Professional Documents
Culture Documents
يمكن تحديد المراحل األساسية التي مرت بها اإلدارة اإلستراتيجية وتطبيقاتها في مجال إدارة األعمال من
خالل تتبع المسار التاريخي لمفهوم اإلستراتيجية في سياق تطور إدارة منظمات األعمال.حيث كما ذكرنا
سابقا ظهر تطبيق مفهوم اإلستراتيجية في ميدان األعمال بصورة واضحة ،سنة ،1951عندما أشار كل
من( )Newman & Morgenstreإلى طبيعة وأهمية اإلستراتيجية في التخطيط للمشروع االقتصادي.
و عرفت فترة الستينات من القرن الماضي الصياغة األولى إلستراتيجية المؤسسة ولنظام التسيير
االستراتيجي كنموذج فكري وعملي انبثق أساسا من محاضرات السياسة العامة (بجامعة هارفارد) إلدارة
األعمال حيث يعتبر النموذج الذي اقترحه كل من (، )Learned,Christiansen, Andrews, Guth
أساتذة بجامعة هارفارد والذي يحمل اسم ( )L.C.A.Gنسبة إلى األحرف األولى من أسماء األساتذة،
من بين أهم النماذج المساعدة في اتخاذ القرارات اإلستراتيجية
و يحتل العمل الرائد ل Kenneth R. Andrewsفي كتابهThe concept of corporate strategy
مكانة بارزة في تشكيل حقل اإلدارة اإلستراتيجية .وقد استخدم Andrewsالمدخل المعروف
( )uni - directionالذي يتكون من عدد من العمليات المحددة ذات الخطوات الواضحة والنتائج
المترابطة مثل التحليل البيئي الختبار وتطبيق اإلستراتيجية ،إن جوهر هذا المدخل الذي يعرف بمدرسة
"التصميم"* يعتمد على أساس النظر إلى اإلستراتيجية على أنها محور امتزاج القدرات التنظيمية
والفرص في داخل البيئة التنافسية ،وفي الغالب يستخدم تحليل *SWOTأي تحليل عناصر القوة
والضعف ،الفرص والمخاطر( التهديدات) لتحقيق هذا الغرض.
وقد ساهم كتاب آخرون من أمثال Mintzberg, Anssof, Miles Snow, Hamermeshفي تطوير
مدرسة التصميم واإلدارة اإلستراتيجية نظريا وتطبيقيا .وفي هذا السياق ظهرت نماذج تحليل محفظة
األعمال وفي مقدمتها :مصفوفة بوسطن االستشارية ،BCGمصفوفة جنرال إلكتريك ،GEو نموذج
Mckinseyللمتغيرات السبعة و الخاص بتطبيق اإلستراتيجية و أدوات أخرى اقل استخداما
إال أنه لم تعد نماذج تحليل محفظة األعمال وغيرها من األدوات التحليلية كافية في مواجهة تعقيدات
بيئة األعمال المتغيرة ولم يصبح بمقدور هذه النماذج االستجابة لمتطلباتها وتحدياتها.ففي مطلع
الثمانينات من القرن الماضي ،قدم ( )Porterنموذجا جديدا في كتابه المعروفCompetitive :
،Strategy" "Techniques for Analyzing Industries and Competitorsو الذي يحدد فيه
[]Tapez le titre du document
حالة المنافسين داخلها ،ويضع سياقًا لسلوك المنظمات(استراتيجياتها) ،وأطلق عليه اسم القوى الخمس
ل )M. Porter(:المؤثرة في هيكل المنافسة وربحيتها ،كما قام بتكوين اإلستراتيجيات التنافسية التي
تسعى إلى تحقيق ميزة تنافسية مؤكدة ومتواصلة.
ومع بداية العقد األخير من القرن العشرين ظهرت مفاهيم جديدة ،كمفهوم الكفاءات المحورية والمنافسة
على القدرات و مدخل الموارد ،التي غيرت اتجاه استراتيجيات األعمال من خالل تركيزها على
المهارات والموارد التنظيمية ،و على كفاءة اإلدارة في إدارة و توجيه الموارد.
و من ناحية أخرى ،اتجه اهتمام العلماء و الباحثين بشكل متزايد بعمليات تطبيق اإلستراتيجية بكفاءة و
فعالية ،باعتبار أن تطبيق اإلستراتيجية يكون في معظم األحيان أكثر صعوبة من صياغتها .و بطبيعة
الحال فإن هذا االنشغال الكبير بتطبيق اإلستراتيجية على مختلف مستوياتها يرتبط بالتغيرات الديناميكية
ذات السرعة الهائلة في بيئة المنظمات وكيفية مواجهتها .و يهدف هذا االهتمام بفعالية اإلدارة
اإلستراتيجية وكفاءة تطبيق اإلستراتيجية إلى وضع عمليات اإلدارة اإلستراتيجية في الوقت الحقيقي
للعمل اإلداري ،لذلك ظهرت أساليب إدارية متطورة من بينها :إعادة هندسة العمليات (الهندرة) ،إدارة
الجودة الشاملة ،القياس المقارن .حيث إن هذه المداخل توفر أدوات جديدة في التحليل و االختيار
اإلستراتيجي ،وهذا لضمان مزيد من الفعالية لإلدارة اإلستراتيجية.
من هنا نالحظ أن تطور الجهود النظرية و التطبيقية للفكر اإلستراتيجي اإلداري قد أسهم في تطوير و
تحسين نموذج اإلدارة اإلستراتيجية من خالل تقديم أدوات تحليلية جديدة و إعادة صياغة النموذج من
جديد في كل مرحلة إستراتيجية لمتغيرات بيئة المنظمة.
وبشكل آخر ،توضح إسهامات الكتاب في مجال اإلدارة اإلستراتيجية أن الفكر اإلداري في هذا الصدد
قد تطور من خالل أربعة مراحل يمكن التعرض لها على النحو التالي :
إن بروز نظام الموازنات والرقابة يرجع إلى بداية العشرينات من القرن العشرين ،ففي تلك الفترة
كانت المؤسسات االقتصادية تعمل على إعداد وتنفيذ الموازنات السنوية ،مع محاولة تحليل وتصحيح
االنحرافات عن تلك الموازنات ،عادة ما يتم وضع الموازنة السنوية في األجل القصير بحيث ال يتعدى
السنة .وقد استعملت الموازنات كتقنية فعالة لتنفيذ اإلستراتيجية ،بسبب قدرة المدير التنفيذي على
استيعاب المتغيرات البيئية؛ التي تميزت بالبساطة والبطء النسبي للتغيرات الحاصلة فيها ،وهذا ما قاد
[]Tapez le titre du document
باحثي واقتصاديي تلك الفترة إلى االعتقاد بأن الماضي سوف يعيد نفسه ،أي أن االنحرافات التي حدثت
في الوقت الحالي سوف تتكرر مستقبال .ويمكننا أن نطلق على هذه المرحلة "الفترة الخافتة " في
دراسات وممارسات اإلدارة اإلستراتيجية نظرًا لعدم وضوح معالمها الرئيسة وأبعادها الجوهرية.
و من بين أهم الدراسات اإلدارية المتعلقة باإلستراتيجية في فترة الخمسينات:
-عمل ( )Drucker, 1954على تطوير نظرية لإلدارة تقوم على األهداف عرفت بنظرية "اإلدارة
باألهداف" ،حيث اعتبر Druckerأن المنظمة بدون أهداف كالسفينة بدون ربان.
-ثم وضع ( )Selznick, 1957األساس لبعض المفاهيم األساسية الخاصة بالمدرسة التصميمية ،و
التي أشار فيها Selznickإلى أن اإلدارة عندما تضع أهدافها البد و أن تأخذ بالحسبان ما تستطيع
المنظمة عمله و إلى حد ما يتعين عليها عمله.
وبشمل عام يمكن القول أن التغييرات التي حصلت في بيئة األعمال و زيادة عدد المنظمات و األسواق
قد جعلت من الصعوبة االعتماد على هذا النوع من التخطيط .
هذه المرحلة في الستينات من القرن الماضي ،و تميزت باالعتماد على التخطيط الطويل األجل و القائم
على التحليل البيئي و التنبؤ لسنوات طويلة قادمة فضال عن وجود توزيع ثابت للموارد في استجابة
المنظمة لمتطلبات النمو .حيث أن تزايد عدد المنتجات و األسواق و التغييرات االقتصادية و
التكنولوجية المتسارعة أدى إلى استخدام وسائل متقدمة للتنبؤ بالتغييرات الحاصلة في البيئة الخارجية.
ومن بين أهم تلك الوسائل :تحليل االتجاه العام ،نماذج االرتباط ،و نماذج المحاكاة باستخدام الحاسوب.
وهذا التحول في مفهوم التخطيط أدى بدوره إلى تحسن واضح في فاعلية القرارات اإلستراتيجية من
خالل قيام اإلدارة بدراسة األبعاد و التأثيرات المحتملة على القرارات التي تتخذها على المدى البعيد.
كما تميزت هذه المرحلة بوضوح الرؤيا لماهية اإلستراتيجية ( الفترة المنيرة ) .فقد ساهم عدد من
الكتاب و الباحثين في تطوير مفهوم اإلستراتيجية خالل تلك الفترة جاء في مقدمتهم (Chandler,
)1962في كتابه ") Strategy and Structure"، ( Ansoff, 1965في عمله "Corporate
،"Strategyو ( )Andrews,1971في " "The Concept of Corporate Strategyبوضع
[]Tapez le titre du document
األسس الرئيسة لمفهوم اإلستراتيجية ،ذلك بتحديد الحاجة إلى مزج ومقابلة ما يتيحه المحيط من فرص
مع الموارد التنظيمية.
بالرغم من الدراسات التي قام بها كل من Andrews ،Chandler ، Ansoffمع بداية الستينات ،إال
أنها لم تدخل حيز التنفيذ إال مع بداية السبعينات ،ليتوسع بذلك مفهوم اإلستراتيجية والتخطيط طويل
المدى من خالل الربط بين المؤسسات االقتصادية وبيئتها ،فقد تمكن Ansoffمن وضع نموذج
SWOTالذي يقوم على تحليل الفرص والتهديدات التي يفرضها المحيط ،و تحديد نقاط القوة والضعف
الداخلية للمؤسسة.
كما قامت بعض المكاتب االستشارية األمريكية المتخصصة بتطوير مجموعة من األدوات والنماذج
لمساعدة المؤسسات االقتصادية في تقييم وصياغة إستراتيجياتها ،وكذا تحليل محافظ أنشطتها والنشاط
الصناعي.
فقد أدت عملية التخطيط االستراتيجي التي ميزت تلك المرحلة إلى تنوع الفرص و تعدد الخيارات
المتاحة أمام المنظمة و ما يترتب عليها من اختالف العوائد و المخاطر المرتبطة بكل خيار من تلك
الخيارات ،األمر الذي زاد من أعباء اإلدارة العليا للمنظمة و دفعها باتجاه دراسة إمكانية مشاركة
اإلدارات الوظيفية في الحصول على المعلومات الالزمة لالختيار بين السبل المتاحة و العمل على
تنفيذها ،بمعنى ربط عملية التخطيط االستراتيجي و اإلدارة في عملية واحدة.
رابعا :مرحلة اإلدارة اإلستراتيجية
تميزت هذه المرحلة ،التي ابتدأت في عقد الثمانينات من القرن الماضي وال زالت مستمرة حتى وقتنا
الراهن (المرحلة المعاصرة) ،بالعمل على الربط بين عملية التخطيط االستراتيجي و اإلدارة في عملية
واحدة لمعالجة اإلخفاقات التي لحقت بالمنظمات بسبب تركيزها على عملية صياغة اإلستراتيجية دون
االهتمام بعملية التنفيذ .حيث تقوم المنظمة في هذه المرحلة باستغالل وتسيير مواردها بكفاءة وفعالية
بهدف تحقيق ميزة تنافسية ومن أهم األبعاد المميزة لهذه المرحلة :
-وضوح الرؤية المستقبلية للمنظمة وتحديد واضح لرسالتها وأهدافها وغاياتها؛
-اإلستراتيجية أصبحت وسيلة لتحقيق تماسك التنظيم داخليا وخارجيا ،وعالقته بالمحيط؛
[]Tapez le titre du document
-تزايد أهمية التحليل االستراتيجي للوقوف على عناصر القوة والفرص والتهديدات التي تواجهها
المنظمة.
المصدر :طاهر محسن منصور الغالبي ،وائل محمد صبحي إدريس ،اإلدارة اإلستراتيجية منظور
منهجي متكامل ،دار وائل للنشر ،عمان ،ط ،2007 ،1ص.64 :