته بحرية‪ ،‬بعيدا‬
‫عن كل إكراه كيفما كان مصدره‪ ،‬أم أنه خاضع في هذا اإلختيار لحتميات خارج إرادته ووعيه‪ ،‬بحيث تصبح الحرية لديه مجرد وهم ليس إال؟‬

‫إمانويل مونيي‬ ‫روني ديكارت‬ ‫إبكتيت‬ ‫عبد هللا العروي‬

‫• يبين بأن اإلنسان ليس شيئا بين‬ ‫• يؤكد بأن اإلنسان هو كائن‬ ‫• الذي يربط حرية الشخص بنظام‬ ‫• يؤكد المفكر المغربي عبد هللا‬
‫األشياء‪ ،‬وأن الشخص موجود‬ ‫مفكر‪ ،‬ووجوده كذات رهين‬ ‫العالم الثابت غير القابل للتغيير الذي‬ ‫العروي أن مسالة الحرية قد‬
‫صنعه العقل اإللهي الذي عين وحده‬
‫ذو نفس وجسد وحاضر في‬ ‫بتفكيره وليس بجسده‪ ،‬وخاصة‬ ‫منذ األزل الحوادث والوقائع‬ ‫انتقلت بفعل التقدم العلمي‪ ،‬من‬
‫العالم مع األخرين‪ ،‬وبما أن‬ ‫حينما نعلم أن هذا التفكير‪ ،‬هو‬ ‫الطبيعية والبشرية‪ ،‬أما اإلنسان فال‬ ‫التوفيق بين حرية اإلنسان‬
‫الطبيعة البشرية والمجتمع‬ ‫من طبيعة روحية متعالية عن‬ ‫يمكن أن يغير مصيره‪ ،‬ونصح أحد‬ ‫والقدر اإللهي‪ ،‬إلى التوفيق بين‬
‫والعالم الطبيعي‪ ،‬في نظام‬ ‫كلما هو مادي حسي تجريبي‪،‬‬ ‫أتباعه بقوله‪ " :‬تذكر دائما ما‬ ‫حرية اإلنسان والحتمية‬
‫ضروري توجهه ضروب من‬ ‫لذا يظل الشخص في تصرفاته‬ ‫سأقوله‪ :‬أنت تلعب على الخشبة‪،‬‬ ‫العلمية‪ ،‬إضافة إلى تخوف‬
‫الحتميات‪ ،‬فإن الحرية ليست‬ ‫حرا حرية مطلقة‪ ،‬ال يتأثر بأي‬ ‫الدور الذي اختاره المخرج – وقد‬ ‫المجتمع المعاصر من التحول‬
‫محددة وال مطلقة‪ ،‬إنها عملية‬ ‫عوامل بيولوجية كانت أو‬ ‫يقصر أو يطول‪ -‬حسب ما يريده‬ ‫إلى عدو للحرية بعدما كان‬
‫هو‪ ،‬وإذا كان يريد أن تقوم بدور‬
‫تشخصن مستمر‪ ،‬يقوم به‬ ‫اجتماعية أو نفسية‪.‬‬ ‫المتسول‪ ،‬فيجب أن تلعب هذا الدور‬ ‫مناصرا لها فيما سبق‪.‬‬
‫الكائن البشري حتى يصل إلى‬ ‫على الوجه األكمل‪ ،‬والشيء نفسه‬
‫مرحلة اإلنسان باإلنفتاح على‬ ‫إذا تعلق األمر بدور األعرج أو‬
‫المثل العليا‪ ،‬وعلى المجتمع‬ ‫رجل السياسة‪ ،‬ألن عملك ينحصر‬
‫وعلى العالم‪.‬فالحرية إذن ‪،‬‬ ‫في لعب الدور الذي حدد لك"‪.‬‬
‫ليست مطلقة وليست معطاة‪،‬‬
‫بل هي عملية بناء ووعي‬
‫مستمر بالحتميات التي تحول‬
‫دون تحققها‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور الثاني‪ :‬الحرية واإلرادة‬
‫هل لإلنسان القدرة على التصرف بحرية‪ ،‬بعيدا عن كل إكراه كيفما كان مصدره‪ ،‬أم أنه خاضع في هذا اإلختيار لحتميات خارج إرادته ووعيه‪ ،‬بحيث تصبح الحرية لديه مجرد وهم ليس إال؟‬

‫باروخ سبينوزا‬ ‫أالن رونو‬ ‫روني ديكارت‬

‫• يؤكد في عبارة مشهورة له‪ " :‬إن‬ ‫• يبين أن هناك مجموعة من الحتمايات‬ ‫• يرى ديكارت بأن اإلرادة هي التي‬
‫الناس يخدعون أنفسهم حينما‬ ‫التي تمارس على الشخص والتي تجعل‬ ‫تؤسس للحرية‪ ،‬وتمنح األفعال اإلنسانية‬
‫يعتقدون أنهم أحرار‪ ،‬وهذا‬ ‫تجربة حرية اإلرادة مجرد وهم‬ ‫حرية مطلقة‪ ،‬رغم كون إرادة اإلنسان‬
‫كالالشعور الذي يفلت من وعينا ويعبر‬ ‫ليست مطلقة كما هو الحال بالنسبة‬
‫اإلعتقاد ناشئ عن شعورهم‬ ‫عن نفسه إما تعبير مرضيا ( العصاب‬ ‫إلرادة هللا‪ ،‬إال أنها تتمتع بقوة تجعلها‬
‫بأعمالهم‪ ،‬بينما يجهلون األسباب‬ ‫والذهان)‪ ،‬أو الحياة العادية ( األحالم‬ ‫محددة لحرية اإلنسان المطلقة‪ .‬مميزا‬
‫التي تحدد أعمالهم"‪ ،‬التي نجدها‬ ‫والهفوات‪ )...‬في خلسة من الوعي‪.‬‬ ‫في ذلك بين نوعين من الحرية‪ ،‬األول‬
‫لدى بعض المرضى‪ ،‬أما‬ ‫إضافة إلى الالوعي الجماعي‪ ،‬الذي‬ ‫يقوم على استواء الطرفين بحيث ال‬
‫الشخص السليم فهو قادر على‬ ‫والتيارات‬ ‫الماركسية‬ ‫طورته‬ ‫يكون لدى اإلنسان سبب في ترجيح‬
‫إدراك الحتميات التي تلفه‪،‬‬ ‫السوسيولوجية المتأثرة بها‪ ،‬ومعناها أن‬ ‫طرف على طرف آخر‪ ،‬وهذا النوع‬
‫شريطة امتالكه للوعي الكافي‬ ‫سلوكنا خاضع متأثر أيضا‪ ،‬دون وعي‬ ‫من الحرية أحط مراتب الحرية‪ ،‬وهذا‬
‫منا‪ ،‬بتربيتنا ووسطنا اإلجتماعي‪.‬‬ ‫اإلنحطاط يرجع في نظره إلى عيب في‬
‫لهذا اإلدراك‪ ،‬ومن ثمة التحرر‬ ‫عالوة على بيولوجيتنا‪ ،‬ذلك أن بعض‬ ‫المعرفة وليس في اإلرادة‪ ،‬والنوع‬
‫منها‪ ،‬مع اإلقرار بنسبية هذا‬ ‫المواد الكيميائية التي تصنعها فينا‬ ‫الثاني من الحرية هو الحرية المعقولة‬
‫التحرر‪ ،‬بل إن الحضور الطاغي‬ ‫جيناتنا‪ ،‬يمكن أن تؤثر على مزاجنا‬ ‫التي تقوم على إيثار طرف على آخر‬
‫للحتميات أحيانا هو يبعث روح‬ ‫وعلى سلوكنا‪ ،‬فقد أظهرت العديد من‬ ‫بواسطة اإلرادة‪.‬‬
‫التحدث إزاءها‪ ،‬ويجعل من‬ ‫التجارب مثال‪ ،‬أن الهرمون الذكوري‬
‫التحرر منها تحقيقا لتحرر‬ ‫المسمى التستوستيرون يجعل الفئران ‪-‬‬
‫اإلرادة اإلنسانية‪.‬‬ ‫عندما تحقن به بنسبة مرتفعة‪ -‬عدوانية‬
‫ومندفعة إلى التحارب فيما بينها حتى‬
‫الموت‪ ،‬وهذه التجارب تؤكد أن‬
‫العوامل والشروط البيولوجية يمكن أن‬
‫تؤثر فينا وتشرط عضويتنا‪ ،‬بل حتى‬
‫السلوكات التي تبدو لنا في الظاهر أنها‬
‫أكثر سلوكاتنا حرية"‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور الثالث‪ :‬الحرية والقانون‬
‫إذا كان القانون هو مجموع القواعد والضوابط ذات الطابع اإللزامي‪ ،‬فهل يسمح هذا القانون بأن يمارس اإلنسان حريته بالشكل الذي يريد ويرغب فيه‪ ،‬أم أن حريته محدودة بحدود ضوابط هذا‬
‫القانون؟ بمعنى أخر هل اإلنسان حر أمام ضوابط القانون‪ ،‬أم أنه مسلوب اإلرادة والوعي؟‬
‫مونتسكيو‬
‫ميشل باكونين‬ ‫شيشرون‬ ‫حنا أرندت‬
‫• يؤكد أن الحرية ال تتحدد‬
‫• في كتابه‪Le dieu et ":‬‬ ‫• يؤكد على أن القانون ال يكفي‬ ‫• ( ‪ )1975_1906‬تربط الحرية‬ ‫إال داخل‬ ‫بصفة دقيقة‬
‫‪ : "l’Etat‬يجيب عن سؤال‬ ‫إلقرار العدل في المجتمع‪ ،‬إذ‬ ‫بالدولة والسياسة ‪ ،‬بحيث أنه‬ ‫القوانين‪ ،‬وال ترتبط بإرادة‬
‫ماذا تمثل الدولة؟ قائال بأنها‬ ‫ليس كل ما هو قانوني حقا‬ ‫إذا تعلم الفـرد الحرية فـي‬ ‫األفراد في فعل ما يشاؤون‪،‬‬
‫حصيلة نفي الحريات الفردية‬ ‫وليس كل حق تكفله القوانين‬ ‫أنشطته اليومية التي على‬ ‫وحدها القوانين هي التي تحدد‬
‫لجميع أعضائها‪ ،‬أو حصيلة‬ ‫الوضعية‪ ،‬إذ توجد تشريعات‬ ‫الدولة ونظامها السياسي أن‬ ‫ما يجب فعله وما ال يجب‬
‫يقدمها‬ ‫التي‬ ‫التضحيات‬ ‫قانونية ظالمة كقانون الطغاة‬ ‫تؤطرها بتحقيق الحريات‬ ‫فعله‪ ،‬إنها إذن حرية قانونية‬
‫أعضاؤها بتنازلهم عن قسط‬ ‫واإلستعمار‪ ،‬ثم إن الحق‬ ‫العامة والحقوق التي تدعو‬ ‫محمية من كل شطط من‬
‫من حريتهم لمصلحة الخير‬ ‫األمثل الذي تنشده اإلرادة‬ ‫إليها كل األمم‪ ،‬فبذلك تتحول‬ ‫طرف القوانين ذاتها‪ ،‬فإذا‬
‫المشترك‪ ...‬إذن تنتهي الحرية‬ ‫البشرية لم يستطع القانون‬ ‫الحرية من شيء خارجي إلى‬ ‫استطاع أحد من الناس أن‬
‫الفردية حيث تبدأ الدولة‪،‬‬ ‫الوضعي أن يضمنه مما‬ ‫قناعات داخلية وليس العكس‪،‬‬ ‫يصنع ما تحرمه القوانين‬
‫والعكس صحيح‪.‬‬ ‫يفضح قزمية القانون الوضعي‬ ‫لهذا تقول حنا‪ ":‬إن الحرية‪،‬‬ ‫سيفقد الحرية‪ ،‬وذلك إلمكان‬
‫مقارنة مع هيبة الحق‪ ،‬لهذا‬ ‫بوصفها واقعا قابال للبرهنة‬ ‫قيام اآلخرين بمثل ما فعل‪ ،‬لذا‬
‫يرى شيشرون أن الحق‬ ‫عليه‪ ،‬ترتبط بالسياسة ارتباطا‬ ‫فإن الحرية تحتاج إلى حدود‪،‬‬
‫مرتبط بعالم الفضيلة ومتعال‬ ‫تالزميا‪ ،‬وتشكالن معا وجهين‬ ‫القوانين‬ ‫هي‬ ‫وحدودها‬
‫عن عالم المواضعة واإللزام‪،‬‬ ‫لنفس الشيء "‪.‬‬ ‫المسطرة من طرف المجتمع‪،‬‬
‫لذلك فالعدالة الحقيقية تضمنها‬ ‫إال ان القوانين الضامنة لحرية‬
‫عدالة الطبيعة‪ ،‬ألن معايير هذه‬ ‫األفراد‪ ،‬قد توظف بشكل سلبي‬
‫األخيرة نستطيع أن نقيس بها‬ ‫من طرف السلطة الحاكمة‪،‬‬
‫ما يمنع وما يجب أن يكون‬ ‫مما يفضي إلى تقييد الحرية‪،‬‬
‫وما هو حسن وقبيح‪ ،‬طبقا‬ ‫ولكي ال يكون هناك شطط في‬
‫لمقتضيات طبيعة اإلنسان‪ ،‬وما‬ ‫استعمال السلطة‪ ،‬يقترح‬
‫تمليه الفضيلة التي هي أساس‬ ‫مونتسكيو فكرة تقييد السلطة‬
‫الحق‪.‬‬ ‫عبر مبدأ فصل السلط‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫مفهوم السعادة‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫يختلف تحديد مفهوم السعادة من شخص آلخر‪ ،‬فمنهم ربطها بما هو نفسي ومنهم من ربطها بما ثقافي أو اجتماعي أو بيولوجي‪ ...‬ونفس الشيء نجده لدى الفالسفة‪،‬‬
‫إذ صورت المذاهب الفلسفية األخالقية القديمة منها والحديثة‪ ،‬السعادة باعتبارها رغبة في القيام بالخيرات‪ ،‬أمال في بلوغ خير أسمى وأكمل منها‪ ،‬لكن تطور الحياة‬
‫واتخاذها ألبعاد جديدة‪ ،‬يجعلنا نتساءل كل مرة‪ :‬هل السعادة ممكنة في هذا العالم أم أنها مستحيلة؟ خاصة في ظل توجه الدول نحو تكريت فكرة التفاوت الطبقي‪ ...‬ولعل‬
‫ما يبرر ذلك هو اعطاء األهمية للقيم المادية أكثر منها للقيم الروحية‪ .‬ورغ ذلك تضل بعض التعريفات والدالالت أكثر حضورا من عيرها‪ ،‬نجد من بينها‪ :‬اعتبار السعادة‬
‫بمثابة اليمن أو الخير الخير‪ ،‬الذي يشير إلى معنيين‪ :‬معنى مادي محسوس يتمثل في اإلرضاء‪ ،‬ومعنى عقلي يتمثل في التدبير‪ ،‬وعلى المستوى الفلسفي تتحدد السعادة في‬
‫كونها "حالة إرضاء تام لذات‪ ،‬يتسم بالقوة والثبات ويتميز عن اللذة للحظتها‪ ،‬وعن الفرحة لحركيتها"‪ .‬إذن هل السعادة إرضاء لمطالب العقل أم البدن أم هما معا؟ وهل‬
‫السعادة ممكنة أم مستحيلة؟ وما هي الشروط الضرورية لتحقيقها؟ وهل هي مطلب فردي أم جماعي؟‬

‫المحور االول‬

‫تمثالت السعادة‬
‫المحور الثاني‪:‬‬

‫البحث عن السعادة‬
‫المحور الثالث‪:‬‬

‫السعادة والواجب‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور األول‪ :‬تمثالت السعادة‬
‫بما أن السعادة الزالت بمثابة غاية أساسية يسعى وراءها أي شخص‪ ،‬كيفما كانت مرتبته االجتماعية ووضعيته التعليمية وحالته الصحية‪ ...‬قصد دفع الشقاء والتعاسة عنه‪ ،‬إذن‪ ،‬كيف تتحدد‬
‫السعادة؟ وهل يمكن إعطاء تعريف واحد ووحيد للسعادة أو أنها تختلف حسب خصوصيات كل فرد؟ ول السعادة إرضاء للذات والجسم أم العقل أم هما معا؟‬

‫ابن مسكويه‬ ‫أرسطو‬

‫• ينتقد الموقف الحسي الذي يحصر السعادة في اللذة البدنية‪،‬‬


‫ويتمثل هذا الموقف في نظره‪ ،‬في العامة والرعاع‪ ،‬ألنهم جعلوا‬ ‫• يؤكد أرسطو بأن هناك اختالفا في تحديد داللة مفهوم السعادة‬
‫النفس الشريفة بمثابة عبد ممتهن لعمل معين‪ ،‬وكاألجير‬ ‫من شخص آخر‪ ،‬وهو ما وضحه من خالل تمييزه بين‬
‫المستعمل في خدمة النفس الشهوانية‪ ،‬لتخدمها في المأكل‬ ‫تصورين أساسيين للسعادة‪ :‬تصور عامة الناس وتصور العقالء‬
‫شرف اللذة العقلية وأعلى من شأنها إلى‬ ‫والمشرب‪ ،‬إال أنه ّ‬ ‫والحكماء‪ ،‬فإذا كان اإلنسان العادي يربطها بإشباع مطالب‬
‫درجة القداسة أحيانا‪ ،‬فهي لذة تامة وشريفة ال تمل‪ ،‬يختص بها‬ ‫الجسم الحسية‪ ،‬فإن العقالء يرون بأن حصرها فيما هو حسي‪،‬‬
‫اإلنسان وحده‪ .‬أي يربط السعادة بقـوى النفس وهي الحكمة‬ ‫من شأنه أن يجعل اإلنسان في نفس مرتبة الحيوانات والبهائم‪،‬‬
‫والشجاعة والعفة والعدالة‪ ،‬ومن تم إذا اجتمعت هذه الفضائل‬ ‫نظرا لكون اللذات الناجمة عن ما هو حسي يعتبر لحظيا وتغيرا‬
‫يكون الفرد سعيدا‪ .‬إنه رغم المغاالة التي نلمسها عالنية في‬ ‫باستمرار‪ ،‬الشيء الذي يستدعي ربطها بما هو كامل ودائم‪ ،‬أال‬
‫موقف ابن مسكويه هذا‪ ،‬نالحظ أهمية العـقل في تحقيق السعادة‬ ‫وهو التأمل والمجد‪ .‬وهو ما أكده أرسطو قائال‪ " :‬إن الحياة‬
‫جلية بحيث أن العقل وحده يكون القادر على إدراك ما وراء‬ ‫السعيدة هي التي يحياها المرء وفقا للفضيلة‪ ،‬وهي حياة جد‬
‫األلم والمشاق من سعادة‪ ،‬وبهذا يدرك الخير األسمى‪ .‬ويؤكد‬ ‫واجتهاد‪ ،‬ال حياة لهو‪.".‬‬
‫ابن مسكويه موقفه هذا بذكره أن السعادة القصوى تنال بكمالين‪:‬‬
‫كمال القوة العالمة وتتحقق بالعقل والمعرفة والعلم وهي األرقى‬
‫‪ ،‬ثم كمال القوة العاملة و بها يدبر اإلنسان حياته ووجوده ‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬

‫المحور الثاني‪ :‬البحث عن السعادة‬


‫إذا كانت السعادة تتطلب‪ ،‬مثلها مثل باقي الخيرات‪ ،‬العمل والجهد الدائمين‪ ،‬نظرا لكون بلوغها يستدعي اإللتزام باحترام الفضائل األخالقية التي تميز اإلنسان عن باقي المخلوقات‪ ،‬فهل السعادة‬
‫ممكنة أم مستحيلة؟ وما هي الشروط الضرورية لتحقيقها؟‬

‫دافيد هيوم‬ ‫سينيكا‬


‫• يؤكد أن تهذيب مشاعرنا وعواطفنا‬ ‫• يدعو في تصوره الرواقي إلى تحقيق‬ ‫أبيقور‬
‫وأذواقنا له أثر كبير في تحقيق‬ ‫السعادة بتحكم الفرد في رغباته وأحاسيسه‬
‫السعادة الفعلية‪ ،‬قائال‪« :‬فإني مقتنع‬ ‫البدنية ومطالبه العضوية ‪ ،‬وبذلك يدخل‬
‫• يعتبر أبيقور أن اللذة هي مسعى كل إنسان‪،‬‬
‫عالم السكينة ‪ ،‬التي هي غاية الحكمة‬
‫بأن ال شيء قادر على شفائنا من‬ ‫والسعادة ‪ .‬يقول في ذلك « لن تكون النفس‬
‫ألنها الخير األسمى؛ والمقصود بها تلك‬
‫رقة اإلحساس أكثر من تهذيب ذوقنا‬ ‫اللذة التي تتميز بانعدام األلم في الجسم‬
‫إال أكثر تعاسة إذا أصرت على السعي‬
‫ليكون راقـيا ويؤهلنا للحكم على‬ ‫واالضطراب في النفس‪ ،‬إنها السعادة في‬
‫وراء اللذة المادية‪ ،‬كما لن نكون سعداء من‬
‫حد ذاتها‪ .‬لذا ينبغي على طالب السعادة أن‬
‫طباع الناس وعبقريتهم‪ ،‬وفهم‬ ‫دون العقل السليم ‪ .» .‬هنا أيضا يظهر‬
‫يعتبرها غاية كاملة‪ ،‬وأن ال يولي عليها‬
‫األعمال الفنية األكثر نبال‪ ...‬ال شيء‬ ‫الميل إلى العقل واضحا‪ ،‬ألن له صالحية‬
‫شيئا آخر‪ ،‬مادام أن تحقيقها كفيل بتجنيب‬
‫يحسن الطبع أكـثر مـن دراسة‬ ‫تدبير جميع ما يتعلق بوجودنا‪ .‬ويكشف‬
‫الجسم األلم‪ ،‬وتجنيب النفس اإلضطراب‪،‬‬
‫مختلـف تجليات الجمال‪ ،‬سواء كان‬ ‫سينيكا كذلك على أن البحث عن السعادة‬
‫على أن اللذات المقصودة ال تتعلق بالجسم‬
‫يشبه السفر المحفوف بالمخاطر والمزالق‪.‬‬
‫شعرا‪ ،‬أو نثرا‪ ،‬أو موسيقى أو‬ ‫فقط‪ ،‬بل إنها تشمل الجسم والنفس على حد‬
‫رسما‪ .».‬هكذا نجد للفنـون الجميلة‬ ‫سواء‪.‬‬
‫دورا هاما في إيجاد التوازن النفسي‪،‬‬
‫ولتحقيق السعادة‪ ،‬ما دامت هذه‬
‫الفنون تمنح للفـرد رؤى وإمكانات‬
‫هائلة الكتشاف الذات واكتشاف‬
‫الحياة بعيدا عن التكرار والروتين‬
‫لسلوكات منمطة أو لمشاعر زيفها‬
‫التقليد‪ ،‬ألن الفـن وحب الجمال يدفع‬
‫بالمرء إلى استكشاف عوالم لم‬
‫يدركها قط‪ ،‬وآنذاك فقط يدرك معنى‬
‫السعادة‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المحور الثالث‪ :‬السعادة والواجب‬
‫إذا كان لكل إنسان تصور معين للسعادة يجعله يضع الشروط التي يراها مناسبة لبلوغها‪ ،‬إال أن كونه كائنا اجتماعيا تربطه عالقات منظمة ومصالح متبادلة مع اآلخرين‪ ،‬قد فرض عليه وضع‬
‫شروطه الخاصة دون المساس بالضوابط العامة المنظمة لسلوكات األفراد‪ ،‬إذن فهل السعادة مطلب فردي أم جماعي؟ وما هي العالقة القائمة بين السعادة والواجب‪ ،‬هل هي عالقة ترابط أم انفصال؟‬

‫إيمانويل كانط‬ ‫برتراند راسل‬ ‫إبكتيت‬

‫• يؤكد أن السعي إلى تحقيق السعادة‪،‬‬ ‫• ينفي أن تكون السعادة هي االنغماس في‬
‫بما هو مطلب فردي‪ ،‬ال ينبغي أن‬ ‫الموضة أو الهوايات‪ ،‬ألن هذه األمور ال‬ ‫• يقيم إبكتيت تقابال بين ألشياء المتعلقة‬
‫يكون مستقال عن األمر األخالقي‬ ‫تعدو أن تكون في نظره حاالت اغتراب‪،‬‬ ‫باإلنسان وتلك المتعلقة بغيره‪ ،‬مؤكدا في‬
‫إنها حركات مزيفة ظاهرها سعادة وباطنها‬ ‫معرض هذا التمييز‪ ،‬أن الوصول إلى‬
‫المطلق‪ ،‬ما دام أنه عام وكوني‪،‬‬ ‫لذة عابرة ألن الفرد ال يسعى من ورائها‬ ‫السعادة ال ينبغي أن يتم عن طريق النظر‬
‫يستوجب من أي كان الخضوع‬ ‫سوى إلى الهروب واالنفالت من ضغوط‬ ‫إلى األشياء الخارجة عن الذات‪ ،‬كما لو‬
‫واإلمتثال له‪ ،‬استجابة لنداء العقل‬ ‫العالم وإكراهات المجتمع‪ .‬إن السعادة‬ ‫كانت أشياء خاصة بها‪ ،‬وإنما على األساس‬
‫العملي األخالقي المحض‪ ،‬والذي‬ ‫حركة في اتجاه الناس ويبين ذلك راسل‬ ‫الذي يسعى فيه إلى تحقيقها وفق ما توجد‬
‫يعتبر ضرورة أخالقية للقيام بما‬ ‫بقوله «أما السعادة األصلية فتعتمد‪ ،‬أكثر‬ ‫عليه تلك األشياء وعلى النحو الذي تسير‬
‫يجب تحقيقه احتراما للقانون‬ ‫مـن أي شيء آخر‪ ،‬على ما يسمى باالهتمام‬ ‫عليه‪ .‬أي أن السعادة هي أن يهتم الفرد بما‬
‫األخالقي الذي يسكن الذات‪ ،‬والذي‬ ‫الـودي باألشخاص واألشياء‪ .».‬إن السعادة‬ ‫ينتمي إلى طبيعته من أفعال وآراء‪ ،‬وأال‬
‫هنا تتحول إلى نوع من الواجب ولـكن دون‬ ‫يبرر سعادته أو شقاءه بآراء الغير أو‬
‫يمثله العقل والضمير واإلرادة الحرة‬ ‫أن يكون واجبا إلزاميا قهريا كما يعتقده‬ ‫تصرفاتهم‪ ،‬وفي ذلك يكون قد خضع لقانون‬
‫الطيبة‪ ،‬الشيء الذي يجعل من‬ ‫كانط‪ ،‬وإنما واجب فيه حب وود‪ ،‬إنه حركة‬ ‫الطبيعة واالنسجام معها‪ ،‬قائال في هذا‬
‫الواجب إلزاما قطعيا‪ ،‬ال ينبغي على‬ ‫تلقائية ينخرط فيها اإلنسان‪ ،‬بعيدا عن‬ ‫اإلطار‪ " :‬ال تطلب أبدا أن تحدث األشياء‬
‫األفراد التعامل معه ممن منطلق ما‬ ‫الحسابات الضيقة المقننة التي يفرضها‬ ‫كما ترغب أنت‪ ،‬بل ارغب في حدوث‬
‫يحققه لهم من منافع وغايات آنية‬ ‫الواجب العقلي المحكوم بالبرهان‪ ،‬هنا نعثر‬ ‫األشياء كما تحدث هي فعال‪ ،‬وبذلك تكون‬
‫ومباشرة‪ ،‬بل من منطلق كزنه شرطا‬ ‫إذن على سعادة إنسانية واقعية بعيدة عن‬ ‫سعيدا‪.".‬‬
‫أساسيا إلشاعة القيم والفضائل‪ ،‬التي‬ ‫السراب والوهم الميتافيزيقي الذي يحشو به‬
‫النـاس عقولهم‪ ،‬فيدمرون إمكانات عدة‬
‫من شأنها القضاء على كل مظاهر‬ ‫لتحقيق سعادتهم‬
‫األنانية واالستقاللية‪.‬‬
‫أكادير‬ ‫ثانوية ابن ماجة‬ ‫ني‬ ‫رش يد رك‬
‫المفاهيم الخاصة بمجزوءة األخالق‬
‫• استقاللة الذات فعال وتصرفا وفق ما يمليه تفكير الفرد‬ ‫• قيم وقواعد معيارية منظمة للسلوك بين االفراد‬
‫وقناعته‪.‬‬ ‫االرادة‬ ‫االخالق‬

‫• مبدأ علمي يمكن من التنبؤ بالنتائج في حالة معرفتنا‬ ‫• كل ما يلزم االفراد بالفعل أو عدمه كإلزام أو التزام‪.‬‬
‫للشروط المتحكمة في الظواهر‪ ،‬وتفيد هنا معنى االكراه‪.‬‬ ‫الحتمية‬ ‫الواجب‬

‫• حالة إرضاء تام لذات‪ ،‬يتسم بالقوة والثبات ويتميز عن‬ ‫• هو اسم لفعل أكره يكره إكراها‪ ،‬أي ألزمه على‬
‫اللذة للحظتها‪ ،‬وعن الفرحة لحركيتها‬ ‫السعادة‬ ‫القيام بفعل‪ ،‬فاإلكراه إذن هو إلزام ‪obligation‬‬ ‫اإلكراه‬

‫• تعهد إرادي بموجبه يصبح الشخص مرغما أخالقيا على‬ ‫• مجموع االفراد الظين تربط بينهم عالقات منظمة‬
‫الوفاء بما تعهد به‪.‬‬ ‫االلتزام‬ ‫ومصالح متبادلة‪.‬‬ ‫المجتمع‬

‫• استعداد عقلي ونفسي للفعل المطابق لمعايير معينة‪ ،‬وهي‬ ‫• يسمح للعقل االنساني أن يصدر أحكاما معيارية‬
‫حسب أرسطو اختيار يتم باعتدال يتوسط رذيلتين‪.‬‬ ‫عفوية على القيمة األخالقية لبعض االفعال الفردية‬ ‫الوعي‬
‫الفضيلة‬ ‫األخالقي‬

‫• مجموع العمليات الشعورية التي تمكن الذات من ادراك‬ ‫• قدرة الفرد على الفعل أو عدمه بإرادة خاصة دون‬
‫مباشر لذاتها ولما يحيط بها‪.‬‬ ‫الوعي‬ ‫إكراه خارجي‬ ‫الحرية‬

You might also like