Professional Documents
Culture Documents
المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية - ثلاث شركات عمومية قد تغرق السفينة
المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية - ثلاث شركات عمومية قد تغرق السفينة
ّبث ت نشرة أخبار قناة "الوطنية األولى"األربعاء الماضي ،تقريرا بعنوان "إستعادة إستغالل حقل ميسكار :القنجي :إنجاز هام
والفريق التونسي جاهز للتسيير" ،ولم يخالف التقرير موجة اسبشار التونسيين بما أسماه البعض "تأميم حقل ميسكار" أو استعادة
الحقل من شركة شال البريطانية ،في المقابل تحدث خبراء في الطاقة عن تخوف من عجز الدولة ممثلة في المؤسسة التونسية
.لألنشطة البترولية من تسيير الحقل البحري الذي يزود الدولة بقرابة خمسة وعشرين في المائة من حاجيات البالد المحلية من الغاز
في الواقع ،لم تملك تونس خيارات كثيرة بعد أن أعلنت شركة شال البريطانية الهولندية األصل ،العام الماضي عن عدم نيتها تجديد
رخصة استغالل امتياز حقل ميسكار وأنها ستنهي نشاطها أيضا في حقل صدربعل الذي تنتهي رخصتها في استغالله في العام
،2037.والذي تتقاسمه مناصفة مع المؤسسة التونسية لألنشطة البترولية
الحقل المنبوذ
ُأسند امتياز ميسكار الواقع بخليج قابس بمقتضى قرار وزير االقتصاد الصادر في 22ماي ،1992لمدة ثالثين عاما وانتهى العقد
بتاريخ 8جوان 2022وترجع ملكية االمتياز لشركة شال بنسبة 100بالمائة ،وكانت شركة شال قد أعلمت بتونس في 4ماي
2021.عزمها عدم مواصلة استغالل امتياز ميسكار بعد انتهاء عقدها
في العام ، 1974اكتشفت شركة "إلف أكيتان" التي تحولت إلى اسم طوطال اآلن ،حقل ميسكار ،وأنشأت تونس للغرض شركة
"سيغما ميسكار" في العام 1976من أجل تطوير الحقل ،ويقول الباحث في الطاقة مصطفى الحداد في دراسة نشرها بعنوان
"حوكمة قطاع المحروقات" إن تونس تخلت عن المشروع بعد اكتشاف الحقل بسبب ما وُ صف بالتعقيدات الجيولوجية بسبب موقع
الحقل البحري الذي يتمركز على بعد ما يقارب 130كلم عن الساحل وعمق يصل إلى سبعين مترا إضافة إلى جودة الغاز فيه الذي
يحتوي على حامض إضافة إلى الغاز الخامل الذي تصل نسبته إلى 40بالمائة ،إضافة إلى تقلب أسعار المحروقات في ذلك الوقت،
وحسب الدراسة لم ترغب أي شركة بترولية تنشط في تونس أنذاك في المشاركة في االستكشاف ،وفي العام ،1989اشترت شركة
بريتش غاز ،التي تحولت فيما بعد إلى "شال" ،أصول شركة "هومت" التي تملك رخصة غرب قرقنة ورخصة أميلكار التي
.ينضوي تحتها امتياز ميسكار
يقول مصدر مطلع على حيثيات ملف تخلي الشركة البريطانية عن ميسكار والذي من المحتمل أن يتبعه إنهاء لنشاطها في حقل
صدربعل الواقع أيضا في خليج قابس ،إن الشركة أعربت منذ وقت طويل عن رغبتها في عدم مواصلة نشاطها في الحقل المذكور،
وحسب وثيقة تحصلت عليها "نواة" ،ترجع رغبة الشركة البريطانية الهوالندية في عدم تمديد عقدها في حقل ميسكار والتخلي عن
"صدربعل" قبل انتهاء مدة العقد بخمسة عشر عاما ،إلى استراتيجية الشركة التي ستحول نشاطها إلى الطاقات المتجددة ،ولكن السبب
اآلخر الذي لم يُعلن عنه مسؤولو الحكومة ،هو الوضعية المالية الصعبة للشركة التونسية للكهرباء والغاز ،وهي أحد حرفاء شال ،و
التي حسب مصدر اتصلت به نواة ،أجبرتها وضعيتها المالية الصعبة على التأخر في سداد مقابل شراء الغاز من شركة شال ،بمعدل
.يصل إلى سبعة أشهر من التأخير
وحسب بيانات الشركة التونسية للكهرباء والغاز ،اقتنت الشركة 580ألف طن مكافئ نفط من حقل ميسكار في العام ،2020
وكان الكاتب العام المساعد بالجامعة العامة للكهرباء والغاز باتحاد الشغل منجي خليفة قد قال في تصريح إعالمي لوكالة تونس
إفريقيا لألنباء يوم 17فيفري ، 2019إن ديون الشركة التونسية للكهرباء والغاز تجاه شركة شال إلى حدود سبتمبر ،2018قد
بلغت 286مليون دينارا ،وتحصلت الستاغ في العام 2019على قرض من المؤسسة الدولية اإلسالمية لتمويل التجارة التابعة
لمجموعة البنك اإلسالمي للتنمية في حدود 462مليون دينار لخالص فواتيرها تجاه عدة شركات مثل صوناتراك الجزائرية وشال
.والمؤسسة التونسية لألنشطة البترولية
الخيار المر
اطلع موقع "نواة" على وثيقة داخلية للمؤسسة التونسية لألنشطة البترولية تذكر أن تونس قد درست خيارين لتبعات تخلي شركة شال
عن حقل ميسكار ،وهما إما البحث عن شريك للحقل وهو خيار استبعدته ألنه سيتطلب وقتا طويال لذلك ،خاصة أن الحقل لم يعد
يجذب المستثميرين بسبب تضاؤل كميات الغاز فيه ،أما الخيار الثاني فهو إسناد مهمة تشغيل الحقل إلى شركة "آ بي أو" وهي
الشركة التي أسستها المؤسسة التونسية لألنشطة البترولية وبين شال اللتين تتقاسمان امتياز صدربعل ،الذي تشغله شركة "آ بي أو"،
والتجأت الدولة إلى الخيار الثاني ألن الشركة المذكورة لديها الخبرة في إدارة حقل ميسكار وبالتالي فهي سترجع إلى ملكية الدولة
.كامال وستشغل حقل ميسكار
وتذكر الوثيقة أن الدولة اعتمدت على دراسة الجدوى االقتصادية لحقل ميسكار في الوقت الذي يتخوف فيه بعض أعضاء مجلس
إدارة المؤسسة التونسية لألنشطة البترولية من صحة البيانات في تلك الدراسة .وتنص خطة الشركة البريطانية الهولندية على
مواصلة استغالل الحقل على اساس انه لن يكون هناك تطوير للحقل اضافي ،بل االعتماد على صيانة وتجديد بعض التجهيزات
.ومعدات المحطة وتغيير الوحدات المتقادمة
حددت الدراسة المصاريف التشغيلية التي تبلغ حسب تقدير شال قرابة 11.2مليون دوالر أي ما يفوق 33مليون دينارا سنويا
وهي مصاريف قارة ،وقُدرت المصاريف التطويرية بمعدل 3.6مليون دوالر اي ما ي يقارب 11.5مليون دينار سنويا اضافة الى
مصاريف تفوق أكثر من سبعين مليون دينار كل اربع سنوات ،وقدرت شال المصاريف االدارية في حدود مائة مليون دينار سنويا،
وتبلغ مصاريف هجر الموقع وإعادته إلى الوضع الذي كان عليه قبل اإلنتاج واالستكشاف قرابة 790مليون دينار وهي مصاريف
يمكن أن تتغير ألنها مستندة على تقديرات العام ،2021وطلب المؤسسة التونسية لألنشطة البترولية من الدولة توفير قرابة 280
.مليون دينار سنويا لضمان عملية استغالل حقلي ميسكار وصدر بعل
يمكن للمؤسسة التونسية لألنشطة البترولية أن تنجح في تسيير حقلي ميسكار وحنبعل عن طريق شركة "آ بي أو" التي تملك الخبرة
والتي ستقوم بدور األشغال ،غير أن نجاح مؤسسة األنشطة البترولية يبقى رهين شيئين مفصليين هما ضمان عدم انخفاض االنتاج
في حقل ميسكار بخمس وعشرين بالمائة ،وضمان حصول المؤسسة التونسية لألنشطة البترولية على مستحقاتها من الشركة
التونسية للكهرباء والغاز ،وقد تبدو مخاطر الفرضية األولى بعيدة ،لكن عدم التزام شركة الكهرباء والغاز بخالص ديونها غير
.مستبعد
لعنة الشركات الثالث
تعيش المؤسسة التونسية لألنشطة البترولية ،منذ ما يقارب العامين ،وضعا ماليا مع ّقدا ،إذ فاقت قيمة العجز المالي آخر العام ،2020
900مليون دينارا ،في حين ال تتجاوز قيمة السيولة لديها في آخر العام الماضي 20مليون دينارا .ففي العام ،2017سددت الدولة
كل ديون الشركة التي تمكنت من تحقيق توازنها المالي من جديد ،لكن بنهاية العام ،2018بدأت بدأ العجز المالي يتفاقم من جديد،
بسبب عدم خالص شركيتين عموميتين اللتزاماتهما تجاه الشركة التونسية لألنشطة البترولية ،لتدخل هذه الشركة من جديد في حالة
.شبيهة بما يعرف ب"الدائرة الغذائية" التي يجني فيها طرف على من يسبقه من يليه
بنهاية العام ، 2020وصلت قيمة مستحقات المؤسسة التونسية لألنشطة البترولية لدى الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة
التونسية لصناعات التكرير إلى ما يقارب ألفي مليون دينار بالنسبة للعامين 2018و ،2019حيث تدين المؤسسة للشركة المذكورة
بأكثر من 1200مليون دينار ،وهو مبلغ شراءات شركة التكرير من النفط الخام الذي تزودها به المؤسسة التونسية لألنشطة
البترولية .وتراكمت ديون الشركة التونسية للكهرباء الغاز لدى إيتاب لتصل إلى أكثر من 650مليون دينارا ،وهو قيمة شرءات
.ستاغ من الغاز التي توفره لها المؤسسة التونسية لألنشطة البترولية
جنت الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة التونسية لصناعات التكرير على المؤسسة التونسية لألنشطة البترولية ،حيث كان
بإمكان المؤسسة البترولية تسديد ديونها التي تفوق 600مليون دينارا ،وهو مبلغ على المؤسسة تسديده مقابل القروض البنكية
ومقابل التزاماتها في الحقول النفطية التي تتشاركها مع شركات بترولية أخرى .لكن في المقابل ،تعجز الشركتان العموميتان ،أي
الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة التونسية للتكرير عن تسديد ديونهما في حق المؤسسة التونسية لألنتشطة البترولية بسبب
.ديون متخلدة بذمة مؤسسات عمومية وخاصة لم تقم ،بدورهما ،بخالص الشركة التونسية للكهرباء والغاز
ففي العام ،2020وصلت قيمة الديون المتخلدة لدى حرفاء الشركة التونسية للكهرباء والغاز 2400مليون دينارا ،وتمثل قيمة ديون
اإلدارات العمومية والشركات الخاصة ،وهي باألساس الفنادق والمؤسسات السياحية 70 ،بالمائة من قيمة تلك الديون أي ما يعادل
1680مليون دينارا .وبدورها ،تفوق مستحقات الشركة التونسية للتكرير(ستير) لدى الشركة الوطنية لتوزيع البترول (عجيل) بما
.يعادل قيمة ديون ستير للمؤسسة التونسية لألنشطة البترولية
تعجز شركة عجيل عن تسديد ديونها لشركة ستير ،العاجزة بدورها عن تسديد مستحقات المؤسسة التونسية لألنشطة البترولية،
وذلك بسبب تراكم مستحقاتها لدى اإلدارات ولدى شركات النقل البري ،وهي باألساس الشركة التونسية للسكك الحديدية والشركة
الوطنية للنقل بين المدن وشركة نقل تونس ،ولدى شركات النقل الجوي وهما شركة الخطوط الجوية التونسية وشركة الخطوط
(Tunisair express).التونسية السريعة
ّ
لم تضع الحكومات المتعاقبة أية استراتيجيات عملية تفككك ذلك التسلسل الكارثي الذي يهدد شركات عمومية كبرى باإلفالس ،بل
اعتمدت على حلول وقتية مثل التدخل لتسديد ديون بعض تلك الشركات وهو ما حصل في شهر أوت من العام ،2011حيث تدخلت
الدولة لتسديد مبلغ مائتي مليون دينار ،قيمة متخلدات شركة عجيل لدى شركات النقل ،كما تدخلت الدولة في العام 2017من أجل
تسديد ديون المؤسسة التونسية لألنشطة البترولية ،لكن ديون تلك الشركات تراكمت من جديد وأصبح وضعها المالي أشبه بصخرة
.سيزيف
أدى العجز المالي الذي تعاني منه المؤسسة التونسية لألنشطة البترولية في العامين 2018و 2019و ،2020إلى عجزها عن
خالص التزاماتها المالية مع شركات بترولية تشاركها في حقول النفط ،وهي باألساس شركتي سيتاب(الشركة التونسية اإليطالية
للبترول) وسي أف تي بي(الشركة الفرنسية التونسية للبترول) ،وتسبب هذا العجز في تأخر القيام بأشغال في الحقول التي تشاركها
المؤسسة التونسية مع الشركتين المذكورتين ،اللتين تملك الدولة حصة في كل منهما .كما أثر هذا الوضع المالي الذي تعاني منه
.شركة إيتاب في نسق إنتاج النفط في الحقول التي تملك حصصا فيها
تواجه المؤسسة التونسية لألنشطة البترولية أخطارا قد تؤدي إلى حلّها ،فهي مهددة بحرمانها من حصصها في اإلنتاج في الحقول
النفطية التي تتشارك فيها مع شركات بترولية أخرى ،بسبب عجزها عن تسديد التزاماتها المالية في تلك الحقول ،ويمكن أن يؤدي
.عدم دفعها الضرائب إلى تجميد حساباتها البنكية
تعي كل الحكومات المتعاقبة بالوضع المالي الصعب الذي تعاني منه المؤسسة التونسية لألنشطة البترولية ،والتي تمثل الدولة في
مجال اإلنتاج الطاقي ،لكنها في المقابل ترمي في كل تسوية اجتماعية بالمؤسسة في أتون الصراع إلخماد التحركات والذي تجني
منه المؤسسة ثمارا مرة .وتدفع إيتاب سنويا مليون دينار لفائدة اتحاد تطاوين إضافة إلى األجور السنوية لعمال شركات البيئة
.والغراسة في قبلي وتطاوين والتي تبلغ قرابة 40مليون دينار سنويا
أصبحت المؤسسة التونسية لألنشطة البترولية عبئا على الدولة لسببين أساسين هما غياب خطط إنقاذ فعلية للمؤسسة وفشل
المؤسسات العمومية أو تغافلها عن استخالص حقوقها من الجهات العمومية أو الخاصة ،وسيؤدي ذلك عاجال إلى سقوط مدو
.لصخرة سيزيف سيدمي كل التونسيين