You are on page 1of 7

‫وأبي لن يكرره الزمن‪...

‬‬

‫محمد منصور اليافعي‬


‫إلى‬
‫أين أنت ذاهب يا أبي ؟‬
‫إنتهت رحلتي إلى هنا سوف أسافر يا بني ‪..‬‬
‫الى أين يا أبي؟‬
‫سفري بعيد من دار الباطل إلى دار الحق‬
‫إلى فراق األحباب يا بني‪..‬‬
‫هل سيطول هذا السفر يا أبي ؟‬
‫نعم سيطول إلى أن يرث هللا األرض ومن عليها يا بني‪..‬‬
‫هل معك زاد لسفرك يا أبي؟‪..‬‬
‫نعم معي ولكن سفري بعيداً جداً‬
‫وال أعلم هل زادي سوف يبلغني أم ال‬
‫فأرسل أنت لي الزاد ‪..‬‬
‫كيف أرسله لك يا أبي؟‬
‫بالدعاء أدعو لي هللا أن يغفر لي ويرحمني‬
‫ويعفو عني فهذا زادي إن قطعت الدعاء لي فسوف ينقطع زادي ‪..‬‬
‫هل سأراك مرة أخرى يا أبي؟‪..‬‬
‫نعم ستريني عندما تنتهي رحلتك أنت أيضا ً يا بني‪...‬‬
‫أوصني قبل رحيلك يا أبي؟‪..‬‬
‫يابني‪..‬‬
‫عش ما شئت فإنك ميت‬
‫وأحبب َمن شئت فإنك مفارقه‬
‫واعمل ماشئت فإنك َمجزى به‬
‫ال تغرنك الدنيا وزينتها‬
‫وانظر إلى من جمع الدنيا بأكملها‬
‫ولم يأخذ منها غير الكفن ‪..‬‬

‫ااااه يا أبي‬
‫سنه جديدة أتت وسينفطر فيها قلبي على فراقك ‪..‬‬
‫سنه جديده أقبلت ولن أقبل فيها جبينك‪،‬‬
‫سنه جديده أتت وسيتضاعف حنيني وشوقي إليك‪ ،‬سنه جديدة أتت ولكن‬
‫رضيت بقضاء‪ E‬وقدر ربي‬
‫رحلت وما زلت متعرشا قلبي‪ ،‬رحلت وما زال حنينك يسكن فؤادي‪،‬‬
‫رحلت ومازال صدا صوتك في مسمعي‪ ،‬رحلت ومازالت صورتك‬
‫محفورة في عقلي‪ ،‬رحلت وما زالت بسمتك في مخيلتي‪..‬‬

‫آ ٍه والف آ ٍه يا أبي‬
‫ليتك بقيت يا أبي ليتك لم ترحل‪ ،‬ال نحتاج شيء كان وجهك المنير‬
‫بإبتسامتك المالئكية يكفينا‪ ،‬كان صوتك يمأل علينا البيت‪ ،‬كانت دخلتك‬
‫علينا تكفينا كان وجودك في المنزل يساوي الدنيا وما فيها‪.‬‬
‫ُ‬
‫كنت عندما أدخل المنزل وأجدك سعادة الدنيا كلها تغمرني‪،‬‬
‫اما اليوم كل شيء تغير يا أبي كل شيء في بيتنا فقد جزء كبييييير من‬
‫جماله وحيويته لم يعد مثل الماضي‪ ،‬ليتك كنت موجودا وأتحدث إليك لعلك‬
‫تسمع أهاتي وآلمي ووجعي عليك‪..‬‬

‫أبي‬
‫فارقتني جسدا ولم تفارقني روحا………‬
‫فروحك ما زالت تعيش معي وما زلت اعيش بها ولها …‬
‫فارقتني جسدا وما زالت صورتك امام ناظري‬
‫اه يا حبيبي كم كنت عطوفا وحنونا آه ما اقسي فراقك ‪..‬‬
‫ابي‪...‬‬
‫ٌ‬
‫مشتاق ألحضانك الدافئه أن تحتضنني وتضمني بين ذراعيك واتوسد‬ ‫إنني‬
‫بحنانك واقبل يدك كل يوم‪.‬‬
‫بفقدك أبي قد فقدت أشياء كثيرة‪.‬‬
‫أبي‪!..‬‬
‫كم أشتاق لكلمة أبي حتى فمي متعطش لنطقها لم يبقي سوى صداها في‬
‫داخلي يحتضر حزنا ً كم هي غالية هذه الكلمة ال تقاس بثمن …‬
‫أبي‪...‬‬
‫افتقدتك في فرحتي وحزني وحيرتي افتقدتك في حديثي وبكائي وضحكي‪.‬‬
‫رحلت يا والدي دون وداع…‪.‬‬
‫رحلت في صمت وهدوء كما كنت دائما…‪.‬‬
‫فارقتنا ويا له من فراق مؤلم وقاسي…‪.‬‬

‫آه يا والدي…‪..‬‬
‫ال استطيع التعبير عن كل ما يجيش بصدري من حزن واشتياق هناك‬
‫المزيد والمزيد من األحاسيس التى لن تعبر عنها الكلمات‪ E‬كيف ارثيك يا‬
‫والدي وماذا اقول عنك؟ فقلمي لن يجيد وصفك فانت اكبر بكثير من ان‬
‫توصف بالكلمات المجردة……‬

‫أبي موتك فاجعة‬


‫ُ‬
‫شعرت‬ ‫ْ‬
‫مرت‬ ‫أيام‬ ‫ْ‬
‫عجزت أمامها كلماتي ‪ ،،‬يالها من ٍ‬ ‫ويالها من فاجع ٍة‬
‫وفاتك !!‬
‫َ‬ ‫بألمها وغصتها بعد‬
‫ت استغرق اسبوع ‪ ،،‬بعد هدو ٍء صارعت‬ ‫دنياي بعد صم ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ودعت ياأبي‬ ‫لقد‬
‫بدموع تذرفها والتتأوه‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫واكتفيت‬ ‫من خالله المرض بكل ثبا ٍ‬
‫ت وتجلد ‪،،‬‬
‫والتئن !!‬
‫ألتقيك كل ليل ٍة وأصغي إليك‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رحلت يا أبي و كأنك لم ترحل ‪ ،،‬أشعر بأني‬
‫بكل حواسي ‪ ،،‬أصغي إلى ضحكاتك ‪ ،،‬تمتماتك التي كنت تخافت إليّ بها‬
‫كنت تعنيه ‪ ،،‬ولكن كنت استمتع بقرب أذناي من شفتيك ‪،،‬‬ ‫والأعلم مالذي َ‬
‫وأنا احتضن دفء أنفاسك ‪،،‬‬
‫طبيبك بأنك الزلت على قيد الحياة ‪،،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رحلت ياأبي بعد أن بُشِ رْ نا من قبل‬
‫وأن قلبك الزال ينبض حيا ًة ‪ ،،‬ابتسامة الفرح الزالت مرسومة على شفتاي‬
‫حينما بُشِ رْ نا بذلك ‪ ،،‬ولكن سرعان مارتسم خط وفاتك أمام عيناي ‪،،‬‬
‫وتوقف قلبك ليخبرنا برحيلك ‪ ،،‬انتثرت الدموع هنا وهناك لیس اعتراضا ً‬
‫علی حكم هللا و لكن لرحیلك ألم وحسرة لم نشعر بها من قبل !!‬
‫بقيت أراقب أنفاسك لعلها تعود ‪ ،،‬لعلك تشعر بألمي وحرقتي وتعود ‪ ،،‬فأنا‬
‫ال أقوى على الحياة بدونك ياأبي ‪ ،،‬ولكن أقدار هللا شاءت ومامن نفاذ !!‬
‫ُ‬
‫كنت أظن أني بهذه القبالت لن أجعل‬ ‫قبلتك يا أبي ألودعك ألخر مرة ‪،،‬‬
‫للحنين واالشتياق طريقا ً يسلكه إلى قلبي ‪ ،،‬ولكن المحالة !!‬
‫ً‬
‫حرقة ‪ ،،‬واقشعر جسدي ألمًا و‬ ‫حينما أخبروني برحيلك يا أبي اهتز قلبي‬
‫حز ًنا و أسىً ‪ ،،‬أفتقدك يا أبي ‪ ،،‬غيابك يبعثرني ‪ ،،‬حنيني إليك‬
‫يحاصرني ‪ ،،‬شوقي إلى حديثك يضنيني‪،،‬‬
‫كنت جبالً شامخا ً عصيا ً على األلم ‪َ ،،‬‬
‫كنت حتى اللحظة األخيرة‬ ‫فقد َ‬
‫متمس ًكا بالحياة وبنا لكن أقدار هللا شاءت ذلك !!‬
‫مازلت اتلعثم بدعائي یا أبي وأدعو لك بالشفآء العاجل ‪ ،،‬لم أصدق بعد‬
‫خبر وفاتك یا أبي ‪ ،،‬أدعو هللا في نفسي وأقول اللهم اجعله حلما ً مزعجً ا‬
‫وأصحو منه و أجدني بجانبك وأحصنك بآيات هللا وأذكار الصباح‪E‬‬
‫والمساء ‪،،‬‬

‫فبرحيلك ياأبي انهار العامود واختفى السند وظل اسمك يتبع اسمي فقط ‪،،‬‬
‫أبي سوف تبقى ذكراك ترفرف في سماء حياتي في كل لحظة وحين ‪..‬‬
‫ولن يغيب وجهك الجميل عن مخيلتي ‪ ..‬ولن تغيب روحك الطاهرة عن‬
‫كياني ‪،،‬‬

‫أبي‪..‬‬
‫أيها السامق في قلبي رغم الغياب‪..‬يا روحا أحببتها وما كفاني فيها‬
‫العشق‪..‬‬
‫أبي‪..‬‬
‫يا نورا وهبني بعض ضوءه وبعضا من بركاته ‪..‬‬
‫ال أكتب لك اآلن ألبني عوالم من البالغة والبيان‪ ،‬ال استطيع في مقام‬
‫الحزن عليك أن أفعل ذلك‪ ،‬فذكراك أكبر من الكلمات‪ E‬واللغة‪ ،‬كل اللغات‬
‫على اتساعها تضيق بكلمة أبي يا أبي‪..‬‬
‫كل الحزن أقل من وقع فقدك وسطوة رحيلك‪..‬‬
‫ليس رثاء متأخر ما أكتبه اآلن ‪ ..‬ليس تمجيدا أو بحثا عن أمثالك‪ E،‬بل أكتب‬
‫سعيا وراء التخلص من صيحات حنين ال تسأم من الفقد في دمي كلما‬
‫خطرت في بالي‪..‬‬
‫مرت شهور لم أبكيك فيها‪ ،‬الليلة بكيتك ملء عيني وقلبي‪ ،‬وكأنك غادرتني‬
‫الليلة‪ ،‬فهل تسلل شبح النسيان ألروقة الذاكرة؟ هل عشش في ضفاف‬
‫الجرح نبضه‪ ،‬وأورقت على غصن الفقد أوراقه؟‬
‫هل تجرؤ الذاكرة أال تتذكرك؟‬
‫كنت أظن االفتقاد أصعب في بدايته‪ ،‬ألكتشف بأن ألمه وحرقته ووجعه‬
‫تتصاعد وتتفاقم بمرور الوقت‪ E،‬إنه أشبه بجرح مفتوح مستعصي على‬
‫الشفاء‪..‬‬
‫كم أفتقدك يا بعضا مني‪ ،‬في كل زاوية من حياتي ثمة صوتك‪ ،‬في كل‬
‫ركن من عمري نبضك‪ ،‬وعلى ضفاف سنواتي شذاك‪ ،‬ال زلت ال أصدق‬
‫كيف لحضورك الباهر أن يحكمه الغياب األبدي‪!..‬‬
‫لقد بت أعي يا والدي أن للحزن درجات‪ E‬ومراحل‪ ،‬وحزني عليك سيظل‬
‫العمر بأكمله‪ ،‬يشرب واأليام في مجرى واحد‪..‬‬
‫حزن مقيم يجاور قلبي‪ ،‬ينبض بنبضه‪ ،‬يتدفق في الشرايين متزامنا مع‬
‫أنفاسي‪..‬‬
‫حزني عليك يا أبي ال ينام ‪ ..‬ال يهادن‪..‬ال يهدئ وال يشيخ ‪..‬‬
‫كل ذكرياتي معك تأسرني وتقيدني بك‪ ،‬تجذبني مداراتك‪ ،‬تستبيحني‬
‫وتعتقلني مثل لحظة هاربة من زمن األوجاع‪..‬‬
‫ذكراك يا أبي تتوغل في رسم شوقي كنهر جارف يغرقني ‪..‬‬
‫ذكراك مدينة حزن أشد الرحال‪ E‬إليها كل ليلة‪ ،‬أسكنها وأتجول في شوارعها‬
‫وأتقصى أثار خطاك فيها‪..‬‬
‫أنت يا والدي عوالم من الدفء‪ ،‬ال تعوضه شمس تحترق‪ ،‬لذا ما عدت‬
‫أطيق كلمات الرثاء‪ E،‬ولم أعد أملك تعازي أقدمها في محراب اللغة‪،‬‬
‫وهشاشة المعني وأنا أقف على ذكراك‪ ،‬فا أنت يا والدي أكبر من النسيان‪،‬‬
‫وذكراك أقوى من الحياة‪ E،‬ومن سيل اللحظات‪ ،‬وفيض العمر الخاوي من‬
‫حضورك‪..‬‬

‫أبي ‪:‬‬
‫سامحني يا ربيب روحي إذا أوجعتك برسالتي هذه‪ ،‬فأنا احتاج‪ E‬عمرا آخر‬
‫كي أبكيك‪ ،‬وسأظل عمري أبحث عن حزن يليق بك يا أبي ‪..‬‬
‫يا لهذا الحزن الذي يغرس مخلبه عميقا في قلبي‪..‬‬
‫هو الموت الذي يعرف كيف يختار فتصبح الخسائر ال تحتمل ويحق للقبر‬
‫أن يهنأ فقد جاءه خير الرجال‪..‬‬
‫لك من قلبي الدعوات الطاهرة‪ ،‬بأن تحفك رحمة هللا الواسعة‪ ،‬ويسكنك‬
‫جنانه‪ ،‬ويجعل الفردوس األعلى مثواك‪..‬آمين‪..‬‬
‫‪ ‬‬

You might also like