You are on page 1of 10

‫مبدأ الشورى في نظام الحكم بدولة األمير عبد القادر الجزائري‬

‫(‪1848-1832‬م)‬
‫أ‪ /‬الزين محمد‬ ‫د‪ /‬صالح بوسليم‬

‫جامعة سيدي بلعباس‬ ‫المركز الجامعي بغرداية‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم ‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين‪،‬‬
‫السيدات والسادة الحضور الكريم؛ السالم عليكم ورحمة هللا تعالى وبركاته وبعد‪،‬‬

‫اليسعنا في بداية هذه المداخلة إال أن نتقدم بالشكر الجزيل إلى مؤسسة األمير عبد القادر‪ -‬فرع سيدي‬
‫بلعباس و مخبر الجزائر‪ :‬تاريخ ومجتمع في الحديث والمعاصر بجامعة سيدي بلعباس على تنظيم هذا‬
‫الملتقى الوطني الموسوم بـ‪" :‬الفكر الوطني واالستقاللي عند األمير عبد القادر"‪ .‬وأملنا أن يكون هذا اللقاء‬
‫العلمي فرصة ثمينة لخلق فضاء علمي للتواصل بين الباحثين المهتمين بتاريخ األمير عبد القادر‪ .‬وآثرنا‬
‫أن تكون هذه المساهمـة المتواضعة ‪،‬ضمن محور الحكم الراشد أو الحاكمية عند األمير عبد القادر‪.‬‬

‫وجدير بالذكر أن بيعة األمير عبد القادر قد اكتست طابعا ً وطنيا ً وصبغة شرعية؛ لكونها شملت‬
‫العديد من قبائل المغرب األوسط‪ .‬فكانت بحق والدة جزائر جديدة أساسها نظام عادل؛ يتم فيه اختيار‬
‫الحاكم لمؤهالته‪ ،‬ولرضا العامة عنه‪.‬‬

‫وقد استطاع أن يُحقق العديد من االنتصارات في مواجهته للعدو؛ فضالً عن منجزاته داخل الوطن‬
‫وخارجه‪ ،‬فشَهد له بذلك األعداء قبل األصدقاء‪.‬‬

‫لقد كان ظهور األمير عبد القادر على مسرح األحداث‪ ،‬وتوليه مقاليد األمور في ظروف صعبة؛ نقلة‬
‫نوعية في ممارسة السلطة في تاريخ الجزائر‪.‬‬

‫وسنحاول في هذه الورقة البحثية إبراز أهمية مبدأ الشورى في دولة األمير عبد القادر‪ ،‬ولعل هذا ما‬
‫يدفعنا إلى البحث لإلجابة عن التساؤل اآلتي‪:‬‬

‫رغم الصالحيات الكثيرة التي كان يتمتع بها األمير عبد القادر؛ إال أنه فضل إقامة مؤسسات في شكل‬
‫مجالس للتشاور‪ .‬فكيف يمكننا تفسير اهتمامه البالغ بمبدأ الشورى من حيث مؤسساتها وصالحياتها‬
‫المتكاملة ؟‪.‬‬

‫وسنحاول توضيح جوانب من اإلجابة من خالل النقاط التالية‪:‬‬

‫أ)‪-‬البيعـة األميـرية العا ّمـة والخاصـة‬

‫ب) ‪ -‬مفهوم الشورى في اإلسالم‬

‫ج) ‪ -‬بين الشـورى والبيعـة‬


‫د) – مؤسسات الشورى في دولة األمير‬
‫هـ) مبدأ الشورى في نظام الحكم بدولة األمير‬

‫أ)‪ -‬البيعـة األميـرية العامّـة والخاصـة‪:‬‬


‫بُويع األمير عبد القادر‪ 1‬بن الشيخ محي الدين ألول مرة في يوم ‪03‬رجب ‪1248‬هـ‪ 27 /‬نوفمبر‬
‫‪1832‬م بموقع الخريصة بوادي فروحة عند شجرة الدرداء من بالد غريس‪ ،‬وذلك بعد مرور عامين من‬
‫مقاومة وهران التي قادها والده الشيخ محي الدين ؛دون أن يحمل ابنه الشاب المجاهد لقب زعيم‪ ،‬أو أمير؛‬
‫بل قادها باسم الجهاد‪.2‬‬

‫لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح‪ ،‬هو لماذا اختارت القبائل عائلة محي الدين؟‬

‫لع ّل سبب اختيار القبائل لعائلة محي الدين دون سواها من أشرف القبائل األخرى‪ ،‬يكمن في أسباب‬
‫عدّة‪ ،‬نذكر من بينها‪:‬‬

‫‪ِ -‬ل َكون الشيخ محي الدين وابنه من فئة المرابطين ورئِي َ‬
‫سيْن للزاوية القادرية‪ ،‬و ُمقدّم للطريقة القادرية‪ 3‬؛‬

‫لم شمل القبائل؛‬


‫‪ -‬ضرورة اختيار حاكم يعمل على َ‬
‫‪ -‬تعاطف الناس مع عائلة الشيخ محي الدين؛ خاصة بعد أن ت ّم احتجاز والد األمير بوهران من طرف‬
‫األتراك العثمانيون في سنة ‪1821‬م‪ ،‬لذا تر ّجوه لرفع راية اإلسالم والدفاع عن حرية العرب‪.4‬‬

‫سلطانا عليهم‪ ،‬نظرا ً لمكانته السامية من‬


‫ووجهت البيعة في بادئ األمر ألبيه الشيخ محي الدين ليكون ُ‬
‫ضعف صحته و ِكبر سنّه‪ ،‬واقترح‬ ‫جهة‪ ،‬ولنسبه الشريف وانتمائه ألهل البيت من جهة أخرى‪ ،‬لكنه اعتذر ل َ‬
‫عليهم أن تكون السلطة مو ّجهة البنه عبد القادر‪ ،‬فوافق الجميع على هذا االقتراح‪ .‬وكان عبد القادر آنذاك‬
‫يقود معركة ضد الجيش الفرنسي في المكان المسمى " حصن فليب" فبعثوا إليه وبايعوه رسميا‪ ،‬وهو‬
‫شاب لم يتجاوز الرابعة والعشرين من العمر‪.5‬‬

‫وت ّم تحرير وثيقة البيعة وجعلوا ِكتابة الصك لمحمد بن عبد القادر الشهير بابن آمنة خال األمير وكانت‬
‫كما يلي‪ ( :‬بسم هللا الرحمان الرحيم وصلى هللا على سيدنا محمد الذي ال نبي بعده‪ .‬والحمد هلل الذي جعل‬
‫كلمة المسلمين‪ .‬والصالة والسالم على سيد المرسلين وآله وأصحابه أجمعين‬
‫سلطان َما ال يَحْ ِمي بالقرآن "‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فقد قال صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬إن هللا يَحْ ِمي بال ُ‬
‫هذا في الزمن الذي فاض فيه العدل‪ ،‬ونضب فيه الجهل‪ .‬فما بالك بزماننا الذي كثر فيه الباطل وانتشر‪،‬‬
‫وخفي فيه الحق‪ ،‬ولم يظهر له أثر حتى أن أعداء هللا الكافرين ملكوا كثيرا ً من بالد اإلســالم وتشت ّت الكلمة‬
‫واختل النظام‪ ،‬ولم يجد النّاس لقتالهم سبيال‪ ،‬وال من يكون للجهاد دليال‪ ،‬فلجأوا إلى هللا تعالى‪ .6) ..‬وسألوه‬
‫أن يُسيّر لهم من يقوم بأمر دينهم‪ .‬فما وجدوا من تتفق عليه كلمة أهل العقد والحل سوى السيد محي الدين‬
‫بن مصطفى بن المختار‪ِ ،‬لكماله وكثرة ما عنده من األعـوان واألنصار فطلبوا منه أن يبايعوه‪ ،‬على السمع‬
‫والطاعة‪ ،‬ورأى أن النظر في هذا األمر قد تعيّن عليه‪ ،‬ورأى أن ولده مستعد لهذا األمر فحينئذ وافقهم على‬
‫نصبه ونصرته لكونه ذا حزم وعزم وشجاعة وعقل سليم ‪ ،‬صالحا ً لتنفيذ األحكـام‪ .‬فاجتمع أهل الحل‬
‫والعقد‪ ،‬وبايعـوه من غير طلب منه لإلمارة‪ ،‬وال متابعة للنفس األ ّمارة‪ ،‬بل بايعوه رغما ً عليه‪ ،‬وطالبوا‬
‫سلوا إليه برسول هللا صلى هللا عيه وسلم مدة ً تزيد عن سنتين؛ فوافقهم على بيعة ولده‬ ‫والـده باهلل‪ ،‬وتو ّ‬
‫تطبيقا لخواطرهم ورعايـة لرفع الظلم عن الضعيف‪ ،‬ودفعا للفساد والتعنيف فحضر البيعة جميع أهل‬
‫غريس ‪ ،‬وأعلنوا جميعا بطاعته ونصرته والرعاية له بحيث أنهم يحمونه بما به أنفسهم وأموالهم أن‬
‫ينصروا نصـرا ً مؤزرا ً‪ ،‬وأتفق علماء اإلقليم على بيعته وطاعته‪ ،‬ولم يخالف منهم أحد‪ ،7‬وهم في حال‬
‫طوعهم واختيارهم‪ ،‬وفرحوا به أشد الفرح؛ نظرا للسمعة التي كان يتمتع بها عبد القادر‪ ،‬وفي هذا الصدد‬
‫يقول عنه صاحب كتاب (طلوع سعد السعود) ‪ ":‬قد بانت شجاعته‪ ،‬وطار صيته وانتشر في اآلفاق بسبب‬
‫الوقائع الجهادية التي شـارك فيها تحت قيادة والده‪ 8".‬ويؤكد ذلك صاحب كتاب(تحفة الزائر) حيث‬
‫يقول‪ ":‬رأى أن ولده المنوه به قد بلغ أشده وترشح لإلمارة وتأهل لها‪،‬واستكملت فيه شروطها من الهدى‬
‫وعلو الهمة وقوة الحواس‪ ،‬وكمال الخلق وجمال الصورة‪ ،‬وشرف النسب‪ ،‬وعزم القوم والقوة والفتوة‬
‫والعلم والحكمة والحماسة والسماحة والعزم والحزم والتحفظ واالتقاء‪ ،‬واالرتفاع ومكارم األخالق‬
‫ومحاسنها‪9".‬‬

‫وقد ورد في آخر نص وثيقة البيعة األميرية ذكر أسماء من حضر من العلماء واألشراف‪ ،‬منهم السيد‬
‫األعرج السيد محمد بن حوا بن يخلف وأخواته‪ ،‬والسيد محمد بن الثعالبي‪ ،‬والسيد عبد الرحمان بن حسن‬
‫وأخواته‪.10‬‬ ‫الدحاوي‬
‫وعند انتهاء مراسيم البيعة صحبه والده إلى حاضرة اإلمارة بمدينة معسكر‪ ،‬وهناك استقبله الناس‬
‫استقباال حارا وكانت فرحتهم ال تقدر مسرورين به بما عرف عنه من كفاءة ومقدرة‪ ،‬وهناك خطب في‬
‫الناس‪ ،‬ودعاهم لحضـور البيعة العامـة (الشعبية)‪ ،‬وكانت في يوم ‪ 13‬رمضـان ‪1248‬هـ‪04/‬‬
‫فيفري‪1833‬م‪ .11‬كما أمرهم بإذاعة خبر بيعته بين أنحاء قطر الجزائر‪.‬‬

‫وقد ت ّمت البيعة الثانية‪ ،‬بعد انعقاد مجلسها؛ إذ حضرها جمع غفير من سائر الجهات‪ ،‬فكانت بيعته‬
‫كاملة وتامة بموافقة الجميع‪.12‬‬

‫ورغم ثقل األمانة الموكلة إليه؛ إال أن األمير عبد القادر تولى األمر‪ .‬وفي ذلك تستوقفنا اآلية الكريمة‬
‫الجبَا ِل فَأَبَيْنَ أ َ ْن‬ ‫ت َواأل َ ْر ِ‬
‫ض َو ِ‬ ‫ضنَا األ َ َمانةَ َ‬
‫علَى الس َم َاوا ِ‬ ‫التي قال فيها الحق سبحانه وتعالى‪ :‬إنا َ‬
‫ع َر ْ‬
‫ظلُو ًما َج ُهوالً‪13‬‬
‫ان ِإنهُ َكانَ َ‬
‫س ُ‬ ‫يَحْ ِم ْلنَ َها َوح َملَ َها ِ‬
‫اإل ْن َ‬
‫لذا فإن األمير عبد القادر يُعد بحق أول من التزم برأي الجماعة في قبول المسؤولية‪ ،‬والتي تأبى الجبال‬
‫حملها تلبيةً لرغبة والده‪ِ ،‬برا ً به‪ ،‬ورأفة باألرض المغتصبة ‪ .‬وهكذا يبرز األمير عبد القادر في الميدان‬
‫ليجد نفسه ُمرغما على قبول هذا المنصب‪،‬وبالتالي فهو مسؤول على محاربة العدو وإخراجه من البالد‪،‬‬
‫وهذا لن يتم إال بعد أن يشكل دولته فيهتم بعدها بتسيير شؤونها‪ ،‬وتنظيمها بانتهاجه لسياسة محكمة شملت‬
‫شتى الجوانب من تنظيمات إدارية وعسكرية‪.14‬‬
‫ب) ‪ -‬مفهوم الشورى في اإلسالم ‪:‬‬

‫المدلول اللغوي‪:‬‬
‫شورى والمشورة بضم الشين‪،‬‬ ‫الشورى والمشورة واالستشارة‪ ،‬واإلشارة‪ ،‬مصادر الفعل‪ :‬شَور‪ ،‬وهي ال ُ‬
‫فالن خير شير‪ ،‬أي – يصلح للمشاورة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وهي مصدر ونقول‪ ،‬شَاورته في األمر‪ ،‬أي طلبت رأيه‪ ،‬ونقول‪:‬‬
‫واستشارته‪ ،‬أي طلب منه المشورة‪ .‬ونقول أشار الرجل – أي يشير إشارة ً إذا أدما بيده‪ .15‬ويقال‪ :‬شار‬
‫شور‪ ،‬أو شيارة ً ومشارا ً أي استخرجه من الوقب ِة‪ .‬ويقال‪ :‬الشارة والشور والشيار والشوار‪ ،‬أي‬
‫ً‬ ‫العس ُل‬
‫الحسن والجمال والهيئة واللباس والزينة‪ .16‬وهو أقرب المدلوالت اللغوية إلى مرادنا من مفهوم الشورى‪،‬‬
‫ش ْهد استخالص الرأي الراجح من الشورى‪.‬وقد تضمن المدلول اللغوي للشورى‪:‬‬ ‫حيث يقابل استصفاء ال َ‬
‫إبداء الشيء(الرأي) وعرضه؛‬ ‫‪-‬‬
‫وإظهاره‪ ،‬وهي مرحلة أعلى من اإلبداء؛‬ ‫‪-‬‬
‫واتصاف الرأي المعروض بالحسن واالستنارة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أما المدلول االصطالحي‪ ،‬كاجتماع الناس على أمر ما لتداول الرأي‪ ،‬واستخالص الصواب في‬
‫المسائل المعروضة الستصدار القرار‪.‬وقولهم‪ :‬ترك عمر الخالفة شورى‪،‬أي متشاورا فيها‪.17‬‬
‫وجدير بالذكر أن المرجعية األولى في استمداد مبادئ الشورى هو القرآن الكريم‪ ،‬لقوله تعالى‪ :‬فَ ِب َما‬
‫ع ْن ُه ْم َوا ْست َ ْغ ِف ْر لَ ُه ْم َوشَا ِو ْر ُه ْم‬
‫ْف َ‬ ‫ظ ْالقَ ْل ِ‬
‫ب الَنفَضُّواْ ِم ْن َح ْولِكَ فَاع ُ‬ ‫غ ِلي َ‬
‫ظا َ‬‫اّللِ لِنتَ لَ ُه ْم َولَ ْو ُكنتَ فَ ًّ‬
‫َرحْ َم ٍة ِ ّمنَ ّ‬
‫اّللَ ي ُِحبُّ ْال ُمت ََو ِ ّك ِلين‪ .18‬وهو أمر هللا تعالى لرسوله الكريم صلى‬ ‫علَى ّ‬
‫اّللِ إِن ّ‬ ‫عزَ ْمتَ فَت ََوك ْل َ‬ ‫فِي األ َ ْم ِر فَإِذَا َ‬
‫هللا عليه وسلم أن يشاور أصحابه‪ ،‬وهو أمر للوجوب كما يدل السياق‪.‬‬
‫وقال تعالى في وصف المسلمين؛ بأن جعل الشورى من صفاتهم‪َ  :‬والذِينَ ا ْست َ َجابُوا ِل َر ِبّ ِه ْم َوأَقَا ُموا الص َالة َ‬
‫ورى بَ ْينَ ُه ْم َو ِمما َرزَ ْقنَا ُه ْم يُن ِفقُون‪ .19‬ولعظمة األمر بالشورى جعلها اإلسالم صفة من صفات‬ ‫ش َ‬‫َوأ َ ْم ُر ُه ْم ُ‬
‫المسلمين ‪ ،‬وقرنها بالصالة الركن الثاني ‪ ،‬إذ قرنها باإليمان والصالة والزكاة ‪.‬كما أن المشاركة في المال‬
‫شطر من المشاركة في الرأي ‪ ،‬وبذلك ارتبطت الشورى بالعدالة االجتماعية ‪ ،‬م ّما جعلها مبدأ ً اجتماعيا ً‬
‫شامالً‪ ،‬وليس مجرد مبدأ سياسي ‪ ،‬ولذلك البدّ أن يتربى عليها اإلنسان ‪.‬‬
‫واألمر بالشورى عام‪ ،‬يشمل كل الشؤون العامة في حياة األفراد والجماعات والدول‪ ،‬السياسية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية والثقافية وغيرها‪.‬‬

‫ج) ‪ -‬بين الشـورى والبيعـة‪:‬‬


‫ت ُ َعدّ البيعة من مباحث الشورى‪ ،‬من حيث يجري اختيار الحاكم وفق الشورى‪ ،‬سواء في البيعة‬
‫الخاصة من أهل الحل والعقد‪ ،‬وهذه تقتضي الشورى الخاصة بينهم‪ ،‬أو في البيعة العامة‪ ،‬وهي تعبير عن‬
‫الشورى العامة‪.‬‬

‫أن تكون الشورى مقدّمة للبيعة‪ ،‬حتى يكون اختيار الحاكم عن رضا وقبول من الخاصة‬ ‫والمعول عليه‪ ،‬هو ْ‬
‫ّ‬
‫والكافة‪ .‬وفي عقد البيعة نفسه ما يحد من استبداد الحكم الفردي ‪ ،‬حيث يلتزم الحاكم بطاعة هللا تعالى‪،‬‬
‫سنّة وإجماعا ً ‪ ،‬كما يلتزم المحكومون بطاعة ولي األمر ما دام هو‬
‫وذلك بطاعة أمره في الشرع‪ ،‬قرآنا ً و ُ‬
‫طائعا ً هلل تعالى‪.‬‬

‫عب َر الخليفة األول أبو بكر الصديق ‪ ‬عن عقد البيعة بقوله من خطبته األولى عقيب مبايعته‪" :‬‬
‫وقد َ‬
‫أطيعوني ما أطعت هللا فيكم‪ْ ،‬‬
‫فإن عصيته فال طاعة لي عليكم "‪.20‬‬

‫وهو عقد من أرفع مبادئ الحكم الصالح ‪ ،‬حيث الحاكم والمحكوم كالهما محتكمان لمرجعية دستورية‬
‫واحدة ‪ ،‬هي مناط العدل واإلحسان‪.‬‬

‫والمراد بالبيعة في هذا المقام؛ أنها عقد وميثاق وعهد بالقول‪ .‬وربما مع المصافحة‪ ،‬أو الكتابة على التزام‬
‫الطاعة واجتناب المعصية‪.‬‬

‫والناظر في السيرة النبوية يجد فيها ّ‬


‫أن البيعة تقع بثالث صور‪:‬‬
‫األولى‪ :‬بيعة المقالة‪ ،‬وتكون بالقول‪ ،‬وهي األصل والغالب في البيعات‪ ،‬وقد تكون معها مصافحة‪ ،‬أو‬
‫معاهدة برفع األيدي‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬بيعة الوكالة‪ ،‬ولها أمثلة كبيعة العقبة‪ ،‬وبيعة ضماد ‪ ‬عن قومه‪ ،‬فقد جاء إلى النبي ‪ ‬فقال له‪:‬‬
‫علَى قَ ْو ِمي)‪.21‬‬
‫علَى قَ ْو ِمكَ ؟ قَالَ‪َ :‬و َ‬
‫سو ُل اّللِ‪َ : ‬و َ‬
‫ْالم‪ ،‬قَالَ‪ :‬فَبَايَعَهُ فَقَا َل َر ُ‬
‫اإلس ِ‬ ‫ت يَدَكَ أُبَايِعْكَ َ‬
‫علَى ِ‬ ‫(هَا ِ‬

‫والثالثة‪ :‬بيعة الكتابة‪ ،‬كبيعة عبد هللا بن عمر ‪ -‬رضي هللا عنهما ‪ -‬لعبد الملك بن مروان حيث كتب إليه‬
‫ع ْب ِد ْال َم ِل ِك أ َ ِمي ِر ْال ُمؤْ ِمنِينَ ‪،‬‬ ‫يعلن لـه ببيعته وبيعة أبنائه‪ ،‬فقال في كتابه‪" :‬إِ ِنّي أُقِ ُّر بِالس ْمعِ َوالطا َ‬
‫ع ِة ِلعَ ْب ِد اّللِ َ‬
‫ط ْعتُ ‪َ ،‬و ِإن بَ ِني قَ ْد أَقَ ُّروا ِبذَلِكَ "‪.22‬‬
‫سو ِل ِه ِفي َما ا ْست َ َ‬
‫سن ِة َر ُ‬ ‫علَى ُ‬
‫سن ِة اّللِ َو ُ‬ ‫َ‬
‫إن هذه البيعة يمكن تكرارها وتجديد العهد بها بين الناس من وقت آلخر ومكان آلخر‪ ،‬على ّ‬
‫أن انعقاد‬ ‫ثم ّ‬
‫البيعة العامة بصيغها المعروفة واجتماع الناس عليها ال يمنع من تأكيدها وتجديدها باستخدام كل وسائل‬
‫قياس الرأي‪ ،‬واالنتخاب‪ ،‬واالختيار‪ ،‬واالستفتاء‪ ،‬وخاصة إذا كان ذلك مما التزمه الناس‪ ،‬أو اعتادوه‪ ،‬أو‬
‫استحسنوه‪.‬‬
‫والبيعة على تعدد صيغها ومناسباتها محكومة كلها ببيعة اإلمام ذي السلطان والشوكة والقوة‪ ،‬الحارس‬
‫للثغور‪ ،‬المطبق ألحكام الشريعة اإلسالمية‪ ،‬المقيم لحدود هللا‪ ،‬وهو الذي تجب طاعته في المنشط والمكره‪،‬‬
‫وطاعته حينئذ من طاعة هللا تعالى وطاعة رسوله ‪.‬‬

‫وتُعَدُّ البيعة لجماعة إسالمية من أجل َردّ األمة إلى أصولها وتحكيم شرع هللا من باب البيعة الصغرى‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فمتى قامت الدولة‪ ،‬وبُويع إمامها‪ ،‬لزم الجماعة نفسها وقيادتها‪ ،‬بالغا ً ما بلغ جهدهم في قيام هذه‬
‫الدولة‪ ،‬لزمهم جميعا ً الدخول في هذه البيعة الكبرى والتزام أحكامها ومقتضياتها‪ ،‬لكونها حاكمة على البيعة‬
‫الصغرى وما اتصل بها من العهود والمواثيق‪.‬‬

‫أن ينقض عهده مصداقا لقوله تعالى‪َ :‬وأ َ ْوفُواْ بِ ْالعَ ْه ِد‬ ‫ويجب على المسلم الوفاء بالعهد‪ ،‬وال يجوز لمن بايع ْ‬
‫إِن ْالعَ ْهدَ َكانَ َم ْسؤُوالً‪ .23‬وقوله تعالى في محكم التنزيل‪:‬يَا أَيُّ َها الذِينَ آ َمنُواْ أ َ ْوفُواْ بِ ْالعُقُو ِد‪ .24‬و قوله‬
‫سو َل َوأ ُ ْو ِلي األ َ ْم ِر ِمن ُك ْم‪.25‬‬
‫اّللَ َوأ َ ِطيعُواْ الر ُ‬
‫تعالى‪:‬يَا أَيُّ َها الذِينَ آ َمنُواْ أ َ ِطيعُواْ ّ‬

‫واقتدا ًء بسيرة المصطفى ‪ ، ‬انطلق عبد القادر بن الشيخ محي الدين مجتهدا لتطبيق مبادئ الشريعة‬
‫قرر األمير في خطبة ألقاها على الحاضرين برنامج دولته‪ ،‬القائم على‬‫اإلسالمية‪ .‬فبعد البيعة األولى ّ‬
‫اعتماد القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة مصدر كل تشريع‪ ،‬وتمثل ذلك فيما يلي‪:26‬‬

‫السمع والطاعة؛‬ ‫‪-‬‬


‫الثبات على الجهاد إلعالن كلمة هللا ودينه؛‬ ‫‪-‬‬
‫الكفاح ضد العدو دفاعا عن الوطن‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وانطالقا من هذا‪ ،‬اعتبرت البيعة ُملزمة للجميع‪ ،‬وصار عبد القادر بن محي الدين أميرا مكلفا بإقامة‬
‫الحدود الشرعية‪.27‬‬

‫ومن خالل استقرائنا لنص البيعة األولى‪،‬يمكننا أن نسجل مايلي‪:‬‬

‫حرص األمير عبد القادر على تجسيد مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ويأتي في مقدمتها العدل ألنه‬ ‫‪-‬‬
‫أساس الملك‪.28‬‬
‫العمل على تنظيم الجهاد‪ ،‬وهو ما يتطلب تضافرا للجهود من كافة فئات الشعب وأطيافه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إقامة دولة على مبدأ الشورى‪ ،‬وتقديم النظام الستتباب األمن‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وجدير بالذكر‪ ،‬أن البيعة الخاصة قد حضرها حشد كبير من علماء ومشايخ الجزائر‪ ،‬فهي تعتبر كاملة‬
‫الشرعية؛ نظرا للصيغة التي تمت بها تيمنا ببيعة المصطفى ‪.‬‬
‫أما البيعة الشعبية (العامة)‪ ،‬فهي في األصل مناشدة لضرورة اإلسراع في لم شمل الجزائريين‪.‬وت ّمت على‬
‫غرار بيعة الرضوان في عهد المصطفى ‪ ،‬أو بيعة العقبة األولى‪ ،‬وبيعة النساء التي تعد النواة األولى‬
‫لقيام الدولة اإلسالمية‪ .29‬وقد رضي األهالي على كل ما احتوته‪ .30‬وقد وقّع عليها األعيان والعلماء‪ ،‬كما‬
‫أنها ت ّمت على غرار مبايعة الخلفاء الراشدين قبله‪.‬‬

‫د) – مؤسسات الشورى في دولة األمير‬

‫تش ّكل بأمر من األمير عبد القادر مجلس استشاري عام‪ ،‬ومجالس فرعية‪ ،‬تقوم بمناقشة القضايا والتشاور‬
‫فيها‪ ،‬ويأتي في مقدّمتها‪:‬‬

‫مجـلس الشـورى األعـلى األمـيـري‪:‬‬ ‫‪-1‬‬


‫باعتباره أعلى هيئة قضائية‪ ،‬ويجمع في وظيفته بين وظيفة المحكمة االستثنائية‪ ،‬والنقض بالنسبة‬
‫لألحكام‪ .31‬ويضم أحد عشر عضواً‪ ،‬من كبار العلماء والمشايخ‪ ،‬وفي هذا الصدد يقول صاحب كتاب‬
‫التحفة أن األمير‪ ":‬رتب مجلسا ً للشورى‪ ،‬يشمل على أحد عشر عضوا ً من أجلة العلماء‪ ،‬وجعل رئاسته‬
‫للعالمة وقاضي القضاة السيد أحمد الهاشمي المراحي‪.32".‬‬

‫ومن مهامه النظر في معظم قضايا الدولة ومصالحها‪ .‬نذكر منها على سبيل الذكر ال الحصر‪:‬‬

‫صياغة المناشير التي ترسل للقبائل‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫مراجعة أحكام القضاة في كل مقاطعات الدولة‪ ،‬ونقض كل ما يخالف الكتاب والسنة والعرف‬ ‫‪-‬‬
‫المعهود‪ ،‬من أحكام أو فتاوى مجالس أخرى‪.‬‬
‫فرض الضرائب‪ ،‬والمعونات اإلضافية‪ ،‬في حالة الضرورة الحربية‪.33‬‬ ‫‪-‬‬
‫النظر في القضايا الجنائية‪ ،‬كحكمه باإلعدام على قاضي أرزيو ‪ ،‬آنذاك بتهمة الخيانة العظمى‪ ،‬كما‬ ‫‪-‬‬
‫حاكم قضايا مماثلة أيضا‪.34‬‬
‫‪ -02‬دُور الشـورى الفـرعيـة‪:‬‬

‫تُعتبر مجالس‪ ،‬أو ديار شورى‪ ،‬وفي الغالب تجاور مقر القاضي في كل مقاطعة للمفاوضة في‬
‫الدعاوى‪ .35‬واليتم تعيين القضاة من طرف األمير مباشرة‪ ،‬بل ينتخبون تحت إشراف‬
‫الخلفاء‪.36‬بالتصويت وأحيانا بالتعيين ‪،‬على أساس األغلبية‪ .37‬ويترأس القاضي جلسات هذه المجالس‬
‫سِلم خاصة‪ ،‬وتخضع له مباشرة‬
‫في حالة غياب الخلفاء‪ .38‬وهي تتبع مجلس الشورى األعلى‪ ،‬في حالة ال ّ‬
‫فيما تصدره مثل‪:‬‬

‫المهمة االستشارية عموما‪39‬‬ ‫‪-‬‬


‫المداولة في الدعاوى الهامة بين األفراد‪ ،‬المتعلقة بمصالح الدولة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الفتاوى واآلراء الفقهية المستمدة من الكتاب والسنة‪ ،‬وما استقر عليه إجماع األئمة والفقهاء‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وكان كل ما يصدر عن دُور الشورى الفرعية يتم مراقبته من قِبل المجلس األعلى األميري‪.40‬‬

‫هـ) مبدأ الشورى في نظام الحكم بدولة األمير ‪:‬‬


‫كان األمير يؤمن بمبدأ الشورى أو التشاور‪ ،‬في اتخاذ جميع القرارات الهامة في حياة األمة‪ ،‬دون‬
‫استبداد أو تعسف آلراء غيره‪ ،‬بل كان يتقبلها بصدر رحب وطيبة نفس‪.‬ولنا أن نستشف ذلك من خالل‬
‫بعض مواقف األمير سواء في حالة السلم أو الحرب‪.‬فمثال بموجب أحكام معاهدة تافنة‪ ،41‬تنازل‬
‫للفرنسيين على مدينتي القليعة والبليدة‪ ،‬لكن خليفته في المنطقة ابن عالل رفض تسليمها للفرنسيين‪ ،‬فعاد‬
‫األمير ودعم موقف خليفته‪.42‬‬
‫ولنا أنموذج آخر في موقف األمير من معاهدة التافنة‪ ،‬حيث أن شعوره العالي بالمسؤلية دفعه لعقد اجتماعا ً‬
‫طارئا ً بمعسكر أبي خرشفة بنواحي مليانة دعا إليه جميع قواد دولته ‪ ..‬وجمعا من العلماء والفقهاء وأهل‬
‫الرأي في أوائل شهر جوان‪1839‬م‪.43‬ويُعد هذا االجتماع المؤتمر األول من نوعه‪ ،‬في دولة األمير من‬
‫حيث الحجم واألهمية‪ .44‬وذلك للتداول في الوضع‪ ،‬واتخاذ موقف موحد من موقف الفرنسيين من شروط‬
‫معاهدة التافنة أو مواصلة الجهاد‪.‬‬

‫وخرج هذا المؤتمر بضرورة مواصلة الجهاد ضد الفرنسيين‪ ،‬وتوحيد جميع القوى والدفاع عن الحريات‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وعلى ضرورة الحفاظ على األنفس وتدعيم الروح الشعبية‪.45‬‬

‫وبعد خرق العدو الفرنسي لمعاهدة تافنة ‪ ،‬وتغيير إستراتيجيته في القضاء على المقاومة الشعبية؛ كان من‬
‫لزاما على األمير عبد القادر اتخاذ خطة تكتيكية لمواجهة العدو‪ .‬ولهذا الغرض عقد األمير مجلس‬
‫الشورى‪ ،‬وعرض على أعضائه إنشاء مركز متنقل على شكل مدينة متكونة من الخيام‪،‬وهي ما أصبح‬
‫سهلة المضارب والتركيب‪ ،‬لتفعيل الحركة والتنقل‪.46‬‬ ‫يُعرف بـ‪ :‬الزمالة – مدينة األمير المتنقلة‪ -‬تكون َ‬
‫وقد وافق أعضاء مجلس األمير على هذا المقترح‪ ،‬الذي كان يهدف إلى غايات عديدة منها‪:‬‬

‫مباغتة العدو؛‬ ‫‪-‬‬


‫حماية المدن اآلهلة بالسكان ‪ ،‬وضمان أمن الجميع؛‬ ‫‪-‬‬
‫إفقاد القوات المعادية لقدرتها القتالية‪.47‬‬ ‫‪-‬‬
‫لقد كان أسلوب حرب العصابات الذي أخذ به األمير بالرغم مما جره من حرب مفتوحة ومدمرة‬
‫الوسيلة الوحيدة القادرة على مواجهة التفوق الساحق للقوات الفرنسية في العدة والعدد‪،48‬فقد كان عدد‬
‫الجيش الفرنسي يزيد على مائة ألف رجل‬

‫بينما لم تتجاوز قوات األمير ‪ 5.500‬جندي و ‪ 1.000‬فارس‪.49‬‬

‫إن إنشاء العاصمة المتنقلة " الزمالة" قد أتت أكلها‪ ،‬لوال الخيانة التي قضت على هذه المدينة التاريخية‪.‬‬

‫وفي قضايا الجهاد استفسر العلماء والمشايخ الفقهاء حول جواز معاقبة المتخلفين عن الجهاد‪ ،‬والهدف‬
‫من ذلك التحسيس بخطورة التخلف عن الجهاد ‪ ،‬وإشراك العلماء في قضايا مصيرية تهم األمة‪.‬ولتوسيع‬
‫الفضاء الحربي باسم الدين ليتمكن من العدو آجال أم عاجال‪.‬‬

‫وفي ما يخص قضايا الصلح مع العدو استفسر العلماء في ذلك‪ ،‬فأجابوه‪" :‬بأنه يجوز ذلك‪،..‬ألن‬
‫الجهاد فرض كفاية‪ ،‬وال يجوز إذا كان العدو طالبا‪ ،‬إالّ إذا دعت الضرورة إليه‪.50"..‬‬

‫كما استفسر األمير عن معرفة حكم الدين في اإلقامة ببالد احتلها الكافر‪ .‬وكان رد التسولي بأن "‬
‫الهجرة من أرض الفساد واجبة‪ ،‬وال فساد أعظم من ذلك‪.51".‬‬
‫ويبدو أن األمير استفتى العلماء في قضية الهجرة بعد االستئمان‪ ،‬وفي مقدمتهم شيخ الطريقة‬
‫الرحمانية‪ ،‬الشيخ محمد المهدي السكالوي‪ ،‬والذي هاجر إلى دمشق فعال‪.52‬وقد ذكر الباحث محمد بن‬
‫عبد الكريم حكم الهجرة من خالل ثالث رسائل جزائرية‪.53‬‬

‫مما ّ تقدم يتبيّن لنا‪ ،‬أن مبدأ الشورى في الجزائر عهد األمير عبد القادر كان مجسدا ً من خالل مجلس‬
‫الشورى األعلى؛ باإلضافة إلى دُور الشورى الفرعية‪ ،‬ولم يُهمل جهاز القضاء باعتباره أساس الملك كما‬
‫سبق الذكر‪.‬واعتبره أساس السلطة السياسية اإلسالمية‪ ،‬ولع ّل استمرار الدولة األميرية يكمن في العناية‬
‫بالجهاز القضائي‪ ،‬الذي يستمد أحكامه وقوانينه من القرآن الكريم والسنة المطهرة ‪ ،‬ومن اجتهادات العلماء‬
‫والمشايخ‪.‬‬

‫كما أولى عناية خاصة بمجلس الشورى األعلى‪ ،‬وأسند رئاسته إلى قاضي القضاة‪ .‬ولهذا يُعد األمير‬
‫سد بالفعل مبدأ الشورى في ُجل‬‫نموذجا للحاكم المثالي‪ .‬استجاب للنداء‪ ،‬وقام بواجبه نحو أمته ووطنه‪ ،..‬وج ّ‬
‫تعامالته ومواقفه‪ .‬ولهذا يعتبر األمير عبد القادر بن محي الدين مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة‪ ،‬وقد‬
‫عرف تاريخ الجزائر خالل تلك الفترة نقلة نوعية في ممارسة السلطة ‪ ،‬ولهذا استحق أن يُطلق عليه شيخ‬ ‫َ‬
‫المؤرخين الجزائريين أبو القاسم سعد هللا لقب " سيـد المجـاهـدين"‪.‬‬

‫لقد أدرك األمير عبد القادر منذ الوهلة األولى‪ ،‬أن األمر إذا ت ّم عن طريق المشاورة تقل فيه نسبة‬
‫الخطأ‪.‬وأن مبدأ الشورى هو في حقيقة األمر توزيع للمسؤولية ‪ ،‬فال تقع نتيجتها مهما كانت على كاهل‬
‫واحد بعينه‪.‬وأن المجتمع الذي تطبّق فيه الشورى على الطريقة الشرعية يشعر فيه األفراد بالمسؤولية تجاه‬
‫قضاياهم الدنيوية والدينية ‪.‬‬

‫آخرا ً وليس أخيرا ؛ نأمل أن نكون قد وفقنا في معالجة هذا الموضوع من بعض جوانبه ‪ ،‬ويبقى بحاجة‬
‫إلى تضافر الجهود‪ ،‬والى دراسات كبرى لتسليط الضوء على جوانب أُغفلت‪ .‬ونعتذر عن كل تقصير‪.‬‬

‫والسالم عليكم ورحمة هللا تعالى وبركاته‪.‬‬

‫المراجع‪:‬‬
‫‪-1‬ولد األمير عبد القادر في‪ 15‬من شهر رجب‪1222‬هـ الموافق لشهر سبتمبر‪1807‬م‪،‬بمقر أسرته بالقيطنة الواقعة على سفح جبل‬
‫استانبول على الجانب األيسر لوادي الحمام وعلى بعد حوالي عشرين كيلومترا ً عن مدينة معسكر‪.‬تلقى تعليمه األول في كتاب الزاوية‬
‫عن أبيه وبعض شيوخ الزاوية‪ ،‬حيث حفظ القرآن الكريم‪ ،‬وتلقى مبادئ العلوم الدينية واللغوية‪ .‬ينظر‪ :‬ناصر الدين سعيدوني‪:‬عصر‬
‫األمير عبد القادر الجزائري‪ ،‬مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين لإلبداع الشعري‪ ،‬الكويت‪2000،‬م‪،‬ص ‪155‬وما يليها‪.‬‬
‫‪-2‬أوصديق فوزي‪ :‬النظام الدستوري الجزائري‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪،‬ط ‪،5‬الجزائر‪ ،1995‬ص‪.11‬‬

‫‪3 Marcel. Emerit : D’Algérie Lépoque D'Abdelkader, Collection de documents inédits sur l'histoire‬‬
‫‪de l'Algérie 2e série Documents divers VII, Paris, larose, 1951, p129.‬‬

‫‪-4‬أديب‪ ،‬حرب‪ " :‬رجال وتاريخ‪ ،‬عبقرية األمير عبد القادر العسكرية"‪ ،‬في‪ :‬مجلة أول نوفمبر‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬عدد ‪1999 ،161‬م‬
‫‪،‬ص‪.87‬‬
‫‪-5‬مصطفى ‪.‬نويصر‪ :‬األمير عبد القادر في الذكرى المئوية ‪(: 1883‬لمحة تاريخية وبيبلوغرافية)‪ ،‬مديرية الدراسات التاريخية‬
‫وإحياء التراث‪ ،‬المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية‪،1984،‬ص‪.16‬‬
‫‪-6‬ينظر‪ :‬عبد الرحمان‪ .‬الجياللي‪ :‬تاريخ الجزائر العام‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪1880،‬م ‪،‬ص‪ 59‬ومايليها‪.‬‬
‫‪-7‬ابن التهامي‪ .‬مصطفى‪ :‬حياة األمير عبد القادر‪ ،‬مخطوط بالمكتبة الوطنية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬رقم‪ ،2592‬نشره محققا ً ونسبه لمصطفى‬
‫التهامي األستاذ الدكتور يحي بوعزيز‪ ،‬سيرة األمير عبد القادر‪.‬و األساتذة‪ :‬محمد الصغير بناني‪ ،‬محفوظ سماتي‪ ،‬محمد الصالح‬
‫الجون‪ ،‬تحت عنوان‪":‬مذكرات األمير عبد القادر"‪ .‬ط‪3،‬دار األمة ‪ ،‬الجزائر‪1999 ،‬م‪،‬‬
‫‪-8‬ابن عودة المزاري ‪ .‬اآلغا‪ :‬طلوع سعد السعود في أخبار وهران والجزائر واسبانيا وفرنسا‪ ،‬تحقيق ودراسة ‪ :‬يحي بوعزيز‪ ،‬دار‬
‫الغرب اإلسالمي ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪1990،‬م‪ ،‬ج‪،2‬ص‪.104‬‬
‫‪-9‬محمد بن األمير عبد القادر الجزائري‪ :‬تحفة الزائر في تاريخ الجزائر واألمير عبد القادر‪،‬شرح وتعليق ممدوح حقي ‪،‬ط‪ ،02‬جزآن‬
‫في مجلد واحد‪ ،‬دار اليقظة العربية‪،‬دمشق‪1964،‬م‪،‬ج‪،02‬ص‪.154‬‬
‫‪-10‬األميرة بديعة الحسني الجزائري‪ :‬ناصر الدين األمير عبد القـادر الجزائري حقــائق ووثائق‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الفكـر للطبـاعة‪،‬‬
‫دمشق‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪-11‬محمد‪ .‬بن عبد القادر الجزائري‪ :‬تحفة الزائر‪،‬ج‪،1‬ص‪ .36‬وقد ذهب البعض إلى القول بأن البيعة الثانية قد تمت يوم‬
‫‪12‬رمضان‪1248‬هـ‪03/‬فيفري‪1833‬م‪.‬ينظر‪ :‬الراشدي‪.‬أحمد بن عبد الرحمان الشقراني‪ :‬القول األوسط في أخبار بعض من حل‬
‫بالمغرب األوسط‪ ،‬تحقيق وتقديم ناصر الدين سعيدوني‪،‬ط‪،01‬دار الغرب اإلسالمي‪،‬بيروت‪1991،‬م‪،‬ص‪.35‬‬
‫‪-12‬محمد العربي الزبيري‪ :‬الكفاح المسلح في عهد األمير عبد القادر‪،‬المؤسسة الوطنية للطباعة‪ ،‬والشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الجزائر ‪1982‬م‪،‬ص‪.26‬‬
‫‪-13‬سورة األحزاب ‪ ،‬اآلية رقم‪. 72‬‬
‫‪-14‬محمد العربي الزبيري‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫‪-15‬ابن منظور‪ .‬أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم‪ :‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ،04‬ص ‪.437-436‬‬

‫‪-16‬الفيروز‪ .‬آبادي‪ :‬القاموس المحيط‪ ،‬ج‪ ،02‬ص‪.67‬‬

‫‪-17‬عبدهللا‪.‬شريط‪ " :‬مشكلة الحكم اإلسالمي في نظام دولة األمير عبد القادر ونظرية الشيخ ابن باديس" ‪،‬في‪ :‬مجلة الثقافة‪ ،‬عدد‪،75‬‬
‫الجزائر ماي – جوان ‪1983‬م‪،‬ص‪.237‬‬
‫‪-18‬سورة آل عمران ‪ ،‬اآلية رقم ‪. 159‬‬
‫‪-19‬سورةالشورى ‪ ،‬اآلية رقم‪. 38‬‬
‫‪-20‬عبد العزيز الثعالبي‪ :‬خالفة الصديق والفاروق ‪ -‬رضي هللا عنهما ‪ ،-‬تحقيق الدكتور صالح الخرفي ‪ ،‬دار ابن كثير دمشق ‪-‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1418‬هـ – ‪1998‬م ‪ ،‬ص‪. 62‬‬
‫‪-21‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب تخفيف الصالة والخطبة‪ ،‬برقم ‪.8436‬‬
‫‪-22‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب األحكام‪ ،‬باب كيف يبايع اإلمام الناس‪ ،‬برقم ‪6665‬‬
‫‪-23‬سورة اإلسراء ‪ ،‬اآلية رقم‪34 :‬‬
‫‪-24‬سورة المائدة ‪ ،‬اآلية رقم‪.01 :‬‬
‫‪-25‬سورة النساء‪ ،‬اآلية رقم‪.59 :‬‬
‫‪-26‬فوزي أوصديق‪ :‬النظام الدستوري الجزائري ‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪،‬الجزائر‪1995‬م‪،‬ص‪.28‬‬
‫‪-27‬محمد بوعياد‪ " :‬عبد القادر اإلنسان‪ ، "..‬في‪ :‬مجلة الثقافة‪،‬عدد‪،75‬الجزائر‪1983‬م‪،‬ص‪.229‬‬
‫‪-28‬فوزي أوصديق‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.59‬‬
‫‪-29‬فوزي أوصديق‪ :‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫‪-30‬إبراهيم مياسي‪" :‬بناء دولة األميرعبد القادر‪ ، "..‬في‪ :‬جريدة المساء ‪ ،‬الجزائر‪1998/09/18،‬م ‪،‬ص‪.07‬‬
‫‪-31‬أحمد مطاطلة‪" :‬نظام اإلدارة والقضاء في عهد األمير عبد القادر‪ ، "..‬في‪ :‬مجلة الذاكرة ‪ ،‬المتحف الوطني للمجاهد‪ ،‬العدد‪،04‬‬
‫الجزائر‪1996‬م ‪،‬ص‪.185‬‬
‫‪-32‬محمد بن عبد القادر الجزائري‪ :‬تحفة الزائر‪ ، ..‬المصدر السابق‪،‬ج‪،01‬ص‪.158‬‬
‫‪-33‬أحمد مطاطلة‪ :‬المقال السابق ‪ ،‬ص‪.172‬‬
‫‪-34‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.172‬‬
‫‪-35‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.183‬‬
‫‪-36‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪ .183‬ينظر‪:‬األميرة بديعة‪ :‬ناصر الدين‪،..‬مرجع سابق‪،‬ص‪.45‬‬
‫‪-37‬فوزي أوصديق‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.61‬‬
‫‪-38‬أحمد مطاطلة‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.183‬‬
‫‪-39‬المرجع نفسه ‪،‬ص ص‪.184-183‬‬
‫‪-40‬فوزي أوصديق‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.77‬‬
‫‪-41‬تمت في ‪30‬من ماي‪1837‬م وقد سمحت لألمير بالتفرغ لتنظيم دولته وبناء مؤسساتها وإخضاع المناوئين له والرافضين لسلطته‬
‫ينظر‪ :‬ناصر الدين‪.‬سعيدوني‪ :‬عصر األمير‪ ،..‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.159‬‬
‫‪-42‬عامر البغدادي‪ :‬دولة األمير عبد القادر الجزائري‪1848-1832‬م ‪ ،‬دراسة في نظام الحكم في اإلسالم‪ ،‬بحث تكميلي لنيل‬
‫الماجستير‪،‬كلية الشريعة والعلوم االجتماعية‪ ،‬قسم العلوم السياسية‪ ،‬جامعة أم درمان اإلسالمية‪ ،‬السودان‪1987‬م‪،‬ص‪.48‬‬
‫‪-43‬فوزي أوصديق‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.77‬‬
‫‪-44‬أبو القاسم سعدهللا‪ :‬الحركة الوطنية الجزائرية‪،‬ج‪ ،1‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪1992‬م ‪ ،‬ص‪.53‬‬
‫‪-45‬أبو القاسم سعدهللا‪ :‬المرجع السابق‪،‬ج‪ ،1‬ص‪.53‬‬
‫‪-46‬األميرة بديعة الحسني‪ .‬الجزائري‪ :‬ناصر الدين‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ .99‬لمعرفة المزيد من المعلومات حول زمالة األمير‬
‫يراجع‪ :‬موالي بلحميسي‪" :‬زمالة األمير عبد القادر وملحمتها"‪،‬في‪ :‬أخبار معسكر‪ ،‬عدد خاص‪ ،‬الذكرى‪ 118‬لوفاة األمير عبد‬
‫القادر‪23‬ماي‪23-1883‬ماي‪.2001‬شارل هنري تشرشل‪ :‬حياة األمير عبد القادر‪ ،‬ترجمة سعد هللا أبو القاسم‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪1974‬م‪ .‬ونذكر من األوروبيين الذين كتبوا عن زمالة األمير ‪:‬‬
‫‪-Bellemare(A),Abd el-Kader sa vie politique et militaire,Hachette,Paris1863.‬‬
‫‪-Paul Azan,L’Emir Abd el-Kader du fanatisme musulman au partriotisme français,Paris1925.‬‬
‫‪-47‬األميرة بديعة الحسني‪ .‬الجزائري‪ :‬ناصر الدين‪ ،...‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.99‬‬
‫‪-48‬ناصر الدين‪.‬سعيدوني‪ :‬عصر األمير‪ ،..‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.156‬‬
‫‪-49‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.156‬‬
‫‪-50‬ينظر‪ :‬عبد اللطيف أحمد الشيخ‪.‬محمد صالح‪:‬أجوبة التسولي عن مسائل األمير عبد القادر في الجهاد‪،‬ط‪،01‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪،‬بيروت‪1996،‬م‪ ،‬ص‪264‬‬
‫‪-51‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 264‬ومايليها‪.‬‬
‫‪-52‬سهيل ‪ .‬الخالدي‪ :‬اإلشعاع المغربي في المشرق‪ ،‬دور الجالية الجزائرية في بالد الشاد‪،‬ط‪،01‬دار األمة ‪ ،‬الجزائر‪1997‬م‪،‬ص‪. 22‬‬
‫‪-53‬محمد‪ .‬بن عبد الكريم‪ :‬حكم الهجرة من خالل ثالث رسائل جزائرية‪،‬ط‪،01‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ‪ ،‬الجزائر‪1981‬م‪،‬ص‬
‫ص ‪..65-33‬‬

You might also like