You are on page 1of 12

‫المبحث السادس‬

‫زواج المسيار‬

‫من املس ائل املس تجدة يف ه ذا العص ر " زواج املس يار " ال ذي انتش ر يف بعض بالد املس لمني‪،‬‬
‫وسأتناول هذه القضية يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬تعريف زواج املسيار لغة واصطالحاً‪.‬‬
‫‪ -2‬نشأة زواج املسيار‪.‬‬
‫‪ -3‬الفرق بينه وبني األنكحة األخرى‪.‬‬
‫‪ -4‬أسباب ظهور زواج املسيار‪.‬‬
‫‪ -5‬موقف الفقه من زواج املسيار (أقوال العلماء يف زواج املسيار)‪.‬‬

‫‪ –1‬تعريف زواج المسيار ‪:‬‬


‫(‪) 1‬‬
‫لغة‪ :‬السري يف لغة العرب‪ :‬املضي يف األرض ‪ ،‬تقول العرب‪ :‬سار الرجل يسري سرياً ومسرياً إذا‬
‫ذهب‪ ،‬وسار القوم يسريون سرياً ومسرياً إذا امتد هبم السري يف جهة توجهوا إليها(‪.)2‬‬
‫واملسيار‪ :‬صيغة مبالغة يوصف هبا الرجل الكثري السري(‪.)3‬‬
‫اصطالحاً‪ :‬ليس هلذا الزواج أصل يف الفقه‪ ،‬فهو مأخوذ من الواقع‪ ،‬والفقهاء القدامى مل يتطرقوا‬
‫إليه‪.‬‬
‫ومن أشهر من عرف هذا الزواج اصطالحاً الشيخ يوسف القرضاوي حيث قال يف تعريفه‬
‫اصطالحاً‪ " :‬أنه زواج شرعي يتميز عن الزواج العادي بتنازل الزوجة فيه عن بعض حقوقها على‬
‫الزوج‪ :‬مثل أال تطالبه بالنفقة‪ ،‬واملبيت الليلي إن كان متزوجاً‪.)4( "...‬‬
‫فيالحظ على هذا الزواج أنه نوع من أنواع تعدد الزوجات‪ ،‬وأنه زواج مستكمل جلميع‬
‫األركان والشروط‪ ،‬وفيه اتفاق بني الزوجني على أال يكون للزوجة حق املبيت أو القسم وإمنا األمر‬
‫راجع للزوج مىت رغب زيارة زوجته يف أي وقت فله ذلك‪ ،‬كما أن الزوجة ال تطالبه بالنفقة لغناها‬
‫واكتفائها‪.‬‬
‫العالقة بين التعريف اللغوي والتعريف االصطالحي ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫() المفردات في غريب القرآن‪ :‬األصفهاني‪ ،‬ص‪.247‬‬
‫‪2‬‬
‫() لسان العرب‪ :‬ابن منظور! مادة سير ‪.2/252‬‬
‫‪3‬‬
‫() مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪ :‬أسامة عمر سليمان األشقر‪ ،‬ص‪.161‬‬
‫‪4‬‬
‫() حلقة " الشريعة والحياة "‪3/5/1998 :‬م ( ‪) http://www.aljazeera.net‬‬
‫مسي هذا النوع من الزواج بزواج املسيار ألن املتزوج ال يلتزم باحلقوق الزوجية اليت يلزمه هبا‬
‫الشرع‪ :‬فكأنه زواج السائر املاشي الذي يتخفف يف سريه من األثقال واملتاع‪ ،‬ولعدم التزامه ‪tgjwb‬‬
‫باحلقوق اليت يقتضيها الزواج من النفقة واملبيت ال زواج املقيم الذي يشبه امللتزم‪uncommite‬‬
‫بكل مقتضيات الزواج(‪.)5‬‬

‫‪ -2‬نشأة زواج المسيار‪:‬‬


‫مل ميض وقت طويل على نشأة وظهور هذا النوع من الزواج هبذه الصورة فقد عرف هذا‬
‫الزواج هبذا االسم منذ عدة سنوات‪ ،‬وقد ظهر ألول مرة يف منطقة القصيم باململكة العربية السعودية‪،‬‬
‫مث انتشر هناك باملنطقة الوسطى ويبدو أن الذي ابتدع الفكرة وسيط ‪intermediary‬زواج يدعى‬
‫‪”hunting‬فهد الغنيم " وقد جلأ إليه لتزويج النسوة الاليت فاهتن قطار الزواج الطبيعي‪ ،‬أو املطلقات‬
‫الاليت أخفقن يف زواج سابق‪ ،‬ولكن يبدو أن هذا الزواج كان له صورة مشاهبة منذ عشرات السنني‪.‬‬
‫وقيل بأن زواج املسيار كلمة اخرتعتها جريدة " املسلمون " خبصوص زواج األطباء‪ :‬أهنم‬
‫يتزوجون بشرط أن تتنازل املرأة عن حقوقها فال يأتيها الزوج إال ليالً هذا وقد أنكر األطباء ذلك!!‬
‫يف العصر احلاضر صاحب هذا الزواج إشاعة الناس لـه وخلطوه ببعض األنكحة األخرى‬
‫كالنكاح السري والعريف واملتعة والزواج بنية الطالق وما شابه ذلك‪ ،‬بل وضعوا لـه عدة تعريفات من‬
‫عندهم وعلى حسب أهوائهم‪ ،‬وذلك إما جلهلهم به وإما ألخذ السمسرة عليه‪.‬‬
‫وعلى هذا يتضح أن هذا الزواج كان حديثاً يف االسم إال أنه قدمي بالفعل‪ ،‬فإن له صوراً قد‬
‫تكون مشاهبة يف الزمن املاضي‪.‬‬

‫‪ -3‬الفرق بين زواج المسيار وبعض األنكحة األخرى ‪:‬‬


‫الفرق بين زواج المسيار وبين النكاح الشرعي‪:‬‬
‫بناء على تعريفنا السابق لنكاح املسيار نتبني أن الفرق بينه وبني الزواج الشرعي هو وجود‬
‫شرط يقتضي بإسقاط حق النفقة والسكن للزوجة‪ ،‬كما أن طبيعته تقتضي بعدم وجود قوامة من‬
‫الزوج على املرأة‪ :‬فهي تتصرف يف حياهتا إقامة يف منزهلا وخروجاً منه وفق رأيها(‪.)6‬‬
‫الفرق بين زواج المسيار ونكاح السر‪:‬‬
‫نكاح السر نوعان‪ :‬نوع باطل بإمجاع األمة‪ ،‬وهو النكاح الذي ال شهود فيه وال إعالن‪،‬‬
‫والنوع الثاين هو الذي فيه إجياب وقبول ويشهد عليه شاهدان‪ ،‬وقد يكون فيه ويل‪ ،‬ولكن يتواصى‬
‫الزوجان والويل والشهود على كتمانه(سر) وعدم إعالنه ويثبت يف هذا النوع من الزواج حقي النفقة‬
‫واملبيت‪ ،‬وال يسقطا كما هو احلال يف زواج املسيار‪ ،‬وهذا الزواج خمتلف فيه‪ ،‬كما سبق بيانه‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص‪.162 – 161‬‬
‫‪6‬‬
‫() المرجع السابق‪ ،‬ص‪.165‬‬
‫فإن كان زواج املسيار من النوع األول فهو باطل جزماً‪ ،‬وإن كان من النوع الثاين فإنه يضاف‬
‫إىل العيوب اليت يتصف هبا‪ ،‬عيب آخر وهو السرية والكتمان‪ ،‬وهذا مما يزيد يف سلبياته(‪.)7‬‬
‫وسنبنّي حكم زواج املسيار الحقاً‪ ،‬خاصة إذا ما انضاف له عيب آخر وهو السرية والكتمان‪.‬‬

‫الفرق بين زواج المسيار ونكاح المتعة‪:‬‬


‫(‪) 8‬‬
‫نكاح املتعة هو‪ :‬أن يتزوج الرجل املرأة إىل مدة ‪ ،‬مسي بذلك ألنه يتزوجها ليتمتع هبا إىل‬
‫أمد(‪.)9‬‬
‫وهو منهي عنه‪ :‬ملا روى الربيع بن سربة أنه قال أشهد على أيب أنه حدث أن رسول اهلل ‪‬‬
‫هنى عنه يف حجة الوداع(‪.)10‬‬
‫أما زواج املسيار فليس كذلك‪ :‬فهو غري مؤقت إىل أمد‪ ,‬ومل يرد فيه نص بالتحليل أو التحليل‪.‬‬

‫‪ -4‬أسباب ظهور زواج المسيار ‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬أسباب تتعلق بالنساء ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬عنوسة املرأة أو طالقها أو ترملها‪ :‬حبيث وجد عدد كبري من النساء يف اجملتمعات اإلسالمية ‪-‬‬
‫وخاصة اخلليجية – بلغن سن الزواج ومل يتزوجن بعد‪ ،‬أو تزوجن وفارقن األزواج ملوت أو‬
‫طالق وحنو ذلك‪ ،‬ولقد أصبحت العنوسة ظاهرة اجتماعية مؤرقة ‪wacthful‬أفرزهتا احلياة‬
‫املعاصرة‪ ،‬والنفس البشرية‪ :‬يساورها القلق ‪ worry‬عندما متكث املرأة من دون زواج‪ ،‬مما‬
‫يدفع املرأة أو وليها إىل تقدمي تنازالت من أجل احلصول على زوج يعف املرأة ويكون هلا منه‬
‫الولد تستأنس به بإذن اهلل‪.‬‬
‫‪ -2‬رفض‪ pencelaan‬كثري من النساء لفكرة التعدد‪ :‬حيث إن كثرياً من النساء ال يقبلن بالتعدد‪،‬‬
‫مع تسليمهن بأن هذا هو شرع اهلل – عزوجل – إال أمر الغرية الطبيعية لدى املرأة جتعلها ال‬
‫تقبل به كواقع عملي‪ ،‬وهذا الرفض أدى إىل زيادة نسبة العنوسة‪ ،‬وكذلك أدى هذا الرفض إىل‬
‫جلوء الرجال إىل الزواج عن طريق املسيار بدافع احلرص على عدم علم الزوجة األوىل‪ ،‬وكذلك‬
‫اخلوف على كيان أسرته من االهتزاز‪.‬‬
‫‪ -3‬حاجة بعض النساء إىل املكث يف بيت أهلها لرعاية أبويها‪ ،‬فرمبا ال يوجد عائل هلما إال هي أو‬
‫يكون عندها بعض اإلعاقة ‪penahanan‬اليت متنعها من حتمل مسؤولية البيت‪ ،‬ويرغب‬
‫أولياؤها يف إعفافها واحلصول على الذرية وال يكلفون الزوج شيئاً‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() المرجع السابق‪ ،‬ص‪.166‬‬
‫‪8‬‬
‫()الفروع ‪.5/164‬‬
‫‪9‬‬
‫()كشاف القناع ‪.5/96‬‬
‫‪10‬‬
‫() أخرجه أبو داود في النكاح باب في نكاح المتعة (‪ ،2/226 )2072‬وابن ماجة في النكاح باب النهي عن نكاح المتعة (‪،1/631 )1962‬‬
‫واإلمام أحمد في مسنده ( ‪.3/404 )15374‬‬
‫ثانياً‪ :‬أسباب تتعلق بالرجال‪:‬‬
‫‪ -1‬رغبة بعض الرجال يف املتعة‪ :‬يرغب بعض الرجال يف التعدد من أجل املتعة اليت رمبا ال جيدها مع‬
‫زوجته األوىل وهذا حق مشروع ولكن خوفهم من علمها‪ ،‬وحرصاً على شعورها وعلى كيان‬
‫األسرة‪ ،‬أدى إىل ظهور هذا النوع من الزواج‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم رغبة الرجال يف حتمل املزيد من األعباء‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم استقرار الرجل بسبب العمل‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬أسباب تتعلق بالمجتمع‪:‬‬
‫‪ -1‬غالء املهور وارتفاع تكاليف الزواج‪.‬‬
‫‪ -2‬نظرة اجملتمع بشيء من االزدراء‪ menolak‬للرجل الذي يرغب يف التعدد‪.‬‬

‫‪ -5‬موقف الفقه اإلسالمي من زواج المسيار‪:‬‬

‫اختلف العلماء يف حكم هذا النوع من الزواج‪ ،‬وميكن حصر أقواهلم يف ثالثة أراء‪:‬‬

‫الرأي األول‪ :‬القول باإلباحة – أو اإلباحة مع الكراهة‪.‬‬

‫الرأي الثاين‪ :‬القول باملنع وعدم اإلباحة‪.‬‬

‫الرأي الثالث‪ :‬التوقف‪.‬‬

‫وفيما يلي أدلة هذه األقوال مع اإلشارة إىل قائليها‪:‬‬

‫الرأي األول‪ :‬القائلون باإلباحة – أو اإلباحة مع الكراهة ‪ -‬وهم‪ :‬الشيخ ابن باز ‪ -‬رمحه اهلل‬

‫‪ ،-‬الدكتور يوسف القرضاوي‪ ،‬الشيخ عبداهلل بن منيع – عضو هيئة كبار العلماء يف اململكة العربية‬

‫السعودية ‪ ،-‬الشيخ عبداهلل بن عبد الرمحن‪ ،‬الشيخ يوسف املطلق‪ ،‬الشيخ إبراهيم بن صاحل اخلضريي‪،‬‬

‫شيخ األزهر حممد سيد طنطاوي(‪.)11‬‬


‫‪11‬‬
‫() مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص‪.176 – 174‬‬
‫وفيما يلي السؤال الذي طرح للشيخ عبد العزيز بن باز وجوابه عليه‪:‬‬

‫ولقد استدل هذا الفريق على ما ذهبوا إليه من اإلباحة باألدلة التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬أنه زواج مستكمل جلميع األركان والشروط وما كان كذلك كان صحيحاً ومباحاً‪.‬‬

‫‪ -2‬ثبت يف السنة أن أم املؤمنني سودة – رضي اهلل عنها ‪ -‬وهبت يومها من رسول اهلل إىل‬

‫ضرهتا أم املؤمنني عائشة – رضي اهلل عنها ‪ ،-‬وحديث هبة سودة يومها لعائشة رواه البخاري‬

‫ومسلم عن عائشة‪ " :‬قالت‪ :‬ما رأيت امرأة أحب إيل أن أكون يف مسالخها(‪ )12‬من سودة بنت‬

‫زمعة‪ ،‬من امرأة فيها حدة‪ ،‬قالت‪ :‬فلما كربت جعلت يومها من رسول اهلل صلّى اهلل عليه وسلم‬

‫لعائشة‪ ،‬قالت‪ :‬يا رسول اهلل! قد جعلت يومي منك لعائشة‪ ،‬فكان رسول اهلل صلّى اهلل عليه وسلم‬

‫يقسم لعائشة يومني‪ :‬يومها‪ ،‬ويوم سودة " (‪.)13‬‬

‫ووجه االستدالل باحلديث أن سودة هببتها يومها لعائشة وقبول رسول اهلل صلّى اهلل عليه وسلم بذلك‬

‫ما يدل على أن من حق الزوجة أن تسقط حقها الذي جعله الشارع هلا‪ ،‬كاملبيت والنفقة‪.‬‬

‫‪ -3‬أن يف هذا النوع من النكاح مصاحل كثرية‪ ،‬فهو يشبع غريزة الفطرة عند املرأة‪ ،‬وقد كف من‬

‫تزوجن عن الفاحشة‪ ،‬وقد ترزق املرأة منه بالولد‪ ،‬وهو بدون شك يقلل من العوانس الاليت فاهتن‬

‫قطار الزواج‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫() مسالخ الحية جلدها‪ ،‬وكأنها تمنت! أن تكون في مثل هديها وطريقتها (النهاية في غريب الحديث‪ :‬البن األثير ‪.)5/283‬‬
‫‪13‬‬
‫() أخرجه البخاري في النكاح باب المرأة تهب يومها (‪ ،5/1999 )4914‬ومسلم في الرضاع باب جواز هبة نوبتها لضرتها (‪)1463‬‬
‫‪.2/1085‬‬
‫يقول األستاذ وهبة الزحيلي‪ " :‬إن إعفاف املرأة مطلب فطري واجتماعي وإنساين‪ ،‬فإذا أمكن‬

‫لرجل أن يسهم يف ذلك كان مقصده مشروعاً وعمله مأجوراً مربوراً " (‪.)14‬‬

‫‪ - 4‬وجود أنواع من الزواج مشاهبة هلذا النوع من الزواج‪ ،‬كزواج النهاريات وزواج الليليات‪،‬‬

‫احتج هبذا الشيخ القرضاوي‪.‬‬

‫يذكر الفقهاء قدمياً نوعاً من الزجيات مسوه بزواج النهاريات والليليات‪ ،‬وصورة هذا النوع من‬

‫الزواج أن يتزوج رجل من امرأة تعمل خارج منزهلا يف الليل‪ ،‬وترجع إىل زوجها يف النهار‪ ،‬أو تعمل‬

‫يف النهار وترجع إىل املنزل الذي فيه زوجها ليالً‪ ،‬وقد حبث الفقهاء يف حكم هذا النوع من الزواج‪،‬‬

‫كما حبثوا يف مدى استحقاق الزوجات النفقة يف هذا النوع من الزواج على القول بصحته(‪.)15‬‬

‫ويرى املالكية وجوب فسخ نكاح الليليات والنهاريات قبل الدخول ال بعده‪ ،‬ويف ذلك يقول‬

‫الفقيه الدردير املالكي‪" :‬يفسخ النكاح قبل الدخول ال بعده إن تزوجها على شرط أن ال تأتيه الزوجة‬

‫أو ال يأتيها إال هناراً أو ليالً‪ ،‬ألنه مما يناقض مقتضى النكاح‪ ،‬ملا فيه من اخللل يف الصداق‪ ،‬ولذا كان‬

‫يثبت بعد الدخول بصداق املثل‪ ،‬ألن الصداق يزيد وينقص بالنسبة هلذا الشرط " (‪.)16‬‬

‫‪14‬‬
‫() مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص‪.179 – 178‬‬
‫‪15‬‬
‫() المرجع السابق‪ ،‬ص‪.171‬‬
‫‪16‬‬
‫() الشرح الصغير‪ :‬للدردير ‪.2/384‬‬
‫ويرى بعض أهل العلم القول بإباحته وإن اختلفوا يف لزوم النفقة فيه‪ ،‬يقول عالء الدين‬

‫احلصكفي احلنفي‪ " :‬قال يف اجملتىب‪ :‬وبه عرف جواب واقعة يف زماننا أنَّه لو تزوج من احملرتفات اليت‬

‫تكون يف النهار يف مصاحلها وبالليل عنده فال نفقة هلا قال يف النهر‪ :‬وفيه نظر " (‪.)17‬‬

‫ويف سنن سعيد بن منصور قال‪ :‬حدثنا سعيد قال هشيم قال‪ :‬أن يونس عن احلسن أنه كان ال‬

‫يرى بتزويج النهاريات بأساً‪ ،‬وكان ابن سريين يكره ذلك(‪.)18‬‬

‫الرأي الثاني‪ :‬القائلون باملنع وعدم اإلباحة‪ :‬ومنهم الشيخ حممد بن ناصر الدين األلباين‪ -‬رمحه‬

‫اهلل ‪ ،-‬واألستاذ الدكتور علي القرة داغي‪ ،‬واألستاذ الدكتور إبراهيم فاضل الدبو‪ ،‬والدكتور جرب‬

‫الفضيالت‪ ،‬واألستاذ الدكتور عمر سليمان األشقر‪ ،‬واألستاذ الدكتور حممد الزحيلي واألستاذ‬

‫الدكتور عبداهلل اجلبوري‪ ،‬والشيخ عبد العزيز املسند(‪.)19‬‬

‫(‪)20‬‬
‫استدل القائلون بالتحريم باألدلة التالية ‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫() حاشية ابن عابدين ‪.3/577‬‬
‫‪18‬‬
‫() سنن سعيد بن منصور ‪ ،1/216‬مصنف ابن أبي شيبه ‪.3/508‬‬
‫‪19‬‬
‫() مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص‪.179‬‬
‫‪20‬‬
‫() المرجع السابق‪ ،‬ص‪.181‬‬
‫‪ -1‬إن هذا الزواج يتناىف ومقاصد الزواج فليس املقصود من الزواج يف اإلسالم قضاء الوطر اجلنسي‪،‬‬

‫بل الغرض أمسى من ذلك‪ ،‬فقد اعترب الرسول سنة اإلسالم فقال‪ " :‬وإن من سنتنا النكاح " (‪ ،)21‬وقد‬

‫شرع ملعان ومقاصد‬

‫اجتماعية ونفسية ودينية‪ ،‬وزواج املسيار ال حيقق شيئاً من مقاصد الزواج الشرعية‪ ،‬من املودة والرمحة‪،‬‬

‫والسكن ‪ ،‬وحفظ النوع اإلنساين‪ ،‬وتعهده على أكمل وجه‪ ،‬ورعاية احلقوق والواجبات اليت‬

‫يولدها عقد الزواج الصحيح‪ "،‬والعربة يف العقود للمقاصد واملعاين‪ ،‬ال لأللفاظ واملباين " (‪.)22‬‬

‫‪ -2‬خمالفة طريقة هذا الزواج لنظام الزواج الذي جاءت به الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فعندما ندقق النظر فيه‬

‫ال جنده موافقاً للنظام الشرعي يف الزواج‪ ،‬ومل يكن املسلمون يعرفون مثل هذا النوع يف زواجهم‪.‬‬

‫‪ -3‬يقرتن به بعض الشروط اليت ختالف مقتضى العقد‪ ،‬وتنايف مقاصد الشريعة يف الزواج من السكن‬

‫واملودة‪ ،‬ورعاية الزوجة أوالً‪ ،‬واألسرة ثانياً‪ ،‬واإلجناب‪ ،‬وتربية األوالد‪ ،‬ووجوب العدل بني‬

‫الزوجات‪ ،‬كما يتضمن عقد الزواج تنازل املرأة عن حق الوطء واإلنفاق‪ ...‬وغري ذلك‪.‬‬

‫وإن الزوجة اليت تنازلت عن حقها اليوم‪ ،‬يف املبيت واملعاشرة‪ ،‬كثرياً ما تغري رأيها‪ ،‬وخاصة‬

‫بعد أن تدرك أسرار احلياة الزوجية‪ ،‬وتتعرف من الشرع والواقع والناس على احلقوق اليت تتمتع هبا‬

‫الزوجة عادة‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫() أخرجه عبد الرزاق (‪ ،6/171 )10387‬والطبراني في الكبير (‪ ،18/85 )158‬وأبو يعلى ‪ ،‬قال الهيثمي فيه أبو معاوية بن يحيى الصدفي‬
‫وهو ضعيف (مجمع الزوائد ‪.)4/251‬‬
‫‪22‬‬
‫(‪ )3‬قواعد الفقه‪ :‬للبركتي ‪ ،1/91‬مجلة األحكام العدلية ‪ ،1/16‬المبسوط ‪ ،22/23‬البحر الرائق ‪ ،3/94‬بدائع الصنائع ‪ ،4/134‬مغني! المحتاج‬
‫‪ ،2/68‬أعالم الموقعين ‪.3/119‬‬
‫‪ -4‬هذا النوع من الزواج سيكون مدخالً للفساد واإلفساد‪ ،‬فإنه يتساهل فيه تقدير املهر‪ ،‬وال يتحمل‬

‫الزوج مسؤولية األسرة ‪ ،‬وإذا سهل عليه أن يتزوج سهل عليه أن يطلق‪ ،‬وقد يعقد سراً‪ ،‬وقد يكون‬

‫بغري ويل‪ ،‬وكل هذا جيعل الزواج لعبة يف أيدي أصحاب األهواء‪.‬‬

‫‪ -5‬يف هذا الزواج استغالل من الرجل للمرأة‪ ،‬فهو يليب رغباته اجلنسية ال هدف له إال ذلك‪ ،‬من غري‬

‫أن يتكلف شيئاً يف هذا الزواج‪.‬‬

‫‪ -6‬قد يقدر للزوج أوالد من هذه املرأة‪ ،‬وبسبب البعد عنها وقلة جميئه إليها سينعكس ذلك سلباً على‬

‫أوالده يف تربيتهم وخلقهم‪.‬‬

‫‪ -7‬اشرتاط إسقاط النفقة واملبيت على الزوجة يبطل العقد‪ ،‬ذهب هذا املذهب الدكتور علي القرة‬

‫داغي‪ ،‬والقول ببطالن النكاح باشرتاط إسقاط املبيت أحد وجهني عند الشافعية‪ ،‬كما يقول‬

‫الدكتور القرة داغي نقالً عن املاوردي يف كتابه احلاوي(‪.)23‬‬

‫القول الثالث‪ :‬املتوقفون يف املسألة ‪:‬‬

‫توقف بعض أهل العلم يف احلكم على هذا النوع من الزواج‪ ،‬وتوقفهم هذا يدل على أن حكمه‬

‫مل يظهر هلم‪ ،‬فهم حيتاجون إىل التأمل الدقيق‪.‬‬

‫من هؤالء فضيلة الشيخ حممد صاحل بن عثيمني(‪ – )24‬رمحه اهلل ‪ ,-‬والدكتور عمر بن سعود‬

‫العيد األستاذ بكلية أصول الدين يف جامعة اإلمام حممد بن سعود‪ ،‬فإنه ذكر شيئاً من مساوئه‪ ،‬وأورد‬

‫‪23‬‬
‫() مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص‪.183 – 182‬‬
‫‪24‬‬
‫() نقله عنه إحسان بن محمد بن عايش في كتابه‪ :‬أحكام التعدد في ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫بعض أدلة اجمليزين باختصار‪ ،‬كما ذكر أن عدداً من كبار العلماء توقف يف جوازه‪ ،‬ودعا يف اخلتام إىل‬
‫دراسة هذا الزواج دراسة تفصيلية دقيقة‪ ،‬ألن حماذيره كثرية‪ ،‬وقد يكون ظاهرة مرضية‪ ،‬ومل ِ‬
‫يعط‬

‫حكماً بيِّناً فيه مما يدل على توقفه يف احلكم عليه(‪.)25‬‬

‫ويذكر إحسان عايش أن سبب توقف بعض أهل العلم باجلواز " أن بعض الناس جتاوزا فيه‬

‫احلد‪ ،‬واستغل من قبل بعض ضعاف النفوس‪ ،‬وتبنته مكاتب حددت أسعاراً هلذا الزواج (يعين‬

‫عمولة)‪.‬هذا ولقد وقفت على مواقع يف اإلنرتنت عبارة عن مكاتب تزوج بطريق " زواج املسيار "‬

‫(‪.)26‬‬

‫السؤال‪ :‬قرأت يف إحدى اجلرائد حتقيقاً عما يسمى زواج املسيار وهذا الزواج هو أن يتزوج‬

‫اإلنسان ثانية أو ثالثة أو رابعة‪ ،‬وهذه الزوجة يكون عندها ظروف جتربها على البقاء عند والديها أو‬

‫أحدمها يف بيتهما فيذهب إليها زوجها يف أوقات خمتلفة ختضع لظروف كل منهما‪ :‬فما حكم الشريعة‬

‫الغراء يف مثل هذا الزواج أفتونا مأجورين؟‬

‫الجواب‪ :‬ال حرج يف ذلك إذا استوىف العقد الشروط املعتربة شرعاً وهي وجود الويل‪ ،‬ورضا‬

‫الزوجني‪ ،‬وحضور شاهدين عدلني على إجراء العقد وسالمة الزوجية من املوانع لعموم قول النيب‪" :‬‬

‫إن أحق الشروط أن يوىف به ما استحللتم به الفروج " (‪ ،)27‬وقال رسول اهلل صلّى اهلل عليه و سلم ‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫() مجلة األسرة‪ ،‬العدد (‪ ،)46‬ص‪.15‬‬
‫‪26‬‬
‫() ‪http://www.misiar.com‬‬
‫‪27‬‬
‫() أخرجه البخاري في كتاب الشروط باب الشروط في المهر (‪ ،2/970 )2572‬ومسلم في النكاح باب الوفاء بالشروط في النكاح (‪)1418‬‬
‫‪.2/1035‬‬
‫" املسلمون على شروطهم " (‪ :)28‬فإذا اتفق الزوجان على أن املرأة تبقى عند أهلها أو على أن القسم‬

‫يكون هلا هناراً أو ليالً أو يف أيام معينة أو ليايل معينة‪ ،‬فال بأس بذلك بشرط إعالن النكاح وعدم‬

‫إخفائه‪ ،‬واهلل ويل التوفيق‪.‬‬

‫المناقشة والترجيح ‪:‬‬


‫‪ -1‬أقوى ما احتج به الفريق اجمليز لزواج املسيار أنه عقد شرعي استكمل شروطه وأركانه‪،‬‬
‫وإن الذي جيري يف هذا الزواج ليس اشرتاط الزوج على زوجته إسقاط النفقة واملبيت وإمنا من باب‬
‫إسقاط املرأة حقوقها اليت جتب هلا بالعقد‪.‬‬
‫اجلواب أن بعض نكاح املسيار تتنازل املرأة عن حقها من غري شرط وبعضاً منه يشرتط الزوج‬
‫هذا الشرط وقد يصر على تدوين هذا الشرط إن مسح له القاضي‪.‬‬
‫يقول ابن قدامة‪ :‬القسم الثاين‪ :‬ما يبطل الشرط ويصح العقد مثل أن يشرتط أن ال مهر هلا أو أن‬
‫ال ينفق عليها‪ ...‬أو ال يكون عندها يف اجلمعة إال ليلة أو شرط هلا النهار دون الليل أو شرط على‬
‫املرأة أن تنفق عليه أو تعطيه شيئاً فهذه الشروط كلها باطلة يف نفسها ألهنا تنايف مقتضى العقد وألهنا‬
‫تتضمن إسقاط حقوق جتب بالعقد قبل انعقاده فلم يصح كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع(‪.)29‬‬
‫فحىت على افرتاض أن املرأة هي اليت تنازلت فيه عن حقها فهذا ال جيعل تنازهلا مشروعاً كما‬
‫قال ابن قدامة‪.‬‬
‫‪ -2‬استدالهلم حبديث هبة سودة يومها لعائشة‪ ،‬وال ُح َّجة هلم فيه‪ ،‬ألن حق املبيت ملكته‬
‫سودة‪ ،‬وكان الرسول ‪ ‬يقسم هلا حقها‪ ،‬ومل يشرتط عليها إسقاطه قبل الزواج وال مع العقد‪ ،‬فلما‬
‫كانت مالكة له جاز هلا هبته‪ ،‬مثله مثل املهر‪ ،‬فإذا ملكته املرأة جاز هلا أن هتبه للزوج أو جزء منه‪،‬‬
‫قال تعاىل‪  :‬فإن طنب لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً ‪[ ‬النساء‪.]4 :‬‬
‫‪ -3‬دعواهم أن هذا النوع من الزواج حيقق مصاحل كثرية‪ ،‬وأكثر ما يتحدثون عنه من املصاحل‬
‫هو تقليل نسبة النساء العوانس‪ ،‬وإشباع الرغبة اجلنسية عند املتزوجات منهن‪ ،‬وهذا االستدالل فيه‬
‫نظر‪ ،‬فكم نسبة العوانس الغنيات اللوايت يستطعن أن ينفقن على أنفسهن من غري حاجة نفقة الزوج‪،‬‬
‫إن هذه النسبة قليلة‪ ،‬وإذا عاجلنا مشكلة العدد القليل من العوانس عالجاً جزئياً مبتوراً‪ ،‬فمن للعدد‬
‫األكرب من العوانس الاليت ال جيدن املال!!‬

‫‪28‬‬
‫() أخرجه الحاكم في مستدركه (‪ ،2/57 )2309‬والطبراني في الكبير (‪ ،4/275 )4404‬قال الهيثمي‪ :‬فيه حكيم بن جبير وهو متروك‪ ،‬وقال‬
‫أبو زرعه محله الصدق (مجمع الزوائد ‪.)4/205‬‬
‫‪29‬‬
‫() المغني ‪.7/72‬‬
‫وإذا كان يف هذا النوع من الزواج هذه املصاحل‪ ،‬فما بال املفاسد الكثرية اليت ترتتب على هذا‬
‫شر لفريق من أصحاب النفوس الضعيفة من الرجال والنساء الذين‬ ‫النوع من الزواج‪ ،‬ومنها فتح باب ّ‬
‫يريدون اللعب بالزواج كيف تشاء أهواؤهم بعيداً عن الرقابة الشرعية‪.‬‬
‫‪ - 4‬االستدالل بزواج النهاريات والليليات‪ ،‬وقد استدل هبذا القائلون باجلواز والقائلون باملنع‪،‬‬
‫وكال االستداللني غري صحيح‪ ،‬ألن العلماء اختلفوا يف صحته اختالف الفقهاء املعاصرين يف زواج‬
‫املسيار(‪.)30‬‬
‫‪ -‬أما األدلة اليت استدل هبا املانعون لزواج املسيار فهي أدلة صحيحة واقعية‪ :‬وقفت على‬
‫املشاكل واملفاسد اليت تنتج عن هذا الزواج‪ ،‬فحىت وإن تراءى لنا بأن الزواج مكتمل األركان‬
‫والشروط إال أنه يف جممله ال جيري على النحو الذي قام عليه الزواج يف اإلسالم من السكن واملودة‬
‫والتعاون على القيام بأعبائه ومسؤولياته‪.‬‬
‫‪ -‬وأرى أن ما أبداه املانعون من أسباب وخماوف يف حترمي ومنع هذا الزواج وجيهة وتدعو‬
‫للتوقف والتأمل‪ :‬لذا أدعو إىل مزيد حبث واستقراء ودراسة هلذه القضية املستجدة من مجيع جوانبها‬
‫ولعل هذا السبب الذي أخر اجملامع الفقهية يف عدم إصدارها لفتوى يف هذا الشأن‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫() مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص‪.195 – 192‬‬

You might also like