You are on page 1of 171

‫ُ‬‫ِ

‬‫ا‬‫ََ‬‫‬
‫ّ◌‬
‫ّ‬ ‫ّ◌‬‫ّ◌‬‫◌‬
‫َ‬‫ا ‬
‫ْ‬
‫َا ّ‬
‫َ‬‫ا ‬
‫ ْ‬
‫َ‬
‫ ‬‫ُ‬

‫بسم ﷲ الرحمن الرحيم‬

‫))  ـف   ا


 ‬
‫ذا ه زاه((‬
‫الفھرس‬

‫المقدمة ‪4 ........................................................................................................‬‬
‫الباب األول‪ /‬العقل أوالً ثم ننظر فيما يقال‪9 ................................................................‬‬
‫ﷲ يتعب ويجھل ويندم ويأكل ويصارع!! ‪12 ..........................................................‬‬
‫العھد القديم وافتراءاته على المرسلين بعد افتراءاته على ربھم ‪16 ..................................‬‬
‫الباب الثانى‪ /‬تحرك ضد عقيدة التوحيد يتعرض له أبناؤنا ‪23 ...........................................‬‬
‫حول صلب عيسى ‪28 .....................................................................................‬‬
‫المنشورات وما تضمنت من أوھام ‪29 ..................................................................‬‬
‫اإلسالم أقوى بكثير من ھذه التفاھات ‪31 ................................................................‬‬
‫قصة ” ﷲ محبة ” وموقف شتى األناجيل منھا ‪33 ....................................................‬‬
‫تجليات العذراء‪ ،‬الرمح المقدس‪ ،‬الحقيقة العلمية المطاردة ‪34 .......................................‬‬
‫الباب الثالث‪ /‬ماذا يريدون ؟‪40 ..............................................................................‬‬
‫تقرير رھيب ‪42 ............................................................................................‬‬
‫الحقائق تتكلم ‪46 ............................................................................................‬‬
‫نحن نريد الحفاظ على وحدة مصر الوطنية‪47 .........................................................‬‬
‫الباب الرابع‪ /‬اإلسالم وجماعة اإلخوان‪48 .................................................................‬‬
‫تقرير يفضح النيات المبيتة لإلسالم ‪49 ..................................................................‬‬
‫صور من الھجوم على اإلسالم ذاته‪ ،‬تحقير الماضى‪ ،‬تزوير التاريخ ‪54 ...........................‬‬
‫القومية العربية ومعناھا ‪62 ...............................................................................‬‬
‫الباب الخامس‪ /‬شبھات أخرى ‪65 ............................................................................‬‬
‫غلطة فلكية ! ‪65 ............................................................................................‬‬
‫الكسوف والخسوف ‪66 ....................................................................................‬‬
‫غلطة جغرافية ! ‪67 ........................................................................................‬‬
‫الشھاب الراصد‪67 .........................................................................................‬‬
‫خزان المياه ‪68 .............................................................................................‬‬
‫فھم عجيب ‪69 ...............................................................................................‬‬
‫حد السرقة ‪69 ...............................................................................................‬‬
‫نبى مرعب ‪70 ..............................................................................................‬‬
‫كذب على رسول ﷲ )عليه الصالة والسالم( ‪71 .......................................................‬‬
‫نماذج لتحريف الكلم ‪72 ...................................................................................‬‬
‫المداد القرآنى ‪74 ...........................................................................................‬‬
‫حديث الذباب ‪75 ............................................................................................‬‬
‫أساطير العھد القديم ‪76 ....................................................................................‬‬
‫الباب السادس‪ /‬الدعوة اإلسالمية والحكام الخونة ‪82 .....................................................‬‬
‫الذئب األغبر ‪82 ............................................................................................‬‬
‫اإلسالم فى كوريا ‪83 ......................................................................................‬‬
‫أندونيسيا المسلمة ‪86 .......................................................................................‬‬
‫سماسرة الفاتيكان ‪88 .......................................................................................‬‬
‫قبرص ‪90 ...................................................................................................‬‬
‫العقيد الناصرى ‪91 .........................................................................................‬‬
‫الباب السابع‪ /‬مع التيار الشيوعى واإللحادى ‪99 ...........................................................‬‬
‫ال بد لإلسالم من خطة إيجابية يواجه الغزو الثقافى بھا ‪99 ...........................................‬‬
‫الباب الثامن ‪125 ..............................................................................................‬‬
‫ال دين حيث ال حرية ‪125 .................................................................................‬‬
‫يا للرجال بال دين ‪129 ....................................................................................‬‬
‫مشھورون ومجھولون ‪132 ...............................................................................‬‬
‫التنادى بالجھاد المقدس ‪136 ..............................................................................‬‬
‫دين زاحف مھما كانت العوائق ‪140 .....................................................................‬‬
‫قال اإلنسان وقال الحيوان ‪144 ...........................................................................‬‬
‫حول خرافة تحديد النسل ‪148 ............................................................................‬‬
‫محنة الضمير الدينى ھناك ! ‪151 ........................................................................‬‬
‫ھذه المقررات ال نريد أن تنسى ‪156 ....................................................................‬‬
‫أسئلة وأجوبة ‪160 ..........................................................................................‬‬
‫المقدمة‬

‫من خمسين سنة‪ ،‬عندما عقلت ما يجرى حولى‪ ،‬أدركت أن نصف اإلسالم ميت أو‬
‫مجمد‪ ،‬وأن نصفه اآلخر ھو المأذون له بالحياة أو الحركة إلى حين !!‬
‫وأحسست أن ھنالك صراعا ً يدور فى الخفاء أحياناً‪ ،‬وعالنية حينا ً بين فريقين من‬
‫الناس‪:‬‬
‫ـ فريق يستبقى النصف الموجود من اإلسالم‪ ،‬ويدفع عنه العوادى‪ ،‬ويحاول استرجاع‬
‫النصف المفقود‪ ،‬ويلفت األنظار إلى غيابه ‪.‬‬
‫ـ وفريق يضاعف الحجب على النصف الغائب‪ ،‬ويريد ليقتله قتالً‪ ،‬وھو فى الوقت‬
‫نفسه يسعى لتمويت النصف اآلخر وإخماد أنفاسه وإھالة التراب عليه ‪.‬‬
‫‪ ..‬وكلما طال بى العمر كنت ألحظ أن المعركة بين الفريقين تتسع دائرتھا وتشترك‬
‫فيھا إذاعات وأقالم‪ ،‬وجماعات وحكومات‪ ،‬ومناقشات ومؤامرات ‪..‬‬
‫‪ ..‬وكانت الحرب سجاالً‪ ،‬وربما فقد المؤمنون بعض ما لديھم‪ ،‬وربحوا بعض ما‬
‫أحرزه خصومھم‪ ،‬وربما كان العكس‪ ،‬وفى كلتا الحالتين تنضم إلى معسكر الحق‬
‫قوى جديدة وتنضم إلى معسكر الباطل قوى جديدة‪ ،‬ويزداد الصراع حدة وشدة كلما‬
‫الح أن الساعة الحاسمة تقترب ‪..‬‬
‫ونحن نصدر ھذا الكتاب فى ظروف شديدة التعقيد‪:‬‬
‫أعداء اإلسالم يريدون االنتھاء منه‪ ،‬ويريدون استغالل المصائب التى نزلت بأمته كى‬
‫يبنوا أنفسھم على أنقاضھا ‪..‬‬
‫يريدون بإيجاز القضاء على أمة ودين ‪..‬‬
‫وقد قررنا نحن أن نبقى‪ ،‬وأن تبقى معنا رسالتنا الخالدة‪ ،‬أو قررنا أن تبقى ھذه‬
‫الرسالة ولو اقتضى األمر أن نذھب فى سبيلھا لترثھا األجيال الالحقة ‪..‬‬
‫من أجل ذلك نرفض أن نعيش وفق ما يريد غيرنا أو وفق ما تقترحه علينا عقائد‬
‫ونظم دخيلة ‪.‬‬
‫من حق المسلمين فى بالدھم أن يحيوا وفق تعاليم دينھم‪ ،‬وأن يبنوا المجتمع حسب‬
‫الرسوم التى يقدمھا اإلسالم إلقامة الحياة العامة ‪.‬‬
‫واإلسالم ليس عقيدة فقط‪ ،‬إنه عقيدة وشريعة !‬
‫‪ ..‬ليس عبادات فقط‪ ،‬إنه عبادات ومعامالت ‪.‬‬
‫‪ ..‬ليس يقينا ً فرديا ً فقط‪ ،‬إنه نظام جماعى إلى جانب أنه إيمان فردى ‪.‬‬
‫إنه كما شاع التعبير‪ :‬دين ودولة ‪..‬‬
‫وإذا كان ھناك فى ربوع األرض اإلسالمية من يعتنق اليھودية أو النصرانية فلن‬
‫يضيره ذلك شيئا ً ‪ .‬إذ إن حرية التدين من صلب التعاليم اإلسالمية‪ ،‬وقد ازدھرت ھذه‬
‫الحرية فى أرجاء العالم اإلسالمى جمعاء‪ ،‬عندما كانت مطاردة فى أقطار أخرى ال‬
‫حصر لھا ‪..‬‬
‫والتاريخ شاھد صدق على ذلك ‪.‬‬
‫‪ ..‬ثم إن اليھود والنصارى رضوا بالعيش فى ظل حكم مدنى يبيح الزنا والربا‬
‫والخمر وأنواع المجون‪ ،‬بل عاشوا فى ظل نظم يسارية ترفض اإليمان من أصله‪،‬‬
‫فال يسوغ أن يتضرروا من حكم إسالمى ينصف نفسه وينصفھم على السواء ‪..‬‬
‫وأيا ً ما كان األمر فنحن المسلمين مستمسكون بحقنا فى تطبيق شريعتنا واالستظالل‬
‫براية اإلسالم فى شئوننا كافة‪ ،‬ولن نقبل نظاما ً يساريا ً ملحداً‪ ،‬وال نظاما ً مستورداً‬
‫يسوى بين األضداد‪ ،‬بين الكفر واإليمان‪ ،‬بين العفة والعھر‪ ،‬بين المعبد والخان‪ ،‬باسم‬
‫الحرية ‪.‬‬
‫وقد الحظنا ـ محزونين غاضبين ـ أن اتفاقا ً تم بين اليھودية العالمية‪ ،‬وبين أقوى‬
‫الدول النصرانية على ضرب اإلسالم وإذالل أمته والقضاء األخير على معالمه‬
‫وتاريخه ‪..‬‬
‫وأثبتت األحداث أن الضمير الدينى عند ” أھل الكتاب ” قد فقد عدالته وطھارته نھائيا ً‬
‫] راجع الباب الثامن‪ ” :‬محنة الضمير الدينى ھناك ” ‪ .‬ففيه تفصيل شاف لھذه‬
‫القضية [ ‪..‬‬
‫فاليھود الذين مرنوا على أكل السحت وثبوا على أرضنا ليأكلوھا بما فيھا ومن فيھا‪،‬‬
‫ووراءھم أمداداً ھائلة من المال والسالح تجيئھم من أمريكا وغير أمريكا ‪..‬‬
‫والكنائس الغربية تبارك ھذا السطو‪ ،‬وتعده تحقيقا ً ألحالم العھد القديم‪ ،‬ومن أجل ذلك‬
‫تحذف لعن اليھود من صلواتھا ـ كما أمر البابا بعدما أول األناجيل‪ ،‬وبرأ اليھود من‬
‫دم المصلوب ‪.‬‬
‫إن الضمير الدينى عند إخواننا ” أھل الكتاب ” ابتلع أكبر فضيحة عالمية عندما سوغ‬
‫العدوان على العرب‪ ،‬والتھام دورھم وأموالھم وتاريخھم‪ ،‬ولم ير فى ذلك شيئا ً‬
‫يستحق النكير ‪..‬‬
‫إن الحقد التاريخى على اإلسالم جعل رؤساء البيت األبيض يشاركون فى ذبحنا‬
‫بسرور ورغبة‪ ،‬ويساعدون الغزاة بإسراف وحماس ‪ ..‬أما ساسة إنجلترا وفرنسا فقد‬
‫أعانوا اللص أوالً على رب البيت حتى تمكن من اقتحامه‪ ،‬ثم عندما شرع رب البيت‬
‫فى المقاومة قالوا‪ :‬يمنع السالح عن الطرفين المتساويين )!( ويقسم البيت بينھما ‪] .‬‬
‫وذلك ما أقره مجلس األمن ! ورضى به المستضعفون !! [‬
‫ھذا منطق الضمير الدينى عند اليھود والنصارى !! عند حملة رساالت السماء !!‬
‫إن احتقار الناس للدين والمتدينين إنما يجىء من ھذه المسالك الھابطة ‪.‬‬
‫وعندما يظفر ” اإللحاد األحمر ” بشىء من الحفاوة والقبول فألن مسلكه كان أقرب‬
‫إلى الشرف وأدنى إلى العدالة المجردة ! وصدق ﷲ العظيم ” إن كثيرا ً من األحبار‬
‫والرھبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل ﷲ ” ‪ ] .‬التوبة‪[ 34 :‬‬
‫والواقع أن نجاح الشيوعية فى آسيا وأوربا يعود إلى تبلد الضمير الدينى عند اليھود‬
‫والنصارى جميعاً‪ ،‬وقدرة ھؤالء الناس على المصالحة بين أھوائھم ومراسم العبادة‬
‫التقليدية ‪..‬‬
‫وقد انضم إلى الھجوم العسكرى على اإلسالم ھجوم ثقافى يتسلل خفية إلى السرائر‬
‫والعقول مليئا ً بالدس والختل‪ ،‬وجبھة الھجوم تشمل اآلن أطراف العالم اإلسالمى‬
‫وصميمه‪ ،‬وتتذرع بكل شىء لتدمير العقائد اإلسالمية وإھالة التراب على معالم‬
‫اإلسالم كلھا ‪..‬‬
‫ولما كان العرب ھم دماغ اإلسالم وقلبه فال بد أن يتضخم نصيبھم من ھذا الھجوم‬
‫المحموم ‪..‬‬
‫وھنا ـ فى خطة الصليبية الغربية ـ يجىء دور النصارى العرب الذين يجب أن‬
‫يسھموا فى ضرب اإلسالم وكسر شوكته ومنع دولته ‪!! ..‬‬
‫ترى‪ :‬أيؤدون ھذا الدور بدقة ويطعنوا مواطنيھم من الخلف ؟‬
‫الحق أن عدداً كبيرا ً منھم رفض االستجابة لھذه الخيانة‪ ،‬وفى معارك فلسطين حمل‬
‫السالح جنبا ً إلى جنب مع إخوانه المسلمين ‪.‬‬
‫بيد أن استمرار العرض الغادر‪ ،‬والھزائم التى أصابت المسلمين فى ميادين شتى‪،‬‬
‫والفراغ العقلى لدى خريجى التعليم المدنى‪ ،‬وسيل الشھوات الدافق من ھنا وھناك‪،‬‬
‫كل ذلك جعل األوضاع تتغير‪ ،‬وأغرى بعض الرؤساء الدينيين فى الشام ومصر بفعل‬
‫أمور ذات بال !!‬
‫وذلك ما دفعنى إلى تأليف ھذا الكتاب ‪..‬‬
‫لقد أحسست أن خطوطنا الدفاعية مھددة من خلفھا‪ ،‬وأن المؤامرة على اإلسالم وأمته‬
‫الغافلة قد أخذت أبعادا ً جديدة مخوفة ‪ ..‬وأن المصارحة ھنا أجدى فى رد الخطر وقتل‬
‫بوادر الشر قبل أن تستفحل !‬
‫لقد وھنت قوى اإلسالم إثر الضربات المادية واألدبية التى تناولته من كل جانب ‪..‬‬
‫وسمع من يقول‪ :‬ما الذى جاء باإلسالم إلى مصر ؟ وإلى متى يبقى ؟ ولماذا ال تكون‬
‫بدل مصر إسرائيل أخرى أو أسبانيا أخرى ؟‬
‫أال ما أشد غربة اإلسالم فى بالده ‪..‬‬
‫وأمسى اإللحاد ذكاء واإليمان غباء !!‬
‫والتوحيد جموداً والشرك تقدما ً ووعيا ً !!‬
‫ومن يسمون رجال الدين اإلسالمى موضع التندر والسخرية ‪.‬‬
‫ال من وسائل اإلعالم الرسمية وحدھا‪ ،‬بل من مسئولين كبار ” جداً ” ‪.‬‬
‫أما كھان اليھودية والنصارنية فحولھم تھاويل‪ ،‬ولھم مكانة ال تمس !!‬
‫وشاركت مراكز القاھرة مراكز لبنان فى مھاجمة القرآن‪ ،‬ومخاصمة نبيه‪ ،‬وتزوير‬
‫تاريخه ‪ ..‬وانسابت من جحورھا أفاع ما عرفت الصفو يوما ً تريد أن تنفث سمومھا‬
‫علناً‪ ،‬وأن تخذل القضايا اإلسالمية فى كل مكان ‪..‬‬
‫إذا قلنا‪ :‬يجب أن يعلم الدين فى جميع المراحل‪ ،‬وأن يختبر فيه الطالب اختبارا ً يؤثر‬
‫فى مستقبلھم ‪ ..‬قيل‪ :‬والنصارى ؟‬
‫نجيب‪ :‬أن نعلمھم اإلسالم بداھة‪ ،‬ولھم أ‪ ،‬يتعلموا دينھم‪ ،‬وال نكلف الدولة أن تختبرھم‬
‫فيه ‪ ..‬وتوضع نسبة دقيقة تضمن لغير المسلمين أن يأخذوا طريقھم إلى درجات‬
‫التعليم كلھا دون حساسية ‪..‬‬
‫ھل من شروط الوحدة الوطنية أن يتم تجھيل المسلمين فى دينھم ؟ ] نحن نرفض أن‬
‫تبتر أجزاء من اإلسالم أو يدحرج عن مكانته الطبيعية باسم الوحدة [‬
‫إذا قلنا‪ :‬يجب الحكم بما أنزل ﷲ‪ ،‬سمعت صوتا ً خبيثا ً يقول‪ :‬والنصارى ؟‬
‫نجيب‪ :‬تبقى لھم األحكام المقررة فى دينھم ـ وھى تتصل باألحوال الشخصية‪ ،‬أما بقية‬
‫القوانين فال بد أن تطبق على الكل‪ ،‬نعتبرھا نحن ديناً‪ ،‬ويعتبرھا غيرنا تشريعات‬
‫عادية كسائر التشريعات التى تحكم إخوانھم فى سائر أقطار العالم‪ ،‬ماذا فى ذلك ؟‬
‫ھل من شروط الوحدة الوطنية أن يكفر المسلمون بشريعتھم ؟!‬
‫لكن االستعمار العالمى الذى استعان بالكنائس الغربية على إذالل اإلسالم واستباحة‬
‫حماه‪ ،‬يوسع اليوم دائرته ليضمن تعاون الكنيسة الشرقية معه ‪.‬‬
‫ومن ثم بدأت تصرفات مجنونة‪ ،‬ومطالب ال أساس لھا تظھر على ألسنة بعض‬
‫المسئولين وغير المسئولين ‪.‬‬
‫ونحن فى ھذا الكتاب نلتزم جانب الدفاع ومستعدون لوقف المعركة إذا توقف‬
‫المعتدون ‪.‬‬
‫إن المؤتمرات التبشيرية العالمية تجد صدى لھا فى نشاط محلى ينطلق على األرض‬
‫العربية ‪.‬‬
‫وقد أفلح ھذا النشاط فى تنصير عدد من الطالب ال يؤبه له‪ ،‬ولكن داللته تصرخ بما‬
‫فيھا من التحدى والخيانة‪.‬‬
‫ولم يكن بد من أن نتحرك لنحق الحق ونبطل الباطل ‪.‬‬
‫وعسى أن يرعوى المقامرون ويكفونا مزيداً من القول ‪..‬‬
‫وإن كنا يائسين من أن يوجد للغل الصليبى دواء ‪.‬‬
‫أكتب ھذه الصحائف وأنا فى ” رباط الفتح ” عاصمة المغرب الشقيق ‪ ..‬وأنباء القتال‬
‫الدائر بين العرب واليھود تصل إلينا ساعة بعد ساعة‪ ،‬آذاننا صاغية إلى أجھزة ”‬
‫الراديو ” تتنسم خبراً يفرح ‪..‬‬
‫لكن ما ھذا ؟ جسر جوى بين الواليات المتحدة وإسرائيل يعوضھا عن كل سالح‬
‫تخسره‪ ،‬ويمنحھا من القدرة ما تذل به رؤوسنا ! ومتطوعون من شتى العواصم يقول‬
‫عنھم مراسل صحيفة إنجليزية‪:‬‬
‫لقد ولوا وجوھھم شطر إسرائيل بالروح التى كانت تدفع الرجال قديما ً إلى االشتراك‬
‫فى الحروب الصليبية !!‬
‫أما لھذا الغل من آخر ؟!‬
‫وقال صديق مغربى خبير بعلل القوم‪ :‬إنھم يقاتلون العرب ألنھم مسلمون ‪.‬‬
‫وقلت‪ :‬إن القتال اآلن قومى ال دينى ‪ ..‬ليكن‪ ،‬ما دام العرب عرباً‪ ،‬وما دام القرآن أھم‬
‫كتاب فى لسانھم‪ ،‬وما داموا قد انبعثوا به قديما ً فيجوز أن ينبعثوا به حديثاً‪ ،‬إذن ال بد‬
‫من إبادتھم وإحالل جنس آخر محلھم !‬
‫ھذا ما انتھى إليه الضمير الدينى صاحب شعار ” ﷲ محبة ” ! ] سترى أن ھذه‬
‫الالفتة تخفى وراءھا حقائق دينية ال يمكن إنكارھا توصى بالجبروت مع األعداء [ ‪.‬‬
‫وإلى جانب ھذه المؤازرة الخسيسة كنت أسمع أن ” الروس ” أقاموا جسراً مقابالً‪،‬‬
‫وأنھم سوف يضعون فى يد العرب ما يردون به العدوان ويسترجعون به األرض‬
‫ويغسلون به العار !‬
‫إننى أكره اإللحاد والملحدين‪ ،‬بيد أنى وجدت نفسى أمام موقف فاتن‪ ،‬إننى فقير إلى‬
‫ھذا السالح ! وعسى أن يسعفنى ويتماسك فى يدى ‪ .‬سآخذه مقدرا ً اليد التى أسدته‪،‬‬
‫سآخذه ألكسر به شوكة المعتدين الذين أفقدھم الحقد كل أثارة من عدل وعقل ‪.‬‬
‫وسأدفع ثمنه ولو كان مضاعفاً‪ ،‬وسأذكر الجميل فأعاون الشعب الروسى على ضرب‬
‫االستعمار الغربى يوم يتحرك ھذا االستعمار بغرائزه الشرسة ويحاول اإلساءة إلى‬
‫الشعوب األخرى ‪..‬‬
‫على أن مشكلتى الحقيقية مع سماسرة الغزو الثقافى فى بالدنا‪ ،‬وضحاياه الذين نسوا‬
‫اإلسالم أو تناسوه‪.‬‬
‫المشكلة مع الجيل المھجن الذى ورث اإلسالم أسماء وأشكاالً فارغة ورفضه‪:‬‬
‫ـ تربية معينة‪.. ،‬‬
‫ـ وقوانين محددة‪.. ،‬‬
‫ـ وقيما ً مضبوطة‪.. ،‬‬
‫ـ وأھدافا ً ثابتة‪.. ،‬‬
‫ھؤالء المتعاقلون العجزة ھم وراء كل المحن التى لحقتنا‪ ،‬ولقد امتلكوا ناصية التوجيه‬
‫المادى واألدبى فى سراء األمة وضرائھا‪ ،‬فلم تجن األمة منھم إال الشتات واآلالم ‪..‬‬
‫ماذا يريد ھؤالء ؟ إنھم يعالنون بعدم العودة إلى الكتاب والسنة‪ ،‬ويبشرون بحكم مدنى‬
‫يخسر اإلسالم فيه أصوله وفروعه‪ ،‬وتظفر فيه نزعات اإللحاد أو الشرك بكل المغانم‬
‫‪..‬‬
‫ً‬
‫وسوف يقرأون ھذا الكتاب ويتميزون غيظا لما جاء به من حقائق كانوا يودون‬
‫كتمانھا‪ ،‬وحوار ال يحبون أن يدور ‪..‬‬
‫ونريد أن نقول لھؤالء‪ :‬إنكم غرباء على أمتنا ودينھا وتاريخھا ‪ ..‬إن أمتنا يوم تملك‬
‫البت فى أمورھا فستختفون فوراً من جوھا ‪..‬‬
‫وإلى أن تملك األمة أمرھا أيسكت رجال اإلسالم عن قول الحق ورفض اإلفك ؟؟‬
‫كال‪ ،‬إن ﷲ أخذ الميثاق على حملة الوحى أن يعالنوا به‪ ،‬ويكشفوا للناس حقائقه‪ ،‬وأكد‬
‫عليھم ذلك فى قوله‪:‬‬
‫” لتبيننه للناس وال تكتمونه ” )آل عمران‪(178 :‬‬
‫فما بد من البيان وعدم الكتمان‬
‫وأعلم أن ذلك قد يعرض لمتاعب جسام‪ ،‬ولكنى أقول ما قاله صديقنا ” عمر بھاء‬
‫الدين األميرى ”‪:‬‬
‫الھول فى دربى وفى ھدفى‬
‫وأظل أمضى غير مضطرب‬
‫ما كنت من نفسى على خور‬
‫أو كنت من ربى على ريب‬
‫ما فى المنايا ما أحاذره‬
‫ﷲ ملء القصد واألرب‬
‫” ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين‬
‫” ] آل عمران‪.[ 147 :‬‬
‫” ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير‪ ،‬ربنا ال تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر‬
‫لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم ” ] الممتحنة‪.[ 5،4 :‬‬

‫محمد الغزالى‬
‫الباب األول‪ /‬العقل أوالً ثم ننظر فيما يقال‬

‫شعرت بحاجة إلى أن أمسح عيونى وأنظم رموشھا‪ ،‬ثم نظرت إلى أصابعى بعد ذلك‬
‫فوجدت بينھا بضعة أھداب عالقة‪ ،‬نفختھا فطارت إلى حيث ال أدرى ‪.‬‬
‫وما لبثت أن تساءلت‪ :‬أين وقعت ؟ وكان الجواب‪ :‬على األرض حيث تفنى ‪..‬‬
‫ولكن المعانى تداعت‪ :‬وما يدريك أنھا ستأخذ دورة أخرى فى الحياة فتكون سماداً‬
‫لحبوب متراصة فى سنبلة قمح أو كوز ذرة ؟‬
‫ولم تقف عند ذلك‪ :‬لعلھا تعود إلى كيان آخر إلنسان مثلى !‬
‫ترى ماذا ستكون فى ھذا الكيان الجديد ؟!‬
‫‪ ..‬رموشا ً تظلل العين كما كانت عندى‪ ،‬أو عنصراً آخر فى عظمة وفحمة ؟‬
‫وزادت المعانى تداعيا ً‪ :‬من الذى يشرف عليھا فى ھذه الرحلة ؟‬
‫إنه ليس إشراف علم ورقابة ‪ .‬إنه إشراف كينونة وتغيير وتنقيل من أعلى ألدنى أو‬
‫من أدنى ألعلى ‪..‬‬
‫وزادت المعانى تداعيا ً‪ :‬إن ھذه المالحقة الماسة ال تعنينى وحدى ‪ ..‬إننا ـ أبناء آدم ـ‬
‫نبلغ قرابة أربعة آالف مليون على ظھر ھذه الكرة الطائرة‪ ،‬والخالق العليم وراء كل‬
‫قطرة دم تتدفق فى العروق‪ ،‬ومن وراء كل ثمرة تنبت فى الجلود والرءوس‬
‫والجفون‪ ،‬من وراء كل زفير أو شھيق تعلو به الصدور وتھبط ‪!! ..‬‬
‫ذاك فى كياننا المادى‪ ،‬أما فى كياننا المعنوى فقد تصورت ھذا اإلشراف األعلى على‬
‫ھواجس الفكر فى األدمغة‪ ،‬أدمغة الخلق فى كل قارة‪ ،‬فى كل شبر معمور‪ ،‬وعلى كل‬
‫تيارات الحس المختلفة من حزن وسرور‪ ،‬من يأس أو رجاء‪ ،‬من نشاط أو استرخاء‬
‫‪..‬‬
‫عجبا ً ! أھو إشراف رقابة من بعيد ؟ كال‪ ،‬إنه إشراف مالبس متغلغل من واھب‬
‫الحياة ومسير األحياء فى البر والبحر ‪.‬‬
‫وزادت المعانى تداعيا ً‪ :‬لكن ھذه األرض ليست حكرا لنا وحدنا ‪ .‬إن أصنافا أخرى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من الخالئق تعيش فوقھا زاحفة أو طائرة لھا أرزاقھا ومساربھا‪ ،‬ومستقرھا‬
‫ومستودعھا‪ ،‬ويقظتھا ومنامھا ‪.‬‬
‫‪ ..‬والعناية المحيطة تمد أجنحتھا لتشمل ما نرى وما ال نرى من ذلك كله‪ ،‬ثم ما عالم‬
‫الجماد فى ھذه الكرة المعلقة الطائرة فى جو السماء ؟‬
‫إن أغلب سطحھا ماء مشحون بعوالم أخرى ! ومن تحت الماء وحوله يابسة تختفى‬
‫فى قشرتھا معادن خسيسة وكريمة ‪!! ..‬‬
‫ترى بالضبط أين البترول الذى ينقبون عنه وال يھتدون إليه ؟ وأين الذھب الذى تھيج‬
‫له أعصاب‪ ،‬وتتحلب له أفواه ؟ إن ﷲ وحده ھو الذى يدرى ‪..‬‬
‫وتحت القشرة الباردة وما ضمت من رطب ويابس توجد نار مستعرة‪ ،‬وباطن‬
‫ملتھب‪ ،‬ما ھذا كله ؟‬
‫وعدت إلى نفسى وأنا فى ھذه الجولة الفكرية ألتساءل‪ :‬ثم ما نحن فى ھذا العالم‬
‫الكبير ؟‬
‫وسمعت اإلجابة على ھذا السؤال من رائد الفضاء األمريكى الذى يقول‪:‬‬
‫” ‪ ..‬عندما وقع علي االختيار لبرنامج الفضاء‪ ،‬كان بين أوائل األشياء التى أعطيت‬
‫لى كتيب صغير يحوى الكثير من المعلومات عن الفضاء‪ ،‬وكان بين محتوياته فقرتان‬
‫تنطقان بضخامة الكون أثرتا في تأثيرا ً بالغا ً ‪..‬‬
‫” ولكى ندرك ھاتين الفقرتين يجب أن نعرف أوالً ما ھى السنة الضوئية‪ :‬إن الضوء‬
‫يسير بسرعة تبلغ ‪ 300‬ألف كيلو متر فى الثانية ـ أى ما يعادل الدوران حول األرض‬
‫حوالى سبع مرات فى الثانية ـ فإذا أطلقت ھذا الشعاع من الضوء وجعلته يستمر لمدة‬
‫عام فإن المسافة التى يقطعھا ـ وتبلغ حوالى ‪ 9.5‬مليون مليون كيلو تر ـ ھى السنة‬
‫الضوئية ! ‪..‬‬
‫” وإنى أقتبس ھنا ما ورد فى الكتيب عن حجم الكون الذى نعيش فيه‪) :‬عندما نذكر‬
‫أن المجرة التى تضم كوكبنا يبلغ قطرھا حوالى ‪ 100‬ألف سنة ضوئية نشعر بدھشة‪،‬‬
‫ولما كانت الشمس نجما ً ال يعتد به يقع على مسافة حوالى ‪ 30‬ألف سنة ضوئية من‬
‫مركز المجرة‪ ،‬ويدور فى مدار خاص به كل ‪ 200‬مليون سنة أثناء دوران المجرة‬
‫فإننا ندرك مدى صعوبة القياس الھائل للكون الواقع وراء المجموعة الشمسية‪ ،‬بل إن‬
‫الفضاء الذى يقع بين النجوم فى مجرتنا ليس نھاية ھذا الكون‪ ،‬فوراءه ماليين من‬
‫المجرات األخرى تندفع جميعا ً فيما يبدو متباعدة عن بعضھا البعض بسرعات‬
‫خيالية‪ ،‬وتمتد حدود الكون المرئى بالمجھر مسافة ‪ 2000‬مليون سنة ضوئية على‬
‫األقل فى كل اتجاه( ‪..‬‬
‫” إن ھذا الوصف يظھر مدى ضخامة الكون الذى نعيش فيه ‪..‬‬
‫” ولنعد اآلن إلى ما نعرفه عن تكوين الذرة وھى أصغر جسم حتى اآلن فنجد أن‬
‫ھناك تشابھا ً كبيرا ً بين الذرة ومجموعتنا الشمسية فى الكون ‪..‬‬
‫” ذلك أن ھذه الذرات لھا الكترونات تدور حول النواة بصورة منتظمة كدوران‬
‫األسرة الشمسية حول أمھا الشمس ‪..‬‬
‫” واآلن ماذا أريد أن أقول ؟ أريد التحدث عن نظام الكون بأسره من حولنا ‪..‬‬
‫” من أصغر تكوين ذرى إلى أضخم شىء يمكن تصوره ‪ ..‬مجرات تبعد ماليين‬
‫السنين الضوئية‪ ،‬كلھا يسير فى مدارات مرسومة محددة تضبط عالقة كل منھا‬
‫باألخرى ‪ .‬فھل يمكن أن يكون ذلك كله قد حدث اتفاقا ً ؟ ‪..‬‬
‫” أكانت مصادفة أن حزمة من نفايات الغازات الطافية بدأت فجأة فى صنع ھذه‬
‫المدارات وفقا ً التفاقھا الخاص ؟ ‪..‬‬
‫” إننى ال أستطيع تصديق ذلك ‪ ..‬بل إن ذلك مستحيل‪ ،‬والمؤكد أن ذلك تم وفق خطة‬
‫مرسومة محددة ‪ ..‬وھذا واحد من األشياء الكثيرة فى الفضاء التى تبين لى أن ھناك‬
‫إلھاً‪ ،‬وأن قوة ما قد وضعت كل ھذه األشياء فى مدارات وأبقتھا ھناك تؤدى وظيفتھا‬
‫العتيدة ‪..‬‬
‫” ولنقارن السرعة فى مشروعنا )عطارد( مع بعض ھذه األشياء التى نتحدث عنھا‪:‬‬
‫‪..‬‬
‫” إننا نظن أحيانا أن المشروع على ما يرام‪ ،‬فقد بلغنا سرعة تصل إلى حوالى ‪29‬‬ ‫ً‬
‫ألف كيلو متر فى الساعة فى الدوران حول األرض ـ أى حوالى ‪ 8‬كيلو مترات فى‬
‫الثانية ـ وھى سرعة كبيرة حقا ً بالنسبة لمقاييسنا األرضية‪ ،‬كما أنھا سرعة مرتفعة‬
‫إلى حد مناسب ونحن على ارتفاع يزيد قليالً على ‪ 160‬كيلو متر ‪..‬‬
‫” أما بالنسبة لما يجرى فعالً فى الفضاء فإن مجھوداتنا ھذه تعد ضئيلة جداً ” ا‪.‬ھـ ‪.‬‬
‫وصدق رائد الفضاء فى كلمته تلك‪ ،‬فإن ما يصل إليه اإلنسان بجھده وفكره شىء‬
‫محدود القيمة بالنسبة إلى ما يقع فى العالم حوله‪ ،‬وأذكر أننى تجولت فى مصانع‬
‫السكر‪ ،‬ورأيت األنابيب الطافحة بالعصير‪ ،‬واألفران المليئة بالوقود‪ ،‬واآلالت التى‬
‫تغطى مساحة شاسعة من األرض‪ ،‬لقد قلبت البصر ھنا وھنالك ثم قلت‪ :‬سبحان ﷲ !‬
‫إن بطن نحلة صغيرة يؤدى ھذه الوظيفة ‪ ..‬وظيفة صنع السكر دون كل تلك األجھزة‬
‫الدوارة والضجيج العالى !‬
‫وخيل إل ّي أن المخترعات البشرية ال تعدو أن تكون إشارة ذكية إلى ما يتم فى الكون‬
‫بالفعل من عجائب دون وسائط معقدة وأدوات كثيرة ‪.‬‬
‫ولو أن البشر أرادوا بناء مصنع للف الحبات النضيدة فى سنبلة قمح بالقشرة التى‬
‫تحفظ لبابھا الحتاج األمر إلى حجرة كبيرة تحت كل عود !‬
‫لكن ذلك يحدث فى الطبيعة فى صمت وتواضع !‬
‫والمقارنة التى عقدناھا ھنا تجاوزنا فيھا كثيراً‪ ،‬فإن اإلنسان المخترع ھو بعض ما‬
‫صنع الخالق‪ ،‬والمواھب الخصبة فيه بعض ما أفاء ﷲ عليه ‪..‬‬
‫وكأنما أراد ﷲ الجليل أن يعرف ذاته وعظمته لإلنسان الذى أنشأه‪ ،‬فھداه إلى بعض‬
‫المخترعات ؛ ليدرك مما بذل فيھا كيف أن الكون مشحون بما يشھد للخالق باالقتدار‬
‫والمجد ‪.‬‬
‫‪ ..‬إن ميالد برتقالة على شجرة أروع من ميالد ” سيارة ” من مصنع سيارات يحتل‬
‫ميالً مربعا ً من سطح األرض ‪ .‬ولكن الناس ألفوا أن ينظروا ببرود أو غباء إلى‬
‫البدائع ألنھا من صنع ﷲ‪ ،‬ولو باشروا ھم أنفسھم ذرة من ذلك ما انقطع لھم ادعاء‬
‫وال ضجيج ‪..‬‬
‫إننى عرفت ﷲ بالنظر الواعى إلى نفسى وإلى ما يحيط بى‪ ،‬وخامرنى شعور بجالله‬
‫وعلوه وأنا أتابع سننه فى الحياة واألحياء ‪.‬‬
‫وبدا لى أن أستمع إلى ربى فى الوحى الذى أنزله ‪ ..‬إذ ال بد أن يكون ھذا الوحى‬
‫حديثا ً ناضجا ً بما ينبغى له من إعزاز وحمد !‬
‫كان أقرب وحى إلى ھو القرآن الكريم ألننى مسلم‪ ،‬فلما تلوته وجدت التطابق مبينا ً‬
‫بين عظمة ﷲ فى قوله‪ ،‬وعظمته فى عمله ‪.‬‬
‫سمعته يقول‪:‬‬
‫” ﷲ خالق كل شىء‪ ،‬وھو على كل شىء وكيل‪ ،‬له مقاليد السموات واألرض ‪” ..‬‬
‫]الزمر‪[63 ،62 :‬‬
‫” ﷲ يعلم ما تحمل كل أنثى وما تفيض األرحام وما تزداد‪ ،‬وكل شىء عنده بمقدار‪،‬‬
‫عالم الغيب والشھادة‪ ،‬الكبير المتعال ‪] ” ..‬الرعد‪[9 ،8 :‬‬
‫” ﷲ الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنھار مبصراً ” ] غافر‪[ 61 :‬‬
‫” ﷲ الذى جعل لكم األرض قراراً والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ” ]‬
‫غافر‪[ 64 :‬‬
‫” بديع السموات واألرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة‪ ،‬وخلق كل شىء وھو‬
‫بكل شىء عليم‪ ،‬ذلك ﷲ ربكم‪ ،‬ال إله إال ھو خالق كل شىء وھو على كل شىء‬
‫وكيل‪ ،‬ال تدركه األبصار وھو يدرك األبصار‪ ،‬وھو اللطيف الخبير ” ] األنعام‪:‬‬
‫‪[ 102 ،101‬‬
‫وآيات أخرى كثيرة كثيرة‪ ،‬كلھا شواھد على أن ما وقر فى نفسى عن ﷲ بطريق‬
‫العقل قد أيده النقل تأييداً مطلقاً‪ ،‬وجعلنى أستريح إلى اإلسالم فكراً وضميراً ‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن حب االستطالع دفعنى إلى أن أطالع ما بأيدى اآلخرين من كتب‬
‫منسوبة إلى السماء‪ ،‬وقلت‪ :‬ربما أضافت جديداً إلى ما عندى ‪.‬‬
‫‪ ..‬ومددت يدى إلى ” الكتاب المقدس ” وشرعت أقرأ بدء الخلق‪ ،‬وقصة الحياة كما‬
‫رواھا العھد القديم‪.‬‬
‫ولست أحب التجنى واإلثارة‪ ،‬إننى سوف أذكر ما لدى من مقررات عقلية أيدتھا‬
‫النقول اإلسالمية‪ ،‬ثم أضع بين يدى الناس وجھة نظر ” العھد القديم ” فى ھذه‬
‫القضايا‪ ،‬مكتفيا ً بنقل نصوص معروفة لدى أصحابھا‪ ،‬ويستطيع كل امرىء أن يقرأھا‬
‫فى مظانھا ‪.‬‬

‫ﷲ يتعب ويجھل ويندم ويأكل ويصارع!!‬

‫ھل يمكن أن يتعب ﷲ‪ ،‬وأن يأخذه اإلعياء بعد عمل ما ؟‬


‫القرآن الكريم يجب على ھذا السؤال‪ ” :‬أو لم يروا أن ﷲ الذى خلق السموات‬
‫واألرض ولم يعى بخلقھن بقادر على أن يحيى الموتى ؟ بلى إنه على كل شىء قدير‬
‫” )األحقاف‪(33 :‬‬
‫ومن البدائه أن يكون الخالق الكبير فوق اإلجھاد‪ ،‬وذھاب القوة‪ ” :‬وسع كرسيه‬
‫السموات واألرض وال يئوده حفظھما وھو العلى العظيم ” )البقرة‪. (255 :‬‬
‫ولذلك يقول مثبتا ً ھذه الحقيقة‪ ” :‬ولقد خلقنا السموات واألرض وما بينھما فى ستة‬
‫أيام وما مسنا من لغوب“ )ق‪(38 :‬‬
‫لكن العھد القديم يذھب غير المذھب‪ ،‬ويصف ﷲ فيقول‪:‬‬
‫” وفرغ ﷲ فى اليوم السادس من عمله فاستراح فى اليوم السابع من جميع عمله الذى‬
‫عمل‪ ،‬وبارك ﷲ السابع وقدسه‪ ،‬ألنه فيه استراح من جميع عمله الذى عمل ﷲ خالقا ً‬
‫” )سفر التكوين‪ :‬االصحاح الثانى(‬
‫ودعك من الركاكة التى صيغت بھا ھذه العبارات‪ ،‬فقد يكون المترجم ھابط األسلوب‬
‫فى التعبير عن معنى ما‪ ،‬لكنك ال تستطيع أن تفھم معنى آخر من ھذا الكالم‪ ،‬إال أن‬
‫ﷲ ” استراح ” من جميع أعماله فى اليوم السابع‪ ،‬ھذه األعمال التى أداھا بوصفه‬
‫خالقا ً ‪.‬‬
‫واليھود يحرمون العمل يوم السبت‪ ،‬ويقدسونه‪ ،‬وجاء فى التوراة أن موسى أمر بأن‬
‫يقتل رجما ً أحد الحطابين الذين أبوا إال الكدح فى ھذا اليوم !‬
‫كيف جرى الحديث عن ﷲ بھذه الكلمات ؟ لعلھا غلطة ناقل‪ ،‬لكن الحديث عن عجز‬
‫ﷲ تبعه حديث آخر عن جھله !!‬
‫واسمع إلى وصف العھد القديم آلدم وزوجه بعدما أكال من الشجرة‪:‬‬
‫” وسمعا صوت الرب اإلله ماشيا ً فى الجنة عند ھبوب ريح النھار‪ ،‬فاختبأ آدم‬
‫وامرأته من وجه الرب اإلله فى وسط شجر الجنة‪ ،‬فنادى الرب اإلله آدم وقال له‪:‬‬
‫أين أنت ؟ فقال‪ :‬سمعت صوتك فى الجنة فخشيت ألنى عريان فاختبأت ‪ .‬فقال‪ :‬من‬
‫أعلمك أنك عريان‪ ،‬ھل أكلت من الشجرة التى أوصيتك أن ال تأكل منھا ؟ ‪) ” ..‬سفر‬
‫التكوين‪ :‬االصحاح الثالث(‬
‫ما ھذا ؟ كان اإلله يتمشى فى الجنة خالى البال مما حدث‪ ،‬ثم تكشفت له األمور شيئا ً‬
‫فشيئاً‪ ،‬فعرف أن آدم خالف عھده‪ ،‬وأكل من الشجرة المحرمة !‬
‫تصوير ساذج يبدو فيه رب العالمين وكأنه فالح وقع فى حقله ما لم ينتظر !‬
‫ما أبعد الشقة بين ھذا التصوير وبين وصف ﷲ لنفسه فى القرآن العظيم‪ ” :‬ولقد خلقنا‬
‫اإلنسان ونعلم ما توسوس به نفسه‪ ،‬ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ” )ق‪” (16 :‬‬
‫وما تكون فى شأن وما تتلو منه من قرآن وال تعملون من عمل إال كنا عليكم شھوداً إذ‬
‫تفيضون فيه ” )يونس‪(61 :‬‬
‫وقد أعقب ھذا ” الجھل اإللھى ” قلق غريب‪ ،‬فإن ﷲ يبدو وكأن ملكه مھدد بھذا‬
‫التمرد اآلدمى ‪.‬‬
‫لقد أكل آدم من الشجرة ـ شجرة المعرفة ـ وارتفع بھذا العصيان إلى مصاف اآللھة‬
‫فقد أدرك الخير والشر‪ ،‬وكان الرب عندما خلقه حريصا ً على بقائه جاھالً بھما ‪.‬‬
‫ومن يدرى ربما ازداد تمرده وأكل من شجرة الخلد وظفر بالخلود‪ ،‬إنه عندئذ سوف‬
‫ينازع ﷲ حقه‪ ،‬إذن فليطرد قبل استفحال أمره ‪.‬‬
‫جاء فى العھد القديم‪:‬‬
‫” وقال الرب اإلله‪ :‬ھو ذا اإلنسان قد صار كواحد منا عارفا ً الخير والشر‪ ،‬واآلن‬
‫لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً‪ ،‬ويأكل ويحيا إلى األبد‪ ،‬فأخرجه الرب‬
‫اإلله من جنة عدن ليعمل األرض التى أخذ منھا‪ ،‬وطرد اإلنسان وأقام شرقى جنة‬
‫عدن الكروييم ولھيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة ” )التكوين‪:‬‬
‫االصحاح الثالث(‬
‫لكن سيرة آدم وأبنائه على ظھر األرض لم تكن مرضية “ ‪ .‬إن منھجه فى الحياة‬
‫ضل باآلثام والمتاعب‪ ،‬ولم يكن ﷲ حين خلقه يعرف أنه سيكون شريراً إلى ھذا‬
‫الحد‪ ،‬لقد فوجئ بما وقع‪ ،‬ومن أجل ذلك حزن الرب وتأسف فى قلبه أن خلق آدم‬
‫وأبناء آدم ‪ ..‬قال العھد القديم‪:‬‬
‫” فحزن الرب أنه عمل اإلنسان‪ ،‬وأن كل تصور أفكار قلبه إنما ھو شرير كل يوم‪،‬‬
‫فحزن الرب أنه عمل اإلنسان الذى خلقته‪ .. ،‬اإلنسان مع بھائم ودبابات وطيور‬
‫السماء‪ ،‬ألنى حزنت أنى عملتھم‪) ”..‬التكوين‪ :‬االصحاح السادس(‬
‫الحق أننى أدھش كل الدھشة للطفولة الغريرة التى تضح من ھذا الحديث الخرافى‬
‫عن ﷲ جل جالله‪.‬‬
‫إن اإلله فى ھذه السياقات الصبيانية كائن قاصر ‪ ..‬متقلب ‪ ..‬ضعيف ‪.‬‬
‫وما أشك فى أن مؤلف ھذه السطور كان سجين تصورات وثنية عن حقيقة األلوھية‬
‫وما ينبغى لھا ‪..‬‬
‫ً‬
‫وأول ما نستبعده حين نقرأ ھذه العبارات أن تكون وحيا‪ ،‬أو شبه وحى ‪..‬‬
‫ومع ذلك فإن اليھود والنصارى يقدسون ذلك الكالم‪ ،‬ويقول أحد القساوسة‪ ” :‬الكتاب‬
‫المقدس ـ يعنى العھدين معا ً ـ ھو صوت الجالس على العرش‪ ،‬كل سفر من أسفاره أو‬
‫اصحاح من اصحاحاته أو آية من آياته ھو حديث نطق به الكائن األعلى ! ” ‪.‬‬
‫والمرء ال يسعه إال أن يستغرق فى الضحك وھو يسمع ھذا الكالم ! إنه إله أبله ھذا‬
‫الذى ينزل وحيا ً يصف فيه نفسه بالجھل والضعف والطيش والندم ‪.‬‬
‫ونحن المسلمون نعتقد أن الكتاب النازل على موسى برىء من ھذا اللغو‪ ،‬أما التوراة‬
‫الحالية فھى تأليف بشرى سيطرت عليه أمور ثالثة‪:‬‬
‫األول‪ :‬وصف ﷲ بما ال ينبغى أن يوصف به‪ ،‬وإسقاط صورة ذھنية معتلة على ذاته‬
‫” سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيرا ً ” ‪.‬‬
‫الثانى‪ :‬إبراز بنى إسرائيل وكأنھم محور العالم‪ ،‬وأكسير الحياة‪ ،‬وغاية الوجود ‪ ..‬فھم‬
‫الشعب المختار للسيادة والقيادة ال يجوز أن ينازعوا فى ذلك ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬تحقير األمم األخرى‪ ،‬وإرخاص حقوقھا‪ ،‬وإلحاق أشنع األوصاف بھا‬
‫وبأنبيائھا وقادتھا ‪.‬‬
‫وقد تتخلل ھذه األمور بقايا من الوحى الصادق‪ ،‬والتوجيھات المبرأة‪ ،‬بيد أن األسفار‬
‫الشائعة اآلن تغلب عليھا الصبغة التى الحظناھا ‪.‬‬
‫وھا نحن أوالء نسوق األدلة على ما قلنا مكتفين بالشواھد من سفر التكوين وحده‪،‬‬
‫ألن االنتقال إلى غيره يطيل حبل الحديث ‪.‬‬
‫فى ھذا السفر أعلن ﷲ ندمه على إغراق األرض بالطوفان ‪.‬‬
‫وقال لنوح‪ :‬لن أرتكب ھذه الفعلة مرة أخرى ! وسأضع عالمة تذكرنى بذلك حتى ال‬
‫أعاود إھالك الحياة واألحياء‪ ،‬وھاك النص‪:‬‬
‫” وكلم ﷲ نوحا ً وبينه معه قائالً‪ .. :‬أقيم ميثاقى معكم فال ينقرض كل ذى جسد أيضا ً‬
‫بمياه الطوفان‪ ،‬وال يكون أيضا ً طوفان ليخرب األرض‪ ،‬وقال ﷲ‪ :‬ھذه عالمة الميثاق‬
‫الذى أنا واضعه بينى وبينكم وبين كل ذوات األنفس الحية التى معكم إلى أجيال‬
‫الدھر‪ ،‬وضعت قوسى فى السحاب فتتكون عالمة ميثاق بينى وبين األرض‪ ،‬فيكون‬
‫متى أنشر سحابا ً على األرض وتظھر القوس فى السحاب ‪ ..‬فمتى كان القوس فى‬
‫السحاب أبصرھا ألذكر ميثاقا ً أبديا ً بين ﷲ وبين كل نفس حية فى كل جسد على‬
‫األرض ‪) ” ..‬االصحاح التاسع من سفر التكوين(‬
‫ھذا ھو التفسير لقوس قزح‪ ،‬وتحلل اللون األبيض إلى عناصره المعروفة بألوان‬
‫الطيف‪ ،‬كما شرح ذلك علماء الطبيعة ‪ ..‬قوس قزح ھى قوس ﷲ يبرزھا فى األفق‬
‫إشارة إلى العھد الذى أخذه على نفسه كى ال يغرق األرض مرة أخرى‪ ،‬إنه يرى ھذه‬
‫القوس فيتذكر‪ ،‬حتى ال يتورط فى طوفان آخر !!‬
‫ً‬
‫ورأيى أن الطوفان القديم كان عقوبة لقوم نوح وحدھم‪ ،‬وأنه ليس غرقا استوعب‬
‫سكان القارات الخمس ‪ .‬فما ذنب ھؤالء المساكين ونوح رسالته محلية ال عالمية‪،‬‬
‫اللھم إال إذا كان المعمور يومئذ من ھذا الكوكب ديار نوح وحسب ‪.‬‬
‫وأيا ً ما كان األمر‪ ،‬فإن وصف ﷲ بالضيق لما ارتكب من إغراق األرض‪ ،‬وتعھده أال‬
‫يفعل ذلك‪ ،‬أمر يليق بالخلق ال بالخالق ‪ ..‬بالناس ال برب الناس ‪.‬‬
‫على أن ھذه القصة أيسر من دعوة ﷲ إلى ضيافة نبيه إبراھيم‪ ،‬لقد قدم ﷲ فى شكل‬
‫رجل مع اثنين من مالئكته‪ ،‬وأقام لھم إبراھيم وليمة دسمة‪ ،‬فأكلوا منھا جميعا ً !!‬
‫وكان إبراھيم حريصا ً على إحراز ھذا الشرف‪ ،‬شرف أن يأكل ﷲ فى بيته‪ ،‬فلما لبى‬
‫ﷲ الدعوة أسرع الرجل الكريم فى إعداد مائدة مناسبة ! وھاك القصة كما رواھا سفر‬
‫التكوين‪:‬‬
‫” وظھر له الرب ‪ ..‬ونظر وإذا ثالثة رجال ‪ ..‬وقال‪ :‬يا سيد )يقصد ﷲ( إن كنت قد‬
‫وجدت نعمة فى عينيك فال تتجاوز عبدك ‪ ..‬فأسرع إبراھيم إلى الخيمة إلى سارة‬
‫وقال‪ :‬اعجنى واصنعى خبز ملة‪ ،‬ثم ركض إبراھيم إلى البقر وأخذ عجالً رخصا ً‬
‫وحيداً وأعطاه للغالم فأسرع ليعمله ثم أخذ زبداً ولبنا ً والعجل الذى عمله ووضعھا‬
‫قدامھم وإذا كان ھو واقفا ً لديھم تحت الشجرة أكلوا‪ ،‬وقالوا له‪ .. :‬ويكون لسارة‬
‫امرأتك ابن ‪ ..‬فضحكت سارة فى باطنھا قائلة‪ :‬بعد فنائى يكون لى تنعم وسيدى قد‬
‫شاخ ! فقال الرب إلبراھيم‪ :‬لماذا ضحكت سارة ‪ ..‬؟ ھل يستحيل على الرب شىء ؟‬
‫” )االصحاح الثامن عشر من سفر التكوين(‬
‫ونتجاوز ھذه المائدة الدسمة التى أكل منھا الرب ومالئكته‪ ،‬لنقف بإزاء قصة أخرى‬
‫من أغرب وأفجر ما اختلق الروائيون !!‬
‫القصة الجديدة تحكى مصارعة بين ” ﷲ ” وعبده ” يعقوب ” !‬
‫‪ ..‬وھذه المصارعة دامت ليالً طويالً‪ ،‬وكاد يعقوب يفوز فيھا لوال أن الطرف اآلخر‬
‫فى‬
‫المصارعة ـ وھو ﷲ !! ـ لجأ إلى حيلة غير رياضية ھزم بعدھا يعقوب !‬
‫ومع ذلك فإن يعقوب تشبث با“ وأبى أن يطلقه حتى نال منه لقب ” إسرائيل ” !!‬
‫ومنحه ﷲ ھذا ” اللقب الفخرى ” ثم تركه ليصعد إلى العرش ويدير أمر السماء‬
‫واألرض‪ ،‬بعد تلك المصارعة الرھيبة !!‬
‫أى سخف ھذا‪ ،‬وأى ھزل ؟؟‬
‫أى عقل مريض أوحى بھذا القصص السفيه ؟؟‬
‫ولكن اليھود يريدون أن يرفعوا مكانة جدھم األعلى‪ ،‬وال عليھم أن يختلقوا ما‬
‫يستغربه الخيال‪ ،‬وھاك القصة بأحرفھا من سفر التكوين‪:‬‬
‫” فبقى يعقوب وحده وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر‪ ،‬ولما رأى أنه ال يقدر عليه‬
‫ضرب حق فخذه فانخلع حق فخذ يعقوب فى مصارعته معه‪ ،‬وقال‪ :‬أطلقنى ! ‪ ..‬فقال‪:‬‬
‫ال أطلقك إن لم تباركنى ! فقال له‪ :‬ما اسمك ؟ فقال‪ :‬يعقوب‪ ،‬فقال‪ :‬ال يدعى اسمك فى‬
‫ما بعد يعقوب بل إسرائيل ‪ ..‬وسأل يعقوب وقال‪ :‬أخبرنى باسمك‬
‫فقال‪ :‬لماذا تسأل عن اسمى ؟ وباركه ھناك ‪ .‬فدعا يعقوب اسم المكان ” فينيئل ”‬
‫قائالً‪ :‬ألنى نظرت ﷲ وجھا ً لوجه ونجيت نفسى ‪ ..‬لذلك ال يأكل بنو إسرائيل ” عرق‬
‫النسا ” الذى على حق الفخذ إلى ھذا اليوم ألنه )ﷲ( ضرب حق فخذ يعقوب على‬
‫عرق النساء !! ” )سفر التكوين االصحاح‪(32 :‬‬
‫‪ ..‬نعم تخليدا ً لذكرى ھذه المصارعة نشأ حكم فقھى بتحريم العمل يوم الراحة اإللھية‬
‫‪.‬‬
‫وكم يفخر اليھود إذ كان أبوھم بھذه المثابة من القوة التى عاجزت اإلله‪ ،‬وكادت توقع‬
‫به الھزيمة !!‬
‫العھد القديم وافتراءاته على المرسلين بعد افتراءاته على ربھم‬

‫وھنا ننتقل إلى ” األمر الثانى ” فى بناء التوراة وھو‪:‬‬


‫إفراد بنى إسرائيل بالنسب العريق‪ ،‬والعالقة الفذة على حساب غيرھم من األمم ‪.‬‬
‫‪ ..‬اليھود يكرھون العرب كما يكرھون غيرھم من األجناس األخرى فيجب أن تعتمد‬
‫ھذه الكراھية على أساس دينى يصبح العرب بعده ملعونين فى األرض والسماء ‪..‬‬
‫فكيف يتوصلون إلى ھذا الغرض ؟‬

‫إنھم يثبتون قصة طريفة يزعمون فيھا أن نوحا ً نبى ﷲ والمدافع األول عن دينه‬
‫والناجى بأھله من الطوفان الطام العام‪ ،‬ھذا النبى سكر من كثرة ما أفرط فى شرب‬
‫الخمر‪ ،‬ثم استلقى على األرض كاشفاً سوأته‪ ،‬وأن أحد أبنائه رآه كذلك فضحك منه‬
‫وشھر به ‪.‬‬
‫فلما أفاق نوح من سكرته‪ ،‬وعلم بما وقع‪ ،‬لم يخجل من نفسه وتبذله‪ ،‬بل استنزل لعنة‬
‫ﷲ على من سخر منه‪ ،‬وھاك النص‪:‬‬
‫” وشرب )يعنى نوح( من الخمر فسكر وتعرى فى خبائه‪ ،‬فأبصر ” حام ” أبو كنعان‬
‫عورة أبيه‪ ،‬وأخبر أخويه خارجاً‪ ،‬فأخذ ” سام ” و ” يافث ” الرداء ووضعاه على‬
‫أكتافھما ومشيا إلى الوراء‪ ،‬وسترا عورة أبيھما‪ ،‬فلما استيقظ ” نوح ” من خمره علم‬
‫ما فعل ابنه الصغير‪ ،‬فقال‪ :‬ملعون ” كنعان ”‪ ،‬عبد العبيد يكون إلخوته‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫مبارك الرب إله ” سام ”‪ ،‬وليكن كنعان عبداً لھم‪ ،‬ليفتح ﷲ ليافث فيسكن فى مساكن‬
‫سام وليكن ” كنعان ” عبداً لھم ‪) ” ..‬تكوين‪ :‬اصحاح ‪(9‬‬
‫يقول ” عصام الدين ناصف ”‪ :‬ومعنى ما تقدم أن اإلسرائيليين الساميين يريدون أن‬
‫يتخذوا الكنعانيين عبيدا ً لھم‪ ،‬وقد كان العدل والمنطق يقتضيان ذلك النبى الجليل أال‬
‫يصب تلك اللعنة الحامية على حفيده البرىء ” كنعان ” بل يصبھا على ابنه الخاطئ‬
‫” حام ”‪ ،‬وأنى له ذلك والكنعانيون ھم المقصودون بأعيانھم ألنھم أصحاب فلسطين‬
‫التى لبث اإلسرائيليون دھوراً يحلمون بھا ويتوقون إلى غشيان مروجھا الزاھرة‬
‫وجنى زروعھا الناضرة ” ‪.‬‬
‫أى أن مؤلف التوراة مھتم بتزكية بنى إسرائيل على حساب تجريح غيرھم‪ ،‬ومن ثم‬
‫استنزل اللعنة على كنعان‪ ،‬حتى تبقى الشعوب المنسوبة إليه فى منزلة زرية ‪.‬‬
‫وال بأس من اختالق سبب لھذه اللعنة تذھب فيه كرامة نبى ومكانته ‪.‬‬
‫إذن ليشرب نوح الخمر حتى يفقد وعيه ويكشف عورته ‪.‬‬
‫ثم ليدع على حفيده بما دعا به‪ ،‬والحفيد المسكين ال جريرة له ‪.‬‬
‫المھم أن الكنعانيين أصبحوا جنساً ملعونا ً ألن دعوة ” السكران ” مستجابة !!‬
‫وكما رأى كاتب التوراة أن يُسكر نوحا ً ليصل إلى ھذه النتيجة‪ ،‬رأى أن يُسكر لوطا ً‬
‫ليصل إلى نتيجة مشابھة‪.‬‬
‫إن تلويث األنبياء شىء سھل على من ھونوا األلوھية نفسھا‪ ،‬ولكن مزور العھد القديم‬
‫ھنا بلغ من اإلسفاف دركا ً سحيقاً‪ ،‬فھو لم يكتف بأن جعل لوطا ً سكيراً بل جعله عاھراً‬
‫‪.‬‬
‫وبمن يزنى ؟ بابنتيه‪ :‬إحداھما بعد األخرى‪ ،‬فى ليلتين حمراوين‪ ،‬وھاك النص‪:‬‬
‫” ‪ ..‬فسكن )يعنى لوط( فى المغارة ھو وابنتاه‪ ،‬وقالت البكر للصغيرة‪ :‬أبونا قد شاخ‪،‬‬
‫وليس على األرض رجل ليدخل علينا كعادة كل األرض ! ھلم نسقى أبانا خمراً‬
‫ونضطجع معه‪ ،‬فنحيى من أبينا نسالً !! فسقتا أباھما خمراً فى تلك الليلة‪ ،‬ودخلت‬
‫البكر واضطجعت مع أبيھا‪ ،‬ولم يعلم باضطجاعھا وال بقيامھا‪ ،‬وحدث فى الغد أن‬
‫البكر قالت للصغيرة‪ :‬إنى قد اضطجعت مع أبى‪ ،‬نسقيه خمراً الليلة أيضا ً فادخلى‬
‫اضطجعى معه‪ ،‬وقامت الصغيرة واضطجعت معه‪ ،‬ولم يعلم باضطجاعھا وال‬
‫بقيامھا‪ ،‬فحبلت ابنتا لوط من أبيھما‪ ،‬فولدت البكر ابناً‪ ،‬ودعت اسمه ” موآب ” وھو‬
‫أبو الموآبيين إلى اليوم ” )تكوين‪ :‬اصحاح ‪(19‬‬
‫يقول عصام الدين حفنى ناصف‪ ” :‬وھذا ھو مربط الفرس ! لقد عرف شعبا موآب‬
‫وبنى عمون بصالبة الرأس وصعوبة المراس ‪..‬‬
‫” وما انفكا منذ القدم ينصبان لحرب بنى إسرائيل ويدحرانھم وينزالن بھم أكبر‬
‫الخسائر ‪..‬‬
‫” فوجب على كتاب التوراة أن ” يتلقحوا ” عليھما ] أى يرمون الناس بالباطل [‬
‫ويطلقوا ألسنتھم فى أعراضھما ويلصقوا بھما أقبح المثالب ” ‪..‬‬
‫وفى سبيل ذلك ال حرج على اليھود أن يسيئوا إلى نبى كريم‪ ،‬وأن ينسبوا إليه وإلى‬
‫ابنتيه ما يتورع عنه الحشاشون والرعاع ‪.‬‬
‫المھم عندھم أن يجرحوا أعداءھم‪ ،‬وأن يسقطوا أنسابھم‪ ،‬وأن يعتمدوا فى ذلك على‬
‫وحى سماوى معصوم‪ ،‬ال يجرؤ على تكذيبه أحد !!‬
‫” وإن منھم لفريقا ً يلوون ألسنتھم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما ھو من الكتاب‪،‬‬
‫ويقولون ھو من عند ﷲ‪ ،‬وما ھو من عند ﷲ‪ ،‬ويقولون على ﷲ الكذب وھم يعلمون‬
‫” )آل عمران‪(78 :‬‬
‫يقول عصام الدين حفنى ناصف‪ ” :‬وصفوة القول أن كتاب التوراة لم يدونوا ھذه‬
‫القصص المسلسلة اعتباطاً‪ ،‬بل إنھم ابتدعوھا ورتبوھا ليصلوا بھا إلى غاية لھم‬
‫وضعوھا نصب أعينھم‪ ،‬ھى أن ﷲ خلق الكون من أجل األرض‪ ،‬وخلق األرض من‬
‫أجل بنى آدم‪ ،‬وأنه أباد بنى آدم وقطع دابرھم ما عدا نوحا ً وبنى نوح‪ ،‬واستبقى ھؤالء‬
‫ليختار من بينھم ساما ً ثم يختار من حفدته إسرائيل وبنى إسرائيل ” ‪.‬‬
‫ولقد آمن بنو إسرائيل بھذه الخزعبالت‪ ،‬وانتفخت أوداجھم غرورا ً وتبجحا ً فتوھموا‬
‫أنھم شعب مقدس‪.‬‬
‫جاء فى سفر التثنية ھذا النص‪ ” :‬ألنك أنت شعب مقدس للرب إلھك‪ ،‬إياك قد اختار‬
‫الرب إلھك‪ ،‬لتكون له شعبا ً أخص من جميع الشعوب الذين على وجه األرض ”‬
‫)تثنية‪(6 :7 :‬‬
‫وھذا االعتداد القوى بالجنس والشعب ھون عند اليھود كثيرا ً من القيم والفضائل‪ ،‬فإن‬
‫طمأنينتھم إلى شرف األرومة‪ ،‬ونبل الجرثومة جعلھم ال يبالون شيئا ً عندما يقولون أو‬
‫يفعلون‪ ،‬فھم ـ على أية حال ـ ” األسباط ” أوالد األنبياء‪ ،‬وجلية الدنيا !!‬
‫وال بأس عندھم من اقتراف الدنايا‪ ،‬أو افترائھا ما دام ذلك يحقق ما يشتھون‪ ،‬والغية‬
‫تبرر الوسيلة ‪.‬‬
‫ولقد نظرت إلى قصصھم عن زيارة إبراھيم الخليل لمصر فرأيتھم بسھولة يصفون‬
‫الرجل الكبير بأنه ديوث ! وفى سبيل حرصه على الحياة والمنافع الدنيئة يقدم امرأته‬
‫إلى من يملكون النفع والضر ‪..‬‬
‫والتحقت زوجة إبراھيم ببيت فرعون الذى أھداه فى نظير ذلك بعض الغنم والحمير‬
‫!!‬
‫قبحكم ﷲ ” إن إبراھيم كان أمة ” )النحل‪ (120 :‬كان إنسانا ً يساوى األلوف من‬
‫الرجال‪ ،‬وفى سبيل ﷲ حارب الوثنية‪ ،‬وحطم األصنام‪ ،‬وتعرض لنيران الجحيم‪،‬‬
‫وربى جيالً من الموحدين الحراص على مرضاة ﷲ ‪.‬‬
‫فھل ھذا الرجل ھو الذى يغرى امرأته بالذھاب إلى بيت فرعون من أجل الظفر‬
‫بزريبة غاصة بالغنم والحمير ؟ لكن كاتب التوراة لم ير فى ذلك حرجاً‪ ،‬وھاك‬
‫النص‪:‬‬
‫” ‪ ..‬وحدث لما قرب ـ أى ابرام ـ إلى مصر أنه قال لساراى امرأته‪ :‬إنى قد علمت‬
‫أنك امرأة حسنة المنظر‪ ،‬فيكون إذا رآك المصروين أنھم يقولون‪ :‬ھذه امرأته‪،‬‬
‫فيقتلوننى ويستبقونك‪ ،‬قولى إنك أختى ليكون لى خير بسببك وتحيا نفسى من أجلك ‪.‬‬
‫فحدث لما دخل أبرام إلى مصر أن المصريين رأوا المرأة أنھا حسنة جداً‪ ،‬ورآھا‬
‫رؤساء فرعون‪ ،‬ومدحوھا لدى فرعون‪ ،‬فأخذت المرأة إلى بيت فرعون‪ ،‬فصنع إلى‬
‫ابرام خيراً بسببھا‪ ،‬وصار له غنم‪ ،‬وبقر وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال‪ ،‬فضرب‬
‫الرب فرعون وبيته ضربات عظيمة ‪ ..‬فدعا فرعون ابرام وقال‪ :‬ما ھذا الذى صنعت‬
‫بى‪ ،‬لماذا لم تخبرنى أنھا امرأتك ؟ خذھا واذھب ” )تكوين‪(21 :‬‬
‫ولنتجاوز ھذه القصة الھابطة إلى قصة أخرى عن يعقوب نفسه األب المباشر لليھود‪،‬‬
‫والذى أخذ لقب إسرائيل بعد معركة حامية مع ﷲ نفسه ظلت ليالً طويالً‪ ،‬والذى سمى‬
‫اليھود دولتھم القائمة على أنقاض العرب باسمه ‪.‬‬
‫إن ھذا النبى عندنا نحن المسلمين إنسان جليل نبيل‪ ،‬شارك أباه فى الدعوة إلى ﷲ‪،‬‬
‫ونبذ الوثنية‪ ،‬ورفع علم التوحيد وإقامة الملة السمحة ” ووصى بھا إبراھيم بنيه‬
‫ويعقوب يا بني إن ﷲ اصطفى لكم الدين فال تموتن إال وأنتم مسلمون ” ‪.‬‬
‫لكنه عند اليھود شخص محتال‪ ،‬سرق النبوة من أخيه البكر بطريقة منحطة ‪.‬‬
‫ويظھر أن الفكر اليھودى يحسب النبوة ميراثا ً دنيويا ً يمكن االستيالء عليه بالشطارة‬
‫والمھارة‪ ،‬وليست ھبة عليا يمنحھا رب العالمين من يصطفيھم من أھل الطھارة‬
‫والنضارة ‪.‬‬
‫وكان اليھود يخصون االبن البكر بالتركة كلھا مادية كانت أو أدبية‪ ،‬وعلى ھذا كان ”‬
‫عيسو ” االبن األكبر إلسحاق ھو الذى سيرث اللقب والمال ـ مثلما كان يحكم القانون‬
‫اإلنجليزى ـ ولكن أم يعقوب تفاھمت مع ولدھا على غير ھذا‪ ،‬وانتھزت أن ” عيسو‬
‫” خرج ليحضر الطعام إلى أبيه المكفوف ثم نفذت خطتھا‪ ،‬وھاك التفاصيل كما‬
‫حكاھا سفر ” التكوين ” ‪ ..‬تفاصيل سرقة نبوة !!‪:‬‬
‫” ‪ ..‬وكانت رفقة سامعة إذ تكلم إسحاق مع عيسو إبنه‪ ،‬فذھب عيسو إلى البرية كى‬
‫يصطاد صيدا ً ليأتى به‪ ،‬وأما رفقة فكلمت يعقوب ابنھا قائلة إنى قد سمعت أباك يكلم‬
‫عيسو أخاك قائالً‪ :‬ائتنى بصيد واصنع لى أطعمة آلكل وأباركك أمام الرب قبل‬
‫وفاتى‪ ،‬فاآلن يا ابنى اسمع لقولى فيما أنا آمرك به‪ :‬اذھب إلى الغنم وخذ لى من ھناك‬
‫جديين جيدين من المعزى فاصنعھما أطعمة ألبيك كما يحب‪ ،‬فتحضرھا إلى أبيك‬
‫ليأكل حتى يباركك قبل وفاته‪ ،‬فقال يعقوب لرفقة أمه‪ :‬ھو ذا عيسو أخى رجل أشعر‬
‫وأنا رجل أملس‪ ،‬ربما يجسنى أبى فأكون فى عينيه كمتھاون وأجلب على نفسى لعنة‬
‫ال بركة فقالت له أمه‪ .. :‬اسمع لقولى فقط ‪ ..‬وأخذت رفقة ثياب عيسو ابنھا األكبر‬
‫الفاخرة التى كانت عندھا فى البيت‪ ،‬وألبست يعقوب ابنھا األصغر‪ ،‬وألبست يديه‬
‫ومالسة عنقه جلود جديى المعزى ‪ ..‬فدخل إلى أبيه وقال‪ :‬يا أبى فقال‪ :‬ھا أنذا‪ ،‬من‬
‫أنت يا بنى ؟ فقال يعقوب ألبيه‪ :‬أنا عيسو بكرك‪ ،‬قد فعلت كما كلمتنى‪ ،‬قم اجلس وكل‬
‫من صيدى لكى تباركنى نفسك ‪ ..‬فقال إسحق ليعقوب‪ :‬تقدم ألجسك يا بنى ‪ ..‬أأنت ھو‬
‫ابنى عيسو أم ال ‪ ..‬فجسه وقال‪ :‬الصوت صوت يعقوب ولكن اليدين يدا عيسو ‪..‬‬
‫فباركه ‪ ..‬وقال‪ .. :‬فليعطك ﷲ من ندى السماء ومن دسم األرض ‪ ..‬لتستعبد لك‬
‫شعوب وتسجد لك قبائل ‪ .‬كن سيداً إلخوتك‪ ،‬وليسجد لك بنو أمك‪ ،‬ليكن العنوك‬
‫ملعونين ومباركوك مباركين ” )تكوين‪(27 :‬‬
‫وھكذا تمت سرقة رسالة سماوية ‪.‬‬
‫‪ ..‬أنا أفھم أن تختطف الطائرات فى الجو‪ ،‬وأن تغتصب المناصب فى األرض‪ ،‬أما‬
‫أن يفرض شخص نفسه على ﷲ‪ ،‬ويعتبر نفسه نبياً‪ ،‬ويحول رسالة سماوية إليه‬
‫بطريق التدليس والنصب‪ ،‬فھذا ھو العجب العجاب‪ ،‬ولكنه منطق مؤلفى العھد القديم ‪.‬‬

‫ويظھر أن شريعة االحتيال أخذت امتدادھا فى التصرفات التى نسبھا العھد القديم إلى‬
‫يعقوب وأبنائه ‪.‬‬
‫وأمامى اآلن قصة زنا وقعت البنة ” يعقوب ” !‬
‫وما أكثر قصص الزنا التى تقع فى بيوت األنبياء‪ ،‬كما يفترى ھؤالء األفاكون ‪.‬‬
‫والقصة لفتاة اسمھا ” دينة ” بنت يعقوب عليه السالم ! من إحدى زوجاته‪ ،‬أعجب‬
‫بھا ابن رئيس المدينة المجاورة واتصل بھا‪ ،‬ثم رأى أن يجعل ھذه العالقة مشروعة‪،‬‬
‫فالطف الفتاة وقرر الزواج بھا وكلم أباه كى يمضى فى إجراءات العقد ‪..‬‬
‫وذھب رئيس القبيلة يعرض على يعقوب مصاھرته ‪ .‬وتظاھرت األسرة بقبول‬
‫المصاھرة‪ ،‬وكانت شروط الصلح مقبولة‪ ،‬وطلب أبناء يعقوب من أصھارھم الجدد‬
‫أن يختتنوا حتى يتم الزواج‪ ،‬وتتسع دائرة العالقات بين بنى إسرائيل وأھل المدينة‬
‫جميعا ً ‪.‬‬
‫وفى اليوم الثالث إلجراء الختان بين ذكور المدينة أغار أوالد يعقوب عليھا وھى‬
‫آمنة‪ ،‬فقتلوا الذكور كلھم وسبوا كل األطفال والنساء ونھبوا ما وجدوه من ثروات ‪.‬‬
‫ولم يذكر سفر التكوين أن يعقوب علق بشىء على ھذه المأساة‪ ،‬بل يشتم من السياق‬
‫أن المؤامرة تمت بموافقته‪.‬‬
‫وھكذا يفعل األنبياء !!‬
‫إن مبدأ )الغاية تبرر الوسيلة( لم يؤخذ من الساسة ” الزمانيين ” ‪..‬إن مصدره من‬
‫ھنا‪ ،‬وإليك النص‪:‬‬
‫” وخرجت دينة ابنة ليئة التى ولدتھا ليعقوب ‪ ..‬فرآھا شكيم ابن حمور الحوى رئيس‬
‫األرض وأخذھا واضطجع معھا وأذلھا‪ ،‬وتعلقت نفسه بدينة ابنة يعقوب‪ ،‬وأحب‬
‫الفتاة‪ ،‬والطف الفتاة‪ ،‬فكلم شكيم حمور أباه قائالً خذ لى ھذه الصبية زوجة‪ ،‬وسمع‬
‫يعقوب أنه نجس دينة ابنته ‪ ..‬فسكت حتى جاءوا )أى أبناؤه( ] ثم بعد أن عرض‬
‫عليھم حمور مصاھرتھم [ ‪ ..‬فأجاب بنو يعقوب شكيم وحمور أباه بمكر ‪ ،..‬فقالوا‬
‫لھما‪ :‬ال نستطيع أن نفعل ھذا األمر‪ :‬أن نعطى أختنا لرجل أغلف ‪ ..‬إن صرتم مثلنا‬
‫بختنكم كل ذكر نعطيكم بناتنا ونأخذ لنا بناتكم ‪ ..‬واختتن كل ذكر ‪ ..‬فحدث فى اليوم‬
‫الثالث إذ كانوا متوجعين )أى بسبب الختن( أن ابنى يعقوب‪ :‬شمعون والدى أخوى‬
‫دينة أخذا كل واحد سيفه وأتيا على المدينة بأمن وقتال كل ذكر وقتال حمور وشكيم‬
‫بحد السيف ‪ ..‬ونھبوا المدينة‪ ،‬وسبوا ونھبوا كل ثروتھم وكل أطفالھم ونساءھم وكل‬
‫ما فى البيوت ‪) ” ..‬تكوين‪(34 :‬‬
‫أين شرف المعاملة فى ھذه الروايات المليئة بالفسق وسفك الدم ؟‬
‫ولنا أن نسأل‪:‬‬
‫ـ كيف ضاع عرض ابنة نبى على ھذا النحو الغامض ؟‬
‫ـ وإذا كان غالم أثيم قد اغتصبھا كرھا ً فلم لم يعاقب وحده ؟‬
‫ـ وإذا كان يعقوب وبنوه قد قبلوا إصالح الخطأ بإتمام الزواج فلماذا أغاروا على‬
‫المدينة‪ ،‬واستباحوھا وأزھقوا أرواح األبرياء‪ ،‬واسترقوا األطفال والنساء ؟‬
‫ـ ھل ھذه سيرة أنبياء وأوالد أنبياء ؟ أم سيرة قطاع طرق ؟‬
‫لكن مؤلف التوراة وقر فى نفسه أن اليھود شعب مختار‪ ،‬فصور األلوھية والنبوة‬
‫وعالقة اليھود بالناس أجمعين على الصورة التى أبرزنا لك مالمحھا‪ ،‬لم نستعن فى‬
‫توضيحھا إال بالنصوص الواردة فى الكتاب المقدس !!‬
‫أكرھت نفسى على قراءة سفر التكوين بأناة‪ ،‬ثم تملكنى الضجر وأنا أقرأ األسفار‬
‫األُ َخر فاكتفيت بنظرات عابرة ‪.‬‬
‫إن جمھرة الفالسفة والعلماء المؤمنين با“ يرفضون كل الرفض أن يوصف‬
‫باالنحصار والجھالة والتسرع‪ ،‬كما يرفضون كل الرفض أن يسىء اختياره لسفرائه‬
‫إلى خلقه فال يقع إال على السكارى والمنحرفين ‪.‬‬
‫بل إن عرب الجاھلية المشركين كانت نظرتھم إلى خالق الكون أرقى وأرحب ‪.‬‬
‫وما أوخذوا به أنھم تزلفوا إليه بآلھة أرضية ال أصل لھا يحسبون أنه أكبر أو أنھم أقل‬
‫من أن يتصلوا به اتصاالً مباشراً ‪.‬‬
‫أما وصف ﷲ أو الحديث عنه بالعبارات المدونة فى العھد القديم فھو خبال فى الفكر‬
‫يتنزه المولى الجليل عنه ‪..‬‬
‫بيد أن النصارى قبلوا ھذه األسفار على عالتھا وجعلوھا شطر الكتاب المقدس !‬
‫لماذا ؟ ‪ ..‬ألنھا تخدم قضيتين تقوم عليھما النصرانية الشائعة‪:‬‬
‫األولى‪ :‬قضية تجسد اإلله‪ ،‬وإمكان أن يتحول رب العالمين إلى شخص يأكل‬
‫ويصارع ويجھل ويندم ‪ ..‬إلخ ‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬قضية أن البشر جميعاً أرباب خطايا وأصحاب مفاسد وأنھم محتاجون لمن ”‬
‫ينتحر ” من أجلھم كى تغفر خطاياھم ‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد رفض اإلسالم كلتا القضيتين‪ ،‬وتنزل القرآن الكريم مفيضا الحديث عن تنزيه ﷲ‬
‫وسعته وقدرته وحكمته وعلمه‪ ،‬كما أفاض الحديث عن الناس ومسئوليتھم الشخصية‬
‫عما يقترفون من خير أو شر ‪.‬‬
‫ً‬
‫وذكر القرآن الكريم أن “ عبادا تعجز األبالسة عن غوايتھم‪ ،‬وأنھم من نقاوة الصدر‬
‫وشرف السيرة ورفعة المستوى بحيث يقدمون من أنفسھم نماذج لإليمان والصالح‬
‫والتقوى‪ ،‬تتأسى بھا الجماھير ‪.‬‬
‫” إن عبادى ليس لك عليھم سلطان ‪ .‬وكفى بربك وكيالً ” )اإلسراء‪(65 :‬‬
‫فإن لم يكن نوح ولوط وإبراھيم ويعقوب من ھؤالء النبالء الكرام فمن ھم إذن‬
‫الصالحون الفضالء ؟‬
‫وإذا كان أنبياء ﷲ سكارى وزناة ومحتالين فلماذا يالم رواد السجون وأصحاب‬
‫الشرور ؟؟‬
‫وال عذر للنصارى فى تصديق ھذا اللغو‪ ،‬بل ال عذر لھم فى ادعاء أن ﷲ ولد أو أن‬
‫له ولداً‪ ،‬إلى آخر ما يھرفون به ‪..‬‬
‫أحيانا ً فى ھدأة الليل أرمق النجوم الثاقبة وأبعادھا السحيقة‪ ،‬ثم أتساءل‪ :‬أليس بارئ‬
‫ھذا الملكوت أوسع منه وأكبر ؟ فكيف يحتويه بطن امرأة ؟‬
‫وأحيانا ً أرمق األمواج ذوات الھدير وھى تضرب الشاطىء وتعود دون ملل أو كلل ‪.‬‬
‫إن أربعة أخماس األرض مياه‪ ،‬ويبرق فى رأسى خاطر عابر‪ ،‬ھل رب ھذا البحر‬
‫العظيم كان جنينا ً فرضيعا ً ‪ ..‬فبشراً قتيالً ؟‬
‫وأھز رأسى مستنكراً وأنا أتلو ھذه اآليات‪:‬‬
‫” قل لمن األرض ومن فيھا إن كنتم تعلمون ؟ سيقولون “‪ ،‬قل أفال تذكرون ”‬
‫” قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم ؟ سيقولون “‪ ،‬قل أفال تتقون ”‬
‫” قل من بيده ملكوت كل شىء وھو يجير وال يجار عليه إن كنتم تعلمون ؟ سيقولون‬
‫“‪ ،‬قل فأنى تسحرون ” )المؤمنون‪ 84 :‬ـ ‪(89‬‬
‫” ما اتخذ ﷲ من ولد‪ ،‬وما كان معه من إله ” )المؤمنون‪(91 :‬‬
‫” رضيت با“ رباً‪ ،‬وباإلسالم ديناً‪ ،‬وبمحمد رسوالً ” ‪..‬‬

‫*****‬

‫‪ ..‬فى ھذا القرن المشئوم سقطت الخالفة اإلسالمية‪ ،‬ونكست راية اإلسالم‪ ،‬واختفت‬
‫من الصعيد العالمى كل عالقة تشير إلى وجود سياسى لھذا الدين الحنيف ‪..‬‬
‫نعم كانت ھناك أمم إسالمية كبيرة تنتشر على رقع واسعة من األرض ‪ .‬لكن ھذه‬
‫األمة الذت بقومياتھا الخاصة‪ ،‬ولبست أزياء مدنية مائعة‪ ،‬وأغلبھا استبعد الدين من‬
‫الحياة العامة‪ ،‬وأماته تربية وقانونا ً ومسلكا ً وشعاراً ‪.‬‬
‫وربما سمح له بوجود فى بعض العبادات الفردية‪ ،‬لكن ھذا الوجود مؤقت بطبيعته‬
‫إلى أن تجرف تيارات الحياة الجديدة مخلفات الماضى البعيد ‪..‬‬
‫وفى الوقت نفسه‪ ،‬كانت تعاليم العھد القديم ـ التى سقنا لك مثالً منھا ـ تصنع أمة جديدة‬
‫‪.‬‬
‫كان اليھود يتجمعون فى فلسطين ليقيموا مملكة ” يھوه ” على األرض وفق مراسمھم‬
‫الموروثة ‪..‬‬
‫وكانت الصليبية الحقود تعينھا بما تملك من قوة‪ ،‬احتضنتنھا أمالً مستبعداً‪ ،‬وما زالت‬
‫ترعاھا حتى جعلتھا حقيقة قائمة ‪..‬‬
‫وھكذا أفلحت القوى الشريرة فى ضرب الحق‪ ،‬وتغيير معالم الدنيا‪ ،‬وقيل فى كل‬
‫مكان‪ :‬بدأت نھاية اإلسالم تقترب ! يوشك أن يوارى فى الثرى !‬
‫شاھت الوجوه ! ھم يحسبونھا النھاية ونحن سنجعلھا بداية الصعود كرة أخرى ‪.‬‬
‫‪ ..‬إن حقائق القرآن لن تتالشى‪ ،‬واألساطير التى كذبت على ﷲ وعلى الناس لن تخلد‬
‫‪..‬‬
‫‪ ..‬إن الصراط المستقيم لن تطمس شاراته أو تضيع آياته‪ ،‬وعلى مسلمى الحاضر‬
‫والقادم أن يواجھوا قدرھم ويؤدوا واجبھم ‪..‬‬
‫األعداء كثيرون‪ ،‬والعوائق صعبة‪ ،‬والكفاح طويل‪ ،‬وربما صاح المرء وھو يودع‬
‫محنة ويستقبل أخرى‪ :‬أما لھاذ الليل من آخر ؟‬
‫إن الفجر سيطلع حتماً‪ ،‬وألن يطوينا الليل مكافحين أشرف من أن يطوينا راقدين ‪.‬‬
‫” من خاف أدلج‪ ،‬ومن أدلج نجا‪ ،‬أال إن سلعة ﷲ غالية‪ ،‬أال إن سلعة ﷲ الجنة‬
‫”)البخارى وغيره(‪.‬‬
‫الباب الثانى‪ /‬تحرك ضد عقيدة التوحيد يتعرض له أبناؤنا‬

‫ال يستطيع عاقل أن يقول‪ :‬إن يوم النصرانية فى أوربا وأمريكا طيب‪ ،‬فاإللحاد شائع‪،‬‬
‫والزنا والربا أشيع‪ ،‬والركض فى أودية الحياة ابتغاء المتاع العاجل ھو السمة‬
‫الظاھرة‪ ،‬وبدع الشباب المادية واألدبية ال حصر لھا ‪.‬‬
‫ولوال الحياء لغلقت تسعة أعشار الكنائس أبوابھا ‪ ..‬من الفراغ ‪.‬‬
‫أما فى ربوع العالم اإلسالمى كله‪ ،‬واألقطار العربية خاصة‪ ،‬فالحال على العكس‪:‬‬
‫النصرانية تنتعش والكنائس تكثر‪ ،‬وطوائف الشباب والشيوخ تتالقى عليھا‪ ،‬واألموال‬
‫الدافقة تجىء من منابع شتى لتدعم الطوائف المسيحية وترجح كفتھا فى ميادين العلم‬
‫واإلنتاج ‪.‬‬
‫وأوربا وأمريكا من وراء ھذا العون الواسع تخدمان به آمالھا العريضة فى القضاء‬
‫على اإلسالم‪ ،‬وإعادته إلى الصحراء من حيث جاء !‬
‫ومن يدرى ؟ ربما قضيا عليه فى الصحراء نفسھا‪ ،‬كذلك يؤملون ! ولذلك يفعلون !!‬
‫ومن ربع قرن وأنا أالحق الھجوم الثقافى والسياسى على أمتنا وديننا ‪ ..‬والطالئع‬
‫المؤمنة فى كل مكان تشتبك معه وتحاول صده ‪.‬‬
‫غير أن النتائج إلى اآلن ال تسر‪ ،‬لقد سقطت جماھير كبيرة من الدھماء‪ ،‬وأعداد وفيرة‬
‫من المتعلمين فى براثن ھذا الغزو المزدوج‪ ،‬وتاحت الفرص أمام الطوائف غير‬
‫المسلمة‪ ،‬فأطلت برأسھا تريد أن تشارك فى اإلجھاز على الفريسة‪.‬‬
‫وفى مصر رأيت عمالً مريبا ً منظما ً يكاد يعالن بأنه يريد وضع الطابع النصرانى‬
‫على التراب الوطنى فى ھذا الوادى المحروب ‪.‬‬
‫وال ريب فى أن قوى خارجية تكمن وراء ھذا النشاط وتغذيه ‪ ..‬وفى ھذه الصحائف‬
‫نريد أن نواجه حرب المنشورات التى شنت بغتة على الشباب المسلم‪ ،‬مكتفين بدحض‬
‫الشبھات‪ ،‬ورد المفتريات‪ ،‬عالمين أن ھناك نصارى كثيرين يريدون العيش مع‬
‫إخوانھم المسلمين فى سالم وتراحم‪ ،‬وأن محاولة البعض طعن اإلسالم من الخلف‬
‫ھى تصرفات فردية يحمل وزرھا أصحابھا وحدھم ‪.‬‬
‫ونحب قبل أن نبدأ النقاش فى ھذه القضية األساسية أن نسجل مسلكا ً إسالميا ً مقررا‪ً:‬‬
‫إن اختالف األديان ال يستلزم أبدا ً إيغار الصدور وتنافر الود‪ ،‬وأنه فى ظل مشاعر‬
‫البر وقوانين العدالة يمكن ألتباع عقيدتين مختلفتين أن يعيشوا فى وئام وتراحم !!‬
‫واالنسجام المنشود بين أولئك األتباع ال يعنى بداھة أن الفروق بين عقائدھم تالشت ‪..‬‬
‫وقد كان العرب األولون يؤمنون با“ الواحد ” ولئن سألتھم من خلق السموات‬
‫واألرض وسخر الشمس والقمر ليقولن‪ :‬ﷲ ‪) ” ..‬العنكبوت‪(61 :‬‬
‫” ولئن سألتھم من نزل من السماء ماء فأحيا به األرض بعد موتھا ليقولن‪ :‬ﷲ ”‬
‫)العنكبوت‪(63 :‬‬
‫ولكنھم مع ھذا االعتراف با“ الواحد نسبوا إليه ولدا ً يقصدون إليه ويتشفعون به !‬
‫فرفض القرآن ھذا النسب المختلق‪ ،‬وعد ذلك شركاً‪ ،‬وأنكره ـ فى سورة مريم ـ أشد‬
‫اإلنكار ” وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ً ‪ ..‬لقد جئتم شيئا ً إدا ً ‪ .‬تكاد السموات يتفطرن منه‬
‫وتنشق األرض وتخر الجبال ھداً‪ ،‬أن دعوا للرحمن ولداً ‪ .‬وما ينبغى للرحمن أن‬
‫يتخذ ولدا ً ‪ .‬إن كل من فى السموات واألرض إال آتى الرحمن عبداً ‪) ” ..‬مريم‪ 88 :‬ـ‬
‫‪(93‬‬
‫ومع ھذا النكر الشديد لعقيدة التعدد فى اآللھة‪ ،‬فقد أمر ﷲ صاحب الرسالة أن يقول‬
‫للمشركين ” لكم دينكم ولى دين ” )الكافرون‪(6 :‬‬
‫إذن نستطيع أن نوجد تالقيا ً ما بين أصحاب األديان المختلفة‪ ،‬أما تذويب الفوارق بين‬
‫التوحيد والتعدد كليھما‪ ،‬فذاك مستحيل ‪..‬‬
‫كتب بعض الناس كالما ً يريد عقد لقاء بين عقيدة التوحيد اإلسالمية وعقيدة التثليث‬
‫المسيحية‪ ،‬فنفى أن يكون ﷲ ثالث ثالثة ـ كما ذكر القرآن الكريم ـ وقال إن ﷲ الواحد‬
‫ھو جملة األقانيم الثالثة ‪.‬‬
‫ولما كان كل أقنوم ـ على حدة ـ يسمى إلھاً‪ ،‬فإن الكاتب أراد أن يوضح ھذا الغموض‪،‬‬
‫وال نقول يكشف ھذا التناقض !! فقال ـ والكالم منقول عن مجلة توزع على طالب‬
‫كلية الھندسة بجامعة القاھرة ـ نثبته ھنا بنصه‪:‬‬
‫” إذن كيف نوفق بين ھذا وذاك ؟ بين ثالثة ثم واحد ؟ ‪..‬‬
‫” إن ھذا ھو بيت القصيد وفحوى الحديث ! وسوف أذكر مثاالً ‪ ..‬ماذا تعرف عن‬
‫الشمس‪ ،‬الشمس الواحدة ؟ أعرف أنھا قرص‪ ،‬وحرارة‪ ،‬وأشعة ‪ ..‬وأى شىء من ھذه‬
‫الثالثة ھو الشمس ؟ ھل القرص‪ ،‬أم الحرارة‪ ،‬أو األشعة ثالثتھم يكونون الشمس !‬
‫إذن الشمس واحدة‪ ،‬وھكذا ﷲ سبحانه واحد‪ ،‬مع فارق التشبيه العظيم من حيث‬
‫المكانة ‪. ” ..‬‬
‫ونقف قليالً لنذكر رأينا فى ھذا الكالم‪ ،‬إن الكائن الواحد قد تكون له عدة صفات‪ ،‬قد‬
‫يكون طويل القامة أسمر اللون ذكى العقل ‪ ..‬ويمكن أن تنسب إليك صفات أخرى‪،‬‬
‫فھل قلة الصفات أو كثرة الصفات تعنى تعدداً فى الذات ؟ وھل يجوز أن يطلق‬
‫شخصك نفسه على صفة الطول أو السمرة أو الذكاء ؟ وھل يتصور أن تنفصل إحدى‬
‫الصفات المذكورة ليطلق عليھا الرصاص‪ ،‬أو تتدلى من حبل المشنقة أو تسمر على‬
‫خشبة الصليب ؟‬
‫إن الشمس واحدة‪ ،‬ولكن استدارتھا وحرارتھا وإضاءتھا وكثافتھا ‪ ..‬إلخ صفات لھا‪،‬‬
‫أعراض لذاتھا‪ ،‬والصفة ال تسمى ابنا ً وال خاالً وال عماً‪ ،‬ونحن نثبت لإلله الواحد‬
‫عشرات األوصاف الجليلة‪ ،‬بيد أن إثبات األوصاف شىء بعيد كل البعد عن القول‬
‫بأن األب ھو االبن وھو الصديق‪ ،‬وأن خالق الكون ھو ھو الذى صلب على خشبة فى‬
‫أرضه ‪.‬‬
‫إن التمثيل بالشمس وأوصافھا الكثيرة ال يخدم قضية التثليث وال التربيع فى ذات ﷲ‬
‫‪ ..‬واألمر ال يعدو لونا ً من اللعب األلفاظ ‪.‬‬
‫إن ﷲ ـ خالق ھذا العالم ـ واحد‪ ،‬وما عداه عين له أوجده من الصفر‪ ،‬ولن تنفك صفة‬
‫العبودية عن أى موجود آخر‪ ،‬سواء كان ” عيسى ” أو ” موسى ” أو ” محمد ” أو‬
‫غيرھم من أھل األرض والسماء ‪.‬‬
‫ونريد أن نسأل ھذا‪ :‬إذا كانت الشمس ھى القرص والحرارة واألشعة فھل يمكن‬
‫القول بأن الحرارة مثالً ثلث الشمس ؟‬
‫ال يقول ھذا عاقل‪ ،‬ألن الصفة ال تكون قسيما ً للذات بتاتاً‪ ،‬ھل يمكن القول بأن القرص‬
‫شكا لألشعة ما نزل به من بالء مثالً !‬
‫ذاك ما ال يتصوره ذو لب ‪!! ..‬‬
‫إن ھذا الكالم ـ كما قلت ـ لون من اللعب باأللفاظ‪ ،‬وال يصور العالقة بين أفراد‬
‫األقانيم الثالثة كما رسمتھا األناجيل المقدسة ‪..‬‬
‫وذكرت المجلة التى توزع على الطالب ” بكلية الھندسة ” دليالً آخر على أن التثليث‬
‫ھو التوحيد ‪ .‬قال الكاتب‪:‬‬
‫” أقول لك أيضا ً عن إنسان اسمه إبراھيم ـ إبراھيم ھذا فى بيته ووسط أوالده يدعى‬
‫ربا ً ألسرته وينادونه ” يا أبانا يا إبراھيم ”‪ ،‬ھذا ذھب يوما ً إلى البحر‪ ،‬فإذا الجموع‬
‫محتشدة وإنسان يغرق وليس من ينقذه‪ ،‬فما كان منه إال أن خلع مالبسه‪ ،‬وارتدى‬
‫لباس البحر وأسرع وأنقذ الغريق‪ ،‬فھتف المتجمھرون‪ :‬ليحيا المنقذ إبراھيم ‪..‬‬
‫” ذھب بعد ذلك إلى عمله‪ ،‬وإذ كان يعمل بالتدريس ويشرح للتالميذ وصاروا‬
‫ينادونه‪ :‬المعلم إبراھيم ‪ .‬فأيھم إبراھيم‪ :‬األب أم المنقذ أم المعلم ؟ ‪..‬‬
‫” كلھم إبراھيم وإن اختلفت األلقاب مع الوظائف‪ ،‬وھكذا أيضا ً ﷲ خلق فھو األب ﷲ‪،‬‬
‫ﷲ أنقذ فھو االبن‪ ،‬ﷲ يعلم فھو الروح ” !!‬
‫نقول‪ :‬ھذا الكالم أوغل من سابقه فى خداع النظر‪ ،‬فإن الضابط قد يرتدى فى الجيش‬
‫مالبسه العسكرية‪ ،‬وقد يرتدى فى عطلته المالبس المدنية‪ ،‬وقد يرتدى فى بيته مالبس‬
‫النوم ‪ .‬ولم يقل مجنون وال عاقل أن ھؤالء ثالثة‪ ،‬وأنھم واحد‪ ،‬وال يتصور أحد أن‬
‫الضابط بزيه العسكرى يصدر حكما ً باإلعدام على الضابط نفسه بزيه المدنى‪ ،‬وأن‬
‫ھذا المدنى يقول للعسكرى‪ :‬لماذا قتلتنى أو لماذا تركتنى ‪.‬‬
‫إن المعلم إبراھيم أو المنقذ إبراھيم أو الخالق إبراھيم يستحيل أن يكونوا ثالثة أقانيم‬
‫على النحو المألوف فى المسيحية‪ ،‬وإنما المعقول أن يقال‪ :‬ﷲ الواحد يوصف بالقدرة‬
‫والعلم والرحمة والحكمة مثالً‪ ،‬وھذا يذكره اإلسالم فا“ ذات واحدة‪ ،‬ال تقبل التعدد‬
‫بتة‪ ،‬والروح القدس وھو جبريل عبد مخلوق له‪ ،‬والمعلم المرشد الصالح عيسى عبد‬
‫مخلوق له‪ ،‬وما دام العقل البشرى موجوداً فلن يسيغ إال ھذا ‪ ..‬أما الفرار من التناقض‬
‫الحتم إلى التالعب باأللفاظ فال جدوى منه ‪.‬‬
‫وإذا كان خالق السماء ھو ھو المقتول على الصليب فمن كان يدير العالم بعدما قتل‬
‫خالقه ؟ بل كيف يبقى العالم بعد أن ذھب موجده ؟ والعالم إنما يبقى ألنه يستمد‬
‫وجوده لحظة بعد أخرى من الحى القيوم جل جالله ‪.‬‬
‫إن القرآن الكريم ينصح أصحاب عقيدة التثليث فيقول لھم‪ ” :‬يا أھل الكتاب ال تغلوا‬
‫فى دينكم وال تقولوا على ﷲ إال الحق‪ ،‬إنما المسيح عيسى بن مريم رسول ﷲ وكلمته‬
‫ألقاھا إلى مريم وروح منه فآمنوا با“ ورسله وال تقولوا ثالثة‪ ،‬انتھوا خيراً لكم‪ ،‬إنما‬
‫ﷲ إله واحد سبحانه أنى يكون له ولد‪ ،‬له ما فى السموات وما فى األرض وكفى با“‬
‫وكيالً ‪ .‬لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً “ وال المالئكة المقربون ‪) ” ..‬النساء‪:‬‬
‫‪(172 ،171‬‬
‫ً‬
‫وإنه ليسرنا أن تكون عقيدة التوحيد محور العالقة بين الناس جميعا وبين ﷲ الواحد‬
‫األحد‪ ،‬لكن من المضحك المبكى أن يحاول البعض التشبث بالثالوث وبألوھية كل فرد‬
‫من أفراده ثم يزعم بطريقة ما أن الثالثة ھم فى الحقيقة واحد ‪.‬‬
‫قيل فى باب الفكاھة أن رجالً جلس على قھوة ثم طلب ” ينسونا ً ” وقبل أن يتناوله‬
‫تركه وطلب بدله ” شايا ً ” شربه ثم قام لينصرف ‪ ..‬فلما طولب بثمن الشاى الذى‬
‫شربه قال‪ :‬إنه بدل الينسون‪ ،‬فلما طولب بثمن الينسون قال‪ :‬وھل شربته حتى أدفع‬
‫ثمنه ؟!‬
‫ويظھر أن ھذا االستدالل الفكاھى انتقل من ميدان المشروبات إلى ميدان العقائد‪،‬‬
‫ليطمس الحقيقة ويسيغ المتناقضات ‪..‬‬
‫وقصة ثالثة تنشرھا المجلة المعلقة بكلية الھندسة ـ جامعة القاھرة ھى عجيبة العجائب‬
‫نثبتھا‬
‫ھنا ـ على طولھا ـ بعد النقلين الموجزين السابقين !!‬
‫عنوان القصة‪ ” :‬أنت تعبان وﷲ مرتاح ‪!! ” ..‬‬
‫والعنوان المذكور يحكى إجابة طريفة عن سبب الصلب ‪.‬‬
‫والسؤال التقليدى فى ھذا الموضوع‪ :‬لماذا قتل اإلله اآلب اإلله االبن ؟!‬
‫والجواب المعروف لدى إخواننا المسيحيين ھو‪ :‬الفداء لخطايا الخليقة ‪.‬‬
‫لكن الكاتب الذكى ـ تمشيا ً منه مع أن الواحد ثالثة والثالثة واحد ـ جعل القصة تدور‬
‫حول ھذا السؤال‪ :‬لماذا قتل اإلله نفسه ؟ ولنذكر القصة برمتھا‪:‬‬
‫” انتھت الحياة‪ ،‬وتزاحم الماليين من البشر فى واد كبير أمام عرش ﷲ‪ ،‬وكانت‬
‫المقدمة من جماعات تتكلم بامتثال شديد دون خوف أو خجل‪ ،‬ولكن بطريقة عدوانية‪،‬‬
‫حتى تقدمت الصفوف فتاة تصرخ‪ :‬كيف يستطيع ﷲ أن يحاكمنى ؟! وماذا يعرف ھو‬
‫عن اآلالم التى عانيتھا ؟! ‪..‬‬
‫” قالت ھذا وھى تكشف عن رقم على ذراعھا مدموغ بالحرق فى أحد معسكرات‬
‫التعذيب واإلبادة النازية‪ ،‬ثم أردفت‪ :‬لقد تحملت الضرب والتعذيب بل والقتل أيضا ً ‪..‬‬
‫” وعال صوت ھادر من مجموعة أخرى قائالً‪ :‬وما رأيكم فى ھذا ‪ .‬وعلى أثر ذلك‬
‫أزاح صاحب الصوت ـ وھو زنجى ـ ياقة قميصه كاشفا ً عن أثر بشع لحبل حول‬
‫عنقه وصاح من جديد‪ :‬شنقت ال لسبب إال أنى أسود ‪ ..‬لقد وضعنا كالحيوانات فى‬
‫سفن العبيد‪ ،‬بعد انتزاعنا من وسط أحبائنا‪ ،‬واستعبدنا‪ ،‬حتى حررنا الموت ‪..‬‬
‫” وعلى امتداد البعد كنت ترى المئات من أمثال ھذه المجموعات‪ ،‬كل منھا له دعوى‬
‫ضد ﷲ‪ :‬بسبب الشر والعذاب اللذين سمح بھما فى عالمه ‪ .‬كم ھو مرفه ھذا اإلله !‬
‫فھو يعيش فى السماء حيث كل شىء مغلف بالجمال والنور‪ ،‬ال بكاء وال أنين‪ ،‬ال‬
‫خوف وال جوع وال كراھية‪ ،‬فماذا يعرف ھو عما أصاب اإلنسان وتحمله مكرھا ً فى‬
‫ھذا العالم ؟ ‪..‬‬
‫” حقاً‪ ،‬إن ﷲ يحيا حياة ناعمة ھانئة ال تعرف األلم ‪..‬‬
‫” وھكذا خرج من كل مجموعة قائد‪ ،‬كل مؤھالته أنه أكثر من قاسى وتألم فى الحياة‪،‬‬
‫فكان منھم يھودى وزنجى وھندى ومنبوذ وطفل غير شرعى‪ ،‬وواحد من ھيروشيما‬
‫وآخر عبد من معسكرات المنفى والسخرة ‪..‬‬
‫” ھؤالء جميعاً اجتمعوا معا ً يتشاورون‪ ،‬وبعد مدة كانوا على استعداد لرفع دعواھم‪،‬‬
‫وكان جوھرھا بسيطا ً جداً‪ ،‬قبل أن يصبح ﷲ أھالً لمحاكمتھم‪ ،‬عليه أن يذوق ما ذاقوا‬
‫!! ‪..‬‬
‫” وكان قرارھم الحكم على ﷲ أن يعيش على األرض كإنسان‪ ،‬وألنه إله‪ ،‬وضعوا‬
‫شروطا ً تضمن أنه لن يستخدم قوته اإللھية ليساعد نفسه‪ ،‬وكانت شروطھم‪:‬‬
‫” ينبغى أن يولد فى شعب مستعمر ذليل ‪..‬‬
‫” ليكن مشكوكا ً فى شرعية ميالده‪ ،‬فال يعرف له أب‪ ،‬وكأنه وليد سفاح ‪..‬‬
‫” ليكن صاحب قضية عادلة حقيقية‪ ،‬لكنھا متطرفة جداً حتى تجلب عليه الكراھية‬
‫والحقد واإلدانة بل والطرد أيضا ً من كل سلطاته الرئيسية التقليدية‪ ،‬ليحاول أن يصف‬
‫للناس ما لم يره إنسان أو يسمع به‪ ،‬وال لمسته يداه‪ ،‬ليحاول أن يعرف اإلنسان با“ ‪..‬‬
‫” ليجعل أعز وأقرب أصدقائه يخونه ويخدعه‪ ،‬ويسلمه لمن يطلبونه‪ ،‬ليجعله يدان‬
‫بتھم كاذبة‪ ،‬ويحاكم أمام محكمة متحيزة غير عادلة‪ ،‬ويحكم عليه قاض جبان ‪..‬‬
‫” ليذق ما معنى أن يكون وحيداً تماما ً بال رفيق فى وسط أھله‪ ،‬منبوذاً من كل أحبائه‪،‬‬
‫كل األحباء ‪..‬‬
‫” ليتعذب ليموت ‪ ..‬نعم يموت ميتة بشعة محتقرة مع أدنى اللصوص ‪..‬‬
‫” كان كل قائد يتلو الجزء الذى اقترحه فى ھذه الشروط‪ ،‬وكانت ھمھمات الموافقة‬
‫واالستحسان تعلو ‪ ..‬ولكن ما أن انتھى آخرھم من نطلق الحكم حتى ساد الوادى‬
‫صمت رھيب وطويل‪ ،‬ولم يتكلم إنسان أو يتحرك ‪..‬‬
‫” فقد اكتشفوا جميعا ً ـ فجأة ـ أن ﷲ قد نفذ فيه ھذا الحكم فعالً ‪ ..‬لكنه أخلى نفسه‪ ،‬آخذاً‬
‫صورة عبد‪ ،‬صائرا ً فى شبه الناس‪ ،‬وإذ وجد فى الھيئة كإنسان‪ ،‬وضع نفسه وأطاع‬
‫حتى الموت ‪ ..‬موت الصليب ‪. ” ..‬‬
‫ولنا بعد ھذه المطالعة المفيدة عن سر ” االنتحار اإللھى ” أن نسأل‪:‬‬
‫أ ـ ھل كان العبيد الثائرون يعرفون أن ﷲ عديم اإلحساس بآالمھم المبرحة‪ ،‬فأحبوا‬
‫أن يشعر شخصيا ً بمرارتھا حتى يرق لحالھم‪ ،‬وبذلك حكموا بقتله ؟‬
‫ب ـ ھل انقطعت ھذه اآلالم بعد الصلب أم بقيت تتجدد على اختالف الزمان والمكان‬
‫؟ وبذلك لم تؤد قصة الصلب المنشود منھا‪ ،‬فينبغى أن تكرر ؟‬
‫جـ ـ ما ھى درجة السلطة التى يمتلكھا ھذا اإلله فى العالم ؟ وھل ھى من الھوان‬
‫بحيث تسمح لثورة بيضاء أو حمراء أن تنفجر مطالبة بشنقه أو صلبه ؟ وھل يحمل‬
‫ھذا اإلله مسئولية المآسى العالمية ؟!‬
‫د ـ وإذا كان الصلب لفداء الخطايا‪ ،‬فھل ھذا الفداء يتناول صانعى الشرور واآلثام‬
‫والمظالم أم يتجاوزھم ؟ أم ھو لتصبر الضحايا على ما ينزل بھا ؟‬
‫ونحن ال نريد إجابات على ھذه األسئلة‪ ،‬فعقيدتنا نحن المسلمين أن ﷲ العظيم فوق‬
‫ھذه التصورات الھازلة ‪.‬‬
‫إن ھذا الكالم الذى قرأنا من أسوأ وأغرب ما وصف به ﷲ‪ ،‬وما كنا نحن نتصور أن‬
‫يصل اإلسفاف فى الحديث عن ﷲ جل جالله إلى ھذا الدرك المعيب‪ ،‬ولكن صاحب‬
‫الفم الذھبى ـ ال فض فوه ـ يأبى إال أن يستغل مھارته الصحافية فى تسطير ھذا اللغو‬
‫ونشره بين الطالب المسلمين‪ ،‬ألنه يعتقد أن القرآن يقبل التعاليم المسيحية وأن‬
‫التوحيد ينسجم مع التثليث ‪.‬‬
‫وقد كتب فى رمضان األسبق مقاالً فى مجلة الھالل يحاول فيه إثبات ھذا الھراء‪،‬‬
‫ويريد به أن يختل المسلمين عن توحيدھم وسالمة معتقدھم ‪.‬‬
‫وكم نود أن نقول لھذا الكاتب ومن وراءه من الحاقدين على اإلسالم‪ ” :‬يا أھل الكتاب‬
‫ال تغلوا فى دينكم غير الحق وال تتبعوا أھواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا ً‬
‫وضلوا عن سواء السبيل ” )المائدة‪(77 :‬‬
‫وأعود إلى ما بدأت به ھذا الحديث‪ :‬إن أتباع األديان المختلفة يستطيعون أن يعيشوا‬
‫أصدقاء‪ ،‬والوحدة القومية بين العرب المسلمين والنصارى موضح احترام الجميع ‪.‬‬
‫لكن االنسياق مع التعصب األمريكى ضد اإلسالم يجب أن يختفى فوراً ‪ .‬إن كل‬
‫محاولة إلھانة اإلسالم وإحراج أھله ال يمكن أن تكون موضع احترام‪ ،‬والمال‬
‫األمريكى المبذول فى ھذا السبيل يجب أن يذھب ھدراً ‪.‬‬

‫حول صلب عيسى‬

‫ال أعرف قضية طال فيھا اللجاج دون سبب يعقل مثل قضية الصلب والفداء‪ ،‬ولعلھا‬
‫أصدق شاھد يساق لقوله تعالى‪ ” :‬وكان اإلنسان أكثر شىء جدالً ” ‪ .‬وال أزال أذكر‬
‫حكاية القسيس األلمانى الذى زارنى يوما ً فى مكتبى‪ ،‬وشاء له سوء حظه أن يحدثنى‬
‫فيھا‪ ،‬فقلت له ضاحكا ً‪ :‬أترى ھذا الثوب األبيض الذى ألبسه ؟ أرأيت إذا وقعت عليه‬
‫نقطة حبر أتزول إذا غسلت أنت ثوبك ؟ قال‪ :‬ال ‪ .‬قلت‪ :‬فلم يزول خطئى إذا اعتذر‬
‫عنه آخر ؟‬
‫عندما ألوث نفسى بخطأ دق أو جل‪ ،‬فأنا المسئول عنه‪ ،‬أغسل أنا نفسى منه‪ ،‬أشعر أنا‬
‫بالندم عليه‪ ،‬أقوم أنا من عثرتى إذا وقعت‪ ،‬ثم أعود أنا إلى ﷲ ألعترف له بسوء‬
‫تصرفى وأطلب أنا منه الصفح ‪.‬‬
‫أما أن العالم يخطئ فيقتل ﷲ ابنه كفارة للخطأ الواقع فھذا ما يضرب اإلنسان كفاً‬
‫بكف لتصوره !!‬
‫ھذا أول األسطورة‪ ،‬أما آخرھا فال بد أن نعرف‪ :‬من القاتل ومن القتيل ؟؟‬
‫إن المسيحيين يقولون‪ :‬إن ﷲ ” االبن ” صلب‪ ،‬لكنھم يقولون كذلك‪ :‬إن اآلب ھو‬
‫االبن‪ ،‬ھما ـ والروح القدس ـ جميعا ً شىء واحد ‪.‬‬
‫إن كان األمر كذلك فالقاتل ھو القتيل !! وذاك سر ما قاله أحد الفرنجة المفكرين‪:‬‬
‫” خالصة المسيحية أن ﷲ قتل ﷲ إلرضاء ﷲ !! ”‬
‫ولمن شاء أن يقنع نفسه بھذه النقائض‪ ،‬وأن يفنى عمره فى خدمتھا‪ ،‬أما أن يجىء إلينا‬
‫نحن المسلمين ليلوينا بالختل أو بالعنف عن عقيدتنا الواضحة ويحاول الطعن فيھا‬
‫فھذه ھى السماجة القصوى ‪.‬‬
‫وبين يدى اآلن نحو عشر نشرات وزعت خارج الكنائس للدعوة إلى أسطورة الفداء‪،‬‬
‫قرأتھا كلھا وشعرت بالرثاء لكاتبيھا ‪.‬‬
‫وكما يحاول قروى ساذج إقناع العلماء أن القنبلة الذرية مصنوعة من كيزان الذرة‬
‫يحاول ھؤالء ” المبشرون ” العميان إقناعنا بأنھم على حق ‪.‬‬
‫المنشورات وما تضمنت من أوھام‬

‫اقرأ معى ھذه السطور الصادرة عن كنيسة ” مار مرقص ” بمصر الجديدة‪ ،‬يقول‬
‫الكاتب‪ ” :‬ربما لم أقابلك شخصيا ً لكن ھناك شيئا ً يجب أن أقوله لك‪ ،‬إنه أمر فى غاية‬
‫األھمية حتى أننى سأكون مقصراً إن لم أخبرك به ” ‪.‬‬
‫حسناً‪ ،‬ھات ما عندك‪ ،‬وال تكن من المقصرين !!‬
‫يقول الكاتب‪ ” :‬دعنى أخبرك بإخالص أنھا رسالة شخصية لك‪ ،‬ال يمكنك أن تھرب‬
‫منھا‪ ،‬وھذه ھى الرسالة من إنجيل يوحنا )‪:(16 :3‬‬
‫” ألنه ھكذا أحب ﷲ العالم حتى بذل ” ابنه ” الوحيد لكى ال يھلك كل من يؤمن به‪،‬‬
‫بل تكون له الحياة األبدية ” ‪.‬‬
‫ھذا ھو الخبر الخطير ! تمخض الجبل فولد فأراً !!‬
‫لماذا يقتل ﷲ ابنه الوحيد البرىء من أجل ذنوب اآلخرين ؟‬
‫وإذا كان اإلله رب أسرة كبيرة فلم يقتل أبناءه كلھم أو جلھم من غير جريرة ؟‬
‫أليس األعقل واألعدل أن يقول ھذا اإلله للمذنبين‪:‬‬
‫ى أقبلكم ؟!‬
‫تطھروا من أخطائكم وتوبوا إل ّ‬
‫وال قتل ھناك وال لف وال دوران ؟‬
‫ھكذا فعل اإلسالم وأرسى قواعد العالقة الصحيحة بين ﷲ وعباده ” ومن يعمل سوءاً‬
‫أو يظلم نفسه ثم يستغفر ﷲ يجد ﷲ غفوراً رحيما ً ” )النساء‪(110 :‬‬
‫أما قصة أن “ ولدا ً وحيداً أو غير وحيد فكذب صارخ ‪ .‬إن الوالدة شىء يتوقع بين‬
‫بعض األحياء‪ ،‬وال مكان لھذه المفاھيم عند تصور األلوھية ” وقل الحمد “ الذى لم‬
‫يتخذ ولدا ً ولم يكن له شريك فى الملك‪ ،‬ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيراً ”‬
‫)اإلسراء‪(111 :‬‬
‫” يا ربى لك الحمد كما ينبغى لجالل وجھك وعظيم سلطانك ” ‪.‬‬
‫وھاك سطوراً من نشرة أخرى تحت عنوان ” حقائق مخفية ” بدأھا كاتبھا قائالً‪” :‬‬
‫حقائق أنت أحوج إلى إدراكھا من الھواء الذى تتنفسه ” !!‬
‫شىء مدھش‪ ،‬ما ھذه الحقائق التى نفتقر إليھا على ھذا النحو ولم نشعر بفقدانھا من‬
‫زمن بعيد ؟‬
‫يقول الكاتب‪ ” :‬تعال إلى الرب يسوع اآلن كما أنت‪ ،‬ال تسع فى إصالح نفسك )!(‬
‫ألنه ھو يستطيع أن يخلق منك شخصا ً جديداً طاھراً ” ولكن لماذا ال أسعى فى تزكية‬
‫نفسى ورفع مستواى المادى والمعنوى ؟‬
‫يقول كاتب النشرة‪ ” :‬احذر أن يكون مثلك مثل المتسول مع الرسام ‪..‬‬
‫” ذلك أن رساما ً أراد أن يرسم رجالً فى منتھى الذل والمسكنة‪ ،‬فرأى متسوالً يتعثر‬
‫فى أسمال بالية‪ ،‬فطلب منه أن يحضر فى ميعاد عينه له‪ ،‬على أن يعطيه أجراً ‪ ..‬لكن‬
‫ذلك المتسول خجل من أسماله البالية فاستعار لباسا ً يدفع به عن نفسه الخجل‪ ،‬ثم أتى‬
‫إلى الرسام فى الميعاد‪ ،‬فلما نظر إليه الرسام قال‪ :‬إنى ال أعرفك ‪ .‬فأجاب الرجل‪ :‬أال‬
‫تذكر شحاذاً فقيراً اتفقت معه على أن يجيئك فى ھذا الميعاد ‪ .‬قال‪ :‬إنى ال أذكر إال‬
‫رجالً فى أسمال بالية أما أنت فال أذكرك ‪..‬‬
‫” إن الرب ـ يعنى يسوعا ً ـ يطلبك فى حالتك السيئة‪ ،‬وما عليك إال أن تعترف بكل‬
‫الشرور التى أنت مستعبد لھا‪ ،‬وتقبله مخلصا ً شخصيا ً لك‪ ،‬إذا فعلت ذلك فإن حمل‬
‫خطاياك ينطرح عن ظھرك ” ‪.‬‬
‫ونحن المسلمون نقرأ ھذا الكالم ونستغرب أن ننقل صفات ﷲ إلى شخص آخر ‪ ..‬إننا‬
‫مكلفون ـ كسائر البشر ـ بتزكية أنفسنا وصقلھا وتربيتھا ” ونفس وما سواھا ‪ .‬فألھمھا‬
‫فجورھا وتقواھا ‪ .‬قد أفلح من زكاھا ‪ .‬وقد خاب من دساھا ” ‪.‬‬
‫فإذا أخطأ أحدنا‪ ،‬ذھب إلى ربه يستغفره ويستھديه ويستعينه على العودة إلى الصواب‬
‫” وھو الذى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ويستجيب‬
‫للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدھم من فضله ” )الشورى‪(26 ،25 :‬‬
‫ما دخل آدم أو عيسى أو محمد فى ذلك‪ ،‬إنھم كلھم بشر يحتاجون إلى المغفرة‪،‬‬
‫ويطلبون من ربھم النجدة ‪.‬‬
‫ولكى يحس القارئ بما حوت ھذه النشرة من خلط ننقل ھذه العبارة من كالمه‪ ” :‬ھب‬
‫أنه طلب منك أن تشترك فى جريمة صلب ربك‪ ،‬وأن تقل مع من ھزءوا به‪ ،‬أكنت‬
‫ترضى ؟ يقينا ً ال ‪ ..‬ولكنك ما دمت لم تختبر قوة صلب المسيح فى خالص نفسك من‬
‫الخطيئة‪ ،‬فإنك بخطاياك تشترك فى جريمة صلب ربك ” !‬
‫ھذا الھراء ھو الذى نحتاج إليه كما نحتاج إلى الھواء الذى نتنفسه ‪..‬‬
‫عبيد يستطيعون صلب ربھم‪ ،‬ومع ذلك يطلبون منه المغفرة والرضا ‪ ..‬ھال طلبوا‬
‫ذلك من ﷲ الذى طلب منه المسيح نفسه النجاة‪ ،‬وعاتبه أن تركه لألعداء كما يقولون‬
‫!!‬
‫وھاك نشرة أخرى تحت عنوان ” متجدد أم متدين ” ؟ بدأت بھذه الكلمات‪ ” :‬الوردة‬
‫الطبيعية جميلة الشكل زكية الرائحة‪ ،‬فيھا حياة ‪ .‬والوردة الصناعية جميلة الشكل‬
‫عديمة الرائحة ليس فيھا حياة ‪ .‬إن الوردة الطبيعية تمثل المتجدد‪ ،‬أما الوردة‬
‫الصناعية فتشبه أولئك الذين قال عنھم بولس‪ ” :‬لھم صورة التقوى ولكنھم ينكرون‬
‫قوتھا ” ‪.‬‬
‫وال أفھم بالضبط ما يعنى بولس‪ ،‬أيقصد المرائين ؟ ربما ‪ ..‬المھم أن كاتب النشرة‬
‫يختمھا بھذه العبارات ” دعنى أسألك أيھا العزيز‪ :‬ھل أنت متجدد أم متدين ‪ .‬إذا كنت‬
‫قد حصلت على الوالدة من فوق فطوبى لك‪ ،‬أثبت إذن فى المسيح ‪ ..‬أما إذا كنت‬
‫متدينا ً فأسرع بتسليم حياتك اآلن للمسيح ‪ ..‬فتنال الحياة الجديدة التى حصلت عليھا‬
‫المرأة الخاطئة حين غسلت قدمى الرب يسوع بدموعھا ومسحتھا بشعر رأسھا‪،‬‬
‫والتى قال لھا الرب‪ :‬مغفورة لك خطاياك‪ ،‬إيمانك قد خلصك ” ‪.‬‬
‫ھذه النشرة من مثيالتھا مصرة على تسمية المسيح الرب‪ ،‬ووصفه بأنه الغفار ‪.‬‬
‫ونحن نقبل المسيح مبلغا ً عن ﷲ كإخوانه األنبياء ال يزيد وال ينقص ونقتدى به وبھم‬
‫جميعا ً فى التقرب إلى ﷲ بالعمل الصالح ‪.‬‬
‫والتدين يھب لنا حياة عقلية ووجدانية راقية‪ ،‬أما التجديد الذى تتحدث عنه النشرة‬
‫فضرب من الھوس يستھوى الصبية‪ ،‬ومن يحسبون الدين أوھاما ً وتھاويل ” وجعلوا‬
‫له من عباده جزءاً‪ ،‬إن اإلنسان لكفور مبين ” ]الزخرف‪[15 :‬‬
‫التجديد ليس أن تعجن الخالق والمخلوق فى أقنوم مائع‪ ،‬ثم تلف حوله حارقا ً البخور‪،‬‬
‫نافخا ً فى المزمور‪ ،‬كال‪ ،‬إن التجديد أوالً وآخراً عقل يرفض الخرافة‪ ،‬وقلب يتعشق‬
‫الكمال ويتطلبه ‪..‬‬
‫وھذا منشور آخر من ” لبنان ” يدور كذلك حول يسوع المصلوب غفار الذنوب يقول‬
‫كاتبه‪ ” :‬أيھا األخ العزيز خطاياك موضوعة على يسوع لتنال سالما ً مع ﷲ وتشفى‬
‫نفسك من جروحھا ‪ .‬إن تقدمت إلى المصلوب المحبوب وسلمته خطاياك تختبر أن‬
‫دمه يطھرك من كل إثم حتى ولو كنت قاتالً أو متعصبا ً أو حالفا ً با“ كذباً‪ ،‬ومھما‬
‫كانت خطاياك كبيرة أو صغيرة فإن المسيح ھو يغفرھا جميعا ً ” !!!‬
‫ويجاوبه منشور آخر من القاھرة يرد فيه ھذا التساؤل‪ ” :‬لكنك تقول توجد آراء كثيرة‬
‫فكيف أعرف من ھو على حق ؟ ‪..‬‬
‫” كل من يرشدك إلى المسيح قارب النجاة فھو على حق‪ ،‬وكل من يبقيك فى السفينة‬
‫العتيقة ـ المشرفة على الغرق ـ يخدعك ويضلك‪ ،‬ھل أنت مجتھد بشتى الوسائل فى‬
‫إصالح السفينة العتيقة‪ ،‬أى طبيعتك البشرية الساقطة ؟ اعلم أنك إذن إذا استمررت‬
‫على ھذه الحال فال بد أن تغطس إن عاجالً وإن آجالً ‪. ” ..‬‬
‫أى أن كل تھذيب وتأديب منتھيان بصاحبھما حتما ً إلى الغرق‪ ،‬ما لم يعتقد أن المسيح‬
‫صلب من أجله‪ ،‬وأنه ھو وحده فداء خطاياه ‪!!! ..‬‬
‫مھما أتيت ربك بقلب سليم بل لو أتيته بضمير فى طھر السحاب وضياء الشروق فال‬
‫وزن لھذا كله‪ ،‬ما لم تؤمن أن عيسى قتل من أجل أن يفتدى خطاياك‪ ،‬ويخلصك من‬
‫ذنوبك ؟!!‬
‫ھذه ھى خالصة المنشورات التى حررھا بنفسه أو أشرف على تحريرھا صاحب‬
‫الفم الذھبى رئيس إخواننا األقباط‪ ،‬وعمل على توزيعھا فى أوسع نطاق ‪..‬‬
‫” وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما ھم بحاملين من‬
‫خطاياھم من شىء‪ ،‬إنھم لكاذبون‪ ،‬وليحملن أثقالھم وأثقاالً مع أثقالھم وليسألن يوم‬
‫القيامة عما كانوا يفترون ” )العنكبوت‪(13 ،12 :‬‬

‫اإلسالم أقوى بكثير من ھذه التفاھات‬

‫إننا معشر المسلمين نحب عيسى ونوقره ونعد أنفسنا أتباعه‪ ،‬ونرفض بغضب كل‬
‫ريبة توجه إليه أو إلى السيدة البتول أمه‪ ،‬بل نحن أولى بعيسى من أولئك الذين‬
‫ينتمون إليه ويغالون فيه ‪.‬‬
‫وليس خالفنا مع النصارى أنه قتل أو لم يقتل‪ ،‬الخالف أعمق من ذلك ‪ ..‬الخالف‪ :‬أھو‬
‫” إنسان ” كما نقول أو ” إله ” كما يزعمون ؟‬
‫أكل امرىء بما كسب رھين ؟ أم أن ھناك قربانا ً قدمه ﷲ من نفسه لمحو خطايا البشر‬
‫؟‬
‫ھم يرون أن ﷲ فى السماء ترك ابنه الوحيد على خشبة الصليب ليكون ذلك القربان‬
‫‪..‬‬
‫ونتساءل‪ :‬أكان عيسى يجھل ذلك عندما قال‪ :‬إلھى لماذا تركتنى ؟‬
‫وثم سؤال أخطر‪ :‬ھل المنادى المستغيث فى األرض ھو ھو المنادى المستغاث به فى‬
‫السماء‪ ،‬ألن األب واالبن شىء واحد كما يزعمون ؟؟‬
‫ھذا كالم له خبئ معناه‪ :‬ليست لنا عقول !!‬
‫الحق أن ھذه العقيدة النصرانية يستحيل أن تفھم ‪.‬‬
‫قرأت مقاالً للدكتور ” ميشيل فرح ” فى جريدة ” لميساجى ” الصادرة فى القاھرة‬
‫فى ‪ 1973 / 9 / 16‬م يشرح ھذه العقيدة بطريقة عقالنية قال‪ ” :‬الكتاب المقدس‬
‫ينبئ أن ﷲ سوف يظھر نفسه‪ ،‬أى أن الكلمة المجردة ستأخذ جسداً ولحما ً )!( وھذا‬
‫ھو الحدث الجديد ‪ .‬عمانوئيل ‪ .‬ﷲ معنا ‪ .‬ﷲ يصبح بشرى سارة‪ ،‬ﷲ يعلن ويخبر ‪.‬‬
‫وھذا الظھور أساس كل شىء ‪ .‬ھو الرد على سؤال توفيق الحكيم فى قصته‬
‫المشھورة ” أرنى ﷲ ” ‪ .‬ھا ھو ﷲ ‪ .‬شىء ما حدث وحصل ووقع وتأنس ” ‪.‬‬
‫ھذا الكالم المبھم المضطرب الذى ال يعطى معنى ھو التفسير العقالنى للعقيدة‬
‫المسيحية !‬
‫رب المشارق والمغارب ظھر فى إھاب ” بشر ” ليراه الناس‪ ،‬ثم من فرط رحمته‬
‫بھم ” ينتحر ” من أجلھم !‬
‫من يكلفنى بھضم ھذا القول ؟‬
‫ھل أعتنق ھذا وأترك القرآن الذى يقرر العقيدة على ھذا النحو‪ ” :‬قل لمن ما فى‬
‫السموات واألرض‪ ،‬قل “‪ ،‬كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة ال ريب‬
‫فيه ‪ ..‬الذين خسروا أنفسھم فھم ال يؤمنون ” )األنعام‪(12 :‬‬

‫” أال إن “ من فى السموات ومن فى األرض وما يتبع الذين من دون ﷲ شركاء ‪..‬‬
‫إن يتبعون إال الظن وإن ھم إال يخرصون‪ ..‬ھو الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه‬
‫والنھار مبصراً ‪ .‬إن فى ذلك آليات لقوم يسمعون ‪ .‬قالوا‪ :‬اتخذ ﷲ ولدا ً سبحانه ھو‬
‫الغنى له ما فى السموات وما فى األرض ‪ .‬إن عندكم من سلطان بھذا ‪ .‬أتقولون على‬
‫ﷲ ما ال تعلمون قل إن الذين يفترون على ﷲ الكذب ال يفلحون ” )يونس‪ 66 :‬ـ ‪(69‬‬

‫ھكذا خاصم اإلسالم الخرافة وأعلن إباءه التام للون مقنع من الشرك‪ ،‬وسد الطريق‬
‫فى وجه القرابين الوثنية وھى تتسلل فى خبث لتطمس معالم التوحيد ‪.‬‬
‫لم كرمنا ﷲ بالعقل إذا كان مفروضا ً أن نطرحه ظھريا ً عندما نختار أھم شىء فى‬
‫الحياة وھو اإليمان والسلوك ؟!‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن العقل يجزم بأن عيسى بشر وحسب‪ ،‬ويرفض أن يكون ” إلھا ” ابنا مع ” إله ”‬
‫مع ” إله ” آخر روح قدس‪ ،‬وثالثتھم واحد مع تعددھم‪ ،‬وتعددھم حتم‪ ،‬ألن أحدھم‬
‫ترك اآلخر يصلب ‪..‬‬
‫ھذا كالم يدخل فى باب األلغاز‪ ،‬وال مجال له فى عالم الحق والتربية ‪..‬‬
‫ومع ذلك فنحن المسلمين نقول لمن يصدقه‪ :‬عش به ما شئت ” ال إكراه فى الدين ”‬
‫)البقرة‪ (256 :‬فھل الرد على ھذا المنطق إثارة كل ھذا الدخان فى آفاقنا‪ ،‬ومحاولة‬
‫ختل الشباب ونشر الفتنة ؟‬
‫قصة ” ﷲ محبة ” وموقف شتى األناجيل منھا‬

‫وقال لى أحدھم وھو يحاورنى‪ :‬إننا نرى أن ﷲ محبة !! على عكس ما ترون ‪..‬‬
‫فأجبت ساخراً‪ ،‬كأننا نرى ﷲ كراھية ؟!! إن ﷲ مصدر كل رحمة وبر‪ ،‬وكل نعمة‬
‫وخير ‪ ..‬وصحيح أننا نصفه بالسخط على الفجار والظلمة‪ ،‬واألمر فى ذلك كما قال‬
‫جل شأنه ” ربكم ذو رحمة واسعة وال يرد بأسه عن القوم المجرمين ” أفليس األمر‬
‫كذلك لديكم ؟ إنكم تخدعون العالمين بذكر ھذه الكلمة وحدھا ووضع ستائر كثيفة على‬
‫ما عداھا من كلمات تصف الجبروت اإللھى بأشد مما ورد فى اإلسالم‪ ،‬بل إن تعامل‬
‫بعضكم مع البعض‪ ،‬وتعاملكم جميعاً مع الخصوم ال يقول إال على ھذه الكلمات‬
‫األخرى التى تخفونھا‪ ،‬وما أكثرھا لديكم ‪.‬‬
‫قال ” ايتين دينيه ” المستشرق المسلم‪ ” :‬بيد أن المسيح نفسه ـ وھو سيدنا وسيد‬
‫المسيحيين ـ يعلن‪ ” :‬وال تظنوا أنى جئت أنشر السالم على األرض‪ ،‬إننى لم آت‬
‫أحمل السالم وإنما السيف ” )متى‪:‬االصحاح العاشر‪.. (34:‬‬
‫” ويقول السيد المسيح‪ ” :‬إننى جئت أللقى النار على األرض‪ ،‬وماذا أريد من ذلك إال‬
‫اشتعالھا ”‬
‫)لوقا‪ :‬االصحاح الثانى عشر‪.. (49 ،‬‬
‫” ويقول السيد المسيح‪ ” :‬إذ إنى جئت ألفرق بين الولد وأبيه‪ ،‬والبنت وأمھا‪ ،‬وبين‬
‫زوجة االبن وأمه ” )متى‪ :‬االصحاح العاشر‪.. (35 :‬‬
‫” ويقول السيد المسيح‪ ” :‬إن كان أحد يأتى وال يبغض أباه وأمه‪ ،‬وامرأته وأوالده‪،‬‬
‫وإخوته وأخواته‪ ،‬حتى نفسه أيضا ً فال يقدر أن يكون لى تلميذا ً ” )لوقا‪ :‬االصحاح‬
‫الرابع عشر‪.. (26 :‬‬
‫” أين من ھذا ما جاء به النبى العربى الكريم من سالم حقيقى وحب كامل بين األخ‬
‫وأخيه‪ ،‬وبين الزوجة وزوجھا‪ ،‬وبين األب وولده‪ ،‬وبين األم وفلذة كبدھا‪ ،‬وبين الجار‬
‫وجاره مسلما ً كان أو غير مسلم‪ ،‬وبين األرحام واألقرباء‪ ،‬وبين المشتركين فى‬
‫اإلنسانية الذين يتوفر لديھم مدلول اإلنسانية فى بنى اإلنسان ” ‪.‬‬
‫إننا ـ نحن المسلمين ـ نتقرب إلى ﷲ عز وجل برحمة الناس وغير الناس والبذل من‬
‫مالنا وجھدنا ووقتنا فى سبيل نفعھم‪ ،‬ولنا على كل شىء من ذلك أجر فى ميزان ﷲ‬
‫الذى ال يختل عنده ميزان ‪.‬‬
‫وما أصدقھا شھادة تلك التى بعث بھا البطريرك )النسطورى الثالث( إلى البطريرك‬
‫” سمعان ” زميله فى المجمع بعد ظھور اإلسالم حيث قال فى كتابه‪ ” :‬إن العرب‬
‫الذين منحھم الرب سلطة العالم وقيادة األرض أصبحوا معنا‪ ،‬ومع ذلك نراھم ال‬
‫يعرضون النصرانية بسوء‪ ،‬فھم يساعدوننا ويشجعوننا على االحتفاظ بمعتقداتنا‪،‬‬
‫وإنھم ليجلون الرھبان والقسيسين‪ ،‬ويعاونون بالمال الكنائس واألديرة ” ‪.‬‬
‫وما أصدق ما يقوله المؤرخ العالمى )ھـ ‪ .‬ج ‪ .‬ويلز( فى كتابه‪ ” :‬معالم تاريخ‬
‫اإلنسانية ” لقد تم فى‬
‫” ‪ 125‬عاما ً أن نشر اإلسالم لواءه من نھر السند إلى المحيط األطلسى وأسبانيا‪،‬‬
‫ومن حدود الصين إلى مصر العليا ولقد ساد اإلسالم ألنه كان خير نظام اجتماعى‬
‫وسياسى استطاعت األيام تقديمه‪ ،‬وھو قد انتشر ألنه كان يجد فى كل مكان شعوبا ً‬
‫بليدة سياسيا ً‪ :‬تسلب وتظلم وتخوف‪ ،‬وال تعلم وال تنظم‪ ،‬كذلك وجدت حكومات أنانية‬
‫سقيمة ال اتصال بينھا وبين أى شعب ‪ .‬فكان اإلسالم أوسع وأحدث وأنظف فكرة‬
‫سياسية اتخذت سعة النشاط الفعلى فى العالم حتى ذلك اليوم‪ ،‬وكان يھب بنى اإلنسان‬
‫نظاما ً أفضل من أى نظام آخر ” ‪.‬‬

‫تجليات العذراء‪ ،‬الرمح المقدس‪ ،‬الحقيقة العلمية المطاردة‬

‫تقتعد خوارق العادات المكانة األولى فى األديان البدائية‪ ،‬وكلما َوھى األساس العقلى‬
‫لدين ما زاد اعتماده على ھذه الخوارق‪ ،‬وجمع منھا الكثير لكھنته وأتباعه ‪.‬‬
‫والمسيحية من األديان التى تعول فى بقائھا وانتشارھا على عجائب الشفاء‪ ،‬وآثار‬
‫القوى الخفية الغيبية‪.‬‬
‫وبين يدى اآلن نشرة صغيرة‪ ،‬على أحد وجھيھا صورة العذراء وھى تقطر وداعة‬
‫ولطفاً‪ ،‬وعلى ذراعھا الطفل اإلله يسوع يمثل البراءة والرقة ‪ .‬أما الوجه اآلخر‬
‫للصورة فقد تضمن ھذا الخبر تحت عنوان ” محبة اآلخرين وخدمتھم ”‪ ،‬وتحته ھذه‬
‫الجملة ” حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع ” )غل ‪ ” (10 :6‬كانت السيدة زھرة‬
‫ابنة محمد على باشا بھا روح نجس‪ ،‬ولما علم أبوھا أن ” األنبا حرابامون ” أسقف‬
‫المنوفية قد أعطاه ﷲ موھبة إخراج األرواح النجسة استدعاه ‪ .‬ولما صلى ألجلھا‬
‫شفيت فى الحال‪ ،‬فأعطاه محمد على باشا صرة بھا أربعة آالف جنيه‪ ،‬فرفضھا قائالً‪:‬‬
‫إنه ليس فى حاجة إليھا ألنه يعيش حياة الزھد‪ ،‬وھو قانع بھا ” ‪.‬‬
‫ھذا ھو الخبر الذى يوزع على الجماھير ليترك أثره فى صمت ‪.‬‬
‫وموھبة استخراج العفاريت من األجسام الممسوسة موھبة يدعيھا نفر من الناس‪،‬‬
‫أغلبھم يحترف الدجل‪ ،‬وأقلھم يستحق االحترام‪ ،‬وأعرف بعض المسلمين يزعم ھذا‪،‬‬
‫وأشعر بريبة كبيرة نحوه ‪.‬‬
‫ومرضى األعصاب يحيرون األطباء‪ ،‬وربما أعيا أمرھم عباقرة الطب‪ ،‬ونجح فى‬
‫عالجھم عامى يكتب ” حجابا ً ” ال شىء فيه غير بعض الصور واألرقام ‪.‬‬
‫وليس يعنينى أن أصدق أو أكذب المأسوف على مھارته أسقف المنوفية‪ ،‬وإنما يعنينى‬
‫كشف طريقة من طرق إقناع الناس بصدق النصرانية‪ ،‬وأن الثالوث حق‪ ،‬والصلب قد‬
‫وقع‪ ،‬واألتباع المخلصين يأتون العجائب ‪..‬‬
‫والمسيحية أحوج األديان لھذا اللون من األقاصيص‪ ،‬ھى فقيرة إليھا فى سلمھا إلثبات‬
‫أصولھا الخارجة على المنطق العقلى‪ ،‬وفقيرة إليه فى قتالھا لتبرير عدوانھا على‬
‫اآلخرين ‪.‬‬
‫وتدبر معى ھذه القصة من قصص الحروب الصليبية المشھورة بقصة ” الرمح‬
‫المقدس ” منقولة من كتاب ” الشرق والغرب ”‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫” دفع الصليبيون من أجل عبور آسيا الصغرى ثمنا باھظا‪ ،‬إذ فقدوا أفضل جنودھم‬
‫وخيرة عساكرھم‪ ،‬بينما استولى اليأس والفزع على البقية الباقية ‪..‬‬
‫” وبدأ الخوف من تفكك الجيش وفرار الجنود يساور القادة‪ ،‬فعمدوا إلى بعض الحيل‬
‫الدينية لصد ھذا الخطر وربط الجنود برباط العقيدة ‪ .‬ومن تلك الحيل التى روجوا لھا‬
‫ما رواه المؤرخون عن ظھور المسيح والعذراء أمام الجنود الھيابين ووعدھم‬
‫بالصفح عن الخطايا والخلود فى الجنة إذا ما استماتوا فى معاركھم ضد المسلمين ‪..‬‬
‫” غير أن ھذا األسلوب النظرى لم يلھب حماس الجنود‪ ،‬ولم يحقق الغرض الذى‬
‫ابتدعه الصليبيون من أجله‪ ،‬فكان ال بد من أسلوب آخر ينطوى على واقعة مادية‬
‫يكون من شأنھا إعادة اإليمان إلى القلوب التى استبد بھا اليأس‪ ،‬وتقوية العزائم التى‬
‫أوھنتھا الحرب ‪ .‬وھنا أذيع بين الجنود قصة اكتشاف الرمح المقدس ‪..‬‬
‫” تلك الواقعة التى روى تفاصيلھا المؤرخ ” جيبون ” فضالً عن غيره من‬
‫المؤرخين المعاصرين ‪ .‬قال‪.. :‬‬
‫” إن قساً يدعى بطرس بارتلمى من التابعين ألسقفية ” مارسيليا ” منحرف الخلق ذا‬
‫عقلية شاذة‪ ،‬وتفكير ملتو معقد زعم لمجلس قيادة الحملة الصليبية‪ ،‬أن قديساً يدعى ”‬
‫أندريه ” زاره أثناء نومه‪ ،‬وھدده بأشد العقوبات إن ھو خالف أوامر السماء‪ ،‬ثم‬
‫أفضى إليه بأن الرمح الذى اخترق قلب عيسى عليه السالم مدفون بجوار كنيسة‬
‫القديس بطرس فى مدينة ” انطاكيا ”‪ ،‬فروى ” بارتلمى ” ھذه الرؤيا لمجلس قيادة‬
‫الجيش‪ ،‬وأخبرھم بأن ھذا القديس الذى طاف به فى منامه قد طلب إليه أن يبادر إلى‬
‫حفر أرض المحراب لمدة أيام ثالثة‪ ،‬تظھر بعدھا ” أداة الخلود ” التى ” تخلص ”‬
‫المسيحيين جميعاً‪ ،‬وأن القديس قال له‪ :‬ابحثوا تجدوا ‪ ..‬ثم ارفعوا الرمح وسط‬
‫الجيش‪ ،‬وسوف يمرق الرمح ليصيب أرواح أعدائكم المسلمين ‪..‬‬
‫” وأعلن القس ” بارتلمى ” اسم أحد النبالء ليكون حارسا ً للرمح‪ ،‬واستمرت طقوس‬
‫العبادة من صوم وصالة ثالثة أيام دخل فى نھايتھا اثنا عشر رجالً ليقوموا بالحفر‬
‫والتنقيب عن ” الرمح ” فى محراب الكنيسة )!( ‪..‬‬
‫” لكن أعمال الحفر والتنقيب التى توغلت فى عمق األرض اثنى عشر قدما ً لم تسفر‬
‫عن شىء ‪ .‬فلما جن الليل أخلد ” النبيل ” الذى اختير لحراسة الرمح إلى شىء من‬
‫الراحة‪ ،‬وأخذته سنة من النوم‪ ،‬وبدأت الجماھير التى احتشدت بأبواب الكنيسة‬
‫تتھامس ‪.. !..‬‬
‫” فاستطاع القس ” بارتلمى ” فى جنح الظالم أن ينزل إلى الحفرة‪ ،‬مخفيا ً فى طيات‬
‫ثيابه قطعة من نصل رمح أحد المقاتلين العرب‪ ،‬وبلغ أسماع القوم رنين من جوف‬
‫الحجرة‪ ،‬فتعالت صيحاتھم من فرط الفرح‪ ،‬وظھر القس وبيده النصل الذى احتواه‬
‫بعد ذلك قماش من الحرير الموشى بالذھب‪ ،‬ثم عرض على الصليبيين ليلتمسوا منه‬
‫البركة‪ ،‬وأذيعت ھذه الحيلة بين الجنود وامتألت قلوبھم بالثقة‪ ،‬وقد أمعن قادة الحملة‬
‫فى تأييد ھذه الواقعة بغض النظر عن مدى إيمانھم بھا أو تكذيبھم لھا ‪. ” ..‬‬
‫على ھذا النحو‪ ،‬ولمثل ھذا الغرض جرت أسطورة ظھور العذراء فى كنيسة عادية‪،‬‬
‫وكاھنھا ـ فيما علمت ـ رجل فاشل ال يتردد األقباط على دروسه ‪.‬‬
‫وبين عشية وضحاھا أصبح كعبة اآلالف‪ ،‬فقد شاع ومأل البقاع أن العذراء تجلت‬
‫شبحا ً نورانيا ً فوق برج كنيسته‪ ،‬ورآھا ھو وغيره فى جنح الليل البھيم ‪..‬‬
‫وكأنما الصحف المصرية كانت على موعد مع ھذه اإلشاعة‪ ،‬فقد ظھرت كلھا بغتة‪،‬‬
‫وھى تذكر النبأ الغامض‪ ،‬وتنشر صورة البرج المحظوظ‪ ،‬وتلح إلى حد اإلسفاف فى‬
‫توكيد القصة ‪..‬‬
‫وبلغ من الجرأة أنھا ذكرت تكرار التجلى المقدس فى كل ليلة ‪.‬‬
‫وكنت موقنا ً أن كل حرف من ھذا الكالم كذب متعمد‪ ،‬ومع ذلك فإن أسرة تحرير‬
‫مجلة ” لواء اإلسالم ” قررت أن تذھب إلى جوار الكنيسة المذكورة كى ترى بعينيھا‬
‫ما ھنالك ‪..‬‬
‫وذھبنا أنا والشيخ ” محمد أبو زھرة ” وآخرون‪ ،‬ومكثنا ليالً طويالً نرقب األفق‪،‬‬
‫ونبحث فى الجو‪ ،‬ونفتش عن شىء‪ ،‬فال نجد شيئا ً البتة ‪.‬‬
‫وبين الحين والحين نسمع صياحا ً من الدھماء المحتشدين ال يلبث أن ينكشف عن‬
‫صفر ‪ ..‬عن فراغ ‪ ..‬عن ظالم يسود السماء فوقنا ‪ ..‬ال عذراء وال شمطاء ‪..‬‬
‫وعدنا وكتبنا ما شھدنا‪ ،‬وفوجئنا بالرقابة تمنع النشر ‪..‬‬
‫وقال لنا بعض الخبراء‪ :‬إن الحكومة محتاجة إلى جعل ھذه المنطقة سياحية‪ ،‬لحاجتھا‬
‫إلى المال‪ ،‬ويھمھا أن يبقى الخبر ولو كان مكذوبا ً ‪..‬‬
‫ما ھذا ؟!‬
‫ولقينى أستاذ الظواھر الجوية بكلية العلوم فى جامعة القاھرة‪ ،‬ووجدنى ساخطا ً ألعن‬
‫التآمر على التخريف وإشاعة اإلفك‪ ،‬فقال لى‪ :‬أحب أن تسمع لى قليالً‪ ،‬إن الشعاع‬
‫الذى قيل برؤيته فوق برج الكنيسة له أصل علمى مدروس‪ ،‬واقرأ ھذا البحث ‪.‬‬
‫وقرأت البحث الذى كتبه الرجل العالم المتخصص )األستاذ الدكتور محمد جمال‬
‫الدين الفندى(‪ ،‬واقتنعت به‪ ،‬وإنى أثبته كامالً ھنا ‪:..‬‬
‫” ظاھرة كنيسة الزيتون ظاھرة طبيعية ‪..‬‬
‫” عندما أتحدث باسم العلم ال أعتبر كالمى ھذا رداً على أحد‪ ،‬أو فتحا ً لباب النقاش‬
‫فى ظاھرة معروفة‪ ،‬فلكل شأنه وعقيدته‪ ،‬ولكن ما أكتب ھو بطبيعة الحال ملخص ما‬
‫أثبته العلم فى ھذا المجال من حقائق ال تقبل الجدل وال تحتمل التأويل‪ ،‬نبصر بھا‬
‫الناس‪ ،‬ولكل شأنه وتقديره ‪..‬‬
‫” وال ينكر العلم الطبيعى حدوث ھذه الظاھرة‪ ،‬واستمرارھا فى بعض الليالى لعدة‬
‫ساعات‪ ،‬بل يقرھا ولكن على أساس أنھا مجرد نيران أو وھج أو ضياء متعددة‬
‫األشكال غير واضحة المعالم‪ ،‬بحيث تسمح للخيال أن يلعب فيھا دوره‪ ،‬وينسج منھا‬
‫ما شاءت الظروف أن ينسج من ألوان الخيوط والصور ‪ .‬إنھا من ظواھر الكون‬
‫الكھربائية التى تحدث تحت ظروف جوية معينة‪ ،‬تسمح بسريان الكھرباء من الھواء‬
‫إلى األرض عبر األجسام المرتفعة نسبيا ً المدببة فى نفس الوقت‪ ،‬شأنھا فى ذلك مثالً‬
‫شأن الصواعق التى ھى نيران مماثلة‪ ،‬ولكن على مدى أكبر وشدة أعظم‪ ،‬وشأن‬
‫الفجر القطبى الذى ھو فى مضمونه تفريغ كھربى فى أعالى جو األرض‪ ،‬ولطالما‬
‫أثار الفجر القطبى اھتمام الناس بمنظره الرائع الخالب‪ ،‬حتى ذھب بعضم خطأ إلى‬
‫أنه ليلة القدر‪ ،‬ألنه يتدلى كالستائر المزركشة ذات األلوان العديدة التى تتموج فى‬
‫مھب الريح ‪..‬‬
‫ً‬
‫” ومن أمثلة الظواھر المماثلة لظاھرتنا ھذه أيضا ـ من حيث حدوث األضواء وسط‬
‫الظالم ـ السحب المضيئة العالية المعروفة باسم ” سحاب اللؤلؤ ”‪ ،‬وھذا السحاب‬
‫يضىء ويتألأل وسط ظالم الليل‪ ،‬ألنه يرتفع فوق سطح األرض‪ ،‬ويبعد عنھا البعد‬
‫الكافى الذى يسمح بسقوط أشعة الشمس عليه رغم اختفاء قرص الشمس تحت األفق‪،‬‬
‫وتضىء تلك األشعة ذلك السحاب العالى المكون من أبر الثلج‪ ،‬فيتألأل ويلمع ضياؤه‬
‫ويترنح وسط ظالم الليل ونقاء الھواء العلوى فيتغنى به الشعراء ‪..‬‬
‫” وتذكرنا ھذه الظاھرة كذلك بظاھرة السراب المعروفة‪ ،‬تلك التى حيرت جيوش‬
‫الفرنسيين أثناء حملة نابليون على مصر‪ ،‬فقد ظنوا أنھا من عمل الشياطين حتى‬
‫جاءھم العالم الطبيعى ” مونج ” بالخبر اليقين‪ ،‬وعرف الناس أنھا من ظواھر‬
‫الطبيعة الضوئية ‪..‬‬
‫” وظاھرتنا التى تھمنا وتشغل بال الكثيرين منا تسمى فى كتب العلم ” نيران القديس‬
‫المو ” أو ” نيران سانت المو ”‪ ،‬ونحن نسوق ھنا ما جاء عنھا فى دائرة المعارف‬
‫البريطانية التى يملكھا الكثيرون ويمكنھم الرجوع إليھا‪ :‬النص اإلنجليزى فى‪:‬‬
‫‪Handy Volume Essue Eleventh Edition‬الصحيفة األولى من المجلد‬
‫الرابع والعشرين تحت اسم‪ .. Elms Firs . St:‬وترجمة ذلك الكالم حرفيا ً‪.. :‬‬
‫” نيران سانت المو‪ :‬ھى الوھج الذى يالزم التفريغ الكھربى البطىء من الجو إلى‬
‫األرض ‪ .‬وھذا التفريع المطابق لتفريغ ” الفرشاة ” المعروف فى تجارب معامل‬
‫الطبيعة يظھر عادة فى صورة رأس من الضوء على نھايات األجسام المدببة التى‬
‫على غرار برج الكنيسة وصارى السفينة أو حتى نتوءات األراضى المنبسطة‪،‬‬
‫وتصحبھا عادة ضوضاء طقطقة وأزيز ‪..‬‬
‫” وتشاھد نيران سانت المو أكثر ما تشاھد فى المستويات المنخفضة خالل موسم‬
‫الشتاء أثناء وفى أعقاب عواصف الثلج ‪..‬‬
‫” واسم سانت المو ھو لفظ إيطالى محرف من سانت ” رمو ” وأصله سانت‬
‫أراموس‪ ،‬وھو البابا فى مدة حكم دومتيان‪ ،‬وقد حطمت سفينته فى ‪ 2‬يونيو عام ‪،304‬‬
‫ومنذ ذلك الحين اعتبر القديس الراعى لبحارة البحر المتوسط الذين اعتبروا نيران‬
‫سانت الموا بمثابة العالقة المرئية لحمايته لھم‪ ،‬وعرفت الظاھرة لدى قدماء اإلغريق‬
‫‪ .‬ويقول بلن ‪ Biln‬فى كتابه ” التاريخ الطبيعيى ” أنه كلما تواجد ضوءان كانت‬
‫البحارة تسميھما التوأمان‪ ،‬واعتبر بمثابة الجسم المقدس ‪..‬‬
‫” على ھذا النحو نرى أن أھل العلم الطبيعى ال يتحدثون عن خوارق الطبيعة‪ ،‬وإنما‬
‫يرجعون كل شىء إلى قانونه السليم العام التطبيقى‪ ،‬أما من حيث انبعاث ألوان تميز‬
‫تلك النيران‪ ،‬فيمكننا الرجوع إلى بعض ما عمله العلماء األلمان أمثال جوكل‬
‫‪Gockel‬من تفسير االختالف فى األلوان‪ ،‬فھو يبين فى كتابه ‪ Das gewiter‬من‬
‫التجارب التى أجراھا فى ألمانيا أنه أثناء سقوط الثلج تكون الشحنة موجبة )اللون‬
‫األحمر(‪ ،‬أما أثناء تساقط صفائح ثلج فإن الشحنة ليست نادرة‪ ،‬ويصحبھا أزيز‪،‬‬
‫ويغلب عليھا اللون األزرق ‪..‬‬
‫” وفى كتاب الكھرباء الجوية ‪ Atmospheric Electricity‬لمؤلفه شوتالند صفحة‬
‫‪ 38‬نجده يقول‪.. :‬‬
‫” تحت الظروف المالئمة فإن القسم البارز على سطح األرض كصوارى السفن إذا‬
‫تعرضت إلى مجاالت شديدة من حاالت شحن الكھرباء الجوية يحصل التفريغ‬
‫الوھجى ويظھر واضحا ً ويسمى نيران سانت المو ‪..‬‬
‫” قارن ھذا باألوصاف التى وردت فى جريدة األھرام بتاريخ ‪.. 1968 / 5 / 6‬‬
‫)ھيئة جسم كامل من نور يظھر فوق القباب األربع الصغيرة لكنيسة الزيتون أو فوق‬
‫الصليب األعلى للقبة الكبرى أو فوق األشجار المحيطة بالكنيسة ‪ ..‬الخ ‪.. (..‬‬
‫” ‪ ..) ..‬أما األلوان ‪ ..‬فقد أجمعت التقارير حتى اآلن على أنھا األصفر الفاتح‬
‫المتوھج واألزرق السماوى(‪..‬‬
‫” وعندما نرجع بالذاكرة إلى الحالة الجوية التى سبقت أو الزمت الرؤية الظاھرة‪،‬‬
‫نجد أن الجمھورية كانت تجتاحھا فى طبقات الجو العلوى موجة من الھواء الباردة‬
‫جداً الذى فاق فى برودته ھواء أوربا نفسھا‪ ،‬مما وفر الظرف المالئم لتولد موجات‬
‫كھربية بسبب عدم االستقرار‪ ،‬ولكن فروق الجھد الكھربى يمكن أن تظل كافية مدة‬
‫طويلة ‪..‬‬
‫” ويضيف ملھام ‪ Milham‬عالم الرصد الجوى البريطانى فى كتابه ” المتيرولوجيا‬
‫” صفحة ‪) 481‬أنه أحيانا ً تنتشر رائحة من الوھج ‪ (..‬وتفسيرنا العلمى للرائحة أنھا‬
‫من نتائج التفاعالت الكيماوية التى تصحب التفريغ الكھربى وتكون مركبات‬
‫كاألوزون ‪..‬‬
‫” وخالصة القول أنه من المعروف والثابت علميا ً أن التفريغ الكھربى المصحوب‬
‫بالوھج يحدث من الموصالت المدببة عندما توضح فى مجال كھربى كاف‪ ،‬وھو‬
‫يتكون من سيال من األيونات التى تحمل شحنات من نفس نوع الشحنات التى يحملھا‬
‫الموصل ‪..‬‬
‫” والتفريغات الكھربية التى من ھذا النوع يجب أن تتوقع حدوثھا من أطراف‬
‫الموصالت المعرضة على األرض‪ ،‬مثل النخيل واألبراج ونحوھا‪ ،‬عندما يكون‬
‫مقدار التغير فى الجھد الكھربى كافياً‪ ،‬بشرط أن يكون ارتفاع الجسم المتصل‬
‫باألرض ودقة األطراف المعرضة مالئمة‪ ،‬ومن المؤكد أن الباحثين األول أمثال‬
‫فرنكلين الحظوا مجال الجو الكھربى حتى فى حاالت صفاء السماء ‪..‬‬
‫” وتحت الظروف الطبيعية المالئمة التى توفرھا األطراف المدببة لألجسام المرتفعة‬
‫فوق سطح األرض قد يصبح وھج التفريغ ظاھراً واضحا ً ‪..‬‬
‫” وقد ذكر ” ولسون ” العالم البريطانى فى الكھربائية الجوية أن التفريغ الكھربى‬
‫البطىء لألجسام المدببة يلعب دوراً ھاما ً فى التبادل الكھربى بين الجو واألرض‪،‬‬
‫خصوصا ً عن طريق األشجار والشجيرات وقمم المنازل وحتى حقول الحشائش ‪.‬‬
‫وليس من الالزم أن ينتھى الجسم الموصل بطرف مدبب أو يبرز إلى ارتفاعات‬
‫عظيمة ‪..‬‬
‫” وقد يتساءل الناس‪.. :‬‬
‫” ـ ‪ ..‬إن الظاھرة خدعت األقدمين من الرومان قبل عصر العلم‪ ،‬ثم فى عصر العلم‬
‫فسر العلماء الظاھرة على أنھا تفريغ كھربى‪ ،‬لكن التاريخ يعيد نفسه‪ ،‬فقد خدعت‬
‫نفس الظاھرة الطبيعية أھل مصر‪ ،‬فأطلقوا عليھا نفس االسم الذى تحمله الكنيسة التى‬
‫ظھرت النيران فوقھا‪ ،‬ومن ھنا ظن القوم خطأ أنھا روح مريم عليھا السالم ‪..‬‬
‫” ـ ‪ ..‬الظاھرة الطبيعية تحدث فى الھواء الطلق أعلى المبانى والشجر وال تحدث‬
‫داخل المبانى‪ ،‬وھو عين ما شوھد‪ ،‬ولو أنھا كانت روح العذراء لراحت تظھر داخل‬
‫الكنيسة بدالً من الظھور على األشجار والقباب ‪..‬‬
‫” ـ ‪ ..‬الظاھرة الجوية يرتبط ظھورھا ومكثھا بالكھربائية الجوية‪ ،‬وعموما ً بالجو‬
‫وتقلباته‪ ،‬فھل إذا كانت روحا ً يرتبط ظھورھا بالجو كذلك ؟؟ ‪..‬‬
‫” ـ ‪ ..‬الظاھرة الطبيعية ال تشاھد إال عندما يخيم الظالم‪ ،‬بسبب ضعف ضوء الوھج‬
‫بالنسبة إلى ضوء الشمس الساطع ‪ .‬ولكن ما يمنع األرواح الطاھرة أن تظھر بالنھار‬
‫؟؟ ‪..‬‬
‫” ـ ‪ ..‬إذا كانت نفس الظاھرة تشاھد فى أماكن أخرى فى مصر فما الموضوع ؟ ” ‪.‬‬
‫وحاول الدكتور محمد جمال الدين الفندى أن ينشر بحثه فى الصحف فأبت‪ ،‬والغريب‬
‫أنه لما نشر فى مجلة الوعى اإلسالمى ” الكويتية منع دخولھا مصر ‪..‬‬
‫واألغرب من ذلك أن األوامر صدرت ألئمة المساجد أال يتعرضوا للقصة من قريب‬
‫أو بعيد !‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وذھب محافظ القاھرة ” سعد زايد ” ليضع تخطيطا جديدا للميدان‪ ،‬يالئم الكنيسة التى‬
‫سوف تبنى تخليدا ً لھذا الحدث الجليل ‪ ..‬وعلمت بعد ذلك من زمالئى وتالمذتى أن‬
‫لتجليات العذراء دورات منظمة مقصودة ‪.‬‬
‫فقد ظھرت فى ” الحبشة ” قريبا ً من أحد المساجد الكبرى فاستولت عليه السلطة‬
‫فوراً‪ ،‬وشيدت على المكان كله كنيسة سامقة !!‬
‫وظھرت فى ” لبنان ” فشدت من أزر المسيحية التى تريد فرض وجودھا على جباله‬
‫وسھوله مع أن كثرة لبنان مسلمة ‪.‬‬
‫وھا ھى ذى قد ظھرت فى القاھرة أخيراً لتضاعف من نشاط إخواننا األقباط كى‬
‫يشددوا ضغطھم على اإلسالم ‪..‬‬
‫ً‬
‫وقد ظلت جريدة ” وطنى ” الطائفية تتحدث عن ھذا التجلى الموھوم قريبا من سنة‪،‬‬
‫إذ العرض مستمر‪ ،‬والخوارق تترى‪ ،‬واألمراض المستعصية تشفى‪ ،‬والحاجات‬
‫المستحيلة تقضى ‪..‬‬
‫ً‬
‫كل ذلك وأفواه المسلمين مكممة‪،‬وأقالمھم مكسورة حفاظا على الوحدة الوطنية ‪.‬‬
‫وسوف تتجلى مرة أخرى بداھة عندما تريد ذلك المخابرات المركزية األمريكية ‪.‬‬
‫و“ فى خلقه شئون ‪..‬‬
‫الباب الثالث‪ /‬ماذا يريدون ؟‬

‫إذا أراد إخواننا األقباط أن يعيشوا كأعدادھم من المسلمين فأنا معھم فى ذلك‪ ،‬وھم‬
‫يقاربون اآلن مليونين ونصف‪ ،‬ويجب أن يعيشوا كمليونين ونصف من المسلمين ‪..‬‬
‫لھم ما لھم من حقوق‪ ،‬وعليھم ما عليھم من واجبات‪ ،‬أما أن يحاولوا فرض وصايتھم‬
‫أز ﱠمة الحياة االجتماعية والسياسية فى أيديھم فال ‪..‬‬ ‫على المسلمين‪ ،‬وجعل ِ‬
‫إذا أرادوا أن يبنوا كنائس تسع أعدادھم لصلواتھم وشعائرھم الدينية فال يعترضھم‬
‫أحد ‪ ..‬أما إذا أرادوا صبغ التراب المصرى بالطابع المسيحى وإبراز المسيحية‬
‫وكأنھا الدين المھيمن على البالد فال ‪..‬‬
‫إذا أرادوا أن يحتفظوا بشخصيتھم فال تمتھن وتعاليمھم فال تجرح فلھم ذلك‪ ،‬أما أن‬
‫يودوا ” ارتداد ” المسلمين عن دينھم‪ ،‬ويعلنوا غضبھم إذا طالبنا بتطبيق الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وتعميم التربية الدينية فھذا ما ال نقبله ‪..‬‬
‫إن االستعمار أوعز إلى بعضھم أن يقف مراغما ً للمسلمين‪ ،‬ولكننا نريد تفاھماً شريفاً‬
‫مع ناس معقولين ‪..‬‬
‫إن االستعمار أشاع بين من أعطوه آذانھم وقلوبھم أن المسلمين فى مصر غرباء‪،‬‬
‫وطارئون عليھا‪ ،‬ويجب أن يزولوا‪ ،‬إن لم يكن اليوم فغداً ‪.‬‬
‫وعلى ھذا األساس أسموا جريدتھم الطائفية ” وطنى ” !‬
‫ومن ھذا المنطلق شرع كثيرون من المغامرين يناوش اإلسالم والمسلمين‪ ،‬وكلما‬
‫رأى عودة من المسلمين إلى دينھم ھمس أو صرخ‪ :‬عاد التعصب‪ ،‬األقباط فى خطر‬
‫!!‬
‫وال ذرة من ذلك فى طول البالد وعرضھا‪ ،‬ولكنھا صيحات مريبة أنعشھا وقواھا ”‬
‫بابا شنودة ” دون أى اكتراث بالعواقب ‪.‬‬
‫وقد سبقت محاوالت من ھذا النوع أخمدھا العقالء‪ ،‬نذكر منھا على سبيل المثال ال‬
‫الحصر كتابات القمص ” سرجيوس ” الذى احتفل ” البابا شنودة ” أخيراً بذكراه ‪.‬‬
‫ففى العدد ‪ 41‬من السنة ‪ 20‬من مجلة المنارة الصادر فى ‪ 1947 / 12 / 6‬كتب ھذا‬
‫القمص تحت عنوان‪ ” :‬حسن البنا يحرض على قتال األقليات بعد أن سلح جيوشه‬
‫بعلم الحكومة ”‪ :‬يقول‪:‬‬
‫” نشرنا فى العدد السابق تفسير الشيخ ” حسن البنا ” آلية سورة التوبة قوله‪ ” :‬قاتلوا‬
‫الذين ال يؤمنون با“ وال باليوم اآلخر وال يحرمون ما حرم ﷲ ورسوله وال يدينون‬
‫دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وھم صاغرون ”‬
‫)التوبة‪.. (29 :‬‬
‫” قال‪ :‬وقد قال الفقھاء‪ ،‬وتظاھرت على ذلك األدلة من الكتاب والسنة‪ :‬أن القتال‬
‫فرض عين إذا ديست أرض اإلسالم‪ ،‬أو اعتدى عليھا المعتدون من غير المسلمين‪،‬‬
‫وھو فرض كفاية لحماية الدعوة اإلسالمية وتأمين الوطن اإلسالمى‪ ،‬فيكون واجبا ً‬
‫على من تتم بھم ھذه الحماية وھذا التأمين ‪..‬‬
‫” ‪ ..‬وليس الغرض من القتال فى اإلسالم إكراه الناس على عقيدة‪ ،‬أو إدخالھم قسراً‬
‫فى الدين‪ ،‬وﷲ يقول‪ ” :‬ال إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى ” )البقرة‪(256 :‬‬
‫كما أنه ليس الغرض من القتال كذلك الحصول على منافع دنيوية أو مغانم دينية‪،‬‬
‫فالزيت والفحم والقمح والمطاط ليست من أھداف المقاتل المسلم الذى يخرج عن‬
‫نفسه وماله ودمه “ بأن له الجنة ” إن ﷲ اشترى من المؤمنين أنفسھم وأموالھم بأن‬
‫لھم الجنة يقاتلون فى سبيل ﷲ فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقا ً فى التوراة واإلنجيل‬
‫والقرآن ” )التوبة‪.. (111 :‬‬
‫” حكم قتال أھل الكتاب‪.. :‬‬
‫” وأھل الكتاب‪) :‬يقاتلون كما يقاتل المشركون تماماً‪ ،‬إذا اعتدوا على أرض اإلسالم‪،‬‬
‫أو حالوا دون انتشار دعوته ‪.. (..‬‬
‫” الرد‪ :‬للشيخ )حسن البنا( أسلوبه الخاص فى الكتابة والتفسير وفى الفتاوى‪ ،‬ويعرف‬
‫باألسلوب المائع إذ يترك دائما ً األبواب مفتوحة‪ ،‬ليدخل متى شاء فى ما أراد دون أن‬
‫يتقيد أو يمسك‪ ،‬ومن آيات ميوعته أنه يقول أن القتال يكون فرض عين إذا ديست‬
‫أرض اإلسالم‪ ،‬أو اعتدى عليھا المعتدون من غير المسلمين‪ ،‬دون أن يبين أو يحدد‬
‫ما ھى أرض اإلسالم أو الوطن اإلسالمى‪ :‬ھل ھى الحجاز فقط أم ھى كل بلد من‬
‫بالد العالم يكون فيھا المسلمون أغلبية أو أقلية أو متعادلين ؟ ‪..‬‬
‫” وكان فى عدم تحديده ألرض اإلسالم أو الوطن اإلسالمى ماكراً سيئا ً ؛ ليكون حراً‬
‫فى إعالن القتال على من يشاء من المستضعفين من المسيحيين واليھود الذين يقوى‬
‫على محاربتھم فى أى بلد كان‪ ،‬وكان أحرى به أن يقولھا كلمة صريحة أن أرض‬
‫اإلسالم ھى الحجاز‪ ،‬أى األرض التى نشأ عليھا اإلسالم ـ أى الدين اإلسالمى ـ‬
‫وليست البالد التى يعيش فيھا المسلمون فى العالم ‪ .‬وسواء كانت أرض اإلسالم أو‬
‫وطن اإلسالم ھى الحجاز أم ھى كل بلد من بالد العالم يعيش فيه المسلمون‪ ،‬فال يمكن‬
‫العمل بما يقول به الشيخ )حسن البنا( بأن القتال فرض عين أو فرض كفاية على‬
‫المسلمين إذا ديست أرض اإلسالم أو اعتدى عليھا المعتدون من غير المسلمين ” ‪.‬‬
‫وأنا أسأل أى قارئ اطلع على تفسير ” حسن البنا ”‪ :‬ھل اشتم منه رائحة تحريض‬
‫على األقباط أو اليھود ؟‬
‫وأسأل أى منصف قرأ الرد عليه‪ :‬ھل وجد فيه إال التحرش والرغبة فى االشتباك‬
‫دون أدنى سبب ؟‬
‫إن ھذا القمص المفترى ال يريد إال شيئا ً واحداً‪ :‬إبعاد الصفة اإلسالمية عن مصر‪،‬‬
‫واعتبار الحجاز وحده وطنا ً إسالميا ً ‪ .‬أما مصر فليست وطنا ً إسالميا ً ألن سكانھا‬
‫المسلمين فوق ‪ % 92‬من جملة أھلھا ‪.‬‬
‫ولماذا تنفى الصفة اإلسالمية عن مصر مع أن ھذه الصفة تذكر لجعل الدفاع عنھا‬
‫فريضة مقدسة ؟‬
‫ھذا ما يسأل عنه القمص الوطنى‪ ،‬والذين احتفلوا بذكراه بعد ربع قرن من وفاته ‪..‬‬
‫إن الدفاع عن مصر ضد االستعمار العالمى ينبغى أن تھتز بواعثه وأن تفتر مشاعره‬
‫‪!! ..‬‬
‫لقد كانت مصر وثنية فى العصور القديمة‪ ،‬ثم تنصر أغلبھا‪ ،‬فھل يقول الوثنيون‬
‫المصريون لمن تنصر‪ :‬إنك فقدت وطنك بتنصرك ؟‬
‫ثم أقبل اإلسالم فدخل فيه جمھور المصريين‪ ،‬فھل يقال للمسلم‪ :‬إنك فقدت وطنك‬
‫بإسالمك ؟‬
‫ما ھذه الرقاعة ؟!‬
‫بيد أن الحملة على اإلسالم مضت فى طريقھا‪ ،‬وزادت ضراوة وخسة فى األيام‬
‫األخيرة‪ ،‬ثم جاء ” األنبا شنودة ” رئيسا ً لألقباط‪ ،‬فقاد حملة ال بد من كشف خباياھا‪،‬‬
‫وتوضيح مداھا ؛ حتى يدرك الجميع‪ :‬مم نحذر ؟ وماذا نخشى ؟‬
‫وما نستطيع السكوت‪ ،‬ومستقبلنا كله تعصف به الفتن‪ ،‬ويأتمر به سماسرة االستعمار‬
‫‪.‬‬

‫تقرير رھيب‬

‫كنت في اإلسكندرية‪ ،‬في مارس من سنة ‪ ،1973‬وعلمت ـ من غير قصد ـ بخطاب‬


‫ألقاه البابا شنودة في الكنيسة المرقصية الكبرى‪ ،‬في اجتماع سرى‪ ،‬أعان ﷲ على‬
‫إظھار ما وقع فيه ‪.‬‬
‫وإلى القراء ما حدث‪ ،‬كما نقل مسجال إلى الجھات المعنية‪:‬‬
‫” بسم ﷲ الرحمن الرحيم ‪..‬‬
‫” نقدم لسيادتكم ھذا التقرير ألھم ما دار في االجتماع بعد أداء الصالة و التراتيل‪.. :‬‬
‫” طلب البابا شنودة من عامة الحاضرين االنصراف‪ ،‬ولم يمكث معه سوى رجال‬
‫الدين وبعض أثريائھم باإلسكندرية‪ ،‬وبدأ كلمته قائالً‪ :‬إن كل شئ على ما يرام‪،‬‬
‫ويجري حسب الخطة الموضوعة‪ ،‬لكل جانب من جوانب العمل على حدة‪ ،‬في إطار‬
‫الھدف الموحد‪ ،‬ثم تحدث في عدد من الموضوعات على النحو التالي‪.. :‬‬
‫” أوال‪ :‬عدد شعب الكنيسة‪.. :‬‬
‫” صرح لھم أن مصادرھم في إدارة التعبئة واإلحصاء أبلغتھم أن عدد المسيحيين في‬
‫مصر ما يقارب الثمانية مليون )‪ 8‬مليون نسمة(‪ ،‬وعلى شعب الكنيسة أن يعلم ذلك‬
‫جيداً‪ ،‬كما يجب عليه أن ينشر ذلك ويؤكده بين المسلمين‪ ،‬إذ سيكون ذلك سندنا في‬
‫المطالب التي سنتقدم بھا إلى الحكومة التي سنذكرھا لكم اليوم ‪..‬‬
‫” والتخطيط العام الذي تم االتفاق عليه باإلجماع‪ ،‬والتي صدرت بشأنه التعليمات‬
‫الخاصة لتنفيذه‪ ،‬وضع على أساس بلوغ شعب الكنيسة إلى نصف الشعب المصري‪،‬‬
‫بحيث يتساوى عدد شعب الكنيسة مع عدد المسلمين ألول مرة منذ ‪ 13‬قرنا‪ ،‬أي منذ‬
‫” اإلستعمار العربي والغزو اإلسالمي لبالدنا ” على حد قوله‪ ،‬والمدة المحددة وفقا ً‬
‫للتخطيط الموضوع للوصول إلى ھذه النتيجة المطلوبة تتراوح بين ‪ 12‬ـ ‪ 15‬سنة من‬
‫اآلن ‪..‬‬
‫” ولذلك فإن الكنيسة تحرم تحريما ً تاما ً تحديد النسل أو تنظيمه‪ ،‬وتعد كل من يفعل‬
‫ذلك خارجا ً عن تعليمات الكنيسة‪ ،‬ومطروداً من رحمة الرب‪ ،‬وقاتالً لشعب الكنيسة‪،‬‬
‫ومضيعا ً لمجده‪ ،‬وذلك باستثناء الحاالت التي يقرر فيھا الطب و الكنيسة خطر الحمل‬
‫أو الوالدة على حياة المرأة‪ ،‬و قد اتخذت الكنيسة عدة قرارات لتحقيق الخطة القاضية‬
‫بزيادة عددھم‪.. :‬‬
‫” ‪ 1‬ـ تحريم تحديد النسل أو تنظيمه بين شعب الكنيسة ‪..‬‬
‫” ‪ 2‬ـ تشجيع تحديد النسل وتنظيمه بين المسلمين )خاصة وأن أكثر من ‪[!] % 65‬‬
‫من األطباء والقائمين على الخدمات الصحية ھم من شعب الكنيسة( ‪..‬‬
‫” ‪ 3‬ـ تشجيع اإلكثار من شعبنا‪ ،‬ووضع حوافز ومساعدات مادية ومعنوية لألسر‬
‫الفقيرة من شعبنا ‪..‬‬
‫” ‪ 4‬ـ التنبيه على العاملين بالخدمات الصحية على المستويين الحكومي و غير‬
‫الحكومي كي يضاعفوا الخدمات الصحية لشعبنا‪ ،‬وبذل العناية والجھد الوافرين‪،‬‬
‫وذلك من شأنه تقليل الوفيات بين شعبنا )على أن نفعل عكس ذلك مع المسلمين( ‪..‬‬
‫” ‪ 5‬ـ تشجيع الزواج المبكر وتخفيض تكاليفه‪ ،‬وذلك بتخفيف رسوم فتح الكنائس‬
‫ورسوم اإلكليل بكنائس األحياء الشعبية ‪..‬‬
‫” ‪ 6‬ـ تحرم الكنيسة تحريما ً تاما ً على أصحاب العمارات والمساكن المسيحيين تأجير‬
‫أي مسكن أو شقة أو محل تجاري للمسلمين‪ ،‬وتعتبر من يفعل ذلك من اآلن فصاعداً‬
‫مطروداً من رحمة الرب ورعاية الكنيسة‪ ،‬كما يجب العمل بشتى الوسائل على‬
‫إخراج السكان المسلمين من العمارات والبيوت المملوكة لشعب الكنيسة‪ ،‬وإذا نفذنا‬
‫ھذه السياسة بقدر ما يسعنا الجھد فسنشجع و نسھل الزواج بين شبابنا المسيحي‪ ،‬كما‬
‫سنصعبه و نضيق فرصه بين شباب المسلمين‪ ،‬مما سيكون أثر فعال في الوصول إلى‬
‫بخاف أن الغرض من ھذه القرارات ھو انخفاض معدل الزيادة بين‬ ‫ٍ‬ ‫الھدف‪ ،‬و ليس‬
‫المسلمين و ارتفاع ھذا المعدل بين شعبنا المسيحى ‪..‬‬
‫” ثانيا ً‪ :‬اقتصاد شعب الكنيسة‪.. :‬‬
‫” قال شنودة‪ :‬إن المال يأتينا بقدر ما نطلب وأكثر مما نطلب‪ ،‬وذلك من مصادر‬
‫ثالثة‪ :‬أمريكا‪ ،‬الحبشة‪ ،‬الفاتيكان‪ ،‬ولكن ينبغي أن يكون االعتماد األول في تخطيطنا‬
‫االقتصادي على مالنا الخاص الذي نجمعه من الداخل‪ ،‬وعلى التعاون على فعل الخير‬
‫بين أفراد شعب الكنيسة‪ ،‬كذلك يجب االھتمام أكثر بشراء األرض‪ ،‬و تنفيذ نظام‬
‫القروض و المساعدات لمن يقومون بذلك لمعاونتھم على البناء‪ ،‬وقد ثبت من واقع‬
‫اإلحصاءات الرسمية أن أكثر من ‪ % 60‬من تجارة مصر الداخلية ھي بأيدي‬
‫المسيحيين‪ ،‬وعلينا أن نعمل على زيادة ھذه النسبة ‪..‬‬
‫” وتخطيطنا االقتصادي للمستقبل يستھدف إفقار المسلمين ونزع الثروة من أيديھم ما‬
‫أمكن‪ ،‬بالقدر الذي يعمل به ھذا التخطيط على إثراء شعبنا‪ ،‬كما يلزمنا مداومة تذكير‬
‫شعبنا والتنبيه عليه تنبيھا مشدداً من حين آلخر بأن يقاطع المسلمين اقتصادياً‪ ،‬وأن‬
‫يمتنع عن التعامل المادي معھم امتناعا ً مطلقاً‪ ،‬إال في الحاالت التي يتعذر فيھا ذلك‪،‬‬
‫ويعني مقاطعة‪ :‬المحاميين ـ المحاسبين ـ المدرسين ـ األطباء ـ الصيادلة ـ العيادات ـ‬
‫المستشفيات الخاصة ـ المحالت التجارية الكبيرة و الصغيرة ـ الجمعيات االستھالكية‬
‫أيضا )!(‪ ،‬وذلك مادام ممكنا لھم التعامل مع إخوانھم من شعب الكنيسة‪ ،‬كما يجب أن‬
‫ينبھوا دوما ً إلى مقاطعة صنّاع المسلمين وحرفييھم واالستعاضة عنھم بالصناع و‬
‫الحرفيين النصارى‪ ،‬و لو كلفھم ذلك االنتقال و الجھد و المشقة ‪..‬‬
‫” ثم قال البابا شنودة‪ :‬إن ھذا األمر بالغ األھمية لتخطيطنا العام في المدى القريب و‬
‫البعيد ‪..‬‬
‫” ثالثا ً‪ :‬تعليم شعب الكنيسة‪.. :‬‬
‫” قال البابا شنودة‪ :‬إنه يجب فيما يتعلق بالتعليم العام للشعب المسيحي االستمرار في‬
‫السياسة التعليمية المتبعة حاليا ً مع مضاعفة الجھد في ذلك‪ ،‬خاصة و أن بعض‬
‫المساجد شرعت تقوم بمھام تعليمية كالتي نقوم بھا في كنائسنا‪ ،‬األمر الذي سيجعل‬
‫مضاعفة الجھد المبذول حاليا ً أمراً حتميا ً حتى تستمر النسبة التي يمكن الظفر بھا من‬
‫مقاعد الجامعة وخاصة الكليات العملية ‪ .‬ثم قال‪ :‬إني إذ أھنئ شعب الكنيسة خاصة‬
‫المدرسين منھم على ھذا الجھد وھذه النتائج‪ ،‬إذ وصلت نسبتنا في بعض الوظائف‬
‫الھامة والخطيرة كالطب والصيدلة والھندسة وغيرھا أكثر من ‪ (!) %60‬إني إذ‬
‫أھنئھم أدعو لھم يسوع المسيح الرب المخلص أن يمنحھم بركاته و توفيقه‪ ،‬حتى‬
‫يواصلوا الجھد لزيادة ھذه النسبة في المستقبل القريب ‪..‬‬
‫” رابعا ً‪ :‬التبشير‪.. :‬‬
‫” قال البابا شنودة‪:‬كذلك فإنه يجب مضاعفة الجھود التبشيرية الحالية‪ ،‬إذ أن الخطة‬
‫التبشيرية التي وضعت بنيت على أساس ھدف ا ﱡتفق عليه للمرحلة القادمة‪ ،‬وھو‬
‫زحزحة أكبر عدد من المسلمين عن دينھم والتمسك به‪ ،‬على أال يكون من الضروري‬
‫اعتناقھم المسيحية‪ ،‬فإن الھدف ھو زعزعة الدين في نفوسھم‪ ،‬وتشكيك الجموع‬
‫الغفيرة منھم في كتابھم وصدق محمد‪ ،‬ومن ثم يجب عمل كل الطرق واستغالل كل‬
‫اإلمكانيات الكنسية للتشكيك في القرآن و إثبات بطالنه و تكذيب محمد ‪..‬‬
‫” وإذا أفلحنا في تنفيذ ھذا المخطط التبشيري في المرحلة المقبلة‪ ،‬فإننا نكون قد‬
‫نجحنا في إزاحة ھذه الفئات من طريقنا‪ ،‬و إن لم تكن ھذه الفئات مستقبالً معنا فلن‬
‫تكون علينا ‪..‬‬
‫” غير أنه ينبغي ان يراعي في تنفيذ ھذا المخطط التبشيري أن يتم بطريقة ھادئة لبقة‬
‫وذكية ؛ حتى ال يكون سببا ً في إثارة حفيظة المسلمين أو يقظتھم ‪..‬‬
‫” وإن الخطأ الذي وقع منا في المحاوالت التبشيرية األخيرة ـ التي نجح مبشرونا فيھا‬
‫في ھداية عدد من المسلمين إلى اإليمان و الخالص على يد الرب يسوع المخلص )!(‬
‫ـ ھو تسرب أنباء ھذا النجاح إلى المسلمين‪ ،‬ألن ذلك من شأنه تنبيه المسلمين و‬
‫إيقاظتھم من غفلتھم‪ ،‬و ھذا أمر ثابت في تاريخھم الطويل معنا‪ ،‬و ليس ھو باألمر‬
‫الھين‪ ،‬ومن شأن ھذه اليقظة أن تفسد علينا مخططاتنا المدروسة‪ ،‬وتؤخر ثمارھا‬
‫وتضيع جھودنا‪ ،‬ولذا فقد أصدرت التعليمات الخاصة بھذا األمر‪ ،‬وسننشرھا في كل‬
‫الكنائس لكي يتصرف جميع شعبنا مع المسلمين بطريقة ودية تمتص غضبھم وتقنعھم‬
‫بكذب ھذه األنباء‪ ،‬كما سبق التنبيه على رعاة الكنائس واآلباء والقساوسة بمشاركة‬
‫المسلمين احتفاالتھم الدينية‪ ،‬وتھنئھم بأعيادھم‪ ،‬وإظھار المودة والمحبة لھم ‪..‬‬
‫” وعلى شعب الكنيسة في المصالح و الوزارات والمؤسسات إظھار ھذه الروح لمن‬
‫يخالطونھم من المسلمين ‪ .‬ثم قال بالحرف الواحد‪.. :‬‬
‫” إننا يجب أن ننتھز ما ھم فيه من نكسة ومحنة ألن ذلك في صالحنا‪ ،‬ولن نستطيع‬
‫إحراز أية مكاسب أو أي تقدم نحو ھدفنا إذا انتھت المشكلة مع إسرائيل سواء بالسلم‬
‫أو بالحرب ” ‪..‬‬
‫” ثم ھاجم من أسماھم بضعاف القلوب الذين يقدمون مصالحھم الخاصة على مجد‬
‫شعب الرب و الكنيسة‪ ،‬وعلى تحقيق الھدف الذي يعمل له الشعب منذ عھد بعيد‪،‬‬
‫وقال إنه لم يلتفت إلى ھلعھم‪ ،‬و أصر أنه سيتقدم للحكومة رسميا ً بالمطالب الواردة‬
‫بعد‪ ،‬حيث إنه إذا لم يكسب شعب الكنيسة في ھذه المرحلة مكاسب على المستوى‬
‫الرسمي فربما ال يستطيع إحراز أي تقدم بعد ذلك ‪..‬‬
‫” ثم قال بالحرف الواحد‪ :‬وليعلم الجميع خاصة ضعاف القلوب أن القوى الكبرى في‬
‫العالم تقف وراءنا ولسنا نعمل وحدنا‪ ،‬وال بد من أن نحقق الھدف‪ ،‬لكن العامل األول‬
‫والخطير في الوصول إلى ما نريد ھو وحدة شعب الكنيسة و تماسكه و ترابطه ‪ ..‬و‬
‫لكن إذا تبددت ھذه الوحدة و ذلك التماسك فلن تكون ھناك قوة على وجه األرض‬
‫مھما عظم شأنھا تستطيع مساعدتنا ‪..‬‬
‫” ثم قال‪ :‬ولن أنسى موقف ھؤالء الذين يريدون تفتيت وحدة شعب الكنيسة‪ ،‬وعليھم‬
‫أن يبادروا فوراً بالتوبة وطلب الغفران والصفح‪ ،‬وأال يعودوا لمخالفتنا ومناقشة‬
‫تشريعاتنا وأوامرنا‪ ،‬والرب يغفر لھم )وھو يشير بذلك إلى خالف وقع بين بعض‬
‫المسئولين منھم‪ ،‬إذ كان البعض يرى التريث وتأجيل تقديم المطالب المزعومة إلى‬
‫الحكومة( ‪..‬‬
‫” ثم عدد البابا شنودة المطالب التي صرح بھا بأنه سوف يقدمھا رسميا ً إلى الحكومة‪:‬‬
‫‪..‬‬
‫” ‪ 1‬ـ أن يصبح مركز البابا الرسمي في البروتوكول السياسي بعد رئيس الجمھورية‬
‫وقبل رئيس الوزراء ‪..‬‬
‫” ‪ 2‬ـ أن تخصص لھم ‪ 8‬وزارات )أى يكون وزراؤھا نصارى( ‪..‬‬
‫” ‪ 3‬ـ أن تخصص لھم ربع القيادات العليا في الجيش والبوليس ‪..‬‬
‫” ‪4‬ـ أن تخصص لھم ربع المراكز القيادية المدنية‪ ،‬كرؤساء مجالس المؤسسات‬
‫والشركات والمحافظين ووكالء الوزارات والمديرين العامين ورؤساء مجالس المدن‬
‫‪..‬‬
‫” ‪ 5‬ـ أن يستشار البابا عند شغل ھذه النسبة في الوزارات و المراكز العسكرية و‬
‫المدنية‪ ،‬و يكون له حق ترشيح بعض العناصر و التعديل فيھا ‪..‬‬
‫” ‪ 6‬ـ أن يسمح لھم بإنشاء جامعة خاصة بھم‪ ،‬وقد وضعت الكنيسة بالفعل تخطيط‬
‫ھذه الجامعة‪ ،‬و ھي تضم المعاھد الالھوتية الكليات العملية و النظرية‪ ،‬وتمول من‬
‫مالھم الخاص ‪..‬‬
‫” ‪ 7‬ـ يسمح لھم بإقامة إذاعة من مالھم الخاص ‪..‬‬
‫” ثم ختم حديثه بأن ب ّشر الحاضرين‪ ،‬وطلب إليھم نقل ھذه البشرى لشعب الكنيسة‪،‬‬
‫بأن أملھم األكبر في عودة البالد واألراضي إلى أصحابھا من ” الغزاة المسلمين ” قد‬
‫بات وشيكاً‪ ،‬وليس في ذلك أدنى غرابة ـ في زعمه ـ وضرب لھم مثالً بأسبانيا‬
‫النصرانية التي ظلت بأيدي ” المستعمرين المسلمين ” قرابة ثمانية قرون )‪800‬‬
‫سنة(‪ ،‬ثم استردھا أصحابھا النصارى‪ ،‬ثم قال وفي التاريخ المعاصر عادت أكثر من‬
‫بلد إلى أھلھا بعد أن طردوا منھا منذ قرون طويلة جداً )واضح أن شنودة يقصد‬
‫إسرائيل( وفي ختام االجتماع أنھى حديثه ببعض األدعية الدينية للمسيح الرب الذي‬
‫يحميھم و يبارك خطواتھم ” ‪.‬‬
‫بين يدى ھذا التقرير المثير ال بد من كلمة‪ ،‬إن الوحدة الوطنية الرائعة بين مسلمى‬
‫مصر وأقباطھا يجب أن تبقى وأن تصان‪ ،‬وھى مفخرة تاريخية‪ ،‬ودليل جيد على ما‬
‫تسديه السماحة من بر وقسط ‪.‬‬
‫ونحن ندرك أن الصليبية تغص بھذا المظھر الطيب وتريد القضاء عليه‪ ،‬وليس‬
‫بمستغرب أن تفلح فى إفساد بعض النفوس وفى رفعھا إلى تعكير الصفو ‪..‬‬
‫وعلينا ـ والحالة ھذه ـ أن نرأب كل صدع‪ ،‬ونطفئ كل فتنة‪ ،‬لكن ليس على حساب‬
‫اإلسالم والمسلمين‪ ،‬وليس كذلك على حساب الجمھور الطيب من المواطنين األقباط ‪.‬‬

‫وقد كنت أريد أن أتجاھل ما يصنع األخ العزيز ” شنودة ” الرئيس الدينى إلخواننا‬
‫األقباط‪ ،‬غير أنى وجدت عدداً من توجيھاته قد أخذ طريقه إلى الحياة العملية ‪.‬‬

‫الحقائق تتكلم‬

‫ـ فقد قاطع األقباط مكاتب تنظيم األسرة تقريبا ً ‪.‬‬


‫ـ ونفذوا بحزم خطة تكثير عددھم فى الوقت الذى تنفذ فيه بقوة وحماسة سياسة تقليل‬
‫المسلمين ‪ ..‬وأعتقد أن األقباط اآلن يناھزون ثالثة ماليين أى أنھم زادوا فى الفترة‬
‫األخيرة بنسبة ما بين ‪!! % 50 ،% 40‬‬
‫ـ ثم إن األديرة تحولت إلى مراكز تخطيط وتدريب ـ خصوصا ً أديرة وادى النطرون‬
‫التى يذھب إليھا بابا األقباط ولفيف من أعوانه المقربين‪ ،‬والتى يستقدم إليھا الشباب‬
‫القبطى من أقاصى البالد لقضاء فترات معينة وتلقى توجيھات مريبة ‪..‬‬
‫ـ وفى سبيل إضفاء الطابع النصرانى على التراب المصرى‪ ،‬استغل األخ العزيز ”‬
‫شنودة ” ورطة البالد فى نزاعھا مع اليھود واالستعمار العالمى لبناء كنائس كثيرة ال‬
‫يحتاج العابدون إليھا ـ لوجود ما يغنى عنھا ـ فماذا حدث ؟‬
‫لقد صدر خالل أغسطس وسبتمبر وأكتوبر سنة ‪ 1973‬خمسون مرسوماً جمھوريا ً‬
‫بإنشاء ‪ 50‬كنيسة‪ ،‬يعلم ﷲ أن أغلبھا بنى للمباھاة وإظھار السطوة وإثبات الھيمنة فى‬
‫مصر ‪.‬‬
‫وقد تكون الدولة محرجة عندما أذنت بھذا العدد الذى لم يسبق له مثيل فى تاريخ‬
‫مصر ‪..‬‬
‫لكننا نعرف المسئولين أن األخ العزيز ” شنودة ” ! لن يرضى ألنه فى خطابه كشف‬
‫عن نيته‪ ،‬وھى نية تسىء إلى األقباط والمسلمين جميعا ً ‪..‬‬
‫وقد نفى رئيس لجنة ” تقصى الحقائق ” أن يكون ھذا الخطاب صادرا ً عن رئيس‬
‫األقباط ‪.‬‬
‫ولما كان رئيس اللجنة ذا ميول ” شيوعية ” وتھجمه على الشرع اإلسالمى معروف‪،‬‬
‫فإن ھذا النفى ال وزن له‪ ،‬ثم إنه ليس المتحدث الرسمى باسم الكنيسة المصرية ‪..‬‬
‫ومبلغ علمى أن الخطاب مسجل بصوت البابا نفسه ومحفوظ ويوجد اآلن من يحاول‬
‫تنفيذه كله ‪.‬‬
‫نحن نريد الحفاظ على وحدة مصر الوطنية‬

‫ونحن نناشد األقباط العقالء أن يتريثوا وأن يأخذوا على أيدى سفھائھم وأن يبقوا‬
‫بالدنا عامرة بالتسامح والوئام كما كان ديدنھا من قرون طوال ‪..‬‬
‫وإذا كانت قاعدة ” لنا ما لكم وعلينا ما عليكم ” ال تقنع‪ ،‬فكثروا بعض ما لكم‪ ،‬وقللوا‬
‫بعض ما عليكم شيئا ً ما‪ ،‬شيئا ً معقوالً‪ ،‬شيئا ً يسھل التجاوز عنه والتماس المعاذير له‬
‫!!‬
‫أما أن يحلم البعض بإزالتنا من بلدنا‪ ،‬ويضع لذلك خطة طويلة المدى‪ ،‬فذلك ما ال‬
‫يطاق‪ ،‬وما نرجو عقالء األقباط أن يكفونا مؤونته‪ ،‬ونحن على أتم استعداد ألن ننسى‬
‫‪ ..‬وننسى ‪..‬‬
‫الباب الرابع‪ /‬اإلسالم وجماعة اإلخوان‬

‫انتسبت لجماعة اإلخوان فى العشرين من عمرى‪ ،‬ومكثت فيھا قرابة سبع عشرة‬
‫سنة‪ ،‬كنت خاللھا عضواً فى ھيئتھا التأسيسية‪ ،‬ثم عضواً فى مكتب اإلرشاد العام ‪..‬‬
‫وشاء ﷲ أن يقع نزاع حاد بينى وبين قيادة الجماعة‪ ،‬انتھى بصدور قرار يقضى‬
‫بفصلى وفصل عدد آخر من األعضاء ‪.‬‬
‫وبعد عدة شھور من ذلك الحدث صدر قرار حكومى بحل الجماعة كلھا واإلجھاز‬
‫على جميع أنشطتھا‪.‬‬
‫وأريد أن أكون منصفاً‪ ،‬فإن الزعم بأن جميع اإلخوان أشرار سخف وافتراء‪ ،‬والزعم‬
‫بأن الجماعة كلھا كانت معصومة من الخطأ غرور وادعاء ‪..‬‬
‫وليس ذلك ما يعنينى ھنا‪ ،‬إنما الذى يعنينى أمر آخر ھو األھم واألخطر‪ ،‬عند ﷲ‬
‫وعند الناس‪ ،‬أمر اإلسالم نفسه ‪.‬‬
‫قال لى أحد الناس‪ :‬ليذھب اإلخوان إلى الجحيم !‬
‫قلت له‪ :‬اسمع‪ ،‬مصاير الناس بيد ﷲ وحده‪ ،‬وليذھب من شاء إلى الجحيم ‪ ..‬لكن ھل‬
‫يذھب اإلسالم إلى الجحيم معھم ؟‬
‫قال‪ :‬ال ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬دعنى من العناوين ولنتحدث فى الموضوع ‪ .‬ھل نترك كتاب ربنا وسنة نبينا أم‬
‫نتشبث بھما ونحرص عليھما ؟‬
‫فأجاب بعد تريث‪ :‬ال نترك ديننا !‬
‫قلت‪ :‬ھل ننفذ من ديننا ما نحب ونھمل ما نكره‪ ،‬أم نطيع ﷲ فى كل ما أمر به ونھى‬
‫عنه ؟ إن ھناك نصوصا ً فى الكتاب والسنة معطلة محكوما ً عليھا بالموت‪ ،‬ونصوصا ً‬
‫أخرى تنفذ جزئيا ً وال يؤذن بتطبيقھا على وجه كامل‪ ،‬فھل تبقى ھذه األوضاع أم‬
‫ينبغى إصالحھا ؟‬
‫قال‪ :‬لكن ھذا ما يقوله اإلخوان المسلمون !!‬
‫قلت له‪ :‬دعنى من جماعة اإلخوان‪ ،‬فقد نفضت يدى من العناوين‪ ،‬أنا أتحدث عن‬
‫اإلسالم نفسه‪ ،‬وعن المنحدر الذى وقع فيه‪ ،‬وعن األمة الكسيرة التى تنتمى إليه‪ ،‬ألم‬
‫نتفق على ضرورة التمسك بكتاب ربنا وسنة نبينا ؟‬
‫قال‪ :‬بلى !!‬
‫قلت‪ :‬وذاك ما نريد أن نتعاون على بلوغه‪ ،‬ونرسم الخطة المثلى لتحقيقه !‬
‫ولعلك ترى معى بعد ذلك أن االنتساب لإلسالم ليس جريمة‪ ،‬وأن الجريمة ھى تشويه‬
‫نھجه وإنكار ھديه وترك أعدائه أحرارا ً فى النيل منه ‪..‬‬
‫قال‪ :‬أشعر أنك تجرنى بدھاء إلى جماعة اإلخوان !!‬
‫قلت له‪ :‬يا أخى تخل عن ھذه العقدة التى تحكمك ‪ ..‬إننى أريد أن أعمل لإلسالم الذى‬
‫رفع علمه خاتم األنبياء محمد صلى ﷲ عليه وسلم‪ ،‬وخلفه على مواريثه أبو بكر‬
‫وعمر وعثمان وعلى ‪ ..‬ھذا المصحف المھجور فى دواوين السلطة‪ ،‬وفى أرجاء‬
‫المجتمع‪ ،‬نريد أن نؤنس وحشته ونرفع شعاره ‪.‬‬
‫دعنى من أى تجمع حدث فى ھذا العصر‪ ،‬ولننس األشخاص الذين اشتھروا‪ ،‬ولنطو‬
‫صحائفھم بما فيھا من خطأ وصواب ولنعمل لإلسالم وحده ‪..‬‬
‫فسكت متردداً حائرا ً ‪.‬‬
‫قلت له‪ :‬اسمع‪ ،‬إن ھناك قوما ً يكرھون اإلسالم ذاته ويخدمون بكراھيته القوى الثالث‬
‫التى تجمعت ضده اليوم‪:‬‬
‫الشيوعية‪ ،‬الصھيونية‪ ،‬الصليبية‪ ،‬وھؤالء يريدون أن يجعلوا من كلمة ” اإلخوان ”‬
‫سيفا ً مصلتا ً على عنق كل مخلص له عامل فى حقله‪ ،‬وأنا أرفض ھذا الخلط ‪..‬‬
‫إن إرھاب المجاھدين فى سبيل ﷲ بوصفھم إخواناً‪ ،‬ووضع العوائق أمام النھضة‬
‫اإلسالمية بزعم أن ذلك منع لعودة الجماعة المنحلة‪ ،‬إن ھذا وذاك خيانة عظمى‪،‬‬
‫وارتداد عن الملة ‪..‬‬
‫لقد أصبح التجمع على اإلسالم ضرورة حياة فى وجه اليھود الذين احتلوا أجزاء‬
‫حساسة من أرضنا‪ ،‬ويوشك أن تكون لھم وثبة أخرى ربما كانت نحو عواصمنا وبقية‬
‫مقدساتنا‪ ،‬فاصطياد الريب لھذا التجمع ال أستطيع وصفه إال بأنه عمل لمصلحة بنى‬
‫إسرائيل ‪..‬‬
‫إن الخطة التى وضعت لمحاربة جماعة اإلخوان ال يسوغ أن تستفل لمحاربة ﷲ‬
‫ورسوله ‪.‬‬
‫ويسوءنى أن الذين رسموا ھذه الخطة يحاولون أن يقضوا بھا على الدين نفسه‪،‬‬
‫والفرق واضح بين دين له قداسته ونفر من الناس لھم خطؤھم وصوابھم ‪.‬‬

‫تقرير يفضح النيات المبيتة لإلسالم‬

‫اقرأ معى ھذا التقرير ‪:..‬‬


‫تقرير اللجنة المؤلفة برياسة السيد ” زكريا محيى الدين ” رئيس الوزراء فى حينه‪،‬‬
‫بشأن القضاء على تفكير اإلخوان‪ ،‬بناء على أوامر السيد الرئيس بتشكيل لجنة عليا‪،‬‬
‫لدراسة واستعراض الوسائل التى استعملت‪ ،‬والنتائج التى تم التوصل إليھا‪،‬‬
‫بخصوص مكافحة جماعة اإلخوان المسلمين المنحلة‪ ،‬ولوضع برنامج ألفضل‬
‫الطرق التى يجب استعمالھا فى مكافحة اإلخوان بالمخابرات‪ ،‬والمباحث العامة‪،‬‬
‫لبلوغ ھدفين‪:‬‬
‫أ ـ غسل مخ اإلخوان من أفكارھم ‪.‬‬
‫ب ـ منع عدوى أفكارھم من االنتقال إلى غيرھم ‪.‬‬
‫اجتمعت اللجنة المشكلة من‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ سيادة رئيس مجلس الوزراء‬
‫‪ 2‬ـ السيد ‪ /‬قائد المخابرات العامة‬
‫‪ 3‬ـ السيد ‪ /‬قائد المباحث الجنائية العسكرية‬
‫‪ 4‬ـ السيد ‪ /‬مدير المباحث العامة‬
‫‪ 5‬ـ السيد ‪ /‬مدير مكتب السيد المشير عبد الحكيم عامر‬
‫وذلك فى مبنى المخابرات العامة بكوبرى القبة‪ ،‬وعقدت عشرة اجتماعات متتالية‬
‫وبعد دراسة كل التقارير والبيانات واإلحصائيات السابقة‪ ،‬أمكن تلخيص المعلومات‬
‫المجتمعة فى اآلتى‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ تبين أن تدريس التاريخ اإلسالمى فى المدارس للنشء بحالته القديمة يربط‬
‫السياسة بالدين فى ال شعور كثير من التالميذ منذ الصغر ويتتابع ظھور معتنقى‬
‫األفكار اإلخوانية ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ صعوبة واستحالة التمييز بين أصحاب الميول والنزعات الدينية وبين معتنقى‬
‫األفكار اإلخوانية‪ ،‬وسھولة وفجائية تحول الفئة األولى إلى الفئة الثانية بتطرف أكبر ‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ غالبية أفراد اإلخوان عاش على وھم الطھارة‪ ،‬ولم يمارس الحياة الجماعية‬
‫الحديثة‪ ،‬ويمكن اعتبارھم من ھذه الناحية ” خام ” ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ غالبيتھم ذوو طاقة فكرية وقدرة تحمل ومثابرة كبيرة على العمل‪ ،‬وقد أدى ذلك‬
‫إلى اطراد دائم وملموس فى تفوقھم فى المجاالت العلمية والعملية التى يعيشون فيھا‬
‫وفى مستواھم الفكرى والعلمى واالجتماعى بالنسبة ألندادھم رغم أن جزءاً غير‬
‫بسيط من وقتھم موجه لنشاطھم الخاص بدعوتھم )المشئومة( ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ ھناك انعكاسات إيجابية سريعة تظھر عند تحرك كل منھم للعمل فى المحيط الذى‬
‫يقتنع ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ تداخلھم فى بعض‪ ،‬ودوام اتصالھم الفردى ببعض وتزاورھم‪ ،‬والتعارف بين‬
‫بعضھم البعض يؤدى إلى ثقة كل منھم فى اآلخر ثقة كبيرة ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ ھناك توافق روحى‪ ،‬وتقارب فكرى وسلوكى يجمع بينھم فى كل مكان حتى ولو‬
‫لم تكن ھناك صلة بينھم ‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ رغم كل المحاوالت التى بذلت منذ عام ‪ 1936‬إلفھام العامة والخاصة بأنھم‬
‫يتسترون وراء الدين لبلوغ أھداف سياسية إال أن احتكاكھم الفردى بالشعب يؤدى إلى‬
‫محو ھذه الفكرة عنھم‪ ،‬رغم أنھا بقيت بالنسبة لبعض زعمائھم ‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ تزعمھم حرب العصابات سنة ‪ 1948‬والقتال سنة ‪ 1951‬رسب فى أفكار بعض‬
‫الناس صورھم كأصحاب بطوالت وطنية عملية‪ ،‬وليست دعائية فقط‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫أن األطماع اإلسرائيلية واالستعمارية والشيوعية فى المنطقة ال تخفى أغراضھا فى‬
‫القضاء عليھم ‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ نفورھم من كل من يعادى فكرتھم جعلھم ال يرتبطون بأى سياسة خارجية سواء‬
‫كانت عربية أو شيوعية أو استعمارية‪ ،‬وھذا يوحى لمن ينظر فى ماضيھم أنھم ليسوا‬
‫عمالء ‪.‬‬
‫وبناء على ذلك رأت اللجنة أن األسلوب الجديد فى المكافحة يجب أن يشمل أساسا ً‬
‫بندين متداخلين وھما‪:‬‬
‫أ ـ محو فكرة ارتباط الدين اإلسالمى بالسياسة ‪.‬‬
‫ب ـ إبادة تدريجية مادية ومعنوية وفكرية للجيل القائم فصالً من معتنقى الفكرة ‪.‬‬
‫ويمكن تلخيص أسس األسلوب الواجب استخدامه لبلوغ ھذين الھدفين فى اآلتى‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬سياسة وقائية عامة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ تغيير مناھج تدريس التاريخ اإلسالمى والدين فى المدارس وربطھا بالمعتقدات‬
‫االشتراكية كأوضاع اجتماعية واقتصادية وليست سياسية ‪ .‬مع إبراز مفاسد الخالفة‬
‫خاصة زمن العثمانيين وأن تقدم الغرب السريع إنما كان عقب ھزيمة الكنيسة‬
‫وإقصائھا عن السياسة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ التحرى الدقيق عن رسائل وكتب ونشرات ومقاالت اإلخوان المسلمين فى كل‬
‫مكان ثم مصادرتھا وإعدامھا ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ يحرم بتاتا ً قبول ذوى اإلخوان وأقربائھم حتى الدرجة الثالثة فى القرابة من‬
‫االنخراط فى السلك العسكرى أو البوليس أو السياسة‪ ،‬مع سرعة عزلة الموجودين‬
‫من ھؤالء األقرباء من ھذه األماكن أو نقلھم إلى األماكن األخرى فى حالة ثبوت‬
‫والئھم ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ مضاعفة الجھود المبذولة فى سياسة العمل الدائم على إفقاد الثقة بينھم وتحطيم‬
‫وحدتھم بشتى الوسائل‪ ،‬وخاصة عن طريق إكراه البعض على كتابة تقارير عن‬
‫زمالئھم بخطھم‪ ،‬ثم مواجھة اآلخر بما معھا مع العمل‪ ،‬على منع كل من الطرفين من‬
‫لقاء اآلخر أطول فترة ممكنة لنزيد ھوة انعدام الثقة بينھم ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ بعد دراسة عميقة لموضوع المتدينين من غير اإلخوان‪ ،‬وھم الذين يمثلون ”‬
‫االحتياطى ” لھم وجد أن ھناك حتمية طبيعية عملية اللتقاء الصنفين فى المدى‬
‫الطويل‪ ،‬ووجد أنه من األفضل أن يبدأ بتوحيد معاملتھم بمعاملة اإلخوان قبل أن‬
‫يفاجئونا كالعادة باتحادھم معھم علينا ‪.‬‬
‫ومع افتراض احتمال كبير لوجود أبرياء منھم إال أن التضحية بھم خير من التضحية‬
‫بالثورة فى يوم ما على أيديھم ‪.‬‬
‫ولصعوبة واستحالة التمييز بين اإلخوان والمبتدئين بوجه عام فال بد من وضع‬
‫الجميع ضمن فئة واحدة ومراعاة ما يلى‪:‬‬
‫أ ـ تضييق فرص الظھور والعمل أمام المتدينين عموما ً فى المجاالت العلمية والعملية‬
‫‪.‬‬
‫ب ـ محاسبتھم بشدة وباستمرار على أى لقاء فردى أو زيارات أو اجتماعات تحدث‬
‫بينھم ‪.‬‬
‫جـ ـ عزل المتدينين عموما ً عن أى تنظيم أو اتحاد شعبى أو حكومى أو اجتماعى أو‬
‫طالبى أو عمالى أو إعالمى‪.‬‬
‫د ـ التوقف عن السياسة السابقة فى السماح ألى متدين بالسفر للخارج للدراسة أو‬
‫العمل حيث فشلت ھذه السياسة فى تطوير معتقداتھم وسلوكھم‪ ،‬وعدد بسيط جداً منھم‬
‫ھو الذى تجاوب مع الحياة األوربية فى البالد التى سافروا إليھا ‪ .‬أما غالبيتھم فإن من‬
‫ھبط منھم فى مكان بدأ ينظم فيه االتصاالت والصلوات الجماعية أو المحاضرات‬
‫لنشر أفكاره ‪.‬‬
‫ھـ ـ التوقف عن سياسة استعمال المتدينين فى حرب الشيوعيين واستعمال الشيوعيين‬
‫فى حربھم بغرض القضاء على الفئتين‪ ،‬حيث ثبت تفوق المتدينين فى ھذا المجال‪،‬‬
‫ولذلك يجب أن نعطى الفرص للشيوعيين لحربھم وحرب أفكارھم ومعتقداتھم‪ ،‬مع‬
‫حرمان المتدينين من األماكن اإلعالمية ‪.‬‬
‫و ـ تشويش الفكرة الشائعة عن اإلخوان فى حرب فلسطين والقتال وتكرار النشر‬
‫بالتلميح والتصريح عن اتصال اإلنجليز بالھضيبى‪ ،‬وقيادة اإلخوان‪ ،‬حتى يمكن‬
‫غرس فكرة أنھم عمالء لالستعمار فى أذھان الجميع ‪.‬‬
‫ز ـ االستمرار فى سياسة محاولة اإليقاع بين اإلخوان المقيمين فى الخارج وبين‬
‫الحكومات العربية المختلفة وخاصة فى الدول الرجعية اإلسالمية المرتبطة بالغرب‪،‬‬
‫وذلك بأن يروج عنھم فى تلك الدول أنھم عناصر مخربة ومعادية لھم وأنھم يضرون‬
‫بمصلحتھا‪ ،‬وبھذا تسھل محاصرتھم فى الخارج أيضا ً ‪.‬‬
‫ثانيا ً‪:‬‬
‫استئصال السرطان الموجود اآلن‪ ،‬وبالنسبة لإلخوان الذين اعتقلوا أو سجنوا فى أى‬
‫عھد من العھود يعتبرون جميعا ً قد تمكنت منھم الفكرة كما يتمكن السرطان فى الجسم‬
‫وال يرجى شفاؤه‪ ،‬ولذا تجرى عملية استئصالھم كاآلتى‪:‬‬
‫المرحلة األولى‪:‬‬
‫إدخالھم فى سلسلة متصلة من المتاعب تبدأ باالستيالء أو وضع الحراسة على أموالھم‬
‫وممتلكاتھم‪ ،‬ويتبع ذلك اعتقالھم وأثناء االعتقال تستعمل معھم أشد أنواع اإلھانة‬
‫والعنف والتعذيب على مستوى فردى ودورى حتى يصيب الدور الجميع ثم يعاد‬
‫وھكذا ‪.‬‬
‫وفى نفس الوقت ال يتوقف التكدير على المستوى الجماعى بل يكون مالزما ً للتأديب‬
‫الفردى ‪.‬‬
‫وھذه المرحلة إذا نفذت بدقة ستؤدى إلى‪:‬‬
‫بالنسبة للمعتقلين‪:‬‬
‫اھتزاز األفكار فى عقولھم وانتشار االضطرابات العصبية والنفسية والعاھات‬
‫واألمراض بينھم ‪.‬‬
‫بالنسبة لنسائھم‪:‬‬
‫سواء كن زوجات أو أخوات أو بنات فسوف يتحررن ويتمردن لغياب عائلھن‪،‬‬
‫وحاجتھن المادية قد تؤدى النزالقھن ‪.‬‬
‫بالنسبة لألوالد‪:‬‬
‫تضطر العائالت لغياب العائل ولحاجتھا المادية إلى توقيف األبناء عن الدراسة‬
‫وتوجيھھم للحرف والمھن‪ ،‬وبذلك يخلو جيل الموجھين المتعلم القادم ممن فى نفوسھم‬
‫أى حقد أو أثر من آثار أفكار آبائھم ‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪:‬‬
‫إعدام كل من ينظر إليه بينھم كداعية‪ ،‬ومن تظھر عليه الصالبة سواء داخل السجون‬
‫أو المعتقالت أو بالمحاكمات‪ ،‬ثم اإلفراج عنھم بحيث يكون اإلفراج عنھم على‬
‫دفعات‪ ،‬مع عمل الدعاية الالزمة لكى تنتشر أنباء العفو عنھم ليكون ذلك سالحا ً يمكن‬
‫استعماله ضدھم من جديد فى حالة الرغبة فى إعادة اعتقالھم ‪.‬‬
‫وإذا أحسن تنفيذ ھذه المرحلة مع المرحلة السابقة فستكون النتائج كما يلى‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ يخرج المعفو عنه إلى الحياة فإن كان طالبا ً فقد تأخر عن أقرانه‪ ،‬ويمكن أن‬
‫يفصل من دراسته ويحرم من متابعة تعليمه ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إن كان موظفا ً أو عامالً فقد تقدم زمالؤه وترقوا وھو قابع مكانه ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ إن كان تاجرا ً فقد أفلست تجارته‪ ،‬ويمكن أن يحرم من مزاولة تجارته ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ إن كان مزارعا ً فلن يجد أرضا ً يزرعھا حيث وقعت تحت الحراسة أو صدر‬
‫قرار استيالء عليھا ‪.‬‬
‫وسوف تشترك الفئات المعفو عنھا جميعھا فى اآلتى‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الضعف الجسمانى والصحى‪ ،‬والسعى المستمر خلف العالج والشعور المستمر‬
‫بالضعف المانع من أية مقاومة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الشعور العميق بالنكبات التى جرتھا عليھم دعوة اإلخوان وكراھية الفكرة والنقمة‬
‫عليھا ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ انعدام ثقة كل منھم فى اآلخر‪ ،‬وھى نقطة لھا أھميتھا فى انعزالھم عن المجتمع‬
‫وانطوائھم على أنفسھم ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ خروجھم بعائالتھم من مستوى اجتماعى أعلى إلى مستوى اجتماعى أدنى نتيجة‬
‫لعوامل اإلفقار التى أحاطت بھم ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ تمرد نسائھم وثورتھن على تقاليدھم‪ ،‬وفى ھذا إذالل فكرى ومعنوى لكون النساء‬
‫فى بيوتھن يخالف سلوكھن أفكارھم‪ ،‬ونظراً للضعف الجسمانى والمادى ال يمكنھم‬
‫االعتراض ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ كثرة الديون عليھم نتيجة لتوقف إيراداتھم واستمرار مصروفات عائالتھم ‪.‬‬
‫النتائج اإليجابية لھذه السياسة ھى‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الضباط والجنود الذين يقومون بتنفيذ ھذه السياسة سواء من الجيش أو البوليس‬
‫سيعتبرون فئة جديدة ارتبط مصيرھا بمصير ھذا الحكم القائم حيث يستشعرون عقب‬
‫التنفيذ أنھم )أى الضباط والجنود( فى حاجة إلى نظام الحكم القائم ليحميه من أى عمل‬
‫انتقامى قد يقوم به اإلخوان للثأر ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إثارة الرعب فى نفس كل من تسول له نفسه القيام بمعارضة فكرية للحكم القائم ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وجود الشعور الدائم بأن المخابرات تشعر بكل صغيرة وكبيرة وأن المعارضين‬
‫لن يستتروا وسيكون مصيرھم أسوأ مصير ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ محول فكرة ارتباط السياسة بالدين اإلسالمى ‪.‬‬
‫انتھى ويعرض على السيد الرئيس جمال عبد الناصر‬
‫إمضاء‬
‫السيد ‪ /‬رئيس مجلس الوزراء‬
‫السيد ‪ /‬قائد المخابرات‬
‫السيد ‪ /‬قائد المباحث الجنائية العسكرية‬
‫السيد ‪ /‬مدير المباحث العامة‬
‫السيد ‪ /‬شمس بدران‬
‫أوافق على اقتراحات اللجنة ‪.‬‬
‫جمال عبد الناصر‬

‫ھذا تقرير ردىء‪ ،‬وقع فى الخلط الذى حذرنا منه‪ ،‬ونالحظ عليه ثالثة أمور‪:‬‬
‫ـ أن الخصومة بلغت حد اللدد والعنت‪ ،‬وسنؤخر الحديث فى حقيقة ما وقع إلى آخر‬
‫ھذا الفصل ‪.‬‬
‫ـ أن عاطفة التدين أمست موضع اتھام‪ ،‬وأن المتدينين جملة ال يرتاح إليھم ‪.‬‬
‫ـ أن باب المسخ والتحريف اإلسالمى نفسه انفتح على مصراعيه‪ ،‬والمتأمل فى أسماء‬
‫واضعى التقرير يرى أن أغلبھم يسارى النزعة‪ ،‬وھم فى السجون اآلن لمحاوالت‬
‫آثمة ارتكبوھا ضد حركة التصحيح التى قادھا الرئيس أنور السادات ‪..‬‬
‫لقد اتجه الھدم إذن إلى أعمدة الفكر اإلسالمى نفسه‪ ،‬وانفسح المجال أمام كل أفاك‬
‫ليقول ما عنده وھو آمن‪ ،‬على حين احتبست أصوات المؤمنين فى حلوقھم ‪.‬‬
‫ولم يتحرك فى ميدان الدين كله إال واحد من رجلين‪ :‬إما مسلم منحرف يضر اإلسالم‬
‫وال ينفعه‪ ،‬أو نصرانى ذكى اھتبل الفرصة فامتد إلى ما قصرت عنه آمال أسالفه من‬
‫ألف عام ‪..‬‬
‫وظھر المسلمون وكأنھم فى أعقاب غارة عاتية أكلت األخضر واليابس ‪.‬‬
‫ولنشرع فى إيضاح األمور التى الحظناھا على التقرير اآلنف بادئين بآخرھا الذى‬
‫يمس التاريخ اإلسالمى‪.‬‬

‫صور من الھجوم على اإلسالم ذاته‪ ،‬تحقير الماضى‪ ،‬تزوير التاريخ‬

‫ظھرت حركة تحقير ” للماضى ” وصرف للشباب عنه وعن القيم التى يحتويھا ‪.‬‬
‫ترجم الدكتور زكى نجيب محمود عن ذلك فى مقال نشرته جريدة ” األھرام ” جاء‬
‫فيه أن بناء اإلنسان العربى فى العصر الحديث ال يجوز أن يعتمد على ما كان أى‬
‫على قال فالن وروى عالن ‪!!..‬‬
‫من المقصود بھذا الكالم المرسل ؟‬
‫من الذين يعتمدون على القول والرواية فى مجتمعنا ؟‬
‫إن الرجل يطلب فى إجمال ترك القرآن والسنة‪ ،‬وإذا لم يصرح بذلك فألنه حدد ھدفه‬
‫وصرح به فى مقال آخر عندما أوصى بقراءة كتاب ” رأس المال ” لكارل ماركس ‪.‬‬

‫ونحن المسلمين تعلمنا فى كتابنا احترام ” الحقيقة ” بغض النظر عن زمان ماض أو‬
‫قادم‪ ،‬فال الحقيقة يشينھا أنھا من نتاج األوائل‪ ،‬وال الخرافة يزكيھا أنھا من إنتاج‬
‫المعاصرين ‪..‬‬
‫ومن بيع الماء للسقائين ـ كما يقول العامة ـ أن ينصح ناصح اإلسالم والمسلمين بعدم‬
‫التعويل على الماضى عند وزن الحقائق‪ ،‬كيف والقرآن الكريم يعيب المقلدين‬
‫الجامدين فيقول‪:‬‬
‫” وإذا قيل لھم تعالوا إلى ما أنزل ﷲ وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا‬
‫أو لو كان آباؤھم ال يعلمون شيئا ً وال يھتدون ” )المائدة‪(104 :‬‬
‫ولكن الماضى يعاب يوم يكون أمجاد اإلسالم وھداياته‪ ،‬ويترك ليؤثر فى الكيان‬
‫الدولى يوم يكون إقامة إلسرائيل وإحياء لترھات العھد القديم !!‬
‫أما الدكتور ” فؤاد زكريا ” فيربط بين تقديس الماضى والنظام اإلقطاعى فيقول‪” :‬‬
‫إن زمام السيطرة فى ھذا المجتمع يقع فى قبضة أناس يتجھون بحكم وضعھم‬
‫االجتماعى إلى تكريم األسالف واإلشادة بماضيھم‪ ،‬فلذلك اإلقطاعى الكبير يدين‬
‫بثروته ونفوذه فى معظم األحيان للوراثة ‪..‬‬
‫” وھكذا فإن أمجاده كلھا مرتبطة بالماضى‪ ،‬وكل قيمة للحاضر إنما تستمد ـ فى‬
‫نظره ـ من عالقته بھذا الماضى ‪ .‬ولما كان األعيان اإلقطاعيون ھم المسيطرين فى‬
‫ھذا المجتمع فإن طرق تفكيرھم وقيمھم األخالقية ھى التى تنتشر وتطبع صورتھا‬
‫على المجتمع ككل ! ‪..‬‬
‫” ومن ھنا تتعلق األذھان فى مثل ھذا المجتمع بالماضى‪ ،‬وتنظر إلى المستقبل بعين‬
‫االرتياب‪ ،‬بل إنھا ال ترضى عن الحاضر ذاته إال بقدر ما يكون انعكاسا ً للماضى ‪” ..‬‬
‫‪.‬‬
‫إننى تحيرت فى بواعث ھذا الكالم‪ ،‬ھل الشكوى من التعلق بالماضى تعود إلى تشبث‬
‫المالك الكبار والصغار بوسائل عقيمة فى اإلنتاج ؟‬
‫واقع بالدنا ينطق بغير ھذا ‪.‬‬
‫إذن ما القصد من مھاجمة الماضى ورفض امتداده فى الحاضر ؟‬
‫ومضيت فى قراءة كتاب ” الجوانب الفكرية للنظم االجتماعية ” الذى ألفه الدكتور ”‬
‫فؤاد زكريا ” فإذا ھو يتحدث عن تأثير المصالح اإلقطاعية فى التصورات الدينية‬
‫فيقول إنھا ” أسھمت بدورھا فى تشكيل عقول األفراد بصورة مميزة‪ :‬تلك ھى إدخال‬
‫نوع من التفاوت أو التسلسل فى المراتب فى المجال الروحى ذاته ‪ .‬فھناك مجتمعات‬
‫تتصور األلوھية عالية مترفعة عن عالم البشر‪ ،‬وتقيم نوعا ً من تدرج المراتب بين‬
‫ھذه األلوھية وعام الناس‪ ،‬فبعد ﷲ يأتى األنبياء والقديسون‪ ،‬ثم كبار الكھنة ورجال‬
‫الدين‪ ،‬ويندرج الترتيب بعد ذلك حتى يصل آخر األمر إلى اإلنسان العادى ‪ .‬وال بد‬
‫فى االرتقاء إلى كل مرحلة من ھذه المراحل من المرور بالمراحل السابقة‪ ،‬أى أن‬
‫اإلنسان العادى ال يستطيع مثالً أن يتقرب إلى ﷲ أو يحظى بالشفاعة من أحد‬
‫القديسين إال عن طريق الكاھن الذى يتوسط بينه وبينھم ‪..‬‬
‫” بالتدرج وتفاوت المراتب أن ھناك نظرات أخرى إلى الدين تختفى فيھا ھذه‬
‫الحواجز‪ ،‬ويشيع فيھا التقارب بين ﷲ واإلنسان !! إذ يعد ﷲ قريبا ً من البشر‬
‫مستجيبا ً ومعينا ً لھم‪ ،‬بل إن بعض المذاھب الدينية تؤكد حلول ﷲ فى العالم‪ ،‬وإمكان‬
‫اتحاد اإلنسان به إذا ھو ارتقى إلى مستوى معين من الروحانية !! ھذه الفكرة األخيرة‬
‫ترتبط بنظرة أكثر ديمقراطية إلى المجتمع ‪..‬‬
‫” والدليل على أن ھذه النظرة إلى الدين انعكاس لنظام اجتماعى يتسم بالديمقراطية‬
‫على حين أن فكرة تسلسل المراتب من األعلى إلى األدنى كانت البشرى ألنھا ال‬
‫ترتكز على تأكيد الفوارق فى المرتبة بين الموجودات ‪ ..‬وبالفعل سادت ھذه النظرة‬
‫فى العصور التى كانت أقرب إلى روح مقترنة بالفوارق التى ھى أولى خصائص‬
‫المجتمع‬
‫اإلقطاعى ‪. ” ..‬‬
‫أى أن الدين قد يكون إنتاجا ً إقطاعيا ً أو إنتاجا ً ديمقراطيا ً !! فحيث توجد فوارق بين‬
‫ﷲ والناس فالدين اختراع اإلقطاعيين‪ ،‬أما حيث تقل الفوارق ويمكن أن يتحد اإلنسان‬
‫مع ﷲ فالدين اختراع الديمقراطيين !!‬
‫ھذه ھى فكرة أستاذ فلسفة عن الدين يقدمھا لطالبه فى كلية آداب عين شمس ‪.‬‬
‫فما تكون إذن تصورات األطفال والبله عن حقائق األديان ؟؟‬
‫ظاھر أن الدكتور شيوعى‪ ،‬وأن حديثه الغامض عن الماضى وتقديس األسالف إنما‬
‫ھو لصرف الطالب المسلمين عن النھر الذى يستقون منه‪ ،‬ألن منابعه ھناك فى‬
‫الماضى القديم ‪.‬‬
‫ً‬
‫ھل األمانة العلمية تقتضى تدريس الباطل وحده ؟ أم يدرس الحق والباطل معا ويترك‬
‫للطالب حرية الموازنة واالختيار ‪.‬‬
‫لكن أساتذة الفلسفة الذين ذكرناھم ھنا لم يجشموا أنفسھم عبء االطالع على الفكر‬
‫اإلسالمى فى مظانه المعروفة وانطلقوا فى طريقھم يدمرون مستقبل أمة وھم آمنون ‪.‬‬
‫بل لعلھم كانوا يفعلون ذلك وھم ينفذون خطة مرسومة‪ ،‬ويرقبون من ورائھا الرضا‬
‫واالنتفاع ‪.‬‬
‫وشعبة أخرى حاذت ھذه الشعبة الفلسفية فى نبذ الماضى ‪ .‬عالم تقوم ؟ تقوم على‬
‫تزوير التاريخ اإلسالمى والسيرة النبوية أجمع ابتداء من دولة الخالفة إلى يوم الناس‬
‫ھذا ‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وھدف ھذه الشعبة الفكرية إبراز ” محمد ” إنسانا عاديا‪ ،‬أو قائد انقالب اقتصادى‬
‫يسارى على نحو ما صنع أو حاول أن يصنع ” جيفارا ” ‪.‬‬
‫وقد كتب السيد عبد الرحمن الشرقاوى ـ وھو شيوعى معروف ـ سيرة على ھذا‬
‫النسق حشاھا بالدس والتدليس العلمى وتوجيه األحداث بعنف فى غير مسارھا ‪.‬‬
‫وأصدرت مجلة األزھر عدداً يحتوى جملة مقاالت فضحت ھذه السيرة السيئة‪،‬‬
‫وحذرت منھا دون جدوى ‪.‬‬
‫وقد تعرض السيرة الشريفة من خالل نظرات استشراقية واتھامات تبشيرية من غير‬
‫كشف لتھافت ھذه النظرات واالتھامات ‪.‬‬
‫وال بأس أن يعرض الفتح اإلسالمى‪ ،‬وكأن العرب أسراب جراد منطلق فى األودية‬
‫اليانعة ليأتى على ما فيھا ‪ ..‬أما تحريرھم للشعوب المسترقة وتحطيمھم للقوتين‬
‫العظيمتين المنتفختين بالجبروت واالستعالء فھذا ما ال يقال ؟!‬
‫وقد ينسب للعرب ـ امتنانا ً عليھم ـ أنھم نقلوا حضارة األقدمين إلى العصور الوسطى‪،‬‬
‫أما أنھم أصحاب حضارة مقدورة ورسالة ھادية ومدنية راقية فال ‪..‬‬
‫وفى كلية آداب عين شمس كان التاريخ يدرس على ھذا النحو !!‬
‫مساكين طالبنا الذين راحوا ضحية ھذا اإلرھاب الفكرى فى مرحلة ” جأر ” فيھا‬
‫الضالل ” وخرس ” فيھا الحق !!‬
‫كتب أخونا ” على عبد العظيم ” ھذا التقرير عن كتاب ألفه الدكتور ” عبد المنعم‬
‫ماجد ” وأسماه ” التاريخ السياسى للدولة العربية ” ننشر نصه كامالً لما له من داللة‬
‫‪ .‬قال‪:‬‬
‫” المؤلف من أعضاء ھيئة التدريس بكلية اآلداب بجامعة عين شمس‪ ،‬وكان عليه أن‬
‫يقدر المسئولية وأن يرعى األمانة العلمية‪ ،‬وأن يعتمد فى أبحاثه ودراساته على‬
‫المراجع التاريخية األصلية التى عاصر مؤلفوھا األحداث أو نقلوھا بأمانة عمن‬
‫عاصرھا وشارك فى أحداثھا‪ ،‬ولكنه اعتمد على المبشرين والمستشرقين المتعصبين‬
‫الذين تمتلئ قلوبھم باألحقاد المتوارثة على اإلسالم والمسلمين والذين أعمتھم‬
‫العصبية الحمقاء فأضلتھم سواء السبيل ‪..‬‬
‫” ومن الغريب أنه يسرد آراءھم دون مراجعة أو تمحيص‪ ،‬وينقلھا كأنھا حقائق‬
‫ثابتة‪ ،‬ويلقنھا لتالميذه ويلزمھم بھا كأنھا أحكام صحيحة ال تحتمل البحث أو الجدال‪،‬‬
‫وليس ھذا شأن األساتذة الجامعيين الذين يرعون األمانة ويقدرون المسئولية‬
‫ويتحرون الحقائق من مصادرھا األصيلة‪ ،‬ويراجعون أنفسھم مراجعة دقيقة قبل‬
‫إصدار األحكام الحاسمة التى تشوه التاريخ العربى وتلطخ القيم اإلسالمية العليا بأبشع‬
‫األكاذيب والمفتريات ‪..‬‬
‫” ولو كان األمر مقصوراً على كتاب يؤلفه صاحبه ويحشوه بما يشاء من آراء‬
‫المنحرفين المتعصبين لھان األمر‪ ،‬ولكنه كتاب جامعى مفروض على طلبة الكلية‬
‫فرضا ً منذ سنوات يتلقاه الطلبة عن أستاذھم واثقين به ليرددوا ما فيه ـ بعد ذلك ـ على‬
‫عشرات اآلالف من تالميذھم فى التعليم العام عاما ً بعد عام ” ‪.‬‬
‫والمؤلف يعلم أن ھناك مستشرقين منصفين‪ ،‬درسوا الحضارة اإلسالمية والتاريخ‬
‫العربى دراسة علمية عميقة بعيدة عن الھوى والتعصب‪ ،‬وأنصفوا العرب‬
‫والمسلمين‪ ،‬وعززوا آراءھم باألدلة الحاسمة والبراھين القاطعة معتمدين على اآلثار‬
‫اإلسالمية الباقية والتراث العربى الخالد‪ ،‬ولكن المؤلف تحاماھم جميعاً واستباح لنفسه‬
‫أن يسرد آراء المتعصبين الحاقدين دون دليل أو برھان كأنه يشفى غليالً فى نفسه أو‬
‫يشيع ما حملته طبيعته من بواعث الھدم والتدمير‪ ،‬ومن الخير أن نسوق بعض‬
‫األحكام التى مأل بھا الكاتب صفحات كتابه دون نقد أو تمحيص‪:‬‬
‫أوالً‪:‬‬
‫صفحة ‪ 61 ،60‬من الجزء األول‪ ” :‬كان بعض األعراب يذبحون الكالب كقبيلة أسد‬
‫أو يأكلون لحوم الناس كقبيلة ھذيل ‪ ..‬كما أن بعض األعراب كانوا يأكلون الحيات‬
‫والعقارب والجعالن والخنافس أو حتى القمل ” ‪.‬‬
‫ثانيا ً‪:‬‬
‫يذكر المؤلف فى صفحة ‪ 95 ،94‬أن تاريخ ميالد الرسول صلى ﷲ عليه وسلم غير‬
‫معروف بالضبط‪ ،‬ويتشكك فى ربطه بعام الفيل‪ ،‬ويوحى بأن ذلك ناشىء عن محاولة‬
‫الربط بين مولده وھذا الحادث القومى بالنسبة لقريش‪ ،‬ومن الغريب أن يعتمد فى ذلك‬
‫على معجم البلدان لياقوت‪ ،‬وھو كتاب متأخر ويعتبر من الكتب الجغرافية ال‬
‫التاريخية‪ ،‬كما يعتمد على ثالثة مراجع فرنسية‪ ،‬يفعل ھذا على حين يترك المصادر‬
‫التاريخية المتقدمة األصيلة مثل تاريخ الطبرى وسيرة ابن ھشام وطبقات ابن سعد‬
‫وفتوح البلدان والروض األنف ‪..‬‬
‫ثالثا ً‪:‬‬
‫فى صفحة ‪ 198‬من الجزء األول يقول المؤلف‪ ” :‬وفجأة فى سن األربعين يملك‬
‫محمد موھبة النبوة ” وھذا التعبير غير الئق بجالل النبوة‪ ،‬فإنھا ليست موھبة فطرية‬
‫كالمواھب األخرى‪ ،‬ولكنھا اصطفاء من ﷲ لألخيار الذين اجتباھم من عباده‬
‫المخلصين ‪.‬‬
‫رابعا ً‪:‬‬
‫يستبيح المؤلف لنفسه أن يسرد عبارات تصف القرآن بأنه من صياغة محمد صلى‬
‫ﷲ عليه وسلم مثل قوله فى صفحة ‪ 99‬من الجزء األول‪ ” :‬ومع ذلك فلم يرد على‬
‫لسان النبى فى القرآن ‪ ” ..‬ويقول فى صفحة ‪ ” :125‬وقد أناب فيه أبا بكر صديقه‬
‫ليقرأ عليھم سورة براءة التى يتبرأ فيھا محمد ممن يحج من المشركين ” وكأن محمداً‬
‫صلى ﷲ عليه وسلم ھو الذى ألف ھذه السورة ليتبرأ فيھا من المشركين مع أن أول‬
‫السورة ” براءة من ﷲ ورسوله ” ‪.‬‬
‫خامسا ً‪:‬‬
‫فى صفحة ‪ 250‬يصدر المؤلف حكما ً غريبا ً يھدم الشريعة اإلسالمية من أساسھا‪،‬‬
‫حيث يقرر أن الوحى كان يتم فى المنام‪ ،‬وكأنه أضغاث أحالم فيقول عن الوحى‪” :‬‬
‫إنه كان ينزل عليه وھو نائم ” ‪.‬‬
‫سادسا ً‪:‬‬
‫يدعى فى صفحة ‪ 250‬أن النبى ـ صلى ﷲ عليه وسلم ـ ” كان ينسخ بعض اآليات‬
‫ويأتى بأخرى محلھا ” وكأنه ھو الذى ألف القرآن ثم أجرى فيه بعض المحو‬
‫واألثبات‪ ،‬وكأنه ليس وحيا ً سماويا ً منزالً ‪.‬‬
‫على أن موضوع النسخ فى القرآن محل جدل بين علماء المسلمين‪ ،‬وعلى فرض‬
‫ثبوته فھو من عند ﷲ وحده وھو تدرج فى التشريع موحى به من عند ﷲ ال من عند‬
‫محمد ـ صلى ﷲ عليه وسلم ‪ .‬قال تعالى‪ ” :‬ولو تقول علينا بعض األقاويل ألخذنا منه‬
‫باليمين ثم لقطعنا منه الوتين‪ ،‬فما منكم من أحد عنه حاجزين ”]الحاقة‪44 :‬ـ‪[47‬‬
‫سابعا ً‪:‬‬
‫يذكر المؤلف فى صفحة ‪ 128 ،127‬من الجزء األول عن رسالة النبى صلى ﷲ‬
‫عليه وسلم فيقول‪ ” :‬وھو وإن كان أرسل إلى العرب إال أنه اعتبر نفسه أنه مرسل‬
‫إلى العرب وحدھم ولكنه تجاوز حده واعتبر نفسه رسوالً إلى كافة الناس ” ‪ ..‬وكأنما‬
‫األمر متروك إليه يقرر فيه ما يشاء من داللة النصوص القرآنية وتواتر األحاديث‬
‫النبوية على رسالته إلى جميع الناس ” ليكون للعالمين نذيرا ً ” )الفرقان‪. (1 :‬‬
‫ثامنا ً‪:‬‬
‫فى صفحة ‪ 127‬يذكر المؤلف أن رسالة المسيحية عامة وليست خاصة كاليھودية‪،‬‬
‫والمؤلف ھنا يخالف القرآن الكريم فى قوله تعالى‪ :‬على لسان عيسى عليه السالم ”‬
‫ورسوالً إلى بنى إسرائيل ” )آل عمران‪ (49 :‬كما يخالف العھد الجديد حيث جاء فى‬
‫إنجيل متى ” لم أرسل إال إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ” )االصحاح ‪(24 :15‬‬
‫فالمؤلف ينقل آراء المستشرقين والمبشرين دون نقد أو تمحيص ولو خالفت القرآن‬
‫الكريم والحديث الشريف ‪.‬‬
‫تاسعا ً‪:‬‬
‫يتحدث المؤلف فى صفحة ‪ 128‬وما بعدھا عن قضية البعث والحساب فيصوغھا فى‬
‫عبارات توحى بالسخرية والشك فيما رواه القرآن الكريم فيقول مثالً‪ ” :‬ويخرج‬
‫األموات من قبورھم ليقفوا أمام ﷲ والمالئكة ليحاكموھم ” وكأنھا محكمة جماعية‬
‫يتبادل فيھا القضاة اآلراء ويحكمون برأى األغلبية‪ ،‬ولنا أن نتساءل ما عالقة ھذا‬
‫بالدراسة التاريخية ؟‬
‫والمؤلف متأثر بما كتبه صاحب كتاب ” الفن القصصى فى القرآن الكريم ” الذى‬
‫رفضت جامعة القاھرة قبوله رسالة للدكتوراه‪ ،‬وكأنه مولع بنقل آراء الحائدين عن‬
‫الصواب من شرقيين وغربيين ‪.‬‬
‫عاشراً‪:‬‬
‫يقول المؤلف فى صفحة ‪ 123‬أن الزكاة فى اإلسالم ليست نوعا ً من التضامن‬
‫االجتماعى كما فى وقتنا‪ ،‬وإنما ھى حث على الشفقة والرحمة واستغالل فى الجھاد‬
‫ونشر الدين‪ ،‬فھل الشفقة تتعارض والتضامن االجتماعى ؟‬
‫إن القرآن الكريم لم يعتبر الزكاة إحسانا ً وإنما جعلھا حقا ً مفروضا ً للسائل والمحروم‪،‬‬
‫وقد حدد اإلسالم مصارف الزكاة وليس فيھا نص على الجھاد وحده ونشر الدين‬
‫فحسب‪ ،‬وإنما ھما يدخالن فى أحد وجوه الصرف الثمانية كما ذھب إليه بعض‬
‫المفسرين ‪.‬‬
‫حادى عشر‪:‬‬
‫ينفى المؤلف فى صفحة ‪ 134‬أن ” الدين اإلسالمى عالج نظم الحياة بنصوص‬
‫صريحة ” وكل من له العلم بالتشريع اإلسالمى يدرك بأدنى مالحظة النصوص‬
‫الصريحة التى تناولت جميع شئون الحياة من بيع وشراء وھبة ودين ووصية وزواج‬
‫وميراث كما حددت الفضائل والرذائل والعالقات االجتماعية والنظم السياسية وشئون‬
‫الحرب والسالم‪ ،‬كما تناولت أساليب الحكم والقضاء وحددت الجرائم والقصاص‬
‫والحدود ‪ ..‬كما تناولت حقوق اإلنسان قبل أن تحدده ھيئة األمم بأكثر من ‪ 13‬قرنا ‪ً.‬‬
‫ثم يكرر ھذا االتھام فى صفحة ‪ 138‬فيقول‪ ” :‬والواقع أن اإلسالم لم يدع أنه بنى‬
‫مجتمعا ً فى غاية التنظيم ” !!! لقد كان العرب قبائل متناحرة متنافرة يحارب بعضھا‬
‫بعضا ً ألتفه األسباب‪ ،‬وما كان يمكن أن تتألف منھا وحدة تامة‪ ،‬وما كان القرآن‬
‫الكريم ينفذ إلى قلوب أفرادھا حتى أصبحت أمة قوية متماسكة كالجسد الواحد أو‬
‫البنيان المرصوص‪ ،‬قال تعالى‪ ” :‬وألف بين قلوبھم لو أنفقت ما فى األرض جميعا ً ما‬
‫ألفت بين قلوبھم ولكن ﷲ ألف‬
‫بينھم ” وما تفرق شملھم إال بعد أن تھاونوا فى التمسك بدينھم القويم وكتابھم الكريم ‪.‬‬

‫ثانى عشر‪:‬‬
‫سرد المؤلف فى صفحة ‪ 134‬ما يلوكه المبشرون من تعدد الزوجات دون مراجعة أو‬
‫مناقشة أو تمحيص‪ ،‬وكأنه بوق يردد أصداء الحاقدين ‪.‬‬
‫ثالث عشر‪:‬‬
‫فى صفحة ‪ 136‬يذكر أن اإلسالم حرم الربا ألن معظم القائمين به ھم اليھود وكأن‬
‫التشريع اإلسالمى يقوم على األغراض الشخصية وليس وحيا ً سماويا ً يستھدف‬
‫الصالح العام لجميع العالمين‪ ،‬ومن العجيب أن المؤلف يتناول اآليات القرآنية‬
‫ويفسرھا تفسيراً يدل على عدم فھمه ألسلوب القرآن العربى المبين فقد فسر المؤلف‬
‫قوله تعالى‪ ” :‬الذين يأكلون الربا ال يقومون إال كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من‬
‫المس ” )البقرة‪ (275 :‬وقد فسرھا المؤلف بأن اآلية تشبه ” آكل الربا بالشيطان ”‬
‫)جزء ‪ ،2‬ص ‪ (275‬مع أن اآلية الكريمة واضحة بينة يفھمھا العامة قبل الخاصة‪،‬‬
‫ولكن سوء الفھم حجبه عن أنوار القرآن الكريم ‪.‬‬
‫رابع عشر‪:‬‬
‫فى صفحة ‪ 145‬يقول المؤلف‪ ” :‬وال ريب أن النبى نفسه تعب من استھتار العرب‬
‫بالدين وعدم ميلھم إليه ” وھو تعبير يجافى الذوق السليم إزاء النبى صلى ﷲ عليه‬
‫وسلم الذى قضى حياته مكافحا ً مناضالً يتقدم الصفوف ويقود المسلمين فى مواطن‬
‫الخطر دون أن يدركه ملل أو كلل ودون أن يخشى فى ﷲ لومة الئم فكيف يتعب من‬
‫الدعوة إلى ﷲ ‪.‬‬
‫خامس عشر‪:‬‬
‫الحظنا أن المؤلف يلتزم نقل آراء المستشرقين ويتحمس لھا‪ ،‬ولكنھم إذا أنصفوا‬
‫اإلسالم فى موقف ما أسرع إلى مخالفتھم وكأنه موكل بتشويه صفحة اإلسالم‬
‫الوضاءة وتلويث تراثه المجيد فنجده فى صفحة ‪ 163‬يقول‪ ” :‬ال نوافق بعض‬
‫المستشرقين فى قولھم أن العرب كانوا مدفوعين نحو الفتوح بالحماس الدينى ‪ ..‬ولكن‬
‫من غير المعقول أن يخرج البدوى ـ وھو الذى ال يھتم بالدين )!( ـ لنشر اإلسالم ” ‪.‬‬
‫ومن العجيب أن يقرر المستشرقون الحقيقة وينصفوا الفتوحات اإلسالمية‪ ،‬ولكن‬
‫المؤلف المسلم يخالفھم على غير عادته فيزعم أن الصحابة ال يھتمون بالدين‪ ،‬وأن‬
‫الفتوحات اإلسالمية كانت قائمة على النھب والسلب ال على نشر اإلسالم ‪.‬‬
‫سادس عشر‪:‬‬
‫ينكر المؤلف كعادته آثار التسامح اإلسالمى فى تحرير الشعوب من أغاللھا فيخالف‬
‫آراء جميع المؤرخين العرب كما يخالف آراء جمھرة المستشرقين‪ ،‬ويكتفى برأى‬
‫يوحنا النقيوس الذى انفرد بذكر مقاومة األقباط فى مصر للفتح اإلسالمى مدة ‪12‬‬
‫عاما ً دون مناقشة أو دليل ليخلص من ھذا إلى أن الفتوح اإلسالمية كانت قائمة على‬
‫النھب والسلب وإشباع شھوة سفك الدماء )ص ‪ 221‬ـ ‪. (223‬‬
‫سابع عشر‪:‬‬
‫يذكر فى صفحة ‪ 180‬أنه ” كان النتصار المسلمين فى أجنادين وقع عظيم بحيث‬
‫اعتقد المسلمون أن ھذا النصر من عند ﷲ ”‪ ،‬وھى عبارة تصدم العقيدة اإلسالمية‬
‫فى الصميم‪ ،‬لقد انتصر المسلمون قبل أجنادين‪ ،‬فھل كانوا يعتقدون أن ھذا النصر من‬
‫عندھم ال من عند ﷲ ؟‬
‫ولقد كانوا يحفظون القرآن الكريم وفيه قوله تعالى‪ ” :‬وما النصر إال من عند ﷲ ”‬
‫)األنفال‪ ،(10 :‬ولو كان للمؤلف األغر أدنى معرفة بالعقيدة اإلسالمية لعلم أن النفع‬
‫والضر بيد ﷲ وحده وأن اإلنسان ال يملك لنفسه ضراً وال نفعا ً إال ما شاء ﷲ‪ ،‬فھل‬
‫كان الصحابة ينكرون ھذا ولم يعتقدوه إال بعد انتصارھم فى أجنادين !!‬
‫ثامن عشر‪:‬‬
‫فى صفحة ‪ 230 ،227‬يرمى المؤلف الصحابة بالوحشية واإلجرام فى فتوحاتھم‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ويزعم أنھم كانوا قساة القلوب غالظ األكباد‪ ،‬ال يكتفون بحرق المزارع‬
‫وھدم البيوت‪ ،‬وإنما يحاولون قھر الشعوب المفتوحة‪ ،‬وإرغامھم على دفع الجزية‬
‫حتى ولو أسلموا‪ ،‬مخالفا ً بذلك النصوص القرآنية واألحاديث النبوية وإجماع‬
‫المؤرخين‪ ،‬ثم يشتط فى أحكامه فيزعم أن العرب فى فتحھم لبرقة وطرابلس اكتفوا‬
‫بفرض الجزية وأجازوا ألھلھا بيع أبنائھم ليدفعوا الجزية‪ ،‬ولو رجع إلى المصادر‬
‫الوثيقة لعلم أن الجزية ال تفرض إال على القادرين ـ من غير المسلمين ـ على دفعھا‪،‬‬
‫وأنھا تقابل فريضة الزكاة عند المسلمين‪ ،‬وأنھا تنفق لتحقيق الصالح العام للجميع ال‬
‫للغزاة الفاتحين‪ ،‬ولكنه ال يريد أن يعلم وإنما يلتزم الباطل التزاما ً ‪ .‬ومن ھذا ما زعمه‬
‫من أن المسلمين ” أرغموا أھل النوبة على أن يحملوا كل سنة إلى والة مصر ‪260‬‬
‫رأسا ً من الرقيق غير المعيب المتوسط العمر !! ولو كان للمؤلف األغر أدنى إلمام‬
‫بالثقافة اإلسالمية لعلم حرص اإلسالم الشديد على تحرير الرقاب وأنه أھاب‬
‫بالمسلمين أن يتقربوا إلى ﷲ بتحرير الرقيق أى الرقاب‪ ،‬وأنه جعل ھذا العتق كفارة‬
‫بعض الذنوب وأنه رصد جزءاً من صدقات المسلمين إلنفاقھا فى تحرير الرقاب قال‬
‫تعالى‪ ” :‬فال اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة‪ :‬فك رقبة ‪) ” ..‬البلد‪ 11 :‬ـ ‪ (13‬ولكن‬
‫المؤلف يجھل أحيانا ً ويتجاھل فى معظم األحيان ‪.‬‬
‫المؤلف مولع بتشويه صفحات الفتوحات اإلسالمية بكل الوسائل‪ ،‬وھو يستبيح فى‬
‫سبيل إشباع شھوته نقل األساطير الوھمية‪ ،‬وھو يسوقھا دون مناقشة أو جدال كما‬
‫قال فى صفحة ‪ 204‬من الجزء ‪ 2‬عن فتح المسلمين لألندلس ” قيل إنھم طبخوا أول‬
‫من قتلوه فى القدور ” ولو كان المؤلف مؤرخا ً حقا ً لدرس الفتح األندلسى دراسة‬
‫جادة‪ ،‬فعلم أن األھالى ساعدوا العرب مساعدة قيمة للتخلص من حكم طاغيتھم‬
‫المستبد لذريق‪ ،‬ولو كان المؤلف جاداً فيما يكتب ما اعتمد على األساطير والخرافات‪،‬‬
‫ولعلم أن المسلمين حريصون على تحرير الشعوب‪ ،‬ولكنه حريص على أن يصور‬
‫المسلمين وحوشا ً مفترسة من آكلى البشر‪ ،‬ولو كان المؤلف قد نال قسطا ً يسيراً من‬
‫الثقافة اإلسالمية لتذكر وصية النبى صلى ﷲ عليه وسلم للمجاھدين من الصحابة‬
‫ومن تالھم‪ ” :‬ال تقطعوا شجراً وال تقتلوا طفالً وال امرأة وال شيخاً وال تھدموا بيتا ً ”‬
‫ويظھر أن المؤلف األغر ال يأخذ بالقرآن الكريم وال بالحديث الشريف وإن ذكرھما‬
‫فى مصادره للتمويه والتضليل ‪.‬‬
‫عشرون‪:‬‬
‫المؤلف مھتم كل االھتمام بتشويه سيرة الصحابة رضوان ﷲ عليھم‪ ،‬فھو يرمى عمر‬
‫بأنه كان يخشى الرجال األشداء فينحيھم عن مناصب القيادة )صفحة ‪ (183‬ويكرر‬
‫ھذا فى صفحة ‪ 200‬ليبرر عزله خالدا ً أو المثنى بن حارثة‪ ،‬ونسأل المؤلف األغر‪:‬‬
‫ھل نحى عمر أبا عبيدة وسعد بن أبى وقاص وعمرو بن العاص وغيرھم من كبار‬
‫القادة األقوياء عن مناصبھم ؟‬
‫وشبيه بھذا ما ذكره عن اإلمام الحسن رضى ﷲ عنه ناقالً ما ذكره خصومه من‬
‫األمويين وطائفة من المبشرين والمستشرقين حيث يقول فى صفحة ‪ 2‬من الجزء‬
‫الثانى‪ ” :‬فلعل وفاة الحسن كانت بسبب إسرافه فى حياة‬
‫اللھو ‪ ” ..‬ويتناسى أنه سبط الرسول صلى ﷲ عليه وسلم وسيد شباب أھل الجنة‪،‬‬
‫وأن ﷲ سبحانه وتعالى أنزل فيه وفى أسرته‪ ” :‬يريد ﷲ ليذھب عنكم الرجس أھل‬
‫البيت ويطھركم تطھيرا ً ”‪ ،‬نعم يتناسى أن ھناك رأيا ً قويا ً فى التاريخ اإلسالمى مؤداه‬
‫أن معاوية أغوى امرأة الحسن بسمه على أن يزوجھا ابنه يزيد فلما أقدمت على‬
‫فعلتھا النكراء واتته تستنجزه وعده راغ منھا وأرضاھا ببعض المال‪ ،‬فالحسن على‬
‫ھذه الرواية قتيل السياسة األموية الدنيوية ال قتيل الشھوات الدنية ‪ .‬لكن مصادر‬
‫اإلسالم الصحيحة والراجحة من قرآن وسنة وخبر صادق وراجح ال ترقى لمستوى‬
‫مطاعن المبشرين والمستشرقين عند ھذا المؤرخ ” المسلم ” !‬
‫واحد وعشرون‪:‬‬
‫يستبيح المؤلف لنفسه أن يھب النبوة لمن يشاء ويسلبھا ممن يشاء‪ ،‬فھو يمنح ”‬
‫زرادشت ” النبوة دون سند حيث يقول فى صفحة ‪ 194‬من الجزء األول ” وكان‬
‫رسول ھذه الديانة نبى اسمه زرادشت ” على حين ينكر النبوة على إدريس عليه‬
‫السالم جاھالً أو متجاھالً قوله تعالى‪ ” :‬واذكر فى الكتاب إدريس إنه كان صديقا ً نبيا ً‬
‫ورفعناه مكانا ً عليا ً ” )مريم‪. (56 :‬‬
‫اثنان وعشرون‪:‬‬
‫المؤلف يلتزم التعبير المجافى للذوق السليم‪ ،‬فضالً عن مجافاته للتعبير‪ ،‬فھو يذكر ”‬
‫الفتح العربى ” بدالً من الفتح اإلسالمى‪ ،‬ويذكر ” الدين العربى ” بدالً من الدين‬
‫اإلسالمى‪ ،‬وكأن الفتح اإلسالمى كان مقصوراً على العرب وحدھم ولم يكن موجھا ً‬
‫إلى العالمين‪ ،‬وما سمح لنفسه قط أن يتبع ذكر محمد بالعبارة المأثورة ” صلى ﷲ‬
‫عليه وسلم ” وﷲ تعالى يقول‪ ” :‬إن ﷲ ومالئكته يصلون على النبى‪ ،‬يا أيھا الذين‬
‫آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ً ” )األحزاب‪ (56 :‬وإذا كان المؤلف ال يعد نفسه من‬
‫” الذين آمنوا ” فھو يخاطب قوما ً مؤمنين‪ ،‬فإن فاته أدب اإليمان فال يفوتنه أدب‬
‫الخطاب !‬
‫وقد حرص المؤلف األغر على طبع كتابه فى بيروت خشية أن يالحقه الرقيب فى‬
‫مصر‪ ،‬وفرضه على تالميذه منذ خمس سنوات‪ ،‬وفاته أن عين ﷲ ال تغفل وأن الذين‬
‫يلحدون فى آياته ال يخفون عليه ‪.‬‬
‫ولعل ھناك صلة بين كتابه وكتب التبشير الصادرة فى بيروت‪ ،‬ولو اجتھد المؤلف‬
‫فأخطأ مرة وأصاب مرات اللتمسنا له العذر ولكنه ـ وا أسفاه ـ ال يجتھد وال يبحث‪،‬‬
‫وإنما ھو ناسخ فحسب‪ ،‬يتعمد نقل ما يشوه القيم اإلسالمية المثالية ويرتمى على أقدام‬
‫المبشرين والمستشرقين المتعصبين‪ ،‬ويمعن كل اإلمعان فى التفاھة والضالل ‪.‬‬
‫وكأنه يعيش فى دولة غير إسالمية ينص دستورھا على أن دينھا ھو اإلسالم وينادى‬
‫رئيسھا بشعار ” دولة العلم واإليمان ” ‪.‬‬
‫إن بقاء ھذا المؤلف بين أعضاء ھيئة التدريس بكلية آداب عين شمس خطر على‬
‫البحث العلمى واألمانة التاريخية والفضائل الخلقية والتراث اإلسالمى المجيد ” ‪.‬‬
‫” على عبد العظيم ”‬

‫وندع ھذا التحامل الجھول على تراثنا وتاريخنا‪ ،‬ونستعرض لونا ً آخر من تزوير‬
‫الحقائق وتضليل األجيال وتحريف الكلم عن مواضعه لخدمة اإللحاد واالستعمار‬
‫بدعوى القومية العربية أو الوطنية المصرية ‪.‬‬

‫القومية العربية ومعناھا‬

‫عندما أغار االستعمار الحديث على العالم اإلسالمى كان عقله الباطن والواعى طافحا ً‬
‫بالحقد على اإلسالم وأمته المترامية األطراف ‪.‬‬
‫كان عقله الباطن والواعى مستغرقا ً فى المكر بھذا الدين والقضاء عليه‪ ،‬وكان اتجاھه‬
‫إلى االغتيال شامالً للعقيدة والشريعة على سواء أو للقلب النابض والمظاھر‬
‫المتحركة جميعا ً ‪.‬‬
‫إال أن عمله لثقب الصدور وتفريغ اإليمان منھا وإبقائھا جوفاء فارغة كان أحظى‬
‫وأسرع إلبالغه مأربه من أى تغيير آخر ألنماط الحياة وأشكالھا‪ ،‬ومن ثم استمات فى‬
‫محاربة اإليمان‪ ،‬وإنشاء أجيال جاھلة بربھا ورسولھا أى بكتابھا وسنتھا ‪.‬‬
‫يقول شوقى مناجيا ً النبى صلى ﷲ عليه وسلم وباكيا ً تلك الحال‪:‬‬
‫شعوبك فى شرق البالد وغربھا‬
‫كأصحاب كھف فى عميق سبات‬

‫بأيمانھم نوران‪ :‬ذكر وسنة‬


‫فما بالھم فى حالك الظلمات ؟‬

‫والحقيقة أن االستعمار جرد أيدى المسلمين من الذكر الحكيم والسنة المطھرة‪ ،‬وبنى‬
‫الثقافات التى احتضنھا والنضھات التى أقرھا على أن تكون بعيدة كل البعد عن‬
‫الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫وبناء األمم على غير عقيدة ال يساوى شيئا ً ‪ ..‬إن العقيدة فى الكيان االجتماعى كالقلب‬
‫فى الجسد اإلنسانى‪ ،‬وكالتيار فى المصباح الكھربائى وكالوقود فى اآللة الدوارة ‪.‬‬
‫واجتياح عقيدة فى أمة ما‪ ،‬معناه إبقاؤھا على األرض مجموعة من الناس ال تصلح‬
‫فى سلم وال حرب‪ ،‬وال تكترث إال لملذاتھا الفردية‪ ،‬وال تصير فى األسرة الدولية إال‬
‫عضواً زريا ً يحسن األكل والسفاد وحسب ‪.‬‬
‫وقد اجتھد االستعمار أن يوقع بالمسلمين ھذه النكبة الماحقة عندما ھبط أرضھم‪،‬‬
‫واستباح عرضھم‪ ،‬وقرر سراً وعلنا ً أن يفتنھم عن دينھم‪ ،‬وأال يسمح لھم بالعيش فى‬
‫ظله ‪.‬‬
‫يقول األستاذ أحمد موسى سالم فى كتابه ” اإلسالم وقضايانا المعاصرة ” أنه منذ‬
‫أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وإلى اليوم ظھرت دعوات وصيغ‬
‫كثيرة فى بناء القومية العربية‪ ،‬أو فى العمل على تقويضھا وتفتيت فكرتھا‪ ،‬بعض ھذه‬
‫الدعوات أوحى به االستعمار‪ ،‬وبعضھا أفرزه التخلف وشجعه الشعور المھين‬
‫بالتبعية الثقافية للغرب‪ ،‬وبعضھا يمكن أن يصحح نفسه ويتطور ويقترب من االتجاه‬
‫الصحيح ‪.‬‬
‫وفيما يلى نستعرض فى إيجاز عابر صوراً دقيقة بقدر اإلمكان لھذه الدعوات أو‬
‫الصيغ التى يتداولھا الفكر فى المجتمع العربى من الخليج إلى المحيط‪ ،‬فى إطار‬
‫الدعوة للقومية العربية‪ ،‬وذلك منذ سقط الصرح البالى لإلمبراطورية العثمانية عن‬
‫ھذا الوليد العربى القوى الغنى الذى يصرخ بطلب الحياة‪ ،‬بينما تمتد مخالب كثيرة‬
‫ألعدائه تدعى أمومته أو أبوته لتصنع منه عبداً‪ ،‬وتفرض عليه وصاية من خالل‬
‫حضانتھا له بفكر سياسى خاطىء وإن كان له بريق‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ دعوة قديمة حديثة ترفض اإلقليمية والقومية معا ً وتنادى بالفكرة العالمية الغربية‪،‬‬
‫وھذه تتردد فى أفكار فردية‪ ،‬أو مدارس فكرية مقنعة‪ ،‬تتحرك ھنا وھناك فى مباحث‬
‫ثقافية ذات طابع تحررى‪ ،‬وھى دعوة تشجعھا الصھيونية واالستعمار من قرب أو‬
‫من بعد ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ 2‬ـ دعوة إقليمية ترفض القومية العربية إيثارا لوطنيات ضيقة باسم الفرعونية أو‬
‫الفينيقية أو اآلشورية‪ ،‬وھى أثر من آثار التحرك االستعمارى العاجل عقب سقوط‬
‫الدولة العثمانية لقتل أى احتمال بظھور وانتشار فكرة القومية العربية بمعناھا المقبول‬
‫‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ دعوة التحاد العالم اإلسالمى ترفض القومية العربية‪ ،‬وھى أثر من آثار‬
‫وتراكمات الوجود التركى فى الوطن العربى‪ ،‬ودعوة يجند لھا االستعمار الجديد كل‬
‫قواه لتفتيت الصمود العربى أمام إسرائيل )لنا رأى فى ھذا الكالم سوف نذكره(‪،‬‬
‫وھو يحاول من خالل جماعات إسالمية كثيرة ووسائل إعالم ملتوية أن يبث بھا‬
‫المخاوف من القومية العربية فى قلوب علماء الدين ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ دعوة للقومية العربية أوربية الشكل والمضمون‪ ،‬وھى دعوة ينفثھا االستعمار ـ‬
‫مع جھوده المتنوعة لقتل القومية العربية ـ داخل الجماعات الرجعية وقيادتھا المثقفة‬
‫التى تؤمن بمجتمع ” الكبراء والصغراء ”‪ ،‬وتريد أن تفرض تصورھا للقومية‬
‫العربية بالشكل الذى يحمى نظرية التفوق والدم وامتيازات رأس المال ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ دعوى للقومية العربية ترفض الدين وتشترط ھذا الرفض‪ ،‬وھى دعوى تمتزج‬
‫فيھا المؤامرات الثقافية الخارجية باالنعكاسات المحلية لجيوب دينية وطنية ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ دعوى التحاد وتضامن العرب تتجاوز إرادة الشعوب إلى عالقات الحكومات‬
‫وتتمثل فى جامعة الدول العربية التى تأسست سنة ‪ 1944‬بھدف ” توثيق الصالت‬
‫بين الدول المشتركة فيھاً تحقيقا ً للتعاون بينھا وصيانة الستقاللھا كما جاء فى ميثاقھا‬
‫”‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ دعوى للقومية العربية يتبناھا التقدميون الماركسيون يضعون فى مقوماتھا‬
‫التجانس العقلى والثقافى ووحدة النظرة إلى الكون بدالً من الدين‪ ،‬واألممية بدالً من‬
‫اإلنسانية ” ‪.‬‬

‫ولنا تعليق على الطيف الثالث من ھذه األطياف السبعة فإن العالم اإلسالمى المركب‬
‫من أجناس شتى يحترم العرب ويقدس لغتھم‪ ،‬ويعلم أن العرب ھم دماغ اإلسالم‬
‫وقلبه‪ ،‬وأنه يستحيل وجود إسالم من غير أمة عربية سيدة ما دام القرآن عربى‬
‫اآليات‪ ،‬وما دام النبى عربى التراث‪ ،‬وما بقيت مكة فى مكانھا من أرض ﷲ‪،‬‬
‫فالعرب إن اكتشفوا ذاتھم واحترموا مكانتھم ھم جزء من الرسالة الخاتمة‪ ،‬ولن يتبرم‬
‫بوضعھم مؤمن أو يفتات على حقھم منصف ‪.‬‬
‫ولكن يوم ينسى العرب ھذه الحقيقة الدينية والتاريخية فسينطبق عليھم قول القائق‪:‬‬
‫إذا أنت لم تعرف لنفسك حقھا‬
‫ھوانا ً بھا كانت على الناس أھونا‬

‫والمؤلف الكبير ذكر أن ھناك عربا ً تجردوا من تاريخھم ورسالتھم‪ ،‬أو بتعبير أصرح‬
‫جردھم االستعمار من ذلك كله‪ ،‬وأغراھم برفع راية العروبة وحدھا على نحو ما‬
‫شرح فى الطيف الرابع والخامس والسابع‪ ،‬ولكى يعرف الناس حقيقة ھؤالء‬
‫الخادعين المخدوعين يرجع إلى كالمھم )من كتابات ” ميشيل عفلق ” و ” ساطع‬
‫الحصرى ” و ” قسطنطين زريق ” وآخرين(‪.‬‬
‫الباب الخامس‪ /‬شبھات أخرى‬

‫أتانا وافد من ” أسيوط ” بوريقات تضمنت عشرات المطاعن ضد اإلسالم‪ ،‬كتبھا‬


‫شخص يدعى ” كميل جرجس ” وجمع عليھا بعض طالب الجامعة !‬
‫وتصفحت على عجل مختلف الموضوعات التى تعرض لھا الكاتب‪ ،‬ورأيت أنھا‬
‫تحتاج إلى رد وبيان‪ ،‬وسيعرف القراء قيمتھا عندما نذكرھا ‪.‬‬
‫وقد أسافر إلى أسيوط ألحسم العلة من جذورھا‪ ،‬ويكفى ھنا أن أسوق أمثلة لما يشاع‬
‫عن ديننا‪ ،‬ويجد طريقه ممھوداً إلى أدمغة القاصرين !!‬

‫غلطة فلكية !‬

‫كذب الكاتب قوله تعالى‪ ” :‬والشمس تجرى لمستقر لھا ” وزعم أن ذلك يخالف العلم‬ ‫ﱠ‬
‫‪..‬‬
‫أى علم ؟!‬
‫ً‬
‫‪ ..‬إن جريان الشمس من أسرتھا المعروفة فى فضاء ﷲ الواسع مقرر فلكيا‪ ،‬لم ينكره‬
‫أحد قط‪،‬‬
‫ولكن ” عبقرى أسيوط ” يريد تكذيب القرآن‪ ،‬فحكى دورة األرض حول محورھا‪،‬‬
‫ودورتھا حول أمھا الشمس‪ ،‬ثم قال‪ ” :‬من ھذا يتضح أن الشمس ال تجرى وال تذھب‬
‫لتسجد تحت العرش‪ ،‬وأنھا ال تغرب فى عين حمئة ‪. ” ..‬‬
‫واالستنتاج مضحك فقد فھم العبقرى أن دوران األرض حول الشمس يعنى أن‬
‫الشمس ثابتة‪ ،‬وفھم من قوله تعالى‪ ” :‬وجدھا تغرب فى عين حمئة ” أن الشمس‬
‫تغطس فى الماء يوميا ً ثم تخرج !!‬
‫ولم يدرك ما يعرفه األطفال عندنا أن اختفاء قرص الشمس فى الماء إنما ھو فى عين‬
‫الرائى ال فى حقيقة األمر !!‬
‫أما أن الشمس تسجد لربھا‪ ،‬فإن الجماد والنبات والحيوان والكائنات جمعاء خاضعة‬
‫“‪ ،‬تسبح بحمده‪ ،‬وتھتف بمجده‪ ،‬وتلبى أمره‪ ،‬وھى طوع مشيئته ‪..‬‬
‫ويوم ال يأذن للشمس فى الشروق‪ ،‬وينھى أمر الدنيا‪ ،‬ويفتح يوم الحساب‪ ،‬فمن الذى‬
‫يعصيه ؟‬
‫ويظھر أن المسكين فھم من سجود الشمس أنھا تصلى ركعتين كسائر البشر !! ” ألم‬
‫تر أن ﷲ يسجد له من فى السموات ومن فى األرض والشمس والقمر والنجوم‬
‫والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس‪ .‬وكثير حق عليه العذاب ‪ .‬ومن يھن ﷲ‬
‫فما له من مكرم إن ﷲ يفعل ما يشاء ” )الروم‪. (24 :‬‬
‫الكسوف والخسوف‬

‫قال الكاتب‪ ” :‬جاء فى سورة الروم‪ ” :‬ومن آياته يريكم البرق خوفا ً وطمعاً‪ ،‬وينزل‬
‫من السماء ماء فيحيى به األرض بعد موتھا‪ ،‬إن فى ذلك آليات لقوم يعقلون ” ‪.‬‬
‫” وروى البخارى فى صحيحه عن أبى موسى األشعرى قال‪ :‬خسفت الشمس فقام‬
‫النبى فزعا ً يخشى أن تقوم الساعة فأتى المسجد فصلى بأطول قيام وركوع وسجود‪،‬‬
‫ما رأيته قط يفعله‪ ،‬وقال‪ ” :‬ھذه اآليات التى يرسل ﷲ ال تكون لموت أحد وال حياته‪،‬‬
‫ولكن يخوف ﷲ بھا عباده‪ ،‬فإذا رأيتم شيئا ً من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه‬
‫واستغفاره ” ‪) .‬البخارى( ‪.‬‬
‫وبعد أن ذكر الكاتب التفسير العلمى للبرق‪ ،‬والكسوف‪ ،‬والخسوف كما ھو مقرر فى‬
‫الكتب المدرسية قال‪ ” :‬إذن فالواضح أنه ليس الھدف من البرق أن يخوف ﷲ البشر‪،‬‬
‫أو الھدف من الكسوف ما ظنه البعض بجھالة أنه لموت إبراھيم )ابن النبى(‪ ،‬أو‬
‫خشية قيام الساعة بل األمر مجرد ظواھر طبيعية عادية‪ ،‬وھذا ھو فضل العلم‬
‫الحديث على البشرية جمعاء‪ ،‬ولكنھم لم يكونوا يدركون ذلك بعد‪ ،‬وكان تفسيرھم لتلك‬
‫الظواھر نابعا ً من استنتاجات محدودة ” ‪.‬‬
‫ونقول‪ :‬ھذه الظواھر الطبيعية العادية كما يسميھا الكاتب ھى آيات ﷲ فى منطق‬
‫المؤمنين به ‪ ..‬فحياة األرض بعد نزول الماء آية وإن سماھا ظاھرة طبيعية‪ ،‬والتفريغ‬
‫الكھربى الناشئ من تالقى السحب آية سواء أحدث صوت الرعد أم ضوء البرق ‪.‬‬
‫ورجاء الناس فى أن تھمى ھذه السحب طمع فى محله ال يستغرب‪ ،‬وخوفھم أن يكون‬
‫البرق وليد سحاب جھام ال خير فيه خوف فى محله ال يستنكر ‪ .‬ولو خشوا أن يتحول‬
‫التيار الكھربائى إلى صواعق مھلكة فخشيتھم طبيعية ال نكير عليھا ‪..‬‬
‫أما تصور الكاتب أن الناس تخاف البرق ألن عفريتا ً يصنعه فھذا تصور أطفال‪،‬‬
‫واآلية التى أوردھا عن البرق والمطر واحدة من ثمانى آيات متتابعة تصف ما يسميه‬
‫ظواھر طبيعية وصفا ً جليالً رائعا ً يحييه العلماء من قلوبھم ‪.‬‬
‫أما قصة الكسوف فال ندرى مقدار العمى الذى كان صحب الكاتب وھو يذكرھا‪ ،‬لقد‬
‫وھل الناس أن الشمس كسفت لموت إبراھيم بن النبى عليه الصالة والسالم‪ ،‬فقام‬
‫النبى ينفى ذلك بشدة مؤكداً أن الكسوف والخسوف آيات إلھية‪ ،‬أو بالتعبير الحديث‬
‫ظواھر طبيعية ‪.‬‬
‫وزھد صاحب الرسالة فى المجد الذى أتاحته الظروف !! وكان فى وسعه أن يسكت‬
‫تاركا ً ھذا الظن يستقر‪ ،‬ولكنه أبى‪ ،‬وأمر أتباعه بالصالة تحية لرب األرض والسماء‪،‬‬
‫وانحناء أمام عظمة مسير الكواكب فى الفضاء ‪.‬‬
‫أھذا مسلك يعاب ؟! شاھت الوجوه ‪..‬‬
‫ومعروف فى سيرة النبى الكريم أنه كان شديد الرقابة “‪ ،‬شديد الخشية منه‪ ،‬وربما‬
‫تعصف الريح فيقلق خشية أن تكون ريحا ً مدمرة يعذب ﷲ بھا المتمردين عليه‪ ،‬فھل‬
‫قالوا‪ :‬إن ھبوب الريح من عالمات الساعة ؟‬
‫وھل خوف النبى من أن يكون الكسوف إيذانا ً باقتراب الساعة يدل على شىء أكثر‬
‫من شعوره الحى بقرب لقاء ﷲ ‪.‬‬
‫ولنترك ما حكاه ” أبو موسى األشعرى ” فى ذلك ولنتدبر ماذا قال الرسول نفسه عن‬
‫الكسوف والخسوف ؟ قال عنھما‪ :‬آيتان من آيات ﷲ ‪ ..‬وحسب ‪..‬‬
‫فأى اعتراض علمى على ھذا ؟‬
‫ويقول الكاتب‪ ” :‬يحدد لنا العلم أن الكسوف للشمس‪ ،‬والخسوف للقمر ”‪ ،‬وليس كما‬
‫جاء فى الحديث‪ ” :‬خسفت الشمس ” ‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬ليس ھذا تحديدا ً علمياً‪ ،‬وإنما ھى اصطالحات تواضع عليھا بعض الناس ال‬
‫تؤثر فى طبيعة اللغة العربية التى تسمح باستعمال الكسوف والخسوف للشمس على‬
‫سواء ‪.‬‬
‫إن كلمة ” التبشير ” شاعت فيما يفرح‪ ،‬ولكنھا لغة تستعمل فيما يسر‪ ،‬وفيما يسوء ‪.‬‬
‫وكلمة ” أصاب ” أو ” مصيبة ” تستعمل فى اآلالم والمتاعب‪ ،‬ولكنھا لغة تستعمل‬
‫كذلك فى األفراح‬
‫” ما أصابك من حسنة فمن ﷲ ” )النساء‪ (79 :‬و ” نصيب برحمتنا من نشاء ”‬
‫)يوسف‪ (56 :‬ولكن عبقرى أسيوط الذى ال يعرف من لغة العرب إال نزراً يريد أن‬
‫يتصيد أخطاء لغوية لرجال البالغة العربية‪.‬‬

‫غلطة جغرافية !‬

‫وننقل ھذه ” النكتة ” ليتفكه بھا القراء‪:‬‬


‫روى البخارى بسنده أن النبى ـ صلى ﷲ عليه وسلم ـ ذكر مواقيت الحج‪ :‬قرنا ً ألھل‬
‫نجد‪ ،‬وذا الحليفة ألھل المدينة‪ ،‬والجحفة ألھل الشام‪ ،‬ويلملم ألھل اليمن ” وذكر‬
‫العراق فقال‪ :‬لم يكن يومئذ عراق ‪. ” ..‬‬
‫وليس يعنينا‪ :‬من سأل وال من أجاب وبديھى أن معنى ” لم يكن يومئذ عراق ” أنه لم‬
‫يكن حجيج وافدون من العراق ‪..‬‬
‫لكن أخصائى الشبه قال‪ ” :‬ولكن الواقع العلمى يثبت ويؤكد أنه كان يومئذ عراق‪،‬‬
‫ولكن القوم لم يكونوا قد ذھبوا إليه !! أو سمعوا عنه !! ‪. ” ..‬‬
‫العرب فى الجزيرة والشام لم يكونوا يعرفون أن ھناك قطراً مجاورا لھم اسمه‬
‫ً‬
‫العراق ‪.‬‬
‫لقد كان سكان العراق عرباً‪ ،‬وكانت عالقاتھم بسكان الجزيرة قائمة‪ ،‬وكان العرب إذا‬
‫ذھبوا إلى فارس أو الھند مروا طبعا ً بالعراق ‪.‬‬
‫ولقد وصف النبى قصور ” الحيرة ” كبرى مدن العراق يومئذ للمسلمين‪ ،‬وھم‬
‫محصورون وراء الخندق‪ ،‬وبشرھم بأنھم سيفتتحونھا‪ ،‬فكيف يقول أبله‪ :‬إن العرب‬
‫كانوا يجھلون وجود العراق ألن ” علم الجغرافيا ” لم يكن تأسس بعد؟!!‬

‫الشھاب الراصد‬

‫ويتحدث الكاتب عن الشھب الساقطة فيكذب ما ورد فى القرآن من أنھا رجوم‬


‫للشياطين ‪.‬‬
‫جاء فى سورة الجن‪ ” :‬وأنا لمسنا السماء فوجدناھا ملئت حرسا ً شديداً وشھباً‪ ،‬وأنا‬
‫كنا نقعد منھا مقاعد للسمع فمن يستمع اآلن يجد له شھابا ً رصداً ” )الجن‪.. (9 ،8 :‬‬
‫ونقول‪ :‬أجمع علماء الكون على رحابته‪ ،‬واتساع آفاقه‪ ،‬والسؤال الذى نورده‪ :‬ھل‬
‫أبناء آدم وحدھم ھم العقالء الذين يحيون فيه ؟! ‪ .‬أيبنى رجل قصراً من سبعين ألف‬
‫طبقة ثم يسكن غرفة منه ويدع الباقى تصفر فيه الريح ؟ فلم بناه بھذه الضخامة ؟‬
‫الواقع أن ھناك غيرنا يسكن ھذا الكون‪ ،‬ومن ھؤالء ” الجن ” الذين تحدثت عنھم‬
‫األديان‪ ،‬فإذا حاول أحدھم التمرد‪ ،‬وإفساد الھداية النازلة ألھل األرض فما المانع من‬
‫إرسال شھاب وراءه يحرق كيانه ؟‬
‫ولم يقل القرآن الكريم إن ” كل ” شھاب يلمع فھو وراء شيطان سارق ! لم يرد ھذا‬
‫القصر فى القرآن قط‪ ،‬فقد تتساقط الشھب ألمور أخرى ال ندريھا ولم يعرف العلم‬
‫المعاصر عنھا شيئا ً ‪.‬‬
‫ومن ھنا فإن القول بأن القرآن ” أصبح يتناقض مع العلم فى قصة الشھب ” لغو ال‬
‫أصل له ‪.‬‬

‫خزان المياه‬

‫ويكذب الكاتب "النابغ" قوله تعالى ” وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء‬
‫فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين ” )الحجر‪ (22 :‬فيقول‪:‬‬
‫أصبحنا بعد إقامة السد العالى من أكبر الخازنين لمياه األمطار ‪.‬‬
‫وبذلك تكون اآلية كاذبة !!‬
‫فإن خزن المياه فى ” األزيار ” أو فى ” الصھاريج ” أو وراء السدود لم يكن‬
‫معروفاً فى الدنيا حتى بنى سد أسوان ‪!!!.‬‬
‫أرأيت ھذا العمى ؟؟‬
‫إن خزن مياه األمطار على ھذا النحو معروف لألولين واآلخرين ‪.‬‬
‫واآلية تشير إلى معنى رائع فإن الزروع تحتاج إلى الماء لتنمو‪ ،‬والناس والدواب‬
‫تحتاج إلى الماء لتحيا‪ ،‬وقد تكفل ﷲ بإعداد المقادير من الماء الصالح لسد ھذه‬
‫الحاجات كلھا‪ ،‬ورتب لذلك عمليات البخر وتكون السحب وسقوط األمطار‪ ،‬وتفجر‬
‫الينابيع أو جريان األنھار ‪..‬‬
‫وستذوى أعواد النبات وتفنى أجساد البشر‪ ،‬ويعود ما فى ھذه وتلك وغيرھما من ماء‪،‬‬
‫ليأخذ دوره البخر والسحب واألمطار ‪ ..‬الخ وھكذا دواليك ‪ ] .‬أكدت ھذا المعنى آية‬
‫أخرى ” وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه فى األرض‪ ،‬وإنا على ذھاب به‬
‫لقادرون ” [ ‪.‬‬
‫وتوفر العذوبة للماء‪ ،‬وحفظ القدر الذى تحتاج الدنيا له‪ ،‬ھما معنى االختزان الوارد‬
‫فى اآلية‪.‬‬
‫وما فھم ذكى وال غبى أن الناس عاجزون عن خزن المياه ألنفسھم فى قلة أو زير أو‬
‫مستودع‬
‫صغير أو كبير ‪!! ..‬‬

‫فھم عجيب‬

‫وتصفحت الكراسة التى بين يدي‪ ،‬وھى مليئة بلغو ممل‪ ،‬ألتبين حدود الھجوم على‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬فوجدت الكاتب يتحدث عن ابنى آدم اللذين قتل أحدھما أخاه ‪.‬‬
‫والقصة معروفة‪ :‬أخ صالح تقرب إلى ﷲ بقربان فقبله منه‪ ،‬وأخ شرير تقرب كذلك‬
‫فرفض ﷲ قربانه‪ ،‬فتوعد الشرير أخاه بالقتل‪ ،‬ولكن األخ الطيب نصح أخاه الفاشل‬
‫قائالً‪ ” :‬إنما يتقبل ﷲ من المتقين ” أى اتق ﷲ ليقبل منك عملك‪ ،‬كما قبل منى‪ ،‬ولم‬
‫تجد النصيحة‪ ،‬وافترس الشرير أخاه ‪.‬‬
‫وقد تناول عبقرى أسيوط ھذه القصة‪ ،‬وذكر أنھا واردة فى التوراة ‪.‬‬
‫لماذا ؟ ‪ ..‬يقول‪ :‬ھذه القصة لو تمت على ھذه الصورة لكان القاتل بريئا ً ؛ إذ تعرض‬
‫بسبب رفض قربانه لحالة نفسية قاسية نتيجة شعوره بعدالة ما كان يرنو إليه من‬
‫قبول‪ ،‬ثم يقول‪ ” :‬إن القصة تشير بأصابع االتھام إلى المحرض على القتل‪ ،‬وھو‬
‫الذى رفض قبول القربان ” ‪.‬‬
‫ثم يقول المغفل عن ﷲ‪ ” :‬إنه لو كان قبل القربان ما تمت الجريمة ” ‪.‬‬

‫حد السرقة‬

‫ووقعت عيناى على ھذه العبارات فى أثناء ھجوم الكاتب على ” حد السرقة ” يقول‪:‬‬
‫” أما عن تحريم األديان للسرقة فقد كان الغرض منه ترضية األغنياء وتأمينھم على‬
‫مالھم وضمان تأييدھم‪ ،‬إذ المفروض بداھة أال يسرق إال الفقير ” !!‬
‫ويقول‪ ” :‬التأميم ھو اغتصاب شرعى لما سبق أن اغتصب ظلما ً من الجماھير‬
‫الكادحة فھو تصحيح لألوضاع وإزالة للظلم التاريخى المتأصل ” ‪.‬‬
‫وقد يلومنى بعض القراء الھتمامى بذكر ھذه السخافات والرد عليھا‪ ،‬ولو علموا ما‬
‫تركته من آثار بين طالب الجامعة فى أسيوط لعذرونى ‪.‬‬
‫إن ھؤالء الطالب لم يعرفوا عن اإلسالم شيئاً‪ ،‬والخطة الموضوعة ” لتخريجھم ”‬
‫باعدت بينھم وبين الثقافة اإلسالمية الناضجة‪ ،‬والسليقة األدبية العالية‪ ،‬حتى إذا تركوا‬
‫الجامعة بعد نيل ” إجازاتھا ” خدموا كل شىء إال دينھم‪ ،‬وأصبحوا فريسة سھلة‬
‫لمبشرين محتالين أو أفاكين من النوع الذى قرأت ھنا شبھاته ضد القرآن الكريم ‪..‬‬
‫وما وقع فى ” أسيوط ” وقع قريب منه فى ” اإلسكندرية ” ونتج عنه ارتداد بعض‬
‫الفتية والفتيات ‪.‬‬
‫إنھم مساكين غير محصنين بشىء ضد اإللحاد أو الشرك ‪.‬‬
‫ولما كانت كتب السنة قد تضمنت أشياء تحتاج إلى بيان وتمحيص وكشف فال بد من‬
‫الوقوف قليالً أمام ما أثاره ھؤالء الفتانون ‪.‬‬
‫نبى مرعب‬

‫قال لى طالب جامعى باإلسكندرية‪ :‬لقد أرونى كتاب البخارى‪ ،‬وقرءوا لى منه حديث‬
‫” نصرت بالرعب ” وتضاحكوا وھم يقولون‪ ” :‬نبى مرعب ” ينشر دينه باإلرھاب‪،‬‬
‫واالعتراف سيد األدلة !!‬
‫وقلت للطالب‪ :‬إن البخارى وغيره رووا ھذا الحديث‪ ،‬وأريد أن أشرح لك المعنى‬
‫الوحيد له مستعرضا ً مواضع ھذه الكلمة ال فى السنة الشريفة‪ ،‬بل فى القرآن الكريم‪،‬‬
‫لتعلم أنھا أتت فى سياق حرب ” دفاعية ” عن الحق ” ھجومية ” على الباطل‪ ،‬ال‬
‫عدوان فيھا وال إرھاب ‪..‬‬
‫بعد ھزيمة المسلمين فى أحد نزلت ھذه اآلية‪ ” :‬سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب‬
‫بما أشركوا با“ ما لم ينزل به سلطانا ً ومأواھم النار وبئس مثوى الظالمين ” )آل‬
‫عمران‪. (151 :‬‬
‫وھزيمة أحد كانت فى أعقاب خروج المشركين من مكة‪ ،‬وشنھم الھجوم على اإلسالم‬
‫وأمته فى المدينة‪.‬‬
‫وقد استطاع المشركون إيقاع خسائر جسيمة بالمدافعين عن الدين وموطنه الجديد مما‬
‫ترك آثاراً سيئة فى النفوس ‪..‬‬
‫فأراد ﷲ أن يواسى جراحھم‪ ،‬وأن يشعرھم أن القتال القادم سيكون لمصلحتھم‪ ،‬وأنه‬
‫سيقذف الرعب فى قلوب المعتدين عندما يكررون ھجومھم ‪ .‬فماذا فى ذلك من عيب‬
‫؟‬
‫وجاءت ھذه الكلمة عندما خان يھود بنى النضير عھدھم‪ ،‬وحاولوا قتل النبى صلى ﷲ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فجرد عليھم حملة ليؤدبھم‪ ،‬ولكن القوم ـ دون قتال ـ حل بھم الفزع‪،‬‬
‫وقرروا الجالء عن المدينة ” ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنھم مانعتھم حصونھم من‬
‫ﷲ فأتاھم من حيث لم يحتسبوا وقذف فى قلوبھم الرعب ” )الحشر‪. (2 :‬‬
‫وأخيراً ُذكرت ھذه الكلمة عندما انضم يھود بنى قريظة إلى األحزاب التى أحاطت‬
‫بالمدينة تبغى دكھا على من فيھا‪ ،‬وأعلنت حصاراً رھيبا ً عليھا ‪.‬‬
‫وكان بنو قريظة قد أعطوا العھد من قبل على أن يعيشوا مع المسلمين فى سالم‬
‫شريف‪ ،‬واعترف رئيسھم بأنه لم يجد من النبى إال خيراً‪ ،‬ومع ذلك فقد انتھز الفرصة‬
‫التى سنحت وأعلن الحرب الغادرة‪ ،‬وظن أنه سيقاسم المشركين الغنايم بعد اإلجھاز‬
‫على محمد وصحابته ‪ .‬ولكن قدر ﷲ كان أغلب‪ ،‬لقد فض ﷲ جموع المحاصرين ”‬
‫وأنزل الذين ظاھروھم من أھل الكتاب من صياصيھم وقذف فى قلوبھم الرعب فريقا ً‬
‫تقتلون وتأسرون فريقا ً ” )األحزاب‪. (26 :‬‬
‫أإذا وقعت حرب اآلن بيننا وبين إسرائيل‪ ،‬حرب جادة يستعلن فيھا اإلسالم وتتحد‬
‫الكلمة ويتقدم ليوث محمد يطلبون إحدى الحسنيين‪ :‬إما النصر وإما الشھادة‪ ،‬وفزع‬
‫اليھود لھذا الزحف الجديد‪ ،‬الواثق العنيد‪ ،‬أإذا حدث ذلك وسرى الرعب فى قلوب‬
‫أعدائنا قيل عنا إننا إرھابيون ؟‬
‫إن تحريف الكلم عن موضعه شىء مألوف عند أعداء اإلسالم ‪.‬‬
‫لقد نصر ﷲ نبيه محمداً بالرعب كما قال‪ :‬فھال قيل نصره فى أى قتال ؟‬
‫إن أشرف قتال وقع على ظھر األرض ھو القتال الذى خاضه محمد وأصحابه ‪..‬‬
‫ولقد شعرت بشىء غير قليل من الضيق وأنا أقرأ قول الكاتب األسيوطى ” توفى‬
‫محمد عن ثالث وستين سنة بعدما رفرفت راية التوحيد وطھرت األرض من الوثنية‬
‫فى أعقاب غزوات ضارية‪ ،‬متعددة بلغت تسع عشرة غزوة ـ كما يقول البخارى ـ ھى‬
‫على التوالى‪ :‬العشيرة‪ ،‬بدر‪ ،‬أحد‪ ،‬الرجيع‪ ،‬رعل وذكوان‪ ،‬الخندق‪ ،‬بنو قريظة‪ ،‬ذات‬
‫الرقاع‪ ،‬بنو المصطلق‪ ،‬الحديبية‪ ،‬خيبر‪ ،‬مؤتة‪ ،‬تبوك‪ ،‬الفتح‪ ،‬حنين‪ ،‬الطائف‪ ،‬ذات‬
‫السالسل‪ ،‬سيف البحر ” ‪.‬‬
‫وبغض النظر عن الترتيب التاريخى‪ ،‬ما رأى القارئ إذا قلت له‪ :‬إن عشراً منھا على‬
‫األقل لم يقتل فيھا أكثر من عشرة أشخاص ھم مجموع خسائر المشركين !!!‬
‫وأن جملة الوثنيين فى شتى المعارك الكبرى تتجاوز المائتين قليالً ‪.‬‬
‫وأن خسائر اليھود فى صراعھم مع اإلسالم عدة مئات من القتلى ‪..‬‬
‫ھذه ھى الغزوات الضارية المتعددة التى نشرت اإلسالم كما يزعم األفاكون !‪:‬‬
‫خسائرھا الحربية عشر‪ ،‬بل نصف عشر الفتنة التى وقعت بين الكاثوليك‬
‫والبروتستانت فى عيد ” سان بارتلميو ” ‪.‬‬
‫‪ ..‬خسائرھا قطرة دم أريقت لمنع العدوان‪ ،‬نعم قطرة بالنسبة لحمامات الدم التى‬
‫صحبت تطبيق الشيوعية‪ ،‬وتوطيد سلطانھا ‪.‬‬
‫قطرة بالنسبة لأللوف المؤلفة الذين ذبحوا فى صمت أو ضجة لدعم الحكم الفردى‬
‫المطلق ‪.‬‬
‫وبعد أن أحرقت رفات الضحايا سمعت أغرب صيحة فى العالم‪ :‬إن الشيوعية تدعو‬
‫للسالم !‬
‫والشيوعية فى ھذا النفاق الفاجر تقلد الصھيونية والصليبية ‪ ..‬المتھم المسكين ھو ديننا‬
‫وحده !!‬

‫كذب على رسول ﷲ )عليه الصالة والسالم(‬

‫ونعود إلى ذكر األحاديث التى ھاجمھا المستشرقون والمبشرون وسماسرتھم ‪.‬‬
‫روى الكاتب األسيوطى أن رسول ﷲ قال‪ ” :‬إذا غضب ﷲ على قوم أمطرھم صيفا ً‬
‫” ] لم أجده حتى فى كتب الموضوعات المشھورة !! [ ‪..‬‬
‫وبنى على ھذا الحديث جھل قائله بالحقائق الجغرافية ‪ ..‬ونقول‪ :‬ما رواه الكاتب‬
‫كذب‪ ،‬والحديث باطل موضوع ‪.‬‬
‫وروى عن النبى عليه الصالة والسالم أنه حرم الثوم تحريما ً قاطعا ً مع ما فيه من‬
‫فوائد غذائية وطبية ‪.‬‬
‫ونقول‪ :‬ھذا كذب‪ ،‬فأكل الثوم والبصل والفجل جائز‪ ،‬وھذه المواد مباحة كلھا‪ ،‬ولكن‬
‫على آكلھا أال يؤذى المجتمع برائحة فمه‪ ،‬ويستطيع أن يبتعد عن غيره ويقوم بأى‬
‫عمل انفرادى‪ ،‬وتسقط عنه صالة الجماعة بل إن األبخر تسقط عنه صالة الجماعة‪،‬‬
‫رحمة باآلخرين ‪..‬‬
‫وروى الكاتب حديث ” الحمى من فيح جھنم فأبردوھا بالماء ” ] الحديث رواه‬
‫البخارى‪ ،‬والترمذى‪ ،‬وابن ماجه‪ :‬كلھم فى‪ :‬الطب‪ ،‬ورواه مسلم فى‪ :‬السالم‪،‬‬
‫والدارمى من‪ :‬الرقائق‪ ،‬ومالك وأحمد ‪ .‬وھو صحيح كما بين شيخنا [‬
‫وكذبه قائالً‪ :‬الحمى ليست من فيح جھنم‪ ،‬بل ھى من فيح األرض وما فيھا من‬
‫قاذورات تساعد على تولد الجراثيم ‪..‬‬
‫والكاتب كاذب والحديث صحيح‪ ،‬وما قاله ليس رداً‪ ،‬فإن الحمى مھما كان سببھا ترفع‬
‫درجة الحرارة‪ ،‬وتكاد تصدع الرأس بآالمھا فإذا شبھھا النبى بعذاب جھنم‪ ،‬وأوصى‬
‫أن تخفض درجة الحرارة بالمبردات‪ ،‬فھو محق ‪.‬‬

‫نماذج لتحريف الكلم‬

‫وذكر الكاتب الحديث القدسى ” إذا ابتليت عبدى بحبيبتيه فصبر عوضته عنھما الجنة‬
‫” ] رواه أحمد‪ 144 / 2 :‬ط الحلبى‪ ،‬والبخارى فى كتاب الرضى‪ ،‬والدارمى فى‬
‫الرقاق‪ ،‬والترمذى فى الزھد [‪ ،‬يريد عينيه ‪ .‬ثم علق عليه بھذه الكلمات الحمقاء‪:‬‬
‫الرأى متروك ألطباء العيون ليقرروا ھل فقد البصر ابتالء من ﷲ أم ھو ناتج عن‬
‫أمراض معينة ؟‬
‫ثم قال بعد لغو طويل‪ ” :‬إذن المسألة ليست الصبر أو التعويض عن فقد العينين‬
‫بالجنة !! المسألة كلھا نقص فى المستوى العلمى آنذاك !! ” ‪.‬‬
‫والمرء يتحير فى ھذا الغباء ! ھل يقال لمن أصيب بانفصال فى الشبكية مثالً‪ :‬انتحر‬
‫فقد فقدت نور الحياة‪ ،‬أم يقال له اصبر واحتسب ؟!‬
‫وھل الوصية بالصبر تعنى عدم التماس العالج إن وجد إليه سبيل ؟‬
‫لقد أمرنا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم بالتداوى والتماس العافية من أى سبيل‬
‫ميسور ‪.‬‬
‫لكن ما العمل إذا لم ينفع الدواء ؟ أيقول األنبياء للمرضى‪ :‬موتوا بغيظكم ‪ .‬أم‪:‬‬
‫اصبروا على قضاء ربكم‪ ،‬يأجركم يوم اللقاء بما يطيب خاطركم ‪.‬‬
‫وذكر الكاتب حديث رسول ﷲ فى الطاعون ثم أخذ يتخبط فى التعليق عليه‪،‬‬
‫وتعليمات النبى صلى ﷲ عليه وسلم فى ذلك تحصر الوباء فى أضيق نطاق ممكن‬
‫ألنه يقول‪ :‬إذا سمعتم بالطاعون فى بلد فال تسافروا إليھا وال تخرجوا منھا ‪..‬‬
‫وال شك أن الباقى فى بلد تحدثه نفسه بالفرار نجاة بحياته‪ ،‬بيد أن النبى الكريم يوصيه‬
‫بالبقاء ـ منعا ً للعدوى ـ كما أسلفنا‪ ،‬ويجعل لمن مات مصابا ً أجر شھيد‪ ،‬وھى مواساة‬
‫كريمة‪ ،‬ووعد مصدوق ‪..‬‬
‫وبديھى أن يكون ھذا األجر األخروى لمن يؤمن باآلخرة وحده‪ ،‬إذ ماذا ينتظر من ﷲ‬
‫منكر لوجوده‪ ،‬أو مفتر الكذب عليه ؟!‬
‫لكن ھذا األسيوطى المسكين يسوق حديث البخارى فى ھذا الموضوع على ھذا‬
‫النحو‪:‬‬
‫روت عائشة قالت‪ ” :‬سألت رسول ﷲ عن الطاعون‪ ،‬فأخبرنى أنه عذاب يبعثه ﷲ‬
‫على من يشاء‪ ،‬وأن ﷲ جعله رحمة للمؤمنين‪ ،‬ليس من أحد يقع الطاعون فى بلده‬
‫فيمكث صابرا ً محتسبا ً يعلم أنه ال يصيبه إال ما كتب ﷲ إال كان له أجر شھيد ” )رواه‬
‫البخارى وأحمد( ‪.‬‬
‫ثم يتساءل‪ ” :‬واآلن ال نقول ما رأى الطب فى ھذا القول ؟ بل ما رأى المثقف العادى‬
‫؟ ” وبعد ثرثرة فارغة يقول‪ ” :‬أرجو كبار األطباء أن ينظروا فى مراجعھم حتى‬
‫يشرحوا نوع الشھادة التى رأى محمد أن يخص بھا المسلمين فقط ‪. ” ..‬‬
‫وما نجد شيئا ً نعقب به على ھذا الغباء ‪..‬‬
‫ومعروف من تعاليم اإلسالم أنه شديد االھتمام بنظافة البدن‪ ،‬وتنقيته من كل درن‪،‬‬
‫وما دام اإلنسان يأكل الطعام فھو محتاج إلى إرشادات مھمة الستقباله‪ ،‬والخالص من‬
‫فضالته ‪.‬‬
‫ولم يؤثر عن أحد أنه أمر بتطھير الفم كما أثر ذلك عن محمد عليه الصالة والسالم ‪.‬‬
‫ولم يؤثر عن أحد أنه أمر بالتطھر التام من آثار الفضالت األدبية كما أثر ذلك عن‬
‫اإلنسان الطھور الوضىء محمد بن عبد ﷲ فقد أوصى باستخدام الماء‪ ،‬بعد أن‬
‫أوصى بإزالة القذى دون مالمسة اليد له‪ ،‬وال بأس فى بيئة صحراوية من االستعانة‬
‫ببعض الحصى فى ذلك تنزيھا ً لليد من مباشرة النجس !! ومع ذلك كله فقد أمر بدلك‬
‫اليد بالتراب‪ ،‬أو بأى مزيل للروائح الكريھة ! ماذا يفعل أكثر من ذلك لتكريم الجسد‬
‫اإلنسانى ؟‬
‫وفى الجنابة إذا كانت ھناك آثار للسائل المنوى تغسل‪ ،‬وينقى منھا البدن والثوب‪ ،‬مع‬
‫أن السائل المنوى طاھر عند فريق من الفقھاء ‪.‬‬
‫غير أن عبقرى أسيوط دخل فى ھذه القضية بفكر متعصب قذر‪ ،‬فذكر عن ميمونة ـ‬
‫زوج النبى ـ أنه اغتسل من الجنابة فغسل فرجه بيده ثم دلك بھا الحائط‪ ،‬ثم غسلھا‪ ،‬ثم‬
‫توضأ وضوءه للصالة‪ ،‬فلما فرغ من غسله غسل رجليه ” )رواه البخارى‪ ،‬ومسلم‪،‬‬
‫واإلسماعيلى فى مستخرجه وابن حبان‪ ،‬راجع تلخيص الحبير‪.(142 / 1 :‬‬
‫قال الكاتب‪ ” :‬فى ھذا الحديث نقف عند جملة معينة ھى‪ ” :‬فغسل فرجه بيده ثم دلك‬
‫بھا الحائط ” أى مسح يده بالحائط‪ ،‬أليس ھذا التصرف ناقالً للعدوى لو أنا تابعناه ‪..‬‬
‫إن الطب يؤكد أن أمراضا ً كثيرة مثل الديدان المعوية والبلھارسيا تنتقل بھذا التصرف‬
‫من المريض إلى السليم ‪” ..‬‬
‫وھذا كذب فى كذب ! من قال‪ :‬إن أى زوج ينقى جسمه من آثار المباشرة الجنسية‬
‫ينقل البلھارسيا وديدان األمعاء ؟!‬
‫والكاتب الذى يمد عينيه إلى ھذه الشئون كيف ينسى ما عنده من تعاليم تجعل ما‬
‫يخرج من‬
‫جسمه ـ أيا ً كان ـ ليس نجسا ً ‪ ..‬أى الفريقين أطھر وأشرف ؟ ھل نذكر له ما ورد فى‬
‫األناجيل من ذلك ؟‬
‫] يراجع كتابنا دفاع عن العقيدة والشريعة [ ‪.‬‬
‫إن التوجيھات المحمدية فى ذلك بلغت القمة‪ ،‬أما ما ينقل عن غيره فيثير الغثيان ‪.‬‬
‫وإذا لم يكن الكاتب نصرانيا ً وكان شيوعياً فھل يدلنا كيف كان ماركس يتطھر ؟ إن‬
‫إبقاء الغطاء على ھذا الموضوع أحفظ للمروءة وأصون للذوق العام !‬
‫ويتھكم الكاتب بالطھارة الرمزية المعروفة فى اإلسالم باسم التيمم ‪ .‬ونحن نقول له‪:‬‬
‫إذا كنت تضيق أن يمس التراب بعض أعضاء اإلنسان فما رأيك إذا كان الكتاب‬
‫المقدس يأمر بابتالع ھذا التراب نفسه ؟ )سنسوق النص بعد قليل عند الحديث عن‬
‫االعتراف( ‪.‬‬
‫وينكر الكاتب وجود السماء قائالً‪ :‬إن الفكر البشرى أيام جھالته أخطأ فى فھم الزرقة‬
‫التى تحيط بنا‪ ،‬فوصفھا بأنھا سقف األرض وسماھا سماء‪ ،‬ثم جاءت األديان فأكدت‬
‫ذلك‪ ،‬وزادت بأن حددت عدد طبقاتھا‪ ،‬وظل ھذا االعتقاد سائداً حتى أبطله العلم ‪.‬‬
‫ونقول‪ :‬تطلق السماء لغة على كل ما عال ‪ .‬وقد أطلق القرآن الكريم السماء على‬
‫السحاب ‪ .‬قال تعالى‪ ” :‬ألم تر أن ﷲ أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ً‬
‫ألوانھا ” )فاطر‪ (27 :‬وفى آية أخرى‪ ” :‬ألم تر أن ﷲ يزجى سحابا ً ثم يؤلف بينه ثم‬
‫يجعله ركاما ً فترى الودق يخرج من خالله ‪) ” ..‬النور‪ (42 :‬ـ أى المطر ‪.‬‬
‫ومن اآليتين معا ً نعلم أن السماء ھى السحاب ‪.‬‬
‫وأطلق القرآن السماء على السقف العادى‪ ،‬وكل ما ارتفع‪ ” :‬من كان يظن أن لن‬
‫ينصره ﷲ فى الدنيا واآلخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع ‪) ” ..‬الحج‪. (15 :‬‬
‫وتطلق السماوات السبع على طباق فوقنا ال نعرف‪ :‬ما ھى‪ ،‬وال ما أبعادھا‪ ،‬ولم‬
‫يتحدث الدين عن مادتھا‪ ،‬وال عن طريقة بنائھا‪ ،‬فماذا فى العلم يخالف ما أسلفنا بيانه‬
‫؟‬
‫يقول ھذا الكاتب‪ :‬وراء النجوم فراغ ال نھائى‪ ،‬ال محدود ‪..‬‬
‫ونقول ھذا كذب‪ ،‬فالكون محدود‪ ،‬والوصف بالمطلق ھو “ وحده‪ ،‬ولم يقل علماء‬
‫الفلك أنھم استيقنوا من أن كوننا ھذا ال نھائى ‪..‬‬
‫ثم يجىء الكاتب إلى قوله تعالى‪ ” :‬أو لم ير الذين كفروا أن السموات واألرض كانتا‬
‫رتقا ً ففتقناھما ” فيزعم أن ھذا الرأى يناقض جميع النظريات العلمية‪ ،‬كما يعرف ذلك‬
‫طالب المدارس ‪..‬‬
‫لقد فھم األحمق من اآلية أن األرض كانت ملزوقة فى الزرقة الفضائية قبل أن‬
‫تنفصل وحدھا ‪ ..‬وھذا ما لم يقله أحد ‪.‬‬
‫سئل ابن عباس عن ھذه اآلية فقال‪ :‬فتق السماء بالمطر‪ ،‬وفتق األرض بالنبات ‪..‬‬
‫وھناك رأى علمى بأن المجموعة الشمسية كانت سديماً‪ ،‬ثم انفصلت عن الشمس‬
‫وتوابعھا على نحو ما نرى ‪.‬‬
‫ونحن ال نصدق وال نكذب رأيا ً علميا ً لم يستقر فى وضعه األخير ‪ ..‬والمھم أن القرآن‬
‫يستحيل أن يكون به ما يناقض حقيقة علمية مقررة ‪.‬‬

‫المداد القرآنى‬

‫ومن سخافات المسكين أن يقول إن القرآن كله تتم كتابته بقطرات من محبرة‪ ،‬فكيف‬
‫يجىء به ” قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ‪..‬‬
‫” )الكھف‪(109 :‬‬
‫إن كلمات ﷲ تكثر كثرة ما يعلم‪ ،‬وقد وسع كل شىء علماً‪ ،‬إنھا الكلمات المتصلة‬
‫بتدبير الوجود كله‪ ،‬والقيام على أمره‪ ،‬إنھا تتصل بحياة كل ذرة فى األرض والسماء‬
‫‪.‬‬
‫وليست بداھة ألفاظ القرآن‪ ،‬ولكن الجنون فنون ‪..‬‬
‫وال أريد أن أطيل السرد‪ ،‬واألخذ والرد مع شخص يھزل ويرى أنه يجد !!‬

‫حديث الذباب‬

‫أريد أن أقرر حقيقة إسالمية ربما جھلھا البعض‪ :‬ھل رفض حديث آحاد لملحظ ما‬
‫يعد صدعا ً فى بناء اإلسالم؟‬
‫كال فإن سنن اآلحاد عندنا تفيد الظن العلمى‪ ،‬إنھا قرينة تستفاد منھا األحكام الفرعية‬
‫فى ديننا‪ ،‬فإذا وجد الفقيه أو المحدث أن ھناك قرينة أرجح منھا‪ ،‬تركھا إلى الدليل‬
‫األقوى دون غضاضة ‪.‬‬
‫وتعريف الحديث الصحيح‪ ” :‬أال تكون فيه علة قادحة ”‪ ،‬فإذا بدت علة فى ” سنده ”‬
‫أو ” متنه ” تالشت صحته‪ ،‬وال حرج ‪.‬‬
‫وأئمة الفقه اإلسالمى بنوا اجتھادھم على ھذا النظر الصائب ‪.‬‬
‫ـ فأبو حنيفة مثالً رفض أن يترك المسلم إذا قتل كافراً دون قصاص وتجاوز حديث‬
‫البخارى فى ذلك ” ال يقتل مسلم فى كافر ” واعتمد فى مذھبه على آية ” النفس‬
‫بالنفس ” ‪.‬‬
‫ـ ومالك كره أن تنفل المصلى قبل فريضة المغرب‪ ،‬ولم يلتفت لما رواه البخارى فى‬
‫ذلك من استحباب صالة ركعتين لمن شاء‪ ،‬ورأيه ھذا يرجع إلى أن عمل أھل المدينة‬
‫أدل على السنة من حديث آحاد‪ ،‬وھم ال يتنفلون قبل المغرب‪ ،‬فاتباعھم أولى من‬
‫رواية البخارى ‪.‬‬

‫ـ وأبو حنيفة ومالك جميعا ً يكرھون أن يصلى المرء تحية المسجد واإلمام يخطب يوم‬
‫الجمعة‪ ،‬ويردون ما رواه البخارى فى ذلك بردود شتى ‪.‬‬
‫ـ وأغلب األئمة يرفض ما روى ‪ ..‬فى الصحيح من أن رضاعة الكبار تثبت حرمة‬
‫المصاھرة‪ ،‬ويرون أن الرضاعة المثبتة المحرمة ما كان فى فترة الطفولة‪ ،‬أى ما‬
‫أنبت اللحم وشد العظم ‪.‬‬
‫وال نريد أن ننتقل إلى مباحث فقھية مفصلة‪ ،‬وإنما نريد أن نقول‪ :‬ھب أن رجالً قال‪:‬‬
‫ال أستطيع قبول رواية ” إذا وقع الذباب فى شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه‪ ،‬فإن فى‬
‫إحدى جناحيه داء واألخرى شفاء ” أيكون من الكافرين ؟ كال !! فلم يقل أحد أن‬
‫أركان اإلسالم تضم اإليمان با“ واليوم اآلخر وغمس الذباب فى الشراب إذا سقط فيه‬
‫!‬
‫وحيث اآلحاد ليس مصدر عقيدة شرعية أو حكم قاطع‪ ،‬بيد أنى من باب استكمال‬
‫البحث العلمى فقط‬
‫أسأل‪ :‬ھل الحديث مردود ؟ إن بعض علماء الحشرات قرر أن ھذه الحشرة تفرز‬
‫الشىء والشىء المضاد له‪ ،‬فإن استقر ھذا الرأى الفنى فالحديث صحيح‪ ،‬وإن ثبت‬
‫قطعا ً أن الذباب مؤذ فى جميع األحوال التى تعرض له ومن بينھا الحالة المروية فى‬
‫الحديث رددته دون غضاضة ‪.‬‬
‫وليس بقادح ھذا فى دينى وال يقينى ‪.‬‬
‫وقد روى ” البخارى ” أحاديث صحيحة السند لكن أئمة الفقه عملوا بغيرھا ألدلة‬
‫أقوى عندھم منھا ‪ ..‬وأنا شخصيا ً متوقف فى ھذا الحديث‪ ،‬لم أنته فيه إلى حكم حاسم‪،‬‬
‫وعلى أية حال فھو ال يتعلق بسلوك خاص أو عام ‪..‬‬
‫إن قواعد الدين وعباداته وفضائله وقيمه ترتكز أوالً على القرآن الكريم ثم ما يشرحه‬
‫من سنن استراح النقاد األخصائيون لھا ‪..‬‬
‫ومنھج المحدثين فى تلقى التراث النبوى ال غبار عليه‪ ،‬بل إن ھذا المنھج ھو ما‬
‫تحتاج إليه الديانات األخرى لتكون موضع ثقة وقبول ‪.‬‬
‫وما دام ھناك من يضرب رأسه بالجبل ليثبت أن فى اإلسالم متناقضات فلنلق نحن‬
‫نظرة خاطفة على تراث القوم ليرى القراء أين تقع التناقضات الحقيقية‪:‬‬

‫أساطير العھد القديم‬

‫إننا فى الفصل األول من ھذا الكتاب فضحنا األسلوب الطفولى الماجن الذى تحدث به‬
‫العھد القديم عن األلوھية‪ ،‬فلنسمع ھذه األخبار عن عدد بنى إسرائيل حين دخلوا‬
‫مصر وحين خرجوا منھا‪ ،‬يقول األستاذ عصام الدين حفنى ناصف كاشفا ً عن‬
‫التزوير الذى اقترفه كتاب التوراة‪:‬‬
‫” من ذلك ما زعموه أن يعقوب وأسرته وفدوا على مصر بدعوة من يوسف‪ ،‬وكانت‬
‫عدتھم ‪ 70‬شخصا ً فما انصرمت ‪ 215‬عاما ً حتى كان عددھم قد ناھز ‪3000000‬‬
‫)أى ‪ 3‬مليون( فلما نزحوا عن ديارنا كان بينھم ” نحو ستمائة ألف ماش من الرجال‬
‫عدا األوالد ” ـ ھكذا سجل سفر الخروج ـ )‪ (37 :12‬وقد أحصوا أبكارھم فكان‬
‫جميع األبكار الذكور بعدد األسماء من ابن شھر فصاعداً‪ ،‬المعدودين منھم اثنين‬
‫وعشرين ألفا ً ومائتين وثالثة وسبعين )عدد ‪. (43 :3‬‬
‫فإذا ضاعفنا ھذا الرقم كان جميع األبكار من الجنسين نحو ‪ ،45000‬وبقسمة عدد‬
‫الجماعة على عدد األبكار نخلص إلى أن المرأة اإلسرائيلية كانت تلد زھاء ‪ 65‬وليدا ً‬
‫!! ” ‪.‬‬
‫ھذه ھى مقررات الكتاب المقدس ‪ ..‬دون تعليق !‬
‫وظاھر أن اليھود كذبوا فى ذكر عددھم كذبا ً صارخاً‪ ،‬وأنھم أودعوا كذبھم ھذا فى‬
‫تضاعيف التوراة‪ ،‬وعلينا أن نصدق !!!‬
‫يقول ” عصام ناصف ”‪ ” :‬إن ھذه الماليين الثالثة المزعومة من اليھود اآلبقين من‬
‫مصر لو أنھا سارت فى صفوف عرضية متراصة يضم كل صف منھا عشرين‬
‫يھودياً‪ ،‬ويشغل الصف بين سابقه والحقه متراً واحداً الستطال ھذا القطار البشرى ”‬
‫الطابور ” مسافة ‪ 150‬كيلو متراً ـ أبعد من المسافة بين القاھرة وخليج السويس ـ‬
‫ولتعذر على قائدھم موسى أن يبلغھم أوامره ” !‬
‫وعن كھنة األديان السابقة وإغراقھم فى المتاع المادى يقول‪ ” :‬إن المال والجاه وإن‬
‫كانا فى حقيقة أمرھما غرضا ً يبتغى لذاته‪ ،‬ھما كذلك وقبل ذلك وسيلة لفرض ال‬
‫تكتمل المتعة إال به‪ ،‬وھو قضاء الوطر من الناحية الجنسية‪ ،‬ومن ثم خولوا أنفسھم‬
‫حق االستماع إلى اعترافات النساء‪ ،‬فيما يتصل بأوثق عالقاتھن بالرجال ‪..‬‬
‫” وقد اشترعوا لھذا الغرض ما أسموه ” شريعة الغيرة ” ‪ .‬فإذا استراب رجل‬
‫بامرأته‪ ،‬وھجس فى صدره أنھا خانته مع آخر ” يأتى الرجل بامرأته إلى الكاھن‬
‫ويأتى بقربانھا معھا‪ ،‬فيقعدھا الكاھن ويوقفھا أمام الرب‪ ،‬ويأخذ الكاھن ماء مقدسا ً فى‬
‫إناء خزف ويأخذ الكاھن من الغبار الذى فى أرض المسكن ويجعله فى الماء ” )عدد‬
‫‪ 15‬ـ ‪(17‬‬
‫ويخلو الكاھن بالمرأة ويشرع فى تالوة بعض األلفاظ ويستحلف المرأة أن تقر بما‬
‫كان منھا ثم يجرعھا الماء المشوب بالغبار ‪.‬‬
‫ومتى سقاھا الماء فإن كانت قد تنجست وخانت رجلھا يدخل فيھا ماء اللعنة للمرارة‬
‫فيرم ـ يتورم ـ بطنھا وتسقط فخذھا )!( فتصير المرأة لعنة فى وسط شعبھا ‪ .‬وإن لم‬
‫تكن المرأة قد تنجست بل كانت طاھرة تتبرأ وتحبل لزرع ” )عدد‪ 15 :‬ـ ‪ ] (17‬نقدم‬
‫ھذا النص لمن لم يرقھم ” التيمم ” بالغبار‪ ،‬ھا ھو ذا الغبار يشرب عندھم [‬
‫ومن المعلوم أن الماء ال يدخل المرارة‪ ،‬وأن وظائف األعضاء ال تمت إلى المسلك‬
‫الخلقى بسبب وثيق‪ ،‬ولكنھا إجراءات خادعة تتخذ بتعزيز سلطان الكاھن على المرأة‪،‬‬
‫فھو ينفرد بھا فى خلوة ثم يخرج راضيا ً أو ساخطا ً وينطق بالقول الفصل فيدينھا‬
‫بالموت مجللة بالعار‪ ،‬أو يدعھا تنعم بالحياة مرفوعة الرأس ناصعة الجبين ” ‪.‬‬
‫ھذه توجيھات الكتاب المقدس‪ ،‬ومبدأ االعتراف على ھذا النحو أو على أى نحو آخر‬
‫ال معنى له وال أثر‪ ،‬اللھم إال إفساد الدين والخلق ‪..‬‬
‫ماذا على من أخطأ أن يتصل بربه لفوره فى دعاء النادم‪ ،‬ورجاء الخاشع‪ ،‬وﷲ يبسط‬
‫يده بالنھار ليتوب مسىء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسىء النھار‪ ،‬وبابه يستقبل‬
‫كل شخص رجالً كان أو امرأة‪ ،‬شيخا ً أو شاباً‪ ،‬عالما ً أو جاھالً ؟؟‬
‫ھذه توجيھات اإلسالم‪ ،‬وھى نابعة من مبدئه العتيد‪ ” :‬كل امرئ بما كسب رھين ”‬
‫أما انفراد المرأة‬
‫بكاھن ـ أو غير كاھن ـ فى خلوة فأمر ال تحمد عقباه‪ ،‬خصوصا ً إذا كانت ھذه الخلوة‬
‫مع محروم من الزواج معلوف بأطايب الطعام !!‬
‫ھل ﷲ جل شأنه مصدر ھذه التعليمات ؟ كال ‪..‬‬
‫إن من المقطوع به أن عدداً من المؤلفين ال مؤلفا ً واحداً أشرف على وضع الكتاب‬
‫المقدس كله‪ ،‬وال نزعم أنه خال من الوحى اإللھى من أوله إلى آخره‪ ،‬ال‪ ،‬بل نقرر أن‬
‫خليطا ً معقداً من أھواء الناس وھدايات ﷲ ‪ ..‬تم التنسيق بينھما على النحو الذى نرى ‪.‬‬

‫بيد أن من المضحك أن الذى قام بتأليف التوراة نسى نفسه وھو يكتب‪ ،‬وذھل كل‬
‫الذھول أنه سوف ينسب ما يكتب إلى موسى !!‬
‫فأورد فى تضاعيف التوراة ـ النازلة على موسى فرضا ً ـ ھذه العبارات‪ ” :‬فمات‬
‫ھناك موسى عبد الرب فى أرض موآب حسب قول الرب‪ ،‬ودفنه فى الجواء فى‬
‫أرض موآب مقابل بيت فغور‪ ،‬ولم يعرف إنسان قبره إلى ھذا اليوم ‪ .‬وكان موسى‬
‫ابن مائة وعشرين سنة حين مات ‪ .‬ولم تكل عينه وال ذھبت نضارته‪ ،‬فبكى بنو‬
‫إسرائيل فى عربات موآب ثالثين يوماً‪ ،‬فكملت أيام بكاء مناحة موسى ‪. ” ..‬‬
‫ما ھذا ؟ موسى الذى أنزلت التوراة تتحدث عنه التوراة بھذا النعى والعزاء والمناحة‬
‫؟؟‬
‫ما يستطيع عاقل إال اإلقرار بأن كاتب التوراة بعد موسى نسى نفسه ونسى الدور‬
‫التمثيلى الذى يقوم به‪ ،‬وغلبت عليه صفة المؤرخ ال المؤلف فقال ما قال ليعرف‬
‫المستغفلون ماذا يقرأون !!‬
‫ونقرن ھذا النص بخبر آخر نشرته جريدة األھرام فى ‪ 3‬مايو سنة ‪ 19) 1973‬من‬
‫ربيع األول سنة ‪ (1392‬تحت عنوان ” وثائق دينية تاريخية تسلمھا ھولندا إلى‬
‫األردن ”‪:‬‬
‫” عمان‪ :‬ـ سلم اليوم الدكتور ” ھانك بانكير ” بالنيابة عن الحكومة الھولندية إلى‬
‫الدكتور غالب بركات وزير السياحة األردنى وثائق تاريخية تتضمن النصوص‬
‫القديمة التى قال المؤرخون أنھا تطلبت إعادة تقييم اإلنجيل ‪ .‬وكانت بعثة أثرية‬
‫ھولندية قد اكتشفت ھذه الوثائق فى عام ‪ ،1967‬وھى وثائق كتبت باآلرامية فى‬
‫القرن السابع قبل الميالد‪ ،‬وعثرت عليھا البعثة فى وادى األردن‪ ،‬وكانت البعثة قد‬
‫حملت تلك الوثائق إلى ھولندا لدراستھا وحل رموزھا بقصد حفظھا ‪ .‬وقال الدكتور ”‬
‫ھـ ‪ .‬فراكين ” الذى رأس تلك البعثة‪ :‬إن ھذه الوثائق فريدة من نوعھا‪ ،‬وقال‪ :‬إن كل‬
‫المعلومات التى وردت فى اإلنجيل حول فلسطين واألردن فى نھاية العصر‬
‫البرونزى وبداية العصر الحديث غير موثوق بھا ألنھا كانت محاولة قام بھا قساوسة‬
‫من القدس لجعل التاريخ يتناسب مع اآلراء الدينية للقرن السابع للميالد ” ‪.‬‬
‫ھذا الخبر الصغير نقطة فى بحر من األوھام والترھات التى تغص بھا ھذه الصحائف‬
‫‪.‬‬
‫وما نعلم كتابا ً حفته العناية العظمى‪ ،‬وصانته أجل صيانة من ھذا القرآن الكريم ‪.‬‬
‫إن القارات الخمس ليس فيھا ما يوصف بأنه وحى السماء إال ھذا الكتاب الفذ ‪.‬‬
‫فھل يؤدى المسلمون حقه ؟!‬
‫تحقير التدين ومطاردة المتدينين ألدنى مالبسة خطوة إلى االرتداد الذى ال ريب فيه‪،‬‬
‫وھو فى الظروف التى تواجھھا أمتنا نوع من الخيانة العظمى أو ھو الخيانة العظمى‬
‫نفسھا ‪.‬‬
‫وقد أفھم أن تشتبك السلطات الحاكمة مع أفراد أو جماعات ينازعونھا السيادة لغرض‬
‫سىء أو حسن ! لكن ھل يقال‪ :‬إن التاريخ اإلسالمى يعين على تكوين جماعة‬
‫اإلخوان‪ ،‬فليمسخ ھذا التاريخ ! ‪ ..‬أو‪ :‬إن البيئات المتدينة مستودع يستمد منه‬
‫اإلخوان‪ ،‬فلتحارب ھذه البيئات ؟؟‬
‫إن ھذا القول يعنى بداھة نقل الخصومة من ميدان إلى ميدان آخر‪ ،‬وأن اإلسالم ذاته‬
‫قد أصبح عرضة للعدوان‪.‬‬
‫وقد ھززت رأسى أسفا ً وأنا أسمع شابا ً يتبرأ من االنتساب إلى اإلخوان فيقول‬
‫لقضاته‪ :‬أنا عمرى ما ركعتھا‪ ،‬ويعلم صحبى أنى أشرب الخمر‪ ،‬وأفعل كذا وكذا !!‬
‫وقد استمع الناس إلى أحد ” نجوم الفكاھة ” فى مصر يذكر أن امرأة اقتيد زوجھا إلى‬
‫السجن فسئلت‪ :‬أھو من اإلخوان ؟ فقالت‪ ” :‬فشر ! زوجى حرامى قد الدنيا ” ‪.‬‬
‫وھكذا أصبحت اللصوصية شرفا ً ! أو نسبة ال حرج فيھا على األقل !‬
‫والواقع أنه مرت ببلدنا أيام كالحة الوجه‪ ،‬مشئومة العقبى كان التدين فيھا تھمة تخرب‬
‫البيوت‪ ،‬وكان عدد من الشبان المؤمنين يختفى بصالته وتقواه‪ ،‬وقل تردده على‬
‫المساجد ألنه أشيع أن نفراً من الذين صلوا الفجر فى مسجد كذا قد اعتقلوا ‪..‬‬
‫وامتداداً لھذه السياسة ـ سياسة سوء الظن بكل ذى نزعة متدينة ـ وضعت المؤسسات‬
‫اإلسالمية الكبرى تحت رياسة عسكرية لھا الكلمة العليا مثل ” الجمعية الشرعية ”‪،‬‬
‫و ” الشبان المسلمين ”‪ ،‬و ” المجلس األعلى للشئون اإلسالمية ” و ” مدينة البعوث‬
‫اإلسالمية ” ‪..‬‬
‫وذلك لضمان حصر عاطفة التدين داخل إطار معين‪:‬‬
‫ـ فال يسمع أى كالم عن تطبيق الشريعة اإلسالمية ‪.‬‬
‫ـ وال يقبل أى اتجاه للعودة باألمة إلى االصطباغ بدينھا فى ظاھر أمرھا وباطنه ‪.‬‬
‫ومن اإلنصاف أن نذكر أن من بين ھؤالء العسكريين من ترك الشعور اإلسالمى‬
‫ينمو دون حرج‪ ،‬خصوصا ً بعد أن تغيرت الظروف التى أملت بالتقرير المثبت فى‬
‫ھذا الكتاب ] راجع تقرير اللجنة التى شكلت من‪ :‬زكريا محيى الدين‪ ،‬صالح نصر‪،‬‬
‫وشمس بدران لدراسة الظاھرة اإلخوانية [ ‪.‬‬
‫على أن الشيوعيين والصليبيين قد انتھزوا فرصة ھذه المطاردة المثيرة فأعلنوا حربا ً‬
‫على الشارات اإلسالمية فى المجتمع ونجحوا فى تحقيرھا وتأليب قوى شتى ضدھا ‪.‬‬
‫وعن طريق المسرح وحده أمكن عرض روايات ھازلة وجادة غرضھا انتزاع كل‬
‫مھابة لشيوخ اإلسالم والمتحدثين باسمه ‪.‬‬
‫كما أن سماسرة الغزو الثقافى فى بالدنا استماتوا فى صرف الشباب عن الدين‪،‬‬
‫وأغروه بفنون الشھوات لينسى ربه ودينه ونبيه ‪.‬‬
‫فلما تغلبت الفطرة األصيلة وأخذ الشباب يعود إلى دينه فى صمت وظھرت المالبس‬
‫الحشمة بين الطالبات الجامعيات جن جنون السماسرة من صحافيين وصحافيات‬
‫وانطلقوا يفترون الكذب على العفيفات المحصنات‪ ،‬ووصفت امرأة ماجنة مالبس‬
‫الفضيلة بأنھا ” أكفان موتى ! ” وأخذت مع غيرھا ينھشن بضراوة أعراض الطيبات‬
‫الطاھرات ‪.‬‬
‫وقد تصفحت المجلة التى نشرت ھذا اللغو فوجدت بھا دعوة إلى الزنا والرضا به‪،‬‬
‫والتحريض عليه‪ ،‬فى عدة مواضع ‪!! ..‬‬
‫وال عجب فرئيسة تحرير المجلة ھى التى ناقشت العقيد ” القذافى ” بسماجة نادرة‪،‬‬
‫وسوغت أمامه انتشار الخنا فى شارع الھرم عندما نصر الرجل النساء بالتزام أحكام‬
‫اإلسالم ‪.‬‬
‫” الخيانة الزوجية ” تعبير مخفف عن جريمة الزنا عندما يرتكبھا رجل مغافالً‬
‫امرأته أو ترتكبھا امرأة مخادعة زوجھا ‪.‬‬
‫وأظن ھذا التعبير مترجما ً عن اللغات األوربية حيث يعتبر اقتراف ذلك اإلثم تفريطا ً‬
‫فى حق إنسانى عادى‪ ،‬أما نحن المسلمين‪ ،‬بل معشر المتدينين إجماالً‪ ،‬فنرى الزنا‬
‫تفريطا ً فى حق ﷲ قبل أن يكون تفريطا ً فى حق عباده‪ ،‬وھو من الشخص المحصن‬
‫أغلظ وأشنع ممن لم يسبق له زواج ‪.‬‬
‫لكن األستاذة المعلمة ” أمينة السعيد ” لھا وجھة نظر أخرى فى ھذه القضية‪ :‬لماذا‬
‫ينظر إلى الزنا ھذه النظرة السيئة ؟ بل لماذا تستبشع الخيانة الزوجية على ھذا النحو‬
‫الشائع بين الناس ؟ فنشرت فى صفحة ‪ 47‬من مجلة حواء )العدد ‪ 843‬ـ ‪/ 11 / 18‬‬
‫‪ 1972‬م( ھذا الكالم تحت عنوان ” أراحت نفسھا ”‪:‬‬
‫” سألوھا )وھى زوجة فرنسية(‪ :‬ھل تغارين ؟ أجابت‪ :‬أعانى من الشعور بالوحدة‬
‫عندما يبتعد عنى زوجى‪ ،‬لكن ال أغار‪ ،‬وأعتقد أن الغيرة شىء ال معنى له‪ ،‬ولذلك‬
‫ينبغى أال نستسلم له !!‬
‫لكن سائلھا لم تقنعه ھذه اإلجابة‪ ،‬فقال لھا‪ :‬اشرحى لى !‬
‫قالت‪ :‬إننى أقول لنفسى افرضى أنه اآلن مع واحدة أخرى‪ ،‬ھل من حقى أن أعترض‬
‫؟ إننى لم أتزوج قرداً أو نكرة وإنما تزوجت رجالً ” ملء ثوبه ”‪ ،‬أحببته لھذا‪ ،‬وال بد‬
‫أن يعجب غيرى من النساء ! إننى ال أحمل له عاطفة الحب وحدھا ولكن أيضا ً‬
‫االحترام والتقدير !‬
‫قاطعھا السائل‪ :‬ال أھمية عندك إذن لإلخالص والوفاء ؟‬
‫قالت وھى تأخذ رشفة من فنجان القھوة‪ ” :‬اسمع ! أنا اآلن أشرب ھذه القھوة ‪..‬‬
‫شعرت بحاجة إليھا ‪ ..‬وھا أنذا أستمتع بھا ‪ ..‬ھل يمانع أحد ؟ ‪ ..‬ھل من حق زوجى‬
‫إذا دخل اآلن أن يلومنى قائالً‪ :‬لماذا شربت القھوة دون إذن منى ؟ أقصد أن الخيانة‬
‫العابرة ليست أكثر من فنجان قھوة بالنسبة لى ‪ ..‬لماذا أجعل لھا من األھمية أكثر مما‬
‫تستحق ؟ أليس من الجائز أن يستمتع ھو فى غيابى أيضا ً بقطعة موسيقى ‪ ..‬باستلقاءة‬
‫فى الشمس ‪ ..‬بنكتة يسمعھا من أحد زمالئه ؟ ھل يوجد فرق كبير حقا ً بين االثنين ؟‬
‫أقصد أن النزوات ‪ ..‬الغلطات العابرة ينبغى أن نتسامح فيھا‪ ،‬فإذا تغير شعوره نحوى‬
‫تماما ً ونفض يده منى فھذا شىء آخر ‪ ..‬شىء يستحق حزنى‪ ،‬لكن حتى فى ھذه الحالة‬
‫لن تفيدنى الغيرة شيئا ً ! ” ‪.‬‬
‫واآلن )ما زال الكالم للمجلة( ھل أثارت دھشتك ردود ھذه السيدة ؟! إنھا زوجة‬
‫فرنسية ‪ ..‬وال أعتقد أن كل الزوجات الفرنسيات يعتنقن ھذا الرأى الجرىء والذى‬
‫عبرت عنه فى حديث أجرته صحيفة ” مارى كلير ” مع بعض الزوجات ‪ ..‬لكن‬
‫الذى ال شك فيه أن فى كالمھا حكمة تفتح نافذة على نوع من راحة البال يحتاج إليه‬
‫كثير من المتزوجين ” ‪.‬‬
‫وفى الصفحة رقم )‪ (5‬من ھذا العدد عالج مماثل لقضية الزنا أو الخيانة الزوجية كما‬
‫شاع على األلسنة‪ ،‬وھذه الكلمة المكتوبة تعليق على رواية للصحافى المشھور ”‬
‫توفيق الحكيم ” ‪ ..‬فإن ھذا ” التوفيق حكيم ” منح الرجل حق الزنا أو حق خيانة‬
‫زوجته‪ ،‬وضن على المرأة بھذا الحق !! فجاءت مجلة ” حواء ” لترفع راية المساواة‬
‫بين الجنسين‪ ،‬ولتطلب من الفنان الخليع أن يعيد النظر فيما كتب ألنه يعالج موضوعاً‬
‫” يتعرض للكثير من التغير بين جيل وجيل ” ‪.‬‬
‫يقول المعلق الخسيس‪ ” :‬فأنا ال أقصد أن كل ما جاء فى الرواية فى حاجة لمراجعة‪،‬‬
‫ولكن يكفى أن بعضھا محتاج إلى ذلك‪ ،‬لكى يحمل رجل االجتماع الذى يسكن فى‬
‫أعماق الفنان أن يقول كلمة التطور والتغير اللذين أصابا المجتمع وبدال من أوضاعه‬
‫وأفكاره ” ‪.‬‬
‫ما الرأى فيما قالته الزوجة فى تساؤلھا‪ :‬وإذا خان الزوج‪ ،‬أليس لھا الحق أن تخونه ؟‬
‫‪ ..‬وكان جواب ” راھب الفكر ”‪ :‬ال‪ ،‬وكان تبريره لذلك أن الرجل ھو الذى يعرق‬
‫والمرأة ھى التى تنفق‪ ،‬ثم يمضى قائالً‪ :‬اكدحى كما يكدح زوجك‪ ،‬اعرقى كما يعرق‬
‫فإذا تساويتما فى التضحيات تساويتما فى الحقوق‪ ،‬فالرجل إذا خان خان من ماله‪،‬‬
‫لكن الزوجة تخون من مال زوجھا‪ ،‬لن تكون ھناك مساواة مطلقة بينكن وبين الرجال‬
‫فى ھذا اإلثم إال إذا تطور الزمن تطوراً آخر فرأينا الزوجة تناضل فى الحياة‬
‫وتكتسب بالقدر الذى يربحه الزوج ! ‪ ..‬أليس ھذا المنطق بحاجة لمراجعة بعد أن‬
‫تطور الزمن إلى ما نراه اآلن ؟ ‪ ..‬إن ريح التغير قد أصابت بعض ما جاء فى ھذه‬
‫من أفكار‪ ،‬لكنھا مع ذلك تظل قطعة فنية تحمل طابع زمنھا وتتضوع باألريج الذى‬
‫يفوح دائما ً من قلم فناننا الكبير المبدع ” ‪.‬‬
‫ھكذا تعالج مجلة حواء جريمة الزنا‪ ،‬وتطلب إعادة النظر فى جعلھا حكراً على‬
‫الزوج وحده كما يرى راھب الفكر‪ ،‬ھذه ھى رھبانية الفكر فى عالم الدواب ‪.‬‬
‫ھل يستغرب من مجلة حواء ـ التى تتمرغ فى ھذا الحضيض ـ أن تنشر مقاالً للسيدة‬
‫محررتھا تحمل فيه حملة شعواء على مالبس الفضيلة التى تستر بدن المرأة كله عدا‬
‫الوجه والكفين ؟‬
‫إن ” المعلمة ” التى تقود نشاطا ً نسويا ً فى بالدنا تشبه ھذه المالبس الشرعية السابغة‬
‫بـ ” الكفن ! ” ‪.‬‬
‫وقد لعب التصوير دوره فى ھذه المأساة‪ ،‬ففى الصفحة الخامسة من العدد صورة‬
‫امرأة مضطجعة على وسادتھا تحلم بالحب ‪ ..‬إن ھذا أمر سائغ ال يعاب‪ ،‬وفى‬
‫الصفحة الحادية عشرة صورة طالبة جميلة المالبس مشوھة الوجه‪ ،‬بادية الحشمة‪،‬‬
‫كئيبة الطلعة !!‬
‫لم ھذا التحامل ؟ ‪ ..‬ولحساب من ؟ ‪ ..‬الجواب معروف !‬
‫وتبلغ الوقاحة قرارھا السحيق عندما تصف رئيسة التحرير نفسھا ـ وقد نقلنا نماذج‬
‫من أخالق مجلتھا ـ فتقول إنھا ” من الوقورات المحتشمات المؤمنات بدينھن المتقيات‬
‫“ الفاعالت للخير ‪ ..‬الخ ” ‪.‬‬
‫وھذا أسلوب جديد فى الحرب المعلنة على اإلسالم‪ ،‬يقول لك مستبيح الخمر والزنا‬
‫واالنحالل واالعوجاج‪ :‬ھل أنت بدعوتك إلى الصالة واالستقامة مسلم ؟ ‪ ..‬ال‪ ،‬نحن‬
‫أولى باإلسالم منك‪ ،‬إنك ال تعرف اإلسالم‪ ،‬اإلسالم تطور ومدنية‪ ،‬وليس المظاھر‬
‫التى تتمسكون بھا‪ ،‬نحن الصالحات الراقيات !‬
‫ونذكر قول الشاعر‪:‬‬
‫فياله من عمل صالح‬
‫يرفعه ﷲ إلى أسفل !!‬
‫الباب السادس‪ /‬الدعوة اإلسالمية والحكام الخونة‬

‫المسلمون مكلفون بنشر دينھم فى القارات الخمس ‪ .‬ويجب أن تكون لديھم أجھزة‬
‫متخصصة تعرف العالم كله‪ :‬من محمد ؟ ورسالته ؟ ما الذى ينشده للناس كى يسعدوا‬
‫فى معاشھم ومعادھم ؟‬
‫يجب أن تكون تعاليم اإلسالم تحت أبصار الناس قاطبة‪ ،‬فمن شاء قبلھا‪ ،‬ومن شاء‬
‫ردھا‪ ،‬المھم أن يعرفھا على حقيقتھا‪ ،‬وأن يزول الجھل بھا‪ ،‬وأال يكون الدخان الذى‬
‫أطلقه أعداؤھا حائالً دون ھذا اإلدراك الواعى السليم ‪..‬‬
‫وقد كانت ” الخالفة ” الكبرى مسئولة عن ذلك‪ ،‬إذ كانت رمزاً لإلسالم‪ ،‬وشاخصا ً‬
‫عالميا ً يلفت األنظار إليه‪ ،‬ويذود األعداء عنه ‪.‬‬
‫ومع أن ” الخالفة ” عندما توالھا الجنس التركى قد أصبحت شبحا ً عليالً‪ ،‬ومع أن‬
‫الخلفاء األتراك كانوا أقرب إلى السالطين الجبابرة منھم إلى أمراء المؤمنين وحراس‬
‫اليقين ودعاة الحق وھداة الخلق !! مع ذلك كله فإن وجود الخالفة فيھم كان له أثره‬
‫فى وحدة المسلمين وتقليل الخسائر النازلة بھم من ھنا وھناك ‪.‬‬
‫وحسبنا أن نشير إلى موقف السلطان ” عبد الحميد ” من فلسطين‪ ،‬فقد ساق إليه‬
‫اليھود قناطير الذھب ليسمح بوجود يھودى فيھا فأبى الرجل إباء قطع كل محاوالت‬
‫اإلغراء‪ ،‬وأحبط جميع المؤامرات لشطر العالم اإلسالمى بھذا العنصر الغريب ‪..‬‬
‫ولما كان لوجود ” الخالفة ” من آثار مادية وأدبية بعيدة المدى فقد كان ھم العالم‬
‫الصليبى أن يجھز عليھا‪ ،‬وقد استطاع أن يبلغ غرضه بعد الحرب العالمية األولى‬
‫مستغالً أطماع القائد التركى ” مصطفى كمال ” الذى باع اإلسالم والمسلمين من‬
‫أجل البقاء رئيسا ً للدولة التركية الجديدة !!‬

‫الذئب األغبر‬

‫إن الشروط األربعة التى عرضھا ” الحلفاء ” المنتصرون عليه ھى أن يقطع صلة‬
‫تركيا بالعالم اإلسالمى وبالعرب خاصة‪ ،‬وأن يلغى نظام الخالفة‪ ،‬وأن يحكم الشعب‬
‫بدستور تقدمى مبتوت الصلة بالدين ‪.‬‬
‫وفى سبيل الزعامة رضى القائد الخائن بھذه الشروط‪ ،‬وألبسته أوربا حلل المجد‪ ،‬ولو‬
‫أنه بقى على دينه وبقيت األمة على دينھا لتقلص االحتالل الصليبى فى األناضول‬
‫قبل أن يتقلص فى مصر والشام والجزائر والمغرب !! فقد كانت مقاومة األتراك له‬
‫أشد وأقسى ‪..‬‬
‫ولكى تعرف من ھو ” مصطفى كمال ” الحقيقى إليك بھذه الفذلكة الموجزة عنه‪ :‬قال‬
‫عنه ” آرمسترونج ” فى كتابه ” الذئب األغبر ”‪:‬‬
‫ـ إنه كان بفطرته ثائرا ً ال يحترم دينا ً أو إنسانا ً أو وضعا من األوضاع‪ ،‬وال يقدس‬
‫ً‬
‫شيئا ً على اإلطالق ‪.‬‬
‫ـ وقال عنه أيضا ً‪ :‬إن الغازى لن يقود تركيا إلى حماقة من تلك الحماقات‪ ،‬أو ينصب‬
‫نفسه بطالً للشرق معاديا ً للغرب‪ ،‬ولإلسالم ضد المسيحية‪ ،‬أو لألجناس المضطھدة‬
‫ضد مضطھديھا‪ ،‬ولكنه لن يكون إال كما حدد برنامجه بقوله ” ليس لنا إال مبدأ واحد‪:‬‬
‫ھو أن ننظر إلى جميع المشكالت بالعين التركية ونصون مصالح تركيا ” ‪.‬‬
‫ـ ونقل عنه قوله لممثل حكومة فرنسا‪ ” :‬تستطيعون أن تنالوا سوريا وبالد العرب‪،‬‬
‫ولكن كفوا أيديكم عن تركيا‪ ،‬نحن نطالب بحق كل شعب فى الحرية داخل حدود‬
‫بالدنا الطبيعية‪ ،‬وال نبغى شبراً واحداً أكثر من ذلك وال أقل ” ‪.‬‬
‫ـ ونقل عنه قوله فى الجمعية الوطنية التركية‪ ” :‬أنا لست مؤمنا ً بعصبة من جميع‬
‫الدول اإلسالمية وال حتى بعصبة من الشعوب التركية ” ‪.‬‬
‫ـ وقال عنه أيضا ً إنه طالما أوضح ألصدقائه أنه يرى وجوب اقتالع الدين من تركيا‬
‫!!‬
‫لندع ھذه الذكريات الحزينة ولنخلص إلى ما نريد ‪ ..‬إن الدعوة إلى اإلسالم قد سقط‬
‫لواؤھا العالمى‪ ،‬وكانت شعوب كثيرة يمكن أن تدخل فيه‪ ،‬ولكن من لھا بالدعاة ؟ ومن‬
‫الذى يھتم بذلك ؟‬

‫اإلسالم فى كوريا‬

‫نشرت جريدة األخبار تحت عنوان ” مسئول كورى يشرح لماذا لم ينتشر اإلسالم فى‬
‫كوريا ؟ ” قالت‪:‬‬
‫” المسلم الذى يزور كوريا الجنوبية الحظ مدى اھتمام حكومتھا بتشجيع األديان‪،‬‬
‫فليس ھناك أى قيد على أى مواطن يريد أن يعتنق دينا ً آمن به أو يتبع مذھبا ً ارتضاه‬
‫”‪.‬‬
‫ھناك نشاط كاثوليكى كبير إذ توجد ‪ 350‬كنيسة‪ ،‬كما أنه توجد مستشفيات‪ ،‬ومالعب‬
‫رياضية‪ ،‬وجامعات مسيحية فى أنحاء كوريا الجنوبية التى يدين معظم سكانھا‬
‫بالبوذية ‪.‬‬
‫أما النشاط اإلسالمى فقد اقتصر حتى اآلن على ‪ 4000‬مواطن فقط ـ ليس لھم ما‬
‫يجمع شتاتھم ـ فما سر ھذه الظاھرة ؟‬
‫يجيب مسئول حكومى‪ :‬إن الفرصة سانحة النتشار اإلسالم فى كوريا الجنوبية‬
‫ألسباب كثيرة ‪.‬‬
‫منھا أن الرئيس الحالى ” بارك سنج ھى ” ينادى بالحرية الدينية‪ ،‬وعلى من يھمھم‬
‫نشر اإلسالم أن يتحركوا بسرعة منتھزين سماحة ھذا الرئيس‪ ،‬فقد يتغير ويجىء‬
‫بعده رئيس جديد للجمھورية تكون له وجھة نظر أخرى فتضيع الفرصة على‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫ثم إن الكوريين الجنوبيين يؤمنون منذ القدم ” بھنانيم ” وھى كلمة معناھا‪ :‬اإلله‬
‫الواحد الذى ال شريك له‪ ،‬ومن ثم فإن الدعاة إلى اإلسالم لن يجدوا أية صعوبة فى‬
‫نشر عقيدتھم بين الكوريين ‪.‬‬
‫والكورى الجنوبى ال يميل إلى اإللحاد وھو يمقت الشيوعية‪ ،‬ويرفض النزعات‬
‫المادية المجردة‪ ،‬إنه يؤمن بالروح والعقل‪ ،‬بالدين الصحيح‪ ،‬واإلسالم يمأل العقل‬
‫بمبادئه ويتفق مع الفكر والزمان والتطور ـ ھكذا يقول المسئول الكورى ـ وتسأل‬
‫المسلمين فى كوريا عن أسباب عدم انتشار اإلسالم فى أرض فتحت قلبھا لكل األديان‬
‫؟‬
‫فتسمع من يقول‪ :‬ليست لدينا إمكانات مادية كافية‪ ،‬نريد مسجداً كبيراً فى العاصمة ”‬
‫سيول‪ ،‬واألرض غالية الثمن !!‬
‫لكن رئيس الجمھورية حل ھذه المشكلة‪ ،‬فأھدى إلى المسلمين قطعة أرض يبنون‬
‫عليھا مسجدھم‪ ،‬وإلى اآلن لم يجتمع لدى المسلمين المال الذى يبنون عليه مسجدھم‬
‫الكبير !!‬
‫ً‬
‫والمنح الدراسية التى تصل إلى كوريا من الدول اإلسالمية قليلة جدا ‪ .‬ويكفى أن تعلم‬
‫أن عدد الكوريين الذين أرسلوا إلى الدول اإلسالمية خالل عشر سنوات ‪ 29‬طالبا ً ‪..‬‬
‫!! ” ‪.‬‬
‫ھذه بيئة كاملة الصالحية الزدھار اإلسالم ‪.‬‬
‫لو وجدت دعاة مدربين لدخل أھلوھا فى دين ﷲ أفواجا ً ‪.‬‬
‫لكن اإلسالم دين يتيم ! من يھتم به على الصعيد العالمى ‪.‬‬
‫إن المنتسبين إليه يخضعون لحكومات تضيق به‪ ،‬أو تأبى االنتساب إليه أو تعجز عن‬
‫إسداء خدمة له‪ ،‬وھم أولى الناس بما قال ﷲ فى بنى إسرائيل‪ ” :‬وقطعناھم فى‬
‫األرض أمما ً‪ :‬منھم الصالحون ومنھم دون ذلك ” )األعراف ‪. (168‬‬
‫فى المجال اإلنسانى الرحب ليست لإلسالم راية تحتشد حولھا الجھود وتھوى إليھا‬
‫األفئدة ‪.‬‬
‫ومن ھنا فنحن نقول آسفين‪ :‬إن الدعاية اإلسالمية العالمية صفر ‪..‬‬
‫فلنتواضع ولنرجع إلى داخل العالم اإلسالمى لنرى ما ھنالك ‪..‬‬
‫ً‬
‫إن الغازى الھمام ” مصطفى كمال ” ليس أول حاكم ارتد عن اإلسالم جريا وراء‬
‫الحكم‪ ،‬ففى أثناء الحروب الصليبية األولى كفر حكام ليبقوا ملوكا ً أو رؤساء كفروا‬
‫وتعاونوا مع الغزاة فى ضرب اإلسالم وأمته ‪.‬‬
‫قال األستاذ ” عالل الفاسى ”‪ :‬بعد ضياع األندلس تطلع األسبان المسيحيون الحتالل‬
‫المغرب ‪ .‬وانتھز ملك قشتالة ” فرديناد ” الثالث أن ” إدريس أبو العال المأمون ”‬
‫طلب مساعدته على استعادة ملكه فى المغرب‪ ،‬فأمده بجيش من اثنى عشر ألف جندى‬
‫مسيحى‪ ،‬وذلك مقابل الشروط اآلتية التى التزم بھا المأمون‪:‬‬
‫)‪ (1‬أن يعطى المأمون لفرديناد قواعد يختارھا ملك قشتالة ‪.‬‬
‫)‪ (2‬إذا فتح المأمون مدينة مراكش وجب عليه بناء كنيسة للمسيحيين ‪.‬‬
‫)‪ (3‬للجنود األسبان حق المجاھرة بشعائر دينھم‪ ،‬وأن يضربوا النواقيس لمناداة‬
‫المصلين معھم ‪.‬‬
‫)‪) (4‬إذا( أراد بعض المسيحيين أن يسلم ال يسمح له بذلك ويتم تسليمه إلى النصارى‬
‫كى يطبقوا عليه أحكامھم ‪.‬‬
‫)‪ (5‬وإذا أراد بعض المسلمين أن يتنصر لم يتعرض له أحد !!‬
‫ھذه الحادثة التاريخية تبين كيف أن تھافت بعض الرؤساء على السلطة جعلھم يقبلون‬
‫مثل ھذا الشروط ‪..‬‬
‫على أن ھذا ” المأمون ” قضى عليه آخر األمر‪ ،‬وأمكن طرد الجنود النصارى الذين‬
‫استجلبھم‪ ،‬فلم ير فى المغرب بعد ذلك مسيحى ‪.‬‬
‫وما لنا ننبش الماضى البعيد لتفوح منه ھذه الروائح العفنة ؟‬
‫فلننظر إلى حاضرنا وما يحفه من أخطار جسام ‪.‬‬
‫إن الثقافة اإلسالمية تنكمش والثقافات الدخيلة تمتد ‪.‬‬
‫واألنماط اإلسالمية فى الحياة تتزعزع وتتالشى‪ ،‬واألنماط األجنبية تفرض نفسھا‬
‫وتستقر ‪.‬‬
‫والدعوة اإلسالمية قد تعنى نصح منحرف من سواد الناس أو توصيته بالصالة‬
‫والزكاة‪ ،‬فإذا تطلعت إلى ما ھو أبعد من ذلك لقيت العنت والتجھم !‬
‫وقد أمر بعض الكبراء بنزع مكبرات الصوت فى المساجد المجاورة له حتى ال يسمع‬
‫األذان وقت الفجر!‬
‫وواضح أن سائر الملل والنحل اتفقت على تكوين جبھة معادية لإلسالم‪ ،‬فالكنائس‬
‫الغربية والحكومات المسيحية ساندت إسرائيل ضد العرب المسلمين‪ ،‬والشيوعية‬
‫والوثنية الھندوكية تعاونتا على سحق باكستان المسلمة‪ ،‬بينما وقفت الواليات المتحدة‬
‫حليفتھا السياسية ترمق المنظر متسلية ‪.‬‬
‫وفى مصر قلب العالم اإلسالمى تتسابق النشرات الشيوعية والصليبية على خداع‬
‫القراء وسرقة عقائدھم‪.‬‬
‫وليت األمر صراع كتابات‪ ،‬وحوار مجالس‪ ،‬إذن لخرج اإلسالم من ھذه الساحات‬
‫كلھا منتصرا ً ‪.‬‬
‫إن الحرية ھى الصديق األول لديننا‪ ،‬وعندما ينھض الحكم فى بالدنا على أساس‬
‫الرضا الشعبى والتجاوب مع إرادة الجماھير‪ ،‬فلن يكون إلحاد وال انحراف‪ ،‬سيكون‬
‫الحكم إسالميا ً حتميا ً فتلك رغبة الكثرة الساحقة من أفراد األمة ‪.‬‬
‫أتظن أن الغازى ” مصطفى كمال ” مثالً لو عرض نفسه على الشعب التركى كان‬
‫يظفر بـ )‪ (% 1‬من أصوات الناخبين ؟ إنه سوف يخرج من أى انتخابات حرة يجر‬
‫أذيال الفشل ‪..‬‬
‫إن الحكم الفردى المستبد ھو وحده الذى يقھر اإلسالم ويذل أمته‪ ،‬وقد عرفت أمريكا‬
‫وروسيا ذلك فقررتا إحداث انقالبات عسكرية فى أرجاء العالم اإلسالمى المترامى‬
‫األطراف ‪.‬‬
‫وعن ھذا الطريق ال غير يمكن لي عنان الجماھير‪ ،‬وتجريعھا الصاب والعلقم ‪.‬‬
‫والمضحك المبكى أن ذلك سيتم باسم الشعب نفسه‪ ،‬وقد سمى مصطفى كمال ”‬
‫أتاتورك ” أى أبا الشعب‪ ،‬وھو فى خبيئته وعالنيته عدو الترك وكذلك أشباھھم من‬
‫الحاكمين المستبدين ‪..‬‬
‫أندونيسيا المسلمة‬

‫ولنضرب مثالً من ” أندونيسيا ” المسلمة الحائرة التى بلغ سكانھا اآلن نحو ” ‪120‬‬
‫” مليوناً‪ ،‬تسعة أعشارھم مسلمون‪ ،‬إنھا فى ظل االستعمار الھولندى تعرضت لحركة‬
‫تنصير واسعة النطاق‪ ،‬إذ عزلت عن العالم اإلسالمى‪ ،‬ومنعت الكتب اإلسالمية إال ما‬
‫كان تافھا ً قليل الغناء‪ ،‬بل إن الشعب األندونيسى عزل بعضه عن بعض حتى يستطيع‬
‫المبشرون افتراس كل جزء على حدة ‪..‬‬
‫وقاوم المسلمون ببسالة ھذا البالء المبين‪ ،‬وأمكنھم أن يظفروا آخر الشوط بحريتھم‬
‫فاستقلت أندونيسيا سياسياً‪ ،‬وقام فيھا نظام نيابى ظفر فيه حزب ” ماشومى ” المسلم‬
‫بكثرة األصوات‪ ،‬وتألفت حكومة إسالمية يرأسھا السيد ” محمد ناصر ” ‪..‬‬
‫ھل يترك االستعمار العالمى مستقبل أندونيسيا المسلمة يتقرر على ھذا النحو ؟‬
‫كال‪ ،‬لقد بحث عن شخص يستطيع تقليب األمور‪ ،‬وتعكير الصفو‪ ،‬ووجد ضالته‬
‫المنشودة فى ” سوكارنو ”‪ ،‬وھو رجل معروف بانحراف العقيدة‪ ،‬وسيطرة الغرائز‬
‫البھيمية على حياته‪ ،‬وقد بدأ ” سوكارنو ” يعمل ‪.‬‬
‫قال األستاذ ” عالل الفاسى ”‪ ” :‬إن دسائس الھند وھولندا زودت سوكارنو وأنصاره‬
‫بأموال ضخمة فى االنتخابات الثانية‪ ،‬فأصبح الحزب الوطنى الذى يرأسه صاحب‬
‫األغلبية‪ ،‬وانكشف سلوك سوكارنو مما حمل المسلمين المخلصين واالشتراكيين على‬
‫الثورة والمناداة بحكم إسالمى سليم والتغلب على حزب ” ماشومى ” اإلسالمى‪ ،‬قام‬
‫سوكارنو بعقد اتفاق مع حكومة الصين الشعبية يقضى بأن يتجنس الصينيون‬
‫المقيمون بأندونيسيا ـ وھم عدة ماليين ـ بالجنسية األندونيسية‪ ،‬وأن يشدوا أزر‬
‫الحزب الشيوعى فى البالد‪ ،‬فأصبح بذلك القوة السياسية الثالثة بعد الحزبين الوطنى‬
‫واإلسالمى !‬
‫وھكذا تحالف سوكارنو مع الشيوعيين‪ ،‬ثم شرع يضيق الخناق على النشاط اإلسالمى‬
‫باسم المحافظة على األمن وإقرار النظام ‪. ” ..‬‬
‫ً‬
‫ويلعب اإلغراء بعقول الشيوعيين‪ ،‬وأملى لھم سوكارنو الذى صرح أحيانا بأنه‬
‫ماركسى‪ ،‬فحاولوا االنفراد بالحكم إثر مذبحة أوقعوھا بالفئات اإلسالمية ذھب‬
‫ضحاياھا عشرات األلوف ‪.‬‬
‫بيد أن الجيش تدخل مؤيداً الطالب المكافحين والمجاھدين المسلمين فدحر الشيوعيين‬
‫وقضى عليھم قضاء مبرما ً‪.‬‬
‫قال األستاذ ” عالل ”‪ ” :‬وكان الواجب يقضى برد األمر إلى الشعب ليختار حكومته‬
‫ونوابه ” ‪.‬‬
‫لكن ذلك لم يحدث فقد تولى الجنرال سوھارتو السلطة وحكم البالد بطريقة ترضى‬
‫أمريكا‪ ،‬فولت الشيوعية األدبار لتحل محلھا الصليبية الزاحفة ‪.‬‬
‫ويقول تقرير وصل إلى ” رابطة العالم اإلسالمى ”‪ :‬إن حملة التنصير اليوم أشد‬
‫وأقوى فى أندونيسيا مما كانت عليه أيام الحكم الھولندى‪ ،‬والتنافس شديد بين‬
‫البروتستانت والكاثوليك على تحقيق ھذا الھدف ‪..‬‬
‫وقد شرحنا فى كتابنا ” دفاع عن العقيدة والشريعة ” الخطة الزمانية الموضوعة‬
‫لذلك‪ ،‬والتى أرصد لھا ” بابا روما ” وحده ” كارديناالً ” وواحداً وعشرين أسقفا ً‬
‫وجيشا ً كثيفا ً من القساوسة ‪.‬‬
‫كل ذلك يعمل فى ظل حكم عسكرى قاھر يجور على المسلمين ويجبن أمام الغزاة‬
‫والمستعمرين ‪.‬‬
‫والطريف أن ” سوكارنو ” قدم إلى مصر‪ ،‬فاستقبل أعظم استقبال وطلب الرئيس‬
‫جمال عبد الناصر من األزھر الشريف منحه أعلى شھاداته العلمية‪ ،‬فمنح ” العالمية‬
‫” الفخرية فى العقيدة والفلسفة من كلية أصول الدين !!!‬
‫وال أدرى لماذا لم يمنح العالمية فى تفسير القرآن وشرح السنة تمشيا ً مع القول النبوى‬
‫الكريم‪ ” :‬إذا لم تستح فاصنع ما شئت ” ؟!‬
‫إن سوكارنو كان من ألد أعداء اإلسالم‪ ،‬وكانت انحرافاته الجنسية الطافحة موضع‬
‫القيل والقال‪ ،‬وال ريب أن إعطائه أى وسام من األزھر كان تحقيرا ً لألزھر نفسه !!‬
‫والحق إنى حائر فى فھم جمال عبد الناصر‪ ،‬لقد كنت كما يعلم الناس من جماعة‬
‫اإلخوان المسلمين‪ ،‬وأقرر أن جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين بايعا فى ليلة‬
‫واحدة على نصرة اإلسالم ورفع لوائه‪ ،‬وقد كنت قريبا ً من مشھد مثير وقف فيه‬
‫جمال عبد الناصر أمام قبر حسن البنا يقول‪:‬‬
‫” نحن على العھد وسنستأنف المسيرة ” ‪..‬‬
‫كان ذلك عقب قيام الثورة بأشھر قالئل ‪.‬‬
‫وقد وضع كتاب مسلمون كبار مقدمات للرسائل التى كانت تصدر تحت عنوان ”‬
‫اخترنا لك ” أمضاھا جمال عبد الناصر وفيھا أشرف ما يؤكده زعيم مسلم نحو أمته‬
‫ودينه ‪.‬‬
‫ال أدرى ما حدث بعد ذلك ‪..‬‬
‫إنه تغير رھيب فى فكر الرجل وسيرته جعله فى كل نزاع بين اإلسالم وطرف آخر‬
‫ينضم إلى الطرف اآلخر‪:‬‬
‫ـ انضم إلى الھند فى خصومتھا المرة ضد باكستان المسلمة ‪.‬‬
‫ـ انضم إلى الحبشة فى عدوانھا الصارخ على أرتريا ‪.‬‬
‫ـ انضم إلى تنجانيقا وأغضى عن المذبحة الشنعاء التى أوقعتھا بشعب زنجبار‬
‫المسلم‪ ،‬ورحب آخر ترحيب بنبربرى الذى يتظاھر باالشتراكية وھو قسيس كاثوليكى‬
‫!!‬
‫ـ انضم إلى القبارصة اليونان فى نزاعھم مع القبارصة المسلمين‪ ،‬وجعل األزھر‬
‫يستقبل مكاريوس عدو الكيان اإلسالمى لألتراك ‪.‬‬
‫ـ كان أسداً ھصوراً فى قتال اليمن‪ ،‬وحمالً وديعا ً فى قتال اليھود‪ ،‬حتى جعل اليھود ـ‬
‫وھم أحقر‬
‫مقاتلين فى العالم ـ يزعمون أنھم ال يقھرون فى حرب !!‬
‫سريع إلى ابن العم يلطم خده‬
‫وليس إلى داعى الندى بسريع !‬

‫ـ ولقد ساند ” البعث العربى ” الحاقد على اإلسالم‪ ،‬ورفض مساندة أى تجمع‬
‫إسالمى‪ ،‬واخترع حكاية القومية العربية لتكون بديالً عن العقيدة اإلسالمية ‪!! ..‬‬
‫ومن اإلنصاف أن نقول إن عدداً من رجال الثورة لم يكونوا راضين عن ھذا االتجاه‬
‫الخاطئ ‪.‬‬
‫وعندما تولى الرئيس ” أنور السادات ” الحكم كشف عن الوجه الحقيقى لمصر‬
‫المسلمة‪ ،‬ودفع سياسة البالد إلى طريق أرشد‪ ،‬وقضى على مراكز القوة التى كانت‬
‫تريد السير بمصر بعيدا ً عن اإلسالم ‪.‬‬
‫لكن استنقاذ مصر مما ألم بھا فى الماضى يحتاج إلى جھود مضاعفة خصوصا ً بعد‬
‫أن تحركت تيارات عديدة مناوئة لإلسالم وظفرت بمكاسب ذات بال ‪.‬‬
‫لقد أكدنا فى مواطن شتى أن مصر اإلسالمية ال تتعصب لدين‪ ،‬وال تتعصب ضد‬
‫دين‪ ،‬وأنا أعلن أن األمة اإلسالمية تستطيع استيعاب يھود العالم أجمعين بين‬
‫ظھرانيھا كافلة لھم حرية مطلقة فى البقاء على عقائدھم وأداء شعائرھم‪ ،‬على أن‬
‫يكونوا بداھة مواطنين مسالمين ينفعون وال يضرون‪ ،‬فھل يقبل اليھود ذلك ؟‬
‫ال‪ ،‬إنھم وثبوا على فلسطين ولھم غرض ھائل‪ ،‬استقوه من تعاليم دينية محرفة‪ ،‬يعبر‬
‫عنه ” مناحم بيجن ” السفاح الشھير بقوله‪:‬‬
‫” مھمتنا سحق الحضارة اإلسالمية وإحالل الحضارة العبرية محلھا‪ ،‬والمھمة شاقة‬
‫” ‪..‬‬

‫سماسرة الفاتيكان‬

‫فى أثناء ھذا الھجوم المطالب بدمنا وديننا نباغت بموقف شاذ خائن للكنائس الغربية‪،‬‬
‫تعلن فيه صلحا ً جذريا ً مع اليھود‪ ،‬يقوم على تبرئتھم من صلب المسيح‪ ،‬برغم ما‬
‫تقرره األناجيل التى بأيدى القوم ‪..‬‬
‫ونحن نعلم أن المسيح لم يصلبه يھودى وال وثنى‪ ،‬ولكن إذا كانت الكنيسة تشھد بغير‬
‫ذلك‪ ،‬وتنسب إلى اليھود ـ حسب روايات أناجيلھا ـ أنھم متھمون خبثاء‪ ،‬وقتلة لؤماء‪،‬‬
‫فما سر ھذا الصلح المباغت ؟‬
‫إنه اتفاق علينا وشد ألزر القتلة وھم يخربون ديارنا‪ ،‬ويمحون تاريخنا‪ ،‬وما نستطيع‬
‫تجاھل ھذا االتفاق‪ ،‬وال اإلغضاء عن آثاره ونتائجه فى أكثر من ميدان‪ ،‬إنه جھد من‬
‫سلسلة جھود متصلة إلساءة اإلسالم وإھانة أمته ‪.‬‬
‫يقول األستاذ ” عالل الفاسى ”‪ :‬وقف البابا دائما ً من االستعمار موقف المؤيد‪ ،‬وقد‬
‫كانت بعض حكومات المغرب قد أملت خيراً فى بعض الباباوات عساھم يؤثرون‬
‫على الدول الخاضعة لنفوذھم الروحى فيخففون من حمالتھم العدائية‪ ،‬وھيھات ‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأنا أحكى قصتين وقعتا لى ونحن فى أشد المواقف‪ ،‬أيام جھادنا لتحرير البالد‬
‫من االستعمار الفرنسى ‪..‬‬
‫ـ األولى‪ :‬توجھنا باسم حزب االستقالل أنا وصديقى المجاھد ” عبد الرحمن انجامى‬
‫” إلى أمريكا الجنوبية لنتصل بشعوبھا وحكوماتھا شارحين قضيتنا راجين أن‬
‫تصوت ھذه الدول لمصلحتنا فى المحافل الدولية‪ ،‬فكان يتبعنا حيث اتجھنا ـ تارة‬
‫يسبقنا وتارة يلحقنا ـ الوزير الفرنسى ” بول رينو ” مبعوثا ً من قبل حكومته‪ ،‬كما كان‬
‫يتبعنا قسيس لبنانى مبعوثا ً من طرف الكنيسة !‬
‫وعلمنا أن إرساله تم بطلب من فرنسا وموافقة من البابا‪ ،‬وقد قاما بجھود كبيرة‬
‫ضدنا‪ ،‬ومع ذلك فقد انتصرت دعوتنا والحمد “‪ ،‬وحصلنا على تأييد إخواننا العرب‪،‬‬
‫وصوتت معنا كل الدول التى زرناھا كالبرازيل واألرجنتين والشيلى ‪ ..‬وغيرھا ‪.‬‬
‫ـ الثانية‪ :‬دخلت سنة ‪ 1952‬مستشفى ” األميرة فريال ” إلجراء جراحة بالكلية‬
‫اليسرى‪ ،‬وكنت أشكو من وجود أحجار بھا‪ ،‬وبلغنى وأنا فى انتظار العملية نبأ اعتقال‬
‫الفرنسيين للشيخ ” عبد الواحد بن عبد ﷲ ” من علماء ” الرباط ” وكان يدعو فى‬
‫دروسه إلى تقدير التضحية واالستبسال فى نصرة الحق‪ ،‬وتساءل لماذا يضيق‬
‫الفرنسيون بكفاحنا لتحرير بالدنا‪ ،‬ويعدون ذلك جرما ً وھم يقدسون السيدة ” جان‬
‫دارك ” ألنھا بذلت وسعھا فى سبيل‬
‫وطنھا ؟ أليست لديھم مثاالً يحتذى ؟‬
‫ولم يعجب ھذا الكالم إدارة الحماية الفرنسية فقررت اعتقاله ‪ ..‬ووافق االعتقال أن‬
‫بعض الناس كان يدعو للتقارب بين المسيحية واإلسالم‪ ،‬فكتبت رسالة للبابا بيوس‬
‫الثانى عشر منبھا ً إلى ما حدث‪ ،‬ومذكراً بأن عالما ً مسلما ً لديه ھذا التفتح الفكرى ال‬
‫يسوغ أن يلقى ھذا المسلك‪ ،‬وأنه لن يعقب ھذا إال توسيع شقة الخالف بين مسلمى‬
‫المغرب والنصارى المقيمين فيه !‬
‫وزارنى بعد تحرير الرسالة األستاذ ” ماسينيون ” المعروف بتدينه وإخالصه الشديد‬
‫لمسيحيته‪ ،‬فأنعم النظر فيھا ثم قال لى‪ :‬ھل أنت مخلص فيما تبديه من رغبة التقريب‬
‫بين المسلمين والمسيحيين‪ ،‬على أساس القيم األخالقية المشتركة بين الدينين ؟‬
‫قلت‪ :‬نعم أيھا السيد الجليل‪ ،‬ولو لم أكن مخلصا ً ما كتبت ھذه الرسالة فى وقت أتھيأ‬
‫فيه لجراحة خطيرة قد ألقى فيھا ربى‪ ،‬وأنا أتطلع إلى عفوه ‪ .‬قال‪ :‬ثق أن البابا لن‬
‫يستجيب لك وال لغيرك ألنه يأخذ المال من الصھاينة ‪ .‬ولما رآنى استغربت قوله‪ ،‬قال‬
‫لى‪ :‬يا سيد عالل ال تستغرب‪ ،‬وما يفعله البابا ال يجعلنى أتخلى عن مسيحيتى‪ ،‬كما أن‬
‫قولى ھذا ال يخرجنى عن دينى الذى تعلم مقدار تمسكى به ‪.‬‬
‫وقد صدق ” ماسينيون ”‪ ،‬فإن البابا لم يكلف نفسه عناء الرد على رسالتى ‪” ..‬‬
‫وماسينيون ” مستشرق كبير‪ ،‬وكان عضواً فى مجمع اللغة العربية‪ ،‬وكان فيما أعلم‬
‫مستشاراً لوزارة المستعمرات الفرنسية‪ ،‬وھو شديد التعصب للنصرانية ‪.‬‬
‫والبابا الذى تحدث عنه ” ماسينيون ” غير البابا الذى أصدر الوثيقة الشھيرة بتبرئة‬
‫اليھود ‪.‬‬
‫ترى كم أخذ األخير ؟‬
‫المھم أن النصرانية فى الغرب اتفقت مع اليھودية على ضرب اإلسالم‪ ،‬وأنھا تحاول‬
‫جر النصرانية فى الشرق إلى موقف مشابه‪ ،‬فھل ستجد لھا عونا ً على ھذا العرض‬
‫الخسيس ؟؟‬
‫ما الذى دفع القسيس اللبنانى إلى عرقلة تحرير المغرب والجرى فى ركاب‬
‫المستعمرين والسفر إلى الدول األمريكية الجنوبية إلقناعھا بالتصويت ضد استقالل‬
‫بلد عربى مظلوم ؟‬
‫ـ نحن نطلب من النصارى الذين يحيون فى ربوع العالم اإلسالمى أن تقر أعينھم‬
‫بالحرية الدينية المتاحة لھم دون َم ٍن وال أذى ‪.‬‬
‫ـ ونطلب منھم أن يرعوا حقوق المواطنة وحرمات الجوار وقرابة الجنس واللغة‬
‫وأعباء المشاركة الكريمة فى بناء حضارة ال حقد فيھا وال دس وال تربص فيھا وال‬
‫شماتة ‪..‬‬
‫ـ ونطلب منھم أن يصموا آذانھم عن نداءات الغدر والتشفى إذا ما ألمت بالمسلمين‬
‫ملمة ‪.‬‬
‫إنھم إن بطروا معيشتھم لم يفلتوا من عدالة السماء ” وكم أھلكنا من قرية بطرت‬
‫معيشتھا فتلك مساكنھم لم تسكن من بعدھم إال قليالً وكنا نحن الوارثين ” )القصص‪:‬‬
‫‪(58‬‬
‫ـ أما أن يروا مسجداً يبنى فيحاولوا أن تكون أبراج الكنايس أعلى من مئذنته !! فھذه‬
‫محاولة منكورة ‪.‬‬
‫ـ أما أن تكفيھم ألداء العبادة كنيسة واحدة فيبنوا مثنى وثالث ورباع فذلك ما ال مساغ‬
‫له ‪..‬‬
‫ـ أما أن يروا التبشير األجنبى قد تعاون مع االستعمار العالمى على تضليل المسلمين‬
‫وإزاغة قلوبھم فيشاركوا ھم أيضا ً فى حرب المنشورات وفتنة السذج فتلكم خيانة‬
‫ربما كانت تمھيداً لمثل ما فعله المعلم ” يعقوب حنا ” الذى خان مصر وانضم إلى‬
‫الغزاة الفرنسيين !!‬
‫لقد انتھز الفاتيكان فرصة ھزيمة سنة ‪ 1967‬فأرسل سماسرته ليشتروا األرض من‬
‫العرب المحرجين فى مدينة القدس‪ ،‬وھذا تصرف محقور ‪.‬‬
‫ونحن نعلم أن شوارع بأسرھا تكاد تشترى فى مدن مصر وقراھا لينكمش اإلسالم‬
‫فوق تربتھا‪ ،‬ويتحول المسلمون عليھا غرباء‪ ،‬فلم ذلك ولحساب من ؟‬
‫إن حرب شراء األراضى واحتكار المبانى بدأت فعالً‪ ،‬ولكى نبصر المسلمين‬
‫بنتائجھا نذكر لھم قصة ” قبرص ” كما ذكرنا فى كتابنا ” مع ﷲ ” وقصة سنغافورة‬
‫التى كانت فيما مضى )!( مسلمة السكان والحكم‪ ،‬وأمست اآلن ال صلة لھا باإلسالم‬
‫!!‬

‫قبرص‬

‫فتحت قبرص فى المد اإلسالمى األول على عھد الخالفة الراشدة‪ ،‬فتحھا معاوية بن‬
‫أبى سفيان حين كان واليا ً على الشام‪ ،‬وكانت شئونھا اإلدارية تتبع إحدى المحافظات‬
‫السورية لموقعھا شرقى البحر المتوسط ‪.‬‬
‫ومذ دخلھا العرب ونشأ فيھا اإلسالم لم تتغير أوضاعھا المعنوية وال اإلدارية‪ ،‬فقد‬
‫أصبحت بلدا ً مسلما ً منذ أربعة عشر قرنا ً ‪.‬‬
‫وبعد انتھاء الخالفة العربية ورثت الخالفة التركية قبرص فيما ورثت من ديار‬
‫اإلسالم الشاسعة‪ ،‬إال أن الترك فى القرن التاسع عشر كانوا يترنحون تحت الفساد‬
‫السياسى الذى نخر كيانھم والضغط الصليبى الذى قطع أوصالھم‪ ،‬فوثبت إنجلترا ـ أم‬
‫الخبائث فى ميدان االستعمار ـ على قبرص‪ ،‬وجعلتھا قاعدة عسكرية لھا بعدما‬
‫أبرمت اتفاقا ً مع العثمانيين بردھا إليھم عندما تستغنى عنھا )!(‬
‫وبدأ اإلنجليز يستقدمون العمال اليونانيين بكثرة ليخدموا فى القاعدة العسكرية‪ ،‬ثم‬
‫بدأوا يغرونھم بالتوطن فى الجزيرة ‪.‬‬
‫فما ھى إال سنوات حتى كثر عددھم‪ ،‬وزاحموا المسلمين مزاحمة شديدة سواء كانوا‬
‫تركا ً أو عربا ً فأخذ الميزان السكانى يتذبذب‪ ،‬ثم أصبح ربع السكان من المسلمين‬
‫األتراك‪،‬والثالثة أرباع من اليونانيين المسيحيين ‪..‬‬
‫وما أن شعر المسيحيون بتفوقھم العددى حتى طلبوا االستقالل تمھيداً لالنضمام إلى‬
‫اليونان‪ ،‬ولم تكن الجزيرة يوما ً تابعة لليونان ‪.‬‬
‫وكان جزع المسلمين شديدا ً ألن ھناك مسلمين يونانيين فى إقليم ” قولة ” وما جاوره‬
‫ذوبھم االضطھاد واإلذالل‪ ،‬وأخذوا فى االنقراض دون ضجة !‬
‫ومن ھنا طلب المسلمون أن تقسم الجزيرة بينھم وبين اليونانيين الوافدين‪ ،‬ولكن‬
‫يرضى القتيل وليس يرضى القاتل‪ ،‬فإن السيد مكاريوس يريد فرض نفسه بوصفه‬
‫صاحب الجزيرة ‪.‬‬
‫ً‬
‫والمھم أن جمال عبد الناصر أيده كما نشرنا آنفا‪ ،‬وأوعز إلى شيوخ األزھر أن يقدموا‬
‫له التحيات المباركات ‪..‬‬
‫وال أدرى كيف يقع ھذا‪ ،‬ولكن الذى أدريه أن زعيم القومية العربية استبعد من علماء‬
‫األزھر أن‬
‫يقولوا‪ :‬ال ‪..‬‬
‫وجعل على قمة المعھد اليائس من تعفنت ضمائرھم من طول البلى ‪.‬‬
‫وھكذا يموت اإلسالم‪ ،‬وتنھزم قضاياه ‪.‬‬

‫العقيد الناصرى‬

‫قلت ألحد قدامى اإلخوان‪ :‬ما رأيك فى العقيد القذافى ؟ ] نؤثر أن يعرفه القراء‬
‫بـ”العقيد الناصرى”[ قال‪ :‬نتمنى له التوفيق فى خدمته لإلسالم‪ ،‬لقد جمع من خبراء‬
‫الفقه والقانون من يعاونون على إعادة الشريعة اإلسالمية إلى الحياة‪ ،‬وھذا سعى‬
‫مشكور‪ ،‬وقد حسبته أول ما قام بثورته من جماعة اإلخوان‪ ،‬ألنه تبنى أفكارھم‬
‫ومبادئھم‪ ،‬ما انتقص منھا وال زاد عليھا‪ ،‬ولما تناول اإلخوان بالسوء قلت‪ :‬لعلھا تقية‬
‫حتى يتركه الخصوم ـ خصوم اإلسالم ـ يمضى فى طريقه دون اتھام وال تعويق ‪..‬‬
‫فرددت على ھذا األخ القديم‪ :‬وھل ال زلت على رأيك األول ؟ وھو يتھم جماعتكم‬
‫بالتعاون مع االستعمار‪ ،‬ويعتقل فى أنحاء ليبيا من يظن بھم االنتماء إلى الجماعة ؟‬
‫قال‪ :‬إننى فى حيرة‪ ،‬وما أحسبنى كنت واھما ً عندما عددته من الجماعة‪ ،‬إنه ليس‬
‫فقيھا ً إسالميا ً وال مفكراً إنسانيا ً يمكن وصفه بأنه أتى من عند نفسه بما أتى به ‪ .‬إنه‬
‫يردد كل ما كتبه اإلخوان من نظرات اقتصادية وسياسية للشريعة اإلسالمية ‪ ..‬وأنت‬
‫خبير بأن ما نشر فى أرجاء العالم اإلسالمى والعربى من ھذه الكتابات ھو لمؤلفى‬
‫اإلخوان أو ألصدقائھم العاملين معھم فى ھذا الحقل‪ ،‬والمتعرضين معھم لالضطھاد‬
‫والبالء ‪ ..‬لقد تبناه العقيد القذافى بما فيه من خطأ أو صواب !!‬
‫قلت‪ :‬أى خطأ ؟‬
‫قال‪ :‬إنك أصدرت فى أوائل األربعينات عدة كتب فى ھذا الموضوع‪ ،‬ثم نشر األستاذ‬
‫” سيد قطب ” رحمه ﷲ فى أواخر األربعينات كتاب ” العدالة االجتماعية ”‪ ،‬ثم نشر‬
‫األستاذ ” مصطفى السباعى ” كتابه ” اشتراكية اإلسالم ” فى أوائل الخمسينات‪،‬‬
‫وفى ھذه الغضون تمت ترجمة رسائل األستاذ ” أبى األعلى المودودى ”‪ ،‬وقد خلطتم‬
‫اإلسالم باالشتراكية على نحو ال يرضى أعدادا ً من المسلمين !!‬
‫قلت‪ :‬إننا أرينا األجيال الناشئة من ديننا ما يغنى عن استيراد الفلسفات األجنبية‬
‫الشاردة‪ ،‬وأنا شخصيا قد أكون تجوزت فى بعض العبارات لكن جوھر الموضوع‬
‫إنصاف رائع لديننا الحنيف ‪.‬‬
‫قال‪ :‬على أية حال‪ ،‬فمن ھذه الكتابات كلھا نقل ” القذافى ” ما أسماه بالنظرية الثالثة‪،‬‬
‫وھى تسمية نرفضھا ولو سلمنا بھا فإن السؤال المحير ھو‪ :‬لماذا يستمد من اإلخوان‬
‫ثم يھاجمھم ؟‬
‫واستأنف محدثى الكالم‪ :‬إن اإلخوان حاربوا ألوان االستعمار جميعا ً من قبل أن يولد‬
‫الزعيم الشاب ‪ ..‬حاربوا اليھود سنة ‪ 1948‬وردوھم على أعقابھم بعدما وصلوا‬
‫العريش وكادوا يحتلون أجزاء من مصر‪ ،‬حاربوا اإلنجليز على شواطئ القناة‪،‬‬
‫وزلزلوا أقدامھم ونسفوا معسكراتھم‪ ،‬وأرغموھم على التفكير الجاد فى الجالء نجاة‬
‫بأنفسھم ‪ ..‬حاربوا الماركسية واإللحاد بعدما غمر الجامعات‪ ،‬واستحدثوا تياراً من‬
‫اإليمان واالستعفاف جدد القيم فى المجتمع المصرى‪ ،‬وألقى الرعب فى صفوف‬
‫أعداء الحق ‪.‬‬
‫ثم قال صاحبى فى حماس‪ :‬إن اصطياد التھم للجماعة على ھذا النحو الشائن ال يمكن‬
‫أن يكون إال لحساب االستعمار‪ ،‬حتى ال يتكون جيل من المؤمنين األحرار يقاوم‬
‫الصھيونية‪ ،‬ويحمى األمة المحروبة تيارات التخريب النفسى والخلقى ‪..‬‬
‫قلت‪ :‬ولعله عدم إلمام بالتاريخ القريب‪ ،‬أو لعل إشاعات سبقت إلى فكر الرجل من‬
‫أناس خدع بھم فصدق دعواھم ‪!! ..‬‬
‫رأيى أن العقيد القذافى يمكن أن يتفاھم معه‪ ،‬وأن يراجع نفسه فى بعض األحكام ‪..‬‬
‫لقد استمعت إلى المحاضرة التى ألقاھا فى مقر ” اللجنة المركزية لالتحاد االشتراكى‬
‫” بالقاھرة‪ ،‬والتى خلص منھا إلى أن المسيحى رجل يعبد ﷲ على طريقة عيسى بن‬
‫مريم‪ ،‬فھو بذلك مسلم ألن أتباع عيسى مسلمون بنص القرآن الكريم ‪.‬‬
‫أما أن أصحاب عيسى األوائل مسلمون‪ ،‬عبدوا ﷲ الواحد‪ ،‬وصدقوا رسوله عيسى‬
‫فھذا ما أجمع المسلمون عليه ‪..‬‬
‫وأما الزعم بأن الذين عبدوا عيسى نفسه مسلمون‪ ،‬فھذا ما لم يقله أحد ! فإن‬
‫الخصومة بيننا وبين النصارى أنھم ال يتبعون عيسى‪ ،‬عبد ﷲ ونبيه إلى بنى‬
‫إسرائيل‪ ،‬ال يتبعون اإلنسان الذى قال‪ ” :‬إن ﷲ ربى وربكم فاعبدوه ھذا صراط‬
‫مستقيم ” ‪.‬‬
‫إنھم يتبعون شيئا ً اسمه ابن ﷲ الوحيد‪ ،‬الذى ضحى به على الصليب قربانا ً لتكفير‬
‫الخطايا‪ ،‬وھو الرب يسوع المسيح‪ ،‬فھل ھذا إسالم ؟‬
‫لقد وصف اإلسالم ھذا القول بالكفر ” وجعلوا له من عباده جزءا إن اإلنسان لكفور‬
‫مبين ” )الزخرف‪(15:‬‬
‫وليس يعطى كالم العقيد القذافى أية وجاھة أن مجلس قيادة الثورة أقره وتبناه !!‬
‫أخشى أن يطرد القياس ويقال‪ :‬إن اليھودى إنسان مسلم يعبد ﷲ على طريقة موسى‬
‫الكليم‪ ،‬وبذلك تنحل المشكالت القائمة بين العرب واليھود ‪.‬‬
‫فالكل حسب ھذا المنطق مسلمون‪ ،‬ينبغى أن يتفسحوا فى المجالس واألوطان‪ ،‬وأن‬
‫يسع بعضھم بعضا ً دون شحناء وال بغضاء ‪.‬‬
‫إن العقيد يظلم نفسه إذ يخوض فى ھذه البحوث ويقرر ھذه النتائج ‪ ..‬ثم يبقى بعد ذلك‬
‫كله أمر مھم‪ ،‬ھل للعدالة مكانھا فى سلوك الحكام المسلمين أم ال ؟‬
‫إن ﷲ عز وجل يقول فى كتابه‪ ” :‬يا أيھا الذين آمنوا كونوا قوامين “ شھداء بالقسط‬
‫وال يجرمنكم شنآن قوم أال تعدلوا ‪ .‬اعدلوا ھو أقرب للتقوى ” )المائدة‪(8 :‬‬
‫ومعنى ذلك أن يحكم العقل واإلنصاف مشاعر الحقد والغضب ‪.‬‬
‫مھما كرھت فرداً أو جماعة فال يجوز إذا كنت تقيا ً أن أسترسل مع ھواى فى سجن‬
‫خصومى أو تعذيبھم أو تھديد حاضرھم ومستقبلھم ‪..‬‬
‫والمألوف فى أرض ﷲ كلھا ـ عدا الغابات وما إليھا ـ أن يحقق مع المتھم‪ ،‬وأن يمنح‬
‫حق الدفاع عن نفسه‪ ،‬وأن يمحص القاضى ما نسب إليه فى نزاھة‪ ،‬ثم يصدر الحكم‬
‫فى أناة وتبصر باإلدانة أو التبرئة ‪..‬‬
‫أما القذف بالناس فى السجون ألن الحاكم رأى ذلك فشىء منكر جعله القرآن الكريم‬
‫قرين سفك الدم الحرام‪ ،‬وعابه على اليھود فى قوله‪ ” :‬ثم أنتم ھؤالء تقتلون أنفسكم‬
‫وتخرجون فريقا ً منكم من ديارھم تظاھرون عليھم باإلثم والعدوان ” )البقرة ‪. (85‬‬
‫لماذا يشرد الطالب عن داره فال يتم تعليمه أو رب األسرة عن بيته فتتعرض زوجته‬
‫وأوالده للمآسى والمعاصى؟؟‬
‫إن الحاكم الذى ينتسب إلى اإلسالم يستحيل أن يتدلى إلى ھذه المسالك ‪..‬‬
‫إننى أحد الذين اعتقلوا يوم كنت منتسبا ً إلى جماعة اإلخوان‪ ،‬وحتى بعد فصلى من‬
‫الجماعة اعتقلت ألنى لم أتخل عن العمل الدينى ‪.‬‬
‫إننى ما سئلت عن شىء قبل أو بعد االعتقال‪ ،‬ألنه لم يكن ھناك ما أسأل عنه ! غير‬
‫أن التجارب التى ذقتھا والمشاھد التى رأيتھا جعلتنى أزداد رسوخا ً فيما كنت أقوله‬
‫باستمرار‪ :‬إن الحرية نعمة جليلة رائعة‪ ،‬وإن العدوان عليھا سيئة مضاعفة الوزر‬
‫شديدة العقاب ‪.‬‬
‫إن طراز الحكم فى العالم العربى إن لم يضبط داخل اإلطار اإلسالمى فسيكون معرة‬
‫لإلسالم تُنفﱢر منه بل تثير السخري َة به !!‬
‫والذى ” ال يسأل عما يفعل وھم يسألون ” ھو ﷲ الواحد الذى ال معقب على حكمه‪،‬‬
‫ومع ذلك االقتدار للكبير المتعال فھو يقول‪ “:‬يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى‬
‫وجعلته بينكم محرما ً فال تظالموا ” )رواه أحمد‪ ،160/5 :‬ومسلم فى كتاب البر‬
‫وغيرھما(‬
‫فھل ذلك ما يبيح لحكامنا أن يستغلوا سلطانھم الموقوت فى ضرب الناس وسجنھم‬
‫دون ما سبب ؟‬
‫ومن الذين يھانون ؟ متھمون بالدعوة إلى اإلسالم ؟!‬
‫” يا حسرة على العباد ” ‪!!! ..‬‬
‫إن قلبى يتفطر عندما أرى الدم اإلسالمى أرخص دم على األرض ‪ ..‬لقد استباحه‬
‫المجوس واليھود والنصارى والوثنيون والملحدون ‪ ..‬وحكام مسلمون !!‬
‫وال ريب أن المدافعين عن اإلسالم تكتنفھم ظروف صعبة معقدة‪ ،‬غير أنه بين الحين‬
‫والحين ينبجس من روح ﷲ ندى يواسى الجراح ويھون الكفاح ويبشر بالصباح ‪..‬‬
‫ومھما كانت األوضاع محرجة فال بد من بقاء الدعوة اإلسالمية مرفوعة الراية‬
‫واضحة الھداية تعلن الحق وتبسط براھينه وتلقف الشبه وتوھى إسنادھا ‪..‬‬
‫إن محمداً ليس وقفا ً على عصر أو جنس‪ ،‬إن رسالته للقارات الخمس ما بقى الزمان‬
‫وعلينا أن ننھض بھذا العبء ‪..‬‬
‫وحتى تعود ” الخالفة اإلسالمية ” ـ وإعادتھا فرض عين ـ لتتولى ھذه المھام يجدر‬
‫بنا أن نتبع ما يأتى‪:‬‬
‫ـ إعادة النظر فى مناھج تعليم اإلسالم فى شتى مراحل الدراسة العامة ‪ ..‬وإعادة‬
‫النظر فى مناھج التعليم الدينى نفسه لتخريج فئات أوسع دراية وأحد بصرا ً ‪.‬‬
‫ـ اختيار الدعاة وفق مواصفات أدق وأرقى مما يتبع اآلن‪ ،‬وتوسيع آفاق الدعوة‬
‫اإلسالمية أو اإلعالم اإلسالمى بحيث تستوعب ميادين النشاط اإلنسانى جميعا ً ‪.‬‬
‫ـ إقامة حلقات اتصال بين الجامعات اإلسالمية الموجودة اآلن فى عواصم اإلسالم‬
‫كلھا لتبادل الخبرة والمشورة العلمية والعملية ‪..‬‬
‫ـ عقد مؤتمرات دورية متصلة لبحث مشكالت الدعوة ورصد الھجمات المنظمة ضد‬
‫اإلسالم ووضع الخطط المناسبة لخدمة الرسالة اإلسالمية ‪.‬‬
‫ـ بسط الرعاية الدينية على المسلمين المھاجرين إلى الخارج واإلفادة من مواضعھم‬
‫االجتماعية والثقافية حتى يكونوا معابر لرسالتنا العظيمة‪ ،‬بدل أن يذوب ھؤالء فى‬
‫دوامة الحياة الغربية ‪..‬‬
‫ـ التقاط الفارين من وجه الحكومات المعادية لإلسالم فى أفريقيا وغيرھا وتيسير‬
‫التحاقھم بالمدارس والمعاھد العربية ليعودوا أقدر على قيادة أممھم ورد الفتن عنھم ‪..‬‬
‫ـ دراسة المؤتمرات التبشيرية المحلية والعالمية واستكشاف المؤامرات المبيتة ضدنا‬
‫‪.‬‬
‫ـ وبديھى أن ذلك كله لن يتحقق كالً أو جزءاً إال فى ظل حكومات تحترم اإلسالم‪،‬‬
‫وترى نفسھا مسئولة أمام ﷲ عن القيام بحقوقه ‪.‬‬
‫ـ وليست كل الحكومات العربية كذلك‪ ،‬فھناك من يكره اإلسالم والحدث عنه‪ ،‬وھناك‬
‫من يقبله عبادات ال معامالت‪ ،‬وعقيدة ال شريعة ويرفض الدعوة إلى تطبيقه كله ‪.‬‬
‫ـ وھناك من يمھد الستقبال الشيوعية ومن يمھد الستقبال العلمانية ‪.‬‬
‫ـ وال تعليق على ھذا االرتداد السافر أو المحجب إال أن نقول‪:‬‬
‫على الشعوب أن تتحرك وإال تعرضت للفناء‪ ،‬عقوبة من رب السماء !!‬

‫*****‬

‫التواضع “ من دالئل الرشد وأمارات اإليمان‪ ،‬بل ھو من عالمات الصحة العقلية‬


‫والنفسية‪ ،‬فإن المعجب بنفسه المتكبر على غيره إنسان لم يعرف حقيقته‪ ،‬ولم‬
‫يتصرف فى نطاق ھذه الحقيقة فھو مصدر تعب وقلق حيث كان ‪!..‬‬
‫ومبلغ علمى أن أصحاب المواھب النفسية متواضعون‪ ،‬وأن الذى رزقھم النبوغ لم‬
‫يشنھم بھذا اللون من الجھالة‪ ،‬فھم يضعون تفوقھم الشخصى فى خدمة اآلخرين‪،‬‬
‫وبقدر ما فى معادنھم من صالبة يبتذلون أنفسھم ألمتھم ومبادئھم‪ ،‬دون قلق على‬
‫مكانة موھومة أو منزلة مزعومة !‬
‫أما الذين يستخفون وراء أسوار من المراسم والشارات فأغلبھم ھش المعدن قريب‬
‫العطب ‪.‬‬
‫وأغلب من عرفت من المتكبرين أقوام صغار المواھب يسترون عالتھم بافتعال‬
‫مظاھر ال أصل لھا !!‬
‫ولو أن امرءاً ما استكبر بعلم حقيقى‪ ،‬أو بطولة رائعة‪ ،‬أو مال ممدود‪ ،‬أو قيادة‬
‫حكيمة‪ ،‬أو غير ذلك من أسباب الرفعة ‪ ..‬لكان مخطئا ً أفدح الخطأ ‪ ..‬لماذا ؟ ‪ ..‬ألن‬
‫واھب النعمة والخير والبروز ھو ﷲ جل شأنه ‪.‬‬
‫واإلنسان جسر يعبر عليه الفضل األعلى‪ ،‬ومجلى لھذه العارية الطارئة عليه من‬
‫غيره ال من ذاته‪ ،‬فلم الكبرياء على ﷲ ؟‬
‫ما أحسن قول الرجل المؤمن ألخيه المغتر بثرائه‪:‬‬
‫” ولوال إذ دخلت جنتك قلت‪ :‬ما شاء ﷲ ال قوة إال با“ ” )الكھف‪(39 :‬‬
‫إن المدل بجماله لم يصنع شيئا ً من مالمحه الوسيمة‪ ،‬وذوو المواھب العليا رزقھم‬
‫التفوق من خلقھم ومھد لھم واختبرھم بما أتى‪ ،‬فلماذا الغرور بالنفس ؟‬
‫ولنترك ھذا الكبر الذى ال يعتمد على سناد أى سناد فى تفكير أصحابه ‪..‬‬
‫ولننظر إلى قوم آخرين يستكبرون بالھباء أو بما ال يزن شيئا ً طائالً ‪..‬‬
‫وقد كثر ھذا النوع فى بالدنا‪ ،‬وتوزع على مناصب شتى ھنا وھناك‪ ،‬ومسخت‬
‫دعاواھم كل شىء ‪.‬‬
‫ترى الواحد منھم فقيراً فى معرفته‪ ،‬ضئيالً فى إنتاجه‪ ،‬ومع ذلك يرمق الحياة‬
‫واألحياء بالنظر الشزر‪ ،‬ويعامل الناس معاملة العمالق لألقزام‪ ،‬والفيلسوف للعوام ‪..‬‬
‫فى غير ميدان قابلت ھؤالء يتكلمون‪ ،‬أو يعملون‪ ،‬أو يحكمون فرأيتھم حراصا ً على‬
‫الظھور فى شارات الناس الكبار على حين تضعھم أقدارھم وثمارھم فى المستوى‬
‫الھابط والمكانة النازلة !!‬
‫قلت فى نفسى‪ :‬الناس يستكبرون بالعلم وھؤالء يستكبرون بالجھل ‪ .‬الناس قد تأخذھم‬
‫العزة بالطاقة وھؤالء تأخذھم العزة باإلثم ‪ .‬ما أشقى بالدنا بھؤالء ‪..‬‬
‫لو أدرك ھؤالء ما فى كفايتھم من نقص الستكملوه ! ‪ ..‬لكن الحجاب المسدل على‬
‫بصائرھم خيل إليھم أنھم عباقرة‪ ،‬فعاشوا ينكبون الناس بقصورھم وغرورھم ‪..‬‬
‫وربما اغتر األعور بنصف بصره بين لفيف العميان ‪.‬‬
‫أما أن يغتر بعاھة بين أصحاب البصر الحديد فھذه النكبة الجائحة ‪!! ..‬‬
‫والعالم اآلن مشحون بأصحاب المواھب المعجبة والخبرات الجيدة والتجارب‬
‫المصقولة‪ ،‬والثروات األدبية والمادية الھائلة ‪.‬‬
‫فإذا سرنا نحن فى الموكب العالمى بھذه الحفنة من األدعياء الفارغين فماذا يكون‬
‫تقديرنا وماذا يكون مصيرنا ؟؟‬
‫والشخص التافه يفلسف األوضاع حوله بما يشبع كبره‪ ،‬ويصدق وھمه‪ ،‬أى أنه بدالً‬
‫من أن يستيقظ على الحقائق الالذعة ينظر إليھا من جانب يرضيه ويطغيه ‪.‬‬
‫وقد روت كتب األدب القديم قصة ھى على ما فيھا من ھزل صورة صادقة لكثير من‬
‫ذوى المناصب المرموقة فى األمة العربية اآلن‪:‬‬
‫كان ” أبو حية ” النميرى جبانا ً يخيالً كذابا ً ! ‪ ..‬قال ابن قتيبة‪:‬‬
‫وكان له سيف يسميه ” لعاب المنية ” ليس بينه وبين الخشبة فرق‪ ،‬وكان أجبن‬
‫الناس‪ ،‬دخل ليلة إلى بيته فسمع صوتا ً ال عھد له به فانتضى سيفه‪ ،‬ووقف فى وسط‬
‫الدار‪ ،‬وأخذ يقول‪:‬‬
‫” أيھا المغتر بنا‪ ،‬المجترئ علينا‪ ،‬بئس ـ وﷲ ـ ما اخترت لنفسك‪ :‬خير قليل‪ ،‬وسيف‬
‫صقيل ” لعاب المنية ” الذى سمعت به‪ ،‬مشھورة ضربته‪ ،‬ال تخاف نبوته ‪..‬‬
‫” اخرج بالعفو عنك قبل أن أدخل بالعقوبة عليك ! ‪..‬‬
‫” إنى وﷲ أن أدع قيسا ً إليك ال تقم لھم ‪.. ! ..‬‬
‫” وما قيس ؟ ‪ ..‬تمأل ـ وﷲ ـ الفضاء خيالً ورجالً ‪ .‬سبحان ﷲ ! ما أكثرھا ‪” !! ..‬‬
‫وبينا ھو كذلك إذ خرج كلب من الدار‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫” الحمد ﷲ الذى مسخك كلبا ً وكفانا حربا ً !!! ”‬
‫لست أبعد إذا قلت‪ :‬إننى رأيت صوراً لھذا الجبان المستأسد فى بعض الساسة الذين‬
‫كتبوا تاريخ الشرق العربى فى العصر الحديث ‪..‬‬
‫ـ العجز الحريص على الصدارة ‪.‬‬
‫ـ الدعوى الفارضة نفسھا على الواقع ‪.‬‬
‫ـ الھوى الذى يطوى األشخاص واألشياء واألحداث فى تياره ويضفى عليھا صبغته‬
‫الجادة أو الھازلة ‪.‬‬
‫ذكرت الجنرال ” أيزنھاور ” قائد الحرب العالمية الثانية التى انتصرت فيھا أمريكا‬
‫وحلفاؤھا‪ ،‬إن أمريكا لم تعط رجلھا لقب ” ماريشال ” مع أنه خاض حربا ً تم له فيھا‬
‫النصر بعد أن دمرت مئات المدن والقرى وقتل فيھا وجرح سبعون ألف ألف شخص‬
‫‪.‬‬
‫لكن ناسا فى الشرقين األوسط واألقصى حصلوا على ھذا اللقب دون أن يخوضوا‬ ‫ً‬
‫حربا ً أو يعانوا ضربا ً ‪.‬‬
‫فى البالد المحترمة يصعد األفراد من السفوح إلى القمم والعرق يتصبب من جبينھم‪،‬‬
‫واإلرھاق والتفكير يالحقانھم بين آن وآخر ‪.‬‬
‫‪ ..‬وعلى ھذا السنن البائس تجرى أمور العرب ‪.‬‬
‫أما فى البالد المتخلفة فإن ناسا ً يصلون إلى الذرى دون جھد يذكر اللھم إال جھد الملق‬
‫لمالك السلطة واالستعداد لخدمة األھواء !!‬
‫وقديما ً نظر البحترى إلى واحد من ھؤالء جعله ” الخليفة ” قائدا‪ ،‬وھو ال يصلح‬
‫ً‬
‫لقيادة وال ريادة فقال‪:‬‬
‫ويكاد من شبه العذارى‬
‫فيه أن تبدو نھوده‬

‫ناطوا بمعقد خصره‬


‫سيفا ً ومنطقة تؤوده‬

‫جعلوه قائد عسكر‬


‫ضل الرعيل ومن يقوده‬
‫فھل ھذا اللون من الخالئق ترشحه مواھبه لھدف كبير ؟‬
‫وھل ھؤالء القادة ” بالتعيين ” ال بالخصائص ” النفسية والعقلية ” ھم الذين يقودون‬
‫العرب فى معركة البقاء !!‬
‫أال ما أكثر األلقاب التى تمنح فى البالد العربية ‪.‬‬
‫وعرفت مديراً أجنبيا ً لمصنع كبير‪ ،‬قيل لى فى وصف إدارته‪:‬‬
‫” تراه جواالً بين اآلالت والمكاتب مغبر الجبين بتراب العمل وعرقه‪ ،‬ملوث الثياب‬
‫بالزيوت والشحوم التى تسقط عليه وھو تحت آلة يعالجھا‪ ،‬أو فى طريق وعرة إلى‬
‫مھمة ثقيلة !! ”‬
‫فتذكرت شكوى أحد المربين وھو يصف لى بعض الشباب فى بالدنا العربية‪ ،‬قال‪:‬‬
‫إنھم يبغون مكتبا ً أنيقا ً يجلسون إليه و“ تليفونا ً ” يثرثرون فيه‪ ،‬ونمطا ً من العيش ال‬
‫يضنى وال يقلق ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وﷲ ھذه أخالق الھزيمة الضياع‪ ،‬وأصحابھا ھم عللنا المقعدة‪ ،‬وأما الرجال‬
‫المعنيون بالعمل الحق‪ ،‬الحمالون ألعبائه الثقال فھم أصل النصر والتقدم !!‬
‫إننى أغوص فى بحر من الحيرة واألسف حين أرى عظماء العالم على جانب رائع‬
‫من دماثة الخلق‪ ،‬ولطف المعاشرة‪ ،‬وسھولة الطبع وقلة التكلف‪ ،‬على حين ترى‬
‫المتسولين من موائدھم متعجرفين متعاظمين كأنھم أتوا بالديب من ” ذيله ” كما يقول‬
‫العوام فى أمثالھم ‪.‬‬
‫إن بناة التاريخ من سلفنا الصالح كانوا يتميزون بخلقين‪:‬‬
‫ـ عظم الكفاءة ‪.‬‬
‫ـ ونكران الذات ‪.‬‬
‫ذلك ما استفادوه من إيمانھم الوثيق باإلسالم ‪.‬‬
‫قدرة ملحوظة فى مجاالت النشاط اإلنسانى‪ ،‬وإخالص “ يدفع أحدھم إلى الجود بما‬
‫عنده‪ ” :‬وما ألحد عنده من نعمة تجزى إال ابتغاء وجه ربه األعلى ” )الليل‪(19 :‬‬
‫والغريب أن الخلف الطالح جاء على الضد فھو مكشوف العجز فى جنبات الدنيا ماديا ً‬
‫وأدبيا ً وھو طالب شھرة يجرى وراءھا كالطفل الغرير‪ ،‬ويريد أن يرمقه الناس‬
‫بالتجلة على غير شىء !‬
‫إن خصومنا لم يخرقوا العادات فيما يفعلون ويتركون‪ ،‬لقد رأيتھم منطقيين فى شتى‬
‫أحوالھم ‪.‬‬
‫أما نحن فقد ھبطنا عن المستوى العادى ولم نكن منطقيين فى تصرفاتنا ومن وراء‬
‫ھذا الخلل الجسيم البعثيون والقوميون الذين نفثوا سمومھم فى كل شىء فقد جرءوا‬
‫العرب على قطع نسبھم إلى اإلسالم ثم جرءوھم على اطراح عقائده وفضائله‪ ،‬ثم‬
‫وثبوا على الحكم عقب انقالبات مصطنعة ال تتصل بالشعوب العربية من قريب أو‬
‫بعيد‪ ،‬ثم أخذوا يتعسفون السير نحو أغراضھم على حطام من الداخل وإن كان‬
‫الظاھر مزوقا ً كانت النكبة ‪..‬‬
‫فھل تعلم العرب من ھزائمھم المترادفة أن يثوبوا إلى رشدھم ؟‬
‫كال ‪ ..‬ولقد راقبت االنقالبات التى وقعت فى أرجاء العالم اإلسالمى وأزعجنى أنھا‬
‫وقعت لمحاربة عوج‪ ،‬وإقرار خير‪ ،‬فإذا العوج بعدھا يزيد والخير ينكمش ‪..‬‬
‫واھتبل أعداء اإلسالم الفرصة فضاعفوا أرباحھم فى بالده‪ ،‬وإيھانھم لقضاياه حتى‬
‫لكأنھم كانوا مع ھذه االنقالبات على موعد !!‬
‫ففى أفريقيا حيث حيكت مؤامرات ماكرة لسحق اإلسالم وطى أعالمه رأينا ديننا‬
‫الجريح يدوخ تحت ضربات موجعة يفقد بعدھا الكثير من تراثه وسلطانه وكرامته ‪..‬‬
‫ونشأ عن ذلك ـ فى أقرب البقاع علينا ـ أن ضاع السودان الجنوبى بجرة قلم وتحقق‬
‫حلم الصليبية العالمية التى تسعى وراءه من خمسين سنة‪ ،‬فكسبت ‪ 250‬ألف ميل‬
‫مربع من األرض ‪.‬‬
‫وتاحت فرصة غريبة لعشر السكان المسيحى أن يتحكم فى البقية الضائعة ويمحو منه‬
‫اإلسالم ‪.‬‬
‫وسنرى كم ستكسب ” إسرائيل ” من ھذا التصرف ‪.‬‬
‫إن أغلب االنقالبات التى حدثت رتب وظائف الدولة العليا والوسطى على أساس‬
‫أھدرت فيه الكفاءات إھداراً مزعجا ً ‪..‬‬
‫وتصور معيداً فى كلية يصبح عميدھا‪ ،‬أو كاتبا ً فى محكمة يصبح رئيسھا‪ ،‬لكن ھكذا‬
‫تجرى األمور فى غيبة الدين والدنيا معا ً ‪.‬‬
‫لقد أبى المتنبى الذھاب إلى األندلس‪ ،‬ألنه أدرك تفاھة حكامھا من ضخامة األلقاب‬
‫التى يحملونھا‪ ،‬وكأن الرجل يصف أحوال العرب فى عصرنا ھذا ال فى عصره ھو‬
‫عندما قال‪:‬‬
‫فى كل أرض وطئتھا أمم‬
‫يقودھا عبد كأنھا غنم !‬

‫إن العرب اآلن يخوضون معركة بقاء أو فناء ‪..‬‬


‫وفى غيبة اإليمان وتقاليده وشمائله عن مجتمعاتھم نمت أخالق أخرى ال تصلح بھا‬
‫حياة وال تضمن بھا أخرى ‪.‬‬
‫ومن الخير أن يتحسسوا ھذا البالء فى صفوفھم فيحسموه ‪.‬‬
‫إن الحقائق تفرض نفسھا طوعا ً أو كرھا ً مھما تجاھلناھا‪ ،‬وعندما يكون الشعب شكالً‬
‫ال موضوع له فھو صفر ‪.‬‬
‫وعندما يكون الرؤساء أوراقا ً مالية ليس لھا غطاء نقدى محترم فھم عملة زائفة‪ ،‬قد‬
‫تروج بين المغفلين‪ ،‬ولكن إلى حين ‪..‬‬
‫على العرب أن يعيدوا تشكيل نفوسھم وصفوفھم ومتقدميھم ومتأخريھم وفق القانون‬
‫اإللھى العتيد ” ليس بأمانيكم وال أمانى أھل الكتاب ‪ .‬من يعمل سوءاً يجز به وال يجد‬
‫له من دون ﷲ وليا ً وال نصيراً‪ ،‬ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وھو‬
‫مؤمن فأولئك يدخلون الجنة وال يظلمون نقيرا ً ” )النساء‪. (123 :‬‬
‫ـ ما يفعل ﷲ للعرب إذا كان خصومھم يحترمون كالم أنبيائھم ورؤساء العرب‬
‫يستھينون بكالم نبيھم؟ ـ ما يفعل ﷲ للعرب إذا كان خصومھم فى كل ميدان يقودھم‬
‫أقدرھم وأشجعھم‪ ،‬أما قادة العرب فأخالط من الناس فرضتھم فى أماكنھم حظوظ‬
‫سيئة ؟‬
‫ـ ما يفعل ﷲ للعرب إذا كانوا يھزلون وخصمھم جاد ؟‬
‫ال بد من إعادة النظر فى شأننا كله‪ ،‬وإال حقت علينا كلمة ربك ‪.‬‬
‫الباب السابع‪ /‬مع التيار الشيوعى واإللحادى‬

‫ال بد لإلسالم من خطة إيجابية يواجه الغزو الثقافى بھا‬

‫فى مواجھة التيارات الفكرية الھاجمة علينا أصدرت عدة مؤلفات تتحدث عن النظام‬
‫االقتصادى اإلسالمى‪ ،‬كما تصورته من كتاب ﷲ وسنة رسوله وتطبيقات الخالفة‬
‫الراشدة‪ ،‬وكان يغلب علي ـ وأنا أقدم ھذا التصور ـ أمران‪:‬‬
‫ـ اطالع المثقفين المعاصرين من خريجى المعاھد المدنية على الجوانب المضيئة من‬
‫تراثنا والمغنية عما سواھا‪ ،‬حتى يكون تعلقھم بدينھم ال بغيره ‪.‬‬
‫ـ ثم اإلزراء على األوضاع المعوجة السائدة‪ ،‬ورفض السناد الدينى الذى تنتحله‬
‫لنفسھا ‪.‬‬
‫ً‬
‫وأعترف بأنى تجوزت فى التعبير أحيانا‪ ،‬وقبلت بعض العناوين الشائعة ”‬
‫كالديمقراطية ” فى ميدان الحكم ” واالشتراكية ” فى ميدان االقتصاد‪ ،‬ال إلعجابى‬
‫بھذه العناوين‪ ،‬ولكن ألجعل منھا جسراً يعبر عليه الكثيرون إلى اإلسالم نفسه‪ ،‬أى‬
‫أنى أريد نقل ” الديمقراطيين ” و ” االشتراكيين ” إلى اإلسالم بعدما أوضحته‬
‫وأبرزت معالمه‪ ،‬ال أنى أريد صبغ اإلسالم بصبغة أجنبية أو نقله إلى مذاھب‬
‫مستوردة ‪..‬‬
‫وقد جاء من بعدى األستاذان ” سيد قطب ” و ” مصطفى السباعى ” ـ عليھما رحمة‬
‫ﷲ‪ ،‬فألف األول ” العدالة االجتماعية فى اإلسالم ”‪ ،‬وألف األخير ” اشتراكية‬
‫اإلسالم ” وھما يقصدان ما قصدت إليه من رد المفتونين بالمبادئ الجديدة إلى‬
‫مواريث أسمى وأغنى ‪..‬‬
‫وربما كان ما كتباه أفضل مما كتبته أنا وأكثر تنظيما ً ‪.‬‬
‫وعذرى أننى كنت رائدا ً تدمى أظافرى فى االكتشاف والتدوين‪ ،‬فإذا جاء من بعدى‬
‫ووجد حقائق ممھدة كان على تنسيقھا أقدر وعلى صوغھا أدق !!‬
‫ومما ال ريب فيه أن اإلسالم دين تنھض دعائمه األولى على اإليمان با“ واتباع ما‬
‫أوحاه إلى رسوله الخاتم محمد صلى ﷲ عليه وسلم‪ ،‬وأن عقائده وعباداته ليست‬
‫مجال أخذ ورد ‪.‬‬
‫لكن ” نظام الحكم والمال ” فيه يعتمد على نصوص محدودة‪ ،‬ثم على قواعد وأقيسة‬
‫ومبادئ ومصالح كثيرة ‪..‬‬
‫وقد جمد ” الفقه الدستورى ” لدينا من أعصار بعيدة‪ ،‬ثم جمد بعده ” فقه الفروع ”‬
‫منذ أغلق باب االجتھاد حتى فتحه أناس ليسوا موضع طمأنينة ‪..‬‬
‫كان رجال القانون فى أوربا وأمريكا ـ منذ قرنين ـ يضعون الدساتير التى تقيد الملوك‬
‫والرؤساء‪ ،‬وتبرز سلطات األمم فى وجه الحاكم الفردى المطلق ‪.‬‬
‫أما نحن فكان المطلوب منا أن ندعو إلى اإلسالم ‪ ..‬وحسب‪ ،‬والذين يشمئزون من‬
‫كلمة ” ديمقراطية ” ال يفكرون فى القيام بجھد عملى بنقل ” الشورى ” اإلسالمية‬
‫من ميدان الفكر النظرى المطلق إلى قوانين دقيقة تنصف الجماھير العانية وتضبط‬
‫سلطات الوالة على اختالف ألقابھم ‪.‬‬
‫ونحن نسمى ھذا التزمت بالدة‪ ،‬وربما اتھمنا بواعثه النفسية‪ ،‬وإذا كان أصحابه‬
‫مخلصين فھو إخالص ” الدبة ” التى قتلت صاحبھا‪ ،‬وقد أصاب اإلسالم أعظم‬
‫الضرر من ھؤالء !!‬
‫تأمل فى ھذه القصة التى ذكرھا الشيخ الكبير محمد رشيد رضا قال‪:‬‬
‫إن الخديوى إسماعيل استدعى رفاعة الطھطاوى وخاطبه‪:‬‬
‫” يا رفاعة‪ ،‬أنت أزھرى تعلمت فى األزھر وتربيت به‪ ،‬وأنت أعرف الناس بعلمائه‪،‬‬
‫وأقدرھم على إقناعھم بما ندبناك له‪..‬إن الفرنجة قد صارت لھم حقوق ومعامالت‬
‫كثيرة فى ھذه البالد‪ ،‬وتحدث بينھم وبين األھالى قضايا‪ ،‬وقد شكا الكثيرون إل ّى أنھم‬
‫ال يعلمون أيحكم لھم أم عليھم فى ھذه القضايا؟ وال يعرفون كيف يدافعون عن أنفسھم‬
‫‪ ..‬ألن كتب الفقه التى يحكم بھا علماؤنا معقدة وكثيرة الخالف‪ ،‬فاطلب من علماء‬
‫األزھر أن يضعوا كتابا ً فى األحكام المدنية الشرعية تشبه كتب القانون فى تفصيل‬
‫المواد واطراح الخالف‪ ،‬حتى ال تضطرب أحكام القضاة‪ ،‬فإن لم يفعلوا وجدتنى‬
‫مضطراً للعمل بقانون ” نابليون ” الفرنسى !! ” )فى كتاب تاريخ المحاكم المختلطة‬
‫واألھلية لألستاذ عزيز خانكى‪ ،‬وتسمى اآلن المحاكم الوطنية‪ ،‬والنقل عن مجلة ”‬
‫المسلم ”(‬
‫قال رفاعة الطھطاوى ـ مجيبا ً الخديوى ـ‪ :‬يا أفندينا‪ :‬إنى سافرت إلى أوربا‪ ،‬وتعلمت‬
‫فيھا‪ ،‬وخدمت الحكومة‪ ،‬وترجمت كثيرا ً من الكتب الفرنسية‪ ،‬وقد شخت‪ ،‬وبلغت إلى‬
‫ھذه السن‪ ،‬ولم يطعن فى دينى أحد‪ ،‬فإذا اقترحت اآلن ھذا االقتراح بأمر منكم طعن‬
‫علماء األزھر فى دينى‪ ،‬وأخشى أن يقولوا‪ :‬إن الشيخ رفاعة ارتد عن اإلسالم آخر‬
‫عمره؛ إذ يريد تغيير كتب الشريعة وجعلھا مثل كتب القوانين الوضعية ‪ ..‬فأرجو أن‬
‫يعفينى أفندينا من تعريض نفسى لھذا االتھام ؛ لئال يقال‪ :‬مات كافراً ‪ .‬فلما يئس‬
‫الخديوى ‪ ..‬أمر بالعمل بالقوانين الفرنسية ‪..‬‬
‫والقصة المحزنة تحكى فساد األمراء والعلماء جميعاً‪ ،‬وتكشف أن ما أصاب المسلمين‬
‫من شتات وخزى ليس بالء يؤجرون عليه‪ ،‬ولكنه عقاب يستحقونه ”وما كان ربك‬
‫ليھلك القرى بظلم وأھلھا مصلحون” ‪.‬‬

‫ولقد كنت أسأل نفسى‪ :‬نحن نكافح ھذه القوانين المستوردة من الخارج وما تتضمنه‬
‫من فساد وإلحاد‪ ،‬فكيف دخلت بالدنا‪ ،‬وماذا كان موقف العلماء منھا يوم جاءت‪ ،‬ولِم‬
‫ل َم يموتوا دون تحكيمھا فى مجتمعنا ؟‬
‫ثم علمت أن موتنا األدبى ھو الذى مھد لقبولھا واستقرارھا ‪ ..‬ومع نھضتنا اإلسالمية‬
‫الحالية بدأت تشريعات جنائية ومدنية تستقى من ينابيع اإلسالم األصيلة‪ ،‬وال ريب‬
‫أننا نملك أعظم ثروة تشريعية فى القارات الخمس غير أنھا دفينة فى صحائف‬
‫مھجورة ومصبوبة فى قوالب قديمة‪ ،‬ونستطيع أن نسترشد بھا فى إقامة صرح‬
‫قانونى إسالمى شامخ ‪..‬‬
‫ويبقى قبل ذلك وبعده أن يزدھر الفقه الدستورى عندنا‪ ،‬ويتخلص من أوھام العصور‬
‫المتخلفة ورعايا حكام الجور ‪..‬‬
‫يبقى أن تتحول كلمة ” الخالفة الراشدة ” مفصلة‪ ” :‬إن رأيتم خيراً فأعينونى وإن‬
‫رأيتم شراً فقومونى ” ‪ ..‬إلخ ‪ ..‬إلى مواد مفصلة لدستور إسالمى يمنع الطغيان‪،‬‬
‫وينعش األمم‪ ،‬ويضع سياجا ً متينا ً حول كل حق خاص أو عام ‪..‬‬
‫وقبل أن نحتقر كلمة ” ديمقراطية ” ونجبه قائليھا نقدم العوض اإلسالمى عنھا وعن‬
‫آثارھا القريبة والبعيدة ‪.‬‬
‫وأى حرج فى أن ننتفع بتجارب الماضى الطويل عندنا وعند غيرنا ونحن نضع‬
‫الدساتير ؟‬
‫وما يقال فى الجانب السياسى يقال فى الجانب االقتصادى ‪..‬‬
‫إن ديننا يروع بما حوى من تعاليم تحقق األخوة وتضمن الكرامة وتحارب الجوع‬
‫والذل والبطالة والضياع ‪ ..‬ثم إنه حرم االحتكار واالستغالل والربا والترف ‪.‬‬
‫وجملة النصوص القرآنية واألحاديث النبوية فى ھذا الميدان تكون صورة اجتماعية‬
‫زاكية راقية ‪.‬‬
‫وال نقول‪ :‬تك ّون مذھبا ً اجتماعيا ً مستقالً‪ ،‬فإن اآلثار اإلسالمية الموصولة بھذا الشأن‬
‫ال تعدو أن تكون فروعا ً من الشجرة الكبيرة التى تضم تعاليم اإلسالم جمعاء‪ ،‬أو‬
‫بتعبير آخر ھى بعض شعب اإليمان التى تبلغ الستين أو السبعين شعبة ‪..‬‬
‫والجھد اإلسالمى الواجب‪ :‬إذا كان اإلنسان يوفر الكرامة لإلنسان‪ ،‬فما ھى العناصر‬
‫التى يستجمعھا‪ ،‬إلنشاء بيئة تنبت العز‪ ،‬ولمنع البيئة التى تنبت الھوان ؟ وكيف‬
‫يصوغ ھذه العناصر قوانين ضابطة ألحوال األمم ؟‬
‫إذا كان اإلسالم يمقت الفقر ويحب االستغناء‪ ،‬فما ھى العناصر التى يحشدھا ليستغل‬
‫خبرات األرض فى البر والبحر ؟ وكيف يجند الھمم للكدح والكفاح ؟ ثم كيف يصوغ‬
‫ذلك كله قوانين تحيل الجماعة اإلسالمية إلى خلية ناشطة منتجة ؟‬
‫إن المسلمين ظلوا أمداً‪:‬‬
‫ـ يحتفون باألنساب أكثر مما يحتفون باألعمال ‪.‬‬
‫ـ ويؤخرون العلم ويقدمون الحظ ‪.‬‬
‫ـ ويريقون األوقات على مصاطب اللغو والثرثرة أكثر مما يستغلون األوقات فى الجد‬
‫‪.‬‬
‫ـ وتحكمھم تقاليد ابتدعوھا أكثر مما تحكمھم مواريث الدين ذاته ‪..‬‬
‫بل جعلوا العلم بالدين وظيفة الھمل والمغموصين ‪ ..‬فكان العقاب األعلى لھذه‬
‫الخيانات الباطنة والظاھرة أن سقطت األمة اإلسالمية على الصعيد العالمى ھذا‬
‫السقوط الذريع‪ ،‬وانسحب ذلك على دينھا‪ ،‬فلم يصدق الناس أنه رحمة للعالمين ‪!! ..‬‬
‫لقد بذلنا ـ أول العھد بالتأليف ـ جھداً حسنا ً فى سبيل تقديم اإلسالم متجاوبا ً بل متبنيا ً‬
‫آلمال الشعوب فى الكرامة والتقدم‪ ،‬وأمطنا اللثام عن نصوص كانت موجودة بداھة‪،‬‬
‫ولكن العيون كانت تتجاوزھا ‪.‬‬
‫وربما أخطأنا فى الشرح واالستنتاج ـ والخطأ خليقتنا ـ لكن ھذه الكتابات إذا جردناھا‬
‫من حرارة الشباب وسكبنا عليھا قليالً من برودة الشيخوخة‪ ،‬أمكن استخالص المادة‬
‫التى تسن منھا قوانين تشرف األمة اإلسالمية وترفع كفتھا ‪..‬‬
‫إن اإلنكليز فى سبيل صد الشيوعية وصلوا إلى تأميم الطب‪ ،‬وكفالة العيش لكل‬
‫عاطل حتى يجد العمل‪.‬‬
‫وغيرھم ابتكر ضروبا ً من االشتراكية سدت الباب سداً أمام اليسار المغرى‪ ،‬فھل‬
‫يغنى عنا أن نقول‪ :‬فى اإلسالم ما يكفى ويشفى دون أن نترجم تعاليمه إلى دساتير‬
‫وقوانين ؟‬
‫ولكى نعرف كيف يتصرف غيرنا ليخدم نفسه ويحقق غرضه ننقل ھذه الكلمات من‬
‫رسالة عن ” المخطط الشيوعى ” للدكتور إبراھيم دسوقى أباظة جاء فيھا‪ ” :‬ينفرد‬
‫المخطط الشيوعى بخاصة نفاذة‪ ،‬فھو يجمع عند الماركسى الحق بين التواء األسلوب‬
‫وصدق العقيدة‪ ،‬فكل ما يوصل إلى الغاية تسوغه الغاية وإن كان يصدم مرحليا ً‬
‫بجوھرھا‪ ،‬وكل ما يحمل إلى الھدف يبرره الھدف‪ ،‬وإن بدا مناھضا ً لمنطقه ‪..‬‬
‫” ـ وھكذا التحق ” المراكسة ” بالوطنية وھم العالميون ! ‪..‬‬
‫” ـ وانتعلوا نزعة القومية وھم الالقوميون ! ‪..‬‬
‫” ـ واعتصموا بحبل الدين وھم الملحدون ” !‬
‫ويقول‪ ” :‬وبين دول العالم الثالث لم يعد الدين أفيون الشعوب ـ لمكانة الدين فى‬
‫شعوب ھذا العالم ـ وإنما أصبح الشعار المرفوع‪ :‬الدين “ والشيوعية للجميع ‪..‬‬
‫” أو كما قال ” قسيس أحمر ”‪ :‬ننظم حياتنا ھنا كما نحب فإذا جاءت اآلخرة نظرنا‬
‫كيف نتصرف!! ‪..‬‬
‫” وعلى ھذا األساس تحرك الحزب الشيوعى فى إيطاليا وفرنسا‪ ،‬وفى السودان‬
‫واليمن الجنوبى وال يزال بعضنا يدافع عن التراث اإلسالمى بتفكير عصر المماليك‬
‫” !!‬
‫وحتى نعرف عدونا وما يصنع نقرأ ھذه الكلمات ” إن اإلعالم الشيوعى اكتسب منذ‬
‫السنوات األولى للثورة الحمراء قدرات لم تعرف من قبل‪ ،‬إذ أصبح قوة مؤثرة فى‬
‫صنع الفكر وتوجيه الحركات الثقافية فى أنحاء العالم ‪ ..‬ويكفى للتدليل على حجم ھذا‬
‫اإلعالم ما ورد فى إحصاءات األمم المتحدة أخيراً أن االتحاد السوفيتى يحتل المركز‬
‫األول فى إنتاج الكتب إذ يصدر يوميا ً ‪ 3700000‬كتاب‪ ،‬أى ما يوازى ربع إنتاج‬
‫العالم ويبلغ ما تنتجه المطابع السوفيتية فى الدقيقة الواحدة ‪ 20500‬نسخة‪ ،‬ولعل فى‬
‫ھذا األرقام ما يكفى‪ ،‬بل ما يصرخ بالمراد ” ‪.‬‬
‫ترى ماذا تنتج المطابع اإلسالمية ؟ ال رقم يذكر ھنا‪ ،‬ألنه ال مجال للمقارنة‪ ،‬إننا نحن‬
‫المؤلفين المسلمين نلتقط أنفاس الحياة بأعجوبة !‬
‫ويستطرد الدكتور أباظة فيقول‪ ” :‬ونجاح االتحاد السوفيتى فى إدراك ھذا المستوى‬
‫العالى من اإلنتاج اإلعالمى يعود إلى ما تقرر خالل األيام األولى لقيام الثورة فقد‬
‫أصدرت الحكومة فى ‪ 1917 / 12 / 29‬مرسوما ً حددت فيه مبادئ ونظم نشر‬
‫الكتاب ” ‪.‬‬
‫ويعتقد الشيوعيون أن الصحافة والكتب من أھم وسائل الثورة الثقافية أو بتعبير آخر‬
‫من أھم وسائل االنقالب الفكرى الذى ينشدونه وال شك أن الكتب والرسائل المؤلفة‬
‫بذكاء من أمضى األسلحة فى القضاء على األفكار والنظرات المعارضة‪ ،‬وبث‬
‫اآلراء والتصورات الماركسية ‪.‬‬
‫وتقول األرقام إن عدد الجرائد فى االتحاد السوفيتى ‪ ،7937‬ويبلغ مجموع النسخ من‬
‫كل طبعة ‪ 120‬مليون ويصدر منھا فى العام الواحد ‪ 26‬مليار و ‪ 655‬مليون نسخة ‪.‬‬
‫أما عدد المجالت فقد بلغ ‪ 4704‬يصدر منھا فى كل طبعة ‪ 132‬مليون نسخة وبديھى‬
‫أن ھذا اإلنتاج الضخم يتوزع على روسيا وغيرھا من المؤسسات الشيوعية فى‬
‫أرجاء العالم‪ ،‬وھو يطبع باللغات المحلية واللھجات الوطنية ” ‪.‬‬
‫ذاك ما تبذله لتوضيح وجھة نظرھا دولة تحتل الصف األول فى التسلح العسكرى‪،‬‬
‫وإذا كانت األمور قد تذكر بأضدادھا فال بأس من إيراد ھذه النكتة ‪..‬‬
‫كتبت يوما ً كلمة أشرح فيھا اعتماد اإلسالم على اإلقناع فى نشر تعاليمه وأنه ما يلجأ‬
‫إلى السيف إال حيث يلقى السيف ‪.‬‬
‫وھذه الكلمة جزء من فصل طويل فى كتابى ” االستعمار أحقاد وأطماع ” ‪.‬‬
‫وفوجئت بعد نشر ھذه الكلمة بكاتب ال أعرف ما ھو يتھمنى بالضعف واالستسالم‬
‫آلراء المستشرقين‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬إن اإلسالم يعتمد على القوة فى انطالقه !‬
‫فقلت‪ :‬زعم أوالد البلد أن أصم وكسيحا ً ومفلسا ً ركبوا زورقا لينقلھم إلى الشاطىء‬
‫ً‬
‫اآلخر للنھر‪ ،‬وبينما الزورق فى وسط األمواج قال األصم‪ :‬كأنى أسمع دبيب نملة‬
‫على الشاطىء‪ ،‬فرد الكسيح‪ :‬صه وإال ركلتك فى الماء‪ ،‬وأجاب المفلس‪ :‬الذى تعرف‬
‫ديته أقتله ‪..‬‬
‫أى قوة تتحدث عنھا أيھا المسكين ؟ ولنفرض جدالً أن اإلسالم يملك قوة تجعله‬
‫المتفرد بالسلطان على األرض !! ھل يعنى ذلك أن الدعوة ليست وسيلته الفذة ؟ وأن‬
‫اعتماده األعظم ليس على وسائل اإلعالم ؟ إنه ما يلجأ إلى القوة إال يوم تكون كسراً‬
‫للعدوان‪ ،‬وحطما ً للطغيان وكفكفة لشرور المغرورين وناشدى العلو والفساد فى‬
‫األرض ‪..‬‬
‫لكن المغفلين كثيرون‪ ،‬والطامة الكبيرة أن يملك ھؤالء السفھاء قدرة على الكالم فى‬
‫اإلسالم ومناوشة‬
‫علمائه !!‬
‫ونعود إلى موضوعنا‪ :‬إن شرح اإلسالم بصورة عامة‪ ،‬وشرح الجانب االجتماعى‬
‫واالقتصادى منه بصورة خاصة يحتاج إلى بصر بالحياة المعاصرة وقضاياھا المعقدة‬
‫ومبلغ تغلغل الدولة فى شئون األفراد والجماعات‪ ،‬بل ويصر بما تضمنه اإلسالم من‬
‫نصوص وآثار وما توحى به ھذه النقول من دالالت قريبة وبعيدة ‪..‬‬
‫ثم صوغ ذلك قيماً ومبادئ وقوانين سھلة سائغة‪ ،‬على أن يساند ھذا البالغ تطبيق‬
‫ناجح ونموذج عملى‬
‫محترم !!‬
‫ً‬
‫وبقى أن نعرف عن الشيوعيين شيئا آخر ‪ ..‬دعاواھم العريضة عن منطقھم العلمى‬
‫وفلسفتھم الواقعية‪ ،‬وال أعرف مفلسا ً أكثر حديثا ً عن ثروته الطائلة من الشيوعى‬
‫الملحد الذى يكثر الحديث عن أسانيد كذبه ودالئل‬
‫زيفه ‪..‬‬
‫ال شىء ھنالك غير جرأة فى اتھام الناس بالرجعية والجمود ‪.‬‬
‫واتھام المؤمنين بأنھم مخرفون نقلة أوھام ليس جديدا ً فى تاريخ الدنيا‪ ،‬إنه ذات االتھام‬
‫الذى كان يقوله عرب الجزيرة لصاحب الرسالة من أربعة عشر قرنا ً ” حتى إذا‬
‫جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا‪ :‬إن ھذا إال أساطير األولين ” )األنعام‪(25 :‬‬
‫والشيوعية نفسھا فى ميدان التطبيق االقتصادى نظام فاشل‪ ،‬فإنتاجھا الزراعى أقل‬
‫من غيره‪ ،‬وإنتاجھا الصناعى أردأ من غيره‪ ،‬والقول ” بحتمية الحل االشتراكى ”‬
‫لون من السفسطة والكذب العام ‪.‬‬
‫وقد قلنا إنھا نظام سياسى نجح فى قتل المعارضة ألن أرزاق الناس جميعا ً تجرى من‬
‫بين أصابع الحاكمين ‪..‬‬
‫وقد أصابنا مس من الفكر الشيوعى فى حياتنا االجتماعية فإذا اليوم ينعق فى ساحات‬
‫كانت قبل عامرة‪ ،‬لم تجن الجماھير غير الشؤم والفزع والخوف والجوع ونقص من‬
‫األموال واألنفس والثمرات ‪..‬‬
‫ً‬
‫إن العقل العلمى قد ينقص كثيرا من المتدينين أما أنه ينقص الدين نفسه فال ثم ال ‪..‬‬
‫كيف والتفكير فريضة إسالمية‪ ،‬والنظر الواعى إلى الكون والناس ركن ركين فى‬
‫اإليمان ‪.‬‬
‫إن الجو الصحو الدافئ ھو وحده الذى ينمو فيه اإلسالم ويزدھر‪ ،‬فإذا تقاصر الشعاع‬
‫وانتشر الغيم شرع اإلسالم يرحل !‬
‫وربما بقيت جماھير تتعلق بأذياله وھو مول ذاھب‪ ،‬لكن الظن ال يغنى من الحق‬
‫شيئاً‪ ،‬واألثر ال يغنى عن العين نفسھا ‪..‬‬
‫وبعض الناس أقلقه من الشيوعية أنھا تذھب بما يملك وھو كثير كثير وما ننظر إلى‬
‫أولئك ونحن نحارب الشيوعية‪ ،‬وإنما ننظر فى المقام األول إلى ھذا اإللحاد الحقود‬
‫األعمى المخاصم “ وأنبيائه جميعاً‪ ،‬المتبرم بالوحى األعلى وتوجيھاته للناس ‪.‬‬
‫ونحب بالمنطق العلمى أن يعرف القاصى والدانى أن ﷲ حق‪ ،‬وأنه مشرف على‬
‫العالم يدير أمره ويھب له وجوده‪ ،‬ويحسب على كل عاقل مسالكه‪ ،‬وما قدم وما أخر‬
‫” ﷲ ال إله إال ھو الحى القيوم ” ‪.‬‬

‫*****‬

‫دار بينى وبين أحد المالحدة جدال طويل‪ ،‬ملكت فيه نفسى وأطلت صبرى حتى ألقف‬
‫آخر ما فى جعبته من إفك‪ ،‬وأدمغ بالحجة الساطعة ما يوردون من شبھات ‪..‬‬
‫قال‪ :‬إذا كان ﷲ قد خلق العالم فمن خلق ﷲ ؟‬
‫قلت له‪ :‬كأنك بھذا السؤال أو بھذا االعتراض تؤكد أنه ال بد لكل شىء من خالق !!‬
‫قال‪ :‬ال تلقنى فى متاھات‪ ،‬أجب عن سؤالى ‪.‬‬
‫قلت له‪ :‬ال لف وال دوران‪ ،‬إنك ترى أن العالم ليس له خالق‪ ،‬أى أن وجوده من ذاته‬
‫دون حاجة إلى موجد‪ ،‬فلماذا تقبل القول بأن ھذا العالم موجود من ذاته أزالً‬
‫وتستغرب من أھل الدين أن يقولوا‪ :‬إن ﷲ الذى خلق العالم ليس لوجوده أول ؟‬
‫إنھا قضية واحدة‪ ،‬فلماذا تصدق نفسك حين تقررھا وتكذب غيرك حين يقررھا‪ ،‬وإذا‬
‫كنت ترى أن إلھا ً ليس له خالق خرافة‪ ،‬فعالم ليس له خالق خرافة كذلك‪ ،‬وفق المنطق‬
‫الذى تسير عليه ‪!! ..‬‬
‫قال‪ :‬إننا نعيش فى ھذا العالم ونحس بوجوده فال نستطيع أن ننكره !‬
‫قلت له‪ :‬ومن طالبك بإنكار وجود العالم ؟‬
‫إننا عندما نركب عربة أو باخرة أو طائرة تنطلق بنا فى طريق رھيب‪ ،‬فتساؤلنا ليس‬
‫فى وجود العربة‪ ،‬وإنما ھو‪ :‬ھل تسير وحدھا أم يسيرھا قائد بصير !!‬
‫ومن ثم فإننى أعود إلى سؤالك األول ألقول لك‪ :‬إنه مردود عليك‪ ،‬فأنا وأنت معترفان‬
‫بوجود قائم‪ ،‬ال مجال إلنكاره‪ ،‬تزعم أنه ال أول له بالنسبة إلى المادة‪ ،‬وأرى أنه ال‬
‫أول لھا بالنسبة إلى خالقھا ‪.‬‬
‫فإذا أردت أن تسخر من وجود ال أول له‪ ،‬فاسخر من نفسك قبل أن تسخر من‬
‫المتدينين ‪..‬‬
‫قال‪ :‬تعنى أن االفتراض العقلى واحد بالنسبة إلى الفريقين ؟‬
‫قلت‪ :‬إننى أسترسل معك ألكشف الفراغ واالدعاء الذين يعتمد عليھما اإللحاد‬
‫وحسب‪ ،‬أما االفتراض العقلى فليس سواء بين المؤمنين والكافرين ‪..‬‬
‫إننى ـ أنا وأنت ـ ننظر إلى قصر قائم‪ ،‬فأرى بعد نظرة خبيرة أن مھندسا ً أقامه‪،‬‬
‫وترى أنت أن خشبة وحديدة وحجرة وطالءة قد انتظمت فى مواضعھا وتھيأت‬
‫لساكنيھا من تلقاء أنفسھا ‪..‬‬
‫الفارق بين نظرتينا إلى األمور أننى وجدت قمراً صناعيا ً يدور فى الفضاء‪ ،‬فقلت‬
‫أنت‪ ” :‬انطلق وحده دونما إشراف أو توجيه ” وقلت أنا‪ :‬بل أطلقه عقل مشرف مدبر‬
‫‪..‬‬
‫ى الحق الذى ال محيص عنه‪ ،‬وبالنسبة‬ ‫إن االفتراض العقلى ليس سواء‪ ،‬إنه بالنسبة إل ّ‬
‫إليك الباطل الذى ال شك فيه‪ ،‬وإن كل كفار عصرنا مھرة فى شتمنا نحن المؤمنين‬
‫ورمينا بكل نقيصة فى الوقت الذى يصفون أنفسھم فيه بالذكاء والتقدم والعبقرية ‪..‬‬
‫إننا نعيش فوق أرض مفروشة‪ ،‬وتحت سماء مبنية‪ ،‬ونملك عقالً نستطيع به البحث‬
‫والحكم‪ ،‬وبھذا العقل ننظر ونستنتج ونناقش ونعتقد ‪.‬‬
‫وبھذا العقل نرفض التقليد الغبى كما نرفض الدعاوى الفارغة‪ ،‬وإذا كان الناس‬
‫يھزءون بالرجعيين عبيد الماضى ويتندرون بتحجرھم الفكرى‪ ،‬فال عليھم أن يھزءوا‬
‫كذلك بمن يميتون العقل باسم العقل‪ ،‬ويدوسون منطق العلم باسم العلم‪ ،‬وھم لألسف‬
‫جمھرة المالحدة ‪!! ..‬‬
‫لكننا نحن المسلمين نبنى إيماننا با“ على اليقظة العقلية والحركة الذھنية‪ ،‬ونستقرئ‬
‫آيات الوجود األعلى من جوالن الفكر اإلنسانى فى نواحى الكون كله ‪.‬‬
‫فى صفحة واحدة من سورة واحدة من سور القرآن الكريم وجدت تنويھا ً بوظيفة‬
‫العقل اتخذ ثالث صور متتابعة فى سلم الصعود‪ ،‬ھذه السورة ھى سورة الزمر‪ ،‬وأول‬
‫صورة تطالعك ھى إعالء شأن العلم والغض من أقدار الجاھلين‪ ” :‬قل ھل يستوى‬
‫الذين يعلمون والذين ال يعلمون إنما يتذكر أولو األلباب ” ‪.‬‬
‫ثم تجىء الصورة الثانية لتبين أن المسلم ليس عبد فكرة ثابتة أو عادة حاكمة بل ھو‬
‫إنسان يزن ما يعرض عليه ويتخير األوثق واألزكى ” فبشر عباد الذين يستمعون‬
‫القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين ھداھم ﷲ وأولئك ھم أولو األلباب ” )الزمر‪(9 :‬‬
‫ثم يطرد ذكر أولى األلباب للمرة الثالثة فى ذات السياق على أنھم أھل النظر فى‬
‫ملكوت ﷲ الذين يدرسون قصة الحياة فى مجاالتھا المختلفة لينتقلوا من المخلوق إلى‬
‫الخالق ” ألم تر أن ﷲ أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع فى األرض ثم يخرج به‬
‫زرعا ً مختلفا ً ألوانه ثم يھيج فتراه مصفراً ثم يجعله حطاما ً إن فى ذلك لذكرى ألولى‬
‫األلباب ”)الزمر‪(21 :‬‬
‫وظاھر من الصور الثالث فى تلك الصفحة من الوحى الخاتم أن اإليمان لمبتوت‬
‫الصلة بالتقليد األعمى أو النظر القاصر أو الفكر البليد ‪.‬‬
‫إنه يلحظ إبداع الخالق فى الزروع والزھور والثمار‪ ،‬وكيف ينفلق الحمأ المسنون عن‬
‫ألوان زاھية أو شاحبة توزعت على أوراق وأكمام حافلة بالروح والريحان‪ ،‬ثم كيف‬
‫يحصد ذلك كله ليكون أكسية وأغذية للناس والحيوان‪ ،‬ثم كيف يعود الحطام والقمام‬
‫مرة أخرى زرعا ً جديد الجمال والمذاق تھتز به الحقول والحدائق‪ ،‬من صنع ذلك كله‬
‫؟‬
‫قال صاحبى وكأنه سكران يھذى‪ :‬األرض صنعت ذلك !!‬
‫قلت‪ :‬األرض أمرت السماء أن تھمى والشمس أن تشع وورق الشجر أن يختزن‬
‫الكربون ويطرد األوكسجين والحبوب أن تمتلئ بالدھن والسكر والعطر والنشا ؟؟‬
‫قال‪ :‬أقصد الطبيعة كلھا فى األرض والسماء !‬
‫قلت‪ :‬إن طبق األرز فى غذائك أو عشائك تعاونت األرض والسماء وما بينھما على‬
‫صنع كل حبة فيه‪ ،‬فما دور كل عنصر فى ھذا الخلق ؟ ومن المسئول عن جعل‬
‫التفاح حلواً والفلفل حريفا ً أھو تراب األرض أم ماء السماء ؟‬
‫قال‪ :‬ال أعرف وال قيمة لھذه المعرفة !!‬
‫قلت‪ :‬أال تعرف أن ذلك يحتاج إلى عقل مدبر ومشيئة تصنف ؟‬
‫فأين ترى العقل الذى أنشأ واإلرادة التى نوعت فى أكوام السباخ أو فى حزم األشعة‬
‫؟؟‬
‫قال‪ :‬إن العالم وجد وتطور على سنة النشوء واالرتقاء وال نعرف األصل وال‬
‫التفاصيل !!‬
‫قلت له‪ :‬أشرح لكم ما تقولون ! تقولون‪ :‬إنه كان فى قديم الزمان وسالف العصر‬
‫واألوان مجموعة من العناصر العمياء‪ ،‬تضطرب فى أجواز الفضاء‪ ،‬ثم مع طول‬
‫المدة وكثرة التالقى سنحت فرصة فريدة لن تتكرر أبد الدھر‪ ،‬فنشأت الخلية الحية فى‬
‫شكلھا البدائى ثم شرعت تتكاثر وتنمو حتى بلغت ما نرى!! ھذا ھو الجھل الذى‬
‫أسميتموه علما ً ولم تستحوا من مكابرة الدنيا به !!‬
‫أعمال حسابية معقدة تقولون إنھا حلت تلقائياً‪ ،‬وكائنات دقيقة وجليلة تزعمون أنھا‬
‫ظفرت بالحياة فى فرصة سنحت ولن تعود !! وذلك كله فراراً من اإليمان با“ الكبير‬
‫!!‬
‫قال وھو ساخط‪ :‬أفلو كان ھناك إله كما تقول كانت الدنيا تحفل بھذه المآسى واآلالم‪،‬‬
‫ونرى ثراء يمرح فيه األغبياء وضيقا ً يحتبس فيه األذكياء‪ ،‬وأطفاالً يمرضون‬
‫ويموتون‪ ،‬ومشوھين يحيون منغصين ‪..‬‬
‫قلت‪ :‬لقد صدق فيكم ظنى‪ ،‬إن إلحادكم يرجع إلى مشكالت نفسية واجتماعية أكثر مما‬
‫يعود إلى قضايا عقلية مھمة !!‬
‫ويوجد منذ عھد بعيد من يؤمنون ويكفرون وفق ما يصيبھم من عسر ويسر ” ومن‬
‫الناس من يعبد ﷲ على حرف‪ ،‬فإن أصابه خير اطمأن به‪ ،‬وإن أصابته فتنة انقلب‬
‫على وجھه خسر الدنيا واآلخرة ” )الحج‪(11:‬‬
‫قال‪ :‬لسنا أنانيين كما تصف نغضب ألنفسنا أو نرضى ألنفسنا‪ ،‬إننا نستعرض أحوال‬
‫البشر كافة ثم نصدر حكمنا الذى ترفضه ‪..‬‬
‫قلت‪ :‬آفتكم أنكم ال تعرفون طبيعة ھذه الحياة الدنيا ووظيفة البشر فيھا‪ ،‬إنھا معبر‬
‫مؤقت إلى مستقر دائم‪ ،‬ولكى يجوز اإلنسان ھذا المعبر إلى إحدى خاتمتيه ال بد أن‬
‫يبتلى بما يصقل معدنه ويھذب طباعه‪ ،‬وھذا االبتالء فنون شتى‪ ،‬وعندما ينجح‬
‫المؤمنون فى التغلب على العقبات التى مألت طريقھم وتبقى صلتھم با“ واضحة‬
‫مھما ترادفت البأساء والضراء فإنھم يعودون إلى ﷲ بعد تلك الرحلة الشاقة ليقول‬
‫لھم‪ ” :‬يا عباد ال خوف عليكم اليوم وال أنتم تحزنون ” )الزخرف‪(68 :‬‬
‫قال‪ :‬وما ضرورة ھذا االبتالء ؟‬
‫ً‬
‫قلت‪ :‬إن المرء يسھر الليالى فى تحصيل العلم‪ ،‬ويتصبب جبينه عرقا ليحصل على‬
‫الراحة‪ ،‬وما يسند منصب كبير إال لمن تمرس بالتجارب وتعرض للمتاعب‪ ،‬فإن كان‬
‫ذلك ھو القانون السائد فى الحياة القصيرة التى نحياھا على ظھر األرض فأى غرابة‬
‫أن يكون ذلك ھو الجھاد الصحيح للخلود المرتقب ؟‬
‫قال ـ مستھزئا ً ـ‪ :‬أھذه فلسفتكم فى تسويغ المآسى التى تخالط حياة الخلق وتصبـير‬
‫الجماھير عليھا ؟ قلت‪ :‬سأعلمك ـ بتفصيل أوضح ـ حقيقة ما تشكو من شرور‪ ،‬إن‬
‫ھذه اآلالم قسمان‪ :‬قسم من قدر ﷲ فى ھذه الدنيا‪ ،‬ال تقوم الحياة إال به‪ ،‬وال تنضج‬
‫رسالة اإلنسان إال فى حره‪ ،‬فاألمر كما يقول األستاذ العقاد‪ ” :‬تكافل بين أجزاء‬
‫الوجود‪ ،‬فال معنى للشجاعة بغير الخطر‪ ،‬وال معنى للكرم بغير الحاجة‪ ،‬وال معنى‬
‫للصبر بغير الشدة‪ ،‬وال معنى لفضيلة من الفضائل بغير نقيصة تقابلھا وترجح عليھا‬
‫‪..‬‬
‫” وقد يطرد ھذا القول فى لذاتنا المحسوسة كما يطرد فى فضائلنا النفسية ومطالبنا‬
‫العقلية‪ ،‬إذ نحن ال نعرف لذة الشبع بغير ألم الجوع‪ ،‬وال نستمتع بالرى ما لم نشعر‬
‫قبله بلھفة الظمأ‪ ،‬وال يطيب لنا منظر جميل ما لم يكن من طبيعتنا أن يسوءنا المنظر‬
‫القبيح ‪” ..‬‬
‫وھذا التفسير لطبيعة الحياة العامة ينضم إليه أن ﷲ جل شأنه يختبر كل امرئ بما‬
‫يناسب جبلته‪ ،‬ويوائم نفسه وبيئته‪ ،‬وما أبعد الفروق بين إنسان وإنسان‪ ،‬وقد يصرخ‬
‫إنسان بما ال يكترث به آخر و“ فى خلقه شئون‪ ،‬والمھم أن أحداث الحياة الخاصة‬
‫والعامة محكومة بإطار شامل من العدالة اإللھية التى ال ريب فيھا ‪.‬‬
‫إال أن ھذه العدالة كما يقول األستاذ العقاد‪ ” :‬ال تحيط بھا النظرة الواحدة إلى حالة‬
‫واحدة‪ ،‬وال مناص من التعميم واإلحاطة بحاالت كثيرة قبل استيعاب وجوه العدل فى‬
‫تصريف اإلرادة اإللھية ‪ .‬إن البقعة السوداء قد تكون فى الصورة كلھا لونا ً من ألوانھا‬
‫التى ال غنى عنھا‪ ،‬أو التى تضيف إلى جمال الصورة وال يتحقق لھا جمال بغيرھا‪،‬‬
‫ونحن فى حياتنا القريبة قد نبكى لحادث يعجبنا ثم نعود فنضحك أو نغتبط بما كسبناه‬
‫منه بعد فواته ” ‪.‬‬
‫تلك ھى النظرة الصحيحة إلى المتاعب غير اإلرادية التى يتعرض لھا الخلق ‪.‬‬
‫أما القسم الثانى من الشرور التى تشكو منھا يا صاحبى فمحوره خطؤك أنت‬
‫وأشباھك من المنحرفين ‪.‬‬
‫قال مستنكراً‪ :‬أنا وأشباھى ال عالقة لنا بما يسود العالم من فوضى ؟ فكيف تتھمنا ؟‬
‫قلت‪ :‬بل أنتم مسئولون‪ ،‬فإن ﷲ وضع للعالم نظاما ً جيداً يكفل له سعادته‪ ،‬ويجعل قويه‬
‫عونا ً لضعيفه وغنيه براً بفقيره‪ ،‬وحذر من اتباع األھواء واقتراف المظالم واعتداء‬
‫الحدود ‪.‬‬
‫ً‬
‫ووعد على ذلك خير الدنيا واآلخرة ” من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وھو مؤمن‬
‫فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينھم أجرھم بأحسن ما كانوا يعملون ” ‪.‬‬
‫فإذا جاء الناس فقطعوا ما أمر ﷲ به أن يوصل‪ ،‬وتعاونوا على العدوان بدل أن‬
‫يتعاونوا على التقوى فكيف يشكون ربھم إذا حصدوا المر من آثامھم ؟‬
‫إن أغلب ما أحدق بالعالم من شرور يرجع إلى شروده عن الصراط المستقيم‪ ،‬وفى‬
‫ھذا يقول ﷲ جل شأنه‪ ” :‬وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير‬
‫” )الشورى‪(20 :‬‬
‫إن الصديق رضى ﷲ عنه جرد جيشا ً لقتال مانعى الزكاة‪ ،‬وبھذا المسلك الراشد أقر‬
‫الحقوق وكبح األثرة ونفذ اإلسالم‪ ،‬فإذا تولى غيره فلم يتأس به فى صنيعه كان‬
‫الواجب على النقاد أن يلوموا األقدار التى مألت الحياة بالبؤس ؟!‬
‫قال‪ :‬ماذا تعنى ؟‬
‫قلت‪ :‬أعنى أن شرائع ﷲ كافية إلراحة الجماھير‪ ،‬ولكنكم بدل أن تلوموا من عطلھا‬
‫تجرأتم على ﷲ واتھمتم دينه وفعله !!‬
‫ومن خسة بعض الناس أن يلعن السماء إذا فسدت األرض‪ ،‬وبدالً من أن يقوم بواجبه‬
‫فى تغيير الفوضى وإقامة الحق يثرثر بكالم طويل عن الدين ورب الدين ‪!! ..‬‬
‫إنكم معشر الماديين مرضى تحتاج ضمائركم وأفكاركم إلى عالج بعد عالج ‪..‬‬
‫وعدت إلى نفسى بعد ھذا الحوار الجاد أسألھا‪ :‬إن األمراض توشك أن تتحول إلى‬
‫وباء‪ ،‬فھل لدينا من يأسو الجراح ويشفى السقام أم أن األزمة فى الدعاة المسلمين‬
‫ستظل خانقة ؟‬

‫*****‬

‫ذكر الصحافى الشھير ” أنيس منصور ” أن العالمة اإلنجليزية الدكتورة ” مرجريت‬


‫برنبريدج ” مديرة مرصد ” جرنيتش ” قد اكتشفت أبعد نجم فى ھذا الكون‪ ،‬وقد‬
‫سمى الفلكيون ھذا النجم ” كازار ” وأطلقت عليه الدكتورة المكتشفة ” كازار ‪” 172‬‬
‫‪.‬‬
‫ھذا الجسم يبعد عنا بمقدار ‪ 15600‬مليون سنة ضوئية‪ ،‬والسنة الضوئية كما ذكرنا‬
‫من قبل تساوى )‪ 365‬يوما ً × ‪ 24‬ساعة × ‪ 60‬دقيقة × ‪ 60‬ثانية × ‪ 186000‬ميل‬
‫وھى سرعة الضوء فى الثانية الواحدة( ‪.‬‬
‫ورد ھذا النبأ فى مجلة الطبيعة‪ ،‬ووصفت الدكتورة المكتشفة ھذا النجم بأنه ساطع جداً‬
‫‪.‬‬
‫ولھذه العالمة سبق فى ميدان االكتشاف الفلكى إذ سجلت وجود نجم سماوى آخر فى‬
‫أبريل الماضى سنة ‪.1973‬‬
‫ولما سئلت الدكتورة عن اتساع الكون الذى نعيش فى جانب محدود منه قالت‪ :‬ال أحد‬
‫يعرف ‪ .‬إن ھذه ھى حدود معرفتى بالقدر الذى تسمح به عدسة قطرھا )‪(120‬‬
‫بوصة‪ ،‬ولو كانت ھناك عدسات أكبر أو أجھزة أقدر وأدق التسع أمامنا الكون‪ ،‬أكثر‬
‫وأكثر ‪.‬‬
‫سئلت‪ :‬ھل ﷲ موجود ؟ وكان جوابھا‪ :‬من المؤكد أنه موجود !!‬
‫قيل لھا‪ :‬ولكن لماذا ؟ فأشارت إلى السماء وقالت‪ :‬لھذا !!‬
‫ومن قبل ذلك بنصف قرن عندما أعلن ” أينشتين ” نظرية ” النسبية ” سأله بعض‬
‫الناس‪ :‬ھل ﷲ موجود ؟‬
‫وكان الرد‪ :‬رياضيا ً موجود !!‬
‫وسئل‪ :‬وكونيا ً ؟ قال‪ :‬موجود !‬
‫قيل له‪ :‬لماذا ؟ وكان الجواب‪ :‬لھذا ‪ ” ..‬وأشار إلى السماء ” ‪.‬‬
‫أقول إن القرآن الكريم أكثر الحديث عن السماء‪ ،‬وھو يبنى اإليمان على التأمل فى‬
‫الكون والنظر فى سعته ودقته وخصائص مادته واستقامة قوانينه ” والسماء بنيناھا‬
‫بأيد وإنا لموسعون ” )الذاريات‪ ” (51 :‬ولقد جعلنا فى السماء بروجا ً وزيناھا‬
‫للناظرين ” )الحجر‪ ” (16 :‬وجعلنا السماء سقفا ً محفوظا ً وھم عن آياتھا معرضون ”‬

‫)األنبياء‪(32 :‬‬
‫وھناك إيماءة علمية معجبة مثيرة فى الحديث عن النجوم وأبعادھا السحيقة تحسھا‬
‫وأنت تقرأ قوله تعالى‪ ” :‬فال أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ”‬
‫)الواقعة‪(76:‬‬
‫إن جملة ” لو تعلمون ” تشير إلى أن ھناك حقائق كبيرة فوق مستوى العقل البشرى‬
‫تتصل بھذه المواقع‪ ،‬ترى على أوضحھا الكشوف الفلكية األخيرة ؟ ربما ‪ ..‬إذا كان‬
‫الخطاب متجھا ً إلى الناس فى عھد ابتداء الوحى ‪ ..‬إنھم لم يروا فى المراصد الحديثة‬
‫أسرار القبة الزرقاء وما فيھا من عجائب ‪ ..‬أما أھل ھذا العصر فقد عرفوا‪ ،‬وبھرھم‬
‫ما عرفوا واضطرت جمھرتھم أن تقول‪ ” :‬سبحانك ما خلقت ھذا باطالً ” ومع ذلك‬
‫فنقول إن ما عرفه العلماء اآلن شىء تافه بالنسبة إلى ما زوى عنھم‪ ،‬فإن آالتھم التى‬
‫اعتمدوا عليھا أرتھم القليل وعجزت عن الكثير‪ ،‬ويبقى الخطاب القرآنى موجھا ً إلى‬
‫األقدمين والمحدثين على سواء ” فال أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم‬
‫”‪.‬‬
‫إن الكون كبير‪ ،‬وأكبر منه خالقه جل جالله ‪..‬‬
‫وأعترف أنى لم أعرف ضآلة األرض التى نحيا فوقھا إال بعد قراءات يسيرة فى علم‬
‫الفلك‪ ،‬بعدھا فقط فھمت معنى الحديث القدسى ” يا عبادى لو أن أولكم وآخركم‬
‫وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك فى ملكى شيئا ً ‪ .‬يا‬
‫عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما‬
‫نقص ذلك من ملكى شيئا ً ” )رواه الترمذى فى القيامة‪ ،‬وغيره( ‪.‬‬
‫أومض فى بصيرتى شعاع عن عظمة الخالق األعلى جعلنى أردد مع صاحب الوحى‬
‫الخاتم وأصدق بشر فى اآلخرين‪ ،‬ھذا التسبيح القانت ما جعلنى أكذب أساطير اليھود‬
‫والنصارى التى تصف ﷲ بأنه جلس يأكل مع عبده إبراھيم‪ ،‬أو اشتبك فى صراع مع‬
‫عبده يعقوب !!‬
‫قبحا ً لھذا اللغو ! ‪ ..‬أكذلك يوصف رب المشارق والمغارب بديع السموات واألرض‪،‬‬
‫جاعل السموات واألرض ؟؟‬
‫وعدت إلى القرآن الكريم أنظر إليه بإعزاز‪ ،‬وأتدبر آياته بأدب وأستمع إليه يصف‬
‫الجاھلين بربھم فيقول‪:‬‬
‫ً‬
‫” وما قدروا ﷲ حق قدره واألرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات‬
‫بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ” )الزمر‪. (67 :‬‬
‫لكن لماذا التأمل فى السماء وحدھا ؟ ھل يحتاج اليقين إلى ھذا النظر العالى ؟ إن‬
‫ھناك أنفسنا واألرض التى نعيش عليھا‪ ،‬يمكننا أن ننظر فيھا ـ عن قرب ـ لنعتبر‬
‫ونتعلم ‪ ” ..‬وفى األرض آيات للموقنين وفى أنفسكم أفال تبصرون ” )الذاريات‪(21 :‬‬

‫كنت أفكر فى مسألة علمية تحتاج إلى استغراق ومراجعة‪ ،‬وكانت طفلتى تلعب قريبا ً‬
‫ى وال يعنيھا من تفكيرى شىء ‪ ..‬قلت‪ :‬أنا وھى نماذج ألربعة آالف‬ ‫منى تنظر إل ّ‬
‫مليون أو أكثر يسكنون ھذه الكرة الطائرة فى فضاء ﷲ تدور بقدر حول أمھا الشمس‬
‫‪..‬‬
‫لكل فرد من ھذه األلوف المؤلفة فكره الخاص‪ ،‬وعالمه الذى يعيش داخله وطريقته‬
‫فى الفھم والحكم على األمور ‪.‬‬
‫ترى لو انقطع التيار الذى تنير به ھذه األدمغة‪ ،‬إالم تصير ؟‬
‫على كل حال إنه لم ينقطع‪ ،‬وفى كل مخ تالفيفه التى يتحرك بھا ويقوم عليھا عالمه‬
‫الخاص ‪ .‬سبحان من أبدع ھذا كله‪ ،‬سبحان من احتوت أصابعه قلوب الخالئق جميعا ً‬
‫يصرفھا كيف يشاء ‪.‬‬
‫وعدت إلى تعليق األستاذ أنيس منصور على الكواكب المكتشفة وداللة السماء على‬
‫عظمة ﷲ‪ ،‬إنه يقول‪ ” :‬على الرغم من ضخامة الكون وعظمته وأبعاده التى ال ندرك‬
‫لھا حدوداً فإن ھذا الكون أبسط من النفس اإلنسانية وأسھل من الجسم اإلنسانى‪،‬‬
‫وأصغر من الخلية الحية ‪..‬‬
‫” إن عظمة العالم تبرز فى تكوين الحياة نفسھا‪ ،‬إن الحياة فى الكائن الحى أروع‬
‫وأعمق وأعقد وأصعب من نجم ملتھب يدور فى الفضاء السحيق بعيدا ً عن عيوننا‬
‫وعدساتنا ‪..‬‬
‫” إن المسافة التى بينى وبين القمر أقرب جداً من المسافة التى بينى وبينك‪ ،‬فالذى‬
‫بينى وبينك صعب وغير‬
‫مفھوم ‪..‬‬
‫” ومن ھنا كان أى كائن حى مھما دق وزنه وحجمه أعظم من أى نجم غابر فى‬
‫األفق ‪..‬‬
‫” لست فى حاجة إلى أدلة على وجود ﷲ نستوردھا من السماء ـ وحدھا ـ وإنما فى‬
‫نفسك وجسمك وتحت قدميك توجد أعظم معجزات الخلق واإلبداع ” ‪.‬‬
‫وفى ھذا الكالم صدق كثير ‪ ..‬ليس من الضرورى أن يكون المرء فلكيا ً ليعرف‬
‫عظمة ربه ‪ ..‬إن الرجل العادى يستطيع أن يعرف عن قدرة ﷲ وحكمته وعلمه‬
‫ورحمته ما ينمى اإليمان فى قلبه ولبه لو أنه نظر فقط إلى ما يأكله ‪.‬‬
‫ولكن ناسا ً كثيرين ” يتمتعون ويأكلون كما تأكل األنعام ‪ .‬والنار مثوى لھم ” )محمد‬
‫‪(12‬‬
‫*****‬

‫فى أرجاء األمة اإلسالمية ناس أشباه متعلمين يعلنون إلحادھم دون حياء‪ ،‬ويزعمون‬
‫أنھم ثوار على الرجعية‪ ،‬عشاق للمعرفة‪ ،‬ضائقون باألفكار القديمة‪ ،‬معتنقون لألفكار‬
‫الحديثة !!‬
‫وكثيراً ما لقيت فى طريقى صوراً من ھؤالء الناس‪ ،‬فأتفرس فى مسالكھم وأتأمل فى‬
‫أقوالھم وأحوالھم‪ ،‬ثم أذكر كلمة العقاد رحمه ﷲ‪ :‬ھناك مقلدون فى كراھية التقليد !‬
‫أما حديث العلم وتقدمه‪ ،‬والكون وكشوفه فھو تعلة خادعة ينكرھا العلم والعلماء ‪..‬‬
‫وأول ما نلحظه على أولئك الناس نقلھم لكلمات أوحت بھا بيئات أخرى وترديدھا فى‬
‫بالدنا دون أى حساب الختالف الزمان والمكان والباعث والنتيجة !!‬
‫لقد كان الفيلسوف األلمانى ” نيتشه ” ملحداً‪ ،‬وكان كفره با“ شديداً ‪ .‬ومما يؤثر عنه‬
‫قوله فى الھجوم على الدين ” عندما نستمع فى صباح األحد إلى دقات األجراس‬
‫القديمة نتساءل‪ :‬أھذا ممكن ؟ إن ھذا كله من أجل يھودى صلب منذ ألفى عام كان‬
‫يقول إنه ابن ﷲ !! وھو زعم يفتقر إلى برھان ‪..‬‬
‫” ال جدال أن العقيدة المسيحية ـ ھكذا يقول نيتشه ـ ھى بالنسبة إلى عصرنا أثر قديم‬
‫نابع من الماضى السحيق‪ ،‬وربما كان إيماننا بھا فى الوقت الذى نحرص فيه على‬
‫اإلتيان ببراھين دقيقة لكل رأى نعتنقه شيئا ً غير مفھوم‪ ،‬فلنتصور إلھا ً أنجب أطفاالً‬
‫من زوجة غانية‪ ،‬وخطايا ترجع إلى ﷲ ثم يحاسب ھو نفسه عليھا خوفا ً من عالم آخر‬
‫يكون الموت ھو المدخل إليه ! لكم يبدو كل ذلك مخيفاً‪ ،‬وكأنه شبح قد بعث من‬
‫الماضى السحيق ! أيصدق أحد أن ھذا ما زال يصدق ” ؟‬
‫وھذا الطراز من اإللحاد ھو الذى يحمل جرثومته بعض الناس‪ ،‬يحسبون أنھم يفتنوننا‬
‫به نحن المسلمين عن ديننا ويصرفوننا عن رسالتنا ‪..‬‬
‫وھو طراز يختلط فيه التقليد األعمى بالنقص المركب‪ ،‬أو حب الظھور بالحقد على‬
‫المجتمع ‪ ..‬أما الزعم بأن العلم المادى ضد الدين‪ ،‬وأن بحوثه المؤكدة وكشوفه‬
‫الرائعة تنتھى بإنكار األلوھية فھذا ھو الكذب الصراح ‪! ..‬‬
‫بل إن أساطين العلم والفلسفة تشابھت مقاالتھم فى إثبات الوجود األعلى‪ ،‬وتكاد فى‬
‫وصفھا “ تنتھى إلى ما انتھى إليه القرآن الكريم من توحيد وتمجيد ‪..‬‬
‫نحن ال ننكر أن خصاما ً شديداً قد وقع بين العلم والدين فى أوربا حيث كان القول‬
‫بكروية األرض كفراً‪ ،‬والقول بدورانھا حول الشمس إلحادا ً !!‬
‫وال ريب أن ھذه الجفوة المفتعلة بين حقيقة الدين وطبيعة العلم تركت آثارا ً سيئة ھنا‬
‫وھناك‪ ،‬بيد أن االعتماد على ھذا فى التجھم لإليمان الحق ال يسوغ‪ ،‬فإن تجريد الدين‬
‫من الشوائب التى لحقت به‪ ،‬والتزام العلم للنھج السوى فى البحث عن الحقيقة قد‬
‫انتھى بصلح شريف يذكرنا بقوله جل شأنه‪:‬‬
‫” سنريھم آياتنا فى اآلفاق وفى أنفسھم حتى يتبين لھم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه‬
‫على كل شىء شھيد ”‬
‫)فصلت( ‪.‬‬
‫كانت المادية ھى بدعة القرن الماضى‪ ،‬وكان الزعم السائد أنه ال وجود إال للمادة‪،‬‬
‫وأن ما وراء المادة عدم محض وأن المادة ال تفنى وال تستحدث‪ ،‬وأن الدين بعد ھذا‬
‫كله أمسى ال مكان له !!‬
‫ثم مضت الحقائق العلمية تكشف عن وجھھا فإذا مقررات الماضى تنسف من‬
‫أصولھا‪ ،‬يقول الدكتور أبو الوفا التفتازانى‪ ” :‬كان العلم يتصور األمور تصوراً مادياً‬
‫بحتا ً إلى أن جاء العالم الشھير ” ألبرت أينشتين ” فغير ببحوثه الطبيعية النظر إلى‬
‫المادة تغييرا ً حاسماً‪ ،‬وقد صور الفيلسوف اإلنجليزى ” راسل ” ذلك قائالً‪ :‬درسنا‬
‫العالم الطبيعى فوجدنا المادة عند العلم الحديث قد فقدت صالبتھا وعفويتھا‪ ،‬إذ حللھا‬
‫العلماء إلى مجموعات ذرية كل مجموعة منھا تنحل إلى ذرات‪ ،‬وكل ذرة تعود‬
‫بدورھا فتنحل إلى كھارب موجبة وأخرى سالبة‪ ،‬ثم مضى العلماء فى التحليل‪ ،‬فإذا‬
‫ھذه الكھارب نفسھا تتحول إلى إشعاعات !!‬
‫وختم ” راسل ” كالمه بھذه العبارة ” ليس فى علم الطبيعة ما يبرھن على أن‬
‫الخصائص الذاتية للعالم الطبيعى تختلف عن خصائص العالم العقلى ” ‪.‬‬
‫ونحن نقول‪ :‬انتساب ذلك الكون الضخم إلى أصول من األشعة شىء مثير حقا ً !!‬
‫ترى ما الذى كثف النور وجمد حركته ووزعه على ألوف األشكال التى نراھا ؟‬
‫إنك لن تعدم سفيھا ً يقول لك‪ :‬تم ذلك من تلقاء نفسه !!‬
‫وھذا القائل مستعد أن يقول لك أيضا ً‪ :‬إن الصحف فى عواصم العالم تصدر عن‬
‫دورھا مليئة باألخبار والتعليقات والصور منسقة الحروف واألرقام تلقائيا ً من غير ما‬
‫إشراف وال إعداد وال تبويب وال ترتيب !‬
‫لعمرى إن ذلك أدنى إلى التصور من خلق الموت والحياة فى ھذا العالم الفخم تلقائيا ً‬
‫كما يأفك األفاكون !!‬
‫لكن أى عاقل يحترم نفسه ويقدر علمه يأبى ھذا المنزلق ‪.‬‬
‫يقول الدكتور التفتازانى‪ :‬ولعل ھذا ما جعل العالمة ” أينشتين ” يؤثر اإليمان با“‬
‫ويرفض الشبھات التى تختلق ضده‪ ،‬وقد دار حوار بينه وبين صحفى أمريكى يدعى‬
‫” فيرك ” فى ھذا الموضوع قال فيه الرجل العالم بحسم‪ :‬إننى لست ملحداً !! وال‬
‫أدرى‪ :‬ھل يصح القول بأنى من أنصار وحدة الوجود ؟ إن المسألة أوسع نطاقا ً من أن‬
‫تحيط بھا عقولنا المحدودة !!‬
‫] ليس ھذا العالم ممن يعتنقون مذھب الوحدة الذى يعرفه الھنود‪ ،‬أو بالنحو الذى‬
‫تسرب من الھندوكية إلى بعض الديانات األخرى‪ ،‬ولكنه يريد أن يقول‪ :‬إنه يرى ﷲ‬
‫فى كل شىء ويلمح صفاته العظمى فى مجالى الكون كله ” ھو األول واآلخر‬
‫والظاھر والباطن وھو بكل شىء عليم ” وعذر الرجل أنه ال يعرف اإلسالم فيعبر‬
‫التعبير المأثور ‪[ ..‬‬
‫وعاد الصحفى إلى سؤاله بطريقة أخرى يريد بھا ھز اإليمان الذى الذ به ھذا العالم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إن الرجل الذى يكتشف أن الزمان والمكان منحنيان‪ ،‬ويحبس الطاقة فى معادلة‬
‫واحدة جدير به أال يھوله الوقوف فى وجه غير المحدود !!‬
‫فيرد أينشتين‪ :‬اسمح لى أن أضرب لك مثالً‪ :‬إن العقل البشرى مھما بلغ من عظم‬
‫التدريب وسمو التفكير عاجز عن اإلحاطة بالكون فكيف بخالقه ؟! نحن أشبه ما‬
‫نكون بطفل داخل مكتبة كبيرة ارتفعت كتبھا إلى السقف فغطت جدرانھا‪ ،‬ثم ھى‬
‫مؤلفة بشتى اللغات ‪ .‬إن ھذا الطفل يعلم أن شخصا ً ما كتب ھذا الكتب‪ ،‬ولكنه ال‬
‫يعرف بالضبط من ھو‪ ،‬وال كيف كانت كتابته لھا ثم ھو ال يفھم اللغات التى كتبت بھا‬
‫!!‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد يالحظ الطفل أن ھناك طريقة معينة رتبت بھا الكتب ونظاما غامضا يشمل‬
‫صفوفھا وأوضاعھا‪ ،‬نظاما ً نحس أثره وال ندرى كنھه ‪.‬‬
‫إن ذلك القصور ھو موقف العقل اإلنسانى مھما بلغ من العظمة والتثقيف !!‬
‫وعاد الصحفى األمريكى يسأل‪ :‬أليس فى وسع أحد حتى أصحاب العقول العظيمة أن‬
‫يحل ھذا اللغز ؟‬
‫فأجاب أينشتين مرة أخرى يعلل لماذا ھو مؤمن‪ ،‬ولماذا يعجز عن معرفة كنه ﷲ‬
‫فقال‪ ” :‬نرى كونا ً بديع الترتيب خاضعا ً لنواميس معينة‪ ،‬ونحن نفھم ھذه النواميس‬
‫فھما ً يشوبه اإلبھام فنؤمن با“ ولكن عقولنا المحدودة ال تدرك القوة الخفية التى تھيمن‬
‫على مجاميع النجوم ” ‪.‬‬
‫لو كانت المواد التى يتكون منھا ھذا العالم الضخم تتراكم بعضھا فوق بعض دون‬
‫تبصر أو حكمة لدلت كثرتھا وحدھا على غنى واسع وثراء عريض !! فإن األبعاد‬
‫اآللية لھذا الكون مذھلة !!‬
‫لكن األمر أبعد ما يكون عن الجزاف والفوضى ‪.‬‬
‫والبناء العقلى المتغلغل فى الكون من الذرة إلى المجرة يجعلنا نكون عن ھذا العالم‬
‫الدقيق صورة أخرى ‪.‬‬
‫ولن نأتى بھذه الصورة من عند أنفسنا بل من أقوال الفلكى اإلنجليزى ” سير جيمس‬
‫جينز ” الذى ينطق بھذه العبارة المثيرة‪ ” :‬لقد بدأ الكون يلوح أكثر شبھا ً بفكر عظيم‬
‫منه بآلة عظيمة ” ‪.‬‬
‫إن الروعة ال تكمن فى ضخامة اآللة التى نراھا بل فى الطريقة التى تدور بھا وتؤدى‬
‫وظيفتھا‪ ،‬فى حبكة الموازنة والضبط والتقدير ‪.‬‬
‫ومن ثم يتجه اإلعجاب إلى العقل الواضع الحاسب قبل أن يتجه إلى أثره المحدود ‪.‬‬
‫ولننظر إلى عقلنا اإلنسانى بين ما ننظر إليه من صنوف المخلوقات ماذا نرى ؟ إنه‬
‫كائن ذكى قدير يبدو ويخفى فى أدمغة األلوف المؤلفة من سكان األرض واألحياء‬
‫والراحلين‪ ،‬الذين وجدوا والذين سيوجدون‪ ،‬من أين تولد ھذا العقل ؟ من الماء‬
‫والطين كأعشاب الحدائق ‪ ..‬ھذا فرض مضحك وال ريب‪ ،‬إنه نفحة من الخالق‬
‫األعلى وحده ‪.‬‬
‫يقول سير جيمس جينز‪ :‬يجب أن نذكر المقدمات التى يفترضھا بعض النقاد من غير‬
‫علم‪ ،‬فالكون ال يبيح لنا أن نصوره تصويرا ً مادياً‪ ،‬وسبب ذلك فى رأيى أنه قد أصبح‬
‫من المدركات الفكرية العميقة أنا واجدون فى الكون دالئل قوة مدبرة أو مسيطرة‬
‫يوجد بينھا وبين عقولنا الفردية شىء مشترك‪ ،‬خير ما نصفھا به أنھا رياضية )!(‬
‫ألننا ال نجد اآلن أصلح من ھذا التعبير ” ‪.‬‬
‫والعالمة اإلنجليزى معذور فى وصف اإلبداع اإللھى بھذا األسلوب‪ ،‬لقد راعه وھو‬
‫فلكى راسخ أن يجد فى نظام الشروق والغروب والدوران واالنطالق دقة تسجد علوم‬
‫الرياضة فى محرابھا‪ ،‬فقال‪ ” :‬إن التفكير المشرف عليھا ليس ھو العاطفة أو‬
‫األخالق أو تقدير الجمال‪ ،‬ولكنه الرغبة فى التفكير بطريقة تفكير علمى رياضى !!‬
‫بل إنه اعتبر العقل اإلنسانى أثرا ً للعقل الكلى الذى توجد فيه على شكل فكر تلك‬
‫الذرات التى نشأت منھا عقولنا‪ ،‬ثم انتھى أخيراً إلى أن اآلراء متفقة إلى حد كبير فى‬
‫ميدان العلم الطبيعى إلى أن نھر المعرفة يتجه نحو حقيقة غير آلية ” أى غير مادية‪،‬‬
‫أى إلى ﷲ الكبير المتعال ‪” .‬‬
‫على ھذا النحو يفكر علماء الكون الكبار‪ ،‬ويحكم أئمة العلم الحديث ورواده الكبار‪،‬‬
‫ولذلك شعرت بسخرية أى سخرية عندما قرأت لصحافى ” كبير ” فى بالدنا ھذه‬
‫الكلمة الغبية السمجة‪ ” :‬إن التقدم العلمى يوشك أن يجعل أخطر الوثائق العقائدية‬
‫نوعا ً من البرديات القديمة التى حال لونھا‪ ،‬وبليت صفحاتھا‪ ،‬وعدت عليھا عوامل‬
‫الزمن بالتعرية والتآكل وأصبح من الضرورى لإلبقاء على أثرھا أن يخصص لھا‬
‫مكان فى متاحف التاريخ ” ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ما أوسع الفرق بين منطق العلماء ومنطق الجھالء فى تناول القضايا وإرسال‬
‫األحكام ‪ .‬ھل يمحى اإليمان كله بھذه السھولة ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولقد شعرت كذلك بسخرية أى سخرية عندما رأيت كتابا بعنوان ” العالم ليس عقال ”‬
‫ألفه شخص ولد فى نجد وقضى أغلب عمره على قھوات القاھرة وبيروت‪ ،‬وتلقى‬
‫أكثر علمه من األوراق الشاحبة التى يسطرھا بعض المعلولين والمعقدين !‬
‫ھذا المسخ الذى لم يعمل يوما ً فى مرض وال مختبر للكيمياء أو الفيزياء ينكر األلوھية‬
‫ويسفه النتائج التى وصل إليھا أمثال ” أينشتين ” من قادة المعارف الكونية‪ ،‬طبعا ً‬
‫ألنھم رجعيون وھو تقدمى‪ ،‬وألنھم قاصرون وھو نابغة ‪!! ..‬‬
‫ولست أتھم كل ملحد أنه صورة للملحدين الصغار فإن ھناك بعض العلماء والفالسفة‬
‫ـ وإن كانوا قلة ـ تنكروا لإليمان وقواعده وغاياته‪ ،‬بيد أن المتتبع ألقوال ھؤالء يجزم‬
‫بأن انتسابھا إلى العلم تزوير جرىء فھم يخمنون ويفترضون ثم يبنون قصوراً على‬
‫رمال !‬
‫وقد قرأت لبعضھم كالما ً عن بداية الخليقة يثير الضحك‪ ،‬فھم يزعمون أن العناصر‬
‫فى األزل السحيق تفاعلت اعتباطاً‪ ،‬وسنحت فرصة لن تتكرر بعد أبدا ً )!( فتكونت‬
‫جرثومة الحياة ثم أخذت تنمو وتتنوع على النحو الذى نرى ‪..‬‬
‫وھذا كالم ال يصدر عن عقل محترم وال يصفه بأنه علم إال مخبول !!‬
‫وصدق ﷲ العظيم ” ما أشھدتھم خلق السموات واألرض وال خلق أنفسھم وما كنت‬
‫متخذ المضلين عضداً ”‪.‬‬
‫وأذكر أنى ـ وأنا أناقش بعض األدلة ـ سألت نفس ھذا السؤال‪ :‬ھل أنا كائن قديم أم‬
‫مخلوق جديد ؟‬
‫فكان الجواب القاطع‪ :‬لقد ولدت سنة كذا‪ ،‬فأنا حادث بال ريب !! ولكن شبھة ثارت‬
‫تقول‪ :‬إنك تخلفت عن مادة الذين ھلكوا قبلك‪ ،‬وعندما تموت فستكون أجساد منك ومن‬
‫غيرك ! فقلت‪ :‬إذا سلمت بھذا فى األجساد فلن أسلم به فى روحى أنا ‪ ..‬إن ھذه ” األنا‬
‫” المعنوية ھى حقيقتى الكبرى‪ ،‬وأنا مستيقن بأنى كائن جديد مستقل وجدت بعد عدم‬
‫محض‪ ،‬فمن أبرزنى من ال شىء ؟‬
‫إننى لست معتوھا ً حتى أشك فى بداية وجودى وشعورى‪ ،‬فمن رب ھذه المنحة‬
‫الخطيرة ؟ فتلوت قوله تعالى ” ھل أتى على اإلنسان حين من الدھر لم يكن شيئا ً‬
‫مذكوراً ‪ ] .‬االستفھام تقريرى أى لقد أتى على اإلنسان وقت كان فيه عدما ً محضاً ‪.‬‬
‫واآليات فى صدر سورة اإلنسان [ إنا خلقنا اإلنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه‬
‫سميعا ً بصيراً ” ‪.‬‬
‫وعدت إلى قصة الجسد الذى أحمله فى حياتى وأنضوه بعد مماتى ھل ھو قديم المادة‬
‫حقا ً ؟ فسألت العلم‪ :‬كيف يوجد ؟ وھل يمكن أن يتمثل بشراً سويا ً ھكذا خبط عشواء ؟‬
‫فقال العلم‪ :‬إن الوليد يتخلق أول أمره من التقاء الحيوان المنوى بالبويضة !‬
‫فما الحيوان المنوى ؟ كائن دقيق توجد فى الدفقة الواحدة منه قرابة مائة مليون‬
‫حيوان‪ ،‬كل واحد من ھذه األلوف المؤلفة يمثل الخصائص المعنوية والمادية لإلنسان‬
‫من الطول والقصر والسواد أو البياض والذكاء أو الغباء والشدة أو الھدوء ‪ ..‬الخ ‪.‬‬
‫ويبدأ التكون اإلنسانى بوصول واحد ـ ال غير ـ من ھذه األلوف الكثيفة إلى البويضة‬
‫وتفنى البقية ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فألقف عند نقطة االبتداء ھذه ألسأل‪ :‬من الذى صنع ھذه الحيوانات السابحة فى‬
‫سائلھا‪ ،‬الحاملة لخصائص الساللة اآلدمية من أجيال خلت ؟‬
‫قالوا‪ :‬غدة فى الجسم !‬
‫قلت‪ :‬غدة أوتيت الذكاء والوعى واالقتدار على خلق مائة مليون كائن من طراز واحد‬
‫! مجموعة دراھم من اللحم تتصرف من تلقاء نفسھا فى صنع الذكاء أو الغباء‪،‬‬
‫والحلم أو الغضب ؟‬
‫ما يصدق ھذا إال مغيب العقل !! وتلوت قوله تعالى‪:‬‬
‫” أفرأيتم ما تمنون ‪ .‬أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ؟ ” ] الواقعة‪[ 58 :‬‬
‫إننا أمام أدوات القدرة اإللھية العليا وھى تبرز مشيئة الخالق الجليل‪ ،‬وكأنھا تقول لنا‪:‬‬
‫إن خلق ﷲ للعالم ليس فيه شائبة غرابة ! أليس يخلق فى كل لحظة تمر ألوفا ً من‬
‫الناس وألوفا ً من الدواب‪ ،‬وصنوفا ً من النبات ؟؟‬
‫إن إبداع الخليقة ليس فلتة وقعت وانتھت‪ ،‬وأمست فى ذمة التاريخ بحيث يستطيع‬
‫المكابرون أن يجادلوا فيھا ‪ ..‬ال ‪ ..‬إن اإليجاد من الصفر يقع أمام أعيننا كل يوم فى‬
‫عالم األحياء فلم ھذا المراء ‪.‬‬
‫إن بديع السموات واألرض ال يزال يخلق فى كل وقت وفى كل بر صنوفا ً من‬
‫األحياء الدقيقة والجليلة ال حصر لھا‪ ،‬فكيف ينكر ما كان من خلق أول أو ما سوف‬
‫يكون من بعث وجزاء ؟‬
‫” أو لم يروا كيف يبدئ ﷲ الخلق ثم يعيده ‪ .‬إن ذلك على ﷲ يسير ‪ .‬قل سيروا فى‬
‫األرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم ﷲ ينشئ النشأة اآلخرة ‪ .‬إن ﷲ على كل شىء‬
‫قدير ” ] العنكبوت‪. [ 20 :‬‬
‫ولنفرض جدالً أن بعض الناس يرى أن الفلك الدوار يجرى فى الفضاء دون ضابط‬
‫وال رابط‪ ،‬وأن الوليد الخارج من ظلمات الرحم المع العين مورد الخد مفتر الثغر‪ ،‬قد‬
‫صنعه على ھذا التقويم الحسن شىء ما فى بطن‬
‫األم !!‬
‫لنفرض أن بعض الناس ركب رأسه وقال ھذا الكالم فما الذى يجعل ھذا الزعم‬
‫السخيف يوصف بأنه علم وتقدمية على حين يوصف منطق اإليمان بأنه جمود‬
‫ورجعية ؟‬
‫سبحانك ھذا بھتان عظيم !‬
‫لقد آن األوان لتھتك األستار عن أدعياء التقدم الذين يمثلون فى الواقع ارتكاسا ً إنسانيا ً‬
‫إلى جاھلية عديمة الشرف والخير مبتوتة الصلة بالعقل وذكائه والعلم وكشوفه ‪..‬‬
‫ربما شك بعض الناس فى حقيقة الدين الذى يعتنقه أو فى جدواه عليه‪ ،‬فإذا ساور ھذا‬
‫الخاطر أحداً من خلق ﷲ‪ ،‬فإن العربى آخر امرئ يعرض له ھذا الظن‪ ،‬بل يقرب من‬
‫المستحيل أن يساوره ‪.‬‬
‫ذلك أن فضل اإلسالم على العرب كفضل الضياء والماء على الزرع ‪.‬‬
‫ال أقول أطعمھم من جوع وآمنھم من خوف‪ ،‬بل أقول أوجدھم من عدم‪ ،‬وجعل‬
‫السمھم حقيقة‪ ،‬وأقام بھم دولة وأنشأ حضارة ‪..‬‬
‫قد تكون بعض العقائد عقاقير مخدرة للنشاط البشرى‪ ،‬لكن اإلسالم لما جاء العرب‬
‫شحذھم وأثار عقولھم‪ ،‬ووحد صفھم‪ ،‬وطار بھم إلى آفاق مادية وأدبية لم يحلم بھا‬
‫آباؤھم وال تخيلھا أصدقاؤھم أو أعداؤھم‪ ،‬ومضى العرب فى طريق المجد الذى شقه‬
‫اإلسالم لھم فعرفھم للعالم وكان قبل يجھلھم‪ ،‬وأفاءوا على ماضيه القريب ما ال ينكره‬
‫إال متعصب كفور !‬
‫وارتبطت مكانة العرب الذاتية والعالمية بھذا الدين‪ ،‬فھم يتقھقرون إذا تخلوا عنه‬
‫ويستباح حماھم ‪ .‬وھم يرتقون ويتقدمون إذا تشبثوا به وتحترم حقوقھم ‪.‬‬
‫على عكس ما عرف فى أمم أخرى لم تستطع التحليق إال بعدما تخففت من مواريثھا‬
‫الدينية كال أو جزءاً !!‬
‫وقد استطاع مسلمو الجزائر فى ھذا العصر أن يستخلصوا حريتھم من براثن عاتية‬
‫وأن يدفعوا ثمن ھذا الخالص مليونا ً ونصف من الشھداء !‬
‫وما ينبغى تقريره ھنا أن اإلسالم وحده كان وقود ھذا الكفاح القاسى ‪ ..‬اإلسالم بما‬
‫غرسه فى األفئدة من إباء‪.‬‬
‫فلما ظفر الجزائريون باستقاللھم بدءوا يستعيدون عروبتھم التى فقدوھا خالل قرن‬
‫وربع‪ ،‬ووضعت مشروعات لجعل األفراد والجماعات ينطقون بالعربية ويتفاھمون‬
‫بھا بعدما كادت ھذه اللغة تبيد أمام زحف الفرنسية وسيادتھا فى الشوارع والدواوين‬
‫!!‬
‫إن اإلسالم بالنسبة للعروبة ول ّى نعمتھا وصانع حياتھا ‪.‬‬
‫وقد اعترف مسيو ” جاروديه ” وھو شيوعى فرنسى عاش ردحاً من الزمان فى‬
‫جبھة التحرير الجزائرية بأن الدين وحده ھو الذى أوقد شرر ھذا الكفاح العزيز‬
‫الغالى وأن اإلسالم يستحيل أن يوصف بأنه مخدر الشعوب ‪.‬‬
‫واإلسالم ال يجعل من العرب شعبا ً مختاراً يفضل غيره بساللة أو دم خاص‪ ،‬كال كال‪،‬‬
‫إن ﷲ اختار لعباده تعاليم راشدة وشرائع عادلة‪ ،‬ثم وكل إلى العرب أن يحملوا ھذه‬
‫التعاليم والشرائع ليعملوا بھا وليعلموھا من شاء ‪..‬‬
‫وﷲ يأبى كل نعرة عنصرية أو استعالء قومى ‪ ..‬إنھا مبادئ محددة‪ ،‬تنطلق منھا أمة‬
‫ما فتكون بعين ﷲ‪ ،‬أو تند عنھا فيدعھا لنفسھا‪ ،‬بالوفاء لھذه المبادئ تصعد‪ ،‬فإن‬
‫فرطت ھبطت ‪.‬‬
‫ولذلك يقول ﷲ للمنھزمين فى أحد ” وال تھنوا وال تحزنوا وأنتم األعلون إن كنتم‬
‫مؤمنين ” ] آل عمران‪ [ 139 :‬فالعلو قرين اإليمان‪ ،‬وينصح األمة كلھا بالطاعة‬
‫واإلصالح ويتھدد عدوھا بالطرد والھوان‪ ،‬ثم يأمرھا بالمقاومة ورفض االستسالم‬
‫وسيكون المستقبل لھا إن ھى أبقت حبلھا موصوالً بربھا ” يا أيھا الذين آمنوا أطيعوا‬
‫ﷲ وأطيعوا الرسول وال تبطلوا أعمالكم ‪ .‬إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل ﷲ ثم‬
‫ماتوا وھم كفار فلن يغفر ﷲ لھم‪ ،‬فال تھنوا وأنتم األعلون وﷲ معكم ولن يتركم‬
‫أعمالكم ” ] محمد‪. [ 35 :‬‬
‫والتدبر فى ھذه اآليات الثالث يعطى فكرة بينة أن تفضيل أمة ما ھو تفضيل سلوك‬
‫ومنھج‪ ،‬ال تفضيل دم أو لون وأن اإليمان الشريف واالستقامة الواضحة أساس العزة‬
‫المنشودة وأنه مھما القى المسلمون من صعاب وھزائم فال يجوز أن يقبلوا سلما ً‬
‫مخزيا ً وال أن يعطوا الدنية من أنفسھم ‪.‬‬
‫ولھم أن يركنوا إلى ﷲ ولن يذل جانبھم ما آمنوا به وعملوا له ‪.‬‬
‫واليقظة العزيزة التى صنعھا اإلسالم وھو يبنى األمة يمكن أن نتابعھا فى مرحلتين‪:‬‬
‫األولى فى العھد المكى‪ ،‬يوم كان المسلمون قلة تتوقع الضيم ويتجرأ عليھا األقوياء !‬
‫لقد أمر المسلمون إبان ھذه المحن أن يثبتوا ويشمخوا بحقھم‪ ،‬ويتنكروا لكل ھوان‬
‫ينزل بھم‪ ،‬ويطلبوا ثأرھم ممن اعتدى عليھم‪ ،‬فإن عفوا فعن قدرة ملحوظة ال عن‬
‫ادعاء مرفوض !!‬
‫انظر كيف وصفت سورة الشورى المكية طالب اآلخرة الذين يؤثرون ما عند ﷲ‬
‫على ھذه الدنيا‪ ،‬إنھم ” الذين استجابوا لربھم وأقاموا الصالة وأمرھم شورى بينھم‬
‫ومما رزقناھم ينفقون والذين إذا أصابھم البغى إذا ھم ينتصرون ! وجزاء سيئة سيئة‬
‫مثلھا فمن عفا وأصلح فأجره على ﷲ وﷲ ال يحب الظالمين ” ] الشورى‪. [ 38 :‬‬
‫فطالب اآلخرة ـ كما وصفتھم السورة المكية ـ ليسوا الذين يعيشون فى الدنيا أذنابا ً‬
‫مستباحين أو ضعافا ً مغموصين‪ ،‬أو كما يقول الشاعر يصف قوما ً تافھين‪:‬‬
‫ويقضى األمر حين تغيب تيم‬
‫وال يستأمرون وھم شھود‬

‫ال‪ ،‬ال‪ ،‬إن ھؤالء المؤمنين بالدار اآلخرة يفرضون أنفسھم على ھذه الحياة الدنيا‬
‫ويكرھون العدو والصديق على أن يحسب حسابھم ويزن رضاھم وسخطھم‪ ،‬ويعلم‬
‫أن نتائج العدوان عليھم أذى محذور وشر مستطير‪ ،‬ألنھم إذا بغى عليھم ينتصرون‪،‬‬
‫ويلطمون السيئة بمثلھا ! وليس ذلك بالنسبة للحق األدبى للجماعة كلھا‪ ،‬بل ھو كذلك‬
‫بالنسبة إلى حق الفرد فى ماله الخاص‪ ،‬فقد سئل النبى صلى ﷲ عليه وسلم‪:‬‬
‫” أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالى ‪..‬‬
‫” قال‪ :‬قاتله ‪ .‬قال‪ :‬أرأيت إن قتلته ؟ ‪..‬‬
‫” قال‪ :‬ھو فى النار ‪ .‬قال‪ :‬أرأيت إن قتلنى ؟ ‪..‬‬
‫” قال‪ :‬فأنت شھيد ” ] مسلم فى كتاب اإليمان [‬
‫ھل ھذه الوصايا ھى التى تخدر األفراد والجماعات ؟‬
‫سبحانك ھذا بھتان عظيم !‬
‫ً‬
‫فإذا تجاوزنا العھد المكى إلى العھد المدنى نجد توجيھا ينبع من ھذه الروح األبية‬
‫الشامخة ‪.‬‬
‫إن الھوان جريمة وقضاء الحياة فى ضعف واستكانة مرشح أول للسقوط فى الدار‬
‫اآلخرة ‪.‬‬
‫ومن ھنا أثبت القرآن الكريم ھذا الحوار بين مالئكة الموت وبين الذين عاشوا فى‬
‫الدنيا سقط متاع وأحالس ذل ‪.‬‬
‫” إن الذين توفاھم المالئكة ظالمى أنفسھم قالوا‪ :‬فيم كنتم ؟ قالوا‪ :‬كنا مستضعفين فى‬
‫األرض ‪ .‬قالوا‪ :‬ألم تكن أرض ﷲ واسعة فتھاجروا فيھا ؟ فأولئك مأواھم جھنم‬
‫وساءت مصيراً ” ] النساء‪. [ 97 :‬‬
‫والھجرة المفروضة ھنا ھى التحول من مكان يھدد فيه اإليمان وتضيع معالمه إلى‬
‫مكان يأمن فيه المرء على دينه‪ ،‬ولكن حيث استقرت دار اإلسالم فال تحول‪ ،‬وإنما‬
‫يبقى المسلمون حيث كانوا ليدفعوا عن ترابھم ذرة ذرة وال يسلموا فى أرض التوحيد‬
‫لعدو ﷲ وعدوھم ‪.‬‬
‫واآلية تحرم قبول الدنية وإلف االستضعاف‪ ،‬وتوجب المقاومة إلى آخر رمق ‪.‬‬
‫ومما يؤكد ھذا المعنى أن القرآن أحصى الطوائف التى تعذر فى ھذا التمرد المطلوب‬
‫على قوى الشر ‪.‬‬
‫ً‬
‫ومع استثنائھا فإن مصيرھا ذكر معلقا على ” رجاء ” المغفرة والعفو ال على ”‬
‫توكيد ” ذلك !!‬
‫” ‪ ..‬إال المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ال يستطيعون حيلة وال يھتدون‬
‫سبيالً فأولئك عسى ﷲ أن يعفو عنھم ” ] النساء‪. [ 98 :‬‬
‫والتعبير بـ ” عسى ” ھنا مثير للقلق‪ ،‬وھى إثارة مقصودة حتى ال يقعد عن مكافحة‬
‫المعتدين من يقدر على إلحاق أى أذى بھم مھما قل ‪.‬‬
‫وال يقيم على ضيم يراد به‬
‫إال األذالن عير الحى والوتد‬

‫ھذا على الخسف مربوط برمته‬


‫وذا يشق فال يرثى له أحد‬

‫المسلم ال يقبل الحياة على أية صورة وبأى ثمن‪ ،‬إما أن تكون كما يبغى‪ ،‬وإما رفضھا‬
‫وله عند ربه خير منھا ‪.‬‬
‫ومن صيحات الكرامة واإلباء قول رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم‪ ” :‬من قتل دون‬
‫ماله فھو شھيد‪ ،‬ومن قتل دون دمه فھو شھيد‪ ،‬ومن قتل دون دينه فھو شھيد‪ ،‬ومن‬
‫قتل دون أھله فھو شھيد ” ! ] الترمذى فى الديات‪ ،‬وأبو داود فى السنة [‬
‫وفى حديث آخر ” من قتل دون مظلمته فھو شھيد ” ! ] صحيح رواه الشيخان‬
‫وأصحاب السنن األربعة وأحمد [‬
‫ھل رأيت استنھاضا ً للھمم واستنفارا للنضال‪ ،‬واستثارة للذود عن الدماء واألموال‬
‫ً‬
‫واألعراض أحر من ھذه المبادئ ؟!‬
‫أيمكن فى منطق العقل واإلنصاف أن يوصف ھذا الدين بأنه مخدر للشعوب ؟ أال‬
‫شاھت الوجوه !!‬
‫ومن حقنا أن نتساءل‪ :‬ھل ضمان الخبر يحفظ الكرامة الفردية ويوفر األمان‬
‫للجماعات ؟‬
‫ً‬
‫ال شك أن للعنصر المادى أثرا فى طمأنينة المرء وشد أزره‪ ،‬ولكنه ليس كل شىء فى‬
‫خلق العزة الشخصية والجماعية ! فرب سجين ملىء البطن خفيض الرأس‪ ،‬ورب‬
‫طاو حديد البصر جھير الصوت‪.‬‬
‫قال لى صديق‪ :‬وضعت الحب للعصافير فى شرفة بيتى‪ ،‬وجلست بعيداً أرقبھا وھى‬
‫تلتقطه بمناقيرھا كعادتھا ‪ ..‬بيد أنى ارتقبتھا طويالً فلم تھبط‪ ،‬ثم أدركت بغتة أن باب‬
‫الشرفة مفتوح وأن الحذر عاقھا عن األكل فقمت أغلق الباب وأنا أقول‪ :‬إن الطعام ال‬
‫يغنى عن األمان ‪.‬‬
‫وھذا صحيح‪ ،‬فإن ﷲ لما امتن على قريش بنعمته وبركته قال‪ ” :‬فليعبدوا رب ھذا‬
‫البيت الذى أطعمھم من جوع وآمنھم من خوف ” ‪.‬‬
‫إن الشبع ال يغنى عن الحرية أبداً‪ ،‬وإن توقير ” الديمقراطية االقتصادية ” يستحيل أن‬
‫يغنى عن ” الديمقراطية السياسية ” ‪.‬‬
‫إن اإلنسانية ليست جسداً يعلف ويسمن‪ ،‬ولكنھا فطرة تتشوف لالنطالق والتحرر‪ ،‬وال‬
‫بد أن يتقرر لھا حقھا فى النقد والمراجعة وحساب كل ذى منصب مھما جل وإقصاء‬
‫من تكره وإدناء من تحب ‪..‬‬
‫واليقظة التى ينشدھا اإلسالم للشعوب تتضمن األمرين جميعا ً ‪.‬‬
‫” ونريد أن نمن على الذين استضعفوا ونجعلھم أئمة ونجعلھم الوارثين ونمكن لھم فى‬
‫األرض ” ] القصص‪[ 5 :‬‬
‫فكيف يتھم الدين بأنه مخدر للشعوب ؟‬
‫وربما اتصل بھذه التھمة المتھافتة تصور البعض أن الدين رباط مع الماضى‪ ،‬وأن‬
‫التطور ينافيه ‪.‬‬
‫ونتساءل نحن‪ :‬ما ھذا التطور ؟‬
‫إن اإللحاد ليس تطوراً‪ ،‬بل ھو ترديد لكفر الصغار من جھلة القرون األولى ‪.‬‬
‫من ألوف السنين وقفت قبيلة عاد من رسولھا موقفا ً كأنما لخصت فيه كل ما يقال فى‬
‫ھذا العصر على ألسنة الشطار‪ ،‬من دعاة اإللحاد ” أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا ً‬
‫وعظاما ً إنكم مخرجون ‪ .‬ھيھات ھيھات لما توعدون ‪ .‬إن ھى إال حياتنا الدنيا نموت‬
‫ونحيا وما نحن بمبعوثين ‪ .‬إن ھو إال رجل افترى على ﷲ كذبا ً وما نحن له بمؤمنين‬
‫” ] المؤمنون‪[ 37 ،35 :‬‬
‫إن التحلل من قيود الدين ليس تجديدا ً وال ابتكارا ً بل ھو خضوع للغرائز الدنيا التى‬
‫أنامت ألوف الخلعاء والخبثاء من عشرات القرون وجعلتھم يحيون وفق شھواتھم‬
‫وحدھا ! فأى ارتقاء فى ھذا المسلك الرخيص ؟!‬
‫فى غضون القرن التاسع عشر للميالد كانت نزعات اإللحاد تغلب على العقل‬
‫الغربى‪ ،‬وبدا كأن العلم الطبيعى يتجه بالناس وجھة مادية تتنكر للدين وتضيق‬
‫بتعاليمه‪ ،‬ولما كان الغربيون سادة الدنيا وقتئذ فقد صبغوا الفكر العالمى تقريبا ً بھذه‬
‫الصبغة الداكنة ‪..‬‬
‫وقد تسأل‪ :‬ماذا كان موقف المتدينين بإزاء ھذا الفكر الزاحف ؟‬
‫واإلجابة أن المسلمين كانوا فى حالة ذھول أنستھم رسالتھم المحلية والعالمية على‬
‫سواء‪ ،‬فھم ال يريدون من دينھم شيئا ً طائالً ينفعون به أنفسھم بله أن ينفعوا به غيرھم‬
‫‪.‬‬
‫وأما بنو إسرائيل فقد شرعوا عقب تقرر الحقوق السياسية فى األقطار الحديثة‬
‫يجمعون شملھم ليعيدوا ملك ” يھوه ” على األرض ويستعدوا لحكم العالم من ”‬
‫أورشليم ” وما كان عليھم أن تكتسح ظلمات الشك‬
‫كل ضمير ‪!! ..‬‬
‫وأما النصارى فلو تفرغوا لمواجھة ھذا الخطر لكانوا كالذى يرد الطوفان بالراحتين‪،‬‬
‫فكيف وھم مشغولون بالقضاء على اإلسالم المريض !‬
‫لذلك نجح اإللحاد فى فرض أفكاره وأحكامه على أغلب ميادين النشاط اإلنسانى‪،‬‬
‫وربما سمح لألديان أن تبقى ميوالً فردية واتجاھات أدبية وحسبھا ذلك ‪.‬‬
‫على أن القرن العشرين للميالد أخذ يتجه ـ خصوصا ً فى أواسطه ونھاياته وجھة‬
‫مغايرة‪ ،‬وظھر فى كتابات كثير من العلماء الطبيعيين نزوع واضح إلى اإليمان‬
‫بالغيب والتسليم بوجود إله حكيم قادر‪ ،‬عالم خبير !‬
‫وتدين العلم كسب إنسانى جليل !‬
‫والصورة التى تكونت لدى العلماء الطبيعيين عن ﷲ أقرب إلى الحقيقة مما يھرف به‬
‫كثير من رجال‬
‫األديان ‪!! ..‬‬
‫ولو كان لإلسالم رجال يحسنون عرضه كما نزل فى أصوله األولى لكان اإلسالم‬
‫دين الحاضر والمستقبل على سواء‪ ،‬ولكن الفكر اإلسالمى وقع فى محنة رھيبة !!‬
‫ولست أزعم أن كل العلماء الكونيين نزاعون إلى التدين‪ ،‬فھناك من ضل الطريق !!‬
‫ولكن تيار اإليمان لو مضى فى طريقه بين ھؤالء دون عوائق سياسية ودون إرھاب‬
‫خارجى لتغير الوضع‪ ،‬فإن جمھرتھم سوف تدخل فى دائرة الدين بال ريب !!‬
‫والمشكلة التى نواجھھا نحن فى بالدنا اإلسالمية ھى تأخر مثقفينا فى مضمار التقليد‬
‫!!‬
‫فعدد كبير منھم ال يزال يعيش فى العقلية المادية للقرن التاسع عشر ‪.‬‬
‫وعدد آخر قد يعدو ھذا النطاق ليرنوا ببصره إلى المسجونين كرھا ً داخل بعض‬
‫المذاھب المادية الحاكمة‪ ،‬وھم قوم كفروا عن إرھاب ال عن اختيار ففيم يقلدون ؟‬
‫والغريب أن نفرا ً من علماء اإلسالم يزعمون أن الدين ـ كسائر القضايا األدبية ـ ال‬
‫صلة له بالعقل ! أى أن التفكير اإللحادى للقرن التاسع عشر ما زال ھو الذى يسيطر‬
‫عليھم‪ ،‬فأى بالء ھذا ؟‬
‫ونحن نناشد أحرار العقول أن يراجعوا أنواع المعرفة التى تعرض عليھم‪ ،‬فإن‬
‫لالستعمار الثقافى دخالً فى تلويثھا وغشھا ‪..‬‬
‫إن أعظم شىء فى رسالة اإلسالم احترامھا للعقل البشرى‪ ،‬وحفاوتھا بالعلم الطبيعى‪،‬‬
‫وبناؤھا اليقين على النظر الصائب فى ملكوت األرض والسماء ‪.‬‬
‫وال يوجد كتاب سماوى حث العقل على النظر‪ ،‬وقاد العلم فى مضمار البحث كھذا‬
‫القرآن الكريم ‪.‬‬
‫إننا بمنطق القرآن نرفض الظنون ونخضع لليقين‪ ،‬نرفض األوھام ونستكين للحقيقة‬
‫وحدھا ‪..‬‬
‫إن التدين الذى تعلمناه من كتابنا ليس تحميل العقل ما ال يطيق وال الھيمان فى عالم‬
‫األخيلة ‪ ..‬إنه تدين زكى عملى ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ثم ھو يضم إلى ھذا الفكر الناضج قلبا سليما‪ ،‬ال مكان فيه لنية خبيثة أو غرض‬
‫صغير‪ ،‬على أساس أن اإلنسان ال يسيره العلم النظرى قدر ما تسيره مقاصده وآماله‬
‫‪..‬‬
‫ما أكثر ما يكون الذكاء سالحا ً يستعمل فى الخير والشر على سواء‪ ،‬فإذا صدق‬
‫اإليمان صلح القلب واستقام المنھج ” ومن يؤمن با“ يھد قلبه ” ” إن فى ذلك لذكرى‬
‫لمن كان له قلب أو ألقى السمع وھو شھيد ” ]ق ‪.[37‬‬
‫وفى معرفة الكون وخالقه‪ ،‬والنفس وھداھا يقول ابن عطاء ﷲ السكندرى ھذه الكلمة‬
‫الحاسمة‪:‬‬
‫” ال ترحل من كون إلى كون‪ ،‬فتكون كحمار الرحى‪ ،‬يسير والمكان الذى ارتحل إليه‬
‫ھو الذى ارتحل منه‪ ،‬ولكن ارحل من األكوان إلى المكون ” وأن إلى ربك المنتھى ”‬
‫‪..‬‬
‫” وانظر إلى قوله صلى ﷲ عليه وسلم‪ ” :‬فمن كانت ھجرته إلى ﷲ ورسوله فھجرته‬
‫إلى ﷲ ورسوله‪ ،‬ومن كانت ھجرته لدنيا يصيبھا أو امرأة ينكحھا فھجرته إلى ما‬
‫ھاجر إليه ” ] رواه البخارى فى سبعة مواضع من صحيحه‪ ،‬وأخرجه باقى الستة‬
‫وغيرھم [ ‪ .‬فافھم قوله عليه الصالة والسالم وتأمل فى ھذا األمر إن كنت ذا فھم ”‪.‬‬
‫يقول ﷲ تعالى ” والسماء بنيناھا بأيد وإنا لموسعون ‪ .‬واألرض فرشناھا فنعم‬
‫الماھدون ‪ .‬ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ففروا إلى ﷲ إنى لكم منه‬
‫نذير مبين ‪ .‬وال تجعلوا مع ﷲ إلھا ً آخر إنى لكم منه نذير مبين ”‬
‫] الذاريات‪ 48 :‬ـ ‪. [ 50‬‬
‫ھذه آيات خمس‪ ،‬والثالثة األولى منھا وصفت األكوان علوھا وسفلھا وما أنبتت فيھا‬
‫من حياة وأحياء ‪.‬‬
‫واالثنتان األخريان انتقلتا من األكوان إلى المكون فتحدثتا عن وجوده ثم توحيده ‪.‬‬
‫والحق أن االنحصار فى الكون واالحتباس بين مظاھره فواحش عقلية ونفسية ال‬
‫يرضاھا أريب لنفسه‪ ،‬بل ينفر منھا أولو األلباب ‪.‬‬
‫إن من له أدنى مسكة يعرف ـ من العالمين ـ رب العالمين ويعرف من األكوان‬
‫صاحب ھذه األكوان !!‬
‫إن ھذا الملكوت الضخم الفخم من ودائع ذراته إلى روائع مجراته شاھد غير كذوب‬
‫على أن له خالقا ً أكبر وأجل ‪.‬‬
‫إنھا لجھالة أن يغمط ھذا اإلله العظيم حقه‪ ،‬وإنھا لنذالة أن يوجد بشر ينكره ويسفه‬
‫عليه ‪.‬‬
‫ولكن خلق اإلنسان من نطفة فإذا ھو خصيم مبين !!‬
‫والعاقل ينظر فى الكون فيتعلم منه تسبيح ﷲ وتحميده‪ ،‬ويستنتج من قوانين الحياة‬
‫وأحوال األحياء ما يستحقه المولى األعلى من أسماء حسنى وصفات عظمى ‪..‬‬
‫والناس صنفان‪ :‬صنف يعرف المادة وحدھا ويجھل ما وراءھا وال نتحدث اآلن مع‬
‫ھؤالء‪ ،‬فقد ذكرنا نبأھم فيما مضى ‪.‬‬
‫وصنف مؤمن با“ مصدق بلقائه‪ ،‬ولكنه ھائم فى بيداء الحياة‪ ،‬ذاھل وراء مطالب‬
‫العيش‪ ،‬مستغرق المشاعر بين شتى المظاھر‪ ،‬فھو ال يكاد يتصل بسر الوجود أو‬
‫يتمحض لرب العالمين ‪.‬‬
‫ومع ھذا الصنف المؤمن نقف لنرسل الحديث ‪.‬‬
‫ھناك قوم ال تخلص “ معامالتھم‪ ،‬بل ھى مشوبة بحظوظ النفس ورغبات العاجلة‪،‬‬
‫وھؤالء لن يتجاوزوا أماكنھم ما بقيت نياتھم مدخولة حتى إذا شرعت أفئدتھم تصفو‬
‫بدءوا المسير إلى األمام ‪.‬‬
‫وھناك قوم يعاملون ﷲ وھم مشغولون بأجره عن وجھه أو بمطالبھم منه عن الذى‬
‫ينبغى له منھم‪ ،‬وھؤالء ينتقلون عن أنفسھم من طريق ليعودوا إليھا من طريق أخرى‬
‫‪.‬‬
‫إنھم مقيدون بسالسل متينة مع أنانيتھم فھو يسيرون ولكن حولھا‪ ،‬لو حسنت معرفتھم‬
‫با“ ما حجبتھم عنه رغبات مادية وال معنوية بل لطغى عليھم الشعور به‪ ،‬وبما يجب‬
‫له‪ ،‬وتخطوا كل شىء دونه‪ ،‬فلم يھدأوا إال فى ساحته‪ ،‬ولم يطمئنوا إال لما يرضيه ھو‬
‫جل شأنه على حد قول ابن فراس‪:‬‬
‫فليتك تحلو والحياة مريرة‬
‫وليتك ترضى واألنام غضاب‬

‫وليت الذى بينى وبينك عامر‬


‫وبينى وبين العالمين خراب‬

‫إذا صح منك الود فالكل ھين‬


‫وكل الذى فوق التراب تراب‬

‫وابن عطاء ﷲ يرى أن العامة يترددون بين مآربھم كحركة بندول الساعة ال تتجاوز‬
‫موضعھا على طول السعى‪ ،‬أو ھم على حد تعبيره كحمار الرحى ينتقل من كون إلى‬
‫كون‪ ،‬والمكان الذى ارتحل إليه ھو الذى ارتحل منه ‪.‬‬
‫والواجب على المؤمن أن يقصد وجه ﷲ قصداً‪ ،‬وأن يتفصى تفصيا ً من ألوف‬
‫األربطة التى تشده إلى الدنيا وتخلد به إلى األرض ‪.‬‬
‫ومن خدع الحياة أن المرء قد يعمل لنفسه وھو يحسب أنه يعمل “‪ ،‬ولو وضعت‬
‫بواعثه الكامنة تحت مجھر مكبر الستبان أن كثيراً من دواعى غضبه ورضاه‬
‫وسروره وتعبه وراحته يصلھا بوجه ﷲ خيط واه على حين تصلھا بحظوظ النفس‬
‫حبال شداد ‪.‬‬
‫وھنا الخطر المخوف أن الھجرة إذا كانت “ فقد مضت وقبلت وإال فاألمر كما قال‬
‫الرسول صلى ﷲ عليه وسلم ” من ھاجر إلى دنيا يصيبھا أو امرأة ينكحھا فھجرته‬
‫إلى ما ھاجر إليه ” ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والشعور بوجود ﷲ ليس أمرا يتكلف له اإلنسان شيئا‪ ،‬إنه شعور بالواقع !‬
‫قد يكون لك حبيب مسافر مثالً فأنت إذا اشتقت إليه تتخيل صورته وتحاول األنس‬
‫بالوھم عن الحقيقة ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولكن الشعور با“ ليس تقريبا لبعيد وال تجسيدا لوھم‪ ،‬إنه إيمان بالواقع الذى يعد‬
‫تجاھله باطالً كشعورك‬
‫مثالً ـ وأنت فى البيت ـ بأنك فى البيت‪ ،‬أو شعورك ـ وأنت فى القطار ـ بأنك فى‬
‫القطار ‪.‬‬
‫إنه الواقع الذى ال معدى عن االعتراف به‪ ،‬وبناء كل تصرف على أساسه ‪ .‬إن‬
‫األلوھية ال تفارق العباد لحظة من ليل أو نھار‪ ،‬ومن ثم فإن الغفلة عن ﷲ غفلة عن‬
‫الحق المبين ‪.‬‬
‫ـ وإذا كان األعمى يعجز عن رؤية األشياء فإن األشياء لم تزل من مكانھا ألن عينا ً‬
‫كليلة لم تتبينھا ‪.‬‬
‫ـ وإذا كان الناس فى ذھول عن الحق المصاحب لھم المحيط بھم فذلك عمى تعود‬
‫عليھم وحدھم معرته ‪.‬‬
‫وقد كثر القرآن الكريم من أشعار الناس بھذه المعانى‪ ،‬وصاح بھم وھم يفرون عنھا‪،‬‬
‫إلى أين ؟ فأين تذھبون ؟ أين المذھب ” وﷲ من ورائھم محيط ” ] الطارق [ ‪.‬‬
‫قال تعالى‪ ” :‬ھو األول واآلخر والظاھر والباطن وھو بكل شىء عليم ‪ .‬ھو الذى‬
‫خلق السموات واألرض فى ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج فى األرض‬
‫وما يخرج منھا وما ينزل من السماء وما يعرج فيھا وھو معكم أينما كنتم وﷲ بما‬
‫تعملون بصير ” ] الحديد [ ‪.‬‬
‫ھو بصير بما نعمل وھو معنا حيثما كنا ! أال تعين ھذه الحقائق على صدق المعرفة‬
‫وح ﱠدة الشعور بوجوده وإشرافه ؟‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫ثم أال يدل ذلك على أن ذكرك “ ليس استحضارا لغائب ؟ إنما ھو حضورك أنت من‬
‫غيبة وإفاقتك أنت من غفلة !!‬
‫وال بد ھنا من توكيد التفرقة بين وجود ﷲ ووجود العالم‪ ،‬فإن بعض الناس يستغلون‬
‫المعانى التى شرحناھا للبس الحق بالباطل ‪.‬‬
‫إن وجود ﷲ مغاير لوجود سائر المخلوقات‪ ،‬وھذا العالم منفصل عن ذاته جل شأنه‬
‫انفصاالً تاما ً ‪.‬‬
‫وقد تسمع بعض الفالسفة أو بعض المتصوفين يقول‪ :‬إنه يرى ﷲ فى كل شىء ‪.‬‬
‫وھذا التعبير صحيح إن كان يعنى أنه يرى آثاره وشواھده ‪.‬‬
‫أما إن كان يعنى وحدة الخالق والمخلوق أو وحدة الوجود كما يھرف الكذبة‪ ،‬فالتعبير‬
‫باطل من ألفه إلى يائه‪ ،‬والقول بھذا كفر با“ وبالمرسلين ‪.‬‬
‫ووصف اإلحاطة اإللھية فى ھذا المجال وسيلة ال غاية ‪ ..‬وسيلة لتصحيح النية‬
‫والجھد والھدف وإھابة باإلنسان أن يدير نشاطه البدنى والعقلى على مرضاة ﷲ‬
‫وحده ‪.‬‬
‫وليت الناس يسعون فى ھذا الطريق بنصف قواھم !‬
‫ولو أن امرءاً حاول استرضاء ﷲ بنصف الجھد الذى يبذله لكسب المال‪ ،‬أو التمكين‬
‫فى األرض لقطع مرحلة رحبة فى طريق االرتقاء الروحى والخلقى‪ ،‬ولو أن امرءاً‬
‫كره الشيطان ووساوسه بنصف الشعور الذى يكره به اآلالم والخصوم لنال من طھر‬
‫المالئكة حظا ً ‪.‬‬
‫إن ﷲ قد يقبل نصف الجھد فى سبيله‪ ،‬ولكنه ال يقبل نصف النية‪ ،‬إما أن يخلص القلب‬
‫له‪ ،‬وإما أن يرفضه كله‪.‬‬
‫وقد أسلفنا القول إن اإلنسان قد تحتل قلبه مقاصد شتى ھى التى تبعثه على الحركة‬
‫والسكون‪ ،‬وعلى الرضا والسخط‪ ،‬وأن ھذه المقاصد تنبعث عن أنانيته ال عن إيمانه‬
‫بربه وابتغائه ما عنده ‪.‬‬
‫والعلماء المربون يطاردون ھذه المقاصد المتسللة إلى القلب ويمنعونھا أن تثوى فيه ‪.‬‬
‫وال يتوانون فى مطاردتھا حتى تخفى ويطھر القلب منھا ‪.‬‬
‫ذلك أن اإلسالم دقيق جداً فى تقويم النية الباعثة عليه والغاية المصاحبة له‪ ،‬فمن لم‬
‫يكن ﷲ وجھته فى ھجرته فال عمل له وال خير فيه ‪.‬‬
‫فى الحياة اآلن ألوف من المدربين واألطباء والمھندسين والضباط والعمال والتجار‬
‫والموظفين ‪ ..‬الخ يزحمون ظھر األرض بحركة واسعة المدى‪ ،‬فأما ما كان للتكاثر‬
‫والتظاھر فسوف يلصق بالتراب‪ ،‬وأما ما كان “ فھو مبارك الثمر ممتد األثر ‪.‬‬
‫إن البقاء لما قصد به رب السماء ” من كان يريد حرث اآلخرة نزد له فى حرثه ومن‬
‫كان يريد حرث الدنيا نؤته منھا وما له فى اآلخرة من نصيب ” ] الشورى‪. [ 20 :‬‬
‫ونعود إلى الصنف المسجون بين عناصر المادة ال يعرف غيرھا‪ ،‬إنه ينتقل من‬
‫عنصر‪ ،‬وينسب مادة إلى مادة‪ ،‬ويجحد ما بعد ذلك ‪.‬‬
‫وقد ناقشنا ھؤالء‪ ،‬ودحضنا ما ساقوا من شبه‪ ،‬ونريد ھنا كشف الستر عن بعض‬
‫دعاوى القوم ‪.‬‬
‫إن وصف اإليمان بأنه حركة رجعية‪ ،‬واإللحاد بأنه حركة تقدمية وصف كاذب‪،‬‬
‫فالكفر قديم قدم الغرائز الخسيسة واألفكار السفيھة ‪.‬‬
‫وتاريخ الحياة يتجاور فيه الخير والشر والصالح والفساد فمن قال‪ ” :‬إن اإليمان‬
‫طبيعة أيام مضت وانتھى دورھا وأن الكفر يجب أن يفسح له الطريق ” فھو دجال ‪.‬‬
‫كذلك وصف اإليمان بأنه حركة فكر محدود‪ ،‬واإللحاد بأنه حركة عقل ذكى أو‬
‫وصف اإليمان بأنه منطق الدراسة النظرية‪ ،‬واإللحاد بأنه منطق الدراسة العلمية‬
‫والبحوث الكونية‪ ،‬ھذا كالم خرافى ال حرمة له‪ ،‬فإن جمھرة كبرى من قادة العلم‬
‫الكونى والدراسات الحيوية يؤمنون با“ ويرفضون الزعم بأن الكون خلق من غير‬
‫شىء ‪.‬‬
‫والواقع أن اإللحاد يعتمد على الظنون والشائعات‪ ،‬ال على اليقين والبراھين‪ ،‬وأنه لم‬
‫يثبت فى معمل أو مختبر بأن ﷲ غير موجود ‪.‬‬
‫وكل ما ھنالك أن الماديين نسبوا لغير ﷲ من النظام واإلبداع ما ال تصح نسبته إال “‬
‫‪.‬‬
‫ووراء ھذا النسب المنتحل ساروا وأيديھم خالية من أى يقين‪ ،‬بل ھم كما وصف‬
‫القرآن الكريم ” وما يتبع أكثرھم إال ظنا ً إن الظن ال يغنى عن الحق شيئا ً ‪ .‬إن ﷲ‬
‫عليم بما يفعلون ” ‪.‬‬
‫أما الدالئل التى تغرس اإليمان فى القلوب عن طريق التفكير السليم فى ھذا الكون‬
‫الكبير فھى قائمة ناھضة ‪.‬‬
‫الباب الثامن‬

‫ال دين حيث ال حرية‬

‫] نشر ھذا المقال بعد حركة ‪ 15‬مايو التى قام بھا فى مصر الرئيس السادات [‬
‫أثلجت صدرى الكلمات التى قالھا رئيس الدولة عشية نجت مصر من المؤامرة‬
‫األخيرة !‬
‫لقد أكد أن الحريات ستوطد‪ ،‬وأن الحقوق ستصان‪ ،‬وأن القانون سيسود‪ ،‬ولن تغل يد‬
‫عن عمل شريف‪ ،‬ولن يكمم فم عن كلمة حق‪ ،‬ولن يؤذن لصغير أن يتطاول‪ ،‬وال‬
‫لمنحرف أن يجور !!‬
‫لقد استقبلنا ھذه المعانى واألنفاس تكاد تختنق لما عراھا من ضيق‪ ،‬فكانت نسائم‬
‫منعشة تتسلل خالل جو رھيب مقنط‪ ،‬وكان بوارق رجاء توحى بالخير ‪.‬‬
‫وأحس القابعون وراء جدران السجن الكبير أن العصابة التى تسومھم سوء العذاب‬
‫بدأت تذوب وتتالشى‪.‬‬
‫إن إذالل الشعوب جريمة ھائلة‪ ،‬وھو فى تلك المرحلة النكدة من تاريخ المسلمين‬
‫عمل يفيد العدو ويضر الصديق ‪.‬‬
‫بل ھو عمل يتم لحساب إسرائيل نفسھا ‪ ..‬فإن األجيال التى تنشأ فى ظل االستبداد‬
‫األعمى تشب عديمة الكرامة قليلة الغناء‪ ،‬ضعيفة األخذ والرد ‪.‬‬
‫ـ ومع اختفاء اإليمان المكين والخلق الوثيق والشرف الرفيع ‪.‬‬
‫ـ ومع شيوع النفاق والتملق والدناءة ‪.‬‬
‫ـ ومع ھوان أصحاب الكفايات وتبجح الفارغين المتصدرين ‪.‬‬
‫‪ ..‬مع ھذا كله ال تتكون جبھة صلبة‪ ،‬وصفوف أبية باسلة !‬
‫وذلك أمل إسرائيل حين تقاتل العرب‪ ،‬ألنھا ستمتد فى فراغ وتشتبك مع قلوب‬
‫منخورة وأفئدة ھواء !‬
‫والواقع أن قيام إسرائيل ونماءھا ال يعود إلى بطولة مزعومة لليھود قدر ما يعود إلى‬
‫عمى بعض الحكام العرب‪ ،‬المرضى بجنون السلطة وإھانة الشعوب ‪.‬‬
‫ولو أنصف اليھود ألقاموا لھؤالء الحكام تماثيل ترمز إلى ما قدموا إلسرائيل من‬
‫عون ضخم ونصر رخيص!‬
‫من أجل ذلك أحسست راحة عميقة لكلمات السيد محمد أنور السادات‪ ،‬وھو يھدر‬
‫بضرورة احترام الشعب وكسر كل قيد يوضع على مشيئته ‪.‬‬
‫إن ھذه السياسة البصيرة ھى الخطوة األولى لقتال حقيقى مع المعتدين يقمع غرورھم‬
‫ويقلم أظفارھم !‬
‫إن جماھير العرب عطشى إلى الحرية والكرامة‪ ،‬ولقد بذلت جھود ھائلة لمنعھا من‬
‫الحق والجد وتعويدھا عبادة اللذة إلى جانب عبادة الفرد‪ ،‬ولكن جوھر األمة تأبى على‬
‫ھذه الجھود السفيھة‪ ،‬وإن كانت طوائف كثيرة قد جرفتھا ھذه المحن النفسية فھى تحيا‬
‫فى فراغ ومجون مدمرين‪ ،‬ال تبقى معھما رسالة وال ينخذل عدو ‪..‬‬
‫ومن ثم كان العبء على المصلحين ثقيالً‪ ،‬ولكن ما بد منه لحماية حاضرنا ومستقبلنا‬
‫‪.‬‬
‫ولقد تبعت الصراع بين الحكام المستبدين والرجال األحرار منذ نصف قرن‪ ،‬ودخلت‬
‫فى تلك المعمعة ألذوق بعض مرھا وضرھا ‪.‬‬
‫وكنت أردد بإعجاب صيحات الرجال الكبار وھم يھدمون الوثنية السياسية ويلطمون‬
‫قادتھا ولو كانوا فى أعلى المواضع ‪.‬‬
‫ً‬
‫من ذلك صيحة األستاذ الكبير ” عباس محمود العقاد ” عندما قال معرضا بالملك‬
‫فؤاد‪ :‬إن األمة على استعداد ألن تسحق أكبر رأس يخون الدستور أو يعتدى عليه !!‬
‫وقد قدم الكاتب اإلسالمى الكبير إلى المحاكمة ليعاقب تسعة شھور فى سجن مصر‬
‫العمومى ثم خرج الرجل من السجن فكان أول ما صنع أن زار قبر سعد زغلول‬
‫ليؤكد بقاءه على العھد وتأييده لقضايا الحرية وخصامه ألعداء الشعب !‬
‫ومن قصيدته التى ألقاھا على قبره نذكر ھذه األبيات الشامخة‪:‬‬
‫خرجت له أسعى وفى كل خطوة‬
‫دعاء يؤدى أو والء يؤكد‬

‫ألول من فك الخطى من قيودھا‬


‫أوائل خطوى يوم ال يتقيد‬

‫وأعظم بھا حرية زيد قدرھا‬


‫لدن فقدت أو قيل فى السجن تفقد‬

‫عرفت لھا الحبين فى النفس والحمى‬


‫وكان لھا حب وإن جل مفرد‬

‫وكنت جنين السجن تسعة أشھر‬


‫فھا أنذا فى ساحة الخلد أولد‬

‫ففى كل يوم يولد المرء ذى الحجى‬


‫وفى كل يوم ذو الجھالة يلحد‬

‫وما أفقدت لى ظلمة السجن عزمة‬

‫فما كل ليل حين يغشاك مرقد‬

‫وما غيبتنى ظلمة السجن عن سنى‬


‫من الرأى يتلو فرقدا ً منه فرقد‬

‫عداتى وصحبى ال اختالف عليھما‬

‫سيعھدنى كل كما كان يعھد‬

‫والعقاد بھذا الموقف الشريف ينتظم مع سلسلة األبطال الذين يذودون عن اإلنسانية‬
‫بطش الجبابرة وجنون العظمة عند نفر من الملتاثين المتحكمين ‪.‬‬
‫وال أزال أكرر ما ذكرت فى بعض كتبى من أن الحريات المقررة ھى الجو الوحيد‬
‫لميالد الدين ونمائه وازدھاره !‬
‫وإن أنبياء ﷲ لم يضاروا بھا أو يھانوا إال فى غيبة ھذه الحريات‪ ،‬وإذا كان الكفر‬
‫قديما ً لم ينشأ ويستقر إال فى مھاد الذل واالستبداد فھو إلى يوم الناس ھذا ال يبقى إال‬
‫حيث تموت الكلمة الحرة وتلطم الوجوه الشريفة وتتحكم عصابات من األغبياء أو من‬
‫أصحاب المآرب واألھواء ‪..‬‬
‫‪ ..‬نعم ما يستقر اإللحاد إال حيث تتحول البالد إلى سجون كبيرة‪ ،‬والحكام إلى سجانين‬
‫دھاة ‪.‬‬
‫ً‬
‫من أجل ذلك ما ھادنا ـ ولن نھادن إلى آخر الدھر ـ أوضاعا تصطبغ بھذا العوج‬
‫ويستشرى فيھا ذلك الفساد ‪.‬‬
‫ومرة أخرى أردد قول العقاد‪:‬‬
‫ھو الحق ما دام قلبى معى‬
‫وما دام فى اليد ھذا القلم !‬

‫إن البيئات التى تستمتع بمقادير كبيرة من الحرية ھى التى تنضج فيه الملكات‪ ،‬وتنمو‬
‫المواھب العظيمة‪ ،‬وھى السناد اإلنسانى الممتد لكل رسالة جليلة وحضارة نافعة ‪.‬‬
‫وألمر ما اختار ﷲ محمداً من العرب !‬
‫إن ذلك يرجع إلى طبيعته الذاتية‪ ،‬وطبيعة الجنس الذى ينميه على السواء !!‬
‫فإن العرب أيام البعثة كانوا أسعد األمم بخطوط الحرية المتاحة لھم‪ ،‬بينما كان الروم‬
‫والفرس جماھير من العبيد الذين تعودوا االنحناء للحكام والسجود للملوك وضياع‬
‫الشخصية فى ظل سلطات عمياء وأوامر ليس عليھا اعتراض‪.‬‬
‫أما العرب فكانوا على عكس ذلك‪ ،‬حتى لكأن كل فرد منھم ملك وإن لم يكن على‬
‫رأسه تاج !‬
‫ً‬
‫ونشأ عن ذلك االعتداد الخطير بالنفس أن كفار القبيلة كانوا يموتون دفاعا عن‬
‫مؤمنيھا‪ ،‬وكانت حرية الكلمة متداولة فى المجتمع تداول الخبز والماء ‪..‬‬
‫ووسط ھذا الجو شقت رسالة اإلسالم طريقھا صعداً لم تثنھا المعوقات الطبيعية التى‬
‫ال بد منھا ‪..‬‬
‫ومن الفطر القوية ألولئك العرب األحرار كانت االنطالقة التى عصفت بالحكومات‬
‫المستبدة وبدلت األرض غير األرض والناس غير الناس ‪.‬‬
‫ذلك أنه يستحيل أن يتكون فى ظل االستبداد جيل محترم‪ ،‬أو معدن صلب‪ ،‬أو خلق‬
‫مكافح ‪.‬‬
‫وتأمل كلمة عنترة ألبيه شداد لما طلب منه الدفاع عن القبيلة‪ ،‬قال‪ :‬إن العبد ال يحسن‬
‫الكر والفر‪ ،‬ولكنه يحسن الحلب والصر ! فأجاب الوالد‪ :‬كر وأنت حر !‬
‫وقاتل ” عنترة ” وتحت لواء الحرية أدى واجبه‪ ،‬ولو بقى عبداً ما اھتم بھالك أمة من‬
‫الناس فقد بينھم كرامته ومكانته ‪..‬‬
‫ومن مقابح االستبداد أسلوبه الشائن فى إھانة الكفايات وترجيح الصغار وتكبيرھم‬
‫تبعا ً لمبدئه العتيد‪:‬‬
‫أھل الثقة أولى من أھل الكفاية ‪.‬‬
‫ومن ھم أھل الثقة ؟ أصحاب القدرة على الملق والكذب ‪ ..‬الالھثون تحت أقدام السادة‬
‫تلبية إلشارة أو التقاطا ً لغنيمة ‪.‬‬
‫ھذا الصنف الخسيس من الناس ھو الذى يؤثر بالمناصب ويظفر بالترقيات‪ ،‬وتضفى‬
‫عليه النعوت‪ ،‬ويمكن له فى األرض ‪..‬‬
‫أما أھل الرأى والخبرة والعزم والشرف فإن فضائلھم تحسب عليھم ال لھم‪ ،‬وتنسج‬
‫لھم األكفان بدل أن ترفع لھم الرايات ‪..‬‬
‫والويل ألمة يقودھا التافھون‪ ،‬ويخزى فيھا القادرون ‪..‬‬
‫وقد كنت أقرأ فى الصحف ـ دون دھشة ـ كيف أن المسئول عن ” الثقافة والفكر فى‬
‫االتحاد االشتراكى ” رجل أمى يصيح كلما سأله المحقق‪ :‬اعذرنى فإنى جاھل ‪..‬‬
‫إن ھذه طبيعة األوضاع التى تعيش على الظالم وتكره النور ‪.‬‬
‫ما أكثر العلماء فى بالدنا لو أريد توسيد األمر أھله‪ ،‬ولكن العلماء ليسوا موضع ثقة‬
‫لصغار المتصدرين ألن العالم يستنكر المتناقضات ويكره الدنية‪ ،‬ويقول بغضب‪:‬‬
‫أأشقى به غرسا ً وأجنيه ذلة‬
‫إذن فاتباع الجھل قد كان أحزما‬

‫أما وقد أزال ﷲ الغمة‪ ،‬وعلت كلمة األمة فلنعد باألمور إلى أوضاعھا السليمة‪،‬‬
‫ولنوفر الحريات التى طال إليھا الشوق واشتد الحنين ‪.‬‬
‫لقد كان االستبداد قديما ً أقل ضرراً من االستبداد الذى نظمته الدولة الحديثة فى ھذه‬
‫األعصار‪ ،‬فإن الدولة فى العصر الحديث تدخلت فى أدق شئون الفرد وبسطت نفوذھا‬
‫على كل شىء ‪.‬‬
‫ومن ھنا كان الدمار األدبى والمعنوى الذى يصحب االستبداد بعيد اآلماد خبيث‬
‫العواقب ‪.‬‬
‫ومن أحسن ما قيل فى تشييع ظالم مستبد‪:‬‬
‫لتبك على ” الفضل بن مروان ” نفسه‬
‫فليس له باك من الناس يعرف‬

‫لقد صحب الدنيا منوعا ً لخيرھا‬


‫وفارقھا وھو الظلوم المعنف‬

‫إلى النار فليذھب ومن كان مثله‬


‫على أى شىء فاتنا منه نأسف ؟‬

‫اللھم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان ‪.‬‬

‫يا للرجال بال دين‬

‫إننى أسأل نفسى بإلحاح فى ھذه األيام العجاف‪ :‬ھل يشعر العرب بأن محمداً مرسل‬
‫للعالمين‪ ،‬وأن ھذه ” العالمية ” فى دعوته تفرض عليھم بعد إذ عرفوه أن يعرفوا‬
‫الناس به‪ ،‬وھم عندما يعرفون الناس به لن يصفوا لھم مالمحه الشخصية وإنما‬
‫يشرحون لھم رسالته اإللھية !‬
‫لكن عرب اليوم ال يقدرون محمداً قدره‪ ،‬وال يخلفونه بأمانة فى مبادئه وتعاليمه‪ ،‬وال‬
‫يحسون قبح الشبھات التى أثارھا خصومه ضده‪ ،‬بل ھم ـ علما ً وعمالً ـ مصدر‬
‫متاعب لإلسالم ولنبيه الكريم‪ ،‬وشاھد زور يجعل الحكم عليه ال له !‬
‫قد تقول حسبك حسبك أن الناس بخير‪ ،‬ومحبتھم لرسولھم فوق التھم فال تطلق ھذه‬
‫الصيحات الساخطة‪ ،‬فما تحب الجماھير أحداً كما يحب أتباع محمد محمداً ‪..‬‬
‫وأقول لك‪ :‬سوف أغمض العين عن ألوف من المتعلمين ضلل االستعمار الثقافى‬
‫سعيھم وشوه بصائرھم وأذواقھم‪ ،‬مع أن وزنھم ثقيل فى قيادة األمة العربية‪ ،‬فما قيمة‬
‫الحب الرخيص الذى تكنه جماھير الدھماء ؟‬
‫إنه حب غايته صلوات تفلت من الشفتين مصحوبة بعواطف حارة أو باردة‪ ،‬وقلما‬
‫تتحول إلى عمل كبير وجھاد خطير‪ ،‬والترجمة عن حب محمد بھذا األسلوب فى‬
‫وقت ينھب فيه تراثه أمر مرفوض إن لم يكن ضربا ً من النفاق !‬
‫أذكر أنى ذھبت يوما ً ألحد التجار كى أصلح شيئا ً لى‪ ،‬فاحتفى بى وقدم بعض‬
‫األشربة‪ ،‬وأفھمنى أنه أتم ما أريد بعد أن وفيته ما أراد ‪ .‬ثم شعرت أن عمله كان‬
‫ناقصا ً وال أقول مغشوشا ً !‬
‫فقلت‪ :‬ليته ما حيا وال رحب وأدى ما عليه بصدق ! ماذا أستفيد من تحيات ال جد‬
‫معھا وال إخالص ‪.‬‬
‫والشأن كذلك مع أقوام قد تموج أحفال المولد النبوى بھم أو قد يصرخون بالصالة‬
‫على رسول ﷲ ـ صلى ﷲ عليه وسلم ـ فى أعقاب األذان‪ ،‬أو قد يؤلفون صلوات من‬
‫عند أنفسھم يحار المرء فى تراكيبھا إلغراقھا فى الخيال ‪.‬‬
‫وقد يكون حبھم تمسكا ً شديداً ببعض النوافل وھروبا ً تاما ً من بعض الفرائض أو حنانا ً‬
‫ال ندى معه وال عطاء كھذا الذى قال له الشاعر‪:‬‬
‫ال ألفينك بعد الموت تندبنى‬
‫وفى حياتى ما قدمت لى زادا‬

‫أى حب ھذا ‪ ..‬إن العرب ال يعرفون أى شرف كتب لجنسھم ولغتھم وأمسھم وغدھم‬
‫عندما ابتعث ﷲ محمداً منھم‪ ،‬وإن التقدير الحق لھذا الشرف ال يكون بالسلوك‬
‫المستغرب الذى يواقعونه اآلن ومنذ بدأوا يعبثون برسالة ﷲ بينھم ‪.‬‬
‫لما أراد رب العزة أن يعلن بركته النامية ورحمته الھامية اختار فى كتابه العزيز‬
‫عبارتين مبينتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬تتحدث عن البركة فى مظھر القدرة التى تجمع أزمة الكون فى يده‪ ،‬فيستحيل‬
‫أن يغلب يوما ً على أمره أو يشركه أحد فى ملكه‪ ،‬وفى ھذا المعنى يقول جل شأنه ”‬
‫تبارك الذى بيده الملك وھو على كل شىء قدير ” ‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬تتحدث عن البركة فى صورة الرجل الذى حمل ھداه األخير إلى عباده‬
‫وتفجرت ينابيع الحكمة من بيانه وسيرته‪ ،‬فكان القرآن الذى يتلوه مشرق شعاع ال‬
‫ينطفي‪ ،‬يھتدى على سناه أھل القارات الخمس ما بقى الليل والنھار ‪ .‬وفى ھذا المعنى‬
‫يقول جل شأنه ” تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ً ” ]‬
‫الفرقان [ ‪.‬‬
‫إن اإلنسان المبعوث رحمة للعالمين أشعل األمة التى ظھر فى ربوعھا فانطلقت ألول‬
‫مرة من بدء الخليقة تحمل للناس الخير والعدل واستطاعت أن تؤدب جبابرة األرض‬
‫الذين عاثوا فى أرجائھا فساداً وظنوا أن كبرياءھم لن يخدشھا أحد !‬
‫حتى جاء الرجال الذين رباھم محمد‪ ،‬فقوموا صعر المعتدين‪ ،‬وأعزوا جانب‬
‫المستضعفين‪ ،‬وكم تحتاج الدنيا فى يوم الناس ھذا إلى ھذا الطراز من الرجال ليحموا‬
‫الحق الذليل وينقذوا التوحيد المھان ويقروا األخوة اإلنسانية المنكورة وينزلوا البيض‬
‫إلى منزلة السود أو يرفعوا السود إلى منزلة البيض ‪..‬‬
‫لكن السقطة الرھيبة للعرب المعاصرين أنھم ذاھلون عن المكانة التى منحھم محمد‬
‫إياھا ھابطون عن المستوى الذى شدھم إليه‪ ،‬وفيھم من يفتح فمه ليقول‪ :‬إن العرب‬
‫يمكن أن يكونوا شيئا ً من غير محمد !!‬
‫قبح ﷲ وجھك من قائل أفاك ‪..‬‬
‫ومن أيام جاءنى نفر من العامة متنازعون على إدارة مسجد‪ :‬بعضھم يريد أن يقول‬
‫فى األذان‪ ” :‬أشھد أن ” سيدنا ” محمداً رسول ﷲ ” ‪.‬‬
‫واآلخر يريد االكتفاء بالوارد فال يذكر لفظ ” سيدنا ” ألنه مبتدع ‪.‬‬
‫ونظرت إلى أعراض المرض الذى يفتك باألمة المعتلة‪ ،‬وقلت لھم‪ :‬إن محترفى‬
‫اإلفك من المبشرين والمستشرقين مألوا أقطار العالم باالفتراء على محمد وشخصه‬
‫ودينه‪ ،‬ورسموا له صورة مشوھة فى أذھان الكثيرين وأنتم ھنا ال تزالون فى ھذا‬
‫الغباء ‪.‬‬
‫ما أشقى دينا ً أنتم أتباعه‪ ،‬إن المسلمين بين ما ورثوا من جھل وما نضح عليھم من‬
‫ضالل العصر ال يزالون يھرفون بما ال يعرفون ‪..‬‬
‫‪ ..‬إن حب محمد يوم يكون لقبا ً يضفيه عليه الكسالى الواھنون فھو حب ال وزن له‬
‫وال أثر ! ويوم يكون أحفاالً رسمية وشعبية بيوم ميالده فھو حب ال وزن له وال أثر !‬
‫ويوم يكون قراءة للكتاب المنزل عليه فى مواكب الموت ومجالس العزاء فھو حب ال‬
‫وزن له وال أثر ! ويوم يكون ادعاء تستر به الشھوات الكامنة والطباع الغالظ فھو‬
‫حب ال وزن له وال أثر ! ‪ ..‬ألن محمداً ھو الرسول الذى رسم للبشر طريق التسامى‬
‫الحقيقى‪ ،‬ورسم للجماعات طريق التالقى على الحقائق والفضائل فدينه عقل يأبى‬
‫الخرافة وقلب يعلو على األھواء ‪.‬‬
‫ـ ماذا كسب المسلمون عندما حولوا الدين من موضوع إلى شكل ؟‬
‫ـ وماذا كسب العرب عندما شقوا طريقھم إلى المستقبل وھم يطوون اسم محمد وتراثه‬
‫عن نشاطه السياسى والعسكرى ؟‬
‫ولو نظرت إلى ھذه األلوف المؤلفة من الكنائس والمعابد لوجدت داخلھا أجھزة‬
‫منظمة دوارة تعمل من غير ملل لصرف الناس عن اإلسالم ونسبة أقبح النعوت إلى‬
‫نبيه المبرأ الشريف ‪..‬‬
‫وكأن ﷲ تبارك اسمه شاء أن يعرف ھذه األمم مدى ما كانت فيه من غباوة وأن‬
‫يذيقھا شيئا ً من مرارة الجريمة التى ارتكبتھا‪ ،‬فھو فى ساحة العرض الشامل ألصناف‬
‫الخالئق يحشر سكان القارات الخمس على مر القرون يحشرھم فى صعيد واحد‪ ،‬ثم‬
‫يكشف الغطاء عن عيونھم وإذا ھم يتبينون فداحة جھلھم با“ الكبير المتعال‪ ،‬ويتبينون‬
‫شناعة خصامھم إلمام رسله ‪..‬‬
‫وھنا يموج بعضھم فى بعض ] كتبنا ھذا الكالم فى كتابنا ” من ھنا نعلم ” من ثلث‬
‫قرن [‪ ،‬ويضطربون فى حيرة مفزعة ال يرجى منھا خالص‪ ،‬وتتحرك جموعھم إلى‬
‫كل نبى سمعوا باسمه فى العالم الذى انتھى يناشدونه أن يسأل ﷲ لھم الرحمة‪ ،‬ولكن‬
‫النبيين كلھم يرفضون التصدى لھذا المطلب‪ ،‬ويعود أھل القارات الخمس متراكضين‬
‫إلى الرجل الذى طالما قيل لھم إنه كذاب‪ ،‬إنھم يحسون اآلن عن يقين أنھم أخطأوا فى‬
‫حقه‪ ،‬وأنھم يوم صدوا عنه كانوا يخسرون أنفسھم وأھليھم ‪ ] ! ..‬يشير شيخنا إلى‬
‫حديث الشفاعة الطويل الذى رواه اإلمام أحمد‪ ،‬والبزار‪ ،‬وأبو يعلى‪ ،‬وابن حبان فى‬
‫صحيحه راجع الترغيب )‪. [ (425 / 4‬‬
‫الشفاعة العظمى فى رأيى موقف يحاكم فيه التاريخ البشرى كله ليعترف أن انصرافه‬
‫عن اإلسالم كان مشاقة “ وعداء ألحب أوليائه وأصدق دعاته ‪..‬‬
‫وما أعجب أن تجد اإلنسانية نفسھا فى حرج يوشك أن يقضى عليھا ثم تعلم فجأة أن‬
‫التنفيس عن كرباتھا ربما تم باللجوء إلى الرجل الذى عاشت دھوراً‪ ،‬وھى تروى عنه‬
‫األكاذيب وتنسب إليه األساطير ‪.‬‬
‫والتجاء أھل األرض إلى محمد فى ھذه الساعة العصيبة ولجوءه إلى ﷲ يطلب‬
‫مغفرته لعبيده األغرار‪ ،‬ذلك فى ظنى ھو المقام المحمود‪ ،‬المقام الذى نسأله لمحمد‬
‫عقب كل أذان يتردد صداه فى مھاب الريح ليستجيب له قوم وينصرف عنه آخرون ”‬
‫اللھم رب ھذه الدعوة التامة والصالة القائمة آت ” محمداً ” الوسيلة والفضيلة وابعثه‬
‫المقام المحمود الذى وعدته ” ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إن محمداً فى عالم العقائد والحقائق شمس وضاحة نفاحة‪ ،‬لكن العميان كثيرون‪،‬‬
‫وقد مكث ھذا الرسول النبيل يصدع بأمر ﷲ وينقذ الناس من أھوائھم ومظالمھم‪ ،‬ثم‬
‫ذھب إلى الرفيق األعلى تاركا ً فينا تراثه الجليل من كتاب وسنة‪ ،‬فليتعلم الدعاة من‬
‫حياة سيد الدعاة أن أجر الحق المبذول ال يعجل فى الدنيا‪ ،‬وأن للمقام المحمود موعداً‬
‫فى غير ھذه الدار يتعلق به وحده الدعاة األبرار ‪.‬‬

‫مشھورون ومجھولون‬

‫أعجبنى فى اليمين التى حلف عليھا أنس بن النضر أن الرجل كان يشھد ﷲ وحده‪،‬‬
‫وينشد أوالً وآخراً رضاه ‪.‬‬
‫لقد أحزنه أن ﷲ لم يره فى ميدان القتال ببدر‪ ،‬فأقسم أن يرى ﷲ نفسه فى أول لقاء‬
‫بالكافرين‪ ،‬وأن يضرب أعلى مثل فى التفانى واالستبسال ‪.‬‬
‫وذلك فى ذات اإلله وإن يشأ‬
‫يبارك على أوصال شلو ممزع‬

‫لم يدر فى خلد أنس تطلع إلى جاه أو تشوق إلى شھرة ‪.‬‬
‫كان الرجل أزكى نية وأشرف نفسا ً من أن يلم بھذه الدنايا ‪.‬‬
‫والعمل ال يوصف بالصالح وال يرشح للقبول إال إذا خلص “ وحده‪ ،‬وقصد به وجھه‬
‫‪.‬‬
‫روى أحمد بن حنبل عن محمود بن لبيد أن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم قال‪ :‬إن‬
‫أخوف ما أخاف على أمتى الشرك األصغر‪ ،‬قالوا‪ :‬وما الشرك األصغر يا رسول ﷲ‬
‫؟ قال‪ :‬الرياء !‬
‫يقول ﷲ عز وجل ـ للمرائين ـ إذا جزى ﷲ الناس بأعمالھم‪ ” :‬اذھبوا إلى الذين كنتم‬
‫تراءون فى الدنيا‪ ،‬فانظروا‪ :‬ھل تجدون عندھم جزاء ؟ ” ‪.‬‬
‫والواقع أنه ال جزاء عندھم ال فى اآلخرة وال فى الدنيا‪ ،‬فماذا يرجو عبد من عبد إال‬
‫أن يزداد ذالً ؟ وماذا يطلب فقير من فقير إال أن يزداد عيلة !‬
‫إن اإلخالص “ سياج العز وضمان الخير فى الحياتين ‪.‬‬
‫وعندما تصدق النية فال يخشى على العبد من مجاھرة بصالة أو جھاد أو صدقة‪ ،‬إذ‬
‫األساس استھداف وجه ﷲ‪ ،‬وليس على البال غيره ‪.‬‬
‫ومن الحماقة أن يطلب إنسان ثناء الخلق وھو يعلم أن ﷲ قد ستر عليه ذنوبا ً لو‬
‫كشفوھا لسودوا وجھه !!‬
‫ﷲ أولى باالتجاه والمودة وأحق بالحفاوة وااللتفات ‪..‬‬
‫ومن عظمة اإليمان اكتفاء المرء بنظر ﷲ إليه‪ ،‬وإيثاره أن يعمل فى صمت‪ ،‬أو‬
‫يموت جنديا ً مجھوالً‪ ،‬وھذا االكتفاء داللة استغراق المرء فى الشھود اإللھى‪ ،‬ورسوخ‬
‫قدمه فى مقام اإلحسان‪ ،‬وتلك ھى الوالية كما شرحھا معاذ بن جبل رضوان ﷲ عليه‬
‫‪.‬‬
‫روى ابن ماجه أن عمر بن الخطاب خرج إلى المسجد فوجد معاذا ً عند قبر الرسول‬
‫صلى ﷲ عليه وسلم‬
‫يبكى ! فقال‪ :‬ما يبكيك ؟ قال‪ :‬حديث سمعته من رسول ﷲ‪ ” :‬اليسير من الرياء‬
‫شرك‪ ،‬ومن عادى أولياء ﷲ فقد بارز ﷲ بالمحاربة‪ ،‬إن ﷲ يحب األبرار األتقياء‬
‫األخفياء‪ ،‬الذين إن غابوا لم يفتقدوا‪ ،‬وإن حضروا لم يعرفوا‪ ،‬قلوبھم مصابيح الھدى‬
‫يخرجون من كل غبراء مظلمة ” ‪.‬‬
‫أجل إن ﷲ يحب أولئك العاملين فى صمت‪ ،‬الزاھدين فى الشھرة والسلطة‪،‬‬
‫المشغولين باللباب عن القشور‪ ،‬المتعلقة قلوبھم با“‪ ،‬ال تحجبھم عنه فتنة وال تغريھم‬
‫متعة ‪.‬‬
‫وما أفقر أمتنا إلى ھذا الصنف المبارك‪ ،‬بھم ترزق وبھم تنصر ‪.‬‬
‫إال أن بعض العبادات األصلية ما تتم إال فى جو العالنية والظھور كالتعلم والدعوة‬
‫والقضاء والجھاد‪ ،‬بل إن قيام األركان األساسية يتطلب ذلك‪ ،‬وھنا تؤكد خطورة النية‬
‫المصاحبة فى تقويم أى عمل صحة وقبوالً ‪.‬‬
‫وقد كان أبو بكر يقوم الليل فيقرأ سراً‪ ،‬وكان عمر يقوم فيقرأ جھراً‪ ،‬فلما سئل‬
‫الصديق قال‪ :‬أسمعت من أناجى ! ولما سئل الفاروق قال‪ :‬أوقظ الوسنان وأطرد‬
‫الشيطان !!‬
‫إن إخالص النية ھنا وھناك يجعل السر والعلن سواء ‪.‬‬
‫وذلك ما ينبغى أن يعيه الدعاة والقضاة والساسة والقادة‪ ،‬وكل من يحملون مؤنة‬
‫اآلخرين‪ ،‬أو يكونون فى موضع األسوة ‪.‬‬
‫واإلخالص ال يمنع المسلم من االھتمام بنفسه وسمعته وكرامته ‪.‬‬
‫إن ﷲ كلفنا أن نجمل أبداننا ومالبسنا‪ ،‬وكره لنا رثاثة الھيئة وكآبة المنظر فى األھل‬
‫والمال‪ ،‬فليس من الرياء أن نصون أحوالنا ونحصن مكاناتنا من الظنون والمكدرات‬
‫!‬
‫من حق الكريم أال يتھم بالبخل كما أن من حق النظيف أال يرمى باألدران ‪.‬‬
‫لكن الدفاع عن الكيان المادى والمعنوى شىء وطلب وجوه الناس بالعمل الصالح‬
‫شىء آخر ‪.‬‬
‫وقد خلد القرآن الكريم ذكر فريقين من الھداة األتقياء‪:‬‬
‫ـ أحدھما‪ :‬سجل أسماءه وجھاده وأثنى على رجاله أطيب الثناء ‪.‬‬
‫ـ واآلخر‪ :‬طوى أسماءه ونشر سيرته واكتفى بشرح عمله وتزكية أثره ‪.‬‬
‫من األولين أنبياء ﷲ الكرام الذين غرسوا ھدايات السماء فى األرض‪ ،‬وذادوا عنھا‬
‫أوبئة الكفر والعدوان ‪.‬‬
‫ً‬
‫والقرآن عندما يثبت تاريخا ال يعنى إال بإبراز المناقب التى تؤخذ منھا األسوة‬
‫والفضائل التى سبقت بذويھا وأعلت أقدارھم !‬
‫تدبر قوله تعالى‪ ” :‬واذكر عبادنا إبراھيم وإسحاق ويعقوب أولى األيدى واألبصار ‪.‬‬
‫إنا أخلصناھم بخالصة ذكرى الدار ‪ .‬وإنھم عندنا لمن المصطفين األخيار ” ] ص‪:‬‬
‫‪ . [ 47‬إن ھذه اآليات تنبه إلى االستطالة المادية والمعنوية لھؤالء الدعاة الكبار‪،‬‬
‫فليست األيدى واألبصار ھذه األعضاء والحواس التى يشترك فيھا العباقرة والدھماء‪،‬‬
‫ولكنھا القدرة والمعرفة !‬
‫وھل يتقدم من يتقدم‪ ،‬ويتأخر من يتأخر إال بھذا التفاوت البعيد فى الھمم والثقافات ؟؟‬
‫وندع الحديث عن ھذا الفريق الذى رفع ﷲ ذكره إلى الفريق اآلخر الذى أسدل على‬
‫أسماء رجاله ستار كثيف فما يعرفھم إال ربھم ‪.‬‬
‫من يدرى ؟ لعل ھذا تكريم وتثبيت للذين يعملون حتى الممات بعيداً عن األضواء‪،‬‬
‫إنھم أسمعوا من يناجون ! ولن يضيع من عملھم مثقال ذرة وإن جھل الناس من ھم‬
‫لھم أسوة حسنة فيمن حكى القرآن أنباءھم وترك ـ غير نسيان ـ أسماءھم ‪.‬‬
‫من ھؤالء مؤمن آل فرعون الذى أحس نية الغدر بموسى والتآمر على قتله‪ ،‬فاصطنع‬
‫أسلوب المحايد فى عرض نصحه وتفكيره قائالً‪:‬‬
‫ما خطورة أن يؤمن أحد با“‪ ،‬أو يزعم أنه يحمل رسالة من لدنه‪:‬‬
‫ـ إن كان كاذبا ً فستفضحه األيام‪ ،‬ولن يضر إال نفسه ‪.‬‬
‫ـ وإن كان صادقا ً فإن العدوان عليه استھداف لعقاب ﷲ الكبير‪ ،‬وليس من العقل‬
‫التعرض لعقاب ﷲ ‪.‬‬
‫واستتلى يقول‪ :‬قد نكون اليوم أقوياء غالبين‪ ،‬ولكننا بشر ال نفلت من أصابع القدرة‬
‫العليا عندما تقبض علينا فال ينبغى أن نجور على عباد ﷲ ‪..‬‬
‫قال تعالى مخلداً دفاع ھذا المحامى المؤمن‪:‬‬
‫” وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه‪ :‬أتقتلون رجالً أن يقول ربى ﷲ‪ ،‬وقد‬
‫جاءكم بالبينات من ربكم ؟! وإن يك كاذبا ً فعليه كذبه‪ ،‬وإن يك صادقا ً يصبكم بعض‬
‫الذى يعدكم‪ ،‬إن ﷲ ال يھدى من ھو مسرف كذاب ‪ .‬يا قوم لكم الملك اليوم ظاھرين‬
‫فى األرض فمن ينصرنا من بأس ﷲ إن جاءنا ‪ ..‬قال فرعون‪ :‬ما أريكم إال ما أرى‬
‫وما أھديكم إال سبيل الرشاد ” ] غافر‪. [ 29 :‬‬
‫وأحب أن أقف قليالً عند رد فرعون‪ :‬ھل كان الرجل يعتقد فعالً أنه راشد‪ ،‬أم أنه كان‬
‫يحاد ﷲ ورسوله وھو يدرى أنه مبطل عنيد ؟‬
‫الواقع أن كثيراً من الضالين يمضون فى طريق الغواية وھم يستحسنونھا‬
‫ويستريحون إليھا ويعتقدون أن لھم وجھة نظر جديرة بالتسليم ‪.‬‬
‫وفى ھؤالء يقول ﷲ تعالى‪ ” :‬إن الذين ال يؤمنون باآلخرة زينا لھم أعمالھم فھم‬
‫يعمھون ” ] النمل‪ [ 4 :‬ويقول‪ ” :‬أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء‬
‫عمله واتبعوا أھواءھم ” ] محمد‪. [ 14 :‬‬
‫ويقول المفسرون فى قوله تعالى‪ ” :‬إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ” نزلت اآلية فى‬
‫أبى جھل عندما قاد المشركين فى معركة بدر‪ ،‬فقد قال لما التقى الجمعان‪ :‬اللھم أينا‬
‫كان أفجر قاطعا ً للرحم ـ يعنى نفسه ومحمداً ـ فاحفه اليوم أى أھلكه ‪..‬‬
‫فكأن ھذا الكفور الكنود كان إلى الرمق األخير يعتقد أنه محق فيما ارتكب !!‬
‫إن الحجاب المسدل على بصيرته لم يسمح لشعاع من الخير أن يتسلل إلى نفسه‪ ،‬وھو‬
‫المسئول عن ذلك الطمس‪ ،‬فلوال إدمان المعصية وتعود الجريمة‪ ،‬ما أصابه ھذا‬
‫العمى !‬
‫ً‬
‫وقد يكون كال الرجلين ” فرعون ” و ” أبو جھل ” كاذبا فى حديثه عن نفسه وحواره‬
‫مع قومه‪ ،‬فمثلھما من الدھاء والقدرة بحيث يدرى أنه مسترسل مع ھواه‪ ،‬وأنه يكابر‬
‫الحقائق‪ ،‬ويشاق ﷲ ورسله ‪.‬‬
‫وقد كشف القرآن الكريم فى موضع آخر أن فرعون وقومه لما جاءتھم آيات ﷲ‬
‫الباھرة ” جحدوا بھا واستيقنتھا أنفسھم ظلما ً وعلواً ” ] النمل‪ [ 14 :‬كما قال لرسوله‬
‫محمد شارحا ً موقف أبى جھل وأشباھه ” إنھم ال يكذبونك ولكن الظالمين بآيات ﷲ‬
‫يجحدون ” ] األنعام‪. [ 33 :‬‬
‫وقد كان مؤمن آل فرعون يحس أنه أمام جماعة من األفاكين المغرورين‪ ،‬فأخذ رويداً‬
‫رويداً يتخلى عن موقف الحياد الذى بدأ به نصائحه وارتفعت درجة الحماس فى‬
‫خطابه لفرعون ومن معه خصوصا ً عندما قال فرعون ساخراً لوزيره ھامان‪ ” :‬ابن‬
‫لى صرحا ً لعلى أبلغ األسباب‪ ،‬أسباب السموات فاطلع إلى إله موسى‪ ،‬وإنى ألظنه‬
‫كاذبا ً ‪ ] ” ..‬غافر [ ‪.‬‬
‫عندئذ احتدت لھجة الرجل المؤمن‪ ،‬واضطرم اإلخالص فى قلبه ولسانه فصاح ” يا‬
‫قوم مالى أدعوكم إلى النجاة وتدعوننى إلى النار ‪. ” ..‬‬
‫وقال‪ :‬ال جرم أن ما تدعوننى إليه ليس له دعوة فى الدنيا وال فى اآلخرة وأن مردنا‬
‫إلى ﷲ وأن المسرفين ھم أصحاب النار فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمرى إلى‬
‫ﷲ ” ] غافر [ ‪.‬‬
‫ولكن ھذه المناشدة الخالصة الحادبة لم تلق آذانا ً واعية فمضى فرعون إلى مصرعه‪،‬‬
‫وأورد قومه الحتوف‪ ،‬وبقى النصح الجميل الصادق الذى بذله الرجل المؤمن خالداً‬
‫على الدھر يكشف عن أسرار القدرة العليا فيما أنزلت بالظالمين ‪.‬‬
‫من ھذا الرجل الذى يردد كالم األنبياء وليس منھم ؟ ال نعرفه‪ ،‬وال نعرف عن مولده‬
‫ومماته شيئا ً ‪.‬‬
‫ليكن رمزاً للعمل بعيداً عن األضواء‪ ،‬استعالء على الشھرة فى األرض‪ ،‬وإيثار‬
‫العقبى فى السماء !!‬
‫وھذا رجل آخر من الطراز عينه‪ ،‬رجل وجد العراك محتدما ً بين رسل ﷲ وحماة‬
‫االنحراف‪ ،‬ھؤالء يريدون أن يبلغوا عن ﷲ ويغيروا الشر السائد‪ ،‬وأولئك يريدون‬
‫تكميم أفواھھم وإخراس ألسنتھم ‪..‬‬
‫ونما الخصام بين الفريقين‪ ،‬وبلغ األمر بأعداء الوحى أن تشاءموا من وجود‬
‫المرسلين بينھم‪ ،‬ومن دعوتھم فيھم‪ ،‬فتھددوھم بالعذاب األليم ‪.‬‬
‫وجاء الرجل المؤمن من بعيد يھيب بقومه أن يعقلوا !‬
‫وقال‪ ” :‬يا قوم اتبعوا المرسلين‪ ،‬اتبعوا من ال يسألكم أجراً وھم مھتدون ” ] يس‪26 :‬‬
‫[‪.‬‬
‫لقد أمن قومه على أموالھم فلم يرزأھم أحد فيھا‪ ،‬وھذه الدنيا التى يحرصون عليھا‬
‫ستبقى لھم مزدانة باإليمان الحق‪ ،‬فما أجمل ھذا !‬
‫ثم تساءل‪ :‬ما يمنعنا من اإليمان ؟ وما يغرينا بالشرك ؟‬
‫” وما لى ال أعبد الذى فطرنى وإليه ترجعون ؟ أأتخذ من دونه آلھة‪ ،‬إن يردن‬
‫الرحمن بضر ال تغنى عنى شفاعتھم شيئا ً وال ينقذون ؟ إنى إذا ً لفى ضالل مبين ‪.‬‬
‫إنى آمنت بربكم فاسمعون ” ‪.‬‬
‫إنه يريد إسماعھم ليرعووا ويقتدوا وال يستوحشوا من الطريق الذى يدعوھم إليه ‪.‬‬
‫وبقى الرجل إلى آخر رمق ينصح أھل بلده ليرشدوا‪ ،‬بيد أنه مات تاركا ً إياھم على‬
‫غوايتھم ‪.‬‬
‫فلما وجد طيب عيشه عند ربه وثمرة إيمانه تحف به وتقر عينه تذكر الرجل المخلص‬
‫قومه فتمنى لھم الھدى ” يا ليت قومى يعلمون بما غفر لى ربى وجعلنى من‬
‫المكرمين ” ‪.‬‬
‫ولكن قومه أصروا على العمل فمستھم نفحة من عذاب ﷲ أخمدت أنفاسھم وجعلتھم‬
‫أثرا ً بعد عين ‪.‬‬
‫من ھذا الرجل الطيب القلب السمح النفس ؟‬
‫ال نعرفه‪ ،‬حسبه أن ربه يعرفه‪ ،‬إنه لم يعمل إال له !‬
‫والفتية أھل الكھف الذين أحبوا ربھم حبا ً جماً‪ ،‬وغالوا بتوحيده مغاالة ظاھرة‪ ،‬من ھم‬
‫؟ ال ندرى‪ ،‬لقد رفض القرآن أن يجلو النقاب عن أشخاصھم وعددھم ” ربھم أعلم‬
‫بھم ” ” ربى أعلم بعدتھم ” ‪.‬‬
‫لكنه كشف عن جالل يقينھم وسمو معرفتھم با“ وإجماعھم على إفراده بالعبادة‪،‬‬
‫وازدرائھم لكل انحراف إلى الشرك ” ربنا رب السموات واألرض لن ندعو من دونه‬
‫إلھا ً لقد قلنا إذن شططا ً ” ‪.‬‬
‫كما كشف عن تبرمھم الشديد بالمجتمع الوثنى وعزوفھم عن البقاء فيه‪ ،‬وخشيتھم من‬
‫العودة إليه إذا ضبطوا متلبسين بإيمان !‬
‫وانظر مدى كراھيتھم للكفر‪ ،‬والوقوع تحت سطوة أھله‪ ،‬وقول بعضھم لبعض ” إنھم‬
‫إن يظھروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم فى ملتھم ولن تفلحوا إذا أبدا ً ! ” ] الكھف‪:‬‬
‫‪[ 20‬‬
‫إن العيش بمبدأ كريم ولمبدأ كريم شىء عظيم حقا ً ‪.‬‬
‫وإنما يتفجر الفداء واإلخالص من عمق ھذه الحياة الرفيعة ‪.‬‬
‫واألمة العربية فتكت بھا أمراض الرياء‪ ،‬وعلل التعاظم األجوف والرغبة فى الظھور‬
‫بالحق أو بالزور‪ ،‬وال يمكن أن تنھض أمة مع ھذه األدواء الخسيسة !‬
‫إننا بحاجة إلى أعداد كبيرة من الجنود المجھولين‪ ،‬يعملون فى ألف ميدان‪ ،‬ويسدون‬
‫ألف ألف ثغرة ‪.‬‬
‫فھل يوجد من يكتفون بنظر ﷲ إليھم‪ ،‬ويستغنون عن أنظار الناس ؟‬

‫التنادى بالجھاد المقدس‬

‫فى صدر تاريخنا‪ ،‬وعلى امتداده مع الزمن‪ ،‬كان العالم اإلسالمى يعرف بحبه للجھاد‬
‫وارتضائه ألشق التضحيات كى يحق الحق ويبطل الباطل ‪.‬‬
‫كان ھذا العالم الرحب عارم القوى األدبية والمادية حتى يئس المعتدون من طول‬
‫االشتباك معه‪ ،‬فقد كبح جماحھم‪ ،‬وقلم أظفارھم ورد فلولھم مذعورة من حيث جاءت‪،‬‬
‫أو ألحق بھم من المغارم واآلالم ما يظل بينھم عبرة متوارثة وتأديبا ً مرھوبا ً ‪..‬‬
‫ويرجع ذلك إلى أمور عدة‪:‬‬
‫أولھا‪ :‬أن الحقائق الدينية عندنا ال تنفك أبداً عن أسباب صيانتھا ودواعى حمايتھا‪،‬‬
‫فھى مغلفة بغطاء صلب يكسر أنياب الوحوش إذا حاولت قضمھا ‪.‬‬
‫وذلك ھو السر فى بقاء عقائدنا سليمة برغم المحاوالت المتكررة الستباحتھا‪ ،‬تلك‬
‫المحاوالت التى نجحت فى اجتياح عقائد أخرى أو االنحراف بھا عن أصلھا ‪.‬‬
‫ثم إن اإلسالم جعل حراسة الحق أرفع العبادات أجراً‪ ،‬أجل فلوال يقظة أولئك الحراس‬
‫وتفانيھم ما بقى لإليمان منار‪ ،‬وال سرى له شعاع ” قيل يا رسول ﷲ ما يعدل الجھاد‬
‫فى سبيل ﷲ ؟ قال‪ :‬ال تستطيعونه ! فأعادوا عليه مرتين أو ثالثة‪ ،‬كل ذلك يقول‪ :‬ال‬
‫تستطيعونه ! ثم قال‪ :‬مثل المجاھد فى سبيل ﷲ كمثل الصائم القائم القانت بآيات ﷲ ال‬
‫يفتر من صالة وال صيام ‪ ..‬حتى يرجع المجاھد فى سبيل ﷲ ” ] البخارى [ ‪.‬‬
‫وإذا كان فقدان الحياة أمراً مقلقا ً لبعض الناس فإن ترك الدنيا بالنسبة لبعض‬
‫المجاھدين بداية تكريم إلھى مرموق الجالل شھى المنال حتى أن النبى صلى ﷲ عليه‬
‫وسلم حلف يرجو ھذا المصير ‪.‬‬
‫” والذى نفس محمد بيده لوددت أن أغزو فى سبيل ﷲ فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو‬
‫فأقتل ” ] البخارى [ ‪.‬‬
‫فأى إغراء باالستماتة فى إعالء كلمة ﷲ ونصرة الدين أعظم من ھذا اإلغراء ؟‬
‫لقد كانت صيحة الجھاد المقدس قديما ً تجتذب الشباب والشيب وتستھوى الجماھير من‬
‫كل لون‪ ،‬فإذا سيل ال آخر له من أولى الفداء والنجدة يصب فى الميدان المشتعل ‪ .‬فما‬
‫تضع الحرب أوزارھا إال بعد أن تكوى أعداء ﷲ وتلقنھم درسا ً ال ينسى ‪.‬‬
‫ھل أصبحت ھذه الخصائص اإلسالمية ذكريات مضت أم أنھا محفورة فى عقلنا‬
‫الباطن تحتاج إلى من يزيل عنھا الغبار وحسب ؟‬
‫إن االستعمار الذى زحف على العالم اإلسالمى خالل كبوته األخيرة بذل جھوداً ھائلة‬
‫لشغل المسلمين عن ھذه المعانى أو لقتل ھذه الخصائص النفسية فى حياتھم العامة‪،‬‬
‫وذلك ليضمن فرض ظلماته ومظالمه دون أية مقاومة !‬
‫وقد توسل إلى ذلك بتكثير الشھوات أمام العيون الجائعة‪ ،‬وتوھين العقائد والفضائل‬
‫التى تعصم من الدنايا‪ ،‬وإبعاد اإلسالم شكالً وموضوعا ً عن كل مجال جادة‪ ،‬وتضخيم‬
‫كل نزعة محلية أو شخصية تمزق األخوة الجامعة وتوھى الرباط العام بين أشتات‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫وقد أصاب خالل القرن األخير نجاحا ً ملحوظا ً فى سبيل غايته تلك ‪..‬‬
‫ومن ثم لم تنجح محاوالت تجميع المسلمين لصد العدو الذى جثم على أرضھم‬
‫واستباح مقدساتھم ‪..‬‬
‫وما قيمة ھذا التجميع إذا كان الذين ندعوھم قد تحللوا من اإليمان وفرائضه‪ ،‬والقرآن‬
‫وأحكامه ‪.‬‬
‫ً‬
‫إن تجميع األصفار ال ينتج عددا له قيمة !!‬
‫وإن الجھد األول المعقول يكمن فى رد المسلمين إلى دينھم‪ ،‬وتصحيح معالمه‬
‫ومطالبه فى شئونھم‪ ،‬ما ظھر منھا وما بطن ‪..‬‬
‫عندئذ يدعون فيستجيبون ويكافحون فينتصرون‪ ،‬ويحتشدون فى معارك الشرف‬
‫فيبتسم لھم النصر القريب وتتفتح لھم جنات الرضوان ‪.‬‬
‫إن الرجل ذا العقيدة عندما يقاتل ال يقف دونه شىء ‪.‬‬
‫أعجبتنى ھذه القصة الرمزية الوجيزة‪ ،‬أسوقھا ھنا لما تنضح به من داللة رائعة‪:‬‬
‫” حكوا عن قوم فيما مضى كانوا يعبدون شجرة من دون ﷲ‪ ،‬فخرج رجل مؤمن من‬
‫صومعته وأخذ معه فأسا ً ليقطع بھا ھذه الشجرة‪ ،‬غيرة “ وحمية لدينه ! فتمثل له‬
‫إبليس فى صورة رجل وقال له‪ :‬إلى أين أنت ذاھب ؟ قال‪ :‬أقطع تلك الشجرة التى‬
‫تعبدون من دون ﷲ‪ ،‬فقال له‪ :‬اتركھا وأنا أعطيك درھمين كل يوم‪ ،‬تجدھما تحت‬
‫وسادتك إذا استيقظت كل صباح ! ‪..‬‬
‫” فطمع الرجل فى المال‪ ،‬وانثنى عن غرضه‪ ،‬فلما أصبح لم يجد تحت وسادته شيئا‪ً،‬‬
‫وظل كذلك ثالثة ايام‪ ،‬فخرج مغضبا ً ومعه الفأس ليقطع الشجرة ! قال‪ :‬ارجع فلو‬
‫دنوت منھا قطعت عنقك ‪..‬‬
‫” لقد خرجت فى المرة األولى غاضبا ً “ فما كان أحد يقدر على منعك ! أما ھذه‬
‫المرة فقد أتيت غاضبا ً للدنيا التى فاتتك‪ ،‬فما لك مھابة‪ ،‬وال تستطيع بلوغ إربك فارجع‬
‫عاجزاً مخذوالً ‪. ” ..‬‬
‫إن الغزو الثقافى للعالم اإلسالمى استمات فى محو اإليمان الخالص وبواعثه‬
‫المجردة‪ ،‬استمات فى تعليق األجيال الجديدة بعرض الدنيا ولذة الحياة‪ ،‬استمات فى‬
‫إرخاص المثل الرفيع وترجيح المنافع العاجلة ‪..‬‬
‫ويوم تكثر النماذج المعلولة من عبيد الحياة ومدمنى الشھوات فإن العدوان يشق‬
‫طريقه كالسكين فى الزبد‪ ،‬ال يلقى عائقا ً وال عنتا ً ‪..‬‬
‫وھذا ھو السبب فى جؤارنا الدائم بضرورة بناء المجتمع على الدين وفضائله‪ ،‬فإن‬
‫ذلك ليس استجابة للحق فقط‪ ،‬بل ھو السياج الذى يحمينا فى الدنيا كما ينقذنا فى‬
‫اآلخرة ‪..‬‬
‫إن ترك صالة ما قد يكون إضاعة فريضة مھمة‪ ،‬واتباع نزوة خاصة قد تكون‬
‫ارتكاب جريمة مخلة‪ ،‬لكن ھذا أو ذاك يمثالن فى األمة المنحرفة انھيار المقاومة‬
‫المؤمنة والتمھيد لمرور العدوان الباغى دون رغبة فى جھاد أو أمل فى استشھاد‪،‬‬
‫ولعل ذلك سر قوله تعالى ” فخلف من بعدھم خلف أضاعوا الصالة واتبعوا الشھوات‬
‫فسوف يلقون غيا ً ” ] مريم ‪. [ 59‬‬
‫إن كلمة الجھاد المقدس إذا قيلت ـ قديما ً ـ كان لھا صدى نفسى واجتماعى بعيد‬
‫المدى‪ ،‬ألن التربية الدينية رفضت التثاقل إلى األرض والتخاذل عن الواجب‪ ،‬وعدت‬
‫ذلك طريق العار والنار وخزى الدنيا واآلخرة ‪.‬‬
‫ً‬
‫وھذه التربية المغالية بدين ﷲ‪ ،‬المؤثرة لرضاه أبدا ھى التى تفتقر إليھا أمتنا‬
‫اإلسالمية الكبرى فى شرق العالم وغربه ‪.‬‬
‫وكل مؤتمر إسالمى ال يسبقه ھذا التمھيد الحتم فلن يكون إال طبالً أجوف !‬
‫والتربية الدينية التى ننشدھا ليست ازوراراً عن مباھج الحياة التى تھفو إليھا نفوس‬
‫البشر‪ ،‬ولكنھا تربية تستھدف إدارة الحياة على محور من الشرف واالستقامة‪ ،‬وجعل‬
‫اإلنسان مستعداً فى كل وقت لتطليق متعه إذا اعترضت طريق الواجب ‪.‬‬
‫كنت أقرأ مقاالً مترجما ً فى أدب النفس فاستغربت للتالقى الجميل بين معانيه وبين‬
‫مواريثنا اإلسالمية المعروفة التى يجھلھا لألسف كثير من الناس ‪.‬‬
‫تأمل معى ھذه العبارة‪:‬‬
‫” يقول جوته الشاعر األلمانى‪ :‬من كان غنيا ً فى دخيلة نفسه فقلما يفتقر إلى شىء من‬
‫خارجھا ! ”‬
‫أليس ذلك ترجمة أمينة لقول رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم‪ ” :‬ليس الغنى عن كثرة‬
‫العرض ولكن الغنى غنى النفس ” ! ] البخارى [‬
‫عن أبى ذر رضى ﷲ عنه‪ :‬قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم‪ :‬ترى كثرة المال ھو‬
‫الغنى ؟ قلت‪ :‬نعم يا رسول ﷲ ! قال‪ :‬فترى قلة المال ھو الفقر ؟ فقلت‪ :‬نعم يا رسول‬
‫ﷲ ‪ .‬قال‪ :‬إنما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب ” ‪..‬‬
‫واسمع ھذه العبارة من المقال المذكور‪:‬‬
‫” النفس ھى موطن العلل المضنية‪ ،‬وھى الجديرة بالعناية والتعھد‪ ،‬فإذا طلبت منھا‬
‫أن تسوس بدنك سياسة صالحة فاحرص على أن تعطيھا من القوت ما تقوى به‬
‫وتصح ‪..‬‬
‫” ھذا القوت شىء آخر غير األخبار المثيرة والمالھى المغرية واألحاديث التافھة‬
‫والملذات البراقة التافھة‪ ،‬ثم انظر إليھا كيف تقوى بعد وتشتد‪ ،‬إن التافه الخسيس‬
‫مفسدة للنفس ! واعلم أن كل فكرة تفسح لھا مكانا ً فى عقلك‪ ،‬وكل عاطفة تتسلل إلى‬
‫فؤادك تترك فيك اثرھا‪ ،‬وتسلك بك أحد طريقين‪ :‬إما أن تعجزك عن مزاولة الحياة‬
‫وإما أن تزيدك اقتدارا ً وأمالً ”‪.‬‬
‫أليس ھذا الكالم المترجم شرحا ً دقيقا ً لقول البوصيرى‪:‬‬
‫وإذا حلت الھداية نفسا ً‬
‫نشطت للعبادة األعضاء !‬

‫وتمھيدا ً حسنا ً لقول ابن الرومى‪:‬‬


‫أمامك فانظر أى نھجيك تنھج‬
‫طريقان شتى مستقيم وأعوج‬

‫واقرأ ھذه الكلمات أيضا ً فى المقال المترجم‪ ” :‬رب رجل وقع من الحياة فى مثل‬
‫األرض الموحلة فكادت تبتلعه‪ ،‬ولكنه ظل يجاھد للنجاة مستيئساً‪ ،‬وبينا ھو كذلك‬
‫انھارت قواه وشق عليه الجھاد وأسرعوا به إلى الطبيب ‪ ..‬الطبيب لم يجد بجسده علة‬
‫ظاھرة ‪ .‬كل ما يحتاج إليه الرجل ناصح يعلمه كيف ينازل الحياة وجھا ً لوجه ال تثنيه‬
‫عقبة وال رھبة ”‪.‬‬
‫إن ھذا الكالم يذكرنى بما روى عن جعفر الصادق‪ :‬من طلب ما لم يخلق تعب ولم‬
‫يرزق ! قيل وما ذاك ؟ قال‪ :‬الراحة فى الدنيا ‪.‬‬
‫وأنشدوا‪:‬‬
‫يطلب الراحة فى دار الفنا‬
‫خاب من يطلب شيئا ً ال يكون‬

‫إن التربية التى ننشدھا نحن المسلمين ليست بدعا ً من التفكير اإلنسانى الراشد‪ ،‬إنھا‬
‫صياغة األجيال فى قوالب تجعلھا صالحة لخدمة الحق وأداء ضرائبه‪ ،‬واحتقار الدنيا‬
‫يوم يكون االستمساك بھا مضيعة لإليمان ومغاضبة للرحمن ‪..‬‬
‫واالستعمار يوم وضع يده على العالم اإلسالمى من مائة سنة صب األجيال الناشئة‬
‫فى قوالب أخرى‪ ،‬نمت بعدھا وھى تبحث عن الشھوات وتخلد إلى األرض‪ ،‬فلما‬
‫ختلھا عن دينھا بھذه التربية الدنيئة استمكن من دنياھا فأمست جسداً ونفسا ً ال تملك‬
‫أمرھا‪ ،‬وال تحكم يومھا وال غدھا ‪..‬‬
‫بل إنھا فى تقليدھا للعالم األقوى تقع فى تفاوت مثير‪:‬‬
‫عندما ننقل المباذل ومظاھر التفسخ فى الحضارة الغربية ننقلھا بسرعة الصوت‪ ،‬أما‬
‫عندما ننقل علما ً نافعا ً وخيرا ً يسيراً فإن ذلك يتم بسرعة السلحفاة ‪.‬‬
‫وكثير من الشعوب اإلسالمية تبيع ثرواتھا المعدنية والزراعية بأكوام من المواد‬
‫المستھلكة وأدوات الزينة والترف مع فقرھا المدقع إلى ما يدفع عنھا جشع العدو‬
‫ونياته السود فى اغتيالھا وإبادتھا !‬
‫وظاھر أن ھذا السلوك استجابة طبيعية ألسلوب التربية الذى أخذت به منذ الصغر‪،‬‬
‫وأثر محتوم التخاذ القرآن مھجوراً‪ ،‬ونبذ تعاليمه وقيمه‪ ،‬وھل ينتج ذلك إال طفولة‬
‫تفرح باللعب المصنوعة والطرف الجديدة والمالبس المزركشة‪ ،‬والمظاھر الفارغة ؟‬

‫وال بأس بعد توفير ذا كله من استصحاب بعض اآلثار الدينية السھلة !‬
‫ولتكن ھذه اآلثار االحتفال بذكرى قديمة أو زيارة قبر شھير !‬
‫ثم يسمى ھذا السلوك التافه تدينا ً !‬
‫لقد جرب المسلمون االنسالخ عن دينھم واطراح آدابه وترك جھاده فماذا جر عليھم‬
‫ذلك ؟ حصد خضراءھم فى األندلس فصفت منھم بالد طالما ازدانت بھم وعنت لھم‪،‬‬
‫وما زال يرن فى أذنى قول الشاعر‪:‬‬
‫قلت يوما ً لدار قوم تفانوا‬
‫أين سكانك العزاز علينا ؟‬

‫فأجابت ھنا أقاموا قليالً‬


‫ثم ساروا ولست أعلم أينا !‬

‫أسمعت ھذا النغم الحزين يروى فى اقتضاب عقبى اللھو واللعب‪ ،‬عقبى إضاعة‬
‫الصلوات واتباع الشھوات ‪ ..‬إن عرب األندلس لم يتحولوا عن دارھم طائعين ولكنھم‬
‫خرجوا مطرودين ‪.‬‬
‫أفال يرعوى األحفاد مما أصاب األجداد ؟‬
‫لقد قرأت أنباء مؤتمرات عربية وإسالمية كثيرة اجتمعت لعالج مشكلة فلسطين‪،‬‬
‫فكنت أدع الصحف جانبا ً ثم أھمس إلى نفسى‪ :‬ھناك خطوة تسبق كل ھذا‪ ،‬خطوة ال‬
‫غنى عنھا أبداً‪:‬‬
‫ھى أن يدخل المسلمون فى اإلسالم ‪..‬‬
‫إننى ألمح فى كل ناحية استھانة بالفرائض‪ ،‬وتطلعا ً إلى الشھوات‪ ،‬وزھادة فى‬
‫المخاطرة والنقب وإيثارا ً للسطوح على األعماق واألشكال عن الحقائق‪ ،‬وھذه الخالل‬
‫تھدم البناء القائم ‪ .‬فكيف تعيد مجداً تھدم أو ترد عدواً توغل ‪..‬؟‬
‫ما أحرانا أن نعقل التحذير النبوى الكريم ” إنما أخشى عليكم شھوات الغى فى‬
‫بطونكم وفروجكم ومضالت الھوى ” فإذا أصغينا إلى ھذا النذير ابتعدنا عن منحدر‬
‫ليست وراءه إال ھاوية ال قرار لھا‪ ،‬ثوى فيھا قبلنا المفرطون والجاحدون ‪.‬‬

‫دين زاحف مھما كانت العوائق‬

‫كلما قرأت أبواب الفتن فى كتب السنة شعرت بانزعاج وتشاؤم‪ ،‬وأحسست أن الذين‬
‫أشرفوا على جمع ھذه األحاديث قد أساءوا ـ من حيث ال يدرون ومن حيث ال‬
‫يقصدون ـ إلى حاضر اإلسالم ومستقبله !‬
‫لقد صوروا الدين وكأنه يقاتل فى معركة انسحاب‪ ،‬يخسر فيھا على امتداد الزمن أكثر‬
‫مما ربح !‬
‫ودونوا األحاديث مقطوعة عن مالبساتھا القريبة فظھرت وكأنھا تغرى المسلمين‬
‫باالستسالم للشر‪ ،‬والقعود عن الجھاد‪ ،‬واليأس من ترجيح كفة الخير ألن الظالم‬
‫المقبل قدر ال مھرب منه ‪.‬‬
‫وماذا يفعل المسلم المسكين وھو يقرأ حديث أنس بن مالك الذى رواه البخارى عن‬
‫الزبير بن عدى قال‪ :‬شكونا إلى أنس بن مالك ما نلقى من الحجاج فقال‪ :‬اصبروا فإنه‬
‫ال يأتى عليكم زمان إال الذى بعده شر منه حتى تلقوا ربكم‪ ،‬سمعته من نبيكم صلى ﷲ‬
‫عليه وسلم ” !!‬
‫وظاھر الحديث أن أمر المسلمين فى إدبار‪ ،‬وأن بناء األمة كلھا إلى انھيار على‬
‫اختالف الليل والنھار !‬
‫‪ ...‬نذكرھا‪ ،‬كما يخالف األحداث التى وقعت فى العصر األموى نفسه !‬
‫فقد جاء الوليد بن عبد الملك فمد رقعة اإلسالم شرقا ً حتى احتوت أقطاراً من الصين‬
‫وامتدت رقعة اإلسالم غربا ً حتى شملت أسبانيا والبرتغال وجنوب فرنسا ‪.‬‬
‫ثم تولى الخالفة عمر بن عبد العزيز فنسخ المظالم السابقة‪ ،‬وأشاع الرخاء حتى عز‬
‫على األغنياء أن يجدوا الفقراء الذين يأخذون صدقاتھم !‬
‫ولقد أتى بعد أنس بن مالك عصر الفقھاء والمحدثين الذين أحيوا الثقافة اإلسالمية‬
‫وخدموا اإلسالم أروع وأجل خدمة‪ ،‬فكيف يقال‪ :‬إن الرسالة اإلسالمية الخاتمة كانت‬
‫تنحدر من سيئ إلى أسوأ ؟؟ ھذا ھراء ‪.‬‬
‫الواقع أن أنسا ً رضى ﷲ عنه كان يقصد بحديثه منع الخروج المسلح على الدولة‬
‫بالطريقة التى شاعت فى عھده ومن بعده‪ ،‬فمزقت شمل األمة‪ ،‬وألحقت بأھل الحق‬
‫خسائر جسيمة‪ ،‬ولم تنل المبطلين بأذى يذكر ‪.‬‬
‫ـ وأنس بن مالك أشرف دينا ً من أن يمالئ الحجاج أو يقبل مظالمه‪ ،‬ولكنه أرحم باألمة‬
‫من أن يزج بأتقيائھا وشجعانھا فى مغامرات فردية تأتى عليھم‪ ،‬ويبقى الحجاج بعدھا‬
‫راسخا ً مكينا ً !‬
‫ـ وتصبيره الناس حتى يلقوا ربھم ـ أى حتى ينتھوا ھم ـ ال يعنى أن الظلم سوف يبقى‬
‫إلى قيام الساعة‪ ،‬وأن االستكانة الظالمة سنة ماضية إلى األبد !‬
‫إن ھذا الظاھر باطل يقيناً‪ ،‬والقضية المحدودة التى أفتى فيھا أنس ال يجوز أن تتحول‬
‫إلى مبدأ قانونى يحكم األجيال كلھا ‪..‬‬
‫ً‬
‫لقد سلخ اإلسالم من تاريخه المديد أربعة عشر قرنا‪ ،‬وسيبقى اإلسالم على ظھر‬
‫األرض ما صلحت األرض للحياة والبقاء وما قضت حكمة ﷲ أن يختبر سكانھا‬
‫بالخير والشر ‪.‬‬
‫ويوم ينتھى اإلسالم من ھذه الدنيا فلن تكون ھذه دنيا ألن الشمس ستنطفئ والنجوم‬
‫ستنكدر‪ ،‬والحصاد األخير سيطوى العالم أجمع !‬
‫فليخسأ الجبناء دعاة الھزيمة وليعلموا أن ﷲ أبر بدينه وعباده مما يظنون ‪.‬‬
‫لقد ذكر لى بعضھم حديث ” بدأ اإلسالم غريبا ً وسيعود غريبا ً كما بدأ فطوبى للغرباء‬
‫” ] رواه أحمد‬
‫والجماعة [ وكأنه يفھم منه أن اإلسالم سينكمش ويضعف وأن على من يسمع ھذا‬
‫الحديث أن يھادن اإلثم‪ ،‬ويداھن الجائرين ويستكين لألفول الذى ال محيص عنه !‬
‫وإيراد الحديث وفھمه على ھذا النحو مرض شائع قديم ‪.‬‬
‫ولو سرت جرثومة ھذا المرض إلى صالح الدين األيوبى ما فكر فى استنقاذ بيت‬
‫المقدس من الصليبيين القدامى!‬
‫ولو سرت جرثومة ھذا المرض إلى سيف الدين قطز ما نھض إلى دحر التتار فى ”‬
‫عين جالوت ” !‬
‫ولو سرت جرثومة ھذا المرض إلى زعماء الفكر اإلسالمى فى عصرنا الحاضر‬
‫ابتداء من جمال الدين األفغانى إلى الشھداء واألحياء من حملة اللواء السامق ما‬
‫فكروا أن يخطوا حرفا ً أو يكتبوا سطراً !‬
‫وقلت فى نفسى‪ :‬أيكون اإلسالم غريبا ً وأتباعه الذين ينتسبون إليه يبلغون وفق‬
‫اإلحصاءات األخيرة ثمانمائة مليون نفس ؟‬
‫يا للخذالن والعار !‬
‫الواقع أن ھذا الحديث وأشباھه يشير إلى األزمات التى سوف يواجھھا الحق فى‬
‫مسيرته الطويلة فإن الباطل لن تلين بسھولة قناته بل ربما وصل فى جرأته على‬
‫اإليمان أن يقتحم حدوده ويھدد حقيقته‪ ،‬ويحاول اإلجھاز عليه !‬
‫وعندما تتجلى الظلماء عن رجال صدقوا ما عاھدوا ﷲ عليه‪ ،‬يقاومون الضالل بجلد‪،‬‬
‫وال يستوحشون من جو الفتنة الذى يعيشون فيه‪ ،‬وال يتخاذلون للغربة الروحية‬
‫والفكرية التى يعانونھا‪ ،‬وال يزالون يؤدون ما عليھم “ حتى تنقشع الغمة ويخرج‬
‫اإلسالم من محنته مكتمل الصفحة‪ ،‬بل لعله يستأنف زحفه الطھور فيضم إلى أرضه‬
‫أرضا ً وإلى رجاله رجاالً ‪.‬‬
‫وذلك ما وقع خالل أعصار مضت‪ ،‬وذلك ما سيقع خالل أعصار تجىء‪ ،‬وھذا ما‬
‫ينطق به حديث الغربة اآلنف‪ ،‬فقد جاء فى بعض رواياته‪:‬‬
‫” طوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدى من سنتى ” ] راجع فى‬
‫روايات الحديث كلھا كتاب ” غربة اإلسالم ” البن رجب الحنبلى [ فليست الغربة‬
‫موقفا ً سلبيا ً عاجزاً‪ ،‬إنھا جھاد قائم دائم حتى تتغير الظروف الرديئة ويلقى الدين‬
‫حظوظا ً أفضل ‪.‬‬
‫وليس الغرباء ھم التافھون من مسلمى زماننا‪ ،‬بل ھم الرجال الذين رفضوا الھزائم‬
‫النازلة وتوكلوا على ﷲ فى مدافعتھا حتى تالشت !‬
‫والفتن التى ال شك فى وقوعھا والتى طال تحذير اإلسالم منھا فتنة التھارش على‬
‫الحكم والتقاتل على اإلمارة ومحاولة االستيالء على السلطة بأى ثمن‪ ،‬وما استتبعه‬
‫ذلك من إھدار للحقوق والحدود‪ ،‬وعدوان على األموال واألعراض ‪ ..‬وھذا المرض‬
‫كان من لوازم الطبيعة الجاھلية التى عاشت على العصبية العمياء ‪..‬‬
‫والعرب فى جاھليتھم ألفوا ھذا الخصام والتعادى‪ ،‬فھم كما قال دريد بن الصمة‪:‬‬
‫يغار علينا واترين فيشتفى‬
‫بنا إن أصبنا أو نغير على وتر‬

‫قسمنا بذاك الدھر شطرين بيننا‬


‫فما ينقضى إال ونحن على شطر‬
‫وما رواه أحمد عن تميم الدارمى يؤيده ما رواه عن المقداد بن األسود قال‪ :‬سمعت‬
‫رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم يقول ” ال يبقى على وجه األرض بيت مدر وال وبر‬
‫إال دخلته كلمة اإلسالم يعز عزيزا ً ويذل ذليالً‪ ،‬أما الذين يعزھم ﷲ فيجعلھم من أھلھا‬
‫وأما الذين يذلھم ﷲ فيدينون لھا ” ] رواه ابن حبان كما فى الزوائد للھيثمى رقم‬
‫)‪ (1621‬وجماعة ‪ .‬راجع األحاديث الصحيحة لأللبانى )‪. [ (7 / 1‬‬
‫وكذلك ما رواه عن قبيصة بن مسعود‪ :‬صلى ھذا الحى من محارب ـ اسم قبيلة ـ‬
‫الصبح‪ ،‬فلما صلوا قال شاب منھم‪ :‬سمعت رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم يقول‪” :‬‬
‫إنه ستفتح لكم مشارق األرض ومغاربھا‪ ،‬وإن‬
‫عمالھا ـ أمراءھا ـ فى النار إال من اتقى وأدى األمانة ” ‪.‬‬
‫ويقول صاحب المنار فى نھاية تفسيره لقوله تعالى‪ ” :‬قل ھو القادر على أن يبعث‬
‫عليكم عذابا ً من فوقكم أو من تحت أرجلكم ‪ :” ..‬اعلم أن االستدالل بما ورد من‬
‫أخبار وآثار فى تفسير ھذه اآلية ال يدل ھو وال غيره من أحاديث الفتن على أن األمة‬
‫اإلسالمية قد قضى عليھا بدوام ما ھى عليه اآلن من الضعف والجھل كما يزعم‬
‫الجاھلون بسنن ﷲ اليائسون من روح ﷲ‪ ،‬بل توجد نصوص أخرى تدل على أن‬
‫لجوادھا نھضة من ھذه الكبوة‪ ،‬وأن لسھمھا قرطة بعد ھذه النبوة كاآلية الناطقة‬
‫باستخالفھم فى األرض ـ سورة النور ـ فإن عمومھا لم يتم بعد‪ ،‬وكحديث ” ال تقوم‬
‫الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا ً وأنھاراً‪ ،‬وحتى يسير الراكب بين العراق‬
‫ومكة ال يخاف إال ضالل الطريق ” رواه أحمد ‪..‬‬
‫” والشطر األول منه لم يتحقق بعد‪ ،‬ويؤيده ويوضح معناه ما صح عن مسلم من أن‬
‫ساحة المدينة المنورة سوف تبلغ الموضع الذى يقال له اھاب‪ ،‬أى أن مساحتھا‬
‫ستكون عدة أميال‪ ،‬فكونوا يا قوم من المبشرين ال من المنفرين ‪ ” ..‬ولتعلمن نبأه بعد‬
‫حين ” ‪.‬‬
‫وخطأ كثير الشراح جاء من فھمھم أن ترك الشر ھو غاية التدين وأن اعتزال الفتن‬
‫ھو آية اإليمان ‪.‬‬
‫وھذا عجز سببه ضعف الھمة وسقوط اإلرادة ‪.‬‬
‫وإنى ألذكر فيه قول المتنبى‪:‬‬
‫إنا لفى زمن ترك القبيح به‬
‫من أكثر الناس إحسان واجمال‬

‫أجل‪ ،‬فإن ترك الصغائر غير بلوغ األمجاد‪ ،‬وتجنب التوافه والرذائل غير إدراك‬
‫العظائم وتسنم الھام‪ ،‬والتلميذ الذى ال يسقط شىء والذى يحرز الجوائز شىء آخر !‬
‫والرسول الكريم عندما يأمرنا باعتزال الفتن ال ينھى واجبنا عن ھذا الحد ‪..‬‬
‫سوف يبقى بعد ذلك االعتزال الواجب بناء األمة على الحق ومد شعاعاته طوالً‬
‫وعرضا ً حتى تنسخ كل‬
‫ظلمة ‪..‬‬
‫وال نمارى فى أن تصدعات خطيرة أصابت الكيان اإلسالمى قديما ً وحديثا ً ‪ ..‬بيد أن‬
‫الضعاف وحدھم ھم الذين انزووا بعيدا ً يبكون‪ ،‬ويتشاءمون‪ ،‬وينتظرون قيام الساعة‬
‫!!‬
‫أما الراسخون فى العلم فقد أقبلوا على رتق الفتوق‪ ،‬وجمع الشتات‪ ،‬وإعادة البناء‬
‫الشامخ حتى يدركھم الموت أو القتل وھم مشتغلون بمرضاة ﷲ‪ ،‬حتى يبلغ اإلسالم‬
‫مواقع النور والظل من أرض ﷲ أو كما قال الرسول العظيم ” ما بلغ الليل والنھار ”‬
‫‪..‬‬

‫قال اإلنسان وقال الحيوان‬

‫نحن نعلم أن عدداً من حملة األقالم قد صنعت رؤوسھم خارج ھذه البالد‪ ،‬وأن‬
‫تصورھم لكثير من الحقائق وحكمھم فى كثير من القضايا ال صلة له بتراثنا وال‬
‫ارتباط له برسالتنا‪ ،‬وأن آخر ما يكترثون له أو يھتمون به ھو اإلسالم وحاضره‬
‫ومستقبله‪ ،‬وإن كانت أسماؤھم إسالمية ‪.‬‬
‫وكنت أحسب أن معركة المصير بيننا وبين بنى إسرائيل ستكرھھم على مراجعة‬
‫أنفسھم وتصحيح أخطائھم‪ ،‬ولكننى كنت واھماً ‪.‬‬
‫لقد استيقظ بنو إسرائيل وھاجت فى دمائھم غطرسة الماضى‪ ،‬وانحرافات التدين‬
‫ولوثات التعصب‪ ،‬وھجموا على بالدنا يبغون محو أمة وحضارة‪ ،‬وفى أيديھم كل ما‬
‫استحدث العلم من أدوات الفتك !‬
‫وفى مالقاة ھذا العدوان تقرأ لكاتب روايات مصرى إنه مسرور من الجيل الحاضر‬
‫ألنه يحسن الرقص والغناء !‬
‫قبحك ﷲ من كاتب مكفوف البصيرة !‬
‫وفى ھذا االتجاه الضرير ينشر كاتب آخر مقاالت مسھبة عن ” الشخصية المصرية‬
‫” يمھد فيھا طريق الشھوة ويرسم لھا األھداف الوضيعة ‪.‬‬
‫وتستغرب وأنت تقرأ فى صحيفة األھرام مقاالته‪ ،‬فى أى عصر يعيش ھذا الكاتب‪،‬‬
‫وألى جيل يكتب ؟‬
‫نعم لقد ذھب ” توفيق الحكيم ” إلى باريس ال ليسأل‪ :‬كيف دخل الفرنسيون النادى‬
‫الذرى ؟ وال ليبحث كيف يحاول جواسيس الصھيونية سرقة أسرار طائرات ”‬
‫الميراج ” ؟ وال ليحقق كيف أقامت فرنسا قوة ثالثة تريد أن تضارع جبابرة األرض‬
‫؟ ال ‪ ..‬إن شيئا ً من ذلك ال يعنيه ‪.‬‬
‫إنه ذھب ليزيد القراء العرب فھما ً فى األمور الجنسية‪ ،‬وليمد حريق الشھوات بوقود‬
‫جديد يأتى على األخضر واليابس ‪..‬‬
‫ذكر لنا الكاتب الجاد الناضج كيف أن زوجين لم يحسنا الوقاع ! وكيف أن طبيبا ً‬
‫عالجھما حتى أحسناه ! وكيف شاھد مع الجمھور الفرنسى على ” شاشة المسرح ”‪:‬‬
‫التطبيق العملى من الزوجين لما سمعاه وعرفاه من الطبيب‪ ،‬فظھرا عاريين يمارسان‬
‫ھذه العالقة فى أتم وأكمل وجوھھا ” !‬
‫ويمضى كاتب األھرام الوقور فى عرض ما راقه من صور فرنسية فيقول‪” :‬‬
‫صادقت فى الحى ” سينما ” أخرى تعرض قصة عنوانھا ” الزواج الجماعى ” ‪..‬‬
‫جماعة من األزواج الشباب اتفقوا بينھم على أن يعيشوا فى حياة مشتركة وأن‬
‫يتقاسموا بينھم كل شىء وأن يناموا فى حجرة واحدة‪ ،‬ونساؤھم مشاع لمن شاء منھم‪،‬‬
‫للزوج أن يعاشر من تروق له من زوجات زمالئه‪ ،‬وللزوجة أن تختار ما تريد من‬
‫أزواج زميالتھا‪ ،‬كل ذلك بالرضا التام من الجميع‪ ،‬وكأن األمر رغيف خبز تتناوله‬
‫األيدى واألفواه ‪ ..‬ثم شاھدنا ھذه العالقات الجنسية تتم أمامنا بكل تفصيالتھا التى‬
‫تخدش الحياء ‪ ” ..‬الخ ‪.‬‬
‫ونترك صورة ھذا القطيع من الفتيات والفتيان المتصالح على الزنا الجماعى أو على‬
‫الفسوق القذر ‪ ..‬لنترك ھذا القطيع فى جوه المنتن لنقرأ كاتب األھرام الفيلسوف ”!“‬
‫وھو يقرر رأيه فى ھذا الموضوع ‪ ..‬قال ” جعلت أفكر فى األمر مستعرضا ً ما سبق‬
‫من حضارات كبرى فوجدت بعض التشابه ‪ .‬إن سمة الحضارة فى كل عصر ھى‬
‫البحث عن الحقيقة‪ ،‬وال حياء فى البحث عن الحقيقة‪ ،‬خصوصا ً ما يتعلق باإلنسان‬
‫وأسباب وجوده المادى والروحى‪ ،‬فكانت حضارة مصر القديمة والھند ترسم وتنحت‬
‫فى المعابد بعض األعضاء التناسلية رمزاً للحياة ‪ ..‬بل إن كتب األدب العربى القديم‬
‫ألمثال الجاحظ وابن عبد ربه كانت تتحدث عن الجنس كما تتحدث عن الطعام‪،‬‬
‫وأكثر ھذه الكتب ال يخلو من باب للطعام وباب للباه‪ ،‬وما كان أحد وقتئذ يرى فى ذلك‬
‫بأسا ً وال حرجاً‪ ،‬ولكن يظھر أنه عندما تأخذ الحضارات فى االنحطاط تكثر‬
‫المحظورات‪ ،‬وتسدل البراقع على كثير من الموضوعات‪ ،‬إلى أن تمتد إلى روح‬
‫المعرفة وعادة البحث فتصيبھا بالشلل وبھذا يقتل العلم وتخسر الحضارة ” ‪.‬‬
‫ھذا ھو فكر كاتب األھرام الكبير ودرسه لتاريخ الحضارات السابقة والالحقة ‪..‬‬
‫وظاھر من أسلوب الكاتب أنه ال يدرى شيئا ً عن قضايا الحالل والحرام‪ ،‬وال عن‬
‫شرائع السماء فى السلوك الخاص والعام‪ ،‬وال عن الطور العصيب الذى يمر به‬
‫تاريخ العرب‪ ،‬بل سنرى أنه ال يدرى عن تاريخ الحضارات البشرية إال ھذه األجزاء‬
‫المبتورة عن التماثيل المقامة ألعضاء التناسل‪ ،‬واقتران الطعام بالباه فى كتب األدب‬
‫العربى القديم !!‬
‫ومع ھذا التطور المزرى فھو كاتب كبير يملك حق التوجيه لألجيال الجديدة من أعلى‬
‫المنابر ‪.‬‬
‫إن علماء الدين ما نادوا فى بالدنا يوما ً ما بكبت الغريزة الجنسية‪ ،‬ونحن نقدس فطرة‬
‫ﷲ التى فطر الناس عليھا‪ ،‬ونحترم رغبة الذكر واألنثى فى لقاء مقنع مشبع‪ ،‬وسبيل‬
‫ذلك الزواج فحسب ‪..‬‬
‫أما تيسير الزنا وتكثير أسبابه وتمھيد سبله وقبول نتائجه فھو ارتكاس إنسانى يصحب‬
‫األمم عندما تبدأ شمسھا فى الغروب ‪.‬‬
‫وتاريخ األمة العربية واإلسالمية معروف بأنه لم يعترف بالرھبانية كما لم يعترف‬
‫بتبرج الجاھلية واستباحة األعراض على نطاق ضيق أو واسع‪ ،‬فوصف الزنا العام‬
‫بأنه زواج جماعى كالم قذر‪ ،‬وأى تمھيد لقبوله ـ كما ألمح الكاتب ـ مردود فى وجه‬
‫صاحبه ‪.‬‬
‫ثم إن العرب خالل ھذا القرن قد حاقت بھم رزايا متالحقة ثم استطاع عدوھم أن‬
‫يضع أصابعه على مقاتلھم‪ ،‬وھا ھو يشد قبضته على خناقھم ليوردھم الحتوف ‪.‬‬
‫وصيحة العلم واإليمان التى ارتفعت بيننا اآلن ھى أمل الحياة‪ ،‬فلحساب من تغرى‬
‫أفواج الشباب باالنحالل والتردى‪ ،‬ويحددھا كاتب مسلوخ عن اإليمان والعقل لتنسى‬
‫ربھا وشرفھا ويومھا وغدھا !‬
‫نحن نعلم أن أوربا ارتقت فى العصور األخيرة ارتقا ًء بعيد المدى‪ ،‬لكنه من أكذب‬
‫الكذب أن يجىء بعض الكتاب المصريين ليزعموا أن سبب ارتقائھا ھو انسالخھا عن‬
‫مناھج الفطرة ومقتضيات األدب ‪.‬‬
‫إن أسباب النھوض شىء ومظاھر االنحالل شىء آخر‪ ،‬ولكى نعرف تفاھة كتابنا‬
‫وانحدارھم الذھنى والنفسى ننقل إليك ما كتبه المؤرخ اإلنجليزى الكبير ” أرنولد‬
‫توينبى ” لتدرك منه حقيقة ما يتعرض له الكيان األوربى من أخطار ‪.‬‬
‫إن األمراض التى يتعرض لھا ھذا الكيان المھتز ھى ھى ” الخصائص البراقة ”‬
‫التى يريد نقلھا إلى بالدنا كتاب تائھون مثل توفيق الحكيم وغيره من ذوى األسماء‬
‫والمناصب !‬
‫قال توينبى ] نشر المقال باإلنجليزية مجلة اإلسالم الباكستانية‪ ،‬وترجمته إلى العربية‬
‫مجلة رسالة اإلسالم العراقية التى تصدر عن كلية أصول الدين ببغداد‪ ،‬والمقال‬
‫طويل نقلنا منه نبذا ً [ تحت عنوان درس من التاريخ لإلنسان المعاصر‪:‬‬
‫” لقد فشلت جميع جھودنا لحل مشكالتنا بوسائل مادية بحتة‪ ،‬وأصبحت مشروعاتنا‬
‫الجريئة موضع سخرية ! إننا ندعى أننا خطونا خطوات كبيرة فى استخدام اآلالت‪،‬‬
‫وتوفير األيدى العاملة‪ ،‬ولكن إحدى النتائج الغريبة لھذا التقدم تحميل المرأة فوق‬
‫طاقتھا من العمل‪ ،‬وھذا ما لم نشھده من قبل‪ ،‬فالزوجات فى أمريكا ال يستطعن أن‬
‫ينصرفن إلى أعمال البيت كما يجب ‪..‬‬
‫” إن امرأة اليوم لھا عمالن‪ :‬العمل األول من حيث ھى أم وزوجة‪ ،‬والثانى من حيث‬
‫ھى عاملة فى اإلدارات والمصانع‪ ،‬وقد كانت المرأة اإلنجليزية تقوم بھذا العمل‬
‫الثنائى فلم نؤمل الخير من وراء عملھا المرھق‪ ،‬إذ أثبت التاريخ أن عصور‬
‫االنحطاط ھى تلك العصور التى تركت فيھا المرأة بيتھا ‪..‬‬
‫” فى القرن الخامس قبل الميالد حين وصلت اليونان إلى أوج حضارتھا كانت المرأة‬
‫منصرفة إلى عملھا فى البيت‪ ،‬وبعد مجىء اإلسكندر الكبير وسقوط دولة اليونان‬
‫كانت ھناك حركة تسوية شبيھة بالحركة التى نشھدھا اليوم ! ‪..‬‬
‫” لقد نسوا ﷲ )والكالم لتوينبى( حين وضعوا حلوالً لمعالجة األمراض االجتماعية‬
‫انتھت باألمم إلى علل مستعصية ومآس كبيرة ‪..‬‬
‫” إن عصر اآللة أوجد لنا نقصا ً لم يسبق له مثيل‪ ،‬نقصا ً فى المساكن مثالً‪ ،‬وخلق لنا‬
‫فترات متناوبة من البطالة‪ ،‬ونقصا ً فى األيدى العاملة ” ‪.‬‬
‫ويقول توينبى‪ ” :‬لقد مشى اإلنسان قديما ً فى الطريق الذى مشى فيه اليوم‪ ،‬ووضع‬
‫القواعد نفسھا لتنظيم السير والمرور‪ ،‬والفرق الوحيد أن األوائل استخدموا عربات‬
‫الخيل بدل السيارات‪ ،‬وأن مخالفة تعليمات المرور لم تكن مروعة ومميتة كما ھى‬
‫اليوم ‪..‬‬
‫” إن التقدم الفنى والصناعى ليس بحد ذاته دليل الحكمة أو ضمان البقاء‪ ،‬وإن‬
‫الحضارات التى انبھرت وقنعت بمھارتھا اآللية إنما كانت تخطو خطوة نحو االنتحار‬
‫! ‪..‬‬
‫” إن أحد مصادر الخطر على عصرنا الحاضر ھو أننا تربينا على عبادة الوطن‬
‫وعبادة الراية وعبادة التاريخ الماضى ـ العنصرى ـ ويجب على اإلنسان أن يعبد ﷲ‬
‫وحده وأن يتمسك بالقانون اإللھى فى تكامل الفرد والمجتمع‪ ،‬وإن فشلنا لمحتم عندما‬
‫نحيد عنه ” ھكذا يقول توينبى ‪.‬‬
‫ومن عباراته فى ھذا المقال‪ ” :‬لقد أقنعتنى دراستى إلحدى وعشرين حضارة أن‬
‫الثقافة الخالقة ھى فقط الثقافة الصحيحة‪ ،‬تلك التى تتمكن من حل المشكالت‬
‫المستجدة فى الظروف المختلفة ‪..‬‬
‫” إن التقدم العلمى الحديث قد حل مشكالتنا الصناعية بجدارة ‪..‬‬
‫” ولكن مشكالت العصر ليست من ذلك النوع الذى يحل فى المختبرات‪ ،‬إنھا‬
‫مشكالت معنوية‪ ،‬وال عالقة للعلم بالقضايا المعنوية ” ‪.‬‬
‫يعنى‪ :‬أن األمر فى ھذه األحوال لمنطق اإليمان‪ ،‬ولذلك يقول‪:‬‬
‫” قد يبدو ھذا غريبا ً ولكن المدنيات الكبيرة بلغت نضجھا وضمنت تكاملھا بالتغيير‬
‫الروحى ” !‬
‫نقول‪ :‬إن المؤرخ األوربى الغيور على حضارته يلمح أسباب اعتاللھا ويصف الدواء‬
‫بحذق‪ ،‬أما الصحافى المصرى فھو يذھب إلى مسرح عابث فيصفه بإعجاب‪ ،‬ويتذكر‬
‫أن مصر والھند كانتا قديما ً تقيم التماثيل ألعضاء التناسل !!‬
‫أى فكر ھذا ؟ وكيف تتداعى المعانى المثيرة على ھذا النحو فى ذھن أديب لتنشرھا‬
‫صحيفة كبرى ؟‬
‫ومتى ؟ فى أيام استعداد العرب لجولة أخرى مع بنى إسرائيل يحررون بھا أرضھم‬
‫ويدركون ثأرھم !‬
‫ما ننتظر غير ھذا من أقالم شبت على العبث وشاخت فيه ‪ ..‬بيد أننا نلفت الشباب‬
‫المسلم إلى حقائق قد تغيب عن ذھنه فى غمرة األحداث ‪.‬‬
‫إن أعيننا ترمق قوما ً يكرھون اإلسالم من أعماق قلوبھم ويتحينون الفرص للتنفيس‬
‫عن ضغنھم بوسيلة أو أخرى ‪.‬‬
‫وھؤالء يغضبون عندما ننتسب ـ مجرد انتساب ـ إلى اإلسالم وال يتحركون أية حركة‬
‫إذا تعصب المتعصبون ألية نحلة أخرى على ظھر األرض ‪.‬‬
‫على الشباب المسلم أن يرمق ھؤالء بحذر وأن يدرك ما فى خباياھم من سواد ‪..‬‬
‫فى يوم ما جاء إلى صحن األزھر وفد يجمع بين جان بول سارتر وسيمون دى‬
‫بوفوار ولويس عوض وتوفيق الحكيم وآخرين ال أذكرھم ‪..‬‬
‫كان فيلسوف الوجودية وعشيقته مدعوين لزيارة القاھرة وإلقاء محاضرات بھا ‪..‬‬
‫من الذى استقدم إلى عاصمة العروبة واإلسالم ھذا الفرنسى الكفور ليلقى فيھا بذور‬
‫انحالله ؟!‬
‫ال يھم أن نعرف األشخاص‪ ،‬وإنما المھم أن نحذر النيات المبيتة وأن نتقى التوجيھات‬
‫المسمومة وأن نتبين الدائرة الواسعة التى يعمل فيھا عدونا‪ ،‬لھدم عقائدنا ودك‬
‫حصوننا فإن ھؤالء األعداء كثيرون ” ولو نشاء ألريناكھم فلعرفتھم بسيماھم ” ‪.‬‬
‫حول خرافة تحديد النسل‬

‫قرأت مقاالً عن ” االنفجار السكانى وإمكانات التحكم ” نشرته صحيفة األھرام يوم‬
‫الجمعة ‪ 1970 / 1 / 2‬وال أكون مغاليا ً إذا وصفت ھذا المقال بأنه صائب الفكرة‬
‫عميق النظرة مملوء بالحقائق الجديرة باالحترام ‪.‬‬
‫ولقد لفت عدداً من الدعاة المسلمين وعلماء الدين إلى ھذا المقال ألنه يصور فى‬
‫نظرى عودة أفكار سبق أن كتبتھا ووقفت عندھا‪ ،‬ورأى جمھور المسلمين أنھا‬
‫التعبير الحق عن أحكام دينھم ونھج حياتھم‪ ،‬وإن كان البعض قد مارى فيھا مراء يعلم‬
‫ﷲ بواعثه !‬
‫والكاتب بعد مقدمات جيدة حول مشكلة النسل يقول‪:‬‬
‫إن تفسير الزيادة السكانية بغير التخلف االقتصادى‪ ،‬أو رد ھذه الزيادة إلى عوامل‬
‫أخرى ‪.‬‬
‫مثل غلبة الغريزة الجنسية‪،‬‬
‫أو وجود األديان المحبذة للتناسل‪،‬‬
‫أو عدم المباالة بالرقى ‪..‬‬
‫يدخل فى باب التضليل العلمى !‬
‫وقد استخلص ھذه النتيجة الصادقة من جملة مالحظات علمية واجتماعية جديرة‬
‫بالتأييد الحار ‪.‬‬
‫ويعجبنى أنه استھجن صيحات التشاؤم المفتعلة التى تخصص فى إرسالھا بين الحين‬
‫والحين نفر من مقلدى األساليب األمريكانية فى اإلحصاء الجزئى والحكم العام‪ ،‬وھى‬
‫أساليب تخدم سياسة معينة من البيانات والبالغات التى يتبرع بھا نفر من نجوم الرأى‬
‫األمريكيين يزعمون فيھا أن العالم قد بلغ فى مسيرته نحو كارثة ” الالعودة ” ‪.‬‬
‫بسبب الزيادة المفرطة فى سكانه‪ ،‬تلك الزيادة التى نشأت من أن أقطار العالم الثالث ـ‬
‫الذى يضم عشرات من الدول النامية أو بتعبير آخر عشرات من الدول المتخلفة ـ لم‬
‫تكبح جماح شھواتھا الجنسية‪ ،‬ولم تستجب لدعوة المندوب األمريكى إلى ” تخطيط ”‬
‫أو تحديد النسل الذى رأى سيادته أنه الطريق الوحيد لحسم المشكلة السكانية ‪..‬‬
‫بل لم يستح نفر من قادة الرأى فى الواليات المتحدة أن ينادوا جھراً بضرورة‬
‫استخدام القسر فى الحد من ھذا التفوق العددى للمراتب السفلى من البشر)!( بالقدر‬
‫الذى يمنع دفع المراتب األعلى إلى الخلف!‬
‫ولما كانت نسبة األوالد تكاد تكون ثابتة من عشرات السنين فإن الزيادة المحذورة‬
‫نشأت لألسف من قلة الوفيات بسبب ارتفاع المستوى الصحى فى أرجاء العالم ‪.‬‬
‫والحل ؟‬
‫إنه عند أرباب الثقافة الغربية الرفيعة عدم مقاومة العلل بين شعوب ال تجد األكل‪،‬‬
‫وترك األمراض تفتك بھذه األجيال الوافدة فإن إقحام طوفان من األطفال الجياع على‬
‫اقتصاد مضطرب يھدد بكارثة !‬
‫لكن كيف يوصف ھذا التصرف ؟‬
‫إنه تصرف ” إنسانى ” عادى )!( ألنه يساعد الطبيعة على انتخاب األصلح وإبقاء‬
‫األقوى !‬
‫بل إن ھذا التصرف يتفق مع أرقى ثمرات الفكر اإلنسانى‪ ،‬ألم يقل أفالطون فى‬
‫جمھوريته الفاضلة أنه يجب قتل كل طفل يزيد عن العدد الضرورى ؟ ونحن قد‬
‫وصلنا بالفعل إلى ما يزيد عن العدد الضرورى ‪.‬‬
‫ويستتبع الفكر الغربى أحكامه على األمور‪ ،‬فيقول الدكتور ” ھوايت ستيفنز ” أحد‬
‫خبراء علم االجتماع‪ :‬إن يوم القيامة سيوافق ‪ 2026 / 11 / 13‬ألن المجاعة العالمية‬
‫فى ھذا اليوم ستقضى على الجميع‪ ،‬ھكذا يقول الدكتور األلمعى بعد حساب وفق‬
‫قواعد علم االجتماع ال قواعد علم التنجيم !‬
‫وبناء على ھذا الھوس اإلحصائى يدعو األمريكيون إلى التعقيم اإلجبارى وإلى‬
‫فرض نظام صارم لتحديد النسل‪ ،‬وإلى دعوة األمم المتحدة إلى إجراء ما كى ينخفض‬
‫عدد األوالد بين العرب والزنوج والھنود وأشباھھم وھم سواد العالم الثالث ‪.‬‬
‫ويالحظ األستاذ كمال السيد ـ كاتب المقال ـ أموراً ذات بال منھا أن الواليات المتحدة‬
‫تنفق ‪ 70‬ألف مليون دوالر على معدات القتال وأن شركاتھا المحتكرة تعامل شعوب‬
‫العالم الثالث بنھم مستغرب ال مكان معه للرحمة بھؤالء الجياع المساكين ‪.‬‬
‫ويقول ” وھناك صيغة شائعة فى أمريكا الجنوبية فحواھا ”‪:‬‬
‫أن خمسة من سكانھا يموتون جوعا ً كل دقيقة فى حين أن الشركات األمريكية العاملة‬
‫بھا تكسب خمسة آالف دوالر كل دقيقة أى ألف دوالر من كل ميت ‪! ..‬‬
‫ومع شعورنا بأن الكاتب يسارى النزعة إال أننا نعرف أن المساعدات األمريكية‬
‫مغشوشة النية سيئة الھدف فقد توزع على األطفال مقادير من األلبان والجبن‪ ،‬ولكنھا‬
‫تفرض على بيئتھم قيود الفقر األبدى إلى ھذا النوع من المساعدات ‪.‬‬
‫وبرامج النقطة الرابعة توزع المواد االستھالكية وحسب على األمم المتخلفة وتمتنع‬
‫امتناعا ً غريبا ً عن تصنيع البيئة وإعانتھا على أن تخدم نفسھا بنفسھا‪ ،‬وتستغل‬
‫مواردھا الوطنية بقدراتھا الخاصة !‬
‫كأن شعوب ھذا العالم الثالث ـ كما تسمى ـ ينبغى أن تظل مشلولة المواھب مكشوفة‬
‫العجز‪ ،‬ال تستطيع االنتفاع بما لديھا من خبرات ‪.‬‬
‫وعليھا ـ بعد ـ أن تسمع الحكم بأن التعقيم اإلجبارى واجب‪ ،‬وأن تحديد النسل فريضة‬
‫وإال قامت القيامة بعد كذا من السنين !‬
‫ويتلقى ھذا الكالم بعض قصار العقل فيطيرون به ھنا وھناك ينذروننا بالويل والثبور‬
‫وعظائم األمور فإذا حاولنا التفاھم معھم قالوا‪ :‬إنكم رجعيون تائھون عن مقررات علم‬
‫االجتماع‪ ،‬وأخطار يوم القيامة الذى سيجىء حتما ً من زيادة السكان !‬
‫ولنتناول اآلن صميم المشكلة ‪ .‬ھل حقا ً أن بالد العالم الثالث ال تكفى حاجات أھلھا‬
‫وبالتالى ال تتسع لمزيد من األفواه التى تطلب القوت واألجساد التى تطلب الكسوة ؟‬
‫تلك ھى األكذوبة الكبرى التى يضخم االستعمار صداھا ويزعج الدنيا طنينھا !‬
‫إن أقطار العالم الثالث مشحونة بخيرات تكفى أضعاف سكانه‪ ،‬بيد أن ھذه الخيرات‬
‫تتطلب العقول البصيرة واأليدى القديرة ‪.‬‬
‫ولو رزقت ھذه األقطار المنكودة إنسانية نزيھة تستھدف إيقاظ الملكات الغافية‬
‫والحواس المخدرة‪ ،‬وتطارد الخمول والوھن وتجند القدرات والخيرات‪ ،‬وتمنع‬
‫التظالم والترف‪ ،‬وتضرب سياجاً منيعا ً حول مصالح الشعوب يرد عنھا غوائل‬
‫االستعمار بجميع أنواعه لكانت ھذه الشعوب تحيا فى رغد من العيش تحسدھا أقطار‬
‫الغرب عليه ‪..‬‬
‫ليست المشكلة اقتصادية كما يزعم الخبثاء من المستعمرين‪ ،‬ومقلدوھم من الصياحين‬
‫الذين يھرفون بما ال يعرفون ‪.‬‬
‫الفقر فقر أخالق ومواھب ال فقر أرزاق وإمكانيات !‬
‫ـ لماذا يكون المولود القادم أكاالً ال شغاالً‪ ،‬مستھلكا ً ال منتجاً‪ ،‬عبئا ً على الحياة ال عونا ً‬
‫على الحياة ؟‬
‫ـ لماذا تھون اإلنسانية فى شأن ھذه األجيال الوافدة فيكون وجوده مبعث قلق ال مثال‬
‫استبشار ‪.‬‬
‫إن الجھود المادية والمعنوية التى يبذلھا المتشائمون لقتل ھذه األنفس أو للحيلولة دون‬
‫وجودھا لو بذلت فى تصحيح األخطاء االجتماعية وتقويم االنحرافات العقلية لكانت‬
‫أقرب إلى الرشد وأدنى إلى الغاية !‬
‫ولكن االستعمار األنانى الشره يريد التھام كل شىء لنفسه وحده‪ ،‬بل األنكى من ذلك‬
‫أنه يعترض طريق كل نھضة تصحح األوضاع كى تبقى األمور كما ھى ويبقى‬
‫منطقه السقيم فى عالج األمور ‪.‬‬
‫على أن تخلف العالم الثالث ليس علة أزلية وال أبدية فقد كان األوربيون واألمريكيون‬
‫أسوأ حاالً منذ قرون تعد على األصابع‪ ،‬وكانت الخرافة تفتك بعقولھم فتك األدران‬
‫والعلل بأجسامھم‪ ،‬فإذا صعدوا فى سلم الترقى وھبط غيرھم بعد رفعة أو بدأ ألول‬
‫مرة يخطو على درب المدنية فال معنى لالحتيال عليه والتشفى منه ‪.‬‬
‫” كذلك كنتم من قبل فمن ﷲ عليكم ”‬
‫واألمر ال يستدعى أكثر من تغيير الظروف المؤثرة فى أحوال المجتمعات فھناك‬
‫مكان ينبت العز ـ كما يقول المتنبى ـ ومكان ينبت الذل ‪ .‬وھناك آخر يوقظ العقل أو‬
‫ينيمه ‪.‬‬
‫والمعتوھون الذين يصرخون جزعين‪ :‬قفوا نسل األرانب حتى ال تقول الساعة‪ ،‬أو‬
‫حتى ترقى األمة ‪ ..‬ال يعلمون أن العالم الثالث لن يرقى ولو فقد تسعة أعشار عدده ما‬
‫بقيت ظروف النفسية والفكرية جامدة على أوضاعھا الحالية ‪.‬‬
‫ونعود مع كاتب األھرام لنبصر الواقع حيث يقول‪:‬‬
‫” إن موارد العالم خصوصا ً موارد البالد المتخلفة ما زالت تفوق كثيرا زيادة أعداد‬
‫ً‬
‫السكان‪ ،‬فالفائض االقتصادى المحتمل يمكن تحويله إلى ضروب من النشاط المنتج‬
‫بدالً من أن يذھب إلى جيوب المرابين والوسطاء ومالك األرض أو يتبدد فى وجوه‬
‫السرف المختلفة ‪..‬‬
‫” وھذا الفائض ھو ما يعرفه االقتصاديون بأنه الفرق بين اإلنتاج فى ظروفه الطبيعية‬
‫وبين ما يعد استھالكا ً ضروريا ً للجماعة المنتجة‪ ،‬ويقدر ھذا الفرق بنحو ‪ % 20‬من‬
‫اإلنتاج القومى‪ ،‬وھو يكفل عند استثماره زيادة سنوية فى الدخل تبلغ ‪ ،% 8‬وھذه‬
‫الزيادة تكفى بل تفيض عن متطلبات الزيادة السكانية ” ‪.‬‬
‫الفقر الواقع أو المتوقع ال يعود إذن إلى علل طبيعية بل إلى سوء تصرف واضطراب‬
‫إدارة‪ ،‬أو كما يقول االقتصادى األمريكى المشھور ” بول باران ”‪ ” :‬إننا يجب أن‬
‫ندق ناقوس الخطر ال ألن القوانين األبدية فى الطبيعة قد جعلت من المستحيل إطعام‬
‫سكان األرض بل ألن النظام االقتصادى االستعمارى يحكم على جموع كثيفة من‬
‫الناس ـ لم يسمع بضخامتھا من قبل ـ أن تعيش فى كنف الفاقة والتدھور والموت قبل‬
‫األوان ” !‬
‫ثم أنھى الكاتب كلمته قائالً‪ ” :‬إنه ال حل لمشكالت التخلف ومن بينھا ضغط السكان‬
‫على الموارد إال بتنمية بلدان العالم الثالث لثرواتھا‪ ،‬ومضاعفة اعتمادھا على نفسھا ‪..‬‬
‫ثم على القدر الميسور من المعونات األجنبية المنزھة ”‪.‬‬
‫لقد قررت ھذه األحكام تقريبا ً فى كتابى ” من ھنا نعلم ” المطبوع من ربع قرن‪،‬‬
‫ولذلك فقد انشرح صدرى عندما قرأت ھذه األيام ما يزيد الحق وضوحا ً ‪..‬‬
‫وما يبدد ضبابا ً كثيراً نشره فى أفق الحياة العامة أقوام قصار الباع طوال األلسنة‪،‬‬
‫وإنى ـ إذ أؤكد المعانى‬
‫اآلنفة ـ أوجه كلمة إلى نفر من المتحدثين باسم اإلسالم أساءوا إلى حقائقه مراراً‬
‫وھزموه فى مواطن كثيرة ‪..‬‬
‫إن اإلسالم ليس ھو بالدين المحلى ألھل الوجھين البحرى والقبلى‪ ،‬إنه دين القارات‬
‫الخمس ! وداره الرحبة الخصبة تمزج بين أجناس كل ھذه القارات فى أخوة جامعة‬
‫ال تعرف الحدود الضيقة المفتعلة التى صنعھا االستعمار فكيف يعالجون مشكلة‬
‫السكان وھم ال يدركون ھذا األساس المبين ؟‬
‫ثم إن ھذا الدين يتعرض لحرب إبادة فى ھذه األيام من تحالف الصھيونية‬
‫واالستعمار‪ ،‬فكيف تصدر األوامر من رؤساء األديان بتكثير األتباع‪ ،‬ومباركة‬
‫النسل‪ ،‬ويفتون ھم بالتعقيم والتقليل ؟‬
‫إننى ال أدرى علة ھذا الزيع ؟ أھى قلة العلم أم ليونة الضمير ؟‬
‫وتحذير آخر إلى ھؤالء‪ :‬إن أحدھم يقع على الكلمة منسوبة إلى عمرو بن العاص أو‬
‫غيره من الرجال فيطير بھا غير آبه بقيمة سندھا وال مكترث بأنھا ملتقطة من كتب‬
‫تجمع الجد والھزل والخطأ والصواب ‪..‬‬
‫ولو فرضنا جدالً نسبتھا إلى عمرو‪ ،‬فما كالم عمرو بالنسبة إلى كالم ﷲ ورسوله ؟‬
‫أرجو بعد كلمة األھرام التى لخصتھا فى مقالى أن تنتھى ھذه المأساة ‪..‬‬

‫محنة الضمير الدينى ھناك !‬

‫ھذه سياحة سريعة داخل أقطار الفكر الدينى الغربى ‪ .‬ستفجؤنا أحكام ينقصھا السداد‪،‬‬
‫ومؤامرات يحبكھا القدر‪ ،‬وضغائن ال تزال عميقة على طول العھد وامتداد الزمان !‬
‫ومن حقنا نحن المسلمين ـ وقد لفحتنا حرب بقاء أو فناء ـ أن ندرس الجبھة التى مسنا‬
‫عدوانھا وأن نزن ببصر حديد طبيعة العواطف الدينية التى تكمن أو تبرز خلف‬
‫أحداث ال تبدو لھا نھاية قريبة !‬
‫ولنبدأ بمقال نشرته مجلة كاثوليكية تطوعت بإسداء نصائحھا الغالية إلسرائيل‪،‬‬
‫وليست ھذه النصائح الغالية أن يعترف اليھود بحق العرب وأن يعودوا من حيث‬
‫جاءوا تاركين البالد ألصحابھا ‪ ..‬ال !‬
‫إن الضمير الدينى عند الصحيفة المتدينة جعلھا تسدى نصحا ً من لون آخر‪ ،‬لقد قالت‬
‫لليھود‪:‬‬
‫” إننا احتللنا فلسطين قبلكم‪ ،‬وبقينا فيھا سنين عدداً‪ ،‬ثم استطاع المسلمون إخراجنا‬
‫وتھديم المملكة التى أقمناھا ببيت المقدس‪ ،‬وذلك ألغالط ارتكبناھا‪ ،‬وھا نحن أوالء‬
‫نشرح لكم تلك األغالط القديمة حتى ال تقعوا فيھا‬
‫مثلنا ! ‪..‬‬
‫ً‬
‫” استفيدوا من التجربة الفاشلة كى تبقى لكم فلسطين أبدا ويشرد سكانھا األصالء فال‬
‫يخامرھم أمل العودة !“‬
‫وشرعت الصحيفة التقية تشرح‪ :‬لماذا انھزم الصليبيون األقدمون وتوصى حكام ”‬
‫إسرائيل ” بأمور ذات بال‪ ،‬وتحرضھم فى نذالة نادرة أن يوسعوا الرقعة التى‬
‫احتلوھا‪ ،‬وأن يستقدموا أفواجا ً أكثر من يھود العالم‪ ،‬وأن يحكموا خطتھم فى ضرب‬
‫العرب ومحو قراھم وإبادة خضرائھم‪ ،‬وبذلك يستقر ملك إسرائيل ويندحر اإلسالم‬
‫والمسلمون ‪.‬‬
‫وھاك أيھا القارئ عبارات المقال الذى نشرته مجلة ” تايلت ” اإلنجليزية الكاثوليكية‬
‫للكاتب )ف ‪ .‬س اندرسون( فى العدد الصادر فى ‪. 1957 / 10 / 26‬‬
‫يقول الكاتب المذكور ” إن نظرة واحدة إلى خارطة حدود إسرائيل الحالية تعيد إلى‬
‫الذاكرة للفور أوجه الشبه القوية بين تلك الحدود وحدود مملكة الصليبيين التى قامت‬
‫عقب احتالل القدس ‪ 1099‬م ‪..‬‬
‫” ونظرا ً إلى األعمال العدائية بين إسرائيل وجيرانھا نرى من المفيد أن نقارن بين‬
‫الحالة العسكرية الراھنة وبين مثيالتھا فى أيام الصليبيين‪ ،‬ولعلنا نرى ما إذا كان‬
‫سيتاح إلسرائيل خط أفضل مما كان للصليبيين القدامى أم سيلقون مصيرھم ؟ ‪..‬‬
‫” إن مملكة الصليبيين لم يكتب لھا البقاء إال أمداً قصيرا ً وقد مكثت ثمانية وثمانين‬
‫عاما ً فقط ثم استرد المسلمون القدس ! ‪..‬‬
‫” ومع أن المسيحيين نجحوا فى االحتفاظ بقطاع صغير شرقى البحر المتوسط مدة‬
‫مائة عام أخرى إال أنھم فشلوا فى الدفاع عن عكا أخيراً وأخذوا يغادرون ھذه البالد‬
‫تحت جنح الظالم عائدين إلى أوروبا ‪..‬‬
‫” إن سقوط تلك المملكة كان يعود إلى بضع نقائص ظاھرة فإذا أريد إلسرائيل أن‬
‫تعيش مدة أطول فما عليھا إال أن تحتاط ضد ھذه النقائص ‪..‬‬
‫” لقد دخل الصليبيون فلسطين فى ظروف مالئمة جداً لھم‪ ،‬تميزت بوقوع الفرقة بين‬
‫المسلمين‪ ،‬وعجزھم عن إقامة جبھة مقاومة موحدة ! ‪..‬‬
‫” وھكذا استطاع المھاجمون أن يھزموا المسلمين بسھولة‪ ،‬دويلة بعد دويلة‪ ،‬وأن‬
‫يمكنوا ألنفسھم فى األقطار التى فتحوھا غير أنه لم يمض وقت طويل حتى ظھر‬
‫زعيم عسكرى مسلم استطاع أن يوحد المسلمين أمام خصومھم بسرعة‪ ،‬ثم حشد‬
‫قواھم فى معركة حطين وأصاب الصليبيين بھزيمة ساحقة تقرر على اثرھا مصير‬
‫القدس‪ ،‬بل انحسر بعدھا المد الصليبى جملة‪ ،‬ودخل صالح الدين األيوبى مدينة‬
‫القدس التى عجز أعداؤه عن استبقائھا أو استعادتھا فتركوھا يائسين ” ‪.‬‬
‫يقول الكاتب الكاثوليكى‪ ” :‬كان الصليبيون يستطيعون البقاء مدة أطول فى تلك البالد‬
‫لو لم يعانوا نقصا ً شديداً متواصالً فى الرجال‪ ،‬ولو أنھم وسعوا حدود مملكتھم وفق ما‬
‫تمليه الضرورات العسكرية الماسة‪ ،‬لماذا لم تحتلوا دمشق ؟ لقد كان احتالل دمشق‬
‫مفتاح مشكلتھم وضمان بقائھم ! وسيظل عدم تقديرھم لھذه الحقيقة‬
‫لغزاً لنا ؟ ‪..‬‬
‫” نعم إنھم بذلوا جھوداً واھية الحتالل تلك المدينة بيد أن محاوالتھم كانت من‬
‫الضعف بحيث كتب عليھا بالفشل ” ‪.‬‬
‫وبدالً من أن يتابعوا جھودھم الحتالل دمشق اتجھوا جنوبا ً واحتلوا العقبة وشرعوا‬
‫يوجھون حمالتھم إلى مصر‪ ،‬مع أن اإلشراف على النيل ھدف عسير التحقيق !!‬
‫وعندما أصبحت للمسلمين اليد العليا فى ذلك العھد استطاعوا إجالء الصليبيين عن‬
‫العقبة وعن سائر حصونھم فى الجنوب‪ ،‬إال أن الكارثة الكبرى جاءت من الشرق‪،‬‬
‫فإن معركة حطين وقعت بالقرب من طبرية عند الزاوية الشمالية الشرقية لمملكة‬
‫الصليبيين ‪..‬‬
‫ولما كانت دمشق واألرض الممتدة بين األردن والصحراء السورية ملكا ً للمسلمين‬
‫فقد استطاعوا أن يتحركوا بحرية على ثالث جبھات حول المملكة الصليبية التى‬
‫أضحت شبه محصورة ‪ ..‬وذلك ما أعجزھا عن المقاومة !‬
‫يقول الكاتب الحزين لما أصاب أسالفه‪ ” :‬ولو أن الصليبيين اندفعوا قدما ً وقطعوا‬
‫الممر الذى يؤدى إلى الشرق من دمشق الستطاعوا منع مرور الجيوش والقوات بين‬
‫سورية ومصر‪ ،‬ولكانت حدودھم الشرقية المستندة إلى الصحراء أكثر أماناً‪،‬‬
‫وألمكنھم االنتفاع من أساطيلھم البحرية ” ‪.‬‬
‫ثم يستأنف الكاتب الحاقد كالمه فيقول‪ ” :‬لقد أقيمت إسرائيل فى وقت كان العرب فى‬
‫الدول المجاورة عاجزين عن القيام بعمل موحد‪ ،‬ثم بقدر كبير من الجھد والشجاعة‬
‫استطاع اليھود أن يبلغوا حدودھم الحالية‪ ،‬لكن ھذه الحدود تطابق حدود المملكة‬
‫القديمة للصليبيين‪ ،‬وقد عرفنا مآلھا فما العمل ؟ ” ‪.‬‬
‫يقول الكاتب محرضا ً اليھود على مزيد من العدوان‪ ” :‬مرة أخرى ما لم تتحرك‬
‫إسرائيل فى االندفاع نحو دمشق فستبقى للعرب تلك الحرية الخطرة فى تنقيل قواھم‬
‫حول ثالث جھات من إسرائيل‪ ،‬وفى ذلك ما فيه ” ‪.‬‬
‫ويستطرد‪ ” :‬قد يكون من العسير سياسيا ً أن تتحرك إسرائيل لغزو سوريا واحتالل‬
‫دمشق لكن االتجاھات السياسية السورية قد تساعد على تسويغ ذلك‪ ،‬وإن مثل ھذه‬
‫النزھة الحربية )!( ستنطوى على فائدة دائمة إلسرائيل أعظم من الفائدة التى تجنيھا‬
‫من التغلغل فى صحراء سيناء ” ‪.‬‬
‫ويختم الكاتب ” نصيحته ” ألصدقائه اليھود فيقول‪ ” :‬إن إسرائيل لن تنقصھا القوى‬
‫البشرية فلديھا جيش كبير باإلضافة إلى ھجرة منظمة من جميع أنحاء العالم تمدھا‬
‫بكل ما تفتقر إليه من طاقات ويجب أن تظل قادرة على وضع جيش قوى فى الميدان‬
‫يكون دائما ً على أھبة االستعداد ” ‪.‬‬
‫لو أن كاتب ھذا الكالم يھودى قح ما استغرب المرء حرفا ً منه !‬
‫إن وجه العجب فى ھذا التوجيه المشوب بالود إلسرائيل والبغض للعرب والمسلمين‬
‫أن الكاتب مسيحى ينشر أفكاره فى مجلة كاثوليكية ‪.‬‬
‫وھو يفكر ويقارن ويقترح كأن القضاء على العروبة واإلسالم جزء من عقله الباطن‬
‫والظاھر‪ ،‬ثم ھو ال يشعر بذرة من حياء فى إعالن سخائه ‪ .‬إن مشاعر البغضاء‬
‫المضطرمة فى جوفه تغريه باالسترسال والمجازفة دون أن تھيب‪ ،‬ويحزننا أن‬
‫الكالم ليس إبداء لوجھة نظر خاصة‪ ،‬فإن الكاثوليك فى أرجاء األرض انتھزوا‬
‫فرصة الضعف التى يمر بھا اإلسالم كيما يحولوھا إلى ھزيمة طاحنة وفناء أخير ‪.‬‬
‫والروح الذى أملى بكتابة ھذا المقال ھو نفسه الروح الذى كمن فى مقررات المجمع‬
‫المسكونى الذى عقده بابا روما وصالح فيه اليھود‪ ،‬وأمر الكنائس بعده أال تلعنھم فى‬
‫صلواتھا ‪.‬‬
‫وھو الروح الذى جعل ” البابا بولس ” يزور القدس ويدخل األرض المحتلة ويتعامل‬
‫مع سلطات إسرائيل‪ ،‬وھو تصرف لم يفعله أى بابا من مئات السنين !‬
‫وللقارئ المسلم أن يسأل‪ :‬أذلك موقف الكاثوليك وحدھم ! أم أن أصابع االستعمار‬
‫الغربى قد أفسدت التفكير الدينى لدى كثير من المفكرين الغربيين ‪.‬‬
‫قرأت كتابا ً وجيزاً للمؤلف المصرى المنصف الدكتور وليم سليمان وردت به ھذه‬
‫الحقائق نذكرھا مع تعليق سريع ال بد من إيراده ‪ .‬قال‪ ” :‬فى ديسمبر سنة ‪ 1961‬عقد‬
‫مجلس الكنائس العالمى مؤتمره الثالث فى نيودلھى‪ ،‬وأصدر قراراً حدد فيه موقفه من‬
‫اليھود جاء فيه‪ :‬ال بد من تھيئة التعليم الدينى المسيحى وتقريبه لألذھان على وجه‬
‫يبرئ اليھود من تبعات األحداث التاريخية التى أدت لصلب المسيح إذ إن ھذه التبعات‬
‫تقع على‬
‫عاتق اإلنسانية كلھا )!( ‪..‬‬
‫” وقد صرح الراعى البروتستانتى األمريكى ل ‪ .‬ج ‪ .‬نبيت األستاذ بمعھد الالھوت‬
‫بنيويورك قائالً‪ :‬إن الكنائس مسئولة بوجه خاص عن العداء للسامية فقد ظلت تعاليم‬
‫المسيحية موجھة عدة قرون ضد اليھود وھو عداء يعد من مخلفات األحقاد الدينية‬
‫القديمة ” ‪.‬‬
‫نقول نحن‪ :‬وما ذنب المسلمين فى ھذا ؟ وھل عرب فلسطين يدفعون ثمن ھذا الخطأ‬
‫الكنسى من وطنھم وكرامتھم وحاضرھم ومستقبلھم ؟‬
‫ذلك ما يريده مجلس الكنائس العالمى الموقر ! فإن ھذا المجلس عقد مؤتمراً فى‬
‫بيروت وزار أعضاؤه مخيمات الالجئين ثم قرر أنه ليس ھناك حل دائم لمشكلة‬
‫الالجئين الفلسطينيين إلى أن يبت فى القضية الخاصة بالخالف بين العرب وإسرائيل‬
‫‪.‬‬
‫” وقال المؤتمر ” الطيب القلب ”‪ :‬إن ذلك سيشمل خطة عامة لتعويض الالجئين‬
‫سواء عادوا إلى وطنھم أم لم يعودوا وإن ھناك صدقات سوف يأخذھا أصحاب‬
‫األرض والمطرودين ! ‪..‬‬
‫” وفى سنة ‪ 1964‬عقد مجلس الكنائس العالمى فصله الدراسى الثالث عشر ” بجنيف‬
‫” وافتتح الجلسة عميد الكلية الالھوتية بجامعتھا فقال ال فض فوه‪ :‬حين تثور مشكلة‬
‫اليھود فإن الكنيسة ال تستطيع أن تتجاھل ثقل مسئوليتھا العظيمة عن آالمھم‬
‫وضياعھم طول تاريخھم ولذلك فإن أول ما يصدر عنھا نحوھم ھو طلب المغفرة ‪..‬‬
‫” يجب على الكنيسة أن تطلب المغفرة من اليھود !! بھذه العبارة الضارعة الذليلة‬
‫يفتتح مجلس الكنائس العالمى الجلسة التى يحدد فيھا موقف من دولة إسرائيل ‪. ” ..‬‬
‫ونتساءل نحن مرة أخرى‪ :‬أإذا أجرم غيرنا وجب علينا نحن القصاص ؟ ” أال لعنة‬
‫ﷲ على الظالمين الذين يصدون عن سبيل ﷲ ويبغونھا عوجا ً ” ] ھود‪. [ 19 :‬‬
‫لقد فكرت فى ھذا األمر مليا ً ! إن حقنا ليس غامضا ً حتى يلتمس عذر لمستبيحه !‬
‫ھل المال اليھودى من وراء ھذه الذمم الخربة مھما كانت مناصبھا الدينية ؟ ربما ‪.‬‬
‫أم أن الضغائن العمياء على اإلسالم وأمته سيرت الخطب والمقاالت فى ھذا المجال‬
‫الفوضوى المكابر الوقح ؟ ربما ‪.‬‬
‫لكن الدكتور وليم سليمان فى كتابه ” الكنيسة المصرية تواجه االستعمار والصھيونية‬
‫” يذكر لنا كالماً آخر يستحق الدرس والتأمل ‪.‬‬
‫إنه ينقل عن مؤرخ اإلرساليات ” ستيفن نيل ” ھذه العبارات من تقرير له‪ ” :‬لقد تيقن‬
‫الرجل الغربى أن سجله االستعمارى حافل بالعار وأصبح أقل ثقة مما كان فى‬
‫وحدانية اإلنجيل المسيحى ونھائيته‪ ،‬وفى حقه ـ أى حق الرجل الغربى ـ أن يفرض‬
‫على ورثة األديان العظيمة األخرى شيئا ً قد يثبت فى النھاية أنه ليس أكثر من خرافة‬
‫غريبة ‪.. a western myth‬‬
‫” وبدأ فى أوساط رجال الالھوت ھجوم صريح على األلوھية بكل مظاھرھا فى‬
‫المسيحية ! وانتشر تيار فكرى يجعل نقطة بدايته ” موت اإلله ” )!( وينادى بمسيحية‬
‫ال دين فيھا )!( وينادى بھذه األفكار ” بنھوفر ويلتمان ” واألسقف اإلنجليزى ” جون‬
‫روبنسون ” ‪..‬‬
‫] انظر على سبيل المثال كتاب روبنسون ‪ Honest To God‬الذى طبع منه فى‬
‫مارس سنة ‪ 1962‬أربع طبعات وفى أبريل سنة ‪ 1962‬طبعتان وفى كل من مايو‬
‫ويوليو وسبتمبر من نفس العام طبعة وكانت الطبعة العاشرة فى سبتمبر سنة ‪،1964‬‬
‫وقارب عدد النسخ المطبوعة مليون نسخة‪ ،‬وعلقت عليه مجلة ” تايم ” فى ‪25‬‬
‫ديسمبر سنة ‪ 1964‬ونيوزويك فى أبريل سنة ‪ 1966‬ومجالت أمريكية أخرى كثيرة‬
‫!! [‬
‫” ويخيل للمراقب من بعيد أن القوم يثورون على اإلله ألنه تخلى عنھم وساعد‬
‫أعداءھم ” ‪.‬‬
‫ويستطرد الدكتور وليم سليمان فيقول عن الغربيين‪ ” :‬الدين فى نظرھم لم تعد له قيمة‬
‫فى ذاته‪ ،‬إنه شىء يمكن االستفادة منه لتحقيق األھداف الدنيوية التى ينشدھا الغرب‬
‫فى شتى أنحاء العالم ” ‪.‬‬
‫وخالصة ھذا الكالم أن المسيحية انتحرت فى أوربا‪ ،‬فأى تدين ھذا الذى ينخلع ابتداء‬
‫من اإليمان بالحى القيوم‪ ،‬ويعتبر التعامل معه منتھيا ً ألنه تالشى ومات ‪!! ..‬‬
‫إن ذلك ھو التفسير الحقيقى النضواء رجال الكھنوت تحت راية االستعمار‪،‬‬
‫وركضھم الخسيس فى خدمة قضاياه ‪..‬‬
‫وعندما تتسابق شتى الكنائس إلرضاء إسرائيل وتعلق اليھود فھل يدل ذلك إال على‬
‫شىء واحد وھو أن رجال الدين باعوا ضمائرھم للشيطان ‪ ..‬؟‬
‫إن العرب يتعرضون إلبادة عامة‪ ،‬والتفجيرات تنسف منازلھم وقد محيت قرى‬
‫بأكملھا من الوجود‪ ،‬والدفاع عن النفس يوصف بأنه إجرام وتمرد ‪.‬‬
‫ووسط ھذا الحريق المستعر يبارك ساسة إسرائيل‪ ،‬ويقول رجال الدين والدنيا‪ :‬خلقت‬
‫إسرائيل لتبقى ! فأين منطق اإليمان با“ واليوم اآلخر فى تلك المداھنة وھذا‬
‫االستخذاء ‪ .‬ظاھر أن القوم قد تحولوا إلى سماسرة وعمالء لالستعمار العالمى ‪.‬‬
‫واعتقادى أن ھذه المحنة الرھيبة ستوقظ اإلسالم النائم وإن كان غيرى يرى أن‬
‫المادية المتربصة ھى الكاسبة من خيانة الغرب لدينه ومثله ‪.‬‬
‫وال شك أن المستقبل محفوف بأخطار شداد‪ ،‬بيد أننا لن نفقد توازننا وال ثقتنا فى‬
‫أصالتنا الدينية وال آمالنا فى جنب ﷲ ‪.‬‬
‫واعتقادى كذلك أن االستعمار سيفشل فى محاوالته الدائبة لجر الكنائس الشرقية إلى‬
‫جانبه وإشراكھا فى مآسيه‪ ،‬وإذا كان قد ضلل البعض فإن الجمھرة الغالبة ستبقى على‬
‫وفائھا لتعاليمھا ومواطنيھا وتاريخھا الصبور ‪.‬‬

‫ھذه المقررات ال نريد أن تنسى‬

‫أرسلت بصرى وراء طالب بعض المدارس وھم منصرفون إلى بيوتھم ‪ .‬كان‬
‫الصخب شديداً‪ ،‬والتدافع ظاھراً‪ ،‬والتصايح بالكلمات النابية مسموعا ً ! لم تكن‬
‫بالشارع أثارة من علم أو داللة على جد ورشد !‬
‫ولست أستكثر على الصبية فرح االنطالق واألوبة إلى األصل‪ ،‬ولست أجھل طبيعة‬
‫المرح فى مقتبل العمل وخفة التكاليف !‬
‫ولكنى لم أسترح للطيش البادى والمزح السخيف واأللفاظ الماجنة إذا كنا نريد إعداد‬
‫جيل صاعد فاألمر يتطلب سيرة وسريرة غير ما أرى ‪.‬‬
‫لقد عرفت كثيراً من البرامج العلمية التى تدرس‪ ،‬وال أزعم أنھا قليلة‪ ،‬بل أشعر أن‬
‫استيعابھا أساس صالح لخلق شعب مثقف ‪.‬‬
‫واطلعت على أغلب المقررات الدينية‪ ،‬وقد تكون أقل مما يجب درسه ‪ .‬ومع ذلك فھى‬
‫لو تم فقھھا وتحصيلھا أساس حسن لتكوين جيل مؤمن مھذب ‪..‬‬
‫إذن من أين تجىء الشكوى ؟ وما مصدر ما ذكرت من معايب ؟‬
‫إن المادة العلمية شىء وأسلوب تقديمھا وتلقيھا شىء آخر ‪.‬‬
‫إن ھذا األسلوب يرتبط برسالة األمة‪ ،‬وضرورة تربية النشء على اعتناقھا‬
‫واحترامھا ‪.‬‬
‫ومن ھنا فالتعليم المنفصل عن التربية جھد ضائع أو جھد تافه النتائج ‪..‬‬
‫وأذكر أن الدكتور ” حلمى مراد ” وزير التربية األسبق كان قد ألف لجنة لعالج ھذا‬
‫الوضع ‪.‬‬
‫وأشھد أن الرجل كان حاد البصيرة عميق اإلخالص‪ ،‬راغبا ً فى إنشاء جيل أفضل‬
‫وأقدر على مواجھة غده الثقيل ‪.‬‬
‫ولقد انقسمت اللجنة المؤلفة إلى لجان شتى بذل أعضاؤھا جھودھم فى أداء الواجبات‬
‫المنوطة بھم ‪.‬‬
‫] ألف الدكتور ” حلمى مراد ” وزير التربية والتعليم األسبق لجنة لدعم النواحى‬
‫الدينية فى التعليم العام‪ ،‬وإصالح مقرراته بما يعين على إنشاء جيل مسلم‪ ،‬وقد أخرج‬
‫الدكتور من الوزارة )!!( بعد أن أدت اللجنة واجبھا‪ ،‬فاستنقذنا ھذه المقررات إلحدى‬
‫الشعب التى اختصت بالجو المدرسى [‬
‫واخترت لنفسى أن أكون فى اللجنة المعنية ” بالجو الذى يسود المدرسة ” ألن‬
‫التربية المدرسية فى نظرى ھى الدعامة األولى لإلفادة من العلم المبذول كما أنھا‬
‫الدعامة األولى إلمداد أمتنا برجال ذوى معادن صلبة ومواھب راجحة وفضائل‬
‫بارزة ‪.‬‬
‫وقد انتھت اللجنة الموقرة إلى توصيات كثيرة‪ ،‬أستبيح لنفسى ذكرھا آمالً أن ينفع ﷲ‬
‫بھا‪ ،‬وأن تأخذ طريقھا إلى الھواء والضياء !!‬
‫قالت اللجنة‪ ” :‬ال نستطيع أن نربى الطالب تربية دينية كاملة إال إذا ھيأنا له جواً‬
‫روحيا ً فى مدرسته وفى بيته ليكون ھذا المناخ الدينى من وسائل التعلق بھذه القيم‬
‫واالنتفاع بھا‪ ،‬وبھذا تتالقى المعارف الدينية التى تلقاھا من مدرسه ومن كتابه بالجو‬
‫المصبوغ بالصبغة الدينية النقية فتتحول المعرفة النظرية إلى سلوك دينى كما تتحول‬
‫البذور فى الجو المالئم إلى زھور وثمر ” ‪.‬‬
‫وبذلك يمكن تثبيت العقائد وإلف العبادات وتزكية األخالق وتكوين جيل نزاع إلى‬
‫الحق والخير متعاون على البر والتقوى ‪.‬‬
‫ويتھيأ ھذا الجو الدينى المدرسى المنشود بما يأتى‪:‬‬
‫)‪ (1‬يبدأ اليوم الدراسى بتالوة من آيات الذكر الحكيم مجودة أو مرتلة لتشيع فى الجو‬
‫المدرسى أنسام الطھر الروحى ‪.‬‬
‫)‪ (2‬تدور كلمة الصباح باإلذاعة بين ثالث دقائق وخمس دقائق‪ ،‬حول ما سمعه‬
‫التالميذ من اآليات المقروءة‪ ،‬وما تفرضه المناسبات الدينية‪ ،‬وما ترشد إليه من‬
‫فضائل سامية‪ ،‬فى كلمات موجزة موحية ‪.‬‬
‫)‪ (3‬أن تكون دروس التربية الدينية فى الحصص الثالث األولى ؛ ليشعر الطالب بما‬
‫للدين من قيمة عليا بين المواد الدراسية‪ ،‬وليكون التلميذ فى ذروة النشاط الفكرى‪،‬‬
‫فيعى ما يسمع‪ ،‬ويقر فى نفسه ‪.‬‬
‫)‪ (4‬أن تذاع األناشيد الدينية أو قصة دينية قصيرة فى الفسحة األولى من اليوم‬
‫الدراسى ‪.‬‬
‫)‪ (5‬أن ينظم الجدول المدرسى فيتالقى ابتداء فسحة الظھيرة مع حلول وقت الظھر‬
‫وينادى للصالة ثم يدعى إليھا بكلمات تحمس الطالب ألداء الفريضة ‪.‬‬
‫)‪ (6‬أن يخرج مدرسو اللغة العربية والتربية الدينية ومعھم إدارة المدرسة ومن شاء‬
‫من المدرسين اآلخرين أمام التالمي‪ ،‬ثم يتجھوا إلى المصلى ليكون ھذا العمل‬
‫الجماعى إشعاراً ملموسا ً بإقامة الشعيرة فى وقتھا ‪.‬‬
‫)‪ (7‬أن يكون لكل مدرسة مجموعة من الرواد الدينيين يتناسب مع عدد الفصول‬
‫والطالب‪ ،‬وھم الراعون لتالميذھم يوجھونھم إلى مرشدھم ويؤمونھم فى صالتھم‬
‫وينظمون إقامة الشعيرة بجدول مخطط له حتى يؤدى الصالة أكبر عدد من الطالب‪،‬‬
‫وعليھم أيضا ً أن يعدوا تقريراً شھريا ً عن سلوك كل تلميذ من تالميذھم ويرسل‬
‫التقرير إلى ولى أمره ليحس البيت برعاية المدرسة للدين فيعينھا عليھا ‪.‬‬
‫)‪ (8‬أن يخصص يومان فى األسبوع من فسحة الظھر تدور فيھا مناقشات دينية‬
‫مطبوعة متصلة بحياة التالميذ وال تستغرق من وقت الفسحة زمنا ً طويالً حتى ال‬
‫يضيق التالميذ بھا ‪ .‬وفى األيام األخرى تذاع مسرحيات دينية قصيرة تتصل بمنھجھم‬
‫الدراسى ما أمكن ذلك ‪.‬‬
‫)‪ (9‬أن تتجدد جماعات النشاط الدينى فتكون ھناك جماعة للمسرح اإلسالمى وغيرھا‬
‫للصحافة اإلسالمية وأخرى للتاريخ اإلسالمى ‪ ..‬بجانب الجماعات التقليدية كجماعة‬
‫البر واإلمامة وغيرھما ‪.‬‬
‫)‪ (10‬أن يكون العاملون فى الميدان المدرسى قدوة حسنة تتسم باإليمان والسلوك‬
‫الحميد الذى ينعكس على تالميذھم إيمانا ً وإخالصا ً وسلوكاً قويما ً ‪.‬‬
‫)‪ (11‬أن نجعل من بعض أيام الجمعة فرصة اللتقاء التالميذ بأساتذتھم وأولياء‬
‫أمورھم فى مصلى المدرسة‪ ،‬حيث تلقى عليھم دروس دينية حية تناقش أفكارھم على‬
‫سعة‪ ،‬لنتيح اشتراك أولياء األمور فى ھذه المناقشة‪ ،‬مما يساعد على نقاء الجو‬
‫المنزلى‪ ،‬ويوثق الروابط بين البيت والمدرسة ‪.‬‬
‫)‪ (12‬أن تدور أسئلة التطبيق الدينى األسبوعى واالختبارات الشھرية والفترية حول‬
‫الموضوعات التى تثار فى الندوات واللقاءات الدينية لنشد انتباه التالميذ إليھا ‪.‬‬
‫)‪ (13‬محاسبة المدرسين الذين يستھينون بدروس التربية الدينية فيستبدلون بھا‬
‫حصص المواد األخرى ‪.‬‬
‫)‪ (14‬تقسيم طالب المدرسة إلى أسر إسالمية‪ ،‬وتسمى كل أسرة باسم شخصية‬
‫إسالمية كبرى‪ ،‬على أن يكون تالميذ كل أسرة على علم وثيق بمن انتمت إليه‬
‫أسرتھم‪ ،‬على أن تتبادل ھذه األسر المناشط الدينية وتثار بينھم المنافسات الكريمة فى‬
‫الجھاد الدينى‪ ،‬على أن يدعى أولياء األمور الجتماعات شھرية لھذه األسر ؛ ليسھموا‬
‫بجھودھم فى ھذا المجال ‪.‬‬
‫)‪ (15‬استخدام القيادات المؤمنة من الطالب فى جذب زمالئھم إلى اإلطار الذى‬
‫ترسمه المدرسة ليتحرك بنوھا فى حدوده‪ ،‬فإن تأثير الطالب على زمالئه أعمق من‬
‫تأثير األساتذة عليه ‪.‬‬
‫)‪ (16‬وضع صندوق فى فناء المدرسة تجمع فيه التساؤالت الحرة للطالب للرد عليھا‬
‫من جماعة الفتوى بالمدرسة ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫)‪ (17‬أن يعنى باالحتفال بالمناسبات الدينية احتفاال مخططا له‪ ،‬لتكون صورة متكاملة‬
‫تطبع فى نفوس الطالب اإلجالل لھذه المناسبة‪ ،‬ويجعل الھدف من إحيائھا ربط‬
‫الطالب بشعائر اإلسالم ومبادئه‪ ،‬فينبنى االحتفال على أن تعرض مكتبة المدرسة فى‬
‫ركن خاص كل ما لديھا من تواليف دينية أعدت لھذه المناسبة اإلسالمية‪ ،‬كما تقوم‬
‫بندوات وأناشيد دينية ومسرحيات وأشرطة إسالمية ‪.‬‬
‫)‪ (18‬أن تزين جدران المصلى والمدرسة بالفتات تجذب األنظار بجمال إخراجھا‬
‫وحسن اختيار ما يسطر عليھا من اآليات الكريمة واألحاديث الشريفة والحكم البالغة‬
‫والعظات الدينية الموجھة ‪.‬‬
‫)‪ (19‬االھتمام باختيار شعار للمدرسة من اآليات واألحاديث‪ ،‬ويدرس الطالب‬
‫والطوالب بشتى الوسائل على االلتزام بما فى ھذه الشعارات من قيم ومفاھيم‪ ،‬ويمكن‬
‫أن يختار لمدارس البنات الشعار الذى يدعو إلى البعد عن التبرج والتمسك بأھداف‬
‫الفضيلة واالحتشام فى الملبس والمظھر ‪.‬‬
‫)‪ (20‬أن تكون للتربية الدينية ركن فى المكتبة العامة وفى مكتبات الفصول‪ ،‬ويزود‬
‫ھذا الركن بخير ما تخرجه المطابع من الكتب الدينية الحديثة التى تربط بين الدين‬
‫والحياة وبين الدين والعلم‪ ،‬وتناسب كل مرحلة من المراحل الدراسية ‪.‬‬
‫)‪ (21‬أن يكون للمصحف الشريف مكان الصدارة فى المكتبة العامة ومكتبات‬
‫الفصول ومكتبة المصلى ‪.‬‬
‫)‪ (22‬العناية بالوسائل المعينة التى تساعد التالميذ على فھم أبواب المنھج الدينى‪،‬‬
‫وتشوقھم إليه‪ ،‬وتؤكد مفاھيمه فى نفوسھم‪ ،‬على أن يشترك الطالب فى إعدادھا ‪.‬‬
‫)‪ (23‬أن يكون بيد الطالب فيما يقرر لھم من الكتب كتاب ذو موضوع واحد‪ ،‬يصور‬
‫بعض البطوالت اإلسالمية والمعارك اإلسالمية وأمجاد اإلسالم العسكرية والعلمية‪،‬‬
‫لتكون مثالً عليا أمام الطالب ‪.‬‬
‫)‪ (24‬ينتفع بمجلس اآلباء فى دراسة وإنقاذ كل ما يجد من مشكالت فى سلوك‬
‫الطالب وعالقتھم بالمدرسة وتصرفاتھم الخارجية ‪.‬‬
‫)‪ (25‬أن يحرص الزائرون الرسميون للمدرسة على الصالة أمام التالميذ ومعھم‪،‬‬
‫ليترجموا عن العناية واالھتمام بأمر الدين‪ ،‬فتنصرف ھذه العناية إلى التالميذ ‪.‬‬
‫)‪ (26‬أن نستعين ببعض أولياء األمور وغيرھم من المثقفين ثقافة دينية واعية‪ ،‬فى‬
‫إلقاء بعض المحاضرات أو الدروس الدينية ليكونوا من أدوات التأثير وعوامل‬
‫االستجابة من الطالب‪ ،‬مع االھتمام بما يدور بين الطلبة من تيارات ونزعات قد‬
‫تنحرف بالعقيدة والوجدان الدينى ‪.‬‬
‫)‪ (27‬التزام الحشمة والوقار فى الزى بمدارس البنات بين المدرسات والطالبات ‪.‬‬
‫)‪ (28‬أن تعد المدرسة معرضا ً دينيا ً ينظم كل ما أنتجه الطالب من وسائل تعليمية‬
‫دينية‪ ،‬كصور المصلحين اإلسالميين ومناسك الحج والمعارك والغزوات‪ ،‬مع بعض‬
‫البحوث الدينية التى أعدھا الطالب بإشراف رائدھم‪ ،‬وفى ھذا تجسيد للقيم الروحية‬
‫التى ننشدھا إلعداد الجيل الجديد ‪.‬‬
‫)‪ (29‬إذا أمكن وصل النشاط الطالبى بالجماعات اإلسالمية القائمة فى البالد كان‬
‫ذلك حسناً على أن يتم تحت إشراف المدرسة ‪.‬‬
‫)‪ (30‬يوضع اليوم الدراسى فى إطار يحدد أوله ونھايته تحديدا ً متصالً بالدين فال‬
‫يدخل التالميذ فصولھم فرادى‪ ،‬وال ينصرفون منھا فرادى‪ ،‬ولكن يجمعون فى‬
‫صفوف قبل الدراسة واالنصراف ليرددوا أناشيد دينية وقومية ذات معنى روحى‬
‫وخلقى ‪.‬‬
‫)‪ (31‬أن تقوم المدرسة ببعض الرحالت الدينية التى يزور فيھا الطالب المساجد‬
‫الكبرى والمتاحف اإلسالمية واآلثار والمعالم الدينية والتاريخية والمناطق السياحية‬
‫الدينية‪ ،‬مما يوحى إليھم بأصالة ماضيھم اإلسالمى وحضاراتھم المجيدة التى كانت‬
‫مصدر إشعاع للعالم ‪.‬‬
‫)‪ (32‬تفتح أبواب بعض المدارس فى كل حى من األحياء فى جميع المدن بجمھورية‬
‫مصر العربية تحت إشراف مسئولين‪ ،‬وذلك لتحفيظ القرآن الكريم فى مدة العطلة‬
‫الصيفية‪ ،‬وأن تخصص مكافآت مغرية لمن يحفظ جزءاً من القرآن‪ ،‬وكلما زاد عدد‬
‫األجزاء من القرآن زادت المكافآت ‪.‬‬
‫الحوافز‪:‬‬
‫)‪ (34‬خلق الحوافز بين الطالب المتميزين دينيا ً من مثل إعفائھم من بعض الرسوم‬
‫المدرسية أو رسوم الرحالت أو غير ذلك ‪.‬‬
‫)‪ (35‬أن ترصد نسبة مجزية من حصيلة مجلس اآلباء لتأثيث المصلى‪ ،‬وإثابة‬
‫المجيدين والمسابقات الدينية وإعانة المحتاجين من الطالب ‪.‬‬
‫)‪ (36‬أن ترصد المناطق التعليمية مكافآت مالية سخية للطالب المثالى فى السلوك‬
‫الدينى القيوم ليحفز ذلك غيرھم إلى أن ينھجوا نھجھم ويسلكوا سلوكھم ‪.‬‬
‫)‪ (37‬إعداد لوحات شرف للممتازين فى تحصيلھم الدينى وسلوكھم المستقيم ولمن‬
‫يقوم بأعمال فى البر تستلزم التنويه بھا واإلشادة بمن قاموا عليھا ‪.‬‬
‫)‪ (38‬إعداد شھادات تقديرية للطالبة أو الطالب الذى ينماز بالتحصيل الدينى ويسھم‬
‫فى أنشطته ويتمسك بحبل الفضائل على أن ترسل ھذه الشھادات إلى ذويھم لتبعث‬
‫فيھم الحماسة للتربية الدينية فى المنزل‪ ،‬وليحرص البيت على النماء الروحى لھؤالء‬
‫األبناء ‪.‬‬
‫وبعد ‪..‬‬
‫)‪ (39‬كل ما قدمناه إنما يدعم باألجھزة اإلعالمية الطاھرة النقية‪ ،‬أما إذا بقى الحال‬
‫على ما ھو عليه فى الصحافة واإلذاعة والتليفزيون وغيرھا من وسائل اإلعالم‬
‫فالجھد ضائع‪ ،‬ألن ما يبنى ھنا تھدمه ھذه الوسائل ھناك ‪.‬‬
‫وﷲ ولى التوفيق ‪.‬‬

‫أسئلة وأجوبة‬

‫] ھذه األسئلة ـ وغيرھا ـ وإن كانت ھى الشغل الشاغل لكثير من الطالب‪ ،‬إال أن‬
‫الذى تقدم بھا ھم طلبة جامعة اإلسكندرية [‬

‫**السؤال األول‬
‫” المرحلة القائمة فى العالم اإلسالمى‪ ،‬ھل تبشر بالخير وتثير التفاؤل ؟ أم أنھا على‬
‫النقيض نذير سوء وال خير من ورائھا ؟ ”‬
‫*الجواب‪:‬‬
‫العالم اإلسالمى اليوم فى فترة كئيبة من تاريخه الطويل‪ ،‬فترة فقد فيھا وحدته‪ ،‬ونسى‬
‫رسالته‪ ،‬وألمت به إغفاءة كبرى جعلته يتدحرج فى مؤخرة الركب اإلنسانى ضعيف‬
‫الوعى والحركة‪ ،‬يطمع فيه العدو ويأسى له الصديق ‪.‬‬
‫وھذه حالة منكورة يستحيل قبولھا أو ارتقاب خير من ورائھا ‪..‬‬
‫ولقد قلت فى كتاب لى ـ لما يظھر بعد ـ ما أظنه إجابة شافية على ھذا السؤال‪:‬‬
‫الفقر الحقيقى فى األمة اإلسالمية الكبيرة ھو ھذا الشلل الغريب فى الھمم والمواھب‬
‫وھذا التخلف السحيق فى مجال اإلنتاج واإلجادة ‪.‬‬
‫ثم ذلكم العبث بمعنى اإليمان والنكوص عن منطقه‪ ،‬إلى جانب تعلق وضيع بالشھوات‬
‫ونھمة بادية إلى الدنيا ‪.‬‬
‫وما نصف خصومھم بأنھم يكرھون الحياة وملذاتھا‪ ،‬بيد أن األمم القوية تبلغ ما تھوى‬
‫بوسائلھا الخاصة‪ ،‬أما األمم الضعيفة فھى تلھث وراء غيرھا تتعلق بركابھم تعلق‬
‫المتسلقين بمركبات النقل أو المتسولين بأذيال السادة ‪.‬‬
‫والنھوض الحقيقى ھو زوال ھذه العلل وفناء جراثيمه‪ ،‬وقدرة األمة على االستغناء‬
‫بعملھا وإنتاجھا‪ ،‬واالستھداء بإيمانھا وفضائلھا‪ ،‬واالستعالء على متاع الدنيا بحيث‬
‫تأخذ منه بقدر وتنصرف عنه متى شاءت !!‬
‫ويؤسفنى التصريح بأن الشعوب اإلسالمية حتى يومنا ھذا لم تبدأ نھضة صحيحة‪،‬‬
‫وأن مظاھر التقدم التى نراھا أو نسمع عنھا ھى امتداد نشاط القوى الكبرى فى العالم‬
‫أكثر مما ھى تطلع المتأخرين للتقدم‪.‬‬
‫فالغرب الصليبى يصطنع شعوبا ً شتى لخدمة مآربه ويمدھا بكثير من عونه المادى‪،‬‬
‫وقليل من تقدمه الحضارى ‪.‬‬
‫والشرق الشيوعى ينافسه فى ھذا الميدان‪ ،‬ويحاول االستفادة من أخطائه أو يحاول‬
‫ميراثه إذا انتھى فى مكان ما وجمھرة المتعلمين أوزاع‪ ،‬بعضھم يؤثر النمط الغربى‬
‫فى الفكر والسلوك‪ ،‬وآخرون قد أعجبتھم الماركسية فاصطبغوا ظاھرا ً وباطنا ً‬
‫بنزعتھا ‪.‬‬
‫أما الذين يتشبثون بالعقائد والفضائل اإلسالمية ويريدون بناء المجتمع الكبير على‬
‫دعائم الوحى المحمدى فقلة غامضة فى الناس‪ ،‬وال أقول منكورة الوجه منكودة الحظ‬
‫‪.‬‬
‫من أجل ذلك قلت‪ :‬إن الشعوب اإلسالمية لم تبدأ بعد نھضة صحيحة‪ ،‬تكون امتدادا ً‬
‫لتاريخھا وإبرازا ً لشخصيتھا‪ ،‬أو نماء ألصلھا‪ ،‬وتثبيتا ً لمالمحھا ‪.‬‬
‫ومن الغلط تصور أنى أحرم االستفادة من تجارب اآلخرين ومعارفھم !‬
‫كيف وھؤالء اآلخرون ما تقدموا إال بما نقلوه عن أسالفنا من فكر وخلق ووعى‬
‫وتجربة ‪ .‬إن دولة الخالفة الراشدة اقتبست فى بناء النظام اإلسالمى من مواريث‬
‫الروم والفرس دون غضاضة ‪.‬‬
‫وعندما آكل أطعمة أجنبية أنا بحاجة إليھا‪ ،‬فالجسم الذى نمى ھو جسمى‪ ،‬والقوى التى‬
‫انسابت فى أصالة ھى قواى ‪.‬‬
‫المھم أن أبقى أنا بمشخصاتى ومقوماتى ‪ ..‬المھم أن أبقى وتبقى فى كيانى جميع‬
‫المبادئ التى أمثلھا والتى ترتبط بى وأرتبط بھا ألنھا رسالتى فى الحياة ووظيفتى فى‬
‫األرض ‪.‬‬
‫ھذا ھو مقياس النھضة وآية صدقھا أو زيفھا‪ ،‬فھل فى العالم اإلسالمى نھضات جادة‬
‫تجعل اإلسالم الحنيف وجھتھا‪ ،‬والرسول الكريم أسوتھا ؟‬
‫إننا ھنا حريصون أشد الحرص على جعل البناء الجديد ينھض على ھاتيك الدعائم ‪..‬‬
‫وإذا كنا نستورد من الخراج ثمرات التقدم الصناعى‪ ،‬وننتفع من خيرات غيرنا فى‬
‫آفاق الحياة العامة فليكن ذلك فى إطار صلب من شرائعنا وشعائرنا ‪.‬‬
‫فإنه ال قيمة ألحدث اآلالت إذا تولى إدارتھا قلب خرب‪ ،‬وال قيمة ألفتك األسلحة إذا‬
‫حاول الضرب بھا فؤاد مستوحش مقطوع عن ﷲ مولع بالشھوات ‪.‬‬
‫إن بناء النفوس والضمائر يسبق بناء المصانع والجيوش وھذا البناء ال يتم إال وفق‬
‫تعاليم السالم ‪ ] .‬من كتاب )حصاد الغرور( الذى تضمن ما ألقاه الكاتب من‬
‫محاضرات فى جمعية اإلصالح االجتماعى مع بحوث أخرى [‬
‫**السؤال الثانى‬
‫ً‬
‫ھل تعتقد أن قضية فلسطين يمكن أن تحل سلميا كما ينادى البعض ؟ وإذا كنت تعتقد‬
‫ھذا فما صورته فى ذھنك ؟ وإذا كان رأيكم أن الحرب ھى األمثل فما صورتھا ؟ ھل‬
‫حرب شعوب أم حرب حكومات؟ وھل تكون عربية أم إسالمية ؟‬
‫*الجواب‪:‬‬
‫لقد قرر اليھود إقامة وطن قومى لھم فى فلسطين‪ ،‬وتحولت أمانيھم الدينية إلى‬
‫مخططات مدروسة تنفذ بدقة وصرامة ‪.‬‬
‫فھم باسم التوراة والتلمود جاءوا ‪.‬‬
‫وتحت شعارات من الوحى الذى يقدسونه تحركت مواكبھم من أرجاء الشرق والغرب‬
‫صوب فلسطين ‪.‬‬
‫وفلسطين عندما قرر اليھود االستيالء عليھا لم تكن أرضا ً خالء بل كان مسكونة‬
‫بألوف مؤلفة من العرب‪ ،‬ومعنى تھويد ھذه األرض طرد من عليھا من سكان أو‬
‫إبادتھم وفق تعاليم العھد القديم ‪.‬‬
‫وقد أعان االستعمار إعانة فعالة على تحقيق ھذه الغايات وتقريب بعيدھا وتذليل‬
‫صعابھا‪ ،‬وانتھى األمر فى سنة ‪ 1390‬من الھجرة إلى قيام دولة لليھود تحاول البقاء‬
‫فى وجه مقاومة متفرقة من العرب الذين صحوا على أشباح الضياع والذل والخيانة‬
‫تحيط بھم من كل مكان‪ ،‬فھل يحتاج فھم ھذا الموقف إلى ذكاء سطحى أو عميق ؟‬
‫إن الحرب قد أعلنت بالفعل على العرب‪ ،‬وھدفھا المحدد إجالؤھم أو إفناؤھم وإقامة‬
‫وجود دينى يھودى على أنقاض جنسھم ورسالتھم وكتابھم فأين مكان اإلسالم فى ھذا‬
‫الوضع ؟‬
‫إن السالم ھنا معناه االستسالم للذبح‪ ،‬معناه قيام سرائيل ال داخل حدودھا الحالية‬
‫وحسب !! بل فى اإلطار الذى رسمته التوراة‪ :‬من الفرات إلى النيل !!‬
‫ومعنى ھذا ـ دون كد الذھن أو إعمال الذكاء ـ سحق الوجود العربى اإلسالمى فى‬
‫الشرق األوسط‪ ،‬ثم اإلجھاز على أطراف األمة اإلسالمية الكبرى فى أفريقيا وآسيا‬
‫بعد زوال الكيان العربى األصيل إذ العرب دماغ اإلسالم وقلبه ! وتلك ھى الغاية‬
‫التى تسعى لھا قوى كثيرة وتتجمع لتحقيقھا عناصر شريرة ‪.‬‬
‫وإنى ألمس وراء التحركات الكثيرة ضد فلسطين وأھلھا ھذه النيات السود‪ ،‬وتلك‬
‫األھداف الرھيبة‪ ،‬وإن أعجب فعجبى للذين يقادون إلى مصارعھم وھم مخدرون‪،‬‬
‫وتلطمھم األحداث وھم غافلون ” أو ال يرون أنھم يفتنون فى كل عام مرة أو مرتين‬
‫ثم ال يتوبون وال ھم يذكرون ؟ ” ]التوبة‪[129:‬‬
‫إن الحرب فرضت فرضا ً على العرب‪ ،‬فال خيار لھم بإزائھا‪ ،‬وال مكان للتساؤل عن‬
‫فرص تجنبھا بعدما دارت رحاھا على يومنا وغدنا ‪.‬‬
‫وال معنى لتجنب الحرب إال االستسالم للفناء والرضا بالتالشى واالنقضاء‪ ،‬وما دام‬
‫القتال قد كتب علينا بدوافع دينية وأحقاد تاريخية وأطماع استعمارية‪ ،‬وما دامت غايته‬
‫إبادتنا فال بد أن نتالقى عربا ً ومسلمين‪ ،‬حكومات وشعوبا ً ؛ لرد ھذه الغائلة واستبقاء‬
‫وجودنا المھدد ‪.‬‬
‫إن الحرب المعلنة علينا دينية ال يمارى فى ذلك عاقل‪ ،‬وما دامت العقيدة سالحا ً‬
‫يرتكز عليه العدوان فلم ال تكون العقيدة سالحا ً يرتكز عليه الدفاع ؟ وما معنى إبعاد‬
‫اإلسالم عن معركة ھو فيھا مستھدف ؟ وأمته فيھا ضحية اليوم والغد ؟‬
‫إننى أعتقد فى أعماق قلبى أن إبعاد اإلسالم عن المعركة ال يخدم إال بنى إسرائيل‬
‫ومن وراءھم من الحاقدين على رسالة محمد وجنسه القدامى والمحدثين ‪.‬‬
‫وإبعاد اإلسالم عن القتال الدائر أنفع لبنى إسرائيل من إمدادھم بألف طائرة من أفتك‬
‫طراز ‪.‬‬
‫إنه ال يفل الحديد إال الحديد‪ ،‬وال يصد عدوانا ً يعتمد على دين إال دفاع يستند إلى دين ‪.‬‬
‫**السؤال الثالث‬
‫الشيوعية والرأسمالية تتصارعان على اقتسام األرض فما ھو موقفنا ـ كمسلمين ـ من‬
‫ھذا الصراع ؟ وما ھو رأيك فى مستقبل النظامين ؟‬
‫**الجواب‪:‬‬
‫فى العالم جبھتان متقدمتان ماديا ً وعقليا ً تتنازعان زمامه وتبغى كلتاھما أن تنفرد‬
‫بقيادته وتوجيھه ‪..‬‬
‫والمفروض فى نظر الكثيرين أن تنتصر إحداھما لبسط سلطانھا على العالم أجمع ‪.‬‬
‫ولست فى جانب ھذا الفرض‪ ،‬بل ما أرجحه أنه ستوجد جبھة ثالثة تقدم للعالم نموذجا ً‬
‫أفضل لمجتمع بشرى عادل حر مؤمن با“ ورسله وال يطمع فى السيطرة على‬
‫اآلخرين ولكنه يستطيع أن يضىء لھم الطريق ‪.‬‬
‫ولى مالحظة على العنوان الذى يطلق على العالم الرأسمالى !‬
‫إن رأس المال عندما يتكون من حالل طيب‪ ،‬ال من مال منھوب وال من حيف على‬
‫الطبقات الكادحة‪ ،‬وعندما يقوم بسد الثغرات االجتماعية ال بتوسيعھا‪ ،‬واحترام‬
‫الحقوق األدبية ال إھدارھا ‪ ..‬إنه فى ھذه الحالة يصلح أساسا ً لجماعة إنسانية كريمة‪،‬‬
‫ولكن العالم الرأسمالى اآلن يقوم بعمليات خطف كبرى لثروات الشعوب ويعمل على‬
‫توسيع الفتوق فى الكيان العالمى ويجتھد فى إھدار الكرامة البشرية للملونين‪ ،‬كما‬
‫يجتھد فى إھدار حقوق األمم الضعيفة وإبقائھا فى منزلة التابع المھين ‪.‬‬
‫وعندى أن العالم الشيوعى إنما يمتد مستغالً أخطاء الرأسمالية فى الميادين‬
‫االجتماعية والسياسية‪ ،‬وھى أخطاء جسيمة‪ ،‬وھناك كتل من الشعوب التى ضارھا‬
‫الحرمان والذل‪ ،‬ترمق المعسكر الشيوعى بعين الخيال‪ ،‬تحسب أن نجاتھا عنده‪،‬‬
‫وعذرھا أنھا تريد الخالص مما تعانى إلى ما تؤمل !! ثم إن الدين قد تخلى عن‬
‫وظيفته السماوية فى ظل ھذه الرأسمالية !!‬
‫وقد رأينا ـ نحن العرب ـ كيف تجمع اليھود على دانتھم الستئصالنا‪ ،‬وكيف أعانتھم‬
‫الدول المسيحية الكبرى علينا إشباعا ً لحقدھا وجشعھا ‪.‬‬
‫فإذا احتقر الماديون دور الدين فى صياغة مستقبل اإلنسان فھم معذورون‪ ،‬ألن طبول‬
‫الحاخامات والباباوات كنت تدق بحماس فى مواكب المعتدين !!‬
‫إن العالم الرأسمالى ينتحر بما يتناوله من تفرقة عنصرية ومظالم مادية وأدبية‪ ،‬وبما‬
‫يكنه فى ضميره اآلثم من ضغائن على اإلسالم والمسلمين ‪..‬‬
‫فھل معنى ھذا الكالم أن البشرية ستؤثر الكفر با“ والبعد عن ھداه ؟ ال أعتقد ‪.‬‬
‫إنھا ستبقى فى حيرة تطول أو تكثر حتى يوجد جيل من الناس يقدم لھا الھدى مقرونا ً‬
‫بالعدل‪ ،‬والحرية مقرونة بالفضيلة‪ ،‬واإليمان بالروح مقرونا ً بتقدير الجسد‪ ،‬واإليمان‬
‫باآلخرة مقرونا ً بتقدير الدنيا‪.‬‬
‫ما اسم النظام الذى يقوم بھذا الدور الفريد المجيد ؟‬
‫اسمه اإلسالم !‬
‫وليس لإلسالم اآلن أمة تقدمه بمفھومه الحقيقى القديم ! توجد بقايا كيان متھدم تفوح‬
‫منه رائحة البلى تنتشر بقاياه على أديم القارتين القديمتين‪ ،‬وتسكن فى أكواخه ثمانمائة‬
‫مليون مسلم ‪..‬‬
‫أنا شخصيا ً أحد الضائقين بأحوال ھذه األمة النائمة ‪ ..‬كما أننى أحد الذين يناشدون‬
‫أمتھم تلك أن تعود إلى ربھا ونبيھا وكتابھا‪ ،‬وﷲ يعلم متى تجيب ؟‬
‫إننى أطلب من المسلمين ـ قبل أن يحددوا موقفھم من ھذا وذاك ـ أن يحددوا موقفھم‬
‫من اإلسالم المستوحش الغريب‪ ،‬ثم على ضوء ھذا الموقف نعامل الصديق والعدو !!‬

‫وحقيقة أخرى أقررھا ھنا ‪ ..‬إن اإلسالم لما يأخذ بعد امتداده الذى كتب ﷲ له !‬
‫لقد روى اإلمام أحمد فى مسنده عن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم أن ھذا الدين‬
‫سيبلغ ما بلغ الليل‬
‫والنھار ‪ ..‬وھذا تعبير غريب وھو صريح فى أن اإلسالم سيصبغ العالم أجمع ] ابن‬
‫حبان فى صحيحه كما قدمنا [‬
‫كما جاء فى الصحاح أنه باسم اإلسالم ستمتلئ األرض عدالً بعدما ملئت جوراً‪ ،‬وان‬
‫صحراء الجزيرة ستتحول إلى أرضين تھتز زرعا ً ] إشارة إلى حديث مسلم )‪(84/3‬‬
‫وأحمد )‪ (703/2‬والحاكم )‪ . (477/4‬راجع األحاديث الصحيحة للشيخ ناصر الدين‬
‫)‪.. [ (10/1‬‬
‫وفى حديث آخر ” أمتى كالغيث ال يدرى أوله خير أم آخره ” ‪.‬‬
‫ومن ھنا فنحن نعتقد أن المستقبل لدين ﷲ الحق ال للنظم األرضية األخرى‪ ،‬وإذا كان‬
‫مسلمو اليوم ضياعا ً فألنھم ينتمون إلى اإلسالم انتماء مزوراً‪ ،‬وھم عبء عليه ال‬
‫عون له !‬
‫وإذا انتھى دور اإلسالم فى األرض فذلك إيذان بانتھاء اإلنسانية على سطح ھذا‬
‫الكوكب‪ ،‬وبدء حساب األولين واآلخرين على ما اقترفوا من خير وشر !‬

‫**السؤال الرابع‬
‫تثور نزعات نحو وحدة أو اتحاد فى منطقتنا تحت شعار القومية العربية أو القوى‬
‫التقدمية أو تطالب بتجمع إقليمى كالمغرب الكبير مثالً‪ ،‬فما رأيكم فى ھذا اللون من‬
‫التفكير ؟ وھل عندكم بديل أو صبغة أخرى تقدمونھا للمجتمع المسلم ؟‬
‫*الجواب‪:‬‬
‫التجمعات اإلقليمية فى إطار التكامل االقتصادى والعمرانى أمر ال حرج فيه‪ ،‬بل قد‬
‫يكون من المصلحة العامة دراسة أقطار العالم اإلسالم الرحب إلنشاء تجمعات كثيرة‬
‫تنتظمه شرقا ً وغربا ً وتكفل تقدمه المادى واالجتماعى‪ ،‬والمغرب الكبير أو وادى‬
‫النيل أو الجزيرة العربية أو جزائر أندونيسيا أو غير ذلك من الوحدات االقتصادية‬
‫المتناسقة يمكن أن تولد وتنمو داخل الكيان اإلنسانى الموحد الذى يجب أن يعود إلى‬
‫الحياة الدولية مرة أخرى ‪.‬‬
‫إن الصعوبات التى تتوھم أمام أى تجمع إسالمى أقل من الصعوبات التى انتصبت‬
‫بالفعل أمام أى تجمع عربى ‪..‬‬
‫ولكن أمام المناضلين المسلمين مراحل طويلة حتى يستطيعوا أن يقيموا جامعة‬
‫إسالمية ضخمة تلم شمل المسلمين‪ ،‬وتداوى جراحاتھم‪ ،‬وتحرر مستعبديھم‪ ،‬وترد‬
‫العدوان عنھم ‪.‬‬
‫وال أدرى لماذا يكون الوجود الصينى واقعا ً عاديا ً فيصبح ‪ 800‬مليون إنسان دولة‬
‫موحدة ويكون الوجود اإلسالمى خياالً مستبعداً ؟ ولو كان اتحاد واليات أو تحالف‬
‫دول متآخية !!‬
‫إن شئون المسلمين ال تعالج لألسف بالعقل العادى‪ ،‬فالتأثر باالستعمار والتبعية الذليلة‬
‫للغزو الثقافى ھما أساس التجھم الغريب لكل كالم عن اإلسالم وأمته الكبرى ووحدته‬
‫المنشودة ‪..‬‬
‫إن القارة االستعمارية التى شنتھا أوربا على اإلسالم وأتباعه منذ قرنين تقريبا ً‬
‫استھدفت أمرين رھيبين‪:‬‬
‫ـ األول‪ :‬رفض أى تالق على اإلسالم بين الشعوب المنتسبة له‪ ،‬وتمزيق الوالء‬
‫الموروث نحو الجامعة اإلسالمية وإحياء نزعات قومية حقيقية ومفتعلة‪ ،‬تجعل أبناء‬
‫األسرة الواحدة متناكرين ال يلوى أحدھم على اآلخر وال يحترم آصرة الدين المشترك‬
‫‪ ..‬وبذلك أصبح المسلمون أوزاعا ً بين ‪ 60‬أو ‪ 70‬جنسية فى المجال الدولى ‪.‬‬
‫ـ الثانى‪ :‬تمويت اإليمان فى ضمائر األفراد بحيث ينفصل السلوك عن العقيدة‪،‬‬
‫فينحرف ھذا وتنكمش تلك‪ ،‬ويصبح المجتمع مسرحا ً للمباذل المستقرة واألھواء‬
‫المطاعة والتيارات الطائشة‪ ،‬ثم يتحول ما بقى من دين على أشكال فارغة وبدع‬
‫حقيرة ال تغنى عن أصحابھا شيئا ً ‪.‬‬
‫وبكال األمرين نجح االستعمار الحاقد فى بلوغ أھدافه منا وكان وصوله إلى إقامة‬
‫إسرائيل سھالً بعد التمھيد المزدوج الذى شرحناه آنفاً‪ ،‬وھو إبعاد الوالء لإلسالم فى‬
‫المجال العام‪ ،‬وتوھين الرباط بالعقيدة فى مجال العبادة والخلق وأنواع المعامالت‬
‫األخرى ‪.‬‬
‫ونستطيع أن نقول دون مواربة أو مداھنة إن كل نزعة ترمى إلى إنصاف اإلسالم ـ‬
‫من حيث ھو جامعة عامة أو من حيث ھو ضمير ـ ليس إال امتداداً للزحف‬
‫االستعمارى والتفافا ً خسيسا ً حول بقايا اإليمان فى قلوبنا وصفوفنا ‪.‬‬
‫ولن تجد إسرائيل خيراً من ھذه النزعات بعينھا على البقاء‪ ،‬ويضاعف انتصاراتھا‬
‫علينا ‪.‬‬
‫وال أدرى كيف فشت ھذه الخيانات الدينية فى أرجاء األمة العربية ! إن ھناك معادلة‬
‫يجب أن يحفظھا كل عربى عن ظھر قلب ھى ” عرب ‪ -‬إسالم = صفر ” ‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬العرب بدون دينھم ال يساوون شيئا ً ‪..‬‬
‫وقد كنا نحن مسلمى أفريقيا ال نفرق بين العروبة واإلسالم‪ ،‬كما أن مؤرخى أوربا ال‬
‫يعرفون ھذه التفرقة حين قال جوستاف لوبون‪ :‬إن العالم لم يعرف فاتحاً أرحم من‬
‫العرب ‪.‬‬
‫حتى البدعة المھينة التى اختلقھا ميشيل عفلق واقترح فيھا البعد عن اإلسالم طريقا ً‬
‫للبعث العربى !‬
‫والواقع أن الرجل بنصيحته تلك كان يحفر القبر العربى ليدفن فيه أمة ورسالة ‪.‬‬
‫وليس غريبا ً من مثله أن يصنع ما صنع ! إنما الغريب أن يفتتن بنعرته بعض الناس‬
‫فيسارعوا إلى االرتداد عن اإلسالم والكفر با“ والمرسلين ‪.‬‬
‫فماذا أفادوا ؟ إنه لم تظھر دعوة أشأم على قومھا وأبين فشالً وأسوأ عقبى من ھذه‬
‫الدعوة المرتدة ‪.‬‬
‫ولعل العرب يعقلون بعد أن مس جلدھم لھب األحداث ويعرفون إلى أين قادتھم ھذه‬
‫الخدع‪ ،‬وكيف عفرت وجوھھم بالتراب ؟‬
‫وفرية أخيرة نريد دحضھا ‪ ..‬إن اإلسالم ال يعرف التعصب ضد أديان أخرى‪ ،‬وال‬
‫يجعل االختالف الدينى ذريعة قتال وخصام‪ ،‬ولو أن البضعة عشر مليونا ً من يھود‬
‫العالم عاشوا بين ظھرانى المسلمين ما أحسوا غبنا ً وال شكوا اضطھادا ً مثل ما وقع‬
‫عليھم فى أوربا ‪ .‬إن أوربا رمتنا بدائھا وانسلت‪ ،‬إنھا كانت وال زالت تجعل الخالف‬
‫الدينى والمذھبى مثار حروب وعداوات‪ ،‬وھى بھذه العقلية تحاول تمزيق الكيان‬
‫العربى الذى عاش فيه المسيحيون دھراً طويالً مواطنين مكافئين للمسلمين فى‬
‫الحقوق والواجبات‪ ،‬وھدفھا إما قتل اإلسالم وإما خلق فتن طائفية فى كل مكان ‪.‬‬
‫والخطة معروفة‪ ،‬وعلى المسلمين أن يزدروھا ويزدروا مروجيھا ويفضحوا من‬
‫وراءھم ‪.‬‬
‫إن مطالبة العرب بالتخلى عن اإلسالم سفالة ال قرار لھا‪ ،‬وإنى أقول لقومى‪ :‬ال خيار‬
‫لكم أمام مؤامرات عالمية واسعة ‪ ..‬مطلوب منكم أن ترتدوا عن دينكم وأن تتنازلوا‬
‫عن أوطانكم وھذه وتلك طريق العار والنار ‪..‬‬
‫وتستطيعون أن تستندوا إلى ربكم وتجاھدوا دون وجودكم المادى والمعنوى ‪.‬‬
‫واسمعوا قول رسول ﷲ لكم‪ ” :‬إن ربى قال‪ :‬يا محمد‪ ،‬إذا قضيت قضاء فإنه ال يرد‪،‬‬
‫وإنى أعطيتك ألمتك أال أھلكھم بسنة عامة‪ ،‬وأال أسلط عليھم عدواً من سوى أنفسھم‬
‫يستبيح بيضتھم ولو اجتمع عليھم من بين أقطارھا“‪.‬‬
‫أى أن قوى الشر لو تألبت كلھا ضدنا ما نالت منا شيئا ً إذا توحدت كلمتنا وتجمع‬
‫شملنا وتماسك صفنا‪ ،‬أما إذا تفرقنا شيعا ً وانقسمنا أحزابا ً فسيأكل بعضنا بعضا ً ويخلو‬
‫الطريق للمتربصين ‪.‬‬

‫**السؤال الخامس‬
‫الناس يقولون إن التشريع اإلسالمى مثالى للغاية‪ ،‬ولكن ال يصلح للتطبيق فى زماننا‬
‫ھذا لتداخل الظروف وتعقد الحياة االجتماعية‪ ،‬فما رأيكم ؟‬
‫*الجواب‪:‬‬
‫التشريع اإلسالمى تراث ربانى وإنسانى ضخم‪ ،‬والحكم عليه بكلمات عابرة ضرب‬
‫من الطيش يتنزه عنه العقالء ‪ ..‬ولما كان ھذا التشريع يتناول شئون األسرة‪ ،‬وأشتات‬
‫المعامالت المالية والتجارية‪ ،‬ويبت فى عقوبات لطائفة من الجنح والجنايات ويجه فى‬
‫أخرى‪ ،‬بل إن ھذا التشريع يتناول دستور الحكم فى الدولة ويتعرض للعالقات بينھا‬
‫وبين الدول األخرى فى حالتى السلم والحرب ‪ ..‬لما كانت دائرة ھذا التشريع رحبة‬
‫إلى حد بعيد فإن المرء يحار فى تفسير كلمة ” مثالية ” ھذه التى يرمى بھا اإلسالم‬
‫فى جانب رائع من تعاليمه ‪.‬‬
‫وسأمشى مع الحدس فى تلقى ھذا االتھام وتحديده !‬
‫لعل اإلسالم مثالى فى رجمه الزانى أو جلده ‪.‬‬
‫إن بعض الناس إذا ذكر الشرع اإلسالمى وثبت إلى ذھنه ھذه القضية الخطيرة جداً‬
‫)!(‬
‫وعجيب أن يذھل الفكر البشرى عن آيات اإلبداع القانونى فى أزكى ميراث حضارى‬
‫وعته اإلنسانية فى تاريخھا الطويل فال ينزعج إال لرجم الزانى أو جلده‪ ،‬أو بعض‬
‫صور الحدود والقصاص األخرى ‪.‬‬
‫إن قصة الرجم يوم تكون سوأة تشريعية ـ كما يتصور البعض ـ فستكون سوأة األديان‬
‫كلھا ألن الرجم ھو حكم التوراة كما ال يزال مقرراً فى العھد القديم‪ ،‬وكذلك أحكام‬
‫القصاص األخرى !‬
‫وغريب أن يكون ھذا الحكم شديداً وأن ھذه الغرابة تنقطع يوم يبيح القانون العصرى‬
‫الزنا‪ ،‬ما دام بالتراضى واللواطة أيضا ً )!( ما دام الطرفان متفاھمين !!‬
‫ويمضى االتجاه الواقعى فى مجراه المقبول )!( فيندد قاض أمريكى برجل ضرب‬
‫زوجته ألنھا زنت مع صديق له‪ ،‬وينصحه أن يطرح رجعيته أو مثاليته ويعيش فى‬
‫ھذا العصر المتقدم !!‬
‫إذا كانت المثالية تعنى الشرف والتسامى وإرضاء ﷲ وضبط النفس وتھذيب الغرائز‬
‫فيجب أن يكون التشريع مثالياً‪ ،‬ومن السماجة أن يعاب اإلسالم فى ھذا المضمار ‪..‬‬
‫أما الواقعية التى تعنى إقرار الفسوق والعصيان‪ ،‬فال أدرى لماذا تسمى قانونا ً ؟‬
‫إن المسالة ليست قتل مجرم أو قطع يده أو جلد بدنه ‪ ..‬إن المسالة أكبر من ذلك‪،‬‬
‫والشريعة اإلسالمية أكبر قدراً من أن تتناول بھذا الصغار الفكرى ‪ ..‬األمر يتصل‬
‫أوالً بحقيقة العالقة بين الناس وربھم‪ ،‬وطبيعة الدين الذى نزل يحكم فيما شجر بينھم‬
‫‪..‬‬
‫ھذا موضع الخالف بيننا نحن المؤمنين‪ ،‬وبين غيرنا ممن وھت صلتھم با“ ‪.‬‬
‫نحن نعتقد أن الوحى كل ال يتجزأ‪ ،‬وأن حق ﷲ فى الحكم على عباده فوق الجدل‪،‬‬
‫وأن شريعته تحقق العدالة والمصلحة‪ ،‬وأن تكذيب آية فى الميراث كتكذيب آية فى‬
‫التوحيد أو فى الصالة‪ ،‬ال معنى لھا إال رفض الخضوع “ والرد ألمره ونھيه ‪.‬‬
‫أما بالنسبة إلى قصة المثالية والواقعية التى قد ترد على بعض األذھان فنسوق فى‬
‫دحضھا كلمات مبينة لألستاذ العقاد من كتابه )حقائق اإلسالم وأباطيل خصومه( ]ص‬
‫‪:[115‬‬
‫” وعلى ھذه السنة من المساواة بين حقوق الدين فى نشر العقائد‪ ،‬وحقه فى فرض‬
‫الشرائع والمعامالت ننظر إلى معامالت الدين اإلسالمى كما ننظر إلى عقائده فال‬
‫نرى فيھا ما يعوقه عن أداء رسالته العالمية اإلنسانية التى توافرت له بدعوى إلى إله‬
‫واحد ھو )رب العالمين أجميعن‪ ،‬وخالق األمم بال تمييز بينھا فى الحظوة عنده غير‬
‫ميزة التقوى والصالح ‪ ..‬رب المشرقين ورب المغربين‪ ،‬يصلى اله المر حيث كان‪:‬‬
‫” وأينما تكونوا فثم وجه ﷲ ”( ‪..‬‬
‫” فما منع اإلسالم قط معاملة بين الناس تنفعھم وتخلو من الضرر بھم‪ ،‬والغبن على‬
‫فريق منھم ‪..‬‬
‫” وأساس التحريم كله فى اإلسالم أن يكون فى العمل المحرم ضرر أو إجحاف‪ ،‬أو‬
‫حطة فى العقل والخلق ‪..‬‬
‫” وما فرض اإلسالم من جزاء قط إال وھو )حدود( مقدرة بقدرھا‪ ،‬وشروطھا‬
‫وقيودھا صالحة على موجب تلك القيود والشروط للزمان الذى شرعت فيه‪ ،‬ولكل‬
‫زمان يأتى من بعده‪ ،‬ألنھا ال تجمد‪ ،‬وال تتحجر‪ ،‬وال تتحرى شيئا ً غير مصلحة الفرد‬
‫والجماعة‪ ،‬وكفى باسم )الحدود( تنبيھا ً إلى حقائق الجزاء والعقاب فى اإلسالم‪ ،‬فإنھا‬
‫)حدود( بينة واضحة تقوم حيث قامت أركانھا ومقاصدھا‪ ،‬وتحققت حكمتھا‬
‫وموجباتھا‪ ،‬وإال فھى حدود ال يقربھا حاكم وال محكوم إال حاقت به لعنة ﷲ ‪..‬‬
‫” والشبھة المتوافرة فى العصر الحاضر إنما ترد على المعامالت اإلسالمية من قبل‬
‫الناقدين والمبشرين‪ ،‬ألنھا تمس ضرورات الحياة المتجددة كل يوم‪ ،‬وترصد للمسلم‬
‫فى طريقه حيث سار فيتحر الناقد الموطن الحساس من نفس المسلم حتى يلقى فى‬
‫روعه أن شيئا ً فى دينه يتقھقر به إلى الوراء وال يصلح للتطبيق فى عصر النظم‬
‫الحكومية التى تجرى القضاء والجزاء على أصول العلم والتھذيب ‪..‬‬
‫” وليس فى المصارف والشركات شىء نافع برىء من الضرر والغبن يحرمه‬
‫اإلسالم ”‪.‬‬
‫إن أساطين القانون اعترفوا فى مجامعھم العلمية ومؤتمراتھم الدولية بما للشريعة‬
‫اإلسالمية من قدر رفيع‪.‬‬
‫والواقع أن أئمة الفقه عندنا ـ على اختالف مذاھبھم ومدارسھم ـ ورثونا تركة فنية ال‬
‫نظير لھا فى أزھى المدنيات القديمة والحديثة‪ ،‬وال تزال بحوثھم الفنية المترفة مفخرة‬
‫للفكر اإلنسانى المجرد ‪ ..‬ثم جاءت ھذه األجيال الھابطة من ذرارى المسلمين‬
‫المتخلفين تنظر إلى ما لديھا من كنوز نظرة بلھاء‪ ،‬ثم تردد مع عمالء الصھيونية‬
‫واالستعمار أن اإلسالم مثالى وأن تشريعه ال يصلح للمجتمع !‬
‫إذا محاسنى الالتى أدل بھا‬
‫كانت عيوبا ً فقل لى‪ :‬كيف أعتذر؟!‬

‫**السؤال السادس‬
‫قضية الجنس استبدت بتفكير الناس وفرضت نفسھا على المجتمعات متحضرة‬
‫ومتخلفة‪ ،‬فما العالج عندكم ؟‬
‫*الجواب‪:‬‬
‫استشراء الفساد الجنسى أمسى حقيقة ال ريب فيھا‪ ،‬ولكنى أعد التقاليد اإلسالمية‬
‫البالية شريكة فى المسئولية الجنائية مع االنحالل الذى وفدت به المدنية العصرية ‪..‬‬
‫إن ھذه التقاليد ال تعرف األحكام اإلسالمية الصحيحة فى كثير من القضايا‪ ،‬وإذا‬
‫عرفتھا لم تقف مع بواعث التقوى وخشية ﷲ فى تنفيذھا ‪..‬‬
‫ومن مقررات ھذه التقاليد المريضة جعل الزواج مشكلة اقتصادية رھيبة ‪.‬‬
‫ثم فساد الصورة اإلنسانية لوظيفة المرأة قبل الزواج وبعده ‪ ..‬والجھل التام بدور‬
‫األسرة فى التربية على امتداد مراحل العمر وھذه التقاليد التى تنھض على الرياء‬
‫والتظاھر والتكلف كانت وال زالت من أسباب انھيار الحضارة اإلسالمية وتوالد‬
‫أجيال حقيرة الفكر والسيرة واألمانى والھمم ‪.‬‬
‫ولكى نعود إلى ديننا ونتصل بسيره األول‪ ،‬ونتحصن ضد العلل النفسية واالجتماعية‬
‫التى زحفت علينا مع الغزو األجنبى ال بد من رعاية أمور شتى‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬توثيق الصلة بين المرأة وينابيع الثقافة الدينية والمدنية ‪.‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬إعادة الحياة للعالقة بين النساء وبيوت ﷲ فى الصلوات ‪.‬‬
‫ثالثا ً‪ :‬تدريس الوظائف التربوية للبيت المسلم حتى نستطيع تخريج أجيال تعرف ربھا‬
‫ودينھا ومعاشھا ومعادھا على قواعد مغروسة فى اللحم والدم‪ ،‬وفضائل يرضعھا‬
‫النشء مع اللبن ‪.‬‬
‫رابعا ً‪ :‬الحكم بإعدام ما تواصى المسلمون به فى تقاليد الزواج من مغاالة فى المھور‬
‫وإسراف فى الحفالت وتكديس لألثاث وتنافس فى الكماليات‪ ،‬وإعادة الزواج إلى‬
‫معناه السھل القديم ليكون عصمة وسياجا ً للدين والدنيا‪.‬‬
‫خامسا ً‪ :‬وصل ما بين البيت المسلم وقضايا المجتمع الكبرى حتى ال يحيا بيت فى جو‬
‫منافعه الخاصة جاھالً أو جاحداً ما وراءھا ولو أن كل دولة مسلمة أنشأن وزارة‬
‫لألسرة والشباب كى تضمن ما ذكرنا ما كان ذلك كثيراً‪ ،‬بل لعله يكون أقرب إلى‬
‫حياتنا اإلسالمية الصحيحة ‪.‬‬
‫لقد راقبت وضع المرأة فى شتى البيئات فوجدت إنسانة محكوما ً عليھا بالجھل‬
‫والقصور‪ ،‬مفروضا ً عليھا التفريط فى حقوق ﷲ وتعاليم دينه فلِم ذلك ؟ وكيف يقع‬
‫ذلك باسم اإلسالم ؟‬
‫ورأيت جماھير المسلمين وكأنھا متفقة على جعل الزواج مشكلة تقصم الظھور دون‬
‫مباالة بما ينشأ عن ذلك من شيوع الفسق والفجور‪ ،‬فأى تدين ھذا ؟ وبأى حق يستولى‬
‫بعض اآلباء على المھور ؟‬
‫وبأى حق يكلف بعض آخر باالستدانة ليعين على زواج ابنته ؟ ولماذا تطلب البنت‬
‫عندنا أثاثا ً ال تطلبه لنفسھا المرأة الغربية وال المرأة الشرقية ؟‬
‫إن المرأة العربية العادية ربما فرضت لنفسھا بيتا ً ال تحلم به امرأة من رواد الفضاء‪،‬‬
‫فلِم با“ ھذا الترف؟‬
‫لماذا نرتضى إغالق البيوت على ألوف العوانس إذا لم يتزوجن وفق ھذه التقاليد‬
‫السفيھة ؟‬
‫وإلى أين تقودنا تقاليد الرياء التى تواضعنا على االحتكام إليھا ناسين ديننا ودنيانا‬
‫على السواء ؟‬
‫إذا كان اإلسالم دين الفطرة فإن العالم اإلسالمى يكذب على فطرته‪ ،‬ويفتح أقطاره‬
‫لفساد جنسى زاحف من كل ناحية يجعل الزنا عملة متداولة دون حرج‪ ،‬ويعطى كل‬
‫أنثى وذكر حق االتصال الحرام كالً أو بعضا ً حسب ما يشتھى ‪.‬‬
‫والذين يفتعلون األزمات والضوائق فى الطعام الحالل ال ينتظرون إال إقبال الناس‬
‫على الحرام الرخيص يعبون منه عبا ً ‪.‬‬
‫وقد رأيت بنفسى ـ لألسف ـ ناسا ً يأخرون زواجھم إلى سن معينة حتى يتموه وفق‬
‫تقاليده المقررة ‪ ..‬وإلى بلوغ ھذه السن ال مانع من الزنا‪ ،‬وغير الزنا !!‬
‫ورأيت ناسا ً يستدينون بالربا ليقيموا األحفال المطلوبة !‬
‫ومن ھؤالء من يقتل المرأة إذا زنت ويترك الشاب دون غضب !‬
‫فعلمت أن المسلمين فى ھذا المجال وغيره ال يكترثون بحدود ﷲ وال يبالون سخطه‪،‬‬
‫وأنھم كما يھوون‪ ،‬وقد يتبجح بعضھم فيصف ھواه بأنه دين‪ ،‬وما ھو إال الكذب على‬
‫رب العالمين ‪.‬‬
‫ويجب تسھيل الزواج وأحكام التطبيق الدينى فى شئون الرجال والنساء على سواء ‪.‬‬

‫**السؤال السابع‬
‫مناھج التربية فى مدارسنا وجامعاتنا صارت وسيلة للتوظيف وكسب العيش‪ ،‬وخلت‬
‫من كل توجيه ونحن نحب أن نستنير برأيكم فى الوسيلة المثلى لمناھج التربية حتى‬
‫يتخرج جيل مسلم ‪..‬‬
‫*الجواب‪:‬‬
‫توجد فى مدارسنا وجامعاتنا برامج دراسية حسنة تقدم أنصبة من العلم تشبه ما تقدمه‬
‫نظائرھا فى أعظم األقطار‪ ،‬ويمكن أن تكون بعض المراحل الدراسية عندنا مساوية‬
‫فى تقدمھا العلمى لما يقابلھا فى الشرق والغرب ‪.‬‬
‫أما مناھج التربية تواكب مناھج للتعلم فاألمر يحتاج إلى نظر وتأمل ‪! ..‬‬
‫إن العلم شحن األذھان بألوان ال حصر لھا من المعرفة ‪.‬‬
‫أما التربية فھى اإلفادة من ھذا التقدم لتزكية الشخصية وتھذيب سلوكھا ‪..‬‬
‫والتربية الدينية نوع خاص من البناء المعنوى يجعل المرء متجھا ً بقواه كلھا إلى غاية‬
‫معلومة وضابطا ً لحياته وفق نظام مرسوم ‪..‬‬
‫وھذا النوع من التوعية الدينية معدوم فى بعض الجامعات محارب فى بعضه‪،‬‬
‫معترف به ومعترف بغيره فى بعض ثالث‪ ،‬وربما قدم نصيب محدود منه فى جامعة‬
‫األزھر ! واألصل فى التربية تعھد األخالق‪ ،‬ولما كان الخلق ـ بالتعريف العلمى ـ ھو‬
‫عادة اإلرادة فإن المفروض فى برامج التربية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أن ترسم الوجھة للسلوك المنشود ‪.‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬أن تدرب األفراد على ھذا السلوك‪ ،‬وتأخذھم به أخذاً مستمراً حتى يصبح طبعا ً‬
‫لھم وصبغة ثابتة فيھم‪ ،‬فالمربى أشبه بالزارع الذى يتولى البذر والحرث والسقيا‬
‫والحماية واإلخصاب واالنتقاء حتى تنضج الثمرة وتؤتى أكلھا كل حين بإذن ربھا ‪.‬‬
‫والطالب الذى يمر بھذه األدوار‪ ،‬يصاغ فى قوالب معروفة الشكل والصورة‪ ،‬فإذا‬
‫ربى على الصدق صعب عليه االختالق والتخريف‪ ،‬وإذا ربى على األمانة انزعج‬
‫من العوج والغدر ‪.‬‬
‫وفى أثر التعود واستقامة الوجھة يقول الشاعر‪:‬‬
‫تعود بسط الكف حتى لو أنه‬
‫ثناھا لبخل لم يتطعه أنامله !‬

‫ويقول آخر‪:‬‬
‫وينشأ ناشئ الفتيان فينا‬
‫على ما كان عوده أبوه !‬

‫وقد ربى ﷲ محمداً صلى ﷲ عليه وسلم ليربى به العرب‪ ،‬وربى العرب ليھذب بھم‬
‫العالم أجمع ” لقد من ﷲ على المؤمنين إذ بعث فيھم رسوالً من أنفسھم يتلو عليھم‬
‫آياته ويزكيھم ويعلمھم الكتاب والحكمة‪ ،‬وإن كانوا من قبل لفى ضالل مبين ” ‪.‬‬
‫وكلمة التزكية تعنى التربية والتسامى بالنفس وامتالك الھوى ‪.‬‬
‫وذلك معنى اآلية ” ونفس وما سواھا ‪ .‬فألھمھا فجورھا وتقواھا ‪ .‬قد أفلح من زكاھا ‪.‬‬
‫وقد خاب من دساھا“‪.‬‬
‫والتربية اإلسالمية مذ دخل االستعمار بالدنا تمر بمحنة شديدة‪ ،‬فلما خرج ووقعت‬
‫البالد فى األيدى التى تتلمذت عليه مرت التربية اإلسالمية بمحنة أشد ‪..‬‬
‫وذلك ھو السر فى أننا نجد أصحاب محاصيل علمية كبيرة وكلفھا قليلة الجدوى‪ ،‬إن‬
‫لم تكن قريبة الضرر ‪.‬‬
‫فإن العلم عند ھؤالء وقف عند حدود التصور الذھنى وحشو األدمغة بجمل من‬
‫القوانين واألحكام ‪.‬‬
‫أما التربية التى تتوسل بھذا العلم إلى رفع المستوى النفسى واالجتماعى والتى تحول‬
‫الشخص إلى صاحب مبادئ ومثل يعيش لھا وقد يضحى من أجلھا ‪..‬‬
‫ھذه التربية لم توجد لھا بعد مناھج واضحة ومؤسسات مسئولة ‪.‬‬
‫والسبب فى ذلك ھو الكره الخفى أو الجلى لإلسالم وتاريخه ومطالبه ووصاياه ‪..‬‬
‫التعليم فى روسيا يكرس لخدمة الشيوعية‪ ،‬والتعليم فى بالد كثيرة يربط بأھداف شتى‬
‫‪..‬‬
‫ً‬
‫وكان مفروضا أن يصحب برامج التعليم عندنا برامج للتربية اإلسالمية اليقظى‬
‫تشرف على السلوك الفردى والجماعى‪ ،‬وتجعل الحياة الخاصة والعامة محكومة‬
‫بآداب اإلسالم وتوجيھاته ‪] .‬راجع فى ھذا الباب‪ :‬ھذه المقررات ال نريد أن تنسى [‬
‫ولكن اإلسالم دين مھزوم فى المجاالت الدولية‪ ،‬وقد انسحبت آثار ھزيمته على‬
‫مطالبه فى بالده نفسھا فأضحت كما نرى‪:‬‬
‫متعلمين يريدون بشھاداتھم العلمية مستوى معينا ً من المعيشة‪ ،‬وسعراً خاصا ً لما نالوه‬
‫من دراسات وكفى!‬
‫فإذا ذھبت تفحص سلوكھم وجدت العلم قد أفاد فى تغيير الوسائل فقط‪ ،‬أما المآرب‬
‫الدنيا فھى ھى عندھم وعند الجھال !‬
‫ويستحيل أن تنھض أمتنا إال يوم يكون العلم والتربية قرينين‪ ،‬ويوم تتقرر آداب‬
‫اإلسالم ومثله دون حرج أو دجل ‪.‬‬

‫*****‬
‫انتھى شيخنا ـ رحمه ﷲ ـ من تحرير ” قذائف الحق ” فى رحلته الرمضانية إلى ”‬
‫المغرب ” عام ‪ 1393‬ھـ‪ ،‬وكان الفراغ من تصحيحه فى غرة ذى الحجة من نفس‬
‫العام‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد “ رب العالمين‪.‬‬

You might also like