Professional Documents
Culture Documents
التخطيط الإستراتيجي للدولة
التخطيط الإستراتيجي للدولة
املستقبل ،وتحليل السياسات العامة ،إللهام وبناء قدرات القادة وصنّاع القرار من أجل
مجتمعات أكثر أمنًا ورفاهًا .نعمل مع القادة الحكوميين الذين يواجهون التحديات لتحقيق
نتائج استثنائية .نعتقد أن الخطوات الجريئة تشكل املستقبل ،لذا كسرنا القواعد من
خالل تطوير استراتيجيات مبتكرة تساعد الحكومات ىلع تحقيق النتائج ملواطنيها .نحن
نعمل مع صانعي السياسات من خالل التركيز املستمر ىلع دعم األفكار الجريئة التي
تساعدهم ىلع تحقيق ما هو استثنائي.
2
للتدرب عىل محتوى الكتاب بشكل تطبيقي عميل
اضغط هنا
3
هذا الكتاب
أتيحت لي الفرصة خالل األعوام الماضية للمشاركة في العديد من األنشطة المتعلقة بالتخطيط
اإلستراتيجي على المستوى القومي ،وقمت بإعداد عدد من الدراسات التحليلية عن التخطيط القومي لعدد
من الدول النامية لفترة ما بعد االستقالل وحتى مطلع التسعينيات ،كما شاركت ببعض المحاضرات في
عدد من الدورات التي استهدفت بناء القدرات في مجال التخطيط اإلستراتيجي القومي لمجموعات من كبار
الموظفين الحكوميين.
لقد بدا لي بوضوح من خالل الدراسات المشار إليها ،عددًا من النتائج المهمة تمثل أهمها في ضعف
أو عدم وجود التخطيط اإلستراتيجي القومي في تلك الدول ،عدم االهتمام بالتخطيط اإلستراتيجي
السياسي واألمني وفي مجال العالقات الدولية ،ضعف القدرات التفاوضية الوطنية ،عدم وجود مسار
إستراتيجي للدولة ،غياب الترتيبات اإلستراتيجية السياسية التي يتم من خاللها ترقية األداء السياسي،
انطالق التخطيط االقتصادي من منظور محلي لتحقيق أهداف محلية دون أي طموحات لتحقيق أهداف
عالمية ،وعدم وجود ترتيبات لتأسيس أوضاع تتناسب والصراع الدولي حول المصالح ،عدم وجود رؤى
وطنية حول المصالح اإلستراتيجية للدولة ،غياب ثقافة خطة الوطن التي يسندها الجميع في الحكم
والمعارضة ،عدم تكامل األنشطة بالدولة ،وقد انعكس ذلك في ارتباك األداء بتلك الدول وعدم قدرتها
على تحقيق نهضة طموحة.
كما الحظت من خالل تقييمي للدورات التي سبق ذكرها ،أن المنهج المتبع في التدريب كان يعتمد
بشكلٍ كبير على مفاهيم اإلدارة اإلستراتيجية لمنظمات األعمال ،مع التركيز على تحليل ،SWOTوكان
المشهد المتكرر في كل تلك الدورات يبدأ عند نهاية المحاضرة وبداية أسئلة المتدربين ،حيث ترد أسئلة
متخصصة جدًّا من موظفي بعض الوزارات ذات األهداف غير التجارية كوزارة الخارجية ،العون اإلنساني،
الدفاع ،الداخلية ،العدل ..إلخ
كانت معظم األسئلة تدور حول قضايا مثل :ما هو دور التخطيط اإلستراتيجي في تحقيق التناسق
الوطني؟ كيفية مواجهة الصراع الدولي حول المصالح؟ وما هو دور التخطيط اإلستراتيجي في تعزيز
القدرات التفاوضية الوطنية ،وكيف تتم السيطرة على الصراع السياسي ..إلخ ،وهكذا الحظت بوضوح
وجود صعوبة من المدربين في اإلجابة على مثل تلك األسئلة.
بنظري كل ذلك يعود لسبب رئيس هو قصور علم التخطيط اإلستراتيجي لمنظمات األعمال عن تلبية
حاجة التخطيط القومي بما يشمله من قضايا وتعقيدات تتعلق باألوضاع السياسية واالقتصادية
واالجتماعية والعلمية والتقنية واإلعالمية والعسكرية وباألمن القومي.
ولعل الباحث في علم التخطيط اإلستراتيجي لمنظمات األعمال يستطيع أن يالحظ ذلك.
4
يأتي ذلك في وقت تخلو فيه المكتبات الوطنية والعربية من كتب ومراجع التخطيط اإلستراتيجي
القومي ،فيما ال زالت معظم جامعاتنا الوطنية تعتمد منهج التخطيط اإلستراتيجي لمنظمات األعمال
لتأهيل القيادات اإلستراتيجية ،وهذا وضع ال يتناسب والتحديات المعاصرة.
لعله من البديهي إدراك أن المصالح الوطنية للدول في ظل التعقيدات المتزايدة للبيئة الدولية وبروز
النظام العالمي الجديد ،ال يمكن تحقيقها إال ألصحاب المزايا والقدرات التنافسية العالمية والقدرات
التفاوضية ،من هنا فإن امتالك القوة اإلستراتيجية أو أحد عناصرها األساسية ،وتحديد المسار
اإلستراتيجي للدولة ولمنظماتها وبلورة الرؤى اإلستراتيجية تصبح مطالب ملحة ال سبيل عنها لبناء
المستقبل ومواجهة تحدياته.
إن التاريخ يثبت أن اإلرسال الحضاري كان دائمًا يتم من مراكز إرسال قوية ،ولعل ما يجري على الساحة
الدولية في الوقت الراهن يشير إلى امتالك الغرب للقوة اإلستراتيجية ،وهو وضع يعني أن التخطيط
للتعامل مع العولمة وإدارة الحوار الحضاري المكتمل والفعال بين دول الشمال ودول الجنوب ال يمكن
تحقيقه من المنظور اإلستراتيجي إال عبر إستراتيجيات اجتماعية تنطلق من مراكز قوة أي تستند على
تخطيط إستراتيجي اقتصادي وسياسي متقن.
رجوعًا لكل ذلك فقد اهتم الكاتب بتأسيس وطرح مفاهيم جديدة للتخطيط اإلستراتيجي في
المجاالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية والعالقات الدولية والبحث العلمي والتقنية ،كما طور
مفاهيمًا جديدة للتغيير اإلستراتيجي تتناسب ومتطلبات األداء القومي.
وأرجو أن أشير هنا إلى أن الكتاب لم يتطرق لإلستراتيجية العسكرية وذلك لوفرة المادة العلمية التي كتبت
فيها.
كما اهتم هذا الكتاب الذي يعد تطويرًا لكتابنا «التخطيط اإلستراتيجي في االقتصاد والعلوم
السياسية واالجتماعية» بتوضيح العالقة بين التخطيط اإلستراتيجي ،المصالح الوطنية واألمن القومي،
وقد اقتضى ذلك تحقيق التناسق بين كل من أساليب التحليل اإلستراتيجي ،الغايات القومية المنبثقة
عن اإلستراتيجية وعناصر القوة الشاملة لألمن القومي والتنظيم اإلداري آللية التخطيط اإلستراتيجي
القومي.
بناء عليه قام الكاتب بتطوير أسلوب التحليل المعروف بتحليل PESTحتى يكون مناسبًا للوضع
المشار إليه ،وأطلق على التحليل بوضعه الجديد اسم تحليل األوضاع القومية.SIMPEST :
كما تضمن الكتاب تحديد خطوات اإلدارة اإلستراتيجية في المجاالت الفرعية المختلفة السياسية
واالجتماعية واالقتصادية ..إلخ ،بما يجعلها تتناسب ومتطلبات المصالح الوطنية بما في ذلك مطلوبات
األمن القومي ،كما طرح رؤية متكاملة للتنظيم اإلداري آللية التخطيط اإلستراتيجي.
5
إن المفاهيم الجديدة للتخطيط اإلستراتيجي ،وتحديد خطوات اإلدارة اإلستراتيجية بأشكالها الجديدة،
والتحليل بوضعه الجديد ،جعلت من التخطيط اإلستراتيجي القومي نشاطًا متكاملًا تسعى فيه كل
اإلستراتيجيات الفرعية لتحقيق المصالح الوطنية والتعامل مع القضايا اإلستراتيجية ونقاط الضعف
والمهددات الوطنية ،كما بلورت العالقة بصورة أوضح بين التخطيط اإلستراتيجي واألمن القومي ،فيما
أصبح التحليل اإلستراتيجي الذي تم تطويره مناسبًا للتخطيط اإلستراتيجي القومي وألغراض تحقيق األمن
القومي ،أما التنظيم اإلداري آللية التخطيط اإلستراتيجي فيجعل الدولة تسير بانتظام من موطن الضعف
في الغايات المختلفة نحو موطن القوة ،في ظل إدراك مستمر للتحديات المحلية والدولية ،وبالتالي عدم
ممارسة الدولة ألي أنشطة غير مطلوبة أو تتناقض مع المصالح الوطنية أو تهديد األمن القومي.
نرجو أن يشكل هذا الكتاب نقطة انطالق للباحثين والمفكرين للنقد والتحليل في سبيل بناء الفكر
في هذا المجال الحيوي المهم.
واهلل ولى التوفيق،
د .محمد حسين أبو صالح
1429 / 1 / 1هـ
6
مقدمة الطبعة الثالثة
سررت جدًّا بنفاد الطبعة األولى من الكتاب في وقت وجيز ،وهو ما أعتبره مؤشرًا لتفاعل المجتمع مع
هذا العلم المهم.
تضمنت هذه الطبعة إضافة جديدة تمثلت في شرح مفهوم األمن اإلنساني وعالقته بالتخطيط
اإلستراتيجي القومي ،وكذا العالقة بين األمن اإلنساني واألمن القومي ،وأوضحت أهمية مراعاة مفاهيم
التخطيط اإلستراتيجي القومي لعدد من القضايا الملحة منها سعي الدولة المتالك القوة اإلستراتيجية
الشاملة ،وتحقيق األمن اإلنساني والمحافظة على البيئة ،بحيث يجب أال يتم السعي لتحقيق المصالح
المختلفة على حساب أمن اإلنسان أو البيئة.
ولعل التدبر في المفاهيم التي طرحها هذا الكتاب حول التخطيط اإلستراتيجي ،تشير إلى تكامل
عملية تحقيق المصالح اإلستراتيجية الوطنية واألمن القومي واألمن اإلنساني والحفاظ على البيئة المحلية
والعالمية ،وأن صياغة المفاهيم بما يراعي ذلك من شأنه أن يمتد ليؤثر حتى في تحقيق األمن واالستقرار
العالمي ،وأن عدم المراعاة الكافية للمفاهيم التقليدية للتخطيط اإلستراتيجي لهذه الجوانب كان لها أثر
كبير في حدوث العديد من القضايا واإلشكاالت التي يعاني منها العالم اليوم ،من أهم نماذجها التدهور
المريع في األمن اإلنساني وفي البيئة ،استئثار % 20من سكان األرض بمعظم الدخل العالمي ،وأنّ عدة
مئات من الشركات تحوز على حوالي % 50من الدخل العالمي ،وأنّ الزيادة في الدخل القومي للدول ال تذهب
في أغلب األحوال لصالح القواعد الشعبية بقدر ما تذهب إلى عدد محدود من أصحاب الشركات لعدم مراعاة
تلك المفاهيم بشكل كافٍ ألهمية تأسيس فلسفة لتوزيع الدخل القومي أو العالمي ...إلخ،
الشيء الذي يحتم وضع قيود إلدارة األرض بما يؤسس ألوضاع اقتصادية عادلة ،ويمنع تحقيق
المصالح في ظل تهديد إنسانها وبيئتها ،وذلك من خالل مفاهيم التخطيط اإلستراتيجي.
نرجو أن يشكل ذلك نواة لقدح زناد الفكر من أجل مزيد من التطوير لهذا العلم المهم.
المؤلف
7
مقدمة الطبعة الرابعة
تصدر الطبعة الرابعة من هذا الكتاب بعد شهور قليلة من صدور الطبعة الثالثة والتي تم تخصيصها
للدول العربية ،بغرض توسيع دائرة المشاركة من العلماء والمهتمين بعلم اإلستراتيجية ،وصولًا لفكر
إستراتيجي يناسب التحديات الراهنة ويسهم في تشكيل المستقبل المنشود في الدول النامية ،فضلًا عن
اإلسهام في مواجهة التحديات التي تواجه العالم والتي تجسد آخرها في انهيار النظام المالي العالمي والتي
تشير بوجهة نظر المؤلف إلى حتمية تطوير مفاهيم التخطيط اإلستراتيجي حتى ترتكز على القيم
والمرتكزات التي تؤسس لألمن العالمي واإلنساني.
تضمنت هذه الطبعة إضافة جديدة تمثل أهمها في تطوير مفهوم تنفيذ اإلستراتيجية ،حتى ال
ينتهي اإلبداع في علم اإلستراتيجية في حدود التخطيط اإلستراتيجي وإنما ضرورة أن يتضمن الترتيبات
التي تضمن أن ما يخطط له ،يتم تنفيذه ،وهو موضوع يشير إلى أهمية التوصل لمفاهيم في التخطيط
اإلستراتيجي بمجاالته المختلفة ،تؤسس للتكامل والترابط والتناسق ألنشطة الدولة وتحقيق األمن القومي
واإلنساني والعالمي فضلًا عن تأمين وضمان تنفيذ اإلستراتيجية.
تضمنت الطبعة أيضًا تطويرًا لمفهوم الرؤية بما يساعد في تشكيل العقل القومي واإلسهام في حشد
قوة الدولة في سبيل تنفيذ اإلستراتيجية بما في ذلك من تأسيس للشراكات بين الحكومة من جهة مع
كل من شركات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع الوطنية.
المؤلف
8
مقدمة الطبعة الخامسة
شملت الطبعة الخامسة تطويرًا في أكثر من منحى ،كان أهمها إضافة مساحة للتخطيط اإلستراتيجي
للتنمية العمرانية ضمن الفصل الثاني من الباب الثاني بجانب تطوير فصل خاص بالتخطيط اإلستراتيجي
للموارد البشرية ،حيث تم طرح مفاهيم وخطوات تتعلق بالموارد البشرية على مستوى الدولة وليس على
مستوى المنظمات كما هو الحال في العديد من الكتابات التي اهتمت بهذا الجانب كما تناولت الطبعة
أهمية استناد التخطيط اإلستراتيجي على الفكر اإلستراتيجي واآلثار الناجمة عن ذلك.
تناولت هذه الطبعة تطوير مفهوم قوى الدولة الشاملة وبشكل خاص مفهوم القوة االقتصادية وقوة
المعلومات واإلعالم.
كما شمل التطوير خطوات اإلدارة اإلستراتيجية وطرح مفهوم وخطوات للسياسات في إطار
اإلستراتيجية بشكل يؤسس بشكل عملي لتنفيذ اإلستراتيجية وإدارة الشراكة الوطنية وحشد القدرة
الوطنية فضلًا تحقيق التكامل والتناسق والترابط للنشاط الوطني.
هذا التطوير عزز من عالقة التخطيط اإلستراتيجي باألمن القومي وباألمن اإلنساني وبالبيئة ولعل
إغفال هذه العالقة في الماضي أضر باألمن العالمي وبأمن اإلنسان وباألمن القومي.
نرجو أن تجد حظها من النقد من قبل المهتمين حتى نستطيع تطوير البناء الفكري في هذا الجانب
الحيوي.
وباهلل التوفيق،
المؤلف
9
مقدمة الطبعة التاسعة
شهدت هذه الطبعة اكتمال عناصر قوى الدولة الشاملة ،حيث كنا في الطبعات السابقة قدمنا التخطيط
اإلستراتيجي بمفهومه العام بجانب التخطيط اإلستراتيجي السياسي ،التخطيط اإلستراتيجي للعالقات
الدولية ،التخطيط اإلستراتيجي لالقتصاد ،التخطيط اإلستراتيجي لإلعالم ،التخطيط اإلستراتيجي لإلنتاج
العلمي ،التخطيط اإلستراتيجي لإلنتاج التقني ،التخطيط اإلستراتيجي للموارد البشرية ،حيث قمنا بتطوير
فصل جديد بعنوان التخطيط اإلستراتيجي االجتماعي والثقافي ،هذا الفصل وإن جاء متأخرًا إال أنه بوجهة
نظري يشكل الفصل األكثر أهمية باعتبار أن التحدي الذي يواجه تحقيق المصالح اإلستراتيجية للدول
النامية يتوقف على مدى وجود إسناد ثقافي كما أن المصالح االجتماعية وما تشمله من تنمية للبشر
وللمجتمعات تظل هي المصلحة األكثر أهمية التي تدور حولها المصالح األخرى.
أعتقد أن المادة المكتوبة تشكل بداية الفكرة التي تساعد المختصين من علماء االجتماع لتطوير الفكر
اإلستراتيجي االجتماعي والثقافي.
تضمن هذه الطبعة أيضًا تطويرًا للتخطيط اإلستراتيجي لإلعالم ليشمل التخطيط اإلستراتيجي
للمعلومات.
تضمنت اإلضافات الجديدة مفاهيم تتسق وتتكامل وتدعم المفهوم العام التخطيط اإلستراتيجي القومي
ومفهوم األمن القومي وأمن المستقبل.
قمنا من خالل هذه الطبعة بإجراء بعض اإلضافات في الفصل الثالث من الباب األول تضمن تطويرًا
لمفهوم األوضاع القومية وتحليل ( )SWOTوعالقة الفكر اإلستراتيجي بالتحليل القومي ،بجانب تطوير
خطوات اإلدارة اإلستراتيجية ،وبعض اإلضافات المحدودة في التخطيط اإلستراتيجي السياسي والتخطيط
اإلستراتيجي للعالقات الدولية واإلعالم واألمن القومي.
المؤلف وباهلل التوفيق،
10
الباب األول
11
الفصل األول
مفهوم اإلدارة
12
الفصل األول :مفهوم اإلدارة
إنّ اإلدارة الحديثة والمنهجية العلمية والوسائل التقنية هي الحل الوحيد للمنظمات( ،مؤسسات،
دول ..إلخ) ،حتى تستطيع أن تدير حوار المصالح في العصر القادم حيث أن زوال الحدود يعني أن مهام
المديرين ستتعقد أكثر لتحولهم من التخطيط لبيئة محلية محمية ذات أنماط غالبًا ما تكون متواضعة،
إلى بيئة عالمية ،وتحول بيئة المنظمة لتبدأ في التأثر بالبيئة الدولية بكل تعقيداتها وتطورها المتسارع،
وهذا يقود إلى حتمية انتهاج أساليب علمية حتى تتمكن من مواجهة عصر العولمة.
املفهوم اإلنساين:
اإلدارة ال تخرج عن كونها ذلك النشاط اإلنساني الذي يُمكِّن المنظمة من التفكير العلمي اإليجابي
المنظم المرتب الذي يؤدي إلى التفاعل اإليجابي مع البيئة (البيئة الداخلية للمنظمة ،األسرة والمصالح
الدولية واإلقليمية والمحلية ..إلخ)
بما فيها من متناقضات وتفهمها وتحليلها التحليل المثالي ودراستها بما يمكنها من تحقيق أهدافها
بأحسن صورة ممكنة ،عن طريق االستخدام األمثل للفرص والموارد المادية والبشرية المتاحة بأقل
التكاليف والخسائر الممكنة وفي الزمن المحدد عبر مجموعة من المبادئ واألساليب العلمية.
املفهوم اإلسالمي:
برؤية المؤلف فإن المفهوم اإلسالمي يأخذ عمقًا أكبر من المفهوم اإلنساني ،وذلك الستناده على
المنهج اإلسالمي ،فإذا كان المفهوم اإلنساني يهتم بترتيب النشاط في المنظمة بما يشمله ذلك من مبادئ
وأساليب ،تؤدي إلى تحقيق األهداف بالجودة المطلوبة وأقل التكاليف في الزمن المحدد ،واالستغالل األمثل
للفرص والموارد ،فإن اإلدارة اإلسالمية تتضمن ذلك إال أنها تشمل أبعادًا أخرى تميزها عن المفاهيم
اإلنسانية لإلدارة ،تعبر في مجملها عن المفهوم اإلسالمي للجودة ،نلخصها في اآلتي:
.1المفهوم اإلسالمي يربط األرض بالسماء في كافة النواحي ،لذا نجده يتضمن الجوانب اإليمانية
المتعلقة بذلك (مثال لذلك المفهوم اإلنساني يتحدث عن االستغالل المثالي للموارد ورغم توصل
الغرب مؤخرًا إلى أهمية الحفاظ على البيئة والموارد العالمية إال أن ذلك لم يدرج ضمن مفهوم
اإلدارة بصورة واضحة ،بينما نجد المفهوم اإلسالمي يتضمن ذلك بل ويتعداه للحصول على موارد
جديدة من خالل استيفاء العناصر اإليمانية كالحصول على موارد مائية من خالل التقوى أو
االستغفار) ،وربط نجاح الشراكات في المجتمع بتوفيق اهلل الذي يتوقف على اإلخالص واألمانة
وتحقيق الرضا لكافة أطراف الشراكة ..إلخ ،التي تقود إلى رضاء المولى عز وجل وتوفيقه ،ففي
حديث ألبي هريرة أن رسول اهلل ﷺ قال :يقول اهلل تعالى« :أنا ثالث الشريكين ما لم يخن
13
أحدهما صاحبه فإذا خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما».
.2المفهوم اإلسالمي يتضمن مفهوم الجودة اإلسالمية ويستند على مجموعة من األسس والقيم
والمبادئ والمرتكزات األخالقية ،والتي تقود بصورة مباشرة وغير مباشرة نحو تأسيس مصالح
عادلة لكافة األطراف بما فيها البيئة ،يبدو ذلك في اآلتي:
العاملون :وهو يشمل مراعاة مصلحة العامل ،معاملته كإنسان ،مراعاة أوضاعه
االجتماعية ،عدم تحميله ما ال طاقة له به ،منحه المرتب والحافز المجزي ،عدم تأخير
صرف راتبه ..إلخ.
تحقيق مصالح المنظمة بما ال يتناقض مع المفهوم اإلسالمي (اإلضرار بالبيئة أو العاملين
استخدام الموارد ،عدم إفساد البيئة من قطع لألشجار أو تلويث للبحار أو للهواء ..إلخ.
.3المفهوم اإلسالمي مقيد بالسعي لتحقيق العمل الصالح ،وهو يعني العمل لصالح خير
البشرية ،ليس ذلك فحسب بل نجد أن المنهج اإلسالمي يربط بين اإليمان والعمل الصالح فال
نجد اإليمان إال ويتبعه العمل الصالح،
كما جاء في حديث« :اإليمان ما وقر في القلب وصدقه العمل» لذا فإن تزكية النفوس من
خالل الذكر يقود نحو اإليمان الذي يقود إلى العمل الصالح كنتيجة تلقائية ،وهذا يعني أن
مفهوم اإلدارة في اإلسالم ال ينفك عن الجوانب اإليمانية.
.4المفهوم اإلنساني تنتهي أهدافه بالحياة الدنيا ،فيما يمتد المفهوم اإلسالمي ليشمل تحقيق
أهداف تتعلق بالحياة اآلخرة.
أهمية اإلدارة:
إذا تدبرنا البيئة الدولية بعمق ،فإننا سندرك العديد من التحديات المطلوب مواجهتها والعديد من
األهداف المطلوب تحقيقها .إن تحقيق رؤية المنظمة وأهدافها في ظل بيئة دولية تتسم بالتعقيد
والتباين فضلًا عن التطورات المتسارعة والمخططات اإلستراتيجية التي تموج بها الكرة األرضية ،كلها
تشير إلى التحديات التي تواجه المنظمات ،إننا نعيش في عصر أصبح التفوق فيه لمن يمتلك القدرات
والمزايا التنافسية ،وهي تحديات تتعذر مواجهتها دون علم اإلدارة ،ولقد أشارت العديد من الدراسات إلى
14
أن ما تحقق من نجاح وتنمية في العقود الماضية لم يتم إال بفضل علم اإلدارة ،بل إن تحقيق التفوق
أصبح يتوقف أكثر من ذي قبل على مدى امتالك القدرات اإلدارية المتطورة.
اإلدارة والبيئة:
إن المنظمة الناجحة هي تلك التي تتفاعل بحيوية وديناميكية مع المتغيرات والتعقيدات التي
تحدث في البيئة وعلى هذا يجدر بنا ونحن نتحدث عن اإلدارة أن نعرف ما هو المقصود بالبيئة.
ويقصد بها الظروف البيئية كالمناخ ،الظروف السياسية والحكومية ،العولمة ،الظروف االجتماعية
والعادات والتقاليد والقيم والمبادئ واألديان ،السوق والمصالح الدولية ،القوانين واللوائح اإلقليمية
والدولية والمحلية ،العوامل الجغرافية ،العوامل الفنية من مهارات وخبرات وتكنولوجيا ،مستوى التعليم
والثقافة ..إلخ.،
وكل هذه العوامل تأخذ بعدًا مختلفًا في تأثيرها على العملية اإلدارية إذا تم استصحاب ظروف
العولمة والتطورات العلمية التي تسود العالم ،حيث نجد أنّ على المديرين واإلعالميين ..إلخ،
أن يغيروا من أساليبهم حتى يستطيعوا أن يستوعبوا تلك العوامل البيئية المختلفة ،كذلك في
عصر العولمة الثقافية عصر انفتاح الفضاء الواسع واستعداد شعوب العالم الستقبال اإلرسال الدولي،
فإن هذا سينعكس على تعقيد العملية اإلدارية محليًّا إذ يجب التعامل مع ظروف أكثر تعقيدًا وجمهور
مختلف ومتعدد الثقافات والعادات واألديان ،وإننا حتمًا سنكون في حاجة إلى تحديد أهداف أكبر وأكثر
عمقًا وجدية ،وتفرض في نفس الوقت العمل بنفس مستوى الجودة العالمية لإلنتاج الذي يجب إخراجه
بلغة العصر ولغة التقنية.
إذن فالعملية اإلدارية وتحقيق األهداف والمصالح في عصر العولمة تتعقد أكثر وإن التفاعل مع التنظيم
األكبر وهو األسرة الدولية والتواؤم اإليجابي المستمر مع المتغيرات التي تحدث بين حين وآخر والقيم
والسلوكيات واألساليب والمصالح الشائكة والمتعددة تزيد من ذلك ،ولعل إدارة المنظمات أيًّا كان مجال
عملها والتخطيط لها ،ال يمكن أن يتم بمعزل عما يدور في الساحة الدولية ،بل إن تحقيق األهداف
اإلستراتيجية في ظل البيئة الدولية المعقدة ،يتطلب ممارسة إدارية تستطيع أن تقرأ وتتفاعل مع تلك
الساحة الدولية بحيوية ،وهذا يعكس في الحقيقة التحدي الذي يواجه الحكومات والمنظمات في المرحلة
القادمة وهو التحدي اإلداري.
15
تصنيف املديرين:
يمكن تصنيف المديرين إلى عدد من المستويات اإلدارية ،إال أنّ ذلك يتم عبر طريقتين هما (:)1
املستوى العاملي:
يرى المؤلف أنه في ظل التطورات الراهنة واالنفتاح الدولي وظهور األعمال العالمية والمنظمات ذات
النشـاط العالمي ،يمكن إضافة مستوى جديد وهو المستوى العالمي الذي يتولى اإلشراف على العمليات
الدولية في مختلف بقاع العالم ،بما في ذلك ملف التحالفات والشراكات الدولية والتقسيمات الدولية
للعمل ،ويضع اإلستراتيجية العالمية ،ويتولى مهام التنسيق بين المنظمات في األقطار المختلفة ،ويتولى
وضع السياسات العالمية واتخاذ كافة القرارات العالمية وقرارات التغيير اإلستراتيجي على المستوى
العالمي.
ولعل أفضل مثال للمنظمات التي تطبق هذا المستوى هو الشركات متعددة الجنسيات ،األمم
المتحدة ،المنظمات الدولية.
علي شريف ،مبادئ اإلدارة( ،اإلسكندرية :الدار الجامعية 2001 ،م) ،ص 34ـ .37 ()1
16
.2مديرو اإلدارة التنفيذية:
يطلق عليهم أحيانًا مديرو اإلدارة الوسطى ،ويمثلون أكبر مجموعة من المديرين ،ويمتد مدى اإلدارة
التنفيذية من مستوى اإلدارة العليا هبوطًا حتى بداية اإلدارة المباشرة.
يختص مديرو هذا المستوى بتنفيذ اإلستراتيجيات والسياسات الموضوعة بواسطة اإلدارة العليا ،كما
يقومون بتنسيق أعمال اإلدارة المباشرة.
املهارات اإلدارية:
مهما اختلف حجم أو نوع المنظمة فإن المديرين يجب أن تتوفر فيهم ثالثة أنواع رئيسة من المهارات
17
وهي.)2( :
.1المهارات الفكرية.
.2المهارات الفنية.
.3المهارات المتعلقة بالعالقات اإلنسانية.
.1المهارات الفكرية:
تتفاوت وفقًا للمستوى اإلداري ،فمدير المستوى األعلى يقضي معظم وقته في تحليل المعلومات
(مثال لذلك دراسة اتجاهات الرأي ،االتجاهات الصناعية والمناخ االقتصادي والثقافـي) ،وتحديد المشكلة،
وتحديد البدائل ،والوصول إلى قرار وتنفيذه ومن ثم تقييم العمل ،ولعل هذا يبين أن المستوى اإلداري
األعلى يحتاج إلى المهارات الفكرية أكثر ،أما مديرو الوسط فغالبًا ما يتسم دورهم بتبادل المعلومات بين
المستوى اإلداري األعلى واألدنى ،والتخطيط وحل المشكالت في سبيل تنفيذ توجيهات اإلدارة العليا ،وهم
في هذا الصدد يعتمدون على المعلومات الفنية أكثر من مستوى اإلدارة العليا ،أما مديرو المستوى األدنى
فهم يتولون التعامل واالتصال مع الموظفين الذين يؤدون العمل الفني ،وهم بذلك يعتمدون على
النواحي الفنية أكثر من المستوى اإلداري األوسط ودائمًا ما يتوفر لديهم فهم كامل للمهارات الفنية
المتعلقة باإلنتاج.
.2المهارات الفنية:
تتفاوت الحاجة إلى المهارات الفنية وفقًا للمستوى اإلداري ،فكلما ارتفع المدير في الهرم اإلداري كلما
قلّت حاجته إلى المهارات الفنية والعكس صحيح.
.3المهارات اإلنسانية:
يقصد بمهارات العالقات اإلنسانية ،المهارات التي تتطلب تفهم اآلخرين ،أو مهارات التعامل مع
اآلخرين ،وألن طبيعة عمل المديرين تتطلب إنجاز األعمال من خالل اآلخرين ،فإن المديريـن يكونون في
حاجة إلى مهارات عالقات إنسانية في مختلف المواقف ،لخلق اإلقناع المتبادل بأنّ كل فرد في المنظمة
قادر وراغب في العمل بنشاط لكي يحقق األهداف العامة المشتركة ،وخـلق الثقة وروح اإلبداع بين
الموظفين.
()2دايفد راتشمان وآخرون ،اإلدارة المعاصرة ،ترجمة ومراجعة رفاع محمد رفاعي ومحمد سيد احمد عبد المتعال( ،الرياض:
دار المريخ للنشر 2001 ،م) ص .174 - 173
18
السلوك اإلداري:
تحدثت النظريات اإلدارية المعاصرة عن السلوك اإلداري بكونه يعمل للوصول إلى حلول عملية
لمشكلة الكفاية اإلنتاجية والحافز المادي والمعنوي ،والعالقات اإلنسانية ،أو توزيع السلطات داخل الهيكل
التنظيمي وغير ذلك من أطراف العملية اإلدارية بمكوناتها التقليدية والحديثة (.)3
تميزت فلسفة السلوك اإلداري في اإلسالم بتركيزها على جميع المتغيرات التي تؤثر على هذا
السلوك ،سواء داخل المنظمة أو خارجها ،وحددت عالقة هذا السلوك بالمؤثرات االجتماعية المختلفة
والدليل على ذلك أن فلسفة اإلسالم اهتمت كثيرًا بالبُعد األخالقي.
اإلدارة هي إحدى الوسائل التي تستخدمها الدولة اإلسالمية للوصـول إلى غاياتها ووظائفها ،ولكي
تتمكن اإلدارة من أداء مهمتها كما ينبغي فال بـد من أن ترتبط بمبادئ وفلسفة المجتمع اإلسالمي ،وأن
ترتبـط بالبيئة اإلسالمية ،ويمكن فيما يلي ذكر نماذج لذلك:
.1أن الفرد في اإلسالم ملتزم بمبادئ الشريعة حيثما كان في منزله أو مكان عمله ،فهو يعبد اهلل
ويرعى قيود الشرع في كل خطوة يخطوها وهذا يعني أن الجانب العقائدي يوجه سلوك
العاملين في المجتمع اإلسالمي.
( )3أحمد محمد المصري ،اإلدارة في اإلسالم( ،اإلسكندرية :مؤسسة شباب الجامعة 2004 ،م) ،ص 110-87
19
.2إذا توفرت بيئة اجتماعية إسالمية ،فإن ذلك يعني توفير رجال عاملين أتقياء يخافون اهلل،
يتقنون عملهم ويتحملون المسؤولية والوظيفة الموكلة إليهم ،ويطيعون األوامر ،وبذا تسير
المنظمة اإلدارية وتحقق أهدافها.
العملية اإلدارية:
النظام:
قبل التحدث عن العملية اإلدارية نرى ضرورة الحديث عن المقصود بالنظام ،وذلك بكيفية تقرب إلى
األذهان الترابط والتكامل والتناسق وتقاسم المهام واألدوار ودقة الوصف الوظيفي وأهميته داخـل
المنظمة ،عليه إذا تم الحديث عن النظام فنجده ما هو إال تركيب معقد لعدد من األجزاء لتحقيق غرض
أو هدف معين عبر التفاعل والتكامل بين هذه األجزاء المختلفة متأثرًا ومؤثرًا بالبيئة التي حوله ،ومن
أمثلة النظام اإلنسان نفسه نجده ما هـو إال عدد ضخم من األجزاء ،مخ ،عضالت ،أعصاب ،دم...
يقوم كال منها بمهمة أو غرض بإتقان تام وانسجام وتناسق مع األجزاء األخرى تحت قيادة العقل،
والعديد من وحدات اإلنتاج ،معدة ،غدد ،أجهزة إخراج فضالت ،أجهزة تحكم في الحرارة ،..بدعم عدد هائل
من مراكز الخدمات ،الكلى ،الكبد ،القلب ،...بمساعدة آالف االتصاالت التي تنقلها األعصاب ،والتقارير عن
الحرارة والمهددات ..إلخ (كل عضو له هدف واضح ،زائدًا وصف وظيفي متقن في ظل نظام إداري متكامل)
وكل الجهود تصب تجاه تحقيق هدف واضح ومحدد ،ال يوجد من يؤدى عملًا غير مطلوب ..وإذا نظرنا إلى
التنظيم ،الشركة ،المشروع ،الحكومة ،نجدها عبارة عن عدد من األنظمة (نظام الشراء أو التجارة ،نظام
العالقات العامة ،نظام اإلنتاج ،نظـام الرقابة .الخ )..ونجد أن هذا النظــام يتفاعـل مع البيئة
فيعطيها ويأخذ منها ويؤثر ويتأثر بها.
والعملية اإلدارية في مجملها عبارة عن عدد من األنشطة والمهام يتـم أداؤها من خالل عدد من
(األنظمة) لتحقيق أهداف معينة ،وهذا الكم من األنشطة يعني الحاجة إلى التنسيق والترابط والتكامل
حتى يتجه الجميع نحو تحقيق األهداف بالكم والكيف والزمن المطلوب ،وبالعدم تصبح المنظمة عبارة
عن جزر معزولة وينتهي بها الحال إلى الفشل كما هو الحال في جسم اإلنسان عندما تخرج إحدى خاليا
البناء عن الهدف المرسوم لها فيحدث حينها ما يسمى بالسرطان.
إنّ ذلك يتطلب تشكيل النظام اإلداري الفعّال والوصف الوظيفي المتقن الذي ينعكس في توزيع
األدوار وتكاملها وتناسقها كما هو في جسد اإلنسان ،باإلضافة إلى تحديد األهداف.
ومع تطورات وتعقيدات العملية اإلدارية وفي ظل الرغبة لتحقيق طموحات أكبر وأوسع فإنّ
المنظمات في العالم المتقدم لجأت إلى المنهجية العلمية في اإلدارة ،حيث قامت بتصميم نظم إدارية
20
محكمة ،قنـوات إدارية محددة ،وصف إداري دقيق ،سلوك إنساني رفيع ،أهداف كبرى واضحة تتفرع منها
أهداف أصغر فأصغر كلها تتكامل في تناسق عبر ذلك النظام الراقي في تحقيق الهدف واألهداف الكبرى.
إذا تم الحديث عن أثر التخطيط اإلستراتيجي للمنظمات في عصر العولمة واضعين في االعتبار
تعقيدات البيئة الدولية والمخططات اإلستراتيجية األجنبية المضادة ،فإنه يمكن إدراك مدى صعوبة
وتعقيد المرحلة القادمة في إدارة الحوار مع المجتمع الدولي ،وكذلك مدى تعقيد العملية اإلدارية
المطلوبة إلتمام ذلك ،وهذا يعني أن مهمتهـا تزداد تعقيدًا فتتحول المسوحات البيئية واإلعالمية
لتشمل البيئة الدولية بكل تعقيداتها وتغيراتها السريعة لينطلق التخطيط من هذا اإلطار الدولي.
ومن األمثلة على النشاط الذي ينطلق من منظور عالمي هو القنوات الفضائية العالمية التي تخاطب
الجمهور العالمي ،وتنتج موادًا إعالمية عالمية ذات مستوىً عالٍ من الجودة في التصوير والسيناريو
واإلخراج ..إلخ ،وهو وضع يفرض على المنظمات اإلعالمية العمل بذات المستوى أو الخروج من المنافسة.
هذا يعني أن التعامل مع عصر العولمة سالحه العلم والتخطيط اإلستراتيجي والمنهجية العلمية
واستخدام علوم وفنون اإلدارة.
العملية التي يتم بموجبها دراسة وتحليل بيانات الماضي والحاضر في سبيل توقع األوضاع المستقبلية
بما يقود نحو تحديد األهداف المطلوب تحقيقها في المستقبل ويشمل تحديد الوسائل والسياسات
واألساليب الالزمة لتحقيق األهداف بالجودة والتكلفة المطلوبة ،كما يشمل تحديد ثقافة المنظمة
وفلسفة النشاط وكذا اإلطار الزمني إلنجاز األهداف.
21
ووفقًا للمفهوم أعاله فإن التخطيط يعتبر النشاط األول في عملية اإلدارة وتبدأ به العملية اإلدارية
ويشتمل على اآلتي:
.2تحديد األهداف.
.7بلورة اإلطار الفلسفي الذي يتم بموجبه تحقيق التكامل والتناسق بين أنشطة المنظمة داخليًا
وخارجيًا.
جدوى التخطيط:
()5مصطفى محمود أبوبكر ،الم دير المعاصر وإدارة األعمال في بيئة العولمة المعاصرة (اإلسكندرية :الدار الجامعية،)2003 ،
ص .48
22
مواعيدها.
.5وضع األسس والمعايير التي على أساسها يتم متابعة األداء وتقييم النتائج وتصحيح
المسارات بما يحقق األهداف ،وبدون التخطيط يتعذر تقييم كفاءة األفراد وإنتاجيتهم،
وبدونه يصعب أيضًا الحكم في كفاءة استخدام الموارد واإلمكانات ويصعب تقييم مستوى
االستخدام االقتصادي واالستثماري لهذه الموارد واإلمكانات.
إنّ وضوح الهدف له اتصال باالستغالل المثالي لموارد المنظمة ،نضرب مثالًا هنا بشخصين هاجرا إلى
دولة من الدول في سبيل الحصول على الرزق ،األول كان بدون هدف سوى الحصول على وظيفة حتى يعيش
كريمًا بعد أن ظل دون عمل في بالده ،والثاني كان هدفه شراء معمل لصناعة األثاثات الخشبية.
إننا قد نجد أن الشخص األول حدث تحول في حياته وبدأ يعيش حياة مرفهة وسعادة بعد حرمان،
والثاني قد نجده قام بتحديد اآلالت واألجهزة المطلوبة ومن ثم حدد أسعارها وقد يقوم بشرائها على
أقساط من مرتبه ومن ثم سنجده بعد ثالث سنوات مثلًا قد أكمل دفع المبلغ المطلوب ،ومن ثم يقوم
بشحنها إلى بالده وتأجير محل وتركيب األجهزة وبدء العمل.
إنّ الوضع بعد عشر سنوات يمكن أن يكون كما يلي :األول سيكون في حاله دون أرض أو منزل يمتلكه،
وقد يكون عرضة ألن يفقد وظيفته إن لم يفقدها بالفعل ،ليعود كما كان أو أسوأ حالًا بعدما شاخ وكبر.
أما الثاني فغالبًا ما نجده يمتلك وضعًا أفضل ،منزلًا محترمًا ،ودخلًا عاليًا مستقرًا ،وحياةً سعيدة .إنّ كل
الفرق بين الحياتين (شقاء األول وسعادة الثاني) تكمن في تحديد الهدف وعدم تحديده ،وهو من أهم
وظائف التخطيط.
التخطيط واإلسالم:
إنّ التدبر من خالل منظور إداري في تاريخ الدولة اإلسالمية األولى وتطورها وسلوكها وممارساتها
وأولوياتها وتصرفاتها وتمددها ،تجعلنا نفكر بصورة مختلفة ،إنّ صحابة الرسول ﷺ لم يركنوا إلى المدد
اإللهي دون عمل ،بل مارسوا التخطيط في كل عملهم ومن ثم كان يأتيهم المدد ليتمم عملهم ،إنّ التاريخ
يشير (على سبيل المثال) إلى أنّ الدولة اإلسالمية عندما امتدت إلى أوربا ومشارف الصين وإفريقيا لم تعان
من الترجمة ،لقد استوعب الجميع لماذا كان المصطفى يهتم بتعليم بعض الصحابة للغات المختلفة ،إن
تلك السياسة الشريفة تجسد العمل بمبدأ التخطيط للمستقبل وليس الركون دون عمل ،ولعل النظرة
الشمولية للدولة ككل وبروزها إلى الوجود في ذلك الحيز الزمني الضيق ومن ثم التدقيق في مستوى األداء
وتقاسم األدوار والمهام وطريقة تحديد األولويات والمراحل والتكتيك الحربي وتوقيت المعارك وتحديد
مواقع القتال الخ ،والتنسيق الدولي بين أطراف الدولة في ظل أوضاع دولية كانت آنذاك تشهد سيطرة
قوتين عظميين هما الفرس والروم ،كل ذلك يشير إلى أنّ الصحابة مارسوا التخطيط متأسين في ذلك
23
بالرسول عليه الصالة والسالم.
قال ﷺ« :والذي نفسي بيده ال تسألوني خطة يعظمون فيها حرمات اهلل إال أعطيتهم إياها» (.)6
وفي رواية أخرى« :وإنه قد عرض خطة رشد فاقبلوها» (.)7
.2مفهوم التنظيم:
إنّ عملية تحقيق األهداف تتطلب اشتراك إعداد من الموظفين والفنيين والعمال ..إلخ ،وقد كان
العمل في القرون الماضية يتم بواسطة أفراد األسرة الذين غالبًا ال يزيد عددهم عن العشرات،
وبالتالي يتولى رب األسرة تحديد األدوار لكل منهم والتنسيق بين الجميع ،ولكن بعد الحرب العالمية
الثانية والنهضة الصناعية ،عرف العالم اإلعداد الضخمة من الفنيين والموظفين والعمال ،وأصبح من
الصعوبة السيطرة على تلك اإلعداد،
وبالتالي أصبح من الصعوبة تحقيق االستخدام المثالي لموارد المنظمة أو تحقيق األهداف بالصورة
المطلوبة كمًا أو كيفًا.
كانت هي تلك خلفية بروز علم التنظيم اإلداري الذي يمكن تعريفه بأنه:
تلك العملية التي يتم من خاللها تصميم النظام اإلداري للمنظمة وتحديد المستويات اإلدارية والعالقات
الرأسية واألفقية ،وبناء نظام االتصال اإلداري ونظم التنسيق للمنظمة ،وتحديد األدوار والمهام ونطاق
العمل ووصف العمل لكل فرد ووحدة وقسم وإدارة ،وكذا تحديد العمليات واإلجراءات المطلوب إنجازها
وفرق العمل لكل منها ،بما يؤدي إلى تمكين المنظمة من االستخدام األمثل لمواردها وتحقيق أهدافها
بالصورة المثالية كمًا وكيفًا وزمنًا.
في ظل التطورات الدولية المتسارعة واحتدام التنافس الدولي بين الدول والمنظمات واعتماد الجودة
العالمية كمعيار للتنافس ،فقد انعكس ذلك على التنظيم اإلداري من حيث طريقة تنظيم العمل ودقة
الوصف الوظيفي واشتماله على بنود تراعي األوضاع في البيئة الدولية.
إن تحقيق الجودة للمنظمة ال يتأتى إال من خالل التنظيم اإلداري الذي يساعد المنظمة على تحقيق
()6سنن أبي داؤود ،كتاب الجهاد ،باب في صلح العدو ،حديث رقم ،2765ج ،3ص ،85الراوي المسوَّر بن مخرم.
()7المرجع السابق.
24
أهدافها بالكم والكيف والزمن المطلوبين ،ويتضمن األنشطة التالية:
.1تحديد المهام واألنشطة المطلوبة لتحقيق رسالة المنظمة وأهدافها.
.2تحديد الحجم المتوقع من كل مهمة أو نشاط.
.3بناء الهيكل اإلداري للمنظمة.
.4تحديد العالقات األفقية والرأسية.
.5وضع البنود والضوابط التي يتحقق من خاللها التنسيق بين أطراف المنظمة وبين المنظمة
وبيئتها.
.6بناء نظام لالتصال اإلداري بين أطراف المنظمة.
.7تحديد مهام ونطاق ووصف العمل لإلدارات واألقسام والوحدات.
.8تحديد مهام ونطاق ووصف العمل لألفراد.
.9تحديد العمليات واإلجراءات بالمنظمة.
.10تحديد فرق العمل المطلوبة إلنجاز كل عملية أو إجراء.
.11تحديد خطوات ومراحل كل عملية أو إجراء.
.12تحديد اإلطار الزمني لكل عملية أو إجراء.
النظام اإلداري:
حتى تتيسر العمليات اإلدارية وتتم بالصورة المثالية فإنّ المنظمة تحتاج إلى تصميم نظام إداري
تتسلسل فيه السلطات والصالحيات بشكل هرمي من القمة إلى القاعدة وتتحدد من خاللها العالقات
أفقيًا ورأسيًا ،ولعله كلما زاد حجم المنظمة وتعقدت بيئتها التي تتعامل فيها ،كلما انعكس ذلك على
العملية اإلدارية وبالتالي النظام اإلداري للمنظمة ،ويبدو تأثير البيئة الدولية بتناقضاتها وتبايناتها واضحًا
في المنظمات خاصة تلك التي يفترض أن تتعامل مع البيئة العالمية وبالتالي قد تحتاج لوجودها
الجغرافي في بعض دول العالم لتعمل على توصيل رسالتها وتحقيق أهدافها وهذا ينعكس بالضرورة
على شكل النظام اإلداري.
وتعتبر عملية وضع النظام اإلداري من أهم العمليات اإلدارية لما لها من انعكاس مباشر على
المنظمة.
25
تأثير عالمية المنظمة على النظام اإلداري:
إنّ النشاط الدولي للمنظمة يعني أن يأتي التخطيط ألنشطة المنظمة مراعيًا لكافة الثقافات
والظروف البيئية ..إلخ
الشيء الذي يعني ضرورة أن يراعي تصميم النظام خلق وإشراك أجهزة المنظمة أو وكاالتها الفرعية
ومصانعها أو وحداتها اإلنتاجية (إن وُجِدت) على مستوى العالم في العمليات التخطيطية ،كما أن طبيعة
التخطيط للمنظمة تحتّم ضرورة تأمين وجود رؤية واحدة وخطة واحدة ،إنّ استيعاب النظام اإلداري لهذه
الحقيقة يعنى تعامل أفضل للمنظمة مع بيئتها ،الشيء الذي يعني وجود كافة اآلراء أثناء عملية
التخطيط والتنفيذ وإعادة التخطيط مما يؤدي إلى الخروج بخطط وأفكار تراعي كافة المؤثرات والظروف
الدولية المتباينة ،وقد أصبح مألوفًا أن يشتمل تصميم النظام اإلداري في المنظمات العالمية وغيرها من
المنظمات األجنبية ذات النشاط الدولي مثل القنوات الفضائية الدوليـة ومنظمات المجتمع المدني
العالمية والمنظمات الكنسية ،على وجود مستوى إداري يسمى اإلدارة الدولية العليا أو اللجنة الدولية العليا
يليه إدارات عليا على مستوى الدول أو المنظمات الفرعية أو المصانع المنتشرة في أنحاء العالم ،يليه
مستوى اإلدارة الوسطى ثم العمليات ،بحيث أصبح المستوى اإلداري الدولي يتولى مهام التخطيط
اإلستراتيجي الدولي ومتابعة تنفيذه على مستوى العالم ومراقبته وتقييمه وإعادة التخطيط ،وتتبع له
إدارات دولية تهتم بالتمويل الدولي واإلعالم الدولي ،الرقابة الدولية والتنسيق الدولي ..إلخ
وتتم هذه العمليات الدولية بمشاركة المستوى اإلداري في الدول أو الشركات أو المنظمات الفرعية أو
المنظمات المنتشرة في أنحاء العالم ،وهذا اإلجراء يمكن بالضرورة من استصحاب العوامل والظروف البيئية
بصورة أكثر فاعلية نتيجة إلشراك الخط الثاني الموجود فعليًا بتلك البيئة أو األسواق.
الوصف الوظيفي:
وهو من أهم أسباب كفاءة األداء ويتم بعد الفراغ من وضع الهيكل اإلداري في شكل إدارات وأقسام
بصورة مبدئية ،ويهدف إلى تحديد المسؤوليات بدقة لكل مسؤول وعامل وموظف بالصورة العلمية
العملية التي تتيح سرعة إنجاز العمل وتضبط األداء وتمكن من كشف األخطاء والمفاسد واإلخفاقات
المرتكبة.
إنّ الوصف الوظيفي يعني ببساطة حصر كل الوظائف والمهام المحددة مع مراعاة طبيعة هدف
وبيئة المنظمة التي يتعامل فيها ،ويقوم بوضعها بصورة مفصلة على الوظائف المختلفة في
المستويات العليا ثم إعادة توزيعها بصورة أكثر تفصيلًا على اإلدارات األدنى ثم أكثر تفصيلًا على األقسام
والقواعد ،بما يمكن من تحديد الخبرات والمهارات المطلوبة لكل وظيفة ويحدد المهام للموظف بصورة
واضحة تنعكس في مستوى أدائه ،وإنّ التعيين في الوظائف ينبغي أن يتم بعد هذه المرحلة ،وإنّ اختيار
26
الكفاءة المناسبة ثم منحها الصالحية والمسؤولية يجعل من عمليات التقييم والتقويم والمحاسبة
والمكافأة أمرًا ممكنًا ،إذ أننا ال يمكن أن نحاسب من لم نعطه السلطة ونحدد له المسؤولية بوضوح ،بل إنّ
المحاسبة والمكافأة غير ممكنة في ظل الفوضى التي ال تحدد السلطات والواجبات والمسؤوليات ،وإنّ الواقع
قد أثبت بأن أحسن بيئة للفساد في المنظمات هي الفوضى ،وبالتالي فإن النظام اإلداري والوصف الوظيفي
تحديدًا يعتبران من وسائل التنظيم والرقابة وضبط الجودة في علم اإلدارة.
إنّ تحديد المسؤوليات بوضوح لكل مسؤول بالكيفية التي ذكرناها في ظل فعالية النظام اإلداري
يجعل مستوى أداء وكفاءة كل مسؤول تحت المجهر بصورة دائمة بما يمكن من مراقبته بوضوح وبالتالي
توجيهه ومكافأته أو محاسبته.
مثال :إذا افترضنا أنّ مشروعًا ما قام بتعيين عدد من العمال لإلشراف على النظافة بالمشروع فإنه
يمكن مالحظة الفرق بين مستوى أداء العمال في حالة وجود وصف وظيفي وفي حالة عدم وجـود وصف
وظيفي ،ففي الحالة األولي حيث يقوم النظام اإلداري بتوزيع المسؤوليات بدقة ووضوح على العمال حيث
يكون معروفًا أن العامل (م) مسؤول عن نظافة الماكينة رقم كذا وأن العامل (س) مسؤول عن نظافة
الماكينة رقم كذا وأن العامل (ض) مسؤول عن نظافة الطابق رقم كذا ..إلخ
وهكذا يتم تغطية كل مهام النظافة بهذه الصورة المحددة مما يجعل مستوى األداء تحت المالحظة
دائمًا وبالتالي معرفة من يعمل ومن ال يعمل ومستوى الكفاءة والجودة لكل منهم بما يسهل عمليات
المحاسبة أو المكافأة ويمنع من االتكالية والتهرب وعليه فإننا نتوقع إنجازا للعمل ومستوىً أفضل لألداء
ووضع افضل للتقييم والتقويم ،أما في الحالة الثانية وهي عدم وجود وصف وظيفي فإننا نتوقع اتكالية
ومستوى جودة سيئ وأداء غير مقبول وينجم ذلك عن االتكالية بين العمال نسبة لعدم وضوح المهام
والمسؤوليات وبالتالي الفوضى التي من خاللها ال نستطيع أن نتبين من يعمل ومن ال يعمل وتصعب
فيها عمليات المراقبة والمحاسبة والتقييم والتقويم ،ولعل هذا المثل البسيط يوضح أهمية الوصف
الوظيفي لعمال النظافة فما بالنا ونحن نتحدث عن ظروف أكثر تعقيدًا وتعامل دولي أو إقليمي.
ال ينتهي الوصف الوظيفي عند هذا الحد بل إن صياغة الوصف تعمل على تحديد عدد من الخطوات
اإلدارية التي تؤدي في خاتمة األمر إلى تحقيق نوع من الرقابة كأن يشترط الوصف الوظيفي موافقة جهة
أعلى لتمرير عملية معينة أو موافقة جهة فنية محددة بما يؤدي إلى تحقيق نوع من الرقابة اإلدارية
وضبط الجودة ،وأضرب مثالًا لذلك بعدم قيام مدير إدارة النشر بمنظمة تعمل في مجال النشر ،ببيع ونشر
وتوزيع أي كتاب أو أفالم إال إذا حصل على موافقة إدارة إجازة النصوص بصحة الكتاب أو األفالم وعدم
مخالفتها لقواعد القانون بالدولة أو لوائح المنظمة ،وهذا يشكل نوعًا من الرقابة وضبط الجودة ،كما أن
إدارة إجازة النصوص ال تمنح رخصة بصحة النصوص إال بعد موافقة اإلدارة العليا للمنظمة وهي سلطة
27
تجعل رئاسة المنظمة على علم بكل ما يجري من أنشطة وأعمال بصورة سلسة سهلة غير معقدة ،وهي
مهام أصبحت تتم إلكترونيًا في وقت وجيز.
من خالل السرد أعاله تبين لنا أن التنظيم اإلداري يسعى إلى تحقيق عدد من األشياء أهمها تحديد
نطاق العمل وتوصيف العمل حتى يعلم الشخص حدوده ومن ثم توصيف ما هو مطلوب ،إن هذا األمر له
انعكاسات واضحة في األداء اإلداري تؤدي إلى جودة العمل بصورة واضحة ومحددة ،ونضرب مثالًا آخر.
مثال :هل فكر أحدنا كيف يكون الحرم الشريف أو الحرم النبوي الشريف بذلك المستوى الراقي من
النظافة أو جودة الخدمات من تكييف أو إضاءة أو نظافة ،على الرغم من أنه يستقبل مئات اآلالف يوميًا
بل يصل العدد إلى ثالثة ماليين في بعض المواسم مثل رمضان والحج وذكرى اإلسراء والمعراج،
إن استقبالنا لعدد محدود من الضيوف في منازلنا غالبًا ما يتطلب القيام بنظافة المنزل بعد مغادرة
الضيوف فما بالنا بالحرمين الشريفين وهما يستقبالن تلك الماليين من البشر .اإلجابة ببساطة هو
استخدام علم اإلدارة ،وقد نجح التنظيم اإلداري في تحقيق جانب كبير من ذلك األداء الرائع للحرمين
الشريفين.
تحدث مرة أحد زوار المسجد عن المستوى المتميز للغاية لنظافة حمامات الحرمين على الرغم من
الضغط ا لكبير عليها ،لقد كانت اإلجابة هي التنظيم اإلداري الذي حدد لكل عامل نظافة عدد محدد من
الحمامات) وهو ما يسمى بنطاق العمل(هذا اإلجراء تطلب بالضرورة أن يتم تحديد رقم لكل حمام في
الحرمين يميزه ،ومن ثم تم تحديد وصف نظافة الحمام بدقة متناهية مع وضع حمام واحد مقفول
كنموذج للنظافة يتم استخدامه كمعيار للمقارنة ،ومن ثم يجرى العمل وتتوفر كافة اإلمكانات المطلوبة،
يتبع ذلك الرقابة حتى يتم التأكد من أن العمل يتم وفق ما هو محدد ،وبدون هذا األسلوب الذي حدد
نطاق العمل ووصف العمل لم يكن من الممكن تحقيق هذا المستوى الرفيع من النظافة وديمومتها.
إن الدراسات العلمية أثبتت بما ال يدع مجالًا للشك أن من أهم أسباب فشل التنظيمات في العالم هو
تعدد الرؤساء والمديرين واآلراء في التنظيم الواحد ليصبح أفراد التنظيم والوحدات داخل التنظيم
مشتتين بين أكثر من رئيس وأكثر من رأي فيضيع الهدف ويفشل التنظيم ،وإذا عدنا إلى الدين الحنيف
نجد اآلتي:
اللهِ رَبِّ الْعَرشِ عَمَّا َيصِفُونَ﴾ [اآلية 22
اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبحَانَ َّ
ن فِيهِمَا آِل َهةٌ إِلَّا َّ
قال تعالى﴿ :لَو كَا َ
-سورة األنبياء].
28
قال ﷺ« :إذا خرج ثالثة في سفرٍ فليؤمّرِوا أحدهم» (.)8
وقال ﷺ أيضًا« :أال كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ،فاإلمام الذي على الناس هو راعٍ وهو
مسؤول عن رعيته ،والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته ،والمرأة راعية على أهل
بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم وعبد الرجل راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه ،أال
فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته» (.)9
ولعل هذا يوضح لنا ضرورة التسلسل الهرمي في التنظيم لينتهي في قمته برئيسٍ واحد ورئيسٍ
لكل مستوى إداري معين يكون مسؤوال عمن دونه ومسؤوال عنهم أمام رئيسه المباشر.
ومن األسباب الرئيسية لفشل المشروعات هو عدم االمتثال لهذه الحقيقة العلمية والتي تقود إلى
مخالفة حقيقة علمية أخرى تتمثل في (وحدة التوجيه) أي أن أي شخص في المنظمة يجب أن يتم
توجيهه بواسطة شخص واحد فقط هو رئيسه المباشر.
جدوى التنظيم:
يمكن تلخيص آثار غياب أو ضعف التنظيم فيما يلي (:)10
.1غياب الربط بين األهداف والخطط من جانب وما تم تنفيذه من أنشطة ومهام وأعمال من جانب
آخر وما يترتب على ذلك من إهدار للجهد والوقت والموارد.
.2إن عدم وجود تنظيم يؤدى إلى عدم وضوح األدوار والواجبات وبالتالي صعوبة المحاسبة وتحديد
المسؤولية.
.3ضعف العالقات أو عدم جودتها داخل المنظمة ومن ثم زيادة احتماالت الصراع وضعف فرص
التعاون.
.4عدم وضوح السلطات والصالحيات ومن ثم عدم وضوح مسؤوليات اتخاذ القرار وتأخرها وصعوبة
المحاسبة عليها.
.5ضعف قنوات االتصال وربط وتداول البيانات والمعلومات ومن ثم صعوبة التنسيق بين أجزاء
المنظمة.
أخرجه أبى داؤود ،الجزء الثالث ،باب رقم ،80حديث رقم 2602ص.81 ، ()8
أخرجه اإلمام البخاري ،الجزء الثالث ،كتاب األحكام ،باب األمراء ،ص .233 ()9
29
أهمية النظام اإلداري:
يمكن ضرب مثل عملي لتوضيح أهمية النظام اإلداري ،وهو يتعلق بالكفاءات في العديد من الدول
النامية التي نجحت إلى حد كبير في العمل خارج بالدها فيما فشلت داخلها ،وإذا ربطنا هذا األمر بما أوردناه
من حديث فإننا نجد أن ذلك الخبير أو العامل عندما يذهب إلى دولة المهجر فإنه يجد نفسه تلقائيًا داخل
نظام إداري محكم .قنـوات إدارية محددة ،وصف إداري دقيق ،أهداف كبرى واضحة تتفرع منها أهداف
أصغر فأصغر كلها تتكامل في تناسق عبر ذلك النظام الراقي في تحقيق الهدف واألهداف الكبرى.
إن ذلك المواطن لم ينجح ألن الرواتب هناك أفضـل فقط (بالرغم من أهمية ذلك ،وبيننا من
يحملون رواتب كبيرة وال يستطيعوا أن ينجزوا رغم ذلك) فهناك إعداد كبيرة تعمل اآلن وبنفس الكفاءة
وبمرتبات ضئيلة.
إذن فتلك المؤسسات األجنبية نجحت في بناء نظم إدارية راقية تحكمها سلوكيات رفيعة مسنودة
بنظم سياسية منضبطة حددت لكل فرد وجهاز دوره وسخرت له الظروف المطلوبة لإلنجاز في إطار نظام
إداري راقي ال يمنح فرصة للعشوائية تحكمه لوائح إدارية ورقابية تقلل من فرص الوقوع في الخطأ
والفوضى.
.3مفهـوم التوجيـه:
بعد إكمال عمليتي التخطيط والتنظيم يمكن مالحظة أن رؤية المنظمة تصبح واضحة ومحددة فهي
تعرف ما تريد تحقيقه والوسائل المطلوبة لذلك وكذا التنظيم اإلداري المناسب والوظائف المطلوبة
ومواصفات وشروط الموظفين ،ومواصفات السلع أو الخدمات المطلوبة ..الخ،
هنا تبدأ المرحلة الثالثة من العملية اإلدارية ،حيث يتم وضع الرؤى واألفكار الموجودة بالورق على أرض
الواقع ،فتتم عمليات التعيين وفق ما هو محدد بالنظام اإلداري ،ويتم شراء األجهزة بالمواصفات التي
تحقق األهداف المطلوبة كمًا وكيفًا ،وتبدأ العمليات اإلنتاجية وفق ما هو محدد لها من مواصفات
ومواقيت ..الخ،
كل ذلك العمل يتطلب صدور توجيهات من جهات إلى أخرى ،فنجد أن التعيين وشراء األجهزة يتم
بتوجيهات اإلدارة العليا ،وهكذا نجد أن اإلشراف على تنفيذ التوريد والشراء والتركيب ومن ثم التشغيل
يتم بتوجيه اإلدارة التنفيذية وتستمر التوجيهات لتصل إلى المستوى المباشر حيث تصدر التوجيهات
للشروع في اإلنتاج.
وهكذا نكتشف أن العمل ال يسير إال بتوجيه من مستوى إلى آخر ،وهذه العملية تسمى التوجيه،
وحتى يصبح التوجيه فاعلًا فإنه يجب أن يتضمن إرساءً لقيم وسلوكيات للعمل وتطبيق نظام للمكافأة
30
والتحفيز والعقوبة بغرض استثارة أفراد المنظمة وحثهم على العمل بالكيفية المطلوبة لتحقيق رسالة
المنظمة وأهدافها.
وال بد من اإلشارة هنا إلى أهمية الفاعلية اإلدارية التي ال تتنازل عن تنفيذ األهداف كما هو محدد في
الخطة ،إن المجاملة في هذا المقام تعتبر العدو األول للنجاح.
جدوى التوجيه:
.4مفهـوم الرقـابة:
وهي تعني التأكد من تنفيذ األعمال كما هو مخطط لها كمًا وكيفًا ،وبذا ال يمكن أن تكون هناك رقابة
إذا لم يكن لدينا خطة مسبقة وأهداف محددة ،حتى نستطيع أن نقارن بين ما هو مخطط بما تم إنجازه.
ومن المفاهيم الخاطئة لدى كثير من الممارسين والعاملين في المنظمات أن جوهر وظيفة الرقابة
هو مراقبة عمل األفراد لتحديد الثغرات واألخطاء وتحديد المسؤولين عن ذلك وتوقيع الجزاء أو العقاب
عليهم بينما تتطلب فعالية العملية اإلدارية أن يمارس المدير وظيفة الرقابة على اعتبارها وظيفة
مكملة ومدعمة لوظائف التخطيط والتنظيم والتوجيه (.)12
إن وقوع الخطأ أو عدم تحقيق الهدف كما هو محدد ليس بالضرورة يعني حدوث قصور من الموظف
أو العامل ،فهناك ظروف أخرى يمكن أن تفعل ذلك ،مثل أن يكون السبب في رداءة الجودة عطل بالماكينة
وليس إهمال العامل ،وقد يكون لرداءة المواد الخام المستعملة ،وقد يكون لغياب زميله في العمل ،أو
بسبب تطور تقنيات الماكينة المستجلبة حديثًا على قدرات العامل عليها الذي اعتاد على العمل في
( )12رب يع صادق دحالن ،االتجاهات المعاصرة في إدارة المشروعات العامة ،التحول للقطاع الخاص( ،جدة :دار البالد للطباعة
والنشر ،)1982 ،ص .23
31
ماكينات أقل تطورًا ،لذا فإن عمليات المراقبة تتعرف على أسباب الفشل ومن ثم تتم عمليات إعادة
التخطيط مثل أن يتم إصالح الماكينة أو صيانتها أو تغيير مورد المواد الخام إلى شركة أخرى أو إخضاع
العامل لدورة تدريبية على تشغيل الماكينة الحديثة ،وبالتالي فإن مبدأ العقاب يمكن أن يكون أحد وسائل
تصحيح االنحرافات وليس المبدأ الوحيد ،وذلك عند حدوث الخطأ نتيجة اإلهمال.
جدوى الرقابة:
نظرية الرضا:
إن من أهم وظائف اإلدارة هي استغالل الموارد بأفضل طريقة ،والتفاعل اإليجابي مع البيئة ،بغرض
تحقيق األهداف بأحسن صورة ،وفي سبيل ذلك يتم استخدام التقنية وكافة السياسات المتعلقة بالموارد
البشرية في سبيل تحويل هذه الموارد إلى طاقـة فعالة ،ومن هنا تأتي سياسات التحفيز والتنظيم
اإلداري ..الخ،
وبرؤية المؤلف فإن مفهوم اإلدارة في اإلسالم الذي أوردناه في مطلع هذا الفصل يسعى إلى تحقيق
الرضا لدى أطراف المصلحة واستيفاء عدد من المرتكزات والقيم والمبادئ في البيئة التي تقود في مجملها
لتوفيق المولى عز وجل ،ويمكن مالحظة ذلك كما يلي:
.1تحقيق تنظيم إداري فعال ووصف وظيفي يحدد بوضوح لكل فرد مهامه وحدوده واختصاصاته
بما يمنع االزدواجية والتضارب والتكرار في أداء المهام ،الشيء الذي يقود إلى إتقان العمل.
.2إن هذا النظام العلمي بما فيه من سياسات ووسائل كجهاز رقابي فإنه يمنع مقدمًا من ارتكاب
الفرد ألي مخالفة ،وهذا يجسد عاملًا مهمًا ،بمنعه وحمايته من ارتكاب الخطأ مقدمًا عبر النظام
اإلداري العلمي المتقن ،وهو ما عبر عنه الحديث الشريف (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا) ،ونصرة
الظالم هنا تتجسد في منعه من الوقوع في الخطأ مقدمًا.
32
.3يؤدي إلى توفير بيئة إنتاجية متميزة تمكن من اإلنتاج.
.4ويعمل عبر األساليب اإلدارية المتطورة بما ينعكس على مستوى العمال وتدريبهم بما يؤدي إلى
رفع مستوى الجودة ومستوى التسويق والتخطيط ..إلخ بما ينعكس على النجاح ..إلخ.
.5ويبني نظامًا للتحفيز وآخر لألجور يوفي من خالله كل ذي حق حقه.
.6وخدمات اجتماعية مصاحبة للعاملين.
.7يؤدي إلى تحقيق مصلحة صاحب العمل لكن دون اإلخالل بمصلحة األطراف األخرى (العامل
والجمهور).
.8يرسخ مبادئ وقيم تجاه العمال ،توازن بين تحقيق مصلحة صاحب العمل ومصلحة العامل ،وتمنع
االستبداد بهم وتضمن لهم األجر العاجل وعدم تأخير صرفه ،وتضمن العديد من الحقوق
اإلنسانية مثل عدم تحميلهم ما ال طاقة لهم به ومراعاة ظروفهم االجتماعية إلخ.
.9يضمن إنتاجًا جيدًا للجمهور (من غشنا ليس منا) (إذا أدى أحدكم عملًا أن يتقنه) إلخ.
.10يمنع تحقيق األهداف على حساب اإلخالل بالمبادئ والمرتكزات الخاصة بالبيئة ،يشمل ذلك التلوث
وإتالف الغطاء النباتي ،ويمتد حتى للحيوان المستخدم في العمل ،بأن ال يُحمّل ما ال طاقة له به
وأن تتم تغذيته بالغذاء الكافي ..إلخ.
هنا تكون قد اكتملت كل حلقات النجاح التي تتجسد في:
أ .رضا العامل نتيجة إلشباع رغباته.
ب .رضا صاحب العمل نتيجة لنجاحات المنظمة.
ج .سالمة البيئة نتيجة لمراعاة التوجيهات اإللهية في هذا الخصوص.
د .رضا السماء الناجم عن العدل في األرض ورضا العمال ورضا صاحب العمل ورضا الجمهور ،وهو
تحقيق للحديث الشريـف الذي رواه أبو هريرة (إن اهلل تعالى يقول أنا ثالث الشريكين ما لم
يخن أحدهما صاحبه فإذا خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما) ( ،)14وشراكة اهلل هنا في
إنزال األمر بالتوفيق.
أخرجه أبي داؤود ،الجزء الثالث ،باب رقم 26حديث رقم ،3383ص .677 ()14
33
اإلدارة الدولية:
إن مفهوم اإلدارة ظل في حالة تطور إلى يومنا هذا وسيظل في حالة تطور إلى أن يرث اهلل األرض،
ولعل هذا وضع طبيعي إذا علمنا أن من أهم مرتكزات علم اإلدارة األساسية هي تمكين المنظمة من
التفاعل اإليجابي المثمر المستمر مع البيئة وتحقيق أهدافها بأحسن صورة وأقل التكاليف ،لذا فإن حدوث
أي تطورات وتعقيدات في تلك البيئة ينعكس تلقائيًا على مفهوم اإلدارة بمزيد من التطور وعلى
العمليات اإلدارية بمزيد من الجهود واألعباء والتعقيد.
عليه فإننا إذا استصحبنا الظروف والتطورات التي شهدها القرن العشرين انتهاءً بظاهرة العولمة
وما تشمله من زوال للحدود السياسية وتحول بيئة المنظمة من المحلية المحدودة البسيطة إلي الدولية
المعقدة والتعامل بالتالي مع جمهور مختلف وأنماط سلوكية مختلفة وثقافات وعادات وقوانين ولوائح
مختلفة ،وفي ظل احتدام حدة الصراع مع دخول أطراف جديدة ذات قدرات وإمكانات إدارية هائلة وفى
ظـل شروط جديدة للنظام العالمي ،تقوم على الجودة الشاملة ..الخ
فإن كل هذه الظروف تفرض أعباء ومهامًا أكثر على إدارة المنظمات التي تعمل في بيئة محلية
مغلقة ،ولعل هذا هو المدخل المنطقي لبروز ما يسمى باإلدارة الدولية.
ينطبق تعريف اإلدارة بمفهومها العادي على اإلدارة الدولية إال أن الفرق يكمن في نطاق العمل حيث
تمتد بيئة اإلدارة الدولية لتشمل الجمهور العالمي واألسواق العالمية والبيئة الدولية عمومًا أو جانبًا منها،
وهذا المفهوم يعني أن العملية اإلدارية يجب أن تتم كلها أو بعض منها في بيئة دولية.
وعلى هذا فإن اإلدارة تصبح مسؤولة عن ممارسة مهامها بصورة أكثر تعقيدًا فأصبح عليها على
سبيل المثال مسح ودراسة البيئة الدولية والمنافسين الدوليين ومواكبة التطور التكنولوجي إلنتاج
خدمات بجودة شاملة ومن ذلك وسائل اإلرسال.
إن المنظمات الدولية التي تعد إستراتيجيات دولية تسعى إلى التفاعل مع البيئة الخارجية حيث
تفتقر تلك البيئة لخدمات ومنتجات المنظمة الدولية ،فنجد أن الشركات الدولية تسعى إلى زيادة أرباحها
عبر زيادة حصصها في األسواق الدولية ،والمنظمات اإلعالمية العالمية تسعى إلى زيادة رقعه جمهورها
ليشمل البيئة الدولية أو جانبًا منها ،وكذا المنظمات الكنسية العالمية أصبحت مخططاتها تنطلق لتشمل
العالم ككل.
إن التفاعل المتزايد مع البيئة العالمية يعني الحاجة إلى مدير دولي ومرشد دولي وإعالمي دولي.
34
وهؤالء دون شك ال بد أن يسعوا إلى تنمية المهارات المطلوبة لإلدارة في ميدان التنافس الدولي ،حتى
يكونوا عالميين ،أي قادرين على أداء وظائفهم بكفاءة في أي مكان بالعالم.
على هذا فان المدير الدولي أو المرشد الدولي أو اإلعالمي الدولي ،أصبح مسؤوال باإللمام بعدد من
األشياء أهمها:
.1لغة أو لغات أجنبية.
.2القدرة على التعامل مع ثقافات وبيئات مختلفة ومتباينة.
.3اإلدراك الكافي للنظم والقوانين الدولية.
.4التكنولوجيا الحديثة في مجال النظم واالتصال.
من واقع ظهور وتطبيق علم اإلدارة الدولية ،فقد ظهرت بعض المصطلحات الجديدة مثل:
.1المدير الدولي ،اإلعالمي الدولي ،رجل األعمال الدولي.
.2الشركات الدولية ،المنظمات االجتماعية والثقافية العالمية ،الفضائيات العالمية.
كما ظهرت بعض الفروع من تخصصات اإلدارة الدولية مثل:
.3إدارة التمويل الدولي ،إدارة التسويق الدولي ،إدارة األفراد الدولية ،إدارة اإلعالم الدولي.
األعامل الدولية:
إذا انطلق التخطيط لتحقيق أهداف دولية أي أهداف في دول أخرى خارج اإلطار القومي ،وما يعنيه
ذلك من تحليل ودراسة البيئة الدولية واالستفادة من فرص دولية ومواجهة مهددات دولية وتنافس دولي،
وما قد يتطلبه من الدخول من إنشاء أعمال في دول أخرى أو الدخول في شراكات أو تحالفات دولية في
سبيل تحقيق قدرات تنافسية عالمية ،وما يتبع ذلك من ضرورة تصميم هيكل يستوعب التمدد العالمي
ويحقق التنسيق بين األطراف الدولية للمنظمة ،فإننا حينئذ نستطيع أن نطلق على هذا العمل أنه عمل
دولي.
إن مفهوم العمل الدولي أصبح مفهومًا بالنسبة للمجال االقتصادي حيث إن العديد من المنظمات
والشركات الدولية المنتشرة في العالم توضح ذلك ،إال أن العمل الدولي فيما يتعلق باإلعالم قد يكون غير
واضح ،وقد يكون ذلك بسبب مركزية البث اإلعالمي ،إال أن التفريق هنا بين العمل المحلي والدولي يتلخص
في نطاق بيئة المؤسسة اإلعالمية ،فإذا امتد نشاط دراسة البيئة والجمهور لتشمل البيئة العالمية ،ومن
ثم تحديد أهداف تتعلق بالجمهور العالمي ،وصياغة رسالة إعالمية عالمية بما تتضمنه من مراعاة للغات
وثقافات وتباينات تلك البيئة ،فإن العمل في هذه الحالة يصبح دوليًا.
35
كما أن وجود مكاتب للقنوات الفضائية خارج مقر رئاسة المنظمة ،تعمل على ممارسة اإلنتاج
اإلعالمي وسط جمهور تلك البيئة ،يشير إلى ممارسة اإلدارة الدولية.
الجودة الشاملة:
في ظل تعقيدات العملية التنافسية أصبح االهتمام بالجودة هو المدخل للتنافس ،ومن أهم
المبادئ التي لها اتصال مباشر بتحقيق الجودة ،والتي توصل إليها الفكر اإلنساني في العصر الحديث هو
تطبيق مبدأ إدارة الجـودة الشاملة ،وقـد تم تعريفـه على أنـه " :المدخل الشامل الذي يتضمن توفير
الجودة في كل العمليات التنظيمية كطريق لتحسين وزيادة رضا المستهلك " ،وقد تم تطبيقه بواسطة
()15
العديد من الشركات بمختلف أنحاء العالم.
الجودة يف ظل العوملة:
أصبحت حركة التجارة العالمية تتقيد يومًا بعد يوم بضوابط الجودة العالمية ،ومن األمثلة العملية
على ذلك:
.1أن التطبيق التدريجي سيتم إنفاذه على البضائع الواردة إلى داخل االتحاد األوربي.
.2أن التعاقدات الدولية أصبحت تعتمد على توفر أشياء معينة ،منها شهادات الجودة العالمية.
.3أن الشركات العاملة في أوربا اآلن يتوجب عليها االستيفاء الكامل لمتطلبات الجودة التي وضعتها
منظمة (.)16( )International Organization for Standardization
( )1دايفد راتشمان وآخرون ،اإلدارة المعاصرة ،مرجع سبق ذكره ،ص 230ـ .231
36
كما أن هناك أنظمة إقليمية ومحلية للجودة منها (:)17
.1جائزة الجودة األوربية (تحسين الجودة ،رضا العميل ،نتائج األعمال).
.2جائزة ( Demingجائزة جودة صناعية).
.3جائزة مالكولم بالدريج الوطنية للجودة (.)Malcolm Baldrige National Quality Award
37
الفصل الثاين
اإلسرتاتيجية
38
الفصل الثاين :اإلسرتاتيجية
في ظل التطورات التي يشهدها العالم اليوم وعلى رأسها ظاهرة العولمة وتحرير التجارة الدولية ،وما
تبع ذلك من تغيير في القوانين والنظم واللوائح الدولية التي تحكم االقتصاد الدولي والتجارة الدولية،
وظهور الشركات متعددة الجنسيات ذات القدرات التنافسية العالية ،وفي ظل ما شهده العالم من تطور
في الفكر اإلنساني خاصة فيما يتعلق بالتخطيط اإلستراتيجي الذي كان له األثر األكبر في النهضة التي
يشهدها العالـم اليوم ،والتي يجسدها بروز العمالق األمريكـي (الواليات المتحدة األمريكية) وظهور ما
يسمى بالجيش األصفر (دول النمور اآلسيوية) ،فإن التنافس ومواجهة التحديات في هذا العصر ال يمكن
أن تتم إال عبر اإلدارة اإلستراتيجية والفكر اإلستراتيجي(.)18
يرى البعض أن مصطلح إستراتيجية جاء من الكلمة العربية "صراط" بمعنى الطريق ،بينما يُرجِع
الكُتاب أصل كلمة إستراتيجية Strategyإلى الكلمة اليونانية استراتيجوس Strategosوتعني فنون
الحرب وإدارة المعارك (.)19
يعرف قاموس المورد Almawridاإلستراتيجية على أنها تعني علم أو فن الحرب وإدارة العمليات
العسكرية (.)20
يشير قاموس أوكسفورد The Concise Oxford Dictionaryإلى أن اإلستراتيجية تعني الفن
المستخدم في تعبئة وتحريك المعدات الحربية بما يمكن من السيطرة على الموقف والعدو بصورة
شاملة(.)21
من خالل التعريفات أعاله يتضح أن اإلستراتيجية ارتبطت في بداية ظهورها بالعلوم العسكرية
وفنون إدارة الحرب وكسب المعارك الحربية.
( )18محمد حسين سليمان أبو صالح ،التخطيط اإلستراتيجي لالقتصاد السوداني :البُعد المفقود( ،الخرطوم :مطبعة
العملة2002 ،م) ،ص 109ـ.113
( )19عبد الحميد عبد الفتاح المغربي ،اإلدارة اإلستراتيجية لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين( ،القاهرة :مجموعة
النيل العربية1999 ،م) ،ص .17
) R. E. Allen, The Concise Oxford Dictionary, (Oxford: Clareton Press, 1991 ()21
39
في ظل التعقيدات والتطورات الراهنة يمكن أن نقول بأن اإلستراتيجية تحولت من علم إدارة الصراع
العسكري إلى إدارة التنافس والصراع اإلستراتيجي عمومًا بمجاالته السياسية واالقتصادية واالجتماعية
والعلمية والتقنية واإلعالمية بجانب العسكرية األمنية.
اإلسرتاتيجية واإلسالم:
روح مفهوم اإلستراتيجية في اإلسالم يمكن اختصارها في اآلتي :حسن إدارة األرض بما يضمن إعمارها
وتحقيق أمن إنسانها وكرامته (لقد كرمنا بني آدم) وسالمة بيئتها وحسن استغالل مواردها وحسن توزيع
الدخل بين أفرادها وتوفير األوضاع السياسية المطلوبة لتحقيق ذلك كالتأسيس لحكم راشد يحقق
الشفافية والمحاسبة ،واإلسناد المعرفي للقرار،
ويؤسس للعدالة وعدم التمييز وسيادة نظام الدولة ،كما يتضمن إرساء اإلسناد الثقافي والقيمي
المطلوب لتحقيق ذلك مثل السلوك اإليجابي واألخالق ومنع القبليات والعنصرية والتأسيس لقيمة العمل
واإلنتاج والصدق والعمل الجماعي واالنضباط إلخ ،والتأسيس ألمن المستقبل وحقوق األجيال القادمة ،إلى
أن يرث اهلل األرض وما عليها.
وبالرجوع إلى اإلسالم نجد أن حياة المسلم ما هي إال عبارة عن مجموعة من السلوكيات والتصرفات
واألعمال بغية الوصول إلى مرضاة رب العالمين ،وبالنظر إلى القرآن والسنة الشريفة نجد أن الدين قد
وضع للمسلمين هدفًا إستراتيجيًا يسعون للوصول إليه عبر االلتزام بالخطة القرآنية والسنة الشريفة
وهما في مجملهما يمثالن أفضل الخطط والوسائل والسياسات والبرامج لتقويم النفس وتأديبها وكيفية
التعايش والتفاعل مع المجتمع بصورة إيجابية بااللتزام بالشريعة اإلسالمية والتي هي في األساس عبارة
عن مجموعة من القيم النبيلة والمبادئ واللوائح والضوابط التي تحكم تصرفات األفراد والجماعات بما
ينصب لصالح األفراد والمجتمع المحلي واإلقليمي والدولي،
وأن العِبر والعِظات المذكورة في قصص القرآن عن األمم السابقة ما هي إال خبرات وتجارب لالستفادة
منها في حياتنا الحاضرة للتخطيط وإعادة التخطيط عبر دراسة الماضي وقراءة الحاضر الستلهام
المستقبل.
وعلى مستوى الدولة في اإلسالم نجد أن الفتوحات اإلسالمية تمت عبر إستراتيجية كان أحد األسس
الرئيسة ،لها يرتكز على القوة االقتصادية ويظهر ذلك جليًا في استيالء جيوش المسلمين علي األندلس
قبل روما وذلك بإحكام الحصار االقتصادي على أوربا والتحكم في طرق التجارة الدولية وتحقيق دخل عالٍ
لرئاسة الدولة بالمدينة المنورة.
نخلص من هذا إلى أن مبدأ المنهج المنظم إلدارة شؤون الحياة بكافة أوجهها موجود أصلًا في تاريخ
40
األمم ذات الحضارة ،كما أن اإلسالم في مجمله يمثل تنظيمًا لحياة الفرد وعالقته بربه ،تنظيم حياة األسرة،
عالقات األفراد ،العالقات الدولية ،الحكـم ،الحسابات ،القضاء ..إلخ،
لنجد عبر هذا النظام أن اإلسالم جعل لكل فرد وجماعة وتنظيم هدفًا إستراتيجيًا يسعون إلى
تحقيقه ويتبع ذلك الهـدف أهـدافًا فرعية وسياسات وموجهات ومبادئ ..الخ ،إن عملية تحديد الهدف
اإلستراتيجي وتحديد اإلستراتيجية هي أهم مقومات النجاح والعكس صحيح.
المتدبر في المفاهيم والتعريفات التي أوردتها معظم كتب اإلدارة اإلستراتيجية يمكنه مالحظة أن
معظم تلك المفاهيم والتعريفات تمت صياغتها لتناسب منظمات األعمال ،أي أنها تنطلق من اإلدارة
اإلستراتيجية للمنظمات ،إال أن معظمها لم يلتفت إلى اإلستراتيجية في حالة التخطيط اإلستراتيجي للدول
وما قد يشمله ذلك من مفاهيم متخصصة مثل مفهوم التخطيط اإلستراتيجي السياسي أو االقتصادي أو
مفهوم التخطيط اإلستراتيجي لإلعالم أو التعليم.
على الرغم من أن اإلطار العام مشترك في كافة المجاالت ،إال أن التخصص الدقيق في علم
اإلستراتيجية يفرض بلورة مفاهيم أو تعريفات متخصصة ،وهو ما يسعى إليه هذا الكتاب من خالل دراسة
اإلستراتيجيات المتخصصة في مجاالت العلوم االجتماعية كاإلعالم والتعليم والمجال االقتصادي
والسياسي واألمني.
يرى الكاتب أن ظاهرة العولمة وبروز ما يسمى بالنظام العالمي الجديد له انعكاسات أيضًا على مفهوم
اإلستراتيجية ،باعتبار أن العالم في القرن الماضي كانت تسوده القوانين القطرية التي تحكم وتحمي
االقتصاد والثقافة والفكر الوطني ،ومن خالل هذا الوضع وردت العديد من التعريفات لإلستراتيجية التي
تراعي هذا الوضع،
عليه باستصحاب هذا التطور الجديد فإنه يمكن تعريف اإلستراتيجية بأنها( :كل األطروحات
والوسائل واألفكار المتناسقة والمتكاملة التي من شأنها تحديد وتحقيق المصالح الوطنية وتحقيق ميزات
وقدرات تنافسية من منظور عالمي للدولة ومؤسساتها ،تمكنها من تحقيق غاياتها عبر أحسن استغالل
للفرص والموارد ،وتواجه عبرها المخاطر والتهديدات العقبات في البيئة المحلية والدولية ،ويتم عبرها
تحديد الرؤيا والرسالة والغايات الوطنية واألهداف اإلستراتيجية للدولة.
ويمكن تعريفها أيضًا بأنها :قدرة الدولة على امتالك القوة اإلستراتيجية الشاملة وتهيئة األوضاع
المطلوبة لتحقيق وتأمين المصالح اإلستراتيجية الوطنية).
ويمكن تعريفها أيضًا بأنها( :قدرة الدولة على تشكيل وصناعة المستقبل وفق اإلرادة الوطنية).
41
ويمكن الجمع بين التعريفين ليصبح( :قدرة الدولة على امتالك القوة اإلستراتيجية الشاملة التي
تتيح لها تشكيل المستقبل وفق اإلرادة الوطنية ،وتهيئة األوضاع المطلوبة لتحقيق ذلك).
اإلسرتاتيجية والقوة:
يالحظ من التعريفات السابقة اهتمام اإلستراتيجية بالسعي نحو القوة ،فالعالم يعيش حالة من
الصراع اإلستراتيجي ،وهو صراع ال يمكن إدارته والدخول فيه دون قوة تناسب ذلك ،وهي القوة المعروفة
بالقوة الشاملة أو القوة اإلستراتيجية الشاملة ،كما أن قدرة الدولة على تصميم وإدارة النظام العالمي
بمفردها أو بمشاركة آخرين تتطلب امتالك هذه القوة.
لذا يصبح من الخطر على الدولة إغفال السعي نحو القوة اإلستراتيجية الشاملة ،خاصة وأن الضعف
الداخلي للدولة في ظل الصراع اإلستراتيجي الذي يجعل أصحاب القوة يمنعون غيرهم من امتالكها الشيء
الذي يقودهم إلغراق وشغل اآلخرين عن السعي نحو القوة من خالل أساليب عديدة أهمها اإلدارة من خالل
األزمات التي تجعل الدولة ال تفرغ من إخماد أزمة حتى تنفتح لها أزمة أخرى وهكذا تضيع العقود من
الزمان دون الوصول للقوة.
هذا الحديث يعني أهمية تحديد الدولة لمفهوم القوة اإلستراتيجية ،وهذا يعني أهمية االهتمام
بالبناء الفكري الذي يقود لذلك .وفي ظل التحديات العالمية الراهنة ال يمكن قبول مفهوم للقوة ال يعبر
عن القضايا اإلستراتيجية المتمثل أهمها في القومي ،األمن اإلنساني والحفاظ على البيئة وتوفير طاقة
آمنة ورخيصة واالستغالل األمثل للموارد ،بجانب الجوانب المتعلقة بتحقيق القدرات التنافسية بالمنظور
العالمي ..إلخ.
مصطلح التشكيل:
لعل أبسط معنى للتشكيل هو النماذج المادية مثل صناعة المبنى حيث يتم عمل الهيكل الخرساني
والبناء بالطوب وتركيب النوافذ واألبواب وأجهزة التكييف ،هذه هندسة مادية ،لكن المالحظ هنا أن
التشكيل لم يتم إال بعد أن اكتملت الخريطة الهندسية وبناء عليها تم التشكيل ووضع مواد البناء بالشكل
المطلوب واستخدام األلوان ،إلى اكتمل المبنى بالصورة والشكل المطلوب ،لكن أكثر عمليات التشكيل
صعوبةً هي الهندسة البشرية ،النفسية والوجدانية ،الثقافية ،المعرفية ،هندسة مهارات التفكير،
الهندسة االجتماعية ،الهندسة السياسية واالقتصادية.
وإذا نظرنا بعمق للهندسة البشرية نجدها األساس للنجاح اإلستراتيجي ،فعلى سبيل المثال سنكتشف
أن تأسيس الحكم الراشد يستدعي تشكيل ثقافة لدى الطفل تقوم على احترام القانون والنظام والوقت
والمؤسسية والشفافية وقبول النقد والمحاسبة والشفافية ،إلخ ولعل هذا هو ما يؤخر تحقيق الحكم
42
الراشد في كثير من الدول النامية.
خطوات التشكيل:
من المؤكد أنّ هناك خطوات يجب اتباعها حتى نتمكن من إجراء التشكيل أو صناعة المستقبل،
سنتعرض لها بالتفصيل في الفصول الالحقة ،لكن نوجز أهم خطواتها فيما يلي:
إن تأسيس المسار اإلستراتيجي يتم من خالل نقطتين ،األولى هي الوضع الراهن ،وهو ما نعايشه
في الواقع ،والنقطة الثانية وهي ما نود الوصول إليه ،وهي خيالية ،فإذا نظرت ألي مبنى جميل قد ال
تنتبه إلى أشياء جوهرية وهي أن هذا المبنى قبل أن يكون مكتملًا أمامك ،كان موجودًا في خيال المهندس
أو المهندسة التي قامت بتصميمه ،وهذا يعني الحاجة للخيال عند استشراف المستقبل ،وهي عملية قد
تحتاج لتعزيز مهارات التفكير ودراسة التحليل اإلستراتيجي واإللمام بحصيلة معرفية كبيرة ،إلخ..
من المؤكد أن صناعة المستقبل ال يمكن أن تتم دون إسناد معرفي كافي ،فعلى سبيل المثال كيف
يمكن عمل تشكيل ثقافي بناء على رأي شخص قد يصيب أو يخطئ ،لذلك وحتى يتم تأمين عمليات
صناعة المستقبل يجب أن تستند إلى أكبر قدر من المعرفة والفكر ،وبالتالي فإننا سنكون بحاجة لشوربة
معرفية في مجال الوقاية الصحية حتى نضع خطتنا الصحية ،وشوربة معرفية في مجال الكهرباء حتى
نشكل مستقبلنا في هذا الجانب ،ولعل الربط بين المعرفة والنجاح اإلستراتيجي يعزز وبشكل كبير من
دور السلطة العلمية وسلطة اإلبداع كشريك في صناعة المستقبل.
إذا توقفت للحظة وانتبهت للمزايا العديدة المتوفرة في هاتفك المحمول ستالحظ أشياء غريبة قد
ال ينتبه لها كثيرون ،فأنت ببساطة تقوم بمسح خفيف على شاشة الهاتف حتى تستقبل أو تنهي
المكالمة ،هذه العملية لم تأتِ من فراغ وإنما وقف خلفها عدة آالف من ساعات البحث قد تصل إلى خمسة
آالف ساعة ( 5من المهندسين يعملون بشكل يومي لمدة 10ساعات لمدة مائة يوم ) حتى يصل لهذه
العملية ،وهكذا قد تحتاج آلالف الساعات حتى تقوم بتكبير الصورة على الهاتف ،ومثلها لخفض الضوء
...هذا يعني أنّ هناك أكثر من خمسين ألف ساعة من البحث وقفت خلف صناعة هذا الهاتف ،فإذا كان
هذا هو حال الهاتف البسيط ،فكيف ندعي تشكيل مستقبل في ظل ظروف بالغة التعقيد دون سند
معرفي ودون فكرة.
توقفت لساعات طويلة وأنا أكتب في مؤلفي األخير ،التخطيط الحكيم ،في مصطلح الشورى ،كان لدى
43
إحساس أنّ خلف الكلمة معنى عميق ،وهذا ما ثبت لي عندما سألت مختصاً في علم اللغة العربية عن
معنى الشورى ،فقال لي أنها جاءت في األصل من كلمة (شور) وهي المنطقة التي تنتهي فيها عمليات
صناعة العسل والتي تبدأ بجمع الرحيق من مختلف أنواع الزهور (أحمر ،أبيض ،بنفسج )... ،واألشجار،
(المانجو والبرتقال والجوافة إلخ ) لتبدأ عمليات إلدارة هذا التنوع والتناقض لتنتهي بمشروب حلو المذاق
وهو العسل ،يُفهم من هذا أن الشورى هي عملية لجمع المعارف والعلوم والخبرات وإداراتها بشكل معين
لتنتهي بشوربة معرفية مسبوكة ،وكأنما إدارة األرض من تخطيط وتنفيذ وتأمين يجب أن تكون بناء على
المعرفة ،أي إدارة األرض بالسند المعرفي.
إذا تدبرنا في مفهوم اإلستراتيجية بتشكيل المستقبل يالحظ تقييد ذلك بأن يتم وفق اإلرادة
الوطنية وأهمية القوة في سبيل ذلك ،فماذا يعني مصطلح اإلرادة الوطنية؟
يعني قدرة الدولة في صناعة مستقبلها وفق رغبة وتطلعات شعبها ،ال رغبة المفسدين وأصحاب
األجندة ،وال رغبة الدول األجنبية ،وهو ما يجعلني أربط بين هذا المفهوم ومعنى االستقالل الذي يمكن أن
يعني قدرة الدولة في بلورة وتحديد وتحقيق وتأمين مصالحها وغاياتها وأهدافها اإلستراتيجية ومنظومة
قيمها.
وإرادة وطنية ،تعني إرادة وطن بكل تنوعه السياسي والثقافي واالجتماعي واإلثني ،ال إرادة حكومة أو
إرادة حزب ..لينشأ السؤال :ماذا يريد الوطن؟ فإذا قمنا بتحديد مصالح وغايات وقيم تعبر عما يرغب
ويتطلع له الناس ويعبر عن وجدانهم ،تنشأ اإلرادة( ،نحن) كل الشعب بتنوعه المذكور أعاله( ،نريد)،
وهذا يعني أنه ال إرادة دون وجود مصالح متفق عليها تعبر عن الجميع ،وهذا هو تحدي الفكر اإلستراتيجي
في التوصل إلى مصالح تعبر عن الجميع.
كما أن هناك ارتباط بين اإلرادة والقوة ،التي ورد ذكرها أعاله ،حيث بامتالك (القوة) تصبح الدولة
44
(قادرة) على تحديد وتحقيق ما تريد ،ولعل وجود رؤية واحدة لشعب بأكمله هي أهم مؤشرات القوة التي
يمكن االعتماد عليها عند االنطالق حيث حالة الضعف ،وما قد يتطلبه ذلك من تجهيز المسرح الوطني
وتهيئة المشاعر الوطنية وتحقيق االلتحام الوجداني خلف الغايات الوطنية .فال إرادة دون وجود غايات
مرغوب فيها وطنيًا ،وال إرادة دون قدرة وال قدرة دون قوة ،وال قوة دون تخطيط إستراتيجي كما سنرى في
الفصول الالحقة.
التخطيط اإلستراتيجي القومي :هو العملية التي يتم من خاللها وضع اإلستراتيجية القومية ويتضمن
التحليل اإلستراتيجي واختيار التوجه اإلستراتيجي للدولة والغايات الوطنية وتحديد البدائل ،كما يتضمن
تحقيق التكامل والتناسق للنشاط الوطني (السياسي ،العالقات الدولية ،االقتصادي ،االجتماعي الثقافي،
العلمي ،التقني ،العسكري األمني ،اإلعالمي والمعلوماتي)
ويُعنى بإيجاد الترابط والتناسق بين األهداف اإلستراتيجية والمرحلية واألهداف قصيرة األجل ،وكذا
الترابط والتناسق بين األهداف والتشريعات والسياسات اإلستراتيجية ،وتحقيق التكامل بين كل منها بما
يضمن أن كافة الجهود المتناثرة تصب تجاه تحقيق الغايات الوطنية المحددة بأفضل السبل والتكاليف
وذلك في ظل الظروف واألوضاع محليًا وإقليميًا ودوليًا بما يؤدي لتحقيق التنمية االجتماعية واالقتصادية
العادلة وتحقيق التنمية الثقافية والروحية والتنمية السياسية ،والتنمية العلمية والتقنية ويؤسس
لتحقيق أمن اإلنسان وأمن المستقبل.
وما يشمله ذلك من ضمان حقوق األجيال القادمة واالستغالل األمثل للموارد وتنميتها وتطويرها
والمحافظة على البيئة ،ويتضمن الترتيبات المطلوبة توجيه نشاط الدولة بما يقود المتالك الدولة للقوى
اإلستراتيجية الشاملة التي تحقق األمن القومي ،ويشمل عمليات تهيئة األوضاع المطلوبة لتحقيق ذلك.
محاور المفهوم:
.1عمل التحليل اإلستراتيجي القومي.
.2اختيار التوجه اإلستراتيجي للدولة والغايات الوطنية.
.3تحديد البدائل على المستوى اإلستراتيجي.
.4تحقيق التكامل والتناسق للنشاط الوطني (السياسي ،العالقات الدولية ،االقتصادي ،االجتماعي
الثقافي ،العلمي ،التقني ،العسكري األمني ،اإلعالمي والمعلوماتي)
.5إيجاد الترابط والتناسق بين األهداف اإلستراتيجية والمرحلية واألهداف قصيرة األجل.
45
.6إيجاد الترابط والتناسق والتكامل بين األهداف والتشريعات والسياسات اإلستراتيجية.
.7تحقيق التنمية االجتماعية واالقتصادية العادلة.
.8تحقيق التنمية الروحية والثقافية.
.9تحقيق التنمية السياسية.
.10تحقيق التنمية العلمية والتقنية.
.11تحقيق أمن اإلنسان.
.12أمن المستقبل وما يشمله ذلك من ضمان حقوق األجيال القادمة واالستغالل األمثل للموارد
وتنميتها وتطويرها والمحافظة على البيئة.
.13توجيه نشاط الدولة بما يقود المتالك الدولة للقوى اإلستراتيجية الشاملة التي تحقق األمن
القومي.
.14تهيئة األوضاع المطلوبة لتحقيق المصالح الوطنية.
كما أن اإلستراتيجية تتناول النقاط التالية:
.1دور الدولة على المدى البعيد.
.2تحقيق مستوى متفوق ألداء الدولة.
.3أسلوب ترابط وتناسق قرارات وتصرفات الدولة
.4وسيلة لتعريف المجال التنافسي للدولة.
.5وسيلة لتحقيق وبناء القدرات والمزايا التنافسية للدولة.
.6عالقة الدولة ومؤسساتها بالبيئة.
.7عملية تقييم البيئة الداخلية والخارجية للدولة.
.8تحديد الفرص والمهددات.
.9تحديد نقاط الضعف والقوة.
.10عملية اتخاذ القرارات اإلستراتيجية.
.11عملية صياغة رؤية ورسالة الدولة.
.12اختيار الغايات واألهداف اإلستراتيجية.
46
.13تحديد البدائل اإلستراتيجية المناسبة في ضوء رؤية ورسالة الدولة وغاياتها.
.14إجراء تغييرات إستراتيجية لمواجهة مهددات وتحديات أساسية تعترض تحقيق األهداف
اإلستراتيجية.
أمن
املستقبل
التنمية
أمن
االجتامعية
اإلنسان
والثقافية
األمن التنمية
القومي التتقنية
التنمية
السياسية
إن تحقيق هذا المفهوم يتطلب وجود مفاهيم متكاملة في مجاالت التخطيط اإلستراتيجي السياسي،
العالقات الدولية ،االقتصادي ،االجتماعي ،الثقافي ،العسكري األمني ،العلمي ،التقني ،اإلعالمي
والمعلوماتي ،بجانب مفاهيم متكاملة في مجاالت األمن القومي وأمن اإلنسان وما يتعلق بذلك من
مفاهيم لقوى الدولة الشاملة.
هذه المفاهيم تساعد في تحقيق التناغم والتكامل للنشاط الوطني ،ولعل األجهزة في جسم اإلنسان
من كبد وقلب وكلي وأمعاء وجهاز عصبي ..إلخ ،تعبر عن هذا المعني حيث يقوم كل منها بهدف محدد في
توقيت محدد في إطار الهدف الكلي العام.
هذا المفهوم العام بهذه الكيفية مع إسناد المفاهيم المتخصصة يقود نحو تحقيق الغايات الوطنية
مع ضمان استدامتها وضمان التوازن التنموي وتحقيق األمن القومي وأمن اإلنسان وأمن المستقبل
واإلسهام في تحقيق األمن العالمي ،وذلك بسبب اهتمامه بتحقيق التنمية السياسية واالقتصادية
47
واالجتماعية والثقافية والعلمية والتقنية.
السرد أعاله يفك االرتباك الناجم عن كثرة المفاهيم التي تدعو لتحقيق األمن القومي أو أمن اإلنسان
أو التنمية المستدامة أو التنمية المتوازنة أو أمن البيئة أو األمن القومي أو األمن العالمي ،وهي مفاهيم
تفتقر لما يجمع بينها وللقواعد والخطوات التي تحققها ولآللية التي ترعاها،
بينما يمكن تحقيق كل هذه المعاني واألوضاع من خالل إستراتيجية قومية واحدة يتم وضعها بناء
على مفهوم شامل متكامل للتخطيط اإلستراتيجي القومي يعبر عن كل ما ذكرناه أعاله وبالتالي يتم
اإلشراف عليها بآلية قومية واحدة ومتابعتها وتقييمها بمنظومة متكاملة من مؤشرات القياس تعبر عن
هذه المجاالت ،وهذا ما سعى المؤلف لتحقيقه من خالل هذا الكتاب.
إن عدم وجود عالقة بين منهج التخطيط اإلستراتيجي الذي في الواقع يشكل الخطوة لتصرفات
البشر على األرض من جهة مع كل اإلرث اإلنساني من حقوق وغايات وتطلعات منصوص عليها في المواثيق
والسياسات والتشريعات الدولية أو الوطنية للدول ،من جهة أخرى ،يجعل من موضوع التنمية وأمن
اإلنسان والعالم إلخ ،حبرًا على ورق.
ولعله بعد مرور سبعة عقود على تأسيس النظام العالمي الذي شهد تطبيق النظام الرأسمالي
واالشتراكي ،اتضح بجالء أن هناك ثمة خطأ جسيم في منهج إدارة األرض ،تمثل في الدمار البيئي الهائل
واالحتباس الحراري واستنزاف مروع للموارد الطبيعية وإتالف عظيم للغطاء النباتي مع نقص في موارد
المياه أصبح يهدد بحرب عالمية حول المياه.
كل ذلك مصحوبًا بخلل كبير في النظام االقتصادي عبرت عنه الزيادة الكبيرة في عدد الفقراء الذي
وصل لحوالي األربعة مليار فقير مع تفاقم نسب العطالة ،في ظل ديمقراطية تعاني من ضعف في
اإلسناد الفكري اإلستراتيجي الذي يؤسس لمصالح اإلنسان والتعامل مع النزعات السالبة للنفس البشرية،
الشيء الذي أدى لسيطرة لوبي المصالح على مفاصل القرار وأفرز وضعًا مختلًا في العالقات الدولية خاصة
بين الدول الكبرى والنامية لتتأسس دون اعتبار للبيئة أو أمن اإلنسان أو المسؤولية االجتماعية أو مصالح
األجيال القادمة ،كما هو الحال في إفريقيا ،كما أفرز فلسفة اقتصادية قادت لسوء في توزيع الدخل
العالمي جعل من المال في أيدي قلة من الشركات،
لينتهي المطاف باألزمة المالية العالمية ،في الوقت الذي بدأ يتبلور فيه خوف جديد من الفوضى
األخالقية التي يمكن أن تضرب العالم إذا استمر الحال هكذا لسيطرة رأس المال على اإلعالم والتعليم.
كل ذلك يشير ألهمية إنتاج منهج جديد في التخطيط اإلستراتيجي يؤسس لحسن إدارة وإعمارها
وتنميتها يكون مقيدًا بفلسفة ومنظومة من القيم والمرتكزات اإلستراتيجية التي تؤسس لتحقيق تنمية
متوازنة ومستدامة وتؤسس لتحقيق األمن القومي وألمن اإلنسان ولألمن العالمي وألمن المستقبل
48
ولمصالح األجيال القادمة المتمثل في الحفاظ على البيئة وحسن استغالل الموارد وتنميتها وتطويرها.
وهذا ما سعى المؤلف لتحقيقه من خالل هذا الكتاب.
التنمية الروحية:
من أهم المعضالت والقضايا اإلستراتيجية التي أغفلها التخطيط اإلستراتيجي في المدارس الغربية
هو التنمية الروحية ،حيث انصب االهتمام بالتنمية المادية والتنمية التي تهتم بالعقل ،وكما هو معروف
فإن لإلنسان حاجات مادية وأخرى مادية ،فهو في حاجة إلشباع حاجاته الروحية كما يحتاج إلشباع حاجاته
المادية،
لذلك فبعد مرور سبعة عقود على بداية عمليات النهضة في العالم وعلى الرغم من النجاح الكبير
الذي تحقق في عدد من الدول الغربية وغيرها في آسيا وأمريكا الشمالية والجنوبية والمتمثل في األداء
اإليجابي في المجال االجتماعي واالقتصادي والسياسي ،إال أن بروز بعض الظواهر المقلقة وتناميها ومن
نماذجها اإلعداد الهائلة من حاالت االكتئاب النفسي واإلعداد الضخمة من حاالت االنتحار وتنامي تعاطي
المخدرات .إلخ
جعل المهتمين يفكرون في أسباب ذلك ،كان التساؤل واالستغراب أن االنتحار واالكتئاب يتم في كثير
من األحيان من أشخاص ال يعانوا من العطالة أو الفقر أو من إشكاالت مادية ،بينما تقل تلك الحاالت في
دول تعاني من الفقر والعطالة ،وقد كان هذا مؤشرًا قاد العديد من الباحثين نحو الخلل األساسي لهذه
المشكلة وأرجعوا ذلك لمفاهيم التنمية الغربية التي ظلت تركز على التنمية المادية التي استطاعت
إشباع حاجات اإلنسان المادية إلى حد كبير كتوفير فرص العمل والضمان االجتماعي للعاطلين ،حيث
توفرت كل مطلوبات الجسد من الغذاء والكساء والمسكن والجنس ،مع إهمال الجانب الروحي ،ومعلوم أن
اإلنسان جسد وروح ولكل منهما حاجته ،وإذا كانت الحاجات المادية واضحة وملموسة فإن الحاجات الروحية
أكثر تعقيدًا فالتعامل مع الجسد ليس كالتعامل مع النفس البشرية ،عليه فإن التخطيط اإلستراتيجي
القومي يجب أن يهتم بكال الجانبين.
أهمية اإلسرتاتيجية:
من أهم مزايا اإلستراتيجية أنها تضع الدولة في موضع المبادرة بدلًا عن موطن االستجابة عند
التخطيط لتشكيل المستقبل ،فهي بذلك تمكن من التأثير بفاعلية أكثر نتيجة لعنصر المبادرة ،عكس
أسلوب ردود األفعال الذي يتميز بمحدودية األثر واالستجابة من البيئة ،وبالتالي فإن اإلستراتيجية وفق
هذا المفهوم تصبح وسيلة أساسية لتحقيق السيطرة سواء على مصالح الدولة في البيئة أو على مصيرها،
كما تتميز اإلستراتيجية أيضًا بكونها تتيح فرصة أكبر للقيادة لفهم نشاط الدولة ،وبالتالي التزامها.
49
إن وجود إستراتيجية قومية مسنودة بفكر إستراتيجي من شأنه تأسيس أوضاع مستقبلية أفضل
بجانب التحسب لتحديات وتعقيدات المستقبل فضلًا عن تحقيق التناسق والتكامل للنشاط الوطني.
تزيد الحاجة لإلستراتيجية كلما زادت درجة التعقيد في البيئة التي نتعامل معها ،وهذا يعني أهمية
وجود فلسفة ومرتكزات خلف التخطيـط اإلستراتيجي ،وأن ويعتمد نجاح اإلستراتيجية على مدى القدرة
في قراءة البيئة ودراستها وتحليلها ومن ثم التوصل لتحديد وصناعة الفرص وتحديد اإلمكانات والوسائل
بما يؤدي إلى بلورة الغايات واألهداف اإلستراتيجية ومن ثم إعداد الخطط اإلستراتيجية بناء على ذلك،
وفي عصرنا هذا يمكن أن نضيف بُعدًا جديدًا وهو أن نجاح اإلستراتيجية يعتمد على مدى ارتباط
التخطيط بالبيئة الدولية واإلقليمية ومدى قدرته علي تحديد أهداف إستراتيجية علي هذا األساس فهي
ال تتقيد بالموقع الجغرافي للدولة وتراعي الظروف واإلمكانات والمتغيرات المحلية.
طالما أن التخطيط اإلستراتيجي القومي يمثل للطريق نحو القوة التي تتيح تشكيل المستقبل وفق
اإلرادة الوطنية وبالتالي إدارة صراع المصالح اإلستراتيجية ،فهذا يعني أن هذه العملية تعد عملية
سيادية ال تحتمل تدخل أجنبي يمكن أن يؤثر على عمليات سعي الدولة نحو القوى اإلستراتيجية الشاملة.
ونحن نتحدث عن التخطيط اإلستراتيجي في الدول النامية بجوانبه المختلفة ال بد لنا أن نشير إلى
بعض اللبس الموجود لدى بعض أفراد ومؤسسات المجتمع تجاه فهم التخطيط اإلستراتيجي ،إذ أن واقع
الحال يشير في كثير من األحيان إلى الخلط بين التخطيـط (الطويل ،المتوسط والقصير األجل) والتخطيط
اإلستراتيجي ،حتى إذا نظرنا إلى كثير من األطروحات المتداولة في هذا الخصوص في بعض الدول النامية
نجدها في كثير من األحيان تتحدث عن خطط وبرامج ال عن تخطيط وأهداف إستراتيجية ،ولعل ذلك قد
انعكس في مستوى األداء عمومًا سواء على مستوى الدولة أو الشركات والمنظمات عمومًا برغم المزايا
العديدة المتوفرة لها من موارد طبيعية وموقع جغرافي وموارد بشرية وما إلى ذلك ،وأن عدم وجود أو
وضوح األطروحات اإلستراتيجية واألهداف اإلستراتيجية لدى معظم المؤسسات في الدول النامية ،قد حول
عمليات االتصال والتفاوض والحوار والتنافس والوفاق تدور حول أجندة أخرى أقل أهمية.
ويمكن توضيح مرتكزات التخطيط اإلستراتيجي القومي كما يلي:
.1العدل.
.2الجدوى اإلنسانية.
.3الجدوى االجتماعية.
50
.4الجدوى السياسية.
.5الجدوى األمنية.
.6أن التخطيط اإلستراتيجي يسعى إلى تشكيل المستقبل من خالل بلورة وتحقيق أهداف كبرى
غالبًا ما تتصف بالجرأة والمبادرة قد يسبق تحقيقها إجراء تغييرات أساسية وجوهرية في البيئة.
فهو ال يسعى للتنبؤ بالمستقبل كما هو الحال في التخطيط بمفهومه التقليدي يعمل على
التنبؤ بالمستقبل ،وهي مهمة دائمًا ما تعتمد على دراسة وتحليل بيانات ومعلومات الماضي
والحاضر ،أما التخطيط بمفهومه العادي غالبًا ما يجاري الواقع ،مثال لذلك أن مستثمرًا لو أراد
إنشاء مصنعًا آليًا للكسرة ( ،)22فإنه وفق مفهوم التخطيط العادي فسيقوم بتحليل بيانات
الماضي والحاضر ولنقل أنه اكتشف أن بيانات الماضي والحاضر تشير إلى أن استهالك المواطنين
من الكسرة ظل يتناقص بمعدل %2سنويًا ،وهو وفق تلك البيانات يستطيع أن يتنبأ بمعدالت
االستهالك في السنوات القادمة ،وبالتالي سيرى إن كان هذا الوضع مجدٍ اقتصاديًا له فسيقوم
بإنشاء المصنع ،والعكس فانه سيلغي الفكرة.
لعلكم تالحظون أنه لم يغير شيئًا في الواقع بل قام بمجاراته.
أما في حالة التخطيط اإلستراتيجي فالعكس تمامًا هو الذي يحدث ،حيث يقوم التخطيط اإلستراتيجي
ببلورة عدد من األهداف الطويلة أو المتوسطة التي يهدف من خاللها إلى إحداث التغييرات المطلوبة لقيام
المشروع المعين أو تحقيق الهدف اإلستراتيجي المطلوب ،وهذا يعني أن التخطيط اإلستراتيجي يسعى إلى
تحقيق أهداف قد تتطلب إحداث تغيرات أساسية في البيئة ،وهذا ما يدعو إلى تميز التخطيط
اإلستراتيجي بعنصر المبادرة ،ومـن األمثلة على ذلك،
الهدف اإلستراتيجي األمريكي في فترة الخمسينيات الذي يقضي بتصدير القمح إلى بعض دول العالم
التي ال يدخل القمـح ضمن أنماطها االستهالكية ،مثل معظم دول إفريقيا التي تستهلك الذرة والبفرة
إلخ ،ولكن الواقع يشير إلى أن الواليات المتحدة استطاعت وعبر العديد من الخطط الطويلة ،إحداث
تغييرات إستراتيجية في األنماط االستهالكية لدى شعوب تلك المناطق المستهدفة ،ومن ثم تمكنت من
بناء أسواق إستراتيجية تستهلك القمح األمريكي ،إذن فالتخطيط اإلستراتيجي لم يستسلم للواقع كما هو
حال التخطيط العادي ،وإنما سعى إلى تغيير الواقع بما يالئم أهدافه اإلستراتيجية.
ويتضح األمر أكثر إذا طبقنا مفهوم التخطيط العادي ،حيث سنجد أن بيانات الماضي في ذلك الزمان
عند إعداد الخطة األمريكية تشير إلى استهالك الشعوب المستهدفة للذرة والشعير واألرز ،ونفس الشيء
51
بيانات الحاضر عند إعداد الخطة ،وبالتالي وفق مفهوم التخطيط العادي فإن ما يجري في الماضي والحاضر
سيجري في المستقبل وهو استمرار استهالك األرز والذرة والشعير ،أي ال مجال للقمح ،إذن سنكتشف أن
هذا المفهوم ال يجدي مع التطلعات األمريكية بتصدير القمح ،فكان الحل في مفهوم التخطيط
اإلستراتيجي الذي يعبر في هذا المثال عن أهم سمات التخطيط اإلستراتيجي وهو تغيير الواقع بما يوفر
األوضاع المالئمة لتحقيق األهداف اإلستراتيجية.
.3أن التخطيط اإلستراتيجي يسعى إلى تحقيق أهداف كبرى طموحة ال يمكن تحقيقها في فترة
زمنية قصيرة عكس التخطيط العادي الذي غالبًا ما يسعى إلى بلورة أهداف محدودة ال تحتاج إلى
فترة زمنية طويلة لتحقيقها.
ولعل هذه النقطة تشير إلى أحد أسباب تفوق الدول المتقدمة ،حيث إن إتباع أساليب التخطيط
اإلستراتيجي تجعلهم يضعون أهدافًا طموحة ،جريئة ،كبيرة ال يمكن تحقيقها في سنوات قليلة ،إال أن
وضوح تلك األهداف يجعلهم يسيرون تجاهها ،هذا الوضع يطلق عليه تحديد المسار اإلستراتيجي الذي
يتم من خالله ضمان أن األنشطة واألهداف والسياسات والتشريعات ..إلخ ،كلها تتم في تناسق وترابط
وتكامل عبر السنوات الطويلة تجاه الهدف اإلستراتيجي المحدد.
ولذلك دائمًا ما نجد أن الدول والمنظمات في العديد من الدول النامية تنظر إلى األهداف اإلستراتيجية
الطموحة الجريئة باستخفاف أو على األقل تصفها باألحالم ،ويعود ذلك إلى أن تلك المنظمات واإلدارات
تنظر إلى تلك األهداف اإلستراتيجية من خالل قدرات وإمكانات التخطيط القصير وهي إمكانات غالبًا ما
تكون محدودة.
أنهم ال يدركون أن المنظمة أو الدولة تسعى لتحقيق ذلك الهدف بعد سنوات طويلة ،لذلك فإن
تحقيق التنمية الطموحة في الدول يتطلب فترة زمنية طويلة ووضوح في األهداف اإلستراتيجية ووضوح
للمسار اإلستراتيجي ،لذلك فشلت العديد من الدول النامية في تحقيق تنمية طموحة لعدم وجود أهداف
طموحة وبالتالي عدم وجود مسار إستراتيجي ،وهذا يعزز الفرق الكبير بين التخطيط بمفهومه العادي
والتخطيط اإلستراتيجي.
وكثيرًا ما يقوم بعض المخططين بوضع خطة يطلقون عليها الخطة اإلستراتيجية ،ويقومون
بتحديد أهداف يسعون إلى تحقيقها من خالل الخطة ،ولكن المالحظ أن األهداف غالبًا ما تكون عادية ال
تحتاج إلى فترة زمنية طويلة ،ويعد هذا من األخطاء الشائعة.
فإذا قمنا بوضع خطة لعشرين عامًا ،فإن هذا يعني أن تحقيق األهداف اإلستراتيجية سيتعذر في
نطاق زمني أقل من هذه الفترة ،وبالتالي يتم تحقيق العديد من األهداف الصغيرة خالل العشرين عامًا
حتى يكتمل تحقيق األهداف اإلستراتيجية بعد عشرين عامًا .عليه إذا قمنا بمراجعة األهداف ووجدنا
52
أنها يمكن أن تتحقق في خمس سنوات ،فإن هذا يعنى عدم قدرتنا على بلورة أهداف إستراتيجية
حقيقية.
.4التخطيط اإلستراتيجي يشمل مصالح األجيال الحالية والقادمة ويتضمن االهتمام بالبيئة وتنمية
وتنويع وحسن استغالل الموارد ،أما التخطيط فقد يسعى لتحقيق مصالح ،وكثيرًا ما يتم
استخدام وسائل لتحقيقها ال يراعى فيها تعقيدات المستقبل ،وسرعان يتم تحقيق هذه
المصالح لكن مع تدمير الموارد وإتالف الغابات وتدمير البيئة ،وهذا ما يعاني منه العالم اليوم،
وسيكون من غير المنطقي أن نصف األداء للعديد من دول العالم خالل حقبة ما بعد الحرب
العالمية الثانية باإلستراتيجي ونحن نتعرف يوميًا على األخطاء الكبيرة التي وقعت فيها العديد
من إستراتيجيات تلك الدول والتي أفرزت واقعًا يشير إلى دمار واستنزاف كبير للموارد األساسية،
تدمير للبيئة تهديد ألمن اإلنسان وتهديد ألمن المستقبل ..إلخ.
وهو ما بات يهدد البشرية برمتها وستعاني األجيال القادمة منه بشكل أكبر ،إننا سنكون غير
دقيقين إذا وصفنا النشاطات والخطط التي أفرزت هذا الواقع باإلستراتيجية ،هذا الواقع يشير
إلى ضرورة تطوير مفاهيم جديدة لإلستراتيجية تعبر عن مثل هذا الوضع وغيره.
.5غالبًا ما يرتبط التخطيط العادي بالبيئة المحلية بينما نجد التخطيط اإلستراتيجي يمتد ليشمل
البيئة الدولية ،لعل مثالًا لذلك هو معظم الدول النامية ومعظم شركاتها ،حيث نجدها تسعى إلى
تحقيق أهداف محلية ،يعزز ذلك شعارات االكتفاء الذاتي وتقليل الواردات خفضًا للصرف من
العمالت األجنبية إلخ ،وكذا الشركات في تلك الدول حيث نجد أن المصانع غالبًا ما تقوم لسد حاجة
محلية ،انظر إلى معظم الشركات بالدول النامية خالل خمسين عامًا ،من الصعوبة أن تجد شركة
برزت لتحقيق أهداف في السوق العالمي ،على العكس تمامًا نجد أن دول أخرى كاليابان والصين
وكوريا والدول األوربية ،ينطلق تخطيطها من منظور عالمي لتحقيق أهداف في أسواق عالمية،
لذلك نجد السمة العامة لشركات تلك الدول هي أنها تنشأ وتقوم ال لسد حاجة محلية وإنما تسعى
إلى تحقيق أهداف في السوق العالمي ،إذن اتباعهم للتخطيط من منظور عالمي مفتوح جاء
نتيجة للتخطيط اإلستراتيجي بينما نجد تخطيط معظم الدول النامية يأتي من منظور محلي ضيق
نتيجة إلتباع أسس التخطيط العادي ،وهذا يجسد أحد الفروق بين التخطيط العادي
واإلستراتيجي.
53
اإلطار الزمني للسرتاتيجية
طبيعة التحدي والطموح المطلوب إنجازه يعني مواجهة تعقيدات البيئة ،بالتالي تتم الحاجة لتحقيق
أهداف إستراتيجية كبيرة تحتاج لزمن طويل ،وكذا تكون الحاجة إلجراء تغييرات إستراتيجية لتهيئة
الظروف واألوضاع المطلوبة لتحقيق الغايات واألهداف اإلستراتيجية المنشودة ،وهذا يتطلب أيضًا فترة
زمنية طويلة ،وكلما زاد الطموح كلما زادت التعقيدات المطلوب مواجهتها وبالتالي يزيد عمر اإلستراتيجية.
إننا إذا طلبنا من أي مجموعة أن تحلم بمستقبل (ما) للدولة ،وقمنا بمنحهم ثالثة أو أربعة سنوات
مثلًا ،فان هذا المجموعة قطعًا لن تستطيع أن تحلم وذلك بسبب بسيط وهو أن الفترة المتاحة للخطة
ال تكفي لموجهة تعقيدات الخطة مثل تأسيس البنى التحتية أو توفير الموارد البشرية أو تشكيل سلوك
وطني جديد ،والعكس عند تحديد فترة زمنية طويلة فإن هذا يعني إمكانية تشكيل رؤية عميقة يمكن
عبرها تحقيق حلم وطني حقيقي ،وهذا ما يدعو للتفريق بين مفهوم اإلستراتيجية في مستوى الدولة
ومستوى المنظمات والشركات ،حيث يمكن في حالة المنظمات إنجاز طموحات كبيرة في فترة قصيرة
والعكس صحيح في حالة الدول.
إذا اعتبرنا أن المبادرة والتخطيط من منظور عالمي هي من أهم سمات التخطيط اإلستراتيجي ،فإن
هناك سمات أخرى منها:
.1عمق التخطيط :إن العمق اإلستراتيجي والجرأة هي من أهم سمات التخطيط اإلستراتيجي ،وقد
الزمت هذه الصفة معظم المخططات اإلستراتيجية ألصحاب المصالح الدولية.
من الحقائق المعروفة لكل منا أن االستعمار في الحقب الماضية كان يسعى لتحقيق أهدافه
المختلفة وعلى رأسها األهداف المادية بالسيطرة والحصول على الموارد االقتصادية المختلفة ،لذا فقد
كان توفر مقومات معينة مثل وفرة موارد طبيعية كالذهب أو النفط أو األرض الزراعية ،أو وفرة الرجال
األقوياء الستخدامهم في الزراعة أو الجيش ..الخ تقف على رأس حيثيات اتخاذ القرار باستعمار تلك الدولة
أو غيرها ،إال أن بعض الدراسات التي جرت مؤخرًا أشارت إلى أن هناك منطقة لم تتوفر فيها تلك الحيثيات
ومع ذلك جرى استعمارها ،وهي فلسطين.
وفي سبيل البحث عن السر وراء ذلك ،توصل بعض العلماء إلى أن بريطانيا في إطار تخطيطها
اإلستراتيجي لمستقبل مصالحها في الشرق األوسط ،وفي ظل إدراكها لعدم إمكانية استمرار االستعمار
المباشر نتيجة لتنامي وعي الشعوب ،رأت أن السيطرة على تلك المنطقة تتطلب إنشاء كيان (دولة) تتبع
لها ،يتم من خاللها التحكم في منطقة الشرق األوسط.
54
هذا الوضع قاد بريطانيا للتحالف مع اليهود -الذين كانوا في ذات الوقت يخططون بسويسرا-
إلقامة دولة لهم في منطقة فلسطين ،ويكفينا هذا المثل لنعلم مدى عمق التخطيط اإلستراتيجي
ألصحاب المصالح الدولية الذين لم يتوانوا في تأسيس دولة وإخراجها إلى الوجود طالما أن ذلك مهم
لتحقيق مصالحهم ،وهو مثال يجعلنا ندرك عمق التخطيط األجنبي الذي يسعى لتقسيم دول ما أو تفتيتها
كما هو الحال في إفريقيا.
.2السعي لتحقيق أهداف كبرى تتسم بالجرأة والتحدي ،وإحداث تغييرات إستراتيجية
وأساسية ،وهذا يتطلب تنفيذ العديد من الخطط الطويلة والقصيرة والبرامج والتكتيكات
التعاونية ،حيث يوفر التخطيط اإلستراتيجي اإلطار الفلسفي الذي يتم بموجبه تحقيق
التكامل والتناسق والترابط بين األهداف والسياسات (الطويلة والمتوسطة والقصيرة
والمتناهية الصغر) بما يضمن أن كافة األهداف واألنشطة المتناثرة هنا وهناك تصب
جميعها نحو تحقيق األهداف اإلستراتيجية.
في ظل هذا الوضع يحدث الفهم الخاطئ حيث يتوه الغالبية مع األهداف المتوسطة والقصيرة
والتكتيكات التعاونية ،دون إدراك كافٍ للمخططات اإلستراتيجية.
هذا الوضع مقرونًا بجرأة المخططات اإلستراتيجية ،تجعل من قبول األهداف اإلستراتيجية
واإليمان بوجودها أمرًا صعب التصديق ومن أمثلة ذلك ،المخطط اإلستراتيجي األمريكي إلعادة
تشكيل القارة اإلفريقية ،والسيطرة على الموارد العالمية ،فبدلًا من إدراك الهدف األساسي لكل
ما يجري في الساحة السياسية وفق هذا المنظور ،فإن الساحة أو جانب كبير منها في العالم،
تنشغل بالبرامج واألمور التكتيكية المصاحبة لتلك الخطط ،مثل اتهامات حقوق اإلنسان واإلبادة
الجماعية والتطهير العرقي ،الخ.
فاإلستراتيجية هي وسيلة تحدد كيفية تحقيق األهداف اإلستراتيجية ويمكن وصفها بأنها خطة
يتطلب تحقيقها تنفيذ العديد من الخطط الطويلة والمتوسطة والقصيرة األجل والبرامج
والسياسات وتحقيق العديد من األهداف الطويلة والمتوسطة والصغيرة والمتناهية في الصغر إال
أن تحقيق ذلك جميعًا يصب في تناسق وتكامل وانسجام لصالح تحقيق الغايات القومية الكبير
للدولة.
كما أن اإلستراتيجية هي التي تبلور األطر والفلسفة التي تحكم قرارات الدولة والخطط المنبثقة عنها
ومن بينها الخطط الطويلة.
.3اإلستراتيجية تعمل على قراءة المستقبل والتعامل مع البيئة بصورة أكثر عمقًا.
.4ارتباط اإلستراتيجية بالسعي لتحقيق أثر عظيم.
55
التفريق بني الخطة اإلسرتاتيجية والخطط القصرية
من الشرح السابق يتضح الفرق بين التخطيط اإلستراتيجي والتخطيط قصير ومتوسط األجل الخ،..
وطالما أن التخطيط يفرز خطة والخطة تفرز أهدافًا ،فالتخطيط اإلستراتيجي يفرز خطة إستراتيجية تفرز
بدورها أهدافًا إستراتيجية ،وهكذا التخطيط القصير والمتوسط إلخ،
كما أرجو أن أوضح بأن الخطة اإلستراتيجية تسعى من خالل تحقيق األهداف اإلستراتيجية المنبثقة
عنها ،إلى تحقيق مصالح إستراتيجية تؤدي إلحداث آثار عميقة جريئة كبيرة للغاية كالقضاء على الفقر
والعبور نحو الرفاه ،وتحقيق فرص العمل ليس ألكبر عدد بل وبأجور مقنعة ،وليس زيادة الدخل القومي
بصورة كبيرة فقط وإنما مع عدالة توزيعه كذلك .وليس المحافظة على التراث بل التحول للمبادرة بنشره
عالميًا.
إن تحول دول مثل كوريا الجنوبية إلى قوة اقتصادية عالمية وإمكانية تحول دول غنية بالموارد
الطبيعية مثل معظم الدول اإلفريقية ،إلى قوة اقتصادية عظمى هي في الواقع طموحات ال يمكن
تحقيقها من خالل خطط قصيرة أو متوسطة ،ثالثية أو خمسية أو غيرها ما لم تأت في إطار خطة
إستراتيجية ،كذلك انظر لألهداف اإلستراتيجية للواليات المتحدة واليابان ودول النمور ..بعد الحرب
العالمية ستجد أنها أهداف تسعى لتحقيق نتائج وتغييرات وتأثيرات عميقة جريئة ال يمكن تحقيقها
إال في فترة طويلة وبتراكم مجموعة من الخطط القصيرة والمتوسطة والطويلة ..وهكذا يجب التفريق
بين الخطة اإلستراتيجية والخطط القصيرة والمتوسطة ..إلخ ،وبالتالي األهداف اإلستراتيجية وأهداف
الخطط القصيرة والمتوسطة ..وذلك من خالل دراسة درجة التأثير والتغيير ومستوى ونوع المصالح التي
سيحققها أو سيحدثها ،فالتأثير اإلستراتيجي األساسي الكبير هو صفة األهداف والخطط اإلستراتيجية ،وأي
خطط تشكل مرحلة تجاه تحقيق تلك األهداف اإلستراتيجية ال يصح أن نطلق عليها أهدافًا إستراتيجية.
56
األوضاع املستقبلية
املنشودة
درجة التعقيدات
املطلوب مواجهتها
فرتة التغيري
التغيري اإلسرتاتيجي
تعبر اإلستراتيجية الوطنية عن الحلم الوطني ،إال أن هناك شروطًا أساسية يجب تحقيقها حتى تعبر
اإلستراتيجية عن الحلم الوطني ،أهمها:
.1أن تعبر اإلستراتيجية عن وجدان الشعب وطموحاته وتطلعاته ،وهذا يستدعي إعداد اإلستراتيجية
بما يحقق ذلك ،ولعل التدبر في خطوات إعداد اإلستراتيجية التي أوردناها في الفصل الثالث من
الباب األول يشير لهذا ،حيث أن وضع اإلستراتيجية يقوم على المعرفة اإلستراتيجية والتي تقوم
على عمل تحليل إستراتيجي شامل يتضمن ضمن مجاالته دراسة النفس البشرية والغوص في باطن
نفس المواطن بالتحليل ،كما تتضمن تحليل األوضاع على الساحة الوطنية،
وكل ذلك بجانب إعمال التفكير اإلستراتيجي والتفكير اإلبداعي واستدعاء الفكر اإلستراتيجي من
خالل عمليات اختيار التوجه اإلستراتيجي للدولة ،يقود لتحديد مصالح تعبر عن تطلعات المواطنين
وعن الوجدان الوطني ،مما يجعلهم يتجاوبون معها عند تنفيذها.
.2أن تتأسس اإلستراتيجية على العدل وأن تسعى لتأسيس العدل في كافة جوانبه وأن تتضمن القيم
والمرتكزات اإلستراتيجية األخرى التي تؤسس لتحقيق المصالح الوطنية واستدامة اإلستراتيجية
57
مثل التأسيس ألمن اإلنسان والتوازن التنموي ،ألن وجود إستراتيجية تقوم على الظلم أو التمييز
السلبي أو اإلحساس بذلك لن تجد السند الشعبي المساند لها وسيعرض اإلستراتيجية كلها للخطر.
.3نشر الوعي وثقافة اإلستراتيجية والسلوك الوطني الذي يُعلي الوطن على سواه ،وسط المجتمع وبذر
فكرة الحلم الوطني عبر السلم التعليمي ابتداء من التعليم قبل المدرسي (الروضة).
.4المشاركة الوطنية في إعداد اإلستراتيجية بحيث ال تصبح عمل تُعزل فيه مكونات المجتمع،
وتحقيق ذلك يعتمد على مدى وجود منهج وطني للتخطيط اإلستراتيجي يؤسس للدراسات
الميدانية التي تتصل بالمواطن وبمجتمعه فضلًا عن وجود آلية وطنية مستقلة تناقش وتجيز
اإلستراتيجية.
.5وجود آلية وطنية بصالحيات إدارية وقانونية مناسبة ،تمثل العقل الوطني ،قادرة على رعاية
المسار اإلستراتيجي للدولة وتطبيق منهج اإلدارة اإلستراتيجية بما يمكن من توجيه نشاط الدولة
ليتجه نحو المصالح اإلستراتيجية الوطنية وما يرتبط بها من قضايا ،بما يضمن توجيه كافة
األنشطة المتناثرة نحو تلك المصالح .ولعل المثل التالي يعبر ذلك.
إذا افترضنا (مجازًا) أن بناء مبنىً ضخم بمواصفات معينة يعبر عن الحلم الوطني ،فإننا سندرك أن
شعـب الدولة غير مؤهل لتصميم هذا المبنى لكـن المهندسين هـم القــادرين على ذلـــك
(والمهندسين يمثلون هنا خبراء التخطيط اإلستراتيجي) ،إال أن هؤالء المهندسين لم يتمكنوا من
تحديد هذا التصميم إال بعد أن قاموا باالتصال بالقواعد الشعبية للتعرف على رؤاهم ورغباتهم
بجانب دراسة األوضاع األخرى في البيئة (هو ما يطلق عليه التحليل اإلستراتيجي كما سبق وذكرنا
وهي مهمة آلية التخطيط اإلستراتيجي التي يجب أن تسعى لوضع إستراتيجية تعبر عن الجميع).
ثم يتحول العمل نحو التنفيذ حيث سيقوم جهاز التخطيط بتقسيم المهام واألدوار ،ليتم إنتاج
أجزاء هذا المبنى عبر جهات مختلفة (المبنى الخرساني ،الطوب ،األبواب والنوافذ ،الطالء ،الكهرباء،
التكييف ....إلخ ،ثم يتم تقسيم العمل بصورة أكثر تفصيلًا ،ليتم توزيع مهام إنتاج عشرات اآلالف
من المهام الصغيرة المطلوبة لتشيد المبنى عبر آالف المواطنين ،حيث يقوم كل مواطن بتحقيق
هدف صغير منه (هدف محدد وبكمية محددة وبمواصفات محددة) ليتم استخدامها مع أهداف أخرى
إلنتاج هدف أكبر وهكذا إلى أن تلتقي كل هذه الجهود في نهاية المطاف في إنتاج المبنى المطلوب.
العبرة هنا أنه ال يوجد مواطن أو تنظيم يمارس نشاط من فراغ وإنما يحقق أهداف محددة في إطار
اإلستراتيجية الوطنية ،والعبرة الثانية أن المواطن ال يعرف تعقيدات هذا الهدف فهذا عمل
اإلستراتيجيين ،إال أن الهدف نفسه يعبر عن هذا المواطن ،كما أن الجميع يمارس النشاط المطلوب كمًا
وكيفًا لتحقيق المصالح الوطنية.
58
إذن وجود الحلم الوطني ووجود اآللية ووجود منهج اإلدارة اإلستراتيجية الشراكة والتناغم الوطني ،يعني
إتمام ماليين األنشطة المتكاملة عبر مراحل لتلتقي في الهدف اإلستراتيجي القومي ،والعكس أي عدم
وجود ووضوح حلم وطني وعدم توفر الظروف والشروط أعاله ،يعني ارتباك نشاط الدولة وضياع زمن وجهد
ومال وموارد دون تحقيق إنجاز إستراتيجي.
إن مناهج التربية الوطنية والتدريب يجب أن تقوم على هذا األساس ،أي إدراك أن إنجاز المواطن لمهامه
في الزمن والجودة المطلوب هي جزء من الحلم الوطني.
ذكر لي أحد الفنيين األوربيين وكان يعمل في مصنع للسيارات بأوروبا الغربية ،أنه عندما تم اختياره
للعمل بالمصنع ألول مرة ،أن الخطوة األولى له في المصنع قبل ممارسة العمل هو تلقيه لتدريب من قبل
سلطات الموارد البشرية الحكومية ،حيث كانت المرحلة األولى تجديد شرح الحلم الوطني للدولة بشكل عام،
ثم قام بدراسة الحلم الوطني االقتصادي وما يرتبط بذلك من تحديات ،ثم انتقل لدراسة الحلم الوطني في
مجال فرعي من الحلم االقتصادي وهو دور قطاع السيارات في تحقيق الحلم الوطني لتلك الدولة ،ثم انتقل
بعد ذلك إلدارة الموارد البشرية بالمصنع حيث تم تدريبه على دور المصنع في تحقيق الحلم الوطني ،ثم
أخيرًا تم تدريبه على مهام تتعلق بربط مسمار معين على السيارة بإحكام ،وذلك خالل زمن محدد بأربعة
ثوانٍ.
قال لي ذلك الفني :لقد فهمت من التدريب أن عدم إنجاز هذه المهمة ،أي ربط المسمار بإحكام في خالل
الزمن المحدد ،يعني تهديد الحلم الوطني ،ألن هذا السلوك (أي وجود مسمار غير مثبت جيدًا في الزمن
المحدد) إذا انتشر في المصنع فإن هذا يعني عربة متهالكة أو غير جيدة ،وهو ما يهدد الحلم الوطني
برمته ،كما أن تأخير ثانيتين يعني ضياع نصف المدة فإن كان عمر اإلستراتيجية الوطنية عشرين عامًا
فإن هذا السلوك يرفع المدة إلى أربعين.
59
محاور التخطيط اإلسرتاتيجي:
60
مستويات اإلسرتاتيجية:
أوالً :المستوى العالمي ،ويهتم بوضع إستراتيجيات تتصل بالمصالح الدولية ،ويشمل نطاقها الكرة
األرضية ،ومن أمثلتها إستراتيجيات األمم المتحدة حول البيئة والتنمية العمرانية ،التنمية البشرية ،مناخ
االستثمار الدولي..
ثانيًا :المستوى اإلقليمي ويهتم بوضع إستراتيجيات تتصل بالمصالح اإلقليمية ،ومن أمثلتها
إستراتيجيات االتحاد األوروبي ،االتحاد اإلفريقي ..إلخ.
61
من خالل التقسيمات أعاله نجد أن األهداف في المستوى األخير تسعى إلى تحقيق أهداف في ثالث
اتجاهات هي:
.1إنجاز ما يليها من األهداف اإلستراتيجية القومية والقطاعية.
.2إنجاز ما يليها لتحقيق أهداف متصلة بتخصصات فرعية أخرى ،مثل حاجة إستراتيجية الزراعة
والصناعة إلى أهداف تتصل بالتعليم لتخريج الكوادر المطلوبة للتنمية ،ونجد أن هناك اتصالًا
بين أهداف العالقات الخارجية واألمن والمصالح االقتصادية ،وصلة بين األمن واإلعالم واالقتصاد
إلخ.
.3تحقيق األهداف التخصصية أو الفرعية المباشرة.
أنواع اإلسرتاتيجيات:
62
ثقافة الدولة:
وهي تعبر عن القيم والسلوك والمرتكزات اإلستراتيجية وطرق التفكير ،التي تؤسس ألداء إستراتيجي
يؤدي لتحقيق المصالح الوطنية بأفضل السبل ويقيد السلوك والنشاط من أن يضر بالمصالح أو األمن
القومي أو األمن اإلنساني أو بمصالح األجيال القادمة ،ومن نماذجها العدالة ،أمن اإلنسان ،عدم التمييز
على أساس عرقي أو سياسي ،خدمة مدنية تقوم على العلم والقانون ،احترام النظام والتقيد به ،الشراكة
بين السلطة العلمية والسلطة السياسية ،احترام العمل ،الصدق واألمانة ،الوعي اإلستراتيجي ،احترام
البيئة..
وهي بهذا الشكل لها دور واضح في تحقيق المصالح اإلستراتيجية الوطنية ،ولعل من أهم أسباب فشل
اإلستراتيجيات في العديد من الدول هو عدم االهتمام بتشكيل الثقافة الوطنية التي تناسب الحلم
الوطني.
إن عدم وجود قيم ومرتكزات إستراتيجية داعمة لإلستراتيجية تقود إلى أوضاع قد تتناقض مع
المصالح الوطنية أو األمن القومي أو العالمي ،فقضايا مثل الخلل في توزيع الدخل العالمي ليصبح المال
في قبضة مجموعة من الشركات ،أو عمليات تحقيق التنمية التي مارستها الدول الغربية خالل العقود
الماضية نجم عنها تهديد البيئة بشكل غير مسبوق واستغالل الموارد الطبيعية بشكل يهدد مصالح
األجيال القادمة ،أو العالقة المختلة كتلك التي ربطت بين الدول اإلفريقية وبعض الدول الكبرى وما نجم
عنها من نقل كميات ضخمة جدًا من موارد إفريقيا لتلك الدول دون أن يقابل ذلك أي مسؤوليات تحكم
سلوك تلك الشركات مثل تقييدها بعدم اإلضرار بالبيئة أو بأمن اإلنسان أو تجاه المسؤولية االجتماعية
بشكل عام ،فالنتيجة هي ضرر للبشرية ولتلك الدول ،وبهذه الصفة يصبح هذا النوع من التخطيط غير
إستراتيجي.
إن أهم ضمان ألمن العالم وسالمه هو ارتكاز النظام العالمي على نظام قيمي أخالقي تؤسس لألمن
اإلنساني واألمن القومي واألمن العالمي ومصالح األجيال القادمة وهو ما يؤسس له هذا الكتاب.
إن مصطلح (التنمية) بهذا اللفظ اللغوي ،ال يحتاج إلضافات حتى يستوفي المعني المطلوب ،فالتنمية
تعني النماء والزيادة والتحسين والتطوير وتعني (ضد الخراب) لكن ما حدث هو أن الغرب بعد تطبيقه
لسياساته وإستراتيجياته وما نجم عنها من خلل سبق واشرنا إليه ،اضطر لتطوير مفهوم التنمية ليعالج
ويمنع حدوث ما وقع فيه من أخطاء ،والحقيقة هو أن الفكر اإلستراتيجي المساند لعملية تحقيق التنمية
هو الذي كان مفقودًا أو ضعيفًا في التخطيط الغربي ،وليست القضية تنمية أو تنمية مستدامة ،فالقضية
قضية فكر إستراتيجي يحكم عمليات تحقيق التنمية ،وهو ما يميز اإلسالم الذي يسعى لتحقيق التنمية
لكن وفق مفهوم عميق يدرك كافة األبعاد المتصلة بها سواء ما يتعلق بالبشر وسلوكهم أو البيئة أو
63
مصالح األجيال القادمة .إلخ.
بنظر المؤلف ،هي الحاجات واألوضاع والطموحات المتوافق عليها وطنيًا التي ترغب الدولة في تحقيقها
والمحافظة عليها ،وتتضمن المصالح الحيوية (المعنوية والمادية) ،كالمحافظة على العقيدة والثقافة
القومية وهيبة الدولة وبقاءها وسيادتها وأمنها ،والمحافظة على أمن المواطن والمجتمع وتحقيق الرفاه
والنماء السياسي واالقتصادي واالجتماعي كما تتضمن المبادئ والقيم الدينية والثقافية والمرتكزات
اإلستراتيجية.
كما تشمل األوضاع والظروف والقدرات الداخلية والخارجية المواتية أو المطلوبة لتحقيق وإدراك هذه
المصالح .وتمثل التوجه الرئيسي للدولة والعامل األكثر أهمية في توجيه السياسة واإلستراتيجيات
وتحديد السبل والوسائل على المستوى الداخلي والخارجي.
إن أكبر خطأ يمكن أن ترتكبه أي دولة هو عدم تحديدها لمصالحها اإلستراتيجية ،ألن ذلك يعني ضياع
جهود كبيرة وأموال كثيرة عبر سنوات طويلة دون إحداث إنجاز ،فتحديد المصالح اإلستراتيجية يعني
تلقائيًا وضوح البيئة اإلستراتيجية التي تتعامل فيها الدولة ويعني وضوح العقبات الداخلية والخارجية
والقضايا اإلستراتيجية التي تعترض تحقيقها ،ومن ثم ينطلق النشاط الوطني في ظل رؤية واضحة على
هذه الخلفية والعكس صحيح.
الصاع اإلسرتاتيجي:
بنظر المؤلف ،الصراع اإلستراتيجي يتمثل في األوضاع التي تتشكل من خالل إستراتيجيات الدول التي
تسعى عبرها لتحقيق جانب من مصالحها اإلستراتيجية على الساحة الدولية والتي تتناقض فيها بدرجات
متفاوتة مع المصالح اإلستراتيجية للدول األخرى ،ويستدعي إلدارته امتالك القوى اإلستراتيجية الشاملة،
ويمكن أن يتضمن ترتيبات دولية للتعاون بين األطراف المتصارعة كالشراكات والتحالفات اإلستراتيجية
السياسية واالقتصادية أو بين مجموعة دول صديقة ضد أخرى ،كما قد يتضمن ترتيبات مواجهة
كالترتيبات العسكرية أو الحروب االقتصادية أو اإلعالمية إلخ
التفكري اإلسرتاتيجي:
هو إعمال الفكر بما يمكن من التعرف على البيئة المحلية والخارجية ،بتعقيداتها ومزاياها بشكل أكثر
عمقًا بما يمكن من تشكيل رؤية عميقة غير تقليدية تقود لتحديد وتحقيق المصالح وكذا عالج العقبات
التي تواجه تنفيذ المصالح اإلستراتيجية دون اإلضرار بمصالح األجيال القادمة.
بهذا الفهم يصبح التفكير اإلستراتيجي عملية مستمرة تمتد لتشمل عملية التحليل اإلستراتيجي حيث
64
يقود التفكير اإلستراتيجي لقراءة أعمق وأدق للبيئة ،ثم يمتد ليشمل عملية اختيار التوجه اإلستراتيجي
وتحديد المصالح اإلستراتيجية ،حيث يساعد في تبني خيارات ذات بُعد وعمق كما يساعد في بلورة وابتكار
فرص جديدة ،وابتكار طرق غير تقليدية الستغالل الموارد واإلمكانات ،ثم في مرحلة تنفيذ اإلستراتيجية
يساعد التفكير اإلستراتيجي في تنفيذ أفضل لإلستراتيجية وابتكار حلول غير تقليدية للعقبات وفي
تحديد األولويات ،أما في مرحلة تقييم اإلستراتيجية فان التفكير اإلستراتيجي يساعد في تقييم على
أسس إستراتيجية ،فالعقلية التقليدية محدودة التفكير قد ترى في بعض اإلنجازات نجاحًا والعكس
صحيح.
رخصة القيادة:
إن كنا قد تعودنا أن ال نذهب عند المرض إال لطبيب لديه رخصة وهي تعني هنا الشهادات األكاديمية،
وال نذهب عند الرغبة في البناء إال لمن يملك رخصة هندسية حتى ال ينهار البناء ،فيما يهتم صاحب العمل
باختيار مدير يملك رخصة في مجال الحقن الطبية لإلشراف على مصنع الحقن الخاص به ،وهكذا حتى
نصل لرخصة قيادة السيارة ،فمن باب أولى في ظل الصراع الدولي العنيف حول المصالح ،أن يتحصل من
يود المشاركة في قيادة الدولة على رخصة قيادة تضمن بوجهة نظر الكاتب لحاملها أن يكون ذا وعي
وتفكير إستراتيجي وقدرات في اإلدارة اإلستراتيجية وذا حس أمني إستراتيجي ومعرفة بإدارة الوقت
ومعرفة في حدود معقولة بالجودة الشاملة ،وهي المدخل الصحيح للدول النامية لكي تدير صراع المصالح
الشرس في الساحة الدولية.
وهناك العديد من الدول المتقدمة التي تتبع هذا المنهج من خالل نظام الدورات الحتمية أو من خالل
التشريعات التي تفرض على المرشح استيفاء قدرات معينة في اإلدارة اإلستراتيجية.
القيادة اإلسرتاتيجية:
هناك فرق بين القيادة واإلدارة ،فاإلدارة تهتم بالتفاصيل والتنفيذ العملي على األرض للخطط،
المعروف بتخطيط العمليات ،وتهتم باإلنتاج بالجودة والتكلفة والزمن المحدد ،أما القائد اإلستراتيجي
فيمكن مالحظة أهم مواصفاته وشروطه فيما يلي:
.1النظرة الشاملة لألمور.
.2محور اهتمامه ينصب في المسار اإلستراتيجي والقضايا اإلستراتيجية.
.3القدرة على إقناع اآلخرين والتأثير عليهم.
.4القدرة في تحويل الهدف العام إلى هدف شخصي.
.5القدرة في صناعة التحدي.
65
.6القدرة في قيادة التغيير اإلستراتيجي.
.7القدرة على تشكيل فرق عمل متميزة.
.8القدرة على إتاحة المشاركة.
.9القدرة على قيادة أفراد بميول وأهداف واهتمامات مختلفة.
.10أن يكون ذا تفكير إستراتيجي.
.11التميز بسلوك القيادة الذي يقوم على أولوية مصلحة الوطن وعدم ممارسة سلوك ونشاط يتناقض
مع ما يدعو له.
.12االستناد في قراراته على العلم والخبرة.
.13الثقة بالنفس.
.14االستخدام الحكيم للسلطة.
.15اللين في غير ضعف.
السلعة اإلسرتاتيجية:
وهي السلع التي ال يستطيع العالم االستغناء عنها أو ال يستطيع االستغناء عنها في فترة زمنية
قصيرة ،وهي سلع تعطي الدولة المنتجة لها قوة سياسية ،مثال لذلك سلعة النفط ،حيث ال يستطيع
العالم بين يوم وليلة التحول نحو بدائل أخرى للطاقة ،وإنما قد يحتاج لعقود طويلة من الزمان ،وهكذا
المعادن اإلستراتيجية التي ال يمكن للصناعة في العالم االستغناء عنها.
66
شكل رقم 2 / 2
يوضح االرتباط والتكامل بين التخطيط قصير والمتوسط مع اإلستراتيجية
اإلسرتاتيجية
الخطط املرحلية
الخطة السنوية
67
شكل رقم :3 / 2مستويات اإلستراتيجية
68
العالقة بني علم اإلسرتاتيجية وعلم املستقبل:
مفهوم علم املستقبل:
اختلف الدارسين والمحللين التاريخيين لتحديد البداية العلمية في االهتمام بالمستقبل ومنهم من
يعود بذلك إلى نهاية القرن الخامس عشر الذي شهد ظهور توماس مور الذي طرح تصور مستقبلي للمجتمع
المثالي والذي يخلو من آفة أشكال االضطهاد والظلم واألنانية.
ثم تاله في نهاية القرن السادس عشر كتاب الفيلسوف اإلنكليزي فرانسيس بيكون المعروف باسم
(أطلنطا الجديدة) ،وفيه طرح أفكار مستقبلية للعالم ،رسم فيه مجتمعه العلماني الجديد والقادر على
تغيير العالم والسيطرة على الطبيعة وتحقيق مستويات أفضل للبشرية في العيش الرغيد والوفير وذلك
باستخدام األساليب والطرق العلمية.
بينما هناك من يقول أنّ نشأة هذا العلم تعود إلى العالم االقتصادي اإلنكليزي توماس مالتوس ١٨٤٣
الذي عرض في دراسة له عن نمو السكان اتسمت بالتشاؤم لحل التناقض االجتماعي الناتج عن الثورة
الصناعية والمتمثلة بالتمايز الطبقي في ظل سيطرة الرأسمالية في المجتمع البريطاني وقتئذ.
حيث طالب مالتوس بالتخلص الجماعي من الفقراء والطبقات المعدومة لحل لألزمة بينما الحكومة
البريطانية وجدت الحل في التوسع والسيطرة على الدول األكثر فقرًا وهكذا توسعت في قارتي آسيا
وإفريقيا ،مما أدى إلى تحسين وضع الطبقة العاملة الفقيرة عندهم على حساب الشعوب األخرى.
وبذلك تم وضع حل للصراع الدائر بين الطبقة العاملة الفقيرة والطبقة الرأسمالية البريطانية(.)23
إن الدراسات المستقبلية بدأت تكتسب معناها العلمي واالصطالحي في أوائل القرن العشرين ،حيث
اقترح العالم س .كولم جيلفان عام ١٩٠٧إطالق اسم (ميلونتولوجيا) وفي عام ١٩٣٠أطلق المؤلف
األلماني أوسيب فلنخها يم مصطلح ( )Futurologyللداللة على علم المستقبل(.)24
من خالل السرد التاريخي لألحداث والوقائع يتضح أن الدراسات المستقبلية بدأت تحظى باالهتمام مع
بداية الستينات حيث شهدت هذه الحقبة من الزمن ظهور العديد من الدراسات المستقبلية في الدول
الغربية.
)(23بhttp//wikipedia.org.
69
ماهية الدراسات املستقبلية:
تأخر ظهور المنهجيات العلمية للدراسات المستقبلية رغم ثراء التراث الفكري والفلسفي المهتم
بالمستقبل حتى ستينيات القرن العشرين .وفي تتبّعهم لبداياتها المنهجية ،رصد مؤرخو المستقبليات
أعمالًا لمفكّرين وأدباء وعلماء أرهصت مبكرًا للمنهجية العلمية للدراسات المستقبلية.
بعضهم ردّ هذه البدايات المنهجية إلى القرن التاسع عشر ،كما في النبوءة الذائعة الصيت التي ارتبطت
بمقال في السكان للقس اإلنكليزي الشهير توماس مالتوس الذي عرض فيه رؤية مستقبلية تشاؤمية
للنمو السكاني وردّها البعض اآلخر إلى المفكر الفرنسي كوندرسيه فكتابه مخطط لصورة تاريخية لتقدم
العقل البشري ،نشر في عام ،1793واستخدم فيه أسلوبين منهجيين في التنبؤ ما زاال يستخدمان على
نطاق واسع من قبل المستقبليين المعاصرين وهما التنبؤ االستقرائي والتنبؤ الشرطي Conditional
) ،(Extrapolation ،Forecastingوقد ضمّ الكتاب تنبؤات مذهلة تحققت في ما بعد ،كاستقالل
المستعمرات في العالم الجديد عن أوروبا ،وزوال ظاهرة الرقّ ،وانتشار الحدّ من النسل ،وزيادة إنتاجية
الهكتار.
ومنهم من ردّها إلى جهود لينين في التخطيط المركزي لالتحاد السوفياتي السابق ،1931 - 1928إلى
أن تمكّن اإلنسان ألول مرة في السبعينيات بفضل تطور المعرفة العلمية وتقدم التكنولوجيا من وضع
المستقبل في إطار علمي دقيق ،لكن الجدل ال زال محتدمًا حول ماهية الدراسات المستقبلية وتكييف
طبيعتها ،حيث توزّعت اآلراء على عدد من التباينات بين من يعتبرها في منطقة وسطى بين العلم
والفن ،أو فن وآخر يصنّفها علم ومن يراها تتقاطع فيها التخصّصات وتتعدّد المعارف .على صعيد العلم،
هناك إجماع بين مؤرخي المستقبليات على أن هربرت جورج ويلز هو أول من وضع مصطلح علم
المستقبل.
وفى كتابه فن التكهّن 1967يؤكد برتراند دي جوفنال ( )Bertrand de Jouvenalأن الدراسة
العلمية للمستقبل ال يمكن أن تكون من الفنون ،بل علم ويرى أن المستقبل ليس محددًا يقينًا ،بل عالم
احتماالت.
تعتبر الجمعية الدولية للدراسات المستقبلية أن الدراسة العلمية للمستقبل هي مجال معرفي أوسع
من العلم يستند إلى أربعة عناصر رئيسية هي (:)25
.1أنها الدراسات التي تركّز على استخدام الطرق العلمية في دراسة الظواهر الخفية.
.2أنها أوسع من حدود العلم ،فهي تتضمن المساهمات الفلسفية والفنية جنبًا إلى جنب مع الجهود
)(25بRobert Jungk and Norbert R. Muller, Futures Work Shops: How to Creat Desirable Futures.
70
العلمية.
.3أنها تتعامل مع مروحة واسعة من البدائل والخيارات الممكنة ،وليس مع إسقاط مفردة محددة
على المستقبل.
.4أنها تلك الدراسات التي تتناول المستقبل في آجال زمنية تتراوح بين 5سنوات و 50سنة.
مصطلح االسترشاف:
االستشراف لغة يعني "تحديد النظر إلى الشيء بشكل يجعل الناظر أقوى على إدراكه واستبيانه ،كأن
يبسط الكف فوق الحاجب كالمستظل من الشمس ،أو أن ينظر إليه من شرفة أو مكان مرتفع ،أو يمد عنقه
ويسدد بصره نحوه ،كل ذلك يفعله لإلحاطة بشكل الشيء والتدقيق في ماهيته".
يتعلق علم المستقبل باالستكشاف من خالل الربط بين الماضي والحاضر والمستقبل ،أي التحليل
بغرض الوصول لمعرفة ومن ثم االنطالق من واقع لتشكيل مستقبل .ويقوم على االعتراف بأن
المستقبل عالم قابل للتشكيل ،وليس شيئًا معدًّا سلفًا وأن البشر شركاء فاعلون في تكوين عالم
المستقبل.
هي (امتداد للدراسة التاريخية ،وهي تتناول بالحديث المستقبل من خالل النظر في الحاضر والماضي،
وهي محاولة علمية تتكامل فيها الدراسات لمعرفة جوانب صورة الحاضر وتحليلها والتعرف على مجرى
الحركة التاريخية من خالل دراسة الماضي ومالحظة سنن الكون ،واالنطالق من ذلك كله إلى استشراف
المستقبل وتشوّفه وصولًا إلى طرح رؤية له .وتتضمن هذه الرؤية توقعات يحتمل حدوثها كاستمرار
للحركة التي تحكم الواقع القائم ،وبدائل وخيارات وأحالمًا يجرى التطلع لتحقيقها بممارسة الفعل) (.)26
برأي محمد إبراهيم منصور :على الرغم من غياب اإلجماع على ماهية الدراسات المستقبلية فهي تظل
مجالًا إنسانيًا تتكامل فيه المعارف وتتعدّد ،هدفها تحليل وتقييم التطورات المستقبلية في حياة البشر
بطريقة عقالنية وموضوعية.
الدراساتُ المستقبليةُ :جهدٌ علميٌ مُنـظَّم ،يَسعى إلى تحديدِ احتماالتٍ وخياراتٍ مختلفةٍ مشروطةٍ
لمستقبلِ قضيةٍ ،أو عددٍ من القضايا ،خاللَ مدةٍ مستقبلةٍ محددة ،بأساليبَ متنوعة ،اعتمادًا على دراساتٍ
عن الحاضرِ والماضي ،وتارةً بابتكارِ أفكارٍ جديدةٍ منقطعةِ الصلةِ عنهما ( .)27وللدراسات المستقبلية أربعة
مناهج ،هي :المنهج االستكشافي ،واالستهدافي ،والحدسي ،والتحليل المستقبلي.
.(27) http://www.alukah.net/library/0/18665/#ixzz2wt0RG9q9
71
يمكن التفريق بين المصطلحات طبقًا للمناهج المختلفة في دراسة المستقبل التي تعبر عنها ،فيفرق
بين إطالق النبوءات (يفترض أن المستقبل محتوم ومحدد سلفًا والمطلوب هو الكشف عنه) ،وإجراء
التنبؤات (بناء قاعدة صلبة من المقدمات وتبنى عليها النتائج في صورة قدر محتوم) ،التخطيط
للمستقبل ،المستقبليات (تركز على البعد التكنولوجي ،وبالتالي تبعد عن الشمولية المطلوبة وال تعطي
للعوامل اإلنسانية القدر نفسه من الوزن في استطالع مردودها على ما عداها).
أما االستشراف فهو للداللة على منهج مركب يسعى إلجراء مجموعة من التنبؤات المشروطة ،أو
المشاهد التي تفترض الواقع تارة ،والمأمول فيه تارة أخرى ،وتتمثل خصائص هذا المنهج في :الشمولية،
تجنب التحيز ،الجمع بين األسلوبين الكمي وغير الكمي ،الترابط بين األنساق وعدم االكتفاء بنسق وحيد
شامل ،والقدرة على استخدام أسلوب المحاكاة (.)28
الدراسات المستقبلية هي بحث عما يمكن أن يكمل حياة الناس ويجعلها أفضل.
يقول فلختايم " إنّ المستقبل هو البعد الذي سنكون فيه بالضرورة ،ولكنه أيضا البعد الذي سيكون
فيه أطفالنا وأفكارنا وتنشأ فيه حياة الماليين غيرنا .نعم الفرد يموت لكن لماذا ال يحيا آخرون بطريقة
أفضل وأكثر إنسانية؟ "(.)29
تحتاج دراسة المستقبل في مجال السياسة الخارجية والعالقات الدولية إلى بعض المعارف وعناصر
التحليل المساعدة لعل من بينها رصد المشكالت واتجاهات التغير في األوضاع الداخلية لمختلف األطراف
الدولية المشمولة بالرصد ،ويدخل في ذلك بالضرورة الحجم القائم والمحتمل للموارد الطبيعية وتطورات
اإلنتاج االقتصادي ومدى كفايته ،وطبيعة التركيبة السكانية وخصائصها وتوزعاتها الجغرافية ومعدالت
النمو السكاني ،وخرائط القوى السياسية واالجتماعية الوطنية وتفاعالتها داخل وخارج الحدود ،ونظم
تداول السلطة وإدارة العدالة ،وأوضاع حقوق اإلنسان ،وكيفية صناعة القرارات الخاصة باألمن القومي
والتعبئة العامة والتسلح والسياسة الخارجية ،فضلًا عن طبيعة الموقع الجغرافي وأهميته المتزايدة أو
المتناقصة بالنسبة لألطراف الدولية األخرى ،وطبيعة التحالفات السياسية والعسكرية واالرتباطات
القانونية القائمة والمحتملة بين األطراف اإلقليمية والدولية .إلى جانب ما قد يكون هناك من آثار
لعالقات تاريخية قديمة بين الدول كمشكالت الحدود أو دعاوى االستقالل أو الوحدة وغير ذلك (.)30
72
أهمية الدراسات املستقبلية:
( )31ميشال جودي وقيس الهمامي ،االستشراف المستقبلي :المشاكل والمناهج ،كراس ليبسور ،الكراس الرقم 20باريس:
كراس ليبسور ،2007 ،ص .17
73
.6تهديدات نقص الطاقة والمياه والغذاء.
ويمكن أن نضيف لها قضايا مثل:
▪ نقص الموارد الطبيعية.
▪ سيطرة الشركات على القرار السياسي والمال واإلعالم.
▪ الصراع اإلستراتيجي حول المصالح.
▪ قضايا التطرف.
▪ مستقبل الحياة االجتماعية في ظل التطور التكنولوجي وانفتاح الفضاء.
.1إن المدى الزمني للتخطيط اإلستراتيجي طويل وهو ما دعا بعض الخبراء ألن يطلقوا على اإلستراتيجية
خطة الدولة وليس الحكومة كترتيب ضمن ترتيبات كثيرة لضمان تنفيذ هذه الخطة رغم تعاقب
الحكومات ،وألن اإلستراتيجية تتعلق بمصالح يحتاج تطبيقها لفترة أطول من عمر الحكومات وكذا
علم المستقبل يتعامل مع مدى زمني طويل.
.2التخطيط اإلستراتيجي يفتح مجاالت أرحب من خيارات المستقبل بحكم المدى الزمني الطويل ،إال أن
اختيار التوجه اإلستراتيجي وهو من أهم عمليات التخطيط اإلستراتيجي ويعد من أكثر العمليات
تعقيدًا ويحتاج الستدعاء كافٍ من المعرفة في العلوم المختلفة ،بحيث أنه يشمل كل المجاالت
السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والعلمية والتقنية والعسكرية واإلعالمية ،ويربط
بينها عبر جلسات العصف الذهني وإعمال منهج التفكير اإلستراتيجي بما يمكن أن يقود لخيارات
إستراتيجية تحقق الجدوى اإلستراتيجية وليس الجدوى االقتصادية فحسب ،ومن ذلك أمن المستقبل
والمحافظة على البيئة وغير ذلك من ترتيبات لتشكيل مستقبل يعبر عن حلم وطني وعن تطلعات
مستقبلية حقيقية.
.3البعض يرى عدم وجود مساحة في الدراسات المستقبلية واإلستراتيجية لألخالقيات وهذا صحيح
حيث نجم عن هذا العديد من األزمات والتهديدات الراهنة والمستقبلية ،إال أن المفهوم الحديث
لإلستراتيجية يهتم بمنظومة القيم والمرتكزات اإلستراتيجية الداعمة للتخطيط اإلستراتيجي ،فمنها
ما يتصل بمفاهيم التخطيط اإلستراتيجي الثقافي والتخطيط اإلستراتيجي للتعليم ومفاهيم قوى
الدولة الشاملة التي يتم تحقيقها عبر اإلستراتيجية القومية والتي أصبحت ترتكز على مجموعة من
القيم التي تؤسس ألمن اإلنسان والعالم والمستقبل.
74
.4الدراسة المستقبلية حساسة معرفيًا ،وكذلك التخطيط اإلستراتيجي ،وال يمكن تحويل اإلستراتيجيات
إلى واقع دون إسناد معرفي رفيع.
.5اإلستراتيجية هي فن قيادة المعارك وبمعنى متطور هي فن وعلم إدارة الصراع اإلستراتيجي الشامل،
فهي تعتمد أساسًا على استقراء الواقع واستشراف المستقبل.
يرى البعض أن الدراسات المستقبلية ال تهدف للتنبؤ عكس التخطيط في مفهومه .6
التقليدي الذي يهتم بذلك ،بينما يقوم التخطيط اإلستراتيجي على تشكيل واقع جديد يؤسس
لتشكيل المستقبل المنشود وال ينتهي بالتنبؤ ،وهذا ال ينفي أن منهج التنبؤ غير موجود فهو موجود
في علم المستقبل وعلم اإلستراتيجية حيث يهتم علم المستقبل بقراءة المستقبل والتنبؤ باألزمات
قبل وقوعها ومن ثم احتواؤها أو بالتنبؤ بأوضاع مستقبلية سلبية أو إيجابية وال ينتهي فقط
باالستسالم لذلك ،كذلك نجد علم اإلستراتيجية يتعامل مع نتيجة التنبؤ وما يتصل بها من أوضاع
وال يستسلم لها فحسب ،فإذا ذكرنا كمثال أن الدراسات والبحوث تنبأت بأن األمطار ستنحسر عن
منطقة معينة ،فإن هذه النتيجة في علم التخطيط تقود لصرف النظر عن الزراعة المطرية في تلك
المنطقة للمعرفة المسبقة بعدم توافر المياه ،بينما يتعمق علم اإلستراتيجية في التعرف على
أسباب انحسار المطر ومن ثم التعامل مع هذه الظروف ،مثل الربط بين القطع الجائر الغابات وتراجع
المطر فيتم التعامل مع ذلك بإستراتيجيات تهتم بزراعة الغابات والمحافظة عليها ومن ثم التأسيس
ألوضاع تجعل من المطر مستمرًا في تلك المنطقة ،وهذا المنهج يختلف عن منهج التخطيط
التقليدي قصير األجل.
بشكل عام يمكن القول أن هناك ارتباط بين العلمين وسيزداد هذا االرتباط أكثر في إطار عمليات
تطوير المفاهيم لكال العلمين وسيحاول الباحث توضيحه فيما يلي:
.1الرؤية اإلستراتيجية تعني أنها رؤية عميقة تتعلق بالمستقبل وتأتي في إطار خطة شاملة
تؤسس لتحقيقها ويجوز أن توصف بأنها رؤية مستقبلية ،أما الرؤية المستقبلية قد تكون إنتاج
معرفي منظم يتعلق بترتيب مستقبلي في موضوع معين ،مثل اإلنتاج المعرفي المتعلق
بالتعامل مع تعقيدات األوضاع الديمغرافية في منطقة (ما) وتالفي اآلثار السلبية ،إال أن تحويل
هذه الحقائق العلمية إلى واقع يحتاج إلستراتيجية تتضمن عددًا من األهداف والسياسات،
فالرؤية المستقبلية ليس بالضرورة أن تكون خطة مستقبلية.
.2العلمان يتعلقان بتشكيل المستقبل المنشود واحتواء األزمات والكوارث قبل وقوعها.
.3علم المستقبل يهتم بالتنبؤ ودراسة المستقبل بغرض التأسيس لمستقبل أفضل أو للتنبؤ
بالمهددات قبل وقوعها أو تخفيفها ،لكنه ينتهي في هذا الحد أي حد اإلنتاج المعرفي ،وبالتالي
75
فإن علم المستقبل بهذا الفهم والتأطير يحشد كل العلوم اإلنسانية تجاه قضايا المستقبل وهو
ما ال يتيسر لعلماء اإلستراتيجية ،فعلماء الفلك والفضاء هم األقدر على دراسة مستقبل العالم
من هذا االتجاه ،ونجد أن علماء الفيزياء والهندسة هم األقدر على دراسة أسرار االنفجار العظيم
للتنبؤ بمصير الحياة على األرض ،وهكذا علماء االجتماع ومستقبل السيطرة على قضايا مثل
تعقيدات النفس البشرية ومشكالت المجتمع ،وعلماء الكيمياء والصيدلة في مجال الدواء الكيماوي
أ و األغذية المحورة وراثيًا وتهديده للبشرية ،كما أن الغوص في الدين يسهم في التعرف على
الغيبيات ومستقبل الحياة على األرض كما يسهم في تحديد منهج التعامل مع قضايا المستقبل،
كما أن علماء التاريخ قادرين من خالل الغوص في التجارب السابقة استخالص العبر والدروس
للتعامل مع المستقبل.
.4ينتهي علم المستقبل في إنتاج معرفي يتعلق بالمستقبل إال أن تحويله إلى واقع يصبح هو
المجال لعلم التخطيط اإلستراتيجي وعلم اإلدارة اإلستراتيجية بقواعدهما ومرتكزاتهما ،وبهذا
الفهم تعدّ الدراسات المستقبلية مدخلًا مهمًا وال غنى عنه في تطوير التخطيط اإلستراتيجي
القائم على الصور المستقبلية ،حيث يمكن أن تؤمن الدراسات المستقبلية سيناريوهات مبتكرة
تزيد من كفاءة وفاعلية التخطيط اإلستراتيجي ،بما في ذلك التنبؤ باألزمات حيث يتم احتواؤها
مسبقًا عبر التخطيط اإلستراتيجي.
.5يهتم التخطيط اإلستراتيجي القومي بإنتاج المعرفة اإلستراتيجية من خالل عملية التحليل
اإلستراتيجي وذلك من خالل الربط بنتائج المعرفة في مجاالت قوى الدولة الشاملة (السياسية،
االقتصادية ،االجتماعية والثقافية ،العلمية ،التقنية ،العسكرية األمنية بجانب المعلومات
واإلعالم) بينما لم يرصد الباحث منهج محدد وواضح يربط بنتائج دراسات المستقبل في المجاالت
المختلفة إلنتاج معرفة شاملة ،لكن تظل الحقيقة المهمة هو أن نتائج علوم المستقبل تؤسس
وتعزز من فاعلية وكفاءة التحليل اإلستراتيجي الذي يعد أهم خطوات التخطيط اإلستراتيجي.
.6عليه فإن استشراف المستقبل يتم تحقيقه عمليًا من خالل عملية التخطيط اإلستراتيجي الذي
يتم إعداده بناء على اإلنتاج المعرفي الذي يعبر عن علم المستقبل والذي تشترك فيه كل
العلوم.
.7وبالتالي فإن التطور في علم المستقبل يدعم عمليات التخطيط اإلستراتيجي وهو ما يدعو للربط
بينهما وليس العكس.
76
الفصل الثالث
77
اإلدارة اإلسرتاتيجية للدولة
اإلدارة اإلستراتيجية للدولة من وجهة نظر المؤلف ،يقصد بها اإلطار المتكامل الذي يتم من خالله تحديد
وتحقيق وتأمين المصالح والغايات الوطنية اإلستراتيجية ،وهي بهذا المفهوم تتضمن العمليات التالية:
.1التخطيط اإلستراتيجي ويشمل كلًا من:
أ .التحليل اإلستراتيجي للبيئة المحلية والعالمية
ب .اختيار التوجه اإلستراتيجي وتحديد المصالح والغايات الوطنية ،ويقوم على خلفية األوضاع
السياسية واالجتماعية واالقتصادية والعلمية والتقنية واإلعالمية والعسكرية األمنية،
وترتكز على نقاط القوة ومعالجة نقاط الضعف ،من أجل االستفادة من الفرص والتعامل
مع التهديدات الخارجية.
ج .صياغة اإلستراتيجية وتشمل:
الرؤيا القومية والقطاعية والفرعية. )1
تحديد الرسالة على المستوى القومي والقطاعي والفرعي. )2
تحديد الغايات الوطنية. )3
تحديد األهداف اإلستراتيجية. )4
تحديد السياسات اإلستراتيجية. )5
.2تنفيذ اإلستراتيجية وأهم ما تشمله:
أ .إعداد وتأهيل القيادات اإلستراتيجية في الحكم والمعارضة والمجتمع.
ب .توفير مظلة وطنية من الوعي اإلستراتيجي والسلوك الوطني.
ج .تحقيق التكامل والتناسق للنشاط الوطني وأهم ما يشمله:
)1إعادة صياغة التشريعات وتشمل إلغاء أو تعديل بعض التشريعات وإصدار تشريعات أخرى جديدة
بما يجعل البنية التشريعية تتناسب والغايات الوطنية وتوفر األوضاع المطلوبة لتحقيقها.
)2إعادة صياغة السياسات وتشمل إلغاء أو تعديل بعض السياسات وإصدار سياسات أخرى جديدة
بما يجعل حزمة السياسات تتناسب والغايات الوطنية وتوفر األوضاع المطلوبة لتحقيقها.
)3إعادة الهيكلة اإلدارية للدولة ،بغرض توفير جهاز إداري يستطيع تنفيذ اإلستراتيجية بكفاءة،
وقد يشمل ذلك استحداث وزارات ومؤسسات وإدارات جديدة.
78
)4ترتيب الشراكات الوطنية الداخلية وتقاسم األدوار بين الحكومة من جهة ومنظمات المجتمع
ومنظمات األعمال من جهة أخرى ،فيما يتصل بتنفيذ اإلستراتيجية.
د .تطوير واستخدام المنهج الوطني لإلدارة ويتضمن اســتخدام الوســائل والســبل اإلدارية
الحـديثــة مثل إعادة الهــندســة ( )Re Engineeringونظام فرق العمل ( )Team Workأو
الهيكل اإلداري الشبكي ..إلخ.
ه .استخدام التقنية الحديثة وأنظمة المعلومات ،وهو ما يعرف بالحكومة اإللكترونية واإلدارة
اإللكترونية ،باعتبارها إحدى أهم وسائل السيطرة وتحقيق الجودة بل وتقليل الفساد اإلداري والمالي،
لذا أصبح توفير البنية التقنية الحديثة والموظف اإللكتروني ،أحد مقومات النجاح اإلستراتيجي.
.3إنجاز التغيير اإلستراتيجي المطلوب لتهيئة األوضاع المناسبة لتحقيق المصالح اإلستراتيجية.
.4المتابعة والتقييم والتقويم.
79
التحليل اإلسرتاتيجي:
80
.2تحليل تصنيف ،وهذا يساعد في اختيار اإلستراتيجيات.
.3تحليل تحديد الوضع الراهن ،وهذا يحدد نقطة االنطالق ( )BASE LINEفيما يتم تحديد
الوضع المستقبلي من خالل الرؤيا والغايات واألهداف ،فيصبح الوضع محددًا أين نحن اآلن وإلى
أين نذهب.
.4تحليل توقع.
فإذا قمنا بتشخيص أسباب تعاطي الشباب للمخدرات قد نكتشف أن ذلك يرجع للفراغ والعطالة وألسباب
سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو تربوية .إلخ ،أما الوضع الراهن فيمكن التعبير عنه في مؤشر (مثال
أن هناك واحدًا بين كل ألف شاب يتعاطى المخدرات) ،أما نقاط التصنيف فسيكون في شكل نقاط ضعف
وقوة وفرص ومهددات ،كما سيرد شرحه الحقًا.
ال بد هنا من اإلشارة إلى بعض المالحظات المهمة المتصلة بالتحليل اإلستراتيجي ،وهي:
)1إن وضع اإلستراتيجية ال يمكن أن يتم من خالل نوع واحد من أنواع التحليل اإلستراتيجي ،حيث
يالحظ كثرة اللجوء لتحليل ( )SWOTعلى سبيل المثال حيث يرى المؤلف أن هذا النوع ال يصلح
وحده عند القيام بالتخطيط اإلستراتيجي للدولة ،فال يكفي معرفة نقاط القوة والضعف والفرص
والمهددات ،إلعداد اإلستراتيجية ،بل يجب التعرف على األوضاع في البيئة ،مثل األوضاع السياسية
والثقافية ..إلخ ،فالتعرف على أوضاع األنماط االستهالكية واألوضاع السلوكية في دولة (ما)،
اللذان قد ال يشكالن نقطة قوة وال نقطة ضعف بشكل واضح وإنما يعبران عن أوضاع معينة،
فإن المخطط يمكنه االستفادة من تلك المعلومات في بلورة أهداف أو وسائل معينة تتناسب أو
تتعامل مع تلك األوضاع ،ونحن في ذلك أقرب للطبيب الذي يحتاج لصور مقطعية وتحليل للدم
والضغط إلخ ..حتى يستطيع تحديد حالة المريض.
)2في كثير من األحيان يتساءل البعض عن بداية عملية التخطيط اإلستراتيجي ،هل من أعلى
ألسفل أم من أسفل ألعلى ،إن اإلجابة على هذا السؤال غاية في األهمية لعديد من االعتبارات
منها:
أ .أن التخطيط من أعلى يوفر بشكل أفضل قراءة للبيئة الخارجية للدولة ،إال أنه يمكن
أن يعد تسلطيًا وقد ال يحسن قراءة توجهات القواعد الشعبية وبالتالي قد يفرز
إستراتيجية ال تعبر عن (حلم وطني) حقيقي ،ولعل أهم عنصر لنجاح اإلستراتيجية
هو أن تعبر عن وجدان المواطنين بما ينعكس في مشاركتهم في تنفيذها فيما بعد.
ب .أن التخطيط من أسفل ال يستطيع قراءة البيئة الخارجية كما أن الربط بين أطراف
الدولة وبعضها البعض من محافظات وواليات ال يمكن إال أن يتم من أعلى ،إال أن هذا
81
المستوى قادر بشكل أفضل من المركز في التعبير عن القواعد الشعبية.
عليه فإن عملية التحليل اإلستراتيجي يجب أن تتم بشكل دائري كما هو موضح في الشكل التالي ،بحيث
تتم عملية التحليل في شكل خطوات كما يلي:
)1إنفاذ تحليل إستراتيجي بشكل أولي على المستوى القومي المركزي (الجيوبوليتيك ،التحليل
الجيوستراتيجي )..يقوم على العلوم والمعرفة في مراكز البحث العلمي.
)2إنفاذ عمليات المسوحات ميدانية في كافة المجاالت (السياسية ،االقتصادية ،االجتماعية .إلخ)،
وفي هذه المرحلة يتم الغوص في داخل النفس البشرية عبر تحليل الشخصية ودراسات الميول
واالتجاهات والرغبات ،وهذه الخطوة تعبر عن مشاركة حقيقية للمواطن.
)3تنزيل نتائج التحليل في الخطوات أعاله للواليات والمحافظات.
)4إعداد تحليل إستراتيجي على مستوى المحافظات ،وهو تحليل يدرك المعرفة المنتجة في
الخطوات أعاله.
)5وضع التحليل اإلستراتيجي النهائي مركزيًا بما يضمن توفر المعرفة والعلوم المنتجة وتوجهات
القواعد الشعبية التي توفرت عبر الدراسات الميدانية والتحليل على مستوى الواليات.
)6إن إتمام التحليل اإلستراتيجي بالمستوى المطلوب يستدعي أن يتم عبر خبراء في التحليل
اإلستراتيجي ومشاركة أصحاب التخصصات العلمية المختلفة بعد تدريبهم على اإلستراتيجية،
بشرط توفر مهارات التفكير اإلستراتيجي واإلبداعي لديهم ..إن إنجاز التحليل اإلستراتيجي عبر
خبراء يفتقدون لمهارة التفكير اإلستراتيجي يضعفه ويقود لنتائج محدودة ،ولعل هذا يفسر
ضعف العديد من اإلستراتيجيات التي يضعها مجموعات قد تكون متميزة في مهنها المختلفة
كالطب والهندسة ،وذلك الفتقارهم للبعد اإلستراتيجي وتركيزهم في جوانب فنية ليست مجال
التحليل اإلستراتيجي ،هذا الحديث يقود ألهمية تدريب طاقم التخطيط اإلستراتيجي من المهن
المختلفة مع وجود خبراء التخطيط اإلستراتيجي ،واالستعانة بجلسات العصف الذهني والحلقات
العلمية الستنباط األبعاد اإلستراتيجية.
)7إن توفر مهارة التفكير اإلبداعي للمحللين تساعد في إدراك فرص أو نقاط قوة ..إلخ ،قد ال يدركها
صاحب التفكير التقليدي.
82
شكل رقم 1/3أنواع التحليل اإلستراتيجي
توقع
الوضع جذور
املوضوع
الراهن املوضوع
تصنيف
القواعد
الشعبية
املحافظات املركز
الواليات
83
شكل رقم 3 / 3 :نطاق التحليل اإلستراتيجي:
النفس البرشية
الدائرة الوطنية
الدائرة الخارجية
دائرة املستقبل
84
أنواع التحليل اإلستراتيجي:
هناك عدة أنواع من التحليل اإلستراتيجي أهمها:
▪ تحليل ()SIMPEST
▪ تحليل ()PEST
▪ تحليل ()SWOT
▪ التحليل الجيوستراتيجي.
▪ التحليل الجيوبوليتيكي.
يجب اإلشارة إلى ضرورة إنجاز عملية تحليل األوضاع القومية على خلفية مفهوم القوى اإلستراتيجية
الشاملة للدولة.
هذا يعني أن عملية بناء الفكر اإلستراتيجي يجب أن تسبق عملية التخطيط اإلستراتيجي ،فكلما كان
الفكر اإلستراتيجي راسخًا فإن هذا يعني القدرة على التعامل مع التعقيدات والتحديات المحلية واإلقليمية
والعالمية ،وبالتالي فإن الفكر اإلستراتيجي يعني توصل الدولة لمفهوم لكل من القوة اإلستراتيجية
الشاملة ،وهكذا عندما يتم إنجاز التحليل اإلستراتيجي فهو يتم على خلفية مفهوم القوة المعينة،
وبالتالي عند انتهاء التحليل ستتضح الفجوة بين الوضع الراهن والوضع المستقبلي في المجال المعين
سياسي ،اقتصادي ،اجتماعي ..إلخ ،وبالتالي ستصبح هذه الفجوة هي محور تحديد األهداف اإلستراتيجية
التي ينبغي أن توجه للتحول من الضعف الحالي إلى القوة المستقبلية .إن عدم وضوح أو عدم وجود
مفهوم للقوة يضعف من عملية التحليل اإلستراتيجي ويهزم عملية التخطيط اإلستراتيجي برمتها ،لعدم
وجود معيار للقياس ،كما أن ضعف الفكر اإلستراتيجي يعني التوصل لمفهوم قاصر للقوة المعينة،
وبالتالي سيتم السعي من خالل التخطيط اإلستراتيجي نحو قوة ضعيفة أو هشة وبالتالي ستكون
اإلستراتيجية عرضة لالنهيار أو عدم القدرة على االستمرار والصمود.
(يرجى مراجعة مفاهيم القوى اإلستراتيجية الشاملة في الفصل الثامن من هذا الكتاب).
من النماذج العملية ألثر ضعف الفكر اإلستراتيجي المساند لعمليات تحقيق التنمية ،هو موضوع
التنمية المستدامة الذي تم تداوله في العالم في السنوات الماضية.
إن مصطلح (التنمية) بهذا اللفظ اللغوي ،ال يحتاج إلضافات حتى يستوفي المعنى المطلوب فالتنمية
ضد الخراب وضد الفساد ،لكن ما حدث هو أن الغرب اعتمد مؤشرات اقتصادية للتنمية ثم بعد ممارسة
85
لسنوات رأى ضرورة إضافة المؤشرات االجتماعية ثم ألحق بها بعد ذلك المؤشرات السياسية ثم أخيرًا
البيئية ،وهذا دليل على ضعف الفكر اإلستراتيجي المساند.
إن تطبيق الغرب لسياساته وإستراتيجياته تلك وما نجم عنها من خلل ،اضطره لتطوير مفهوم التنمية
تحت مسمى التنمية المستدامة ليعالج ويمنع حدوث ما سبق ووقع فيه من أخطاء ،والحقيقة هو أن
الفكر اإلستراتيجي المساند لعملية تحقيق التنمية هو الذي كان مفقودًا أو ضعيفًا في التخطيط الغربي،
وليست القضية تنمية أو تنمية مستدامة ،فالقضية قضية فكر إستراتيجي يحكم عمليات تحقيق التنمية،
يدرك كافة األبعاد المتصلة بها سواء ما يتعلق بالبشر وسلوكهم أو البيئة أو مصالح األجيال القادمة .إلخ.
إن عدم وجود عالقة بين منهج التخطيط الذي في الواقع يشكل الخطوة لتصرفات البشر على األرض
من جهة مع كل اإلرث اإلنساني من حقوق وغايات وتطلعات منصوص عليها في المواثيق والسياسات
والتشريعات الدولية ،من جهة أخرى ،يجعل من موضوع التنمية المستدامة حبرًا على ورق.
وبالتالي فإن أهم ضمان لتحقيق تنمية حقيقية شاملة ،بل إن الضمان ألمن العالم وسالمه هو ارتكاز
النظام العالمي على نظام قيمي أخالقي ،ولعل التدبر في طبيعة التحديات واألوضاع المتعلقة بتحقيق
التنمية المستدامة ،يشير إلى الحاجة لمفاهيم محكومة بمنظومة من القيم والمرتكزات اإلستراتيجية
تحول أهداف التنمية المستدامة إلى واقع وتؤسس لألمن اإلنساني واألمن القومي واألمن العالمي ومصالح
األجيال القادمة وهذا ما سعى هذا الكتاب للتأسيس له.
إن تعقيدات بيئة التخطيط اإلستراتيجي للدولة تقتضي إعمال الفكر اإلستراتيجي كما أشرنا وبالتالي
فإن التحليل اإلستراتيجي هو عملية يجب أن تفضي للوصول للمعرفة اإلستراتيجية ،فالتخطيط
اإلستراتيجي الصحيح يجب أال يستند على البيانات أو المعلومات وإنما على معرفة إستراتيجية وهي مرحلة
يتم الوصول إليها عند تحقيق االرتباط داخل الوزارة ثم داخل القطاع ثم مع القطاعات األخرى كما هو
موضح فيما يلي:
الربط بين البيانات الخام في مستوى اإلدارات إلنتاج المعلومة مع استدعاء نتائج البحوث المرتبطة
بالمجال.
يتم الربط بين المعلومات وبعضها البعض داخل الوزارة إلنتاج المعلومة األساسية (وهي معلومة في
هذه الحالة تتعلق بالوزارة ،أي المعلومة تصبح معلومة زراعية أو صناعية) في القطاع االقتصادي
مع استدعاء نتائج البحوث المرتبطة بالمجال.
يتم الربط بين العلوم والمعلومات األساسية داخل القطاع إلنتاج المعرفة ،وتسمى حينئذ معرفة
86
اقتصادية في حالة القطاع االقتصادي ومعرفة سياسية في حال إنتاجها في القطاع السياسي وهكذا
اجتماعية في القطاع االجتماعي (كالربط بين المعلومات األساسية في كل من الزراعة والصناعة
والتعدين والتجارة الخارجية إلنتاج المعرفة في إطار القطاع االقتصادي) مع استدعاء الفكر
اإلستراتيجي.
يتم الربط بين المعرفة في قطاعات الدولة (أي الربط بين السياسة واالقتصاد واألمن والدفاع ...إلخ)
عبر ورشة التحليل اإلستراتيجي إلنتاج المعرفة اإلستراتيجية مع استدعاء الفكر اإلستراتيجي ،وفي
هذه المرحلة فقط تصبح الدولة قادرة على إتمام التخطيط اإلستراتيجي.
معلومات
عن
التقاوي
معلومات
عن الري
87
شكل رقم 5 / 3 :إنتاج المعرفة
الفكر اإلستراتيجي االقتصادي
معلومة
عن
الزراعة
معلومة معلومة
معرفة
عن عن البنية
اقتصادية
الصناعة التحتية
معلومة
عن
الطاقة
معرفة
اقتصادية
معرفة
سياسية
88
شكل 7/ 3مراحل إنتاج المعرفة
التعليم
العام
التعليم العمل
العال الطوعي
الربط داخل
القطاع األوضاع
اإلرشاد الثقافية
الرعاية
الصحة
االجتامعية
االجتامعية
األمن العلم
والدفاع والتقانة
التفاعل
القومي
اإلعالم
السياسية
واملعلومات
االقتصادية
89
مصطلحات التحليل اإلسرتاتيجي:
إن عدم توضيح مضمون المصطلحات المستخدمة في التحليل اإلستراتيجي انعكس في تباين مستوى
وعمق الخطط الموضوعة بل واختالف الخطط داخل الدولة الواحدة من وزارة إلى أخرى أو من والية إلى
أخرى ،لذا نرى من المهم توضيح هذه المعاني.
أولًا :تحليلSWOT
وهو يعني تحليل أوضاع القوة والضعف والفرص والمهددات ويتم بعد إنجاز األنواع األخرى من التحليل.
STRENGTH S
WEAKNESSES W
OPPORTUNITIES O
THREATS T
أ .نقاط القوة (Strength )S
الخطوة األولى في هذا النوع من التحليل هي تحديد نقاط القوة .ونقاط القوة هي األوضاع والمزايا
والقدرات والموارد المادية والمعنوية ،المتاحة للدولة وتلك الممكن توفيرها ،من خالل الترتيبات
اإلستراتيجية التي تستند عليها الدولة لتحقيق مصالحها اإلستراتيجية ،وتشمل الموقع الجغرافي والموارد
البشرية المؤهلة ومستوى التنمية األخالقية ،والموارد الطبيعية كاألرض الزراعية الخصبة واألنهار والمياه
الجوفية واألمطار والغابات وثروات البحار والمعادن والنفط وأحجار الزينة ،والمناخ.
ومما هو مالحظ أن معظم علماء اإلدارة اإلستراتيجية يربطون عناصر القوة بالبيئة الداخلية ،حيث
يصنفون التحليل إلى نوعين :التحليل الداخلي لمعرفة نقاط الضعف والقوة ،والخارجي لمعرفة الفرص
والمهددات ،لكننا إذا رجعنا ألهم سمات التخطيط اإلستراتيجي ومن ضمنها سمات المبادرة والسعي لتشكيل
المستقبل وتهيئة األوضاع المطلوبة لتحقيق األهداف والمصالح اإلستراتيجية ،فإننا سنكتشف أن ربط
نقاط القوة بالبيئة الداخلية يقيد عملية التخطيط اإلستراتيجي ،وإذا كان األمر كذلك ،سنجد أن دولة مثل
اليابان انطلق تخطيطها على خلفية موقع جغرافي غير مميز بعيد عن معظم أسواق العالم وال تملك
أي موارد طبيعية.
لكن ما حدث هو أن التخطيط اإلستراتيجي الياباني صنع نقاط قوته من خالل بلورة األوضاع السياسية
واالقتصادية والعلمية التي قادت المتالك اليابان للميزة النسبية العالمية وهو ما جعل الغرب غير قادر
على منافستها رغم أن اليابان تستورد المواد الخام المطلوبة لإلنتاج من تلك الدول الغربية بل وتدفع
90
عليها رسومًا وتكاليفًا إضافية تتمثل في النقل والشحن والتفريغ والشحن مرة أخرى إلى األسواق العالمية.
إذن عند انطالق التخطيط اإلستراتيجي الياباني لم تكن هناك نقاط قوة تقليدية من حيث الموارد
والموقع وما إلى ذلك ،وبالتالي فإذا اعتمد المخطط الياباني على المبدأ السائد في معظم كتب اإلدارة
اإلستراتيجية الذي يشير إلى االستفادة من الفرص المتاحة باالستناد على نقاط القوة الداخلية وعالج
نقاط الضعف ومواجهة المهددات الخارجية ،فإنه سيكبل لعدم وجود ما يستند عليه سوى موارد البحر.
كما أن التخطيط اإلستراتيجي للعالقات الدولية وهو أحد أهم فروع التخطيط اإلستراتيجي ،ساهم في
صناعة نقاط قوة لعدد من الدول الكبرى خارج حدودها ،مثال لذلك إذا قمنا بعمل تحليل لمعرفة نقاط
القوة التي يستند عليها المخطط في كل من الصين والواليات المتحدة ،في مجال الطاقة ،سنكتشف أن
الصين عبر التحالف اإلستراتيجي مع السودان قامت بتأمين جانب كبير من النفط لشعبها ،وأن الواليات
المتحدة من خالل اإلستراتيجية السياسية وإستراتيجية العالقات الدولية والشراكات االقتصادية ،قامت
بتأمين النفط لصالحها في العديد من مناطق العالم.
هذا السرد يقود إلى أن التخطيط اإلستراتيجي يعتمد على نقاط القوة المتوفرة ،إال انه ال يتوقف عند
ذلك وإنما يسعى إلى صناعة وتعزيز تلك القوة من المصادر الخارجية كما حدث في حالة اليابان والعديد
من الدول األخرى ،وهذا يشير إلى أهمية علم التخطيط اإلستراتيجي نفسه الذي يمكن تصنيفه كأهم
نقاط القوة ،وذلك لتوفيره ألوضاع تستطيع صناعة وتعزيز عناصر القوة ،في الوقت الذي أدى غياب هذا
العلم إلى تجميد موارد طبيعية ضخمة كموارد بعض دول إفريقيا ،إذن فنقاط القوة يمكن أن تكون
داخلية مثل الموارد الطبيعية ،ويمكن أن تستند على البيئة الخارجية في ظل أوضاع داخلية ذات ترتيب
إستراتيجي معين .كذلك يقود التخطيط اإلستراتيجي لإلنتاج العلمي والتقني لتنويع وزيادة الموارد
وتطويرها والمحافظة عليها وحسن استغاللها.
إن هذه العملية يجب أن تشمل تحديد نقاط القوة وما حولها من ظروف ،فنقطة قوة مثل أرض
زراعية خصبة بمساحة مائة ألف فدان مع أوضاع أخرى حولها مثل عدم نزول المطر في هذه المنطقة
وتوفر مخزون كبير من المياه الجوفية لكنه غير متجدد مع وجود مخزون من معدن الحديد في نفس
المنطقة ،يساعد في إتمام عملية التخطيط اإلستراتيجي بشكل جيد فقد يتم االستغناء عن الزراعة
هناك واستبدالها بالتعدين واستخدام المياه لهذا النشاط أو غير ذلك من الخيارات ،كما ال يكفي أن نقول
بأن لدينا قطيعًا كبيرًا من المواشي هكذا دون تفصيل ،فقد تكون هذه المواشي ذات إنتاج ضعيف جدًا
من األلبان في الوقت الذي تستهلك فيه كميات كبيرة من العلف والمياه ،هذا التوصيف يجعل المخطط
يفكر في كيفية تحسين خصائص المواشي ،بدون هذه الخلفيات تصعب إتمام عملية تخطيط سليم
وعميق.
91
ب .الفرص (Opportunities )O
بعد التعرف على نقاط القوة تأتي الخطوة الثانية من خطوات التحليل وهي تحديد الفرص ،إن
الذهاب إلى تحديد نقاط الضعف والمهددات خطوة غير سليمة الن تحديدها يتوقف على معرفة طبيعة
الفرص ومن ثم معرفة العقبات التي تعترض تحقيقها وهذا ال يتأتى إال بعد تحديد الفرص.
هذه الخطوة تتضمن تحديد الفرص وما حولها من ظروف ،والفرصة تتشكل من وجود ظروف وأوضاع
وأنماط ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية ...إلخ ،معينة ،يمكن االستفادة منها لتحقيق
مصلحة ،ويتم ذلك من خالل عدد من األهداف اإلستراتيجية باالستناد على نقاط القوة من موارد ومزايا
وقدرات وعالج الضعف التعامل مع المهددات.
ويتم ذلك من خالل عدد من األهداف اإلستراتيجية باالستناد على نقاط القوة ،كالفرص التي تجسدها
فجوة الطاقة ،والفرصة التي تجسدها مشكلة شح الموارد في العالم بالنسبة إلستراتيجية اإلنتاج العلمي
أو التقني ،حيث يتم توفير إنتاج علمي أو تقني يحل هذه القضية بمقابل .والفرصة بهذا المفهوم تختلف
عن مفهوم تعزيز القوة ،الذي يجسد أحد نماذجه ،سعي بعض الدول للسيطرة على الموارد اإلستراتيجية
في دول أخرى.
الباحث في علم اإلستراتيجية يالحظ كثرة استخدام كلمة (المتاحة) كمرادف للفرص ،ولنعود إلى
الجملة التي سبقت اإلشارة إليها عند حديثنا عن نقاط القوة( ،االستفادة من الفرص المتاحة باالستناد
على نقاط القوة الداخلية وعالج نقاط الضعف ومواجهة المهددات الخارجية).
إن جملة (الفرص المتاحة) تحمل في طي حروفها صفة مجاراة الواقع ،وهي ال تتفق مع سمات
التخطيط اإلستراتيجي ومنها المبادرة وعدم االستسالم للواقع ،لذلك يمكن توضيح المقصود بالفرص كما
يلي:
.1الفرص الجاهزة الموجودة فعلًا ويمكن استغاللها ،كالفجوة الغذائية العربية بالنسبة للسودان وكندا
وأستراليا وغيرها من الدول ذات اإلمكانات الزراعية .وهذا يمثل المفهوم الذي تميل إليه غالبية كتب
اإلدارة اإلستراتيجية.
.2الفرص الممكن صناعتها عبر التخطيط اإلستراتيجي ،مثل الفرص التي خلقها المخطط األمريكي عبر
تغيير األنماط االستهالكية لعدد من شعوب العالم إلى القمح.
وإذا رجعنا إلى الخلفيات التي وقفت خلف إعالن شركاء في نظام عالمي مستديم الذي صدر في العام
1997على خلفية دراسة قام بها خبراء من مجموعة دول الثمانية لمعرفة أسباب ركود االقتصاد العالمي،
سنجد أن اإلعالن استند على نتيجة أساسية خلصت إليها تلك الدراسات وهي أن القوة الشرائية للدول
92
النامية انخفضت نتيجة للسياسات الغربية االقتصادية ،وبذا انخفضت الواردات من تلك الدول ومن ثم
تأثر المنتج الغربي لعدم وجود مشترين ،لذا تجسد الحل في رفع القوة الشرائية للدول من خالل بنود هذا
اإلعالن ومن ثم تدور ماكينة اقتصاد دول الثمانية.
نفهم من هذا أن إعالن شركاء في نظام عالمي مستديم هو وسيلة من وسائل تنفيذ مخطط
إستراتيجي لدول الثمانية لصناعة فرص لصالحها في بقاع العالم.
من األمثلة أيضًا على صناعة الفرص ،مشروع الشرق األوسط الكبير وسنتعرض إليه في الباب التالي
من هذا الكتاب ،لنكتشف كيف أن التخطيط اإلستراتيجي يصنع الفرص وال ينتظر المتاح منها فقط.
وإذا تناولنا مشروب الكركدي أو العرديب أو مشروب التبلدي السوداني ( )32من حيث الطعم والنكهة
والمزايا سنجد أن هذه المشروبات قابلة ألن تكون مشروبات عالمية ،إال أن الواقع ال يشير إلى أنها (فرصة
متاحة) بمعنى أن الجمهور العالمي جاهز وما علينا سوى التصدير ،وإنما يجب العمل لصناعة هذه الفرصة
وهذا يشمل تغيير األنماط االستهالكية العالمية ومواجهة صراع المصالح مع شركات المشروبات الغازية.
كما ذكرنا فإن هذه الخطوة تتضمن تحديد الفرصة وما حولها من ظروف ،فتحديد الظروف واألوضاع
المتعلقة بالفرصة يمكن من إنجاز تخطيط إستراتيجي سليم وعميق ،فإدراك مستوى الجودة وطبيعة
األنماط االستهالكية حول السلعة المعينة وطبيعة التنافس الدولي حولها وما إن كانت هناك تحالفات
إستراتيجية حولها إلخ ،يساعد في تحديد كيفية الحصول عليها وكذلك التعرف بسهولة على المعوقات
التي تمتع تحقيقها داخليًا.
ج .نقاط الضعف (Weakness )W
هي كل األوضاع والظروف الداخلية التي تعيق أو تمنع أو تؤثر سلبًا على تحقيق المصالح اإلستراتيجية
للدولة وتهدد أمنها القومي ،مثل ضعف البنى التحتية ،ارتفاع تكلفة الكهرباء أو النقل ،ضعف الموارد
البشرية ،السلوك السلبي سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا ،ويتم إنجاز هذه الخطوة بعد تحديد الفرص وما
حولها من ظروف وأوضاع بما يمكن من تحديد األوضاع التي تؤثر سلبًا في تحقيق هذه الفرصة.
إال أننا نرى أنها تشمل كذلك نقاط الضعف لدى المنافسين أو الخصوم في البيئة الخارجية حتى يتم
التعامل معها ،حيث يمكن الوصول لخيارات إستراتيجية ووسائل تنفذ من خالل نقاط ضعف الخصم.
مثال لذلك نجد أن التحليل اإلستراتيجي قد ال يكشف وجود فرصة (ما) لكن قد يكتشف وجود نقطة
ضعف مالزمة لتنفيذ بعض األهداف اإلستراتيجية للمنافسين أو لدول أخرى ،فيتم االستفادة منها
( )32مشروبات سودانية عالية الجودة ولها فوائد صحية وتتوفر فيها مواصفات المشروب العالمي كالبيبسي كوال.
93
لتحقيق مصلحة ،كما أن الجهل في دولة (ما) قد يشكل مدخلًا لدولة أخرى لها مصلحة تقتضي ضعف
خصمها من خالل إحداث فتنة معينة مثل ترسيخ القبلية ،وكما هو معروف فإن صراع المصالح يستخدم
كافة األسلحة العسكرية واالقتصادية واالجتماعية مثل خطة برنارد لويس.
كل ذلك يمثل نموذجًا لنقطة الضعف الخارجية التي ال تمثل فرصة بقدر ما تمثل مدخلًا لتحقيق
مصلحة لدولة أو منظمة أخرى.
مثال آخـر :توفـر أرض ومياه وكوادر مؤهلـــة ومناخ صــالح إلنتــاج صلصـة (معجون)
الطماطم ،وهذه نقطة قوة ،بينما يوجد إغراق في السوق العالمي من هذه السلعة ،إن دراسة الظروف
واألوضاع حول الصلصة في السوق العالمي يساعد في تحديد ما إذا كانت هناك فرصة أم ال ،فعلى سبيل
المثال قد نكتشف أن الصلصة المنتجة في السوق العالمي مصنوعة من طماطم محورة وراثيًا أو تستخدم
في زراعتها الكيماويات ،بينما نالحظ من جهة أخرى تنامي الوعي العالمي الرافض للكيماويات واألغذية
المحورة وراثيًا ،هذا الوضع يعبر عن ضعف للخصوم ،يمكن عبره إنتاج فرصة جديدة عبر إنتاج صلصة
طبيعية خالية من الكيماويات.
إن إدراك ضعف الخصم بهذه الطريقة يقود في نهاية األمر إلى تحويلها لفرصة.
94
تحليل PEST
Political )(P
Economical )(E
Social )(S
Technology )(T
وهو يعنى بتحليل األوضاع السياسية واالقتصادية واالجتماعية والتقنية ،وذلك في البيئة المحلية
مع استصحاب البيئة اإلقليمية والدولية.
إن التداخل الدولي وبروز ظاهرة العولمة والقوانين والتشريعات الدولية والمصالح الدولية والمزايا
النسبية العالمية واألنماط االستهالكية العالمية ،جميعها قادت نحو بلورة ما يسمى باألوضاع الدولية.
في ظل هذه األوضاع ال يمكن إجراء تحليل سياسي أو اقتصادي من منظور محلي فقط وإنما يجب أن يتم
من منظور محلي عالمي ،فإذا نظرنا إلى الدول اإلفريقية كنموذج للدول الغنية بالموارد الطبيعية التي
يحتاجها العالم وتدور حولها إستراتيجيات المصالح األجنبية ،فإننا ال يمكن إغفال هذا الوضع واالنغالق
بتحليل داخلي ضيق ،وهكذا تحليل األوضاع االقتصادية واالجتماعية ..إلخ.
ويجب أن يتضمن التحليل إبراز الوضع الراهن بتفصيل دقيق مع الربط باألوضاع على الساحة
الدولية .وال يكون التحليل مكتملًا إن لم يربط كل عناصر التحليل المشار إليها باألمن اإلستراتيجي.
ونرى أن القدرات العلمية تشكل المحور األساس لنهضة أي دولة وبدونها ال يمكن الحديث عن أي
تخطيط إستراتيجي ،كما ال يمكن إغفال اإلعالم الذي أصبح ركيزة أساسية ال يمكن إغفالها في التخطيط
اإلستراتيجي ،وبالضرورة ال بد من تحليل األوضاع العسكرية واألمنية للدولة.
هناك مبررات أخرى يسوقها المؤلف لتبرير ما سبق ،وهي أهمية تناسق عمليات التحليل اإلستراتيجي
مع هيكل اإلستراتيجية وكذا مع عناصر القوة اإلستراتيجية الشاملة للدولة ،ولعل االطالع على مفهوم
اإلستراتيجية الذي يقوم على حشد وامتالك قوة الدولة الشاملة ،ومفهوم األمن القومي الذي يقوم على
تهيئة األوضاع المطلوبة لتحقيق المصالح الوطنية وارتكازه بشكل أساسي على امتالك الدولة للقوة
الشاملة ،يجعل من الضرورة التوصل لنظام يحقق التناسق المذكور.
لذا فإن من أهم الترتيبات لتنظيم نشاط الدولة في إطار التنافس الدولي ،هو تحديد الوضع الراهن
في عناصر القوة وهذا يقتضي إجراء التحليل اإلستراتيجي لتحديد مستوى القوة أو الضعف ،وبناء عليه
ينطلق التخطيط اإلستراتيجي لتعزيز القوة في تلك العناصر أو بعضها من خالل تحديد الغاية في كل
قطاع ،وهذا يعني أن قطاعات الدولة برؤية المؤلف يحبذ أن تكون بعدد عناصر القوة الشاملة السبعة
95
بما يجعل الرؤية واضحة للدولة وهي تتحرك بوضوح وثقة في مسارها اإلستراتيجي من موطن الضعف
إلى موطن القوة.
وعلى الرغم من أن إستراتيجية الدولة المعينة قد تتوجه نحو تعزيز قواها اإلستراتيجية الشاملة
بدرجات مختلفة ،مثل اليابان التي أعطت اهتمامًا أكبر بعناصر القوة االقتصادية والعلمية والتقنية ،فإن
الدولة ال بد لها من بلورة غايات في كل عناصر القوة مع تحديد سقف لدرجة طموح كل غاية من الغايات
(لمزيد من الشرح يرجى مراجعة الفصل الثالث والسابع من الباب الثاني).
لذا يرى الكاتب إضافة أوضاع القدرات العلمية والعسكرية واإلعالمية وأوضاع المعلومات بجانب
أوضاع القدرات السياسية واالقتصادية واالجتماعية والتقنية ،ليصبح اسم التحليل هو تحليل األوضاع
القومية.SIMPEST :
ويتم من خالله تحليل األوضاع السياسية واالقتصادية واالجتماعية والتقنية والعلمية والعسكرية
األمنية وأوضاع المعلومات واإلعالم ،وذلك في البيئة المحلية مع استصحاب البيئة اإلقليمية والدولية،
ويتضمن كل الموضوعات والقضايا المتعلقة بالنشاط في القطاع المعين ويشمل:
.1األوضاع المباشرة في القطاع مثل أوضاع الصحة والتعليم والثقافة في القطاع االجتماعي.
.2أوضاع السياسات المتعلقة بالقطاع مثل السياسات االجتماعية في القطاع االجتماعي.
.3أوضاع التشريعات المتعلقة بالقطاع مثل التشريعات االجتماعية في القطاع االجتماعي.
.4أوضاع اآلليات والمؤسسات الخاصة بالقطاع (وزارات ،منظمات .إلخ).
.5أوضاع اآلليات والمؤسسات األكاديمية والبحثية الخاصة بالقطاع.
إن التداخل الدولي وبروز ظاهرة العولمة والقوانين والتشريعات الدولية والمصالح الدولية والمزايا
النسبية العالمية واألنماط االستهالكية العالمية ،جميعها قادت نحو بلورة ما يسمى باألوضاع الدولية.
في ظل هذه األوضاع ال يمكن إجراء تحليل سياسي أو اقتصادي ..إلخ ،من منظور محلي فقط وإنما يجب أن
يتم من منظور محلي إقليمي عالمي.
96
مصطلح SIMPEST
التحليل الجيوسرتاتيجي:
يعني دراسة األوضاع الجغرافية في الدولة ودول الجوار والتي لها أثر على األمن القومي .فعلى سبيل
المثال يمكن أن يشكل تزايد السكان بمعدالت عالية في دولة مجاورة ،في ظل شح األرض الزراعية بتلك
الدولة مشاكل مستقبلية بين الدولتين بسبب حاجة األولى للغذاء ،وهذا وضع يتطلب االستعداد له
إستراتيجيا بما يحول النزاع المتوقع إلى تعاون وشراكة ومصالح.
كما أن معرفة أوضاع السكان محليًا والكثافة السكانية ،والمهن الرئيسية لهم ،وتحديد القطاع الغالب
والمؤثر خطوة مهمة للتخطيط اإلستراتيجي .فتحقيق فرص العمل وتهيئة المناخ لإلنتاج لغالبية السكان
يصبح أحد أهم أهداف التخطيط اإلستراتيجي ،وإن عدم ترتيب ذلك يمكن أن يقود لتهديد األمن القومي،
مثال لذلك أن القطاع الغالب في عدد من الدول النامية هو الرعي والزراعة الذي تتراوح فيه نسبة الرعاة
والزراع بين 50ـ % 70من إجمالي السكان ،ويأتي ذلك في إطار توفر أراضٍ زراعية خصبة تعتمد غالبًا
على األمطار ،هذا الوضع يحتم ضرورة االهتمام بالقطاع المطري ألكثر من سبب:
األول :أن االستفادة من تلك األراضي تشكل أحد أهداف التخطيط اإلستراتيجي االقتصادي المتمثل في
تنمية وتطوير واستفادة من الموارد.
الثاني :أن توجيه التنمية لقطاعات أخرى دون االهتمام بهذا القطاع الضخم ،يعني خلق فوارق
تنموية يمكن أن تقود لتهديد االستقرار ،ولعل ما تشهده بعض الدول النامية في العقود الماضية من
عدم استقرار وانفالت أمني إنما يتم معظمه في مناطق الزراعة المطرية التي يشكل أهلها غالب السكان.
97
التحليل الجيوبوليتييك:
ويقوم على دراسة العالقة بين األرض والسياسة ،بمعنى دراسة العالقة السببية بين العوامل
الطبيعية والنشاط اإلنساني.
المنهج الوصفي لقياس بعض العالقات البينية (سياسة اقتصاد ،اقتصاد اجتماع) وكذلك
العالقات بين الجغرافيا واألوضاع السياسية واالقتصادية واالجتماعية.
يقوم التحليل اإلستراتيجي على ثالثة محاور( ،يستخلص منها األوضاع والظروف السياسية واالقتصادية
واالجتماعية والتقنية والعلمية والعسكرية األمنية واإلعالمية) ،وذلك من خالل استخدام تحليل
،SIMPESTوتحليل SWOTوالتحليل الجيوستراتيجي والتحليل الجيوبوليتيكي ،كما يلي:
تحليل البيئة المحلية.
98
واإلعالمية ،في دول الجوار واإلقليم عمومًا والتي لها أثر على األمن القومي مثل أوضاع البيئة والمياه.
في ظل استصحاب األوضاع المحلية (نقاط القوة والضعف) يتم رصد أوضاع وظروف الدول في عناصر
القوة اإلستراتيجية الشاملة ومعرفة آثارها على األمن القومي ،من خالل التعرف على الفرص التي يمكن
االستفادة منها لتحقيق مصالح ،وكذلك التعرف على األوضاع أو التوجهات التي تعيق تحقيق المصالح
اإلستراتيجية أو تمنع أو تؤثر سلبًا على أو تهدد األمن القومي (المهددات) وذلك باستخدام منهج التحليل
الجيوستراتيجي والجيوبوليتيكي .باإلضافة إلى رصد أوضاع التوازن اإلقليمي.
99
.4التعدد اللغوي.
.5التعدد العرقي.
.6مدى تفشي العنصرية.
.7التعايش.
.8قبول اآلخر.
.9مستوى االنتماء الوطني.
.10الجرائم المجتمعية واألخالقية.
.11أوضاع القيم والمعتقدات
.12أوضاع النظام األهلي.
.13األوضاع الثقافية:
ثقافة المجتمع. أ.
.14أوضاع التعليم:
مؤسسات التربية والتعليم. أ.
أوضاع المنهج الوطني من منظور مطلوبات المصالح اإلستراتيجية واألمن القومي. د.
مدى توفر الكوادر المدربة بالمستوى العالمي ،أكاديميًا وفنيًا وتقنيًا. ه.
100
مستوى القدرات التنافسية للتعليم الوطني. ز.
مخرجات التعليم قياسًا للتحديات المحلية والعالمية الحالية والمستقبلية ومطلوبات ط.
تحقيق المصالح الوطنية.
أوضاع الخدمات االجتماعية المدرسية. ي.
.15التركيبة السكانية للدولة (نسبة الشيوخ والشباب واألطفال في الدولة ونسبة الرجال والنساء).
.16معدل النمو والخصوبة.
.17مستوى مشاركة المجتمع في التنمية.
.18أوضاع األسرة ،المرأة ،الطفل.
.19أوضاع ذوي الحاجات الخاصة.
.20أوضاع الشباب من حيث التنمية الجسدية والروحية ،ويتضمن بيانات عن المؤسسات المعنية
بالتنمية الروحية والرياضية ،فعالية مشاركة المؤسسات الدينية والرياضية.
.21األوضاع الصحية من حيث:
العناية الطبية الوقائية والعالجية ،الماء الصحي والمسكن الصحي والملبس الصحي. أ.
األطباء واألخصائيين وكافة الكوادر الصحية من حيث العدد والتأهيل والتوزيع الجغرافي ج.
إلخ.
المستشفيات والمراكز التشخيصية والصحية. د.
مستوى التقنية الطبية .المؤسسات التعليمية الطبية وتشمل درجة الكفاءة قياسًا ه.
للتحدي المحلي والعالمي.
.22أوضاع وقدرات العمل الطوعي ومستوى الشراكة بين منظمات المجتمع المدني والحكومة في إطار
اإلستراتيجية القومية.
.23أوضاع القوانين والتشريعات والسياسات االجتماعية ومدى تالؤمها مع المصالح الوطنية والتحديات
المحلية والعالمية.
101
.24المؤسسات العلمية واألكاديمية ذات الصلة باألوضاع االجتماعية وتشمل:
.25مراكز البحوث والكليات والمعاهد.
.26معاهد ومراكز الدراسات اإلستراتيجية المتخصصة في العلوم االجتماعية.
.27المناهج ومدى تالؤمها مع التحديات المحلية والعالمية الحالية والمستقبلية.
.28أوضاع الخبراء والعلماء والطالب في تخصصات العلوم االجتماعية.
.29األوضاع الخاصة بآليات تخطيط وتنفيذ وتنسيق ومتابعة وتقويم اإلستراتيجيات والخطط
االجتماعية.
102
.14حجم اإلنتاج اإلعالمي للدولة.
.15طبيعة وحجم الجمهور الحالي ومدى النطاق الجغرافي لإلعالم.
.16قدرة اإلعالم الوطني على بناء فكر أو معاني راسخة على المستوى المحلي والعالمي.
.17قدرة اإلعالم الوطني على تشكيل رأي وطني أو عالمي مساند.
.18مستوى القدرة الوطنية على إدارة وتخطيط الحمالت اإلعالمية.
.19أوضاع تكنولوجيا اإلعالم الوطني بما فيها وسائل اإلرسال اإلستراتيجي كاألقمار الصناعية.
.20أوضاع الكوادر اإلعالمية.
.21أوضاع المؤسسات اإلعالمية والمعاهد والكليات التي تدرس اإلعالم وقدراتها في ظل األوضاع
المحلية والعالمية.
.22أوضاع النظم والقوانين والسياسات المحلية المعنية باإلعالم ومدى تالؤمها مع المصالح الوطنية
والتحديات المحلية والعالمية.
.23األوضاع الخاصة بآليات تخطيط وتنفيذ وتنسيق ومتابعة وتقويم اإلستراتيجيات والخطط
اإلعالمية.
.24أوضاع المؤسسات العلمية واألكاديمية ذات الصلة باإلعالم وفروعه ،التخطيط اإلستراتيجي
اإلعالمي وتشمل:
.25مراكز البحوث والكليات والمعاهد
.26المناهج ومدى تالؤمها مع التحديات المحلية والعالمية الحالية والمستقبلية.
.27البناء الفكري في اإلعالم
.28أوضاع الخبراء والعلماء والطالب في تخصص اإلعالم.
103
أ .أوضاع التخطيط اإلستراتيجي العسكري.
ب .العدد والتسليح ومستوى التقنية والكفاءة اإلدارية.
ج .مستوى القوة القتالية كمًا وكيفًا قياسًا للتهديدات اإلقليمية والدولية
د .أوضاع الكفاءات العسكرية الفنية والتقنية والعلمية.
ه .أوضاع التكنولوجية العسكرية.
و .أوضاع القوة العسكرية الرقمية (األسلحة التي تعمل بالنظم الرقمي اإللكتروني).
.4أوضاع العوامل الجغرافية العسكرية.
.5مستوى كفاءة االنفتاح اإلستراتيجي.
.6أوضاع الترتيبات اإلستراتيجية العسكرية.
.7أوضاع النظم والقوانين والسياسات المعنية باألوضاع العسكرية ،ومدى تالؤمها مع المصالح
اإلستراتيجية الوطنية والتهديدات المحلية والعالمية.
.8أوضاع إستراتيجية االكتفاء وكفاءة تطبيقها.
.9أوضاع البنى التحتية.
.10أوضاع الشرطة من حيث:
أ .العدد والتسليح ومستوى التقنية والكفاءة اإلدارية.
ب .أوضاع الدفاع المدني فيما يتصل بالتعامل مع األزمات والكوارث.
ت .أوضاع كفاءات الشرطية الفنية والتقنية والعلمية.
ث .أوضاع خدمات الشرطة والسجون.
ج .أوضاع الكفاءات الشرطية الفنية والتقنية والعلمية.
.11أوضاع البنى التحتية.
.12كفاءة النظم والقوانين والسياسات المعنية باألوضاع الشرطية واألمنية ومدى تالؤمها مع
المصالح اإلستراتيجية الوطنية والتهديدات المحلية والعالمية.
.13أوضاع الكوارث واألزمات والجرائم والحروب.
.14أوضاع جهاز األمن من حيث:
104
أ .القدرة في الحصول على المعلومات والبيانات.
ب .القدرة على قراءة األوضاع في البيئة المحلية والخارجية.
ج .القدرة على التحليل وإنتاج المعرفة ومن ثم القدرة على التنبؤ.
د .التقنية والكفاءة اإلدارية
ه .الكفاءات الفنية والتقنية والعلمية.
.15كفاءة آليات تخطيط وتنفيذ وتنسيق ومتابعة وتقويم اإلستراتيجيات والخطط العسكرية
والشرطية واألمنية.
.16كفاءة النظم والقوانين والسياسات المعنية باألوضاع األمنية ومدى تالؤمها مع المصالح
اإلستراتيجية الوطنية والتهديدات المحلية والعالمية.
.17أوضاع المؤسسات العلمية واألكاديمية ذات الصلة ذات الصلة بالتخطيط اإلستراتيجي األمني،
الشرطة واألمن والمخابرات وتشمل:
أ .مراكز البحوث والكليات والمعاهد.
ب .المناهج ومدى تالؤمها مع التحديات المحلية والعالمية الحالية والمستقبلية.
105
ه .الخدمة المدنية من حيث الكفاءة ومدى استنادها على العلم والقانون والمؤسسية.
.3السند السياسي (المحلي والدولي) تجاه المصالح الوطنية اإلستراتيجية ويشمل:
أ .أوضاع المسار اإلستراتيجي للدولة.
ب .مستوى القدرات التفاوضية الوطنية وما يرتبط به من وجود إجماع وطني حول المصالح
الوطنية اإلستراتيجية.
ج .مستوى التكامل والتناسق واالرتباط بين أنشطة الدولة محليًا وخارجيًا.
د .قوة اإلرادة الوطنية.
ه .مستوى سيادة نظام الدولة.
و .مستوى الشراكة بين السلطة العلمية والمهنية والسلطة السياسية.
ز .قدرة الدولة في تنفيذ اإلستراتيجيات والخطط المرحلية.
.4قوة الشراكة الوطنية داخليًا وتشمل:
أ .المشاركة في التخطيط اإلستراتيجي القومي وآلياته.
ب .أوضاع السلوك السياسي والممارسة السياسية.
ج .مستوى الوعي وثقافة اإلستراتيجية.
.5تداول السلطة.
.6مستوى قوة وفعالية الشراكة بين الدولة والمصالح األجنبية والدولية.
.7درجة تهديد السيادة الوطنية ووحدة التراب والشعب والمصالح اإلستراتيجية للدولة.
.8أوضاع إنزال القيم والحريات ،سيادة النظام والقانون ،أوضاع الشفافية والمحاسبة.
.9التوجهات الوطنية لتعزيز السالم واألمن الدوليين والحفاظ على البيئة الدولية.
.10أوضاع التشريعات والقوانين ،السياسات الرئيسة ومدى تالؤمها مع المصالح الوطنية والتحديات
المحلية والعالمية.
.11أوضاع التنظيمات السياسية ومدى قدرتها للتعامل مع تعقيدات البيئة المحلية والدولية ومدى
قدرتها الفكرية والتنظيمية.
.12قدرات القيادة السياسية من حيث القدرة على التفكير اإلستراتيجي والقدرة على القيادة وإحداث
106
التوازن بين مقتضيات المصلحة الحزبية والوطنية ومدى االلتزام الوطني.
.13القوة المعنوية للدولة.
.14درجة وحدة المشاعر الوطنية.
.15أوضاع الدستور ومدى اإلجماع عليه وطنيًا.
.16االتفاقات والمعاهدات والبروتوكوالت السياسية.
.17األوضاع الخاصة بآليات تخطيط وتنفيذ وتنسيق ومتابعة وتقويم اإلستراتيجيات والخطط
السياسية ،أوضاع الخطط السابقة.
.18القدرة على تحقيق التوازن بين مقتضيات المصلحة الوطنية ومقتضيات المصالح الخارجية.
.19أوضاع التوازن اإلستراتيجي وما يترتب عليه من فرص ومهددات.
.20أوضاع الترتيبات اإلقليمية والدولية المطلوبة لتحقيق المصالح اإلستراتيجية للدولة ووجود
ارتباط إستراتيجي بين المصالح الوطنية والدولية:.
.21حجم ونوع ومتانة وسائل تعزيز القدرات التفاوضية الخارجية:
أ .التكتالت السياسية.
ب .التكتالت االقتصادية.
ج .األسواق اإلقليمية المشتركة.
د .التحالفات اإلستراتيجية على الساحة الدولية.
ه .الشراكات االقتصادية العالمية.
.22حجم الحصص اإلستراتيجية في السوق العالمي.
.23حجم التقانة المتطورة المنقولة عبر ترتيبات خارجية.
.24أوضاع السند السياسي األجنبي المساند للدولة المنجز عبر ترتيبات خارجية
.25أوضاع الحدود.
.26أوضاع المؤسسات العلمية واألكاديمية ذات الصلة بالتخطيط اإلستراتيجي القومي والسياسي
وعلوم اإلدارة والعلوم السياسية والعالقات الدولية ،تشمل مراكز البحوث والكليات والمعاهد،
المناهج ومدى تالؤمها مع التحديات المحلية والعالمية الحالية والمستقبلية ،البناء الفكري
107
السياسي.
108
.7أوضاع التوازن التنموي.
.8أوضاع األمن المائي:
أ .الترتيبات واالتفاقات الخاصة بالمياه.
ب .أوضاع المياه النيلية وغير النيلية.
ج .األوضاع اإلقليمية والدولية حول المياه.
د .أوضاع حصاد المياه.
ه .أوضاع تقنية المياه.
و .مهددات األمن المائي خارجيًا.
.9أوضاع األمن الغذائي.
.10الدخل القومي قياسًا لمستوى الخدمات المطلوب تقديمها للمواطن.
.11أوضاع توزيع الدخل القومي.
.12مدى تنوع مصادر الدخل القومي
.13األسواق العالمية واإلقليمية التي تملكها الدولة.
.14أوضاع الشراكات والترتيبات اإلستراتيجية بين الدولة والمصالح العالمية.
.15مستوى القدرات التنافسية والمزايا النسبية في ظل المنافسة العالمية.
.16أوضاع الخدمات االقتصادية وتشمل الخدمات المالية والمصرفية واالقتصادية والتجارية،
الخدمات العامة كالكهرباء والمياه الصالحة للشرب ..الخ
.17أوضاع الصناعة والزراعة والخدمات.
.18أوضاع البنى األساسية.
.19أوضاع التكنولوجيا االقتصادية.
.20معدالت النمو ،الناتج القومي ،الدخل القومي ،التضخم.
.21أوضاع القطاع الخاص ومدى قدرته وإسهامه في تحقيق اإلستراتيجية االقتصادية.
.22فرص العمل المتاحة قياسًا لعدد من هم في سن العمل وقياسًا للعدد الكلي للسكان.
109
.23أوضاع الموارد البشرية من منظور المصالح االقتصادية المرجو تحقيقها (المهارة من المنظور
العالمي والسلوك المهني وثقافة المجتمع.)..
.24السياسات والنظم والقوانين والمعاهدات واالتفاقات الدولية بما في ذلك أوضاع المنظمات
االقتصادية الدولية.
.25الفرص االقتصادية :الغذاء ،اإلنتاج الزراعي ،الطاقة البديلة ،المعادن ،الخدمات إلخ.
.26السلع اإلستراتيجية الممكن إنتاجها.
.27الموارد اإلستراتيجية التي يمكن استخدامها لتحقيق األمن القومي وتحقيق المصالح
االقتصادية.
.28أوضاع البيئة:
أ .أوضاع المناخ وأثر المتغيرات المناخية على األمن القومي.
ب .الغابات وحجمها وآثارها على األمن القومي.
ج .درجة تهديد الغابات.
د .أوضاع التلوث البيئي.
ه .أوضاع التصحر ومعدالته وآثاره على المصالح االقتصادية واألمن القومي.
و .أوضاع الوعي البيئي.
ز .مدى القدرة في المحافظة على البيئة.
.29الفرص االقتصادية.
.30التحالفات والشراكات اإلستراتيجية االقتصادية على الصعيد العالمي ذات الصلة بالدولة.
(لوبي المصالح ،الشركات متعددة الجنسيات)
.31أوضاع االقتصاد والتجارة العالمية من منظور الفرص والمهددات.
.32اإلستراتيجيات والمصالح االقتصادية األجنبية.
.33فرص ومجاالت الشراكات اإلستراتيجية (التمويل ،الحصص اإلستراتيجية في السوق العالمي،
التكنولوجيا المتقدمة ،الكهرباء ،الخبرة)..
.34األوضاع الجيوستراتيجية التي تشكل فرص اقتصادية للدولة.
110
.35مهددات المصالح االقتصادية.
.36كفاءة آليات وتشريعات ونظم إدارة البيئة.
.37أوضاع التشريعات والقوانين والنظم والسياسات االقتصادية ومدى تالؤمها مع المصالح
الوطنية والتحديات المحلية والعالمية (قانون العمل ،قانون االستثمار ،التشريعات
والمستثمر األجنبي ....إلخ).
.38أوضاع مناخ االستثمار.
.39الموارد اإلقليمية المشتركة ومجاالت الترتيبات اإلستراتيجية لتحقيق المصالح االقتصادية
وفلسفة تأمين الحدود.
.40مجاالت الشراكة اإلستراتيجية االقتصادية اإلقليمية والعالمية.
.41أوضاع مؤسسات دعم القرار االقتصادي ،المؤسسات العلمية .واألكاديمية ذات الصلة باألوضاع
االقتصادية ،تشمل مراكز البحوث والكليات والمعاهد ،معاهد ومراكز الدراسات اإلستراتيجية
المتخصصة في االقتصاد وفروعه ،المناهج ومدى تالؤمها مع التحديات المحلية والعالمية
الحالية والمستقبلية ،إعداد الخبراء والعلماء والطالب في تخصصات االقتصاد.
.42درجة التكامل واالرتباط للنشاط االقتصادي ،درجـة التناسق بين السياسـات االقتصاديـة
(التجارة الخارجية مع الصناعة مع الزراعة مع الخدمات مع السياسات المالية والنقدية)
.43أوضاع الخطط السابقة لالقتصاد.
.44األوضاع الخاصة بآليات تخطيط وتنفيذ وتنسيق ومتابعة وتقييم اإلستراتيجيات والخطط
االقتصادية.
111
.7أوضاع المراكز البحثية الخاصة.
.8أوضاع المراكز البحثية التابعة للتنظيمات السياسية.
.9درجة االستفادة من نتائج البحث العلمي المنجز محليًا وخارجيًا.
.10أوضاع صناعة القرار وتشمل:
أ .أوضاع الكوادر المؤهلة في مجال صناعة القرار.
ب .أوضاع مراكز معلومات دعم القرار.
ج .أوضاع مراكز إعداد القرار
د .أوضاع مراكز اتخاذ القرار.
.11القدرات البحثية للمؤسسات العلمية والتعليمية
.12مدى توفر معلومات ونتائج األبحاث العلمية.
.13أوضاع كفاءة مراكز المعلومات.
.14أوضاع النظم والقوانين والسياسات المعنية باألوضاع العلمية ومدى تالؤمها مع المصالح
اإلستراتيجية الوطنية والتحديات المحلية والعالمية.
.15أوضاع المؤسسات العلمية والمعامل والحقول التطبيقية وأوضاعها ،إعداد الخبراء والعلماء
وتخصصاتهم وأوضاعهم.
.16أوضاع البنية القانونية المتعلقة بالبحث العلمي ،أوضاع الحرية األكاديمية ،أوضاع تمويل
البحث العلمي.
.17مساهمة البحث العلمي في ابتكار الحلول وعالج القضايا المختلفة.
.18األوضاع الخاصة بآليات تخطيط وتنفيذ وتنسيق ومتابعة وتقويم اإلستراتيجيات والخطط
المتعلقة بالجوانب العلمية.
112
.3الترتيبات اإلستراتيجية للحصول على التقنية.
.4أوضاع أبحاث تطوير وتوفير التقنية
.5أوضاع اإلنتاج التقني الوطني أسواقه.
.6دور التقنية في تنفيذ اإلستراتيجية.
.7المؤسسات والمراكز العلمية المتعلقة بالتقنية الحديثة
.8أوضاع المناهج التعليمية الخاصة بالتقنية
.9أوضاع اإلستراتيجيات المتعلقة بالتقنية
.10أوضاع الخبراء والعلماء في مجال التقنية وتصنيفهم في التخصصات المختلفة.
.11مدى امتالك الدولة لنظام وطني لتشغيل الحواسيب.
.12مدى امتالك الدولة لنظم وطنية إلدارة قواعد البيانات.
.13مدى امتالك الدولة لمعالج وطني وفقًا لالحتياجات الوطنية.
.14مدى قدرة الدولة على تصميم وبناء أقمار صناعية.
.15كفاءة سياسات أمن المعلومات.
.16مدى امتالك الدولة لنظم وطنية للتشفير.
.17الفجوة في الكوادر التقنية.
.18أوضاع الحكومة اإللكترونية
.19أوضاع اإلدارة اإللكترونية
.20عدد الموظفين اإللكترونيين مقارنة بالموظفين التقليديين في القطاع العام والخاص.
.21أوضاع أنظمة المعلومات ،شبكات االتصاالت والمعلومات ،قاعدة البيانات.
.22حجم األمية اإللكترونية.
.23حجم االتصاالت اإللكترونية.
.24موقف التعليم من تقنية المعلومات.
.25أوضاع النظم والقوانين والسياسات المعنية باألوضاع التقنية ومدى تالؤمها مع المصالح
113
اإلستراتيجية الوطنية والتحديات المحلية والعالمية.
.26األوضاع الخاصة بآليات تخطيط وتنفيذ وتنسيق ومتابعة وتقويم اإلستراتيجيات والخطط
المتعلقة بالتقنية.
.27أوضاع المؤسسات العلمية واألكاديمية ذات الصلة باألوضاع التقنية وتشمل المعامل ومراكز
البحوث والكليات والمعاهد ،معاهد ومراكز الدراسات اإلستراتيجية المتخصصة في اإلنتاج التقني،
المدارس التقنية ،المناهج ومدى تالؤمها مع التحديات المحلية والعالمية الحالية والمستقبلية.
.28إعداد الخبراء والعلماء والطالب في تخصصات التقنية.
ثم تتم عملية التحليل اإلستراتيجي داخل القطاع ،وفي هذه المرحلة يتم النظر لكل الموضوعات
من منظور إستراتيجي عميق.
ثم تتم عملية التحليل اإلستراتيجي القومي للربط بين األوضاع في القطاعات المختلفة وفي هذه
المرحلة يتم استدعاء نتائج التحليل الجيوستراتيجي والجغرافيا السياسية والسياسة الجغرافية.
تكون ثمرة ذلك معرفة عميقة يتم تصنيفها في شكل فرص ومهددات وقوة وضعف ،لكن الفرق
أن كل هذه المفردات األربعة تكون محددة وموصوفة بعمق لم يكن يتأتى دون ذلك.
هنا تبدأ عملية اختيار التوجه اإلستراتيجي.
األمانة يف التحليل:
من األمور التي ال بد من التنبيه لها هي ضرورة توخي الصدق واألمانة والوطنية والشجاعة وتوفر الوعي
اإلستراتيجي واألمني ،عند القيام بالتحليل اإلستراتيجي ،فكثيرًا ما تتضح بعض الحقائق المؤلمة أو
المخيفة والتي قد تعتبرها بعض القيادات الرسمية عناصر إثارة للفتنة الداخلية أو تهديد األمن.
وهو تفسير خطأ باعتبار أن الترتيب المستقبلي الصحيح ال بد له من االنطالق بناء على معلومات
صحيحة ،ونشبه الوضع هنا بالطبيب الجراح الذي ال يمكنه أن يجامل في تشخيص المرض مهما كانت
التبعات ،وهكذا يجب أن يكون المخطط والمحلل اإلستراتيجي.
كما أن توفر معايير الوطنية والوعي اإلستراتيجي واألمني ،تعد ترتيبًا مهمًا لضمان تمرير األجندة
الوطنية والعكس يعني تمرير أجندة ومصالح تعبر عن أشخاص أو تنظيمات أو دول أخرى.
114
شكل رقم :8/ 3عملية التخطيط اإلستراتيجي
الفرص املهددات
التخطيط اإلسرتاتيجي
115
شكل رقم :9 / 3عناصر القوة اإلستراتيجية الشاملة
القوة
االجتامعية
S
قوة اإلعالم
القوة التقنية
واملعلومات
T
I
عنارص القوة
الشاملة
القوة القوة
العسكرية SIMPEST العلمية
M S
القوة القوة
السياسية االقتصادية
P E
116
شكل رقم 10 / 3التناسق والتكامل بين عمليات التحليل والتخطيط اإلستراتيجي واألمن القومي
117
مركز املعلومات القومي:
السرد السابق يشير إلى ضرورة النظر بعين االعتبار لطبيعة التحليل اإلستراتيجي عند تأسيس أو
تطوير المركز القومي للمعلومات (المركز المقصود هنا هو الجهاز اإلحصائي باعتباره الجهة المهنية
المعنية) ،بحيث تكون المعلومات في هذا المركز متوفرة بالشكل والطريقة المطلوبة لعمليات التخطيط
اإلستراتيجي المشار إليها في هذا الفصل (األوضاع القومية ،األوضاع الجيوستراتيجية ،أوضاع القوة
والضعف والفرص والمهددات) ،وبهذا يتم تحقيق التناسق بين نظام المعلومات القومي ومتطلبات
التخطيط اإلستراتيجي واألمن القومي.
ويجب اإلشارة إلى أهمية استقاللية ومهنية جهاز اإلحصاء والمعلومات حتى يتم ضمان إنتاج معلومات
ذات مصداقية.
كما أن تنفيذ اإلستراتيجية تقتضي أن يتم إنتاج المؤشرات بواسطة جهاز المعلومات باعتبار أن الجهة
المنفذة ال تقيم نفسها ،وهذا ال ينفي أهمية التنسيق والتعاون بين جهاز المعلومات والوزارة المعنية
بجانب جهاز التخطيط اإلستراتيجي في تحديد المؤشرات المطلوبة وتحديد طرق حسابها بجانب التنسيق
لتوفير البيانات والمعلومات المطلوبة لعمليات التخطيط اإلستراتيجي.
118
.3النظر بعمق لنقاط القوة والضعف.
.4النظر بعمق للفرص.
.5دراسة المهددات.
.6الربط بين نقاط القوة والضعف والفرص والمهددات.
.7النظر بعمق لجذور المشكالت والظواهر.
.8النظر بعمق للتوقعات المستقبلية.
.9إدراك الوضع الراهن.
أهم مرتكزات االختيار اإلستراتيجي:
.1التأسيس لإلسناد األخالقي للمسار اإلستراتيجي.
.2التأسيس لإلستراتيجية النفسية التي تمكن الدولة من فتح صفحة جديدة والتوجه نحو
المستقبل.
.3تحقيق الجدوى اإلنسانية وترسيخ الكرامة اإلنسانية والعدالة.
.4تحقيق الجدوى االجتماعية.
.5تحقيق الجدوى السياسية.
.6تحقيق الجدوى األمنية.
.7اختيار البديل الذي يحقق المردود اإلستراتيجي.
.8دراسة أثر كل خيار على األمن القومي.
.9دراسة أثر كل خيار على األمن اإلنسان.
.10مراعاة الناحية العقائدية في االختيار حيث تسقط الخيارات التي تتناقض مع المعتقدات
الوطنية.
.11دراسة المردود من الخيار (فرص العمل ،الدخل القومي ،سند سياسي ..إلخ) ،مع مقارنة ذلك
بمطلوبات تحقيق الخيار وتكلفته ،فقد نكتشف أن بعض الخيارات تكلفتها قد تكون أقل من
العائد وقد نجد أن بعضها له مردود مهم يستدعي إعداد إستراتيجيات مكلفة مثل التحالف أو
التكتل مع دول أو دول أخرى في سبيل تحقيقه.
119
.12المفاضلة بين التكلفة والمردود (السياسي ،االجتماعي ،االقتصادي.)...
.13المردود على البيئة وعلى األجيال القادمة ،فقد يتم استبعاد خيار بسبب تأثيره السالب على
البيئة أو على مصالح األجيال القادمة.
.14المردود من حيث توفير فرص العمل.
.15التكلفة المالية.
أهم مجاالت التوجه اإلستراتيجي:
يمكن أن يشمل التوجه اإلستراتيجي الموضوعات التالية:
.1تحديد الفلسفة الوطنية.
.2البدائل اإلستراتيجية.
.3تحديد التوجه اإلستراتيجي السياسي.
.4التوجه اإلستراتيجي الخارجي الذي قد يتضمن تأسيس تكتالت سياسية أو اقتصادية أو الدخول
في تحالفات أو شراكات إستراتيجية.
.5التوجه اإلستراتيجي االجتماعي الذي يشمل التوجه الثقافي والتوجه اإلستراتيجي في مجال
التعليم .إلخ.
.6التوجه اإلستراتيجي االقتصادي ،الذي يشمل الفلسفة االقتصادية ،التبادل اإلستراتيجي بين
الدولة والدول األخرى (التقانة المتطورة).
.7ويشمل بعض التفاصيل ذات األثر اإلستراتيجي على الدولة مثل التوجه في مجال إنتاج األغذية
الطبيعية أو عدم إنتاج أغذية محورة وراثيًا ،أنظمة الطاقة من المنظور اإلستراتيجي ،أنظمة الري
والمياه من المنظور اإلستراتيجي ،أنظمة الطرق والكباري واألنفاق من المنظور اإلستراتيجي ،أنظمة
الصرف الصحي من المنظور اإلستراتيجي ،أنظمة التخلص من النفايات من المنظور اإلستراتيجي.
.8الجدوى المائية.
.9التوجه اإلستراتيجي في التنمية العمرانية الذي قد يشمل تأسيس مدن جديدة أو مدن إلكترونية،
وقد يشمل بعض التفاصيل ذات العمق اإلستراتيجي مثل إعادة تشكيل التركيبة السكانية
وتحقيق االنصهار القومي أو تشييد األحياء المتقاربة من خالل طرق غير عريضة كترتيب
للتواصل واألمن االجتماعي.
120
.10التوجه اإلستراتيجي في اإلعالم.
.11وقد يشمل التوجه ترتيبات إستراتيجية للمحافظة على نقاط القوة الوطنية مثل التوجه بعدم
زراعة أصناف معينة منعًا إلتالف األرض أو المحافظة على الغابات وتنميتها أو المحافظة على
الهوية في التخطيط العمراني أو المحافظة على اآلثار الوطنية.
11/3تحديد المصلحة
الفرص نقاط القوة
املصلحة الناشئة
مثال:
وجود فرصة لدولة ذات موارد زراعية ضخمة كالسودان أو كندا أو أستراليا لالستفادة من الفرصة
الضخمة التي تجسدها فجوة الغذاء العربي والعالمي ،قد تستدعي دخول هذه الدول في تحالفات
إستراتيجية أو شراكات دولية بغرض استيفاء الترتيبات الالزمة لتأمين دخول تلكم السوق واالستفادة من
الفرصة المتاحة ،رغم ضخامة الترتيبات المطلوب القيام بها.
إال أن الخيار المتاح يعطي مردود إستراتيجي قد يوفر فرص عمل لماليين من العمال والموظفين
ويمكن أن يوفر دخلًا عاليًا للدولة .والعكس صحيح.
وفي بعض األحيان العتبارات اجتماعية وسياسية تفضيل الخيار الذي يوفر فرص العمل عن الخيار الذي
يوفر إيرادات ..وهكذا..
طبيعة التوازن اإلستراتيجي على الساحة الدولية في ظل بعض األوضاع الداخلية من الضعف ،قد
يفرض على الدولة تأسيس ترتيبات إستراتيجية تقود لتبادل إستراتيجي مع بعض الدول لتأمين األسواق
121
أو التقانة الحديثة أو الحصول على سند سياسي أو أمني مقابل بعض الموارد أو المزايا اإلستراتيجية .وقد
يقود لتأسيس العالقات اإلستراتيجية مع محور معين في الساحة الدولية.
وقد يشمل التوجه إلنتاج طاقة رخيصة من الشمس أو الرياح.
عليه فإن وضوح التوجه اإلستراتيجي يساعد في إعداد اإلستراتيجيات المساندة كالتوجه في التعليم
هل تقني طبي ،صناعي ،زراعي ،هندسي ،وأين وكم من الموارد مطلوب تأهيلها ،وقد يساعد في تحديد
التوجه العلمي بإنتاج أبحاث معينة ،والعكس صحيح.
كما أن إعمال التفكير اإلستراتيجي يساعد في اختيار توجه صحيح ،مثل المحافظة على البيئة أو
االهتمام بالمحافظة على الغابات وتنميتها وزيادة مساحتها.
مثال آخر:
المطلوب اختيار البديل المناسب لوسائل االتصال اإلعالمي لمنظمة إعالمية تخاطب شعوب غرب أوربا:
قد نجد بدائل مختلفة في مجال االتصال اإلعالمي مثل شبكة اإلنترنت ،الكتب ،البث الفضائي ،الصحف .إلخ
لكن طالما أن االتصال سيكون موجهًا لشعوب أوربا الغربية فإن تحليل البيئة يجب أن يشمل دراسة
وسائط االتصال لتلك الشعوب.
عند تحليل ودراسة كل بديل يمكن التوصل للبديل األفضل ،فقد تكتشف الدراسة أن بديل التواصل
عن طريق الصحف (الذي يعني إصدار صحيفة فيما بعد) قد يمكن المنظمة من مخاطبة جمهور محدود
العدد ،بل قد يكون محدود األثر ويخاطب فئات عمرية معينة مثل كبار السن وال يعطي مجالًا لمخاطبة
الشباب ،وهكذا تتم دراسة كل بديل من حيث فعاليته في تحقيق االتصال ومدى كفاءة االتصال.
وقد تكتشف الدراسة أن األوربيين أصبحوا ال يقرءون الكتب وال المجالت وال الصحف وال يستمعون إلى
المحاضرات وال يحضرون الندوات وال المؤتمرات ،وإنما (كما تشير بالفعل بعض الدراسات) أن اإلنترنت والبث
الفضائي اإلذاعي والتلفزيوني ،أصبحت تجسد الوسائل المناسبة لمخاطبة تلك الشعوب بالكم والكيف
المطلوبين.
في ظل هذا الوضع تتم عمليات المفاضـلة بين كل بديل بعد دراسة أثر كل وسيلة من إنترنت
وتلفزيون الخ ،ومن ثم معرفة النتائج أو اآلثار التي يمكن أن يحققها كل بديل ،ومن ثم تتم عملية
االختيار.
كما يجب اإلشارة إلى أن االختيار اإلستراتيجي يقوم بتحديد بديل يحقق نتائج أساسية أو تغييرات
كبرى ،فقد نجد بديلًا يحقق نتائج لكن ليست أساسية ،هنا ال يمكن أن نطلق عليه خيار إستراتيجي،
122
فاألثر األساسي هو سمة أساسية للخيار اإلستراتيجي.
وقد يكون البديل كما هو في عالم االقتصاد ما يقود إلى تحقيق قدرات تنافسية عالمية ،أو يمكن من
السيطرة على سوق ضخمة لفترات طويلة ،أو توفير وظائف لعشرات اآلالف ،قد نجد بديلًا يوفر فرصة
لكسب سوق معين لسلعة معينة بكميات كبيرة لكنه وضع محدود بسنوات قليلة أو فرصة التفوق فيه
والمحافظة على التفوق غير ممكنة خالل سنوات معينة ،فيتم االختيار بما يحقق المصالح اإلستراتيجية
والقدرة التنافسية ويؤدي إلى تحقيق تغييرات أساسية (إستراتيجية).
كما أن البدائل قد تعمل على تحقيق إنجازات على كافة المستويات ،بما يؤدي إلى منح وتعزيز قدرة
الدولة على التفوق في البيئة العالمية سريعة التغير ذات المنافسة العالمية.
صياغة اإلسرتاتيجية:
يمثل تحديد الرؤية والرسالة والغايات ،الخطوة الثالثة من خطوات للتخطيط اإلستراتيجي ،وتتم
صياغتها على خلفية نتائج التحليل اإلستراتيجي واختيار التوجه اإلستراتيجي.
إن صياغة اإلستراتيجية بالشكل المناسب يساعد في تنفيذ اإلستراتيجية كما سيتضح فيما يلي:
الرؤيا (:)33
الرؤيا القومية:
الرؤيا القومية تعبر عن الحلم الوطني والمستقبل المنشود ،أي ما تود الدولة تحقيقه عند نهاية
اإلستراتيجية ،وهي عبارة عن صورة تخيلية للمستقبل المنشود الذي يجب أن يعبر عن وجدان وتطلعات
شعب الدولة حتى يصبح حلمًا حقيقيًا.
فهي إذن وضع عام يتطلب تحقيق وتكامل مجموعة من األوضاع والظروف في المجاالت السياسية
واالقتصادية واالجتماعية والعلمية والتقنية واإلعالمية واألمنية ،وتصاغ في كلمات محدودة ،ويجب أن
يعبر عن وجدان الشعب وتطلعاته.
الرؤية بهذا الفهم تعبر عن مفهوم ما يُعرف بالغاية القومية في بعض مدارس اإلستراتيجية ،فإذا
تم استخدام هذا اللفظ فإن ذلك يستدعي تعديل اسم الغايات القومية التي تحقق الرؤية حسب منهج
هذا الكتاب لتصبح الغايات الفرعية.
الرؤية بالتاء المربوطة تعني الرؤية بالعين المجردة ،فأنا أرى السيارة أمامي اآلن ،أما الرؤيا باأللف فهي تعبر عن ()33
وضع متخيل ال يرى بالعين المجردة ،وهكذا ما نود تحقيقه في المستقبل ال يمكن رؤيته بالعين.
123
الرؤيا الفرعية:
وهي تتصل باإلستراتيجيات الفرعية للقطاعات ،وهي تعبر عن الوضع الذي تود أن تكون عليه الدولة
عند نهاية اإلستراتيجية فيما يتصل بالتخصص المعين ،وهي تتضمن جوانب أكثر تخصصًا تدعم الرؤيا
القطاعية ومن ثم الرؤيا القومية ،مثال لذلك رؤيا اإلستراتيجية القومية في العلوم والتقانة (ما تود الدولة
أن تكون عليه علميًا وتقنيًا) ،وهكذا يجب أن تتكامل وتتناسق الرؤيا على المستوى القومي والقطاعي
والفرعي وكذا الرسالة ،مع االحتفاظ بخصوصية القطاعات والواليات والتخصصات الفرعية.
وهي تتصل باإلستراتيجيات الفرعية لشركات القطاع الخاص أو العام ومنظمات المجتمع الوطنية،
وهي تعبر عن الوضع الذي تود أن تكون عليه الدولة أو جانبًا منه ،عند نهاية اإلستراتيجية فيما يتصل
بمجال معين ،مثال لذلك رؤية شركة إنتاج السكر في دولة يشكل هذا الصنف فرصة لها ،هي( :ما تود
الدولة أن تكون عليه في مجال صناعة السكر) ،مثال لذلك رؤيا شركة شيفرون للبترول بالنسبة للواليات
المتحدة أو توتال بالنسبة لفرنسا أو شركة سكر كنانة في السودان.
هذا يعني أن نتائج التحليل اإلستراتيجي لألوضاع القومية يحدد الفرص ونقاط الضعف والقوة ،ومن
ثم يتم تحديد أهداف إستراتيجية للتعامل مع الضعف والقوة لالستفادة من الفرص ،وهكذا يجب أن
تنطلق عملية التخطيط اإلستراتيجي للشركات والمنظمات الوطنية على خلفية اإلستراتيجية القومية وما
يسبقها من تحليل إستراتيجي ،وبالتالي تظهر رؤيا شركة النفط أو السكر لتحقق جانب من طموحات الدولة
فيما يتصل بهذه المنتجات ،فإستراتيجية الدولة قد تشير لفرصة قومية تتمثل في هذه المنتجات
تعرفت عليها من خالل التحليل اإلستراتيجي ،إال أنها ال تنتج ذلك السكر وإنما تتولى ذلك شركات القطاع
الخاص ،وقد تضع منظمة طوعية رؤيتها وإستراتيجيتها كلها على أساس اإلسهام في عالج نقطة ضعف
معينة وردت في اإلستراتيجية القومية مثل تشكيل السلوك البيئي أو االجتماعي.
هكذا يكون القارئ قد الحظ أن صيغة الرؤيا في كل األحول تتحدث عما (تود الدولة تحقيقه) سواء
الوزارة أو الشركة أو المنظمة .الخ ،وهذا يشير إلى الفهم العميق للفكر اإلستراتيجي الذي يربط الكل بالوطن
وبالتالي فهو يساعد في حشد قوة الدولة الذي أشرنا إليه في مقدمة هذا الباب ،ليصبح الكل حكومة
وشركات ومنظمات عبارة عن تروس في ماكينة كبيرة.
الرسالةMission :
الرسالة في الدول برؤية الكاتب توضح القيم األساسية للدولة أو القطاع أو الوزارة أو المؤسسة العامة
أو المنظمة ،والتوجه الرئيس لها في ظل التحديات المحلية والخارجية.
124
إن وضوح توجهات الدولة فيما يتعلق بالشراكات الدولية أو بناء القوة اإلستراتيجية أو إرساء قيم
أخالقية معينة ،يسهم في تحديد المسار اإلستراتيجي للدولة وتحقيق القدرات التنافسية العالمية،
وبالتالي تأثير ذلك إيجابًا في إدارتها للصراع الدولي حول المصالح ،وكذا للشراكة الوطنية الداخلية.
إن الرسالة القومية تتضمن المرتكزات اإلستراتيجية األساسية التي تحكم تصرفات نشاط الدولة في
القطاعات المختلفة خالل فترة اإلستراتيجية ،مثل تحقيق أمن اإلنسان ،إرساء العدل والمحافظة على
البيئة ضمان حقوق األجيال القادمة إلخ ،وبالتالي فهي تشكل الطريق الذي يجب أن يسير فيه الجميع نحو
الرؤية القومية.
إن الرسالة يتم إعدادها مرة واحدة وتظل حاكمة للمسار اإلستراتيجي للدولة مهما تعاقبت الحكومات
وال يصلح إن تعد في حقبة من حقب الحكم وإال انتفت روح ومعنى الرسالة.
ويمكن صياغة الرسالة من خالل تحليل االختصاصات الرئيسة للقطاع أو للوزارة في ظل األوضاع
والتحديات التي تواجه تلك الوزارة أو المؤسسة والتي يتم رصدها عبر التحليل اإلستراتيجي ،فإذا كان
اختصاص وزارة الكهرباء هو توفير الطاقة الكهربائية ،وأن التحدي الذي يواجه الدولة هو توفير كهرباء
رخيصة وآمنة وصديقة للبيئة ،فإن رسالة إستراتيجية الطاقة ستكون توفير طاقة آمنة رخيصة،
وسنكتشف أهمية الرسالة في بلورة المسار اإلستراتيجي في كون أنها ستمنع بروز أي نشاط يتناقض مع
هذه الرسالة كإنتاج كهرباء مكلفة أو تؤدي لتلوث البيئة ..إلخ ،وهو وضع سيستمر مهما تعاقب الوزراء.
إن معرفة التحديات ضروري لصياغة الرسالة ،وهذا يعني عدم إمكانية صياغة الرسالة دون وجود
تحليل إستراتيجي.
المثال أعاله يدلل على أهمية حاكمية الرسالة وهو وضع ال يمكن تحقيقه إال في حال وجود رسالة
واحدة طوال المسار اإلستراتيجي للدولة وليس من خالل الخطط المرحلية التي تضعها الحكومات ،فإذا كانت
إستراتيجية الدولة مدتها عشرين عامًا فإن الرسالة تغطي هذه الفترة وال يجب وضع رسالة لكل مرحلة
منها وإال انتفى الغرض من الرسالة وهو ضمان السير في المسار اإلستراتيجي للدولة مهما تعاقبت
الحكومات ،وهذا الوضع يتيح الفرصة للحزب المعين من ابتداع وسائل أو سياسات أو بدائل قد تختلف
من حزب آلخر لكنها في كل األحوال تراعي المسار اإلستراتيجي للدولة ،كما هو الحال في توفير كهرباء
نظيفة ورخيصة بالنسبة للنموذج أعاله.
مثال آخر:
يمكن أن نعرف رسالة مؤسسة إعالمية مصرية مقرها القاهرة هو توصيل رسالة ثقافية معينة إلى
منطقة جنوب السودان ويتجسد الغرض من بيان الرسالة إرساء األسس اإلرشادية لعملية صنع القرار
125
اإلستراتيجي ،و بموجب ذلك يتم تحديد إطار يحكم تصرفات المديرين بما يضمن سير كافة الخطط
واإلجراءات والتصرفات الخ تجاه تحقيق الرسالة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ،وبذا فإن وضوح الرسالة
يسهم في تحديد المسار اإلستراتيجي للمؤسسة ،وهو المسار الطويل المطلوب قطعه بواسطة المنظمة
دون التفات أو ارتباك ،حتى يتم تحقيق الهدف اإلستراتيجي ،لذلك يمكن مالحظة أن المؤسسات التي لديها
رسالة واضحة ،فإنها ال تتأثر بتعاقب المديرين ،ويعود ذلك إلى أن اإلطار الذي حددته الرسالة يوجه كافة
سياسات المديرين وخططهم لكي تتم بما يحقق تلك الرسالة وال يتناقض معها.
إن وضوح الرسالة له انعكاس واضح على المؤسسات ،فنجد أن تحديد األهداف اإلستراتيجية سيكون
أسهل مما لو كان الحال في ظل عدم وجود أو وضوح الرسالة ،ومن األمثلة على ذلك أن اإلستراتيجيات
الوظيفية في مجال التعيين والتدريب ستتوجه نحو تعيين خبراء في منطقة جنوب السودان من حيث
تحدث لغات تلك المنطقة ،ومعرفة تاريخها وسلوكها الحضاري والثقافي وعادات شعوبها وتقاليدها ،وكذا
فإن سياسة التدريب ستتجه للتدريب في ذات تلك المجاالت،
وعلى مستوى اإلنتاج فإن الرسالة ستنعكس على نوع وسائل اإلرسال اإلعالمي والتقنية ومواصفاتها
ومستوى جودتها وما إلى ذلك بما يتناسب مع الرسالة ،مثال لذلك فإن وضوح الرسالة لتلك المؤسسة
اإلعالمية يعني أنها ستقوم بتركيب أجهزة بث فضائي تستطيع اإلرسال حتى جنوب السودان وفي حالة
عدم وضوح الرسالة فإنها قد تقوم بشراء أجهزة يتضح فيما بعد أنها ال تفي بالغرض فيتم استبدالها
مثل أن يتم استجالب إستوديو وأجهزة بث مداها 50كيلو مترًا وهو وضع يصلح للعمل في القاهرة وعند
مرور الوقت تكتشف المؤسسة أن جنوب السودان يحتاج إلى عمل إعالمي معين ،ولكن عند البدء في
التنفيذ يتم اكتشاف أن األجهزة غير مناسبة ألنها صممت لمدى قصير ..لهذا نجد أن وضوح الرسالة تسبب
في تحديد األجهزة المناسبة وتعيين الموظفين المناسبين وتحديد الدورات التدريبية المناسبة ..إلخ
والعكس صحيح.
الغايات القومية:
وهي تعبر عن المصالح اإلستراتيجية الوطنية خالل فترة اإلستراتيجية ،أي ما تسعى الدولة في إنجازه
على المدى الطويل ،وهي بعدد القطاعات وتتضمن تحديد المصالح المطلوب تحقيقها سياسيًا واقتصاديًا
واجتماعيًا وعلميًا وتقنيًا وإعالميًا وعسكريًا ،ومن خاللها يتم تحقيق الرؤية القومية ،وهي أكثر تفصيلًا
من الرؤية ،وتتسم باآلتي:
.1تتطلب مشاركة عدد من األطراف ،وإنجاز عدد من اإلستراتيجيات الفرعية المتكاملة ،مثل
إستراتيجيات الزراعة والصناعة والتجارة والبنيات التحتية واإلنتاج الحيواني ..في الغاية
االقتصادية.
126
.2يتعذر تحقيقها دون سند يوفر أوضاعًا وظروفًا مالئمة ،مثل السند السياسي والتقني
والعسكري واإلعالمي واالجتماعي ..أي األوضاع التي تحققها الغايات األخرى.
.3يتعذر تحقيقها في فترة زمنية قصيرة ،لذا فالغاية تتحقق عند نهاية اإلستراتيجية.
.4يتطلب تحقيق الغايات إنجاز العديد من األهداف اإلستراتيجية.
الحظ األشكال .5/3 ، 4/3
يتم تحديد الغاية على خلفية نتائج التحليل اإلستراتيجي أي بعد إنتاج المعرفة اإلستراتيجية نتيجة
للربط بين المعرفة في قطاعات الدولة المختلفة ،حيث يتم تحديد المصلحة المطلوب تحقيقها في نهاية
اإلستراتيجية في ظل نقاط القوة المتاحة والممكن إضافتها والفرص المتاحة وتلك الممكن صناعتها ،مع
مراعاة تحقيق األوضاع المطلوبة للقطاعات األخرى.
فالقطاع االجتماعي يبلور غايته بما يحقق المصالح االجتماعية المباشرة وكذلك تحقيق األوضاع
المطلوبة للقطاعات األخرى ،مثل توفير الكوادر بالكم والكيف المطلوبين للمصالح اإلستراتيجية الوطنية،
والقطاع السياسي يبلور غايته بما يحقق األوضاع السياسية المناسبة لتحقيق المصالح اإلستراتيجية
الوطنية (مثل تعزيز القدرات التفاوضية ،إدارة الشراكة الوطنية والصراع اإلستراتيجي الدولي) ،وهكذا
القطاع التقني والعلمي واإلعالمي.
هذا يعني األهداف اإلستراتيجية للقطاعات بعضها يتم داخل القطاع والبعض اآلخر يتجه خارجيًا
لخدمة قطاعات أخرى.
تحديد الغايات بالكيفية أعاله يتطلب إعداد اإلستراتيجية من خالل منهج التخطيط اإلستراتيجي ،بما
يتيح إدارة التنسيق القومي (راجع منهجية التخطيط في الباب الثالث من هذا الكتاب).
مستوى الغايات:
تحدثت بعض كتب اإلستراتيجية عن أنواع اإلستراتيجيات ومن أهمها ما يقسمها إلى ثالثة كما سبق
توضيحه في هذا الباب ،وهي كما يلي:
.1التأسيس.
.2المنطقة الوسطى.
.3المبادرة.
هذا التقسيم يشير إلى مستوى الدولة في قواها اإلستراتيجية ،فقوة الدولة اإلستراتيجية الشاملة في
127
مستوى الدفاع ليست هي القوة في مستوى المنطقة الوسطى وال مستوى المبادرة.
هذا يعني أن الغاية القومية هي الطريق نحو القوة اإلستراتيجية الشاملة في أعلى مستوياتها،
وبالتالي فإن الغايات في مرحلة إستراتيجية الدفاع تحقق جانبًا من القوة وتستكمل بالغاية في المستوى
الثالث وتكتمل في المستوى الثالث الذي يتيح للدولة المشاركة في تصميم وإدارة النظام العالمي،
ويجب اإلشارة هنا إلى أن قوة الفكر اإلستراتيجي الذي يقود لمفاهيم متقدمة للقوة اإلستراتيجية
الشاملة في مجاالتها المختلفة ،ومتانة التخطيط اإلستراتيجي ومدى اشتماله على األهداف اإلستراتيجية
الثقافية والتربوية التي تتشكل من منظومة القيم والمرتكزات والسلوك الذي يحكم الدولة ومنظماتها
وأفرادها ،تمثل أهم الترتيبات للمحافظة على هذه القوة وبقاء الدولة في القمة لفترة طويلة.
الحظ الشكل .6 / 3
األهداف اإلسرتاتيجية:
عندما نذكر الهدف اإلستراتيجي الذي يأتي في إطار اإلستراتيجية القومية ،فإننا بتلك الصياغة نعني
هدف الدولة في مجال معين وليس هدف حكومة ،فاألهداف اإلستراتيجية تمثل الطريق نحو تحقيق
الغايات التي بدورها تقود نحو تحقيق الرؤية القومية ،ويتعذر تحقيقها خالل فترة زمنية قصيرة
ال عتبارات تتعلق بالعقبات التي تقف أمامها من نقاط ضعف أو مهددات وكذلك لطبيعة وكنه وعمق
وحجم الهدف نفسه ،وهو ما يجعل تحقيق الهدف اإلستراتيجي يتطلب إنجاز العديد من األهداف
المرحلية ،أي تعاقب عدد من الحكومات ،الشيء الذي يجعل صيغة هدف حكومي غير مناسبة للهدف في
هذا المقام .ويتم تحديد األهداف اإلستراتيجية في إطار رؤية ورسالة وغايات الدولة بعد إجراء عمليات
التحليل اإلستراتيجي القومي.
128
األهداف اإلستراتيجية المباشرة:
هي أهداف تتجه مباشرة نحو تحقيق مصلحة للدولة مثل األهداف اإلستراتيجية االقتصادية لالستفادة
من أوضاع نقص الطاقة في العالم ،من خالل بيع النفط أو الكهرباء أو اإليثانول ...إلخ ،أو أهداف
إستراتيجية اإلنتاج العلمي أو التقني لالستفادة من أوضاع نقص الطاقة في العالم ،من خالل بيع أفكار
جديدة تحقق ذلك أو توفر االستهالك ..إلخ.
129
شكل رقم :12 / 3األهداف اإلستراتيجية في إطار الغاية
الهدف
اإلسرتاتيجي
يف الخدمات
الهدف الهدف
اإلسرتاتيجي اإلسرتاتيجي
يف األسواق يف الطرق
الغاية
الهدف االقتصادية الهدف
اإلسرتاتيجي اإلسرتاتيجي
يف الطاقة يف املوانئ
الهدف الهدف
اإلسرتاتيجي اإلسرتاتيجي
يف الصناعة يف الزراعة
130
شكل رقم :13 / 3التكامل بين الغايات
إسناد
إعالمي
إسناد إسناد
تقني سيايس
الغاية
االقتصادية إسناد ثقايف
إسناد تعليم
علمي موارد وسلوك
إسناد إسناد
عسكري عالقات
أمني دولية
131
شكل رقم :14 / 3التكامل والتناسق بين الرؤية القومية والفرعية ورؤية المنظمات
امتالك اإلرادة الوطنية القدرة عىل املشاركة الغايات القومية يف مستوى املبادرة
يف تصميم وإدارة النظام العاملي القوة اإلسرتاتيجية العظمى
132
شكل رقم :16 / 3التكامل والتناسق بين الرؤية القومية والفرعية ورؤية المنظمات
تناسق
133
شكل رقم :17 / 3التكامل والتناسق بين الرسالة القومية والفرعية ورسالة المنظمات
تناسق
134
خصائص الهدف اإلستراتيجي:
يمكن فيما يلي تلخيص الخصائص الرئيسة للهدف اإلستراتيجي:
.1الجرأة.
.2المبادرة.
.3يتجه نحو تحقيق أمور أساسية (ثماره ونتائجه) تنعكس على قطاع ضخم من المستفيدين (مثال
الهدف اإلستراتيجي الياباني بالسيطرة على أسواق معينة وأثر ذلك على قطاع ضخم من الشعب
الياباني وعلى دخل الحكومة اليابانية وعلى مستوى الخدمات الحكومية ،وكذا الهدف اإلستراتيجي
السوداني بمكافحة الفقر).
.4يتطلب تحقيقه زمنًا طويلًا.
مفهوم الربنامج:
هو عدد من العمليات المستمرة والمشروعات المتكاملة التي يتم من خاللها السعي لتحقيق واستمرار
ناتج يتعذر تحقيقه عبر وزارة واحدة ،ويمكن أن يتضمن البرنامج عمليات مستمرة فقط دون مشروعات،
ويسعى في هذه الحالة الستمرار تحقيق الخدمة أو المنتج المعين دون تطوير أو زيادة.
مستويات الربامج:
.1برنامج أساسي ،ويتوقف تنفيذه على الوزارة وشركائها في المجتمع دون إسناد مباشر من الوزارات
األخرى.
.2برنامج عام( ،منظومة إنتاجية أو خدمية) ويتوقف تنفيذه على مشاركة عدد من الوزارات وشركائهم
من المجتمع.
أنواع الربامج:
▪ برامج قومية.
▪ برامج والئية.
▪ برامج محلية.
مفهوم املرشوع:
يقصد بالمشروع مجموعة من النشاطات والعمليات المتناسقة المتكاملة والتي يتطلب عملها أو إنجازها
تأسيس أو شراء أصول ثابتة أو رخص مهنية أو علمية أو نفقات في بناء القدرات أو إنتاج معرفي أو إنتاج
135
تطبيقات وبرمجيات ..إلخ ،وتقود إلى:
▪ توفير إنتاج جديد أو خدمة جديدة
▪ أو زيادة اإلنتاج الحالي أو زيادة الخدمات المقدمة.
▪ أو تطوير وترقية المنتج أو الخدمة الحالية.
▪ غالباً ما يحقق إيرادات وفرص عمل إضافية.
وينتهي أجل المشروع في المرحلة التي يتوقف فيها استمرار اإلنتاج أو الخدمة على تنفيذ الفصل األول
والثاني أي األجور والحوافز وتكاليف الكهرباء والماء والصيانة وما إلى ذلك.
يعني اإلنفاق في المجاالت التي يعتبر صرفها ضروري الستمرار اإلنتاج أو الخدمة دون أي زيادة في الطاقة
أو تحسين في مستوى السلعة أو الخدمة.
التفكري الجمعي:
هذه المصطلحات هي وسائل لتنظيم وتحقيق التفكير الجمعي ،حيث دائمًا ما نالحظ أن إجازة المشروعات
تتم في إطار جزر معزولة دون تفكير جمعي ،وهذا ال يمكن من تحقيق أثر ..حيث يتم كمثال لذلك توجيه
مشروع للطاقة بالمنطقة الصناعية في المدينة (أ)
(أ) بشمال البالد. مشروع للطاقة بالمنطقة الصناعية في المدينة
(ب) بوسط البالد. مشروع للمياه بالمنطقة الصناعية في المدينة
مشروع للصرف الصحي بالمنطقة الصناعية في المدينة (ج) بغرب البالد.
(د) بشرق البالد. مشروع للطرق بالمنطقة الصناعية في المدينة
(و) بجنوب البالد مشروع للبيئة بالمنطقة الصناعية في المدينة
(ز) بشمال غرب البالد. مشروع للمخازن بالمنطقة الصناعية في المدينة
النتيجة النهائية )( (Out Comeصفر)
بينما لو تم توجيه كل المشروعات أعاله للمنطقة الصناعية (أ) لكان من الممكن تحقيق نتيجة عبارة
عن إنتاج صناعي أو زراعي معين مع فرص عمل.
لذلك يصبح من الخطأ توجيه التمويل إلى مشروعات مبعثرة وإنما إلى برامج في إطار تفكير جمعي.
136
لذلك إذا أردنا تحقيق نتيجة فنحن سنكون في حاجة لعدد من المخرجات المتكاملة ،بينما تحقيق األثر
يحتاج لعدد من النتائج.
الزراعي
الكهرباء المحالج
الصرف
المخازن
الصحي
برنامج
مرافق المياه
التعليم والري
المدينة بناء
السكنية القدرات
الطرق
137
إنتاج البرامج عبر نظام التحليل الرباعي:
يتضمن البرنامج أهداف ًا في خمس اتجاهات:
.1هدف إستراتيجي مباشر ،وهو المعني بالمصلحة األساسية.
.2أهداف لتنمية وتعزيز القوة.
.3أهداف لعالج الضعف.
.4أهداف البتكار وتنويع الفرص.
.5أهداف للتعامل مع المهددات.
بافتراض أن نتائج التحليل الرباعي كانت كما يلي:
نقاط القوة:
.1توفر المراعي الطبيعية.
.2توفر األبقار.
نقاط الضعف:
.1عدم توفر مورد بشري مؤهل في مجال األلبان وتقانتها.
.2عدم توفر مخازن مبردة.
.3عدم توفر الطاقة الكهربائية.
الفرص:
وجود فجوة في العالم تقدر بمليون طن لبن من اللبن الصحي الفاخر.
المهددات:
.1وجود تنافس دولي حول سوق األلبان.
.2منع بيع تقانة األلبان.
138
وضع األهداف:
يتم استخدام الجدول التالي:
139
تطبيق الجدول على التحليل السابق:
الهدف اإلستراتيجي المباشر هو إنتاج اللبن الفاخر ،وحتى نضمن تحقيق ذلك مع االستدامة ،فسنقوم
باستخدام الجدول التالي:
السياسة الهدف اإلستراتيجي الفرعي SWOT
من؟ يفعل ماذا؟ أين؟
تشجيع االستثمار في المراعي تنمية وتطوير المراعي توفر المراعي الطبيعية
تشجيع استيراد السالالت المحسنة تحسين خصائص األبقار توفر األبقار
عدم توفر مورد بشري توفير مورد بشري في مجال تشجيع القطاع الخاص لتأسيس مراكز
تدريب وكليات تقانة األلبان ببورتسودان مؤهل في مجال األلبان األلبان
وتقانتها
تشجيع القطاع الخاص لالستثمار في توفير مخازن مبردة عدم توفر مخازن مبردة
المخازن المبردة بمنطقة بورتسودان
التزام الحكومة بتوفير الكهرباء في الطاقة توفير طاقة كهربائية توفر عدم
المنطقة الصناعية ببورتسودان الكهربائية
وابتكار تشجيع االبتكار في مجال األلبان المنتجات تحسين الفرص
منتجات جديدة
وجود تنافس دولي حول توفير تقانة األلبان وتالفي تأسيس شراكة إستراتيجية دولية
دعم األبحاث في مجال ابتكار تقانة األلبان سوق األلبان ومنع بيع التنافس الدولي
تقانتها
هذا يعني اتجاه الموازنة لتمويل نتائج محددة تم إعدادها بناء على تفكير إستراتيجي شامل ،والنتيجة:
▪ جلب عمالت حرة وتوفير هدر من العمالت الحرة ،ومن ثم معادلة الميزان التجاري.
▪ فرص عمل.
▪ زيادة إيرادات الحكومة.
بينما األثر لكل ذلك هو حالة األمن واالستقرار النسبي في منطقة اإلنتاج.
140
وضع البرامج باستخدام تحليل الجذور:
وفق هذا األسلوب يتم وضع هدف فرعي أو أكثر مقابل كل جذر من الجذور ،نضرب فيما يلي نموذج
بمكافحة المخدرات وسنستخدم الجدول التالي الذي سيشمل في الجزء األول الجذور وفي الجزء الثاني األهداف
والثالث السياسات (من؟ يفعل ماذا؟ أين؟)
وهكذا يتم توجيه التمويل الحكومي والجهد المجتمعي نحو عشرات المشروعات التي تشكل مجتمعة
برنامج مكافحة المخدرات ،وهي نتيجة يتعذر تحقيقها إال بجهد كل الجهات المعنية.
141
السياسات وإسرتاتيجية الدولة:
المالحظة األولى:
المالحظة األساسية هنا هو دور اإلستراتيجية في تشكيل المستقبل ،وأنها عملية معقدة تتطلب إجراء
التحليل اإلستراتيجي القومي ومن ثم إتمام عمليات التوجه اإلستراتيجي للدولة بناء على ذلك.
المالحظة الثانية:
أن تحقيق األمن القومي يقوم على امتالك الدولة للقوة اإلستراتيجية الشاملة ،وهذا يعني استصحاب
مفاهيم التخطيط اإلستراتيجي القومي في مجاالته المتخصصة ،السياسية واالقتصادية واالجتماعية
والعلمية ..إلخ ،لتعقيدات عمليات األمن القومي وامتالك الدولة للقوى الشاملة.
وهذا يعني وجود مرجعيات أساسية تقف خلف إعداد اإلستراتيجية ،وهو ما ال يمكن أن يتم دون
مرجعية تحليل إستراتيجي متقن ،يتبعه تفكير إستراتيجي الختيار توجه إستراتيجي معني في شقه األول
بتحقيق التنمية وفي شقه اآلخر القوة.
اإلستراتيجية السياسية تقود نحو التنمية السياسية والقوة السياسية.
كنموذج عملي لذلك ،نجد أن المخطط اإلستراتيجي عند تعامله مع الموانئ البحرية في السودان ،فإنه
يستخدمه كمصدر لتحقيق اإليرادات المالية وعبور سلع الدولة ،ويستخدمه كذلك كمنصة لألمن القومي
142
من خالل ربط الدول الحبيسة مثل تشاد وإثيوبيا وجنوب السودان عبر الميناء بمصالح إستراتيجية ضخمة
تجعل من الصعوبة استخدام تلك الدول كمنصات ضد الدولة.
ولعل استباق بعض الدول إلعداد السياسات العامة قبل اإلستراتيجية ،أدى إلى إلغاء هذه المرجعية
السالف ذكرها ،ومن ثم إعداد خطط تنموية تفتقد في كثير من األحيان لتكامل النشاط وللعالقة باألمن
القومي.
تعريف السياسات:
(وسيلة للتفاعل اإليجابي مع الظروف والمتغيرات المحلية واإلقليمية والدولية في إطار
اإلستراتيجية القومية).
(وسيلة إرشادية لمتخذ القرار تحكم تنفيذ الخطط وتسهم في تنظيم العالقات الداخلية
والخارجية)
وعلى خلفية خطوات اإلدارة اإلستراتيجية للدولة ،يمكن تحديد تعريف للسياسات يناسب عمليات
التخطيط اإلستراتيجي القومي ،وهو برؤية المؤلف( :حشد وتوجيه وتنسيق نشاط الدولة في
المستوى اإلستراتيجي ليتم وفق مطلوبات تحقيق المصالح اإلستراتيجية للدولة وامتالك القوة
اإلستراتيجية).
المالحظة األساسية هنا هو ارتباط السياسات باإلستراتيجية في كل األحوال ،وأنها تحمل في
طياتها فكرة متكاملة نابعة من التحليل وعمليات اختيار التوجه اإلستراتيجي ،وأن صياغتها
بشكل تغيب فيه الفكرة يقود الرتباك نشاط الدولة ،ويمكن أن تتجه السياسة في اتجاهين
أساسيين هما:
▪ التنسيق بين أكثر من قطاع أو وزارة أو جهة في إطار فكرة كلية.
▪ توجيه نشاط الجهات المختلفة نحو غايات أو أهداف محددة ،وهذا أيضًا يرتبط بالفكرة الكلية.
مستويات السياسة:
143
.3المستوى التشغيلي.
كل من هذه المستويات يمكن تقسيمها إلى مستويات:
.1المستوى العام.
.2المستوى القطاعي( .كالسياسات االقتصادية أو االجتماعية أو األمنية العسكرية)
.3المستوى الفرعي( .كالسياسات الزراعية أو الصناعية أو المالية أو التجارية)
المستوى اإلستراتيجي :وتتعلق السياسات فيه بالترتيبات طويلة المدى المرتبطة بالغايات أو
األهداف اإلستراتيجية وال تحتمل الخالف السياسي ،مثل السياسات الخاصة بالمياه اإلقليمية أو بتأسيس
تكتل سياسي (مثل الكتلة األوربية) أو الحفاظ على البيئة أو أبحاث الطاقة البديلة ..وبالتالي تتم صياغتها
في المستوى اإلستراتيجي لتصبح سياسات دولة وليست سياسات حكومة .وهي في هذه الحالة تأتي بعد
اكتمال عملية التخطيط اإلستراتيجي والشروع في تنفيذ اإلستراتيجية.
المستوى المرحلي والتشغيلي :وهي سياسات ذات مدى زمني قصير وتتم صياغتها بواسطة
الحكومة ،تتم صياغتها على خلفية المصالح اإلستراتيجية إلعداد الخطط المرحلية وقصيرة األجل
للحكومة ،ويتم إعدادها قبل وضع الخطة المرحلية حيث يقوم الحزب الفائز في االنتخابات بوضعها
كموجه للتخطيط خالل فترته ،وأهم ما تتضمنه:
تشجيع وسائل وطرق ومناهج تختلف من حزب آلخر. أ.
التعامل مع المتغيرات. ب.
تحديد األولويات خالل المرحلة المعينة. ج.
المستوى الفرعي:
ويتمثل في سياسات المستوى المرحلي والتشغيلي ،وهي سياسات ذات مدى زمني قصير وتتم صياغتها
بواسطة الحكومة ،تتم صياغتها على خلفية اإلستراتيجية إلعداد الخطط المرحلية وقصيرة األجل
للحكومة ،ويتم إعدادها قبل وضع الخطة المرحلية حيث يقوم الحزب الفائز في االنتخابات بوضعها
كموجه للتخطيط خالل فترته ،وأهم ما تتضمنه:
تشجيع وسائل وطرق ومناهج تختلف من حزب آلخر. أ.
التعامل مع المتغيرات. ب.
تحديد األولويات خالل المرحلة المعينة. ج.
144
السياسات من حيث الجغرافيا:
كما يمكن تقسيم السياسات من حيث النطاق الجغرافي الى قسمين كما يلي:
.1المستوى القومي.
.2المستوى الوالئي.
نماذج:
المستوى العام :ويتم إعداده بناءً على المعرفة اإلستراتيجية حيث يتم الربط بين المعرفة في
القطاعات المختلفة (المعرفة االجتماعية والمعرفة االقتصادية والسياسية إلخ) ،ولعل الواقع يشير
للعديد من النماذج التي توضح عدم إمكانية التخطيط أو إنتاج سياسات دون معرفة إستراتيجية،
فقضية كالدخول في حرب قد يكون خلفها مصالح اقتصادية أو تأثير اجتماعي أو سياسي أو أمني ،والتعرف
على أسباب انتشار تعاطي المخدرات قد يرجع ألسباب اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية أو أمنية إلخ.
وبالتالي فإن تحقيق الرؤية القومية يستدعي إحكام التنسيق بين الغايات الوطنية للدولة من سياسة
واقتصاد واجتماع إلخ ،من خالل السياسات العامة.
المستوى القطاعي :كالسياسات االقتصادية ،ولعل تحقيق الغاية االقتصادية يقتضي توجيه النشاط
االقتصادي ليحقق التكامل االقتصادي المطلوب حتى تتكامل األهداف الفرعية للقطاع تجاه الغاية
كاألهداف في الزراعة والصناعة والطاقة والنقل والموانئ والخدمات ...إلخ ،وجود السياسة مهم لتحقيق
التناسق.
المستوى الفرعي (وزارات) :على نفس النسق أعاله هناك حاجة لتنسيق النشاط الفرعي كالتنسيق
المطلوب بين نشاطات الزراعة ،من خالل السياسات الفرعية ،وهي سياسات تميل للجانب الفني أكثر.
المستوى التشغيلي :وتحت المستوى الفرعي يندرج المستوى التشغيلي ،ويختص بتحويل الهدف إلى
واقع وغالبًا ما ترتبط بالمشروعات.
145
146
المرتكزات األساسية إلنتاج السياسات:
لتحقيق أهداف السياسة في إطار منهج التخطيط اإلستراتيجي القومي ،هناك عدد من الشروط
والمرتكزات الواجب توفرها ،وهي في نفس الوقت تشكل المرجعية لتحليل السياسات فيما بعد والحكم
على كفاءتها وفاعليتها ،وهي:
.1أن تتم في إطار المسار اإلستراتيجي للدولة (في إطار الرؤية)
.2أن تتم على خلفية اإلستراتيجية القومية.
(والسياسات في النقطتين أعاله) وسيلة لضمان إتمام البناء اإلستراتيجي وعدم الخروج عنه.
.3توجيه نشاط الدولة وفق مفهوم الفلسفة المساندة لإلستراتيجية والفكر اإلستراتيجي.
.4أن تتم في إطار الرسالة.
(السياسات تشكل هنا وسيلة لضمان إنفاذ اإلستراتيجية باعتبار أن نجاح اإلستراتيجيات ليس في
التخطيط فقط وإنما في مدى وجود فكر مساند ،كما أن ضبط النشاط ليتم وفق الرسالة يؤسس لضبط
الخالف السياسي وتأمين المسار للدولة بجانب إتمام اإلنتاج وفق الضوابط المطلوبة مثل تحقيق
الجودة وامتالك القدرات والمزايا النسبية العالمية أو استهداف جمهور معين)..
.5أن تتم بناء على المعرفة ،وهذا شرط الزم لتحقيق كفاءة اإلستراتيجية وكفاءة التنفيذ.
.6أن تتم في إطار تحقيق روح مفهوم التخطيط اإلستراتيجي.
وفي هذا تأسيس لمعاني أساسية يمكن أن تتوه عنها الدولة خالل المسار اإلستراتيجي طويل األجل
الذي قد يمتد لعقود من الزمان ،مثال لذلك تأمين الدولة من الوقوع في فخ األزمات من خالل توجيه
النشاط نحو القضايا اإلستراتيجية ،ومثال آخر تأمين حقوق األجيال القادمة كالمحافظة على الغابات
وتنمية وتطوير الموارد وحسن استغاللها وحماية البيئة بجانب تحقيق أمن اإلنسان.
.7أن تتم في إطار سعي الدولة المتالك القوى اإلستراتيجية الشاملة التي تؤسس لتحقيق األمن القومي:
إن الغايات الوطنية هي الطريق نحو القوة اإلستراتيجية الشاملة ،لذا فإن عدم تناغم التخطيط
اإلستراتيجي مع مفهوم األمن القومي وما يتضمنه من مفاهيم للقوى اإلستراتيجية الشاملة ،من شأنه
إرباك نشاط الدولة وسعيها لتحقيق األمن القومي واإلنساني.
.8تنسيق النشاط الوطني وفك التناقض.
.9تحقيق التكامل للنشاط الوطني.
السياسات في النقطتين أعاله تؤسس لتأسيس التناسق والتكامل للنشاط الوطني ،فإنجاز الرؤية
147
القومية يحتاج لتنسيق على مستوى قطاعات قوى الدولة الشاملة ،وتحقيق الغايات الوطنية
االقتصادية واالجتماعية إلخ ،يحتاج لتنسيق على مستوى الوزارات ،وتحقيق األهداف اإلستراتيجية
يحتاج لتنسيق على مستوى الوزارات ومؤسساتها التابعة لها ،كما يحتاج لتقاسم األدوار بين الحكومة
من جهة والقطاع الخاص والمجتمع من جهة أخرى)
.10استيفاء التغيير اإلستراتيجي( .كثيرًا ما تفشل اإلستراتيجيات نتيجة إلهمال تهيئة األوضاع حتى
تصبح مناسبة لتحقيق المصالح اإلستراتيجية ،لذا يصبح وجود سياسات تدعم وتوجه وتؤكد قيادة
التغيير ،يعد مسألة ضرورية لتحقيق النجاح اإلستراتيجي.
148
د .المهددات.
بما يؤدي لحشد قوى الدولة تجاه تحقيق المصالح اإلستراتيجية باعتبار أن تنفيذ اإلستراتيجية ليس
شأنًا حكوميًا فقط ،هذا يعني أن إستراتيجيات المنظمات وشركات القطاع الخاص الوطني تنطلق على
خلفية اإلستراتيجية القومية ،لذلك إذا تدبرنا في مفردات مفهوم الرؤية سنالحظ أن التعريف يقود
لصياغة رؤية تعبر عن الدولة ،وهكذا يمكن أن نتصور بأن مفهوم الرؤية لشركة خاصة تعمل في مجال
السكر ،في دولة لها هدف إستراتيجي بسد فجوة السكر العالمية ،هو ما تود أو جانبًا مما تود أن تكون عليه
الدولة في صناعة السكر ،فإن كانت إستراتيجية الدولة في غايتها االقتصادية قد حددت هدفًا إستراتيجيا
حول السكر ،فإن هذا ال يعني أن تنشئ الحكومة مصانع للسكر وإنما تشجع الشركات للعمل في هذا المجال،
بينما توجه آخرين لالهتمام بالتعليم التقني في مجال السكر ،..وهكذا تتكامل أدوار الحكومة مع الشركات
مع منظمات المجتمع في تحقيق المصالح اإلستراتيجية.
إن إعداد السياسات دون أن يتم ذلك على خلفية اإلستراتيجية القومية ،يؤدي إلى ارتباك نشاط الدولة
وتضاربه ،والعكس يقود لتأسيس التناغم والتكامل والترابط بين نشاطات الدولة.
عليه يمكن تلخيص عمليات تحقيق المصالح اإلستراتيجية ونضرب المثل بالمصالح االقتصادية كما
يلي:
الغاية االقتصادية ،وتحقيقها يتطلب:
.1منظومة األهداف اإلستراتيجية االقتصادية المباشرة.
.2منظومة األهداف اإلستراتيجية غير المباشرة المتعلقة باإلستراتيجية االقتصادية مثل توفير
الكادر بالمهارات المناسبة أو السلوك المعين ..أو السند اإلستراتيجي السياسي أو اإلعالمي.
.3السياسات المباشرة وغير المباشرة وتتجه نحو:
أ .االستغالل المثالي لنقاط القوة والحفاظ عليها أو تنميتها أو تنويعها.
ب .االستفادة من الفرص المتاحة أو صناعة فرص جديدة أو الحفاظ عليها أو زيادتها
وتطويرها وتأمينها.
ج .عالج نقاط الضعف وما يشمله من تغيير على الساحة الداخلية يمهد لتحقيق المصالح
الوطنية.
د .التعامل مع المهددات وما يشمله من تغيير على الساحة الخارجية يمهد لتحقيق المصالح
الوطنية.
149
.4التشريعات وتتجه نحو:
أ .االستغالل المثالي لنقاط القوة والحفاظ عليها أو تنميتها أو تنويعها.
ب .االستفادة من الفرص المتاحة أو صناعة فرص جديدة أو الحفاظ عليها أو زيادتها
وتطويرها وتأمينها.
ج .عالج نقاط الضعف وما يشمله من تغيير على الساحة الداخلية يمهد لتحقيق المصالح
الوطنية.
د .التعامل مع المهددات وما يشمله من تغيير على الساحة الخارجية يمهد لتحقيق المصالح
الوطنية.
مثال آخر:
إذا كانت الغابات تمثل واحدة من نقاط القوة ومن خاللها يمكن االستفادة من فرص خارجية في
صناعة األثاث ،كما أن قطع الغابات يؤدي إلى تناقص األمطار ،فإن السياسة ستقوم باآلتي:
توجيه القطاع الخاص لالستثمار في صناعة األثاث. أ.
إلزام القطاع الخاص بزراعة مساحات تعادل على األقل ما يقوم بقطعه. ب.
توجيه وحدات التخطيط العمراني بفرض نسبة معينة من مساحة المباني والمنازل كشرط و.
لمنح التصديق.
ثم يكمل ذلك بتشريعات تحرم قطع الغابات. ز.
النتيجة ستكون:
المحافظة على الغابات. أ.
150
الحفاظ على معدالت األمطار والبيئة. ه.
وبالتالي يتضح كيف قامت السياسات بتوجيه نشاط كافة أطراف الدولة (حكومة ومجتمع و.
وشركات) ليتم بالشكل الذي يناسب المصالح اإلستراتيجية الوطنية وكيف اكتمل ذلك بإسناد
البرلمان.
األشكال التالية توضح دور منهج التخطيط اإلستراتيجي والسياسات في تحقيق التكامل والتناسق لتنفيذ
اإلستراتيجية ،الغاية االقتصادية نموذجًا.
151
هذه هي بعض نقاط الضعف ،فإذا رجعنا إلى رسالة المعهد ولنقل هي توفير كوادر في الثقافة
اإلفريقية تستطيع التعامل مع البيئة الدولية ،وأن الهدف هو التحول لقبول طالب أجانب ،فإن ذلك قد
يتطلب تحقيق أهداف أخرى وتحديد بعض الوسائل والسياسات مثال لذلك:
سيبرز هدف يتمثل في تدريب بعض األساتذة لتعلم لغة من اللغات األجنبية المطلوبة( ،عدد
الطالب المتوقع وعدد المواد ..إلخ تحديد العدد المطلوب تدريبه).
سينعكس أيضًا توفير أساتذة يتحدثون لغات أجنبية في إعادة صياغة سياسات المعهد
لتشمل شروطًا جديدة توجه نحو تعيين أساتذة في المراحل القادمة ممن يتحدثون اللغات
األجنبية المطلوبة.
ستظهر وسيلة أخرى تتمثل في تحول المعهد نحو التعليم اإللكتروني وهو وضع تم اكتشافه
عند تحليل البيئة الخارجية حيث نجد أن شعوب تلك الدول تتعامل عبر الشبكة الدولية.
سيبرز هدف يتمثل في إعادة تخطيط المناهج حتى تشمل العلوم التي تلبي طلب تحقيق
الهدف اإلستراتيجي المطلوب ،من ذلك إضافة مواد لتدريس علم اإلدارة اإلستراتيجية لعالج
العجز في القدرات اإلدارية ،إضافة مواد عن التواصل اإللكتروني ،تعزيز دراسة اللغات األجنبية
من خالل تدريس جانب من الطالب الناطقين بالعربية بلغات أجنبية حتى يتخرج الطالب وهو
يجيد اللغة المعينة.
إضافة مواد عن تاريخ ومجتمعات شعوب المناطق المستهدفة مثل أن يقوم الطالب الذين
يدرسون اللغة األلمانية بدراسة تاريخ ألمانيا ومجتمع ألمانيا وسلوك الشعب األلماني إلخ حتى
يستطيعوا التعامل مع تلك الشعوب وهم على علم بخلفيات كافية عنهم ،وهو أمر مهم في
عمليات التواصل.
ستظهر وسائل تتمثل في تأسيس مكتبة إلكترونية وجمع مراجع بلغات أجنبية حتى يجد
الطالب األجنبي المراجع المطلوبة بلغته.
ستظهر أهداف تتمثل في ترجمة المناهج والمراجع المطلوبة إلى اللغات األجنبية المتفق
عليها.
الهدف أعاله سيحتاج إلى سياسات تشجع الترجمة ،مثل وضع حوافز مغرية لألساتذة للترجمة
أو إجازة بنود صرف كافية للمترجمين خارج المعهد.
تحويل الكتب المترجمة والكتب األخرى إلى كتب إلكترونية يمثل هدف بالنسبة لقسم الحاسوب
بالمعهد.
152
تحقيق الهدف أعاله يحتاج إلى سياسات تشجع وتحفز خبراء الكمبيوتر الذين يخدمون هذا
الهدف.
ستبرز وسائل تتمثل في إنشاء معامل للحاسوب بالمعهد.
أين؟
بما أنّ التخطيط يسعى لتحقيق أثر أو نتيجة محددة في مكان محدد في زمن محدد بمبلغ محدد ،فإن ذلك
يستلزم تحديد مكان البرنامج وما يتبعه من مشروعات ،فبعد أن قمنا بتوجيه أحد الثالثة في اتجاه أحد
المجاالت األربعة ،فإنه يتوجب تحديد أين يتم هذا العمل ،فإذا كان البرنامج هو إلنتاج اللبن كما سبق
ذكره ،فإن الحكومة تلتزم بعمل محطة كهرباء في المنطقة (أ) بينما يلتزم القطاع الخاص بعمل مخازن
مبردة ومزارع ومصانع ألبان وسوق بالمنطقة (أ) ليتولى المجتمع عمل مدارس ومساجد بالمنطقة (أ).
مالحظات مهمة:
نبرز فيما يلي بعض المالحظات المهمة المرتبطة بالتخطيط اإلستراتيجي وتحديد األهداف
اإلستراتيجية ،هي:
إذا تدبرنا األهداف والوسائل أعاله سيتضح لنا أن كافة وحدات وأقسام المعهد تعمل كال منها
في تناغم نحو تحقيق أهداف تكمل بعضها البعض وتنسجم وتتكامل في النهاية لتحقيق
الهدف اإلستراتيجي المطلوب ،وهكذا يحدث نفس الشيء لألهداف اإلستراتيجية األخرى.
إن تحقيق الهدف اإلستراتيجي ال يمكن أن يتم من أول وهلة وإنما يتطلب إحداث تغييرات
أساسية عديدة وتوفير العديد من المتطلبات ،يتم تحقيقها عن طريق أهداف طويلة وقصيرة
ومن خالل سياسات ووسائل معينة.
إن الوسائل المطلوبة لتحقيق الهدف اإلستراتيجي تمثل وسيلة من حيث المسمى بالنسبة
للوضع في حالة الهدف اإلستراتيجي ،بينما تتحول إلى هدف بالنسبة للجهة التي تتولى تحقيق
هذه السياسة أو الوسيلة ،مثال لذلك نجد أن تأسيس المكتبة اإللكترونية يمثل وسيلة من وسائل
تحقيق الهدف اإلستراتيجي ،بينما يصبح هدفًا إلدارة المكتبة أو لقسم الحاسوب بالمعهد ،وكذا
تنفيذ برنامج اإلدارة اإللكترونية للمعهد يجسد وسيلة لتحقيق الهدف اإلستراتيجي بينما يعتبر
هدفًا بالنسبة لقسم الحاسوب بالمعهد يسعى لتحقيقه.
إن التخطيط اإلستراتيجي ال يكتب له النجاح إال من خالل وجود آلية تضمن سير تحديد وتحقيق
األهداف والوسائل والسياسات تجاه الهدف اإلستراتيجي ،وهو ما يطلق عليه العقل المركزي أو
153
الرئيس ( )Master Mindوبدون ذلك فإن المؤسسة تصبح عبارة عن جزر متناثرة ال صلة
بينها ،وهذا وضع يقود إلى اإلخفاق وتبديد الموارد والزمن دون الوصول إلى هدف.
التدبر في الهدف اإلستراتيجي المحدد والوسائل والسياسات واألهداف المطلوبة لتحقيقه ،تظهر
في شكل شبكة متناثرة ولكنها متكاملة ،هذا يقودنا إلى التذكير بحقيقة مهمة موجودة في
العديد من الدول النامية تتمثل في نظرة مجتمعات تلك الدول تجاه األهداف اإلستراتيجية والتي
غالبًا ما تتسم بالجراءة ،وبالتالي غالبًا ما ينظر إليها بسخرية أو رهبة وخوف ،والسبب في ذلك
يعود إلى نظرة معظم شعوب تلك المناطق إلى الخطط اإلستراتيجية من خالل القدرات المحدودة
للخطط القصيرة ،حيث تعودنا في تلك المجتمعات على التخطيط القصير ،وهو ال يصلح إال
لتحقيق أهداف قصيرة محدودة ،وبالتالي يتم رفض تلك األهداف اإلستراتيجية الكبرى ،مثال
لذلك ما سبق وذكرنا من هدف إستراتيجي بالتحول نحو العالمية وقبول طالب أجانب ،نجد أن
هذا الوضع من خالل قدرات الخطة القصيرة يبدو كما يلي:
أن القدرات المالية لن تسمح بتنفيذ الوسائل واألهداف المطلوبة من مكتبة إلكترونية وإدارة
إلكترونية وتجهيز المباني بالمستوى العالمي.
أن ترجمة الكتب والمراجع يحتاج إلى سنوات وليس عام واحد.
ابتعاث األساتذة إلى الخارج لدراسة اللغات األجنبية يحتاج إلى سنوات وال يمكن أن يتم ذلك في
عام.
تأليف الكتب ومراجعة المناهج يحتاج إلى أكثر من عام.
وهكذا نجد النظرة المريبة المتشككة تجاه األهداف اإلستراتيجية ،إال أن الوضع يختلف عندما نحدد
الهدف اإلستراتيجي ومن ثم نقوم بوضع الخطط القصيرة التي من خاللها نحقق جانبًا من متطلبات الهدف
اإلستراتيجي ،ومن ثم تتكامل األهداف حتى يتم تحقيق الهدف اإلستراتيجي بعد سنوات ،يمكن تشبيه
هذا الوضع ببناء عمارة من خمسين طابقًا ،فهو قطعًا ال يمكن إنجازه في عام واحد (من حيث المال وفترة
البناء) ،وبالتالي ال يتم التفكير في تحقيقه في الدول النامية حيث تسود ثقافة التخطيط القصير ،إال أن
وجوده كهدف إستراتيجي يؤدي إلى إعداد خطط قصيرة تعمل كل منها في بناء عدد من الطوابق تختص
الخطة األولى منها بإعداد الخرائط والمواصفات ومن ثم وضع أساس يتحمل خمسين طابقًا ،وتستمر
عملية البناء من خالل الخطط القصيرة األخرى في تناغم إلى أن يكتمل البناء بعد عشر سنوات مثلًا.
لذلك فإن تحقيق األهداف الكبرى واالنتصار على األعداء الذين يقودون المخططات اإلستراتيجية
المتقنة ال يمكن أن يتم في وجهة نظر اإلستراتيجيين في سنة أو سنتين وإنما قد تصل إلى عقد أو عقود
من الزمان ،ولعل جملة صغيرة وردت ضمن حديث للمصطفى ﷺ تعبر عما نقصد في هذا المجال ،وهي
154
الجملة التي وردت ضمن حديثه عندما سأله الصحابة إلى متى يستمر هذا الحال من الضعف والعذاب في
أيام اإلسالم األولى ،حيث بشرهم بما سيؤول إليه حال اإلسالم ،إال أنه أورد جملة قال فيها ما معناه( :لكنكم
قوم تستعجلون) ،هذه الجملة الصغيرة في كلماتها ،تحمل معنى كبيرًا يجسد مفهوم التخطيط
اإلستراتيجي الذي نشير إليه في هذا الكتاب ،حيث أوضح لنا المصطفى ﷺ أن تحقيق األهداف الكبرى
يحتاج إلى زمن طويل وال يحتمل التعجل.
155
إن وجود تحليل إستراتيجي متقن مقرونًا مع األهداف اإلستراتيجية يساعد في إعداد سياسات تقود
نحو تحديد األولويات بشكلٍ كبير ،فقد نجد أن سد الفجوات في الخدمات في سبيل تحقيق عدالة التنمية
أو التوازن داخل الدولة ،معيار الختيار بدائل معينة ،وقد يتم اختيار بدائل لصلتها بمهددات أمنية معينة،
فقد يكون تنويع مصادر الدخل القومي لدولة (ما) في ظل األوضاع الدولية المتغيرة وإمكانية استخدام
هذا الضعف لتهديد الدولة أو إرغامها على التصرف بشكل معين ..إلخ ،قد يعتبر ذلك أولوية وبالتالي يتم
توفير التمويل والدعم له ،إن وضوح الرؤية بهذا الشكل يساعد في تحديد األولويات.
كما يمكن أن تتم دراسة أثر كل بديل من حيث تكلفته المالية ومردوده من حيث تحقيق األهداف ،حيث
يتم رصد كل البدائل ،ومن ثم يتم اختيار البدائل التي تحقق نتائج كبيرة من خالل تمويل أقل ،كما يجب
وضع األولويات بما يراعي تحقيق مطلوبات تنفيذ اإلستراتيجية المشار إليها سابقا بجانب مطلوبات قيادة
التغيير اإلستراتيجي ،فإهمال األهداف اإلستراتيجية الخاصة بتشكيل السلوك والمهارة المطلوبة لتحقيق
اإلستراتيجية يقود للفشل في نهاية األمر.
وقد يتم وضع سياسات تشجع اختيار بديل معين لتوقف أهداف عديدة على تحقيقه وقد يكون ذلك
ممكنًا من خالل استخدام جدول الترتيب الزمني والمنطقي لألهداف ،فالترتيب الزمني والمنطقي يساعد
في منح االهتمام ومن ثم تمويل لبرامج وأهداف يتوقف تحقيقها على إنجاز برامج أو أهداف أخرى ،ويتم
هذا عمليا من خالل السياسات ،وبالتالي ال يعقل أن يتم تمويل أهداف أو برامج ثم يتوقف العمل بعد
ذلك نتيجة لعدم تحقيق البرامج التي كان من المفترض تحقيقها في البداية ،وهكذا يتم تعطيل العمل
وصرف مال وزمن دون أن ينجز الهدف الكبير ،وبالنظر إلى األشكال أدناه التي تعبر عن منظومة افتراضية
لمجموعة من األهداف المتكاملة ،تتضح الرؤية ،حيث يالحظ على سبيل المثال أن عدم تنفيذ شبكة
الصرف الصحي يعني تعطيل اإلنتاج الصناعي الذي قد يكون األساس لتوفير فرص العمل ألبناء المنطقة،
وكذا فإن تأخير تنفيذ الهدف الخاص بالطاقة يعني شل العمل وبالتالي تجميد كل األموال التي صرفت في
البرامج األخرى ،إن المنفذين قد يضعون األولوية للزراعة ألنها األساس ،ويمكن هنا تعطيل السكة حديد
واستخدام الطريق البري الذي سيأخذ األولوية الثانية وذلك بشكل مؤقت ،ثم يمكن بعد ذلك تنفيذ شبكة
الصرف الصحي كبداية لإلنتاج الصناعي يتزامن معها برنامج الطاقة أو تجميده مؤقتًا واستخدام الشبكة
الحالية إلى حين ،ثم الحقًا قد تأتي السكك الحديدية.
إن التنفيذ يمكن أن يمشي بشكل أكثر دقة وتعقيدًا من خــالل استخدام جـدول الترتيب المنطقي
والزمـني على مستوى النشـاط ،حيث يتم منح األولوية على مستوى النشاطات في عدد من البرامج إال
أن كل ذلك يتعذر تحقيقه دون تصميم الجداول المشار إليه .عليه فإن تحديد الزمن المطلوب لتنفيذ كل
برنامج وتحديد التسلسل المنطقي يساعد في تحديد األولويات بشكل أفضل.
156
هذا يقود ألهمية تصميم العالقة بين جهاز التخطيط اإلستراتيجي ووزارة المالية وتحديد الصالحيات
وسن التشريعات الداعمة لذلك ،حتى يتم تنفيذ الخطة بناء على الرؤية الشاملة للدولة وليس بناء على
آراء مسؤولي المالية فحسب.
هناك موضوع آخر تجب اإلشارة إليه وهو أن عدم وضوح الرؤية اإلستراتيجية في الدولة تقود لعالج
األزمات بتنفيذ مشروعات على عجل من باب الضغوط وغير ذلك ،ودائمًا ما يتم تنفيذ تلك المشروعات
دون المواصفات المطلوبة كالطرق والمجاري وقد يتم االستغناء عنها الحقًا .وما يجب توضيحه في هذا
المقام هو أن وضوح الرؤية اإلستراتيجية نتيجة لوجود إستراتيجية معدة بشكلٍ جيد ،يساعد في تحديد
األولويات وتنفيذ المشروعات المطلوبة حتى في ظل الضغوط المجتمعية أو غيرها ،وبالمواصفات
المحددة ،ولكن في ظل تراكم على مدى بعيد من خالل عدد من الخطط المرحلية يمكن إكمال العمل دون
تبديد ألموال في مشروعات غير مجدية.
157
16/3السياسات والترتيب المنطقي والزمني لتحقيق الهدف المرحلي
الفرتة الرابعة الفرتة الثالثة الفرتة الثانية الفرتة األول الربنامج /الفرتة
الربنامج أ
الربنامج ب
الربنامج ج
الربنامج د
الربنامج هـ
الربنامج و
الشكل يشير إلى أن البرنامج (أ ،ب) يمكن إنجازهما في وقت واحد ،كما ال بد من إتمامهما أولًا وبدون
ذلك ال يمكن الشروع في تنفيذ األنشطة األخرى ،وهكذا البرامج (ج ،د ،هـ )،وأخيرًا البرنامج (و)
الفرتة الثالثة الفرتة الرابعة الفرتة الثانية الفرتة األول النشاط /الفرتة
النشاط أ
النشاط ب
النشاط ج
النشاط د
النشاط هـ
النشاط و
الشكل يشير إلى أن النشاط (أ) ال بد من إتمامه أولًا وبدون ذلك ال يمكن الشروع في تنفيذ األنشطة
األخرى ،والنشاط (ب ،ج ،يجب إتمامهما بعد النشاط أ) وهكذا األنشطة (د ،هـ )،وأخيرًا النشاط (و)
158
ثان ًيا :تنفيذ اإلسرتاتيجية:
تنفيذ اإلستراتيجية هو الخطوة الثانية من خطوات اإلدارة اإلستراتيجية ،ولعل معظم حديث الناس
في الشأن اإلستراتيجي يدور حول تنفيذ اإلستراتيجية باعتباره القضية األساسية ،حيث غالبًا ما يتساءلون
عن ماهية فائدة اإلستراتيجية حتى وإن كانت ممتازة ،طالما أن تحقيقها على األرض يتوقف على الصدفة
أو الحظ ،عليه وحتى نتمكن من إعداد إستراتيجية ناضجة قابلة للتطبيق ومستدامة مع تعاقب
الحكومات ،وضمانًا لبناء تراكم يفضي لتشكيل المستقبل المنشود وتحقيق الغايات التي تعبر عن وجدان
المواطن ،فقد برز منهج اإلدارة اإلستراتيجية الذي يهتم بعمليات التخطيط وما بعد التخطيط ،حيث
يشمل ذلك تأسيس األوضاع المواتية لتنفيذ اإلستراتيجية ،بما في ذلك تحقيق التكامل والتناسق لنشاط
الوالية ،ونعني بذلك التكامل بين اإلستراتيجية والسياسات والتشريعات والهيكلة اإلدارية للدولة،
وعمليات إعادة هندسة التشريعات وإعادة هندسة السياسات والتي قد تتضمن إلغاء أو تعديل أو إصدار
تشريع أو سياسة جديدة ،سواء لتعزيز نقاط قوة الدولة أو عالج الضعف والمهددات أو االستفادة من
الفرص وتعزيزها وابتكارها ،أو لفك تناقضات معينة ،وما إلى ذلك.
يشمل ذلك رصد المعوقات أو الثغرات التي تؤثر على كفاءة وفاعلية تنفيذ اإلستراتيجية ،وصولًا لرؤية
واحدة ومتكاملة لتطوير التشريعات ،في إطار رؤية الدولة ورسالتها وفلسفتها وغاياتها ،وإزالة التناقضات
بين التشريعات نفسها.
159
جديدة وإلغاء البعض وتطوير البعض اآلخر ،وتحقيق التناغم والتكامل للنشاط الوطني وحل
كافة المعضالت التي تعترض أو تؤثر على التنفيذ .ويعتبر إصدار الدستور هو أعلى تجليات
هندسة التشريعات ليقوم بحماية اإلستراتيجية والتأسيس لحاكميتها وكذا التأسيس للعقل
اإلستراتيجي للدولة وسلطاته وتعيين وإعفاء قياداته ،والنص على سلطات رعاية المسار
اإلستراتيجي ،وحتمية الحصول على رخصة القيادة اإلستراتيجية لمن يتولى وظائف قيادية
في الدولة ،وحماية مركز صناعة القرار اإلستراتيجي.
وهناك قانون اإلستراتيجية الذي يفصل كل ذلك فضالً عن تحديد المنهج وحاكميته والنص ج.
على كل المصطلحات والمفاهيم المهمة كمفهوم الرؤيا والرسالة والغاية والقوة اإلستراتيجية
إلخ .وبالتالي في إطار مفهوم المعرفة اإلستراتيجية فإن الدستور سيؤسس إلطار عام منطلقاً
من المعرفة اإلستراتيجية بما يؤسس للتكامل والتآزر بين نشاطات الدولة في القطاعات
السبعة.
إن الناظر للواقع في كثير من دول العالم يكتشف أن هناك دائما تناقض بين التشريعات د.
حتى داخل القطاع نسبة إلعدادها دون منهج يحقق التفكير الجمعي ويربطها بصورة مباشرة
باإلستراتيجية ،لذلك فإننا سنكون هناك حاجة لقوانين تتأسس على خلفية المعرفة،
لتتمكن من تحقيق التكامل والتآزر بين نشاطات القطاع المعين وشركائه في القطاع الخاص
والمجتمع وذلك كما يلي:
القانون االقتصادي. .1
القانون االجتماعي. .2
القانون السياسي. .3
قانون األمن والدفاع. .4
قانون اإلنتاج المعرفي. .5
قانون اإلنتاج التقني. .6
قانون المعلومات واالتصاالت واإلعالم. .7
في المستوى الثالث سنكون في حاجة لقوانين فرعية كقانون الزراعة والصناعة واإلنتاج
الصناعي والكهرباء ،في القطاع االقتصادي ،وقانون التعليم والثقافة والتنمية االجتماعية
والرياضة في القطاع االجتماعي .كما أن كثير من مفردات اإلستراتيجية تحتاج إلسناد تشريعي
كالرسالة أو بعض األهداف أو السياسات ،وفي نفس الوقت بنفس القدر الذي تحقق بتكامل
التخطيط اإلستراتيجي القومي ابتداء من التحليل وإنتاج المعرفة اإلستراتيجية التي تمثل
أعلى تجليات تكامل التحليل اإلستراتيجي لربطها بين قوى الدولة الشاملة " سياسة ،اقتصاد،
160
اجتماع ،إلخ " لينتج عنها غايات وأهداف متكاملة ،فإن وضوح التوجه اإلستراتيجي يتيح
للبرلمان إنتاج تشريعات متكاملة في مستوى القطاعات كتكامل التشريعات االقتصادية،
وعلى المستوى الكلي كتكامل التشريعات االقتصادية مع السياسية مع االجتماعية.
إعادة صياغة السياسات بنفس المنهج أعاله ،وتشمل إلغاء أو تعديل بعض السياسات ه.
وإصدار سياسات أخرى جديدة بما يجعل حزمة السياسات تتناسب والغايات الوطنية وتوفر
األوضاع المطلوبة لتحقيقها ،وفي هذا ضمان لتكامل السياسات مع اإلستراتيجية.
إعادة الهيكلة اإلدارية للدولة ،بغرض توفير جهاز إداري يستطيع تنفيذ اإلستراتيجية بكفاءة، و.
وقد يشمل ذلك استحداث وزارات ومؤسسات وإدارات جديدة.
ترتيب الشراكات الوطنية الداخلية وتقاسم األدوار بين الحكومة من جهة ومنظمات المجتمع ز.
ومنظمات األعمال من جهة أخرى ،فيما يتصل بتنفيذ اإلستراتيجية ،والمتدبر لصياغة مفهوم
الرؤية يالحظ دورها في تأسيس الشراكة الوطنية خلف تنفيذ اإلستراتيجية ،فكل الرؤى على
مستوى المجتمع تنطلق على خلفية الرؤيا القومية ،ولعل هذا ما يشير لضرورة تحديد
المنهج الوطني للتخطيط اإلستراتيجي بما يقود لتوفير هذا الوضع وتحقيق التناسق القومي
وتشكيل العقل القومي ،وهذا بالطبع ال يمكن تحقيقه من خالل منهج اإلستراتيجية في
مستوى المنظمات.
تطوير الفلسفة والســبل اإلدارية الحـديثــة مثل إعادة الهــندســة ونظام فرق ح.
العمل أو الهيكل اإلداري الشبكي ..إلخ ،بما يحقق الكفاءة في إنفاذ اإلستراتيجية وضبط
الفوضى وتقليل الفساد ويمهد للعمل الجماعي واإلبداعي.
استخدام التقنية الحديثة وأنظمة المعلومات ،وهو ما يعرف بالحكومة اإللكترونية واإلدارة ط.
اإللكترونية ،باعتبارها إحدى أهم وسائل السيطرة وتحقيق الجودة بل وتقليل الفساد اإلداري
والمالي.
هذه المرحلة تستدعي تطوير السلوك الشخصي والجمعي وتعزيز القدرات في التنفيذ ي.
اإلبداعي وإدارة الوقت والجودة والتميز وإدارة المشروعات ...إلخ ،في ظل مناخ يؤسس للعمل
الجماعي الوفاقي.
161
سلوك شخيص سالب
مهارات محدودة
مهارات متقدمة
162
وتوضيح التحديات التي تواجه تحقيق هذا الحلم وتوضيح تعقيدات تحقيق المصالح ،وهذا يشير بوضوح
لجانب مهم من مهام إستراتيجية التربية والتعليم واإلعالم والتدريب في هذا الخصوص.
.4تشكيل السلوك المناسب لتحقيق اإلستراتيجية:
ال يمكن تنفيذ اإلستراتيجية بكفاءة إذا لم تتضمن اإلستراتيجيات الفرعية في مجاالت التربية
والتعليم واإلعالم والتدريب ،لجانب التغيير اإلستراتيجي للسلوك الذي يشمل السلوك السياسي
واالقتصادي واالجتماعي وتهيئة الذهنية ،وهذا يعني أهمية وجود أهداف إستراتيجية للتعامل مع عدم
احترام العمل وإتقانه والزمن ،سلوك احترام النظام والقانون ...إلخ،
لذلك أستطيع أن أقول إن أي تخطيط إستراتيجي ال يكتب له النجاح إذا لم يهتم بالتخطيط
اإلستراتيجي الثقافي ،التربوي ،التعليمي ،التدريبي واإلعالمي ،وكذا بوضع األولويات التي تضمن تنفيذ
هذه اإلستراتيجيات خاصة في مراحلها األولى.
163
شكل رقم 18 / 3عملية التخطيط اإلستراتيجي
سياسة أو أكرث
ترشيع أو أكرث
سياسة أو أكرث
ترشيع أو أكرث
سياسة أو أكرث
ترشيع أو أكرث
سياسة أو أكرث
ترشيع أو أكرث
164
شكل رقم 19 / 3عملية التخطيط اإلستراتيجي
التعامل املهددات
سياسة أو أكرث
ترشيع أو أكرث
سياسة أو أكرث
ترشيع أو أكرث
سياسة أو أكرث
ترشيع أو أكرث
سياسة أو أكرث
ترشيع أو أكرث
165
الشكل :20/3دور منهج التخطيط اإلستراتيجي في تحقيق التكامل والتناسق لتنفيذ اإلستراتيجية
الترشيعات :االستغالل املثال لنقاط القوة والحفاظ عليها أو تنميتها أو تنويعها ،االستفادة من
الفرص املتاحة أو صناعة فرص جديدة أو الحفاظ عليها أو زيادتها وتطويرها وتأمينها ،عالج نقاط
الضعف وما يشمله من تغيري عىل الساحة الداخلية ميهد لتحقيق املصالح ،التعامل مع املهددات
وما يشمله من تغيري عىل الساحة الخارجية ميهد لتحقيق املصالح الوطنية.
166
.5توفير المناخ السياسي اإلستراتيجي:
يتوقف هذا الجانب على مدى وجود إستراتيجية سياسية تعمل على تحقيق اآلتي:
أ .وجود إجماع حول اإلستراتيجية ،وهذا يعني ضرورة تأسيس اآللية القومية التي تحقق الشراكة
الوطنية ،إال أنه يجب اإلشارة إلى أن تحقيق ذلك ال يجب بالضرورة أن يتم في وقت وجيز أو بأسلوب
المجامالت والترضيات ،وإنما يتحقق من خالل تحقيق إستراتيجيات التربية والتعليم والتدريب
واإلعالم ،من خالل مسارها الزمني الطويل ،وهذا يعني أن تنفيذ اإلستراتيجية القومية يكون
أفضل وأكثر كفاءة كلما تقدمت اإلستراتيجية في مراحلها.
ب .سيادة نظام الدولة وليس نظام األفراد ،وهذا يعني تشكيل السلوك القيادي ومن ذلك السلوك الذي
يعي أهمية استمرار تحقيق التراكم من خالل عدم الخروج من اإلستراتيجيات والخطط الموضوعة،
إن تصرف القيادات بعقلية الحزب في إدارة الدولة وبعقلية تحقيق المصلحة الشخصية ،يهزم
عمليات تحقيق العقل القومي وتوحيد المشاعر الوطنية ويوفر مناخًا مناسبًا لزراعة اليأس
واإلحباط ،ويؤثر على كفاءة التنفيذ ويعطله في أحيان أخرى.
ج .توضيح حدود السلطة السياسية والسلطة العلمية والمهنية ،وبالعدم يحدث التدخل السياسي
فيما ال يعنيه ويحدث الخلل في تنفيذ اإلستراتيجية.
د .وجود نظام لدعم وصناعة واتخاذ القرار يؤسس للشراكة بين السلطة العلمية والسلطة
السياسية.
ه .استناد الخدمة المدنية على العلم والقانون في التخطيط واتخاذ القرار والتعيين والفصل من
الخدمة.
.6وجود إستراتيجية للعالقات الدولية توفر التقانات والخبرات المطلوبة لتنفيذ اإلستراتيجية من
البيئة الدولية ،ويشمل ذلك التحالفات والشراكات والتكتالت اإلستراتيجية السياسية واالقتصادية.
.7وجود إستراتيجية لإلنتاج العلمي ،تنطلق على خلفية المصالح اإلستراتيجية الوطنية وما يتصل
بها من قضايا إستراتيجية ونقاط ضعف ومهددات ..إلخ ،بما يؤدي إلى حشد قوة الدولة العلمية
والتقنية خلف تنفيذ اإلستراتيجية وما قد تحتاجه لعمليات بحثية أو إنتاج تقني معين.
.8توفير المهارات المناسبة لتنفيذ اإلستراتيجية:
ينطبق الوضع أعاله على الجانب الخاص بالمهارات ،وهذا يعني ضرورة أن تنطلق إستراتيجية الموارد
البشرية على خلفية المصالح اإلستراتيجية الوطنية ،وهو ما تحققه المفاهيم التي يدعو لها هذا الكتاب،
وبالتالي يتم توفير الكوادر بالكم والكيف والوقت المطلوب لتنفيذ اإلستراتيجية.
167
.9توفير البنية التحتية من التشريعات والسياسات:
إن شمول خطوات اإلدارة اإلستراتيجية للخطوة التي تهتم بمراجعة التشريعات والسياسات حتى
تصبح مناسبة لتحقيق المصالح اإلستراتيجية الوطنية ،يعني تعرف دائرة التشريعات والسياسات بآلية
التخطيط اإلستراتيجي ووزارة العدل والوزارة المعنية بالشؤون السيادية ،ومن بعدهم البرلمان ،لكافة
األوضاع المطلوبة لتنفيذ اإلستراتيجية والتي أشرنا ألهمها أعاله ،وبالتالي يتم وضع بنى تحتية من
التشريعات والسياسات تمهد لتنفيذ اإلستراتيجية بكفاءة.
.10تضمن اإلستراتيجية على األهداف اإلستراتيجية الخاصة بالتغيير اإلستراتيجي المطلوب لتهيئة
األوضاع لتناسب تحقيق اإلستراتيجية.
.11إعداد اإلستراتيجية بناء على المعرفة (نتائج التحليل إستراتيجي) ،ولعل الواقع يشير إلى إعداد
كثير من اإلستراتيجيات دون إجراء للتحليل اإلستراتيجي الشيء الذي يجعل من اإلستراتيجية مسخ
مشوه خالٍ من الرؤية اإلستراتيجية التي من خاللها يتم تحقيق التكامل والتناسق والترابط لنشاط
الدولة ليتجه نحو مسارات محددة تنطلق على خلفية المصالح اإلستراتيجية ،فصياغة الرؤية
والرسالة والغايات واألهداف اإلستراتيجية والسياسات ،جميعها يجب أن تنبع من ماعون نتائج
التحليل اإلستراتيجي.
.12تحديد األولويات على المستوى المرحلي بما يراعي اإلستراتيجية من حيث إجراء التغيير اإلستراتيجي
أو استيفاء مطلوبات التنفيذ اإلستراتيجي.
.13وجود إستراتيجية لإلنتاج التقني توفر السند التقني لتنفيذ اإلستراتيجية ومن ذلك االستغالل
المثالي للوقت ،من خالل استخدام نظام اإلدارة اإللكترونية ،وقد أثبتت التجارب أهمية هذا الجانب
في تحقيق كفاءة التنفيذ بما يشمله ذلك من تحقيق الجودة واالستغالل المثالي للزمن والسيطرة
بقدر كبير على الفساد المالي واإلداري.
.14وجود مركز محدد ومؤمن لصناعة القرار بما يضمن انسياب المعرفة وتوفر اإلرادة والمصلحة الوطنية
في كل قرار ومنع تمرير أي مصالح أخرى تتناقض والمصالح الوطنية.
.15وجود آلية للتخطيط اإلستراتيجي منصوص عليها في الدستور ،تعمل بصالحيات وتنظيم إداري،
يناسب رعاية المسار اإلستراتيجي للدولة (راجع الفصل األول من الباب الثالث من هذا الكتاب).
إن كل ما أشرنا إليه أعاله حول تنفيذ اإلستراتيجية ،تتضمنه مفاهيم التخطيط اإلستراتيجي السياسي
والتربوي واإلعالمي ومفهوم التغيير اإلستراتيجي ..إلخ ..الواردة في هذا الكتاب ،وهو ما يؤكد أن وضع
وتنفيذ اإلستراتيجية بنجاح يتوقف على مدى ارتكازها على مفاهيم تحقق التكامل والتناغم والترابط
168
بين أنشطة الدولة وتهيئ األوضاع لتنفيذ اإلستراتيجية ،وأن إغفال أي مجال من مجاالت التخطيط
اإلستراتيجي من شأنه أن يؤثر على كفاءة تنفيذ اإلستراتيجية (للمزيد نرجو مطالعة الفصل الثاني من
هذا الكتاب)
إن التخطيط اإلستراتيجي يعني تحديد عددٍ من الغايات التي قد يتطلب تحقيق كال منها إنجاز عدد
من األهداف اإلستراتيجية ،كما قد يتطلب إجراء تغييرات إستراتيجية ،هذا األمر يتطلب إعادة تصميم
الهياكل التنظيمية والتي تحدثنا عنها في الفصل األول من هذا الكتاب ،بما يتماشى مع التخطيط الذي
تم ،وقد يستدعي إعادة تصميم الهيكل من جديد بما يشمل إضافة وزارات أو إدارات جديدة أو إلغاء أخرى،
وإعادة توصيف الوظائف بما يشمل العمق الذي تتطلبه الخطة اإلستراتيجية.
التغيري اإلسرتاتيجي:
إن تنفيذ اإلستراتيجية يستدعي بالضرورة تهيئة األوضاع حتى تصبح مالئمة لتحقيق المصالح
الوطنية ،لذا يعد التغيير اإلستراتيجي من أهم خطوات تنفيذ اإلستراتيجية.
اتفق معظم الخبراء على أن التغيير اإلستراتيجي له أنواع ثالثة هي:
.1إعادة الهيكلة.
.2إعادة الهندسة.
.3التجديد والتميز.
بوجهة نظر المؤلف األنواع الثالثة أعاله مناسبة للشركات والمنظمات إال أنها ال تستوعب حجم ونوع
التغيير اإلستراتيجي المطلوب في حالة التخطيط للدولة ،وكثيرًا ما نسمع أن الخطة اإلستراتيجية المعينة
ممتازة لكن (على سبيل المثال) المشكلة في أن الثقافة المحلية اعتادت على الكسب السريع أو أن هناك
مشكلة في السلوك الذي ال يحترم الزمن أو العمل أو وجود مشكلة في التمويل أو عدم وجود كوادر مؤهلة،
وهو وضع ينافي أبسط أبجديات التخطيط اإلستراتيجي الذي يقوم من خالل تحليل البيئة الداخلية
والخارجية بتحديد نقاط الضعف والتي يمكن أن تشمل السلوك السيئ تجاه الوقت أو احترام العمل أو
ضعف التمويل أو القدرات البشرية ،وهو وضع يعني ضرورة بلورة أهداف أو سياسات تسعى لعالج نقاط
الضعف تلك ،وهو قد يعني في بعضٍ منها إحداث تغييرات إستراتيجية مثل إعادة صياغة السلوك
للمواطن ليحترم العمل أو الزمن ،وهكذا ال يستسلم التخطيط اإلستراتيجي الحقيقي لمثل هذه العقبات
وإنما يسعى عبر فترات زمنية طويلة لعالجها وهو من المواضيع التي تعزز استحالة تحقيق تنمية
بمفهومها الشامل خالل فترة زمنية قصيرة ألن ذلك يتطلب مواجهة الكثير من العقبات والتحديات التي
تحتاج لزمن طويل لتحقيقها ،خاصة في مستوى الدول ،يعزز ذلك ما تحقق من سلوك رفيع لدى بعض
169
الدول ،وهو وضع لم ترثه تلك الدول وإنما قامت بتحقيقه عبر تخطيط إستراتيجي متقن.
مثال :قد تقوم محطة تلفزيونية محلية بتغيير كل أجهزتها ومعدات البث وتركيب أجهزة جديدة،
وذلك إذا قررت التحول نحو العالمية على سبيل المثال ،بل أن تلك القناة قد تضطر إلى تعديل الهيكل
اإلداري حتى يشمل إدارات تلبي متطلبات التعامل مع الجمهور العالمي ،وقد تقوم بتغيير الفريق العامل
بكامله وتعيين فريق جديد من الذين يستطيعون التعامل مع الجمهور العالمي من تحدث بلغات أجنبية
أو معرفة بتقنيات حديثة أو معرفة بتاريخ وثقافات عالمية الخ ..إذن التغيير اإلستراتيجي يهتم بإجراء
عمليات تغيير كبيرة.
وفي عالم االقتصاد نجد أن التغيير المتسارع في األنماط االستهالكية قد يتطلب إجراء تغييرات
أساسية في استحداث أو تغيير المنتجات بمنتجات جديدة أو تغيير النظم الصناعية أو تغيير إستراتيجيات
التنافس وبناء القدرات ،وقد يفرض الواقع االقتصادي الوطني أن تقوم المنشأة بإجراء تغيير إستراتيجي
مثل أن يقوم مصنع للزيوت بنقل المصنع من بلد معين ال تمكن قوانينه وسياساته االقتصادية من
تحقيق الميزة التنافسية العالمية لتلك الصناعة ،إلى إعادة تركيب المصنع في دولة أخرى تمكنه من
التنافس العالمي وتحقيق القدرات التنافسية.
ولعل هذا الوضع هو ما أصبح يفرض حتى على الدول بالقيام بتغييرات إستراتيجية حتى ال يضطر
المنتج الوطني للبحث عن المكان األفضل ،مثال لذلك أن عدم قيام الدولة بإحداث تغييرات إستراتيجية
في سياساتها االقتصادية بما يحول بيئتها االستثمارية إلى بيئة جاذبة دوليًا بحيث تمكن المؤسسات التي
تعمل بتلك الدولة من التنافس العالمي وتحقيق المزايا النسبية العالمية ،فإن واقع العولمة سيفرض
على المنتجين والمستثمرين التحول نحو مكان آخر يحقق لهم أهدافهم اإلستراتيجية ،ويعتبر العجز في
إجراء التغيير اإلستراتيجي أحد أهم أسباب فشل المنظمات والدول في البيئة العالمية ،والعكس فإن
القدرة على التغيير اإلستراتيجي هي أحد أهم أسباب تحقيق التفوق والبقاء.
170
من دعم خارجي فقط ،والوضع الصحيح هو أن تتم بلورة أهداف يتم تمويلها من خالل برامج ومشروعات
كما هو مشار إليه أعاله ،مع السعي في ذات الوقت لبلورة أهداف وبرامج وسياسات وتشريعات تسعى
إلجراء تغييرات تقود نحو خلق مناخ سياسي واقتصادي واجتماعي ،هو الذي يجذب األموال واالستثمارات
للدولة ،ولننظر إلى تجربة جبل على ومنطقة shin jinحيث سنجد أن الوضع السياسي واالقتصادي هو
الذي نجح في جذب التمويل.
بوجهة نظر المؤلف ،هناك سبعة أنواع رئيسة للتغيير اإلستراتيجي هي:
.1التغيير الثقافي.
.2التغيير اإلداري.
.3التغير السياسي.
.4التغيير في نطاق العمل.
.5التغيير المؤسسي.
.6التجديد والتميز.
.7التغيير الفني أو الهندسي.
171
ثانيًا :التغيير اإلستراتيجي اإلداري:
إن التحول اإلستراتيجي الناجم عن تحديد أهداف إستراتيجية يعني مواجهة الدولة لتحديات أكبر،
وطالما تحدثنا عن التغيير اإلستراتيجي فإن هذا يعني أن الوضع القائم قبل التغيير غير مؤهل لتحقيق
األهداف اإلستراتيجية للمنظمة ،وطالما أن األهداف اإلستراتيجية تعني تنافس أكبر وتعامل مع بيئة
أوسع وأكثر تعقيدًا ،فإن قدرات القيادة المطلوبة للتعامل مع هذا الواقع الجديد ستكون مختلفة عن
الوضع السابق ،يأتي حديثنا هذا مقرونًا مع ظروف العولمة التي أصبحت تعني ضمن مفاهيمها العديدة،
القدرة على التنافس العالمي والقدرة على التفاعل مع البيئة الدولية ،عليه نجد أن المدير بقدراته
التقليدية في علم اإلدارة ال يمكنه مواجهة أو منافسة اآلخرين ذوي التخطيط اإلستراتيجي والقدرات الهائلة
في مجال اإلدارة اإلستراتيجية ،الشيء الذي يفرض إجراء تغيير إستراتيجي في اإلدارة وهياكل اإلدارة يشمل
تدريب وتعيين مديرين إستراتيجيين ذوي تفكير إستراتيجي عالمي وقدرات إستراتيجية ومعرفة باإلدارة
الدولية.
كما يشمل إعادة تصميم الهياكل اإلدارية بإضافة وإلغاء خطوط ومستويات وإضافة إدارات وإعادة
توصيف الوظائف بصورة تلبي الخطط اإلستراتيجية ،واستخدام أساليب اإلدارة اإللكترونية ،كما تشمل
إعداد القدرات والنظم الرقابية بما يجعلها تناسب المتطلبات العالمية،
حتى مستوى ومواصفات األداء اإلداري يطاله التغيير اإلستراتيجي ،فإذا كان اإلهمال في عدم الرد على
رسائل المواطنين أو الرد بعد فترة طويلة ال يعتبر خطأ في السابق ،فإن التغيير اإلستراتيجي اإلداري
يشمل مثل تلك المعايير ويضع ذلك التصرف في خانة الجريمة،
ويؤسس لكفاءة العمل اإلداري بما يضمن في حالة هذا المثال توفير كادر إداري ذي مواصفات إدارية
عالمية تجعله يحسن إدارة الوقت ويحترم أسس التعامل ،ومن ذلك الرد على رسائل المواطنين في الوقت
المحدد وإنجاز عمل معين بالمواصفات المحددة في وقت محدد ،وهكذا يتم إحداث تغيير إستراتيجي في
إدارة المنظمة ينعكس على قدرتها في إدارة مصالحها بصورة أفضل وبالتالي تعزيز قدراتها وإمكانياتها
في تحقيق األهداف اإلستراتيجية وإدارة حوار المصالح.
مثال للتغيير اإلستراتيجي اإلداري :قام أحد المصانع الوطنية المتخصصة في إنتاج الزيوت بوضع خطة
إستراتيجية جديدة نجم عنها التحول من اإلنتاج للسوق المحلي إلى اإلنتاج للسوق العالمي .حتى نتمكن
من رصد التغيير اإلستراتيجي اإلداري ،فانه يجب ذكر المعلومات التالية حول المصنع قبل الخطة
اإلستراتيجية والوضع بعدها:
▪ أن المصنع ينتج للسوق المحلي ويواجه منافسين محليين تقليديين.
▪ أن اإلدارة بالمصنع تقليدية بسيطة ذات تفكير محدود من ذوي الخبرة في مجال الزيوت ال خبرة
172
لها عن األسواق العالمية.
▪ أن اآلليات الموجودة تقليدية.
▪ مستوى جودة الزيت متدنية.
▪ أن السياسات المالية المحلية ال تسمح بتحقيق ميزة نسبية عالمية.
أما الوضع بعد الخطة اإلستراتيجية:
▪ المنافسة أصبحت معقدة.
▪ المصنع له ارتباط أكبر بالقوانين والسياسات الدولية.
▪ التنافس يتطلب قدرة وميزة تنافسية عالمية.
القيادات أعاله تستطيع التخطيط بما يؤدي إلى امتالك المصنع للميزة النسبية العالمية.
إذا تأملنا هذه الخطوات يتضح لنا أن المصنع المذكور قد شهد انقالبًا إداريًا عنيفًا كان هو المدخل
األساسي لمواجهة التنافس العالمي الشرس وبدونه ال يمكن للمصنع تحقيق أهدافه اإلستراتيجية حتى
ولو أجرى التغييرات اإلستراتيجية الفنية والهندسية وتغييرات في مجال التجديد والتميز ،وهو ما يمكن
أن نطلق عليه التغيير اإلستراتيجي اإلداري.
وسنتناول هذا الموضوع بصورة أكثر تفصيلًا عند دراسة الحاالت العملية في هذا الكتاب.
173
ففي ظل الصراع الدولي الشرس حول المصالح فقد برز إلى العالم مفهوم التكتل اإلقليمي بين الدول
الذي تسعى من خالله الدول إلى استكمال وتعزيز عناصر التفاوض الوطني أمام المصالح والقوى األخرى،
ولعل من أبرز التغييرات السياسية التي شهدها العالم مؤخرًا هو قيام االتحاد األوربي ،ومن قبلها وحدة
ألمانيا التي اختفت بموجبها دولتي ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية ليبرز وضع سياسي جديد هو الكتلة
االتحادية األلمانية التي استطاعت أن تقود عمليات االتحاد األوربي ،كما نالحظ ذلك في قيام تجمع دول
الخليج العربي الذي يسعى اآلن إلى إصدار عملته الموحدة ،وقد سبقها تكتل عدد من اإلمارات تحت اسم
دولة اإلمارات وهناك الوحدة اليمنية .وفي السودان هناك العديد من الدراسات التي تتحدث عن وحدة
السودان ومصر كمطلب إستراتيجي لمواجهة تحديات العصر.
174
وإذا لم تجدها محليًا فستفكر في البحث عن مكان آخر أو أماكن أخرى تتيح لها ذلك ،ولعل التقسيم الدولي
للعمل بحيث يتم تصنيع أجزاء المنتج المعين في أكثر من دولة هو نوع من أنواع تغيير نطاق العمل
بحثًا عن الميزة النسبية ،حيث نجد على سبيل المثال أن الميزة النسبية لتصنيع سيارة يتطلب أن تكون
كافة أجزائها جيدة ورخيصة بالمستوى العالمي ،هذا يعني أن الوصول لذلك قد يتطلب أن يتم تصنيع
المحرك في دولة بها ميزة نسبية في هذا الجانب ،فيما يتم تصنيع أجهزة اإلضاءة في دولة أخرى والمعدات
الكهربائية في أخرى ،وهكذا نجد أن كافة األجزاء تتمتع بالميزة النسبية العالمية ،ليتم تجميعها مع
بعضها لنصل إلى سيارة ذات ميزة نسبية عالمية ،ووضع كهذا يحتم على الشركة تغيير نطاق أعمالها من
المحلية إلى العالمية ليمتد نشاطها في أكثر من دولة ،وقد شهدت الفترة الماضية هجرة المئات من
الشركات من أوطانها إلى مناطق أخرى بحثًا عن البيئة المناسبة لتحقيق الميزة النسبية ،لذا فقد أصبح
تغيير نطاق العمل من مكان إلى آخر هو أحد أنواع التغيير اإلستراتيجي ،بينما يعني عدم وجود السياسات
المالية واألوضاع اإلستراتيجية المعينة هجرة الدولة إلى دول أخرى.
تغيير نطاق العمل ال يعني انتقال الماكينات ومتطلبات اإلنتاج من دولة إلى أخرى ،وإنما قد يعني
انتقال نطاق العمل من المحلية إلى نطاق أوسع (إقليمي أو عالمي) دون انتقال األجهزة ،مثل تحول نطاق
األسواق إلى العالمية والتلفزيون أو اإلذاعة أو الصحيفة ..إلخ من مخاطبة جمهور محلي إلى مخاطبة جمهور
عالمي.
175
القومية ،وتمتد لتشمل تأسيس شراكات وتحالفات إستراتيجية بين هذه المنظمات ورصيفاتها في
الساحة اإلقليمية والدولية بما يمكن من المساهمة في تحقيق المصالح اإلستراتيجية للدولة فالمنافسة
في كثير من األحيان تتطلب تنمية وتعزيز القدرات التنافسية من خالل عدد من الوسائل ،من أهم تلك
الوسائل هو الشراكة الدولية أو االندماج أو التحالف بين الشركات وبين المنظمات ،وكثيرًا ما نسمع بأن
عددًا من الشركات أو البنوك أو المصانع قد تكتلت في كيان قانوني جديد ،وتكون حيثيات ذلك هو تعزيز
القدرات التنافسية.
176
سابعًا :التغيير الفني أو الهندسي:
وهو يهتم بإجراء التغيير الفني والتقني المطلوب لتحقيق القدرات والمزايا التنافسية العالمية
واستيفاء متطلبات الحفاظ على البيئة ،لذا فالتغيير الفني أو الهندسي يهتم بإضافة تقنيات أو معدات أو
أجهزة جديدة أو قد تعني إلغاء كل النظام الهندسي أو الفني القديم واستبداله بخط إنتاج جديد ،والسبب
في ذلك هو أن التغير في األنماط ومستوى المواصفات والجودة ومستوى التكلفة قد يتطلب ذلك
التغيير ،فأحيانًا نجد أن التكلفة بخط اإلنتاج التقليدي تحتاج إلى 100عامل وموظف وتستهلك طاقة
كبيرة أو تفرز مخلفات أكثر أو وتوفر إنتاجًا مكلفًا ،أو قد توفر إنتاجًا بمواصفات ال تتناسب مع الوضع
الحالي للسوق ،أو قد تفرض القوانين الدولية مثل قانون البيئة إجراء التغيير مثل التحول من استخدام
الجازولين أو الفيرنس إلى الكهرباء أو الغاز.
وهكذا يفرض الواقع في البيئة أن يتم إجراء التغيير أو التوقف عن التنافس.
األولويات:
في كثير من األحيان تعترض اإلمكانات المالية تنفيذ طموحات الخطط اإلستراتيجية ،لذا فإن
المخططين في هذه المرحلة بعد انتهاء عملية التخطيط يقومون بوضع فلسفة تحديد األولويات ،حتى
ال يتم تحديد األولويات وفق مزاج المسؤولين أو دون رؤية ،فتأتي قاصرة أو مختلة.
ويجب أن نوضح هنا أن األولويات تتعلق بالخطط المرحلية والتشغيلية ،فاإلستراتيجية يجب أن تنفذ
بنهاية عمرها الذي قد يكون في حدود 4أو خمسة خطط مرحلية الشيء الذي يعني أن هناك بعض
177
األهداف ال يمكن تحقيقها بينما تبرز أهمية أخرى العتبارات معينة ،لذا فإن مرحلة تنفيذ اإلستراتيجية
أي مرحلة لخطط المرحلية يجب أن تتضمن فلسفة ومنهج لتحديد األولويات لكل مرحلة ،ويالحظ أن
الخطط المرحلية األولى من اإلستراتيجية غالبًا ما تضع أولوية لسد الفجوات في الخدمات األساسية بجانب
توفير الموارد البشرية باعتبارها قضايا إنسانية ويمكن أن تهدد األمن واالستقرار وتعطيل أي عمليات
تهدف لتحقيق التنمية الحقًا ،هذا ال يعني اقتصار التخطيط على هذه الجوانب فقط وإنما يمكن أن
يشمل جوانب أخرى كذلك .وفي كثير من األحيان يتم تحديد األولويات لمواجهة المتغيرات الراهنة.
وقد تحدد األولوية للسير في قطاعات إنتاجية معينة أو التوجه نحو أسواق محددة ،وهذه بدورها قد
تعطي أولوية للتدريب والتعليم في مجاالت معينة.
إن وجود تحليل إستراتيجي متقن مقرونًا مع األهداف اإلستراتيجية يساعد في تحديد األولويات بشكلٍ
كبير ،فقد نجد أن سد الفجوات في الخدمات في سبيل تحقيق عدالة التنمية أو التوازن داخل الدولة ،معيار
الختيار بدائل معينة ،وقد يتم اختيار بدائل لصلتها بمهددات أمنية معينة ،فقد يكون تنويع مصادر
الدخل القومي لدولة (ما) في ظل األوضاع الدولية المتغيرة وإمكانية استخدام هذا الضعف لتهديد الدولة
أو إرغامها على التصرف بشكل معين ..إلخ ،قد يعتبر ذلك أولوية وبالتالي يتم توفير التمويل والدعم له،
إن وضوح الرؤية بهذا الشكل يساعد في تحديد األولويات.
كما يمكن أن تتم دراسة أثر كل بديل من حيث تكلفته المالية ومردوده من حيث تحقيق األهداف ،حيث
يتم رصد كل البدائل ،ومن ثم يتم اختيار البدائل التي تحقق نتائج كبيرة من خالل تمويل أقل ،كما يجب
وضع األولويات بما يراعي تحقيق مطلوبات تنفيذ اإلستراتيجية المشار إليها سابقًا بجانب مطلوبات قيادة
التغيير اإلستراتيجي ،فإهمال األهداف اإلستراتيجية الخاصة بتشكيل السلوك والمهارة المطلوبة لتحقيق
اإلستراتيجية يقود للفشل في نهاية األمر.
وقد يتم اختيار بديل معين لتوقف مشروعات أو أهداف عديدة على تحقيقه وقد يكون ذلك ممكنًا
من خالل استخدام جدول الترتيب الزمني والمنطقي لألهداف ،الحظ األشكال التالية ،فالترتيب الزمني
والمنطقي يساعد في عدم منح تمويل لبرامج وأهداف يتوقف تحقيقها على إنجاز برامج أو أهداف أخرى،
وبالتالي ال يعقل أن يتم تمويل أهداف أو برامج ثم يتوقف العمل بعد ذلك نتيجة لعدم تحقيق
البرامج التي كان من المفترض تحقيقها في البداية ،وهكذا يتم تعطيل العمل وصرف مال وزمن دون أن
ينجز الهدف الكبير ،وبالنظر إلى الشكل 21/3مقرونًا مع الشكل 22/3الذي يعبر عن منظومة افتراضية
لمجموعة من األهداف المتكاملة ،تتضح الرؤية ،حيث يالحظ على سبيل المثال أن عدم تنفيذ شبكة
الصرف الصحي يعني تعطيل اإلنتاج الصناعي الذي قد يكون األساس لتوفير فرص العمل ألبناء المنطقة،
وكذا فإن تأخير تنفيذ الهدف الخاص بالطاقة يعني شل العمل وبالتالي تجميد كل األموال التي صرفت في
178
البرامج األخرى.
إن المنفذين قد يضعون األولوية للزراعة ألنها األساس ،ويمكن هنا تعطيل السكة حديد واستخدام
الطريق البري الذي سيأخذ األولوية الثانية وذلك بشكل مؤقت ،ثم يمكن بعد ذلك تنفيذ شبكة الصرف
الصحي كبداية لإلنتاج الصناعي يتزامن معها برنامج الطاقة أو تجميده مؤقتًا واستخدام الشبكة الحالية
إلى حين ،ثم الحقًا قد تأتي السكك الحديدية.
إن التنفيذ يمكن أن يمشي بشكل أكثر دقة وتعقيدًا من خــالل استخدام جـدول الترتيب المنطقي
والزمـني على مستوى النشاط (الحظ ا األشكال التالية) حيث يتم منح األولوية على مستوى النشاطات في
عدد من البرامج إال أن كل ذلك يتعذر تحقيقه دون تصميم الجداول المشار إليه.
عليه فإن تحديد الزمن المطلوب لتنفيذ كل برنامج وتحديد التسلسل المنطقي يساعد في تحديد
األولويات بشكل أفضل.
هذا يقود ألهمية تصميم العالقة بين جهاز التخطيط اإلستراتيجي ووزارة المالية وتحديد الصالحيات
وسن التشريعات الداعمة لذلك ،حتى يتم تنفيذ الخطة بناء على الرؤية الشاملة للدولة وليس بناء على
آراء مسؤولي المالية فحسب.
هناك موضوع آخر تجب اإلشارة إليه وهو أن عدم وضوح الرؤية اإلستراتيجية في الدولة تقود لعالج
األزمات بتنفيذ مشروعات على عجل من باب الضغوط وغير ذلك ،ودائما ما يتم تنفيذ تلك المشروعات
دون المواصفات المطلوبة كالطرق والمجاري وقد يتم االستغناء عنها الحقًا.
وما يجب توضيحه في هذا المقام هو أن وضوح الرؤية اإلستراتيجية نتيجة لوجود إستراتيجية معدة
بشكلٍ جيد ،يساعد في تحديد األولويات وتنفيذ المشروعات المطلوبة حتى في ظل الضغوط المجتمعية
أو غيرها ،وبالمواصفات المحددة ،ولكن في ظل تراكم على مدى بعيد من خالل عدد من الخطط المرحلية
يمكن إكمال العمل دون تبديد ألموال في مشروعات غير مجدية.
التنفيذ اإلبداعي:
إن تنفيذ اإلستراتيجية وتشكيل الحلم الوطني يستدعي عدد من الترتيبات التي تضمن النجاح ،أولها
هو استدعاء منهج غير تقليدي لتنفيذ اإلستراتيجية ،وهو ما يحتم من االهتمام بتطوير منهج التفكير
ليصبح مبدعًا وبالتالي ابتداع وسائل وأدوات مبدعة لتنفيذ اإلستراتيجية.
إن برمجة العقل وتشكيل أنماط التفكير اإلبداعي تعد من أهم الترتيبات لضمان تنفيذ اإلستراتيجية،
وما هو ما يجب أن تهتم به إستراتيجيات التدريب عند انطالق اإلستراتيجية على أن يدعم ليصبح
مستدامًا عبر إستراتيجية التعليم.
179
فريوس اإلسرتاتيجية:
هناك كثير من المهددات التي تعترض تنفيذ اإلستراتيجية ويتم التعامل معها عبر الفكر اإلستراتيجي
وإستراتيجية اإلنتاج العلمي ،إال أننا في هذا المقام نتعرض لمهدد عام يهدد اإلستراتيجية برمتها يتمثل
في ضعف النفس البشرية التي تميل للمجاملة وللفوضى وللفساد وحب الذات.
إن هذه األوضاع يمكن أن تقود إلى توفير أوضاع خطيرة تتمثل في أن ما يقال ويخطط ال ينفذ ،وبالتالي
يصبح من األهمية بمكان االنتباه إلى تأسيس فلسفة إدارية تقود لقوة التنظيم والمؤسسية بما يضمن
إنفاذ النظام بحسم دون مجاملة.
إننا نالحظ في كثير من الدول النامية كيف ينتشر التسيب وسط الموظفين رغم وجود لوائح تنظيمية
وعقابية ،لكن يتغير الحال عند تحول أحدهم للعمل في إحدى الدول المتقدمة حيث يصبح منذ أول لحظة
لممارسة العمل في حال انضباط كامل .إن الفرق بين التسيب هناك واالنضباط هنا ،هو وجود تنظيم
قوي غير مجامل.
لقد استطاع متجر ( )Wall Martعلى سبيل المثال من مضاعفة مبيعاته بشكل مذهل عدة مرات
لقدرته في جذب الجمهور عبر المستوى الالئق من المعاملة التي تشمل أصغر التفاصيل كاالبتسامة
وطريقة التحية واالحترام ،وهو أمر ناجم عن تحليل إستراتيجي استطاع النفاذ إلى دواخل النفس البشرية
للجمهور األمريكي الذي يتطلع لهذا المستوى من التعامل.
إن اإلدراك العميق إلدارة ( )Wall Martلهذا األمر جعلها تلتزم وبحسم في تنفيذ خططها بما في ذلك
رسالتها التي تتضمن هذا المستوى الرائع من التعامل ،بمعنى آخر فهم يدركون أن المجاملة في سوء
المعاملة ولو لمرة واحدة حتى وإن كان ذلك مجرد تفريط في عدم التبسم للزبون ،يعني العودة بالمبيعات
من عدة مئات من مالين الدوالرات إلى عدة ماليين فقط.
إن هذا المثل البسيط يشير إلى أهمية إنفاذ النظام والخطط والقرارات بحزم دون مجاملة ،وهذا
يستدعي بلورة الفلسفة اإلدارية المناسبة والتدرب عليها ليس فقط على مستوى الموظفين وإنما على
مستوى القيادة ،إننا نالحظ أن كثيرًا من المحاوالت إلنفاذ النظام تفشل ليس بسبب صغار الموظفين
وإنما نتيجة للمجاملة من القيادة سواء الوزير أو وكيل الوزارة .إلخ ،وهو ما يدعو لالهتمام بناحيتين هما:
أن يشمل التدريب كل المستويات بما في ذلك الرئيس والوزراء ونواب البرلمان بجانب قيادات الدولة
والموظفين بما يؤدي لفهم الفلسفة اإلدارية وسط الجميع ،والثاني هو حماية اإلستراتيجية بقانون يمنع
الخروج عن البرامج المحددة في اإلستراتيجية.
180
شكل رقم :21 / 3الترتيب المنطقي والزمني لتحقيق الهدف المرحلي
الفرتة الرابعة الفرتة الثالثة الفرتة الثانية الفرتة األول الربنامج /الفرتة
الربنامج أ
الربنامج ب
الربنامج ج
الربنامج د
الربنامج هـ
الربنامج و
الشكل 19/3يعني أن البرنامج (أ ،ب) يمكن إنجازهما في وقت واحد ،كما ال بد من إتمامهما أولًا وبدون
ذلك ال يمكن الشروع في تنفيذ األنشطة األخرى ،وهكذا البرامج (ج ،د ،هـ )،وأخيرًا البرنامج (و)
شكل رقم :22/3الترتيب المنطقي والزمني لتنفيذ البرنامج ( )1التابع للهدف المرحلي أعاله
الفرتة
الفرتة الثالثة الفرتة الرابعة الفرتة الثانية النشاط /الفرتة
األول
النشاط أ
النشاط ب
النشاط ج
النشاط د
النشاط هـ
النشاط و
الشكل 20/3يعني النشاط (أ) ال بد من إتمامه أولًا وبدون ذلك ال يمكن الشروع في تنفيذ األنشطة
األخرى ،والنشاط (ب ،ج ،يجب إتمامهما بعد النشاط أ) وهكذا األنشطة (د ،هـ) وأخيرًا النشاط (و)
181
شكل رقم :23 / 3تحديد األولويات من خالل منظومة األهداف المتكاملة
برنامج
صناعي
برنامج برنامج
الطاقة زراعي
املنظومة
املتكاملة
برنامج
طرق برية
السكة
لألسواق
حديد
شبكة
الرصف
الصحي
182
خارطة املسار اإلسرتاتيجي:
من أهم ما يميز التخطيط اإلستراتيجي هو أنه يحدد األهداف اإلستراتيجية ويشخص األوضاع الداخلية
بما يجعل الرؤية واضحة من حيث العقبات الداخلية والخارجية المطلوب تالفيها ومعالجتها حتى يتم
تحقيق الخطة اإلستراتيجية ،ويشمل ذلك التغيير اإلستراتيجي الذي أشرنا إليه أعاله.
إال أن واقع معظم الخطط التنموية بالعديد من الدول النامية ،التي اطلع عليها الكاتب تشير إلى أن
التخطيط المذكور دائمًا ما ينجح في تشخيص نقاط الضعف الداخلية والمهددات الخارجية ،إال أنه يفشل
في بلورة أهداف وسياسات وتشريعات لمعالجة نقاط الضعف والمهددات،
وهكذا تنتهي الخطة المعينة دون أن تكون قد قطعت مرحلة تجاه التغيير اإلستراتيجي المطلوب
لتحقيق المصالح اإلستراتيجية ،وهكذا يتنقل ملف العقبات والمهددات ونقاط الضعف من حقبة إلى
حقبة ،وبالتالي تفشل الدولة في تحقيق نهضة متميزة ،مثال لذلك األوضاع الخاصة بالسلوك االجتماعي
أو السياسي أو القدرات اإلدارية للدولة ،فال يكفي بلورة هدف لتشييد طريق وآخر لتشييد محطة كهرباء.
إلخ ،دون بلورة أهداف تسعى لتغيير األوضاع اإلدارية وتلك الخاصة باحترام العمل والزمن وااللتزام ورفع
الوعي اإلستراتيجي ونشر ثقافة التميز والجودة ...إلخ انتهاءً بتغيير السلوك السياسي الذي ظل يشكل
العقبة الرئيسة أمام تحقيق نهضة حقيقية في معظم الدول النامية.
كما أن المنطق يشير إلى استحالة السيطرة على اإلنفاق في الدولة بما يجعله يتم لصالح المشروعات
والبرامج ومعالجة القضايا المطلوبة وفق األولويات المحددة ،التي تجعل كافة تلك األنشطة تتناسق
وتتكامل وتترابط تجاه األهداف اإلستراتيجية طوال عقود من الزمان هي عمر الخطة اإلستراتيجية.
لذا فإن تصميم خريطة للمسار اإلستراتيجي للدولة وقطاعاتها ووزارتها ووحداتها وإداراتها ،يتم من
خاللها بيان الرؤية والرسالة واألهداف اإلستراتيجية ،بحيث يكون واضحًا للعيان الهدف اإلستراتيجي
والعقبات التي تواجهه واألهداف والسياسات والتشريعات التي تعالج ذلك ،وكذا األهداف الفرعية ..هو
الضمان بأن الدولة ال تضيع زمنًا أو مالًا بل تصوب كل مواردها بدقة تجاه أهداف محددة تسعى من خاللها
لتهيئة األوضاع المطلوبة لتحقيق الخطة اإلستراتيجية بجانب تلك األهداف التي تشكل مراحل مطلوبة
لتحقيق الخطة اإلستراتيجية.
.1المستوى العام:
هذا المستوى يحدد المسار اإلستراتيجي العام للدولة ويحدد العقبات بشكل عام والحلول بشكل عام
بما في ذلك المعالجات العامة في مجال التشريعات والسياسات واألهداف الخاصة لنقاط الضعف
183
والمهددات.
.2مستوى القطاع:
وتظهر فيه األهداف اإلستراتيجية بصورة أكثر تفصيلًا ،وكذا نقاط الضعف والمهددات والتغيير
اإلستراتيجي المطلوب وكيفية عالجها.
مستوى اإلدارات:
وهو مستوى التخصص ،فإذا انتهى األمر في وزارة الزراعة بتحديد النقص والتخصصات ،فإن اإلدارة
تحدد التخصص الدقيق بتفصيل متناه ،وهكذا يتم توجيه موارد اإلدارة نحو تدريب عدد محدد لدراسة
تخصص دقيق محدد ،وبالتالي فان اإلنفاق يتم بصورة أمثل مما لو تم في ظل أوضاع ال تتضمن خارطة
مسار إستراتيجي ،بل أو الواقع يشير إلى أن اإلنفاق في عدد من الدول النامية يسير في كثير من األحيان
لمعالجة قضايا وتمويل أنشطة قد يكون جانب كبير منها غير مطلوب لتحقيق األهداف واإلستراتيجية.
مما يجب اإلشارة إليه أن معظم خطط التنمية في الدول النامية تسعى نحو بلورة األهداف المباشرة
كتشييد البنيات التحتية والمزارع والمصانع .إلخ ،إال أنها في كثير من األحيان تغفل بلورة األهداف
المتعلقة بإجراء التغيير اإلستراتيجي ،لذلك يظل ملف العقبات المتمثلة في سوء السلوك السياسي
واالجتماعي وعدم احترام الوقت والعمل ..إلخ ،يتنقل من خطة إلى خطة دون أن يتم قطع مرحلة تجاهه،
الشيء الذي يعطل عمليات تحقيق نهضة حقيقية ،لذا فإن من أهم ما يميز خارطة المسار
اإلستراتيجي هو أنها تبلور األهداف في اتجاهين هما :األهداف المباشرة واألهداف المتعلقة بإجراء
التغيير اإلستراتيجي.
184
الوقت في إدارة األزمات.
من األمثلة على ذلك أن التخطيط اإلستراتيجي يحافظ وينمي الغطاء النباتي وبالتالي يضمن
هطول األمطار واستمرار الحياة بالمنطقة المعينة ،والعكس يعني الجفاف وبالتالي النزوح
وحدوث االحتكاكات بين النازحين الجدد والسكان األصليين.
إن التخطيط اإلستراتيجي ألصحاب المصالح الخارجية كثيرًا ما يستدعي صناعة األزمات في
الدول المستهدفة (المعروف باإلدارة من خالل األزمة) ،وهذا يشير إلى أن عدم وجود التخطيط
اإلستراتيجي يعني استمرار مواجهة األزمات.
التخطيط اإلستراتيجي يتعامل مع القضايا اإلستراتيجية ،التحديات ،نقاط الضعف
والمهددات ،التي تواجه المصالح اإلستراتيجية الوطنية ،وإن العكس يعني اعتماد مبدأ إدارة
األزمة والمواجهة الوقتية (رزق اليوم باليوم) وهو وضع يعني االستمرار إلى ما ال نهاية في
إطفاء حرائق األزمات المتكررة بفعل التخطيط اإلستراتيجي المضاد أو بفعل تراكم المشاكل
والقضايا نتيجة لعدم وجود تخطيط إستراتيجي بعيد المدى يسعى لعالج القضايا
المختلفة.
كل ذلك يعني أن االستمرار في إدارة األزمات خاصة السياسية يصبح أمرًا غاية في الخطورة
ومهددًا رئيسيًا للدولة ،وهو ما يقود ألهمية التخطيط اإلستراتيجي وهو أهمية التوازن بين
السلطات الثالثة ،سلطة التخطيط اإلستراتيجي والتخطيط المرحلي والتخطيط التكتيكي الذي
يتعامل مع األزمات.
إن التخطيط اإلستراتيجي يهيئ الظروف واألوضاع المطلوبة لتحقيق المصالح ،مثال لذلك
التخطيط اإلستراتيجي السياسي الذي يسعى لتعزيز القدرات التفاوضية الوطنية وتأسيس
الشراكة الوطنية الداخلية العادلة بما يشمله ذلك من إنزال القيم والمبادئ على األرض
وتوحيد اإلرادة والمشاعر الوطنية ،وتوفير السند العلمي للقرار ،والعكس يفتح الباب
لالختراق األجنبي من هذا الباب.
والتخطيط اإلستراتيجي اإلعالمي يوفر السند المطلوب لتحقيق المصالح الوطنية ،والعكس
يجعل الدولة غير قادرة على مواجهة الهجمات اإلعالمية المضادة التي تسعى لتشكيل الرأي
العالمي والمحلي الذي يشكل األرضية المطلوبة للتدخالت األجنبية.
وهكذا وصولًا إلى التخطيط العمراني الذي يحدد مناطق تأسيس المدن والقرى ليس بعيدًا
عن الخطر فقط وإنما كذلك لتوفير المزايا السياسية واالقتصادية واالجتماعية األخرى.
185
تخطيط العمليات:
لقد سبق وذكرنا أن إعداد الخطة اإلستراتيجية هو مسؤولية اإلدارة العليا ،وهي كما يتضح من وصف
مسؤول ياتها ،ال تشرف بصورة مباشرة على العمل التنفيذي أو التشغيلي ،وطالما األمر كذلك ،هنا تبرز
األسئلة التالية:
.1كيف تضمن اإلدارة العليا تطبيق رؤاها وهي عادة ما تحمل طموحات كبيرة؟
.2إن األهداف اإلستراتيجية يتطلب تحقيقها زمنًا طويالً ،فكيف نضمن أن األداء التنفيذي يسير
طوال تلك السنوات تجاه تحقيق تلك األهداف؟
سنتناول هنا الترتيبات فيما يلي المستويات دون اإلستراتيجي ،من خالل توضيح مهام اإلدارة الوسطى،
والتي يقف على رأسها إعداد ما يسمى بخطط العمليات أو الخطط القصيرة.
بعد أن يكمل المستوى اإلداري األعلى إعداد الخطة اإلستراتيجية ويقوم بتحديد األولويات لتطبيق الخطة،
فإنه يقوم بتنزيلها إلى المستوى األوسط الذي يتولى تحويلها إلى خطط مرحلية وقصيرة.
وضوح الرؤية والرسالة والغايات واألهداف اإلستراتيجية للدولة أو المنظمة يسهم في أن يتم توجيه
الخطط القصيرة لتحقيق األهداف المختلفة بالتسلسل والتتابع المطلوب لتحقيق األهداف اإلستراتيجية
على المدى الطويل ،أي ضمان سير نشاط الشركة بتناسق وانتظام تجاه الهدف المحدد.
مراقبة الخطة:
من خالل تقارير ومؤشرات األداء يقوم المستوى األعلى بمراقبة سير الخطة نهاية كل عام ويتم التأكد من
أن النشاط يتم بالكم والكيف والزمن المحدد ،وأن الخطة السنوية تشكل المرحلة المطلوبة تجاه الخطة
القصيرة أو المتوسطة ،ومن ثم يتم اتخاذ التصحيح ألي انحرافات أو أي متغيرات قد تحدث بالبيئة
الخارجية ،فيما تتولى اإلدارة الوسطى مراقبة األداء بصفة دورية منتظمة في فترات قريبة (كل أسبوع أو
شهر).
186
شكل :24 / 3نموذج مبسط لخارطة المسار اإلستراتيجي
الرؤية الرسالة
الغاية رقم1
التغيري اإلسرتاتيجي
187
ضبط األداء اإلداري:
إن تحقيق الهدف اإلستراتيجي يتطلب زمنًا طويلًا كما أشرت ،ومن ثم يتم وضع خطط قصيرة كل منها
يسعى إلى تحقيق هدف محدد في زمن محدد ،وبالنظر إلى هذا الوضع فإننا نكتشف أن المنظمة تعمل
في إنجاز مئات من األهداف المتناهية في الصغر والصغيرة لتتكامل وتترابط تجاه تحقيق األهداف
القصيرة ،والتي بدورها تترابط وتتكامل في تناسق تجاه تحقيق األهداف المتوسطة التي تتراكم بانتظام
لتشكيل األهداف الكبرى.
بالنظر إلى هذا الوضع يتضح أن الخلل في تحقيق األهداف المتناهية الصغر سيؤثر بصورة مباشرة
على تحقيق األهداف اإلستراتيجية سواء من ناحية الجودة أو من ناحية الزمن.
هذا يعني أن السيطرة على مستوى الجودة وزمن تحقيق األهداف عنصر أساسي في عمليات التنفيذ
اإلستراتيجي.
من األمثلة على ذلك أن تأخر عامل واحد في خط إنتاج سيارات في إنجاز مهمته والتي يمكن أن تتمثل
في ربط مسمار صغير في مكان محدد بمنطقة معينة بالسيارة خالل فترة 20ثانية أثناء توقف السيارة
التي يحملها سير متحرك أمامه ،هذا التأخير سوف يربك الشركة برمتها.
وإذا كان ذلك مثلًا بسيطًا لمصنع سيارات ،فإن إنتاج مسمار صغير دون المواصفات المطلوبة
سينعكس على مستوى جودة السيارة برمتها كما سبق وذكرت.
إن النظر إلى تحقيق الهدف اإلستراتيجي من خالل هذا المثال يقود إلى أهمية ما ذكرنا ،ويمكن تصور
الوضع في حالة الخطة اإلستراتيجية للدولة إذا جسدنا السيارة بالهدف اإلستراتيجي والعمليات الصغيرة
األخرى مثل ربط مسمار صغير باألهداف الصغيرة في الخطة.
من هنا كان ال بد من النظر بعناية إلى آلية ضبط األداء اإلداري بما يضمن إتمام األداء بالجودة المطلوبة
والزمن المحدد.
188
السيارات ،التي كانت تطبق هيكل تنظيمي تقليدي يتم من خالله توزيع مسؤولية تصميم السيارات
الجديدة على أقسام التصميم المختلفة بحيث يتولى كل قسم تصميم أحد أجزاء المحرك أو جسم
السيارة ،..بينما يتم التنسيق بين أنشطة هذه األقسام عبر المديرين في قمة الهرم اإلداري لضمان توافق
النشاط بين تلك األقسام فضلًا عن تنسيق األنشطة األخرى المكملة والمدعمة مثل المشتريات
والتسويق ،وعند االنتهاء من عملية التصميم يتم تحويل التصميم إلى قسم اإلنتاج لتحديد أفضل وأجدى
طرق اإلنتاج ،وكانت أهم نتائج هذا األسلوب ما يلي:
بطء عمليات تطوير المنتج.
صعوبة عمليات االتصال بين الوظائف ،وقاد هذا الوضع إلى عزل األقسام عن بعضها
البعض.
زيادة فترة طرح منتج جديد إلى خمس سنوات.
إزاء ذلك قررت شركة كرايزلر دراسة تجربة شركة الهوندا اليابانية التي كانت تطرح منتج جديد كل ثالث
سنوات ومن ثم تبنت تطبيقها فيما بعد.
ويقوم نظام هوندا على استحداث فرق عمل يضم كل منها أعضاء من كافة األقسام المختلفة ذات
الصلة بالمنتج المعين ،ومن ثم يتم تحميل هذا الفريق المسؤولية كاملة ابتداءً من التصميم انتهاءً
بالتصنيع والبيع النهائي ،وبموجب هذا النظام تصبح عمليات االتصال أكثر سهولة.
أما التنسيق فهو يتم بصورة سريعة تلقائية نتيجة لوجود كافة عناصر اتخاذ القرار داخل الفريق.
وقد قامت شركة كرايزلر بتطبيق هذا النظام على سيارتها موديل ،Viperحيث حقق نجاحًا تجسد في
تحقيق النتائج التالية (:)34
انخفاض فترة التطوير بشكل كبير.
إمكانية تصميم سيارة جديدة وطرحها للسوق في فترة ثالث سنوات.
بناء على نتائج هذه التجربة قامت شركة كرايزلر بإعادة تصميم هياكلها التنظيمية ،وقامت بتشكيل
مجموعة من فرق العمل ،يكون كل منها مسؤول عن تطوير سيارة جديدة ،ومن ثم قامت بتفويض
)(34ب Charles W. L. Hill & Gareth R. Jones, Strategic Management: An Integrated Approach,
(Boston: Houghton Miffilin Co. 1998), p361.348.
189
السلطة ألولئك المديرين الذين يعملون في تلك الفرق اإلنتاجية مما أدى إلى تقليص الهرم الوظيفي
للشركة نتيجة التحول من النظام المركزي.
الخالصة النهائية لتطبيق النظام الجديد بشركة كرايزلر تجسدت في اآلتي:
اإلقبال الكبير على شراء سيارات كرايزلر.
من أهم ما يميز نظام العمليات هو أن اإلدارات في المستوى األوسط التي تتحول إلى مرجعيات علمية
(فنية ،إدارية ،قانونية )..فبينما تتولى اإلدارة العليا التخطيط اإلستراتيجي ،تتولى اإلدارات الوسطى
تخطيط العمليات وتحديد المواصفات الفنية وما إلى ذلك.
الخطوات العرشة:
مراجعة الهدف قصير األجل مع الهدف اإلستراتيجي والتأكد من أنه يشكل المرحلة أو الغرض
المطلوب على صعيد الخطة اإلستراتيجية.
تشكيل فريق العمل لكل عملية أو إجراء بما في ذلك تحديد رئيس الفريق.
190
مالحظة:
بالنظر إلى الخطوات أعاله يتضح أن ما ذكرناه في الفصل األول من هذا الكتاب حول مبادئ التنظيم
اإلداري وأهمية تحديد نطاق العمل ووصف العمل وأهمية وضوح الهدف الخ يبدو واضحًا في تلك
الخطوات ،إال أننا عالجنا سلبيات الهيكل اإلداري.
مثال:
نضرب المثال التالي لتوضيح ما ذكرنا:
يمكن أن نتخيل الوضع في مصنع للمالبس الجاهزة يستهدف السوق العالمي ،يتكون من مصنع
للنسيج يتولى صناعة القماش ،ومصبغة تتولى صباغة وتلوين القماش ،ومصنع التفصيل الذي يقوم
بخياطة المالبس ،هناك إدارات أخرى مثل التسويق ،البحوث ،الموارد البشرية ،الهندسية .وأن المنتجات
هي جلباب وبنطلون وقميص ،كما أن هناك فريقًا يضم كافة اإلدارات لكل منتج من منتجات المصنع.
هذا الوضع يعالج روتين الهيكل اإلداري حيث يتم التنسيق مباشرة بين اإلدارات عند التخطيط لكل
منتج أو لكل هدف وكذا التنفيذ لكل عمل ،فيما يتيح هذا النظام لكل فرد من أفراد الفريق العودة
بسالسة إلى إدارته للتزود بأي معلومات أو خبرات ،وهذا يعني أن الفريق يعمل ليس بخبرة األعضاء وإنما
بخبرة وسند خبرات وعلم اإلدارات جميعها.
قسم المصبغة يشكل المرجعية العلمية في مجال الصباغة ويتابع التطورات العلمية والعالمية في هذا
المجال ويشرف على تدريب ورفع قدرات منسوبي القسم ليكون متوافقًا مع تلك التطورات ،وهكذا يصبح
هو المرجعية للمنظمة العلمية في مجال الصباغة ،وهكذا قسم النسيج يشكل مرجعية علمية في مجال
النسيج ،قسم التسويق ،قسم الموارد البشرية الخ تشكل هذه األقسام مرجعيات علمية في مجالها.
ويمكنك أن تالحظ أن الجميع بعد انتهاء التخطيط ينخرطون في فرق العمل.
من السرد السابق يتضح أن التخطيط للعمليات يقوم بوضع أنظمة للعمل في كافة المجاالت سواء
بطريقة يدوية أو إلكترونية ،يتم من خاللها تحديد خطوات العمل ووصفه والزمن المطلوب والمسؤول
عن ذلك ،إال أنه في بعض األحيان يتعطل العمل بسبب غياب شخص أو تباطؤه الخ ممن يعتمد عليهم
بسبب خبرته التي ال يعرفها اآلخرون إما للقصور في التوثيق بالمنظمة أو بسبب حرص ذلك الموظف أو
الفني على عدم تمليك خبرته لآلخرين خوفًا على مصالحه أو السببين معًا .هذا الوضع يشكل تهديدًا
لتنفيذ اإلستراتيجية.
191
مثال:
في مصنع ما للحلوى ،يبدأ اإلنتاج بأحد قدامى الفنيين الذي يعرف دون غيره تفاصيل الخلطة لكل
صنف من أصناف الحلوى ،ويقوم في كل مرة بتحديد الكميات من السمسم والسكر وعرق الحالوة والفانيليا
وملح الليمون الخ ،ويتولى العملية اإلنتاجية بأن يقوم باإلشراف على غسيل السمسم وغمره في ماء
الملح (المدة غير معروفة وكمية الملح غير معروفة) ومن ثم تحميصه في النار (المدة غير معروفة)
وطحنه ثم وضعه بالصهاريج ،وهكذا إلى أن يصل اإلنتاج مرحلة التجهيز النهائي حيث يوضع الماء في
الغاليات (المدة والكمية غير معروفة) ويضاف السكر وبقية المواد على دفعات(المدة والكمية غير
معروفة وكذا تسلسل إضافة المواد).
لذا فإن التخطيط العلمي للعمليات يتضمن توثيق تلك الخبرة ووضعها في نظام العمل سواء يدويًا أو
آليًا ،وعندما يتم الدخول في عملية فإن النظام يحدد الكميات المطلوبة من كل صنف ،كما أن مراحل
اإلنتاج تكون محددة بدقة من حيث المدة وغيرها من تفاصيل (مثل أن يوضع السمسم في النار لمدة 12
دقيقة تحت درجة حرارة .)48
وبالتالي يتم ضمان سير العمل دون عوائق واألهم من ذلك هو المحافظة على مستوى الجودة مهما
طال الزمن ،نالحظ ذلك في المنتجات العالمية مثل الكوكاكوال وسندوتشات البيرغر ودجاج كنتاكي .إلخ،
وتشمل الجودة هنا أيضًا مستوى الخدمات مثل مستوى إنهاء العملية مع الزبون
(مثال :أن تقف للعميل حال وصوله ،أن تخطو تجاهه وأن تبتسم ،أن تقوم بتحيته عند بلوغه لك،
أن تبادر بجملة مثل كيف أستطيع أن أخدمك ..الخ) هذا المثال كان السبب األساسي في نجاح متاجر
( )WALL MARTوهي من أعظم متاجر التجزئة في العالم ،حيث يتم تطبيق تلك الخطوات بدقة في
أي متجر للشركة.
أن الخطة المرحلية تتضمن السياسات واألهداف المباشرة وتلك المتعلقة بمرحلة التغيير
192
وهناك العديد من المناهج التي يمكن استخدامها لتحويل اإلستراتيجية إلى عمل قابل للتطبيق.
إعداد املوازنة:
في كثير من األحيان تنهار عملية اإلدارة اإلستراتيجية للدولة نسبة للخلل الناجم عن إعداد الموازنة
بواسطة وزارة المالية أو الخزانة بعيدًا عن عمليات التخطيط اإلستراتيجي ،لذلك تصبح كافة الجهود التي
بذلت في إنتاج المعرفة عبر التحليل اإلستراتيجي وكافة عمليات اختيار التوجه اإلستراتيجي إلخ ،دون
جدوى بل وضياع لوقت وجهد ومال الدولة.
إن ضمان البناء اإلستراتيجي يكمن في عدد من الترتيبات التي سبق الحديث عنها إال انه في هذا الموضع
يجب اإلشارة لضرورة إعداد الموازنة العامة للدولة على خلفية اإلستراتيجية القومية وذلك بتوجيهها نحو
البرامج والنشاطات المحددة.
ويجب اإلشارة هنا إلى أهمية إسناد هذا الترتيب بقانون اإلستراتيجية الذي يحدد من يخطط وكيف
نخطط وكيف نضع الموازنة.
193
على إنتاج للمعرفة اإلستراتيجية التي نجمت عن إيجاد العالقات بين قوى الدولة الشاملة
"السياسية ،االقتصادية ،االجتماعية ،األمنية....إلخ " ومن ثم تمت عملية عميقة جدًا الختيار
التوجه اإلستراتيجي ،وبالتالي تنشأ عالقات وثيقة بين بعض األهداف اإلستراتيجية وبعضها
البعض ،لذا حتى نضمن تحديد أولويات وفق المعرفة اإلستراتيجية التي تعبر عن روح
اإلستراتيجية ،فإن تحديد األولويات يجب أن يتم بمشاركة جهاز التخطيط المسؤول عن
اإلستراتيجية ،وكذا مشاركة الجهاز السياسي المسؤول عن التنفيذ بجانب وزارة المالية المعنية
بالتمويل.
.3من أكبر األخطاء التي يتم ارتكابها في الدول النامية هو إعداد الخطة السنوية بما يوازي إيرادات
الحكومة ،والمنهج العلمي للتخطيط اإلستراتيجي يؤسس لوضع الخطة بما يوازي إيرادات الحكومة
واإليرادات المتوقعة من المجتمع المحلي والمجتمع الدولي ،خاصة وأن اإلستراتيجية نفسها
تتضمن من اإلستراتيجيات التي تؤسس لذلك كاإلستراتيجية السياسية واالقتصادية مع
إستراتيجية العالقات الخارجية ،مثل التحالفات والشراكات اإلستراتيجية ،وكل ذلك يعني تأسيس
فرص لموارد لتنفيذ اإلستراتيجية ،هذا الترتيب يستدعي اآلتي:
أ .أن تقوم وزارة المالية قبل وقت كافٍ بإعداد التقديرات المتوقعة لإليرادات.
ب .أن تقوم الحكومة بترتيب البرامج وفق األهمية كما يلي:
البرامج اإلستراتيجية الحساسة.
البرامج اإلستراتيجية ذات االرتباط بفلسفة األمن القومي ،مثل وضع أولوية الصرف
الحكومي للتعليم العام والصحة في إطار فلسفة تشكيل سلوك إيجابي من المواطن تجاه
الدولة مقابل سلوك الدولة تجاه المواطن بما يقود لتحقيق وتعزيز االنتماء الوطني.
برامج التبادل اإلستراتيجي التي تتطلب مشاركة أجنبية للحصول على المال أو التقانة
الخبرة.
البرامج التي يتوقع يرجى تمويلها من المجتمع المحلي.
ج .إن هذا اإلجراء يساعد في وضع السياسات المرحلية في إطار التوجه اإلستراتيجي للدولة
وفلسفتها ،بحيث يتم توجيه التمويل الحكومي نحو مجاالت محددة فيما يتم إنتاج السياسات
194
التي توجه األطراف المختلفة داخل الدولة وخارجها للمشاركة.
من الترتيبات المهمة لنجاح اإلستراتيجية هو استخدام تقانة المعلومات ولعل من أهم ما يهمنا في
هذا الجانب هو ضمان عدم تنفيذ أي برنامج خارج اإلستراتيجية وهو ما يمكن تحقيقه عبر تقانة
المعلومات وتحديد ( )Codeلكل برنامج ونشاط مربوط إلكترونيًا بالنظام المالي القومي ،كما يساعد
اإلسناد اإللكتروني في حفظ وسرعة استرجاع البيانات والمعلومات بجانب إنتاج جانب من المؤشرات ،فضلًا
عن دور تقانة المعلومات في تقليل الفساد اإلداري والمالي وتحقيق الجودة واالستغالل األمثل للزمن.
إن حشد القوى المعنوية للموارد البشرية أمر ضروري وحاسم إلنجاز اإلستراتيجية بالمستوى األفضل،
وهذا يستدعي تطوير نظام وطني للتحفيز يتضمن في أعلى مستوياته األوسمة واألنواط كما تشمل
الميداليات والشهادات التقديرية بمستوياتها ،لتصبح مرجعية المنح هي الجهد المبذول تجاه تنفيذ
اإلستراتيجية.
تنفيذ اإلستراتيجية يحتاج كذلك لقانون حاسم يمنع الخروج عنها ،حتى ال تصبح وثيقة اإلستراتيجية
حبرًا على ورق ،وهذا ال ينفي أهمية اإلستراتيجيات السياسية والثقافية والتربوية ،والتي تلعب دورًا مهمًا
في ضمان تنفيذ اإلستراتيجية ،بما في ذلك ترتيبات السيطرة على نزعات النفس البشرية وسوء السلوك
وضعف الوعي إلخ.
195
شكل رقم :26 / 3االرتباط بين األهداف اإلستراتيجية والمرحلية
الغاية ..................الهدف اإلستراتيجي رقم ............................1
السياسات
التكلفة
الجهة املؤرشات املؤرشات يف
األهداف املرحلية
املسؤولة نهاية الخطة سنة األساس
196
شكل رقم :27 / 3االرتباط بين البرامج واألهداف المرحلية في إطار الهدف اإلستراتيجي
الهدف املرحيل
رقم 1
الربنامج 1
الربنامج 2
املرشوع 3
الربنامج 4
الهدف املرحيل
رقم 2
الربنامج 1
الربنامج 2
املرشوع 3
الربنامج 4
الهدف املرحيل
رقم 3
الربنامج 1
الربنامج 2
املرشوع 3
197
شكل رقم :28 / 3العالقة بين المشروع والنشاط
تعتبر عملية متابعة ورقابة وتقييم اإلستراتيجية جزءًا مكملًا لعملية اإلدارة اإلستراتيجية للدولة،
وتهتم بالتأكد من أن األداء يتم وفق المسار اإلستراتيجي للدولة ،ومن ثم فهي تهتم من خالل عملية
التقييم برصد عمليات البناء اإلستراتيجي وما يتصل بذلك من أمور ،كما تقوم من خالل عملية الرقابة
اإلستراتيجية برصد االنحرافات التي من شأنها إحداث تأثيرات سلبية على تحقيق رؤية ورسالة الدولة
واألهداف اإلستراتيجية أو المصالح واإلنجازات اإلستراتيجية التي تحققها ولعله من المعروف أن الدولة
تسير عبر مسار إستراتيجي طويل المدى ينطلق من موطن الضعف نحو موطن القوة حيث يتم تحقيق
الرؤية القومية في نهاية المطاف.
كما أن الرؤية القومية يتم تحقيقها من خالل الغايات القومية التي بدورها تتحقق من خالل األهداف
اإلستراتيجية المباشرة واألهداف اإلستراتيجية المتعلقة بالتغيير اإلستراتيجي .وتشير الحقائق العلمية
إلى أن عدم السير بانتظام في هذا المسار اإلستراتيجي يعني عدم القدرة على تحقيق طموحات الشعوب
والدول ،وهذا يعني أن عملية تقييم ومتابعة ورقابة اإلستراتيجية تهتم بالتأكد من سير الدولة
ومؤسساتها في اتجاه تنفيذ األهداف المباشرة وتلك المتعلقة بالتغيير ،بما يضمن السير في االتجاهين
معًا .تتضمن هذه الخطوة من عمليات اإلدارة اإلستراتيجية ما يلي:
عمليات المتابعة:
يتم نشاط المتابعة في اتجاهين رئيسيين هما:
األول :الرصد الميداني المباشر للبرامج والمشروعات ومعرفة ما تواجهه من مشكالت وحلها أولًا بأول.
إن الرصد الميداني دائمًا ما يوضح العديد من العقبات التي قد تكون صغيرة لكنها تعطل العمل ،وأن
198
العمل الروتيني لحلها قد يضيع زمنًا طويلًا ،بجانب إتاحة الفرصة للقيادة ومسؤولي التخطيط للتواصل
الميداني من المنفذين.
إن متابعة مسؤولي التخطيط لعمليات التنفيذ وتواصلهم الميداني مع المنفذين يساعد في تمتين
عمليات التخطيط الحقًا لقراءته بصورة دقيقة لواقع التنفيذ.
الثاني :وهو النشاط الخاص بالرصد الديواني لنشاط تنفيذ للبرامج المختلفة ،وهو من شأنه توضيح حالة
التنفيذ مثال لذلك ،قد نكتشف أن التنفيذ يتوقف على الحصول على التراخيص أو إصدار لوائح معينة
أو تشريعات أو إصدار سياسات أو متابعة إجراءات تمويل من جهات محددة ،إن نشاط المتابعة من شأنها
رصد ذلك ودعمه من جهات أعلى أو التنسيق بين أطراف مختلفة لحل معضلة أو توفير ظرف معين
مطلوب للتنفيذ.
إن توفر عمليات المتابعة بهذا الشكل تساعد في سرعة اإليقاع واإلنجاز وتمنع تعطيل العمل ،فواقع
الكثير من الدول النامية يشير إلى أن غياب المتابعة كان السبب في فشل كثير من الخطط ،حيث أثبتت
دراسات كثيرة توقف عدد كبير من البرامج المجازة أو عدم تنفيذها رغم توفر مقومات تنفيذها كالتمويل
مثلًا ،حيث تكررت األسباب دائمًا في عدم المتابعة في ظل نظام خدمة مدنية بيروقراطية ..إن كثير من
القروض التي تمنح للدول النامية لصالح بعض البرامج التنموية تظل دون استفادة منها لغياب هذا النوع
من النشاط.
عمليات التقييم:
تعتبر عملية التقييم هي الوسيلة الرئيسة لقياس األداء وتقييم مدى كفاءة وقدرة الدولة على تحقيق
األهداف اإلستراتيجية ،ومن خالل تقارير ومؤشرات األداء يقوم المستوى األعلى بمراقبة سير الخطة ويتم
التأكد من أن النشاط يتم بالكم والكيف والزمن المحدد ،ومن ثم يتم اتخاذ التصحيح ألي انحرافات أو أي
متغيرات قد تحدث بالبيئة الخارجية ،فيما تتولى اإلدارة الوسطى مراقبة األداء بصفة دورية منتظمة في
فترات قريبة (كل شهر ،ربع سنة ...إلخ).
تتم عملية التقييم بعد تنفيذ الخطة ،وتهتم باآلتي:
.1رصد عمليات البناء اإلستراتيجي.
.2رصد كفاءة األداء اإلستراتيجي.
.3رصد فاعلية األداء اإلستراتيجي.
.4رصد كفاء التنسيق القومي.
199
.5رصد كفاءة اإلسناد اإلداري.
.6رصد كفاءة اإلسناد التشريعي.
.7رصد كفاءة السياسات.
.8رصد كفاءة الشراكة الوطنية وتقاسم األدوار.
.9دراسة وتحليل أسباب االنحراف.
.10دراسة حالة الدولة عقب كل مرحلة من مراحل اإلستراتيجية في ضوء أوضاع البيئة
اإلستراتيجية.
200
السيارة وفق مواصفات معينة تمكنها من إنتاج سيارة فخمة ،إن الفشل في إنتاج المسمار وكافة األجزاء
الصغيرة األخرى بالجودة والتكلفة المطلوبة وفي الزمن المحدد ،والتي يمكن أن تعبر مجازًا عن األداء في
المستوى القصير ،فإن الهدف اإلستراتيجي ال يمكن أن يتحقق ،وهكذا فإن تحقيق األهداف اإلستراتيجية
وبالتالي الغايات يتوقف على مدى تحقيق األهداف في مستوى األنشطة والبرامج وبالتالي على مستوى
الخطط السنوية والمرحلية.
أما الرقابة والتقييم في المستوى اإلستراتيجي ،في حالة السيارة فإنها تهتم بمراقبة النشاط الكلي
وكل ما من شأنه أن يؤثر على الرسالة أو الهدف اإلستراتيجي للمصنع ،فإذا ما حدث انحراف أو ممارسة
نشاط يمكن أن يؤثر على القدرة التنافسية للمصنع أو يؤثر على حصصها في السوق ،فإن الرقابة
اإلستراتيجية تقوم برصدها ،وهكذا يمكن أن نتصور رصد األداء في المستوى اإلستراتيجي.
يالحظ أن التقييم والرقابة هنا يهتم بالجانب الفكري والمنطقي أكثر من اهتمامها بالجوانب الفنية.
المستوى الثاني :مستوى الخطط المرحلية وتهتم في المقام األول بالتأكد من بلورة هدف مرحلي لكل
هدف إستراتيجي حتى يتم ضمان بناء التراكم المطلوب لتحقيق األهداف اإلستراتيجية ،وكذا التأكد تنفيذ
الخطة المرحلية كمًا وكيفًا وزمنًا ،وتهتم بمراقبة وتقييم السياسات والتشريعات على المستوى المرحلي
والتأكد من أنها تتم بما يحقق أهداف الخطة المرحلية ،كما تهتم بمتابعة وتقييم اإلطار المنطقي
المتعلق بتنفيذ الخطة بشكل عام بجانب تقييم المراحل المطلوبة من تنفيذها من عمليات التغيير
اإلستراتيجي ،ورصد جودة التنسيق بين القطاعات وبعضها البعض وبين الوزارات وبعضها البعض.
المستوى الثالث :ويهتم بمراقبة وتقييم الخطط القصيرة والبرامج والمشروعات ،وتأتي أهمية هذه
المرحلة من كونها تهتم بالتشريعات والسياسات والتفاصيل المتعلقة بالجودة والتكلفة والزمن ،وأن
الخلل في مستوى الجودة أو في زمن تنفيذ المشروع أو البرنامج ،ينعكس على جودة الهدف المرحلي
وبالتالي جودة الهدف اإلستراتيجي ،كما أن الخلل في الزمن ينعكس في الخطة المرحلية وفي زمن
اإلستراتيجية ككل ،لذا فإن الرقابة والتقييم تهتم هنا بشكل مشدد بالتفصيالت الفنية الخاصة بالجودة،
وإنجاز البرنامج في الزمن المحدد إضافة إلى الجوانب الخاصة بفاعلية المشروع أو البرنامج.
201
إنتاج مؤرشات القياس:
إن المسار اإلستراتيجي للدولة هو انتقال من وضع محدد من الضعف في المجاالت السياسية واالقتصادية
واالجتماعية والعسكرية األمنية ..إلخ ،نحو وضع محدد من القوة في هذه المجاالت ،لذلك ال بد عند وضع
اإلستراتيجية من تحديد الـ ( )Bases Lineمن خالل مؤشرات كمية أو وصفية.
نهاية اإلستراتيجية.
يتم عمل مؤشرات لقياس النتائج لكل هدف إستراتيجي ويسمى مؤشر نتيجة إستراتيجية وهي
النتيجة التي ستتحقق عند اكتمال تحقيق الهدف اإلستراتيجي في نهاية اإلستراتيجية أو قبلها
بقليل.
مثال (تحقيق نتيجة إستراتيجية في الماء الصحي ،التعليم ،الصحة ،الرعاية االجتماعية ،الرياضة،
الخارجية ...إلخ ،يؤدي لتحقيق أثر اقتصادي كتحقيق الرفاهية وزيادة الدخل القومي والناتج
القومي وفرص عمل ..إلخ.
على المستوى المرحلي يتم استخدام ذات المؤشرات كما يلي:
يتم عمل مؤشرات لقياس األثر للمرحلة المنجزة من الغاية ويسمى مؤشر األثر المرحلي وهو األثر
التي ستتحقق عند اكتمال تحقيق الهدف المرحلي في نهاية الخطة المرحلية أو قبلها بقليل.
202
في مستوى التشغيل:
كما سبق وذكرنا أن الهدف اإلستراتيجي يتحول في منتهاه إلى أهداف سنوية يتم تنفيذها من خالل
برامج ..هذه البرامج يتم تنفيذها عبر أنشطة ،ويتم العمل بنظام المدخالت والعمليات للوصول إلى
مخرجات وهي مرحلة تطبق فيها نظم الجودة.
لذا فان هذه المرحلة يتم فيها استخدام مؤشر المخرجات وقياس كفاءة العمليات والفاعلية ،حيث ال
يكفي تنفيذ البرنامج المحدد فحسب بل يجب التأكد من كفاءة التنفيذ والفاعلية.
قياس الكفاءة
يهتم بجودة العمليات وهل تمت وفق المواصفات وشروط السالمة والتكلفة المناسبة إلخ.
قياس الفاعلية
للتعرف على فاعلية البرنامج فقد نكتشف أن البئر تم تجهيزه وفق أفضل المواصفات وأقل تكاليف
مالية ممكنة لكن تم حفر البئر في المكان الخطأ حيث ال توجد مشكلة مياه .أو بناء مستشفى للتوليد في
مدينة تعاني من نقص مستشفيات األمراض الباطنية والقلب ،فيما تعدد مستشفيات التوليد.
بالتالي عملية المتابعة والتقييم ال تنتهي بتقارير كمية تشير إلى إنجاز األهداف دون إبراز الكفاءة
والفاعلية.
املرشوع:
عبارة عن عدد من النشاطات المتكاملة التي تحقق مخرجات ،تمثل نتيجة جزئية ،نشاط حفر األساس،
عمل الهيكل الخرساني ،بناء المبنى ،تركيب البالط ،تركيب النوافذ واألبواب ،شبكة ومعدات الكهرباء
والديكور ،وغير ذلك من مشروعات متكاملة في مكان واحد .وقس على ذلك مشروع إنتاج مياه عذبة ،أو
طاقة كهربائية ،أو محطة صرف صحي ،أو مركز تدريب صناعي.
النتيجة الكاملة:
بينما النتيجة الكاملة ( )OUT COMESتتطلب عدد من المشروعات المتكاملة ،مثل مشروعات إنتاج
مياه عذبة ،أو طاقة كهربائية ،أو محطة صرف صحي ،أو مركز تدريب صناعي في المنطقة الصناعية (أ)،
ولعل واقع كثير من الدول هو إجازة مشروعات دون تفكير جمعي يضعها ضمن برنامج للوصول لنتيجة
محددة ،فيتم تشتيت المشروعات مثل المذكورة أعاله بين أطراف الدولة المختلفة ،ونكون قد حققنا
نتائج جزئية لكن دون نتائج أساسية ( )OUT COMESوهو ما يدعو لضرورة إجازة الموازنة على أساس
البرامج وليس المشروعات.
203
األثر:
وهو درجة أعلى يتم الوصول إليها من خالل عدد من النتائج ( )OUT COMESالمتكاملة ،الحظ الشكل
،32/3وهي تمثل حالة الرضا االقتصادي في االقتصاد والرضا السياسي في الغاية السياسية وهكذا بقية
الغايات السبعة.
األثر الشامل:
األثر الشامل هو المحصلة النهائية لإلستراتيجية والتي يتعذر تحقيقها إال بالتحام وتكامل أداء الدولة في
غاياتها السبعة ،وهي المحطة األخيرة لإلستراتيجية ،محطة السالم واألمن القومي.
204
شكل 29/3أنواع المؤشرات
205
شكل 31/3التقييم في مستوى البرامج
استكشاف طوب
مؤرش مخرجات برئ ماء حفر أسمنت
بناء حديد
تركيب وابور
100مرت مكعب من تجريب طلمبة
مؤرش نتائج املاء يوميًا
مواسري
نتائج يف
الزراعة
األثر
االقتصادي نتائج يف
نتائج يف
التقانة
التجارة
االقتصادية
206
شكل :33 / 3األثر الشامل
أثر إعالمي
األثر
الشامل
أثر ثقايف
أثر علمي
اجتامعي
أثر عسكري
أثر دول
أمني
املؤرش
1
2
3
207
شكل رقم :35 / 3مؤشرات األهداف المرحلية للهدف اإلستراتيجي رقم 1
االستخدام
املؤرش
املؤرش يف املؤرش يف الجهة املسؤولة طريقة حساب
نهاية الخطة سنة األساس عن إعداد املؤرش املؤرش
1
2
3
4
5
شكل رقم :36 / 3مؤشرات البرامج والمشروعات للهدف المرحلي رقم 1
املؤرش
املؤرش يف املؤرش يف الجهة املسؤولة طريقة حساب
نهاية الخطة سنة األساس عن إعداد املؤرش املؤرش
1
2
3
4
5
208
التـنـبـؤ:
يعد التنبؤ بظروف المستقبل من أهم النشاطات المساندة لعمليات التخطيط والتقييم.
إن عملية التقييم ال تنتظر االنتظار حتى يتم تطبيق الخطط ومن ثم تقييمها وإنما يجب استباق ذلك
خالل الخطط المرحلية بعمليات للتنبؤ باألوضاع المستقبلية الخاصة باإلستراتيجية ومن ثم عمل تقييم
استباقي توقعي لمآالت الخطط المختلفة ومن ثم التدخل بالتصحيح إذا تطلب األمر ذلك.
هناك طريقتين التنبؤ هي النوعية والكمية .كما أن هناك وسيلتين إلجراء عملية التنبؤ وذلك
باستخدام الطرق اإلسقاطية والتي تقوم على االستناد على بيانات أو معلومات الماضي وتمدها في
المستقبل ،والطرق السببية والتي تحلل مؤشرات التأثيرات الخارجية واستخدامها في التنبؤ.
وتبحث التنبؤات اإلسقاطية في القيم التاريخية للطلب وتستخدمها للتنبؤ بالمستقبل ،أما التنبؤات
السببية فتتطلع إلى سبب أو عالقة يمكن استخدامها للتنبؤ بالمستقبل.
إن طرق التنبؤ تعتمد على عوامل:
.1الوقت الذي يغطيه التنبؤ.
.2توفر البيانات التاريخية.
.3عالقة البيانات التاريخية بالمستقبل.
.4نوع المنتج أو الخدمة.
.5الفوائد المتوقعة من التنبؤ.
209
إن عملية التنبؤ بالمستقبل والتخطيط له تمر بعدة إجراءات قبل استخدام أي أسلوب من األساليب
السابقة.
منهـج السيناريـو:
يعتبر مصطلح السيناريو من أكثر المصطلحات شيوعًا في أدبيات التخطيط المستقبلي ـ التخطيط
اإلستراتيجي ،وقد عرف كاهن (Kahn 1976م) منهج السيناريو على أنه " توقع افتراضي تتابعي
لحدوث الحوادث ذات العالقة بهدف تركيز االهتمام على العالقات السببية ومجاالت اتخاذ القرار "
فمنهج السيناريو أحد المناهج التي يتطلبها استخدام منهج تحليل النظم ،إذ يأتي السيناريو ليعطي
صورة عن مخرجات النظام ،ويعد كذلك من أهم مناهج الدراسات المستقبلية.
استخدام منهج السيناريو في منهج التحليل والدراسات المستقبلية وتطبيقاته في التخطيط يشتمل
على ثالثة عناصر رئيسة يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
210
.1الوضع االبتدائي :بمعنى أن لكل سيناريو نقطة انطالق أو مجموعة شروط أولية قد تكون:
أ .مجموعة من الظروف الفعلية الواقعية.
ب .مجموعة من الظروف المفترضة أو المتخيلة.
.2الوضع المستقبلي :أي وصف خصائص الظاهرة موضع الدراسة في نهاية فترة االستشراف.
.3وصف المسارات المستقبلية البديلة :أي وصف المسار أو المسارات التي تؤدي إلى الوضع المستقبلي
وذلك في صورة تداعيات ومشاهد للظاهرة موضع الدراسة المستقبلية ويتشكل هذا المسار من
خالل عملية تحليل جملة األحداث والتفاعالت المحتملة بينهما.
خصائص السيناريو:
يمكن تحديد خصائص السيناريو في عدة نقاط هي:
السيناريو عبارة عن عملية افتراضية. .1
السيناريو عبارة عن خطوات عريضة لما حدث أو سيحدث. .2
السيناريو عبارة عن أطوار متعددة. .3
السيناريو عبارة عن تصور كلي أو شامل. .4
تبدو أهمية أسلوب السيناريو في عملية التخطيط اإلستراتيجي الذي يتطلب عملية مسح مستمرة
للتغيرات والحوادث التي تحدث في البيئة المحيطة حيث يستخدم منهج السيناريو:
لتحديد وتعريف القضايا اإلستراتيجية المهمة. .1
تحليل العوامل الرئيسية التي تؤثر على القضايا اإلستراتيجية. .2
إيجاد تطبيقات ومضامين ومدلوالت للسيناريو. .3
تهتم عمليات الرقابة والمتابعة والتقييم باإلطار المنطقي لتنفيذ الخطة وهو منهج مناسب
لالستخدام على مستوى الخطة المرحلية ،ويعود السبب في ذلك إلى أن االنحراف في تنفيذ األهداف تتصل
به العديد من العوامل واألسباب ،الشيء الذي يستوجب متابعتها بغرض تهيئة األوضاع المطلوبة لتحقيق
تلك األهداف ،وأهم تلك العناصر هي:
211
التمويل:
التعرف على موقف تمويل البرنامج أو المشروع ،قد يفسر تأخر العمل أو انخفاض الجودة ،وبالتالي
االنحراف ،لذا يتوجب التعرف على ذلك بغرض تقويمه.
الموارد البشرية:
إنجاز األهداف بالجودة والتكلفة والزمن المحدد ،يعتمد على توفر كوادر بشرية مؤهلة بمستوىً معين،
عدم توفر ذلك يتسبب في حدوث االنحراف لذا يتوجب مراقبته وتقييمه ومن ثم تقويمه من خالل
التدريب أو توفير كوادر مناسبة.
الفاعلية اإلدارية:
نجاح اإلستراتيجية يتوقف بشكل كبير على مدى تنفيذ البرامج والمشروعات المطلوبة لتنفيذ
الخطط السنوية والمرحلية بالجودة والزمن والتكلفة المحددة ،ولتحقيق ذلك يتم إعداد الخطط
التفصيلية وتصميم الهياكل والنظم اإلدارية ..إلخ،
لكن دائمًا ما يأتي الفشل من بوابة عدم تطبيق ما يتم التخطيط له ،فالمجاملة وعدم المباالة وكثير
من األوضاع االجتماعية والنفسية وغيرها في معظم الدول النامية ،تساعد في عدم االلتزام الجاد والصارم
بتنفيذ الخطط ،والنتيجة هي حدوث انحراف في زمن تنفيذ األهداف وفي الجودة وفي التكلفة ،وهذا
ينعكس في جودة األهداف اإلستراتيجية وتكلفتها ،كما ينعكس في عمر اإلستراتيجية ،فتنفيذ البرامج
في ضعف زمنها يعني الحاجة لمضاعفة عمر اإلستراتيجية فإذ كان عمر اإلستراتيجية ثالثين عامًا فإن
الخلل في الفاعلية اإلدارية التي تلتزم بالتطبيق الجاد لما يتم االتفاق عليه من خطط ،يعني تحول المدى
الزمني ليصبح ستين عامًا ،وهذا يعني تأخير تحقيق طموحات وأحالم الشعب.
هذا يفسر أهمية اهتمام الرقابة اإلستراتيجية بفحص مدى فاعلية اإلدارة باعتبارها عنصرًا مهمًا
من عناصر تحقيق األهداف أو حدوث االنحراف.
212
الدعم التقني:
يعتبر توفير الدعم التقني من أهم العناصر التي يسعى لتوفيرها المخطط اإلستراتيجي .فالتجارب
العملية دلت على أن تحقيق النجاح لإلستراتيجية يتوقف بشكل أساس على مدى توفير الدعم التقني
باعتباره وسيلة مهمة لتحقيق الجودة وتوفير الزمن وتحقيق الفاعلية اإلدارية وتقليل التكلفة ،لذا ال
يعقل الحديث عن متابعة ورقابة وتقييم لإلستراتيجية دون رصد لهذا الجانب.
الرضا الوظيفي:
كلما تم توفير أوضاع معنوية ومادية مناسبة تنعكس في رضا الموظفين والعاملين ،كلما كانت فرصة
تحقيق النجاح أكبر ،والعكس صحيح ،وهكذا يجب أن تشمل عمليات المتابعة والرقابة والتقييم رصدًا
للرضا الوظيفي أي لنظام الحوافز والعقوبات والترقيات.
بيئة العمل:
توفير بيئة جاذبة ومريحة للعمل يشكل عنصرًا مهمًا لتحقيق النجاح ،يشمل ذلك درجة الحرارة
المناسبة (تكييف أو تدفئة) ،الوسائل التقنية المساعدة ،الديكور الداخلي ،الخدمات الداخلية ،مستوى
العالقات اإلنسانية ..إلخ.
213
شكل :37/3الترتيب المنطقي والزمني لتحقيق الهدف المرحلي
الفرتة الرابعة الفرتة الثالثة الفرتة الثانية الفرتة األول الربنامج /الفرتة
الربنامج أ
الربنامج ب
الربنامج ج
الربنامج د
الربنامج هـ
الربنامج و
موقف
التمويل
اإلجراءات الخطة
ونظم الزمنية
العمل واملنطقية
املوارد الكفاءة
بيئة العمل
البرشية اإلنتاجية
الفاعلية الرضا
اإلدارية الوظيفي
الدعم
التقني
214
إنجاز عملية املراقبة والتقييم:
إن إنجاز عملية التقييم بشكل دقيق يستدعي وجود جهاز قومي للمعلومات (المركز المقصود هنا هو
الجهاز اإلحصائي باعتباره الجهة المهنية المعنية) ،بحيث تكون المعلومات في هذا الجهاز متوفرة بالشكل
والطريقة المطلوبة لعمليات التخطيط اإلستراتيجي والتقييم.
215
كما يجب اإلشارة إلى أهمية استقاللية ومهنية جهاز اإلحصاء والمعلومات حتى يتم ضمان إنتاج
معلومات ذات مصداقية.
كما أن تنفيذ اإلستراتيجية تقتضي أن يتم إنتاج المؤشرات بواسطة جهاز المعلومات باعتبار أن الجهة
المنفذة ال تقيم نفسها ،وهذا ال ينفي أهمية التنسيق والتعاون بين جهاز المعلومات والوزارة المعنية
بجانب جهاز التخطيط اإلستراتيجي في تحديد المؤشرات المطلوبة وتحديد طرق حسابها بجانب التنسيق
لتوفير البيانات والمعلومات المطلوبة لعمليات التخطيط اإلستراتيجي.
يعتبر استخدام بطاقة األداء المتوازن من الظواهر التي بدأت تنتشر حديثًا ،وتهتم باإلطار المنطقي
الذي أشرنا إليه أعاله ،مثل رصد مستوى الدعم التقني أو وضع الموارد البشرية أو مستوى إجراءات ونظم
العمل ،وبالتالي رصد كافة العناصر التي يمكن أن تؤدي لالنحراف وال تتوقف فقط على مدى توفر
التمويل.
لكن أود أن أشير إلى عدة موضوعات لها صلة بذلك هما:
إن مراقبة إستراتيجية الدولة ال يمكن أن تقتصر فقط على هذا األسلوب الذي يهتم بالتفاصيل على
مستوى البرامج والخطط التشغيلية ،بل هناك حاجة للمراقبة على مستويات أخرى ،وقد أشرنا لها في
مستويات المراقبة أعاله مثل متابعة ومراقبة السياسات والتشريعات وعمليات التغيير اإلستراتيجي،
ومتابعة سير الدولة من الضعف إلى القوة الشاملة ،وهو ترتيب يتعلق باألمن الوطني.
إن أسلوب بطاقة األداء المتوازن يعتمد على نظام مدخالت ومخرجات ونتائج ومحصالت نهائية ،قد
تناسب تخطيط المنظمات ،وال يمكن رصد أو اختزال األثر اإلستراتيجي بهذا األسلوب ،فتحقيق الرؤية
القومية يتوقف على تنفيذ الغايات القومية التي بدورها تتوقف على مدى تحقيق األهداف اإلستراتيجية
وتنفيذ التغيير اإلستراتيجي،
وتنفيذ األهداف اإلستراتيجية يتم من خالل خطط مرحلية وهي بدورها يتم تنفيذها من خالل خطط
سنوية أو برامج وهذه األخيرة تتحقق من خالل أنشطة ومهام ،عليه يتضح أن عمر اإلستراتيجية يشهد
تراكم لنتائج عبر سنوات طويلة ال يمكن اختزالها في مدخالت ومخرجات ببساطة كما هو يجري في حالة
الشركات ،وهذا ال ينفي صحة أسلوب بطاقة األداء المتوازن وإنما يجب إدراك أن استخدامها يجب أن يتم
بجانب إجراء الرقابة في المستوى اإلستراتيجي األول والمرحلي الذي سبقت اإلشارة إليه ،وأن يتم تحديد
المؤشرات في ظل األوضاع المطلوب تحقيقها في نهاية اإلستراتيجية.
أسلوب التخطيط اإلستراتيجي يهتم بالتحليل اإلستراتيجي ومن ثم تحديد الفرص التي يتم تحقيقها
216
باستخدام نقاط القوة ،كما يتم تحديد نقاط الضعف والمهددات ،ومن ثم يتم تحديد الغايات واألهداف
اإلستراتيجية ،ويتم توجيه إستراتيجيات وأهداف تجاه نقاط الضعف والمهددات ،عليه فهناك إدراك
مسبق للمصالح المطلوب تحقيقها وتوجيه أهداف إستراتيجية بموجب ذلك.
كما أن هناك إدراك مسبق لنقاط الضعف والمهددات وبموجب ذلك يتم توجيه أهداف أو إستراتيجيات
للتعامل معها .وإن وضع اإلطار المنطقي للمتابعة الذي سبق ذكره يتماشى مع ذلك ويعترف بمراقبة
األهداف المباشرة واألهداف الخاصة بالتغيير وما ذكرناه من نموذج للمراقبة على أساس اإلطار المنطقي
ما هو إال لمعالجة أخطاء المخططين ،فضعف الموارد البشرية أو ضعف الدعم التقني (كمثال) يظهر عند
التحليل اإلستراتيجي كنقاط ضعف وبالتالي يتم عالجها مقدمًا وهكذا تتم عمليات المراقبة والمتابعة
والتقييم لألهداف المباشرة ولألهداف غير المباشرة الخاصة بالتغيير.
التخطيط اإلستراتيجي القومي يهتم بإجراء التغيير اإلستراتيجي ،ومعظم أنواع التغيير اإلستراتيجي
يتعذر تحقيقها في فترة زمنية قصيرة كالتغيير السلوكي لشعب بأكمله ،الذي قد يستوعب إستراتيجيات
تربوية وتعليمية وإعالمية ومجتمعية كاملة ،وهناك التغيير السياسي الذي قد يسعى لتأسيس ترتيبات
إقليمية مثل الكتلة األوربية.
هذه األوضاع يصعب رصدها من خالل أساليب تهتم بالتفاصيل الدقيقة دون اعتبار للغاية أو الهدف
اإلستراتيجي المطلوب تحقيقه نهاية اإلستراتيجية.
التخطيط اإلستراتيجي القومي عمل تتكامل فيه اإلستراتيجيات المختلفة ،السياسية واالقتصادية
واالجتماعية والعلمية والتقنية واإلعالمية والعسكرية ،هذا التناسق الذي يتناوله الكتاب يصعب اختزاله
بنظام بطاقة األداء المتوازن إال في حدود الخطط التشغيلية ،فإذا اهتم أسلوب بطاقة األداء المتوازن على
سبيل المثال بالدعم التقني للمشروع المعين ،نجد أن مفهوم اإلستراتيجية المتعلقة بالتقنية يتناول
ذلك بصورة أكثر شمولًا وعمقًا وهكذا إستراتيجيات التعليم والبحث العلمي ..الخ
وهذا يشير إلى منهج التخطيط اإلستراتيجي القومي الذي يتناوله الباب الثاني من هذا الكتاب حيث
يشير إلى توازن وتكامل وترابط وتناسق األداء القومي في كافة المجاالت السياسية واالقتصادية
واالجتماعية والعلمية والتقنية واإلعالمية والعسكرية.
217
ثان ًيا :تأمني اإلسرتاتيجية:
المرحلة الثالثة من مراحل اإلدارة اإلستراتيجية للدولة هي تأمين اإلستراتيجية ،هذه المرحلة تتضمن
ترتيبات إستراتيجية يتم من خاللها حماية اإلستراتيجية ،وسيتم تناولها بالتفصيل في الباب الثاني من
هذا الكتاب ،من النماذج لذلك:
.1إسناد اإلستراتيجية بمنظومة من القيم والمرتكزات اإلستراتيجية الداعمة كالعدل وعدم التمييز،
التوازن التنموي ،المشاركة ،التوازن بين السلطة السياسية والسلطة المهنية.
.2الترتيبات اإلستراتيجية السياسية ،التي يتم من خاللها توفير وعي إستراتيجي وثقافة مساندة
لإلستراتيجية كالتفريق بين الدولة والحكومة وثقافة الشفافية والمحاسبة وقبول النقد،
التوافق الوطني حول المصالح اإلستراتيجية.
.3الترتيبات اإلستراتيجية الثقافية ،التي يتم من خاللها توفير ثقافة مساندة لإلستراتيجية
كسلوك احترام وإتقان العمل وااللتزام باإلستراتيجيات والخطط ،تشكيل نمط إبداعي من
التفكير وتعزيز االنتماء الوطني.
.4الترتيبات اإلستراتيجية الدولية كتأسيس التحالفات والشراكات اإلستراتيجية لربط وتبادل
المصالح اإلستراتيجية دوليًا أو إقليميًا.
.5إنتاج فكر إستراتيجي داعم لإلستراتيجية.
.6تأسيس آلية قومية مناسبة لرعاية اإلستراتيجية وصناعة القرار اإلستراتيجي.
.7توفير إسناد تشريعي مناسب لإلستراتيجية.
.8توفير إسناد إعالمي مناسب.
كيف نحكم على جودة التخطيط اإلستراتيجي وعمليات اإلدارة اإلستراتيجية للدولة ،لإلجابة على هذا
السؤال نذكر فيما يلي بعض الحقائق األساسية التي يجب مراعاتها عند التخطيط أو عند مراجعة الخطة
اإلستراتيجية وبعد التنفيذ:
.1هل تم التخطيط للتخطيط اإلستراتيجي بما يضمن كفاءته وبما يضمن إدارة التنسيق قوميًا ووالئيًا؟
.2هل تم التخطيط للتخطيط اإلستراتيجي مع استصحاب مطلوبات تحقيق األمن القومي؟
.3هل تم التخطيط للتخطيط اإلستراتيجي بناء على منهج وطني يحدد اآلتي:
218
▪ خطوات التخطيط.
▪ خطوات اإلدارة اإلستراتيجية.
▪ اإلطار النظري الوطني الذي يشمل:
أ .مفاهيم التخطيط وخطوات اإلدارة اإلستراتيجية في المجاالت المختلفة.
ب .مفهوم األمن القومي.
ج .مفهوم القوى الشاملة.
د .مفهوم األمن اإلنساني.
ه .العالقة بين التخطيط اإلستراتيجي واألمن القومي واألمن اإلنساني.
و .العالقة بين التخطيط اإلستراتيجي وتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة.
ز .مصطلحات اإلستراتيجية (الرؤيا ،الرسالة ،الغاية ،الهدف ،السياسة)....
.4هل تم التخطيط اإلستراتيجي بناء على معرفة (تحليل إستراتيجي)؟
.5هل تم إعداد التحليل اإلستراتيجي بشكل دقيق وبناء على معلومات صحيحة؟
أ .هل تم عمل تحليل جيوستراتيجي؟
ب .هل تم تحديد الوضع الراهن بشكل دقيق كنقطة ابتداء بغرض القياس الحقًا؟
ج .هل تم تحديد المصالح الممكن تحقيقها بناءً على معرفة القوة والفرص؟
د .ومن ثم هل تم تحديد نقاط الضعف والمهددات التي تعترض المصالح المحددة؟
ه .هل تم اختيار التوجه اإلستراتيجي بناء على المعايير والمرتكزات اإلستراتيجية؟
)1الجدوى اإلستراتيجية.
)2العائد والجدوى االقتصادية ،االجتماعية ،السياسية.
)3التكلفة االقتصادية ،االجتماعية ،السياسية.
)4األثر على البيئة.
)5األثر على مصالح األجيال القادمة.
)6مدى االتساق مع العقيدة.
)7األثر على األمن القومي.
219
)8مراعاة تعقيدات المستقبل.
.6هل تمت بلورة أهداف إستراتيجية تحقق االستفادة المثالية من نقاط القوة بشكل كافٍ؟
.7هل هناك أهداف وسياسات تعزز هذه القوة (تنمية ،تطوير)....؟
.8عند تحديد الغايات واألهداف اإلستراتيجية هل جرى التنسيق بين المجاالت المختلفة (السياسية،
االقتصادية ،االجتماعية ..إلخ) ،وهل تعرفت كل جهة للمصالح المطلوب تحقيقها وما يعرضها من
قضايا ومعضالت ،بما يمكن من توجيه اإلستراتيجيات نحوها( .كنموذج):
أ .هل أدرك القطاع السياسي بالعمق الكافي للمصالح االقتصادية أو االجتماعية أو
العسكرية ،وما تحتاجه من إسناد إستراتيجي سياسي؟
ب .هل تعرف قطاع العالقات الخارجية بالعمق الكافي على المصالح االقتصادية أو
العسكرية أو االجتماعية ،وما تحتاجه من إسناد إستراتيجي على الساحة الدولية ،وهل
قام باستيفاء هذه الترتيبات؟
ج .هل تعرف قطاع التعليم بالعمق الكافي للغايات الوطنية وما تحتاجه من إسناد
إستراتيجي من التعليم من حيث مورد بشري مؤهل مهارة وسلوك؟
د .هل تعرف قطاع اإلنتاج المعرفي بالعمق الكافي للغايات الوطنية وما تحتاجه من إسناد
معرفي؟
ه .هل تعرف قطاع اإلنتاج التفني بالعمق الكافي للغايات الوطنية وما تحتاجه من إسناد
تقني؟
و .هل تعرف قطاع اإلعالم بالعمق الكافي للغايات الوطنية وما تحتاجه من إسناد
إستراتيجي إعالمي؟
ز .هل تم وضع إستراتيجية الثقافة على خلفية اإلستراتيجية القومية وما يعترضها من
عقبات تحتاج إلسناد ثقافي.
.9هل تضمنت اإلستراتيجية عمليات للتغيير اإلستراتيجي ،بمعنى آخر هل تمت بلورة أهداف وسياسات
وتشريعات لعالج نقاط الضعف الداخلية؟
.10هل تمت بلورة أهداف وسياسات وتشريعات للتعامل مع المهددات الخارجية ،والعكس يعني أن وجود
أي مهددات دون أن تتضمن الخطة اإلستراتيجية أهدافًا وسياسات لمواجهتها يعد خللًا في التخطيط،
مثال لذلك عدم وجود أهداف تعزز القدرات التفاوضية للدولة أو تحقق اإلجماع الوطني حول التوجهات
220
اإلستراتيجية للدولة ،أو عدم ترتيب شراكات دولية لمواجهة أوضاع معينة في السوق العالمي ،أو عدم
استيفاء الترتيبات المطلوبة لتحقيق القدرات التنافسية العالمية المطلوبة لمواجهة التنافس
العالمي؟
.11هل األهداف اإلستراتيجية المحددة استفادت من الفرص المحددة في التحليل اإلستراتيجي سواء فرص
متاحة أو مصنوعة ،وهل تمت االستفادة من نقاط ضعف الخصوم أو المنافسين؟
.12هل تم إعداد اإلستراتيجية في إطار الرؤية الشاملة للدولة ،أي بالتنسيق مع األطراف األخرى داخل
وخارج القطاع؟
.13هل تم إعداد اإلستراتيجية بمشاركة حقيقة للقوى السياسية والمجتمعية في الدولة؟
.14هل تم الترتيب لتنفيذ اإلستراتيجية:
أ .تأهيل وتوفير القيادة اإلستراتيجية في الدولة (في الحكم والمعارضة والبرلمان والمجتمع
والخدمة المدنية)؟
ب .هل تم وضع برامج لرفع مستوى الوعي اإلستراتيجي ونشر ثقافة اإلستراتيجية؟
ج .هل تمت مراجعة التشريعات لتتالءم مع المصالح اإلستراتيجية؟
د .هل تمت مراجعة السياسات لتتالءم مع المصالح اإلستراتيجية؟
ه .هل تمت مراجعة الهيكل اإلداري للدولة لتتالءم مع المصالح اإلستراتيجية؟
و .هل تم االتفاق على الفلسفة اإلدارية المناسبة لتنفيذ اإلستراتيجية؟
ز .هل تم تطوير منظومة لصناعة القرار اإلستراتيجي؟
ح .هل تم تحديد فلسفة ومنهج لتحديد األولويات.
ط .هل تم وضع ترتيبات لضمان إعداد الموازنة على خلفية برامج اإلستراتيجية.
ي .هل تمت صياغة السياسات على بما يقود لتوجيه وتنسيق نشاط الدولة ليتم في إطار
اإلستراتيجية؟
ك .هل تم تأسيس شراكات وطنية في إطار اإلستراتيجية؟
ل .هل تم إصدار تشريعات مساندة لإلستراتيجية:
▪ تطوير آلية التخطيط اإلستراتيجي القومي ودعمها سياسيًا وماليًا ،حتى تتمكن
من رعاية المسار اإلستراتيجي للدولة؟
221
▪ وهل تم دعمها دستوريًا ،بمعنى هل تم تأسيس آلية التخطيط اإلستراتيجي
والنص على صالحياته والمرتكزات والقيم اإلستراتيجية التي يرعاها ،في
دستور الدولة؟
▪ هل تم إصدار قانون للتحفيز الوطني على خلفية االلتزام باإلستراتيجية
وفاعلية وكفاءة األداء؟
▪ هل تم إصدار قانون يعاقب من يخرج على اإلستراتيجية؟
م .هل الهيكل اإلداري لآللية مناسب لتنفيذ اإلستراتيجية؟
ن .هل لآللية صالحيات كافية لمتابعة تنفيذ اإلستراتيجية؟
222
الباب الثاين
223
الفصل األول
224
تحليل البيئة الدولية
تقديم:
يحكي التاريخ قصة تطور الحياة البشرية على ظهر األرض منذ أن كانت تجمعات بسيطة مرورًا بما
يعرف بالمدينة والدويلة والدولة واإلمبراطوريات الكبرى ،والمتتبع لذلك التطور يالحظ بوضوح ارتباطه
بتحقيق المصالح ورغبات النفس البشرية الالمحدودة ،بالسيطرة والتفوق وتحقيق الذات ،فكلما يتم
تحقيق طموحات ورغبات ومصالح معينة تبرز رغبات جديدة وطموحات جديدة.
وهكذا ظهرت الطموحات بالتوسع في تحقيق تلك المصالح ،فظهر رديفًا لذلك وسائل تمثلت في
الغزوات والحروب ،وتشكل بالتالي الخطر الذي قاد إلى االستقواء لمواجهة ذلك الخطر ،من خالل توحد
القبائل التي تفرقت سابقًا بحثًا عن أراضٍ ومراعٍ ومصالح جديدة.
مع تزايد المصالح والرغبات والطموحات ،زادت المخاطر والتحديات التي قادت إلى الحاجة لتأسيس
تجمعات أكبر إما الستكمال عناصر القوة كوسيلة لتحقيق المصالح والرغبات ،أو كوسيلة لالستقواء
لمواجهة الخطر ،وهكذا برزت إلى الوجود التجمعات الكبيرة ،ولعل ما يجرى في عصرنا هذا هو استمرار
لذلك الوضع ،ومن ذلك بروز االتحاد األوربي الذي تحول خالل عقود من الزمان من دويالت إلى دول إلى اتحاد
إقليمي ضخم ،وهو لم يخرج عن كونه يجسد ترتيبًا يحقق نوعًا من القوة بأبعادها المختلفة ،في مواجهة
تحديات ومخاطر البيئة الدولية فضلًا عن كونه وسيلة لتحقيق المصالح.
كل ذلك يعني ويشير إلى أن الحياة على ظهر األرض ما هي إال صراع للمصالح بجوانبها المختلفة،
وبالتالي فإن إدارة حوار المصالح يتطلب استكمال عناصر القوة كسبيل وحيد لتحقيقها.
قبل الخوض في تفصيالت اإلستراتيجيات المتخصصة ،رأينا أهمية تناول نتائج تحليل البيئة الدولية
في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ،باعتبارها تجسد البيئة التي ينطلق منها التخطيط اإلستراتيجي
الذي نحن بصدده.
برز النظام العالمي الجديد {آنذاك} ،1990 – 1944واستمر حتى ظهور النظام العالمي الجديد في 1990
الذي أطلق عليه العولمة ،سنبرز في هذا الفصل ملخصات لعدد من النماذج للمخططات اإلستراتيجية في
المرحلتين ،بغرض التعرف على مالمح وطبيعة الصراع الدولي حول المصالح وبالتالي إدراك طبيعة وكنه
السالح والوسائل المطلوبة لمواجهة ذلك الصراع وكذا إبراز بعض الفرص المتاحة في البيئة الدولية وما
يقابلها من مهددات وتحديات.
225
النظام العالمي 1944ـــ :1990
شهد العالم خالل الخمسين عامًا الماضية فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية نظامًا عالميًا جديدًا
فرضه الحلفاء ،كان من ثماره قيام منظمة األمم المتحدة ومؤسساتها الفرعية ،مجلس األمن ،محكمة
العدل الدولية ،صندوق النقد الدولي ،البنك الدولي للتعمير إلخ.
لقد أشار عدد من الدراسات إلى أن التحدي األساس الذي كان يواجه مصممي النظام العالمي هو الوعي
المتنامي للشعوب في الدول المستعمرة في ذلك الزمان ،لذا فقد بدا واضحًا أن تحقيق المصالح عبر وسائل
السيطرة المباشرة من خالل الحرب ،لم يعد ممكنًا في حقبة ما بعد حرب ،1944لذا كان ال بد من البحث
عن أساليب جديدة.
ظهرت طبيعة المصالح للدول المستعمرة ونطاقها الجغرافي ،في تشكيل النظام الجديد .لقد كان
واضحًا أن تحقيق المصالح المنتشرة على نطاق العالم يتطلب نوعًا من السيطرة التي تتيح تحقيق تلك
المصالح ،فمن حيث التشريعات اتضح أن التشريعات القطرية للدول االستعمارية لن تصلح إذ أنها تسري
على النطاق الجغرافي لتلك الدول االستعمارية فقط وال يمكن فرضها على اآلخرين في غياب القبضة
االستعمارية المباشرة ،فبرزت الحاجة إلى قانون دولي ونظم دولية ،وهكذا الوضع بالنسبة للسياسات
والنظم االقتصادية القطرية والنظم اإلعالمية القطرية والنظم الثقافية القطرية .إلخ.
لذا فقد بات واضحًا الحاجة إلى آلية تحقق تلك المتطلبات ،فبرزت فكرة النظام العالمي الذي يقوم على
ثالث ركائز هي:
.1الركيزة السياسية :وتختص بتحقيق السيطرة السياسية وتوفير التشريعات واألوضاع
الدولية المطلوبة لتحقيق المصالح.
.2الركيزة االقتصادية :وتختص بتحقيق الوسائل والنظم االقتصادية العالمية ،وقد تمثلت في:
أ .صندوق النقد :يختص بالنقد الدولي.
ب .البنك الدولي :يختص بالتمويل الدولي.
ج .منظمة التجارة العالمية :تختص بالتجارة العالمية.
.3الركيزة االجتماعية :وتختص بالجوانب االجتماعية المختلفة ،صحة ،تعليم ،ثقافة،
الطفولة ..إلخ.
في تلك الفترة كانت الدول النامية تدور في فلك أحد القطبين {الشرقي والغربي} وبموجب ذلك تتلقى
المعونات والمساعدات والقروض ،حيث يتم ذلك من خالل مؤسسات التمويل العالمية كالبنك الدولي
226
وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية اإلفريقي والمجموعة األوربية وصنـدوق األوبك ..إلخ
وذلك بالنسبة للدول التي تدور في فلك المعسكر الغربي ،أما دول المعسكر الشرقي فقد كانت
المعونات تتدفق إليها من االتحاد السوفيتي ودول المعسكر الشرقي األخرى.
كانت دوافع المعسكرين الليبرالي واالشتراكي للتعاون مع الدول النامية تدور حول التنافس فيما بينها
الستقطاب هذه الدول بغرض التحالف معها بغرض خدمة أجندتها في المحافل الدولية في سبيل فرض
توجهاتها الحضارية ،بجانب فرض هيمنتها على النظم االقتصادية في العالم .ومع نهاية عقد
الثمانينيات انهار المعسكر االشتراكي وتفككت مجموعة الدول المكونة له وبدأت تتجه نحو سياسات
االقتصاد الحر.
يمكن الحكم على النظام االقتصادي 1944ــ 1990من خالل النتائج التي نشير فيما يلي إلى تلخيص
لها:
يقدر فقراء العالم اآلن بحوالي 3مليارات نسمة أي نصف سكان العالم ،يتوقع أن يرتفع إلى 4مليارات
خالل 15عام ما لم تشـهد الفترة القادمة حلولًا جذرية لهذه المشكلة ،وقد ذكر تقرير صادر عن المفوضية
األوربية بتاريخ ديسمبر 2000أن حوالي بليون شخص يعيشون بأقل من يورو في اليوم.
فيما يشير تقرير لبرنامج الغذاء العالمي أن هناك حوالي 800مليون شخص يعانون من سوء تغذية
مزمن ،وأنه مع مرور كل ثماني ثواني فإن هناك طفل يتوفى في أحد بلدان العالم الفقير ،ولم تمر تلك
الممارسات بدون إحداث آثار على االقتصاد الدولي فقد ظهرت طبقة من األغنياء ال تتعدى عدة مئات هم
أصحاب الشركات الضخمة ،وتصبح %80من ثروة العالم مملوكة بواسطة عدد من الشركات الغربية
واألجنبية ،وأدت إلى انتقال الثروة من الدول الفقيرة إلى الغنية بأبخس األسعار ليتحول مئات الماليين
من شعوب إفريقيا وآسيا غير الصناعية وغيرها إلى فقراء جوعـى مرضى يعيشون تحت حد اإلنسانية.
كل ذلك بجانب استمرار الحروب في مختلف أرجاء األرض دون توقف على مدى فترة سريان النظام.
إن العمق اإلستراتيجي ألصحاب المصالح الدولية ليس شيئًا جديدًا ،وإن القرارات الجريئة أيضًا ليست
شيئًا مستحدثًا فقد أثبت عدد من الدراسات أجريت بلنـدن أن إنشاء دولة بمنطقة فلسطين كان قرارًا
بريطانيًا إستراتيجيا يهدف إليجاد كيان يتم من خالله التحكم في منطقة الشرق األوسط بعد فترة وعي
الشعوب وخروج جيوش االستعمار ،وهو المبرر الستعمار فلسطين التي ال تملك موارد طبيعة تجعلها
منطقة يطمع فيها ،وقد استفادت بريطانيا من القرارات اإلستراتيجية التي خرج بها مؤتمر اليهود في
227
سويسرا عام 1897م والذي خرج بالخطة اإلستراتيجية لقيام دولة إسرائيل وإسرائيل الكبرى ،وكان الدافع
األساسي والجوهري في قرار إعطاء بريطانيا لوعد بلفور هو االستناد على إمكانات البرنامج الصهيوني في
()35
سبيل توطيد مواقع اإلمبريالية في الشرق األوسط ،وهذا يعني صد الحركة القومية العربية وإجهاضها.
من هنا يتضح أن وعد بلفور 1917كان بمثابة تنفيذ لجانب من بنود ذلك االتفاق اإلستراتيجي ،وهذه
هي البداية التاريخية لبروز الحلف اليميني اليهودي المصلحي ،ولعل هذا يبين الدور اإلستراتيجي إلسرائيل
بالنسبة للقوة العظمي بريطانيا سابقًا والواليات المتحدة األمريكية حاليًا وهو ما يفسر التمويل الضخم
الذي ظلت تتلقاه إسرائيل من تلك الدول والذي بلغ في الفترة مـن 1973م1985-م { }42.6مليار دوالر
أمريكي ،ويكفينا هذا المثل لنعلم مدى عمق التخطيط اإلستراتيجي ألصحاب المصالح الدولية (.)36
املخطط اإلرسائييل:
انطلق المخطط اإلسرائيلي من مقولة لرئيس الوزراء اإلسرائيلي األسبق ديفيد بن غوريون التي قال
فيها " نحن شعب صغير وإمكاناتنا ومواردنا محدودة ،والبد من اختزال هذه المحدودية في مواجهة أعدائنا
من الدول العربية من خالل معرفة وتشخيص نقاط الضعف لديها وخاصة العالقات القائمة بين
الجماعات واألقليات اإلثنية والطائفية ،حتى نضخم ونعظم من هذه النقاط إلى درجة التحـول إلى معضلة
()37
ليصعب حلها أو احتواءها ".
تأتي مقولة بن غوريون تلك في مرحلة من مراحل تنفيذ أهداف ما يسمى بإسرائيل الكبرى وعلى
رأسها إقامة وطن قومي لليهود كما تشير بذلك معتقداتهم ،من هنا يمكن فهم اتجاهات المخطط
اإلسرائيلي الذي يعمل في منتهاه للوصول إلى ذلك الهدف األساسي بجانب أهداف أخرى ،وذلك كما يلي:
.1إضعاف الدول العربية :حيث يقول بن غوريون في هذا الصدد " أن الجهد اإلسرائيلي إلضعاف
الدول العربية ال يجب أن يحشد على خطوط المواجهة فحسب ،بل يجب أن ينتشر ليصل إلى
قلب الدول العربية التي يمكن أن تصبح دول دعم وإسناد ،وكذلك عبر الوصول إلى الجماعات
غير العربية التي تعيش على التخوم في شمال العراق وجنوب السودان وجنوب لبنان ".
.2السيطرة على البحر األحمر بغرض اختراق سور الحصار العربي بل واالنقضاض عليه من الخلف.
إحسان قضماني ،المشروع الصهيوني بين االقتصادي والعسكري ،مجلة شئون عربية ،العدد 1988{ ،54م} ،ص ()35
.199
موشي فرجي ،إسرائيل وحركة جنوب السو دان { ،تل أبيب :مـركز ديان لدراسات الشرق األوسـط وإفريقيا2003 ، ()37
م } ،ص 2
228
.3تأمين مصادر االنتشار واإلمداد الخارجي ،سواء كان بشكل مباشر في إطار عالقات دبلوماسية أو
معاهدات اقتصادية وعسكرية ،أو من خالل دعم وتأييد الجماعات اإلثنية ضد حكومات الدول
العربية.
.1المنطلق اإلستراتيجي:
يمثل هذا المنطلق أهم ضروريات األمن القومي إلسرائيل حيث صارت تركز على هدف السيطرة على
ممرات ومنافذ إستراتيجية على البحر األحمر بهدف منع أية قوة معادية من السيطرة على هذه الممرات
والمنافذ وبالتالي حصار إسرائيل ،حيث تخشى إسرائيل أن يتحول البحر األحمر إلى بحيرة عربية.
.2المنطلق االقتصادي:
تسعى إسرائيل من خالل هذا المنطلق لتأمين منافذ بحرية وبرية لتجارتها مع العالم الخارجي،
والتغلغل واالنتشار في األقطار والبلدان خارج نطاق المحيط المناوئ لها بحثًا عن حلفاء يدعمون وضعها
السياسي واإلستراتيجي وفي نفس الوقت يهيئون لها المجال الحيوي لممارسة جملة من األنشطة
االقتصادية.
229
إلى عوامل قوة بالنسبة إلسرائيل ،تخفف من الضغوط الواقعة عليها .وقد نجحت
كذلك في تشتيت الجهود والقدرات العربية من خالل تطبيق {سياسة شد األطراف}،
ومن األمثلة على ذلك عالقات إسرائيل مع تركيا وإيران وإثيوبيا ويوغندا.
ب استطاعت إسرائيل بناء ما أسمته {صرح حلف الجوار المعادي للعرب} بغرض توجيه
الضغوط إلى العرب وتهديد أمنهم عن طريق الدول غير العربية.
.3التحالف مع األقليات العرقية والطائفية في الوطن العربي:
نجحت إسرائيل إلى حدٍ كبير في إقامة عالقات مع األقليات العرقية في السودان والعراق ولبنان ،وذلك
عبر سياسة {فرِّق تسُد} ،حيث تمكنت من إقامة عالقات مع األكراد في العراق ،وبعض قبائل جنوب
السودان ،والموارنة في لبنان ،والدروز واألكراد في سوريا واألقباط في مصر.
.4بناء القدرات االقتصادية:
استطاعت إسرائيل بناء قدرات تنافسية بمستوى عالمي ،وتمكنت من تحقيق مزايا نسبية للعديد
من منتجاتها في العديد من المجاالت خاصة مجال الزراعة ،واستطاعت تطوير قدراتها التقنية حيث أدى
ذلك إلى زيادة دخلها إلى اثني عشر ضعفًا خالل 25عامًا دون زيادة في األراضي الزراعية ،وأن %95من زيادة
الدخل القومي تمت عبر األساليب العلمية .وعبر تلك القدرات التنافسية استطاعت إسرائيل امتالك
()40
حصص إستراتيجية في أسواق العالم ،وبناء شبكة من المصالح االقتصادية.
اإلستراتيجية األمريكية:
.1السيطرة على النظام العالمي منع بروز أي قوى أو تكتالت مضادة.
.2السيطرة على الموارد الطبيعية اإلستراتيجية في العالم.
.3السيطرة على مصادر الطاقة ومنابع المياه العذبة في العالم.
.4السيطرة على الممرات المائية من منظور سياسي وإستراتيجي واقتصادي.
.5المحافظة على حصصها اإلستراتيجية في األسواق العالمية الحالية والمستقبلية.
.6إقامة نظام شرق أوسطي بدلًا عن النظام العربي ،وذلك كمرحلة مهمة في سبيل المحافظة على
مصالحها في المنطقة العربية.
شمعون بيريز ،الشرق األوسط الجديد ،ترجمة محمد حلمي عبد الحافظ{ ،عمـان :األهليـة للنشر والتوزيع، ()40
1994م} ،ص .137
230
اإلسرتاتيجية األمريكية وموارد إفريقيا:
السياسة األمريكية منذ فترات طويلة ترى أن موارد إفريقيا وبعض الدول األخرى كالدول العربية ،هي
موارد أمريكا ،وقد أكد تلك الحقيقة عدد من الدراسات وتصريحات المسؤولين األمريكيين ،أهمها ما ذكره
هنري كيسنجر وزير الخارجية األمريكي ومستشار أمنها األسبق في خطبة له أمام الـ FDR PCLAR
قـال فيها " إن الدول مثل الدول اإلفريقية تجلس على كميات ضخمة من المواد الخام والتي هي طاقة
أنجلو أمريكية سوف يتم الحاجة لها مستقبلًا ،لذا فنحن ال نسمح بالزيادة السكانية في إفريقيا وفي أي
دول بها مواد خام ،وذلك ألن الشعـوب تستهلك المواد الخام التي سوف نحتاجها مستقبلًا " وواصل السيد
كيسنجر قائلًا " هذه الدول في هذه األنحاء من العالم يجب أال تأخذ حظًا في التنمية ألنها إذا نالت تطور
اقتصادي فإن استهالكها للمواد الخام سيزيد (.)41
يشكل النفط أهمية للواليات المتحدة األمريكية ،وقد أوضحت دراسة للمجلس األمريكي القتصاديات
الطاقة 2001م أن الواليات المتحدة تملك %2من احتياطي العالم من النفط فيما تستورد 18مليون برميل
مـن احتياجاتها من الخارج ،سترتفع إلى 20.6مليون برميل في عام 2015م.
إن هذا العجز الكبير هو الذي يدفع بالواليات المتحدة للسيطرة على منابع النفط في الشرق األوسط
حيث توجد حاليًا وإفريقيا التي بلغ استيراد النفط منها كميات تقارب الكميات المستوردة من السعوديـة،
وهو ما دعا مركز الدراسات اإلستراتيجية األمريكي في دراسة صدرت في فبراير 2001م لإلشارة إلى أهمية
النفط للمصالح القومية األمريكية من السودان وآسيا الوسطى (.)42
تشكل المنطقة العربية سوقًا مهمة للواليات المتحدة األمريكية ،وبالتالي فإن المحافظة على هذا
السوق والسيطرة عليه أصبحت هدفًا أمريكيًا إستراتيجيًا.
كما تشكل الفجوة الغذائية العربية هدفًا تسعى الواليات المتحدة لالستفادة منها عبر التصدير
المباشر ،أو السيطرة عليه عبر االستثمارات الزراعية األمريكية في المنطقة العربية.
Lindon Laroche`s, Now Comes The Aftermath, Executive Intelligence Review,Vol. 27 No. 46 ()41
.{Washington: EIR News Service , Nov. 2000 }, p 50
(،Report of The Center for Strategic and International Studies on U.S. Policy towards Sudan )42
}. p 4،{Washington DC: Feb. 2001
231
االقتصاد العريب بعد االستقالل:
إن التخطيط لالقتصاد العربي كان انطوائيًا قطريًا مقفولًا ،فقامت معظم الشركات والمؤسسات
العربية بعد نيل األقطار العربية استقاللها وتحت ظروف سياسية واقتصادية متباينة ،ولكن في كل
األحوال كانت الفكرة من إنشائها تدور حول بناء القدرة االقتصادية القطرية إلنتاج السلع والخدمات الالزمة
للسوق المحلي أولًا وقبل كل شيء ،لذلك اتجهت السياسة االقتصادية في جميع األقطار العربية إلى جعل
اإلنتاج الوطني يحل محل االستيراد وذلك باالعتماد على وسائل الحماية الجمركية وليس بفضل المنافسة
االقتصادية المعتمدة على تحقيق قدرات تنافسية ،وانعكس ذلك في ضعف االندماج في االقتصاد
العالمي وضعف نسبة الصادرات ،وتحول العالم العربي إلى قوة شرائية كبيرة {الخليج} بفضل البترول
وبفضل تبعية االقتصاد العربي لالقتصاد الغربي في فترة ما بعد الحرب العالمية ،وغير قادر على
االندماج في االقتصاد الدولي بل وحتى االندماج العربي {فشل العالم العربي في التوصل لتعاون إقليمي
يتيح له االستفادة من إمكاناته الذاتية لسد الفجوة الغذائية رغم االنعكاسات األمنية على ذلك}(.)43
كما أن من أسوأ ما أفرزه التخطيط للمنطقة العربية في العقود الماضية هو عدم استفادتها من كونها
سوق استهالكية عالمية في سبيل دخول االقتصاد العالمي وتحقيق قدرات تنافسية على غرار الشراكات
الدولية التي تمت بين دول النمور مع الغرب والتي جسدت تحالفات عبارة عن شراكة بين أصحاب المزايا
النسبية وأصحاب الحصص اإلستراتيجية في األسواق العالمية.
يخلص المؤلف من كل ذلك إلى أن التخطيط العربي لما بعد الحرب العالمية تم إعداده من منظور محلي
قطري محدود في ظل سياسات الحماية التقليدية ،وقد أفرز ذلك العديد من الحقائق أهمها هو أن العالم
العربي وشركاته تتسم في الغالب األعم بكونها ال تمتلك قدرات تنافسية من منظور عالمي ،وال مزايا
نسبية عالمية ،وإن اندماج معظم تلك الشركات في االقتصاد العالمي غير ممكن بوضعها الحالي ،الشيء
الذي يعني أن إنفاذ مشروع مثل مشروع الشرق األوسط الكبير أو أي مخطط يحمل سماته ومراميه ،في ظل
هذه الظروف واألوضاع ،يعني استئثار الشركات اإلسرائيلية واألمريكية والغربية بثروات المنطقة بل
وسيطرتها على االقتصاد العربي.
حرب املياه:
بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط وتفكك القطب الشرقي ،برزت إلى العالم العديد من المتغيرات
اإلستراتيجية ،التي تعمل في مجملها نحو تحويل العالم إلى الليبرالية واالقتصاد الحر ليصبح تحت هيمنة
الواليات المتحدة األمريكية ،في ظل بروز ظاهرة التكتالت االقتصادية واإلقليمية باعتبارها أحد وسائل
232
()44
إدارة صراع المصالح الدولية الذي يشهده العالم حول الموارد.
في هذا الوضع فإن المياه كمورد أساسي للحياة ،أصبحت على رأس قائمة الموضوعات التي تشكل
قضايا العالم في العصر القادم ،وهي بذلك تصبح قضية اقتصادية ،سياسية ،اجتماعية ،تمتد لتصبح
موضوعًا قانونيًا وبيئيًا ،لتتحول بذلك إلى مصدر للصراع الدولي الذي قد يكون البعد العسكري أحد
وسائله ،ولعل السبب في تعقيد موضوع المياه في الشرق األوسط هو ندرة المياه العذبة بالمنطقة في
ظل تزايد السكان بمعدالت عالية (.)45
احتلت قضية األمن المائي العربي قمة األولويات في سلم المصالح العربية في الفترة األخيرة ،بل
أصبحت تفوق من حيث األهمية ،األمن العسكري ،في ظل قناعات ترى بأن الحديث عن تحقيق األمن
القومي العربي ال يمكن أن يتم بمعزل عن موضوع المياه (.)46
إن مشكلة العجز الغذائي في العالم العربي تفاقم من موضوع األمن المائي ،حيث إن الفجوة الغذائية
التي بلغت 17بليون دوالر تقريبًا في العام 1996م وهو عجز متوقع له أن يزيد مع تزايد السكان الذي
متوقع له أن يصل إلى 750مليون نسمة عام 2030م ،وأن االعتماد على االستيراد من الخارج في ظل
السياسات االحتكارية المحتمل تطبيقها بواسطة الدول المتقدمة المنتجة له ،يجعل من أمر الغذاء
موضوعًا أمنيًا يزداد إلحاحًا كلما تقدمت السنوات في القرن الحادي والعشرين (.)47
يعتبر الماء أندر الموارد الطبيعية في العالم العربي ،يتضح ذلك من خالل الحقائق التالية (:)48
.1يمثل إجمالي جريان الماء السطحي في العالم العربي % 0.07فقط من إجمالي الجريان
السطحي في العالم.
.2يتلقى العالم العربي % 2فقط من إجمالي أمطار اليابسة في العالم.
.3ينال الهكتار في العالم العربي من المياه السطحية 0.6لتر/ثانية/كيلو ،تعادل % 6.8من
( )44عبده مختار موسى ،الصراع حول المياه في الشرق األوسط ،مجلة دراسات إستراتيجية ،العدد { ،13مارس ـ يونيو 1998م } ،ص .79
( )46جورج المصري ،قضية المياه في المباحثات متعددة األطراف ،مجلة شئون عربية ،العدد 1994{ ،78م} ،ص 98
( )47المنظمة العربية للتنمية الزراعية ،دراسة السياسات العامة الستخدام موارد المياه في العالم العربي{ ،القاهرة :المنظمة العربية للتنمية
الزراعية 1994 ،م} ،ص .1
( )48المنظمة العربية للتنمية الزراعية ،تقرير أوضاع األمن الغذائي العربي للعام 1996م{ ،القاهرة :المنظمة العربية للتنمية الزراعية1996 ،
م} ،ص .40
233
المعدل العالمي.
من خالل هذه الحقائق يبدو واضحًا الخلل وعدم التوازن بين السكان والموارد المتاحة ،ومن ثم ندرة
المعروض والمتاح منه ،وإذا تمت إضافة حقيقة أخرى وهي أن % 85من مياه العالم العربي تأتي من خارج
()49
حدوده فيمكن حينئ ٍذ تخيل مستقبل المنطقة العربية في ظل ما يسمى بحرب المياه.
تشير اإلحصاءات إلى أن العجز المائي العربي سيبلغ 130مليـار متر مكعب سنويًا ،في حين أن حاجة
العالم العربي من المياه تبلغ 225مليار متر مكعب سنويًا بينما ال توفر األنهار العربية مجتمعة أكثر من
95مليار متر مكعب في األحوال الطبيعية العادية ،ويعني العجز العربي عدم القدرة على توسيع رقعة
األراضي الزراعية من جهة وفقدان مساحات زراعية ضخمة بسبب عدم توفر الماء الالزم للري ،وهذا يعني
()50
فقدان كميات ضخمة من األغذية التي يتحتم استيراد مثلها من الخارج.
أصبحت المياه سالحًا جيوبوليتيكيًا في العصر الحديث ،ووفقًا للقوانين الجيوبولوتيكية السبعة التي
أوردها األلماني فردريك ارتزال ،التي تحكم حركة الدولة في مجالها الحيوي {الذي تسعى إليه} إذ أن الدولة
تسعى أثناء مراحل نموها إلى ضم واستيعاب األقاليم ذات القيمة السياسية وفي مقدمتها العوامل
البحرية والمجاري المائية ،ويمتد مسرح الصراع الجيوبولوتيكي في منطقة الشرق األوسط من الخليج
العربي شرقًا إلى أعالي النيل والبحر العربي جنوبًا ،وإلى األطلسي غربًا وأعالي الفرات ودجلة شمالًا .ويشمل
هذا المجال األراضي على جميع أحواض المصادر المائية في المنطقة ،وتتحرك في هذا المسرح خمس قوى
إقليمية هي :العربية ،اإليرانية ،التركية ،اإلثيوبية ،اإلسرائيلية (.)51
كان أول استخدام للمياه كسالح عام 1680م عندما قام الملك تكال هيما فوت بتحذير حاكم مصر
بقوله:
"The Nile would be so sufficient to punish you, since God put into our powers his fountains,
his outlet and increase, and that we can dispose of the same to do you harm (52)".
( )49المنظمة العربية للتنمية الزراعية ،دراسة السياسات العامة الستخدام موارد المياه في العالم العربي ،مرجع سبق
ذكره ،ص .1
(John Bulloch & Adel Darwish ,Water Wars: Coming Conflicts in The Middle East , {London: )52
.Victor Gollancz, 1993 }, p 98
234
تشكل الهضبة اإلثيوبية المصدر الرئيس للنيل ،حيث يجري عليها أحد عشر نهرًا تصب عبر الحدود في
الصومال والسودان ،وأهمها النيل األزرق والعطبراوي والسوباط ،إال أن أكبر هذه األنهار هو النيل األزرق الذي
يورد في المتوسط 50مليار متر مكعب سنويًا تعادل % 60من إجمالي إيرادات النيل ،فيما تأتي بقية
()53
إيرادات النيل من بحيرة فكتوريا.
تمثل مشكلة المياه محورًا مركزيًا في اإلستراتيجية اإلسرائيلية ،ولقد كان موضوع الحصول على المياه
في فلسطين هو أحد أركان الهم اإلسرائيلي منذ نشوء الحركة الصهيونية العالمية ،وفي سبيل ذلك دخلت
في تعاون مع االستعمار البريطاني للهيمنة على مصادر المياه في فلسطين ،حتى يتسنى للصهيونية
تهجير ماليين اليهود إلى فلسطين ،وقد ركز الصهاينة ضغوطهم على حلفائهم الغربيين خالل الحرب
العالمية األولى لتوسيع الحدود الشمالية لفلسطين بحيث تشمل كافة األراضي التي تنبع منها روافد نهر
األردن ،واألراضي التي يمر بها نهر الليطاني ،وفي فترة االنتداب البريطاني اتخذت اإلستراتيجية المائية
الصهيونية اتجاهين رئيسيين هما(:)54
االتجاه األول :الحصول من الحكومة البريطانية على االمتيازات المائية لصالح المشاريع التي
(.Ibid., p 99 )53
عبده مختار موسى ،مرجع سبق ذكره ،ص 92ـ .93 ()54
235
()56
األوسط هي ملك للمنطقة".
.3المشروعات اإلسرائيلية في فلسطين.
.4السعي إلنفاذ فكرة شراء مياه النيل.
.5مشروعات إسرائيل للحصول على مياه الجوالن.
وقد أصبحت األهداف التي يتم من خاللها تحقق السيطرة اإلسرائيلية على المياه ،أهدافًا إستراتيجية
إلسرائيل ،وقد أشار لذلك موشي ديان وزير الدفاع اإلسرائيلي األسبق ،حيث قال " :إن إسرائيل سوف تواصل
السيطرة على الموارد المائية باعتبارها أهدافًا إستراتيجية إلسرائيل ،وإن العرب لن يحصلوا أكثر مما
يستحقون"(.)57
من التطورات النوعية في المخططات اإلسرائيلية حول المياه هو مشروع الشرق األوسط الجديد الذي
طرحه شمعون بيريز في العام 1987م ،ومشروع الشرق األوسط الكبير الذي تم طرحه في العام 2004م،
حيث تتمكن إسرائيل عبر المشروعين المذكورين ومن خالل التعاون اإلقليمي وزوال الحدود بين دول
اإلقليم ،من االستثمار الزراعي في كافة دول المنطقة باستغالل ما تتيحه بنود المشروعين من إمكانية
االستثمار عمومًا ،واالستثمار الزراعي تحديدًا ،في ظل آليات اقتصاد السوق وشفافية أسواق المال التي
تتيح امتالك األسهم وتداولها دون قيود بما في ذلك أسهم المشروعات الزراعية.
كل ذلك يتم في ظل األوضاع المالية واالقتصادية التي يتيحها المشروعان ،خاصة مشروع الشرق
األوسط الكبير والتي يمكن من خاللها تطبيق وتنفيذ واالستفادة من القدرات التنافسية والمزايا النسبية
إلسرائيل ،الشيء الذي يعني السيطرة االقتصادية على الموارد المائية واألرضية لإلقليم ،فضلًا عن كسب
أسواق جديدة ،أو العبور من خاللها إلى األسواق األخرى خارج اإلقليم وعلى رأسها السوق اإلفريقي (.)58
يعد انهيار االتحاد السوفيتي هو النهاية الحقيقية للنظام العالمي الذي تشكل بعد الحرب العالمية
الثانية ،سنبرز فيما يلي بعض الجوانب المتعلقة بالنظام العالمي الجديد.
()58شمعون بيريز ،مرجع سبق ذكره ،ص 134ـ 145ومحمد حسيـن سليمان ،السودان والشرق األوسط الكبير ،دراسة
مقدمة إلى مركز دراسات الشرق األوسط وإفريقيا ،ص .3
236
العوملة:
يرى البعض أن المصطلح األكثر دقة للتعبير عن هذه الظاهرة هو {العولمة} ،بحيث تأتي المفردة على
وزن {فوعلة} وهي تدل على تحويل الشيء من وضع إلى آخر ،مثل {قولبة} من قولب ،أي وضع الشيء في
قالب ،وقياسًا على ذلك فإن العولمة تعني وضع الشيء وتعميمه على مستوى العالم ،وبالتالي فهي تعني
الشمولية أو الكونية }. (59){Globalization
العولمة بموجب ذلك تعني التدويل وحرية التجارة الدولية وحرية الخدمات وحرية الفكر واإلعالم ،وهذا
ما يعني أن صفة العالمية وأثر التدويل الناجم عن زوال الحدود والقيود القطرية ،في ظل صراع المصالح
الدولية سيقود لالتجاه نحو خلق أوضاع عالمية أو كونية جديدة في العالم ،منها أوضاع تتعلق
بالمواصفات التي يجب أن تكون عالمية ،ومنها ما يتعلق بالحاجة للتشريعات والنظم الدولية أي عولمة
التشريعات وعولمة نظم االقتصاد ونظم التجارة ونظم اإلعالم ..إلخ.
لقد أثبت التاريخ أن العولمة ليست شيئًا جديدًا ،فكل الحضارات السابقة قد شهدت محاوالت من الدول
الكبرى للسيطرة على الدول الصغرى ،ومحاولة فرض ثقافتها وحضارتها عالوة على تحقيق مصالحها
االقتصادية ،وإن كل ما حدث اآلن هو أن العالم أكثر قربًا من بعضه البعض وأكثر ارتباطًا ببعضه البعض،
ويعود ذلك إلى إنشاء الطرق الدولية والقارية المعبدة وتطور صناعة الطيران التي ساهمت في ربط كافة
أنحاء العالم ببعضه البعض ،فضلًا عن التطور المتسارع والمذهل في تقنية االتصاالت التي ابتدعت
اإلنترنت والهاتف المحمول واالجتماعات التلفزيونية عبر الشبكة .إلخ
كل ذلك قد ساعد في سرعة االتصال والحركة وانتقال المعلومات والسلع بسرعة كبيرة (.)60
لقد ساد النظام اإلسالمي العالم على مدى تسعة قرون شكل خاللها النظام العالمي اإلسالمي ،أي أن
الرسول ﷺ وهو المبعوث لكل البشرية ،ما كان له أن يتصدى لمهامه في التبشير وهو رسول لإلنسانية
جمعاء لوال أن قام بعولمة رسالته ،وهو ما فعله الصحابة من بعده ،حتى امتدت الدولة اإلسالمية إلى
فارس وأوربا حتى إسبانيا ومشارف الصين وبالد الشام ومصر والسودان .وإذا كان العالم يحاول فرض
ثقافته عبر مخططاته المختلفة وعبر التقنية المتطورة ،فإن اإلسالم قد أقام نظامًا عالميًا كان أساسه
()59حسن لطيف كاظم الزبيدي ،العولمة ومستقبل الدور االقتصادي للدولـة في العالم الثالث{ ،العين :دار الكتاب الجامعي،
2002م} ،ص .128
()60محمد هاشـم عوض ،األبعاد االقتصادية للعولمة ،دراسة مقدمة لمركز الدراسات اإلستراتيجية بالخرطوم ،يوليو 1998
م ،ص 53ـ .55
237
العدل والمساواة وحرية األديان السماوية للعبادة ،انتفت فيه العرقية والقبلية والجهوية ،وأصبح المعيار
هو التقوى؛ أما على الصعيد االقتصادي فقد احتفظ النظام العالمي اإلسالمي بخصائص الحرية واالنفتاح
بانتقال السلع والعمالة ورأس المال والتقنية ،على نطاق العالم اإلسالمي بال أية قيود تذكر ،كما ظلت
الوحدة النقدية ـ وقاعدتها الدينار الذهبي ـ على ما كانت عليه مع استحداث أصناف متعددة من الدراهم
والفلوس {النقود المعدنية} ،كما ظل العالم اإلسالمي يمثل حلفًا عسكريًا ساد نظام عالمي محوره العالم
اإلسالمي.
وعمومًا فإن الفرق بين العولمة اإلسالمية وعولمة اليوم هو في كون أن العولمة اإلسالمية استندت
على نظام من القيم والمبادئ اإلسالمية التي تقوم على العدالة والمساواة والحرية الكاملة للبشر والسلع
وحركة الثقافة ،دون قيود ،وعدم فرض الرأي بالقوة ،في حين أن عولمة اليوم تجيز حركة السلع ورأس
المال دون العمالة والتقنية والحصص اإلستراتيجية في األسواق العالمية ،في ظل وضع تسيطر فيه الدول
الكبرى على مقاليد األمور مع ازدواجية في المعايير الدولية تعمل لصالح الدول الكبرى ضـد الدول
الصغرى(.)61
إذا كانت أطماع الدول القوية للحصول على الموارد الطبيعية والسلع والذهب وكنوز الدول الضعيفة،
تقوم على االستعمار المباشر في الحقب التاريخية الماضية وحتى منتصف القرن العشرين ،فإن العالم
ابتدع أساليبًا أخرى لتنفيذ ذات األغراض االستعمارية القديمة ،حيث أصبحت السيطرة على االقتصاد
الدولي تتم عن طريق تخطيط حركة األموال والمضاربة ،وأسواق المال ،وسرعة وشفافية حركة انتقال
األسهم واألموال بين الدول ،ترتكز على أسس اقتصادية تحكمية مسنودة بحماية سياسية لعدد من الدول
الكبرى كالواليات المتحدة األمريكية ،عالوة على مؤسسات االقتصاد والتجارة الدولية مثل صندوق النقد
الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية ،وفي كل األحوال سواء اآلن ونحن في القرن الحادي
والعشرين ،أو تاريخيًا في الحضارات السابقة ،فإن المرء يستطيع أن يدرك بان اإلرسال في كافة العصور
كان وال زال ينطلق من مراكز إرسال قوية إلى مراكز إرسال قابلة للتفاعل والتأثر بذلك اإلرسال أو مراكز
ضعيفة(.)62
برزت العولمة بصورتها الحالية من خالل عشر وصايا تمثل نموذجًا لسياسة اقتصادية اقترحها
()62محمد حسين سليمان أبو صالح ،التخطيط اإلستراتيجي لالقتصاد السوداني :البُعد المفقود{ ،الخرطوم :مطبعة
العملة 2002 ،م} ،ص .58
238
االقتصادي األمريكي جون ويليامسون عام 1989م بالتعاون مع معهد االقتصاد العالمي ،وتبنتها اإلدارة
األمريكية ومجلس الشيوخ وعدد من كبار المسؤولين بالبنك الدولي وصنـدوق النقد الدولي ،وأطلق عليها
فيمـا بعـد {اتفاقية واشنطن} ،وتهدف إلى تدعيم ما يطلق عليه اليوم {بالعولمة} وأهم بنودها (:)63
.1تحرير التجارة بما يكفل:
االبتعاد عن نظام الحصص. أ
()63وداد احمد كيكسو ،العولمة والتنمية االقتصادية :نشأتها ،تأثيرها ،تطورها{ ،بيروت :المؤسسة العربية للدراسات
والنشر 2002 ،م} ،ص 19ـ .46
239
.2تبين أن من نتائج تطبيق هذه التوصيات {االتفاقية} ظهور نوعين من االقتصاد؛ اقتصاد
يغني األغلبية الغنية ،وآخر ال يحقق ما تصبو إليه الدول الفقيرة.
.3النجاح الذي حققته دول شرق آسيا في التغلب على أزمتها المالية عندما انحرفت عن هذه
االتفاقية بتطبيق ما رأته مالئمًا.
هكذا ومع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين تبلورت العولمة في العصر الحديث،
وقد ساعد في انتشارها والترويج لها ،عدد من األسباب أهمها (:)65
.1الفراغ األيدلوجي الذي خلفه سقوط المعسكر الشرقي.
.2أن االتفاقية لها أثر فعال في جذب األموال والعمالت الصعبة.
.3صدور االتفاقية من واشنطن عاصمة الواليات المتحدة األمريكية التي تجسد القوة العظمى.
.4قدرة الواليات في جعل االتفاقية بمثابة أيدلوجية بديلة تصلح لكل البلدان وكل األفراد.
.5ضعف األيدلوجية المناهضة القتصاد السوق الحر والرأسمالية العالمية.
.6اشتراط منح التمويل من قبل {البنك الدولي وصندوق النقد الدولي} بتطبيق أحكام اتفاقية
واشنطن.
العوملة السياسية:
تسعى العولمة السياسية إلى تحويل دول العالم وخاصة الدول النامية ،التباع النظام الرأسمالي
اقتصاديًا والليبرالي سياسيًا ( ،)66وأهم المالحظات في هذا الجانب هو بروز معسكر الشمال الموحد بقيادة
الواليات المتحدة األمريكية ،وتحول الصراع في الساحة السياسية الدولية ليصبح االقتصاد هو مدخله
ومحوره األساس.
وفي سبيل إحكام هيمنتها على العالم قامت الواليات المتحدة األمريكية ،ببناء ترسانة حربية ضخمة
بحرية وبرية وجوية ،وترسانة نووية ،ونشرت قواتها في معظم أرجاء العالم ،وكوريا الجنوبية واليابان
وآسيا والخليج العربي وأستراليا وأمريكا الجنوبية وأوربا ،وبالتالي فقد تحققت لها السيطرة برًا وبحرًا وجوًا.
ويمكن النظر إلى واقع العولمة السياسية بالمنظور األمريكي من خالل التعريف الذي أورده الجابري ،الذي
يقول فيه" :إن العولمة نظام يعمل على إفراغ الهوية الجماعية من كل محتوى ويدفع إلى التشتيت
()66الطيب علي عبد الرحمن ،العولمة :قدر أم اختيار{ ،الخرطوم :وزارة الثقافة والسياحة 2002 ،م} ،ص .277
240
()67
والتفتيت ليربط الناس بعالم الال وطن والال أمة والال دولة أو يغرقهم في أتون الحرب".
العوملة الثقافية:
العولمة الثقافية بالمفهوم العام تعني زوال الحدود والقيود أمام الفكر والثقافة لتصبح مشاعة
()68
للجميع.
من أهم التطورات التي شهدها العالم هو النهضة المذهلة في مجال تقنية المعلومات واالتصاالت،
والتي من أهم مظاهرها هو شبكة االتصاالت العنكبوتية العالمية المعروفة باسم {اإلنترنت} ،والتلفون
المحمول والقنوات الفضائية العالمية التي أصبحت متاحة للمشاهدة لكل مواطني العالم ..إلخ
الشيء الذي انعكس في سرعة انتقال المعلومات بين أنحاء العالم ،وساهمت في انتقال الفكر والثقافة
عبر الحدود وهذا هو ما تسعى إليه الواليات المتحدة األمريكية من نشر لثقافتها باستخدام سطوتها على
اإلعالم العالمي ،حيث يعمل العالم الغربي إلعادة تشكيل مواطن العالم ليحمل مجموعة القيم الغربية
أو ما يمكن أن يطلق عليه الثقافة العالمية الواحدة على غرار االقتصاد العالمي الموحد.
هذا الوضع يشير إلى التحديات التي تواجه العالم اإلسالمي المتمثلة ليس في مواجهة الغزو الفكري
الغربي فحسب بل وأيضًا في كيفية العبور فوق ذلك نحو إرساء القيم اإلسالمية السمحاء ونشرها عالميًا.
العوملة الترشيعية:
تسعى الدول الكبرى من خالل العولمة التشريعية إلى وضع تشريعات تعالج القضايا السياسية
واالقتصادية واالجتماعية لدى الدول األخرى من خالل وجهة نظرها ( ،)69لتتم إدارة العالم وفق قوانين
وأسس وقواعد ومبادئ عالمية موحدة ،ومن األمثلة على ذلك:
.1اتفاقية كوتونو التي وقعت بين االتحاد األوربي مع سبع وسبعين دولة يمثلون المجموعة
()70
اإلفريقية الباسيفيكية الكاريبية.
.2مشروع الشرق األوسط الكبير.
()67خضر هارون ،العولمة :قراءة في المفهوم ،ورقة مقدمة لمركز الدراسات اإلستراتيجية بالخرطوم ،يوليو 1998م ،ص
.5
()68محمد صفوت قابل ،الدول النامية والعولمة .اإلسكندرية :الدار الجامعية ،2004 .ص .238
( )70تلخيص اتفاقية كوتونو ،ترجمة سفارة االتحاد األوربي بالخرطوم ،الخرطوم :سفارة االتحاد األوربي 2002 ،م ،ص 2ـ .10
241
.3إعالن شركاء في نظام عالمي مستديم .Partners in Sustainable Global Growth
حيث أن االستفادة من مزايا اتفاقية كوتونو أو الحصول على الدعم والتمويل عبر مشروع الشرق
األوسط الكبير ،يتطلبان بصورة مباشرة وغير مباشرة إجراء تعديالت في التشريعات المحلية للدول
المستفيدة ( ،)71كما أن االستفادة من مزايا إعالن شركاء في نظام عالمي مستديم تتطلب من الدول أن
تتصرف بكيفية ال يمكن أن تتأتى لها إال بإعادة صياغة قوانينها لتأتى متسقة مع متطلبات اإلعالن
المذكور (.)72
العوملة االقتصادية:
اتفق الباحثون على اإلطار العام لمفهوم العولمة االقتصادية ،وأنها تشكل السمة الرئيسة للنظام
العالمي الجديد الذي يقوم على حرية التجارة العالمية واالعتماد المتبادل والتحول آلليات السوق ،وتحويل
العالم إلى قرية متنافسة األطراف ،ذات أنماط وعادات استهالكية عالمية ،تحكمها أسس وقواعد دولية
وتكتالت اقتصادية كبرى وشركات متعددة الجنسيات). (73
إن انفتاح أو اندماج اقتصاديات الدول النامية في ظل ضعف أو عدم وجود المقومات االقتصادية
والسياسية الالزمة في ظل عدم وجود رؤية إستراتيجية مدعومة بسياسات مالية ونقدية تشجع على
التنافس العالمي ،تقود إلى نتائج وخيمة ،ولعل أهم النتائج التي تشير إلى ذلك هو زيادة معدالت
االستيراد في الدول النامية كمؤشر على عدم قدرتها على التنافس ،وهذا يشير بقوة إلى أهمية التخطيط
اإلستراتيجي لالقتصادات الوطنية وأهمية دخول الدول النامية في تكتالت اقتصادية.
من المعروف أن عمليات البناء األخالقي والفكري للمواطن ظلت مهمة قطرية تتصدى لها الحكومات
واألنظمة القطرية من خالل العديد من أربع جهات رئيسة هي األسرة ،التعليم ،اإلعالم ومنظمات
المجتمع ،فنجد أن التعليم له دور أساس في ذلك من خالل تدريس اللغة الوطنية والدين والتاريخ الوطني
والتربية الوطنية ،فيما يتواصل علماء الدولة وخبراؤها وقياداتها ..إلخ ،بالشعب من خالل أجهزة اإلعالم
( )71مركز الدراسات اإلستراتيجية والعالمية ،درا سة مشروع الشرق األوسط الكبير ،ترجمة مركز دراسات الشرق األوسط
وإفريقيا بالخرطوم{ ،واشنطن دي سي :مركز الدراسات اإلستراتيجية والعالمية 2000 ،م} ،ص 5ـ .15
( )72محمد حسين سليمان أبو صالح ،التخطيط اإلستراتيجي لالقتصاد السوداني :البعد المفقود ،مرجع سبق ذكره ،ص 49
ـ .51
( )73عبد المطلب عبد الحميد ،مرجع سبق ذكره ،ص 22ـ ،25ومحمد حسين سليمان أبو صالح ،التخطيط اإلستراتيجي
لالقتصاد السوداني :البعد المفقود ،مرجـع سبق ذكره ،ص 47ـ .56
242
المختلفة ،وتتولى منظمات المجتمع المدني من طرق صوفية ومساجد وخالوي وجمعيات ومنظمات ..إلخ
كثير من المهام المتصلة بتحقيق ذلك.
إال أن المتأمل في تداعيات النظام العالمي الجديد أو ما يطلق عليه العولمة ،يكتشف أن آليات بناء
المواطن فكريًا وأخالقيًا في طريقها لتصبح عالمية تحت سيطرة أصحاب النظام العالمي ذي التوجهات
المناقضة لكثير من القيم في المجتمعات األخرى ،فنالحظ أن البداية كانت باإلعالم حيث استطاعت
الفضائيات العالمية السيطرة على قطاع كبير من الجمهور العالمي من خالل اإلنتاج اإلعالمي اإلستراتيجي
الذي يتميز باختيار المداخل اإلعالمية المناسبة ويسعى لبناء فكر راسخ لدى الجمهور العالمي من خالل
التراكم المعلوماتي والتكرار واإلبهار واستخدام اللغات المناسبة والجودة المطلوبة.
في ذات الوقت أصبحت الحكومات الوطنية والعلماء الوطنيين معزولين عن جمهورهم بفضل ذلك.
أما فيما يتعلق بالتعليم نجد أن السيطرة ستخرج إلى حد كبير عن سيطرة السلطة الوطنية وذلك من
خالل التعليم اإللكتروني والتعليم المفتوح واالنتقال الجغرافي للمؤسسات التعليمية ذات القدرات
المتميزة عالميًا ،من الدول المتقدمة إلى الدول النامية.
أما فيما يتصل بمنظمات المجتمع المدني نجد أن القانون الدولي والتوجهات الدولية أصبحت تعمل
على تأسيس ودعم وحماية منظمات المجتمع المدني ذات األغراض التي تتناقض في كثير من األحيان مع
التوجهات الوطنية في الوقت الذي يؤدي غياب الرؤية اإلستراتيجية الوطنية في العديد من الدول النامية
إلى عدم بلورة نظام لتقاسم األدوار بين الدول ومنظمات المجتمع الوطنية يضمن إيجاد الدعم والحماية
والتمويل لتلك المنظمات ،الشيء الذي يقود نحو إضعاف دور منظمات المجتمع الوطنية وتعاظم دور
المنظمات األجنبية أو تلك المدعومة من قبل أرباب النظام العالمي.
وهكذا تجد الدول النامية نفسها في مواجهة أوضاع ال يمكن التعامل معها إال وفق رؤى وتوجهات
إستراتيجية في المجاالت المختلفة وعلى رأسها التعليم والثقافة واإلعالم والسياسة.
243
ج .ترتيب أوضاع وأسس وشروط جديدة تحكم حركة التجارة والحصول على اإلستراتيجية في
األسواق وكذا الحصول على التمويل.
وهكذا تستطيع الدول الغربية من خالل استغالل المؤسسات المالية العالمية والشروط الجديدة التي
تحكم االقتصاد من السيطرة على الدول النامية.
إن صدور ما يسمى باإلعالن :شركاء في نظام عالمي مستديم(Partners in Sustainable Global :
)Growth P.S.G.Gيجسد نقطة االنطالق للنظام المالي العالمي الجديد ،وقد أقره صندوق النقد الدولي
في سبتمبر 1996م ،وقد حدد هذا اإلعالن األسس والشروط الجديدة لتعاون المؤسسات المالية العالمية
()74
مع الدول النامية المتلقية للتدفق المالي ،اشتملت على النواحي السياسية التالية
.1اتباع أساليب الحكم الراشد وسيادة القانون.
.2محاربة الفساد في أجهزة الدولة.
.3التزام الشفافية في السياسات والخطط الحكومية.
.4زيادة كفاءة األداء في مؤسسات القطاع العام.
.5إعمال مبدأ المحاسبة في مؤسسات القطاع العام وأجهزة الدولة.
يتضح من هذه الشروط أن المؤسسات المالية العالمية قد تجاوزت نظمها األساسية وأساليب عملها
المعروفة ،وبدأت تتدخل في إطار العمل السياسي ،وإمعانًا في تدعيم هذا التوجه الجديد ،قام صندوق
النقد الدولي بتنزيل شرط الحكم الراشد الوارد في اإلعالن المشار إليه ،ووضعه بصورة أكثر وضوحًا في
الوصفة االقتصادية التالية (:)75
.1تنفيذ سياسات التكييف الهيكلي لالقتصاد.
.2التزام الشفافية واإلفصاح في حسابات الحكومة.
.3تحقيق الكفاءة في استخدام المال العام.
.4تحقيق االستقرار والشفافية في القوانين واإلجراءات المنظمة لالقتصاد ،خاصة المتعلقة
بالقطاع الخاص.
()75تاج السر مصطفى ،التمويل للدول النامية في ظل العولمة ،ورقة مقدمة لمركز الدراسات اإلستراتيجية بالخرطوم،
سبتمبر 1998م ،ص .10
244
حتى تكون الوصفة أكثر دقة ووضوحًا فقد قام البنك الدولي بإضافة الشروط التالية على الحكومات
في الدول النامية:
.1أن تنتهج األسلوب الديمقراطي في الحكم.
.2أن تحمي حقوق اإلنسان.
.3أن تلتزم بسيادة القانون.
.4أن تحقق اإلدارة الرشيدة على المال العام.
.5أن تعمل على محاربة الفساد.
.6أن تفسح المجال للمواطنين للمشاركة الفاعلة ،خاصة المرأة ،في الحياة السياسية
واالقتصادية.
.7أن تعمل سلميًا على معالجة األسباب الحقيقية للنزاعات الداخلية وتحجم العمل العسكري.
.8أن تعمل على تحقيق التوازن بين التنمية المستدامة وحماية البيئة.
.9أن تعمل على معالجة مشاكل الفقر ومسبباته.
هكذا قامت الدول الغربية بتنصيب نفسها رقيبًا على الدول النامية عبر سيطرتها على المؤسسات
المالية واالقتصادية والتجارية ،وأصبح التعامل مع النظام االقتصادي العالمي بكافة جوانبه التجارية
والمالية والنقدية.
يتطلب حصول الدول النامية على ما يطلق عليه {شهادة السالمة} التي تفيد بتطبيق الدول النامية
للشروط السابق ذكرها ،وأن إصدار تلك الشهادات أصبح في أيدي تلك المؤسسات االقتصادية العالمية
التي تعمل وفق معايير تخدم الشروط السياسة واالقتصادية التي تحقق رغبة الدول الغربية بقيادة
الواليات المتحدة األمريكية في الهيمنة السياسية واالقتصادية على العالم.
في ضوء هذا الوضع تمت صياغة توزيع األدوار بين أركان النظام المالي العالمـي ،بما يمكن الدول
الغربية من خدمة أغراضها المتمثلة في تحول الدول النامية نحو النظام الذي يرغبه المعسكر الليبرالي،
()76
وذلك كما يلي:
.1يتاح للدول التي تستوفي الشروط السياسية واالقتصادية المذكورة آنفًا ،الحصول على
موارد مالية من البنك الدولي لصالح مشروعات البنية التحتية والبناء المؤسسي ومحاربة
245
الفقر وتطوير العمالة المحلية.
.2تتاح للدول التي استوفت الشروط السياسية واالقتصادية فرصة الحصول على تدفقات
مالية من صندوق النقد الدولي إلصالح ميزان المدفوعات ،وذلك عن طريق القروض
الميسرة التي أطلق عليهـا تسهيالت التكييف الهيكلي المدعمةEnhanced { :
،}Structural Adjustment Facilityإصدار شهادة السالمة االقتصادية لتحديد أهلية
الدولة المعينة لتلقي العون والتمويل.
.3بعد الحصول على شهادة السالمة ،يتاح للدولة المعنية أن تحصل على تمويل لمشروعاتها
التنموية واالستثمارية عبر أسواق المال العالمية الخاصة واستثمارات القطاع الخاص.
.6التجارة الدولية في ظل العولمة:
تعتبر التجارة الدولية إحدى العناصر الهامة في اقتصاد الدول بما تقدمه من خدمة لالقتصاد الوطني،
وتجئ أهميتها من كونها وسيلة للتفاعل واللقاء مع العالم الخارجي ،وأن التقدم في أي تنمية داخلية
يتوقف على إسهامات التجارة الدولية باعتبار أن اختراق األسواق العالمية وإيجاد تسويق للناتج القومي
هو أحد مفاتيح النجاح لخطط التنمية بالدول وأن الفشل في إيجاد حصص في هذه األسواق ينعكس سلبًا
على حركة االقتصاد الوطني باعتبار أن أي دولة ال يمكن أن تتطور بمعزل عن حركة االقتصاد الدولي أو
المجتمع الدولي.
التجارة الدولية في القرن العشرين:
قامت التجارة الدولية في القرن العشرين على أساس أنه ليس هناك دولة واحدة تمتلك الموارد من
أجل إنتاج كافة مستلزماتها وبصورة جيدة ،وقد كانت المزايا النسبية تقف خلف فلسفة النظرية
التقليدية للتجارة الدولية ،حيث يمكن لدولة معينة أن تتخصص في إنتاج سلعة معينة بتكلفة أقل
وجودة أفضل من الدول األخرى وذلك لما تتميز به من موارد طبيعية وبشرية.
ويمكن مالحظة أن الميزة النسبية ال عالقة وال أثر لها فيما يتعلق بالتكاليف الحقيقية للمنتج مثل
انخفاض تكلفة العمالة أو ضخامة احتياطات البترول ،وإذا ما أتيح لدولة ما القدرة على استخدام مستويات
أقل من مواردها إلنتاج منتج معين ،فإن هذه الدولة تتمتع بحيازتها على عناصر المزايا النسبية ،وذلك
بالنظر إلى دول أخرى تستخدم مستويات أعلى من مواردها إلنتاج نفس المنتج (.)77
وفقًا لهذه النظرية سارت عمليات التجارة الدولية في القرن العشرين ،وأصبح العالم يعرف أنه من
()77ديفيد راتشمان وآخرون ،اإلدارة المعاصرة ،ترجمة رفاعي محمد رفاعي ،ومحمد سيد عبد المتعال { ،الرياض :دار المريخ
للنشر 2001 ،م } ،ص .51
246
األف ضل لدولة {ما} استيراد سلعة {ما} من دولة {ما} ألنها أرخص وأفضل جودة ،فيما تعمل الدولة على
تركيز التخصص في مجال إنتاج السلع التي يمتلك فيها مزايا نسبية وفقًا لنظرية ريكاردو ،ولكن مع مرور
الوقت وفي ظل التطورات التي سادت العالم في العقود األخيرة من القرن العشرين برزت رؤية جديدة
للميزة النسبية أشار إليها بورتر مايكل بقوله " إن القدرة لدولة {ما} على التجديد والتحديث وصولًا إلى
مستويات تقنية وإنتاجية عالية ،هو المدخل المتالك القدرة على التنافس العالمي ".
ومن األمثلة على ذلك نجاح هولندا في امتالك سوق التجارة العالمية في مجال الزهور ،حيث لم يتأت
لها ذلك بفضل توفر الموارد الطبيعية أو المناخ المثالي ،وإنما بفضل مركز أبحاث الزهور الذي قادت
دراساته إلى امتالك هولندا للميزة النسبية في مجال إنتاج الزهور (.)78
من خالل هذا التطور يتضح أن الميزة النسبية أصبحت غير مقيدة بامتالك الموارد الطبيعية أو
الموقع الجغرافي بقدر ما هي مرتبطة بامتالك واستخدام التقنية وأساليب التجديد والتحديث .وفي ظل
زوال الحدود الجغرافية وزوال سياسات الحماية الوطنية يصبح أمر إدارة التجارة الدولية تحديًا يواجه األمم
والشركات فيما يعرف بعصر حرية التجارة الدولية الذي تقوده منظمة التجارة العالمية World Trade
.Organization W.T.O
وأصبح عدم امتالك القدرات التنافسية والمزايا النسبية من المنظور العالمي يشكل تهديدًا للدول
ومصالحها وأمنها.
247
منظمة التجارة العالمية:
مرت هذه المنظمة بعدة مراحل بدايةً من عام 1947حيث برزت اتفاقية التجارة والتعريفة الجمركية
{ }general agreement for trade and tariff – GATومرت بعدة جوالت من التفاوض بين دول
العالـم ،إلى أن قامت منظمـة التجـارة العالميـة {}world trade organization WTO
وكانت من خاللها تسعى إلى إلغاء الحدود الجمركية وفتح األسواق وإزالة سياسات الحماية والقيود
اإلدارية واشتملت على عدد من االتفاقيات لخفض القيود الجمركية وأخرى تتعلق بالحماية الفكرية وأخرى
تتعلق بإزالة السياسات الحمائية وإزالة القيود اإلدارية التي تتحكم في التجارة واالستثمار ،وقد يكون في
ظاهر األمر أن هذه المنظمة تدعو لتشجيع االستثمار الحر وتعطي المنافسة عبر الجودة والسعر وشروط
البيـع األخرى ،إال أن هيمنة الواليات المتحدة والدول الغربية على مصادر التمويل تجعل من الدول النامية
في حاجة إليها ،علمًا بأن الحصول على التمويل يتطلب الحصول على شهادة السالمة والتي يتطلب الحصول
عليها تنفيذ الشروط التي سبق وذكرناها والتي تتيح التدخل في شؤون الدول والمساس بسيادتها.
على ذلك تظل ثروات الدول النامية حبيسة رهينة بالحصول على التمويل بالشروط المذكورة ،يساعد
في ذلك ضعف اقتصاديات هذه الدول وعدم توفر المعايير االقتصادية المطلوبة للدخول في شراكة أو
تعاون اقتصادي مـع العالم ،وعجز موازين مدفوعاتها باستمرار وشح مواردها المالية مع تحملها لكاهل
الديون األجنبية الثقيلة ،وهو ما يدعو لالستسالم مما يفتح الباب لدخول الشركات المتعدية الجنسيات
الستغالل ثروات هذه الدول بأسوأ الشروط مع وجود تهديد بانهيار اقتصاديات هذه الدول عبر شفافية
أسواق المال والتحكم الميكانيكي في أسعار العمالت وغيرهما من الوسائل لتظل ثروات الدول النامية تحت
االستغالل األجنبي بمسميات وكيفيات مختلفة.
مشروع الشرق األوسط تم اقتراحه ودراسته بواسطة مركز الدراسات اإلستراتيجية والعالمية بواشنطن،
وتسعى الواليات المتحدة إلى إقناع دول مجموعة الـ 8بتبنيه معها.
وتحاول من خالل هذا المشروع معالجة بعض الموضوعات التي لها اتصال بمصالحها وأمنها ،حيث يرى
المشروع أن عدم الديمقراطية والحرية السياسية وحرية التعبير سوف تخلق وضعًا وظروفًا تهدد مصالح
مجموعة دول الثمانية ،وأن العطالة والجهل والحرمان من الحقوق السياسية تهدد استقرار المنطقة وتقود
إلى التطرف وتهدد مصالح مجموعة الثمانية.
يضم الشرق األوسط الكبير الدول العربية وإيران وتركيا وباكستان وأفغانستان وإسرائيل.
248
البنود الرئيسة ملرشوع الرشق الكبري:
()79
يمكن تناول مشروع الشرق األوسط الكبير من خالل بندين رئيسيين كما يلي:
.2مبادرة التمويل ،ويتم من خاللها إقراض المشروعات الصغيرة خاصة مشروعات النساء ،حيث
سيتم تقديم ما بين 400إلى 500مليون دوالر لتمويل 1.2مليون عامل في المنطقـة.
.3مؤسسة الشرق األوسط الكبير :وتختص بالتمويل المتوسط والكبير بهدف التوصل إلى تكامل
اقتصادي لمجال األعمال في المنطقة وأن تتم إدارة هذه المؤسسة من قِبل قادة القطاع الخاص في
مجموعة الـ .8
.4بنك تنمية الشرق األوسط :ويتم إنشاء هذا البنك على غرار البنك األوربي للتعمير والتنمية في
سبيل:
▪ مساعدة الدول الساعية في اإلصالح على توفير االحتياجات األولية للتنمية.
▪ توفير القدرات المالية وتركيزها لتوسيع وإنشاء التعليم والصحة والبنية التحتية وتتخذ قرارات
اإلقراض أو المنح من هذه المؤسسة بحسب قدرة البلد على القيام بإصالحات ملموسة.
.5الشراكة من أجل نظام مالي :ويهدف إلى إطالق حريات الخدمات المالية وتوسيعها في المنطقة
عبر:
()79مركز الدراسات اإلستراتيجي ة والعالمية ،دراسة مشروع الشرق األوسط الكبير ،مرجع سبق ذكره ،ص ص .14-5
249
أ .إصالح وتحديث الخدمات المالية
ب .تحسين اندماج بلدان المنطقة في النظام العالمي.
ج .تقديم مساعدات تقنية وخبرات مع تركيز مجموعة الـ 8على:
تنفيذ خطط إصالح تخفض سيطرة الدولة على الخدمات المالية.
إن المحاوالت األمريكية للهيمنة على العالم لتحقيق المصالح التجارية هي عملية ممتدة منذ فترة ما
بعد الحرب العالمية الثانية سبقتها هيمنة داخلية تحققت من خاللها المصالح للتجار األمريكان ذوي
األصول األوربية على حساب المزارعين السود،
وإن تغير الحال اآلن ليحل محلهم الشركات المتعددة الجنسيات الضخمة ،فقد توسع المجال أيضًا
ليشمل العالم ككل كما كان الحال إبان فترة االستعمار البريطاني وإن مشروع الشرق األوسط الكبير ال يخلو
250
من كونه امتدادًا لمحاوالت تحقيق المصالح األجنبية على حساب المصالح الوطنية.
كما تلتقي كثير من أفكار مشروع الشرق األوسط الكبير مع ما طرحه شمعون بيريز في مشروع الشرق
األوسط الجديد في كتابه {.)80( }The New Middle East
بالنظر إلى البنود الرئيسة لمشروع الشرق األوسط الجديد فإنه يتضح أنها تجسد الشروط التي تحاول
دول مجموعة الـ 8من خاللها معالجة موضوعين رئيسيين لهما اتصال بمصالحها وأمنها،
األول :هو البنود المتعلقة بوقف ما يسمونه صناعة اإلرهاب حيث يرى المشروع أن توفير
الديمقراطية والحرية السياسية وحرية التعبير مع خلق فرص عمل سوف يوقف بروز المتطرفين في
المنطقة.
أما الثاني :فيتعلق بتحقيق الظروف المطلوبة التي تمكن الشركات األجنبية الوافدة إلى المنطقة من
العمل وفق أسس اقتصادية وإدارية تمكنها من تحقيق المزايا والقدرات النسبية من المنظور العالمي.
مثال لذلك البنود المتعلقة بالخدمات المالية ،دخول وخروج السلع والرسوم الجمركية ،الشفافية
ومحاربة الفساد في المنطقة كشروط مهمة لتأمين دخول االستثمارات األجنبية فضلًا عن شفافية أسواق
األموال وحرية حركة األموال وهى شروط مطلوبة لالستثمار العالمي ،كما أن تفاصيل المشروع تشير إلى
أن الخطة التي تقف خلفه تهدف إلى بناء نظام اقتصادي محدود وتابع ،فنجد أن الخطة تعمل على تمويل
صغار المنتجين بمبلغ يصل إلى 500مليون دوالر يدفع على خمس سنوات وبناء قاعدة إنتاجية في حدود
{ 1.2مليون لكل منطقة الشرق األوسط الكبير} ( ،)81ولعل هذا المبلغ الضئيل مقرونًا مع ذلك العدد الضخم
من المستهدفين بالتمويل يعنى تمويلًا في حدود 400دوالر للفرد في المتوسط ،وفى هذا إشارة إلى
مستوى التقنية التي يتم تمليكها ألفراد تلك القاعدة اإلنتاجية ،فهي بالقطع ليست بمستوى القاعدة
اإلنتاجية لمجموعة دول آسيا.
التمويل للمشروعات المتوسطة والكبيرة مرهون بمدى القدرة على تحقيق إصالحات ملموسة،
وملموسة هنا تعنى إصالحات حقيقية وجوهرية ،كما أن وجود مثل هذا الشرط يعني وجود معايير ولجان
رقابة من مجموعة دول الثمانية.
إن تحقيق المصالح االقتصادية أصبح مرهونًا أكثر من أي وقت مضى بمدى وجود تعاون دولي وحصص
()81مركز الدراسات اإلستراتيجية والعالمية ،دراسة مشروع الشرق األوسط الكبير ،مرجع سبق ذكره ،ص .9
251
إستراتيجية في األسواق العالمية ،على أن ينطلق ذلك وفق تخطيط إستراتيجي وطني وإرادة وطنية،
وبالكيفية التي وردت في المشروع فإن دول المنطقة سوف تتمكن من بناء نظام اقتصادي محدود بأغراض
معينة في حالة ما بين االندماج في السوق العالمي وعدم االندماج {فاالندماج الذي سيتم سيكون بين
الشركات األجنبية -الوافدة إلى اإلقليم -ذات القدرات التنافسية العالمية والمصالح العالمية ،وليس
اندماجًا أصيلًا للشركات الوطنية وهذا مربط الفرس} ،كما أن القدرات التنافسية العالمية ال تتوفر في
منطقة الشرق األوسط إال لدى الباكستان وإيران وتركيا وإسرائيل وذلك بمستويات متفاوتة.
كما يتحدث المشروع عن فتح الحدود أمام التجارة البينية لدول المنطقة ،وهذا البند سوف يفتح
المجال واسعًا إلسرائيل لغزو تلك األسواق بمقدراتها ومزاياها النسبية العالية.
األفريقانية الجديدة:
تشير األفريقانية إلى المصطلح Pan Africanوهي في مفهومها الواسع تعني مجموعة األدبيات
والمبادئ التي تدل على االلتزام بقضايا القارة اإلفريقية ،وقد برزت كنتاج للصراع الذي بدأ عندما شرع
األوربيون في ترحيل اإلنسان اإلفريقي إلى الدنيا الجديدة من أجل استغالله اقتصاديًا في القرن الخامس
عشر ،وقد مرت عبر ثالث مراحل هي :الرق ..االستعمار ..العنصرية.
وقد انعقدت سبع مؤتمرات لألفريقانية ،إال أن المؤتمر الخامس أحدث تحولًا كبيرًا إذ شهد بروز فكرة
الزنوجة ،وهي تمثل المحور الذي يحمل أفكار الزنوجة ويعمل على تقسيم إفريقيا ،وهو ليس عملًا حديثًا
فقد ظهر هذا المحور كجناح مخالف لمحور عبد الناصر ..نكروما ..بن بيال ..إلخ الذي قاد تيار وحدة إفريقيا
الذي تجسد في قيام منظمة الوحدة اإلفريقية عام .1963
وقد انعقد المؤتمر السابع لألفريقانية في كمباال 1994بحضور الرئيس األمريكي بل كلينتون ،حيث
أبرز هذا المؤتمر وثيقـة تحمل برنامج النظــام العالمي الجديد {الديمقراطية ..حقوق اإلنسان..
تقسيم إفريقيا لحل مشكلة النزاعات} وتركز الحديث حول تجزئة السودان وتزامن مع ذلك طرح ورقة حول
استرقاق العرب لألفارقة في السودان ،وورقة تقسيم السودان.
يقع حزام السافانا السوداني ،وسط السودان بين خطي عرض{ 8ـ }14درجة شمالًا وخطي طول-22
36شرقًا ويمر بحدود الواليات الشمالية الستة حسب النظام القديم ويشمل شريط من شمال النيل األزرق
وكل جنوب النيل األزرق ،شريط من شمال دار فور وكل جنوب دار فور ،شريط من شمال كردفان وكل جنـوب
كردفان ،الشريط الشمالي لكل المديريات الجنوبية {أعالي النيل ـ بحر الغزال} باإلضافة إلى حظيرتي الدندر
والردوم وتبلغ مساحته أكثر من 400.000كلم ،وهو يجسد منطقة التمازج الحقيقي بين شمال وجنوب
252
السودان ،ويتميز بثروات طبيعية هائلة كافية لجعله منطقة صراع اقتصادي عالمي.
ومن أهم األبعاد اإلستراتيجية لهذا الحزام هو كونه الرباط بين إفريقيا شمال الصحراء وجنوبها ،وأن
انتشار اإلسالم عبر هذا الحزام يعني على المدى البعيد السيطرة اإلسالمية على أكبر مخزون للموارد
الطبيعية في العالم ،وهو وضع يهدد أصحاب المصالح االقتصادية فضلًا عن تناقضه مع األهداف
الصليبية والصهيونية.
وقد شهد هذا الحزام في بداية التسعينيات نشاطًا أمريكيًا وغربيًا مكثفًا بدأ بمنطقة جبال النوبة
التي تشكل قلب حزام السافانا السوداني وتحرك نحو دارفور الكبرى ،وسيتجه نحو شرق الحزام ،وهي
تحركات تتم في إطار اإلستراتيجيات األجنبية حول حزام السافانا التي تستهدف إقامة حاجز واقٍ ضد تسرب
اإلسالم ليس في منطقة الحزام فحسب وإنما وإفريقيا كلها ،بما يمنع أي سيطرة إسالمية سياسية
واقتصادية على إفريقيا.
اهتمت اإلدارة البريطانية أثناء االستعمار بالتبشير المسيحي في السودان وكان هدفًا إستراتيجيا لها،
وقد كانت أبرز المناطق التي سعت اإلدارة البريطانية للتبشير المسيحي فيها هي منطقة حزام السافانا
حيث عملت في منطقة جبال النوبة واالنقسنا.
بدأت اإلدارة البريطانية تعمل لوقف المد العربي اإلسالمي في جبال النوبة بتعيينها مستر جيالن ومن
بعده مستر نيوبولد مديرًا لكردفان وهو شخص ارتبط اسمه بسياسة بريطانيا تجاه اإلسالم في جبال
النوبة ،خالل فترتهما برزت آراء جديدة تقوم على أن تحقيق أفضل النتائج العملية يتم بالتركيز على
خلق حاجز متين ضد اإلسالم في المديريات الجنوبية وعـدم ترك أي نفوذ إسالمي خلف هذا الحاجز،
لينتشر العمل التبشيري في المنطقة التي تحد شمالًا بخط يمتد من هيبان إلى كيلك وجنوبًا بمديرية
بحر الغزال وشرقًا بخط يفصل هيبان وتونجا وغربًا بحدود مديرية كردفان ،على أن تضم هذه المنطقة
الحقًا إلى بحر الغزال.
بعد ذلك تطورت الرؤى حول منطقة حزام السافانا وبرزت دراسة أعدها شخص يدعى ترمنقهام تعمل
على إقامة مراكز مسيحية في كل المنطقة المتاخمة حيث يوجد اتصال بين اإلسالم والوثنية حتـى يمكن
للمسيحية {بعد تقويتها في الجنوب} أن تجد لها نقاط اتصال حين تتدفق نحو الشمال ،ولم تقف الخطة
عند هذا الحد بل أنها تستهدف إقامة حاجز واقٍ ضد تسرب اإلسالم ليس في منطقة الحزام فحسب وإنما
وإفريقيا كلها ،وقد أكد ذلك نشاط اإلرسالية التي انتشرت على طول عرض السودان حتى وصلت إلى بحيرة
تشاد شرقًا {اإلرسالية البريطانية} بينما انتشرت اإلرسالية النيوزلندية غربًا ،وتوسعت إرسالية السودان
في منطقة االنقسنا المتاخمة إلثيوبيا المسيحية وتم بذلك إقامة الحاجز على طول عرض إفريقيا.
253
بعد أن أنهت الحكومة البريطانية حمالتها التأديبية بعد الفتح حتى ،1919سمحت لإلرساليات بالعمل
في الجنوب وجبال النوبة واالنقسنا ،كما رأت أن يتم فصل الجنوب المسيحي وإلحاقـه بوسط وشرق
إفريقيا ،وكانت أولى الخطوات لذلك هي صدور قانون الجوازات واإلقامة عام 1922وصارت بموجبه
المديريات الجنوبية الثالثة – بحر الغزال – أعالي النيل – واالستوائية ومنطقة حزام السافانا -الذي
تمثله جنوب دارفور الكبرى وجنوب النيل األزرق وجنوب كردفان الكبرى ،مناطق مقفولة ال يسمح بدخولها
إال بإذن استمر حتى عام .1949
مداخل التنفيذ:
حتى يتم تنفيذ المخططات اإلستراتيجية المتعددة التي ذكرنا تلخيصًا لها ،كان البد من صياغة آليات
وسياسات ووسائل ومداخل للتنفيذ ،ونذكر فيما يلي أهمها:
254
ج .إستراتيجية التشتيت:
وهي من اإلستراتيجيات الفرعية التي تستخدم بغرض فتح المجال وتهيئة الظروف واألوضاع لتنفيذ
اإلستراتيجيات العامة ،ومن أهدافها األساسية:
منع بناء الكتلة الوطنية.
تشتيت وإلهاء الساحة السياسية بأقسامها {الحكومة والمعارضة ومنظمات المجتمع} لتلهث خلف
255
كل ذلك عمل طويل يحتاج إلى جهد طويل ،إال أن القصد منه هو صناعة القيادات الوطنية المناسبة
للتدخل نيابة عن األجنبي في الدول المستهدفة ،حيث يتم بذلك اإلعداد والتمهيد القذف بهم إلى
الساحات السياسية الوطنية.
إن كنا قد تناولنا البيئة الدولية من خالل أحداث جرت على األرض في الماضي أو ال زالت تجري ،وهو أمر
ال بد منه للتخطيط اإلستراتيجي ،فإننا نرصد فيما يلي تحليلًا موجزًا يحكي طبيعة الصراع بين مجموعات
من القوى الكبرى ،نهدف منه إلى بيان أهمية امتالك القوة الشاملة والسعي لتعزيزها وبالتالي أهمية
تناغم عمليات التحليل اإلستراتيجي والتخطيط اإلستراتيجي مع األمن القومي ،وهو ما تعرضنا له في
الفصل الثالث والفصل األخير من هذا الباب.
الواليات املتحدة:
بعد انهيار االتحاد السوفيتي أصبحت الواليات المتحدة هي القطب الواحد للعالم وقد سعت لتعزيز
قدراتها العسكرية وزادت من قوة قبضتها وسيطرتها على األجهزة األممية كما سعت إلى تحويل دول العالم
وخاصة الدول النامية ،التباع النظام الرأسمالي االقتصادي الليبرالي ،وفي العام 1989وعلى خلفية انهيار
االتحاد السوفيتي تبنت اإلدارة األمريكية {اتفاقية واشنطن} التي تهدف إلى تدعيم ما يطلق عليه اليوم
{بالعولمة}.
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وعلى خلفية حربها على اإلرهاب قامت الواليات المتحدة بشن
الحرب على أفغانستان وقامت باحتالل العراق ،وعبرهما بدأت الواليات المتحدة تخسر كثيرًا من المنظور
اإلستراتيجي ،يبدو ذلك في:
256
.1تنامي مد الكراهية في العالم على الواليات المتحدة ،الشيء الذي شكل همًا أساسيًا لإلدارة
األمريكية باعتبار أن استمرار وجود رأي عالمي مؤيد هو األساس إلحكام السيطرة والقيادة،
وأن استمرار قيام الواليات المتحدة بالعديد من المهام الكبيرة في العالم على غرار ما
يجري في الشرق األوسط رغم سلبية الرأي العالمي هو وضع ال يمكن استمراره في المدى
الطويل ،أي أن الفرصة محدودة أمام الواليات المتحدة إلعادة ترتيب أوضاعها على الصعيد
الدولي.
.2بداية انهيار النظام القيمي الذي تأسست عليه الواليات المتحدة على خلفية حربها ضد
اإلرهاب تجسد في العديد من إجراءات تقييد الحريات الشخصية وانتشار كثير من
المعلومات التي تؤكد عدم صدق الواليات المتحدة تجاه شعبها وتجاه العالم في كثير من
األمور اإلستراتيجية.
الوضع في البندين { 1و }2يناقض األوضاع الواجب أن تتصف بها الدولة العظمى التي يجب
أن تحمل نموذجًا قيميًا تحمله للعالم ،وهذا الرأي قد يقطع الطريق إلى حدٍ ما أمام الذين
يرون أن الصين ليس لديها نظامًا قيميًا يصلح أن تروج له عالميًا كقوة عظمى.
.3التطور المتسارع في تقنيات اإلعالم واالتصال تشير إلى أن السيطرة األمريكية والغربية
عمومًا على الفكر لن يكون متاحًا كما هو الحال اآلن ،بمعنى أن العقدين القادمين
سيشهدان نموًا متسارعًا في مجال اإلعالم واالتصاالت عمومًا ،الشيء الذي يشير إلى أن
مواطن عشرينيات القرن الحالي سيتحرر من قبضة سيطرة اآللة اإلعالمية الغربية ،وهذا
سيكون أهم عناصر دراسة موضوع ميزان القوى في العالم مستقبلًا ،هذا الوضع
سيضعف القدرات التفاوضية األمريكية بشكل كبير ،حيث لن يكون متاحًا حينها السيطرة
الفكرية على الشعوب وبالتالي سينعكس ذلك على السياسات الخارجية.
.4بدأت الواليات المتحدة تفقد زعامتها في مجال التكنولوجيا ويتوقع بروز قوة كبرى من
دول العالم ستشكل منافسة حقيقية للواليات المتحدة خالل العقدين القادمين.
.5بروز تضارب في المصالح اإلستراتيجية بين الواليات المتحدة من جهة والصين وروسيا
واالتحاد األوربي من جهة أخرى.
257
االتحاد األوريب:
برز االتحاد األوربي بعد حربين عالميتين كان لهما األثر الكبير على واقع العالم اليوم ،أصبحت بموجبها
قيادة العالم لدى القطبين األمريكي والسوفيتي ،حيث كان هناك التزام أمريكي بتقديم عون فني بالدفاع
عن غرب أوربا في مواجهة الخطر السوفيتي ،تجسد في تأسيس حلف شمال األطلسي ،وعون اقتصادي
تمثل في مشروع مارشال إلعادة إعمار أوربا بعد الحرب ،ليستمر االهتمام األوربي منصبًا بشكل أساسي على
الجوانب االقتصادية واالجتماعية.
بعد انهيار االتحاد السوفيتي تغيرت األوضاع ليدخل العالم عصر القطب األمريكي والذي تم تدشينه
من خالل اتفاقية واشنطن 1989وواشنطن 1990المعدلة ،والتي تعد اإلعالن الرسمي للنظام العالمي أو
ما يسمى بالعولمة وفق المفهوم األمريكي ،جاء ذلك في الوقت الذي شهد فيه العمل االقتصادي
واالجتماعي لالتحاد األوربي استقرارًا ونموًا ملحوظًا.
جرت بعد ذلك عدد من األحداث التي كان لها األثر الواضح في مسيرة االتحاد األوربي وإعادة بلورة
اهتماماته ،تجسدت في حرب البوسنة ،غزو العراق الذي وجد معارضة شديدة من الدول األوربية ،ثم أحداث
سبتمبر 2001م ،إلخ ،وما تبع ذلك من إعالن للحرب على اإلرهاب.
على خلفية التغيرات الدولية الجديدة بعد انهيار االتحاد السوفيتي وطبيعة الدور األمريكي الجديد،
وعدم قدرة االتحاد األوربي على التدخل بشكل فاعل في الصراع في البوسنة على خلفية رؤية الواليات
المتحدة لألمر من كونه شأنًا أوربيًا ومن ثم عدم التدخل لوقف الحرب ،واستئثار الواليات المتحدة بالمصالح
في الخليج عقب الحرب في العراق ،وانحسار الخطر الشيوعي وتفكك حلف وارسو ،واالختالف في الرؤى
حول القضايا األمنية على الصعيد األوربي والعالمي ،فقد تشكلت العوامل التي تعطي لالتحاد األوربي الحق
في تأسيس نظام للدفاع الجماعي من خالل امتالك بنية أمنية فاعلة.
انعقد في فبراير من العام 2005مؤتمر ميونخ األمني والذي شهد انتقادات أوربية للواليات المتحدة
األمريكية على خلفية السياسات األمريكية بعد العام ،1990كما يرى األوربيون أن الواليات المتحدة
األمريكية تطالبهم بمشاركة جادة في عمليات الناتو بينما تنفرد واشنطن باتخاذ القرار وتخطط وتدير
إستراتيجية الحلف خارج إطار الناتو ،وهو ما دعا قادة االتحاد األوربي للمطالبة بتصحيح عملية اتخاذ
القرارات اإلستراتيجية والسياسية في قيادة الناتو مع ضرورة إيجاد بدائل أخرى غير عسكرية ،كما تحفظت
بعض الدول األوربية مثل فرنسا على مقولة محور الشر التي وردت في خطاب الرئيس األمريكي جورج بوش
وعارضت توسيع الحرب على دول أخرى مثل إيران والعراق ما لم يتبين وجود صلة ال تقبل الشك بينها
وبين تنظيم القاعدة ،يضاف لذلك اتساع الفجوة العسكرية بين أوربا والواليات المتحدة ومعارضة أوربا
258
لمشروع الدرع الصاروخي األمريكي.
بشكل عام يمكن تلخيص األوضاع األوربية في عدد من النقاط أهمها:
.1ضعف القوة السياسية الناجم عن عدم اكتمال الرؤية األوربية السياسية المتفق عليها بين
كافة األطراف حتى اآلن ،إال أن العقد القادم يمكن أن يشهد تطورات إيجابية في هذا االتجاه.
.2تنامي قوة االقتصاد األوربي ،ومع ذلك يجب اإلشارة إلى حاجة االتحاد األوربي لتأسيس شراكات
دولية مع دول أخرى لمعالجة إفرازات سريان شروط منظمة التجارة الدولية الخاصة بالمنتجات
الزراعية والتي عند اكتمال سريانها ستخرج أوربا من إنتاج عدد من السلع اإلستراتيجية الشيء
الذي يتطلب عالج ذلك الوضع بترتيبات خارجية.
.3السوق اإلسالمي والعربي يشكالن أهمية لالتحاد األوربي وهو ما يشجع االتحاد األوربي
لالستفادة من الفشل األمريكي في المنطقة والذي تجسد في تنامي الكراهية للواليات
المتحدة ،للعب دور يحترم اإلسالم وهو ما ظهر في تشجيع اإلسالم المعتدل ومحاوالت خلق
دور أوربي فاعل في الشأن الفلسطيني والعربي عمومًا وبداية ظهور أفكار جديدة لتوسيع
االتحاد األوربي ليشمل الشرق األوسط.
.4تشابك المصالح اإلستراتيجية األوربية مع الواليات المتحدة األمريكية.
.5بروز رغبة أوربية لتعزيز قدراتها العسكرية وتولي أدوار إستراتيجية في الساحة الدولية .
روسيا:
بعد انهيار االتحاد السوفيتي ،واجهت روسيا أوضاعًا صعبة على الصعيد السياسي واالقتصادي محليًا
وعلى الصعيد اإلقليمي على خلفية إعادة ترتيب األوضاع على الساحة اإلقليمية والدولية وعلى رأسها
توسع حلف الناتو على حدودها والذي بات يضم 26دولة منها عدد من دول أوربا الشرقية بعضها كان
ضمن منظومة االتحاد السوفيتي السابق ومنظومة حلف وارسو ،كما تراجعت سيطرة روسيا االتحادية على
جيرانها بل إن محاوالت التحالف بين الواليات المتحدة وعدد من دول أوربا الشرقية واالتحاد السوفيتي
السابق ،تسير على قدم وساق.
األوضاع االقتصادية جيدة وحدث انتعاش سببه ارتفاع أسعار النفط ،ولكن مع ذلك يعد الوضع الداخلي
هشًا إلى حد ما باعتبار أن االقتصاد الروسي اقتصاد ال زال تابعًا ،وأن مجرد االعتماد على النفط خطر من
المنظور اإلستراتيجي.
في يوليو من العام 2007تصاعدت األوضاع وبدأت تلوح في األفق مالمح لبداية حرب باردة جديدة،
حيث أعادت روسيا نظام التحليق االستطالعي طويل المدى لطائراتها حاملة القنابل والرؤوس النووية
259
بعد أن تم إيقافه في العام ،1992وكانت روسيا سبق وتخلت عن معاهدة منع األسلحة غير التقليدية،
كما أعلنت عن إنتاجها لصاروخ قادر على حمل رؤوس نووية وعبور كافة المواقع الدفاعية ،كما وقع
الرئيس الروسي في بداية العام 2007على مرسوم لتطوير جيل جديد من المقاتالت غير التقليدية
وحامالت الطائرات بقيمة 200بليون دوالر ،رد الفعل الروسي المشار إليه برز بسبب مشروع الدرع الصاروخي
في أوربا والذي ترى روسيا إنه موجه الحتوائها.
كما سعت روسيا إلى محاولة تعزيز أوضاعها السياسية على الصعيد الدولي ،بدا ذلك واضحًا في
انضمامها إلى منظمة شنغهاي وتولي قيادتها بالمشاركة مع الصين الشيء الذي قد يفهم منه تكوين قوة
مضادة للناتو.
كما تواجه روسيا محاولة الواليات المتحدة إخراجها من سوق التكنولوجيا النووية وذلك لخطورة امتالك
هذه األسلحة بواسطة أطراف حليفة في المستقبل ،يأتي ذلك على خلفية بيع روسيا لتكنولوجيا نووية
لعدد من الدول الشيء الذي سيؤثر على توازن القوى الدولية حسب وجهة نظر الواليات المتحدة.
الصني:
استطاعت الصين تحقيق نهضة متميزة خالل العقد الماضي ،ولعل النجاحات التي استطاعت تحقيقها
خالل العقدين الماضيين على الرغم من األوضاع المعقدة التي تعمل خاللها ،يشير إلى أن عقد
العشرينيات سيشهد نموًا مطردًا للقوة الصينية تعزز من خاللها قوتها السياسية واالقتصادية
والتكنولوجية بشكل سيكون له تأثيره على توازن القوى دوليًا ،تجسد في نجاح برنامج التحديث
االقتصادي الذي تجسد في تحقيق معدالت نمو خالل العقد الماضي تراوحت بين % 10 – 7واالنفتاح
االقتصادي الخارجي الذي تؤيده جملة صادرات الصين عام 2004التي بلغت حوالي تريليون دوالر،
وسياسيًا في سعيها لتعزيز سيطرتها اإلقليمية من خالل سعيها لتأسيس الصين الكبرى ـ الصين
سنغافورة وتايوان ـ ثم الكتلة الصينية الثقافية ،ثم السعي لتحقيق الريادة العالمية ،كما استطاعت
تطوير توجهها السياسي الداخلي من خالل تبني مدرسة المنهجية العلمية وتسعى لتعزيز قدراتها التقنية
من خالل عدد من التحالفات الدولية مع روسيا وغيرها.
استطاعت الصين تحقيق التواؤم بين مقتضيات التوجه االشتراكي ومقتضيات السوق الحر وأبرمت
العديد من الشراكات اإلستراتيجية مع عدد من دول العالم بما في ذلك الواليات المتحدة.
على الرغم من امتالك الصين لمقعد في مجلس األمن ضمن منظومة الدول الكبرى إال أن خطابها
السياسي يرتكز بشكل أساس على احترام سيادة الدول وقامت بتقديم العديد من المساعدات االقتصادية
والعسكرية للعديد من الدول النامية ،وعلى الرغم من تمدد الصين في عدد من تلك الدول كما هو الحال
260
في إفريقيا وعلى الرغم من حصولها على الرضا الشعبي بتلك البقاع من العالم إال أن قدرتها ال تزال
ضعيفة في مواجهة صراع المصالح الدولية خاصة مع الواليات المتحدة ألسباب تتعلق بالقوة الوطنية
الشاملة ،إال أن هذا لم يخف وجهة نظر كثير من المفكرين الصينيين والغربيين تجاه الصين لتعزيز
قدراتها لتكون قوة عظمى.
وقد بدا ذلك واضحًا في إستراتيجية الواليات المتحدة التي تقوم على منع بروز الصين كقوة عظمى
وتعتبر أن القوة الصينية تشكل اختاللًا في توازن القوى يجب تحويله ليكون دفاعيًا ،وذلك من خالل
محاوالت احتوائها من جهة ومن خالل اتجاه الواليات المتحدة إلنشاء وحدة لمكافحة تطوير أسلحة الدمار
الشامل وسعيها لنشر وتطوير قوات برية قادرة على ضرب أي هدف في أي مكان في العالم (،)82
يقابل ذلك سعي الصين للبحث عن التقنيات ألغراض عسكرية وتطوير قدرات منظومتها الدفاعية
باالعتماد على الصواريخ اإلستراتيجية – النووية ،االتجاه نحو تحول اإلستراتيجية العسكرية من الهجوم
الى إستراتيجية الردع في إشارة إلى عدم توقع أو سعي اإلستراتيجية الصينية لحدوث أي مواجهة دولية
غير إقليمية (.)83
الخالصة:
.1عدم قدرة الواليات المتحدة المحافظة على قوتها السياسية في العقدين القادمين هو
االحتمال األكبر ،نتيجة لسلبية الرأي العام العالمي تجاه سياساتها وسقوط القيم التي تدعو لها
محليًا بشكلٍ كبير ،ما لم يتم إحداث تحول جذري في سياساتها الخارجية ،وهذا في حد ذاته
يعزز من احتماالت سقوط نظام القطبية األحادي في ظل تنامي القوة المتوقع للقوة األوربية
والصينية والروسية وفي ظل التعقيدات التي سبقت اإلشارة إليها.
.2روسيا يمكن أن تعزز قدراتها إلى حدٍ كبير مما يمكنها من السيطرة على المنطقة اإلقليمية،
ولعب دور عالمي لكن دون أن يكفي لسيطرة أحادية مطلقة.
.3ينطبق ذات الوضع على الصين ،مع تزايد قوة االتحاد األوربي وتراجع القوة المطلقة للواليات
المتحدة.
.4يتوقع تزايد قوة االتحاد األوربي والفرصة متاحة لزعامة ألمانيا لتلعب دورًا على حساب سمعة
الواليات المتحدة ،وتعزيز عالقاتها مع العرب والمسلمين.
()82خضر عباس ،الصين ومستقبل عالقات القوى ،مجلة المستقبل ،العدد ،341يوليو 2007
261
.5الصين والواليات المتحدة تحتاجان للطاقة من الخارج وهذا في ظل التكلفة الباهظة ألي صراع
بينهما فسيكون التوافق الدولي حول مصالح اإلستراتيجية هو األقرب خالل العقدين
القادمينً.
.6الضعف النسبي للتقنية الصينية ،في ظل وجود الفرص لتعزيز ذلك من خالل تحالفها مع
روسيا ومن خالل جهودها لتطوير تقنياتها خالل العقود القادمة.
.7محدودية حركة الناتو وتوسيع نشاطه وعدم قدرة الواليات المتحدة في التورط في قضايا
وحروب أخرى.
.8التكلفة الباهظة للحرب بين القوى الكبرى تجعل من قيامها أمرًا مستبعدًا تمامًا في ظل
التعقيدات الحالية والتي ستتعقد أكثر فيما بعد.
.9على ضوء اإلستراتيجيات الجاري تنفيذها ،فإن القدرة على حرية المناورة اإلقليمية مع
المشاركة الدولية ستكون متوفرة لروسيا والصين واالتحاد األوربي.
.10التطور في اإلعالم وكسر الحاجز بين الجمهور في الغرب واإلعالم في مختلف دول العالم خالل
العقدين القادمين يعني تأسيس الرأي العالمي وفق أسس جديدة لن تساعد الواليات المتحدة
في تحقيق الريادة األحادية ،كما ستنعكس على بروز توجهات جادة تجاه قضايا السيادة
الوطنية والمعتقدات والثقافات المحلية والسلوك السياسي العالمي.
.11اإلسالم المتشدد مرفوض من كل األطراف الكبرى بما فيها الصين وهذا يعني أن اتجاهات
العالم ستكون تجاه اإلسالم المعتدل بشكل واضح.
.12التفوق االقتصادي الياباني ومجموعة دول النمور الذي تمثل في امتالكها للمزايا التنافسية
العالمية بالرغم من عدم امتالكها للمواد الخام ،وتفوقها بذلك على الغرب والتي قادت فيما
بعد لدخول العالم مرحلة الشراكات الدولية لتقاسم المصالح اإلستراتيجية وعلى رأسها
الحصص اإلستراتيجية في األسواق .ثم بروز الشركات متعددة الجنسيات ،ثم بروز ما يسمى
بالتقسيم الدولي للعمل وهو مبدأ يقوم على أن تحقيق المزايا التنافسية للسلع يتطلب إنتاج
األجزاء المختلفة للمنتج الواحد في أكثر من بلد حسب أوضاع المزايا النسبية لكل جزء من ذلك
المنتج .هذا الوضع سيقيد إطار حركة الصراع الدولي بشكل أكبر خالل العقدين القادمين
وبالتالي لن تكون مساحة الصراع واسعة بين األطراف القوية .كما أن مصلحة االقتصاد العالمي
أصبحت تقتضي زيادة القوى الشرائية للدول النامية وهو ما سعت إليه مجموعة الثمانية من
خالل عدد من التدابير منها إعالن شركاء في نظام عالمي مستديم.
262
.13الحرب اإللكترونية متوقع أن تبرز كمهدد عالمي جديد يسهم في تحجيم إطار تحرك القوى
الكبرى.
.14من خالل المالحظات أعاله يالحظ أن هناك ترتيبات إستراتيجية يجري تنفيذها بشكل أساسي
بواسطة الواليات المتحدة واالتحاد األوربي والصين وروسيا ،وفي ظل تعقيدات األوضاع
السياسية ،االقتصادية والعسكرية والتقنية المشار إليها ،نتوقع أن يشهد العالم في العقد
الثالث من القرن الواحد وعشرين نظامًا عالميًا متعدد األقطاب ينعكس في استقرار عالمي
واحترام نسبي للسيادة الوطنية والمعتقدات ال مكان فيه للتطرف.
.15كل ذلك يحتاج للدراسة المتأنية من الدول النامية حتى تستطيع قراءة األوضاع بصورة دقيقة
وتتخذ بموجبها الترتيبات الالزمة.
.16يالحظ أن تعزيز القوة بين المجموعات األربعة يقوم من خالل حسابات القوة الشاملة وتحديد
عناصر الضعف في كل من مكونات القوة الشاملة ومن ثم السعي لتعزيزها ،وهذا ما يعزز من
أهمية انطالق التخطيط اإلستراتيجي على خلفيات القوة الشاملة.
مالحظات:
بالتدبر العميق فيما أوردنا من معلومات حول البيئة الدولية ،يمكن مالحظة اآلتي:
.1أن ما يجري في الساحة الدولية ما هو إال صراع شرس حول المصالح.
.2أن التخطيط لمصالح الدول الكبرى يتم من منظور عالمي ،هذا الوضع هو الذي قاد إلى أهمية
اآلليات الدولية سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا ،كما أن التخطيط من منظور عالمي حدد مسرح
القوى الطامعة بوضوح ،أال وهو المسرح الدولي ،وبالتالي استطاع أن يقرأ ويتعرف على
متطلبات التعامل مع هذا المسرح بصورة أفضل.
.3إن ما أوردناه من نماذج للمخططات اإلستراتيجية األجنبية كافٍ إلدراك مدى عمق التخطيط
اإلستراتيجي للقوى األجنبية وأصحاب المصـالح الدولية ،الشيء الذي يعني أهمية اإلدارة
اإلستراتيجية والتخطيط اإلستراتيجي للدول النامية باعتبار أن مواجهة المخططات
اإلستراتيجية ال يمكن أن يتم إال بمخططات إستراتيجية مماثلة وإدارة إستراتيجية ،وكذا
التكتيك يواجه بتكتيك.
.4أن إدارة صراع المصالح يتطلب امتالك القوة اإلستراتيجية وال سبيل لتحقيق المصالح دون
ذلك.
.5أن التخطيط في معظم الدول النامية في العقود الخمسة الماضية غالبًا ما يتم من منظور
263
محلي وبالتالي فإن ذلك قاد إلى عدم القدرة إلدراك ومن ثم عدم القدرة على مواجهة التحديات
والتهديدات بشكل كافٍ.
.6عمق التخطيط اإلستراتيجي وضوح األهداف اإلستراتيجية الغربية ،وتكامل آليات وقوانين
ونظم العولمة.
.7أن اإلرسال الحضاري غالبًا ما يتم من مراكز قوية.
.8أن التعامل مع العولمة االقتصادية يشير بقوة إلى أهمية التخطيط اإلستراتيجي لالقتصادات
الوطنية الذي يؤدي إلى تعزيز القدرات التفاوضية لها على مستوى العالم ،واستيفاء المعايير
االقتصادية المطلوبة لمواجهة العولمة بما يمكن من االستفادة من إيجابياتها وتالفي أو
تقليل سلبياتها ،وبناء القدرات التنافسية الوطنية لتصبح عالمية.
.9أن امتالك الميزة النسبية العالمية والقدرات التنافسية العالمية هي المدخل األساس إلدارة
حوار المصالح بين الدول في المرحلة الراهنة.
.10أن هناك فرصًا متاحة في البيئة الدولية تتمثل في العجز الغذائي العربي والعالمي ،إال أن
ذلك يواجه باألطماع الدولية ،وبالتالي فإن استفادة الدول النامية الغنية بالموارد الزراعية،
من تلك الفرص يتطلب بجانب الميزة النسبية العالمية ،استيفاء عدد من الترتيبات
اإلستراتيجية.
.11أن التخطيط لسـد الفجوة الغذائية العربية ال بد أن يتم من منظور إسـتراتيجي عربي إقليمي
وليس قطري محدود.
.12عدم التوازن بين السكان والموارد المائية المتاحة في العالم العربي ،بجانب حقيقة أن % 85
من مياه العالم العربي تأتي من خارج حدوده ،تشير إلى حرب المياه واألمن العربي ،كما تشير
إلى تعقيدات التوجهات اإلستراتيجية المطلوبة من السودان باعتباره دولة لها فرصة في سد
الفجوة الغذائية العربية.
.13أن مفهوم األمن القومي في العصر الحديث ال يمكن أن يتحقق في غياب القدرات االقتصادية،
وهذا يعني أهمية تحقيق وتوفير األبعاد والعوامل والظروف لالقتصاد حتى يتمكن من
تحقيق مفهوم األمن القومي.
.14خطورة النظر إلى ما يجرى في حزام السافانا السوداني من مخططات ومشروعات تكتيكية
وقصيرة ومتوسطة األجل دون استصحاب اإلطار اإلستراتيجي ألهداف إستراتيجية حزام
السافانا.
264
.15مشروع الشرق األوسط الكبير يجسد اآللية المناسبة لتحقيق األغراض الغربية المتمثلة في
االستفادة من الفرص المتاحة أعاله.
.16اإلستراتيجية الدولية العامة تشير إلى تكامل التخطيط اإلستراتيجي للقوى األجنبية.
.17الصراع بين المجموعات األربعة {الواليات المتحدة ،االتحاد األوربي ،روسيا ،الصين} يقوم من
خالل حسابات القوة الشاملة وتحديد عناصر الضعف في كل من مكونات القوة الشاملة ومن
ثم السعي لتعزيزها.
.18إن العالم سيشهد تحوالت إستراتيجية كبيرة في توازن القوى في العقود القادمة ،وإن
الشراكة العادلة بين الدول النامية والدول الكبرى وتحقيق األمن واالستقرار في المستقبل،
تتوقف على مدى امتالك تلك الدول لترتيبات إستراتيجية أهمها وجود الرؤى الوطنية
اإلستراتيجية والقدرات التفاوضية والمزايا التنافسية العالمية ،وأهمية النظر لتحقيق
المصالح الوطنية واألمن القومي من خالل بوابة التخطيط اإلستراتيجي.
265
الفصل الثاين
266
التخطيط اإلسرتاتيجي لالقتصاد
267
.6امتالك طاقة آمنة رخيصة.
.7تحقيق األمن الغذائي والمائي.
.8الحصول والمحافظة على حصص إستراتيجية في األسواق العالمية.
.9تنويع مصادر الدخل القومي.
.10تحقيق قدر عالٍ من الدخل القومي للدولة مع عدالة توزيعه.
.11تحقيق الجدوى السياسية والعدالة االقتصادية.
.12توفير اإلسناد االقتصادي المطلوب لتحقيق الجدوى اإلنسانية والعدالة االجتماعية.
268
األساليب لتحقيق مصالحها ،بجانب تعقيدات التجارة العالمية وتعقيدات تحقيق المزايا النسبية.
كل هذه األوضاع يتعذر التعامل معها إال من خالل رؤية وطنية حول المصالح اإلستراتيجية االقتصادية
بحيث تصبح خارج إطار الصراع السياسي ،وبدون ذلك يصبح الحديث عن تحقيق تنمية اقتصادية
طموحة مجرد حديث غير دقيق.
269
.5تحقيق األمن الغذائي والمائي:
يجمع اإلستراتيجيون على أن عدم امتالك أي دولة للماء والغذاء الكافيين يعني تهديد األمن القومي
لتلك الدول ،وهكذا أصبح الغذاء أحد أهم أنواع األسلحة التي يمكن استخدامها في الصراع الدولي ،وسبق
أن استخدمته الواليات المتحدة األمريكية ضد االتحاد السوفيتي والصين ،ينطبق ذات األمر على الماء ،الذي
قادت ندرته إلى بروز ما يسمى بحرب المياه ،لذا فإن أي ترتيب إستراتيجي ألي دولة من الدول ال بد له من
تأمين الغذاء والماء.
.6أمن الطاقة:
من المعروف أن تحقيق التنمية في أي بقعة من العالم وتوفير الحياة الكريمة ،أصبح ال غنى عنه من
الطاقة ،وفي ظل شح الموارد الطبيعية من الطاقة في ظل تزايد االستخدام البشري لها ،برز للعالم الصراع
حول مصادر الطاقة ،وهو أمر له تبعات خطيرة تصل للدرجة التي تجعل من الدولة التي ال تملك الطاقة
دولة ضعيفة أو مهددة أمنيًا ،ولعل مفهوم األمن القومي األمريكي يقوم على هذا الفهم ،وهو السبب في
محاوالت الواليات المتحدة األمريكية للسيطرة على مصادر الطاقة المهمة في العالم ،وهو أحد األسباب
الرئيسة التي جعلت الصين تتجه نحو إفريقيا.
270
.9الشراكة الدولية
إن طبيعة صراع المصالح الدولية وتعقيدات االقتصاد العالمي وحاجة الدول لمزايا وقدرات بعضها
البعض ،وارتباط االقتصاد بالجوانب األمنية للدول ،جميعها ساهم في بلورة فلسفة تقوم على أهمية
الشراكات الدولية ،واالتفاق على أن ربط المصالح دوليًا من أهم الوسائل لتحقيقها وتأمينها .فليس
بمقدور أي دولة من الدول مهما أوتيت من قوة في ظل التشابك الدولي للمصلح وتعقيداته الراهنة ،أن
تتبنى سياسات عدائية مع العالم بأجمعه في الجانب االقتصادي.
إن الشراكات الدولية ليست أمرًا ميسورًا يمكن ألي دولة عقده وقت ما تشاء وكيفما تشاء ،فصراع
المصالح الدولية يجعل من الدول القوية تسعى لتحقيق مصالحها على حساب اآلخرين ،وإن دخلت في
شراكات دولية مع دول أخرى فهي تسعى لتأسيسها بما يحقق لها أفضل المكاسب ،وهو ما يقود ألهمية
الترتيب اإلستراتيجي المسبق الذي يقود نحو تأسيس شراكات دولية بشروط مقبولة وعادلة.
271
.12رفع مستوى الدخل للمواطنين والمنتجين:
إذا كانت محدودية الفترة الزمنية للتخطيط التقليدي ومحدودية التمويل المتاح ،تفرض عليه بلورة
أهداف محدودة غير طموحة ال تتعدى محاربة الفقر وتوفير حد مقبول من العيش وتوفير خدمات
محدودة للمواطنين والركون إلى تحقيق االكتفاء الذاتي دون تطلع لألسواق العالمية ..إلخ ،تجعله يسير
من خالل خطط تنموية قصيرة أو متوسطة األجل ال رابط إستراتيجي يجمعها ،وال فلسفة تجعلها تتراكم
عبر العقود الطويلة لتحقيق مصالح كبرى،
فإن التخطيط اإلستراتيجي على العكس تمامًا يقوم على قيادة التغيير لتوفير وتهيئة األوضاع
المناسبة لتحقيق طموحات كبرى ،وهو ما يقود لوضع إستراتيجيات اقتصادية طموحة يتم تحقيقها عبر
سنوات طويلة ،إال أنها تتم في إطار رؤية تجعل كل أنشطة الدولة االقتصادية تتم وتتكامل وتتناسق عبر
السنوات الطويلة بما يفضي في نهاية المطاف إلى تحقيق المصالح الوطنية الطموحة وعلى رأسها رفع
مستوى الدخل القومي ومستوى دخل األفراد.
272
كتوفير فرص عمل أو تقنية أو سند سياسي إستراتيجي أو حصص في السوق العالمي ،وهكذا تمر السنين
لتصبح كل الدولة مملوكة لعدد من المستثمرين دون قيود تحقق مصالح إستراتيجية وفي هذا تهديد
حتى لمصالح األجيال القادمة.
إن عدم وجود أو وضوح المصالح اإلستراتيجية وعدم وجود آلية إدارة الموارد الطبيعية اإلستراتيجية
يعني فتح المجال لتمرير مصالح شخصية أو اإلضرار بالدولة.
.1عمل المسوحات الجيولوجية والخرائط الكنتورية والطبوغرافية والصور إلخ ،لكل أرجاء الدولة.
.2تحليل الوضع الراهن لألوضاع االقتصادية ويشمل ذلك بيانات عن البنيات التحتية كالطرق
والسدود والكباري ،السكة حديد والمطارات والموانئ والكهرباء وأوضاع الري وحصاد المياه ،كما
يشمل الخدمات األساسية مثل ماء الشرب للمواطنين ،وبيانات عن الموارد البشرية،
استخدامات الموارد الطبيعية.
.3تحليل األوضاع من منظور جيوإستراتيجي.
.4الموارد البشرية من حيث العدد والتأهيل والتوزيع الجغرافي.
.5تحليل أوضاع الصناعة ،الزراعة ،الخدمات ،التعدين.
.6تحليل أوضاع القوة االجتماعية ،التنمية األخالقية ،السلوك الثقافي المتعلق باالقتصاد
كاحترام قيمة العمل ،ثقافة إتقان العمل ،االنضباط اإلداري ..إلخ.
.7حساب القوة االقتصادية للدولة.
.8تحليل ودراسة البيئة من حيث نقاط القوة ،ويتضمن دراسة الموارد والقدرات والمزايا الوطنية
التي تدعم االقتصاد الوطني ويشمل ذلك:
أ .الموقع الجغرافي ،الموارد الطبيعية كالغابات واألراضي الزراعية والتفصيالت
المتعلقة بها وتوزيعها الجغرافي ،المياه الجوفية وكمياتها ومناطق وجودها
ومواصفاتها ،األمطار ومعدالتها حسب التوزيع الجغرافي والزماني ،المعادن وأحجار
الزينة ،النفط والذهب والنحاس ،ثروات األنهار والبحار.
ب .المناخ ،الظروف واألوضاع الطبيعية ،الزالزل والبراكين.
273
.9تحليل البيئة الخارجية كما يلي:
أ .من منظور الفرص واألسواق واألنماط االستهالكية العالمية وتحوالتها
واتجاهاتها.
ب .من حيث المهددات ،يشمل ذلك اإلستراتيجيات المضادة وأوضاع التنافس الدولي.
ج .المنظور االقتصادي ،بغرض التعرف على النظام االقتصادي العالمي ومعرفة
اإلستراتيجيات المطبقة ودراسة القوة اإلستراتيجية االقتصادية للدول المنافسة.
د .أوضاع القدرات والمزايا النسبية المتعلقة بالفرص المتاحة.
ه .النظم والسياسات االقتصادية العالمية.
و .دراسة الشراكات والتحالفات الدولية.
ز .األوضاع السياسية العالمية المتصلة باالقتصاد ،يشمل ذلك األوضاع المتعلقة
بالموارد الطبيعية اإلستراتيجية كالنفط واليورانيوم والماء.
ح .من منظور بيئي للتعرف على الظروف البيئية وأثرها على األوضاع االقتصادية
الوطنية.
ط .من المنظور القانوني :بغرض دراسة األوضاع القانونية الدولية المتعلقة
باالقتصاد من معاهدات وقوانين وتشريعات.
.10دراسة اإلستراتيجية السياسية للتعرف على األوضاع السياسية المطلوب التعامل معها
اقتصاديًا.
.11دراسة اإلستراتيجية االجتماعية للتعرف على األوضاع االجتماعية المطلوب التعامل معها
اقتصاديًا.
.12دراسة اإلستراتيجية العلمية والتقنية واإلعالمية والعسكرية للتعرف على أوضاعها المطلوب
التعامل معها اقتصاديًا.
.13دراسة أوضاع القطاع الخاص للتعرف على قدراته وإمكاناته.
274
.15اختيار الفلسفة االقتصادية المناسبة:
أ .تحقيق المزايا النسبية العالمية.
ب .التوزيع العادل للدخل القومي.
ج .العالقة اإليجابية بين صغار وكبار المنتجين.
د .التنمية المتوازنة.
.17التنفيذ اإلستراتيجي.
عانت معظم الدول النامية من الفتن التي زرعها االستعمار قبل خروجه من البالد والتي ساهمت إلى
حد كبير في إشعال نار الخالفات بين أبناء الوطن الواحد إلى يومنا هذا ،وهي خالفات تسببت في كثير من
األحيان في تفتيت الجبهات الوطنية بمعظم تلك الدول لتسير دون رؤى أو أهداف كبرى تسعى إلى
تحقيقها ،في المقابل ظلت تواجه المخططات اإلستراتيجية األجنبية المتقنة ذات المصالح في تلك
الدول.
من خالل هذا المنظور العلمي نستعرض بإيجاز عددًا من العوامل والظروف التي تؤثر وتتأثر بالتخطيط
اإلستراتيجي لالقتصاد في الدول النامية:
.1أن السمة العامة لالقتصاد العالمي هو الصراع على المصالح.
.2أن الدول النامية {ومعظمها غنية بالموارد الطبيعية} ظلت واقعة تحت تخطيط إستراتيجي
أجنبي تقف خلفه أغراض ومصالح إستراتيجية تتعلق بمواردها الطبيعية الضخمة على باطن
األرض وظاهرها.
.3أن تلك المخططات من العمق والخطورة والجدية بحيث أن تنفيذها قد يقود إلى اتخاذ قرارات
خطيرة قد تصل إلى مرحلة إشعال الحروب.
.4الموارد الطبيعية الموجودة بالدول النامية يتم التعامل معها على أساس أنها مخازن مقفولة
275
لصالح القوى األجنبية ،ليتم فتحها واستغاللها وفق أولويات محددة ،والحروب المشار إليها
أعاله تعد من أهم الوسائل المتبعة لتنفيذ ذلك ،بحيث يتم دعم السالم عند الرغبة في
استغاللها والعكس صحيح حيث يتم دعم الحرب والفتن والحروب األهلية.
.5أن البنود اإلنسانية مثل حقوق اإلنسان ومحاربة الرق وتحقيق الديمقراطية الخ أصبحت تمثل
مداخل مهمة في تحقيق المصالح اإلستراتيجية.
.6أن المخططات األجنبية ال تضع إال مصالحها في المقام األول.
.7إذا كان تحقيق المصالح الوطنية في منتصف القرن الماضي يتطلب االستقالل السياسي ،فإنها
اآلن تتطلب وأكثر من أي وقت مضى تخطيطيًا إستراتيجيًا عميقًا تستطيع أن تواجه به تلك
المخططات الطامعة ،ويؤدي ذلك إلى حماية ثروات البالد وثقافاتها ويعزز من قدراتها
التفاوضية واالقتصادية والسياسية.
.8أن المصالح هي أهم عنصر في تعامل أصحاب المصالح مع العالم الخارجي ،وبالتالي فإنه يصبح
من غير المنطقي الحديث عن تحقيق مصالح وطنية إستراتيجية بمجرد المطالبة بذلك ،ولعله
صار واضحا لكافة شعوب العالم ازدواجية المعايير في أنظمة النظام العالمي مثل األمم
المتحدة ومجلس األمن لصالح قوى معينة وهو أمر واضح للعيان ،وما يثبته الواقع والدراسات
والبحوث ،هو أن النظام االقتصادي الدولي وما يشمله من مؤسسات دولية لها أيضًا أهداف
تحقق بها مصالح لقوى كبرى هي نفس القوى المسيطرة على أجهزة األمم المتحدة.
.9أن التعامل مع مثل هذه المخططات اإلستراتيجية الضخمة ال تستطيع أن تواجهها الجهود
التقليدية للتخطيط في الدول النامية.
.10إن واقع العالم اليوم وواقع التجربة الماثلة أمامنا تقول إن القوى األجنبية وأصحاب المصالح
الكبرى يسعون للسيطرة على األراضي الزراعية لضمان تأمين مشكلة الماء والغذاء ،اللذان
أصبحا يشكالن سالحًا خطرًا يهدد تلك القوى بدرجة أعظم من تهديد البترول ،سالح القرن
العشرين.
.11أن العصر القادم عصر العولمة ،عصر إزالة الحدود الجغرافية ،من أهم سماته هو زوال القيود
أمام حركة التجارة الدولية والخدمات المالية هو عصر العولمة الثقافية ،هو عصر يقوم
التفاعل معه على عدة أشياء أهمها استخدام المنهج العلمي والتقنية الحديثة المتطورة،
التفاعل مع العالم عبر استخدام نفس لغته وأسلوبه.
.12إذا استعرضنا الجانب االقتصادي وهو العمود الفقري لعصر العولمة باعتباره يجسد المصالح
276
اإلستراتيجية ،فإننا نجد أن اإلنتاج فيه يجب أن يكون بالجودة العالمية وباألسعار المنافسة
وما إلى ذلك ،وتجسد التكنولوجيا المتقدمة والعلم أحد العوامل الحاسمة في تحديد مستقبل
الدول في القرن الحادي والعشرين ،وفي ظل التطور السريع والمطرد لألنماط االستهالكية وما
يتطلبه ذلك من استعداد تقني معين ،فإن التقنية ستكون جزء من الوسائل الرئيسية
لتحقيق المزايا النسبية العالمية.
.13إن األوضاع السياسية والسلوك السياسي وشكل الممارسة تشكل العنصر المحوري الحاسم في
نجاح أو فشل التخطيط االقتصادي ،وال يمكن الحديث عن تحقيق مصالح اقتصادية أو
معالجتها أو تطويرها دون النظر لألوضاع السياسية.
إن صياغة وتحديد األهداف اإلستراتيجية االقتصادية ال يمكن أن يتم بمعزل عن العديد من الظروف
والعوامل المذكورة أهمها أعاله ،فضلًا عن مراعاتها للبيئة الدولية والتي سبقت اإلشارة إلى أهم معالمها
في الفصل األول من الباب الثاني ،ولعله فيما يتعلق بالدول النامية يمكن إضافة عدد من تلك العوامل
والظروف ،أهمها:
.1أن معظم تلك الدول خاصة اإلفريقية ،تمتلك ثروة هائلة يتطلب استثمارها تمويلًا ضخمًا
كما يتطلب في نفس الوقت حصص إستراتيجية كبيرة في أسواق العالم.
.2إن التعاون مع العالم بدون رؤية إستراتيجية واضحة تحدد األولويات والمعايير واألسس
والضوابط ،قد يؤدي إلى تبديد وسوء استغالل الثروة في مرحلة الضعف والتي غالبًا ما تكون
مرحلة تعاون بشروط غير معتدلـة إذا ما قورنت بشكل التعاون في المراحل الالحقـة بعـد
الخروج من النفق ،الشيء الذي قد يهدد بدخول المراحل المتقدمة والدولة قد منحت االمتيازات
التنقيبية أو التعدينية واالستثمارية بالكامل للشركات والدول المختلفة وقفلت الباب أمام أي
فرص مستقبلية بشروط أفضل ،لذا ال بد من تحديد ذلك عبر دراسة تضع حدًا لكل مرحلة
من المراحل.
.3أن اإلمكانات الطبيعية لبعض تلك الدول كالدول اإلفريقية ،خاصة في مجال المعادن والزراعة
يمكن أن تجعل منها قوة اقتصادية زراعية وصناعية زراعية عالمية كبرى.
من هنا يمكن ذكر أهم أهداف التخطيط اإلستراتيجي لالقتصاد في الدول النامية:
.1مراعاة سلبيات النظام االقتصادي العالمي السائد والعمل على الخروج من المآرب الطمعية
واالستغاللية فيه.
277
.2عالج سلبيات النظام االقتصادي العالمي وأهمها:
عدم عدالة توزيع الدخل القومي في الدولة ،والعمل بالتالي لصياغة إستراتيجية أ.
اقتصادية تضمن أن الدخل القومي وأي زيادة فيه تذهب إلى المنتج الصغير أو
الموظف البسيط أو المواطن كما تذهب ألصحاب المصالح الكبرى.
ب .التوجهات العالمية نحو االستغناء عن العمالة باالعتماد على التقنية ،والعمل
بالتالي إلعداد إستراتيجية اقتصادية تعمل على توفير فرص العمل ألكبر عدد
ممكن دون اإلخالل بشروط وأسس تحقيق المزايا النسبية العالمية.
ج .اتجاه االستثمارات العالمية نحو الدول النامية بحثًا عن العمالة الرخيصة ،وهذا
يعني ضرورة مراعاة التخطيط اإلستراتيجي لوضع فلسفة تضمن تحقيق دخل عالٍ
لصغار المنتجين والعمال.
ارتباط تحقيق الميزة النسبية العالمية بخفض أجور العمال وخفض الرسوم د.
الحكومية ،مما يؤدي إلى خفض المستوى المعيشي للعمال ،وخفض مستوى
الخدمات الحكومية مثل العالج والتعليم ،وذلك بسبب خفض الرسوم الحكومية
كمطلب لتحقيق الميزة النسبية.
.3ضمان انعكاسات التخطيط اإلستراتيجي على:
أ .بناء الميزة النسبية والقدرات التنافسية.
ب .الناتج القومي.
ج .الحصول على حصص في األسواق العالمية.
د .الحصول على التقنية المتقدمة.
ه .التمويل.
و .المنتج الصغير.
ز .التوزيع العادل للثروة.
إسرتاتيجية املوارد:
إن االستفادة المثالية من الموارد تقع ضمن أهداف التخطيط اإلستراتيجي ،وبالنظر إلى شح الموارد
العالمية المتاحة للحياة البشرية يتبين أن االستفادة المثالية من موارد العالم وتنميتها ال تقل أهمية
عن األهداف اإلستراتيجية االقتصادية األخرى مثل تحقيق الميزة النسبية والقدرات التنافسية ،وبالنظر
278
إلى السودان كدولة لها وضع خاص فيما يتعلق بإنتاج الغذاء العربي والعالمي من حيث امتالكه ألراضٍ
زراعية ضخمة تجسد رصيدًا رئيسًا للغذاء العالمي ،في ظل إشكاالت ومهددات تتمثل في شح مياه األمطار
ونزاعات حول مياه األنهار ،يمكن تصور أهداف إستراتيجية الموارد في هذا الجانب.
إن النظر إلى إنتاج الغذاء من منظور عالمي وبالتالي النظر إلى األراضي الزراعية السودانية (كمثال)
والظروف السودانية من هذا المنظور يعني أن مصلحة العالم تقتضي تنمية موارد السودان والمحافظة
عليها ،وبالتالي فإن التخطيط اإلستراتيجي السوداني يمكن أن ينطلق من هذه الحقيقة ليشكل منها بنودًا
رئيسة على عقد الشراكة الدولية بين السودان واألسرة الدولية بما يضمن تحقيق تلك األهداف ،ومن
األمثلة على ذلك المحافظة على الغابات والعمل على مد حزام السافانا شمالًا {حزام المطر} ومن ذلك أيضًا
تمليك السودان لوسائل التقنية الحديثة في مجاالت الري والزراعة بما يضمن أن الزراعة في السودان لن
تهدر موارد العالم من األراضي والمياه..
فهل من مصلحة العالم (إستراتيجيًا) أن يزرع الفدان في السودان بأسلوب تقليدي لينتج ثالث أو أربع
جواالت مقابل استهالك مياه عن طريق الغمر تصل أحيانًا إلى عشرة أضعاف ما تحتاجه فعلًا؟
من هنا يتضح أن إستراتيجية الموارد لها اتصال بامتالك التقنيات الحديثة وكثيرًا ما تتم عبر تعاون دولي.
تسهم التنمية المتوازنة في تحقيق تطلعات المواطنين وفيها إرساء لقيمة العدل وتعد مدخلًا أساسيًا
لتحقيق رضا المشاعر الوطنية فضلًا عن أن تحققها يعني االستقرار الذي يؤمن وجود رعاية األسرة للشباب
ووجود الرعاية المجتمعية والمحافظة على القيم ،وبالتالي منع التهديد االجتماعي الذي كان يتشكل
نتيجة للخلل التنموي الذي يقود للنزوح والتشرد إلخ ،كما أن تأسيس مراكز حضرية في الواليات تنافس
العاصمة يؤدي إلى تقليل المركزية القائم على أفضلية الخدمات ويوفر فرص العمل.
كما أن وجود تنمية باألطراف يعني تواجد بشري مرتبط بمصالح ،مما يسهم في حماية الموارد
الطبيعية للدولة والعكس يعني النزوح لتصبح األرض خالية من السكان مما يتيح الفرصة للطمع في
االستيالء عليها من دول أخرى خاصة إذا كانت تلك المنطقة غنية بمورد طبيعي أو تتميز بموقع
إستراتيجي ،ويتم ذلك من خالل:
.1تحقيق التوازن في تنمية أطراف الدولة بحيث ال يظلم إقليم على حساب آخر.
.2موازنة الصرف بين المركز والواليات بما يقود لتأسيس أوضاع تنموية متقدمة في الواليات
وتوفير فرص العمل والخدمات بعدالة.
.3تطوير االستثمار بالريف.
279
.4تطوير البيئة التحتية في الريف.
.5ربط الواليات بشبكة النقل الرخيص اإلقليمي والوطني بما يتيح الفرصة لنفاذ األسواق
اإلقليمية.
.6التوازن بمعنى تحقيق التنمية دون اإلخالل بالبيئة.
.7تحقيق التنمية في ظل االحتفاظ بموارد لألجيال القادمة.
.8التوازن الذي يشمل الصرف على المورد البشري جنبًا إلى جنب مع الصرف على البنود األخرى.
.9التوازن الذي يضمن تقديم الرعاية والخدمات وفرص العمل العادلة لذوي الحاجات الخاصة.
ولعل معظم ما تعانيه الدول النامية من مشكالت عدم األمن وعدم االستقرار هو عدم التنمية
المتوازنة الشيء الذي يقود نحو اقتصاد المدن الكبيرة وفقر الريف رغم ما قد يتوفر له من موارد طبيعية.
لذا فإن من أهم خطوات التحليل اإلستراتيجي االقتصادي هو معرفة الوضع الراهن حول المدن والريف،
والغرض من ذلك هو التعرف على األوضاع حتى تتم معالجتها ،ما يالحظ تحقيق خطط التنمية في
العديد من الدول على حساب البيئة.
إن وضوح نتائج التحليل تعتبر خطوة نحو عالجها ،كما إن وضوح نتائج التحليل تساعد متخذ القرار
في المركز في إصدار القرارات العادلة المناسبة .الحظ الشكل التالي الذي يبين الوضع الراهن لوضع مياه
الشرب والكهرباء في محافظات إحدى الدول ،إن وضوح الشكل يبين الخلل الذي يفضي لزراعة الغبن والحقد
في أطراف الدولة الواحدة وهكذا تزرع أهم بذور عدم االستقرار ،كما أن هذا الوضع من عدم الرضا يمهد
للتدخل الدولي في شأن تلك الدولة.
إن وضوح الخلل مهم جدًا حتى يتم عالجه ،ويمكن للقارئ أن يتخيل سهولة تحديد األولويات بالنسبة
للقيادة المركزية ،وكيف يمكن أن يحدث التخبط في ظل غياب المعلومات.
280
.3بطء نمو الصادرات.
.4تدني اإلنتاج واإلنتاجية.
.5ضعف القاعدة اإلنتاجية لعدم كفاية البنية التحتية الموجودة.
.6غياب البيئة االستثمارية المواتية لجذب رأس المال المحلي واألجنبي.
.7ارتفاع معدالت البطالة وهجرة الكوادر المؤهلة.
.8عدم االستقرار السياسي.
.9الحرب األهلية.
.10العزلة الدولية.
وبالنظر إلى هذه األسباب نجد أن العلة تكمن في قصور التخطيط الذي لم يراع الظروف والمخاطر
والعوامل البيئية المحلية واإلقليمية والدولية ،فالعزلة الدولية تتطلب عالقات خارجية تعمل على
تحقيق ترتيبات إقليمية تعزز الموقف التفاوضي للدولة وتؤسس وتمهد لقيام شراكات دولية وانتقال
إيجابي لرؤوس األموال األجنبية.
500
450
45
400 40
350 35
300 30
250 25
20
200
15
150
10
100
5
50 0
0 نصيب الفرد متر مكعب
نصيب المحافظات من
الكهرباء
والتقنية والخبرة والحصص اإلستراتيجية وتنعكس جميعها على تحقيق الميزة النسبية لإلنتاج
الوطني.
وعلى العكس فإن العزلة تقود إلى محدودية القدرات التسويقية ومحدودية التمويل وشح النقد
281
األجنبي الناتج عن عدم الشراكة الدولية أو اإلقليمية الذي يقود إلى عدم االستقرار ،وبالتالي تدخل الدولة
في دائرة اقتصادية سلبية تؤدي إلى رفع تكاليف اإلنتاج التي تقود إلى تقليص القدرات التصديرية،
وتؤدي إلى خفض القوى الشرائية ورفع التكاليف اإلنتاجية والركود وخفض إيرادات الدولة .إلخ
وهي ذات األسباب التي ذكرها التقرير ،وعليه ال يكون التخطيط مجديًا إذا لم يتعامل مع الحروب األهلية
وظروف عدم االستقرار من منطلق إستراتيجي .فإذا تم النظر إلى الحروب األهلية من منظور إستراتيجي
فسيتبين أن حرب المصالح الدولية تقف بشكلٍ كبير خلف ذلك ،ومن ثم سيتم إدراك أهمية انطالق
التخطيط اإلستراتيجي الوطني وفق هذا المنظور.
تعتبر مكافحة الفقر مرحلة للتخطيط اإلستراتيجي لالقتصاد يتم بعدها االنتقال إلى مراحل متقدمة
في تحقيق النماء االقتصادي واالجتماعي ،كما أن الفقر يشكل عائقًا أمام تحقيق التنمية الشاملة ،ولعل
تعريف التطور في تعريف الفقر يبين لنا ذلك ،فالعالم لم يعد يتحدث عن فقر المأكل والملبس والمشرب
والمأوى فحسب ،بل وأيضًا فقر العلم وفقر التقنية ،ولعلنا ندرك أهمية مكافحة الفقر إذا علمنا أن
التنمية الشاملة تستند على قاعدة من العمالة المؤهلة والمدربة ،وهي بمواصفات هذا العصر يجب أن
تتقن استخدام التقنية الحديثة.
درج الكثيرون وعلى رأسهم بعض األجهزة الرسمية بالحديث عن موضوع برامج محاربة الفقر بكيفية
يُفهم منها كأن هذا األمر موضوعًا مستقلًا ال صلة له بغيره من الموضوعـات ،ومن هذا المنظور يتم رصد
الميزانيات الرسمية والشعبية لهذه البرامج لتظهر في شكل برامج إغاثة ومشروعات أسر منتجة وما إلى
ذلك ،ومع إقرارنا بوجود العديد من الجهود الجادة والجيدة في هذا الصدد ،إال أن غلبة الفكر الذي سبق
وتحدثت عنه قد استدعت إعطاء هذا األمر حيزًا في هذا الكتاب بغرض إبراز أثر وفاعلية التخطيط
اإلستراتيجي على محاربة الفقر في ظل ظروف العولمة وانعكاسات العولمة على الفقر.
فاألمر كما هو دائمًا مفهوم أن الهدف الطبيعي للدول النامية هو محاربة الفقر وتحقيق مجتمع الكفاية
وصولًا للرفاهية ،لذلك يصبح من الطبيعي أن يكون التخطيط لذلك هو إستراتيجية دولة تشمل
إستراتيجيات فرعية كلها تتكامل لتحقيق أغراض محددة بترتيب معين يحدد األولويات واألهـداف والتي
يمكن أن تكون محاربة الفقر ،الكفايـة ،الرفاهية .إلخ.
فال يمكن محاربة الفقر دون إستراتيجيات في التعليم والتدريب واإلعالم تؤسس لتوفير المهارات
والثقافة والسلوك المناسب لتحديات العصر ،وإستراتيجية في االقتصاد تقود لزيادة الدخل القومي
وتوزيعه بعدالة وإستراتيجية للبحث العلمي في إشكاالت محاربة الفقر ،وإستراتيجية سياسية توفر
المناخ السياسي المطلوب لنجاح الفلسفة االقتصادية واالجتماعية وأخرى للعالقات الخارجية توفر
282
األسواق والتقانة والتمويل ،إلخ ،فال يمكن محاربة الفقر بترتيب اقتصادي معزول أو اجتماعي ال يراعي
االقتصاد ،وإنما التخطيط الشامل المتكامل.
إن التكامل في هذا التخطيط اإلستراتيجي المذكور هو أهم سمة حيث أصبح مفهومًا للكثيرين أن هناك
جهة تخطط للدولة اقتصاديًا فيما تخطط جهة أخرى اجتماعيًا وأخرى سياسيًا وأمنيًا ..وإن كل من هذه
الجهات ال تتولي مهام أعمالها التخطيطية بتنسيق كافٍ مع الجهات األخرى مما ينجم عنه تلقائيًا عدم
وجود التكامل واالنسجام واالرتباط والتناسق بين الخطط المختلفة ،بل إن بعضًا من هذه الخطط قد يُخلِّف
تبعات تؤثر سلبًا وبصورة مباشرة على الخطط األخرى ونعني هنا تحديدًا التبعات المؤثرة في ازدياد
معدالت الفقر ومستوى المعيشة كما سيرد الحقًا في هذا الموضوع.
إن التخطيط اإلستراتيجي السليم يجب أن يكون مفهومًا انه التخطيط الذي يحقق المصالح
اإلستراتيجية للدولة ،وال يصبح هذا التخطيط مجديًا إذا لم يراع الجانب االجتماعي ..إذا لم يحارب الفقر..
إذا لم يوقف معدالت الزيادة في الفقراء ..إذا لم يحقق الكفاية ..إذا لم يعمل للوصول لتحقيق الرفاهية
فضلًا عن تحقيقه للجوانب المتصلة باألمن.
إن المخطط اإلستراتيجي ال يجب أن يلقي اللوم على ظروف معينة كسوء العالقات الخارجية ،الحصار،
مشكلة الحرب األهلية ،الخ ألن التخطيط اإلستراتيجي الذي يتم إعداده بالصورة العلمية المعروفة عالميًا
يجب أن يسبق إعداده أو تعديله قراءة متعمقة فاحصة للبيئة المحلية واإلقليمية والدولية بكافة
تداعياتها وظروفها ومن ثم تحليلها وتحديد المشاكل والمعوقات والفرص المتاحة في ظل اإلمكانات
والموارد المحلية والدولية المتاحة حاليًا أو الممكن إتاحتها تحت ظروف معينة .إلخ،
ثم يتم التخطيط الشامل مراعيًا للمشاكل اإلستراتيجية والظروف والمتغيرات واإلمكانات وما إلى ذلك،
ومن ذلك على سبيل المثال مشكلة الجنوب السوداني كنموذج للنزاعات والحروب في الدول النامية ،كيفية
اقتطاع حصص إستراتيجية في األسواق العالمية ..وهناك العديد من الدراسات التي توضح ظروف ما قبل
االنطالق لدول متقدمة اآلن {نامية قبل أربعة عقود من الزمان} مثل دول النمور اآلسيوية،
فهذه الدول لم ترم لومها على الظروف {حسب تلك الدراسات وواقع الحال} وإنما درست وتفهمت تلك
الظروف ووعيت وتفهمت بذور الفتنة التي وضعها االستعمار التي كانت ترمي إلى إحداث الفتن والمشاكل
وتعطيل التنمية حتى يتم لتلك القوى األجنبية الوضع الذي يحقق لها مصالحها ،فجاء التخطيط مراعيًا
ومتفهمًا بصورة علمية وعملية لكل ذلك ،فكان تخطيطًا طموحًا ذكيًا متكاملًا تم من منظور عالمي
وبالتالي فقد راعى البيئة الدولية تمامًا وحقق مآربه منها.
283
التحرير:
إن التنافس الدولي أصبح يتطلب سرعة اإليقاع والتفاعل في الساحة االقتصادية الدولية وهو مبدأ ال
يتوفر إال باستخدام أساليب إدارة األعمال ،ويرتبط بسياسة التحرير التي تعني إزالة كافة القيود
االقتصادية والسياسية واإلدارية التي تعيق اإلنتاج ويشمل ذلك إزالة كافة وسائل الدعم والحماية
واالمتياز واالحتكار والتسعير وأسعار الفائدة وقيود التمويل ،ويشمل مجال السلع والخدمات ،وتتطلب
سياسة التحرير التحول من القطاع العام إلى القطاع الخاص أي من استخدام أساليب اإلدارة العامة إلى
أساليب إدارة األعمال.
هناك اتصال بين تحقيق المزايا النسبية العالمية واستخدام أساليب إدارة األعمال ،وبالتالي فإن
الحديث عن التخطيط اإلستراتيجي االقتصادي ال يكتمل إال بالتطرق لهذا األمر ،يأتي ذلك في الوقت الذي
تشير فيه العديد من الدراسات والتقارير إلى بعض النتائج السلبية التي نجمت عن تطبيق الخصخصة
في العديد من الدول في العقود الماضية ،فما بين أهمية أساليب إدارة األعمال في التخطيط اإلستراتيجي،
واإلفرازات السلبية للخصخصة ،يدور حديثنا في هذا الجزء من الفصل.
لقد أثبت واقع التحول إلى القطاع الخاص في أوربا وبعض الدول المتقدمة االلتزام بعدد من الحقائق
المهمة عند التحول إلى أساليب إدارة األعمال أهمها هو أن المشروعات المتحولة قد تميزت باآلتي:
أنها طبقت نماذج متطورة من أساليب إدارة األعمال.
أنها رصدت إمكانات مالية كبيرة لالحتياجات الرأسمالية ورأس المال العامل.
وسعت الحكومات إلى توفير المناخ المالئم المطلوب لعمليات التحول وأصدرت القوانين والسياسات
واإلجراءات المناسبة ..كان أبرزها:
.1إلغاء التأميم.
.2منع االحتكار.
.3العدالة والمساواة.
.4التوجه نحو إرساء المنافسة الحرة.
.5سيادة القانون والنظام.
284
.6إلغاء القيود والقوانين الحكومية.
.7حرية التمويل.
.8التدرج في التوجه نحو مشروعات القطاع الخاص.
إال أن أهم تلك العوامل هو أن عمليات التحول كانت تتم في ظل أوضاع اقتصادية معتدلة تتسم
باآلتي:
.1وجود قوى شرائية كبيرة في الدولة.
.2ناتج قومي كبير.
.3حصص كبيرة في التجارة دولية.
.4سياسات مالية معتدلة إذا ما قورنت إقليميًا وأعني هنا أوربا
وهو ما يعني أن تلك الدول كانت تعيش كل منها في وضع دائرة اقتصادية إيجابية وشروط منافسة
كاملة عند تطبيق الخصخصة ،لذا ونتيجة لهذه األوضاع فقد استطاعت تلك الدائرة اإليجابية امتصاص
سلبيات وصدمات عمليات التحول إلى القطاع الخاص وعلى رأسها تشريد العمال الزائدين عن الحاجة..
ونتيجة لذلك فقد تميزت الشركات المتحولة باآلتي:
.1أحدثت تطورًا كبيرًا ونقالت واسعة فشل في تحقيقها القطاع العام خالل الفترة السابقة.
.2حققت إنتاجًا وخدمات بمواصفات ممتازة.
.3حققت زيادة في الدخل واألرباح.
.4تمكنت من ولوج مجاالت فرعية تتعلق باختصاصها.
لقد كان أكبر التحديات التي واجهت وال زالت تواجه مشروعات التحول إلى أساليب إدارة األعمال هو أن
الدولة تصبح ملزمة بتخفيض الضرائب في مقابل أنها تتوقف عن تقديم خدماتها للجمهور ،إال أن تطبيق
عمليات التحول في ظل دائرة اقتصادية إيجابية وشروط منافسة كاملة والتزام كل عمليات التحول
بالشروط األساسية مثل استخدامها لألساليب العلمية المتطورة لإلدارة والتقنية المتقدمة وتوفير
التمويل الكافي .إلخ ،أدى إلى دخول المشروعات الجديدة وزيادة الناتج القومي فتمت موازنة الفروقات في
كثير من األحيان عبر الزيادة في الضرائب الناجمة عن الزيادة في اإلنتاج الناجم عن التطور ،كما أن األجور
شأنها شأن كافة بنود العمليات اإلنتاجية تم تحريرها فلم تتأثر القوى الشرائية للمواطن بقدرٍ مُخِـل كما
هو الحال في عدد من الدول النامية ،كما أن فروقات الدخل الحكومـي كانت تحت السيطرة نتيجة للتدرج
الحـذر في التطبيق ،وال زالت أوربا تدعم العديد من أنشطتها وعلى رأسها الزراعة وذلك تحسبًا لآلثار
285
السلبية عند التطبيق الفوري للتحرير دون ترتيب أو تدرج.
لقد طبقت العديد من الدول النامية سياسة التحرير بطريقة اختلف حولها الكثيرون ،أدت إلى إحداث
تشوهات اقتصادية واجتماعية هائلة بعدد من الدول النامية ،لكن ما يجب مالحظته هو وفقًا لظروف
تلك الدول فإن سياسة التحرير عمومًا يمكن أن تكون صحيحة أو تقل آثارها السلبية إذا قامت بفك القيود
التي تعيق االستثمار ومنعـت المحسوبية التي تميز البعض عن البعض اآلخر،
أو منعت االحتكار أو نجمت عنها برامج تؤدي إلى تمكين المنتج من تحقيق أرباح أفضل عبر تحرير
األسعار أو ارتفاع القوى الشرائية ،ومنعت تصاعد األسعار عن طريق الوفرة في ظل المنافسة بعيدًا عن
االحتكار والتمييز ألي جهات على أخرى ..إلخ هنا يمكن إذا توفرت كافة هذه العوامل وغيرها مما هو
مطلوب في هذه الحاالت {وهو ما لم يحدث في أغلب األحوال} ونعني بذلك كافة المقومات المطلوبة
للحركة االقتصادية بالــدولـة مـن تمـــويل بهوامــــش وشروط مناســـبة،
نقد أجنبي بأسعار مستقرة عبر آلية للتحكم عبر رصيد كاف منه وليس عبر سياسات بوليسية ،سياسة
خارجية فاعلة مع العالم تمكِّن من تحقـــيق المصالح اإلستراتيجية للدولة ومنها الحصص في األسواق
العـــــالمية وتبادل الخـــبرة والتقنية ،الخ لنصل من خاللها وعبر التمــويل الميسر المتاح والنقد
األجنبي المتوفـر والعدالة التامة وعدم التميــيز بين المواطنــين والمؤسسات العاملة في السوق،
مع وجود قوة شرائية محلية وسياسات مالية متزنة وغير مزدوجة (رسوم وضرائب مباشرة وغير مباشرة
وجمارك ..إلخ)
وكل ذلك في ظل إستراتيجية تحقق االنسجام والتكامل بين أنشطة الدولة المختلفة خصوصًا المرتبط
منها بالجانب االقتصادي ،وتحقق المصالح واالرتباط بين المنتج الصغير مع مصالح الكبار محليًا وربطهما
معًا بالمصالح الدولية ،مع التدرج الحذر في التحرير (ال زالت أوربا وهي صاحبة سياسة التحرير تدعم الزراعة
حتى اآلن) فإن المحصلة هي وفرة في السلع والخدمات بأسعار معتدلة لوجود المنافسة الشريفة التي
تؤدي إلى تحقيق أرباح مقبولة ليس الرتفاع األرباح فحسب بل ولسرعة دوران رأس المال وبيع كميات أكبر
أيضًا.
واقع الحــال:
إال أن واقع الحال في الدول النامية يخالف في كثير من األحيان ما هو مطلوب من ذلك:
.1وجود تمييز بين المواطنين.
.2وجود شركات لها وضع خاص وامتيازات إضافية ال تتوفر لآلخرين.
286
.3ندرة وعدم استقرار النقد األجنبي.
.4استمرار إنشاء الشركات الحكومية التي تتميز باحتكارها لمعظم المشتريات الحكومية والتي
تشكل رقمًا مهمًا في السوق.
.5تمييز الشركات الحكومية بمزايا تفضيلية تتمثل في اإلعفاءات الجمركية والضرائبية
واإلعفاءات من الرسوم المختلفة.
الوضع أعاله يقود إلى اكتمال الحلقة بهيمنة تلك الشركات الحكومية على السوق غير الحكومي لعدم
مقدرة اآلخرين على المنافسة ،هذا جانب يضاف إليه ضرائب باهظة ورسوم متعددة بفئات عالية على
السلع وعلى الشركات األخرى غير المميزة (وهي تشكل السواد األعظم من السوق قبل التحرير)
مع جود تضخم وانخفاض في قيمة العملة الوطنية ينجم عن ذلك كله انخفاض القوى الشرائية
للدولة والمواطن وانخفاض مستمر لإليرادات الحكومية نتيجة لخروج قطاع كبير من التجار والشركات التي
كانت تمارس نشاطًا تجاريًا ولم تتمكن من االستمرار ،مما يعني خسارة الدولة إليراداتها من الضرائب
والرسوم التي كانت تدفعها تلك الشركات.
جانب آخر أيضًا مهم وهو أن عمليات الخصخصة لم تكن سوى انتقال ملكية مشروعات من القطاع العام
إلى الخاص دون أن يصحب ذلك من جانب الشركات تطبيق المفاهيم المتعارف عليها عالميًا فيما يختص
بأساليب إدارة األعمال والتي ذكرناها في معرض حديثنا عن الخصخصة في الدول الغربية ومنها استخدام
األساليب الحديثة في اإلدارة وتوفير التقنية الحديثة والتمويل المطلوب.
إن إتمام الخصخصة إذا لم يتم في ظل وعي إستراتيجي وأمني فمن الممكن أن يصبح وسيلة لحرب
اقتصادية أو للفساد االقتصادي ،فقد يصبح وسيلة لغسيل األموال ،وقد يتم شراء مشروعات وتجميد
العمل فيها بما يؤدي لتشريد العمال والموظفين ،وهو مدخل لحرب اقتصادية ،وهو ما يجب االنتباه له
عند إنفاذ الخصخصة.
تدخل الدولة:
المتدبر في الفوضى االقتصادية التي ضربت العالم في ثالثينيات القرن العشرين والفوضى المالية
التي ضربته في نهاية العام ،2008والتي جاءت كاألمواج العاتية التي ال تستطيع قوة أن توقفها،
يستطيع أن يدرك أهمية تدخل الدولة في النشاط االقتصادي واالجتماعي والعلمي واإلعالمي ..إلخ..
إن أهم ما يسعى علم التخطيط اإلستراتيجي القومي لعالجه عبر المدخل السياسي ،هو قضية
السيطرة على نزعات النفس البشرية التي تجسدها أهواء السياسيين والقادة وأصحاب المصالح
287
االقتصادية ،لذا اهتم علم التخطيط اإلستراتيجي كما طرحه هذا الكتاب بمعالجة قضية سيادة نظام
الدولة وليس نظام األفراد أو الشركات وما يتبعها من مصالح،
وهذا بالضرورة يقود ألهمية التأسيس لنظام يعالج قضية العالقة بين التمويل المطلوب لممارسة
السياسية من جهة وأصحاب المصالح االقتصادية من جهة أخرى ،ولعل ما جرى في الواليات المتحدة مؤخرًا
له صلة بهذا الموضوع ،وتسبب بشكلٍ كبير في تعطيل تطبيق اتفاقيات بازل( )2 ،1الخاصة بالمراقبة
والمتابعة المصرفية والضمانات .إلخ.
كما أن الخلل الكبير في توزيع الدخل العالمي الذي تؤكده دراسات علمية ،والذي بلغ حد أن تمتلك عدة
مئات من الشركات % 50من الدخل العالمي بينما يذهب % 30لنسبة % 20من سكان األرض وينال % 80
من سكانها نسبة % 20فقط .كل هذا يبرر تدخل الدولة لكي يتم توزيع الدخل القومي بعدالة حتى ال
يصبح دولة بين األغنياء فقط ،ألن النفس البشرية التي ال يحكمها قيم وسلطان يسيطر عليها ويراقبها،
تميل إلى تحقيق المصلحة الخاصة وتعظيمها دون حدود يمكن أن تقف عندها ،وبالتالي سندرك جميعًا
أن إنزال القيم على األرض هو مسؤولية الدولة وليس الشركات.
هناك قضايا أخرى يمكن أن تهدد العالم في حال عدم وجود تدخل للدولة ،مثال لذلك المحافظة على
البيئة ،وقد أشرنا لذلك في مفهوم التخطيط اإلستراتيجي االقتصادي و التخطيط اإلستراتيجي للعالقات
الدولية ،وهو ما يعني أهمية تدخل الدولة في سبيل وضع قيود تمنع الشركات من اإلضرار بالبيئة.
هذا التحدي ال يقدح في أهمية استمرار بعض بنود التحرير الخاصة بإرساء التنافس الشريف ورفع
الجودة وتقليل التكلفة ،مثل عدم التمييز وسيادة القانون وعدم االحتكار ..إلخ.
إن التحرير لم يتوقف على االقتصاد فقط وإنما شمل النواحي االجتماعية ،وهكذا خرجت الدول من
قطاع الخدمات كالعالج والتعليم.
وما أود أن أشير إليه هنا أن المفاهيم الغربية لم تهتم وهي تجبر الدول النامية للتحرير ،على توفير
األوضاع المالئمة التي تعالج سلبيات التحرير ،فقد تم التحرير قبل أن يصل األداء االقتصادي للدول النامية
المرحلة التي يستطيع فيها المواطن الصرف على العالج والتعليم بالمستوى المناسب ،وإنما خرجت
الحكومات من تقديم هذه الخدمات بينما شردت عمليات الخصخصة مزيدًا من العاملين فيما أدى التضخم
إلى خفض القوة الشرائية للمواطن.
إننا إذا تقبلنا فكرة خروج الدولة من تقديم الخدمات االجتماعية ،فإن ذلك يجب أن يتم في ظل أوضاع
اقتصادية تتيح فرص كافية للعمل وبأجور مجزية تستطيع تحمل نفقات التحرير ،وهو ما عبر عنه
المؤلف بالدائرة االقتصادية اإليجابية ،وبالعدم يصبح هذا الوضع معيبًا إلستراتيجية التحرير وهو ما
يشير إليه الوضع العالمي اآلن من تزايد إلعداد الفقراء وسوء لتوزيع الدخل واستئثار قلة من البشر بثروات
288
العالم ،بل إذا نظرنا الى الفوضى المالية التي ضربت العالم من وجهة نظر أخرى ،فإننا يمكن أن ننظر إلى
العالم من زاوية الفوضى األخالقية التي يمكن أن تحدث فعلًا نتيجة لخروج الدولة من السيطرة على
خدمات التعليم اإلعالم وغيرها من الخدمات االجتماعية ،فإذا كان العالم ارتبك واهتز بفعل الفوضى
المالية فكيف يكون الحال وكيف تتم السيطرة عليه إذا حدثت الفوضى األخالقية ،وهو ما يجري تنفيذه
دون وعي اآلن على األرض ،وهذا ما يؤسس ألهمية إعادة مفاهيم التحرير لتتواءم مع هذه التحديات.
إن الفكر الغربي الذي قام العالم بتطبيقه تأثر إلى حد كبير بعقلية رأس المال وتأسست الفلسفة
على أن النجاح يقوم على تحقيق الفائدة المالية أو الجدوى المالية ،بينما غابت الجدوى االجتماعية أو
األمنية ،وقد حدث أن تحاورت مع بروفسر اقتصادي فرنسي في هذا الجانب وقلت له ما هو المنطق على
سبيل المثال في اعتبار النجاح فقط في جنى المال لصالح قلة من الشركات.
هل األجدى أن يقوم البنك الخاص بتمويل شركة خاصة لتحقق أرباح بمليارات لصالح عشرة أشخاص
فقط أم األجدى أن تقوم الدولة بتوفير لعشرة آالف مواطن يتحولوا بعدها من حالة الفقر إلى الرفاه
والرضا ،وهكذا اكون قد احترمت كرامتهم وآدميتهم ومنعتهم من الهزيمة النفسية التي تقود إلى الفساد
والجريمة والمخدرات والتمرد.
إن برمجة عقلياتنا على أن الربح هو التقييم الصحيح سيعود بنتائج وخيمة على البشرية وما يجري
على االرض مؤشرات خطيرة لذلك.
إن استمرار العمل بذات المفاهيم واستمرار تطبيق سياسة التحرير بعالتها دون قيم ومرتكزات
إستراتيجية قادت لسيطرة أصحاب المال على كل من االقتصاد والتعليم واإلعالم مما يعني تهديد األمن
األنساني والعالمي دون شك.
إن أهم ضمان ألمن العالم وسالمه ،هو ارتكاز النظام العالمي على نظام قيمي أخالقي ،وهذا ما يبرر
اهتمام هذا الكتاب ببلورة مفاهيم جديدة للتخطيط اإلستراتيجي تقوم على خلفية نظام قيمي تؤسس
لألمن اإلنساني واألمن القومي واألمن العالمي .وإذا كان تطبيق القيم على األرض هو مسؤولية الدول ،فهو
يشكل مبررًا مهما لتدخل الدولة في النشاط القتصادي واالجتماعي.
إن غاية ما تهدف إليه الفلسفة االقتصادية المنبثقة عن اإلستراتيجية االقتصادية ،هو بناء دائرة
اقتصادية إيجابية تعمل يتم من خاللها زيادة القوة الشرائية وزيادة فرص العمل وتحقيق المزايا النسبية
لإلنتاج فضلًا عن زيادة دخل الدولة ،إن عدم وجود تخطيط إستراتيجي يقود إلى بناء دائرة اقتصادية
سلبية تعمل على عكس الدائرة اإليجابية ،أي تعمل باستمرار على خفض القوى الشرائية وتشريد العمال
289
ورفع التكاليف اإلنتاجية وخفض دخل الدولة .ولتوضيح ذلك نقدم فيما يلي شرحًا لذلك:
الثاني :انخفاض اإليرادات الحكومية ..وغالبًا ما يتزامن مع ذلك ضغوط أجنبية وخسارة لحصص في
األسواق الخارجية ،هنا تبدأ الحلقة المتصلة الخبيثة ،حيث إن الدولة تحتاج لدخل للمرتبات والتنمية .إلخ
فتتم زيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة والجمارك والرسوم المتعددة القديم منها والمستحدث.
هذا يعني:
ارتفاع تكلفة السلع والخدمات
يعني
انخفاض القوة الشرائية
يعني
ركود نسبي للسلع والخدمات في السوق والمشروعات والشركات
يعني
اتجاه المنتجين من صناع وزراع وغيرهم لخفض اإلنتاج
يعني
ارتفاع آخر للتكلفة في السلع والخدمات ناجم عن تحميل التكاليف غير المباشرة على كميات أقل من
اإلنتاج والخدمات
يعني
مع عدم تحرير قيمة األجور ومع ارتفاع التضخم انخفاض آخر في القوة الشرائية
يعني
انخفاض الوعاء التمويلي الذي تقتطع منه الدولة إيراداتها
يعني
290
فرض رسوم جديدة أو زيادة فئاتها
يعني
انخفاض قيمة العملة الوطنية نتيجة للتضخم
يعني
االنعكاس على اإلنتاج بارتفاع التكاليف
يعني
انخفاض آخر لإلنتاج وخروج بعض المنتجين جزئيًا أو كليًا من السوق
يعني
تشريد للعاملين والموظفين في القطاع الخاص (جزئي أو كلي) ولجوء القطاع الحكومي لتخفيض
العمالة (الصالح العام)
يعني
انخفاض للقوى الشرائية (جملة المرتبات والبدالت واألجور والحوافز للمفصولين)
يعني
تشوهات اجتماعية خطيرة واستمرار في اآلثار السابقة على اإلنتاج
يعني
انخفاض الوعاء التمويلي الذي تقتطع منه الدولة إيراداتها ،غالبًا ما يضاف له حروب أهلية تستنزف
ميزانيات طائلة ،يضاف لذلك أن تمييز الشركات التي تحدثنا عنها عن اآلخرين
يعني
عدم وجود المنافسة لتميز اآلخرين
يعني
عدم تحقيق أرباح كافية أو بالقدر الذي كان يتم تحقيقه سابقًا ،مع دخل
ضعيف ال يمكن من إجراء عمليات الصيانة الدورية المتكاملة
مع
فرض ضرائب ورسوم جديدة على هذه الشركات ذات األرباح الضعيفة أو الخاسرة
291
يعني
وضع غير مريح للشركات أو تحقيق خسائر
يعني
خروج البعض من السوق وهجرة رأس المال وتوقف العمل لكثرة األعطال الناجمة عن عدم الصيانة
الدورية المتكاملة
يعني
خسائر حكومية ضخمة عبارة عن إعفاءات الجمارك والضرائب والرسوم الممنوحة لتلك الشركات
المميزة ،وخسائر أخرى عبارة عن الرسوم والضرائب التي فقدتها الدولة بخروج الشركات المتعثرة من
السوق بسبب التمييز
يعني
انخفاض آخر للوعاء التمويلي الذي تقتطع منه الدولة إيراداتها
يعني
أن قطاعًا عريضًا ممن يحققون أرباحًا فعليًا ال يسهمون في تشكيل إيرادات الدولة
يعني
انخفاض الدخل الحكومي من هذين الجانبين
يعني
الضغط الضريبي على الشركات المتعثرة وذات األرباح الضعيفة
يعني
خروج مستمر للشركات والمنتجين من السوق ومحاولة البعض للتعايش
يعني
انخفاض آخر للقوة الشرائية
يعني
مزيد من التشوهات االجتماعية
يعني
292
مزيد من االنخفاض لإليرادات الحكومية
يعني فرض رسوم جديدة وهكذا..
مع تمويل بفوائد فاحشة وشروط غير مقبولة في ظل تشوهات تجارية وضغوط تجبر التجار
والشركات للبيع بأقل من التكلفة وفي ظل ركود للسلع والخدمات.
كل ذلك مع وجود إستراتيجية ال تحقق االنسجام والتكامل المطلوب للنشاط االقتصادي ونقصد هنا
أبعادًا أخرى منها عدم وجود االرتباط بين األنشطة االقتصادية ،وعدم وجود االرتباط والتناسق بين
المصالح االقتصادية المختلفة ،عدم وجود االرتباط بيـن المنتـج الصغير (الذي ينبغي أن يشكل أهم
سياسات الدولة ويشكل قطاع ضخم من المواطنين) ،مع المشروعات الكبرى واألسواق العالمية والمصالح
الدولية.
كل ذلك يصب في الدائرة المتصلة إلى أن يصل الحال إلى ضعف مُـخِـل في القوة الشرائية ال يمكن
معها بأي حال من األحوال أن تدور حركة االقتصاد بالصورة الطبيعية ،وتفقد الدولة قدراتها التنافسية
الرتفاع التكاليف اإلنتاجية الناجمة عن تعدد وارتفاع الرسوم الحكومية ،وهذا يقود إلى خسارة الحصص
الخارجية في األسواق في ظل العولمة ،وبالتالي مزيد من التشوهات االجتماعية واالقتصادية.
ولعل من أهم اإلفرازات الناجمة عن انخفاض القوة الشرائية هو عدم مقدرة الدولة من الصرف على
التعليم والصحة والخدمات ودعم بعض السلع والخدمات اإلستراتيجية كالسكر والكهرباء وصحة البيئة..
وذلك يدخل في نفس الدائرة بارتفاع الصرف على المواطن ذي الدخل المحدود ،الشيء الذي يعني مزيدًا
من التشوهات االجتماعية ..انفراطًا في الخدمات ..الصحة ..التعليم ..مع اتساع إعداد الفقراء واتساع
الفجوة بين الفقراء واألغنياء.
يعني
تعليم وعالج للمقتدرين وانخفاض في جودة المقدم منها بواسطة الدولة كانخفاض مستوى
التعليم ومستوي الخدمات الصحية والبيئية ،هجرة رأس المال البشري المؤهل من معلمين وأطباء
ومختصين … لعدم وجود الدخل الكافي
يعني
تشوهات أخرى ..خلل في البيئة ..أمراض وأوبئة
يعني
بنود صرف حكومي وغير حكومي جديدة ..ليستمر الحال ما لم يتم كسر هذه الحلقة السلبية.
و الخروج من هذه الدائرة ال يمكن أن يتم إال عبر إستراتيجية متقنة الصنع.
293
التدبر بعمق في هذه الدائرة يشير إلى ارتباط التخطيط اإلستراتيجي بمحاربة الفقر وتحقيق المزايا
النسبية والقدرات التنافسية والخصخصة والجوانب األمنية والبيئية الدولية.
بالنظر إلى الدائرة االقتصادية السلبية يتبين أن األداء الحكومي يمكن ،في ظل عدم وجود تخطيط
إستراتيجي أن يقود إلى زيادة معدالت الفقر ،فيما يقوم في نفس الوقت بإعداد برامج مكافحة الفقر،
وهذا تناقض غير منطقي في المسار اإلستراتيجي للدولة ،ولعله بالمقابل نستطيع أن نتبين بأن مكافحة
الفقر تتم عبر بناء دائرة اقتصادية إيجابية للدولة تترقى في مراحل تالية للتخطيط اإلستراتيجي لبناء
القدرات التنافسية والمزايا النسبية للدولة،
أما البرامج التي تمنح اإلغاثات في ظل أداء اقتصادي بالكيفية التي ذكرناها ال تعدو أن تكون كمن
يحرث في البحر ،فهي حلول غير ناجعة ويمكن أن نسميها مهدئات فالتخطيط اإلستراتيجي لمحاربة الفقر
ال ينفصل عن األهداف اإلستراتيجية للدولة وما تواجهه من تحديات تتصل بهذا الموضوع مثل التوجهات
العالمية لالستغناء عن العمالة واإلفرازات السلبية لسوء توزيع الدخل القومي أو العالمي وأساليب وشروط
ومتطلبات تحقيق المزايا النسبية العالمية .أما مشاريع األسر المنتجة والمشروعات الصغيرة فهي وفي
ظل غياب اإلستراتيجية المتكاملة بما فيها من سياسات اقتصادية ،فإنها ال تستطيع أن تنافس وتنمو
مع انعكاسات تلك الدائرة الخبيثة،
يضاف لذلك أن التنافر وعدم التكامل واالنسجام بين أنشطة الدولة يؤدي إلى إضعافها ومحاربتها من
الكبار بدل التكامل معها كما حدث ويحـدث بالفعل ،بينما ال يستطيع أصحاب المصالح الكبرى في شرق
آسيا على سبيل المثال العمل بمعزل عن الصغار ،يضاف لذلك أن الرسوم الباهظة تحرمها من المنافسة،
كما أن عدم وجود السوق الناجم عن انخفاض القوة الشرائية يضاف إليه القدرة التسويقية الضعيفة
لصغار المنتجين مع ضعف وصعوبة وارتفاع تكاليف التمويل يعني نجاحًا محدودًا لها أو فشلها،
294
بل إن الواقع أثبت أن بعض محاوالت دعم األسر المنتجة عبر منحهم القروض قد زادت من معاناتهم
وأصبحت تشكل همًا إضافيًا على همومهم وينجم ذلك عن تعثر العمليات اإلنتاجية للمنتج الصغير إما
لقلة التدريب أو عدم وجود المواد الخام أو عدم وجود التسويق لمنتجاته .إلخ.
في ظل وجود التزام بالدفع في مواعيد محددة يضطر معها إلى بيع كل ما يملك لسداد ذلك القرض
أو دخول السجن وتشريد أسرته وبالتالي تفاقم أكثر للمشاكل وإحداث مزيد من التشوهات االجتماعية.
إذن فإن ما يسمى ببرامج مكافحة الفقر بالكيفية التي تحدثنا عنها والتي يتم التخطيط لها كأنها عمل
مستقل ال يؤثر وال يتأثر بالتخطيط اإلستراتيجي القومي الشامل للدولة قطعًا تصبح حلولًا غير علمية.
ولعله من المهم لتوضيح أهمية التخطيط الشامل الذي يوفر التكامل واالنسجام بين األنشطة
المختلفة ويحقق لها الفاعلية بما في ذلك من تأثيرات اجتماعية أن نتحدث عن نقطتين اثنتين هما:
.1أهمية المصالح في أي تخطيط.
.2الدائرة المتصلة اإليجابية الموازية للدائرة اللئيمة التي تحدثنا عنها ..وهنا سوف نضرب
المثل بالدائرة المتصلة في بعض دول شرق آسيا المتقدمة.
إن المصالح فيما يختص بموضوعنا هذا تعني األبعاد االجتماعية ومستوى حياة اإلنسان والخدمات
التي تقدم له ،أما الشق اآلخر وهو الدائرة المتصلة اإليجابية فهي توضح أسباب نجاح التخطيط
اإلستراتيجي لدول النمور باالعتماد على المشروعات الصغيرة،
في الوقت الذي فشلت فيه نفس هذه المشروعات في السودان وبعض الدول النامية ،كما تبين أيضًا
أنه ال يوجد تخطيط اقتصادي وآخر اجتماعي وآخر سياسي أمني منعزلين عن بعضهما البعض بل إن
التخطيط ال يكون ناجعًا إذا لم يحقق تكاملًا وانسجامًا في األهداف واألنشطة وإفرازاتها.
االنتقال اإليجابي لرؤوس األموال يعني االنتقال الذي يصحب معه الخبرة والتقنية والحصص
اإلستراتيجية في األسواق ،والعكس صحيح ،فكثيرًا ما يتم منح الدول النامية تمويلًا أو قروضًا أو منحًا
للتنمية ،لكن ال يصحب ذلك التمويل التقنيات الالزمة أو الحصص في األسواق الخ ،الشيء الذي يقود إلى
إنتاج بجودة وتكلفة غير مناسبة للسوق العالمي ،ليحول األمر إلى عبء على تلك الدول يتجسد في فوائد
تلك القروض وما يتبعها من ضغوط سياسية واقتصادية.
االنتقال اإليجابي لرؤوس األموال هو الذي يضمن ويؤمن المصالح اإلستراتيجية في أسواق العالم ،ومن
ذلك دخول اليابان على سبيل المثال في شراكات دولية مع أمريكا وأوربا حتى تضمن حصص إستراتيجية
في تلك المناطق بالرغم من جودة سلعها وانخفاض أسعارها ورغبة شعوب العالم في هذه السلع أي أن
295
تلك الدول تعاملت مع اليابان باعتبار أن الحصص السوقية تجسد مصالح إستراتيجية كالسلع تباع
وتشتري وأنه بناء على ذلك يجب مراعاتها،
ولم تتعامل مع تلك السلع الجيدة والرخيصة وفقًا للمبادئ اإلنسانية والعدالة الدولية أو عملًا بمبدأ
أن ما يباع في العالم يجب أن يكون األجود واألرخص وأن علينا أن نتنافس في ذلك بل كان المحك هو
المصالح الدولية ،وهي من األمور التي لم يعطها التخطيط اإلستراتيجي في معظم الدول النامية االهتمام
الكافي ،وبالمقابل استفادت أمريكا وأوربا من الميزة النسبية العالمية لليابان ودول شرق آسيا {هل مارست
دول الخليج على سبيل المثال نفس السياسة وهي تجسد إحدى أكبر أسواق العالم؟} لم تنتبه العديد من
دول العالم النامية لهذه النقطة المهمة.
إن الميزة النسبية أصبحت غير مقيدة بالضرورة بدولة معينة بقدر ما هي مربوطة بمدى انتهاج
األساليب العلمية ومدى كفاءة وذكاء اإلستراتيجيات الوطنية ووجود الحصص السوقية وما يسبقها من
تقنية متطورة وأسماء وعالمات تجارية مشهورة وما إلى ذلك ،إزاء هذا الوضع فإن التكلفة النسبية
أصبحت غير مقيدة بالضرورة بالموقع الجغرافي وال بتوفر الموارد الطبيعية،
وإذا كان األمر كذلك فإن دول النمور اآلسيوية وهي األبعد جغرافيًا عن أسواق العالم الرئيسية ،وأما
الموارد الطبيعية فهي تأتيها من كافة بقاع العالم ،وبالرغم من ذلك فقد حققت مزايا نسبية إلنتاجها
فرض على الدول والشركات األخرى الدخول في شراكات معها
{وهذا ال يعني العكس أي أن توفر الموارد الطبيعية الموقع الجغرافي المميـز ال يعني شيئًا بل يصب
في خانة الميـزة النسبية ،إال أن العبرة في أن هذه الموارد الطبيعية تظل بال فائدة وال تأثير تجاه تحقيق
الميزة النسبية لإلنتاج الوطني وبالتالي خلق اقتصاد قوي إذا لم تستكمل بسالح التخطيط اإلستراتيجي
والمنهجية العلمية عمومًا}.
إن السوق العالمي يشهد اآلن بروز مزايا نسبية عالمية لعدد من الدول كما هو الحال في شرق آسيا،
اعتمدت على االتجاه باالستثمار اتجاهًا رأسماليًا لصناعات ضخمة لكنها تعتمد اعتمادًا كليًا على قاعدة
ضخمة من صغار المنتجين إلنتاج األجزاء والمدخالت المطلوبــة لهذه الصناعات ،وبالكيفية التي تم بها
تنفيذ تلك اإلستراتيجيات فقد أصبحت الشركات العمالقة تعتمد اعتمادًا كبيرًا في الحصول على مدخالت
اإلنتاج من صغار المنتجين {مثال لذلك صناعة الكمبيوتر اآلن في كافة أنحاء العالم تعتمد على صغار
المنتجين في آسيا} فيما وجد صغار المنتجين الفرصة للعمل بطاقة إنتاجية قصوى أو عالية للغاية ،إن
هذه السياسة أدت إلى خفض التكاليف اإلنتاجية للسلع نتيجة للعمل بالطاقة القصوى وتقليل التكاليف
المباشرة يضاف لذلك انخفاض أسعار المواد الخام بالنسبة لصغار المنتجين والذي يعود لسببين
296
أساسيين:
السبب األول هو أن الشركات الكبرى تقوم بشراء هذه المواد بأقل تكاليف ممكنة ومن ثم تقوم
بتزويد قواعدها من صغار المنتجين بأسعار أقل من تلك التي يتعامل بها المنتج الصغير في دول أخرى
كالسودان حيث يقوم بالشراء مباشرة من السوق المحلي بأعلى األسعار المحملة بأرباح المستورد وتاجر
الجملة والوسطاء وتاجر التجزئة وأرباح البنوك التي قامت بتمويل استيراد وشراء تلك المواد.
السبب الثاني هو دخول هذه المواد إلى الدولة عبر رسوم حكومية مقبولة وذلك مبدأ إستراتيجي
يقوم على أن زيادة دخل الدولة ينبغي أن يتم عبر زيادة الوعاء وليس النسبة المئوية ،ومثال لذلك أن
نسبة % 5من 10.000دوالر أفضل من % 50من 100دوالر كما يلي:
500دوالرًا 10.000دوالر = × %5
50دوالرًا = 100دوالر × % 50
فنجد أن الدولة يمكن أن تحقق 500دوالر في حالة الرسوم المخفضة ،بينما تخسر % 90من ذلك الدخل
في حالة زيادة الرسوم الحكومية حيث تحقق فقط 50دوالرًا ،ولنا أن نقيس ذلك على المستوى العام
للدولة.
يلتقي هذا المبدأ مع مبدأ إستراتيجي آخر وهو التخطيط من منظور عالمي القتطاع حصـص
إستراتيجية ضخمة.
إذن جانب مهم من أسرار التفوق االقتصادي اإلستراتيجي يكمن في خفض التكلفة الذي يقوم على مبدأ
كثافة اإلنتاج الذي يمكن من تشغيل قاعدة ضخمة بطاقة قصوى..
ويحقق وعاءً أوسع للدولة تقتطع منه رسوم تحقق لها إيرادًا ضخمًا ليس الرتفاع النسبة المئوية
للرسوم وإنما لضخامة وعاء التحصيل ،وهذا هو المدخل األساسي لما شهده العالم من تعاون دولي مشترك
مع الغرب {أي أن الميزة النسبية هي السبب األساسي للدخول في الشراكات الدولية} ،وبدأ العالم يعرف ما
يسمى باإلنتاج العالمي الذي ال يعرف جنسية ،وأصبحت الشركات متعدية الجنسيات تبحث عن العمالة
الرخيصة والقاعدة الضخمة من صغار المنتجين المتميزين باإلنتاج الجيد والرخيص.
بهذه الكيفية استطاعت بعض دول النمور من فك التناقض بين عدد من األشياء كما يلي:
.1زيادة دخل الدولة رغم خفضها للرسوم الحكومية.
.2زيادة دخل العامل والمنتج رغم خفض األجرة على االنتاج.
.3تمكنت من تحقيق جانب كبير من هدفها المتمثل في خلق فرص عمل لكل من يستطيع
297
العمل ،واستخدمت في نفس الوقت التقنيات الحديثة.
.4حققت دخلًا عاليًا للدولة وتمكنت من توزيعه بما يشمل صغار المنتجين وكبارهم.
.5خلقت فرص عمل بصورة متواصلة مما أدى لزيادة القوة الشرائية وانعكس إيجابًا على
الميزة النسبية والدخل القومي.
.6تمكنت من غزو العالم اقتصاديًا بالرغم من أنها األبعد جغرافيًا عن أسواق العالم {تكلفة
نقـل وارد المواد الخـام وصــادر اإلنتـاج الجـاهز} وبـالرغم من أنهـا تســتورد كـافـة مـدخالت
اإلنتـاج الفتقـارهـا للموارد الطبيعيـة ،فـإنهـا تفوقـت بـالســعر الرخيص والجودة العـاليـة
الشــيء الـذي جعـل نظريـة ريكـاردو الخـاصــة بـالميزة النســبيـة ال تتقيـدبـالضــرورة {عبر
التخطيط اإلسـتراتيجي المتقن لتلك الدول} ال بالمكان وال بامتالك الموارد الطبيعية وإنما
هناك أبعادًا أخرى ترتبط جميعها بالتخطيط اإلستراتيجي العلمي لتلك الدول.
.7تمكنت من ربط مصالح المنتجين الصغار واألفراد بالمصالح المحلية والدولية.
.8استطاعت بناء ميزة نسبية عالمية كانت السبب في دخول العالم لمرحلة الشراكة الدولية
والتي بموجبها تمكنت من خلق التشـابك اإليجابي مع المصـالح العالمية والذي أدى بدوره
إلى تحقيق هدفين إستراتيجيين هما:
الحصول على حصص إستراتيجية هائلة في أسواق العالم.
انعكاس الشراكة الدولية على األمن القومي لتلك الدول حيث أصبحت مصالح
مالحظة:
هذا التوجه اإلستراتيجي الجريء هو الذي قاد المخطط إلى بلورة عدد من األهداف اإلستراتيجية المهمة
لتلك الدول ،من ذلك التخطيط من منظور عالمي لالقتصاد الوطني والحصول على حصص إستراتيجية في
األسواق العالمية.
.1إن تخفيض النسبة المئوية للرسوم الحكومية يعني تخفيض دخل الدولة ما لم يتم زيادة
الوعاء التمويلي ،والعكس من ذلك هو ارتفاع الرسوم وبالتالي ارتفاع التكلفة التي تعني عدم
298
إمكانية تحقيق ميزة نسبية وبالتالي انهيار التخطيط برمته.
.2كما أن تحقيق الميزة النسبية يتطلب بجانب انخفاض أسعار المواد الخام ،انخفاض آخر في
أجرة العمالة ،وهذا الوضع يتطلب تعويض العامل من خالل اإلنتاج الضخم.
.3فإذا أضفنا أن اإلستراتيجية تهدف إلى تشغيل كل تلك الماليين من أبناء الوطن ،فإن فك
التناقض للنقطتين أعاله يكمن في اإلنتاج للسوق العالمي الذي يتيح زيادة للوعاء التمويلي
للدولة وبالتالي يعطيها الفرصة لخفض النسب المئوية للرسوم ،كما يتيح في نفس الوقت
توفير فرص عمل للجميع في ظل إمكانية اإلنتاج الكثيف بسعر منخفض.
إذن كما ذكرنا من قبل إن تحديد األهداف الجريئة يقود نحو التفكير في أمور كبرى ال تخطر في البال
في حالة التفكير الصغير ،فإن هذا الوضع انطبق على المخططين والسياسيين بتلك الدول ،فوجدوا
أنفسهم في وضع يقودهم نحو تحديد أهداف إستراتيجية كبرى كتلك التي تحدثنا عنها.
نطاق التخطيط:
من السرد أعاله ندرك أن تحقيق المزايا النسبية العالمية فرض على بعض الدول مثل اليابان وكوريا
الجنوبية ،أن تتولى عمليات التخطيط اإلستراتيجي من منظور عالمي ،في الوقت الذي أدى فيه غياب أو
ضعف التفكير اإلستراتيجي الذى جعل الحوارات الوطنية في الدول النامية تدور حول بنود غير مطروقة
إلى اليوم مثل الحوار حول فلسفة تحقيق المزايا النسبية العالمية أو إستراتيجيات السيطرة على أسواق
عالمية معينة أو إستراتيجيات تعزيز القدرات التفاوضية للدولة ،الخ فإذا كانت الظروف قد حتمت على
تلك الدول أن تتولى التخطيط من منظور عالمي وهي ال تملك أي ثروات أو موارد طبيعية عالمية تذكر،
فإن انطالق التخطيط اإلستراتيجي لدولة ذات موارد زراعية ضخمة كالسودان،
ال يتسع لها إال السوق العالمي من منظور محلي يكون أمرًا غير منطقي على اإلطالق ،وبالتالي فإن
التخطيط من منظور عالمي للمخطط السوداني لو تم فإنه سيقود إلى التفكير في بنود أخرى إستراتيجية
تقوده نحو تأسيس شراكة دولية ضخمة.
قياسًا على ذلك فإنه ما لم ترتفع قدرات المؤسسات السياسية إلى المستوى اإلستراتيجي بالدول
النامية ،فإن الهم الوطني سيكون حبيسًا لطموحات ضيقة للغاية.
نعود هنا لنتحدث عن الشق الثاني وهي الدائرة اإليجابية المعبرة عن إستراتيجية بعض دول شرق
آسيا ،حيث نجد أن تلك الدول قد قامت ببناء إستراتيجيات تتلخص في االتجاه باالستثمار اتجاهًا رأسماليًا
لصناعات ضخمة لكنها تعتمد اعتمادًا كليًا على قاعدة ضخمة من صغار المنتجين إلنتاج األجزاء
299
والمدخالت المطلوبــة لهذه الصناعات..
هذه اإلستراتيجية ما هي إال محاولة لتقليل اآلثار السالبة لالتجاه الرأسمالي {والذي يصبح أكثر خطورة
في عصر العولمة} الذي يحقق دخلًا عاليًا لعدد محدود من المستثمرين ،واالشتراكي الذي يقل فيه الدخل
الفردي وينخفض فيه مستوى الجودة..
وبالكيفية التي تم بها تنفيذ اإلستراتيجية فقد أصبحت الشركات الوطنية العمالقة تعتـمد اعتمادًا
كبيرًا في الحصـول على مدخالت اإلنتاج من صـغار المنتجين {الحظ على سبيل المثال أن صناعة
الكمبيوتر اآلن في كافة أنحاء العالم تعتمد على صغار المنتجين في آسيا } فيما وجد صغار المنتجين
الفرصة للعمل بطاقة إنتاجية قصـوى أو عالية للغاية ،إن هذه السياسة أدت إلى خفض التكاليف
اإلنتاجية ل لسلع نتيجة للعمل بالطاقة القصوى وتقليل التكاليف المباشرة يضاف لذلك انخفاض أسعار
المواد الخام بالنسبة لصغار المنتجين والذي يعود لسببين:
األول هو أن الشركات الكبرى تقوم بشراء هذه المواد بأقل الفوائد البنكية الممكنة ،وهي التي تباشر
عمليات الشراء من السوق العالمي وبالتالي فهي تتحصل على أفضل األسعار في العالم لشرائها من
البورصات أو األسواق العالميـة التي تتوفر فيها أرخص األسعار عالميًا كما أن ضخامة الطلبيات تتدخل
في خفض األسعار أكثر ،وأن شراء هذه المواد بواسطة الشركات بما لديها من معامل وخبراء يمكنها من
توفير مواد بمواصفات عالية وهو ما ال يمكن للمنتج الصغير تحقيقه ،فيما نجد العكس تمامًا في الدول
النامية ومنها السودان حيث يقوم المنتج الصغير بالشراء من السوق المحلي على مستوى التجزئة أو
الجملة وهذا يؤدي إلى رفع التكلفة ألكثر من سبب أهمها أن الشراء في نهاياته ال يتم من البورصة العالمية
وإنما غالبًا من أسواق إقليمية مجاورة والتي غالبًا ما تكون محملة بالرسوم والجمارك واألرباح المحليـة،
والشيء اآلخر أنها تتم بكميات صغيرة وبالتالي بأسعار أعلى ،عالوة على نقلها بتكلفة أعلى لقلة
الكميات ومن ثم تحملها لرسوم وجمارك وضرائب عالية ومزدوجة دعك من الرسوم المحلية األخرى وتكاليف
التمويل الباهظة والتي قد تتكرر أكثر من مرة على نفس الشحنة أو نفس السلعة وحيث يقوم المستورد
بتحميل تكاليف التمويل على البضاعة زائدًا أرباحه وقد يقوم تاجر الجملة بشرائها بمساعدة تمويل
بنكي وهكذا إلى أن تصل إلى المنتج الصغير الذي قد يشتريها أيضًا بتمويل من بنك آخر أو بالعدم شراء
كميات صغيرة {تجزئة} وهي مكلفة جدًا وال تكفيه للعمل باسـتمرار لعدم التسويق وارتفاع التكاليف
مما يعني بالتالي تحميل اإلنتاج تكاليف غير مباشرة أكثر.
أما السبب الثاني فهو دخول هذه المواد إلى الدولة عبر رسوم حكومية مقبولة ،أي أن العبرة هنا في
زيادة دخل الحكومة عبر زيادة وعاء التحصيل في ظل انخفاض النسبة المئوية ،يلتقي هذا المبدأ مع مبدأ
إستراتيجي آخر وهو التخطيط من منظور دولي القتطاع حصص إستراتيجية ضخمة ،إذن سر التفوق
300
اآلسيوي في خفض التكلفة يقوم على مبدأ كثافة اإلنتاج الذي يمكن من تشغيل قاعدة ضخمة بطاقة
قصوى ..ويحقق وعاءً أوسع للدولة تقتطع منه رسومًا تحقق لها إيرادًا ضخمًا ليس الرتفاع النسبة المئوية
للرسوم وإنما لضخامة وعاء التحصيل ،وهذا هو سر قبول اليابان للدخول في تعاون دولي مشترك مع
الغرب إذ أن السر األصفر ال يمكن تحقيقه في ظل حصص سوقية ضعيفة..
إن كل ذلك يدخل في تدعيم الدائرة المتصلة اإليجابية ..ونواصل في أسباب تأثير هذه السياسة في
خفض التكلفة لنجد أن ذلك تم لسببين:
األول :أن المنتج يعمل بالطاقة القصوى مما يعني إنتاج عدد كبير من وحدات اإلنتاج ونضرب هنا مثلًا
بمنتج صغير يعمل في إنتاج المسامير ،فإذا كان الخراط في الدول النامية مثل السودان يعمل بمعدل
100مسمار في اليوم وهي عبارة عن الطاقة التي يستوعبها السوق {وعدم وجود السوق ناجم عن الحلقة
المفرغة السلبية وعدم وجود ارتباط باألسواق الدولية بالكيفية التي ذكرناها}.
نعود لمثالنا لنجد أن الخراط السوداني يبيع المسمار الواحد بخمسة عشر سنتًا أمريكيًا بربح 5سنتات
لكل مسمار وهذا يعني تحقيقه لربح يومي يساوي 5دوالرات أي 125دوالرًا شهريًا.
فيما نجد أن الخراط اآلسيوي يمكن أن ينتج 000ر 10مسمار يوميًا هي طاقته القصوى أو شبه القصوى
التي يوردها لمصنع ما لتجميع السيارات أو الماكينات وما إلى ذلك.
فيما نجده يبيعها بمعدل أربعة سنتات للمسمار الواحد بربح سنت واحد فقط لكل مسمار ..إن ارتباط
هذا الخراط بالمصالح الدولية عبر اإلستراتيجية المحلية المتقنة هو الذي وفر له الفرصة لإلنتاج بهذه
الكمية الضخمة والعكس صحيح في حالة الخراط في السودان على سبيل المثال والذي تعكس معاناته
وظروف عمله التي ذكرناها قصور وارتباك التخطيط اإلستراتيجي الذي يحقق االنسجام والتكامـل بين
األنشطة داخل الدولة وربطـها دوليًا وإقليميًا كما هو الحال في شرق آسيا.
إن تكلفة اإلنتاج للخراط السوداني عالية للغاية كما أنه يقوم بتحميل كل التكاليف الثابتة من إيجار
محل وكهرباء وعمال مساعدين ومصروفات أخرى كرسوم الدعم {دعم الصحة ..التعليم ..الزكاة ..رسوم
اإلنتاج ..رسوم المحافظات .إلخ}
وكل ذلك على كمية صغيرة من اإلنتاج مع رفع معدل أرباحه في كل مسمار حتى تغطي له الحد األدنى
من تكاليف المعيشة دعك من تطوير نفسه ..كل ذلك بدون حساب إهالك ماكيناته عند حساب التكاليف
اإلنتاجية ،مما يعني تدهوره بعد حين وخروجه من السوق وتلف رأس ماله.
في نفس الوقت نجد الخراط اآلسيوي المذكور يحمِّل نفس التكاليف الثابتة على إنتاج ضخم من
301
المسامير مما يمكنه من تخفيض التكلفة والبيع بربح سنت واحد فقط وتحقيق ربح في حدود 100دوالر
أمريكي يومياُ {000ر 10مسمار × 1سنت = 100دوالر} مقابل 5دوالرات للخراط السوداني ..أما إذا حسبنا
اإليراد الحكومي نجد أن اإليراد السوداني يساوي تقريبًا بافتراض أن النسبة من الرسوم المختلفة تساوي
6{ % 50سنت قيمة حديد كل مسمار × 100مسمار × 3 = % 50دوالرات}
في حين أن الدخل اآلسيوي بالرغم من انخفاض سعر الوارد من الحديد لكونه واردًا بأسعار البورصة
العالمية {نصف تكلفة السودان} ،فإن الدخل يساوي بافتراض أن نسبة الرسـوم % 5فقط { 3سنت قيمة
حديد المسمار الواحد × 000ر 15 = % 5 × 10دوالرًا} أي خمسة أضعاف اإليراد الحكومي برغم من انخفاض
النسبة ،ويمكن أن تالحظوا األثر الواضح على التكاليف في الحالتين وعلى مستوى أداء الدولة في الحالتين
وفي تصديها لمهامها من تنمية اقتصادية واجتماعية وخدمات.
إن إنتاج العامل اآلسيوي ال يتحمل أي رسوم حكومية إضافية وذلك يعود إلى حسابات حكومية دقيقة
تعتمد على حساب آثار أي زيادات على التكلفة والمنافسة الدولية ،ساعدها في ذلك اإلستراتيجية
الشاملة.
أما السبب الثاني فهو ارتفاع جودة المنتجات لدى العامل اآلسيوي والتي نجمت عن الخبرة الناتجة من
التدريب التقني العالي والدعم الفني والتقني المستمر من الدولة والشركات {وجود إستراتيجية تعليمية
تواكب متطلبات التنمية واألهداف اإلستراتيجية للدولة ،وهذا أيضًا يعكس قصور الهم الوطني في بعض
الدول النامية خالل الخمسين عامًا الماضية} ،عالوة على شروط الجودة القاسية التي تفرضها الشركات
على صغار المنتجين بما يؤدي للمساهمة في إتقان اإلنتاج بصورة واضحة.
كما أن الماكينة التي يعمل عليها الخراط لم تستورد أو تُشترى للخراط عشوائيًا وإنما تم تحديد
مواصفاتها عبر الخبراء المختصين في الشركات العمالقة والذين هم قطعًا أفضل علميًا من المنتج
الصغير في تحديد مواصفاتها مما يعني أن إنتاجها سيكون وفق المواصفات المطلوبة ووفق ما يطلبه
السوق العالمي ،وينطبق نفس الشيء في شراء المواد الخام {ال نستطيع أن نجد ذلك في معظم الدول
النامية لغياب اإلستراتيجية}.
إن تأسيس هذه الشركات الوطنية العمالقة مع وجود التسهيالت الحكومية الموزونة مكّنت هذه
الشركات من االضطالع بدورها تمامًا ،وهي بإمكاناتها المادية والعلمية ومن خالل اإلستراتيجية الشاملة
المتقنة الصنع قامت بتخطيط أعمالها من منظور عالمي متقدم ،فقامت بمسح األسواق العالمية وحددت
أهدافها واألرقام الممكن إنتاجها وفقًا للجودة واألسعار المحددة في دراساتها المبنية على ذلك ،وحددت
درجة المنافسة على ضــوء تلك التكاليف المنخفضة.
302
ويتضح لنا ذلك إذا تخيلنا إنتاج ماكينة معينة والتي تتركب من عدة مئات من القطع الصغيرة
{كالمسمار موضوع المثال} حيث إن الفرق في التكلفة بين إنتاج معظم الدول النامية وآسيا سيكون كبيرًا
بنفس نسبة الفرق بين سعري المسمارين تقريبًا ،مما يعني عدم قدرة الدول النامية على المنافسة في
ظل حرية التجارة الدولية والتي نقبل عليها خالل سنوات وبالتالي تفريخ عدد أكبر من الفقراء.
إن هذه اإلستراتيجية قد أدت إلى تغلغل سلع تلك الدول في األسواق العالمية وقد تمت عبر دائرة
إيجابية كما ذكرنا تكونت نتيجة لتوفر الشروط التي ذكرناها والمتعلقة باإلستراتيجية الذكية لتلك الدول
والسياسات المصاحبة لها ،وقد نجم عن ذلك توفر السلع بأسعار رخيصة وجودة عالية كاآلتي
303
رغدًا في العيش والحاجة لخدمات أفضل طبية تعليمية وثقافية وأنماطًا شرائية جديدة .إلخ
ويعني أيضًا
دخلًا حكوميًا أفضل
يعني
صرفًا أكثر على التنمية وتحسين الخدمات
يعني
وظائف جديدة ومشروعات جديدة
يعني
قوة شرائية جديدة
يعني
فرصًا استثمارية جديدة
يعني
رغدًا في العيش وارتفاع معدالت الشراء والحاجة لخدمات أفضل طبية وتعليمية وثقافية .إلخ وهي
أهداف حكومية في المقام األول ..إال أن العبرة في كيفية نجاحها في التوصل إلى هذه الدائرة اإليجابية
حتى تمكنت من تحقيق هذه النتائج الباهرة ..هنا فقط يمكن أن نتبين عالقة التخطيط اإلستراتيجي
بالبنيان االجتماعي للتنمية االجتماعية.
هنا فقط وفي ظل دائرة إيجابية كهذه يمكن أن نتحدث عن نجاح سياسة التحرير ،حيث إن هذه الدائرة
بإيجابياتها تستطيع أن تمتص صدمات وسلبيات سياسات التحرير ومنها تشريد العمال ،وإن تطبيق
سياسة التحرير في ظل الدائرة السلبية كان السبب الرئيسي للتدهور االقتصادي في العديد من الدول
النامية بل ودول كبرى مثل روسيـا.
وهكذا تستمر الدائرة في التأثير دومًا إيجابًا على الجودة والتكلفة وزيادة الدخل الحكومي ،وتستمر
العملية عبر الدائرة المغلقة في تناغم وانسجام وتكامل.
هذه الدائرة ببساطة هي المعبرة عن التخطيط اإلستراتيجي العلمي الذكي والذي بدوره يعبر عن النهج
العلمي الراقي للجيش األصفر أو دول النمور اآلسيوية كما يحلو للكثيرين تسميتهم.
وهي من أهم وأنجع وسائل االندماج المأمون مع العالم وامتصاص اآلثار السالبة العولمة بل وتحقيق
304
مصالح إستراتيجية عمالقة للدول النامية ،فتوفير دائرة إيجابية كتلك التي أشرنا إليها يمكن أن تحول
دولة كالسودان بما يملكه من موارد هائلة ،إلى قوة اقتصادية عالمية عظمى ،إال أننا نذكر هنا أن تحقيق
هدف إستراتيجي عظيم مثل ذلك في ظل الصراع الدولي العنيف حول المصالح ،ال يمكن أن يتم دون
استصحاب اإلستراتيجيات السياسية بمداخلها األمنية والدولية وغيرها ،وهو ما يوضح االرتباط بين
التنمية االقتصادية واالجتماعية مع الجوانب السياسية واألمنية والدولية.
نعود لنتدبر هل كان من الممكن يا ترى أن يتم هذا النجاح في شرق آسيا بدون هذا التخطيط
اإلستراتيجي الحكومي المتقن والذي يكفيه أنه عالوة على نجاحاته األخرى فقد ربط المنتج الصغير
بالعالم وجعله رقمًا مهمًا منسجمًا ومتكاملًا مع أسواق العالم؟ اإلجابة أكيد ال.
وهل من الممكن للدول النامية دخول أسواق يتم التخطيط لها بهذا المستوى الراقي؟ اإلجابة قطعًا ال.
ولعل هذا يبرر التخلف الذي تعيشه الدول النامية بالرغم من امتالكها إلمكانات أفضل بمراحل مما كانت
تملكه دول شرق آسيا
لقد ظلت مشروعات األسر المنتجة ترد في معظم الخطط االقتصادية واالجتماعية بالدول النامية في
الحقب الماضية ،إال أنها ظلت طول الوقت تفتقد إلى الفلسفة واإلطار الذي يؤدي إلى التكامل والتناسق
واالرتباط بين المنتجين صغارهم وكبارهم ،إننا على يقين من أن خطط مشروعات األسر المنتجة بالدول
النامية إذا تمت ضمن تخطيط إستراتيجي بالكيفية التي ذكرناها فإنها يمكن أن تحقق ما تصبو إليه تلك
الدول ،بمعنى آخر فإننا نالحظ على سبيل المثال أنه إذا قام مواطن من إحدى الدول التي تطبق
اإلستراتيجية الذكية التي تحدثنا عنها ،بشراء ماكينة خياطة على سبيل المثال أو آلة لعصر الزيت ..الخ
فإنه قطعًا يشتري تلك اآللة عبر إستراتيجية الدولة التي تضعه تلقائيًا ودون علمه في كثير من
األحيان في سلسلة اتصال تحقق االنسجام والتكامل بينه وبين الشركات الوطنية العمالقة التي تربطه
تلقائيًا باألسواق الدولية بالكيفية التي شرحناها..
هذا المنتج عكس ما هو في الدول النامية ال يعاني من مشاكل التمويل كما تالحظ أن توفير المواد
الخام ليس شأنه إنما تأتيه عبر الشركات الوطنية العمالقة التي تؤمن مواصفاتها وأسعارها وفقًا لما هو
مطلوب للمنافسة دوليًا ومحليًا ،كما أنه ال يعاني من مشاكل تسويق فهو هم الشركات الكبرى التي تقوم
بالتجميع أو التصنيع النهائي ،كما أن هذه السلسلة تمنحه التدريب وفق ما تتطلبه التطورات التقنية
الحديثة من آن آلخر..
هكذا حال األنشطة في الدول المتقدمة أما في الدول النامية فال توجد صلة بين صاحب المعصرة أو
305
مشغل األحذية أو المالبس أو صانع قطعة الغيار مع المصالح بالدولة بل يوجد تنافر وصراع ،وهكذا
يمكننا أن نالحظ الفرق بين ذلك العامل والمنتج السوداني الصـغير.
إن وجود هذه المصالح المشتركة المتكاملة بالكيفية المذكورة جعل دور الدولة أكثر فاعلية وهي
تتقدم للمساهمة في فتح األسواق الدولية وتحقيق المصالح عبر جهود يشارك فيها رئيس الدولة والوزير
والمحافظ والسفير والمعلم واإلعالمي ومسؤول المحلية والموظف والعامل والمواطن.
وكلها تتم في تناسق نحو هدف إستراتيجي واحد ،إال أن أداة التنفيذ كانت هي الشركات ،ممثل الدول
في القرن القادم.
يمكن فيما يلي ذكر أهم األسس والمرتكزات المطلوبة للتخطيط اإلستراتيجي ،وهي:
.1العمل بمبدأ أن ربط المصالح هو أفضل وسيلة لتحقيقها وحمايتها.
إن الخيار الرئيسي للتعامل مع المصالح الدولية والمخططات الطامعة هو تعميق الوجود في األسواق
الدولية عبر الشراكة الدولية وتنمية وتطوير المنافع المتبادلة ،طالما أن كل ذلك يتم من منطلقات
واستعدادات إستراتيجية مكتملة.
.2أن أفضل وسيلة لتحقيق األمان لالقتصاد الوطني هو القاعدة اإلنتاجية العريضة من صغار
المنتجين الذين يتميزون بإنتاج جيد ورخيص بالمستوى العالمي {مثل منتجي قطع صناعة
الكمبيوتر بالهند التي ال يستطيع أي نشاط استثماري في هذا المجال أن يتخطاها}.
.3أن الحصول على حصص إستراتيجية في أسواق العالم يعني التعامل في كميات ضخمة من السلع
تدخل في إطار المصالح الدولية الشيء الذي يتطلب استيفاء كافة الترتيبات التي تضع االقتصاد
في وضع المبادرة والسيطرة وليس االستسالم ،ولعل التجارب في عالم اليوم قد أثبتت أن األسعار
ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمدى وجود تالحم وارتباط إستراتيجي بين المنتجين وأصحاب المصالح ،وال
تجدي هنا التكتالت قصيرة األجل أو تلك المبنية على رؤى قصيرة األجل ،فإذا كان التالحم العربي
في 1973قد كسر شوكة الواليات المتحدة األمريكية ،فإن التخطيط اإلستراتيجي الغربي الالحق قد
أجهض ذلك التالحم العربي ألنه لم يكن مؤسسًا إستراتيجيا وما يشمله ذلك من االتفاق السياسي
اإلستراتيجي العربي.
.4أن االقتصاد الدولي مرتبط بآليات يمكن ان نسميها آليات الفوضى ،فمن المعروف أن االقتصاد
العالمي يحتاج إلى سيولة نقدية سواء لتشغيل حركة التجارة واالقتصاد أو لسد عجز موازين
المدفوعات ،وإذا نقصت هذه السيولة عن المستوى المطلوب فانه ينجم عن ذلك ما يسمى
306
بالكساد ،وإذا أدركنا حجم األموال التي تجوب العالم والتي تقدر في حدود 100تريليون دوالر أي حوالي
ثالثين ضعفًا من حجم التجارة الدولية ،فإنه يمكن إدراك خطورة تلك الفيضانات من األموال
الهائجة التي يمكن أن تدمر أعتى اقتصاد في فترة زمنية وجيزة كما حدث في شرق آسيا قبل عدة
سنوات مما أدى إلى تشريد العمال وتخفيض قيمة العمالت بتلك الدول وإحداث انهيار كبير
لالقتصاد ،وأن إجهاض ذلك يرتكز على مدى وجود تالحم وارتباط مصلحي محليًا وإقليميًا ودوليًا.
.5أن الدخول في الشراكة الدولية بالكيفية التي حددناها يقود إلى تحقيق األمن القومي ،وبهذه
الكيفية تكتمل حلقات كثيرة مهمة.
.6أن التخطيط لالقتصاد من منظور عالمي ينعكس في إدراك التحديات والمخططات اإلستراتيجية
األجنبية بصورة أكثر واقعية وبالتالي التعامل مع كافة األمور المتعلقة بتعزيز المواقف
التفاوضية وتأمين ثروات البالد بصورة أكثر فاعلية ومن ذلك تعزيز الوحدة الوطنية والترتيبات
اإلقليمية وغيرهما ..كما يؤدي التخطيط لالقتصاد من منظور عالمي إلى تغيير بيئة التخطيط
من المحلية إلى العالمية وما يتبع ذلك من تغيير في األنماط االستهالكية والعادات الشرائية
ومستوى الجودة ومعايير ممارسة التجارة الدولية من دقة والتزام ومواعيد الخ وما يتبع ذلك من
تغيير في منهجية وسلوك التخطيط ..وصولًا إلى تحقيق حصص إستراتيجية ضخمة في أسواق
العالم كشرط أساسي لتحقيق الفلسفة االقتصادية.
الدائرة السلبية
عدم رسوم
استقرار حكومية
وعدم عالية
األمن ومزدوجة
تكلفة
رشاكة
عالية
دولية
لإلنتاج
ضعيفة
الوطني
انخفاض انخفاض
الدخل للقوة
القومي الرشائية
إنتاج
قلة فرص
وطني
العمل
307 ضعيف
الدائرة اإليجابية
رسوم
استقرار
حكومية
وأمن
معتدلة
زيادة
زيادة الدخل
للقوة
القومي
الرشائية
308
أهمية التخطيط اإلسرتاتيجي للدول النامية:
309
أهمية التخطيط اإلسرتاتيجي للرشكات يف الدول النامية:
باستعراض الظروف والعوامل السابق ذكرها واضعين في االعتبار حقيقة مهمة وهى أن ممثل
الحكومات والدول إلدارة حوار المصالح التجارية في عالم اليوم هو الشركات ،فإننا ندرك أهمية وخطورة
التخطيط اإلستراتيجي للشركات بالدول النامية ،كما ندرك أيضًا أهمية التخطيط اإلستراتيجي القومي الذي
ينطلق من خالله التخطيط اإلستراتيجي للشركات ،الذي ينبغي أن يحقق عددًا من األشياء وفقًا للمعطيات
أعاله أهمها:
.1أن يعزز مبدأ التخطيط منظور دولي.
.2تحقيق وبناء قدرات ومزايا تنافسية للشركات من منظور عالمي مفتوح.
.3االستجابة للمهددات والمخاطر الدولية.
.4االستجابة لمتطلبات التجارة الدولية والنظام االقتصادي العالمي الجديد.
.5الترتيب لشراكات عادلة مع الشركات األجنبية واألسرة الدولية.
.6التجسيد لمبدأ االنتقال اإليجابي لرؤوس األموال األجنبية الذي يصطحب حركة المال مع
الحصول على التقنية والحصص اإلستراتيجية في أسواق العالم.
.7اقتطاع حصص إستراتيجية في أسواق العالم.
أن يفرز فلسفة اقتصادية تقوم على:
.1سياسات مالية ونقدية متوازنة.
.2خلق بيئة جاذبة تلقائيًا وليس عبر قانون تشجيع االستثمار فحسب.
.3تعزيز ودعم التكامل واالرتباط والتناسق بين األنشطة في الدولة.
.4خلق االرتباط والتكامل بين صغار المنتجين الوطنيين والشركات الكبرى.
أن يفرز سياسات تعمل وتشجع على:
.1إنشاء شركات المساهمة العامة.
.2دخول الشركات الوطنية في تكتالت كبرى.
.3استجالب التقنية المتطورة.
.4استخدام األساليب العلمية في اإلدارة.
310
ومن المؤكد أنه يمكن إعداد كافة الدراسات اإلستراتيجية التي تحقق تلك األهداف اإلستراتيجية التي
أشرت إليها أعاله ،إال أن الشروع في تطبيقها ال يمكن أن يتم دون وجود إرادة سياسية واتفاق وطني
إستراتيجي حولها مدعومًا بموقف تفاوضي قوى على المستوى العالمي الشيء الذي يقود إلى أهمية
الدخول في ترتيبات إقليمية من شأنها تحقيق ذلك ،وهو ما سبق وتعرضنا له.
إن أوضاع النظام االقتصادي عامةً في الدول النامية ،تأتي في ظل ظروف محلية ودولية معقدة ،وهذا
يشير إلى أن معالجة وتطوير األوضاع االقتصادية والنقدية ال يمكن أن يتم من خالل حلول قصيرة األجل
كتعديل سياسات أو تطوير لخطط ،بل إن استدامة الحل وكفاءته وضمان تحقيقه للمطلوب منه يستدعي
أن ينطلق من خلفية رؤية إستراتيجية تشمل الجانب االقتصادي كله ،فما يجري في العالم هو صراع
مصالح اقتصادية وهذا ما جعل االقتصاد والسياسة وجهين لعملة واحدة ،وعلى هذه الخلفية تأتي
السياسات والخطط والتشريعات الخاصة بالنظام المصرفي.
هذا يعني أن مواجهة التحديات االقتصادية لها أبعادًا اقتصادية وأخرى سياسية ،وبدون إدراك هذه
الحقيقة والتعامل معها ،يعني التوصل لحلول قاصرة لن تفي بالغرض المطلوب.
كما ال بد من اإلشارة إلى بعض الحقائق العلمية المتفق عليها عالميًا والمهملة في ثقافة معظم الدول
النامية ،والتي تتجسد في أن تحقيق األمن القومي يتطلب امتالك القوة الشاملة أو بعضها التي تتكون
من عدد من العناصر على رأسها القوة االقتصادية والسياسية وليس القوة العسكرية فقط ،وهذا يعني
أن الضعف في هاتين القوتين يؤدي لتهديد األمن القومي،
وبالتالي فإن تنفيذ خطط أو إصدار سياسات قاصرة أو ممارسة سلوك اقتصادي أو سياسي يعطل أو
يمنع تحقيق المصالح الوطنية ،يعني تهديد األمن القومي للدولة.
وعلى هذه الخلفية ينبغي أن ينطلق السلوك والممارسة السياسية.
ال يمكن من الناحية العلمية وضع معالجات لقضية ما دون تحليل يشخص ويحدد األوضاع ،وبتلخيص
لما ورد في هذا الكتاب يمكن أن نجمل ملخص التحليل فيما يلي:
.1تتميز الدول النامية بثروات طبيعية هائلة ومتنوعة على رأسها األرض الزراعية الخصبة
الشاسعة والماء والنفط ومصادر الطاقة البديلة وجميعها تشكل محاور الصراع الدولي الذي
يجري في الساحة الدولية.
.2هذه الموارد تتيح لتلك الدول فرصة واسعة في السوق العالمي يتجسد أهمها في سد جانب
من النقص في الطاقة والغذاء العالمي والعربي واإلفريقي ،وتجسد في نفس الوقت مدخلًا
311
لتشكيل تهديد يتمثل في مواجهة صراع المصالح الدولية ،في حال عدم وجود الترتيب
اإلستراتيجي المطلوب.
.3إمكانات إنتاج الطاقة البديلة صديقة البيئة كغاز الميثانول ،في ظل أزمة الطاقة وإشكاالت
التلوث البيئي على الصعيد العالمي ،تشكل فرصة لتحقيق مصالح إستراتيجية على الصعيد
المحلي والدولي.
.4عدم وجود بنود وطنية ضمن الهم الوطني في معظم الدول النامية تسعى لبناء القوة
االقتصادية العالمية واقتطاع حصص إستراتيجية في األسواق العالمية وامتالك القوة
اإلستراتيجية المطلوبة لتحقيق ذلك من كافة الجوانب السياسية واالقتصادية واالجتماعية،
وبالتالي ظل الهم الوطني في خانة رد الفعل {عدا بعض الحاالت} وليس المبادرة ،وهو وضع
ال يقود لتأسيس أوضاع مستقبلية.
.5عدم وجود اتفاق وطني حول المصالح الوطنية اإلستراتيجية في العديد من الدول النامية،
الشيء الذي انعكس على الهم الوطني وتفاقم الخالف السياسي دون مراعاة للمصالح الوطنية.
.6االستغالل األمثل للموارد الطبيعية واالستفادة من الفرص المتاحة عالميًا ،تحتم امتالك
القدرات والمزايا التنافسية العالمية لإلنتاج الوطني ،وهو بند ظل خارج إطار العديد من
الحوارات الوطنية في الفترة الماضية.
.7أهمية الشراكات الدولية التي تتيح التقانة الحديثة والتمويل والحصص اإلستراتيجية في
األسواق العالمية.
.8العولمة االقتصادية وبروز منظمة التجارة العالمية وزوال سياسات الدعم والحماية الوطنية،
أفرزت واقعًا جديدًا يقوم على حتمية تعزيز القدرات التنافسية والمزايا النسبية وأهمية
التخطيط لالقتصاد من منظور عالمي يستصحب األوضاع الداخلية ويراعي الفرص والمهددات
والمتغيرات الخارجية ويرتب لعالقات دولية تؤمن مصالح الدولة اإلستراتيجية.
.9بعض المشروعات الدولية المطروحة مثل مشروع الشرق األوسط الكبير ،تشكل تحديًا كبيرًا ال
يمكن التعامل معه إال وفق ترتيبات إستراتيجية في المجاالت السياسية والدولية
واالقتصادية.
.10التحديات الدولية واإلقليمية والمحلية تحتم للتخطيط اإلستراتيجي للدول النامية أن يتم من
منظور عالمي يستصحب الموارد الطبيعية الوطنية والفرص المتاحة عالميًا.
.11التعاون الدولي ترتيب إستراتيجي مهم في مجال تنمية الموارد المائية واألرضية وحسن
312
استغاللهما.
.12وجود عقبات داخل بعض األحزاب في الحكم والمعارضة المتمثلة في المصالح الشخصية أو
الحزبية الضيقة ،تحول دون بلورة وتحقيق الترتيبات اإلستراتيجية المطلوبة لمواجهة الصراع
الدولي.
.13ضعف التخطيط اإلستراتيجي السياسي الذي يؤمن تحقيق المصالح االقتصادية.
إذا أدركنا أن معظم ما تعانيه الدول النامية الغنية بالموارد وما ستواجهه من تحديات ناجمة عن صراع
المصالح األجنبية حول ثرواتها الطبيعية الضخمة ،وبالتالي إذا أدركنا بشكل عميق وكافٍ حجم الشراكة
الدولية المقدر لتلك الدول الدخول فيها ،في وقت أصبح فيه ممثل الحكومات في إدارة المصالح هو
الشركات ،يمكن تصور حجم وأهمية اإلستراتيجية الوطنية تجاه تعزيز قدرات القطاع الخاص ودعمه
وتمكينه من المنافسة العالمية وإدارة الشراكة الدولية نيابة عن الحكومة ،كما يمكن استيعاب خطورة
تعطيل وتقييد القطاع الخاص ،الشيء الذي يقود في نهاية المطاف إلى تهديد المصالح الوطنية.
من المؤكد أنه يمكن إعداد كافة الدراسات اإلستراتيجية التي تحقق تلك األهداف اإلستراتيجية التي
أشرنا إليها أعاله ،إال أن الشروع في تطبيقها ال يمكن أن يتم دون وجود إرادة سياسية واتفاق وطني
إستراتيجي حولها.
املناخ الجاذب:
إذا نظرنا إلى األوضاع االقتصادية الداخلية لمعظم الدول النامية وما تشمله من موارد وثروات وما
تعانيه من نقص في التمويل والخبرة والتقنية والحصص اإلستراتيجية في األسواق العالمية ،ونظرنا إلى
البيئة الدولية وما تتيحه من فرص وما يسودها من صراع عنيف حول تلك المصالح ،ندرك بأن الشراكة
الدولية بين تلك الدول واألسرة الدولية تصبح أمرًا حتميًا يتطلب االستعداد المناسب لها ،وأن مجرد الحديث
عن وجود فرص في السوق العالمي في ظل امتالك للموارد الطبيعية ال يكفي لتحقيق الطموحات
الوطنية ،ولعل الدليل على ذلك هو إجبار اليابان تلك القوة االقتصادية العالمية على الدخول في شراكات
عالمية حتى تضمن حصصها السوقية وتحقق أمنها القومي في الصراع الدولي حول المصالح وهي سياسة
تقوم على أن ربط المصالح هو أهم وسيلة لتحقيقها وحمايتها.
والدارس لتجربة االتحاد األوربي يجد أن التكتل األوربي جاء على خلفية صراع أمريكي أوربي بشكل أساس
على المنتجات الزراعية ،وبالتالي ال يمكن التعامل مع الفرص المتاحة عالميًا كالفجوة الغذائية العالمية
ودور الدول النامية فيها بسطحية دون ترتيب إستراتيجي ،لذلك فإن من أهم الترتيبات المطلوبة
313
لالقتصاد بالدول النامية الغنية بالموارد ما يلي:
.1االستقرار الداخلي واألوضاع السياسية
.2مالءمة األوضاع االقتصادية – التخطيط اإلستراتيجي ،السياسات المالية والنقدية...
إن أول ما تعنيه الشراكة الدولية هو حركة واسعة لرؤوس األموال األجنبية والوطنية ،وهذا يعني أن
عدم الشفافية الحكومية وعدم العدالة وعدم االلتزام بتنفيذ الخطط الموضوعة والسياسات المعدة
وااللتزامات المتفق عليها ،فضلًا عن عدم توفر عوامل أخرى مثل سيادة القانون الذي يجعل المستثمر
الوطني واألجنبي يطمئنان على حقوقهما ،وعدم سيادة النظام والمؤسسية ،وعدم رشد السلوك السياسي
والممارسة السياسية التي يمكن أن تهدد المصالح االقتصادية أو تضر ببعض المنتجين أو تميز بينهم أو
تحارب بعضًا منهم ..يعني عدم إمكانية تأسيس مناخ جاذب لالستثمار أو للشراكة الدولية.
والواقع في العديد من الدول النامية يشير إلى بعض األوضاع التي قادت لتضرر بعض الشركات
الوطنية ،تجسد بعضها في وضع سياسات وعدم التقيد بها ،التمييز ،عدم الشفافية ،استمرار تأسيس
الشركات الحكومية ،تضرر بعض المستثمرين نتيجة النعدام المؤسسية في بعض المؤسسات الحكومية
وخضوع القرار لبعض القيادات هنا وهناك والتي قد يسعى بعضًا منها نتيجة لغياب الترتيبات
اإلستراتيجية ،لتحقيق مصالح شخصية أو حزبية ضيقة ،لتشكل مناخًا ال يتناسب وتحديات المرحلة
والفرص المتاحة للدول النامية.
إن النظرة اإلستراتيجية المتفحصة في حجم المصالح الممكن للدول النامية تحقيقها والرفاهية
الممكن الوصول إليها ،تجعل من أي سلوك في الدولة يؤثر في مناخ االستثمار كالذي أشرنا له ،يشكل جريمة
تهدد األمن القومي..
إن أهم مقومات النجاح في الدولة هو قدرتها على بلورة وتحديد مصالحها الوطنية اإلستراتيجية ،ومن
ثم تهيئة األوضاع والظروف المناسبة لتحقيقها وتأمينها ،وهي بهذا تشكل المرتكز األساس الذي تدور حوله
عمليات إدارة مصالحها في البيئة الدولية ،وعلى النقيض فإن عدم بلورة ووضوح المصالح الوطنية
واإلجماع عليها ،يجعل الدولة كمن يدخل في صراع المصالح الدولية دون سالح.
كل ما تحدثنا عنه من شراكة اقتصادية دولية بين الدول النامية الغنية بالموارد واألسرة الدولية،
ستكون الشركات هي الممثل للحكومات مهما تعاقبت ،وبالتالي فالشركات هي التي ستخلق فرص العمل
وتدفع للخزينة العامة باألموال من الجمارك والضرائب والرسوم،
314
أي هي الوسيلة األساسية لتحقيق األهداف الحكومية ،وهو وضع أصبح ال غنى عنه في عالم اليوم،
فالشركات الحكومية ال تستطيع المنافسة ،وهي تجربة تخطاها العالم.
إن المشاركة بين الحكومات والشركات ،بل وكذلك الشراكات وتقاسم األدوار بين الحكومات ومنظمات
المجتمع المدني أصبح واقعًا في عالم اليوم من أجل تحقيق أهداف التنمية وتحقيق المصالح الوطنية،
لذا فإن المنطق يقول بأن األمر طالما هو كذلك فإن على الشريكين التعاون لتحقيق أغراضهما معًا وهذا
ما يعزز أهمية وجود رؤية واحدة لهما حول المصالح الوطنية االقتصادية العليا وهو ما تعبر عنه
اإلستراتيجية االقتصادية وما يتبعها من فلسفة وسياسات ،بجانب توفير المناخ السياسي واالقتصادي
المناسب ،لذا فإن التطبيق العملي يستدعي تأسيس آلية دائمة بين الحكومة والقطاع الخاص يتضمن
محور عملها:
.1االشتراك الفاعل والحقيقي في التخطيط اإلستراتيجي.
.2االشتراك الفاعل والحقيقي في إعداد السياسات التي تحكم العمل االقتصادي.
مستويات الرشاكة:
.1المستوى العام وهو يمثل االتحاد العام ويعمل مع رئيس الدولة مباشرة ومع الوزير المعين
في الحاالت العامة .وتتضمن مهامه هنا االتفاق على الخطط والتوجهات والسياسات العامة،
والتشاور والتنسيق على الصعيد المحلي والدولي والمشاركة في المفاوضات الدولية واإلقليمية،
كما يشارك في البرلمان فيما يتصل بالتشريعات العامة والخطط المتصلة باالقتصاد ،ويشارك
في اآللية القومية للتخطيط اإلستراتيجي.
.2المستوى المتخصص وتمثله الغرف المتخصصة كالنقل والطاقة ...وتعمل مع الوزير المختص
وتتضمن مهامه هنا االتفاق على الخطط والتوجهات والسياسات المتخصصة ،والتشاور
والتنسيق على الصعيد المحلي والدولي والمشاركة في المفاوضات الدولية واإلقليمية الخاصة
بموضوعات متخصصة ،كما يشارك في اللجان المتخصصة في البرلمان فيما يتصل
بالتشريعات والخطط االقتصادية ،ويشارك في قطاعات ولجان المجلس القومي للتخطيط
اإلستراتيجي.
إن تحقيق المصالح االقتصادية الوطنية للدولة يشترك فيه عدد من الجهات هي:
.1الجهاز السياسي {السياسات ،الموجهات ،اإلرادة السياسية تجاه تحقيق المصالح االقتصادية
وتطبيق الخطط الموضوعة ،الممارسة والسلوك السياسي}.
315
.2الجهاز التشريعي {التشريعات والقوانين} المطلوبة والمناسبة لتحقيق المصالح الوطنية.
.3الخدمة المدنية {مدى استقالل الخدمة المدنية وقيامها على أساس القانون والعلم
والمؤسسية ،القدرة والكفاءة اإلدارية}.
.4شركات القطاع الخاص التي تنفذ البرامج والمشروعات {المناخ المالئم للعمل والتميز ،وجود
التقنيات الحديثة ،التمويل الكافي بالشروط المناسبة ،السياسات المالية والنقدية..
المناسبة ،العدالة وعدم التمييز}.
وبالنظر إلى واقع العديد من الدول النامية يتبين وجود عدد من القضايا واجبة الحل ،أهمها:
.1العالقة بين الجهاز السياسي والخدمة المدنية.
.2العالقة بين الجهاز التشريعي والخطط اإلستراتيجية والشركات ،وما تتضمنه تلك الخطط
من بنود وتفاصيل تتعلق بتحقيق القدرات التنافسية وعالج بعض القضايا والمهددات
ونقاط الضعف التي تعترض تحقيق المصالح الوطنية.
.3الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ،خاصة فيما يتعلق بالترتيبات اإلستراتيجية محليًا
لبناء القدرات التنافسية العالمية وخارجيًا فيما يتصل بإدارة حوار وصراع المصالح والحصول
على الحصص اإلستراتيجية والتمويل والتقنية وترتيب الشراكات الدولية.
عليه لتحقيق التناسق والتكامل المطلوب بين هذه األطراف يجب االعتماد على مرجعية المسار
اإلستراتيجي للدولة الذي تشكله اإلستراتيجية الوطنية وما ينبثق عنها من خطط مرحلية ،لتكون األساس
إلصدار السياسات أو التشريعات أو القرارات والمواقف وتحقيق التكامل المنشود بين األطراف المذكورة.
كما يجب اإلشارة في هذا الخصوص إلى أهمية إنجاز الشراكة بين القطاع الخاص والحكومة في ظل
أوضاع تنظم العالقة بين كبار المنتجين وصغار المنتجين.
على ضوء الشراكة بين القطاع الخاص والحكومة في تحقيق المصالح الوطنية يصبح كما ذكرنا من
الضروري االشتراك الحقيقي للقطاع الخاص في التخطيط االقتصادي ووضع السياسات المتعلقة به ،ومن
الوسائل التي يمكن أن تساعد في ذلك هو االتفاق على العمل وفق خارطة المسار اإلستراتيجي التي تحدد
المصالح الوطنية وتحدد كافة المهددات ونقاط الضعف والقضايا اإلستراتيجية التي تعوق أو تؤثر في
تحقيق تلك المصالح ،وبناء عليه تنطلق اإلستراتيجيات الفرعية على خلفية تلك القضايا اإلستراتيجية
والمهددات وغيرها مما هو مطلوب استيفاؤه من أجل تحقيق المصالح الوطنية.
316
ليس ذلك فحسب بل إن هذه الخريطة هي التي تشكل المرجعية لبلورة وتطوير وإلغاء السياسات أو
التشريعات ،فمقتضيات المصلحة الوطنية هي التي تفرض تغيير السياسة أو القانون أو إلغاءه ..إلخ،
وفي ظل ثقافة خطة الدولة تستمر خطط الشركات على مر السنين مهما تعاقبت الحكومات.
ليس هذا فحسب بل إن خارطة المسار اإلستراتيجي يمكن أن توجه النشاط الكلي للدولة ،فمثلًا نجد أن
مقتضيات المصالح االقتصادية اإلستراتيجية قد تقتضي تأسيس تعليم معين تقني أو زراعي أو صناعي
زراعي ..إلخ ،كما أن مراكز البحوث والدراسات والجامعات ال تقوم بإعداد دراسات من فراغ وإنما توجه أبحاثها
تجاه القضايا اإلستراتيجية والتحديات ونقاط الضعف التي تعترض تحقيق المصالح الوطنية ،وهكذا نجد
أن كل النشاط بالدولة يتناسق ويتكامل تجاه تحقيق المصالح الوطنية .وفي هذا اإلطار تتم الشراكة بين
الحكومة والقطاع الخاص وفي ذات اإلطار يتم الدور المطلوب للقطاع الخاص داخل البرلمان.
إن وضوح المصالح الوطنية االقتصادية ووضوح المهددات والعقبات والقضايا والتحديات المطلوب
مواجهتها ،ينعكس في تحديد السياسات المطلوبة ،فنجد أن تحقيق القدرات التنافسية العالمية لإلنتاج
الوطني والسعي لتهيئة مناخ جاذب لالستثمار الدولي وتأسيس شراكة دولية تنعكس على األوضاع
االقتصادية بل واألمنية ،والسعي للحصول على أسواق معينة عالميًا ...الخ قد تفرض سياسات نقدية
وسياسات اقتصادية معينة وتشريعات محددة ،وحينها سيتضح أن السلوك السياسي السلبي والمصالح
الضيقة وعدم المؤسسية ،يعني تهديد المصالح الوطنية وبالتالي تهديد األمن القومي.
ضعف لقوى الدولة الشاملة قوة إسرتاتيجية للدولة تحمي مصالحها وتهيئ لها
تضارب النشاط االقتصادي للدولة تناغم وتكامل وتناسق يف نشاط الدولة لوضوح
املسار اإلسرتاتيجي
تطبيق مختل لسياسات التحرير ،متييز ،احتكار، تطبيق متكامل لسياسة التحرير ،عدم متييز ،تنافس
رشكات حكومية تسيطر عىل السوق كامل ،خروج الحكومة من السوق
عدم اإلجامع الوطني عىل املصالح االقتصادية وضوح املصالح الوطنية االقتصادية واإلجامع عليها
تعليم غري موجه ،ينعكس يف عدم توفر الكوادر إسرتاتيجية التعليم توفر الكوادر املؤهلة املطلوبة
317
الدائرة السلبية الدائرة اإليجابية
املطلوبة ويقيد تحقيق الجودة لإلنتاج للمصالح االقتصادية تنعكس فيام بعد عىل مستوى
الجودة
مناخ طارد ،مامرسة سياسية تقليدية ،متييز، مناخ مالئم يقوم عىل رقي املامرسة السياسية،
محسوبية ،عدم مؤسسية ،خدمة مدنية سيادة القانون ،خدمة مدنية تقوم عىل العلم
بريوقراطية ،فساد إداري ومال والقانون واملؤسسية واإلدارة اإللكرتونية
تضارب وتنافر بني الحكومة ورشكاتها ال يقود رشاكات بني القطاع الخاص والحكومة يوفر األوضاع
لتأسيس أوضاع تالئم التنافس العاملي املالمئة للتنافس العاملي
حصص ضعيفة يف السوق العاملي والخروج من حصص إسرتاتيجية يف السوق العاملي النخفاض
املنافسة يف كثري من األحيان الرتفاع التكلفة التكلفة وارتفاع الجودة
وانخفاض الجودة
ضعف الرشاكات الدولية رشاكات دولية كبرية تؤمن الحصص السوقية ومتكن
من خفض التكلفة عرب أسلوب اإلنتاج الكثيف مع األجر
املنخفض
سوء توزيع الدخل القومي التوزيع العادل للدخل نتيجة لتأسيس الرشاكات بني
الرشكات الكربى وصغار املنتجني
فقر رفاهية
خصخصة تقوم يف ظل دائرة سلبية ،متييز ،تدخل خصخصة تقوم يف ظل دائرة إيجابية ،عدم متييز،
الدولة يف التسعري ،املحسوبية ،عدم سيادة عدم تسعري ،سيادة النظام والقانون ،خروج الدولة
القانون ،سيطرة الرشكات الحكومية عىل السوق، من اإلنتاج ،انتقال ملكية املرشوعات من الحكومة
318
الدائرة السلبية الدائرة اإليجابية
عدم وجود ضوابط النتقال املرشوعات من للقطاع الخاص بعد استيفاء املشرتي للقدرة اإلدارية
الحكومة للقطاع الخاص وامتالك التقنية والتمويل
يحمل الفكر اإلسالمي بين طياته رصيدًا مميزًا من الرؤى واألبعاد واألسس اإلستراتيجية في الجوانب
االقتصادية التي تشكل مجتمعة مالمح التخطيط اإلستراتيجي االقتصادي اإلسالمي ،سنورد بإيجاز بعضًا
منها فيما يلي:
319
أن العدالة وعدم التمييز تجسد رؤى إسالمية أساسية ،وقد جسدت الدولة اإلسالمية األولى المعاني والقيم
اإلسالمية على أرض الواقع ،فدعت إلى عدم االزدواجية في تطبيق تلك المرتكزات ،فالحرية والعدالة
وعدم التمييز استفاد منها النصراني واليهودي قبل المسلم في تلك الدولة وبذا وفرت تلك الدولة مناخًا
اقتصاديًا معافى تسوده المساواة والعدالة وعدم التمييز.
وكذا نجد أن اإلسالم قيد االحتكار ،كما أن الرسول عليه الصالة والسالم ،لم يسعر وإنما ترك ذلك آلليات
السوق ،أما فيما يتعلق بحرية التجارة والعمل وإلغاء القيود ،فهي في مجملها تجسد فكرًا إسالميًا أصيلًا،
وقد أشارت بعض الدراسات إلى ازدهار حركة التجارة الدولية في فترة الدولة اإلسالمية األولى نتيجة لحرية
العمل والتجارة وحرية حركة البشر والسلع والعلوم ،في ظل مناخ تسوده قيم العدل والمساواة.
نخلص من ذلك أن اإلسالم سابق للغرب في طرحه للمرتكزات واألسس التي اعتمد التخطيط
اإلستراتيجي الغربي على جانب منها فيما بعد.
كما أننا إذا نظرنا بعمق في المخطط اإلستراتيجي لعدد من دول النمور اآلسيوية ،فإننا سنجد أن المحور
األساسي الذي تفوقت به تلك الدول وعلى رأسها اليابان ،هو الميزة النسبية التي اعتمدت كما سبق وذكرنا
على عدد من المرتكزات منها المرتكزات الغربية آنفة الذكر ،إال أنها أضافت أبعادًا جديدة تجسدت أهمها
في السياسات المالية التي اعتمدت على زيادة دخل الدولة عبر زيادة الوعاء وخفض النسبة المئوية،
ومن خالل هذا الوضع وباالستناد على الشراكة الداخلية بين الكبار والصغار وعوامل أخرى ،تم تحقيق
الميزة النسبية العالمية ،التي قادت لتفوق تلك الدول على الغرب ولعل السياسات المالية المستخدمة في
آسيا تلتقي مع النظام المالي اإلسالمي في كونها سياسات معتدلة.
هذا يعني أن اإلسالم جمع بين مرتكزات التخطيط اإلستراتيجي الغربي وتخطيط دول النمور ،يأتي ذلك
مع مالحظة أن التوجه اإلسالمي دائمًا ما ينطلق من منظور عالمي ويخاطب بيئة عالمية ،وهذا يشكل
جانبًا مهمًا من جوانب التخطيط اإلستراتيجي ،كما يسعى إلى تحقيق أهداف أساسية على رأسها إعمار
األرض وخلق فرص عمل وتوفير معايش الناس ،ولعل حديث أمير المؤمنين عمر ،عندما تولى
الخالفة بقوله{ :إنما ولينا على الناس لنسد جوعتهم ونوفر حرفتهم ونصد عنهم األعداء} يشير إلى ذلك.
لذلك سنجد أن التخطيط اإلستراتيجي االقتصادي اإلسالمي ينطلق من منظور عالمي ،ويسعى إلى
تحقيق أهداف إستراتيجية على رأسها محاربة الفقر وخلق فرص عمل ،ويعتمد على سياسات مالية
متوازنة وأوضاع تتيح حرية العمل وحرية حركة التجارة،
ويستند على قيم إستراتيجية على رأسها العدالة والمساواة وعدم التمييز وعدم االحتكار وعدم
التسعير ،في ظل قيود إسالمية صارمة تدعو للحفاظ على البيئة بكافة جوانبها واالستخدام األمثل لموارد
األرض ،وقيم إدارية تحمي أطراف الشراكة {صاحب العمل ،والعامل والمستهلك} ،وتدعو إلتقان العمل
320
واإلخالص فيه وتمنع الغش .وهذا يجسد إطارًا مكتملًا للتخطيط اإلستراتيجي االقتصادي.
321
.2تطبيق العدل والمساواة بحزم{ .الظلم يسد طريق المدد اإللهي}.
.3التدقيق في اختيار مساعدي الحاكم من الوزراء ومن دونهم ،ممن يتصفون بالعلم
واألخالق{ .طلب نصرة اهلل من خالل جهاز فاسد أو ممارسات فاسدة كمـن يستهزئ
بربه}.
.4االستناد على قاعدة العلماء الصالحين المؤهلين لخدمة دينه ،وتقاسم األدوار معهم
فيما يتعلق بالدعـوة واإلرشـاد.
322
كلها تحمل معنى واحد هو أن األمر بيد رب العالمين الذي يُنزِل ويخرج ويحيي يسقي ويعطي ويمنع.
ولعلنا بتدبرنا لهذه اآليات وهي نموذج لبحر من اآليات التي تحمل مثل هذه المعاني ،فإننا نستطيع
أن نتبين أبعادًا جديدة لمن يخططون القتصاد وشؤون العالم ،ولعله من غير المنطقي أن نفترض أن
الموارد الطبيعية المطلوبة لحياة البشرية فيها قصور ومنها األوكسجين ،إن نظرة واحدة لإلنسان في
نفسه كمخلوق وإمعان النظر في قدرة الخالق تجعل من الغريب الحديث عن خلل في الحياة األرضية أو
عدم توازن بين الموارد وسكان األرض ،فما من مخلوق إال وينزل معه رزقه كاملًا.
َآب ٍة فِي األَرضِ إِالَّ عَلَى اللّهِ رِزقُهَا}.
{وَمَا مِن د َّ
إن اآليات السابقة دون الخوض في تفاصيلها تحمل أبعادًا مهمة تحدد من خاللها الوسائل المطلوبة
لنزول اإلمداد اإللهي سواء كان ذلك االستغفار أو التقوى واإليمان ،فالحديث عن قلة األمطار في ظل وضع
كهذا سوف يتعدى الوسائل العلمية البشرية إلى وسائل أخرى ال يمكن نيلها إال عبر نظام يصل األرض
بالسماء كما أوضحنا في المثال أعاله.
إن توفر فهم كهذا يصبح ضروريًا لوقف التفكير الهدام الذي يبني على عدم كفاية موارد األرض وما
يفرزه ذلك التخطيط من نتائج وخيمة.
ومن هنا ونحن نتحدث عن تخطيط يعني في منتهاه بالفرد ،فإننا ال نستطيع أن نغفل الجوانب
الروحية ،وإذا تناولنا موضوع التخطيط اإلستراتيجي لالقتصاد من هذا المنظور فإننا نجد أن الفرد هو في
األصل وحدة لها مطالب مادية وروحية ،اقتصادية واجتماعية ،كما يشكل هذا الفرد األساس ألي عمل أو
نشاط فال يمكننا إذن التخطيط دون مراعاة كافة العوامل والظروف المتصلة به.
إن التنمية األخالقية والتي في األصل نظام إستراتيجي محكم يرتكز على بناء الفرد وذلك يعني أن
يصبح العبد المؤمن ممارسًا للدين قولًا وفعلًا فيصبح متصفًا بالصدق واألمانة والمسؤولية مهتمًا
باإلتقان {إذا أدي أحدكم عملًا أن يتقنه} فيصبح نتيجة لحبه لربه مطيعًا منفذًا ألوامره ،فيصبح بالتالي
فيما يتعلق بموضوعنا هذا ،وحدة اقتصادية فعالة يمارس العمل بدقة وصدق وإتقان ،فيما تصبح
الصلة الروحية بينه وبين ربه هي هدفه األساسي في الحياة.
يسعى خاللها بتوجيهات ربه يعمل لمرضاته وينعكس سلوكه وإيمانه وتقواه على بيئته خيرًا وحبًا
وصدقًا وأخالقًا رفيعة وينعكس كل ذلك في توازن المجتمع وسالمه ،وإذا كان أساس الدولة إنسان متصف
بهذه الصفات وذلك التوازن والسلم فإن ذلك ينعكس في توجهات الدولة وحينها يمكن أن تتنزل الخيرات
والبركات على أهل األرض كما تنزلت لدولة سيدنا عمر بن عبد العزيز ،ومن ثم ينعكس كل ذلك
على التوازن والسلم الدوليين.
323
نخلص من هذا إلى أن القرآن الكريم والسنة المطهرة لو تم النظر إليهما من خالل منظور إستراتيجي عميق،
فإن ذلك سيقود إلى إدراك أن اإلسالم في مجمله يجسد رؤية إستراتيجية متكاملة تمتد لتشمل البناء
األخالقي لألفراد ،وتشكل نظامًا متقنًا إلدارة شؤون األرض اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا ،بل وتتسع
لتربط األرض بالسماء ،وال يسعى إال ألجل خير البشرية.
المفهوم:
يقوم مفهوم التخطيط اإلستراتيجي للبنى التحتية والعمران على توفير السند من البنى التحتية
والتنمية العمرانية لتحقيق المصالح الوطنية اإلستراتيجية ويتضمن االستغالل األمثل للموارد
الطبيعية والبيئة والحفاظ على كل منها واستيفاء الترتيبات العمرانية المطلوبة لتحقيق األمن
بمفهومه اإلستراتيجي.
324
والعكس قد يساعد في تعميق الفوارق والخالفات واالنتماءات القبلية.
وضوح خطوات اإلدارة اإلستراتيجية للدولة ووضوح الفلسفة ،يعني التعرف على األولويات ،خاصة تلك
المتعلقة بتوفير األوضاع المناسبة لتنفيذ اإلستراتيجية ،ومن ثم يتم تحديد األولويات في إستراتيجية
البنى التحتية والعمران.
التعرف على بعض القضايا مثل تلك المدن التي تظل مهددة بفيضانات األنهار ،فيتم النظر إليها من
منظور إستراتيجي ،مثل نقلها عبر فترة زمنية محددة إلى مكان آخر ،مثال لذلك مدينة كسال التي تقع
بشرق السودان وظلت تواجه فيضان نهر القاش الذي يأتي من الهضبة اإلثيوبية حاملًا كميات من المياه
والطمي الذي يغذي التربة الزراعية ،قد يرى اإلستراتيجيون نقل المدينة شمالًا لمسافة عشرين أو ثالثين
كيلومترًا خالل فترة زمنية طويلة قد ال يشعر بها المواطن.
إن وضوح الرؤية يجعل من السهولة توجيه الخدمات إلى المنطقة الجديدة وكذا المشروعات
االستثمارية ،مع إضافة رقعة جغرافية إضافية جديدة للزراعة يمكن أن تستوعب آالف من سكان
المدينة.
التعرف على طبيعة وحجم الشراكات االقتصادية والسياسية التي تزمع الدولة في تحقيقها ،يعني
التعامل بوضوح تجاه هذا األمر من وجهة النظر العمرانية.
التعرف على األهداف اإلستراتيجية في االقتصاد ،يعني توفير البنى التحتية المناسبة ،ولك أن تتخيل
أوضاع الموانئ وإمكانية اختناق اإلستراتيجية القومية عند حدوث عجز في النقل أو في الموانئ.
إن التدبر في أهداف إستراتيجية كتلك الخاصة بتحقيق حصص إستراتيجية ضخمة في السوق العالمي
{مثل سد جانب من فجوة الغذاء العربي واإلفريقي والعالمي من قبل السودان} ،يعني التعرف على حجم
اإلنتاج الزراعي والصناعي الزراعي والغذائي ،والتوزيع الجغرافي ،كذلك التعرف على األسواق سواء العربية
أو اإلفريقية أو العالمية ،وقبل ذلك التعرف على األوضاع الراهنة من العمران والبنى التحتية،
وهكذا يتم وضع إستراتيجية تلبي متطلبات هذه األوضاع ،فيتم تحديد الطرق واألنفاق والسكك
الحديدية المطلوبة وحمولتها خالل القرن القادم ،وكذا الموانئ المناسبة لتصدير هذه المليارات من أطنان
الغذاء ،إن التعرف على األسواق المستهدفة وكذا التعرف على قضايا وتحديات اإلستراتيجية االقتصادية،
يساعد في الوصول إلستراتيجية عمرانية جيدة ،ويساعد في اتخاذ ترتيبات إستراتيجية قد تمتد إلى
البيئة العالمية ،مثل ربط الدولة بشبكة الطرق والسكة حديد القارية والدولية وقد يتضمن استيراد كهرباء
رخيصة من دول أخرى.
طبيعة األوضاع الدولية وطبيعة المصالح اإلستراتيجية الوطنية قد تفرض تأسيس مدن مالية
325
وإلكترونية.
شبكة النقل السريع تعد ترتيبًا إستراتيجيا للتواصل الوجداني بين شعب الدولة ومن ثم تشكيل
االنتماء للوطن ككل.
التعرف على األوضاع الجيوستراتيجية والسياسية واالجتماعية واالقتصادية ،يقود لوضع ترتيبات
إستراتيجية عمرانية للتعامل معها ،يشمل ذلك تأسيس مدن ومدن صناعية وزراعية جديدة في مواقع
إستراتيجية وربطها بشبكة النقل.
التعرف على التحديات يساعد في التخطيط المناسب للتعامل معها.
التعرف على األوضاع األمنية قد يقود لتأسيس مدينة بمكان ما لخلق حاجز من الحياة البشرية يمنع
التسلل اإلجرامي.
وضوح المصالح الوطنية اإلستراتيجية يعني إمكانية تحديد طاقة شبكات البنية التحتية والمدن
الجديدة والمناطق الصناعية المطلوبة وأماكنها.
تعتبر المبادرة من أهم سمات اإلستراتيجية على وجه العموم ،وبالتالي سنكتشف أنها سمة أساسية
للتخطيط اإلستراتيجي للبنى التحتية والعمران ،من ذلك تأسيس األوضاع كما تريدها وليس كما تفرضه
الظروف ،مثل تأسيس المدن الجديدة .إن وجود مدن تفرضها الظروف يعني تأسيس سكن ال يراعي
التحديات والمتطلبات العمرانية.
تأثر التخطيط اإلستراتيجي للبنى التحتية والعمران باألوضاع القومية:
يتأثر التخطيط اإلستراتيجي للبنى التحتية والعمران باألوضاع القومية مثل عملية النزوح نحو المدن
نتيجة للخلل التنموي وفجوة الخدمات.
عدم وجود إستراتيجية قومية تسعى إلعادة التوازن وتحقيق تنمية متوازنة تراعي األوضاع
الجيوستراتيجية ،ينعكس سلبًا على إستراتيجية البنى التحتية والعمران ،العكس يقود للتعامل
إستراتيجياً مع مثل هذه القضايا.
هناك عدد من المرتكزات للتخطيط اإلستراتيجي للبنى التحتية والعمران ،يمكن ذكر أهمها فيما يلي:
326
االستغالل األمثل لموارد الدولة ،وهذا يقود لآلتي:
عدم تأسيس المدن والمناطق الصناعية وتوسيعها على حساب األراضي الخصبة.
عدم تهديد المياه الجوفية.
عدم تأسيس المدن والمناطق الصناعية والبنى التحتية ،على حساب اآلثار.
حماية الحياة البرية.
حماية اآلثار ورعايتها.
مراعاة البيئة ،التلوث البصري ،التلوث السمعي ،التلوث البيئي .وعلى سبيل المثال أشارت بعض
الدراسات لدور الغابات في حماية البيئة وامتصاص التلوث .وهذا يشير لتشابك اإلستراتيجيات المختلفة
فيما يتصل بحماية البيئة.
▪ توفير نظام التخلص من النفايات ،النفايات الخطرة.
▪ مراعاة الزحف الصحراوي ووقفه على المدى البعيد.
▪ مراعاة الحفاظ على الغطاء النباتي ،الشيء الذي قد يفرض توفير غطاء نباتي في وحول المدن
والمناطق الصناعية وشبكات الطرق والسكة حديد.
▪ مراعاة الجفاف والتصحر ،الشيء الذي قد يقود لتوفير بنية تحتية من مشروعات حصاد المياه
وغيرها.
بالنظر إلى البنود أعاله يمكن مالحظة ارتباط إستراتيجية البنى التحتية والعمران بالترتيبات الدولية.
327
يتم السعي لتأسيس أوضاع جا1ذبة في الريف وهذا يعني المبادرة بتأسيس البنى التحتية والعمران على
خلفية إستراتيجية اقتصادية تسعى لتحقيق تنمية متوازنة مستدامة.
قد يسأل البعض لماذا نستخدم هذه المواد في البناء؟ هل تم اختيارها بناء على منطق علمي؟ مثل
الحفاظ على البيئة أو لخفض استهالك الطاقة أو االستغالل األمثل للموارد أو تحقيق األمن بجانب أوضاع
المناخ ..إلخ،
هذا السؤال يقود ألحد اهتمامات التخطيط اإلستراتيجي في مجال البنى التحتية والعمران ،حيث يتم
تحديد مواد البناء التي تستخدم في العمران والبنى التحتية ،من منظور إستراتيجي يراعي البيئة واألمن
واالستغالل األمثل للموارد ،وبالتالي توجيه الصناعة الوطنية نحو هذا الجانب.
هوية املدينة:
يهتم التخطيط اإلستراتيجي للبنى التحتية والعمران بإبراز هوية الدولة والمدينة ،ومن الشواهد على
هذا الطراز العمراني الذي يدل على اإلسالم في إسبانيا ،كما أن الناظر يمكنه التعرف على الصين أو اليابان
من خالل صور المباني وطبيعة العمران فيها.
تأسيس المدن والمناطق الصناعية والبنى التحتية على خلفية تحليل يراعي مناطق الزالزل والبراكين
والفيضانات ومجاري األنهار والخيران الموسمية .وبالتالي يتم منع وقوع األزمة أو الكارثة مسبقًا.
328
الفصل الثالث
329
التخطيط اإلسرتاتيجي السيايس
إن التدبر العميق في البيئة الدولية التي قدمنا شرحًا موجزًا لها في الفصل األول من هذا الباب ،يشير
إلى صعوبة وتعقيد التعامل مع تلك البيئة وما تشمله من مهددات وما تشهده من تطورات ،دون
إستراتيجيات متقنة.
ومن التحديات المهمة التي يصعب إغفالها في علم التخطيط اإلستراتيجي القومي ،هو تأثير الجوانب
الشخصية للسياسي وللشخصيات القيادية والحزبية والتنفيذية ،على المصالح العامة ،حيث اتفقت
العديد من الدراسات على أن اإلنسان بطبيعته البشرية له رغبات تتصل بتحقيق الذات والشهرة والجاه..
الخ،
وال زالت العديد من الدول تعاني من طغيان المصالح الشخصية أو التنظيمية على المصالح العامة،
وقد اعترفت النظم الغربية بهذا العجز حيث أثبتت التجارب الطويلة في أوربا أن السلطة مفسدة وأن
السلطة المطلقة تؤدي إلى فساد مطلق ،لذا فإن مجرد وجود اإلستراتيجية في المجاالت االقتصادية
واالجتماعية .إلخ ،التي يتم من خاللها تحقيق المصالح الوطنية اإلستراتيجية وإدارة صراع المصالح
الدولية وتحقيق األمن القومي ،دون ترتيبات تعالج الخلل المتعلق بالسلوك البشري أو الحزبي ،تجعل من
تلك اإلستراتيجيات حبرًا على ورق وترهن المصالح الوطنية اإلستراتيجية واألمن القومي على سلوك
وتصرفات أفراد ،باعتبار أن عدم السيطرة على ذلك السلوك يعني عدم وجود إرادة وآلية فاعلة لتنفيذ
اإلستراتيجية القومية كما هو محدد ،وبالتالي تهديد األمن القومي وتعطيل المصالح.
لهذا اهتم علم اإلستراتيجية السياسية بتأسيس األوضاع التي تؤسس لسيادة النظام الوطني المطلوب
لتحقيق المصالح اإلستراتيجية الوطنية ويمنع سيطرة أي أنظمة أو أوضاع أخرى تقود لتحقيق مصالح
شخصية أو تنظيمية أو تضعف اإلرادة الوطنية في تنفيذ اإلستراتيجية القومية ،مثل تحديد السلطات
وتحديد الزمن لممارسة هذه السلطات وإعمال األنظمة الرقابية الصارمة والتأسيس إلنزال القيم والحريات
على األرض ووضع ضوابط تحكم الخدمة المدنية وسيادة القانون والنظام ،وغيرها مما يحد من انفالت
الرغبات الشخصية أو الحزبية.
كما أن النظر إلى تعقيدات البيئة الدولية التي تشكل مسرح عمل الدولة ،مثل الظروف والتطورات
العلمية والتقنية والدولية ،العولمة بأبعادها السياسية والتشريعية واالقتصادية والثقافية ،..حرية
التجارة الدولية ،والمخططات اإلستراتيجية األجنبية متقنة الصنع واإلعداد ،عمق الصراع الدولي حول
المصالح ..الخ ،..يشير إلى أهمية تعزيز القدرات التفاوضية للدولة ،وهذا يقود للمستوى المطلوب من
الطرح الفكري السياسي الذي يستجيب للتطورات الدولية والعلمية ،وهو ما يعبر عنه باإلستراتيجية
السياسية التي يتم من خاللها تنفيذ ما يتم التوصل إليه من رؤية وطنية فضلًا عن امتالك الدولة إلرادتها
330
وقرارها الوطني دون أي عوامل أجنبية تؤثر سلبًا عليه أو تقيده.
لذا تعتبر اإلستراتيجية السياسية هي العمود الفقري لبناء اإلرادة الوطنية وتماسك الجبهة الوطنية
ونجاح التخطيط اإلستراتيجي الشامل ،وتقوم على عدد من االفتراضات التي تربط امتالك القوة
اإلستراتيجية للدولة بعدد من العوامل أهمها:
.1قوة اإلرادة الوطنية والحفاظ عليها.
.2مدى متانة االئتالفات الداخلية والخارجية.
.3مستوى السلوك اإلستراتيجي.
.4وجود رؤية وطنية إستراتيجية.
.5مدى استجابة النظام السياسي لما يتم تصميمه من خطط ورؤى إستراتيجية.
.6مدى ارتكاز القرار السياسي على السند المعرفي.
وبالتالي فإن قدرة الدولـة على التفاوض البناء ،من أهم مؤشرات النجاح اإلستراتيجي السياسي
والعكس صحيح.
لقد أثبتت العديد من البحوث والدراسات بأن كافة المخططات اإلستراتيجية التي قدر لها النجاح مثل
المخطط الذي قاد النهضة في الواليات المتحدة ،أو المخطط الياباني الذي نجم عنه العمالق الياباني ،أو
المخطط األلماني ..الخ ..لم تكن لتنجح لوال وجود إستراتيجيات سياسية تضبط األداء واإليقاع السياسي،
وتحمى الدولة من خطر التدخل األجنبي في السيادة الوطنية.
ومن أهم مرتكزات تلك اإلستراتيجيات السياسية ما يلي:
.1ارتكاز الممارسة السياسية على العلم ومصلحة الوطن.
.2الرؤية اإلستراتيجية الوطنية تشكل المرجعية التي ال يجوز الخروج عنها ،ويمتد أثرها
حتى على أداء نشاط المعارضة ،حتى تصبح المعارضة لصالح الوطن وليس ضده.
.3تأمين الدولة عبر تأمين قرارها السياسي وحماية مؤسساتها السياسية ومنظماتها
الوطنية وغير الحكومية من خطر االختراق األجنبي بمداخله العديدة من تمويل أو
ممارسة للمعارضة من الخارج .إلخ.
331
عنارص التفاوض الوطني:
من المعروف أن التفاوض يمكن أن يتم بين أطراف وطنية أو بين أطراف وطنية وأخرى أجنبية بغرض
الوصول إلى تحقيق مصالح أو أهداف وطنية .وإذا ارتفع مستوى األهداف والمصالح إلى المستوى
اإلستراتيجي فإنه يكون من الدقيق إدراك أن الحوار لن يكون في صالح الوطن إذا كان أحد أطرافه محدود
الرؤية ،أو ال يملك الرؤية أصلًا أو ال يملك اإلرادة التي يمكن أن تنحدر في مستوياتها إلى درجة العمالة
واالرتزاق التي تبيـع الوطن ،ومن ثم يصبح مصير البلد في أيدي غير مسؤولة أو غير قادرة على تحقيق
مصالحها.
332
.8ضعف الوعي اإلستراتيجي جعل بعض القيادات السياسية في العديد من الدول النامية
تسقط في أيدي المخططات األجنبية تحت بريق حقوق اإلنسان والتهميش والفتنة
العنصرية ،إن هؤالء القادة لم يتمكنوا من إدراك المخططات اإلستراتيجية الحقيقية إما
لقصور وعيهم اإلستراتيجي أو فقدان بعضهم لإلرادة الوطنية نتيجة لتمويل أو غسيل
مخ ..الخ.
.9إن معظم الدول النامية تشهد تطبيق إستراتيجيات التشتيت وهي جانب من
اإلستراتيجيات األجنبية التي تعمل لمنع بناء الكتلة الوطنية وتمنع أيضًا بلورة أي رؤية
إستراتيجية وطنية ،وتسعى إلى تشتيت الجهاز التنفيذي والتشريعي للدولة بل وكافة
الكيانات السياسية األخرى لتلهث باستمرار حول األجندة التي ال تخرج في أحسن األحوال
عن البرامج أو التكتيكات التعاونية المطلوبة لتنفيذ المخططات اإلستراتيجية الكبرى أو
الخطط الطويلة الناجمة عنها.
.10إن الضغوط الدولية مقرونة بفقدان القوة اإلستراتيجية للدولة الناجمة عن ضعف اإلرادة
السياسية لألحزاب وتشتت مصالحها الوطنية مع المصالح األجنبية فضلًا عن قوة التأثير
األجنبي عليها نتيجة للتمويل أو المعارضة من الخارج أو بسبب السعي لكسب الود
األجنبي ،كل ذلك أدى إلى ضعف وقلة الفرص أمام معظم الدول النامية لتحقيق حل
وطني ،وأضعف القوة التفاوضية لكل منها ،ممثلة في الحكومات التي أصبحت هي األخرى
تناور قدر ما تستطيع لعدم التفريط في األمور األساسية ،ولكن الخطير في األمر أن هذه
األوضاع ال يجدي معها التكتيك ،لتجد الدول النامية نفسها مجبرة للعمل على إرضاء
النظام العالمي ممثلًا في األمم المتحـدة والواليات المتحدة واالتحاد األوربي وغيرها ،لكن
الحقيقة المهمة هنا هو أن التخطيط اإلستراتيجي األجنبي ال يتم تنفيذه بكل دقة وعبر
سنوات طويلة إال إلضعاف القدرات التفاوضية الوطنية كسبيل مهم لتحقيق األهداف
اإلستراتيجية والمآرب الطمعية لتلك المخططات ،وأمام هذه الحقيقة الدامغة نكتشف
أنه من غير المنطقي الحديث عن السعي لمفاوضة وإقناع النظام العالمي بالبنود
والمصالح الوطنية أو ،وهي حتمًا تتقاطع في كثير منها مع المصالح الدولية ،إن الحديث
عندما يكون حول المصالح اإلستراتيجية لدولة {ما} فأي حديث غير طريق الترتيبات
اإلستراتيجية يصبح حديثًا ساذجًا ،وفي مثل هذا المقام ال تجدي العالقات الشخصية التي
تعول عليها كثيرًا من الدول النامية.
.11ضعف السيطرة على السلوك الشخصي للقيادات الشيء الذي ينجم عنه قيام دول تحكمها
أهواء ومصالح قلة من السياسيين وأصحاب المصالح.
333
مفهوم االستقالل واإلسرتاتيجية السياسية:
االستقالل الكامل يشير إلى امتالك اإلرادة الوطنية كاملة في إدارة الشأن الوطني ،ومن ثم فإن مفهوم
االستقالل كان يتجسد في السابق في الجالء وخروج قوات االستعمار والجهاز اإلداري والفني للقوى
االستعمارية ،أما اآلن فإن هذا المفهوم قد يكون غير دقيق ،حيث أن التطورات الدولية وما استجد من
صدور العديد من المواثيق والقوانين والنظم الدولية ،أصبحت ذات تأثير واضح على اإلرادة الوطنية ،فنجد
على سبيل المثال:
.1القوات الدولية والشرطة الدولية ،التي يتم نشرها بموجب مواثيق األمم المتحدة كالبند
السابع ،في ظل السيطرة الواضحة لبعض القوى على األمم المتحدة ،كالواليات المتحدة ،يسهم
بقدر ما في المساس بالسيادة والتأثير على السيادة الوطنية للدول.
.2بعض القوانين والمشروعات الدولية مثل إعالن شركاء في نظام عالمي مستديم وبعض
االتفاقيات مثل اتفاقية كوتونو ،تتضمن شروطًا تمس بالسيادة الوطنية ،كما تشمل لجان
وصاية تتولى إصدار شهادات السالمة حول ما إذا كانت الدولة المعينة تتمتع بحكم رشيد أو
أوضاع بمستوى معين في مجاالت حقوق اإلنسان والديمقراطية .إلخ.
.3بعض القوانين الدولية أصبحت تفرض أوضاعًا جديدة من شأنها سلب جانب من السيادة
واإلرادة الوطنية ،مثل تسليم القروض أو المنح أو الهبات الممنوحة لصالح الدولة النامية ،إلى
مجموعة من جمعيات حقوق اإلنسان العاملة بتلك الدولة ،والتي ال يتم النص على جنسياتها،
مما يتيح الفرصة للمنظمات األجنبية للحصول على التمويل ومن ثم التصرف في الشأن الوطني
في المجاالت المختلفة ،إنسانية ،اقتصادية ،اجتماعية .إلخ.
عليه فإذا كان سلب اإلرادة يتم في السابق بواسطة االستعمار المباشر ،فهو يتم اآلن عبر القوانين
والمواثيق واالتفاقات الدولية ،ومن ثم فإن بلورة ودعم وحماية اإلرادة الوطنية ،أي تحقيق االستقالل
بمفهومه الدقيق ال يمكن تحقيقه إال من خالل التخطيط اإلستراتيجي السياسي.
بوجهة نظر المؤلف فإن مفهوم اإلستراتيجية السياسية يؤسس إلدارة الدولة بالمعرفة واإلبداع
والعدل واألخالق ويقوم على توفير السند السياسي المطلوب لتحقيق المصالح الوطنية اإلستراتيجية
ويتضمن بلورة المسار اإلستراتيجي للدولة وتعزيز القدرات التفاوضية الوطنية وبلورة الرؤية الوطنية
اإلستراتيجية وتوفير الظروف واألوضاع المطلوبة لضمان تنفيذ اإلستراتيجية ،وتوحيد وتأمين اإلرادة
الوطنية وتحقيق التكامل والتناسق واالرتباط بين أنشطة الدولة محليًا وخارجيًا ،وتأسيس وتعزيز الشراكة
334
بين السلطة العلمية والمهنية مع السلطة السياسية و تحقيق التوازن بينهما ،بما يؤدي إلى بناء شراكة
وطنية عادلة داخليًا وشراكة عادلة بين الدولة والمصالح األجنبية والدولية ،وحماية السيادة الوطنية
ووحدة التراب والشعب والمصالح اإلستراتيجية للدولة.
محاور المفهوم:
.1التأسيس إلدارة الدولة بالمعرفة واإلبداع والعدل واألخالق.
335
.5تعزيز ودعم القرار السياسي من خالل السند العلمي والمعرفي.
املامرسة السياسية:
في ظل الصراع الدولي العنيف حول المصالح ،فإنه من البديهي إدراك أن الدول النامية ،بإمكاناتها
وثرواتها الطبيعيـة الضخمة ،تحتاج إلى تخطيط جريء ومبادر وتوجهات إستراتيجية جريئة بعيدًا عن
المجامالت التي تميز الساحة السياسية في معظم الدول النامية ،وهو مبدأ ال يوفره إال التخطيط
اإلستراتيجي.
إن من أهم األهداف التي تسعي اإلستراتيجية السياسية إلى تحقيقها هي تعزيز القدرات التفاوضية
للدولة بما يمكنها من إدارة حوار مصلحي لصالحها ،حيث تسعى اإلستراتيجية السياسية لتحقيق ذلك عبر
سبع اتجاهات هي:
336
يجوز الخالف حوله.
إن المصالح الوطنية اإلستراتيجية تعبر عن هذا ،وهو ما تحتاج إليه الدول النامية ،ليدور الخالف
السياسي بين األحزاب بعيدًا عن تلك المصالح ،وهذا هو األسلوب األفضل للسيطرة على الخالفات
السياسية.
في كثير من األحيان يعبر عن الرؤية الوطنية باإلجماع الوطني ،ومما هو مالحظ أن المجتمع السياسي
يتعامل مع اإلجماع الوطني كأنه عملية سياسية منعزلة عن األوضاع الوطنية األخرى ،يمكن أن تتم في
فترة قصيرة من خالل الحوار السياسي بين القوى السياسية أو عقد المؤتمرات.
ومما يجب توضيحه في هذا الخصوص ،أن اإلجماع بمفهومه اإلستراتيجي يعبر بشكلٍ كبير عن الرؤية
الوطنية اإلستراتيجية ،أي اإلجماع حول المصالح الوطنية اإلستراتيجية واإلجماع حول المهددات ونقاط
الضعف الوطنية والقضايا اإلستراتيجية.
وهو بهذا الفهم ال يمكن تحقيقه إال من خالل ترتيبات إستراتيجية تحتاج لمسار زمني طويل تفضي
في نهايتها إلى ترقية الوعي اإلستراتيجي الوطني وتشكيل السلوك السياسي اإلستراتيجي ونشر ثقافة
اإلستراتيجية وتوفير القيادة اإلستراتيجية في المجتمع عامة والمجتمع السياسي على وجه الخصوص،
وذلك من خالل إستراتيجيات التربية والتعليم والتدريب واإلعالم وإستراتيجيات المجتمع ،حينها يمكن
تحقيق اإلجماع بشكله المثالي.
إذن فالتخطيط اإلستراتيجي القومي هو الذي يقود نحو اإلجماع الوطني ،كما يفهم من هذا أن اإلجماع
الوطني نادرًا ما يمكن أن يشمل الجميع دفعة واحدة في بدايات وضع اإلستراتيجية.
على الرغم من أن تحقيق النهضة الطموحة يتعذر في ظل غياب وجود إستراتيجية وطنية مجمع
عليها ،وبالرغم من أن الحوار بين األمم على الساحة الدولية يتم من خالل الرؤى الوطنية لكل دولة ،الشيء
الذي جعل من مجرد وجود هذه الرؤية اإلستراتيجية واإلجماع الوطني حولها ،قوة للدولة ،وهو ما عبر عنه
الزعيم الصيني {ماو} بقوله إن القوة تعني وجود رؤية واحدة لشعب بأكمله ،إال أننا دائمًا ما نسمع عن
محاوالت للتوافق الوطني في العديد من الدول النامية تدور دائمًا حول بنود وأجندة حزبية أو شخصية أو
حول بعض البنود التي أصبحت من أبجديات العمل السياسي في العصر الحديث كالديمقراطية وحقوق
اإلنسان .إلخ.
337
إن ذلك الحوار كثيرًا ما يغفل المصالح اإلستراتيجية والمهددات الوطنية ،وبالتالي تمت عمليات
االستقالل في تلك الدول واستالم السلطة فيها بواسطة الحكومات الوطنية لكن دون رؤية وطنية
إستراتيجية تواجه بها التحديات الدولية والمحلية وتحقق بها طموحات الشعب على الرغم من أن معظم
تلك الدول غنية بالموارد الطبيعية التي تؤهلها لتحقيق مصالح ضخمة ،وهكذا ظلت عمليات الوفاق تدور
حول بنود غير إستراتيجية.
ومما يجب توضيحه هنا هو أن البنود اإلستراتيجية المحددة في مفاهيم التخطيط اإلستراتيجي القومي
كتحقيق التنمية المتوازنة ،الحكم الراشد ،إرساء الحريات ،سيادة القانون والنظام ،السعي المتالك القدرات
النسبية واستيفاء الترتيبات اإلستراتيجية الدولية ..الخ جميعها بنود يجب أن تكون خارج نطاق الصراع
السياسي باعتبارها بنود تتعلق بالدولة ومسارها اإلستراتيجي وأمنها القومي وبناء مستقبلها وتحقيق
طموحات شعبها ،وبالتالي فهي ليست رهن مزاج أو توجهات األحزاب أو الزعماء،
وبالتالي لن يكون مقبولًا أي سلوك سياسي لحزب أو زعيم حزب يمنع بلورة وتحقيق هذه الرؤية
اإلستراتيجية واإلجماع عليها والعمل بموجبها ،فاالتفاق هنا اتفاق إستراتيجي ال يقوم على الترضية
الشخصية لحزب ما أو زعيم ما كما هو الحال في كثير من دول العالم ،إن عمليات الوفاق الوطني التي تجري
في العديد من الدول النامية تصلح لعالج ترتيبات مرحلية أو تكتيكية.
الوضع أعاله يستدعي وضع خطة للدولة وهو ما تعبر عنه اإلستراتيجية القومية ،وهو يتطلب
تأسيس جهاز قومي يشرف على التخطيط اإلستراتيجي يتم من خالله اشتراك كافة القوى السياسية
والمجتمعية الوطنية في التخطيط اإلستراتيجي ،أما الخطة الحكومية فهي تشكل مرحلة تجاه
اإلستراتيجية إال أنها تعد بواسطة الحكومة وهي دائمًا ما تكون خطط مرحلية.
إن وضوح الرؤية اإلستراتيجية يمكن أي حكومة من وضع خططها المرحلية بما يشكل منها مرحلة
حقيقية تجاه تحقيق الخطة اإلستراتيجية مهما اختلفت الوسائل والسياسات.
إن ارتفاع مستوى الوعي اإلستراتيجي يساعد في الوصول لرؤية وطنية إستراتيجية طموحة تراعي
التحديات والمهددات والفرص المتاحة ،فنجد على سبيل المثال أن تحديد هدف إستراتيجي وطني القتطاع
حصة إستراتيجية من الفجوة الغذائية العربية أو العالمية،
يقود إلى إدراك أهمية بلورة أهداف إستراتيجية أخرى تتصل بذلك مثل الشراكة الدولية حول المياه أو
نقل حزام المطر شمالًا ،بل قد تقود إلى قبول مبدأ تعزيز القدرات التفاوضية للدولة من خالل التكتل
اإلقليمي ،ولعل هذا يشير إلى أن بلورة أهداف كبيرة طموحة دائمًا ما تقود إلى التفكير اإلستراتيجي في
338
أمور ال يمكن قبولها أو إدراكها في حالة األهداف الصغيرة ،فنجد أن تحقيق أهداف إستراتيجية زراعية في
حدود 200مليار دوالر لبلد يمتلك أراضٍ زراعية ضخمة مثل السودان باالستفادة من فرص الفجوة الغذائية
العالمية والعربية ،ستقود إلى إدراك القوى السياسية للمخاطر والتحديات التي تواجه ذلك،
والصراع الدولي الشرس حول تلك المصالح ،فيتم االتجاه نحو أمور كبرى مثل التكتل اإلقليمي مع دولة
أخرى ،وهو وضع ال يمكن قبوله في حالة األهداف الصغيرة.
سألني بعض الصحفيين أثناء االنتخابات األمريكية األخيرة ،حول اتجاهات المصلحة الوطنية والعربية،
هل هي مع فوز المرشح الديمقراطي أم الجمهوري ،فقلت لهم من المنظور اإلستراتيجي ال يوجد فرق ،حيث
إن الواليات المتحدة لها مصالح إستراتيجية مضمنة في اتفاق وطني يضم القوى الوطنية األمريكية في
الحكم والمعارضة ،وهي تجسد اإلطار الوطني الذي ال يجوز الخروج عنه.
فبادر أحدهم بالتساؤل عن الخالفات بين المرشحين قائلًا :أال تشير تلك التباينات إلى وجود خالفات
بين الحزبين األمريكيين ،فقلت له :هذا هو مربط الفرس ،حيث إن الرؤية اإلستراتيجية األمريكية ال يجوز
الخالف عليها فهي تشكل اإلطار الذي تدور داخله سياسات األحزاب المختلفة حيث يجوز الخالف بينها في
تفصيالت تحقيق تلك الرؤية اإلستراتيجية وليس في الرؤية اإلستراتيجية نفسها.
وطالما أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين تحقيق التنمية الطموحة ووضوح الرؤية اإلستراتيجية والمسار
اإلستراتيجي للدولة ،فإن العكس يعنى أن أي نشاط أو ممارسة تعارض أو تحول دون تحقيق الرؤية
اإلستراتيجية واألهداف اإلستراتيجية والمسار اإلستراتيجي للدولة ،يدخل في إطار تهديد األمن القومي
بمفهومه اإلستراتيجي،
فإذا كان التخطيط اإلستراتيجي االقتصادي واالجتماعي المسنود باإلستراتيجية السياسية قد وقف
خلف بروز دول عظمى مثل اليابان وكوريا الجنوبية رغم افتقارهما إلى الموارد والمزايا اإلستراتيجية
مقارنة بالعديد من الدول النامية الغنية بالموارد والمزايا ،فإن الوضع العكسي يشير إلى أن غياب
التخطيط اإلستراتيجي بما يشمله من جوانب اقتصادية وسياسية واجتماعية يقود إلى استالب حقوق
المواطن في تحقيق الرفاهية واألمن ،وهو المدخل لربط الممارسة السياسية واإلستراتيجية السياسية
ككل بمفهوم األمن اإلستراتيجي.
السرد السابق يعزز ما ذكرناه في مواضع أخرى في هذا الكتاب من أهمية انطالق التخطيط اإلستراتيجي
القومي على خلفية فكر إستراتيجي يناسب التعقيدات والتحديات المحلية واإلقليمية والعالمية ،فخطة
الدولة تعني خطة تعبر عن سكان الدولة بتعددهم الديني والسياسي والثقافي والعرقي،
339
وبالتالي فإن تحقيق وحدة المشاعر الوطنية وجعل الدولة مكان اعتزاز وقبول من أي مواطن يعتمد
على مدى وجود فكر إستراتيجي راسخ ،وهذا ما يشير كذلك إلى أهمية التخطيط اإلستراتيجي الثقافي الذي
يسعى لتشكيل الثقافة الوطنية التي تناسب المصالح الوطنية اإلستراتيجية ،ومن ذلك تشكيل ثقافة
الوطن أولًا وترسيخ القيم والمرتكزات اإلستراتيجية الخاصة باألمن اإلنساني.
كما يشير إلى أهمية وجود ووضوح رؤية الدولة تجاه:
تعاملها الخارجي مع الساحة الدولية.
إن الولوج إلى وضع إستراتيجية دون فكر إستراتيجي يعني احتمال تعرض اإلستراتيجية للفشل ،ولعل
أبرز القضايا التي ستبرز هي قضية السيطرة على الفساد السياسي والمالي واإلداري الناجم عن عدم وجود
فكر للتعامل مع النفس البشرية الضعيفة ،الشيء الذي يعني سيطرة قلة على مقاليد األمور بالدولة مما
يهدد باحتماالت االختراق األجنبي فضلًا عن الفوضى والفشل لعدم ارتكاز القرار على المعرفة أو لتدخل
السياسة حتى في األمور المهنية ..إلخ ،كما ستبرز قضايا إدارة التعدد ومن ثم تتحول الدولة إلى مجموعات
متناحرة تحارب بعضها بعضًا .وقد ركز هذا الكتاب على طرح مفهوم للتخطيط اإلستراتيجي يحقق هذه
الجوانب.
إن رعاية خطة الدولة ظلت مفقودة في العديد من الدول النامية ،وقد أدى ذلك ألن يتفاقم الصراع
السياسي دون ضابط يحكمه وهو المصالح الوطنية العليا ،وهذا بدوره انعكس سلبًا على األمن القومي،
وبالتالي ظلت تلك الدول تواجه اإلستراتيجيات األجنبية بخطط حكومية غير مجمع عليها وطنيًا.
إن قيادة المصالح الوطنية اإلستراتيجية وقيادة اإلجماع الوطني وإدارة الصراع الدولي حول المصالح ال
تتم إال من خالل اإلستراتيجيات الوطنية حيث ال تفلح الخطط الحكومية المرحلية وال التكتيكية لمواجهة
ذلك الصراع ،وهو ما يقود إلى ضرورة االهتمام بالتخطيط اإلستراتيجي القومي من أجل بلورة المصالح
الوطنية اإلستراتيجية التي يتوافق عليها الجميع ومن ثم إدارة الصراع الدولي من خالل العمل اإلستراتيجي
المنظم وليس التكتيكات والبرامج التي ال تحقق كسبًا مهمًا ،وهذا ما يدعو لالهتمام بنشر ثقافة
اإلستراتيجية وثقافة خطة الدولة التي يحترمها الجميع بجانب االهتمام بترقية الوعي ،وكل هذا سيكون
سردًا نظريًا إذا لم يتم تطوير ودعم اآللية القومية التي تتولى هذه المهمة الوطنية ،ونرى أن المدخل
المناسب لمواجهة تحديات المستقبل من المنظور اإلستراتيجي هو تأسيس ودعم وتطوير آلية قومية
للتخطيط اإلستراتيجي تتبع مباشرة لرئاسة الدولة ،وتوفير السند السياسي لها ،وتعزيز صالحيات رئيس
340
الجهاز التنفيذي لتلك اآللية ليكون بمستوىً أعلى من وزير مركزي.
وحتى تتمكن هذه اآللية من االضطالع بدورها في اإلشراف على خطة الوطن ورعاية المسار
اإلستراتيجي للدولة ،فينبغي أن تؤسس بموجب نص خاص في الدستور حتى ال يخضع تكوينها لهوى
الحكومات بل تصبح جهازًا قوميًا مثل السلطة القضائية.
إن الدراسات أثبتت أن هناك عالقة مباشرة جدًا بين التخطيط اإلستراتيجي واألمن القومي بل هما في
الحقيقة وجهان لعملة واحدة ،وبالتالي فإن تحقيق األمن القومي ومواجهة تحديات المستقبل يتوقف
على تطوير آلية التخطيط اإلستراتيجي القومي ووضعها بكامل صالحياتها في مكانها الصحيح في الهيكل
اإلداري للدولة.
هذا يقودني لتوضيح مسألة مهمة جدًا تتعلق باالستقرار السياسي واستقرار الدستور ،وما أود توضيحه
هنا ،هو أن خطة الدولة التي يتم إعدادها بمشاركة حقيقية وليست صورية ،من كل القوى السياسية
الحاكمة والمعارضة وقوى المجتمع وشركات القطاع الخاص ،تعبر بهذا الشكل عن المصالح الوطنية
اإلستراتيجية ،وبالتالي تصبح مرجعية للدولة ،فهي عبارة عن إجماع وطني حول المصالح اإلستراتيجية
ومهدداتها ونقاط ضعفها ،وطالما األمر كذلك فإن الدستور مكانه هذا المستوى من التخطيط ،ألن الدستور
هو تشريع دولة وليس حكومة ،وتجارب العديد من الدول النامية تشير لقيامها بوضع خطط ال تعبر عن
اإلجماع الوطني وتضع دستورًا هو في الحقيقة يعبر عن حكومة وليس دولة.
وكما أوضحنا في الباب األول ،إن اإلستراتيجية القومية تنفذ من خالل الخطط المرحلية ،فإن الدستور
مكانه ليس الخطط المرحلية التي تنفذها الحكومات وإنما مكانه في مستوى اإلستراتيجية التي تعبر عن
خطة الدولة ومصالحها ،وهذا ما يضمن استقرار المسار اإلستراتيجي الذي يؤسس لألوضاع المطلوبة
لتحقيق المصالح اإلستراتيجية ومنها االستقرار السياسي.
كما أن وضع الدستور على خلفية خطة الدولة تجعله يعبر عن قيمها ومرتكزاتها ،فتصبح على سبيل
المثال قضايا مثل العدالة والسند العلمي للقرار وتأسيس الخدمة المدنية على العلم والقانون
والمؤسسية ،والتنمية المتوازنة وتحقيق الميزة النسبية لإلنتاج الوطني .إلخ ،مرتكزات إستراتيجية
للدولة يلتزم بها كل من يأتي لدفة الحكم ،بل يلزم بها القطاع الخاص ومنظمات المجتمع.
كثيرًا ما نردد مصطلح اإلرادة الوطنية ولكننا ال نتوقف بعمق في معناه رغم أننا دائمًا ما نربط نجاح
إستراتيجياتنا بتوفر هذه اإلرادة ،وبرأيي يتضح المعنى إذا قمنا بتفكيك المصطلح إلى جزأين (إرادة)
(وطن) ليبرز السؤال البديهي ماذا يريد الوطن؟ هنا نسترجع وثيقة المصالح الوطنية ،فإن توفرت في
341
ذلك البلد وثيقة تحدد مصالح وغايات تعبر عن وجدان الناس وحاجاتهم ،فالشيء الطبيعي هو توفر رغبة
في تحقيق وبلوغ تلك الغايات (نحن نريد) وبالطبع ال يمكن أن يتحقق التحام وطني وإرادة لشيء غير
موجود أو غير محدد ،وهذا يعيدنا إلى أهمية عملية التخطيط اإلستراتيجي التي تقود لتحديد هذه
المصالح والغايات.
املرجعية الوطنية:
إيجاد مرجعية وطنية يثق فيها المواطن بات أمرًا إستراتيجيا ملحًا ،ولعل هذا يعزز ما سبق وذكرناه
من أهمية تطوير آلية التخطيط اإلستراتيجي لتقوم بهذا الدور ،وهذا يعني ضرورة توفر اآلتي فيها حتى
تقوم بالدور المطلوب منها على الوجه المطلوب:
.1تبعية إدارية محايدة ،وهذا يقود ألهمية ما ذكرناه من تبعية آلية التخطيط اإلستراتيجي
لرئاسة الدولة.
.2تأسيسها بموجب نص دستوري.
.3قيادة يتوفر فيها:
أ .المهنية.
ب .العقل القومي.
ج .القدرة على التحليل والتفكير والتخطيط اإلستراتيجي.
د .الشجاعة والصبر وعدم المجاملة.
.4االلتزام الجاد بالمسار اإلستراتيجي والمرتكزات اإلستراتيجية وعدم الميل لصالح جهة أو
فئة وإنما للمصالح اإلستراتيجية الوطنية ،وهذا يعني عدم تولي قيادة اآللية لحزبيين
صارخين وإنما مهنيين إستراتيجيين كالقضاة والسفراء وضباط القوات المسلحة ..إلخ.
.5توفير إرادة سياسية خلف اآللية.
342
والعلمية ،ولعل ذلك يلقي بظالله على مواصفات الحزب السياسي في العصر الحديث ،ويمكن تحديد أهمها
فيما يلي:
أ .القدرة على ممارسة القيادة اإلستراتيجية {قراءة وتحليل ودراسة البيئة الدولية والمحلية
والتخطيط اإلستراتيجي والقدرة على التنظيم والتغيير اإلستراتيجي}.
ب .وضوح الفكر اإلستراتيجي الذي يستصحب التطورات الدولية واإلقليمية والمحلية والعالمية.
ج .االعتماد على المنهجية العلمية.
د .الشورى والديمقراطية.
ه .ارتفاع مستوى الوعي اإلستراتيجي.
343
إن االختراق األجنبي عبر البندين أعاله قد يتفاقم في بعض الحاالت بما يجعل من بعض أطراف
التفاوض الوطني مجرد عناصر لتمرير أجندة أجنبية أكثر من كونها تعمل لتحقيق المصلحة الوطنية.
متثيل قومي
املجتمع ،الرشكات
344
شكل رقم :2 / 3خطة الدولة وخطة الحكومة
متثيل قومي
345
.4ارتكاز القرار السياسي على السند المعرفي:
يعد ارتكاز القرار السياسي على السند المعرفي من أهم وسائل تعزيز القدرات لتحقيق المصالح
اإلستراتيجية للدول ،وإذا ربطنا بين تعقيدات وشراسة الصراع اإلستراتيجي على الساحة الدولية والسند
المعرفي ،تتضح خطورة اتخاذ القرارات الفردية التي تعتمد على الخبرة الشخصية المحدودة للقيادي
المعين ،وتتضح الخطورة أكثر عندما تدخل الدولة هذا الصراع بآراء وقرارات مزاجية لقادتها ،لقد أثبت
التاريخ والعديد من الدراسات أثر القرارات الفردية في تعطيل وتهديد مستقبل دول عديدة في العقود
الماضية.
من هنا فإن تطوير مبدأ الشراكة بين السلطة العلمية والسلطة الشعبية والسياسية ،ومبدأ العمل
المؤسسي ،يجب أن يمتد ليشمل الخدمة المدنية التي تشكل جهاز الخبراء للدولة الذي يتولى تنفيذ القرار
السياسي وفق العلم والقانون.
لذا فقد وضعت خطط لتنزيل هذا األمر إلى أرض الواقع في العديد من الدول المتقدمة بما جعل كل
المخزون المعرفي للدولة مسخرًا بصورة أو بأخرى لصالح القرار السياسي أو التنفيذي المتعلق بإدارة
المصالح اإلستراتيجية لتلك الدول ،وهكذا انتشرت مراكز البحوث والدراسات خلف الحكومات والوزارات
واألحزاب .في المقابل بالعديد من الدول النامية يتوفر وضع معاكس يسير فيه العلماء في خط موازٍ ال
يلتقي مع الخط السياسي ليخرج القرار السياسي إلى الساحة الوطنية لتلك الدولة وكذلك إلى الساحة
الدولية حيث صراع المصالح ،ضعيفًا دون سند علمي كافٍ فتسقط تلك المصالح وتفشل.
إننا كما بنفس القدر الذي نهتم فيه بوضع المواصفات لإلنتاج بأشكاله المختلفة ،ونصدر فيه
القوانين واللوائح التي تعاقب على من يخالف تلك المواصفات ،فإننا في ظل تعقيدات الصراع
اإلستراتيجي الذي يستند على المعرفة ،يجب بنفس القدر أن نهتم بتأسيس مفاهيم ومواصفات لصناعة
القرار ،تحمى بقوانين تجعل الخروج عنها جريمة يعاقب عليها القانون ،حتى ال تسير الدولة بخبرة وعلوم
قلة من أفرادها.
إن المتدبر في المداخل الذكية والمتعددة الختراق اإلرادة الوطنية ،يجد أن تطوير وتأمين مركز صناعة
القرار اإلستراتيجي يعد أحد أهم الترتيبات لتنفيذ اإلستراتيجية وإدارة الصراع والتنافس الدولي ،فبجانب
الحاجة آللية تضمن توفير اإلسناد المعرفي الكافي ألي قرار إستراتيجي ،وهناك حاجة كذلك لتأمين القرار
الوطني من فرص التأثير األجنبي التي قد تتم بالترغيب أو الترهيب وكذلك تأمين اآللية من تأثير المصالح
الخاصة.
346
إن عدم وجود مركز محدد ومؤمن لصناعة القرار يعني فتح المجال التخاذ قرارات بواسطة أفراد بحسن
أو سوء نية أو تحت ضغط أوضاع أو مؤثرات معينة لتمرير قرارات قد تضر بالمصالح اإلستراتيجية ومصالح
األجيال القادمة.
إن غياب أو ضعف مركز صناعة القرار يعني أن تظل المعلومات اإلستراتيجية ونتائج البحوث والدراسات
والتحليل اإلستراتيجي حبيسة األدراج ،وفي ظل هذا الوضع تصبح الفرصة مناسبة التخاذ كثير من القرارات
الفردية القاصرة أو الفاسدة ،يفاقم ذلك عدم وضوح المصالح اإلستراتيجية وعقباتها وفلسفة الدولة في
المجاالت السياسية واالقتصادية واالجتماعية إلخ،
من األمثلة على ذلك منح أراضٍ بمئات اآلالف من األفدنة لعقود تصل لمائة سنة في عدد من الدول
النامية ،إلى مستثمرين وطنيين أو أجانب دون قيود أو شروط نابعة عن فلسفة الدولة تلزم هذه الشركات
بتوظيف أو تشغيل عدد محدد من المواطنين ،النتيجة هي تحول ملكية أراضي الدولة لتصبح في أيدي
مائتي شخص أو يزيد لقرن من الزمان ،وهو ما يعني تهديد كبير لألمن القومي واإلضرار بمصالح أجيال
قادمة كذلك.
إذن الخلل ليس في المستثمرين وإنما عدم وضوح المصالح الوطنية والفلسفة وعدم وجود مركز
لصناعة القرار.
في هذا الخصوص يجب اإلشارة إلى ضعف الممارسة البرلمانية حيث يتم اتخاذ قرارات إستراتيجية
كالنموذج أعاله دون موافقة البرلمان والتي تعد واحدة من حلقات تأمين القرار الوطني ومنع الفساد .إن
الممارسة العملية في كثير من دول العالم حددت مواصفات وشروط وخطوات التخاذ القرارات اإلستراتيجية
من ضمنها حجم اإلسناد المعرفي والمهني واألغلبية البرلمانية المطلقة.
347
الخبرات الموجودة مجمدة دون فائدة ،هذا المشهد يمكن أن يتحول ببساطة إلى مشهد عام يشمل الدولة
كلها ،أي تسيير األمور وفق رؤى أشخاص قالئل مع تجميد كل جهاز الخدمة المدنية التي تشكل الركيزة
األساسية لخبرة الدولة ،وبالضرورة مهما كان ذكاء وعلم ومعرفة هؤالء ،فهو ذكاء وعلم ومعرفة محدودة
ال تستطيع مواجهة تحديات وصراع المصالح الدولية المسنودة بالمخزون المعرفي للدولة المعينة.
هذا يعني ضرورة تحديد العالقة بين السلطة العلمية المهنية والسلطة السياسية ،فإن كنا نعلم أن
رئيس الدولة رغم تربعه على قمة هرم الدولة ،ال يستطيع التدخل في قرار الطبيب الجراح الذي يجري
عملية جراحية لمريض ،فإننا يجب أن ندرك بأن هذا الجراح يعبر عن الخدمة المدنية كجهاز مهني يقوم
على العلم والقانون ،لقد تتبعت قضية وقوع الطائرات في إحدى الدول واكتشفت أن تعليمات خبراء
الطيران المدني التي كانت تمنع التصديق إلقالع بعض الطائرات لعدم استيفاء شروط السالمة وعدم
إجراء الصيانات الدورية ...الخ ،كثيرًا ما كانت توقف بقرارات سياسية ،والنتيجة سيادة القرار السياسي في
موطن يتطلب قرارًا علميًا ،وهكذا بعد فترة بدأت تتساقط الطائرات.
هذا المثل يعبر عن ضرورة النظر للخدمة المدنية كجهاز مهني علمي ،وأن يقنن ذلك بما يحمي القرار
المهني العلمي من التدخل السياسي ،فالسلطة الشعبية أو السياسية ال يجب أن تتدخل في اختصاص
السلطة المهنية أو العلمية.
كما يشير إلى أهم محاور التخطيط اإلستراتيجي السياسي المتعلقة ببلورة اإلرادة المعرفية والحفاظ
عليها وضمان ارتكاز القرار السياسي على خدمة مدنية ذات إرادة تقوم على العلم وسيادة القانون
والمؤسسية ،وضمان تأسيس مراكز بحوث ودراسات تعمل وفق حياد علمي مع االلتزام بأمن المعلومات.
348
والنيابية المختلفة ،مع تزايد المصالح في ظل تلك السيطرة.
ومن ثم فإن هذا الوضع الهش غالبًا ما يسهل اختراقه بواسطة القوى األجنبية ،وهكذا يسوء الوضع
أكثر فأكثر ،وصولًا لوضع يجعل تلك المجموعة تقف ضد أي تغيير نحو تحقيق المصالح الوطنية،
فاالعتراض على القوانين والسياسات وعلى تعيين بعض الكفاءات وغيرها من األنشطة ..سيكون محوره
ومنطلقه في كثير من األحيان ليس المصلحة الوطنية إنما المصالح الضيقة.
إننا يجب أن ندرك بأن تحقيق المصالح الوطنية اإلستراتيجية الطموحة يتناقض مع الوضع الذي أشرت
إليه أعاله ،وهكذا تتهدد مصالح األمم ومستقبل شعوب بأكملها من خالل عمل تلك التنظيمات ،إننا يجب
أن ندرك بأن الطبيعة اإلنسانية تميل للفساد ،وال مجال للتعامل مع هذه الطباع إال بااللتزام بسيادة
القانون والنظام .إن التهاون مع الغلطة األولى للمسؤول المعين يعني زراعة البذرة األولى لنهاية النظام
والعكس صحيح.
لقد اهتم اإلسالم بهذا الجانب ،واستنكر إقامة الحد على السارق الصغير في الوقت الذي يترك فيه ذلك
في حالة السارق الكبير ،ولعل الحديث الشريف {لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها} يشير إلى
درجة عنفوان االهتمام بسيادة القانون والنظام ليس في السرقة فحسب بل في كل المخالفات،
فضرب المثل بشخصية في مقام رفيع كمقام بنت المصطفى ﷺ ،المقصود به المبالغة ،فالواقع
يشير إلى استحالة ذلك ،وال يوجد ولن يوجد من هو في مقام تشريف بنت المصطفى ﷺ ،لذا فالقصد
العام هو سيادة القانون على الكبار والصغار .والمبالغة في االهتمام ناجمة عن األثر السلبي الذي يمكن
أن يصيب الدولة ،الذي أشرنا إليه أعاله .كما أن الحديث {انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا}
يشير الى أهمية إرساء النظام الذي يحكم العمل ويقود لتحقيق المصالح ،فاإلسالم ال يناقض نفسه،
فنصرة المظلوم مفهومة ،لكن نصرة الظالم ال تجوز بالمعنى الظاهر {إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته
بينكم محرمًا} ،فالمقصود هنا هو حماية الفرد من أن يظلم نفسه وذلك من خالل تأسيس النظام الذي
يمنعه مسبقًا من ارتكاب الخطأ ،ولعل حديث سيدنا عمر بن الخطاب عند توليه الخالفة {إن أحسنت
فأعينوني وإن أسأت فقوموني } ،فقام رجل من عامة الناس فقال :واهلل يا أمير المؤمنين لو رأينا فيك
اعوجاجًا لقومناك بسيوفنا هذه ،ووضع يده على مقبض سيفه.
وكان رد سيدنا عمر {الحمد هلل الذي جعل في رعية عمر من يقومه بالسيف إذا اعوج ثم أردف قائلًا:
{ال خير فيكم إن لم تقولوها ،وال خير فينا إن لم نقبلها} ،ولعل هذا السرد يشير إلى اهتمام اإلسالم بسيادة
النظام والسيطرة على نزعات النفس البشرية ،وأن قبول سيدنا عمر وهو باب مدينة الحق الذي ال يعرف
المجاملة ،لمبدأ التقويم بالسالح ،يشير إلى أهمية وخطورة الموضوع بالمستوى الذي يستحق وقفه بقوة
السالح.
349
.7القدرة اإلدارية:
الحديث عن تحقيق المصالح اإلستراتيجية الوطنية وامتالك القوة اإلستراتيجية يصبح ساذجًا وغير
موضوعي إن لم تسعى الدولة لتعزيز قدرتها اإلدارية سواء على مستوى المؤسسات الحكومية أو المنظمات
السياسية أو المجتمعية أو القطاع الخاص ،لهذا يعتبر التغيير اإلداري أحد أهم ركائز النجاح اإلستراتيجي،
وهذا بالضرورة يعني وضع أولوية لتطوير القدرة اإلدارية للدولة في المراحل األولى لإلستراتيجية.
دور إسرتاتيجية الرتبية والتعليم يف تنفيذ اإلسرتاتيجية القومية:
إن من أهم أسباب فشل اإلستراتيجيات القومية هو عدم إتباع مفهوم شامل في عمليات التخطيط
اإلستراتيجي القومي ،وهذا دائمًا ما يقود للدخول في تنفيذ اإلستراتيجية دون تهيئة األوضاع المناسبة
لتنفيذ اإلستراتيجية ،ومن ذلك:
سلوك الخروج عن تنفيذ الخطط الموضوعة.
ضعف الوعي اإلستراتيجي الذي يدرك الصراع اإلستراتيجي وأهمية تنفيذ
لذا تعتبر إستراتيجية التربية والتعليم أهم وأخطر اإلستراتيجيات ،لذا يجب االنتباه عند بداية تنفيذ
اإلستراتيجية القومية بوضع أولوية إلستراتيجية التربية والتعليم والتدريب ،حتى يتم توفير أهم أبعاد
نجاح تنفيذ اإلستراتيجية ومن أهمها:
تشكيل السلوك السياسي اإلستراتيجي.
.8الشفافية:
إن من أهم وسائل السيطرة على السلوك الشخصي ومنع الفساد ومن ثم سيادة النظام والقانون ،هو
الشفافية ،أي العمل على مرأى من الرأي العام ،والعكس صحيح ،فالرغبة في العمل في الظالم دليل على
350
أن هناك خطأ أو فساد يراد ستره ،وهو ما ال يجب أن تسمح به اإلستراتيجية السياسية ،حمايةً للفرد من
نفسه وحماية للمصالح العامة ،حتى الموضوعات التي تقتضي المصلحة العامة عدم نشرها على المأل،
يجب تناولها في البرلمان.
351
على العلم والقانون .إلخ بنودًا إستراتيجية يلتزم بها الجميع في الحكم والمعارضة.
352
اإلسرتاتيجية وبناء الرتاكم:
السرد السابق يشير إلى أن اإلستراتيجية تسعى لبناء تراكم على مدى زمني طويل ينتهي بتحقيق
األهداف اإلستراتيجية ،وإذا ربطنا ذلك بالصراع اإلستراتيجي الدولي وما يرتبط به من إستراتيجيات مضادة
{راجع الفصل األول من الباب الثاني في هذا الكتاب} ،يتضح أن تحقيق هذا التراكم يواجه بتحديات
المصالح األجنبية المضادة ومن أهم وسائلها استخدام علم اإلدارة باألزمات لشغل الدولة بإطفاء األزمات
المصنوعة ،وهكذا في غياب التخطيط اإلستراتيجي وما يرتبط به من ترقية للوعي اإلستراتيجي تضيع
السنين الطويلة والدولة تنتقل من إطفاء أزمة إلى إخماد أخرى دون تحقيق إنجاز مهم على المدى البعيد،
يساعد في ذلك أن إن انطالق اإلستراتيجية في بداياتها يتم والدولة في حالة ضعف سياسي واقتصادي
وعلمي .إلخ ،وهذا يعني وجود مناخ هش يسهم هو ذاته في التمهيد لألزمات الخارجية فضلًا عن صناعتها
محليًا في كثير من األحيان ،ولعل التدبر في المفاهيم المتخصصة للتخطيط اإلستراتيجي القومي الواردة
في هذا الكتاب وعلى رأسها مفهوم التخطيط اإلستراتيجي السياسي ،يشير إلى كيفية تعامل هذا العلم
مع تحدي بناء التراكم المستقبلي.
353
شكل رقم :4 / 3اإلطار الزمني لإلستراتيجية
القوة
التخطيط اإلسرتاتيجي
السيايس
استمرار بناء الرتاكم
من خالل الخطط
املرحلية
إطفاء أزمات جن ًبا عىل جنب مع
بناء الرتاكم
القيادة اإلسرتاتيجية
354
خطوات اإلدارة اإلسرتاتيجية السياسية:
.3تحليل ودراسة الدستور والتشريعات والسياسات المحلية ومدى تكاملها وتناسقها مع المصالح
الوطنية.
355
.7تحليل األوضاع من منظور جيوستراتيجي.
.8اختيار اإلستراتيجية.
.10التنفيذ اإلستراتيجي.
الحكم الالمركزي:
إن التطورات الدولية والعلمية التي تسود العالم اليوم وظروف العولمة والتخطيط اإلستراتيجي العلمي
المتقن الذي يرعي المصالح للقوى الدولية واإلقليمية ،أصبح يتطلب أكثر من أي وقت وجود نظام يحكم
العالقة بين المركز والواليات دون اإلخالل بسلطات الطرفين.
من البنود الرئيسة في صراع المصالح الدولية هو سعي الدول الكبرى للتكتل في سبيل تحقيق
مصالحها ،وأصبح من المألوف سعيها إلى بلورة رؤاها اإلستراتيجية على المستوى الوطني ثم االتجاه
لبلورتها إقليميًا ،بينما تعمل تلك الدول نفسها على تفتيت الدول النامية والعودة بها إلى وحدات صغيرة
كالقبيلة وغيرها مع العمل على تعزيز الرؤى القبلية الصغيرة عبر إثارة الفتن الدينية والعرقية.
من المعروف أن ضعف الدولة مركزيًا يؤدي تلقائيًا إلى لجوء المواطن إلى القبيلة طلبًا للحماية وهذا
يعزز االنتماء القبلي أكثر من االنتماء القومـي ،والعكس صحيح ،وهو ما يشكل الخطر الحقيقي على الدول
النامية في وقت أصبح االنتماء فيه يتعدى الوطن إلى االنتماء اإلقليمي األقوى دون أن يكون ذلك على
حساب الوطن أو القبيلة ،والدول النامية ال تجد أمامها طريقًا غير التكتل الداخلي وذلك كسبيل أساسي
لمواجهة التطورات الدولية الجديدة وللحفاظ على ثرواتها وتحقيق مصالحها اإلستراتيجية.
من المعلوم إن من أهم مشكالت الحكم االتحادي في عدد من الدول النامية هي معضلة التنسيق بين
المركز والواليات ومشكالت تضارب االختصاصات والتنافر والتضارب والتباين بين التخطيط المركزي
والوالئي وعدم وجود تناسق وترابط وتكامل مرتبط بأهداف قوميـة محددة ،وكذلك عدم وجود رابط بين
متطلبات التفاعل مع العالم،
وكل ما هو موجود من ترابط وإن كان محدودًا فهو بين النظام الدولي والحكومة االتحادية دون ارتباط
356
بالقاعدة االقتصادية واالجتماعية والسياسية التي تشكل الواليات نصيب األسد منها ،وقد قاد كل ذلك
إلى خلل في عمليات التخطيط وبالتالي إحداث شلل وتعويق لعمليات التنمية في عدد من الدول النامية
وإظهار الواليات المختلفة في شكل متنافر في وقت تعدى فيه التكامل والتعاون االقتصادي في دول
العالم المتقدمة مراحل التنسيق واالرتباط القومي إلى اإلقليمي ومن ثم الدولي ،لذلك فقد برزت إلى العالم
ما يسمى بآليات التخطيط اإلستراتيجي والمتابعة التنفيذية ومشاركة الواليات في الشأن القومي،
سنتناولها في الباب الثالث في هذا الكتاب.
تعتمد هذه اآلليات على وجود األهداف والرؤى اإلستراتيجية التي تتوجه نحوها جهود وخطط الحكومة
المركزية وحكومات الواليات ،تعمل على تجميع وتنسيق جهود التنمية بالواليات وخلق الترابط
اإلستراتيجي بينها بما يؤدي إلى إحداث التكامل والتناسق واالرتباط بين مشروعات وخطط التنمية
بالواليات والمركز أو بين بعضها البعض أو بين الفئات اإلنتاجية وبعضها البعض ،عالوة على اتصال
العالقة اإلستراتيجية التي تربط بين الواليات والمصالح الدولية عبر المركز،
الشيء الذي يعني حسن استخدام الموارد الطبيعية والبشرية القومية والوالئية ويؤدي إلى التكامل
في أداء الدولة واتجاهه نحو أهداف محددة ،كما يسهم إلى حدٍ كبير في تحقيق جانب من جوانب تعزيز
قوة التفاوض للدولة والوالية وتحقيق جانب مهم من متطلبات االرتباط اإليجابي مع النظام الدولي
واإلقليمي وتحقيق بعضًا من المعايير واألسس المطلوبة للتفاعل مع عصر العولمـة.
من األشياء المالحظة في كثير من الدول النامية عدم وضوح الرؤية حول العالقة بين التخطيط
اإلستراتيجي السياسي والتخطيط اإلستراتيجي لالقتصاد ،يؤيد ذلك خلو معظم خطط التنمية عقب
االستقالل في تلك الدول من الجانب السياسي حيث نجدها تهتم بالجانب االقتصادي واالجتماعي
والعسكري.
إن عدم وجود التخطيط اإلستراتيجي السياسي انعكس بصورة واضحة في عدم القدرة على تحقيق
مصالح طموحة ،كما أدى إلى تفاقم الضعف السياسي الذي يتجسد في الصراع السياسي العقيم وعدم
اإلجماع على رؤية إستراتيجية وضعف اإلرادة واالختراق األجنبي وعدم سيادة القانون وعدم سيادة النظام..
الخ
وكلها أمور كانت كثيرًا ما تقود لحدوث االنقالبات العسكرية أو تغيير الحكومات عبر االنتخابات،
ليستمر عدم إتباع منهج التخطيط اإلستراتيجي السياسي سببًا في عدم اتجاه تلك الدول نحو امتالك القوة
السياسية التي توقف تلك الحالة من تعاقب الحكم بين مدني وعسكري ،وكل ذلك يهدد تحقيق أي مصالح
اقتصادية إستراتيجية.
357
إن الضعف السياسي المذكور جعل تلك الدول في خانة رد الفعل تجاه بنود بعض السياسات
والقوانين الدولية المتصلة بالجانب السياسي مثل اشتراط وجود الحكم الراشد والتداول السلمي للسلطة
وسيادة القانون والشفافية..
وقد وردت بصورة أو بأخرى في اتفاقيات ومشروعات مثل اتفاقية كوتونو وشركاء في نظام عالمي
مستديم ومشروع الشرق األوسط الكبير وغيرها ،ودائمًا ما تتم مواجهة الشعوب لتلك البنود باعتبارها
تدخلًا في الشأن الوطني ،وهذا صحيح ،لكن ما يجب توضيحه هنا هو أن هناك أغراضًا أخرى لذلك يتجسد
أهمها في توجه العالم أكثر من أي وقت مضى نحو تعزيز التقاسم الدولي للعمل والشراكات الدولية
باعتبارها ضمن وسائل أصبحت ضمن منظومة النظام العالمي ،بل وترتبط في كثير من األحيان بتحقيق
القدرات التنافسية العالمية أو استيفاء ترتيبات إستراتيجية معينة ..الخ،
لذا بدأت تبرز هذه البنود لكونها تؤسس ألوضاع مطلوبة لتحقيق بعض األغراض االقتصادية التي
سبق ذكرها ،مثال لذلك:
.1حركة رؤوس األموال العالمية والتي تصل لمليارات الدوالرات نحو الدول النامية ،ال يمكن أن
تتم في ظل عدم سيادة القانون وعدم سيادة النظام وعدم الشفافية وعدم وجود الحكم
الراشد في تلك البقاع من العالم ،ففي هذا مخاطرة كبيرة ال يمكن معها المجازفة بالدخول
في شراكات دولية ضخمة.
.2إن الشركات المتجهة للدول النامية تحتاج ألوضاع سياسية مطلوبة لتحقيق القدرات
التنافسية العالمية ،ومن ذلك وجود سياسات مالية تتم من منظور عالمي تمكن من اإلنتاج
بالتكلفة العالمية وال تقيد حركة السلع والخدمات ،ووجود اإلرادة السياسية حولها.
.3عدم وجود إرادة سياسية تحمي وتعزز من قيم العدالة وعدم التمييز ال يقود نحو تأسيس
مصالح اقتصادية ،بل إن نجاح بعض السياسات االقتصادية كسياسة السوق الحر في خفض
التكلفة وزيادة الجودة ،تقوم على مدى تطبيق تلك القيم على األرض بشفافية تامة ،وهذا
ترتيب سياسي إستراتيجي.
.4اإلستراتيجية السياسية تعزز سيادة النظام الوطني المناسب للمصالح الوطنية ،والعكس
يعني سيادة أوضاع ونظم تخدم المصالح الشخصية والحزبية ..الخ ،وإن تفشي ذلك
وسيطرته على مقاليد الدولة سيمنع من سيادة القانون والنظام وكافة األوضاع التي تقف
ضد تحقيق تلك المصالح الضيقة ،وبالتالي دوران الدولة في فلك مصالح صغيرة.
.5وجود رؤية إستراتيجية سياسية حول المصالح االقتصادية الوطنية والشراكات الدولية،
ترتيب إستراتيجي سياسي مهم لتحقيق المصالح االقتصادية اإلستراتيجية.
358
.6وجود خدمة مدنية ال يحكمها نظام ويسوسها الفساد ،تشكل وضع طارد للمصالح
اإلستراتيجية.
األوضاع أعاله تشكل المناخ السياسي المناسب وبدونه ال يمكن تحقيق مصالح إستراتيجية وال تحول
الدولة لبيئة جاذبة لالستثمار من المنظور اإلستراتيجي ،فضلًا عن أن الدخول في شراكات دولية عادلة
يحتاج لترتيبات إستراتيجية سياسية في المقام األول ،مثال لذلك ال يمكن الحديث ببساطة عن حصول
دول نامية ذات موارد زراعية ضخمة ،لحصص إستراتيجية في سوق الغذاء العالمي،
مثل سد الفجوة العربية الضخمة من الغذاء التي تقدر بعشرين بليون دوالر تقريبًا وتدور حولها كثير
من صراع المصالح األجنبية ،دون ترتيب إستراتيجي سياسي ،وهذا ما يعزز من أهمية الترتيب اإلستراتيجي
السياسي للمصالح االقتصادية اإلستراتيجية .إن توفير المناخ السياسي المناسب يتم تحقيقه من خالل
التخطيط اإلستراتيجي السياسي.
السيادة الوطنية:
تلقيت كثيرًا من التساؤالت في الفترة الماضية من طالب دراسات عليا وبعض القيادات ،حول انتقاص
السيادة الوطنية وآثارها ..إلخ ،وكنت أرى ضرورة التفريق بين نوعين من االنتقاص للسيادة هما:
.1انتقاص حميد يتم بإرادة الدول المعنية ويساعدها في تحقيق مصالحها.
.2انتقاص حقيقي للسيادة ويتم رغم أنف الدول المعنية ،وقد يعوقها أو يؤخرها أو يمنعها
من تحقيق مصالحها.
التطورات على الساحة الدولية وطبيعة الصراع اإلستراتيجي ،اقتضت لجوء الدول لعدد من الترتيبات
لتعزيز قوتها وقدراتها التفاوضية ،مثل الدخول في التكتالت السياسية واالقتصادية والشراكات الدولية،
يضاف لذلك أن ما شهده العالم من ترابط للمصالح الدولية قاد إلى ضرورة إدارة التنسيق على الصعيد
الدولي خاصة فيما يتعلق بصياغة القوانين والسياسات والمواقف .إلخ.
إلى أن تكلل كل ذلك بما يسمى بالعولمة .هنا بدأ يكثر الحديث عن انتقاص السيادة الوطنية ،وعدم
االهتمام بأي ترتيبات قطرية باعتبار أنها تقود لسيادة منقوصة.
وما أود توضيحه هنا ،هو أننا يجب أن نفرق بين وضعين:
الوضع األول :ويعبر عن الدول التي تسعى لتعزيز قوتها وتعزيز مصالحها من خالل ترتيبات
إستراتيجية وقانونية ..إلخ ،قد تقود إلى انتقاص لسيادة تلك الدول فيما بينها ،إال أن الناتج النهائي
الكلي لتلك الترتيبات يعزز من القوة اإلستراتيجية الشاملة لتلك الدول ويعزز مصالحها أمام اآلخرون،
359
وهكذا ال تتضرر الدول صاحبة القوة اإلستراتيجية الشاملة من سعيها بإرادتها نحو ترتيبات قد تنتقص
سيادتها باعتبار أنها تعزز قوتها ،ويجب اإلشارة هنا إلى أن هذا االنتقاص ليس بالوصف الذي يتناوله
الكثيرون ،فلجوء دول االتحاد األوروبي على سبيل المثال ،آلليات االتحاد في حسم بعض القضايا ،ال تعبر
عن انتقاص للسيادة مثل ذلك االنتقاص الذي تعاني منه الدول الضعيفة ،فتلك اآلليات تعمل بقوانين
ارتضتها الدول األعضاء بل وأن مصدرها هو قوانين تلك الدول.
فالعبرة ليس فيمن يستخدم السلطة فحسب وإنما كذلك مدى التناقض مع المعتقدات والثقافات
واألعراف والقوانين الوطنية ،فإذا كانت القوانين والسياسات الدولية تعبر عن األوضاع الوطنية ،يضاف
لذلك أن ما تفرضه القيود العلمية في شكل قيود وسياسات وتشريعات ..إلخ.
ال يعبر عن انتقاص للسيادة إنما ترتيبات لتحقيق مصالح ،مثال لذلك القيود الخاصة بعدم تشجيع
اإلنتاج الذي يعتمد على طاقة تلوث البيئة أو تدمرها ،أو التي تبدو في شكل مواصفات للمنتجات أو
الخدمات ..إلخ ،إذن تصبح القضية في التطبيق لتلك القوانين والسياسات ،وهذه تحسم من بوابة
المشاركة الوطنية في اآلليات الدولية أو اإلقليمية ،بجانب التقيد باالحتكام للمهنية والمنهجية العلمية
في العمل.
الوضع الثاني :يعبر عن دول ضعيفة ال تمتلك القوة اإلستراتيجية الشاملة ،وهذا يعني احتكامها
لقوانين وسياسات دولية لم تشارك في وضعها وبالتالي ال تعبر عن مصالحها.
يمكننا أن نتخيل وضع الدول اإلفريقية أو العربية لو أسست اتحاد قوي مبني على دول تمتلك القوة
اإلستراتيجية الشاملة ،فهو يقود نحو انتقاص حميد للسيادة اإلفريقية أو العربية ،إال أنه يساعد تلك
الدول في تحقيق وحماية مصالحها اإلستراتيجية ،ويقودها للمشاركة الحقيقية في وضع السياسة
والقوانين الدولية ،وبالتالي فهي بقوتها تلك لن ترتضي أوضاعًا غير مقبولة ،ونقول حميد ليس ألنه
يحقق المصالح للدول األعضاء فقط وإنما ألن التشريعات والسياسات العربية أو اإلفريقية تنبع من المنبع
اإلقليمي الذي يعبر عن أديان وثقافة وحضارة وأعراف تلك الدول.
وهذا عكس الوضع األول حيث نجد أن دخول الدول التي تمتلك القوة اإلستراتيجية الشاملة في شراكات
أو تحالفات أو تكتالت إستراتيجية أو تدير تنسيقًا بين بعضها البعض ،يقود لصياغة قوانين وتشريعات
وسياسات دولية تصب لصالحهم ،وتنتقص من سيادة اآلخرين دون أن يكون لهم مصلحة.
بالتدبر في البيئة الدولية وما تشهده من تطورات ،يتضح أن السياسي ال بد له أن يكون ذا تفكير
إستراتيجي ،ملمًا بعلوم العالقات الدولية والتخطيط اإلستراتيجي وغيرهما من التخصصات العلمية
360
المطلوبة لعمله .ومن التحديات المهمة التي يصعب إغفالها في علم التخطيط اإلستراتيجي السياسي،
هو تأثير الجوانب الشخصية للسياسي وللشخصيات القيادية عمومًا ،على المصالح العامة ،إن طبيعة
اإلنسان ورغباته في تحقيق الذات والشهرة والجاه ..إلخ
التي أشرنا إليها في مقدمة هذا الفصل شكلت تحدٍ كبير للمخططين حيث ال زالت العديد من الدول
تعاني من طغيان المصالح الشخصية على المصالح العامة بسبب ضعف البناء األخالقي للقيادي ،ومن
يريد كبح جماح ذلك يجد نفسه في صراع محوره النفس األمارة والهوى والشيطان .وقد اعترفت العديد
من النظم بهذا العجز.
وقد ذكرنا العديد من الترتيبات التي تؤسس للنظام الذي يسيطر على ذلك ،إال أننا رأينا أن الفائدة
تقتضي نقل وجهة النظر الدينية في هذا الجانب.
لقد اهتم اإلسالم بتأمين العملية اإلدارية السياسية من خالل العديد من السبل والسياسات ،من أهمها
تحديد مواصفات القيادي من حيث العلم والخبرة واألخالق ،إال أنه تعامل مع النفس البشرية وفق مفهوم
إستراتيجي عميق يمكن إدراك إطاره العام بالنظر في مفهوم القوة الروحية في هذا الكتاب .ويمكن تناول
تلك الرؤية من خالل الحديث الشريف {أمرنا هذا ال نعطيه لمن يطلبه} {ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه
ما يحب لنفسه}.
إن النفس البشرية بطبيعتها تحب الخير لنفسها دون سواها ،وهو ما يمكن أن يطلق عليه األنانية
التي غالبًا ما تقود لتحقيق المصالح الشخصية على حساب اآلخرين ،وتتطور عندما ترتبط بالقائد
السياسي الباحث عن تحقيق الشهرة والذات ،وال يمكن لإلنسان مخالفة تلك الطبيعة إال بترويض النفس،
وهو ال يتم إال بالذكر بالطريقة التي حددها المولى عز وجل وفصلها رسوله الكريم ﷺ ،ويشير الحديث
الشريف إلى أن حب الخير لآلخرين بنفس درجة حبه للذات يعد دليلًا على اإليمان ،أي االنتقال من مرتبة
اإلسالم إلى مرتبة اإليمان الذي يتبعه العمل الصالح {اإليمان ما وقر في القلب وصدقه العمل} ،أي أن الذكر
هو الوسيلة اإللهية لترويض النفس البشرية وتزكيتها وترقيها بين مراتب الدين إسالمه وإيمانه
وإحسانه ،حتى يبلغ صاحبها مرتبة اإليثار على النفس رغم الحاجة واتقاء شح النفس {وَيُؤثِرُونَ عَلَى
صةٌ} { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ..إلى آخر اآلية}.
خصَا َ
سهِم وَلَو كَانَ ِبهِم َ
أَنفُ ِ
وإذا ربطنا هذا األمر بالحديث {أمرنا هذا ال نعطيه لمن يطلبه} يتضح أن اإلسالم ال يعطي القيادة
والسلطة لمن يرغب فيها ،حماية للمجتمع من خطر النفس البشرية غير المروضة ،وعلى العكس نجد أن
الذكر والصالة على النبي الكريم ﷺ ،تقود نحو سالمة القلب ،وهو وضع يجعل صاحبه زاهدًا في الدنيا،
حيث أن الذكر يولد المحبة هلل ولرسوله في قلب المؤمن { ،ما وسعتني سماواتي وال أرضي ولكن وسعني
قلب عبدي المؤمن} ،وهي درجة تجعل صاحبها مهتمًا بمحبوبه دون غيره ،وهي المراحل التي تدرج فيها
361
الصحابة رضوان اهلل عليهم والصالحين من قبلهم.
والرجل الصالح في المفهوم اإلسالمي هو الذي يمارس الدين قولًا وفعلًا وخلقًا ،حتى ال يصدر منه إال ما
يرضي اهلل ورسوله الكريم ،كما إن المفهوم اإلسالمي يشير إلى أن الحب ال يتجزأ ،فاإليمان يقود إلى حب
اهلل ورسوله والصالحين وحب الخير للبشرية جميعًا ،وهو ترتيب إستراتيجي عميق مهم لتحقيق األمن
والسلم والخير على وجه األرض وبدونه تدار األرض وفق أهواء شخصية ضيقة.
إن النجاح الباهر في القيادة ينبغي أن يعزى إلى الرجل الصالح في المكـان المناسب {والصالح هو
صالح النفس} وعندها يتحقق النجاح ،إال أن ربط النجاح لعوامل شخصية وليس العتبارات النصر والدعم
اإللهي ،يقود إلى عبادة الشخصية وتقديسها ونسيان المبادئ ،ولهذا قام سيدنا عمر بن الخطاب
بعزل سيدنا خالد بن الوليد وهو في أوج شهرته في النجاح حتى ال يظن المسلمين أن سبب تحقيق النصر
هو خالد ،فالنصر من عند اهلل.
هذا السرد يعني أن قيادة األمة وإدارة مصالحها على تفاوت درجاتها يجب أن تسند إلى الصالحين ممن
استطاعوا السيطرة على نفوسهم .ورؤية اإلسالم ال تقف عند تأمين المصالح العامة وعالج نقطة
الضعف البشرية تلك ،من خالل منح القيادة لمن يحتلون الدرجة المشار إليها ،وإنما تعدت ذلك بإضافتها
ألبعادٍ أخرى تعين القائد في عمله،
من أهمها ما جاء في الحديث {اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور اهلل} وهي البصيرة ،فالتدرج إلى
مرتبة اإليمان تتيح الفرصة لسد القصور اإلنساني في اإلدارة من خالل تلك الفراسة المشار إليها ،فإدارة
مصالح البشرية دون ظلم وضرر ،في ظل التعقيـدات التي تواجهها تحتـاج للبصر والبصيرة ،كما أن
الحديث الشريف {صالح آخر هذه األمة بصالح أولها علمائها وأمرائها} يشير إلى ما ذكرنا.
فن املمكن:
من التعريفات المشهورة للسياسة هو أنها تعني {فن الممكن} ،وبالنظر إلى مفهوم التخطيط
اإلستراتيجي الذي سبق تناوله في هذا الكتاب ،يتبين أن التخطيط اإلستراتيجي وما يشمله من خطط
إستراتيجية فرعية متقنة في مجاالت االقتصاد والتعليم وغيرهما ،كان السبب األساسي لنهضة العديد
من الدول مثل ماليزيا واليابان ،التي استطاعت تحقيق ميزة نسبية عالمية إلنتاجها بالرغم من عدم
امتالكها للموارد الطبيعية وبالرغم من ابتعادهـا عن أسواق العالم الرئيسية ،وتمكنت بموجب من ذلك
من امتالك حصص إستراتيجية ضخمة في أسواق العالم ،في الوقت الذي فشلت فيه دول أخرى تمتلك
الموارد الطبيعية والموقع من تحقيق ذلك.
كما وقف التخطيط اإلستراتيجي خلف بروز دول أخرى كالواليات المتحدة ،وساهم بشكل أساس في
362
امتالكها للقوة اإلستراتيجية التي انعكست على تحقيق مصالحها في مختلف أنحاء العالم.
عليه وبالنظر إلى ذلك يتبين أن مفهوم السياسة يختلف اختالفًا جوهريًا في حال وجـود تخطيـط
إستراتيجي وإدارة إستراتيجيـة ،ورجوعًا لألمثلة أعاله فـإن {الممكـن} أصبح كبيرًا جدًا في اليابان
والواليات المتحدة بفضل التخطيط اإلستراتيجي ،بينما أصبح العكس في الدول التي ال تتميز بالتخطيط
اإلستراتيجي ،وهذا يعني عـدم دقة تعبير {فن الممكن} في حالة عدم ارتباط السياسة باإلدارة
اإلستراتيجية ألن مصالح الدول التي ال تستخدم مبادئ اإلدارة اإلستراتيجية ستكون رهينة للمصالح
واإلستراتيجيات األخرى وليس رهينة لفن الساسة الوطنيين.
363
شكل رقم 5 / 3 :سيادة نظام الدولة
قدوة التزام
قدوة التزام
املستوى التنفيذي
قدوة التزام
التزام
364
الفصل الرابع
365
التخطيط اإلسرتاتيجي للعالقات الخارجية
شهد العالم خالل العقود الماضية تطورات إستراتيجية متسارعة فيما يتعلق بالنظام العالمي أبرزها
هو ظهور منظمة التجارة الدولية وبروز ظاهرة العولمة بأبعادها الثقافية والسياسية واالقتصادية،
وظهور الشركات متعددة الجنسيات التي أصبحت تملك نوعًا من القوة والسيادة فوق الوطنية في مقدرات
االقتصـاد والتجارة الدولية ،وأصبحت لها قدرة عالمية في احتكار التقانات الجديدة ،ومن ثم القوة
التنافسية وغزو األسواق العالمية ،خاصة أسواق الدول النامية التي ال تملك القدرة على مواجهة سطوتها
بسبب ضعف قدراتها التنافسية ،مما يجعلها عرضة للهيمنة واحتكار األسواق ومنافسة المؤسسات
اإلنتاجية والخدمية الوطنية من جانب الشركات العمالقة والمتعددة الجنسيات.
وقد انعكست هذه األحداث على مسار إدارة حوار المصالح العالمي حيث إن طبيعة المنافسة في
المرحلة القادمة وما يتصل بها من وسائل تحقيق المزايا النسبية لإلنتاج والحصول على حصص
إستراتيجية في أسواق العالم ،فضلًا عن تحقيق األهداف والسياسية واالجتماعية قد أجبر العالم إلى
ابتداع عدد من الوسائل والسياسات التي تعزز من قدراته التفاوضية بما يمكن من تحقيق المصالح العليا
للدول.
على صعيد آخر ساهمت التطورات في مجال تقنيات االتصال والمعلومات والتعليم اإللكتروني
والتطورات في النظام السياسي الدولي الذي أعطى دورًا إستراتيجيا لمنظمات المجتمع غير الحكومية
المسنودة من الركيزة السياسية للنظام السياسي والمدعومة ماليًا من الركيزة االقتصادية العالمية ،في
إحداث تغيير إستراتيجي أصبحت بموجبه آليات البناء األخالقي لألفراد مهددة بالتحول إلى السيطرة
العالمية بدلًا عن السيطرة القطرية ،وهكذا يواجه الماليين من شعوب العالم خطر الغزو الفكري الغربي.
(بوجهة نظر المؤلف ،يقوم مفهوم التخطيط اإلستراتيجي للعالقات الخارجية على تقديم الدعم
والسند المطلوب لتحقيق المصالح اإلستراتيجية الوطنية على الساحة الدولية ،ويتضمن كذلك تعزيز
القدرات التفاوضية للدولة في حوار المصالح الدولية وتعزيز بناء شراكة دولية عادلة بين الدولة واألسرة
الدولية وتعزيز السالم واألمن الدولي والحفاظ على البيئة الدولية ،وذلك من خالل تحقيق التوازن بين
مقتضيات المصلحة الوطنية ومقتضيات المصلحة العالمية.
عليه فإن دراسة التخطيط اإلستراتيجي للعالقات الخارجية تتطلب السير في عدة اتجاهات تعمل
جميعها في إطار خدمة تحقيق األهداف اإلستراتيجية للدولة اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا وأمنيًا ،أهمها:
366
.1بلورة رؤية إستراتيجية وطنية حول العالقات الخارجية للدولة ،يتم من خاللها توفير
إطار فلسفي يعمل على توفير التناسق والتكامـل بين أنشطة الدولة المتعلقة
بالعالقات الخارجية.
.4توفير الدعم والسند والترتيبات المطلوبة على الساحة الدولية في سبيل تحقيق
الخطة اإلستراتيجية القومية
ينطبق مفهوم التخطيط التقليدي على موضوع العالقات الخارجية من حيث إن التخطيط بمفهومه
التقليدي يجاري الواقع وهو بالتالي يتسم برد الفعل أكثر من المبادرة ،في حين أن التخطيط اإلستراتيجي
يتسم بالجرأة والعمق والمبادرة ويسعى لتغيير الواقع في سبيل تحقيق األهداف اإلستراتيجية ،من
األمثلة على ذلك أن مفهوم التخطيط التقليدي للعالقات الخارجية يسعى لتحقيق عدد من األهداف مثل
الدفاع عن أيدلوجية معينة أو المحافظة على التراث الثقافي،
كما يسعى للتنبؤ باألوضاع في المستقبل من خالل التحليل النظري ( ،)85في حين أن التخطيط
اإلستراتيجي يسعى لتحقيق أهداف طموحـة تتسم بالعمق والجرأة فبدلًا من المحافظة فقط على التراث
الثقافي (على سبيل المثال) فهو يمتد ليشمل أهدافًا تتعلق بنشره على نطاق إقليمي أو عالمي،
فهو ال يميل للتنبؤ وإنما يسعى إلحداث التغيير الذي يوفر األوضاع المالئمة لتحقيق الغايات واألهداف
اإلستراتيجية ،في هذا الصدد نتبين الفرق الكبير بين الهدف األمريكي المتمثل في نشر الثقافة الغربية
وما تبعه من إستراتيجيات إعالمية وتعليمية وسياسية الخ تدعم ذلك ،وبين المحافظة على الثقافة
فقط التي تسندها خطط ال تمتد بعمق كافٍ يراعي التهديدات على الصعيد الدولي،
ومثال آخر يجسد الفرق وهو السعي لتحقيق مصالح محلية محدودة والدفاع عنها كهدف ناجم عن
()85إس ماعيل صبري مقلد ،العالقات السياسية الدولية :دراسة في األصول والنظريات( ،القاهرة :المكتبة األكاديمية،
،)1991ص .29
367
تخطيط تقليدي ،والسعي إلحداث ترتيبات إستراتيجية تضمن تحقيق المصالح اإلستراتيجية على الساحة
الدولية ،مثال لذلك سعي بريطانيا الستعمار فلسطين على الرغم من عدم توفر المقومات التقليدية
التي تبرر استعمار الدول ،مثل وفرة موارد طبيعية كالذهب أو النفط أو األرض الزراعية ،أو وفرة الرجال
األقوياء الستخدامهم في الزراعة أو الجيش،
حيث أشارت بعض الدراسات التي جرت مؤخرًا أشارت إلى أن بريطانيا في إطار تخطيطها اإلستراتيجي
لمستقبل مصالحها في الشرق األوسط ،وفي ظل إدراكها لعدم إمكانية استمرار االستعمار المباشر نتيجة
لتنامي وعي الشعـوب ،رأت أن السيطرة على تلك المنطقة تتطلب إنشاء كيان (دولة) تتبع لها ،يتم من
خاللها التحكم في منطقة الشرق األوسط ،وهكذا تم التحالف بين بريطانيا واليهود الذي نجم عنه وعد
بلفور وقيام دولة إسرائيل (.)86
كما أن تحقيق األمن القومي في التخطيط اإلستراتيجي يرتبط أكثر من التخطيط التقليدي بالبيئة
الدولية وباإلستراتيجيات األخرى في الجوانب االقتصادية والسياسية واالجتماعية ،فنجد أن الخلل في
التخطيط اإلستراتيجي السياسي أو االقتصادي يصب بشكل مباشر في تهديد األمن القومي.
كما نجد أن عالمية األهداف في الدولة اإلسالمية األولى وقفت بوضوح خلف بروزها كقوة عظمى في
تلك الحقبة ،وهو وضع لم يكن من الممكن تحقيقه في ظل تخطيط تقليدي يتم من منظور محلي ضيق.
كما أن معظم الخطط التنموية للدول النامية خالل الخمسين عامًا كانت تسعى لتحقيق أهداف تتسم
بالمحلية مثل تحقيق االكتفاء الذاتي أو تقليل الواردات الخارجية ،وهي أهداف تأتي في إطار تخطيط
تقليدي ،وهو وضع انعكس على تخطيط العالقات الخارجية ليتم من ذات المنظور.
ومثال آخر يشير إلى عمق التخطيط اإلستراتيجي يتجسد في الهدف اإلستراتيجي البريطاني المتمثل في
نشر اللغة اإلنجليزية عالميًا ،وهو تمهيد لمواجهة مشكلة القومية التي تتأثر بشكل كبير باللغة القومية،
وقد أشار الدكتور إسماعيل مقلد إلى تأثير افتقاد اللغة القومية على التضامن القومي ذاكرًا نموذج كندا
وكيف ساهمت إجادة بعض السكان للغة أجنبية على وجود ازدواجية ثقافية وحضارية تمثلت في ارتباط
الكنديين الذين يتكلمون الفرنسية بالتراث الفرنسي عكس الكنديين الذين يتحدثون اإلنجليزية الذين
ارتبطوا بالتراث البريطاني ،وقد انعكس كل ذلك على النزعة االنفصالية في كندا ،وهكذا يمكن تصور
عمق التخطيط اإلستراتيجي البريطاني من خالل هذا الهدف.
أما بالنسبة لإلسالم فإن التاريخ يشير إلى ارتكاز األمن والسلم الدوليين خالل فترة الدولة اإلسالمية
( )86إحسان قضماني " ،المشروع الصهيوني بين االقتصادي والعسكري " ،مجلة شئون عربية ،العدد ( ،54يونيو 1988م)،
ص .199
368
األولى على تطبيق القيم السماوية على األرض ،كما أن التخطيط اإلستراتيجي اإلسالمي تميز بكونه شكل
نظامًا سيطر به على النزعات الفردية التي دائمًا ما تقود للفساد في األرض ،بل إن مفهوم التنمية
األخالقية في اإلسالم يقوم على بناء الفرد الصالح الذي يشكل نواة المجتمع اآلمن المطمئن.
أهم العوامل المؤثرة في تخطيط العالقات الخارجية:
.1تعقيد عمليات تحقيق المصالح وارتباطها أكثر من أي وقت مضى بمدى االرتباط الدولي
وامتالك المزايا التنافسية العالمية والتقنيات المتطورة والحصص اإلستراتيجية في
األسواق.
.4التطور المذهل في االتصاالت والمعلومات الذي حول العالم إلى قرية واحدة ،مما كان له
األثر تجاه العالقات الخارجية ،وجعل الدول أكثر تأثرًا باألحداث العالمية ،كالتقارب الذي
حدث بين المجتمعات الرأسمالية واالشتراكية والذي مهد لخلق أرضية مشتركة بينهما.
.5زيادة الوعي الشعبي في المستوى العالمي وبداية ظهور أنماط عالمية جديدة بدلًا عن
األنماط القومية.
369
المطلوب توفير السند الخارجي لها.
ه .دراسة اإلستراتيجية العلمية والتقنية والعسكرية للتعرف على المصالح
الوطنية في هذه الجوانب ،المطلوب توفير السند الخارجي لها.
.2دراسة اإلستراتيجيات الفرعية للتعرف على نقاط الضعف المطلوب عالجها والمهددات
المطلوب التعامل معها بجانب التعرف على القضايا اإلستراتيجية لإلستراتيجيات
الفرعية.
.3التعرف على نتائج تحليل األوضاع الجيوستراتيجية بغرض التعرف على األوضاع المحلية
ذات الصلة باألوضاع اإلقليمية.
.4تحليل البيئة الخارجية كما يلي:
من منظور الفرص والمهددات أ.
من المنظور السلوكي :بغرض التعرف على سلوك الدول والجماعات ب.
وتحليل الجوانب الثقافية ،ومعرفة اتجاهات الرأي العام والجوانب النفسية
وتحليل المؤثرات وانعكاسات العوامل والمتغيرات على التركيبة االجتماعية (.)1
من المنظور القانوني :بغرض دراسة األوضاع القانونية الدولية من ج.
معاهدات وقوانين ونظم وسياسات (.)2
المنظور السياسي ،بغرض دراسة النظام السياسي العالمي ومعرفة د.
اإلستراتيجيات المطبقة ودراسة القوة اإلستراتيجية وعناصرها ومرتكزاتها.
.5اختيار اإلستراتيجية وتحديد البدائل.
.6التنفيذ اإلستراتيجي
.7التغيير اإلستراتيجي
.8المتابعة والقياس والتقييم.
370
الرؤية الوطنية اإلسرتاتيجية للعالقات الخارجية:
إن إستراتيجية العالقات الخارجية تنطلق على خلفية اإلستراتيجية القومية للدولة ،وهذا يعني عدم
إمكانية إعداد خطة للعالقات الخارجية في ظل غياب إستراتيجية قومية ،كما أن التخطيط اإلستراتيجي
للعالقات الخارجية يتوقف كذلك على مدى كفاءة التخطيط اإلستراتيجي السياسي ومدى متانة االئتالفات
الوطنية الداخلية ،بمعنى أن بلورة ووضوح المسار اإلستراتيجي للدولة الذي تعبر عنه الرؤية الوطنية
اإلستراتيجية ومدى اإلجماع الوطني عليها ،يتم استكماله بالرؤية الوطنية للعالقات الخارجية التي تنطلق
لتساهم فيما يليها دوليًا لتحقيق التوجهات والمصالح اإلستراتيجية للدولة ،وبالعدم ال يمكن أن نتصور
تخطيطًا إستراتيجيا للعالقات الخارجية.
من هنا تصبح مهمة بلورة الرؤية الوطنية للدولة حول العالقات الخارجية ،هي أول خطوات التخطيط
اإلستراتيجي للعالقات الخارجية ،ومن خالله يصبح المسار اإلستراتيجي للعالقات الخارجية محددًا ال يتأثر
بتغير الحكومات أو القيادات ،كما أن تحقيق غايات وأهداف إستراتيجية للدولة على الصعيد الدولي يتعذر
في ظل غياب رؤية وطنية تحدد ذلك.
من أهم األهداف اإلستراتيجية التي تسعى إستراتيجية العالقات الخارجية لتحقيقها ،هي تعزيز
القدرات التفاوضية الوطنية على الساحة الدولية ،وإذا كان التخطيط اإلستراتيجي السياسي يسعى
لتحقيق ذات الغرض من خالل ترتيبات داخلية مثل بناء الجبهة الوطنية الداخلية وفق أسس إستراتيجية،
وبلورة اإلرادة الوطنية والمحافظة عليها ،وتعزيز القرار الوطني بالسند المعرفي .إلخ ،فإن إستراتيجية
العالقات الخارجية تسعى لتحقيقه عبر ترتيبات خارجية يمكن تناول أهمها فيما يلي:
371
للتكتالت القوية والكبرى ،وبالضرورة فإن الدول النامية ليست بمعزل عن هذا الواقع ،وبالتالي فهي لن
تتمكن من تحقيق غاياتها وأهدافها اإلستراتيجية في كافة المجاالت في ظل األوضاع الراهنة إال عبر
تكتالت كبرى.
ومن األمثلة المهمة على ارتباط صراع المصالح باإلستراتيجية السياسية هو قيام االتحاد األوربي على
خلفية صراعه مع الواليات المتحدة حول المصالح الزراعية الذي تشكلت بدايته األولى بإقرار السياسات
الزراعية األوربية المشتركة وانتهى بإعالن الواليات المتحدة للحرب االقتصادية على أوربا ،الشيء الذي
عجل بإعالن تأسيس االتحاد األوربي الذي تضمن االتفاق على إتباع سياسة خارجية مشتركة ،التحرك نحو
إقامة نظام دفاعي مشترك بإنشاء جيش أوربي مشترك ،السعي إلقامة اتحاد فدرالي يشمل 340مليون
نسمة هم عدد سكان دول المجموعة األوربية ،التحرير الكامل للسلع والخدمات ،وإلغاء كافة الحواجز فيما
بين دول المجموعة ،إقامة وحدة نقدية تنتهي بإقامة بنك مركزي أوربي موحد.
هذا يوضح جليًا كيف وقف الصراع حول المصالح خلف بروز فكرة االتحاد األوربي كوسيلة لتحقيق القوة
اإلستراتيجية ،أي بمعنى آخر كيف تدخلت اإلستراتيجية السياسية لتعزيز الموقف التفاوضي األوربي.
372
.3امتالك اإلرادة الوطنية لكل أطراف الكتلة الجديدة ،حيث إن بناء كتلة في ظل األوضاع
الدولية ذات األثر الكبير على اإلرادة الوطنية للدول من خالل التمويل والقوانين الدولية
الخ ،يقود نحو كتلة اسمية هشة قد تحقق منافع محدودة.
.4متانة االرتباط الشعبي والحكومي ،وهو يتعلق بإرساء قيم العدل والمساواة والسعي
لتحقيق أهداف إستراتيجية تجد السند والدعم الشعبي ،وغيرها مما يسهم في خلق
االرتباط بين الشعب ومؤسساته السياسية ،بمعنى أنه يصعب الوثوب لتحقيق أهداف
إستراتيجية كبناء كتلة كبرى بين عدد من الدول في ظل عالقات هشة بين حكومات
كل من تلك الدول وشعوبها.
.5وضوح المصالح اإلستراتيجية لكافة األطراف.
.6أن يتم الوصول لذلك التكتل عبر خطة إستراتيجية تتضمن عددًا من الخطط الطويلة
والتي بدورها تتضمن عددًا من الخطط القصيرة والبرامج بما يؤدي إلى عالج نقاط
الضعف التي تقف أمام بناء الكتلة اإلستراتيجية ومواجهة المهددات الدولية واإلقليمية،
وتوفير الظروف واألوضاع المطلوبة لذلكم الهدف .ولعل تطبيق هذا السرد على ملف
الوحدة بين مصر والسودان يشير إلى افتقاد هذا العمل اإلستراتيجي المهم لعنصر
التخطيط اإلستراتيجي السياسي ،فال تخلو جلسة أو اجتماع حول هذا األمر من التداول
حول الماضي وسلبياته (النظرة الدونية لطرف على آخر ،األخ الصغير واألخ الكبير،
مخلفات االستعمار ،بعض اإلشكاالت المتعلقة بالجوانب الثقافية واالجتماعية
واالقتصادية ...الخ) وهي جميعها أمور كان يجب معالجتها من خالل التخطيط الطويل
أو القصير الذي يتناسق ويتكامل لتحقيق الهدف اإلستراتيجي األكبر وهو االتحاد ،وهو
وضع يخالف ما ظل يجري من محاوالت تستند أغلبها في محاولة تحقيق االتحاد وهو
هدف إستراتيجي ،من خالل قرار سياسي وليس من خالل مراحل تتضمن تحقيق العديد
من األهداف الطويلة والقصيرة والتكتيكية ،كما هو محدد في المفهوم العام للتخطيط
اإلستراتيجي.
وأود أن أشير أيضًا إلى أن عدم القدرة على تضمن الخطة اإلستراتيجية للدول النامية لمثل هذا الهدف
المتمثل في بناء تكتالت يشير إلى غياب التخطيط اإلستراتيجي ووقوع تلك الدول في خانة رد الفعل
والضعف التي تنعكس حتى في تخطيطها اإلستراتيجي الذي يتوقف لهذه األسباب في مرحلة الدفاع دون
الولوج للتأسيس لمرحلة المبادرة،
وبرأيي أن الدول اإلفريقية ذات الموارد العالمية الضخمة ال يمكن أن تتوقف مؤثرات البيئة الدولية
عليها نتيجة لوجود األطماع األجنبية ،وهو وضع يتطلب التخطيط اإلستراتيجي السياسي الذي يسعى
373
لتحقيق األوضاع السياسية المناسبة المطلوبة لبروزها كقوة اقتصادية وتحقيقها لنهضة شاملة تعبر بها
مرحلة الفقر نحو الرفاه.
ولعل التدبر في تجربة االتحاد األوربي يشير إلى توفر تلك الشروط إلى حد كبير ،من حيث توفر اإلرادة
الوطنية ووجود الرؤى الوطنية للدول األوربية التي قادت االتحاد ،بجانب وجود قيم كالعدل والحرية
والمساواة والديمقراطية والممارسة السياسية الرشيدة ..الخ الشيء الذي ساهم في بروز االتحاد األوربي
كقوة ال يستهان بها استطاعت تحقيق مصالح إستراتيجية لم يكن من الممكن تحقيقها في ظل الدولة
الوطنية .ويظل التحدي األساس لبناء تكتالت جديدة مثل الكتلة اإلفريقية المعروفة باالتحاد اإلفريقي أو
الكتلة العربية أو كتلة وادي النيل ،رهينًا بمدى تحقيق الشروط أعاله.
ويجب أن أشير هنا إلى أن وضوح الهدف اإلستراتيجي المتمثل في بناء االتحاد األوربي ،والتعامل معه
على هذا األساس أدى إلى كشف العديد من نقاط الضعف الداخلية لدول المجموعة األوربية ،وكذا عدد من
المهددات التي تقف ضد قيام االتحاد ،وهكذا تمت بلورة العشرات من الخطط الفرعية التي تم من خاللها
معالجة نقاط الضعف والمهددات ،كما صدرت العديد من السياسات والتشريعات وتم تعديل العديد منها
بما يجعله يسير تجاه ذلكم الهدف اإلستراتيجي.
أي أن بروز االتحاد األوربي سبقته فترة للتغيير اإلستراتيجي شمل كافة الجوانب السياسية واالقتصادية
واالجتماعية ،توج بإعالن االتحاد ،وال زالت عمليات التغيير تجري حتى اآلن.
وهكذا يتضح أن بناء كتلة بين أي مجموعة من الدول ال يمكن أن تتم من خالل تخطيط عادي ،إذ أن
التخطيط العادي موارده وضيق إطاره الزمني ال يستطيعان توفير األوضاع المواتية لتحقيق األهداف
اإلستراتيجية الكبرى كالتكتل اإلقليمي وما يتطلبه من إجراء العديد من التغيرات اإلستراتيجية.
374
اإلستراتيجية ،ويتم من خاللها توفير أرضية مشتركة بين دولتين أو أكثر تتضمن مصالح أو قضايا
إستراتيجية مشتركة ،يتم العمل لتحقيقها على الساحة الدولية عبر هذا التحالف ،وهي بهذا الشكل تمتد
لفترات زمنية طويلة تنتهي بنهاية األغراض التي قامت من أجلها وقد يتجدد لمقابلة تحديات جديدة أو
مصالح جديدة ،وكما هو الحال في التكتل اإلقليمي ،فإن التحالف اإلستراتيجي ال يتأسس إال على خلفية
إستراتيجية قومية تسعى لتحقيق مصالح إستراتيجية محددة أو لتأسيس أوضاع دولية محددة تقتضيها
المصالح اإلستراتيجية لتلك الدول ،أو مواجهة مهددات تفوق قدرات الدول المتحالفة وهي على انفراد ،فال
يقوم تحالف إستراتيجي دون ذلك.
وقد شهد العالم بعد الحرب العالمية الثانية بروز تحالفين إستراتيجيين أساسيين ،األول هو تحالف
دول المعسكر الغربي ،والثاني هو تحالف الدول الشرقية ،وقد انبثق عن هذه التحالفات العديد من
العمليات اإلستراتيجية ،كما انعكس في بروز العديد من االتفاقيات واآلليات المشتركة في كافة المجاالت
السياسية واالقتصادية واالجتماعية والعسكرية ،وقد امتد هذا التحالف إلى العام 1989حيث انهار االتحاد
السوفيتي وبرز القطب األمريكي ،ونذكر فيما يلي نماذج لبعض التحالفات:
برز التحالف بين الواليات المتحدة ومجموعة دول أوربا الغربية على مجموعة من القيم التي كانت
بمثابة ثقافة مشتركة ألعضاء التحالف ،تمثلت في الحريات العامة والديمقراطية واقتصاد السوق الحر،
وقد تجلى هذا الحلف عندما قامت الواليات المتحدة بتقديم دعم مالي ضخم إلعادة إعمار أوربا بعد الحرب
العالمية الثانية ،ثم تطور هذا الحلف أكثر بقيام حلف شمال األطلسي في العام ،1949والذي يلزم األعضاء
بالدفاع المشترك عند تعرض أي من الدول األعضاء في التحالف لهجوم.
إذا كان التحالف اإلستراتيجي يمكن من تحقيق مصالح إستراتيجية مشتركة ،فإنه في ظل المتغيرات
الدولية أو حدوث بعض التناقضات داخل الحلف والتي قد تتعارض مع المصالح اإلستراتيجية لدولة أو أكثر
في ذلك التحالف ،يمكن أن يتطور إلى مرحلة التكتل اإلقليمي ،وقد حدث هذا بالفعل عندما تحالفت
ألمانيا وفرنسا ،حيث حدثت بعض الخالفات بين الواليات المتحدة التي كانت ترغب في إنشاء اتحاد
أطلسي ،وبين دول أوربا الغربية التي كانت ترنو ببصرها نحو إقامة تكامل اقتصادي ،وهكذا بدأت خطوات
تأسيس االتحاد األوربي من خالل التحالف األلماني الفرنسي.
375
محاوالت التحالف األمرييك مع دول أوربا الرشقية:
على خلفية الصراع الدولي المحموم للمصالح ،سعت الواليات المتحدة إلى خلق تحالف إستراتيجي مع
دول أوربا الشرقية بغرض إضعاف االتحاد األوربي وتحويله إلى تجمع اقتصادي فقط ،ومنعه من التحول
إلى قوة عظمى وذلك من خالل محاولة إفشال أي جهود لبلورة رؤية سياسية إستراتيجية أوربية مشتركة،
تارة من خالل حليفتها بريطانيا وتارة من خالل حلف األطلسي ،وقد حدث بعض التقدم في هذا االتجاه
ظهر بوضوح في مساندة المجر وبولندا والتشيك للواليات المتحدة خالل األزمة العراقية تراوحت ما بين
إرسال جنود إلى الخليج أو تقديم دعم لوجستي أو مساندة المعارضة العراقية.
السودان بحكم ثرواته الطبيعية ظل يتعرض لمخططات إستراتيجية أجنبية عديدة وقفت بشكل كبير
خلف ما ظل يتعرض له السودان منذ االستقالل ،وقد استطاع السودان من خالل التحالف مع الصين أن
يستخرج النفط خالل األعوام الخمسة الماضية ،وهو وضع يناقض المخطط األمريكي الذي لم يضع أولويات
الستخراجه في ذلك التوقيت ،وعلى هذا األساس ظلت كل جوالت التفاوض مع الحركة الشعبية المعارضة
خالل العقدين الماضيين تفشل في آخر لحظة بفعل التدخل األمريكي ،وبعد استخراج النفط السوداني
تحول الموقف األمريكي من إفشال المفاوضات إلى عنصر رئيس إلنجاحها ،ولم يتم ذلك إال من خالل التحالف
السوداني الصيني.
هذا التحالف يشير إلى أن السودان استقوى بالصين التي لها أيضًا مصالح في السودان ،إال أن توازن
المصالح الدولية التي تربط الصين مع المصالح الدولية األخرى تضيف تحديًا للسودان بضرورة استكمال
هذا التحالف بترتيبات إستراتيجية أخرى ،فالصين ال تستطيع التفريط في مصالحها الضخمة مع القوى
الرئيسة األخرى كالواليات المتحدة.
376
على دور هذه الشراكات على تحقيق االستقرار واألمن القومي في اليابان ،وهناك الشراكات بين القطاع
الخاص الصيني واألمريكي والتي ألقت بتأثير قوي ومباشر على السياسات لكال البلدين ،يكفي دليلًا على
ذلك تعقيدات إدارة ملف األزمة المالية العالمية.
يجب اإلشارة إلى أن هذه الشراكات اإلستراتيجية يجب أن تتم من خالل اإلستراتيجية الوطنية للدولة
وليس بشكل عشوائي( ،يرجى مراجعة الفصل الثالث حيث تالحظ أن خطوات اإلدارة اإلستراتيجية للدولة
تتضمن تأسيس بين الحكومة والقطاع الخاص ،وهذا ترتيب أولي للدخول في شراكات دولية الحقة ،كما
يمكن مالحظة صيغة الرؤية في مستوى الدولة والمستوى الفرعي ومستوى الشركات ،سيالحظ القارئ أن
الصياغة تؤسس لالرتباط والتكامل والتناسق بين إستراتيجيات الشركات واإلستراتيجية القومية).
إن الحوار اإلستراتيجي المتعلق بتأسيس الشراكات اإلستراتيجية ،يجب أن يكون في المرحلة األولى بين
الدول (حكومات) عبر رؤية دولة ،ثم يأتي دور الشركات الخاصة للتنفيذ ،هذا الترتيب يعطي الفرصة
لتحقيق مصالح أفضل للدولة عبر نظام التبادل اإلستراتيجي للمصالح( ،أعطيك مصلحة إستراتيجية
مقابل أن تعطيني مصلحة إستراتيجية) كحصول الصين على التقانة اإلستراتيجية النووية من روسيا في
إطار تبادل إستراتيجي ،ويجب هنا أن ندرك أن السلع اإلستراتيجية ال تعرض في السوق لمن يدفع مثل
التقانات في مجال الطاقة النووية مثلًا أو طائرات اإلنذار المبكر أو الطائرات المقاتلة المتطورة ،إلخ.
العكس يعني تفريط الدولة في موارد إستراتيجية دون مقابل ،كمنح امتيازات المعادن والنفط في
إفريقيا أو المستثمرين في دول أخرى لمساحات ضخمة من األراضي الزراعية مع ماليين من األمتار المكعبة
من المياه لزراعتها ،دون تحقيق مصلحة إستراتيجية للدولة المانحة ،كالحصول على تقانة إستراتيجية أو
حصص إستراتيجية في السوق العالمي أو اإلسناد السياسي اإلستراتيجي.
توفير السند للمصالح الوطنية اإلستراتيجية ال يتوقف فقط على تعزيز القدرات التفاوضية للدولة
من خالل الشراكات والتحالفات ..إلخ ،وإنما يمتد ليشمل مهام أخرى من أهمها توفير التقانات والعلوم
والخبرات المتقدمة ...إلخ ،وهذا يعني بالضرورة أن يتعرف خبراء التخطيط اإلستراتيجي للعالقات
الخارجية للمصالح الوطنية اإلستراتيجية وقد يستدعي ذلك اللقاء المباشر وعقد ورش العمل واللقاءات
التفاكرية مع الجهات المختلفة بغرض التعرف عن عمق لطبيعة األهداف اإلستراتيجية وما يتصل بها
من ظروف وأوضاع وضعف ومهددات وقضايا .إلخ.
إن ذلك سيبدو واضحًا عند تأسيس التحالفات وغيرها من الترتيبات اإلستراتيجية الخارجية ،حيث
تظهر بنود المصالح الوطنية في أجندة االتفاقات الخاصة بتلك الترتيبات ،بل قد يتم تأسيس أوضاع أو
شراكات دولية بقصد توفير بعض المطلوبات للمصالح الوطنية ،كما ستظهر في بعض الجوانب مثل دعم
377
التوجهات اإلقليمية للحفاظ على الغابات طالما أن تدميرها وقطعها سيؤثر على المصالح اإلستراتيجية
للدولة من انحسار للمطر أو تغير المناخ.
إننا بهذا الفهم يمكن أن نتخيل دور إستراتيجية العالقات الخارجية ودور وزارة الخارجية ،إذا لم يتم
التعرف على المصالح اإلستراتيجية للدولة وكذا الخطط المرحلية المحققة لها ،بهذا الشكل ،وهذا يعني
سير خطط الدولة الخاصة بالعالقات الخارجية بشكل كبير تجاه العمل الروتيني واألزموي.
طالما أن إستراتيجية العالقات الخارجية تقوم على توفير السند المطلوب لتحقيق المصالح
اإلستراتيجية الوطنية ،على الساحة الدولية ،فإن هذا الوضع يتطلب تطوير نظم العمل بالوزارة المعنية
بتنفيذ الخطط المرحلية ،وهي وزارة الخارجية بما في ذلك إعادة هيكلة الوزارة ،إعادة هندسة العمليات
واإلجراءات ،.تطوير جهاز التخطيط بما في ذلك تطوير نظم وآليات المتابعة والتقييم ...إلخ ،بالوزارة بما
يتفق مع مطلوبات تحقيق المصالح اإلستراتيجية الوطنية.
إن هذه التجهيزات ينبغي أن تمكن الوزارة من التعامل بديناميكية ووضوح للرؤية اإلستراتيجية دون
السقوط في فخ إطفاء األزمات والمراسم البروتوكولية ،ويمكن فيما يلي ذكر النشاطات المطلوب إتمامها:
.1التعرف على المصالح اإلستراتيجية للتعرف على الرؤية الوطنية (الصورة الكاملة لألوضاع
المستقبلية) والتعرف على الترتيبات اإلستراتيجية المطلوب استيفاؤها خارجيًا.
.2التعرف بدقة على السند اإلستراتيجي الدولي المطلوب على مستوى القطاعات من خالل
وسيلتين:
378
ه .دراسة الخطط المرحلية الفرعية.
و .عقد لقاءات وورش عمل مع مسؤولي الخطط المرحلية الفرعية بالوزارات.
ز .عقد لقاءات وورش عمل مع القطاع الخاص والمنظمات الطوعية.
.6تحديد المصالح والمهام المطلوب عملها في كل دولة من الدول.
من الجوانب المهمة التي تسعى إستراتيجية العالقات الخارجية لتأسيسها ،تهيئة األوضاع الخارجية
بما يتوافق مع المصالح والتوجهات اإلستراتيجية للدول ،ومن هنا فإن التحالفات والتكتالت تشكل أحد
تلك الوسائل المهمة لتحقيق ذلك الغرض ،إال أن تحقيق بعض األهداف اإلستراتيجية قد يصعب تحقيقه
في كثير من األحيان إذا لم يستند ذلك الترتيب اإلستراتيجي على قوة إستراتيجية كافية ،وهذا جانب آخر
من جوانب تكامل وترابط التخطيط اإلستراتيجي ،نذكر فيما يلي نموذج يوضح ذلك:
379
ودون الخوض في تفاصيل ،فإن االتجاه األوربي نحو تأسيس قوة الدفاع األوربية تعمل بشكل مستقل
عن الناتو رغم ما يعتري ذلك من خالفات ،بجانب محاوالت توحيد الهوية السياسية األوربية ،يشير إلى
محاولة تعزيز القوة اإلستراتيجية لالتحاد األوربي حتى يستطيع المشاركة بفاعلية في إدارة العمليات
الدولية ،وهو ما يشير أيضًا إلى أهمية القوة اإلستراتيجية ألطراف التحالف أو التكتل اإلقليمي.
ظل العالم يدار بواسطة نظام يضعه القوي في زمانه ،وفي التاريخ الحديث أي عقب الحرب العالمية
الثانية ،سقط نظام وبرز نظام جديد وهو نظام األمم المتحدة الذي وضعه المنتصرون أي أصحاب القوة
اإلستراتيجية العظمى ،وهذا يعني أن بلورة أي أهداف إستراتيجية سياسية أو اقتصادية أو ثقافية ،على
المستوى الكوني تستدعي السيطرة على إدارة العمليات الدولية مما قد يستدعي إعادة تصميم النظام
العالمي ،الشيء الذي يستلزم امتالك القوة اإلستراتيجية،
وقد أثبت التاريخ أن اإلرسال الحضاري كان دائمًا يتم من مركز إرسال قوي ،فكانت دولة الرومان
والمسيحية والدولة اإلسالمية األولى وفي العصر الحديث برز االتحاد السوفيتي برسالة الشيوعية ،وفي
1989دشنت الواليات المتحدة العولمة بمفهومها األمريكي من خالل اتفاقية واشنطن.
كل ذلك يدل على ارتباط القوة اإلستراتيجية بتحقيق المصالح ومن ثم ارتباط ذلك بالتخطيط
اإلستراتيجي للعالقات الخارجية.
يعتبر االقتصاد هو المحور الذي تدور حوله السياسة الدولية ويحتدم حوله الصراع ،ومعظم ما يدور
اآلن من صراع في الساحة الدولية نجد المصالح االقتصادية تشكل الطرف األساسي خلفه.
ولعل ارتباط المصالح االقتصادية بالبيئة الدولية سواء من ناحية األسواق الدولية لتصريف اإلنتاج أم
من ناحية المواد الخام المطلوبة لإلنتاج ،وعلى هذا األساس يتم وضع إستراتيجيات العالقات الخارجية
بما يؤدي لتحقيق تلك المصالح ،وإن تقسيم العالم إلى دول وتحديد حدودها السياسية ومن ثم تقسيمه
بين الدول الكبرى كخطوة سبقت عهد االستعمار ،ما هو إال نوع من أنواع التخطيط اإلستراتيجي للعالقات
الخارجية الذي انطلق من منظور عالمي استهدف البيئة الدولية وجاء للدول االستعمارية بالمواد الخام
والرقيق وفتح لها األسواق.
من أهم األهداف اإلستراتيجية التي تسعى لها المخططات اإلستراتيجية االقتصادية هو تحقيق
القدرات التنافسية العالمية أو ما يسمى بالميزة النسبية العالمية كخطوة أساسية للسيطرة على حصص
380
إستراتيجية في أسواق العالم ،وقد شهد العالم عقب الحرب العالمية الثانية بروز إستراتيجية النمور
اآلسيوية التي أسقطت نظرية ريكاردو حول الميزة النسبية والتي تقوم بشكل أساسي على امتالك الموارد
الطبيعية والموقع الجغرافي ،حيث استطاعت دول النمور تحقيق الميزة النسبية العالمية رغم فقرها
للموارد الطبيعية ورغم بعدها عن األسواق العالمية ،وقد استندت هذه اإلستراتيجية بشكل أساسي على
امتالك حصص إستراتيجية ضخمة في أسواق العالم ،ودون الخوض في تفاصيل هذه اإلستراتيجية ،إال أن
الشيء الواجب ذكره هنا هو أن الميزة النسبية لدول النمور اآلسيوية مربوطة بالحفاظ على تلك األسواق
العالمية وأن العكس يعني انهيار اقتصاديات تلك الدول تمامًا .على هذه الخلفية قامت إستراتيجيات
العالقات الخارجية لليابان وكوريا وغيرهما لفتح تلك األسواق والمحافظة عليها وقادها للدخول في
شراكات وتحالفات دولية مع معظم دول العالم،
كما قامت الدول التي تملك الحصص السوقية وال تملك بعض القدرات والمزايا التنافسية بالدخول في
شراكات دولية مع دول تملك المزايا والقدرات التنافسية ،كما أن ارتباط المصالح اإلستراتيجية لتلك الدول
باستقرار بل وزيادة القوة الشرائية للشعوب والدول ،جعل إستراتيجياتها الدولية تقف ضد أي توجهات
تأتي بعكس ذلك ،بل وتسعى إلى تحسين األوضاع االقتصادية ألي دول يمكن أن تشكل لها سوقًا
إستراتيجيا لمنتجاتها.
إن انطالق إستراتيجية العالقات الخارجية ال يمكن أن يتم بمعزل عن دعم إستراتيجي إعالمي ،وقد
ذكرنا في معرض حديثنا عن التخطيط اإلستراتيجي لإلعالم أن من أهم الوسائل التي ارتكزت عليها
المخططات اإلستراتيجية األجنبية والتبرير لظاهرة العولمة والنظام العالمي الجديد بقيادة الواليات
المتحدة األمريكية ،هو القوة اإلعالمية ،وقلنا أن معظم ما تم تنفيذه على خارطة العالم من مخططات
استند على قاعدة متينة من التأييد العالمي يجسدها الرأي العالمي الذي تم تشكيله عبر اإلستراتيجيات
اإلعالمية ،وهي مخططات لم يكن من الممكن تنفيذها في ظل غياب التأييد الشعبي العالمي،
كما أشرنا إلى أن اإلعالم يجسد وسيلة رئيسة إلرسال الفكر وهذا يوضح أهمية اإلستراتيجية اإلعالمية
في إدارة حوار المصالح الدولية ،وعلى العكس يمكن إدراك كيف أن ضعف اإلعالم الوطني يمكن أن يهدد
األمن القومي اإلستراتيجي.
إن النجاح المذهل الذي حققته الفضائيات في جذب الجمهور العالمي إليها يشكل أحد أهم مؤشرات
التأثير اإلعالمي ،يأتي ذلك في الوقت الذي باتت فيه قطاعات واسعة من الجمهور معزولة عن حكوماتها
ومنظماتها المحلية بفضل البث الفضائي العالمي ،أي أن اإلعالم اإلستراتيجي العالمي استطاع قطع
خطوات كبيرة في السيطرة على الشعوب المختلفة وإبعادها عن حكوماتها ومؤسساتها الوطنية ،وهذا
381
يعني تهديد األمن القومي الوطني ،وهو أمر ال يمكن أن يتم عبر إعالم تقليدي غير إستراتيجي.
وهكذا يصبح المواطن العالمي متأثرًا باإلعالم األجنبي الذي يسعى لبناء تراكمات معلوماتية راسخة في
ذهنه ال تتفق في كثير من األحيان مع التوجهات والمصالح الوطنية ،إزاء هذا الوضع يتعذر انطالق
اإلستراتيجيات المضادة وعلى رأسها إستراتيجية العالقات الخارجية.
كما أن اإلعالم التقليدي يسعى إلى تشكيل المواطن بالقيم المحلية وتعبئته وفق متطلبات التنمية
المحلية ،وهذا ال يتسق مع توجهات إستراتيجية العالقات الخارجية التي يفترض أن تواجه إستراتيجيات
دولية تستند إلى إعالم إستراتيجي يسعى إلى إعادة تشكيل المواطن ليحمل ثقافة عالمية وفكر عالمي.
كما أن تحقيق المصالح االقتصادية على الساحة الدولية ال يمكن أن يتم إال من خالل إعالم إستراتيجي
يستطيع خدمة هذا التوجه اإلستراتيجي ذو األبعاد العالمية ليواجه تحدى التسويق والترويج عالميًا بدلًا
عن التسويق والترويج المحلي ،ومخاطبة بيئات متباينة ومختلفة ومعقدة ذات أنماط متباينة ،بدلًا عن
بيئة بسيطة ذات أنماط متشابهة وغير معقدة.
من أهم ما تسعى إليه إستراتيجية العالقات الخارجية هو تقديم الدعم والسند المطلوب للجوانب
المتعلقة باأليدولوجيات والمعتقدات ،ولعله من المعروف أن المصالح الدولية ال تخرج عن نوعين
رئيسيين:
األول :المصالح المادية أو االقتصادية
الثاني :المصالح المعنوية وتشمل األديان والثقافات والفكر.
وهكذا ظهرت اإلمبراطورية الرومانية والدين المسيحي ،والدولة اإلسالمية واإلسالم ،واالتحاد السوفيتي
والشيوعية والواليات المتحدة األمريكية والعولمة الثقافية التي تسعى لنشر الثقافة الغربية ،وفي كثير
من األحيان يجتمع النوعان معًا في اهتمامات الدول .وقد أشارت العديد من الدراسات إلى اآلثار العميقة
لأليدولوجيات واألديان على نشاط العالقات الخارجية.
على خلفية مفهوم اإلدارة اإلسالمية الوارد في صدر الفصل األول من الباب األول من هذا الكتاب ،فإن
التخطيط اإلستراتيجي اإلسالمي للعالقات الخارجية يتحرك داخل إطار يقيده بالعمل لصالح خير البشرية
من تحقيق لألمن والسلم الدوليين وتحقيق لمصالح األفراد والجماعات وحفاظ على البيئة وعدم إفسادها.
إلخ.
382
الفصل الخامس
383
التخطيط اإلسرتاتيجي للعالم واملعلومات
يقوم مفهوم التخطيط اإلستراتيجي على امتالك القوة اإلستراتيجية اإلعالمية وتوفير السند المطلوب
لتحقيق المصالح الوطنية اإلستراتيجية بما يشمله ذلك من القدرة على التواصل الفاعل مع مواطني
384
الدولة وكذا القدرة على إحداث تأثير أساسي في الجمهور العالمي وبلورة رأي عالمي،
وذلك عبر بلورة أهداف إستراتيجية يتم من خاللها تحقيق بناء فكري أساسي أو إحداث تغييرات فكرية
أساسية وذلك من خالل استيفاء العناصر األساسية الخمسة (تحديد المداخل اإلعالمية المناسبة
والتراكمات المعلوماتية المنظمة ،اإلرسال اإلستراتيجي الذي يصل للجمهور المستهدف ،بلغته ،وبالجودة
العالمية)،
وذلك بغرض مواجهة التحديات على البيئة المحلية واإلقليمية والعالمية ،ويتضمن تحقيق القدرات
التنافسية اإلعالمية العالمية.
من الحقائق الجديرة بالمالحظة في هذا المفهوم هو انطالق اإلعالم اإلستراتيجي على خلفية
اإلستراتيجية القومية ،وهذا يعني أهمية إدراك:
.1طبيعة المصالح اإلستراتيجية الوطنية
.2المهددات الوطنية
.3نقاط الضعف الوطنية
.4محاور التغيير اإلستراتيجي وطبيعته.
وهذا يعني أن وضوح الرؤية الوطنية (المصالح الوطنية اإلستراتيجية ،المهددات ونقاط الضعف،
القضايا اإلستراتيجية) ،ينعكس في مستوى األداء والسلوك اإلعالمي
385
خارطة املسار اإلسرتاتيجي:
تعتبر خارطة المسار اإلستراتيجي من الوسائل المهمة التي يمكن من خاللها تحقيق التناسق والتكامل
والترابط بين أنشطة الدولة وكذا السيطرة على اإلنفاق الحكومي بما يضمن عدم ممارسة نشاط غير
مطلوب أو متناقض وكذا عدم صرف أي مبالغ في أنشطة غير مطلوبة.
إن خارطة المسار اإلستراتيجي تحدد المصالح الوطنية اإلستراتيجية كما تحدد كافة نقاط الضعف
والمهددات التي تعترض تحقيق تلك المصالح ،وهذا يعني وضوح المصالح وكذا وضوح القضايا
اإلستراتيجية ،على هذه الخلفية ينطلق التخطيط اإلستراتيجي لإلعالم حيث يصوب أهداف إستراتيجية
مباشرة نحو تلك القضايا اإلستراتيجية ،بعضها مباشر مثل تحقيق رأي عالمي تجاه موضوعات معينة
وبعضها يتعلق بالتغيير اإلستراتيجي مثل تغيير السلوك االجتماعي أو السياسي السلبي ،وبعضها يصوب
نحو نقاط الضعف أو المهددات التي ترد بخارطة المسار اإلستراتيجي.
لذا تأتي إستراتيجية اإلعالم عقب االنتهاء من كافة عمليات التخطيط اإلستراتيجي القومي عدا
التعليم ،حتى يتم إعداد إستراتيجية اإلعالم على خلفية المصالح الوطنية .هذا الوضع يعني عدم
ممارسة نشاط غير مطلوب.
386
إستراتيجي اقتصادي يستهدف الحصول على حصة إستراتيجية من اللحوم في تلك الدولة وما قد يتضمنه
ذلك من صراع دولي أو محلي للمصالح ،إال أن دراسة تحليل البيئة قد تنطلق من خالل مداخل إعالمية
محددة منها ،فنجد أن ارتفاع مستوى الوعي الصحي في تلك الدولة تجاه لحوم الحيوانات التي تتغذى بعلف
صناعي ،وآثاره الصحية ،قد يحتم الدخول من خالل ذلك الوضع ،والمتابع لإلعالم الغربي يالحظ أنه
يعتمد على مداخل مدروسة بعناية مثل المدخل اإلنساني ،حقوق اإلنسان ،اإلرهاب ،الرق ،فيقوم بتصميم
رسائل إعالمية تخاطب جوانب نفسية عميقة لدى الجمهور العالمي.
شكل رقم :1 / 5نموذج مبسط لخارطة المسار اإلستراتيجي
الرؤية الرسالة
إسرتاتيجية اإلعالم
387
.2التراكمات المعلوماتية:
من أهم سمات اإلعالم غير اإلستراتيجي هو أنه يعمل على نقل المعلومة من المرسل إلى المستقبل
عبر حوار أو فيلم أو مسلسل وما إلى ذلك ،إال أن هذا المفهوم ال ينجح إال في مجاالت معينة حيث يصلح
إلحداث تغييرات غير أساسية أو بناء نظام معلوماتي بسيط مثل نقل األخبار ،فيما يقوم المفهوم
اإلستراتيجي على توصيل الرسالة إلى المستقبل عبر مراحل طويلة وبهدوء( ،سواء تراكم بالصورة أو
بالكلمة) ليتم من خاللها إحداث تغيير معلوماتي أو بناء معلوماتي يقوم على ترسيخ مفاهيم وحقائق
أساسية ،فال نتوقع مثلًا تغيير األنماط االستهالكية لجمهور معين أو تغيير ديانته أو ثقافته أو قناعاته،
بمجرد إرسال الرسالة البسيطة بالكيفية المعروفة ،فهذا تغيير أساسي يجب التعامل معه باعتباره بنيان
ضخم يتطلب بناؤه خطوات ومراحل ،ومن األمثلة على األهداف التي تم تحقيقها عن طريق التراكم
المعلوماتي الدقيق ربط المسيحية بالمحبة ،فال يذكر المسيح إال ومعه المحبة والسالم.
إن تحقيق هذا الفهم لم يتم عبر المفهوم البسيط وإنما عبر تراكم معلوماتي طويل المدى ،وال يختلف
تحقيق التراكم المعلوماتي اإلعالمي وهو ما يطلق عليه الهدف اإلستراتيجي المعين ،عن تحقيق الهدف
اإلستراتيجي في المجاالت األخرى ،وإذا افترضنا أن تصنيع السيارة هو هدف إستراتيجي (مجازًا على سبيل
التوضيح) فإننا ال يمكن أن نتصور أن هذه العربة يمكن تصنيعها من خالل إدخال الحديد والزجاج
والبالستيك وغيرها من المواد المطلوبة لصناعة السيارة ،إلى داخل ماكينة ضخمة ومن ثم إدارة زر
تشغيل تلك الماكينة لتخرج لنا سيارة مكتملة ،وإنما يتم تصنيعها عبر أربع خطوات رئيسة ،الخطوة
الرابعة منها عبارة عن تصنيع:
الماكينة (هدف طويل لخطة طويلة)
جسم العربة (هدف طويل لخطة طويلة)
الشبكة الكهربائية (هدف طويل لخطة طويلة)
وهي يمكن أن نعبر عنها باألهداف الطويلة المطلوبة لبناء السيارة ،إال أن تصنيع كل من تلك األجزاء
الثالثة يحتاج إلى خطوة ثالثة يمكن أن نسميها األهداف القصيرة ،لتصنيع قطع أصغر بالنسبة للهدف
األول مثل تصنيع:
الكاربريتر (هدف قصير لخطة قصيرة)
الجربوكس (هدف قصير لخطة قصيرة)
جسم المحرك (هدف قصير لخطة قصيرة)
وهذا يعني الدخول في الخطوة الثانية وهي البرامج ،وهي بالنسبة للجربوكس على سبيل المثال تعني
388
تصنيع:
جسم الجربوكس (هدف لبرنامج ضمن الخطة القصيرة إلنتاج الجربوكس)
التروس الداخلية (هدف لبرنامج ضمن الخطة القصيرة إلنتاج الجربوكس)
الوصالت الخارجية (هدف لبرنامج ضمن الخطة القصيرة إلنتاج الجربوكس)
وهذا يعني الدخول في الخطوة األولى وهي التكتيكات ،وهي بالنسبة للتروس الداخلية للجربوكس على
سبيل المثال تعني تصنيع:
عدد من المسامير (هدف تكتيكي ضمن برنامج إنتاج التروس الداخلية للجربوكس)
عدد من الصواميل (هدف تكتيكي ضمن برنامج إنتاج التروس الداخلية للجربوكس)
عدد من التروس (هدف تكتيكي ضمن برنامج إنتاج التروس الداخلية للجربوكس)
إن هذا المثال بالرغم من أنه مجازي وغير دقيق فيما يتعلق بإطالق مسميات األهداف إال أنه يوضح
الشبكة المترامية األطراف من التكتيكات والبرامج التي تشكل األهداف القصيرة والتي بدورها تشكل
األهداف الطويلة ومن ثم تشكل الهدف اإلستراتيجي.
إن نقل تغيير مفاهيم المواطن الغربي عن اإلسالم على سبيل المثال ال تتم بمحاضرة وإنما من خالل
اعتماد ذلك كهدف إستراتيجي يتم تقسيمه إلى أهداف طويلة ومتوسطة وقصيرة وبرامج وتكتيكات ،إال
أن العبرة في أن وضوح ذلك الهدف اإلستراتيجي في ظل وجود الفلسفة اإلستراتيجية للتخطيط اإلعالمي،
التي تستطيع أن توفر اإلطار الذي يربط بين تلك األهداف المتناثرة ويجعلها تتم في تناسق وتكامل،
وبذلك يتم تحقيق الهدف بهدوء ،الشيء الذي يعني إحداث تغيير إستراتيجي أو بناء نظام معلوماتي
جديد ،وهكذا يمكن أن نتصور ضخامة إعداد األهداف اإلستراتيجية التي يسعى المخطط اإلستراتيجي إلى
تنفيذها.
هو عمل ضخم للغاية فعلي سبيل المثال إن تحقيق تكتيك معين قد يتطلب إنتاج فيلم بأكمله.
المشهد التالي يعبر عن هدف تكتيكي صغير في إطار هدف لتعزيز المحبة وربطها بالمسيحية ،فقد
تشاهد فيلمًا راقيًا يجذبك في قصة إنسانية مؤثرة تنتهي في الصحراء بحادث ألسرة يوشك طفلها على
الموت ،وينجح المخرج والتصوير والموسيقى في استجماع كل الحزن الموجود بداخل المشاهد وهو ينظر
لذلك الطفل وهو يموت ،ليبدأ المشهد في التغير بوصول قسيس ذي وجه شديد الطيبة والرحمة ،ال يقوم
المصور بعرض صورته مباشرة وإنما بالتصـوير البطيء من أسفل حيث حذاؤه األبيض (وليس األسود) ثم
جلبابه األبيض ،ليقوم بحمله على أحضانه حيث الصليب معلق في صدره ،والركض به نحو الكنيسة ،فيما
389
ال زال التصوير بالحركة البطيئة ،عندها يقوم المخرج بإبراز صورة الكنيسة من أسفل إلى أعلى بما يجعل
خلفية الكنيسة هو السماء ،لتترك انطباعًا تكتيكيًا ذكيًا سريعًا عـن ارتباط تلك الكنيسة التي على
األرض ،بالسماء الذي يظهر خلفها ،ثم يبدأ العالج ،وعند بدء إفاقة الطفل تبدأ موسيقى األمل في العزف،
وعندما يصرخ بقوله (ماما) يذرف المشاهدون دموع الفرح ،فيما يكون ذلك الفيلم قد نجح في بناء هدف
تكتيكي ضمن أهداف أخرى متعددة تسعى نحو بناء تراكم معلوماتي ،هذا إن هناك أعمالًا أخرى تتولى
تحقيق تكتيكات مشابهة للحفاظ على هذا االنطباع وغيرها أو إلحداث أهداف أخرى إلى أن يصل المخطط
اإلستراتيجي عبر سنوات طويلة لتحقيق الهدف المعين.
ولعل هذا يتفق مع إحدى السمات الرئيسة للتخطيط اإلستراتيجي وهو أنه يتطلب فترات زمنية
طويلة لتحقيقه ،ولعل هذا هو األسلوب إلحداث التغييرات اإلستراتيجية ،أما مجرد االنتظار للرد الفوري
اللحظي االنطباعي أو العمل لمجرد إرسال معلومات إلى اآلخر بدون تخطيط بعيد المدى يتعلق بكنـه
ومراحل بناء المعلومة ،ونطاق استقبالها فهو ال يخدم غرض ،ومثال لذلك أننا في حال تعرضنا لهجوم أو
نقد غربي ،نقوم بعقد حلقات تلفزيونية على سبيل المثال في قنوات مثل الجزيرة والعربية وغيرهما،
يتم من خاللها مجرد توضيح الحقائق أو رد االتهامات أو غير ذلك وغالبًا ما يتم من خاللها تفريغ الهواء
الساخن بشتم أمريكا وغيرها أو إثبات عدم صحة ما قيل من اتهامات ،ولكن السؤال هل وصلت تلك الرسالة
إلى الشعب األمريكي أو الغربي؟
وهل تمت من خالل مخطط إلحداث تراكم معلوماتي معين ،اإلجابة في معظم األحوال بالنفي فالشعب
األمريكي على سبيل المثال مغيب تمامًا وال يدري عما يجرى لدينا إال من خالل بعض المعلومات التي ترد
إليه من آن إلى آخر ،فضلًا عن أن اإلستراتيجيات الثقافية األخرى يجري إعدادها لتعمل على دعم البناء
السلوكي للمواطن الغربي وهي تقوم على االهتمام بالذات.
عليه إذا كانت الرسالة اإلعالمية العربية أو اإلفريقية لم تصل إلى المواطن الغربي الذي يشكل العمود
الفقري للنظام الغربي ،ووفق المواصفات المطلوبة ،فإن تلك الرسالة فاشلة ال محالة ،والعكس صحيح.
من هنا فإننا نستطيع أن نتبين خطورة التعامل مع إستراتيجيات متقنة كهذه عبر إعالم انفعالي
بسيط ،يكون همه فقط رد الفعل أو التبرير ،كما نتبين أيضًا خطورة التعامل مع التكتيكات فقط دون
إدراك األهداف اإلستراتيجية ،ولعل مثال لذلك هو أن العالم كله تاه مع حقوق اإلنسان واالضطهاد والمأساة
اإلنسانية في بعض مناطق إفريقيا ،دون إدراك أن تلك االتهامات ما هي إال برامج وتكتيكات لتحقيق
أغراض معينة ،بينما الهدف اإلستراتيجي قد يكون تحقيق مصالح معينة في تلك المناطق ،وهكذا نزول
القوات األمريكية في الخليج وبحر قزوين والعراق .إلخ.
هكذا يالحظ المتابع لإلنتاج اإلعالمي اإلسالمي في الغرب أن جانب كبير منه يتناول موضوعات تجعل
390
تصنيفها يقع ضمن نطاق اإلعالم التقليدي الذي يتميز بردود األفعال ،فعناوين الكتب اإلسالمية
والعربية واإلفريقية التي صدرت بلغات أجنبية غربية ،تشير إلى أنها تمثل الموضوعات التي يتناولها
اإلعالم الغربي بالنقد ،فيتم صدور رد من أحدهم في شكل كتاب للدفاع عن القضية المعينة ،فهو بذلك
يصبح نشاطًا يقع في إطار رد الفعل وليس المبادرة التي تهتم بتحديد موضوعات معينة ترغب تلك
الدول العربية واإلفريقية في نقلها للجمهور الغربي.
.3اإلرسال اإلستراتيجي:
وهذا يستدعي االهتمام باآلتي:
.1اإلرسال اإلستراتيجي الذي يستطيع الوصول للجمهور بحيث يكون استقباله بواسطة الجمهور
المستهدف ممكنًا وميسورًا.
.2األقمار الصناعية باعتبارها وسيلة مهمة في اإلعالم اإلستراتيجي ،ويشمل هذا الجانب أيضًا
امتالك المسارات الفضائية.
.3منصات اإلطالق.
.4التقنيات الحديثة التي تمكن من الوصول إلى الجمهور اإللكتروني العالمي.
.4اللغة:
واللغة هنا تعني المعرفة بالجمهور العالمي المستهدف:
.1التمكن من لغة الجمهور العالمي المستهدف.
.2المعرفة بسلوك الجمهور العالمي المستهدف.
.3المعرفة بتاريخ الجمهور العالمي المستهدف.
.4المعرفة بثقافة الجمهور العالمي المستهدف.
391
ويجب اإلشارة هنا إلى أن المصداقية تعتبر من أهم مواصفات جودة اإلنتاج اإلعالمي التي تشكل معيارًا
مهمًا للحصول والمحافظة على الجمهور.
ومما يفرق بين مفهوم التخطيط اإلعالمي التقليدي والمفهوم اإلستراتيجي هو أن التخطيط التقليدي
يقوم على تحليل بيانات الماضي والحاضر في سبيل التنبؤ بالمستقبل ،كما أن مضمون الرسالة وفق هذا
المفهوم يأتي منسجمًا مع توقعات الجمهور ،وهذا المفهوم يعني التكيف مع الواقع ،ومن ثم تتم باقي
العملية اإلدارية من تنظيم وتوجيه ورقابة وإعادة تخطيط ،أما إستراتيجيا فإن األمر يختلف ،حيث إن
التخطيط اإلستراتيجي لإلعالم ال يستسلم إلى الواقع بل يسعى إلى إحداث تغييرات إستراتيجية أو بناء
فكري أساسي ،وهذا يتطلب تخطيط إستراتيجي مبادر وجرئ يتم من منظور مفتوح يحسن قراءة البيئة،
ومن ثم يتم تحديد األهداف اإلستراتيجية التي قد تكون غير منسجمة مع توقعات الجمهور ،وهي بموجب
ذلك يتطلب تحقيقها تنفيذ العديد من الخطط الطويلة والقصيرة والبرامج والتكتيكات التي تعمل على
إحداث البناء والتغيير المعلوماتي أو الفكري اإلستراتيجي ،وهذا يتطلب تنظيم إستراتيجي وتنسيق
وتنفيذ بمستوى إستراتيجي ومن ثم القدرة على التغيير اإلستراتيجي ،وكل ذلك ال يمكن تحقيقه إال من
ذوي القدرة على التفكير اإلستراتيجي ،وهو ما توفره اإلدارة اإلستراتيجية.
ومن هنا فإن غياب التخطيط اإلستراتيجي غالبًا ما يجعل األداء اإلعالمي يأخذ طابع ردود األفعال
واالستسالم بينما اإلعالم اإلستراتيجي يتميز بعنصر المبادرة ،ومن األمثلة على ذلك فإن اإلعالم العربي
في العقد األخير كان دائمًا في خانة رد الفعل والتبرير التهامات متعددة كاإلرهاب وممارسة الرق واالضطهاد
العرقي ،وهي ردود غالبًا ما تتصف بطابع النفي أو إبراز الدليل بعدم ذلك ..الخ ،بينما العكس في
اإلستراتيجيات اإلعالمية الغربية حيث تميزت بالمبادرة حيث ظلت طوال الوقت هي التي تحدث التراكمات
المعلوماتية التي تخدم أغراضها.
إن التعامل إستراتيجيا مع بيئة دولية معقدة كما هو مجسد في الواقع الراهن ،ال يمكن أن يتم إال عبر
إعالم مبادر يتيح تراكمات إعالمية متناسقة ومتكاملة تعمل على تحقيق األهداف اإلستراتيجية .إال أنه
من المهم اإلشارة إلى أنه ال يمكن إعداد إستراتيجية إعالمية في ظل غياب إستراتيجية شاملة تتسم
برسالة وأهداف محددة وواضحة ،إذ أن اإلعالم اإلستراتيجي يخدم األهداف اإلستراتيجية للدولة أو،
االقتصادية والسياسية .إلخ.
إذا كان اإلعالم في الماضي يعمل على تحقيق أهداف قطرية ويواجه منافسة محلية محدودة ،فإن
اإلعالم اإلستراتيجي يعمل على تحقيق أهداف ذات أبعاد عالمية ،ويتأثر بالبيئة العالمية بصورة مباشرة.
إذ ا كانت السيطرة واالتصال بين الحكومات وشعوبها تتم عبر السيطرة على اإلعالم القطري ،فقد برز
اآلن اإلعالم اإلستراتيجي العالمي الذي استطاع قطع خطوات كبيرة في السيطرة على الشعوب المختلفة
392
وإبعادها عن حكوماتها ومؤسساتها الوطنية ،وهذا يعني تهديد األمن القومي الوطني ،وهو أمر ال يمكن
أن يتم عبر إعالم تقليدي غير إستراتيجي.
إذا كان اإلعالم التقليدي يسعى إلى تشكيل المواطن بالقيم المحلية وتعبئته وفق متطلبات التنمية
المحلية ،فان اإلعالم اإلستراتيجي األجنبي يسعى إلى إعادة تشكيل المواطن ليحمل ثقافة عالمية وفكر
عالمي .ومواجهة هذا التحدي ال يمكن أن تتم عبر إعالم تقليدي وإنما إعالم إستراتيجي.
إذا كان التخطيط لالقتصاد يتم من منظور محلي لتحقيق أهداف محلية ومواجهة منافسة محلية في
ظل سياسات الحماية الوطنية ،فإن العولمة االقتصادية أصبحت تفرض أن يتم التخطيط القتصاديات
الدول من منظور عالمي والدخول في منافسات عالمية وشراكات عالمية ،وكل ذلك يتطلب التخطيط من
منظور عالمي وإعالم إستراتيجي يستطيع خدمة هذا التوجه اإلستراتيجي ذو األبعاد العالمية ليواجه
تحدى التسويق والترويج عالميًا بدلًا عن التسويق والترويج المحلي ،ومخاطبة بيئات متباينة ومختلفة
ومعقدة ذات أنماط متباينة ،بدلًا عن بيئة بسيطة ذات أنماط متشابهة وغير معقدة.
وإذا كان اإلعالم التربوي يعمل على تأهيل مواطن ليتكيف مع ظروف محلية بسيطة ،فإن اإلعالم
التربوي مواجه بتحديات جديدة يتمثل أهمها في النقلة النوعية لمستوى التعليم ليتفاعل مع البيئة
العالمية ومن ذلك التعليم اإلعالمي الذي يصبح مسؤوال عن تأهيل إعالميين إستراتيجيين ،وتأهيل
أئمة المساجد للتعامل مع التقنية كاإلرشاد اإللكتروني وغيره لمواجهة الحوار الشعبي الكثيف مع شعوب
العالم؛ وتأهيل المواطن للتحدث بلغات العالم حتى تكتمل عناصر الحوار الحضاري ،ويسعى اإلعالم
التعبوي إلى رفع مستوى الوعي اإلستراتيجي للمواطنين الذي يسهم في بلورة الرأي الوطني اإلستراتيجي
الواحد والهم اإلستراتيجي الواحد ،وبالتالي قفل الباب أمام االختراقات األجنبية المتعددة الساحة الوطنية،
بدلًا عن أسلوب الخطابة الذي يبث الحماسة فقط دون إدراك لما يخطط إستراتيجيا ضدهم.
وإذا كانت الندوات والمحاضرات والكتب هي أحد وسائل االتصال ،فقد برزت وسائل جديدة مثل اإلنترنت
واألسطوانات المدمجة وغيرها ،تفرض على اإلعالم امتالكها إذا كان يريد الوصول إلى الشعوب المختلفة.
393
شكل :2 / 5اإلعالم اإلستراتيجي
البناء املعلومايت
اإلرسال اإلسرتاتيجي
اللغة املناسبة
394
د .دراسة اإلستراتيجية السياسية للتعرف على المصالح السياسية الوطنية المطلوب
توفير السند اإلعالمي لها.
ه .دراسة اإلستراتيجية االجتماعية للتعرف على المصالح االجتماعية المطلوب توفير
السند اإلعالمي لها.
و .دراسة اإلستراتيجية العلمية والتقنية والعسكرية للتعرف على المصالح الوطنية في
هذه الجوانب ،المطلوب توفير السند اإلعالمي لها.
.2دراسة اإلستراتيجيات الفرعية للتعرف على نقاط الضعف المطلوب عالجها والمهددات المطلوب
التعامل معها بجانب التعرف على القضايا اإلستراتيجية لإلستراتيجيات الفرعية.
.3دراسة طبيعة التغيير اإلستراتيجي المطلوب إنجازه عبر اإلعالم.
التعرف على البيئة الخارجية من منظور إعالمي كما يلي:
أ .من منظور الفرص والمهددات والتحديات والقضايا اإلستراتيجية والتطور العلمي
والتقني.
ب .من المنظور االقتصادي :النظام االقتصادي العالمي ،النظم والسياسات واألوضاع
االقتصادية العالمية ،اإلستراتيجيات االقتصادية العالمية.
ج .من المنظور السياسي :النظام السياسي العالمي ،اإلستراتيجيات الرئيسة ،دراسة القوة
اإلستراتيجية وعناصرها ومرتكزاتها.
د .من المنظور القانوني :األوضاع القانونية الدولية والمعاهدات واالتفاقيات.
ه .من المنظور السلوكي النفسي.
و .من المنظور التاريخي.
.4اختيار اإلستراتيجيات.
.5تنفيذ اإلستراتيجية.
.6التغيير اإلستراتيجي.
.7المتابعة والتقييم والتقويم.
395
مالمح اإلسرتاتيجيات اإلعالمية الغربية:
تحدثنا في الفصل األول من هذا الباب عن البيئة الدولية ،حيث توصلنا من خاللها إلى مفهوم عام
يقوم على أن النظام العالمي ما هو إال صراع للمصالح سعى الكبار فيه من المنتصرين في الحرب العالمية
الثانية إلى تشكله بما يخدم مصالحهم ولكن بكيفية أخرى غير االستعمار الذي كان سائدًا آنذاك ،وبالتالي
برز النظام العالمي الذي يعمل لتحقيق السيطرة عبر ثالث ركائز هي:
الركيزة السياسية :األمم المتحدة ،مجلس األمن ،محكمة العدل ،ويعتمد العمل في هذه الركيزة على
إصدار القوانين والتشريعات والعقوبات التي توفر األرضية لتمرير األجندة المصلحية للقوى الغربية.
الركيزة االقتصادية :عبر صندوق النقد الدولي ،البنك الدولي ،منظمة التجارة الدولية ،ومن خاللها تتم
السيطرة على االقتصاد الدولي والتجارة الدولية.
الركيزة اإلنسانية :من خالل تأسيس ودعم وحماية منظمات المجتمع المدني؛ التي تجد السند السياسي
الدولي من الركيزة السياسية وتجد التمويل الضخم من الركيزة االقتصادية.
ويتم العمل دوليًا من خالل تقاسم األدوار والمهام بين الركائز أعاله.
إن المخططات اإلستراتيجية في كافة المجاالت ،والتي وضعت على خلفية المرجعيات الرئيسة
المتمثلة في الركائز أعاله ،أدرك المخططون اإلستراتيجيون أن تنفيذها أو بعض منها يتطلب إيجاد
المبررات للمواطن الغربي الذي يشكل الركيزة األساسية في العملية السياسية،
حيث إن الناخب يشكل عنصرًا ال يمكن إغفاله ،وبالتالي فإن بعض التصرفات مثل مهاجمة دولة أو
احتالل أخرى أو إزالة دولة من الوجود أو إشعال الحرب هنا وهناك أو نشر قوات بمختلف مناطق العالم
وصرف باليين الدوالرات على تنفيذ ذلك خصمًا على دافع الضرائب ،وما إلى ذلك ،يجب أن يكون مبررًا
ومقبولًا للناخب وإال أدى ذلك النهيار النظام السياسي الذي يقف خلف تلك المخططات.
من هنا برزت اإلستراتيجيات اإلعالمية الغربية التي سعت إلى تحقيق عدة أهداف من الناحية
اإلستراتيجية ،أهمها:
396
على سبيل المثال لتقبل ضرب وتدمير واحتالل العراق لم يتم قبل لحظات أو أيام من شن الحرب
ولم يتم عبر بيان تم فيه ذكر المبررات المقنعة ،بل تم ذلك قبل فترة طويلة عبر تراكمات
معلوماتية ذكية استطاعت أن تبني مفهومًا تم ترسيخه بهدوء ،ولعل فوز الرئيس بوش
باالنتخابات عام 2004رغم كل الوحشية التي تمت في العراق واإلبادة التي جرت في فلسطين،
تؤكد ذلك.
.2السيطرة على اإلعالم العالمي بما ال يدع مجالًا الختراق الجبهة الغربية والوصول إلى المواطن
الغربي ،ولتحقيق ذلك فقد عملت اإلستراتيجيات الغربية على تحقيق عدد من األشياء أهمها:
أ .السيطرة على مراكز اإلرسال (الفضائيات واإلذاعات ،األقمار الصناعية ،منصات إطالق
الصواريخ ،تنظيم مدارات األقمار الصناعية في الفضاء).
ب .السيطرة على تمويل اإلعالم العالمي بما ال يسمح ببروز إستراتيجيات إعالمية مضادة.
ج .ممارسة رقابة وقيود على اإلنتاج اإلعالمي الوارد من الخارج ،وكذلك في منح تصديقات
األطباق الفضائية وخدمات التلفون العالمي.
اختراق إعالمي عربي أو إفريقي يستطيع الوصول لذلك المواطن الغربي عبر إنتاج إعالمي مستوفٍ
لكل الشروط والمواصفات المطلوبة ،فإن ذلك يعني تهديد النظام الغربي ،ألن وصول الحقائق يعني كشف
كل التضليل الذي يمارسه النظام العالمي تحت ستار اإلنسانية وهو في األساس يسعى إلى استمرار نهب
ثروات العالم فضلًا عن تحقيق مصالحه األخرى .إن هذا هو الذي يبرر الحمالت الشرسة التي تمارس ضد أي
قنوات فضائية غير غربية تحاول النفاذ إلى البيئة الغربية.
وإذا كان عدم امتالك القوة اإلستراتيجية هو الذي جعل عددًا من الدول العربية واإلسالمية ال تستطيع
مجرد تمويل منظمات وطنية ،أو مجرد التصويت في المحافل الدولية ضد أي قرار ال يخدمها ،فإن عدم
امتالك القوة اإلستراتيجية هو الذي يكبل بروز إعالم إستراتيجي عربي أو إسالمي أو أفريقي بشكل أساسي.
لكل ذلك فإن اإلعالم يعتبر سالحًا رئيسًا في حرب المصالح الدولية ،لذلك فإن العمل على إضعاف
اإلعالم العربي واإلسالمي يعتبر أحد األهداف اإلستراتيجية الغربية ،ويتم ذلك عبر االختراق والتأثير
عليه ،أو عبر منعه من التمويل ،بالمقابل فان استخدام اإلعالم كسالح يتطلب توفر عدد من العوامل
والظروف أهمها:
.1وضوح الرؤية اإلستراتيجية بالدولة.
.2امتالك اإلرادة وارتفاع الوعي اإلستراتيجي اإلعالمي.
.3قوة الرسالة مضمونًا وشكلًا وإخراجًا الخ
397
الرقابة الذاتية:
بالمقابل فإن توفر العوامل أعاله سينعكس على الرقابة الذاتية اإلعالمية ،حيث أن التوجه
اإلستراتيجي واألهداف اإلستراتيجية الواضحة والمحددة ستشكل إطارًا لإلعالمي يعمل على عدم الخروج
عنه ،الشيء الذي يحقق نوعًا من الرقابة الذاتية ،بينما العكس يؤدي إلى إمكانية اإلتيان بتصرفات
وأنشطة إعالمية تحدث آثارًا ذات أبعاد عميقة على التوجه اإلستراتيجي ،ويمكن مالحظة ذلك في اإلعالم
الغربي الذي بالرغم من الخالفات السياسية الموجودة ،وبالرغم مما أتيح له من حرية إال انه ال يتعدى
حدود المسار اإلستراتيجي للدولة أو التوجه اإلستراتيجي العالمي.
ويمكن أيضًا اإلشارة إلى التجربة الباكستانية حيث لم تفش أجهزة اإلعالم الباكستاني أسرار التجارب
الذرية وتجارب إنتاج األسلحة اإلستراتيجية الباكستانية طوال أكثر من ثالثين عامًا ،ولم يتم ذلك عبر
قيود الحرية وإنما عبر الرقابة الذاتية الناجمة عن وجود ووضوح الرؤية اإلستراتيجية والتي ساهمت في
ارتفاع مستوى الوعي اإلستراتيجي الباكستاني.
يعتبر التمويل مدخل من مداخل السيطرة واالختراق األجنبي للساحات الوطنية ،ويشير الواقع الراهن
إلى سيطرة الشركات اليهودية على اإلعالم عمومًا وعلى تمويل اإلعالم على وجه الخصوص ،وإذا وضعنا
في االعتبار أن اإلعالم بالمستوى المطلوب لمواجهة تحديات العصر تتطلب تمويلًا ضخمًا ومن ذلك امتالك
األقمار الصناعية ومنصات اإلطالق وما إلى ذلك كوسائل مهمة للسيطرة على مركز اإلرسال ،وان إنتاج مجرد
فيلم واحد أو مسلسل واحد قد يكلف عدة ماليين من الدوالرات ،فإن هذا يعني خطورة أثر التمويل على
العملية اإلعالمية ،وبالتالي فإن اإلستراتيجية اإلعالمية ال تكتمل حلقاتها إذا لم تجد مخرجًا لمشكلة
التمويل اإلعالمي.
بالرغم من اإلعالم يعتبر أحد األسلحة اإلستراتيجية إال أنه في المراحل األولية للتخطيط اإلستراتيجي
فإن اإلعالم اإلستراتيجي يحتاج إلى االستناد على قوة إستراتيجية ،ولعل األمثلة كثيرة للمضايقات
والحروب التي تتعرض لها األجهزة اإلعالمية العربية واإلسالمية ،وأن اإلعالم في مرحلته األولى يتطلب
مركز قوة يحميه ،ومن ثم فإن اكتمال خطوات اإلعالم اإلستراتيجي ستحوله إلى طرف رئيس في القوة
اإلستراتيجية نفسها فيما بعد.
هذا الوضع يشير إلى أهمية بلورة رؤية إستراتيجية موحدة تجاه اإلعالم الوطني واإلسالمي يتم من
خاللها تحقيق الغرض أعاله ،إذ ال يعقل أن ينطلق اإلعالم اإلستراتيجي دون رؤية إستراتيجية يتم من
398
خاللها االتفاق حول األهداف اإلستراتيجية واألسس والمرتكزات اإلستراتيجية ،وهذا يقود إلى أن اإلعالم
اإلستراتيجي ال يمكن أن ينطلق لخدمة ال شيء ،وهذا يعني أن منصة االنطالق لإلعالم اإلستراتيجي هو
وجود رؤية وطنية إستراتيجية شاملة تغطي كافة المجاالت السياسية واالقتصادية واالجتماعية ،ليعمل
اإلعالم اإلستراتيجي لخدمة تلك الرؤية اإلستراتيجية.
من خالل السرد أعاله يتضح أهمية قوة اإلرسال اإلعالمي الذي يؤدي إلى امتالك القوة اإلستراتيجية
اإلعالمية ،وهذا يتطلب تحقيق عدد من األشياء أهمها:
.1إنشاء مؤسسات إعالمية بإمكانات هائلة يتم التخطيط لها من منظور عالمي.
.2تأهيل إعالميين إستراتيجيين.
.3قوة الرسالة ،إن مجرد وجود هذا الرصيد الضخم من القيم اإلسالمية والتقاليد السمحة والثقافة
المتقدمة ،الخ ال يكفي إن لم يتم تحويلها عبر تخطيط متقدم إلى إنتاج راقٍ ،لقد تفوق اإلعالم
الغربي باإلنتاج اإلعالمي ذي المواصفات العالمية (قمة في التصوير والسيناريو والمونتاج،
والموسيقى التصويرية واإلخراج) ،رغم أنه في كثير من األحيان يكون فقيرًا في المضمون ،فيما
فشل اإلعالم العربي واإلسالمي (إستراتيجيا) على سبيل المثال رغم ارثه اإلسالمي الضخم الذي
أقل ما يوصف أنه الحق من عند اهلل تعالى ،وذلك بسبب عدم استيفاء قوة الرسالة ،وقوة الرسالة
هنا ال تعني المضمون فاإلسالم هو الحق ،ولكن المقصود هو إستراتيجية الرسالة التي تشمل
تحديد المدخل اإلعالمي المناسب والهدف اإلستراتيجي ومن ثم األهداف الطويلة المطلوبة
لتحقيق ذلك الهدف اإلستراتيجي ،وكذلك األهداف القصيرة والبرامج وصولًا إلى التكتيكات التي
تشكل البرامج ،وهذا يقود إلى أهمية اإلطار الفلسفي الذي يربط بين كل تلك األهداف ويجعلها
تتكامل وتتناسق لتحقيق الهدف اإلستراتيجي.
.4قوة اإلرسال الذي يخترق الجدار اإلعالمي الغربي ليصل إلى ذلك الجمهور.
.5السيطرة على اإلرسال اإلعالمي وهذا يتطلب:
امتالك األقمار الصناعية الوطنية أو اإلسالمية. أ.
امتالك منصات اإلرسال ،وهذا يقود إلى أهمية األبحاث في هذا المجال. ب.
بلورة اإلرادة اإلعالمية وحمايتها من االختراق األجنبي من خالل سن القوانين ج.
المطلوبة وتوفير التمويل ورفع الوعي اإلستراتيجي لإلعالميين وغير ذلك.
399
األهداف اإلسرتاتيجية للعالم الوطني:
في ظل وجود تخطيط إستراتيجي إعالمي قومي أو إسالمي ،فإن ذلك يسهم في انطالق عمليات
التخطيط اإلستراتيجي على مستوى المنظمات اإلعالمية من صحف ومجالت وقنوات فضائية الخ ،وبالتالي
وضوح رسالة كلٍ منهم وأهدافه ومداخله اإلعالمية .إلخ.
هذا الوضع يعطي الفرصة لإلعالم الوطني ،الذي يجسد في هذه الحالة العقل المركزي لإلعالم
اإلستراتيجي الوطني ،حيث يتم التنسيق والتعاون والتكامل بين أجهزة اإلعالم القومية والخاصة لخدمة
األهداف اإلستراتيجية اإلعالمية الوطنية ،وذلك إما من خالل انطالق أعمال متكاملة تصب تجاه تلك
األهداف ،أو من خالل المساهمة بمراعاة إدراج قضايا ومشاهد أو مقاطع أو أخبار معينة في اإلنتاج
اإلعالمي الخاص ،وكل ذلك وفق المداخل اإلعالمية المتفق عليها ،وبالتالي فإن اإلنتاج الخاص سيتضمن
أهدافًا تكتيكية ومداخل إعالمية معينة ،ضمن إنتاجه الخاص.
ولو تدبرنا في اإلنتاج الغربي فإننا سنجد العشرات من المشاهد أثناء األفالم أو المسلسالت المعينة،
التي يتم من خاللها خدمة أهداف ال تتصل بالعمل اإلعالمي لذلك الفيلم أو المسلسل ،مثل مشهد يرسخ
لإلنسانية في الغرب ،أو للعنصرية في مكان ما ،أو للقتل واإلرهاب لدين ما ،بينما نجد أن تلك الموضوعات
ال تتصل بصورة مباشرة لهدف أو غرض ذلك الفيلم أو المسلسل.
إن من أهم المالحظات على مؤسسات اإلعالم في الدول النامية أو قل معظمها ،هو عدم قدرتها على
بلورة أهداف إستراتيجية إعالمية حقيقية ،فغالبًا ما يتم االهتمام بالمقومات المادية من أجهزة ومعدات
كما سبق وذكرت ،لكن لب عملية اإلعالم نفسها ال تجد االهتمام واالنتباه ،فاالنطالق على خلفية المصالح
الوطنية قد يتطلب تحقيق أهدافًا مباشرة وأخرى تتعلق بالتغيير اإلستراتيجي ،فقد تتطلب المصالح
الوطنية تهيئة رأي عالمي تجاه موضوع معين ،أو قد تحتاج لمعالجة سلوك سلبي مثل الكسل وعدم
احترام العمل أو عدم احترام الرؤساء من باب العزة .إلخ.
كل ذلك يتطلب تحديد أهداف محددة ومن ثم تحديد المداخل المناسبة ومن ثم البدء في عمليات تراكم
المعلومات من خالل اللغة المناسبة والجودة المناسبة عبر اإلرسال اإلستراتيجي ،وإدارة عمليات التنسيق
التي تضمن أن األهداف الفرعية والصغيرة تتجه لتلك األهداف الكبرى ،وهكذا يتم إنتاج أفالم
ومسلسالت ،بحيث إن السيناريو والحوار ينطلق على خلفية تلك األهداف ،حتى المقاالت واألعمدة
بالصحف تساهم في تحقيق تلك األهداف.
إن مجرد الشكوى من تهديد بعض السلوكيات اإليجابية أو انتشار بعض السلوكيات السلبية ال يكفي،
مثال لذلك عدم اهتمام الشباب بالنخوة والنجدة والكرم ..وهي سمات كريمة ،إال أن المخطط اإلستراتيجي
اإلعالمي من خالل إستراتيجية اإلعالم يستطيع المساهمة في المحافظة عليها بجانب دور التعليم
400
والمجتمع ،إذا تم التصدي لها من منظور إستراتيجي ،وأنا على يقين بأننا إذا قمنا بمراجعة إستراتيجيات
معظم مؤسساتنا اإلعالمية في الدول النامية ،فإننا لن نجد أهدافًا إستراتيجية إعالمية يجب السعي
لتحقيقها على المدى البعيد سواء أهدافًا مباشرة أو متعلقة بالتغيير .سنكتشف أن العمل يسير في
اتجاه رد الفعل أو جذب المشاهد عبر برامج شيقة أو أفالم ومسلسالت أو مسابقات ..الخ ،دون سعي
لتحقيق أهداف كبرى.
كما قد نكتشف أن هناك اهتمامًا بالتقنية واألجهزة إلى حدٍ ما دون اهتمام بتوفير إعالميين
إستراتيجيين يستطيعون مخاطبة البيئة الدولية المعقدة والمساهمة في تحقيق الغايات الوطنية بما
قد تشمله من صراع ثقافي فكري أو عسكري أو اقتصادي ،ولنا العبرة في اإلستراتيجية اإلعالمية والفكرية
التي شكلت الركيزة األساسية في حرب الواليات المتحدة ضد االتحاد السوفيتي (السابق) ،حيث أشارت كثير
من الدراسات إلى الدور األساسي لإلستراتيجية الفكرية اإلعالمية األمريكية ضد االتحاد السوفيتي الذي
تفكك وتضعضع دون ضربة عسكرية ،وهذا يعني وجود إستراتيجيين إعالميين كما يعني وجود أهداف
إستراتيجية إعالمية موجهة نحو العدو يتم السعي لتحقيقها خالل سنوات طويلة ،وهذا ما حدث فعلًا،
وهو ما يشير إلى انطالق اإلعالم األمريكي على خلفية خارطة المسار التي تحدد المصالح اإلستراتيجية
األمريكية،
وبالتالي تم التصويب تجاه نقاط الضعف المعينة لدى العدو ومخاطبة القاعدة الشعبية السوفيتية
بما يراعي األوضاع المحلية والعالمية فتم الترويج لمجموعة من القيم الغربية وسط السوفييت قادت
لتحقيق هدف إستراتيجي فرعي تمثل في إبهار المواطن بالنظام الغربي ،فيما تم نقد النظام الشيوعي
بصورة متدرجة دقيقة ،وهكذا تجمعت مئات األهداف اإلعالمية التي انتهت بخلخلة القاعدة الشعبية
والسياسية ليصبح النظام رأس دون قاعدة ،وتم في نفس الوقت تشكيل الرأي األمريكي والرأي العالمي
بطريقة محددة تناسب ذلك.
كل ذلك يشير إلى أهمية بلورة أهداف إستراتيجية إعالمية حقيقية تساهم في تحقيق المصالح
الوطنية اإلستراتيجية.
في ظل سريان شروط العولمة وزوال القيود أمام حركة الفكر والثقافة ،فإن اإلنتاج اإلعالمي الوطني ال
سبيل له إال أن يكون بالمستوى العالمي حتى لو كان موجهًا للبيئة الداخلية ،إذ أن وجود الخيارات اإلعالمية
األخرى ذات اإلنتاج المتطور تجعل من الصعوبة ألجهزة اإلعالم الوطنية االحتفاظ بجماهيرها دون أن
ترتفع بمستواها إلى المستوى العالمي.
كما أن اإلستراتيجيات األجنبية في كافة المجاالت السياسية واالقتصادية واالجتماعية ،تستند على
401
إستراتيجيات إعالمية تعمل على بناء تراكمات معلوماتية معينة تجاه الدول األخرى ومنها الدول النامية،
بما يؤدي إلى تشكيل بناء فكري وثقافي وسلوكي تجاه تلك الدول وثقافتها وأديانها ،وبالنظر إلى ذلك
يتضح أن ال سبيل من المنظور اإلستراتيجي إال التعامل إستراتيجيا مع البيئة الدولية لبناء تراكم معلوماتي
يواجه تلك اإلستراتيجيات ويعمل على نشر الثقافة والفكر والمعلومة الصحيحة فضلًا ،وهذا يعني
باختصار أن عالمية بيئة اإلعالم أصبحت فرضًا على اإلعالم الوطني وهو ال يتحقق إال عبر اإلستراتيجيات
اإلعالمية.
من خالل هذا الشرح تتضح أهمية اإلعالمي اإلستراتيجي ،وهذا يعني أن تتوفر عدد من الصفات في
اإلعالمي أهمها أن تكون له القدرة على التفكير اإلستراتيجي من منظور عالمي وعدم الركون للعمل
الروتيني التقليدي ،وبالتالي فهو يجب أن يكون قادرًا على قراءة وتحليل البيئة المحلية والدولية من منظور
إستراتيجي ،وتحديد الرؤية والرسالة والغايات واألهداف اإلستراتيجية والقدرة على التنفيذ اإلستراتيجي
والتنسيق وإجراء التغيير اإلستراتيجي.
402
بالمنظمة وفق قراءة صحيحة وعميقة تدرك من خاللها المنظمة ما يواجهها
من مهددات وما هو متاح من نقاط قوة لالستناد عليها بغرض االستفادة من
الفرص المكتشفة ،وما يتطلبه ذلك من عالج لنقاط الضعف بالمنظمة.
ب .تحديد المداخل اإلعالمية المناسبة.
ج .تحديد األهداف اإلستراتيجية وما يتفرع منها ،ومن ثم تصميم التخطيط للقيام
بمهام بناء معلوماتي محدد.
من خالل الشرح يتضح أن هناك عددًا من الشروط الواجب توفرها لبناء إستراتيجية إعالمية ،أهمها:
.1االنطالق على خلفية المصالح الوطنية اإلستراتيجية
.2االنطالق من خالل قوة إستراتيجية.
.3امتالك قوة إستراتيجية في اإلرسال بما يؤدي إلى تحطيم الجدار اإلعالمي المضاد وبالتالي مد
الجسور للرسالة الوطنية ،وهذا يتطلب:
أ .قوة الرسالة (المدخل اإلعالمي المناسب ،البناء التراكمي ،جودة اإلنتاج ،اللغة
المناسبة ،الوسيلة المناسبة).
ب .قوة اإلعالمي المرسل.
ج .السيطرة على مراكز اإلرسال.
د .السيطرة على مراكز البث (األقمار االصطناعية ،محطات البث).
ه .السيطرة على اإلرادة اإلعالمية.
اإلعالم واألمن:
العالقة بين اإلعالم واألمن تعد من الموضوعات التي تحدث كثيرًا من الجدل ،فاإلعالم ينشد الحرية،
واألمن في سعيه للحافظ على األمن غالبًا ما يحبذ السرية ،هنا يبرز سؤال:
هل هناك قيود أمنية على اإلعالم ؟ وما هو المنطق في ذلك؟ ومن هو المخطئ ،اإلعالميون أم
األمنيون؟
إن اإلستراتيجية شأن يخص الدولة وليس الحكومات أو التنظيمات ،وهو ما جعلنا نتحدث عن خطة
الدولة التي تعبر عنها اإلستراتيجية ،وقد تحدثنا عن اآللية الوطنية التي ترعى ذلك والتي يجب أن تشمل
403
عناصر الدولة حاكمين ومعارضين ،وبينا أن صراع المصالح الدولية هو صراع بين دولة وآخرين (وليس
بين حكومة وآخرين) وهو ما جعل أحد أهم مفاهيم اإلستراتيجية يصفها بأنها (قدرة الدولة على حشد
قوتها اإلستراتيجية الشاملة من أجل تحقيق المصالح اإلستراتيجية) ،من هنا يتبين أن تحقيق خطة
الدولة أي خطة الوطن يستوجب حشد قوة الدولة بكاملها ،وكما هو معلوم فهي تشمل القوة اإلعالمية
بجانب القوى األخرى السياسية االقتصادية والعلمية .إلخ ،وبالتالي ال مجال ألن تتناقض الغايات واألهداف
اإلستراتيجية للدولة وبعضها البعض ،فالغاية اإلعالمية تساهم في تحقيق المصالح اإلستراتيجية
الوطنية ،وهكذا الغاية العلمية والتقنية ،إذن فكل القوى تتجه نحو المصالح اإلستراتيجية ،فلماذا يبرز
التشابك بين اإلعالم واألمن في الوقت الذي ال يتحقق فيه األمن إال من خالل امتالك الدولة للقوة
اإلستراتيجية في عناصرها كافة ومنها اإلعالم.
برأيي أن حسم القضية يحتاج للتوضيح اآلتي:
إن وجود إستراتيجية مطبقة في الدولة ووضوح المسار اإلستراتيجي للدولة واإلجماع الوطني على
المصالح الوطنية اإلستراتيجية ،ومدى االلتزام بالسلوك اإلستراتيجي السياسي من سيادة للقانون والنظام
واستقالل للخدمة المدنية ومدى استناد القرار الوطني للسند المعرفي ومستوى القيادة السياسية من
حيث القدرة على التفكير والتخطيط اإلستراتيجي ،ومستوى الوعي اإلستراتيجي للمواطن .إلخ ..يشير إلى
وجود خطة للدولة ،كما تعني اإلجماع الوطني على تلك المصالح وعلى المهددات ،كما تعني إدراك نقاط
الضعف الوطنية ومن ثم اإلجماع عليها.
كل ذلك يعني وضوح الرؤية الوطنية اإلستراتيجية ،فالجميع يدرك ما يريد ويدرك العقبات التي تحول
دون ذلك ،كما يدرك طبيعة حوار وصراع المصالح الدولية بالعمق المطلوب .وهذه تمثل أوضاع يشكل
توفرها من عدمه المحور الرئيس للحكم على القضية المثارة.
إن آلية التخطيط اإلستراتيجي بتشكيله الوطني يضع خطة الدولة التي تضم الجميع ،وتحدد الغايات
الوطنية واألهداف اإلستراتيجية ونقاط الضعف والمهددات والقضايا والتحديات الوطنية ..كما يشرف على
تنفيذها.
بينما يقوم جهاز األمن الوطني بمراقبة وتأمين عمليات التخطيط والتنفيذ بما يضمن إنجازها لصالح
الوطن وليس آخرين ،وهو بذلك يجب أن يتولى المراقبة في إطار مفهوم القوة والضعف التي عبرت عنها
المفاهيم اإلستراتيجية التي طرحها هذا الكتاب ،فأي مخالفة أو نشاط يمنع من تحقيق الغايات الوطنية
وبالتالي يمنع من تحقيق وامتالك القوة في المجال المعين ،يشكل تهديدًا لألمن والمصالح الوطنية.
مثال لذلك نجد أن خروج المسؤول المعين عن القانون أو إصدار قرارات من شأنها أن تؤثر سلبًا على
الميزة النسبية الوطنية أو الخروج عن تطبيق الخطط الموضوعة وغيرها من أشكال الفساد اإلداري
404
والمالي ..كل ذلك يعني تهديد مسار تنفيذ الخطة أي تهديد األمن الوطني ،وبالتالي فهي تقع في إطار
صالحيات جهاز األمن الوطني ،وهكذا يكون دور الجهاز مكملًا لعمليات اإلدارة اإلستراتيجية وليس معوقًا
لها ،وهو بهذا يصبح جهازًا للوطن قبل أن يكون جهازًا للحكومة.
إن تنفيذ اإلستراتيجية يتطلب سيادة نظام الدولة الذي يقود نحو تحقيق المصالح اإلستراتيجية
الوطنية ،والعكس يعني سيادة نظام األفراد والتنظيمات الذي يقود نحو تحقيق مصالح األفراد
والتنظيمات وليس المصالح الوطنية.
فإذا كان األداء اإلعالمي يسير باتجاه تأسيس ودعم نظام الدولة فهو نشاط مطلوب وإن بدا قاسيًا وال
يضر باألمن القومي في هذه الحالة بل يعززه ،والعكس صحيح.
إن المشكلة في كثير من الدول النامية تكمن في عدم توفر األوضاع المشار إليها أعاله أي سيادة النظام
ووجود األوضاع اإلستراتيجية ،وإن وجدت فهي غالبًا ما تكون صورية ،فالعبرة في تأسيس عالقة بين
األمن واإلعالم وكافة المؤسسات الوطنية هو مدى وجود خطة للدولة وماهية األوضاع اإلستراتيجية
والسلوك اإلستراتيجي لدى الجميع ،سياسيون ،اقتصاديون ،إعالميون ،أمنيون ..الخ.،
وبغير ذلك غالبًا ما يصبح جهاز األمن حكوميًا حاميًا لنظام وأفراد وليس حاميًا للدولة.
هنا تبدأ عمليات الصراع والخالف بين األمن واإلعالم ،فعدم وجود األوضاع اإلستراتيجية وضعف
السلوك اإلستراتيجي يجعل من نقد وكشف الممارسات المختلفة كالتي أشرت إليها أعاله مثل عدم العدالة
وعدم سيادة القانون والنظام .إلخ ،مخالفة غير مرغوب فيها ،بينما نجد أن اإلستراتيجية السياسية على
سبيل المثال تشدد في أن عدم سيادة النظام يقود لسيادة نظام األفراد وبالتالي سيادة مصالح األفراد
وليس الدولة ،وهذا يعني أن النقد اإلعالمي هنا في صالح الوطن وليس ضده ،وأن المعيار والمرجعية في
الحكم على مناسبة هذا التصرف أو عدمه من المنظور األمني واإلستراتيجي هو مدى تأثيره على قوى الدولة
الشاملة ،والمرجعية لتفسير مضمون القوة اإلستراتيجية الشاملة هو اإلطار الفكري الذي يحدد أسس
ومكونات عناصر القوة اإلستراتيجية ،وهو إطار ينطلق على خلفية المفهوم العام لإلستراتيجية القومية
ومفهوم األمن القومي والمفاهيم المتخصصة لعناصر القوة اإلستراتيجية ،وقد تم تناولها في هذا الكتاب
؛ فأي أنشطة أو ممارسات تعوق أو تعطل حشد قوى الدولة أو تعوق وتعطل عمليات التغيير
اإلستراتيجي ،تمثل تهديدًا للمصالح الوطنية اإلستراتيجية وتهديدًا لألمن الوطني القومي ،إال أن هذه
العمليات من الحشد والتغيير اإلستراتيجي يتعذر إتمامها إال في إطار خطة الدولة التي تشمل الجميع ،وفي
ظل توفر أوضاع إستراتيجية وسلوك إستراتيجي.
كما أن عدم وضوح الرؤية الوطنية اإلستراتيجية وبالتالي عدم وضوح المصالح والمهددات ونقاط
الضعف الوطنية ،يعني أن اإلعالم نفسه يمكن أن يمارس عملًا يضر بالوطن في بعض األحيان أو قد
405
يتطرق لموضوعات تقتضي المصلحة الوطنية عدم الخوض فيها ،وهذا ال يتضمن عمليات االختراق
األجنبي لإلعالم التي قد تحدث أحيانًا.
لذا ال مجال لجهاز األمن الوطني أن يعوق اإلعالم طالما كان يتم في إطار المصالح الوطنية اإلستراتيجية،
وطالما كان يسهم في التعامل مع المهددات ونقاط الضعف والقضايا الوطنية وإجراء التغيير اإلستراتيجي
القومي ،وفي هذه الحالة فإن نقد وتقويم أي سلوك أو نشاط يتناقض مع مفهوم القوة اإلستراتيجية
بأنواعها المختلفة ال يعد مخالفة لألمن القومي بل واجبًا وطنيًا ،وأن اعتراض اإلعالم من القيام بمهامه
تلك يسهم في تهديد األمن القومي ،وأن عدم قبول ذلك يعبر عن وضع خاطئ يجب معالجته ،يتمثل في
عدم التفريق بين مقتضيات المصالح الوطنية اإلستراتيجية والتي تحقيقها يعبر عن مفهوم األمن
القومي ،وبين مقتضيات حماية بعض القيادات أو التنظيمات (راجع الفصل الثالث من الباب األول)
قال سيدنا عمر بن الخطاب فيما معناه (رحم اهلل رجلًا أهدى إلى عيوبي) وقال (ال خير فيكم
إن لم تقولوها ،وال خير فينا إن لم نقبلها) ،فمنع اإلعالم من تولي مهامه اإلستراتيجية يتناقض مع الشق
األول من حديث بن الخطاب ( ال خير فيكم إن لم تقولوها) ،أي منع للنصيحة.
كما ال مجال لإلعالم أن يمارس عملًا يهدد تحقيق المصالح الوطنية اإلستراتيجية ويعوق المسار
اإلستراتيجي للدولة ،كالنشاط اإلعالمي الذي يهدد أو يعوق تحقيق اإلجماع الوطني أو يهدد النسيج
االجتماعي أو يكرس ويعمق من نقاط الضعف والمهددات الوطنية ،أو يمنع أو يضعف أو يعوق التغيير
اإلستراتيجي.
إن صراع المصالح يقتضي في كثير من األحيان إحاطة بعض المشروعات واألفكار بسرية ،ولعل الصراع
في تقنيات التجسس كاألقمار الصناعية ،يشير إلى أهمية المعلومة للخصم اآلخر ،وقد أشار اإلسالم
ألهمية السرية في بعض األمور (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان) ،عليه فإن الدولة في إطار هذا
الصراع العنيف تواجه محاوالت المنافسين والخصوم لكشف أسرارها ،والتاريخ يثبت أن مئات المشروعات
العظيمة ما كان لها أن ترى النور لوال أنها أحيطت بالكتمان في فترة معينة ،فإن كان تأمين المعلومة
همًا وطنيًا فكيف يقوم اإلعالم الوطني بتقديم هذه األسرار لآلخرين فقط من أجل اإلثارة الصحفية.
يجب أن أشير هنا إلى الخلط الذي يحدث في كثير من األحيان حول الشفافية ،فهناك فرق بين
مقتضيات الشفافية ومقتضيات السرية التي تجعل بعض اإلعالميين يصرون على نشر كل شيء دون
قيد ،فالشفافية تشكل أهم وسيلة لضمان سيادة وتعزيز نظام الدولة الذي يشكل الركيزة األساسية
لتحقيق المصالح اإلستراتيجية الوطنية ،وهو يأتي في إطار حماية الدولة من سلوك النفس البشرية
للمسؤول المعين أو من سلوك التنظيمات المختلفة ،لذا فالشفافية تمنع وتقلل فساد المسؤولين ،أما
السرية فهي لقضاء الحوائج وليس على الفساد والسلوك ،انظر اآلن للساحة الدولية ستجد أن أداء كثير من
406
الحكومات الغربية متاح على الهواء الطلق ،لكننا ال نستطيع الحصول عل نسخة كاملة من إستراتيجيات
أي من تلك الدول كما أننا ال نستطيع التعرف على موضوعات ومجريات البحث العلمي والتقني ..الخ ،فيها.
هناك أوضاع أخرى لها صلة باإلعالم واألمن ،األول منها هو المصالح اإلقليمية التي تشمل الدولة
وينطبق عليها ما ذكرناه في المصالح الوطنية ،مثال لذلك أداء اإلعالم األوربي في ظل المصالح
اإلستراتيجية للكتلة األوربية.
هناك أيضًا االلتزامات العالمية مثل المحافظة على األمن والسالم العالميين والمحافظة على المناخ
االستثماري العالمي ..الخ ،فالدولة لها مسؤوليات تجاه البيئة العالمية ،وأن أي تهديد لهذه األوضاع الدولية
قد يهدد البشرية ويجب على اإلعالم التعامل معها على هذا األساس.
تلخيص:
407
للدولة يسعى الجميع لتحقيقها.
.7أي سلوك أو أداء إعالمي أو أمني يمنع حشد الدولة لقوتها الشاملة أو إجراء التغيير اإلستراتيجي
القومي المطلوب لتحقيق المصالح الوطنية ،يشكل تهديدًا لألمن والمصالح الوطنية.
.8إن تأسيس آلية وطنية للتخطيط اإلستراتيجي تعطي الفرصة لكافة أبناء الوطن للمشاركة ،يعني
بلورة خطة الوطن التي يسعى الجميع لتحقيقها ،وإن وضوح المسار اإلستراتيجي ووضوح الرؤية
الوطنية اإلستراتيجية وإدراك الجميع بما فيهم اإلعالميون للمصالح والقضايا والمهددات
اإلستراتيجية ونقاط الضعف الوطنية واألوضاع المحلية والعالمية ..الخ ،بالعمق اإلستراتيجي
سوف ينعكس في األداء األمني واإلعالمي وغيرهما ،ويمنع الجميع من ممارسة أي أنشطة
متناقضة بما في ذلك اإلعالم ،بل تعني ممارسة أنشطة متكاملة بما في ذلك اإلعالم الذي
يستطيع حينئ ٍذ بلورة اإلستراتيجية اإلعالمية (أي بلغة أخرى :الخط اإلعالمي الوطني المطلوب
لتحقيق المصالح الوطنية) ،كما أن تلك اآللية الوطنية تستطيع من خالل قطاعاتها المختلفة
تحقيق التناسق والتواصل بين األطراف الوطنية بما في ذلك تحقيق التناسق والتواصل بين
رجال األمن واإلعالميين الذي يقود لبناء الثقة بينهما ،كما يحتاج لنشر ثقافة خطة الدولة التي
تعلو فوق الجميع.
بموجب تطبيق سياسة التحرير في العقود الماضية برز للعالم واقعًا جديدًا أعطى السيطرة على
اإلعالم لشركات القطاع الخاص التي ترجح كفة تحقيق األرباح في كثير من األحيان ،ولعل تقييم هذا
المبدأ ،أي مبدأ سيطرة أصحاب المال على اإلعالم يستدعى إعمال التفكير اإلستراتيجي ،ولعل الرغبة في
تحقيق الربح المالي لكثير من شركات اإلعالم يعني السعي إلرضاء الجمهور حتى لو أدى ذلك لمخالفة
منظومة القيم والمبادئ في العالم.
إن الخلل الذي حدث في عالم االقتصاد وأدى لسيطرة أصحاب المال على القرار السياسي والمال ومن ثم
السيطرة على مقاليد إدارة األرض ،قاد إلى خلل أساسي في توزيع الدخل القومي ليصبح تحت سيطرة قلة
بينما يرزح جانب كبير من بقية سكان األرض في فقر وأحيانًا فقر مدقع ،كما أن عدم تقيد أصحاب المال
بمنظومة القيم أدى الى تدمير البيئة العالمية بشكل غير مسبوق واستنزاف الموارد وتأسيس عالقات
غير متكافئة بين دول الشمال والجنوب ،نموذج لذلك أفريقيا التي صدرت للدول الكبرى موارد طبيعية
بعدة تريليونات من الدوالرات بينما ال زال اكثر قارات العالم تخلفًا.
إن غياب منظومة القيم التي أدت لهذه النتائج الوخيمة يمكن في نفس الوقت أن تقود ألن يفقد
العالم سيطرته في عمليات البناء األخالقي ليدخل العالم في فوضى أخالقية عارمة.
408
كما أن توجه الدول نحو خصخصة التعليم ،سيقود في الدول النامية التي تعاني من الفقر إلى أن يحظى
األغنياء بالتعليم ويحرم الفقراء من ذلك.
كل ذلك يشير إلى عيب كبير وأساسي لسياسة التحرير والفكر الرأسمالي ،سيقود إلى استدامة النزاع
والصراع وعدم االستقرار على األرض ،مما يحتم أن يعود للدولة دورها الطبيعي ممثلة في الحكومات في
إدارة األرض.
409
شكل :3 / 5التناسق والتكامل بين اإلعالم واألمن
التخطيط اإلسرتاتيجي.
الجهاز القومي للتخطيط
إدارة اإلجامع الوطني.
اإلسرتاتيجي
اإلرشاف عىل التنفيذ.
410
التخطيط اإلسرتاتيجي للمعلومات:
يقوم مفهوم التخطيط اإلستراتيجي للمعلومات على توفير نظام وطني آمن ومتكامل للمعلومات،
يوفر الدعم والبيانات والمعلومات والمعرفة المطلوبة لتخطيط وتحقيق األمن القومي والمصالح
اإلستراتيجية ،ويتضمن:
.1تلبية حاجة التخطيط اإلستراتيجي والمرحلي واألمن القومي فيما يتعلق بتحديد:
أ .نقاط القوة وما حولها من ظروف وأوضاع وما يطرأ عليها من تغيير ،ومن
أهمها الموارد األساسية مثل مساحات األراضي الزراعية والمعادن وثروات باطن
األرض كالطاقة وغيرها.
ب .نقاط الضعف الوطنية وما يطرأ عليها من تغيير.
ج .المصالح المتاحة للدولة خارجيًا وتوصيفها بالدقة المطلوبة لعمليات
التخطيط.
د .مصادر التهديد والبيانات المطلوبة للتحليل الجيوستراتيجي وتقدير الموقف
اإلستراتيجي.
.2توفير المعلومات المطلوبة لعمليات متابعة وتقييم سياسة األمن القومي وإستراتيجيات
وخطط الدولة ،وذلك في الوقت المطلوب وبالمصداقية الكافية ،وأهم ما تشمله:
أ .مؤشرات قياس قوى الدولة الشاملة.
ب .مؤشرات تنفيذ اإلستراتيجية (المؤشرات الرئيسية للغايات).
ج .المؤشرات الخاصة بتنفيذ األهداف اإلستراتيجية.
د .المؤشرات الخاصة بالخطط المرحلية والتشغيلية.
.3توفير المعلومات المطلوبة لعمليات صناعة قرار.
.4عمل التحليل اإلحصائي وعمليات التنقيب عن المعلومات ( )DATA MININGالمطلوب
إلنتاج المعلومات والمعرفة.
وهذا يعني أن تتضمن إستراتيجية اإلحصاء والمعلومات توفير البنية التحتية في مجال تخزين
وتصنيف وحفظ وإتاحة المعلومات.
411
إن عدم توفر معلومات وطنية المصدر ذات مصداقية في الوقت المحدد يؤدي الى عدد من اإلشكاالت
األساسية ،من أهمها:
.1عدم معرفة كثير من الدول لقدراتها وإمكاناتها وما حولها من أوضاع وظروف ،وبالتالي عدم
القدرة في تحقيق فرص مناسبة.
.2عدم إدراك الفرص المتاحة للدولة أو الممكن صناعتها وما حولها من أوضاع وظروف تؤثر
في عمليات التخطيط اإلستراتيجي.
.3عدم معرفة الدول بالدقة المناسبة لنقاط ضعفها أو للمهددات التي تواجهها.
.4ضعف قدرة الدولة في متابعة وتقييم اإلستراتيجيات والخطط ورعاية المسار
اإلستراتيجي.
.5ضعف عمليات صناعة القرار لعدم وضوح مسارات المعلومات تجاه مراكز التحليل أو
صناعة القرار.
.6الفرصة لتنامي معدالت الفساد لعد توفر البيانات والمعلومات ذات المصداقية.
.7كما أن عدم وجود تشريع في العديد من الدول النامية يجعل من التقارير اإلحصائية سندًا
قانوني ووسيلة معتمدة للتقويم في الدولة ساهم في الفساد أعاله.
من ناحية ثانية أصبحت المعلومات واحدة من مفاتيح الصراع الدولي ،ولذا أصبح حجب المعلومات
اإلستراتيجية من الممارسات الطبيعية التي تقوم بها الدول الكبرى ،وهو ما أعطى أهمية لكسر هذا
االحتكار سواء بتعزيز أنظمة المعلومات الوطنية أو بامتالك األقمار الصناعية التي تعين في االستشعار
عن بُعد أو بعقد ترتيبات إستراتيجية دولية تتضمن بيع المعلومات.
إن تحقيق أهداف إستراتيجية المعلومات يتطلب وجود مرجعية األساسية للدولة في مجال اإلحصاء
والمعلومات تضم اإلحصاء وتقانة المعلومات واالستشعار عن بُعد ونظم المعلومات الجغرافية.
إن إنتاج المعرفة يستدعي توفر معلومات دقيقة ذات مصداقية وهذا يتطلب:
.1تأسيس جهاز للمعلومات واإلحصاء يتمتع باالستقاللية وإسناد قانوني وإداري مناسب بما يمكن
هذا الجهاز من:
أ .فرض المنهج اإلحصائي الوطني.
ب .التنسيق بين األطراف المعنية.
412
ج .السيطرة اإلدارية على فروع الجهاز بالوزارات والواليات والمؤسسات المختلفة ،من خالل
تبعيتها له ،مما يعزز الكفاءة اللتزام الحياد إعمالًا للمبدأ العلمي :أنَّ الجهات المنفذة ال
تقوم بتقييم عملها بنفسها ،ألن ذلك يعني إنتاج بيانات غير دقيقة أو غير صحيحة
ويفتح المجال للفساد.
د .تنفيذ المسوحات اإلحصائية بمهنية.
.2كما يتطلب استعداد إداري وثقافي على مستوى الدولة كما يلي:
أ .تأسيس مراكز للتحليل اإلحصائي والتحليل اإلستراتيجي القومي والمتخصص.
ب .تأسيس مراكز للتنقيب عن البيانات والمعلومات (.)DATA MINING
ج .تأسيس مراكز للبحوث والدراسات.
د .تأسيس مراكز لصناعة القرار تضم:
.iمركز معلومات دعم القرار وهذا يختص بجمع وتوفير كافة البيانات
والمعلومات حول مجال المؤسسة المعينة من دراسات التحليل اإلستراتيجي
واإلستراتيجيات والخطط والبحوث والدراسات واألفكار ،ويشمل مجاله
تلخيص الكتب والتقارير والبحوث بجانب متابعة الخبراء ومدهم بالمعرفة
والمعلومات الجديدة حتى يكونوا متابعين للتطورات العلمية والعملية.
.iiمركز معلومات دعم القرار ،ويضم الخبراء من المؤسسة ومن خارجها بما في
ذلك الخبراء السابقين والعلماء في التخصص المعين بالجامعات ،ويقوموا
بإعداد المقترحات والسيناريوهات والخيارات.
413
املعلومات واإلسرتاتيجية القومية واألمن القومي:
طالما أن نظام المعلومات يسند عمليات تخطيط وتنفيذ سياسة األمن القومي وإستراتيجيات وخطط
الدولة ،فإن المنهج الوطني والتنظيم اإلداري آللية المعلومات واإلحصاء يجب أن تنطلق على خلفية مفهوم
نظرية األمن القومي ،وتأسيس النظام اإلداري على أساس قوى الدولة الشاملة والغايات القومية ،كما أن
طبيعة عمليات التحليل اإلستراتيجي وعمليات التقييم والقياس المطلوبة لسياسة األمن القومي
وإستراتيجيات الدولة هي التي تحدد البيانات والمعلومات المطلوب توفيرها من آلية المعلومات.
لقد سبق وأشرنا في الباب األول ألهمية هذا الترتيب في تحقيق التكامل للنشاط الوطني فضلًا عن
إحكام الدولة لرعاية مسارها اإلستراتيجي ابتداءً من نظام المعلومات إلى جهاز التخطيط اإلستراتيجي الذي
يحدد الغايات بعدد قوى الدولة ومسمياتها ،ومجلس الوزراء بما يجعل كل قطاع يقتطع جزء من
اإلستراتيجية في القطاع المعين ،ثم جهاز المخابرات ،ثم مجلس األمن القومي وأخيرًا البرلمان ،كل هذه
األجهزة يتم تنظيمها إداريًا حسب قوى الدولة الشاملة.
وإذا أخذنا نموذج لذلك فإن القطاع االجتماعي بجهاز التخطيط اإلستراتيجي يقوم باستخدام البيانات
والمعلومات المتاحة في دائرة المعلومات االجتماعية بجهاز المعلومات لينتج الغاية االجتماعية ،ويقوم
القطاع االجتماعي بمجلس الوزراء بوضع خطته االجتماعية المرحلية كجزء من اإلستراتيجية االجتماعية،
ويقوم القطاع االجتماعي بالبرلمان بمتابعة ومراقبة الخطط االجتماعية بناء على مؤشرات القياس التي
ينتجها دائرة المعلومات االجتماعية بجهاز المعلومات ،ومن ناحية أخرى يقوم القطاع االجتماعي بمجلس
األمن القومي بمتابعة مسار تطبيق السياسة االجتماعية من سياسة األمن القومي والتأكد بالتالي من أن
النشاط االجتماعي للدولة يقود نحو تحقيق القوة اإلستراتيجية االجتماعية.
414
شكل :4 / 5تكوين جهاز المعلومات
املعلومات
االجتامعية
S
معلومات معلومات
اإلعالم التقنية
I T
املعلومات املعلومات
السياسية االقتصادية
P E
415
شكل :5 /5تكوين جهاز التخطيط اإلستراتيجي
القطاع
االجتامعي
S
قطاع اإلعالم
قطاع التقنية
واملعلومات
T
I
الغايات
اإلسرتاتيجية
القطاع القومية قطاع اإلنتاج
العسكري
SIMPEST العلمي
األمني
S
M
القطاع القطاع
السيايس االقتصادي
P E
416
شكل :6 /5تكوين مجلس الوزراء
القطاع
االجتامعي
S
قوة اإلعالم
قطاع التقنية
واملعلومات
T
I
مرحلة من
الغايات
القطاع
القومية قطاع اإلنتاج
العسكري
العلمي
األمني
S
M
القطاع القطاع
السيايس االقتصادي
P E
417
شكل :7 / 5تكوين جهاز المخابرات
القطاع
االجتامعي
S
قوة اإلعالم
قطاع التقنية
واملعلومات
T
I
القطاع SIMPEST
قطاع اإلنتاج
العسكري
العلمي
األمني
S
M
القطاع القطاع
السيايس االقتصادي
P E
418
شكل :8 /5تكوين مجلس األمن القومي
القوة
االجتامعية
S
قوة اإلعالم القوة
واملعلومات التقنية
I T
عنارص
القوة
القوة األمنية الشاملة القوة
العسكرية SIMPEST العلمية
M S
القوة القوة
السياسية االقتصادية
P E
419
شكل :9 /5تكوين البرلمان
القطاع
االجتامعي
S
قوة اإلعالم قطاع
واملعلومات التقنية
I T
القطاع SIMPEST
قطاع اإلنتاج
العسكري
العلمي
األمني
S
M
القطاع القطاع
السيايس االقتصادي
P E
420
الفصل السادس
421
التخطيط اإلسرتاتيجي االجتامعي:
يقوم مفهوم التخطيط اإلستراتيجي االجتماعي على تحقيق األمن االجتماعي وامتالك القوة
اإلستراتيجية االجتماعية ،ويتضمن بناء والمحافظة على مجتمع متجانس متفاعل إيجابيًا منصهر وطنيًا
يقوم على قيم الخير والمرتكزات اإلستراتيجية التي تتضمن تحقيق العدالة االجتماعية وتعزيز االنتماء
الوطني وأمن اإلنسان وكرامته ،وتأسيس األوضاع الديمغرافية التي تؤسس لحفظ كيان الدولة وحفظ
حضارتها وتوفير الفئات العمرية المطلوبة لتحقيق التنمية ،وتشكيل الثقافة الوطنية المطلوبة لتحقيق
المصالح اإلستراتيجية للدولة بما في ذلك اإلسناد الثقافي المطلوب لتحقيق األمن والسلم العالمي،
ويتضمن تنمية ورعاية اإلنسان وجدانيا ونفسيًا وعقليًا وبدنيًا ،ونشر المعرفة وتوفير المورد البشري
المؤهل من حيث السلوك الوطني والمهني والمهارات والقدرات واالنتماء للوطن ،كما يتضمن تعزيز دور
األسرة في التنشئة االجتماعية والثقافية وتعزيز قدرات المجتمع في تحقيق المصالح اإلستراتيجية.
محاور المفهوم:
.1تحقيق األمن االجتماعي وامتالك القوة اإلستراتيجية الشاملة.
.2بناء والمحافظة على مجتمع متجانس متفاعل إيجابيًا منصهر وطنيًا.
.3تحقيق العدالة االجتماعية تعزيز االنتماء الوطني.
.4تعزيز أمن اإلنسان وكرامته.
.5تأسيس األوضاع الديمغرافية التي تؤسس لحفظ كيان الدولة وتوفير الفئات العمرية المطلوبة
لتحقيق التنمية.
.6تشكيل الثقافة الوطنية المطلوبة لتحقيق المصالح اإلستراتيجية للدولة.
.7توفير اإلسناد الثقافي المطلوب لتحقيق األمن والسلم العالمي.
.8تنمية ورعاية اإلنسان وجدانيا ونفسيًا وعقليًا وبدنيًا.
.9نشر المعرفة وتوفير المورد البشري المؤهل من حيث السلوك الوطني والمهني والمهارات
والقدرات واالنتماء للوطن.
.10تعزيز دور األسرة في التنشئة االجتماعية والثقافية.
.11تعزيز قدرات المجتمع في تحقيق المصالح اإلستراتيجية.
422
بهذا المفهوم فإن التخطيط اإلستراتيجي االجتماعي يشمل إستراتيجيات فرعية عديدة أهمها:
.1اإلستراتيجية الثقافية.
.2إستراتيجية الموارد البشرية (التعليم قبل المدرسي ،التعليم العام والعالي األكاديمي
والتقني ،التدريب).
.3إستراتيجية اإلرشاد الديني.
.4إستراتيجية الصحة.
.5إستراتيجيات األسرة ،المرأة ،الطفل.
.6إستراتيجية الرعاية والضمان االجتماعي.
.7إستراتيجية الشباب.
.8إستراتيجية الرياضة.
.9إستراتيجيات مكافحة المخدرات.
.10إستراتيجيات ذوي الحاجات الخاصة والطفل.
في هذا الفصل سنتناول التخطيط اإلستراتيجي الثقافي كما سنتناول بشيء من التفصيل موضوع
التخطيط اإلستراتيجي للموارد البشرية.
إن التاريخ يشير إلى أن تشكيل الثقافة ظل يتم في األرض بطريقة تلقائية عبر تفاعل الحضارات
والديانات مع الشعوب مضافًا له أثر الهجرات القديمة ،كما هو الحال في إفريقيا التي شهدت الحضارات
اإلفريقية ،اليهودية ،المسيحية واإلسالمية مع أثر الهجرات من خارجها وأثر االستعمار في حقبه المختلفة.
إال أن الوضع الراهن أصبحت اإلستراتيجية الثقافية تعني المبادرة بتحديد وتشكيل والمحافظة على
الثقافة المرغوب فيها وليس انتظار لمجريات األحداث كيفما تأتي ،ولعل النظر إلستراتيجيات الثقافة في
العديد من دول أوربا الغربية والواليات المتحدة وآسيا ،يشير لعمليات تشكيل ثقافي يناسب ما سبق وتم
تحديده من مصالح إستراتيجية ،كما أن النظر لمفهوم العولمة الثقافية في المفهوم الغربي يشير إلى
هذا المعنى لكن على مستوى عالمي.
423
مفهوم التخطيط اإلستراتيجي الثقافي:
يقوم مفهوم التخطيط اإلستراتيجي الثقافي على توفير اإلسناد الثقافي المطلوب لتحقيق المصالح
اإلستراتيجية للدولة ،ويتضمن تشكيل والمحافظة على نمط وطني إيجابي مبدع في الذهنية وطريقة
التفكير والتخطيط والتنفيذ والحياة ،وتشكيل العقل الجمعي والقومي وتأسيس ثقافة العمل في شكل
فريق وثقافة التعايش السلمي،
ويتضمن السلوك الوطني الذي يُعلي الوطن ويؤسس لخطة الوطن التي تعبر عن الدولة وثقافة
الشورى ودعم القرار بالمعرفة والشفافية والمشاركة وقبول النقد والمحاسبة والتداول السلمي للسلطة،
وتأسيس السلوك المهني الذي يقوم على االنضباط واحترام والمؤسسية والنظام والعمل والوقت والجودة
والتميز ،بجانب القيم الداعمة التي تشمل الصدق واألمانة وااللتزام ،ويتضمن تحقيق األمن الفكري
والثقافي ،واإلسناد الثقافي المطلوب لتحقيق األمن والسلم العالمي وأمن المستقبل ،كما يتضمن إرسال
الثقافة الوطنية إلى الساحة الدولية وإدارة الحوار الحضاري على الساحة الدولية.
النظر ألوضاع العديد من الدول النامية مثل اإلفريقية الغنية بالثروات الطبيعية التي تؤهلها لتحقيق
مصالح ضحمة لشعوبها في الوقت الذي ال زالت فيه هي األكثر تخلفًا يشير إلى العديد من األسباب لكن
دون شك سنكتشف أن الخلل األساسي يعود للجوانب السلبية في الثقافة.
إن تشكيل المستقبل وفق اإلرادة الوطنية الذي يعبر عن مفهوم اإلستراتيجية الوطنية ،يعني
بالضرورة تشكيل أوضاع جديدة ،وهذا بالضرورة يتطلب تطوير الثقافة الوطنية لتلبي مطلوبات تحقيق
ذلك الحلم الوطني ،وفيما يلي نماذج لبعض الجوانب التي تعبر عن هذا المعنى:
.1تحقيق التراكم والبناء اإلستراتيجي الذي يقود لتحقيق الغايات الوطنية عبر مسار
إستراتيجي طويل المدى قد يمتد لعقود يحتاج لثقافة تقوم على احترام الخطط الوطنية
وتنفيذها ،وهذا يعني بشكل آخر تشكيل سلوك وطني وسلوك سياسي رشيد يُعلي من
الدولة على ما دونها من مصالح.
.2قبول عملية التغيير اإلستراتيجي بغرض تهيئة األوضاع لتحقيق المصالح الوطنية ،في
حد ذاته يتطلب ثقافة جديدة تقبل وتؤسس لذلك ،كما أن تحقيق التغيير في كافة أنواعه
التي ورد ذكرها سابقًا في هذا الكتاب تقوم في مجملها على تشكيل أو تطوير الثقافة
الوطنية ،من النماذج لذلك نجد أن التغيير في نطاق العمل ليتحول نحو العالمية هو في
الواقع تشكيل ثقافي جديد حيث ال زالت عقلية معظم الدول النامية تقوم على المحلية
424
وليس العالمية ليظهر في محلية وتقليدية األسواق ،محلية نطاق اإلرسال اإلعالمي وما نجم
عن ذلك عن تخريج إعالميين وإداريين واقتصاديين ....إلخ غير قادرين على التعامل مع
الجمهور العالمي ،حتى في المستوى السياسي نجد أن دخول الدولة في ترتيبات إستراتيجية
دولية كالشراكات أو التحالفات أو تأسيس كتلة سياسية جديدة كاالتحاد األوربي .إلخ ،تحتاج
لثقافة جديدة تقبل وتؤسس لذلك ،كما يمكن مالحظة أن اإلستراتيجية تعني مخاطبة
جمهور وسوق عالمي مما يحتم اإلنتاج ليس بالجودة العالمية فقط بل التميز من منظور
عالمي ،وهذا يستدعي تشكيل ثقافة جديدة تؤسس للتفكير اإلبداعي واإلستراتيجي،
بجانب تطوير ثقافة اإلتقان التي تعزز من المهارات حتى تصبح مناسبة لتحدي التنافس
العالمي .إن الدول النامية ستفقد مئات اآلالف من فرص العمل في العقود القادمة نتيجة
لعدم توفر السلوك والمهارة المناسبة للتنافس العالمي.
.3تحقيق مصالح إستراتيجية ضحمة يعني دخول الدولة في غمار التنافس والصراع
اإلستراتيجي وهذا ال يستقيم إال بثقافة جديدة تقوم على احترام اإلستراتيجية كخطة
للدولة وليس الحكومة ،وتقوم كذلك على التوافق الوطني وتُعلي العلم والنظام والقانون
والمؤسسية ومبدأ المحاسبة والشفافية وتعزز من االنتماء للوطن بما يؤسس لسيادة نظام
الدولة وتعزيز قدراتها التفاوضية.
.4تحقيق الحلم الوطني يعني مواجهة العديد من القضايا اإلستراتيجية ومواجهة تحديات
التنافس الدولي ومواجهة التحديات المحلية مما يعني بالضرورة تطوير منهج وطرائق
التفكير ،وهذا يعد جانبًا من جوانب الثقافة الوطنية المطلوبة إلسناد عمليات تحقيق
النجاح اإلستراتيجي للدولة كما يستدعي تأسيس ثقافة صناعة القرار التي تؤسس الحترام
العلم وللشراكة بين السلطة العلمية والسلطة السياسية.
.5تحقيق المصالح اإلستراتيجية يقوم بشكل أساس على توحيد المشاعر الوطنية وتحقيق
الرضا القبول والوطني ،وهذا يستدعي تأسيس ثقافة وطنية جديدة تقوم على إرساء
وتحقيق بعض المرتكزات اإلستراتيجية لتصبح مرتكزات للدولة وليس للحكومات مثل إقامة
العدل ،أمن اإلنسان ،عدم التمييز على أساس عرقي أو سياسي ،عدم االستعالء الثقافي.
.6منظومة القيم وطرق التعامل مع الجمهور وغيرها من المعاني التي تعبر عن بعض جوانب
مفهوم الرسالة ،تعتبر من أهم أسس نجاح الدولة ،حيث أثبتت البحوث والدراسات أثر
تطبيق مفهوم الرسالة على النجاح اإلستراتيجي ومن األمثلة على ذلك النجاح الذي حققته
العديد من المؤسسات التجارية من متاجر وشركات طيران وفنادق إلخ ،في تحقيق مبيعات
425
كبيرة جدًا نتيجة إلرسائها مجموعة من القيم التي أسست لسلوك رفيع للتعامل مع
الجمهور ،وبالتالي في ظل احتدام المنافسة وتعقيداتها ال يمكن أن نتصور نجاح في تحقيق
أهداف الدولة في كافة المجاالت ونحن ال نمارس السلوك المناسب الذي يرغبه الجمهور.
.7تحقيق اإلستراتيجية يحتاج لسلوك جمعي وعقل جمعي وهذا ترتيب ثقافي.
.8بعض التحديات العالمية تستدعي تطوير والمحافظة على بعض الجوانب الثقافية مثل
التكافل االجتماعي ،وثقافة الحفاظ على العرض والشرف ،التعايش بين الديانات.
.9هناك نماذج سلبية للثقافة تمنع من تحقيق المصالح اإلستراتيجية مثل ضعف أو غياب
ثقافة التخطيط ،عدم الحماس واالتكالية والتراخي في العمل ،التسيب ،الروح الفردية،
سيادة االنتماءات الشخصية والحزبية والجهوية على المصالح الوطنية ،عدم الثقة في
العمل كروح فريق ،التأفف من العمل اليدوي ،عدم احترام النظام والتقيد به ،عدم
االهتمام بإتقان العمل ،تراجع صفات الصدق واألمانة ،عدم قبول النقد والنصيحة في
الوقت الذي يتوقف فيه تحقيق المصالح اإلستراتيجية وامتالك القوة اإلستراتيجية
الشاملة على سيادة نظام الدولة وهو يتطلب قبول النصيحة واالعتراف بالخطأ ،االستسالم
للواقع وهو وضع يناقض الوضع المطلوب لتحقيق اإلستراتيجية المتمثل في تأسيس
الهم الوطني وصناعة التحدي على المستوى الوطني.
إن أي حضارة لن تستطيع الصمود في مواجهة التحديات الثقافية دون إسناد ثقافي قوي ووجود مركز
إرسال ثقافي قوي ،وهذا يلقي بتبعات كبيرة على التخطيط اإلستراتيجي الثقافي.
إن تحقيق أمن المستقبل يتوقف جانب كبير منها على التحدي الثقافي ،ومن النماذج لذلك تحدي
التهديد البيئي وتحدي نقص الموارد العالمية ،أزمة الطاقة ،أزمة الغذاء ،التطرف ،تحقيق تنمية
مستدامة ،مما يعني الحاجة لتشكيل ثقافة عالمية تؤسس للوعي البيئي والصحي واالقتصادي وثقافة
التعايش السلمي وثقافة الشراكات الدولية التي تقوم على أسس أمن اإلنسان ومصالح الدول الكبيرة
والصغيرة معًا ومصالح األجيال القادمة ...إلخ ،وهي قضايا يجب أن يتضمنها التخطيط اإلستراتيجي في
دول العالم.
426
أمن املستقبل:
إن تحقيق األمن العالمي وأمن المستقبل يعني الحاجة لميثاق دولي يؤسس لمنظومة القيم والمرتكزات
اإلستراتيجي التي تحكم عمليات التخطيط إستراتيجي في العالم ،المتمثل أهمها في تحقيق أمن اإلنسان
وعدالة توزيع الدخل القومي والعالمي والحفاظ على البيئة واالستغالل األمثل للموارد وتنميتها وتطويرها
وحفظ حقوق األجيال القادمة.
بهذا الفهم فإن أي تخطيط يجب أال يطلق عليه صفة تخطيط إستراتيجي إذا لم يراعي األمور المتعلقة
بأمن العالم وأمن المستقبل الوارد نماذج منها أعاله.
427
الفصل السابع
428
التخطيط اإلسرتاتيجي للموارد البرشية
الحقيقة األبرز للدارس في علم تخطيط الموارد البشرية هو ميل معظم الكتب الخاصة بهذا العلم
لتناول الموارد البشرية في إطار المنظمات ،وعلى هذا النسق تأتي التعريفات والمفاهيم والمرتكزات
العلمية.
إن النظر إلدارة أو تنمية الموارد البشرية سواء من منظور المنظمات ال يمكن أن يوفر الفهم الدقيق
حولهما ،إال أن هذا الحديث ال يعني عدم أهمية علم إدارة الموارد البشرية لمنظمات األعمال ،وإنما قصدنا
أن نبين أن هذا العلم قد ال يلبي بشكل كافٍ لتعقيدات الموارد البشرية على مستوى الدولة ،ومن ذلك
تعقيدات تحقيق األمن القومي المرتبطة بالموارد البشرية وتنفيذ اإلستراتيجيات المختلفة في االقتصاد
والسياسة واإلعالم .إلخ.
من المهم جدًا ونحن نتناول الموارد البشرية على مستوى الدولة من منظور إستراتيجي أن نتناول ذلك
من خالل اإلستراتيجية القومية التي تعبر عن المصالح الوطنية للدولة وكذا عقباتها والمشكالت التي
تعترضها داخل الدولة وخارجها ،ومن الضروري بمكان أن اإلستراتيجية القومية وما تشمله من
إستراتيجيات فرعية وما استندت عليه من تحليل إستراتيجي ،توفر الرؤية اإلستراتيجية الشاملة لما تريد
أن تحققه الدولة وبالتالي طبيعة ونوع وحجم ومستوى الموارد البشرية المطلوبة لتنفيذ اإلستراتيجية.
لذا فإن تناول موضوع الموارد البشرية على مستوى الدولة بشكل علمي ،يتطلب التطرق على
اإلستراتيجية القومية والمصالح اإلستراتيجية وخارطة المسار اإلستراتيجي ومن ثم التعرض
لإلستراتيجية ذات الصلة بالموارد البشرية وأهمها إستراتيجية التربية والتعليم العام والعالي والثقافة
والتدريب.
بنظر المؤلف( ،مفهوم التخطيط اإلستراتيجي للموارد البشرية هو العملية المنظمة التي يتم من خاللها
تعميم المعرفة وتأهيل وتوفير الموارد البشرية المطلوبة كمًا وكيفًا وتوقيتًا ومكانًا ،المطلوبة لتحقيق
المصالح الوطنية وذلك من خالل إحداث التنمية العقلية والنفسية واألخالقية لألفراد ،بما في ذلك توفير
الكوادر المدربة بالمستوى العالمي ،أكاديميًا وفنيًا وتقنيًا وتشكيل السلوك الوطني والسلوك المهني
وأنماط التفكير اإليجابي واإلبداعي وتعزيز االنتماء للوطن وبناء السلوك الشخصي القويم وصبغه بالقيم
الفاضلة من صدق وأمانة والتزام واحترام وإتقان للعمل واحترام لقيمة الزمن ،وتأسيس الشراكة بين
مؤسسات التربية والتعليم والتدريب ومؤسسات الدولة) .وهو بهذا يعمل لتوفير السند المطلوب لتحقيق
المصالح الوطنية ويأتي في ثالثة اتجاهات رئيسة هي:
429
.1توفير الكوادر المدربة بالمستوى العالمي ،أكاديميًا وفنيًا وتقنيًا ،بالكم والزمن المطلوبين.
.2تشكيل السلوك الوطني والمهني واالنتماء للوطن.
.3تعميم المعرفة ،وتشمل هنا محو األمية بمفهومها الواسع لكل المواطنين (أمية العلم
والتقنية) ،وتوسيع المدارك والثقافة والوعي لتتم من منظور محلي وعالمي ،وامتالك
المهارات المطلوبة لممارسة الحياة الخاصة.
.4تشكيل أنماط التفكير اإليجابي واإلبداعي.
.5تأسيس الشراكة بين مؤسسات التربية والتعليم والتدريب ومؤسسات الدولة.
.6خطوات إستراتيجية الموارد البشرية:
إن إعداد إستراتيجية للموارد البشرية بما يحقق الفكر الذي تم استعراضه في هذا الكتاب يتطلب إتباع
الخطوات التالية ،ويجب اإلشارة إلى أن دقة اإلستراتيجية وكفاءتها ستعتمد على مدى وضوح المصالح
اإلستراتيجية للدولة والفلسفة المساندة لها:
إن وضع إستراتيجية الموارد البشرية ف يتطلب عمل التحليل اإلستراتيجي ،وستكون هناك حاجة
ماسة إلجراء مسوحات إحصائية ميدانية وعمل تحليل جيوستراتيجي في إطار تحليل األوضاع القومية
( )SIMPESTووضع خالصة التحليل اإلستراتيجي في شكل نقاط قوة وضعف وفرص ومهددات
( ،)SWOTوذلك كما يلي:
430
البشري لها.
.5دراسة اإلستراتيجية العلمية والتقنية واإلعالمية والعسكرية للتعرف على المصالح
الوطنية في هذه الجوانب ،المطلوب توفير السند البشري لها.
.6دراسة اإلستراتيجيات الفرعية للتعرف على نقاط الضعف المطلوب عالجها والمهددات
المطلوب التعامل معها بجانب التعرف على القضايا اإلستراتيجية لإلستراتيجيات الفرعية.
.7دراسة طبيعة التغيير اإلستراتيجي المطلوب إنجازه عبر إستراتيجية الموارد البشرية.
.8إن إستراتيجية الموارد البشرية تتطلب إعداد تحليل إستراتيجي يشمل الموضوعات التالية:
تحليل أوضاع المهارات والسلوك الوطني والمهني على المستوى القومي أ.
وحسب الواليات..
تحليل الشخصية. ب.
تحليل أوضاع الموارد البشرية بالخدمة العامة ،نظم العمل والترقي ج.
والتحفيز والعقوبة.
تحليل للبيئة اإلستراتيجية المحلية كدراسة أوضاع الرعاة ،المزارعين د.
التقليديين ،العمالة الفنية ،ذوي الحاجات الخاصة.
دراسة أوضاع المعلمين ،المدربين. ه.
أوضاع مراكز التدريب على المستوى القومي وعلى مستوى الواليات وقياس و.
التوازن على المستوى الكلي.
أوضاع البيئة التدريبية والمدرسية. ز.
431
ثانيًا :تحليل البيئة الخارجية من منظور الموارد البشرية كما يلي:
من منظور التحديات والتطور العلمي والتقني. أ.
من المنظور االقتصادي :النظام االقتصادي العالمي ،النظم والسياسات واألوضاع ب.
االقتصادية العالمية ،اإلستراتيجيات االقتصادية العالمية.
من المنظور السياسي :النظام السياسي العالمي ،اإلستراتيجيات الرئيسة ،دراسة القوة ج.
اإلستراتيجية وعناصرها ومرتكزاتها.
من المنظور القانوني :األوضاع القانونية الدولية والمعاهدات واالتفاقيات. د.
432
.1توفير مورد بشري مؤهل بالكم والمستوى المطلوب لتحقيق المصالح اإلستراتيجية
الوطنية.
الوضع أعاله يشمل تغيير األنماط السلوكية وإعادة توازن هرم الموارد البشرية (جامعي
بكالوريوس ،تقني ،فني دبلوم فني ثانوي عمالة ماهرة ،فاقد تربوي عمالة غير ماهرة)
ويتضمن تعزيز القدرات في مجال التدريب المهاري ليشمل المهارات بالمستوى العالمي في
كل المجاالت المطلوبة لتحقيق المصالح اإلستراتيجية الوطنية وكذلك التدريب المهاري
النفسي واهم ما يشمله تحقيق االنتماء للوطن ،السلوك القيادي ،التواصل الفاعل ،الثقة
بالنفس ،االنضباط.
.2تطوير الثقافة الوطنية التي تتناسب وتتعامل مع اآلتي:
▪ تحديات بناء القوة الشاملة ،االجتماعية الثقافية واالقتصادية.
▪ المهارات بالمستوى العالمي والتعامل مع التقنية الحديثة.
▪ السلوك الذي يحترم العمل والوقت.
.3تعزيز وتطوير التفكير اإلبداعي االبتكاري.
.4تعزيز ثقافة العمل الجماعي واحترام النظام والتقيد به واحترام البيئة.
.5تعزيز القدرة اإلدارية على المستوى الشخصي (ثقافة التخطيط ،التنظيم.)..
.6تحديات إدارة الشراكة الوطنية والصراع اإلستراتيجي والتنافس الدولي:
.7تشكيل الحس وتعزيز االنتماء الوطني.
.8ترقية الوعي اإلستراتيجي.
.9تطوير السلوك السياسي اإلستراتيجي الذي يُعلي الوطن والعلم.
.10ثقافة السالم والتعايش السلمي.
.11اإلسهام في تشكيل واقع ثقافي يحافظ على ،ويطور الجوانب اإليجابية.
.12اإلسهام في تشكيل واقع ثقافي يعالج الجوانب السلبية.
433
رابعًا :صياغة إستراتيجية الموارد البشرية:
وتضم الرؤية والرسالة واألهداف والسياسات اإلستراتيجية العامة والتي تحدد المسار والرؤية
اإلستراتيجية الكلية للدولة حول المورد البشري ،وتشمل كذلك اإلستراتيجيات الفرعية المتكاملة التالية:
.1إستراتيجية التعليم العام (األكاديمي والتقني).
.2إستراتيجية التعليم العالي (األكاديمي والتقاني).
.3إستراتيجية التدريب.
إن تحقيق مصالح إستراتيجية طموحة كتلك شهدها العالم في العقود الماضية في ألمانيا واليابان
والواليات المتحدة .إلخ .لم يكن من الممكن أن تتحقق لوال وجود إستراتيجية متقنة في التربية والتعليم
والتدريب ،فالحديث عن مصالح طموحة وتأسيس حضارة إنسانية يتطلب مستوى رفيع من السلوك
434
والمهارات ،وكالهما يتم بشكل أساس بدعم من إستراتيجية الموارد البشرية.
وإذا نظرنا إلى تحديات تنفيذ اإلستراتيجية واستمرار تنفيذها عبر عقود من الزمان مهما تعاقبت
الحكومات ،سنجدها تتوقف على السلوك اإليجابي مثل ترسيخ السلوك الذي يقوم على ثقافة خطة الوطن
التي تعلو على ما عداها ،يضاف لذلك أن توفر موارد بشرية بمهارات تناسب التحدي المحلي والعالمي
بجانب سلوك يقوم على ثقافة اإلتقان واحترام الزمن .إلخ ،هو األساس لإلنتاج المناسب للتحديات
العالمية ،لذا فإن عدم وجود إستراتيجية في هذا الجانب أو ضعفها أو عدم منحها أولويات التمويل ،يمكن
أن يكون السبب لفشل أي إستراتيجية والعكس صحيح فهي تصبح أهم ضمان لتنفيذ اإلستراتيجية.
إننا ال نستطيع أن نحلم بل يجب علينا أال نحلم بتحقيق المستقبل المنشود ،إذا لم نهتم بشكل كافٍ
بإستراتيجية الموارد البشرية.
إن الواقع يشير إلى تحقيق النجاح في عدد من الدول التي ال تملك كثيرًا من الموارد الطبيعية بينما
تـأخرت كثير من الدول رغم امتالكها لموارد طبيعية ضخمة مثل كثير من الدول اإلفريقية ،حيث أشارت
العديد من الدراسات التي بحثت في هذا الجانب إلى الدور المفصلي إلستراتيجيات الموارد البشرية.
ومما يميز إستراتيجية الموارد البشرية هو التحول نحو المبادرة في توفير الموارد المطلوبة وليس بذل
الجهد في الموارد الموجودة لتحويلها لكي تناسب اإلستراتيجية ،أي أن إستراتيجية الموارد البشرية ال تهتم
فقط بتحقيق المواءمة مع سوق العمل وإنما تشكيل واقع يناسب مستقبل الدولة فالمصالح
اإلستراتيجية للدولة قد تقتضي توجهات مختلفة عما هو موجود في الوقت الراهن
سبق وذكرنا في الفصول السابقة أن التخطيط اإلستراتيجي القومي يوفر إطارًا فلسفيًا يجعل كل
أنشطة الدولة تتكامل وتتناسق تجاه تحقيق المصالح الوطنية اإلستراتيجية ،وهذا من أهم أسباب تحقيق
النجاح على الصعيد اإلستراتيجي .على هذا األساس فإن التخطيط اإلستراتيجي للموارد البشرية ينطلق
على خلفية المسار اإلستراتيجي للدولة،
حيث يتم تصويب إستراتيجيات التربية والتعليم والتدريب تجاه مطلوبات تحقيق الغايات الوطنية
من قضايا إستراتيجية وتحديات ونقاط ضعف ومهددات وتعزيز لنقاط القوة كالتميز األخالقي ،على هذا
األساس ورجوعًا لتجارب العالم في القرن الماضي ،فإن إستراتيجية الموارد البشرية تعتبر هي المدخل
لنجاح أو فشل أي إستراتيجية قومية.
إن اإلستراتيجية القومية تحدد المصالح المطلوب إنجازها ،إال أنها في ذات الوقت تحدد األوضاع
المطلوبة لتحقيق تلك المصالح ويشمل ذلك نقاط الضعف المطلوب عالجها ،ومن ذلك ضعف الكوادر
435
المؤهلة في مجاالت معينة أو عدم توفر تخصصات معينة أو ضعف االنتماء الوطني أو سوء السلوك
الثقافي ..الخ كما يحدد التحديات والقضايا اإلستراتيجية المطلوب بحثها ودراستها.
لذا فإن إستراتيجية الموارد البشرية تتعامل مع هذا الوضع ،ومن ثم يتم تحديد اإلستراتيجيات
التربوية والتعليمية.
إن النظر لتجارب العديد من الدول النامية يشير إلى وجود أوضاع تخالف ما ذكرنا ،يعود ذلك لغياب
المسار اإلستراتيجي بل وغياب منهج التخطيط اإلستراتيجي برمته ،وهكذا يبدو النشاط في الدولة كالجزر
المعزولة ال رابط يجمعها.
إن عدم وجود مسار إستراتيجي للدول يعني انطالق الخطط واإلستراتيجيات المختلفة كاإلعالم والبحث
العلمي والموارد البشرية ،دون خلفيات معينة وبالتالي انطالق تخطيط دون تفاعل مع أوضاع أو قضايا
محددة .بينما العكس يعني وضوح المصالح اإلستراتيجية الشيء الذي يعني وضوح القضايا اإلستراتيجية
وبالتالي وضوح المطلوب من المخططات األخرى كاإلعالم والعالقات الدولية الخ.
لذا تأتي إستراتيجية الموارد البشرية عقب انتهاء كافة عمليات التخطيط اإلستراتيجي القومي ،حتى
يتم إعدادها على خلفية المصالح الوطنية.
هذا الوضع يعني عدم ممارسة الدولة لنشاط غير مطلوب.
إن انطالق إستراتيجية الموارد البشرية على خلفية اإلستراتيجية الوطنية يعني إدراك:
.1طبيعة المصالح اإلستراتيجية الوطنية
.2المهددات الوطنية والقضايا اإلستراتيجية
.3نقاط الضعف الوطنية
.4محاور التغيير اإلستراتيجي وطبيعته.
األشكال التالية توضح العالقة بين إستراتيجية الموارد البشرية والمسار اإلستراتيجي وكذا التفاعل
بين التعليم والتدريب والمجتمع.
إن العصر القادم عصر العولمة ،عصر إزالة الحدود الجغرافية ،من أهم سماته هو زوال القيود أمام
حركة التجارة الدولية والخدمات المالية ،هو عصر العولمة الثقافية ،هو عصر يقوم التفاعل معه على
عدة أشياء أهمها هو استخدام المنهج العلمي والتقنية الحديثة المتطورة ،والتفاعل مع العالم عبر
استخدام نفس لغته وأسلوبه.
وإذا استعرضنا الجانب االقتصادي ،فإننا نجد أن اإلنتاج فيه يجب أن يكون بالجودة العالمية وباألسعار
436
المنافسة وما إلى ذلك ،وتجسد التكنولوجيا الفائقة والعلم إحدى أهم العوامل الحاسمة في تحديد
مستقبل الدول في القرن الحادي والعشرين ،وفي ظل التطور السريع والمطرد لألنماط االستهالكية وما
يتطلبه ذلك من استعداد تقني معين ،فإن التقنية ستكون جزءًا من الوسائل الرئيسية لتحقيق الميزة
النسبية ،كل ذلك يقود إلى أهمية إستراتيجية الموارد البشرية حتى تتخرج أجيال نستطيع عبرها من
أن نتعامل بالفاعلية المطلوبة مع األسرة الدولية وضرورة إعادة صياغة إستراتيجياتها الفرعية
كإستراتيجية التعليم التي تتناسب مع تحديات العصر ،ولعله جدير بنا أن نذكر بأن العديد من الدراسات
قد أثبتت أن معظم خطط التنمية في الدول النامية لم تراع العديد من الجوانب منها:
▪ أن معظم االتفاقات الخاصة بالمشروعات التنموية واإلستراتيجية لم تشمل الجوانب الخاصة
بالحصول على الخبرات والتقنية المتطورة والمعلومات البحثية المتقدمة.
▪ أن هناك دائما نقصًا وعجزًا كبيرًا في الكوادر البشرية المؤهلة في المجاالت الفنية والتقنية في
الوقت الذي تشكل فيه التخصصات األكاديمية المدربة والجامعية فائضًا في تلك الدول النامية.
▪ عدم وجود إستراتيجيات تعليمية تواكب خطط التنمية الطموحة ،فيما تسود ثقافة التعليم
األكاديمي والجامعي وفوق الجامعي معظم تلك المجتمعات.
من هنا ومن خالل استعراض نتائج هذه األبحاث وبالنظر إلى العصر القادم وهو األكثر تعقيدًا نـجد
أن ولوج عصر العولمة بدون إعداد جيل مؤهل بالعلوم التقنية والفنية الحديثة سوف يكون بمثابة حجر
عثرة أمام االندماج اإليجابي الفاعل مع هذا العصر الذي يجسد العلم والتقنية المتطورة أهم أسلحته ،وأن
إعداد وتأهيل هذه األجيال كما ينبغي ال يمكن أن يتـأتـى إال عبر انتهاج إستراتيجية للموارد البشرية
تلبي متطلبات هذا العصر ومتطلبات خطط النهضة الشاملة في الدولة كمًا وكيفًا ونوعًا.
إن النهضة الشاملة والمتطورة المنشودة في عصر العولمة عصر الحدود المفتوحة ،تتوقف على مدى
التفاعل اإليجابي للدولة مع البيئة الدولية ،وأن هذا التفاعل واالرتباط أصبح يتطلب في المقام األول
التحدث بلغة العالم ،لغة التكنولوجيا المتقدمة ولغة النهج العلمي ،وبالنظر إلى طبيعة البيئة الدولية
المطلوب منا التعامل معها يتضح أن الدول النامية بحاجة إلى إستراتيجيات متقنة في كافة المجاالت
االقتصادية والسياسية واالجتماعية يتم من خاللها تحقيق األهداف اإلستراتيجية للدولة ،ولعل
استعراض معالم اإلستراتيجيات األجنبية المطلوب من الدول النامية منافستها ومواجهتها والتعامل
معها ،يشير إلى أهمية تخطيط إستراتيجي في الدول النامية يكون بذات المستوى فضلًا عن مستوى
مماثل في التطبيق على كافة المستويات.
كل ذلك ينعكس بالضرورة على إستراتيجية الموارد البشرية ،حيث ال تجدي اإلستراتيجيات دون موارد
بشرية مؤهلة ،ويكفي أن أسباب تخلف معظم الدول النامية كان يعـود إلى غياب اإلستراتيجيين وضعف
437
إعداد الكوادر التقنية ،وهو خلل أساسي إلستراتيجيات الموارد البشرية خاصة فيما يتصل بالتعليم بتلك
الدول.
إذا أدركنا أن أهم سمات التخطيط اإلستراتيجي هو أنه يوفر اإلطار الفلسفي الذي يعمل على تحقيق
االرتباط والتكامل والتناسق بين أنشطة الدولة بما يؤدي إلى أن تتوجه كافة األهداف المتناثرة هنا وهناك
سواء تكتيكية أو أهداف قصيرة أو طويلة ،نحو تحقيق األهداف اإلستراتيجية الكبرى ،إن هذا المفهوم
يعني أن التخطيط اإلستراتيجي يمنع وجود أي نشاط غير مطلوب ،فيما يعمل على توجيه األنشطة لتتم
بالكم والكيف والزمن المحددين ،وإذا تذكرنا المثال الذي سبق وضربناه والذي يقوم على افتراض مجازي
وهو أن تصنيع العربة هو هدف إستراتيجي ،وأن ذلك يحتاج إلى ثالث خطط طويلة لعمل المحرك والجسم
والشبكة الكهربائية ،وأن كل جزء من هذه األجزاء يحتاج لعدد من الخطط القصيرة ،وهذه الخطط القصيرة
تحتاج إلى عدد من البرامج لكل منها ،وصولًا إلى التكتيكات التي تقوم على بناء وتشكيل البرامج ،وقد
شبهناها بالمسامير والقطع القصيرة.
هذا المثال البسيط إذا وضعناه في اإلطار أعاله ،نجد أن الهدف اإلستراتيجي المطلوب تحقيقه
والمتمثل في تصنيع عربة بمواصفات محددة ،قد انعكس في كافة األنشطة حتى مستوى التكتيكات
فال يمكن وفق هذا الوضع أن يتم إنتاج مسمار أو قطعة غير مطلوبة ،إن كل القطع يتم إنتاجها وفق
المواصفات والمعايير والكميات المطلوبة بدقة.
438
شكل رقم :1 / 7نموذج مبسط لخارطة المسار اإلستراتيجي
الرؤيا الرسالة
نقاط ضعف
املهددات
عدم توفر كوادر تقنية
الغزو الفكري
الغاية رقم 1 ضعف الكوادر يف مجاالت
معينة
القضايا اإلسرتاتيجية
ضعف الحس الوطني
القدرات التنافسية
سلبية السلوك االجتامعي
اإلعالمية العاملية
439
شكل رقم :2 / 7التفاعل بين إستراتيجية الموارد البشرية والمجتمع
إسرتاتيجية التعليم
إسرتاتيجية الرتبية
إسرتاتيجية التدريب
440
إذا ربطنا هذا المثال بالتخطيط اإلستراتيجي الشامل ،فإن وضوح األهداف اإلستراتيجية للدولة في كافة
المجاالت تنعكس على الخطط الطويلة والقصيرة والبرامج والتكتيكات ،فال نجد نشاطًا عشوائيًا ،ومن
ذلك فإن كافة الخطط اإلستراتيجية الفرعية تفرز أهدافًا إستراتيجية فرعية تعمل على تحقيق الغايات
واألهداف اإلستراتيجية الكبرى أو رسالة الدولة ،وهذا يعني أن كافة األنشطة ومنها التعليم ،تعمل على
تحقيق أهداف إستراتيجية محددة ،وبالتالي فإن الخطط اإلستراتيجية واألهداف اإلستراتيجية للدولة هي
التي تحدد نوع التعليم وتركيبته والكم المطلوب من كل مجال ومستوى التخصص .إلخ ،وبالتالي فإن األمر
ليس صدفة ،أي مجرد إنشاء مدارس ووضع مناهج لتسير العملية التعليمية دون إطار ودون أهداف تعمل
على تحقيقها ،وهي لألسف سمة التعليم في الدول النامية ،بمعنى آخر فإن التخطيط اإلستراتيجي
للتعليم يخرج عددًا محددًا بالكم والكيف من الزراعيين والمهندسين الزراعيين ،وفنيي السكر والنسيج
والجلود والصناعات الغذائية والدقيق واإلدارة اإللكترونية والتسويق اإللكتروني الخ وقد نجد نسبة التعليم
الفني والتقني تفوق نسبة الثمانين بالمائة إذ أن تحديدها ليس بالمزاج الشخصي للمخطط وإنما تحددها
متطلبات التخطيط اإلستراتيجي القومي.
إن إستراتيجية الموارد البشرية تمثل خطة الدولة في هذا الجانب لذا فإن نطاقها يشمل كل من:
.1الحكومة.
.2القطاع الخاص.
.3منظمات المجتمع.
هذا يعني أن المزارع والراعي والنجار والحداد .إلخ ،ممن يعملون في القطاع الخاص ،يقعون ضمن دائرة
اختصاص جهاز إدارة الموارد البشرية وفي بعض الدول ذات االكتظاظ السكاني ،يمكن أن تشمل
إستراتيجية الموارد البشرية مجال تأهيل موارد بشرية بمواصفات ومهارات وتخصصات وسلوك ،للسوق
العالمي ،بغرض توفير فرص عمل لمواطنيها خارج نطاق الدولة.
على العكس من ذلك وفي حال عدم كفاية العمالة الوطنية ،فإن إستراتيجية الدولة للموارد البشرية
يمكن أن تشمل الرؤية اإلستراتيجية للموارد التي سيتم استقدامها من الخارج ،وتتضمن اإلستراتيجية
رؤية عميقة تراعي انعكاسات ذلك على األمن القومي للدولة.
إستراتيجية الموارد البشرية يجب أن تهتم بالموارد البشرية قبل وأثناء وبعد المعاش ،وذلك فيما
يتصل بالمهارات للتعامل في الحياة العامة أو تشكيل السلوك الوطني المناسب لتنفيذ اإلستراتيجية
كالسلوك الذي يعلي الدولة على المصالح الصغيرة األخرى ،كما أن تشكيل سلوك يقوم على المحافظة
441
على البيئة وتشكيل سلوك يقوم على االقتصاد في المياه يمكن أن تكون من المطلوبات المهمة لتنفيذ
اإلستراتيجية القومية بنجاح.
442
والقدرة على التفكير اإلستراتيجي ،فضلًا عن توفير وسائل االتصال المناسبة مع تلك الشعوب من إنترنت
وإنتاج تلفزيوني وإذاعي .إلخ.
هذا التوجه العالمي يفرض على المؤسسات التعليمية العمل في ثالثة اتجاهات رئيسة هي:
.1العمل على تأهيل كوادر ذات مواصفات تتسق مع متطلبات البيئة الدولية.
.2إعداد البحوث والدراسات المطلوبة للتعامل مع البيئة الدولية.
.3تقديم خدمات علمية للمجتمع بمستوى عالمي.
وعلى النقيض من ذلك:
.1فإن عدم إلمام الخريجين في الدول النامية باللغات األجنبية ،يحرمهم من مواكبة التطور
المتسارع.
.2إعداد المناهج من منظور محلي يؤدي إلى تخريج كادر ذي نظرة محلية ،وهو وضع أصبح ال
يتناسب مع الواقع.
.3عدم اإللمام بالتقنيات يحرم الدولة من تحقيق التنمية بالمستوى المطلوب ويحدد قدراتها
في إدارة حوار المصالح الدولية.
التعليم اإللكرتوين:
في إطار التطورات العالمية المذهلة ،شهد العالم تحولًا نوعيًا جديدًا في مجاالت التعليم ،أال وهو
التعليم اإللكتروني حيث أصبح في اإلمكان ألي طالب أن يلتحق عن طريق الشبكة العنكبوتية بأي من
المؤسسات التعليمية في العالم حيث يقوم بالتسجيل ودفع الرسوم إلكترونيًا وحضور المحاضرات
إلكترونيًا ودخول المكتبة واالطالع على الكتب إلكترونيًا ،وبالتالي فقد زالت الحواجز بين الطالب
والجامعات ،هذا الوضع له انعكاسات عديدة:
منها انعكاسات مالية تتصل بتكاليف الدراسة والصرف على البنيات التحتية حيث تختفي القاعات
والمباني والمكاتب لتحل محلها القاعات الخيالية الخ ،إال أن التحدي األساس هو أن الجامعات والمعاهد في
الدول النامية أصبحت تواجه تنافسًا عالميًا جديدًا ،وهذا يعني أن الجامعات والمؤسسات التعليمية إن لم
تتمكن من االستعداد النوعي المطلوب فإنها ستواجه خطر التوقف ،فالمستقبل سيكون ألصحاب القدرات
التنافسية العالمية ونعني هنا على وجه الخصوص ،المجاالت التعليمية القابلة للدراسة عن طريق
الشبكة اإللكترونية.
هذا الوضع يقود إلى إدراج البعد الخاص بتعزيز القدرات التنافسية للتعليم الوطني لتصبح عالمية،
وللمناهج لتمكن من تخريج الكادر بالمستوى المالئم للتعامل مع البيئة الدولية.
443
املوارد البرشية واألمن القومي:
في ظل األوضاع الدولية التي تموج باإلستراتيجيات المضادة ،فإن ضعف أو عدم وجود إستراتيجية
مناسبة للموارد البشرية تفرز آثارًا ذات اتصال باألمن القومي والتوجهات اإلستراتيجية للدولة ،يتضح ذلك
مما يلي:
إن اإلستراتيجية واألمن القومي وجهات لعملة واحدة بسبب أن تحقيق األمن القومي يتطلب امتالك
القوى اإلستراتيجية الشاملة التي يتم تحقيقها عبر اإلستراتيجية القومية والتي بدورها يتعذر تحقيقها
دون إستراتيجية للموارد البشرية.
الصراع الدولي حول المصالح والترتيب لشراكات عالمية عادلة أصبح محوره األساس الكوادر والخبرات
المؤهلة في الجوانب المختلفة ،لذا فإن الموارد البشرية عمومًا يمكن أن تكون أحد المداخل األساسية
لشن حرب مضادة أو تعطيل توجهات تنموية معينة ،من الوسائل لذلك ذلك حظر تأهيل كوادر في مجاالت
معينة ،تفريغ الدولة من الكوادر المؤهلة باستخدام الطرق المختلفة وأهمها الهجرة.
من هنا يمكن بالمنظور اإلستراتيجي النظر إلى هجرة العقول العربية إلى أوربا والواليات المتحدة بشيء
من الريبة.
لقد سبق لسكرتير حلف الناتو أن ذكر في أحد لقاءاته الصحفية خالل العام ،2005أن السودان دولة
ذات موارد طبيعية هائلة تؤهلها لدور عالمي ،ويملك عددًا هائلًا من العقول المنتشرة في العالم ،لو
اجتمعت في بلدها فإنها وفي ظل السالم ،يمكن أن تجعل من السودان قوة عظمى ،هذا يعني أن التعليم
والحرب يمكن أن يشكال في هذه الحالة المدخل المناسب لتحقيق مصالح مضادة.
في ظل الحاجة إلى كوادر ذات تأهيل بمستوى معين يشمل اإللمام بتقنيات وعلوم معينة ،إتقان
لغات أجنبية ،التميز بتفكير إستراتيجي عالمي ..الخ ،فإن عدم توفر ذلك إما يعطل تحقيق األهداف
اإلستراتيجية للدولة أو يتيح الفرصة لتولى تلك األعمال بواسطة أجانب أو بواسطة وطنيين يحملون
توجهات تناقض التوجه الوطني كما إن العطالة الناجمة عن عدم العمل تقود لتهديد األمن من البوابة
االجتماعية حيث تشير على سبيل المثال تقارير في عدد من الدول النامية إلى تنامي تعاطي المخدرات
وسط الشباب ومعظمهم من الحرفيين الذين فقدوا أعمالهم أمام العمالة األجنبية الماهرة.
التدبر في مفهوم العولمة الثقافية والتي تجعل آليات البناء الفكري واألخالقي للمواطن تتحول من
الدولة القطرية إلى آليات عالمية تحت سيطرة دول وجهات قد تتناقض توجهاتها وثقافاتها مع الواقع
المحلي وما يعنيه ذلك من تهديد عقدي وثقافي مما يشكل تهديدًا لألمن وال يمكن مواجهة ذلك إال
بترتيبات إستراتيجية خاصة في مجال الموارد البشرية.
444
إسرتاتيجية املوارد البرشية وأمناط التفكري:
إن تشكيل المستقبل الوطني وفق اإلرادة وتحقيق الحلم الوطني يعني مواجهة أمواج من القضايا
والتحديات والحاجة المستمرة البتكار األفكار لحل القضايا وابتكار الفرص ،والحاجة المستمرة لتحقيق
التميز بغرض مواجهة التنافس الدولي من ناحية ومواجهة التحديات األخرى ،كل ذلك يعني أن من أهم
الترتيبات الواجب استيفاؤها في الدولة هو توفير موارد بشرية تتميز بطرق متقدمة في التفكير اإليجابي،
اإلستراتيجي ،اإلبداعي ،االبتكاري ،وأن المستقبل القادم ال يحتمل التقليدية والتقليد والروتينية.
من السمات المميزة للتخطيط اإلستراتيجي عمومًا هو الجرأة إضافة إلى عالمية نطاق التخطيط ،وفيما
يتعلق بالتخطيط اإلستراتيجي للموارد البشرية يبدو ذلك في التوجهات نحو مخاطبة جمهور عالمي وليس
محلي ،حيث نجد أن طبيعة العصر وزوال الحدود الجغرافية..
قادت للحاجة إلى كوادر تجيد التعامل الدولي ،هكذا نجد أن طبيعة هذا األمر تتطلب أن يخاطب
التخطيط اإلستراتيجي للموارد البشرية للجمهور العالمي وهذا يعني مناهج بمواصفات عالمية ،استخدام
لغات أجنبية للدراسة ،هيئة تدريس تتمتع بقدرات رفيعة متابعة بالتطورات العلمية في المجاالت
العلمية المختلفة ،بجانب إجادة استخدام التقنيات الحديثة في التدريس ،إدارة تعليمية بمستوى عالمي.
إلخ .وإذا كان ذلك صعبًا في السابق ،فإن التعليم اإللكتروني قد أتاح الفرصة لتحقيقه بصورة أيسر.
إن التوجهات العالمية ،واالنطالق للتخطيط من منظور عالمي تجعل المؤسسات التعليمية والتربوية
ومؤسسات التدريب ،تتفاعل بصورة أفضل مع تحديات البيئة العالمية ،فنجد مثلًا أن التخطيط من منظور
محلي جعل العديد من جامعات الدول النامية ،تخرج كوادر في مجاالت مثل اإلعالم أو التعليم ولكن بلغات
محلية مثل العربية ،وبالتالي ينعكس ذلك على ضعف عمليات الحوار الحضاري بين تلك الدول والعالم
بسبب حاجز اللغة ،والعكس صحيح.
هناك مزايا أخرى للتخطيط اإلستراتيجي في مجال الموارد البشرية مثال لذلك هو تحديده ألهداف
عالمية جريئة مثل تحديد هدف إستراتيجي بنشر اللغة اإلنجليزية في العالم حيث ساعد وجود ووضوح
هذا الهدف اإلستراتيجي البريطاني في السعي لتحقيقه خالل العقود الماضية بواسطة الحكومات
والمؤسسات البريطانية المختلفة ،وعلى العكس فإن استخدام أساليب التخطيط القصير في مجال الموارد
البشرية في معظم الدول العربية ساهم في عدم بلورة هدف إستراتيجي مثل نشر اللغة العربية في
العالم.
445
اإلسرتاتيجيات الرتبوية:
من أكبر التحديات التي تواجه إستراتيجية الموارد البشرية هو التغيير السلوكي الذي يتم من خالله
تطوير السلوك بما يتناسب ومقتضيات المصلحة الوطنية والتحديات ،وقد أشارت العديد من الدراسات إلى
أن التغيير السلوكي كان من أصعب المهام الوطنية ،تغيير السلوك الثقافي من الفوضى وعدم المباالة
إلى االنضباط واحترام العمل وقيمة الزمن واحترام فريق العمل.
وصولًا للسلوك الوطني الذي يعلي الهم والمصلحة الوطنية على المصلحة الشخصية ،ويعلي الوطن على
القبلية والعنصرية.
وهناك العديد من الخطط والوسائل التربوية التي اتبعها العالم ،والتي اقتضى تنفيذها تطوير
المناهج وطرق التدريس بل إن بعضها ابتدع وسائل مهمة مثل تأسيس المدارس القومية بداخليات
سكنية في الدول ذات التعدد القبلي والثقافي ،باعتبار أن تحقيق االنصهار القومي وتعلم نظم معينة
كاحترام المواعيد ،ال يمكن إنجازه من خالل الدراسة النظرية وإنما من خالل الممارسة العملية داخل
المدرسة وداخل الداخلية حيث يجد الطالب الممارسة العملية لدقة المواعيد واإلتقان بينما ال يجد ما يشير
للقبلية.
إن هذا النوع من الوسائل التربوية كان لها دور واضح في المدارس العسكرية ،ولعله أصبح معروفًا
انضباط العسكريين.
هذا النجاح للمدارس القومية جعل بعض الدول تهتم باختيار قياداتها من بين خريجي المدارس
القومية وليس سواها ،وذلك حتى تضمن قيادي بمواصفات قومية وسلوك سياسي وثقافي يناسب قيادة
الدولة.
نفرد هذه المساحة إلستراتيجية التعليم باعتبارها أهم إستراتيجيات الموارد البشرية ،ويمكن أن
نسطر بإيجاز معالم اإلستراتيجية كما يلي:
االهتمام بالتوسيع في مجال التعليم الفني والتقني وذلك في المستوي الدراسي المدرسي والجامعي
ودعمه بآخر ما توصل إليه العلم في تلك المجاالت ،عالوة على الخبرات المطلوبة من الخارج ،وهذا ال يعني
عدم االهتمام بالتعليم األكاديمي الحالي وإنما ضرورة حصره في حدود متطلبات الخطط اإلستراتيجية
للتنمية والنهضة الشاملة ،ولعل التطور الهائل الذي شهده العالم في أمريكا وأوربا وشرق آسيا قد قام على
أكتاف قاعدة ضخمة من الفنيين والتقنيين والمختصين بالنهـج العلمي في كافة المجاالت ،وقد اهتمت
إستراتيجيات التعليم في تلك الدول بخلق قاعدة بشرية مؤهلة وبكم وكيف حسب ما تطلبتـه خطط
446
التنمية ،وذلك في الوقت الذي توجهت فيه معظم الدول النامية اآلن بالتركيز على التعليم األكاديمي
المدرسي والجامعي وفوق الجامعي على حساب التعليم الفني والتقني مما أثر سلبًا على عمليات التنمية،
إلى أن وصلنا إلى عصرنا هذا الذي أصبح فيه حتى الخريج الجامعي وفوق الجامعي في مجاالت الطب
والصيدلة وغيرها على سبيل المثال أميًا إذا لم يكمل تأهيله بالجانب التقني المطلوب كل في مجاله.
وقبل أن نواصل سرد سمات إستراتيجية التعليم فإننا نذكر هنا المقصود بالتعليم الفني والتقني:
وهو باختصار:
التعليم الفني والتقني والصناعي ويشمل الصناعة والتعدين ومن ذلك الكهرباء الخراطة، أ.
تصنيع قطع الغيار ،صناعات السكر ،الجلود .إلخ.
ب .التعليم الفني والتقني الزراعي ويشمل الزراعة واإلنتاج الحيواني ،في كافة المجاالت مثل تقنيات
الزراعة والتوسع الرأسي واألساليب الحديثة وفقا للمواصفات العالمية ،صناعة األلبان
ومشتقاتها ،تعبئة وتصنيع المواد الزراعية .إلخ.
ج .التعليم الفني والتقني الخدمي :ويشمل فنيات وتقنيات مجال الخدمات كالتقنية في المجاالت
الطبية والصحية ،البنوك والتأمين ،النقل بأنواعه تقنيات الخدمات المالية العالمية ،تقنيات
وعلوم إدارة األعمال والمكاتب والسـكرتارية واالتصاالت والمعلومات واالجتماعات الدولية .إلخ.
إن العولمة وفقا للنظام العالمي الجديد وبالرغم من أنها قد ألغت الحدود وأصبح تداول السلع
والخدمات فيها متاحا بدون عوائق إال أنها فرضت في نفس الوقت حظرًا محكمًا على تداول معلومات
التقنية المتطورة والخبرات المهمة ونتائج البحوث العلمية ،وبما أن عمليات التنمية أصبحت أكثر من أي
وقت مضى تقوم على مدى الحصول على هذه التقنيات والخبرات ،فإن التخطيط في مجال التعليم يجـب
أن يراعـي هذا الجانب ،عليه فإننا نرى ضرورة مراعاة اآلتي:
أ .االنتباه إلى أن مقاومة االستعمار بشكله الجديد في عصر العولمة يتوقف على مدى التفوق
العلمي ومدى انتهاج األساليب العلمية في الدولة ومؤسساتها ،ومن هنا ينبغي النظر إلى هذا األمر
باعتباره يشكل بُعدًا إستراتيجيا مهمًا ينعكس بصورة واضحة على األمن القومي.
ب .االعتراف بأن البداية من الصفر في مجاالت األبحاث وعدم االستفادة من جهود اآلخرين غير عملية
وتؤدي إلى إهدار الزمن وتأخير وتخلُّف عمليات التنمية عالوة على التكاليف الباهظة لذلك.
ج .أن تنتهج الدولة سياسات بحثية تبدأ من حيث ينتهي اآلخرون مع العمل باالستفادة من
اإلستراتيجية اآلسيوية في هذا المجال.
447
د .أال تتم األبحاث والدراسات المتعلقة بالجوانب اإلستراتيجية من منطلق رد الفعل لألحداث
العالمية وإنما من منظور المبادرة ،باعتبار أن القيام بالبحث العلمي وفق ردود أفعال ال يقود
لتكوين رؤى مستقبلية إستراتيجية.
ه .بما أن ربط المصالح هو أفضل وسيلة لحمايتها وبما أن الحصول على حصص إستراتيجية في
األسواق العالمية يتطلب تعاونًا دوليًا مشتركًا ،فإننا نرى في ظل هذين الجانبين وهما قوة
االتحاد والتعاون الدولي ،أن يتم ربـط تلك المصالح اإلستراتيجية (ضمن المصالح األخرى) للدولة
بتداول التقنية والخبرات المتطورة والعلوم البحثية والتعاون الفني والتقني والبحثي بين الدول
النامية والدول األخرى.
و .إن االعتراف بتطور اآلخرين وإدراك الفجوة العلمية الكبيرة بين الدول النامية والدول المتطورة
يقود إلى أهمية زيادة فرص التالقح العلمي لعلماء وخبراء ومهنيين وأساتذة وطالب وفنيي
وتقنيي الدول النامية ،في الدول المتطورة وذلك بالتركيز على الجوانب الفنية والمجاالت ذات
التقنية المتطورة ،يعني ذلك العمل على إعادة عمليات الدراسة بالخارج ولكن وفقًا لهذه
اإلستراتيجية ،ويشمل ذلك أيضًا حضور المؤتمرات العلمية الدولية في كافة المجاالت بما يؤدي
إلى ربط الكوادر الوطنية طوال الوقت بما يحدث في العالم من تطورات (وال نعني بالكوادر هنا
األكاديميين وكبار الخبراء فحسب بل وأيضًا الفنيين والتقنيين من المستوي الوسيط باعتبارهم
هم القاعدة األساسية للتنمية).
ز .انتهاج إستراتيجية تتيح إنشاء مراكز بحثية في المشاريع الكبيرة واإلستراتيجية مثل مشاريع
الزراعة ،الغزل والنسيج ،التغذية والتعليب والسكر .إلخ.
ح .انتهاج سياسة وتأسيس آليات تربط األبحاث الجامعية بالمشروعات الكبرى وخطط التنمية في
الدولة تتحول بموجبها الجامعات والمؤسسات التعليمية ومراكز األبحاث إلى أدوات فاعلة في
التنمية وتؤدي إلى البحث في المجاالت المطلوبة فعال وضمان تنفيذ تلك األبحاث عمليًا.
ط .االهتمام بالتعاون في مجاالت التعليم التقني بين الدول النامية والدول األخرى المتطورة ،مع
التركيز على الدول العربية واإلسالمية واإلفريقية وذلك من مرتكـزيـن:
األول :أن هناك ثمة تطور ملحوظ في العديد من تلك الدول مثل مصر والباكستان وإندونيسيا
وماليزيا.
الثاني :أن االرتباط العربي واإلفريقي واإلسالمي وارتباط تطور هذه الدول بمدى امتالكها للتقنية
عالوة على الرباط الروحي ،يجعل تداول المعلومات العلمية والتقنية أسهل وأسرع من غيرها من
الدول األخرى ،هذا مع استمرار التعاون مع الدول المتطورة عبر ربط الحصول على التقنية بمصالح
الدولة اإلستراتيجية كما ذكرنا.
448
ي .العمل على االشتراك في أية آليات علمية أو تقنية أو بحثية تحقق األهداف في هذا المجال
والعمل على إنشاء واالشتراك في أية آليات على المستوى اإلقليمي والعالمي.
ك .وضع إستراتيجية ذكية تتيح:
املنــاهـج:
تطوير المناهج الدراسية في المدارس والجامعات ومراكز التدريب وتطوير أساليب التعليم والتدريب
وذلك بما يتوافق مع طبيعة المصالح الوطنية بما تشمله من غايات وأهداف إستراتيجية ونقاط ضعف
ومهددات وقضايا إستراتيجية وتحديات ،وأهم ما يجب أن يشمله ذلك:
.1إعادة صياغة المناهج بما يؤدي إلى تحقيق متطلبات التفاعل مع العالم وعصر العولمة.
.2تحقيق المصالح الوطنية.
.3تغيير إستراتيجية التعليم في المجال األكاديمي والفني والتقني لتعتمد عمليات التدريس
فيها باللغات األجنبية المهمة أو لغات الدول التي تشكل مصالح إستراتيجية للدولة مثل اللغة
اإلنجليزية ،الفرنسية ،األلمانية ولغات دول شرق آسيا مثل اليابان ،كوريا والصين عالوة على
العربية ،باعتبار أن ذلك يخدم عدة أغراض أهمها:
أ .سهولة مواكبة التطورات في العالم في المجاالت المختلفة عالوة على ضمان
المشاركة الفاعلة في أي أعمال مشتركة تقنية أو علمية مع أي جهات أجنبية
باعتبار أن غياب اللغة يعني العزلة والتخلف.
ب .أن العولمة ال تشمل الجوانب االقتصادية فحسب بل وتشمل الثقافة ،أي أن
الحواجز أمام الفكر اإلنساني سوف تزال تمامًا ،وإذا أضيف إليها ذلك التطور الهائل
في مجال تقنية المعلومات واالتصاالت فإن العالم يصبح مجرد مدينة صغيرة
في هذا العصر ،على ذلك فإن عمليات الحوار الحضاري بين الدول النامية كالدول
449
العربية اإلفريقية ذات الحضارات الضاربة في التاريخ ولها ثقافتها العربية
واإلفريقية واإلسالمية فإن ذلك يجعل من الضروري أن تتم مبادلة الحوار مع
العالم بصورة فاعلة ،وأن ذلك ال يمكن أن يتم في غياب اللغات األجنبية ،بل إن
عدم إلمام الشعب بلغات العالم فإن ذلك يعني االنعزال والتقوقع في الوقت
الذي تصلنا فيه ثقافة العالم بكافة الوسائل وبلغاتنا المحلية وحينها ال يمكننا
رفضها أو منع استقبالها لدى شعوبنا.
ج .إن أفضل وسيلة لتعلم اللغات بالكيفية واإلتقان اللذان يمكنان من التفاعل
اإليجابي السهل مع شعوب العالم هو أن يتم تدريس المواد المختلفة بالمدارس
والجامعات باستخدام اللغات األجنبية (مع وضع كافة التحفظات التي من شأنها
المحافظة على اللغات الوطنية واستمرار تدريس عدد من المواد باللغة الوطنية
وتحديد عدد من المدارس للدراسة باللغة الوطنية ،وغير ذلك من أشكال الحلول)
ويشمل التدريس باللغات األجنبية كل المواد مثل التاريخ والجغرافيا والعلوم
األخرى بل ويشمل العلوم الثقافية والدينية أيضا ،مما يؤدي إلى إتقان اللغة
ومعرفة المفردات والمعاني والمصطلحات الدقيقة والمتخصصة في المجاالت
المختلفة ومن ذلك فإن دراسة الكيمياء والفيزياء وحتى الدين على سبيل المثال
باللغات األجنبية يمكن من إمكان معرفة كافة المصطلحات العلمية الدقيقة،
بما يحول الشعب كله إلى محاور فعال لشعوب العالم األخرى في كافة المجاالت
العلمية والتقنية والثقافية والدينية والحضارية وغيرها ،وتأتي أهمية ذلك
أيضًا من كون أن افضل المنابر للحوار الحضاري بين أمم العالم هو المنبر الشعبي
والحوار الشعبي ،وإن العكس يعني االستسالم والتلقي لثقافة الغرب بضعف
وما يعنيه كل ذلك من خطر إستراتيجي على الثقافة المحلية.
.4تطوير وسائل التدريب بالمؤسسات التعليمية والتدريبية لتشمل كافة األجهزة الفنية
والتقنية المطلوبة ،بما يؤدي إلى مثالية وفعالية التعليم والتدريب ،وتسليح الطالب بكل
الوسائل التي سوف يتعامل بها في المجال العملي.
.5إعادة صياغة المناهج الدينية لتقوم على األساس الصوفي الراقي الصحيح الذي يعتمد على
الفعل قبل القول ،وتأتي أهمية ذلك من ضرورة وجود إشباع للحاجات الروحية جنبًا إلى جنب
مع الحاجات المادية ولعل التجربة الغربية قد نجحت في إشباع الحاجات المادية وأحدثت
تطورا مذهلًا في العلوم المختلفة والتقنية واالتصاالت ،إال أن إغفال الجوانب الروحية أصبح
يشكل همًا دوليًا ضخمًا انعكس سلبًا على كافة أنحاء الحياة األخرى فزادت معدالت االنتحار
450
وتضخمت إعداد المرضى النفسيين ،وأصبح اللجوء للدجل والشعوذة والسحر أمر طبيعي في
الدول الغربية ،وتفككت الحياة االجتماعية ..الخ ولعله من المعروف أن كل الديانات تعمل
على ربط األرض بالسماء.
.6االهتمام بنشر التعليم التقني في كافة المجاالت ،وتشجيع دراسة علوم الكمبيوتر وتقنية
االتصاالت (عبر برامج محو األمية الجديدة) ،ودعم تعليم اللغات األجنبية في المجتمع عمومًا.
.7االهتمام بتربية الفرد على حب العمل والمسؤولية واحترام الزمن والجودة الشاملة وأدب
االعتراف بالخطأ وغيرها من الصفات التي تجسد ممارسة الدين عمليًا في الحياة.
.8العمل على تطوير كافة المؤسسات االجتماعية والثقافية والدينية ،ودعمها باإلمكانات
التقنية المتطورة مع تدريب القائمين عليها والمستفيدين منها بما يحول تلك المؤسسات
إلى منارات أكثر فاعلية في العصر القادم لتصبح منارات للحوار محليا ودوليًا وتأتي أهمية ذلك
من أن كثافة الحوار الحضاري بين شعوب العالم في العصر القادم تتطلب تسخير كل الوسائل
وتطويرها لتتمكن من استيعاب لغة العصر وبالتالي المشاركة بفاعلية في ذلك الحوار
الحضاري ،فإذا كان اإلسالم على سبيل المثال قد ارتبط باللوح في العصور األولى فإن لغة
العالم اليوم اإلنترنت واألفالم المتقنـة ،على هذا فإن الوضع الحالي لعمل األندية
والمسـاجد الخ ..سوف لن يواكب العصر القادم وسوف ال يفي بمتطلبات الحوار الحضاري أو
تحقيق األهداف التي قامت من أجلها تلك المؤسسات إن لم نقل أنها ستكون سلبية وجامدة
ما لم يتم تجهيزها بالوسائل التقنية العصرية ووسائل االتصال المتطورة وقاعات اإلرشاد
والحوار اإللكتروني ،وتم تدريب القائمين عليها بلغات العالم المختلفة ووسائله التكنولوجية
المتقدمة.
.9تأسيس إدارات التعليم عبر التقنية والتـي يمكن أن تشمل مهامها األساسية:
أ .إعداد البحوث والدراسات التي تمكنها من بناء قاعدة المعلومات والمكتبة
التعليمية والثقافية وبرامج التدريب عبر الكمبيوتر ..الخ لكافة مراحل التعليم
من األطفال حتى الدراسات فوق الجامعية ومجاالت األبحاث عمومًا.
ب .إجراء المعالجات الفنية المطلوبة لتحويل كافة المعلومات العلمية والثقافية
والكتب والمؤلفات المختلفة .إلخ إلى كافة أشكال اإلخراج التقني العصري من
أسطوانات مدمجة وأفالم وبرامج التعليم عبر الكمبيوتر وبرامج األلعاب
والتعليم لألطفال ..وما إلى ذلك.
ج .تأسيس شبكة المعلومات التعليمية الدولية التي يتـم من خاللها بث البرامج
451
التعليمية المختلفة.
د .إنشاء القنوات التعليمية الفضائية.
ه .إدارة عمليات التعليم من بُعد عبر شبكات المعلومات والقنوات الفضائية.
و .االهتمام بتربية النشء على حب الوطن وتقديس العمل والمسؤولية واحترام
الزمن.
بالنظر لتعقيدات إستراتيجية الموارد البشرية وأهمية السير في تنفيذها لفترات طويلة حتى تؤتي
ثمارها ،فإن هذا يستلزم النظر إليها كخطة دولة وليس كخطة حكومية تتغير مع تعاقب الحكومات ،لذا
فإن ما ينطبق على اإلستراتيجية عمومًا من أهمية وجود خطة للدولة ينطبق على الموارد البشرية،
وبالتالي فإن كل ذلك يعتمد على مدى وجود فكر إستراتيجي وطني يتعامل مع قضايا الدولة وتحدياتها
المختلفة ليتم بموجبه وضع خطة الدولة في التربية والتعليم.
إذا كانت إستراتيجية الموارد البشرية بهذه األهمية والخطورة التي يتوقف عليها الفشل أو النجاح ،فلن
يكون مقبولًا عدم وضع ضوابط لتحديد مواصفات وشروط المربي والمعلم والمدرب.
وبنظر المؤلف فإن تأسيس مركز قومي للتدريب المتخصص للمدربين وتأسيس مدينة تربوية في شكل
جامعة أو معهد كبير للموارد البشرية ،كسلطة قومية تؤهل المربي والمعلم وتمنحه الرخصة ،يجب أن
يجد األولوية عند وضع إستراتيجية ألي دولة.
إن إنجاز هذا العمل في مكان واحد يوفر بيئة علمية وعملية لممارسة السلوك التربوي بجانب إتقان
مهارات التعليم والتربية ،وهو بهذا الشكل تسهل السيطرة عليه ،عكس أي أوضاع أخرى تتشتت فيها
عمليات تأهيل المعلم المربي بين عشرات المراكز والكليات .ينطبق ذات الوضع على تأهيل المدرب.
الرخصة المهنية:
في ذات الوقت طالما أن طبيعة التنافس وتعقيدات تحقيق المصالح اإلستراتيجية الوطنية تتطلب
مهارات على مستوى رفع فإن هذا يعني أهمية استحداث رخص للمهن المختلفة بشروط محددة ومواقيت
للتجديد واختبارات تضمن المواكبة ،كرخصة النجار ورخصة الكهربائي ورخصة الميكانيكي والحالق.
452
آلية الموارد البشرية:
أصبح مألوفًا في الدول النامية تأسيس مجالس للتنسيق والتخطيط مثل مجلس الطفولة ،التعليم
العام ،التربوي ،التقني ،دون رابط يجمع بينها وقد يكون ذلك مقبولًا في حال غياب المظلة القومية
للتخطيط القومي التي تحقق التناسق للنشاط القومي،
إن الوضع األمثل هو تأسيس قطاع للموارد البشرية ضمن منظومة التخطيط اإلستراتيجي القومي
يختص بعمل التحليل اإلستراتيجي ووضع اإلستراتيجيات والتنسيق بين األطراف المختلفة وإنتاج
المؤشرات .إلخ ،يربط بين التعليم العام (الفني ،األكاديمي) والعالي (األكاديمي والتقني) والتدريب
(المهارات المهنية والنفسية) مع مصالح الدولة.
ونرى أن يكون هذا الجهاز أعلى من مستوى الوزارات ،ويتولى عمليات التخطيط اإلستراتيجي وتنسيق
وتوجيه نشاط الدولة الخاص بالموارد البشرية ،ويمكن تأسيسه من مستويين األول سياسي يرأسه رئيس
الدولة ويضم الوزراء المعنيين ،والثاني مستوى الخبراء ويضم مجموعة من الدوائر أو المجالس الفرعية
في مجاالت التدريب ،التعليم العام ،التعليم الفني ،التعليم التقني ،التعليم العالي ،على أن يضم األطراف
الرئيسة التالية:
.1وزارة التعليم العام
.2وزارة التعليم العالي.
.3وزارة العمل.
.4وزارة الثقافة.
.5اإلرشاد.
.6رؤساء دوائر (المجالس الفرعية) التدريب ،التعليم العام ،التعليم الفني ،التعليم التقني ،التعليم
العالي.
.7ممثلو منظمات المجتمع ذات الصلة بالموارد البشرية.
.8ممثلو القطاع الخاص ذو الصلة.
باإلضافة إلى ما تم ذكره من أهداف إلستراتيجية الموارد البشرية ،يمكن إضافة التالي ألهداف
اإلستراتيجية في الدول ذات الكثافة السكانية ،وهو الهدف المتصل بتأهيل الموارد البشرية المحلية وفق
مطلوبات السوق العالمي وليس المحلي بما يمكن من تبني عملية تهجير للكوادر الوطنية المؤهلة نحو
453
الدول األخرى ،بما يسهم في فك مشاكل االنفجار السكاني أو قلة فرص العمل الداخلي فضلًا عن المساهمة
في توفير عمالت أجنبية للدولة األم.
ختام:
إن المتتبع لهذا الفصل الذي يحدد مالمح إستراتيجية الموارد البشرية التي تستطيع عبرها الدول
النامية من الولوج للقرن الحادي والعشرين ،يالحظ أن المطلوب للمرحلة القادمة لتنفيذ هذه
اإلستراتيجية يحتاج إلى تمويل مالي ضخم حتمًا ال يمكن للدول النامية توفيره بسهولة..
إال أن خطورة المرحلة القادمة ومرحلة العولمة الثقافية وزوال الحواجز أمام الثقافة والفكر اإلنساني
تعني في حالة عدم التصدي لها غزوًا ثقافيًا وفكريًا يهدد كيان األمم وثقافاتها وحضاراتها بأرقي الوسائل
الشيقة والممتعة والتي يتم إعدادها وفقًا إلستراتيجيات غاية في اإلتقان ،وإن ذلك بكل المقاييس يعتبر
أخطر ما يمكن أن تواجهه األمم.
إن الغزو القادم من الخطورة بحيث يتطلب تخطيطًا مماثلًا ونهجًا شبيهًا واستخدامًا لنفس لغة العصر
حتى تتحول كل الدولة ومؤسساتها وأفرادها إلى وسائل تشارك بفاعلية في الحوار مع شعوب العالم ،وإن
إعداد ذلك يتطلب دولة بموارد مالية تستطيع بموجبها من تخطيط وتنفيذ إستراتيجيات الموارد البشرية
واإلعالم يمكن بموجبها التصدي للخطر القادم.
من هذا المنطلق تتضح أهمية التخطيط اإلستراتيجي المتكامل للدولة الذي ينبغي أن يحول الدولة من
دولة فقيرة ضعيفة مستسلمة بضعف إلى دولة قوية ترسل بقوة ،وهذا يعني أن تأمين ثروات الدول
النامية وكيانها وثقافتها ودينها جميعها تتوقف على مدى بناء دولة قوية تستطيع تحقيق المصالح
اإلستراتيجية للدول النامية بما يؤدي إلى وضعها في مكانها الطبيعي على خارطة العالم،
وبالتالي فان الحديث عن التكتل اإلقليمي واستخدام المنهج العلمي والتخطيط اإلستراتيجي العلمي
المتقن لالقتصاد وكافة المجاالت وعلى رأسها الموارد البشرية ..جميعها عوامل تتكامل لتصب جميعًا في
تأمين الدولة وكيانها وثرواتها وثقافتها وعقيدتها بل وتحويلها إلى قوة اقتصـادية وثقافية.
454
الفصل الثامن
455
التخطيط اإلسرتاتيجي واألمن القومي
(المفهوم التقليدي لألمن القومي يدور حول امتالك الدولة لعناصر القوة اإلستراتيجية أو بعضها ،والتي
تتيح للدولة امتالك إرادتها الوطنية وتوفر السند المطلوب لتحقيق المصالح الوطنية اإلستراتيجية ،فضلًا
عن تأمين تلك المصالح).
يتناول هذا المفهوم البنود الرئيسة التالية:
.1امتالك الدولة لعناصر القوة اإلستراتيجية أو بعضها.
.2امتالك الدولة إلرادتها الوطنية.
.3توفير السند المطلوب لتحقيق المصالح الوطنية اإلستراتيجية.
.4تأمين المصالح الوطنية اإلستراتيجية.
(بوجهة نظر المؤلف فإن األمن القومي بمفهومه اإلستراتيجي يعني قدرة الدولة على تحقيق وتأمين
مصالحها اإلستراتيجية ،ويقوم على امتالك الدولة لعناصر القوة اإلستراتيجية التي تقوم وتستند على
تحقيق األمن اإلنساني وأمن المستقبل ،والتي تتيح للدولة امتالك إرادتها الوطنية ،وتوفر السند المطلوب
لتحقيق وتأمين المصالح الوطنية اإلستراتيجية ،بما يشمله ذلك من المحافظة على البيئة وتنمية الموارد
الطبيعية وحفظ حقوق ومصالح األجيال القادمة واإلسهام في تحقيق األمن العالمي).
بجانب ما سبق ،يتناول المفهوم اإلستراتيجي لألمن ،البنود الرئيسة التالية:
.1تحقيق األمن اإلنساني.
.2التأسيس ألمن المستقبل.
.3المحافظة على البيئة وتنمية الموارد الطبيعية.
.4حفظ حقوق ومصالح األجيال القادمة.
.5اإلسهام في تحقيق السالم العالمي.
456
تفسري مفهوم األمن القومي:
يمكن فيما يلي تفسير معاني المفهوم ولكن قبل الشروع في ذلك نرى توضيح بعض الجوانب المتعلقة
باألمن اإلستراتيجي وقد رأيت أنه من المناسب توضيح ذلك من خالل تفسير المقصود بالخطر
اإلستراتيجي.
الخطر اإلسرتاتيجي:
األمن عكس الخطر ،لذلك توضيح مفهوم األمن بشكل دقيق يتوقف على دقة توصيف الخطر ،ومن
المتفق عليه أن األخطار تتعدد ،بدءًا من الخطر الفردي الذي يؤثر على فرد كقاطع الطريق والخطر الذي
يطال مجموعة أو أسرة كسطو اللص على منزل معين ،فنجد أن الخوف والضرر أصاب مجموعة محدودة من
الناس هم أفراد تلك األسرة ،وهكذا يتطور الخطر لمجموعة أكبر ،حتى نصل لخطر حرب بين قبيلتين،
ثم خطر حرب حدودية بين بلدين بسبب أرض أو ماء ،وفي كل األحوال نالحظ أن الخوف والضرر يشمل
نطاق أكبر ،لكن عندما يمتد الخطر ليشمل العالم بأسره أو قارة أو دولة بأكملها أو أجزاء واسعة منها،
فالخوف والضرر هنا يصيب البشرية كلها بل وقد يمتد ليشمل أجيالًا قادمة ،عليه من غير المنطقي أن
نصنف الخطر األول الذي أصاب الفرد أو األسرة ونضعه في ذات الدرجة مع الخطر األخير الذي يصيب البشرية
أو الدولة برمتها أو أجزاء واسعة منها ،وقد يمتد أثره ألجيال قادمة ال توجد وقت حدوث الخطر اإلستراتيجي.
من هنا فقد طرح الباحث مفهوم األمن اإلستراتيجي الذي يقابل الخطر اإلستراتيجي ،وهو بهذا الفهم
يهتم بدرجة األثر سواء في األمن الوطني أو القومي أو العالمي ،ويمكن مالحظة ذلك من خالل األمثلة
التالية:
.1التلوث البيئي واآلثار الناتجة عن ذلك على البشرية من تغييرات في المناخ وكمية
األوكسجين وانعكاسات بالغة الخطورة على االقتصاد العالمي والصحة العالمية ،يشكل
خطرًا إستراتيجيا يهدد األمن اإلستراتيجي العالمي.
.2العالم يدخل مرحلة حرجة يعاني منها من خطر عدم توفير الغذاء العالمي ،وهو أمر
مرتبط باألرض والماء ،فإذا نظرنا لدولة كالسودان من خالل هذا الوضع نجد أن السودان
له مسؤولية عالمية تجاه توفير جانب من الفجوة الغذائية العالمية ،كما أن أراضيه
البالغة حوالي 239مليون فدان تشكل ثروة ألهل السودان ،وهي أرض يروى معظمها من
األمطار ،فإذا ما علمنا أن األمطار التي تشكل المصدر األساس لالستفادة من هذه األراضي
لتحقيق تطلعات السودانيين بالرفاه والخير ،وتوفير الغذاء للبشرية ،يمكن أن تقل
بسبب نقص الغطاء الغابي ،فإن ذلك يعني تهديد لألمن اإلستراتيجي السوداني
457
والعالمي ،فعدم المطر يجعل من أراضي السودان أرقامًا مجردة في األوراق دون فائدة
ويشرد ماليين من المزارعين ومن المرتبطين بالزراعة وإلحاق الضرر بالثروة الحيوانية
الهائلة التي يحتاجها العالم بسبب نقص المراعي ،كما يحرم العالم من االستفادة من تلك
الثروة ،وهو وضع يبيح للعالم توجيه األوضاع السودانية بما يوفر األوضاع والظروف
المطلوبة لتوفير الغذاء ،كما أن عدم بلورة أهداف إستراتيجية محلية وأخرى على الساحة
الدولية ،تتعلق بالحفاظ على حزام السافانا بل ومده عبر حقب تاريخية طويلة إلى
الشمال ،يعني تهديد األمن اإلستراتيجي.
.3سبق وأشرنا إلى أن ما يجري على األرض هو صراع عنيف حول المصالح ،وتحقيق المصالح
اإلستراتيجية للدول يتوقف على مدى وجود تخطيط إستراتيجي مسنود بتخطيط
إستراتيجي سياسي وتخطيط إستراتيجي للعالقات الدولية ،وأن الدراسات أشارت إلى أن
غياب ذلك يعني التخلف والحرمان من النهضة ،وهو وضع جعل دول ال تملك موارد
كاليابان وكوريا الجنوبية وغيرهما تصبح قوى عالمية بسبب التخطيط اإلستراتيجي
ونضوج السلوك اإلستراتيجي السياسي ،فيما جعل أخرى تتخلف وتتأخر رغم امتالكها
للثروة والموارد بسبب تخلف التخطيط وعدم وجود تخطيط إستراتيجي سياسي يسيطر
على السلوك السياسي ويعزز القدرات التفاوضية للدولة ويحفظ إرادتها ،ويمكن كذلك أن
نتبين كيف أن أجيال بكاملها في الدول النامية حرمت من الرفاه وعدم الخدمات الطموحة
في الصحة والتعليم ..الخ بسبب عدم وجود تخطيط إستراتيجي ،لذلك من خالل هذا
السرد نستطيع أن نتبين عالقة التخطيط اإلستراتيجي باألمن القومي اإلستراتيجي ،وهو
ما يقود إلى حقيقة أن األمن بمفهومه اإلستراتيجي ال يتحقق بقوة السالح بل هو أمر
يتعلق بالتخطيط اإلستراتيجي بجوانبه السياسية واالقتصادية واالجتماعية والعلمية
والتقنية والعسكرية.
.4التدبر في مفهوم العولمة الثقافية والتي تجعل آليات البناء الفكري واألخالقي للمواطن
تتحول من الدولة القطرية إلى آليات عالمية تحت سيطرة جهات ودول قد تتناقض
توجهاتها وثقافاتها مع اآلخرين ،وما يعنيه ذلك من تهديد للثقافات واألديان األخرى،
يشكل تهديدًا لألمن اإلستراتيجي.
.5وإذا كان التكتل اإلقليمي أحد أهم وسائل تعزيز القدرات التفاوضية للدول لتحقيق
وحماية مصالحها اإلستراتيجية ،مثل ما حدث في االتحاد األوربي ،فإن تفتيت الدول
وتشرذمها يصب في خانة تهديد األمن بمفهومه اإلستراتيجي ،فدولة ذات موارد عالمية
كالسودان ،من الطبيعي أن تجد نفسها في صراع مصالح دولية تسعى أطرافها األخرى إلى
458
زراعة عناصر الضعف فيه باستهداف وحدته وتفتيته وجدانيًا وجعله هشًا دون
ائتالفات إستراتيجية ..الخ ،فيما يزرعون عناصر القوة في أنفسهم ،كالتكتل واستخدام
القوة السياسية والعلمية وغيرها ،لذا فإن إغفال الترتيبات اإلستراتيجية التي تعزز
القدرات التفاوضية للدولة وتحفظ وحدتها يصب في خانة تهديد األمن بمفهومه
اإلستراتيجي.
بالتدبر فيما أشرنا إليه أعاله نجد أنه يصب فيما سبق وتحدثت عنه من ارتباط اإلستراتيجية عمومًا
بقوة األثر ،عليه نجد أن تحقيق األمن بمفهومه اإلستراتيجي يقوم على مدى وجود تخطيط إستراتيجي
اقتصادي اجتماعي سياسي متقن ،كما أن تحقيق األمن اإلستراتيجي ينعكس تلقائيًا على مفهوم األمن
بجوانبه األقل عمقًا ،فوجود أمن إستراتيجي يعني وجود تخطيط إستراتيجي سياسي ،يعني وجود أمن
سياسي نتيجة لوجود حريات التعبير والتنظيم واالنتخاب والعدالة والمساواة ،وأن وجود األمن اإلستراتيجي
يعني وجود تخطيط إستراتيجي اقتصادي ،وهذا ينعكس بدوره في األمن من اللصوص واألمن من قطاع
الطرق ،لعدم الحاجة وزوال الفقر ،وأن تحقيق األمن اإلستراتيجي يعني وجود تخطيط إستراتيجي اجتماعي،
وهو يعني تنمية أخالقية لألفراد وهو يناقض تفشي التشوهات االجتماعية وانتشار المخدرات ..الخ ،وان
تحقيق األمن اإلستراتيجي يعني وجود إعالم إستراتيجي وهذا يعني ليس حماية الثقافة والدين محليًا
وإنما المبادرة بنشرها عالميًا والتحول من الضعف للمبادرة.
هذا يعني أن األوضاع التي تعني عدم األمن القومي ،مثل فقدان اإلرادة الوطنية ،ضعف القوة المعنوية
للدولة ،فقدان السيطرة على الحدود السياسية ،التأثر السلبي للقيم والمعتقدات ،خسارة الحصص
اإلستراتيجية في األسواق ،فقدان الميزة النسبية العالمية لإلنتاج الوطني ،تفتت النسيج االجتماعي...
الخ ،تشير الى أن العكس أي تحقيق األمن القومي يتم من خالل القوة اإلستراتيجية الشاملة.
القوة الشاملة:
تناولنا في الفصل األول من هذا الباب البيئة الدولية وأوضحنا من خالله أن ما يجري في العالم وما يثبته
التاريخ هو صراع للمصالح ،لذلك كان ذكرنا لنماذج من المخططات اإلستراتيجية لتحقيق مصالح بعض
الدول الكبرى ،وذلك من باب بيان صراع المصالح وطبيعته التي تتطلب امتالك نوع خاص من القوة تتيح
لتلك الدول تحقيق مصالحها ،وأفردنا مساحة لبعض المشروعات مثل مشروع الشرق األوسط الكبير وبعض
القضايا مثل العولمة االقتصادية ،وبينا أهمية امتالك القدرات التنافسية العالمية لإلنتاج الوطني
كسبيل لتحقيق المصالح اإلستراتيجية ،وهكذا اشرنا لبعض الدول التي لجأت للقوة العسكرية لتحقيق
مصالحها .إلخ ،وهكذا نجد أن طبيعة المصالح جعلتنا نتنقل بين امتالك المزايا النسبية العالمية
وامتالك القوة التكنولوجية انتهاء بامتالك القوة العسكرية.
459
أردنا بذلك توضيح أن مجرد الحديث عن مصالح إستراتيجية ال يكفي فالرغبة في تحقيق مصالح
إستراتيجية يعني تلقائيًا دخول الدولة في صراع المصالح ،وهذا ال يستقيم دون امتالك القوة
اإلستراتيجية.
اتفقت العديد من الدراسات والمدارس على أهمية امتالك القوة كسبيل لتحقيق المصالح الوطنية
اإلستراتيجية ،وأطلقت عليها اسم القوة الشاملة .ويأتي هذا االسم من شمولية القوة على عناصر متعددة
وليس عنصرًا واحدًا ،وهذه العناصر هي:
القوة السياسية ،القوة االقتصادية ،القوة االجتماعية الثقافية ،قوة اإلنتاج العلمي ،قوة اإلنتاج
التقني ،قوة اإلعالم والمعلومات ،القوة العسكرية األمنية.
إن مجرد شمول القوة لهذه العناصر ال يكفي وحده ،فقد يتم التوصل لقوة شاملة لكن بمستوى ضعيف
ال يتناسب مع التحديات المحلية والدولية وال يتناسب كذلك مع المخاطر اإلستراتيجية التي سبقت اإلشارة
إليها ،مثال لذلك القوة اإلستراتيجية االقتصادية والعلمية والتقنية في اليابان ،بلغت مرحلة مكنتها من
تحقيق مصالح إستراتيجية ضخمة ،وهكذا القوة اإلستراتيجية العلمية واالقتصادية اإلعالمية
والعسكرية في الواليات المتحدة ،والقوة اإلستراتيجية العلمية والتقنية واالقتصادية في ألمانيا ،إنها
ليست مجرد قوة شاملة وإنما العبرة في أن مفرداتها كانت تناسب األوضاع والتحديات الدولية ،كما أن األمن
القومي ارتباطه عالمي أي أن القوة المحققة له يجب أن تناسب األوضاع والتحديات العالمية ،لذا فإن إطالق
اسم القوة اإلستراتيجية الشاملة هو األكثر دقة .سيبدو ذلك منطقيًا إذا تدبرنا في مكونات ومفردات عناصر
القوة الواردة فيما يلي ،سنكتشف إنها جميعًا تدور حول امتالك قوة تناسب صراع المصالح الدولية
والتحديات العصرية.
460
فإننا حينئذ نتحدث عن قوة إستراتيجية شاملة أعلى مكانة ،تتيح للدولة المعينة تحقيق إرادتها في
الساحة الدولية ،وهو مستوى متفرد من القوة اإلستراتيجية يطلق عليه المؤلف اسم القوة اإلستراتيجية
العظمى.
461
االتحاد السوفيتي على سبيل المثال ،إننا إذا ألقينا نظرة على مفهوم القوة لديهم ستتضح لنا أسباب
انهياره.
كما أن االهتمام بقوى معينة دون غيرها كالقوة العسكرية يهزم عملية التخطيط اإلستراتيجي كلها،
(لغياب فكرة المعرفة اإلستراتيجية).
لقد أثبتت دراسات عديدة أن الدول التي اهتمت بوضع إستراتيجيات ثقافية وتربوية ،استمرت
لفترات زمنية أطول وحققت نجاحات أكبر ،كما أن االتفاق على أن خطة الدولة هي األساس المتين والضمان
لتحقيق المصالح والوصول للقوة التي تحقق األمن القومي ،رغم تعاقب الحكومات ،فإن هذا يعني خطة
تعبر عن شعب الدولة بمختلف أديانه وقبائله وثقافاته ولهجاته ،وهذا ال يتأتى إذا لم يكن هناك فكر
إستراتيجي عظيم يسند ذلك ،ولعل فشل كثير من اإلستراتيجيات في الدول المسلمة يعود لعدم
اهتمامها بالفكر اإلستراتيجي اإلسالمي،
على الرغم من أن اإلسالم هو دين يمثل نظام إلدارة األرض بسكانها بمختلف دياناتهم وثقافاتهم
وألسنتهم ،وقد أكدت الدولة اإلسالمية األولى على ممارسة منهج يعطي غير المسلم حقوقه (لقد كرمنا
()87
بنى آدم)
ه ذه اآلية على سبيل المثال تتحدث عن تكريم اإلنسان كإنسان ولعل البحث في المقصود بالتكريم
هنا يقود للفكر اإلسالمي في إدارة الدولة ،ولعل في حديث أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب عندما تولى
الخالفة بقوله إنما ولينا على الناس لنسد جوعتهم ونوفر حرفتهم ونصد عنهم األعداء ،إشارة لحقوق
الناس بغض النظر عن دينه أو لونه،
بل نجد الفكر اإلستراتيجي اإلسالمي يمنه ترويع الحيوان وتحميله ما ال طاقة له به ،فتدخل امرأة النار
في هرة ألنها لم تطعهما ويدخل رجل الجنة ألنه قام بسقاية كلب عطشان ،وإذا عدنا للفصل األول من
الباب األول سنجد قيود الفكر اإلسالمي تجاه إدارة األرض من حيث االستفادة من الموارد وضرورة تنميتها
وعدم التبذير ومنع قطع الغابات وإتالف البيئة ،ومنع ظلم اإلنسان أيًا كان دينه أو لونه ،كما يمكن الرجوع
للفصل الثالث من الباب الثاني لنرى رؤية الفكر اإلستراتيجي اإلسالمي في تأمين إدارة الدولة بما يشمله
ذلك من سيادة نظام الدولة والسيطرة على هوى النفس والسلوك البشري وتأمين خدمة مدنية تقوم
على العلم والقانون وإسناد القرار على العلم ومنع االنفراد بالقرار.
كل ذلك نقاط من بحر الفكر اإلستراتيجي الذي يقود لتأسيس خطة الدولة التي تحقق أمن اإلنسان
وتوحد مشاعره ،إال أن غياب ذلك من مدارس الفكر اإلستراتيجي اإلسالمي أدى لخلل في التخطيط
462
اإلستراتيجي في بعض الدول المسلمة ،الخاص بالتعامل مع اآلخر سواء المسلم معه المسلم من الجماعات
المختلفة أو التعامل مع غير المسلم..
كل ذلك يشير إلى أن أول خطوات إعداد اإلستراتيجية هي بناء الفكر اإلستراتيجي الذي يبين للدولة
شكل منهجها وسلوكها وتصرفاتها في كافة الجوانب اإلستراتيجية .ويمكن مالحظة مفهوم القوة فيما
يلي:
شكل رقم :1 / 8عناصر القوة اإلستراتيجية الشاملة
القوة
االجتامعية
S
قوة اإلعالم
القوة التقنية
واملعلومات
T
I
عنارص القوة
الشاملة
القوة القوة
SIMPEST
العسكرية العلمية
M S
القوة القوة
السياسية االقتصادية
P E
إنّ رصد حالة األمن القومي وحركة الدول نحو المستقبل يتم من خالل منظومة مؤشرات تمكن من
رصد وتقييم األداء المتعلق باألمن القومي والمستقبل وكذا اإلستراتيجيات المتعلقة بذلك ،ولتحقيق
هذا ال بد من االتفاق على بعض الحقائق العلمية المهمة والتي نوجز أهمها فيما يلي:
▪ أنّ تحقيق األمن القومي وصناعة المستقبل مترادفان.
▪ أنّ تحقيق األمن القومي وصناعة المستقبل والتحول نحو المبادرة بدالً عن مجاراة الواقع ،تتم من
خالل إستراتيجيات متقنة ،وقدرة في تنفيذ هذه اإلستراتيجيات.
463
▪ وأنّ االنطالق للمستقبل يتم من الواقع الراهن ،الشيء الذي يوجب التعرف على مدى وجود
ترتيبات في اإلستراتيجية إلدراك والتعامل مع ذلك الواقع تحقيقاً لألمن وعبوراً نحو المستقبل.
▪ أنّ تحقيق حالة األمن القومي بما في ذلك أمن المستقبل تتم والعالم يعيش في حالة صراع،
وهذا يتطلب وجود رؤية تؤسس المتالك القوة اإلستراتيجية الشاملة ،مما يستدعي توفير
مؤشرات تثبت ليس حالة القوة اآلن أو حالة الضعف فقط ،وإنما حالة السير نحو القوة ومدى وجود
الترتيبات الالزمة لتحقيق ذلك في الرؤية الوطنية.
▪ كما أن االنطالق للمستقبل يحتم استيفاء ترتيبات للتعامل مع تعقيدات المستقبل بل والتحول
نحو المبادرة ،وما يرتبط بذلك من مستوى الهندسة اإلنسانية وتقدم علمي وتقني ،الشيء الذي
يعني الحاجة لمؤشرات تثبت ذلك.
▪ كما يعني مواجهة الصراع اإلستراتيجي الدولي حول المصالح ،مما يعني ضرورة وجود مؤشرات
لقياس مدى قوة وضعف الدولة ومدى وجود ترتيبات لبناء الدولة من خالل اإلستراتيجية.
▪ أنّ صناعة المستقبل تتم من خالل رؤية متكاملة ،ثقافية اجتماعية ،سياسية ،اقتصادية ،أمنية،
علمية ،تقنية ،إعالمية ...وهذا يحتاج إلثبات وجوده وجودته بمؤشرات .
▪ تعقيدات تنفيذ اإلستراتيجية وما يرتبط بذلك من تنافس وصراع يحتاج لمؤشرات تقيس ذلك،
مثل مدى وجود عقل إستراتيجي ،كفاءة منظومة صناعة القرار ومدى وجود قنوات اتصال بين
متخذي القرار ومستودعات الفكر والمعرفة .
▪ أن إثبات الضعف والقوة والحالة بشكل عام ،يحتاج لمرجعية تحدد مفهوم القوة في المجاالت
المختلفة.
▪ أنّ القياس يجب أن يتم باستخدام مؤشرات متكاملة ،انطالقاً من حقيقة أنّ تحقيق نتيجة جزئية
(ما) يحتاج لتكامل عدد من األنشطة ،وأن تحقيق (نتيجة) يحتاج لتكامل عدد من النتائج
الجزئية ،وأن تحقيق ( األثر ) يحتاج لعدد من النتائج ،بينما األثر الشامل الذي يشير للقوة االتي
تقود نحو القدرة ،يحتاج لتكامل عدد من اآلثار في المجاالت المختلفة لقوى الدولة ،كما سنوضح
في هذه الورقة.
( ال يمكن أن نحكم على حالة القلب بأداء األذين ،في نفس الوقت أداء األذين ناجم عن أداء
لنشاطات متناهية الصغر ،بينما في مستوى أعلى نجد أن أداء القلب بشكل طبيعي ينجم عن
أداء كل أجهزة القلب من أورطة وأذين أيمن وأيسر وعضالت ..إلخ ،وهذا ال ينفي أن هناك أجهزة
464
خارج القلب له دور في التأثير على القلب من غدد وصحة شرايين ورئتين ،إلخ ،ينطبق هذا المثال
على كل أجهزة الجسم من كبد وكالوي وجهاز عصبي ..إلخ ،وبالتالي فإن الوصول لجسم صحي
معافي يمثل األثر الكلي الناجم عن تضافر وتكامل كل أجهزة الجسم بحيث ال يمكن إرجاع هذه
الحالة إلى جهاز واحد وإنما جميع األجهزة ،كما أن الضعف في بعضها يؤذي الجسد كله.
لذلك ال يمكن الحكم على حالة الدولة بمؤشرات جزئية مثل تلك الخاصة باألذين وإنما األداء في
كل المجاالت الرئيسية من خالل انتخاب مؤشرات محدد في كل مجال.
عليه يرجى مراجعة مفهوم وأنواع المؤشرات في الفصل الثالث من الباب األول.
مؤرشات القوة:
فيما يلي نماذج ألهم المجاالت التي تحتاج لتصميم مؤشرات لقياسها ،فيما يلي:
القوة االجتماعية:
من أهم المؤشرات لقياس قدرة الدولة على تحقيق األمن القومي وصناعة المستقبل هو القوة
االجتماعية والتي تشكل الحاضنة لالنطالق نحو المستقبل ،وذلك لعدد من األسباب نورد أهمها،
الهندسة اإلنسانية :بما أن أساس النهضة وصناعة المستقبل هو اإلنسان ،فإن الحاجة لقياس مستوى
األداء ومستوى التخطيط في هذا الجانب ،يصبح أمر بالغ األهمية لصناعة المستقبل.
وتشمل الهندسة هنا ،عمليات الهندسة أو البناء النفسي والوجداني والثقافي األخالقي ومهارات التفكير
والحياة والبناء المعرفة بجانب الهندسة االجتماعية.
وبمستوى أكثر تفصيالً البد من قياس مدى كفاءة التخطيط والواقع ،لتشكيل إنسان يحترم ويؤسس
للحكم الراشد ،أو لمهارات وتقانات المستقبل ،ومدى وجود ارتباط حضاري في عمليات الهندسة اإلنسانية،
بمعنى إدراك فلسفة الحياة ،وتشمل جوانب أخرى مثل ثقافة إتقان العمل واحترام الوقت وقبول النقد
والعقل الجمعي.
ومن المؤشرات المهمة هو عمليات الهندسة االجتماعية التي تؤسس لمجتمع متسامح متفاعل محب
متكامل متعاضد ،بدءً من عمليات الهندسة داخل األسرة ،واألسرة الممتدة والجار والعالقة معه والمجتمع
الكبير واألكبر ،ومفهوم الحياة ومفهوم السعادة ومستوى وطبيعة االنتماء وميلها نحو األعلى كاالنتماء
لفضاء أكبر أو الوطنية ،أم االنتماء الجزئي والعصبيات كاالنتماء القبلي والجهوي ..ولعل توجيه اآللة
الحربية العربية (كمثال) نحو الجهة الخطأ طوال عقود طويلة ،أي حرب العرب وبعضهم البعض ،يعود
465
لعدد من األسباب منها طبيعة االنتماء والتشكيل الثقافي واالجتماعي ،الشيء الذي يستوجب القياس
لمعرفة حركة السير نحو المستقبل.
القوة السياسية:
ال مستقبل دون رؤية إستراتيجية عميقة مستندة إلى قدرٍ عالٍ من الفكر والمعرفة تؤسس لمسار
إستراتيجي نحو المستقبل ،تجد الرضا والوعي بها والقبول من عامة الشعب ،تتضمن الترتيبات المناسبة
للتعامل مع الظروف والتعقيدات الوطنية والخارجية والمستقبلية.
وتشمل المناخ السياسي وما يرتبط به من قيم ومبادئ كالعدل والحرية وإعمال مبادئ الشفافية والمحاسبة
وسيادة النظام والقانون والمؤسسية وممارسة الحقوق وفق الكفاءة ،وقدرة الدولة على تنفيذ
إستراتيجياتها وخططها ..إلخ.
ومدى ارتكاز التخطيط وصناعة القرار ،على الفكر والمعرفة ،وما يتصل بذلك من ثقافات وآليات
وتشريعات.
وإذا استدعينا الجانب الحضاري ،فيمكن أن نتحدث عن مدى ارتباط التخطيط للمستقبل بذلك ،وكذا
الواقع للتأسيس لنظام سياسي يؤسس لكرامة اإلنسان ،يستند على العدل واألخالق والفكر ..ويؤسس
لشراكة دولية عادلة ،تحترم اإلنسان.
القوة االقتصادية:
في ظل إدراك البعد الحضاري ،ال بد من وجود وظيفة لكل نشاط إنساني على األرض ،ومن ذلك االقتصاد،
وهذا يبرز بعض الموضوعات المهمة ،مثل القدرة في زيادة الدخل وتوزيعه بشكل عادل نسبياً ( أي منع
سيطرة قلة على المال ) توليد فرص عمل وما يتصل بذلك من فلسفة اقتصادية تؤسس للجدوى
اإلنسانية واالجتماعية واألمنية والسياسية ،وتؤسس كذلك للعالقة بين االقتصاد الكلي والجزئي بما
يسهم في توليد فرص عمل بجانب عدالة توزيع الدخل ،وهذا يقود لمعرفة مدى ارتباط الواقع
والتخطيط المستقبلي لالقتصاد بالسند المعرفي واألخالقي.
وتتضمن القدرة في إدارة وتأمين الموارد في ظل زيادة السكان ،وما يرتبط بذلك من علوم وتقانة ،كما
تتضمن القدرة في تحقيق تنافسية عالمية وما يتصل بذلك من قدرة على اإلبداع واالبتكار وتقانات
المستقبل كالذكاء الصناعي وما بعد الذكاء الصناعي.
كما تتضمن مؤشرات تحقيق األمن كتنويع مصادر الدخل وتحقيق التوازن التنموي وتحقيق األمن المائي
والغذائي والبيئي ،وأمن الطاقة ،واالرتباط بمصالح إستراتيجية دولية وفق فلسفة أمنية.
466
املؤرشات:
ويمكن إنتاجها من خالل التعرف على أهم مقومات القوة كما يلي:
467
.14مدى توفر سلوك سياسي إستراتيجي.
.15الحكم الراشد:
استناد النظام السياسي على المعرفة واألخالق واإلبداع. أ.
ب .مدى إقامة العدالة وعدم التمييز.
ج .مستوى القرار اإلستراتيجي ومدى استناده على السند المعرفي واالنضباط
األخالقي.
د .سيادة النظام وحكم القانون والمؤسسية.
ه .مستوى المشاركة الوطنية.
و .مستوى سلوك الحكومة تجاه المواطن.
ز .التوازن بين السلطة السياسية والسلطة العلمية.
ح .التوازن بين السلطة السياسية والسلطة المهنية.
ط .المساواة في الحقوق.
.16وجود خدمة وطنية تقوم على العلم والقانون والمؤسسية.
.17قدرة الدولة على اإلدارة وإدارة التنسيق القومي.
.18وحدة المشاعر الوطنية.
.19توفر قيادات إستراتيجية لألحزاب في الحكم والمعارضة والمجتمع والشركات.
.20قيام األحزاب على أسـاس فكر إسـتراتيجي وممارسـة سـياسـية رشـيدة تعلي الوطن على
المصالح الفردية والحزبية تستند في ممارستها على المعرفة واألخالق.
.21انتشار الوعي وثقافة اإلستراتيجية على المستوى الوطني.
.22بسط الحريات السياسية للمواطنين مثل حق التعبير والتنظيم.
468
.23التداول السلمي للسلطة.
.24االستقرار السياسي.
.25وجود دستور مجمع عليه وطنياً موضوع على خلفية اإلستراتيجية القومية.
.26توفر الترتيبات اإلقليمية والدولية المطلوبة لتحقيق المصـالح اإلسـتراتيجية للدولة ووجود
ارتباط إستراتيجي بين المصالح الوطنية والدولية.
.27حجم ونوع ومتانة وسـائل تعزيز القدرات التفاوضـية الخارجية حجم الحصـص اإلسـتراتيجية
في السوق العالمي.
.28حجم التقانة المتطورة المنقولة عبر ترتيبات خارجية.
.29أوضاع السند السياسي األجنبي المساند للدولة المنجز عبر ترتيبات خارجية
.30استقرار وأمن الحدود.
.1مدى توفر البعد الحضـاري الذي يؤسـس لسـالمة وظيفة النشـاط االقتصادي على األرض وما يتصل
بذلك من فلسـفة اقتصـادية تؤسس للجدوى اإلنسانية واالجتماعية واألمنية والسياسية بجانب
االقتصادية ،ومدى ارتباط الواقع والتخطيط المستقبلي لالقتصاد بالسند المعرفي واألخالقي.
.2وضوح المصالح االقتصادية اإلستراتيجية والتوافق حولها.
.3وجود وفعالية آلية للتخطيط اإلسـتراتيجي االقتصـادي التي تتولى متابعة تنفيذ اإلسـتراتيجية
االقتصـادية وترعى خطة الدولة االقتصـادية وتراقب مسـارها اإلسـتراتيجي فيما يختص بالنشـاط
االقتصادي.
.4قوة اإلرادة الوطنية المتعلقة بالجوانب االقتصادية.
.5امتالك الموارد الطبيعية والمزايا الجغرافية والقدرة على االستفادة منها وتنميتها وتنويعها.
.6امتالك المزايا والقدرات التنافسـية العالمية وما يتصـل بذلك باالبتكار واإلبداع وآلياته ،والقدرة
في ابتكار أو إنتاج أو امتالك التقانة المستقبلية.
.7الحصص اإلستراتيجية في أسواق العالم.
469
.8مستوى زيادة الدخل القومي ومدى العدالة في توزيعه.
.9تنوع مصادر الدخل القومي.
.10تحقيق تنمية متوازنة.
.11مستوى األداء التقني.
.12القدرة في تحقيق األمن الغذائي.
.13القدرة على توفير السلع ذات التأثير اإلستراتيجي.
.14امتالك الطاقة الرخيصة اآلمنة.
.15القدرة على إنتاج طاقة متجددة.
.16قوة العملة الوطنية.
.17قوة االحتياطي النقدي.
.18مالءمة السياسات والتشريعات االقتصادية.
.19مالءمة مناخ االستثمار.
.20قوة الدخل القومي ومعدل الناتج القومي ومعدل النمو.
.21قوة وفاعلية الشراكة بين القطاع الخاص والحكومة.
.22قوة وفاعلية الترتيبات اإلســتراتيجية الدولية المتصــلة بالمصــالح االقتصــادية ومدى وجود
شراكات وتحالفات إستراتيجية اقتصادية.
.23درجة المحافظة على البيئة.
.24وجود خدمات مالية وتجارية واقتصادية متميزة بالمنظور العالمي.
.25توفر البنى التحتية المناسبة.
.26قوة االدخار.
القوة اإلستراتيجية االجتماعية:
470
.5مســتوى عمليـات الهنـدســة االجتمـاعيـة التي تؤســس لمجتمع متســامح متفـاعـل محـب متكـامـل
متعـاضــد ،بما في ذلك عمليـات الهنـدســة داخل األســرة ،واألســرة الممتـدة والجـار والعالقة معـه
والمجتمع الكبير واألكبر ،ومفهوم الحياة ومفهوم السـعادة ومستوى التناسق الحضاري وقدرة الدولة
على إحداث التعايش السلمي بين المواطنين.
.6فعالية دور األسرة في التنشئة ومستوى التواصل االجتماعي لألسرة والمجتمع.
.7قوة النسيج االجتماعي الذي يناقضه تفشي النعرات القبلية والعنصرية والجهوية .إلخ.
.8قوة المجتمع فيما يتصل بأوضاع المعاقين واليتامى وإعداد المشردين وأحوالهم.
.9االطمئنان المجتمعي الذي يضمن والدة الطفل من والدين معروفين متزوجين بطريقة رسمية،
وتمتعه برعاية آمنة ،ويضمن حياة أسرية تؤسس لعالقات إنسانية بين أفرادها.
.10مدى توفر التنمية الجسدية والروحية.
.11قوة الثقافة الوطنية وما تشمله من أبعاد حضارية تدرك:
أ .مفهوم وفلسـفة الحياة ،هندسـة نفسـية ووجدانية وأخالقية تهدف لتشـكيل إنسـان يحترم
ويؤسس إلدارة األرض بالحكمة والعدل واألخالق.
ب .هندسة لتشكيل إنسان مهارات وتقانات المستقبل،
ج .يؤسس للسلوك المطلوب للنهضة الذي يمكن أن يشمل احترام قيمتي الوقت والعمل.
د .تؤسس للتعايش السلمي ،قبول اآلخر وقبول النقد والعقل الجمعي.
ه .تؤسس النتماء يحترم الوطنية ،قادر على تخطيها النتماء حضاري أكبر في لحظة تاريخية
معينة.
و .مستوى السلوك اإلداري من انضباط وإتقان للعمل واحترام للقيادة ..الخ.
ز .الوعي بقضايا المجتمع المحلي والعالمي
ح .توفر أنماط إيجابية من التفكير (اإلبداعي واإلستراتيجي) وأنماط التخطيط والتعامل لدى
أفراد المجتمع.
.12قدرة الدولة في إدارة التنوع.
.13قدرة الدولة على حماية القيم والمعتقدات والثقافات الوطنية وكرامة المواطن والمحافظة على
وحدة المشاعر الوطنية.
.14مستوى قدرات التعليم الوطني في تحقيق النهضة وصناعة المستقبل واستيعاب األبعاد
الحضارية.
.15مدى توفر الكوادر المدربة بالمستوى المطلوب للتنافس العالمي والمستقبلي ،معرفياً وتقنياً
وسلوكياً.
471
.16مـدى توفر الكوادر المؤهلـة من حيـث مهـارات التفكير اإلبـداعي واالبتكـار والثقـة بـالنفس ومهـارات
الحياة.
.17مدى وجود شراكة بين المؤسسات التعليمية ومؤسسات الدولة.
.18قدرة الدولة على توفير الخدمات الصحية الجيدة وقائية وعالجية بالمنظور العالمي.
.19مســتوى التنمية األخالقية وتشــمل الســلوك القويم ومحاربة األمراض والتشــوهات االجتماعية
كالمخدرات.
.20قدرة الدولة الرياضية.
.21توفير الماء والغذاء الصحي والسكن الصحي والمالبس المناسبة والطرق اآلمنة.
.22وجود وفعالية آلية للتخطيط اإلستراتيجي االجتماعي التي تتولى متابعة تنفيذ اإلستراتيجية وترعى
خطة الدولة االجتماعية.
.23قدرات الدولة في مجال العمل الطوعي ومستوى الشراكة بين منظمات المجتمع المدني والحكومة
في إطار اإلستراتيجية القومية.
.24مالءمة السياسات والتشريعات االجتماعية.
.1وجود وفعـاليـة العـقـل اإلســتراتيجي لإلنتـاج الفكري والعلمي ،الـذي يتولى متـابعـة تنفيـذ
اإلستراتيجية ويرعى خطة اإلنتاج العلمي للدولة.
.2مدى توفر السند العلمي والفكري المناسب والمطلوب لتحقيق النهضة وصناعة المستقبل.
.3حجم اإلنتاج المعرفي للدولة.
.4قدرة الدولة على ابتكار الحلول للقضايا الوطنية والتحديات العالمية.
.5قدرة الدولة على عالج نقاط الضعف.
.6قدرة الدولة على تعزيز نقاط القوة واالستغالل األمثل للموارد وتنميتها وتنويعها.
.7ابتكار وصناعة الفرص.
.8امتالك الدولة للقدرات والمزايا التنافسية العالمية
.9القدرة على التعامل مع المهددات.
.10المساهمة الفاعلة في القضايا العالمية المتصلة باألمن والسالم والبيئة العالمية.
.11مدى توفر مناخ بحثي مناسب
.12وجود وفعالية آليات الشراكة والتنسيق بين السلطة العلمية والسياسية والتنفيذية والتشريعية.
472
.13قدرة الدولة على توجيه وإدارة وتنسيق اإلنتاج العلمي محلياً وخارجياً.
.14توفير البيئة الجاذبة لإلنتاج المعرفي.
أ .توفير الوضع المالي والمعنوي الجاذب من أجور ومزايا وحوافز.
ب .وجود سـياسـات تنظم التفرغ للبحث العلمي وعدم اضـطرار الباحث لالنخراط في أعمال
تشغله عن البحث العلمي.
ج .مدى توفر التدريب المستمر للباحثين.
د .مس ـتوى قـدرة الـدولـة في إتـاحـة الفرصــة للعلمـاء لالطالع على التطورات العلميـة في
العالم.
.15مستوى حرية البحث العلمي.
.16مستوى البنية التحتية المطلوبة لإلنتاج العلمي.
.17مدى مالءمة السياسات والبنية القانونية التي تدعم اإلنتاج العلمي.
.18حجم التمويل الممنوح لإلنتاج العلمي.
.19عدد مراكز المعلومات وفعاليتها.
.20عدد العلماء والخبراء والمبدعين.
473
.10وجود وفعالية آلية للتخطيط اإلستراتيجي اإلعالمي ،التي تتولى متابعة تنفيذ اإلستراتيجية وترعى
خطة الدولة اإلعالمية.
.11مالءمة السياسات والتشريعات المتعلقة باإلعالم.
.12قدرة الدولة في التواصل اإلعالمي الفاعل مع المواطن.
.13قدرة الدولة في التواصل اإلعالمي الفاعل مع الناس على الساحة الدولية.
.14القدرة على إدارة التنسيق اإلعالمي القومي.
.15حجم اإلنتاج اإلعالمي للدولة.
.16جودة اإلنتاج اإلعالمي للدولة.
.17قدرة الدولة على تكوين رأي عالمي ورأي وطني داخلي.
.18القدرة على اإلرسال اإلستراتيجي المبادر:
أ .قدرة الدولة على اختيار مداخل إعالمية مناسبة.
ب .امتالك األقمار والمسارات والتقنيات اإلعالمية الحديثة.
ج .وجود كوادر إعالمية إستراتيجية تستطيع مخاطبة الجمهور العالمي.
د .مدى النطاق الجغرافي العالمي لإلرسال اإلعالمي وعدد الجمهور الذي يشاهده.
.19مستوى السند الذي يوفره اإلعالم لتنفيذ اإلستراتيجية.
.20عدد الكوادر اإلعالمية بالمستوى اإلستراتيجي.
.21قدرة الدولة على عالج نقاط الضعف الوطنية من خالل الدعم اإلعالمي.
.22قدرة الدولة على البناء المعلوماتي.
.23امتالك الدولة للقدرات والمزايا التنافسية العالمية في اإلعالم.
.24مدى مالءمة السياسات والبنية القانونية التي تدعم اإلعالم الوطني.
.25مستوى الشراكات والتحالفات والترتيبات اإلستراتيجية الدولية المتعلقة باإلعالم.
.26عدد األجهزة اإلعالمية من إذاعات وتلفزيونات وصحف ومجالت وإعالم إلكتروني.
القوة اإلستراتيجية التقنية:
ويمكن قياس القوة اإلستراتيجية التقنية للدولة من خالل عدد من البنود أهمها:
.1وجود وفعالية العقل اإلسـتراتيجي لإلنتاج التقني ،الذي يتولى متابعة تنفيذ اإلسـتراتيجية وترعى
خطة الدولة التقنية.
.2مالءمة السياسات والتشريعات المتعلقة باإلنتاج التقني.
.3القدرة على إدارة التناسق المتعلق بالعمل التقني.
.4مستوى البنية التحتية لإلنتاج التقني.
474
.5حجم اإلنتاج التقني للدولة.
.6حجم الصادرات الوطنية من اإلنتاج التقني الوطني.
.7مدى تأسيس مجتمع للمعلومات.
.8قدرة اإلنتاج التقني الوطني في تعزيز القدرات والمزايا التنافسية للدولة.
.9قدرة الدولة على االسـتغالل األمثل للزمن والموارد البشـرية والمادية والمعلوماتية من خالل الدعم
التقني.
.10مستوى السند الذي يوفر اإلنتاج التقني لتنفيذ اإلستراتيجية.
.11عدد الكوادر التقنية ومدى كفايتها.
.12قدرة الدولة على ابتكار الحلول للقضايا الوطنية والتحديات العالمية من خالل الدعم التقني.
.13قدرة الدولة على عالج نقاط الضعف الوطنية من خالل الدعم التقني.
.14قدرة الدولة على تعزيز نقاط القوة واالسـتغالل األمثل للموارد وتنميتها وتنويعها من خالل الدعم
التقني.
.15امتالك الدولة للقدرات والمزايا التنافسية العالمية.
.16مدى مالءمة السياسات والبنية القانونية التي تدعم اإلنتاج العلمي.
.17مستوى االتصاالت الوطنية.
.18مستوى الحس األمني التقني.
القوة اإلستراتيجية العسكرية األمنية:
يقوم مفهوم القوة العســكريـة هنـا على امتالك قـدرات عســكريـة إســتراتيجيـة تعزز القـدرات
التفاوضية للدولة وتحمي البالد ومصالحها وثرواتها وتمنع التهديد العالمي وتحقق لها التفوق العسكري.
سـالمة ووضـوح العقيدة العسـكرية للدولة ومدى اتسـاقها مع مهام القوات المسـلحة المتعلقة بتحقيق
األمن القومي.
.1كفاءة التخطيط اإلستراتيجي العسكري.
.2كفاية وكفاءة العدد والتسليح ومستوى التقنية والكفاءة اإلدارية.
.3كفاءة وكفاية القوة القتالية قياساً للتهديدات اإلقليمية والدولية.
.4توفر التكنولوجية العسكرية المتقدمة.
.5مدى توافر توجه نحو قوة عسكرية ذكية.
.6مالءمة العوامل الجغرافية العسكرية.
.7كفاءة االنفتاح اإلستراتيجي.
.8مدى استيفاء الترتيبات اإلستراتيجية العسكرية من تحالفات وشراكات.
475
.9كفاءة النظم والقوانين والســياســات المعنية باألوضــاع العســكرية ،ومدى تالؤمها مع المصــالح
اإلستراتيجية الوطنية والتهديدات المحلية والعالمية.
.10توفر البنى التحتية بالمواصفات المطلوبة.
.11توفر قوات شــرطيـة ذات كفـاءة من حيـث العـدد والكفـاءة والتســليح ومســتوى التقنيـة والكفـاءة
اإلدارية.
.12مدى القدرة في توفير خدمات شرطية ذكية.
.13القدرة على التعامل مع الجرائم العصرية واالستعداد لجرائم المستقبل.
.14وجود دفاع مدني قادر على التعامل مع األزمات والكوارث.
.15مستوى خدمات الشرطة والسجون.
.16توفر البنى التحتية بالمواصفات المطلوبة.
.17كفاءة النظم والقوانين والسـياسـات المعنية باألوضـاع الشـرطية واألمنية ومدى تالؤمها مع المصـالح
اإلستراتيجية الوطنية والتهديدات المحلية والعالمية.
.18كفاءة جهاز األمن من حيث العدد والكفاءة والتسليح ومستوى التقنية والكفاءة اإلدارية.
.19قدرة جهاز األمن في إنتاج المعرفة (التحليل)
.20مدى كفاءة آليات تخطيط وتنفيذ وتنســيق ومتابعة وتقويم اإلســتراتيجيات والخطط العســكرية
والشرطية واألمنية.
.21كفـاءة النظم والقوانين والســيـاســات المعنيـة بـاألوضــاع األمنيـة ومـدى تالؤمهـا مع المصــالح
اإلستراتيجية الوطنية والتهديدات المحلية والعالمية.
.22كفاءة وكفاية المؤسـسـات العلمية واألكاديمية ذات الصـلة ذات الصـلة بالتخطيط اإلسـتراتيجي األمني ،
الشرطة واألمن والمخابرات.
القوة السياسية:
476
لتنفيذها ،توفر السند اإلداري والسلوك الوطني والسلوك المهني المطلوب لتنفيذ اإلستراتيجية).
إنّ امتالك القوى الشاملة هو عملية بناء تستمر عبر سنوات طويلة من خالل تنفيذ اإلستراتيجيات
المختلفة والتي بدورها يتم تنفيذها من خالل الخطط المرحلية والسنوية والتي يتم تنفيذها عبر البرامج
والمشروعات ،وهذا الوضع يستدعي توفر سلوك سياسي إستراتيجي وإسناد إداري وتشريعي بجانب
السلوك المهني ،وبالعدم ال تتشكل إرادة لتنفيذ اإلستراتيجيات والخطط مما يقطع الطريق نحو امتالك
القوى الشاملة وبالتالي تهديد األمن القومي.
الحكم الراشد:
477
ووقاية النباتات ،والنتيجة لهذا التخطي هو فشل الموسم الزراعي وإفالس آالف المزارعين وخسارة الدولة
للمليارات من الجنيهات كما أدى نقص الغذاء نتيجة فشل الموسم الزراعي إلى الضغط على ميزان
المدفوعات وتعرض اإلرادة السياسية للضعف.
.4من ناحية أخرى فإن توفير الترتيبات اإلقليمية والدولية المطلوبة لتحقيق المصالح
اإلستراتيجية للدولة ووجود ارتباط إستراتيجي بين المصالح الوطنية والدولية ،من شأنه تعزيز
فرص الدولة في حماية مصالحها ومن ثم تحقيق حالة األمن القومي ،وبرأيي على سبيل المثال أن
ارتباط اليابان بمصالح إستراتيجية مع بعض الدول الكبرى ساهم في حماية اليابان من العديد
من مخاطر الصراع ،ولعل الصين لم تستطع اتخاذ مواقف عدائية ضد الواليات المتحدة وهي في
أضعف حاالتها االقتصادية بعد األزمة المالية في 2008م ،بسبب االرتباط اإلستراتيجي للمصالح
بينهما والذي يزيد على الخمسمائة بليون دوالر في الميزان التجاري ،إذ أن أي عمل عدائي قد يؤثر
في خفض القوى الشرائية األمريكية سيؤدي إلى خروج ماليين من سوق العمل في الصين ممن
ينتجون لصالح السوق األمريكي.
القوة االقتصادية:
478
وفيما يتعلق بالتنمية المتوازنة يمكن مالحظة أن توفير فرص العمل والخدمات بشكل عادل
للمواطنين في أطراف الدولة المختلفة يعني تحقيق الرضا وأن العكس يقود لإلحساس بالظلم والتهميش
ومن ثم يؤسس لحالة من االحتقان التي قد تقود لألزمات والنزاع والحروب التي تؤدي للنزوح واللجوء،
وبالتالي حدوث حالة عدم استقرار تهدد المناخ الكلي لالستثمار بالدولة ،كما يؤدي لتهديد أمن اإلنسان
سواء بالموت أو فقدان األسرة أو التشرد ومن ثم فإن فقدان الرعاية المجتمعية واألسرية يؤدي للتشوهات
االجتماعية كتعاطي المخدرات والجريمة .إلخ ،ومع استمرار النزوح تصبح األرض خالية مما يوفر ظروف
مواتية الحتاللها بواسطة دولة أخرى جارة ،خاصة إذا كان في تلك المنطقة مزايا إستراتيجية للموقع أو
وجود موارد مهمة فيها ،وبالتالي فإن تحقيق التنمية المتوازنة يؤدي لحقيق األوضاع التي تؤسس ألمن
اإلنسان ولتحقيق االستقرار وبالتالي تحقيق النهضة الشاملة والوضع الكلي هو وجود بشري متفاعل
إيجابيًا على األرض يشكل الحماية األساسية لألرض وحدودها الدولية.
فيما يتعلق باألمن الغذائي وإنتاج سلع إستراتيجية ،يجب هنا مالحظة أن الغذاء يمثل واحد من
مفاتيح الصراع الدولي ،وقد تم استخدامه عدة مرات بين الدول لتمرير أجندة معينة .كما أن قدرة الدولة
في إنتاج سلع إستراتيجية يعطيها قوة سياسية ،باعتبار أن السلع اإلستراتيجية كالنفط وبعض المعادن
والقمح تمثل عنصر محوري لألمن القومي للدول ،وبالتالي فإن عدم امتالكها يضعف إرادة تلك الدول
الشيء الذي يعني أن امتالكها يعزز من قدرة الدولة من تحقيق العديد من المصالح اإلستراتيجية نتيجة
لذلك أو التأثير على الدول وفقًا لمقتضيات مصالحها.
القوة االجتامعية:
479
والتفكير اإلستراتيجي ،فهو الضمان الوحيد لحل المعضالت وابتكار الفرص وحماية حقوق األجيال القادمة.
كما أن عدم تشكيل ثقافة وطنية تؤسس لثقافة السالم والتعايش السلمي وإعالء قيمة الوطن
واالنتماء له ،يعني الفرقة والشتات وتحقيق أجندة حزبية أو شخصية .إن التدبر في واقع العديد من الدول
النامية التي امتلك السالح وقوة االقتصاد والتقانة ،بينما يحارب شعبها بعضه البعض قبائل ضد قبائل
وعشائر ضد عشائر ،إن هذه النزاعات تعني أن السعي نحو القوة لم يكن شاملًا ومتوازنًا ،الشيء الذي نجم
عنه حرب ونزاع نسف كل ما تم تحقيقه.
اإلنتاج العلمي:
أشارت معظم الدراسات التي تناولت التخطيط اإلستراتيجي التنموي إلى األهمية المفصلية للقوة
العلمية ،فال يكون التخطيط سليمًا إذا لم يراع القوة العلمية ،ولعل انضمام ألمانيا لمجموعة الدول
العظمى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ،فيما يطلق عليه مجموعة الثمانية ،ارتكز بشكل أساسي
وكبير على امتالك ألمانيا للقوة اإلستراتيجية والتي ارتكزت فيها ألمانيا بشكل رئيسي على القوة العلمية
والتقنية ،مثلما ارتكزت اليابان على القوة االقتصادية والتكنولوجية ،وهناك إحصاءات علمية أشارت
بوضوح إلى ارتباط النهضة خالل العقود الخمسة الماضية ،بالقوة العلمية والتكنولوجية ،إن تحول ألمانيا
من الهزيمة واالنقسام ووجود القوات األجنبية على أراضيها إلى دولة عظمى ،يبين أهمية القوة العلمية
والتقنية والعكس صحيح .ومن مؤشرات القوة العلمية هو مستوى الشراكة بين السلطة العلمية
والسياسية وبين السلطة العلمية والسلطة التنفيذية ،القدرة على ابتكار الحلول والتعامل مع القضايا
والمهددات ونقاط الضعف ،وقدرة الدولة على توفير المناخ البحثي المالئم.
اإلعالم:
من أهم الوسائل التي ارتكزت عليها المخططات اإلستراتيجية األجنبية والتبرير لظاهرة العولمة
والنظام العالمي الجديد بقيادة الواليات المتحدة األمريكية ،هو القوة اإلعالمية.
عليه إذا أدركنا أن معظم ما تم تنفيذه على خارطة العالم من المخططات التي تصل أحيانًا إلى درجة
احتالل دولة ،قد استندت على قاعدة متينة من التأييد العالمي يجسدها الرأي العالمي الذي تم تشكيله
عبر اإلستراتيجيات اإلعالمية المتقنة الصنع تجاه القضايا واألهداف المحددة ،وهي مخططات لم يكن من
الممكن تنفيذها في ظل غياب التأييد الشعبي العالمي ،فإنه يمكن إدراك أهمية القوة اإلعالمية كسالح
إستراتيجي ،بل ويمكن إدراك أن ضعف اإلعالم الوطني يمهد لتنفيذ مخططات ذات اتصال مباشر باألمن
القومي اإلستراتيجي.
أما الجانب الثاني إلستراتيجيات اإلعالم هو في كونها وسيلة إلرسال الفكر الغربي في ظل انفتاح الحدود
480
والفضاءات وعدم سيطرة الدولة على سلطة حركة الفكر والثقافة ،وهذا يعني التعرض للغزو الفكري
األجنبي الذي يعمل على تشكيل ثقافة عالمية جديدة تقوم على الترويج لقيم غربية جديدة أو ما يطلق
عليه حقوق اإلنسان والحريات غير المنضبطة وما إلى ذلك ،ولعله من المعروف أن هذا الغزو له انعكاسات
اجتماعية تتمثل في تهديد األمن االجتماعي وتنمية التشوهـات االجتماعية المنافية للقيم الوطنية
والعادات واألعراف المحلية .وفي ظل عدم وجود إستراتيجيات إعالمية تعمل لمواجهة ذلك ،فإن األمن
الوطني يكون مهددًا عبر البوابة االجتماعية.
على هذا فإن أي دولة ال تمتلك قوة إعالمية إستراتيجية ،يعني أنها عرضة للتهديد بأشكاله المختلفة،
السياسي واالقتصادي واالجتماعي والعسكري ،وهذا يعني ارتباط األمن الوطني باإلعالم ،وتقاس قوة
الدولة بمدى قدرتها على توفير سند إعالمي إستراتيجي لمصالحها الوطنية ،قدرة الدولة على بلورة رأي
عالمي معين ،القدرة على إنتاج إعالمي بمواصفات عالمية من حيث المدخل اإلعالمي واللغة المناسبة
وبناء تراكم معلوماتي من خالل إرسال إستراتيجي.
في الجانب اآلخر فإن تحقيق النجاح اإلستراتيجي وما يسبقه من القدرة على التحليل اإلستراتيجي
والتخطيط ومن ثم متابعة تنفيذ اإلستراتيجية وتقييمها وتقويمها ،يتوقف على مدى وجود نظام فاعل
للمعلومات.
إذن فإن صياغة المفردات التي تعبر عن القوى الشاملة يجب أن يتم بعناية ووفق تفكير إستراتيجي
واستصحاب لمخرجات اإلنتاج المعرفي ،يراعي تعقيدات وأوضاع وظروف الدوائر األربعة (النفس البشرية،
البيئة الوطنية ،البيئة الخارجية ،المستقبل) وأن أي ضعف في ذلك سيقود المتالك قوى هشة ال تمكن
من امتالك اإلرادة الوطنية.
إن امتالك القوة يحتاج إلى تحقيق تراكم عبر سنين طويلة لذلك فإن من أخطر ما يواجه الدولة وهي
تنطلق نحو بناء القوة الشاملة هو الوقوع في فخ اإلدارة باألزمات وهو علم يقوم على شغل الخصم
باألزمات المتالحقة حتى ينشغل بإطفائها والتعامل معها طوال الوقت ،ال يفرغ من أزمة حتى يقع في
أخرى وهكذا تضيع السنين ،ومما يجعل الوضع خطيرًا هو أن الضعف في مجاالت القوى المختلفة يعني
توفر بيئة خصبة لنشوء األزمة ،بينما الوضع في حالة القوة كما يالحظ من السرد السابق فهي تعني
أوضاع تمنع حدوث األزمة أو تقلل من ذلك ،لذا فالحل يكمن في أهمية وضوح الرؤية اإلستراتيجية للدولة
والعمل بنظام فريقين واحد للتعامل مع األزمات والقضايا المرحلية وآخر هو الفريق اإلستراتيجي الذي
يعمل في هدوء في إطار تفكير إستراتيجي ويدعم الفريق األول باألفكار والموجهات التي تعينه إلى حين
بلوغ القوة.
481
إن هذا الموضوع يشير كذلك ألهمية آلية التخطيط اإلستراتيجي ودورها في التعامل مع الوضع أعاله.
تقوم بعض اإلستراتيجيات األمنية مثل إستراتيجية الواليات المتحدة األمريكية ،على السيطرة على
موارد العالم ،وتقوم الفلسفة األمريكية هنا على مبدأ أن األمن القومي األمريكي ال يمكن تحقيقه في ظل
عدم السيطرة على الموارد األساسية وعلى رأسها النفط والماء ،ولعل ذلك يبرر السبب في وجود النزاعات
والصراعات األهلية في مناطق الثروات الطبيعية في كـافة أنحاء العالم ،فحيث ما توجد ثروات يوجد نزاع
والعكس صحيح.
على ذلك فإن مفهوم األمن المتصل بالموارد يختلف من دولة إلى أخرى حسب نوع ثرواتها وموقعها
الجغرافي وظروفها ،ومن األمثلة على ذلك األمن المائي العربي ،حيث ندرة المياه العذبة في ظل الحقيقة
التي تشير إلى أن % 85من المياه العربية تأتي من خارج الوطن العربي ،مع وجود فجوة غذائية عربية
ضخمة تصل إلى حوالي 20بليون دوالر ،مع إمكانية استخدام الغذاء كسالح بواسطة الدول المصدرة له،
عليه فإن الحديث عن تحقيق األمن القومي العربي ال يمكن أن يتم بمعزل عن موضوع المياه.
وإذا نظرنا إلى اتجاهات األمن القومي فيما يتصل بالموارد ،فإننا نالحظ أن العمق اإلستراتيجي لألمن
القومي المصري على سبيل المثال يشمل المسرح السوداني ومنطقة البحيرات ،ولعل ذلك يبرر اهتمام
مصر بالشأن السوداني باعتبار أنه يمكن أن يكون منصة وثوب إلضعاف مصر أو التحكم في مياه النيل.
وكذلك يمكن النظر إلى مخططات الواليات المتحدة وإسرائيل للسيطرة على منابع النيل ،هذا الوضع
ينعكس ليس على األمن اإلستراتيجي للسودان ومصر وإنما يمتد ليشمل الوطن العربي كله.
من هنا يبـدو التشابك بين أهداف اإلستراتيجية األمنية مع إستراتيجية القطـاع االقتصادي ،كما
يبدو أيضًا التشابك بين أهداف اإلستراتيجية األمنية الفرعية مع إستراتيجية القطاع السياسي ،على ذلك
فإن اإلستراتيجية األمنية تتعامل مع عناصر القوة والضعف في البيئة الداخلية وعناصر الفرص
والمهددات في البيئة الخارجية للدولة ،وهذا يبرز دور األمن االقتصادي في الجانب اإلستراتيجي ليتحول من
المهام التقليدية العادية مثل (مراقبة النشاط االقتصادي بما يمنع مخالفته للنواحي األمنية ،منع
المهددات األجنبية مثل استيراد بذور وتقاوي ملوثة تعمل على تهديد األراضي الوطنية ،مراقبة حركة
األموال ،رصـد المستثمرين األجانب والتأكد من عدم ممارستهم لنشاط يهدد البالد ..الخ) ،إلى دراسة
وتحليل ومتابعة التطورات على البيئة الدولية ،وذلك فيما يتعلق بالجوانب المؤثرة في األمن االقتصادي
ومن ثم األمن الوطني مثل العناصر المؤثرة على الميزة النسبية العالمية والحصص اإلستراتيجية في
األسواق العالمية والشراكات الدولية مع الدولة ،مهددات الموارد الطبيعية ،رصد أي تحركات تتعلق بحروب
اقتصادية ضد الدولة واقتصادها في األسواق الدولية.
482
ومن ثم فإن العمل على وضع أهداف إستراتيجية اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية ال بد أن يتم
بمشاركة قطاع األمن اإلستراتيجي بما يقود إلى تحقيق وتعزيز األمن بمفهومه اإلستراتيجي عبر مداخله
المختلفة فضلًا عن توفير السند المطلوب لتحقيق األهداف الوطنية األخرى.
من أهم األمثلة على التواؤم والتفاعل بين اإلستراتيجيات األمنية واالقتصادية في سبيل تحقيق
مفهوم األمن القومي ،هو امتالك اليابان لميزة نسبية عالمية وإتمامها لشراكات عالمية مع الواليات
المتحدة األمريكية والغرب بكيفية جعلت المصالح االقتصادية والسياسية في تلك الدول الغربية تعتمد
على استقرار األوضاع في اليابان سياسيًا واقتصاديًا ،وبالتالي فإن اليابان اكتسبت عناصر تفاوضية وأمنية
على الصعيد العالمي من خالل الجانب االقتصادي ،بمعنى أن الشراكة الدولية بين اليابان واألسرة الدولية
في ظل األوضاع والمزايا االقتصادية اليابانية ،انعكست إيجابا على األمن اإلستراتيجي لليابان.
ولعل الدول صاحبة الموارد الطبيعية الضخمة كالسودان يمكنها استيفاء ترتيبات تمكنها من امتالك
أحد مفاتيح الصراع الدولي مثل إنتاج الغذاء العالمي والعربي عبر تحقيق ميزة نسبية عالمية في مجال
اإلنتاج الزراعي ومن خالل شراكات دولية تتقاسم بموجبها المصالح في األسواق العالمية وتتحول بموجبها
التقنية الحديثة ورؤوس األموال لصالح تلك الشراكة ،لتنعكس على األمن واالستقرار الوطني ،وبالتالي
فقد يكون تحقيق األمن القومي عبر المدخل االقتصادي هو األجدى واألكثر فاعلية للدول النامية صاحبة
الموارد الطبيعية الضخمة.
من هنا فإن ضعف القدرات التفاوضية الناجم عن عدم وجود الرؤية اإلستراتيجية الوطنية أو ضعف
الفكر السياسي الحزبي أو ضعف اإلرادة السياسية .إلخ ،تنعكس على قدرة الدولة في إدارة الصراع الدولي
للمصالح ،وبالتالي فإن هذا يعني تهديد األمن القومي اإلستراتيجي ،وبالتالي فإن التطورات على الساحة
الدولية وطبيعة صراع المصالح حتمت امتالك القوة الشاملة ،فتحقيق المصالح االقتصادية يعتمد
بشكل كبير على مدى امتالك الدولة للقوة السياسية وكذا على مدى امتالك القوة العلمية والتكنولوجية.
إلخ.
اإلرادة الوطنية:
من أهم أغراض امتالك الدولة للقوة الشاملة هو تحقيق وتأمين إرادتها الوطنية ،وهو ما أشار إليه
مفهوم األمن الوطني اإلستراتيجي الذي سبق ذكره في صدر هذا الفصل ،ولعل التدبر بعمق في طبيعة
صراع المصالح ،يشير إلى أن تشكيل المستقبل كما تريده الدولة هو وضع يعبر عن اإلرادة الوطنية ،إال
أنه يتعذر تحقيقه في ظل غياب القوة ،لذا نجد أن بنود مثل اإلجماع الوطني حول المصالح اإلستراتيجية
للدولة ،والحكم الراشد ووحدة المشاعر الوطنية وما يتبعهما من إرساء لقيم العدل والمساواة ،وبنود مثل
اإلجماع على المصالح االقتصادية وامتالك القدرات التنافسية العالمية لإلنتاج الوطني وامتالك الطاقة
483
اآلمنة الرخيصة .إلخ ،جميعها تتكامل لتحقيق األوضاع المطلوبة إلنجاز المصالح ،وأهم هذه األوضاع هو
امتالك اإلرادة الوطنية ،فنجد أن البنود السياسية واالقتصادية على سبيل المثال تمكن من تحقيق
األوضاع التالية:
أ .ترقية الهم الوطني نتيجة لطموح المصالح واإلجماع عليها واإلجماع على مهدداتها.
ب .السيطرة على الخالف السياسي ليتم خارج إطار المصالح اإلستراتيجية.
ج .رضا القواعد الشعبية نتيجة إلرساء العدل والمساواة والتنمية المتوازنة التي ترسي الخدمات
العادلة في كافة أرجاء الدولة دون تمييز.
د .قوة القرارات نتيجة الستنادها على السند المعرفي.
ه .امتالك المزايا النسبية العالمية التي تمهد لدخول األسواق العالمية.
و .الشراكات والتحالفات الدولية التي تعزز قدرات أطراف ذلك التحالف نتيجة لالستقواء وتبادل وربط
المصالح..
وهكذا إذا تمعنا في بقية بنود عناصر القوة الشاملة ،سنكتشف كيف يتم تحقيق اإلرادة الوطنية
وكيف يتم تأمينها.
تأمني املصالح:
األمن يف اإلسالم:
484
()89
وأصلحنا له زوجه ،إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين)
فالرهبة هنا ليست كحالة الرعب من اهلل رب العالمين فهو الرحمن وهو الرحيم ،وثمرة العبادة في
نهاية المطاف عالقة حب بين العبد وربه ،وهذا ال يلتقي مع مفهوم الرعب كما ال يتنافى مع الخوف من
اهلل جل وعال.
(وما أرسلناك إال رحمة للعالمين) هذه اآلية ال تلتقي مع معنى اإلرعاب ،ورهب الشيء أي هابه ،مهابة
علمه وقوته العسكرية واالقتصادية ،مهابته السياسية من حكم راشد يؤسس لعدل والشفافية وحكم
القانون ،مهابة القوة االجتماعية التي يجسدها شعب متعلم واعٍ مثقف يمارس مستوى رفيع من
السلوك ..وبالتالي فإن التدبر في مفهوم روح اإلسالم يؤسس للمدخل الصحيح في هذا الجانب ،فاإلسالم
ال يدعو لقوة باطشة مدمرة ظالمة.
يدعو القرآن الكريم المتالك القوة اإلستراتيجية أو الشاملة كما يسميها البعض ،وهو مبدأ توصل إليه
الفكر اإلنساني وبلوره في شكل نظريات في المدارس العسكرية وغيرها .وإذا تدبرنا القرآن الكريم والسنة
الشريفة نكتشف السلوك الحضاري اإلسالمي المنبثق من الرؤية الشاملة إلدارة األرض:
ِنهُ طَغَى * فَقُولَا َلهُ قَولًا لَّيِّنًا)....
خطاب المولى إلى سيدنا موسى وهارون (اذْهَبَا إِلَى فِرعَونَ إ َّ
رغم مكانة سيدنا موسى كرسول من أولي العزم ،ورغم وضع فرعون في الضالل الذي وصل حد
قوله (أَلَيسَ لِي مُلْكُ مِصرَ وَهَ ِذهِ الْأَنهَارُ تَجرِي مِن تَحتِي) ومع ذلك يصدر التوجيه بهذا األسلوب
الراقي المسالم (فَقُولَا َلهُ قَولًا لَّيِّنًا).
ظةِ الْحَسَ َنةِ) (وَلَو كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ الَنفَضُّواْ مِن
ع َ
(ادعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْ َمةِ وَالْمَو ِ
حَولِكَ) (َأ َفأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤمِنِينَ) وهو ما يؤسس ألسلوب الدعوة ،وعدم إكراه
الناس في اعتناق اإلسالم.
التوجيه النبوي وتوجيهات الصحابة عند الحرب بعدم قتل الشيخ الكبير والمرأة والطفل
والعابد وعدم قطع األشجار ،وهو ما يشير إلى احترام اإلنسان ،واالهتمام بالبيئة.
الحديث الشريف (دخلت امرأة النار في هرة ،فال هي أطعمتها وال هي تركتها تأكل من خشاش
األرض) يشير إلى رحمة اإلسالم الذي يهتم حتى بالحيوان ،ومن يهتم بالحيوان من باب أولى أن
يرحم اإلنسان ويهتم له.
الحديث الشريف (إياك واثنين ،اإلشراك باهلل واإلضرار بالناس)
485
الحديث الشريف (الناس شركاء في ثالث الماء والنار والكأل).
األمن العاملي:
إن اآلية الكريمة " واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو اهلل وعدوكم "
تشير إلى أهمية امتالك القوة كسبيل لتحقيق المصالح في ظل صراع المصالح ،إال أن قراءتها على ضوء
اآليات واألحاديث السابقة ،يحدد المعنى المقصود بـ(تُرهِبُونَ ِبهِ عَدوَّ ال ّلهِ) فالمقصود ليس ترويع
البشرية واآلمنين وإنما تحقيق األوضاع المطلوبة لتحقيق وتأمين المصالح اإلسالمية،
وذلك باستباق وقوع الضرر عبر مجرد تخويف المعتدي من خالل امتالك القوة ،وهذا وضع طبيعي
يلتقي مع السلوك البشري الذي ال تنتهي رغباته وطموحاته ،لذا فإن االستعداد لذلك الوضع يعد ترتيبًا
إنسانيًا طبيعيًا ،كما أن العمل الصالح هو ديدن اإلسالم الذي تشير أدبياته إلى سعيه لخير البشرية
فالحديث الذي تحدث عن منع اإلضرار ،لم يمنع اإلضرار بالمسلمين وإنما اإلضرار بالناس ،كل الناس
بدياناتهم ومعتقداتهم وثقافاتهم ،كما أن الحديث الشريف يذهب إلى أبعد من ذلك بقوله (الناس شركاء
في ثالث الماء والنار والكأل) وفي هذا إشارة إلى دعوة اإلسالم للشراكة الدولية خاصة فيما يتصل بالطاقة
والغذاء العالمي وهما أهم محاور الصراع الدولي ،وهو يعكس جانبًا من عمق الرؤية اإلسالمية اإلستراتيجية
حول األمن العالمي ،والحديث لم يقل المسلمين شركاء وإنما قال (الناس شركاء) ومن يدعو للشراكة ليس
كمن يدعو لترويع الناس.
وإذا تدبرنا في مفهوم اإلدارة اإلسالمية الذي أوردناه في صدر هذا الكتاب نستطيع أن نتبين السلوك
اإلستراتيجي لإلسالم ،فالمفهوم رهن نجاح العملية اإلدارية بتحقيق مصالح عدد من األطراف هي:
.1العاملون :وهو يشمل مراعاة مصلحة العامل ،معاملته كإنسان مهما كان دينه أو لونه ،مراعاة
أوضاعه االجتماعية ،عدم تحميله ما ال طاقة له به ،منحه المرتب والحافز المجزي ،عدم تأخير
صرف راتبه ..الخ.
.2تحقيق مصالح المنظمة بما ال يتناقض مع المفهوم اإلسالمي (عدم اإلضرار بالبيئة أو العاملين
أو الجمهور ..الخ).
.3جمهور المنظمة :من حيث تقديم اإلنتاج من الخدمات والسلع بالجودة والسعر والشروط
المناسبة دون غش أو تزوير أو تالعب.
.4الحفاظ على البيئة من الفساد بكافة أنواعه ،وهو مجال واسع يتضمن عدم اإلسراف في
استخدام الموارد وعدم إفساد البيئة من قطع لألشجار أو تلويث للبحار أو الهواء ..إلخ وهو مبدأ
486
التفت إليه العالم مؤخر كمهدد لألمن العالمي ،لم يقف المفهوم عند هذا الحد بل دعاه للعناية
بالحيوان وعدم تحميله ما ال طاقة له به وإطعامه الطعام الكافي.
إن اآلية ( ..وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ،)..تشير الهتمام اإلسالم بإرساء العدل بين
الناس على األرض ،فالتوجيه اإللهي يتحدث عن إرساء العدل بين الناس وليس بين المسلمين فقط ،وهذا
مؤشر ينافي صفة الترويع التي قد يربطها البعض خطأ باآلية (تُرهِبُونَ ِبهِ عَدوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُم).
كما أن المفهوم اإلسالمي مقيد بالسعي لتحقيق العمل الصالح ،وهو يعني العمل لصالح خير البشرية،
ليس ذلك فحسب بل نجد أن المنهج اإلسالمي يربط بين اإليمان والعمل الصالح فال نجد اإليمان إال ويتبعه
العمل الصالح( ،اإليمان ما وقر في القلب وصدقه العمل) لذا فإن تزكية النفوس من خالل الذكر يقود نحو
اإليمان الذي يقود إلى العمل الصالح كنتيجة تلقائية ،وهذا يعني أن مفهوم اإلدارة في اإلسالم ال ينفك
عن الجوانب اإليمانية.
يحكي التاريخ قصة الراعي الذي جاء أبنه عائدًا باألغنام من المرعى بالخالء ،حيث قال ألبيه :إن شيئًا
عجيبا جرى اليوم يا أبي ،لقد رضع الذئب مع الغنم ولم يأكلها كما جرت العادة ،لقد كان رد األب عجيبًا يدل
على عمق في مستوى الفكر اإلستراتيجي في ذلك الوقت ،لم يقل له سبحان اهلل كما يمكن أن نتوقع ،بل
قال له :لقد ولى اهلل المؤمنين رجلًا صالحًا( ،أي حاكمًا صالحًا) علمًا بأنه لم يكن يعلم أن أمير المؤمنين
توفى وأن اإلمام عمر بن عبد العزيز تولى الحكم.
إن إجابة هذا الرجل تدل على عمق فهمه الذي أدرك أن حدوث شيئًا كهذا يتعذر دون تدخل القوة
اإللهية ،وأن القوة اإللهية ال تتدخل بهذا الشكل إال في ظل ظروف استثنائية تتمثل في رضاه عز وجل
الناجم عن إنزال العمل الصالح الشيء الذي يتطلب الرجل الصالح مثل اإلمام عمر بن عبد العزيز الذي مأل
األرض عدلًا وحقق الرضا للمسلم والمسيحي واليهودي وغيرهم نتيجة إلنزال قيم الخير على األرض
لإلنسانية.
عندما قرأت هذه القصة عادت بي الذاكرة إلى قصة سيدنا إبراهيم حيث جرى مشهد مماثل لشكل من
أشكال التدخل التي تتعذر للبشر ،عندما أصدر المولى عز وجل أمره للنار بأن تكون بردًا وسالمًا ،لقد قام
اهلل تعالى بإجراء تغيير مؤقت لخاصية السخونة التي وضعها في النار منذ األزل ،وهي ذات القوة التي
حولت طبيعة الذئب ،وهي ذات القوة التي تنزل المطر لتسقي الزرع واإلنسان والحيوان ....وهي ذات القوة
التي يمكن أن يستند إليها اإلنسان إلدارة األرض وتحقيق األمن.
هكذا نجد أن إستراتيجية إنزال العمل الصالح الذي تأمر به الديانات السماوية على األرض ،يشكل مدخلًا
487
ال يمكن تجاوزه في ظل التعقيدات الدولية الراهنة والمستقبلية ،بل أن ما يعانيه العالم اليوم من عدم
أمن واستقرار ال يخرج عن هذا المبدأ ،أي أهمية صياغة مفاهيم التخطيط اإلستراتيجي لترتكز على
تحقيق قوة الدولة بالشكل الذي يقوم على تحقيق األمن اإلنساني.
إن تحقيق األمن النفسي ،األمن االقتصادي واالجتماعي والسياسي ،للمواطن ،يعني رضا األفراد الذي
يعني رضا القواعد الشعبية ،وهذا من باب العمل الصالح الذي يرضي رب العالمين ويدعوه للتدخل
بالتوفيق والسند والعون ،كل ذلك يشير إلى أن شفرة النجاح اإلستراتيجي هي العمل الصالح ،أي السعي
لخير البشرية ،قال اإلمام عمر بن الخطاب ضمن خطابه عند تولى الحكم (إنما ولينا على الناس لنسد
جوعتهم ونوفر حرفتهم ونصد عنهم األعداء) إنه لم يقل إنما ولينا على المسلمين بل قال الناس ،أي
إنزال العمل الصالح للمسلم وغير المسلم.
القوة الروحية:
إن القرآن الكريم أورد جملة (ما استطعتم) في اآلية المشار إليها "(واعدوا لهم ما استطعتم من قوة
ومن رباط الخيل ترهبون به عدو اهلل وعدوكم) وهو قد ال يلتقي مع المبدأ أعاله ،إذ أن استطاعة
المسلمين في عهدٍ (ما) قد تتمكن من إعداد قوة ال تتناسب وقوة الخصم ،وهذا يقود إلى أن إكمال القوة
المستطاعة تتم في هذه الحالة بواسطة المولى عز وجل ،وهناك الكثير من اآليات التي تدل على ذلك:
(وَيَومَ حُنَينٍ ِإذْ أَعجَبَتكُم كَثْرَتُكُم) (كَم مِّن فِ َئةٍ قَلِي َلةٍ غَلَبَت فِ َئةً َكثِي َرةً) في إشارة ضمنية إلى أن القوة
ليست في الكثرة .انتهاء باآلية التي ترجع النصر إلى اهلل (وَمَا النَّصرُ إِالَّ مِن عِندِ ال ّلهِ).
لذا فإن امتالك القوة الروحية تتطلب تنفيذ الشروط التي حددها المولى عز وجل.
إذا قمنا بدراسة عناصر القوة الشاملة ،سنتبين بوضوح أن تحقيق وامتالك هذه القوة يتعذر في غياب
التخطيط اإلستراتيجي ،مثال لذلك نجد أن بلورة المسار اإلستراتيجي للدولة وإقامة تكتالت إستراتيجية
مثل الكتلة األوربية ،يتعذر في ظل غياب التخطيط اإلستراتيجي السياسي ،وسنكتشف أن تحقيق المصالح
اإلستراتيجية االقتصادية بما يشمل ذلك من امتالك حصص في األسواق العالمية وامتالك القدرات
التنافسية العالمية ..الخ ،يتعذر تحقيقه دون تخطيط إستراتيجي اقتصادي مسنود بتخطيط إستراتيجي
سياسي واجتماعي وتقني وعلمي..
وإن تحقيق المصالح اإلستراتيجية يتعذر دون وجود كوادر مؤهلة كمًا وكيفًا بما يتناسب وتحديات
العصر ،وهذا يتعذر تحقيقه دون إستراتيجية للتربية والتعليم.
488
وأن التأثير على الرأي العالمي ومواجهة اإلعالم األجنبي يتعذر تحقيقه دون تخطيط إستراتيجي
إعالمي.
هكذا نكتشف أن تحقيق القوة الشاملة يتم من خالل التخطيط اإلستراتيجي ،لذلك أصبح مألوفًا جدًا
أن يقال بأن التخطيط اإلستراتيجي واألمن القومي وجهان لعملة واحدة ،والعكس صحيح أي ضعف أو عدم
وجود التخطيط اإلستراتيجي أو ضعف تنفيذ اإلستراتيجية يعني تهديد األمن القومي.
لذلك ال بد من تكامل تصميم النظام اإلستراتيجي مع النظام األمني ،وهو ما دعا المؤلف لتطوير نظام
تحليل SIMPESTليقوم على دراسة أوضاع عناصر القوة لتنطلق الغايات القومية على تلك الخلفية
نحو تحقيق القوة المنشودة ،وقد اقترحنا أن يكون عدد الغايات بعدد عناصر القوة أي 7غايات ،كل غاية
تنبع من قطاع وان يتم تقسيم مجلس الوزراء ومركز المعلومات والبرلمان ،بنفس الشكل.
إن مفهوم اإلستراتيجية يعني قدرة الدولة على حشد وامتالك القوة الشاملة وتهيئة األوضاع المطلوبة
لتحقيق المصالح اإلستراتيجية الوطنية ،وهذا يعني أن التخطيط اإلستراتيجي القومي يخلص في منتهاه
إلى تحديد وتحقيق وتأمين المصالح القومية اإلستراتيجية ،وهذا بالضرورة يتضمن بلورة المسار
اإلستراتيجي للدولة الذي يجعلها تسير بانتظام طوال فترة اإلستراتيجية تجاه تلك المصالح ،وبالتالي فإن
أي أوضاع أو سلوك أو ممارسة أو نشاط يعوق أو يعطل حشد وامتالك القوة اإلستراتيجية الشاملة وبلورة
المسار اإلستراتيجي وتحديد وتحقيق وتأمين هذه المصالح يعتبر مهددًا لألمن القومي بعمقه
اإلستراتيجي.
إن حجم ونوع المصالح اإلستراتيجية يحدد طبيعة التحدي والطموح المطلوب إنجازه ،وهذا يعني
مواجهة تعقيدات البيئة وبالتالي الحاجة إلجراء تغييرات إستراتيجية لتهيئة الظروف واألوضاع المطلوبة
489
لتحقيق الغايات المنشودة وهذا يتطلب فترة زمنية طويلة ،وقد أوضحنا في هذا الكتاب أن التغيير
اإلستراتيجي يعني القيام بترتيبات أساسية من شأنها توفير األوضاع والظروف المطلوبة لتحقيق األهداف
اإلستراتيجية والسعي إلحداث نقلة أساسية في القدرات التنافسية للدولة أو المنظمة أو تعزيز قدراتها
تجاه تحقيق الغايات واألهداف اإلستراتيجية التي يتم وضعها .لذا فإن أي أوضاع أو سلوك أو ممارسة أو
نشاط يعوق أو يعطل عمليات التغيير اإلستراتيجي يعتبر مهددًا لألمن القومي.
مستوى املنطقة
الغايات القومية
الوسطى
أشرنا في معرض حديثنا إلى أن األمن القومي واإلستراتيجية وجهان لعملة وحدة وذلك بسبب أن
امتالك القوة اإلستراتيجية الشاملة يتم من خالل التخطيط اإلستراتيجي ،والعكس صحيح حيث أن ضعف
أو عدم وجود تخطيط إستراتيجي وضعف تنفيذ اإلستراتيجية ،هو أكبر مهدد لألمن القومي.
ضعف التخطيط اإلستراتيجي االقتصادي وضعف تنفيذ اإلستراتيجية االقتصادية يهدد األمن
القومي.
490
ضعف التخطيط اإلستراتيجي السياسي وضعف تنفيذ اإلستراتيجية السياسية يهدد األمن
القومي.
ضعف التخطيط اإلستراتيجي االجتماعي وضعف تنفيذ اإلستراتيجية االجتماعية يهدد األمن
القومي.
ضعف التخطيط اإلستراتيجي اإلعالمي وضعف تنفيذ اإلستراتيجية اإلعالمية يهدد األمن
القومي.
ضعف التخطيط اإلستراتيجي العسكري األمني وضعف تنفيذ اإلستراتيجية العسكرية /
ضعف التخطيط اإلستراتيجي التقني وضعف تنفيذ اإلستراتيجية التقنية يهدد األمن القومي.
هذا يشير إلى الشراكة الوطنية التي تضم السياسيين واالقتصاديين وخبراء االجتماع والعلوم والتقنية
واإلعالم والجيش والشرطة واألمن ،لتحقيق المصالح اإلستراتيجية واألمن القومي ،وبالتالي فإن الفشل في
تأسيس وإدارة هذه الشراكة يهدد األمن القومي.
كما يشير إلى أن تهديد األمن القومي ال يتم بالضرورة بقوة السالح وإنما يمكن أن يتم عبر أحد العناصر
السبعة للقوة الشاملة ،فاليابان استطاعت أن تحقق أمنها ليس بقوة السالح وإنما عبر القوة االقتصادية
والعلمية والتقنية وهكذا دولًا عديدة.
إن ضعف التخطيط اإلستراتيجي وضعف التنفيذ يعني عدم التمكن من حشد القوة الشاملة وبالتالي
مواجهة التحديات الدولية في ظل أوضاع هشة تقود إلى تهديد األمن القومي ،وهنا ال بد أن تصاغ
السياسات والتشريعات وقوانين العقوبات على هذه الخلفية بما يضع األمور في نصابها ،على هذا
األساس يمكن تصنيف البنود التالية كمهددات رئيسة لألمن القومي اإلستراتيجي:
491
شكل رقم :3 / 8العالقة بين األمن القومي والتخطيط اإلستراتيجي
اإلسرتاتيجية القومية
الرؤيا
الغايات القومية
املصالح القومية
السياسية
االقتصادية البيئية
اإلنتاج التقني
إعالم ومعلومات
العسكرية األمنية
492
.1عدم وجود قيادات إستراتيجية في الدولة ،وهذا يقود إلى مهدد آخر وهو عدم وجود إستراتيجية
تعليمية تعمل لتوفير مناهج أو لتأسيس وحدات تعليمية توفر إستراتيجيين وتنشر ثقافة
اإلستراتيجية وثقافة خطة الوطن التي ال يجوز الخروج عليها.
.2ضعف اإلرادة الوطنية في تنفيذ الخطط الوطنية ،يعتبر مهددًا لألمن القومي ،وفي هذا السياق
ال بد من اإلشارة إلى عدم وجود ثقافة االلتزام بالخطط الموضوعة في العديد من الدول النامية،
وال زالت معظم تلك الدول تتعامل بشكل غير مناسب مع السلوك السياسي السلبي الذي يجعل
المسؤول المعين يعطل النظام والمؤسسية والسياسات ويوقف العمل بالخطة الموضوعة
ليعمل وفق هواه أو وفق ما يحقق مصالح حزبية ضيقة ،إن النظرة الفاحصة لذلك السلوك
تعني خروج الدولة عن مسارها اإلستراتيجي ،علمًا بان االلتزام بالمسار اإلستراتيجي هو السبيل
الوحيد لتحقيق المصالح اإلستراتيجية الوطنية ،وهكذا بموجب هذا المفهوم لألمن القومي
فإننا نستطيع أن نقول أن مثل هذا السلوك يعني تهديد األمن القومي .المطلوب إتباع وتعلم
وإتقان سلوك إيجابي حتى نستطيع تحقيق مصالحنا اإلستراتيجية.
.3عدم وجود آلية مناسبة للتخطيط اإلستراتيجي يعني عدم القدرة على تنفيذ ومتابعة الخطط
وبالتالي تهديد األمن القومي ،وهذا يقود إلى أهمية االهتمام بوضع جهاز التخطيط
اإلستراتيجي في مكانه المناسب بالجهاز اإلداري للدولة بما يمكنه من االضطالع بمهامه الوطنية
وعلى رأسها بلورة المسار اإلستراتيجي للدولة والذي من خالله تدير الدولة عمليات تحقيق
مصالحها ،فضلًا عن االضطالع بالتخطيط اإلستراتيجي والمتابعة.
مهددات متخصصة:
إن اإلتيان بأوضاع عكس تلك المطلوبة لتحقيق وامتالك القوة التي سبق وأشرنا لها ،يحدد لنا المهددات
الرئيسة لألمن الوطني ،ويمكن فيما يلي إبراز نماذج لذلك:
.2عدم اإلجماع الوطني حول المصالح اإلستراتيجية الوطنية وعدم اإلجماع على المهددات
والقضايا اإلستراتيجية.
493
.3ضعف السند العلمي للقرار السياسي والتنفيذي واإلستراتيجي.
.4الحكم غير الراشد الذي ال يؤسس لشراكة وطنية وتبادل سلمي للسلطة وسيادة للقانون وإتاحة
للحريات والحقوق.
.5ضعف الحس الوطني وتباين المشاعر الوطنية ،الشعور بالغبن نتيجة للظلم وعدم
المساواة..إلخ.
.6خدمة وطنية تقوم على القرار الفردي والمحسوبية في ظل عدم سيادة القانون.
.8ضعف الترتيبات اإلقليمية ،خاصة وأن األوضاع الداخلية أو وقوع دول الجوار في مسرح الصراع
الدولي أو الصراع بين القوى الكبرى في المنطقة اإلقليمية يمكن أن يهدد األمن القومي.
.9ضعف الترتيبات الدولية ،ندلل لذلك بتجربة االتحاد األوربي لالستقواء بالتكتل اإلقليمي
لمواجهة الصراع ،ووحدة ألمانيا الشرقية والغربية واالتحاد األمريكي ..الخ بجانب التحالفات
اإلستراتيجية العديدة ،إضافة للشراكات الدولية كتلك التي عقدتها اليابان ،كل ذلك يشير إلى
أهمية الترتيبات الدولية لتعزيز وتحقيق األمن القومي والمصالح الوطنية.
.11ضعف الشراكات والتقاسم الوطني لألدوار في ظل بروز الشراكة بين القوى األجنبية الرئيسية
ومنظمات المجتمع المدني والشركات الدولية.
494
.4عدم القدرة على االستفادة من الموارد الطبيعية وتنميتها.
.7عدم وجود فلسفة ضمن ترتيبات إستراتيجية تحقق األوضاع التي تتيح زيادة الدخل القومي
مع عدالة توزيعه.
.8عدم تنفيذ التنمية المتوازنة يفرز مفارقات في الخدمات للمواطنين تؤدي إلى زراعة الغبن
بين أبناء الوطن الواحد ،الشيء الذي يمكن أن يقود في ظل التعقيدات الدولية والتدخل
الدولي في شأن الدول ،إلى بذرة للحرب األهلية.
.11عدم امتالك الطاقة أو توفير طاقة غير آمنة وبتكلفة عالية ،وهي أوضاع ال تتيح الدخول في
غمار التنافس الدولي.
.12وإذا ربطنا بين مناخ االستثمار المطلوب للدخول في شراكات عالمية واألوضاع السياسية ،فإننا
سنكتشف أن الضعف السياسي يمكن أن يكون مهددًا رئيسًا للمصالح الوطنية وبالتالي لألمن
القومي ،مثال لذلك نجد أن عدم سيادة القانون في ظل التمييز بين الشركات ،وفي ظل غياب
المؤسسية التي تجعل من المسؤول األعلى في الوزارة المعينة هو الذي يتحكم في األمور
وليس النظام المتبع ،فإن هذا يعني عدم مواءمة المناخ لدخول االستثمارات وعقد الشراكات
بين الدولة مع األطراف الدولية ،فاألموال التي تجوب العالم تتمتع بحساسية مفرطة للغاية
ضد أي أوضاع تفرز مناخًا سيئًا لالستثمار كتلك التي اشرنا إليها ،لذلك فمن أوجب واجبات
التخطيط اإلستراتيجي هو إفراز نظام يقوم على القانون والنظم والسياسات ،يمنع التصرف
الشخصي الذي يقوم خارج ذلك النظام .إننا إذا تدبرنا بعمق في مفهوم مناخ االستثمار
فسنجد أن سلوك الموظف أو المسؤول الذي يؤخر اإلجراء المعين ويؤخر إصدار التراخيص
والموافقات الحكومية انتظارًا لمصلحة شخصية أو رشوة ،يقع في إطار تهديد األمن القومي،
إن علينا تغيير ثقافتنا لنعلم أن تهديد األمن القومي ال يتم فقط عبر السالح وإنما من خالل
ممارسة مثل السلوكيات السالبة أعاله.
495
ثالثًا المهددات االجتماعية :وأهمها:
.1ضعف النسيج االجتماعي ،العصبية والقبلية ،ضعف االنتماء الوطني .وفي هذا الصدد يمكن
اإلشارة إلى نماذج من الترتيبات المضادة ،مثال لذلك خطة برنارد لويس المعروفة بخط قوس
األزمة ،فهي تقوم على إضعاف النسيج االجتماعي بإحداث الفتنة في الدول المعينة
باستخدام المدخل العرقي في حال أن سكان المنطقة يدينون بدين واحد ،أو المدخل الديني
في حال وجود أكثر من دين.
.2عدم وجود تعليم إستراتيجي يوفر الكوادر المؤهلة المطلوبة لتحقيق المصالح اإلستراتيجية
الوطنية .إن تحقيق نهضة شاملة طموحة يحتاج للماليين من الكوادر المسلحة بالعلوم
والمهارات التي تناسب التنافس العالمي ،فما عاد الزمان يهتم بمهارات محلية بقدر ما يتم
االهتمام بالمهارات العالمية ،لذا فإن الوضع العكسي يعني شيئين هما :عدم قدرة الكوادر
المحلية على تحقيق مطلوبات التنمية فيتم اللجوء للعمالة األجنبية ،وهكذا يتم تهديد
مصالح شعب بأكمله للفشل في التخطيط اإلستراتيجي للتعليم ،كما أن عدم توفر اإلعداد
المؤهلة يعطل تحقيق النهضة.
.3عدم وجود تعليم إستراتيجي يمكن من تحقيق قدرات تنافسية من منظور عالمي للمؤسسات
التعليمية الوطنية ،يعني سيطرة المؤسسات األجنبية على التعليم المباشر من خالل
الجامعات األجنبية الوافدة أو من خالل التعليم اإللكتروني الذي ال يعرف الحواجز الجغرافية،
وهكذا تصبح السيطرة على الفكر والثقافة المحلية أمرًا واقعًا.
.4العولمة الثقافية واالنفجار المعلوماتي وسيطرة القوى الكبرى على اإلعالم العالمي.
.5الغزو الفكري.
.1ضعف السند اإلعالمي اإلستراتيجي يعني مواجهة اإلعالم اإلستراتيجي المضاد الذي يصنع
المعلومة المناسبة لمخططاته وبالتالي تحول اإلعالم الوطني إلى إعالم رد فعل وليس إعالم
مبادرة ،وهذا يعني إتاحة الفرصة لآلخرين لتهديد األمن الوطني وتحقيق المصالح المضادة،
يعزز ذلك ما أشارت إليه العديد من الدراسات إلى أن المخطط األمريكي لم يقدر له النجاح لوال
السند اإلعالمي اإلستراتيجي الذي توفر له.
496
.2عدم القدرة على تشكيل الرأي العالمي المطلوب لتحقيق المصالح الوطنية.
497
المهم التنبيه ألهمية تأهيل الكوادر والقيادات السياسية بالدول في كافة األحزاب السياسية
الحاكمة والمعارضة ،والسعي لتأسيس معاهد قومية لتأهيل القيادات ،واالتفاق على
تشريعات وقوانين تنظم وتحدد مواصفات القيادات الوطنية ،فلن يكون مقبولًا أن توضع
شروط لكل المجاالت من طب وهندسة وتعليم بل وحتى لمن يود أن يفتح بقالة أو كشكًا
لبيع الصحف ،بينما ال يتم وضع مواصفات وشروط لمن يود تولي أخطر نشاط وهو قيادة
الدولة في ظل ظروف دولية غاية في التعقيد ،رغم ما قد يؤدي إليه ذلك من تهديد لألمن
وتهديد للمصالح الوطنية اإلستراتيجية .وحال العديد من الدول النامية الغنية بالموارد
الطبيعية يغني عن السؤال .كما أن إدخال مواد الدراسات اإلستراتيجية في الجامعات حتى
يتم تخريج جيل مسلح بالوطنية والوعي والثقافة اإلستراتيجية ،يعد وسيلة مهمة لمواجهة
تحديات المستقبل ،فضلًا عن كونه أهم وسائل االلتحام واالتفاق الوطني.
.6ضعف األحزاب السياسية في معظم الدول النامية وافتقارها للطرح اإلستراتيجي والنظرة
اإلستراتيجية الشاملة لألوضاع ،الشيء الذي انعكس في عدم قراءة األوضاع والتحديات
والقضايا الدولية بوضوح ،وضعف الهم الوطني والصراع من أجل مكاسب حزبية أو شخصية
ضيقة بدلًا عن إجماع وطني يؤسس لمصالح وطنية إستراتيجية ويسيطر على الصراع
السياسي ليتم في إطار دون مستوى المصالح الوطنية.
.7غياب الفكر السياسي اإلستراتيجي يعني غياب المؤسسية التي يشكل غيابها أهم وسائل
تحقيق المصالح الشخصية للمسؤول المعين ،وهنا يحدث الصراع بين مقتضيات المصلحة
الوطنية في تطبيق المؤسسية ،ومقتضيات المصلحة الشخصية ،وهكذا يساعد غياب
التخطيط اإلستراتيجي السياسي في خلق طبقة من المنتفعين الشخصيين الذين يقفون
ضد أي ترتيبات يمكن أن تحول دون استمرار مصالحهم ،مثل مبدأ إعمال المؤسسية أو سيادة
القانون أو عدم التمييز بين األفراد أو بين الشركات ،وبذا يتحول الوضع برمته إلى مهدد
لألمن.
498
املحاور الرئيسة للصاع اإلسرتاتيجي:
األمن اإلنساين:
برز مفهوم األمن اإلنساني في النصف الثاني من عقد التسعينيات من القرن العشرين.
يركز مفهوم األمن اإلنساني على اإلنسان الفرد وليس الدولة ،ولكننا إذا تدبرنا في المفاهيم التي طرحها
هذا الكتاب سنكتشف أن تحقيق األمن القومي ال يمكن أن يتم في ظل تهديد أمن المواطنين وأن استخدام
القوة العسكرية لم يُعد أداة أساسية لتحقيق األمن.
499
بروز األمن اإلنساني مؤخرًا ال يعني أنه مفهوم حديث فقد وجد أمن اإلنسان االهتمام من الديانات قبل
آالف السنين.
(ولقد كرمنا بني آدم) اإلسراء .70وهو خطاب لإلنسان ككل بغض النظر عن لونه أو دينه.
(ال إكراه في الدين) 256البقرة.
(أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) 99يونس.
إياك واثنين :اإلشراك باهلل واإلضرار بالناس ،وهو حديث يمنع اإلضرار باإلنسانية ككل.
وصية الرسول ﷺ ألبي بكر الصديق وهو يتحرك بجيشه إلى الشام( :ال تقتلن امرأة وال صبيًا وال كبيرًا
وال هرِمًا).
الحديث الشريف (الناس شركاء في ثالث الماء والنار والكأل) ،وهو تأسيس إستراتيجي حول الموارد التي
تحتاجها البشرية ،لذا جاء الخطاب دقيقًا ومحددًا يشير إلى أن الطاقة والغذاء هي موضع الشراكة بين
الناس ،ولعل هذا الحديث أفضل تأسيس لألمن العالمي ،خاصة وأن الصراع الدولي يدور حول هذين
المحورين.
قول اإلمام عمر بن الخطاب " :إنما ولينا على الناس لنسد جوعتهم ونوفر حرفتهم ونصد عنهم
األعداء" .والخطاب يحدد اإلنسان أيًا كان لونه أو دينه أو جنسه ،وهذا تأسيس لألمن اإلنساني.
حتى الحيوان له حقه في األمن (دخلت امرأة النار في هرة) .رجل يدخل الجنة ألنه سقى كلبًا ،إطعام
الحيوان كفايته وعدم تحميله فوق طاقته ..كل ذلك يشير إلى كفالة األمن لإلنسان والحيوان.
يرتكز مفهوم األمن اإلنساني بشكل أساس على صون الكرامة البشرية وكرامة اإلنسان ،وكذلك تلبية
احتياجاته المعنوية والمادية ،وهذا يتضمن كفالة حق العدل والتعبير والتنظيم والتعليم والصحة
والغذاء والمأوى والعمل واالستقرار واألمن.
ولعل التدبر في مفاهيم التخطيط اإلستراتيجي القومي (السياسي ،االقتصادي ،االجتماعي...إلخ) تشير
إلى أن تحويل هذه المعاني التي تعبر عن األمن اإلنساني من مجرد أشواق وأمنيات إلى واقع ،يتوقف بشكل
كبير على التخطيط اإلستراتيجي ووجود اإلرادة لتنفيذ اإلستراتيجيات على األرض.
500
التحديات السبعة التي تهدد األمن اإلنساني في عصر العولمة ()90
إن األمن القومي يقوم على امتالك الدولة للقوة اإلستراتيجية الشاملة ،وهي تعبر عن قوة الدولة ككل،
القوة االقتصادية للدولة ،القوة االجتماعية للدولة ..إلخ ،إال أن التدبر في مفاهيم هذه القوى يشير إلى
أن تحقيق قوة الدولة يرتكز بشكل كبير وأساس على تحقيق أمن الفرد (األمن اإلنساني) النماذج التالية
تعبر عن ذلك:
تقرير برنامج األمم المتحدة اإلنمائي الذي صدر عام 1999تحت عنوان "عولمة ذات وجه إنساني Globalization ()90
." with a Human Face
501
تحقيق وحدة المشاعر الوطنية يتطلب إرضاء القاعدة الجماهيرية ،ومن ذلك إرساء العدالة وعدم
التمييز وفق ما يدعو له التخطيط اإلستراتيجي السياسي.
استناد القرار على المعرفة والمؤسسية وليس األفراد ،يسهم في تحقيق األمن اإلنساني ،ألن القرار
العلمي يعمل لصالح اإلنسان ،وإن قرار المؤسسة يمنع من ارتكاب األخطاء الناجمة عن سوء السلوك
البشري الذي يقوم على الهوى والمصلحة الشخصية والتي يمكن أن تضر بالمواطن.
التوازن بين السلطة العلمية والسياسية ،تعني سيادة العلمية والمهنية ،وبالتالي لن يستطيع السياسي
أو القيادي المعين أن يعاقب أو يطرد الموظف المعين نتيجة للخالف في الرأي الناجم عن تطبيقه لمنهج
علمي مهني ،ألن التخطيط اإلستراتيجي السياسي يمنع ذلك ،بل ويؤسس لنظام يقوم على أن تعيين
الموظف وإعفاءه يتم بموجب القانون وليس بقرار سياسي أو ما إلى ذلك ،وفي هذا تأسيس لألمن
اإلنساني.
502
القوة اإلستراتيجية االجتماعية:
التعليم:
تحديات العولمة أصبحت تفرض مستوىً من اإلنتاج ذي المواصفات العالمية والتكلفة الرخيصة عالميًا
والذي يراعي إنتاجه األنماط والقيود والقوانين العالمية كالقيود البيئية ،هذا يعني أن الكوادر التي
تستطيع أن تتعامل مع هذا العصر يجب أن تكون بمستوى مهارات عالمية ،وهذا ما يؤسس له مفهوم
التخطيط اإلستراتيجي للتعليم ،الذي يضمن أمن اإلنسان وحصوله على العمل واالستمرار في اإلبداع.
محو األمية المعرفية ،يعني ليس القدرة على الكتابة والقراءة فقط وإنما يشمل مستوى الوعي
والثقافة ليكونا بمستوى عالمي ،ويتضمن امتالك القدرات الشخصية التقنية مثل إجادة العمل على
الحاسوب باعتباره وسيلة مهمة للعيش في العصر الراهن ،وهذا ما يشير له مفهوم التخطيط اإلستراتيجي
للتعليم ويعبر عن جانب من القوة اإلستراتيجية االجتماعية ،يعبر عن بعض جوانب األمن اإلنساني.
تعميم المعرفة بغض النظر عن سوق العمل يعبر عن جانب من القوة اإلستراتيجية االجتماعية وهو
مفهوم يسهم في إرساء األمن اإلنساني.
اإلستراتيجيات التربوية التي تهتم بتأسيس المدارس القومية الداخلية ،كترتيب لصهر النسيج
االجتماعي والقومي وتحقيق قيم اإلنسانية وتذويب سلبيات القبلية والجهوية ،وتساهم في إرساء األمن
اإلنساني.
الصحة:
توفير خدمات صحية بمعدالت عالمية ،يعبر عن جانب من القوة اإلستراتيجية االجتماعية وهو
مفهوم يسهم في إرساء األمن اإلنساني.
اإلشكاالت االجتماعية:
التنمية االجتماعية والترتيبات المختلفة ومحاربة األمراض الكونية كاإليدز واألمراض االجتماعية
كالمخدرات ،تساهم في تحقيق األمن اإلنساني ،وهو ضمن مكونات القوة اإلستراتيجية االجتماعية.
تمتين النسيج االجتماعي ليقوم على قيم اإلنسانية ،يعبر عن جانب من القوة اإلستراتيجية
االجتماعية وهو مفهوم يسهم في إرساء األمن اإلنساني.
صياغة السلوك البيئي ليتخلص من العادات السيئة ويشكل سلوكًا جديدًا يتمثل في الوعي الصحي
واحترام قيمتي العمل والزمن ..إلخ ،جميعها تؤسس لألمن اإلنساني ،فإنسان ال يحترم العمل والزمن لن
503
يستطيع مواكب تحديات العصر الحديث وبالتالي سيكون عاطلًا وهو ما يهدد األمن اإلنساني.
عمومًا:
التدبر في المفاهيم المتعلقة بالتخطيط اإلستراتيجي القومي التي أسس لها هذا الكتاب تعزز تحقيق
عدد من القيم والمرتكزات اإلستراتيجية والتي تقود مباشرة نحو تحقيق األمن اإلنساني ،وهكذا نجد أن
امتالك القوة اإلستراتيجية الشاملة يرتكز على تحقيق األمن اإلنساني ،أي أن فلسفة قوة الدولة تقوم
بشكل أساس على أمن األفراد ،كما أن الترتيبات األخرى التي تقود لتحقيق القوة اإلستراتيجية للدولة،
تساهم في تعزيز األمن اإلنساني ،كالترتيبات الدولية والشراكات اإلستراتيجية التي تتيح التقنية الحديثة
والحصص اإلستراتيجية في األسواق ،تساعد في تحقيق األمن اإلنساني كما سبق وشرحنا مثل توفر فرص
العمل نتيجة لهذه الترتيبات الخاصة بتحقيق القوة اإلستراتيجية االقتصادية التي تقود لتحقيق األمن
القومي.
كما أن القوة اإلستراتيجية للدولة من ناحية عامة توفر الحماية للمواطن ،إن الشراكة األوربية كمثال،
إذا نظرنا لها من هذه الزاوية سنجدها ساهمت بشكل كبير في حماية المواطن األوروبي وحماية مصالحه،
وبالتالي أسست ألمن اإلنسان األوروبي.
القوة اإلعالمية للدولة ،تعني حماية القيم والثقافات والمعتقدات الداخلية وفي هذا تأسيس لألمن
اإلنساني.
القوة العسكرية التي تساهم في تحقيق األمن القومي ،تؤسس في الحقيقة لألمن اإلنساني وتحمي
كل المصالح اإلستراتيجية الوطنية والتي تنتهي في مجملها باإلنسان.
504
آلية التخطيط اإلسرتاتيجي:
وجود آلية للتخطيط اإلستراتيجي ترعى خطة الدولة ،يعني السير بانتظام في المسار اإلستراتيجي،
وفي هذا ضمان لمسيرة الدولة نحو امتالك القوة اإلستراتيجية الشاملة ،التي تقود بدورها لتحقيق األمن
القومي ،وكما أشرنا في السرد السابق فإن تحقيق القوة اإلستراتيجية الشاملة يقوم على تحقيق األمن
اإلنساني ،وهكذا نجد أن تحقيق األمن القومي يحتاج آللية التخطيط اإلستراتيجي وهذا بدوره يقود
لتحقيق األمن اإلنساني.
كما أن مهددات ونقاط ضعف اإلستراتيجية يشكل بعضها في الواقع عقبات لتحقيق األمن اإلنساني.
وإذا تدبرنا خطوات اإلدارة اإلستراتيجية للدولة التي أوردناها في الباب األول ،سنجد أن تنفيذ اإلستراتيجية
يشمل مراجعة السياسات والتشريعات بما يضمن توفير األوضاع المطلوبة لتنفيذ اإلستراتيجية،
كما أن كل القيم والمرتكزات المطلوبة لتحقيق القوة اإلستراتيجية الشاملة يتم تضمينها في الدستور،
وهكذا نجد أن هذه الخطوة تراعي في حقيقة األمر مطلوبات تحقيق المصالح اإلستراتيجية وامتالك القوة
اإلستراتيجية الشاملة وكذا تنزيل معاني وقيم األمن اإلنساني ،بجانب إعداد قيادات إستراتيجية ونشر
للوعي اإلستراتيجي الذي يشكل المظلة لتأمين تطبيق اإلستراتيجية التي تشكل وسيلة تحقيق األمن
القومي واإلنساني ،وإذا أضفنا لذلك ما يتصل بمؤشرات قياس األداء اإلستراتيجي ،سنجد أن مؤشرات قياس
األداء اإلستراتيجي تشمل مؤشرات األمن اإلنساني ،فمعرفة أوضاع القوة اإلستراتيجية على سبيل المثال
تتم من خالل مؤشرات قياس لعدد من البنود مثل مؤشر قياس أوضاع حق التعبير أو حق التعليم ،وكذلك
سنجد أن مؤشرات الخدمات الصحية تعبر عن أوضاع األمن اإلنساني.
وهكذا تتضح النظرة الشاملة التي تراعي تحقيق المصالح اإلستراتيجية واألمن القومي واإلنساني
واإلشراف عليها من خالل مظلة واحدة هي مظلة آلية التخطيط اإلستراتيجي القومي والتي بموجب تكوينها
القومي وإشرافها على المسار اإلستراتيجي للدولة ،تشكل بهذا الفهم تأمينًا وضمانًا لتحقيق األمن القومي
واإلنساني معًا.
هكذا يتضح أن المفاهيم التي أسس لها هذا الكتاب تحقق التكامل بين المصالح اإلستراتيجية الوطنية
وتحقيق األمن القومي واإلنساني ،بل وأن األداء اإلستراتيجي الوطني بهذا المفهوم يمتد ليسهم في تحقيق
األمن العالمي.
عليه ال يمكن الفصل بين األمن القومي واإلنساني ،وبالتالي ينبغي تطوير المفاهيم التقليدية
للتخطيط اإلستراتيجي القومي والتي لم تهتم بهذا الجانب.
505
الفصل التاسع
506
التخطيط اإلسرتاتيجي للنتاج العلمي
من األبجديات التي أصبحت موطن اتفاق على مستوى العالم هي ارتباط تحقيق التنمية الشاملة
وامتالك القوة اإلستراتيجية للدولة باإلنتاج العلمي ( ،)92ولهذا كان طبيعيًا جدًا أن نرى ذلك االرتباط من
خالل المعلومات المتاحة عن تطور الدول وعن جهودها في اإلنتاج العلمي ،مثال لذلك الواليات المتحدة
وأوربا واليابان ،وهي دول ال يختلف أحد في ما حققته من نهضة ومن قوة إستراتيجية شاملة ،حيث بلغ
صرفها على البحث العلمي حوالي 280بليون دوالر و 175بليون دوالر و 98بليون دوالر على التوالي ،وبلغت
نسبة اإلنفاق على البحث العلمي إلى إجمالي الدخل القومي % 3.5 ،في المتوسط ،بينما بلغ الصرف على
البحث العلمي في إفريقيا حوالي 1بليون دوالر وفي الدول العربية حوالي 2بليون ،بنسبة تراوحت بين
% 0.2 – % 0.1فقط .كما بلغ عدد الباحثين في الواليات المتحدة حوالي 400.000باحث ،وفي أوربا
،180.000ولعل في هذا مؤشر الرتباط اإلنتاج العلمي بامتالك القوة وتحقيق النهضة.
لقد أصبح مفهومًا عند حساب قوى الدول ،معرفة أوضاع اإلنتاج العلمي في الدول المعينة بما يشمله
ذلك من إعداد الباحثين والمبالغ التي تنفق على البحث العلمي والبنيات التحتية لإلنتاج العلمي ..الخ.
وفي هذا إقرار بأثر اإلنتاج العلمي في امتالك القوة اإلستراتيجية الشاملة ،يكفي وضع ألمانيا التي
تحولت من الضعف إلى قوة عالمية بفضلٍ كبير وأساس للقوة العلمية ،وإذا نظرنا إلى ما حققه اليهود
بإقامة دولة إسرائيل لتصبح حقيقة على األرض في ظل الضعف العربي ،نتوصل للدور األساسي لإلنتاج
العلمي في ذلك ،والذي تعززه األرقام التي تشير إلى أن إسرائيل تدفع حوالي % 4.6من الناتج العام للبحث
العلمي وقامت بإجراء ضعف األبحاث التي أعدها العرب مجتمعين ،ولعل ذلك يشير إلى إدراكٍ عميق للقادة
اليهود ألهمية البحث العلمي في إدارة الصراع بينهم والعرب ،جعلتهم يتفوقون على أفضل المعدالت
المتعلقة باإلنتاج العلمي في الدول المتقدمة.
ومثال آخر يبين كيف انعكست الزيادة المحدودة التي دفعتها الهند للبحث العلمي وللنشر ،في
مساهماتها القومية حتى أصبحت رقمًا مهمًا في الصادرات العلمية.
إن مجرد امتالك الدولة لموارد طبيعية كبيرة ال يكفي ،فاالستفادة من ثروة طبيعية كالنباتات الطبية
ال يكفي إذا لم تستند إلى بحوث علمية تصنع منها فرصة مبتكرة تعالج قضية أو مشكلة عالمية أو توفر
خدمات جديدة ..مثل طرح أدوية جديدة تراعي الوعي العالمي بأثر الكيماويات ..الخ.
إن نتائج المئات من الدراسات تؤكد ارتباط امتالك الدولة للقوة اإلستراتيجية الشاملة وتحقيق
النهضة بالبحث العلمي ،حيث االهتمام بالبحث العلمي وبالباحثين ومراكز البحوث وبتأسيس بنية
اإلنتاج العلمي يشمل البحث العلمي ،التأليف ،الترجمة ،التحرير ،التحقيق ،الشرح ،االختصار ،الفهرسة ()92
507
تشريعية مالئمة لإلنتاج العلمي توفر المناخ المناسب للبحث واالبتكار ،وبتوفير التمويل الالزم للبحث.
إذن ال مجال للحديث عن القوة الشاملة دون إنتاج العلمي جاد.
برؤية الكاتب ،يقوم مفهوم التخطيط اإلستراتيجي لإلنتاج العلمي على إنتاج المعرفة وتوفير السند
العلمي لتخطيط وتحقيق المصالح الوطنية وتعزيز قوة الدولة في حوار وصراع المصالح ،ويتضمن
ابتكار الحلول للقضايا الوطنية والتحديات العالمية وعالج نقاط الضعف الوطنية وتعزيز نقاط القوة
واالستغالل األمثل للموارد وتنميتها وتنويعها وابتكار الفرص وامتالك القدرات والمزايا التنافسية
العالمية ،كما يشمل التعامل مع المهددات الوطنية ومع القضايا العالمية المتصلة باألمن والسالم
والبيئة العالمية ،كما يشمل توفير المناخ المناسب لإلنتاج العلمي واالبتكار.
بنود المفهوم:
.1إنتاج المعرفة.
.2توفير السند العلمي لتحقيق المصالح الوطنية.
.3ابتكار الحلول للقضايا الوطنية والتحديات العالمية.
.4عالج نقاط الضعف الوطنية.
.5تعزيز نقاط القوة واالستغالل األمثل للموارد وتنميتها وتنويعها.
.6ابتكار وصناعة الفرص.
.7امتالك القدرات والمزايا التنافسية العالمية
.8التعامل مع المهددات الوطنية
.9القضايا العالمية المتصلة باألمن والسالم والبيئة العالمية.
.10توفير المناخ المناسب لإلنتاج العلمي.
508
خطوات اإلدارة اإلسرتاتيجية للنتاج العلمي:
509
و .من المنظور التاريخي.
.4اختيار اإلستراتيجية.
.5تنفيذ اإلستراتيجية.
.6التغيير اإلستراتيجي فيما يتعلق بالبحث العلمي.
.7المتابعة والتقييم والتقويم.
510
.2آليات الشراكة والتنسيق بين السلطة العلمية والسياسية والتنفيذية:
إن واقع العديد من الدول النامية يشير إلى اعتماد تلك الدول على جهود محدودة للتعامل مع القضايا
والمشاكل التي تعترض تحقيق اإلستراتيجية ،بينما ال توجد آليات لدعم التنفيذ وصناعة القرار باإلنتاج
العلمي في ظل اختالل للعالقة بين السلطة العلمية المتمثلة في مؤسسات التعليم العالي ومراكز اإلنتاج
العلمي من جهة والسلطة التنفيذية السياسية من جهة أخرى ،فكثيرًا ما يتغول القرار السياسي على
الحدود السياسية واالطالع بحل قضايا أو بلورة حلول لمشاكل معينة وهي مهام من صميم السلطة
العلمية ،لذا يهتم التخطيط اإلستراتيجي لإلنتاج العلمي بتأسيس آليات لتنسيق العالقة والشراكة بين
الخدمة المدنية والمؤسسات البحثية ،مع تأسيس البنية القانونية التي تحقق ذلك وترسي نظمًا وقواعد
تلزم باتباع خطوات معينة عند التخطيط والتنفيذ والتعامل مع المشاكل وتحدد العالقة بين السلطة
العلمية والسياسية والتنفيذية.
.3إدارة التكامل العلمي:
إن إيجاد الحل لقضية أو مشكلة معينة من خالل بحث فردي ،ال يقود في الغالب إلى توفير حل علمي
مناسب ،خاصة إذا تعقدت المشكلة المطلوب حلها ،عليه أصبح اللجوء للعمل الجماعي هو المدخل
المناسب لتحقيق النتائج العلمية المناسبة.
هذا الوضع يقتضي تحديد القضية المعينة في ظل رؤية شاملة ،ومن ثم تحديد الهدف البحثي
المطلوب إنجازه وما قد يتفرع منه من أهداف فرعية ،وبناءً عليه يتم تشكيل فريق العمل البحثي
المناسب وفق منهج علمي يتيح التنسيق المستمر بما يضمن أن كافة الجهود البحثية تصب تجاه الهدف
المحدد ،إن وضوح القضية ووضوح هدف اإلنتاج العلمي يعني أن كافة األهداف المتعلقة باإلنتاج العلمي
المتناثرة هنا وهناك والتي يتم إنجازها عبر سنوات الخطة تتناسق وتتكامل تجاه الهدف اإلستراتيجي
لإلنتاج العلمي.
التكامل العلمي المشار إليه هنا يمكن أن يمتد ليشمل البيئة العالمية وذلك من خالل تأسيس فرق
عمل دولية مشتركة لإلنتاج العلمي ،فإذا كانت الدول والشركات تعزز قدراتها االقتصادية والسياسية من
خالل الترتيبات الدولية ،فاإلنتاج العلمي ال يخرج عن هذا اإلطار.
.4التنسيق العلمي:
إن تعدد القضايا وتشعب تخصصاتها في ظل الرغبة لتحقيق االستخدام المثالي لمقدرات اإلنتاج
العلمي ،يتطلب وجود جهاز مركزي لتنسيق عمليات اإلنتاج العلمي في الدولة بما يضمن عدم تكرار أو
ازدواجية عملية اإلنتاج العلمي ،وهذا يتطلب تحديد األدوار لمراكز اإلنتاج العلمي وتحديد التخصصات
الدقيقة لكل منها ،ووضع نظام لتحقيق التكامل والتنسيق فيما بينها ،مع توفير آليات إلتاحة نتائج
511
اإلنتاج العلمي ومتابعة تطبيقها على األرض.
.5توفير المناخ المناسب لإلنتاج العلمي:
وهذا يشمل البنود التالية:
توفير البيئة الجاذبة:
إن أهم عناصر اإلنتاج العلمي هو الكادر البشري من الباحثين ومعاونيهم ،وإذا لم يتم توفير األوضاع
المناسبة فإن هجرة العقول أو تقاعس الباحثين هي النتيجة الحتمية ،ولعل واقع الدول العربية
واإلفريقية يشير إلى هجرة واسعة للعقول التي كان وال زال لها إسهام واضح في الدول الغربية.
بينما اآلالف منهم موجودون في دولهم دون عمل ،علمًا بأن خطورة وأهمية العقول البشرية جعلت
من جذبها وسيلة من أهم وسائل اإلستراتيجيات المضادة ،وبذلك يتم تحقيق هدف مزدوج يتمثل
األول منه في تعطيل تحقيق التنمية وامتالك القوة العلمية للدول المعينة بينما تتم االستفادة من
تلك الكوادر في الدول الجاذبة.
إن األبحاث العلمية دلت على أهمية تفرغ الباحث وتوفير الوضع المريح له ،ألن ذلك هو السبيل
لوصول الباحث إلى مرحلة االستغراق الفكري الذي يقود لالستفادة من تراكم خبراته وعلومه وترجمتها
في إبداع علمي جديد ،وبخالف ذلك أي في ظل عدم التفرغ واالنشغال بالجري وراء كسب العيش ..ال
نتوقع من الباحث أن يقدم إضافة علمية مفيدة.
هذا يقود لالهتمام باآلتي:
توفير الوضع المالي والمعنوي الجاذب من أجور ومزايا وحوافز.
وضع سياسات تنظم التفرغ للبحث العلمي ولعل تحقيق البند { أ } أعاله بجدية يساعد في
512
اإلنتاج العلمي ..الخ يضر بالبحث العلمي.
وأرجو أن أشير هنا على سبيل المثال إلى أن كثير من الدول النامية تتحفظ على نتائج التحليل
اإلستراتيجي أو مفاهيم التخطيط اإلستراتيجي لكونها تتحدث عن أمور حساسة ،فيتم منعها وبالتالي
تفشل عملية التخطيط اإلستراتيجي برمتها ،وهنا يمكن العمل بمبدأ حرية اإلنتاج العلمي الذي يحدد
الداء وبالتالي الدواء الناجع ،مع مراعاة النشر حسب مقتضيات األمن القومي ،وهذا ال يعني حجب كل
المعلومات فالشفافية تحتم النشر على الرأي العام وهو من أساسيات الحكم الراشد ،لكن ما نعنية هنا
هو تلك المعلومات التي قد يضر نشرها باألمن القومي.
من هنا فإن إستراتيجية اإلنتاج العلمي تهتم بتوفير الحرية للبحث العلمي ،يشمل ذلك الحرية في
تعيين الكوادر البحثية وتدريبها ،الحرية في وضع السياسات وأولويات اإلنتاج العلمي ،الحرية في عدم
التدخل في عملية اإلنتاج العلمي.
هذا الوضع يعني منع أي أوضاع تجعل مراكز اإلنتاج العلمي تحت الوصاية الحكومية ،وهذا يقود
لالهتمام بتأسيس بنية قانونية تحمي البحث العلمي واإلنتاج العلمي عمومًا وتمنع الوصايا عنه وتمنع
التأثير عليه ،كتخويف الباحثين ومراكز اإلنتاج العلمي.
توفير البنية التحتية المالئمة:
ال يمكن الحديث عن إستراتيجية فاعلة لإلنتاج العلمي دون بنية تحتية تناسب التحديات المحلية
والدولية ،ودائما ما تعاني الدول النامية من ضعف البنيات التحتية في مؤسسات اإلنتاج العلمي ،وهو من
ضمن أسباب هجرة الباحثين الذين يجدون أن أحالمهم وتطلعاتهم العلمية مقيدة بضعف البنيات
التحتية من معامل وأجهزة ومعدات.
البنية القانونية:
توفير البنية القانونية من أهم الخطوات لتوفير المناخ المالئم لتطبيق إستراتيجية اإلنتاج العلمي،
ويتضمن تشريعات تحمي حرية اإلنتاج العلمي وتأسيس آليات صناعة القرار والشراكة الملزمة بين
السلطة السياسية والتنفيذية من جهة وسلطات اإلنتاج العلمي من جهة أخرى ،إن ثقافة الدول النامية
قد تعرف أن خروج الزراعة في منطقة معينة عن اإلرشادات والخطوات العلمية المحددة ،أو خروج
المؤسسة المصرفية عن إرشادات البنك المركزي في منح التمويل ..الخ قد تعرض للمساءلة القانونية
نتيجة الخروج عن تلك الخطوات العلمية ،إال أنها لم تدرك بشكل كافٍ بعد أن الخروج عن خطوات اتخاذ
القرار بما يشمله ذلك من تأمين السند العلمي الكافي ،يمكن أن تكون جريمة يعاقب عليها القانون،
وهكذا تتصرف الوزارة أو المسؤول المعين دون سند علمي فيحدث الفشل والضعف دون أن تكون هناك
مساءلة قانونية.
513
التمويل:
إن ثقافة الدول المتقدمة تستوعب أهمية اإلنتاج العلمي بشكل كافٍ يجعلها تدفع بسخاء لتمويل
األبحاث العلمية واإلنتاج العلمي عمومًا ،فهي تعلم تمامًا أن ما دفعه يعود أضعافًا مضاعفة ،و قد أثبت
الواقع العملي ذلك في الدول الغربية ودول النمور كاليابان وغيرها ،بينما نجد العكس تمامًا في الدول
النامية ،فبينما يتم االهتمام بالصرف بسخاء على التسليح العسكري ،يعاني اإلنتاج العلمي واإلعالم على
سبيل المثال من شح التمويل ،ظهر ذلك في تدني نسبة تمويل البحث العلمي إلى الناتج اإلجمالي حيث
بلغت حوالي % 0.2في معظم الدول النامية فيما تبلغ حوالي %3.5في الدول المتقدمة.
في هذا الخصوص أشير أيضًا إلى اهتمام إستراتيجية اإلنتاج العلمي باآلتي:
النظر إلى اإلنتاج العلمي كسالح فاعل وإلى الباحث كمقاتل ،وهو ترتيب مهم يجب أن يتم
اإلستراتيجية االقتصادية عن الشراكة بين القطاع الخاص والحكومات ،حيث بينا أن إدارة
حوار المصالح الدولية أصبحت الشركات الخاصة وهي ممثل الحكومات فيه وبالتالي
استطاعت تلك الشركات تحقيق أرباح عالية فيما استفادت الدولة من فرص العمل
والجمارك والضرائب ،هذ الوضع يجب أن يؤسس ليشمل مشاركة القطاع الخاص في
التمويل من خالل تأسيس الشراكة بين المؤسسات البحثية والقطاع الخاص ومنظمات
المجتمع.
االهتمام باالستثمار في اإلنتاج العلمي.
دائما ما يتبادر إلى األذهان أن اإلنتاج العلمي مهمته فقط توفير السند لتحقيق المصالح ،إال أن الواقع
يشير إلى دور آخر إلستراتيجية اإلنتاج العلمي يتمثل في إنتاج المعرفة كخدمة من الخدمات التي يحتاجها
المجتمع المحلي ،وبذا توفر الدولة بمؤسساتها العامة أو الخاصة ،دخلًا مباشرًا من عائد اإلنتاج العلمي ،كما
تحقق عائدًا غير مباشر من خالل توفير السند العلمي إلستراتيجية الدولة ،وتشير بعض الدراسات إلى أن
صادرات اإلنتاج العلمي والتكنولوجيا في ماليزيا تساوي ثلث الصادرات في الواليات المتحدة ونصفها في
ماليزيا وربعها في اليابان(.)93
محمد مسعد ياقوت ،أزمة البحث العلمي في مصر والعالم العربي ،القاهرة :دار النشر للجامعات ،ص.68 ()93
514
ابتكار الحلول للقضايا اإلسرتاتيجية والتحديات العاملية:
تحقيق المصالح اإلستراتيجية الطموحة ،يعني الحاجة باستمرار ليس البتكار حلول مناسبة فحسب
وإنما كذلك مراعاة التحديات العالمية ،فبروز قيود عالمية في األنماط االستهالكية العالمية تقيد أي أفكار
لمنتجات جديدة تستهدف األسواق العالمية ،وبروز العولمة االقتصادية التي تفرض مستوى معينًا من
التكلفة والجودة ،تجعل اإلنتاج العلمي يتوجه لعالج ذلك،
مثال لذلك ما أشارت إليه دراسة يابانية أعدت لتقليل تكلفة إنتاج البطيخ ،لقد اتضح من الدراسة أن
تكلفة النقل كانت من بين أهم عوامل رفع التكلفة ،قاد ذلك إلى ابتكار طريقة إلنتاج بطيخ مربع الشكل
لنقل عدد أكبر من البطيخ نتيجة اتساق الشكل ،ومن األمثلة لحل قضايا معينة ابتكار العالم للطاقة من
الرياح ومن الشمس ومن الغازات المنبعثة من مخرجات اإلنسان لمواجهة نقص النفط وآثاره على البيئة.
هذا المثل يشير إلى أن اللجوء للبحث العلمي يمكن أن يقود البتكار حلول قد ال يتخيلها البعض من
المسؤولين الحكوميين المعنيين بالمشكلة.
إستراتيجية اإلنتاج العلمي تهتم ضمن أولوياتها األساسية بعالج نقاط الضعف والتعامل مع
المهددات الوطنية ،وهذا يعني أن العملية البحثية تهتم بدراسة كافة العقبات الداخلية والخارجية التي
تحول دون تحقيق األهداف اإلستراتيجية ،وتتعدى ذلك نحو التأسيس ألوضاع مستقبلية أكثر تعقيدًا.
إن عدم وجود نظام يجعل إستراتيجية اإلنتاج العلمي تصوب بعض أهدافها تجاه نقاط الضعف
والمهددات الوطنية ،يعني استمرار ضعف الدولة واستمرار القضايا الموروثة من حقبة إلى حقبة ،واتخاذ
حلول فردية غالبًا ما تكون قاصرة.
ال تتوقف إستراتيجية اإلنتاج العلمي عند ابتكار الحلول للمشاكل فقط وإنما تهتم كذلك بتعزيز نقاط
القوة للدولة ،ومن أهم المجاالت في هذا الخصوص هو االستغالل األمثل للموارد وتنميتها وتنويعها،
فاالستغالل األمثل للموارد يعد من أهم التحديات للدولة ،والعكس يعني إهدار الموارد وتبديدها وتعريض
مصالح األجيال القادمة للخطر ،وهذا يعني أن تحقيق التنمية المتوازنة وما تعنيه من تحقيق تنمية توزع
المشروعات بعدالة بين أطراف الدولة وتراعي البيئة وتحفظ حق األجيال القادمة ،يتعذر تحقيقه دون
سند علمي .ليس ذلك فقط وإنما تهتم إستراتيجية اإلنتاج العلمي بتنمية الموارد الوطنية وتنويعها ،وال
يقتصر دور اإلنتاج العلمي في االستغالل األمثل للموارد المادية فقط وإنما يشمل كذلك الموارد البشرية
والمعلوماتية.
515
ابتكار الفرص:
الصراع المحموم حول المصالح في ظل تعقيدات األسواق العالمية ،تحتم ليس المواكبة فحسب بل
والمبادرة بابتكار فرص جديدة ،وهذا يعني أن البحث العلمي واإلنتاج العلمي عمومًا يسهم في صناعة
الفرص الجديدة للدولة.
إن اإلنتاج العلمي ساهم بوضوح في صناعة الفرص الجديدة للدول ،سواء كان ذلك في شكل مخترعات
أو أفكار معينة ..وكان نتيجة لذلك زيادة الدخل القومي لتلك الدول وزيادة فرص العمل.
من األمثلة على ذلك جملة االختراعات المسجلة في كوريا الجنوبية والتي بلغت حوالي 27.000اختراع،
ساهمت في ما آلت إليه الدولة خالل العقدين الماضيين ،بينما نجد العكس في الدول النامية التي ال زالت
صادراتها بعد نصف قرن من االستقالل تقليدية.
إن عملية التخطيط اإلستراتيجي تتضمن تعزيز نقاط القوة وصناعة الفرص الجديدة ،وقد تناولنا ذلك
في الباب األول من هذا الكتاب ،وعليه يتضح أن غياب أو ضعف اإلنتاج العلمي يخل بهذا الجانب ،وبالتالي
التأثير بقوة في عمليات إدارة مصالح الدولة.
من المتفق عليه أن امتالك المزايا والقدرات التنافسية يشكالن أهم مفاتيح تحقيق المصالح
اإلستراتيجية ،هذا يعني الدخول في تفاصيل دقيقة جدًا حتى نتمكن من تحقيق ذلك ،وهو ما جعله
ضمن أجندة إستراتيجية اإلنتاج العلمي ،فتحقيق المزايا النسبية قد يعني تحسين الجودة ،وهو يحتاج
لبحث علمي ،وقد يتعلق بخفض التكلفة وهذا يحتاج للبحث ،وقد تفرض القيود الدولية شروطًا
ومواصفات معينة يستلزم تحقيقها ابتكار حلول جديدة ،ومن األمثلة على ذلك ما حققته اليابان من
قدرات تنافسية شملت الجودة والتكلفة ،إن التدبر في حيثياتها يشير إلى عمق العملية البحثية التي
وقفت خلفها ،بل النظر إلى مشهد اإلنجاز الياباني واألمريكي واأللماني ..الخ ال يمكن أن يكتمل دون توضيح
ضخامة عمليات البحث العلمي في تلك الدول.
إن تزايد التعقيدات المتعلقة بتحقيق المزايا النسبية تعني مزيدًا من البحث العلمي ،وهكذا ال يمكن
تخيل إدارة صراع وحوار المصالح دون سند علمي ،وبوضوح أكثر فإن غياب السند العلمي يعني تهديد
األمن القومي.
يمتد إطار إستراتيجية اإلنتاج العلمي ليشمل البيئة الدولية وذلك من خالل المشاركة في ابتكار الحلول
للقضايا المتصلة باألمن والسالم والبيئة العالمية االحتباس الحراري ،الجفاف والتصحر ،الطاقة اآلمنة،
516
ونقص الموارد ،لذا نجد الحديث اآلن على سبيل المثال ليس في اإلنتاج فقط وإنما في كيف ،فالمطلوب
ليس إنتاج كهرباء وإنما المطلوب كذلك إنتاج كهرباء آمنة رخيصة ،والمطلوب ليس إنتاج غذائي فحسب
بل إنتاج غذائي صحي وعمليات زراعية ال تفسد البيئة وعمليات ري ال تستنزف موارد العالم .إلخ.
كل ما تم ذكره يصبح حبرًا على ورق دون توفير الكوادر البحثية المؤهلة واإلمكانات واألدوات البحثية
المناسبة ،وبالنظر إلى مفهوم إستراتيجية البحث العلمي بالعمق المطلوب ،في ظل تعقيدات البيئة
الدولية والمحلية وتحدياتهما ،يمكن إدراك المستوى المطلوب من الباحثين ومن القدرات واإلمكانات
البحثية ،لذا ال تكتمل إستراتيجية اإلنتاج العلمي دون تحقيق ذلك.
إن غياب أو ضعف إستراتيجية اإلنتاج العلمي في معظم الدول النامية ساهم في ضعف عمليات اإلنتاج
العلمي والبحثي على وجه الخصوص ،في ظل االهتمام بتخريج أساتذة وليس األستاذ كالباحث ،وهذا يدعو
لالهتمام بمؤسسات تأهيل الباحثين بدءًا من مدارس النابغين التي ترعى باحثي المستقبل مرورًا
بالمناهج التي تضمن تخريج باحثين ذوي تفكير علمي وإدراك عالمي ،وقدرة على التواصل العلمي بما
يشمله ذلك من إجادة اللغات األجنبية وتقنيات التواصل اإللكتروني والطباعة والتصميم الخ.
كما أن ضعف اإلمكانات البحثية يعوق العملية البحثية ،بل إن ذلك يعد أحد أسباب هجرة الباحثين
للدول المتقدمة بحثًا عن القدرات واإلمكانات العلمية.
من القضايا التي دائمًا ما تثار حول البحث العلمي في الدول النامية هو أن ما يتم إنتاجه من بحوث مع
قلتها تظل حبيسة األدراج والمكتبات دون استخدام ،إن هذا يعود لعدد من األسباب أهمها هو:
.1عدم إنجاز البحث العلمي في ظل المسار اإلستراتيجي للدولة وبالتالي إعداد أبحاث في قضايا
غير مطلوبة.
.2عدم وجود آليات لصناعة القرار بما يجعل متخذ القرار أو المخطط يستند للرصيد العلمي
المتاح.
.3ضعف البنية القانونية ،الشيء الذي يتيح الفرصة لمتخذ القرار أو المخطط العمل دون سند
علمي ،دون أن تتم مساءلته ،إن وجود بنية قانونية يلزم متخذ القرار أو المخطط بتوضيح
سنده العلمي الذي استند عليه وبالتالي تأمين الدولة من الخطأ وضمان أن القرار أو الخطة
تستند على أسس علمية ومن ثم الرجوع لألبحاث المعدة.
.4عدم وجود مراكز للمعلومات يتم من خاللها عرض نتائج األبحاث ،وفي ظل غياب المعلومة
517
يضطر متخذ القرار والمخطط للعمل باجتهاد شخصي محدود.
.5ضعف الشراكة بين مؤسسات البحث العلمي والمجتمع.
.6ضعف االهتمام بالنشر والترجمة ،يبدو ذلك في ضعف التشريعات التي تشجع النشر
والترجمة ،وضعف ميزانيات النشر والترجمة ،وما يتم إقراره ال يتم تنفيذه لعدد من األسباب
أهمها ضعف الوعي بأهمية البحث العلمي.
تتراوح ميزانيات النشر في الدول النامية بين 0.7 - % 0.2وتصل إلى متوسط % 3في الدول المتقدمة.
وقد أشارت دراسة أزمة البحث العلمي في مصر والعالم العربي إلى أن ما ترجمه العرب خالل ألف عام
يساوي ما تترجمه إسبانيا سنويًا ،وفي الوقت الذي نشر فيه العرب 6.500كتاب سنويًا ،فإن أمريكا
الشمالية تنشر 100.000كتاب سنويًا ( ،)94وقد اهتم الغرب في بداية حضارته بترجمة العلوم العربية
حيث شهدت تلك الفترة عمليات ضخمة للترجمة انطلق على أثرها لتشكيل المستقبل ،ولعل العديد من
الدراسات اعترفت بفضل تلك العلوم العربية على الغرب ،وهي تجربة تشير إلى أهمية التواصل العلمي،
وأن االهتمام بالترجمة واللغات ووضع إستراتيجيات تمكن الباحثين من إجادة اللغات (لغة اللسان
ولغة التقنية) تصبح مسألة غاية في األهمية ،وقد أشرنا عند استعراض إستراتيجية التعليم كيف أدى
عدم االهتمام باللغات األجنبية إلى بناء جدار عازل بين التطورات العلمية ونتائج األبحاث العلمية في
العالم من جهة والدول النامية من جهة أخرى ،الشيء الذي أدى إلى اتساع الفجوة العلمية بين تلك الدول
والدول المتقدمة .لذا تهتم إستراتيجية اإلنتاج العلمي بإتاحة المعرفة ونتائج األبحاث التي يتم التوصل
لها ،لتكون في خدمة المجتمع.
يشمل هذا الجانب تأسيس اآلليات المناسبة لتحقيق ذلك بما يشمله من تأسيس مراكز المعلومات أو
تأسيس الشراكات بين المؤسسات البحثية والمؤسسات العامة والخاصة وتوفير البنية التشريعية ،كما
تهتم بالترجمة وتأهيل مجموعات باحثين تجيد اللغات األجنبية.
البحوث اإلسرتاتيجية:
هناك نوع من البحوث يسمى البحوث اإلستراتيجية ذات صلة مباشرة باألمن القومي وتؤثر نتائجها على
القوة اإلستراتيجية الشاملة للدولة وقدراتها في مواجهة التنافس الدولي والصراع اإلستراتيجي ،كإنتاج
تقنية معينة تعزز من قدرات الدولة اإلستراتيجية وتميزها بشكل أفضل مما هو موجود في الساحة
الدولية.
518
فهناك فرق بين إنتاج نوع جيد من الجبنة وإنتاج بحث يرجح من قدرات الدولة عالميًا في كافة
المجاالت كالوصول لنتائج معرفية تؤسس إلنتاج مفاعل من الطاقة الشمسية أو سالح إستراتيجي ،أو
أنتاج أفكار وتقانات تحقق الميزة النسبية العالمية إلنتاج وطني معين يعزز من الحصص اإلستراتيجية
للدولة في السوق العالمي ،فالبحث الذي أثمر جهاز الـ ( )I PADأعطى الدولة مزايا على الساحة الدولية.
إن ارتباط البحوث اإلستراتيجية بالصراع تحتم على أي دولة أن تؤسس لها آلية خاصة لرعايتها
وحمايتها.
ترتبط البحوث اإلستراتيجية أيضًا بالقضايا ذات الصلة المباشرة باألمن العالمي كالبحوث في مجال
الطاقة البديلة ومواجهة التصحر وعالج نقص الموارد الطبيعية أو مواجهة التطرف.
519
شكل رقم :1 / 9نموذج مبسط لخارطة المسار اإلستراتيجي
الرؤيا الرسالة
املهددات
ابتكار الحلول
الرشاكة بني املؤسسات
البحثية والدولة تعزيز نقاط القوة
إسرتاتيجية اإلنتاج العلمي
صناعة فرص جديدة
520
التخطيط اإلسرتاتيجي للنتاج التقني:
إن كنا أبرزنا األهمية اإلستراتيجية لإلنتاج العلمي في تحقيق النهضة الشاملة وامتالك الدولة للقوة
اإلستراتيجية الشاملة ،فإن للتقنية المتطورة دورًا ال يقل أهمية عنه ،بل يمكن تصوير اإلنتاج العلمي
والتقني كجناحين تحلق بهما سفينة المسار اإلستراتيجي للدولة.
إن التقنية تطورت وأصبحت تشمل كافة المجاالت ،فهناك اإلدارة اإللكترونية والحكومة اإللكترونية
التقنية الطبية والهندسية والصناعية وهناك التجارة اإللكترونية والتعليم اإللكتروني ..الخ ،لذا أصبح
مستقبل الدول يتوقف على مدى امتالك التقنية ،وهذا يفسر الصراع الدولي المحموم حول التقنية ،وإذا
رجعنا إلى الفصل األول من الباب الثاني من هذا الكتاب يمكننا أن نالحظ كيف اقتضت محاوالت الدول
الكبرى ،الصين وروسيا واالتحاد األوربي ،لتعزيز قوتها اإلستراتيجية الشاملة االهتمام بامتالك التقنية
وتعزيزها ،ولعل من أهم هذه الترتيبات هو التحالف اإلستراتيجي الصيني الروسي من خالل منظمة
شنغهاي الذي تسعى من خالله الصين لتعزيز قدراتها التقنية في مجاالت األسلحة اإلستراتيجية ،كما
ندرك سبب عدم إتاحة حركة التقنية من قبل منظمة التجارة العالمية.
{ ،}WTOونستوعب لماذا تسعى الواليات المتحدة إلضعاف توجهات روسيا والصين وغيرهما من
تعزيز قدراتهما في التقنيات اإلستراتيجية خاصة العسكرية منها.
كما أصبح اإلنتاج التقني من أهم مصادر تنويع وزيادة الدخل القومي وزيادة فرص العمل وتحسين
المعيشة ،وفي بعض الدول أصبحت الصادرات التقنية تشكل النصيب األكبر من الدخل القومي .ومع تسارع
توجهات العالم نحو المدن اإللكترونية والمواطن اإللكتروني والحكومة اإللكترونية واالقتصاد اإللكتروني
والتعليم اإللكتروني ،فإن التخطيط اإلستراتيجي للدول ال يمكنه التعامل مع هذا التحدي دون إستراتيجية
في هذا الجانب.
521
مفهوم التخطيط اإلسرتاتيجي للنتاج التقني:
برؤية الكاتب يقوم مفهوم التخطيط اإلستراتيجي لإلنتاج التقني على امتالك القوة التقنية وتعزيز
اإلنتاج التقني الوطني وتأسيس مجتمع المعلومات وتوفير السند التقني المطلوب لتحقيق المصالح
الوطنية ،ويشمل تعزيز القدرات والمزايا التنافسية للدولة واالستغالل األمثل للزمن والموارد البشرية
والمادية والمعلوماتية ،كما يشمل توفير السند لتنفيذ اإلستراتيجية وتوفير الكوادر التقنية.
522
ه .دراسة اإلستراتيجية االجتماعية للتعرف على المصالح االجتماعية المطلوب توفير
السند التقني لها.
و .دراسة اإلستراتيجية العلمية واإلعالمية والعسكرية للتعرف على المصالح الوطنية
في هذه الجوانب ،المطلوب توفير السند التقني لها.
.2دراسة اإلستراتيجيات الفرعية للتعرف على نقاط الضعف المطلوب عالجها والمهددات
المطلوب التعامل معها بجانب التعرف على القضايا اإلستراتيجية لإلستراتيجيات الفرعية.
.3دراسة طبيعة التغيير اإلستراتيجي المطلوب إنجازه.
.4تحليل البيئة الخارجية للتعرف على األوضاع التقنية كما يلي:
أ .من منظور التحديات والتطور العلمي والتقني.
ب .من منظور الفرص المتاحة لإلنتاج التقني.
ج .من منظور المهددات والتحديات.
.5اختيار اإلستراتيجية:
أ .إستراتيجية اإلنتاج التقني.
ب .إستراتيجية السند التقني المطلوب للمصالح الوطنية.
.6تنفيذ اإلستراتيجية.
.7التغيير اإلستراتيجي فيما يتعلق بالتقنية.
.8المتابعة والتقييم والتقويم.
أصبحت التقنية من أهم مصادر زيادة الدخل القومي ومصدرًا مهمًا من مصادر تنويع الدخل القومي
وزيادة فرص العمل ،فليس بالضرورة أن توفر إستراتيجية اإلنتاج التقني السند التقني المطلوب لتحقيق
المصالح اإلستراتيجية الوطنية ،إن تحليل البيئة الدولية يشير إلى زيادة الفرص لإلنتاج التقني خاصة
تقانة المعلومات ،وبالتالي أصبح السعي لتأسيس أودية ومدن الوسائط المتطورة من أهم الترتيبات التي
تتبعها بعض الدول التي ترغب في دخول هذا المجال ،وتشير الدراسات إلى قدرة بعض الدول التي وضعت
إستراتيجيات في هذا الجانب من تحقيق نجاحات ملحوظة ،مثل الهند وماليزيا.
523
تأسيس مجتمع املعلومات:
العالم يسير بسرعة تجاه المجتمع اإللكتروني ،وهو مجتمع أفرد لنفسه مفردات خاصة بها مثل المدينة
اإللكترونية والمواطن اإللكتروني والحكومة اإللكترونية والتعليم اإللكتروني والتجارة اإللكترونية والتسوق
اإللكتروني ،وهناك دراسات تتحدث عن التخطيط العمراني للمدن اإللكترونية ،حيث كل شيء يتم إلكترونيًا،
هذا يعني أن شكل العالم لن يكون كحاله اليوم وال طرق التعامل.
إن عدم المواكبة تعني العزلة والتخلف عن الركب العالمي ،فاالقتصاد هو اقتصاد معرفي ،والتجارة
اإللكترونية تتزايد معدالتها بسرعة كبيرة ،والتعليم عن بعد في طريقه ليكون وسيلة تعليمية أساسية،
فضلًا عن أن عدم المواكبة يهدد بالخطر ،فمجتمع المعلومات إذا تم في إطار إستراتيجية شاملة ،فهو
يعني حينئ ٍذ التحول نحو المبادرة بدلًا عن ردود األفعال المرتبطة بالوسائل التقليدية ،مثل اإلرسال
الثقافي من خالل اإلعالم اإللكتروني والتعليم اإللكتروني ،والحصول على حصص األسواق نتيجة لزوال
القيود.
هذا يعني الحاجة لتخطيط إستراتيجي يؤسس لمدن الوسائط المتطورة وتحويل المواطن ليكون
مواطنًا إلكترونيًا وهكذا الخدمة المدنية والتعليم والتجارة ..الخ .هذا الترتيب يمكن أن يحقق أغراضًا
داخلية برفع كفاءة وسرعة األداء والتواصل ،...بجانب تحقيقه ألهداف خارجية يتمثل أهمها في جودة
وسرعة وفعالية التفاعل الخارجي.
العمل بنظام خارطة المسار اإلستراتيجي يعني تأسيس شراكة بين المؤسسات التقنية والدولة ،يتم
بموجبها توفير السند التقني المطلوب لتحقيق المصالح اإلستراتيجية الوطنية بما يشمله ذلك من سند
لألداء االقتصادي أو السياسي أو االجتماعي أو العسكري أو اإلعالمي ،وأن وضوح المصالح اإلستراتيجية وما
يتصل بها من أوضاع وظروف محلية ودولية ،يعني وضع إستراتيجية محددة لإلنتاج التقني ذات أهداف
واضحة والعكس صحيح.
إن امتالك الدولة للقوة التقنية يعني تعزيز قوتها الشاملة ،لما يعنيه ذلك من انعكاس قوي ومباشر
على األوضاع والقدرات السياسية واالقتصادية واالجتماعية والعسكرية والعلمية ،وقد سبق وذكرنا كيف
أن بعض الدول تسعى لمنع منافسيها من التفوق التقني ،بل إن مجرد حظر تداول التقنية المتطورة
وعدم إدراجها ضمن حرية التجارة العالمية يعزز ما ذكرت ،كما أن التطور التقني يسهم بقوة في موازنة
القوى على الصعيد العالمي ،وقد بينا في الفصل األول من الباب الثاني كيف أن تطور التقنيات وزوال
524
السيطرة عليها من قبل الدول الكبرى لتصبح في متناول دول عديدة أخرى ،برز ضمن أهم األسباب في
إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد ،فالتطور اإلعالمي بفضل التقنية يعني خروج وسيلة مهمة جدًا كان
لها دور إستراتيجي في العقد الماضي ،وإن انتشار تقنيات المعلومات ساهم ويسهم أكثر في ترتيب أوضاع
دولية جديدة ستزيل العديد من العقبات التقليدية السابقة ،وهكذا التحالفات اإلستراتيجية في مجال
التقنيات النووية وتقنيات النانو والتقنية البيولوجية والهندسة الوراثية .كلها تعني القدرة على تحقيق
القوة في معظم المجاالت األخرى السياسية واالقتصادية واالجتماعية والعسكرية ،وبالتالي فإن عدم
امتالك الدولة للتقنية يعني الضعف والتخلف ال شك في ذلك.
إن عدم االهتمام بالتقنية واالعتماد على تقنيات تقليدية ،في ظل التطور التقني وزيادة القيود
الدولية حول الجودة والمواصفات والبيئة وتطور األذواق واألنماط االستهالكية واالهتمامات ،يعني بمرور
الوقت خروج الدولة من المنافسة وتخلفها وتبديد ثرواتها وتعطيل مصالح شعبها ،بل زيادة التهديد
لألمن القومي ،فجودة العالج ودقة التشخيص وتقليص زمن إنجاز الجراحة الطبية ،تعتمد بشكل أساس
على التقنية ،وأن تحقيق القدرات التنافسية لإلعالم الوطني مطلب ال غنىً عنه لمواجهة تحديات العصر،
والعكس يعني العزل وتهديد األمن القومي ،كما أن االقتصاد العالمي أصبح يرتبط بالتقنية الحديثة
والمعرفة ،فال يمكن لدولة زراعية تقليدية منافسة دولة أخرى يكون إنتاج البقرة فيها من اللبن خمسة
أضعاف تلك الدولة ،وفي ظل تقنيات النانو والتقنيات األخرى الحديثة زادت جودة اإلنتاج وانخفضت
تكلفته بمستوى يقفل الباب أمام المنافسة من أصحاب التقانات التقليدية ،وهكذا تشير العشرات من
الدراسات إلى ارتباط تحقيق القدرات التنافسية بامتالك التقنية الحديثة.
إن تحقيق القدرات التنافسية والمزايا النسبية العالمية أصبح يعتمد بشكل أساسي على التقنية
الحديثة سواء في مجال تحقيق الجودة العالمية أو خفض التكلفة ومراعاة القيود الدولية المتعلقة
بالمواصفات والبيئة الخ ،إننا ال يمكن أن نتصور لمطحن غالل يستخدم أربعمائة عامل وينتج دقيق
بجودة متدنية ،أن ينافس مطحنًا يستخدم سبعة من العمال وينتج دقيق عالي الجودة وبنفس الكمية
أو أكثر منها بفضل التقانات الحديثة التي يستخدمها ،وال يمكن للطبيب الذي يستخدم تقنية الـ { X
}RAYالتقليدية أن يكون بنفس مستوى ذلك الطبيب الذي يستخدم تقنية { MRIأو } CT SCAN
وال ،لماكينات إنتاج الكهرباء بالديزل أن تنافس التقنية النووية في إنتاج الكهرباء وهكذا تشير المئات من
الدراسات إلى دور التقنية الحديثة في تحقيق الجودة المتناهية وخفض التكلفة.
525
االستغالل األمثل للزمن وللموارد البرشية واملادية واملعلوماتية:
اإلستراتيجية هي برنامج زمني طويل األجل ،يفضي في نهايته إلى تحقيق غايات الدولة ،وبالتالي فإن
تأخير إنجاز عمل أو مشروع معين يصب تجاه أهداف اإلستراتيجية ليتم في ضعف الزمن المحدد له فإن
ذلك يعني ليس مضاعفة إنجاز العمل من شهر إلى شهرين بل يعني أن اإلستراتيجية المحددة بفترة
خمسة وعشرين عامًا على سبيل المثال ستنجز في خمسين عامًا ،كما أن ضياع وقت المواطن {الذي هو
في األصل موظف} الستيفاء إجراءات معينة بسبب اإلجراءات العقيمة إلنجاز الخدمات المختلفة ،يعني
ضياع وقت الدولة وبالتالي عدم القدرة على تنفيذ اإلستراتيجية في الزمن المحدد،
لذا أصبح من أهم واجبات إستراتيجية اإلنتاج التقني هو المساهمة في تحقيق االستغالل األمثل
للزمن ،ولعلنا ال نحتاج إلفراد أمثلة لنبرهن على الدور الكبير الذي حققته التقنية في االستغالل األمثل
للزمن ،فقد أصبح العالم يتحدث عن المدينة اإللكترونية التي تنجز فيها األعمال إلكترونيًا في وقت وجيز،
التسوق ،التعليم اإللكتروني ،شراء تذاكر السفر ،صرف النقود وتحويلها ،استخراج جواز السفر ..الخ،
ولنا أن نتساءل كيف نستفيد من زمن الدولة لتنفيذ الخطط ،والموظف يحتاج ليومين الستخراج
وثيقة ثبوتية أو الستخراج شهادة معينة الخ ،ويتعطل العمل في المرفق الحكومي الذي يعمل فيه والذي
أيضًا يستخدم األساليب التقليدية ،بينما في دول أخرى يحصل العكس ،إن الزمن هنا لو تم قياسه
سنكتشف أن السنة قد تساوي ألف سنة مما نعده من سنوات في الدول النامية ،لذا يصبح هذا بندًا
إستراتيجيا ال يمكن االستغناء عنه.
إن األساليب التقليدية في اإلدارة والتقنية لها دور أساس في ضياع الوقت وتعطيل تنفيذ
اإلستراتيجيات والخطط في معظم الدول النامية.
ال ينتهي دور التقنية في االستغالل األمثل للزمن بل يشمل االستغالل األمثل للموارد ،إن العالم اآلن ال
يتحدث عن استغالل الموارد وإنما حسن استغاللها وتنميتها ،بل أصبح هذا همًا دوليًا وذلك فيما يتعلق
بالموارد الطبيعية ،فنجد على سبيل المثال أن مشكلة العالم في شح المياه اقتضت تطوير تقنيات لحسن
استغاللها ولتحلية المالح منها وإعادة استخدام المياه الصحية والصناعية الخ ،وفي بعض األحيان يصبح
عدم وجود تقنية تمكن من االستغالل المثالي سببًا في ضياع الفرص من الدولة كما الحال في الدول التي
تملك أراضٍ زراعية وال تملك مياه تكفي لزراعتها.
واألمثلة تطول حول أثر التقنية في حسن استغالل الموارد وهناك قضايا دولية عديدة تعتمد على
التقنية الحديثة ،مثال لذلك قضايا الطاقة البديلة .وكذا فإن توفير التقنية تساعد في االستغالل األمثل
للموارد البشرية.
526
توفري السند لتنفيذ اإلسرتاتيجية:
إن مواجهة الصراع الدولي حول المصالح يعتمد على مدى تنفيذ اإلستراتيجية وبالتالي فإن عدم القدرة
على التنفيذ بالجودة والزمن المحددين يعني تهديد األمن القومي ،وهو ما يبين أهمية التنفيذ
اإلستراتيجي.
إن التطور المتسارع الذي يشهده العالم أعطى دورًا أساسيًا ال يمكن االستغناء عنه في تنفيذ
إستراتيجيات الدول وما ينبثق عنها من خطط مرحلية وتشغيلية ،يستند هذا الفهم على فكرة بسيطة
للغاية وهي أن نجاح اإلستراتيجية ليس في صياغتها فقط وإنما أيضًا في تنفيذها بما يشمله ذلك من
استغالل أمثل للموارد المتاحة والتعامل مع الفساد اإلداري والمالي ،بل ويمتد ليشمل موضوعات أخرى
مثل مكافحة الفساد السياسي ومن أهم أمثلته تزوير االنتخابات.
لقد أثبت الواقع في الدول المتقدمة أن أفضل وسيلة لتطوير األداء وتقليل الفساد المالي واإلداري هو
استخدام التقنية الحديثة ،بل أصبح مألوفًا الحديث عن الـ { }Digital Staffعند التخطيط لتنفيذ
اإلستراتيجيات والخطط ،وبدون ذلك يصبح تنفيذ اإلستراتيجيات أمرًا معقدًا ،وهناك شواهد كثيرة تدلل
على دور التقنية في االستفادة المثالية من وقت الموظف ،وفي ضبط الحضور وفي سرعة إنجاز العمل،
فما كان ينجزه مائة شخص في شهر تنجزه التقنية بجودة أفضل في دقائق ،الصراف اإللكتروني ،البصمة
اإللكترونية ،البطاقة الذكية.
إن التقنية الحديثة كان لها دور في توفير المناخ المالئم لتدفق االستثمارات ،فإذا تسبب فساد
الموظفين في هروب المستثمر الوطني واألجنبي ،فإن البرامج اإللكترونية التي تتعامل مع المستثمر
مباشرة قفلت هذا الباب ،وهكذا ساهمت الحكومة اإللكترونية في تقليل الفساد الحكومي ،فقد أصبح على
الدولة أن تضع كافة شروطها وسياساتها أمام المبرمج الذي يصمم البرنامج المناسب الذي يحقق الغرض
الحكومي دون أن تتاح الفرصة لتدخل العنصر البشري فيه.
من أهم ما حققته التقنية في سبيل إنجاز اإلستراتيجية واألعمال ،هو الدعم المعلوماتي ،فالتنفيذ
يعني الحاجة للمعلومة الصحيحة في الوقت المناسب ،كما يحتاج التنفيذ لسرعة التواصل والمتابعة
والتقييم ،وهو ما يعزز من أهمية تقنية المعلومات التي تتولى تحليل البيانات بسرعة كبيرة وتوفيرها
في الوقت المناسب.
وال تقف التقنية عند جانب المعلومات فهناك تكنلوجيا النانو والبيوتكنولوجي ،وغيرها من التقنيات
التي ساهمت في تطوير األداء وتقليل التكلفة وتقليل مساحات العمل .إلخ.
527
تأهيل كوادر تقنية:
أهم الخطوات لتحقيق المصالح التقنية هو توفير الكادر المؤهل ،لذا تهتم إستراتيجية التقنية لتوفير
الكادر التقني على المستوى اإلستراتيجي ومستوى العمليات بالتنسيق مع إستراتيجية التعليم ،وفي ظل
تداخل التقنية مع العلوم المختلفة ،فإن توفير الكوادر المتخصصة يتم في ظل مراعاة خارطة المسار
اإلستراتيجي والتعاون مع السلطات العلمية في التخصصات المختلفة ،وبناء على ذلك يتم تحديد الكادر
التقني المطلوب كمًا وكيفًا.
البنية القانونية:
يتعذر تطبيق إستراتيجية اإلنتاج التقني في ظل ضعف البناء القانوني الذي يحفظ الحقوق وبراءات
االختراع ويتعامل مع الواقع اإللكتروني ،فالعالم أصبح يتحدث عن الجريمة اإللكترونية والتحري اإللكتروني
والقاضي اإللكتروني ..الخ وال يمكن الحديث عن إستراتيجية للتقنية دون بنية قانونية مناسبة.
آليات العمل:
وضع وتطبيق ومتابعة إستراتيجية اإلنتاج التقني تحتاج إلى وجود آلية مركزية بسلطات واسعة مثل
دائرة التقانة بآلية التخطيط اإلستراتيجي بالدولة ووزارة التقانة والمعلومات أو غيرها ،لتمثل العقل
المركزي الذي يشرف وينسق بين األطراف المختلفة ويدير عمليات التداخل العلمي التقني ..الخ ،بحيث
يتم ضمان توجه السند واإلنتاج التقني نحو القضايا المحددة ،كما أن ضخامة األهداف اإلستراتيجية
التقنية يحتاج تحقيقها إلى إنجاز المئات من األهداف الفرعية والمئات من المشاريع ،ووجود آلية يعني
ضمان تكامل وتناسق العمل الذي يقود في نهاياته إلى تحقيق األهداف اإلستراتيجية المحددة.
كما تشكل اآللية مرجعية تشرف على اإلنتاج التقني وعلى مجتمعات المعلومات وعلى األسواق
العالمية في مجاالت التقنية وكذا اإلشراف على التدريب.
الرشاكة الدولية:
تعد الشراكات بين الدولة والدول األخرى من أهم الوسائل الداعمة لتطوير وامتالك التقنية ،باعتبار
أن التسارع المذهل في هذا الجانب يجعل من الصعوبة لدولة واحدة العمل بمعزل عن األسرة الدولية،
وهذا ما جعل الدول بمنظماتها العامة والخاصة تهتم بعقد الشراكات الدولية التي تتيح بناء القدرات أو
تبادل الخبرات أو امتالك تقانات معينة.
528
شكل رقم :2 / 9نموذج مبسط لخارطة المسار اإلستراتيجي
الرؤيا الرسالة
الغاية
القضايا اإلسرتاتيجية
529
الفصل العارش
القوة الروحية
530
القوة الروحية
تحدثنا عن أهمية امتالك القوة اإلستراتيجية كسبيل مهم لتحقيق المصالح ،كما أشرنا إلى القوة
اإلستراتيجية العظمى التي تتيح للدول المعينة تحقيق إرادتها على الساحة الدولية ،وبينا أن هناك سبعة
عناصر للقوة اإلستراتيجية الشاملة هي:
.1القوة السياسية.
.2القوة االقتصادية.
.3القوة االجتماعية.
.4القوة العلمية.
.5القوة التكنولوجية.
.6القوة اإلعالمية.
.7القوة العسكرية.
ولعل التدبر في العديد من الدراسات التي أجريت مؤخرًا عن مستقبل قيادة العالم في القرن الواحد
والعشرين ،يبين بجالء انصراف عدد من الدول في عمليات تعزيز القوة اإلستراتيجية العظمى لكل منها
حتى تستطيع السيطرة على العالم ،والسؤال :لماذا تسيطر على العالم؟
اإلجابة هي لتحقيق مصالحها اإلستراتيجية ،في ذات الوقت تجد الدول النامية نفسها ضعيفة أمام
مفارقات توازن القوى ،وبالتالي تصبح ضعيفة أمام هذا المد الهائل من القوة اإلستراتيجية العظمى،
فامتالك القوة العظمى تنهار معه الكثير من قيم الخير وتصبح البشرية جميعها رهينة لقوة ال تسيطر
عليها نظم قيمية خيرة ،وإذا نظرنا إلى التاريخ ألدركنا حقيقة ما قلت ،حروب وموت وقتل ،انتهاء بالحرب
العالمية األولى والثانية التي شهدت موت عشرات الماليين من الناس ،كما شهدت أبشع أنواع ووسائل
الدمار ،وإذا نظرنا إلى فترة االستعمار لوجدنا أن سالح القوة تم استخدامه لتحقيق مصالح األقوياء دون
وازع قيمي يسيطر عليها ،وهكذا وصولًا إلى عصرنا هذا حيث يستمر صراع البشر حول المصالح ،وينتج
عن كل هذا كثير من الدمار وفقدان األرواح البريئة.
هنا يبرز التحدي الكبير لكل تلك الدول في أهمية تعزيز قوتها اإلستراتيجية حتى تستطيع مواجهة
التحديات الدولية مهما طال الزمن ولكن هل من سبيل آخر.
إن الديانات السماوية جميعها جاءت من أجل خير البشرية ،وسعت إلرساء قيم الحق والخير على األرض،
وكان رسل اهلل جميعهم نماذجًا حية لتحقيق خير البشرية وإعمار األرض دون سعي في فسادها ،هنا يبرز
531
السؤال :هل انقطعت األرض عن السماء ،لتتم إدارة األرض دون قيم كتلك التي نزل بها الرسل الكرام أم أن
هناك سبيل لربط األرض بالسماء والحصول على دعم المولى عز وجل.
القوة الروحية:
إن السرد أعاله يقودنا إلى الحديث عن العنصر األهم من عناصر القوة اإلستراتيجية الشاملة ،أال وهو
القوة الروحية.
يقوم مفهوم القوة الروحية على تعزيز القوة اإلستراتيجية من خالل الحصول على الدعم اإللهي ،وقد
اتفقت كل الديانات السماوية على أن الحصول على ذلك العون اإللهي ال يمكن أن يتم إال من خالل رضاء
المولى عز وجل ،وبالتالي فإن البحث في أسباب رضاء المولى الكريم هو المدخل األساسي لهذا األمر.
إن رضا اهلل تعالى ال يمكن أن يتناقض مع رساالت الرسل واألنبياء التي جاءت منه ،وإذا قدر لنا تلخيص
رسالة الديانات السماوية في كلمتين لقلنا {العمل الصالح} ولقلنا بعبارة أخرى {خير البشرية} ،عليه فإن
اإلتيان بما يخالف تعليماته جل وعال يقفل الباب أمام العون اإللهي.
املامرسة اإلميانية:
قال تعالى في محكم تنزيله {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ ال َّلهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}( )95صدق اهلل العظيم ،إن
الناظر إلى المدينة المنورة في عهد الرسول عليه الصالة والسالم ومن تبعه من الخلفاء الراشدين،
يستطيع أن يدرك بأن المرتكز األساس للقوة اإلستراتيجية اإلسالمية كان ينبع من تطبيق أمر اهلل على
األرض ،عدل ،مساواة ،صدق ،أمانة ،التزام ،إتقان للعمل ،مراقبة هلل في كل مناحي الحياة ..الخ،
وقد أدى هذا الوضع ليس في تعزيز القوة اإلستراتيجية ،بل شكل أيضًا الوسيلة الرئيسة التي ربطت
األرض بالسماء ،وأن قوة أثر تطبيق قيم الخير على األرض تبلورت في اعتناق الكثيرين لإلسالم الذين لم
يفعلوا ذلك بسبب حوار أو إقناع وما إلى ذلك بل شاهدوا بأعينهم قيم الدين على األرض ،فهناك المواطن
اليهودي العادي الذي وقف بجانب أمير المؤمنين على كرم اهلل وجهه أمام القاضي وكسب الحكم ،هذا
المشهد البسيط العميق في نفس الوقت أحدث زلزالًا عنيفًا في نفس ذلك المواطن وفي غيره ممن سمع
بالواقعة.
إن كل من يتحدث عن سيرة سيدنا إبراهيم أو سيدنا موسى أو سيدنا عيسى وغيرهم جميعًا من الرسل
الكرام عليهم جميعًا أفضل وأتم السالم ،لن نجده يخرج عن ممارسة قيم الخير على األرض ،يأتي على
خلفية هذا حديث المصطفى ﷺ {إنما بعثت ألتمم مكارم األخالق} وفي هذا اعتراف بالقيم التي أرساها
الرسل السابقين عليهم السالم ،ومن ثم مواصلة السير عليها.
532
بالمقابل ،كيف لنا نتوقع أن نتولى {من المنظور اإلستراتيجي} الدعوة إلى قيم الخير والحق ،وكثير منا
ال يمارس الخير وال الحق ،كيف ندعو لدين العدل والبعض منا يمارس الظلم ،كيف ندعو لدين الصدق
اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} ،هو بجالله
واألمانة وبعضنا امتهن الكذب والغش ،قال تعالى {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ َّ
عز وجل يحرم الظلم على نفسه وبعضنا يحله على نفسه ويعوث في األرض ظلمًا وفسادًا.
إن مقابلة التحديات الدولية وصراع المصالح وإعادة توازن القوى على األرض ،يتطلب دون شك دعم
المولى سبحانه وتعالى ،وهو أمر ال يتأتى إال باتباع أوامره على األرض حتى يتنزل الدعم والعون من السماء،
ولنا العبرة في قصة سيدنا عمر بن عبد العزيز ،الذي حقق نجاحًا ال يمكن إتيانه بالمعايير
الطبيعية ،وقد أثبت التاريخ أن تطبيقه للعدل الصرف ومخافة اهلل في عباده ،قد أنزل النصر والمدد
فأمطرت السماء بعد جفاف ،ونبت الزرع وامتأل الضرع ،وحدث تحول اقتصادي عظيم حيث تحول الحال
خالل أقل من عامين من دولة سمتها العامة شعب من الفقراء إلى دولة يسعى عمال زكاتها طوال النهار
وال يجدون من يأخذ الزكاة ،إن أي حديث اليوم عن مكافحة الفقر في أقل من عقود من الزمان سيكون
مدعاة للسخرية ،بينما يتم بفضل ارتباط األرض بالسماء ،أي بفضل العون اإللهي تحقق ذلك في أسابيع،
وهكذا في األمن الذي وصل درجة أن تأمن المرأة على نفسها وهي تسافر بين أصقاع الدولة وهو أمر يتعذر
على البشر تحقيقه مهما أوتوا من قوة ومن جيوش جرارة.
وهناك األمن الذي جعل الغنم ترضع مع الذئب في أمان ،وهو يشير إلى أن الحصول على األمن الذي
يصل إلى هذه الدرجة ،يمكن تحقيقه بفضل الدعم اإللهي.
533
أمر إلهي داخله يحمل أمر اهلل ،وهكذا بذرة الشجر {أَأَنتُم تَزرَعُو َنهُ أَم نَحنُ الزَّارِعُونَ}( )96فلوال وجود األمر
اإللهي بتلك الحبة لما قامت وأنبتت وهذا شأن كل صغيرة وكبيرة تحدث في هذا الكون.
قصدت بهذا الحديث اإلشارة إلى أن األرض لم تنفصل عن السماء ،ولعل التدبر بعمق في القرآن الكريم
والسنة المطهرة ،يشير إلى أن كل شيء يتم بأمر اهلل ،خلق اإلنسان ،نزول المطر وتوجيه السحاب والرياح
والنصر والمدد الخ.
وهكذا بالرجوع إلى مفهوم اإلدارة اإلستراتيجية اإلسالمية نجد أنه ينطلق من مفهوم الخالفة ،أي
استخالف المولى لإلنسان إلدارة األرض ،فهذا يعني أن إدارة األرض كما أراد اهلل ال يمكن أن تتم إال بمراعاة
توجيهاته سبحانه وتعالى وتوجيهات رسوله الكريم ﷺ.
على هذه الخلفية نجد أن النصر المشار إليه في قوله تعالى { وَمَا النَّصرُ إِالَّ مِن عِندِ ال ّلهِ }( ،)97ال يتحقق
ُوةَ لِ ّلهِ جَمِيعًا}( ،)98وهو مصدر القوة،
إال بإذن اهلل ودعمه ،بل إن اهلل هو المصدر الوحيد للنصر ..{ ،أَنَّ الْق َّ
فإذا كان األمر كذلك فما هي شروط الحصول على ذلك النصر وتلك القوة.
إن تحقيق ذلك يتطلب اتخاذ خطوات إستراتيجية جريئة ،ال يمكن أن تكتمل وال الشروع فيها ،إال
باستيفاء العناصر اإليمانية التي تقود لرضاء المولى والحصول على نصرته ومدده ،فما يحدث في األرض
أمر ال يمكن مواجهته بمعزل عن دعم السماء ،وهذا توجه يتطلب العمل على استيفاء شروط نزول الدعم
اإللهي ،ولعل التدبر فيما سبق وذكرنا يشير إلى أن نصر اهلل يتوقف على إكمال شق المعادلة الذي يتكون
من:
اإليمان { ..}1الذي يقود لصالح العمل ،العمل الصالح { ..}2استيفاء المستطاع من األسباب { }3ثم
التوكل الحق على اهلل {،}4كما جاء في الحديث الشريف { لو توكلتم على اهلل حق توكله }..
وكل ذلك يعني االستجابة هلل ،ولعلنا كثيرًا ما نالحظ من خالل التدبر في السيرة النبوية وسيرة
الصحابة رضوان اهلل عليهم حين يتأخر النصر ،فانهم يقوموا بإجراء مراجعة داخلية لمعرفة إن كان
هناك سلوك أو تصرف أو معصية { ما } باعتبار أن تأخير النصر ينجم عن الخلل في شق المعادلة الخاص
بالبشر ،ألن الشق اآلخر المتعلق باهلل تعالى ثابت ،يتحقق تلقائيًا فور اكتمال الشق األول {ومن أوفى
بعهده من اهلل } التوبة .111
والعكس يبين لماذا فشلت األسباب اإلسالمية المتمثلة في الجيوش الجرارة واألموال الكثيرة في تحقيق
النصر ،إذ ال معنى لألسباب في ظل عدم توفر بقية عناصر المعادلة ،وما فعله األمير عمر بن عبد العزيز
534
لم يخ رج عن إكمال المعادلة ،بل إن التدبر في كثير من تصرفات الصحابة يشير إلى أنهم كانوا يعالجون
الخلل في المعادالت اإللهية ،من األمثلة على ذلك توجيه سيدنا عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص بأن
يطهر الفساد في جنده عندما اشتكى إليه األخير بانحسار نهر النيل ،إن أمير المؤمنين صوب توجيهه
لمعالجة الخلل في المعادلة ،والتي بعالجها تكون األوضاع مواتية لصدور األوامر اإللهية إلى النيل ليفيض.
إن المدخل لذلك إذن يتوقف على الممارسة اإليمانية على مستوى الدولة بإقامة العدل وتطبيق أمر
اهلل كما أراد ،فاإلسالم أرسى قيمًا ليتم العمل بها على أرض الواقع ال أن نتحدث بها فحسب دون عمل،
ومن ثم إسناد قيادة الدعوة إلى الصالحين المطبقين للدين قولًا وفعلًا ،ودون ذلك يجب أن ال نتوقع نصر
اهلل.
قال تعالى {ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحسَنُواْ وَال ّلهُ يُحِبُّ الْمُحسِنِينَ } ( ،)99وقال أيضًا {يَومَ لَا يَنفَعُ مَالٌ
اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } ( ..)100والحديث { إن في الجسد مضغة إذا صلحت ..الخ} كلها تشير
وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَن أَتَى َّ
إلى المدخل إلى العبادة الصحيحة وموطن الذكر {قَد َأفْلَحَ مَن َتزَكَّى * َوذَكَرَ اسمَ رَبِّ ِه َفصَلَّى } اآلية(.)101
إن الحديث الشريف {اإليمان ما وقر في القلب وصدقه العمل} يشير إلى حقيقة بسيطة لكنها مهمة،
فبموجبه نجد أن اإلنسان ينضح بالعمل الـصالح نتيجة صالحه الناجم عن اإليمان ،لقد قلت لذلك الطالب
الذي تقدم بالسؤال أن األمر في القرآن مثل المعادالت الرياضية ال تحتمل اإللباس ،وانظر إلى هذه المعادلة:
2 = 1+ 1
فإذا تحقق الشق األول ،يتم تحقق الشق اآلخر من المعادلة ،ويمكن تطبيق المعادلة على الحديث
الشريف أعاله:
عمل صالح مصدق له إيمان في القلب
535
على مستوى الشعوب اإلسالمية ،يدل على وجود خلل ،فمن المؤكد أن اإلسالم دين كامل مكمـل ينعكس
تطبيقه على صالح اإلنسان وبالتالي صالح العمل ،وهذا يعني صالح األداء العام للجماعة واألمة ،فإذا
حدث خلل في تصرفات وممارسات اإلنسان فهي ال تعود إلى اإلسالم بل إلى الطريقة المتبعة في العبادة
والذكر ،فإذا كان هذا الخطأ هو فساد وضرر على اإلسالم ،فهل يترك أمر الدعوة ألشخاص أو تنظيمات قد
تخطئ كما أخطأ البعض منها بالفعل ،ليصبح األمر محل التجربة والخطأ .إن هذا يقود إلى ضرورة النظر
بجرأة إلى هذا األمر والتدبر فيه.
.2التنمية األخالقية:
هي نظام يسعى إلى بناء الفرد وتزكيته ،بما يجعل منه ممارسًا للدين الحق قولًا وفعلًا سلوكًا راقيًا
وأخالقًا رفيعة صادقًا أمينًا بالذكر ،الشيء الذي يؤدي إلى تحقيق السالم داخل الفرد ويشيع التوازن داخله،
وبالتالي صالح المجتمع وتوازنه وأمنه ،بما يقود إلى األمن والسالم والتوازن الدولي.
يعد موضوع تزكية اإلنسان هو أهم الموضوعات التي تشغل الكثيرين ،فهل هناك نظام للعبادة
يجعل الفرد ممارسًا للدين أي لقيم الخير والحق ،أم يصبح األمر مجرد شعار أو الفتة أو مظهرًا دينيًا دون
ممارسة فعلية لقيم الدين.
من المهم دراسة هذا األمر باعتبار أن المدخل لعون اهلل يقوم على ممارسة قيم الخير على األرض،
ومن البديهي إدراك أن منهج الدين كامل كما تشير اآليات الكريمة {الْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم
نِع َمتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ اإلِسالَمَ دِينًا} صدق اهلل العظيم ( ،)102وهو كامل بدرجة ترضي المولى عز وجل ورسوله
الكريم ﷺ ،إذن فالخلل يدور في كيفية العبادة وكيفية اإلرشاد ومن هو المختص بذلك ،وهذا ما سنتعرض
له من خالل هذه الدراسة المختصرة.
يعتبر الداعية المؤهل هو العمود الفقري للدعوة اإلسالمية ،فإذا كان مؤهلًا لمهامه بالصورة
المطلوبة ومستوفيًا للشروط ،أثمر عمله وانعكس على العالم اإلسالمي ككل ،والعكس فإن الداعية غير
المستوفي للشروط المطلوبة ال يستطيع االطالع بالمسؤولية والمهام الملقاة على عاتقه.
إن استناد الدعوة على دعاة غير مستوفين لشروط التأهيل ال يقود لتحقيق األوضاع المطلوبة وعلى
رأسها بناء األفراد ليكونوا ممارسين للدين قولًا وفعلًا ،ولعله من البديهي إدراك عدم منطقية تولى الدعوة
لمن يحمل صفات غير إسالمية ويمارس أعمالًا غير شرعية من كذب ونفاق وغش وفساد ..الخ وغيرها
536
اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا
مما نهى عنه المولى سبحانه وتعالى الذي يقول في محكم تنزيله{ :كَبُرَ مَقْتًا عِندَ َّ
تَفْعَلُونَ}(.)103
إن الواقع في الحياة العامة يشير إلى فشل المشروعات االقتصادية التي يوكل إلدارتها من هم غير
مؤهلين أو متخصصين في مجالها ،فإذا كان هذا شأن إدارة أمر المادة ،فما بالنا بإدارة أمر الدين بل إدارة
المنهج الحياتي للبشر الذي يقود للعبور إلى اآلخرة بسالم ،فإذا كانت الشروط والمواصفات الدقيقة توضع
للمديرين التجاريين ،فما بالنا ونحن نتحدث عن إدارة هذا األمر الجلل وهو الدعوة إلى دين اهلل ،وهو أمر
يتحمل الخطأ الشخصي فيه المسلمين كلهم وليس الداعية المخطئ فحسب.
قادني إلى هذا الحديث سؤال من أحد طالبي ذات مرة عن مسؤولية الدعوة وشروط ومواصفات التأهيل،
وقال لي وهو آسف للغاية عن مالحظته عن تفشي ظاهرة تولي بعض من هم غير مؤهلين بل من هم
مفسدين ،ألعمال إسالمية طوعية أو دعوية ،قال لي إن بعضًا من هؤالء ال يحملون من اإلسالم غير االسم
ويمارسون الفساد وهم في قيادة تلك المنظمات والمؤسسات ،وختم حديثه بقوله أال يشكل ذلك تهديدًا
لإلسالم من المنظور اإلستراتيجي؟ أال توجد شروط لقيادة الدعوة؟
إن التمعن في هذا الكالم وبالنظر إلى العديد من الشكاوى التي تتحدث عن الفساد والظلم الذي يالزم
بعض المنظمات اإلسالمية والقيادات اإلسالمية والمؤسسات الحكومية بل وبعض أجهزة الحكم ،يقود إلى
ضرورة البحث في جانب الدعوة ومسؤولية الدعوة ،وهو حديث يقود نحو البحث في مواصفات وشروط
تأهيل قادة الدعوة.
537
الْ ِقيَا َمةِ أَعمَى} (.)104
إن كثيرًا مما عانى منه العالم خالل الخمسين عامًا الماضية وانتشار الفرقة والفتن والشتات ،كان
النتيجة الطبيعية لعدم فهم التحذير الوارد في هذه اآلية الكريمة فمنذ أن هبط اإلنسان على وجه األرض
وكفل له اهلل كل وسائل المعيشة ويسر له كل السبل الكريمة وطالبه بالذكر وحذره من اإلعراض عنه إال
أن بنى آدم قد شغلوا بما خلق لهم وأعرضوا عما خلقهم له {عبدي خلقتك لنفسي وخلقت الدنيا لك
فشُغلت بما خلقته لك عما خلقتك له} حديث قدسي.
فاإلعراض عن الذكر يقود للمعيشة الضنك.
وقال ﷺ {صالح آخر هذه األمة بصالح أولها علمائها وأمرائها} وهذا يوضح خطورة تولي قيادة الدعوة
بواسطة من هم غير مؤهلين لذلك وعبر مناهج دينية وتربوية تم وضعها باجتهاد بشري ،فمن هم
أولئك العلماء واألمراء.
وإذا تأملنا القرآن الكريم نجد العديد من اآليات التي تتحدث عن العمل الصالح وعن الصالحين ،بل وعن
دعاء الرسل لربهم ليلحقهم بالصالحين ،والحديث أعاله يشير إلى أهمية تولي قيادة الدولة بواسطة
الصالحين كمدخل للحصول على الدعم اإللهي وإصالح الحال ،وكذا الحال فيما يتصل بالعلماء.
إن التأمل في مقامات أصحاب تلك الدعوات يشير إلى عظمة الدعوة ،فهؤالء رسل عظام منهم رسل
أولى عزم ،وصلوا باالصطفاء والعبادة والذكر إلى أعلى درجات الرقي في السير إلى اهلل ،ورغم هذا يطالبون
ربهم ليلحقهم بالصالحين ..من هم هؤالء الصالحون الذين تحدث عنهم القرآن ويرجو الرسل مع عظمة
قدرهم اللحاق بهم؟ ،إن األمر البديهي إن هؤالء الرسل عليهم أتم السالم بكل ما أوتوا من قدر ومكانة
واصطفاء ،لن يكون منطقيًا أن يطلبوا أمرًا دنيًا ،والصالحين في هذا المقام وبموجب هذه الدعوات الواردة
من أولئك الرسل وعبر الكتاب الكريم ،يشير إلى أنهم ذوو مكانة وقدر عالٍ للغاية.
ولنتمعن في كلمة الصالحين ،إن المعنى البسيط هو الذي يعمل صالحًا ،والعمل الصالح يعني تطبيق
الدين على األرض ،على السلوك الشخصي ليصبح الفرد المسلم قرآنًا يمشي على األرض ،وال ينفك العمل
الصالح عن الذكر ،فمن هم الصالحون من أمة المصطفى عليه الصالة والسالم.
{أَال إِنَّ أَوِليَاء ال ّلهِ الَ خَوفٌ عَلَيهِم وَالَ هُم يَحزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * َلهُمُ الْبُشرَى فِي الْحَياةِ
538
عظِيمُ} ({ )105مَن يَهدِ َّ
اللهُ َفهُوَ الْمُهتَدِي وَمَن يُضلِلْ الدُّنيَا َوفِي اآلخِ َرةِ الَ تَبدِيلَ لِكَلِمَاتِ ال ّلهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوزُ الْ َ
فَلَن َتجِدَ َلهُ وَِليًّا مُّرشِدًا} (.)106
من خالل هذا نستطيع أن نستشف أن الصالح هو العابد الذاكر العامل بالتنزيل المتسم باألخالق
الحميدة ،لكن الكلمة ليس فيها ما يشير إلى ارتباط أصحابها بالعلم ،فإذا لم يكن الصالحون هم العلماء
الذين يعدلون أنبياء بني إسرائيل ،فمن هم هؤالء العلماء ،إننا في حديثنا عن العلماء الذين يعدلون
أنبياء بني إسرائيل ال نستطيع فصل صفة العلم عن الذكر والعمل بالتنزيل ،وهي صفة األنبياء الذين
شًبهوا بهم ،الذين كانوا يحملون العلم من ربهم فيما تجسد حياتهم نموذجًا حيًا لتطبيق التشريع
السماوي على األرض فلم يحدث قط تناقض بين العلم والذكر والعمل بالتنزيل ،فإذا فصلنا العلم عن
الذكر والعمل به ،فإننا سنجد العديد من العلماء الذين درسوا العلم ولم يعملوا به ،بل هناك من العلماء
من هو فاسد شرعًا ،ولعل هذا ال يستقيم بل ويؤكد على امتزاج العلم بالذكر والعمل به عند وصفنا
للعالم المقصـود في الحديث الشريف،
قال ﷺ {ما اتخذ اهلل وليًا جاهلًا ولو اتخذه لعلمه} ،وبموجب هذا الحديث فإن الصالح يترقى في السير
إلى اهلل إلى أن يصبح وليًا وعندها يعلمه اهلل {وَاتَّقُواْ ال ّلهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ال ّلهُ} ({ )107وَعَلَّمنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}(.)108
قال تعالى في الحديث القدسي {من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيءٍ أحب
إلى مما افترضت عليه ،وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع
به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ،ولئن سألني ألعطيته ولئن استعاذني
ألعيذنّه وما ترددت عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته} ،إذن ال
مجال للعالم الفاسد أو غير الذاكر في قيادة الدعوة.
فإذا أدركنا اآلن أن هناك صالحين عالمين ذاكرين عاملين بالتنزيل على مستوىً رفيع من األخالق ،وأن
لهم قدر عال عند ربهم يعدل درجة أنبياء بني إسرائيل ،فهل هي مجرد درجة أم أن هناك مسؤولية
تنتظرهم بالدعوة واإلرشاد ،وكيف لنا بموجب هذا الفهم أن نتصور تولى هذه المهمة بواسطة آخرين غير
مؤهلين في ظل وجود صالحين يحملون الصفات أعاله.
إن الصالحين بموجب هذا الوصف هم األقدر على هداية الناس وتولي الدعوة إلى اهلل تعالى ،إن هذا
()106سورة الكهف ،اآلية .17جاء الجزء المذكور في ختام آية تناولت بعض الصالحين وهم أهل الكهف.
539
الفهم يعني أن مجرد العلم المكتسب ليس كافيًا للدعوة.
هنا يثير سؤال وهو هل قيادة الدعوة إلى اهلل يمكن أن يتوالها أي شخص أم عبر من هم مأذونين
ومؤهلين لذلك.
إن التاريخ الذي شهد عهد الرسل الذين جاءوا بالحق من عند اهلل تعالى ودعوا إلى اهلل تعالى بإذنه،
لم يشر إلى أن هداية الخلق تركها اهلل في عهد من العهود لتصرف البشر ،حتى جاء عهد اإلسالم ذلك
الدين الخاتم ،وتولى المصطفى ﷺ الدعـوة إلى اهلل {أيضًا بإذن ربه} ،فما المقـصود باإلذن الوارد في
اللهِ ِب ِإذْ ِنهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} ( ،)109فالمصطفى عليه الصالة والسالم عمل بما جاء به الوحي،
عيًا إِلَى َّ
اآلية {وَدَا ِ
بل حتى نطقه كان وحيًا {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * ِإنْ هُوَ إِلَّا وَحيٌ يُوحَى} (،)110
ومع ذلك عمل بموجب إذن ،فإذا كان األمر كذلك وهو الرسول الخاتم الذي ال تكتمل الشهادة إال باسمه،
ومع ذلك يعمل باإلذن ،فكيف نبرر ألنفسنا العمل لقيادة الدعوة في هذا الكون ،وأين نحـن من قدره
الجليل حتى نعمل دون إذن ،إن هذا األمر يستوجب االنتباه للبحث في هذا الجانب المهم ،فالعمل بالدعوة
ظل يتم عبر التاريخ بموجب نظام إلهي يحدد المسؤولين ،وان اهلل لم يترك أمر دينه يوما من األيام ليكون
محل شوري أهل لهداية الناس وإنما بعث الرسل واألنبياء ،وطالما انتهي عهد الرساالت فهذا ال يعني نهاية
النظام اإللهي المتبع على مر التاريخ المتعلق باإلذن لهداية خلقه ،فقد بدأ عهد الوالية واألئمة
المعتمدين والنـص النبوي الشريف إنما يدل علـى ذلك داللـة قطعية {يبعث على رؤوس األشهاد في
كل مائة عام إمام يجدد للناس أمر دينهم} والنص يقول يبعث والبعث ليس للخلق خيارًا فيه.
وقد قال الحق تبارك وتعالى {قُلْ هَ ِذهِ سَبِيلِي أَدعُو إِلَى ال ّلهِ عَلَى َبصِي َرةٍ أَ َناْ وَ َمنِ اتَّبَعَنِي}( )111والبصيرة
في هذا الموطن هي فراسة المؤمن إذ يقول المصطفى ﷺ {اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اهلل}،
الترمذي في السنن ويؤيده الحديث القدسي الذي أخرجه الشيخان {كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي
يبصر به} فتلك هي البصيرة التي تقود الناس من الظلمات إلى النور ومن التخبط في دياجير الجهل إلى
التنوير بصحيح العلم القريب العهد من اهلل ،من الذي يتجرأ ليقول إنني أنظر بنور اهلل من الذين تأهلوا
بالعلم الشرعي المجرد دون الذكر الصحيح والقلب السليم والعمل بالتنزيل ؟
لقد عانت األمة كثيرًا من طمث الحقائق ،وأهمها عـدم معرفة قدر المصطفى ﷺ ،واستصغار أمته،
540
ُمةٍ أُخ ِرجَت لِلنَّاسِ}( ،)112واستصغار علمائها الذين قال عنهم
هذه األمة التي قال فيها {كُنتُم خَيرَ أ َّ
المصطفى ﷺ {علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل} ،والمقصودون هنا هـم األولياء الصالحون الذين ذكروا
اهلل فأورثهم العلم {وَعَلَّمنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}({،)113مَن يَهدِ َّ
اللهُ َفهُوَ الْمُهتَدِي وَمَن يُضلِلْ فَلَن َتجِدَ َلهُ وَِليًّا
مُّرشِدًا}({.)114ما اتخذ اهلل وليًا جاهلًا ولو اتخذه لعلمه} ،ليصبح من الضروري إعادة تصحيح المفاهيم عن
المقصودين بالعلماء.
مراتب الدين:
للدين ثالث مراتب حددها الرسول عليه الصالة والسالم في حديث سيدنا جبريل عندما سأله ما
اإلسالم...؟ ما اإليمان...؟ ما اإلحسان...؟ ،وهذه هي مراتب الدين أي:
.1اإلسالم.
.2اإليمان.
.3اإلحسان.
فالعلم المفروض على كل مسلم ومسلمة علم الفرائض التي ال يستقيم شرع مسلم وال ولى إال بها وهي
درجة اإلسالم الذي يقوم على األركان الخمسة ،لكن كيف يتم الترقي إلى درجة اإليمان ثم اإلحسان ،اإلجابة
جاءت في الحديث القدسي {من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيءٍ احب إلى مما
افترضت عليه ،وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى احبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به
وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ،ولئن سألني ألعطيته ولئن استعاذني
ألعيذنّه وما ترددت عن شي ٍء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا اكره مساءته}،
فاإلشارة واضحة في أن الترقي يتم بالنوافل ،لذا ال بد من تحديد المقصود بالنوافل.
541
النوافل تعتبر ظل الفرائض ،كما يلي:
ذكر اسم الله والصالة عىل النبي ﷺ شهادة ال إله إال الله محمد رسول الله
الصدقة الزكاة
وإذا كانت الشهادة هلل والرسول هي باب اإلسـالم ،فإن نافلة الشهادة هي باب اإليمان وهي باب السير
()115
َب ِه َفصَلَّى}..
إلى اهلل {قَد َأفْلَحَ مَن َتزَكَّى * َوذَكَرَ اسمَ ر ِّ
{وَاذْكُرِ اسمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيهِ تَبتِيلًا} ( )116فاآليات تتحدث عن التزكية وتشير بوضوح إلى ذكر {اسم اهلل}
ولم تشر الى مجرد ذكر مطلق دون تحديد ،فكتب السيرة تتحدث عن أهل الصفة وذكرهم لالسم اهلل،
وكيف أن الرسول عليه الصالة والسالم أذِن لسيدنا أبوبكر الصديق بذكر االسم اهلل.
{وَاذْكُرِ اسمَ رَبِّكَ بُكْ َرةً وَأَصِيلًا} ({ )117فَسَبِّح بِاسمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (.)118
كما تشير اآلية { ..يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسلِيمًا} ( )119إلى نافلة الشق الثاني من الشهادة
َبهِ َفصَلَّى }..سنجد أن ذكر االسم
{محمد رسول اهلل} ،وإذا تدبرنا في اآلية {قَد َأفْلَحَ مَن َتزَكَّى * وَذَكَرَ اسمَ ر ِّ
تقدم على الصالة ،والنافلة ال تقدم على الفرض ،فالمقصود هنا الصالة على النبي كما جاء في اآلية
السابقة التي خاطبت المؤمنين.
والسير إلى اهلل ما هو إال الترقي بين مراتب الدين إسالمه وإيمانه وإحسانه ،وميز علماء الدين بين
542
هذه المراتب التي يؤدى الخلط بينها إلى الهاوية التي وصل الناس إليها اآلن من فشل في بعض أساليب
الدعوة{ ،قَالَتِ الْأَعرَابُ آمَنَّا قُل لَّم تُؤمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسلَمنَا وَلَمَّا يَدخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُم} ({)120ثُمَّ اتَّقَواْ
وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحسَنُواْ وَال ّلهُ يُحِبُّ الْمُحسِنِينَ} ( ،)121كلها آيات تشير الى أهمية الفصل بين مراتب الدين.
يقول تعالى{ :الرَّح َمنُ فَاسأَلْ ِبهِ خَبِيرًا} ( )122ويقول{ :مَن يَهدِ َّ
اللهُ َفهُوَ الْمُهتَدِي وَمَن يُضلِلْ فَلَن َتجِدَ
َلهُ وَِليًّا مُّرشِدًا} ( ،)123وهي تشير الى أن الترقي يحتاج لمساعدة خبير ،على هذا األساس فالعالقة بين طالب
العلم ،والشيخ الداعية عالقة أب ومؤدب ومربي البنه وتلميذه الذي يخرج إلى أرض الواقع ليطابق فعله
قوله ويطابق قوله قول معلمه بغير تحريف وبال حذف أو إضافة تخل بتعاليم السمــاء.
إن الذكر هو لُـب الدين ،وان الرسول ﷺ هو الذاكر األول إذ أتاه الوحي في غار حراء قائمًا صائمًا متعبدًا
هلل عز وجل ولم يجده سا ٍه ٍ وال ال ٍه ٍ حاشاه ،بل حينما نزلت أول آيات القرآن كان رسول اهلل مؤتمرًا باألوامر
ومنتهيًا عن النواهي وكانت أول اآليات بعد {اقْرَأْ } ذكر بحت أال وهو{قُمِ اللَّيلَ} وعندها لم يكن القرآن قد
انزل ولم تكن هنا صالة وال صوم وزكاة وال حج ،ولعل اآلية التي وردت بعد {قُمِ اللَّيلَ}{ ،وَاذْكُرِ اسمَ رَبِّكَ
()124
تحدد ذكر الرسول في ذلك الزمان ،وقيام الليل للذكر والصالة على النبي ﷺ هو وَتَبَتَّلْ إِلَيهِ تَبتِيلًا}
أساس التزكية والسير إلى اهلل ،وهو الطريق لصالح القلب ،وصـالح القلب يعني صالح العمل،
وهذا هو عالج العلة التي فشلت األنظمة الدعوية االجتهادية في إدراكها ،حيث فشلت في تخريج
أناس يطبقون الدين قولًا وعملًا إال من رحم ربي ،وهو أمر متعلق بالذكر الذي يصلح القلب ومن ثم يقود
اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(،)125
اإلنسان للترقي من اإلسالم إلى اإليمان إلى اإلحسان ،وهذا مربط الفرس{ ،إِلَّا مَن أَتَى َّ
َبهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}({ )126قَد َأفْلَحَ مَن َتزَكَّى}({ )127قَاَلتِ الْأَعرَابُ آمَنَّا قُل لَّم تُؤمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسلَمنَا
{ِإذْ جَاء ر َّ
543
وَلَمَّا يَدخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُم}({ ،)128ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحسَنُواْ وَال ّلهُ يُحِبُّ الْمُحسِنِينَ}(َ{ )129أفَلَم
ِنهَا لَا تَعمَى الْأَبصَارُ وَلَكِن تَعمَى
يَسِيرُوا فِي الْأَرضِ َفتَكُونَ َلهُم قُلُوبٌ يَعقِلُونَ ِبهَا أَو آذَانٌ يَسمَعُونَ ِبهَا َفإ َّ
الْقُلُوبُ َّالتِي فِي الصُّدُورِ}( )130والحديث {إن في الجسد مضغة إذا صلحت ..الخ}.
هكذا نتبين المقصود بالذكر ،وبالتالي نستطيع أن نتبين المقصودين في اآلية الكريمة {فَاسأَلُواْ أَهلَ
الذكْرِ إِن كُنتُم الَ تَعلَمُونَ} (.)131
ِّ
إن كثيرًا من المعاني التي اهتم بها التخطيط اإلستراتيجي السياسي التي سبق وأشرنا إليها في هذا
الفصل ،تهتم بإرساء مجموعة من القيم على األرض وإرساء مجموعة من السلوكيات التي من شأنها تحقيق
الرضاء الشعبي من خالل إرساء العدل والمساواة وإتاحة الحقوق والحريات ،واإلجماع الوطني من خالل بنود
مثل التداول السلمي للسلطة والشراكة الوطنية ،بجانب بنود أخرى تهتم بتعزيز القرار بالسند العلمي ،كل
ذلك في محاولة لتعزيز القدرات التفاوضية الوطنية ،وإذا تأملنا ما أوردناه حول القوة الروحية ،نجد أن
المفهوم اإلسالمي يتميز بعمق إستراتيجي فريد ،يقوم على مرتكزات غاية في األهمية نجملها في اآلتي:
.1أهمية إرساء قيم الخير على األرض كسبيل لحسن إدارة األرض ومن ذلك إنزال العدل بين
الناس بمختلف معتقداتهم.
.2العمل الصالح والممارسة اإليمانية على مستوى الدولة بإقامة العدل والرحمة واإلنسانية
واالهتمام بمصالح القاعدة الشعبية ،هو المدخل لعون اهلل ،بمعنى أن هناك فرصة
للمخطط اإلستراتيجي اإلسالمي لالستناد على العون اإللهي ،إال أن ذلك يقوم بشكل أساس
على إنزال العمل الصالح على األرض كما سبق وأنزله المصطفى ﷺ وصحابته رضوان اهلل
عليهم من بعده ،وكما أنزله اإلمام عمر بن عبد العزيز ،وما نجم عنه من ارتباط
األرض بالسماء {وَمَا جَعَ َلهُ ال ّلهُ إِالَّ بُشرَى لَكُم وَِل َتطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم ِبهِ وَمَا النَّصرُ إِالَّ مِن عِندِ ال ّلهِ
عزِيزِ الْحَكِيمِ} فاآلية جاءت بعد آية سابقة أشارت للمد بالمالئكة ،إال أن اآلية التالية تتحدث
الْ َ
بأن ذلك لمجرد االطمئنان والبشرى ،وأما النصر فهو من عند اهلل.
544
.3صالح القيادة المتميزة بامتالكها للصلة باهلل الذي يوفر لها السند والدعم والنصر والتوفيق
ألن النصر والتوفيق والعون أصلًا من اهلل.
.4إن تحقيق توازن القوى وترجيحها على الصعيد الدولي وتحقيق األمن يمكن أن يستند إلى
العون اإللهي على ذات الحيثيات المذكورة أعاله.
.5الدعوة للشراكة الدولية بين الناس حول الموارد اإلستراتيجية وهو تأسيس إسالمي لألمن
العالمي.
.6المحافظة على البيئة الدولية
.7صالح الناس من خالل التدرج في مراتب الدين
.8قيادة الدعوة واإلرشاد يجب أن يتم بواسطة الصالحين المؤهلين.
.9اإلسالم يهتم بالقيادة القدوة ،الحديث {صالح آخر هذه األمة بصالح أولها علمائها وأمرائها}
{إن اهلل يعين الحاكم العادل ولو كان كافرًا} ،وهذا يعني أن الترتيب اإلستراتيجي لقيادة
التغيير اإلستراتيجي في المفهوم اإلسالمي يبدأ بالقيادة الصالحة ،فاإلمام عمر بن عبد العزيز
،الذي أوردنا قصته ،استطاع بعون اهلل نتيجة صالحه الذي قاده إلنزال العمل الصالح
على األرض ،من تحقيق النجاح اإلستراتيجي على الرغم من أن القاعدة الشعبية بدولته كانت
تضم مفسدين ومنافقين ،وتحقق النجاح رغم ذلك ،الشيء الذي يشير ألهمية البداية
بالقيادة الصالحة قبل تصحيح أوضاع القيادة في المستويات الوسطى والدنيا.
.10الغرض من عمليات الوفاق الوطني التي تجري بين القوى السياسية هو توسيع دائرة التأييد
الشعبي ،وتقوم في الغالب على إرضاء الزعامات الحزبية وتحقيق أجندة حزبية ،وفي ظل
السعي وراء السلطة واألجندة الشخصية ،يزيد عدد حاملي المناصب الدستورية في ظل
استمرار عدم رضا القواعد .وهنا يجب إدراك أن المنظور اإلسالمي يركز على الوفاق مع القواعد
الشعبية من خالل إنزال القيم اإلنسانية كالعدل والمساواة ،وهو نوع من العمل الصالح الذي
يقود لرضاء اهلل وبالتالي تعزيز ذلك الوفاق مع القواعد بالوفاق مع اهلل .ويلتقي المفهوم
اإلسالمي هنا مع مفهوم اإلستراتيجية السياسية التي تهتم بإنزال القيم اإلنسانية على األرض
التي تقود لرضا القواعد ووحدة المشاعر الوطنية إال أن التخطيط اإلستراتيجي السياسي ال
يتطرق لعالقة األرض بالسماء.
اإلستراتيجية السياسية تلتقي مع المنهج اإلسالمي في اعتبار األسس اإلستراتيجية شأنًا يخص الدولة
ال يجوز أليٍ من يحكم أن يتنازل عنه ،مثل العدل والمساواة وسيادة القانون.
545
كما يهتم المنهج اإلسالمي بالتأسيس ألوضاع دولية تعزز األمن والسالم العالميين.
المفهوم اإلسالمي والمفهوم اإلستراتيجي السياسي يلتقيان في أن الوفاق الوطني ال يجب أن يكون
وفاق زعماء بل اتفاق حول فكر وبنود وأسس ومرتكزات إستراتيجية تهتم بشكل أساسي بإرضاء القاعدة
الشعبية.
546
الفصل الحادي عرش
547
تكامل اإلسرتاتيجيات الفرعية
يعتبر التخطيط اإلستراتيجي القومي منهجًا للتخطيط الشامل الذي يحشد كل قوى الدولة تجاه تحقيق
مصالحها اإلستراتيجية ،على هذا األساس نجد أن تحقيق الرؤية الوطنية يتطلب تحقيق الغايات السبعة
{السياسية ،االقتصادية ،االجتماعية ،العلمية ،التقنية ،اإلعالمية والعسكرية} ،وبالتدبر في األشكال
التوضيحية الواردة فيما يلي ،يمكن مالحظة التكامل بين اإلستراتيجيات الفرعية التي تقود كل منها نحو
تحقيق الغاية المعينة ،ويمكن للقارئ مراجعة اإلطار الفلسفي لتحليل األوضاع القومية واضعًا في
االعتبار منهج التخطيط اإلستراتيجي الذي أوردناه في الباب الثالث من هذا الكتاب ،وكذلك وضع االعتبار
لمفردات ومعاني المفاهيم التي طرحها الكتاب حول اإلستراتيجية عمومًا واإلستراتيجيات الفرعية،
سنكتشف هذا التكامل والتناسق والترابط بين اإلستراتيجيات المختلفة.
على سبيل المثال تعمل اإلستراتيجية االقتصادية على توفير التمويل من خالل زيادة الدخل القومي
للدولة حتى تستطيع تقديم خدماتها التي تضطلع بها من خالل تنفيذ اإلستراتيجيات األخرى االجتماعية
والعلمية والعسكرية ..إلخ،
وفي هذا الخصوص تسعى اإلستراتيجية االقتصادية الستغالل الموارد الطبيعية والحصول على
الحصص السوقية العالمية ،وهذا يستدعي توفير المناخ المالئم وامتالك القدرات التنافسية العالمية
والسياسات المالئمة وتوفير التقانة الحديثة والكوادر المؤهلة ..إلخ،
وكل ذلك بدوره يتطلب السند السياسي اإلستراتيجي الذي يوفر المناخ المناسب من خالل إرساء القيم
والحريات والعدالة وسيادة النظام والقانون والمؤسسية ،كما يوفر القدرات التفاوضية الالزمة لمواجهة
الصراع الدولي في الساحة الدولية من خالل الترتيبات المحلية المتمثل أهمها في الشراكة الوطنية
واإلجماع الوطني وترقية السلوك واألداء السياسي ،والترتيبات الدولية المتمثل أهمها في التحالفات
والشراكات والتكتالت اإلقليمية،
كما تسعى اإلستراتيجية العلمية لتوفير السند العلمي المطلوب للتنافس االقتصادي العالمي ،وكذا
توفر اإلستراتيجية التعليمية الكوادر المطلوبة لتحقيق اإلستراتيجية االقتصادية فهناك فرق في نوعية
الكوادر المطلوبة للنشاط االقتصادي من دولة إلى أخرى حسب طبيعة اإلستراتيجية االقتصادية ،فنجد
هولندا كمثال تحتاج للكوادر في الصناعات الغذائية واأللبان واإلنتاج الحيواني والزهور ،وكذا الدنمارك،
بينما اليابان تحتاج بشكلٍ كبير للكوادر في مجاالت الصناعات الحديدية والميكانيكا وتقانة المعلومات
الصناعية .إلخ.
من ناحية أخرى نجد أن اإلستراتيجية التقنية توفر التقانة المطلوبة لتحقيق المزايا النسبية
العالمية ،بينما اإلستراتيجية اإلعالمية توفر السند اإلعالمي المطلوب للترويج العالمي.
548
في ذات الوقت نجد أن تحقيق اإلستراتيجية السياسية يحتاج لإلستراتيجية التعليمية واإلعالمية
والتربوية والثقافية لصياغة السلوك السياسي الراشد وقيادة التغيير اإلستراتيجي السلوكي ،وكذا نجد أن
اإلستراتيجيات التعليمية والعلمية واإلعالمية تتوجه بصورة مباشرة نحو معالجة نقاط الضعف
والمهددات والقضايا اإلستراتيجية والتحديات الواردة في اإلستراتيجيات الفرعية ،فال نجد مركزًا بحثيًا ينجز
أبحاثًا في قضايا غير واردة باإلستراتيجية ،وكذا اإلستراتيجية التقنية توجه عنايتها نحو التقانات
المحددة المطلوبة للمصالح اإلستراتيجية ،بل إن العديد من الدراسات ترى أن تنفيذ اإلستراتيجيات
والخطط الموضوعة ال يمكن أن يتم بالكفاءة لمطلوبة دون توفر الدعم التقني ،بل أصبح الموظف
الحكومي اإللكتروني ونظم المعلومات هي أهم وسائل تنفيذ ومتابعة وتقييم الخطط ومحاربة الفساد
المالي واإلداري ،فيما نجد من جانب آخر أن تحقيق القدرات التنافسية العالمية في أنشطة الدولة
االقتصادية واالجتماعية والعسكرية ..إلخ ،والذي يعد نقطة االرتكاز لخوض التحديات العصرية وصراع
المصالح ،يرتكز بشكلٍ أساس على التقنيات الحديثة ،فالمزايا النسبية لإلنتاج تتطلب التقانة الحديثة
لتقليل التكلفة وتحسين الجودة واستيفاء االلتزامات الدولية كالمحافظة على البيئة ،ونجد أن القدرات
التنافسية العالمية مطلوبة لإلعالم ولمؤسسات التعليم الوطنية ..إلخ،
وبدونها ال يمكن إدارة عمليات التنافس الدولي ،وأن االنتخابات اإللكترونية التي تقوم على السجل
الوطني اإللكتروني والبطاقة االنتخابية اإللكترونية وصندوق االقتراع اإللكتروني والفرز اإللكتروني ..من
أهم وسائل تنفيذ انتخابات حرة نزيهة قليلة الفساد ،وهو مدخل مهم لتحقيق التداول السلمي للسلطة
وبالتالي االستقرار السياسي ،كما أن جهود الدول لتحقيق توازن القوى على الصعيد الدولي وتعزيز قوتها
اإلستراتيجية الشاملة ،يستند بشكلٍ كبير على امتالك التقنية الحديثة ،وهو ما يشير لتكامل إستراتيجية
التقنية مع اإلستراتيجيات الفرعية األخرى ،وإذا ربطنا ذلك بإستراتيجية العالقات الدولية نجد أن هناك
كثيرًا من التحالفات والشراكات الدولية تم عقدها في سبيل ذلك ،ولعل آخر مثل لذلك هو التحالف
اإلستراتيجي الصيني الروسي الذي تسعى الصين من خالله لتعزيز قدرتها التقنية خاصة في جانب األسلحة
اإلستراتيجية ،وهذا ترتيب يشير لدور إستراتيجية العالقات الدولية تجاه التقنية.
من زاوية أخرى نجد أن اإلستراتيجية االقتصادية على سبيل المثال من خالل التوزيع العادل لمشروعات
التنمية وتحقيق فرص العمل وتوفير الخدمات بعدالة ،ومن خالل الشراكات االقتصادية الدولية والحصص
اإلستراتيجية في األسواق وربط المصالح الدولية بالمصالح الوطنية ..الخ،
تساهم في تعزيز القدرات التفاوضية الوطنية وتحقيق األمن واالستقرار ..الخ ،وهي أهداف سياسية،
بينما يتعذر تحقيق هذه المصالح االقتصادية في ظل غياب المناخ السياسي المناسب المتمثل أهمه في
سيادة النظام والقانون وكفاءة واستقاللية الخدمة المدنية ،كما يتعذر في ظل غياب اإلرادة الوطنية التي
تلتزم بتنفيذ الخطط الموضوعة وعدم الخروج عنها.
549
بينما نجد أن إستراتيجية العالقات الدولية تصوب أهدافها تجاه تحقيق المصالح اإلستراتيجية
الوطنية وبذا تسعى الستيفاء الترتيبات الدولية المطلوبة لتحقيق تلك المصالح ،ولعل تأسيس االتحاد
األوربي على خلفية الصراع األوربي األمريكي على المنتجات الزراعية ،يشير إلى أهمية الترتيبات
اإلستراتيجية الدولية لتحقيق المصالح االقتصادية.
وعلى الصعيد االجتماعي نجد أن متانة النسيج االجتماعي على سبيل المثال ،يمثل ركيزة أساسية
لتحقيق األهداف اإلستراتيجية السياسية.
وهكذا نجد أن اإلستراتيجيات المختلفة تمثل األجزاء الرئيسة لتركيب آلة ضخمة ،وأن تفصيالت كل
منها تمثل التروس التي مهما اختلفت أحجامها فهي تعمل جميعًا لكي تدور تلك اآللة وتؤدي مهامها ،وعليه
سنكتشف أننا نحتاج لكل تلك األجزاء والتروس وأن غياب بعضها أو عدم عمل بعضها بالشكل المطلوب،
يؤدي إلى فشل المشروع برمته أو تحقيق نجاحات محدودة ،وهكذا اإلستراتيجية القومية ال يمكنها تحقيق
النجاح في ظل غياب أو إخفاق بعض اإلستراتيجيات الفرعية ،ولعل غياب التخطيط اإلستراتيجي السياسي
من أدبيات التخطيط في العديد من الدول النامية بعد االستقالل ،واقتصاره على التخطيط االقتصادي
واالجتماعي ،أدى بصورة مباشرة لعدم قدرة تلك الدول على تحقيق نهضة طموحة بل ودورانها في أتون
الصراع والتخلف ،وكذا نكتشف أن عدم صياغة إستراتيجيات التعليم على خلفية التخطيط اإلستراتيجي
من نقاط ضعف ومهددات وقضايا إستراتيجية مطلوب التعامل معها ،ساهم كذلك في تعثر
اإلستراتيجيات التنموية بتلك الدول ،يشمل هذا الجانب عدم االهتمام بالتخطيط اإلستراتيجي في مجال
التقنية والبحث العلمي واإلعالم.
إذا كانت مفاهيم التخطيط اإلستراتيجي القومي ومنهجيته تعززان هذا التكامل ،فإنه ال يمكن إغفال
أهمية اآللية القومية للتخطيط اإلستراتيجي التي من خاللها تتم إدارة هذا التناسق والتكامل القومي.
األشكال التالية توضح في صورة مبسطة التكامل بين اإلستراتيجيات الفرعية:
550
التكامل بني اإلسرتاتيجيات
اإلسرتاتيجية
القوة الشاملة
اإلسرتاتيجية االعالمية
القوة اإلعالمية
اإلسرتاتيجية االجتامعية
القوة االجتامعية
حا وجسدًا
عقال ورو ً
ً تنمية اإلنسان
551
القدرات التنافسية والتفاوضية للدولة
اإلسرتاتيجية التقنية
السند التقني للمصالح االستغالل األمثل
القوة التقنية
الوطنية للموارد
الحكومة اإللكرتونية
اإلسرتاتيجية العلمية
القوة العلمية
552
زيادة الدخل القومي ،التمويل ،التنمية املتوازنة
اإلسرتاتيجية االقتصادية
القوة االقتصادية
اإلسرتاتيجية السياسية
القوة السياسية
553
اإلستراتيجيات الفرعية:
إسرتاتيجية اإلعالم
الكوادر املؤهلة
554
إسرتاتيجية التعليم
555
إسرتاتيجية التقنية
املواطن اإللكرتوين
556
إسرتاتيجية البحث العلمي
557
اإلسرتاتيجية االقتصادية
الرشاكات الدولية
التوزيع العادل
طاقة آمنة رخيصة
ملرشوعات التنمية
األمن االقتصادي
تكامل السياسات
النشاط الرشاكات البنى املالية من
املتعلق الداخلية التحتية منظور
باالقتصاد عاملي
الفلسفة االقتصادية
558
اإلسرتاتيجية السياسية
العدل وعدم
الرشاكة بني السلطة العلمية والسياسية
التمييز
الرشاكة الوطنية
ترقية
سيادة العلم سيادة اإلرادة يف
السلوك
والقانون القانون تنفيذ الخطط
واألداء
والنظام والنظام املجازة
السيايس
559
إسرتاتيجية العالقات الدولية
التحالفات
الرشاكات الدولية الرتتيبات الدولية
اإلسرتاتيجية
الرشاكة الدولية
560
الباب الثالث
561
الفصل األول
562
آليات التخطيط اإلسرتاتيجي
مدخل:
إن صراع المصالح الدولية هو تنافس وصراع بين إستراتيجيات ،وهذا وضع يستدعي إعطاء اعتبار
خاص عند تصميم اآللية القومية للتخطيط اإلستراتيجي التي ترعى اإلستراتيجية في ظل تنامي أهمية
التخطيط اإلستراتيجي لتحقيق النهضة الطموحة وما يتطلبه ذلك من تعزيز للقدرات التفاوضية
وللقدرات التنافسية لإلنتاج الوطني االقتصادي وفي التعليم واإلعالم ..الخ ،كما أن طبيعة العالقة بين
األمن القومي والتخطيط اإلستراتيجي تقف خلف طبيعة التصميم اإلداري آللية التخطيط اإلستراتيجي.
إن إدارة التنافس الدولي والصراع اإلستراتيجي حول المصالح ،هو نوع من الصراع يتم عبر إستراتيجيات
محكمة وقرارات مستندة إلى المعرفة ،وتجربة العالم أشارت بكل وضوح إلى أن هذا النوع من الصراع ال
يمكن إدارته عبر التخطيط التكتيكي والقرارات وليدة اللحظة وإنما عبر إستراتيجيات وطنية مقابلة له
وقرارات تستند إلى المعرفة.
إن اإلدارة باألزمات هو احد أهم علوم إدارة الصراع اإلستراتيجي والتي تقوم بشكل أساس على شغل
الدولة المعينة عن طريق صناعة األزمات المتالحقة فيها بحيث تتوقف عن تحقيق التراكم الذي يقود
نحو القوة الشاملة التي حينذاك توفر القدرة وتحقق اإلرادة الوطنية ،والحل العملي لذلك هو أن تتم إدارة
الدولة عبر فريقين األول للتعامل مع األزمات والقضايا المرحلية ،والفريق الثاني هـو الفريق اإلستراتيجي
والذي يستطيع (من خالل نفسه الهادئ) أن يمكن الفريق اآلخر من التصرف بالشكل األفضل إلى حين
العبور بعد سنوات طويلة نحو القوة الشاملة.
إن تنفيذ اإلستراتيجية يحتاج إلى إصدار قرارات إستراتيجية على مستوى رئاسة الدولة أي قرارات ترتكز
على المعرفة اإلستراتيجية ،وأن عدم وجود مركز محدد ومؤمن لصناعة القرار يعني فتح المجال التخاذ
قرارات بواسطة أفراد بحسن أو سوء نية أو تحت ضغط أوضاع أو مؤثرات معينة لتمرير قرارات قد تضر
بالمصالح اإلستراتيجية ومصالح األجيال القادمة.
إن ما تحقق من نهضة طموحة في العقود الستة الماضية كان بسبب وجود تخطيط إستراتيجي متقن
أي تخطيط وفق رؤية إستراتيجية عميقة مسنودة بمعرفة إستراتيجية ،مسنودًا بفكر إستراتيجي في
تلك الدول.
كل ذلك يشير إلى أهمية التخطيط اإلستراتيجي وبالتالي األهمية االستثنائية لدور آلية التخطيط
اإلستراتيجي القومي.
563
السعي للقوة الشاملة:
إن القوى اإلستراتيجية الشاملة عبارة عن أوضاع يتم تحقيقها في مجاالت السياسة واالقتصاد
واالجتماع والثقافة والعلوم والتقانة واإلعالم والمعلومات واألمن والدفاع ،بما يمكن الدولة من تحقيق
وحماية مصالحها اإلستراتيجية ،وهو وضع يتعذر تحقيقه في فترة اإلستراتيجية القومية التي قد تصل
لربع قرن من الزمان ،وهو السبب وراء تصنيف اإلستراتيجيات إلى مستويات (التمكين والدفاع ،المنطقة
الوسطى ،المبادرة) كما سبق شرحه في هذا الكتاب ،حيث يتم العبور نحو القوة من خالل أكثر من
إستراتيجية عبر الغايات الوطنية وبالتالي تصبح الغاية هي الطريق نحو القوة ،مثال لذلك الغاية
السياسية هي الطريق نحو القوة السياسية وهكذا الغاية االقتصادية هي الطريق نحو القوة االقتصادية،
وهذا ما جعل معظم مدارس الفكر اإلستراتيجي تركز على أهمية عدم الغفلة عن بلوغ القوة مهما طال
الزمان.
وبالتالي فإن تطوير نظام ادري يربط ويحقق التكامل والتناسق بين اإلستراتيجية واألمن القومي هو
أمر حتمي وضروري للغاية.
إن إدارة التنافس الدولي والصراع اإلستراتيجي يعني الحاجة للقوة ،ومصدر القوة هو التخطيط
اإلستراتيجي ،وأن اإلستراتيجيات الفرعية هي الوسيلة المتالك القوة الشاملة التي تحقق األمن القومي كما
يلي:
.1اإلستراتيجية االقتصادية تحقق القوة االقتصادية.
.2اإلستراتيجية السياسية تحقق القوة السياسية.
.3اإلستراتيجية االجتماعية تحقق القوة االجتماعية.
.4اإلستراتيجية العلمية تحقق القوة العلمية.
.5اإلستراتيجية التقنية تحقق القوة التقنية.
.6إستراتيجية اإلعالم والمعلومات تحقق قوة اإلعالم والمعلومات.
.7إستراتيجية األمن والدفاع تحقق القوة في مجال العسكرية ،الشرطة والمخابرات.
كل ذلك يبرر أهمية تطوير التنظيم اإلداري لجهاز التخطيط اإلستراتيجي لبلورة وتامين المسار
اإلستراتيجي الذي يفضي لتشكيل المستقبل المنشود وفق اإلرادة الوطنية ويقود المتالك القوة
اإلستراتيجية الشاملة التي تحقق األمن القومي.
564
لذلك تبرز أهمية تطوير منظومة إدارة الدولة بما يضمن تحقيق التكامل والتنسيق وكفاءة عمليات
التخطيط وإحكام المتابعة والرقابة القبلية والبعدية لنشاط الدولة وذلك من خالل تقسيم القطاعات
والدوائر باألجهزة التالية حسب غايات الدولة والتي يجب أن تكون بعدد قوى الدولة الشاملة ،ويشمل إدارات
اإلحصاء والمركز القومي للمعلومات (ليتم توفير البيانات والمعلومات والمؤشرات حسب الغايات) ،أمانات
األمانة العامة للتخطيط اإلستراتيجي بحيث تكون كل واحدة منها مسؤولة عن غاية محددة أي تصبح
مسؤولة عن خطة الدولة في القطاع المعين إلى حين بلوغ القوة ،قطاعات مجلس الوزراء حتى يكون كل
قطاع مسؤوال عن تنفيذ ومتابعة المرحلة المعينة من غاية محددة،
قطاعات مجلس األمن القومي حتى يتم التأكد من سير الدولة نحو القوة الشاملة باعتبار أن كل غاية
تشكل الطريق نحو القوة المعينة ،دوائر جهاز المخابرات ،مراجعة لجان البرلمان بحيث تصبح لكل
إستراتيجية فرعية لجنة مسؤولة عنها على أن تتوزع هذه اللجان داخل قطاعات يتم استحداثها بعدد
الغايات حتى يكون كل قطاع مسؤوال عن متابعة ومراقبة ومحاسبة الجهة المعنية في غاية محددة.
كل ذلك يجعل الدولة واضحة الرؤية ،فهي تعلم وضعها الراهن في كل عنصر ،وتعلم تمامًا إلى أين تود
أن تصل ،وهكذا ال تتم ممارسة أي أنشطة غير مطلوبة أو متناقضة ،كما أن القطاعات تضمن وجود تنسيق
بين اإلستراتيجيات الفرعية المختلفة وهو ما تعاني منه الدولة حاليًا.
عليه نرى أن التنظيم اإلداري للجهاز التنفيذي آللية التخطيط اإلستراتيجي يجب أن ينطلق على خلفية
عناصر القوى الشاملة للدولة بحيث يكون مستوى القوة في العنصر المعين هو مرجعية اإلدارة المعينة
التي تسعى في نهايات اإلستراتيجية المتالك مستوى محدد من القوة ،وبغياب ذلك ينطلق العمل
التخطيطي دون خلفيات واضحة ويمكن أن يحدث نوعًا من االرتباك في الدولة.
التنظيم اإلداري يجب كذلك أن ينسجم بشكلٍ ما مع التحليل اإلستراتيجي ونعني هنا تحليل األوضاع
السياسية واالقتصادية واالجتماعية الثقافية ،والعلمية التقنية وأوضاع اإلعالم والمعلومات وأوضاع
األمن والدفاع.
بموجب هذا التقسيم فإن التحليل اإلستراتيجي يحدد األوضاع التي تؤثر وتتأثر بها الدولة ،كما يحدد
الوضع الراهن في كل عنصر من تلك العناصر ،وبصورة أخرى مستوى القوة أو الضعف في كل منها .كما
أن إتمام التحليل اإلستراتيجي في ظل هذا التقسيم يعني القدرة على إنتاج المعرفة اإلستراتيجية
المطلوبة للتخطيط اإلستراتيجي وبدون ذلك يعي إتمام التخطيط بناء على بيانات أو معلومات وهذا ما
ينافي فكرة التخطيط اإلستراتيجي ويجعله ضعيفًا ،وبالنظر إلي مفهوم الغاية المذكور أدناه ،يمكن إدراك
المقصود.
565
الغايات القومية :وهي تعبر عن المصالح اإلستراتيجية الوطنية خالل فترة اإلستراتيجية ،أي ما تسعى
الدولة في إنجازه على المدى الطويل ،وهي بعدد القطاعات وتتضمن تحديد المصالح المطلوب تحقيقها
سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وعلميًا وتقنيًا وإعالميًا وعسكريًا ،ومن خاللها يتم تحقيق الرؤية القومية،
وهي أكثر تفصيلًا من الرؤية ،وتتسم باآلتي:
.1تتطلب مشاركة عدد من األطرف ،وإنجاز عدد من اإلستراتيجيات الفرعية المتكاملة ،مثل
إستراتيجيات الزراعة والصناعة والتجارة والبنيات التحتية واإلنتاج الحيواني ..في الغاية
االقتصادية فال توجد بهذا الفهم غاية زراعية أو غاية تجارية.
.2يتعذر تحقيقها دون سند يوفر أوضاعًا وظروفًا مالئمة ،مثل السند السياسي والتقني والعسكري
واإلعالمي واالجتماعي ..أي األوضاع التي تحققها الغايات األخرى
.3يتعذر تحقيقها في فترة زمنية قصيرة ،لذا فالغاية تتحقق عند نهاية اإلستراتيجية.
.4يتطلب تحقيق الغايات إنجاز العديد من األهداف اإلستراتيجية.
إن التدبر في مفهوم القوة المعينة يشير إلى أهمية تناسق وارتباط النشاطات في كل قطاع ،والعكس
يعني عدم ارتباك عملية سير الدولة نحو القوة الشاملة بينما يتيح نظام القطاعات وفق قوى الدولة
الشاملة الفرصة لتحقيق التكامل على مستوى القطاع ثم التكامل بعد ذلك على المستوى القومي وهو
ما يساعد في إنتاج المعرفة اإلستراتيجية كما هو موضح أدناه:
وجود الوزارة ضمن القطاع المعني يعني توفير آلية للتنسيق مع وزارات القطاع.
يتم التنسيق داخل الوزارة بين اإلدارات المختلفة عبر آلية التخطيط اإلستراتيجي بالوزارة.
يتم الربط بين البيانات الخام في مستوى اإلدارات إلنتاج المعلومة.
يتم الربط بين المعلومات وبعضها البعض داخل الوزارة إلنتاج المعلومة األساسية (وهي
معلومة في هذه الحالة تتعلق بالوزارة ،أي المعلومة تصبح معلومة زراعية أو صناعية)
في القطاع االقتصادي.
يتم الربط بين المعلومات األساسية داخل القطاع إلنتاج المعرفة ،وتسمى حينئذ معرفة
566
يتم الربط بين المعرفة في قطاعات الدولة (أي الربط بين السياسة واالقتصاد واألمن
والدفاع ...إلخ) عبر ورشة التحليل اإلستراتيجي إلنتاج المعرفة اإلستراتيجية ،وفي هذه
المرحلة فقط تصبح الدولة قادرة على إتمام التخطيط اإلستراتيجي.
الوضع أعاله يضمن كفاءة التنفيذ نسبة لوجود آلية التنسيق ووجود منظومة صناعة القرار
إن زيادة عدد الواليات والمحافظات في ظل غياب الرؤية اإلستراتيجية القومية والغايات واألهداف
إستراتيجية دون آليات لتحقيق التناسق والتكامل واالرتباط بين المركز والواليات ،يقود إلى نتيجة متوقعة
وهي الضعف العام للدولة وضعف هيمنتها على زمام األمور ،وأن ذلك الوضع خاصة في دول تتميز
بالتعدد القبلي والديني ،سيقود أيضًا نحو بروز النعرات القبلية وتحويل الدولة إلى وضع أشبه بالدويالت
الصغيرة ذات األساس القبلي والتي في ظل االختراق األجنبي المتقن يمكن أن تؤدي إلى إحداث تفتيت
داخلي للدولة وخلق نوع من عدم االستقرار .يأتي ذلك في وقت أصبح االنتماء فيه يتعدى الوطن إلى
االنتماء اإلقليمي األقوى دون أن يكون ذلك على حساب الوطن أو القبيلة.
إن أهم مشكالت الحكم االتحادي هي معضلة التنسيق بين المركز واألقاليم ومشكالت التنافر والتضارب
والتباين بين التخطيط المركزي والوالئي وعدم وجود تناسق وترابط وتكامل مرتبط بأهداف قوميـة
محددة ،في وقت أصبح العالم يتحول فيه من التنسيق واالرتباط القومي إلى اإلقليمي ومن ثم الدولي
سعيًا نحو تحقيق المصالح اإلستراتيجية وتعزيز القدرات والمزايا التنافسية ،من هنا تبرز أهمية آلية
التخطيط اإلستراتيجي التي تتولى مهام التخطيط والتنفيذ والرقابة اإلستراتيجية ومن ثم التقويم،
بالكيفية التي تعالج ما سبق وذكرنا من إشكاالت.
إن وضع اإلستراتيجية القومية بالمنهج المشار إليه في هذا الكتاب والذي يتم من خالله إنتاج المعرفة
اإلستراتيجية من خالل عمليات تخطيط إستراتيجي يتم في شكل دائري من أسفل ألعلى وأعلى ألسفل في
آن واحد مع استدعاء اإلنتاج المعرفي من بحوث ودراسات وعمل مسوحات ميدانية في كل المجاالت
للتعرف على األوضاع في األرض والتعرف على دواخل النفس البشرية ،بجانب مشاركة مباشرة لألقاليم
567
في عمليات التخطيط ،كل ذلك في ظل استخدام منهج وفلسفة اختيار التوجه اإلستراتيجي الذي تم شرحه
في الفصل األول ،يقود لتحليل إستراتيجي عميق يقود لوضع إستراتيجية تعبر عن الوجدان الوطني ،مما
يتيح الفرصة لاللتزام بها من الجميع ودعمها ،كما يتيح الفرصة لوضع إستراتيجيات لألقاليم داخل الدولة
تتكامل جميعها في إطار اإلستراتيجية القومية.
تكوين الجهاز:
يتكون المجلس من مستويين هما:
المستوى القومي :ويتولى إعداد الخطة اإلستراتيجية على المستوى القومي بما تشمله من إدارة عمليات
الشراكة الدولية بين الدولة والمصالح العالمية ،وضع السياسات المرتبطة بتحقيق األهداف اإلستراتيجية
القومية وتحقيق القدرات والمزايا التنافسية للدولة ،ويتولى مهام التخطيط من منظورين:
األول :منظور عالمي يستصحب التطورات والمتغيرات والتعقيدات الدولية والتطورات العلمية.
الثاني :من منظور محلي يستصحب القدرات والموارد والظروف المحلية .ويتولى تحديد الغايات
القومية واألهداف اإلستراتيجية للدولة ،فضلًا عن التخطيط اإلستراتيجي المتعلق بالترابط والتكامل
والتناسق على المستوى اإلقليمي والعالمي.
المستوى المحلي أو الوالئي :ويتولى مهام التخطيط المحلي بالمحافظة أو الوالية ،وذلك في ظل اإلطار
العام لإلستراتيجية على المستوى القومي.
ويتولى مهام التخطيط اإلستراتيجي المتعلق بالترابط والتكامل والتناسق على المستوى المحلي
بالوالية.
568
تصميم اآللية:
من أهم ما تسعى آلية التخطيط في الدولة إلى تحقيقه هو تحقيق التكامل والترابط والتناسق في
التخطيط والتنفيذ والتقييم والتقويم للخطة اإلستراتيجية على المستوى القومي والمحلي باإلضافة إلى
تحديد ورعاية المسار اإلستراتيجي للدولة بما يشمله ذلك من إشراف على خطة الدولة وتطبيق القيم
والمرتكزات اإلستراتيجية ،وهذا وضع يستدعي تأسيس آلية التخطيط اإلستراتيجي بنص دستوري باعتبار
أن ذلك أهم ضمان لسير الدولة نحو امتالك القوة.
من الحقائق المهمة في مجال التخطيط اإلستراتيجي هو أن اإلستراتيجية تتطلب مدى زمني طويل قد
يتعدى الثالثة عقود من الزمان حتى تتحقق ،ويمكن مالحظة ذلك في التخطيط األوربي وتخطيط دول
النمور ،التي امتدت لفترات ما بين 30إلى 50سنة ،وهي فترة قد تتناوب فيها أكثر من حكومة وأكثر من
حزب ،الشيء الذي يعني أن وضع خطة إستراتيجية بواسطة حزب واحد فقط لن يكتب لها النجاح لعدم
اإلجماع القومي عليها ،يأتي ذلك في ظل حقيقة مهمة للغاية وهي أن تحقيق المصالح الكبرى ال يمكن
أن يتم إال عبر التخطيط اإلستراتيجي بعيد المدى.
فما بين الحاجة لتخطيط إستراتيجي بعيد المدى وما بين تعاقب الحكومات التي قد تهدم كل منها ما
سبق وقامت بتخطيطه وشرعت في تنفيذه الحكومة السابقة لها ،برزت أهمية آلية التخطيط فما يتعلق
بعالج هذه العلة.
إن إدارة المصالح القومية تتطلب تحديد المسار اإلستراتيجي للدولة بما يمكنها من تحقيق مصالحها
اإلستراتيجية ومواجهة تحديات البيئة الدولية التي تتسم بالصراع الدولي العنيف حول المصالح ،وقد كان
المدخل اإلستراتيجي هو الحل الوحيد لهذا اإلشكال الذي تجسد فيما أطلق عليه الرؤية اإلستراتيجية التي
من خاللها يتم تحديد وبلورة األهداف واألسس والمصالح اإلستراتيجية وتحديد الفلسفة اإلستراتيجية
والتحديات.
إن رعاية خطة الدولة ظلت مفقودة في العديد من الدول النامية ،وقد أدى ذلك ألن يتفاقم الصراع
السياسي دون ضابط يحكمه وهو المصالح الوطنية العليا ،وهذا بدوره انعكس سلبًا على األمن القومي،
وبالتالي ظلت تلك الدول تواجه اإلستراتيجيات األجنبية بخطط حكومية غير مجمع عليها وطنيًا.
إن قيادة المصالح الوطنية اإلستراتيجية وقيادة اإلجماع الوطني وإدارة الصراع الدولي حول المصالح ال
تتم إال من خالل اإلستراتيجيات الوطنية حيث ال تفلح الخطط الحكومية المرحلية وال التكتيكية لمواجهة
569
ذلك الصراع ،وهو ما يقود إلى ضرورة االهتمام بالتخطيط اإلستراتيجي القومي من أجل بلورة المصالح
الوطنية اإلستراتيجية التي يتوافق عليها الجميع ومن ثم إدارة الصراع الدولي من خالل العمل اإلستراتيجي
المن ظم وليس التكتيكات والبرامج التي ال تحقق كسبًا مهمًا ،وهذا ما يدعو لالهتمام بنشر ثقافة
اإلستراتيجية وثقافة خطة الدولة التي يحترمها الجميع بجانب االهتمام بترقية الوعي ،وكل هذا سيكون
سردًا نظريًا إذا لم يتم تطوير ودعم اآللية القومية التي تتولى هذه المهمة الوطنية ،ونرى أن المدخل
المناسب لمواجهة تحديات المستقبل من المنظور اإلستراتيجي هو تأسيس ودعم وتطوير آلية قومية
للتخطيط اإلستراتيجي تتبع مباشرة لرئاسة الدولة ،وتوفير السند السياسي لها ،وتعزيز صالحيات رئيس
الجهاز التنفيذي لتلك اآللية ليكون بمستوى أعلى من وزير مركزي.
وحتى تتمكن هذه اآللية من االضطالع بدورها في اإلشراف على خطة الوطن ورعاية المسار
اإلستراتيجي للدولة ،فينبغي أن تؤسس بموجب نص خاص في الدستور حتى ال يخضع تكوينها لهوى
الحكومات بل تصبح جهازًا قوميًا مثل السلطة القضائية.
الوضع أعاله يستدعي وضع خطة للدولة وهو ما تعبر عنه اإلستراتيجية القومية ،وهو يتطلب
تأسيس جهاز قومي يشرف على التخطيط اإلستراتيجي يتم من خالله اشتراك كافة القوى السياسية
والمجتمعية الوطنية في التخطيط اإلستراتيجي ،أما الخطة الحكومية فهي تشكل مرحلة تجاه
اإلستراتيجية إال أنها تعد بواسطة الحكومة وهي دائمًا ما تكون خطط مرحلية .إن وضوح الرؤية
اإلستراتيجية يمكن أي حكومة من وضع خططها المرحلية بما يشكل منها مرحلة حقيقية تجاه تحقيق
الخطة اإلستراتيجية مهما اختلفت الوسائل والسياسات.
املرجعية الوطنية:
إيجاد مرجعية وطنية يثق فيها المواطن بات أمرًا إستراتيجيا ملحًا ،ولعل هذا يعزز ما سبق وذكرناه
من أهمية تطوير آلية التخطيط اإلستراتيجي لتقوم بهذا الدور ،وهذا يعني ضرورة توفر اآلتي فيها حتى
تقوم بالدور المطلوب منها على الوجه المطلوب:
.6تبعية إدارية محايدة ،وهذا يقود ألهمية ما ذكرناه من تبعية آلية التخطيط اإلستراتيجي
لرئاسة الدولة.
.7تأسيسها بموجب نص دستوري.
.8قيادة يتوفر فيها:
أ .المهنية.
ب .العقل القومي.
570
ج .القدرة على التحليل والتفكير والتخطيط اإلستراتيجي.
د .الشجاعة والصبر وعدم المجاملة.
.9االلتزام الجاد بالمسار اإلستراتيجي والمرتكزات اإلستراتيجية وعدم الميل لصالح جهة أو
فئة وإنما للمصالح اإلستراتيجية الوطنية ،وهذا يعني عدم تولي قيادة اآللية لحزبيين
صارخين وإنما مهنيين إستراتيجيين كالقضاة والسفراء وضباط القوات المسلحة ..إلخ.
.10توفير إرادة سياسية خلف اآللية.
وفقا للحقائق أعاله فإن تصميم الجهاز اإلداري للتخطيط اإلستراتيجي يمكن أن يتكون من مستويين:
571
التنسيق بني املركز والواليات:
لزيادة االرتباط المحلي بالمركزي في التخطيط يمكن تشكيل مجالس تنسيق لكل دائرة من الدوائر التي
تمثل كل منها وزارة ،وتتكون من عضوية رئيس الدائرة المختصة ورؤساء الدوائر الرصيفة بالواليات،
ويمكن أن يتولى مدير التخطيط اإلستراتيجي بالوزارة موضوع التخصص مهام مقرر المجلس،
مثال لذلك :المجلس العلمي للتعليم العام يتكون من رئيس دائرة خبراء التعليم العام بالمستوى
القومي ورؤساء دوائر التعليم باألقاليم ويكون مدير إدارة التخطيط اإلستراتيجي بوزارة التعليم العام مقررًا
لها ،لتحقيق االرتباط بين الوزارة والواليات.
الوضع أعاله يتيح للمركز التعرف عن قرب على المشاكل والتحديات واألهداف والظروف المحلية ،فيما
يمكن الدوائر المحلية من التعرف على التحديات والظروف الدولية والقومية والتطورات العلمية الخ ،بما
يتيح الفرصة لتخطيط واقعي على المستوى القومي يراعي القاعدة ،كما يمكن اإلقليم من إتمام تخطيط
يتناسق ويتكامل مع المستوى اإلقليمي.
أصبح مألوفًا في العديد من الدول النامية ،تأسيس مجالس قومية للقيام بأغراض التنسيق أو
التخطيط في بعض المجاالت ،مثل المجالس القومية الخاصة بالتخطيط التربوي ،التخطيط اللغوي،
التعليم العام ،الطفولة ،الجودة ،االستثمار ،الزراعة ،الجلود ...إلخ ،دون رابط يجمع بينها للتنسيق ،ولعل
هذا يشير إلى غياب المظلة القومية للتخطيط التي يندرج تحتها كل تلك المجالس تحت مسمى مجلس أو
دائرة أو خالف ذلك ،وهي بهذا الوضع كثيرًا ما تسبب االرتباك.
بالتالي فإنني أرى من الضرورة بمكان إعادة هيكلة الدولة بما يشمل توحيد مثل هذه المجالس تحت
مظلة آلية التخطيط اإلستراتيجي القومي.
ويجب اإلشارة إلى أن المجالس المقصودة هنا تشمل فقط المجالس ذات االختصاص الخاص بالتخطيط
أو التنسيق.
ويتكون من رئيس األمانة ويجب أن يكون الرجل الثاني في الدولة ،بجانب أمين عام (تنفيذي) ويجب
أن يكون إستراتيجيا محترفًا ،بدرجة أعلى من وزير مركزي ،يعين ويعفى بموجب قانون المجلس القومي
للتخطيط اإلستراتيجي بما يؤسس لسيادة خطة الدولة ،والذي يشمل أيضًا طريقة اتخاذ القرارات
والتصويت ،تضم األمانة العامة عضوية أمناء القطاعات السبعة ،كما يمارس عمله بالتعاون والتنسيق
مع أمناء مجالس التخطيط بالواليات.
572
إن المنطق العلمي واألهمية المحورية البالغة للتخطيط اإلستراتيجي ودوره الرئيس في ما تحقق من
تنمية خالل فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ،تتطلب أن يكون المسؤول التنفيذي عن التخطيط
اإلستراتيجي في الموضع المناسب على الهيكل اإلداري للدولة بحيث يمكنه االطالع بالعمل بالصورة
المطلوبة ،فضلًا عن أن وضع المسؤول التنفيذي األول في هذه الدرجة يشير إلى وجود اإلرادة السياسية
التي تقف خلف الجهاز القومي للتخطيط اإلستراتيجي وهو عمل بالغ األهمية في نجاح أو فشل التخطيط
اإلستراتيجي.
يعزز ما ذكرت هو أن وضع الدول النامية وما تواجهه من تحديات تتطلب بشكل كبير االلتفاف حول
خطة وطنية تجسد المصالح العليا للبالد ،وأن النظر إلى الصراع الدولي حول المصالح والذي تشكل الدول
النامية أهم مسارحه المهمة ،يشير إلى أن مواجهة تحديات المستقبل وتحقيق األمن القومي ال يتحقق إال
من خالل التخطيط اإلستراتيجي وقد سبق وشرحنا ذلك.
تشكيل األمانة العامة بهذه الكيفية يتيح لها اإلشراف على المسار اإلستراتيجي للدولة وإتمام عمليات
التنسيق بسهولة فضلًا عن القيام بعمليات الرقابة اإلستراتيجية على المستوى العام وعلى مستوى
التخصصات.
وأهم مهامها:
.1اإلشراف على المسار اإلستراتيجي للدولة.
.2إدارة عمليات الشراكة الوطنية فيما يتصل بالمشاركة في التخطيط اإلستراتيجي وتنفيذ
ومتابعة اإلستراتيجية ودعمها.
.3التنسيق وإزالة التضارب والتباين بين خطط القطاعات وما إلى ذلك.
.4متابعة التنفيذ العملي للخطط المجازة.
.5القيام بعمليات المتابعة والتقييم والرقابة اإلستراتيجية على المستوى القومي العام.
.6رفع المقترحات حول االنحرافات التي قد تحدث.
.7متابعة عمليات إعادة التخطيط اإلستراتيجي مع مجلس الخبراء والمجلس القومي.
.8تحديد المواصفات المتعلقة باألهداف اإلستراتيجية القومية.
.9إجازة المؤشرات والمعايير التي يتم استخدامها لقياس األداء على المستوى القومي.
.10متابعة التخطيط القصير بالدولة للتأكد من أنه يسير كمًا وكيفًا وزمنًا تجاه تحقيق الخطط
اإلستراتيجية (هذا البند يعني أن الخطط القصيرة بالدولة ينبغي أن تجاز من مجلس
573
التخطيط اإلستراتيجي من خالل أجهزته المختلفة بما يضمن عدم القيام بأنشطة غير
مطلوبة متناقضة مع الخطة اإلستراتيجية فضلًا عن التأكد من إنجاز األهداف كما هو
مطلوب).
.11اإلشراف على إنتاج وتطوير الفكر اإلستراتيجي.
.12اإلشراف على نشر ثقافة اإلستراتيجية.
.13اإلشراف على إعداد وتأهيل القيادات اإلستراتيجية في الدولة.
يتم تأسيس نفس األجهزة أعاله في الواليات ويمارس ذات الصالحيات في إطار الوالية:
وتتكون من رئيس لألمانة ويتوالها نائب الحاكم ،وأمين تنفيذي ويجب أن يكون بدرجة وزير والئي،
وعضوية أمناء القطاعات الستة بمجلس خبراء الوالية.
ومن أهم مهامه:
.1اإلشراف على المسار اإلستراتيجي لإلقليم /الوالية.
.2إدارة عمليات الشراكة الوطنية بالوالية/اإلقليم ،فيما يتصل بالمشاركة في التخطيط
اإلستراتيجي للوالية وتنفيذ ومتابعة اإلستراتيجية ودعمها.
.3التنسيق وإزالة التضارب بين الخطط وما إلى ذلك على مستوى الوالية /اإلقليم.
.4متابعة التنفيذ العملي للخطط المجازة بالوالية /اإلقليم.
574
.5القيام بعمليات الرقابة اإلستراتيجية على المستوى العام بالوالية /اإلقليم.
.6رفع المقترحات حول االنحرافات التي قد تحدث بالوالية /اإلقليم.
.7متابعة عمليات إعادة التخطيط اإلستراتيجي مع مجلس خبراء الوالية ومجلس التخطيط
بالوالية /اإلقليم.
.8وضع المواصفات والمعايير والمؤشرات التي يتم استخدامها لقياس األداء على مستوى الوالية
/اإلقليم بالتنسيق مع األمانة القومية.
.9متابعة التخطيط القصير بالوالية للتأكد من انه يسير كمًا وكيفًا وزمنًا تجاه تحقيق الخطط
اإلستراتيجية بالوالية (هذا البند يعني أن الخطط القصيرة بالوالية ينبغي أن تجاز من مجلس
التخطيط اإلستراتيجي بالوالية من خالل أجهزته المختلفة بما يضمن عدم القيام بأنشطة
غير مطلوبة متناقضة مع الخطة اإلستراتيجية فضلًا عن التأكد من إنجاز األهداف كما هو
مطلوب).
تكوين اآللية:
بقدر أهمية التخطيط اإلستراتيجي في الدولة ،إال أن نجاح ذلك التخطيط يتوقف بدرجة كبيرة على
مدى كفاءة تخطيط العمليات وكفاءة التنفيذ ،أي التخطيط القصير الذي يتم من خالله تحديد األهداف
المرحلية التي تقود بانتظام لبناء التراكم المطلوب لتحقيق األهداف اإلستراتيجية .من هنا برزت أهمية
تصميم آلية للتخطيط بالوزارات تتضمن مستويين هما:
.1المستوى األول ويمثله الوزير ووزراء الدولة والمستشارون والوكالء وقيادات الوزارة ،ويتولى
مسؤولية إجازة الخطة وتعديلها ومتابعتها على المستوى العام.
.2مستوى الخبراء ،ويمثله مديرو اإلدارات العامة بالوزارة ومديرو الهيئات والمؤسسات التابعة
للوزارة ،ويتولى مسؤولية وضع الخطة ومجاراة التطورات العلمية ،وتنفيذ الخطة ومراقبتها
وإعادة التخطيط.
575
كما تتضمن إدارة للتخطيط بالوزارة ،يمثل مدير هذه اإلدارة وزارته في مجلس الخبراء بمجلس التخطيط
اإلستراتيجي ،كما يتولى مديرها أو من ينوب عنه مهام مقرر الدائرة العلمية المعينة بمجلس التخطيط
اإلستراتيجي.
تتكون من قسمين هما:
.1قسم التخطيط.
.2قسم المتابعة والتقييم والتقويم.
قسم التخطيط:
يتولى مهام التخطيط اإلستراتيجي ،مراجعة الخطط المرحلية مع اإلستراتيجية والخطط السنوية مع
المرحلية للتأكد من إنها تتم في إطار اإلستراتيجية ،استمرار تطوير التحليل اإلستراتيجي الخاص بالوزارة.
كما يتولى مهام تخطيط العمليات وتحويل اإلستراتيجية إلى خطط تشغيلية بما في ذلك تصميم
البرامج وإعداد الدراسات الفنية والميزانيات ،رفع االقتراحات بالتطوير المطلوب عمله في التشريعات
واللوائح بما يحقق كفاءة تنفيذ اإلستراتيجية ،اقتراح السياسات المطلوبة لتنفيذ اإلستراتيجية.
576
إدارة التخطيط:
إن كثافة النشاط والتفاعل مع البيئة وطبيعة الصراع والتنافس بين المنظمات يجعل من الضرورة
إعادة تصميم الهيكل اإلداري بما يشمل إضافة إدارة للتخطيط تشمل قسم للتخطيط اإلستراتيجي وقسم
للعمليات وقسم للمتابعة والتقييم.
إدارة التخطيط أعاله تتولى من خالل قسم التخطيط اإلستراتيجي وقسم المتابعة ،مهام التخطيط
وإعادة التخطيط اإلستراتيجي بجانب تحويل اإلستراتيجية إلى خطط تشغيلية ،ووضع المؤشرات
والمعايير لقياس األداء ومراجعة السياسات والوسائل ،بما يضمن أن كل تلك الخطط والسياسات والوسائل
تتكامل وتتناسق لتصب تجاه تحقيق األهداف اإلستراتيجية للمنظمة ،كما تتولى من خالل قسم العمليات،
مهام إعداد ومراجعة الخطط القصيرة والمتوسطة وغيرها.
إن التنظيم اإلداري للجهاز التنفيذي آللية التخطيط اإلستراتيجي يجب أن ينطلق على خلفية عناصر
القوى الشاملة للدولة بحيث يكون مستوى القوة في العنصر المعين هو مرجعية اإلدارة المعينة التي
تسعى في نهايات اإلستراتيجية المتالك مستوى محدد من القوة ،حتى ال ينطلق العمل التخطيطي دون
خلفيات واضحة ،وحتى نضمن أن الدولة تسير طوال عمر اإلستراتيجية تجاه تحقيق غايات محددة وتعمل
على معالجة ضعف محدد ومعلوم في عناصر قوتها.
فالواقع العملي في عدد من الدول النامية يشير إلى ممارسة أنشطة وأولويات وصرف اهتمام تجاه
قضايا معينة وصرف ميزانيات ..الخ لكن دون أن يتم ذلك في إطار معالجة الضعف أو موازنة القوة ،وهكذا
تضيع السنين واألموال وتتشتت الجهود دون أن تتكامل تجاه تحقيق غايات قومية محددة ،وهكذا يتساءل
الناس لماذا تنجح دول ذات إمكانات فيما تفشل أخرى قد ال تملك من الموارد والمزايا ما تملكه بعض الدول
المتأخرة.
علي ه ومراعاة لذلك وإدراكًا لحقيقة أن معظم عمليات الصراع الدولي حول المصالح تدور حول القوة
الشاملة ،فيجب أن يتسق التنظيم اإلداري للجهاز التنفيذي (األمانة العامة) مع هذا الوضع الذي يسهل
كذلك عمليات الرصد والمتابعة والتقويم في إطار المسار اإلستراتيجي على المدى البعيد..
بناء على ما سبق اقترح أن يضم الهيكل األمانات التالية التي تضم كل منها مجموعة من اإلدارات العامة
التي تتكون من عدد من اإلدارات.
577
أوالً األمانات(:)132
ثانيًا اإلدارات(:)133
يكون لكل أمانة أمين ومساعد مختص في مجال القطاع واثنين من الموظفين واثنين من موظفي السكرتارية. ()132
يكون لكل إدارة مدير وموظف في مجال تخصص اإلدارة وسكرتير. ()133
578
أمانة القطاع االقتصادي.
.1إدارة المالية واالستثمار والخدمات االقتصادية.
.2إدارة البنى التحتية.
.3إدارة الزراعة واإلنتاج الحيواني والمياه.
.4إدارة المراعي والثروة الحيوانية والسمكية.
.5إدارة الصناعة.
.6إدارة ثروات باطن األرض.
.7إدارة البيئة والغابات والمراعي.
.8إدارة السياحة.
.9إدارة التجارة الخارجية.
579
أمانة قطاع اإلنتاج العلمي والتقنية.
.1إدارة اإلنتاج العلمي.
.2إدارة التقانة.
580
اإلنتاج العلمي والتقنية.
581
املهام الرئيسة لألمانات:
أمانة قطاعات التخطيط (وتشمل السياسي ،االقتصادي ،االجتماعي ،العلوم والتقانة ،اإلعالم
والمعلومات ،األمن والدفاع) ،يرأسها كل منها خبير محترف في مجال القطاع.
.1اإلشراف على عمليات إنتاج المعرفة اإلستراتيجية المطلوبة للتخطيط ،إعداد التحليل
اإلستراتيجي وتطويره سنويًا في القطاع.
.2اإلشراف على استيفاء إستراتيجية القطاع وخططها لمطلوبات تحقيق األمن القومي.
.3اإلشراف على عمليات التخطيط اإلستراتيجي للقطاع.
.4اإلشراف على عمليات إنتاج وتطوير مقترحات السياسات اإلستراتيجية المتعلقة
بالقطاع.
.5التعاون مع الجهات المعنية المنضوية تحت القطاع (وزارات ،مؤسسات) إلعداد الخطط
المرحلية.
.6اإلشراف على عمليات تطوير الخطط وإعادة التخطيط المتعلقة بالقطاع.
.7مراجعة الخطط السنوية والمرحلية والتأكد من أنها ال تتناقض مع اإلستراتيجية العامة
أو اإلستراتيجيات الفرعية للقطاع.
.8إدارة عمليات التنسيق بين أطراف العملية التخطيطية الخاصة بالقطاع (قومي واليات،
وزارات ووزارات ،حكومة قطاع خاص ،حكومة منظمات مجتمع).
.9يعمل بالتعاون مع مركز صناعة القرار بالمكتب التنفيذي لدعم القرار اإلستراتيجي في
الدولة في مجال القطاع.
.10رصد ودراسة أوضاع التوازن الدولي وتأثيرها على إستراتيجية القطاع.
.11رصد ودراسة السياسات واإلستراتيجيات األجنبية في المنطقة وما يطرأ عليها وتأثيرها
على إستراتيجية القطاع.
.12إعداد السيناريوهات المتعلقة بإستراتيجية القطاع واألوضاع المحتملة ووضع الخيارات
المناسبة لمتخذي القرار.
.13اقتراح السياسات والقرارات المطلوبة لمعالجة االنحرافات والعقبات والتعامل مع
المستجدات المتعلقة بتنفيذ إستراتيجية القطاع.
582
أمانة املتابعة والتقويم:
583
أمانة الشؤون العلمية:
املكتب التنفيذي:
584
.9اإلشراف على الخدمات ،الضيافة ،الصيانة ،الترحيل ،النظافة..
يتبع هذا المركز للمكتب التنفيذي ويعمل بالتعاون والتنسيق مع األمانات المختلفة ويتكون المركز
من قسمين هما:
.1مركز معلومات دعم القرار.
.2مركز إعداد القرار وهو مركز مقسم بعدد قوى الدولة الخمسة ،مقسمة بنفس تقسيم
اإلدارات في أمانة التخطيط.
.3مركز إنتاج المعرفة (.)Data Mining
أهداف املركز:
.1اإلشراف على عمليات دعم القرار اإلستراتيجي باألمانة العامة بالتنسيق والتعاون مع
األمانات األخرى.
.2رصد ودراسة أوضاع التوازن الدولي وتأثيرها على إستراتيجية القطاع.
.3رصد ودراسة السياسات واإلستراتيجيات األجنبية في المنطقة ذات الصلة بالقطاع وما يطرأ
عليها وتأثيرها على اإلستراتيجية القومية.
.4إعداد السيناريوهات المتعلقة بالقطاع لألوضاع المحتملة ووضع الخيارات المناسبة
لمتخذي القرار.
.5دعم القرارات اإلستراتيجية بالسند المعرفي.
.6اقتراح السياسات والقرارات المطلوبة لمعالجة االنحرافات والعقبات والتعامل مع
المستجدات المتعلقة بتنفيذ اإلستراتيجية.
.7إعداد الدراسات التي تساعد في التنبؤ باألزمات والكوارث ذات الصلة بالقطاع و تحديد طرق
التعامل معها.
لجان الخرباء:
585
.4يتم التواصل مع الخبراء عبر اإلدارة المعنية بمركز معلومات دعم القرار ومدهم بالكتب
والدوريات وملخصاتها ..إلخ بما يضمن توفر الخبرة السابقة وتزويدهم بالتطورات الالحقة.
.5يكون لكل قطاع رئيس ومقرر ولكل لجنة رئيس ومقرر كذلك
.6عند طلب الخبراء لدعم القرار يتم توفير المعلومات والمعرفة من المنتجة من مراكز
البحوث والتحليل اإلستراتيجي.
وهو عبارة عن وعاء يضمن توفر المعرفة المنتجة حول القضية المعينة بما يمكن من إنتاج المعرفة،
ويتلقى المعلومات والمعرفة من األمانات المختلفة بجانب المصادر األخرى ،وينقسم لقسمين:
وهو المركز الذي يتولى حفظ وتخزين المعرفة اإلستراتيجية ويتلقى المعلومات الحساسة ونتائج
البحوث والدراسات والتحليل اإلستراتيجي.
قسم املعلومات:
ويتم تنظيمه بما يمكن من إتمام عمليات التحليل والتخطيط والمتابعة والتقييم كما يلي.
يتم تفريغ المعلومات والبيانات وفق تصنيف يقوم على تقسيمها إلى قطاعات بعدد قوى الدولة
الشاملة (السياسية ،قطاع األمن والدفاع ،االقتصادية ،االجتماعية ،العلوم والتقانة ،اإلعالم والمعلومات).
.1عند النقر تظهر القطاعات ،عند اختيار القطاع المعين تظهر الملفات حول الوزارات
والقضايا والمؤسسات المختلفة ،وعند النقر على الملف المطلوب يظهر ما يلي:
.2قائمة بالبحوث والدراسات المباشرة حول الملف.
.3قائمة بالبحوث والدراسات ذات العالقة بالملف (غير المباشرة).
.4قائمة بالملخصات للدراسات أعاله.
.5موارد الدولة (الموارد البشرية ،الموارد المادية ،المزايا) ذات العالقة بالملف.
.6قائمة بمهددات األمن القومي المتعلقة بالملف.
.7قائمة بنقاط الضعف الوطنية واألوضاع المتعلقة بالملف.
.8الخطط اإلستراتيجية ذات العالقة بالملف.
586
.9خطط الدولة المرحلية ذات العالقة بالملف.
.10خطط الواليات ذات العالقة بالملف.
.11الخطط السنوية ذات العالقة بالملف.
.12سياسات الدولة ذات العالقة بالملف.
.2البحوث والدراسات:
.1عند النقر تظهر القطاعات (السياسية ،قطاع األمن والدفاع ،العالقات الدولية ،االقتصادية،
االجتماعية ،المعلومات واإلعالم ،العلمية ،التقنية).
.2عند اختيار القطاع المعين تظهر الملفات ،عند النقر على الملف المطلوب يظهر ما يلي:
قائمة بالبحوث والدراسات المباشرة حول اختصاص الملف. أ.
قائمة بالبحوث والدراسات ذات العالقة باختصاص الملف (غير المباشرة). ب.
.4خطط الدولة:
عند النقر يظهر ما يلي:
.1خطط اإلستراتيجية للدولة ،عند النقر تظهر المجاالت الستة لقوى الدولة ،عند النقر في
القطاع المعنى تظهر قائمة باإلستراتيجيات الفرعية للوزارات والمؤسسات التابعة لها.
.2الخطط المرحلية عند النقر تظهر المجاالت السبعة لقوى الدولة ،عند النقر في القطاع
587
المعنى تظهر قائمة بالخطط الفرعية.
.3خطط الواليات عند النقر تظهر الواليات /اإلقليم ،عند النقر في الوالية تظهر الخطط
حسب القطاعات عند النقر في القطاع المعنى تظهر قائمة بالخطط الفرعية والسنوية.
.4الخطط السنوية ذات العالقة بالملف عند النقر تظهر المجاالت السبعة لقوى الدولة ،عند
النقر في القطاع المعنى تظهر قائمة بالخطط الفرعية للوزارات والمؤسسات التابعة لها.
.5المشروعات اإلستراتيجية للدولة ،عند النقر تظهر قائمة بالمشروعات ،عند النقر على
المشروع المطلوب تظهر المعلومات حوله.
.5سياسات الدولة:
.1عند النقر تظهر المجاالت السبعة لقوى الدولة ،عند النقر في القطاع المعنى:
.2يظهر القائمة العامة للسياسات في القطاع المعني.
.3ويمكن أن تظهر قائمة الملفات ،عند النقر على الملف المعني تظهر السياسات الخاصة
بالملف.
.7مسوحات الدولة:
.1التعداد السكاني.
.2المسوحات حسب القطاعات وحسب الملفات (حكومية ،منظمات ،مراكز بحثية).
.8قوانين الدولة:
.1الدستور.
.2قوانين للدولة ،عند النقر تظهر المجاالت الستة لقوى الدولة ،عند النقر في القطاع
المعنى تظهر قائمة بالقوانين حسب مجاالت الملفات.
588
.3قوانين الواليات /اإلقليم.
.9الوزارات:
.1عند النقر تظهر قائمة بالوزارات.
.2عند النقر في الوزارة تظهر االختصاصات ،الهيكل اإلداري ،الكادر البشري ...عند النقر في
أي منها تظهر المعلومات المطلوبة.
.10المكتبة اإللكترونية:
.1الكتب.
.2الدوريات.
.3المكتبات اإللكترونية بالمراكز والجامعات.
.11األرشيف:
.1األرشيف المقروء.
.2األرشيف المرئي.
.3األرشيف المسموع.
589
األمانة العامة
أمني القطاع
االقتصادي
أمني قطاع
أمني القطاع
اإلعالم
السيايس
واملعلومات
أمني قطاع
أمني القطاع
العلوم
االجتامعي
والتقانة
األمني العام
أمني خرباء
املتابعة التخطيط
والتقييم اإلسرتاتيجي
590
أمانة املتابعة
والقياس والتقييم
591
شبكة التخطيط عىل مستوى القطاعات
إدارة التخطيط
اإلسرتاتيجي
بوزارة الزراعة
إدارة التخطيط
إدارة التخطيط
اإلسرتاتيجي
اإلسرتاتيجي
بوزارة
بوزارة الطاقة
االقتصاد
شبكة التخطيط
اإلسرتاتيجي
إدارة التخطيط
اإلسرتاتيجي
بوزارة الصناعة
592
التنسيق على المستوى العام
الــــقــــطــــاع
الـــقـــطـــاع الـــقـــطـــاع
االقتصادي
االجتامعي السيايس
عضوية األمانة
العامة
593
التنسيق على المستوى المتخصص اتحاديًا
املجلس العلمي
االتحادي للتعليم العام
رؤساء دوائر
التعليم
بالواليات
رؤساء دوائر
التعليم
بالواليات
رؤساء دوائر
التعليم
بالواليات
594
التنسيق على المستوى المتخصص والئيًا
رؤساء دوائر
التعليم
باملحافظات
رؤساء دوائر
التعليم
باملحافظات
رؤساء دوائر
التعليم
باملحافظات
مدير التخطيط
مقرر
بوزارة التعليم
املجلس
الوالئية
بالواليات
595
منهجية التخطيط:
.1التخطيط للتخطيط ،ويتعلق بوضع خطة العمل التي يتم من خاللها إعداد اإلستراتيجية.
.3االتفاق على التسلسل الزمني للتخطيط بحيث تبدأ القطاعات في التخطيط عدا المجاالت
التي يتوقف وضعها على تحديد المصالح الوطنية للدولة التي يتم إعدادها بواسطة بقية
القطاعات (كما هو محددة فيما بعد) ،إن عدم إتباع ذلك يعني إعداد خطط قومية غير
متكاملة مع بعضها البعض.
.5بعد إعداد إستراتيجيتي اإلعالم والعالقات الدولية ،يتم وضع آخر اإلستراتيجيات الفرعية
وهي إستراتيجية التعليم واإلنتاج العلمي والبنى التحتية التي تنطلق على خلفية
اإلستراتيجية القومية
.6إعداد المسوحات الميدانية في كافة المجاالت.
.7إعداد التحليل اإلستراتيجي المبدئي ،SIMPESTمن خالل القطاعات بمشاركة الوزارات
والدوائر العلمية بالقطاعات والمركز القومي للمعلومات ،وذلك تحت إشراف أمانة التخطيط
اإلستراتيجي .في هذه المرحلة يتم تحديد األوضاع السياسية واالقتصادية واالجتماعية
والعلمية والتقنية واإلعالمية والعسكرية ،يسبق هذه المرحلة ويتزامن معها تنظيم
ندوات ومؤتمرات وجلسات علمية ،ودراسة تجارب دول أخرى.
.8إجراء التحليل الجيوستراتيجي.
596
.9إجراء تحليل SWOTعلى ضوء تحليل .SIMPEST
.10في المرحلتين أعاله يتم العمل من خالل آلية القطاعات واألمانة العامة بتكوينها الذي
يشمل أمناء التخطيط بالواليات ،ومجالس الدوائر العلمية بتكوينها الذي يشمل الوزارات
الوالئية.
.11حساب القوى الشاملة للدولة.
.12إعداد الموجهات القومية العامة بمشاركة األمانة العامة للتخطيط اإلستراتيجي والتي يتم
من خاللها تحقيق التناسق القومي ومواجهة التحديات الدولية ،وذلك على ضوء الخطوات
السابقة.
.13إعداد التحليل اإلستراتيجي SIMPESTوالتحليل الجيوستراتيجي للواليات بمشاركة
الوزارات الوالئية ومجالس الدوائر العلمية بالقطاعات الوالئية ومركز المعلومات بالوالية،
وذلك تحت إشراف أمانة التخطيط اإلستراتيجي بالوالية ،في هذه المرحلة يتم تحديد
األوضاع السياسية واالقتصادية واالجتماعية والعلمية والتقنية واإلعالمية واألمنية
بالوالية ،يسبق هذه المرحلة ويتزامن معها تنظيم ندوات ومؤتمرات وجلسات علمية،
ودراسة تجارب دول أخرى.
.14إجراء تحليل SWOTبالواليات على ضوء تحليل .SIMPEST
.15وضع مؤشرات قياس الوضع الراهن في الواليات.
.16في المرحلتين أعاله يتم العمل من خالل آلية القطاعات وأمانة الوالية بتكوينها الذي
يشمل أمناء التخطيط بالمحليات ،ومجالس الدوائر العلمية بتكوينها الذي يشمل مدراء
الوزارات المختصة بالمحليات.
.17إعداد الموجهات الوالئية بمشاركة أمانة للتخطيط اإلستراتيجي بالوالية والتي يتم من
خاللها تحقيق التناسق داخل الوالية ومواجهة التحديات ،وذلك على ضوء الموجهات
القومية والخطوات السابقة.
.18تطوير التحليل اإلستراتيجي االتحادي في شكله النهائي وذلك على ضوء البيانات الواردة من
الواليات.
.19وضع مؤشرات قياس الوضع الراهن في المستوى االتحادي.
.20تقوم كل وزارة اتحادية باالستماع لرؤى الوزارات األخرى بالقطاع الذي تنتمي إليه ومنظمات
597
المجتمع ذات الصلة بها ،لمراعاتها عند التخطيط.
.21تقوم كل وزارة اتحادية باالستماع لرؤى الوزارات الوالئية من خالل مجلس الدائرة العلمية.
.22تقوم كل وزارة والئية باالستماع لرؤى الوزارات األخرى بالقطاع الذي تنتمي إليه ومنظمات
المجتمع ذات الصلة بها ،لمراعاتها عند التخطيط.
.23إعداد خطط الوزارات والوزارات الوالئية والمنظمات المختلفة وذلك في مرحلة القراءة األولى
والتي تراعي فيها نتائج التحليل اإلستراتيجي االتحادي والموجهات ونتائج حساب القوة
الشاملة ،ومن ثم يتم تبادل هذه الخطط المبدئية بين الوزارات داخل القطاع (قوميًا
ووالئيًا) ،على كل وزارة في هذه المرحلة تحديد ما ترغب في تحقيقه في المستقبل وأهم
عقباتها الداخلية والخارجية ،كما يجب أن تحدد المهام والواجبات أو العقبات التي تعترضها
من آخرين ،أي تلك التي يتوقف عليها عملها ويجب إنجازها من اآلخرين.
.24تبدأ هذه المرحلة بإعادة التخطيط من جديد بما يراعي مطلوبات اآلخرين ،فتحديد أهداف
إستراتيجية للزراعة في السوق العالمي قطعًا ستحتاج مواكبة من وزارة الصناعة في تحديد
أهداف إستراتيجية في مجال الصناعات الغذائية والدوائية الخ ،وهكذا وزارة الري في تحديد
أهداف للري أو حصاد المياه في مناطق معينة وهكذا الطرق والجسور .إلخ.
.25إعداد الخطة المبدئية للقطاعات وتحديد الغاية واألهداف اإلستراتيجية( .تتم هذه
العملية على المستوى القومي والوالئي).
.26يقوم كل قطاع قومي باالستماع لرؤى القطاعات القومية األخرى عبر األمانة العامة
للتخطيط اإلستراتيجي ،لمراعاتها عند التخطيط ويقوم كل قطاع في هذه المرحلة بتحديد
ما يرغب في تحقيقه في المستقبل وأهم عقباته الخارجية ،كما يجب أن يحدد المهام
والواجبات أو العقبات التي تعترضه من القطاعات األخرى ،أي تلك التي يتوقف عليها عملها
ويجب إنجازها من تلك القطاعات.
.27يقوم كل قطاع والئي باالستماع لرؤى القطاعات الوالئية األخرى ،لمراعاتها عند التخطيط
ويقوم كل قطاع في هذه المرحلة بتحديد ما يرغب في تحقيقه في المستقبل وأهم
عقباته الخارجية ،كما يجب أن يحدد المهام والواجبات أو العقبات التي تعترضه من
القطاعات األخرى ،أي تلك التي يتوقف عليها عملها ويجب إنجازها من تلك القطاعات.
.28إعداد خطط القطاعات الوالئية وإجازتها من القطاع.
.29إجازة خطة الوالية من مجلس الخبراء لضمان مزيد من التناسق والتكامل بين القطاعات،
598
ومن ثم رفعها للمركز لمراعاتها.
.30تبدأ هذه المرحلة بإعادة خطط القطاعات القومية للتخطيط من جديد بما يراعي مطلوبات
القطاعات األخرى وبما يراعي خطط قطاعات الواليات ،فتحديد غايات وأهداف إستراتيجية
اقتصادية في السوق العالمي قطعًا ستحتاج دعمًا من القطاع السياسي ومن العالقات
الدولية واإلعالم الخ ،فبروز توجهات للعالقات الدولية لتأسيس تحالفات معينة ال تتم من
فراغ ،وإفراز أهداف وسياسات للتعامل دوليًا بخصوص البيئة والغابات والمياه ،وهكذا
األوضاع في الواليات قد تتطلب تعديالت أو بلورة أهداف وتوجهات معينة.
.31إجازة خطط الواليات بواسطة مجالس التخطيط اإلستراتيجي بالواليات.
.32عمليات التخطيط المذكورة في البنود أعاله يجب أال تشمل إستراتيجية التخطيط العمراني
والبنى التحتية والعالقات الدولية واإلعالم والبحث العلمي والتقنية والتربية والتعليم
باعتبار أنها يجب أن تتم على خلفية الغايات واألهداف اإلستراتيجية التي يتم تحديدها
ونقاط الضعف والمهددات والقضايا اإلستراتيجية والتحديات التي يتم االتفاق عليها.
.33وضع إستراتيجية العالقات الدولية.
.34وضع إستراتيجية اإلعالم قوميًا ووالئيًا مع االستعانة بمجلس دائرة اإلعالم
.35وضع إستراتيجية اإلنتاج العلمي والتقنية على المستوى القومي بما يلبي حاجة المصالح
اإلستراتيجية المحددة.
.36وضع إستراتيجية الموارد البشرية على المستوى القومي بما يلبي حاجة المصالح
اإلستراتيجية المحددة.
.37وضع إستراتيجية اإلنتاج العلمي والتقنية على المستوى الوالئي بما يلبي حاجة المصالح
اإلستراتيجية الوالئية والقومية المحددة.
.38وضع إستراتيجية التربية والتعليم على المستوى الوالئي بما يلبي حاجة المصالح
اإلستراتيجية الوالئية والقومية المحددة.
.39وضع إستراتيجية التخطيط العمراني على المستوى القومي بما يجعله ملبيًا ومتناسقًا
ومتكاملًا مع متطلبات المصالح اإلستراتيجية المحددة.
.40وضع إستراتيجية التخطيط العمراني على المستوى الوالئي بما يجعله ملبيًا ومتناسقًا
ومتكاملًا مع متطلبات المصالح اإلستراتيجية الوالئية والقومية المحددة.
599
.41في المرحلة ( )38 ،32يتم االستعانة بمجالس الدوائر العلمية لتحقيق التناسق القومي
والتناسق الوالئي.
.42في كل مراحل التخطيط يتم وضع مؤشرات قياس األوضاع المستقبلية المحددة.
.43إجازة خطط القطاعات القومية بواسطة مجالس خبراء القطاعات.
.44تنسيق الخطط بواسطة األمانة العامة من خالل لجان الصياغة الوالئية والقومية.
.45إجازة الخطة القومية من مجلس الخبراء لضمان مزيد من التناسق والتكامل بين القطاعات.
.46انعقاد المجالس الوالئية للتخطيط إلجازة اإلستراتيجية.
.47إجازة الخطط الوالئية من البرلمان الوالئي لكل منها.
.48انعقاد المجلس القومي إلجازة اإلستراتيجية.
.49اإلجازة من البرلمان القومي.
.50ترتيب العالقة بين الجهاز السياسي والتشريعي والتنفيذي واإلستراتيجية قوميًا ووالئيًا
كما يلي:
أ .إعادة صياغة سياسات الدولة بما يحقق المصالح الوطنية اإلستراتيجية التي
أفرزتها اإلستراتيجية ويوفر لها األوضاع والظروف المطلوبة ويشمل ذلك إصدار
سياسات جديدة وتعديل سياسات حالية وإلغاء سياسات أخرى.
ب .إعادة صياغة تشريعات الدولة بما يحقق المصالح الوطنية اإلستراتيجية التي
أفرزتها اإلستراتيجية ويوفر لها األوضاع والظروف المطلوبة ،ويشمل ذلك إصدار
تشريعات جديدة وتعديل تشريعات حالية وإلغاء تشريعات أخرى.
ج .إعادة هيكلة الجهاز اإلداري للدولة بما يجعله مواكبًا لتطبيق اإلستراتيجية ومناسبًا
لها.
.51يجب اإلشارة هنا إلى أن خطة الدولة تجاز من على مستوى المجلس القومي للتخطيط
اإلستراتيجي بحكم تكوينه القومي ،ومن ثم إجازتها بواسطة البرلمان ،وال يجوز إخضاع
الرغبة القومية لموافقة مجلس الوزراء باعتبار أن تمثيله ال يشمل كل مكونات الدولة،
بينما يختلف األمر عند الخطة المرحلية فهي تجاز من مجلس الوزراء باعتبارها خطة حكومة
وليست خطة دولة كما تجاز من البرلمان.
.52نفس الوضع أعاله يتم في الواليات.
600
.53في ظل وجود أجهزة التخطيط على المستوى القومي الوالئي يتم تأمين اشتراك القاعدة
في التخطيط عالوة علي إيجاد آليات للمتابعة.
.54الغرض من القطاعات هو تيسير عملية التنسيق للمجال المعين من خالل التنسيق بين
دوائر القطاع ،ومن ثم يتم التنسيق اتحاديًا بسهولة من خالل التنسيق بين القطاعات.
.55التحليل اإلستراتيجي االتحادي في صورته المبدئية يسهم في بلورة األوضاع اإلقليمية
والدولية والتطورات العلمية وربطها باألوضاع المحلية.
.56التحليل اإلستراتيجي االتحادي النهائي يربط بين األوضاع المحلية نتيجة لبيانات التحليل
اإلستراتيجي الوالئي من جهة ،واألوضاع الدولية والتطورات العلمية من جهة أخرى ،وبالتالي
يشكل األرضية السليمة للتخطيط اإلستراتيجي.
.57يجب مالحظة أن آلية التخطيط هي القطاعات في كل األحوال سواء في الواليات أو المستوى
االتحادي ،هي التي تضمن التمثيل السياسي االتحادي والوالئي وتضمـن كذلك مشاركـة
الخبراء بجانب تمثيل الجهاز التنفيذي ،وهي الطريق لإلجماع على الخطة حتى تصبح خطة
دولة وليس حكومة ومن ثم بلورة المسار اإلستراتيجي للدولة.
من أهم مقومات النجاح اإلستراتيجي هو مدى قدرة الدولة على تطوير مركز قومي للمعلومات بأذرع في
األقاليم والوزارات ومنظمات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع ،على أن ينطلق في عمله من خالل منهجية
التخطيط اإلستراتيجي القومي ومتطلباته ،حتى تصبح المعلومة متاحة بالكيفية المطلوبة .ويمكن
للفائدة ذكر أهم وسائل جمع المعلومات للتخطيط اإلستراتيجي:
▪ البحوث والدراسات بمؤسسات التعليم ومراكز البحوث الوطنية واألجنبية.
▪ الكتب والمراجع ،الدوريات ويتم من خاللها رصد المعلومات األساسية.
▪ اإلنترنت ،وهي وسيلة جمع بيانات ومعلومات.
▪ االستبيانات ،ويتم من خاللها جمع البيانات والمعلومات وغالبًا ما تتم بعد المرحلتين أعاله
والتحليل المبدئي حيث تظهر الحاجة إلى معلومات معينة مثل اتجاهات األذواق أو تحديد
وسائل االتصال المناسبة الخ.
▪ دراسات قياس الرأي ومصادر جمع المعلومات األساسية.
▪ أجهزة االستشعار عن بعد.
601
▪ استكتاب المتخصصين ،حيث يتم تحديد موضوع محدد ويطلب من الخبير المختص إبداء
رؤيته العلمية فيه ،ويكون هذا األسلوب مجديًا في حاالت الحاجة إلى توفير معلومات
متخصصة ورؤية تحليلية في موضوع واحد متخصص.
▪ الندوات ،المؤتمرات وجلسات التشاور ،حيث تقوم آلية التخطيط قوميًا ووالئيًا وفي الوزارة
الخ ،بتحديد الموضوعات المتعددة ذات الصلة بالوزارة أو المنظمة الخ ،ومن ثم يتم
استخالص المعلومات والخبرات من الخبراء والمتخصصين ..وقد يفضي النقاش إلى تحديد
موضوعات أخرى .وغالبًا ما تستخدم هذه الوسيلة في التحليل الذي يفضي إلى تكوين أفكار
ورؤى معينة.
▪ اللقاءات الجماعية بين خبراء الدوائر المختلفة ،وهو يساعد في تشكيل
▪ العقل الجماعي الذي يقود لخطط متناسقة متكاملة.
▪ برامج التحليل اإلحصائي ،وهناك برامج الحاسب اآللي التي تعين في مجاالت التحليل البيئي.
▪ برامج الـ (.)Data Mining
▪ تقارير األداء في الدولة.
▪ السياسات العامة والموجهات.
▪ االتفاقيات والمعاهدات
602
التخطيط اإلسرتاتيجي وإدارة الوقت:
كما سبق وذكرنا فإن التخطيط اإلستراتيجي يفرز عشرات األهداف اإلستراتيجية التي قد يتطلب
تحقيقها العشرات أو المئات من األهداف المتوسطة والقصيرة والعشرات من الوسائل والسياسات
والقوانين ،كل ذلك النشاط موضوع بحيث يتم التناسق والتكامل بين مجموعة أهداف وسياسات ووسائل
لتحقيق أهداف معينة ،وهكذا مجموعة األهداف المحققة تتكامل لتحقيق أهداف أخرى ،وهكذا نجد أن
تحقيق أي عمل سيكون متوقفًا على أنشطة سابقة أو موازية ،لذا فإن عدم إدراك قيمة الوقت وااللتزام
بالتنفيذ وفق الزمن المحدد سيؤدي إلى إرباك الخطة برمتها ،هذا الوضع قاد إلى أهمية اآلتي عند وضع
الخطة اإلستراتيجية:
.1بعد تحديد الهدف بوضوح ،يجب على المخطط بالتشاور مع الجهات المختصة تحديد
الزمن المطلوب فيه إنجاز ذلك الهدف ،بحيث يعرف كل شخص في المنظمة ما هو مطلوب
منه بدقة ومتى يجب أن ينجزه.
.2أن يتم توفير الرؤية الشاملة للخطة اإلستراتيجية للقيادات العليا.
.3أن يتم توفير الرؤية المتخصصة لموظفي القسم أو اإلدارة المعينة حول الهدف الفرعي
المطلوب منهم إنجازه مع توضيح أي معلومات حول ارتباط ذلك الهدف بأهداف أخرى يتم
تحقيقها بواسطة آخرين { وهي تتعلق بالرؤية حول هدف محدد مطلوب إنجازه بواسطة
ذلك القسم}.
.4تنظيم دورات تدريبية حول إدارة الوقت لمنسوبي الدولة أو المنظمة بما يضمن احترام
قيمة الوقت ،على أن يصحب ذلك سياسات تحفز على االلتزام بالوقت ،وكذا سياسات
عقابية رادعة لحاالت عدم االلتزام بالوقت.
.5أما على المستوى اإلستراتيجي بعيد المدى فإن احترام الوقت والعمل وإتقانه ،يجب أن
تكون ضمن أهداف إستراتيجية التعليم.
603
ثقافة اإلدارة اإلسرتاتيجية:
تحدثنا في هذا الكتاب عن أهمية التخطيط اإلستراتيجي وذكرنا أنه بات يشكل سالح العصر ،كما
تحدثنا عن كيفية إعداد الخطة اإلستراتيجية وكيف يتم تحقيق التكامل في التخطيط وكيف نصمم
المسار اإلستراتيجي ،وتحدثنا عن آليات التخطيط على كافة المستويات.
ولكن مع ذلك يظل نجاح التخطيط اإلستراتيجي رهينًا باستيفاء عددٍ من الشروط ،من أهمها توفير
القيادات اإلستراتيجية ونشر الفكر اإلستراتيجي وثقافة اإلدارة اإلستراتيجية ،حيث نجد أن معظم دول
العالم النامي تفتقر للخبراء اإلستراتيجيين ذوي التفكير اإلستراتيجي بعيد المدى ،لذا غالبًا ما نجد أن
التخطيط بتلك الدول يتم بواسطة خبراء التخطيط القصير ،وهذا ما يفرز في معظم األحوال أهدافًا
متواضعة ،وال يقود إلى القراءة الصحيحة العميقة للبيئة المحلية والدولية ،وبالتالي يفرز تفاعلًا ضعيفًا
مع تلك البيئة.
وإذا استطاعت الدولة توفير قيادات إستراتيجية فإنها في كثير من األحيان تواجه المشاكل والعقبات
من القيادات الحزبية أو القبلية أو قيادات المجتمع ،التي قد يكون بعض منها يفتقر إلى قدرات التفكير
اإلستراتيجي أو الثقافة اإلستراتيجية.
وتشير تجارب بعض الدول في فترة الخمسينيات والستينيات في بعض الدول إلى حتمية اإللمام بقدر
معين من علوم اإلدارة كشرط لتولي بعض الوظائف العامة ،وإذا كان ذلك في الخمسينيات فإن تحديات
العصر الراهن تحتم أهمية اإللمام بقدر من علم اإلدارة اإلستراتيجية وثقافة اإلدارة اإلستراتيجية للقيادات
في الدولة والمجتمع ،بل أن التمعن في خطورة وأهمية التخطيط اإلستراتيجي ،تجعل من المهم التفكير
في صياغة مشروعات القوانين المختلفة بما يفرض اإللمام بقدر من علم اإلدارة اإلستراتيجية في
التخصص المعين لمن يود أن يتولى منصب أو وظيفة معينة ،حيث إن صراع المصالح الدولية هو صراع
بين خبراء متخصصين ،فإذا كان الخبراء ببعض الدول النامية غير مؤهلين {ونعني هنا الجانب
اإلستراتيجي} ،فإن ذلك يشكل نقطة ضعف أساسية لتلك الدول في حوارها إلدارة مصالحها.
وبما أن المؤسسات السياسية تشكل جزءًا مهما من آليات حوار المصالح الوطنية ،فإن ضعف التفكير
اإلستراتيجي للقيادات الحزبية يمثل أيضًا نقطة ضعف للدولة في حوار المصالح الدولية.
ولعل بعض التجارب السياسية في بعض الدول المتقدمة تشير إلى أن الهيكل اإلداري للحزب السياسي
في مستوى الخبراء يشترط لشاغلها أن يكون ملمًا بقدر معين من التخصص المطلوب ،وفي ذلك نوع من
ضمان القدرات التفاوضية الوطنية والحزبية.
اإلستراتيجية هي التي يتم من خاللها تشكيل مستقبل الدولة ،وبدونها يتهدد ويتعطل ذلك
604
المستقبل ،وواقع العديد من الدول النامية الغنية بالموارد والمزايا ،يشير إلى الضرر الكبير الذي تسبب
فيه غياب اإلستراتيجية ،فهناك دول ال زالت ترزح تحت الفقر والمعاناة والهوان ،وهناك دول أصبحت قوى
عظمى وحققت الرفاهية لشعوبها رغم عدم امتالكها لموارد ومزايا كتلك التي تملكها الدول النامية ،مثل
اليابان وكوريا الجنوبية.
أليس من حق أي مواطن أن يتساءل لماذا يكون هو متخلفًا رغم مزاياه وموارده الطبيعية ،واآلخرون
في عالم آخر من النعيم ؟
ما هو مصير تلك األجيال التي عاشت وماتت وهي محرومة من العالج والتعليم والرفاه ؟
هل يستطيع قادة معظم الدول النامية والسياسيين أن يجيبوا على مثل هذه االسئلة ،والمواطن يرى
بعينيه أن الصراع يتم في كثير من األحوال حول السلطة والمكاسب الشخصية وغيرها من البنود
الصغيرة ..جميعها تعكس ضعف الهم الوطني ،هذه التساؤالت تقودنا إلى أهمية ثقافة اإلستراتيجية
التي أول ما تشكله هو أن عدم وجود السلوك اإلستراتيجي هو أكبر مهدد لمستقبل الدول ،وطالما أن األمر
كذلك ،أال ينبغي االهتمام بثقافة اإلستراتيجية ووضعها في مقامها الذي يتناسب وأهميتها وخطورتها
بمعنى ربطها بالمصالح الوطنية واألمن الوطني.
إن اإلستراتيجية الوطنية بشكل عام ترتبط بالدولة وليس باألفراد وال باألحزاب ،بمعنى أن الغايات
التي تسعى اإلستراتيجية لتحقيقها هي غايات وطنية يلتزم ويؤمن بها الجميع وكذا األهداف
اإلستراتيجية ونقاط الضعف والمهددات والقضايا اإلستراتيجية الوطنية ،وهناك قيم ومرتكزات ترتبط
باإلستراتيجية فتصبح قيم إستراتيجية مثل العدل والمساواة ،وهناك مرتكزات إستراتيجية تشمل كافة
التفصيالت الواردة في المفاهيم المتخصصة لإلستراتيجية التي وردت في هذا الكتاب،
مثال لذلك سيادة النظام والقانون ،خدمة مدنية تقوم على العلم والقانون ،تحقيق المزايا النسبية
العالمية لإلنتاج الوطني ،تنويع مصادر الدخل وتأمين الطاقة اآلمنة الرخيصة ،المحافظة على البيئة...
الخ ،وهكذا فإن ثقافة اإلستراتيجية ال تسمح بتداول هذه الغايات واألهداف ونقاط الضعف والمهددات
والقيم والمرتكزات اإلستراتيجية ،كشأن يتصرف فيه الفرد أو الحزب يلتزم بها أو ال يلتزم ،حسب مزاجه أو
رؤيته الشخصية ،فالبنود اإلستراتيجية هي شأن دولة وليس أفراد أو حزب ،وبالتالي فهي ال تستخدم في
االنتخابات وال في عمليات إدارة التنافس الحزبي ،فطالما هي بنود وطنية فهذا يعني التزام الجميع بها
فال مجال ألحد أن يخرج عن قيمة العدل وال سيادة القانون وال السعي لتحقيق المزايا النسبية ..الخ ،إذا
تولى مقاليد الحكم.
إن معظم الدول النامية تضيع وقتًا ثمينًا في التداول والصراع حول مثل هذه البنود ،والوضع الطبيعي
هو االتفاق حولها وااللتزام بها من الجميع ،ولتتم إدارة التنافس الحزبي من خالل بنود أخرى غيرها كما
605
هو الحال في الدول المتقدمة.
اإلستراتيجية تعني صناعة المستقبل وتطبيقها يتطلب سيادة النظام والقانون ،وهذا بدوره يتطلب
رقي ثقافة ووعي السياسيين والموظفين الحكوميين بجانب الوعي العام ،إن إدراك السياسي والموظف
الحكومي بأن خروجه عن النظام وإن كان بحسن نية لصالح مستثمر أجنبي {على سبيل المثال} يهدد
اإلستراتيجية من المنظور اإلستراتيجي ،ألن هذا التصرف والخروج عن النظام سيزرع الشك في ذلك
المستثمر ،وهذا شيء طبيعي ألن أي حكومة قادمة أو أي موظف آخر قد يلغي ذلك التمييز الذي منح له،
وعندها سيكون قد أنفق ماله ووقته ويصبح رهينة لرغبات الموظفين والسياسيين ،وهذا وضع ال
يستقيم مع مناخ تطبيق اإلستراتيجية ،وهناك الفساد الذي يضر بالدولة ضررًا بليغًا ،فطلب رشوة بمبلغ
ألف دوالر كتسهيل ألحد الموظفين قد يحرم الدولة من مشروع كان يمكن أن يوفر لها ألف وظيفة وعدة
ماليين من الدوالرات كرسوم وضرائب ،وهكذا يمكن تخيل أثر فساد مئات السياسيين والموظفين في
تعطيل مستقبل الدولة ،إن هذا يعبر عن سيادة نظام األفراد وعدم سيادة نظام الدولة ،وال سبيل
لتحقيق مصالح الدولة دون سيادة لنظامها ،إننا يجب أن ننظر لهذا السلوك ليس كجريمة سرقة بل كجريمة
تهدد األمن الوطني وتعطل المصالح الوطنية ،بهذه القوة يتم تطبيق اإلستراتيجية وهو ما يعبر عن
جنب من جوانب ثقافة اإلستراتيجية.
من األمثلة المهمة لسيادة القانون هو عدم االطمئنان لتطبيق القانون ،وإذا تم الحكم لصالح شخص
ما ضد الحكومة أو السياسي أو الوزير أو الموظف المعين ،فإن واقع كثير من الدول النامية يشير إلى إرث
ضخم في كيفية معاكسة ذلك الشخص ،فالوضع في هذه الحالة يكون تحت سيطرة الشهوة والنزعة
الشخصية التي ترغب في االنتقام ،ليس هذا فحسب بل كثيرًا ما نالحظ أن حقد يكنه احد السياسيين أو
الموظفين لزميل آخر ،يجعله يتصرف بطريقة تضر بالوطن ،مثل أن يحجب عنه خبراته أو معلومات مهمة
للعمل الرسمي ،أو السعي لتشويه سمعته وزحزحته عن الوظيفة ،وكل ذلك يمثل سلوكيات سلبية ال
تتناسب مع اإلستراتيجية.
إن ثقافة اإلستراتيجية تعني عدم تضرر الدولة من أي سلوك سواء فردي من أحد المواطنين أو من
حزب معارض ،فكثيرًا ما يتم استغالل مواطن بواسطة دولة أجنبية ضد بلده ،وينجح ذلك في الغالب
لعدد من األسباب من أهمها ضعف ثقافة اإلستراتيجية ،ينطبق نفس الوضع في حالة األحزاب حيث يؤدي
ضعف ثقافة اإلستراتيجية إلى تضرر الدولة من أحزابها أكثر من تضررها من القوى األجنبية.
إن ثقافة اإلستراتيجية تعني كذلك عدم التهاون في قيمة الوقت والعمل وعدم التهاون مع أي شخص
أو مسؤول فيما يتصل بالمسائل اإلستراتيجية ،إن ثقافة اإلستراتيجية تعني التعامل مع سلوك الموظف
{امشي وتعال بكرة} كجريمة تهدد المصالح الوطنية وليس كمخالفة يتم التسامح فيها .وهكذا يمكن
606
رصد المئات من األمثلة التي تحدث يوميًا.
لكن مع ذلك يجب اإلشارة إلى أن ثقافة اإلستراتيجية هي ثقافة عامة يتسم بها القائد والعالم
والموظف واألستاذ والمواطن ..الخ ،لكن هناك أولويات في تطبيقها تقوم على أن ثقافة اإلستراتيجية ال
يتم االلتزام بها في القواعد بالشكل المطلوب إذا لم تلتزم بها القيادة السياسية ،وهو ما يشير ألهمية
االتفاق الوطني حول اإلستراتيجية أي خطة الوطن وليس الحكومة ،وما يتطلبه ذلك من مشاركة الجميع
فيها حكمًا ومعارضة ،ثم شيوع ثقافة اإلستراتيجية في المستوى القيادي الذي يعني سيادة القانون
والنظام وإرساء العدالة وعدم التمييز وعدم المحسوبية والعمل لصالح الوطن .إلخ ،ثم يأتي التزام القيادة
التنفيذية والجهاز الحكومي ،وسيكون كل ذك سببًا لنجاح شيوع ثقافة اإلستراتيجية بين المواطنين.
السرد أعاله يقود إلى أهمية الحديث عن أهمية الموازنة بين السلطة الشعبية والعلمية ،حيث أن
التمثيل النيابي وحده ال يكفي إلدارة عمليات التخطيط للدولة إن لم يكن مصحوبًا بالجوانب العلمية ،وقد
تحدثنا في هذا الكتاب عن مواصفات الحزب السياسي في القرن الحادي والعشرين وذكرنا أن القدرة على
بلورة فكر إستراتيجي في كافة الجوانب السياسية واالقتصادية واالجتماعية ،والقدرة على التنفيذ
اإلستراتيجي ،هي من أهم ما يجب أن يوفره ذلك الحزب إن كان يود قيادة الدولة في خضم التحديات
المحلية والدولية.
وأن الخلل في معادلة الصراع بين الدول النامية والكبرى يعود بالقدر األكبر إلى مستوى األداء السياسي
والحزبي ،حيث قاد هذا الوضع إلى تخلف العديد من الدول النامية.
وحتى ال يستمر هذا الوضع المختل ،فإن تصحيح المسار يعتمد في هذه المرحلة على الموازنة بين
السلطة السياسية والعلمية.
وحتى يكون الحديث مخصصًا في الجانب اإلستراتيجي ،فإننا نعني هنا علم اإلدارة اإلستراتيجية الذي
اصبح علمًا من العلوم البالغة األهمية في تقدم الدول ،ويعود ذلك من كونه يسهم بشكل أساس في
تأهيل الدولة ومنظماتها حتى تطلع بمهامها في إدارة صراع المصالح وإدارة الشراكة الوطنية والعالمية،
ويقود نحو بلورة التوجه والمسار اإلستراتيجي للدولة.
إن نجاح وسائل التدخل الدولي واالستعمار بشكله الجديد تقوم بشكل أساس على ضعف الوعي
اإلستراتيجي ،وهذا يعني أن ضعف الثقافة اإلستراتيجية بالدولة تشكل ثغرة لنفاذ األجندة األجنبية،
ولعل الواقع في بعض الدول النامية يشير إلى الكم الهائل من التدخالت األجنبية التي حدثت نتيجة
لضعف البنية الوطنية الداخلية الناجم عن ضعف ثقافة اإلدارة اإلستراتيجية.
607
عليه فإن المؤلف يرى أن التخطيط اإلستراتيجي ألي دولة ينبغي أن يسعى في مراحله األولى إلى إحداث
تغييرات أساسية مهمة لنجاح التخطيط اإلستراتيجي ،يتجسد أهمها في تحقيق اآلتي:
.1االهتمام بالبناء الفكري في مجال اإلستراتيجية في تخصصاتها المختلفة.
.2نشر ثقافة خطة الوطن التي يشترك الجميع في الحكم والمعارضة في وضعها
وتحقيقها.
.3نشر ثقافة جديدة تقوم على ربط الخروج عن اإلستراتيجية القومية وما يتصل بها من
نظام وسياسات ومستوى سلوك ..الخ ،بتهديد األمن القومي.
.4تأهيل قيادات إستراتيجية للدولة والمنظمات في كافة التخصصات.
.5نشر ثقافة اإلدارة اإلستراتيجية وسط القيادات الحزبية والقبلية والمجتمعية.
.6صياغة تشريعات تحدد مواصفات وشروط القيادي السياسي سواء كان نائبًا برلمانيًا أو
وزيرًا أو محافظًا حاكمًا أو حتى قائدًا للدولة ،سواء من خالل قانون االنتخابات أو قانون
األحزاب أو القوانين واللوائح المتعلقة بتعيين الدستوريين ،تتضمن اإللمام بالفكر
اإلستراتيجي القومي واألمن القومي وإدارة الوقت والجودة الخ ،ويمكن تأسيس معهد قومي
يتبع لرئاسة الدولة لتدريب القيادات لتنفيذ ذلك.
.7أن يتضمن قرار التعيين في الوظائف الدستورية االلتزام باإلستراتيجية القومية وأن
يتضمن قسم الدستوريين ذات االلتزام.
.8وضع سياسات ولوائح تضمن تحديد شروط معينة لقيادة الخدمة المدنية وتحديد دورات
حتمية في مجاالت التخطيط اإلستراتيجي واألمن القومي .إلخ ،كشرط للترقي نحو الدرجات
القيادية.
.9تدريس مواد التخطيط اإلستراتيجي القومي بتخصصاته المختلفة ،ضمن مقررات
الجامعات في مستوى البكالوريوس والدراسات العليا.
.10المجاملة في العمل خلل أساسي يجب التخلص منه.
608
الفصل الثاين
609
التخطيط اإلسرتاتيجي عىل املستوى القومي
إن استعراض الحاالت العملية يسهم في توضيح الشرح وبلورة الفكر حول علم التخطيط اإلستراتيجي،
عليه فقد رأينا استعراض الخطوات العملية للتخطيط اإلستراتيجي وما قد يرتبط بها من معلومات مهمة.
سنقدم في هذا الفصل نموذجًا للتخطيط اإلستراتيجي في المستوى القومي عبر نموذج للتخطيط
اإلستراتيجي في مجال الزراعة ،وستكون الدولة االفتراضية في هذه الحالة هي جمهورية السودان.
تحليل البيئة:
يبدأ التحليل اإلستراتيجي من خالل أسلوب ،SIMPESTومن خالله يتم تحديد األوضاع الراهنة محليًا
في ظل األوضاع اإلقليمية والدولية {أوضاع عناصر القوة الشاملة للدولة}.
التحليل الجيوسرتاتيجي:
وهو من أهم أنواع التحليل اإلستراتيجي التي ال غنى للمخطط اإلستراتيجي عنها ،ولعل عدم اهتمام
بعض الدول بهذا التحليل كان له دور في العقود الماضية من عدم استقرار وانفالت أمني وتذمر.
على خلفية التحليلين أعاله تتم عمليات التحليل عبر األسلوب اآلخر ،SWOTحيث يتم تبويب
األوضاع في شكل نقاط ضعف وقوة ومهددات وفرص.
إعداد التحليل بهذا التسلسل والكيفية يعطي نتائج أعمق تساعد في بلورة أهداف إستراتيجية
دقيقة وعميقة.
باستخدام وسائل جمع المعلومات والتحليل ،تبدأ الخطوة األولى بدراسة البيئة الخارجية في ضوء
المعلومات األولية عن بيانات تحليل البيئة الداخلية ،حيث يسعى التحليل المبدئي إلى تحليل نقاط القوة
التي يمكن االعتماد عليها في تحقيق الفرص ومعرفة ما قد يواجه تلك الفرص من مهددات ،ومن ثم تتم
العودة مرة أخرى إلى البيئة الداخلية لتحليلها بغرض معرفة نقاط الضعف التي قد تعترض االستفادة
من تلك الفرص المتاحة ،ويمكن أن يكون التحليل أكثر تفصيلًا بحيث يحدد نقاط ضعف المنافسين أو
الخصوم ،ونقاط القوة الممكن تحقيقها في البيئة الخارجية والفرص الممكن صناعتها بجانب الفرص
المتاحة .وسيتم التركيز على البيئة العربية كنموذج لتحليل البيئة.
610
بيانات التحليل:
أوالً :السكان:
يقدر إجمالي عدد سكان العالم العربي في عام 2000م بنحو 295مليون نسمة ،ويبلغ معدل نموه 2.3
،%وهو من بين أعلى المعدالت في العالم ،ويبلغ معدل الخصوبة ،%4.4ونسـبة اإلعالة .% 7.7
األراضي:
تبلغ المساحة اإلجمالية للدول العربية حوالي 1402مليون هكتار ،وال تتجاوز األراضي القابلة للزراعة
حوالي 197مليون هكتار أي نحو %14.1من المساحة الكلية للدول العربية.
الموارد المائية:
تُعد المنطقة العربية من أفقر مناطق العالم في الموارد المائية ،حيث يقع حوالي %80من أراضى
الدول العربية في المناطق المناخية الجافة وشبه الجافة ،ويمثل العالم العربي حوالي %10.2من مساحة
العالم ،ونحو %5من سكانه ،إال أن موارده المائية تمثل ما يقرب من %0.5فقط من المياه العالمية
المتجددة ،وال يتعدى نصيب الفرد العربي حاليًا من الموارد المائية المتاحة حوالي 1.000متر مكعب في
السنة بالمقارنة مع حوالي 7.000متر مكعب في السنة للفرد على نطاق العالم ككل ،و 5.600متر مكعب
في آسيا ،و 3.200متر مكعب في إفريقيا ،وتشير الدالئل إلى ظهور مالمح مشكلة العجز المائي في بعض
الدول العربية ،وأنها سوف تظهر في بقية الدول العربية علي فترات متقاربة ما لم توضع سياسات وتتخذ
ترتيبات وتنجز تطبيقات تعمل علي تغيير الوضع القائم.
من المتوقع في ضوء المعطيات القائمة أن ينخفض معدل نصيب الفرد إلى 460مترًا مكعبًا في السنة
في عام 2025م ،وأن تصبح 13دولة عربية تحت خط الفقر المائي ،كل ذلك في ظل التهديد بتناقص
كميات المياه التي ترد إلى المنطقة العربية من الخارج ،وتشمل المياه الواردة عبر نهر النيل ونهري دجلة
والفرات.
تُعـد األمطار هي المصدر الرئيس للمياه السطحية والجوفية في العالم العربي بما فيها المياه
المشتركة ،ويقدر إجمالي حجم الهطول المطري الذي يتساقط علي األراضي العربية بحوالي 2282مليار متر
مكعب في السنة ،يبلغ نصيب السـودان منفردًا حوالي %50منها ،وأن األمطار في العالم العربي تتسم
بالتذبذب الشديد في معدالت الهطول ،ويترتب علي ذلك موجات جفاف وتقلبات في إنتاج الغذاء.
تقدر جملة االستخدامات المائية في الزراعة العربية بحوالي 166.5مليار متر مكعب حسب بيانات العام
611
2001م ،منها حوالي 157مليار متر مكعب في السنة في الري السطحي ،وتبلغ كفاءة هذا النظام حوالي %38
بفاقد مائي يقدر بحوالي 91مليار متر مكعب.
التحليل الجيوسرتاتيجي:
إن القطاع الغالب في السودان هو الرعي والزراعة الذي تتعدى فيه نسبة الرعاة والزراع %70من إجمالي
السكان ،ويأتي ذلك في إطار توفر أراض زراعية خصبة تعتمد على األمطار.
على الرغم من ضخامة هذه الموارد والنسبة الكبيرة من السكان التي تعتمد عليها إال ان االهتمام بها
خالل العقود الماضية كان ضعيفًا الشيء الذي كان له دور كبير في عدم االستقرار.
عدم وجود أهداف إستراتيجية لحصاد المياه في بعض المناطق ذات الموارد الهائلة من مياه األمطار
كمناطق غرب السودان.
مالحظة:
عند رصد هذه المعلومة حول الغابات يجب إدراك تبعات هذا الوضع ،مثال لذلك توضيح خطورة
الغابات من حيث أثرها المباشر على المناخ واألمطار ،فقد أثبتت الدراسات واألبحاث العلمية أن مناطق
الغابات تنخفض فيها درجات الحرارة باثنتي عشرة درجة عن مناطق الصحراء المكشوفة ،كما تزيد األمطار
في مناطق الغابات بنسبة %30عن المناطق المكشوفة ،عالوة على كونها تساعد في حفظ مياه الري
والتربة.
وقد أوضح البروفسور ستيفن عميد كرسي الغابات في عام 1974م ،أن السودان سيواجه في المستقبل
ظروف األمطار المتقطعة ،وقد حدث ذلك بالفعل ،ولن تعود إلى طبيعتها إال بعودة الغطاء النباتي كما
كان في وضعه السابق.
بموجب هذا الوضع سيكون لزامًا على المخطط النظر إلى عالج هذا الموضوع باعتباره يشكل أحد
التحديات التي ينبغي أن ينظر فيها كشأن إستراتيجي.
612
نوع الري عدد السكان مساحة األرايض الزراعية
التمويل
اإلنتاج يف العام
تحليل هذه البيانات بغرض معالجة األوضاع الجيوستراتيجية ،حتى يتم بلورة أهداف إستراتيجية
تراعي التوزيع الجغرافي للسكان ومساحات األراضي الزراعية ،حتى يتم تحقيق فرص عمل ودخل
للمواطنين بتلك المناطق ومن ثم تحقيق أوضاع أمنية مستقرة.
قد يتضمن التحليل الجيوستراتيجي معلومات عن طول الحدود مع الدول األخرى التي تصعب مراقبتها،
هذا الوضع قد يقتضي وضع أهداف إلقامة قرى حدودية ومشاريع زراعية وصناعية ،باعتبار أن وجود
أراضٍ خصبة غير مستغلة في ظل وجود حاجة لآلخرين في الدول المجاورة قد يقود لخلق مشاكل ،لذا يتم
منعها مسبقًا بمثل هذه الترتيبات فضلًا عن كونها تؤدي أغراضًا أمنية وتخلق فرص عمل للمواطنين
وتمكن من استغالل الموارد الطبيعية المتاحة.
.4نسبة التمويل واألراضي والمشروعات الزراعية وفرص العمل بالواليات.
الوالية أ
الوالية ب
الوالية ج
الوالية د
تحليل هذه البيانات وغيرها مما يمكن إضافتها ،توضح مدى وجود توازن في التنمية بين الواليات،
حتى يتم استغالل الموارد الطبيعية للدولة في ظل تنمية متوازنة ،وهكذا يتم وضع أهداف إستراتيجية
تحقق التوازن بين الواليات المختلفة بما يمنع مسبقًا حدوث أي أحقاد وغبن لعدم المساواة والعدل
تنعكس إلى تهديد أمني.
613
.5وضع البنى التحتية الزراعية.
.6وضع المزايا التنافسية ،عناصر اإلنتاج {مدخالت اإلنتاج كالتقاوي والسماد و الكهرباء
والرسوم الحكومية ..الخ .تحليل هذه البيانات لتوضيح أسباب ارتفاع التكلفة ،فقد
تكون المشكلة في ارتفاع تكلفة الكهرباء ،فيتم حل هذه المشكلة من خالل الخطة
اإلستراتيجية برفعها للقطاع االقتصادي ،بل إن هذه المشكلة في ظل بيانات أخرى من
تحليل البيئة الخارجية مثل تقييد دخول واردات زراعية للسوق العالمي يتم إنتاجها
بكهرباء غير صديقة للبيئة ،يقود لبلورة أهداف إستراتيجية محددة تراعي الوضع
الداخلي والخارجي.
.7أوضاع الموارد البشرية في الزراعة والري من حيث العدد والتوزيع الجغرافي والمؤهالت
والخبرات ،هذه البيانات تساعد في تحديد إستراتيجيات التعليم والتدريب والتعاون
الفني الدولي واإلقليمي الخ.
.8أوضاع السياسات الزراعية والمالية والنقدية والتشريعات ذات الصلة بالزراعة وتحديد ما
إذا كانت تشكل عقبة حتى يتم وضعها في االعتبار عند التخطيط.
.9أوضاع التمويل ،من حيث المبالغ المتاحة ،نسبة التمويل الموجه لكل صنف ،نسبة
التمويل الموجه للزراعة المروية والنسبة الموجهة للزراعة المطرية ،مثال لذلك الحظنا
في إحدى الدول الزراعية أن نسبة تمويل الزراعة المروية يساوي في المتوسط في الفترة
من السبعينيات حتى التسعينيات % 90بينما سكان األراضي المروية يساوي % 15من
جملة السكان ،وأن متوسط التمويل للزراعة المطرية لذات الفترة يساوي % 10على الرغم
من أن سكان مناطق الزراعة المطرية يمثلون 80من جملة السكان ،هذا الوضع ساهم
في تدهور الريف وبروز األحقاد والغبن وزيادة معدالت الهجرة إلى المدن ،وتدهور األمن
واالستقرار بتلك الدولة.
.10أوضاع القطاع الخاص.
.11أوضاع المشروعات الزراعية.
.12معدالت اإلنتاج واإلنتاجية.
.13معدالت استهالك المياه.
614
نقاط القوة:
بيانات السودان:
وهي بيانات تجسد بعض نقاط القوة التي يمكن أن يضاف لها الموقع اإلستراتيجي بين العالم العربي
والقارة اإلفريقية فضلًا عن قربه من األسواق العربية ،وتوفر موارد بشرية.
األراضي الزراعية:
يمتلك السودان أراضٍ زراعية خصبة تبلغ حوالي 240مليون فدان ،يستغل منها حاليًا ما ال يزيد عن
40مليون فدان ،ال زال يزرع معظمها بالوسائل التقليدية وينجم عنها إنتاج ضعيف مقارنة بالدول التي
تستخدم التقانة والوسائل الحديثة في الزراعة والري ،والتي تصل إلى عشرة أضعاف في بعض األحيان
لمستوى إنتاجية السودان ،وهذا يعني أنه يمكن إنتاج نفس الكميات الحالية في مساحة تقل عن ربع
المساحة المزروعة حاليًا ،الشيء الذي يعني أن أرض السودان بالمفهوم العلمي المتقدم تعتبر بكرًا لم
تستغل بعد.
يمتلك السودان ثروة حيوانية ضخمة تبلغ حوالي 116.489.000رأس من الغنم والبقر واإلبل والضأن،
عالوة على ثروة غير محصورة من الحيوانات البرية.
تعتبر الغابات من أهم المصادر االقتصادية في السودان ،ومع أهميتها ظلت تتعرض إلى القطع غير
المرشد مما أدى إلى تناقص مساحاتها بصورة ملحوظة ،حيث تناقصت لتصل إلى % 18من مساحة السودان
بعد أن كانت % 50منه.
الفرص:
التحليل يجب أن يرصد الفرص المتاحة في العالم بشكل مفصل مع تحديد أوضاع التنافس والقدرات
التنافسية ..الخ ،نضرب فيما يلي المثل بالفرص في المنطقة العربية.
615
الفجوة الغذائية العربية:
تطور الفجوة الغذائية العربية لعدد من السلع الغذائية خالل الفترة 2000 - 98م.
المصدر :إعداد المؤلف اعتمادًا على بيانات :المنظمة العربية للتنمية الزراعية ،الكتاب السنوي
لإلحصاءات الزراعية ،المجلد ،19الخرطوم 1999 :م ،ص .298-72
الغذاء العاملي:
على صعيد الغذاء العالمي يتوقع أن يرتفع الطلب على الغذاء نتيجة لزيادة السكان ،ويقدر أن يرتفع
الطلب على الحبوب بنسبة %40بحلول عام 2020ليصل إلى 2.500مليون طن ،وعلى اللحوم بنسبة %50
ليصل إلى 320مليون طن .هذا الوضع يتطلب زيادة اإلنتاج الزراعي بنسبة %40بحلول عام .)134( 2020
هذه األرقام تشير إلى أن العقد القادم هو عقد التحدي الزراعي ،وأن تفاقم أزمة الغذاء العربي والعالمي
( )134إستراتيجية الهيئة العربية الستثمار اإلنماء الزراعي 2002 :ـ ،2012الخرطوم ،ص .12
616
في ظل شح الموارد العالمية يلقي بتبعات أساسية على الدول صاحبة الموارد الزراعية وعلى رأسها
السودان ،وبصورة أو بأخرى على الدول العربية.
املهددات :
البيانات السابقة تشير إلى أن الفرص المتاحة تواجه بعدد من المهددات التي يجب أن يراعيها
التخطيط اإلستراتيجي ،أهمها هو الصراع الدولي حول المياه ،وتهديدات مافيا الغذاء العالمي ،بجانب ندرة
المياه وارتفاع معدل الفاقد منها وتناقص الغطاء الغابي.
.1هذا الوضع يقود إلى ضرورة بلورة أهداف إستراتيجية تتعلق باألمن اإلستراتيجي الذي سيكون
مرتبطًا إلى حدٍ وثيق باألمن المائي {مياه األنهار} {مياه األمطار ومهددات البيئة}.
.2كما سيقود نحو بلورة أهداف إستراتيجية تتعلق بربط المصالح كوسيلة لتأمينها.
.3وسيقود أيضًا لبلورة أهداف إستراتيجية تتعلق بضبط وترشيد استخدامات المياه في المجال
الزراعي.
.4من أهم المهددات البيئية التي تواجه الزراعة هو تناقص الغطاء الغابي ،هذا الوضع يقود
إلى بلورة أهداف إستراتيجية تتعلق بتأسيس عمل إستراتيجي إقليمي ودولي ،ليس في مجال
المحافظة على البيئة فقط وإنما العمل على مد الغطاء الغابي شمالًا.
.5تزايد حدة الهيمنة واالحتكار العالمي للشركات متعددة الجنسيات ،تتطلب استعداد نوعي من
الشركات الوطنية مسنودًا بترتيبات سياسية ،لمواجهة هذا الوضع.
.6من األوضاع التي سيكشفها تحليل البيئة الخارجية ،هو:
أ .موقف المزايا النسبية والقدرات التنافسية لكل صنف يشكل فرص بالنسبة للسودان،
مع تحديد مستوى الجودة ،المقارنة بين الوضع الداخلي والخارجي تساعد في تحديد
أهداف دقيقة.
ب .أوضاع التجارة العالمية الخاصة بالمنتجات الزراعية ،فقد نجد أن بعض المعلومات
الخاصة بتجارة السكر على سبيل المثال كخروج أوربا من السوق العالمي نتيجة رفع
الدعم ،يقود لبلورة أهداف إستراتيجية في هذا الخصوص بل قد يقود للتفكير في
عقد شراكات مع دول أوربية لتأمين الحصص السوقية والتقنية الحديثة.
ج .أوضاع التنافس في األسواق المستهدفة ،ضخامة الشركات وضخامة المصالح في تلك
األسواق قد تقتضي بلورة أهداف بتأسيس شركات كبيرة أو التحالف والتشارك مع
617
شركات عالمية كبيرة لتقاسم المصالح ولتفادي هذه المهددات.
مالحظة :
ينبغي للمحلل إدراك أن المهددات المتعلقة بالصراع الدولي حول المياه ،وتهديدات مافيا الغذاء
العالمي ،وجانب ندرة المياه وارتفاع معدل الفاقد منها وتناقص الغطاء الغابي تواجه الدول العربية أيضًا،
وبالتالي فإن هذا يقود إلى تعزيز فرص نجاح أي أهداف إستراتيجية تتعلق بعمل إستراتيجي سوداني
عربي مشترك ،وإذا استصحبنا الفجوة العالمية من الغذاء ،فإن الفرصة لعمل شراكة سودانية عالمية،
تصبح متاحة في مجال زيادة مصادر المياه وترشيدها وضبطها وحسن استخدام األراضي الزراعية ،ومن
ذلك مد حزام المطر شمالًا واستخدام التقانة الحديثة في الزراعة وتعليم وتدريب الكوادر البشرية في
الزراعة والري والصناعات الزراعية والغذائية.
كما أن هذه المهددات تتطلب ترتيبات إستراتيجية في مجاالت استخدام وتنمية وحماية الموارد
المائية العربية التي تقود لتحقيق مصالح وطنية أفضل.
.2بالرغم من ضخامة الفرصة الزراعية المتاحة ،إال أن السودان ،ال زال متخلفًا في الزراعة
واستخدام األساليب الحديثة في الري والزراعة ،ومن المؤشرات على تخلف وسائل الزراعة
في السودان ،أن السودان يزرع % 90من مساحة الحبوب في العالم العربي {الفترة 1992
م – 1994م} ،إال أن إنتاجيته لم تتعد %45من الناتج العربي.
.5ضعف التمويل.
618
.8تدني مستويات اإلنتاجية.
.9ضعف القدرات التنافسية.
.10تدنى مستوى الجودة.
مالحظة:
يسهم وضوح األهداف على البيئة الدولية في كشف نقاط الضعف ،مثال لذلك ارتفاع تكلفة اإلنتاج
الزراعي { راجع تكلفة الزيت في الفصل الثالث من هذا الباب} ،.كما أن التعامل مع سوق عالمي كشف
الضعف في القدرات اإلدارية التي تستطيع التعامل مع السوق العالمية ،كما أن ضخامة اإلنتاج المطلوب
كشفت العجز في البنيات ..وهكذا فإن وضوح نقاط الضعف يساعد في وضع أهداف إستراتيجية أو
سياسات لعالجها ،وعلى العكس يمكن تصور الوضع حيث يتم صياغة أهداف وسياسات تتناقض في كثير
من األحيان وتتشتت في اتجاهات عديدة وبالتالي التصرف في موارد ضخمة دون أن يكون ذلك موجهًا تجاه
أهداف محددة.
إن األوضاع اإلقليمية والدولية واألمنية تفرض على الدول العربية ودول العالم العمل لالستفادة
بأقصى حد ممكن مما يملكه السودان من موارد طبيعية {مياه ،أراضي وثروة حيوانية وسمكية وغابية}،
وما يتطلبه ذلك من تخطيط وتمويل وتنسيق وتطوير واستخدام للتقنيـات الحديثة ،ومن هنا فإن إدراك
التخطيط اإلستراتيجي لهذه الحقيقة هو أمر مهم ،كما أن إدراكها على المستوى العربي القومي والعالمي
هو أكثر أهمية ،من هنا تبرز أهمية الميزة النسبية السودانية في المجال الزراعي باعتبارها أحد أهم
األركان المطلوبة للشراكة والتكامل العربي السوداني أو السوداني العالمي ،بما يؤدي إلى االستفادة المثالية
من األراضي الزراعية السودانية ،واالستفادة المثالية من المياه ،عبر التقنية الحديثة ورفع الكفاءة
اإلنتاجية ،فضلًا عن أن الشراكة الدولية السودانية تساهم إلى حدٍ كبير في تأمين حصة السودان من
المياه وتحجيم الحرب الشرسة حول المياه.
619
.4الموارد الزراعية المتوفرة في العالم محدودة وعلى رأسها موارد السودان.
.5البنود أعاله تعني ضمنًا أن السودان والسوق العربي تشكل مسرحًا لصراع دولي حول المصالح،
وهو وضع يشكل تهديدًا للتخطيط اإلستراتيجي السوداني والعربي ،الشيء الذي يتطلب ترتيبات
إستراتيجية لمقابلة ذلك تتجسد في كيفية مواجهة الصراع الدولي حول المصالح ،كما يتضمن
كيفية تحقيق االستقرار السياسي محليًا كمطلب لتحقيق المصالح.
مالحظة:
بتحديد الرؤية الرسالة واالتفاق عليها في إطار االتفاق الوطني اإلستراتيجي أو التخطيط اإلستراتيجي
القومي ،يجعل الصورة واضحة أمام الكل في توجهات واهتمامات الدولة ،ومثال لذلك أن استهداف السوق
العالمي أو العربي أصبح محددًا كما أن المهددات ونقاط الضعف واضحة وبالتالي فإن االجماع الوطني على
هذه المصالح اإلستراتيجية واإلجماع الوطني على المهددات ونقاط الضعف الوطنية يعني التفاعل بصورة
أفضل مع البيئة الدولية ،وبالتالي منع أي عمل مضاد أو متناقض أو غير مناسب بواسطة أحد األطراف
السياسية أو التنفيذية.
620
لن نجد أحدًا يقف ضد الشراكة الدولية أو يقرر سياسات تجهض تحقيق المزايا النسبية الزراعية
العالمية ..الخ ،وهذا هو المدخل األول لتحديد المسار اإلستراتيجي للدولة في المجال الزراعي.
ويمكن مالحظة تكامل الخطط اإلستراتيجية في المجاالت األخرى لخدمة هذا التوجه اإلستراتيجي،
مثال لذلك الخطط اإلستراتيجية في مجال العالقات الخارجية التي سترى األمر واضحًا وبالتالي ستعمل على
بلورة رؤية إستراتيجية وأهداف إستراتيجية تدعم وتعزز التعاون الدولي في مجاالت الزراعة والمياه
وتنمية الموارد المائية والحصول على الخبرات والتقنيات الحديثة والحصول والحفاظ على حصص
إستراتيجية في األسواق العالمية ،كما سنجدها تتجه لدعم الترتيبات اإلستراتيجية المطلوبة إلدارة الصراع
الدولي حول المصالح مثل الدخول في تكتالت إقليمية،
كما سنالحظ أن اإلستراتيجية االقتصادية ستعزز من اإلستراتيجية الزراعية من خالل األهداف
اإلستراتيجية التي تعمل على تحقيق المزايا النسبية الزراعية ،وسنجد أن اإلستراتيجية التعليمية
ستعمل على توفير كوادر زراعية بكم محدد وبمواصفات محددة تستطيع التعامل مع التقنيات الحديثة
في الري والزراعة ،وكوادر بكم محدد وبمواصفات عالمية في مجاالت الزراعة الصناعية الخ ،وعلى العكس
من ذلك سنالحظ كيف يكون األمر ضبابيًا في حالة عدم وضوح التوجهات اإلستراتيجية.
حتى يتم تحقيق هذه الرسالة يجب تحديد األهداف اإلستراتيجية الزراعية ،أهمها اقتطاع حصص
إستراتيجية للمنتجات الزراعية في أسواق العالم.
في هذا الخصوص ومن واقع الموارد واإلمكانات المتاحة والممكن إتاحتها ،يجب تحديد أهداف واضحة
عن الحصص الزراعية المطلوب تحقيقها ،مثال لذلك:
.1الحصول على 2مليون طن زيوت نباتية بالسوق العربي.
.2الحصول على 3ماليين طن ألبان.
.3الحصول على 2مليون طن سكر مكرر.
.4الحصول على 500ألف طن بقوليات.
.5وإذا امتد التحليل إلى أكثر من ذلك فقد تبرز أهداف أخرى مثل اقتطاع حصة معينة في مجال
صناعة األخشاب واألثاث.
.6وقد تشمل إستراتيجية القطاع الزراعي تحقيق أهداف تتعلق بآخرين مثل توفير كميات معينة
من النباتات الطبية ،قد تكون مطلوبة بواسطة القطاع الصناعي الصحي لتحقيق أهداف
621
إستراتيجية تتعلق باقتطاع حصص إستراتيجية على المدى البعيد في مجال الدواء باألعشاب،
القتناص فرصة الوعي العلمي بآثار الدواء الكيميائي ،أو لتوفير مدخالت صناعات دوائية معينة
الخ.
.7قد يتطلب التخطيط اإلستراتيجي تحديد أهداف إستراتيجية يتم من خاللها إجراء تغيرات
إستراتيجية معينة في البيئة الدولية ،مثل تحويل األنماط االستهالكية نحو شراب الكركدي،
باعتباره ترتيب إستراتيجي نحو جعله مشروبًا عالميًا.
مالحظة:
من أهم صفات التخطيط اإلستراتيجي هو المبادرة والجرأة ،لذا قد نجد أن التخطيط اإلستراتيجي يتجه
نحو بلورة أهداف تتعلق بتحقيق الريادة أو التميز في جوانب جديدة مثل صناعة الدواء غير الكيميائي،
وهو توجه يجد الدعم والقبول من الجمهور العالمي ،ويستند على عناصر قوة مهمة وهي وفرة هذه
النباتات في السودان ،وقد يقود إلى تأسيس شراكات دولية لتوفير التقنية أو فتح األسواق الخ.
كما يرجى مالحظة أن الجرأة قد تتجه نحو تحديد هدف إستراتيجي لتحويل الكركدي إلى مشروب
عالمي ،وهو هدف لو تم تحقيقه فسيكون له آثار أساسية من توفير وظائف لعدد ضخم من المواطنين
وتوفير دخل كبير للدولة ،وهو مشروب يتمتع بطعم يؤهله للعالمية.
ومن المهم إدراك أن هذا التوجه في مجال الكركدي على سبيل المثال قد يتطلب دعمًا وترتيبات
إستراتيجية كالدخول في تحالفات أو شراكات دولية معينة الخ ،باعتباره يدخل في إطار صراع المصالح مع
شركات المشروبات الغازية العالمية.
من واقع نتائج التحليل ،فإن هذا الهدف اإلستراتيجي يتطلب تحقيقه بلورة أهداف إستراتيجية
أخرى وتحديد وسائل وسياسات معينة ،مثال لذلك:
.1التحول نحو العالمية يقود نحو تحقيق التأهل لشروط العالمية.
.2زراعة 240مليون فدان من األراضي يحتاج إلى مياه بكميات ضخمة ،هذه الحقيقة تقود إلى بلورة
أهداف وسياسات توفير المياه على المدى البعيد مثل:
أ .العمل على نقل حزام السافانا {حزام المطر) شمالًا ،بغرض زيادة معدالت األمطار وزيادة
الرقعة التي تهطل عليها وتغيير التركيبة المناخية ،هذا التوجه اإلستراتيجي قد يتطلب
تحقيقه عقودًا من الزمان ،وأن وضوح الهدف اإلستراتيجي الزراعي يسهم في تحديد هذا
الهدف ،وأن وضوح هذا الهدف أي نقل حزام المطر ينعكس على السياسات المطلوبة
محليًا وعلى العالقات الدولية للسودان وكذا على شروط الشراكة السودانية الدولية.
622
ب .إن إهدار أو سوء استغالل المياه واألراضي بالسودان نتيجة استخدام تقنيات متخلفة أو
عدم توفر التمويل أو عدم توفر األسمدة والمبيدات واآلليات المطلوبة لذلك ،يقود إلى
أضرار تنعكس على األسرة الدولية ،بمعنى أن تبديد مياه السودان وسوء استغالل أراضيه
الزراعية هو تبديد لموارد عالمية ،هذا الوضع مدخل لشروط الشراكة الدولية التي يتم
من خاللها توفير رؤوس األموال والتقنيات الحديثة في الري والزراعة فضلًا عن ترتيبات
دخول األسواق العالمية واقتطاع حصص فيها.
ج .تأسيس مشروعات لحصاد مياه األمطار.
السياسات:
ومن أهمها:
.1االهتمام بالتخطيط اإلستراتيجي باعتباره عنصرًا أساسيًا ملحًا في بناء الدولة وتحقيق
التنمية الزراعية.
.2االهتمام بالغابات وزيادة رقعتها.
.3االهتمام بحصاد المياه.
.4دعم وتأهيل الشركات والمؤسسات السودانية الخاصة باعتبارها هي التي ستتولى إدارة حوار
المصالح نيابة عن الدولة في المرحلة القادمة ،بما يمكنها من مواجهة زيادة حدة التنافس و
انفتاح األسواق العالمية وزيادة درجة تعقيد وتأثير البيئة الدولية.
.5استخدام تقنيات الري والزراعة الحديثة.
.6التأسيس لعمل إستراتيجي سوداني دولي مشترك في مجال إدارة واستخدام المياه.
.7االهتمام بالبحث العلمي الزراعي باعتباره عنصر مفتاحي للمصالح اإلستراتيجية الوطنية،
وإنشاء مراكز للبحوث الزراعية والبحوث الزراعية الصناعية.
.8رفع الوعي المائي بمشاكل الموارد المائية.
.9االهتمام باألعشاب الطبية والنباتات العطرية.
.10إنشاء مراكز تدريب متطورة في مجاالت الزراعة والري واإلدارة.
623
يف املجال اإلسرتاتيجي القومي:
طاما أن القطاع الزراعي هو القطاع القائد ،فإن نتائج اإلستراتيجية الزراعية سيتم انطالق التخطيط
في القطاع االقتصادي على خلفيتها ،فيتم تحدد أهداف إستراتيجية في مجال الصناعة الزراعية
والغذائية والغابية والدوائية والمائية ،بجانب المجاالت االقتصادية األخرى التي ال تتصل بالزراعة.
كما ينبغي أن يحقق التخطيط اإلستراتيجي القومي { فيما يتعلق بالقطاع الزراعي } عددًا من األشياء،
يتم من خاللها توفير المناخ المناسب واألوضاع االقتصادية والسياسية المطلوبة لنجاح التخطيط
اإلستراتيجي الزراعي ،أهمها:
تحقيق األهداف اإلستراتيجية الزراعية على الوجه المطلوب يتطلب سندًا من القطاع االقتصادي
الكلي ،بما يقود نحو توفير األوضاع المالئمة للتخطيط اإلستراتيجي الزراعي ،ويمكن فيما يلي رصد أهم
أهداف التخطيط اإلستراتيجي االقتصادي فيما يتعلق بموضوعنا { يرجى مالحظة أن األهداف االقتصادية
أدناه قد تخدم أغراضًا أخرى بجانب الزراعة ،كما يرجى مالحظة التعليق المصاحب }.
تحقيق وبناء قدرات ومزايا تنافسية وطنية من منظور عالمي. .1
{ال يمكن للقطاع الزراعي تحقيق أهدافه بمعزل عن ترتيبات اقتصادية تحقق المزايا التنافسية
العالمية}.
الدخول في تكتالت اقتصادية وسياسة لتعزيز الموقف التفاوضي واألمني للدولة. .2
{األهداف الزراعية المحددة تضع السودان في مسرح الصراع الدولي ،وهو وضع يتطلب ترتيبات تعزز
الموقف التفاوضي واألمني من الناحية االقتصادية ومن الناحية السياسية كما سيرد الحقًا}.
التجسيد لمبدأ االنتقال اإليجابي لرؤوس األموال األجنبية الذي يصطحب حركة المال مع .3
الحصول على التقنية والحصص اإلستراتيجية في أسواق العالم.
{ضخامة األهداف في ظل التحديات الخاصة ،الري والزراعة الخ ،تعني الحاجة لتمويل ضخم وتقنيات
حديثة .إلخ قد ال تتوفر محليًا ،وهذا بالضرورة يتطلب تعاونًا دوليًا أو شراكات دولية تحقق االنتقال
اإليجابي الذي يتيح لها التمويل والتقنيات وتأمين الحصص اإلستراتيجية في األسواق.
وأرجو أن أشير هنا إلى أنه حتى لو توفر التمويل والتقنيات محليًا ،فإن تبادل المصالح الدولية قد
يفرض مثل تلك الشراكات الدولية التي تؤمن مصالح جميع األطراف كما حدث بالنسبة لليابان التي قبلت
الدخول في شراكات دولية لتأمين أسواقها ،ال لحاجتها لتمويل أو تقنيات معينة}
624
إنشاء البنيات األساسية المطلوبة لإلنتاج الزراعي. .4
أن تسعى األهداف الرئيسية للتخطيط االقتصادي اإلستراتيجي إلى: .5
625
ح .االهتمام باإلدارة اإلستراتيجية باعتبارها أحد مقومات تنمية قدرة المنظمات
المعاصرة لتحقيق ميزة تنافسية عالمية ،ويتم عبرها تفهم واستيعاب البيئة
الداخلية والخارجية للمنظمة والتفاعل الجيد معها.
إن تحقيق األهداف اإلستراتيجية الزراعية وما تتطلبه من أهداف وتوجهات اقتصادية يسهم في
بلورة أهداف إستراتيجية على المستوى اإلستراتيجي السياسي ،أهمها:
.1تعزيز القدرات التفاوضية للدولة من خالل الدخول في ترتيبات إقليمية من شأنها بناء كتلة
سياسية أكبر مثل دعم بناء كتلة وادي النيل ،والتي يمكن أن تدعم االستقرار المحلي كذلك،
كما تساهم في خلق سوق إقليمية تشكل قاعدة اقتصادية ضخمة تنطلق من خاللها الشركات
والمؤسسات السودانية نحو العالمية.
.2تعزيز االستقرار السياسي من خالل تحديد المسار اإلستراتيجي للدولة الذي يحدد األهداف
اإلستراتيجية للدولة وقيمها ومرتكزاتها اإلستراتيجية التي ال يجوز الخالف عليها.
.3تعزيز اإلرادة الوطنية.
.4بلورة وتحقيق شراكة بين السودان والدول العربية وبين السودان واألسرة الدولية تسعى إلى
تنمية الموارد المائية مثل دعم مشروع نقل حزام المطر شمالًا والحفاظ على الغابات والبيئة،
واستجالب التقنيات الحديثة في الري والزراعة والتدريب عليها.
.5ترقية السلوك واألداء السياسي الذي يقود لتوفير المناخ المالئم لالستثمار وإلدارة الشركات
الدولية .إن ضخامة التمويل وضخامة العمل الذي يمكن أن يتم يمكن أن يفوق مئات المليارات،
وهذا بالضرورة ال يمكن أن يتم إال في ظل المناخ المناسب وأهم مؤشراته الشفافية،
المؤسسية ،سيادة النظم وسيادة القانون ،عدم التمييز ،االلتزام بالمسار اإلستراتيجي.
.6تحقيق مفهوم األمن اإلستراتيجي من خالل الشراكة الدولية ،فنجد أن وضوح األهداف
اإلستراتيجية ينعكس على السياسات المطلوبة محليًا وعلى العالقات الدولية للسودان وكذا
على شروط الشراكة السودانية الدولية ،مثال لذلك سنجد أن إستراتيجية العالقات الدولية
ستعمل على دعم التوجهات اإلقليمية والعالمية ليس لمد حزام السافانا شمالًا فقط ،وإنما
كذلك لدعم ومساندة الحفاظ على الغطاء الغابي في كل منطقة البحيرات بوسط وشرق
إفريقيا ،بل وتمتد إلى أي نطاق يمكن أن يمتد أثره على التخطيط اإلستراتيجي السوداني.
626
يف مجال إسرتاتيجية التعليم:
سنجد أن رسالة أهداف اإلستراتيجية التعليمية ستتجه نحو ثالثة محاور يتم من خاللها بلورة
الشراكة بين المؤسسات التعليمية والدولة:
.1يمكن للقارئ أن يضع نفسه مكان وزارة التعليم ،ومن ثم يتصور ما هو مطلوب منه فقط تجاه
زراعة 240مليون فدان وتجاه تصنيع المنتجات الزراعية وتصديرها وإدارة عمليات التجارة
الخارجية المتعلقة بها وما يعنيه ذلك من دخول ميدان التنافس الدولي ،إن هذا الوضع يعني
ضرورة إجراء تغيير إستراتيجي يقود نحو توجيه التعليم تجاه األهداف اإلستراتيجية المطلوبة،
وحينها ستتحدث األرقام:
كم ستحتاج الدولة من الزراعيين المؤهلين بالتقنيات والعلوم الحديثة ،لزراعة 240مليون
فدان خالل عقدين من الزمان {مثلًا} ،إن جداول الوضع الراهن التي وضعناها في التحليل مقارنة
مع البيانات التي تحدد العدد المطلوب من كل تخصص لتنفيذ اإلستراتيجية ،سيقود لتحديد
معالم إستراتيجية التعليم في مجال الزراعة والصناعة الزراعية والغذائية ،وهكذا بقية
التخصصات.
.2إن كل ذلك يتم تحت قيود التوجهات العالمية للخطة اإلستراتيجية ،وهذا يعني توفير الكم
المطلوب {كم من الثانويين وكم من الجامعيين وكم من الدراسات العليا} ،وكل ذلك بالمواصفات
المطلوبة للتوجه العالمي.
.3وبالتالي ستنتشر مدارس جديدة مثل :مدارس صناعة السكر ،صناعة التعبئة ،الصناعات الجلدية،
مدارس اإلنتاج الحيواني ،مدارس صناعة الحلويات والمخبوزات ،الغزل والنسيج ،المدارس الفنية
الزراعية وتشمل تقنيات الزراعة والري واستخدام وصيانة اآلالت الزراعية ،واستخدام وصيانة
اآلالت واألجهزة الخاصة بالصناعات الغذائية ..بل وستشمل مجاالت اإلدارة اإللكترونية والتجارة
اإللكترونية الخ وكذا يتبعها المعاهد ومراكز البحوث في تلك المجاالت وغيرها.
.4وكذا في المستوى الجامعي ستتجه اإلستراتيجية نحو توفير كوارد زراعية واقتصادية وإدارية
وكوادر في اإلعالم االقتصادي الخ ،وذلك بالكم المطلوب ،ووفق المواصفات المطلوبة لتحقيق
األهداف اإلستراتيجية الزراعية مثل أن تكون الكوادر ذات قدرات تتناسب مع تحديات البيئة
العالمية وما يشمله ذلك من معرفة التطورات العلمية في التخصص المعين مثل الري المحوري
والري بالتنقيط والري بالكمبيوتر وتقنيات الزراعة المختلفة الخ وتقنيات التعبئة {بالنسبة
للزراعيين والزراعيين الصناعيين} ،وتوفير إداريين واقتصاديين ذوي قدرات عالمية تشمل
التطورات العلمية في مجاالت اإلدارة واالقتصاد وقوانين ونظم التجارة العالمية والتجارة
627
اإللكترونية ،والقدرة على التعامل مع البيئة الدولية مثل إجادة اللغات األجنبية والتعامل مع
التقنيات الحديثة والقدرة على التفكير اإلستراتيجي.
.5ستتجه اإلستراتيجية التعليمية إلى بلورة أهداف إستراتيجية إضافية تضمن أن يشمل تأهيل
الكوادر الوطنية قيم مهمة إلنجاز التوجهات اإلستراتيجية كاحترام الوقت والعمل وإتقانه.
.6كما ستتجه نحو إعداد البحوث والتقنية المطلوبة لتحقيق األهداف اإلستراتيجية الزراعية ،وفي
بعض الجوانب ستنطلق األبحاث من منظور عالمي وليس محلي فقط.
.7توفير خدمات علمية بمستوى عالمي للدولة ومؤسساتها الزراعية ،مثل إقامة مراكز بحوث تقدم
خدمات في المجاالت الزراعية ،ومن األمثلة على ذلك تركيبات التسمين أو إنتاج اللبن ،أو تحسين
اإلنتاجية.
ستتجه اإلستراتيجية نحو بلورة أهداف إستراتيجية يتم من خاللها تحقيق السند المطلوب لتحقيق
األهداف اإلستراتيجية الزراعية ،من ترويج وتعريف باألوضاع االقتصادية ،وإجراء التغييرات اإلستراتيجية
المتعلقة باألنماط االستهالكية ،والمساهمة في إرساء القيم المطلوبة الخ.
الفلسفة:
ال يكتمل التخطيط اإلستراتيجي إال بتحديد الفلسفة ،وفيما يتعلق بالجانب الزراعي سنجد أن
الفلسفة ستعمل في إطار الفلسفة القومية بجوانبها االقتصادية والسياسية واالجتماعية واألمنية ،وهي
يمكن أن تدور حول تحقيق أربعة أمور هي:
.1توفير األوضاع المحلية المناسبة لالستثمار الزراعي.
.2توفير األبعاد األمنية {األمن المائي ،تأمين األسواق}.
.3تحقيق الميزة النسبية العالمية.
.4التوزيع العادل للدخل القومي بين الكبار والصغار {الشراكة الداخلية العادلة}.
.5التنمية المتوازنة.
هناك العديد من التوجهات التي يمكن االعتماد عليها في هذا الخصوص ،سنضرب مثالًا لذلك،
بالفلسفة التي تناولناها في اإلستراتيجية االقتصادية من هذا الكتاب التي في حالتنا هذه ستتجه نحو
تحقيق العديد من األمور أهمها:
628
أوالً :تحقيق الميزة النسبية العالمية التي تتطلب بجانب أمور أخرى ،خفض التكاليف من رسوم وأجرة
عمال ورفع مستوى الجودة ،مع فك التناقض بين األهداف اإلستراتيجية المتعلقة برفع مستوى الدخل
والمعيشة بالنسبة للمواطن وتوفير فرص عمل للمواطنين ،ورفع مستوى الخدمات بواسطة الدولة،
وكالها يتناقضان مع مبدأ خفض األجور والرسوم.
هذا األمر سيقود إلى التخطيط من منظور عالمي لوضع السياسات المالية والنظم االقتصادية
الوطنية ،وسيقود كذلك للبحث عن الحصص اإلستراتيجية في األسواق العالمية ،وهو وضع تلقائي تحدده
موارد السودان وحاجة العالم لإلنتاج الزراعي ؛ الغرض من ذلك هو:
.1إتاحة الفرصة لإلنتاج الضخم الذي يتيح فرص عمل لعدد كبير من المواطنين في
ظل أوضاع تضمن أن كال منهم يعمل بطاقة إنتاجية كبيرة تسمح بمحاسبته بأجر
منخفض على الوحدة ،إال أن كال منهم يحقق دخلًا كبيرًا بسبب اإلنتاج الكبير.
.2مساعدة الدولة في تعويض رسومها المخفضة من خالل توسيع نتيجة الوعاء
التمويلي.
.3وبالتالي تحقيق شراكة وطنية عادلة.
629
النيل ،والتي من شأنها تعزيز القدرات التفاوضية في حوار المصالح الدولية المشار
إليه أعاله.
ختام:
هكذا نالحظ كيف أن التخطيط اإلستراتيجي يقود إلى تكامل وتناسق األنشطة الداخلية سياسيًا
واقتصاديًا واجتماعيًا ،وكيف أنه يمنع االضطالع بأنشطة غير مطلوبة ،وكيف أنه يحدد الرؤية الوطنية
ويحدد المسار اإلستراتيجي ،ويرفع من مستوى الهم الوطني من أجل تحقيق أهداف وتطلعات كبرى.
كما أود أن انبه إلى ضرورة وضع بيانات التحليل في شكل يوضح قراءتها وتحليلها مثل وضعها في
جداول و رسوم بيانية الخ.
630
الفصل الثالث
631
رشكة { س } لصناعة الزيوت النباتية
التحليل اإلسرتاتيجي:
رغم اهتمام الكتاب بالتخطيط اإلستراتيجي للدولة فإننا نرى إفراد حالة للشركات الخاصة ،وذلك لعدد
من األسباب أهمها هو ما يتعلق بوضعية الشركات في خارطة تحقيق المصالح اإلستراتيجية للدول ،حيث
أصبحت الشركات هي التي تمثل الحكومات في حوار تحقيق المصالح اإلستراتيجية في العالم ،وبالتالي فإن
تحقيق النهضة وتحقيق فرص عمل ألفراد الشعب وزيادة دخل الدولة....
يتوقف على مدى نجاح الشركات والعكس صحيح ،الشيء الذي جعل الحكومات في الدول المتقدمة
تصوب جهودها إلنجاح شركاتها ،وذلك من خالل التنسيق بين التخطيط اإلستراتيجي القومي والتخطيط
اإلستراتيجي للشركات بما يضمن أن التوجهات اإلستراتيجية القومية تعزز قدرات الشركات في تحقيق
المصالح.
إن التأمل في كثافة الشراكات بين الشركات اليابانية والشركات في دول العالم األخرى واالرتباط
الوثيق للمصالح اليابانية بهذه الشراكات بما في ذلك المصالح األمنية ،يشير ألهمية تلك الشراكات والتي
تمت في األساس وفق ترتيب إستراتيجي حكومي ،كما يبين أن المصالح اإلستراتيجية اليابانية ما كان لها
أن تتحقق لوال تلك الشراكات التي تمت على خلفية شراكة داخلية بين الحكومة اليابانية وقطاعها
الخاص ،جعلت من الطرفين شركاء وطنيين يعمالن في تكامل لصالح بلدهم.
من خالل هذه الحالة نتعرف بطريقة عملية على كيفية التخطيط إستراتيجيا لشركة ،كما أننا نالحظ
خطر غياب الرؤية الوطنية المتعلقة ببناء عالقة بين الحكومة وشركاتها ،وتجسيد أثر ضعف التخطيط
اإلستراتيجي القومي على أداء الشركات.
قبل اكتمال عمليات التحليل اإلستراتيجي ،قمنا بتوجيه العديد من األسئلة إلى أصحاب الشركة،
ويمكن للقارئ أن يسأل نفسه ذات األسئلة ،أهمها:
س :هل فكرتم يومًا كيف يستطيع شخص ما أو شركة ما على ظهر هذه األرض إنتاج زيت أجود مما
تنتجون وبتكلفة أقل من تكلفة إنتاجكم؟
ج :دهشة علت وجوه المدير والمدير التنفيذي وكانت اإلجابة :ال.
632
ج :اإلجابة :ال
س :إذن هل تستطيعوا أن تعطوني مبررًا في عدم تفكيركم في غزو أسواق عالمية ؟
نتائج التحليل:
من خالل التحليل تكشفت العديد من نقاط الضعف والقوة والمهددات والفرص يمكن إيجازها فيما
يلي:
الوضع القانوني:
هو عبارة عن شركة خاصة مسجلة بموجب قانون الشركات لسنة 1925باشرت أعمالها في العام 1970
في الخرطوم.
633
طاقة المصنع:
تبلغ طاقة المصنع التصميمية 400طن في اليوم { 24ساعة } من الحبوب الزيتية ،وهى تمكن من
إنتاج حوالي 120طن زيت في 300يوم عمل.
ظل المصنع يعمل بطاقة % 100-75حتى العام ،1993وبعد ذلك بدأ اإلنتاج يتناقص في ظل
ازدواجية وتعدد الرسوم وارتفاع التكلفة وقلة المحصول.
634
ال توجد إدارة إعالن أو عالقات عامة. -
ال يوجد قسم أو إدارة لالستيراد أو التصدير. -
ال يوجد قسم تسويق بالمعنى المعروف علميًا حيث يتولى أصحاب المشروع تلك المهام ويتم -
تنفيذ القرارات المتعلقة بها إما مباشرة عبر اإلدارة العليا أو بتوجيه موظف أو أكثر من العاملين
بالمصنع لتولى المهمة المعينة.
كما أن تاريخ المصنع الطويل قد خلق له زبائن شبه ثابتين ،وقد يكون ذلك هو السبب في عدم -
الحماس إلنشاء قسم تسويق وتحمل مصروفاته.
.1الشركة توقفت عن اإلنتاج وقت إعداد الدراسة الستحالة منافسة الزيوت المستوردة.
.2إلى حين اتخاذ القرار بشأن الشركة ،فقد باشرت الشركة نشاطًا جديدًا يتمثل في تجارة
استيراد الزيوت حتى تتمكن من تغطية تكاليف العمالة وغيرها من المصروفات أي
تحولت الشركة من إنتاج الزيوت إلى التجارة في الزيوت.
635
.3قررت الشركة االستعانة بأحد بيوت الخبرة في مجال الدراسات اإلستراتيجية لمساعدتهم
في اتخاذ القرار السليم.
636
تتعد صادرات زيوت السمسم لنفس الفترة 12طنًا بقيمة 14.000دوالر.
.2في الفترة يناير سبتمبر 2000فقد بلغت 6.869طنًا متريًا بقيمة 4.105.000دوالر.
.3وفي الفترة يناير ـ سبتمبر 2001بلغت 6.641طنًا متريًا بقيمة 4.827.000دوالر فيما
بلغت صادرات زيت السمسم 1.559طنًا بقيمة 800.000دوالر.
املهددات:
من خالل التحليل اتضح أن هناك مشاكل تتعلق بالوضع الداخلي في البيئة الوطنية أهمها هو
اختالل فرصة المنافسة بين المنتج السوداني واألجنبي في ظل انفتاح األسواق ،ومن أهم المهددات:
.1ضعف الشراكة بين الحكومة وشركات إنتاج الزيوت.
.2تذبذب إنتاج الحبوب الزيتية ورداءة النوعية {مرارة السمسم ،االفلوتوكسين في الفول}.
.3ضعف التمويل إلنتاج البذور النباتية في الدولة.
.4ارتفاع تكلفة التمويل الزراعي التي تصل إلى %3شهريًا في المتوسط زائدًا ضريبة الخصم
والزكاة والمصاريف اإلدارية.
.5كثرة الرسوم على صادرات البالد من الزيوت النباتية حيث أوضحت الدراسة أن الشاحنة
تتوقف 45مرة في نقاط التفتيش بين الخرطوم وبورتسودان.
.6أن إنتاج السودان من الحبوب الزيتية ال يكفي المعاصر الموجودة ،وما ينتج يتم تصدير
جانب كبير منه سعيًا وراء العائد السريع من العمالت األجنبية.
.7أن اإلنتاجية من البذور الزيتية ضعيفة نتيجة لعدد من األسباب أهمها عدم استخدام
التقنية الحديثة والبذور الجيـدة ،مما أدى لضعف اإلنتاجية الرأسية للفدان وارتفاع
التكلفة وعزوف المزارعين وبالتالي قلة المساحات المزروعة {الحظ انخفاض اإلنتاجية
في السودان مقارنة باإلنتاجية في دول أخرى.
.8ارتفاع تكلفة البذور الزيتية داخل السودان مقارنة باألسعار العالمية ،مثال لذلك أن
تكلفة طن البذرة في السودان وقت إعداد الدراسة كان ما يعادل 200دوالر أمريكي ،في
الوقت الذي يبلغ فيه سعر الطن في السوق العالمي تسليم بورتسودان 80دوالرًا ،كذلك
نجد أن طن الفيرنس في السودان وقت إعداد الدراسة يساوي 250دوالرًا فيما يبلغ سعر
الطن المستورد تسليم بورتسودان 80دوالرًا إال أن عليه رسوم صادر تعادل 200دوالر،
تجعل من أمر استيراده تحصيل حاصل.
637
.9تحول شركة السودان للحبوب الزيتية وهى شركة مساهمة عامة يملكها القطاع العام
وبعض المواطنين ،إلى مستورد للزيوت النباتية من دول جنوب شرق آسيا وتوزيعها على
بعض المعاصر لتعبئتها ،خصوصًا وأن ذلك يتناقض مع الهدف القومي الذي أنشئت
بموجبه الشركة في السبعينيات ،وأن ذلك انعكس سلبًا على صناعة الزيوت في البالد
وأثرت سلبًا على المزارع المنتج للحبوب الزيتية.
.10تكلفة اإلنتاج عالية لعدد من األسباب من ضمنها:
أ .ارتفاع تكلفة التمويل حيث بلغت على سبيل المثال نسبة التمويل للصناعة
حسب الصيغة اإلسالمية % 54.3و % 49.1عام 1998و 1999على التوالي.
ب .ارتفاع أسعار الكهرباء :مصانع الزيت في مصر تعمل بحوالي ربع سعر الكهرباء
في السودان.
ج .ارتفاع أسعار الفيرنس :األسعار في السوق العالمية تعادل ثلث سعر الفيرنس
الذي يعمل به المنتج في السودان.
د .ارتفاع وتعدد الرسوم مقابل ما يدفعه المنتج في دول أخرى.
ه .أسعار بعض المحاصيل محليًا أعلى مما يشتري به اآلخرون خارج السودان.
.11تعدد وارتفاع الرسوم المفروضة على صناعة الزيوت النباتية منها:
أ .الرسوم المفروضة على البذرة تبلغ 6.750دينار على الطن الواحد %10 +
ب .الرسوم المفروضة على طن الفيرنس المستورد 40.000دينار
ج .أن موسم إنتاج الحبوب الزيتية فقط ثالث شهور في العام وهذا يتطلب أن
يقوم المصنع بتمويل شراء كل طاقة العام من المواد الخام ،وهذا عبء مالي
ضخم.
د .تذبذب الكهرباء وارتفاع تكلفتها.
ه .ارتفاع تكلفة الزيت لكل العوامل السابقة أدى إلى فتح المجال الستيراد الزيوت
من الخارج بأسعار أقل من المنتج محليًا ،مثال لذلك أن سعر جركانة زيت
األولين المستورد من ماليزيا سعة 36رطلًا بلغت وقت إعداد الدراسة 2.200
دينار تسليم بورتسودان ،وبعد الرسوم ترتفع إلى 4.700دينار ،فيما تصل
جركانة الزيت المصري عبر شالتين مبلغ 2.500دينار ،في الوقت الذي تبلغ فيه
تكلفة إنتاج نفس الجركانة وقت إعداد الدراسة ،من زيت البذرة محليًا بالمصنع
638
5.500دينار.
و .استيراد الزيوت بأسعار رخيصة من مصر عبر الكوميسا والتهريب.
األسباب أعاله ساهمت بشكل أساسي في تحويل نشاط صناعة الزيوت النباتية إلى نشاط غير مجدٍ
اقتصاديًا ،وأدت إلى توقف الشركة.
نقاط الضعف:
الفرص:
إذا تم التخطيط إستراتيجيا لصناعة الزيوت النباتية فإنه يمكن مالحظة الفرص المتاحة من خالل
الحقائق التالية:
ضخامة الفجوة العربية من الزيوت النباتية وبالتالي ضخامة المطلوب من الحبوب الزيتية التي بلغت
عام 2002م 3.100.000طن وسترتفع إلى 3.791.000طن في عام ،2007وتبلغ نسبة االكتفاء العربي
من الزيوت النباتية { % 29متوسط }94-92حيث يبلغ متوسط اإلنتاج العربي من الزيوت 94-92
1.321.000طن فيما استورد 2.428.000طن ،ولعل هذه األرقام توضح الفرصة الكبيرة المتاحة للسودان
في مجال الزيوت النباتية.
مالحظة:
بالرغم من هذه الفجوة الكبيرة المتاحة عربيًا ،نجد أن طاقات اإلنتاج في مجال الزيت بالسودان
معطلة بنسبة ،%90كما يمكن مالحظة أن إنتاج السودان من الحبوب الزيتية ال يكفى المعاصر الموجودة،
وما ينتج يتم تصدير جانب كبير منه سعيًا وراء العائد السريع من العمالت األجنبية.
هذا الوضع يشير إلى خلل في التخطيط اإلستراتيجي ،كما يشير في نفس الوقت إلى االرتباط بين
التخطيط اإلستراتيجي في الشركات وفي الدولة.
639
مهددات البيئة الدولية:
إن انضمام السودان لمنظمة التجارة العالمية تحتم أن يستوفى إنتاج البالد من الزيوت النباتية
مواصفات الجودة العالمية ISO 9000 SERIESوااللتزام بشروط الحفاظ على البيئة العالمية ISO
14000 SERIESكشرط أساسي لدخول الزيوت النباتية السودانية لألسواق العالمية.
الخالصة:
.1هناك فرصة للشركة لتحقيق أرباح مجزية من خالل العمل لالستفادة من الفرصة المتاحة في
السوق العربية.
.2وافق أصحاب الشركة على قرار الخبراء الذي تم من خالله تحديد اآلتي:
أ .بلورة رؤية تمثلت في تحقيق التميز على المستوى العربي في مجال زيوت السمسم
والفول وبذرة الشمس.
ب .تحديد رسالة جديدة للشركة تلخصت في استهداف أسواق الخليج وغرب أوربا ،والعمل
على إنتاج زيوت صحية بمواصفات عالمية وبأسعار هي األرخص عالميًا.
ج .بلورة هدف إستراتيجي جديد للشركة تجسد في العمل على اقتطاع 120.000طن من
الزيوت في السوق العربي في األربع سنوات األولى ترتفع إلى 500.000طن عند نهاية
العام العاشر.
حتى يتسنى ذلك فإن الشركة تحتاج إلى بناء ميزة نسبية عالمية في مجال الزيوت تتمكن بموجبها
من رفع جودة اإلنتاج ليكون بالمستوى العالمي وخفض التكلفة لتكون بالمستوى العالمي ،وتحقيق
الوضع أعاله تطلب بلورة أهداف في اتجاهين هما:
640
إزالة االختالل المتعلق بالميزة النسبية للشركة ▪
استيفاء الترتيبات المطلوبة لدخول السوق العربي ومواجهة الصراع الدولي حول المصالح. ▪
تصميم هيكل إداري يقوم على نظام فريق العمل الذي يضم األعضاء المطلوبين إلنجاز .1
منتج معين واشتمل ذلك على وصف الخطوات وترتيبها والزمن المطلوب إلنجاز كل
خطوة ،وكذا أصبح لكل منتج فريق عمل خاص به.
إعداد وصف وظيفي شامل تم من خالله تحديد نطاق العمل ووصفه والمسؤول عن كل .2
عملية.
إضافة إدارات جديدة للتخطيط والتسويق .3
.4تطوير نظام إدارة الصيانة حيث أصبح تحديد الصيانات وتغيير قطع الغيار المختلفة تتم
إلكترونيًا.
رفع مستوى الوعي لدى أعضاء مجلس إدارة الشركة ليصبح عالميًا. .5
تعيين مدير جديد للشركة خبير في اإلدارة اإلستراتيجية ويحمل شهادات في الجودة .6
والتميز في مجال اإلدارة.
تطوير قدرات المديرين الموجودين في مجال اإلدارة اإلستراتيجية واإلدارة الدولية. .7
ابتعاث أربعة من الفنيين الحاليين إلى ألمانيا للتدريب والدراسة على تقنيات العصر .8
والتكرير ونزع الروائح والتعبئة.
تعيين خبراء في مجال ،اإلدارة اإلستراتيجية ،مدير إنتاج ممن يحملون شهادات في الجودة .9
العالمية لإلدارة ،التسويق والتسويق اإللكتروني ،العصر ،التكرير ،نزع الروائح ،التعبئة
ثانيًا :تجديد وتحديث المصنع بما يضمن التميز من المنظور العالمي ،حيث تم اآلتي:
إعداد دراسة حول مواصفات السوق العربي من الزيوت يشمل أنواع الزيوت ومستوى .1
الجودة وتفاصيل مكونات الزيت من خالل تحليل عينات متعددة ،تحديد أنواع العبوات
المطلوبة واأللوان المحبذة للزيت { أبيض ،أصفر ،أبيض مائل لالصفرار ،الخ }.
إعداد دراسة فنية تم من خاللها تحديد اآلتي: .2
641
أ .األجهزة والمعدات المطلوب شراؤها حيث اتضح أن التقنيات المطلوبة في مجال
التكرير ونزع الروائح تعتبر ضمن التقنيات الغربية ممنوعة التداول أي غير
متاحة للبيع في األسواق.
ب .األجهزة التي يتم تطويرها وصيانتها وشملت صيانة خط العصير.
ج .األجهزة المطلوب االستغناء عنها حيث تقرر االستغناء عن خط التعبئة الحالي.
د .الخط اإلضافي المطلوب للعصير لمواجهة الزيادة في اإلنتاج التي تقررت.
ه .تحديد مواصفات المعمل.
التفكير اإلستراتيجي:
من أهم ما يوفره علم اإلدارة اإلستراتيجية هو القدرة على التفكير اإلستراتيجي ،ومن خالل هذا
التفكير تم كسر الحدود الجغرافية أمام المصنع ليتم نقل الماكينات إلى مكان يتم من خالله توفير األوضاع
التي تتيح تحقيق الميزة النسبية والقدرة التنافسية.
عليه فقد جرى عمل دراسة للبيئة الدولية تم من خاللها تحديد السياسات والظروف واألوضاع
والقوانين وأسعار الخدمات في عدد من المناطق ،وبناء على ذلك قرر الخبراء االستشاريون االنتقال
بالمصنع إلى المنطقة الحرة بدولة {ص} ،حيث اتضح بالحساب الدقيق أن سعر الرطل في ظل الوضع
الجديد سينخفض من 0.61دوالر إلى 0.28دوالر ،ويعود ذلك لألوضاع االقتصادية المحفزة بتلك المنطقة.
642
.2استيفاء الترتيبات المطلوبة لمواجهة الصراع الدولي حول المصالح.
من خالل التحليل اتضح أن دخول السوق العربي في هذا المجال تحيط به ظروف وعوامل جعلت منه
عملًا يدخل في إطار صراع المصالح الدولية { مهددات} ،وبالتالي فإن هذا يتطلب ترتيبات إستراتيجية
لمواجهة ذلك ،حيث تقرر أن تندمج الشركة مع الشركة { ق } المتخصصة في إنتاج الزيوت بالخليج
والشركة { }Kوهي شركة ألمانية تعمل في مجال الزيوت النباتية ،حيث تم من خالل هذا الوضع الجديد
ما يلي:
.1توفير ضمانات أفضل بسوق الخليج من خالل الشركة الخليجية.
.2تعزيز رأس المال من خالل راس المال اإلضافي الذي قامت شركة { ق } بسداده.
.3توفير أجهزة التكرير ونزع الروائح ذات التقنية العالية والتي تعد من التقنيات غير
المتوفرة بالسوق من خالل الشراكة مع الشركة األلمانية.
.4فتح األسواق األلمانية أمام الشركة من خالل الشراكة األلمانية السودانية.
.5تأسيس كتلة ذات إمكانات ضخمة.
.6تعزيز القدرات التفاوضية للشركة من خالل السند السياسي السوداني الخليجي األلماني.
من خالل مقترحات الحل أعاله يمكن مالحظة أثر اإلدارة اإلستراتيجية في اآلتي:
.1التفكير من منظور عالمي ،لماذا ال نعمل على بلورة أهداف عالمية نسعى إلى تحقيقها.
.2في ظل وضوح المهددات ونقاط الضعف وفي ظل وضوح الهدف اإلستراتيجي الجديد الناجم
عن معرفة نقاط القوة والفرص المتاحة للشركة فقد أصبح من السهولة تحديد المسار
نحو مرافئ الحل ،حيث تم نقل المشروع نسبة لعدم قدرة الشركة لتغيير الوضع االقتصادي
الموجود بموطنها األصلي ،وبالتالي استطاعت أن توفر الوضع المناسب لعملها بدلًا من أن
تصفي أعمالها وتلعن الظالم.
.3وضوح المهددات على الساحة الدولية جعل الشركة تدخل بثبات ورؤية في تحالفات دولية
جديدة تمكنت من خاللها من تعزيز قدراتها التنافسية عبر زيادة رأس مالها وتوفير تقنيات
لم تكن تتوفر لها بغير ذلك ،إضافة إلى توفير ضمانات أفضل بالسوق الخليجي.
.4تعقيدات الدخول للسوق العالمي وما يتطلبه من مديرين ذوي قدرات إدارية وإستراتيجية
643
عالية وإنتاج بمواصفات عالمية ،كشف لها عجزها اإلداري والفني الشيء الذي استوجب إجراء
التغيير اإلستراتيجي اإلداري.
.5إجراء تغييرات إستراتيجية تمثلت في اآلتي:
تغيير إداري ،تغيير فني ،تغيير في نطاق العمل { من استهداف السوق المحلي إلى السوق العالمي،
ومن العمل ببيئة وطنية إلى بيئة عالمية }.
إذا ربطنا هذه الحقائق مع موضوع الكتاب فإنه يتضح لنا الحاجة إلى تخطيط إستراتيجي قومي وعلى
مستوى الشركات من منظور عالمي يمكن من تحقيق اآلتي:
.1ميزة نسبية لإلنتاج الوطني من الزيوت النباتية نتمكن عبرها من االستفادة من الفرصة
الداخلية والتي أصبحت مهددة بفعل االستيراد ،واالستفادة من الفرصة المتاحة عالميًا
خاصة في الوطن العربي.
.2توفير السند اإلستراتيجي القومي للشركات ،حيث إن حصول الشركات على حصص
إستراتيجية في األسواق العالمية ال يتوقف على جهد الشركات فقط وإنما جهد الدولة
ممثلًا في حكومتها يتم في إطار حوار وصراع المصالح الدولية.
.3عدم إعداد التخطيط اإلستراتيجي السوداني من منظور عالمي يعني عدم قدرة الشركات
على المنافسة العالمية ،لتصبح قدرة الدولة في جذب االستثمار مرهونة بمدى قدرتها
في توفير الظروف المالئمة لتحقيق المزايا النسبية العالمية.
.4أوضاع اقتصادية تهيئ المناخ المناسب يتضمن العدالة وعدم التمييز وخروج الحكومة من
اإلنتاج.
.5أوضاع سياسية تؤسس لسيادة النظام والقانون.
.6إنتاج جيد بمواصفات عالمية وما يتطلبه ذلك من تقنية عالية وتدريب تقني
.7تشجع االنتقال اإليجابي لرأس المال الذي يتيح التمويل جنبًا إلى جنب مع التقنية الحديثة
والحصص في األسواق العربية وغير العربية.
.8استنباط أصناف ذات محتوى زيتي عالي وإنتاجية مرتفعة.
.9إنتاج أصناف خالية من المواد الضارة.
.10التوسع في إنتاج المحاصيل أفقيًا ورأسيًا باستخدام أصناف وتقاوي عالية الجودة وتطبيق
644
الحزم التقنية.
.11تحقيق االكتفاء الذاتي {عربيًا } من الحبوب الزيتية.
.12رفع الكفاءة اإلنتاجية لمصانع الزيوت وتزويدها بتقنيات العصر والتكرير.
.13تنسيق السياسات الداخلية.
.14إدخال السمسم في الدورة الزراعية.
.15زيادة مساحات زهرة الشمس والفول السوداني.
ختام:
كل تلك الحقائق تكشف لنا استحالة انطالق عمل الشركات واإلنتاج الوطني بمعزل عن التخطيط
اإلستراتيجي القومي ،وإذا ربطنا هذه الحالة بالتخطيط اإلستراتيجي القومي الذي تناولناه في الفصل
السابق ،تتضح أهمية وحتمية االرتباط بين التخطيط اإلستراتيجي في المنظمات والتخطيط اإلستراتيجي
للدولة ،كما تكشف لنا أهمية التخطيط اإلستراتيجي الذي ينقل إطار المصالح من المحلية إلى العالمية
ويقود إلى التفاعل اإليجابي الفاعل مع البيئة مستفيدًا من الفرص المتاحة فيها ،مواجهًا لمهدداتها
بالصورة المناسبة معالجًا لنقاط الضعف الداخلية مستندًا على نقاط القوة.
645
السرية الذاتية للمؤلف
عضو لجنة صياغة اإلستراتيجية ربع القرنية 2007م – 2032م – السودان.
أمين الشؤون العلمية ومدير مركز تدريب القيادات :األكاديمية العليا للدراسات اإلستراتيجية
واألمنية 2009-2008م.
رئيس دائرة البحوث والدراسات بمستشارية األمن القومي :رئاسة الجمهورية 2011 – 2009م.
646
نائب المدير للشؤون العلمية ،األكاديمية العليا للدراسات اإلستراتيجية واألمنية -2011
2014م
مدير معهد البحوث والدراسات اإلستراتيجية – جامعة أم درمان اإلسالمية ،حتى سبتمبر .2015
الوزير ،رئيس المجلس األعلى لإلستراتيجية ،بالخرطوم ،أغسطس 2015م – يناير 2017م.
وزير الشؤون اإلستراتيجية والمعلومات ،والية الخرطوم ،يناير 2017م وحتى تاريخه.
فشل المشروعات بجانب العديد من االستشارات االقتصادية في المجاالت المختلفة داخل وخارج
السودان.
647
.6التخطيط اإلستراتيجي في االقتصاد والعلوم السياسية واالجتماعية ،منشور.
Strategic planning of Sudan- the missing dimension. .7
.8أضواء علي إدارة األعمال ،منشور.
.9التنظيم اإلداري للشركات الصناعية الجزء األول – دراسة عملية.
.10التنظيم اإلداري للشركات الصناعية الجزء الثاني – دراسة عملية.
.11الجدوى االقتصادية للمشروعات في ظل العولمة.
.12التنظيم اإلداري للمنظمات الدولية في عصر العولمة– جزءين – دراسة تطبيقية على
منظمة عالمية.
.13إدارة العمل الدعوي ،منشور.
.14التخطيط الحكيم :منهج التخطيط في اإلسالم.
.15التخطيط اإلستراتيجي واألمن القومي واإلنساني -كتاب تحت اإلعداد.
648
.7إستراتيجية السودان حول األسرة والطفل.
.8إستراتيجية السودان للتحصين الفكري.
.9إستراتيجية تطوير دور القبيلة في الدولة.
.10مسودة اإلستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات.
.11اإلستراتيجية الشاملة للخرطوم2030-2017 ،م.
.12مسودة إستراتيجية اإلعالم بالمشاركة مع د .عباس كورينا أمين عام التخطيط
اإلستراتيجي القومي.
.13مسودة اإلستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات بسلطنة عُمان .2020-2016
.14تقديم الدعم الفني لتحويل اإلستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية
بسلطنة عُمان ،إلى واقع.
.15تطوير إستراتيجية شركة السودان القابضة للمطارات.
.16إستراتيجية جامعة أم درمان اإلسالمية.
.17المشاركة في صياغة الخطة اإلستراتيجية القومية للسودان2011-2007 ،م.
.18المشاركة في إعداد إستراتيجية جامعة الخرطوم.
649
.25التخطيط اإلستراتيجي السوداني عقب االستقالل – دراسة تحليلية منشورة ،مقدمة لمركز
دراسات الشرق األوسط وإفريقيا.
.26أثر اإلدارة اإلستراتيجية في تحقيق القدرات التنافسية العالمية.
.27التخطيط اإلستراتيجي لمؤسسات التعليم العالي وتحديات العصر – جامعة أم درمان
اإلسالمية نموذجًا.
.28مستقبل قيادة النظام العالمي في القرن الواحد وعشرين دراسة مقدمة للقوات المسلحة.
.29األبعاد االجتماعية للتخطيط االقتصادي في السودان.
.30أهمية تأسيس مجلس أعلى للتخطيط اإلستراتيجي للتعليم في الدول اإلسالمية ،دراسة
مقدمة بناء على تكليف من المنظمة اإلسالمية للتربية والثقافة والعلوم.
.31تصور حول تأسيس آلية للتخطيط اإلستراتيجي للتعليم في الدول اإلسالمية ،دراسة
مقدمة بناء على تكليف من المنظمة اإلسالمية للتربية والثقافة والعلوم.
.32المنظور اإلستراتيجي للعالقات اإلفريقية التركية ،ورقة مقدمة لمؤتمر المائدة
المستديرة ،الدورة الثامنة لمؤتمر العالقات التركية اإلفريقية.
.33المنظور اإلستراتيجي للعالقات الصينية العربية.
.34دور األستاذ الجامعي في التخطيط اإلستراتيجي ،مؤتمر االتحاد المهني ألساتذة التعليم
العالي.
.35دور إستراتيجية التعليم في تحقيق األمن القومي ،المؤتمر القومي للتعليم.
.36المنظور اإلستراتيجي إلدارة الموارد البشرية في السودان ،الدورة الثامنة لمؤتمر الموارد
البشرية.
.37التوعية األمنية من منظور إستراتيجي ،جامعة نايف العربية.
.38المنظور اإلستراتيجي للتنمية العمرانية :دراسة حالة والية الخرطوم.
.39المنظور اإلسالمي لتحقيق التنمية المستدامة.
.40التخطيط اإلستراتيجي وتحديات مستقبل العالم :نحو رؤية مفاهيمية جديدة
.41دور التخطيط اإلستراتيجي في تشكيل المستقبل السوداني ،ورقة مقدمة إلى المؤتمر
العلمي األول – كلية االقتصاد والعلوم السياسية بجامعة إفريقيا العالمية.
650
.42تقييم الفلسفة االقتصادية في السودان من منظور إستراتيجي.
.43دور الثقافة في تحقيق المصالح الوطنية :دراسة حالة السودان.
.44علم اإلستراتيجية وعلم المستقبل :دراسة مقارنة.
.45الحوار الوطني السوداني :خارطة طريق لحوار فاعل :دراسة مقدمة لرئاسة الجمهورية.
.46رؤية حول تأسيس آلية للتخطيط القومي.
.47المنظور اإلستراتيجي لمكافحة الفساد.
.48المنظور اإلستراتيجي للعالقات بين السودان ودولة جنوب السودان.
.49قراءة في قرار مجلس األمن رقم 2003لسنة :2011رؤية إستراتيجية.
.50تقييم اإلستراتيجية ربع القرنية 2031 – 2007م.
.51أثر العقوبات األمريكية على األمن اإلنساني بالسودان :دراسة مقدمة للجنة العالقات
الخارجية بالمجلس الوطني.
.52الرؤية اإلستراتيجية لنظام المعلومات القومي السوداني.
.53دراسة حول تأسيس جامعة السيسا للدراسات األمنية واإلستراتيجية :الفلسفة ،األهداف،
التنظيم اإلداري ،تمت الموافقة عليها باإلجماع في مؤتمر السيسا الذي عقد بالجزائر
2013م حول هذا الموضوع.
.54الهوية السودانية بين تراكم التاريخ وعلم تشكيل المستقبل.
.55الرؤية اإلستراتيجية لمكافحة التطرف العنيف ،ورقة مقدمة إلى منظمة اإليقاد.
.56مقترح منهج إعداد إستراتيجية األمن القومي العربي.
.57تقييم إستراتيجية دارفور للسالم.
Comment on the Sudan Human Development Report 2011 .58
مشاركات أخرى:
.1مؤسس معهد الخرطوم للدراسات اإلستراتيجية ،وهو معهد معني بإنتاج المعرفة في
المجاالت اإلستراتيجية والمستقبلية ،بجانب طرح دراسات عليا في مجال اإلستراتيجية.
.2عضو ومقرر اللجنة القومية إلعداد السياسات العامة للدولة
651
.3شارك بصورة أساسية في إعداد كتاب تحديات ومهددات األمن القومي السوداني – هيئة
المستشارين – مجلس الوزراء االتحادي .وهو أول مرجع وطني في هذا الخصوص.
.4مشارك في لجنة اإلصالح اإلداري بوزارة العمل.
.5عضو لجنة تطوير جهاز التخطيط القومي.
.6المشاركة في لجان التعليم العالي حول إجازة برامج الدراسات العليا.
.7إعداد المناهج لعدد من معاهد ومراكز الدراسات العليا المتعلقة بعلوم اإلستراتيجية.
.8إعداد الفكرة والنظام والمنهج لتأسيس مؤسسة أكاديمية تطرح برامج دراسات عليا
(ماجستير ودكتوراه) في بتركيا ".تمت اإلجازة وهي قيد التنفيذ "
.9شارك في العديد من المؤتمرات والندوات وورش العمل داخل وخارج السودان.
.10له مساهمات في نشر ثقافة التخطيط اإلستراتيجي من خالل:
▪ إعداد وتقديم برامج إذاعية وتلفزيونية.
▪ الموقع اإللكتروني الشخصي.
▪ تقديم محاضرات على مستوى القيادات والمستوى العام داخل وخارج السودان.
.11صمم ونفذ العديد من البرامج التدريبية على مستوى القيادات العليا بالدولة ،في مجال
التخطيط اإلستراتيجي القومي واإلدارة اإلستراتيجية ،أهمها:
▪ التخطيط اإلستراتيجي القومي ،المفهوم العام.
▪ اإلدارة اإلستراتيجية للدولة.
▪ التخطيط اإلستراتيجي لألمن القومي.
▪ التخطيط اإلستراتيجي االقتصادي والمالي.
▪ التخطيط اإلستراتيجي السياسي.
▪ التخطيط اإلستراتيجي للعالقات الدولية.
▪ التخطيط اإلستراتيجي للتعليم.
▪ التخطيط اإلستراتيجي الثقافي واالجتماعي.
▪ التخطيط اإلستراتيجي لإلنتاج العلمي والتقني.
652
▪ التخطيط اإلستراتيجي لإلعالم.
▪ التخطيط اإلستراتيجي في المنهج اإلسالمي.
.12قام بتدريب ما يزيد عن السبعة آالف شخص من خالل تنفيذ اكثر من 300دورة تدريبية
خالل الثمانية سنوات الماضية داخل وخارج السودان.
.13مدرب ومدرب مدربين في مجال التخطيط اإلستراتيجي واإلدارة اإلستراتيجية واألمن
القومي.
.14شارك في العديد من المؤتمرات والحلقات العلمية والندوات.
.15مستشار محلي لمنظمة الهجرة الدولية ( )IOMأكتوبر 2009لتصميم وصياغة تقرير
نصف المدة للخطة الخمسية لوالية كسال وإعادة صياغة الخطة الخمسية.
.16مستشار محلي لمنظمة ( )UNFPAأغسطس -ديسمبر 2011إلعادة صياغة
اإلستراتيجية الوطنية للشباب.
.17خبير مؤطر بالمنظمة اإلسالمية للتربية والعلوم والثقافة ،في اجتماع الخبراء لصياغة
رؤية حول تأسيس مجلس أعلى للتخطيط اإلستراتيجي للتعليم للمنظمة ،الخرطوم – 25
28أبريل 2011م.
.18ترأس فريق تطوير إستراتيجية السودان للتعليم التقني والتقاني.
.19تقديم الدعم الفني لتطوير ومراجعة العديد من اإلستراتيجيات منها (التعليم االتحادية،
الصحة االتحادية ،والية الخرطوم ،المجلس القومي للطفولة ،الهالل األحمر ...إلخ)
.20عمل كخبير وطني في لصالح المجلس القومي للسكان ،إلدماج السياسة القومية للسكان
في الخطة القومية للدولة.
.21عمل كخبير وطني في وزارة الرعاية االجتماعية ،لتطوير إستراتيجية األسرة.
653
.3صمم مناهج العديد من معاهد البحوث الدراسات اإلستراتيجية.
.4مؤسس معهد البحوث والدراسات اإلستراتيجية ،وهو أول معهد يطرح دراسات عليا
متخصصة في التخطيط اإلستراتيجي القومي في العالم العربي وفي إفريقيا.
.5مدير معهد البحوث والدراسات اإلستراتيجية – جامعة أم درمان اإلسالمية أول أبريل 2008
– أول أكتوبر 2009م.
.6أعد دراسات لتأسيس عدد من المراكز بالجامعة على سبيل تطوير األداء وتعزيز الشراكة
مع المجتمع ،منها:
أ .مركز االستشارات وجدوى المشروعات.
ب .مركز بناء القدرات والجودة الشاملة.
ج .مركز الدراسات اإلستراتيجية.
.7أشرف ويشرف على مجموعة من طالب الدكتوراه والماجستير.
.8يقوم بتدريس مواد التخطيط اإلستراتيجي بمعهد البحوث والدراسات اإلستراتيجية
بالجامعة ،كما يشارك ضمن مجلس األبحاث العلمية بالمعهد ،ويسهم باإلشراف على
بحوث الدراسات العليا.
654
جدول املحتويات
الصفحة الموضوع
4 هذا الكتاب
11 الباب األول :المفهوم العام للتخطيط اإلستراتيجي
655
656